أعالم الهداية

)عليه السالم(اإلمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

)عليهم السالم(المجمع العالمي ألهل البيت

هذا الكتاب

نشر إليكترونيا وأخرج فنيا برعاية وإشراف

للتراث والفكر اإلسالمي) عليهما السالم(شبكة اإلمامين الحسنين

صحيحا وترقيماوتولى العمل عليه ضبطا وت

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

۱الصفحة

أعالم الهداية

)علیھ السالم(اإلمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

)عليهم السالم(المجمع العالمي ألهل البيت قم المقدسة

۲الصفحة

.)يه السالمعل(اإلمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ) ۱ج(أعالم الهداية :اسم الكتاب .لجنة التأليف :المؤلف

.كالم وتاريخ: الموضوع

.)عليهم السالم(مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي ألهل البيت: الناشر

. هـ ق۱۴۲۲: الطبعة األولى

. هـ ق۱۴۲۵: الطبعة الثانية

. هـ ق۱۴۲۷: الطبعة الثالثة

.ليلى: المطبعة

.۵۰۰۰: الكمية

isbn: 964- 5688-18-3 )عليهم السالم(حقوق الطبع والترجمة محفوظة للمجمع العالمي ألهل البيت

www.ahl-ul-bayt-org

۳الصفحة

أهل البيت في القرآن الكريم

)إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(

۳۳ / ۳۳: األحزاب

۴الصفحة

ل البيت في السنة النبويةأه

(إني تارك فيكم الثقلين كتاب اهللا وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبد))الصحاح والمسانيد(

۵الصفحة

فهرس إجمالي

:الباب األول

۱۷... في سطور ) عليه السالم(اإلمام علي بن أبي طالب :الفصل األول

۲۳) ... عليه السالم( عن شخصية اإلمام علي انطباعات :الفصل الثاني

۲۹) ... عليه السالم(مظاهر من شخصية اإلمام علي :الفصل الثالث

:الباب الثاني

۴۳) ... عليه السالم(نشأة اإلمام علي بن أبي طالب :الفصل األول

۴۷) ... عليه السالم(مراحل حياة اإلمام علي :الفصل الثاني

۴۹) ... صلى اهللا عليه وآله(الدة إلى وفاة الرسول من الو :الفصل الثالث

:الباب الثالث

١١٣... ) عليه السالم(عصر اإلمام علي بن أبي طالب : الفصل األول

١٣٣... في عهد أبي بكر ) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الثاني

١٥١... في عهد عمر ) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الثالث

١٦٣... في عهد عثمان ) عليه السالم(اإلمام علي : فصل الرابع ال

:الباب الرابع

١٧٣... بعد مقتل عثمان ) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل األول

١٨٩... مع الناكثين ) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الثاني

٢٠٣ ...مع القاسطين ) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الثالث

٢١٣... مع المارقين ) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الرابع

٢٢١شهيد المحراب ـ ) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الخامس

٢٢٥ـ ) عليه السالم(تراث اإلمام علي بن أبي طالب : الفصل السادس

۶الصفحة

۷الصفحة

المقدمة

هدى، ثم الصالة والسالم على من اختارهم هداة لعباده، ال سيما الحمد هللا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم وعلى آله الميامين ) صلى اهللا عليه وآله)خاتم األنبياء وسيد الرسل واألصفياء أبو القاسم المصطفى محمد

.النجباء

عن الباطل، لقد خلق اهللا اإلنسان وزوده بعنصري العقل واإلرادة، فبالعقل يبصر ويكتشف الحق ويميزه .وباإلرادة يختار ما يراه صالحا له ومحققا ألغراضه وأهدافه

فإنه هو ؛ وقد جعل اهللا العقل المميز حجة له على خلقه، وأعانه بما أفاض على العقول من معين هدايته ه من أجلها، وجاء الذي علم اإلنسان ما لم يعلم، وأرشده إلى طريق كماله الالئق به، وعرفه الغاية التي خلق

.به إلى هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها

وأوضح القرآن الحكيم بنصوصه الصريحة معالم الهداية الربانية وآفاقها ومستلزماتها وطرقها، كما بين لنا .عللها وأسبابها من جهة، وأسفر عن ثمارها ونتائجها من جهة أخرى

:قال تعالى

.(71 :(6)األنعام )(هو الهدىقل إن هدى الله )

.(۲۱۳): ۲(البقرة )(والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)

۸الصفحة

.(۴): ۳۳(األحزاب )(والله يقول الحق وهو يهدي السبيل)

.(۱۰۱): ۳(آل عمران )(مومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقي)

قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف )ونكم35 :(۱۰(يونس )(تح).

): ۳۴(سبأ )(يك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميدويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إل)۶).

.(50:(28)القصص )(ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من اهللا)

وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد اإلنسان إلى الصراط . فاهللا تعالى هو مصدر الهداية .وإلى الحق القويمالمستقيم

.وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم

ولقد أودع اهللا في فطرة اإلنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثم من عليه بإرشاده إلى الكمال الالئق به، الجن واإلنس إال وما خلقت) :وأسبغ عليه نعمة التعرف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى

وحيث ال تتحقق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة والعبادة .(56 :(51)الذاريات )(ليعبدون .طريقا منحصرا وهدفا وغاية موصلة إلى قمة الكمال

لم يؤمن عليه من ؛ وبعد أن زود اهللا اإلنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقق له وقود الحركة نحو الكمالوالهوى الناشئ منهما، والمالزم لهما فمن هنا احتاج اإلنسان ـ باإلضافة إلى ؛ سيطرة الغضب والشهوة

كي تتم عليه الحجة، وتكمل نعمة ؛ عقله وسائر أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له سالمة البصيرة والرؤيةر طريق الخير والسعادة، أو طريق الشر والشقاء بملء الهداية، وتتوفر لديه كل األسباب التي تجعله يختا

.إرادته

ومن هنا اقتضت سنة الهداية الربانية أن يسند عقل اإلنسان عن طريق

۹الصفحة

الوحي اإللهي، ومن خالل الهداة الذين اختارهم اهللا لتولي مسؤولية هداية العباد وذلك عن طريق توفير .اإلرشادات الالزمة لكل مرافق الحياةتفاصيل المعرفة وإعطاء

وقد حمل األنبياء وأوصياؤهم مشعل الهداية الربانية منذ فجر التاريخ وعلى مدى العصور والقرون، ولم يترك اهللا عباده مهملين دون حجة هادية وعلم مرشد ونور مضيء، كما أفصحت نصوص الوحي ـ مؤيدة

من حجة هللا على خلقه، لئال يكون للناس على اهللا حجة، فالحجة قبل لدالئل العقل ـ بأن األرض ال تخلو الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، ولو لم يبق في األرض إال اثنان لكان أحدهما الحجة، وصرح القرآن ـ

.(7 :(13)الرعد )(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) :بشكل ال يقبل الريب ـ قائال

:تولى أنبياء اهللا ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديون مهمة الهداية بجميع مراتبها، والتي تتلخص فيوي

وهذه المرحلة تتطلب االستعداد التام . ـ تلقي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة اإللهية بصورة دقيقة 1 :ن شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائاللتلقي الرسالة، ومن هنا يكون االصطفاء اإللهي لرسله شأنا م

(التهل رسعجث ييح لمأع الله)( األنعام)و (124 :(۶(شاءي نله مسر تبي منجي الله)( آل عمران)۳ :(۱۷۹).

فاءة التامة التي تتمثل في ـ إبالغ الرسالة اإللهية إلى البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقف اإلبالغ على الك 2عن الخطأ واالنحراف ) العصمة(بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلباتها، و ) االستيعاب واإلحاطة الالزمة(

كتاب بالحق كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم ال) :معا، قال تعالى .(۲۱۳): ۲(البقرة )(ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه

ـ تكوين امة مؤمنة بالرسالة اإللهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من 3

۱۰الصفحة

مهمة مستخدمة أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرحت آيات الذكر الحكيم بهذه الوالتزكية هي (2 :(۶۲(الجمعة)(يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) :عنواني التزكية والتعليم، قال تعالىوتتطلب التربية القدوة الصالحة التي تتمتع بكل عناصر الكمال، كما . التربية باتجاه الكمال الالئق باإلنسان

.(21 :(۳۳(األحزاب)( كان لكم في رسول الله أسوة حسنةلقد) :قال تعالى

ـ صيانة الرسالة من الزيغ والتحريف والضياع في الفترة المقررة لها، وهذه المهمة أيضا تتطلب الكفاءة 4 .بالعصمةالعلمية والنفسية، والتي تسمى

يت القيم األخالقية في نفوس األفراد وأركان المجتمعات ـ العمل لتحقيق أهداف الرسالة المعنوية وتثب 5البشرية وذلك بتنفيذ األطروحة الربانية، وتطبيق قوانين الدين الحنيف على المجتمع البشري من خالل

تأسيس كيان سياسي يتولى إدارة شؤون األمة على أساس الرسالة الربانية للبشرية، ويتطلب التنفيذ قيادة وشجاعة فائقة، وثباتا كبيرا، ومعرفة تامة بالنفوس وبطبقات المجتمع والتيارات الفكرية والسياسية حكيمة،

واالجتماعية وقوانين اإلدارة والتربية وسنن الحياة، ونلخصها في الكفاءة العلمية إلدارة دولة عالمية دينية، تصون القيادة الدينية من كل سلوك منحرف أو هذا فضال عن العصمة التي تعبر عن الكفاءة النفسية التي

عمل خاطئ بإمكانه أن يؤثر تأثيرا سلبيا على مسيرة القيادة وانقياد األمة لها بحيث يتنافى مع أهداف .الرسالة وأغراضها

وقد سلك األنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي، واقتحموا سبيل التربية الشاق، وتحملوا في سبيل أداء المهام الرسالية كل صعب، وقدموا في سبيل تحقيق أهداف الرساالت اإللهية كل ما

.يمكن أن يقدمه اإلنسان المتفاني في مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة، ولم يتلكأوا طرفة عين

وقد توج اهللا جهودهم وجهادهم المستمر على مدى العصور برسالة خاتم

١١الصفحة

وحمله األمانة الكبرى ومسؤولية الهداية بجميع مراتبها، ) صلى اهللا عليه وآله(األنبياء محمد بن عبد اهللا في هذا الطريق الوعر خطوات ) صلى اهللا عليه وآله(وقد خطا الرسول األعظم . طالبا منه تحقيق أهدافها

ن في حساب الدعوات التغييرية والرساالت الثورية، مدهشة، وحقق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممك :وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خالل عقدين من الزمن ما يلي

.ـ تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي على عناصر الديمومة والبقاء 1

.ـ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ واالنحراف 2

.أ، وبالرسول قائدا، وبالشريعة قانونا للحياةـ تكوين امة مسلمة تؤمن باإلسالم مبد 3

.ـ تأسيس دولة إسالمية وكيان سياسي يحمل لواء اإلسالم ويطبق شريعة السماء 4

.(صلى اهللا عليه وآله)ـ تقديم الوجه المشرق للقيادة الربانية الحكيمة المتمثلة في قيادته 5

:لضروريولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من ا

.أ ـ أن تستمر القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربصون بها الدوائر

على يد مرب كفوء علميا ونفسيا حيث يكون ؛ ب ـ أن تستمر عملية التربية الصحيحة باستمرار األجيال، يستوعب الرسالة ويجسدها في كل حركاته ( وآلهصلى اهللا عليه(قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسول

.وسكناته

إعداد الصفوة من أهل بيته، (صلى اهللا عليه وآله(ومن هنا كان التخطيط اإللهي يحتم على الرسول لتسلم مقاليد الحركة النبوية العظيمة والهداية الربانية الخالدة بأمر من اهللا ؛ والتصريح بأسمائهم وأدوارهم

حانه وصيانة للرسالة اإللهية التي كتب اهللا سب

١٢الصفحة

لها الخلود من تحريف الجاهلين وكيد الخائنين، وتربية لألجيال على قيم ومفاهيم الشريعة المباركة التي .تولوا تبيين معالمها وكشف أسرارها وذخائرها على مر العصور، وحتى يرث اهللا األرض ومن عليها

إني تارك فيكم الثقلين ) :بقوله (صلى اهللا عليه وآله(خطيط الرباني في ما نص عليه الرسول وتجلى هذا الت .(كتاب اهللا وعترتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض: ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا

بأمر من اهللا ) يه وآلهصلى اهللا عل(وكان أئمة أهل البيت صلوات اهللا عليهم خير من عرفهم النبي األكرم .تعالى لقيادة األمة من بعده

تمثل المسيرة الواقعية لإلسالم بعد عصر الرسول ) عليهم السالم(إن سيرة األئمة االثني عشر من أهل البيت

، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة اإلسالم )صلى اهللا عليه وآله( يشق طريقه إلى أعماق األمة بعد أن أخذت طاقتها الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرسول األصيل الذي أخذ

يعملون على توعية األمة وتحريك طاقتها ) عليهم السالم(، فأخذ األئمة المعصومون )صلى اهللا عليه وآله)وثورته المباركة، غير ) صلى اهللا عليه وآله(باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرسالي للشريعة ولحركة الرسول

.خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكم في سلوك القيادة واألمة جمعاء

وتبلورت حياة األئمة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح األمة عليهم والتفاعل معهم فكانوا هم األدالء على اهللا وعلى كأعالم للهداية ومصابيح إلنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم،

مرضاته، والمستقرين في أمر اهللا، والتامين في محبته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلق قمم .الكمال اإلنساني المنشود

لة وقد حفلت حياتهم بأنواع الجهاد والصبر على طاعة اهللا وتحمل جفاء أهل الجفاء حتى ضربوا أعلى أمث الصمود لتنفيذ أحكام اهللا تعالى، ثم اختاروا

١٣الصفحة

.الشهادة مع العز على الحياة مع الذل، حتى فازوا بلقاء اهللا سبحانه بعد كفاح عظيم وجهاد كبير

وال يستطيع المؤرخون والكتاب أن يلموا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدعوا دراستها بشكل كامل، ومن هنا نها فإنمحاولتنا هذه إنما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دو

.المؤرخون واستطعنا اكتشافها من خالل مصادر الدراسة والتحقيق، عسى اهللا أن ينفع بها إنه ولي التوفيق

إلسالم وخاتم األنبياء محمد بن عبد اهللا الرسالية تبدأ برسول ا) عليهم السالم(إن دراستنا لحركة أهل البيت وتنتهي بخاتم األوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجل اهللا تعالى ) صلى اهللا عليه وآله(

.فرجه وأنار األرض بعدله

عليهم )، أول أئمة أهل البيت )عليه السالم(ويختص هذا الكتاب بدراسة حياة اإلمام علي بن أبي طالب بعد رسول اهللا ، وهو المعصوم الثاني من أعالم الهداية والذي جسد اإلسالم في كل مجاالت حياته ) السالم

.(صلى اهللا عليه وآله(الشريفة فكان نبراسا ومتراسا ومثال أعلى للبشرية بعد رسول اهللا محمد بن عبد اهللا

ين بذلوا جهدا وافرا وشاركوا في إنجاز هذا المشروع وال بد لنا من تقديم الشكر إلى كل اإلخوة األعزاء الذحفظه (المبارك وإخراجه إلى عالم النور، ال سيما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم

.(اهللا تعالى

فإنه حسبنا وال يسعنا إال أن نبتهل إلى اهللا تعالى بالدعاء والشكر لتوفيقه على إنجاز هذه الموسوعة المباركة .ونعم النصير

(علیھم السالم(للمجمع العالمي ألھل البیت

قم المقدسة

١۴الصفحة

١۵الصفحة

:الباب األول

:فيه فصول

.في سطور) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل األول .(عليه السالم(انطباعات عن شخصية اإلمام : الفصل الثاني .(عليه السالم(مام مظاهر من شخصية اإل: الفصل الثالث

١۶الصفحة

١٧الصفحة

:الفصل األول في سطور) علیھ السالم(اإلمام المرتضى علي بن أبي طالب

المهديين ـ بأمر من اهللا (صلى اهللا عليه وآله(ـ هو أمير المؤمنين وسيد الوصيين وأول خلفاء الرسول *قد صرح القرآن بعصمته وتطهيره من كل رجس، وباهل به ـ و) صلى اهللا عليه وآله(ونص من رسوله

نصارى نجران، واعتبره من القربى الذين وجبت مودتهم ) صلى اهللا عليه وآله)وبزوجته وولديه رسول اهللا . مصرحا غير مرة بأنها عدل الكتاب المجيد الموجبين للمتمسك بهما النجاة وللمتخلف عنهما الردى

منذ نعومة أظفاره، وتغذى من معين هديه، فكان ) صلى اهللا عليه وآله(إلمام في حجر رسول اهللا ـ نشأ ا *المتعلم الوفي واألخ الزكي، وأول من آمن وصلى وأصدق من تفانى في سبيل ربه وضحى في سبيل إنجاح

ين المكي والمدني وفي رسالته في أحرج لحظات صراعها مع الجاهلية العاتية في كل صورها في العهدحياة الرسول وبعد رحيله ذائبا في مبدئه ورسالته وجميع قيمه مجسدا للحق بكل شعبه من دون أن يتخطاها

.قيد أنملة أو ينحرف عنها قيد شعرة ، ـ لقد وصفه ضرار بن ضمرة الكناني لمعاوية بن أبي سفيان حتى أبكاه وأبكى القوم وجعله يترحم عليه *

كان واهللا بعيد المدى شديد القوى، يقول فصال ويحكم عدال، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة : (بقوله من نواحيه، ويستوحش من الدنيا وزهرتها،

١٨الصفحة

ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غزير العبرة طويل الفكرة، يقلب كفه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما وكان فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، وينبئنا . من الطعام ما جشبقصر و

ونحن واهللا مع تقريبه إيانا وقربه منا ال نكاد نكلمه هيبة له، فإن ابتسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، . إذا استنبأناه .(1)ع القوي في باطله وال ييأس الضعيف من عدلهيعظم أهل الدين ويقرب المساكين، ال يطم

رسول اهللا منذ بداية الدعوة، وجاهد معه جهادا ال مثيل له في تأريخ ) عليه السالم(ـ لقد آزر اإلمام *

الدعوة المباركة حتى تفرى الليل عن صبحه وأسفر الحق عن محضه ونطق زعيم الدين وخرست شقاشق .(2)ذؤبان العرب ومردة أهل الكتابالشياطين بعد أن مني ب

لتغيير المجتمع الجاهلي خطواته المدهشة في تلك ) صلى اهللا عليه وآله(ـ وبعد أن خطا الرسول األعظم *

الفترة القصيرة كان الطريق أمام اإلسالم لبلوغ أهدافه الكبرى شاقا وطويال يتطلب التخطيط الكامل والقيادة عن شخصية الرسول القائد إيمانا وكماال وإخالصا ودراية وحنكة، وكان من الطبيعي الواعية التي ال تقل

للرسالة الخاتمة أن تخطط لمستقبل هذه الدعوة التي تعتبر عصارة دعوات األنبياء جميعا ووريثة جهودهم بأمر من اهللا ) يه وآلهصلى اهللا عل(وهكذا كان إذ اختار النبي الخاتم .. وجهادهم المتواصل عبر التأريخ

سبحانه شخصا رشحه عمق وجوده في كيان الدعوة حتى تفانى في أهدافها وخلص من جميع شوائب .الجاهلية ورواسبها وتحلى بأعلى درجات الكفاءة وعيا وإيمانا وإخالصا وتضحية في سبيل اهللا

__________ .دار إحياء التراث العربي بيروت، ط ۳/۴۴) : المطبوع بهامش اإلصابة(االستيعاب (1)

المعروفة أمام أبي بكر وعمر وسائر المهاجرين واألنصار بعيد ) عليها السالم(من خطبة الزهراء (2) . وغصبهم للخالفة) صلى اهللا عليه وآله(رحيل الرسول

١٩الصفحة

إعدادا ) صلى اهللا عليه وآله(ول اهللا هو ذلك البديل الذي أعده رس) عليه السالم(لقد كان علي بن أبي طالب رساليا خاصا ليحمله المرجعية الفكرية والسياسية من بعده ، كي يواصل عملية التغيير الطويلة الرائدة

.له من المهاجرين واألنصار) صلى اهللا عليه وآله(بمساندة القاعدة الواعية التي أعدها الرسول

رة في أعماق ذلك المجتمع ما كانت لتندحر في بدر وحنين وخالل عقد واحد من ـ ولكن الجاهلية المتجذ *الصراع والكفاح، وكان من الطبيعي أن تظهر من جديد متسترة بشعار إسالمي كي تستطيع أن تظهر على

المسرح االجتماعي من جديد ولو بعد عقود من الزمن، وكان من الطبيعي أيضا أن تتسلل إلى المواقع ومن هنا كانت الردة إلى المفاهيم والعادات الجاهلية ـ من خالل .. لقيادية بشكل مباشر أو غير مباشرا

االلتفاف على القيادة الشرعية للمجتمع اإلسالمي الفتي الذي كانت تحدق به األخطار من كل جانب، ولم تكتمل قواعده وعيا ونضجا ـ أمرا محتمال بل متوقعا لكل قيادي ،واجتماعي يمتلك أدنى وعي سياسي

؟)صلى اهللا عليه وآله(فكيف برسول اهللا وخاتم أنبيائه

ـ وإذا كانت الرسالة اإلسالمية تهدف إلى تغيير الواقع االجتماعي الجاهلي، فالبد أن تالحظ هذا الواقع *وهكذا كان، فقد رسمت ... معابكل مالبساته ورسوباته، وتخطط للتغيير الشامل على المدى القريب والبعيد

الرسالة الخط الطبيعي الذي يفرضه المنطق التشريعي للمسيرة اإلسالمية الرائدة، حيث تجلى ذلك في إرجاع األمة فكريا وسياسيا إلى األئمة المعصومين من كل رجس جاهلي، بعد أن نصب النبي عليا في غدير خم

. مر بأخذ البيعة له من عامة المسلمينأميرا للمؤمنين، وأحكم له األ

* ار جارف يعود إلى ) صلى اهللا عليه وآله(ـ لقد اصطدم التخطيط الرائد بواقع كان متوقعا للنبيوبتي نقصان الوعي عند األمة التي تشكل القاعدة األمينة لحماية القيادة

۲۰الصفحة

عمق أن الجاهلية تتآمر وراء الستار عليهم وعلى الثورة الرشيدة، بحيث لم يكن يدرك عامة المسلمين باإلسالمية الفتية، وأن القضية ليست قضية تغيير شخص القائد بقائد آخر، وإنما القضية قضية تغيير خط

. اإلسالم المحمدي الثوري بخط جاهلي متستر باإلسالم

حينما وجدت أن الساحة قد ) صلى اهللا عليه وآله (ـ وهكذا أجهضت السقيفة التخطيط الرائد للنبي القائد *

وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات ) :خلت منه، وتحققت نبوءة القرآن العظيم حين قالقابكملى أعع تمقتل انقلب ؟ (1)(أو!! .

جعل علي ا أمينا على رسالته وأمته ودولته، وكلفه بحفظ الرسالة والشريعة كما كلفه بتربية لقد كان النبي .األمة الفتية وصيانة الدولة التي لم تترسخ جذورها بعد

إرجاع األمور إلى مجاريها بإدانة السقيفة ونتائجها وباالمتناع من البيعة ) عليه السالم(وحاول اإلمام علي، ولكن دون جدوى، بل كان األمر قد دار بين انهيار الدولة سياسيا ودوليا وبين حفظها والتصدي للمؤامرة

.مع تصدي غير األكفاء للقيادة

فأمسكت ) : موقفا مبدئيا سجله له التأريخ حيث قال) عليه السالم(ـ لقد وقف اإلمام علي بن أبي طالب *) صلى اهللا عليه وآله(م، يدعون إلى محق دين محمد يدي حيث رأيت راجعة الناس قد رجعت عن اإلسال

أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ؛ فخشيت إن لم أنصر اإلسالم وأهله .(2)(واليتكم التي إنما هي متاع أيام قالئل يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما يتقشع السحاب

هذا اإلمام العظيم خالل خمسة وعشرين عاما منـ وتلخصت مواقف *__________

.۱۴۴) : ۳(آل عمران (1)

باب الفتن الحادثة بمصر ط وزارة الثقافة واإلرشاد اإلسالمي ۵۹۷ و ۳۳/۵۹۶: بحار األنوار (2) .ش. هـ ۱۳۶۸سنة

۲۱الصفحة

ـ في الحفاظ على وحدة األمة ) لسالمعليه ا(المحنة وهو يلعق الصبر األمر من العلقم ـ على حد تعبيره اإلسالمية وعدم تصدع الدولة النبوية الفتية ولو بالتنازل عن حقه الشرعي مؤقتا، وتقديم المشورة للخلفاء

وإسداء النصح لهم، مع التوجه إلى جمع القرآن وتفسيره، وتثقيف األمة على مفاهيمه وتوعيتها على حقائقه، قة المؤامرة التي دانت لها طوائف من المسلمين، والتصدي ألخطاء الحكام في الفهم وكشف النقاب عن حقي

والتطبيق ألحكام الشريعة اإلسالمية، وإيجاد كتلة صالحة تؤمن بالتخطيط النبوي الرائد للقيادة اإلسالمية، .وتسهر على نشره وتبليغه، وتضحي من أجل تطبيقه وتنفيذه

عقدين ونصف من الصبر والكدح أن يقتطف ثمار سعيه ، وبعد أن تكشفت حقائق ـ واستطاع اإلمام بعد *هو الجدير بالخالفة دون ) عليه السالم(كانت وراء الستار وتجلى لألمة بجيليها الطليعي والتابع أن عليا

زاوية غيره، وأنه هو الذي يستطيع إصالح ما فسد بالرغم من تعقد الظروف وتبلبل القلوب واشتداد واهللا ما كانت لي في الخالفة رغبة وال في ) :(عليه السالم(االنحراف عن نهج الحق القويم، حتى قال

.(1)(الوالية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها

ل واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائ) :ـ وأعلن اإلمام عن سياسته قائال *اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان وال التماس ) :وقال أيضا .(2)(وعتب العاتب

شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر اإلصالح في بالدك، فيأمن المظلومون من .(3)(عبادك، وتقام المعطلة من حدودك

__________ .ط وزارة الثقافة واإلرشاد اإلسالمیة) علیھ السالم( باب بیعة أمیر المؤمنین٣٢/۵٠: بحار األنوار (1) . ٣۶ / ٣٢: بحار األنوار (2) .(علیھ السالم( باب الفتن التي وقعت في زمان علي٣۴/١١١: بحار األنوار (3)

۲۲الصفحة

جتماعي والسياسي وفي طريق ال التواء نفسه على أن يحقق بين الناس العدل اال) عليه السالم)وأجهد اإلمام فيه، وأن يسود األمن والحرية والرخاء واالستقرار مع االحتفاظ بوحدة األمة مع السعي في تربيتها وتعليمها

وإعطائها كامل حقوقها، وعزل الجهاز اإلداري الفاسد واستبداله بالوالة والعمال الصالحين أو المعروفين ن والطامعين، والتزم بالصالح ومراقبتهم أشدالمراقبة، حيث أقصى عن دائرة المسؤولية كل االنتهازيي

على منهاج أخيه وابن ) عليه السالم(الصراحة والحق والصدق في كل مجال ، فلم يخادع ولم يوارب، فسار .(صلى اهللا عليه وآله(عمه رسول اهللا

تي خسرت مواقعها السياسية واالجتماعية واالقتصادية ـ وبدأت تتحرك كل القوى الطامعة واالنتهازية ال *ضد اإلمام، وأخذت تتكاتف كل القوى التي دعت لمقاتلة عثمان والتحريض عليه يوم أمس، رافعة شعار

المطالبة بدم عثمان منددة بسياسة اإلمام الحكيمة والنزيهة، فنكثت طائفة وقسطت أخرى ومرقت ثالثة، وإذا ح مرير يقع شهيدا مخضبا بدمائه الطاهرة في محراب عبادته وفي مسجد الكوفة وفي ليلة باإلمام بعد كفامن الهجرة النبوية، إنه الفوز بالشهادة والفوز بالثبات على القيم الرسالية الفريدة والثبات ) ۴۰(القدر من عام

يم اإللهية على القيم الجاهلية بكل على الحق الالحب والجهاد في سبيل إرساء قواعد الدين ، إنها ثورة الق .شعبها وفروعها

فسالم عليك يا أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين يوم ولدت ويوم ربيت في حجر الرسالة، ويوم جاهدت من أجل أن تعلو راية اإلسالم خفاقة، ويوم صبرت ونصحت، ويوم بويعت وحكمت، ويوم كشفت النقاب

تسترة بشعار اإلسالم، ويوم استشهدت وأنت تروي بدمك الطاهر شجرة اإلسالم عن براثن الجاهلية الم .الباسقة، ويوم تبعث حيا وأنت تحمل وسام الفوز في أعلى عليين

۲۳الصفحة

:الفصل الثاني (عليه السالم(انطباعات عن شخصية اإلمام علي بن أبي طالب

الوحي الرسالي منذ بدايتها حتى انقطاع الوحي برحيل رسول حركة) عليه السالم(لقد عاصر اإلمام علي ، وكانت له مواقفه المشرفة والتي يغبط عليها في دفاعه عن الرسول والرسالة )صلى اهللا عليه وآله(اهللا

طيلة ثالثة وعشرين عاما من الجهاد المتواصل والدفاع المستميت عن حريم اإلسالم الحنيف، وقد انعكست .وإنجازاته وفضائله في آيات الذكر الحكيم ونصوص الحديث النبوي الشريفمواقفه

إال وعلي (يا أيها الذين آمنوا) :وما نزلت .(1)(عليه السالم(قد نزلت ثالثمئة آية في علي : قال ابن عباس .(3)ا إال بخيرولقد عاتب اهللا أصحاب محمد في آي من القرآن وما ذكر علي .(2)أميرها وشريفها

خصص جمع من المتقدمين والمتأخرين كتبا ؛ من اآليات المباركة) عليه السالم(ولكثرة ما نزل في علي :ونشير إلى بعض اآليات التي صرح المحدثون بنزولها في حقه منها). عليه السالم(جمعت ما نزل فيه

بعة دراهم ال يملك غيرها، فتصدق بدرهم ليال أنه كان مع علي بن أبي طالب أر: ـ ما عن ابن عباس 1 وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم عالنية، فأنزل اهللا

__________ .۵۱۶ / ۲: الفتوحات اإلسالمية (1)

.۹۳: كشف الغمة (2)

.۱۲۶: ينابيع المودة (3)

۲۴الصفحة

يل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم الذين ينفقون أموالهم بالل) :سبحانه وتعالىنونزحي ملا ه(1)(و.

صلى اهللا عليه (تصدق بخاتمه وهو راكع، فقال النبي ) عليه السالم(أن عليا : ـ وعن ابن عباس أيضا 2إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) :ذاك الراكع، فأنزل اهللا: قال الخاتم؟من أعطاك هذا :للسائل) وآله

وناكعر مهكاة والز ؤتونيلاة والص ونقيمي (2)(الذين.

من كل رجس، من أهل بيت الوحي المطهرين) عليه السالم)عليا (3)ـ وقد اعتبرت آية التطهير 3 .(صلى اهللا عليه وآله(نفس النبي (4)واعتبرته آية المباهلة

ـ وشهدت سورة اإلنسان بإخالص علي وأهل بيته وخشيتهم من اهللا، وتضمنت الشهادة الربانية لهم بأنهم 4

.(5)من أهل الجنة

ة بفضائل عليثين فصوال خاصفي أحاديث رسول ) السالمعليه(وعقد أرباب الصحاح وغيرهم من المحدبعد ) عليه السالم(، ولم تعرف اإلنسانية في تأريخها الطويل رجال أفضل من علي )صلى اهللا عليه وآله(اهللا

، ولم يسجل ألحد من الفضائل ما سجل لعلي بن أبي طالب بالرغم من كل )صلى اهللا عليه وآله)رسول اهللا وشتم على المنابر طوال حكم بني أمية وما تداوله مبغضوهمن) عليه السالم(ما ناله علي وهم في . سب

صلى اهللا عليه (صدد انتقاصه حتى لم يجدوا للعيب موضعا فيه، ومما قاله عمر بن الخطاب أن رسول اهللا .(6)(ما اكتسب مكتسب مثل فضل علي، يهدي صاحبه إلى الهدى ويرده عن الردى) :قال) وآله

إني) :حديثا؟ فقال) صلى اهللا عليه وآله(ما لك أكثر أصحاب رسول اهللا ): عليه السالم(علي وقيل ل__________

.۹۲: ينابيع المودة: ، وراجع۲۷۴) : ۲(البقرة (1)

. والبيضاوي وغيرهما۱۶۵ / ۶: تفسير الطبري: ، وراجع۵۵) : ۵(المائدة (2)

.سلم ، فضائل الصحابةصحيح م: ، وراجع۳۳) : ۳۳(األحزاب (3)

.۳۰۰ / ۲: ، صحيح الترمذي۶۱) : ۳(آل عمران (4)

.۲۰۷ / ۲: الكشاف للزمخشري، والطبري في الرياض النضرة: راجع (5)

.۱۶۶ / ۱: الرياض النضرة (6)

۲۵الصفحة

.(1)(كنت إذا سألته أنبأني، وإذا سكت ابتدأني

صلى (يوم آخى بين أصحابه وجاء علي وعيناه تدمع قال ) وآلهصلى اهللا عليه (أن النبي : وعن ابن عمر . (2) (أنت أخي في الدنيا واآلخرة) : (عليه السالم(لعلي ) اهللا عليه وآله

سيكون من بعدي فتنة ، ) : يقول (صلى اهللا عليه وآله(سمعت رسول اهللا : وعن أبي ليلى الغفاري أنه قال أبي طالب فإنه أول من آمن بي ، وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو فإذا كان ذلك فألزموا علي بن

. (3) (الصديق األكبر ، وهو فاروق هذه األمة ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين

واعترف الخلفاء جميعا بأن عليا أعلم الصحابة وأقضاهم ، وأنه لوال علي ؛ لهلكوا حتى صارت مقولة عمر . (4)لوال علي ؛ لهلك عمر : مضرب األمثال

. (5)ما كنا نعرف المنافقين إال ببغض علي بن أبي طالب : وعن جابر بن عبد اهللا األنصاري أنه قال

ا بلغ معاوية مقتل علي(6)ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب : قال ) عليه السالم(ولم .

ي طالب في هذه األمة مثل المسيح بن مريم في بني إسرائيل ، أحبه قوم كان علي بن أب: وقال الشعبي

. (7) فكفروا في حبه ، وأبغضه قوم فكفروا في بغضه

: السخاء والجود ، ما قال: وكان أسخى الناس ، وكان على الخلق الذي يحبه اهللا __________

.68 / ۱: ، وحلية األولياء۳۳۸ / ۲: طبقات ابن سعد (1)

.۳۷۲۰ الحديث ۵۹۵ / ۵: سنن الترمذي (2)

.۱۰۲ / ۱: ، ومجمع الزوائد۹۹۴ الرقم ۱۷۱ / ۴: اإلصابة البن حجر (3)

. ۸۷ص: ، وتذكرة الخواص۶ / ۱: شرح نهج البالغة (4)

.۴۵ / ۳: االستيعاب بهامش اإلصابة (5)

.المصدر السابق (6)

.۲۱۶ / ۲: العقد الفريد (7)

۲۶الصفحة

.(1)لسائل قط

واهللا يا أمير المؤمنين لقد زينت : يوم بويع) عليه السالم(وقال صعصعة بن صوحان لعلي بن أبي طالب .الخالفة وما زانتك ورفعتها وما رفعتك، ولهي إليك أحوج منها إليك

.(2)غير علي بن أبي طالب) سلوني: (أنه ليس ألحد من الناس أن يقول على المنبر: وعن ابن شبرمة

رضوان اهللا عليك يا أمير المؤمنين، فواهللا لقد كانت حياتك مفتاح : قام القعقاع بن زرارة على قبره فقالو .(3)ألكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنهم غمطوا النعمة وآثروا الدنيا؛ الخير، ولو أن الناس قبلوك

إن علي بن أبي طالب من :( اإلنسانيةاإلمام علي صوت العدالة) في كتابه جورج جرداق (المسيحي(وقال األفذاذ النادرين، إذا عرفتهم على حقيقتهم بعيدا عن الصعيد التقليدي عرفت أن محور عظمتهم إنما هو

اإليمان المطلق بكرامة اإلنسان وحقه المقدس في الحياة الحرة الشريفة، وبأن هذا اإلنسان منظور أبدا، وبأن .(4)والتوقف عند حال من أحوال الماضي أو الحاضر ليست إال نذير الموت ودليل الفناءالجمود والتقهقر

اإلمام علي بن أبي طالب، عظيم العظماء، نسخة مفردة لم ير لها الشرق وال الغرب : وقال شبلي شميل .(5)صورة طبق األصل ال قديما وال حديثا

عا، ملتزما مع جيل الصحابة الكبار بالمفهوم األول لإلسالم كهداية وبقدر ما بقي علي رمزا وقيادة عملية م وتضحية من أجل إصالح العالم ودفعه إلى طريق

__________ .۷ / ۱: شرح نهج البالغة (1)

. ۱۰۳ص / ۱القسم / ۳ج: ، عن أعيان الشيعة۹۴ / ۱: أئمتنا (2)

.۲۱۳ / ۲: تأريخ اليعقوبي (3)

.۱۴ / ۱: لعدالة اإلنسانيةاإلمام علي صوت ا (4)

.۳۵ص: المصدر السابق (5)

۲۷الصفحة

...كان معاوية يبرز من خالل صراعه مع علي . الحق والعدل، أي بمفهوم الدين كثورة دائمة ومستمرة

ممثال لجيل المسلمين الجديد الذي وضعته الفتوحات في قمة السلطة من جهة، وفرضت عليه أن يرى وفي مثل هذه المواجهة العنيدة القاسية ... ا من وجهة نظر الحفاظ على المكتسبات الماديةاألمور أيض

الممزقة المدمرة فقط كان معاوية يستطيع أن يولد المشاعر الدنيوية القوية ويمزق وحدة المسلمين ويشق رية أرضا جديدة من أمالك وعيهم، وينتزع للسياسة السلطانية والدولة في مواجهة الروح الرسالية والثو

.(1)الدين الشامل

لقد كان اإلمام علي بن أبي طالب حدثا تأريخيا غريبا عن طباع الناس : وكتب األستاذ هاشم معروففكانت والدته في ... وعاداتهم منذ والدته وحتى النفس األخير من حياته، فقد أطل على هذه الدنيا من الكعبة

يخيا لم يكن ألحد قبله ولم يحدث ألحد بعده، وكما دخل هذه الدنيا من بيت اهللا فقد خرج ذلك المكان حدثا تأرولم يحدث إلنسان غيره ما حدث له، فقد وضعه من ال : وقال... منها حين أقبل عليه الموت من بيت اهللا

ون من محبيه إلى يؤمنون به إيمان شيعته ومحبيه في طليعة قادة الفكر وعباقرة العصور، ووصفه المعتدل .(2)جانب األنبياء والمرسلين، والمغالون منهم في مستوى اآللهة

__________ ، المؤسسة العربية للدراسات ۱۹۹۳ ، الطبعة الثانية ۷۸ص: نقد السياسة، الدولة والدين، برهان غليون (1) .والنشر

.۱۴۲ ـ ۱۴۱ / ۱: سيرة األئمة االثني عشر (2)

۲۸الصفحة

۲۹ الصفحة

:الفصل الثالث عليه السالم(مظاهر من شخصية اإلمام علي)

من صفات الكمال، ومحمود الشمائل والخالل ، وسناء ) عليه السالم(اجتمع لإلمام علي بن أبي طالب .الحسب وعظيم الشرف، مع الفطرة النقية والنفس المرضية ما لم يتهيأ لغيره من أفذاذ الرجال

مناسب وانتمى إلى أطيب األعراق، فأبوه أبو طالب عظيم المشيخة من قريش، وجده عبد تحدر من أكرم ال .(1)المطلب أمير مكة وسيد البطحاء، ثم هو قبل ذلك من هامات بني هاشم وأعيانهم

، فكان ابن عمه وزوج ابنته وأحب عترته إليه، )صلى اهللا عليه وآله(واختص بقرابته القريبة من الرسول .ما كان كاتب وحيه، وأقرب الناس إلى فصاحته وبالغته، وأحفظهم لقوله وجوامع كلمهك

أسلم على يديه قبل أن تمس قلبه عقيدة سابقة، أو يخالط عقله شوب من شرك ، والزمه فتى يافعا في غدوه ل به الروح األمين، ورواحه وسلمه وحربه حتى تخلق بأخالقه واتسم بصفاته، وفقه عنه الدين وتفقه ما نز

فكان من أفقه أصحابه وأقضاهم وأحفظهم وأدعاهم وأدقهم في الفتيا وأقربهم إلى الصواب، حتى قال فيه .(2)ال بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن: عمر

__________ . ۳ / ۱: مقدمة شرح نهج البالغة البن أبي الحديد (1)

.واء ط دار األض۲/۳۶۱: مناقب آل أبي طالب (2)

30 الصفحة

فكان العالم المجرب الحكيم والناقد الخبير، وكان لطيف الحس، نقي الجوهر، وضاء النفس، سليم الذوق، .(1)مستقيم الرأي، حسن الطريقة، سريع البديهة، حاضر الخاطر، عارفا بمهمات األمور

:(عليه السالم(عبادته وتقواه

وفيما ترى ... التي كانت علة الكثير من تصرفاته مع نفسه وذويه والناساشتهر علي بن أبي طالب بتقواه

العبادة لدى المعظم رجع أصداء الضعف في نفوسهم أحيانا، ومعنى من معاني التهرب من مواجهة الحياة موروث واألحياء أحيانا أخرى، وهوسا موروثا ثم مدعوما بهوس جديد مصدره تقديس الناس والمجتمع لكل

تراها تشتهر عند اإلمام أخذا من كل قوة ووصال ألطراف الحلقة الخلقية التي تشتد ... في أكثر األحيانوتمتد حتى تجمع األرض والسماء، ومعنى من معاني الجهاد في سبيل ما يربط األحياء بكل خير، وهي

كل صوب، ثم على النفاق وروح على كل حال شيء من روح التمرد على الفساد يريد محاربته من

وعلى المذلة والفقر والمسكنة والضعف، ثم على سائر .. االستغالل واالقتتال من أجل المنافع الخاصة .الصفات التي تميز بها عصره المضطرب القلق

في أسلوبه في إن من تبصر في عبادة اإلمام، تبين له أن عليا متمرد في عبادته وتقواه، كما هو متمرد السياسة والحكم، ففي عبادته افتتان الشاعر يقف في هيكل الوجود الرحب صافي النفس ممتلئ القلب، حتى

تجاوبت وما في كيانه من أصداء وأظالل وموازين، فأطلق هذه الكلمة ؛ إذا انكشفت له جماالت هذا الكونوإن قوما عبدوا اهللا رغبة : (ادة عظماء النفوسالرائعة التي نرى فيها دستورا كامال لتقوى األحرار وعب

قوما عبدوا اهللا رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن ار، وإنفتلك عبادة التج __________

.محمد أبو الفضل إبراهيم: مقدمة شرح نهج البالغة، تحقيق: راجع (1)

۳۱الصفحة

.(1)(قوما عبدوا اهللا شكرا فتلك عبادة األحرار

ة الخائف الهارب أو التاجر الراغب كما هي الحال عند الكثيرين من إنعبادة اإلمام ليست شيئا من سلبيالمتعبدين، بل هي شيء من إيجابية اإلنسان العظيم الواعي نفسه والكون على أساس من خبرة المجرب

.وعقل الحكيم وقلب الشاعر

: الناس إلى أن يتقوا اهللا في سبيل الخير اإلنساني العام، أو قلوبهذا المفهوم للتقوى والعبادة كان علي يوجه في سبيل أمر أجل من رغبة تجار العبادات في نعيم اآلخرة، كان يوجههم إلى التقوى لعل فيها ما يحملهم

.(2)(وبالعدل على الصديق والعدو.. عليكم بتقوى اهللا ) :على أن يعدلوا وينصفوا المظلوم من الظالم فيقول

إال إذا دفعتك إلى أن تعترف بالحق قبل أن تشهد عليه، وأال تحيف على ؛ وال خير في التقوى في نظر اإلمام .من تبغض وال تأثم، والحياة ـ بهذا المعنى للعبادة ـ ال تبتغى لمتاع وال ترجى للذة عابرة

:(عليه السالم(زهده

قا في زهده كما كان صادقا في كل ما نتج عن يمينه أو بدر من لقد زهد علي في الدنيا وتقشف، وكان صاد

قلبه ولسانه، زهد في لذة الدنيا وسبب الدولة وعلة السلطان وكل ما يطمح لبلوغه اآلخرون، ويرون أنه مرتكز وجودهم، فإذا هو يسكن مع أوالده في بيت متواضع تأوي إليه الخالفة ال الملك، وإذا هو يأكل الشعير تطحنه امرأته بيديها فيما كان عماله يعيشون على أطايب الشام وخيرات مصر ونعيم العراق،

وكثيرا ما كان يأبى على زوجته أن تطحن له، فيطحن لنفسه وهو أمير المؤمنين، ويأكل من الخبز اليابس

له عدة من دثار يقيه أذى البرد، الذي يكسره على ركبته، وكان إذا أرعده البرد واشتد عليه الصقيع ال يتخذ بل

__________ .ط دار الهجرة قم 237 الحكمة ۵۱۰: نهج البالغة طبعة صبحي الصالح (1)

.ط الوفاء) عليه السالم( باب وصية أمير المؤمنين۷۷/۲۳۶: بحار األنوار (2)

۳۲الصفحة

.يكتفي بما رق من لباس الصيف إغراقا منه في صوفية الروح

دخلت على علي بالخورنق، وكان فصل شتاء، وعليه خلق قطيفة هو : وى هارون بن عنترة عن أبيه، قالرإن اهللا قد جعل لك وألهلك في هذا المال نصيبا وأنت تفعل ذلك بنفسك؟ ! يا أمير المؤمنين: يرعد فيه، فقلت

.(1)(المدينةواهللا ما أرزؤكم شيئا، وما هي إال قطيفتي التي أخرجتها من ) :فقال

واهللا إنك لطيب الريح ) :الفالوذج، فلم يأكله علي ونظر إليه يقول: وأتى أحدهم عليا بطعام نفيس حلو يقال له .(2)(حسن اللون طيب الطعم، ولكن أكره أن أعود نفسي ما لم تعتد

وإن بدا للبعض أنهما ولعمري إن زهد علي هذا ليس إال معنى ومزاجا من معاني فروسيته ومزاجها .مختلفان

وقد حملت هذه السيرة الطيبة عمر بن عبد العزيز ـ أحد خلفاء األسرة األموية التي تكره عليا وتختلق له .(3)أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب :السيئات وتسبه على المنابر ـ على أن يقول

ارة الذي كان معدا له بالكوفة، لئال يرفع سكنه عن سكن أولئك والمشهور أن عليا أبى أن يسكن قصر اإلمالفقراء الكثيرين الذين يقيمون في خصاصهم البائسة، ومن كالمه هذا القول الذي انبثق عن أسلوبه في

.(4)(!أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين وال أشاركهم في مكاره الدهر؟) :العيش انبثاقا

:(عليه السالم(شهامته إباؤه و

مثل علي بن أبي طالب الفروسية بأروع معانيها وبكل ما تنطوي عليه__________

. ط الوفاء۴۰/۳۳۴: بحار األنوار (1)

.۴۰/۳۲۷: المصدر السابق (2)

. ط الوفاء۱۳ ذ ح ۹۸ باب ۴۰/۳۳۱: المصدر السابق (3)

. ۴۵تاب الك۴۱۸: نهج البالغة طبعة صبحي الصالح (4)

۳۳الصفحة

واإلباء والترفع أصالن من أصول روح الفروسية، فهما إذن من طبائع اإلمام، لذلك كان . من ألوان الشهامةبغيضا لديه أن ينال أحدا من الناس باألذى وإن آذاه، وأن يبادر مخلوقا باالعتداء ولو على ثقة بأن هذا

.المخلوق يقصد قتله

بل إنه .. رفع هذه هي التي ارتفعت به عن مقابلة األمويين بالسباب يوم كانوا يرشقونه بهوروح اإلباء والتإني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ) :منع على أصحابه أن ينالوا األمويين بالشتيمة المقذعة حتى قال لهم

: وقلتم مكان سبكم إياهمكان أصوب في القول، وأبلغ في العذر،؛ ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهماللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضاللتهم حتى يعرف الحق من جهله،

.(1)( ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به

: (عليه السالم(مروءته

ة في سيرته أكثر من أن تعد، منها إن مروءة اإلمام أندر من أن يكون لها مثيل في التأريخ، وحوادث المروءأنه أبى على جنده ـ وهم في حال من النقمة والسخط ـ أن يقتلوا عدوا تراجع، كما أبى عليهم أن يكشفوا

عفا عنهم ؛ أنه حين ظفر بألد أعدائه الذين يتحينون الفرص للتخلص منه: سترا أو يأخذوا ماال، ومنها .(2)ه أن يتعقبوهم بسوء وهم على ذلك قادرونوأحسن إليهم وأبى على أنصار

:(عليه السالم(صدقه وإخالصه

الصدق : وبعضها على بعض دليل، ومن أروع حلقاتها؛ وتتماسك هذه الصفات الكريمة في سلسلة ال تنتهي

؛واإلخالص، وقد بلغ به الصدق مبلغا أضاع به الخالفة، وهو لو رضي عن الصدق بديال في بعض أحواله ال أداهن في ديني) :لقد رفض أن يقر معاوية على عمله وقال.. لما نال منه عدو وال انقلب عليه صديق

__________ .206 ، الخطبة ۳۲۳: نهج البالغة طبعة صبحي الصالح (1)

.۲۷۶ / ۷: البداية والنهاية (2)

۳۴الصفحة

لق عبارته التي صحت أن تكون صيغة للخلق أط؛ ولما ظهرت حيلة معاوية . (وال أعطي الدنية في أمري .(1)(لكنت من أدهى الناس؛ واهللا ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولوال كراهية الغدر) :العظيم

اإليمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك ، على ) :وقال مشددا على ضرورة الصدق مهما اختلفت الظروف .(2)(الكذب حيث ينفعك

:(عليه السالم(شجاعته

إن شجاعة اإلمام هي من اإلمام بمنزلة التعبير من الفكرة وبمثابة العمل من اإلرادة، ألن محورها الدفاع

فقد كان لجرأته .. عن طبع في الحق وإيمان بالخير، والمشهور أن أحدا من األبطال لم ينهض له في ميدان لم تجل مرة في خاطر اإلمام وهو في موقف نزال، وأنه على الموت ال يهاب صنديدا، بل إن فكرة الموت .لم يقارع بطال إال بعد أن يحاوره لينصحه ويهديه

وكان علي مع قوته البالغة يتورع عن البغي أيا كان الظرف، وأجمع المؤرخون على أنه كان يأنف القتال على وجوه سلمية تحقن الدم وتحول .. خصومه إال إذا حمل عليه حمال، فكان يسعى أن يسوي األمور مع

.دون النزال

وطبيعة التورع عن البغي أصل من أصول نفسية علي وخلق من أخالقه، وهي متصلة اتصاال وثيقا بمبدئه .العام الذي يقوم بمعرفة العهد وصيانة الذمة والرحمة بالناس حتى يخونوا كل عهد ويقسوا دون كل رحمة

لوال ذلك الفيض العظيم من الوفاء والحنان الذي تزخر به ؛ ن لعلي أن يستنجد الصداقة على العداوةوما كا .نفسه ويطغى على جنانه

ولكن صاحب المودات لم يرع أصدقاؤه له مودة، ألنهم لم يكونوا ليطمعوا__________

.۲۰۰: نهج البالغة، الخطبة (1)

.۴۵۸: نهج البالغة، قصار الحكم (2)

۳۵الصفحة

عليه السالم(بأن يحولوا بينه وبين نفسه، فيطلق أيديهم في خيرات األرض دون سائر الخلق، يقول علي): واهللا لو أعطيت األقاليم السبعة بما تحت أفالكها على أن أعصي اهللا في نملة أسلبها جلب شعيرة ما )

وليس علي في هذا المجال قائال ثم عامال، بل (1)(دةفعلت، وإن دنياكم عندي ألهون من ورقة في فم جراسحعمل والشعور الذي يأكرم الناس مع الناس، وأبعد ... هو القول يجري من طبيعة العمل الذي ي فعلي

الخلق عن أن ينال الخلق باألذى، وأقربهم إلى بذل نفسه في سبيلهم على أن يقتنع ضميره بضرورة هذا

حياته كلها سلسلة معارك في سبيل المظلومين والمستضعفين، وانتصارا دائما لالمة دون من البذل، أوليست يريدونه آلة إنتاج لهم من السادة ورثة األمجاد العائلية، أولم يكن سيفا صارما فوق أعناق القرشيين الذين

لم يضع الخالفة والحياة على األرض أ! أرادوا استغالل الخالفة واإلمارة للسلطان والجاه وتكديس األموال ؟ ألنه أبى مسايرة أهل الدنيا في استعباد إخوانهم الضعفاء والفقراء والمظلومين ؟

:(عليه السالم(عدله

ليس غريبا أن يكون علي أعدل الناس، بل الغريب أن ال يكونه، وأخبار علي في عدله تراث يشرف المكانة

.اإلنسانياإلنسانية والروح

وكان اإلمام يأبى الترفع عن رعاياه في المخاصمة والمقاضاة، بل إنه كان يسعى إلى المقاضاة إذا وجبت .لتشبعه بروح العدالة

وتجري في روحه العدالة حتى أمام أبسط األمور، ووصايا اإلمام ورسائله إلى الوالة تكاد تدور حول محور . في قلب علي وقلوب أتباعه وإن ظلموا وظلمواحد هو العدل، وقد انتصر العدل

__________ .۲۲۴: نهج البالغة، الخطبة (1)

۳۶الصفحة

:(عليه السالم)تواضعه

شر اإلخوان من تكلف ) :وكان يقول. إن من أصول أخالق اإلمام أنه كان يعتمد البساطة ويمقت التكلف .ويقصد باالحتشام مراعاته حتى التكلف (2)(ارقهإذا احتشم المؤمن أخاه فقد ف) :ويقول .(1)(له

وكانت هذه الطبيعة تالزمه .وكان ال يتصنع في رأي يراه أو نصيحة يسديها أو رزق يهبه أو مال يمنعهوإذا هم ينسبون إليه القسوة والجفوة والزهو على .حتى يسأم أصحاب األغراض من استرضائه بالحيلة

ولطالما نهى .. هاره زهوا وليس جفوة، بل إنه كان يمقت الزهو والعجبالناس، وليس صدق الشعور وإظإياك واإلعجاب بنفسك، واعلم أن اإلعجاب ضد الصواب ) :ولده وأعوانه وعماله عن الكبر والعجب قائال

ك في هل) :وكره التكلف في محبيه الغالين كما كره التكلف في مبغضيه المفرطين فقال .(3)(وآفة األلباب .(4)(محب غال ومبغض قال: اثنان

لقد كان يخرج إلى مبارزيه حاسر الرأس ومبارزوه مقنعون بالحديد، أفعجيب أن يخرج إليهم حاسر النفس .وهم مقنعون بالحيلة والرياء؟

:(عليه السالم(نقاؤه

ألد أعدائه ومناوئيه ومن وتميز علي بسالمة القلب، فهو ال يحمل ضغينة على مخلوق وال يعرف حقدا على

.يحقدون عليه حسدا وكرها

:(عليه السالم(كرمه

وكان من خلقه أنه كان كريما وال حدود لكرمه، ولكنه الكرم السليم__________

.۴۷۹: نهج البالغة، قصار الحكم (1)

.۴۸۰: المصدر السابق (2)

.۵۷ رقم ۳۱المصدر السابق من كتاب (3)

.۱۱۷: غة نهج البال (4)

۳۷الصفحة

وهذا الكرم لم يعرفه علي مرة في . بأموال الناس وجهودهم) يكرمون(بأصوله وغاياته ال كرم الوالة الذين حياته، وإنما كرمه هو الذي يعبر عن جملة المروءات، ففيما كان يزجر ابنته زجرا شديدا إذ هي استعارت

كان يسقي بيده النخل لقوم من يهود المدينة حتى تمجل . يد من األعيادمن بيت المال قالدة تتزين بها في ع .يده فيتناول أجرته فيهبها ألهل الفاقة والعوز ويشتري بها األرقاء ويحررهم في الحال

.(1)لو ملك علي بيتا من تبر وبيتا من تبن ألنفد تبره قبل تبنه: وقد شهد معاوية على كرم علي قائال

: (عليه السالم(عارفه علمه وم

وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة، وتنتمي إليه كل فرقة، وتتجاذبه كل طائفة، : (قال ابن أبي الحديدفهو رئيس الفضائل وينبوعها، وأبو عذرها، وسابق مضمارها، ومجلي حلبتها، كل من بزغ فيها بعده فمنه

) عليه السالم)وإن أشرف العلوم ـ وهو العلم اإللهي ـ من كالمه . أخذ، وله اقتفى، وعلى مثاله احتذىوعلم الفقه هو أصله وأساسه وكل فقيه في اإلسالم فهو عيال ... اقتبس وعنه نقل وإليه انتهى ومنه ابتدأ

وعلم الطريقة والحقيقة وأحوال .. وعلم تفسير القرآن عنه أخذ ومنه فرع ... عليه ومستفيد من فقههوعلم النحو والعربية قد .. إن أرباب هذا الفن في جميع بالد اإلسالم إليه ينتهون، وعنده يقفون!) ؟(تصوفال

(...علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه وأنشأه، وأملى على أبي األسود الدؤلي جوامعه وأصوله

دون كالم الخالق : (غاء، وفي كالمه قيلإمام الفصحاء وسيد البل) عليه السالم(وأما الفصاحة، فهو : (ثم قال .. ، ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة)وفوق كالم المخلوقين

__________ .(عليه السالم( ترجمة علي بن أبي طالب۴۳/۴۱۴: تاريخ دمشق البن عساكر (1)

۳۸الصفحة

داللة على أنه ال يجارى في فواهللا ما سن الفصاحة لقريش غيره، ويكفي هذا الكتاب الذي نحن شارحوه (...الفصاحة وال يبارى في البالغة

وأما الزهد في الدنيا، فهو سيد الزهاد، وبدل األبدال، وإليه تشد الرحال، وعنده تنفض األحالس، ما : (ثم قال .(شبع من طعام قط، وكان أخشن الناس مأكال وملبسا

ثرهم صالة وصوما، ومنه تعلم الناس صالة الليل ومالزمة األوراد وقيام وأما العبادة فكان أعبد الناس وأكفيصلي (1)النافلة، وما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير

يقوم حتى يفرغ من عليه ورده والسهام تقع بين يديه وتمر على صماخيه يمينا وشماال، فال يرتاع لذلك، والوأنت إذا تأملت دعواته ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم اهللا سبحانه وإجالله وما يتضمنه ... وظيفته

عرفت ما ينطوي عليه من اإلخالص، وفهمت من أي ؛ من الخضوع لهيبته والخشوع لعزته واالستخذاء لهعبادتي عند عبادة جدي :الحسين وكان الغاية في العبادةوقال علي بن . قلب خرجت، وعلى أي لسان جرت .(صلى اهللا عليه وآله(كعبادة جدي عند عبادة رسول اهللا

اتفق الكل على أنه كان يحفظ القرآن على ؛ وأما قراءته القرآن واشتغاله به فهو المنظور إليه في هذا البابوإذا رجعت إلى كتب . كن غيره يحفظه، ثم هو أول من جمعه، ولم ي(صلى اهللا عليه وآله(عهد رسول اهللا

.القراءات وجدت أئمة القراء كلهم يرجعون إليه

وما أقول في رجل تحبه أهل الذمة على تكذيبهم بالنبوة، وتعظمه الفالسفة على معاندتهم ألهل الملة، ها، حامال سيفه؟ وما أقول في رجل أحب كل وتصور ملوك اإلفرنج والروم صورته في بيعها وبيوت عبادات

واحد أن يتكثر به، وود كل__________

. ۳۸۹ / ۲: هي أشد ليلة مرت على الجيشين في معركة صفين، راجع مروج الذهب (1)

۳۹الصفحة

أحد أن يتجمل ويتحسن باالنتساب إليه؟

أحد إلى التوحيد إال السابق لكل خير محمد رسول اهللا لم يسبقه.. وما أقول في رجل سبق الناس إلى الهدى ؟(1)(صلى اهللا عليه وآله(

__________ . تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم۳۰ـ 16 / ۱من مقدمة ابن أبي الحديد لشرح نهج البالغة (1)

۴۰الصفحة

۴۱الصفحة

الباب الثاني

:فيه فصول

.(ه السالمعلي(نشأة اإلمام علي : الفصل األول .(عليه السالم(مراحل حياة اإلمام علي : الفصل الثاني .من الوالدة إلى اإلمامة: الفصل الثالث

۴۲الصفحة

۴۳الصفحة

:الفصل األول (عليه السالم(نشأة اإلمام علي

:نسبه الوضاء

هاشم بن عبد مناف بن هو اإلمام أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابنقصي بن كالب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن

.مدركة بن إياس بن مضر بن نزار ابن معد بن عدنان

: جده الكريم

وكان ) يه وآلهصلى اهللا عل)عبد المطلب شيبة الحمد، وكنيته أبو الحرث، وعنده يجتمع نسبه بنسب النبي .(1)مؤمنا باهللا تعالى، ويعلم بأن محمدا سيكون نبيا

صلى اهللا (قد علمت شدة حبي لمحمد ! يا بني: ولما حضرت عبد المطلب الوفاة دعا ابنه أبا طالب، فقال لهه ابني وابن ال توصني بمحمد فإن! يا أبه: قال أبو طالب ..ووجدي به أنظر كيف تحفظني فيه ) عليه وآله

.(2)أخي__________

.ليدن. ط۷۴ / ۱: الطبقات لمحمد بن سعد (1)

وفي موسوعة . ط طهران عن ابن عباس۱۷۲ ط النجف األشرف و ۱۷۰: كمال الدين للصدوق (2) .۱/۲۸۵: التاريخ اإلسالمي

۴۴الصفحة

: والده

صلى اهللا عليه (أخو عبد اهللا والد النبي شيبة، وكنيته أبو طالب، وهو : عمران، وقيل: عبد مناف، وقيلبخمس وثالثين سنة، وانتهت ) صلى اهللا عليه وآله(ولد أبو طالب بمكة قبل والدة النبي . ألمه وأبيه) وآله

إليه بعد أبيه عبد المطلب الزعامة المطلقة لقريش، وكان يروي الماء لوفود مكة كافة ألن السقاية كانت له، دة األصنام فوحد اهللا سبحانه، ومنع نكاح المحارم وقتل الموؤدة والزنا وشرب الخمر وطواف ورفض عبا

صلى اهللا عليه (تكفل أبو طالب رعاية رسول اهللا؛ ولما توفي عبد المطلب .(1)العراة في بيت اهللا الحرام إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه، وكان فكان أبو طالب يحبه حبا شديدا ال يحبه ولده، وكان ال ينام إال) وآله

.يخصه بالطعام دون أوالده

) صلى اهللا عليه وآله(لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد : وروي أن أبا طالب دعا بني عبد المطلب فقالحتى ) صلى اهللا عليه وآله(وما زالت قريش كافة عن رسول اهللا .وما اتبعتم أمره، فاتبعوه وأعينوه ترشدوا

.(2)مات أبو طالب

من الشعب ) صلى اهللا عليه وآله)توفي أبو طالب قبل الهجرة بثالث سنين وبعد خروج بني هاشم مع النبيتعلق شديد بأبي طالب، فقد عاش في كنفه ) صلى اهللا عليه وآله(، وكان للنبي (3)وعمره بضع وثمانون سنة

وقد ثبت أن أبا طالب كان موحدا ..ف حينما توفي جده عبد المطلبعاما منذ الثامنة من عمره الشري (43)مؤمنا باهللا ومعتقدا باإلسالم أرسخ االعتقاد، وبقي على حاله هذه حتى وافاه األجل، وإنما أخفى إيمانه ليتمكن

أن يكون له شأن واتصال مع كفار مكة، وليطلع على__________

. وصية أبي طالب لبني هاشم۱۲۲ ـ ۱۲۱: الروضة الواعظين للفت (1)

.۷۵ / ۱: الطبقات البن سعد (2)

.۱/۴۳۶: موسوعة التاريخ اإلسالمي : ، راجع ۹۰ / ۲: الكامل في التأريخ ألبن األثير (3)

۴۵الصفحة

اهللا مكائدهم ومؤامراتهم، فكان يعيش حالة التقية، وكان مثله كأصحاب الكهف في قومهم، وهو ممن آتاهم .(1)أجرهم مرتين إليمانه وتقيته

: أمه

صلى (فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، تجتمع هي وأبو طالب في هاشم، أسلمت وهاجرت مع النبيربته في (2)(صلى اهللا عليه وآله(وكانت من السابقات إلى اإليمان وبمنزلة األم للنبي ) اهللا عليه وآله

:فجلس عند رأسها وقال) صلى اهللا عليه وآله(دخل إليها رسول اهللا ؛ ماتت فاطمة بنت أسدحجرها، ولما

رحمك اهللا يا أمي، كنت أمي بعد أمي، تجوعين وتشبعيني، وتعرين وتكسيني، وتمنعين نفسك طيب ) .(الطعام وتطعميني، تريدين بذلك وجه اهللا واآلخرة

صلى اهللا عليه (ثا، فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول اهللا وغمضها، ثم أمر أن تغسل بالماء ثالصلى اهللا عليه (بيده، ثم خلع قميصه فألبسه إياها وكفنت فوقه ودعا لها أسامة بن زيد مولى رسول اهللا ) وآلهلغوا اللحد حفره رسول وأبا أيوب األنصاري وعمر بن الخطاب وغالما أسود فحفروا لها قبرها، فلما ب) وآلهقبرها فاضطجع فيه، ) صلى اهللا عليه وآله(بيده، وأخرج ترابه ودخل رسول اهللا ) صلى اهللا عليه وآله(اهللا

اهللا الذي يحيي ويميت، وهو حي ال يموت، اللهم اغفر ألمي فاطمة بنت أسد بن هاشم، ولقنها ) :ثم قالوأدخلها رسول اهللا (نبيك واألنبياء من قبلي، فإنك أرحم الراحمينحجتها، ووسع عليها مدخلها بحق

.(3)اللحد والعباس وأبو بكر) صلى اهللا عليه وآله(

:يا رسول اهللا رأيناك وضعت شيئا لم تكن وضعته بأحد من قبل: فقيل__________

يخ الطبسي، وأبو طالب مؤمن منية الطالب في إيمان أبي طالب للش: وانظر. ۷۲ / ۳۵: بحار األنوار (1) .۶۰۱ ـ ۵۹۶ و ۵۱۷ ـ ۱/۵۱۴: قريش للشيخ عبد اهللا الخنيزي وموسوعة التاريخ اإلسالمي

.۳۱: الفصول المهمة البن الصباغ المالكي (2)

ـ ۲/۴۳۳: موسوعة التاريخ اإلسالمي: ، وراجع)عليه السالم( عن الصادق۷۱: بصائر الدرجات (3)۴۳۷.

۴۶الصفحة

ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة، واضطجعت في قبرها ليخفف عنها ) :(صلى اهللا عليه وآله(ل فقا .(1)(من ضغطة القبر، إنها كانت من أحسن خلق اهللا صنعا إلي بعد أبي طالب رضي الله عنهما ورحمهما

__________ ) صنعت شيئا لم تصنعه بأحد: (۳۷۹/ ۱: ، وفي فرائد السمطين۳۲: الفصول المهمة البن الصباغ (1)

صلى اهللا عليه (وروى إسالم فاطمة بنت أسد وهجرتها وحنانها ورعايتها للرسول ووفاتها وما قال النبي في فضلها كثير من الحفاظ والمؤلفين في كتبهم كابن عساكر وابن األثير وابن عبد البر ومحب الدين ) وآله

.لنجي وابن الصباغ البالذري وغيرهمالطبري ومحمد بن طلحة والشب

۴۷الصفحة

:الفصل الثاني ع(مراحل حياة اإلمام علي)

قبل البعثة النبوية بعقد واحد، وعاصر إرهاصات البعثة وكل حركة الرسالة خالل العهد ) ع(ولد اإلمام علي ما عاصر كل أحداث العهد المكي ـ وهو عهد بناء األمة المسلمة وتكوين القاعدة الرسالية الصلبة ـ ك

، وساهم بكل وجوده في بناء هذا الكيان )ص(المدني، حيث تم فيه بناء الدولة اإلسالمية بقيادة سيد المرسلين .الشامخ حتى تجلى للجميع عمق وجوده في هذا البناء الرسالي الفريد

ادة اإلسالمية بعد وفاة الرسول مشعل الهداهية الربانية والقي) ص(بأمر من رسول اهللا ) ع(وحمل اإلمام والحيولة ) ع(وخذالنهم لإلمام ) ص(رغم تراجع جمع من الصحابة وتمردهم على نصوص الرسول ) ص(

ولكنه استمر في انجاز مهمامه الرسالية في تلك الظروف العصيبة وعايس ..دون استالمه للقيادة السياسية فصبر وفي العين قذى مدة عقدين .. محل القطب من الرحى الخلفاء رغم انه كان يرى محله من القيادة

.وصنف عقد حتى انكشفت لألمة جملة من نتائج انحرافها الخطير عن تخطيط الرسول األمين

من هنا التجأت األمة إلى اإلمام لتسلم له زمام أمرها بعد تلك الخطوب وذلك التصدع الذي طال كيانه فحمل نصف عقد فقط حتى قدم دمه الطاهر في سبيل اهللا رخيصا يبتغي به رضوان عبء القيادة بكل جدارة خالل

اهللا تعالى تثبيتا للقيم الرسالية التي جاهد من أجل إرسائها في وجدان المجتمع اإلسالمي وضمير المجتمع .اإلنساني

۴۸الصفحة

:إلى شطرين رئيسين) ع(وعلى هذا تنقسم حياة اإلمام علي بن أبي طالب

.(ص(حياته منذ والدته وحتى وفاة سيد المرسلين : شطر األولال

وتوليه لمهام اإلمامة الشرعية وحتى استشهاده ) ص(حياته من حين وفاة الرسول األعظم : الشطر الثاني .في محراب العبادة) ع(

:يمكننا أن نصنف حياته إلى عدة مراحل) ع(ونظرا لتنوع األدوار والظروف التي عاشها

.من الوالدة إلى البعثة النبوية المباركة: المرحلة األولى

.من البعثة إلى الهجرة: المرحلة الثانية

.(ص(من الهجرة إلى وفاة الرسول : المرحلة الثالثة

والدفاع ) ص(وهذه المراحل الثالث تدخل في الشطر األول من حياته وقد تجلى فيها انقياده المطلق للرسول . (ص(لرسالة والرسول المستميت عن ا

.(أبي بكر وعمر وعثمان(حياة اإلمام في عهد : المرحلة الرابعة

.حياته في عهد دولته: المرحلة الخامسة

.وسوف ندرس المراحل الثالث األولى في الفصل الثالث من الباب الثاني

الباب الرابع كما نبحث عن المرحلة الرابعة من حياته في الباب الثالث بفصوله األربعة، ونخصص .(ع(بالمرحلة الخامسة من حياته

۴۹الصفحة

:الفصل الثالث من الوالدة إلى البعثة النبوية المباركة: المرحلة األولى

: والدته

عليه السالم(قال علي): (بقت إلى اإليمان والهجرةفإني ولدت على الفطرة وس)(1).

فة داخل البيت الحرام وفي جوف الكعبة في يوم الجمعة الثالث بمكة ا) عليه السالم(ولد اإلمام عليلمشرعشر من شهر رجب سنة ثالثين من عام الفيل قبل الهجرة بثالث وعشرين سنة، ولم يولد في بيت اهللا .(2)الحرام قبله أحد سواه، وهي فضيلة خصه اهللا تعالى بها إجالال له وإعالء لمرتبته وإظهارا لتكرمته

كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب وفريق من بني عبد العزى بإزاء : ن يزيد بن قعنب أنه قالروي ع، وكانت حامال به لتسعة أشهر وقد )عليه السالم(بيت اهللا الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين

وكتب، وإني مصدقة بكالم جدي يا رب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل: أخذها الطلق، فقالت وإنه بنى البيت العتيق، فبحق الذي بنى هذا البيت، وبحق المولود) عليه السالم(إبراهيم الخليل

__________ ، ومناقب آل ۷۶۵ الرقم ۳۶۴ص: ، وأمالي الطوسي۹۲ ص۵۷الخطبة ): صبحي الصالح(نهج البالغة (1)

.۲۱۷ / ۴۱: ، وبحار األنوار۱۱۴ / ۴: ن أبي الحديد، وشرح النهج الب۱۰۷ / ۲: أبي طالب

، والمستدرك للحاكم ۲۲ / ۶: ، والغدير لألميني۳۹: خصائص أمير المؤمنين للشريف الرضي (2)، والكفاية للحافظ الكنجي الشافعي والخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية لآللوسي ۳/۴۸۳: النيشابوري

ـ ۱/۳۰۶: ب للمسعودي، والسيرة النبوية، وموسوعة التاريخ اإلسالميصاحب التفسير، ومروج الذه310.

۵۰الصفحة

.الذي في بطني إال ما يسرت علي والدتي

فرأيت البيت قد انشق عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله والتزق : قال يزيد ينفتح، فعلمنا أن ذلك أمر من أمر اهللا عز وجل، ثم خرجت في الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم

.(1)(عليه السالم(اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

وأسرع البشير إلى أبي طالب وأهل بيته فأقبلوا مسرعين والبشر يعلو وجوههم، وتقدم من بينهم محمد فضمه إلى صدره، وحمله إلى بيت أبي طالب ـ حيث كان الرسول في ) وآلهصلى اهللا عليه (المصطفى

(عليا(تلك الفترة يعيش مع خديجة في دار عمه منذ زواجه ـ وانقدح في ذهن أبي طالب أن يسمي وليده

.(2)وهكذا سماه، وأقام أبو طالب وليمة على شرف الوليد المبارك، ونحر الكثير من األنعام

: ابهكناه وألق

ونعوتا يصعب حصرها واإللمام بها، وكلها صادرة من ) عليه السالم(إن ألمير المؤمنين علي ألقابا وكنىلنشر ) عليه السالم(في شتى المواقف والمناسبات العديدة التي وقفها ) صلى اهللا عليه وآله(رسول اهللا

.اإلسالم والدفاع عنه وعن الرسول

الشرك والمشركين، وقاتل (3)أمير المؤمنين، ويعسوب الدين والمسلمين، ومبير): المعليه الس(فمن ألقابه الناكثين والقاسطين والمارقين، ومولى المؤمنين، وشبيه هارون، والمرتضى، ونفس الرسول، وأخوه، وزوج

واء، وسيدالبتول، وسيف اهللا المسلول، وأمير البررة، وقاتل الفجرة، وقسيم الجنة والنار، وصاحب الل__________

/ ۳۵: ، وبحار األنوار۶۷ص: ، وروضة الواعظين للفتال النيسابوري۵۶ص: علل الشرائع للصدوق (1) . ۸۲ / ۱: ، وكشف الغمة لألربلي۸

.۱۸ / ۳۵: بحار األنوار (2)

.المهلك: المبير. يقصد به هنا سيد قومه: اليعسوب (3)

۵١الصفحة

اف الكرب، والصديق األكبر، وذو القرنين، والهادي، والفاروق، والداعي، العرب، وخاصف النعل، وكشوالشاهد، وباب المدينة، والوالي، والوصي، وقاضي دين رسول اهللا، ومنجز وعده، والنبأ العظيم، والصراط

.(1)المستقيم، واألنزع البطين

.حانتين، أبو ترابأبو الحسن، أبو الحسين، أبو السبطين، أبو الري: وأما كناه فمنها

لإلمام علي (عليه السالم)اإلعداد النبوي :

ه أبي طالب بالرغم من زواجه من خديجة وعيشه ) صلى اهللا عليه وآله(كان النبيد كثيرا على دار عميترد بعواطفه، ويحوطه بعنايته، ويحمله على صدره،)عليه السالم)معها في دار منفردة، وكان يشمل عليا

.(2)ويحرك مهده عند نومه إلى غير ذلك من مظاهر العناية والرعاية

وما صنع اهللا له وأراده به من الخير أن ) عليه السالم(وكان من نعم اهللا عز وجل على علي بن أبي طالب للعباس ـ ) هصلى اهللا عليه وآل(قريشا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول اهللا

يا عباس، إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد ترى ما أصاب الناس من هذه : وكان من أيسر بني هاشم ـ، قال األزمة، فانطلق بنا، فلنخفف عنه من عياله، آخذ من بيته واحدا، وتأخذ واحدا، فنكفيهما عنه

.نعم: العباس

، ا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيهإن :فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقاال له إذا تركتما لي عقيال فاصنعا: فقال لهما أبو طالب

__________ وقد وردت ألقاب أخرى عديدة ألمير المؤمنين في مصادر الرواة . ۹۳ / ۱: كشف الغمة لألربلي (1)

المستدرك للحاكم النيسابوري وحلية األولياء صحيح الترمذي والخصائص للنسائي و: والمحدثين منها .لألصفهاني وأسد الغابة البن األثير وتأريخ اإلسالم للذهبي وغيرهم

.۴۳ / ۳۵: بحار األنوار (2)

۵٢الصفحة

فضمه إليه وكان عمره يومئذ ستة ) عليه السالم(عليا ) صلى اهللا عليه وآله(ما شئتما، فأخذ رسول اهللا حتى بعثه اهللا ) صلى اهللا عليه وآله(ذ العباس جعفرا، فلم يزل علي بن أبي طالب مع رسول اهللا أعوام، وأخ

ا، فاتبعه علياس حتى أسلم واستغنى عنه) عليه السالم(نبيقه، ولم يزل جعفر عند العب(1)فآمن به وصد.

قد اخترت من اختاره اهللا لي ) :(عليه السالم(بعد أن اختار عليا ) صلى اهللا عليه وآله(وقد قال رسول اهللا .(2)(عليكم عليا

عليه السالم(وهكذا آن لعلي ( د رسول اهللاأن يعيش منذ نعومة أظفاره في كنف محم)صلى اهللا عليه وآله (عليه صلى اهللا (حيث نشأ وترعرع في ظل أخالقه السماوية السامية، ونهل من ينابيع مودته وحنانه، ورباه

.وفقا لما علمه ربه تعالى، ولم يفارقه منذ ذلك التأريخ (وآله

األكرم ) عليه السالم(وقد أشار اإلمام علي يه النبيإلى أبعاد التربية التي حظي بها من لدن أستاذه ومربوضعي من وقد علمتم م) :ومداها وعمق أثرها، وذلك في خطبته المعروفة بالقاصعة) صلى اهللا عليه وآله(

، وضعني في حجره وأنا ولد، (3)بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة) صلى اهللا عليه وآله(رسول اهللا ، وكان يمضع الشيء ثم (4)يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه

.(في فعل (5)يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، وال خطلة

أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من (6)ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل) :لإلى أن قا__________

، وينابيع ۱۹۸ / ۱۳: ط مؤسسة األعلمي بيروت، وشرح ابن أبي الحديد۵۸ / ۲: تأريخ الطبري (1) .۳۵۶ـ 351 / ۱: ، وموسوعة التاريخ اإلسالمي ۱۰۴ / ۱: ، وكشف الغمة۲۰۲: المودة

. ، نقال عن البالذري واألصفهاني۱۵ / ۱: الغة البن أبي الحديدشرح نهج الب (2)

.الخاصة: الخصيصة (3)

.رائحته، وأكثر استعماله في الطيب): بالفتح(عرفه (4)

.الخطأ ينشأ من عدم الرؤية: الخطلة (5)

.ولد الناقة: الفصيل (6)

۵٣الصفحة

، فأراه وال يراه غيري، (2)يجاور في كل سنة بحراء، ويأمرني باالقتداء به، ولقد كان (1)أخالقه علماوخديجة وأنا ثالثهما، أرى ) صلى اهللا عليه وآله)ولم يجمع بيت واحد يومئذ في اإلسالم غير رسول اهللا

صلى اهللا (الشيطان حين نزل الوحي عليه (3)نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنةهذا الشيطان آيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع، : يا رسول اهللا، ما هذه الرنة؟ فقال: فقلت) عليه وآله

.(4)(وترى ما أرى، إال أنك لست بنبي، ولكنك وزير، وأنك لعلى خير

من البعثة إلى الهجرة: المرحلة الثانية

صلى اهللا عليه وآله(أول المؤمنين برسول اهللا ) عليه السالم(علي) :

:على قيم إلهية سامية كما صرح بذلك القرآن الكريم بقوله تعالى) صلى اهللا عليه وآله(لقد نشأ رسول اهللا

، فكان النموذج المغاير إلنسان الجزيرة في معتقده وتفكيره وسلوكه وأخالقه، (5)(وإنك لعلى خلق عظيم)، وكان )عليه السالم(رساالت األنبياء سيما شيخهم إبراهيم الخليل فسلك منذ نعومة أظفاره خطا موازيا لقيم

صلى اهللا (أن هذا الخط ال يلتقي بقيم المجتمع الجاهلي، من هنا بدأ ) صلى اهللا عليه وآله(في قناعة الرسول .(عليهم السالم)بإنشاء نواة األسرة المؤمنة المتكونة منه وخديجة وعلي ) عليه وآله

أن يشق مجرى التأريخ، وأن يفتح طريقا وسط التيار العام، وأن يقاوم بتلك األسرة االنحراف السائد، وقرروأن يحدث موجا هادرا يتحول شيئا فشيئا إلى تيار جارف للوثنية والجاهلية من ربوع األرض، إن علي بن

لم يسجد لصنم قط، ولم ) هللا عليه وآلهصلى ا(والذي تربى في حجر الرسول ) عليه السالم)أبي طالب يشرك باهللا طرفة__________

.فضال ظاهرا :علما (1)

.جبل قرب مكة: حراء (2)

.صوته: رنة الشيطان (3)

.۲۳۴ ، الخطبة ۸۰۲: شرح نهج البالغة للفيض (4)

.۴) : ۶۸(القلم (5)

۵۴الصفحة

إلى جانبه، وكان ) عليه السالم(كان علي ) ى اهللا عليه وآلهصل)وعندما نزل الوحي على رسول اهللا . عين .كما شهدت بذلك عامة مصادر التأريخ) صلى اهللا عليه وآله(أول من آمن برسالته

عليه (يوم االثنين وصلى علي (صلى اهللا عليه وآله(أنزلت النبوة على رسول اهللا : وعن أنس بن مالك قال .(1)ثاءيوم الثال) السالم

الحوض، ) صلى اهللا عليه وآله)أول هذه األمة ورودا على نبيها : كما روي عن سلمان الفارسي أنه قال .(2)(عليه السالم(أولها إسالما علي بن أبي طالب

كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب إال : وعن العباس بن عبد المطلب أنه سمع عمر بن الخطاب وهو يقولفي علي ثالث خصال، وددت أن لي واحدة : يقول (صلى اهللا عليه وآله(فإني سمعت رسول اهللا بخير،

منهن، كل واحدة منهن أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، وذلك أني كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن كتف علي بن أبي طالب إذ ضرب النبي على ) صلى اهللا عليه وآله(الجراح ونفر من أصحاب رسول اهللا

يا علي، أنت أول المسلمين إسالما، وأنت أول المؤمنين إيمانا، وأنت مني بمنزلة هارون من :وقال .(3)موسى، كذب من زعم أنه يحبني وهو مبغضك

فقد ;(4)أول الناس إسالما) عليه السالم(وإذ اتفق المؤرخون على أن أمير المؤمنين __________

، وسنن 55 / ۲: ، وتأريخ الطبري۵۸ / ۲: ، والكامل في التأريخ۴۱ / ۱: تأريخ دمشق البن عساكر (1) .۳۷۳۵ الحديث ۶۰۰ / ۵: الترمذي

علي أول : وفيه۵۵ / ۲: ، وتأريخ الطبري۲۹ / ۳: االستيعاب البن عبد البر المالكي بهامش اإلصابة (2) / ۲: ذكر أن عليا أول من أسلم، وتأريخ بغداد 65، 36، 32 / ۱: من أسلم، وفي تأريخ دمشق البن عساكر

.۴۵۹ رقم ۸۱

.۴۰۱رقم الحديث 331 / ۱: ، وتأريخ دمشق البن عساكر۱۲۶: الفصول المهمة البن الصباغ المالكي (3)

: ، ومسند أبي حنيفة206 / ۶: سنن البيهقي: من مصادر حديث أن علي بن أبي طالب أول من أسلم (4)، واسد ۵۷ / ۲: ط مؤسسة األعلمي، والكامل في التأريخ۵۵ / ۲: ، وتأريخ الطبري۱۷۳ ص۳۶۸رقم ، والسيرة ۲۶۲ / ۱: ، بدء الوحي والسيرة النبوية۷۱۵ص / ۳ج: ، تاريخ ابن خلدون ۱۶ / ۴: الغابة / ۲: ة، واإلصابة في معرفة الصحاب۹۲ / ۱: ، وعيون األثر۲۸۳ / ۲: ، ومروج الذهب۴۳۲ / ۱: الحلبية

.۱۸ / ۲: ، وتأريخ بغداد للخطيب البغدادي507

۵۵الصفحة

حين إسالمه ال يجدي نفعا ) عليه السالم(اختلفوا في سنه حين أعلن إسالمه، والخوض في تحديد عمر اإلمام ، (طرةولدت على الف) :بعد أن عرفنا أنه لم يكفر حتى يسلم ولم يشرك حتى يؤمن، ولقد قال سالم اهللا عليه

علي كرم اهللا ) :ومن هنا اتفقت كلمة المحدثين جميعا على احترام هذه الفضيلة وتقديسها بقولهم له حين ذكره، فكان اإلسالم في أعماق قلبه بعد أن احتضنه حجر الرسالة، وغذته يد النبوة، وهذبه الخلق النبوي )وجهه .العظيم

لقد ولد مسلما على التحقيق إذا نحن نظرنا ): عليه السالم(مام علي قال األستاذ العقاد وهو يتحدث عن اإلإلى ميالد العقيدة والروح، ألنه فتح عينيه على اإلسالم، ولم يعرف قط عبادة األصنام، فهو قد تربى في

ة، وعرف العبادة من صالة النبيوزوجته ) صلى اهللا عليه وآله(البيت الذي انطلقت منه الدعوة اإلسالمي .(1)الطاهرة قبل أن يعرفها من صالة أبيه وأمه

:أول من صلى ) عليه السالم(علي

رات حياة الرسول األعظم، ) صلى اهللا عليه وآله(مع رسول اهللا ) عليه السالم(عاش اإلمام عليكل متغي

حاكيه في أفعاله ويرصده في فكان يرى في محمد المثل الكامل الذي يشبع تطلعاته وعبقرياته، فكان يحركاته ويقتدي به ويطيعه في كل أوامره ونواهيه قبل البعثة النبوية الشريفة وحتى آخر لحظة من عمر

على رسول اهللا كلمة قط)صلى اهللا عليه وآله(النبي خون على أنه لم يردكما أجمع المؤر ،.

لم يسبقني ) :قائال) صلى اهللا عليه وآله(صلى بعد رسول اهللا بأنه أول من ) عليه السالم(وقد صرح اإلمام .(2)(إال رسول اهللا بالصالة

__________ ۲۲۰ / ۳: وقد ذكر العالمة األميني في كتابه الغدير. ۴۳ص: عبقرية اإلمام علي، عباس محمود العقاد (1) .على غيره من الصحابة) عليه السالم) حديثا في أسبقية إسالم اإلمام علي ۶۶ ما يربو على ۲۳۶ـ

.۱۳۱ الخطبة ۳۹۷: نهج البالغة للفيض (2)

۵۶الصفحة

يوما ضحك ضحكا لم أره ضحك ضحكا أشد ) عليه السالم(رأيت عليا : كما روي عن حبة العرني أنه قالصلى اهللا عليه (قبلي غير نبيهااللهم ال أعرف أن عبدا من هذه األمة عبدك ) :منه حتى أبدى ناجذه، ثم قال

.(1)((وآله

صلى اهللا (أنها نزلت في رسول اهللا : عن ابن عباس (2)(واركعوا مع الراكعين) :وجاء في تفسير قوله تعالى .(3)وعلي بن أبي طالب وهما أول من صلى وركع) عليه وآله

صلت المالئكة علي وعلى علي سبعا، ) :( عليه وآلهصلى اهللا(قال رسول اهللا : كما جاء عن أنس بن مالك .(4)(وذلك أنه لم يرفع إلى السماء شهادة ال إله إال اهللا وأن محمدا عبده ورسوله إال مني ومنه

: أول صالة جماعة في اإلسالم

شعاب مكة مستخفيا، وأخرج قبل بدء أمره إذا أراد الصالة خرج إلى) صلى اهللا عليه وآله(وكان رسول اهللا

معه فيصليان ما شاء اهللا، فإذا قضيا رجعا إلى مكانهما، فمكثا يصليان على استخفاء من ) عليه السالم(عليا ما ): صلى اهللا عليه وآله)أبي طالب وسائر عمومتهما وقومهما، ثم إن أبا طالب مر عليهما فقال لرسول اهللا

؟هذا الذي أراك تدين به

هذا دين اهللا ومالئكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم، بعثني اهللا به نبيا إلى ) :(صلى اهللا عليه وآله(قال .(العباد، وأنت ياعم أحق من أبديت النصيحة له ودعوته إلى الهدى، وأحق من أجابني إليه وأعانني عليه

(واتبعته وصليت معه هللا) صلى اهللا عليه وآله(اهللا يا أبت، قد آمنت برسول ) :(عليه السالم(وقال علي. __________

. ۸۸ رقم الحديث ۴۹ / ۱: تأريخ دمشق البن عساكر (1)

.۴۳) : ۲(البقرة (2)

. ۸۵ / ۱: شواهد التنزيل للحسكاني (3)

۱الفصل ۳۰: ، وروى نحوه الشيخ المفيد في اإلرشاد۱۹ رقم الحديث ۱۴: المناقب البن المغازلي (4) . مثله۱۸ / ۴: ، وأسد الغابة البن األثير۲الباب

۵٧الصفحة

.(1)يا بني، أما إنه لم يدعك إال إلى الخير فالزمه: فقال له

كنت إمرأ تاجرا فقدمت الحج، فأتيت العباس : وهناك موقف آخر لعمه العباس رواه عفيف الكندي حيث قالالتجارة، فواهللا إني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه، فنظر بن عبد المطلب ألبتاع منه بعض

إلى الشمس فلما رآها قد مالت قام يصلي، ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل، ما هذا يا: فقامت خلفه تصلي، ثم خرج غالم راهق الحلم من ذلك الخباء فقام معه يصلي، فقلت للعباس

امرأته خديجة : من هذه المرأة؟ قال: هذا محمد بن عبد اهللا بن عبد المطلب ابن أخي، فقلت: عباس؟ قاليصلي :ما هذا الذي يصنع؟ قال: علي بن أبي طالب ابن عمه، قلت: من هذا الفتى؟ قال: بنت خويلد، قلت

ا الغالم، وهو يزعم أنه سيفتح على أمته وهو يزعم أنه نبي، ولم يتبعه على أمره إال امرأته وابن عمه هذ .(2)كنوز كسرى وقيصر

نعم، بعد أن تشكلت نواة األمة اإلسالمية المباركة من رسول اهللا وعلي وخديجة، وأخذ خبر الدين الجديد يتفشى في صفوف القرشيين، وطفق الذين هداهم اهللا لإليمان يتقاطرون على اإلسالم، وأخذ عود المسلمين

ى ويشتد أزره، وبعد عدة سنوات تحول إلى كيان قوي وقادر على اإلعالن عن نفسه على الجماهير يقوأن ) صلى اهللا عليه وآله(فأمر اهللا سبحانه وتعالى نبيه الكريم .. والمواجهة والتحدي من أجل الدين والعقيدة قبل ذلك إذا أرادوا الصالة يذهبون إلى ) صلى اهللا عليه وآله(يصدع بما يؤمر، وكان أصحاب رسول اهللا

الشعاب فيستخفون، فلما صلى بعض الصحابة في الشعب اطلع عليهم نفر من المشركين منهم أبو سفيان بن حرب واألخنس بن

__________ : ، وأخرج مثله الطبري في تأريخه۵۸ / ۱: ، والكامل في التأريخ۳۳: الفصول المهمة البن الصباغ (1)۲ / ۵۸.

، وكفاية الطالب 58 / ۱: ، وتأريخ دمشق البن عساكر۳: ، والخصائص للنسائي۲۹ / ۱: مسند أحمد (2) .۵۷ / ۲: ، والكامل في التأريخ۱۲۹: للكنجي

۵٨الصفحة

.(1)شريق وغيرهما، فسبوهم وعابوهم حتى قاتلوهم

حين إعالن الرسالة) عليه السالم(علي :

: حديث يوم اإلنذار بدعوة منه لغرض ) صلى اهللا عليه وآله(ديث يوم اإلنذار هو الحديث الخاص عن اجتماع عشيرة النبي وح

ذلك اليوم من ) صلى اهللا عليه وآله(دعوتهم إلى بيعته ومؤازرته، وكان أول من أعلن استجابته لرسول اهللا مفسرون والمؤرخون ومنهم الطبري في وقد ذكر ال). عليه السالم(هو علي بن أبي طالب :عشيرته األقربين

وضاق ) صلى اهللا عليه وآله)على رسول اهللا (وأنذر عشيرتك الأقربين) تأريخه وتفسيره معا أنه لما نزلت .ليعينه على اإلنذار والتبليغ) عليه السالم(ذرعا لما كان يعلم به من معاندة قريش وحسدهم، فدعا عليا

يا علي، إن اهللا أمرني أن : فقال) صلى اهللا عليه وآله)دعاني رسول اهللا :(عليه السالم(اإلمام علي قال أنذر عشيرتي األقربين فضقت ذرعا وعلمت أني متى أبادرهم بهذا األمر أرى منهم ما أكره، فصمت عليه

فاصنع لنا صاعا من طعام، واجعل . كيا محمد إال تفعل ما تؤمر به يعذبك رب: حتى جاءني جبرئيل فقال .عليه رجل شاة، وامأل لنا عسا من لبن، واجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به

ودعاهم وهم يومئذ أربعون رجال (صلى اهللا عليه وآله(ما أمره رسول اهللا ) عليه السالم(فصنع عليعليه (هم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فأكلوا، قال علي يزيدون رجال أو ينقصونه، من

فأكل القوم حتى ما لهم بشيء من حاجة، وما أرى إال موضع أيديهم، وأيم الذي نفس علي بيده :(السالم .إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم

تهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا منه جميعا، وأيم اهللا إسق القوم، فجئ): صلى اهللا عليه وآله(ثم قال أن) صلى اهللا عليه وآله(فلما أراد رسول اهللا .إنه كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله

__________ . ط دار الفرقان بيروت ـ لبنان۱/۳۱۵: ، السيرة النبوية۶۰ / ۲: الكامل في التأريخ (1)

۵٩الصفحة

) صلى اهللا عليه وآله(لقد سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم الرسول : بادره أبو لهب فقاليكلمهم صلى اهللا (فأمر عليا في اليوم الثاني أن يفعل كما فعل آنفا، وبعد أن أكلوا وشربوا قال لهم رسول اهللا

في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إنني واهللا ما أعلم شابا ! يا بني عبد المطلب): عليه وآلهإني قد جئتكم بخير الدنيا واآلخرة، وقد أمرني اهللا تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا األمر

أنا يا : على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فأحجم القوم عنه جميعا إال عليا، فقد صاح في حماسةإن هذا أخي ووصيي :برقبة علي وقال) صلى اهللا عليه وآله(وزيرك عليه، فأخذ النبي نبي اهللا أكون

قد أمرك أن تسمع البنك : وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون ألبي طالب .(1)وتطيع

ي وحياة الدعوة اإلسالمية، وقد إذا كان يوم الدار يوم اإلعالن الصريح عن بداية مرحلة جديدة في حياة النب .اتسمت بالتحدي المتبادل ثم المواجهة السافرة بين اإلسالم والشرك

وأحاط علما بجميع شؤونها وتفاصيلها في بدء تشكيل ) صلى اهللا عليه وآله(ومن تتبع سيرة رسول اهللا عليه (يرى أن عليا ؛ وامر اإللهيةالحكومة اإلسالمية وتشريع أحكامها وتنظيم شؤونها ومجرياتها وفق األ

وزير النبي في كل أمره وظهيره على عدوه، وساعده الذي يضرب ويبني به وصاحب أمره إلى ) السالمصلى اهللا عليه (وكان يوم الدار واإلنذار يوم المنطلق الذي لم يشهد ناصرا لرسول اهللا . نهاية عمره الشريف

.ارا وشعورا وجهادا وفداءكعلي بن أبي طالب، شع) وآله

ة المباركة) عليه السالم(عليمن إعالن الرسالة إلى الهجرة النبوي :

ة ومنع النبيالدعوة اإلسالمي من التبليغ) صلى اهللا عليه وآله(عجزت قريش عن إيقاف مد

__________ : ، ومثله في اإلرشاد للمفيد۶۲ / ۲: ط مؤسسة األعلمي، والكامل في التأريخ۶۳ / ۲: تأريخ الطبري (1) . ۸۶ / ۱: وتأريخ دمشق البن عساكر 206 / ۷: ، وأيضا في تفسير مجمع البيان۷ الفصل ۲ الباب ۴۲

۶٠الصفحة

والهداية، فقد خابت مؤامراتهم ودسائسهم، وفشلت تهمهم وتهديداتهم، ألن أبا طالب كان الكهف الحصين الذي لم يزل يدفع عنه أذى قريش وجبروتها، فلجأت قريش إلى طريقة ) يه وآلهصلى اهللا عل)لرسول اهللا

ض للنبيعن حقدها وضعفها فدفعت بالصبيان واألطفال للتعر ورميه ) صلى اهللا عليه وآله)جبانة تنمهو شيخ إذ ال يتسنى ألبي طالب ـ و) عليه السالم(بالحجارة، وهنا كان الدور الحاسم لعلي بن أبي طالب

.(1)الهاشميين الكبير ـ مطاردة الصبيان، فكان علي يطارد الصبيان المترصدين للنبي ويذودهم عنه

في شعب أبي طالب) عليه السالم(علي :

؛ وحين أسرع اإلسالم ينتشر في مكة وأصبح كيانا يقض مضاجع المشركين وخطرا كبيرا يهدد مصالحهموب الغدر والقهر إلسكات صوت الرسالة اإلسالمية، فشهروا سيوف البغي ولم عمد المشركون إلى اسل

، لما له من هيبة ومكانة شريفة في )صلى اهللا عليه وآله(يتوان أبو طالب في إحكام الغطاء األمين للرسول ل من النبيذلك ) صلى اهللا عليه وآله(نفوس زعماء قريش الذين لم يجرؤا على الني يعني مواجهة علنية ألن

.مع أبي طالب وبني هاشم جميعا، وقريش في غنى عن هذه الخطوة الباهضة التكاليف

فاتجهوا نحو المستضعفين المسلمين من العبيد والفقراء فأذاقوهم ألوان التعذيب والقهر والمعاناة ليردوهم عن كهم بالنبيش غير الصمود واإلصرار على اإلسالم وااللتزام ولم تلق قري). صلى اهللا عليه وآله(دينهم وتمس

أفضل حل لتخليص المستضعفين من ) صلى اهللا عليه وآله(بنهج الرسالة اإلسالمية، فوجد رسول اهللا .(2)المسلمين هو الخروج من مكة إلى الحبشة

ولما لم يبق في مكة من المسلمين إال الوجهاء والشخصيات فقد كانت__________

.۱۴۶: االختصاص للمفيد (1)

.۳۲۱ / ۱: سيرة ابن هشام (2)

۶۱الصفحة

المواجهة الدموية هي أبعد ما يكون، وعندها سقطت كل الخيارات، ولم يبق أمام قريش إال أن تلجأ إلى عمل عيا ويجنبها القتال، فكان قرارهم حصار بني هاشم ومن معهم إجتما) صلى اهللا عليه وآله(يضعف الرسول

.واقتصاديا باعتبارهم الحماية التي تقي الرسول من بطش قريش، فبدأت معركتها السلبية مع بني هاشم

وتجمع المسلمون وبنو هاشم في شعب أبي طالب لتوفير سبل الحماية بصورة أفضل، حيث يمكن إيجاد .(1)خطوط دفاعية لمواجهة أي محاولة هجومية قد تقوم بها قريش

كان أبو طالب يطلب من ) صلى اهللا عليه وآله(ن االحتياط والحرص على سالمة حياة الرسول وللمزيد مولده علي أن يبيت في مكان الرسول ليال حرصا على سالمته من االغتيال والمباغتة من قبل األعداء من

طجع في فراش النبي يسارع إلى االمتثال ألوامر والده ويض) عليه السالم(، وكان علي (2)خارج الشعب .فاديا نفسه من أجل الرسالة وحاملها) صلى اهللا عليه وآله(

ا ليأتي ) عليه السالم(ولم يكتف عليبهذا القدر من المخاطرة بنفسه، بل كان يخرج من الشعب إلى مكة سر .، إذ اضطروا في بعض األيام أن يقتاتوا على حشائش األرض(3)بالطعام إلى المحاصرين

لم يكن ألحد أن يقوم بمثل هذه األعمال في تلك الفترة العصيبة إال من ملك جنانا ثابتا وقلبا شجاعا ووعيا الذي قضى ) عليه السالم(، ذلك هو علي ابن أبي طالب )صلى اهللا عليه وآله)رساليا وحبا متفانيا للرسول

بعة عشر عاما وخرج منه وعمره عشرون عاما، في الشعب جزء من زهرة شبابه حيث دخله وعمره س فكانت تجربة جديدة في

__________ .125 / ۱: ، وإعالم الورى۳۵۰ / ۱: سيرة ابن هشام (1)

. ۸۴ / ۳: البداية والنهاية البن كثير (2)

.۲۵۶ / ۱۳: شرح نهج البالغة البن أبي الحديد (3)

۶۲الصفحة

لمخاطر، وأهلته لتلقي الطوارئ والمهام الجسام، وجعلته أكثر التصاقا بالنبي حياته عودته على االستهانة باصلى اهللا (كما عودته على الصبر والطاعة والتفاني في ذات اهللا تعالى وحب الرسول) صلى اهللا عليه وآله(

.(عليه وآله

: والهجرة إلى الطائف) عليه السالم(علي

رسول، واشتدت قريش في تحديه وإيذائه بعد وفاة عمه أبي طالب، ولم يعد في لقد تراكمت األحداث على ال ة عني ) :(صلى اهللا عليه وآله(مكة من تهابه قريش وترعى له حرمة، حتى قال النبيما زالت قريش كاع

النطالق لنشر فكان عليه أن يغير مكانه ويستبدله بمكان أكثر أمنا يستطيع منه ا (1)(حتى مات أبو طالبالدعوة اإلسالمية إلى أرجاء الجزيرة العربية والعالم أجمع، فأخذ يعرض نفسه على القبائل وابتدأ أوال

بالطائف، وبعد عشرة أيام من مكوثه هناك لم تتجاوب معه ثقيف، بل أغرت به الصبيان والخدم والعبيد بن حارثة يتلقيان الضربات ويمنعان الصبية عن ومعه زيد ) عليه السالم(ليرشقوه بالحجارة، فوقف علي

) صلى اهللا عليه وآله(مواصلة االعتداء حتى أصيبا بجروح في جسدهما، ومع ذلك تعرض رسول اهللا .(2)لإلصابة وسالت الدماء من ساقيه

ك خاللها لعرض نفسه على ) صلى اهللا عليه وآله(وروي أنه كان للنبية هجرات أخرى تحرالقبائل عد) عليه السالم(لنشر الدعوة اإلسالمية وتحصين دعوته، ولم يكن معه في حركته إال علي بن أبي طالب

.وعلي يالزمه في كل خطواته .(3)فخرج إلى بني عامر بن صعصعة والى ربيعة وبني شيبان__________

.58، 57 / ۲: ، وسيرة ابن هشام ۲۳۵ / ۱: أعيان الشيعة (1)

.۱۲۷ / ۱: نهج البالغة البن أبي الحديدشرح (2)

.۱۲۵ / ۴: شرح نهج البالغة البن أبي الحديد (3)

۶۳الصفحة

: في بيعة العقبة الثانية) عليه السالم(علي

صلى اهللا (وحين تم االتفاق على اللقاء التأريخي بين طالئع المسلمين القادمين من المدينة مع قائدهم الرسول ، وتمت البيعة (1)في بيت عبد المطلب سرا وقف إلى جانب الرسول عمه حمزة وعلي والعباس) عليه وآله

.على أفضل شكل

وعلى رغم كل التدابير التي اتخذت لسرية اللقاء وإنجاحه إذ تم انعقاده دون علم أحد حتى من المسلمين، إال وا مع أسلحتهم إلى مكان االجتماع، فخرج إليهم حمزة أن أنباءه قد تسربت إلى المشركين، فتجمعوا وأقبل

بسيفهما، فسألوا حمزة عن االجتماع فأنكر ذلك فرجعوا خائبين) عليه السالم)ومعه علي.

حضور علي عليه السالم(إن ( في هذا الحدث الهام واالجتماع التأريخي يكشف عن دور علي)عليه السالم (الرسالة، ألنه كان يعطي األنصار صورة جيدة عن رسول اإلسالم وعن في أهم لحظات الدعوة وتأريخ

.فتزداد ثقتهم واطمئنانهم بالدعوة والرسالة اإلسالمية) صلى اهللا عليه وآله(حماية بني هاشم له

وفقا وتدبيرا محكما من النبيإذ استعان بأشجع رجال بني هاشم(صلى اهللا عليه وآله(وكان تخطيطا م ، ة في توفير القدر الكافي من الحماية للرسول ) عليهما السالم(حمزة وعليرفا بالبأس والشدفهما اللذان ع

.وللرسالة معا

إلى المدينة) صلى اهللا عليه وآله(ليلة هجرة الرسول ) عليه السالم(علي

إثر المعاهدة التي أبرمها مع األوس (لهصلى اهللا عليه وآ(كان االنفتاح الرسالي العظيم الذي قام به النبي، والذي كان نقطة انطالق الدعوة اإلسالمية إلى العالم األوسع، والخطوة (2)والخزرج في بيعة العقبة الثانية الكبيرة لبناء المجتمع الرسالي

__________ .۱۷۴ / ۲: السيرة الحلبية (1)

.1/700 :التاريخ اإلسالمي، وموسوعة ۴۴۰ / ۱: السيرة النبوية البن هشام (2)

۶۴الصفحة

المؤمن، بعد أن انتشر اإلسالم في يثرب بجهود الصفوة من الدعاة المخلصين والمضحين من أجل اهللا ونشر تعاليم اإلسالم، وبذا أصبح للمسلمين بقعة آمنة تمثل محطة مركزية ومهمة لبلورة العمل الثقافي والتربوي

. الجزيرة العربيةوالدعوة اإللهية في مجتمع

وحين تمادى طغاة قريش في إيذاء المسلمين والضغط عليهم إلرغامهم على ترك الدين اإلسالمي وفتهم عن صلى اهللا عليه وآله(نصرة النبي (هم واضطهادهم؛ وحين كثر عتو أمر النبي)أصحابه ) صلى اهللا عليه وآله

، فخرجوا (إن اهللا قد جعل لكم دارا تأمنون بها وإخوانا) :(آلهصلى اهللا عليه و(بالهجرة إلى يثرب، فقال .(1)على شكل مجاميع صغيرة وبدفعات متفرقة خفية عن أنظار قريش

من القريب والبعيد والضغوط والتكذيب والتهديد ) صلى اهللا عليه وآله(ومع كل المعاناة التي القاها النبيفإن أمله بالنصر على األعداء (2)(ما أوذي أحد مثل ما أوذيت في اهللا) :(صلى اهللا عليه وآله(حتى قال

والنجاح من تبليغ الدعوة اإلسالمية لم يضعف، وثقته المطلقة باهللا كانت أقوى من قريش ومؤامراتها، وقد بلة إذا ذلك وتجسدت لديها األخطار التي ستكشف عنها السنون المق) صلى اهللا عليه وآله)عرفت قريش فيه

أن يلتحق بأصحابه ويتخذ من يثرب مستقرا ومنطلقا لنشر دعوته، ) صلى اهللا عليه وآله(تسنى لمحمد فأخذوا يعدون العدة ويخططون للقضاء عليه قبل فوات األوان على شرط أن ال يتحمل مسؤولية قتله شخص

مناهضة القبائل جميعا في دم صاحبهم فيرضون معين أو قبيلة لوحدها، فال تستطيع بنو هاشم وبنو المطلب .حينئذ بالعقل منهم

فكان القرار بعد أن اجتمعوا في دار الندوة وقد كثرت اآلراء بينهم أن__________

، وموسوعة التاريخ ۱۸۲ / ۱: ، والمناقب البن شهرآشوب۴۸۰ / ۱: السيرة النبوية البن هشام (1) .۱/۷۱۷: اإلسالمي

.۶/۳۳۳: ، حلية األولياء۵۸۱۸ ، ح ۳/۱۳۰: ل كنز العما (2)

۶۵الصفحة

ا جلدا معروفا في قبيلته، ويعطى كل منهم سيفا صارما ثم يجمعون على النبيشاب يندبوا من كل قبيلة فتىفأتى في داره، ويضربونه ضربة رجل واحد فيقتلونه، واتفقوا على ليلة تنفيذ الخطة، ) صلى اهللا عليه وآله(

جبرئيل إلى النبي وأخبره بذلك، وأمره أن ال يبيت في فراشه، وأذن له بالهجرة، فعند ذلك أخبر عليا بأمورهم وأمره أن ينام في مضجعه على فراشه الذي كان ينام فيه، ووصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته، وقال

، (1)(اهللا ورسوله، وسر لقدوم كتابي عليكفكن على أهبة الهجرة إلى ؛ إذا أبرمت ما أمرتك به) :له أيضا) صلى اهللا عليه وآله(، إذ استقبل أمر الرسول )عليه السالم(وهنا تتجلى صفحة من صفحات عظمة علي

بنفس مؤمنة صابرة مطمئنة، فرسم لنا أكمل صورة للطاعة المطلقة في أداء المهمات استسالما واعيا للقائد صلى اهللا عليه (إال أن قال للرسول) عليه السالم(قيدة والمبدأ، فما كان جوابه وتضحية عظيمة من أجل الع

.(أوتسلم يا رسول اهللا إن فديتك نفسي؟) :(وآله

ضاحكا، وأهوى إلى ) عليه السالم(فتبسم علي ;(نعم، بذلك وعدني ربي) :(صلى اهللا عليه وآله(فقال .(2)من سالمته) صلى اهللا عليه وآله( اهللا األرض ساجدا ، شكرا لما أنبأه به رسول

ه النبيضم صلى اهللا عليه وآله(ثم ( دا به، فبكى عليجإلى صدره وبكى و)لفراق رسول اهللا ) عليه السالم .(3)(صلى اهللا عليه وآله(

الذي اعتاد أن يتشح به، ) صلى اهللا عليه وآله(ببرد رسول اهللا ) عليه السالم(اتشح علي ؛ وعندما جاء الليل ،مطمئن النفس رابط الجأش ثابت الجنان مبتهجا بما أوكل إليه فرحا بنجاة النبي واضطجع في فراش النبي

وجاء فتيان قريش والشر يمأل نفوسهم__________

.۶۰ ـ ۵۹ / ۱۹: ، وبحار األنوار۴۵: الفصول المهمة البن الصباغ المالكي (1)

عدد كبير من العلماء ) صلى اهللا عليه وآله(في فراش النبي ) عليه السالم(يت اإلمام علي ذكر قصة مب (2)، وابن ۴۵ / ۴: ، وأسد الغابة۳۳۱ / ۱: ، وأحمد بن حنبل في مسنده۹۹ / ۲: الطبري: والمؤرخين منهم

. ۶۰/ ۱۹: ، وبحار األنوار ۴ / ۳: ، والحاكم في المستدرك137 / 1 :عساكر في تأريخ دمشق

.۲۷۵ / ۱: أعيان الشيعة (3)

۶۶الصفحة

صلى اهللا عليه وآله(ويعلو سيوفهم، وأحاطوا بالبيت وجعلوا ينظرون من فرجة الباب إلى حيث اعتاد النبي (أن ينام فيه فرأوا رجال ينام على فراشه، فأيقنوا بوجود النبي، واطمأنت قلوبهم على سالمة خطتهم، فلما

من الدار وقد كان مختبئا في مكان منها، ) صلى اهللا عليه وآله(ث األخير من الليل خرج النبي كان الثل .وكمن فيه ليواصل بعد ذلك هجرته المباركة) ثور(وانطلق إلى غار

عليه (هجموا على الدار، وكان في مقدمتهم خالد ابن الوليد، فوثب علي ؛ ولما حانت ساعة تنفيذ خطتهمصلى (من فراشه فأخذ منه السيف وشد عليهم فأجفلوا أمامه وفروا إلى الخارج، وسألوه عن النبي ) مالسال

.ال أدري إلى أين ذهب: فقال): اهللا عليه وآله

.واالنتشار لدعوته) صلى اهللا عليه وآله(وبذلك كتب اهللا السالمة لنبيه

سنة التضحية والفداء لكل (عليه السالم(فريد سن علي بهذا الموقف الرائع واإلقدام الشجاع والمنهج الإال ) عليه السالم(لم يكن هم علي . الثائرين من أجل التغيير واإلصالح والسائرين في دروب العقيدة والجهاد

ومن ) :وانتشار دعوته المباركة، فنزلت في حقه اآلية المباركة) صلى اهللا عليه وآله(رضا اهللا وسالمة نبيه .(1)(الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد

عليه السالم(مباهاة اهللا مالئكته بموقف علي):

خذالنا سافرا لقريش المعتدية، (صلى اهللا عليه وآله(على فراش رسول اهللا ) عليه السالم(كان مبيت علي

خابت آمالهم وفشلت خططهم في قتل الرسول، وكان فيها إرغام الشيطان وعلو شأن اإليمان، ولم يكن فقد أي عمل نظيرا للمبيت في الثواب والقيمة،

__________ ، وإحياء العلوم ۲۶۲ / ۱۳: راجع في شأن نزول اآلية شرح النهج البن أبي الحديد. ۲۰۷) : ۲(البقرة (1)

: ، ونور االبصار للشبلنجي۴۱: ، والتذكرة لسبط ابن الجوزي۱۱۴: والكفاية للكنجي، ۲۳۸ / ۳: للغزالي، والعقد ۲۹۱ / ۲: ، وسيرة ابن هشام۲۹ / ۲: ، وتأريخ اليعقوبي۲۱۲ / ۱: ، والطبقات البن سعد۸۶

.۹۶ / ۱: ، وشواهد التنزيل للحسكاني223 / 5 :، وتفسير الرازي۲۹۰ / ۳: الفريد البن عبد ربه

۶۷صفحة ال

:كيف وقد باهى اهللا بهذه التضحية مالئكته، كما روي

أوحى اهللا تعالى ؛ )صلى اهللا عليه وآله(على فراش رسول اهللا ) عليه السالم(أنه ليلة بات علي بن أبي طالب

إني قد آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر اآلخر، فأيكما يؤثر :إلى جبرئيل وميكائيل ه بالحياة؟صاحب

أفال كنتما مثل علي ابن أبي طالب حين آخيت بينه : فاختار كالهما الحياة وأحباها، فأوحى اهللا تعالى إليهماوبين محمد، فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى األرض فاحفظاه من عدوه، فهبط

بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب : رئيل يقولجبرئيل فجلس عند رأسه وميكائيل عند رجليه، وجعل جب ؟(1)يباهي اهللا بك المالئكة فوق سبع سماوات

: مهام ما بعد ليلة المبيت

صلى اهللا عليه (مع إطاللة فجر اليوم األول للهجرة المباركة وظالل السالم واألمان اإللهي تحوط رسول اهللا

عليه (الرسالة اإلسالمية الجديد، انفرجت أسارير قلب علي في كل خطوة يخطوها نحو يثرب مقر ) وآلهعليه (، فقد انصرم الليل الرهيب باحتماالته العديدة ومكارهه الكثيرة دون أن يقع شيء يمس حياته )السالمبخطر أو مكروه، واستطاع أن يؤدي المهمة على أكمل وجه، فقد كان على قدر عال من االنضباط ) السالم .الوعي في التنفيذوالدقة و

أداء األمانات التي : مهمات أخرى لم يكن بمقدور أحد أن يقوم بها، منها) عليه السالم(وبقيت أمام علي صلى اهللا عليه وآله(كانت مودعة عند النبي) إلى أصحابها ـ وهم من المشركين ـ الذين وثقوا بالنبي

اشتهر بين قريش بالصادق األمين، وكذلك من يقدم من العرب ألمانته وإخالصه، فقد) صلى اهللا عليه وآله( في الموسم فأودعوا عنده الحلي

__________ : ، والفصول المهمة البن الصباغ۲۷ / ۲: ، والسيرة الحلبية بهامشه السيرة النبوية۴۱: تذكرة الخواص (1) .25 / ۴: د الغابة البن األثير، وأس۳۹ / ۱۹: ، وبحار األنوار۶۵ / ۲: ، والمناقب البن شهرآشوب۴۸

۶۸الصفحة

واألموال، ولم يكن الرسول ممن يخل بتعهداته أو يخون أماناته حتى ولو كانت الظروف المحيطة صعبة العاقل فيها، لم ينس النبي د حياته الشريفة في تلك اللحظات المتسارعة التي يطير لبصلى (والخطورة تهد

ألنه ) عليه السالم(وكل هذه المهمة إلى رجل يقوم بها خير قيام، ولم يكن إال علي أن ي) اهللا عليه وآله .وبالمودعين وأموالهم وهو القوي األمين) صلى اهللا عليه وآله(األعرف بشؤون رسول اهللا

يا أيها :األمانات إلى من كان من أصحابها، ثم قام على الكعبة مناديا بصوت رفيع) عليه السالم(فأوصل صلى اهللا (الناس هل من صاحب أمانة؟ هل من صاحب وصية؟ هل من صاحب عدة له قبل رسول اهللا

، وكان مقام علي بن أبي طالب بعد النبي )صلى اهللا عليه وآله( فلما لم يأت أحد لحق بالنبي ؟)عليه وآله .(1)بمكة ثالثة أيام

عليه السالم(هجرة اإلمام علي) :

بسالم، واستقبلته جموع األنصار، ومن هناك بعث بكتابه ) قبا(إلى ) صلى اهللا عليه وآله( رسول اهللا وصل

يأمره فيه بالمسير إليه واإلسراع في اللحاق به، وكان قد أرسل إليه أبا واقد الليثي، ) عليه السالم(إلى عليالركائب وأعد العدة (عليه السالم(ى علي اشتر) صلى اهللا عليه وآله(وحين وصل إليه كتاب رسول اهللا

إذا مأل الليل بطن كل واد إلى ذي (2)للخروج، وأمر من بقي معه من ضعفاء المسلمين أن يتسللوا ويتخففواوهي الرحيل برفقة النساء نحو يثرب، ) عليه السالم(، وبدأت المهمة الشاقة الثالثة أمام علي (3)طوى

فاطمة بنت رسول اهللا، وامه فاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت الزبير بن عبد : طموخرج هو ومعه الفوا المطلب، وفاطمة بنت حمزة، وتبعهم أيمن مولى

__________ .۲۸۵ / ۲: ، ومروج الذهب للمسعودي۵۸ / ۲: المناقب البن شهرآشوب (1)

.ال يحملوا معهم شيئا يثقل عليهم: يتخففوا (2)

. ب مكةموضع قر: ذي طوى (3)

۶۹الصفحة

.(1)رسول اهللا وأبو واقد الليثي

.وتولى أبو واقد الليثي سوق النياق، ولشدة خشيته كان يحث الخطى سريعا حتى ال يلحق بهم األعداء

على علي أن يرى نساء بني هاشم على تلك الحالة من الجهد والعناء من سرعة ) عليه السالم(وعز .ارفق بالنسوة أبا واقد، إنهن من الضعائف :(سالمعليه ال(الحركة، فقال

:بنفسه يسوق الرواحل سوقا رقيقا، وهو ينشد ليبعث الطمأنينة في نفوس من معه) عليه السالم(وأخذ

يكفيك رب الناس ما أهمكا= وليس إال اهللا فارفع ظنكا

علي ف على قرية في الطريق تسمى على هدوئه في قيادة الركب حتى شار) عليه السالم)واستمروهناك أدركته القوة التي أرسلتها قريش للقبض عليه ومن معه وإعادتهم إلى مكة ، وكانوا سبعة ) ضجنان)

أليمن وأبي ) عليه السالم(، فقال علي ) جناح(فوارس من قريش ملثمين معهم مولى لحرب بن امية اسمه أظننت يا غدار : هو فأنزل النسوة ثم استقبل الفوارس بسيفه ، فقالوا له ، وتقدم أنيخا اإلبل واعقالها : واقد

. أنك ناج بالنسوة ، إرجع ال أبا لك

لترجعن راغما أو لنرجعن : فازدادوا حنقا وغيظا منه ، فقالوا له .. لم أفعل ؟فإن) : عليه السالم(فقال . بأكثرك شعرا وأهون بك من هالك

) عليه السالم(حو النياق ليفزعوها حتى يدخلوا الخوف والرعب إلى قلوب النسوة ، فحال علي ودنا بعضهم ن وسارعه بضربة ) عليه السالم(بينهم وبين ذلك ، فأسرع نحوه جناح وأراد ضربه بسيفه فراغ عنه علي

رسان وهو ، ثم شد على بقية الف (2) على عاتقه فقسمه نصفين حتى وصل السيف إلى كتف فرس جناح راجل، ففروا من بين يديه

__________ . 64 / 19 : ، وعنه بحار األنوار۸۴ / ۲: أمالي الطوسي (1)

. ۶۵ / ۱۹: بحار األنوار (2)

۷۰الصفحة

.فزعين خائفين

فإني منطلق إلى أخي وابن عمي رسول اهللا، فمن :احبس نفسك عنا يا ابن أبي طالب، فقال لهم: وقالوامنيسر فهرب الفرسان على أدبارهم خائبينه أن أفري لحمه وأريق دمه فليدن ،.

، فواصل الركب المسير حتى وصلوا أطلقا مطاياكما :على أيمن وأبي واقد وقال لهما) عليه السالم(ثم أقبل لفواطم فلبث فيها يوما وليلة حتى لحق به نفر من المستضعفين، وبات فيها ليلته تلك هو وا) ضجنان(

صالة ) عليه السالم(يصلون ويذكرون اهللا قياما وقعودا وعلى جنوبهم حتى طلع الفجر، فصلى بهم علي .الفجر، ثم سار لوجهه يجوب منزال بعد منزل ال يفتر عن ذكر اهللا حتى قدموا المدينة

:األجر العظيم بقوله تعالىوقد نزل الوحي قبل قدومهم بما كان من شأنهم وما أعده اهللا لهم من الثواب و

فاستجاب * ... * ... * ... الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات) مهبر مأوذوا في... لهو ارهمدي وا منأخرجوا وراجه قاتلوا فالذينبيلي ونات ... سج مخلنهلأدو... اللهو

.(1)(عنده حسن الثواب

نازال على عمرو بن عوف، فأقام عندهم بضعة عشر يوما ) قباء(في ) صلى اهللا عليه وآله(وكان رسول اهللا ال، إني :(صلى اهللا عليه وآله( ومسجدا؟ فيقول أتقيم عندنا فنتخذ لك منزال: يصلي الخمس قصرا، يقولون له

أنتظر علي بن أبي طالب، وقد أمرته أن يلحقني، ولست مستوطنا منزال حتى يقدم علي، وما أسرعه إن (2)!شاء اهللا

؛ )عليه السالم(وحين وصل علي وما أن رآه النبي ،ة الحركانت قدماه قد تفطرتا من فرط المشي وشد

حتى بكى عليه إشفاقا له، ثم مسح؛ على تلك الحالة) لى اهللا عليه وآلهص(__________

. ۶۷ـ 66 / 19 : ، راجع بحار األنوار ۱۹۵ ـ ۱۹۱) : ۳(آل عمران (1)

.۳۳۹: روضة الكافي (2)

۷۱الصفحة

.(1)يديه على قدميه فلم يشكهما بعد ذلك

تحول من قباء إلى بني سالم ابن ؛ )عليه السالم)لما قدم عليه علي ) هصلى اهللا عليه وآل(ثم إن رسول اهللا عوف وعلي معه، فخط لهم مسجدا، ونصب قبلته، فصلى بهم فيه ركعتين، وخطب خطبتين، ثم راح من

يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قدم عليها وعلي ال يفارقه، يمشي بمشيه، وأخيرا نزل رسول اهللا عند أبي أيوب األنصاري وعلي معه حتى بنى له مسجده وبنيت له مساكنه، ومنزل ) لى اهللا عليه وآلهص(

ال إلى منازلهما (عليه السالم(علي(2)فتحو.

: (صلى اهللا عليه وآله(في فراش النبي ) عليه السالم(من معاني مبيت اإلمام بمثابة إعالن عن ) صلى اهللا عليه وآله(هجرة في فراش النبي ليلة ال) عليه السالم(ـ إن مبيت اإلمام 1

نضج شخصية اإلمام علي الرسالية، وأهليته في أن يمثل شخصية الرسول الذي يعهد إليه في كل أمر .مستصعب وخطب جليل ودعوة مهمة

) صلى اهللا عليه وآله( رداء رسول اهللا) عليه السالم(ـ كانت عملية التمويه على قريش بارتداء اإلمام 2صلى (ومبيته في فراشه ربطا لصلة القرابة بالعالقة المبدئية، وتأكيدا لمبدأ أن نفس علي هي نفس الرسول

، وخصوصا حين أتم مهامه األخرى التي تصرف فيها اإلمام باألمور المالية واالجتماعية )اهللا عليه وآله .(وآلهصلى اهللا عليه (الخاصة بالرسول

ثالثة أيام في مكة كان تأكيدا لشجاعته حين أعلن اإلمام بكل جرأة وثقة ) عليه السالم(ـ إن ثبات اإلمام 3موقفه المبدئي بأنه ثابت على خطى الرسول، وقد نفذ أوامره وأنجز مهامه بهدوء ودقة تامة، ثم هجرته

.العلنية أمام أنظار قريش

والتي أوجزت حقيقة ) عليه السالم(يت بعض الجوانب العظيمة من شخصية اإلمام ـ تجلت في عملية المب 4 .شجاعة اإلمام وقوته النفسية والبدنية ونضوجه الذهني ووعيه الرسالي واستيعابه لألوامر اآللهية

__________

.۱۰۶ / ۲: ، والكامل البن األثير182 / 1 :، والمناقب البن شهرآشوب۶۴ / ۱۹: بحار األنوار (1)

.۳۴۰ ـ ۳۳۹: روضة الكافي (2)

٧٢الصفحة

(صلى اهللا عليه وآله(من الهجرة إلى وفاة النبي (عليه السالم(علي : المرحلة الثالثة

1 والمؤاخاة) عليه السالم(ـ علي :

سك عرى بتكوين نواة المجتمع اإلسالمي وأراد أن يزيد من تما) صلى اهللا عليه وآله(حين شرع الرسول بين المسلمين في موقف صريح بين ليرسخ مبدأ ) صلى اهللا عليه وآله(العالقات بين أفراد المجتمع ؛ أخي

أساسيا من مبادئ اإلسالم الحنيف ، وهو ما تتطلبه الدعوة اإلسالمية في مرحلتيها السرية والعلنية ، فوقعت بين المهاجرين ) صلى اهللا عليه وآله(خى رسول اهللا أول مؤاخاة في اإلسالم في مكة قبل الهجرة ، حيث آ

، ) ۱(واألنصار ، وحين نتفحص عملية المؤاخاة نجد أن الرسول ضم الشكل إلى الشكل والمثل إلى المثل ألن األخوة عملية استراتيجية واسعة ذات معاني ودالالت حركية في مسيرة الدعوة اإلسالمية ، فعبر جسر

. العالقات بين المسلمين كما تنضج األفكار ويتحقق اإلبداع األخوة تتماسك

النبي ا آخى بين أصحابه آخى بين أبي بكر وعمر ، وبين عثمان وعبد ) صلى اهللا عليه وآله(روي أنلم .)۲(الرحمن بن عوف ، ولم يؤاخ بين علي بن أبي طالب وبين أحد منهم

لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما ! هللا يا رسول ا) : عليه السالم(فقال علي .فعلت بغيري ، فإن كان هذا من سخط علي ؛ فلك العتبى والكرامة

والذي بعثني بالحق ما أخرتك إال لنفسي ، وأنت مني بمنزلة ) : صلى اهللا عليه وآله(فقال رسول اهللا .وأنت أخي ووارثي هارون من موسى غير أنه ال نبي بعدي ،

وما أرث منك ؟) : عليه السالم(فقال

ــــــــــــــ

. ۱۹۴: كفاية الطالب للحافظ الكنجي (1)

. ١١٢ / ٣: ، والغدیر للعالمة األمیني ٣٨: الفصول المھمة البن الصباغ المالكي (2)

٧٣الصفحة

، كتاب ربهم وسنة نبيهم ، وأنت معي في قصري ما ورث األنبياء من قبلي ) : صلى اهللا عليه وآله(قال .)۱(في الجنة

.)۲(وأما المؤاخاة الثانية فكانت في المدينة بعد الهجرة بأشهر قليلة

2 عليها السالم(بالزهراء ) عليه السالم(ـ اقتران علي) :

ي نفوس المسلمين وظهرت يدهم بعد أن استقر المقام بالمسلمين وبدأت مبادئ اإلسالم وتعاليمه تترسخ فالقوية في الدفاع عن الرسالة والرسول ؛ تفتحت العالقات بين المسلمين في صورة مجتمع متمدن ونهضة

الذي عصمه اهللا في الفهم والتلقي ) صلى اهللا عليه وآله(ثقافية اجتماعية شاملة ، يتزعمها الرسول الكريم قد تجاوز العشرين من عمره الشريف وهو يصول ) عليه السالم( هو علي واإلبالغ والتربية والتنفيذ ، وها

في سوح الجهاد والدفاع عن العقيدة والدعوة اإلسالمية ، ويقف مع الرسول في كل خطواته ، وقد بلغ من نفس الرسول أعلى منزلة ، يعيش معه وهو أقرب من أي واحد من المسلمين ، وبعد أن انقضت سنتان من

مبلغ النساء ، وشرع الخطاب بما فيهم أبو بكر ) عليها السالم( وفي بيت الرسول بلغت ابنته الزهراء الهجرةإني أنظر : يطلبونها منه وهو يردهم ردا جميال ويقول ) صلى اهللا عليه وآله( يتسابقون إلى النبي )۳(وعمر

.فيها أمر اهللا ، وكان علي من الراغبين في الزواج منها

الحياء وقلة ذات اليد ، فلم يكن) صلى اهللا عليه وآله(لكن كان يمنعه عن مفاتحة النبي و

ــــــــــــــ

(1) وكنز ۲۰۱ / ۶: ، وتأريخ دمشق البن عساكر ) عليه السالم(أخرجه أحمد بن حنبل في مناقب علي ، . ۳۲۶ / ۱: ، وكشف الغمة ۴۰ / ۵: العمال للمتقي الهندي

. ۳۸: ، والفصول المهمة ۱۴: ، تذكرة الخواص 82 :ية الطالب للكنجي كفا (2)

صلى اهللا عليه وآله(كما وردت أحاديث المؤاخاة بين النبي ( وعلي)يصيغ مختلفة ومصادر ) عليه السالمابن ، وتأريخ ۲۳ : ۱: ، ومسند أحمد ۲۲: ، والفصول المهمة ۲۳۵ / ۷: تأريخ ابن كثير : عديدة منها

، ۱۱۵ / ۳: ، والغدير ۲۲۶ / ۱: ، وفرائد السمطين ۲۰۱ / ۶: ، وتأريخ دمشق ۱۳۲ : ۲: هشام . ۱۸۵: وكفاية الطالب

. ۳۵۳ / ۱: كشف الغمة (3)

٧٤الصفحة

لخطبة ) عليه السالم(علي م عليمن الذين يملكون األموال ن وبتشجيع من بعض أصحاب الرسول تقدبما في ) صلى اهللا عليه وآله( على النبي وهو مطرق إلى األرض من الحياء ، فأحس النبي الزهراء ، فدخل

عليه (نفسه فاستقبله ببشاشته وطالقة وجهه الكريم ، وأقبل عليه يسأله برفق ولطف عن حاجته ، فأجابه يا رسول اهللا تزوجني من فاطمة ؟:بصوت ضعيف ) السالم

، ودخل على بضعته الزهراء ليعرض عليها رغبة وأهال مرحبا: قائال ) ه وآلهصلى اهللا علي(فرد النبي هم :لها ) صلى اهللا عليه وآله(فيها ، فقال ) عليه السالم(عليجك خير خلقه وأحبي أن يزولقد سألت رب

كلم بشيء ، فأمسكت ولم تتاليه ، وقد عرفت عليا وفضله ومواقفه ، وجاءني اليوم خاطبا فما ترين ؟ سكوتها رضاها وإقرارها: وهو يقول ) صلى اهللا عليه وآله(فخرج النبي.

إن اهللا أمرني أن أزوج فاطمة : جمع المسلمين وخطب فيهم ، فقال ) صلى اهللا عليه وآله(ثم إن الرسول من علي...

التفت إلى علي فقال ) عليه السالم(ثم:

رضيته يا رسول ) : عليه السالم( فقال أرضيت هذا الزواج يا علي ؟... فاطمة ربي أن أزوجك أمرني لقد .اهللا ، وخر ساجدا هللا

بارك اهللا فيكما ، وجعل منكما الكثير الطيب) : صلى اهللا عليه وآله(فقال النبي.

عليه السالم(وجاء علي ( أه من بيع درعه فوضعه بين يدي رسول اهللابالمهر الذي هي)صلى اهللا عليه وآله (فأمر الرسول أبا بكر وبالال وعمارا وجماعة من الصحابة وأم أيمن لشراء جهاز الزواج ، ولما تم الجهاز

.بارك اهللا لقوم جل آنيتهم من الخزف : وعرض على الرسول ؛ جعل يقلبه بيده ويقول

از منوبيسر وبساطة ودون تكاليف تمت الخطبة والزواج ، وكان الجه

٧٥الصفحة

.)۱(أبسط ما عرفته المدينة ، واحتفل النبي وبنو هاشم بهذا الزواج الميمون

لو لم يخلق اهللا علي : فقال ) عليها السالم(عوتب في زواج فاطمة ) صلى اهللا عليه وآله(وروي أن النبي .بن أبي طالب لما كان لفاطمة كفؤ

لوالك لما كان لها كفؤ على وجه ) : عليه السالم(قال مخاطبا عليا ) وآلهصلى اهللا عليه(وفي خبر آخر أنه .)۲( األرض

3 في معاركه) صلى اهللا عليه وآله)مع الرسول ) عليه السالم(ـ علي :

في معركة بدر) عليه السالم(أ ـ علي :

البشرية بشكل عام وفي تأريخ الرسالة بهجرته عهدا جديدا في تأريخ ) صلى اهللا عليه وآله(فتح رسول اهللا اإلسالمية بشكل خاص ، وبدأت معالم الدولة تتوضح ومظاهر قوة المسلمين تبدو للعيان ، وفي الجانب اآلخر لم تتوقف قريش ومن واالها من المشركين ويهود المدينة الذين أظهروا السلم نفاقا وتغطية على

يعالج األمور بحكمة ) صلى اهللا عليه وآله(م وأهله ، وكان رسول اهللا التخطيط السري للقضاء على اإلسالوروية ، ومن الطبيعي أن ال يقف النبي من مؤامرات أعداء اإلسالم وتحرشاتهم موقف الضعيف المتخاذل ،

.فأخذ يرسل السرايا ليهددهم ويطاردهم أحيانا

ارة والمواصالت في الجزيرة العربية ؛ فقد أصبح ولما كان للمدينة موقع استراتيجي مهم في طرق التج من وضعها في الحسبان ، ومنذ أن وطأت قدم علي ة ضغط البدعليه (المسلمون بعد تزايد عددهم قو

؛ بدأ العمل في كل جوانب الحياة وما تتطلبه الرسالة اإلسالمية ) صلى اهللا عليه وآله(مدينة الرسول ) السالمسول من بناء الدولة ونشر الرسالة مندفعا بطاقة ذاتية هائلة بما وهبه اهللا من قوة وعزيمة جنبا إلى جنب الر

ال توازيها قوة وطاقة مجموعة كبيرة من األفراد ، فكان الذراع القوي التي يضرب

ـــــــــــــــ

. ۱۷ ـ ۱۶: ، ودالئل اإلمامة للطبري ۹۲ / ۴۳: ، وبحار األنوار ۳۴۸ / ۱: كشف الغمة (1)

. 181 / 2 :المناقب البن شهر آشوب (2)

٧٦الصفحة

عليه (، ونجد هذا واضحا جليا في كل وقعة ومعركة دخل فيها علي ) صلى اهللا عليه وآله(بها رسول اهللا ، وكان من طبيعة المعارك أنها تتوقف في العادة على الجولة األولى ، فمن يفوز فيها تحسم ) السالم

التي كانت عنوانا لبداية افول كل القوى العسكرية في الجزيرة )۱(معركة لصالحه ، كما في معركة بدر ال .وخصوصا قريش ، ومنطلقا لالنتصارات والفتوحات التي حققها المسلمون

اية روي أن عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة خرجوا ودعوا إلى المبارزة ، فخرج إليهم في البدمن : من أنتم ؟ قالوا : عوف ومعوذ ابنا عفراء وعبد اهللا بن رواحة وكلهم من األنصار ، فقالوا لهم

.أكفاء كرام وما لنا بكم من حاجة ، ليخرج الينا أكفاؤنا من قومنا : األنصار ، فقالوا

ا بم) صلى اهللا عليه وآله(فأمر النبيه حمزة وعبيدة بن الحارث وعليبارزتهم ، فدنا بعضهم من بعض عم ا حمزة فلم يمهل ) عليه السالم(فبارز عبيدة بن الحارث عتبة ، وبارز حمزة شيبة ، وبارز عليالوليد ، فأم

الوليد ، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كالهما قد أثبت ) عليه السالم(شيبة أن قتله ، وقتل علي حمزة وعلي ۲ (على عتبة فقتاله) السالمعليه (صاحبه ، وكر(.

جبهة المسلمين وعددها ثالثمائة وثالثة : ثم نشبت المعركة بين طرفين غير متكافئين بالموازين العسكرية عشر رجال ، تقاتل عن إيمان وعقيدة ، تدافع عن الحق وتدعو إليه ، وجبهة قريش وعددها تسعمائة

دعاء : هلية ، وهنا دخلت عناصر جديدة في الحرب منها وخمسون رجال تقاتل عن حمية وعصبية جا ، فغاص علي وحمزة وأبطال) عليه السالم(وثباته وبسالة حمزة وقوة علي ) صلى اهللا عليه وآله(الرسول

ــــــــــــــ

معركة بدر العظمى ، وقعت في السنة الثانية للهجرة في السابع عشر من شهر رمضان ، : يقال لها (1) . في التاسع عشر منه :قيل و

. ۳۵ / ۳: ط مؤسسة األعلمي ، وتأريخ الطبري ۱۳۵و 134 / 2 : الكامل في التأريخ (2)

٧٧الصفحة

المسلمين في وسط قريش ، ونسي كل واحد منهم نفسه وكثرة عدوه ، فتطايرت الرؤوس عن األجساد ، ر المسلمون كل من عجز عن الفرار حتى بلغ عدد األسرى وأمد اهللا المسلمين بالقوة والعزيمة والثبات ، واس .سبعين رجال ، وعدد القتلى اثنين وسبعين رجال

) عليه السالم(قتل العدد األكبر منهم ، فعلى أقل التقادير أنه ) عليه السالم(وتنص الروايات على أن عليا هم ) عليه السالم( ويبدو أن الذين قتلهم علي قتل أربعة وعشرين ، وشارك في قتل ثمانية وعشرين آخرين ،

.)۱(أبطال قريش وصناديدها

ة كان عليإضافة إلى ) صلى اهللا عليه وآله(صاحب راية رسول اهللا ) عليه السالم(في هذه المعركة المهم .)۲(دوره الحاسم لنتيجة المعركة

نعم ، قال : هل شهدت بدرا ؟ قال : ان فقال له وروي أن رجال من بني كنانة دخل على معاوية بن أبي سفي .فحدثني ما رأيت وحضرت :

.فصف لي ما رأيت : ما كنا شهودا إال كغياب ، وما رأينا ظفرا كان أوشك منه ، قال : قال

ال يضرب رأيت علي بن أبي طالب غالما شابا ليثا عبقريا يفري الفري ، ال يثبت له أحد إال قتله ، و: قال اغ ، وكأنشيئا إال هتكه ، ولم أر من الناس أحدا قط أنفق منه يحمل حملته ويلتفت التفاتة ، كأنه ثعلب رو

.)۳(له عينان في قفاه ، وكأن وثوبه وثوب وحش

في معركة احد ) عليه السالم(ب ـ علي:

صناديدهالم تكن قريش لتنسى هزيمتها الساحقة في معركة بدر ومقتل

ــــــــــــــ

. ۱۸۲ / ۱: ، وكشف الغمة ۲ الباب ۱۹ الفصل ۶۴: اإلرشاد للمفيد (1)

. 142 / ۱: ، وتأريخ دمشق البن عساكر ۳۳ / ۳: االستيعاب البن عبد البر المالكي بهامش اإلصابة (2)

. ۱۴۵ / ۹: حلية األولياء ألبي نعيم (3)

٧٨الصفحة

ن أبطالها فعزمت على الثأر من المسلمين ردا العتبارها الذي فقدته ، ولم يمض سوى عام ورجالها وكثير محتى استكملت قريش عدتها ، واجتمع إليها أحالفها من المشركين واليهود ، وانضم اليهم كل حاقد وناقم

، وخرج جيش الكفر باتجاه على الدين اإلسالمي ، فاتفقت كلمة الكفر ، واتحدت قوى الباطل لمواجهة الحق المدينة وقد تجاوز عدده ثالثة آالف ، وذلك في أوائل شوال من السنة الثالثة للهجرة ، وما أن وصل خبرهم

حتى جمع المسلمين واستشارهم في الموقف المناسب الذي يجب أن ) صلى اهللا عليه وآله(إلى مسامع النبيتال والصبر والثبات ، ووعدهم بالنصر واألجر ، وتجهز للخروج يتخذوه ، تم خطب فيهم وحثهم على الق

ووزع الرايات على وجوه ) عليه السالم(بمن معه وكانوا ألفا أو يزيدون ، ودفع لواءه لعلي بن أبي طالب المهاجرين واألنصار ، وأبى النفاق إال أن يأخذ دوره في إضعاف المسلمين ، فرجع عبد اهللا ابن أبي بمن

.)۱ (عه في منتصف الطريق ، وكان عددهم يناهز الثالثمائةتب

النبي أصحابه للقتال ووضع تخطيطا ) صلى اهللا عليه وآله(واستمر في مسيره قدما حتى بلغ أحدا ، فأعدسليما محكما للمعركة يضمن لهم النصر ، حيث أمر خمسين رجال من الرماة أن يكونوا من وراء المسلمين

.)۲ ( جانب الجبل ، وأكد عليهم بأن يلزموا أماكنهم وال يتركوها حتى لو قتل المسلمون جميعاإلى

وأعدوا أنفسهم للقتال ، فقسموا األدوار ووزعوا المهام كما بدا لهم ، وأعطوا ) أحد(ووصلت قريش إلى ل من استلمه منهم طلحة بن أبي طلحة ، ولمبذلك أخذ اللواء من لواءهم لبني عبد الدار ، وأو ا علم النبي

وسلمه إلى مصعب بن عمير وكان من بني عبد الدار ، وبقي معه إلى أن قتل ، وحينئذ ) عليه السالم(علي رده

ــــــــــــــ

. ۶۴ / ۳: ، وسيرة ابن هشام 150 / 2 : الكامل في التأريخ (1)

. ۶۶ / ۳: ، وسيرة ابن هشام ۱۵۲ / ۲: ريخ ، والكامل في التأ224 / ۱: مغازي الواقدي (2)

٧٩الصفحة

صلى اهللا عليه وآله(النبي ( إلى علي)قد وقعت في شوال من العام ) أحد(، وكانت معركة ) ۱() عليه السالم .الثالث من الهجرة

ايتهم طلحة بن وفي اللحظة التي كمل فيها التنظيم انطلقت شرارة المعركة عندما برز كبش الشرك وحامل رأبي طلحة الذي كان يعد من شجعان قريش ، يتقدم نحو المسلمين رافعا صوته متحديا لهم مستخفا بجمعهم

إنكم تزعمون أن اهللا يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة ! يا معشر أصحاب محمد : قائال أو يعجلني سيفه إلى النار ؟؛ فهل أحد منكم يعجله سيفي إلى الجنة

جالس في عريش ) صلى اهللا عليه وآله( وبرزا بين الصفين ورسول اهللا )۲() عليه السالم(فخرج إليه عليأعد له يشرف على المعركة ويراقب سيرها ، فضرب علي طلحة فقطع رجله وسقط على األرض وسقطت

فكبر رسول ) عليه السالم(ه اهللا والرحم ، فتركه علي الراية ، فذهب علي ليجهز عليه فكشف عورته وناشد .اهللا وكبر معه المسلمون فرحا بنتيجة هذه الجولة

ثم تقدم أخوه عثمان بن أبي طلحة فحمل الراية فحمل عليه حمزة بن عبد المطلب فضربه فقتله ، فحمل أخذ اللواء أرطاة بن شرحبيل )عليه السالم(اللواء من بعده أخوهما أبو سعيد ، فحمل عليه علي فقتله ، ثم

وهكذا تعاقب على حمل اللواء تسعة من بني عبد الدار قتلوا بأجمعهم بسيف علي ، أو سيف ) ۳(فقتله عليفحمل عليه علي وقتله ، وسقط ) صواب(حمزة ، وكان آخر من حمل اللواء هو غالم لبني عبد الدار يدعى

لمعركة ولم يجرؤ أحد أن يحمله ، فدب الرعب في قلوب المشركين ، وانهارت اللواء من بعده في ساحة ا معنوياتهم ، وانكشف المشركون ال

ـــــــــــــــ

. ط مؤسسة األعلمي 199 / ۲: تأريخ الطبري (1)

. 73 / ۳: سيرة ابن هشام (2)

. ۱۵۴ـ 152 / 2 : الكامل في التاريخ (3)

٨٠الصفحة

.حتى أحاط المسلمون بنسائهم ، وبدت المعركة وكأنها قد حسمت لصالح المسلمين يلوون على شيء

وهنا عصفت النازلة العظمى بالمسلمين حيث ترك الرماة موقعهم فوق الجبل ، وانحدروا يشاركون إخوتهم .غنائم المعركة ، ولم يثبت على الجبل إال عشرة رماة

لمشركين ـ خلو الجبل وقلة الثابتين صاح بخيله ، وكر يحمل على فنظر خالد بن الوليد ـ وكان على خيل االرماة وتبعه عكرمة فقتلوهم ، وهنا تغير ميزان القوة ورجحت كفته لصالح المشركين ، فاستطاعوا أن

، وكانت المأساة التي لم يعرف المسلمون لها مثيال ، فارتبك المسلمون )۱ (ينفذوا ويشقوا صفوف المسلمينصلى (وضاع صوابهم ، فكانت هزيمة بعد نصر وانكسارا بعد انتصار ، وتفرق الناس كلهم عن رسول اهللا

وأسلموه إلى أعدائه بعد أن استشهد عمه حمزة ومصعب بن عمير ، ولم يبق معه أحد إال ) اهللا عليه وآله .علي ونفر قليل من المهاجرين واألنصار

من ) عليه السالم(حرجة سجل التأريخ موقف الصمود والفداء الذي وقفه علي في هذه اللحظات الحاسمة والبكل قوة وبسالة وهمه سالمة ) صلى اهللا عليه وآله(، وقف ليدافع عن النبي ) صلى اهللا عليه وآله(رسول اهللا

ت عن الرسول ، الرسول والرسالة ، إذ كان يحمل الراية بيد والسيف باألخرى يصد الكتائب ويرد الهجما ته ، وكان الرسول كلما رأى جماعة تهجم عليه قال لعليدته وعيا : (عليه السالم(وكأنه جيش بكامل عد

، فيحمل عليهم ويفرقهم ، فلم يزل علي يقاتل حتى أثخنته جراحات عديدة في وجهه علي احمل عليهم . (2)ورأسه وصدره وبطنه ويديه

، فقال رسول اهللا إن هذه لهي المواساة: فقال ) صلى اهللا عليه وآله(النبي ) السالمعليه(فأتى جبرئيل ) :صلى اهللا عليه وآله(

ـــــــــــــــ

. ط مؤسسة األعلمي 194 / ۲: تأريخ الطبري (1)

. ۵۴ / ۲۰: ، وبحار األنوار ۲۸۸ / ۱: ، وأعيان الشيعة 154 / 2 : الكامل في التأريخ (2)

٨١لصفحة ا

ال سيف إال ذو الفقار وال : ، فسمعوا صوتا في السماء يناديوأنا منكما : ، فقال جبرئيلإنه مني وأنا منه(1) فتى إال علي .

، وأن )صلى اهللا عليه وآله)أن يحافظ على حياة الرسول األكرم ) عليه السالم(وهكذا استطاع أمير المؤمنين . حالة من التوازن دون أن يحرز أحد الطرفين نصرا حاسمايوصل نتيجة المعركة إلى

: (أحد(مواقف بعد معركة

اخرج : فقال ) عليه السالم(عليا (صلى اهللا عليه وآله(ولما انصرف أبو سفيان ومن معه ؛ بعث رسول اهللا فإنهم يريدون مكة ، وإن في آثار القوم وانظر ماذا يصنعون ، فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا اإلبل

. ركبوا الخيل وساقوا اإلبل فهم يريدون المدينة

(2) فخرجت في آثارهم فرأيتهم جنبوا الخيل وامتطوا اإلبل يريدون مكة : (عليه السالم(قال علي .

اغسلي : قالو) عليها السالم)إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة ) صلى اهللا عليه وآله(ولما رجع رسول اهللا سفيه وقد خضب الدم يده إلى كتفه ، فقال لها رسول اهللا ) عليه السالم( ، وناولها علي عن هذا دمه يا بنية

. (3) خذيه يا فاطمة فقد أدى بعلك ما عليه ، وقد قتل اهللا بسيفه صناديد قريش : (صلى اهللا عليه وآله(

، باهضة مكلفة خسارتها ، ورغم مرارة المعركة نلمح فيها كانت معركة أحد قاسية نتيجتها ، شديدة وطأتها فقد امتاز بأمور دون أن يشاركه فيها أحد (عليه السالم(ومضات ساطعة من مواقف علي ، :

ــــــــــــــ

، ١٩٩ ، ١٩٨ الحديث ٢٥٧ / ١: ، وفرائد السمطين للحمويني ١٥٤ / ٢: الكامل في التأريخ (1) . ٩٠: الحديث : ، وروضة الكافي١٤٨ / ١: عساكر وتأريخ دمشق البن

. ٩٤ / ٣: ، والسيرة النبوية البن هشام ٣٨٩ / ١: أعيان الشيعة (2)

. ٣٩٠ / ١: أعيان الشيعة (3)

٨٢الصفحة

والتي لم تسقط إلى األرض رغم فرار أغلب ) صلى اهللا عليه وآله(ـ أنه كان صاحب راية رسول اهللا 1 . المسلمين

أصحاب راية المشركين الذين تصدوا لحملها ، وقد أظهر بذلك حنكة عسكرية ) عليه السالم(ـ قتله 2 . وشجاعة فذة ، وأحدث بذلك شرخا كبيرا في صفوف المشركين كان سببا في هزيمتهم في أول المعركة

بعدما فر عنه الناس يدل على وعدم فراره) صلى اهللا عليه وآله(مع رسول اهللا ) عليه السالم(ـ ثباته 3 . (عليه السالم(إيمانه المطلق بالمعركة ، والذي يكشف عن عمق العقيدة ورسوخها في نفسه

والدافع عنه كتائب المشركين الذين قصدوا ) صلى اهللا عليه وآله(ـ أنه كان هو المحامي عن رسول اهللا 4يمثل الدرع التي تقي رسول اهللا عن وصول مكروه ) لسالمعليه ا)، فكان ) صلى اهللا عليه وآله(قتل النبي

. وتفانيه في الحرص على سالمته إليه ، وهذا يدل على عظيم حبه للرسول

، وهذا يدل على فاعليته القتالية العالية وقوته (1)ـ أن أكثر المقتولين من المشركين يومئذ قتاله 5 . (عليه السالم(وشجاعته

والقيم العالية التي عكسها في المعركة حيث ترك اإلجهاز على طلحة بن أبي طلحة عندما ـ األخالق 6 . وتكرما) عليه السالم(كشف عن عورته حياء منه

مالزما له حيث كان الرسول يوجهه (صلى اهللا عليه وآله(كان قريبا من رسول اهللا ) عليه السالم(ـ أنه 7لما سقط في إحدى الحفر التي ) صلى اهللا عليه وآله(ا هو الذي أخذ بيد النبي ليرد الهاجمين عليه ، وأيض

. (2)حفرها أبو عامر الراهب في ساحة المعركة ليقع فيها المسلمون

ـــــــــــــــ

. ۲ الباب ۲۳ ، الفصل ۸۲: اإلرشاد (1)

. ۸۰ / ۳: سيرة ابن هشام (2)

٨٣الصفحة

. ليغسل الدم والتراب عن وجهه ورأسه (صلى اهللا عليه وآله(ماء بدرقته إلى النبي كما أنه هو الذي حمل ال

8 ض لها عليعليه السالم(ـ ورغم الجراحات التي تعر ( والجهد الذي بذله ؛ فقد أرسله النبي) صلى اهللاول بقدرة علي بعد انصراف قريش عن المعركة ليستطلع أخبارهم ، وهذا يدل على ثقة الرس) عليه وآله

. (1)ودقة ضبطه للمعلومات وحنكته في معالجة األمور الطارئة ، فالمعركة لم تنته بعد تماما

في معركة الخندق) عليه السالم(ج ـ علي :

تمثل أمام قريش الفشل في القضاء على المسلمين حقيقة واضحة ن ولكنها الجاهلية والعناد واإلصرار على قريش تتهيأ مرة أخرى لتوجيه الضربة القاضية للمسلمين ، وذلك بالتحالف مع القبائل الكفر ، فعادت

، وازداد غيظ وحقد (2)الجاهلية األخرى واليهود أيضا ، حتى بلغ عددهم عشرة آالف يقودها أبو سفيان ، بعد ) عليه وآلهصلى اهللا(المشركين حين واجهوا األسلوب الدفاعي والتكتيك الحربي الذي اتخذه الرسول

أن استشار أصحابه فأشار سلمان الفارسي رضي اهللا عنه بحفر الخندق ، غير أن االندفاع والحماس . والغرور بالعدة والعدد كان قويا في نفوس األحزاب المجتمعة لقتال المسلمين والقضاء على اإلسالم نهائيا

ن ضيق فيه ، فأصبحوا هم والمسلمون على صعيد وتمكن بعض فرسان قريش من عبور الخندق من مكاواحد ، فازداد المسلمون خوفا على خوفهم وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم

.الثغرة التي أقحموا منها خيلهم

ــــــــــــــ

(1) سيد محسن األمين في أعيان في غزوة أحد قد ذكرها العالمة ال) عليه السالم(هذه االمتيازات لعلي . فراجع ۳۹۰ : ۱: الشيعة

. ۶۳۱ / ۲: السيرة الحلبية (2)

٨٤الصفحة

ى المسلمين ، وهدأت أصوات المسلمين أمام صيحاته وكأنيطلب المبارزة ويتحد فوقف عمرو بن عبد ود . على رؤوسهم الطير ، كل يفكر في نفسه ويحسب لهذا الفارس ألف حساب

أنا له يا : فقال) عليه السالم( فبرز إليه علي هل يبارزه أحد ؟ : (صلى اهللا عليه وآله(رسول اهللا فقال عليه (، فأجلسه النبي ، وللمرة الثانية والثالثة طالب عمرو المبارزة فلم يكن يجيبه إال علي رسول اهللا

ثم أذن النبي لعلي بعد (1)طلب منه الجلوس ي) صلى اهللا عليه وآله(وفي كل مرة كان رسول اهللا ) السالماللهم إنك أخذت عبيدة يوم بدر وحمزة ) : أن عممه بعمامته وقلده بسيفه وألبسه درعه ، ثم رفع يديه وقال

. (2) (يوم أحد وهذا علي أخي وابن عمي فال تذرني فردا وأنت خير الوارثين

برز اإليمان ) : (صلى اهللا عليه وآله(ركة بعد أن قال رسول اهللا إلى ساحة المع) عليه السالم(وبرز علي . (3) (كله إلى الشرك كله

مفاجأة ) عليه السالم(وانحدر علي ا عمرو فقد كان لقاؤه مع علينحو عمرو والثقة بنصر اهللا تمأل قلبه ، أم د عمرو في مبارزة علييا عمرو ، إنك كنت في : لهفقال) عليه السالم(له ، وفي هذا الموقف ترد

. أجل: ، قال ال يدعوني أحد إلى ثالثة إال قبلتها أو واحدة منها: الجاهلية تقول

عليه السالم(قال علي) : محمدا رسول اهللا وأن تسلم لرب فإني أدعوك إلى شهادة أن ال إله إال اهللا وأن أما إنها خير لك : ( السالمعليه(أخر عني هذه ، قال علي : ، قال العالمين

ــــــــــــــ

۱۸۰ / ۲: ، والكامل في التاريخ ۱۷۲ / ۳: ، تاريخ الطبري ۲۲۴ / ۳: السيرة النبوية البن هشام (1) . 318 / ۲: ، والسيرة الحلبية

قب ، وراجع المنا۶۱ / ۱۹: ، عن شرح نهج البالغة ۴۹۲ و ۴۹۱ / ۲: موسوعة التاريخ اإلسالمي (2) . ۳۱۸ / ۲: ، السيرة الحلبية ۱۴۴: للخوارزمي

الباب الثالث والعشرون ، رواه عن ابن : ، ينابيع المودة ۶۱/ ۱۹: شرح نهج البالغة البن أبي الحديد (3) وعن الفضل بن ۲۴۸ / ۱: عن الدميري في حياة الحيوان ۱۰۸ / ۲: مسعود ورواه الميالني في قادتنا

. ولكنه ليس نصا في اإلمامة. ث صحيح ال ينكره إال سقيم الرأي ضعيف اإليمان انه حدي: روزبهان

٨٥الصفحة

(عليه السالم(ال تتحدث نساء قريش بهذا أبدا ، قال علي : ، قالترجع من حيث جئت : ، ثم قالأخذتها لو

. تنزل تقاتلني :

فتقاتال ، وضربه عمرو (عليه السالم(لى علي فغضب عمرو عند ذلك ونزل عن فرسه وعقرها ، ثم أقبل عبسيفه فاتقاه علي بدرقته ، فأثبت فيها السيف وأصاب رأسه ، ثم ضربه علي على عاتقه فسقط إلى األرض

وكبر المسلمون خلفه ، وانجلت الواقعة عن مصرع عمرو ، ) عليه السالم(يخور بدمه ، وعندها كبر علي شاهدوه ، فلحق بهم علي فسقط نوفل بن عبد اهللا في الخندق فنزل إليه علي فقتله وفر أصحابه من هول ما

(1) .

وتلقت األحزاب هذه الضربة القاسية بدهشة واستغراب ، ألنها لم تكن تتوقع أن أحدا يجرؤ على قتل عمرو أنهم بقوا محاصرين بن عبدود ، فدب الخوف في نفوسهم ولم يجسر أحد منهم على تكرار المحاولة إال

.للمدينة فترة من الزمن حتى أذن اهللا بهزيمتهم حين استخدم رسول اهللا أسلوبا آخر لمحاربتهم

على جميع من حضروا غزوة الخندق بأمور) عليه السالم(وامتاز علي :

في مواجهة ـ مبادرته لحماية الثغرة التي عبر منها عمرو وأصحابه ، والتي تدل على الحزم واإلقدام 1 . الطوارئ في ساحة المعركة

صلى (ـ مبارزته عمرا وقتله ، وقد تردد المسلمون في مبارزته فلم يخرج إليه أحد ، وقد قال رسول اهللا 2لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبدود يوم ) : (عليه السالم(مشيدا بموقف علي ) اهللا عليه وآله

. (2) (تي إلى يوم القيامةالخندق أفضل من عمل أم

طوال المعركة تمثلت) عليه السالم(ـ الشجاعة والقوة الفائقة التي ظهرت منه 3

ــــــــــــــ

. ۴۹۵ / ۲: ، وراجع أيضا موسوعة التاريخ اإلسالمي ۱۵۰ / ۱: تاريخ دمشق (1)

۲۵۵ / ۱: وفرائد السمطين ،۱۵۵ / ۱: ، نقال عن هامش تأريخ دمشق ۳۲ / ۳: مستدرك الحاكم (2) . ۱۹۷حديث

٨٦الصفحة

. واضحة حينما لحق المنهزمين الذين عبروا مع عمرو بن عبدود ، وهو راجل وهم فرسان

في شتى المواقف ، مظهرا فيها عظمة الرسالة ) عليه السالم(ـ األخالق العالية التي كان يتميز بها 4 . درعه مع أنها من الدروع الممتازة بين دروع العربوالرسول ، منها أنه لم يسلب عمرا

عمرا ونوفال ولحوقه بالمنهزمين كان سببا في إعادة الثقة للمسلمين بنفوسهم ) عليه السالم(ـ إن قتله 5بعدما رأوا الجمع الكبير لقريش وأحالفها ، وأيضا كان سببا لهزيمة المشركين مع ما أصابهم من الريح

. وسبب خوفهم من أن يعاودوا الغزووالبرد

6 عند ) صلى اهللا عليه وآله)بشهادة الرسول حين قال ) عليه السالم(ـ الشرف الرفيع الذي ناله علي (1) ( برز اإليمان كله إلى الشرك كله ) : (عليه السالم(مبارزة علي .

في صلح الحديبية ) عليه السالم(د ـ علي(*) :

والمسلمون مع ) صلى اهللا عليه وآله) المتغيرة والمؤلمة والمعارك الدامية التي خاضها النبي بعد األحداثقريش واليهود ؛ تمكنت الرسالة اإلسالمية أن تخطو خطوات بعيدة المدى تحقق من خاللها للمسلمين كيانا

. واضحا ووجودا مستقال وقوة البد من حسابها في شتى الميادين

في هذا . المسلمون يشغفون شوقا لزيارة الكعبة ويتذكرونها كلما وقفوا في صالتهم متجهين نحوها وكان على أداء فريضة من فرائض اإلسالم ) صلى اهللا عليه وآله)الوقت من عمر الرسالة اإلسالمية عزم النبي

صلى اهللا (مثل هذه الخطوة حتى أعلن بأمر من اهللا ، فقرر الحج واتخذ كل اإلجراءات والتدابير الالزمة ل مرارا أنه ال) عليه وآله

ــــــــــــــــ

. ۶۱ / ۱۹شرح نهج البالغة البن أبي الحديد ك (1)

. كان خروج النبي ألداء العمرة في مطلع ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة المباركة (*)

٨٧الصفحة

. يريد الحرب ضد قريش أو غيرها

من دخول مكة مهما كلفهم ذلك (صلى اهللا عليه وآله(ما علمت قريش بالخبر ، اجتمعت كلمتهم على منعه ول . من جهد وخسائر ، وأرسلوا خالد بن الوليد على رأس جماعة من الفرسان ليقطع عليه الطريق

؛ كان الماء ) الجحفة(والمسلمون منطقة ) صلى اهللا عليه وآله(وحين نزل النبي قد نفد لديهم ولم يجدوا ماءالروايا فلم يتمكنوا من جلب الماء لترددهم وخوفهم من قريش ، عندها دعا (صلى اهللا عليه وآله(، فأرسل

وأرسله بالروايا لجلب الماء ، وخرج السقاة وهم ال يشكون في ) عليه السالم(عليا ) صلى اهللا عليه وآله(واستقى ، ثم أقبل ) الحرار(حتى وصل ) عليه السالم(تقدمه ، فخرج علي رجوعه لما رأوا من رجوع من

صلى اهللا عليه وآله(بها إلى النبي ( ر النبيا دخل كبل ، فلمجولها ز)ودعا له بالخير (صلى اهللا عليه وآله(1) .

إلى ) أسلم(ه رجل من ثم إن قريشا اضطرت النبي أن يعدل عن الطريق المؤدي إلى مكة ، وانحرف بطريق وعرة المسالك خرجوا منها إلى ثنية المراد ، فهبط الحديبية ، وحاولت قريش أكثر من مرة التحرش

وجماعة من المسلمين األشداء كانوا ) عليه السالم(بالمسلمين ومهاجمتهم بقيادة خالد بن الوليد ، لكن عليا . (2)على قريش في جميع محاوالتها العدوانية يصدون تلك الغارات ويفوتون الفرصة

ت قريش أن تفاوض النبيبعدما رأت العزيمة واإلصرار منه ومن المسلمين ) صلى اهللا عليه وآله(واضطرعلى دخول مكة ، فأرسلت إليه مندوبين عنها للتفاوض ، وكان آخرهم سهيل بن عمر وحويطب من بني

ات لمويبدو أن المفاوض. عبد العزى

ــــــــــــــ

. باب المناقب مثله 280 / 1 : ، وكشف الغمة ۲ الباب ۳۰ ، الفصل ۱۰۸: اإلرشاد (1)

. نقال عن ابن إسحاق۲۱۷ / ۱: سيرة األئمة االثني عشر للحسني (2)

٨٨الصفحة

. الطرفينبل تناولت أمورا أخرى لصالح (1)تنحصر بخصوص قضية الدخول إلى مكة في ذلك العام

لما كان يوم الحديبية ؛ خرج إلينا ناس من المشركين فقالوا لرسول : قال) عليه السالم(فقد روي أن عليا خرج إليك أناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا وليس لهم فقه في ! يا محمد ) : صلى اهللا عليه وآله(اهللا

إذا لم يكن لهم فقه في الدين كما : عنا فارددهم إلينا ، فقال الدين ، وإنما خرجوا فرارا من أموالنا وضيالتنتهن أو ليبعثن اهللا عليكم من يضرب ! يا معشر قريش : تزعمون سنفقههم فيه ، وأضاف إلى ذلك

من هو ذلك الرجل يا : رقابكم بالسيف قد امتحن اهللا قلبه باإليمان ، فقال له أبو بكر وعمر والمشركون ) عليه السالم( ، وكان قد أعطى نعله لعلي هو خاصف النعل) : صلى اهللا عليه وآله(، فقال رسول اهللا

. (2)يخصفها

علي بن أبي ) صلى اهللا عليه وآله(وبعد أن تم االتفاق بين الطرفين على بنود الصلح ؛ دعا رسول اهللا أما الرحمن فو اهللا ما أدري ما هو : سهيل ، فقاليا علي ، بسم اهللا الرحمن الرحيم اكتب : طالب فقال له

صلى اهللا (واهللا ال نكتبها إال بسم اهللا الرحمن الرحيم ، فقال النبي : لكن اكتب باسمك اللهم ، فقال المسلمون لو كنا نعلم أنك : ، فقال سهيل اللهم ، هذا ما قاضى عليه محمد رسول اهللا باسمك اكتب : (عليه وآلهصلى اهللا عليه ( اهللا ما صددناك عن البيت وال قاتلناك ، ولكن اكتب محمد بن عبد اهللا ، فقال النبي رسول : (عليه السالم(، فقال امح رسول اهللا : (عليه السالم( ، ثم قال لعلي إني لرسول اهللا وإن كذبتموني : (وآله

يدي ال تنطلق لمحو اسمك من النبو قال لهة يا رسول اهللا ، إن لك : ، فأخذه رسول اهللا فمحاه ، ثم أما إن . (3) مثلها وستأتيها وأنت مضطر لذلك

ـــــــــــــــ

. ، غزوة الحديبية۴۷۲ / ۱۰: كنز العمال (1)

۲۳۷ / ۲: ، وفضائل الخمسة للفيروزآبادي 173 / 13 : ، وكنز العمال۵۹: ينابيع المودة للقندوزي (2).

. ۴۰۴ / ۲: ط مؤسسة األعلمي ، والكامل البن األثير ۲۸۲ / ۲: الطبري تأريخ (3)

٨٩الصفحة

في غزوة خيبر ) عليه السالم(هـ ـ علي(*) :

لما تم عقد صلح الحديبية اطمأن النبي على مصير الرسالة اإلسالمية من ناحية قريش وباقي أطراف عرب بنود الصلح كانت تميل غلى ترجيح كفة المسلمين ، يضاف إلى ذلك الجزيرة الذين كانوا على شركهم ، ألن

تنامي قوة المسلمين عدة وعدة ، فقد أقبل على اإلسالم خلق كثير ، والعرب أدركوا أن قريشا على عتوها وطغيانها وقوتها قد انكسرت شوكتها وفشلت خططها في القضاء على اإلسالم عن طريق القوة ، ولذا بدا

. التوقيع على عقد الصلح استسالما من جانب قريش

وبقيت قوة أخرى تثير الشغب وتمثل النفاق والغدر ، تلك هي جموع اليهود الذين كانوا خارج المدينة ، صلى اهللا عليه وآله(فكان النبي ( يراقبهم خشية أن يقوموا بعمل معادي بدعم خارجي ، وخصوصا أن

معقل اليهود (خيبر(غزو ) صلى اهللا عليه وآله(الغدر ونقض العهود ، لذا قرر النبي تأريخ اليهود مليء بأصحابه أن يتجهزوا للغزو بأسرع وقت ، فتم ذلك فخرج من المدينة ) صلى اهللا عليه وآله(فأمر . وحصنهم

السير باتجاه خيبر ، فوصل إليهم لي (عليه السالم(وأعطى الراية لعلي ال ولم يعلم به أهلها ، ومضى يجدفخرجوا عند الصباح ، فلما رأوه عادوا وامتنعوا في حصونهم ، فحاصرهم النبي وضيق عليهم ونشبت

من فتح بعض حصونهم ، ) صلى اهللا عليه وآله)معارك ضارية بين الطرفين حول الحصون ، وتمكن النبي يوما ، وبقيت بعض الحصون المنيعة ، فبعث النبي واستمر الحال هذا من الحصار والقتال بضعا وعشرين

برايته أبا بكر فرجع ولم يصنع شيئا ، وفي اليوم الثاني بعث بها عمر بن الخطاب ) صلى اهللا عليه وآله) فرج خائبا

ـــــــــــــــ

ميال ) ۹۰(مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير ، تقع خارج المدينة على بعد حوالي : خيبر (*) . ، وقعت الغزوة في بداية محرم من العام السابع للهجرة

٩٠الصفحة

أن يعقد بيده لواء ) صلى اهللا عليه وآله(كصاحبه يجبن أصحابه ويجبنه أصحابه ، وهنا عز على رسول اهللا كلمة خالدة تتضمن ) لهصلى اهللا عليه وآ(فيرجع خائبا ، أو يوجه أحدا نحو هدف فيرتد منهزما ، فأعلن

ألعطين الراية غدا رجال يحب اهللا ) : معان عميقة ومغاز جليلة ، فقال بصوت رفيع يسمعه أكثر المسلمين ( ورسوله ويحبه اهللا ورسوله ، كرارا غير فرار يفتح اهللا عليه ، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله

(1) .

ما : ى كل واحد أن يكون مصداق ذلك ، حتى أن عمر بن الخطاب قال فاشرأبت األعناق وامتدت وتمن . (2)أحببت اإلمارة إال يومئذ ، وتمنيت أن أعطى الراية

ا طلع الفجر ، قام النبيصلى اهللا عليه وآله(فلم ( ادعا علي فدعا باللواء والناس على مصافهم ، ثم) عليه ، فذهب إليه سلمة ابن األكوع وأخذ بيده يقوده فأرسلوا له : هو أرمد ، قال! يا رسول اهللا : ، فقيل ) السالم

بل يده (صلى اهللا عليه وآله(حتى أتى به النبي في حجره ، ثم رأس علي ب عينيه ، فوضع النبيوقد عصاللهم أكفه : قولهمن ريقه ومسح بها عيني علي فبرأتا حتى كأن لم يكن بهما وجع ، ثم دعا النبي لعلي ب

. (3) الحر والبرد

في وسطه وأعطاه الراية ووجهه ) صلى اهللا عليه وآله(ثم ألبسه درعه الحديد وشد ذا الفقار الذي هو سيفه أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى اإلسالم ) : (صلى اهللا عليه وآله(نحو الحصن ، فقال عليهم من حق اهللا تعالى فيه ، فو الذي نفسي بيده ، إلن يهدي بهداك ـ أو لغن يهدي وأخبرهم بما يجب

. ( اهللا بهداك ـ رجال واحدا خير من أن يكون لك حمر النعم

فخرج واهللا يهرول هرولة وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته: قال سلمة

ــــــــــــــ

ترجمة اإلمام ۱۶۶ / ۱: ؤسسة األعلمي ، وتأريخ دمشق البن عساكر ط م۳۰۰ / ۲: تاريخ الطبري (1) : ، والسيرة الحلبية بهامش السيرة النبوية۳۲: ، تذكرة الخواص البن الجوزي الحنفي (عليه السالم(علي

3 / 37 .

. ۳۲: تذكرة الخواص (2)

: ، وفرائد السمطين ۲۲۰ / ۲ : ط مؤسسة األعلمي ، والكامل البن األثير۳۰۱ / ۲: تأريخ الطبري (3) . ۲۰۳ ، حديث ۲۶۴ / ۱

٩١الصفحة

عليأنا (: من أنت ؟ قال : في رخم من حجارة تحت الحصن ، فأطلع إليه يهودي من رأس الحصن ، فقال .)بن أبي طالب

.)۱(غلبتم ، وما أنزل على موسى : قال اليهودي ألصحابه : قال

وكان معروفا بالشجاعة ، ) مرحب(وكان أول من خرج إليه الحارث أخو ثم خرج إليه أهل الحصن ، عليه السالم(فانكشف المسلمون ووثب علي ( فتضاربا وتقاتال فقتله علي ،)وانهزم اليهود إلى ) عليه السالم

.ن الحصن ، ثم خرج مرحب وقد لبس در عين وتقلد بسيفين واعتم بعمامتين ومعه رمح لسانه ثالثة أسنا

الحجر الذي كان قد ثقبه ووضعه على رأسه ، وقد بسيفه فقد بضربتين ، فضربه علي فاختلف هو وعلي) مرحب(المغفر ، وشق رأسه نصفين حتى وصل السيف إلى أضراسه ، ولما أبصر اليهود ما حل بفارسهم

.؛ ولوا منهزمين إلى داخل الحصن وأغلقوا بابه

إليه فعالجه حتى فتحه ، وأكثر الناس من جانب الخندق ـ الذي حول الحصن ـ ) معليه السال(فصار عليفأخذ باب الحصن فقلعه وجعله على الخندق جسرا لهم حتى عبروا وظفروا ) عليه السالم(لم يعبروا معه

.)۲(بالحصن ونالوا الغنائم

.أنه اجتمع عدة رجال على أن يحركوا الباب فما استطاعوا: وروي

ولكنا عجبنا من قلعه الباب ورميه ) عليه السالم(ما عجبنا من فتح اهللا خيبر على يدي علي : قال ابن عمرو بذلك ) صلى اهللا عليه وآله(خلفه أربعين ذراعا ، ولقد تكلف حمله أربعون رجال فما أطاقوه ، فأخبر النبي

.) كا والذي نفسي بيده لقد أعانه عليه أربعون مل( : فقال

ــــــــــــــــ

.۴۰۱ : ۱: أعيان الشيعة ) ۱(

، ۲ من باب ۳۱ ، الفصل ۱۱۴: ط مؤسسة األعلمي ، واإلرشاد للمفيد ۳۰۱ / ۲: تأريخ الطبري ) ۲( .۱۶ / ۲۱: وبحار األنوار

٩٢الصفحة

ما قلعت باب خيبر واهللا :قال في رسالته إلى سهل بن حنيف ) عليه السالم(وروي أن أمير المؤمنين ورميت به خلف ظهري أربعين ذراعا بقوة جسدية وال حركة غذائية ، لكني أيدت بقوة ملكوتية ونفس

.)۱(بنور ربها مضيئة ، وأنا من أحمد كالضوء من الضوء

في فتح مكة) عليه السالم(و ـ علي (*) :

بكامل بنود ) صلى اهللا عليه وآله( ، والتزم رسول اهللا ساد الهدوء والسلم األجواء المحيطة بقريش والمسلمينالحديبية ، غير أن قريشا كانت تنوي نقض المعاهدة ، وقد تصورت أن ضعفا أصاب المسلمين بعد

صلى اهللا (منهزمين ، فأدى استخفافها بالمسلمين إلى التآمر على أحالف النبي ) مؤتة(انسحابهم من معركة خزاعة ، فحرضت بعض أحالفها من بني بكر ، فوقعت بينهما مناوشات فتغلب بنو بكر من ) عليه وآله

.بمعونة قريش على خزاعة ، وبهذا فقد نقضت قريش المعاهدة وأعلنت الحرب على المسلمين

ال نصرت إن لم أنصر ( :على محاربة قريش ، وقال كلمته المشهورة ) صلى اهللا عليه وآله(فعزم النبي وأخذ يستعد لذلك وهو يحرص على أن ال يذاع هذا األمر ، ولكن حاطب بن أبي بلتعة سرب )ة خزاع

وقبل ) صلى اهللا عليه وآله(الخبر ، فأرسل كتابا إلى قريش مع امرأة يخبرهم بما عزم عليه النبي ،فور عليا والزبير ، خروجها من ضواحي المدينة ؛ نزل الوحي على النبي وأخبره بذلك ، فأرسل خلفها بال

وأمرهما بأن يجدا السير في طلبها قبل أن تفلت منهما ، فأدركاها على بعد أميال من المدينة ، فأسرع إليها

ارجع : الزبير وسألها عن الكتاب فأنكرته وبكت فرق لها الزبير ، ورجع عنها ليخبر عليا ببراءتها وقال له ليه السالمع(لنخبر الرسول بذلك ، فقال علي : ( رسول اهللا إن)يخبرنا بأنها تحمل ) صلى اهللا عليه وآله

شهر علي سيفه) عليه السالم(كتابا وتقول أنت بأنها ال تحمل شيئا ، ثم

ــــــــــــــــ

.۱۰المجلس السابع والسبعون ، الحديث : األمالي للصدوق ) ۱(

.ن الهجرة النبوية كان فتح مكة في شهر رمضان سنة ثمان م(*)

٩٣الصفحة

صلى اهللا عليه وآله(وأقبل عليها حتى استخرج الكتاب منها ، ورجع إلى النبي ( اهوسلمه إي)۱(.

النبي ا أتماالستعدادات والتجهيزات الالزمة للخروج إلى مكة ؛ أعطى لواءه إلى ) صلى اهللا عليه وآله(ولم ع ا) عليه السالم(عليلرايات على زعماء القبائل ومضى يقطع الطريق باتجاه مكة ووز.

ا رأت قريش أنها ال طاقة لها أمام النبيا من أن ) صلى اهللا عليه وآله(ولمدوالمسلمين ؛ استسلمت ولم تجد ب .)۲(يدخل كل فرد منهم داره ليأمن على نفسه انقيادا لألمان الذي أعلنه النبي لهم

على األنصار ولما مر على أبي ) صلى اهللا عليه وآله( سعد بن عبادة كان معه راية رسول اهللا أن: وروي هؤالء : من هذه ؟ قيل له : قال أبو سفيان ) في الطريق إلى مكة ( سفيان وهو واقف بمضيق الوادي

، اليوم يوم الملحمة ، اليوم يا أبا سفيان : األنصار عليهم سعد بن عبادة مع الراية ، فلما حاذاه سعد قال بأبي سفيان وحاذاه أبو ) صلى اهللا عليه وآله(تستحل الحرمة ، اليوم أذل اهللا قريشا ، فلما مر رسول اهللا

: أمرت بقتل قومك فإنه زعم سعد ومن معه حين مر بنا أنه قاتلنا فإنه قال ! يا رسول اهللا : سفيان ناداه .أنشدك اهللا في قومك ، فأنت أبر الناس وأرحمهم وأوصلهم . ..اليوم يوم الملحمة

كذب سعد ، اليوم يوم المرحمة ، اليوم أعز اهللا فيه قريشا ، اليوم يعظم اهللا ( ) : صلى اهللا عليه وآله(فقال .)فيه الكعبة ، اليوم تكسى فيه الكعبة

أن ينزع اللواء منه ، وأن ) عليه السالم(دة عليا إلى سعد بن عبا) صلى اهللا عليه وآله(وأرسل رسول اهللا .)۳(يدخل بها مكة

مكة بذلك الجيش الكبير الذي لم تعرف له مكة) صلى اهللا عليه وآله(ودخل رسول اهللا

ـــــــــــــــ

.۷۵ / ۳: ط مؤسسة األعلمي ، والسيرة الحلبية بهامشه السيرة النبوية ۳۲۸ / ۲: تأريخ الطبري ) ۱(

.۲۴۳ / ۲: ، والكامل في التأريخ البن األثير ۳۳۲ / ۲: تأريخ الطبري ) ۲(

.۲ الباب ۳۴ الفصل ۱۲۱: ط مؤسسة األعلمي ، اإلرشاد للمفيد ۳۳۴ / ۲: تأريخ الطبري ) ۳(

٩٤الصفحة

العام وهو على ، وأعلن العفو ) عليه السالم(نظيرا في تأريخها الطويل ، ولواؤه بيد علي بن أبي طالب .أبواب مكة

لتحطيم األصنام ) صلى اهللا عليه وآله(على منكب رسول اهللا ) عليه السالم(صعود علي:

إلى كسر األصنام ، ) صلى اهللا عليه وآله( انطلق بي رسول اهللا :أنه قال ) عليه السالم(وروي عن عليانهض بي ، : الرسول على منكبي فقال لي اجلس ، فجلست إلى جنب الكعبة ، ثم صعد: فقال لي

يا علي اصعد على منكبي : اجلس ، فجلست ونزل عني ، وقال : فنهضت به ، فلما رأى ضعفي تحته قال .. ، فصعدت على منكبيه ، ثم نهض بي حتى خيل لي أن لو شئت نلت السماء ، وصعدت على الكعبة

عالجه ، فلم ) : صلى اهللا عليه وآله(بأوتاد من حديد ، فقال فألقيت الصنم األكبر وكان من نحاس موتدا دقه ، فدققته وكسرته : إيه إيه ، حتى قلعته ، فقال : يقول ) صلى اهللا عليه وآله(أزل أعالجه ورسول اهللا

.)۱( ونزلت

في غزوة حنين) عليه السالم(ز ـ علي(*) :

حين دخل مكة واستسلمت قريش وأذعنت له ) ى اهللا عليه وآلهصل(بعد أن كتب اهللا النصر والفتح لرسوله والمبادرة إليه قبل أن ) صلى اهللا عليه وآله(على محاربة النبي ) ثقيف(وقبيلة ) هوازن(أجمعت قبيلة

يغزوهم ، وأعد لهم النبي العدة لما سمع بذلك ، وعبأ المسلمين الذين تجاوز عددهم اثني عشر ألفا وخرج .هم من مكة الي

ووزع األلوية والرايات على قادة الجيش وزعماء ) صلى اهللا عليه وآله(ولما قربوا من موقع العدو صفهم ، ولكن هوازن أعدت خطة للغدر بالمسلمين على حين غفلة منهم )۲(القبائل ، فأعطى عليا لواء المهاجرين ، فكمنوا لهم في شعاب واد من أودية

ـــــــــــــــ

مثله ۳۴: وروى ابن الجوزي في تذكرة الخواص . ۵ / ۳ و ۳۶۷ / ۲: المستدرك على الصحيحين ) ۱( .۲۵۴: ، ينابيع المودة للقندوزي

.في شوال سنة ثمان للهجرة النبوية ) حنين(وقعت غزوة (*)

.۱۰۶ / ۳: السيرة الحلبية ) ۲(

٩٥الصفحة

.المرور فيه تهامة حيث ال مفر لهم من

باغتتهم كتائب هوازن من كل ناحية ، وانهزمت بنو سليم وكانوا ) حنين(وحين انحدر المسلمون في وادي في مقدمة جيش المسلمين وانهزم من وراءهم ، وخلى اهللا تعالى بينهم وبين عدوهم إلعجابهم بكثرتهم ، ولم

.)۱(ر قليل من بني هاشم وأيمن بن عبيد إال نف) صلى اهللا عليه وآله(يثبت مع رسول اهللا

عليه السالم(ووقف علي ( كالمارد يضرب بسيفه عن يمينه وشماله ، فلم يدن أحد من النبي) صلى اهللا عليهومن معه أن ) عليه السالم(ودفاع علي ) صلى اهللا عليه وآله(؛ إال جندله بسيفه ، وكان لثبات النبي ) وآله

أبو (وخرج رجل من هوازن يدعى . إلى نفوس بعض المسلمين ، فأعادوا الكرة على هوازن عادت الثقة وقتله ، ) عليه السالم(حامل رايتهم وكان شجاعا ، فتحاماه الناس ولم يثبتوا له ، فبرز إليه علي ) جرول

سيوفهم في فدب الذعر في نفوس المشركين كما دب الحماس في نفوس المسلمين ، ووضع المسلمون مهم حتى قتل بنفسه أربعين رجال من القوم ، ) عليه السالم(هوازن وأحالفها يقتلون ويأسرون وعلييتقد

.)۲ (فكان النصر للمسلمين

في غزوة تبوك) عليه السالم(ح ـ علي (*) :

النبي والهجوم على الجزيرة ، لمواجهة الروم حين علم أنهم يريدون اإلغارة) صلى اهللا عليه وآله(استعد فأعد بما يملك من استراتيجية محكمة العدة والعدد ، وقرر ـ ألهمية الموقف والنزال ـ أن يكون على رأس الجيش المتقدم ، ولكن الظروف السياسية والعسكرية لم تكن تدعو لالطمئنان التام ونفي االحتمال من

أو قيامهم بأعمال تخريبية أخرى ، لذا يتطلبهجوم المنافقين أو المرجفين على المدينة

ـــــــــــــــ

.۲۷۹ / ۱: ، وأعيان الشيعة لألمين ۳۴۷ / ۲: تأريخ الطبري ) ۱(

/ ۱: ، وكشف الغمة ۸۹۵ / ۲: ، والمغازي للواقدي ۵۶۶ رقم الحديث ۳۰۸ص : روضة الكافي ) ۲(۲۲۶.

.من الهجرة النبوية في شهر رجب سنة تسع ) تبوك(وقعت غزوة (*)

٩٦الصفحة

األمر أن يبقى في المدينة من يتمتع بمؤهالت ولياقات عالية وحكمة بالغة ودراية تفصيلية في جميع االمور عليا لهذه ) صلى اهللا عليه وآله(وحرص على العقيدة كي يتمكن من مواجهة الطوارئ ، فاختار النبي األكرم

.يقوم مقام النبي في غيابه المهمة الحساسة كي

.) يا علي ، إن المدينة ال تصلح إال بي أو بك ( ) : صلى اهللا عليه وآله(فقال

ك النبيا تحرتبوك(باتجاه ) صلى اهللا عليه وآله(ولم ( ؛ ثقل على أهل النفاق بقاء علي)على ) عليه السالمة في عاصمة الدولة اإلسالمية ، وعظم عليهم مقامه ، وعلموا أنها في حراسة أمينة وال رأس السلطة المحلي

النبي دون في مجالسهم ونواديهم أنلم ) صلى اهللا عليه وآله(مجال لمطمع فيها ، فساءهم ذلك ، فأخذوا يرد .يستخلفه إال استثقاال ومقتا له ، فبهتوا بهذا اإلرجاف عليا ، كبهت قريش للنبي بالجنة والسحر

إرجاف المنافقين به أراد تكذيبهم وإظهار فضيحتهم ، فأخذ سيفه وسالحه ولحق ) عليه السالم(فلما بلغ عليا المنافقين يزعمون أنك خلفتني استثقاال ومقتا: فقال ) صلى اهللا عليه وآله(بالنبي فقال يا رسول اهللا ، إن ،

المدينة ال تصلح إال بي أو بك ، فأنت خليفتي في أهل بيتي ارجع إلى مكانك فإن) : صلى اهللا عليه وآله( ـ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إال أنه ال نبي ودار هجرتي وقومي ، أما ترضى ـ يا علي

.بعدي

۱(في سفره ) صلى اهللا عليه وآله(ومضى رسول اهللا ) عليه السالم(فرجع علي(.

:تبليغ سورة براءة

يبلغ رسالته المباركة وينشر اإلسالم في ربوع) صلى اهللا عليه وآله(مر رسول اهللا است

ـــــــــــــــــ

، والسيرة ۴۳ ، الفصل ۱۳۸: ط مؤسسة األعلمي ، واإلرشاد للمفيد ۳۶۸ / ۲: تأريخ الطبري ) ۱(. ، وصحيح مسلم ۳ / ۶ باب غزوة تبوك: ، وصحيح البخاري ۱۳۲ / ۳: الحلبية بهامش السيرة النبوية

و ۱۸۵ / ۱: ومسند أحمد . ۳۰۰ / ۲: والترمذي ۲۴۰۴ الحديث ۲۳ / ۵: كتاب فضائل الصحابة .۶۳۲۳ رقم ۴۳۲ / ۱: وتاريخ بغداد ۱۱۵ الحديث ۴۲ / ۱: وسنن ابن ماجة ۵۰۸ الحديث ۲۸۴

٩٧الصفحة

حتى أشرفت السنة التاسعة للهجرة على الجزيرة العربية ، وفي ذات الوقت يطارد فلول الشرك عسكريانهايتها ، فأصبح لإلسالم كيان سياسي مستقل وأمة تسودها عالقات متينة وأرض مترامية األطراف وحدود

صلى اهللا (منيعة ، ولم يعد لقوى الشرك وجود معتبر ، فكان البد من تصفيتهم ، ونزلت على رسول اهللا تسن التشريعات التي تحدد موقفه من المشركين والعهود واألحالف التي كان التي ) براءة(سورة ) عليه وآله

وكان أفضل مكان إلعالن هذا القرار وقراءة هذا البيان الرسمي اإللهي هو البيت الحرام ، . قد أبرمها معهم ل النبي وأفضل وقت له هو اليوم العاشر من ذي الحجة حيث يجتمع المشركون من أطراف الجزيرة ، فأرس

وهو المكان ) ذي الحليفة (، ولما انتهى إلى ) براءة(أبا بكر ليحج بالناس ويبلغ سورة ) صلى اهللا عليه وآله(المعروف اليوم بمسجد الشجرة ، وإذا بالوحي ينزل على النبي ويأمره أن يرسل مكانه علي بن أبي طالب

أخذ اآليات من أبي بكر ويبلغها بنفسه ، فمضى نحو مكة وهو ، فأرسل النبي عليا وأمره أن ي) عليه السالم(على ناقة النبي حتى التحق بأبي بكر ، فلما سمع رغاء الناقة عرفها فخرج فزعا وهو يظنه رسول اهللا

وإذا هو علي ، فأخذ منه اآليات ورجع أبو بكر إلى المدينة خائفا أن يكون قد نزل فيه) صلى اهللا عليه وآله( ال ، ولكني ) :صلى اهللا عليه وآله(انزل في شيء ؟ فقال النبي ! يا رسول اهللا : ما يغضب النبي ، فقال

.)۱ (أمرت أن أبلغها أنا أو رجل مني

في طريقه حتى بلغ مكة ، وعندما اجتمع الناس ألداء مناسكهم ؛ قرأ عليهم ) عليه السالم(وانطلق عليال يدخل مكة مشرك بعد عامه هذا ، وال يطوف بالبيت : السورة ، ونادى في الناس اآليات األولى من

.)۲(عريان ، ومن كان بينه وبين رسول اهللا عهد فعهده إلى مدته

ـــــــــــــــ

.۳۴۳ / ۲: ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ۲۹۱ / ۲: الكامل في التأريخ البن األثير ) ۱(

.۴۵ / ۵: لنهاية البن كثير البداية وا) ۲(

٩٨الصفحة

في اليمن ) عليه السالم(علي:

إلى اليمن خالد بن الوليد وجمعا من الصحابة ) صلى اهللا عليه وآله(استمرارا في نشر اإلسالم أرسل النبي فلم يتمكن من إلى اإلسالم ، وظل خالد نحوا من ستة أشهر دون أن يحقق نجاحا ،) همدان(ليدعوا قبيلة

إقناع همدان في اعتناق اإلسالم ، فبعث إلى النبي يخبره بعدم إجابة القوم له وانصرافهم عنه ، عند ذاك صلى اهللا عليه وآله(بعث النبي ( بن أبي طالب علي)عيد خالدا إلى المدينة ) عليه السالموطلب منه أن ي

.من المجموعة المرسلة مع خالد ويحل محله في مهمته ، ويبقي معه من يشاء

ة علين خرج مع ) : عليه السالم(روي عن البراء بن عازب الذي كان مع خالد وبقي في سريكنت ممبعث عليا ) صلى اهللا عليه وآله(خالد فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى اإلسالم فلم يجيبوا ، ثم إن رسول اهللا

عليه (دا ويكون مكانه ، فلما دنونا من القوم ؛ خرجوا إلينا وصلى بنا علي وأمره أن يقفل خال) عليه السالم(بإسالمهم ، ) صلى اهللا عليه وآله(ثم صفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول اهللا ) السالم

يه وآلهصلى اهللا عل(إلى رسول اهللا ) عليه السالم(فأسلمت همدان جميعا وأرسل علي ( فخر ، بالخبر السار .)۱(السالم على همدان : رسول اهللا ساجدا ثم رفع رأسه وقال

إلى اإلسالم ، ) مذحج(أرسل عليا في مهمة ثانية إلى اليمن ليدعو ) صلى اهللا عليه وآله(أن النبي : وروي ، وأوصاه أن ال يقاتلهم إال إذا قاتلوه ، وكان معه ثالثمائة فارس ، وعقد رسول اهللا له اللواء وعممه بيده

علي ا دخل إلى بالد مذحج ؛ دعاهم إلى اإلسالم فأبوا عليه ورموا المسلمين بالنبل والحجارة ، فأعدفلمأصحابه للقتال ، وهجم عليهم فقتل منهم عشرين رجال فتفرقوا وانهزموا فتركهم ، ثم دعاهم ) عليه السالم(

له نحن على من: ة فأجابوه لذلك ، وبايعه عدد من رؤسائهم ، وقالوا إلى اإلسالم ثاني

ــــــــــــــ

، والسيرة النبوية البن كثير ك ۳۰۰ / ۲: ، والكامل في التأريخ البن األثير ۴۱۰ / ۱: أعيان الشيعة ) ۱(۴ / ۲۰۱.

٩٩الصفحة

.وراءنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حق اهللا

يا رسول : إلى اليمن ، فقلت ) صلى اهللا عليه وآله( بعثني رسول اهللا :قال ) عليه السالم( أن عليا :وروي اللهم ثبت لسانه : اهللا ، تبعثني إلى قوم وأنا حديث السن ال أبصر القضاء ، فوضع يده على صدري وقال

تسمع من اآلخر ، فإنك إذا فعلت ذلك ؛ إذا جاءك الخصمان فال تقض بينهما حتى : واهد قلبه ، ثم قال .)۱( واهللا ما شككت في قضاء بين اثنين) : عليه السالم(قال علي . تبين لك القضاء

م الباقي على أصحابه ، وبلغه خبر خروج النبيا جمع الغنائم فأخرج منها الخمس وقسعلي إن صلى اهللا (ثم) صلى اهللا عليه وآله(السير ليلتحق بالنبي ) عليه السالم(حج ، فتعجل إلى مكة ألداء فريضة ال) عليه وآله

ة عليبعض من كان في سري ا ) عليه السالم(في مكة ، وروي أنته في إعطاء الحق ، فلماشتكى من شد ا فو اهللا إنه ألخ: ذلك قال ) صلى اهللا عليه وآله(سمع النبيها الناس ، ال تشتكوا عليشن في ذات اهللا أي

.)۲ (من أن يشتكى منه

في خيله التي بعثه بها رسول اهللا ) عليه السالم(كنت مع علي : وعن عمرو بن شاس األسلمي أنه قال ، فلما قدمت المدينة شكوته في مجالس )۳(إلى اليمن ، فوجدت في نفسي عليه ) صلى اهللا عليه وآله(

جالس في المسجد ، فلما رآني أنظر ) صلى اهللا عليه وآله(ما ورسول اهللا المدينة وعند من لقيته ، فأقبلت يوإنا هللا وإنا إليه راجعون : ، فقلت إيه يا عمرو ، لقد آذيتني: إلى عينيه نظر إلي حتى جلست إليه ، فقال

)ليا فقد آذاني من آذى ع( ) : صلى اهللا عليه وآله( ، فقال أعوذ باهللا واإلسالم من أن أؤذي رسول اهللا)۴(.

ــــــــــــــ

.۲۰۷ / ۴: السيرة النبوية البن كثير ) ۱(

. مثله ۲۰۵ / ۴: ، والسيرة النبوية البن كثير ۶۰۳ / ۴: سيرة ابن هشام ) ۲(

.۱۳۴ / ۳: المستدرك على الصحيحين ) ۳(

.۲۰۲ / ۴: السيرة النبوية البن كثير ) ۴(

١٠٠الصفحة

) :صلى اهللا عليه وآله(لنبي طبيعة عمل ا

النبي الرسالة اإلسالمية بذل قصارى جهده في التبليغ والنصح ) صلى اهللا عليه وآله(إن الذي كان يعيش همصلى اهللا عليه (لبناء مجتمع رسالي رصين يقاوم كل الظروف حتى يسود اإلسالم بقاع الدنيا ، وقد عمل

توعية األمة بوصفها الرعية بالمقدار الذي تتطلبه الرعية الواعية من فهم :على محورين رئيسين هما ) وآلهدور فاعل ) عليه السالم(وكان لعلي ، وثقافة وقدرة على ممارسة الحياة اإلسالمية كما أرادها اهللا سبحانه

النبي سيع رقعة المجتمع كان مشغوال بتو) صلى اهللا عليه وآله(في هذا المحور ، فانه يمكننا القول بأن ة ) عليه السالم(اإلسالمي طوليا ، وكان عليته تكملة لمهممشغوال بتعميق الرقعة عرضيا ، فكانت مهم

صلى اهللا عليه وآله(النبي. (

في ) صلى اهللا عليه وآله(والمحور اآلخر هو إعداد وتوعية الصفوة التي اختارها اهللا سبحانه لتخلف النبيه لقيادة المجتمع والرسالة اإلسالمية وصيانتها عن االنحراف والزيغ ، إعدادا على مستوى قيادة التجربة غياب

وعلى مستوى الحاكمية عليها ، وقد أعد النبي عليا ليتسلم التجربة اإلسالمية من بعده من خالل إشراكه في ثقافة خاصة لم يشاركه أحد فيها ، فقد روي عنه كل المواقف المهمة والمعقدة والصعبة ومن خالل تثقيفه

من العلم ألف باب يفتح من كل باب ) صلى اهللا عليه وآله(علمني رسول اهللا ( : أنه قال ) عليه السالم( .)۱( )ألف باب

عليه السالم(وكان علي ( لته أن ينال ثقة النبيالت ولياقات عالية أهيتمتع بمؤه)آلهصلى اهللا عليه و ( النبي اه ، فالزمه ) صلى اهللا عليه وآله(المطلقة في قوله وفعله ، فنجد أنده وربا صغيرا وتعهأخذ علي

عن ) صلى اهللا عليه وآله(طوال فترة حياته ، وما أن مضت فترة على الدعوة اإلسالمية ؛ حتى أعلن النبي دعوته ، وكرر هذاأخا ومؤازرا له في ) عليه السالم(اتخاذه عليا

ـــــــــــــــ

.۹۵أئمة أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف ، الشهيد السيد محمد باقر الصدر ك ) ۱(

١٠١الصفحة

.اإلعالن في مواطن عديدة ، بل اتخاذه أخا ومساويا له في كل شيء ما عدا النبوة

ة عليحت شخصيعليه السالم(وحين توض (؛ بدأ النبي) ات ) صلى اهللا عليه وآلهيكلفه نيابة عنه في المهم المبيت في فراش : أو شخص كنفسه ، مثل ) صلى اهللا عليه وآله(التي ال يمكن أن يقوم بها أحد غير النبي

ومن درجة اهتمام النبي بعلي في هذه . النبي ليلة الهجرة ؛ ورد الودائع ، وحمل الفواطم إلى المدينة رحلة ؛ أنه لم يدخل المدينة عند هجرته إليها ، وصرح بعدم اتخاذها مقرا جديدا له حتى يلتحق علي به ، الم

.السورة من أبي بكر وبلغها ) عليه السالم(مثال آخر فقد أخذ علي ) براءة(وتبليغ سورة

النبي صلى اهللا عليه وآله(وحين اضطر(للمواجهات العسكرية لم يكن يعط ي رايته إال لعلي)عليه السالم ( ، عليه السالم(وكان يرسله في كل المواقف المستعصية التي تتطلب كفاءة عالية ، فكان علي ( يها على أتميؤد

.وجه

من غيره من الصحابة بصدق سريرته وعمق إيمانه ) عليه السالم(وفي مرحلة جديدة بعد أن امتاز علي) عليهم السالم(إلى أهمية أهل بيته ) صلى اهللا عليه وآله(ة والمبدأ أشار النبي وتفانيه من أجل العقيد

صلى اهللا عليه (، وقد دعم القرآن الكريم موقف النبي ) عليه السالم(ووجودهم وعظيم حبه لهم ، وميز عليا .) ۱() في القربىقل ال أسألكم عليه أجرا إلا المودة (: بقوله ) وآله

وأهل بيته من الرجس المادي والمعنوي ، ولم يأذن ألحد ) صلى اهللا عليه وآله(وأشار النبي إلى طهارة علي بالمرور بمسجده على كل حال إال لعلي.

المشاكل أو ولم يزل النبي يوجه القاعدة الشعبية لاللتفات حول علي ، ويأمرهم بحبه والتعلق به عند حلول ح لهم ضرورة فهم شخصية عليته في ) عليه السالم(المستجدات المستعصية ، ووضة إيمانه وقوفي شد

. أعلمكم علي . أقضاكم علي (: ذات اهللا وعمق فهمه للعقيدة اإلسالمية وسعة علمه ، فكانت األحاديث أعدلكم

ـــــــــــــــ

.٢٣) : ٤٢(الشورى ) ١(

١٠٢الصفحة

ة ذلك ) عليوقد أثبتت األحداث والوقائع صح.

ة دون غيره من ) صلى اهللا عليه وآله(وفي آخر منسك من مناسك اإلسالم أشرك النبيا في حجعلي .المسلمين وقد صرح بذلك ، وقاما معا بنحر الهدي

بعد إتمام ) صلى اهللا عليه وآله(كانت هذه الخطوات إعدادا وتهيئة األرضية إلعالن الغدير حين وقف النبيمراسم حجة الوداع ليعلن للمأل أنه سيغادر الدنيا ويخلف عليا كقائد ومرجع لالمة بعده ، وأن هذا اإلعالن

ت بيعة الناس لعليبإمرة المؤمنين ونزل الوحي اإللهي ) عليه السالم(والتنصيب صادر عن اهللا تعالى ، وتم . وكمال الدين ببالغ تمام النعمة

ة الوداع ) عليه السالم(عليفي حج:

بشوق غامر وغبطة تمأل القلوب تطلع المسلمون إلى اللقاء العبادي السياسي الذي لم يشهد التأريخ نظيرا له ك موكب النبيفي أواخر شهر ذي القعدة من السنة العاشرة ) صلى اهللا عليه وآله(من قبل عندما تحر

اتجاه مكة ليؤدي مناسك الحج وحيث اللقاء مع الجموع القادمة من أطراف الجزيرة العربية يحدوها للهجرة ب :)۱(هدف واحد وتحت راية واحدة يرددون شعارا إلهيا واحدا

صلى اهللا عليه وآله(وكان النبي ( قد كتب إلى علي)في اليمن يأمره أن يلتحق به في مكة ) عليه السالمليحج بالخروج من اليمن ومعه الغنائم والحلل التي أصابها من اليمن ، والتقى بالنبي معه ، وأسرع علي

وقد أشرف على دخول مكة ، فاستبشر بلقائه وأخبره بما صنع في اليمن ، ففرح النبي ) صلى اهللا عليه وآله( بم أهللت ؟:بذلك وابتهج وقال له ) صلى اهللا عليه وآله(

ــــــــــــــ

يرى بعض المؤرخين أن من خرج مع النبي يبلغ تسعين ألفا ، والبعض اآلخر مائة وعشرين ألفا ، عدا ) ۱( ۱۱: ، وكنز العمال ۲۵۷ / ۳: راجع السيرة الحلبية . من حج من أهالي مكة وضواحيها واليمن وغيرها

/۶۰۹.

١٠٣الصفحة

تك ، وقلت ! رسول اهللا يا) : عليه السالم(فقال عليتي بنيبإهاللك وال عرفته فعقدتث ني إنك لم تكتب إلي) : صلى اهللا عليه وآله( ، فقال رسول اهللا اللهم إهالال كإهالل نبيك ، وسقت معي من البدن أربعا وثالثين

فأقم على إحرامك اهللا أكبر وأنا قد سقت معي ستا وستين ، فأنت شريكي في حجي ومناسكي وهديي ، قد سبق الجيش حينما بلغ مشارف ) عليه السالم(، وكان علي وعد إلى جيشك وعجل به حتى نجتمع بمكة

.) ۱(مكة وأمر عليهم رجال منهم

، فنحر بيده منحر كلها منى) : صلى اهللا عليه وآله(وأدى النبي مناسك العمرة والحج وعلي معه ، وقال سبعة وثالثين تمام المائة ، ثم اجتمع الناس فخطب النبي ) عليه السالم(ة وستين ، ونحر علي الكريمة ثالث

.)۲(خطابا جامعا وعظ المسلمين فيه ونصحهم ) صلى اهللا عليه وآله(

النبي رجع إلى مكة فدخل فيها ، وطاف طوا) صلى اهللا عليه وآله(أتم ف والمسلمون مناسكهم في منى ، ثم .الوداع ، ثم اتجه إلى المدينة

في غدير خم أميرا للمؤمنين ) عليه السالم(علي:

ا انصرف النبيراجعا إلى المدينة ومعه تلك الحشود الغفيرة من المسلمين ؛ وصل ) صلى اهللا عليه وآله(ولمر ، وذلك في اليوم الثامن عشر إلى غدير خم من الجحفة التي تتشعب فيها طرق أهل المدينة والعراق ومص

وأمره أن )۳( )يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك(: من ذي الحجة ، نزل إليه الوحي عن اهللا بقوله ا علما للناس ويبلغهم ما نزل فيه من الوالية وفرض الطاعة على كل أحد ، وقد ضمن الوحي للنبييقيم علي

أن يكفيه شر الحاقدين والحاسدين من الناس ، وكان أوائل القوم قريبا من الجحفة ، ) لى اهللا عليه وآلهص( أن يرد من تقدم منهم ، ويحبس من)صلى اهللا عليه وآله(فأمر رسول اهللا

ــــــــــــــــ

.۲۰۵ / ۴: ، والسيرة النبوية البن كثير ۱۷۲ / ۱: اإلرشاد للمفيد ) ۱(

.۲۹۱ / ۴: ن والسيرة النبوية البن كثير ۲۸۳ / ۳: السيرة الحلبية ) ۲(

.۶۷) : ۵(المائدة ) ۳(

١٠٤الصفحة

ينزل فيه ) صلى اهللا عليه وآله(تأخر عنهم في ذلك المكان الذي لم يكن منزال ألحد من قبله ، ولم يكن هو أيها : بين تلك الجموع وقال بصوت يسمعه الجميع ) لهصلى اهللا عليه وآ(لو ال خطاب الوحي له ، ثم وقف

الناس كأني قد دعيت فأجبت ، إني تارك فيكم الثقلين كتاب اهللا وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني ، إن اهللا موالي وأنا ولي كل مؤمن ومؤمنة: ثم قال ..فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض

من كنت مواله فهذا علي مواله ، اللهم وال من وااله ، وعاد من ( : وقال ) عليه السالم( بيد علي وأخذ .)عاداه ، وأنصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار ، أال فليبلغ الشاهد الغائب

لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم اليوم أكملت (:ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين الوحي بقوله .)الإسالم دينا

اهللا أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ، ورضى الرب برسالتي () : صلى اهللا عليه وآله(فقال رسول اهللا وممن هنأه في مقدم الصحابة ) ليه السالمع(ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين ) والوالية لعلي من بعدي

بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت موالي ومولى كل :الشيخان أبو بكر وعمر ، كل يقول .)۱( مؤمن ومؤمنة

وأمر المسلمين أن يدخلوا ) عليه السالم(أمر بنصب خيمة لعلي ) صلى اهللا عليه وآله(أن النبي : وروي من ) صلى اهللا عليه وآله(جا فوجا ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين ، ففعل ذلك كلهم حتى من كان معه عليه فو

.)۲(أزواجه ونساء المسلمين

ــــــــــــــــ

، والفصول ۱۶ ، والمناقب البن المغازلي الشافعي ك ۲۷۴ / ۳: السيرة الحلبية بهامشه السيرة النبوية ) ۱( .۴۰: ، وينابيع المودة للقندوزي ۴۰: لصباغ المالكي المهمة البن ا

أسباب النزول للنيشابوري ، مطالب : وقد ورد حديث الغدير في مصادر كثيرة جدا يضاف لما ذكرنا منها السؤول لكمال الدين الشافعي ، تفسير مفاتيح الغيب للرازي ، تفسير المنار لمحمد عبده ، تفسير ابن شريح ،

لخواص البن الجوزي ، مسند اإلمام أحمد ، ذخائر العقبى للطبري ، الرياض النضرة لمحب الدين تذكرة ا .الطبري وغيرها من الجوامع الحديثية والتأريخية والتفسيرية ، راجع الغدير للعالمة األميني

١٠٥الصفحة

:) سأل سائل بعذاب واقع(واقعة الحارث بن النعمان ونزول آية

ا شاع وانتشر قول النبيمواله ( ) : صلى اهللا عليه وآله(لم فبلغ الحارث ابن النعمان )من كنت مواله فعلي يا : الفهري ، فأتى النبي على ناقته وكان باألبطح ، فنزل وعقل ناقته وقال للنبي وهو في مأل من الصحابة

هللا وأنك رسول اهللا فقبلنا منك ، ثم ذكر سائر أركان اإلسالم أمرتنا عن اهللا أن نشهد أن ال إله إال ا! محمد من كنت مواله فعلي مواله ( : ثم لم ترض بهذا حتى مددت بضبعي ابن عمك وفضلته علينا وقلت : وقال

فهذا منك أم من اهللا ؟)

فولى الحارث يريد راحلته )واهللا الذي ال إله إال هو ، هو أمر اهللا( ) : صلى اهللا عليه وآله(فقال النبي اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فما : وهو يقول

سأل سائل بعذاب ( : وصل إليها حتى رماه اهللا بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره ، وأنزل اهللا تعالى )۲( . )۱()واقع

) :عليه السالم(لتثبيت بيعة علي ) صلى اهللا عليه وآله(محاوالت الرسول

على علم تام بما سيؤول إليه وضع المسلمين من بعده ، ألنه كان ) صلى اهللا عليه وآله(لقد كان رسول اهللا ن بعده ستوجه إلى يراقب العلل واألمراض التي ابتلي بها هذا المجتمع ن وكان على يقين بأن أول ضربة م

الخط الرسالي الذي أرسى قواعده هو

ــــــــــــــ

.۱) : ۷۰(المعارج ) ۱(

مع اختالف في اللفظ ، والفصول المهمة البن ۳۱ص : ، وتذكرة الخواص ۴۶۴ / ۶: تفسير المنار ) ۲(الهداة ، والقرطبي في ، أبو اسحاق الثعلبي في تفسيره والحاكم الحسكاني في كتابه دعاة ۴۲: الصباغ

تفسيره ، والحمويني في فرائد السمطين ، والزرندي الحنفي في معارج الوصول ودرر السمطين ، والسمهودي في جواهر العقدين ، والعماري في تفسيره ، والشربيني القاهري الشافعي في تفسيره ،

حفني الشافعي في شرح الجامع الصغير والمناوي الشافعي في فيض القدير ، والحلبي في السيرة الحلبية وال، والزرقاني المالكي في شرح المواهب اللدنية ، والشبلنجي الشافعي في نور األبصار ، وغيرهم كما تجد

) .الغدير(تفصيل ذلك في الجزء األول من موسوعة

١٠٦الصفحة

وإلى الزعامة التي أشار إليها النبي ، ي أن تخلفه في الخط الصحيح للدعوة ف) صلى اهللا عليه وآله(وعلياإلسالمية ، الن هذا يهدد مصالح الكثير ممن كانوا يريدون أن يستفيدوا من اإلسالم ويتنعموا بإشباع

عموا هذا الكيان الكبير الذي بناه النبيموا جهدا وفائدة لإلسالم ، ويتزصلى (رغباتهم في ظالله ال أن يقد ) .اهللا عليه وآله

يتخوف من أن تتحول الشريعة اإلسالمية إلى شيء آخر غير الذي أنزله اهللا ) صلى اهللا عليه وآله(وكان عليه ، وتكون خاضعة لألهواء والرغبات ، وكمصداق على تخوف النبي هو واقعة الحارث بن النعمان

.الذي جاء يشكك ويستنكر على النبي مواقفه

إال وأن يعلن موقفه من االتجاه الصحيح لخط الدعوة اإلسالمية عبر ) يه وآلهصلى اهللا عل(فما كان منه غن تستخلفوا عليا ـ وما أراكم فاعلين ـ تجدوه هاديا : مراحل وفترات عديدة ، فكان يكرر ألصحابه

.)۱(مهديا يحملكم على المحجة البيضاء

: يقول ) صلى اهللا عليه وآله(اهللا لقد سمعت رسول اهللا فو : وروي أن سعد بن عبادة قال في مأل من الناس عليه السالم(إذا أنا مت تضل األهواء بعدي ويرجع الناس على أعقابهم ، فالحق يومئذ مع علي(.

ك بطاعة علييه ومنهاج واليته ) عليه السالم(وحديث الثقلين شاهد آخر على ضرورة التمسدوالسير على ه .مة العقيدة اإلسالمية وتحصينها من االنحراف لضمان سال

بدأ النبي أميرا للمؤمنين ، ) صلى اهللا عليه وآله(ثم بإعداد خطة جديدة إلتمام األمر اإللهي بتنصيب عليفحاول أن يعد جيشا كبيرا يضم فيه كل العناصر التي من الممكن أن تدخل في حلبة الصراع السياسي مع

وتناوئه على زعامة الساحة اإلسالمية ، ومن ثم سينحرف مسار الرسالة ) عليه السالم(لي اإلمام عاإلسالمية عن طريقها القويم ، أو على األقل أنها تطالب بمكانة سياسية أو إدارية في جهاز الدولة ، وقد

تظهر

ــــــــــــــ

.۳۲ / ۱۸: خ دمشق البن عساكر ، ومختصرا تأري۶۴ / ۱: حلية األولياء ألبي نعيم ) ۱(

١٠٧الصفحة

ا قد يثير الكثير من المشاكل لألمة وهي في ) عليه السالم(موقفا معاديا في حالة رفض اإلمام عليذلك ، مم ) .صلى اهللا عليه وآله(حالة ارتباك بفقده

ة أسامة ) صلى اهللا عليه وآله(مرض النبيوسري:

ة ) صلى اهللا عليه وآله(هي حياة النبي ) السالمعليه (حياة عليوالرسالة اإلسالمية ، فالمواقف المهموالصعبة في الكثير من الصراعات واألزمات والمنعطفات التي وقف فيها علي بكل بسالة وشجاعة مع رسول اهللا حتى آخر لحظات عمره الشريف تكشف عن مدى القرب واالتصال والتالحم المصيري بينالرسول وعلي ، وتفهمنا جيدا من خالل اآليات والروايات وحوادث التأريخ أن عليا هو االمتداد الطبيعي

) صلى اهللا عليه وآله(وهو المؤهل لقيادة األمة اإلسالمية بعد الرسول ) صلى اهللا عليه وآله(لرسول اإلسالم .وليس ثمة إنسان آخر

عليه وآلهصلى اهللا(لقد أودع النبي ( اعلي)له عبء ) عليه السالمة وتفاصيل الرسالة وحمأسرار النبوعليه (مسؤولية رعايتها وصيانتها ، حتى أنه أوكل إليه أمر تجهيزه ودفنه دون غيره ، لعلمه وثقته بأن عليا

) صلى اهللا عليه وآله(لنبي سينفذ أوامره وال يحيد عنها قيد أنملة وال يتردد طرفة عين ، ولم يكن ا) السالم .يطمئن لغيره هذا االطمئنان

صلى اهللا عليه وآله(وكان النبي ( على تبيان خالفة علي صري)من بعده حتى في ) عليه السالم وأنه الوصيلف آخر لحظات حياته المباركة مضافا إلى كل التصريحات والتلميحات التي أبداها في شتى المناسبات ومخت

.المواقف

ا رجع النبيصلى اهللا عليه وآله(لم ( ه إلىمن حج)به ألم ) يثرب ته واشتداما حتى اعتلت صحأقام فيها أي ،ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع ( : يقول ) صلى اهللا عليه وآله(المرض ، وكان

لمسلمون عليه يعودونه وفي وتقاطر ا)۱( )أبهري من ذلك السم

ــــــــــــــــ

.۵۸ / ۳: المستدرك على الصحيحين ) ۱(

١٠٨الصفحة

نفوسهم القلق واألسى وفي أذهانهم الحيرة والتساؤل عن مصير األيام اآلتية والرسالة السماوية ، فنعى الرسالة وتحقيق السعادة والنجاح إليهم نفسه وأوصاهم بما يضمن لهم استمرار مسيرة) صلى اهللا عليه وآله(

يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي وقدمت إليكم القول ! أيها الناس () : صلى اهللا عليه وآله(، فقال وقال ) عليه السالم(ثم أخذ بيد علي ) معذرة إليكم أال إني مخلف فيكم كتاب اهللا عز وجل وعترتي أهل بيتي

.)قرآن والقرآن مع علي ال يفترقان حتى يردا علي الحوضهذا علي مع ال(:

أن يتمم مساعيه لكي يهيئ األمور لتنصيب علي خليفة من بعده من دون أن ) صلى اهللا عليه وآله(وأراد النبي خون على أنتؤثر عليه قوى التنافس أو مؤامرات المغرضين ودسائس المنحرفين ، فقد أجمع المؤر

في األيام األخيرة من حياته المباركة لم يكن يعنيه شيء أكثر من تجهيز جيش يضم ) ى اهللا عليه وآلهصل(أكبر عدد من المسلمين بما في ذلك أبو بكر وعمر ووجوه المهاجرين واألنصار ، وأمر عليهم أسامة بن

) .عليه السالم (زيد وإرساله إلى الحدود الشمالية لمنطقة الجزيرة العربية واستثنى عليا

ق لهم أمر النبيرعددا من الصحابة لم ي فتثاقلوا عن الخروج في جيش أسامة ) صلى اهللا عليه وآله(ولكنصلى (واعتذروا بأعذار واهية ، وانطلقت ألسنتهم بالنقد الالذع واالعتراض المر على تأمير أسامة ، فخرج

وخطب فيهم وحثهم على االنضواء تحت قيادة أسامة ، وقد بدا عليه ـ رغم كل اآلالم ـ ) اهللا عليه وآله) : صلى اهللا عليه وآله(االنفعال والتصلب ، واستمر يلح على إنفاذ الجيش والخروج نحو هدفه ، وقال

.)۱( أنفذوا جيش أسامة ، لعن اهللا من تخلف عن جيش أسامة

سول على ضرورة مسير جيش أسامة إلى الوجهة التي وجهها ونجد هنا غرابة في الموقف ، وهي إلحاح الرإياه على الرغم من مرضه وعلمه بدنو أجله ، فلو كان ألحد ممن كان تحت إمرة أسامة أهمية في حالة وفاة

.؛ الستثناه ) صلى اهللا عليه وآله(النبي

ـــــــــــــــ

.۳۴ / ۳: السيرة الحلبية ) ۱(

١٠٩الصفحة

.)۱(جب من ذلك هو تلكؤ القوم وتملصهم عن تنفيذ أمر النبي ، فكأن هناك أمرا خفيا يريدون إبرامه وأع

ويبدو أن الرسول استشف من التحركات التي صدرت من الصحابة أنهم يبغون ألهل بيته الغوائل أن ) ى اهللا عليه وآلهصل(ويتربصون بهم الدوائر ، وأنهم مجمعون على صرف الخالفة عنهم ، فرأى

عليه (يصون أمته عن االنحراف ويحميها من الفتن ، فأراد أن يحاول معهم محاولة جديدة لتثبيت والية عليإئتوني بالكتف والدواة أكتب إليكم كتابا لن تضلوا بعده ( : فقال ) صلى اهللا عليه وآله(وخالفته له ) السالم .)أبدا

فذهبوا يرددون عليه . ما شأنه ؟ أهجر ؟ استفهموه : عند نبي أن يتنازع ـ فقالوا فتنازعوا ـ وال ينبغي وأوصاهم بثالث ، قال . دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه) : صلى اهللا عليه وآله(فقال : القول

ت عن الثالثة عمدا أو وسك. أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت اجيزهم : .)۲(فنسيتها : قال

:رأي

دون أكثر المؤرخين هذا الحديث في كتبهم على هذا النحو ، ولم يذكروا من وصاياه إال وصيتين وسكتوا ، في حين ) صلى اهللا عليه وآله(عن الثالثة أو تناسوها مجاراة للحاكمين الذين تقمصوا الخالفة بعد الرسول

أن نسي شيئا أو فاته دون أن يدونه حتى يمكن ) صلى اهللا عليه وآله( لم يسبق ألحد من الرواة ألحاديثه أنه القول بأنهم

ــــــــــــــ

ومما يؤكد هذا الظن أن الصحابة الذين أبوا الخروج في جيش أسامة كانوا يخشون تكرار الموقف الذي ) ۱(أنت (عليا في المدينة ومن ثم تصريحه ) صلى اهللا عليه وآله( النبي حصل في غزوة تبوك عندما استخلف

.مما أثار الريب والحسد في نفوسهم ) مني بمنزلة هارون من موسى إال أنه ال نبي بعدي

بل إنهم أدركوا أن األمر في هذه المرة يحمل أبعادا أخرى تتعدى مسألة الخروج مع جيش أسامة ، خاصة أن رأوا الرسول يصر على خروجهم ويستثني عليا ، وعالمات المرض تشتد عليه ، وفي هذه الفترة بعد

.يكرر عليهم بأني أوشك أن أدعى فأجيب ) صلى اهللا عليه وآله(كان

ط مؤسسة األعلمي ، والكامل في ۴۳۶ / ۲: ، وتأريخ الطبري ۶۰ / ۴: الطبقات الكبرى البن سعد ) ۲( .۱۸۴ / ۱: ، واإلرشاد للمفيد ۳۲۰ / ۲: البن األثير التأريخ

١١٠الصفحة

فكيف نسي الحاضرون على كثرتهم وازدحامهم عنده وصيته ) صلى اهللا عليه وآله(أحصوا حتى أنفاسه الثالثة وهو في حالة الوداع لهم ؟ وهم ينتظرون كل كلمة تصدر منه تهدئ من روعهم وتبعث األمل في

السابقة على خالفة علي ) صلى اهللا عليه وآله( نحو المستقبل ؟ ولوال أن الثالثة تأكيد لنصوصه نفوسهم !)۱(؛ لم ينسها أو لم يتغافل عنها أحد من الرواة أولئك ) صلى اهللا عليه وآله(

عليه السالم(علي ( مع النبي)في اللحظات األخيرة) صلى اهللا عليه وآله:

أدعوا () : صلى اهللا عليه وآله(فأغمي عليه ، فلما أفاق قال ) صلى اهللا عليه وآله( على النبي اشتد المرضلو بعثت إلى : لو بعثت إلى أبي بكر ، وقالت حفصة : وعاوده الضعف فقالت عائشة )لي أخي وصاحبي

.)۲() ك لي حاجة أبعث إليكمانصرفوا فإن ت() : صلى اهللا عليه وآله(عمر ، فاجتمعوا عنده جميعا فقال

عي عليد عليه السالم(ثم ( عليه ، فناجاه الرسول ا دنا منه أومأ إليه ، فأكبفلم)صلى اهللا عليه وآله ( ا قارب خروج نفسه قال لعليوحضره الموت ، فلم ثقل النبي ضع رأسي في ( ) : عليه السالم(طويال ، ثم

عالى ، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك ، وامسح بها وجهك ، ثم وجهني إلى حجرك ، فقد جاء أمر اهللا ت )القبلة وتول أمري وصل علي أول الناس ، وال تفارقني حتى تواريني في رمسي ، واستعن باهللا تعالى

)۳(.

أن أدى رسالته بأحسن إلى جوار ربه راضيا مرضيا بعد ) صلى اهللا عليه وآله(وهكذا انتقل الرسول األكرم يالزمه مالزمته الظل لذي الظل ) عليه السالم(وعلي بن أبي طالب . وجه ، وأوضح السبيل لألمة من بعده

.ويتابعه متابعة التلميذ ألستاذه في جميع لحظات حياته الرسالية المباركة

ــــــــــــــ

.۲۵۵ / ۱: سيرة األئمة اإلثني عشر ، للحسني ) ۱(

. ط مؤسسة األعلمي ۴۳۹ / ۲: ريخ الطبري تأ) ۲(

.۱۸۶ / ۱: اإلرشاد للمفيد ) ۳(

١١١الصفحة

الباب الثالث

:فيه فصول

)عليه السالم(عصر اإلمام علي بن أبي طالب :الفصل األول

في عهد أبي بكر) عليه السالم(اإلمام علي :الفصل الثاني

في عهد عمر) المعليه الس(اإلمام علي :الفصل الثالث

في عهد عثمان) عليه السالم(اإلمام علي :الفصل الرابع

١١٢الصفحة

١١٣الصفحة

:الفصل األول

عليه السالم(عصر اإلمام علي(

:حديث الوفاة

وبني ) عليه السالم(في اللحظات األخيرة من حياته سوى علي ) صلى اهللا عليه وآله(لم يكن حول النبي ، وقد علم الناس بوفاته من الضجيج وعويل النساء ، فأسرعوا وتجمعوا في المسجد وخارجه وهم في هاشم

حالة من االرتباك والدهشة ال يحيرون جوابا إال البكاء والنواح ، وهم على هذه الحالة وإذا بموقف غريب : والسيف في يده يهزه ويقول ) صلى اهللا عليه وآله(يصدر من عمر إذ خرج بعد أن دخل على رسول اهللا

إن رجاال من المنافقين يزعمون أن رسول اهللا قد مات ، إنه واهللا ما مات ولكنه قد ذهب إلى ربه كما ذهب ) صلى اهللا عليه وآله( إلى بيت رسول اهللا )۲(ولم يهدأ عمر حتى وصل أبي بكر . )۱(موسى بن عمران

أيها الناس ، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن : وقال فكشف عن وجه النبي وخرج مسرعا ، )۳( ...)وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل (:كان يعبد اهللا فإن اهللا حي ال يموت ، ثم تال اآلية

.

مان النبي المبارك وتركوه إلى علي وأهل ثم خرج عمر وأبو بكر وأبو عبيدة الجراح من البيت الذي فيه جث عليهم (وأهل بيته ) عليه السالم(بيته المفجوعين بوفاته ، وقد أذهلهم المصاب عن كل شيء ن وقام علي

بتجهيز النبي والصالة عليه ودفنه ،) السالم

ـــــــــــــــ

.۳۲۳ / ۲: الكامل في التأريخ ) ۱(

.وهو محل يبعد عن المدينة بميل واحد أو أكثر قليال ) السنح(يروى أن أبا بكر كان في ) ۲(

.۱۴۴) : ۳(آل عمران ) ۳(

١١٤الصفحة

.وفي الوقت نفسه كانت قد عقدت األنصار اجتماعا لها في سقيفة بني ساعدة لتدبير أمر الخالفة

:الحزب القرشي واألنصار في السقيفة

وفيه ) صلى اهللا عليه وآله(في السقيفة ؛ حتى أتى منزل رسول اهللا ما أن سمع عمر خبر اجتماع األنصار أبو بكر ، فأرسل إليه أن أخرج إلي ، فأجابه بأنه مشغول ، فأرسل إليه عمر ثانية أن أخرج فقد حدث أمر

.ال بد أن تحضره

حقهم آخرون ، فأدركوا فخرج إليه أبو بكر ، فمضيا مسرعين نحو السقيفة ومعهما أبو عبيدة ومن ثم لاألنصار في ندوتهم ولما يتم بعد االجتماع ولم ينفض أصحابه ، فتغير لون سعد بن عبادة وأسقط ما في أيدي األنصار وساد عليهم الوجوم والذهول ، ونفذ الثالثة في تجمع األنصار أتم نفوذ وأتقنه ، ينم عن

.فتهم بنقاط الضعف التي من خاللها تسقط ورقة األنصار معرفتهم بالنفوس ونوازعها ورغباتها ومعر

أراد عمر أن يتكلم فنهره أبو بكر لعلمه بشدته وغلظته والموقف خطير وملبد باألحقاد واألضغان ، ويجب .أن يستعمل فيه البراعة السياسية والكلمات الناعمة لكسب الموقف أوال ثم يأتي دور الشدة والغلظة

و بكر الحديث بأسلوب لبق فخاطب األنصار باللطف ، ولم يستعمل في خطابه أي كلمة مثيرة فقد وافتتح أبنحن المهاجرون أول الناس إسالما ، وأكرمهم أحسابا ، وأوسطهم دارا ، وأحسنهم وجوها ، وأمسهم : قال

شركاؤنا في الدين ، نصرتم وواسيتم رحما ، وأنتم إخواننا في اإلسالم ، و) صلى اهللا عليه وآله(برسول اهللا ، فجزاكم اهللا خيرا ، فنحن األمراء وأنتم الوزراء ، ال نفتات عليكم بمشورة ، وال نقضي دونكم األمور ،

املكوا عليكم أمركم ، فإن الناس في ظلكم ولن ! يا معشر األنصار : فقال الحباب بن المنذر بن الجموح يصدر أحد إاليجترئ مجترئ على خالفكم ، وال

١١٥الصفحة

عن رأيكم ، أنتم أهل العزة والمنعة ، وأولو العدد والكثرة ، وذوو البأس والنجدة ، وإنما ينظر الناس ما تصنعون فال تختلفوا فتفسد عليكم أموركم ، فإن أبى هؤالء إال ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير ، فقال عمر

غمد ، واهللا ال ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم ، وال تمتنع العرب هيهات ال يجتمع سيفان في : .أن تولي أمرها من كانت النبوة منهم ، فمن ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته

املكوا أيديكم ، وال تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا ! يا معشر األنصار : فقال الحباب بن المنذر بكم من هذا األمر ، فإن أبوا عليكم ؛ فاجلوهم من هذه البالد ، وأنتم أحق بهذا األمر منهم ، فإنه بنصي

بأسيافكم دان الناس بهذا الدين ، أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، أنا أبو شبل في عرينة األسد ، واهللا .إن شئتم لنعيدها جذعة

شر بين الطرفين ، فوقف أبو عبيدة بن الجراح ليحول دون ذلك ويتدارك وهنا تأزم الموقف وكاد أن يقع الأنتم أول من نصر وآوى ، فال تكونوا ! يا معشر األنصار : الفشل ، فقال بصوت هادئ مخاطبا األنصار

أول من بدل ، وانسلت كلماته هادئة إلى النفوس ، فساد الصمت لحظات على الجميع ، فاغتنمها بشير بنأال إن ! يا معشر األنصار : سعد لصالح المهاجرين هذه المرة ، يدفعه لذلك حسده لسعد بن عبادة فقال

.محمدا من قريش وقومه أولى به ، وأيم اهللا ال يراني اهللا أنازعهم هذا األمر

بدا أنهم لم يروا أن فاغتنم المهاجرون الثالثة هذه الثغرة في جبهة األنصار ، فطفقوا يقدم بعضهم بعضا ، ف .واحدا منهم يدعمه نص شرعي أو يختص بميزة ترفع من رصيده مقابل غيره فتؤهله للخالفة

: ، وقال عمر)۱(هذا عمر وأبو عبيدة بايعوا أيهما شئتم : فقال أبو بكر

ــــــــــــــ

: األعلمي ، والكامل في التأريخ ط مؤسسة ۴۵۸ / ۲: ، وتأريخ الطبري ۱۵ / ۱: اإلمامة والسياسة ) ۱(۲ / ۳۲۵.

١١٦الصفحة

ابسط يدك نبايع لك ، ! يا عمر : ، فقال أبو بكر )۱(يا أبا عبيدة، ابسط يدك أبايعك ، فأنت أمين هذه األمة قوتي لك مع فضلك ابسط يدك : أنت أقوى مني ، قال عمر : أنت أفضل مني ، قال أبو بكر : فقال عمر

عقتك ! يا بشير : فلما بسط يده ليبايعاه سبقهما بشير بن سعد فبايعه ، فناداه الحباب بن المنذر . )۲(أبايعك عقاق، أنفست على ابن عمك اإلمارة ؟

ولما رأت األوس ما صنع بشير وما تطلب الخزرج من تأمير سعد ؛ قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن يتها الخزرج مرة ؛ ال زالت عليكم بذلك الفضيلة أبدا ، فقوموا فبايعوا أبا واهللا لئن ول: خضير وكان نقيبا

، وقالت )۳(بكر ، فانكسر على سعد والخزرج ما أجمعوا عليه ، وأقبل أصحاب أسيد يبايعون أبا بكر .) ۴(ال نبايع إال عليا : بعض األنصار

صلى اهللا عليه ( والنبي )۵(لمسجد زفاف العروس ثم أقبل أبو بكر والجماعة التي تحيط به يزفونه إلى االزال ملقى على فراش الموت ، وعمر يهرول بين يديه وقد نبر حتى أزبد شدقاه وجماعته تحوطه ) وآله

وهم متزرون باألزر الصنعانية ، ال يمرون بأحد إال خبطوه وقدموه ، فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر .)۶(أو أبى يبايعه شاء ذلك

:لقد كانت حجة الحزب القرشي في السقيفة ضد األنصار مبنية على أمرين

. ـ إن المهاجرين أول الناس إسالما ١

ــــــــــــــــ

.۱۸۱ / ۳: الطبقات الكبرى ) ۱(

.۷۰: تأريخ الخلفاء للسيوطي ) ۲(

.۳۳۰ / ۲: الكامل في التأريخ ) ۳(

. ط مؤسسة األعلمي ۴۴۳/ ۲: تأريخ الطبري ) ۴(

.۸ / ۶: شرح نهج البالغة البن أبي الحديد ) ۵(

.ط دار إحياء الكتب العربية . ۲۱۹ / ۱: شرح نهج البالغة البن أبي الحديد ) ۶(

١١٧الصفحة

.وأمسهم به رحما ) صلى اهللا عليه وآله( ـ إنهم أقرب الناس إلى رسول اهللا ٢

ة أنفسهم بهذه الحجة ، وذلك ألن الخالفة إذا كانت بالسبق إلى اإلسالم والقرابة القريبة وقد أدان هؤالء القادوحده ، ألنه أول الناس ) عليه السالم(ـ كما يدعون ـ فهي لعلي ) صلى اهللا عليه وآله(من رسول اهللا

تي عقدها النبي بينه وبين علي يوم إسالما وإيمانا وتصديقا بالرسالة اإلسالمية ، وأخوه بمقتضى المؤاخاة الآخى بين المهاجرين في مكة ، وبينهم وبين األنصار في المدينة ، وابن عمه نسبا وأقرب الناس إلى نفسه

.وقلبه بال شك في ذلك

:تحليل اجتماع السقيفة

من الكتمان والتحفظ ، سارع األنصار إلى سقيفة بني ساعدة ، وعقدوا لهم اجتماعا سريا أحاطوه بكثير إنه ال يستطيع أن يسمع : وأحضروا معهم شيخ الخزرج سعد بن عبادة الذي كان مريضا ، فقال لبعض بنيه

المجتمعون صوته لمرضه ، وأمره أن يتلقى منه قوله ويردده على مسامع الناس ، فكان سعد يتكلم ويستمع :خاطبا الحاضرين إليه ابنه ، ويرفع صوته بعد ذلك ، قال سعد م

إن لكم سابقة إلى الدين وفضيلة في اإلسالم ليست لقبيلة من العرب ، إن رسول اهللا لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع األوثان ، فما آمن من قومه إال قليل ، حتى أراد بكم خير

نتم أشد الناس على من تخلف عنه ، وأثقلهم على عدوه الفضيلة ، وساق إليكم الكرامة ، وخصكم بدينه ، فك .فشدوا أيديكم بهذا األمر فإنكم أحق الناس وأوالهم . من غيركم ، ثم توفاه اهللا وهو عنكم راض

اجتماع األنصار لم يكن في بداية أمره لالستئثار بتراث النبي المتتبع لألحداث يلمح أن صلى اهللا عليه (لكن :واغتصاب الخالفة من أهلها الشرعيين ، وذلك من خالل مالحظة ما يلي ) لهوآ

١١٨الصفحة

أبي أيوب األنصاري ، حذيفة بن : ـ عدم حضور خيار األنصار وهم البدريون في االجتماع ، مثل ١ .اليمان ، البراء بن عازب ، عبادة بن الصامت

، ) إن األئمة من قريش(: صوص النبوية ويحفظونها ، ومنها ـ إن األنصار كانوا يعلمون جيدا الن٢ دا األحكام الواردة في شأن العترة الطاهرة وشهدوا تنصيب عليفي غدير خم ، ) عليه السالم(وعرفوا جي

صلى اهللا عليه وآله(وأوصاهم النبي ( وأهل بيته بعلي)وحين أدركوا أنه ليس له دور ) عليهم السالم ، .) ۱(ال نبايع إال عليا : في الحكم أخذوا يقولون رئيس

٣ النبي إن فهل يعقل أن ال يشارك خيارهم في ) صلى اهللا عليه وآله( ـ ثم ، دفن بعدولم ي ىال زال مسج شرف حضور مراسم الدفن وينشغلوا في اجتماع انتخاب الخليفة ؟

ير مصيرهم من الحكم الجديد بعد علمهم بما تخطط له قريش ـ من الممكن تفسير اجتماعهم هذا بأنه لتقر٤، وهم ليست لهم دوافع كالتي كانت في نفوس ) ال تجتمع النبوة والخالفة في بني هاشم(من تطبيق قرارهم

فهم هذا له سوابق فبعد فتح مكة ؛ خشيت األنصار أن ال يعود معهم النبيتخو إن صلى (زعماء قريش ، ثم .وكان طبيعيا أن يتخوفوا من العزلة السياسية واإلدارية ) عليه وآلهاهللا

وهو علي ،رت قريش صرف الخالفة عن صاحبها الشرعي؛ فما دور األنصار وهم ) عليه السالم(وإذا قر !الثقل األكبر في جمهور المسلمين ، ولهم الدور الفاعل والرئيس في نشر الرسالة اإلسالمية ؟

اع األنصار في السقيفة لم يكن حاسما في قراراته ، فقد عقد لدراسة االحتماالت المتوقعة للخالفة إن اجتم، وأيضا لم يكن جميع األنصار على رأي واحد ، فقد كانت تختفي في ) صلى اهللا عليه وآله(بعد الرسول

وفقت : بعضهم يجيب سعدا قائال أفق االجتماع نوايا متنافرة وتنطوي النفوس على رغبات متضادة ، فنجد .في الرأي وأصبت في القول ، ولن نعدو ما رأيت ، نوليك هذا األمر

ـــــــــــــــ

. ط مؤسسة األعلمي ۴۴۳ / ۲: تأريخ الطبري ) ۱(

١١٩الصفحة

.فإن أبى المهاجرون وقالوا نحن أولياؤه وعشيرته : ثم ترادوا في الكالم فقالوا

فهذا أول : منا أمير ومنكم أمير ، فعلق سعد على هذا االقتراح قائال : نقول : رى آخرون فقالوا وهنا انب .)۱(الوهن

إن األنصار بموقفهم هذا قد هيئوا فرصة سياسية ثمينة ما كانت لتفوت الجناح المترقب للفوز بالسلطة ، كام اإلسالمية ؛ إذ قدمت فيه الحسابات القبلية على وفتحوا باب الصراع على مصراعيه بعيدا عن القيم واألح

.الحسابات الشرعية ، وتقدمت فيه مصلحة القبيلة على مصلحة الرسالة اإلسالمية

وإنا واهللا ما وجدنا أمرا هو أقوى من مبايعة أبي : وقد اعتذر عمر من مباغتة األنصار في السقيفة فقال تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة ، فإما أن نتابعهم على ما ال نرضى أو بكر ، خشينا إن فارقنا القوم ولم

.)۲(... نخالفهم فيكون الفساد

.وهكذا أخذ الموقف السياسي يزداد تعقيدا وإعضاال

:نظرة قريش للخالفة

نبي في حين انطلقت الرسالة اإلسالمية في مكة وبين ظهراني قريش ؛ لم تتمكن قريش من تحمل ظهور صلى اهللا (بطن من خيار بطونها ، بل أفضلها وهي بنو هاشم ، فاجتمعت كلمة قريش على محاربة النبي

وبني هاشم بكل وسائل الحرب ومقاومتهم بشتى فنون المقاومة وخططت للتآمر ال حبا باألصنام ) عليه وآله ، )۳(ليس في اإلسالم ما ال ترتضيه الفطرة السليمة وما هم عليه من العبادة وال كراهية للدعوة الجديدة ، ف

لكن قريشا ال تريد أن تغير صيغتها السياسية القائمة على اقتسام

ــــــــــــــــ

. هـ ۱۱ ط مؤسسة األعلمي حوادث سنة ۴۴۴ / ۲: تاريخ الطبري ) ۱(

۲: ، وتأريخ الطبري ۳۰۸ / ۴: ، وسيرة ابن هشام ۶۴۴۲ ح ۶كتاب المحاربين : صحيح البخاري ) ۲( . ط مؤسسة األعلمي ۴۴۷/

.يروى أن كثيرا من زعماء قريش كانوا يجاهرون بالعداء للدين ولكنهم يذهبون خلسة الستماع القرآن ) ۳(

١٢٠الصفحة

.مناصب الشرف والسيادة ، وخصوصا أن مجتمع الجزيرة كانت تحكمه النزعة القبلية

تريد أن يتميز البطن الهاشمي عن بقية بطونها وال أن يتفوق عليها ، وقد تصورت أن من هنا لم تكن قريش ة ودفاعهم المستميت عن النبيين حول النبوهو إصرار هاشمي على ) صلى اهللا عليه وآله(التفاف الهاشمي

الب ، وتآمرت على قتل التميز والرغبة بالتفوق على الجميع ، فحاصرت قريش الهاشميين في شعب أبي ط وفشل الحصار وفشلت كل محاوالت االغتيال لشخص النبي ، وعال طوفان ) صلى اهللا عليه وآله(النبي ،

الرسالة اإلسالمية على كل القوى المناوئة ، وأسلمت قريش طوعا أو كرها ، فلم تعد لقريش قدرة على .الوقوف في وجه النبوة

إعداد النبي صلى اهللا عليه وآله(ولكن ( تهيولذر ة لتكون الخالفة من بعده لعليالعد)بأمر من ) عليهم السالمأجدر وأعلم بأصول الشريعة وأحكامها ، وأنهم األفضل من كل أتباعه ، واألنسب . اهللا تعالى وباعتبارهم

الجاهلي فعزمت أن ال تجمع النبوة لقيادة األمة ، قد أثار هذا المنطق في نفوس قريش النزعة القبلية والحقدوالخالفة في بني هاشم ، فالنبوة والخالفة في عرف قريش سلطان وحكم كما صرح بذلك أبو سفيان يوم فتح

.)١(لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما : مكة بقوله للعباس

ام النبيصلى اهللا عليه وآله (هذه الفكرة والعقلية سادت في األجواء السياسية المحمومة في آخر أي ( ،بذلك ، وأيضا ) صلى اهللا عليه وآله(وقريش مدركة أن النبي ميت ال محالة في مرضه هذا ، وقد أخبرهم

ك . حتما ) عليه السالم(لو تركت األمور على مجراها الطبيعي فالخالفة ستئول إلى عليمن هنا كان تحرالحزب المناوئ لبني هاشم بصورة عام ة ، فكانت السقيفة ) عليه السالم(ة ولعليخاص.

ونجد فكرة عدم اجتماع النبوة والخالفة في بني هاشم من خالل المحاورة

ــــــــــــــــ

.۲۷۲ / ۱۷: شرح نهج البالغة ) ۱(

١٢١الصفحة

ع قومكم منكم أتدري ما من! يا ابن عباس : بين عمر وابن عباس في زمن خالفة عمر ، حين قال له عمر إن لم أكن أدري فإن أمير : فكرهت أن أجيبه فقلت : ؟ قال ابن عباس ) صلى اهللا عليه وآله(بعد محمد

كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخالفة فتجحفوا على قومكم ، فاختارت قريش : المؤمنين يدري ، فقال عمر .)۱(ألنفسها فأصابت ووفقت

قد وتر ) عليه السالم(وهو أن عليا ) عليه السالم(بموضوع تحويل الخالفة عن علي وثمة أمر آخر يتعلق ) عليه السالم(بسيف علي ) صلى اهللا عليه وآله(قريشا في حروبها ضد اإلسالم وإن كل دم أراقه رسول اهللا

وحده ، ألنه لم يكن في عصبت تلك الدماء بعلي) صلى اهللا عليه وآله(وسيف غيره فإن العرب بعد وفاته .)۲(رهط النبي من يستحق في شرع قريش وعاداتهم أن يعصب به تلك الدماء إال علي وحده

الخالفة عن ) عليه السالم(مالمح التخطيط إلقصاء اإلمام علي:

هناك تخطيطا محكما لدى الخط المناوئ لعلي من خالل ما يلي ألخذ الخالفة منه) عليه السالم(نالحظ أن :

١ النبي ـ بقاؤهم في المدينة ومحاولتهم عدم الخروج منها مهما يكن من أمر ، وذلك عندما عرفوا أن في تلك األيام كان ) صلى اهللا عليه وآله(قد تدهورت صحته، كما الحظوا بأن النبي ) صلى اهللا عليه وآله(

رة اتباعه لسالمة الدين والدولةوضرو) عليه السالم(يكثر من التوصية بعلي.

٢ عليه السالم( ـ حضورهم الدائم قرب الرسول ومحاولتهم الحيلولة دون حصول شيء يدعم والية علي ( ، تحت الشعار الذي) صلى اهللا عليه وآله(فكان الشغب في مجلس النبي

ــــــــــــــ

ط دار إحیاء التراث العربي ، الكامل ١٨٩ / ١: دید ، وشرح النھج البن أبي الح٢۵٣ / ٢: مروج الذھب ) ١( .۶۴ و ۶٣ / ٣: في التأریخ

.٢٨٣ / ٣: نھج البالغة البن أبي الحدید ) ٢(

١٢٢الصفحة

بغلبة الوجع مما أزعج ) صلى اهللا عليه وآله( ثم اتهام النبي المعصوم )حسبنا كتاب اهللا ( :رفعه عمر من غير المعقول أن يثير النفور )إئتوني بدواة وكيف ( ) : صلى اهللا عليه وآله(لنبي النبي ، حيث إن قول ا

والشك في نفوس الجميع دون سابق مضمر في نفوس البعض ، فلم يكن داع العتراضهم إال إثارة الشغب عن الكتابة ) صلى اهللا عليه وآله(ومنع النبي.

عليه ( وإتمام البيعة عبر استغاللهم الفرصة بانشغال اإلمام علي ـ السرعة في البت بموضوع الخالفة٣وبني هاشم بمراسم تجهيز النبي ودفنه ، فحين علم عمر بنبأ االجتماع في السقيفة ؛ أرسل إلى أبي ) السالم

أن اخرج فقد حدث أمر البد أن تحضره ، ولم ) صلى اهللا عليه وآله(بكر حين دخل إلى بيت رسول اهللا وضح ذلك خشية أن يطلع عليه علي أو أحد من بني هاشم ، وإال لماذا ؟ فهل كان هذا األمر المهم يعني أبا ي

بكر دون بقية المسلمين وفيهم من هو أحرص على اإلسالم من أبي بكر وعمر ؟ ولماذا لم يدخل عمر بنفسه

ث إليهم ؟ يدخل عمر بنفسه إلى داخل حيث يجتمع الناس ) صلى اهللا عليه وآله(إلى داخل دار النبيفيتحد ث إليهم ؟) صلى اهللا عليه وآله(دار النبيحيث يجتمع الناس فيتحد

٤ ـ سعيهم لضمان حياد األنصار وإبعادهم عن ميدان التنافس السياسي بدعوى أنهم ليسوا عشيرة النبي ) .صلى اهللا عليه وآله(

من األنصار ، ألن قريشا لو بايعت الخليفة الجديد ؛ لما كان لبيعتها أدنى ـ الترتيب في أخذ البيعة أوال٥ فرد أن يقف في موقع الند ة على قريش ، وال يمكن أليقيمة واقعية ، وألمكن اإلمام فيما بعد أن يقيم الحج

إذا كانت األنصار في كفة اإلمام ) عليه السالم(لعلي.

أخذ البيعة بعد الخروج من السقيفة ، إذ كان الناس مجتمعين في المسجد ويمكن مالحظة ذلك من طريقة قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته األنصار ، فقام عثمان ومن ! ما لي أراكم مجتمعين حلقا شتى ؟: فقال عمر

.معه من بني أمية فبايعوا ، وقام سعد وعبد الرحمن ومعهما بنو زهرة فبايعوا

من خارج المدينة معدة سلفا لتأييد الطرف المناوئ لبني ـ دخول عناصر٦

١٢٣الصفحة

.)۱(فأيقنت بالنصر ) أسلم ( ما هو إال أن رأيت : هاشم ، بدليل قول عمر

ـ محاولتهم التعتيم على اإلجراءات التي تمت مخاتلة ، واتهامهم لكل من يعارضهم بأنه يريد الفتنة وشق ٧ن ، وقد اتضح ذلك من خالل الحوادث التي تتابعت فيما بعد ، والقضاء على من ثبت على عصا المسلمي

.)۲(عدم البيعة وخالف قرار السقيفة

أن عثمان بن عفان كتب اسم عمر في الوصية كخليفة من بعد أبي : ـ ومن األدلة على التخطيط السابق ٨ عليه ، فمن أين علم عثمان أن عمر هو الخليفة بعد أبي من دون أن يأمره بذلك ، فقد كان مغمى)۳(بكر بكر ؟

ـ ثم إن عمر وضع عثمان ضمن مجموعة أحدها يكون خليفة المسلمين بحيث يضمن ترشيحه مؤكدا ، ٩وأي خبير بالتأريخ ملم بمجريات األمور وتركيبة المرشحين الستة يستطيع أن يحلل ذلك كما حلل اإلمام

۴ (الموقف بوضوح) عليه السالم(علي(.

ـ حين تشكلت الحكومة التي تمخضت عن اجتماع السقيفة ؛ تولى أبو بكر الخالفة ، وأبو عبيدة المال ١٠ ، وهذه هي أهم المناصب وأكثرها حساسية في مناهج الحكم والدولة ، هذه التركيبة )۵ (، وعمر القضاء

. تتأتى صدفة وال يتم ذلك إال عن تخطيط سابق لجهاز الدولة والعناصر الحاكمة ال

ـــــــــــــ

. ط مؤسسة األعلمي ۴۵٩ / ٢: تأریخ الطبري ) ١(

، ٢۴٧ / ۴: ، والعقد الفرید ۵٨٩ / ١: ، وأنساب األشراف ١۴۵ / ٢ق / ٣: راجع طبقات ابن سعد ) ٢(اغتیال خالد بن سعید بن العاص ، : ة انقالب أبیض ، والسقیف١٣: السقیفة والخالفة لعبد الفتاح عبد المقصود

.١٣۴ / ٣: ترجمة سعد بن عبادة وكنز العمال : وابن عساكر

: ، والكامل في التأریخ ٣٧: ط مؤسسة األعلمي ، وسیرة عمر البن الجوزي ۶١٨ / ٢: تأریخ الطبري ) ٣(٢ / ۴٢۵.

.١٩ / ۵: أنساب األشراف ) ۴(

.۴٢٠ / ٢: ریخ الكامل في التأ) ۵(

١٢٤الصفحة

.)۱(لو كان أبو عبيدة حيا استخلفته : ـ قول عمر حين حضرته الوفاة ١١

ة عليعليه السالم(وليس كفاءة أبي عبيدة هي التي أوحت إلى عمر بهذا التمني ، ألنه كان يعتقد أهلي ( .ميتا للخالفة ، ومع ذلك لم يشأ أن يتحمل أمر األمة حيا كان أو

١٢ كما جاء ذلك في ) عليه السالم( ـ اتهام معاوية ألبي بكر وعمر بالتخطيط الستالب الخالفة من علي ،فقد كنا وأبوك نعرف فضل ابن أبي طالب وحقه الزما لنا مبرورا : كتابه إلى محمد بن أبي بكر إذ قال

ما عنده وأتم وعده وأظهر دعوته وأفلج حجته وقبضه إليه ) هصلى اهللا عليه وآل(علينا ، فلما اختار اهللا لنبيه ؛ كان أبوك والفاروق أول من ابتزه حقه وخالفه على أمره ، على ذلك اتفقا واتسقا ، ثم إنهما دعواه إلى

.)۲(بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما فهما به الهموم وأرادا به العظيم

احلب يا عمر حلبا لك شطره ، اشدد له اليوم أمره :لعمر ) عليه السالم( علي ـ قول أمير المؤمنين١٣ .)۳( ليرد عليك غدا

للحاكمين بالحزبية السياسية والتآمر لالنقضاض على السلطة وتجريد ) عليها السالم( ـ اتهام الزهراء ١٤( ابتدارا زعمتم خوف الفتنة ؟ ... فوسمتم غير إبلكم ، وأوردتم غير شربكم (: بقولها )۴(بني هاشم منها

لمحيطة بالكافرين نمهج إنقطوا وأال في الفتنة س((.

:سلبيات حادثة السقيفة

) صلى اهللا عليه وآله( ـ االستبداد بالرأي والقرار ، فقد استهان المشاركون في السقيفة بوصايا رسول اهللا ١ هتمام بعترته الطاهرة ، واستخفوا بأوامره المصرحةللمسلمين باال

ــــــــــــــ

٢٩٢ / ٣: ط دار إحیاء التراث العربي ن وتأریخ الطبري ١٩٠ / ١: شرح نھج البالغة البن أبي الحدید ) ١( .۶۵ / ٣: قصة الشورى ، والكامل في التأریخ

.١١٩صر بن مزاحم ك ، وقعة صفین لن١٩٩ / ٣: مروج الذھب للمسعودي ) ٢(

.١١ / ۶: ، شرح نھج البالغة البن أبي الحدید ٢٩: اإلمامة والسیاسة ) ٣(

.٢٢٠ / ٢٩، وبحار األنوار ك ) صلى اهللا علیھ وآلھ(راجع خطبة الزھراء في مسجد النبي ) ۴(

١٢٥الصفحة

صلى اهللا (ص بالخالفة من رسول اهللا بلزوم االقتداء بهم والتمسك بحبلهم ، ولو فرض ـ جدال ـ أنه ال نعلى أحد من آل محمد وفرض كونهم غير متميزين في حسب أو نسب أو أخالق أو جهاد أو ) عليه وآله

علم أو عمل أو إيمان أو إخالص ، بل كانوا كسائر الصحابة ، فهل كان ثمة مانع شرعي أو عقلي أو ! ؟)۱() صلى اهللا عليه وآله(نتهاء من تجهيز رسول اهللا عرفي يمنع تأجيل عقد البيعة إلى حين اال

إن دل على ) صلى اهللا عليه وآله(إن هذا االستعجال من المبادرين لسد الفراغ الذي خلفته وفاة الرسول شيء فإنما يدل على وجود نصوص أو أرضية تشريعية كان ينبغي تفويتها والمبادرة ألخذ زمام األمر ، لئال

إنها كانت فلتة : خذ النصوص فاعليتها إن جرت األمور بشكل طبيعي ، ولهذا قال عمر عن بيعة أبي بكر تأ .)۲(وقى اهللا المسلمين شرها أال ومن عاد لمثلها فاقتلوه

ـ البيعة لم تكن جامعة ألهل الحل والعقد الذي يعتبر شرطا أساسيا في حصول اإلجماع وفي مشروعية ٢والعباس ) عليه السالم( إذ الغي في السقيفة استشارة الطبقة الرفيعة من الصحابة مثل علي االنتخاب ،

وعمار بن ياسر وسلمان وخزيمة بن ثابت وأبي ذر وأبي أيوب األنصاري والزبير بن العوام وطلحة وأبي .بن كعب ، وغيرهم كثير

ين ، فإن كثيرا من المسلمين قد أرغموا عليها ـ استعمال العنف والقسوة في طريقة أخذ البيعة من المسلم٣ .، وقد لعبت درة عمر في سبيل تحقيقها وإيجادها دورا كبيرا

: ـ لقنت السقيفة مفاهيم منحرفة لألمة ، منها ٤

من ذا ينازعنا(أ ـ االستعالء على األمة واالستخفاف بشأنها تحت شعار

ـــــــــــــــ

. ط اسوة ٢۵: للسید شرف الدین النص واالجتھاد ) ١(

.كتاب الحدود ، باب رجم الحبلى : ، وراجع صحیح البخاري ۶١: تذكرة الخواص ) ٢(

١٢٦الصفحة

! ) .سلطان محمد ؟

إلى مفهوم السلطة العشائرية التي ) صلى اهللا عليه وآله(ب ـ تحويل مفهوم النبوة الربانية وخالفة الرسول . وشرعيتها من انتخاب أبناء العشيرة وليس من نصوص الشريعة المقدسة تستمد قوتها

ج ـ فسح المجال أمام المسلمين لطرح التعددية في السلطة ومنافسة من فرض اهللا طاعته بالنص ، وتشجيع .منا أمير ومنكم أمير : التمرد على الحاكم المعصوم المنصوب بأمر من اهللا تعالى ، كما قالوا

هيأ اجتماع السقيفة األرضية المناسبة لتجاوز وجود األمة وتجاوز رأيها السياسي كما حصل ذلك مرة د ـ .أخرى عند تعيين عمر ، وثالثة عند وفاة عمر متمثال في الشورى التي فرضها عمر على المسلمين

:من اجتماع السقيفة ) عليه السالم(موقف اإلمام

ع على عرشها مثل اآلخرين ، إذ ) السالمعليه (لم يكن اإلمام عليطامعا وساعيا في استالم الخالفة والتربكان همه األول واألخير تثبيت دعائم اإلسالم ونشره ، وإعزاز الدين وأهله ، وإظهار عظمة الرسول وبيان

يز النبي والصالة ، فانشغل بمراسم تجه) صلى اهللا عليه وآله(سيرته ، وحث الناس على االقتداء بمنهجه يا ، ولكنل لها رساليا والمرشح لها نبوالخالفة تعدوه وهو المؤه عليه ودفنه ، وما كان يدور في خلده أن

الطمع في سلطان بغير حق ، نفوس القوم أضمرت ما ينافي وصايا نبيهم في غزوتي أحد وحنين ، وأغراهم .فتركوا نبيهم مطروحا بال دفن كما تركوه وفروا عنه في حياته عند الشدائد والهزائز

صلى اهللا عليه وآله(لقد وصل خبر اجتماع السقيفة إلى بيت النبي ( حيث يجتمع علي)وبنو ) عليه السالم، فقال العباس عم الرسول لعلي ) ى اهللا عليه وآلهصل(هاشم والمخلصون من الصحابة حول جسد رسول اهللا

عم رسول اهللا بايع: يا ابن أخي ، امدد يدك أبايعك ، فيقال :

١٢٧الصفحة

.ابن عم رسول اهللا ، فال يختلف عليك اثنان

يا عم ، وهل يطمع فيها طامع غيري ؟) : عليه السالم(فقال

.ستعلم : قال العباس

لم يكن ليخفى عليه ما كان يجري في الساحة من مؤامرات آنذاك فأجابه ) عليه السالم(ام غير أن اإلم .)۱() إني ال أحب هذا األمر من وراء رتاج ( :بصريح القول

:موقف أبي سفيان

والعباس) عليه السالم(وعلي ) صلى اهللا عليه وآله(أن أبا سفيان جاء إلى باب دار رسول اهللا : روي واهللا لئن شئت ألمألنها عليهم خيال ! ما بال هذا األمر في أقل حي من قريش ؟: موجودان فيه ، فقال ه بذاك شيئا! ارجع يا أبا سفيان ) : عليه السالم(ورجاال ، فقال عليطالما عاديت اإلسالم وأهله فلم تضر

.

واهللا إني ألرى عجاجة : أقبل أبو سفيان وهو يقول أنه لما اجتمع الناس على بيعة أبي بكر ؛: وروي أيضا أبا : أين المستضعفان علي والعباس ، وقال ! ال يطفئها إال دم ، يا آل عبد مناف فيم أبو بكر من أموركم

إنك واهللا ما أردت بهذا إال الفتنة : عليه وزجره وقال ) عليه السالم(حسن ، ابسط يدك أبايعك ، فأبى عليما : ولما بويع أبو بكر قال أبو سفيان . )۲( نك طالما بغيت اإلسالم شرا ، ال حاجة لنا في نصيحتك، وإ

!لنا وألبي فصيل ، إنما هي بنو عبد مناف

.)۳(وصلته رحم : إنه قد ولى ابنك ، قال : فقيل له

وبني هاشم ، وإنما كانت ) سالمعليه ال(لم تكن معارضة أبي سفيان للسقيفة عن إيمانه بحق اإلمام عليحركة سياسية ظاهرية أراد بها الكيد باإلسالم والبغي عليه ، فإن

ــــــــــــــــ

.الباب المغلق : والرتاج . ٢١: اإلمامة والسیاسة ) ١(

. ط دار الفكر ٣٢۶ / ٢: ، والكامل في التاریخ ۴۴٩ / ٢: تاریخ الطبري ) ٢(

.٣٢۶ / ٢: ط دار األعلمي ، والكامل في التأریخ ۴۴٩/ ٢: تأریخ الطبري ) ٣(

١٢٨الصفحة

.)۱(عالقة أبي بكر مع أبي سفيان كانت وثيقة للغاية

:أقطاب المعارضة للسقيفة

كان من الطبيعي أن تبرز أطراف معارضة لنتائج السقيفة التي لم تتمتع باألهلية الكافية واالحقية في : ثالثة أطراف الزعامة ، فبرزت

األنصار باعتبارهم كتلة سياسية واجتماعية كبيرة البد من حسابها في ميزان الترشيح واالنتخاب ، :األول .فنازعوا الخليفة الفائز وصاحبيه في سقيفة بني ساعدة ، ووقعت بينهم المنازعة التي انتهت بفوز قريش

:وقد انتفع أبو بكر وحزبه في مواجهة األنصار من

١ صلى اهللا عليه وآله( ـ تركز فكرة الوراثة الدينية في الذهنية العربية في قوله بأنهم شجرة النبي ( .وأقربهم إليه ، فهم أولى به من سائر المسلمين ، وأحق بخالفته وسلطانه

من نفوسهم ، ـ انشقاق األنصار على أنفسهم بين مؤيد ومعارض ألبي بكر ، نتيجة تجذر النزعة القبلية ٢أو لحسد بعضهم لبعض ، أو الرغبة في نيل الحظوة والقربة لدى السلطة الحاكمة الجديدة ، حتى برزت هذه

لئن وليتموها سعدا عليكم مرة واحدة ال زالت لهم : الظاهرة واضحة في قول أسيد بن حضير في السقيفة .)۲(وموا فبايعوا أبا بكر بذلك عليكم الفضيلة وال جعلوا لكم نصيبا فيها أبدا فق

ــــــــــــــ

فقد روي أن أبا سفيان اجتاز على جماعة من المسلمين منهم أبو بكر وسلمان وصهيب وبالل ، فقال ) ۱(أتقولون هذا لشيخ : أما أخذت سيوف اهللا من عنق عدو اهللا مأخذها ؟ فزجرهم أبو بكر وقال لهم : بعضهم

يخبره بمقالة القوم فرد عليه الرسول ) صلى اهللا عليه وآله(رعا إلى النبي ومضى مس.. قريش وسيدهم ؟ صحيح . يا أبا بكر لعلك أغضبتهم ؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت اهللا :قائال ) صلى اهللا عليه وآله(

.۳۶۲ / ۲: البخاري

.٣٣١ / ٢: الكامل في التأریخ ) ٢(

١٢٩الصفحة

:سقيفة ألبي بكر القوة من ناحيتين لقد أعطى اجتماع ال

١ لوا على أنفسهم بذلك مذهبا ال ) عليه السالم( ـ إضعاف دور القاعدة الشعبية لإلمام علياألنصار سج فإن .يسمح لهم بأن يقفوا بعد السقيفة إلى صف اإلمام ويخدموا قضيته وأحقيته في الخالفة

المهاجرين بصورة عامة وعن قريش خاصة في مجتمع ـ بروز أبي بكر كمدافع وحيد عن حقوق ٢األنصار ، حيث إن الظرف كان مناسبا جدا ، إذ خال من أقطاب المهاجرين الذين لم يكن لتنتهي المسألة في

.محضرهم إلى نتيجتها التي انتهت إليها

الحكم ، واسترجاع شيء األمويون الذين كان لديهم مطمع سياسي كبير في نيل نصيب مرموق من:الثاني من مجدهم السياسي في الجاهلية وعلى رأسهم أبو سفيان ، وقد تعامل معهم أبو بكر وحزبه وفق معرفتهم بطبيعة النفس األموية وشهواتها السياسية والمادية ، فكان من السهل على أبي بكر أن يتنازل عن بعض

ما في يده من أموال المسلمين وزكواتهم التي جمعها المبادئ والحقوق الشرعية ، فدفع ألبي سفيان جميع لجباية األموال ، ولم يعبأ الفائزون بالسقيفة ) صلى اهللا عليه وآله(من سفره الذي بعثه فيه رسول اهللا

) عليه السالم(بمعارضة األمويين وتهديد أبي سفيان وما أعلنه من كلمات الثورة والرغبة في تأييد اإلمام .وبني هاشم

بل استفاد أبو بكر وحزبه من األمويين في إضعاف دور بني هاشم حاضرا ومستقبال بأن جعلوا لألمويين .حظا في العمل الحكومي في عدة من المرافق الهامة في الدولة

الهاشميون وأخصاؤهم كعمار وسلمان وأبي ذر والمقداد رضوان اهللا عليهم ، وجماعات كثيرة من :الثالث اس الذين كانوا يرون البيت الهاشمي هو صاحب الحق الشرعي بالخالفة ، وهو الوارث الطبيعي لرسول الن

بحكم) صلى اهللا عليه وآله(اهللا

١٣٠الصفحة

.نص الغدير ومناهج السياسة التي كانوا يألفونها

م تيارات تسعى لالستئثار ولم تكن لتنطلي عليهم الحجج الواهية التي طرحتها أطراف السقيفة ، فرأت فيه .بالحكم إلرضاء شهواتهم ونذيرا بانحراف التجربة اإلسالمية من مسارها الصحيح

:نتائج السقيفة

نجح أبو بكر وحزبه في مواجهة األنصار واألمويين ، وكسب الموقف بأن أصبح خليفة للمسلمين ، ولكن يملك في السقيفة من رصيد إال أن يجعلوا حجتهم مبنية هذا النجاح جره إلى تناقض سياسي واضح ، ألنه لم

.، ومن ثم يقروا مذهب الوراثة للزعامة الدينية ) صلى اهللا عليه وآله(على أساس القرابة من رسول اهللا

غير أن وجود بني هاشم كطرف معارض بدل الوضع السياسي ، واحتجت المعارضة على أبي بكر وحزبه على باقي األطراف ، وهي إذا كانت قريش أولى برسول اهللا من سائر العرب فبنو هاشم أحق بنفس حجتهم

.باألمر من بقية قريش

عليه السالم(وهذا ما أعلنه اإلمام علي ( المهاجرون بالقرب من رسول اهللا :حين قال إذا احتج ) صلى اهللائمة ، فإن فلجت حجتهم كانت لنا دونهم ، وإال كانت الحجة لنا على المهاجرين بذلك قا) عليه وآله

.فاألنصار على دعوتهم

صلى اهللا عليه (وأما قولك نحن شجرة رسول اهللا : وأوضحه العباس في حديث له مع أبي بكر إذ قال له .)١(فإنكم جيرانها ونحن أغصانها ) وآله

ا منيعا إزاء كان مصدر رعب ورهب في نفوس ال) عليه السالم(فاإلمام عليفائزين في لعبة السقيفة وسدـ والذين يميلون مع كل ريح ! رغباتهم وطموحاتهم ، وكان بإمكانه أن يستغل النفعيين ـ وما أكثرهم

وينعقون مع كل ناعق والذين يعرضون

ــــــــــــــــ

.۵ / ۶: شرح نھج البالغة البن أبي الحدید ) ١(

١٣١الصفحة

صلى اهللا عليه (واقفهم رخيصة في األسواق السياسية ، وأن يشبع نهمهم مما خلفه الرسول أصواتهم ومأبى ) عليه السالم(التي كانت تدر بالخيرات ، إال أنه ) فدك(من الخمس وغالت أراضي المدينة ونتاج ) وآله

أن ) عليه السالم( بوسعه عن كل ذلك لكمال شخصيته وسمو منزلته ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر كانعليه (يتحرك محتجا أمام أرباب السقيفة بمبدأ القرابة الذي يعد ورقة رابحة بيده حتى ألمح لذلك بقوله

وكان السواد األعظم من الناس يقدسون أهل البيت . )احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة() : السالمسلطة الحاكمة إلى أزمة سياسية حرجة ال مخرج منها ، بيد أنه ويحترمونهم لذلك السبب ، وبالتالي سيدفع ال

المصلحة اإلسالمية العليا على كل ) عليه السالم(كان أسمى من ذلك وأجل ، حيث قدم ) عليه السالم( .المصالح الخاصة

:ولتالفي احتمال تحرك اإلمام على هذا المسار ترددت السلطة بين موقفين

ر للقرابة بشأن في الخالفة ، وهذا معناه نزع الثوب الشرعي عن خالفة أبي بكر الذي أن ال تق: أوال .تقمصه يوم السقيفة

أن تناقض السلطة الحاكمة نفسها وإصرارها على مبادئها التي أعلنتها في السقيفة مقابل بقية : ثانيا ، ) صلى اهللا عليه وآله( إلى رسول اهللا األطراف ، فال ترى أي حق للهاشميين في السلطة وهم أقرب الناس

أو تراه لهم ، ولكن في غير ذلك الظرف الذي يكون معنى المعارضة مقابلة حكم قائم ووضع قد تعاقد عليه .الناس

.)١(وكان الخيار الثاني هو خيار السلطة

ــــــــــــــ

٤٤٩ / ٢: ، وتأريخ الطبري ٩٦ـ ٨٤للشهيد الصدر ك ) فدك في التأريخ ( راجع تفصيل ذلك في ) ١( ) .أحداث السقيفة ( ٤٥٠و

١٣٢الصفحة

:الفصل الثاني

في عهد أبي بكر) عليه السالم(اإلمام علي

:خطوات السلطة لمواجهة المعارضة

ما كانت الفئة المسيطرة لتتنازل عن السلطة بعد أن سعت وخططت لالستيالء عليها ، فثبتت على آرائها ي روجتها في السقيفة ودعمتها بشتى الوسائل والسبل بغض النظر عن شرعيتها أو صحتها في المحافظة الت

على سالمة الدعوة اإلسالمية ، لذا فإننا نالحظ بعض الظواهر والخطوات السياسية التي اتبعتها هذه الفئة لقضاء على الفكرة التي أمدت الهاشميين عن الحكم نهائيا وا) صلى اهللا عليه وآله(من أجل إبعاد آل محمد

:بالقوة ، بل القضاء على كل معارضة محتملة مستقبال ، وهي

ـ إن السلطة الجديدة أخذت على المعارضين أن مخالفتهم الخليفة الجديد ليس إال إحداثا للفتنة المحرمة ١ الدولة اإلسالمية كانت غير مستقرة بعد في شريعة اإلسالم ، وكان يدعم إدانتهم للمعارضة هذه أن ظروف

، وكان األعداء من خارج البالد يهددون الدولة اإلسالمية إضافة إلى أحداث الردة التي حصلت بعد وفاة .داخل حدود الدولة اإلسالمية الفتية ) صلى اهللا عليه وآله(الرسول

ومن معه بنفس الطريقة ) عليه السالم(إلمام علي ـ أسلوب الشدة والعنف الذي اتبعه الخليفة وحزبه مع ا٢ د بحرق بيت اإلمام عليعمر هد ة منهم أنعليه (التي اتبعوها مع سعد بن عبادة في السقيفة ، فقد بلغت الشد

)عليها السالم(وإن كانت فاطمة ) السالم

١٣٣الصفحة

١٣٤الصفحة

ليس لهم حرمة تمنعهم عن أن ) صلى اهللا عليه وآله( محمد ، ومعنى هذا أن فاطمة وغيرها من آل) ۱(فيه .يتخذ الجهاز الحاكم الطريقة نفسها معهم

ـ إن أبا بكر ومن معه لم يشرك شخصا من الهاشميين في شأن من شؤون الحكم المهمة خشية أن يصل ٣ .سالمية الواسعة وال جعل منهم واليا على شبر من الدولة اإل) ۲(الهاشميون إلى الخالفة

وتعاديهم ، لنيل الخالفة ) صلى اهللا عليه وآله( ـ إعداد وتهيئة كتلة سياسية ضخمة تنافس آل محمد ٤والمركز األعلى في الحكم ، فإننا نالحظ أن األمويين ذوي األلوان والطموحات السياسية الواضحة قد احتلوا

مر ، وإضافة إلى ذلك أن مبدأ الشورى الذي ابتكره الخليفة الصدارة في المناصب اإلدارية أيام أبي بكر وع .الثاني سوف يجعل من عثمان بن عفان المرشح األوفر حظا من غيره من المنافسين

هذه الكتلة السياسية من شأنها أن تطول وتتسع ألنها ليست متمثلة في شخص بل في بيت كبير ، وبالتالي إلى سدة الخالفة بسهولة على أقل ) صلى اهللا عليه وآله(عود آل محمد سوف لن تكون الظروف مهيأة لص

.تقدير

ـ عزل كل العناصر التي تميل إلى بني هاشم ، فقد روي أن أبا بكر عزل خالد بن سعيد بن العاص عن ٥عته الهاشمية وميله قيادة الجيش الذي وجهه لفتح الشام بعد أن أسندها إليه ال لشيء إال ألن عمر نبهه إلى نز

.)۳() صلى اهللا عليه وآله(إلى آل محمد ، وذكره بموقفه المعارض لهم بعد وفاة رسول اهللا

٦ خشية أن يستثمرها اإلمام في الدعوة الستعادة ) عليه السالم( ـ إضعاف القدرة االقتصادية لإلمام علي حقه الشرعي في الخالفة ، فقام الخليفة بمصادرة فدك من

ـــــــــــــــ

. ط دار الوفاء ۱۹۷ / ۴۳: بحار األنوار ) ۱(

.۱۳۵ م ۵: ، ومروج الذهب على هامش تأريخ ابن األثير ۶۱۸ / ۲: تأريخ الطبري ) ۲(

. ط مؤسسة األعلمي ۵۸۶ / ۲: تاريخ الطبري ) ۳(

١٣٥الصفحة

قويا لقرينها في دعوته إلى نفسه ، هذا إذا كانت سندا) عليها السالم(لعلمه أنها ) عليها السالم(الزهراء علمنا أن أطرافا سياسية باعت صوتها للحكومة ، فمن الممكن أن تفسخ المعاملة إذا عرض عليها ما ينتج

.)۱(ربحا أكبر ، كما وأن الخليفة أبا بكر نفسه اتخذ المال وسيلة من وسائل اإلغراء وكسب األصوات

وإذا أضفنا لذلك أن به أنصار اإلمام علي على أحقيته بالخالفة ) عليه السالم(الزهراء كانت دليال يحتجالداعم ) عليها السالم(نستوضح أن الخليفة كان موفقا كل التوفيق في مسعاه السياسي إلظهار موقف الزهراء

ر إلفهام المسلمين أن فاطمة موقفا محايدا ، وذلك بأسلوب لبق وغير مباش) عليه السالم(ألمير المؤمنين امرأة من النساء وال يصح أن تؤخذ آراؤها ودعاويها دليال في مسألة بسيطة كفدك ، فضال ) عليها السالم(

لقرينها )۲(عن موضوع مهم كالخالفة ، وأنها إذا كانت تطلب أرضا ليس لها بحق ؛ فمن الممكن أن تطلب فيها حق كما يدعيه هؤالء الصحابة الذين رشحوا أنفسهم لخالفة رسول اهللا الدولة اإلسالمية كلها ، وليس له

.وسيطروا على زمام األمر ) صلى اهللا عليه وآله(

األمر ألبي بكر ، بعث إلى وكيل الزهراء فأخرجه منها واستولى على فدك ، واحتج ا استقرفقد روي أنه لمإنا معاشر األنبياء ال نورث ، ما ( : يقول ) صلى اهللا عليه وآله(بي بحديث لم يروه غيره ، وهو أنه سمع الن

.)۳(فالنبي ال يورث وإنما ميراثه في المساكين وفقراء المسلمين ) تركناه صدقة

:االحتجاجات على خالفة السقيفة

رة من الصحابة الذين وقفوا مع اإلمام عليالصفوة الخي لمطالبةفي ا) عليه السالم(إن

ــــــــــــــ

.۱۳۳ / ۱: ، وشرح النهج البن أبي الحديد ۱۸۲ / ۳: الطبقات الكبرى البن سعد ) ۱(

أبو الفضل إبراهيم وفيه جواب مدرس / المحققة . ط ۲۸۴ / ۱۶: شرح نهج البالغة البن أبي الحديد ) ۲( .ي الحديد المدرسة الغربية علي بن الفارقي بهذا المعنى عندما سأله ابن أب

، ودالئل ۲۲۴ ـ ۲۱۸ / ۱۶: ، وشرح نهج البالغة البن أبي الحديد ۳۰۱ / ۶: راجع سنن البيهقي ) ۳( .۳۲ / ۳: الصدق للمظفر

١٣٦الصفحة

بحقه الشرعي في الخالفة احتجوا بصالبة وثقة وعالنية وبحجة واضحة دامغة وبدليل شرعي منصوص إصابة الحق وصيانة الحكم اإلسالمي من االنحراف على الحكومة ، فقد وبأسلوب يدل على الحرص على

! أيها الناس : فانبرى الصحابي الجليل خزيمة بن ثابت فقال ) صلى اهللا عليه وآله(وقفوا في مسجد الرسول بلى : الوا قبل شهادتي وحدي ، ولم يرد معي غيري ؟ فق) صلى اهللا عليه وآله(ألستم تعلمون أن رسول اهللا

أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل ، (: يقول ) صلى اهللا عليه وآله(فأشهد أني سمعت رسول اهللا : ، قال .، وقد قلت ما علمت ، وما على الرسول إال البالغ المبين ) وهم األئمة الذين يقتدى بهم

إن كنتم علمتم وإال فاعلموا أن أهل ! يا معاشر قريش ويا معاشر المسلمين: واحتج عمار بن ياسر فقال بيت نبيكم أولى به وأحق بإرثه وأقوم بامور الدين وآمن على المؤمنين وأحفظ لملته وأنصح المته ، فمروا

.صاحبكم فليرد الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف أمركم ويظهر شقاقكم وتعظم الفتنة بكم

وقد رأيته في ) صلى اهللا عليه وآله(أشهد على رسول اهللا ! يا معشر قريش : ووقف سهل بن حنيف فقال أيها الناس ( : وهو يقول ) عليه السالم(هذا المكان ـ يعني مسجد النبي ـ وقد أخذ بيد علي بن أبي طالب

ي في حياتي وبعد وفاتي ، وقاضي ديني ، ومنجز وعدي ، وأوإمامكم من بعدي ووصي ل من ، هذا علي .)يصافحني على حوضي ، وطوبى لمن تبعه ونصره ، والويل لمن تخلف عنه وخذله

أنه أقام عليا يوم غدير ) صلى اهللا عليه وآله(وأنا أشهد على رسول اهللا : ثم قام أبو الهيثم بن التيهان فقال ليعلم الناس أنه مولى من كان ما أقامه إال: ما أقامه إال للخالفة ، وقال بعضهم : خم ، فقالت األنصار

صلى اهللا (مواله ، وكثر الخوض في ذلك فبعثنا رجال منا إلى رسول اهللا ) صلى اهللا عليه وآله(رسول اهللا ، وأنا أشهد بما )هو ولي المؤمنين بعدي وأنصح الناس ألمتي ( : فسألوه عن ذلك ، فقال ) عليه وآله

.ء فليكفر ، إن يوم الفصل كان ميقاتا حضرني ، فمن شاء فليؤمن ومن شا

١٣٧الصفحة

ثم قام آخرون منهم أبو ذر وأبو أيوب األنصاري وعتبة بن أبي لهب والنعمان بن عجالن وسلمان الفارسي .)۱(فاحتجوا على القوم

:على البيعة ) عليه السالم(محاولة إرغام اإلمام

عدد من الصحابة األجالء باالحتجاج العلني ومطالبة السلطة بالتنحي كان المتناع اإلمام عن البيعة وقيام عنها وتسليمها إلى صاحبها الشرعي األثر الفعال في تحريك مشاعر المسلمين وتعبئتهم في صف أمير

، هذا باإلضافة إلى وجود بعض العشائر المؤمنة المحيطة بالمدينة مثل أسد وفزارة ) عليه السالم(المؤمنين ) صلى اهللا عليه وآله(التي عقدها النبي ) غدير خم( وبني حنيفة وغيرهم ممن شاهد بيعة يوم الغدير )۲(

بإمرة المؤمنين من بعده الذين رفضوا بيعة أبي بكر ، وامتنعوا عن أداء الزكاة للحكومة ) عليه السالم(لعليجميع الشعائر ، كل هذا كان يشكل خطرا الجديدة باعتبارها غير شرعية ، وكانوا يقيمون الصالة ويؤدون

على الحكم القائم ، فرأت السلطة الحاكمة أن تصنع حدا لهذا الخطر ، وذلك بإجبار رأس المعارضة وهو .على بيعة أبي بكر ) عليه السالم(علي بن أبي طالب

نك بالبيعة ؟ يا هذا لم تصنع أال تأخذ هذا المتخلف ع: وذكر بعض المؤرخين أن عمر أتى أبا بكر فقال له فابعث إليه حتى يبايعك ! شيئا ما لم يبايعك علي.

وقسره على البيعة ألبي بكر ، فأرسلوا قوة عسكرية ) عليه السالم(فأجمعوا آراءهم على إرغام اإلمام ول اهللا ، وأخرجوه منها بصورة ال تليق بمكانة شخص قال عنه رس)۳(فأحاطت بداره فدخلوا داره بعنف

) .أنت مني بمنزلة هارون من موسى إال أنه ال نبي بعدي ) : ( صلى اهللا عليه وآله(

ـــــــــــــــ

.۱۸۶ / ۱: ، واالحتجاج للطبرسي ۴۳۲: ، والخصال للصدوق ۱۵۶ / ۱: تأريخ أبي الفداء ) ۱(

. ط مؤسسة األعلمي ۴۷۶ / ۲: تأريخ الطبري ) ۲(

.۴۴۳ / ۲: ، وتأريخ الطبري ۳۰: سة اإلمامة والسيا) ۳(

١٣٨الصفحة

: بايع أبا بكر ، فأجابهم اإلمام بمنطق الواثق الجريء الشجاع : وجيء به إلى أبي بكر ، فصاحوا به بعنف أنا أحق بهذا األمر منكم ، ال أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم األمر من األنصار ، واحتججتم (

ألستم زعمتم لألنصار ! وتأخذونه منا أهل البيت غصبا ) صلى اهللا عليه وآله(ابة من النبي عليهم بالقرمنكم فأعطوكم المقادة ، وسلموا إليكم ) صلى اهللا عليه وآله(أنكم أولى بهذا األمر منهم لما كان محمد

صلى اهللا عليه (ى برسول اهللا اإلمارة ؟ وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على األنصار ، نحن أول .)۱( )حيا وميتا ، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون وإال فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون ) وآله

وبهذا الموقف الصريح أوضح اإلمام الحقيقة من الحجة السياسية التي اتخذوها ذريعة للوصول إلى الحكم ، ويه أفكارهم وتضمره نفوسهم ، فثار ابن الخطاب بعد أن أعوزته فلم يكن لهم بد من التسليم أو الرد بما تح

إنك لست متروكا حتى تبايع ، فزجره اإلمام : الحجة في الرد على اإلمام ، فسلك طريق العنف قائال له )يعه احلب حلبا لك شطره ، واشدد له اليوم يردده عليك غدا ، واهللا يا عمر ال أقبل قولك وال أبا ( :قائال

)۲(.

عن سر اندفاعات عمر وحماسه من أجل البيعة ، فإن موقفه هذا من أجل أن ) عليه السالم(هنا كشف اإلمام .ترجع إليه الخالفة وشؤون الملك بعد أبي بكر

إن لم : وخاف أبو بكر من تطور األحداث في غير ما يحب ، وخشي من عواقب غضب اإلمام فقال له : وكسب وده ، فقال ) عليه السالم(، ثم تكلم أبو عبيدة بن الجراح محاوال تهدئة اإلمام علي تبايع فال أكرهك

إنك حديث السن وهؤالء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم باألمور ، وال أرى أبا ! يا ابن عم بكر إال أقوى على هذا األمر منك وأشد احتماال

ـــــــــــــــ

.۲۸: اإلمامة والسياسة ) ۱(

.۵ ـ ۲ / ۲: ، وشرح نهج البالغة ۵۸۷ / ۱: أنساب األشراف ) ۲(

١٣٩الصفحة

واضطالعا به ، فسلم ألبي بكر هذا األمر ، فإنك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا األمر خليق وبه حقيق .)۱(من فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك

لتصريحات السياسية غايتها تضليل اآلراء وتسويف المواقف ، وهي لم تكن لتنطلي على وعي إن هذه ابل أثارت في نفسه األلم واالستياء من بوادر االنحراف ، فاندفع يخاطب القوم في ) عليه السالم(اإلمام

محمد في العرب عن ال تخرجوا سلطان! اهللا اهللا يا معشر المهاجرين ( : محاولة لتنبيههم بخطئهم ، فقال داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، وال تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فو اهللا يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به ، ألنا أهل البيت ، ونحن أحق بهذا األمر منكم ، ما كان فينا القارئ لكتاب

نن رسول اهللا ، المضطلع بأمر الرعية ، الدافع عنهم االمور السيئة ، اهللا ، الفقيه في دين اهللا ، العالم بس) القاسم بينهم بالسوية ، واهللا إنه لفينا ، فال تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل اهللا فتزدادوا من الحق بعدا

)۲(.

) عليه السالم( اإلمام خرجت خلف أمير المؤمنين من أجل الدفاع عن) عليها السالم(أن الزهراء : وروي عليهما (ألنها خشيت أن يكون القوم قد أعدوا السوء إليقاعه باإلمام ، وقد أخذت بيد ولديها الحسن والحسين

وهددت القوم ) صلى اهللا عليه وآله(وما بقيت هاشمية إال وخرجت معها ، فوصلت مسجد النبي ) السالمخلوا عن ابن عمي ، خلوا عن بعلي ، واهللا ( ) :عليها السالم(لت بالدعاء عليهم إن لم يتركوا اإلمام فقا

ألنشرن شعري وألضعن قميص أبي على رأسي وألدعون عليكم ، فما ناقة صالح بأكرم على اهللا مني ، .)۳( )وال فصيلها بأكرم على اهللا من ولدي

ـــــــــــــــ

. ۱۳۴ / ۱ و ۵ ـ ۲ / ۲: شرح نهج البالغة ) ۱(

.۲۸: اإلمامة والسياسة ) ۲(

.۲۲۲ / ۱: اإلحتجاج للطبرسي ) ۳(

١٤٠الصفحة

ومضاعفات السقيفة ) عليه السالم(اإلمام علي:

صلى اهللا عليه (كلها رائعة ؛ فموقفه من الخالفة بعد رسول اهللا ) عليه السالم(إذا كانت مواقف اإلمام علي اإللهية تريد في كل زمان بطال يفتديها بنفسه ونفيسه ويعزز به المبدأ ، من أكثرها روعة ، فالعقيدة) وآله

إلى فراش الموت ، وبالنبي إلى مدينة النجاة يوم الهجرة ، ) صلى اهللا عليه وآله(وهذا هو الذي بعث بعليأن يضحي لها ) ه وآلهصلى اهللا علي(في محنته بعد وفاة أخيه الرسول ) عليه السالم(ولم يكن ليتهيأ لإلمام

كال ولديه الحسن والحسين ؛ ألنه لو ضحى بنفسه في سبيل توجيه الخالفة إلى مجراها الشرعي في رأيه ؛ طفالن ال يتهيأ لهما من ) صلى اهللا عليه وآله(لما بقي بعده من يمسك الخيط من طرفيه ، وسبطا رسول اهللا

.األمر ما يريد

أتم استعداد لتقديم نفسه قربانا للمبدأ في جميع أدوار حياته منذ ولد في الكعبة والى إن عليا الذي كان على وتنازل ) صلى اهللا عليه وآله(أن استشهد في مسجد الكوفة ؛ قد ضحى بموقعه الذي نصبه فيه رسول اهللا وصيا ) ى اهللا عليه وآلهصل(عن القيادة السياسية الظاهرة في سبيل المصالح العليا التي جعله رسول اهللا

.عليها وحارسا لها

عند مفترق طرق ، كل منها حرج وكل منها شديد على نفسه ) عليه السالم(وقف علي:

ـ أن يبايع أبا بكر دون ممانعة ، ويكون حاله مثل بقية المسلمين ، بل ويحافظ على وجوده ومنافعه ١وهذا غير ممكن ، . ة والتكريم واالحترام لدى الجهاز الحاكم الشخصية ومصالحه المستقبلية وينال المكان

صلى اهللا عليه (لبيعة أبي بكر وواليته ، وهذا مخالف ألوامر رسول اهللا ) عليه السالم(ألنه يعني إمضاءه د ومؤد إلى انحراف الخالفة والوالية واإلمامة عن مسارها األصلي ومعناها الحقيقي إلى األبد ، وتبد) وآله

من) عليه السالم(واإلمام علي ) صلى اهللا عليه وآله(الجهود والتضحيات التي بذلها النبي

١٤١الصفحة

.أجل إرساء قواعد اإلسالم وتحكيم أصول الخالفة الشرعية ، وبالتالي انحراف التجربة اإلسالمية كلها

بيال معتدال يحفظ كيان اإلسالم ـ أن يسكت وفي العين قذى وفي الحلق شجا ، ويحاول أن يسلك س٢ .ويصون المسلمين ووجودهم وأن يجني ثماره متأخرا

. ـ أن يعلن الثورة المسلحة على خالفة أبي بكر ، ويدعو الناس إليها ويدفعهم نحوها ٣

لساعة ولكن ماذا كان يترقب للثورة من نتائج ؟ هذا ما نريد أن نتبينه على ضوء الظروف التأريخية لتلك ا .العصيبة

ومن المألوف أن الحاكمين لم يكونوا ينزلون عن مراكزهم بأدنى معارضة تواجههم وهم من عرفناهم حرصا وشدة في أمر الخالفة ، معنى هذا أنهم سيقابلون ويدافعون عن سلطانهم الجديد ، ومن المعقول جدا

اخرى إلشباع أهوائه السياسية ، ألننا نعلم أنه هدد حينئذ أن يغتنم سعد ابن عبادة الفرصة ليعلنها حربا ال واهللا حتى أرميكم بما في كنانتي وأخضب سنان (:الحزب المنتصر بالثورة عندما طلب منه البيعة وقال

.)١( )رمحي وأضرب بسيفي وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني ولو اجتمع معكم اإلنس والجن ما بايعتكم

الخالفة القائمة ، وأكبر الظن ل شاهر للسيف ضدب الغقدام على الثورة ولم يجرؤ على أن يكون أوأنه تهي وإنما اكتفى بالتهديد الشديد الذي كان بمثابة إعالن الحرب ، وأخذ يترقب تضعضع األوضاع ليشهر سيفه

قائم في نظره إذا رأى صوتا بين السيوف ، فكان حريا به أن تثور حماسته ويزول تهيبه ويضعف الحزب ال قويا يجهر بالثورة فيعيدها جذعة محاوال إجالء المهاجرين من المدينة

ـــــــــــــــ

. ط مؤسسة األعلمي ٤٥٩ / ٢: تأريخ الطبري ) ١(

١٤٢الصفحة

. ، كما أعلن ذلك المتكلم عن لسانه في مجلس السقيفة )۱(بالسيف

وتكتلهم السياسي في سبيل الجاه والسلطان ، وما كان لهم من نفوذ في مكة في وال ننسى بعد ذلك األمويينسنواتها الجاهلية األخيرة ، فقد كان أبو سفيان زعيمها في مقاومة اإلسالم والحكومة النبوية ، وكان عتاب

.بن أسيد بن أبي العاص ابن أمية أميرها المطاع في تلك الساعة

لما توفي وبلغ خبره إلى ) صلى اهللا عليه وآله(من أن رسول اهللا ) ۲(ي تأريخ تلك األيام وإذا تأملنا ما جاء فمكة وعامله عليها عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية استخفى عتاب وارتجت المدينة وكاد أهلها يرتدون

وليس مرد ذلك التراجع إلى أنهم ، فقد ال نقتنع بما يعلل به رجوعهم عن االرتداد من العقيدة واإليمان ، رأوا في فوز أبي بكر فوزهم وانتصارهم على أهل المدينة كما ذهب إليه بعض الباحثين ؛ ألن خالفة أبي

، وأكبر الظن أن خبر الخالفة جاءهم ) صلى اهللا عليه وآله(بكر كانت في اليوم الذي توفي فيه رسول اهللا

أن األمير األموي عتاب بن أسيد شاء أن يعرف اللون السياسي الذي : ضية مع خبر الوفاة ، بل تعليل القاتخذته أسرته في تلك الساعة ، فاستخفى وأشاع بذلك االضطراب حتى إذا عرف أن أبا سفيان قد رضي بعد

ظهر مرة أخرى للناس وأعاد )۳(سخط وانتهى مع الحاكمين إلى نتائج تصب في صالح البيت األموي ؛ .ألمور إلى مجاريها ا

وعليه فالصلة السياسية بين رجاالت األمويين كانت قائمة في ذلك الحين ، وهذا ما يفسر لنا القوة التي تكمن وراء أقوال أبي سفيان حينما كان ساخطا على

ــــــــــــــــ

واهللا لئن شئتم لنعيدنها أما: ( ، قصة السقيفة ، قول الحباب بن المنذر ۴۵۹ / ۲: تأريخ الطبري ) ۱( ... ) .جذعة

وكان ) صلى اهللا عليه وآله( وصل خبر وفاة الرسول ۱۲۳ / ۳: البن األثير / الكامل في التأريخ ) ۲( .عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية أميرا على مكة

: األول ابنه معاوية ، فقال ، هدأت ثائرة أبي سفيان بعد أن ولى الخليفة۴۴۹ / ۲: تاريخ الطبري ) ۳( .وصلته رحم

١٤٣الصفحة

أما والذي : إني ألرى عجاجة ال يطفيها إال الدم ، وقال عن علي والعباس : أبي بكر وأصحابه ، إذ قال .)۱(نفسي بيده ألرفعن لهما من أعضادهما

بين للثورة واالنقالب ، وقد عرف عليمنهم ذلك بوضوح حينما ) ه السالمعلي(فاألمويون كانوا متأهعرضوا عليه أن يتزعم المعارضة ولكنه عرف أنهم ليسوا من الذين يعتمد على تأييدهم ، وإنما يريدون الوصول إلى أغراضهم عن طريقه ، فرفض طلبهم ، وكان من المنتظر حينئذ أن يشقوا عصا الطاعة إذا

ئنوا إلى قدرة الحاكمين على ضمان مصالحهم ، ومعنى انشقاقهم رأوا األحزاب المسلحة تتناحر ، ولم يطم .حينئذ إظهارهم للخروج عن الدين وفصل مكة عن المدينة

إذا كانت الثورة العلوية في تلك الظروف إعالنا لمعارضة دموية تتبعها معارضات دموية ذات أهواء شتى ، المنافقون وكان فيها تهيئة لظرف قد يغتنمه المشاغبون ثم .

ولم تكن ظروف المحنة تسمح لعلي بأن يرفع صوته وحده في وجه الحكم القائم ، بل لتناحرت وتقاتلت مذاهب متعددة األهداف واألغراض ، ويضيع بذلك الكيان اإلسالمي في اللحظة الحرجة التي يجب أن يلتف

رقب أن تتمخض عنه الظروف الدقيقة من فتن المسلمون حول قيادة موحدة ، ويركزوا قواهم لصد ما كان يت .)۲(وثورات

ومن هنا كان على اإلمام علي أن يختار الطريق الوسط ليحقق أكبر قدر ممكن من األهداف الرسالية التي .وصيا عليها ) صلى اهللا عليه وآله(جعله الرسول

خطتين أو خطة ) عليه السالم(لإلمام علي كان قد أعد ) صلى اهللا عليه وآله(ومن هنا نعرف أن الرسول واحدة ذات مرحلتين ، فالمرحلة األولى هي نصبه إماما شرعيا وخليفة له

ــــــــــــــــ

.۴۴۹ / ۲: تأريخ الطبري ) ۱(

.۱۰۵ ـ ۱۰۲: فدك في التاريخ ، الشهيد السيد محمد الصدر ) ۲(

١٤٤الصفحة

وأخذ البيعة له من المسلمين وإتمام الحجة على جميع من حضر وغاب بشكل رسمي بعد اإلعالن الصريح .عن مشهد يوم الغدير

ذلك القائد السياسي المحنك الذي أثبت للتأريخ ولمن عاصره ) صلى اهللا عليه وآله(وحين كان الرسول علم اإللهي الذي شاء جميعا نفاذ بصيرته وبعد نظره وشفقته على أمته وارتباطه المستمر بعالم الغيب وال

. للشريعة اإلسالمية أن تكون خاتمة الشرائع وعلى أساسها ينبغي أن تتحقق أهداف الرساالت اإللهية جميعا بمدى وعي األمة للرسالة اإلسالمية في عصره ومدى اندماجها ) عليه السالم(فمن هنا ومن حيث علمه

أسلم أو استسلم لدولة الرسول بما كان يشتمل عليه من وذوبانها في قيم الرسالة ، وطبيعة المجتمع الذيلكل هذا وغيره مما يمكن أن . عصبيات وقيم جاهلية يصعب اجتثاثها بسرعة وبخطوات تربوية قصيرة

وبدولته ، يشعر المتأمل بضرورة ) صلى اهللا عليه وآله(يدركه المتأمل في الظروف المحيطة بالرسول يتكفل تحقيق األهداف الرسالية الكبرى على المدى البعيد بعد أن كان يستحيل أو وجود تخطيط بعيد المدى

يصعب اجتناء الثمار المرجوة من حركة الرسالة في تلك الفترة وفي ذلك المجتمع على المدى القريب بعد .مالحظة منطق العمل التغييري بشكل خاص

م انقيادها لألطروحة النبوية اإللهية هي الصبر والحزم إذن كانت المرحلة الثانية بعد إعراض األمة أو عدوالتخطيط العملي الواقعي لعمل تربوي جذري في ظل الدولة اإلسالمية الفتية ، ريثما تهيأ الظروف الالزمة الستالم الحكم وتحقيق تلك األطروحة ، لتتحقق جميع األهداف الممكنة لتطبيق هذه الشريعة الخالدة تطبيقا

.صحيحا رائعا

١٤٥الصفحة

ة جمع القرآن ) عليه السالم(اإلمام عليومهم:

صلى اهللا (ما أن انتهى من تجهيز النبي ) عليه السالم(اتفقت كل الروايات الصحيحة على أن اإلمام عليا ا حسب نزولها بعد ومواراته الثرى ؛ حتى اعتكف في داره منشغال بجمع آيات القرآن وترتيبه) عليه وآله

.أن كانت مبعثرة في األلواح

قال لعلي ) صلى اهللا عليه وآله(أن رسول اهللا ) : عليه السالم(وروي عن اإلمام جعفر بن محمد الصادق القرآن خلف فراشي في المصحف والحرير والقراطيس فخذوه ، واجمعوه ، وال ! يا علي ) :عليه السالم(

وجاء أيضا . )۱(فجمعه في ثوب أصفر ) عليه السالم(هود التوراة ، فانطلق علي تضيعوه كما ضيعت اليفأقسم أنه ال يضع ) صلى اهللا عليه وآله(رأى من الناس طيرة عند وفاة النبي ) عليه السالم(أن اإلمام عليا

. )۲(على ظهره رداءه حتى يجمع القرآن ن فجلس في بيته ثالثة أيام حتى جمع القرآن

انقطع عن الناس مدة حتى جمع القرآن ، ثم خرج إليهم في إزار يحمله ) عليه السالم(كما روي أن عليا ) صلى اهللا عليه وآله( إن رسول اهللا :وهم مجتمعون في المسجد ، فلما توسطهم وضع الكتاب بينهم ثم قال

وهذا كتاب اهللا وأنا ) اب اهللا وعترتي أهل بيتي إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كت: ( قال .لئال تقولوا غدا إنا كنا عن هذا غافلين: ، وقال لهم )۳(العترة

ال تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي ولم أدعكم إلى كتاب اهللا من : ثم قال .)۴(فاتحته إلى خاتمته

. يكن عندك قرآن فعندنا مثله فال حاجة لنا فيكما إن: فقال له عمر

ـــــــــــــ

.۵۱ / ۱: ، واإلتقان للسيوطي ۳۸۶ / ۱۰: ، وفتح الباري ۴۱ / ۲: المناقب البن شهر آشوب ) ۱(

.۳۰: الفهرست البن النديم ) ۲(

.۴۱ / ۲: المناقب البن شهر آشوب ) ۳(

.ة البعثة مؤسس. ، ط ۳۲: كتاب سليم بن قيس ) ۴(

١٤٦الصفحة

ويبدو أن اإلمام لم يكتف بجم اآليات القرآنية بل قام أيضا بترتيبها حسب النزول ، وأشار إلى عامه وخاصه ومطلقه ومقيده ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وعزائمه ورخصه وسننه وآدابه ، كما وأشار إلى

علوم القرآن ، وذكر لكل نوع مثاال يخصه ، وبهذا العمل الكبير أسباب النزول وأملى ستين نوعا من أنواع استطاع اإلمام أن يحافظ على أهم أصل من أصول اإلسالم ، وأن يوجه العقل المسلم نحو البحث عن العلوم

تاجه التي يزخر بها القرآن ، ليصبح المنبع الرئيسي للفكر والمصدر المباشر الذي تستمد منه اإلنسانية ما تح .في حياتها

آية من ) صلى اهللا عليه وآله(ما نزلت على رسول اهللا : إن أمير المؤمنين كان جديرا بما فعل ، فإنه قال القرآن إال أقرأنيها وأمالها علي فكتبتها بخطي ، وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها

لمني فهمها ، فما نسيت آية من كتاب اهللا عز وجل وال ومحكمها ومتشابهها ، ودعا اهللا عز وجل أن يععلما أماله علي فكتبته وما ترك شيئا علمه اهللا عز وجل من حالل وحرام وال أمر وال نهي وما كان أو

.)۱(يكون من طاعة أو معصية إال علمنيه وحفظته ، فلم أنس منه حرفا واحدا

:في عهد أبي بكر ) عليه السالم(من مواقف اإلمام

فو اهللا ما كان يلقى في روعي وال يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا األمر من ( ) : عليه السالم(قال اإلمام عن أهل بيته ، وال أنهم منحوه عني من بعده ، فما راعني إال انثيال الناس ) صلى اهللا عليه وآله(بعده

ي حتى رأيت راجعة الناس قد رجت عن اإلسالم ، يدعون إلى محق إلى أبي بكر يبايعونه ، فأمسكت بيد

دين محمد ، فخشيت إن لم أنصر اإلسالم وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به أعظم من فوت واليتكم التي هي متاع أيام قالئل يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما يتقشع السحاب ،

ألحداث حتى زاح الباطلفنهضت في تلك ا

ــــــــــــــ

.۹۹ / ۹۲: ، وبحار األنوار ۱۸۷ / ۲: ، واالتقان للسيوطي ۱۹۹: كفاية الطالب للكنجي ) ۱(

١٤٧الصفحة

.)۱( )وزهق واطمأن الدين وتنهنه

ت وما حفها وما سادها من أجواء المشاحنا) صلى اهللا عليه وآله(كل األحداث التي جرت بعد وفاة الرسول ا أنه الوصيمن ابتعاد عن الحق وانجراف في غير الطريق الذي كان على المسلمين سلوكه لم تنس علي

.على هذه األمة وعلى تطبيق الرسالة اإلسالمية

كانت بيعة أبي بكر قد استلبت حق اإلمام في إدارة شؤون األمة مباشرة واضطرته إلى أن يعتزل إلى حين حرصه العميق ) صلى اهللا عليه وآله(وصايا الرسول فإن له وعهده إليه بالتكليف اإللهي برعاية األمة ثم

على الرسالة اإلسالمية والمجتمع من التمزق والضياع جعل من أمير المؤمنين القدوة المثلى للمدافعين عن .الكيان اإلسالمي في كل الميادين

ليدلي بآرائه الصائبة ، موضحا قواعد الدين الصحيحة في كل موقف ) عليه السالم(من هنا وقف علي يستعصي على الماسكين بزمام إدارة الدولة في زمن عصيب ، وفي امة لم تترسخ العقيدة اإللهية في نفوس

ميزان القضاء واإلفتاء في شؤون الحياة اإلسالمية من قضاء واجتماع) عليه السالم(أبنائها ، فكان علي .وإدارة في عهد أبي بكر وما تاله من فترات حكم الخلفاء

ليدافع عن المدينة ويصد هجوم المرتدين عن اإلسالم ومعه الصفوة من الصحابة ) عليه السالم(وقف علي .الذين ساندوه في محنته

:وصية أبي بكر إلى عمر

ا عنه ، يتألم على الخالفة إذ تلكأت وعلى الرسالة مظلوما يدفع بحقه بعيد) عليه السالم(لم يزل اإلمام علي إذ ضمرت ، ال يجد سبيال إال الصبر وهو الحليم وال يجد إال

ـــــــــــــــ

.۶۲الكتاب : نهج البالغة ) ۱(

١٤٨الصفحة

:األناة وهو البصير ، وقد عبر عن أحزانه وآالمه في خطبته الشهيرة بالشقشقية إذ قال

ا واهللا لقد تقمصها ابن أبي قحافة ، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عني أم( السيل وال يرقى إلي الطير ، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا ن وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد

غير ، ويكدح فيها مؤمن حتى جذاء أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصيلقى ربه ، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا ، حتى مضى األول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده ، فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته

ضرعيها ، فصيرها في حوزة خشناء ، يغلظ كلمها ، إذ عقدها آلخر بعد وفاته لشد ما تشطرا )۱( .)۲() ويخشن مسها ، ويكثر العثار فيها واالعتذار منها

لم تطل أيام أبي بكر فقد ألمت به األمراض وأشرف على الموت ، وقد صمم على أن يولي عمر الخالفة هذا القرار لما علموا من خشونة أخالق من بعده ، فاعترض أكثر المهاجرين واألنصار ، وأعلنوا كراهيتهم ل

.)۳(عمر وسوء تعامله مع الناس

.لكن أبا بكر أصر على موقفه

بسم اهللا الرحمن الرحيم ، : اكتب : ثم إن أبا بكر أحضر عثمان بن عفان لوحده ليكتب عهده لعمر ، فقال له فإني : ثم أغمي على أبي بكر ، فكتب عثمان . .هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين ، أما بعد

إقرأ علي ، فقرأ عليه فكبر أبو : قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيرا ، ثم أفاق أبو بكر فقال بكر

ــــــــــــــ

.۶۲: أقيلوني فلست بخيركم ، راجع تذكره الخواص : إشارة إلى قول أبي بكر ) ۱(

.۳الخطبة : غة نهج البال) ۲(

ط مؤسسة األعلمي ، والكامل في ۶۱۹ و ۶۱۸ / ۲: ، وتأريخ الطبري ۳۶: اإلمامة والسياسة ) ۳( .۴۲۵ / ۲: التأريخ

١٤٩الصفحة

.)۱(جزاك اهللا خيرا : نعم ، قال : أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي ، قال : وقال

:مآخذ على وصية أبي بكر

:راضيا بما فعله أبو بكر لألسباب التالية ) عليه السالم(م يكن علي ل

ـ إن أبا بكر لم يستشر أحدا من المسلمين في تقرير مصير الخالفة إال عبد الرحمن بن عوف وعثمان ١رأي بن عفان اللذين كانا على معرفة تامة بميول أبي بكر الستخالف عمر من بعده ، خشية أن يدفعه أهل ال

.من الصحابة المخلصين على تغيير رأيه في اختيار عمر

٢ عن الساحة السياسية ومسألة تقرير مصير الخالفة فلم ) عليه السالم( ـ اإلصرار على إبعاد اإلمام علي أبا بكر كان يفزع إلى اإلمام في حل المشاكل المستعصية ، أو أن يستشره في أمر الخالفة ، في حين أن

.مام ومواقفه في خالفة أبي بكر هي الناصحة والصائبة دون من عداها آراء اإل

: ـ إن أبا بكر فرض عمر فرضا على المسلمين ، وكأن له الوصاية عليهم حيا وميتا وذلك بقوله ٣استخلفت عمر بن الخطاب عليكم فاسمعوا له وأطيعوا ، رغم أنه رأى الغضب ظاهرا في وجوه الكثيرين

.لصحابة من ا

ألنه كان يدعي أن ) صلى اهللا عليه وآله( ـ إنه ناقض نفسه في دعواه بالسير على منهاج رسول اهللا ٤ توفي ولم يعهد ألحد في شأن الخالفة ، في حين نجده يوصي لصاحبه عمر من ) صلى اهللا عليه وآله(النبي .)۲(بعده

ــــــــــــــــ

.۴۲۵ / ۲: الكامل في التأريخ ) ۱(

: وهو من العجائب ؛ ألنه لما أفاق من اإلغماء واستمع إلى ما كتبه عثمان من تعيين الخليفة بعده ، قال ) ۲(! نعم ؛ كيف هو وعثمان خافا من اختالف الناس ؟: أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي قال

ألنهم يصرحون بأن النبي ! خف من اختالف أمته ؟لم ي) صلى اهللا عليه وآله(وأما الرسول األعظم الحكيم !تبا لهم فما لهم كيف يحكمون ؟. مات ولم يعين أحدا ) صلى اهللا عليه وآله(

من كتابة وصيته في لحظاته األخيرة بينما يجلس وبيده ) صلى اهللا عليه وآله(بل نالحظ عمر يمنع الرسول أيها الناس اسمعوا : حيفة التي فيها استخالف عمر وعمر يقول جريدة ومعه شديد مولى ألبي بكر معه الص

أرأيت ۲۱۳۸ / ۱أوربا . راجع الطبري ط . وأطيعوا قول خليفة رسول اهللا إنه يقول غني لم آلكم نصحا !؟) صلى اهللا عليه وآله(وهل هناك من تفسير غير التآمر على تخطيط الرسول ! التناقض بين موقفيه ؟

١٥٠الصفحة

ـ هيأ الملك لبني أمية ، الذي جلب الويالت لإلسالم والمسلمين ، وذلك من خالل إثارة طمعهم في ٥وأبو بكر يعلم أن عثمان عاطفي .. )۱(لو ال عمر ما عدوتك : الخالفة وتشجيعهم عليها بقوله لعثمان

.ضعيف يميل لبني أمية ، وأنهم سيغلبونه على أمره ، وهذا ما حصل

ــــــــــــــــ

.۱۶۴ / ۱: شرح نهج البالغة البن أبي الحديد ) ۱(

١٥١الصفحة

:الفصل الثالث

(*) في عهد عمر) عليه السالم(اإلمام علي

مهد أبو بكر كرسي الخالفة لعمر بن الخطاب فتوالها بسهولة ويسر دون معارضة تذكر من أقطاب حكم بقوة وساس األمة بشدة ، حتى تحامى لقاءه أكابر المهاجرين واألنصار ، وقد قبض على زمام ال

وحققت جاهلية قريش انتصارا سياسيا آخر ومضت بخطها على أن ال تعطي حقا لبني هاشم . )١(الصحابة .، وأتقن عمر هذا السير أيما إتقان

السلطة الحاكمة وحركة الفئة فلم يثأر لحقه المغتصب بعدما شاهد من سيرة) عليه السالم(أما أمير المؤمنين غير الواعية في ركبها ، من تعنت وإصرار على االنحراف بالخالفة ، فوقف اإلمام موقف الناصح األمين للخليفة الجديد شعورا منه بالمسؤولية الكبيرة ، فهو األمين على سالمة الرسالة واألمة ، لقد ساهم أمير

ن جهد ، وأدى ما عليه من تكليف في تعليم وتفقيه وقضاء بصورة المؤمنين في الحياة العامة ما وسعه مأوسع من دوره في عهد أبي بكر حيث اقتضت الضرورة ذلك ، فقد اتسعت رقعة البالد اإلسالمية واستجدت أحداث جديدة طارئة كان يعجز عنها الخليفة الجديد وكل من معه من الصحابة ، ولم يكن يجد لها حلوال إال

ــــــــــــــ

.هـ ) ۱۳(استخالف عمر بن الخطاب في جمادى اآلخرة عام (*)

.۶۱۸ و ۶۱۷ / ۲: تأريخ الطبري ) ۱(

١٥٢الصفحة

ممن عصمه اهللا عن الذنب والخطأ ، ولذا كان عمر يقف متصاغرا أمام أمير المؤمنين ويحترم رأيه ال أبقاني اهللا : ثر من موقف حرج قوله ويمضي حكمه وقراره حتى روي عنه ألكثر من مرة وفي أك

.)۱(لمعضلة ليس لها أبو الحسن

اإلمام علي عمر أراد أن يرجم امرأة مجنونة اتهمت بالزنا ، فرد قضاء عمر ) عليه السالم(فقد روي أن .رأ ، وعن عن المجنون حتى يب: رفع القلم عن ثالث () : صلى اهللا عليه وآله(وذكره بحديث رسول اهللا

.) ۲(لو ال علي لهلك عمر : حينذاك قال عمر )النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يعقل

: )۳( مالمح من سيرة عمر

ـ الشدة والقسوة في التعامل مع الناس ، وفرض السلطان بالعنف والقوة ، فخافه القريب والبعيد ، وكان ١وقصته مع جبلة . انت حامال ولشدة خوفها منه أجهضت حملها من شدته أن امرأة جاءت تسأله عن أمر وك

.)۴(وعنفه معه مما سبب ارتداد جبلة وهروبه إلى بالد الروم

٢ ز بينهم على أساس غير مشروع من النبيصلى اهللا ( ـ عدم مساواته في العطاء بين المسلمين ، فقد مي ، وكان من آثاره أن ظهرت الطبقية في )۵(اس عصبي وال موجه في القرآن ، بل على أس) عليه وآله

العهود التي تلته ، فنشط النسابون لتدوين األنساب وتصنيف القبائل بحسب اصولها مما أدى إلى حنق الموالي على العرب وكراهيتهم لهم والتفتيش عم مثالبهم ، وقد خالف بذلك سيرة الرسول

ــــــــــــــ

، ۱۰۷۱ حديث ۳۹ / ۳: ، وتاريخ دمشق ۲۹۶ / ۷: ، وتهذيب التهذيب ۲۲ /۴اسد الغابة ) ۱( .۸۳۲ / ۵: ، وكنز العمال ۱۹۷ / ۲: والرياض النضرة

.۳۰۹ / ۲: ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ۹۶: ، وكفاية الطالب ۸۷: تذكرة الخواص ) ۲(

.۱۴۸: راجع النص واالجتهاد للسيد شرف الدين ) ۳(

.۵۶ / ۲: ، والعقد الفريد ۲۹۱ / ۳: ، وتأريخ الطبري ۲۸۵ / ۳: الطبقات الكبرى ) ۴(

.۲۹۲ و ۲۹۱ / ۳: تأريخ الطبري ) ۵(

١٥٣الصفحة

.وسيرة صاحبه أبي بكر أيضا ) صلى اهللا عليه وآله(األكرم

من الصحابة ، ولم وندم عمر على تصرفه هذا في آخر فترة حكمه حينما رأى الثراء الفاحش عند كثيرلو استقبلت من األمر ما استدبرت ألخذت من األغنياء فضول أموالهم : تطب به نفسه ، وإنما راح يقول

.)۱(فرددتها على الفقراء

ـ عدم الدقة والموضوعية في اختيار العمال والوالة على أسس إسالمية تخدم مشروع الحكومة اإلسالمية ٣ة ، فإنه استعمل من عرف بالفساد وعدم اإلخالص للدين ، وأصر بموقفه هذا على وتحافظ على كيان األم

۲(والصحابة األجالء الذين وقفوا معه ) عليه السالم(إبعاد كل ما يمت إلى الخالفة بصلة ، عن اإلمام علي( .

كه على هواه يعمل ما يشاء ـ استثناء معاوية من المحاسبة والمراقبة التي كان يشددها على والته ، وتر٤لسنين طويلة ، مما أعان معاوية على طغيانه واستقالله بالشام في عهد عثمان ، كما اثر عنه قوله في توجيه

.)۳(إنه كسرى العرب : تصرفات معاوية

:محنة الشورى

فإن الشورى أشد فتنة إذا كانت السقيفة وبيعة أبي بكر فلتة وقى اهللا المسلمين شرها ـ كما قال عمر ـ ؛ وأكبر انحرافا عن مسير الرسالة اإلسالمية ، فقد امتحن المسلمون فيها امتحانا عسيرا ، وزرعت لهم الفتن ن التآمر علنا إلقصاء اإلمام عليعظيم ، إذ تبي والمصاعب وجلبت لهم الويالت والخطوب ، وألقتهم في شر

.سالمية بيد المنحرفين من دون واعز من الضمير أو حرص على المصير عن الحكم وتسليم زمام األمة اإل

ــــــــــــــــ

.۲۹ م ۹: شرح النهج ) ۱(

.۸۴: شيخ المضيرة أبو هريرة ) ۲(

.۶/۳۹: ، وكنز العمال ۴۷۹ / ۴: المستدرك على الصحيحين ) ۳(

١٥٤الصفحة

: استخلف علينا ، قال : ثر الطعنات التي أصابته قيل له فلما يئس عمر من حياته وأيقن برحيله عن الدنيا أإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني ـ يعني أبا بكر ـ وإن ادع : واهللا ال أحملكم حيا وميتا ، ثم قال أبدى أسفه وحسرته على بعض من )۱(ـ ) صلى اهللا عليه وآله(من هو خير مني ـ يعني النبي ثم ،

لو كان أبو عبيدة حيا الستخلفته ألنه أمين هذه األمة ، ولو كان سالم مولى : سيرته للخالفة فقال شاركه م .يا أمير المؤمنين لو عهدت عهدا : أبي حذيفة حيا الستخلفته ألنه شديد الحب هللا ، فقيل له

كم أن يحملكم على الحق ـ قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر فأولي رجال أمركم هو أحرا: قال ـ ورهقتني غشية فرأيت رجال دخل جنة قد غرسها ، فجعل يقطف ) عليه السالم(وأشار إلى اإلمام علي

كل غضة ويانعة فيضمه إليه ويصير تحته ، فعلمت أن اهللا غالب أمره ، ومتوف عمر ، فما أريد أن إنهم من أهل الجنة : عنهم ) صلى اهللا عليه وآله(ن قال رسول اهللا أتحملها حيا وميتا عليكم هؤالء الرهط الذي

علي وعثمان وعبد الرحمن وسعد والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد اهللا ، فليختاروا منهم رجال ، : ، وهم خالل أيام ، وأمرهم أن يحبس هؤالء الستة حتى يولوا أحدهم)۲(فإذا ولوا واليا فأحسنوا مؤازرته وأعينوه

ثالثة وأن يضرب عنق المخالف التفاق األغلبية أو الجناح المخالف للذي فيه عبد الرحمن بن عوف ، وأن يصلي صهيب بالناس ثالثة أيام حتى تجتمع األمة على خليفة ، وطلب أن يحضر شيوخ األنصار وليس لهم

.) ۳(من األمر شيء

ـــــــــــــــ

وقد عين خليفته ... لم يدع ) صلى اهللا عليه وآله(قد عرفت سابقا أن النبي . ۴۱: اإلمامة والسياسة ) ۱( .مرارا كيوم اإلنذار لعشيرته األقربين وغدير خم وغيرهما

.۶۶ / ۳: ط مؤسسة األعلمي ، الكامل في التأريخ ۲۹۳ / ۳: تأريخ الطبري ) ۲(

: ، واإلمامة والسياسة ۲۶۱ / ۳: قات ابن سعد ط مؤسسة األعلمي ، طب۲۹۴ / ۳: تاريخ الطبري ) ۳( .۶۸ / ۳: ، والكامل في التأريخ ۴۲

١٥٥الصفحة

وحين اجتمع أعضاء الشورى لدى عمر ، وجه إليهم انتقادات الذعة ال تدل على وضوح توجه صحيح أو يا سعد إال شدتك وغلظتك مع واهللا ما يمنعني أن استخلفك : ارشاد إلى انتخاب يعين األمة في أزمتها ، فقال

أنك رجل حرب ، وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إال أنك فرعون هذه األمة ، وما يمنعني منك يا زبير إال ، ولو وليها وضع خاتمه في )۱(وما يمنعني من طلحة إال نخوته وكبره . أنك مؤمن الرضا كافر الغضب

وما يمنعني منك يا علي إال . مان إال عصبيتك وحبك قومك وأهلك وما يمنعني منك يا عث. إصبع امرأته .)۲(حرصك عليها ، وإنك أحرى القوم إن وليتها أن تقيم على الحق المبين والصراط المستقيم

:مؤاخذات على الشورى

إننا نالحظ نظام الشورى الذي وضعه عمر كان عاريا عن الصحة والصواب يحمل التناقض بين خطواته ، ف :فيه أمورا يبعده عن الدقة والموضوعية

ـ إن األعضاء المقترحين للشورى لم يحصلوا على هذا االمتياز باألفضلية وفق ضوابط االنتخاب حيث ١لم تشترك القواعد الشعبية في الترشيح واالنتخاب ، وإطالق كلمة الشورى على هذا النظام جزاف ، ألنه لم

يح فرد لجماعة وفرضهم على األمة ومن ثم أمر باجتماعهم تحت التهديد بالقتل والسالح حتى يكن إال ترش .يختاروا أحدهم

ـ عناصر الشورى متنافرة في تركيب شخصياتها وأفكارها ، وال يمثل كل فرد فيهم إال رأيه الشخصي ، ٢ فكيف يمكن أن يعبر عن رأي األمة ؟ وقد نشب

ــــــــــــــ

)۱ ( كيف هم يدخلون الجنة ـ حسب نقل عمر عن النبي)عبد الرحمن ) صلى اهللا عليه وآله ـ مع أن !فرعون هذه األمة وطلحة صاحب الكبر والنخوة والزبير مؤمن الرضا كافر الغضب ؟

.۴۳: اإلمامة والسياسة ) ۲(

١٥٦الصفحة

.)۱(ن الخالف فيما بينهم من بعد الشورى مما فرق شمل المسلمي

ـ االستهانة باألنصار ودورهم ، فقد طلب عمر حضورهم وال شيء لهم بل وال رأي ، فاألمر منحصر ٣ .في الستة فما معنى حضور األنصار ؟ بل إن عمر استهان باألمة كلها حين تمنى حياة سالم وأبي عبيدة

كان يدعي ويصر على أن الخالفة في ـ إن عمر ناقض نفسه في عملية اختيار العناصر ، ففي السقيفة ٤قريش ، بينما نجده في هذا الموقف يتمنى حياة سالم مولى أبي حذيفة ليوليه األمر ، كما أنه استدعى

مات وهو راض عنهم ) صلى اهللا عليه وآله(أصحاب الشورى دون غيرهم من الصحابة بدعوى أن الرسول ثم إنه . اليهم عيوبا ال تجتمع مع الرضا عنهم ويتنزه عنها أهل الجنة أو أنهم من أهل الجنة ، ولكنه نسب

أمر صهيبا أن يصلي بالناس ثالثة أيام ، ألن إمامة المصلين ال ترتبط بالخالفة وال تستلزمها ، وقد كان

أبي بكر يناضل يوم السقيفة من أجل استخالف أبي بكر ، وكات صالته المزعومة دليله األول على أهلية .للخالفة

ألنه سيحمل األمة على النهج القويم والمحجة البيضاء ، ولكنه ) عليه السالم( ـ إنه أراد أن يستخلف عليا ٥وكأنه أراد بذلك التشويش على مكانة اإلمام ) عليه السالم(رأى في المنام ما رأى ، فأعرض عن اإلمام

.وأهليته

أتحملها ـ يقصد الخالفة ـ حيا وميتا ، ولكنه عاد فحدد ستة أشخاص من امة أكره أن: ـ إن عمر قال ٦ .كبيرة ، فأكد بذلك نزعته في االستعالء على األمة وقدراتها

ـ اختيار العناصر الستة يبدو مبيتا بحيث يصل األمر إلى عثمان باحتمالية أكبر من وصولها إلى اإلمام ٧ ل من اهللا ورسوله لخالفة األمة ، فترشيح طلحة هو إثارة وتأكيد ) عليه السالم(عليوهو العنصر المؤه

ألحقاد تيم ، ألن اإلمام نافس وعارض أبا

ـــــــــــــــ

.۱۶۸: ، والنص واالجتهاد ۵۷: ، وتذكرة الخواص ۵۷ / ۵: أنساب األشراف ) ۱(

١٥٧الصفحة

شحها الجديد طلحة ، وترشيحه لعثمان تأكيد منه على أحقاد أمية بكر في خالفته وها هو اآلن ينافس مروإثارة نزعة السلطان والوجاهة لديها ، وأما ترشيحه لعبد الرحمن وسعد فهو فتح جبهة سياسية جديدة

فهما من بني زهرة ولهما نسب أيضا مع بني أمية ، فسوف يكون ميلهما ) عليه السالم(منافسة لإلمام علي ) .عليه السالم(عثمان لو تنافس مع اإلمام لصالح

ـ إنه أمر بقتل أعضاء الشورى في حالة عدم التوصل إلى اتفاق أو إبداء معارضة وإصرار ، وكيف ٨مات وهو راض عنهم ؟ وهل تكون ) صلى اهللا عليه وآله(إن النبي : يمكن التوفيق بين هذا وبين قوله ؟)۱(صحابة مخالفة رأي عمر موجبة لقتل ال

:حوار ابن عباس مع عمر حول الخالفة

.روي أن حوارا وقع بين عمر وابن عباس في شأن الخالفة

أما واهللا ، إن صاحبك ألولى الناس باألمر بعد رسول اهللا ، إال أننا خفناه على اثنتين ، قال ابن : قال عمر .ه على حداثة سنه ، وحبه بني عبد المطلب خفنا: فما هما يا أمير المؤمنين ؟ قال عمر : عباس

أتدري يا : وفي بعض مجالس عمر بن الخطاب وقد جلس إليه نفر منهم عبد اهللا بن عباس ، فقال له عمر لكنني أدري ، قال ابن : ال يا أمير المؤمنين ، قال عمر : ابن عباس ما منع الناس منكم ؟ قال ابن عباس

كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخالفة ، فتجحفوا الناس جحفا فنظرت : فما هو ؟ قال عمر : عباس .ألنفسها فاختارت ، ووفقت فأصابت

.قل ما تشاء : أيميط أمير المؤمنين عني غضبه ؟ فأمنه عمر قائال : فرد عليه ابن عباس

ــــــــــــــ

. ط مؤسسة األعلمي ۲۹۳ / ۳: تاريخ الطبري ) ۱(

١٥٨ة الصفح

ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله (:فإن اهللا تعالى قال لقوم ... إن قريشا كرهت : أما قولك : فقال ابن عباس مالهمط أعبا قولك . )۱() فأحفلو جحفنا بالخالفة جحفنا بالقرابة ، ولكنا قوم أخالقنا ... إنا كنا نجحف : وأم: وقال له )۲() خلق عظيم وإنك لعلى (:الذي قال ربه فيه ) صلى اهللا عليه وآله(ل اهللا من خلق رسو

)ؤمنينالم من كعن اتبلم كناحج اخفضا قولك . )۳( )وقريشا اختارت : وأم اهللا تعالى يقول ... إن فإن :)يو شاءا يخلق مي كبرةورالخي مله ا كانم اهللا اختار من خلقه )۴( )ختار وقد علمت يا أمير المؤمنين أن ،

.من اختار ، فلو نظرت قريش حيث نظر اهللا لوفقت وأصابت

على رسلك يا ابن عباس ، أبت ) : وقد آذاه من ابن عباس هذا الحديث الصريح(فتفكر عمر هنيئة ثم قال . هاشم إال غشا في أمر قريش ال يزول ، وحقدا عليها ال يحول قلوبكم يا بني

مهال يا أمير المؤمنين ، ال تنسب قلوب بني هاشم إلى الغش ، فهي من قلب رسول اهللا : قال ابن عباس له ليذهب إنما يريد ال (:الذي طهره وزكاه ، وإنهم ألهل البيت الذين قال لهم اهللا ) صلى اهللا عليه وآله(

.) ۵( )عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا

وأما الحقد فكيف ال يحقد من غصب شيئه ويراه في يد غيره ؟ فغضب عمر وصاح ـ : ثم قال ابن عباس م أكره أن أخبرك إني قد بلغني عنك كال! وقد حضره في هذه اآلونة أمر كان يكتمه ـ ما أنت يا ابن عباس

.به فتزول منزلتك عندي

وما هو يا أمير المؤمنين ؟ أخبرني به فإن يك باطال فمثلي أماط الباطل عن نفسه ، وإن : قال ابن عباس .يك حقا فإن منزلتي عندك ال تزول به

ـــــــــــــــ

.۹) : ۴۷(محمد ) ۱(

.۴) : ۶۸(القلم ) ۲(

.۲۱۵) : ۲۶(الشعراء ) ۳(

.۶۸) : ۲۸(القصص ) ۴(

.۳۳) : ۳۳(األحزاب ) ۵(

١٥٩الصفحة

.اخذ هذا األمر منا حسدا وظلما : بلغني أنك ال تزال تقول : قال عمر

نعم حسدا وقد حسد إبليس آدم فأخرجه من : فلم ينكص ابن عباس ولم يتزحزح عن مواطئ قدميه ، بل قال يا امير المؤمنين ، ألم تحتج العرب .. ا أمير المؤمنين صاحب الحق من هو الجنة ، ونعم ظلما وإنك لتعلم ي

على العجم بحق رسول اهللا واحتجت قريش على سائر العرب بحق رسول اهللا ؟ فنحن أحق برسول اهللا من .سائر قريش وغيرها

أن يكون قد أساء إليه فأسرع إليك عني يا ابن عباس ، فلما رآه عمر قائما يريد أن يبرح خشي : فقال عمر .إني على ما كان منك لراع حقك ! أيها المنصرف : يقول متلطفا به

إن لي عليك يا أمير المؤمنين وعلى كل المسلمين حقا : فالتفت ابن عباس إليه وهو يقول ولم يزايله جده .)۱( أضاع برسول اهللا ، فمن حفظه فحق نفسه حفظ ، ومن أضاعه فحق نفسه

:من الشورى ) عليه السالم(موقف اإلمام

الحزن واألسى بقلب اإلمام علي وساورته الشكوك والمخاوف من موقف عمر وترشيحه ) عليه السالم(ألم ،، فأيقن أن في األمر مكيدة دبرت إلقصائه عن الخالفة وحرف الحكومة اإلسالمية عن مسارها الصحيح ،

:من عند عمر ؛ حتى تلقاه عمه العباس فبادره قائال ) عليه السالم(إلمام وما إن خرج ا

قرن بي عثمان ، وقال ) : عليه السالم(من أعلمك بذلك ، فقال علي : يا عم ، لقد عدلت عنا ، فقال العباس عبد الرحمن بن كونوا مع األكثر ، فإن رضي رجالن رجال ورجالن رجال فكونوا مع الذين فيهم : عمر

عوف ، فسعد ال يخالف ابن عمه عبد

ـــــــــــــــ

. ط مؤسسة األعلمي ۲۹۰ و ۲۸۹ / ۳: تأريخ الطبري ) ۱(

١٦٠الصفحة

الرحمن وعبد الرحمن صهر عثمان ال يختلفون ، فيوليها عبد الرحمن عثمان أو يوليها عثمان عبد الرحمن .)۱(، فلو كان اآلخران معي لم ينفعاني

فقد آلت الخالفة إلى عثمان بتواطؤ عبد الرحمن ، فقد روي أن سعدا ) عليه السالم(وصدق تفرس اإلمام وهب حقه في الشورى البن عمه عبد الرحمن ، ومال طلحة لعثمان فوهب له حقه ، ولم يبق إال الزبير

أن يختار اإلمام أو عثمان فقال ، وهنا عرض عبد الرحمن) عليه السالم(فتنازل عن حق لصالح اإلمام إن أردت أال تختلف قريش : إن أردت أال يختلف المسلمون فبايع عليا ، فرد عليه ابن أبي سرح : عمار

فتأكد التوجه غير السليم للخالفة وبدت أعراض االنحراف واضحة جلية تؤججها نار العصبية . فبايع عثمان .

وسيرة الشيخين ، ) صلى اهللا عليه وآله( السير على كتاب اهللا وسنة نبيه فعرض عبد الرحمن بيعته بشرط ت له البيعة ، فقال عليحبوته (: لعبد الرحمن ) عليه السالم(فرفض اإلمام سيرة الشيخين وقبلها عثمان فتم

. )۲() نحبو دهره ، ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا ، فصبر جميل واهللا المستعان على ما تصفو .)۳( )واهللا ما فعلتها إال ألنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه ، دق اهللا بينكما عطر منشم(

إلى الناس ليوضح لهم خطأهم المتكرر في االستخالف ورأيه في مصير الرسالة ) عليه السالم(ثم التفت :اإلسالمية فقال

األمر من غيري ، أما وقد انتهى األمر إلى مالقد علمتم أني أحق بهذا! أيها الناس (

ـــــــــــــــ

.۲۲۶ / ۵: المصدر السابق ) ۱(

. ط مؤسسة األعلمي ۲۹۷ / ۳: تاريخ الطبري ) ۲(

. ۱۸۸ / ۱: شرح نهج البالغة البن أبي الحديد (3)

١٦١الصفحة

فيها جور إال علي خاصة ، التماسا ألجر ذلك ، ولم يكن المسلمينترون ، فو اهللا ألسالمن ما سلمت أمور .)۱ ()وفضله ، وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه

دخل مع الباقين في الشورى وهو يعلم بما ستؤول إليه ، محاولة منه إلظهار تناقض ) عليه السالم(إن اإلمام ة ) ه وآلهصلى اهللا علي(عمر ومن سار على نهجه عند وفاة النبيحين كان يرى أنه ال تجتمع الخالفة والنبو .للخالفة ) عليه السالم(في بيت واحد ، أما اآلن فقد رشح اإلمام

ولكني أدخل معهم في الشورى ألن عمر قد أهلني اآلن للخالفة ، وكان قبل ذلك : (روي عن أمير المؤمنين إن النبوة واإلمامة ال يجتمعان في بيت ، فأنا أدخل في : قال )صلى اهللا عليه وآله(إن رسول اهللا : يقول

.)۲() ذلك ألظهر للناس مناقضة فعله لروايته

عثمان بن عفان سعيا منه أن يصلح األمة ويوجهها ، وأن يحافظ على كيانها ، ) عليه السالم(وبايع اإلمام فإنه لم يدخر وسعا ) عليه السالم(إن أبعدت الخالفة عنه فلم يبخل على األمة بالنصيحة والهداية والتربية ، ف

إال وبذله يوضح الحق ويرشد إليه ، ويهدي السبيل الصحيح ويدل عليه ، ويعين الحاكم حين يعجز ، ويعلمه .إذ يجهل ، ويردعه إذ يطيش

على شرط عبد الرحمن بن عوف ؟) عليه السالم(لماذا لم يوافق اإلمام

موقف المعارض للخليفتين لمصلحة خاصة أو غاية شخصية ، إنما لصالح ) عليه السالم(ف اإلمام علي لم يقالدين واألمة والعقيدة اإلسالمية ، مبتعدا عن األهواء والرغبات ، مستندا على القرآن والسنة في كل مواقفه

عي لشؤون الرسالة واألمة في غياب ، حريصا على الموضوعية والرسالية في كل قرار يتخذه وهو الرا .، لئال يشوب الرسالة اإلسالمية شيء يحيد بها عما نزلت من أجله ) صلى اهللا عليه وآله(الرسول األعظم

ـــــــــــــــ

. ، طبعة صبحي الصالح ٧٤الخطبة رقم : نهج البالغة ) ١(

.١٨٦ / ١: شرح النهج البن أبي الحديد ) ٢(

١٦٢الصفحة

وموقفه من رفض البيعة بشرط سيرة الشيخين نابع من هذا المنطلق ، فال يوجد في أصل العقيدة شيء يصحأن يسمى بسيرة الشيخين ، وإنما هناك القرآن والسنة النبوية ، فلو أن اإلمام وافق بهذا الشرط ؛ لكان معناه

خين أنواع التناقض والتفاوت فيما بينهما معا ، بل إمضاء سيرة الشيخين كالسنة النبوية ، وإن في سيرة الشي .فيما بينهما وبين القرآن والسنة النبوية الشريفة

في هذه األمة ، فلم ) صلى اهللا عليه وآله(يرى أن دوره دور المربي بعد النبي ) عليه السالم(ثم إن اإلمام يخالفها كما فعل عثمان حيث رضي بهذا الشرط يكن من شأنه أن يوافق على أن يسير بسيرة الشيخين ثم

.ولكنه لم يف به

١٦٣الصفحة

:الفصل الرابع

(*) في عهد عثمان) عليه السالم(اإلمام علي

واصفا عهد عثمان ) عليه السالم(قال أمير المؤمنين علي:

و أبيه يخضمون مال اهللا خضمة إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بن(ت به بطنتهتة الربيع ، إلى أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكب۱( )اإلبل نب(.

لم يكن عثمان كسابقيه سياسيا ماكرا يدير شؤونه بدقة ، فما أن فرضه ابن عوف خليفة للمسلمين وجاءوا به ليعلن سياسة حكومته الجديدة وما أعد من مواقف ) صلى اهللا عليه وآله (يزفونه إلى مسجد رسول اهللا

صلى اهللا عليه (لمستجدات األمور ؛ صعد على المنبر فجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه رسول اهللا ، ولم يجلس فيه أبو بكر وال عمر ، إذ كان أبو بكر يجلس دونه بمرقاة ، وعمر كان يجلس دونه ) وآله .)۲(اليوم ولد الشر : بمرقاة ، وتكلم الناس في ذلك فقال بعضهم أيضا

أما بعد ، فإن أول مركب صعب ، وما كنا خطباء ، وسيعلم اهللا وإن أمرا ليس : ولم يستطع أن يتكلم ، فقال .)۳(بينه وبين آدم إال أب ميت لموعوظ

ــــــــــــــــ

.ھـ ) ٢٣(ي الحجة سنة استخالف عثمان بن عفان في ذ(*)

.من الخطبة الشقشقیة : نھج البالغة ) ١(

.١۶٢: ن وتأریخ الخلفاء ١۶۶ / ٧: ، والبدایة والنھایة ١۶٣ / ٢: تاریخ الیعقوبي ) ٢(

.٢ / ٢: راجع الموفقیات ) ٣(

١٦٤الصفحة

يعدان لهذا المقام مقاال وأنتم إمام عادل إن أبا بكر وعمر كانا : فقام مليا ال يتكلم ثم قال : وقال اليعقوبي .)١(أحوج منكم إلى إمام يشقق الخطب وإن تعيشوا فسيأتيكم الخطب ، ثم نزل

استهل عثمان أعماله بأمور جعلت عامة المسلمين ينقمون عليه سوى أفراد عشيرته ـ بني أمية ـ فقد أخذ يسودهم ويرفعهم فوق رقاب الناس ، فوزع مناصب جاهر بقبيلته وأظهر ميله لقوم معلنا أمويته ، ف

.الوالية على بني أمية وسلم إليهم مقاليد األمور يعبثون بال رادع لهم

وقد تجاوز عثمان حدود سياسة سلطة العشير التي رسمها أبو بكر وعمر ، وحصر المناصب والمهام .الرسمية ضمن دائرة ضيقة هي بني أمية

، فإن عثمان وصل إلى الحكم ) عليه السالم(صح وتحذير الصحابة وعلى رأسهم أمير المؤمنين ولم يعبأ بنوقد استفحل التوجه القبلي في مقابل النهج الصحيح للحكومة اإلسالمية ، وقد ضعف دور العناصر الصالحة

عن ) عليه السالم(ؤمنين في تغيير سياسة الحاكم مباشرة ، فقد كان لسياسة أبي بكر وعمر من إبعاد أمير المالحكم واعتمادهم على آرائهم األثر الكبير في انحراف خط السلطة الحاكمة وظهور التيار المعادي لخط أهل

، لذا فليس من السهل أن ينصاع الخليفة الجديد للنصح وحوله تيار المنافقين والطلقاء ) عليهم السالم(البيت .وذوو المصالح

:بيعة عثمان أبو سفيان بعد

بعد أن تمت بيعة عثمان ؛ أقبل أبو سفيان إلى دار عثمان بن عفان وقد غصت بأهله وأعوانه تسودهم نشوة النصر والفوز بالحكم ، وقد بدت على مالمحه عالمات الفرح والسرور ، تعلو شدقه بسمة حقود شامت ،

سالم ، فأدار وجهه يمينا وشماال قائال للحاضرينففي األفق تلوح بوادر االستعالء بعدما أذل كبرياءهم اإل

ـــــــــــــــ

.١۶٣ / ٢: تاریخ الیعقوبي ) ١(

١٦٥الصفحة

تلقفوها تلقف الكرة ، ! يا بني أمية : أفيكم أحد من غيركم ؟ فأجابوه بالنفي فقال : المجتمعين في دار عثمان ولقد كنت أرجوها لكم ، ... نار ، وال حساب وال عقاب فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة وال

.)۱(ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة

! يا أبا عمارة : ثم سار إلى قبر سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، فوقف على القبر وركله برجله وقال .) ۲(إن األمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا يتلعبون به

:مالمح سلبية في حكم عثمان

مع أبي بكر وعمر ، ولم يظهر معارضته العلنية لهما ، فقد كان االنحراف ) عليه السالم(تعايش اإلمام علييتدخل في أحيان كثيرة إلصالح موقف ) عليه السالم(في مسيرة الحكومة اإلسالمية مستترا ، وكان اإلمام

إال لكونه الممثل الشرعي ) عليه السالم(ولم يخش أبو بكر وعمر من اإلمام الخليفة الخاطئ فيستجيب له ، لألمة وصاحب الحق في الخالفة وقائدا لتيار المعارضة الذي يضم أجالء الصحابة ، ولكن اإلمام تنازل عن

صلى اهللا عليه (اهللا حقه في الخالفة فأمن القوم من جانبه ، ولكنه لم يتنازل عن المبدأ الذي ورثه عن رسول .بكونه المراقب والمحافظ للعقيدة اإلسالمية ) وآله

أما في فترة حكم عثمان فقد استشرى الفساد ودب في أجهزة الدولة بصورة علنية مكشوفة ، وانتقلت العدوى وقف معه إلى فئات المجتمع اإلسالمي ، فوقف اإلمام معلنا رفضه واستنكاره على عثمان بصورة علنية ، و

الصحابة األجالء أمثال عمار بن ياسر وأبي ذر ، بل حتى الذين وقفوا موقف المعارض لخالفة أمير المؤمنين لم يرضوا على عثمان سوء إدارته وفساد حكومته ، ويمكن لنا أن نجمل طبيعة حكم عثمان

:ومالمحه فيما يلي

ـــــــــــــــ

.۴۴٠ / ١: مروج الذھب ) ١(

/ ۶: ، واألغاني ۴٠٧ / ۶: ، وتأریخ ابن عساكر ۶٩٠ / ٢: ، واالستیعاب ٢٧٨ / ٨: جع الغدیر را) ٢(٣٣۵.

١٦٦الصفحة

إن عثمان وصل إلى الحكم وقد تجاوز السبعين عاما ، وكان وصوال ألرحامه ولوعا بحبهم وإيثارهم ، فقد كما أن عثمان . ني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم لو أن بيدي مفاتيح الجنة ألعطيتها ب: روي عنه قوله

عاش غنيا مترفا قبل اإلسالم ، وظل على غناه في اإلسالم ، فلم يكن ليتحسس معاناة الفقراء وآالم المحرومين ، فكانت شخصيته مزدوجة في التعامل مع الجماهير المحرومة التي تطالبه بالعدل والسوية ،

.القسوة ، كما في تعامله مع عبد اهللا بن مسعود وعمار بن ياسر وأبي ذر وغيرهم فيعاملها بالشدة و

وأما من جهة أقربائه وقلدهم األمور ، فاستعمل الوليد بن عقبة ابن أبي معيط على الكوفة وهو ممن أخبر معاوية بن أبي سفيان أنه من أهل النار ، وعبد اهللا ابن أبي سرح على مصر ، و) صلى اهللا عليه وآله(النبي

على الشام ، وعبد اهللا بن عامر على البصرة ، وصرف الوليد بن عقبة عن الكوفة ووالها سعيد بن العاص )۱(.

وكان عثمان ضعيفا أمام مروان بن الحكم ، يسمع كالمه وينفذ رغباته ، حتى أنه عندما تألبت األمصار ام ليهدئ الحالة ويرجع الثائرين ـ الذين جاءوا يطالبون بإصالح على عثمان وتأزمت األوضاع ؛ تدخل اإلم

السياسة اإلدارية والمالية وتبديل الوالة ـ إلى بلدانهم ، وأخذ من عثمان شرطا أن ال يطيع مروان بن الحكم .وسعيد بن العاص

ار ، فخرج إليه ولكن بمجرد أن هدأت األوضاع ؛ عاد مروان وحرض عثمان على أن يخرج وينال من الثو أما رضيت من مروان وال رضي منك إال بتحرفك عن دينك وعن (: مغضبا فقال ) عليه السالم(اإلمام علي

عقلك مثل جمل الضعينة يقاد

ــــــــــــــ

ط مؤسسة األعلمي ، وأنساب األشراف للبالذري ۴۴۵ / ٣: وتأریخ الطبري ١۶٠ / ٢: تأریخ الیعقوبي ) ١( ٢٨۶ ـ ٢٣٨ / ٨: ، والغدیر ١۶۶: ، وشیخ المضیرة أبو ھریرة ١۵۶ / ١: ، وحلیة األولیاء ۴٩ / ۵:

.٣٩٩: والنص واالجتھاد

١٦٧الصفحة

؟)١( )حيث يسار به ، واهللا ما مروان بذي رأي في دينه وال نفسه

وا على الوليد بشربه وفي موقف آخر مع الوليد بن عقبة أن الخليفة عثمان غضب على الشهود الذين شهدباستدعاء ) عليه السالم(الخمر ودفعهم ، وهنا تدخل اإلمام وهدد عثمان من عواقب األمور ، فأمره اإلمام

عليه (الوليد ومحاكمته وإقامة الحد عليه ، وحين احضر الوليد وثبتت عليه شهادة الشهود ؛ أقام اإلمام ليس لك أن تفعل به هذا ، فأجابه اإلمام بمنطق الحق : ل لإلمام عليه الحد مما أغضب عثمان ، فقا) السالم

.)٢( )بل وشر من هذا إذا فسق ومنع حق اهللا أن يؤخذ منه(: والشرع قائال

وأما سياسة عثمان المالية فقد كانت امتدادا لسياسة عمر من إيجاد الطبقية وتقديم بعض الناس على بعض ثر فسادا من سياسة سابقه ، فقد أثرى بني أمية ثراء فاحشا ، وحين اعترض عليه في العطاء ، إال أنها أك

واهللا ما : إنما أنت خازن لنا ، فإذا أعطيناك فخذ وإذا سكتنا عنك فاسكت ، فقال : خازن بيت المال قال له أيها : يخطب فقال وجاء يوم الجمعة وعثمان.. أنا لك بخازن وال ألهل بيتك ، إنما أنا خازن للمسلمين

زعم عثمان أني خازن له وألهل بيته ، وإنما كنت خازنا للمسلمين ، وهذه مفاتيح بيت مالكم ، ! الناس .)۳(ورمى بها

:مع عثمان ) عليه السالم(موقف لإلمام علي

الحاكم ، وفي نقم المسلمون على عثمان ، وتصلب خيار الصحابة في مواقفهم تجاه انحراف الخليفة وجهازهقبال ذلك أمعن عثمان بالتنكيل بالمعارضين والمنددين بسياسته المنحرفة ، وبالغ في ذلك دون أن يرعوي

، فمن ذلك أن أبا ذر الصحابي الجليل أكثر من اعتراضه) صلى اهللا عليه وآله(لصحابة رسول اهللا

ـــــــــــــــ

. ط مؤسسة األعلمي٣٩٧ / ٣: الطبري ) ١(

.٢٢۵ / ٢: مروج الذھب ) ٢(

، والمعارف ۵٨ / ۵: ، وأنساب األشراف ١۵٣ / ٢: ، وتاریخ الیعقوبي ٣٨٨ / ۵: الطبقات البن سعد ) ٣( .٢٧۶ / ٨: ، والغدیر ١۶٩: ، وشیخ المضیرة أبو ھریرة ٨۴ص : البن قتیبة

١٦٨الصفحة

عاوية وجوده فأرجعه إلى المدينة ، واستمر أبو ذر على مساوئ عثمان ، فسيره إلى الشام ، ولم يطق م .بجهاده وإنكاره السياسة األموية ، فضاق عثمان به ذرعا فقرر نفيه إلى الربذة ومنع الناس من توديعه

خف لتوديعه ومعه الحسنان وعقيل وعبد اهللا بن جعفر ، فاعترضهم مروان ) عليه السالم(ولكن اإلمام عليا تنح : أذني دابته وصاح به فحمل على مروان ، وضرب) عليه السالم(يردهم ، فثار اإلمام علي بن الحكم ل

إنك غضبت ! يا أبا ذر (: مودعا أبا ذر فقال له ) عليه السالم( ، ووقف اإلمام علي )١( نحاك اهللا إلى النارعلى دينك ، فاترك في أيديهم ما خافوك هللا فارج من غضبت له ، إن القوم خافوك على دنياهم ، وخفتهم وستعلم من ! وما أغناك عما منعوك ! عليه ، واهرب بما خفتهم عليه ، فما أحوجهم إلى ما منعتهم

.)٢( !)الرابح غدا واألكثر حسدا

ا رجع عليعثمان عليك غضبان : من توديع أبي ذر ؛ استقبله الناس فقالوا له ) عليه السالم(فلم فقال إن ، غضب الخيل على اللجم() : عليه السالم(علي(.

:اآلثار السلبية لحكومة عثمان في األمة

كانت حكومة عثمان استمرارا للخط السياسي الحاكم غير الواعي لمحتوى الرسالة سلوكا ومعتقدا ، فتركت ثالب ومطاعن في وضوح الرسالة آثارها السيئة على مسيرة الحكومة اإلسالمية واألمة ككل ، وأضافت م

ـ سوى ) صلى اهللا عليه وآله(اإلسالمية لدى الجماهير اإلسالمية التي لم تعش مع القائد المعصوم ـ النبيعقد واحد رأته فيها حاكما ومربيا ، واشتعلت نار الفتن في أطراف البالد اإلسالمية والتي جرت على

.نا من خالل سبرنا أغوار التأريخ نستنتج ما يلي المسلمين الويالت والملمات ، فإن

ــــــــــــــــ

.٣۵٠ / ٢: مروج الذھب ) ١(

/ ٣: ، وذكر ذلك أبو بكر أحمد بن عبد العزیز في كتابھ السقیفة ، وأعیان الشیعة ۵۴ / ٣: شرح النھج ) ٢(٣٣۶.

١٦٩الصفحة

سالمية ، فعطلت الحدود وأشاعت الفساد وتهاونت في ـ إن حكومة عثمان ابتعدت عن نهج الشريعة اإل١محاسبة المسؤولين عن ذلك ، وهذا ما فسح المجال لشيوع الفوضى في السلوك االجتماعي وبث روح

وكان من مظاهر الفساد شيوع االستهتار واالستخفاف بالقيم واألحكام اإلسالمية ، فنجد . التمرد على القانون .) ۱(شخصيات المتنفذة تعج بحفالت الغناء ومجالس الخمرة أن بيوت الوالة وال

ـ ركزت حكومة عثمان على روح العصبية القبلية التي شرعها أبو بكر في نهجه السياسي القبلي ، ٢فتوضح في بروز سلطة بني أمية كاسرة لها سلطتها على جميع مرافق الدولة ال لشيء سوى أنها ترى

لملطقة التي انتزعها اإلسالم منها ، ألنها ليس لها أساس شرعي، وأصبح بنو أمية جبهة لنفسها السيادة افأصبحوا فيما بعد العقبة ) عليهم السالم(سياسية قوية لها توجهها المناوئ لإلسالم وخصوصا لخط آل البيت

بي سفيان في مواجهة اإلمام ، حيث تكتلوا حول معاوية بن أ) عليه السالم(الرئيسة أمام حكم اإلمام علي عليه السالم(علي. (

ـ اعتبرت حكومة عثمان أن الحكم حق موهوب لهم وال يحق ألحد انتزاعه ، واتخذوه وسيلة إلرضاء ٣رغباتهم المنحرفة وشهواتهم الشيطانية ، ولم تجعل من الحكم وسيلة لإلصالح االجتماعي ونشر الرسالة

مما شجع الكثيرين في السعي للتسلق إلى الحكم للتمتع بالسلطة والجاه ، )۲(رض اإلسالمية في بقاع األ

فعمرو بن العاص ومعاوية وطلحة والزبير لم يكونوا ينشدون من السعي للحكم أي هدف إنساني أو .اجتماعي يعود بالنفع والمصلحة على األمة

تضرر مصالحها مع الحكومة القائمة في مواجهة ت)۳( ـ خلقت حكومة عثمان طبقة كبيرة من األثرياء ٤ حكومة تطالب بتطبيق الحق والشرع ، مما أدى إلى

ــــــــــــــ

.١٧٩ / ٧: األغاني ألبي الفرج األصفھاني ) ١(

.٣۴۶ ـ ٣۴١ / ۵: ، وتأریخ الطبري ۶۴ / ٣: الطبقات الكبرى البن سعد ) ٢(

.٣۴٢ / ٢: مروج الذھب ) ٣(

١٧٠حة الصف

تحرك قطعات المسلمين الفقراء للمطالبة بالقوة في إصالح النظام المالي وتطوير الحياة االقتصادية وتنظيم وحركة أبي ذر تجاه الفساد المالي للحكومة خير شاهد ودليل على عمق تفشي الفقر في . الدخل الفردي .أوساط األمة

القسوة في التعامل مع المعترضين وإهانتهم ولد ردة فعل معاكسة ـ إن استعمال العنف والقوة والشدة و٥للثورة على النظام القائم عسكريا ، وكان مقتل عثمان نقطة تحول في الصراعات الدائرة بين وجهات نظر المسلمين ، فعمل السيف عمله في أفراد األمة وأججه وزاد فيه تعنت بني أمية ومن واالهم على تحدي الحق

.ورغبة األمة في اإلصالح

وهذا ما فسح المجال أمام النفعيين في الوصول إلى الحكم بقوة السيف بعد أن افترقت األمة اإلسالمية في .توجهاتها السياسية ، كل فرقة تريد الحكم لنفسها

ارجون على الطاعة ـ خلف مقتل عثمان فتنة يتأجج أوارها كل حين ، وشعارا يرفعه النفعيون والخ٦ عليه السالم(والبيعة إلثارة المشاكل والحروب تجاه حكومة شرعية جماهيرية بزعامة اإلمام علي ( ،

وسالت دماء المسلمين ) عليه السالم(وتكامل دور الفتنة والشقاق على يد معاوية فيما بعد ، فحارب اإلمام فة مشبوهة يحركون بها المجتمع لغرض إدامة سلطانهم كثيرا ، ثم حرفوا التوجه الديني الصحيح إلى ثقا

الذي تحول إلى ملك متوارث ، يساعدهم على ذلك سعة الدولة اإلسالمية الجديدة ووجود فئات واسعة من .المجتمع اإلسالمي لم تفهم العقيدة اإللهية بوعي وبصيرة

األقطار اإلسالمية ال زالت تحيط ـ من نتائج الثورة على عثمان أن وجدت فئات مسلحة من مختلف ٧بالمدينة تنتظر مصير الحكومة ، كما أن األحداث أثبتت وشجعت على تحرك الجماهير لتغيير الحكم بالقوة ،

.وهذا يعتبر ورقة ضغط قوية تؤثر على الحكم الجديد

١٧١الصفحة

الباب الرابع

:فيه فصول

.بعد مقتل عثمان) السالمعليه (اإلمام علي : الفصل األول

.مع الناكثين) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الثاني

.مع القاسطين) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الثالث

.مع المارقين) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الرابع

.شهيد محراب) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الخامس

).عليه السالم(اث اإلمام علي بن أبي طالب تر: الفصل السادس

١٧٢الصفحة

١٧٣الصفحة

:الفصل األول

بعد مقتل عثمان) عليه السالم(اإلمام علي

عليه السالم(بيعة المسلمين لإلمام علي ( (*):

عليه السالم(سادت الفوضى أرجاء المدينة بعد مقتل عثمان ؛ فاتجهت األنظار واآلراء إلى اإلمام علي (لينقذ األمة من محنتها وتخبطها ، ولم يتجرأ أحد أن يدعي أحقيته بالخالفة التي تكتنف طريقها المشاكل المستعصية ، كما أن الظرف السياسي لم يمهل عثمان أن يتخذ قرارا بشأن الخالفة كما اتخذ صاحباه من

هالت الخالفة أصال ، فكيف وقد تعقدت األمور قبل ، ولم يكن المتبقي من أصحاب الشورى يملك مؤوتدهور وضع الدولة وكيانها ، والبد أن يتزعم األمة قائد يملك القدرة للنهوض باألمة بعد انحطاطها

راعيها ) عليه السالم(وقيادتها الجتياز األزمة وصيانتها عن الضياع ، ولم يكن من شخص إال اإلمام علي .وسيدها

لتضغط عليه كي يقبل قيادتها ، ولكن ) عليه السالم(جماهير المسلمين بإصرار نحو اإلمام علي تحركت استقبل الجماهير المندفعة بوجوم وتردد ، فقد حرم منها وهو صاحبها وجاءته بعد أن ) عليه السالم(اإلمام

: ون النجاح في المسيرة ، فقال لهم امتألت الساحة انحرافا واألمة ترديا ، وتجذرت فيها مشاكل تستعصي د ال حاجة لي(

ــــــــــــــ

(*) ت بيعة اإلمام عليعليه السالم(تم ( ة عامفي ذي الحج)هـ) ۳۵.

١٧٤الصفحة

ال تفعلوا فإني أكون () : عليه السالم(وقال . )۱( )في أمركم أنا معكم فمن اخترتم رضيت به فاختاروا .)۲ ()ن أميراوزيرا خير من أن أكو

أنتم مستقبلون أمرا له وجوه وألوان ، ! أيها الناس (:عما سيجري فقال ) عليه السالم(وأوضح لهم اإلمام إني (: وأمام إصرار الجماهير على توليته األمر قال لهم )۳( ...)ال تقوم به القلوب ، وال تثبت له العقول

تركتموني فإنما أنا كأحدكم ، أال وإني من أسمعكم وأطوعكم لمن وإن ... إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم توجههم نحوه مطالبين ) عليه السالم(وتكاثرت جموع الناس نحو اإلمام وقد وصف .. )۴()وليتموه أمركم

فما راعني إال والناس كعرف الضبع ينثالون علي من كل جانب حتى لقد وطئ (: قبوله بالخالفة بقوله .)۵ ()ان وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنمالحسن

لم يكن اإلمام حريضا على السلطان ، بل كان حرصه أن ينقذ ما بقي من األمة ، وأن يحافظ على الشريعة اإلسالمية نقية من الشوائب والبدع ، فقبل أن يتولى أمر الخالفة ولكنه أخر القبول إلى اليوم الثاني ، وأن

بيعة الجماهير علنية في المسجد ، رافضا بذلك أسلوب بيعة السقيفة والتوصية والشورى ، وفي الوقت تكونذاته ليعطي األمة فرصة أخرى كي تمتحن عواطفها وقرارها في الخضوع له ، فقد ضيعت فيما سبق

مت () : ه السالمعلي(ومن هنا قال . على خالفته فانحرفت ) صلى اهللا عليه وآله(نصوص النبيواهللا ما تقد زعلج من بني أمية فيلعب بكتاب اهللا ع عليها ـ أي الخالفة ـ إال خوفا من أن ينزو على األمة تيس

.)۶( )وجل

لقد كانت خطورة الموقف من نفوذ بني أمية في مراكز الدولة وطمعهم الشديد للسلطان في حالة من غياب .ع الوعي الرسالي في المجتم

ـــــــــــــــ

. ط مؤسسة األعلمي ۴۵۰ / ۳: تاريخ الطبري ) ۱(

.المصدر السابق ) ۲(

) .۹۲(الكلمة : نهج البالغة ) ۴(و ) ۳(

.المعروفة بالشقشقية ) ۳(الخطبة : نهج البالغة ) ۵(

.۱۵۷ / ۱ق : ۱عن أنساب األشراف ) ۶(

١٧٥الصفحة

تسير نحو المسجد ، فاعتلى المنبر ) عليه السالم(ماهير باإلمام وما أن أقبل الصباح ؛ حتى حفت الجإن هذا أمركم ليس ألحد فيه حق إال من أمرتم ، وقد افترقنا باألمس ! يا أيها الناس (: وخاطب الجماهير

ن شئتم قعدت وكنت كارها ألمركم ، فأبيتم إال أن أكون عليكم ، أال وإنه ليس لي أن آخذ درهما دونكم ، فإ ....)لكم ، وإال فال آخذ على أحد

نبايعك على كتاب اهللا ، فقال : وقالوا .. نحن على ما فارقناك عليه باألمس : فهتفت الجماهير بصوت واحد .)۱(اللهم اشهد عليهم ) : عليه السالم(

الشالء والذي سرعان ما نكث بها وتدافع الناس كالموج المتالطم إلى البيعة ، فكان أول من بايع طلحة بيده عهد اهللا وميثاقه ، وجاء بعده الزبير فبايع ، ثم بايعه أهالي األمصار وعامة الناس من أهل بدر والمهاجرين

.واألنصار عامة

أحد من الخلفاء بمثل هذه ) عليه السالم(كانت بيعة اإلمام علي أول حركة انتخاب جماهيرية ، ولم يحضوبلغ سرور الناس ببيعتهم أقصاه ، فقد أطلت عليهم حكومة الحق والعدل ، وتقلد الخالفة صاحبها البيعة ،

عليه (الشرعي ناصر السمتضعفين والمظلومين ، وفرحت األمة بقبول اإلمام للخالفة كما وصف اإلمام دج اليها الكبير ، وتحامل وبلغ سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير ، وه(: ذلك بقوله ) السالم

.)۲() نحوها العليل ، وحسرت إليها الكعاب

) :عليه السالم(المتخلفون عن بيعة اإلمام

إنه ألمر طبيعي أن يقف ضد الحق أو يحايد من ساءت سريرته وضعف يقينه وأضمرت نفسه الحقد والحسد ليفة الشرعي كما نصت على ذلك األحاديث النبوية الشريفة ، هو الخ) عليه السالم(، فرغم أن اإلمام عليا

خير من يصون األمة والرسالة بعد غياب النبي ها تأريخ الرسالة اإلسالمية بأنصلى اهللا عليه وآله(وأكد ( هو اإلمام

ــــــــــــــ

.۲۲ / ۵: أنساب األشراف ) ۱(

) .۲۲۹(الكلمة : نهج البالغة ) ۲(

١٧٦الصفحة

األمة هي التي ) عليه السالم(علي الت ال تتوفر لغيره من المسلمين ، كما وأنلما له من قابليات ومؤهفزعت إلى اإلمام بكل شرائحها وفئاتها ترتجي منه قبول الخالفة ، لكننا نجد أن فئة قليلة اتسمت باالنحراف

.عن الحق والجبن في مواجهته بدأت ترتد عن بيعتها

د كان تخلفهم خرقا إلجماع األمة وتحديا لبيعتها ، وبذلك فتحوا بابا جديدة في تأجيج الفتنة واستمرار لقسعد ابن أبي وقاص ، وعبد اهللا بن عمر ، وكعب بن مالك ، : الصراع الداخلي ، ومن هؤالء المتخلفين

بن البشير ، ورافع بن خديج ، وعبد ومسلمة بن مخلد ، وأبو سعيد الخدري ، ومحمد بن مسلمة ، والنعماناهللا بن سالم ، وقدامة بن مظعون ، وأسامة بن زيد ، والمغيرة بن شعبة ، وصهيب بن سنان ، ومعاوية بن

.)۱(أبي سفيان

من هؤالء فإنه لم ) عليه السالم(ولكن بعضهم ندم على تفريطه في أمر بيعة اإلمام ، وأما موقف اإلمام .هم بأي سوء ، وتركهم وحالهم في األمة لهم ما للناس وعليهم ما على الناس يتعرض ألحد من

) :عليه السالم(عقبات في طريق حكومة اإلمام

إلى الحكم بعد ربع قرن من عزله عن ممارسة الحكم اإلسالمي وقيادة ) عليه السالم(وصل اإلمام عليسلطات التي حكمت طيلة هذه الفترة ، فكان هذا عامال األمة والدولة ، وهما يسيران في مسارات منحرفة لل

من األحداث ، فطوال الفترة السابقة ألف الناس أن يروا ) عليه السالم(مؤثرا في إضعاف موقف اإلمام كما أن عددا من الشخصيات تنامى لديها .. اإلمام محكوما ال حاكما ، محكوما ألناس أقل كفاءة وشأنا منه

عور بالمنافسة وبلوغ قمة السلطة لتحقيق أغراضهم الشخصية ، فالزبير في السقيفة كان يدافع عن حق الش مقابل الفئات) عليه السالم(اإلمام

ـــــــــــــــ

. ط مؤسسة األعلمي ۴۵۲ / ۳: تاريخ الطبري ) ۱(

١٧٧الصفحة

لسلطة ، ومعاوية الطليق ابن الطليق أصبح بعد هذه المندفعة نحو السلطة ، ثم نجده اليوم ينازع اإلمام على ا .المدة مناوئا قويا يهدد كيان الدولة

وأيضا مما أعاق حركة اإلمام أن العناصر التي وقفت ضده على الخط المنحرف كان أغلبهم ممن له صحبة المسلمين ، وعقد األمر على نجاح وهذا مما انخدع به أعداد كبيرة من ) صلى اهللا عليه وآله(مع رسول اهللا

.واستمراره في الحكم ) عليه السالم(حكومته

استلم دولة مترامية األطراف ، ففي زمن أبي بكر لم تكن تتجاوز الدولة ) عليه السالم(إضافة إلى أن اإلمام وأواسط آسيا إضافة إلى اإلسالمية حدود الجزيرة والعراق ، أما في عهد اإلمام فإنها تمتد إلى شمال أفريقيا

تمام الجزيرة والعراق والشام ، وقد دخل في اإلسالم أقوام من غير العرب ، وهؤالء المسلمون الجدد فتحوا عهدهم مع اإلسالم في ظل حكومة غير معصومة ، بل منحرفة عن الخط الصحيح للرسالة اإلسالمية ،

:أقصر وقت مع وجود الصراع الداخلي فمنها وكان على حكومة اإلمام القيام بمهام رئيسية في

: ـ هدم الكيان الطبقي الذي أنشأه الخلفاء وذلك عبر ۱

التي ) صلى اهللا عليه وآله(، متبعا في ذلك سنة رسول اهللا أ ـ المساواة في العطاء بين المسلمين جميعا إن أكرمكم عند (زيع النابعة من حكم اهللا أهملها من كان قبله من الخلفاء ، وقد أوضح في خطبته سياسة التو

فقال ) الله أتقاكم:

أال وأيما رجل استجاب هللا وللرسول فصدق ملتنا ودخل في ديننا واستقبل قبلتنا ؛ فقد استوجب حقوق ( فيه ألحد على أحد ، اإلسالم وحدوده ، فأنتم عباد اهللا ، والمال مال اهللا ، يقسم بينكم بالسوية ، ال فضل

.)۱( )وللمتقين عند اهللا غدا أحسن الجزاء وأفضل الثواب

فقد أعلن اإلمام أن األموال المأخوذة ب ـ استرجاع األموال المنهوبة من بيت المال في عهد عثمان ، بغير حق ـ وما أكثرها في عهد عثمان ـ البد أن ترجع

ـــــــــــــــ

.۱۸ و ۱۷ / ۳۲: بحار األنوار ) ۱(

١٧٨الصفحة

إلى بيت المال ، حيث كانت األموال الطائلة عند طبقة محيطة بالخليفة أو أن عثمان كان يعطيها ليستميلها أال إن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال اهللا فهو مردود في () : عليه السالم(فقال . إليه

له شيء ، ولو وجدته قد تزوج به النساء وملك به اإلماء وفرق في البلدان بيت المال ، فإن الحق ال يبط .)۱( )لرددته ، فإن في العدل سعة ، ومن ضاق عليه العدل ، فالجور عليه أضيق

هذه السياسة المالية لم ترق لقريش ، فقد كان العايد من أقطابها تنالهم قرارات اإلمام وهم في أنفة الطغيان في عمل اإلمام حتى : ر واالستعالء ، مثل والتكب مروان بن الحكم وطلحة والزبير ، فما أن استوثقوا الجد

) عليه السالم(بدأوا بإثارة الفتن واإلحن أمام حكومة اإلمام ، حتى أن طلحة والزبير جاء إلى اإلمام وإنك أعطيتنا بالسوية ولم يكن عمر إن لنا قرابة من نبي اهللا وسابقة وجهادا ،: يعترضان على ذلك فقاال

.وال عثمان يعطوننا بالسوية ، كانوا يفضلونا على غيرنا

) : عليه السالم(قال ! فسابقتنا : ، قالوا فهذا كتاب اهللا فانظروا ما لكم من حق فخذوه) : عليه السالم(فقال أقرب من ) : عليه السالم(قال ) ! عليه وآلهصلى اهللا (ال ، فقرابتنا من النبي : قاال أنتما أسبق مني ؟

فو ) :عليه السالم(ال ، قال : قاال أعظم من جهادي ؟ ) :عليه السالم(ال ، فجهادنا ، قال : قاال قرابتي ؟ .)۲( اهللا ما أنا في هذا المال وأجيري إال بمنزلة سواء

:ج ـ المساواة أمام حكم اهللا تعالى

غافال عن تطبيق أحكام الشريعة في عهد من سبقه من الخلفاء ، فكان يحكم ) لسالمعليه ا(لم يكن اإلمام ويفصل بالحق والعدل ، إذ يعجز غيره ، وما أن استلم زمام أمور الدولة ؛ حتى ضرب أروع صنوف العدل

واألمان وسلك أوضح سبل الحق مظهرا عدل الشريعة اإللهية وقدرة اإلسالم على إقامة دولة تنعم بالحرية .والعدل

كثيرة وما كان يتحرج أن يجري القانون على نفسه وأهل) عليه السالم(ومواقف اإلمام

ـــــــــــــــ

) .۱۵(الخطبة : نهج البالغة ) ۱(

.۱۱۶ / ۴۱: بحار األنوار ) ۲(

١٧٩الصفحة

.)۱() عليه السالم(رع افتقده بيته وأصحابه ، فقد ترافع مع اليهودي إلى شريح القاضي ليفصل بينهم في د

وقد كانت أحكام اإلمام في فصل القضاء نابعة من عمق الشريعة وسعة علم اإلمام بأمور الدين والدنيا ، .وتدل على العصمة في الفكر والعمل

: ـ التنظيم اإلداري وإعادة السيطرة المركزية للدولة ۲

ة الذين عينهم عثمان من مناصبهم ، ونصب والة كانوا جديرين بهذه بإعفاء الوال) عليه السالم(فقد قام اإلمام المهمة ، وهم محل ثقة المسلمين ، فأرسل عثمان بن حنيف األنصاري بدال عن عبد اهللا بن عامر إلى البصرة ، وعلى الكوفة أرسل عمارة بن شهاب بدال عن أبي موسى األشعري ، وعلى اليمن عبيد اهللا بن

عن يعلى بن منبه ، وعلى مصر قيس بن سعد بن عبادة بدال عن عبد اهللا بن سعد ، وعلى الشام عباس بدالسهل بن حنيف بدال من معاوية بن أبي سفيان ، كل هذا لسوء سيرة الوالة السابقين وفساد إداراتهم حتى

اوية قوة عسكرية لصد آخر لحظة ، فقد استولى يعلى بن منبه على بيت مال اليمن وهرب به ، وحرك مع .)۲(سهل بن حنيف عن ممارسة مهامه الجديدة

دقيقا وموضوعيا وحريصا على تطبيق الشريعة ) عليه السالم(وفي عملية اختيار الوالة الجدد كان اإلمام في الحكم اإلسالمية بجهازه اإلداري الجديد ، وقد أعاد الثقة لألنصار بأنفسهم ورفع معنوياتهم ، إذ أشركهم

، كما أن اإلمام لم يكن مستعدا لقبول الحلول المنحرفة أو أنصاف الحلول ، فقد كان حازما في اجتثاث اقتراح إبقاء معاوية على الشام حتى يستقر حكم) عليه السالم(الفساد ، فقد رفض

ــــــــــــــــ

د وردت مواقف اإلمام هذه في عدة ، وق۱۹۶ / ۳: ، وتأريخ دمشق ۱۳۶ / ۱۰: السنن الكبرى ) ۱( ، ۳۹۹ / ۳: ، والكامل في التأريخ ۴ / ۸: ، والبداية والنهاية ۳۶ / ۱۶: األغاني : مصادر منها

.۷۸: والصواعق المحرقة

. ط مؤسسة األعلمي ۴۶۲ / ۳: تأريخ الطبري ) ۲(

١٨٠الصفحة

.)۱ (اإلمام ثم تنحيته فيما بعد

يطرة الخالفة المركزية على والية الشام بعد أن امتنع معاوية فيها عن البيعة ، فدفع حاول اإلمام فرض سالراية إلى ولده محمد بن الحنفية ، وولى عبد اهللا بن عباس على ميمنته وعمر بن أبي سلمة على الميسرة ،

وحثهم على القتال ، ودعا أبا ليلى بن عمر بن الجراح فجعله على مقدمة الجيش ، وخطب في أهل المدينةولكن حال دون التحرك وصول خبر خروج طلحة والزبير على حكم اإلمام إلى البصرة بعد أن كانا قد

.)٢(استأذناه في الخروج للعمرة فأذن لهم ، وكان قد حذرهم من نكث البيعة

:في األمة ) عليه السالم(محاور عمل اإلمام

المية لشخصية يرعى شؤون الرسالة اإلسالمية وديمومتها في الحياة هناك دور مفروض في الشريعة اإلسوقد نصت الشريعة ) صلى اهللا عليه وآله(ومقاومتها في الصراع مع التيارات المختلفة بعد غياب النبي القائد

.ومن بعده أبناءه هم المعنيون بذلك ) عليه السالم(على أن اإلمام عليا

والقائد لشؤون الرسالة تقتضي أن يتولى اإلمام المعصوم أعلى السلطات في الدولة ، وممارسة دور الراعيولكن بعد وفاة الرسول تدخلت عناصر غير مؤهلة لذلك في ظرف معقد فاستولت على السلطة ، ولم يكن

تنوعه ، عن ممارسة دوره ، ولكن طبيعة الصراع تقتضي تعدد الدور و) عليه السالم(ذلك ليمنع اإلمام على محورين في محاولة منه إلصالح انحراف األمة والمحافظة على ) عليه السالم(فعمل اإلمام علي :عقائدها ومقدساتها

السعي الستالم مقاليد الحكم وزمام التجربة ، والنهوض باألمة:المحور األول

ـــــــــــــــ

.۲۵۵ / ۷: ي ، والبداية والنهاية ط مؤسسة األعلم۴۶۲ و ۴۶۱ / ۳: تأريخ الطبري ) ۱(

.۴۶۹ / ۳: تأريخ الطبري ) ۲(

١٨١الصفحة

وقد عمل اإلمام على هذا . في االستمرار بمسيرتها نحو هدفها السماوي الذي فرضه اهللا سبحانه وتعالى صلى اهللا عليه وآله(المحور بعد وفاة النبي (ر عن مسؤوليته تجاه هذا األمر بقوله مباشرة ، كما عب) عليه

لو ال حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ اهللا على العلماء أن ال يقاروا على () : السالم .)۱( )كظة ظالم وال سغب مظلوم ؛ أللقيت حبلها على غاربها

حاولة ألسباب منها تعبئة األمة ، ولكنه لم يتمكن أن يصل إلى حد إنجاح هذه الم) عليه السالم(فحاول اإلمام :

ـ عدم وعي األمة لرزية يوم السقيفة وما جرى فيها من مؤامرات سياسية وتوجها خاطئة كانت خافية ١ .على شريحة كبيرة من األمة

٢ الحقيقة أن روه مطلبا شخصيا وهدفا فرديا ، ولكنـ عدم فهم دور ومسؤولية اإلمام واإلمامة ، فقد تصو ي مواجهة الحاكمين كان بوعي رسالي وإرادة صادقة الستمرار الرسالة اإلسالمية نقية كما دخول اإلمام ف

شرعها اهللا بعيدة عن الزيغ واالنحراف ، ومضحيا بكل شيء من أجل ذلك حتى لو كان ذلك تعديا على حق إعرف ( :ي وهو القائل الشخصي ، فالمقياس هو سالمة الرسالة وديمومتها على أسس الحق والعدل اإلله

.)۳( )علي مع الحق والحق مع علي() : صلى اهللا عليه وآله(وقد قال رسول اهللا ) ۲( )الحق تعرف أهله

عمل بشمولية وعلى جميع المستويات موفقا بين النظرية والتطبيق ، فربى ) عليه السالم(كما أن اإلمام عليا الرسالية ال أصحاب األشخاص يميلون مع هذا الطرف أو ذاك، ونجد أصحابه على أنهم أصحاب األهداف

.أن اإلمام رفض أن يستلم الحكم بشرط السير بسيرة من قبله ، إذ كانت تسيء إلى الرسالة والمجتمع

ـ الرواسب الجاهلية المتأصلة في فكر األمة ، فالعهد قريب ولم تدرك٣

ــــــــــــــ

.طبة الشقشقية الخ: نهج البالغة ) ۱(

. ط الوفاء ۱۷۹ / ۶: بحار األنوار ) ۲(

.۳۲۱ / ۱۴: وتاريخ بغداد ۲۹۸ / ۲: راجع سنن الترمذي ) ۳(

١٨٢الصفحة

عهد النبي روا أنبالوصاية لإلمام ) صلى اهللا عليه وآله(األمة عمق الرسالة والرسول ودور اإلمام ، فتصو ألحد أعضاء أسرته ، وإنه قد يهدف إلحياء أمجاد أسرة متطلعة للمجد مجرد عملية ترشيح) عليه السالم(

وبعده ) صلى اهللا عليه وآله(والسلطان كما هو دأب غالب الحكام قبل النبي.

ـ دور المنافقين وأطماعهم في زعزعة االستقرار األمني واالجتماعي ، ومحاولة إثارة النوازع واألحقاد ٤ وتغلغلهم في صفوف الجهاز الحاكم والدولة ويزدادون توغال إذا كان الحاكم ضعيفا بين صفوف المسلمين ،

.أو منحرفا

٥ ين للزعامة ، فكان الشعور بالنقص لديهم تجاه اإلمام عليعليه السالم( ـ األمراض النفسية لدى المتصد (، بصدقه ، بجهاده ، بصراحته ، يمثل تحديا بوجوده ) عليه السالم(بدرجة عالية ، حيث كان اإلمام

.) ۱() كما ورد في كتاب معاوية لمحمد ابن أبي بكر. (باستبساله وشبابه

بمنهجية أخرى ، أال ) عليه السالم(وحين لم يفلح المحور األول في بلوغ هدفه عمل اإلمام : المحور الثاني قدر الكافي كي تتمكن من البقاء صامدة في وهي تحصين األمة ضد االنهيار التام وإعطاؤها من المقومات ال

.مواجهة المحنة بعد استيالء فئة غير كفوءة على السلطة وانحدار األمة عن جادة الحق والصواب بسببها

في تعميق الرسالة فكريا وروحيا وسياسيا في صفوف األمة ، وتقديم الوجه ) عليه السالم(فاجتهد اإلمام :مية عبر أساليب منها الحقيقي للنظرية اإلسال

ـ التدخل اإليجابي في عمل الزعامة المنحرفة بعد أن كانوا ال يحسنون مواجهة ومعالجة القضايا الكثيرة ١وتوجيههم نحو المسار الصحيح إلنقاذ األمة من مزيد الضياع ، فكان دور اإلمام . البسيطة منها والمعقدة

. يتدخل لتقويم األوددور الرقيب الرسالي الذي) عليه السالم(

ونجد اإلمام يتدخل للرد على شبهات المنكرين للرسالة بعد أن عجز

ــــــــــــــ

.۱۱۹: وقعة صفين ) ۱(

١٨٣الصفحة

المتصدي للزعامة عن ذلك ، ونجده أيضا يتدخل ليعطي للخليفة نصائح عسكرية أو اقتصادية ، وما أكثر !) ۱( نصائحه ومعالجاته القضائية

ـ توجيه مسار سياسة الخليفة ومنعها من المزيد من االنحراف من خالل الوعظ والنصيحة ، وبدا هذا ٢ .األسلوب جليا في عهد عثمان بن عفان حيث كان ال يقبل التوجيه والنصيحة

وقد ظهر هذا ـ تقديم المثل األعلى لإلسالم والصورة الحقيقية لطبيعة وشكل الحكم والمجتمع اإلسالمي ، ٣، وعلى هذا األساس استند قبول اإلمام للحكم بعد أن رفضه ، ) عليه السالم(واضحا في فترة حكومة اإلمام

فقد مارس دور القائد السياسي المحنك والحاكم العادل ونموذج اإلنسان الذي صاغته الرسالة اإلسالمية وكان .وم عن الخطأ والزلل والدنس في الفكر والعمل والسيرة مثاال يحتذى به لبلوغ هدف الرسالة ، فهو المعص

في حركته اإلصالحية والتغييرية ، ) عليه السالم( ـ تربية وبناء ثلة صالحة من المسلمين تعين اإلمام ٤وذلك عبر تحركها في وسط األمة إلنضاج أفكارها وتوسيع قاعدة الفئة الواعية الصالحة ، وتستمر في

.)۲(أريخ لتتواصل األجيال الالحقة في العمل وفق النهج اإلسالمي مسيرها عبر الت

والتنبيه عليها وتدوينها واالهتمام بالقرآن تالوة وحفظا ) صلى اهللا عليه وآله( ـ إحياء سنة رسول اهللا ٥أن تدرك األمة حقائق القرآن والسنة كما شر عت وكما أريد وتفسيرا وتدوينا ، إذ هما عماد الشريعة، والبد

.لها أن تفهمها

:(*) الثقافة اإلسالمية في حكم الخلفاء

من أخطر المشاكل التي تواجهها الرساالت والعقائد هو تصدي الفئات

ــــــــــــــــ

.۱۴۵ ، ۱۳۳ / ۲: تأريخ اليعقوبي ) ۱(

.۶۹ ـ ۵۹: أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف للشهيد السيد محمد باقر الصدر ) ۲(

.۴۳ / ۲: للمزيد من التفصيل راجع معالم المدرستين للسيد مرتضى العسكري (*)

١٨٤الصفحة

العاجزة والفارغة فكريا للدفاع عنها أو تطبيقها ، وحين يتعرض المتصدون للزعامة لالختبار لمعرفة رأي دى الجماهير ويزعزع ثقتهم بالرسالة الرسالة ومدى علمهم بها فإن سكوتهم أو اختالفهم سيزرع شكا ل

ومقدرتها على مجاراة الحياة ، ومن ثم يتحول الشك إلى حالة مرضية تجعل األمة تتقاعس عن التفاعل مع ي النبياألزمات ، ومن هنا نجد تصد صلى اهللا عليه (الرسالة أو الدفاع عنها في معترك الصراعات وخضم

مجهولة تبدو هنا أو هناك في حياة األمة حيث يعطي الموقف الواضح للرسالة لكل قضية غامضة أو ) وآله ا في سيرة اإلمام عليمن بعده خالل حكم الخلفاء الثالثة حين كان ) عليه السالم(منها ، كما ترى ذلك جلي

والسؤال المجال إلى أقصاه للبحث ) عليه السالم(يظهر للناس عجزهم وقصورهم العلمي والعملي ، إذ فسح .عندما تسلم زمام الحكم

وحين أدركت الفئة الحاكمة أنها ليست المؤهلة للحكم وأنها قاصرة علميا ؛ اتخذت عدة إجراءات لمعالجة :هذه المثالب منها

لما فيها من التوجيه العلمي والبعث نحو الوعي ) صلى اهللا عليه وآله( ـ منع نشر أحاديث رسول اهللا ١ في الحياة ، إضافة إلى أن أحاديث الرسول تعلن بوضوح أن أهل البيت هم المعنيون بالخالفة والفاعلية

الذي تحدى قائله به ) حسبنا كتاب اهللا(وشؤون الرسالة دون من عداهم ، ومن هنا نعلم السر في رفع شعار . تضل األمة من بعده في مرضه عندما أراد أن يدون كتابا لن) صلى اهللا عليه وآله(رسول اهللا

ويبدو أن ظاهرة تحديد أو منع نشر أحاديث النبي بدأت قبل هذا التأريخ ، وذلك عندما منعت قريش عبد اهللا ، كما قامت السلطة الحاكمة بحرق الكتب التي تضمنت )۱(بن عمرو بن العاص بن كتابة األحاديث

.)٢(نصوصا من أحاديث الرسول

ـــــــــــــــ

: وتذكرة الحفاظ ۱۶۲ / ۲: ، ومسند أحمد ۲۶۲ / ۲: ، وسنن أبي داود ۱۲۵ / ۱: سنن الدارمي ) ۱(۱ / ۲.

. ط ، بيروت ۱۴۰/ ۵: طبقات ابن سعد ) ۲(

١٨٥الصفحة

ـ إن ظاهرة النهي عن السؤال عما ال يعلم من معاني اآليات القرآنية تعني تجريد األمة من سالح البحث ٢حقيق والتعلم للقرآن نفسه بعد عزل السنة عن القرآن ، واالهتمام بظواهر القرآن من دون فسح المجال والت

جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن محمد : (للتدبر والتفقه في آياته وأحكامه حتى أوصى عمر عماله قائال .) ۱(آن بل إنه عاقب كل من يسأل عن تفسير آيات القر) . وأنا شريككم

ـ فتح باب االجتهاد في مقابل النص ، فقد اجتهد أبو بكر في جملة من األحكام من دون أن يستند إلى ٣، ومن ذلك مصادرة تركة النبي ومنع أهل البيت ) صلى اهللا عليه وآله(نص قرآني أو حديث عن رسول اهللا

)۴( وفتواه في إرث الجدة )۳(ي مسألة الكاللة وفتواه ف)۲(من حقهم في الخمس ، وإحراقه الفجاءة السلمي )۵() صلى اهللا عليه وآله(، كما اجتهد عمر بن الخطاب في التمييز في العطاء خالفا لسنة رسول اهللا

، وقد اجتهد عثمان )۶() النص واالجتهاد(واجتهد في منع متعتي الحج والنساء وغيرها مما تجده في كتاب وتأول في جملة من األحكام الصريحة خالفا لما قرره )۷(اط القود عن عبيد اهللا بن عمر بن عفان في إسق

.حتى ثار عليه المسلمون كما عرفت ) صلى اهللا عليه وآله(رسول اهللا

كل هذه األمور وغيرها أثارت للدولة اإلسالمية ولألمة المسلمة الكثير من المصاعب والمصائب التي كانت يس في انحراف المسيرة المقررة للرسالة اإلسالمية ووقوع الكثيرين في شباك الفتن والضاللة السبب الرئ

حتى قال اإلمام

ــــــــــــــــ

واإلتقان ۳۸ / ۳: ، وتفسير الطبري ۵۴ / ۱: ، وسنن الدارمي ۱۰۷ / ۸: تاريخ ابن كثير ) ۱( .۱۱۵ / ۱: للسيوطي

.سسة األعلمي ط مؤ۴۴۸ / ۲: تأريخ الطبري ) ۲(

.۲۲۳ / ۶: ، والسنن الكبرى للبيهقي ۳۶۵ / ۲: سنن الدارمي ) ۳(

.۲۹۹ / ۳: ، واسد الغابة ۳۵۹ / ۲: سنن الدارمي ) ۴(

.۱۳۶: ، وتأريخ الخلفاء للسيوطي ۵۵ص : فتوح البلدان ) ۵(

ز۲۰۵ / ۲: ، وزاد المعاد البن القيم ۴۵۷۱۵ الحديث ۵۱۹ / ۱۶: كنز العمال ) ۶(

. ، وهناك اجتهادات كثيرة للخلفاء تذكرها كتب التأريخ ۱۹۳ / ۳: راجع منهاج السنة البن تيمية ) ۷(

١٨٦الصفحة

عن ذلك ) عليه السالم(علي:

إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع وأحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب اهللا ، ويتولى عليها رجال رجاال على ( ، فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق ؛ لم يخف على المرتادين ، ولو أن الحق خلص من غير دين اهللا

لبس الباطل ، انقطعت عنه ألسن المعاندين ، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فهنالك .)۱() يستولي الشيطان على أوليائه ، وينجو الذين سبقت لهم من اهللا الحسنى

:في إحياء الشريعة اإلسالمية ) عليه السالم(م جهود اإلما

عليه السالم(كان اإلمام علي ( ه بعد غياب الرسول األعظمات مهاميرى أن من أولي)صلى اهللا عليه وآله (هو صيانة الشريعة المقدسة من الزيغ واالنحراف ورعاية شؤون الدولة اإلسالمية حتى تستمر من دون تلكؤ

بذل جهده في ذلك أثناء حكم الخلفاء متغاضيا بمرارة وألم عن حقه في إدارة شؤون األمة أو توقف ، وقد صلى اهللا عليه (مباشرة ، وما أن أمسك زمام الحكم ؛ حتى خطا خطوات عظيمة في إحياء سنة رسول اهللا

سيره وتربية األمة وإصالح وفي الدعوة إلى الحياة في ظلها ، واهتم اهتماما كبيرا بالقرآن الكريم وتف) وآله كما يلي ) عليه السالم(الفساد أينما وجد ، ويمكننا أن نلحظ الخطوات التي قام بها اإلمام علي:

ـ فتح باب الحوار والسؤال عن القرآن والسنة وكل ما يتعلق بالشريعة المقدسة أمام الجماهير المسلمة ١ .تى في جواب مخالفيه وأعدائه الحاقدين عليه وبصورة علنية وعامة من دون أن يتردد ح

في التعليم ، فكان ) صلى اهللا عليه وآله( ـ االهتمام بالقراء مراعيا لشؤونهم ومتبعا فيهم سنة الرسول ٢ .تعليم قراءة القرآن مقرونا بتعلم ومعرفة ما فيه من العلم والعمل والتفقه في أحكام الدين

ـــــــــــــــ

) .۵۰(الخطبة : نهج البالغة )۱(

١٨٧الصفحة

ـ االهتمام بقراءة المسلمين من غير العرب ، أو من الذين ال يحسنون اللغة العربية بصورة صحيحة ، ٣ .) ۱(فوضع علم النحو لتقويم اللسان عن اللحن في الكالم

قيدوا العلم (: ارستها ، فكان يقول إلى رواية السنة النبوية وتدوينها ومد) عليه السالم( ـ دعا اإلمام ٤تزاوروا وتدارسوا الحديث وال تتركوه (: بالبحث في علوم السنة فيقول ) عليه السالم( وأمر )۲( )بالكتابة .)۳( )يدرس

ـ ركز اإلمام على مصدرية القرآن والسنة في التشريع واألحكام ، وأدان المصادر األخرى كاالستحسان ٥ .)۴(ا مما ال يكون مصدرا شرعيا لألحكام اإللهية والقياس وغيرهم

في سيرته العبادية واألخالقية ، ) صلى اهللا عليه وآله(أحيى سنة رسول اهللا ) عليه السالم(كما أن اإلمام .)۵(فعالج البدع التي طرأت على الشريعة نتيجة اجتهاد وإبداع من سبقه من الخلفاء

ي ثلة صالحة من المؤمنين تتحرك في المجتمع اإلسالمي للمساهمة في قيادة ـ استطاع اإلمام أن يبن٦ .التجربة اإلسالمية والمحافظة على المجتمع اإلسالمي

) صلى اهللا عليه وآله(بدأ عمليا في هذا المسار منذ حياة الرسول األكرم ) عليه السالم(ويبدو أن اإلمام عليا د ورعاية من يجد فيهم الرغبة والوعي في التحرك وبأمر منه ، فنجد أن النبية تعهوكل مهمكان ي

يحث على) صلى اهللا عليه وآله(، وكان ) عليه السالم(اإلسالمي إلى اإلمام علي

ـــــــــــــــ

، والبداية والنهاية ك ۲۱۶ / ۲ ، وفيات األعيان ك ۵۹: ، الفهرست البن النديم ۱۳ / ۱۲: األغاني ) ۱(۸ / ۳۱۲.

.۱۳۷: ، وتدوين السنة الشريفة للسيد الجاللي ۱۸۶ / ۶: الطبقات الكبرى ) ۲(

.۲۹۵۲۲ حديث ۱۰كنز العمال ك ) ۳(

) .۱۲۵(الخطبة : نهج البالغة ) ۴(

: كتاب الخمس : ، وصحيح البخاري ۴۰۶ / ۵: كتاب صالة التراويح ، ومسند أحمد : صحيح مسلم ) ۵( .۱۶۲۲حديث / ۲: ، وسنن أبي داود ۲۹۴۴حديث / ۵باب

١٨٨الصفحة

) صلى اهللا عليه وآله(التمسك في العمل بخط علي حتى تكونت جماعة عرفت بشيعة علي في حياة الرسول عمار بن ياسر ، وسلمان الفارسي ، وأبي ذر ، وجابر بن عبد اهللا األنصاري ، والمقداد بن األسود ، : مثل

عباس ، ممن ثبتوا على هذا الخط رغم كل الظروف الصعبة التي مرت بها التجربة اإلسالمية وعبد اهللا بن ) .صلى اهللا عليه وآله(بعد وفاة الرسول

الخالفة ؛ احتفت به جماعة من المؤمنين األوفياء األشداء ، فازداد ) عليه السالم(وحين استلم أمير المؤمنين ء بهم وأعدهم إعدادا رساليا خاصا ، وأودعهم علوما شتى في مختلف نواحي اعتنا) عليه السالم(اإلمام

الحياة ، وقام هؤالء الصحابة األجالء بدورهم في دعم الرسالة اإلسالمية ومساندة اإلمامة والمحافظة على طواغيت الشريعة من الزيغ واالنحراف واالندثار ، فكانت مواقفهم رائعة وبطولية مقابل الحكام ال

مالك األشتر ، كميل بن زياد النخعي ، محمد بن : والمتسلطين بغير حق على أمور المسلمين ، ومن هؤالء أبي بكر ، حجر بن عدي ، عمرو بن الحمق الخزاعي ، صعصعة بن صوحان العبدي ، رشيد الهجري ،

.هاشم المرقال ، قنبر ، سهل بن حنيف وغيرهم

١٨٩الصفحة

:نيالفصل الثا

(*)مع الناكثين) عليه السالم(اإلمام علي

:مثيروا الفتن

بمنزلة صاعقة حلت بقريش وكل من يكن العداء لإلسالم ، ) عليه السالم(كانت بيعة الناس ألمير المؤمنين ، التي أذلت الظلم والعدوان والبغي) صلى اهللا عليه وآله(فحكومة اإلمام هي امتداد لحكومة رسول اهللا

وجاءت بالعدل والمساواة والحق والفضيلة ، وحطمت المصالح االقتصادية القائمة على الربا واالحتكار واالستغالل ، فعز على كثير من كبار قريش أن يكونوا على قدم المساواة مع أي مواطن آخر من أي فئة

عثمان الذي طالت إصالحاته والة) عليه السالم(كانت في حكومة اإلمام علي .

، بعدما رشحهما عمر ) عليه السالم(وقد كان كل من طلحة والزبير يرى نفسه قرينا ألمير المؤمنين للخالفة فكان يتوقع كل منهما أن يلي حكومة جزء كبير من البالد اإلسالمية على أقل تقدير ، وكان لعائشة

ما تشاء ، وهي اآلن تعلم أن ال مجال لها في المقام المرموق لدى الخلفاء السابقين حيث كانت تتحدث ك .حكومة تعتمد القرآن والسنة مصدرا ودستورا للتشريع والتنفيذ

وكان معاوية يتصرف في الشام تصرف الحاكم المطلق المتفرد والمطامع في السيادة اإلسالمية العظمى لمفاجأة لجميع هؤالء بقرارات اإلمام وتخطيطه جادا في تولي أمور األمة اإلسالمية بصورة تامة ، فكانت ا

لإلصالح الشامل إضافة إلى

ـــــــــــــ

.هـ) ۳۶(وقعت معركة الجمل في جمادي اآلخرة عام (*)

١٩٠الصفحة

تضرر مجموعة أو مجموعات كانت تستغل مناصبها في عهد عثمان وهي اآلن قد فقدت مصدر ثرواتها ، وجود اإلمام في قم تهديدا صارخا للخط القبلي المنحرف الذي سارت عليه قريش فإن عدة السلطة كان ي .

قد عرف بأنه القادر على رفع راية اإلسالم الحق من دون أن تأخذه في اهللا ) عليه السالم(ألن اإلمام عليا .لومة الئم ، ولهذا فهو سيكشف زيف الخط المنحرف دون تردد

ؤهم وأهواؤهم على إثارة الفتن للحيلولة دون استقرار الحكم الجديد ، ولم يكن تقلب من هنا اجتمعت آراالوضع السياسي ووجود العناصر المعادية لالتجاه الصحيح لمسيرة الحكومة اإلسالمية غريبا على اإلمام

د بعض الفئات على ) صلى اهللا عليه وآله(؛ فقد أخبره النبي ) عليه السالم(عليحكمه ، وعهد إليه بتمر .)۱(بقتالهم كما أنه قد سماهم له بالناكثين والقاسطين والمارقين

:عائشة تعلن التمرد

صلى اهللا عليه (كان موقف السيدة عائشة من عثمان غريبا متناقضا ال يليق بمقام امرأة تعد من نساء النبي ، وقد خرجت ) ۲(تحرض الناس على التمرد عليه وعلى قتله ، و) اقتلوا نعثال: (، فكانت تردد قولها ) وآله

من المدينة إلى مكة أثناء محاصرة عثمان من قبل الثوار وهي تتوقع النهاية السريعة لعثمان ، ومن ثم فوز .قريبها طلحة بالخالفة ، واالستيالء على الحكم

، كرت راجعة نحو مكة ) عليه السالم(إلمام علي وحين فوجئت بأن األمر قد استقر ـ بعد بيعة الناس إلى ا: ، وأعلنت حزنها وتظلمها على عثمان ، فقيل لها ) ۳(بعد أن كانت قد عزمت على الرجوع إلى المدينة

أنت التي حرضت على قتله

ـــــــــــــــ

، وكنز العمال ۲۳۵ /۹: ، ومجمع الزوائد ۳۴۰ / ۸: ، وتأريخ بغداد ۱۳۹ / ۳: مستدرك الحاكم ) ۱( :۶ / ۸۲.

.۳۲۳ / ۳ ، وكشف الغمة ك ۲۱۵ م ۶: شرح ابن أبي الحديد ) ۲(

.۲۰۶ / ۳: الكامل في التأريخ ) ۳(

١٩١الصفحة

.وكأنها كانت حاضرة تشهد مقتله . ) ۱(إنهم استتابوه ثم قتلوه : فاختلقت عذرا واهيا ، فقالت

وأعلنت السيدة عائشة حربها ضد ضة أتباعها ) عليه السالم( اإلمام عليفي خطابها الذي ألقته في مكة محر .)۲ (على الحرب

اإلمام علي عليه السالم(وطمعت السيدة عائشة في توسيع جبهتها ضد ( فحاولت مخادعة أزواج النبي) صلىلمة أن تنصحها عسى أن ترجع للخروج معهن ضد اإلمام ، فامتنعن من ذلك ، وحاولت أم س) اهللا عليه وآله

إنك كنت باألمس تحرضين على عثمان وتقولين فيه : عن غيها ، وتجنب األمة البالء والدماء ، فقالت لها صلى (أخبث القول وما كان اسمه عندك إال نعثال ، وإنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول اهللا

ونحن معه حتى إذا هبط من ) عليه السالم(أتذكرين يوم أقبل : لت أم سلمة ، أفأذكرك ؟ قا) اهللا عليه وآلهقديد ذات الشمال خال بعلي يناجيه ، فأطال فأردت أن تهجمين عليهما فنهيتك فعصيتني فهجمت عليهما ، فما

ليس لي : علي إني هجمت عليهما وهما يتناجيان ، فقلت ل: ما شأنك ؟ فقلت : لبثت أن رجعت باكية ، فقلت إال يوم من تسعة أيام أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي ؟ فأقبل ) صلى اهللا عليه وآله(من رسول اهللا

ارجعي وراءك واهللا ال يبغضه (:علي وهو غضبان محمر الوجه ، فقال ) صلى اهللا عليه وآله(رسول اهللا

، فرجعت نادمة ساخطة ، قالت ) خارج من اإليمانأحد من أهل بيتي وال من غيرهم من الناس إال وهوإنما أخرج لإلصالح : أي خروج تخرجين بعد هذا ؟ فقالت عائشة : نعم أذكر ذلك ، قالت أم سلمة : عائشة

.)۳(أنت ورأيك ، فانصرفت عائشة عنها : بين الناس ، وأرجو فيه األجر إن شاء اهللا ، فقالت أم سلمة

)ذات عرق(خرجن مع عائشة إلى منطقة ) صلى اهللا عليه وآله(النبي أن نساء : وروي

ـــــــــــــــ

.۲۰۶ / ۳: الكافي في التأريخ ) ۱(

.۴۷۴ / ۳: تأريخ الطبري ) ۲(

.۱۴۹ / ۳۲ ، وبحار األنوار ك ۲۱۷ / ۶: شرح النهج البن أبي الحديد ) ۳(

١٩٢الصفحة

لى المدينة والحيلولة دون وقوع الفتنة ، فلم يتوصلن إلى حل فبكين على ويبدو أنهن حاولن إرجاع عائشة إ .)۱() يوم النحيب(اإلسالم وبكى الناس معهن ، وسمي ذلك اليوم بـ

:مكر معاوية ونكث الزبير وطلحة للبيعة

وفق رغباته كان معاوية يتمتع بسيطرة إدارية على شؤون الشام ، ولديه أجهزة يستطيع بها أن يحركهاوأهوائه ، وما كانت لديه مشكلة مع جماهير الشام ألن بالد الشام منذ عرفت اإلسالم عرفت آل أبي سفيان والة عليها من قبل الخليفة ، فقبله كان أخوه يزيد واليا عليها ، كما أن بالد الشام بعيدة عن عاصمة الخالفة

ا أعطاه قدرا كافيا من االستقرار والقوكه السياسي لتأجيج الفتنة المشتعلة بسبب مقتل . ة مموبدأ معاوية تحرعثمان ، ومن ثم ليستثمرها لصالحه ، فخاطب الزبير وطلحة بصيغة تحرك فيهما األطماع والرغبات

فكتب رسالة إلى . فتزداد الفتنة في العاصمة المركزية ) عليه السالم(للدخول في الصراع الجدي ضد اإلمام :الزبير جاء فيها

سالم عليك ، أما بعد ، فإني قد بايعت لك أهل .. لعبد اهللا الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب ، فدونك الكوفة والبصرة ال يسبقك إليها ابن أبي طالب ، فإنه

لطلحة بن عبيد اهللا من بعدك فأظهر الطلب بدم عثمان وادعوا ال شيء بعد هذين المصرين ، وقد بايعت .)۲(الناس إلى ذلك ، وليكن منكما الجد والتشمير ، أظفركما اهللا وخذل مناوئكما

ولما وصلت رسالة معاوية إلى الزبير ؛ خف لها طربا واطمأن إلى صدق نية معاوية ، واتفق هو وطلحة ج عليه ، فأظهر الحسرةعلى نكث بيعة اإلمام والخرو

ـــــــــــــــ

.۲۰۹/۳: الكامل في التاريخ) ۱(

.۲۳۱/۱: شرح النهج البن أبي الحديد) ۲(

١٩٣الصفحة

بايعنا مكرهين ، وما أن وصلت إلى أسماعهما صيحة السيدة عائشة : والتأسف على بيعتهما لإلمام مرددين وروي أنهما جاءا يطلبان من اإلمام . لحيلة للخروج إليها محرضة على اإلمام ؛ حتى اجتهدا في إيجاد ا

) عليه السالم(المشاركة في الحكم فلم يتوصال إلى شيء ، فقررا االلتحاق بعائشة ثم عادا ثانية إلى اإلمام ان أن نعم، واهللا ما العمرة تريدان وإنما تريد) : عليه السالم(ليستأذناه للخروج للعمرة ، فقال لهما اإلمام

.)۲( بل تريدان الغدرة: قال لهما ) عليه السالم(وروي أنه . )۱( تمضيا لشأنكما

في بيت عائشة في مكة بعد أن كانوا متنافرين ) عليه السالم(لقد أجمع رأي الخارجين على بيعة اإلمام خذوا من دم عثمان متحاربين في عهد عثمان ، فضم االجتماع الزبير وطلحة ومروان بن الحكم على أن يت

د والعصيان ، ) عليه السالم(شعارا لتعبئة الناس لمحاربة اإلمام عليفرفعوا قميص عثمان كشعار للتمر ،هو المسؤول عن إراقة دم عثمان ، ألنه آوى قتلته ولم يقتص منهم ، وقرروا ) عليه السالم(وأن اإلمام عليا

اتخاذها مركزا للتحرك ومنطلقا للحرب ، حيث أن معاوية يسيطر أن يكون زحفهم نحو البصرة واحتاللها و .)۳ (على الشام ، والمدينة ال زالت تعيش حالة االضطراب

:حركة عائشة ومسيرها نحو البصرة

الخليفة ) عليه السالم(مضت عائشة في خطتها إلثارة الفتنة والدخول في المواجهة المسلحة مع اإلمام عليويحدوهم ) عليه السالم( ، فحشدت أعدادا من الناس يدفعهم الحقد والكراهية لإلسالم ولإلمام علي الشرعي

الطمع بالدنيا ونيل السلطان ، وجهزهم يعلى بن منية بمستلزمات الحرب من السيوف واإلبل التي سرقها من ر من البصرة اليمن عندما عزله اإلمام عنها ، وقدم عليهم عبد اهللا بن عامر بمال كثي

ــــــــــــــ

.۷۰: اإلمامة والسياسة البن قتيبة ) ۱(

.۲۳۲ / ۱: شرح النهج ) ۲(

. ط مؤسسة األعلمي ۴۷۱ / ۳: تأريخ الطبري ) ۳(

١٩٤الصفحة

وقد احتف بها بنو أمية وهي تتقدم أمام الحشد ) عسكر(وجهزوا لعائشة جملها المسمى . )۱(سرقه أيضا متوجهين نحو البصرة ، تسبقهم كتبهم التي أرسلوها إلى عدد من وجوه البصرة ، يدعونهم فيها الزاخر

.)۲(بدعوى المطالبة بدم عثمان ) عليه السالم(للخروج على بيعة اإلمام

ـ من زعماء ) عليه السالم(وبدرت سمة المكر والخداع ـ التي تكاد تكون مالزمة لكل من ناوأ اإلمام عليا تنة ، فلما خرجوا من مكة أذن مروان بن الحكم للصالة ، ثم جاء حتى وقف على طلحة والزبير محاوال الف

على أيكما أسلم باإلمرة وأؤذن : إثارة الوقيعة بين الرجلين وغرس فتنة ليستغلها إن تمكن من األمر ، فقال ه ، فأحست عائشة بوقوع التفرقة فأرسلت أن يصلي بالصالة ، فتنافس أتباع الرجلين كل يريد تقديم صاحب

.بالناس ابن أختها عبد اهللا بن الزبير

؛ لقيهم سعيد بن العاص والمغيرة بن شعبة ، وحين علم ) أوطاس(وحين وصل جيش عائشة إلى منطقة )۳(المؤمنين فهؤالء قتلة عثمان معك يا أم : استهزأ ضاحكا وقال ) الطلب بدم عثمان(سعيد بدعوى عائشة

. !

، يقصد بذلك طلحة ! ؟)۴(أين تذهبون وتتركون ثأركم وراءكم على أعجاز اإلبل : أن سعيدا قال : وروي فتلقتهم كالب الحي بنباح وعواء ، فذعرت ) الحوأب: (والزبير وعائشة ، ووصل الجيش إلى مكان يقال له

.. ماء الحوأب يا أم المؤمنين : ماء هذا ؟ فأجابها أي : عائشة وسألت محمد بن طلحة عن المكان فقالت

يقول ) صلى اهللا عليه وآله(سمعت رسول اهللا : لم ، قالت : ما أراني إال راجعة ، قال : فهلعت وصرخت كأني بإحداكن قد نبحها كالب الحوأب وإياك أن تكوني يا: لنسائه

ـــــــــــــــ

.۲۰۷ / ۳: الكامل في التأريخ ، و۷۹: اإلمامة والسياسة ) ۱(

.۲۱۰ / ۳: ، الكامل في التأريخ ۸۰: اإلمامة والسياسة ) ۲(

.۸۲: اإلمامة والسياسة ) ۳(

.۲۰۹ / ۳: الكامل في التأريخ ) ۴(

١٩٥الصفحة

ا ردوني ، أنا واهللا صاحبة ماء الحوأب ، فأناخو: ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وقالت . )۱(حميراء حولها يوما وليلة ، وجاءها عبد اهللا بن الزبير فحلف لها باهللا انه ليس ماء الحوأب ، وأتاها ببينة زور من

.فكانت أول شهادة زور في اإلسالم . )۲(األعراب فشهدوا بذلك

:مناوشات على مشارف البصرة

على البصرة ) عليه السالم(م حين شارف جيش عائشة مدينة البصرة ؛ قام عثمان بن حنيف والي اإلماموضحا أمر الجيش المتقدم إليهم ، ومحذرا الناس من الفتنة وبطالن وضاللة موقف زعماء الجيش ، وأعلن

استعدادهم للدفاع عن الحق والشريعة المقدسة وصد الناكثين عن ) عليه السالم(المخلصون لإلسالم ولإلمام .)۳(االستيالء على البصرة

ـ سعى أن ) عليه السالم(حاولة من عثمان بن حنيف ـ الذي يتأسى بأخالق اإلسالم ويطيع إمامه وفي ميثني عائشة ومن معها من غيهم لتجنب وقوع القتال ، فأرسل إليهم عمران بن حصين وأبا األسود الدؤلي

، فقد كانت عائشة ليحاججوا عائشة ومن معها ببطالن موقفهم ، ولكن محاوالت الرجلين باءت بالفشل .)۴(ومعها طلحة والزبير مصرين على نيتهم في إثارة الفتنة وإعالن الحرب

فدخلوا من أعاله وخرج إليهم عثمان بن حنيف ومن معه ) المربد(وأقبلت عائشة ومن معها حتى انتهوا إلى عليه (بيعة اإلمام من أهل البصرة ، فتكلم طلحة والزبير وعائشة يحرضون الناس على الخروج على

بدعوى الثأر لعثمان ، فاختلف) السالم

ــــــــــــــ

، وشرح النهج البن أبي الحديد ۵۲۱ / ۶: ، وأخرج الحديث أحمد في مسنده ۸۲: اإلمامة والسياسة ) ۱( :۲ / ۴۹۷.

.۳۹۵ / ۲: ، مروج الذهب ۸۲: اإلمامة والسياسة ) ۲(

.۸۳: اإلمامة والسياسة ) ۳(

.۲۱۱ / ۳: ط مؤسسة األعلمي ، والكامل في التأريخ ۴۷۹ / ۳: تاريخ الطبري ) ۴(

١٩٦الصفحة

.الناس بين معارض ومؤيد

! يا أم المؤمنين : وأقبل جارية بن قدامة السعدي لينصح عائشة عسى أن يردها عن تأجيج الفتنة ، فقال لى هذا الجمل الملعون ، عرضة للسالح ، إنه قد واهللا لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك ع

كان لك من اهللا ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك ، إنه من رأى قتالك ؛ فإنه يرى قتلك ، لئن كنت .)۱(أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتنا مستكرهة فاستعيني بالناس

:االقتتال ـ الهدنة ـ الغدر

ناس بقدوم عائشة على البصرة ، فبين منكر ومؤيد ومصدق ومكذب افترقت جماهير البصرة ، افتتن الوتأزم الموقف ، فاصطدم الناس واقتتلوا على فم السكة ، ولم يحجز بينهم إال الليل ، وكان عثمان بن حنيف

ت الحرب إ) عليه السالم(ال يريد إراقة الدماء ويجنح للسلم وينتظر قدوم اإلمام عليا عضلى البصرة ، فلمالطرفين ؛ تنادوا للصلح ، فكتبوا كتابا لعقد هدنة مؤقتة على أن يبعثوا رسوال إلى المدينة يسأل أهلها ، فإن

.)۲(كان طلحة والزبير اكرها على البيعة ؛ خرج ابن حنيف عن البصرة ، وإال خرج عنها طلحة والزبير

رفين إلى المدينة بادعاء أسامة بن زيد أن طلحة والزبير بايعا مكرهين وعاد كعب بن مسور رسول الطومخالفة أهل المدينة لرأي أسامة فاستغلها زعماء جيش عائشة ، فهجموا في ليلة ذات رياح ومطر على قصر اإلمارة حيث يتواجد عثمان بن حنيف فقتلوا أصحابه وأسروا ونتفوا لحيته ورأسه وحاجبيه ، ولكنهم

.)۳(افوا من قتله ألن أخاه سهل بن حنيف والي اإلمام على المدينة خ

ـــــــــــــــ

.۲۱۳ / ۳: ط مؤسسة األعلمي ، والكامل في التأريخ ۴۸۲ / ۳: تأريخ الطبري ) ۱(

/ ۳: ط مؤسسة األعلمي ، وراجع الكامل في التأريخ ۴۸۳ / ۳: ، والطبري ۸۷: اإلمامة والسياسة ) ۲(۲۱۵.

ط مؤسسة األعلمي ، ومروج الذهب للمسعودي ۴۸۴ / ۳: ، وتأريخ الطبري ۸۹: اإلمامة والسياسة ) ۳( :۲ / ۳۶۷.

١٩٧الصفحة

: )۱( للقضاء على التمرد) عليه السالم(حركة اإلمام

الحكومة زمام الحكم كانت هناك عقبة أمام استقرار األمن وسيطرة ) عليه السالم(حين استلم اإلمام علي) عليه السالم(الشرعية المركزية ، وهي إعالن معاوية بن أبي سفيان تمرده على خالفة اإلمام ، فشرع

.باالستعداد العسكري والسياسي إليقاف التمزق في كيان األمة ومنع سفك الدماء

عالنهم العصيان عدل علما بحركة عائشة وطلحة والزبير نحو البصرة وإ) عليه السالم(وما أن احيط اإلمام نحو البصرة بجيش يضم وجوه ) عليه السالم(عما كان يخطط لمعالجة موقف معاوية والشام ، فاتجه

.المهاجرين واألنصار

فكتب إلى األمصار يستمد العون ويوضح األمر ، كي ) الربذة(إلى منطقة ) عليه السالم(وصل اإلمام ا في أضيق نطاق ، فأرسل إلى الكوفة محمد بن أبي بكر ومحمد بن يتوصل إلى إخماد نار الفتنة وحصره

) عليه السالم(جعفر ، فأبى أبو موسى األشعري االستجابة لإلمام ومارس دور المثبط عن مناصرة اإلمام في موقفه ، ثم أرسل عبد اهللا بن عباس ولم يتمكن من إقناع أبي موسى باالنصياع والكف عن تثبيط الناس

ولده الحسن وعمار بن ياسر ثم تبعهم مالك األشتر فعزلوا أبا ) عليه السالم(صرة اإلمام ، فأرسل عن ن ) .ذي قار(، فلحقت به في ) عليه السالم(موسى ، وتحركت الكوفة بكل ثقلها تنصر أمير المؤمنين

اد الرسل إليهم ، عسى أن في مراسلة طلحة والزبير وإيف) عليه السالم(وفي هذا األثناء لم يتوقف اإلمام يعودوا لرشدهم ويدركوا خطورة فتنتهم فيجنبوا األمة المصائب والباليا وسفك الدماء ، فأوفد إلى عائشة زيد

بن صوحان وعبد اهللا بن عباس وغيرهما ، فحاوروهم بالحجة والدليل والعقل حتى أن عائشة قالت البن

ــــــــــــــ

.۵۰۷ / ۵: ، وتأريخ الطبري ۷۴: اإلمامة والسياسة ) ۱(

١٩٨الصفحة

ال طاقة لك بحجج المخلوق فكيف طاقتك بحجج الخالق : ال طاقة لي بحجج علي ، فقال ابن عباس : عباس ! ؟)۱(

:آخر النصائح

من مراسلة طلحة والزبير بعد أن شارفت قواته على أبواب البصرة ، فخشيت ) عليه السالم(أكثر اإلمام فخرجوا لمالقاته ، فلما ) عليه السالم(شة ومن معها من اقتناع قادتها وجموع الناس معها بحجج اإلمام عائ

ال يرمين أحد سهما وال حجرا وال يطعن : مناديا ينادي في أصحابه ) عليه السالم(توقفوا للقتال أمر اإلمام .)۲( برمح حتى أعذر القوم فأتخذ عليهم الحجة البالغة

إلى الزبير ) عليه السالم(منهم إال اإلصرار على الحرب ، ثم خرج اإلمام ) عليه السالم(فلم يجد اإلمام لعمري لقد أعددتما سالحا وخيال ورجاال ، : لهما ) عليه السالم(وطلحة فوقفوا ما بين الصفين ، فقال اإلمام

نا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، ألم أكن إن كنتما أعددتما عند اهللا عذرا فاتقيا اهللا وال تكو ؟أخاكما في دينكما ؟ تحرماني دمي وأحرم دمكما فهل من حدث أحل لكما دمي

تقاتل بها وخبأت عرسك في ) صلى اهللا عليه وآله(أجئت بعرس رسول اهللا : لطلحة ) عليه السالم(ثم قال قد كنا نعدك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن : للزبير ) السالمعليه( ثم قال أما بايعتني ؟! البيت ؟

صلى اهللا ( أتذكر يا زبير يوم مررت مع رسول اهللا ) :عليه السالم( ، ثم قال السوء عبد اهللا ففرق بينناال ال يدع ابن أبي طالب زهوه ، فق: في بني غنم ، فنظر إلي فضحك وضحكت إليه فقلت له ) عليه وآله

قال ! لتقاتله وأنت له ظالم ؟ليس به زهو ـ : ـ أي ليس بمزه ) : صلى اهللا عليه وآله(لك رسول اهللا .اللهم نعم : الزبير

أن الزبير اعتزل الحرب وقتل بعيدا عن ساحة الحرب بعد أن: وروي

ــــــــــــــــ

.۱۲۲ / ۳۲: ، وبحار االنوار ۹۰اإلمامة والسياسة ك ) ۱(

.۲۷۰ / ۲: ، ومروج الذهب ۹۱: اإلمامة والسياسة ) ۲(

١٩٩الصفحة

.)۲ (كما أن طلحة قتله مروان بن الحكم في ساحة المعركة . )۱(استعرت الفتنة

:نشوب المعركة

ذن طامحا حتى آخر لحظة قبل نشوب القتال أن يرتدع الناكثون عن غيهم ، فلم يأ) عليه السالم(كان اإلمام ال (:ألصحابه ) عليه السالم(بالقتال رغم ما شاهد من إصرار زعماء الفتنة على المضي في الحرب ، فقال

) يرمين رجل منكم بسهم ، وال يطعن أحدكم فيهم برمح حتى احدث إليكم ، وحتى يبدؤوكم بالقتال والقتل)۳(.

) عليه السالم(تل ثان وثالث ، عندها أذن وشرع أصحاب الجمل بالرمي فقتل رجل من أصحاب اإلمام ، ثم ق . بالرد عليهم والدفاع عن الحق والعدل )۴(

التحم الجيشان يقتتالن قتاال رهيبا ، فتساقطت الرؤوس وتقطعت األيادي وأثخنت الجراحات في الفريقين ، الدفاع عن جملهم ووقف أمير المؤمنين ليشرف على ساحة المعركة فرأى أصحاب الجمل يستبسلون في

....)ويلكم اعقروا الجمل فإنه شيطان (: فنادى بأعلى صوته

وأصحابه حتى وصلوا الجمل فعقروه ، ففر من بقي من أصحاب الجمل من ) عليه السالم(فهجم اإلمام ة يفتتن بعد ذلك بحرق الجمل وتذرية رماده في الهواء لئال تبقى منه بقي) عليه السالم(ساحة المعركة فأمر

.لعنه اهللا من دابة ، فما أشبهه بعجل بني إسرائيل) : عليه السالم(بها السذج والبسطاء ، ثم قال اإلمام

إلهك الذي ظلت عليه عاكفا وانظر إلى... : (ومد بصره نحو الرماد الذي تناثر في الهواء فتال قوله تعالى .)۵( )نسفنه في اليم نسفالنحرقنه ثم لن

ــــــــــــــــ

.۲۷۰ / ۲ ، ومروج الذهب ۹۱: اإلمامة والسياسة ) ۱(

.۹۷: ، واإلمامة والسياسة ۱۵۸ / ۳: الطبقات الكبرى ) ۲(

.۱۱۱ / ۹: شرح النهج ) ۳(

.۹۵: اإلمامة والسياسة ) ۴(

.۹۷) : ۲۰(طه ) ۵(

٢٠٠الصفحة

:ام بعد المعركة مواقف اإلم

على مخالفيه ، ووضعت الحرب أوزارها ، وانقشع غبار ) عليه السالم(كتب اهللا النصر ألمير المؤمنين أال ال يجهز على جريح وال يتبع مول وال :يعلن العفو العام ) عليه السالم(المعركة ، ونادى منادي اإلمام

ن أغلق بابه فهو آمن ، وأن ال يؤخذ شيء من يطعن في وجه مدبر ، ومن ألقى السالح فهو آمن ، ومأموال أصحاب الجمل إال ما وجد في عسكرهم من سالح أو غيره مما استخدم في القتال ، وما سوى ذلك

.)۱(فهو ميراث لورثتهم

محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر أن يحملوا هودج عائشة من بين القتلى ) عليه السالم(وأمر اإلمام علي ساحة المعركة وينحوه جانبا ، وأن يتعهد محمد أمر أخته عائشة ، فلما كان من آخر الليل أدخلها وسط

.محمد البصرة فأنزلها في دار عبد اهللا ابن خلف الخزاعي

قد : في القتلى من أصحاب الجمل ، وكان يخاطب كال منهم ويكرر القول ) عليه السالم(وطاف اإلمام .ربي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقاوجدت ما وعدني

.)۲(ما ألوم اليوم من كف عنا وعن غيرنا ولكن المليم الذي يقاتلنا : وقال أيضا

في ظاهر البصرة ولم يدخلها ، وأذن للناس في دفن موتاهم فخرجوا إليهم ) عليه السالم(وأقام اإلمام البصرة معقل الناكثين ، فانتهى إلى المسجد فصلى فيه ثم خطب مدينة ) عليه السالم( ، ثم دخل )۳(فدفنوهم

) :عليه السالم(في الناس وذكرهم بمواقفهم ومواقف الناكثين لبيعته ، فناشدوه الصفح والعفو عنهم ، فقال ت ثم أقبل . )قد عفوت عنكم ، فإياكم والفتنة ، فإنكم أول الرعية نكث البيعة ، وشق عصا هذه األمة(

الجماهير

ـــــــــــــــ

.۳۷۱ / ۲: ، ومروج الذهب ۱۷۲ / ۲: تأريخ اليعقوبي ) ۱(

) .عليهم السالم( ط مؤسسة آل البيت ۲۵۶ / ۱: اإلرشاد للمفيد ) ۲(

.۲۵۵ / ۳: الكامل في التأريخ ) ۳(

٢٠١الصفحة

.)١() عليه السالم(ووجوه الناس لمبايعة اإلمام

..)غري غيري (: المؤمنين بيت المال في البصرة ، فلما رأى كثرة المال قال وبعد ذلك دخل أمير وكررها مرارا ، وأمر أن يقسم المال بين الناس بالسوية ، فنال كل فرد منهم خمسمائة درهم ، وأخذ هو

مام ما أخذه كأحدهم ، ولم يبق شيء من المال فجاءه رجل لم يحضر الوقعة يطالب بحصته ، فدفع إليه اإل .)۲(لنفسه ولم يصب شيئا

أمر أمير المؤمنين بتجهيز عائشة وتسريحها إلى المدينة ، وأرسل معها أخاها وعددا من النساء ألبسهن ثمالعمائم وقلدهن السيوف لرعاية شؤونها وأوصلنها إلى المدينة ، ولكن عائشة لم تحسن الظن بأمير المؤمنين

بعث معها النساء ، أعلنت ) عليه السالم(م لم يرع حرمتها ، وما أن علمت أن اإلمام وتصورت أن اإلما .)۳(ندمها على خروجها وفشلها وإثارتها للفتنة ، فكانت تكثر من البكاء

:نتائج حرب الجمل

:خلفت حرب الجمل نتائج سلبية على واقع المجتمع اإلسالمي منها

ن بن عفان حتى أصبحت قضية سياسية كبيرة جرت من ورائها ظهور تيارات ـ توسعت مسألة قتل عثما١مناوئة فعال وقوال لمسيرة الرسالة اإلسالمية ، فأطل معاوية بن أبي سفيان ليكمل مسيرة االنحراف الدموي

.في الجمل

لفرقة بين أهل ـ شاعت األحقاد بين المسلمين ، وفتحت باب الحرب واالقتتال فيما بينهم ، فكانت ا٢البصرة أنفسهم وبين باقي األمصار اإلسالمية ، فكانت العداوة لمطالبة بعضهم البعض اآلخر بدماء أبنائهم

في حين كان المسلمون

ـــــــــــــ

.۱۳۷: ، واإلرشاد للشيخ المفيد ۵۴۴ / ۳: تأريخ الطبري ) ۱(

.۲۵۰ / ۱: شرح النهج ) ۲(

، ۱۱۵: ، والمناقب للخوارزمي ۳۷۹ / ۲: ، ومروج الذهب للمسعودي ۹۸: اإلمامة والسياسة ) ۳( .۸۰: والتذكرة للسبط ابن الجوزي

٢٠٢الصفحة

.يتحرجون من إراقة دمائهم

٣ عت جبهة االنحراف الداخلي في المجتمع اإلسالمي ، وازدادت العراقيل أمام حكومة اإلمام عليـ توس تمرد معاوية في الشام فقط انفتحت جبهة أخرى مما أدى إلى انحسار التوسع فبعد أن كان) عليه السالم(

.الخارجي ، وكذلك انحسار األعمال اإلصالحية والحضارية التي كان يمكن أن تنمو في المجتمع اإلسالمي

حمل السالح ـ إن األحقاد واالنحراف فتحا الطريق على المخالفين في المعتقد السياسي للجوء فورا إلى٤ .والقتال

:الكوفة عاصمة الخالفة

ك اإلمام عليا بعد أن بعث إليهم ) عليه السالم(بعد أن هدأت االمور تماما تحرنحو الكوفة ليتخذها مقر ، كما أن اإلمام أمر عبد اهللا بن عباس على البصرة وشرح )۱(برسالة أوضح فيها بإيجاز تفاصيل األحداث

.)۲( التعامل مع سكانها بعد الذي وقع بينهم له كيفية

:الكوفة عاصمة جديدة للدولة اإلسالمية أسباب عديدة منها ) عليه السالم(وكان الختيار اإلمام

ـ توسع رقعة العالم اإلسالمي ، والبد أن تكون العاصمة اإلدارية والسياسية للدولة في موقع يعين ١ .ميع نقاط الدولة الحكومة في التحرك نحو ج

في القضاء على فتنة أصحاب الجمل هم كبار ) عليه السالم( ـ إن الثقل األكبر الذي وقف مع اإلمام ٢ .شخصيات العراق ووجهاء الكوفة وجماهيرها

ـ الظروف السياسية والتوترات الناجمة عن مقتل عثمان وحرب أصحاب الجمل كل ذلك جعل اإلمام ٣ .ن يستقر في الكوفة، ليعيد األمن واالستقرار للمنطقة أ) عليه السالم(

ـــــــــــــــ

.۵۴۶ و ۵۴۵ / ۳: تأريخ الطبري ) ۱(

. ط مؤسسة األعلمي ۵۴۶ / ۳: تاريخ الطبري ) ۲(

٢٠٣الصفحة

:الفصل الثالث

(*) مع القاسطين) عليه السالم(اإلمام علي

) : السالمعليه(استعدادات معاوية لمحاربة اإلمام

في خطته لتوحيد الدولة وبناء ) عليه السالم(ساورت المخاوف معاوية من استقرار اإلمام في الكوفة ومضيه الحضارة اإلسالمية على منهج القرآن والسنة النبوية ، فسارع معاوية إلى االستعانة بعمرو بن العاص لما

، ولم يتردد عمرو طويال ) عليه السالم(إلسالم ولإلمام يتمتع به من حيلة وغدر ، وتوافق معه في العداء ل .)۱(أمام رسالة معاوية ، ولم يكن ليختار على طمعه في الدنيا شيئا حتى لو كان دينه الذي يدخله الجنة

مبتدئا خطته في التضليل وخداع ) ۲(وما أن وصل عمرو إلى الشام حتى جعل يبكي ويولول كالنساء بعد مراوغة ومكايدة بين معاوية وعمرو تمت المساومة على أن تكون حصة عمرو والية الجماهير ، و

.)۳(ومحاربته ، وكتب معاوية كتابا بذلك ) عليه السالم(مصر مقابل مواجهة اإلمام

وشرعا يخططان لمواجهة اإلمام والوضع القائم ، فكان االتفاق على المضي

ــــــــــــــــ

هـ ، وكانت المناوشات بين الطرفين بدأت في ذي ) ۳۷(ركة صفين في صفر من عام وقعت مع(*) .هـ ) ۳۶(الحجة عام

.۲۷۵ / ۳: ، والكامل في التأريخ ۱۱۶: ، واإلمامة والسياسة ۳۴: وقعة صفين ) ۱(

.۲۷۴ / ۳: الكامل في التأريخ ) ۲(

.۱۱۷: ، واإلمامة والسياسة ۴۰: وقعة صفين ) ۳(

٢٠٤الصفحة

في هذا المسار العدائي المشوب بالظلم والغدر والبغي ، إذ ال سبيل للوصول إلى أهدافهم وغاياتهم إال وحامل راية الحق والعدل، ) صلى اهللا عليه وآله(وهو الوريث الشرعي للنبي ) عليه السالم(مواجهة اإلمام

هم تتطلب التشبث بقميص عثمان كشعار لتحريك واصطدم الرجالن إذ كالهما خذال عثمان فكانت خطتمشاعر وعقول الجماهير غير الواعية ، فرفعاه على المنبر بعد أن قدم به عليهما النعمان بن بشير ، فكان

.)۱(الناس يضجون بالبكاء حتى سرت فيهم روح الحقد والكراهية والعمى عن هدى الحق

وحشدهم للحرب اقترح عمرو أن يكون شرحبيل بن السمط الكندي ولتحريك جماهير الشام لمؤازرة معاويةعليه (المحرك األول ، لما عرف عنه من عبادة ووجاهة في قبائل الشام وكراهية لجرير مبعوث اإلمام

إلى معاوية ، كما أن شرحبيل ممن ال يتقصى الحقائق من مصادرها ، وتمت مخادعة شرحبيل الذي ) السالم .)۲(ا معاوية باألخذ بثأر عثمان بن عفان ، ويتحرك بنفسه لحشد الناس للحرب انطلق مطالب

:السيطرة على الفرات

الذي أبطأ كثيرا )۳(بعد تعبئة الشام للحرب ؛ أخذ معاوية منهم البيعة وكتب بالحرب كتابا أرسله مع جرير نحو أعالي الفرات في وادي صفين الحتاللها ، ثم سارع معاوية بتحريك قواته ) عليه السالم(على اإلمام

وحبس الماء عنهم ، وتصور معاوية أن هذا أول نصر يحققه على ) عليه السالم(ومنع تقدم قوات اإلمام من معاوية أن يسمح لجيشه باالستقاء بعد أن وصلوا ) عليه السالم(وطلب اإلمام ) . عليه السالم(اإلمام

متأخرين إلى

ـــــــــــــــ

.۲۷۷ / ۳: ، الكامل في التأريخ ۳۷: وقعة صفين ) ۱(

.۴۶: المصدر السابق ) ۲(

.۵۶: المصدر السابق ) ۳(

٢٠٥الصفحة

عليه (صفين ، وأبى معاوية وجيشه ذلك ، وأضر الظمأ كثيرا بأهل العراق وازداد الضغط على اإلمام . شاطئ الفرات ، وتم إزاحة قوات معاوية عن ضفة النهرلكسر الحصار ، فأذن لهم بالهجوم على) السالم

.)۱(لم يقابل أهل الشام بالمثل ، ففسح لهم المجال ألخذ الماء دون معارضة ) عليه السالم(ولكن اإلمام

:محاولة سلمية

وإدخاله في أكثر من مراسلة معاوية وفتح عدة قنوات للحوار محاوال كسبه) عليه السالم(رغم أن اإلمام عليه (بيعته لكن رد معاوية كان هو الحرب والسعي للقضاء على اإلمام وجيشه بكل وسيلة ، وبيد أن اإلمام

كان يأمل في محاولة سلمية أخرى بعد أن استقر وجيشه ضفة الفرات ، فسادت هدنة مؤقتة بعث ) السالمية وهم بشير بن محصن األنصاري وسعيد بن قيس مندوبين عنه إلى معاو) عليه السالم(خاللها اإلمام

وادعوه ـ أي معاوية ـإئتوا هذا الرجل(: لهم ) عليه السالم(الهمداني وشبث بن ربعي التميمي ، فقال .)إلى اهللا وإلى الطاعة والجماعة

نكم إال انصرفوا من عندي فليس بيني وبي: وما كان جواب معاوية إال السيف والحرب ، فقال للمندوبين .)۲(السيف

:الحرب بعد الهدنة

جرت مناوشات بين الجيشين ولم تستعر الحرب بعد ، فكانت خرج فرقة منكال الطرفين فيقتتالن ، وما أن عليه (حتى حصلت موادعة بين الطرفين ، حاول من خاللها اإلمام ) هـ٣٧(حل شهر محرم من عام

هي الدعوة إلى السلم وجمع الكلمة وحقن ) عليه السالم( طروحاته التوصل إلى الصلح ، وكانت) السالم الدماء ، ودعوات

ــــــــــــــ

/ ۳: ، والكامل في التأريخ ۳۲۰ / ۳: ، وشرح النهج البن أبي الحديد ۳۸۴ / ۲: مروج الذهب ) ۱(۲۸۳.

.۲۸۴ / ۳: ، والكامل في التأريخ ۵۶۹ / ۳: تأريخ الطبري ) ۲(

٢٠٦ الصفحة

.)۱(والطلب بدم عثمان بن عفان ) عليه السالم(معاوية وأهل الشام رفض بيعة اإلمام

عليه (واستمرت الهدنة مدة شهر واحد ، ولما طالت فترة المناوشات ؛ سئم الفريقان من ذلك فعبأ اإلمام يبة ، وكان اإلمام يوصي جيشه تعبئة عامة ، وكذلك فعل معاوية ، والتحم الجيشان في معركة ره) السالم

فإذا (: ثم قال )ال تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم فأنتم بحمد اهللا عز وجل على حجة(: جنوده دائما فيقول .)۲( )قاتلتموهم فهزمتموهم فال تقتلوا مدبرا وال تجهزوا على جريح وال تكشفوا عورة وال تمثلوا بقتيل

سقط خاللها أعداد كبيرة من المسلمين صرعى وجرحى بلغت عشرات واستمرت الحرب بين كر وفر حتى .األلوف

:مقتل عمار بن ياسر

إني ألرى وجوه قوم ال يزالون يقاتلون حتى يرتاب : أن عمار بن ياسر خرج بين الصفوف فقال : روي ثم تقدم نحو . على الباطل المبطلون ، واهللا لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر ؛ لكنا على الحق وكانوا

:جيش معاوية وهو يرتجز

واليوم نضربكم على تأويله= نحن ضربناكم على تنزيله

ويذهل الخليل عن خليله= ضربا يزيل الهام عن مقيله

أو يرجع الحق إلى سبيله

ا ، فاشتبكت عليه صادقا مخلص) صلى اهللا عليه وآله(فتوسط فيهم ببسالته التي قاتل بها مع رسول اهللا الرماح فطعنه أبو العادية وابن جون السكسكي ، وروي أنهما اختصما في رأس عمار إلى معاوية وعبد اهللا

صلى اهللا (بن عمرو بن العاص جالس فقال لهم ك ليطب به أحدكما نفسا لصاحبه، فإني سمعت رسول اهللا .)۳() غيةيا عمار تقتلك الفئة البا (:يقول له ) عليه وآله

ـــــــــــــــ

.۵۷۰ / ۳: ، وتأريخ الطبري ۱۹۵: وقعة صفين ) ۱(

.۶ / ۴: ، وتأريخ الطبري ۲۰۲: وقعة صفين ) ۲(

.۳۴۱ / ۴: ط مؤسسة األعلمي ، والعقد الفريد ۲۷ م ۴: ، وتأريخ الطبري ۳۴۰: وقعة صفين ) ۳(

٢٠٧الصفحة

رار حين برز عمار للقتال في ذلك اليوم ، وأكثر من السؤال عليه حتى جاءه وكان اإلمام قلقا ال يقر له قخبر استشهاده ، فأسرع إلى مصرعه كئيبا حزينا تفيض عيناه دمعا ، فقد غاب عنه الناصر الناصح واألخ

.ودفنه ) عليه السالم(األمين ، ثم صلى عليه اإلمام

ت الفتنة بين صفوف جيش معاوية ، لما يعلمون من مكانة وسرى خبر استشهاد عمار بين الجيشين فوقعولكن المكر والحيلة كانا بالمرصاد لكل ساذج جاهل ، ... له ) صلى اهللا عليه وآله(عمار وحديث الرسول

.)۱(وأذعن بسطاء أهل الشام لهذه الضاللة . فأشاع معاوية أن الذي قتل عمارا من جاء به

)۲( ونحن قتلنا حمزة ألنا أخرجناه إلى أحد؟ :فقال ) عليه السالم(إلمام عليا أن ذلك بلغ ا: وروي

:خدعة رفع المصاحف

عليه (استمر القتال أياما أظهر خاللها أصحاب اإلمام صبرهم وتفانيهم من أجل انتصار الحق ، ثم إن اإلمام قد بلغ بكم األمر وبعدوكم ما قد رأيتم ، ولم يبق ! أيها الناس(: قام خطيبا يحث على الجهاد فقال ) السالم

وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى .. منهم إال آخر نفس ، وإن األمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها .) ۳( )بلغنا ، منهم ما بلغنا وأنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى اهللا عز وجل

إنما هي : زيمة على أهل الشام فاستدعى عمرو بن العاص يستشيره ، وقال له فبلغ ذلك معاوية وقد بدت اله الليلة حتى يغدو علي علينا بالفيصل فما ترى ؟

أرى أن رجالك ال يقومون لرجاله ولست مثله ، وهو يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره ، : قال عمرو أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء ، وأهل العراق

ــــــــــــــ

.۶۵۳ / ۵: تأريخ الطبري ) ۱(

.۹۰: ، وتذكرة الخواص ۳۴۳ / ۴: العقد الفريد ) ۲(

.۳۱۰ / ۳: ، والكامل في التأريخ ۱۷۶: كتاب سليم بن قيس ) ۳(

٢٠٨الصفحة

قبلوه اختلفوا يخافون منك إن ظفرت بهم وأهل الشام ال يخافون عليا إن ظفر بهم ، ولكن ألق إليهم أمرا إن .)۱(دعهم إلى كتاب اهللا حكما فيما بينك وبينهم أوإن ردوه اختلفوا ،

هذا كتاب اهللا ! يا أهل العراق : فأمر معاوية في الحال أن ترفع المصاحف على الرماح ، ونادى أهل الشام لثغور أهل العراق بعد أهل بيننا وبينكم من فاتحته إلى خاتمته من لثغور أهل الشام من بعد أهل الشام ومن

العراق ؟

: وكانت هذه الدعوى المضللة كالصاعقة على رؤوس جيش اإلمام ، فهاج الناس وكثر اللغط بينهم ، وقالوا نجيب إلى كتاب اهللا وننيب إليه، وكان أشد الناس في ذلك أحد كبار قادة جيش اإلمام علي األشعث بن قيس

.

امضوا على حقكم وصدقكم وقتال عدوكم ، فإن معاوية وعمرو ! عباد اهللا () : معليه السال(فقال لهم اإلمام بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن أبي مسلمة وابن أبي سرح والضحاك ليسوا بأصحاب دين وال قرآن

واهللا ما !، أنا أعرف بهم منكم ، قد صحبتهم أطفاال ثم رجاال فكانوا شر أطفال وشر رجال ، ويحكم .) رفعوها إال خديعة ووهنا ومكيدة ، إنها كلمة حق يراد بها باطل

يا علي ، أجب إلى كتاب اهللا عز وجل إذ دعيت إليه وإال : فخاطبوا أمير المؤمنين باسمه الصريح قائلين .ندفعك برمتك إلى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفان

فإن تطيعوني فقاتلوا وإن تعصوني فاصنعوا ما : مع المخدوعين سبيال فقال ) المعليه الس(ولم يجد اإلمام .)۲(شئتم

وكان في ساحة المعركة مالك األشتر يقاتل ببسالة ويقين حتى كاد أن يصل إلى معاوية فقالوا ألمير ألنه يعلم أن األمر ولكن األشتر لم ينثن عن عزمه في القتال ،.. ابعث إلى األشتر ليأتينك : المؤمنين

، فعاد) عليه السالم(خدعة فهددوه بقتل اإلمام

ــــــــــــــ

.۳۴ / ۴: ، وتأريخ الطبري ۳۴۷: وقعة صفين ) ۱(

. ط مؤسسة األعلمي ۳۵ و ۳۴ / ۴: ، وتأريخ الطبري ۴۸۱: وقعة صفين ) ۲(

٢٠٩الصفحة

عتم ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم ، يا أصحاب الجباه السود خدعتم واهللا فانخد: األشتر يؤنبهم فقال لهم .كنا نظن أن صالتكم زهادة إلى الدنيا وشوق إلى لقاء اهللا ، فال أرى فراركم إال إلى الدنيا من الموت

ساكت ال يفيض بكلمة مطرق الرأس ) عليه السالم(وأقبل الناس يقولون قد رضي أمير المؤمنين ، واإلمام بما ) عليه السالم( ، فقد انطلت على جيشه فتمرد عليه ، ولم يعد باستطاعته أن يفعل شيئا ، وقد أدلى حزينا

)لقد كنت أمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا ، وكنت باألمس ناهيا فأصبحت اليوم منهيا(: مني به بقوله )۱(.

:التحكيم وصحيفة الموادعة

بتخاذل الجيش ، وكان باإلمكان أن يحقق مكسبا سياسيا عن طريق ) ليه السالمع(لم تتوقف محنة اإلمام عليه (المفاوضات التي دعي إليها لو أطاعه المتمردون في اختيار الممثلين عنه إلى التحكيم ، فأراد اإلمام

ر المخدوعون ترشيح عبد اهللا بن عباس أو مالك األشتر لما يعلم عنهما من إخالص ووعي ، وأص) السالمإنكم قد عصيتموني في أول األمر فال () : عليه السالم(على ترشيح أبي موسى األشعري، فقال اإلمام

تعصوني اآلن ، إني ال أرى أن أولي أبا موسى فإنه ليس بثقة ، قد فارقني وخذل الناس عني ـ بالكوفة .) ۲() أشهرعند الذهاب لحرب الجمل ـ ثم هرب مني حتى أمنته بعد

، يساعدهم في ذلك األشعث بن ) عليه السالم(وتمكن معاوية وابن العاص من مأربهم في تفتيت جيش اإلمام .قيس من داخل قوات اإلمام

حضر عمرو بن العاص ممثال عن أهل الشام بدون معارضة من أحد لتسطير بنود االتفاق مع أبي موسى إن هذا ) :عليه السالم(في الصحيفة ، فقال اإلمام ) أمير المؤمنين( اسم األشعري ، ولم يقبل عمرو كتابة

فقال لي ) : عليه السالم(، ثم قال لست رسول اهللا : اليوم كيوم الحديبية إذ قال سهيل ابن عمر للنبي أما) : صلى اهللا عليه وآله(رسول اهللا

ـــــــــــــــ

.النشر اإلسالمي ط مؤسسة ۲۰۸نهج البالغة الخطبة ) ۱(

.۳۱۹ / ۳: ، والكامل في التأريخ ۳۶ / ۴: ، وتأريخ الطبري ۴۹۹: وقعة صفين ) ۲(

٢١٠الصفحة

.)۱( إن لك مثلها ستعطيها وأنت مضطهد

وأهم ما جاء في الصحيفة هو إعالن الهدنة ووقف القتال ، وأن يلجأ الطرفان إلى كتاب اهللا وسنة نبيه لحل ، حيث كتبت الصحيفة في صفر من العام ) هـ٣٧( ، وأجل البت في قرار الحكمين إلى رمضان قضاياهم

والغريب أن مسألة األخذ بثأر عثمان لم ترد ولو بإشارة بسيطة في كتاب الموادعة مع أنها أس الفتنة . نفسه كون موضع اجتماع الحكمين في ، واتفقوا على أن ي)۲(التي تحرك فيها معاوية وحزبه من أبناء الطلقاء

) .دومة الجندل(

:موقف واع وتقييم

ال صبحتني يميني وال نفعتني بعدها شمالي إن : أنه طلب من األشتر أن يشهد في الصحيفة ، فقال : روي ؟)۳(خط لي في هذه الصحيفة اسم أولست على بينة من ربي من خالل عدوي ؟ أو لستم قد رأيتم الظفر

.إن األشتر ال يقر بما في الصحيفة وال يرى إال قتال القوم : يل ألمير المؤمنين وق

يا ليت فيكم () : عليه السالم(ثم قال .. )وأنا واهللا ما رضيت وال أحببت أن ترضوا() : عليه السالم(فقال ي ما أرى ، إذا لخفت عليمؤنتكم ، ورجوت أن مثله اثنين ، يا ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدو

يستقيم لي بعض أودكم وقد نهيتكم فعصيتموني ، واهللا لقد فعلتم فعلة ضعضعت قوة وأسقطت منة وأورثت .)۴() وهنا وذلة

:واعتزال الخوارج ) عليه السالم(رجوع اإلمام

قفل أمير المؤمنين راجعا إلى الكوفة مثقال بالهموم واآلالم ، يرى باطل

ـــــــــــــــ

.۲۳۲ / ۲: ، وشرح نهج البالغة ۵۰۸: وقعة صفين ) ۱(

.۴۰ / ۴: تأريخ الطبري ) ۲(

.۳۲۱ / ۳: ، والكامل في التأريخ ۵۱۱: وقعة صفين ) ۳(

.۳۲۲ / ۳: ، والكامل في التأريخ ۴۳ و ۴۲ / ۴: ، وتأريخ الطبري ۵۲۱: وقعة صفين ) ۴(

٢١١الصفحة

.، وأمره أوشك أن يتم ، وينظر إلى جيشه وقد فتته التمرد ال يستجيب ألمره معاوية قد استحكم

الكوفة فرأى لوعة وبكاء ، قد سادت جميع أرجائها حزنا على من قتل في صفين ) عليه السالم(ودخل اإلمام روراء ، ، واعتزلت فرقة تناهز اثني عشر ألف مقاتل عن جيش اإلمام ، ولم يدخلوا الكوفة فلحقوا بح

وجعلوا أميرهم على القتال شبث بن ربعي ، وعلى الصالة عبد اهللا بن الكواء اليشكري ، وخلعوا بيعة اإلمام وكان أمر هؤالء قد بدأ منذ كتابة صحيفة .. يدعون إلى جعل األمر شورى بين المسلمين ) عليه السالم(

ال حكم إال هللا ، واتخذوه شعارا لهم رغم أنهم ال نرضى : الموادعة ، إذ لم يعجبهم األمر فاعترضوا وقالوا .لقبول التحكيم ) عليه السالم(هم الذين أصروا على اإلمام

وسعى أمير المؤمنين لمعالجة موقفهم بالحكمة والنصيحة ، فأرسل إليهم عبد اهللا بن عباس وأمره أن ال فكلمهم وحاججهم وفند كل ) سالمعليه ال(يعجل في الخوض معهم في جدال وخصومة ، ولحقه اإلمام

.)١(دعاويهم ، فاستجابوا له ودخلوا معه إلى الكوفة

:اجتماع الحكمين

أربعمائة رجل عليهم شريح بن هاني ، ) عليه السالم(حان األجل الذي ضرب الحكمين ، فأرسل اإلمام عري معهم ، وبعث معاوية عمرو وبعث معهم عبد اهللا بن عباس ليصلي بهم ويلي أمورهم وأبو موسى األش .بن العاص في أربعمائة رجل من أهل الشام حتى توافوا في دومة الجندل

بتقديم النصح والتحذير ألبي ) عليه السالم(وقد سارع عدد من أهل الرأي والحكمة ممن أخلصوا لإلمام موسى ، باذلين جهدهم في حمله على التبصرة والروية في

ـــــــــــــــ

.۴۲۶ / ۳: ، والكامل في التأريخ ۵۴ / ۴: تأريخ الطبري ) ۱(

٢١٢الصفحة

.)۱(اتخاذ القرار ، وخشية منهم من مكر عمرو وخداعه

:قرار التحكيم

أبو موسى األشعري وعمرو بن العاص ، واألول يحمل الغباء السياسي وضعف االنتماء : اجتمع الحكمان والثاني هو الماكر المخادع ذو السجية الغادرة والطامع إلى ) عليه السالم(مامه علي العقائدي وقلة الوالء إل

تماما عن الميدان السياسي ، يدفعه لذلك طمعه للملك وشركته مع ) عليهم السالم(إقصاء خط أهل البيت .الطليق ابن الطليق معاوية

نقاط الضعف في شخصية األشعري والسيطرة ولم يطل االجتماع طويال حتى تمكن ابن العاص من معرفة ومعاوية ) عليه السالم(عليه وتوجيهه نحو ما يريد ، واتفق اإلثنان في اجتماع مغلق على خلع اإلمام علي

.عن والية أمر المسلمين ، واختيار عبد اهللا بن عمر بن الخطاب ليكون الخليفة المقترح

ويحك ، واهللا إني ألظنه قد : نساق في لعبة ابن العاص ، فقال له وبادر ابن عباس محذرا األشعري من أن يخدعك إن اتفقتما على أمر ، فقدمه فليتكلم بذلك األمر قبلك ثم تكلم أنت بعده ، فإن عمرا رجل غادر ال آمن

.من أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه ، فإذا قمت في الناس خالفك

، ثم انبرى عمرو فخطب وأكد خلع اإلمام وثبت ) عليه السالم(خطب وخلع اإلمام عليا فقام األشعري ف .)۲(معاوية لوالية األمر

وبتلك الغدرة ظفر معاوية بالنصر ، وعاد إليه أهل الشام يسلمون عليه بإمرة المؤمنين ، وأما أهل العراق وهرب أبو موسى إلى مكة ، ورجع ابن عباس وشريح فغرقوا في الفتنة وأيقنوا بضالل ما أقدموا عليه ،

عليه السالم(إلى اإلمام علي. (

ـــــــــــــــ

.ط دار إحياء التراث العربي . ۲۴۶ / ۲: ، وشرح نهج البالغة ۵۳۴: وقعة صفين ) ۱(

.۳۲۲ / ۳: ، والكامل في التأريخ ۴۱۱ / ۲: ، ومروج الذهب ۵۲ / ۴: تأريخ الطبري ) ۲(

٢١٣الصفحة

:الفصل الرابع

مع المارقين) عليه السالم(اإلمام علي

إن ظهور الخوارج إفراز طبيعي للصراع الدموي في الجمل وصفين ، كما أننا ال يمكننا : بمكن أن نقول ، لقد كان من أهم صفات ) عليهم السالم(أن نعزل انحرافهم بمعزل عن انحراف الخالفة عن خط أهل البيت

لخوارج هو التحجر والتمسك بالظواهر والتعصب والخشونة وعدم التمييز بين الحق والباطل ، وأنهم ا دون عند أدنى شكسريعو التأثر بالشائعات ، فيترد.

النبي يخرج في () : صلى اهللا عليه وآله(أخبر عن صفتهم ، إذ روي عنه ) صلى اهللا عليه وآله(ونجد أن قوم تحقرون صالتكم مع صالتهم ، يقرءون القرآن وال يجاوز حلوقهم ولم يقل منها ـ ـهذه األمة

.)۱ ()يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية

من معالجة أمراضهم وانحرافاتهم ، فقد عاجلته الحروب والتمردات في ) عليه السالم(ولم يتمكن اإلمام :كن أن نعزو ظهور الخوارج إلى الجمل وصفين في فترة قصيرة جدا ، ويم

ضد متمردين ) عليه السالم( ـ اإلحباط النفسي والفشل في تحقيق النصر ، وخصوصا أن معارك اإلمام ١ هم مسلمون في الظاهر ، فلم يتمكن الخوارج من فهم

ـــــــــــــــ

باب ترك قتال الخوارج ۲۲ ـ ۲۱ / ۹: وصحيح البخاري ۳۳۷ ـ ۳۲۱ / ۷: انظر البداية والنهاية ) ۱( . دار صادر ۵۶ / ۳: ، ومسند أحمد ۱۰۶۴ الحديث ۷۴۴ / ۲:، وصحيح مسلم

٢١٤الصفحة

معالجة اإلمام للمتمردين ، ولم يتمكنوا من تحمل نتيجة التحكيم ، في حين هم الذين أجبروه على قبول لى تعليق أخطائهم وتحميل أوزارها إلى طرف التحكيم ، ولم يواجهوا أنفسهم بمواقفهم المنحرفة ، فسعوا إ

۱() عليه السالم(آخر غيرهم ولم يكن إال اإلمام علي(.

لكي تمارس األمة وعيها الرسالي ، فقد ) عليه السالم( ـ استغاللهم الحرية الفكرية التي فتحها اإلمام ٢إال هللا ، وما كان اإلمام يجيبهم إال روي أنهم كانوا يعترضون على اإلمام حتى أثناء خطبته بدعوى ال حكم

ال نمنعكم : لكم عندنا ثالث خصال (: لهم ) عليه السالم(وقال اإلمام . ) كلمة حق يراد بها باطل(بـ مساجد اهللا أن تصلوا فيها ، وال نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم في أيدينا ن وال نبدؤكم للحرب حتى

. حالة فردية إلى حالة جماعية فتحولت حركتهم من)۲( )تبدؤونا

:على قرار الحكمين ) عليه السالم(رد اإلمام

تألم كثيرا ن وخطب في الناس يحثهم ويدلهم على إصالح ) عليه السالم(ولما بلغ خبر التحكيم إلى اإلمام اصح الشفيق المجرب إن مخالفة الن() : عليه السالم(الخطأ الذي تورطوا فيه وذكرهم بنصحه لهم ، فقال

تورث الحسرة وتعقب الندامة ، وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري، ونخلت لكم مخزون رأيي لو كان نإباء المخالفين الجفاة المنابذين العصاة حتى ارتاب الناصح بنصحه وض يطاع لقصير أمر فأبيتم علي

:الزند بقدحه ، فكنت وإياكم كما قال أخو هوازن

فلم تستبينوا النصح إال ضحى الغد= مرتكم أمري بمنعرج اللوى أ

اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن ـ أبا موسى األشعري وابن العاص ـ أال إن هذين الرجلين وراء ظهورهما ، وأحييا ما أمات القرآن ، واتبع كل واحد منهما

ــــــــــــــ

.۵۸ ـ ۵۳ / ۴: تأريخ الطبري ) ۱(

.۲۵۴ / ۲: ، ومستدرك وسائل الشيعة ۳۳۴ / ۳: ، والكامل في التأريخ ۵۴ / ۴: تأريخ الطبري ) ۲(

٢١٥الصفحة

هواه بغير هدى من اهللا ، فحكما بغير حجة بينة وال سنة ماضية ، واختلفا في حكمهما وكالهما لم يرشد ، تعدوا وتأهبوا للمسير إلى الشام ، وأصبحوا في معسكركم فبرئ اهللا منهما ورسوله وصالح المؤمنين ، اس

.)۱(إن شاء اهللا

لقتال معاوية ، ) عليه السالم(وكتب اإلمام إلى عبد اهللا بن عباس أن يعبئ أهل البصرة لاللتحاق باإلمام نحو فالتحقت جموع البصرة بالكوفة ، ولكن عبث الخوارج الذين تجمعوا من البصرة والكوفة متجهين

من تركهم خلفهم لو توجهوا إلى الشام ) عليه السالم(النهروان وفسادهم في األرض أقلق أصحاب اإلمام .)۲(فطلبوا من اإلمام أن يقضي على الخوارج أوال

وكان من عيث الخوارج أنهم قبضوا على عبد اهللا بن خباب وزوجته فقتلوه ، وبقروا بطن امرأته ، وألقوا .)۳(إليهم ) عليه السالم(دون مبرر ، وكذلك قتلوا الحارث بن مرة العبدي رسول اإلمام ما فيها من

:المواجهة مع الخوارج

تجمعت قوات المارقين عن الدين قرب النهروان بعد أن التحقت بهم مجاميع من البصرة وغيرها ، وحاول وتمردهم وسعيهم للحرب ، ولم يجد فيهم إال مرارا أن يقنعهم بالتخلي عن فكرتهم) عليه السالم(اإلمام

الفساد والجهل واإلصرار ، فعبأ جيشه ونصحهم بأخالق اإلسالم في كيفية التعامل في مثل هذه الظروف ؛ إليهم بعث لهم رسوال يطلب منهم قتلة عبد ) عليه السالم(كما هو شأنه في كل معركة ولما انتهى اإلمام

كلنا قتلناهم وكلنا مستحل لدمائكم : سوله الحارث بن مرة ، فردوا عليه مجمعين اهللا بن خباب وقتلة ر .ودمائهم

ـــــــــــــــ

.۵۷ / ۴: تأريخ الطبري ) ۱(

.۲۸۶ / ۷: ، والبداية والنهاية ۵۸ و ۵۷ / ۴: تأريخ الطبري ) ۲(

.۱۰۸: لفصول المهمة البن الصباغ ، وا۲۸۶ / ۷: ، والبداية والنهاية ۶۱ / ۴: تأريخ الطبري ) ۳(

٢١٦الصفحة

قيس بن سعد وأبا أيوب األنصاري لينصحوا القوم عساهم أن يفهموا واقع ) عليه السالم(وبعث اإلمام :فقال لهم ) عليه السالم(األحداث ، ويجنبوا األمة مزيدا من الدماء، ثم أتاهم اإلمام

المراء واللجاجة ، وصدها عن الحق الهوى ، وطمع بها النزق ، أيتها العصابة التي أخرجها عداوة(إني نذير لكم أن تصبحوا تلعنكم األمة غدا صرعى بأثناء هذا الوادي ، ! وأصبحت في الخطب العظيم

أنه كره التحكيم ) عليه السالم( ثم بين لهم )وبأهضام هذا الغائط بغير بينة من ربكم وال برهان مبينه ، وشرح سبب معارضته بوضوح لهم ، ولكنهم أنفسهم أجبروا اإلمام على قبول التحكيم ، وأن وعارض

الحكمين لم يحكما بالقرآن والسنة ، وها هو اإلمام يعد العدة لمالقاة معاوية ثانية ، فال معنى لخروج ) :عليه السالم(بته ، فقال المارقين ، ولم يرعو المارقون لقول اإلمام وطالبوه بتكفير نفسه وإعالن تو

وهجرتي معه وجهادي ) صلى اهللا عليه وآله(أصابكم حاصب وال بقي منكم آثر أبعد إيماني برسول اهللا ( ثم انصرف عنهم ، وتقدم )في سبيل اهللا أشهد على نفسي بالكفر، لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين

جيشه لمالقاتهم ، وفي محاولة أخيرة أمر اإلمام أبا ) عليه السالم(وعبأ اإلمام .. الخوارج فاصطفوا للقتال من جاء إلى هذه الراية فهو آمن ومن (:أيوب األنصاري أن يرفع راية أمان للخوارج ، ويقول لهم

.)انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن إنه ال حاجة لنا فيكم إال فيمن قتل إخواننا

.كفوا عنهم حتى يبدؤوكم بقتال: ألصحابه ) عليه السالم(ة ، وقال اإلمام فانصرفت منهم مجاميع كثير

الرواح الرواح إلى الجنة ، ولم تمض إال ساعة حتى ... ال حكم إال هللا : وهجم الخوارج وهم يتصايحون ) ۱( عشرة أشخاص أبيد أكثرهم ، ولم ينج منهم إال أقل من عشرة ، ولم يقتل من أصحاب اإلمام إال أقل من

.

ــــــــــــــ

: ، والبداية والنهاية ۳۸۵ / ۲: ط مؤسسة النشر اإلسالمي ، ومروج الذهب ۵۹نهج البالغة الخطبة ) ۱(۷ / ۳۱۹.

٢١٧الصفحة

ـ أحد قادة الخوارج ـ وألح ) ذي الثدية(بطلب ) عليه السالم(وبعد أن سكنت أوار المعركة ؛ أمر اإلمام بمقاتلة المارقين عن الدين الذين فيهم ذو ) صلى اهللا عليه وآله(ك ألن في ذلك مصداقا لوصايا الرسول في ذل

اهللا أكبر ما كذبت وال كذبت ، لو ال أن تنكلوا (: فقال ) عليه السالم(ولما وجدوه أخبروا اإلمام . )۱(الثدية لمن قاتلهم مستبصرا في قتالهم ) لى اهللا عليه وآلهص(عن العمل ؛ ألخبرتكم بما قص اهللا على لسان نبيه

.)۲(شكرا هللا ) عليه السالم(وسجد ) ، عارفا للحق الذي نحن عليه

:احتالل مصر

بعد مقتل عثمان بن عفان ولى أمير المؤمنين قيس بن سعد بن عبادة األنصاري والية مصر ، ثم كلف ، وبقيت مصر الجناح اآلخر الذي يقلق ) عليه السالم( سعد لرأي رآه محمد بن أبي بكر ليقوم مقام قيس بن

معاوية ، فما أن ساد االضطراب والتخاذل في المجتمع اإلسالمي بعد المعارك ونتائجها ؛ تحرك معاوية وعمرو بن العاص الحتالل مصر التي كانت ثمنا لجهود عمرو بن العاص لتخريب حكومة اإلمام وتهديم

أن يمد محمد بن أبي بكر بالعدة والعدة عند سماعه بزحف معاوية نحو مصر ) عليه السالم(حاول الدين ، وعليه (، فلم يلبث إال قليال حتى أتت األخبار باحتالل مصر واستشهاد محمد بن أبي بكر ، وحزن اإلمام

ية مصر وكتب إليه عهده المشهور مالك األشتر بوال) عليه السالم( ، ثم كان قد كلف )۳(على محمد ) السالمفي إدارة الحكم وسياسة الناس ، ولكن معاوية وما يملك من وسائل الشيطان والخداع تمكن من دس السم

.)۴(لمالك

ـــــــــــــــ

.كتاب الزكاة ، باب ذكر الخوارج وصفاتهم والتحريض على قتالهم : صحيح مسلم ) ۱(

.۲۹۷: ، والبداية والنهاية ۲۶۶ / ۲: وشرح نهج البالغة ، ۶۶ / ۴: تأريخ الطبري ) ۲(

.۸۸ / ۶: شرح النهج البن أبي الحديد ) ۳(

.۷۲ / ۴: تأريخ الطبري ) ۴(

٢١٨الصفحة

:انهيار األمة وتفككها

عليه (بدأت بوضوح ملموس مالمح وآثار االنحراف الذي حصل يوم السقيفة في نهاية أيام حكم اإلمام حيث بدأ معاوية ومن اقتفى أثره في محاربة اإلسالم من داخل اإلسالم بتفكيك ما بقي من أواصر ) مالسال

تماسك المجتمع اإلسالمي وتخريبه وبناء مجتمع ينسجم وفق رغباتهم وأهوائهم، ويمكننا أن نلحظ حال األمة :لي ثالث معارك فيصلية الجتثاث الفساد فيما ي) عليه السالم(بعد خوض اإلمام

واألمة بفقد خيار الصحابة الواعين والمؤثرين في المجتمع وحركة الرسالة ) عليه السالم( ـ مني اإلمام ١عليه (اإلسالمية الذين كان يمكن من خاللهم بناء األمة الصالحة وفق نهج القرآن والسنة بإشراف اإلمام

:ده في نعيه لهم بقوله ، وقد بلغ الحزن في نفس اإلمام مبلغا عظيما نج) السالم

ما ضر إخواننا الذين سفكت دماؤهم بصفين أن ال يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص ويشربون الرنق (أين إخواني الذين ركبوا الطريق .. ، قد واهللا لقوا اهللا فوفاهم أجورهم وأحلهم دار األمن بعد خوفهم

هان ؟ وأين ذو الشهادتين ؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم ومضوا على الحق ؟ أين عمار ؟ وأين ابن التي .)الذين تعاقدوا على النية وابرد برؤوسهم إلى الفجرة ؟

أوه على إخواني الذين قرءوا القرآن فأحكموه وتدابروا (: ثم وضع يده على كريمته فأطال البكاء ثم قال .)۱( )ا للجهاد فأجابوا ، ووثقوا بالقائد فاتبعوهالفرض فأقاموه ، أحيوا السنة وأماتوا البدعة ، دعو

ـ تمرد الجيش وتفككه وظهور الضعف والسأم من الحرب لكثرة من قتل من أهل العراق الذين يشكلون ٢ ، ولم) عليه السالم(العمود الفقري لفرق جيش اإلمام

ــــــــــــــــ

.۹۹ / ۱۰: شرح النهج البن أبي الحديد ) ۱(

٢١٩لصفحة ا

بما يملك من قدرة خطابية رائعة وحجة بالغة أن يبعث االندفاع والحزم في قاعدته ) عليه السالم(يتمكن الشعبية لمواصلة الحرب ، ومما زاد من تفتيت الجيش عدم توقف معاوية من مخاطبة زعماء القبائل

ت والمناصب إذا قاموا بكل ما يؤدي إلى والعناصر التي يبدو منها حب الدنيا ، فمناهم باألموال والهبالم يستطع أن يعبئ في ) عليه السالم(وجماهيره المؤيدة ، حتى أن اإلمام ) عليه السالم(إضعاف قوة اإلمام

معسكر النخيلة بعد معركة النهروان استعدادا لقتال معاوية ن فقد تسلل أغلب أفراد الجيش إلى داخل الكوفة .) ۱(أن يلغي المعسكر ويؤجل الحرب ) عليه السالم(م مما أدى باإلما

واالمة اإلسالمية لمعاوية أن يقوم بشن غارات على ) عليه السالم( ـ لقد أتاح الظرف الذي مر به اإلمام ٣أطراف البالد اإلسالمية ، فمارس القتل والسبي واإلرهاب ، فبدأ بالهجوم على أطراف العراق فأرسل

، ووجه سفيان بن عوف لإلغارة على منطقة ) عين التمر(شير األنصاري لإلغارة على منطقة النعمان بن بوفي كل مرة .. وجه معاوية الضحاك بن قيس الفهري ) واقصة(، وإلى ) األنبار والمدائن(ثم على ) هيت(

بة السريعة ، وأدرك دعوة الجماهير لمقاومة غارات معاوية فلم يلق االستجا) عليه السالم(يحاول اإلمام .) ۲(وتزايد قوته ) عليه السالم(معاوية ضعف قوة حكومة اإلمام

وبلغ )۳(وبعث معاوية بسر بن أرطاة للغارة على الحجاز واليمن ، فعاث في األرض فسادا وقتال لألبرياء تخاذل الناس عنه، مبلغا عظيما مما يفعل المجرمون ومن) عليه السالم(األسى واألسف في نفس اإلمام

اللهم إني قد مللتهم وملوني وسئمتهم وسئموني (: فكان يصرح بضجره من تخاذلهم وتقاعسهم فقال فأبدلني بهم خيرا منهم

ــــــــــــــ

.۶۷ / ۴: تأريخ الطبري ) ۱(

.۱۰۳ و ۱۰۲ / ۴: ، وتأريخ الطبري ۴۷۶: الغارات للثقفي ) ۲(

. ط مؤسسة األعلمي ۱۰۶ / ۴: ، وتأريخ الطبري ۴۷۶: الغارات للثقفي ) ۳(

٢٢٠الصفحة

.)۱() وأبدلهم بي شرا مني

األمة اإلسالمية بمستقبل مظلم وآالم كثيرة تحل بها نتيجة لما آلت إليها من ) عليه السالم(وقد أنذر اإلمام قون بعدي ذال شامال ، وسيفا قاطعا ، أما إنكم ستل() : عليه السالم(تقاعس وتخاذل عن نصرة الحق ، فقال

وأثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة ، فيفرق جماعتكم ، ويبكي عيونكم ، ويدخل الفقر بيوتكم ، وتتمنون .)۲() عن قليل أنكم رأيتموني فنصرتموني ، فستعلمون حق ما أقول لكم

) :عليه السالم(آخر محاوالت اإلمام

المتعددة وتمكن معاوية من فساد ونشر الرعب في أطراف الدولة اإلسالمية ؛ عزم اإلمام بعد االضطرابات :أن يقوم بحملة واسعة يستنهض فيها االمة ، فخاطب الجماهير وهددهم فقال ) عليه السالم(

لى عدوي أما إني قد سئمت من عتابكم وخطابكم ، فبينوا لي ما أنتم فاعلون ، فإن كنتم شاخصين معي إ(فهو ما أطلب وما أحب ، وإن كنتم غير فاعلين فاكشفوه لي عن أمركم ، فو اهللا لئن لم تخرجوا معي ألسيرن ن اهللا عليكم ثمكم فتقاتلوه حتى يحكم اهللا بيننا وبينه وهو خير الحاكمين ألدعوبأجمعكم إلى عدو

.)۳() إلى عدوكم ولو لم يكن معي إال عشرة

سيخرج بنفسه وأهله وخاصته إلى ) عليه السالم(تهديد الحازم نفوس الناس ، وأيقنوا أن اإلمام وأيقظ هذا المعاوية وإن لم ينصروه ، فسيلحق العار والذل بهم إلى يوم القيامة ، فتحرك وجهاء الناس لالستعداد لمالقاة

خارج الكوفة ، وتحركت ) نخيلةال(معاوية والقضاء على الفساد ، وخرج الناس إلى معسكراتهم في منطقة .الذي بقي ينتظر انقضاء شهر رمضان ) عليه السالم(بعض قطعات الجيش تسبق البقية مع اإلمام

ــــــــــــــ

) .۲۵(الخطبة : نهج البالغة ) ۱(

) .۵۸(الكلمة : ، نهج البالغة ۲۰۰ / ۱: أنساب األشراف ) ۲(

. عن البالذري في أنساب األشراف ۴۵۱ / ۱: سيرة األئمة اإلثني عشر ) ۳(

٢٢١الصفحة

:الفصل الخامس

)۱( شهيد المحراب) عليه السالم(اإلمام علي

تواطأت زمر الشر على أن ال تبقي للحق راية تخفق أو يدا تطول فتصلح أو صوتا يدوي فيكشف زيغ صلى (فجر ويخطط لقتل النبي األكرم وفساد الظالمين والمنحرفين ، فباألمس كان أبو سفيان يمكر ويغدر وي

.لوأد الرسالة اإللهية في مهدها ، ولكن اهللا أبى إال أن يتم نوره ) اهللا عليه وآله

وها هو معاوية بن أبي سفيان يستفيد من نتائج انحراف السقيفة ، ويتمم ما بدأه أبوه سعياص للقضاء على جهل والضاللة والعمى ، فخططوا لقتل ضمير األمة الحي وصوت الرسالة اإلسالمية ، تعينه في ذلك قوى ال

.الحق والعدل وحامل لواء اإلسالم الخالد ومحيي الشريعة المحمدية السمحاء

واجتمعت ضاللتهم على أن يطفئوا نور الهدى ليبقى الظالم يلف انحرافهم وفسادهم ، فامتدت يد الشيطان وفي ختلة وغدرة هوت بالسيف على هامة طالما استدبرت الدنيا واستقبلت لتصافح ابن ملجم في عتمة الليل،

.بيت اهللا وهي ساجدة ، وغادرتها منها في تلك الحال

ال يبعد أن كان محركها معاوية ، واتفقوا ) عليه السالم(لقد اجتمعت عصابة ضالة على قتل أمير المؤمنين ) .عليه السالم( فما كان أحد يجرؤ على مواجهة اإلمام أن يداهموا اإلمام عند ذهابه لصالة الفجر ،

ــــــــــــــ

.هـ ) ۴۰(استشهد أمير المؤمنين في شهر رمضان عام ) ۱(

٢٢٢الصفحة

: يكثر التأمل في السماء وهو يردد ) عليه السالم(ولما كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان ؛ كان اإلمام ليلته بالدعاء والمناجاة ، ثم ) عليه السالم( وأمضى )۱( )الليلة التي وعدت بهاما كذبت وال كذبت إنها (

.الصالة... الصالة :خرج إلى بيت اهللا لصالة الصبح فجعل يوقظ الناس على عادته إلى عبادة اهللا فينادي

عبد الرحمن بن في صالته ، وبينما هو منشغل يناجي ربه إذ هوى المجرم اللعين ) عليه السالم(ثم شرع ووقع السيف على رأسه المبارك فقد منه فهتف اإلمام ) الحكم هللا ال لك(ملجم وهو يصرخ بشعار الخوارج

.)۲( )فزت ورب الكعبة() : عليه السالم(

طريحا في محرابه ، ) عليه السالم(ولما علت الضجة في المسجد ؛ أقبل الناس مسرعين فوجدوا اإلمام ره وهو معصب الرأس والناس يضجون بالبكاء والعويل ، والقي القبض على المجرم ابن فحملوه إلى دا

النفس (: ولده الحسن وبنيه وأهل بيته أن يحسنوا إلى أسيرهم وقال ) عليه السالم(ملجم ، وأوصى اإلمام .)۳() بالنفس ، فإن أنا مت فاقتلوه كما قتلني ، وإن أنا عشت رأيت فيه رأيي

عليه السالم(ة اإلمام وصي: (

:وجميع أهل البيت بوصايا عامة فقال ) عليهما السالم(ولديه الحسن والحسين ) عليه السالم(أوصى اإلمام

أوصيكما بتقوى اهللا ، وأن ال تبغيا الدنيا وإن بغتكما ، وال تأسفا على شيء منها زوي عنكما ، وقوال ( ما وللمظلوم عونا ، واعمال بما فيبالحق واعمال لألجر ، وكونا للظالم خص

ـــــــــــــــ

.۲۳۰ / ۴۲: ، وبحار األنوار ۸۰: الصواعق المحرقة ) ۱(

ترجمة ۳۶۷ / ۳: ط مصر ، وتأريخ دمشق ۱۵۹ ط بيروت و ۱۳۵: أو ۱۸۰: اإلمامة والسياسة ) ۲( عليه السالم(اإلمام علي. (

.۲۳۱ / ۴۲: ، وبحار األنوار ۱۱۸ م ۶: البن أبي الحديد ، شرح النهج ۲۲: مقاتل الطالبيين ) ۳(

٢٢٣الصفحة

.)۱() الكتاب ، وال تأخذكما في اهللا لومة الئم

ولم يمهل الجرح أمير المؤمنين طويال لشدته وعظيم وقعته ، فقد دنا األجل المحتوم ، وكان آخر ما نطق به .ثم فاضت روحه الطاهرة إلى جنة المأوى ) لعاملونلمثل هذا فليعمل ا (:قوله تعالى

) :عليه السالم(دفن وتأبين اإلمام

بتجهيز أمير المؤمنين وما يترتب عليهما من إجراءات ) عليهما السالم(نهض اإلمامان الحسن والحسين ة من أهل بيته وأصحابه ، على أبيه ومعه ثل) عليه السالم(الدفن من غسل وتكفين ، ثم صلى اإلمام الحسن

ثم حملوا الجثمان الطاهر إلى مثواه األخير ، فدفن في النجف قريبا من الكوفة ، وتمت كل اإلجراءات ليال )۲(.

:فقال ) عليه السالم(ثم وقف صعصعة بن صوحان يؤبن اإلمام

، وظفرت برأيك ، وربحت فلقد طاب مولدك ، وقوي صبرك ، وعظم جهادك ! هنيئا لك يا أبا الحسن تجارتك ، وقدمت على خالقك فتلقاك اهللا ببشارته وحفتك مالئكته ، واستقررت في جوار المصطفى فأكرمك اهللا بجواره ، ولحقت بدرجة أخيك المصطفى ، وشربت بكأسه األوفى ، فأسأل اهللا أن يمن علينا باقتفائنا

ائك ، والمعاداة ألعدائك ، وأن يحشرنا في زمرة أوليائك ، فقد نلت أثرك ، والعمل بسيرتك ، والمواالة ألوليما لم ينله أحد ، وأدركت ما لم يدركه أحد ، وجاهدت في سبيل ربك بين يدي أخيك المصطفى حق جهاده ، ني وقمت بدين اهللا حق القيام ، حتى أقمت السنن وأبرت الفتن واستقام اإلسالم وانتظم اإليمان ، فعليك م

.أفضل الصالة والسالم

ــــــــــــــ

طبعة ۴۷باب الكتب : ط مؤسسة األعلمي ، راجع أيضا نهج البالغة ۱۱۴ / ۴: تأريخ الطبري ) ۱( .صبحي الصالح

.۲۹۰ / ۴۲بحار األنوار ك ) ۲(

٢٢٤الصفحة

نسبا ، وأولهم ) هللا عليه وآلهصلى ا(لقد شرف اهللا مقامك ن وكنت أقرب الناس إلى رسول اهللا : ثم قال إسالما ، وأوفاهم يقينا ، وأشدهم قلبا ، وأبذلهم لنفسه مجاهدا ، وأعظمهم في الخير نصيبا ، فال حرمنا أجرك ، وال أذلنا بعدك ، فو اهللا لقد كانت حياتك مفاتح الخير ومغالق الشر ، وإن يومك هذا مفتاح كل شر

أن الناس قبلوا منك ؛ ألكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ولكنهم آثروا الدنيا على ومغالق كل خير ، ولو .)۱(اآلخرة

* * *

ـــــــــــــــ

.۲۹۵ / ۴۲: بحار األنوار ) ۱(

٢٢٥الصفحة

:الفصل السادس

)عليه السالم(تراث اإلمام المرتضى علي بن أبي طالب

ـ وقد كان بوصية منه ) صلى اهللا عليه وآله(بعد وفاة الرسول ) السالمعليه(إن أول عمل اهتم به اإلمام ـ هو جمعه للقرآن الكريم ، وامتاز بترتيبه حسب النزول وتضمن معلومات فريدة ) صلى اهللا عليه وآله(

ى الخليفة ، وقد عرضه عل) صلى اهللا عليه وآله(عن شأن النزول والتفسير والتأويل الذي تحتاجه امة محمد إلى أنهم سوف ال يحصلون عليه بعد ذلك اليوم ، وهكذا ) عليه السالم(ال حاجة لنا به ، فأشار : األول فقال

) .عليهم السالم(كان ، والمعروف أنه يتوارثه األئمة من أبنائه

ومسلم وابن حنبل واثر عن اإلمام ما سمي بالصحيفة التي تضمنت أحكام الديات ، وقد روى عنها البخاري، كما اثر عه ما سمي بالجامعة التي تضمنت أو جمعت كل ما يحتاج إليه الناس من حالل و حرام ،

.ووصفها اإلمام الصادق بأن طولها سبعون ذراعا ، وليس من قضية إال وهي فيها حتى أرش الخدش

السابقين ، وقد يشبهه مصحف فاطمة وهو وتضمن كتاب الجفر ما يرتبط بحوادث المستقبل وصحف األنبياء وكل هذه . )۱(بعد وفاة أبيها مما كانت تلهم به من مفاهيم ) عليها السالم(ما أملته عليه فاطمة الزهراء

.إماما بعد إمام ) عليهم السالم(الكتب تعتبر من مواريث اإلمامة التي يتناقلها األئمة

ـــــــــــــــ

سيرة : وراجع . الجزء األول باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة :أصول الكافي ) ۱( .۲۹۴ ـ ۲۷۴ و ۹۹ ـ ۹۶ / ۱: األئمة االثني عشر

٢٢٦الصفحة

من خطب ورسائل وكلمات ، ) عليه السالم(وقد تصدى جمع من علماء األمة إلى جمع ما اثر عن اإلمام للشريف الرضي ) نهج البالغة(معيها ، وأولها وأشهرها ما سمي بـ وسميت بأسماء تتناسب مع أغراض جا

، وقد انطوى على روائع فكر اإلمام في شتى المجاالت العقائدية واألخالقية وأنظمة ) هـ٤٠٤(المتوفى ما الحكم واإلدارة والتأريخ واالجتماع وعلم النفس والدعاء والعبادة وسائر العلوم الطبيعية واإلنسانية ، وهو

ومن هنا فقد تصدى علماء آخرون . اختاره الشريف الرضي من خطبه ورسائله ووصاياه وكلماته البليغة .لجمع ما لم يجمعه الشريف الرضي وسمي بمستدرك نهج البالغة

وسماه بـ ) صلى اهللا عليه وآله(ما رواه اإلمام علي عن رسول اهللا ) هـ٣٠٣(وجمع النسائي المتوفى .))عليه السالم(اإلمام علي مسند (

.) غررالحكم ودرر الكلم(قصار كلماته الحكمية وسماها بـ ) هـ٥٥٠ و ٥٢٠المتوفى بين (وجمع اآلمدي

مطلوب كل طالب من (من كالمه ما سماه بـ ) هـ٥٨٣ و ٥٥٣المتوفى بين (وجمع أبو إسحاق الوطواط ) عليه السالم(لإلمام علي ) مائة كلمة) ( هـ٢٥٥(المتوفى وأثرت عن الجاحظ ) . كالم علي بن أبي طالب

جمع الطبرسي صاحب مجمع البيان ، وكتاب صفين لنصر بن مزاحم اشتمل على مجموعة ) نثر اللئالي(و ) .عليه السالم( وهي مجموعة من األدعية التي أثرت عنه )الصحيفة العلوية(و. من خطبه وكتبه

:في رحاب نهج البالغة

فليست هذه العقلية ... معجزة اإلمامة )نهج البالغة (هو معجزة النبوة ؛ فإن) القرآن الكريم (ا كانإذوفي كل شذرة من تلك ) النهج(العظيمة المتجلية بذلك األسلوب العلوي الواضحة في كل فقرة من فقرات

من موضوع يطرقه اإلمام إال وترى الشذور إال غرس ذلك النبي العظيم المستمد من وحي اهللا تعالى ، فما نور اهللا

٢٢٧الصفحة

.)۱() يشع أمامه وهدي الرسول ينير له الطريق

مشرع الفصاحة وموردها ومنشأ ) عليه السالم(كان أمير المؤمنين ) : قدس سره(وقال الشريف الرضي ها ، وعلى أمثلته حذا كل قائل ظهر مكنونها وعنه أخذت قوانين) عليه السالم(البالغة ومولدها ، ومنه

خطيب ، وبكالمه استعان كل واعظ بليغ ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا ، وقد تقدم وأخروا ، ألن كالمه .الكالم الذي عليه مسحة من العلم اإللهي ، وفيه عبقة من الكالم النبوي ) عليه السالم(

:في رحاب العقل والعلم والمعرفة

.لعقل وال فقر كالجهل ، والعقل ينبوع الخير وأشرف مزية ، وأجمل زينةال غنى كا ـ ١

.وبالعقل صالح كل أمر. واإلنسان بعقله . العقل أقوى أساس . العقل رسول الحق ـ ٢

والفكر مرآة . العلم غطاء وساتر والعقل حسام قاطع ، فاستر خلل خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك ـ ٣ .صافية

العقل صاحب جيش الرحمن ، والهوى قائد جيش الشيطان ، والنفس متجاذبة بينهما فأيهما غلب ـ ٤ .كانت في حيزه

.أفضل حظ الرجل عقله ، إن ذل أعزه ، وإن سقط رفعه ، وإن ضل أرشده ، وإن تكلم سدده ـ ٥

.صالح آخرتهإن أفضل الناس عند اهللا من أحيا عقله وأمات شهوته وأتعب نفسه إل ـ ٦

.قيمة كل امرئ عقله. ما آمن المؤمن حتى عقل . على قدر العقل يكون الدين ـ ٧

: ـ وعرف العقل بما يلي ٨

.إنما العقل التجنب من اإلثم والنظر في العواقب واألخذ بالحزمأ ـ

. العقل أصل العلم وداعية الفهمب ـ

ــــــــــــــ

.محمد صادق الصدر : ، تأليف ۴۰۲: ي عهد النبي حياة أمير المؤمنين ف) ۱(

٢٢٨الصفحة

.العقل غريزة تزيد بالعلم وبالتجاربج ـ

. للقلوب خواطر سوء والعقول تزجر عنهاد ـ

. غريزة العقل تأبى ذميم الفعلهـ

. العاقل من يعرف خير الشرين و ـ

:في رحاب القرآن الكريم والسنة النبوية المباركة

وأنزل عليكم الكتاب تبيانا لكل شيء وعمر فيكم نبيه أزمانا حتى أكمل له ولكم ) : عليه السالم( ـ قال ١ .ـ فيما أنزل من كتابه ـ دينه الذي رضي لنفسه

ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق ، ولكن أخبركم عنه ، أال إن فيه علم ما يأتي ، والحديث عن ـ ٢ دائكم ، ونظم ما بينكم ، وينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ، وال يختلف الماضي ، ودواء

وال تخلقه كثرة الرد وولوج ... في اهللا وال يخالف بصاحبه عن اهللا ، وال يعوج فيقام وال يزيغ فيستعتب .ال تفنى عجائبه ، وال تنقضي غرائبه ن وال تكشف الظلمات إال به ... السمع

فهو معدن اإليمان وبحبوحته ، وينابيع العلم وبحوره .. وما للقلب جالء غيره ... يع القلب وفيه ربورياض العدل وغدرانه ، وأثافي اإلسالم وبنيانه ، وأودية الحق وغيطانه ، وبحر ال ينزفه المستنزفون ،

طش العلماء وربيعا لقلوب جعله اهللا ريا لع.. وعيون ال ينضبها الماتحون ، ومناهل ال يغيضها الواردون وشفاء .. وعلما لمن وعى ، وحديثا لمن روى ، وحكما لمن قضى ... الفقهاء ، ومحاج لطرق الصلحاء

فاستشفوه من أدوائكم ، واستعينوا به على ألوائكم ؛ فإن ... ودواء ليس بعده داء .. ال تخشى أسقامه .)۱( فاق والغي والضاللوهو الكفر والن. فيه شفاء من أكبر الداء

فقد دعا اإلمام إلى العمل بها، وبين موقع األئمة وموقفهم ) صلى اهللا عليه وآله(وأما سنة رسول اهللا المشرف في إيصال السنة الصحيحة إلى األمة وإحياء ما أماته المبطلون

ـــــــــــــــ

.حي الصالح من نهج البالغة ، طبعة صب۱۷۶راجع الخطبة ) ۱(

٢٢٩الصفحة

.وأسباب انحراف من انحرف عن مدار السنة ) صلى اهللا عليه وآله(من سنة رسول اهللا

.اقتدوا بهدي نبيكم فإنه أفضل الهدي ، واستنوا بسنته فإنها أهدى السنن ) : عليه السالم(قال

وقال . والمقتص أثره) صلى اهللا عليه وآله(ه أحب العباد إلى اهللا المتأسي بنبي) :عليه السالم(وقال .رائدا والى النجاة قائدا) صلى اهللا عليه وآله( إرض بمحمد ) :عليه السالم(

إن في أيدي الناس حقا وباطال وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ) : عليه السالم(وقال على عهده حتى قام ) صلى اهللا عليه وآله( ، ولقد كذب على رسول اهللا ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما

.من كذب علي متعمدا ؛ فليتبوأ مقعده من النار : خطيبا فقال

هم عيش العلم .. من هذه األمة أحد ) صلى اهللا عليه وآله(ال يقاس بآل محمد ) : عليه السالم(وقال هم دعائم اإلسالم ووالئج االعتصام ، بهم عاد .. ال يختلفون فيه ال يخالفون الحق و.. وموت الجهل

عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية . الحق في نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته وحماة أمره وعيبة علمه وموئل ) صلى اهللا عليه وآله(هم موضع سر رسول اهللا . ال عقل سماع ورواية

.كهوف كتبه وجبال دينه ، هم مصابيح الظلم وينابيع الحكم ومعادن العلم ومواطن الحلمحكمه و

وإني لعلى بينة من ربي ومنهاج من نبيي ، وإني لعلى الطريق الواضح ألفظه لفظا ) : عليه السالم(وقال )۱(.

:في رحاب التوحيد والعدل والمعاد

الحمد هللا الدال على وجوده بخلقه وبمحدث خلقه على : وجوده تعالى في مجال إثبات) عليه السالم(قال بل ظهر .. عجبت لمن شك في اهللا وهو يرى خلق اهللا :وقال . أزليته وباشتباههم على أن ال شبه له

.للعقول بما أرانا من عالمات التدبير المتقن والقضاء المبرم

ال تدركه العيون : ثم قال وكيف أعبد ربا لم أره ؟:أجاب هل رأيت ربك ؟ ) : عليه السالم(وحين سئل عظم عن أن تثبت.. بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق اإليمان

ــــــــــــــ

.۱۱۷ ـ ۱۰۹: وتصنيف غرر الحكم ۱۰۱ و ۵۳ ـ ۴۲: راجع المعجم الموضوعي لنهج البالغة ) ۱(

٢٣٠الصفحة

. أو بصرربوبيته بإحاطة قلب

يا من دل على ذاته بذاته ، وتنزه عن مجانسة مخلوقاته ، : وجاء في دعائه المعروف بدعاء الصباح يا من قرب من خطرات الظنون وبعد عن لحظات العيون ، وعلم بما كان قبل . وجل عن مالئمة كيفياته

...أن يكون

ة السماوية واألرضية ، وأطنب فيها إطناب الخبير البصير لقد شحن اإلمام خطبه العلوية بآيات القدرة اإللهي، ففصل آيات القدرة والعظمة تفصيال يعطي للمطالع إيمانا وخشوعا هللا وخضوعا لعظمته ، بحيث يلمس

.واهللا لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا : أنه كما قال ) عليه السالم(السامع لخطبه

قا لصفاته تعالى بحيث صار معيارا للبحوث الفلسفية الدقيقة ومفتاحا للدخول إلى مثل وقدم اإلمام تصويرا دقي .هذه البحوث التي تضل فيها األفكار لو ال الهداية الربانية الموجهة

وكمال اإلخالص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة . وكمال توحيده اإلخالص له ) :عليه السالم(قال الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف اهللا سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه أنها غير

فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد ال بمقارنة وغير كل كائن ال عن حدث ، موجود ال عن عدم ، مع كل شيء ... حده ، ومن حده فقد عده

.شيء ال بمزايلة

واعلم يا بني ، إنه لو كان لربك شريك ألتتك رسله ولرأيت : مستدال على وحدانيته ) : عليه السالم(وقال صلى اهللا عليه (آثار ملكه وسلطانه ، واعلم يا بني أن أحدا لم ينبئ عن اهللا سبحانه كما أنبأ عنه الرسول

.ائدافارض به ر) وآله

وارتفع عن ظلم عباده وقام بالقسط في خلقه وعدل عليهم في حكمه وعدل في كل : وقال عن عدله تعالى فإنه لم يأمرك إال بحسن ولم ينهك إال عن قبيح وإن حكمه في أهل السماء واألرض : وقال . ما قضى .ا وما كان اهللا ليدخل الجنة بشرا بأمر أخرج به منها ملك. لواحد

٢٣١الصفحة

) :النبوة واإلمامة(في رحاب القيادة اإللهية

الهداية اإللهية عبر القادة المهديين الذين اختارهم اهللا لهداية عباده هي سنة اهللا الدائمة لخلقه الذين زودهم .بالعقل والعلم وسلحهم بسالح اإلرادة واالختيار

فأهبطه بعد التوبة ليعمر أرضه بنسله وليقيم .. : ر آدم خيرة من خلقه وتبدأ هذه السنة لهذه البشرية باختياالحجة به على عباده ، ولم يخلهم بعد أن قبضهم مما يؤكد عليهم حجة ربوبيته ويصل بينهم وبين معرفته

دعهم فاستو... ، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه ومتحملي ودائع رساالته قرنا فقرنا حتى .. في أفضل مستودع ، وأقرهم في خير مستقر ، تناسختهم كرائم األصالب إلى مطهرات األرحام

من أفضل المعادن منبتا وأعز األرومات مغرسا ، من ) صلى اهللا عليه وآله(أخرج آخرهم نبينا محمدا .الشجرة التي صدع منها أنبياءه وانتجب منها أمناءه

زهد األنبياء وشجاعتهم وتواضعهم ورعاية اهللا لهم وتربيته لهم باالختبار ) عليه السالم(ووصف اإلمام واالبتالء وتعريضهم لألذى في سبيل اهللا ، وبين وظائفهم المتمثلة في التبليغ والدعوة إلى اهللا سبحانه

والضاللة ومجاهدة أعداء والتبشير واإلنذار وإقامة حكم اهللا في األرض وهداية الناس بإخراجهم من الجهل .اهللا

وتستمر مسيرة الهداة الربانيين على مدى العصور إلى يوم القيامة ، فال تخلو األرض من قائم هللا بحجة ، صلى اهللا (وحيث ختمت النبوة بمحمد ... إما ظاهرا مشهورا وإما خائفا مستورا لئال تبطل حجج اهللا وبيناته

ى أمر الهداية إلى عترته التي هي خير العتر ، إن نطقوا صدقوا وإن صمتوا لم يسبقوا ، انته) عليه وآلهوهم شجرة النبوة ومحط الرسالة ومختلف المالئكة ومعادن العلم وينابيع الحكم ، واألعظمون عند اهللا قدرا

القرآن وكنوز الرحمن ، فهم بهم علم الكتاب وبه علموا ، فيهم كرائم.. يحفظ اهللا بهم حججه وبيناته .. يخبركم حلمهم عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم وصمتهم عن حكم منطقهم ، ال ... الراسخون في العلم يخالفون الحق وال

٢٣٢الصفحة

يختلفون فيه ، وهم دعائم اإلسالم ووالئج االعتصام ، بهم عاد الحق إلى نصابه وانزاح الباطل عن مقامه ، دين وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي وبهم يلحق التالي ، لهم خصائص حق الوالية وفيهم فهم أساس ال

.الوصية والوراثة

لقد أكد اإلمام على موقف أهل البيت القيادي الفكري والسياسي وأدان زحزحة القيادة عن موقعها الذي عينه ء جملة وتفصيال ، بالرغم من اضطراره للتنازل واعترض على خط الخلفا) صلى اهللا عليه وآله(رسول اهللا

عن حقه وجهد في تقديم األطروحة النبوية للقيادة بعد الرسول بشكل ناصع ، وجاهد من أجل إحقاق الحق بشكل حكيم وأسلوب كان ينسجم مع حساسية الظرف التي كانت تمر بها الدولة واالمة اإلسالمية حينذاك ،

.)۱ (لنظرية كاملة ويعد العدة لتطبيقها حينما تسمح له الظروفواستطاع أن يقدم ا

) :عليه السالم(في رحاب اإلمام المهدي

اهتمام القرآن الكريم والنبي العظيم واإلمام المرتضى على الرغم ) عج(استأثر التبشير بقضية اإلمام المهدي عليه (، قال ) صلى اهللا عليه وآله(لرسول من التشتت الذي كان يعيشه ذلك المجتمع المضطرب بعد ا

أال وفي غد ـ وسيأتي غد بما ال تعرفون ـ يأخذ الوالي من غيرها عمالها على مساوئ ) : السالمأعمالها ، وتخرج له األرض أفاليذ كبدها ، وتلقي إليه سلما مقاليدها ، فيريكم كيف عدل السيرة ، ويحيي

.)۲ (ةميت الكتاب والسن

إنها رؤية دقيقة محددة مضيئة واضحة المعالم ، تتمثل في قيام ثورة عالمية تصحح وضع العالم اإلسالمي يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على : عن قائدها ) عليه السالم(بل اإلنساني أجمع ، قال

الهوى ، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا

ـــــــــــــــ

.۴۴۵ ـ ۳۷۴ و ۱۱۶ ـ ۸۷: راجع المعجم الموضوعي لنهج البالغة ) ۱(

. من نهج البالغة ۱۳۸من الخطبة ) ۲(

٢٣٣الصفحة

.)۱( القرآن على الرأي

سة نهج البالغة لجمع األحاديث التي وردت عن اإلمام عليت مؤسحول اإلمام ) عليه السالم(وقد تصدحديثا ، أربعة عشر منها عن اسم المهدي ) ٢٩١(احد وبلغ مجموعه وقد اجتمعت في جزء و) عج(المهدي

وصفاته ودعائه وسبعة وسبعون منها عن نسب اإلمام وأنه من قريش وبني هاشم ومن أهل البيت ومن ولد علي ، وأنه من ولد فاطمة ، بل من ولد الحسين وأحد األئمة اإلثني عشر ن وخمسة وأربعون منها ترتبط

، وثالثة وعشرون منها حول أنصار ) عليه السالم(في القرآن ونهج البالغة وشعر أمير المؤمنين بالمهدي المهدي والرايات السود ، واثنا عشر منها حول السفياني والدجال ، وستة وعشرون منها عن غيبة المهدي

بل المهدي وعالئم ومحن الشيعة عند الغيبة وفضيلة انتظار الفرج ، وخسمة وسبعون منها حول الفتن قالظهور وما بعد الظهور ودابة األرض ويأجوج ومأجوج ، وتسعة عشر منها ترتبط بفضل مسجد الكوفة

بأهل المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر حتى يقولوا ) عليهم السالم(وخروج رجل من أهل بيته وحكومته وكيفية ختم ) عليه السالم(ر القائم ثم يبين حكم األرض عند ظهو.. واهللا ما هذا من ولد فاطمة :

.الدين به

.. يختمه ) عليه السالم(يا كميل ، ما من علم إال وأنا أفتحه ، وما من سر إال والقائم ) : عليه السالم(قال .)۲( ...يا كميل ، ال بد لماضيكم من أوبة ، والبد لنا فيكم من غلبة

، وبنا يستنقذون من ضاللة الفتنة كما استنقذوا من ضاللة الشرك ، وبنا يؤلف بنا يختم الدين كما بنا فتحولو قد قام . )۳(اهللا قلوبهم في الدين بعد عداوة الفتنة كما ألف بين قلوبهم ودينهم بعد عداوة الشرك

قائمنا ؛ ألنزلت السماء قطرها وأخرجت األرض نباتها ،

ـــــــــــــــ

.ق المصدر الساب) ۱(

.۳۱ ـ ۲۴عن بشارة المصطفى ك ) ۲(

.۸۵ ـ ۸۴: عن مالحم ابن طاووس ) ۳(

٢٣٤الصفحة

وليذهب الشحناء من قلوب العباد ، وأصلحت السباع والبهائم حتى تمشي المرأة من العراق إلى الشام ال .)۱(تضع قدمها إال على النبات وعلى رأسها زينتها ال يهيجها سبع وال تخافه

فلسفته وأصوله: ي رحاب الحكم اإلسالمي ف

صلى اهللا عليه (نموذجا عمليا فريدا في الحكم اإلسالمي بعد عصر الرسول ) عليه السالم(لقد قدم اإلمام وقد قرن ذلك بنظرية كاملة منسجمة األبعاد والجوانب تمثلت في كتابه وعهده المعروف لمالك األشتر ) وآله

وقد اهتم االجتماعيون بهذا العهد شرحا وتعليقا وتبيينا ومقارنة بأنظمة الحكم األخرى ، حين واله مصر ، وبه تتميز مدرسة أهل البيت عن سائر االتجاهات التي ) عليه السالم(ويعتبر هذا النص دليال من أدلة إمامته

معجز نجد في نهج البالغة وغيره من حملت اسم اإلسالم والخالفة اإلسالمية ، وباإلضافة إلى هذا النص الما يعيننا على كشف نظرية اإلمام ونظرية اإلسالم الفريدة عن ) عليه السالم(النصوص التي وصلتنا عنه

.فلسفة الحكم ونظامه أصوال وفروعا ، ونشير إلى الخطوط العريضة بإيجاز

البد للناس من أمير بر أو فاجر ، : بقوله على أن الحكم ضرورة اجتماعية ) عليه السالم(لقد أكد اإلمام . القدرة تظهر محمود الخصال ومذمومها:وبين أن الحكم مختبر الحياة قائال . واإلمامة نظام األمة

ثم أفاد أن الحكم . الدولة كما تقبل تدبر:وأوضح أن الحكم عرض زائل فال ينبغي االغترار به بقوله .كون ذا قيمة ويستحق التمهيد والتخطيط له النموذجي هو الذي ي

ـ ٢. ـ تثقيف األمة ١: وأما الخطوط العريضة لنظام الحكم اإلسالمي ومهام الدولة النموذجية فتتمثل في . ـ إقامة الحدود ٤. ـ حماية الدين ٣. إقامة العدل

ــــــــــــــ

يث أمير المؤمنين ، الجزء األول ما روى وراجع موسوعة أحاد . ۴۱۸ / ۲: عن خصال الصدوق ) ۱( .مؤسسة نهج البالغة ). عليه السالم(عنه حول اإلمام المهدي

٢٣٥الصفحة

ـ توفير الفيء وتحسين الوضع ٧. ـ االجتهاد في النصيحة واإلبالغ في الموعظة٦. ـ تربية المجتمع ٥ .المعيشي للناس

. ـ توفير األمن الداخلي ٩. ـ الدفاع عن استقالل وكرامة األمة ٨

. ـ إغاثة الملهوفين ١١. ـ نصرة المستضعفين ١٠

. ـ االهتمام بالعمران ١٢

وأما الحاكم النموذجي فينبغي له أن يتمتع بجملة من الصفات والتي تكون من أهم عوامل ثبات حكمه ، وهي ـ الشجاعة في إقامة ٤. ـ سطوع البيان ٣. ـ تفهم األمور ٢. ـ االنقياد للحق ١: ملخصا كما يلي

ـ التدبير ٩. ـ عموم العدل ٨. ـ عفة النفس ٧. ـ اإلحسان إلى الرعية ٦. ـ حسن النية ٥. الحق ـ كثرة ١٤. ـ الدفاع عن الدين ١٣. ـ الحلم ١٢. ـ الرفق ١١. ـ اإلنصاف ١٠. واالقتصاد

ـ ١٨. ـ التكليف بما يطيقه الشعب ١٧. ـ اليقظة ١٦. ية ـ الشعور باألمانة والمسؤول١٥. الورع ـ البذل ٢٠. ـ التوزيع الصحيح لألعمال وتعيين مسؤولية كل فرد بما يناسبه ١٩. عدم االغترار بالقدرة

.والجود من غير إسراف من كل ما يملك

محذرا الحكام والعمال والوالة بعوامل سقوط الدول وآفات الحكم) عليه السالم(وقد طفحت كلمات اإلمام :منها ، ويمكن إيجازها كما يلي

ـ ٥. ـ تعدد مراكز القرار ٤. ـ إتباع الهوى ٣. ـ االستبداد بالرأي وترك المشورة ٢. ـ الجهل ١ ـ ٩. ـ منع اإلحسان٨. ـ التكبر والفخر ٧. ـ البغي والظلم ٦. إتباع الباطل واالستخفاف بالدين

ـ قلة االعتبار وعدم ١٣. ـ سوء التدبير ١٢. ـ االنتقام ١١. ـ الغفلة ١٠. اإلسراف والتبذير ـ تقديم األراذل ١٦. ـ تضييع األصول ١٥. ـ كثرة االعتذار وتراكم األخطاء ١٤. االنتفاع بالتجارب

تولي األراذل واألحداث الدول ) : عليه السالم(وغير الجديرين للمناصب اإلدارية على األفراد األكفاء ، قال .دليل انحاللها وإدبارها

. إذا ظهرت الخيانات ارتفعت البركات ، ومن خانه وزيره فسد تدبيره) : عليه السالم( ـ الخيانة ، قال ١٧ آفة الزعماء ضعف السياسة ، وآفة القوي استضعاف الخصم ) :عليه السالم( ـ ضعف السياسة ، قال ١٨

ـ سوء السيرة ،١٩ ،خر تدبيره تقدم تدميره، ومن تأ

٢٣٦الصفحة

ـ ضعف الحماية الشعبية ٢١. ـ عجز العمال والوالة ٢٠ . آفة الملوك سوء السيرة) :عليه السالم(قال . ـ سوء الظن بالنصيح من عالمات اإلدبار ٢٢. آفة الملك ضعف الحماية ) : عليه السالم(للحاكم ، قال

السيد من ال يصانع وال ) : عليه السالم(مع القادة وحرصهم وجشعهم على ملذات الحياة الدنيا، قال ـ ط٢٣ . ـ وفقدان األمن ٢٤. الطمع يذل األمير ) : عليه السالم(، وقال يخادع وال تغره المطامع

:في رحاب العبادات والفرائض

فرائض فال تضيعوها ، وحد لكم حدودا فال تعتدوها ، إن اهللا سبحانه فرض عليكم ) : عليه السالم(قال ونهاكم عن أشياء فال تنتهكوها ، وسكت عن أشياء ولم يدعها نسيانا فال تتكلفوها ، ولم يأمركم إال بحسن

.، ولم ينهكم إال عن قبيح

يكم هللا سبحانه شكر أول ما يجب عل: وقال . عليك بحفظ كل أمر ال تعذر بإضاعته ) : عليه السالم(وقال أياديه وابتغاء مراضيه ، وطوبى لمن حافظ على طاعة ربه ، وسارعوا إلى فعل الطاعات وسابقوا إلى فعل الصالحات ، فإن قصرتم فإياكم أن تقصروا عن أداء الفرائض ، وال قربة بالنوافل إذا أضرت

:ببيان فلسفة جملة من التشريعات قائال ) يه السالمعل(واهتم اإلمام . بالفرائض ، وال عبادة كأداء الفرائضفرض اهللا سبحانه اإليمان تطهيرا من الشرك ، والصالة تنزيها عن الكبر ، والزكاة تسبيبا للرزق ، والصيام ابتالء إلخالص الخلق ، والحج تقوية للدين ، والجهاد عزا لإلسالم ، واألمر بالمعروف مصلحة

عن المنكر ردعا للسفهاء ، وصلة األرحام منماة للعدد ، والقصاص حقنا للدماء ، وإقامة للعوام، والنهيالحدود إعظاما للمحارم ، وترك شرب الخمر تحصينا للعقل ، ومجانبة السرقة إيجابا للعفة ، وترك الزنا

جاحدات ، وترك الكذب تشريفا تحصينا لألنساب ، وترك اللواط تكثيرا للنسل ، والشهادة استظهارا على الم .للصدق ، واإلسالم أمانا من المخاوف، واإلمامة نظاما لألمة ، والطاعة تعظيما لإلمامة

.زكاة البدن الجهاد والصيام ، وزيارة بيت اهللا أمن من عذاب جهنم: أيضا ) عليه السالم(وقال

٢٣٧الصفحة

ن من أهله ، وأنكر المنكر بيدك ولسانك وباين من فعله بجهدك ، وامر بالمعروف تك) :عليه السالم(وقال وغاية الدين األمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود ، والجهاد عماد الدين ومنهاج السعداء، ومن جاهد على إقامة الحق وفق ، والمجاهدون تفتح لهم أبواب السماء ، وثواب الجهاد أعظم الثواب

)۱(.

:في رحاب األخالق والتربية

اعتنى اإلمام المرتضى بتربية المجتمع وحاول أن يعالج االنحراف األخالقي في اإلنسان من جذوره العميقة ثم بين السبب األعمق . أال وإن حب الدنيا رأس كل خطيئة) : عليه السالم(، فوصف الداء األساسي بقوله

اب العميقة التي كانت تكمن وراء التآمر على األطروحة النبوية للخالفة في هذا الحب حينما أوضح األسب :والسر في استالب الحكم منه بالرغم من تواتر النصوص النبوية الكثيرة وإتمام الحجة على المسلمين قائال

.بلى لقد سمعوها ووعوها ولكن حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها

حب الشديد أن اإلنسان سوف يستخدم مختلف الوسائل للوصول إلى ما يصبوا إليه فإن ويترتب على هذا الحب الشيء يعمي ويصم ولهذا برر الخلفاء تقمصهم الخالفة بمختلف التبريرات التي دحضتها حجج اإلمام

وإذا سألنا ) . سالمعليه ال(الدامغة ، ولكن استمر التصلب على الموقف الذي أدانه اإلمام ) عليه السالم(عن الدواء الناجع لعالج هذا السبب األعمق في االنحراف ؛ وجدناه العالج في وصفه ) عليه السالم(اإلمام

الدقيق للمتقين في الخطبة المعروفة بخطبة همام حيث وضح السر الذي أوصلهم إلى هذه المرتبة من الكمال وهكذا تكون المعرفة . في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم لقد عظم الخالق: المتمثلة بالتقوى بقوله

الحقيقية باهللا العظيم سببا في

ـــــــــــــــ

ـ ۱۴۰: ، والمعجم الموضوعي لنهج البالغة ۳۳۵ ـ ۳۳۱ و ۱۹۰ ـ ۱۷۵: تصنيف غرر الحكم ) ۱( .۲۳۹ ـ ۲۱۶ و ۱۵۰

٢٣٨الصفحة

إذا صغرت الدنيا في أعينهم ؛ لم تكن الدنيا غاية همتهم ولم يجدوا حقارة الدنيا في أعين عباده المتقين ، وعليها فقد ) عليه السالم(في اقتنائها ، بل يحرصوا عليها وعلى ملكها كما لم يحرص علي بن أبي طالب

فإنها كانت إثرة شحت عليها نفوس قوم وسخت عنها :تنازل عن الخالفة حينما استبدت بها قريش قائال .فوس آخرين والحكم اهللا والموعد القيامةن

أخالقية علي النموذجية التي تدين السياسة : ومن هنا نشأت في المجتمع اإلسالمي أخالقيتان متميزتان الميكافيلية ، وأخالقية الخلفاء التي كانت ترى مشروعية الوصول إلى الحكم بأية وسيلة ممكنة ، ومن هنا

.) ۱( وحرص غيره عليه كان زهد علي في الحكم

:في رحاب الدعاء والمناجاة

اإلمام علي بحقل الدعاء والمناجاة ) عليهم السالم(كما اهتم سائر األئمة من أهل البيت ) عليه السالم(اهتمبي لولا قل ما يعبأ بكم ر() : صلى اهللا عليه وآله(بعد أن فتح القرآن الكريم هذا الباب قائال للرسول

اؤكمعد( ة الدعاء بنصوصه وسيرته فقالن أهميوبي)الدعاء سالح األولياء () : عليه السالم(.

عليه (وتضمن نهج البالغة مجموعة من األدعية العلوية لشتى األغراض والمجاالت ، وجمعت أدعيته المعروف بدعاء كميل ودعاء الصباح ومن غرر أدعيته الدعاء. فيما يسمى بالصحيفة العلوية) السالم

) :عليه السالم(والمناجاة الشعبانية ، ونشير إلى مقطع من مناجاته المنظومة التي أثرت عنه ، قال

تباركت تعطي من تشاء وتمنع= لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلى

إليك لدى اإلعسار واليسر أفزع= إلهي وخالقي وحرزي وموئلي

ــــــــــــــــ

۳۷۹ ـ ۳۷۴ و ۱۶۹ ـ ۱۵۲ و ۲۱۴ ـ ۱۹۴ و ۳۵۶ ـ ۲۸۲: المعجم الموضوعي لنهج البالغة ) ۱( .۱۴۷ ـ ۱۲۷ و ۳۲۳ ـ ۲۰۵: القسم األخالقي : ، وتصنيف غرر الحكم

٢٣٩الصفحة

فعفوك عن ذنبي أجل وأوسع= إلهي لئن جلت وجمت خطيئتي

ناجاتي الخفية تسمعوأنت م= إلهي ترى حالي وفقري وفاقتي

فؤادي فلي في سيب جودك مطمع= إلهي فال تقطع رجائي وال تزغ

فمن ذا الذي أرجو من ذا اشفع؟= إلهي لئن خيبتني أو طردتني

أسير ذليل خائف لك أخضع= إلهي أجرني من عذابك إنني

فحبل رجائي منك ال يتقطع= إلهي لئن عذبتني ألف حجة

فمن لمسيء بالهوى يتمتع؟= لم تعف عن غير محسن إلهي إذا

)۱(يناجي ويدعو والمغفل يهجع= إلهي حليف الحب في الليل ساهر

) :عليه السالم(في رحاب أدب اإلمام

في نهج ) عليه السالم(لقد تعرفنا على مجموعة من النصوص المنثورة والمنظومة التي أثرت عن اإلمام ، والحظنا القمة الشاهقة التألق التي ) عليه السالم( من الكتب التي اهتمت بتراث اإلمام البالغة أو غيره

بلغها اإلمام سواء في ميدان الخطابة أو الكتب والرسائل أو الكلمات الحكمية والمواعظ أو ميدان الشعر ، تأريخ فنا وعمقا وفكرا هو وال نبالغ إذا قلنا ـ كما قال متخصصو األدب ـ إن أجود نتاج أدبي عرفه ال

۲() عليه السالم(نتاج اإلمام علي(.

في مختلف المجاالت ، علما بأن هناك ديوان شعر منسوبا ) عليه السالم(ونختار نماذج منظومة من أدبه .)۳(إليه ، وقد اعتمده بعض المؤرخين واستشهدوا بنماذج أدبية من نصوصه

.اء أبيه أبي طالب رضوان اهللا تعالى عليه في رث) عليه السالم(قال

وغيث المحول ونور الظلم= أبا طالب عصمة المستجير

ـــــــــــــــ

.الصحیفة العلویة ومفاتیح الجنان ) ١(

) علیھ السالم(أدب اإلمام علي : تأریخ األدب العربي في ضوء المنھج اإلسالمي للدكتور محمود البستاني ) ٢(.

.٣١٣ ـ ٣٠١ / ٢: للسید محسن األمین ) علیھم السالم(في رحاب أئمة أھل البیت : راجع ) ٣(

٢٤٠الصفحة

فصلى عليك ولي النعم= لقد هد فقدك أهل الحفاظ

)۱(فقد كنت للمصطفى خير عم= ولقاك ربك رضوانه

:وأكتبهم ، ومما قاله يوم بدر أن عليا أشعر الصحابة وأفصحهم وأخطبهم : وجاء عن الجاحظ والبالذري

وثاب إليه المسلمون ذوو الحجى= نصرنا رسول اهللا لما تدابروا

ولما يروا قصد السبيل وال الهدى= ضربنا غواة الناس عنه تكرما

على طاعة الرحمن والحق والتقى= ولما أتانا بالهدى كان كلنا

) :عليه السالم( قوله ومما أورده سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص

وصفوها لك ممزوج بتكدير= للناس حرص على الدنيا بتدبير

لكنما رزقوها بالمقادير= لم يرزقوها بعقل حينما رزقوا

طار البزاة بأرزاق العصافير= لو كان عن قوة أو عن مغالبة

) :عليه السالم(وعنه

وداؤك منك وما تبصر= داؤك فيك وما تشعر

وفيك انطوى العالم األكبر= ك جرم صغير وتحسب أن

فسالم عليك يا أبا الحسن والحسين يا سيد البلغاء والشعراء يوم ولدت ويوم آمنت وجاهدت ويوم صبرت وآثرت ويوم أقمت حدود اهللا واستشهدت صابرا محتسبا ويوم تبعث حيا ، تقود أحباءك على الحوض إلى

.جنات النعيم

لعالمينوالحمد هللا رب ا

ــــــــــــــ

.٣٧٩ ، ٣٧٨ / ٧ و ١٠٦ / ٣: الغدير : راجع ) ١(

٢٤١الصفحة

الفهرس التفصيلي

٥فهرس إجمالي ـ

٧مقدمة المجمع ـ

:الباب األول

١٧في سطور ـ ) عليه السالم(اإلمام المرتضى علي : الفصل األول

٢٣ـ ) ليه السالمع(انطباعات عن شخصية اإلمام علي : الفصل الثاني

٢٩ـ ) عليه السالم(مظاهر من شخصية اإلمام علي : الفصل الثالث

٣٠ـ ) عليه السالم(عبادته وتقواه

٣١ـ ) عليه السالم(زهده

٣٢ـ ) عليه السالم(إباؤه وشهامته

٣٣ـ ) عليه السالم(مروءته

٣٣ـ ) عليه السالم(صدقه وإخالصه

٣٤ـ ) عليه السالم(شجاعته

٣٥ـ ) عليه السالم(ه عدل

٣٦ـ ) عليه السالم(تواضعه

٣٦ـ ) عليه السالم(نقاؤه

٣٦ـ ) عليه السالم(كرمه

٣٧ـ ) عليه السالم(علمه ومعارفه

٢٤٢الصفحة

:الباب الثاني

٤٣ـ ) عليه السالم(نشأة اإلمام علي : الفصل األول

٤٣نسبه الوضاء ـ

٤٣جده الكريم ـ

٤٤والده ـ

٤٥ ـ أمه

٤٧ـ ) عليه السالم(مراحل حياة اإلمام علي : الفصل الثاني

من الوالدة إلى اإلمامة) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الثالث

٤٩من الوالدة إلى البعثة النبوية المباركة ـ : المرحلة األولى

٤٩والدته ـ

٥٠كناه وألقابه ـ

لإلمام علي ٥١ـ ) المعليه الس(اإلعداد النبوي

٥٣من البعثة إلى الهجرة ـ : المرحلة الثانية

عليه السالم(علي ( ل المؤمنين برسول اهللاأو)٥٣ـ ) صلى اهللا عليه وآله

ل من صلى ـ ) عليه السالم(علي٥٥أو

٥٦أول صالة جماعة في اإلسالم ـ

٥٨حين إعالن الرسالة ـ ) عليه السالم(علي

٥٨ـ حديث يوم اإلنذار

ة المباركة ـ ) عليه السالم(علي٥٩من إعالن الرسالة إلى الهجرة النبوي

٦٠في شعب أبي طالب ـ ) عليه السالم(علي

٦٢والهجرة إلى الطائف ـ ) عليه السالم(علي

٦٣في بيعة العقبة الثانية ـ ) عليه السالم(علي

٦٣إلى المدينة ـ ) يه وآلهصلى اهللا عل(ليلة هجرة الرسول ) عليه السالم(علي

٢٤٣الصفحة

٦٦ـ ) عليه السالم(مباهاة اهللا مالئكته بموقف علي

٦٧مهام ما بعد ليلة المبيت ـ

٦٨ـ ) عليه السالم(هجرة اإلمام علي

٧١ـ ) صلى اهللا عليه وآله(في فراش النبي ) عليه السالم(من معاني مبيت اإلمام

عليه السالم(المرحلة الثالثة ك علي ( من الهجرة إلى وفاة النبي)٧٢ـ ) صلى اهللا عليه وآله

١ ٧٢والمؤاخاة ـ ) عليه السالم( ـ علي

٢ ٧٣ـ ) عليها السالم(بالزهراء ) عليه السالم( ـ اقتران علي

٣ ٧٥في معاركه ـ ) صلى اهللا عليه وآله(مع الرسول ) عليه السالم( ـ علي

٧٥في معركة بدر ـ ) معليه السال(أ ـ علي

٧٧في معركة احد ـ ) عليه السالم(ب ـ علي

٨١مواقف بعد معركة احد ـ

٨٣في معركة الخندق ـ ) عليه السالم(ج ـ علي

٨٦في صلح الحديبية ـ ) عليه السالم(د ـ علي

٨٩في غزوة خيبر ـ ) عليه السالم(هـ ـ علي

٩٢في فتح مكة ـ ) عليه السالم(و ـ علي

عليه السالم(صعود علي ( على منكب النبي)٩٤لتحطيم األصنام ـ ) صلى اهللا عليه وآله

٩٤في غزوة حنين ـ ) عليه السالم(ز ـ علي

٩٥في غزوة تبوك ـ ) عليه السالم(ح ـ علي

٩٦تبليغ سورة براءة ـ

٩٨في اليمن ـ ) عليه السالم(علي

١٠٠ـ ) وآلهصلى اهللا عليه(طبيعة عمل النبي

ة الوداع ـ ) عليه السالم(علي١٠٢في حج

١٠٣في غدير خم أميرا للمؤمنين ـ ) عليه السالم(علي

٢٤٤الصفحة

١٠٥ـ ) سأل سائل بعذاب واقع ( نزول آية

١٠٥ـ ) عليه السالم(لتثبيت بيعة علي ) صلى اهللا عليه وآله(محاوالت الرسول

ة أسامة ـ ) ليه وآلهصلى اهللا ع(مرض النبي١٠٧وسري

عليه السالم(علي ( مع النبي)١١٠في اللحظات األخيرة ـ ) صلى اهللا عليه وآله

:الباب الثالث

١١٣ـ ) عليه السالم(عصر اإلمام علي : الفصل األول

١١٣حديث الوفاة ـ

١١٤الحزب القرشي واألنصار في السقيفة ـ

١١٧تحليل اجتماع السقيفة ـ

١١٩نظرة قريش للخالفة ـ

١٢١عن الخالفة ـ ) عليه السالم(مالمح التخطيط إلقصاء اإلمام علي

١٢٤سلبيات حادثة السقيفة ـ

١٢٧موقف أبي سفيان ـ

١٢٨أقطاب المعارضة للسقيفة ـ

١٣٠نتائج السقيفة ـ

١٣٣في عهد أبي بكر ـ ) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الثاني

١٣٣سلطة الحاكمة لمواجهة المعارضة ـ خطوات ال

١٣٧على البيعة ـ ) عليه السالم(محاولة إرغام اإلمام

١٤٠ومضاعفات السقيفة ـ ) عليه السالم(موقف اإلمام علي

ة جمع القرآن ـ ) عليه السالم(اإلمام علي١٤٥ومهم

١٤٦في عهد أبي بكر ـ ) عليه السالم(من مواقف اإلمام

١٤٧لى عمر ـ وصية أبي بكر إ

٢٤٥الصفحة

١٤٩مآخذ على وصية أبي بكر ـ

١٥١في عهد عمر ـ ) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الثالث

١٥٢مالمح من سيرة عمر ـ

١٥٣محنة الشورى ـ

١٥٥مؤاخذات على الشورى ـ

١٥٧حوار ابن عباس مع عمر حول الخالفة ـ

١٥٩من الشورى ـ ) عليه السالم(موقف اإلمام

١٦١لماذا لم يوافق اإلمام على شرط عبد الرحمن بن عوف ؟ ـ

١٦٣في عهد عثمان ـ ) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الرابع

١٦٤أبو سفيان بعد بيعة عثمان ـ

١٦٥مالمح سلبية في حكم عثمان ـ

١٦٧مع عثمان ـ ) عليه السالم(موقف لإلمام علي

١٦٨ األمة ـ اآلثار السلبية لحكومة عثمان في

:الباب الرابع

١٧٣بعد مقتل عثمان ـ ) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل األول

١٧٣ـ ) عليه السالم(بيعة المسلمين لإلمام علي

١٧٥ـ ) عليه السالم(المتخلفون عن بيعة اإلمام

١٧٦ـ ) عليه السالم(عقبات في طريق حكومة اإلمام

١٨٠في األمة ـ ) معليه السال(محاور عمل اإلمام

١٨٣الثقافة اإلسالمية في حكمن الخلفاء ـ

١٨٦جهود اإلمام في إحياء الشريعة اإلسالمية ـ

٢٤٦الصفحة

١٨٩مع الناكثين ـ ) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الثاني

١٨٩مثيرو الفتن ـ

١٩٠عائشة تعلن التمرد ـ

١٩٢مكر معاوية ونكث الزبير وطلحة للبيعة ـ

١٩٣حركة عائشة ومسيرها نحو البصرة ـ

١٩٥مناوشات على مشارف البصرة ـ

١٩٦االقتتال ـ الهدنة ـ الغدر ـ

١٩٧للقضاء على التمرد ـ ) عليه السالم(حركة اإلمام

١٩٨آخر النصائح ـ

١٩٩نشوب المعركة ـ

٢٠٠مواقف اإلمام بعد المعركة ـ

٢٠١نتائج حرب الجمل ـ

٢٠٢ الخالفة ـ الكوفة عاصمة

٢٠٣مع القاسطين ـ ) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الثالث

٢٠٣ـ ) عليه السالم(استعدادات معاوية لمحاربة اإلمام

٢٠٤السيطرة على الفرات ـ

٢٠٥محاولة سلمية ـ

٢٠٥الحرب بعد الهدنة ـ

٢٠٦مقتل عمار بن ياسر ـ

٢٠٧خدعة رفع المصاحف ـ

٢٠٩موادعة ـ التحكيم وصحيفة ال

٢١٠موقف واع وتقييم ـ

٢١٠واعتزال الخوارج ـ ) عليه السالم(رجوع اإلمام

٢٤٧الصفحة

٢١١اجتماع الحكمين ـ

٢١٢قرار التحكيم ـ

٢١٣مع المارقين ـ ) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الرابع

٢١٤على قرار الحكمين ـ ) عليه السالم(رد اإلمام

٢١٥خوارج ـ المواجهة مع ال

٢١٧احتالل مصر ـ

٢١٨انهيار األمة وتفككها ـ

٢٢٠ـ ) عليه السالم(آخر محاوالت اإلمام

٢٢١شهيد المحراب ـ ) عليه السالم(اإلمام علي : الفصل الخامس

٢٢٢ـ ) عليه السالم(وصية اإلمام

٢٢٣ـ ) عليه السالم(دفن وتأبين اإلمام

٢٢٥ـ ) عليه السالم( بن أبي طالب تراث اإلمام علي: الفصل السادس

٢٢٦في رحاب نهج البالغة ـ

٢٢٧في رحاب العقل والعلم والمعرفة ـ

٢٢٨في رحاب القرآن الكريم والسنة النبوية المباركة ـ

٢٢٩في رحاب التوحيد والعدل والمعاد ـ

٢٣١ـ ) النبوة واإلمامة(في رحاب القيادة اإللهية

٢٣٢ـ ) عليه السالم(ي في رحاب اإلمام المهد

٢٣٤فلسفته وأصوله ـ : في رحاب الحكم اإلسالمي

٢٣٦في رحاب العبادات والفرائض ـ

٢٣٧في رحاب األخالق والتربية ـ

٢٣٨في رحاب الدعاء والمناجاة ـ

٢٣٩ـ ) عليه السالم(في رحاب أدب اإلمام

٢٤١الفهرس التفصيلي ـ