378

Click here to load reader

رواية لاجئة

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: رواية لاجئة

الرمالوي رواية الجئة للكاتبة الفلسطينية سحر

قسم السباب تتعلق١٨رواية جديرة بالقراءة ، مقسمة الى .الرواية تتالف من اربعة فصول باالنترنت مع ان

رواية للكاتبة سحر الرمالوي ١٨ من١رواية الجئة ـ حلقة

، وفي وسطه لــديــنا بيت واسع ، كبــيـر، نصفه حجرات و نصفه مكشوف بالضبط بئر قديمة بجوارها نخلة سامقة ، طويلة جدا ، أطول من كل النخيل

الذي تعرفين ، كانت النخلة تمد جذورها في أعمق أعماق البئر و كنا نرى تلك الغريبة الطويلة حين ندلي رؤوسنا داخل البئر ، كانت مياهه بعيدة و الجذور

النخلة لتصل إليها بالجـــذور ، كـــانت أمي تــصيح فينا لذلك فقد احتالت ، و كانت دائما تردد ألبي ، يرحمه الله : "يوما ما دائما لنبتــعد عن الــبئر

"•• البئر ، أشعر بهذا سيسقط أحد أطفــالنا في هذا

ـ للكاتبة سحر الرمالوي رواية ١٨ من٢رواية الجئة ـ حلقة

أنها جارته ، من من هذه الفتاة ، و كيف لم يالحظها منذ سكن الشارع رغم من أين واتتها القوة لتقول رأيها بصراحة في الوقت الذي استغرق االمر

زوجته عمرا و ثالثة اطفال كي تنطقها •• ماذا تعرف هذه الصغيرة الجريئة ماذا كانت تخبرها مريم و كيف كانت تنظر إليه ، هل تحتقره في قرارة عنه ،

كثيرة حرمت عليه النوم ذلك اليوم ، و قرر أن يعرفها أكثر ، نفسها •• اسئلة كل النساء و لكن تنقصها الخبرة قال أنها بكل تأكيد مثل

للكاتبة سحر الرمالوي رواية ١٨ من٣رواية الجئة ـ حلقة

مصاريف قد أستطيع أنت ال تفهم يا أستاذ سعيد ، أنا ال أسافر من أجل دربا طويال تدبيرها إذا بقيت ، إنني أذهب و أنا أعلم تمام العلم أن أمامي

طويال ، دربا تأخرت عن المشي فيه بسبب نوازع العاطفة و رغبتي في عدم أوالدي ، و أسلكه اليوم بسبب نوازع العاطفة أيضا و بسبب العقل ترك

للكاتبة الفلسطينية الصاعدة سحر الرمالوي رواية ١٨ من٤رواية الجئة ـ حلقة

سماها األب و هو أزف موعد الرحيل و هذه الليلة كانت آخر ليلة ، هكذا من يبتسم مشجعا ألهل بيته بينما يضع آخر حمولة مما حمله اليوم إليهم

السوق ، كل أنواع األطعمة التي تكفي البيت شهرا ، أحضر الدقيق و األرز و الزيت و السمن و حتى علب الكبريت و علب البسكويت التي تحبها السكر و

يحتاجه البيت و لحم كثير و خبز أيضا كل شيء أحضره سمر و الصابون الذي : األب و حمله معه قاسم قال

Page 2: رواية لاجئة

للكاتبة الفلسطينية الصاعدة سحر الرمالوي رواية ١٨ من ٥رواية الجئة حلقة رواية تستحق القراءة

غير معقول يا سوسن ، كيف تجرؤين على الزج بي في موضوع كهذا ، هل!تريدين القول أن سيد وافق على التحاقك بالجامعة فقط لتكوني عينا علي ؟

تلعثمت سوسن أمام غضبة ريم غير المتوقعة و قالت في محاولة لتلطيف :الجو

للكاتبة الفلسطينية الصاعدة سحر الرمالوي رواية ١٨ من٦رواية الجئة ـ حلقة

و لكن هذا لم يكن رأيك فما الذي غيرك ؟- األحساس بكل هذه الوجوه من حولها ، إال وجها واحدا كان يرسم فقدت ريم

، تراه مهيمنا على كل المشاعر و على كل نفسه و بقوة فوق الحدث الصبر و قوة التضحية ، إنه الموقف ، وجه فرض نفسه بقوة الحب و قوة

غطت على وجه أبيها ، كانت تراه في هذه اللحظة قويا حتى أن انفاسه الهدير الصاخب حولها ، شعرت أن جسدها فقط هو الذي يعيش الحدث ،

تلف لتبتسم و ترد التبريكات بأحسن منها و تأمن على الدعوات تشعر بنفسها هي في كل هذا مسيرة ال تعيش اللحظة معهم ، و تدعو بالعقبى ألخيها و

به بهذه القوة كانت تريد أباها ، إحساس طغى عليها كثيرا و ألول مرة تشعر هذه اللحظات و صبره هو تريده اآلن ، تريد أن تخبره أن يده هي التي كتبت

أن تجثو أمامه الذي أوصلها إليها و تضحيته هي التي قدمتها لها ، كانت تريد على تقبل يمينه و تغسلهما بدموع الفرحة و تؤكد له بل تقسم بأنها ستحافظ

الهدية الغالية الثمينة

للكاتبة الفلسطينية الصاعدة سحر الرمالوي رواية ١٨ من٧رواية الجئة ـ الحلقة

ليلة البارحة ، لم أستطع النوم كان تعلقها بكلماته ، وثقتها بأن في يده دائما حلول سألت نفسها مرارا إن

عنه الناس ، و تنتظره سوسن و يتأوه من مشكالتها هو الحب الذي يتحدث لهفة االنتظار في غياب أجله المغنون و المغنيات •• لكنهم يتحدثون عن

يسكنها الحبيب الحبيب و هي ال تشعر بهذه اللهفة ، يتحدثون عن األحالم التي و هي لم تحلم به ليلة رغم وجوده المكثف في حياتها ، يتحدثون عن جمال

الكون حين يكون الحبيب مع حبيبه و هي لم تشعر للحظة أن مشكالتها اختفت

١٨ من ٨الجئة ـ الحلقة رواية ، ســوى أنني عندما حـــسبت ســنين ال أدري ماذا أقول لك أيها الغالي

بثبوت ريم في الجامعة العمر التي مضت و حذفتها من لحظة الفرحة الكبرى

Page 3: رواية لاجئة

وجدت أن تلك اللحــظة فاضت و زادت حتى غطت على كل سنين الشقاء أتحسبني نسيت يا أبا العيال ؟ أتحسبني نسيت ليالي سهادك و أيام••

لم أكن أسمع الزفرات الحرى تخرج من قلبك فتحرق جهادك ، أتحسبني الليالي الطويلة التي تقاسمنا الفراش قلبي ، أم تحسبني لم أكن أسمع في

سؤال المضطرين ، لقد فيها وجيب قلبك و هو ينادي الفرج و يسأل الله سمعت وشاهدت و عشت و أحسست و اليوم معك أحصد و إليك أهدي و بك

•• تستمر المسيرة

تستحق القراءة رواية ١٨ من٩رواية الجئة ـ حلقة

ترفضين صحبتنا ، و ريم ، أعرف ما تفكرين به ، أعرف أنك غاضبة ، و أنك أنا •• لن نضغط عليك كثيرا ، إال أنني سأخبرك أمرا قد يعنيك أن تعرفيه

أشعر بك تماما •• و في ذلك اليوم عندما أخبرتك أنني أحبك لم يكن حديثي قبيل اللهو ، و لكنه كان حديث نفس ، بالفعل أشعر أنني مرتبط بك من

•• أنك قطعة مني بشكل أو بآخر ، أشعر

١٨ من ١٠الجئة ـ الحلقة رواية في أمر ابنتها و الوسيلة التي يمكنها أن لما أسقط في يد األم ، و احتارت

إليه حرصها عليها و على مستقبلها ، إذ تقنعها بها لم تجد إال حال واحدا دفعها عندما اخبرتها أبنتها أنها أرسلت خلسة في طلب األستاذ سعيد و قد تذكرت

الركون إليه و الثقة فيه بالفعل تعتبره شيئا عظيما في حياتها ، شخصا يمكنها •• ، بعـــد أبيها الذي تفـصـــلها عنه مسافات و زمن طويل

تستحق القراءة رواية ١٨ من١١رواية الجئة ـ حلقة

: جلست بجواره و قالت بحرارة عابرا ، الوحيد أنت ؟ أنت الكائن الوحيد الذي لن يكون حنيني إليه شوقا  

كل الذي لن يغادر ذاكرتي ما حييت ، أال يكفيك أنني سأتذكرك و أذكرك في لحظة من لحظات حياتي ، إذا فرحت ، و إذا حزنت ، إذا ضاقت علي الدنيا و

ابتسمت لي ،إذا تطلعت إلى القمر ، أو استيقظت في الصباح ، أو نمت إذا•• غال جدا يا أستا عند المساء ، إنك

١٨ من ١٢الجئة ـ الحلقة رواية اتجهت للمطبخ ، كانت بقايا طعام العشاء ابتعدت ريم عن التلفاز متنهدة و

و هو مزدحم باألواني ، في المجلى داخل األواني ، راعها منظر المجلى فشمرت أكمامها و شرعت في تنظيف األواني ، عندما دق جرس الباب

دقات متتابعة تنبىء عن مقدم المهنئين ، أسرعت فغسلت يدها و توجهت : أغلقت في طريقها التلفاز و جهاز الفيديو و هي تقول لحجرتها بعد أن

•• أهتم بزينتي أكمله بعد أن ينصرفوا ، و أذهب الستقبالهم ، علي أن  

Page 4: رواية لاجئة

١٨ من ١٣الجئة ـ الحلقة رواية بهمومنا حتى ألقرب الناس لنا ، لكننا دوما أحيانا ، يصعب علينا اإلعتراف

حتى لو كان الكالم لمجرد التخفف بحاجة لمن يسمعنا و يفهمنا و يخفف عنا ، فإذا تركت همومك تأكلك من همومنا •• أنت فنانة و راحة البال رأس مالك ،

و ريم ••• ضعت ، لذا آمل أن تتحدثي معي ، كصديقة و ليس كصاحبة مال لم تكن بحاجة لهذه المقدمة ، كانت تريد حقا شخصا غريبا يفهمها ، يبدي

، أو يقدم حال •• كانت تريد الكالم لكنها لم تكن تعرف لمن تبوح ، تعاطفا أبويها كانت تخشى على

١٨ من ١٤الجئة حلقة رواية يسمعون ، العبارات واضحة ، لكن تلفتوا ينظرون حولهم ، غير مصدقين لما

هالميين حولهم ، ليس البد أن هنالك خطأ ما ، البد أن هذا الحديث ألشخاص : لهم •• تمسكت سمر بأمها فصاحت األخيرة

: شفتيه لكنهم أبنائي •• قال المسؤول و هو يمط   •• هذا هو النظام  

١٨ من ١٥الجئة حلقة رواية أصبح جاهزا تماما للسفر ، جمع المال انتهى قاسم من تجهيز أوراقه كلها ،

هناك مصيره ، و كان في الالزم و اشترى المالبس المناسبة لشاب ال يعرف الحياة في أمريكا الفترة األخيرة يكثر من قراءة الكتب باللغة اإلنجليزية عن

جهاز تسجيل حصل عليها من السفارة ، و يتابع األفالم الغربية ، و ال يرى إال و صغير به شريط أجنبي حول أذنيه ، شعرت أسرته أنه سافر قبل أن يسافر ،

يعد يهتم كثيرا بما يجري حوله في المنزل ، و عندما طلبت منه األم فلم ادارة الوافدين لتحضر شهادة تعفي سمر من مصاريف الدراسة مرافقتها إلى

الفلسطيني باعتبار وفاة أبيها

١٨ من ١٦الجئة حلقة رواية الوحيد •• لم أنجب غيره بعد توسلت إليهم أن يسرعوا •• محمد ولدي

المشرف انتظار سبعة عشر عاما •• لكنه مات •• مات •• بسرعة جمع أعضــــاء فريقه و أعــــطى توجـــيهات بالعودة السريعة إلى القاهرة و

عدة أطباء بعد شرح األعراض ليتسنى لهم إحضار كل أنواع األدوية إحضار شدد عليهم ضرورة العودة السريعة و أن يكون األطباء التي يمكن أن تفيد ،

أمكن ، قال لريم و هو يدفعها من معارفهم ليتجاوزوا الروتين ما

١٨ من ١٧الجئة حلقة رواية كانوا يتحدثون معا فتضيع عباراتهم لم تفهم ريم ما الذي يقوله الرجال فقط

بسرعة و اتجهت إلى مع صخبهم ، على أن قلبها استشعر خطرا ، نهضت الباب و الباب ، كان المشرف على الرحلة مضطربا ، حذرها من التقدم نحو

: قال بارتباك شديد

Page 5: رواية لاجئة

واالخيرة١٨الجئة حلقة رواية األجراس دوما •• نصرخ بصوت عال أننا هنا حتى ال ينسى •• البد أن نقرع

أدار وجهه عنا ، أدرنا أنفسنا إليه ، و •• نعلنها للدنيا أننا نرفض نسيانه •• إذا كتابا كنا بعضا من سطوره ، وإذا إذا تشاغل بأمر خرجنا له منه ، إذا قرأ

•• تنفس هواء كنا بعضا من بعض ذراته

Page 6: رواية لاجئة

وصمة� عار~ في جبين بين يدي الرواية سيظل{ تاريخ| الالجئين الفلسطينيين •••!!عالَـم يد�عي التحض{ر

دارت بك أيام…. إهداء إلى أحمد …. كلما أوغلت طيورك في سماء الغربة وفأدارتك سيبقى ــ يا أخي الحبيب ــ ثَـم�ة أمل� ننتظره

االسم :ريم جهاد القاسم

المهنة : طالبة

محل الميالد : القاهرة

م1966تاريخ الميالد :

لون العينين : كما في الصورة

جوازات السفر العادية وثيقة سفر لالجئين الفلسطينيين ••دفتر أزرق بحجم••

••كان هذا الكتيب أول عالقة رسمية حقيقية لها بالدنيا

:عندما أعطاه إياها أبوها قال

منها ، حافظي عليه فبدونه أنت الشيء •• استلمته و كأنها تستلم قطعة   بين دفتيه يكمن وجودها و ال معنى لكل حياتها ما لم يكن معها •• فتحت

بيد مهزوزة ، كان ثمة ختم مطبوع باللون األزرق مسجل فيه أيضا صفحاته " ••البلدان العربية ما عدا سوريا و اليمن حدودها : " لجميع

:رفعت عينيها تتساءل عن السبب؟ أجاب أبوها بال مباالة

حملته برفق و سارت به نحو غرفتها و في صندوق مقتنياتها •• عادي   شهادة ميالدها التي ليست كأي شهادة فعنوانها " الثمينة وضعته ، بجوار

الثانوية العامة قبل أيام أكملت ريم مسجل رسمي " و شهادات دراستها حتى� ، واليوم أصبحت به|وية منفصلة تخصها وحدها بعد أن قبعت ثمانية عشر عاما

••حتى اآلن راضية في ه|وية أبيها سنين عمرها الماضية كلها منذ ولدت و

� ، و تخرج الوثيقة تتأملها مرات~ و مرات ، عادت تفتح صندوقها الثمين مجددا المقصود وثيقة سفر لالجئين الفلسطينيين ، ما معنى هذه الكلمة ؟ ما

بوضعها على غالف الوثيقة؟ أليست مثل أية وثيقة ؟ أليست جواز سفـــر الجــواز الذي يمتلــكه أبوها و تمتلكه أمها •• لكن ال •• لقد تذكرت ، مثل

Page 7: رواية لاجئة

وثيقة أبيها لكنه ال يشبه وثيقة أمها فوثيقة أمها خضراء و إنه فقط يشبه ••للمصريين مكتوب عليها جواز سفر

كـــانت قد نــادتها ما الفرق ؟ كانت أمها تطهو في مطـــبخ بيتهم الصغير ، : حتى اآلن ثـــالث مرات و عندما رأتها على باب المطبخ بادرتها

منذ المرة األولى ؟ صح النوم ، ألم تسمعي النداء    الفرق بين الجواز و الوثيقة ؟ فوجئت األم بالسؤال ، كان ذلك أمي ما  

عينيها و توقف يديها عن تقليب الطعام ، على أن واضحا من اتساع حدقة ألنها عــادت إلى التقليب و تنهدت و هذه الدهشة لم تدم سوى ثانية واحدة

:هي تنظر في محتويات القدر قائلة

كان دورها الجواز لمن لهم وطن ، أما الوثيقة فهي لالجئين •• هذه المرة   : في الدهشة و سألتها

:هل يعني هذا أنني صرت الجئة ؟ ابتسمت أمها رغما عنها و قالت  

و •• رسمية يا ريم ، رسميا فأنت الجئة منذ ولدت و لكنها اليوم رسمي   كأنها كانت نائمة فاستيقظت ، أو صماء و فجأة سمعت ، أو عمياء وبدون

أبصرت ، حامت حول رأسها كلمة الجئة بعض� الوقت ، ثم حطت مقدماتخ� عمالق بأظافر وحشية و ••أخذت تشد شعرها من منابته كر|

:نظرت إليها األم و قالت

•• اللجوء - يا حبيبتي - مصطلح يعني أن هذا اإلنسان بال وطن   ••!! لكنني فلسطينية ووطني فلسطين  

كلمة نسجلها في بطاقاتنا ، إنه أرض و انتماء ، الوطن يا ابنتي ليس مجرد   معارف ، خدمات صحة و تعليم ، دار و كرم ، مدرسة و جيران ، أقارب و

باسمك و سفارة وظيفة ثابتة و معاش عند التقاعد ، الوطن رئيس يتكلم ترعى مصالحك و رجل أمن يسهر على حمايتك ، فهل لديك أي� من هذه

األشياء ؟

لم يكن لها يوما أي� من هذه األشياء ، تعلمت ، هذا صحيح ، ولكن •• ال   كان أبوها يقتطع من لحمه كي يسدد أقساطها ، و عندما في مدرسة خاصة ،

األسبرين دواءها ، ألنهم يعدون المرض رفاهية ال كانت تمرض كان الدعاء و أبوها بيتا فهو "وافد "و ليس من حقه تملك ، يستطيعها إال القادرون ، ال يملك

!وأنى له هذا ؟

� و ليس ألنهم ال لكنها كانت تعتقد أنهم ال يملكون بيتا ألنهم ال يملكون نقودا� � قديما يقلبه و يفحص يملكون وطنا •• توجهت إلى أبيها ، كان يعالج كرسيا

:مكان الخلل به ، سألته

Page 8: رواية لاجئة

أال نملك في فلسطين بيتا ؟ طالعها بدهشة ، ثم عاد إلى كرسيه ••أبي    واقفة تراقب سؤالها وهو يفترش سماء الغرفة سحابة� المكسور يقلبه ، ظلت

أن أباها كف عن التنفس ، بقيت لحظة� داكنة� ، و خيم الصمت ، حتى ظنت قلبها استشعر شيئا فيهما ، تراقبه ، كانت عيونه في منأى عن عيونها لكن

كانت عيونه ركعت بجوار الكرسي المكسور ، وطالعت وجه أبيها باهتمام ، تلمع ، لكنه لم يبك� ، أبوها ال يمكن أن يبكي ، إنه رجل قوي ، و الدموع

:للنساء فقط ، سألته

كنت تعيش هناك يا أبي ؟ رفع رأسه و تألألت ابتسامة حنين على أين   : قال شفتيه تحت شاربه الكث و

•• غزة ، قرب الشاطئ في غزة •• كنت أعيش في   ضحك ضحكة صغيرة ، لم تخرج طربا و لكنها كــانت مقدمة في بيت ؟  

••لسيل من الكلمات

واسع ، بيــت ؟ و أي بــيت يا ريم ، و أي بيــت •• كان لــديــنا بيت   كبــيـر، نصفه حجرات و نصفه مكشوف ، وفي وسطه بالضبط بئر قديمة

سامقة ، طويلة جدا ، أطول من كل النخيل الذي تعرفين ، بجوارها نخلة أعمق أعماق البئر و كنا نرى تلك الجذور الغريبة كانت النخلة تمد جذورها في

، كانت مياهه بعيدة و لذلك فقد الطويلة حين ندلي رؤوسنا داخل البئر تــصيح فينا دائما لنبتــعد احتالت النخلة لتصل إليها بالجـــذور ، كـــانت أمي يوما ما سيسقط أحد : "عن الــبئر ، و كانت دائما تردد ألبي ، يرحمه الله

"••أطفــالنا في هذا البئر ، أشعر بهذا

:و عاد أبوها يضحك ضحكته القصيرة و أكمل

متعتي و إخوتي أن ننزل على هذه الجذور داخل البئر حتى يصبح كانت   كقرص من ضياء أمام عيوننا ، كنت أحب هذا طوق البئر في ضوء الشمس

تتفقدنا كلما انتهت من أحد على األقل ، لكن أمي كانت تكرهه ، كانت تصيح و تولول حتى أعمالها و هي كثيرة ، فإذا وجدت أحدنا في البئر كانت

� عنه ، رحمة الله عليها � و بكت بدال ••يخرج فإذا خرج أوســعته ضربا

لكنها لم تمت   أمسك الرحمة لألحياء قبل األموات يا ابنتي •• عاد األب إلى كرسيه  

قدومه و أعمل به الدق ، وقفت برهة مترددة لكن السؤال عاد فغلبها : فنطقت

إليها مجددا و المسمار األسود بين شفتيه أبي ، و هل كان لكم كرم ؟ نظر   •• رأسه بالنفي و عاد يدقدق يمنعه عن الكالم ، أو أن هذا ما أراده ، هز

لنا وطن لكن لنا أقارب و أعمام ، معارف و أصدقاء ، إذن نحن لنا وطن ،   يا أبي أليس كذلك ؟ لماذا إذن كتبوا على جواز سفرنا الالجئين ؟ ترك أبوها

: قدومه يسقط منه أرضا و أزاح الكرسي عنه و قال

Page 9: رواية لاجئة

هو تعالي •• اصطحبها إلى غرفته ، كانت مظلمة ، لكنه فتح النور و   : يقول

فتح خزانة مالبسه و أخرج صندوقا من خشب اللوز •• سأريك الوطن اآلن   : القديم و قال

غربتي بما تبقى لي من وطني هنا في هذا الصندوق احتفظت طوال سنين   ••، انظري

تتابعت باألبيض و أخرج ألبوما مهترئا •• أخذ يقلب صفحاته أمامها ، صور :، أشار األسود ، رديئة اإلضاءة ، لم تعن لها شيئا ، فهي ال تعرف أصحابها

أمي ، و هذا أبي ، يرحمه الله ، و هؤالء إخوتي ، الكبير عمك عامر ، هذه   عشرة أعوام و له أوالد ال أعرف عددهم ، لكنهم كثر ، و هذا لقد توفي قبل

بأربعة أعوام ، منذ سنين لم تصلني أخباره ، و هذا عمك عمر ، كان أكبر مني كنت شديد الخجل ، لذا ترين وجهي يختبئ أنا ، انظري كنت أطولهم ، لكنني

بعام واحد فقط ، و هذا خلف الوجوه ، و هذا أخي بدر ، إنه اصغر مني ••محمد ، أصغرنا و أكثرنا شقاوة

:تنهد و هو يتذكر

مرة في البئر، و ظل يصارع الموت قرابة الخمس ساعات فيما سقط   انتظرنا أبي حتى عاد من الكرم مساءا ، كان أبي قويا أعيتنا الحيل إلخراجه و

قال : " يا عيب الشوم عليكم ، رجال و ، صاح فينا لما وجدنا نبكي ،"تبكون ؟

� في وسطه و نزل في البئر و هو يصيح بمحمد ها هل مت يا :" ربط حبال "محمد ؟ ، أسم�عني صوتك يا ولد

� ، قال :" و عندما خرج محمد من البئر كان مبلال� و يرتجف لكنه كان مبتسما "كذلك يا أبي ؟ أقــسم بالله إني لم أخــف و لم أبــك ، أنا رجل ، أليــس

� بما ظلت تراقب وجه أبيها ، وهو يحكي ، أشفقت عليه ، بدا � جدا مستمتعا صوته يقول ، وكانت عيونه تلمع وعلى طرفي شفتيه استقر زبد أبيض ، كان

� ، كأنه يسمع أصواتهم و هو يحكي � ، حالما ••متهدجا

� ، أعطاها إياه و قال � صغيرا : أخرج لها من صندوقه جرسا أمنا إذا نسينا ، كان علينا ، كلما سمعناه و نحن بهذا الجرس كانت تذكرنا  

، تسألنا عما أنجزنا ، و عما ينبغي أن صغار، أن نركض إليها تجم�عنا حولها تدعونا إلى طعام ، ثم تعود ألعمالها نفعل ، أحيانا كانت تقص علينا قصة ، أو

صفحات األلبوم •• صمت� فجأة فيما كانت أصابعه الطويلة تعبث في ••لماذا المهترئ ، تعبث لكأنما تخفي ارتجافة تراها و تحس بها لكنها ال تفهم

Page 10: رواية لاجئة

لقب و ريم ليست صغيرة و هي تعرف جيدا أن فلسطين اكتسبت*** المحتلة منذ أعوام عد�ة ، و تعرف نتفا من تاريخها المظلم ، درستها و لم

درستها مثل أية طالبة مصرية زاملتها يوما مقعد الدراسة ، كانت تعشها ، ، إن النظرات تتجه إليها بالضرورة عندما يأتي المعلم تعرف دوما أنها مميزة

الفتيات على حدث ما سمعنه في نشرة على ذكر فلسطين ، و عندما تعلق األسئلة التي ينتظرن إجابتها منها األخبار ليلة البارحة ، كانت ترى في عيونهن

كف عن الحديث عن بلده ، لكنها لم تكن تجيب ، فهي ال تعرف ، حتى أبوها� يمارسه معهم في المنزل ال � قهريا يقطعه إال منذ وقت طويل و لزم صمتا

الحديث العابر ، فهو عامل بناء يشقيه العمل طوال النهار فيعود آخر الليل� على لقمة يقيم بها أوده ، ورشفة شاي تزن رأسه و ) راديو ( قديم متلهفا

� .من كل المحطات يبث أخبارا

�� في دوامة كبيرة عاش فيها جهاد القاسم منذ أن جاء إلى*** مصر ، شابا حاكم العشرين من عمره ، و كانت غزة آنذاك تتبع مصر إداريا ، و يحكمها

� رجال| أمن مصريون ، كان عليه - مثل إخوته - مصري و يجوس شوارعها ليال في األرض وراء الرزق العصي ، في حياة شديدة القساوة عليهم ، أن يسعى

و الشباب أن يتعرضوا كل يوم للموت في سبيل و كان يتعين على الرجال األراضي التي احتلتها إسرائيل بضاعة مضحكة يأتون بها من فم السبع ، من

� من تلك األراضي في1948عام عتمة الليل ليبيع م ، البعض كان يجز حشيشا الجوال منه بخمسة قروش مصرية ، والبعض كان يقوم بقطع أنابيب الري

المعدنية التي زرعها العدو بطول الساحل ضمن نظام ري حديث ليبيع بعشرة قروش أو يزيد ، وأيضا في عتمة الليل . مازال القطعة التي اقتطعها

� س�م�ت� األشخاص الذين سقطوا أمام عيونه برصاص العدو جهاد يذكر جيدا المضحك المبكي أن هؤالء عندما كانت مصابيحهم القوية تكشفهم ، كان من

تفتش في يموتون بمنتهى البساطة ، يموتون و كأنهم كالب ضالة ، راحت .أكوام القمامة عن قطعة عظم جرداء

مظان الرزق جاء جهاد بعد أن حزم أبوه أمره و قرر الرحيل إلى حيث األوسع في األراضي األردنية المجاورة ، كان يجلس مع أبيه و صحبه و هم

يتحدثون حول خطة السفر الغريبة ، كان عليهم - وفق خطتهم - أن يقطعوا صحراء النقب ليصلوا إلى ميــناء العقبـــة حيث تتفتـــح الطرق الطريق عبر

اتجــاهات مـــا بين مصـر و األردن و السعودية و األرض و تنقســـم أربعة عليهم ــ و هذا أخطر ما في الموضوع - أن المحتلة من إسرائيل ، وكان

� منهم للطريق لكي يفتح عليهم ما استغلق منه ، فالجميع عندما يقدموا قربانا� ، و كان على أحدهم لعب يصل هناك لم يكن ليعرف أي الطرق أكثرها أمنا

أبيه ، لعبة الموت مع مربع المتاهة ، وكان االقتراع ، ووقع االختيار على� إسرائيلية ، ووجب على ليكون هو الفداء يسير فإذا ما قتلوه كانت أرضا

••الباقيين اختيار طريق أخرى

Page 11: رواية لاجئة

� من مسدس ليس فيه شيء يشبه أن تطلق الرصاص على رأسك مخيرا سوى رصاصة واحدة ال تعرف مكانها، فإما أن تكون الرصاصة في فوهته

� معهم تحمل موتك وإما أن تنجو إذا لم تكن األولى •• لم يتحدث جهاد كثيرا وصلت الخطة إلى هذا الحد استشعر غصة ألم وهم يضعون خطتهم ، وعندما

أشعل لفافته اليدوية و رشف ونظر إلى أبيه يستجديه الرفض ، إال أن األب� في وجوه صحبه و ابنه و نفث من كأس الشاي البارد أمامه و تطلع مليا

:الدخان أمامه و هو يقول

خيرة الله •• موافق على  

� مع أبيه يتطلع إليه ، كانت هناك العشرات و عندما انفض الجمع بقي جالسا حوش من عالمات االستفهام ترتسم على وجهه ، و كان الليل المخيم على

� ، و رغم الظالم الدامس الذي ما � و إن رسخها شعورا منزلهم يخفيها رسما ألبيه أن يراه فيه إال أنه استحى من دمعة ترقرقت في عينيه و لم تسقط كان

فمه ليطلق لســيل األسئلة العنان ، ولكن كلمة واحدة ، و بصعوبة فتح داخله ، منخفضة رغم الصياح المختبئ خرجت من فمه ، هادئة رغم الهدير

:في حلقه

� و تنهد و قال    :لماذا ؟ حدق والده فيه طويال

� كانت أحوالنا صعبة ، ولكن بالقدر الذي نحسن العمل منذ   عشرين عاما� في حركتنا نمارس الصيد من بحر غزة أو معه ، كنا أصحاب وطن ، أحرارا

� ال يقهر شبابنا و فتوتنا خوف أو يكسرها التجارة من ميناء حيفا ، كنا سباعا اإلسرائيلية سيفا في خاصرة الوطن احتالل ، و لكن منذ أن انغرست� الشوكة

� علينا � ، أصبح لزاما � كبيرا أن نسعى ، وعرفنا معنى و أصبح ما نملكه سجنا ••اللقمة المغمسة بالدم و العار ، و لكن

: و نفض األب دخان اللفافة الذي سقط على ثوبه و قال عزيزة ، حتى القروش الخمس التي حتى هذه اللقمة يا جهاد أصبحت  

أرواح رجالنا و شبابنا نحارب شبح الموت من أجلها أصبحت غالية ، أغلى من :جهاد أنفاسه •• اعتصر يديه حتى كاد أن يخلعهما و أكمل بحرارة كتم معها

عندما كنت أتسلل في جنح الظالم نحو المستعمرة اليهودية •• أمس   أقطع ماسورة معدن و بعد أن غافلت األمن القريبة الجتث العشب أو

ممتلئا فوجئت بشبح المصري و أصبحت في مرمى الصهاينة أحمل جوالي ، جندي يحمل بندقية و يصوبها نحوي ، لزمت مكاني و نطقت بالشهادتين

قلت هي النهاية ، و لم أكن أفكر إال في القروش الخمسة التي ستضيع ، ألنه منكم يحمل هذا الجوال ، أتدري لقد مكثت على حالي هذا دقيقة ال أحد

رأسي إلى الجندي و صرخت فيه ، هيا اقتلني ، مضت كأنها دهر ، فرفعت أرتاح من معاناة طالت و اختصرها الزمن لماذا ال تطلق النار ، كنت أريد أن

Page 12: رواية لاجئة

� ، حتى في هذه الدقيقة الكبيسة ، و لكن الجندي لم يتحرك و امتألت غضبا على منجلي الموت أصبح عزيزا في هذه اللحظة القاصمة ، أحكمت قبضتي

و قست المسافة بيني و بينه و قدرت سرعتي المطلوبة ووثبت وثبة واحدة ألغرس منجلي في قلبه •• أتدري •• لقد اكتشفت أنني غرست نحوه

تشابكت حتى أخذت في الظالم شكل منجلي في شجرة مالت غصونها و ••الموت المصوب من بندقية عدو

� اعتصر قلبه ، وعندما هم� بالحديث أكمل و استشعر جهاد في صوت أبيه يأسا :األب بهدوء من وصل إلى الحقيقة

أجل هذا يا جهاد ، من أجل أال نموت بذل الخوف ، كان اختيار الموت من  � يعني بالنسبة ألبيك الحياة على مفترق الطرق � فارقا ••أمرا

� هذه الكلمات ، كانت هذه الليلة هي آخر مرة يشاهد فيها و لم ينس جهاد أبدا رغم أن أباه ، فقد اختفى مع بقية الرجال منذ الصباح الباكر بدون وداع ،

موعد تنفيذ خطتهم كان في المساء •• اختفوا و لم يكن لدى األم وقت� في أن يكون للناس رمق أو أن يلفظوه للنواح ، � مهما ••كان الوقت عامال

� خمسة في ريعان الصبا و أبواب الشباب و قالت دون لذا جمعتهم األم رجاال : أن تحدد

� و أنتم ماذا تنتظرون ؟ الموت القادم خلف كل شجرة ، أو الهالك   جوعا� ؟ أنتم رجال فليسع� كل منكم في طريق ، ال أريد أن أراكم إال و قد وعارا

� ، هيا تحركوا •• و أيضا أيضا كانت هذه هي المرة وجد كل منكم طريقا ••فيها أمه األخيرة التي يرى

الضفة الغربية قرر كل من عامر و عمر الذهاب في إثر أبيهم ، ولكن عبر� إلى األردن ، و قرر بدر البقاء إلى جوارها و االسترسال في جمع التابعة إداريا

منذ الرزق من فم السبع فيما قرر محمد االستمرار في طريق اختطه لنفسه طفولته المبكرة في االنضمام لجماعات الثورة و حركات المقاومة ، و قرر

إلى مـــصر ، و هـــكذا تفرق الجمع و انفض السامر و ضاعت هو الرحيل يربط اإلخوة المتفرقون قد يعتريهم في لحظة الصالت إال من حنين قديم

� و إن واحدة فيتطلعون بعيون ملؤها الرجاء إلى سماء مازالت تظللهم جميعا عبرها تنهدة شوق اختلفت أماكنهم و تباعدت ، فيرسلون إلى بعضهم البعض

••حارة تخرج من قلوب شتتها احتالل

منهم يتناول وجبته اجتمعت األسرة على مائدة الغذاء األرضية و أخذ كل*** � حط على رؤوسهم الطير ، و فجأة قطعت األم الصمت بصمت مترقب كأنما

:و وجهت كالمها إلى سمر األخت الصغرى

Page 13: رواية لاجئة

تتعلمي أبدا األكل بطريقة صحيحة •• انتبه الجميع و كأنما اكتشفوا ألن   : الصمت من معنى فقالت ريم فجأة أن ليس لهذا

إلى أمي •• المزيد من السالطة لو سمحت •• مدت األم طبق السالطة   ابنتها و أشارت بطرف عينيها إلى أبيها ، و فهمت ريم ، أخذت الطبق و قالت

: ألبيها� المزيد يا أبي ؟ رفع رأسه    : نحوها و ابتسم قائال

: لقد شبعت •• فقالت األم ال ،   لكنك لم تكمل طبقك على األقل •• سحب علبة الدخان و أخرج و  

: سيجارة و هو يقول فنهض الجميع ، ساعدت ريم أمها في ليست بي شهية للطعام •• نهض  

: جمع البقايا فقال األب أين قاسم ؟  

•• في رحلته المدرسية إلى الفيوم ، لقد أخبرك بهذا البارحة   المطبخ و انفلتت إلى أبيها ، كان يجلس نعم •• وضعت ريم ما بيدها في  

: بجوار المذياع يقلب المحطات ، بادرته� أبي هل أنت غاضب ؟ أجاب    : باسما

•• ال     � : إذن لماذا لم تأكل ؟ همس األب باسما

� و اقتربت من أبيها فهمس هل أخبرك بسر ؟ أومأت    : برأسها إيجابا� صنع   مثله ، لقد اشتقت فجأة لطعام أمي ، و تعرفين أن أمك حاولت مرارا

لكنها لم تنجح و خشيت| إن أعلنت رغبتي هذه أن تتحمس فتصنعها ثانية و هذا : كثير !! أليس كذلك ؟ ضحكت ريم و همست موافقة

� يا أبي •• معك حق •• و عندما دخلت األم تحمل   الشاي بل هو كثير جدا : وقفت برهة� تراقبهما ثم قالت

:قال البد أن حديثكما السري هذا عن طبخي أليس كذلك ؟ ضحك األب و   

يا أم قاسم ••لم يكن عنك أبدا أليس كذلك يا ريم ؟ شعرت ريم أنها ال    ، تريد أن تواسي هذا القلب الوحيد الذي يخفق بين جنبيه ، تريد احتضان أبيها

� ما زال يعيش في ذاكرته تريد أن تدق األرض فتخرج � قديما منها وطنا� عن ذلك توجـــهت إلى حــــجرتها ، أغـــلقت بابها العجوز ، لكنها عوضـــا

� ، ثم وضعته بهدوء و أخرجت صندوقها و فتحته ، دقت بالجرس الصغير قليال عضت على ثانية بعناية و تطلعت بغيظ إلى وثيقة سفرها ، دقت عليها ،

:شفتيها ، همست

لماذا ؟  

رغم أن ال شيء توجهت إلى حيث ركنها األثير ، لوحة رسم مغطاة بعناية عليها ، كانت األلوان مرتبة على حامل اللوحة ، كشفت غطاءها و تركت

:لمساحة اللون األبيض احتالل عينيها و همست

Page 14: رواية لاجئة

••وقت طويل مضى  

••أمسكت بقلمها الفحمي و خطت بضعة خطوط

� � مبدئيا لبئر قديمة تغرس فيها في المساء كانت الورقة البيضاء تحمل رسما شجرة نخيل عجوز جذورها حتى األعماق فيما طفل صغير يراقب قرص

الشمس الغارب من خصاص نافذة خشبية في طرف اللوحة •• نظرت ريم راضية عنها و عادت فغطت اللوحة بعناية و خرجت إلى ما رسمت و بدت

••لتفتح الباب الذي كان يدق بإلحاح

بجوار المذياع و سمر| كانت األم تطالع التلفاز و األب كعادته غارق في النوم يضيع المسلسل الصغيرة ذات الخمسة أعوام تلعب أمام التلفاز فتثير أمها و

:•• في طريقها إلى الباب أجابت ريم على سؤال لم يسأله أحد

: أرسم همست األم كنت   قاسم ابن| الخامسة عشرة شبيه� أبيه ، صاحت ريم بمجرد أعرف كان  

: رؤيته� تركت األم مسلسلها   المفضل و توجهت نحو ابنها ، قاسم ، عدت مبكرا

: احتضنته و هي تقول الحظت إرهاقه و أي مبكر يا ريم ، إنها العاشرة ، أهال حبيبي رمقته ريم و  

�ر هو ينفلت من حضن أمه و أشارت بطرف عينيها نحو أبيها النائم هامسة بم�ك :

: أمها بيدها و قالت سأوقظه !! •• أشاحت   :تريدوننا أن نخفيه أيها الفلسطينيون الغالظ !! سألته ريم حتى الحب  

|حكى ؟ هل    هناك ما ي� و همس أومأ برأسه    :موافقا

••الكثير  

: قالت بلهفة و هي تشده من يده : إذن تعال استوقفتهم األم بحزم و قالت  

كذلك يا حبيبي ؟ نظرت ريم إلى قاسم البد أن قاسما جائع ، أليس   : مبتسمة و رددت

   � �ها ؟ قال قاسم متذمرا � أنت جائع يا حبيب : هل حقا� أكلت| في الحافلة آخر   �ها أمي •• ثم نظر ال •• لست جائعا شطيرة صنعت

: إلى أمه و قال بامتنان� •• عبر تهاويم   النوم جاءهم صوت أشكرك يا أمي ، لكنني حقا لست جائعا

: األب الغافي جئت� يا قاسم ؟  

Page 15: رواية لاجئة

استرسل في نعم يا أبي ، أنا هنا الح طيف ابتسامة أمن على وجه األب و   نومه

� يا أبا قاسم   قم إلى فراشك ، تعدت الساعة العاشرة و أنت تستيقظ باكرا� و لم ينس� إغالق المذياع و في •• همهم األب ببضع كلمات ثم قام متكاسال

�ت على كتف قاسم و قال : طريقه رب� ستحكي لي كل شيء   � إلى غرفته •• غدا راقبه الجميع و هو يمضي متثاقال

� الزمها لحظة واحدة و تحدث قلب ريم إليها بشيء ما ، استشعرت � غريبا خوفا : ثم انتهى كل شيء ، قالت ألمها

أمي ؟ لم تتكلم ، ولكنها ذهبت في هل آخذ قسوم اآلن ام تريدينه بعد يا    ريم بأختها سمر التي إثر األب المتعب ، وهي تغمغم بتحية المساء و توصي

� و غفت � و تقاومه إال أنها استسلمت له أخيرا على البساط كانت تعالج نعاسا حيث تلعب ، حملتها ريم و تبعها أخاها إلى غرفتها ، وعندما وضعتها في

: الفراش التفتت إلى قاسم و قالت ••و اآلن احك� كل شيء  

***

� ، وكانت � أكثر منه أخا تتقبل راضية تدليل أمه كان قاسم في حياة ريم صديقا بعدها بثالثة له على أنه أمر مسلم به ، باعتباره الذكر الوحيد ، وألنه جاء

أعوام فقد اعتبرته في مثل عمرها ، خاصة لتمتعه برجاحة العقل و االتزان اللذين لطالما اشتكت زميالتها من عدم وجودهما عند إخوتهم الذكور ، لذا لم

� يكن � أن تكون جل أسرارهم عند بعضهما البعض ، و رغم أن قاسما مستغربا بالمعنى الذي يعطي للكلمة هذا العمق إال أنه كان يحتاج لم تكن له أسرار

الذي يبدأ فيه اليافع بقرض األشعار و السباحة إلى من تسمعه في هذا السن الخاصة التي يضمنها أحالم الشباب الالهبة ، في دنيا الخيال و كتابة المذكرات

سوسن صديقة ريم ، رغم أنها و كان قاسم يعكس كل أحالمه المبكرة على عندما تزورهم باهتمام و تكبره بثالثة أعوام ، إال أنها كانت تستمع إلى حكاياته

تشعره تعلق على أشعاره و تبتسم له كلما بدأ الكالم ليسترسل دون أن� ينبغي أن تقضيه مع صديقتها � ثمينا ، بتفاهة ما يقول ، أو بأنه يضيع عليها وقتا

و في هذه الرحلة األخيرة كان جل ما يشغل بال ريم هو االنطباع الذي تركه ••سوسن لدى قاسم أخيها سيد أخو

االنجليزية ألخيها قاسم ، و سيد هذا هو األخ األكبر لسوسن و هو معلم اللغة� إعجابه بها ألخته التي كانت تنقل حديثه إلى ريم فتلقى منها ولقد أبدى مرارا

� ، وكأنها ال تريد أن تسمع ، و مع ذلك فلقد تركت � مفتعال لصديقتها صدودا :المجال لتسمعها عبارات من نحو

شديد اإلعجاب بك ، وصف أول لقاء له بك في منزلنا بأنه لقاء سيد   يعتـــقد أن هنـــاك من هي في مثل سنــنا و لكـــنها العمر ، قال إنه لم يكن

Page 16: رواية لاجئة

الوعي و الثقافة و األهم الرقة و العذوبة و الجمال تحمل كل هـــذا النــضج و :و ترد ريم بعصبية مفتعلة •• ، قال إنك أسريته من أول لقاء

ال تقولي هذا الكالم ، أنا ال أسمح به ، ليس لدي وقت ألضيعه على سوسن   ••التي تشغل معظم بنات اليوم قصص الكالم الفارغ

� يضم و لكن في أعماق ذاتها كانت مستمــتعة ، سعيدة ، و رسمت � كبيرا قلبا عدا وجهين لرجل و امرأة مظللين بال مالمح ، كانت اللوحة كلها سوداء ما

القلب الذي شغل ركنها األيسر كله بلون أبيض ناصع يحتوي هذين الوجهين ، :تستطع أن تجيب عن أسئلة سوسن التي الحقتها عندما رأت لوحتها و لم

و الشجرة لماذا السواد في كل اللوحة ؟ أين األزهار الجميلة و ضوء القمر  �م� كل هذه القتامة و الغموض في � ، ل التي يقبع عليها هذا القلب محفورا

المالمح ؟

الوحيد الذي شعرت به لم ترد ريم ، كل ما قالته أن ما رسمته كان التعبير ••الموضوع عندما أرادت أن ترسم بعد حديثهما عن أخيها ، و حاولت تغيير

� و جاءت رحلة أخيها قاسم إلى الفيوم حيث سيرافق بشكل ودي أستاذه سيدا ، ويجالسه طوال الوقت ، وكان قاسم يعرف ما دار بين الصديقتين عن

سيد ، و كان له رأي سابق فيه يصفه بالجمود وعدم المرونة والوجه الخالي و لكن بعد أن طلبت إليه أخته محاولة استكناه هذه الشخصية و من التعبير ،

لها أثناء الرحلة على اعتبار أن المرء يتحلل من الوصول إلى وصف تقريبي في جو الرحالت ، ركز كل جهده على جموده عندما يكون في قلب الطبيعة و

:بانطباعات عد�ة مراقبة و مجالسة األستاذ أثناء الرحلة و خرج

كما أخبرتك األستاذ سيد و إن حاول التودد إلي� هذه المرة ، إال أنه يظل   من قبل ، وجه بال مالمح ، جامد ، حتى ضحكته ال تخرج صافية ال تخرج من

••القلب يا ريم

� عندما رأيته صدفة في منزل سوسن هذا   ••ما شعرت| به أنا أيضا

:هزت رأسها و ابتسمت

� ال   � •• و بالمناسبة فسأريك شيئا بأس يا فتى ، هذا الرجل ال يعني لي شيئا اتجهت نحو الخزانة أخرجت وثيقتها للمرة العشرين هذا اليوم •• تحركت و

: اعتناء ألقتها إلى أخيها بغير •• انظر  

الوثيقة ؟ متى جاءت ؟   •• أحضرها أبي اليوم  

•• مبارك ، صرت مستقلة اآلن  

Page 17: رواية لاجئة

هل الحظت عنوان الوثيقة ؟    به ؟ و ثيقة سفر لالجئين الفلسطينيين ، ما  

تعرف معنى هذه الكلمة ؟ قاسم •• نحن الجئون ، هل  � و نبض قلبها بشدة ، وعندما رفعت و من    ال يعرف ؟ أطرقت ريم قليال

: وجهها كانت عيناها تلمع� مما تحفظه   ذاكرته للوطن ، أخذني إلى غرفة نومه ، أراني أبي جزءا

� كان ألمه ، و أراني � صغيرا � ما زال يحمل صور أعطاني جرسا � قديما ألبوما� و همس :عائلتنا هناك •• هل رأيته ؟ نهض قاسم واقفا

، أراني إياه ، بعد أن تشاجرت مع عادل في المدرسة الشهر نعم   ، قال إنني بال وطن و ينبغي أن أشعر باالمتنان الماضي ، كان يعيرني بوطني

، صاح بي يا الجئ •• يومها جئت إلى لهم ، ألنهم آوونا ورحمونا من التشرد� بجوار المذياع ، � ، كان أبي نائما لكنه بطريقة ما لمح دموعي ، و المنزل باكيا

أراني كل شيء و من الكلمات األولى فهم كل شيء و صحبني إلى غرفته ،� •• زفرت ريم و قال لي إنه ما زال يحلم باليوم الذي يرى فيه أهله مجددا

� لم ير � منذ غادر أبي أرضه ، عشرون عاما تنهدت ـ من يصدق عشرون عاما •• أحدا من إخوته أو أمه خاللها

•• خبر وفاة جدي ، يرحمه الله ، عرفه صدفة حتى  � ما يمنع أبي من الذهاب إلى هناك ؟ همس    قاسم ، هل تعتقد أن شيئا

� قال : ومالمحه تحمل صورة غامضة لم تستوعبها ريم كثيرا هذه الكلمة لم يقطعه إال الخوف •• ران صمت طويل على الغرفة بعد  

خصاص صوت أنفاسهما و تقلب الصغيرة في فراشها ، عبر ضوء القمر : النافذة فتبينته ريم و عندما همت أن تنهض إليه ودعها أخوها

••أنا ذاهب للنوم •• لدي مدرسة غدا  

النافذة تطلعت إلى أومأت برأسها ، و عندما أغلق الباب خلفه نهضت ففتحت، � � ما يخيفها عند اكتمال القمر بدرا � ، شيئا تشعر أن القمر ، كان مكتمال

اكتماله إيذانا ببدء النهاية ، و رغم ذلك ال تملك في كل شهر إال أن تقف : تراقبه و هو يفترش السماء و يقرأ عليها الرسالة ، همست و هي تتمطى

••يوما ما سأعود إلى الوطن  

••و عندما همت بإغالق النافذة رأته

Page 18: رواية لاجئة

~ غير نابه ، شاب في الخامسة و العشرين من عمره يقطن سعيد محام ، المنزل المجاور لهم ، متزوج و عنده ثالثة أطفال ، اشتهر عنه أنه شاب اله~ ال يعترف بالمسؤولية ، يؤدي عمله في مكتب المحاماة الصغير الذي يملكه

� من عيونه الزائغة وراء كل حسناء ، بشيء من الالمباالة ، عانت زوجته طويال� باالعتراف أمام المأل بأنه ال يحترم النساء ، و أن المرأة تكوين ال يبالي أبدا

� ال يعترف جسدي مثير خلق للمتعة و ليس للوفاء و ليس للحب ، إنه أساسا� على تسفيه كل شعور بالحب قد بشيء اسمه الحب ، و لديه القدرة دائما

••يخطئ صاحبه و يصفه له

عد إلى هاه •• إذن تحب ؟ يا أخي خذها إلى مكان بعيد و تمتع بها ، ثم   منزلك و أغلقه عليك و نم •• قبل شهر خرجت زوجته من حياته و أخذت

الثالث ، قـــالت له إنها تخشى عليهم و على نفسها من وجودها أطفالها� ، لكنها فشلت ، معه ، قالت إنها حاولت � مسئوال المستحيل ليصبح إنسانا

غير قابل للتغيير و تركته ، بدوره لم اعترفت له أنها استسلمت و أنه إنسان� ، يعرف أن استمرارهما يتمسك بها ، كان يعرف أنها لن تستمر معه طويال

ظلت و ستظل طوال معا هو من قبيل نفخ الرماد إلنعاش نار غافية ، كانت و� الوقت غافية ، أعتقد أنه أصبح أكثر حرية عندما تركته ، و لكنه فوجئ كثيرا

� و هو وحيد على عكس ما كانت حياته و بالتغيير عندما وجد نفسه أكثر التزاما� فجأة في النساء و عندما كان أصحابه يسألونه هي معه ، وجد نفسه زاهدا

� و يقول عن السبب كان :يلوي رأسه قرفا

� من ال   راحة في دنياك إن اقتحمتها امرأة •• ذات صباح ، كان عائدا� إلى منزله ، كان يشعر برغبة قوية العمل ، لم يعرج على أي مكان اتجه فورا

تركه طيلة األسابيع الماضية في حالة إهمال في ترتيبه و تنظيمه بعد أن واقفة ، تعمدت التلكؤ حتى يراها و جسيم ، بجوار مدخل العمارة كانت ريم

: عندما اقترب منها ، لم يالحظها ، إال أنها نادته باتجاهها ، ارتسمت على وجهه عالمة استفهام أستاذ سعيد •• رفع رأسه  

: ناديتني ؟ أومأت برأسها و قالت : - كبيرة ، و بدا أنه ال يعرفها قال ابتسم •• نعم •• في الواقع رأيتك و أنت قادم من بعيد و انتظرتك  

: ابتسامة ذات مغزى و قال و هو يقيس بنظراته تفاصيلها على شيء تحمله و مدت يدها خيرا إن شاء الله ؟ ضغطت ريم بأصابعها  

: به قائلة •• هذا للسيدة مريم  

: ما هذا ؟ أعادت اللفافة إلى حضنها و قالت   فتــرة و جئت اليوم ألعيده إليها لكنها إنه ثوب كنت قد اقترضته منها قبل  

•• غير موجودة  ، � � ، هي غير موجودة ، و لن تكون موجودة أبدا احتفظي بالثوب آه حقا

: لنفسك فهي لن تعود •• همست كأنها تقرر حقيقة كانت تعرفها

Page 19: رواية لاجئة

: انفصلتما ، أليس كذلك ؟ قال باقتضاب   : تدري من أين واتتها القوة لكنها قالت نعم •• نظرت إليه بتحفز و ال  � •• انفلتت إلى منزلها ، و   لم تلتفت هذا أفضل لها ، فمثلك ال يصلح زوجا

� � و علقا وراءها ، و عندما وصلت إلى البيت حكت ألمها ما حدث ، تحدثا قليال� منذ � عميقا على االنفصال المتوقع ، ثم نسيا األمر ، و لم تدرك أنها تركت أثرا

••الوقت لم تستطع األيام أن تمحوه لدى سعيد ذلك

***� � جالسا في شرفة منزله عندما همت ريم بإغالق نافذتها لمحت سعيدا� ، لم تعط � من الشــاي و ينظــر باتجاههــا مبتسمــا لألمر أية يحتسي كوبا

أهــمية إال أنها تذكــرت زوجــته و شعرت بغصة غضب تجاه هذا المخلوق ،� يسامر القمر فيما أسرته بعيدة ، أغلقت النافذة بقوة كأنها حنقت عليه جالسا

� بعد أن أيقظها صوت النافذة تصفعه و � حتى نامت مجددا هدهدت سمر قليال ••الغاضب ، و نامت

� ، رأت نفسها فيما يرى � غريبا النائم كأنها تسير في حلمت في هذه الليلة حلما ، كــانت صحراء مترامية األطراف ، الشـــيء أمامها ســـوى هذه الصحراء

تشعر بالعطش الشديد و في كل مرة تتراءى لها بحيرة تركض نحوها فتجدها� تسلقته حتى � عاليا � و يزداد العطش ، رأت بحيرة ، ثم بحيرة ، ثم جبال سرابا

اعتلت سحابة بيضاء و كانت ما تزال عطشى و فجأة أمطرت القمة و� ، و أخذت منها الحيرة كل مأخذ ، ألنها لم تستطع أن تشرب السحابة مطرا

الشديد و استيقظت و هي تحاول من ماء المطر المنهمر تحتها رغم عطشها كانت قد أنهت للتو •• *** التقاط بعض القطرات بكفها و لكنها لم تستطع

في تجهيز مساعدة أمها في أعمالها المنزلية ، و كانت أمها تستحثها اإلسراع الطعام و فرشه قبل وصول أبيها المتوقع بعد لحظات ، و عندما انتهتا من

كل شيء في مكانه جلستا صامتتين تنظران الباب تارة ، ولساعة وضع :األم و قد شعرت أنه البد من الكالم الحائط تارة أخرى ، قالت

� ، كانت تبحث عن الكلمات أبوك   متعب نظرت إليها ريم ، صمتت قليال تخبرها أنها تعرف ، شعرت بهذا منذ فترة ، منذ أن المناسبة ، كانت تريد أن

ال تسقط قريبة ، في الحقيقة هي أصبحت خطواته واهنة و دموعه التي لينقل لها عبر ذكرياته وصية تعرف أنه ما فتح لها كنزه المخبوء منذ سنين إال

قلبها و أحست بالغصة ما حفرت في قلبها إال أنها لم تستبن كلماتها ، أوجعها بكل منذ أن أعطاها وثيقتها ثم الجرس و لكنها كانت تريد أن تحتفظ

مشاعرها داخلها فهي ال تريد أن تخرج كلماتها فتقرر واقع لذا اكتفت بأن : تقول

، اطمئني و دعينا نعمل على راحته أو العمل مرهق لمن في سنه يا أمي   •• فقط نطلب إليه أن يتوقف قليال عن العمل بضعة أيام

والدك ما زال في الخامسة و األربعين من عمره لم أي سن يا ريم ؟ إن   الستين ، بل السبعين •• انني شديدة القلق يتمهم ، لكنه يبدو و كأنه تجاوز

تريدها أن ترى دمعة ترقرقت المعة عليه •• أدارت ريم وجهها عن والدتها ال

Page 20: رواية لاجئة

: شيء بداخلها في عينيها تعتمد الحقيقة التي ذكرتها أمها ، صاح أمي •• الحنين إلى منزل قديم و بئر معــطلة و أم ربطــت إنه الحنين يا  

أوالدها يوما إلى الغربة لكي يعيشوا •• إنه الحنين حجرا على قلبها و دفعت صخب أخوة جمعتهم يوما أرض كانت لهم ، أيتها األم الحبيبة ، الحنين إلى

الحنين يا أمي و ليس وطن كان فرشهم و غطاؤهم زادهم و زوادهم •• إنه جهاد تعب السنين كما أقول و ترفضين ، إنه فقط الحنين •• عندما فتح

الباب ، لمح في نظرات زوجته كل ما توقع و أكثر ، قــلق و حيرة ، خوف و : تنهد ضيق ،

إلى غرفته تتبعه عيونهما :" إيه يا أم قاســم •• السالم عليكم •• توجه   الدرب و الكفاح ، هل تشعرين بحالي ، هل أخبرك إيه أيــتها الغــالية ، رفيقة

غزة في زفيري و شهيقي ، البد صمتي أنني أعاني ، هل سمعت هدير أمواج ، أم أنه كان فراقا لكل طير أن يعود ، و لقد طالت غربتي ، فهل سأعود يوما

إنني محطم لألبد ، شيئا يشبه الموت ، لكنه موت مؤجل ، إيه يا أم العيال حتى النخاع ، وحيد رغم العمل و البيت و األوالد ، شيئا عزيزا قطعوه من

لحمي يحن إلي اآلن ••" التفت إلى الباب كانت تمأل تجويفه الخالي ، تنظر : همست إليه بقلق

: مبتسما و قال هل أساعدك ؟ هز رأسه   أم العيال ، من في سني لم يتزوجوا ، أنت التي شيبتني مازلت شابا يا  

صدقيني سأتزوج عليك يوما شابة صغيرة تعيد إلي بالعيال مبكرا قبل اآلوان ، : قالت باسمة الشباب !! أشاحت أم العيال بيديها و

من تتحملك مثلي أيها الفلسطيني التائه ، أم نسيت ؟ و هل كنت ستجد   يقبلك زوجا لي و تعده بأن تصونني في هل أذكرك بيوم جئت ألبي ترجوه أن

•• العيون و في حبة القلب طاردتني حتى قبلت الزواج منك •• هيا أنا ؟ !! أنا الذي ذهبت أم أنت من  

يبعد بها كالهما شبح النهاية ال تغالطي التاريخ يا أم قاسم •• كانت ممازحة في هذا الزواج ، عن سمائه ، و كان يحلو لهما دائما تبادل اتهامات السبب

تكلما لكن الممازحة اليوم كانت هما ثقيال على القلبين لذا صمتا فجأة كما : فجأة و نظرت إليه مليا فاطرق برأسه و قال

••نعم •• ساعديني يا أم العيال  

الشــابة المصــرية التي كانت سميحة والدة ريم اآلن هي ذاتــها تلك*** تحمل تلبس المالءة السوداء و تغطي شعرها بمنديل مزركش األطراف و

الغذاء كل يوم إلى أبيها مالحظ العمال ، فيلتفت لمقدمها كل عامل بناء و كل مهندس يصادف وجوده في موقع العمل ، عندما رآها جهاد ألول مرة كان قد

في مصر ثالثة شهور ، عمل خاللها في عدة أعمال صغيرة مضى على وجوده يستقر به المقام في القاهرة حيث تلقفه عم و سافر إلى مدن عدة قبل أن

علم أنه غريب من فلسطين ، كان صابر والد سميحة و تعهده بالرعاية عندما يعتبر أن فلسطين يسأله عن األحوال هناك و كان كغيره من المصريين آنذاك

هي القضية التي خانها مليكهم يوما حين كانت في مرمى اليد ، أسلحة

Page 21: رواية لاجئة

فاسدة و قصة قديمة تحولت مع مرور الوقت إلى عقدة ذنب خفيه في مباشرا ، لذا فقد رأى فيه العم صابر ممثال جيدا لبالده الضمائر ليس لها سببا

لتــلك البلد البعيـــدة التي تــضم قدس يمكنه من خالله أن يقدم شيئا الجميع ، لذا فقد كان لدى جهاد جريح ، و لم يكن هذا الحال مستغربا لدى

يدبرها زمالء المهنة فرصة جيدة ليقف على أقدامه بمنأى عن أية مكائد قد االستثناء ، و عندما لبعضهم الــبعض ، كان هو اســتثناء ، و كان سعيدا بهذا

أنها رأى سميحة قرر أن يختبر هذا االستثناء عــمليا و أضمر في نفسه ستكون زوجته ، لم يكن يعنيه تلهف الرجال عليها و حديث بعضهم علنا عن

الزواج منها كان في قرارة ذاته يشعر أنها له ، شعر بذلك من رغبتهم في بعيـــنيه في لحظة واحـــدة ، وقعا خاللها باألحــرف عينيها عندما التقت

كان كلما سمع أن أحدهم تقدم لها ينتظر بقية االولى عالقة لن تنــقطع ، و لكنه لم يتكلم و لم يشر حتى بأنه " الحكاية التي يعرفها••" و رفضت هي

قبل أن يقدم على هذه يريدها ، كان يعرف أنه البد أن يكون مستعدا للزواج بمنتهى الثبات الخطوة ، و بالفعل ، بعد عام كامل تقدم إلى العم صابر و قال

:

صابر •• أحبك كثيرا و أريد أن ارتبط بك ارتباط دم و نسب فهل تقبل عم  ؟ أن تزوجني ابنتك

محبته لهذا الفتى تطلع اليه العم صابر مليا و سأل ضميره إن كان اشفاقه و أم ال ، لكنه يبرران أن يعطيه ابنته لتشاطره غربة ال يعلم حدودها إال الـــله

: حسم الموقــف في دقيقة و قال ••إن وافقت هي فأنا موافق ، و لن أجد لها أفضل منك  

قد أحسه و قلما هذا الرد كان جهاد قد سمعه قبل أن ينطق به األب ، كان أخطأ إحساسه ، سميحة له اآلن و ليحمل الغد ما يشاء من مفاجآت فإنه

سيصنع أسرة من جديد بعد أن تشتت أسرته األصلية اختياريا ، و ربما صنع ••وطنا

|جر و الفرش بالتقسيط قد و في أقل من شهرين كان المنزل الجــديد قد أ اشــترى و فرش و الزفاف تم كأحسن ما يمكن لشاب فلسطيني غريب و

شابة مصرية كانت محط أنظار الجميع ، و جاءت ريم بعد تسعة أشهر : ساعة أن سمع خبر الوالدة األولى و قال بالضبط و تنهد جهاد

••الحمد لله اآلن أصبحت لي أسرة ، اآلن عاد لي بعض من بعض الوطن   تأخر الغذاء هذا اليوم عن موعده كثيرا و اضطرت ريم لتسخينه مجددا***

األقل قبل أن يقبل األب و األم و حتى قاسم كان قد عاد من مرتين على : مدرسته و علقت سمر

نأكل فيها معا •• ربت قاسم على ظهر هذه هي المرة االولى التي   : الصغيرة و قال

هي غريب أنكم انتظرتموني اليوم ، هل من جديد ؟ قالت ريم بمكر و  

Page 22: رواية لاجئة

: تبتسم : عنه أبي ، أو أمي ، فهما السبب و قال جهاد هذا السؤال يجيب  

تركت ريم •• السبب خير إن شاء الله ، خير للجميع و خصوصا لك يا ريم   ملعقتها تتوجه إلى فمها دون وعي منها فأسقطت الحساء على ثوبها و هي

: بلهفة تسأل : ضحك األب و أشار لثوب ريم المتسخ و قال خيرا إن شاء الله ؟  

: خير حتى انسكاب الحساء خير •• و تمتمت األم   فما الذي يهمها •• أشاح األب بيده طبعا خير ما دامت هي ال تغسل الثياب  

: و قال السؤال في يا أم ريم دعيها ، اليوم تحديدا لها أن تفعل ما تريد •• تعمق  

: عيون ريم و تطلعت إلى أبيها تحاول أن تقرأ ما يخفيه و سألت نفسها : هل هو عريس ؟ قال األب  

مقابلة غير متوقعة مع جارنا األستاذ سعيد ما اخرني عن الحضور اليوم إال   عرفته ريم فورا و لم تخف •• استغرقت األم وقتا لتتذكر من سعيد فيما

:تعجبها الذي لم يطل فقد قال األب

منزلنا وجدته واقفا و كأنه كان بانتظاري ، سلم علي بحرارة رغم أننا قرب   بعضنا ، فهو لم يسكن في الجوار إال منذ سنة تقريبا و الحياة بالكاد نعرف

ريم كان يستحث األب على سرعة إتمام تالهي •• شيء ما في نفس ال معنى لها ، لكنها لم تبده الحديث الهام و البعد عن التفاصيل الصغيرة التي

: مباالة مصطنعة و رفعت ملعــقتها إلى فمهــا مجددا و هي تسأل بال : يريد ؟ و سبقت األم بالكالم قائلة ماذا كان  

االب رأسه إياك أن تقول أنه يريد الزواج منها ، هذا الشاب الالهي •• هز   : مبتسما و قال

يا أم قاسم ، لم يكن هذا محور حديثنا ، اتركيني ألكمل ، لقد رحب بي ال   من عدم معرفتنا ببعضنا البعض طيلة هذه السنة و ذكر شيئا بحرارة متعجبا

بكفاحي في الحياة ، كنا نسير معا و وجدت نفسي كثيرا عن إعجابه بي و للدخول و شدد في دعوته فلم أملك إال فجأة أمام باب بيته ال بيتي فدعاني

هل يريد جرك الى طريقه ، ال االستجابة •• ـ آه هذا الالهي ماذا يريد منك ، هذه المرة •• تنس ذكرت قبل قليل انك صغير و تريد الزواج من اخرى

: تكلمت ريم ووجهت حديثها ألمها عالقتي أمي بالله عليك دعينا نعرف ماذا يريد هذا السعيد من أبي و ما  

: بالموضوع ، ماذا هناك يا أبي ؟ ترك األب ملعقته و نهض قائال سأحكي لك كل شيء •• مرت الدقائق الحمد لله ، الشاي يا ريم و تعالي  

بآلية و كأنها مسيرة من التالية بصعوبة على ريم التي كانت تصنع كل شيء الشاي و عندما أجل االنتهاء بسرعة ، رفعت الطعام ، غسلت األواني ، أعدت

جاءت به إلى حيث يجلس الجميع ، كانت قد خطرت في بالها الفكرة ، قالت : و هي تضع الصينية

لألمر عالقة بإكمال دراستي ؟ ابتسم االب و هو يأخذ كوب الشاي أبي هل  

Page 23: رواية لاجئة

: و هز رأسه قائال االستاذ سعيد عنكم جميعا و عرف أنك منذ هذا صحيح يا ريم ، لقد سألني  

مقعد لك في الجامعة ، و عام تجلسين في البيت ألننا ال نستطيع تأمين ••بالصدفة هو يعرف مسئوال كبيرا يعمل في الجامعة مدرسا

••أستاذ يا أبي تقصد  

يا قاسم هذا ما قاله ، أستاذ في الجامعة ، و قال أنه سيسأله عن نعم   بالجامعة خاصة بعد أن عرف أنها كانت من المتفوقين إمكانية التحاق ريم

جدا في الثانوية العامة و أخيرا فقد أخبرته دراسيا و أن مجموعها كان كبيرا •• بقسم الرسم في الجامعة عن أنك تتقنين الرسم و تتمنين االلتحاق

•• الفنون التشكيلية يا أبي   الفنـــون نعم بالضبط الفنون التشكيلية ، و لكـــن يا ريم هـــــل من  

التشكيلية الرقص أو الغناء أو أي شيء من هذه الفضائح ؟ هزت رأسها : مؤكدة بسرعة

أبي ، أنها كلية تدرس فقط فنون الرسم و النحت و ال ال •• ال و الله يا   و الغناء •• كانت األم تستمع و لم تشارك عالقة لها بفن السينما و المسرح

: سائال إياها عن رأيها تنهدت و قالت في الحديث ، لذا عندما نظر إليها األب لكن يا أبا قاسم إنه حلم حياتي كما تعلم ، أن يتعلم أوالدنا أحسن تعليم ، و  

تفسد لقد نسيت شيئا هاما جدا •• نظرت ريم الى أمها و كأنها ترجوها أال :الخبر الجميل ، فنظرت إليها األم و قالت بحنان بالغ

العيال ، كيف المصاريف •• مصاريف الدراسة الجامعية فوق قدرتنا يا أبا   لم تفكر في هذا ؟ ران صمت طويل على الجميع ، كان األب خالله ينفث

سيجارته ، و يرشف من كوب الشاي و يفكر ، فيما تطلعت ريم الى دخان باشفاق ، و في الدقيقة التالية كانت قد مسحت فكرة دخول أبيها برجاء ، ثم

: األم الجامعة من خيالها و همست إال الله •• نهضت ريم و حملت األكواب الفــارغة و ال يقدر على القدرة  

: ، تنحنح قاسم و قال هي مطــرقة و اتجــهت الى المطبخ لو أذنت لي •• التعليم الجامعي هو حلم ريم و هي بالفعل إنسانة أبي ،  

المستقبل يكون لها شأن كبير ، فلماذا نجعل من موهوبة و ربما في إال أنه غير مستحيل ، و أنا قد كبرت و المصاريف عائقا و هو أمر قد يرهقنا

ألم تكن تعمل و أنت في أستطيع مساعدتك فترة بعد العصر إلى العشاء ، : سني بل أصغر ؟ شهقت األم و قالت

: و الدراسة ؟ رد عليها قاسم قائال   : هز األب رأسه و قال •• لن تتأثر كثيرا ، أستطيع تنظيم وقتي  

وطن له و ال أمالك تعينه ليس بعد الله اال العلم يا قاسم ، و لن لمن ال   عن دراستك ، و إال يا بني أكون قد أضعت عمري أسمح لشيء أن يؤخرك

لكنني أكون على االقل مطمئنا أنكم هباء ، فلن أترك لكم عندما أموت ماال ، : تمتمت على الطريق الصحيح •• هزت األم رأسها موافقة و

Page 24: رواية لاجئة

أبا العيال ، و ال حرمنا الله منك ، تعيش إن شاء الله أطال الله عمرك يا   و تالعب أحفادك و تراهم بدورهم كبارا حتى ترى أوالدك و هم متزوجون

: متزوجين و •• قاطعها األب قائال يزيد بدعائك هذا •• ما يهمني أن كفى •• كفى لقد أوصلتني إلى المائة أو  

يهم •• هيا ، اذهب يا يطيل الله في عمري حتى أكمل رسالتي و بعد ذلك ال تابعه بعينيه و •• قاسم لتستريح و من ثم تذاكر دروسك ، أريدك دائما االول

: هو يمضي إلى غرفته و قال المطبخ حماه الله •• رجل صغير •• كانت ريم تستمع إلى الحديث بجوار  

يراودها األمل تارة و يموت أخرى و عند هذا الحد منه اتجهت إلى غرفتها و تبتسم ممتنة ألخيها ، و تذكرت حلم الليلة الماضية ، الظمـــأ و السراب هي الســحابــة التي ال تســتطيـــع أن تشرب منــهــا رغـــم أنها تعتــليها و و

: تساءلت ، أم أن ما يخبأه لها القدر من العطش أكثر ترى هل هذا هو تفسير الحلم  

بكثير مما ترى أو تتوقع ؟

انبش مخالبه في منذ أن ألقت ريم كلمتها الغاضبة إلى سعيد و شيء ما :صدره ، زحف جيش مجهول الهوية و استوطن مكانا ظل خاليا في جوفه

لم قالتها و مضت ، و كأنها طيف أو حلم •• من هذه الفتاة ، و كيف   يالحظها منذ سكن الشارع رغم أنها جارته ، من أين واتتها القوة لتقول رأيها بصراحة في الوقت الذي استغرق االمر من زوجته عمرا و ثالثة اطفال كي

تعرف هذه الصغيرة الجريئة عنه ، ماذا كانت تخبرها مريم و تنطقها •• ماذا تحتقره في قرارة نفسها •• اسئلة كثيرة حرمت كيف كانت تنظر إليه ، هل

أكثر ، قال أنها بكل تأكيد مثل كل عليه النوم ذلك اليوم ، و قرر أن يعرفها هذه المخلوقة خبرتها النساء و لكن تنقصها الخبرة و وعد نفسه أن تستقي

شرفته على يده ، اسعده كثيرا أن اكتشف أن نافذة في منزلهم تطل على المهجورة ، قام ففتح الشرفة و رتبها و أزال منها غبارا كثيرا ، ثم وضع فيها

كرسيا و طاولة و قرر أن تكون جلسته الدائمة في هذا المكان في حالة :، و ابتسم و هو يقول لنفسه كانت الغرفة لها

عليها و ربما اللعبة القديمة ، ابن الجيران و ابنة الجيران ، كبرت قليال   ••جاءت متأخرة لكنها جاءت على أية حال ، و لن تضيع الفرصة

فكان مختلفا بعض كان هذا ما يقوله بصخب لسانه ، أما ما استقر في نفسه الشيء ، كان هناك ما يربطه بهذه المخلوقة ، ليس جمالها فلقد عرف من هن أجمل منها عشرات المرات ، و ال لسانها الطويل الذي فاجأه برأي من

أحد االيام ، أنه شيء ما في عينيها ، نظرات بريئة ، مفعمة غريبة ذات ظهر ••بالضحك أيضا بالتحدي و بالحزن ، بل و

Page 25: رواية لاجئة

هذا كان في نظراتها ؟!! يا لك من مغفل كبير •• هي فريسة و أنت كل   ••ماهر •• هذا كل ما في األمر الصياد و أنت صياد

الشاي ، كانت و عندما جلس ذلك المساء في شرفته للمرة االولى يحتسي نظراته مصوبة على النافذة ، و أمنية تجوس في خاطره أن تكون الغرفة

لهـــا ، كانت الغـــرفة مظــلمة ، و كان القمر بدرا ، ألول مرة يالحظ القمر ، في مثل هذا الوقت ال يكون في مكان مفتوح يطل عليه القمر ، إنه عادة

مغلق حتى االختناق يمارس لعبته الدائمة في خداع يكون في مكان مغلق ، تريد الخداع و تطلبه ، هذه هي المرة االولى الفرائس الخبيثة ، الفرائس التي

هل اكتمل متعمدا اليوم ، أم أن التي يطالع فيها القمر وجها لوجه ، ترى زادوا واحدا أو نقصوا عشرة القمر يسير في دورته االعتيادية غير آبه بمريديه

متجدد ، لم يمله منذ ، المهم أنه ما زال متربعا في السماء يلعب دور قديم :بدء الخليقة

لماذا تحمل مالمحك سبحان الله ، كيف لم أالحظك أيها القمر من قبل ؟- هل ••وجه إنسان غاضب ، هل أنت غاضب مني أنا تحديدا أم من كل البشر

تعرفها أيها القمر •• ما اسمها •• هل هي صديقتك ، أم أنها بدورها ال تعرفك؟••

يرى خيالها لكن الحظ الضوء ينبعث من خصاص النافذة ، أمعن النظر عله إلى النافذة كانت ساترا قويا دون عيونه ، عاد يرشف من كوبه و يطيل النظر

: النافذة يستجديها أمال ، أو خياال •• ثم توجه إلى القمر و همس مقدار حظوتك عندها أن إذا كانت صديقتك فأرسل في طلبها ، أرني  

استطعت ••!! و كأنما استجاب القمر للتحدي فأرسل شعاعا منه إلى النافذة المغلقة و انتظر ، بعد قليل فتحت ريم النافذة ، أطلت منها فورا إلى

: نفخ سعيد الهواء و نظر للقمر مبتسما و قال القمر ، على البعد إيه أيها القمر لقد نجحت ••!! راقبها و هي تطالع القمر ، الحظ  

تقطيبة حزن و هي تمعن النظر إليه ، شعر بها و إن لم يستبنها ••و ظل نظره عليها علها تراه ، و بالفعل نظرت ريم باتجاهه ، و لكنه هذه مركزا

غضب حملها النسيم إليــه رغم أن المسافة ليســت المرة سمع زمجرة ابتسامته الساحرة باغالق النافذة قصيرة و أصابه الذهول حين ردت على

•• بقوة و كأنها تصفعه و إدارة رأسك للمرة الثانية تتعمد هذه المخلوقة الصغيرة تقليم أظافرك  

•• ال يا سعيد يجب أن يكون هناك حل •• و بسرعة •• بعد تفكير عميق أن يعرف عنها كل شيء ، راقب المنزل ، عرف أباها و أخاها و حتى قرر

مع الصغار أمام الباب و عندما عرف ميعاد عودة األب أختها الصغيرة تمرح عازما على معرفة كل شيء ، و قد كان له اليومي من العمل كان بانتتظاره

تعمد أال يرى الغرفة التي تطل ما أراد ، عندما ألح على أبيها بدخول منزله عرف ما أراد ، و بشرفتها على نافذة ابنته ، و جاذبه أطراف الحديث و

لدهشته وجد نفسه مدفوعا للكذب ، قال أنه يعرف أستاذا في الجامعة و

Page 26: رواية لاجئة

يستطيع إلحاق ريم فيها •• كان اسمها يعجبه ، استزاده و كان األب للمزيـــد ، بدا متلــهفــا على تعليــم أوالده ، تمسك باألمل و مستـــعدا

حــالتها و موهبتها و أخبره كثيرا عن لوحاتها الجميلة ، و تطور عــرض عليه : الكذب و قال سعيد

ريم بكلية الفنون الجميلة ، هذا وعد •• ال تخف يا عم جهاد سوف تلتحق   : صاح عندما غادره األب ، طالع وجهه في المرآه ،

نافذتها و استقبلت بعض النسمات الصيفية مع كاذب •• *** فتحت ريم   لون الشفق يريح أعصابها ، و الشمس و هي تلملم شعاعاتها لترحل ، كان

: لصديقتها سوسن قائلة تحبه كثيرا رغم أنه يعني الوداع ، وصفته ذات مرة يصبغ الشفق األفق بالحمرة يغلبني يقين بأنني أمام عيون بكت حتى عندما  

: و يومها علقت سوسن قائلة •• اإلحمرار على الفراق استقرارك و دائما الفراق يا ريم ، لماذا يغلب عليك الشعور بالفراق رغم  

تمتعك بعائلة يحسدك عليها الجميع في التفاهم و الترابط ؟ همست ريم قائلة : و هي مطرقة

أقسى عندما نحب من نفارق و ما نفارق •• و تنهدت و ألن الفراق يكون   •• أكمل شيء داخلها

ال يمكن لمن يعيش في وطنه •• الوطن •• االنتماء •• هل تشعرين ؟ ال   لمن يصحو مطمئنا أن أن يعرف يقينا معنى و قيمة أنه ينتمي له ، كيف يمكن

ال يشعر بالخوف من مستقبل غامض ككهف أسود فاغر فاه على المجهول ، •• لن تستطيعي يا سوسن أن تعرفي و لن يستطيع أحد أن يعرف ، حتى

يعرفوا ، سنظل دائما في نظر الكل أولئك الذين هربوا من أهلونا هناك لن سنظل دائما في عيون اآلخرين النقطة في المواجهة مع الموت ليعيشوا ،

بالمعذبين في بوتقة اللجوء إال آخر سطر عذاب يعيشه اآلخرون •• لن يشعر عشت اللجوء من عاشه ، فهل عشته يا سوسن ، حتى أنت يا سعيد هل

يوما ؟ ، لو أنك عشته ما وجدت فراق زوجتك و أوالدك هينا ، ما وجدت االنفصام سهال ، لكنك في بلدك ، الكل أهلك ، الجميع ناسك ، فلم تخاف من

؟ ما زلت رغم الفراق تملك أن تجلس باستكانة على كرسيك فراق إرادي القمر و تبتسم ، أي اطمئنان يعيشه من له الهزاز في شرفة منزلك تغازل

: الخالية و تساءلت وطن •• تطلعت في وقفتها طويال إلى شرفته بمقدورك المساعدة أيها الرجل الالهي ، هل حقا يمكنك أن تقدم هل حقا  

في وطنك و بامكانك أن تفعل ، كما أنك جريء ، عونا ؟ و لم ال•• أنت مع أبي أن تعرف كل شيء •• جريء جدا ، لقد استطعت في مقابلة واحدة

المال ، الحاجز و لكن عرضك مرفوض •• لن نستطيع أن نقبله ، فهناك دائما و •• نعم الذي ال يقهر ، اللجوء اآلخر ، األمنيات الصعبة ، األحالم المستحيلة

و العطش ، الظمأ الشديد رغم سحابة الماء ، سأظل دوما ظمأى هذا تستطيع تغييره •• أغلقت نافذتها و توجهت إلى حامل لوحاتها قدري ، و لن

البئر و الشجرة تدب أغصانها فيه موحشا ، مرعبا ، رفعت الغطاء فبدا شكل كان غريبا ، عضت على شفتها السفلى مخيفا ، حتى الصبي الذي يتطلع إليه

: و همست

Page 27: رواية لاجئة

كيف رسمت هذا المنظر الفظيع ؟ كان كل شيء أمامها في هذا اليوم   يفقد قيمته ، شعرت للحظة أنها عاجزة ، أنها مبتورة الساقين و اليدين ، أنها

تصرخ لوال لسانها المقطوع ، وضعت لوحا أبيض فوق لوحة البئر و تريد أن سوداء كئيبة لوجه يطحنه الظمأ •• دخل أبوها الى خطت بالفحم خطوطا

إليه بعيون مغرورقة و لم تتكلم ، اقترب الحجرة دون أن يدق الباب ، نظرت: قال •• و نظر في لوحتها و هز رأسه رافضا لما فيها

هل خيبت أملك يا ابنتي ؟ نظرت اليه ريم و حاولت •• أنت غاضبة يا ريم   بدموعها ، فاقترب منها أبوها جدا و أخذ الكالم إال أن غصة منعتها و شرقت

: رأسها بين يديه ووسده كتفه ، قال المشكلة نقودا ، فال مشكلة ، مازال ال تبكي يا صغيرتي •• عندما تكون  

صدق األستاذ سعيد في وعده أبوك قويا ، قادرا على العمل و العطاء ، و إذا دموعها بباطن فإنني سوف ألحقك بالجامعة •• رفعت ريم وجهها و مسحت

: كفها و ضحكت و هي تقول بحروف متعثرة أكثر من أجلي ال يا أغلى أب ، ال أريد الجامعة ، و ال أريدك أن ترهق نفسك  

•• صدقني لن أكون سعيدة و أنا أحقق أحالمي على أنقاض صحتك ، يكفيك عانيت حتى وصلنا إلى ما نحن فيه ، ال أريد المزيد •• أمسك وجهها بين ما

: لدموعها النازفة يديه و قال العظيم أن أمسح هذه الدموع و لو كلفني هذا عمري •• أنتم أقسم بالله  

و أنتم وطني الذي تركته مخيرا قبل عشرين عاما و كنزي أيتها الفتاة الرهيفة •• مني بدوره لن أسمح لهذا الوطن الصغير أن يضيع

وضع األب أصبعه على فمها ليمنعها من إكمال أعتراضها و و لكن يا أبي ؟   و وضعه جانبا و عندما نظر إلى لوحة البئر أمسك لوح الرسم الحزين ، رفعه

أصابعه على حافة البئر ببطء و تحته ، وقف واجما و ريم تراقبه •• مرر : لمس غصون النخلة السامقة •• قال

: ريم هل يمكن أن أحتفظ بهذه اللوحة ؟ قالت   •• ، كما أنها بشعة جدا لكنها لم تكتمل يا أبي  

: أريدها •• همست ريم لكنني   أريد تقديمها لك عندما أكملها ، لكنني فجأة زهدت فيها و شعرت كنت  

: ابتسم األب و هو يرفعها و قال •• أنني ال أريد إكمالها الفنانة الصغيرة لو اكتملت لخالفت الحقيقة ، إن نقصانها هو كمالها أيتها  

: همست •• راقبت ريم والدها و هو يغادر الغرفة حامال اللوحة بين يديه ، إلى منزل سوسن كان البد لريم أن تقطع صدقت •• *** في طريقها  

تنعطف يمينا لتسير باتجاه بيت المسافة بين بيتها و بيت سعيد أوال قبل أن على األقدام ، و سوسن الذي ال يبعد كثيرا عن منزلها ، عشر دقائق سيرا

عندما اجتازت واجهة بيت سعيد و بدأت طريقها إلى سوسن وجدته فجأة أمامها •• كان سيد أخو سوسن ، اعتراها ارتباك و لم تدر إذا كان من اللياقة

أو من األدب أن تتركه دون كالم ، لكنه كان أسرع في أخذ المبادرة أن تحيه : إذ حياها قائال

: آنسة ريم ، كيف حالك ؟ همست  

Page 28: رواية لاجئة

الحمد لله   •• متجهة إلى بيتنا ؟ أومأت برأسها أن نعم  

صغير و عندما أعود آمل أن أجدك هناك هذا جيد ، ساذهب في مشوار   عندما اقتربت من فلدي ما أقوله لك •• أسرعت في مشيتها بدون رد و

منزل سوسن وقفت برهة مترددة هل تطرق الباب أم تنسحب قبل مجيء االستاذ سيد ثقـــيل الدم •• و أخــيرا حزمت أمــــرها و أقفلت عائدة ، لكنها

للمرة الثانية في أقل من عشر دقائق تجد من يستوقفها و هذه المرة كان و : بادرها سعيد الذي

إليه مندهشة ، ثم تذكرت أن أباها أعطاه اسمها آنسة ريم •• نظرت   : قالت

نعم   تطلعت رأيتك تسيرين حتى نهاية الشارع ثم تعودين ، هل هي رياضة ؟  

إليه بحنق و همت أن تجيب ، إال أنها آثرت عدم الكالم ، هزت رأسها و سارت طريقها ، ظل واقفا في مكانه يراقبها تسير و قال و هي تكاد تختفي في في

: انعطافة منزلها وصلت ريم إلى منزلها أجابت أمها قبل أن يا لك من طفلة •• عندما  

: تسأل : سوسن ليست هناك •• نظرت إليها األم و قالت  

الغضب في عيونك ؟ ما بك ؟ و هل في عدم وجودها ما يستدعي هذا   : نظرت ريم إليها و قررت أن تقول

قال أنه يريد محادثتي و ال في طريق الذهاب وجدت فجأة أمامي سيد ،   ترمي حمال أثقلها أعرف ما الذي يريده •• و قبل أن تعلق األم أكملت و كأنها

: العودة وجدت أيضا فجأة أمامي االستاذ سعيد ، جارنا الالهي ، و في طريق  

سألني إن كنت أجوب الشارع على سبيل الرياضة أعتقد أنه خفيف الدم و إال أن ريم عاجلتها و هي تلقي بنفسها •• و للمرة الثانية همت األم أن تعلق

: غضبا على أريكة الصالة أن كل من في الشارع سمعه ثم وصفني بصوت عال بأنني طفلة ، أعتقد  

تبتسم و قالت •• تطلعت األم إلى ريم ، مقطبة ، إال أنها فجأة وجدت نفسها : و هي تمعن النظر فيها

: كبرت و الله يا ريم •• نظرت إليها ريم و قالت بغيظ   : األم و قالت هذا ما ال يعرفه األستاذ سعيد •• ضحكت  

هذا هو الشيء الوحيد الذي يعرفه األستاذ سعيد يا ريم بل ربما كان   : ألمها التي أكملت توجهت ريم بنظراتها المتسائلة

الرجل يعرف تماما متى تكون الثمرة ناضجة ، و يعرف إن كانت مثل هذا   •• متى و كيف يجب أن تؤكل حلوة أم مرة و يعرف أخيرا

: ماذا تقصدين ؟ تنهدت األم و قالت   الحرام ، لقد أقصد حماك الله من هذا األستاذ و أشباهه ووقاك شر أوالد  

•• بدأ سعيد يلعب لعبته و اختارك أنت هذه المرة فكوني حذرة

Page 29: رواية لاجئة

•• و عرض المساعدة لكنه تحدث مع أبي و كان الحديث عابرا ،   البداية يا بنت أبيك ، احذري و اخبريني دوما بكل شيء و الله يرعاك هذه  

•• هل أقول ألبي ؟  

يستطيعون استيعابها و خاصة عندما يظل ال يفهم الرجال هذه األمور و ال   عاما ما زالت في مثل عمر األب على اعتقاده أن ريم ابنة الثمانية عشر

يكفيه قلق سمر •• أبوك لن يصدق ، لكنه سيقلق و الأريده أن يقلق ، : ••فهمت يا حبيبتي ؟ هزت ريم رأسها

و فهمت •• *** كانت سوسن في حجرتها عندما طرق عليها أخوها الباب   : دخل ، تلفت حوله و سألها مباشرة عن ريم

: بدورها غادرت مبكرا ، أنا لم اتأخر •• رفعت رأسها عن كتابها و سألته   عمن تتحدث ؟  

: و قالت ريم ضحكت سوسن و أغلقت الكتاب   •• ، هو العشق إذن يا أخي الكبير العاقل هيه •• بدأنا نتخيل  

منها أي تخيل يا سوسن ، لقــد قابلت ريم في طريقها إلى هنا و طلبت   انتظاري ، فلم رحلت باكرا ؟

، آه إذن هي وعدتني بزيارة الـيوم ريم لم تأت أصــال ، رغم أنهــا كانت قد   •• لم تأت بسببك

بسببي أنا ؟   حفيظتها ، نعم •• ريم خجول للغاية و مجرد مخاطبتك لها في الشارع أثار  

: و ال استغرب تصرفها •• ابتسم سيد بارتياح و قال خام و هي ما يتمناه كل شاب •• هذا هو النمط الذي أريد •• ريم فتاة  

: قالت سوسن كم حاولت و لكن ماذا عنها هي يا سيد ، إن ريم ال تحب الحديث حولك ، و  

أن أنقل لها انطباعاتك و مشاعرك فكانت دائما تصدني و ترفض مجرد الكالم ••

•• خجل العذارى   شيء و ال مكان للمواربة بيننا ، ليس مع صديقتها ، إنني أعرف عنها كل  

هذه األمور ، كل ما عالقتنا منذ الطفولة كما تعلم و ريم حازمة في مثل •• يعنيها الرسم و ال شيء غير الرسم

سوسن ممتعضة ، عادة غبية ينبغي أن تتركها عندما نتزوج •• نظرت إليه   : غادر الغرفة و قالت هي

••هذا إذا تزوجتها  

Page 30: رواية لاجئة

المشاعر و كان سيد نموذجا لشباب فقد رغبته في الجديد ، كان قديم التفكير و األخالق ، يزن الناس بمقدار ما لديهم من هذا القديم ، يعتبر كل جـــديد انحالل و تفـــسخ عن القــيم و األخالق ، و في سبيل تكريس هذه

على االبتسام حتى نسيه و تعلم أن البنت وسيلة إنجاب و تكوين الحقائق جار لها في الحياة رأي أو موقف ، و كان يعتقد أن تعليم أسرة ، ينبغي أال يكون

الثانوية العامة ، لذا فقد فرض على أخته حياة الفتاة ينبغي أن يتوقف عند ولي امرها بعد وفاة والدها فقد رضخت البيت بعدها مباشرة ، و لما كان هو

العالقة بين أخته و بين ريم ، ألمره و لم تكمل تعليمها ، شجع سيد منذ البداية صديقات أخريات ، في الوقت الذي وقف فيه بالمرصاد ألية عالقة أخرى مع

، كان يعرف العم جهاد و يقدره كثيرا و يرى فيه النموذج الحقيقي للرجل يكدح من أجل أسرته و زوجته في المنزل تسهر على رعايته و إنجاب

تقديره له كل مبلغ عندما وجده أجلس ريم بعد الثانوية األطفال له ، و بلغ بهذا اتفقت الميول و صار زواجه من ريم العامة كما فعل هو مع اخته و

:والدها مسألة وقت ، ال يقف أمامها رفض ريم أو ممانعة

و كيف يرفض و أنا معلم محترم ، لي راتب و بيت و شخصية قيادية   يلمسها الجميع •• وأد في نفسه ميال إلى الشعر لمسه لديه معلم اللغة

كان طالبا ، أعتبر أن الشعر مضيعة للوقت و سبب في مياعة العربية عندما فقد كان حازما مع نفسه ، مزق كل أشعار الشباب و تأخر رجولتهم لذا

التقليدي ، دراسة فعمل فزواج المراهقة و ترك لأليام قيادته وفق التقسيم حنين قديم للشعر •• لكنه بعد أن رأى ريم و قد صارت عروسا جميلة عاوده

و ، و عندما أسهده التفكير فيها ذات ليلة ، ضبط نفسه متلبسا بالشعر ، كانت الساعة تدق الثانية بعد منتصف الليل و قصيدة متينة مستقرة بين يديه

إليه أن يهديها لصاحبتها •• لكنه عاد فهزأ من نفسه و طوى القصيدة تطلب ••اهتــمام في درج مكتبه و ألقــاها بال

جهاد في خالل سني عمله في مصر ، و بعد زواجه من سميحة عمل*** مجال البناء و شيئا فشيئا تعلم أن يقتحم مجاالت أخرى تتعلق به ، فأصبح بامكانه أن يقوم بالطالء و برع أيضا في أمور السباكة و الكهرباء و حتى

لزم األمر ، و اكتسب ثقة كل من عمل معهم لذا لم تتوقف النجارة إذا هذا رزق تعليم و رعاية األوالد ، فلم يكن يبخل أعماله يوما و كان يعتبر أن

لتدبير سميجة زوجته أبلغ األثر في عليهم بكل قرش يجنيه من كده ، و كان أحالمــهم الصــغيرة كانت سير الحياة وفق ما تمنــوا و رغبوا ، فعلى قـــدر

الجامعة مجددا أيضا أهدافهم و سيرتهم في الحياة ، و لكن بعد أن الح أمل البد في أفق حياتهم أصبح هذا األمر هو الشغل الشاغل لدى العم جهاد ، كان

من وسيلة يحقق بها حلم ابنته و من بعدها ابنه ثم ابنته األخرى ، و بهذه الطريقة ال يمكن ••!! كان يتأمل لوحة البئر التي أخذها من ريم و آالف

: تتصارع في رأسه ، تصب كلها في السؤال اليتيم االفكار

Page 31: رواية لاجئة

تعرف من أين ؟ كانت أم ريم تنظر إليه منذ فترة بدون أن يشعر ، كانت   تماما ما يدور في خلده ، كانت مدركة أن الفكرة لم تغادر رأسه منذ زرعها

فيه و هي تعرف جهاد عشرة العمر جيدا •• أخيرا تنهدت لتنبهه و سعيد : قالت

: بدوره و قال وحد الله يا رجل •• تطلع إليها و تنهد   الله سيدنا محمد رسول الله ال إله إال  

عليه أفضل الصالة و أتم التسليم •• ما بك يا أبا العيال ؟   : قبل أن تتكلم حذرها ريم يجب أن تدخل الجامعة •• و  

•• تقولي من أين ، الرزاق موجود و ال   و نعم بالله ، و لكن حقا ، حقا من أين ؟  

•• أو ال أفكر في أمر و ال أدري إذا كان ممكنا   •• ال تقلها  

لتنفيذها ، أجلناها كثيرا و لكن آن اآلوان يجب يا أم العيال ، آن اآلوان   تريد أن تسافر و تتركنا ؟  

بعد هذه قاسم صار رجال يعتمد عليه ، و الغربة لن تطول •• صمتا كالهما   العبارة ، كان كالهما يفكر في نفس األمر :" الغربة لن تطول عبارة حدثته بها نفسه قبل عشرين عاما حين غادر غزة و ها هي طالت و طالت حتى صارت

تطول بدورها غربة الكفاح من أجل تعليم األوالد؟ " همست عمرا ، فلماذا لن :

: ال أحتمل الفراق •• قال   حتى من بناء بيت سنين قليلة ، اجمع فيها بعض النقود و اعود و ربما تمكنا  

صاحبه عنه خاص لنا بدال عن هذا المنزل ذي األجرة القديمة و الذي يراودنيمنذ فترة •• أنت تعلمين كل شيء يا سميحة ، فلماذا تمانعين ؟

ال يا أبا قاسم • ال •• لقد كبرنا على غربة تفرقنا ، لن أطيق الفراق •• ال   أنت كل حياتي ، لن أطيق أن أعيش مع األبناء ، أقاسي بعد أن صرت

بالد الله خلق الله تكافح و تعود آخر النهار األمرين بدونك ، و أنت هناك في فوق احتمالي يا جهاد فوق فال تجد من تمسح عرقك و تشد أزرك ، هذا

•• احتمالي •• لكن األوالد بحاجة للمزيد  

قسمه الله لنا بل يممكننا االستغناء عن هذا المزيد ، يمكنــنا أن نرضى بما   •• و نكمل حياتنا

نعلمهم حتى نحو أي اتجاه يا أم العيال ؟ تمضي حياتنا نحو أي اتجاه ؟   إذن الثانوية ثم نتركهم يصارعون فقرا و قلة وظائف و لجوء ، ما الذي فعلته

•• ما هي الثمرة التي رويتها بسنين غربتي و لجوئي •• ماذا سيقول أوالدي موتي ، هل سيترحمون علي ، ام سيقولون سامحه الله تركنا ريش في بعد

فلسطنيون يا أم قاسم ، هل تدركين معنى هذه الجنسية مهب الريح •• نحن ال مكان يرحب به ، يعيش حياته مشتتا بين علينا ، فلسطيني ال أرض تقبله و

سنينا و حصد أذكى األرواح أمل كاذب و سياسة فاضحة و كفاح مسلح استمر

Page 32: رواية لاجئة

و لم يسفر عن شيء •• هل تفهمين قصدي ؟ من غيري بوسعها أن تعصر سنين و من غيري يمكنها ذلك يا أبا العيال ،  

غيري يا أبا قاسم ، و العمر الماضية و تقدمها دماء� في عروق الصغار ، من لكن ، الفراق ؟

•• حتى حين   و األوالد ؟  

•• سيفهمون و سيعينونك   و الوحدة ؟  

•• سأرسل لك كل يوم خطاب   و السفر؟  

بعدما سيكون في أسرع وقت •• إن شاء الله *** كان سعيد يداري نفسه   لمح العم جهاد في الطريق ، خشى أن يسأله عن األمل الكاذب الذي زرعه

حياته و كان أخشى ما يخشاه أن يعيد العم جهاد عليه الحوار برعونة في ، عندما كان عائدا من عمله فإذا بالعم جهاد ينتظره و الذي دار بينهما البارحة

، كانت المرة االولى التي يدخل فيها هذا البيت يلح عليه أن يدخل بيته ليتحدثا غرفة الصالون و استأذنه دقيقة عاد ، تمنى رؤية ريم و لكن األب فتح له

: بعدها يحمل صينية الشاي ، قدم له كوبه و هو يقول أال أكون قد فوت عليك عمل ما في هذه أستاذ سعيد •• تفضل •• أرجو  

•• الظهيرة •• ال ال أبدا يا عم جهاد  

بالجامعة و أنا اسمع يا بني منذ أن تفضلت و قلت أنه بامكانك الحاق ريم   أفكر مع أم العيال في الطريقة التي نجمع بها المال من أجل هذا الهدف

الذي نحلم به •• وضع سعيد كوب الشاي و هم بالكالم ، لكن العم جهاد كان : إلكمال ما يريد قوله فأكمل متحمسا

خاللها و بعد تفكير قررت أن السفر هو الوسيلة الوحيدة التي يمكنني من   تحقيق هذا الحلم ألوالدي تباعا

•• و لكن يا عم جهاد   فلدي فرصة و لكن يا بني أنا أريد أن أعرف اآلن ماذا تم بهذا الخصوص ،  

للسفر الى السعودية بعد شهرين من اآلن صديقي الحاج محمود وفرها لي ، سأعمل هناك في البناء أيضا براتب كبير ، حوالي ألف جنيه ، هكذا مشكورا

•• ، و أنا أريد منك تأكيدا قال لي الحج محمود •• نعم يا عم جهاد و لكن  

علــيك ، فقط أجبني يا بني الجامعة حلم ريم الدائم ، و أنا ال أريد أن أثقل   : هل هو ممكن ام ال ؟ ترك سعيدا كوبه و نهض قائال

لقد ســرت بعــض الخطوات في أقـــرب فرصـــة سأخبرك بكــل شيء ،   في هذا الموضوع و عندما أنتهي سوف أخبرك بكل شيء

، اجلس نتغدى سويا •• لكن سعيد بارك الله فيك يا بني ، بارك الله فيك   ريم و هو يغلق لم يجلس ، لقد خرج مسرعا و كأنه كان في الجحيم ، لمح

اللحظة الباب خلفه ، لمح عيونها ، تلك العيــون التي حيـــرته كثيرا منــذ

Page 33: رواية لاجئة

األولى ، رأى فيها أمال و رجاء و اعتماد •• خرج مســـرعا ال يلـــوي على : فتح باب منزله و نظر لمــرآة الباب و صاح بغضب شيء

كاذب ، كاذب •• *** نزل خبر سفر األب المزمع على رأس ريم   كالصاعقة ، رفضته منذ اللحظة االولى ، توسلت إليه أال يفعل ، قالت أنها

بتعليمها إلى هذا الحد ، دللت على أن األمر عادي بصديقتها راضية تماما : بقوله سوسن ، لكن األب اكتفى

فلسطينية •• توسلت إلى أمها أن تثنيه عن قراره ، سوسن مصرية و أنت   غول الغربة الذي سيقتحم حياتهم اذا تحدثت الليالي الطوال إلى أخيها عن

، ألحت ، صــلت و دعت سافر األب في غربته الثانية ، بـــكت ، تــوسلت ••الله كثيرا و لكن أباها لم يستجب ، لقد قرر و انتهى

أنها تريد أن تقتله ، و عندما دخل سعيد بيتهم تلك الظهيرة مع أبيها شعرت حديث من وقفت على باب غرفة الصالون تستمع إلى الحديث ، بدا و كأنه

طرف واحد ، أبوها فقط يتحدث و سعيد يقول "و لكن " حنقت عليه أشد إنه هو السبب ، ليته يستطيع أن يثنيه عن قراره ، ليته يكمل " و لكن الحنق ،

يقنعه فيه أن غربته عن أوالده ثمنا كبيرا جدا على تعليم " بحديث طويل أنه كان يكذب و أن الجامعة كذبة كبيرة اتخذت األوالد ، تمنت أن يقول له

تفريق الشمل و بعثرة األسرة ، لكنه شكل البومة و لعبت لعبتها األبدية في بالتوسل بدال عن الغضب لم يقل ، و حين خرج ، ال تدري لماذا نطقت عيونها

:الذي كان يغلي داخلها ، و تساءلت

فهم •• هل سيحاول •• البد أن يفهم ، البد أن يحاول و هي ستقنعه هل   و انتظرته في اليوم التالي بجوار منزله ، في نفس بذلك •• حزمت أمرها

عندما أقبل عليها بدا للوهلة األولى غير المكان حيث رآها للمرة االولى ، تعبيرا عن سروره ، لكنه ما أن مصدق ، ثم تحولت مالمحه إلى االبتسام

رأسا على عقب ، اصبح في مواجهتها بوجهها الحانق حتى انقلبت مالمحه : وقف واجما و لم يعرف ماذا يقول و بادرته هي

لو سمحت •• ابتسم مجددا و أستاذ سعيد ، أريد أن أتحدث معك كلمتين   : لكن بحذر و دعاها للكالم قالت

بالجامعة ، ينبغي أوال أن أشكرك على عرضك الكريم على أبي بإلحاقي   لكنني أريد منك أمرا لو سمحت •• بلع غصة قريبة و ظن أنها ستطلب منه

: مثلما طلب أبوها اإلسراع في المجيء بالرد لذا هم بالكالم : لقد قلت ألبيك •• قاطعته  

و أنا من تعنيها بالمقام االول ، و دع عنك أبي اآلن ، أنا صاحبة القضية ،   بالجامعة ، و بقدر أمنيات أبي و بقدر اشتياقي و رغبتي الحقيقية في االلتحاق

أطلب منك أن تعدل عن رغبته العارمة في تعليمنا حتى آخر التعليم العالي ، بهذا خدمتك و أن تخبر أبي انك كنت تكذب عليه و ال تستطيع خدمتنا

الخصوص •• بلع ريقه و نظر إليها و الدهشة تكسو كل مالمحه ، ماذا تطلب : الشابة ؟•• ترجم دهشته في كلمة استنكار بدت حقيقية جدا هذه

: قالت أنا كاذب ؟ تلعثمت ريم لكنها سرعان ما استعادت قوتها و  

Page 34: رواية لاجئة

قلت حرفيا و إنما اردت إبالغك أنك بهذا الحلم الذي آسفة •• لم أقصد ما   هدمها •• أشاحت بوجهها تخفي دمعة ، دخلت به حياتنا أعملت معولك في

: قالت ثم نظرت إليه و مالمحها تحمل رجاء و استعطاف و من أجل هذا الهدف•• شيء يشبه الزلزال تحرك أبي سيسافر و يتركنا  

لو يأخذ هذه المخلوقة في حضنه داخله ، شيء ما هزه حتى األعماق ، تمنى تمنى لو أمكنه حتى أن و يعتصرها بين يديه ، تجاوبا مع نظرة االستعطاف ،

: يمد يده فيمسح دمعتها الخجول ، صمت قليال ثم قال : لكنه هدف نبيل و يستحق الكفاح •• صاحت  

تفهم معنى غربة أبي الثانية •• أنت لن تفهم ، أنت ال تفهم ، ال يمكن أن   دموعها تغلبها ، و لمح هو اللؤلؤ لن تفهم •• لم تستطع أن تكمل ، بدأت

مفتوحة و دموعها بال صوت يتساقط بسرعة غريبة من عيونها ، كانت عيناها : لكن النشيج كان في قلبه ، و األسى ملك عليه نفسه همس

•• اهدئي أرجوك   ال يمكنني الدراسة في ستخبر أبي أنك لم تسطع عمل شيء و أنني  

الجامعة ؟ •• سأفعل  

وعد ؟   •• اعتبريه كذلك  

أشكرك •• و مثلما حدث في اللقاء االول في نفس المكان انسلت من   : أمامه كالطيف و غابت في انعطافة منزلهم و هي تحدث نفسها

••ربما ينجح هو فيما فشلنا فيه  

العم جهاد بنفسه و ذلك المساء كان مميزا جدا فقد جاء سعيد إلى منزل*** بدون دعوة ، طرق الباب و عندما فتح له قاسم سلم عليه كرجل راشد و

سأله عن أبيه ، فأدخله قاسم الصالون و نادى أباه و أخبره عن الزائر الغريب األب مبتسما و طلب من أم العيال أن تعد الشاي بسرعة ، كان سعيد فنهض

صيفية ، حليق الذقن تنبعث منه رائحة ذكية ، و كان يرتدي مالبس أنيقة :بحرارة و جلس و بادر فورا بالكالم مبتسما ، سلم على العم جهاد

جهاد ، لقد تحدثت اليوم مع اآلنسة ريم بشأن تعليمها و سفرك •• عم   : األب و هم بالحديث فعاجله سعيد عقدت الدهشة لسان

أمام البيت ال أحب أن ألف و أدور كثيرا ، لقد وجدت اآلنسة ريم بانتظاري   في الشارع ، رجتني أن أثنيك عن عزمك على السفر و أعلنت أنها ال تريد إتمام تعليمها ، طلبت مني أن أخبرك أنني كاذب و أنني ال يمكنني إلحاقها

لكي تتنازل عن فكرة السفر ، لذا آمل منك أن تتكرم بدعوة اآلنسة بالجامعة معا و بمنتهى الصراحة لنخلص إلى رأي يرضي جميع ريم لنناقش الموضوع

كريمتكم إال أن تحملها لي ، فهل هذا األطراف و يريحني من عقدة ذنب أبت غير موقن أساسا أنه سمع ممكن ؟ كان األب ما زال غير مصدق لما يسمع ،

ماذا حدث ••؟! هذه العبارات ، ابنته ريم تقابل هذا الرجل و تتحدث معه ، االبنة أسرع األب فنادى زوجته و ابنته ، كان يبدو عليه الغضب ، جاءت األم و

Page 35: رواية لاجئة

: و في أثرهم قاسم و حتى سمر الصغرى جاءت ، قالت األم بلهفة : ينظر إلى ريم بغضب ماذا حدث يا أبا قاسم ؟ قال األب و هو  

قابلت األستاذ و طلبت إليه أن يثنيني عن السفر •• أليس كذلك يا ابنتك   كذلك ؟ نهض االستاذ سعيد بسرعة و توجه إلى األب و هو ابنة عمري ، أليس

: يقول الذي يضايقك •• إذا كان ما يضايقك اهدأ يا عم جهاد ، اهدأ و أخبرني ما  

مرأى كل من فيه و هو مقابلة اآلنسة ريم لي فقد تمت في الشارع و على سواء أنت تسعى إللحاقها بالجامعة و هناك سوف تكلم الكثير من الرجال

أكانوا أساتذة أو زمالء ، ما الفرق ؟ أما إذا كان ما اغضبك هو أنها سألتني منعك من السفر فهذا ألنها خائفة من فراقك لهم و ال تريد هذه الغربة ••

: بجوار زوجها و ربتت عليه و هي تقول جلست سميحة فيما نعم يا أبا قاسم ، و لقد حكت لي ريم كل شيء و لم أجد غضاضة  

فعلت ، ابنتنا مرباة و مؤدبة و نحن نثق بها أليس كذلك يا أبا ريم ؟ تطلع األب نحو ريم و غمامة غضب صغيرة جرداء تلوح في عيونه ، في الحقيقة كان

: غضبا ، تقدمت ريم بهدوء و نظرت إلى األرض و هي تقول عتابا أكثر منه •• طريقة أنا حقا آسفة يا أبي ، كنت أريد منعك من السفر بأية  

ألست أباك و موطن أنا ؟ لماذا لم تخبريني أنا ؟ و لماذا لم تكلميني   ؟ ألست هو يا ريم ، ما الذي تغير أسرارك ، مصب أمنياتك و محقق أحالمك

ركبتيها أمام أبيها و أمسكت يديه يا ابنة جهاد ، ما الذي تغير ؟ جثت ريم على : و مالت فقبلتهما و قالت

الحبيب ، ستظل دائما مرفئي و و ستظل دوما واحتي و الوطن أيها األب   لها النجاح •• رفع بيتي و بئري الذي منه أرتوي •• إنما هي محاولة رجوت

: األب رأسها و تطلع اليها و قال وهو يكز على أسنانه ربما كانت أهدافهم أقل قيمة من لماذا ؟ لماذا ، آالف غيري يسافرون ، و  

ال تبور ، بينما أبحث هدفي ، إنهم يبحثون عن بيت أوسع و أرض أكبر و تجارة من عن وسيلة أؤمن لكم بها العلم ، سالحكم الوحيد في مواجهة الزمن

بعدي ، أنا ال أريد لنفسي شيئا ، ال أحلم بأكثر مما أنا فيه ، لكنني أريد الدنيا لكم ، الحياة الكريمة •• رفعها من على األرض و أجلسها بجواره و أكمل

: يشاهد صامتا فيما الجميع ابنتي و سفري ليس تضحية ، إنه رسالة تكتمل و أيام تمر أنتم كنزي يا  

تتحقق •• شدت ريم على يد أبيها و قالت و هي بسرعة إن شاء الله و أحالم : تغالب دموعها

ال أريد لعذابك أن يطول ، ال أريد لكنني ال أريد لغربتك أن تصبح أكبر و   أحتمل أن أصحو ، و أنت غير موجود ألمنا و لنا الوحدة بدونك ، ال أريد ، بل ال

تحتـــويها و تحــتــويني ، يا بيننا ، أن أحتاجك فال أجدك ، أن أمد إليك يدي فال تحققت االحالم ستكون أبي إذا سافرت يضيع األمان ، و إذا تركتنا حتى و إن

نهنأ بها و هي مجروحة ، مصبوغة بعرق الغربة و ليالي التعب و الفراق ، كيف :قال من بعض دمك ، كيف ؟ تنحنح سعيد و قد غلبه التأثر فلمعت عيناه لكنه

Page 36: رواية لاجئة

الموقف إال أن ألغي فكرة التعليم ، أنا أقول ألبيك يا ريم ال أملك أمام هذا   لدي أية وسيلة أساعدكم بها •• نهض األب كما طلبت أنني كاذب ، ليس

: مسرعا ، أمسك يده بحرارة قال الموقف ، ال تبال بما سمعت ، إنهم ال •• ال يا أستاذ سعيد ، ال تتخذ هذا  

على دنيا ليس فيها أبوهم و صغار و أنا ذاهب و هم قادمون ، و عندما يكبرون المــــوقف ، و ليس لهم فيها ميراث يستندون عليه ، لن يكونوا سعداء بهذا

اجراءتك لن أكــــون راضيا عن كفاح عمري •• ال يا أستاذ سعيد ، أمض في و سأمضي في اجراءاتي علنا في النهاية نصل الى نقطة تتالقى فيها األهداف

أنطلق منها إلى تحقيقها •• و نظر إليه متوسال ، همس و هو ما زال يضغط و : على يده

الجميع ، نظر سعيد إلى ريم مطوال ، أرجوك •• ران صمت طويل على   الهندسية ، يدها كانت تنظر في األرض تحرك قدمها فوق أشكال البساط

الرغبة منعقدة خلف ظهرها و في مالمحها تجمع ألم الدنيا ، منظر أعاد إليه ذاتها في أن يعتصرها و يهدهد قلبها و يطمئنها على غد تخافه و مجهول تشعر

يتربص بها •• ال يدري لماذا شعر أن إحساسا بالمسئولية يترسخ في ذاته أنه األسرة ، لم تعد ريم فريسة يريد اقتناصها و لكن ضعيفة يريد تجاه هذه

إسعادها ، وحيدة يريد أن يمأل عليها أيامها ، نظر إليها حمايتها ، حزينة يريد وجدانه ، يكرس مشاعره نحوها ، يجمعها من شتاتها طويال يطبع مالمحها في

: عندما طال الصمت تنهد و قال البعيد ليصبها في مجرى أيامها وو اآلن ماذا قررتم ؟  

كانت الرغبات المتعارضة رفعت ريم وجهها إلى أبيها و رفع األب وجهه إليها ، في أرض ال ألول مرة تتضافر تشكل لحمة ، وشيجة ، تؤصلها أكثر ، تغرسها

هذا يراها إال هما و ال يحسها إال أب قرر التضحية حتى آخر نفس و ابنة ترفض : العذاب •• و صمتا كالهما فتكلمت األم

أمرا •• مخ على بركة الله يا أستاذ سعيد ، جهاد زوجي و أعرفه إذا قرر   أهدافنا فلسطيني عنيد •• و ليكن دعاؤنا أن يقصر الله ليالي غربتنا و يحقق

: بها •• نهض األب مبتسما و أمسك يدي زوجته و قال الفلسطيني العنيد ، يا بارك الله فيك يا أم العيال ، و صبرك على المـــخ  

عليك بعد الله رفيقة الكفاح و العمر الذي مضى و العمر القادم ، إنني أعتمد كثيرا •• انسحب الجميع من الغرفة بهدوء و ظل األب جالسا على طرف

األريكة و سعيد واقفا ينظر إليه و سمعه يقول : - كم أخاف عليكم يا أحبائي ••أقسى أيامي بدونكم •• ما

:مال عليه األستاذ سعيد و ربت على كتفه و قال بصدق

أهلي منذ اآلن يا عم جهاد و لن يصيبهم مكروه طالما في صدري نفس هم   ••يتردد ، فال تقلق

Page 37: رواية لاجئة

أن يحقق ما وعد كان الشغل الشاغل لسعيد بعد هذه األمسية الغريبة ،*** التي به األب ، و في سبيل ذلك ذهب إلى وزارة التعليم و سأل عن الطريقة

يمكن لفلسطينية إكمال تعليمـــها العـــالي و دهش عنـــدما عـــرف أن % في مقاعد الدراسة و ازدادت فرحته بهذا النبأ5للفلسطنيــين نسبـــة

معارفه القدامى في الوزارة ، يرشده على طريقة التقديم و عندما وجد أحد يذهب إلى مكتب التنسيق بعد ثالثة شهور •• يعده أن يكون مع الورق حين

على أكثر مما توقع ، تحمل سخرية كانت األمور تجري على خير ما يرام ، بل هذا االهتمام ال يعدو كونه صديقه و هو يراه مهتما بهذه الفتاة و لم يصدق أن

: عمال إنسانيا في المقام االول قال له الفلسطنيات جميالت ، فإذا كانت أنا أعرف ذوقك تماما و أعرف أيضا أن  

أخذلك أبدا ، ناهيك عن هذه الفتاة على درجة الجمال التي أتوقعها فإنني لن المعلومات عندهم و أن معظم الفلسطنيين ال يتقدمون إلكمال دراستهم لقلة

المقررة لقلة ذات اليد في أحيان كثيرة و لذا فإن مقاعد الدراسة في نسبتهم سنويا يبقى أكثر من ربعها فارغا •• فاطمئن ، حبيبة القلب ستجد مقعدا ••

: سعيد مستبشرا همس و عندما سار في اتجاه منزلهم ليخبرهم بالبشرى ، كان •• إن شاء الله  

يفهم و لن يفهم ، ثم فجأة سأل نفسه : و ما يحدث نفسه بأن صديقه هذا ال هذا ، لماذا تفرغت للسؤال ، هل الذي تفهمه أنت ، ما الذي يدفعك إلى كل

في هـــذا ، يا جاري أنت هو الخجل من أن أبدو كاذبا أمامهم ، و ماذا يعنيني الشفقة أيها في حالك و أنا في حالي •• أم هي عيونها الحزينة ؟ إذن هي

الرجل ؟ •• ال ليست الشفقة ، ليس في حياتهم ما يدعو للشفقة ، لم يمدوا يدهم ليستجدوا إحسانا ، أنت من عرضت و أنت من فكرت ، و بناء على

سيسافر األب ، هل هو اإلحساس بالذنب ، ال •• فكما قال عرضك و قرارك كان سفره فاتحة خير عليه و عليهم ، إذن ما األب كثيرون يسافرون ، و ربما

؟ عندما اقترب من الشارع تمنى ••هو ، ما الذي يدفعك إلى كل هذا العناء : أن يراها ، ثم أنب نفسه بسرعة

ترى األب و تخبره أنك لم تكن و لماذا هي بالذات •• بعد دقائق سوف   و لكن •• ليتها تفتح كاذبا و تبشره بأن ريم ستلتحق بالجامعة إن شاء الله ،

األب الباب ، على األقل الباب !! لم يتحقق له ما تمنى و عوضا عن ذلك فتح بدا و كأن ليلة سهد طويلة عاشها البارحة ، كان ذابال ، داكن البشرة ،

مشوش الرأس و في فمه سيجارة كأنه يمضغها ، ابتسم فور رؤيته لألستاذ السيجارة و فتح باب الصالون و أدخله مصحوبا بعبارات الترحيب سعيد و نزع

:سيجارته في المطفأة ، كان سعيد يبادره بقلق المعتادة و عندما أطفأ

بك يا عم جهاد ؟ هز رأسه نافيا أن يكون هناك شيء و لم يقو على ما   بقلق مفاجيء ، انتظر قليال قبل أن يعاود السؤال ، و الكالم ••شعر سعيد

هكذا فجأة انخرط الرجل العجوز في لدهشته فوجيء باألب يبكي •• نعم ترتفع اكتافه و يغوص بكاء غريب ، كانت كل أعضاؤه تتحرك حركة قوية ،

إسكات رأسه بين ذراعيه و و يعلو ظهره و ينخفض •• كان الرجل يحاول

Page 38: رواية لاجئة

•• نفسه ، يكتم أنفاسه ، يقاوم نهنهاته ، و سعيد واقف ال يدري ماذا يقول الله يا رجل •• أين زوجتك ، أين ريم ؟ نريد وحد الله يا عم جهاد ، وحد  

: كوب ماء •• قال األب و هو يهز رأسه •• السوق ال أحد هنا ذهب الجميع إلى  

هم األب أن يمنعه إال أنه كان أضعف من ذلك •• سأحضرها بنفسي إذن   الول مرة يرى منزل ريم من •• فربت سعيد على يده و خرج من الغرفة

من البراد و الداخل ، خمن موقع المطبخ و توجه إليه مباشرة ، جلب ماء� •• لفت نظره و هو في طريقه للخروج باب الغرفة التي تطل على شرفته

••البد أنها غرفة ريم  

كأنه يدخل صومعة شيئا ما أقوى منه دفعه إلى دخول الغرفة بخطوات حذرة شيئا راهب •• أول ما لفت نظره كان فراشها •• كان مرتبا و عاديا ، إال أن

فيه أعجبه ، شيء ال يراه البشر ، مد يده تحسسه •• ثم لفتت انتباهه اللوحة المعلقة على الحائط فوق السرير ، كانت لمنظر طبيعي وقت الغروب ، و

كانت ترسم بدقة هذا المنظر إال أن شيئا مخيفا كان فيها •• رغم أن اللوحة •• ينظر إليها ال يدري مبعثه إحساس بالرهبة يشعر به من

هذا رسمها •• التفت بسرعة إلى األب الذي كانت يده تسكن كتفه و   نظرة لوم صغيرة تقبع في عيونه المغسولة بالدموع للتو •• ارتبك سعيد أيما

اهتز كوب الماء في يده فسقطت منه بضع قطرات على األرض ، ارتباك و يقول فآثر الصمت مسحها بحذائه و لم يدر ما

ريم ، إنها ترسم أحيانا من الصباح إلى المساء ، انظر هذا هنا كل مملكة   توجه األب إلى الحامل بخطوات واهنة و •• حامل الرسم الذي ترسم عليه

: رفع الغطاء بأصابع مرتجفة و قال أمامه ، كانت خطوط مبدئية تأمل معي •• وقف سعيد يطالع الرسم  

صغيرة نبت الصبار بالفحم لفتاة منهكة تعتلي جبل عال و عند السفح بحيرة : قال على جانبيها و عند القمة سحابة مثقلة •• أشار األب على البحيرة و

: سراب •• هز سعيد رأسه و قال هذه ليست بحيرة ، إنها   :حديثا الحظت الصبار •• جلس األب على حافة السرير و قال كأنه يكمل  

شاهدته ريم قبل فترة •• لم انتبه إنه يصلح لوحة هذه اللوحة ترسم حلما   مبتسما فأخذه منه و تبلغ ببعضه و ظل •• مد سعيد كوب الماء إلى األب

: الكوب في يده ، قال سعيد جهاد قليال و تطلع حوله ثم نهض لماذ كنت حزينا يا عم جهاد ؟ أطرق العم  

:و قال لسعيد

••سأعد شايا •• تعال  

شيء بالضبط ، و توجه كالهما إلى المطبخ ، كان العم جهاد يعرف مكان كل : عندما فتح خزانة المطبخ ليخرج منها األكواب تنهد و قال

الصالون و سرير ريم و سرير قاسم و أنا صنعتها •• هذه الخزانة ، و طقم  

Page 39: رواية لاجئة

: سعيد برأسه و قال حتى طاولة التلفاز ، تلك في واجهة الصالة •• أومأ الله يا عم جهاد ، إنها قطع جميلة و متينة •• ليس مــستغربا أن فنان و  

ابنتك •• ربت األب على كتف سعيد ممتنا للمجاملة و تكون ريم فنانة و هي االتجاه إلى غرفة الصالون ، و عندما وضع صب الشاي و تقدمه في الخروج و

: قال العم جهاد الشاي على الطاولة و تناول كل منهما كوبه : ؟ ابتسم سعيد مرة اخرى و قال خيرا يا بني  

ريم بل هو كل خير إن شاء الله ، وجدت من يساعدني في تقديم أوراق   للعام الدراسي الجديد ، و لقد وعدني خيرا و عنـدما يحين موعـــد التقديم ســأكون معها و إن هي إال أيام و تظهر النتيجة و إذا ريم طالبة جامعية كما

: ابتسم األب ممتنا و قال •• تمنيت بركة الله •• أتعبناك معنا يا أستاذ سعيد و شغلناك بهمومنا •• هز على  

: الكلمة و قال بصدق سعيد رأسه رافضا •• يا عم جهاد ، أنت مثل أبي و أوالدك إخوتي ال تقلها  

•• بارك الله فيك يا بني ، و أعطاك على قدر نيتك   حد البكاء ، لقد أفجعتني •• عم جهاد •• إذا سمحت لي ما الذي أحزنك  

: ابتسم األب ابتسامة صغيرة حزينة و قال الوحيدة لي للتنفيس عن لو شاهدوني لماتوا رعبا ، كانت الفرصة  

•• مشاعري ، خروجهم للسوق أتاح لي أن افعل ما كنت أقاومه و بشدة جهاد ، إذا كنت ال ترغب في السفر ابق و و لكن لماذا الحزن يا عم  

•• مصاريف الدراسة يدبرها الله أسافر من أجل مصاريف قد أستطيع أنت ال تفهم يا أستاذ سعيد ، أنا ال  

أن أمامي دربا طويال تدبيرها إذا بقيت ، إنني أذهب و أنا أعلم تمام العلم في عدم طويال ، دربا تأخرت عن المشي فيه بسبب نوازع العاطفة و رغبتي

ترك أوالدي ، و أسلكه اليوم بسبب نوازع العاطفة أيضا و بسبب العقل •• محتوم ظللت أخافه و أهرب منه و أتحاشاه قدر اإلمكان لكــــن آن قدر

له و أن أترك سيـــفه يجتز أمني و استـقراري و راحتي األوان أن أرضـــــخ هل تعرف ما يعنيه هذا ؟ •• قاسم في الصف األول ثانوي ،

•• له عامان و يدخل الجامعة بقي   و •• بالضبط ، لن تكون ريم قد أكملت دراستها ، و ستتضاعف المسئولية  

سمر هذه الصغيرة بعد عام بدورها ستدخل المدرسة ، مدرسة خاصة القدرة و االحتمال ، لكنني لن أحرمها حقها في العلم ، أوالدي مصاريفها فوق

الشيء الحقيقي الوحيد الذي منحه الله لي •• الشيء يا أستاذ سعيد هم مخلوق ، الوطن الذي ال ينتمي إال لي و ال أنتمي الذي ال ينازعني على ملكيـته

••أجلهم كل غال و نفيس إال له ، و من حقهم أن أبذل من

•• بذلت بالفعل لكنك   لبذل المزيد •• نهض العم جهاد واقفا و ، استشرف من مازالوا بحاجة  

بيده حاجز الباب كأن الحاجز يسنده ، تكلم باب الصالون منزله ، كان يمسك ••: إلى ال أحد قال بصوت واهن

Page 40: رواية لاجئة

بالضبط يوم تزوجت سميحة في هذا البيت عشت عشرين عاما ، دخلته   مرتين فقط خالل قرش صاغا •• ارتفع561 ، كان إيجاره تلك األيام 66عام

هذه السنين و توقف منذ أكثر من عشر سنوات على ثالثة جنيهات و نصف تعمدت أن يكون زواجي في اليوم االول من العام الجديد لكي اؤرخ به••

أنني أعلنــت دولتي في هـــذا العام و أرسيت رايتي في لنفسي ، ألقــــول كثيرا وقت أن أخبرتها بهذا الكالم ، كانت هذا اليوم •• ضحكت سميحة

أحالمي لوال كرم عم صابر يرحمه عروسا جميلة ، جميلة جدا ، كانت فوق أرضه منهوبة و ال الله معي آنذاك ، و كرمها هي •• لقد تزوجت غريبا ،

يقيده يعرف متى سيكون له وطن •• تزوجت إنسانا مثقال بهموم الفراق ، شوق ال منتهي إلى أم و أب و إخوة تفرقوا ذات يوم ، أتصدق يا أستاذ سعيد

: إلتفت إليه كان سعيد يطالعه بحنان و إصغاء كامل ، أكمل •• و صحيح •• أنا ال أزوج ابنتي لشخص مثلي لو كنت في ظروفهم •• هذا  

لكنهم فعلوها ، فلماذا إذن ضحكت سميحة يوم أخبرتها أنني صار لي وطن : ؟ ضحك ضحكة صغيرة و فرك يديه و أكمل ••بزواجنا

، مر ، السفر أمر أريده و يحتمه الواقع و مصلحة األبناء ، و لكنه قاس   يعني فراقا جديدا في حياة إنسان الفراق نصيبه منذ خلقه الله ••أتدري يا أستاذ سعيد ••؟ تطلع إلى وجهه مليا ، لكنه لم يكن يرى مالمح ، لم تسجل

تلك اللحظة إال شكال هالميا كان يعيش داخله منذ سنين ، قال ذاكرته في : بصوت واهن

كثيرا •• أشعر أنني كنت اليوم فقط شعرت أن أبي مات •• أحن إليه   وفاته بعد عاقا عندما تركته يموت في أرض غريبة و لست معه ، علمت بخبر

سنة كاملة من موته ، مثلي مثل الغريب •• عندما أعلنتها حدادا في المنزل ، لم يفهم الصغار لماذا عليهم ان يطفئوا التلفاز و الراديو و لماذا تلبس أمهم

، عندما حدثتهم عن أبي ظنوا الحديث عن جدهم صابر يرحمه الله و السواد زمن بعيد فلماذا الحزن اآلن •• لم أكمل أيام الحداد قالوا أنه مات منذ

نفسي سخيفا ، لن يشعر هؤالء و هم قطعة الثالث •• قطعتها ألنني وجدت قبيل المجاملة و شرب مني بمقدار حزني فكيف سيشعر به أي معز جاء من

و لكنه القهوة السوداء على روح رجل ال يعرفه •• تعاظم يومها شوقي إليه كان شوقا يشبه أياما كثيرة سبقته و سيشبه أياما كثيرة مقبلة •• و قلت أبي

يمت ، و ليكن الخبر كاذبا •• يوما ما تنتهي سنين غربتي و ارتهاني بعيدا لم سأعود الجد أبي في ساحة دارنا يدخن سيجارته و أمي تصيح عن وطني و

يوما ما سيموت أحد أوالدنا في هذا البئر •• علينا •• ابتعدوا عن البئر ، ••العبارة أشعر بذلك •• كانت دائما تقول هذه

ينـــتظرني ، إخوتي أحس أنني سأعود ألجد كل هذا أمامي مجددا ، الجمــــيع قد قررتها و أنا و أمي و أبي يرحمه الله •• حلمت كثيرا بعودتي تلك ، و كنت

مرارا خالل العامين االولين على قدومي هنا ، لكنني كنت اخشى غضبة أمي حينما تراني و تعرف انني بعد لم أجد طريقي •• حين جمعتنا بعد سفر أبي

ابحثوا عن طريقكم و ال تعودوا إال و كل واحد منكم قد وجد قالت تفرقوا و

Page 41: رواية لاجئة

فتسألني :"هل وجدت الطريق يا جهاد ؟" فأقول طريقه •• خفت أن أعود ؟" فأقول :"الشوق و الحنين" لها: "بعد يا أمي" فتقول :"و لماذا عدت

انتهى آخر أمل 76فتقول :"يا عيب الشوم على الرجال ••" و لم اعد و في أختيار العودة لي بالعودة ، أصـــبح بحر غزة رهين االحـــتالل بدوره ، و اصبح

يا الذي كنت اراود نفسي عنه و أمنيها به أمرا من الماضي •• هل تصدق هذا أستاذ •• بيتي و بلدي و أمي و إخوتي على بعد قليل مني و لم أرهم منذ

عشرين عاما يا أستاذ •• أليس كثيرا هذا الزمن ؟ بل هو •• عشرين عاما ••كثير و الله العظيم أكثر من كثير ، أكثر من

الصامتة تسقط رغما هذه المرة كان البكاء من نصيب سعيد ، كانت دموعه وواجب و عنه ، كان أمامه رجل يتعذب بنبل منقطع النظير ، يعذبه شـــوق ••حنين قاهر ، مسؤولية و ذكريات و حياة تريد دوما المزيد

اختراقه ، كان يعلم أن عندما ران الصمت على الغرفة ، لم يجرؤ سعيد على كان يشعر أن جو الغرفة مثقل بكالم أهم بكثير من أية كلمة يمكن أن تقال ،

كلمة واحدة تخرج منه كفيلة بأن تسمه بالسخف طوال العمر ، صمت ، العم جهاد و هو يضع وجهه بين راحتيه ، سمع تنهداته الحرى ، الحظ راقب

كانت تسري في يديه و يقاومها الرجل فال يستطيع و تغلبه ، االرتعاشة التي حتى ال يلمس هو الغريب ضعفا في هذا القوي فيمعن في دفن وجهه فيهما

••القادم من خلف حدود سيناء

، لم يتطلع خلفه ، نهض سعيد بعد قليل و سار باتجاه الباب بخطوات متثاقلة حدود هذا كان يريد أن يتنفس هواء� نقيا و كان حسابا عسيرا ينتظره خارج

البيت ، حسابا البد أن يقابله بعد أن قابل هذا المطعون في قلبه منذ سنين و رغم ذلك لديه القوة على إعطاء أوالده بقية من نزف روحه لكي يعيشوا ،

الباب و خرج و أغلقه خلفه ، أخذ نفسا عميقا و توجه بخطوات عندما فتح الباب ، وقف أمام المرآة لم ينتظر حتى أن يغلق سريعة إلى منزله ، فتح

: بابه صاح لصورته المتأنقة ••تافه  

Page 42: رواية لاجئة

، فيما حرصت األم بدا و كأن مشوار السوق لن ينتهي بالنسبة لريم و إخوتها األثواب •• على دخول كل محل تجد فيه شيئا قد يحتاجه زوجها في غربته

الفضفاضة الفاتحة االلوان من أجل أخذ راحته بعد عودته للمنزل ، افروالت العمل ، المناشف ، المالبس الداخلية ، العطارة : بهارات ، و زعتر و ملح و

لزوم البرد و الصابون المصنع من زيت الزيتون فهو ال يحب الشامبو ، الشيح جديدة و فرشاة أسنان و معجون و فرشاة شعر ، و زيت شعر ، و ليفة حمام

:محل و تسأل االوالد و كانت األم تتلفت على كل

نسيت شيء؟ فيهزون رؤوسهم فال تقتنع و البد أن تتذكر شيئا جديدا هل   المحالت •• و أخيرا تذكرت الحقيبة التي ستحمل كلما نظرت في واجهات

ريم فيما استقرت بقية األغراض كل االشياء ، و عندما استقرت في يد الكبيرة بغصة فظلت موزعة بين قاسم و بينها ، شعرت و هي تنظر للحقيبة

و سرعة تتمتم داخل نفسها بأدعية كثيرة تسأل الله فيها تقصير أيام الغربة •• تحقيق الهدف و تستعيذ من أوالد الحرام و أفكار سوداء ألحت عليها

تيتم أوالدها و هم ما زالوا في ماذا لو مات الرجل في غربته •• ماذا لو   سيزوج ريم و من أمس الحاجة إلى أبيهم يزود عنهم مصائب الحياة ، من

سيختار لقاسم كليته و يخطط معه مستقبله ، من سيدلل سمر و يضعها في حجره كل مساء و يطعمها بيده و يدافع عنها ضد احتجاجات إخوتها •• من ،

هــــذه المن •• من ســـيشاركها ليلها الطــــويل و فراشها الكبير ، و آه من الصغيرة ، لم تعرف لنفسها منذ مات أبوها أحدا سوى زوجها •• و همومها

الذي عانى منه زوجها طوبال و تقلب من أجله لم تعرف حقا معنى الفراق اآلوان أن تطعمه ، هل على فراش الشوك سنين عمره كلها ، فهل آن

فلم يكن ستعيش ما بقي لها من أيام تعاني شوقا و حنينا ، لقد كان رجال يبكي ، أما هي فهل تملك إال الدموع ، هل ستصبح الدموع سلوتها حتى يعود زوجها •• و ما بال األخريات ، نصف نساء الشارع أزواجهن يعملون خارج

يخيفها عمل الرجل في الخارج و هو األمر الذي اعتاد عليه مصر ، لماذا : كانت تكمل حديثا مع أوالدها سمعوها تقول الجميع ، هزت رأسها و كأنها

و ماذا لو سافر •• إنه ذاهب إلى أطهر أرض •• بلد المصطفى عليه   السالم •• سيعمل سنة أو سنتين ثم يعود ، و ننسى الغربة ، و يتعلم األوالد و

الحياة أفضل و ربما صار لنا بيتا نملكه •• أليس كذلك يا أوالد ••؟ لم تصبح هي لم تنتظر حتى أن تسمع همهماتهم ، أرخت طرحتها السوداء يرد احد ، و

تدرء بها رياحا وقضمت طرفها باسنانها و الشفافة على وجهها و كأنها •سمحت لدموعها أن تسقط بهدوء

***

سماها األب و هو أزف موعد الرحيل و هذه الليلة كانت آخر ليلة ، هكذا من يبتسم مشجعا ألهل بيته بينما يضع آخر حمولة مما حمله اليوم إليهم

السوق ، كل أنواع األطعمة التي تكفي البيت شهرا ، أحضر الدقيق و األرز و

Page 43: رواية لاجئة

الزيت و السمن و حتى علب الكبريت و علب البسكويت التي تحبها السكر و يحتاجه البيت و لحم كثير و خبز أيضا كل شيء أحضره سمر و الصابون الذي

: األب و حمله معه قاسم قال ليلة أبيتها معكم •• هل تحتاجون لشيء بعد •• إيه يا أوالد ، هذه هي آخر  

: الصالة و المطبخ و األم تقول كانت األم و االبنة تحمالن المواد بين أم هل لما كل هذه األغراض ، هل ستنتهي الدنيا فلن نجد قوت يومنا ،  

سيتوقف العالم عن توفير الحاجيات ، ما كل هذا يا أبا قاسم ؟ و يتمتم األب : بين غمامات رهبته المخفية من

ستحتاجون هذه األغراض ، لست أعرف متى سأتمكن من إرسال النقود   إليكم ، ال أحد يعرف ظروف الغربة الجديدة •• بعد ساعة كان الجميع حول

و بدا أن الكل يزدرد طعامه إزدرادا فال يستسيغه و ال يحس سفرة العشاء ، بعد العشاء و فيما أكواب الشاي تدار على له طعما ، و خيم الصمت ، و

: الجميع قال األب مواثيق ، و أريد صـــدقا و مســــئولية ، ريم و قاسم ، أريد منكما عهودا و  

العوج ألي سبب كان ، فهل أجد ما و أريد صبرا و طريقا مستقيما ال يصيبه تنطق ، في الواقع كانت أريد لديكم ؟ أخفت ريم وجهها خلف جرم أمها و لم

: قال جدا مقلة في الكالم في األيام األخيرة فيما تحدث قاسم كرجل أبي •• أنت تسافر و قد تركت رجال هنا بين أهلك ، ال لك ما تريد و أكثر يا  

أجلنا و لن تسمع عنـــا أو ترى إال كل ما تخف ، نحن نقدر تماما غربتك من تكن مخطئا حين اعتمدت علينا يريحك و يطــــمئن بــالك و يشعرك إنك لم

•• الله في إدارة شؤون حياتنا بدونك و إلى وقت قصير فقط إن شاء ، و أنت يا ريم ما هو ردك ••؟ حاول أن يرى وجهها ، بارك الله فيك يا بني  

يبحث عن وجهها ، كانت تتعمد أال يراها ، و ألول مرة منذ أسبوع على األقل موصول من حديث ال ينقطع موجود كان يتعمد أال يراها ، كان يشعر أن حبل

، كان واثقا أشد الثقة بين قلبيهما و أن الحديث مهما بدا مهما ال يعني شيئا غربته فيها و يعلم كم تتعذب و يعلم أنها تحمل ضميرها الغض مسؤولية

القادمة ، لذا آثر و آثرت الصمت ، لكنه الليلة كان مصرا على قطع هذا على اخراج الكالم من قلب قلبها و من قلب قلبه رفقا بها و بنفسه الصمت ،

مواجهتها ، أصر على أن تقابل عيونه عيونها و أن يتحدثا ، لذا أصر على السفر ، ظل مـــركزا نظره باتجــــاههـا و الحديث الذي منعاه منذ قرار

أنها لمست نظراته عليها و شعرت ظلت لفترة قليلة مختفية وراء أمها ، إال تلبيه ، أخرجت نفـــسها بها حريقا في جسدها و نداء� ملء وجدانها و البد أن

مغسولة و حزينة و من حيز الخفاء المتعمد و تطلعت إلى أبيها ، كانت عيونها مليئة بالكالم ، ظلت صامتة ، حاولت أن تشد الكالم من أعماقها لكن

الحروف كانت عصية ، غريبة ال تحمل معنى ، حركت فكيها و بدا أن همهمة لكن صوتا لم يسمعه أحد منها •• تقلصت مالمحها و حرقها خرجت منها و

انــدفــــع قلبها في دقــات ســـريعة متـهورة و أنفها فكزت على شفتيها و عبراتها تطارد بعضها بعضا في سباق محموم ، عنيفة و لم تشعر بنفسها إال و

دعته أن يفعل شيئا بعيونها و استـــجاب التفتت إليها األم ، نظرت إلى األب ،

Page 44: رواية لاجئة

يده إلى خدودها ، مسح سيل األب ، تنــحت األم و جلس األب بجوارها ، مد ، عال أكثر الدموع و أسكن رأسها كتفه ، ربت عليها و قالت هي بصوت عال

: مما توقعت تسافر يا أبي ، أتوسل إليك •• و انخرطت في بكاء عنيف عنيف ، بكاء ال  

الشفاف طيلة أسبوع ، شعرت أن أوردتها منتفخة حد ظل حبيس صدرها تطيقه و عيونها سكنتها النار حتى أصبحت االنفجار و رأسها ثقيل ال تكاد

اغمضتهما تزيح دمعا •• كان عروقها الحمراء تحمل لسعات من لهب كلما أنها تطيح في قلب المسكينة ينفطر ، كانت تشعر أنها تقتلع من جذورها ،

فضاء ليس تحته أرض و ال فوقه سماء ، و الجميع تفهم ، الجميع صمت احتراما لنحيبها العالي ، حتى أبوها الذي كان يشعر بها فوق كتفيه كزلزال

أمطار تتساقط ، كان صامتا ، لم يربت عليها لئال يجرح حزنها •• يتحرك و من بكائها و ابتعدت عن كتف أبيها و قالت بهدوء صمت الجميع حتى انتهت

••: يحمل بقايا نشيج يحاول أن يتناسى تماما ما حدث آسفة •• قال األب و هو يغالب ضعفه و  

: و يجرهم جميعا إلى جو آخر توزيعنا إن شاء سوف تكون جدة مرفأي األول هناك ، و منها سوف يتم  

الله على أعمال البناء ، و أسأل الله أن يكون نصيبي في أعمال توسعة الحرم الشريف بمكة ، ادعو لي أن يحقق الله طلبي •• صمت و هو يستمع

: نظر إلى ريم و هي تلتقط أنفاسها بصعوبة و تقول إلى دعائهم له و : قال إن شاء الله ستذهب هناك يا أبي •• ابتسم األب و ربت كتفها و  

أيضا عسى ربي يتقبلها و يعينني على أدائها و أداء فرصة ألداء فريضة الحج   حججت عن أبي يرحمه الله •• شهقت ريم و أعمالي ، فإذا كان العام التالي

: قالت : العام التالي يا أبي ؟ ابتسم بهدوء و هو يقول  

العمل عمل و ال أدري متى ينتهي أو •• لست ذاهبا في نزهة يا حبة القلب   األجازات ، عادي جدا مثل كل كيف سيسير فال تفزعي ، بامكاني الحضور في

أكون محمال رجال شارعنا المسافرين ، و عندما أعود في األجازات سوف بالهدايا التي تريدون و الذهب ألمكم هذه المسكينة التي لم ترتد إال هذه

األسورة منذ تزوجنا •• ابتسمت سميحة بوهن و تمتمت بدعاء ، لم تكن تريد المشاركة فيه ، فالليلة ملك األوالد و أبيهم ، أما هي فيكفيها خلق حوار أو

تبثه خاللها لواعج قلبها ، بدون أن يسمع أوالدها ما ساعة خلوة مع زوجها الـكــــم من الملتاعين ، هدهدت سمر و هي تقول و ال يشعر بحزنها هذا

يده ليحملها أعانته فلما استقرت تغالب النوم على حجرها ، و عندما مد األب : في حضنه مال عليها و قبلها و أكمل

يا ريم ، أما أنت يا قاسم فعندما و لسمر أيضا بعض الذهب ، و لك بالطبع   كبرت و طولت أكثر أعود سيكون نصيبك سيارة ، سوف تكون كبرت يا ولد ،

كليته و و صـــار البد للــطبيب او المهندس قاسم من سيارة يذهب بها إلى يعود ، أليس كذلك ؟ التفت األوالد حول أبيهم ، يوزع عليهم لمساته و

مداعباته ووعوده الجميلة لهم ، تشرق دموعهم لحظة و تصدح ضحكاتهم

Page 45: رواية لاجئة

هــــذه و تلــك يربت األب الحاني الظـــهور و يقرص الخدود لحــــظة و بين إلى هذه و يمسح دمعة هنا و يأمن على دعوة و يشير بدعابة إلى هذا و

يعتصره و يود لو يفتح قلبه فيودع هناك ، يضحك و يضحك ، و األلم في قلبه عندما جلس األب آخر •• *** هؤالء فيه و يصحبهم معه أينما حل ، أو راح

ارتجافة الليل على طرف فراشه ، كانت قدماه ترتجفان و يداه ترتعشان ، قلق و ارتعاشة خوف ، كان يحاول اسكـــاتهم عن الحركة فتظاهر بانه يدفء

و أخذ يفركهما ، كانت سميحة تراقبه بصمت و عند لحظـــة فاصلة يديه : احتوتهما و قالت بحزم وضعت يدها على يده و

لقد أدميتهما •• استكانت كفوفه بين راحتيها و هدأ قليال ، ابتسم و كفى   : قال

هناك ، أليس كذلك ؟ أومأت يجب المحافظة عليهما ، سأحتاجهما كثيرا   : برأسها مبتسمة و ظلت تدلكهما برفق و قالت

السحر في نفوسهم ، حتى ريم التي لم كان لحديثك مع األوالد الليلة وقع   تحدثت آخر الليل تكف عن البكاء منذ اتخذت قرارك ، كانت تضحك و

و بانطالق كعادتها •• سحب األب يديه من يديها بهدوء و ربت على كفيها نهض ففتح شباك الغرفة ، تطلع منه ، كان كل شيء هادئا في الخارج ، و

المكان متضافرا مع الليل ، على أن النجوم كانت تلمع على كان الصمت يلف : أخذ جهاد نفسا عميقا و قال دون ان يستدير البعد كأنها توجه تحية ،

هل نسيت شيئا يا سميحة ؟ لم يعد هناك وقت ، و أعتقد أنني نسيت   إحضار بعض األغراض •• نهضت سميحة فوقفت بجواره بعد أن أفسح لها

: السماء و لم تتكلم ، قال مكانا ، أطلت على أننا هجرناها منذ زمن بعيد لم نقف هنا لنراقب السماء ، تبدو مألوفة رغم  

بعودتنا زمنا طويال ••حتى هذه النجوم التي تلمع ، أشعر أنها تعبر عن فرحتها : إليها ، أليس كذلك ؟ تنهدت سميحة و قالت بصوت هاديء

بعد زواجنا بعشرة شهور فقط ، منذ ولدت ريم لم تجمعنا هذه النافذة ،   الدوامة و أصبح الوقوف انشغلنا بعدها بالتفاصيل الصغيرة للحياة حتى ابتلعتنا

حتى المس هنا بعضا من بعض الترف الذي ال تحتمله حياتنا •• زحف بأصابعه : أصابعها قبض عليهم و قبضت عليه ، قال

كانت كمـــا عانيت كثيرا يا سميحة ، لم تكــــن حيــاتنا نزهة كما تمنيت ،   تـــوقع أبوك و اكثر ، رحلة سفر متعبة ، مع رجل غريب •• التفتت إليه

: سميحة بسرعة ، وضعت يدها على فمه قبل أن يسترسل ، قالت تكن مستحيلة ، لم تكن ال تقلها يا أبا العيال ، حياتنا كانت شاقة لكنها لم  

جنة رغم الفقر سيئة ، الحب و التفاهم و الثقة التي جمعتنا جعلت من حياتنا في و سعادة رغم تبعات الحياة ، ال أعتقد أنني نادمة على يوم واحد قضيته

كنفك و لو عاد بي الزمن فلن أقبل بغير ما كنت فيه معك •• أمسك كفها و� يراقبان السماء معا •• كانت سميحة تريده أن قبلها بهدوء و عادا مجددا

تختزن في ذاكرتها الكثير الكثير من حديثه لتسترجعها فيما يتكلم ، تريد أن أيضا كانت تريده هكذا صامتا يحتضن كفها بكفه و هو قادم من أيامها ، لكنها

تقول الكثير ، كانت تريد أن توصه على قلبها بقلبه •• كانت أيضا تريد أن

Page 46: رواية لاجئة

يبعث لها كثيرا ، لكنها لم تقل نفسه ، تخبره أنها قلقه على صحته ، تسأله أن الكثير ، و يسمع منها ، اكتفت بالضغط على كفه •• و كان يريد أن يقول

ينمق كالمه بحيث الكثير ، كان يعرف أنه رجل ال يجيد التعبير و ال يعرف كيف يخلق عبارات ملتهبة تعبر عما يجيش بداخله من مشاعر ، كانت مشاكلهم

في بداية الزواج تصب كلها في عجزه عن الكالم و حاجتها له ، كان يقول لها أفعــــال ال أقوال ، و مــــع مـــرور الزمن اعتادت على صمته و الرجــال

أصبحت عبارات الحب النادرة شهـــادات مطرزة يمنحــها فعله و أحبت هذا و أحيانا عفو الخاطر فتطير بها فرحا فيهز رأسه عجبا لها فال تنســــاها و يقولها

: و يقول : و قال أنتن ناقصات عقل و دين •• شد على يدها  

: ، قال لعيونها الجميلة سميحة •• التفتت اليه   بالله العظيم أني أحبك •• أحبك جدا •• اجتاحها الخجل و و كأنها أقسم  

من زوجها ليلة الزفاف ، نكست عيونها و إن عروس تسمع عبارة حب : ضغطت على كفه ، قال

أن تسامحيني على أية غلطة ال أحد يعرف الحياة من الموت ، و أريدك   تسامحيني ؟ أكون قد أخطأتها في حقك يوما متعمدا أو غير متعمد ، فهل

: فتحت عيونها دهشة قالت بصوت كاد أن يصبح عاليا في هدأة الليل كالم مودع ••• أسامحك ؟ ، عالم جهاد •• لماذا تقول هذا الكالم ، إنه  

الحبيب ، أرجوك يا جهاد أسامحك و قد كنت لي و ستظل نعم الزوج و األب و برفق و هو يبتسم ال داعي لهذا الكالم اآلن إنك توجع قلبي •• شدها من يدها

: و قال حتى سالمة قلبك يا غالية •• اسمعي يا سميحة سأعطيك شيئا فاحفظيه  

•• يحين موعده فتح الدوالب و أخرج حقيبة قديمة مغلقة طالما رافقتهم و كان أي شيء ؟  

هامة ، شهادات ميالد و تطعيم و قصاصات صحف يضع فيها أوراقا كثيرة بهدوء و من تحت قاعدتها الجلدية قديمة و وثائق سفر و غير ذلك ، فتحها

: أخرج ملفا أصفر قديما و قال لزوجته اإلجابة عن أسئلة ما زالت لم في هذا الملف سوف يجد أبناؤنا دوما  

يطرحونها في يوم من تؤرقهم و لم تعن لهم شيئا ، لكنني أكيد أنهم سوف أهلي و األيام ، فيه شجرة العائلة في فلسطين ، كل ما حوته ذاكرتي عن

أقربائي و أصدقائي هناك ، عناوينهم كما كانت حين غادرت فلسطين و التي وصلتني في سنين غربتي ، كنت أخاف إذا أنا نسيت هذه عناوينهم

وطني إلى األبد لذا احتفظت بكل ما وقعت عليه األسماء و العناوين أن أفقد أسماء أشخاص يسكنون كل قارات من عناوين في كل بقاع األرض ، هنا

منتشرون و لدينا العالم ، سيجد أوالدي حين يسألون أن اقرباءهم كثر و أخرج من أغنياء أيضا في العائلة ، و هذه يا سميحة •• أتعرفين ما هذه ••؟

الملف ورقة صفراء كانت تقبع خلف كل األوراق كانت يده تهتز و هو يمسك : تطلعت فيها سميحة فلم تستطع فهم ما فيها فهزت رأسها فقال بها ،

مثبوت فيها أن البيت الذي هذه ورقة رسمية من حكومة عموم فلسطين  

Page 47: رواية لاجئة

الحجة حصلت كنت أسكنه في غزة هو ملكنا ، ملك أبي يرحمه الله ، هذه أبي عليها ليلة مغادرة أبي لنا متوجها إلى األردن ، في تلك الليلة أعطاها لي

و طلب مني المحافظة عليها فهي اإلثبات الوحيد لحقي و إخوتي في البيت ، الوحيد معه تلك الليلة ، و عندما تفرقنا أنا و إخوتي ظلت معي و لم كنت أنا

، ال أدري ما46أخذتها إال عندما وصلت إلى مصر منتصف عام أنتبه إلى أنني جدا ، لذا حافظي عليها و أعطيها إلى قاسم عندما قيمتها اآلن و لكنها هامة

: سميحة بجزع يكبر ليحافظ عليها بدوره •• همست تبقها في حقيبتك و تعطها لولدنا عندما يكبر بنفسك يا أبا و لماذا ال  

في الحقيبة بحرص و أغلقها و أعادها إلى مكانها و العيال ؟ أعاد وضع الملف : هو يقول

العيال •• أمسكته من كتفيه من ذا الذي يعرف الحياة من الموت يا أم   : هزته صاحت

، سوف إنك تميتني رعبا يا جهاد ، أال تدرك معى ما تقول في ليلة كهذه   تغيب الوجوه بعد ساعات و لن يبقى لي إال خوفي و جزعي من مستقبل ال

: شيئا ، أال تفهم ••؟ نهض و أخذ بيدها مهدئا و قال أعرف عنه عندما أفهم تماما ما تشعرين به ، إنه نفس شعوري قبل عشرين عاما  

أعطاني أبي هذه الحجة ، شعرت بالفقد و شعرت باليتم و شعرت أنني أريد عيوني و قلبي ألضع الرجل فال أسمح لغربة أن تفرقنا و ال لسفر أن أن أفتح

•• سافر ، و أنا ســــأسافر ، و في الغربة مات ، و انا يشتتنـــا ، لكنه التي يجب أن ال •• لم يكن من معنى ألي شيء في هذه اللحظة ، اللحظة  

يواجه المرء فيها مصيره و يتحسب ألي ظرف طاريء و يقدم بنفسه تأبين على مرأى و مسمع ممن يحب ، كان هذا قدر جهاد و سلمه في تلك ذاته

حياة البد أن تمضي ، و فراق البد أن يكون ، و ال •• الليلة طوعا إلى سميحة يقف في وجه مصير محتوم ، هكذا شعر يملك اإلنسان مهما كان قويا أن

كانت أيضا ريم ، جهاد ، و شعرت سميحة و هناك على بعد خطوات منهما تشعر بكل شيء و تعرف أن عهودا أخذها أبوهم منهم كانت بمثابة وثيقة سفر لالجئين منحتها لهم سلطة ال ينتمون إليها ليحققوا بها قدرا ال يريدونه

و عندما نامت عيون كل من في البيت ، كان هناك عددا من •• ألنفسهم أدعية كثيرة تختلط مع بعضها صاعدة إلى رب قدير القلوب الواجفة ، تردد

الباب و غربة ترعى في األخضر و عله يحفظ هذه األسرة من ضياع يدق •اليابس بال تفريق

Page 48: رواية لاجئة

أمور المنزل في لم يعد مجيء سعيد إلى منزل ريم أمرا غريبا بعد أن تولى اليوم األول لغياب األب منذ أن اصطحب العائلة الى الميناء البحري في

السويس ليستقل األب باخرته من هناك في رحلة طويلة استـغرقت ثالث مثلهم في اإلياب ، و خالل الذهاب لم يلتفت مرة واحدة ســـاعات ذهابا و

تماما في نفسه خالل الذهاب ، إال أنه اكتفى إلى ريم رغم أنها كانت حاضرة الرحلة إلى حكايات كثيرة و بمجالسة العم جهاد و االستماع منه طوال

اآلخر لتصيب كل ذكريات متناثرة و دعوات صادقة كان يطلقها بين الوقت و الحقيبة و فرد في عائلته ، و هناك في السويس اندمج تماما مع األب في نقل

إنهاء اجراءات السفر و عندما لوح األب للجميع من فوق الباخرة سمح لنفسه أن ينظر إلى ريم مليا ، راقب بكثير من الشغف يدها الموصولة بقلبها و

هم يتناغمون في ملحمة وداع كبيرة لم ير مثلها في حياته ، و بدموع عينيها و بجوار قاسم و تبادال حديثا مقتضبا ثم خيم الصمت في طريق العودة جلس

يفكر تفكيرا خاصا به ، بل هو شديد على الجميع ، كان كل فرد في العائلة السيارة تنهب األرض و الخصوصية يصعب قطعه و لو بحديث عابر ، لذا ظلت

••األفكار تنساب سريعة في أدمغة عائلة سافر عائلها للتو

عليهم من أجل عندما وصلوا إلى باب البيت ودعهم سعيد و تعمد أن يسلم اللحظة التي يصل فيها إلى يد ريم ، لكنها كانت أسرع فسبقت الجميع إلى المنزل تاركة يده تئن من االشتياق ، و في تلك الليلة بدا المنزل موحشا ،

و منزل سعيد ، كانت الوحشة تسكن كال البيتين ، لم يستطع منزل جهاد الحديث ، و كان أكثر المشاهد إيالما لهم جميعا أفراد العائلة أن يتبادلوا

األب األثير و تنهد الجميع و ذهب كل إلى مشهد الراديو صامتا وحيدا في ركن ما تبقى من الليل يطالع نافذة مكانه ، أما سعيد فقد هرع إلى شرفته و ظل

بنقمة آنية عليها ريم المغلقة و آالف األفكار تتصارع داخل رأسه ، شعر سرعان ما انحسرت عن فيض من الشفقة جعل قلبه يدق بشدة يستدعي

لم يعد ببعيد ، و في الصباح مر من جانب بابهم في طريقه إلى العمل صباحا يرى أحدا ، لكن أحدا لم يخرج في ذلك الوقت و عند عودته و تلكأ قليال عله

الباب بثقة و عندما فتح له قاسم سأله عن توجه مباشرة إلى بيتهم ، طرق تلجأ إليه عند حاجتها ألي أمر مهما والدته حتى إذا جاءت شدد عليها كثيرا أن

ترسم اآلن ، خرج مطمئنا و كان و في أي وقت ، لم ير ريم ، لكنه خمن أنها ••اتجه إلى منزله ، طالع وجهه في مرآة الباب و تنهد ارتياحا

الليالي التي مرت بها كانت الليلة االولى لسميحة بعد سفر زوجها من أطول العيال أمانة في حياتها ، فهي اآلن األم و األب ، تضاعف الحمل و أصبح هؤالء

في ثمينة في عنقها وضعها جهاد مرتاحا إلى أنها قادرة عليها ، لكنها تشعر نفسها ضعفا و تخشى هذا الحمل ، أخرجت الملف األصفر القديم من الحقيبة

أوراقه طويال و تساءلت إن كان أحد من أوالدها سيستفيد من هذه تأملت فوضعته في الحقيبة ، تلفتت حولها ، كل شيء كما هو األوراق يوما ؟ عادت

تحسست موضــعه ، ألقــت برأسها على إال أن مــوضع جهــــاد فــارغ ،

Page 49: رواية لاجئة

: وسادته و تنهدت ، همست!!متى سيعود ؟  

تحس خوفا كبيرا و هناك كانت ريم في غرفتها تطالع الفراغ في كل شيء ، ضخم اجتاحها لحظة أن لوح لهم أبوها مودعا ، سكنها خوف كبير ووقع زلزال

في قلبها لم يشعر به سواها ، مازالت بقاياه عالقة في نفسها حتى هذه تساءلت مما الخوف ، و لماذا هذا الشعور العميق بالفقد ؟ لم اللحظة ، و

ســـار كل شيء طبيـــعيا ، كما هو مقـــررا ، و رغم حزنها تجد اإلجابة ، لقد حتميا بالفعل ، ليس من أجلها وحدها و إنما أيضا من على الفراق إال أنه كان

لكفاح العمر ثمرة آخر المطاف ، إذن لماذا دبيب أجل أبيها الذي البد أن يجد هذا ما لم تستطع أن تجيب عنه الخوف الذي يسكن أحشاءها ، مم تخاف ؟

••

في غرفتها منذ أما سمر فقد نامت هادئة بعد أن قررت أمها أن ترافقها الغد ، نظرت إليها و تساءلت إن كانت بدورها تشعر بهذا الخوف ، قالت

: بصوت لم يسمعه سواها ••أنا خائفة ، ما كل هذا األلم الذي يعتصر قلبي حقا لماذ ا  

••خائفا وضعت يدها على قلبها ، كان هادئا ، لكنه فعال كان

لنفسه ، إنه الرجل أما قاسم فقد أغلق على نفسه حجرته و ظل يكرر مرارا وراءه من اآلن و إنه سوف يتحمل المسؤولية كاملة و سيثبت ألبيه أنه ترك

يعوض غيابه ، تصفح في مخيلته وجوه أفراد أسرته ، أخذته الشفقة و هو وجه أمه حين كانت تشتري أغراض السفر و اعتصر قلبه تذكره لصورة يتذكر

حتى سمر الصغيرة شعر فجأة أنه مهتم كثيرا ألمرها ريم أثناء الوداع ، و عليها كل يوم حتى ال تشعر بغربة ووعد نفسه أن يصرف مصروفه اليومي

سوسن ، كان يريد أن أبيها الحبيب ، لكن عقله اليافع استحضر و بقوة صورة :نفسه يقول كل ما قاله لنفسه أمامها فهي الوحيدة التي ستفهمه و سأل

*** ستأتي سوسن لزيارة ريم ؟ متى  ستدخلين الجامعة يا ريم ؟   

، كانت ريم هتفت سوسن و هي تطالع أوراق كثيرة مبعثرة على سرير ريم : تضع الشاي أمامها و ابتسمت بوهن و أجابت

•• الجامعة نعم يا سوسن ، هذا هو السبب في تغرب أبي ، سأدخل   ما أعرفه أن التعليم الجامعي بالنسبة لكم هو •• و لكنك فلسطينية و  

:قاطعتها ريم مبتسمة و قالت

نسبة في مثلما كنا نظن جميعا ، إال أننا لم نكن نعرف أن للفلسطنيين   ••مقاعد الدراسة بالجامعة المصرية

Page 50: رواية لاجئة

كيف عرفتم بهذا ، هل سأل أبوك قبل سفره و عرف ؟ و  

:منزل سعيد و قالت توجهت ريم إلى نافذة غرفتها و فتحتها و نظرت باتجاه

••األستاذ سعيد هو من عرف و أبلغنا •• ال  

تطلعت حيث بدا أن سوسن ال تعرف االسم ، نهضت ووقفت بجوار ريم و : تتطلع هي ثم قالت كمن أدرك فجأة أمرا غريبا

!سعيد ؟ ! الشاب الالهي ؟  

:أومأت ريم برأسها و همست

••سعيد الشاب الالهي نعم  

نبرة صوتها حكت لصديقتها كل شيء ، قصت عليها كل ما حدث ، و كانت تحمل حيادا غامضا كلما ذكرت اسم سعيد مقرونا باألستاذ ، و كانت تجاري صديقتها في كل التعليقات المشتركة عن هذا الرجل ، و التي ليست في

:أخيرا تنهدت سوسن و قالت صالحه أبدا ، و

أن يالحظك !! لو أن سيدا فقط يوافق على التحاقي بالجامعة ألمكننا   ••نتزامل في الجامعة كما تزاملنا في الدراسة دائما

الحظته سوسن أثار اسم سيد حفيظة ريم فلم تملك إالأن تظهر امتعاضا : بسهولة فقالت لها

طلبا ، بل ما رأيك يا ريم لو طلبت أنت منه هذا ، اعتقد أنه لن يرفض لك   أنا متأكدة أنه لن يرفض إذا طلبت أنت ذلك ؟

:هل جننت ؟!! قالت ريم بسرعة و أضافت  

أتحدث مع سيد و أطلب منه إلتحاقك بالجامعة ؟ البد أنك جننت ، أنت أنا   سوسن راقتها الفكرة التي خرجت في لحظة عفو فعال جننت •• لكن

للشك في موافقة سيد شرط الخاطر و استقرت بسرعة كاليقين ، ال مجال بالدهشة من أن تطلب من ريم ذلك ، لكن ريم أصرت على الرفض المقترن : هذه الفكرة المجنونة و في النهاية صاحت سوسن

يا صديقتي من لي بمثل األستاذ سعيد يحل لي عقدتي كما حل لك عقدتك   العزيزة •• وجمت ريم قليال و كأن اقتران اسم سعيد بها أصابها باالرتباك ،

:هزت رأسها و شرعت تحاول افهام صديقتها

••سوسن األستاذ سعيد يا  

:قاطعتها سوسن و قالت

Page 51: رواية لاجئة

يتحول تدريجيا اسمعي يا ريم ، ما أطلبه منك ال يعدو حوارا عاديا مع سيد   إلى محاولة اقناعه بالتحاقي بالجامعة ، إذا نجحت هذه المحاولة كسبنا

المرافقة و الدراسة سويا و إذا فشلت لم نخسر شيئا ، و كما ترين فماذا قلت ؟ سكتت ريم فنهضت سوسن تقبلها امتنانا األمريستحق المحاولة

قالت و هي تحمل حقيبتها استعدادا للمغادرة معتبرة سكوتها رضا و اقتناع ، و:

تحدثت مع قاسم قبل مجيئك ، هذا الولد يحمل قلبا كبيرا و يريد أن لقد  ساعديه يا ريم يتحمل المسئولية ،

كــانت سوســن أومأت ريم موافقة ، و لم تنهض لتوديع صديقتها فيـــما :تلقي آخر كلماتها و هي تحي أمها بصوت مرتفع لتسمعه ريم

••سأنتظر ريم غدا في منزلنا يا خالتي ، أرجوك ذكريها  

رأتـــها واجمة ، اقــتربت بعد انصراف سوسن دخلت األم إلى حجرة ابــنتها ، باتجاه أمها ، كانت ببـــطء منها و ركزت نظرها عليها ، رفعت ريم عينيها

:الحيرة تملؤهما ، جلست األم على طرف الفراش و قالت برفق

حبيبتي ؟ اتفقنا أال نخبيء شيئا عن بعضنا البعض يا ريم ، اليس كذلك يا   :تنهدت ريم و همست

هناك ما يستحق أن نخبئه يا أمي ، لقد طلبت مني سوسن محاولة ليس   الجامعة ، و اعتبرت صمتي موافقة على هذه أقناع اخيها سيد بدخولها

: المحاولة •• نظرت ألمها و هي تقسم لم اشأ القيام بهذه المحاولة ، حتى أنني و لكني أقسم لك يا أمي أنني  

السيد تزعجني و تضايقني كثيرا ، و أرفض القيام بها ، ألن مجرد محادثة هذا أعرف ماذا أفعل و سوسن أنا ال استطيع عمل مثل هذا الحوار معه ، لكنني ال

••تعتمد علي

:ابتسمت االم و ربتت على كتف ابنتها و قالت

يكون لكل حادث حديث ، هيا لملمي أوراقك و اجمعيها في ملف ، غدا   ألخذها و يجب أن تكون كاملة ، وفقك الله يا ابنتي و سيمر األستاذ سعيد غدا

الحرام •• راقبت ريم أمها و هي تغادر يسر لك االمور و أبعد عنك أوالد ذلك الذي اقتحم قلبها الغرفة و نبت الخوف مجددا في قلبها ، خوف يشبه

أصبع تشير به يوم سافر أبوها ، كانت في دعوة أمها االخيرة رنة حادة كأنها •على أناس كثيرين دخلوا حياتها ، أو مازالوا سيدخلونها

كانت و مازالت تشعر اضمرت سميحة في نفسها أمرا بعد حديثها مع ابنتها ، ، أن سوسن رفيقة ريم منذ الطفولة ليست بيضاء من الداخل كما ابنتها

Page 52: رواية لاجئة

كانت تشعر أن سوسن تنظر إلى ريم بمنظار خاص ، منظار يرى ما ال تراه ، و يتــسع ليشمل ريم و أهلها و عالقتهم ببعضهم البعض و ريم في نفسها

الخفية التي وضعها الله فيها و كانت كثيرا ما تقرأ موهبة ريم و تلك الجاذبية توجهت ريم لزيارتها ، لكنها لم تكن تستطيع المعوذتين كلما أقبلت سوسن أو

شعور ال تؤكده وقائع ، و لمست في منع ابنتها عن تلك الفتاة اليتيمة لمجرد الفتاة إزاء دخول رفيقة رغبة سوسن االلتحاق بالجامعة غيرة خفية تأكل قلب

ال يقف أمام طفولتها الجامعة رغم كل المحاذير و العقبات في الوقت الذي بيتها تحقيق هذه األمنية لها سوى موافقة أخيها ، لذا وقفت سميحة أمام باب

في موعد عودة سيد من عمله و تعمدت أن يراها و لم تمنعها التقطيبة التي :سيد رسمها على وجهه دائما من اعتراض طريقه و مبادرته بالحديث يحسن

••السالم عليكم يا أستاذ سيد  

، فهذه من توقف سيد ، و نظر في اتجاه الصوت و تملكته دهشة كبيرة المرات القليلة النادرة التي يتحدث فيها مع أم ريم ، لكنه أسرع نحوها و

حاول رسم ابتسامة هي بكل تأكيد ضد طبيعته ، حتى ان سميحة قالت في :نفسها

ريم ، إنه لثقيل الظل •• لكنها ابتسمت و هي تراه مقبال نحوها و صدقت   : انتظرت حتى تكلم

كيف حالك ، هل وصلتكم رسالة من العم و عليك السالم يا أم قاسم ،   : جهاد ؟ أجابت أم ريم بعد تنهد قائلة

التأخير متوقع في البداية فهو لم يستقر مازال لم يصلنا منه شيء ، و هذا   أن يتحدد له مكانه سيرسل و لم يتحدد له مكان العمل و اعتقد أنه بمجرد

•• إلينا رسالة طلب ، هذا اال تحتاجون شيئا يا خالتي ، إنني في مقام قاسم و مستعد ألي  

:ما يفرضه الواجب •• هزت أم ريم رأسها شاكرة و قالت

سيد أشكرك يا بني ، ال شيء أكثر من سالمتك و رجاء صغير •• تساءل   : عن طلبها فقالت

، هاتفكم ، أريد أن أعطي رقمه لجهاد و أبلغه أن يهاتفنا فيه مرة الهاتف  فنجيء عندكم و ننتظر المكالمة ، فهل هذا ممكن ؟ كل شهر يحدد وقتها

:ابتسم سيد مجددا و قال بسرعة

لكي بالطبع ، بل هو ممكن جدا ، فقط أبلغيني بالوقت الذي ستحددونه   أخرج لك الهاتف من غرفتي خالله ، إذ كما تعرفين هو دائما في غرفتي

••أنا خارج المنزل لن تتمكنوا من استعماله ، تحت أمرك المغلقة و لو

:ابتسمت أم ريم ممتنة و قالت و كأنها تلقي الحديث عابرا

Page 53: رواية لاجئة

ستــذهب الحمد لله ، بـــارك الله فيك يا بــني ، أنت تعــرف أن ريم   للجامعة هذا العام ، و هذه المكالمات ضرورية ليعرف جهاد أخبارها و نعرف اخباره •• عقدت الدهشة لســـان ســــيد فوقف واجـــما يطالـــع وجه أم

: مصــدق ما يسمع و بصعوبة قال ريم غـــير|كبر في سرها و   :قالت ريم ستذهب الى الجامعة ؟ أومأت أم ريم و هي ت

، لهذا السبب سافر جهاد ، يريد أن يتعلم األوالد و يحملوا سالحهم نعم   غير مضمون يا بني كما تعلم •• قال سيد و الغضب يكاد بأيديهم ، الزمن

: عيونه ينطق على لسانه بعد أن صرخ في يكفيها ما وصلت إليه من تعليم ، إنها في النهاية ستتزوج و لكن ريم بنت و  

: زوجها إعالتها •• قالت األم بحزم مثل كل البنات و سيكون على حد له و هو لن تتزوج ريم قبل أن تحصل على شهادتها ، و التعليم يا بني ال  

في يد البنت سالح اذ من يضمن كيف سيكون زوجها ، أو يضمن حتى حياة يعولها •• هز سيد رأسه غير مقتنع و هم بالسير مجددا غير أن أم ريم من

: قالت بسرعة فتكون معها دائما يروحان معا و يجيئان معا و ليت سوسن تلتحق بالجامعة  

••نطمئن على أنهما في رعاية بعضهما البعض

:يغادر المكان نظر إليها سيد بجمود لم تستبن منه موقفه ، ثم همس و هو

: قالت السالم عليكم •• تنهدت أم ريم و هي تدخل بيتها و ترد سالمه ثم   الخير للجميع •• كانت ريم على الباب تنتظر أمها و الله ييسر ما فيه  

بعالمة النصر ألمها التي ابتسمت بدورها بمجرد دخولها ابتسمت و رفعت يدها منزله كان عقل سيد يغلي و توجهت للمطبخ •• *** طوال الطريق إلى

فسدت أخالقها و كالمرجل :" ريم ستدخل الجامعة ، البنت إذا دخلت الجامعة ريم ضاعت نصف أنوثتها ، ماذا جرى للعم جهاد كيف وافق على هذا األمر ،

في الجامعة ؟ ! و الزواج ؟ هل حقا ريم لن تتزوج إال بعد االنتهاء من دراستها يا لضيعة أحالمك يا سيد ، غدا سيكون لريم زمالء في الجامعة و قد تحب ،

ريم إلى األبد ، لماذا هذا القرار الغريب ، كيف لم يخبروه ، و أحدهم ، و تضيع"هذا االمر حتى عرفه صدفه من أمها ؟ سوسن كيف أخفت عنه

و هي تتناول شيئا فتح الباب و نظر إلى سوسن الجالسة تطـــالع التلـــفاز :من المسليات و صاح

لبرهة لماذا لم تخبريني أن ريم ستذهب الى الجامعة ؟ انتفضت سوسن   : ثم تماسكت و قالت بال مباالة

•• أمرها و ماذا يعنيك في التحاقها بالجامعة من عدمه ، أنت لست ولي   أسقط في يده لم يدر ماذا يقول ، ال يمكن أن يفتح •• و لكن •• و لكن  

قدرا كبيرا من هيبته أمامها إذا أعلمها الموضوع مباشرة مع سوسن ، سيفقد يناقش األمر بهدوء مع نفسه أوال برغبته في الزواج من ريم اآلن ، البد أن

Page 54: رواية لاجئة

مالبسه ، كانت سوسن قد ••صاح طالبا للطعام ، ثم توجه إلى غرفته لتبديل حدث و ال عقدت العزم على االستفادة من الموقف تماما ، هي ال تعرف ماذا

سارعت بإعداد الطعام و كيف عرف أخوها ، لكن الفرصة مواتية اآلن ، لذا على المائدة بانتظار عودة سيد ، الذي جاء متجهما كعادته ، إال أن جلست

من عيونه ، لمستها سوسن و عرفت أنه الوتر الذي نظرة عجز كانت تطل :لم تضيع الفرصة و قالت ينبغي ان تعزف عليه ما استطاعت لذا

ريم إلى الجامعة كان خبرا مفاجئا لي أيضا •• لم يرد سيد ، نظر ذهاب   : الملح ، ناولته إياه و قالت إليها و طلب منها

ليس فقط ريم فلسطينية كما تعلم ، و دخولها الجامعة أمر شديد التعقيد ،   من حيث قبولها هناك ، فهذا امر وارد خصوصا إذا كانت هناك واسطة قوية

انتظرت فترة ليرد بعد أن تعمدت الضغط على كلماتها األخيرة و •• تدعمه : رأسه من طبقه و نظر اليها فأكملت بسرعة هي تنطقها •• رفع

بالجنية و لكن أيضا من حيث المصاريف ، فهم يدفعون مصاريف باهظة و   االسترليني أيضا و هذا امر يجعل المرء يكبر العم جهاد على تضحيته و غربته

من أجل إتمام تعليم أوالده مهما كانت العقبات •• تنهد سيد و قال و هو : بال شهية يزدرد طعامه

هذا اليوم ، و لكن كيف تسنى لريم دخول الجامعة رغم أخبرتني أمها عن   قالت سوسن و هي متحمسة إليصال •• مرور عام على تخرجها من الثانوية

: في قضيتها أكبر قدر من المعلومات الخاصة جدا إليه عله يفيدها األستاذ سعيد ، ذاك الذي يقطن أول الشارع خلف منزل •• األستاذ سعيد  

االسم عليه و لم يطل انتظاره فقد لوح ريم •• نظرت إليه تنتظر وقع : بالملعقة و قال و هو يغص بالطعام

: و هي تقول ذلك الشاب الالهي ؟ ناولته الماء بسرعة   بعينه ، استوقف والدها ذات يوم و عرف منه كل ظروفهم و بالضبط ، هو  

أوصلهم يوم سفر االب بنفسه إلى السويس عرض المساعدة ، بل أنه حتى : نهض واقفا و صاح •• و كما غص سيد بالطعام عاد فغص بالماء ، و

له العم جهاد بهذا التدخل و اعطاه كل هذه الصالحية ؟ و كيف سمح   : تعطيه المنشفة نهضت سوسن سريعا و قالت و هي

رجل خالص النية ، يشقى كثيرا في عمله ، ال يعرف عن هذا العم جهاد   تعرفه انت ، لذا فقد وثق به جدا ، حتى أنه اآلن السعيد ما نعرفه ، أقصد

••سفره يزورهم بانتظام و يتفقد أحوالهم بعد

معقول ، غير معقول •• جلست سوسن إلى طاولة الطعام مجددا و غير   : قالت و هي تأكل

التنسيق ليساعدها في تسجيل رغبتها إنه حتى سيرافق ريم إلى مكتب   منــدهشا ممـــــا مطلع الشهر القادم •• جلس سيد على كرسي الصالة

: يســــمع و لم يحر جــوابا فقالت ســــوسن أو باألحرى عاجلته فترة و البد انه يبحث عن عروس •• نظر األستاذ سعيد طلق زوجته منذ  

: إليها سيد و صاح

Page 55: رواية لاجئة

: يريد الزواج من ريم ؟ بسرعة أجابت   عليه ، و لما ال و هو اآلن هو لم يصرح بهذا ، لكن كل الظواهر تدل  

الجامعة طوال يخدمهم ما استطاع إلى ذلك سبيال ، و غدا تصبح ريم في آلخر النهار و ال مانع من أن يحاول توطيد عالقته بها و زيارتها هناك من آن

•• أنت تعرف أالعيب الشباب و خاصة من هم على شاكلة سعيد هذا •• : منخفض قال سيد بصوت

؟ و ريم •• هل تشجعه  

: أجابت بسرعة و هي تحمل األطباق محاوالته ، لكنها وحدها سوف تصبح ال •• اطالقا •• ريم لم تفطن إلى  

الحيلة و وجود الشخص لقمة سائغة له بعد قليل •• أنت تعرف ريم قليلة مرافقتها حتى اآلخر أمامها دائما من شأنه أن يؤثر عليها •• ليتني استطيع

: أمنعه عنها •• قال سيد بتهكم مرير و كيف تستطيعين منعه ، هل ستمنعينه إذا حاول محادثتها ؟ وضعت  

: األطباق على الطاولة مجددا و قالت بسرعة سيجعله يفكر ال •• و لكن مجرد وجود شخص بجانبها ، صديقة قوية مثال ،  

أحوالها ألف مرة قبل االقتراب منها ، فإذا اقترب لن تعدو كلماته السؤال عن ، ثم لن يستطيع أن يزيد •• نظر إليها سيد بريب ، فنهضت سريعا و حملت

: األطباق و ذهبت للمطبخ و هي تقول الصفات مطمع ريم ابنة حالل ، جميلة و رقيقة و مهذبة جدا ، و هي بهذه  

لكل شاب •• ألقى بنظراته أرضا و بدا و كأنه يوافقها تماما و استغرق في : تحليل ما سمع فأطلت عليه و سألته بدالل المنتصر

!!تشرب شاي ؟  

لزيارتها عصر هذا لم تصدق ريم ما سمعته من صديقتها سوسن حين ذهبت بين اليوم ، كانت سوسن تشرح لها بإسهاب طويل كيف انتهى الحوار بينها و

أخيها سيد بموافقته على ذهابها إلى الجامعة بل أنه حتى قرر أن يقدم لها في نفس الكلية التي ستذهب إليها ريم ، كانت تشرح بانطالق كبير و بنفسه

: لم يكن سيد هناك ليسمعها و هي تقول لصديقتها سعادة فوق الوصف و مثـــلك أخيرا يا ريم ، أخيرا أيتها العزيزة سوف أذهب إلى الجــــامعة  

••تماما ، الفضل لك يا عزيزتي ، الفضل لك

:قاطعتها ريم و كأنها تصيح

موضوع كهذا ، هل غير معقول يا سوسن ، كيف تجرؤين على الزج بي في- !علي ؟ تريدين القول أن سيد وافق على التحاقك بالجامعة فقط لتكوني عينا

محاولة لتلطيف تلعثمت سوسن أمام غضبة ريم غير المتوقعة و قالت في : الجو

يا ريم إذا كان هذا في حد ذاته سببا لدخولي الجامعة فلماذا ال و لكن  

Page 56: رواية لاجئة

يا صديقتي •• إنها مجرد حيلة ، حيلة فقط ألدخل ندعيه لن نخسر شيئا : أرختها نحو االرض بسرعة و قالت بألم الجامعة •• كورت ريم قبضتها ثم

قالت و لكن لماذا أنا ؟ ابتسمت سوسن و نهضت فربتت على كتف ريم و   : ببساطة

التفتت ريم و نظرت إليها بملء عيونها و صاحت •• ألن سيد يحبك   : بتصميم

: أما أنا فال •• ضحكت سوسن بهدوء المنتصرين و قالت   ألظل أحقق ما أريد بهذا الحب •• نهضت ريم ما يعنيني أن يظل هو يحبك  

: بالمغادرة و قالت و هي تمسك بحقيبتها إيذانا أسلوبا رخيصا ، مجرد ادعائك له بأن ثمة شيئا بيني و بين لكنك استخدمت  

ال أحب أن أغفره لك •• سارعت سوسن و األستاذ سعيد كان خطأ كبيرا : بطريقة ذات مغزى حاولت أن تثنيها عن المضي نحو الباب قائلة

كان ادعاء ؟ و هل حقا  

خرجت و لم نظرت إليها ريم حانقة و توجهت بسرعة نحو الباب فتحته و تلتفت لنداء صديقتها ، بمجرد خروجها استنشقت هواء� كثيرا و سارت بسرعة باتجاه بيتها ، كانت عبارة سوسن تغلي في رأسها ، هل حقا كان ادعاء منها ،

لمست شيئا حقيقيا نبت في قلب سعيد هذا تجاهك ، ما الذي يدفع أم أنها هل هي اإلنسانية ، رعاية الجار و السؤال عنه ، هل سعيد إلى ما يقوم به ،

عن كل هذا ، هل هو حقا يحبها ، نظراته هي الشفقة ، أم هي أمر آخر بعيد سعيه الدائم الرضائها ينبيء الولهى تقول هذا ، شغفه بلقائها يقول هذا ،

يمكن وصفه ، صراحة عن هذا ، ما هو الحب •• ما هو هذا الشعور ، كيف وهل ، هل تشعر هي به ، لماذا ترق نظراتها حين تطالعه فتعطيه استعطافا

بدال من الغضب ، و رجاء بدال من الصد ، لماذا تحب أن تسمعه يتكلم و في عنـــقه و هي تجـــري صعودا و هبوطا أثناء حديثه ، تراقب تفاحة آدم

االتجاه الصحيح و يفكر و يقرر كرجل ناضج لماذا تشعر أنه يسير دوما في ذهبت إليه ترجوه أن يثني والدها ، ليس لقراره من رفض ، أو ممانعة ، عندما

حتى تكرهه عندما جاء إلى لماذا اختارته هو بالذات و لماذا لم تغضب عليه أو يغضبها هـــذا التصرف ، أبيها واشيا و أخبره أنها قابلته و حدثته ، لمــاذا لم

وثق به أبوها و جعل بل لمـــاذا أعجــبها و جعل منزلته أعظم لديها ، و لماذا سفره ••ما منه و هو الشاب الالهي المعروف بنزواته أمينا على عائلتهم بعد

الحكاية ، هل هو الحب •• وهل ما قالته سوسن الخيها محض ادعاء ؟

ما كانت تشعر به وصلت إلى منزلها و لم تكن و هي تسير ترى الطريق ، كل و يهدر وقتئذ أنها تريد الوصول إلى البيت بأسرع وقت لترسم ، شيئا ما يغلي

،،، داخلها و تريد أن تخرجه على اللوحة البيضاء في انتظارها و البد أن تفعل

ما قاله سعيد في كانت خطواتها صارمة أكثر من المعتاد كأنها غاضبة ، هذا خطواتها نفسه و هو يراها تتجه إلى البيت ، أصبح يعرف بماذا تشعر حتى من

فلماذا تبدو هذه المخلوقة الضعيفة القوية جدا غاضبة •• ظلت عيونه تراقبها

Page 57: رواية لاجئة

من الشرفة حتى استدارت باتجاه بابهم و اختفت عن عيونه ، لكنها لم تختف : ظلت بكامل هيئتها تشاغل خياله و سؤال كبير يضايقه بإلحاحه من أمامه ،

••مم هي غاضبة  

بشيء أقوى منه و أسرع فغير مالبسه و ارتدى مالبس الخروج ، كان مدفوعا الحذاء ، هو يتصرف ، كان يتحرك بآليه غريبة ، يلبس المالبس و الجوارب و

يمشط شعره يضــع عطــرا و يستعد للخروج ، طالع وجهه في مرآة الباب و :توقف ، نظر إلى نفسه مليا و تنهد ثم قال لصورته فجأة

عاد بخطوات متثاقلة و بآلية بطيئة يبدل مالبسه و جواربه و •• غبي   إلى الشرفة يراقب النافذة المغلقة و يتساءل سؤاال حذاءه و يتسلل بهدوء

:كالهدير

الصالة لماذا هي غاضبة ؟ عندما دخلت ريم إلى المنزل كانت أمها في   ترتب الثياب المغسولة و تطويها نظرت إلى وجهها و عرفت أن ثمة شيء ، و

حادثت ابنتها و استمعت اليها و هي تحكي التفاصيل بكثير من الحزن و عندما : بسملت و قالت البنتها الصدمة حوقلت و

••اكفينا شر أوالد الحرام اللهم  

:و هي تتنهد و عندما دخلت ريم إلى حجرتها لتبدل مالبسها قالت األم

ما في هذه السوسن ال يريحني •• لكن ريم كانت تشعر بشيء شيء   المغلقة و فتحتها و نظرت مباشرة إلى مختلف •• سارعت إلى نافذتها

إغالق نافذتها بسرعة وجدت الشرفة أمامها ، كان سعيد واقفا و عوضا عن انسكبت كلها رغما نفسها تبتسم ابتسامة كبيرة مضيئة مليئة بأشياء كثيرة

هما عنها فوق هذا الرجل في شرفته يطالعها بشغف ، و عندما استدارت كان كبيرا قد أزيح عن كاهلها و شعرت بنفسها خفيفة الحركة فاتجهت بسرعة

شرعت في الرســم و هي تدندن أغنية و ابتسامة جميلة لم نحو لوحتها و ••تفارق وجهها

مالبس الخروج األنيقة صبيحة اليوم التالي كانت ريم مستعدة تماما ، مرتدية ضجيجا ، و ترد البسيطة ، أفطرت و هي تبادل أختها المداعبات و تمأل البيت

لها على أسئلة أمها العادية بمرح و حماس و تطلب إليها أال تكف عن الدعاء و انتقلت إلى المنزل عدوى مرح ريم فبدا كل شيء جميال و مرحا ، و في

الثامنة و النصف دق الباب و سارعت ريم لفتحه ، كان سعيد واقفا على تمام في الساعة و يزفر أنفاسا سريعة و عندما فتحت له ريم الباب قلقا ينظر

عدواها فوجد نفسه يهدأ ويبتسم رغما عنه تطلع في وجهها و في ثوان أصابته :و قال

Page 58: رواية لاجئة

:قالت اعتقدت أنني تأخرت •• هزت ريم رأسها و ابتسامتها لم تفارقها و  

أن تتأخر أكثر فالبد أنك ذهبت لعملك لتأخذ اليوم أبدا ، بالعكس توقعت  إجازة أليس كذلك ؟

:هز رأسه نفيا و قال و هو يبتسم

لقد تأخرت في النوم •• حدث سعيد سرق النوم مني •• فقالت •• ال   :األم

الخير يا أستاذ سعيد ، أرجو أال يزعجك مشوار اليوم •• تبادل سعيد صباح   كأنهما اتفقا خالل هذه النظرة على استنكار قول األم و لكنهما و ريم النظر و

:لم يعلقا ، و قالت ريم

:مستعدة •• فقال سعيد أنا  

••أنا مستعد و  

:إال أن األم استوقفت ريم و قالت

أوراق ؟ بدون  

لم تستأذن سعيد فقط انتبهت ريم إلى أنها لم تحضر الملف و ال حقيبة يدها ، و نظرت اليه و ركضت باتجاه غرفتها ، و عندما حملت الملف و الحقيبة

أقفلت عائدة وجدت أمها في تجويف باب غرفتها تنظر اليها ، تبــادلتا النظر و فهــــمت كل واحــدة مــــنهن األخــــرى و احتضنت ريم أمها و ضغطت على

: تقول جسدها و هي ••اطمئني يا أمي  

:افلتتها و عدت و هي تقول

••تنسينا من الدعاء ال  

:قالت األم

••اللهم وفقها و أبعد عنها أوالد الحرام و أهدها طريقك المستقيم  

مبتسما و راقبها و كان سعيد بانتظارها في الخارج و عندما أهلت تطلع إليها يالحظ اتساق هي تحازيه و سارا معا ، كان البد لمن ينظر إليهما من بعيد أن

خطوهما ، و كان البد أن يالحظ أيضا أن هذين الكائنين يرتبطان بشيء بال اسم ، و كان البد أيضا أن يالحظ انهما صامتان •• و اخيرا فالبد أن الناظر

Page 59: رواية لاجئة

بعد كان البد أن يكون سيد ، الذي اعتذر عن العمل و صحب اخته إليهما عن مع ريم و سعيد ، و لذا فلم تكن صدفة أبدا أن و سار بها في نفس الوقت

و عندما التفـــتت رأتهـــا و سمعت ريم صوت سوسن بعد قليل ينــاديها ، كبيرا واجما و أخاها و في لحظات أصبح الموكب الذي كان صغيرا متفائال

:همست سوسن لريم

••أال تكوني غاضبة مني آمل  

:ضغطت ريم على ملفها و همست

••ال  

و انتهى الحديث

المقتـــضبة التي تخبيء ظل الجمع يسير سويا ، سعيد و سيد و كلماتهم ، استقل أكـــثر مما تظهر و ريم و سوسن اللتان اكتفتا بالصمت الطويل

الجميع الحافلة و أصر سعيدا أن يدفع للجميع ، و جلست البنتان ووقف و كل واحدا في هذا الفريق كان يردد كالما ال يتماشى مع اآلخر و الشابان

أغنية نشاز من يسمعها ينفر منها إال أنها كانت لحسن يشكل في مجموعه ••الحظ حبيسة الشفاه

أشـــد اإلصغاء و كانت األم تستمع إلى تفاصيل اليوم من ريم و هي مصغية مكتب بين كل عبارة و أخرى كانت تردد دعاء� ، حكت لها ريم عن الزحام في

التنسيق و عن أوراقها التي اختلفت عن بقية أوراق البنات و الشباب الذين للتسجيل و تحديد الرغبات ، قالت لها أن أوراقها كانت فيها فقط جاءوا

كانت رغبات الشباب المصري تفوق الثالثين و علقت خمس رغبات في حين :األم

••النهاية هو مكان واحد لكل واحد في  

:ابتسمت ريم و استطردت

في الرغبات الثالث األول كلية الفنون الجميلة و في االثنتين الباقيتين كتبت   التربية و التجارة ، األستاذ سعيد نصحني بهذا •• ضحكت األم و أكملت كليتي

:

هكذا انتهت حيرتك سريعا فيما جلس الباقون يكتبون أكثر من ثالثين و   :الحيرة ، أليس حالك أفضل ؟ تنهدت ريم و قالت رغبة و هم في غاية

و لله الحمد ، أرجو من الله أن يوفقني و أن يقبلوا بي و أال يضيع سفر بلى   مقابل •• أمنت األم على دعائها و زادت عليه و عندما همت ريم أبي بدون

Page 60: رواية لاجئة

سألتها األم عن رفقتها و كيف كانت فعادت أدراجها و بالذهاب إلى غرفتها : جلست على األرض أمام أمها و قالت

رغم محاوالت سيد أن يتدخل فيما أكتب و سار كل شيء على ما يرام ،   رغباتها الخمس األول ، ثم أن رغم أنه أصر أن تكتــب أخته مثلما كتبت في

:سعيدا كان صامتا طوال الوقت •• و قالت األم

يتكلم ابدا ••؟ لم  

:لنفسها نهضت ريم و هي تهز رأسها و توجهت إلى غرفتها و همست

يقل إال عبارة واحدة و هو يودعني رغـــم العـــيون حولنا " هذا أجـــمل لم   "••عمــري و ابتسامتك لن أنساها أيـــام

خدودها ، و كان تطلعت إلى وجهها في المرآة ، كانت حمرة جميلة تعلو شعرها قد تشعث قليال إال أنها بدت جميلة ، حتى أنها الحظت أن عيونها

:تبتسم •• رفعت رأســــها للسمـــاء و قالت

رب •• توجهت الى خزانة المالبس ، أخذت من رفها العلوي حزمة يا   على السرير ووضعت الوسادة على حجرها و الورق و الظروف و جلست

شرعت في الكتابة

أبي على البعد ، ابي الحبيب •• كيف حالك يا أعظم أب ، هل تشعر بي يا" تغيب أنا و الله أشعر بك ، أحس بك في كل لحظة ، ال تفارقني نظراتك و ال

عني كلماتك و ال أنسى و لن أنسى تضحياتك من أجلنا ، اليوم يا أبي سطرت في كتابي الذي أردتني أن أكتبه ، خطوت أول خطوة في الطريق أول سطر

شقائك و غربتك ، اليوم يا أبي ذهبت إلى مكتب الذي مهدته لي بصبرك و و األستاذ سعيد ، سجلت رغباتي التنسيق ، كان معي كل من سوسن و أخيها

طمأنني األستاذ سعيد و كأنني أسجل رغباتك ، كنت أريدك معي يا أبي ، لقد وعدا بأن النتيجة ستكون بعد أسبوعين في صالحي إن شاء الله ، لقد اخذ

••بهذا أمامي من الموظف معرفته في المكتب

ال تستطيع أن أبي إنني سعيدة ، سعيدة جدا و ال يضايقني إال أنك بعيد لكنك تلـــمس سعادتي و ال أستطيع أن أهديها لك و لو حتى بنظرة امتنان ،

البد تشعر بها ، فقلبك الرقيق معنا و حبك في قلوبنا و لن ننساك أبدا وفقك و سدد خطاك ، اطمئن نحن جميعا بخير و أمي دائما تذكرك و تدعو لك الله

قاسم أدى امتحاناته كأحسن ما يكون •• دمت لي يا و سمر تسأل عنك وأغلى أب

••"ابنتك المحبة •• ريم

Page 61: رواية لاجئة

يمكنها أن ترسلها عليه ، عندما أغلقت ريم رسالتها تذكرت أن ال عنوان لديها :فذهبت إلى أمها تسألها فقالت األم

اآلن يا ريم ، أتوقع قريبا إن شاء الله رسالة منه و لعلها تكون في الطريق   من يدري ؟ احتفظي برسالتك و سنرسلها حالما تصل رسالة منه ، اللهم طمأننا عليه يا واسع الرحمات •• عندما التف الجميع على سفرة الغذاء ،

كثير كثير ، قاسم يحكي و ريم تحكي و سمر تعلق تعليقات كان الحديث ••و تدعو لهم و لوالدهم ظريفة و أمهم تحثهم على األكل

الوحيد الذي كان كان يوما مميزا جدا لديهم و لدى سعيد و لدى سوسن ، و ادخال يشعر ضيقا كبيرا كان سيد ، لقد شعر فجأة أنه كان مسيرا في أمر

أخته الجامعة ، و أنه اندفع ألول مرة في طريق لم يكن له فيه خيار ، و سأل نفسه إن كان تعلقه بريم سيدفعه إلى المزيد من التنازالت ، و سأل نفسه

يريدها خاصة بعد أن تصبح جامعية ، هل ستناسبه ، و أفكاره عن إن كان حقا كان رأســـه يكاد ينفجر ، كل األمور فجــأة و بسرعة الزواج أين ذهــــبت ،

اليوم ما لم يكن متوقعا له التغيير يوما فهل انقلبت رأسا على عقب ، تغير كان يريد أن يحادثها على انفراد و باية سيستطيع مواكبة هذا التغيير و تقبله ؟

غرفة سوسن و صاح مناديا طريقة و مهما كانت العواقب لذا اندفع إلى في تنفسه إياها ، فلما لبته و جاءت سريعا قرأت في عيونه حيرته و سمعت

: غضبته و توقـــعت شـــرا فلم تتــكلم و انتظرته أن يبادر فقال ••أريد أن اعرف شيئا هاما اآلن  

:نظرت إليه متسائلة فأكمل

هل تريدني أم ال ؟ تطلعت إليه سوسن لكنها هذه المرة حاولت •• ريم   : تفضح نفسها و قالت ببراءة إجهاض ابتسامة تريد أن

إليها أخوها ريم ؟ ماذا تعني ؟ السؤال الصحيح هو أنت تريدها أم ال ؟ نظر   : و لسان حاله يقول "أال تعرفين ؟ " لكنه لم يتكلم فأكملت

أنت لم تحدد موقفك أو على األقل كيف تريد لريم أن تحدد موقفها منك و   : تعلنه حتى اآلن ؟ جلس سيد على الكرسي و همس

: قالت أنا أريدها •• ضحكت سوسن و   هذا اذن البد أن تعرف هي  

كانت تفكر و تحاول وزن األمور في رأسها ، لو أنها و كيف ؟ صمتت قليال ،   الوقت بالذات ألصبح ذهابها إلى دفعت أخاها الى حديث صريح في هذا

تماما ، فكرت أنها يجب الجامعة رهن بموقف ريم ، ذلك الموقف الذي تعرفه : أال تخاطر باقتراح يضيع عليها فرصتها لذا قالت

بعدة خطوات ، أولها أن أحاول أنا أعتقد يا أخي أن هذا األمر يمكن أن يتم   البنات سيمنعها من القبول مــكـاشفتها ، و أعتقد أنها ستمانع ، طبعا خجل

قبل دخولنا ، أقصد السريع ، عندها تبدأ أنت الخطوة الثانية ، و هذه لن تكون تشاء و دخولها الجامعة ، إذ هناك ، و هناك فقط بإمكانك أن تكلمها كما

Page 62: رواية لاجئة

الحجة دائما موجـــودة و هي أنك جــئت لتصحبني ، أو للسؤال عني و ما إلى : قال سيد بكثير من الفضول •• ذلك

: أتعتقدين أن هذه هي الطريقة المثلى ؟ أجابت بسرعة   فقبلها لن تستطيع أبدا •• صدقني •• و لكن ليس قبل التحاقنا بالجامعة ،  

: تنهد سيد و فجأة قال سوسن الخطر و لماذا ال أختصر المسافة و أخطبها فورا •• استشعرت  

:مجددا فصاحت

••يمكن ال   

:ثم بهدوء قالت

يمكن ألن أباها مسافر و ألن أمها أكدت لك أن ريم لن تتزوج قبل إنهاء ال   كذلك ؟ هز سيد رأسه موافقا و ابتسمت سوسن و عادت دراستها ، أليس

: تقول بدالل المنتصرين الباقية على إعالن نتائج التنسيق تشرب شاي ؟ *** حملت األيام القليلة  

األولى و كانت سطورها أكثر من أمر هام لريم فقد وصلت من أبيها الرسالة الحرام بمكة تشي بسعادة األب الكبيرة بتوجيهه للعمل في توسعة المسجد

المكرمة و ترك في الرسالة عنوانا يستطيعون مراسلته عليه ، و انتهت امتحانات قاسم على خير و أرسلت ريم ألبيها خطابها األول و بدت األمور

أكثر تحمال ، و لم تعد هناك أشياء تنغص على ريم استبشارها و أكثر مرونة و المرتقبة ، و كان سعيد يداوم على زيارتهم و تفقد أحوالهم انتظارها للنتيجة

تجلس األم و أحيانا تجلس ريم بعد أن تعد أكواب فيــجلس معه قـــاسم و تلفهم في كل جلسة فيتحدث الجميع الشاي للجميع ، و بدا أن روحا عائلية

سعيد موضوع زوجته و في أموره براحة و بدون خجل حتى أن األم فتحت مع : تحدثت معه مطوال فيه

مريم ابنة حالل يا أستاذ سعيد فلماذا العناد ••؟  

لهذا السؤال منذ ابتسم سعيد و قال و هو يرشف كوبه و كأنه كان متوقعا : زمن

بالفعل ابنة حالل ، لكنها ال تناسبني ، لم نستطع مواصلة الحياة معا و هي   الفراق كان البد من

؟ و األوالد يا ولدي  

الجدوى من األوالد من مصلحتهم أن يكون أبواهم منفصلين بدال من حياة   ورائها ، حياة يشكل العراك قسماتها و أنت تعرفين يا خالتي أن العراك ال

يهيء جوا صحيحا لتنشئة الصغار •• كانت ريم تستمع إلى الحديث و أكثر من ، لكنها لم تشأ أن تتدخل فهذا الحديث لم يغير كثيرا من سؤال يراودها

فيه بكل تأكيد و إن الظلم كان من طرفه ، و حكمها األول عليه ، إن العيب

Page 63: رواية لاجئة

: منتبهة تماما لما يقول فأعاده ثانية عندما وجه إليها سعيد سؤاله لم تكن ••آنسة ريم ، ما رأيك بالموضوع  

:عيونها و قالت بغموض نظرت إليه مليا و نقلت نظراتها الى أمها ، ثم أرخت

امرىء أدرى بما يحتاج •• ابتسم سعيد مطمئنا إلى إجابتها و استأذن كل   ••باالنصراف

Page 64: رواية لاجئة

يتفقا عليه أبدا و و برز في حياتهما موعد متجدد بين سعيد و ريم ، موعد لم البد أن لم يحددا وقته أبدا ، إال أنه أصبح عادة هامة في حياة كل منهما ،

يحدث عندما يأتي المساء ، البد أن يجلس سعيد في شرفته يرشف شايه و إلى النافذة األثيرة و بعد قليل ، دائما بعد قليل تفتح ريم نافذتها و يتطلع

تبتسم و يبتسم ثم تغلق نافذتها ، كان هذا األمر يتكرر كل ليلة تتطلع اليه و انقلب فيها حال ريم من الغضب إلى السالم عندما حدث ألول منذ الليلة التي

هذه االبتسامات القليلة النادرة رسالة شفهية مرة أن ابتسمت له ، أصبحت دون أن يحددا ما بعدها و دون أن يرسلها كال منهما إلى اآلخر في المساء

من نفسه ، تعجب يرسما طريقا قد تقود اليه ، و كم تعجب سعيد في نفسه كلمة من أنه أبدا لم يفكر في خطوة مقبلة ، في طريقة تجعل من االبتسامة

و موعدا و لقاء� ، لم يفكر في هذا االمر أبدا و لم يخطر بباله أن ابتسامات المساء المتبادلة ، بداية لشيء أكبر ، كان كل اهتمامه منصب على أن تدوم

و آال تنقطع ، و كان دائما لديه يقين بمجرد جلوسه في الشرفة أن هذه العادة لتخرج ريم •• كان يترجم ابتسامتها حلما طويال يقتات القليل سيمضي سريعا

لينام ، كانت االبتسامة الصغيـــرة تعني منه حتى آخر الليل عندما ينهض مخيلته فيرضيه و لكنه ال يشبع منه ، لذا كــالما كثــيرا يتبادلــه و إياها في

أصبح قليل الخروج و السهر ليال خارج أصبـــح شـــديد التعلـــق بالشــرفة و ليسأله عن حاله و سبب المنزل و حتى عندما زاره أحد االصدقاء ذات ليلة

له وحده و ابتعاده ، تعمد أال يفتح الشرفة في وجوده حتى ال يخدش عالما حاول جاهدا أن يقنعه أنه ال يريد العودة لسالف عهده فهذا أمر تزهده نفسه

••و تحتقره جوارحه و ال يدري حتى كيف أنه كان يمارسه

يا إلهي إلى هذا الحد ؟ •• آه   أكثر •• إلى هذا الحد و أكثر ياصديقي ، إنني أتساءل كيف كانت تلك و  

أراهن على إضاعة عمري في لهو ماجن ال يليق ، أشعر حياتي ، كيف كنت كنت بهذا الحال ، إنها أتفه األمور التي بالصغار الشديد كلما فكرت أنني

االهمية لتسمني إلى االبد تحكمت في لفترة من عمري و قبعت كشيء بالغ ••بالتفاهة و الوضاعة

لكن هذا لم يكن رأيك فما الذي غيرك ؟ و   ما كنت عندما يعود المرء إلى فطرته النظيفة ال يسمى هذا تغيرا بل إن  

فيه هو التغيير الذي لحق بي لفترة ثم عادت األمور لصحيح وضعها •• عندما الصديق يائسا ، سارع سعيد بالوقوف في الشرفة ، كان يدعو الله من رحل

قد فتحت نافذتها و أغلقتها أثناء غيابه ، و سأل نفسه إن داخله أال تكون ريم لصديقه ، و فوجيء بأن صوتا قويا داخله يزجره عن كان حقا مقتنعا بما قاله

اآلن في مكان ال يليق أن يفكر و هو فيه مجرد سؤال نفسه كهذا السؤال فهو تفكيره في مستقبل ينتظره بعد بكل أدران الماضي و ينبغي فقط أن يكون

بينهما ، تحملها دقيقة واحدة مستقبل ينحصر في ابتسامة تأتي عبر الليل عبر شعاعات خافته ترسلها أضواء البيوت و الشوارع النائمة ، و ظل يتطلع

Page 65: رواية لاجئة

الشرفة فترة البد أنها طالت كثيرا ألن اغفاءة أخذته و حملته الى أجواء الحلم الوردي حيث مكان ال أرض فيه و ال جدران و ال نوافذ ، ال شيء إال هو و هي

يده في يدها •• و الدنيا تتحول حولهما إلى عالم أسطوري من فقط معا ، من بين كفوفهما المتماسكة ، نور قوي جدا ، الجمال وفجأة سطع نور قوي

الشمس تفترش رأسه و إذا هو قوي إلى درجة الحريق ، انتبه عليه فإذا البشرى إلى ريم ، صباح جديد يدعوه أن يفيق •• *** و حملت األيام القادمة

لها ريح طيبة عبقت أركان بيتهم و مألت جوانحها طربا ، ففقدت كل إحساس بكل الوجوه من حولها ، بوجه سعيد الباسم يحمل البشرى و وجه أمها الباكي

فتختلط الدموع بالدعوات بالتبريك ، ووجه قاسم تغلفه الفرحة و يقسم تقبلها راقصة ألجل عيون أخته و وجه سمر التي راحت تتراقص و أن يمضيها ليلة

:تردد بصوت عالي

أختي ريم ستدخل الجامعة ، أختي ريم ستدخل الجامعة   

واحدا كان يرسم فقدت ريم األحساس بكل هذه الوجوه من حولها ، إال وجها نفسه و بقوة فوق الحدث ، تراه مهيمنا على كل المشاعر و على كل

الموقف ، وجه فرض نفسه بقوة الحب و قوة الصبر و قوة التضحية ، إنه تراه في هذه اللحظة قويا حتى أن انفاسه غطت على وجه أبيها ، كانت

جسدها فقط هو الذي يعيش الحدث ، الهدير الصاخب حولها ، شعرت أن و تأمن على الدعوات تشعر بنفسها تلف لتبتسم و ترد التبريكات بأحسن منها

معهم ، و تدعو بالعقبى ألخيها و هي في كل هذا مسيرة ال تعيش اللحظة إحساس طغى عليها كثيرا و ألول مرة تشعر به بهذه القوة كانت تريد أباها ، تريده اآلن ، تريد أن تخبره أن يده هي التي كتبت هذه اللحظات و صبره هو

إليها و تضحيته هي التي قدمتها لها ، كانت تريد أن تجثو أمامه الذي أوصلها بدموع الفرحة و تؤكد له بل تقسم بأنها ستحافظ على تقبل يمينه و تغسلهما

عليها كما أراد و ستصبح كما تمنى •• ووجه الهدية الغالية الثمينة ستحافظ وجه واحد لمس غيابها عنهم رغم واحد من الوجوه حولها شعر بها و بقوة ،

بنبضات القلب الذي تجاوبها السطحي معهم ، قلب واحد كانت نبضاته معلقة ذلك تخبئه جوانحها ، يدق نفس الدقة و ينبض ذات النبضات ، كان سعيد ،

الذي ارتبطت أقداره بها منذ اللحظة األولى و تقمصته أحاسيسها منذ رفعت عينا بالرجاء ذات يوم ، كان يعرف تماما ما تفكر به و ما تشعر به ، كان إليه

اللهفة بالفرحة في قلبها و كان يشفق عليها من احاسيس يفهم اختالط يريد أن يضمها إليه ، شعر أن أقصى ما اللحظة و للمرة األلف شعر أنه

شخص محب ، كان تحتاجه هذه المخلوقة شفافة القلب أن تتوسد كتف يعرف أن احتياجها لهذه الكتف الذي يحمل ، أكثر من احتياجها لكل هذا الصخب ، لكل هذه الكلمات •• كان يشعر بها ، يحترق بها ، يتنفسها ،

أنفاسها حريقا في قلبه ، كان يتمنى لو أن حلمه الوردي يترسمها ، يترجم كان يتمنى لو تختفي الجدران و النوافذ و ذلك المساء أصبح أمرا واقعا ،

بين كفيهما المتالصقين يسطع األرض و البشر و تصبح هي معه ، وحدهما و ••النور

Page 66: رواية لاجئة

: دموعها كف الصخب فجأة و هدأت األصوات و قالت األم من بين :موقفك يا أستاذ سعيد ، يا حامل البشرى •• تمتم لن أنسى لك أبدا  

: تستحق •• استدرك فقال هي   لكنني لم أفعل شيئا هي كتبت و هم وافقوا و ريم اآلن طالبة مسجلة   

••كلية الفنون الجميلة ، هذا كل شيء بالسنة اآلولى في

:هزت ريم رأسها و نظرت إليه ممتنة و قالت

لم تفعل شيئا إال أن أتيت بهذا الخبر لكفى يا أستاذ سعيد ، لقد أسعدت لو   : و أشارت لكل من حولها ، فقال مبتسما •• قلوب كثيرة به

و قلبك أيضا ؟  

: ابتسمت و قالت :القلب الذي حقا يحتاج للفرح اآلن هو قلب أبي •• بحماس قال  

ماذا تنتظرين ، هيا اكتبي الخطاب و سأرسله بنفسي اليوم و في البريد و   شئت في برقية •• كان يريد أن يكمل "أو إن شئت أطير المستعجل أو إن

"ابتسامتك ملء العين و الفؤاد به بنفسي ، المهم أن تسعدي و تظل

سمعتها ، سمعتها لكنه لم يقل •• و هي رغم غرابة الكلمات غير المنطوقة في ارتعاشة أهدابه و ابتعاد نظرته إلى عمق سحيق في عيونه السوداء ،

سمعتها في إحساسه بها الذي ترجمه بهذا الطلب ••سمعتها فأرخت عيونها أن تعرف من الطارق عندما ذهب أخوها ليفتح الباب ، كان أرضا ، و انتظرت

، دقــة سعيدة و دخلت سوسن ، لم تنتبه إلى الباب يــدق دقـــة فرح عالية :صاحت احد ركضت فورا باتجاه ريم احتضنتها و

••في الجامعة اآلن ، نحن في الجامعة اآلن نحن   

مكتب التنســـيق ، كان سيد واقفا ما زال على الباب ، صــحب أخــته إلىير إليها انتهى بنجاح عرف النتــيجة و عرف أن قسما كبيرا من الخطة التي س|

، و عندما طلبت إليه سوسن المرور على ريم لتهنئتها ، وافق فورا فهذا ما الى ريم ، اقتحمت يريد ، و عندما فتح قـــاسم البـــاب و اندفعت سوسن

سعيد ، تسمر في مكانه ، و تبادل معه نظرات عداء مستتر و عيونه هيئة : اعتذر بحزم و قال عندما دعته األم للدخول

أن نكون أول المهنئين و لكن يبدو أن األستاذ سعيد سبقنا •• كنا نريد   :يريد أن يجرحه فقال ابتسم سعيد و شعر أنه

:دائما األول يا عزيزي •• صاح سيد فافزع سمر أنا  

Page 67: رواية لاجئة

يا سوسن •• نظرت سوسن إلى ريم نظرة رجاء فهمتها على الفور هيا   : فقالت لسيد بصوت منخفض

سوسن لبعض الوقت ، لنفرح سويا بقبولنا أستاذ سيد ، آمل أن تترك لي    ••في الجامعة ، إذا لم يكن يضايقك االمر

يوجــه إليــه الكــالم نظر إليها غاضبا ، لكن نظرتها الهادئة و صوتها الذي و عودة للمـــرة األولى و أشياء أخرى كثيرة كانت وراء اختفاء الغضب

:الوداعة و اإلجابة المطلوبة

••حسنا ، إذا كانت هذه رغبتك   

:نظر إلى سعيد ، فقال األخير على الفور

إلى •• أستئذن أنا ، مبروك مرة أخرى يا آنسة ريم ، مبروك آنسة سوسن   : اللقاء خرج من الباب بعد أن أفسح له سيد مجاال و قال قبل أن يلحق به

متى تعودين يا سوسن ؟   

: قالت نظرت إليه سوسن نظرة ذات معنى و كأنها تذكره بأمر و :ريم •• أومأ برأسه راضيا و قال فور انتهاء مهمتي مع  

كما مبروك آنسة ريم ، سعدت كثيرا لتزاملك مع سوسن في الجامعة ،   تزاملتما دوما في المدرسة •• ردت ريم عليه بصوت هاديء و انصرف ،

: سوسن و قالت مغتاظة نظرت فورا إلى مهمة يا سوسن التي ستنهيها معي ؟ ضحكت سوسن ، ضحكت كثيرا و أية  

: قالت بشدة حتى دمعت عيناها و أخبريني كيف سنحتفل بفرحتنا هذه ؟ دعينا من المهمة و   

لهــا ، لم كان اليوم األول لدخول ريم الجامعة يوما أسطوريا بالنسبة ***    التي تنــــم تـــلك اللــيلة ، و احتفظت مثل األطفال بثوبها و مستلزماته

ستمضي بها إلى هناك على حافة السرير ، كانت غرفتها لها وحدها منذ فترة اعتادت على مخاطبة كل األشياء و لم تكن تجد غضاضة في محادثة طويلة ،

كانت تحادث لوحاتها و كأنها تحادث أفرادا يتكلمون و ركنها األثير فيها ، على إحدى اللوحات البيضاء كلمة الجامعة يسمعون ، و في تلك الليلة كتبت

تضيف إليها رتوشا ترى أنها •• و ظلت طوال الليل تطالعها و تحادثها ، و شيئا سرياليا مناسبة لمجرى الحديث ، و عند الفجر كانت اللوحة قد أصبحت العبارة التي ال يفــهم خطـــوطهــا و ألوانها إال ريم ، التي كانت تعرف تماما

قالها لها كل خط و كل لون ، كل انحناءة و كل مساحة بيضاء ، كان أملها كبيرا جدا ، و أحالمها كبيرة ، أكبر من أن ترصده مساحة ، ظلت ابتسامتها

وجهها ، تتسع إذا غرد األمل فيها و تنكمش إذا عال صراخ منطبعة على ••اختارها األب ثمنا لتحقيق هذا الحلم الضمير و الغربة التي

Page 68: رواية لاجئة

ممـــا اعتــادت و عندما فتحت نافذتها كان الوقت قد تأخر كثـــيرا ، أكثر شرفته اعتـــاد سعــيد ، و توقعت حين نظرت للساعة أال تراه ، كانت

مغلقة ، لكن النور خلفها كان مضاء� ، ابتسمت للضياء القادم من خصاص باب الشرفة و كأنها تراه ، و عادت تنظر إلى السماء حين اقتحمها ضوء القمر

: السفلى و همست عضت على شفتهاأنتبه ؟ كيف لم   

كل شهر ، شعرت كان القمر بدرا ، و هي دعوة للخوف تعيش تفاصيلها ريم •• بانقباضة صغيرة

أنها أخشاك و أحبك •• أية معادلة ؟ ظلت ترنو إليه فترة •• وتذكرت   قرأت ذات يوم أن الذئاب تجتمع في ضوء القمر المكتمل لتنوح حتى الفجر ،

حنينا غامضا يدفعها ألن تبكي كلما كان القمر بدرا ، حنين أو ذكرى شيء كأن :اكتماله لها •• أشاحت بوجهها و همست ما حدث في

ما عالقتي أنا •• لماذا أرى الخوف وجها مرسوما على القــمر ، و    بشدة و أتوقع حدوث شيء رهيب حين رؤيته ، هل هي لمــــاذا يـــدق قلبي

العالقة التي تجعلهم حين يغدو بدرا العالقة القديمة بين القمر و الناس ،أناسا آخرين •• ؟

تضاعف الصوت ألف أفاقها من شرودها صوت باب يفتح ، انخلع قلبها ، فقد كان مرة في هذا السكون ، خرج سعيد إلى الشرفة ، نظر باتجاهها فورا ،

مشعث الشعر كمن أمضى يوما عصيبا ، بدت مالمحه عبر أضواء الشارع غضب ، الحظت ذلك من طريقته في اإلمساك بسور كأنها لتمثال من

لم يبتسم وجهها رغم العادة ، فقد الشرفة ، كان كمن يهم بالقفز من فوقه ، تخال أن القمر يريده ، كانت مناجاتها للقمر قد أحدثت في قلبها األثر الذي

فتحت كانت واجمة و قلبها ينبض بشدة لم يتخلص بعد من اضطرابها حين الشرفة ، ظل ينظر إليها و تنظر إليه ، كان الحديث السري الذي تنطقه نيابة

كل األشياء يدور اآلن ، كانت النسمات تخاطب األشعة الساقطة من عنهم كانت الجدران تخاطب التراب الذي تنغرس فيه جذورها ، أعمدة الشوارع ، و

و الجميع كان يتساءل عن سر الصمت و كانت النافذة تخاطب الشرفة ، ••الغاضب بين اثنين ال تربطهما سوى ابتسامة

لآلخرين ، أن يقول ظل الفضاء بينهما مترقبا في انتظار أن يحمل البشرى االنتظار للجميع اصمتوا فقد بدأ حديث االبتسام ، لكن الفضاء بينهما مل من

••فانسحب تاركا هواء� ثقيال قبع على كل االشياء فاخرسها

هي ، لقد ظل كان سعيد ينظر إلى ريم بغضب منبعه هو و سببه هو و ليس طوال اليوم يفكر في هذه األنثى التي قلبت موازين حياته رأسا على عقب بدون وجه حق ، و بدون مقابل ، كان يمر بشيء مما مر به كثيرون عندما

Page 69: رواية لاجئة

دوامــــة وضعوا فيـــها أنفسهم و رفعوا وجوههم للحظة و تساءلوا أفاقوا منماذا هناك ؟

بقيد في آخره حرف لماذا أظل أسيرا لهذه الفتاة ، ما الذي جرى لي فقيدني يشكل من اسمها •• لماذا أسير و كأنني مسير نحو قدر ال يحمل مالمحي ، ال

طبيعتي ، ال يتجاوب مع كينونتي ؟

المنهزمة دوما أمامها كان قد أمضى ليله يفكر في هذا األمر ، يستجمع فلوله الليل ليبدأ ليعلن لها تمردا مع خيوط الصباح األولى ، و عندما خرج أول

مناورات العصيان معها خذلته ، و لم تخرج فأورت نار الغيظ داخــله ، كان يلمــــح الضوء من خصــــاص نافـــذتها و يعرف أنها مستيقظة وحدها في

ال تبالي بهذا المخلوق الذي عاد يطلب حليب الرضاع بعد الفطام غرفتها لكنها ••بسنين

••أنت أبله  

لغضبته ، احتارت في و كانت هي ال تعرف السر في ثورته ، ال تعرف سببا الغليان تفسير مالمحه الشعثاء الغاضبة ، بحثت في نفسها عن سبب لهذا

الذي ينطق به الصمت و الهواء الثقيل بينهما فلم تجد و في غمرة بحثها أنها ابتسمت قبل قليل لضوء ينبعث من خصاص شرفته ، و لم تبتسم تذكرت

لها أن هذا هو السبب ، ابتسمت للخاطر ، و طالعته له ، و شيء داخلها أكد و كان قد كاد يهجر تلك المالمح مختارا بعيون عاتبة مبتسمة ، تفرس مالمحها

االنســحاب إلى الداخـــل و صفع الباب و بملء إرادته ، كان يراود نفــــسه ابتسامة لملمت ما على شفاه في وجهها ، لكنه لمح تلك االبتسامة العاتبة ،

،ابتسامة أعطت أمرا األشياء حولهم و قدمته حديثا طويال لقلبه المتعب للخلف ألف صارما لفلوله المتحفزة للتمرد بأن تمضي بال عودة ، أن تركض

ألف خطوة ، تفـــرس مليـــا و كأنما خيط سحري يربط بين الشفتين ، و قدر أبدي يضع ما على هذه على تلك ، وجد نفسه رغما عنه يبتسم •• كأنما

و كأن الليل الطويل كان ليل غيره ، و كأن التمرد كان هكذا ببساطة يبتسم ، ••لساعات و غادرها في ثوان نداء� تائها استقر في أذنه

••هكذا ببساطة ابتسمت ريم فابتسم سعيد

الجديدة ، ثوب عندما دخلت األم إليقاظ ريم ، وجدتها مرتدية حلتها*** حقيبة برتقالي اللون بحزام أبيض و حذاء أبيض و عقدة شعر برتقالية و أخيرا

يد بيضاء ، كانت تبدو في كامل استعدادها ، مشرقة الوجه كأنها نامت الليل بطوله ، مبتسمة كأن ابتسامتها علقت منذ البارحة فلم تستطع أن تسحبها و

: كأنها تكمل حديثا ، ركـــضت نحــــو أمها و قبلتها و صاحت أخيرا و ••بالطبع أنا مستعدة جدا   

Page 70: رواية لاجئة

:تأملتها االم بفخر و إعزاز و قالت

أنت جميلة يا ابنتي ، يرعاك الله كم   هل الثوب مناسب ؟  

•• يكاد يكون قد صنع خصيصا لهذا القالب أيتها الغالية   أمي هل أبدو حقا جامعية ؟  

أجل ريم ، فلمن إذن قامت ••؟ !! إن لم تكن الجامعة قد قامت من   ، كانت األم قد ضحكت ريم و عادت تقبل أمها و خرجتا معا نحو الصالة

األقل صنعت الشطائر المحشوة البنتها مثل أيام المدرسة تماما ، أو على :كان هذا ما علقت به ريم عندما رأتها ••و قالت

••كبرت يا أمي على أخذ الفطور معي ، أنا فتاة جامعية لقد   

:أصرت األم و وضعت الشطائر في حقيبتها و هي تقول

ترفضي طعام أمك ففيه البركة كلها ، ها هل تعرفين طريقك ؟ أجابت ال   :ريم بامتعاض مفتعل

وعد سوسن باصطحابنا في اليوم األول ليدلنا على الطريقة ووسائل سيد    ••أنا بانتظارهما المواصالت المطلوبة و

:ريم لم تكد تنهي عبارتها حتى دق الباب دقات مرحة فأكملت

هي سوسن قد جاءت •• ركضت ففتحت الباب و عندما طالعتها و ها   : سوسن صاحت

حقا تبدين جامعية •• قالت األم و هي آه يا إلهي ما كل هذه األناقة ، إنك   : تكبر و تحوقل في سرها

••األناقة يا ابنتي أنت أيضا يا سوسن تبدين في غاية   

:همست سوسن

أجبرني سيد على ارتداء هذا الثوب ، و هو ليس ما أعددته لليوم لقد   غدا عندما نذهب بمفردنا سنرى من ستكون األكثر أناقة األول ، لكن ال بأس

: •• ضحكت ريم و قالت هامسة أيضا ••!!سأخبر سيد   

اختفتا عن الشارع و سارت الفتاتان خلف سيد و عيون األم ترافقهما حتى تحاذيه دعاء طويل لم ينقطع كان في األثر •• تعمد سيد أن يسير ببطـء حتى

الفتاتان ، و تعمدت ريم أن تبطيء حذر هذه المحاذاة ، إال أن سوسن شدتها :هامسة

Page 71: رواية لاجئة

••أسرعي •• ال تعاندي يا ريم ، ال نحتاج غضبه اآلن   

الدليل على األقل استسلمت ريم لصديقتها فلم يكن أمامها إال الرضى بهذا كل خطوة في اليوم األول ، و كان سيد قد بدأ في ارتداء حلة األستاذ فكانت

بكلمة ، و انصب كالمه على شرح الطريقة ووسائل المواصالت و أهمية إلى أنفسهن أثناء عبور الشارع و في المواصالت و خاصة من االنتباه

إال مضايقة بنات الناس ، و كان يوجه حديثه ألخته مضايقات الذين ال هم لهم :و يميل نحو ريم و يقول

••الكالم لك أيضا يا آنسة ريم و   

ينتهي هذا الطريق فكانت ريم توميء برأسها و ال تتكلم و هي تدعو الله أن :•• و على باب الجامعة نظر سيد في ساعة يده و قال

أن أترككما اآلن ، سأعود عند الثانية و النصف ، انتظراني حتى لو لم يجب   تفعالنه ، فطريق العودة يختلف و المضايقات تكون فيه أشد يكن لديكما ما

تحاول مداراة صديقتها حتى ال يلمح سيد •• قالت سوسن بسرعة و هي : ضيقها

••نعم •• نعم يا أخي بالطبع سننتظرك هنا تحديدا   

:صاحت ابتسم سيد و مضى في طريقه ، التفتت سوسن إلى ريم و

الخالص •• كانت ريم تطالع ساعة الجامعة الكبيرة ، و تحتوي بعيونها إنه   الكبير ، كان هناك آالف من الطالب و الطالبات مختلفي الصور و موقع الحلم

يشتركون فقط فيما يحتضنونه بين أيديهم من حقائب الهيئات و األعمار ، حيث تتطلع و قالت و هي تضع دراسة مختلفة األشكال•• تطلعت سوسن

: يدها على عيونها ياه ه •• من أين نبدأ ؟   

: قالت ريم    لنا •• نسأل عن موقع كليتنا ثم نذهب إليها و هناك نعرف ماالذي اعدوه  

المنطق يقول هذا •• و شدتها من يدها لتدخال من البوابة الكبيرة ، بوابة •• *** الحلم كما أسمتها ريم

:"و تطلع إلي مدير شؤون الطالب بنصف عين و قال بصوت أجش   فلسطينية •• هاه •• عليك أوال دفع رسوم التسجيل قبل أن يتم اختبارك في

••" تختارين القسم الذي مقدار هذه المصاريف ؟ جلست ريم على األريكة حانقة و و هل سألت عن  

:األول بالجامعة و قالت و هي تزفر هي تحكي ألمها أحداث يومها

الطالب المصريين رسومهم ستة جنيهات و نصف ، أما أنا فرسوم جميع   استرليني •• شهقت األم و بعدها ران الصمت •• كان تسجيلي ستمائة جنية

Page 72: رواية لاجئة

حالة ريم يرثى لها ، و حتى سمر قاسم يستمع للحديث صامتا ، كانت إلى يدها و احترمت صمت الجميع فصمتت و هي ال تدري •• نظرت األم

: قالتهذا المبلع بالجنية المصري يا ريم ؟ كم يساوي   

:تطلعت ريم إليها و قالت ألمها و هي تعرف فيما تفكر

ينفع يا أمي ، لن ينفع ، بيع ذهبك و ذهبي و حتى قرط سمر لن يفي لن    التسجيل ستمائة و المبلغ السنوي ستمائة ، أي ألف و مائتي بالغرض ، مبلغ

هذا العام ، هل تتصورين مجرد تصور أننا سنتمكن جنيه استرليني علينا دفعهامن هذا ؟

عن سؤال يختصر ظل السؤال معلقا بال إجابة ، و من منهم يستطيع اإلجابة : كفاح عمرهم بعبارة واحدة

وجهها في ال نملك •• و من أين لنا هذا ؟ حتى المنزل عندما أدارت األم   اثاثه بدا في هذه اللحظة متواضعا شديد التواضع ، ال يملك أن يخرج قطعة

••واحدة فيه تستحق ثمنا قد يساعد

حمل هواء الغرفة تنهدت ••تنهد الجميع ، كانت التنهدات حريقا في أعماقهم عجزا ، و ما ال يطيق فاستسلم راكدا و كأنه يتضافر مع الخبر المزعج ليعلن

ليعلن احتضار الحلم •• نهضت ريم متثاقلة و قد بدا أن مالبسها تهدلت عليها و كأنها لم تكن في الصباح قد صنعت خصيصا لهذا القالب •• توجهت إلى

مهزومة كان لها وقع الخناجر في قلب سميحة ، و قبل أن غرفتها بخطوات :تصل ريم إلى غرفتها صاحت األم

••يكون هناك حل قد   

:التفتت إليها ريم و قالت بلهفة

: ؟ قالت بتصميم كيف   توجهت فورا إلى غرفتها ، إلى الحقيبة القديمة ، إلى الكلمات انتظري هنا  

األخيرة ، استخرجت الملف القديم ، سحبت منه الوريقات األخيرة في الليلة : بحماس األولى و عادت ألوالدها قالت

عناوين أهاليكم و أقربائكم ، قال لي جهاد قبل سفره إننا في هذه األوراق   أثرياء بل شديدي الثراء ، فلماذا ال نراسلهم ؟ سنفاجيء بأن في العائلة

منصبة على أمر نظرت ريم إلى قاسم و نظر قاسم إليها ، كانت أفكارهم :آخر ، أمر غير ما حرك األم ، ترجمته ريم حين بادرت بالكالم

: أقرباء و أهل لنا نحن ؟ هزت األم رأسها إيجابا فقال قاسم   عليها ؟ و عادت األم تهز رأسها إيجابا ولهم عناوين يمكننا مراسلتهم  

Page 73: رواية لاجئة

بلهفة خاصة ، لهفة عال لها أسرعت ريم فأخذت األوراق من أمها •• أمسكتها الوريقات وجيب قلبها •• في هذه الوريقات يكمن أصل وجودها ، في هذه

أناس تنتمي إليهم بالعصب ، بالدم ، أقرباء ، أهل •• لطالما تمنت أن يكون لها من عصبها أهل ، من لحمها و دمـــها أعمام و أبناء عمومة ، كانت تشعر

محدودة في إطار األم و األب و البيت الصغير ، أنها كائن غريب جاء و هي استوطن هذه األرض ، ال أحد يشبهه و ال يشبه هو أحد ، من كوكب آخر و

األوراق يختبيء السر الكبير ، خلفها العالم الذي أخيرا ها هم األهل ، في هذه الدنيا التي لم تحياها •• بأصابع مرتجفة تريد أن تعيش فيه و بين سطورها

بدا خط أبيها واضحا قويا مرتبا فتحت الغالف القديم ، كانت األوراق صفراء و باسم عائلتها تنتهي يكاد ينطق على الورق ••أسماء كثيرة تنتهي أسماؤهم

تفيض شوقا بالقاسم •• رفعت عيــون مغــرورقة إلى أمها و قالت بابتسامة:

جميعهم ينتهون بالقاسم يا أمي   

ابنتها فنطقت بالحنان ، أومأت األم برأسها إيجابا و تفاعلت عيونها مع نظرات ريم و بالشفقة •• أسرع قاسم و اتخذ لنفسه مكانا بجوار و نطقت أيضا

تراقصت األسماء المتتابعة أمام عيونه كلها تحمل لقب عائلته ، اللقب الذي منذ مولده و شاركته أخواته و لم يشاركه أحدا فيه ، أشار بأصابعه حمله

:األسماء و قال بصوت فرح النحيلة على

أن هذا عمي عمر ، و هؤالء أسماء أبناء عمي عامر يرحمه الله ، أما البد   ••محمد هذا فهو اسم عمي

:و أكملت ريم و قالت

هذا عمي بدر وبقية األسماء البد أنها ألقرباء لنا من أبينا ، فمثال هذا و    ••البن عم أبي فيما اعتقد االسم هو

:رد قاسم قائال

••بل هو البن خال أبي ال   

: قالت ريم ••دعنا نرتبها منذ البداية  

يسيطر عليهما ، و انطلقت و أخوها في عالم خيالي كانت تراقبه األم و هو كانت ترى لهفتهما ، إقبالهما على األسماء كأنما تجسدت فجأة لحم و دم أمامهما ، حتى سمر كانت تعتقد لفرط لهفة أخويها أنهم يطالعون صورا

أسطورية ، فصارت تقفز عليهم و تعتلي ظهورهـــم في ملونة ، أو هدايا

Page 74: رواية لاجئة

الذي جــعــــل رؤسهما تتقارب و أصواتهما محـــاولة الستكــــناه الســـر ••تعلو و حماسهما يزيد

القرابة و يحاولون ظل األخوان على هذه الحال قرابة الساعة يرتبون درجات قالت و قدر اإلمكان االستعانة بذاكرة األم عن أهل زوجها و كانت إذا عرفت

:إذا لم تعرف تردد

أعلم الله  

كانت صلتها بأهل و لقد رددت األم هذه الكلمة عشر مرات على األقل فقد سني زوجها شبه مقطوعة إال من رسائل و أشخاص قليلون زاروهـــــم خالل

عشـــرتهم و قالوا شيئا أو بعض شيء عن أحوال أهليهم

:تطلعت ريم إلى أمها و هي تبعد سمر عن كتفها قائلة

بعضـــها إلى أتصدقين يا أمي بعض هذه العناوين تشير إلى الـــبرازيل ، و   اإلمارات •• استراليــا و بعضها في األردن و في ليبيا و بعضها في الكويت و

:تنهدت األم و قالت

اآلن أصبح لديكم عنوانا جديدا في السعودية يا أبناء فلسطين •• أغلقت و   :تنهدت و قالت باسمة ريم األوراق و

أراسلهم جميعا و أرسل صورنا إليهم و عنواننا و أطلب إليهم سوف   ••شيء عن حياتهم لنا لنعرف عنهم المزيد إرســـال صـــورهم و كل

: و قال قاسملماذا تأخرتم حتى أعطيتمونا هذه العناوين يا أمي ؟  

:هزت األم رأسها و قالت

بـــدورهم كان البد أن الحياة تالهي يا أوالد جهـــاد ، أال تعـــتقدون أنهم   :يبـــحثوا عنـــكم و يعرفوكم ؟ قالت ريم بتسامح

: ألحدنا أن يبادر على أية حال يا أم قاسم •• قالت األم البد   مبلغ صغير من نعم ، و ال تنسوا في خطاباتكم أن تذكروا الوضع االخير ،  

و المال يرسله أحدهم إلى أهله ليساعد ابنتهم على التعليم لن يؤثر عليهم : سيساعدنا كثيرا •• قال قاسم بغضب

: أتريدين منا أن نشحذ يا أمي ؟ قالت األم بسرعة   المبلغ إال على سبيل السلفة طويلة ال يا بني •• ال سمح الله •• ال تطلبوا  

للتعليم •• أما شحاذة فال •• األجل ، اطلبوه بنفس عزيزة ، و قولوا أنه هام :نهض قاسم غاضبا و لم يقتنع و قال

Page 75: رواية لاجئة

:لن أكتب شيئا •• فقالت األم لريم أنا  

أنت يا ريم •• ما رأيك ؟ ربتت ريم على األوراق و حالة من السعادة و   : تفارقها رغم غضب أخيها و قالت الغامضة لم

أنا سأكتب إليهم يا أمي سأكتب لهم كل شيء عنا ، كل شيء حتى ما   حدث اليوم ، ليس لكي أطلب نقودا و لكن لكي يعرفونا أكثر و نعرفهم أكثر ،

بادر أحدهم دون التصريح بالطلب بالتطوع و بذل المعونة •• السلفة و ربما : األم على كتف ريم و قالت لها باسمة التي نريد •• ربتت

، و معها وفقك الله يا ابنتي •• *** عندما اختلت ريم بنفسها في غرفتها   األوراق األثيرة •• عادت تتصفحها و تعد األسماء المكتوبة فوجدتهم ثالثة و

: ثالثين اسما و عناوينهم واضحة تماما في كل بقاع األرض ، حدثتهم قائلة ؟ و هل سوى اللجوء يمكن أن تراكم أيضا تحملون وثائق سفر لالجئين   

لكم المال الوطن تكونوه ؟ أنتم مثلنا مهما علت الفروق بيننا ، لن يحمل تشعرون الذي تركتم و لن يقدم لكم األرض التي إليها تنتمون •• ترى هل

بما أشعر به ، هل تعرفون معنى عدم االنتماء ألرض ، االنتماء األبتر إلى خريطة قديمة تتوسطها عين دامعة ، االنتماء األعزل إلى أخبار ال تستغرق

نشرات األخبار عن أرض يموت أبناؤها و تولول عليهم سوى دقائق في رغم األسرة بالتمزق و الشتات •• و لما النساء •• هل أنتم مثلي تشعرون

و يغني أبناؤكم نشيد العلم ال و أنتم تحتفلون بأعياد رسمية لشعوب أخرى ، عيون من في الصباح لراية اخرى ، و تخفون جنسياتكم عندما ترون في

حولكم بوادر نفور ، و ربما مثلنا تتكلمون لهجة أخرى ••ماذا بقي من فيكم ، و ماذا بقي من فلسطين فينا •• شتات و لجوء •• هل هو فلسطين

قدر أبدي ؟

البـــد أنه مشتـــاق تنهدت و شرعت في الكتابة لعمها عمر ، هو األكبر و أن يقدم ألخيه و ألسرته و يريد أن يعرف عنهم كل شيء و ربما استطاع هو

وفاة إليها المعرفة التي تنشدها حول الباقيين ، لما ال و هو كبير االسرة بعد أبيه و األخ االكبر ، كما أنه يعيش في األردن و ما زالت ذكرياته طازجة عن

:الوطن الذي تريد أن تعرفه عن قرب ••كتبت تقول

فلن يكون أبدا مثل عمي الحبيب ، سوف تفاجأ كثيرا حين تقرأ هذا الخطاب ، أي خطاب قرأته في حياتك ، إنه خطاب من لحم و دم تكون و نما و شب

دون أن تعرف عنه شيئا ، خطاب من كائن ينتمي إليك انتماء� كبيرا ، لكنك ال أنا ريم ، أبنة اخيك جهاد ، هل تذكره ، ذلك الشاب الذي افترق عنكم تعرفه ،

عشرين عاما ، حمل في قلبه الكبير الوطن غصة و األهل شوق منذ أكثر من زلت تتذكر هذا األخ البعيد ، هو مازال يذكرك ، ال ينتهي و سافر ، هل ما

كل شيء إال القليل ، و مازال يحمل طحنته الحياة و عصرته و لم تعطه من تتركه يوما و إن تضاعفت روح المقاتل ، و مازال يناضل و يصارع غربة لم

، في عليه •• غربة مازلنا نلمسها في ارتجافة شفتيه عندما يتذكركم

Page 76: رواية لاجئة

ارتعاشة أهدابه تخفي دموعا التسقط حين يقتله الحنين اليكم •• إنني ابنته يا ••عمي

طيف ، اسم و عمي •• وما أجمل هذا النداء و ما أقساه حين أوجهه إلى عنوان ، ثم ال شيء •• لذا أرسل إليك هذا الخطاب ، من أنت يا عمي ، ما

شكلك ، من هم أوالدك و كم عددهم ، هل ترى جدتي ، كيف حالها ، مااآلن عمرها ؟ شكلها ، كم بلغ

••و أما عنا فإننا

حلمها و مضت ريم تقص موجز أحوالهم ، كل شيء عنهم و كل شيء عن الذي سيضيع •• و عندما انتهى الخطاب ، و أغلقته •• نظرت إليه •• و

السرير و نهضت ، كان في قلبها شرخ تعاظم مع كل سطر كانت تركته على المريع بالخوف فتعالت دقات قلبها ، اعتصرت األوجاع تكتبه ، غلبها اإلحساس

و خرجت متوالية سريعة غاضبة محتجة روحها فترجمت الدموع نص العذاب ، متى يخرج ، حكم معلق ، كانت ريم تجوب الغرفة ، كالسجين الذي ال يعرف

توجـــيه الـــلوم عليها باللجوء منذ سنين و ال تعرف متى ينتهي ، كانت تــريد و صب الغضبة على أي شيء ، أي شيء يكون السبب فيما تشعر به ، أي

••شيء يمكنها أن تمزقه إربا لتنتقم ، لتريح روحها المعذبة ، أي شيء

قبل أن تتمكن من جرس الباب الذي كان يدق متواصال نبهها من حالتها ، و مسح دموعها و تهدئة نفسها وصلتها أصوات تبينت فيها صوت أمها و صوت قاسم و صوت سعيد •• حاولت ما وسعها أن تكفكف الدموع و تزيل آثار

وجهها االبتسامة التي كانت قبل أن تدخل غرفتها و تكتب الحزن و تعيد إلى توجهت فورا إلى المطبخ ، شربت ماءا باردا ، خطابها ، خرجت من غرفتها و

أمها و أخيها ، كانت تبدو على و توجهت إلى الصالون حيث جلس سعيد مع إليها بمجرد دخولها مالمحهم جميعا أن الخبر قد انتهى لدى سعيد ، نظر

قبل الحجرة ، و كان أول من لمح بعين خياله أنهار الدموع التي انسكبت :قليل ، قرأها من عينيها ، عرف وجع قلبها و تمنى لو يحتضنها مواسيا ، قال

••إلى الجامعة لتألفي الجو ريثما نتدبر االمر أقترح أن تذهبي غدا   

••هزت رأسها رفضا و لم تسعفها الكلمات و ظلت صامتة

:عاد يقول برفق

البد أن تذهبي ، ال تفوتي الفرصة ، و المشكلة سنجد لها الحل •• لكن   تهز رأسها نقلت إليه الرسالة ، نقلت إليه السؤال ، نظرت إليه و بدون أن

:أرضا و قال نقلت إليه الوجيعة •• أطرق ببصره

Page 77: رواية لاجئة

أعرف أن هناك مصاريفا ، لكنني لم أسأل عن مقدارها ، أنا المذنب كنت   :•• قالت األم

:ذنب لك يا أستاذ سعيد ، إنها إرادة الله و قال قاسم حانقا ال  

لماذا نفقد الحلم في كل مرة نشعر أننا أمسكنا به ، لماذا نعيش الخوف و   أننا في طريقنا لألمان ، لماذا يسرقون الفرحة كلما ارتسمت كلما أحسسنا

لماذا نحن بالذات •• رفعت إليه ريم عيونها و قد ابتسامة على وجوهنا ، :قالت بصوت خرج مهزوما محشرجا عادت رغما عنها تمتليء بالدموع و

بدأت الننا الجئين يا أخي •• ران صمت على الجالسين قطعته ريم و قد   : دموعها تزحف سراعا مجددا قائلة

أن نحلم ، ألننا الجئين يا قاسم فليس من حقنا أن نتعلم ، ليس من حقنا    ••ليس من حقنا أن ننتمي ، ليس من حقنا أن نعيش

:هزت رأسها ألما و قامت فأمسكت بكتف أخيها و صاحت

تضعف هكذا ، ال تجعل اليأس يجز أملك و ثقتك بالله ، البد لهذا الحال ال   : واثقة إنه سيتغير •• و بهدوء قالت أن يتغير ، أنا ••سيتغير يا أخي سيتغير  

:جلس قاسم مهزوما على األريكة بجوار سعيد و قال

طيلة الوقت كنت أفكر إن كان حقا سيتغير ، إن كانت المعجزة يمكن أن    فسألت نفسي ، لماذا أذاكر ، لماذا أنجح في كل عام ، لماذا تتحقق ، و عدت

الدرجات النهائية في شهادتي ، بماذا سيفيد كل هذا إذا يحرص أبي على رؤية محتوم ، نحو ظلم مفروض ، نحو واقع ال يقبل كنا في النهاية نسير نحو قدر

••التغيير

: نظر إلى سعيد و كانت عيونه مليئة بالدموع و قال و هذا واقع لن يتغير ، و لن يكون يوما نحن فلسطنيون يا أستاذ سعيد ،  

في طريقنا ، لن يغيره أن في مصلحتنا ، سيظل طوال الوقت العقبة الكؤد نمش على أرضها أو اقسم لهم أننا لم نر بالدنا ، لم نتكلم لغتها يوما ، لم

: بهدوء نستحم في بحرها •• و قالت ريم و كأنها تكمل حديث أخيها و لكن الشوق دوما ، و يغلبنا الحنين قهرا ، و تعصرنا الغربة و لن يغيره أننا نعيش  

يرى اآلخرون جرحا بطول العمر فينا انطبع عصرا ، لن يغير هذا الواقع أن :منبها في مالمحنا و وسم قلوبنا •• و قال سعيد

لن يغير هذا الواقع احتجاج ، أو صراخ ، لن تغيره دموع أو صياح ، تغييره و    ، منكم و إليكم ، كفى يأسا يا ريم ، وأنت يا قاسم ، لم كل هذا فيكم ، بكم

عمارة الكون ، و البد من مخرج ، و كما عرفت ما كنتم القنوط ، لم تنهدم

Page 78: رواية لاجئة

سأعرف ماال تعرفونه عن الحلول التي اتبعها تجهلونه عن تعليم الفلسطنيين الذين تواجهون هذا األمر ، و ربما غيركم فالبد أنكم لستم الوحيدين في مصر

•• نجد حال األم و كانت لهذه الكلمات وقع السحر في نفوس الجالسين •• ابتسمت   

:قالت

يخليك يا أستاذ سعيد يا رب و نظرت ريم إلى قاسم ، و نظر هو إليها ، ربنا   فمسح دموعه و ابتسم كالهما و نظرت ريم إلى سعيد ، مسحت دموعها ،

االمتنان التي ال تملك أن تهديه سواها نظرة االمتنان التي يعشقها ، نظرة : فقام نشيطا ، سعيدا و قال بحماس

••باألخبار كلها من الغد سأسأل و أعرف وأوافيكم  

:أومأت ريم برأسها موافقة ، و نهضت األم قائلة

••يمكن أن تخرج قبل أن تشرب شايا ، انتظر سأصنعه لك ال  

: و نهضت ريم و قالت :انتظري يا أمي أنا سأصنعه •• و قال سعيد  

شكرا ، ال أريد شايا ، أريد لوسمحت •• ابتسامة •• و ابتسمت ريم •• ال  ••

Page 79: رواية لاجئة

الذي ال تقف أصبح سعيد في حياة ريم هو الحل لكل مشكلة ، و هو البطل في طريق تصميمه عقبة ، كانت تشعر تدريجيا أنها تسلم إليه طوعا قيادة دفة حياتها ، في الواقع كانت تريد أن تسلم هذه القيادة إلى أحد ما ، كان

دائما هو هذا األحد و لكن بسفره و ذلك الفراغ الذي تركه كان البد لمن أبوها يمأل جزء منه ، و كان سعيد هو المستعد دوما لملء هذا الفراغ يملؤه أو حتى

على منحه الثقة مطـــلقة ، تشـــعر أن عــهدا و ، باتت تشعر أنها قادرة ليكــون هذا الشخص تحـــديدا هو منقــذها و رباطا بينهما مختوم منذ األزل

حامــيها ، و ماذا بعد ؟

في يده دائما حلول سألت نفسها مرارا إن كان تعلقها بكلماته ، وثقتها بأن من مشكالتها هو الحب الذي يتحدث عنه الناس ، و تنتظره سوسن و يتأوه

أجله المغنون و المغنيات •• لكنهم يتحدثون عن لهفة االنتظار في غياب ال تشعر بهذه اللهفة ، يتحدثون عن األحالم التي يسكنها الحبيب الحبيب و هي

رغم وجوده المكثف في حياتها ، يتحدثون عن جمال و هي لم تحلم به ليلة لم تشعر للحظة أن مشكالتها الكون حين يكون الحبيب مع حبيبه و هي

كانت موقنة به تمام اختفت و أن بيتها تحول إلى بستان حين رؤيته •• كل ما كان هو الوحيد اليقين ، أنها إذا احتاجته وجدته ، و إنها إذا ألمت بها مشكلة

يستطيع الذي يخطر ببالها عندها ، و أنها أصبحت في داخله التزاما حتى هو ال ــ إن أراد ــ أن يخلعه عن نفسه ، لسبب تجهله و تعتقد أن حتى سعيد نفسه

••يجهله ، كانت تشعر بهذا و ال شيء غير هذا

يطالع وجه ريم ووجد سعيد الحل كما وعد ، حمله ابتسامة في عيونه و هو و التي فتحت له الباب بنفسها هذه المرة ، قرأت في عيونه أن الفرج قريب :عندما تحدث كان الفرج ليس ببعيد و إن لم يكن بكل القرب الذي توقعته

في الواقع حالن ، أوالهما إدارة الوافدين ، و عن طريقها يمكن حذف هما   خاصة و األم مصرية ، و الحل الثاني مكتب المنظمة و أو تخفيف المصاريف

•• هم المصاريف نيابة عنكم عن طريقه يمكن تقديم طلب ليدفعوا : تساءلت األم

وما مكتب المنظمة ؟   : فقال األستاذ سعيد

بمثابة القائم بأعمال الجالية مكتب منظمة التحرير الفلسطينية ، إنه   الطالب الفلسطنيين الفلسطينية هنا و بسؤالي _ _ عرفت أن كثيرا جدا من

•• تعلموا عن طريقه : قالت ريم

•• فيها لكنها كما تقول طلبات و قد تأخذ وقتا طويال لحين البت   : قال سعيد

فكرت في هذا األمر و لدي حل له ، زيــارة إلى عميـــد الكلية لقد   المالبسات و نتعهد بدفع المصاريف على أن يتم نشـــرح فيها الظروف و

Page 80: رواية لاجئة

تواظبي على الحضور و ال تدخلي اختبارك و تلتحقي بالقسم الذي تريدين و : ممتنة و قالت االمتحان إال بعد دفع المصاريف •• نظرت إليه ريم

••كل شيء لقد فكرت في   

•• نكس رأسه و قال بهدوء يحدث فجافاني النوم ليلة البارحة ، لم أستطع النوم ، اعتدت على أمر لم   

•• و استحوذ علي التفكير : فقالت األم باسمة   

تطلع سعيد إذن الفضل في هذا التفكير الشامل هو األمر الذي لم يحدث ؟   و إلى ريم و سألتها عيونه :" لماذا لم يحدث ؟" و أجابت عيونها :" كنت متعبة

"حزينة " فقالت عيونه :" ألست واحتك حين يقسو عليك الوجود ؟

••أشاحت بوجهها و لم تعط له الفرصة ليقرأ رد عيونها

:قالت

لكن أستاذ سعيد ، أليس من المحتمل أن يرفض عميد الكلية هذا الطلب و   : ؟ أجاب

البقاء في المنزل و انتظار حل غيبي لن نخسر شيئا ، لقد كان ما أمامنا هو   قد تقدم حال جذريا فلم ، و اآلن أمامنا فرصة قد تنجح ، و محاوالت أخري

: القلق ؟ قالت األم تحــاولين البأس ، غدا إن شاء الله نتحرك ، تذهبين يا ريم إلى الكلية و  

باعتباري مـــقابلة العميد و شرح ظروفك له ، و أذهب أنا إلى إدارة الوافدين األم المصرية التي تريد تعليم أبنائها ، و أما مكتب المنظمة فليكن خطوة

:مشتركة بيننا بعد غد إن شاء الله •• قال سعيد

أصحبك يا خالتي إلى إدارة الوافدين ، أعتقد أن ريم بامكانها أن سوف   :بنفسها أمام العميد •• قالت األم تعبر أفضل عن نفسها

يا بني يكفيك األجازات التي أخذتها من عملك حتى اآلن بسببنا ، وفقك ال   خير الجزاء ، صف لي فقط المكان و سأذهب اليه بمفردي الله و جزاك عنا

•• المحاماة لي و أنا حر أوال يا خالتي لم آخذ أية اجازة من عملي ، مكتب  

حتى تشكريني في الذهاب أو ال ، و ثانيا ، ليس بيننا هذا القدر من التكليف على أداء واجبي ، أم أنك مازلت تعتبرينني غريب ؟

األقرباء ، و لكن •• و حسمها سعيد ال يا بني ، بل إنك أفضل من كثير من   تدعو له ، فيما قالت ريم كعادته ، كلمته كانت األخيرة ، ووافقت األم و هي

: لنفسها ••هذا هو سعيد الذي أعرفه  

Page 81: رواية لاجئة

أبدا أن تمر فيه بكل ما و كان اليوم التالي يوما حافال لريم لم يخطر ببالها توجهت صبيحته مرت و ال أنها ستتعلم منه أهم درس لحياتها العملية ، فقد

هنـــاك لمقابلة العميد و انتظرت ساعة حتى سمح لها السكرتير بالــدخول و وقفت أمامـــه حائــرة من أين تبــدأ ؟ و تبخرت كل الكلمات التي ظلت

الليل ترددها و تحفظها و تختار أكثرها وقعا على النفوس ، استمهلها طوال لتستجمع قواها و عندما تحدثت فوجئت بحديث ال يشبه ما سبق العميد لحظة

مباشرا و صريحا و مختصرا و بال مقدمات ، شعرت و أن أعدته ، حديثا كان :الطويل لذا فقد قالت أن وقته و هيبته ال تسمح لها بالسرد

سيدي العميد ، أنا طالبة فلسطينية ، أريد أن أتعلم لكنني ال أملك في    ••مصاريف التعليم التي تطلبونها الوقت الراهن

: تطلع إليها العميد مليا ثم قال برفق القوانين و األنظمة ، و ال أملك حتى أنا نحن ال نطلب شيئا يا ابنتي ، إنها  

بهدوء حذر ، خوفا من أن تسبقها العميد الغاءها أو التعدي عليها •• فقالت : دموعها كالعادة

••ال أريد الغاءها ، أريد فقط تأجيلها   

دموعها التي تحذرها قد تطلع إليها بوجه ال يحمل تعبيرا و هز رأسه و كانت : خانتها فسقطت بمجرد أن نطق العميد بالرفض

هذه هي المرة االولى التي ال استطيع •• شعرت باالنكسار ••و كانت   تنطبق الجدران و تشعر باالنكسار فيها ، شعور عميق يشبه أن تميد االرض و

و لم تتعمق المهانة و الشعور بالخذالن ، شعرت أنها قالت كل ما استعدت به يستجب لها ، شعرت أنها أهرقت ماء وجهها و لم يلتفت إليها أحد ، كانت

األولى التي تطلب شيئا و هي تشعر أن ما تطلبه إن تمت تلبيته المرة انكسارها في تلك اللحظة كان يعني تضاؤلها •• سيكون من قبيل اإلحسان

العميد دموعها ، التفت إلى اوراق أمام نفسها حتى االختفاء ، عندما لمح :أمامه و قال لها

••المقابلة انتهت   

الخوف و الذل خرجت من عنده بأقدام ال تعرف كيف حملتها ، و برأس يهدر فيها و بعيون تدور و تمطر بغير أنقطاع ، خرجت بقلب مكسور •• مكسور ، كانت تستــند على الجــدران و تتعثر في خطوها ، لمحها السكرتير و قد كان

فعرف ما أجيبت به •• ظلت عيونه ترقبها و هي تسير ببطء يعرف طلبها لذا استمهل الدكتور طارق الذي دخل في كان يتوقع وقوعها في أية لحظة

لينبهه أن شيئا ما سيحدث اآلن ، و هذه اللحظة لمقابلة العميد و أشار إليها أسود يزحف بسرعة حدث بالفعل ما توقعه ، للحظة شعرت ريم أن ظالم

، و شعرت أن نافورة دم تدق جمجمتها تريد أن تكسرها ، و في رأسها شعرت باألرض تميد بها فسقطت مغشيا عليها •• عندما أفاقت ريم وجدت

Page 82: رواية لاجئة

صغير ، في حجرة ضيقة بها طاولة وحيدة عليها بعض نفسها على سرير ، حاولت استجماع قوتها للنهوض لكنها المعدات الطبية ، كانت الغرفة خالية

تساءلت عن مكانها و لم تستطع و اكتشفت أن محلول معلق لتغذيتها ، تذكرت ما حدث لها ، تذكرت فأسقطت نفسها على الوسادة مجددا و

••شرعت في بكاء صامت

:بادرها لم يطل األمر فقد دخل الطبيب و معه الدكتور طارق و

هي طالبتنا قد أفاقت •• نظرت إليه و لم تستطع الرد بسبب العبرات ها  :المتعب ، و تحدث الدكتور طارق فقال التي سكنت حلقها

هنا في عيادة الجامعة ، نقلناك قبل قليل ، يبدو أنك متعبة •• لماذا أنت   كنت بهذا التعب ؟ جئت اليوم إذا

رسغها و عد مرة أخرى لم تستطع الرد ، فجلس الطبيب بجوارها و أمسك نبضاتها ، ثم أقفل علبة المحلول المعلق و انتزع الحقنة المغروسة في

: أوردتها و قال اآلن أحسن حاال ، امسحي دموعك و اشربي هذا العصير و اطمئني ، إنك  

كأس عصير بارد ، مدت يدا مهزوزة و استلمته ستكوني بخير •• بعدها ناولها األولى وضعت الكأس و قالت بصوت و شـــــكرته بعيونها ، و بعد الجرعة

: ضعيف الدكتور الحمد لله ، أنا اآلن احسن حاال ، أشكرك •• أشار الطبيب على  

:طارق و قال

••الدكتور طارق ، أستاذ في الجامعة ، هو من حملك إلى هنا   

:نظرت إليه امتنانا فقال مبتسما

••خفيفة على أية حال أنت   

: ابتسمت عيونها المبللة فقال األستاذ : قالت أنت طالبة مستجدة أليس كذلك ؟ تنهدت و  

: و عندما عرف الموضوع ابتسم و قال كنت •• و سألها فاجابت   اعتقد سوف أساعدك يا ريم ، سأذهب الى العميد و أشرح له الموقف و  

••أنني سأتمكن من اقناعه •• انتظري هنا

تريد المزيد من انصرف قبل أن تتمكن ريم من استيقافه أو منعه ، هي ال : الذل ، يكفيها ما حدث •• لكنه ذهب ، و حاولت النهوض ، فقال الطبيب

طارق إذا قال فعل ، و هو صديق الطالب ، على أقل من مهلك ، الدكتور    السن ، لكنه نابغة و لــه حــس يعتبرونه واحدا منهم ، كما ترين هو صغير

••بالناس أيضا فني راق اكــثر مما تتوقعين •• و لعل هذا سر إحساسه

Page 83: رواية لاجئة

تسوية هندامها أومأت برأسها تفهما و أكملت نهوضها و قبل أن تنتهي من سمعت ضجة خلف باب العيادة و فتح الباب فدخل ثالثة من الشباب يحملون

شابا مصابا ينزف الدم من رأسه ، أسرعت ريم مبتعدة عن الفراش ، تحدثوا معا ليشرحوا ما حدث ، فلم تفهم منهم شيئا و فارقدوه عليه و

يقولون و اندمج سريعا في عمله يعاين الجرح و الطبيب بدوره لم يلتفت لما : هو يردد

طيشك ، إلى متى ستظل أرعن يا أحمد ، متى تتخلص من رعونتك و   ناوليني القطن يا ريم •• لم تتوقف ريم أمام الطلب الغريب و ال لهجة األمر التي تحدث بها الطبيب و أسرعت فورا لتلبية طلبه فتراجع الشباب للخلف

:فقال الطبيب

خرج •• اخرجوا جميعا ، سيكون بخير مجرد جرح بسيط ، هاتي ماء� يا ريم   الشباب و أحضرت ريم الماء ، أعطته للطبيب الذي بدأ يغسل الجرح و الدم

أحمد بسرعة و دراية ، ثم طلب من ريم عدة طلبات حتى انتهى و عن وجه كان أحمد في كل هذا صامتا مستسلما ليد قد غطى الجرح و عــقمه و

للحظة ثم يعود للصمت ، و عندما الطبيب و لتقريعه له ، ال يفعل إال أن يتألم :انتهى الطبيب نظر أحمد إلى ريم و همس للطبيب مبتسما

هي ؟ نظر الطبيب إلى ريم و فجأة اكتشــف أنه استــعان بها في من  : فابتسم و قال عمله دون أن ينتبه ،

آسف ، هل أزعجك العمل معي في عالج هذا األرعن ؟ ريم •• أنا   

: هزت ريم رأسها و ابتسمت و هي تقولأني استطعت المساعدة ال ياسيدي الطبيب ، بالعكس لقد أسعدني   

: قال الطبيب و هو ينهض لتحيتها ال أدري كيف قبلوه فيها و هو ال هذا أحمد ، سيد الطيش في هذه الكلية ،  

يضربوه •• قال يملك أي حس فني ، مهارته كلها في أن يضرب الناس و : أحمد

دكتور سامي ، لقد اوسعتني تعنيفا منذ دخلت كما أنك قدمت كفى يا   :تقدمها لي ، فهال فعلت ؟ فقال الدكتور تعريفا مغلوطا لآلنسة و لم

••نفسك له يا ريم ، فلن يهدأ حتى يعرف قدمي  

ما حدث معها و تقدمت ريم باسمة منه و قالت له اسمها ، وشرحت أيضا أخـــبرته اليوم و ظروفها ، كانت تتحدث معه بطالقة عجبت لها ، حتــى أنها

رغم بمــشاعرها أثناء لقاء العميد و بعدها و هو األمر الذي لم تخبر به طارقا تحمسه لها ، استجابت لردوده المرحة فابتسمت و شعرت أن الموقف لم

:هذا العناء و عندما ضحك أحمد و هو يتحسس جرحه و قال يكن يستحق كل

Page 84: رواية لاجئة

تعتادين على مواقف الطلب و الصد و الرفض أو القبول ، إنها سوف   تدخلينها للمرة االولى فحاولي أن تكوني أقوى •• عندما الحياة العملية التي

مشاعر الهزيمة داخلها ، و شعرت بالتفاؤل و قال هذه العبارة تالشت تماما تريد و عليها أال تستسلم لكل شعور قررت انها البد أن تقاتل لتحصل على ما

الكلمات فبادرها مبتسما و هو بالحزن قد تجده في نفسها ، قالت ألحمد هذه : يحاول النهوض

:أحسنت •• أوقفه الطبيب و قال  

قبل أن تكمل محلول ريم ، سأبدل الحقنة و أغذيك بما تبقى فلقد ليس   أحمد للطبيب و هو ينفذ ما قـــال و نظــر للمحلول نزفت الكثير •• تطلع

:قال باسما الــذي يقــــطر ببطء في أوردته و

بيننا محلول يا ريم ، صرنا ع�شرة !! طرق الباب و دخل الدكتور طارق اآلن   : عندما رأى احمد قال الغرفة مبتسما و

: هذا أنت ، كم طالبا ضربت اليوم ؟ قال أحمد •• آه   شج مظلوم و الله يا دكتور طارق ، لقد اصطدم رأسي بحاجز الشرفة و  

كما ترى دون قصد ، و في الحقيقة فإنني كنت متجها لضرب سمير لوال هذا : الصغير •• التفت الدكتور إلى ريم و قال لها الحادث

لرئيس أبشري يا ريم ، لقد تحدثت مع العميد و أقنعته فطلب أن تقدمي   شئون الطالب طلبا تتعهدين فيه بعدم دخول االمتحانات النصف سنوية ، أو

••النهائية ، إال بعد دفع المصاريف ، و سيعتمد الطلب بمجرد إحالته إليه

؟ حقا   

كأن االيام زغردت الفرحة في عيون ريم ، و شعرت بسعادة فائقة ، و ستصالحها ، شعرت بألفة قوية مع هذا المكان و هؤالء األشخاص الذين أحاطوها باالهتمام و فرجوا كربتها ••لم تستطع الكالم ، اكتفت بنظرات

نظراتها للجميع فبادلوها ألفة و مودة و ابتسام •• أخفى االمتنان ووصلت أمتعاضا يشعر به منذ أن بدأ الحديث مع العميد الدكتور طارق خلف أبتسامته

نظرة متعنتة غير قابلة للمرونة ، حاول •• فوجيء تماما بما لدى العميد من موضوع المصاريف بالتأجيل ، أقناعه بأن الطالبة مقبولة و يمكن التصرف في

:فقال العميد

� للمحتاجين و   •• لماذا تدرس إن كانت ال تملك ؟ نحن لسنا ملجأ •• لكنها ال تطلب صدقة •• تطلب تعليما  

أولى بمقعدها طالب مصري •• صاح •• ليس من حقها •• أنها فلسطينية   : الدكتور طارق غير مصدق ما يسمع

يعرف التاريخ لعذرناه ، و لكنك أنت ما هذا المنطق ؟ لو تحدث به شاب ال   : على الفور سيادة العميد ، هذا أمر ال يصدق •• فقال العميد

: التاريخ •• فقال الدكتور طارق بلهجة قوية هذا ألني أعرف  

Page 85: رواية لاجئة

لمجــرد و التاريخ لن يغفر لك أنك حرمت طالبة عربيـــة من التعلـــيم    أنها فلسطينية •• و يوما ما ستكبر ريم و يصبح لها صوت ألي سبب و عندما

••يسألونها عن نقطة السواد في حياتها فستذكرك أنت

مــدير شئــون الطالب لم تعد ريم إلى منزلها إال بعد أن قدمت الطلب إلى عندما بعد أن كتبته و نسقته بمساعدة الدكتور طارق و الطالب أحمد ، و

استلمه الموظف و كاد يرفضه هاتفه الدكتور و أبلغه أمرا فقبل الطلب على وأعطى موعدا لريم بعد ثالثة أيام لمعرفة الرد •• و في المنزل كانت الفور

عن دمــاثة أخـــالق سعيد و وقـــوفه الـــكبير بــجانبها و االم تتحدث لريم تذليــل كافة الــعقبات أمام تقديم الطلب إلى مساعدته الكبيرة لها في

:األدارة و كانت تقول

تعرفين الروتين الحكومي ، و الشروط التي يجب أن تستوفى و صـورة    عقد الزواج ، و غيرها من أمور ال أحد يعلم غير الله ماذا جــواز الــسفر و

يكن سعيد معي ، ناهيك عن أني وجدت من كنت سأعمل إزاءها لو لم بالخارج •• حتى أنني صحت تخبرني أن الطلب لن يقبل ألن الزوج يعمل

••فيها ان تكف و

: الحظت األم أن ريم كانت تستمع بنصف تركيز فقالت لها تفكرين فيما حدث مع العميد اليوم ؟ هزت ريم ما بك يا ريم ؟ هل مازلت  

: رأسها و ابتسمت ألمها لطمأنتها و قالت تعبير جميل قاله أحمد ففتح لي عالم جديد ، بل أفكر في أمر آخر يا أمي ،  

•• و قدم لي رؤية جديدة للحياة تستخدم نفس عبارة أحمد ما أي تعبير هذا ؟ قالت ريم و هي تحاول أن  

: استطاعت لقد قال لي :" سوف تعتادين على مواقف الطلب و الصد و الرفض أو  

القبول ، إنها الحياة العملية التي تدخلينها للمرة األولى فحاولي أن تكوني تعرفين يا أمي كم أنني كنت غائبة عن هذه الحقيقة ؟ هزت األم أقوى" هل

:رأسها و قالت

طبيعي إن الوضع اآلن اختلف ، و إن االمور ال تؤخذ بكل هذه أمر   فيما قاله من أن الحياة العملية ستعرفك و تريك الحساسية ، و صدق أحمد

الحياة العملية الكبرى بالعمل و الزواج ما لم تكوني تعرفي ، و عندما تدخلين •• ستنفتح أمامك عوالم أخرى ما زالت مغلقة

و كبرت فجأة ، أحسست بأنني أتلمس شعرت يا أمي كما لو كنت صغيرة   هذا المعطف المستكين و عالما جديدا بروح قديمة ال تحتمله و البد من خلع

و اإللحاح و ارتداء المعطف الواقي ، معطف نسيجه من الالمباالة ، و الصبر التملق و القــوة ، و ال أدري بالضبط يا أمي إن كان المعطف الجديد

سيناسبني أم أنني سأبدو فيه غير ما أنا ؟

Page 86: رواية لاجئة

:قالت األم

ألي الناس تبدل معاطفها تبعا للظروف ، و لكن الناس ال تبدل نفسها   سبب ، و إذا كان تبديل المعطف ضرورة للتعامل مع الحياة الجديدة ،

الحرص على آال يطال التبديل و التغيير روحك أيضا •• تطلعت فاحرصي كل عظيمة قالتها ، و تعبير جميل استخدمته ، لكنه درس ريم إلى أمها •• حكمة

••و ألبسها ثوبا كانت غير مستعدة الرتدائه ثقيل تعلمته ، حملها تبعات كبيرة

مكتب المنظمة ، و صبيحة اليوم التالي ذهبت ريم بصحبة أمها و سعيد إلى سعيد و مضى وقت طويل فيه استغرق كل تفكير ريم و انتباهها ، فلم تالحظ

هــو يحوطها بــنظراته و اهتمامه في كل خطوة ، و بدت االجراءات طويلة و ساعات االنتظار مملة ، و في النهاية عندما تم تسجيل الطلب ، كانت الساعة

على الثانية بعد الظهر ، عندها فطنت ريم إلى أن سعيد لم يذهب قد شارفت معهما كل هذه الوقت ، نظرت إليه بعد أن عرفت إلى عمله ، و أنه بقي

: الساعة و قالت ، أنت لم تذهــب إلى عملك ، البد أستاذ سعيد ، لقد ظلـمناك معنا اليــوم  

: أن أمورا كثيرة تعطلت بسببي ابتسم سعيد و قال :سعيد ألنني معكما •• ابتسمت و قالت ال داعي لتحميل نفسك ذنبي أنا  

أنت سعيد ألن أباك سماك هذا األسم ••!! فوجئت ريم بتعليقها كما ال   أكثر منه ، فها هي المرة األولى التي تخرج فيها عن فوجيء سعيد ، و ربما

إلى منطقة لم تكن تتوقع يوما أن تدخلها نطاق الحديث الجاد معه ، و تدخل مشبعة بــروح المرح رغم معه ، هكذا بمنتهى البساطة وجدت نفســها

فقد كانت عبارة اليــوم الحار و االجراءات الطويلة ، و ربما لم تالحظ األم إنهيار قصيرة ، إال أن وقعها في نفس سعيد كان عظيما ، كان يعني له بدء

جبل الجليد الذي يتعامل من خالله معها ، فرغم االبتسام الليلي المتبادل إال أنه لم يسمع منها يوما عبـــارة تنبيء عن الحميمية ، أو تخبره أنه صار قريبا

لذا تسمرت عيونه عليها ، تنازعه آالف الرغبات في أن يضمها شكرا منها ، المرحة على قصرها ، و بدورها سكتت ريم ، و لكن ما كان على هذه العبارة

كان يظنه سعيد ، لقد شعرت في هذه يعتمل داخلها مختلف تماما عما جميعا و ليس مع سعيد فقط ، اللحظة بانهيار حائط الحذر بينها و بين الناس

شعرت أخيرا شعرت أنها تحررت من لجام حديدي كانت تلجم به نفسها ، و باالمتنان ألحمد ، ذلك الشاب الذي رأته لمرة واحدة فأستطاع أن يغير فيها الكثير لذا ابتسمت ، ابتسم الجميع و لكن افكارا مختلفة كانت تسبح في

••ربما في قلوبهم أدمغتهم ، و

ذهـــابها للجــامعة كان يتعين على ريم أن تستيقظ مبكرا صبيــحـــة يوم الثامنة و لتعرف النتيجة ، و لكن االم فوجئت كثيرا عندما دخلت غرفتها في

النصف لتجدها غارقة في النوم ، كانت تبدو هادئة و بدت ألمها في تلك اللحظة راضيــة ، هكذا استشعــر قلب األم و قلما يخطيء ، شعرت أن

Page 87: رواية لاجئة

وجه ريم قد اختفت ، و أن راحة ما تلفها في هذه تجعيدات خفية على أن سارعت بايقاظها ، هزتها برفق ، اللحظة ، ابتسمت ، على أنها ما لبثت

:ففتحت ريم عيونها بهدوء و همست و هي تبتسم

:الخير يا أمي •• ابتسمت االم بدورها و قالت لها صباح  

الخير يا حبة العين ، متأخرة اليوم ، هل نسيت الجامعة و ميعاد مدير صباح   فيها ••؟ ابتسمت ريم و تمطت بكسل و قالت و هي تنهض شؤون الطالب

:نصف نهوض

لم انس ، لكنني لست مرتبطة بموعد دقيــــق معه ، لذا فال مانع •• ال    ••أو بعد ساعة ، أو حتى بعد صالة الظهر من الذهـــاب اآلن

:نظرت إليها األم مندهشة و قالت

من عادتك مقابلة األمور بهذه البساطة ، أين هي العجلة ؟ ليس   •• العجلة من الشيطان يا أمي  

و اللهفة ؟   •• لن آخذ إال نصيبي  

و رهبة الوقوف أمام المدير و سماع صوته األجش ؟   •• لن يقبض روحي على أية حال  

للحمام و هي تقول ألمها بصوت ماذا حدث ؟ أخذت منشفتها و توجهت   : عال مرح

البطء ال شيء •• لقد بدلت معطفي •• سارت األمور على هذا النحو من   و المرح و الالمباالة حتى شارفت الساعة على العاشرة و مازالت ريم لم

: مالبسها ، نظرت إليها األم غاضبة و قالت ترتد ريم •• ليس من معنى لما تفعلينه سوى أنك تخليت عن الحلم الذي  

تغرب والدك من أجل تحقيقه •• انتبهت ريم و نظرت بدهشة المها و دق : قلبها بشدة ، همست

نظرت إلى ساعة الحائط فشاركتها ريم أبي ؟ هزت األم رأسها ، ثم   للخروج و عندما خرجت النظرة و قامت من فورها ، ارتدت مالبسها و تأهبت

: إلى أمها في الصالة قالت و هي منكسة رأسها تضحيته هذه ، و هو عهد قطعته على أمي •• أنا لم أنس أبي ، و ال نسيت  

منها األم و نفسي و لن أنكص فيه إن شاء الله ، اطمئني •• تقدمت : احتضنتها بتفهم و قالت

الكسالى الذين ال يطمئن إلى الغد إال من يخدع نفسه ، ال يطمئن إليه إال    ال موقع لهم تحت الشمس ، أما أولئــك الذين لديهم هـــدف فيجــب أن

يحاربوا الدنيا للوصول إليه ، و عندما تعتريهم لحظات فتور ، يجب أال تطول ••لن تنتظر فالدنيا

Page 88: رواية لاجئة

أمها قوية بالقدر هزت ريم رأسها إيجابا و غادرت المنزل •• كانت عبارات أحمد الذي يحتاج إلى التفكير العميق ، كانت متناقضة في مجملها مع نصيحة

لها و عندما أمعنت النظر في الموقفين و االتجاهين ووجدت أنها تركن اليهما و تكاد تكون مقتنعة بهما معا قررت أن تتخذ طريقا وسطــا يجــمعهما و معا

طريق الوصول إلى الهدف ، و عندما وصلت الى هذا القرار يمزج بينهما في وصلت إلى الجامعة ، و في طريق صعودها بعد طول تفكير كانت أيضا قد

الذي تريد وجدت من للدرجات الطويلة التي تفصلها عن طابق المكتب كان يستوقفها ، كان أحمد واقفا مع مجموعة من الشباب بنات و أوالد ، و

:يبدو عليهم جميعا األلفة و المرح بادرها احمد بصوت عال

، هذه أنت ؟ ريم   : ابتسمت و سارعت بالرد تطلعت رليه و  

•• هذه أنا •• نعم   •• على شلة الشغب الجامعي تعالي سأعرفك  

صعدت الدرجات الباقية بسرعة فأصبحت في مواجهتهم جميعا ثــالثة   شباب و شــابتين و الجميع كان يبتسم مرحبا بها ، عرفها أحمد على أسمائهم

: فورا في ذاكرتهــا و اكتفى بأن يقول عنها ، فرسخت : إليها أما هي فريم التي حدثتكم عنها •• قالت سمر و كانت أقربهن  

: انضمامك إلينا في أسرع وقت •• و قالت هدى أهال ريم ، ننتظر   ••عن نفسي سوف أساعدك بما فاتك من محاضرات ، فأنا أحسنهم خطا  

: و قال سمير : الجامعة نورت •• و قال فؤاد مرحبا يا ريم ،  

تحفزت للرد ال تبدين كفلسطينية ، إنك تشبهيننا ••!! هزت رأسها عجبا و   :فقال أحمد

: عليك ، لقد قطعت ذيلها و اقتلعت عينها الثالثة !! فقال محسن ال   بين أهلك ، لكنه ال يحسن قصد فؤاد أن يؤكد أنك صرت منا بالفعل و  

ابتسامة أمل التعبير •• ابتسمت ريم للجميع ، و كانت ابتسامة فرحة ، جديد ، و غد أفضل •• عادت تتصفح وجوههم و تستشعر ابتساماتهم المرحبة

: قلبها ، فقال أحمد فيقابلت األستاذ شاكر ؟ هل   

: هزت رأسها نفيا فقال إذن تعالي •• سارأفقك •• و عند األستاذ شاكر مدير شؤون الطالب  

سارت األمور على النحو المتوقع ، فلقد ، استمهلها لوقت ينهي فيه ما أمامه طلبها ليعطها الرد و تعمد االنشغال فترة أطول مما يجب و في و يبحث عن

: و قال من تحت نظارته النهاية مد يده بالورقة وقع عليها العميد بالقبول على أال تدخلي االمتحانات إال بعد دفع لقد  

:يدها لتأخذ الورقة فانتشلها أحمد بسرعة و قال المصاريف •• مدت

Page 89: رواية لاجئة

هو المطلوب يا حضرة المدير •• هيا يا ريم المناسبة تستحق احتفاال هذا   الغرفة ، و لم تدر ريم ماسر هذا االهتمام من أحمد صغيرا •• خرجا من

و هو يمسك بالورقة يديرها بين يديه و بالموضوع و كأنه موضوعه ، راقبته و يقول لهم و هو يهز يسير شبه راقص إلى حيث تقف شلة الشغب الجامعي

: الورقة أمام عيونهم و •• الموافقة الكريمة صارت معنا ، ريم صارت معنا قولوا مرحبا لريم  

تعالت أصواتهم بالتبريك و التهنئة و نزل الجميع الدرجات قفزا و ساروا غير معلن نحو استراحة الجامعة ، و كانت هي المرة االولى التي باتفاق

مقاعدهم حول طاولة مستديرة و صفق أحمد قائال تدخلها ريم ، و اتخذوا : للنادل

: أفضل مشروب لديك يا ولد •• فقال النادل مبتسما   :وجه جديد •• فقال أحمد  

زميلة دراسة مستجدة ، والدها في السعودية ، اخــدمها جيدا و لن بل   •• تنساك بالبقشيش

••من عيوني  

عــلى ريم الفرحة و في أجواء المرح استطاع الزمالء الجدــد أن يدخــلوا تقوم بها ، الشعــور باألمان ، و ناقشوا معها الخطوة الجديدة التي ينبغي أن

و حذروها أن من سيختبرها هو الدكتور محمد ، رجل شديد ، ينبغي االحتياط لمقابلته و حدثوها عن ماهية هذه المقابلة الشخصية و كونها ستحدد مستواها

:كانت تستطيع االلتحاق بقسم الفنون التشكيلية أم ال و علق أحمد و ما إذا

لكنني متفائل على أية حال ، فبوسع ريم أن تقنع الدكتور محمد بموهبتها و   : فقالت هدى بسرعة •• بكل سهولة

: تعرف شيئا عن موهبة ريم ؟ فرد أحمد على الفور قائال و كأنك   ••ال •• و لكنني أعرف ريم  

لمقابلته ، كانت تعرف فيما بعد ، عندما دخلت ريم إلى مكتب الدكتور محمد انتظار النتيجة أن اثنتي عشرة عينا تتطلع إلى الباب الذي دخلت منه للتو في

التي ستخرج بها ، فقد استقبلتها شلة الشغب الجامعي و اصطحبتها مع لوحاتها التي اختارتها من مجموع ما رسمت إلى مكتب الدكتور محمد و

:أن حصنوها بكل النصائح الالزمة ، و قال أحمد في النهاية تركوها تدخل بعد

على أية حال فال داعي للخوف فهو لن يقبض روحك •• وقفت أمام و   لها بالجـــلوس و شـــرع في طرح أســئلة عادية الدكتور بهدوء فأشـــار

كانت تنصب على القضية الفلسطينية و عليها ، و فوجئت أن معظم األسئلة فكانت تجيب قدر استطاعتها ، تفاصيلها و موقفها الشخصي منها و غير ذلك ،

اكتشفت هي أنها ال و إن بدا أنها في عزلة تامة عما يحدث هناك ، و بعد قليل تعرف عن قضية بلدها سوى ما يعرفه كل طفل في العالم و شعرت

Page 90: رواية لاجئة

: بالضحالة فصمتت فجأة ، ثم رفعت عيونا المعة إلى الدكتور و قالت معلوماتي عن بالدي هي مفتاح نجاحي آسفة يا دكتور محمد ، إذا كانت   

••فيه في هذا االختبار ، فالبد أنني سأفشل فشال ذريعا

: نكست رأسها خجال ، فابتسم الدكتور محمد و قال مجرد مقابلة شخصية ، و ثانيا انا ال اسألك عن أوال هذا ليس اختبار ، انه  

قد تجهلين انت بعضا منه بحكم بلدك العرف ما اعرفه و يعرفه الجميع و عنها و تعرفينه أنت ، نشأتك بعيدا عنها ، و إنما أريد أن أعرف ما ال أعرفه

األخبارية أريد أن أعرفها من خــالل إحساسك بها و ليس من خالل التقارير عنها ، فهل هذا ممكن ، أم أنه صعب بدوره ؟ رفعت إليه وجهها ، كانت تبدو في هذه اللحظة جميلة ، بعيون المعة و عقل يستشرف شيئا مميزا و عندما

الصورة كما رآها الدكتور محمد بحس الفنان فيه ، فقد خرج تحدثت اكتملت بعيد ، و كأنه يخرج من أعماق ملتهبة تتدفق حديثها مغلفا في ضبابات شوق

المزيد ، كان عنقها يبدو طويال و فيها ينابيع الدهشة و الحلم و الرغبة في :الحسن الصغير ، قالت رأســها مرفوع و ذقنها الدقيق مضموم على طابع

األرض التي فلسطين كما أعرفها و أحبها ، هي أرضي التي انتمي إليها ،   تناديني بشوق و يستجيب إلى ندائها حنيني ، فلسطين هي الدمعة في عين

الذي يقتله الشوق إليها ، و هي االرتجافة في شفاهه حين يتحدث عنها ، أبي الورق المخبوء منذ سنين يحمل عناوين غربة بعيدة و شتات فلسطين هي

يسمونها بعبارة الالجئين ، فلسطين هي النبض الدائم كبير ، هي الوثيقة حين ••الذي يسري مع الدم فيها في العروق ، و هي الشيء الوحيد

: للدكتور محمد و تهدج صوت ريم و ترقرقت الدمعات و قالت و هي تنظر دكتور هي ذلك البئر المعطل في ساحة منزل مهجور ، هي فلسطين يا  

الجميل الذي يحميني من ضياع الذات حين بحر غزة و ناسها •• هي الرمز فلسطين هي الغائب الذي أبحث •••• أكون مخيرة بين أن أكون أو ال أكون

: عنه و أحتاجه •• و قال الدكتور هذا كل شيء انصرفي اآلن  

: همست ريم بقلق و هي تشير لما في يدها   : بغموض و اللوحات ؟ فقال الدكتور  

••تشغلني اآلن أكثر •• هيا انصرفي اللوحة التي رأيت  

صغيرة و بدأ يخط و خرجت ريم فقام الدكتور من فوره ، أمسك لوحة بيضاء فيها بسرعة وجه فتاة شامخة الرأس لها طابع حسن مضموم على تصميم و

في نظراتها حنين ••• و صارت ريم طالبة منتظمة في قسم الفنون ••الجميلة التشكيلية بكلية الفنون

••ابنة عمي ريم

Page 91: رواية لاجئة

القادمة من لم أصدق نفسي و انا أقرأ سطور رسالتك الغريبة العجيبة المجهول ، لم أصدق أن لي ابنة عم لديها كل هذا الحس المرهف و الرغبة

التواصل و السعي إليه •• كنت أعرف بالطبع ان لي عما اسمه جهاد في مثلك كنت أسمع األسماء و ال أرى الوجوه أو أحس بها يعيش في مصر لكنني

فأبي الذي أضنته الغربة يحتضر و نحن ، وصل خطابك في وقت شديد الحرج أن الغربة قادرة دوما على حوله ال نملك له شيئا ينقذه ، يبدو يا أبنة عمي

و ضياعنا •• امتصاصنا حتى آخر قطرة و التضامن مع أعدائنا على تهمشينا قرأت الخطاب عوضا عنه ، و شعرت أنه موجه لي أنا و ليس ألبي ، عرفت

خالله روحا أخرى ضالة تبحث عن وطن •• و فرحت ألننا في عمر واحد من أكبر منك بشهور فقط ، لكن الهم واحد يا ابنة العم ، الهم تقريبا ، قد أكون

أنا في العودة الحقيقية للوطن و ترينه أنت في واحد و الهدف واحد ، أراه في كفاح مسلح ينبغي أن يبقى و ترينه تعليم أعلى تحصلين عليه •• أراه أنا

لكالنا نفس الهدف في أنت في صراع مع الحياة ينبغي أن يستمر ••لكن مصير النهاية •• لقد وقف أبي في طريقي دوما كان يخشى علي مصير مثل

عمي محمد ، و لعلك ال تعرفيه ، فلقد أمضى عمي الباسل في كفاح الصهاينة شبابه ، لم يتزوج و دخل السجن االسرائيلي مرات عديدة و لم زهرة

هدفه يوما و في النهاية استشهد في السجن •• يستسلم و لم ينحرف عن فقط و لعل عمي جهاد ال يعرف و هذا آخر ما سمعناه عنه منذ ثالثة شهور

••أنتم بالطبع ال تعرفون

الواحدة تلو االخرى و أما عن عمي بدر فقد بقي بجوار جدتي يعيش و يتزوج يصارع الحياة المفروضة يعمل يوما و يجلس عشرة و في كل هذا هو الشاطر الذي ال يشق له غبار في النصب و االسترزاق و التحايل على

، لديه اآلن سبعة أوالد ذكور و خمسة من اإلناث و المعايش بشتى الطرق اآلن ثالث زوجات ، أما نحن فإننا خمسة يصر على إكمال أوالده عشرة و معه

جميعهن يتعلمن هنا في األردن و من االخوة أنا أكبرهم و بعدي أربع بنات يرحمه الله فهم تسعة و معنا الجنسية األردنية أيضا ••أما أوالد عمي عامر

هديل و هي لكنهم متفرقون في بقاع شتى من العالم و ال تعيش هنا منهم إال بالمناسبة فتاة وطنية و تحب قرض الشعر الحماسي و تحلم بيوم تستطيع

••فيه إلى فلسطين العودة

سأترك لك في نهاية ابنة عمي البعيدة •• أحب ان تظلي على اتصال بنا و لم الرسالة عنوان شخص مهم ينبغي أن تراسليه فهو على نفس دربنا يسير

تقتلع منه الغربة اإلحساس العميق بالوطن ، إنه من أبناء عمومة أبائنا و ليبيا و اسمه سهيل ، و أنتوي إن شاء الله إرسال رسالتك له ضمن يعمل في

••عنك و عن هدفك في المعرفة رسالة لي أحدثه فيها

بحثت ــ هي البداية صدقيني يا ابنة عمي إنها فقط البداية •• لكنها ــ مهماالوحيدة الصحيحة

Page 92: رواية لاجئة

ابن عمك

تامر عمر القاسم

العاشرة على األقل طوت ريم الرسالة بعناية و كانت تقرأها قبل قليل للمرة إعادة •• تنازعتها مشاعر متناقضة و عجيبة ، أخذت تتضح و تتبلور مع كل

قراءة و استقرت في النهاية على الشعور الجارف بالرغبة في معرفة النهاية أشعــلت فيها الكلمات الحماس و شعرت بعظمة أولئك المغروسين في••

أنها تنتمي لعم بطل استشهد و هو بطل ، و حتى أرضهم ، شعرت بالفخر استماحت له ألف عذر ، و استوقفها طويال عمها بدر لم تشعر بالنفور منه بل

ناحية نظرتها لقضية بالدها ، و ذلك التأطير الذي وضعها فيه ابن عمها من من حملها أن شعرت أن رسالة ما أصبحت مطالبة بحملها ، و لن يعفيها

تكون الجئة بل على النقيض ربما كان اللجوء هو السبب األول لحتمية أن تحمل األمانة ، دعاها إلى هذا حديثها مع الدكتور محمد و رسالة ابن عمها ، و

حقيقة انتماؤها إلى الوطن السليب ، و حاولت تقييم وضعها منذ قبل هذا التفكير في هذا الوضع الســـلبي الذي عاشتــه مخيرة ، و البداية و استغرقها

من وضــعها ما أمــكنها ذلك و تعمق التفكير شــعرت أنها البد أن تغــير ماذا بوسعي أن افعـل لبالدي ؟ " و :" ليصل بها في النهاية إلى سؤال واحد

مفادها :" البد أن أجدها لم تجد اإلجابة اإل من تهويمة واحدة سيطرت عليها كالعادة أوال ••" نهضت بعدها لتستقبل سوسن التي جاءت بكل صخبها

:بادرتها

، افتقدتك كثيرا ، كيف حالك ؟ ريم   

: أجابتها األم و هي تنظر إليها بلوم طيلة هذه المدة ، منذ أول يوم لو كانت ريم حقا عزيزة عليك ما اختفيت  

•• في الجامعة : قالت سوسن بأسف  

لريم ، معك حق يا خالتي ، و لكنك ال تعلمي مقدار تأثري بما حدث يومها   لقد كان الرجل فظا معها و لم أجد في نفسي القدرة على مواجهتها بعدها

•• إثارة حفيظتها خشية : بتسامح فقالت ريم  

إرادة الله فوق كل إرادة و الحمد لله على كل حال ال عليك يا سوسن ،   ••

األم فقالت سوسن و هي تتخذ لها مجلسا في صالة المنزل فيما ذهبت   : إلعداد الشاي

يا ريم ؟ و الحل  

: قالت ريم و هي تبتسم الحل هو أن تنهضي من فورك فتحضري لي محاضرات األسبوعين   

Page 93: رواية لاجئة

الماضيين و تشرحي لي بكثير من االستفاضة كيف هي الدراسة و متابعة الموقف كامال غدا إن شاء الله عندما المحاضرات ، حتى يتسنى لي

••نذهب سويا للجامعة

: صاحت سوسن غير مصدقة :قالت ماذا تقولين ؟ هل استطعتم تدبير المال ؟ هزت ريم رأسها نفيا و  

وفقنا الله و استطعنا تدبير كرسي لي في قسم الفنون التشكيلية معك بل   سوسن فرحا و صفقت بيديها طربا و قالت و هي تقبل يا سوسن •• قفزت

: صديقتها ••معا إلى األبد يا ريم ، معا إلى األبد  

Page 94: رواية لاجئة

الجـــامعة و كتبت ريم الى والدها التطورات االخيرة حكت له عن جو و الزميالت و الزمالء و األساتذة ، و بالطبع عن شرط بقائها في الجامعة ،

أرسل األب بدوره رسالة جميلة تحدث فيها مع أسرته عن سعادته بكل ما وصل الليل بالنهار من أجل تدبير المبلغ الذي يحتاجونه ، عرف و عزمه على

رغبته في أن تلحق به األسرة في السعودية مشيرا في معرض حديثه عن الوقت ذاته بتقوى الله و االلتفات بعد انتهاء دراسة ريم ، موصيا إياها في

يرضى عنه بديال ، و رد الدائم إلى دروسها لكي تثلج صدره بالتفوق الذي لن عندما أرادت ت عليه ريم بأنها ستحرص دوما أن تكون عند حسن ظنه بها ، و

عليه أن تكتب له عن أحوال أعمامها توقف القلم في يدها ، برهة تردد و قلق :، ثم تغلبت على ترددها و كتبت ، حكت كل شيء و قالت ألبيها

أعزيك في فقد عمي محمد ، فهو لم يمت إنه عند الله من األحياء إن لن   سأرسل لك مع هذا الخطاب كل مشاعري و أحاسيسي شاء الله ، لكنني

بجوارك و تقدم وعدها لك التي شربت مشاعرك و أحاسيسك علها تقف الزمن و خالصا بأننا سنعود ، و إن الشمل سيجتمع مرة أخرى مهما طال

••حرمتنا الغربة من بعض الغوالي

فيها :" أخيرا يا و كتبت سميحة إلى زوجها رسالة أرفقتها برسالة ريم قالت ، ثــمرة أبا العيال تحقق الحلم ، أخيرا أثمر طـــريق الشوك عن فـجر جــديد

••العــمر كله بدأت تيــنع و تزهر و تسفر عن أمل يا جهاد

حـــسبت ســنين ال أدري ماذا أقول لك أيها الغالي ، ســوى أنني عندما الجامعة العمر التي مضت و حذفتها من لحظة الفرحة الكبرى بثبوت ريم في

وجدت أن تلك اللحــظة فاضت و زادت حتى غطت على كل سنين الشقاء نسيت يا أبا العيال ؟ أتحسبني نسيت ليالي سهادك و أيام •• أتحسبني

الزفرات الحرى تخرج من قلبك فتحرق جهادك ، أتحسبني لم أكن أسمع التي تقاسمنا الفراش قلبي ، أم تحسبني لم أكن أسمع في الليالي الطويلة

لقد فيها وجيب قلبك و هو ينادي الفرج و يسأل الله سؤال المضطرين ، سمعت وشاهدت و عشت و أحسست و اليوم معك أحصد و إليك أهدي و بك

••تستمر المسيرة

سريعا فالليالي أبو العيال من أجل خاطر سميحة اهتم بنفسك و عد إلينا و ريم بطيئة بدونك و الصبر طعمه مر ، أوالدنا في العيون و في حبة القلب ،

كما علمت أما قاسم فهو في الصف الثاني ثانوي يمضي قدما بدوره نحو الله شبيه أبيه ، يحمل عني كل الهموم و يقف بجانبنا في كل الهدف ماشاء

ســمر فترة أطول كل يوم و يحضر لها الحلوى و األمور و أصبح يالطف تمنيت ، أسأل الله أن يقدرك على اللعب ، و قد اختار القسم العلمي كما

••مصاريف تعليمهم أنه على كل شيء قدير

Page 95: رواية لاجئة

في صندوق وضعت ريم الخطابين في مظروف واحد و مضت لتلقي الخطاب البريد المجاور •• و في طريق العودة لمحت سعيد يسير باتجاهها و كان في

شكله شيء غريب

حتى ابتسامة المساء بعد اليوم الذي مازحت فيه ريم سعيد ، لم يرها أبدا ، أصبحت نظراته التي عودته عليها اختفت بدورها ، لم تعد تخرج إلى نافذتها و

المعلقة كل ليلة على نافذتها تتمنى رؤية الضوء المنبعث من الخصاص على األقل ، و كان يحلو له أن يتخيل ما تصنع اآلن قبل أن تطفىء النور و تنام ،

يتخيلها تارة ترسم و تارة تبدل مالبسها ، و كان خياله في كل مرة يجرفه كان المنظمة ، هكذا أطلق عليه ، و كان كلما تذكر عبارتها يضحك و إلى يوم

أوصاله و يتذكر كيف لمس دون أن تدري أطراف تعتريه رعشة لذيذة تلف االستمارة الخاصة بهم ، كانت منهمكة شعرها بينما كانت تقف تمأل بيانات

عابثة كانت تتجول فوق الوجوه جدا في الكتابة ، و الجو خانق إال من مروحة يتطاير كلما وصل هواء دون أن تخلف بردا ، و كان شعرها الكستنائي الطويل

يراقب هذا المروحة إليه ثم يعود ليستكين إذا غادرته ، و ظل هو فترة المنظر في حين كانت األم مع ابنتها تحددان اجاباتهما و تضعان وصف

في األوراق أمامهم ، اقترب خطوة فلم يفطنوا كثيرا إلى تغير أوضاعهم المتناثر قيد أنملة منه ، كان جميال جدا ، مثيرا جدا ، مكانه ، و أصبح شعر ريم

إلى لمس الخصالت المتناثرة ، شعر كأن كل من أو هكذا رآه ، نازعته نفسه اعتراه خجل غريب لم يشعر به من في البهو وقتها يعرف ما يدور برأسه ،

الكستنائية الطائرة غلبه ، قبل ، إال أن فضوله و رغبته في لمس هذه الزوائد و طفق يمسح به مد يده قليال فالحظ ارتعاشتها ، تطلع حوله و أخرج منديله

عرقه الذي خرج غزيرا ، عاود المحاولة مرة اخرى ، و اقترب كثيرا هذه المرة بأصابعة حتى أن الشعر المتطاير في هذه اللحظة دغدغ أصابعه ،

أن تضبطه ريم بالجرم المشهود ، و عاد فابتسم عندما تراجع بسرعة خوف و تعودان للكتابة بانهماك ، مد يده بجرأة وجدها تسأل أمها امرا فتجيب األم

بخفة ، فشعر بأنه ملك الدنيا ، أكبر هذه المرة و لمس الزوائد بهدوء و المروحة ممارسة استقرت أصابعه لحظة على أطراف شعرها قبل أن تعاود

كان لعبتها المفضلة في بعثرة شعرها •• تراجع خطوة فعاد إلى مكانه ، لكنه يضع يده في جيبه كشيء غالي يريد أن يحتفظ به ما استطاع ، كان يتحسس

بأصبعه في جيبه و إحساس بالنشوة لم يفارقه ال في تلك اللحظة و ال أصبعه مرت به بعد ذلك اليوم ، و رغم أن ريم هجرت النافذة في أية لحظة أخرى

يريد أكثر مما أخذ زادا لأليام المقبلة ، كان إال أنه لم يعتريه غضب ، لم يكن بالكثير من األفكار و األخيلة التي تجعل وقوفه في شرفته يطالع النافذة يمده

أنه يرى ابتسامتها •• ذلك المـــساء االبتسامة ال تفارق وجهه و كأنه يراها أو و يطالع نافذتها المغلقة ، فرك يــده و هو يتذكر ملمــس شعرها على أصابعه

يرها منذ و فجأة هاجمه شوق ال منتهي لرؤية ريم ، تذكر فجأة أنه لم أسبوعين و تعجب كثيرا ألن هذه االيــام مــرت دون أن يراها و دون أن

: بمرورها و تساءل بصوت سمعه يشعر

Page 96: رواية لاجئة

السؤال في إلى هذا الحد غيبتني هذه المخلوقة األثيرة عن نفسي ؟ وقع   أهمها أذنه كان غريبا ، كان مستفزا ، فتح بعده الباب لعشرات األسئلة و كان

:على األطالق هو

لماذا ال أبادر إليها ، ما المانع ؟ وجده سؤاال بديهيا و غريبا في آن واحد ، و   الذي دفعه إلى األحجام عن التعبير عن مشاعره طيلة هذا الوقت ، لماذا ما

التعبير خطأ لن تغفره ريم ، من أين جاءه هذا اليقين ؟ أسئلة كثيرة اعتبر أن : تجهما و تطلع للنافذة و صاح فجأة قلبت ابتسامته

و أصر لماذا ال تخرجين ؟ و عندما أيقن أنها لن تخرج كان قد قرر أمرا   عليه ، سيراها غدا و يحادثها ما استطاع و يخبرها أيضا بما يشعر به عل في

المصارحة ما يخفف وطأة التغرب عن الذات الذي بات يشعر به مؤخرا هذه••

من هذا كان سعيد يقترب من ريم و على وجهه مسحة تجهم ، أو شيء القبيل ، كان يبدو أنه لم يحلق ذقنه منذ أيام ، و كانت الهاالت السوداء تحيط

: بعينيه فتكسبهما عمقا غريبا ، عندما اقترب منها بادرته على الفور مكانه ، حاول الكالم ، لم أستاذ سعيد ما بك تبدو مريضا ؟ تسمر في  

، ماذا لو غضبت و يستطع ، فتح فمه و عاد فأغلقه ، ماذا لو فقدتها إلى األبد اللعين مألت الدنيا ضجيجا حوله ، ماذا لو اعتبرت أن حديثه أثر من ماضيه

الذي تعرف عنـه الشيء الكثيــر ، سامحك الله يا مريم ماذا أخبرت ريم عني؟

: عادت ريم تسأله فقال بعد تردد : مبتسمة براحة أنا بخير ، ما أخبارك أنت ؟ فقالت  

لقد نجحت فكرتك نجاحا منقطع النظير و ها أنا اآلن أداوم في الحمد لله ،   منتظمة ، و أصبحت لي شلتي أيضا ، أتعـرف لقد ضموني الجامعة كأي طالبة

تبتسم ابتسامتها األثيرة و كان يطالع إلى شلة الشغب الجامعي •• كانت االحتواء ، الرغبة في امتالك هذه االبتسامة بعيون سكنها جنون الرغبة في

ابتسامتها و تمضي هذا الكائن ، كان يريد أن يطلب إليها أن تصمت ، إال من فيه ، و معه إلى حيث ال أرض و ال جدران و ال نوافذ ، لكنها لم تشعر بكل ما

:انهت حديثها سريعا و هي تمضي قائلة

أن أمضي اآلن ، ليتك تأتي الجامعة ألعرفك على زمالئي الجدد •• و البد   تبتعد ، وقف طويال بعد اختفائها ، كانت شعراتها مضت •• راقبها و هي

مازالت تدغدغ قلبه ، كانت صورتها مازالت مازالت تدغدغ أصابعه و ابتسامتها ، حماسها و عيونها الالمعة •• و ماثلة رغم اختفائها عن عيونه ، نبرة صوتها

و كيف و أين سيراها ، انتبه •• لقد دعته ليزورها في الجامعة ، و لكن متى لكنها لم لقد تركته دون إجابة و مضت ، مد يده ليستوقف طيفها فيسألها ،

••تكن هناك ، طوى يده في جيبه و مضى بدوره

Page 97: رواية لاجئة

كانتا ال تتوقفان عن اعتادت ريم على الذهاب للجامعة صباحا برفقة سوسن ، شــلتها التي الكالم حتى تصالن إليها و عندها تنفــصالن فتذهب سوسن إلى

عرفتها أثناء غياب ريم و تنضم ريم إلى شلة الشغب الجامعي و يمضي الجميع إلى المحاضرات ، كان أحمد يتعمد دوما أن يجلس بجوارريم ، ووجد

دائما ليجيب عن أسئلتها و يالحظ كل صغيرة و كبيرة تقوم بها ، نفسه يبادر كطالبة فنانة و الحظ الجميع اهتمام معظم األساتذة حتى عندما برزت ريم

غير طبيعي نحوها من الدكتور محمد بها كان أحمد أول من الحظ اهتماما األسئلة الخاصة على المأل ، و ال المتجهم دوما ، إنها الوحيدة التي يوجه لها

أنها كانت نادرة ، ذات يوم يتردد أبدا في توجيه عبارات مدح خفيفة إليها رغم : انتبهت ريم ألحمد و هو يتأملها و عندما قالت

على ثيابي؟ لماذا تنظر إلي هكذا ؟ هل سكبت العصير   

: ابتسم بمرح و قال ببساطة و كانا وحدهما تقريبا : ال ألومهم •• فقالت متعجبة  

: بالمباالة من هم يا أحمد ؟ فقال   : الزمالء و كل إنسان يعرفك •• فقالت بهدوء األساتذة ، و  

: عالم ال تلومهم إذن ؟ فقال   انتبه لها ال ألومهم على شغفهم الشديد بك •• فقالت على الفور و بحدة  

: من حولها في االستراحة : ماذا تقول ؟ التفت حوله و قال بسرعة  

: قالت ريم ، إنك ترفعين صوتك •• هزت كتفيها و   •• بما ال يقال و لم ال •• أنت تتحدث   

: ثم مد يده عبر الطاولة فلمس أناملها و قال بسرعة تنهد بسرعة    •• ريم أنا أحبك   

: سحبت يدها فورا و لملمت أغراضها و قالت    نفسك •• سارت بسرعة دون أن يبدو أنك مريض اليوم ، سأتركك لتراجع  

: تلتفت إليه فهز كتفيه و قال و هو يستريح في مقعده •• أنا فعال أحبها   

عندما رأينها تغادر بادرت سمر قابلت هدى و سمر و هما قادمتان و    : بالسؤال

إلى أين ؟   •• سأتمشى قليال حتى موعد المحاضرة القادمة  

فيبدو أن أحــمد بمفرده ، هل تحبين إذن خذيني معك ، أما أنت ياهـــدى   : مرافقتنا أم الجلوس معه ؟ فقالت هدى على الفور

: بذراع ريم و خرجتا و هي تقول بل سأجلس مع أحمد أمسكت سمر   : كنت أعرف أنها ستفضل ذلك •• فقالت ريم باهتمام  

و لم ؟    :فقالت بسرعة و كأنها كانت تنتظر السؤال   

Page 98: رواية لاجئة

بينهــما ذـكريـات ألنها متعلقة به ، إنه ابن الجــيران الذي كـــبرا معا و   •• كثيرة مشتركة و دائما يقصانها علينا و يتندران بها

و أحمد هل يحبها ؟   و يحرص كثيرا على أال تتصرف أي ال أدري ، إنه يتشاجر كثيرا من أجلها ،  

غابت ، لكن يحبها ؟ •• تصرف بعيدا عنه و يصر دائما علي معرفة مكانها إذا كانت في لست أدري •• *** لم يشغل ريم كثيرا ما قاله أحمد خاصة ألنها

هذا اليوم على موعد مع مواجهة كبرى في حياتها و موقف لم تنساه أبدا فيما بعد فقد كانت في طريقها إلى المحاضرة مع سمر عندما استوقفها سعيد ••

دهــشة لمرآه و خــاصة أن مــالمح الغضب و االنفعال كانت اتســعت عيناها : قال متهكما تكسو وجهه ، نظر إليها و

: أخيرا ؟ همست   : بسرعة و بصوت عال أستاذ سعيد ما بك ؟ فقال  

شيء ، أنا بخير •• أم تحسبينني مجنونا ال ينام الليل من أجلك ؟ ليس بي   : صاحت

: فآلمها و قال بصوت عال استاذ سعيد ، ماذا تقول ؟ شدها من يدها   عنك منذ أسبوع على األقل ، في كل يوم آتي إلى الكلية و أبحث أبحث  

أجد لك أثرا ، أين كنت ؟ انتزعت نفسها منه بقوة و عنك في أرجائها و ال : قالت لسمر بحزم

األستاذ سعيد ثم آتي إلى المحاضرة سمر اذهبي أنت أنا سأتحدث قليال مع   : بسرعة •• وجدت سمر تنظر إليها دهشة مما يجري فقالت

صديق العائلة •• هزت سمر رأسها و همست و هي األستاذ سعيد جارنا و   : تبتسم

جاركم ؟ •• حسنا سأذهب النادي الجميع ، ال تنسي نحن بانتظارك   : إلى سعيد بغضب و قالت حسنا •• مضت سمر فنظرت ريم  

يمكنني أن أعرف سر هذا التصرف الغريب منك ؟ نكس سعيد رأسه و هل   : قال بصوت هاديء

عنك طيلة األسبوع الماضي و لم آسف لقد جن جنوني عندما بحثت   •• أجدك ، ال تنسي أنت طلبت إلي الحضور

: أنا ؟ هز رأسه فتنهدت و قالت   تريد ؟ ال بأس ، و ها قد وجدتني ماذا   : زفرت و قالت •• أريد أن أحادثك  

: محاضرة •• صاح مجددا كما سمعت لدي   العجب و الغضب اتركيها ، لن تطير الدنيا إذا لم تحضريها •• نظرت إليه و  

: يملؤها ••!! سعيد أستاذ  

أمسكها من ذراعها فيما يشبه الجذب و سار بها تعالي •• مرة اخرى   أجلسها على األريكة الخشبية المظللة و مبتعدا إلى حيث الساحة المشجرة و

بقيت هي تنظر إليه محتارة جلس بجوارها •• ظل صامتا لبعض الوقت فيما دون أن ينظر فيما يجري غير مصدقة له و عندما همت بالكالم قال بهدوء

Page 99: رواية لاجئة

: إليها : منذ متى أعرفك ؟ تطلع اليها •• هزت كتفيها و لم تجب فقال •• ريم  

تعرفين معنى هذا ؟ و للمرة منذ ستة أشهر و ثالثةأيام بالضبط •• هل   تكن تريد ترسيخ إجابة الثانية هزت ريم رأسها نفيا ، لم تكن تريد اإلجابة ، لم

:أرضا تقرؤها في عيونه وفي تصرفاته معها منذ جاء •• قال و قد أطرق

يعني أنني منذ ستة شهور أتقلب في نار من نوع خاص ، نار لم أكن إنه   سأعيش فيها •• ربما يدهشك هذا ، لكنني منذ اليوم األول أعتقد يوما انني

الغاضب و كلماتك الجريئة عن كوني ال أصلح الذي اصطدمت فيه بوجهك صحوي و منامي ، تبا ••• كم يبدو زوجا ، منذ ذلك اليوم و أنت ترافقيني في

الحقيقة ، هكذا فجأة و كالمي هذا مستهلكا ، كم يبدو غريبا تافها •• لكنها عقلي ، و بدون استئذان أو ترتيب مسبق اقتحمت حياتي ، احتللت قلبي و

صرت اآلمرة الناهية فيه •• نوع غريب من الحب ، يملك علي حواسي ، السيطرة على ذاتي ، حب يشبه أن ترشف الكأس حتى الثمالة ، أن يفقدني

االحتراق ، أن تعيش حتى الموت ، و مع ذلك ال أجد فيه تشرب الضوء حتى أحس فيه مستحيال •• هل تفهمين ؟ نظر إليها غضاضة ، ال أرى فيه عجبا ، ال

مجهوال لديها •• كانت تعرفه و تستطيع و كانت تنظر إليه •• لم يكن ما قاله قال حب تسليم اإلرادة إن أرادت أن تصفه بأفضل مما وصف ، إنه حقا كما

، في طوعا لمن تحب •• هذا ما شعرت به و ما عرفته منذ أن عرفت سعيد رصدها الدائم لخدماته و تحركاته و تفانيه في العمل من أجلــها بالفكر و

الحـــركة و السؤال و التنفــيذ ، لقد عرفت كل هذا و أكثر و توقعت كل هذا لكن تظل المفاجأة قائمة فقد كانت مواجهة مبكرة جاءت أسرع •• و أكثر

••مما توقعت

إلى الخـــلف و هزت رأسها تفهما ، فأخرج زفرة ارتياح و عاد بظـــهره :تطـلع إلى السماء و قال و هو يأخذ نفسا عميقا

ه ه ه •••• !!! ظلت صامتة لبعض الوقت تتنازعها رغبة قوية في ياه   في وصف ما تشعر به ، تريد أن يعرف ما تعرفه قول كل ما تريد قوله ،

: سمعته يهمس لترتاح ، لكنها لم تجرؤ على الكالم و ••هذا ما كنت أريد حقا •• هذا ما كنت أريد  

كانت تهدف إلى عندما صارحت ريم أمها بكل ما حدث معها هذا اليوم ، أمرين أولهما أن تتخفف من كل ما سمعت ، اعتراف أحـــمد الالمبالي

بالحـــب كأنه يتحدث عــن الطقــس و اعتراف سعيد الممزق بالحب ، و أن تفضي لها بمشاعر لم تستطع أن توصلها لكليهما و خاصة األمر الثاني هو

قالته ريم ، كان عقلها يعمل بسرعة ، سعيد •• سمعت األم كل ما تدخـــل معترك حيــاة استشعرت قلــقا مفـاجئا على ابنتها البكر هاهي

الجامعة مكان جديدة لم تألـــفها و يتحدث معها الرجال عن الحب و كأن :لتلقي العلم و الحب سألتها بحذر

Page 100: رواية لاجئة

كان البد أن يحدث ما حدث يا ريم في النصف األول لدراستك في هل   شهرين بعد فيها ، أين تذهبين ؟ ••• جامعة أم الجامعة ، إنك لم تكملي

: قالت بهدوء منتزه عام ؟ ابتسمت ريم ألمها مطمئنة و دائما و بالنظر إلى عالقة سعيد بنا منذ ستة أشهر فهو هذه األمور تحدث  

فربما ألنه شاب طائش ال يحسن التعبير إال أمر متوقع نسبيا ، أما أحمد الوحيدة التي يمكن أن يعبر لي بها بالمباشرة ، أو ألن المباشرة هي الوسيلة

هي أبعد ما تكون عن مشاعرألفة سرعان ما أحسها تجاهي فسرها بالحب و عنه ، كما أنني ال يعنيني أحمد هذا في شيء

و يعنيك سعيد ؟  

ابتسمت مجددا و خفق قلب ريم اضطرابا بعد سؤال أمها المباغت ، على أنها: قالت بهدوء

أنا متأكدة سعيد يا أمي حالة خاصة ، حالة ال أستطيع وصفها ، منذ عرفته و   جانبه أن هناك رباطا جمعنا ، غير أنه ليس رباط الحب ، أو ربما هو الحب من

، أما من جانبي فهو شيء مختلف ، مختلف لكنه عظيم ، إنه اإلحساس به األخير ، اإلحساس به كأنسان المهمات الصعبة ، الرجل الذي كرجل الحل

يملك القيادة بكل اقتدار ، إنه بالنسبة لي نموذج يملك مفتاحا لكل أزمة و يتعلق الغريق بلوح طافي على وجه الماء ، لشيء البد أن أتعلق به ، مثلما

رغم أنه المنقذ ؟ سيرتبط به هل تعتقدين أن هذا الغريق سيحب هذا اللوح حتمي من أجل أن ارتباطا آخر ارتباط استمرارية الحياة ، أو فلنقل ارتباط

االمطار تستمر الحياة •• هل تعتقدين أن جدارا يحمي الرأس من العاصفة ويمكن أن يعيش قصة حب مع من احتمى به ؟

سعيد ليس لوحا من خشب أو جدارا من حجر ، إنه إنسان ، لحم و دم و   تصفينه هذه األوصاف ، أصابك الغرور يا ابنة جهاد ؟ هو يحبك فكيف

: ردت ريم بسرعة و إنما ال يا أمي ، أنا لم أصف سعيد بهذه االوصاف للتقليل من شأنه ،  

أردت أن أقرب لك الصورة التي أراه عليها ، خانني التعبير ، إالأنني بالفعل أعتبره شيئا عظيما في حياتي ، عظيم و أبعد من مجرد رجل و امرأة و قصة

أن تختفي هذه المعاني و المشاعر لتحل محلها مشاعر أخرى و حب ، ال أريد •• تبعده عني معان أخرى تبعدني عنه و

هذا الرجل يحبك و ما أعرفه أن الحب بداية ارتباط و ما ال أفهم سوى أن   مرفوض كليا و جزئيا ، ليس مني فقط و إنما من أنا متأكدة منه أنه ارتباط

•• يبتعد عنا أبيك و من كل ذي عقل ، لذا البد أن و لكن أمي ؟  

صلي العصر و انتبهي لدراستك و ما حدث هيا يا ابنتي ، بدلي مالبسك و   الطالب المستهتر عند حده و اليوم ينبغي أال يتكرر و عليك بإيقاف هذا

انتهزت األم •• *** بمنتهى الحزم ، فهو مازال طفال و المشوار أمامه طويل فـــرصة غياب ريم عـــند ســوسن و أرسلت في طلـــب سعيد مع ابنها

Page 101: رواية لاجئة

قاسم ، و عندما أجابها و حضر سريعا طلبت إلى قاسم أن يتركها معه في أمر هام ، خرج قاسم و بقي سعيد يتطلع إلى األم وحدهما النها تريده

الدعوة الغريبة و لم تتأخر عليه األم و بدأت باهتمام و يتساءل عن سر هذه : حديثها فورا قائلة

فترة قصيرة ، لكنك أثبت لنا خاللها أستاذ سعيد ، لقد دخلت حياتنا منذ    ••أفضل من أقرب االقرباء أنك نعم األخ و الصديق و كنت في أحيان كثيرة

: ابتسم سعيد مضطربا و تمتم : ماذا حدث ؟ أكملت األم  

سعيد منزعجا و اخبرتني ريم بما دار بينكما مؤخرا في الجامعة •• نهض   : صاح

: فردت األم بهدوء أخبرتك ؟   أستاذ سعيد ريم ال تخفي عني شيئا •• اجلس لو تكرمت •• جلس نعم يا  

: تقول سعيد مضطربا و سمع األم هي تنمو باتجاه ريم ، و هو أمر متوقع نظرا لقد شعرت بأحاسيسك و  

مرت بنا صــعوبة ، اقترابك مــن لقربك الشديد منها في أشد األوقات التي العتقاد أن ما تشعر به حبا ، حاجــاتنا جعلــك فــردا منا و هذا هو ما دفعك

: أليس كذلك ؟ أجاب سعيد بسرعة أحبها و أشعر أن حبي لها كان معي ال •• ليس مجرد اقترابي منكم ، إنني  

، إن ريم تملك علي كل منذ اليوم األول لوجودي في الحياة ، هكذا أشعر بها : األم بحدة مشاعري و حواسي ، إنني أحبها يا خالتي ، أحبها حقا •• قالت

: يا أستاذ سعيد فقال بسرعة ••• لكن ريم صغيرة   عما هي فيه ، أنا أنا لم أغوها ، أنا ال أريد بها شرا ، أنا ال أريد أن تتحول  

لن أحبها كما هي ، وال أطمع في أكثر من أن تعرف هذا ، تعرفه فقط ، و أطلب أن تحبني هي بدورها •• صدقيني •• الن صوت األم قليال و قالت

: بهدوء حب بال هدف ، ال يوجد حب لمجرد الحب ، و لكن ياأستاذ سعيد ، ال يوجد  

: الفطرة السليمة تأبى هذا •• فقال سعيد ، فهذا أمر أتمناه و أرغب فيه جدا و ليتكم إذا كان ما تعنيه هو خطبة ريم  

: توافقون •• تلعثمت األم و جلست و هي تقول صريحة معك ، لدي ألف سبب يدعوني إلى أستاذ سعيد ، يجب أن أكون  

آخرها أنك رب أسرة و الوقوف في وجه تطور هذا الشعور عندك ، ليس ما لديك ثالثة أطفال يحتاجونك و إن انفصلت عن أمهم ، و ليس بسبب

سمعته عنك و ما عرفناه عن ماضيك الذي هو كفيل بإخافة كل فتاة ترتبط سيظل مصير األولى بأطفالها الثالث ماثال أمام العيون و قد ينغص بها ، إذ

حياتها •• و لكن ريم فلسطينية و هي ابنتنا األولى ، على زوجتك الجديدة وضعنا فيها أحالمنا ، و من خاللها نريد تحقيق ثمرة كفاحنا و جني العمر كله ،

نستطع تحقيقه ألنفسنا ، نريد أن نراها في هذه األحالم ، نريد أن نحقق ما لم تتزوج نحلم أن يكون زوجها خالصا أفضل المراكز العلمية و العملية ، وحين

Page 102: رواية لاجئة

بانتظار اقتسامه معها •• لها ليس لديه أسرة كبيرة العدد من لحمه و دمه ريم ال تصلح لك •• اعذرني يا بني ، لكنها الحقيقة •• أنت ال تصلح لريم ، و

: همس سعيد متألما : و لكنني أحبها •• فقالت األم برفق  

أن سعادتها و المحب الحقيقي يبحث دوما عن سعادة من يحبها و يعتــبر   سعادة له حتى لو لم تكن معه ، فهل حبك من هذا النوع ؟ فقال سعيد بعد

: رفع عيونا المعة مغسولة إلى األم أن قالت بحزم بل هو أكثر بكثير مما تتخيلينه •• ابتسمت األم أبتسامة رضا و  

: بها ، و ال تحــاول رؤيتها مجددا حتى ال تلهها عن حلمها و إذن اقطع عالقتك  

: حلمنا الكبير •• بضعف قال : تتطلع اليه و لكن •• بقوة قالت و هي  

اآلن •• ظلت ترنو إليه فترة و هو يصارع نفسه ، يصارع أريد وعدا بذلك   القرار الظالم و يمنعه بكل ما أوتي من رغبة عارمة في أن يقف أمام هذا

تعذيبه و مطالبــته بما ال قوة ، رغبة في أن يصيح طالبا منها أن تكف عن األم و مضى يطيق ، لكنه عوضـــا عن ذلــك وقف متخاذال و لم ينظر إلى

: قدما نحو باب الخروج فنادته األم : أستاذ سعيد •• التفت إليها و همس بصوت سمعته  

ارتياحا و حمدت الله •• *** لم أعدك •• أغلق الباب خلفه فتنهدت األم   أنه بات يتعامل مع ريم يعد أحمد إلى الكالم عن الحب لريم أو لغيرها ، إال

هدى و ما جد كأنها تخصه وحده و الحظ الجميع ما اعترى أحمد من فتور تجاه عليه من أمور تخص ريم ، و ريم الحظت بدورها ، لكنها كانت تتعمد تجاهل األمر برمته ، و تعتبر أن ما تفوه به ذات يوم إنما كان من قبيل المزح الذي

هذه الشلة عموما ، و في هذه االثناء توطدت أكثر عالقتها بالدكتور تجيده إليها أن توافيه في مكتبه ليكمل لوحة رسمها لوجهها ، و محمد الذي طلب

اللوحة الصغيرة و عليها وجها يشبه وجهها و لكن عندما رأت تلك كم فوجئت من أين جاء به الدكتور محمد ، و تلك المالمح كانت تحمل تحديا ال تدري

رسمه قال لها ببساطة عندما سألت الدكتور ماذا تفعل ليستطيع هو أن يكمل :

تحدثي فقط •• و سألته عما تتحدث بشأنه ، فلم يعين أمرا قال ال شيء   : لها

جدا أن تتحدثي و لعل في هذا قولي كل ما ترغبين في قوله •• يهمني   اقترابا كبيرا فقد كان الطلب تحديدا يكمن سر اقتراب ريم من الدكتور محمد

كانت هو الوحيد الذي عرف عنها كل شيء بمنتهى الدقة و التفصيل ، تستغرقها الحكايات حتى التصريح بكل شيء ، و عندما اكتملت اللوحة ملونة

كانت تنطق بالجمال و التحدي األعزل و الكرامة ، مزيج غريب ال و جميلة إال أن يرى كل هذا فيها و عندما رأتها في شكلها يملك من يرى اللوحة

: النهائي صاحت ليتني أستطيع أن احتفظ بها •• •• ما أجملها •• إنك فنان بحق يا دكتور  

Page 103: رواية لاجئة

: قال الدكتور محمد و هو يعيدها إلى مكانها بحرص لوحات المعرض السنوي الذي تقيمه الكلية ال يمكن •• سوف تكون ضمن  

ننتهي من صنع الملصقات آخر العام ، يمكنك فقط أخذ صورة عنا عندما : الخاصة بالمعرض •• قالت ريم بتردد

هو يعطيها ظهره إيذانا بانتهاء و هل لها اسم ؟ أجاب الدكتور بغموض و   : المقابلة

الجئة •• خرجت من الغرفة تتعثر في كلمة الدكتور ، الجئة ، هل   استسلمت طيلة المدة السابقة ليرسمها فنان كل هدفه ترسيخ ضياعها ، هل

بهذه اللوحة أن يطلعها على حقيقة ذاتها ، أن يفضح تلك قصد الدكتور االنكسار مجددا فيها •• كانت شلة الشغب الذات ، أن يكرس اللجوء و

مرحة اطالقا ، قالت هدى فور الجامعي بانتظارها ، و في عيونهم نظرات غير : وصولها

لما غريبة لم تطل جلستك لدى الدكتور محمد اليوم •• نظرت إليها و   : أوشكت على الرد قال فؤاد

قبل من عادته أن يمل سريعا •• نظرت اليه بدهشة ممزوجة بالغضب و   أن ترد كانت لكمة من أحمد على وجهه هي الرد الذي وصله بالفعل ، تعالت

: االستنكار من الباقيين و صاحت ريم صيحات : لماذا ضربته ؟ فقال أحمد و هو يشدها من يدها  

الفرصة ليقول و أعطيتي الفرصة فؤاد لم يكن مخطئا ، أنت من أعطيته   : لعشرات غيره ليقولوا •• نزعت يدها بعنف من يده و صاحت

، هل تعتقدون أن كل عالقة إنسانية يمكن أن يقولون ؟ يا لكم من تافهين   : رد أحمد بغضب تنشأ بين اثنين هي بالضرورة عالقة حب ؟

طالبة جميلة و أستاذ يمر بمراهقة متأخرة ، نعم ال اسم آخر إذا كانت بين   : التوضيح لها •• قالت ريم محاولة

: يرسم وجهي •• قال فؤاد و هو يفرك فكه لكنكم تعرفون أنه   من أنت هنا طالبة و لست موديال للرسامين ، و هذه سابقة هي األولى  

نوعها هنا حسب علمي ، فهل أعطاك أجرا على الرسم ؟ في هذه المرة : أخرى كادت تصيبه من أحمد و ركض مبتعدا و هو يقول اتقى فؤاد لكمة

الثرية إذا كنت بهذا الحرص عليها فنبئها بما يقال عنها ، هذه الوافدة   المدللة •• تطلع أحمد إلى ريم فوجد سحابة دمع تترقرق داخل عيونها أطرق

: و قال قليال خصوصية معينة ينبغي أن تنتبهي لها ، فلقد صحب ريم ، لوضعك بيننا  

كان لظهورك متأخرة في المحاضرات دخولك الجامعة ضجة لفتت األنظار ، و وإن وجها جديدا عانى من أثر في لفت إنتباه كل دكتور أو أستاذ يدخل إلينا

تدير رؤوس أزمة مع العميد ، و كانت األسئلة الموجهه إليك في كل مرة الطلبة إليك ، فإذا أضفت على كل هذا جاذبية خاصة تتمتعين بها ونظرة

ينظر بها المجتمع إلى الوافدات من فلسطين تحديدا و إلى الذين خاصة ، رأيت مدى خصوصية وضعك و عرفت أنك تحت يعمل أهلوهم في الخارج

وضع خاص فهو رجل عرف المجهر دائما ، ناهيك عن أن الدكتور محمد له

Page 104: رواية لاجئة

بهذه بالتجهم الدائم و القسوة في تعامله مع الجميع فلماذا يعاملك الطريقة ؟ نظرت ريم إليه و سيل الدموع يتراكض على خدها و نظرت

فرأت مصداق حديث أحمد ، فأدارت ظهرها لهم و ابتعدت •• للباقين أيضا ذهــنها و تسقط أرضا مع دموعها ، عبــارة عبارة واحدة كانت تــتردد في

لو كان لي وطن •• لو كان :" بللت سكيــنتها و هدمت بكل قوة صرح أمانها طويال أمام لي وطن ••" *** فلسطين أرض باعها أبناؤها •• عبارة وقفت

فلسطيني اللجوء ، يسمعونها من كل شخص يريد أن يقدم تبريرا لقسوته تبريرا لضميره قبل أن تكون تبريرا للفلسطيني ، عبارة سمعتها ريم معهم ،

أمر اإلجابة عليها ، كانت ترفض التهمة لكنها ال تملك كثيرا و حارت في و استطاع اإلعالم أن يرسخ هذه الصورة أكثر ••براهين تثبت بها أنهم كاذبون

الفلسطنيين و المصريين على عندما كان يحدث ما يعكر العالقات بين إلى شعب المستوى الرسمي ، إذ كانت الصحف تنبري لتحويل الفلسطنيين

من الخائنين باعوا أرضهم أو هجروها طوعا فاحتلها الصهاينة ••و أصبحت الموجودة بقوة في أذهان األجيال الجديدة من العرب عن فلسطيني الصورة

مترفون متخمون ، أموالهم بالماليين و بأسهم بينهم اللجوء هي أنهم أشخاص شاكلتها مجابهة كل هذا بدون سالح ، شديد •• و كان على ريم و من على

منه اآلخرون ، إعالمهم ، و حتى المعرفة كان نبعها نفس المورد الذي يغترف جاء عمل أبيها درجة الرضا أو الغضب منهم ، لذا لم تكن تستطيع الرد ، و

في السعودية لكي يلصق بها نفس الصفات ، و أصبحت في قرارة نفوس زمالء الجامعة فلسطينية من أولئك الثريات اللواتي فقدن مع غياب معظم

فعل الخطأ ، أو أن هذا على األقل ما تبينته ريم من األب أي رادع لهن عن فؤاد عن الوافدة المدللة الثرية •• حديث زمالئها إليها و من صيحة

الصورة التي يراها فيها استطاعت في هدأة الليل أن ترى الصورة كاملة ، مجتمع معظم الناس ، تألمت كثيرا ، شعرت أن بونا شاسعا يفصلها عن

تعيش فيه ، تريد أن تنخرط فيه و تنتمي إليه فيرفضها و يضعها داخل بوتقة خيالية يغذيها باألكاذيب ، إن حكما مسبقا ينفذ عليها لم يتنازل أحدهم يوما

لها حيثياته ، و تذكرت حين بكى قاسم من عبارات قالها زميله عن ليقدم الضياع •• وتذكرت ابن عمــها تامر ، أمسكت أوراقها أنهم آووه و حموه من

فورا : ابن عمي العزيز / تامر فرق كبير بين و قلمها و بدأت في الكتابة اليه بين إحساسي اآلن و أنا أكتب إحساسي عندما كتبت لكم الرسالة األولى و

القليلة ، صدقني يا ابن الثانية ، رغم أن ما يفصل بينهما ال يتعدى الشهور ألكتب عمي لو كنت أعرف ما عرفت خالل هذه الشهور ما أمسكت قلمي

إليكم في محاولة بلهاء إلحياء إنتماء أسري فقد مع مرور الزمن قيمته و إذ ما معنى أن نتواصل كتابة ، ما معنى أن أحدثك بآالمي و تحدثني معناه ،

يستطيع أحدنا أن يحطم آالم اآلخر •• صدقني يا ابن عمي بآالمك دون أن و مضيعة للوقت و الجهد ، لن تغير كثيرا من إنني أرى في كل ما نفعله هراء

عجينة طرية ، واقع يعطينا أسماء غير واقع يسيطر علينا و يطحننا و يشكلنا لنا بها •• أتصدق يا ابن عمي أسمائنا ، و مالمح ال تشبهنا و صفات ال عالقة

أهلها أرضهم و أكل أنني في نظر زمالء الجامعة مدللة ثرية وافدة ، باع

Page 105: رواية لاجئة

شعبها بعضهم •• أنني أتألم •• ممزقة ، ساخطة •• رافضة •• أريد أن أحطم شيئا ما أريد أن أقتلع مذياعا يديننا و صحيفة تثبت علينا حكم الخيانة ،

شارع يقول عنا زورا و بهتانا ، لكنني ال أستطيع ، ليس لدي الحجة ، و رجل و تربيت على وسائل إعالمهم ، و لوال أنني فلسطينية تعلمت في مدارسهم

هذه رسالة ثانية و أخيرة ، ال أريد •• •• صدقني يا ابن عمي •• لصدقتهم كائنات ضبــابية بال مالمــح ، و ال أن أعرف عنكم المزيد و ال أريد أن أعيشكم عذاباتي •• حيرتي •• و قسوة أريــد أن أتعــذب بكم أنتــم أيضا يكفيني

الناس علينا ريم

Page 106: رواية لاجئة

أخرى من سهيل ، فتحت و حملت الرياح الرد إليها سريعا ، رسالة من تامر و :أوال رسالة تامر

ابنة العم الرقيقة / ريم

أحيانا أن تهزي عندما يتهمك الغرباء تهمة ال تستطيعين إسقاطها ، يكفي يفهموا ما رأسك لتقولي بالمباالة ألنهم غرباء ، يقولون ، و ألنهم غرباء لن

••نحن فيه

سخطك و يحوله بوسعك دائما أن تجدي ردا ينزل بردا و سالما على غضبك و ممن رضا و ال مباالة ، و لكن إذا كانت التهمة من األقرباء ، من الغوالي ، ••يهمك أمرهم و تتمنين لو همهم أمرك ، عندها تكون الطامة الكبرى

كثيرا تأخرك في ابنة عمي إننا في غربتنا و لجوئنا بين نارين أستغرب إال ما تبثه اإلحساس بهما ، نار الغرباء من الجيل الجديد الذين ال يعرفون عنا

يحولون وسائلهم اإلعالمية و هذه النار لمستها بنفسك •• و نار األقرباء الذين حياة البؤس التي يعيشونها في ظل احتالل ال يرحم و فاقة تغل األعناق و

رعب متواصلة ، يحولون هذه الحياة إلى سياط نقمة على من أفلت يوميات على أولئك المترفين الذين ينامون آخر الليل منها ، سياط نقمة و غضب

انتظار هادم اللذات الطيب الذي باطمئنان و يعيشون في تبات و نبات في أو رحلة متعة •• و هــذه يأتي إليهم في وجبــة دسمــة ، أو نومة هنيـــئة ،

اللجوء ، و نار لم تلمسيها و لمستها أنا ، بين هذه و تلك يعيش فلسطيني ليت األمــر يقتصــر على الكالم و الضغط النفسي إذن لهانت و استطعنا تحمله ، و لكنه يتحول إلى فعل يتمثل في تعليم عسير و شفاء عزيز ،

صراع يشبه ما تعيشينه يعيش فيه كل فلسطيني عادي ، ووظيفة مستحيلة ، قيمة مثلما هو الحال مع كل الشعوب لكن قد يخرج منا غوال ال ينتمي إلى

أصبحنا كلنا غيالن •• أسماء بارزة غولنا يصبح صفة عامة تطالنا جميعا و كأننا استكانتنا شرهم فنصبح في قد تتحول إلى شياطين و يطالنا في ضعفنا و

العالم العيون و قرارة النفوس شياطين بدورنا •• الفلسطيني في نظر شخص واحد ، و الشخص الواحد إما أن يكون طيبا أو يكون شريرا و قد

الصفة االخيرة ووسمونا بها •• اغضبي يا ابنة عمي ، اضربي اختاروا لنا مذياعكم و مزقي صحيفتكم ، لكنك في النهاية رأسك في الجدران ، اقتلعي

يرحمك أحد ، أبي مات قبل ستجلسين في ركن قصي تجترين عذاباتك و لن أسمائهم أسبوع •• مات و شفاهه متشققة تنطق بأسماء الغوالي فنسمع مع

صوت تكسرات ذاته ، أصبح الشوق لديه ماردا ، أصبحت اللهفة عنده مرض ، كم فلسطيني مات في اللجوء أنت روحه حنينا فلم يتلق أناته قلب فمات ،

كم الجيء حفظ وطنه ألبوما مهترئا و كيس رمل و واحد تسكنه الرحمة ، ••االتهامات و النيران ذكريات طالتها العفونة و لم ينس رغم

Page 107: رواية لاجئة

تتوقفي ، اغضــبي و ابنة عمي •• لن أتوقف عن الكتابة إليك و بدورك لن ، ال ثوري و ابكي و لكن ال تتوقفي عن الحب ، عن االنتماء ، عن األهل

تصومي عن الحياة آلن اآلخرين انتزعوا شربة الماء التي تحتاجينها لجوف قبل أن تبلغ فاك ، ال تصومي عن الحياة ألن الذي وهبها هو وحده ملتهب

••القادر على استردادها

ابن عمك تامر عمر القاسم

بنشيج مرتفع كان و بكت ريم ، بكت كما لم تبك في حياتها كلها •• بكت الرياح تصفر داخلها يعوي ، كانت ذاتها مرهقة متعبة ، كانت األشباح تسكنها و

الخوف في رأسها ، كان كل شيء أسود ، و غلبها الخوف المريع ثانية ، غلبها فاجتاحت دقات قلبها المرتفعة المتسارعة كل األمان الذي كانت تظنه ، كل الالمباالة التي تعلمتها فوقتها لبعض الوقت من الشعور بالخوف •• عندما

على صوت البكاء و جاء قاسم و جاءت سمر ، وجدوا الخطاب جاءت األم ، ثقيل بما يحمل ، أسود من نبأ الموت ملقى على السرير مبلل بالدموع

:طرف الفراش و قال الذي فيه ، فهمت األم و فهم قاسم و جلس على

••أخوة أبي يتساقطون تباعا •• لم يبق إال أبي و عمي بدر   

: صاحت األم : أبعد الله الشر عن أبيكم •• نظرت إليها ريم و قالت وسط دموعها  

و هل بقي شر بعد ؟ •• و هل بقي شر بعد يا أمي     ***

العام أن تبتعد ما حاولت ريم في األيام القليلة الباقية على امتحان نصف أي أمكنها عن الجميع في الجامعة ، فكانت ترفض بهدوء شديد و بإصرار

دعوة لتذهب لالستراحة مع زمالئها ، و كانت تعتذر للدكتور محمد بأنها باالمتحان إذا ما سألها عن أحوالها أو حاول فتح حديث معها ، و مشغولة

األسود طيلة الوقت و تتخذ لنفسها مكانا منفردا على ظلت ترتدي اللون المحاضرات و تغرس وجهها في كتاب أو األريكة في حديقة الجامعة بين

اقتحام خلوتها ، و تنهمك في رسم لوحة ال تنتهي ، لتمنع أي متطفل من توجهوا إليها تشاور األصدقاء في طريقة تخرج بها ريم عن صمتها االختياري و

: ذات يوم و بادرتها سمر ••ريم ، نحن ال نستحق منك هذا العقاب الصارم   

: أحمد رفعت ريم إليها عينيها و لم تجب و عادت للرسم فقال : و قال فؤاد بسرعة فؤاد أخطأ و سيعتذر لك  

: آسف •• و قالت هدى نعم أنا   ••نحدثك ريم نحن  

Page 108: رواية لاجئة

أكثر منها رسما ، لم ترد و اكتفت بحركات عصبية على اللوحة كانت تشويها : نظر األصدقاء لبعضهم و قال أحمد

اسبقوني على االستراحة ، سأخبر ريم أمرا ثم ألحق بكم •• عندما   : انصرف الجميع و بقي أحمد قال و هو يجلس بجوارها يطالع اللوحة

غاضبة ، و أنك ترفضين صحبتنا ، ريم ، أعرف ما تفكرين به ، أعرف أنك    يعنيك أن تعرفيه •• أنا و لن نضغط عليك كثيرا ، إال أنني سأخبرك أمرا قد

يكن حديثي أشعر بك تماما •• و في ذلك اليوم عندما أخبرتك أنني أحبك لم من قبيل اللهو ، و لكنه كان حديث نفس ، بالفعل أشعر أنني مرتبط بك

•• أو بآخر ، أشعر أنك قطعة مني بشكل :نظرت اليه ريم و قالت مقاطعة بغضب   

لست قطعة من أحد ، و ال أريد أن أسمع هذه العبارات مجددا ، لم آت أنا   الحب و لعب العيال ، لقد جئت لكي أتعلم و أحقق أحالمي و إلى هنا من أجل

، و ال أريد المـزيد عنك أو عن غيـــرك ، و انتمائي الشخصي الذي أريده منـــكم و سأظل وافدة غريبة عنكم إلى ليتكم تبتــــعدون عني فــأنا لست

بنبرتها ، و عال سريعا األبد و يحسن أن تتركوني لحالي •• فوجيء أحمد : الغضب محياه و قال و هو ينهض

لكنه لم يبدو أنني أخطأت عندما بقيت •• انصرف بخطوات سريعة ،   ، يذهب إلى االستراحة بل اتجه لمبنى الكلية •• رأته ريم عندما تابعته بعيونها

تابعت الرسم و في داخلها بركان •• استغرقتها األفكار فلم تتبين الظل الذي عليها من الخلف ، و لم تنتبه إال على صوت الدكتور طارق و هو يقول أشرف

:

أية مدرسة فنية يندرج هذا الرسم يا ريم ؟ التفتت إليه •• و عادت تحت   لنفسه مكانا بجوارها ، لمحت أحمد يقف بعيدا يراقبهما للوحتها فيما اتخذ

الطلبة هو رسول أحمد و توقعت ما فعرفت أن الدكتور طارق صديق : سيجيء فقالت بهدوء

بالجامعة ، و لهذا دكتور طارق ، لقد كان لك الفضل بعد الله في التحاقي    ••فلن أجحدك فضلك و سأستمع لما تريد قوله

:فقال الدكتور

شيء يا ريم ، ال أريد أن أقول شيئا معينا ، أريد فقط أن أعرف اسم ما ال   : ريم و قالت أنت فيه تنهدت

: شئت •• ابتسم الدكتور و قال سمه اليأس إن   اآلن •• هل حسنا و هو اسم مناسب لهذه اللوحة السريالية التي ترسمينها  

قررت تجربة نفسك في هذه المدرسة ، أعرف أنك تنتمين إلى الواقعية •• ريم اللوحة عدة ضربات قوية بالفرشـــاة و التفتت إلى الدكتـــور ضربت

:دموعها تغسل عيونها طـــارق و قالت و

Page 109: رواية لاجئة

مهزومة يا دكتور ، مهزومة ، هل تعرف معنى الهزيمة ؟ ، معنى أن أنا    ، معنى أن تنهار القيم التي ركنت إليها طويال و شكلت ينهار الكون من حولك

و أن تعطي بإخالص و أن تثبت للجميع أنك نفسك و كيانك ، قيمة أن تصادق و التحول مع المجـــموع إلى قادر على الحب و العطاء و قادر على االندماج

نفسك شيئا شيء واحد ••هل جــربت يوما أن يضيع كل هذا فجأة و تجد منبوذا ، هل جربت أن يحكم عليك اآلخرون من منظارهم الشخصي دون

إلى صفاتك الشخصية ، هل تعلم مقدار االنكسار الذي يمكن أن االلتفات أنني موضع شــك و غير جـــديرة بالــثقة و ليس يعشش داخلي عندما أفاجأ

لحياتي ما أريــده وفق ما تربيــت عليه ، من حقي أن أكون كاآلخرين و أختار ليس مجرد بنت عادية ، فؤاد قال إنني في نظـــر الجمـــيع جنسية متهمة و

لي أن لي وضعا لي أنني في نظرهم الوافدة الثرية المدللة و أحمد قال خاصا يجب أن أراعيه ، و ابن عمي سألني كيف لم أشعر بفكي النار من الغرباء و األقرباء حتى ذاك اليوم ، و عمي الثالث مات و أبي في غربته

و يكافح شوقا و حنينا مضاعفا من أجل تعليمنا و في الوقت يقاسي األمرين كل هـــــذا ال يكفي ، كل هذا ال يسمــــح لي نفسه يصر الجميــع على أن

أنا لم أقترف ذنبا في حق أحد ، لم •• بأن أكون كالجمـــيع و أعيش مثلهم التجريح منذ عرفتهم ، أتعد على خصوصية أحد ، لم أمارس معهم لعبة

البداية مخطئة اتخذتهم أصدقاء و اعتقدت أنني صديقتهم ، أنني مخطئة ، منذ ، لم أكن منهم يوما و لن يكونوا مني ، لي وضع خاص يجب أن أراعيه في

الجامعة مثلما عشت عمري كله أراعيه في المدرسة ، مثلما هجرت طفولتي عندما كــــان أولياء األمور يحتـــــجون على جــــائزة تفــوق مجبرة ذات يوم أوالدهم ال •• مثلما قبلت أن أعيش في الظل حتى ال ألفت تمنح لوافدة و

دوما على قياس خطواتي قبل اإلقدام عليها ، األنظار ، مثلما عودت نفسي و الخسارة في مرحلة ال عــــودت نفسي دوما على حسابـــات المكسب

••يعرف فيها الصغار ما معنى المكسب و الخسارة

••ببساطة يا دكتور خسرت

عن اللوحة و قال أمسك الدكتور طارق الفرشاة المجنونة في يدها و أوقفها :و هو يرفع اللوحة الغريبة

عليه أن اسمعي يا ريم •• إذا سلمنا بأن كل إنسان يولد في هذا الكون   يتعرف على ذاته و صفاته و إمكانياته و يتكيف مع ما منحه الله أو أخذ منه ، لكي يجد له مكانا تحت الشمس ، لعرفنا سر عظمة طه حسين الكفيف ، و

المعوقين ، و لعرفنا أيضا السر في موت آالف البشر دون أن أبطال السباحة دائما في ذواتنا ، في قدرتنا على تلمس هذه يعرفهم أحد •• السر يكمن

محـــاولة تدعـيــم نقاط القوة و الذوات بكل نقاط ضعفها و قــوتها و ألصبح البشر كومة تهميش نقاط الضعف •• لو استسلم كل ذي عاهة لعاهته

إلى من ذوي العاهات المحبطين و لرجع الكون إلى الوراء و لم يتقدم خطوة األمام •• قيسي نفسك جيدا ، فإذا رأيت أن جنسيتك هي عاهتك في زمن

Page 110: رواية لاجئة

و يمج شعارات الوحدة و يبسط يده مسالما للعدو ، فعيشي يرفض العروبة موهبة الرسم و القدرة على التقاط أدق الخلجات ريم الفتاة التي منحها الله

هذا و اثبتي وجودك فيه و ال تتركي و تصوير المشاعر و األحالم ، انجحي في هذا التشويه الذي المجال لإلحباط أن يسكنك ألن نتيجته دائما ستكون

رسمت •• نتيجته تهميشك أنت و فشلك أنت •• قالت ريم بحزن و ضعف :شديدين

يا دكتور طارق ، جنسيتي هي كياني و انتمائي ، و إذا رآها البعض لكن    فخرا و عزة ، و إذا حاول البعض أن يجعل منها نقطة ضعف عاهة فأنا أراها

أتعامل معها كعاهة إذا كان إحساسي بها فهي في نظري سر قوتي •• كيف التوفيـــق بين ذاتي و ذواتهم و يختلف عن إحساس اآلخرين ، كيف أستطيع

مغايرة •• كيف يا دكتور نــحن نــرى الشيء ذاته بنظــرة مختلـــفة و برؤيةكيف ؟

:نهض الدكتور طارق و قال لريم مبتسما

المعادلة بنفسك ، أنت المعنية بها ، و أنت التي يجب أن تبحثي عن حددي   بالعزلة و اجترار الحزن و لكن بالوقوف أمام المجـــتمع ، حل لها •• ليس

لذاتك و يعترفوا بك ككل و إما أن تستسلمي إما أن يستسلموا لرؤيتك الدكتور طــارق ، ترك ريم غـــارقة لرؤيتهم و تعيشي كما يريدون •• مضى

و تبحث عن الحل •• و في التفكير •• حـــائرة ، تطالع لوحــتها البشعة الجامعة ، و عندما خفق قلبها خفقه الشديد ثانية قررت التوجه إلى عيادة

بالفعل وصلت الى هناك فوجدت الطبيب منهمكا في تضميد جرح ألحــد : و ما إن رآها حتى صاح الطالب

•• ريم أخيرا جئت للسالم على الطبيب العجوز •• آه   كيف حالك يا دكتور سامي ؟ لقد جئت إليك كمريضة مرة أخرى  

قليال فأنهى الطبيب عمله مع الطالب و خيرا إن شاء الله ؟ أطرقت ريم   : أعطاه دواء� و أوصاه بأشياء ، فلما انصرف قال

خيرا يا ريم   •• أشعر بالخوف  

: ماذا ؟! جلست ريم و قالت   شعور عظيم بالخوف ، ظل يوم سفر أبي انقبض قلبي فجأة و داهمني   

أشعـــر هذا الشعور معي قرابة الساعة ، يصحبه دقات سريعة في قلبي و بالعـــرق يخـــرج غـــزيرا مني ، و تراودني مشاعر رهبة ، ال أدري ألي سبب

رغم أنه الشيء حولي يخيف ، و هذه الحالة ظلت تتكرر عندي في فترات•• خاللها أن قلبي يكاد يقف من الخوف ، هكذا دون أسباب متقطعة أشعر

أصبح هذا الشعور يالزمني ليال عندما أدخل ملموسة ، و في األيام األخيرة شرا دائما •• و اليوم جاءني هذا ألنام و صباحا عندما أستيقظ ، كأنني أتوقع

خاصة و إنني بت ••الشعور قبل قليل •• قلت أستشيرك علك تجد السبب ••أفيق مذعورة بمجرد أن يوقظني أحدهم •• كأنه يحمل لي الموت

Page 111: رواية لاجئة

: ابتسم الطبيب و قال هذه ال يوجد في العيادة كما ترين أدوات و أجهزة تساعدني في تشخيص  

الحالة ، البد من عمل رسم قلب أوال للتأكد من أن القلب بخير ، لكنني : أساعدك بطريقة اخرى •• تطلعت ريم إليه متسائلة فأكمل يمكنني أن

نتضايق أشك في أن مشاعرك هذه هي من قبيل الضيق النفسي ، نحن   أحيانا فنعبر عن ضيقنا بأساليب مختلفة ، البعض قد يصيح و يصرخ و البعض

يبكي و البعض قد يشعر باآلم عضوية في بطنه أو يديه و البعض تتزايد قد يستشعر خوفا مجهول األسباب مثلما يحدث معك ، فما الذي دقات قلبه و

: ابتسمت ريم رغما عنها و قالت يضايق طالبتنا الصغيرة ؟المضايقات كثيرة في هذه الحياة يادكتور   

: فقال الطبيب و هو يجلس قربها على الشعور بالضيق حد نعم ، هذا صحيح ، و لكنك مازلت صغيرة  

يصبح المرض ، و البد أن تكوني أقوى حتى ال يتغلب عليك إحساسك و :مرضي فعال •• تنهدت ريم و قالت

المطلوب اآلن ، هل تحولني إلى مستشفى الجامعة ألجري رسم و ما   : الطبيب و قال القلب الذي تريد ؟ أطرق

ريم ، هذا أمر صعب قليال ، فبالنظر إلى كونك لست مصرية في الواقع يا    ••يصعب أداء هذه المهمة لك

البكاء على ارتجفت شــفتا ريم غضــبا و لمح الطبيب بداية شروع في : مالمحها فأسرع يقول

إذا سأرسلك إلى عيادة طبيب خاصة ، هو صديقي و لن يطلب منك شيئا   أعطيته هذه الورقة •• أخرج الطبيب قلمه و هم في الكتابة فاستوقفته ريم

: قائلة و نهضت دكتور ، لن أذهب ألي طبيب ، إنه أمر عارض بسيط و ال ال تكتب شيئا يا  

حال •• خرجت ريم بسرعة و لم تلتفت يستحق القلق •• أشكرك على أية أنها مضطهدة و وحيدة إلى الطبيب الذي كان يناديها •• خرجت و هي تشعر

في هذه الحياة •• لم تلتفت إلى أي مخلوق و عندما صارت بقرب باب : الكلية وجدت سوسن مع أصدقائها و بادرتها بسرعة

ما بك يا ريم ؟   

: فقالت ريم ال شيء ، سأذهب الى البيت  

و المراجعة بعد قليل ؟   بيتها و لن أنتظر ال تدري ريم بأي اقدام سارت و ال بأي طريقة وصلت إلى  

عندما رأتها األم افزعها ما على وجه ابنتها من حزن و غضب و ما في عيونها دموع فحاولت دفعها إلى الكالم و رفضت ريم أن تعبر بأية كلمة ، طلبت من

Page 112: رواية لاجئة

لترتاح ••ألقت برأسها على الوسادة و شرعت في البكاء فقط أن تتركها ••نامت الهاديء الذي يرسم إحباطا و

***

: عندما دخل سيد غرفة أخته وجدها منكبة على كتبها فقال : عرفت سوسن ما يريد محادثتها فيه فقالت هل يمكن أن نتحدث قليال ؟  

: هل يمكن تأجيل الحديث إلى ما بعد االمتحانات ؟ فقال سيد   لن أعطلك هو سؤال واحد  

ما هو ؟   ، لقد رأيتها تعود بمفردها و كنت لماذا عادت ريم مبكرا اليوم إلى منزلها  

وجهها كان حزينا و لم أعرف أن محاضراتكم تنتهي في السادسة ، كما أن : تنتبه ألي شيء حولها فماذا حدث ؟ تنهدت سوسن و قالت

كل ما أعرفه أن ريم في الفترة األخيرة في الحقيقة يا أخي ال أعرف ،   أو الجلوس معنا و تتخذ زخذت تسلك معنا سلوكا غريبا ، ترفض محادثتنا

كان االمتحان لنفـسها مكانا منفــردا و ترسم أو تقرأ بدون هوادة ، ربما : القادم هو السبب ••• هز سيد رأسه و قال

: قالت ال •• هناك شيء ما يضايقها كثيرا •• هزت سوسن كتفيها و   أزورها ألعرف •• أما اآلن فال وقت لدينا لنضيعه •• بعد االمتحانات سوف  

••أومأ سيد موافقا و خرج

***

ابنة العم / ريم

عمر يرحمه الله عرفتك عن طريق تامر ، أرسل لي رسالتك األولى إلى عم ال و طلب إلي أن أراسلك ••في البداية رفضت الفكرة ، فأنا ال أعرفك ، و

أعرف إذا كان الحديث معك مجدي أو ال •• و لكن بعد أن كتب إلي تامر اخبرني عن إحباطك في الخطاب الثاني قررت أن ارسل إليك هذه ثانية و

أعـــرفك أكثر •• لقد بدأت تشعرين و تعرفين و هذا هو الرسالة ، قررت أن للوصول إلى الوطن •• ربما حالت الطريق الصحيح للوصول للهدف ،

موضوعنا و إنما الظروف و الحدود دون زيارته ، لكن الزيارة ليست هي المعرفة الحقيقية هي موضوعنا ، أنا مهندس كهربائي ، أعمل في الصحراء الليـــبية ، في مشــروع كبير ، و رغم أن الحياة هنا ربما كانت أسهل من

أي قطر عربي آخر إال أننا نعاني مثلما تعانون ، و أكثر ما يشغلني الحياة في في الكفـــاح المسلح في فلسطين ، و لقد حاولت هو ضرورة المشاركة

اكتشف و أعذب بسبب هذه مرارا أن أتسلل إلى بالدي لكنني كنت آتي إلى المحاوالت و لألسف من عرب مثلنا •• أسمعي يا ريم سأحاول أن

مصر قريبا لرؤيتك ، و سأشرح لك عندها أشياء كثيرة ربما يهمك أن تعرفيها

Page 113: رواية لاجئة

حتى ذلك الوقت استمري في طريق التعليم و حاربي من أجل النجاح فيه و ••إلى النهاية

قريب آخـــر سهيل سعيد القاسم طوت ريم الرسالة و تنهــدت ، ها هو مازال يحلم بالوطن •• ابتسمت ساخرة و نهضت جالسة لتستقبل أمها التي

:دخلت بحذر فلما وجدتها مستيقظة و الخطاب في يدها قالت

تامر ؟ من   اليوم الذي وصل فيه خطاب تامر لكنني لم اقرأه ال ، لقد وصل في نفس  

عمومتنا ، ال أعرف تحديدا درجة القرابة إال اليوم •• إنه من سهيل ، أحد أبناء •• ، لكنه يعمل في ليبيا

: كيف حالك اآلن ؟ تنهدت و قالت   •• متعبة قليال و كنت بحاجة للنوم الحمد لله ، بخير ، لقد كنت  

ألن تحكي لي أسباب تعبك ؟   أكثر مما صدقيني يا أمي ال شيء ، يبدو أنني أتعامل بحساسية مع األمور  

: ينبغي ، هذا كل ما هنالك •• نهضت األم و هي تقول على راحتك ، هل أعد لك طعام الغذاء ؟  

يا أمي ما أخبار األستاذ سعيد ، لم أعد ال أشكرك ، لست جائعة ، صحيح   : أراه أبدا •• قالت األم و هي تغادر الغرفة

نهضت ريم ففتحت نافذتها و تطلعت إلى •• الشيء•• إنه فقط ولد عاقل   المكان المفضل لسعيد ، شرفته ، كانت مغلقة مهجورة ، كأنها لم تكن يوما

و تطلعت منذ أيام و هي تراها مغلقة دوما •• تنهدت و اتجهت للوح الرسم : مليا إلى حدوده و قالت

منذ زمن لم أرسم •• كأنني انقطعت فجأة عن كل ما أحب •• أمسكت   ••قلمها الفحمي و شرعت في رسم بعض الخطوط

***

و اصطفت فيها بدأت االمتحانات ، امتألت ساحة الكلية بالخيام الضخمة المقاعد و تحددت اللجان ، و أقبل الطالب و الطالبات من كل مكان يبحثون عن أماكن جلوسهم وفق األرقام التي يحملونها •• و توجهت ريم إلى مكانها

ردت باقتـــضاب على كل من حياها ، و عندما دقت الساعة التاسعة بعـــد أن و احتل المراقبون أماكنهم و بدأ الطالب في تصفح كانت األوراق قد وزعت

قراءة ورقتها عملت بما أوصتها به األم األسئلة ، و قبل أن تبدأ ريم في رب اشرح لي صدري " فقرأت سورة يس و دعاء سيدنا موسى عليع السالم

و يسر لي أمري و احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي " و ما إن قلبت ورقتها و شرعت في قراءتها حتى الحظ الطلبة جميعهم ثالثة من موظفي

رأسهم األستاذ شاكر يتقدمون نحو لجنتهم و يتصفحون شئون الطالب و على :رؤيتها الوجوه ثم صاح االستاذ شاكر بمجرد

Page 114: رواية لاجئة

: هي •• توجه الثالثة إليها و قال المدير ها   منذ ريم •• ليس من حقك تأدية هذا االمتحان •• كانت ريم تطالعهم  

دخلوا الخيمة الكبيرة و استشعرت الخوف المجهول يزحف قويا على قلبها و يتخطون كل اللجان و يتجهون إلى لجنتها ، ثم رأتهم و في هي تراهم

ناحيتها تحديدا ، ارتجف القلم في يدها و وجوههم الحزم و الشر يتجهون : و تمتمت تعالت دقات قلبها و تطلعت إلى االستاذ شاكر

:الموظفة يدها و سحبت الورقة بعنف و قالت لماذا ؟ مدت  

لم تدفعي المصاريف •• شعرت أن االرض تميد بها •• وهذه الوجوه ألنك   تحمل الوعيد إليها ، في نظراتهم قسوة غير مسبوقـــة الثالثة التي تحيط بها

يحتمل و في تصرفاتهم عنـــف و تحفز •• ترك و في كلماتهـــم تجريـــح ال الشفقة هذا الموقف ، و لم يتدخل أحد ، و الزمالء أوراقهم و تابعوا بكثير من

: قال شاكر بعدم هل تحسبين أنك تستطيعين خداعنا ؟ لقد كتبت إقرارا على نفسك  

دخول االمتحان إال بعد دفع كامل المصاريف ، فأين هي ••؟ و قالت :الموظفة

إليهم أن هؤالء هم الفلسطنيون ، الخداع في دمهم ••• نظراتها توسلت   يرحموها ، روحها ال تطيق ما يحدث ، الخوف تحول إلى مارد ضخم ، و

إعصار يجتاح روحها و الموقف برمته كان أسوأ ما توقعته في حياتها الغضب : بخشونة و قالت •• دفعتها الموظفة

: المكان أولى به مصري •• و قال شاكر انهضي ، هذا  إذا لم تكونوا قدر التعليم فلم تتعلمون ؟  

:التفتت الموظفة إلى الطالب و قالت

ذراعــــها و انتبهوا إلى أوراقكم و سنخرج فورا •• جــذبت ريم من   أنهـــضتها قسرا ، فنـــهضت مــعها مستسلمة و الخزي يطوقها و المرارة

:تعتصرها ، و لم تفلتها الموظفة إال على باب الخيمة و هي تقول

••إذهبي فأحضري المصاريف و إال قمنا بشطب اسمك من الكلية تماما   الكلية ليست مكانا لالجئين •• و انهارت ريم ، سقطت على األرض أمام

تنوح بصوت عالي •• لم يكن االمتحان هو السبب الوحيد الخيمة و هي و الظلم ، كان الشعور باالضطهاد و التمزق لنواحها •• كان الخزي و القسوة

الحرمان ، ناحت ريم و هي تشعر ، كان الضعف و المذلة •• كان القهر و العيون التي بشيء أسود يلف روحها و يطمس بصيرتها •• أحست أن كل

تراقبها عيون متواطئة شاركت في الجريمة ضدها أرادت أن تتنفس فلم ، أطبق كائن هالمي على صدرها فبلغ الفزع منها كل مبلغ و سقطت تستطع

عندما أفاقت كانت في العيادة ، كــان في الغرفــــة عدد مغشيا عليها •• و بعضهم و آخرين ال تعرفهم ، شعرت أنها منهكة من األشخـــاص تعـــرف

Page 115: رواية لاجئة

و خطر لها أنها شلت ، غير أن للغاية ، لم يكن بوسعها أن تحرك أطرافها أصابع قدمها و كانت لمسة الطبيب ليدها أعادت إليها اإلحساس بها فحركت

من بال حذاء فاستجابت لها ، تنفست بعمق و أغلقت عيونها فسقطت دمعة بقايا الموقف كانت الزالت عالقة ، جاءها صوت الطبيب و كأنه يأتي من عمق

يقول كالما مشجعا و يوجه بعضه لها و بعضه لمن حولها ، الذين سحيق كان ما جرى معها •• كانت تريد أن تعرف الوقت و هل ارتفع لغطهم مستنكرين

رفعت رأسها فأحسته ثقيال ووجدت •• انتهى وقت االمتحان أم مازال لم ينته:الطبيب يعيدها إلى الوسادة بسرعة قال

األبيض مجال اهدئي يا ريم •• ابقي كما أنت •• فتحت عيونها فغزا شعره   رؤيتها ، كان يغرس حقنة في وريدها ، شعرت بشكة اإلبرة فتأوهت ، ثم

استكانت مستسلمة لما يحدث ، اقترب من فراشها وجه ال تعرفه ، كان شابا وسيم المالمح ، له شارب كث يشبه شارب أبيها ، مد يده أشقر الشعر

: للحقنة و همس بصوت عميق ووضعها على يدها المستكينة : سالمتك •• هزت رأسها ، فأكمل و هو يبتسم مشجعا  

من يحدث العميد باسمنا في شأنك لقد تركنا اللجان تضامنا معك ، و هناك   : فورا و عما قليل يصلون •• قرأ في عينيها السؤال فأجاب

في الجامعة ، جئنا من مــختلف الكليات عندما نحن الطلبة الفلسطنيين   اآلن مع العميد و اعتقد أنه سيعود إلينا وصلنا الخبر ، و الزميل بسام يتحدث

: يدها و قال بعد قليل و معه نتيجة المحادثة •• ربت على : نتمنى •• هزت ريم رأسها و قالت بضعف شديد آمل أن تكون كما  

: ال فائدة ، ال فائدة •• ربت بقوة على يدها يهدئها و قال بثقة   كلنا مررنا بما تمرين به ، و إن هي إال لحظات و اليأس مع الحيــاة يا ريم ،  

شابا طويال نحيفا أسمر البشرة في يسوى الموضوع •• جاء بسام ، كان : مالمحه قوة و في صوته حزم قال بمجرد دخوله

حالها ؟ سوي األمر يا أصدقاء •• كيف   

: أفسح له الشاب مكانا فوقف بجوار فراشها و قال ، هل أثر عليك أخوالك يا بنت ؟ إنك ضعيفة كأنك لست فلسطينية  

: ابتسمت رغما عنها فأكمل طالب في أنا بسام •• رئيس رابطة الطلبة الفلسطنيين في الجامعة ،  

السنة النهائية كلية التجارة ، لقد تركت االمتحان من أجلك •• الجميع ترك االمتحان من أجلك ، ذهبت للعميد و تفاهمت معه ، ال بأس ستدخلي االمتحان

: و سيخفون النتيجة حتى تدفعي •• مال عليها و قال باسما بقية األيام تنهدت و •• لكننا سنستطيع على أية حال معرفة النتيجة فال تبتئسي  

: همست : فقال •• ال فرق  

، أنت ستصنعينه ، حاولي أن تعطي أفضل ما لديك ال يا ريم ، هناك فرق   بأقل من االمتياز ••أليس كذلك يا خالد ؟ في األيام المتبقية ، نحن ال نقبل

: تقدم خالد و كان هو الشاب األشقر فقال برفق

Page 116: رواية لاجئة

إثبات ذلك ، أساتذتك يثنون عليك ، في ريم قادرة إن شاء الله على    ••الحقيقة الجميع مستاء من أجلك

: قال بسام سبت و حسنا نتركك اآلن و نراك يوم الثالثاء القادم ، أليس امتحاناتك  

: ثالثاء ؟ هزت رأسها إيجابا فقال تعفيك حسنا يا أصدقاء هيا بنا •• ريم هذه المادة التي ضاعت عليك لن  

من مسئولية االمتياز في باقي المواد •• اعتبريه أمرا وجب عليك تنفيذه ؟ هزت رأسها مبتسمة رغم أنه لم يكن يبتسم ، و عندما خرجوا ••مفهوم

: قال بسام لخالد لتحـــويلها لقضية سيــاسية كبـــرى ، لوال تــدخل كنت على إستعــداد   

الصـــريح للعمــيد من تدخل الصحافة •• يبدو الدكتــور طـــارق و تحذيره ••أن العميد يكترث كثيرا للصحافة

: قال الطبيب لريم و هو يبتسم بحنان ليس وحيـــدا في هذا العالم ، و إذا أجـــمل شيء أن يشعر اإلنـــسان أنه  

لــديك عدد ا ال يستهان به كــنت قد قابلت و تعرضت لبعض السخفاء فإن : من األخيار الذين يتألمون من أجلك •• همست ريم بوهن

سامي أن أكون محل شفقة من أحد ، أنا ال آخر ما كنت أحلم به يا دكتور   مصرية و أعيش في مصر و فيها أشحذ ، و لست طالبة صدقة ، أنا عربية ألم

دخل أحمد •• ولدت و كنت أعتقد أن هذا كافي ، لكنه غير كاف بالمرة الغرفة ، كان يمسك بقلمه و مسطرته ، وقف قلقا على الباب فدعاه الطبيب

: للدخول و قال ، ريم بخير اآلن •• نظر إليها بكثير من الشفقة و قال بغضب تعال يا أحمد  

: : ابتسمت بمرارة و هي تقول وددت لو قتلته •• هزت ريم رأسها و   داعي ألن تشعر بالغضب ، هو موظف و ينفذ قانون و ال لوم عليه ، ال  

هذه ليست بيدي و ال أملك تغيرها •• اقترب أحمد من اللوم على الظروف و : فراشها و قال برفق

من خالله ما لم أكن أعرف ، و هذا الموقف جعلني أفهم الكثير ، عرفت   ، عندك حق فهمت أحاسيسك أكثر و عرفت لماذا اتخذت ذلك الموقف منا

•• إنني شديد الخجل أن يكون فينا مثل األستاذ شاكر ، و لكن صدقيني ليس الجميع هو األستاذ شاكر •• أومأت ريم برأسها موافقة ، و أغمضت عيونها

••رغبتها في مواصلة الحوار •• فأنصرف أحمد إيذانا بعدم

Page 117: رواية لاجئة

موقف آخر تحكيه األم عندما عادت ريم إلى المنزل كان بانتظارها خبر آخر و : بصوت متهدج و عيون دامعة و قلب جريح كانت تقول

قال ما الذي جعلك تتزوجين من نظر لي و في عيونه نظرة احتقار غريبة و   في المصاريف فلسطيني ؟ ألقى أوراقي في وجهي و صاح ، تريدين تخفيضا

و زوجك يعمل بالسعودية ، لماذا هل هي دولة أبيه ، إذا أردت أن تعلمي ••أوالدك فليكن من جيب أبيهم ، الدولة ليست مكانا لالجئين

: و أجهشت األم بالبكاء و هي تقول نعم الوكيل •• أدارت ريم وجهها حسبي الله و نعم الوكيل ، حسبي الله و  

: كيال ترى أمها همها و أكملت األم الكالم ، لو كان معنا ما تقدمنا إليكم و قلت له يا بني ال يصح أن تقول هذا  

لم يبال بما أقول ، كان نافوخي ال عرضنا أنفسنا لعباراتكم الجارحة ، لكنه محترقة ، قلت يضج من حرارة الشمس و طول االنتظار ، و كانت أعصابي

له إن لدينا ولدا يدرس في مدرسة خاصة و يكلفنا نصف راتب الزوج في غربته شهريا ، قلت له إننا نعيش في بيت مفتوح يصرف على طعام و كساء

و كتب دراسية و مالزم ومواصالت •• صحت فيه بأنني و دواء و مراجع بلدي و أن يحصلوا على تخفيض مصرية و من حقي أن يتعلم أوالدي في

بال مباالة ، إذا مناسب في مصاريف الدراسة و العالج لكنه أشاح بيده و قال خليه ) كنت مطلقة أو أرملة ينظر في طلبك ، أما و أنت زوجة لفلسطيني

ينفعك ( •• واصلت األم البكاء فانكبت ريم على أمها تحتضنها و تقبل و : يديها و تقول جنتيها و

أرجوك ال تبك •• أرجوك سامحيني أنا من عـــرضتكم •• ال تبك يا أمي   أنا من دفعت بكــم إلى طــــريق المعاناة لكـــل هذا الـــذل و العناء ،

على نفسي هذا الخزي •• بحـــلمي األخرق •• أنا من كــتبت عليكم و ارتاعت •• لكنني لم أكن أعرف ، لم أكن ، أعرف ، أقسم لك ، أقسم لك

األم الباكية لهذه الحالة الغريبة من العذاب التي تمر بها ريم ، فأسرعت تكفكف دموعها و تنتبه إلى ابنتها تسألها عما جرى •• أخذت ريم تقص ما

: ما شعرت به و أخيرا قالت ما قررته و هي تشهق بالعذاب حدث تفصيليا و السخيف و نطوي لذا لن أذهب إلى الجامعة ثانية ، و لنطوي هذا الحلم  

: معه عذاباتنا •• صاحت األم دراستك و ال •• ال تتفوهي بهذه العبارات مجددا •• إن شاء الله ستكملين  

لو كان الثمن حياتنا •• إنه حقك و حق أخواتك ، إنه الشيء الوحيد الذي ستواجهون به دنيا ترفضكم •• لقد فهمت إصرار أبيكــم وأصــر بدوري حتى

: إلى أن أنفصل صوريا عن أبيكم •• فصاحت ريم لو أدى األمر حياتنا ، ال •• ال تقولي هذه الكلمة ، ال تضعي هذا الفرض و لو مجازا في  

لن أسمح أبدا بأن يكون ثمن تعليمي هو شرخ في صلب عالقتك بأبي ، ال يكون هذا هو الثمن ، ال يمكن •• ال يا أمي ال تقوليها مجددا ، ال •• يمكن أن

: ال •• فقالت األم و هي تبتسم البنتها وسط دموعها •• أرجوك يا أمي الذي ينبغي دفعه فال أنتم يا ابنتي أغلى الغوالي ، و إن كان هذا هو الثمن  

Page 118: رواية لاجئة

األوراق بأس •• إنه انفصال صوري ، ورقة طالق أحصل عليها و أقدمها مع إلى إدارة الوافدين تتيح لك التعليم دون مشاكل •• نعود بعدها فنتزوج مجددا

: ضحكت ريم بسخرية مريرة و قالت•• أنهيهها حتى متى يا أمي ، حتى متى ؟ أمامي أربعة أعوام ، قبل أن  

سيكون أخي قد دخل بدوره الجامعة •• و بعده سمر ، هل ستظالن العمر من أجل تحقيق هذا الحلم •• هل ستقبلين أن تصلك منفصالن إلى أبد

العمر •• في فترة أنتما أحوج ما تكونان ورقة طالق من أبي بعد هذا من أجلنا •• هل هذا ما لبعضكما البعض تنفصالن ••هل هذا ما تقدمانه

أموت لو سيسعدنا و يحقق أهدافنا •• إنني أموت يا أمي لو حدث هذا ، أوصلتكما يوما للطالق كي أعيش ، تعسا لها من حياة لو كان الثمن سعادتكما

أمي •• ال ال تقوليها أرجوك •• انفلتت ريم إلى غرفتها و جففت األم يا : تحدث نفسها مستنكرة دموعها و قالت

أعوذ بالله !! *** مضى اليوم التالي ثقيال على األم إذ أمضته في طالق ؟   باالستذكار استعدادا المتحان يوم الثالثاء القادم ، ريم كانت مصرة اقناع ريم

تتمثل أمامها صورة عذابات البارحة فيزيد إصرارها ، و تلح األم على الرفض ، إال إصرارا على الرفض ، كانت حجتها أن ترك الدراسة في فال يزيدها الحاحها

مــرور سنة و نجاح و تعلق بها •• قالت ألمها و أولها أفضل من تركها بعد : هي تقبل يدها

بالعقل •• لو ذهــــبت إلى هـــذا يا حبيبتي •• دعيــنا نناقــــش األمر   الدراسي الثاني و امتحنت و االمتحان و أكمــلته و نجحت و انتقلت للفصل

هل تدركين نجحت •• هل تعتقدين أنه سيكون من السهل علي ترك الكلية ، : مقدار تعاستي حينذاك •• ثم تتنهد و تقول

أملك و ما يمكن يا أمي لقد أوصاني الدكتور طارق بأن أقيس قدراتي و ما   أن آخذ و ما يجب أن أترك بشكل واقعي •• قال لي تعاملي مع جنسيتك

كأنها عاهة و رفضت الفكرة ، لكن يبدو أنه على حق •• يا أمي ببساطة لن الكلية يوم الثالثاء ، فال مكان لي فيها •• و لما أسقط في يد األم ، أذهب إلى

أمر ابنتها و الوسيلة التي يمكنها أن تقنعها بها لم تجد إال حال و احتارت في حرصها عليها و على مستقبلها ، إذ أرسلت خلسة في طلب واحدا دفعها إليه

اخبرتها أبنتها أنها بالفعل تعتبره شيئا عظيما األستاذ سعيد و قد تذكرت عندما و الثقة فيه ، بعـــد أبيها الذي في حياتها ، شخصا يمكنها الركون إليه

على عجل و قد تفـصـــلها عنه مسافات و زمن طويل •• و جاء سعيد أدهشته الدعوة بعد فترة الغياب التي حرص فيها على تنفيذ وعده تماما ، حتى أنه كان يحرص على سلوك طريق آخر إذا لمح في أول طريقه طيف

شرفته ، رغم ما كانت تحققه له من راحة نفسية ، و ريم •• و تعمد هجران آخر الليل بعد أن يمضي يومه لدى حتى منزله لم يعد يأتي إليه إال في

: أنها من األم و تساءل االصدقاء ، أدهشته الدعوة غير المتوقعة ، و أقلقه ماذا تريد ؟ في المنزل و تحديدا في غرفة الصالون رحبت األم ترى  

الموقف كامال ، في البداية كان غير مستوعب باألستاذ سعيد و شرحت له لحقيقة أن تلجأ األم إليه دون لدوره في الموضوع ، أو أنه كان غير مصدق

Page 119: رواية لاجئة

شك أنه يحلم ، سألها سواه و تختاره لهذه المهمة بالذات ، مهمة إقناع ريم ، : غير مصدق

برأسها و هل حقا أنا الشخص الوحيد الذي بإمكانه إقناع ريم ؟ أومأت األم   : قالت بسرعة

بالطبع أقدر لك موقفك و استجابتك الشريفة لما طلبته منك ، و الطلب أنا   فيما يتعلق بقصص الحب التي ال تحتملها حياتنا ، أما فيما يتعلق مازال قائما ،

تصرف يمكن أن يخدم ريم أفعله دون تردد •• و في بالمستقبل فإن أي إقناعها فهي تثق بك ثقة كبيرة و نظري أنت الشخص الوحيد القادر على

األولى أليس كذلك ؟ تحترم رأيك و أنا أعرف أن مصلحتها تهمك بالدرجة طلب األم ارتسمت السعادة على وجه سعيد ، للمرة األولى منذ بدأ في تنفيذ

الحازم يدخل السرور إلى قلبه ، للمرة األولى يشعر أنه عاد للحياة و بوسعه التنفس حتى لو كانت عودته رهن بمهمة محددة ينجزها ثم يعود لأليام

أنها مهمة متعلقة بريم ، هذا أقصى ما يتمنى •• استأذنته الموحشة •• يكفي التي لم تصدق أن سعيدا زارهم مجددا ، ركضت األم و ذهبت لمناداة ريم

: لترحب به و قالت بمجرد رؤيته أخذته نشوة الترحيب فوقف صامتا أستاذ سعيد •• مرحبا •• أين كنت ؟  

قلبه لمرآها ، كان يبدو يراقب فرحتها برؤيته و يرصد فرحته برؤيتها ، غاص وجهها ، هالته عليها االرهاق و التعب ، لمح كما كان دائما يلمح أدق تفاصيل

مائة الهاالت السوداء حول عيونها الجميلة ، هاله تدلي كتفيها و كأنها كبرت : عام ، أشار إليها و قال بوجد حاول أن يزنه ما استطاع

سريعا من فوق وجهها و ريم •• ما بك ؟ انسحبت ابتسامة الترحيب   : أطرقت قائلة

أوشك أن انكسرت يا أستاذ سعيد •• دق قلبه بعنف و هو يتابعها تجلس ،   :"يفقد وقاره المصطنع و ينكب عليها ، يحتضنها و يهدهد قلبها صاحت روحه

فداك نفسي يا حبيبة " •• لكنه عوضا عن ذلك جلس أمامها و قال و هو : يشير ألمها

آسف •• آسف حقا لكل لحظة عذاب أخبرتني خالتي بما حدث •• أنا   كانت تلمع بدموع عشتها بسبب ذلك الموقف •• رفعت إليه ريم عيونها و

: تتجمع و قالت كان ال يا أستاذ سعيد ، ليس عذابي للموقف في حد ذاته ، رغم أنه  

فظيعا ، و إنما عذابي ألنني أعطيت لحلمي مداه و صالحت دنيا ترفض اعتقدت للحظة أن الحلم أوشك على التحقق ، عذابي ألب مهادنتي ، و

يقاسي األمرين بال هدف •• قالت األم و هي يعيش غربة مضاعفة بال نتيجة و : تشير بطرف عينها لسعيد

: إليها سعيد واجما ، لم يرد فقالت شاي أم قهوة يا أستاذ سعيد •• تطلع   : سأذهب لصنع الشاي •• خرجت األم فقال سعيد  

أرخت عيونها فترجمها نصا حرفيا ريم •• نظرت إليه فقرأت بقية العبارة ،   : همس

ريم على كم أفتقدتك يا غالية •• و ارتفع صوت الصمت بينهما ، لم تجرؤ  

Page 120: رواية لاجئة

النظر إليه ، و لم يقدر هو على إزاحة عيونه عنها ، تمنى لو يلمس شعرها و عادت إليه الذكرى فلمعت عينيه باالبتسام ، و عاد ينادي و لكن بصوت حاول

: حياديا و قال أن يكون شيء البد أن تتغلبي على انكسارك و تكملي امتحاناتك ريم •• رغم كل  

: و ابتسمت و قالت وفق الجدول المحدد •• نظرت إليه : أمي منك اقناعي ؟ فقال بال تردد هل طلبت  

إلثبات و سأنجح في هذا األمر إن شاء الله •• فقالت ريم و هي تستعد   : صحة وجهة نظرها

: أستاذ سعيد •• ما معنى أن •• قاطعها و قال يا   ، و ريم أسمعيني ، أعرف كل ما تريدين قوله ، و أعرف ما تشعرين به  

أعرف أنك أكثرنا اهتماما بمستقبلك ، و أكثرنا احباطا لقرارك •• كل هذا أكثر و لكن دعينا نفكر أيضا بالعقل ، إنه مجرد عام واحد مصاريفه أعرفه و

األعوام الباقية ستدفعون النصف ، إذن فالعقبة الوحيدة هي مضاعفة و في : تغلبنا عليها •• قاطعته ريم و هي تقول في هذا العام ، فإذا

اعتقدنا أن كيف ؟ ، كيف نتغلب عليها يا أستاذ سعيد ، عندما سافر أبي   االلف جنية الذي سيحصل عليها شهريا تكفي لتغطـــية مصـــاريف الدراسة ،

و لكن مع مرور الشهور و مع التقتير الشديد في النفقات و مع االلتزامات يفرضها منزل مفتوح هنا و منزل مفتوح هناك ، مع مصاريف الكثيرة التي

زيادة أقساط مدرسة قاسم ، و متطلبات المالزم الجامعية و الكتب و و اإليجار ، اكتشفنا أن أبي الدراسة لي و له ، و الطعام و الكساء و الدواء

كانت عندما كان كان قاسيا على نفسه عندما سافر و تركنا بنفس الحال التي نظر معنا •• و لألسف فإن هذه القسوة غير المتعمدة طالتنا أيضا فنحن في

النــاس و الدولة و إدارة الوافدين أبناء رجل يعمل في السعودية •• هل أمي عما قالوه لها هناك ، هل أخبرتك عما عانته •• هل شعرت بما أخبرتك

أنا ، هل تعتقد أنني غبية لكي أترك الباب مفتوحا لكـــل عانته هي و ما عانيته التـــعليم و الـــعلم •• ال يا أستاذ سعيد وفر نصائحك من يريد إذاللنـــا باسم

لن أسمح لمخلوق أن يجرب فينا عقده من جديد ، فلن أستجيب لها •• ألنني سعيد و قد شعر أنها معركة بالفعل ، أو يمارس علينا إذالال من جديد •• تنهد

: و ليست سهلة كما تصور فقال : هي تضحك بمرارة و المنظمة بماذا أجابت ؟ فقالت ريم و  

انتظروا الدور ، فالذين يرغبون في إتمام دراستهم كثر ، و المنظمة قالوا   المعونات الخارجية التي قد تأتي و قد تتأخر وفقا لمزاج المانحين تعتمد على الحتياجاتنا •• أي ذل بعد ، أي ذل !! تطلع إليها سعيد ، همست و تقديرهم

تحملينها شفافة القلب و المشاعر ، لو كان بيدي جوانحه :" أية معاناة بينك و بين متاعبك ألف سور •• و لكن لخبــأتك في أعماق قلبي و جعــلت

فعرفت أنه أخفق كيف ؟•• دخلت األم بالشاي و تطلعت إلى وجه سعيد : فتنهدت ووضعت الشاي على الطاولة و قالت

: إذن ال فائدة •• جلست ريم بجوارها و قبلت يدها و قالت   لوجدت أن ما قررته هو الصواب •• أرجوك أمي الحبيبة ، لو فكرت قليال  

Page 121: رواية لاجئة

بالتعاسة مضاعفة •• نهض سعيد يا أمي تقبلي ما أقول و ال تدعيني أشعر : بحرارة لريم فجأة و عيونه تلتمع كمن وجد الحل و ارتاح اليه و قال

تخسري شيئا ، أكملي امتحـــاناتك ، فإذا فـــرجها الله ، أكملت ريم •• لن   فإنني سأكو،ن أول المباركين لقرارك المؤيدين له •• معززة مكرمة و إال

: هزت ريم رأسها رفضا فقال سعيد انتباهتها يغير الله من حال إلى حال •• أرجوك ، بين غمضة عين و  

: فقالت صوت و لكن يا أستاذ سعيد من أين ؟ نهضت األم و قد لمست ضعفا في  

: ريم ينبيء عن اقتناع وشيك و قالت الحل ال يجمل بنا أن نغفل رحمة الله ، تخيلي كم سيكون مؤسفا أن نجد  

في وقت أضعت فيه أمتحاناتك و مجهود فصل دراسي كامل •• التفتت األم : قالت إلي سعيد و

أنها اثبتت تفوقا و بروزا في كليتها على كافة أقرانها ، تصور يا أستاذ سعيد   : هذا بسبب العناد •• فقالت ريم تصور أنها تريد أن يضيع كل

: ليس عنادا يا أمي و لكن •• فقال سعيد   : تلتحقي بالجامعة •• و أكملت األم و لكن يا ريم كانت إرادة الله أن   مكمال و فإنه لن يخذلك و إن شاء الله ستكملين تعليمك •• و قال سعيد  

: في عيونه نظرة وعد جميلة ثانية معززة مكرمة ، معـززة مكرمة يا ريم ال يجــرؤ أحد على إذاللك  

أوحتى مس طرفك •• نظرت ريم إلى سعيد ، ثم إلى أمها التي أومأت لها و : متاللئة بالدموع ، فقال سعيد بحزم كلمته األخيرة عيونها

يومها اذهبي و استعدي المتحان يوم الثالثاء و سأصحبك للجامعة بنفسي   : •• تطلعت إليه األم لتذكره بوعده القديم فأكمل بسرعة

عملي بعد ذلك •• و نظر إلى ذلك اليوم فقط ، ألنني لن أستطيع ترك   : األم نظرة رجاء فابتسمت و قالت

االمتحان و أدته على أكمل وجه حسنا •• حتى أطمئن إلى أن ريم دخلت   عيونه بنظرة امتــنان •• و عادت الفرحة تزغرد في عيون سعيد و امتـــألت

: لألم و قال لريم و هو يهم باالنصراف ريم برأسها موافقة وأشارت له إلى الملتقى صباح الثالثاء •• أومأت  

: مودعة و هو ينصرف ، فقالت األم ألوالده ••• نظرت إليها ريم بفهم و ابن حالل األستاذ سعيد ، اللهم أبقه  

يوم الثالثاء كان ابتسمت و عانقتها •• *** قبل أن تشرق الشمس صباح الشاي و سعيد مستعدا للخروج ، لوال أن الوقت مبكر ، أعد لنفسه كوبا من

جلس في الشرفة يشربه و هو يطالع النافذة األثيرة ، لقد مرت عليه الماضية كالحلم ، استحضر خاللها صورة ريم و بقوة إلى ذاكرته ، الساعات

لتعليقات توقعها ، و وجم ألحاسيس مرت بها ، و ابتسم وحادثها كثيرا ، ضحك فكر كثيرا ، فكر حتى أعجزه الفكر في لحركات قامت بها في خياله •• و

الذي لمع فجأة في رأسه حل لمشكلتها و في كل مرة كان يترسخ لديه الحل تطلعت و هو هناك •• و عندما دقت الساعة الثامنة فتحت ريم نافذتها و

Page 122: رواية لاجئة

تلقائيا إلى شرفته و كأنهما على ميعاد ، ابتسمت له فضحكت الدنيا لناظريه و نهض نشيطا و خرج متوجها إلى بيتها و هو يصفر مرحا •• كانت ريم جميلة

لوجهها تورده و لقامتها استقامتها و لنظرتها التفاؤل •• هذا الصباح عاد لصباحه •• أخذت معها الشطائر و الدعوات ابتسم لصباحها و ابتسمت

تتنفس القلق ، و ترك لها الحارة و أخذ معه نظرات تحذير خفية من أم الدعوات نظرات وعد خفية لطمأنتها •• و بين هذه النظرات المتبادلة و

الحارة قرر هذا الصباح التضامن معهم فأرخى نسائمه اللطيفة تصافح الوجوه عبق الطريق بعبير زهر الليمون الجميل و سار كالظل خلفهما و سمع ، و

وصال إلى الجامعة •• و هناك كان بسام و خالد على صمتهما المتفائل حتى : بمجرد أن لمحاها حتى أقبال و قال بسام باب الكلية في انتـــظار ريم ، و

: خشيت أال تأتي •• و قال خالد   ميعاد االمتحانات لم يعد ثمة وقت ، الحمد لله أنك جئت •• هيا يا بسام  

: •• قالت ريم ممتنة تشجيعي •• أشكركما كثيرا •• كرم منكما أن تحضرا إلى هنا الستقبالي و  

عرفتهما بسعيد و عرفت سعيد بهما و تصافح الجميع و انطلق الشابان : ريم إلى سعيد و قالت فالتفتت

أذهب إلى لجنتي اآلن ، أشكرك كثيرا و أعتقد أنه ال حاجة بك ألن يجب أن   عملك فاالمتحان مدته ثالثة ساعات •• هز سعيد رأسه تنتظرني ، اذهب إلى

: كان يقرر و ابتسم و هو يقول ، في الواقع كتفيها امتنانا و انطلقت إلى لجنتها تطالعها عيون سأنتظرك •• هزت  

ينتهي •• *** مضت أيام االمتحانات سعيد المحبة و في قلبه نشيد حب ال الجميع بين رافض لما حدث الباقية بطيئة على ريم ، كانت خاللها محط انتباه

و تستمع إلى معها و مؤيد له ، كانت ريم تستمع إلى هؤالء و تلمس تعاطفهم هؤالء و تناقش تأيدهم لموقف الموظف ، و في كل هذا تشعر أنها أصبحت

قوة على مواجهة من يستضعفها و من يحاول أن يقلل من شأنها ، أكثر عن حقه في الحياة ، يساندها كل من خالد و بسام و تناقشهم بقوة من يدافع

عنها دائما و الطبيب سامي يزور اللجان أحمد ، و كان الدكتور طارق يسأل طاولتها •• و الدكتور محمد في أيام االمتحانات و محطته األخيرة دائما

بشكل عام عن سير اكتفى في يوم مادته بالمرور على لجنتهم و سأل الجميع : االمتحان و قال لهم و هو ينظر إلى ريم

الطالب موجهة آمل أن توفقوا في اإلجابات من كل قلبي •• و اعتبرها   إلى ريم فقط ، أما سعيد فقد اختفى و غاب منذ اليوم الذي صحب ريم فيه

إلى كليتها ، و سارت األمور وفق ما هي عليه •• و انتهت أيام االمتحانات •• الطالب في كلياتهم بانتظار النتيجة ، و غلب القلق ريم فكانت تدور و استكان

كالتائهه ، تنسى كثيرا من األمور و تشرد سريعا ، كان قلقها غرف المنزل تعرفها كبيرا ، و كذلك كانت األم خاصة و أن بادرة أمل على النتيجة التي لن

كان يوم النتيجة ، التقى الطالب في لحل هذه المشكلة لم تظهر حتى جلست يعتصرها القلق ، و الجامعة و أحجمت ريم عن الذهاب إلى الكلية ،

ريم و تقبلت عندما عادت سوسن بنتيجتها و كـــانت ناجــــحة هنـــأتها

Page 123: رواية لاجئة

كان تمتمات االعتذار و االرتباك منها بصدر رحب إذ أن عدم معرفتها للنتيجة : أمرا متوقعا و قالت األم عند الثامنة مساء

تلك التي لم تؤد ريم يا ابنتي ، دعينا نعتبر أنك ناجحة ، و عليك مادة واحدة   قدميها امتحانها ، و ليفعل الله ما يشاء •• تنهدت ريم و قامت متكاسلة تجر

جرا و اتجهت إلى المطبخ لصنع الشاي و في وقوفها في انتظار أن يغلي استرجعت كل ما مر بها هذا الفصل الدراسي من أحداث و شعرت أن الماء

: ال تستطيع حملها و همست قواها تخور و أن قدمها ربما كانت هذه هي النهاية •• و حدثت نفسها و هي تسكب الشاي  

بحركات آلية :" قلت لهم ال داعي إلكمال المسيرة ، ال داعي للعناد و لكنهم ها هي النتيجة •• كأنني لم أفعل شيئا ، كأنني كنت أصارع طواحين أصروا و

متعبة •• متعبة جدا •• دار المطبخ بها ، و صعب عليها أن الهواء •• أنني مالمحها •• بدا لها للحظة أنها تحلم و تذكرت أنها لم تحدد مواقع األشياء أو

األقل ابتسمت بمرارة فتداعت االبتسامات و تأكل شيئا يذكر منذ يومين على حــــاولت حمل الصـــينية ففقدت توازنها و كبــــرت ضحكــــا بائسا يائسا و

األم تركض و خلفها قاسم أحدثت ضجة كبرى و هي تسقط منها و جاءت وعلى يستطلعون ما حدث فلمحوا بسرعة ريم و هي منكبة على األرض

شفاهها ضحكات بائسة و في عيونها دموع يائسة ••قالت عندما رأت أمها و : للشاي المنسكب أرضا هي تشير

سقط لوحده •• ركضت نحوها األم لترفعها بسرعة و الحظ •• ال أدري   : قاسم الدماء في كفها فصاح

: يدها و هو ينزف و قالت لقد جرحت •• تأملت ريم جرج   كل الجروح كهذا يا قاسم •• أعانتها األم مع قاسم و ذهبوا بها إلى ليت  

بسرعة ليبحث عن أدوات يطهر بها الجرح و يربطه حجرتها و خرج قاسم الباب أم يمضي في بحثه ، لكن إلحاح عندما دق الباب ••فاحتار للحظة أيفتح

على محياه عالمات الطارق دفعه إلى فتح الباب ليجد سعيد واقف تلوح : الفرحة و همس و كأنه كان يركض

: مبروك ، نجاح ريم •• صاح قاسم كأنه لم يسمع   يستوعب سعيد ما سمع ، ثم فجأة ريم مجروحة •• عن إذنك •• لبرهة لم  

في أرجاء الصالة و غاص قلبه في قدمه ، استشعر قلقا مفاجئا ، دار بعيونه منذ لما وجدها فارغة خطا بسرعة إلى حيث غرفتها التي لم ينس موقعها

دخلها ذلك اليوم •• فوجئت األم كما فوجئت ريم باألستاذ سعيد على باب : يتطلع بقلق إلى ريم التي قالت بضعف و دهشة الغرفة

أستاذ سعيد ؟ حاولت أن تدس نفسها بسرعة في الفراش فخطا سعيد   : إليها سريعا و أمسك يدها و صاح بجزع

: إنك تنزفين •• قالت األم   أستاذ سعيد •• يمكنك أن تنتظر في الصالون ، ها هو قاسم أحضر  

األدوات و سأعالجها فورا •• التفت سعيد بسرعة إلى قاسم الذي وقف سعيد هذا في اقتحام غرفة نوم أخته و فوجيء به و هو مذهوال من جرأة

: يقرر بحزم يخطف األشياء من يده و يقول ، أو

Page 124: رواية لاجئة

لي خبرة في هذه األمور منذ أيام الجيش •• و أمسك •• أنا ساضمد يدها   جسدها تحت الغطاء فتشبثت لثانية يد ريم التي كانت مختبئة مع كل

برفق و أغلقت عيونها بغطائها ، ثم استسلمت بضعف ليده و هي تمسك يدها هو كان و هي تشعر كأنها في حلم ، قام األستاذ سعيد بعمله بسرعة ، حتى

كأنه يحلم ، لم يتكلم هو و لم يتكلم أحد داخل الغرفة و عندما انتهى من: الجرح سأل ريم و هو يعيد يدها إلى ما تحت الغطاء تضميد

: هل تؤلمك •• هزت رأسها نفيا و هي تبتسم برفق •• و قالت األم   أزعجناك و أتعبناك •• نظر إلى األم و لم نشكرك يا أستاذ سعيد ، لقد  

فراش ريم •• تمنى لو يجب ، كان طيلة الوقت يجلس على األرض بجوار لم يقف الزمن على هذه الحالة ، كانت ريم في حالة ضعف شديد ، شيء

: يخف على عيونه ، قال لها بحنان شديد : تبدين متعبة جدا يا ريم ، هل أكلت اليوم ؟ تنهدت األم و قالت  

نظر إليها الئما و قال و قد تذكر ما جاء •• ريم لم تأكل شيئا منذ يومين   : من أجله

؟ أدارت ريم ••هل هذا معقول ، هل يليق بالناجحات أن يكن بهذا الضعف   : رأسها و قالت بضعف

أكثر قلت لكم ال داعي لذهابي للجامعة مجددا ، قلت لكم أنني سأتعذب   كلما ارتبطت بها أكثر ، لكنكم أبيتم إال أن أكمل •• حتى نتيجتي ال أستطيع

معرفتها •• األبواب كلها أغلقت ، لم تتول المنظمة الدفع و ال إدارة الوافدين ال أبي استطاع أن يرسل لنا المبلغ و ال قريب لي يمكنه ذلك •• خفضت و

تطلعت إلى سعيد و إلى أمها و أكملت بدموعها و لماذا أرغمتموني ••؟ : ضعفها

حبيبة " و قال إنني مذبوحة •• صرخ قلب سعيد للحظة :" فداك روحي يا   و هو يبتسم بهدوء

الثمن لكنك ناجحة يا ريم •• و إن شاء الله ستكملين دراستك و لو كان   : حياتي •• تطلعت إليه ريم •• ابتسمت بهدوء و قالت األم

ريم ، نسيت أهم األبواب و أنت نشكرك على مشاعرك يا بني •• و أنت يا   دائما لمن سأله •• تتحدثين عن األبواب المغلقة ، نسيت باب الله المفتوح

: ادعي الله و هو سيجيبك •• تنهدت ريم و قالت بقلب مرتجف فرد ذراعيه بحركة مسرحية و قال بصوت يا رب •• نهض سعيد واقفا و  

: عميق يتقدم بهدوء لقد استجاب الله دعاءك يا ريم •• راقبته األم و ابنتها و هو  

: مخرجا عدة أوراق من جيبه و قال و هو يقدمها إلى ريم كلها امتياز عدا مادتين جيد جدا ، و هنا ورقة بتقديراتك في كل المواد ،  

تفيد بأن المصاريف دفعت المادة التي حملتها للدور الثاني ، و هذه ورقة بكلية الفنون كاملة ، و هذه ورقة قيد تثبت رسميا أنك مقيدة بالسنة االولى

الجميلة ••و لو كانت معي صورة لك ألحضرت لك بطاقة الجامعة أيضا •• رأيك ؟ كانت ريم تستلم منه األوراق غير مصدقة ، و كلما تصفحت ورقة فما

ألمها ، تتصفحها و تعطها بدورها لقاسم •• تطلع الجميع إلى أعطتها تلقائيا

Page 125: رواية لاجئة

األسئلة مع اإلكبار مع المحبة مع االمتنان ،و سعيد و في عيونهم تتزاحم : بصوت مخنوق توالت دموع ريم تترجم امتنانها و قالت

و سجدت األم لله أرضا و هي تتمتم بالحمد و الشكر •• هذا كثير ، كثير   : قال بصدق شديد لله فيما نظر قاسم إلى سعيد و

الله رجل •• عانقه و ترقرقت عيناه ••ثم توجه إلى ريم مسح رجل •• و   : يدها بقوة دموعها وقال و هو يمسك

الحمد لله •• مبروك يا ريم •• مبروك يا أختي •• رفعت •• الحمد لله   : الفرحة لسعيد االم رأسها و قالت بدموعها

يا بني ؟ ابتسم سعيد و هو يشعر أنه عمالق ، يشعر بأنه و لكن من أين   بكل هذه المشاعر التي تفيض حوله و له حصل على مقابل ما فعل كامال

: ••قال اهمية قبل قطعة أرض منسية ورثتها عن والدي يرحمه الله لم يكن لها أية  

أن تصبح فجأة هي الحل و المفتاح السحري لمشكلة ريم •• عادت ريم تهز : غير مصدقة و تهمس رأسها

: هذا كثير •• تطلع إليها و في عيونه حب العالم كله و قال •• هذا كثير   قليل يا ريم •• التفت إلى األم لو كان المقابل سعادتك فإن أكثر الكثير  

الفتــــاة مقبال ••قــال بمرح بسرعة قبل أن يجـــاري أمنيته و ينكـــب على : و بصوت عال

أتذوق الطعام أعتقد أن المناسبة تستحق احتفاال ، كما أنني جائع جدا ، لم   طيلة هذا اليوم فهل لديكم طعام أم أذهب للشراء ؟ دقت األم صدرها و قالت بسرعة : يا إلهي •• تشتري و لدينا أشهى طعام ألفضل األبناء؟ ••

: لكم •• حاولت ريم النهوض قائلة دقائق و أعده ••بل سأعده بنفسي يا أمي •• أوشك أن يندفع إليها ليعيدها للفراش  

: لكنه لم يفعل و اكتفى بمراقبتها و هي تسير بنشاط رغم ضعفها و تقول االحتفال •• طوقه قاسم بيده و توجها ال أحد غير األستاذ سعيد يستحق  

تحدثا معا عن مستقبل قاسم و نحو الصالة معا ••و في انتظار إعداد الطعام الطعام جاهزا بعد فرحة ريم و أخبار الوالد و لم يطل األمر كثيرا إذ كان

في كل دقائق و اجتمعت االسرة و معها سعيد يأكلون و يتحدثون و كان سعيد هذا فارس الجلسة و محط إعجاب و تقدير الجميع ، كان يشعر بسعادة فائقة

: روحه و همست كما أن المصائب ال تأتي فرادى فإن األفراح أيضا ريم تستحق •• *** و  

خطابا كتبه على عجل يشرح فيه أنه تأتي مجتمعة إذ بعد يومين أرسل االب تغطي مصاريف ريم موفق في عمله و أنه حصل على مكافأة من شأنها أن

بالمبلغ مع ما استطاع ادخاره خالل الشهور الماضية ، و أرفق برسالته شيكا باسم ريم منوها أنها لديها وثيقة رسمية تمكنها من إثبات شخصيتها و صرف الشيك و تمنى لريم النجاح و ألوالده التوفيق ، و كانت ريم قد كتبت إليه و

و إلى سهيل بأخبار نجاحها ، و اتفقت ريم مع أمها أن تذهب مع إلى تامر الشيك تحديدا لكي ترد له الدين بدون إحراج سعيد إلى البنك لصرف

طلبت منه مرافقة ريم إلى البنك ووافقتها أمها و أرسلت في طلب سعيد و

Page 126: رواية لاجئة

مدت يدها به إليه و فوافق بكل سرور ، و هناك و بعد أن صرفت ريم المبلغ : قالت بامتنان كبير

ألعطيت ، لو كان معي ما أعطيه لك و يستطيع حقيقة أن يعبر عن شكري   : لكن ال أملك غير أن أرد الدين ، تفضل •• بهت سعيد و صاح محتجا

دفعته لكي تسعدي •• قالت ريم ال يمكن ، لم أدفعه السترده يا ريم ،   : مؤكدة

المبلغ فهو و لقد أسعدتني فعال •• دائما كنت قادرا على إسعادي ، خذ   حقك ، لكنني لن أرد لك ما سببه موقفك لي و ألسرتي من سعادة فقد

ذاكرتي وسما لن يمحوه الدهر ، و لن أرد لك معه تقديري الكبير أصبحت في االنسان الوحيد في هذه الدنيا الذي يملك و يريد و شعوري بعظمتك و بأنك

شيء قيـــاسا على ما فعلت و ليتك سعادتي ، أرجــــوك خذه ، فهو ال سأكون سعيدة لو عادت •• تستطيع به استرداد أرضك التي بعتها من أجلي

لم يكن حقا إليك •• أرجوك •• مستسلما كعادته معها مد يده ، أخذ المبلغ ، يريده ، لكنه كان أسير رغبتها في هذه اللحظة ، لم يكن يريد أن تكثر من

: رجائه •• أخذ المبلغ و تعمد لمس كفـــها و هو يأخذه و همس لها فسار حتى حاذاها و سارا أحبك •• أرخت عيونها أرضا و سارت بسرعة  

إيقاع دقات قلب معا صامتين •• إال أن الدنيا حولهم كانت ترقص فرحا على انتظمت سعيد و ارتجافة قلب ريم •• *** و جاء الفصل الدراسي الثاني ، و

ريم في دراستها واثقة في نفسها ، متذكرة ما وعدت به أباها ، ماضية في حياتها ، و توطدت عالقتها أكثر ببسام و خالد اللذين ما انفكا يتابعانها ، شؤون

ما وسعها عن شلة الشــغب الجامـــعي ، ظـــلت تراسل أباها و و ابتعدت عليهم جميعا أخبارها باستفاضة و تتلقى أخبارهم عبر تامر و سهيل و تقص

ما لم تتوقعه األسرة عندما ضاعت إقامة الرسائل ، و في الوقت نفسه حدث ، و أصبح نزوله إليها األب في مصر بسبب عدم نزوله في الوقت المناسب

التحدي و من قبيل المستحيل ، و تلقت األسرة هذا النبأ بمزيد من الصبر و اإلصرار على مواجهة كل ما يعترضهم ، و تقرر أن تسافر األسرة إلى

عوضا عن مجيء األب عندما تتيسر األحوال •• و مضى التعليم السعودية بعد سنة ، و التحق قـــاسم بكلـــية الهندسة ، و بريم ناجحة متفــــوقة سنة

كان واعيا لما يتحقق مدركا ألهمية تضاعفت المصاريف على األب إال أنه النضال منذ رزقها الله مواصلة المشوار ، تسانده في ذلك زوجة اعتادت على

المصاريف زوجا فلسطينيا ، كما أن مكتب المنظمة قام مرة او اثنتين بدفع عن ريم و أخيها ، كما تولى أحد األمراء السعوديين دفع المصاريف للطالب

الفلسطنيين في أحدى السنوات ، فجاءت مكرمته هذه في وقتها لتنقذ الكثير المهددين بتوقف دراستهم لعدم دفعهم المصاريف ، و دخلت من الطالب

سعيد في حياتهم متقطعا يأتي ليحل أزمة أو سمر المدرسة ، و أصبح ظهور كل ذلك ملتزم تماما بما طلبته األم يقدم تهنئة ، أو يسأل عن االحوال ، و في

لو من بعيد •• و كانت منه ، حريصا على إحاطة ريم برعايته و حمايته و العام ، يرى األسرة تســـافر إلى السعودية كل عـــــامين في إجازة آخر

دراستــهم األب أوالده و يرى األوالد أباهــــم ثم يعودون إلى حيــــاتهم و

Page 127: رواية لاجئة

على أمل االجتمــاع مجددا بعد عامين •• من ناحية أخرى فقد تزوج سيــــد عندما تأكـــــد تماما أن ريم ال تــــريده ، و لن تتـــزوجه ، و استمرت

الجامعة مع ريم ، إال أن صداقتهما أصبحت أضعف مما كانت سوسن في من سنة إلى أخرى ، تحافظ كلتاهمـــا على سابقا ، و كانتا تنتقالن معا

الجيد و الجيد جدا •• و في مســـتواها ، ريم متفوقة و سوسن تتراوح بين عن وطنها و غضون ذلك لم تنس ريم هدفها ، لم تنس أنها مطالبة بالبحث

أنها يجب أن تجده ، و كانت سنين الدراسة قد فرضت عليها تصورا ثابتا عن الخطوة األولى باتجاه هذا الوطن و هي أن تدرس و تتعلم لكي تمتلك طريقة

الوطن و تعبر بها إليه ، خاصة بعد أن سافرت في رحلة إلى تعبر بها عن لمدة ثالثة أيام ، رأت فيها ريم للمرة األولى العريش و رفح نظمتها الكلية

الشائكة في الحدود بين البلدين ، عندما في حياتها أرض الوطن عبر األسالك ، و قفزت منه و هو يستعد اقترب الباص من المكان رفرف قلبها في صدرها

تخترق به للوقوف ، ركضت نحو السلك الشائك و أعطت لنظرها مداه علها المسافات لتصل إلى بيت في غزة وصفه إليها أبوها ذات يوم ، لكنها عوضا

ذلك لمست بنفسها ما تمنحه هذه الحدود الشائكة من عذابات ألناس عن رأتهم بأم عينيها ، كانوا جماعات كبيرة يتمسكون يعيشون على الحدود ،

الدم منها و هم ال يشعرون ينادون أحبة باألسالك حتى تقطعت أيديهم و سال األحبة النداء و يلوحون على الطرف الثاني و على بعد كبير وبدورهم يرد

يسكن كل بأيديهم إليهم فيما يرفرف العلم االسرائيلي على أبراج صفراء واحدة منها جندي معه بندقية مصوبة نحو المشاعر الملتاعة تحت ناظريه ••

يكن لريم أحد هناك تلوح له بيدها لكنها قبضت السلك مدفوعة برغبة لم : تحملت أشواكه أو لم تشعر بها و نادت باعلى صوتها سكنتها العمر كله ،

فعادت يا وطني •• لم يجبها أحد و ضاعت حروفها عبر المسافة الشاسعة   تنادي و هي تحكم قبضتها على السلك و انهمرت دموعها عندما غص حلقها

ألهلها ال تعرفها ، بحثت بسرعة في عقلها عن اسم تناديه لكن بأسماء : فعادت تقول بصوت جريح الذاكرة صارت فجأة بيضاء

: وطني •• شدها أحد الزمالء و همس في أذنها يا   تفضحينا ريم اهدئي ، هذا المكان ممنوع دخوله على غير المصريين ، ال  

: أرجوك •• نظرت إليه و دموعها تنهمر و قالت : إنه وطني دفعها أمامه و هو يقول  

هذه اللحظة تعيش في آمل أن تتمكني من زيارته يوما ظلت ذكرى   كانت كلما وجـــدان ريم لم تمحـــها كل األحــــداث الــتي مرت بها ، و

تذكرت هذه اللحظة دق قلبها بوجيب يشبه إحســــاسها آنذاك و تجمعت في ******عيونها سحابة حزن ال تمطر ، و تنهدت بحرقة

Page 128: رواية لاجئة

:الثالث القسم

تحمل ريم و عندما غادرت العبارة ميناء السويس متجهة إلى ميناء جدة أسرتها ، تركت ريم قطعة من قلبها هناك ، كانت الباخرة تبتعد بهم ببطء

مخلفة خيطا أبيضا طويال ينتهي على المرفأ حيث وقف سعيد يلوح لهم بيده ، مرتفعة تعلو على كل األيادي المـــلوحة ، ظـــلت ريم تلمحـــها ظلت يده

المــرفأ و اختفى الناس ، و تنهدت تاركة لدموع الوداع حتى عنـــدما اختفى :يسأل بلوعة العنان ، و عال داخلها صوت

من يجيب ، ترى هل سأعود ؟" و لم تسمع إجابة ، لم يكن هناك ثمة" فالوداع في حياتها دوما كان صنو الفراق الطويل •• عندما بدأت األسرة في

حزم حقائبها بعد انتهاء اإلمتحانات النهائية لريم ، كان هناك اتفاق ضمني أنهم لن ينتظروا الشهادة ، و ستبقى هناك رهن ظروف قد تفرج بينهم على

طي النسيان •• كان سعيد معهم في خطوات عنها أو ظروف تبقيها في اإلجراءات بروح ثقيلة و عيون السفر كدأبه دائما عندما يحتاجونه ، كان ينهي

بأوراق يمد يده بها مغلقة ، كان إذا جاء بعد إنهاء إحداها يستقبل أسئلتهم مرة بعد مرة تنبيء عن نجاح المهمة و ال يتكلم ، و يظل يعاود السؤال الوحيد

": " هل سأراكم مجددا ؟" و تجيب األم مرة بعد مرة : " اللقيا نصيب فيطرق برأسه و تسمع ريم تكسرات روحه ، و تلمح بعيون قلبها رفض ذرات

الرحيل النهائي و تقرأ في عيونه الرجاء الصامت فال تجيب و إنما كيانه لهذا ليلة السفراجتمعا سويا في صالون المنزل تبتسم مشجعة ، و في

يشغل قاسم قبل السفر ، تطلعت وحـــدهما ، كـــان ثمـــة ما يشغل األم و : إلى الحقــائب المكدسة عند باب البيت و تنهدت تقول

بعد سنين الملحمة •• رنا إليها بعيون من يصدق ، ها نحن نغادر أخيرا   : أضناها السهر و قال بصوت كسير

: قالت بحنان هل أنت سعيدة يا ريم ؟ تطلعت إليه و   رغم كل ما عانيته هنا حتى انتهى تعليمي فإنني أشعر •• أستاذ سعيد  

أهلي ، لن يغير هذه الحقيقة بعض إجماال أنني كنت في بلدي و بين قاسية مررنا بها ، كيف الصعوبات التي واجهناها ، و لن يمحو تعلقي بها محن

تعلمت الكالم أنسى مسقط رأسي ، أو أتــنكر لبـــلد نشـــأت فيه و كبرت و في وتلقيت فيه العلم ، صدقني يا أستاذ سعيد ، أنا أحب مصر حبا عظيما ، و

قلبي مكان لكل شخص عرفته يوما أحبني أو أبغضني •• و ضحكت بعصبية و : و تكمل هي تفرك يدها

مدير شؤون الطالب بالجامعة ، ال أحمل له ضغينة •• و حتى األستاذ شاكر   زمالئي في الجامعة ، صديقاتي ، بيتنا ، أعرف أنني سأحن إلى أيامه ، إلى

الذي سيرافقني إلى هناك •• شارعنا ، و حتى القمر الذي أعرف أنه الوحيد : تطلع إليها و همست روحه قبل أن يهمس بألم

Page 129: رواية لاجئة

: و أنا ؟ جلست بجواره و قالت بحرارة   لن يكون حنيني إليه شوقا عابرا ، الوحيد أنت ؟ أنت الكائن الوحيد الذي  

أنني سأتذكرك و أذكرك في كل الذي لن يغادر ذاكرتي ما حييت ، أال يكفيك ضاقت علي الدنيا و لحظة من لحظات حياتي ، إذا فرحت ، و إذا حزنت ، إذا

نمت إذا ابتسمت لي ،إذا تطلعت إلى القمر ، أو استيقظت في الصباح ، أو عند المساء ، إنك غال جدا يا أستا•• قاطعها ، وضع راحته على فمها بسرعة

: برجاء و همس اال أستحق هذا في اليوم األخير معا ، •• سعيد •• قولي سعيد فقط  

: بارتباك أرجوك •• انفلتت منه بسرعة و نهضت و قالت إحساسي بأنني لم أستطع موافاتك حقك يا •• أســـ ما سيعذبني هناك هو  

: إليه ثم قالت بسرعة •• أقصد يا •• ابتلعت ريقها و نظرت علت وجنتيها حمرة خجل و شعرت بحرارة الكلمة فاغمضت يا سعيد  

سعيــــد واقفا أمـــامها ، في عيــــونه حــب عينيها ، و عندما فتحتهما كان : تفلـــتهما و استمعت إليه و هو يقول الدنيا ، مد يـــده فأمسك يدها فلم

أريدك أن أعرف أنني أحببتك دوما و إنك لم تبادليني حبا بحب ، لكنني   تعرفي إنك الكنز الوحيد الذي وهبه الله لي في وقت كنت بأشد الحاجة فيه

هدية تنير طريقي ، صدقيني يا حبيبتي •• لم أعرف طريقي أبدا إال بعد إلى لم أعرف لهذه الحياة معنى إال عندما وجدتك تتربعين على أن أحببتك ، و

شريك ••و لن امتلك ناصية السعادة المطلقة إال عرش قلبي ملكة متوجة بال الدنيا •• ربما ليس اآلن •• ربما ليس حين يجمعنا الله سويا زوجين في هذه

أن يكون بين يديك •• غدا ، لكنني أسأل الله أنني عندما يحين قضائي يدها فتؤلمها وتكونين آخر من أرى يا ريم يا حبيبتي •• كانت يده تضغط على

، لكن لم يكن لديها القدر الكافي من الشجاعة لتسحب يدها •• كانت و تؤنب نفسها و قلبها الذي لم يشارك هذا المحب حبه ، كانت تعرف تسمعه

النهاية ، و لم تعرف بماذا تكافيء صدقه ، و ال كيف أنه صادق ، صادق حتى نفسها أمرا تنفذه قبل رحيلها بدقائق ، و توفيه شكره ، إال أنها أضمرت في

توجهوا الى الباخرة تمهلت قليال و هكذا عندما سلموا جميعا السالم األخير و ستحملها في الباخرة معها و تركت لوحة مغلفة بجواره كان الجميع يعتقد أنها

: عندما نبهها قاسم إلى أنها نسيتها ، لكزته و قالت كانت لوحة "الجئة " األصلية التي رسمها •• لم أنسها •• إنها هدية لسعيد  

بعد انتهاء اإلمتحانات في اليوم لها يوما الدكتور محمد و أعطاها هدية لها المعرض الدائم و بعد األخير بعد أن ظلت طيلة األعوام األربعة تزين جدران

أن أن حازت على إعجاب كل النقاد ، و كتبوا عنها في الصحف ، و رغم الدكتور محمد أعطاها لها و أوصاها أن تحافظ عليها بعد أن ظلت ترجوه أن

إياها منذ رسمها ، فقد وجدت أنها عند سعيد ستكون بأمان أكثر ، يعطيها إلى هذا القرار و كتبت عليها من الخلف " إلى سعيد ووجدت نفسها مرتاحة

عندما اختفت الباخرة من أمام سعيد •• أنزل •• الواحة اآلمنة للالجئة ريم و كسيرة ، ملتاعة ، اصطدمت قدمه ذراعه المودعة ، و استدار ليغادر بنفس

من مناداة ريم باللوحة المغلفة •• رفعها و استدار بسرعة كأنه سيتمكن

Page 130: رواية لاجئة

ليعطيها ما نسيت ، ، لكن الباخرة كانت قد ابتعدت بريم ، حمل اللوحة كشيء غال ، أحتضنها و غادر الميناء •• *** سطح الباخرة كان المكان

دائما في سفراتها إلى السعودية عندما كانت تذهب لزيارة أبيها المفضل لريم بينها و بين السطح موعد دائم ال تقطعه إال سويعات ، و في هذه الرحلة كان المخصصة لهم ، و في الفجر كان ركاب السفينة قد النوم القليلة في الكابينة

ترسم فيها الشروق كما تراه من ألفوا منظر ريم و هي منكبة على لوحة سنوات الدراسة ، و هناك ، كانت خطوط ريم قد اكتسبت قوة و مهارة بعد

قيمة كبرى ، كان اتجاهها نحو الواقعية رغم ما واجه من انتقاد يعطي للوحاتها و قد استطاعت خالل سني دراستها أن تحصل على العديد من الجوائز في المعارض المشتركة و كان حلمها أن تصنع معرضا خاصا بها في يوم من

على ذلك الدكتور محمد الذي كان يشيد دوما بموهبتها و األيام و قد شجعها لتبني معرض شخصي لها إن هي أرادت ، أخبرها قبيل سفرها عن استعداده

لريم مع مرور الزمن إال أن السفر أجهض هذا الحلم مؤقتا •• و أصبح تستطيع أن طقوسها الخاصة و عاداتها التي ال تفارقها عند الرسم ، فهي ال

ترسم إال لو كانت إحدى الفرشات بين شفتيها في وضع مستعرض ، كما أنها أصبحت تلقائيا ترتدي اللون األزرق إذا قامت لترسم ، و سميت مجازا لهذا

زمالء الجامعة " ذات الرداء األزرق " و كانت تختبر مزيج األلوان السبب بين أن تضعه في لوحة االلوان •• لذا فقد كان منظرها مثير على ظهر كفها قبل

عند الفجر على سطح الباخرة ، أما للتأمل و هي ترسم لوحة الشروق بـــذلة الرياضة و يمارس بعض المتــــأمـــل فقد كان رجــــال خمسينيا يرتدي

كثيرا و لم تشعر به السويدي على السطح ، استوقفه منظر ريم ، فاقـــترب مزج لون تأمل المنظر و شدته براعتها و دقتها في تصويره و عندما بدأت في

الشروق على كفها ثم استقرت على اللون النهائي و بدأت في وضعه على : قال بسرعة اللوحة

أفضل •• ارتاعت ريم فنظرت بسرعة لمحدثها و لو أنه أغمق لكان   : بسرعة أوقعت الفرشاة من بين شفتيها و قالت

الرحيم •• ضحك الرجل و هو يضرب صدره يستنشق بسم الله الرحمن   : متتابعة قال الهواء كأنه يشــربه و يقفز قفزات

: أفزعتك ؟ كزت ريم على شفتيها مغتاظة و قالت آسف •• هل   : أال ترى ذلك ؟ فقال باسما  

نفسي آسف مرة أخرى ، أنا عبد الرحمن ، رجل أعمال سعودي ، و اعتبر   من متذوقي الفن التشكيلي ، لذا أقترح أن تزيدي درجة هذا المزيج اللوني

مع وقت اللوحة ••ال تنسي ، مازال الليل يجمع فلوله •• تأملت ليتناسب النظر في اللون الذي اختارته لسمائها فوجدت أنه على ريم لوحتها و دققت

: حق أومأت برأسها و قالت دكنة •• شرعت فورا في إضافة قطرة معك حق •• البد أن يكون أكثر  

عندما خطت بفرشاتها على من اللون األسود على المزيج فأصبح أكثر دكنة و أخذ يتأمل اللوحة بدا اللون مناسبا •• توقف عبد الرحمن عن رياضته و

اللوحة و قد شارفت على اإلنتهاء صامتا ، كانت ريم قد أعادت الفرشاة

Page 131: رواية لاجئة

األخرى إلى فمها و بدأت تركز مجددا فيما تعمل حتى أنها نسيت أمر الرجل خلفها وبعد قليل ، رفعت الفرشاة من فمها و تنهدت بارتياح الواقف بهدوء

: قائلة ، شكت للحظة أن تكون واهمة ، الحمد لله ، انتهيت •• ألتفتت فلم تجده  

كان العشاء هو •• *** أسرعت فرفعت أدواتها و نزلت بسرعة إلى الكابينة الوقت المفـــضل لدى ريم ، إذ أنهــــم كانوا يتوجهــــون إلى مطــعم الباخرة و ينعمون بطلب المأكوالت البحرية التي يجيد المطعم صنعها

أنغام موسيقى هادئة يوفرها المطعم لمرتاديه ، و ألن ريم فيأكلونها على الجو يمنح خيالها بعدا آخر ، و لم تكن أمها أو أحد فنانة أساسا فقد كان هذا

الخيال و الصمت الذي تمارسه اختيارا بمجرد إخوتها ليقطع عليها إغراقها في ارتدت ثوبا بسيطا أنيقا و رفعت استرخائها على مقعدها •• و كانت ريم قد

األسرة من تناول وجبتها شعرها فبدت أكثر وقارا و أكبر سنا •• عندما انتهت النادل إلى فوجئوا بأن حسابهم مدفوع ، و عندما استفسروا عمن دفعه أشار

عبد الرحمن الذي كان طوال الوقت في الطاولة التالية لهم ، رفضت ريم المكرمة و أعطت للنادل نقوده و طلبت إليه أن يرد النقود إليه ، نهض هذه

: توجه إليهم و حياهم بهدوء ، فقالت ريم شبه غاضبة عبد الرحمن و كرسيا و نرجو أال تكرر ما فعلته ثانية يا أستاذ عبد الرحمن •• فسحب  

: جلس دون دعوة منهم قائال هدف أبدا لم الغضب يا آنسة ، إنني رجل أعمال ، و ال أبعثر نقودي دون  

•• بدا على األم عدم الفهم و نظرت إلى ريم و قبل أن تسألها أجابت ريم : بسرعة

الرحمن ، رجل أعمال سعودي ، تعرفت إليه عند أمي إنه األستاذ عبد   هذه أمي ، و هذا أخي •• الفجر اليوم بينما كنت أرسم لوحة الشروق

و قدم تحيته قاسم ، و هذه أختي سمر •• ابتسم األستاذ عبد الرحمن للجميع : الخاصة لكل منهم ثم قال

••آنسة ريم ، لقد أعجبتني لوحتك و أنا على استعداد لشرائها منك   : فوجئت ريم بطلبه •• فنظرت إلى أمها و قالت

في الحقيقة •• في الحقيقة •• ال أعرف •• لم يسبق لي بيع إحدى   : لوحاتي ، و هو أمر جديد كليا •• ضحك رجل االعمال و قال لألم

: تردد أحضرينا يا ماما •• فقالت األم بعد   ، هي لوحتك على أية حال •• لمس رجل األعمال األمر يعود لك يا ريم  

بطاقة تحمل اسمه و أرقام هواتفه و ترددهـــــا في اتخاذ القرار فأخــــرج ريم البطاقة و راقبته و دعاها إلى االتصال به عندما تستقر على رأي ، أخذت

ابتسامة كبيرة و هو يبتعد و نظرت إلى امها و إخوتها و فجأة مألت وجهها : همست

الحياة العملية قد بدأت •• *** وصلت الباخرة إلى ميناء جدة و بعد إنها   اإلنزال و إنهاء اإلجراءات غادرت األسرة الميناء في سيارة عدة ساعات من

، كان الجميع سعيدا و تناثرت عبارات األشواق و األب ذات الموديل القديم األحوال و أخبار المعارف و األصدقاء •• التحيات و الحكايات السريعة عن

Page 132: رواية لاجئة

لعرض رجل األعمال ، فهي قد كانت ريم تشعر باسترخاء كبير و سعادة فائقة تبشر بخير وفير •• و جاءت لتبدأ حياة جديدة ، و البداية حتى اآلن مطمئنة و

لم تأكل عندما تحلق الجميع حول مائدة العشاء كان الحديث كله لريم التي قدر ما تكلمت ، و حكت ألبيــها ماحــدث معهم في الباخرة و ما تشعر به

: ذلك ، و سألته عن رأيه فقال إزاء األوضاع يجدر بك أن تتأني قبل اتخاذ أي قرار •• عليك أوال بالتعرف على  

هنا و نمط المعيشة فليست السعودية كمصر ، هناك فروق جوهرية و آمل أن تجدي نفسك هنا •• و كانت ريم تعرف من ستلمسيها بنفسك

العربية السعودية الخصوصية التي تتمتع خالل زياراتها السابقة إلى المملكة تماما ذلك البون الشاسع بين بها البالد و تختلف عن أي بلد آخر •• و تدرك

أبيها جيدا و قدرت حياتها في مصر و حيـــاتها في السعودية ، لذا تفهمت رأي جل له ما قاله و تساءلت عن البداية و كيف ستكون ••• كانت ريم تمضي

يومها في الرسم ، و كانت الحياة معها تسير على وتيرة واحدة ، تستيقظ في فتتبادل مع أمها األحاديث و األعمال المنزلية حتى يأتي األب من عمله الصباح

حول الغــــداء و يتبادلـون الحـــديث و من ثم يأخذ الجميع فيتحلق الجميع يتجه األب إلى عملــــه ثانية و تبدأ األم في متابعة قيلولتهم و عند الخامسة تستغرق ريم في الرسم حتى يعود االب •• و كان البرامـــج التــــلفازية و

التغير المفاجيء الذي حدث معهم يمكن أن تظل حياتهم على هذا النسق لوال العاصمة ، و لم يكن عندما قرر كفيل األب أنه بحاجة لخدماته في الرياض

وراء بوسع األب أن يرفض هذا القرار فهو في البداية و النهاية يسعى عيشـــه و عيش أسرته وفــــق المتــــاح ، و هكذا لملمت األسرة حاجياتها و

انطلقوا إلى الرياض بعد أن سافر قاسم إلى مصر إلتمام تعليمه في كلية بالنصائح و الدعوات •• يرافقه قلق األب و األم على غربته الهندسة مصحوبا

استطاع األب أن يجـــد سكنا عائليا رخيصا في وحيدا •• *** في الرياض أن تعيش فيها أسرة سعودية ، كانت منطقة يتجمع فيها األجانب و من النادر

جنسيات عديدة من سوريا عمارة سكنية قديمة يعيش فيها أخالط مختلفة و التعرف و السودان و مصر و اليمن ، استقرت األسرة في شقتها و بدأت في

على جيرانها فاختلفت قليال يوميات ريم إذ بدأت في االختالط بجيرانها و التعرف من خاللهم أكثر على مجتمع الرياض و فــــرص العمل و الحياة فيه ،

موهبة ريم أمر رئيسي في اتســـــاع رقعة معارفها هناك ، إذ تبــادل و كانت المعارف أنباء هذه الفنانة فكانت تتعرف كل يوم على وجه األصـــــدقاء و

طلباتهن بترحيب كبير خاصة عندما يتعلق األمر نسائي جديد و كانت تستقبل لم تكن تتقاضى أي أجر على برسم وجه طفل لهذه ، أو طفلة لتلك ، و

مرور الزمن •• و عملها إذ كانت تعتبره من قبيل تمرين اليد حتى ال تصدأ مع في غضون ذلك استطاعت ريم أن تتعرف أكثر على الجو العام للمدينة من خالل الصحف و المجالت المحلية التي كانت حريصة على تصفحها و قراءتها

األب مساء� •• في ذلك الوقت تحــــديدا بدأت انتفاضة أطفال عندما يأتي بها كـــانت الصحف و المجالت و نشرات األخبار الحجارة في فلــــسطين و

مع أبيها أكثر المهتمين بالحديث مليئة دوما بأخبارهم و صورهم ، و كانت ريم

Page 133: رواية لاجئة

استطاعت المشاركة حول هذا الموضوع صباحا و مساء� و كم تمنت ريم لو عبر في دعم اإلنتفاضة المباركة بأي عمل وواتتها الفرصة عندما شاهدت

مجلة الخدمات المرئية في التلفاز السعودي دعوة من جمعية الثقافة و الفنانين العرب لإلشتراك في معرض عن أطفال الحجارة ، الفنون لجميع

موجهة لها شخصيا ، فوظفت طاقاتها الفنية شعرت للحظة أن هذه الدعوة عندما انتهت كان ما رسمته لهذا العمل ، و شرعت فورا في الرسم •• و

يرتجف •• و جميال بحق فقد رسمت صورة طفل يقتلع جبال ليقذف به عدوا إرسالها اتصلت ريم على الجمعية و أخبــرتهم بأن لديها مشاركة ، طلبوا إليها

مع أبيها و انتظار ردهم •• و لم يتأخر الرد و ذات صباح حمل إليها رنين الهاتف البشرى بقبول لوحتها ضمن أعمال الجمعية المتميزة ، و علمت فيما

المعرض سيشارك في أكثر من دولة على مستوى العالم دعما بعد أن هذا المساء عندما جمعتهم الجلسة بعد العشاء لإلنتفاضة الفلسطينية •• في

: تنهدت ريم و قالت دون أن تخص أحدا بكالمها يكن أيا منهم يملك الرد ، إال أن األم و بعد ؟ عم الصمت الجلسة فلم  

: قالت بعد فترة لم تجد لما ال تقدمين أوراقك للعمل في أي مدرسة كمعلمة رسم ؟  

: الفكرة قبوال لدى ريم إال أنها قالت بعد و لم ال •• و لكن هل نسيت شهادتي يا أمي ؟ إنني لم أحصل عليها  

: •• تنهدت األم وعادت للصمت فقال األب يؤسفني يا ابنتي أنني لن أتمكن من تسديد مصاريفك للحصول على  

الشهادة فالمبلغ الذي يحتاجه قاسم كل عام ضعف المبلغ الذي تحتاجينه و الحصول على مال يكفي الجميع ليس قبل عامين عندما ننتهي ليس بمقدوري

: و قالت ألبيها من تعليم قاسم •• ابتسمت ريم عانيت يا حاج ، كان علي أنا أن أدبر المبلغ ، لكن كما ترى ال يكفيك ما  

: مؤهلي •• فقالت األم على الفور يوجد عمل لمن تحمل ريم ألم تعرض عليك جارتنا السودانية أمل عمال قبل يومين •• أجابت  

: قالت مستنكرة و العمل في سوق نسائي كبائعة طوال اليوم ليس بالعمل الذي يا أمي  

أتقن فنون البيع ، باإلضافة إلى أن أجرة هذا العمل يناسبني ، ال تنسي أنني ال بعد يوم عمل في السوق لن أتمكن من ضئيلة جدا قياسا على تعبه ، إنني

: الرسم ساعة واحدة •• هزت األم رأسها و همست : أمر الله •• فقال األب  

، لم نعلمها لتصبح بائعة •• فقالت األم و أتركي ريم في حالها يا سميحة   : هي تتأهب للدفاع عن وجهة نظرها

على القدرة إال الله ، و هذا هو المتاح اسمع يا جهاد و أنت يا ريم ، ال يقدر   صحيح هو قليل لكنه حتى تستطيعي تحرير شهادتك من الجامعة بمصر ،

أخرى عندما يدخر سوف يكون المبلغ المطلوب ، هذا من ناحية ، و من ناحية العمل في السوق سوف يجعلك تعرفين أناسا جددا و مستويات مختلفة وقد

يوما ، ال شيء بعيد على الله ، بدال من هذه الدائرة المفرغة تجدين فرصتك

Page 134: رواية لاجئة

نعرف طريقا للخروج منها •• بدا االقتناع على وجه ريم ، التي ندور فيها و ال : و نفث األب دخانه و قال

: شديد القسوة •• تنهدت ريم و قالت يبدو كالما منطقيا •• لكنه   التحقت ريم •• *** ال نملك إال المضي فيه ، غدا أكلم أمل إن شاء الله  

بالعمل مطلع األسبوع التالي مباشرة ، و كانت قد قابلت صاحبة السوق النسائي مقابلة شخصية و قبلتها المرأة بعد أن عرفت ظروفها و تقرر لها أن

رياال سعوديا058كبائعة في محل لألدوات المنزلية براتب شهري قدره تعمل األول لعملها عرف الجميع موهبتها عندما أعادت ترتيب •• و في اليوم

استخدمت ابتسامتها الساحرة في استقطاب األدوات المتناثرة بذوق عالي و إنها كانت ال ترى إال منكبة عميال ت للمحل و انشغلت بعملها الجديد حتى

المنزلية من على لوحات ورقية تكتب عليها ما يتميز به محل األدوات تخفيضات و فرص ذهبية للمشتريات •• و ذلك المساء عندما عادت ريم من عملها كان يبدو عليها الملل و الرغبة في البكاء فسارعت األم إلى إعطائها

من ليبيا باسمها و أحضرها األب معه ظهرا ، أمسكت رسالة وردت : المظروف و قالت بال مباالة

الرسالة قليلة و مقتضبة و فيها خبر واحد إنه من سهيل •• كانت كلمات   شهرين للعمل في الرياض بعد هام هو أن سهيل سيأتي إلى السعودية بعد

في الرسالة أن توفرت له فرصة عمل كان ينتظرها •• أبلغت ريم أمها بما : فقالت األم

: ما بك ، فلن أسألك •• قالت ريم أعرف   العبارات يكاد الملل يقتلني ، نفس العمل بنفس الطريقة كل يوم ، حتى  

التي أتبادلها مع زبائني هي نفسها ، البضائع متشابهة و الوجوه متشابهة ، و أصابعي أصابها الصدأ ، هل تعرفين يا أمي منذ متى لم أرسم ؟ قالت األم و

: هي تنصرف جائعة •• تنهدت ريم و استلقت على فراشها سأعد لك العشاء ، البد أنك  

: و همست ريم كم أتوق الى التغيير •• *** لم تكن األم بحاجة إلى أن تسمع من  

أحوالها ، فهي على اطالع دائم على يومياتها ، تعرفها منها و تكاد تحفظها ، و تعلم أن ابنتها هجرت الرسم ألن عملها يتطلب منها الوقوف على قدميها هي

و إرهاقها خالله كان يدفعها إلى الفراش دفعا بمجرد عودتها الساعات الطوال تواجه لوحتها إال لتخط عبارات دعائية مزخرفة األركان ، تعلم أن ريم لم تعد

ثالثة شهور ، و تعلم أن ريم غير راضية عن و الحواشي منذ ما يقرب من تتـــحدث مع ريم في هــــذا عملها هذا ، إال أنها عاهدت نفسها على أال

حد المأساة ، كانت الموضوع لئال تثبط همتها و تدفعها الجترار ضيقها فيتضخم منذ ثالثة األم ترى أن هذا الوضع بداية انفراج رغم ما يكتنفه من ضيق ، فهي

شهور تجمع راتب ريم و تضعه في علبة داخل خزانة مالبسها و ال تمد يدها قرش فيه رغم احتياجهم أحيانا إلى بعضه ، و رغم إصرار ريم على أن إلى

مصاريف البيت ، لكن األم كانت ترفض و تجبر نفسها و يساهم راتبها في و أصـــبحت ريم تتجــــاهل كونها في ابنتها على عدم صرف أي قرش منه ،

Page 135: رواية لاجئة

تعمل مؤقتا من أجل سوق و تتعرض لمغريات شراء عالية كل يوم فهي ناحية هدف واحد و ال بد من تحقيقه مهما كلفها األمر من صبر •• هذا من

ريم ، أما سمر و التي كانت قد بلغت العاشرة من عمرها فقد تمكنت األم الحاقها بمدرسة إبتدائية في حيهم الستكمال دراستها التي بدأتها في من

قد أرسل إليهم بانتهاء الفصل الدراسي األول للسنة مصر ، و كان قاسم كانت االسرة ال تستطيع تحمل نفقات سفره الثالثة بكلية الهندسة ، و لما

أن هذا األمر وقف أمامه عائق فقد تقرر أن يظل في مصر فترة االجازة ، إال و إذا مرت ستة االقامة فلقاسم إقامة في مصر و إقامــــة في السعودية

شهور على أي اإلقامتين دون أن يدخل صاحبها البالد سقطت و تعذر عليه العودة مجددا ، لذا فقط اضطرت األسرة إلى ضغط نفقاتها و استعمال بعض

لكي يتمكن قاسم من الحضور بواسطة الحافلة إلى من مدخرات ريم أمورها و استجابت لظروفها متقبلة كل الرياض ، و بدا أن األسرة قد نظمت

سالحا ضد مستقبل مجهول ما يجري عليها في سبيل أن يحمل كل فرد فيها استقباال خاصا ، •• *** عندما جاء قاسم في زيارته القصيرة استقبلته ريم

قصة فربما كان مجيئه يحمل تغيرا تتوق إليه و لو في شكل خبر مفاجيء ، أو طريفة ، أو حتى خبر محزن ، المهم أن تتحرك مشاعرها سلبا او إيجابا ،

مازالت تعيش •• كان قاسم متفهما تماما لما تشعر به أخته ، لتشعر أنها الوثابة ترفض الرتابة ، و تتحرى مواطن التحدي فهو يعــرف أن روحها

العربية السعودية تتسم بالوداعة و التكرار لتقتحمها ، و الحياة في المملكة تعمل في غير مجالها ، لذا خاصة لمن في مثل ظروفها تحمل روح فنانة و

: بلهفة عندما انتهى بهما المطاف آخر اليوم وحدهما قالت له ريم حدثني عن زمالء الجامعة و عن سعيد و عن حدثني عن أهل مصر ،  

المحالت و المواصالت و سوسن و حتى عن سيد ، حدثني عن الشوارع و مطبخنا و عن السماء و األرض و الحواري و بيتنا ، حدثني عن غرفتي و عن

منظر القمر من نافذتي •• حدثني يا قاسم عن كل شيء مهما بدا تافها في نظرك فإنه يعنيني ، يهمني •• قل يا أخي ، قل •• ابتسم قاسم متفهما و

الذي يشبه شارب أبيه قد فرض على شخصيته وقارا كبيرا كان شاربه الكث : و قال

األخبار التافهة ، إنه الملل ، أنت اسمعي يا ريم ، أنا أعرف علة شوقك إلى   تستطيعي أن تخلقي منه لم تستطيعي بعد أن تتكيفي مع الوضع هنا ، لم

أختي و أنا واقعا تتعايشين معه ، التقصير منك يا ريم ، أعذريني ، لكنك : منزعج من الحالة التي وصلت إليها •• و تهز ريم رأسها و تقول بألم

لكنني ال أملك تغير واقعي ، كل ما حلمت أنا أعرف أنك صادق فيما تقول   محل لألدوات المنزلية ، أسعى من به أنهار فجأة ، أنا في النهاية بائعة في

ذاك هو ما أتمنى ، أجل تحرير شهادة ألعمل بها معلمة رسم ، ال هذا و ال أفعل يا أصابعي عالها الصدأ لم أرسم شيئا منذ ثالثة شهور أو يزيد ، ماذا

أخي ، ماذا أفعل ؟ نهض قاسم من مكانه و تصفح بسرعة حامل الرسم ، ورقات بيضاء فوق لوحة الشروق التي رسمتها على ظهر الباخرة ، وجد عدة

: قال لريم أزاح الورقات البيضاء و

Page 136: رواية لاجئة

خالل هذه الشهور مثلما دفنت الشروق خلف هذه األوراق ، لقد دفنتي ريم   سؤاال بال إجابة ، يعذبها البحث عنه ، و يقويها أين ريم التي كان الوطن عندها

مساحة تفكيرك و اهتمامك يا ريم ؟ •• البحث عنه ، أين الوطن اآلن في كل ما قال و لكن ماذا نكست ريم رأسها أرضا و لم تجب ، صدق أخيها في

إلى قاسم تفعل ، هذا السؤال بدا عميقا في عيونها و هي ترفعها متسائلة : ••عاد قاسم فجلس بجوارها ، أمسك يدها و قال

ترفضين ريم البائعة ، ريم ، كوني عملية أكثر ، أنت تريدين ريم الفنانة ، و   المتاحة ، أنت أو معلمة الرسم ، إذن اسعي في طريق ذلك ، وفق إمكانياتك

في سوق نسائي ، مجال الديكور المنزلي و لوحات الحائط فيه سيكون من األسواق المفتوحة ، ألن الفن يتطلب عيونا متأملة و فنانا يقدر ما أفضل

ابدئي بركـــن في المحــــل الذي تعمــلين به و عندما يتيسر لك يقوم به ، استئجار محل خاص بك ، حاولي أن تقدمي خدمة دخل مناسب حاولي

فقط ، ادرسي السوق و متميزة ، ال تقصري نشاطك على رسم اللوحات تفهما و احتياجات الناس و ابدئي فورا •• هل تفهمين ؟ أومأت ريم برأسها

: لكنها قالت متى يا أخي ، إنني أعمل يومـــيا في المحل مــنذ الرابعة و النصف و لكن  

النصف أعود منهكة أريد فقط أن أنام ، و في الصباح ال يشجع حتى التاسعة و فالحرارة مرتفعة و المنزل مطروق و الجارات يزرننا و الجو على العمل ،

، إذن متى يمكنني عمل أي شيء خالق و أعمال المنزل العادية تستغرقنا : كيف ؟ فقال قاسم بعد فترة صمت

دوما أن تفعلي ، إنها مشكلتك و لو أنك أردت الستطعت ، كان بمقدورك   أن يكون لديك أنت من يجب أن يحلها •• خططي لهدف ، هذا هو األهم ،

هدف ، يمكنك أن تجعليه على مراحل كل مرحلة هدف لكي تصلي إلى األكبر في النهاية ، المهم لوني حياتك ياذات الرداء األزرق •• تركها الهدف

كثيرا الليلة بسبب عودة مضى ليستريح ، كانت قد سهرت قاسم في حيرة و نائمة قبل ساعات من اآلن ، لكنها عوضا عن قاسم ، و كان عليها أن تكون

إليه مليا ، داعبت بأصابعها أركانه و النوم ، اتجهت إلى حامل الرسم ، تطلعت ، كانت تشعر بحنين إليه ، زواياه ، غطته بكفها و دارت بها على كل الحامل

البيضاء ، احتضنتهم مدت يدها و أمسكت فرشاتها ، علب األلوان ، اللوحات : ما وسعــها و قالت بصــوت دافيء ، كأنها تشده من الماضي

عندما استيقظ األب لصالة الفجر ربط بين •• كم أشتقت إليكم يا أعزائي   : و همس الضوء في غرفة ريم و عودة قاســم ، هز رأسه

سرقتهما •• لكنه عندما دخل الغرفة لم يجد قاسم ، البد أنها الحكايات   نائمة ، الفرشاة مازالت بين شفتيها ، و وجد ريم أمام حامل الرسم ، كانت

ذراعها المدالة •• توجه إليها الفرشاة التي ترسم بها على األرض بجوار شدته ، تأملها كانت عبارة بهدوء إليقاظها ، لكن اللوحة التي كانت تعمل فيها

سحابات بيضاء عن منظر ضبابي لعيون تتطلع بشغف نحو األعلى من خالل كثيفة تغطي تالال بعيدة ، للحظة داخل األب إحساس بأنه يعرف لمن هــذه

: العيون ، همس بإعجاب

Page 137: رواية لاجئة

:الله •• انتبهت ريم من غفوتها فزعة ، وعندما رأت أباها همست •• الله  

: اللوحة أبي ••؟ قال األب و هو مازال يطالع   عدت من غربتك مجددا •• أفاقت تماما و استوعبت مرحى يا ريم ، لقد  

: قالت المعنى وراء العبارة ، ابتسمت بهدوء و •• إن هي إال محاولة  

: نهضت ريم و هي تقول •• ناجحة ، ناجحة تماما يا ريم   على الفضل بعد الله لقاسم ، كم كنت بحاجة لمن يذكرني بأنني مازلت  

: قيد الحياة •• قال األب و ابتسامته تنسحب و إحساس بالذنب يلفه عن نفسك •• بسرعة و حنان غلطتنا يا ريم ، نحن من شجعنا اغترابك  

: ردت ريم ، ال يمكن ال تقلها يا أبت ، بالعكس لقد استفدت كثيرا من الفترة السابقة  

أن أظل بعيدة عن الواقع ، و أعيش في جزيرة أحاسيسي فقط ، كان البد معاشرة الواقع ، من معرفة العالم من حولي ، الخطأ الوحيد هو أنني من

قاسم أرشدني و أعتقد أنني األن اكثر قدرة على تحويل عرفت و لم أتعلم ، تتيح لي اإلستفادة منه في ضوء إمكانياتي واقعي إلى الوجهة الصحيحة التي

: •• تطلع إليها األب بفخر و قال باشفاق : كبرت يا ريم •• ابتسمت و قالت  

البد من التغيير على أية حال •• *** في •• لم أعد ريم الصغيرة يا أبي   ما اتفقت عليه مع أخيها ، إذ شرعت اليوم التالي بدأت ريم مباشرة في تنفيذ

التي ترسمها ووضعت في اعادة ترتيب المحل و فرغت ركنا خاصا للوحات حامل رسم خاص في زاوية منه ، و لم يمض يومان حتى كان هذا الركن الخاص من أجـــمل األركان في المحل و أكثرها اجتذابا لزائرات السوق ،

لنفسها متعة أخرى عندما بدأت بعض السيدات في سؤالها عن ووجدت ريم كانت تشرح بحماس و تقدم خالل شرحها معلومات المعنى اآلخر للوحات ، و

كثيرة كانت دهشتها عظيمة عندما إضافية عن قيمة العمل األصلي ، و أشياء عـــلى الشراء بعـــد ضبـــطت نفسها تقولها ، إذ أن إقبـــال السيدات

آخر غير الحديث معــــها و اتفاقهن على لوحات أخرى لم يكن له من معنى أنها نجحت •• استرعى الزحام غير التقليدي على محل ريم انتباه زميالتها

بالسوق من مختلف البائعات ، و عندما استطلعن األمر و عرفن الخبر وجدت من تترك عملها و تذهب إليها خصيصا لتخبرها أن ريم تعمل صاحبة األسواق

الذي تقف فيه ، و يبدو ان طريقة توصيل هذه لحسابها الخــاص في المحـــل صاحبة األسواق إلى استدعاء ريم على المعلومة كانت قوية بالقدر الذي دفع

: عجل و مبادرتها فور دخولها محلي ؟ فوجئت ريم بالمباشرة ريم هل أفتتحت لنفسك ركنا خاصا بك في  

الســــؤال علــــيها و في السؤال فــلم تعلق مـــباشرة ، فأعـــادت المرأة : أمهلتها حتى استجمعت شجاعتها و ردت عليها قائلة

التشكيلي فهذا صحيح •• قالت صاحبة إذا كان ما تقصدينه هو ركن الفن   : األسواق بحدة

Page 138: رواية لاجئة

فقالت هل تعرفين معنى أن تفتتحي لنفسك ركنا خاصا بك دون علمي ؟   : ريم بدهشة

: بي ؟ فقالت المرأة ركنا خاصا   هو ركن تجاري يعود بالنفع عليك وحدك ، هكذا و بدون استئذان بالطبع ،  

؟ في سوقك ، أم أنك صدقت أن المحل لك ؟ حتى •• أين تعتقدين نفسك : قالت ريم و قد أربكتها لهجة التأنيب الحادة

أعتقد في أية لحظة ما تقولينه ، و ال يعدو األمر يا سيدة أم سعد ، أنا لم   و تستقطب له زبائن أكثر ، و هذا ما تنفيذ فكرة تعود بالنفع على المحل

: حدث و قالت حدث بالفعل •• هزت أم سعد رأسها رافضة تفهم ما تكوني أمينة على المحل الذي وضعتك فيه ، لذا أطلب إليك ريم أنت لم  

تعودي إليه ثانية •• كانت الدموع تتدافع من بهدوء أن تغادري المحل و ال ، و تذكرت مثل هذا الشعور و عين ريم و هي تشعر بمذلة و إحباط كبيرين

مقتنعة أن ال كم مر بها في مناسبات سابقة ، غادرت منزل أم سعد و هي حظ لها أبدا في هذه الحياة •• توجهت إلى السوق ، لملمت أغراضها و أغلقت دكانها و سارت بهدوء بين عيون الزميالت اللواتي تعاطف بعضهن

معها مواسيات مستفسرات مستنكرات و تحدثت إحدي معها و تحدثن : البائعات قائلة

على هذه الخطوة يا ريم •• أنت كان من واجبك استشارتها قبل اإلقدام   قالت بسرعة و مخطئة طبعا •• من أقصى السوق جاءتها عميلة تركض ،

: هي تلتقط أنفاسها إيجابا لم أصدق ما حدث ، هل حقا أنت راحلة ؟ ابتسمت ريم و أومأت  

: فقالت المرأة يمكن أن آخذ رقم هاتفك ، سأحتاج موهبتك قريبا •• أعطتها ريم هل  

لم تعد إليه ثانية •• *** كان قاسم أكثر أفراد الرقم و غادرت السوق و نفسه سببا مباشرا فيما حدث و قال اسرتها تألمــا مما حدث معها و اعتبر : لها

كان يجب ان نتدارس المشروع من كافة جوانبه ، لقد أغفلنا أهم   الجوانب ، صاحبة السوق من حقها أن تعرف ، و لن يكون ظلما لو أخذت

:أيضا ، فالمحل محلها •• قالت ريم و هي تغص بدموعها نسبة من المبيعات

للتفاهم لم تترك لي فرصة ألشرح لها حسن نيتي ، لم تدع لي مجال   معها ، كانت قاسية جدا ، للحظة اتخذت مالمحها مالمح كل من ظلمني يوما

أنا فاشلة ، ال حظ لي في هذه الحياة •• قالت األم و هي تراقب ريم•• : مغتاظة

وشاية •• رفعت ريم رأسها و قالت إنها وشاية يا ريم ، البد في األمر   : مستنكرة

جيدة و ال وشاية ؟ و لماذا أتعرض لوشاية من أحد ، إن عالقتي بالبائعات   : أعتقد أن إلحداهن مصلحة في طردي •• تنهدت األم و قالت بحزم

للناس بعين طبعك ، تعتقدين أنهن ستظلين طوال عمرك بلهاء •• تنظرين  

Page 139: رواية لاجئة

الحقد ، التنافس غير كلهن طيبات و محبات •• ألم تسمعي يوما عن الغيرة ، من هي الشريف ، هذا بالتأكيد ما تعرضت له يا ابنتي ، و عليك أن تعرفي

: التي وشت بك عند أم سعد •• فقال قاسم بسرعة نوافذ على يا أمي و ما الفائدة ؟ لماذا نحمل ريم فوق طاقتها و نفتح لها  

و •• عيوب البشر ، دعيها في اعتقادها و دائما لن يصيبها إال ما كتب الله لها : قالت ريم

أمي أنني حقا بلهاء ، إنني احاول أن أراجع مواقفهن معي فال هل تظني يا   اتهامها ، لقد كنت دوما صديقة للجميع ، و لم يحدث أجد فيهن من أستطيع

أؤدها لها ، لقد ساعدت معظمهن على أن طلبت مني إحداهن خدمة ولم مبكرا لظرف طاريء إعادة ترتيب محالتهن ، ووقفت بدال عن من تخرج

شراء منهن ، و كنت أوجه زبائني إلى محالتهن عندما أعرف رغبة إحداهن في شيء لديهن ، حتى المشاكل التي قد تحدث بين البائعات كنت أساهم دوما

ترضية األطراف ، فلماذا أقابل بالشر و قد بدأتهم بالخير ؟ قالت في حلها و : بشفقة إلبنتها األم و هي تنظر

هذا يا ابنتي •• من أجل الخير الذي يمأل قلبك ، البد أن منهن من أجل كل   عطائك ، البد أن هناك من تمنت موقعك في من حسدتك على خيرك و

لديها ، هذا ال شك فيه •• و السوق و تمنت لو أن خير قلبك و عطاءك يكون القلوب عندما ظهرت موهبتك سافرة أمام العيون اشتعل الحسد في

: المريضة و كانت هذه النتيجة •• فقالت ريم : و لكن يا أمي هذا يعني أن الشر انتصر •• فقال قاسم على الفور  

الخير له النصر األخير •• يكسب جولة ، و لكن إلى حين يا ريم ، الشر قد   : همست ريم

: أتعتقد هذا حقا ؟ هز رأسه إيجابا و قالت األم   هذه المحادثة أيام قليلة حتي جاء الفرج بل هو أكيد •• *** لم تمض على  

من صاحبة أسواق نسائية أخرى بشكل لم تتوقعه ريم أبدا عبر مكالمة هاتفية : في منطقة أكثر رقيا عرفت بنفسها قائلة

بعض عميالتي ، و رأيت أيضا عملك أنا أم عبد الله ، سمعت عنك كثيرا من   للعادة ــ أن تأتي إلى الفني لدى إحداهن ، و لذا فإنني أطلب إليك ــ خالفا

قالت ريم •• السوق غدا لنتحدث بشأن مشروع أفكر به ، إذا كان يناسبك : بحماس

سآتي ، غدا ، غدا أكون لديك إن شاء الله •• عندما وضعت ريم بالطبع ،   بأن الله معها ، و عندما شرحت ألمها ماحدث دعت السماعة كان لديها يقين

: لها بالتوفيق و قال قاسم دواعي سروري أن أحمل آمل أن أطمئن عليك قبل سفري ، سيكون من  

: عنك أخبارا طيبة لمن ينتظرون أخبارك •• سألته ريم باسمة قاسم ؟ و من الذين ينتظرون أخباري يا  

: تتلهفين على األخبار يتلهفون •• قالت ريم بحذر كثيرون يا ريم ، كما   : األستاذ سعيد ؟ ضحك قاسم و قال  

أسبوعين على سعيد ، ياله من رجل !! ، أتعرفين لقد أقمت عنده فترة  

Page 140: رواية لاجئة

ال األقل ، أصرعلى أن أعيش معه ليتمكن من خدمتي و عندما أثبتت األيام أنه يتقن الطهي آثرت العودة إلى منزلنا و خرجت و لن أعود •• قالت ريم

: مندهشة •• قبل بهذا األمر عشت مع سعيد ؟ لم تخبرنا من  

فيه ، سعيد يعيش بمفرده و أعيـــش بمفردي ، و ال فــــرق في ال جديد   يسكن عندي ، الحياة اختلفت كثيرا يا ريم ، البيت أن أســــكن عــنده أو

متجها تلقائيا لديه أمارس معه لعبة العائلة بدونكم مقفرا ، أحيانا أجد نفسي أخرى أجده يأتي إلي ، عزاب يا أختي المفضلة في تفريغ الهموم ، و أحيانا

: ماذا تتوقعين ؟ قالت ريم بإعزاز •• الزلنا ، إنه إنسان نادر هذا المخلوق •• كم أتعبناه معنا و  

•• هو يراك نادرة أيضا   أنا ؟  

بارسال نعم ، يضع لوحة الجئة فوق فراشه و كلما وقعت عيناه عليها بادر   التحية ، بالمناسبة لقد تلقى عرضا مغريا لبيع اللوحة قبل مقدمي بيوم ، زاره شخص غريب قال إنه صاحب صالة فنون تشكلية و يريد شراء هذه اللوحة

: ريم منه •• بلهفة قالت : بالمباالة و هل وافق؟ فقال قاسم  

يوافق فالرجل يعرض ثروة ، و لكنه فيما يبدو لم يوافق اقترحت عليه أن   : السفر و لم أعرف التفاصيل •• همست ريم •• ال أدري ، انشغلت بأمور

عرض لن يبيع اللوحة ، لو فعل لن يكون سعيد الذي عرفت •• *** كان   أم عبد الله مفاجأة لريم بكل المقاييس ، لقد عرضت عليها محال مستقال في

يؤثث كامال للفن التشكيلي ، يبدأ بلوحات لها و تدريجيا يضم لوحات سوقها ، ، تنفذ فيه أعمال تشكلية وفق رغبة العميالت ، و يلحق به أخرى لفنانين أخر

الهدايا ، و طلبت منها أن تعرض عليها أي فكرة فرع خاص لالطارات و تغليف اإلطار تحتاجها العميالت ، و ذلك جديدة قد تخدم المحل ، او خدمة في هذا

تتوقعه ، فهي ال تملك مقابل المناصفة في األرباح ، عرض خيالي لم تكن ريم توفير كافة إال موهبتها ، فيـــما ستقوم السيدة بتأثيث المحل و تجهيزه و

الخامات المطلوبة ، وفي النهاية األرباح مناصفة ، أي عرض ؟ كانت ريم الخبر على أسرتها و دهشة كبيرة تغلف صوتها ، و إحساس فرح كبير تقص

: قالت األم و هي تحمد الله يطغى على قلبها ، : الله مع المنكسرين جابر •• و قال قاسم  

:أحسن ما عندك •• و قال األب مبروك يا أختي ، ارفعي رؤوسنا و قدمي  

تسويق و تعامل ال تنسي يا ابنتي ، العمل لن يكون فنا خالصا ، إنه ادارة و   ، مع أناس فيهم الجيد و فيهم الرديء ، ضعي الله نصب عينيك و توكلي عليه

: و إن شاء الله ستنجحين •• و قالت األم ما ال تعطي ثقتك ألحد •• إعملي بما يرضي الله و لكن ال تمنحي كل  

تملكين دفعة واحدة ، اعرفي المجتمع الجديد و تعاملي معه بحذر •• هزت : قالت بثقة ريم رأسها و

Page 141: رواية لاجئة

معي ، لن يخذلني ما حييت •• *** سافر قاسم ، وعادت اطمئنوا ، الله   يومـــياتها ، و استغــرقت ريم في إعـــداد و األسرة إلى سابق عهدها و

يتجسد يوما بعــــد يوم و المحل يأخذ تجهيز المحل الخاص بها ، كان الحــلم الله كل فنون الديكور في طــــابعا مختلفا و شكال مبهرا ، وظفت أم عبد

جاليري " عمل موقع للفن التشكيلي من أبدع ما يكون ، أطلقت على المحل الرياض " و بعـــد شهـــر كان المحـــل قد اكتسى حلته و تهيأ حتى باألكياس

و الكروت التي تحمل اسمه ، و لم تبخل أم عبد الله عليه باإلعالن في : رأت في عيون ريم أسئلة و دهشة ضحكت قائلة الصحف و عندما

يأتي بعائد الغالي ثمنه فيه يا ريم ، العمل ينبغي أن يصرف عليه جيدا حتى   : جيد ، غدا تعرفين قيمة ما نفعل و ما نصرف •• قالت ريم

مناصفة األرباح بيننا غير عادل ، لكنك أنفقت الكثير وفي هذه الحالة يكون   الله كثيرا و ربتت على ينبغي إعادة النظر في هذا االتفاق •• ضحكت أم عبد

: كتف ريم و قالت أنت يبدو أنك ساذجة أكثر مما تصورت ، ما تقولينه ينبغي أال يقال ،  

ستساهمي بمجهود كبير و على اكتافك سينهض و يستمر هذا المحل ، كل ما أنيق لن يكون له قيمة ما لم يكون المضمون راق ، هل فهمت ؟ ترينه غالف

: هزت ريم رأسها و قالت الله ، أسأل الله أن يوفقنا و ينجح ال أعرف كيف أشكرك يا أم عبد  

بموهبتي •• قالت أم المشروع و أستطيع حقا أن أكون عند حسن ظنك بي و : عبد الله مؤكدة

أحساسي و انا اكيدة إن شاء الله أنك ستكونين على قدر المسئولية ، هذا   طالما كان إحساسي صادقا و لم يخذلني أبدا •• *** عادت ريم في هذا

كأسعد ما يكون ، ممتلئة حماسا و رغبة في إعطاء مجهودها مداه ، اليوم في الرسم المخصص للمحل داخل المنزل و كانت كانت بالفعل قد شرعت

عندما دخلت المنزل ، استرعت تريد أن تصل سريعا فقط لتكمل ما بدأت ، و لتدخل و كانت مازالت انتباهها األصوات القادمة من الصالون ، ثم نادتها األم

الغرفة بعباءتها ، دخلت تلبية لطلب األم فوجدت األب جالسا في واجهة وعلى يمينه ، جلس شاب شديد الوسامة ، كانت نظراته مطرقة ، و في يده

: لم ينتهي ، وقفت ريم على الباب فقال األب كوب شاي دخلت أدخلي يا ريم ، تعرفي على ابن عمي سهيل اتسعت ابتسامة ريم و  

: على الفور مرحبة و قالت و هي تمد يدها إليه بارتباك أهال بك يا سهيل ، حمدا لله على سالمتك •• نهض سهيل و قال  

: قليل : ابنة العم •• قال األب أهال بك يا  

اليوم ؟ أتصدقين يا ريم أن سهيال في الرياض منذ شهرين و لم يأتي اال   : فقالت ريم فورا

منذ وقت صحيح ، لقد تذكرت أخبرتني في خطابك أنك قادم ، فعال أنت هنا   طويل ، لماذا لم تأت قبل اليوم؟ جلس سهيل و عادت نظراته إلى األرض و

: قال

Page 142: رواية لاجئة

تستقر أوضاعي هنا ، كان البد من تأمين السكن لم أشأ أن أزوركم قبل أن   : غير ذلك من أمور •• قالت ريم و استالم العمل والتعرف على المكان و

خاصة فهمت •• ستحتاج بعض الوقت للتكيف مع المحيط و الحياة هنا ، و   : حرارة الجو •• رفع سهيل عيونه إليها و ركزهما عليها و قال

الليبية ، و الجو الحار من خواص انسيت ، أنني كنت أعمل في الصحراء   : منطقة العمل هناك •• خفضت ريم نظراتها بسرعة و قالت

لتبديل مالبسها و عندما عادت ، تشعب نعم •• معك حق •• أستأذنت   نفسه و تحدثت ريم الحديث و كانت الموضوعات كثيرة ، تحدث سهيل عن

••عن مشروعها ، و عندما دقت الساعة منتصف الليل قرر سهيل أن يمضي عادت ريم لغرفتها ، و استخرجت من خزانة مالبسها رزمة رسائل كان سهيل

طيلة السنوات الماضية ، أعادت قراءتها ، كانت تريد أن تعرف قد كتبها إليها كأنها تقرأ الرسائل للمرة األولى ، كان فيها شيء جديد المزيد عنه ، و كانت

فجأة شعرت أن الكلمات أكتست لحماو دما لم يسبق لها أن رأته من قبل ، كل جو الغرفة •• *** و أن وجه سهيل الجميل يطغى على السطور بل على

ظروفه دائما عاش سهيل يتيما ، تربى في أحد المخيمات على الحدود ، كانت سيئة ، تعلم في مدارس األنروا و كان دوما طفال ذكيا موهوبا أثبت تفوقه رغم ظروفه و رغم اضطراره إلى العمل منذ نعومة أظفاره و افتقاره إلى

امريء في المخيم اله بحاله و لم يكن وجود طفل يتيم بينهم الحنان فكل المعاملة الخاصة ، ألن حاله مثل حال الكثيرين ، تربى باألمر الذي يدعو إلى

بهذه التربية و كان في داخله غضب يكبر كلما و كبر دون أن يعتني أحد بعينه جوعه و حرمانه ، غضب على كبر و تعلم و فهم ، غضب على حياته و

دقيقا و سكرا األشخاص الذين يأتون مرة كل شهر ليصبوا في أوعيته القديمة و زيتا ، كان لديه غضب على كبار كانوا يسرقون طعامه ليطعموا أوالدهم و يتركونه في البرد يرتجف ليغطوا بغطاء الصدقات الخاص به أطفالهم ، كان

على األطفال الذين لديهم أم أو أب ، أولئك الذين كانوا في قلبه غضب و يهددونه بهذا األب أو تلك األم ، كان غاضبا يصيحون فيه كلما اقترب منهم

استطاع أن يقتص من أي شخص دوما ، ال تزور البسمة شفتيه إال إذا أن يضايق بطريقته الخاصة ، قد يسرق ، قد يضرب ، قد يجري سريعا بعد

أحدهم فال يلحق به ، الشيء الوحيد الذي لم يمارسه أبدا في حياته هو ، لم يكن يكذب أبدا كان يعتبر الكذب نقيصة تقلل من أهميته و تأخذ الكذب

جر عليه صدقه صنوفا من العذابات على يدي سكان المخيم من رجولته ، لذا انخرط كغيره من الفتيان في صفوف المقاومة ، ، أو معلميه ، و عندما كبر

شعاره ، كل ما كان يهمه أن يمسك في لم يكن يعنيه اللواء الذي يقاتل تحت حتى قنبــلة يدوية و ينفذ عملية يده بنـــدقية قديمة ، أو رشاشا صغـــيرا ، أو

اإلسرائليين ، و كان من صغيرة تطلب منه ، و سقط إحدى المرات في يد تحدث من الممكن أن يظل سجينا بقية حياته لوال خروجه ضمن إفراجات

وقت إلى آخر ألسباب سياسية لم تكن تعنيه ، كل ما كان يعيشه آنذاك أنه السجن و أنه خرج منه ، و أنه صار بطال و ال يستطيع أن يقهره أي دخل

انتهى من الثانوية العامة تحدث مع المستر "جو " الذي جاء مخلوق ، و عندما

Page 143: رواية لاجئة

يـــوم و طلب منه أن يكـــمل تعليمه و وعده هذا ليتفقد المخـــيم ذات هذا األمر ، و بالفعل حالفه الحظ ووجد "الجو " بأن يدرس وضعه و ييسر له

الدعاية للمساعي الغربية له مقعدا دراسيا في جامعة بير زيت ،ربما كانت الجامعة و كتبوا على النبيلة هي التي وفرته له ــ فقد تم تصويره و هو يدخل

لسانه بعض عبارات الشكر في كتيب أنيق يوزع على الجهات المانحة للمعونات ــ ، لكنه لم يكن معنيا إال بما يستطيع الوصول إليه من مكاسب أيا

الجهة التي ستمنحه هذه المكاسب ، و في الجامعة أيضا كان متفوقا ، كانت اللسان ، ساعدته وسامته و طالقة لسانه على تقبل اآلخرين له عنيفا ، سليط

يجرؤ أحدهم على اتهامه بعكس ذلك ، فقد كان ينظم ، كما أنه كان وطنيا ال بالعمليات الصغيرة التي اعتاد القيام بها المظاهرات و يقوم من وقت آلخر

على عقد عمل في صحراء منذ صغره ، و عندما تخرج استطاع أن يحصل فهو قد تربى ليبيا •• و لم تكن حياته خالية من وجود الجنس الناعم فيها ،

في مخيم و يعرف من أين تؤكل الكتف كما يقولون ، لذا اتسم بالجرأة في تعامله مع البنات ، و كان من السهل عليه تكوين العالقات ، إال أن عالقاته لم

يوما إلى أبعد من اللقاءات و الكالم المعسول و األحالم الوردية ، ثم تصل عن غيرها ، و كان شباب الجامعة يغبطونه على قدرته في يتركها ليبحث

إبتسامته الغامضة الساحرة و يقول :"إنه اجتذاب القلوب إليه فكان يبتسم يعمل في الرياض ، كانت ريم سر اللعبة ••!!" عندما أتاحت له الظروف أن

السطور و هي شغله الشاغل ، ربط مصيرها بمصيره منذ تعرف إليها عبر المسافات ، كانت شيئا شفافا لم يقابل مثله في حياته، و عندما تعرف إليها في أول زيارة لبيتها ترسخ لديه اليقين بأنها ستكون بطلة قصة جدـــيدة في

أعجبه جــدا طريقـــة تفكيرها و أسلوب حديثها و تفاؤلها الدائم حياته ، و محن ، و عندما تحدثوا أمامه عن ثقتها فيمن حولها رغم ما مرت به من

: عرف أنه قابل فتاة طيبة ريم قد ثبتت نفسها في عملها و كما أنها جميلة •• *** خالل عام كانت  

تحظى بثقة صنعت لنفسها اسما في عالم الفن التشكيلي و استطاعت ان كل من تعامل معها فازدهرت أعمـــال المحل كثيرا ، و ظلت هي محل

عطــف صاحبة الســــوق ، التي قدرت فيها مهارتها وأمـــانتها و اهتمام و استطاعت ريم أيضا خالل هذا العام أن تستخرج شهادتها حسن سلوكها ، و

والدتها و ليس ألنها تريدها ، شقت ريم طريقها الجامعية بناء على الحاح الورقة التي أخذت من عمرها سنين ، و بدون الشهادة و لذا فال أهمية لهذه

هذه الشهادة ووضعها في خالفتها أم عبد الله الرأي قالت لها إن وجود ذلك عندما المحـــل في إطار أنيق من شأنه أن يدعـــم المحـــل أكثر ، و

تطلع العميالت على الشهادة و تعرفن أن من يتعاملن معها صقلت موهبتها : بالدراسة ، قالت لها و هي تؤكد

صدقيني ، الناس يهمها الشهادات •• و بالفعل أطرت ريم الشهادة   ووضعتها على جدار المحل ، و صدق توقع أم عبد الله فقد تناقلت العميالت

ازدادت ثقتهن بها و بذوقها و أصبح من العادي جدا أن تسألها العميلة الخبر و التصميم الداخلي لمنزلها ، و فشلت في أقناعهن بأنها ليست عن رأيها في

Page 144: رواية لاجئة

ذوقها يبرهن دائما على تفهمها الكبير للجمال و مهندسة ديكور ، إذ كان و استرخت ريم ، شعرت أنها •• معرفتها ألبسط الطرق التي تؤدي إليه

لتكتشف فجأة أنها لم ارتاحت ، لم يعد هناك ما يؤرقها ، فالتفتت إلى قلبها فوجدت تحب حتى هذا الوقت ، استعرضت األسماء التي مرت بها في حياتها

أن اسما منها ال يعني لقلبها شيئا ، حتى جاءت على ذكر سهيل ، ابتسمت و عضالتها تماما و استلقت على الفراش ، و أخذت تسترجع تفاصيل أرخت

لقد الحظت ــ و تعتقد ان الجميع الحظ معها ــ اهتمام عالقته بهم منذ عام ، تلميحاته ، لكنها لم تعطه الفرصة أبدا أن سهيل بها ، نظراته ، كلماته ،

مرة كل أسبوع ، يسهر يحدثها بشكل خاص في أي موضوع ، كان يزورهم حتى وقت متأخر يتعشى معهم ، و يحرص في كل زيارة على هدية بسيطة لريم أو ألمها أو ألختها و عندما عاد قاسم في اإلجازة أحضرله سهيل هدية ،

األسرة على هداياه فأصابه الخجل و تطلــــع إلى ريم لتنــقذه فقالت تندرت : و هي تبتسم له

العائلة و ليس بسبب هداياك •• و قالت يا سهيل نحن نعتز بك ألنك من   : األم

تقلبت ريم وفر قرشك يا بني القرش األبيض ينفع في اليوم األسود •• و   على فراشها بمرح و تذكرت عندما همت ذات يوم برفع األطباق بعد العشاء

أمامه فهمس في أذنها بسرعة :" أريد أن أتحدث معك " رفعت األطباق من عينها و تصرفت كأنها لم تسمعه ، و راقبت تحرقه لردة و نظرت إليه بركن

و تخاله شك في أنها سمعته !! و نهضت من فعلها و هي تمعن في المباالتها نفسها و تتذكر التعليقات فراشها و توجهت للمرآة فوقفت أمامها تطالع

تظهر و كأنها غير المتباعدة التي كان سهيل يضمنها أحيانا كالمه و يتعمد أن حديثه متعمدة ، لقد أشار يوما إلى دقة اصابعها و جمال منظرها في معرض

عن تأثير الحياة الخشنة على أيدي النساء في فلسطين ، و أشار يوما إلى قوامها عندما ألحت عليها األم في تناول المزيد من الحلوى بعد يوم روعة

أجل المحافظة على الرشاقة ، و عندما أراد أن عمل شاق و رفضت من ليتجه نحو ما يريد ، فأسهب في يتحدث عن عيونها أدار بنفسه دفة الحديث

الحظت ريم اندفاع األم شرح لغة العيون و تراوحها بين القوة و الضعف ، و : للتدليل بعيون ريم على ما يقول قائلة

مشاعرها و ما تريد قوله صدقت ، مثال ريم استطيع بسهولة أن أعرف   ريم في بمجرد النظر في عيونها ، إن لغة عينيها قوية جدا •• صاحت

نفسها :" احذري يا أمي ستقعين في الشراك !!" لكن األم كانت قد وقعت : إذ رد سهيل سريعا على عبارتها قائال بالفعل

بعض قوية و جميلة أيضا ••!! و توجهت ريم إلى حامل لوحاتها و خطت   خطوط تشكل قلوب و أسهم و الحروف االنجليزية األولى من اسمها و اسمه

ضحـــكة حــــبور صـــافية و صفقت بيدها و خرجت من غرفتها ثم ضحكت : قالت إلى أمها ، كانتا وحديهما

: ؟ فوجئت األم بالسؤال و قالت بسرعة أمي •• ما رأيك بسهيل   : و ما لنا به ؟ فقالت ريم بمرح  

Page 145: رواية لاجئة

لدى كل منا ال شيء •• لكن بعد عام من تعرفنا عليه ، يجب أن يكون   : انطباعا ما عنه •• فقالت األم مبتسمة

: ماهو انطباعك أنت يا ابنة جهاد ؟ فقالت ريم   أحب أن أجلس إليه و أتحدث معه ، ال أدري ، لكنني أحب مجيئه إلينا ، و  

أشعر أنه قدم روحا جديدة •• أحب مراقبة محاوالته إلبالغي دوما برسالة ما مالمحها القلق و لحياتي •• و أحب ذلك •• تركت األم ما في يدها و عال

: قالت بجدية : تحبين ؟ أال تعتقدين معي أن سهيل غير مناسب ؟ قالت ريم بمكر  

: فقالت األم بجدية كبيرة غير مناسب ألي شيء يا أمي ؟   : مناسب للزواج يا ابنة جهاد •• فقالت ريم باهتمام غير  

لكــــن بوجه ال تحــدث معي بهـــذا الخصوص و صحيح أنه لم يطلــبني ، و   : عــام ما المانع يا أمي ؟ تنهدت األم و جلست و هي تقول

القيت أنت و إخوتك بسبب الجنسية ، المانع يا حبيبتي هو في القهر الذي   أبنائك أيضا ؟ وجمت تريدين الزواج من فلسطيني لكي تكرري المأساة مع

تتجمع في ريم ، انسحب بقوة كل المرح داخلها ، لوهلة شعرت بغصة كبيرة حلقها ، غصة بحجم المعاناة القديمة ، تذكرت بسرعة و غامت عينيها

:الذكرى ، هزت رأسها و قالت بهدوء بضبابات

تعاملنا بهذا المنطق لن يتذكر فلسطين بعد عقد من الزمن أحد من إذا   يحبها و تضيع من القلوب •• أشاحت األم بيديها و خارجها ، سينتهي من

: قالت من أن يضيع لن تتأثر فلسطين بواحدة ، و أن تضيع البلد من قلبك خيرا  

••منك أبنائك ، الحالة تزداد سوءا و العاقل من يضع الغد نصب عينيه

Page 146: رواية لاجئة

غرفتها ، لقد لم تكمل ريم النقاش مع أمها ، انسحبت فورا متجهة إلى اللجوء صدمها المنطق الذي تتحدث به أمها ، لم تنتبه أبدا إلى أن مساويء

سوف تنسحب يوما حتى على المشاعر ، قانون الحرمان يسري عليها بدورها :قبضـــتها و دقــــت بها الجدار و قالت بغيظ مكتوم ، كورت

أن يصادروا أن يقفوا أمام تعليمنا ، ممكن ، أن يقفوا أمام عملنا ، ممكن ،   حرية أن نتحرك و نتنقل ، ممكن ، لكن أن يحكموا سيطرتهم حتى على

و قلوبنا فهذا ما لن أسمح به أبدا •• تركت الجدار ، توجهت للنافذة مشاعرنا : يسبق أن أطلت منها ، لكنها تطلعت للسماء و قالت ، فتحتها ، لم

لن أسمح باعتقال وجداني ، ووضع الحظر على أحاسيسي ، و مصادرة   رغباتي ، لن أعطيهم الفرصة لهذا •• و تطلعت إلى لوحتها و قالت

أردتني يا سهيل فإنني أيضا أريدك " •• *** و كأنها كانت بتصميم :" و إذا كأنها رتبت لما سيحدث في أول زيارة قادمة ، على موعد مع سهيل ، أو

وجمت األم ، و نفـــث األب فاجأهم سهيل فجأة بطلب الزواج من ريم ، هنيهة عاد سهيل دخـــان سجــــائره ، و تركوا الصمت يصول بينهم ثم بعد

: يقول بهدوء األب بعد أكرر يا عمي ، أنا أطلب منك يد ابنتك ريم ••ماذا قلت ؟ قال  

: قليل بصوت بال تعبير انتظر فاجأني طلبك يا ولدي •• و صمت األب •• كانت العبارة ناقصة ،  

سهيل أن يكملها لكنه التزم الصمت ، بعد قليل شعر سهيل أن وجوده بال كان ينتظر ريم ، و لكن بطلبه هذا اختصر مدة بقائه لهذا اليوم هنا ، و معنى ،

ينصرف ، و عندما أستأذن باالنصراف لم يجد من يستمهله ، و كان البد أن الغضب في رأسه بسبب الوجوم الذي قوبل به خرج من الباب الخارجي يهدر

الساعة تقترب من التاسعة ، بقيت طلبه ، أعماه الغضب فقرر أمرا •• كانت إلى الشارع ، صعد ساعة تقريبا على عودة ريم •• بدال من نزول السلم

تحت السلم إلى السطح ، تجول فيه بال حذاء ، و أطل من خالله على الشارع البيت ، أنعشه الهواء الليلي فاستنشقه بقوة ، أخذ يراقب الطريق بانتظار

، دار في رأسه حوارا سيجريه معها ، ثم عدله و عاد فعدله ، و عندما عودتها العبارات النهائية لمحها تدخـــل من بوابة العمارة ، أســــرع أستقر على

السلم و عندما ظهرت أخيرا ناداها بصوت خافت بخفـــة يقف على رأس : راعها

قالت ريم •• ريم ألتفتت للصوت ، و عندما وجدته تنفست الصعداء و   : بصوت عادي

أخفتني ، ماذا تصنع هنا ، لماذا تركت البيت ؟ وضع اصبعه على سهيل ؟   : خافت فمه و عاد يقول بصوت

كنت في البيــت و خرجت قبل دقائق ، أريد أن أخفضي صوتك ، لقـــد   و أدارته في رأسها ، أدركت •• أحدثك على إنفراد •• أندهشت ريم لطلبه

السؤال :" هل أن الموضوع متعلق بها ، عرفت ماهيته المتوقعة ، و بقي

Page 147: رواية لاجئة

تستجيب ، أم ترفض الدعوة الغريبة ؟" لم يستغرق التفكير لحظات ، و رغم أن شيئا داخلها كان يرفض هذا السلوك إال أنها وضعت المفتاح في حقيبتها و

عميقا تشد به من أزر نفسها و توجهت إليه ، لفه إطمئنان و أخذت نفسا تزايدت نبضات قلبها مع كل درجة و غلبها إحساس ثقة ، صعد أمامها فتبعته ،

البارد وجهها الملتهب حماسا ، عندما بالمغامرة تعمق بمجرد أن لفح الهواء يراقبها ، ثم أفتـــر ثــغره وصال إلى السطح ألتفت إليها و ظل لحظة صامتا

: عن ابتسامة ساحرة و قال بصوت هاديء : نكست رأسها خجال فقال •• هل سبق أن أخبرك أحدهم أنك جميلة جدا  

تراقصت ريم ، أنا أحبك •• رفعت رأسها بسرعة و نظرت إليه بدهشة و   : األضواء البعيدة في عيونها فأمسك بكتفيها و قال بحرارة

: همست مستنكرة ريم •• أنا أحبك •• أبتعدت عنه بسرعة و   تقول ؟ التقط أنفاسه بعمق بعد أن أدرك أنه خرج عما رتب سهيل !! ماذا  

: إلى الجدار قبل قليل ، و قال و هو يستند قبل قليل من والدك للزواج •• انتظر أن يرى رد فعلها ، ريم لقد طلبتك  

: ظهرت في عيونها فأكمل مرتاحا الحظ رغم صمتها لمعة قبول قــال أنه في الحقيقة ، لم أجد لديهم قبوال مباشرا كما توقعت ، ووالدك  

فوجيء بالطلب و لم يحدد لي وقتا ليرد علي ، و اآلن ما يهمني هو أن أعرف رأيك ، أريد أن أسمعه قبل أن أنصرف ألنني سأنتظر أسبوعا قبل موعد

ألعرف النتيجة •• دار عقل ريم بسرعة ، عرفت ما دار في الزيارة القادمة توقعت كل ما ستواجه عندما تعود ، نظرت إلى عقل أبيها و أمها حيال طلبه ،

لــديها إجابة سبق و أن قررتها ، و وجه سهيل ، كان ينتظر ردها •• كان مباشرا ، و قررت أنه البد لكنها تذكرت أن سهيال فلسطيني و لن يغفر لها ردا

: من اللعبة القديمة بين حواء و آدم ، فارخت عينيها و همست الرد األسبوع المقبل ، البد من الحديث مع ولي ال فائدة يا سهيل ، انتظر  

: و هو يكبت غضبا أمري •• تجعدت الثنيات فوق أنفه و قال ريم ، هل أنت موافقة ؟ ابتسمت إليه و اتجهت نحو السلم و هي مبدئيا يا  

: تقول الدرجات قفزا و فتحت الباب بسرعة و األسبوع المقبل يا سهيل •• أخذت  

مازاال يناقشان األمر في دخلت ، أكتنفها دفء البيت ، و كان أبوها و أمها مكانا على مقعد بين الصالون ، دخلت إليهما ، ألقت التحية ، و اتخذت لنفسها

: أبيها و أمها ، قالت األم : خرج سهيل باكرا اليوم •• هزت رأسها إيجابا فقال األب  

العليا بأسنانها و انتظرت تعليقاتهم ، طلبك للزواج •• قضمت شفتها   : فقالت االم

: ما رأيك يا ريم ؟ حررت شفتها و قالت باقتضاب   : عجل أسمع رأيكما أوال •• فقالت األم على   : و قال األب و هو يتنهد •• تعرفين رأيي يا ريم  

مهندس شاب ، لم يسبق له الزواج و هو من أقربائي و أعتقد أنه سهيل   عليه ، اللهم •• تطلعت ريم باهتمام ألبيها و لما طال من حيث المبدأ ال غبار

Page 148: رواية لاجئة

: صمته استحثته قائلة : أبي ••"اللهم " ماذا ؟ فقال األب  

في المخيم •• لم تفهم ريم مقصد أبيها اسمعي يا ريم ، لقد تربى سهيل   :فقال األب بعد لحظة تفكير فرسمت السؤال في عيونها و انتظرت اإلجابة ،

وسط أبناء المخيمات لهم طبيعة مختلفة ، النشأة في جو غير نظيف ، و   يوميات رعب و صراع من أجل الطعام و الحياة ، تجعل نظرتهم للحياة

اآلخرين الذين تعرفينهم •• ال أعرف ماذا أقول ، و لكن أبناء مختلفة عن تربت مثلك احتمالهم •• أخذت ريم نفسا عميقا و المخيمات ال تستطيع من

: قالت بتصميم الفلسطنيين كانت نشأتهم غريبة ، ال و نحن بدورنا أبناء لجوء •• جميع  

يحسب له كما يحسب لي أنه عالقة لنظريات التربية الحديثة بهم ، و مع ذلك العمل •• استطاع رغم ظروف المخيم النجاح و التفوق و اإلستمرار و

يحسب له أنه اعتمد منذ نعومة أظفاره على نفسه و بنى حياته بساعده ، و في كل الظروف أنه رجل ، أنه بطل ، أنه رمز جميل للوطن •• قالت أثبت

: األم مغتاظة تتحدثين عنه هو الوطن ، أنا لست ضد أن تحبي الوطن ، الوطن ، كل ما  

أساعد أبيك في ترسيخ محبتها في بالدك ، و لست ضد انتمائك إليها فقد كنت لهذا الوطن ، و ليت نفوسكم منذ الصغر ، لكنني ضد أن تقدمي روحك قربانا

يهوديا ما ستفعلينه سيكون له قيمة للوطن ، لن يجلي زواجك من فلسطيني واحد اعن بالدك ، و لن يدفع هذا الزواج العالم لكي ينصفوكم ، ستتزوجي و

: تنجبي و يعيش أبناؤك الضياع المركب •• قالت ريم و لكن يا أمي ، زواجي من سهيل ، من فلسطيني يعني أنني ســأظل  

أن أقدمه ، أنتمي لهذا الوطن و ينتمي إليه أبنائي بدورهم ، و هذا ما بوسعي إال هذا ، و ال أريد البخل بما أملك لمجرد أنني تعذبت بجنسيتي في ال أملك

المستقبل أفضل ، ربما استطاع أوالدي أن يعيشوا حياة الغربة ، ربما كان يبنوا فيها •• غلب الصمت المكان ، و نفس األب كريمة ، و يدخلوا بالدهم و

عندما نامت سميحة غادر جهاد غرفته دخانه و قد اعتزم أمرا في الليل و الله أنها مازالت مستيقظة بهدوء و توجه إلى غرفة ابنته ، طرق الباب و حمد

و نفسه تنازعه ، دخل و سألها عن سبب سهرها فأخبرته أنه التفكير فقال لها :

يا ريم هو خالصة هذا الموضوع ، اسمعيني و ال تردي ، ما سأقوله لك   التفكير ، يوم ، أسبوع ، عشرة ، فكري اسمعي و فكري ، خذي وقتك في

بجوارها على السرير و دون بمنتهى العقل •• و تنهد و هو يتخذ لنفسه مكانا : أن ينظر لها استطرد

بأي لم أستطع قول كل ما أريده بحضور أمك ، كان صعبا علي اإلعتراف   شيء يمسنا كفلسطنيين أمام أمك ، رغم أنها عشرة عمري و رفيقة

أمور يصعب على المرء أحيانا أن يعترف بها حتى ألقرب كفاحي ، لكن هناك قلبها بشدة و غالبت غصة ألم و هي تقول الناس إليه •• وجمت ريم و خفق

Page 149: رواية لاجئة

: ألبيها أو ماذا هناك يا أبي ؟ فقال األب و هو يعاني صراعا بين أن يقول ،  

: يصمت ، لكنه في النهاية قال صنوفا ريم ، الشعب الفلسطيني شعب عانى األمرين ، ذاق المر و العذاب  

، مورس ضده اإلذالل ، و صدم مرات كثيرة في الشعوب العربية ، عانينا وجودنا في أرضنا من ذل احتالل كان يتحول إلى مارد يوما بعد يوم طوال

يسد منافذ الهواء عن صدورنا ، عانينا حتى النخاع من فيطبق على أرواحنا و اإلسرائليون اسلوب المذابح الجماعية لترويع رعب سكن أخيلتنا منذ استخدم

أهلي منذ أكثر من خمس و عشرين األحياء بأشالء األموات الممزقة ، تركت الغربة قليال على عاما بوجدان مذعور محطم ، و نفس ذليلة ، ربما ساعدتني

سطوته نسيان مرارة سطوة اإلحتالل الملموسة ، لكنها أبدا لم تمحو مرارة في ذاكرتي ووجداني و سمعي و عقلي و تفكيري ، أنت و إخوتك ولدتم في

يداخلكم من اإلحتالل أثر مادي ، و لكنكم بدوركم عــــانيتم و الخارج فلم ألنكم بال وطـــن ، و سيظل تاريخ الالجئين الفلسطنيين مازلتم ستعــــانون

حتى يقضي الله أمرا كان مفعوال ، أما أولئك عارا في جبين األمة العربية الــــذل و الرعب مع المـــاء و الذين بقــــوا في فـــلسطين فقد شربوا

يومية ، و أصبح اليتم تنفسوه مع الهواء ، أصبح مرأى األشالء الممزقة عادة و يطالبهم تعويذة يعلقونها على صدور المواليد ليظل ملمسها يحرق أرواحهم

دوما بثأر ال ينتهي ، و أصبحت الطفولة هناك مرحلة عمرية يضطر أبناء فلسطين أن يمروا بها رغما عنهم ، لكنهم ال يشعرون بها و ال تعني أبدا لهم

دالل ، أو هدهدة أو مدارة أو مجاراة •• كان الكالم مؤلما ، لكنه لم لعبة ، أو إلى هذه السرية التي أحاطه بها منذ البداية مما دفع ريم أن يكن ليدعو األب

: تقاطعه قائلة ؟ أنا ال أفهم استدار األب إلى أبي و ما عالقة كل ماذكرت بموضوع سهيل  

: ريم حتى أصبح في مواجهتها و قال بقوة غير اليتم و الذل و الجوع ، لم سهيل من أبناء الوطن الذين لم يعرفوا  

طفولة ، و لم يعرف يعرفوا غير قسوة اإلحتالل و الناس ، سهيل لم يعش تريدين ، لن حنان ، لذا فهو من داخله ، من أعماقه غير قادر على منحك ما

يتفهم حاجتك للحب و الحنان ، سيكون حسك المرهف دوما مدعاة حساسيتك تجاه الكلمات القاسية لن تعني له إال تربية مدللة و لسخريته ،

أخاف عليك ، أنت جني عمري يا ريم ، و أنا أخاف عليك فتاة بال هموم ، و أنا ريم ، تسارعت دقات قلبها و استشعرت يا ابنتي •• عال الوجيب في صدر

: الخطر همست : إلى هذا الحد ؟ ربت االب عليها مطمئنا و قال  

ريم جيدا ، فكري في كل ما قلته أنا هنا ألحميك حتى من نفسك ، فكري يا   القرار قرارك و أنا لك ، و ما تقررينه سأوافق عليه ، شرط أن تستوعبي أن

اتجه إلى الباب أو أمك لم يكن لنا يد فيما تتجهين إليه •• نهض األب متثاقال و : ، أغلق المصباح و قال

النوم •• لقد نامي يا ريم ، لقد تأخر الوقت كثيرا •• و لم تتمكن ريم من  

Page 150: رواية لاجئة

أكبر كان يوما طويال ، أحداثه كثيرة و اآلراء المتناقضة فيه كفيلة بتشويش عقل ، و لذا فلم يكن مستغربا أبدا أن يطلع الصباح على ريم و هي تتقلب

فراشها و تقلب األمر من كافة وجوهه و تناقش جميع المواقف و اآلراء في أن تخرج بقرار •• *** مشاعل زميلة لريم تساعدها في التي سمعتها قبل

استقرت أحواله و ازدهرت أعماله ، و كان البد أعمال المحل ، جاءت بعد أن سعودية حنطية ، حادة المالمح ، من مساعدة لريم ، و كانت مشاعل ، شابة

و بين ريم عالقة قوية تتميز بخفة دم و طيبة قلب و دماثة خلق ، ربطت بينها و لديها منذ اللحظة األولى التي دخلت فيها المحل ، مشاعل كانت متزوجة

ولد و بنت صغار كانت تأتي بهما إلى السوق معها فتضعهم في مكان و تأتي إلى الجاليري مباشرة و هي تلهث و تقول بمجرد أن مخصص لألطفال

: ترى ريم : تكمل ريم عنها قائلة السالم عليكم •• آسفة تأخرت ألن •• و  

عائض كان يبكي و عائضة كانت جائعة ، مفهوم يا مشاعل ، هيا ادخلي ألن   كثير •• و في أوقات الفراغ عندما يخلو المحل إال من بسرعة فلدينا عمل

ال تنتوي الشراء كانت ريم و مشاعل تجلسان عميلة تتأمل اللوحات بتأني من كانت مشاعل حامل و كانت دائما اللتقاط األنفاس و التحدث عن أحوالهما ،

: ما تدعو لريم بالزواج و تقول يجب أن تتزوجي ، هذا األهم يا ريم رغم أن الرجال الخير فيهم ، إال أنك  

: ساهمة •• و كانت ريم عندما يأتي ذكر الزواج تقول و هي ترغب في الزواج يا مشاعل ، و لكن ليس أي رجل ، و و هل هناك بنت ال  

: ال أي زواج •• و تضحك مشاعل و تقول ماهرا •• أفضت ريم إلى مشاعل بكل شيء عن ال يقع إال من يعتقد نفسه  

مرت بها و الشخصيات التي حياتها ، و حدثتها بإسهاب عن األسماء التي دائما ما كانت تأثرت بها وكانت مشاعل متأثرة جدا بقصة سعيد تحديدا و

تتهم ريم بقسوة القلب النها لم تعطي لهذا المحب فرصة فكانت ريم ترد : عليها قائلة

يهوى يا أم عائض •• و في مساء ذلك اليوم عندما جلست ريم القلب و ما   إحدى العميالت صعبة اإلرضاء جاءتها مشاعل و بعد اإلنتهاء من اإلتفاق مع

عليه و أغمضت عينيها و مباشرة سحبت لنفسها كرسيا بجوارها و استرخت : سألت

عن ما بك ؟ تطلعت إليها ريم بدهشة و شكت لوهلة أن السؤال لم يصدر   مشاعل ، فقد كانت في حالة استرخاء كامل و عيونها مغلقة ، و ليس في

يوحي بأنها تتأهب إلدارة حديث ، لم ترد فعادت مشاعل تسأل هيئتها ما : فقالت ريم باستنكار

: و هي بنفس حالتها و بمنتهى الهدوء هل تسأليني أنا ؟ فقالت مشاعل   : أجيبي يا ريم ، و كفاك تضيعا للوقت •• ابتسمت ريم و قالت  

: خلتك نائمة •• فقالت مشاعل   حالك ، أنت لست على ما يرام ، ما بك ؟ عيوني مغمضة صحيح لكنها رأت  

: تنهدت ريم و استرخت على مقعدها بدورها و قالت

Page 151: رواية لاجئة

: كأنها تقرأ من كتاب جاءني خاطب قالت مشاعل و   أليس كذلك ؟ هزت ريم رأسها إيجابا ، فشعرت بردها مشاعل و سهيل  

: أكملت التفتت تماما إلى مشاعل و و هل وافقت ؟ اعتدلت ريم على كرسيها و  

: قالت بيقظة تامة •• أبي و أمي يرفضونه و لكل منهما سبب يختلف عن اآلخر  

و أنت ؟   مباشرة في عيون ريم و أنا ؟ أعتدلت مشاعل في جلستها و نظرت  

: قالت : تعترف موافقة ، أليس كذلك ؟ أخذت ريم نفسا عميقا و قالت و كأنها  

•• سويا و قال لي إنه يحبني لقد صعدنا السطح أمس   بدون علم أهلك ؟ هزت ريم رأسها خجال فقالت مشاعل و هي تبتسم  

: بمكر : ريم بسرعة ياله من جريء •• فقالت  

األمر خطأ ، فأنا ظللت طيلة سنوات الجامعة أقابل شبان لم أشعر أن في   الصدفة بأحدهم على انفراد ، في الحقيقة لم و أتحدث معهم و قد تجمعني

، أبي و أمي ال يتركوننا وحدنا أجد ضيرا في سماع ما يريد قوله ، تعرفين : دقيقة واحدة •• أطرقت قليال و قالت

أنه البد أن يعلن لي حبه ، و كنت أعرف أن لديه ما يقوله ، كنت أدرك   رأسها و كنت أتساءل عن الكيفية ، و جاءت بهذه الطريقة •• رفعت

: ابتسمت و قالت أنني أقوم بمغامرة ، ظل قلبي يدق ، و كنت أصعد خلفه و كأنه شعرت  

فيعصره في كل خطوه •• سألت نفسي ماذا لو يخطو بقدمه على قلبي الجيران ، و عندما اصبحنا على خرج أبي اآلن ، أو أمي أو أي شخص من

قالها مرتين يا مشاعل " السطح بادرني باالعتراف ، قال لي " ريم أنا أحبك حبه •• و أمسكني من كتفي •• كم كانت يده قـــوية و هو يهــزني ليؤكد

كانت مشاعل تنظر إلى ريم و هي تحكي ، و تطالع نظرة الفرح في عينيها ، جدير بالتأمل حقا ، لقد بدت ريم في جلستها المتأهبة و في حماسها منظر

الموقف و في نغمات صوتها المتراوحة بين القوة و الطفولي و هي تقص مشاعل تتفهم تماما رغبة ريم ، الضعف و في ضمة يدها الحميمة ما جعل : فقالت لها

•• أنت تريدين هذا الرجل يا ريم ، هذا أمر واضح   يشبه أبطال المالحم ، جميل إنه بطل يا مشاعل ••• بطل أسطوري ،  

و هو يحبني ، •• المحيا قوي البنيان ، صلب اإلرادة ، يعرف تماما ما يريد : يحبني يا مشاعل هل تفهمين ؟ هزت مشاعل رأسها تفهما و قالت

: قالت بهدوء و لكن أبويك ؟ تنهدت ريم و   حرية اإلختيار ، قال أنه أخبرني بكل الحقيقة و ترك لي لقد ترك لي أبي  

: الخيار •• فقالت مشاعل بسرعة •• الرجل ، و تحملي مسئولية قرارك القضية محلولة إذن ، اقبلي  

Page 152: رواية لاجئة

أمي ، ال هذا ما أتمنى ، لكنني أعلم يقينا أنه لن يرضي أبي و لن يســعد   تنسي أنا أول فرحتهما •• عادت مشاعل تسترخي في جلستها و تغمض

: تقول همسا عينيها و خالل اليومين التاليين غلب الوجوم على جو المنزل ، •• *** أفهمك تماما  

مقتصرا على الكلمات التقليدية عن األحوال و كان تبادل األحاديث بينهم الليلة ، إال أن الحديث كان دوما يفتقد العمل و الطقس و سهرة التلفاز لهذه

تعمد الجميع عدم الخوض في إلى شيء هام ، إلى الحرارة و الروح ، و كان ، كان كل من موضوع سهيل يضفي المزيد من البرود على العبارات المتبادلة

نفسها األب و األم يعلــــمان ما تعـــانيه ريم ، و الصـــراع الــذي وجـــدت : فيه بين رغبتهما و رغبتها ، و أثناء غياب ريم قال جهاد لزوجته

: هل وصلت ريم لقرار ؟ فقالت األم   يتعلق األمر بقبولنا أو رفضنا ، ريم أبدا لم تكن كان ينبغي أال تفكر عندما  

•• عاقة قبل خمس و ال تقسي عليها يا أم قاسم ، ريم تفكر كما فكرت سميحة  

عشرين عاما ، يوم تقدمت إليك شابا فقيرا وحيدا غريبا ، ال يوجد منطق واحد لقبولي و مع ذلك قبلت ، ريم تفكر بإحساس األنثى فبل أن تفكر بمنطق

•• حقها اإلبنة ، و هذا •• كمن يلقي بنفسه في التهلكة لكنها لو تزوجته تكون  

عجوزا و ليس إلى هذا الحد يا أم ريم ، سهيل شاب ناجح في عمله ، ليس   ليس عاطال ، لم نر منه ما يسوء أبدا ، أنت قلقه ألنه فلسطيني ، و أنا قلق ألنه ابن مخيم •• لكن ال أنا و ال أنت يمكننا أن نضع فيه هو شخصيا عيبا

: نحاجج به ريم •• تنهدت األم و همست يمكننا أن •• *** و مع ذلك آمل أال تقبله  

بوضع اللقمة في غدا يأتي سهيل ، فبماذا نرد عليه يا ريم ؟ كانت ريم تهم   : بارتباك فمها عندما باغتها األب بهذا الســــؤال ، أزدردت اللــــقمة و قالت

: ابتسم األب تفهما و قال بهدوء •• ما تريده يا أبي   •• أنت من ستتزوج و ليس أنا  

سهيل يا أبي ، شاب عصامي بنى نفسه بنفسه ، و تجربته في الحياة   واسعة ، كما أنه قريبنا ، ولكن لو كان موضع شك فإنك بالطبع أخبر مني بهذا

كانت األم تستمع صامتة للحوار ، و عند هذا الحد وضعت ملعقتها و •• األمر : لريم قالت موجهة حديثها

ابنتي •• تطلعت إليها ريم برجاء و قرأت األم في يبدو أنك تريدينه يا   رغبتها ، نكست رأسها و أدارت ملعقتها عيونها استعطافا خفيا بأال تقف أمام

كان بدوره ينظر إليها ، كانت في الطبق ، و عندما رفعت رأسها نحو زوجها ، يعني التزاما و قابل األب الكلمة القادمة هي القرار النهائي و كان إعــالنها

لألم لكي تبتسم وجوم األم بابتسامة هادئة أخذت تتسع تدريجيا تقدم دعوة كانت بدورها ، فاضطرت األم تلبية الدعوة و افتــر ثغرها عن ابتســــامة ،

ريم تراقبهمــا و تنتظر القرار بقلب متلهف و عندما تطلع إليها أبيها كانت : ابتسامته كبيرة و قال بمرح

Page 153: رواية لاجئة

من على بركة الله يا ابنتي •• زغردت الفرحة في عيني ريم ، و قامت   فورها فقبلت يد أبيها و رأسه ، و ألقت نفسها في حضن األم المفتوح و تلقت

و دعواتها ، و تلقت تهنئة سمر و ركضت إلى غرفتها و عندما صاح تهنئتها : األب

: و الطعام ؟ قالت   الدموع تتجمع في عيونها ، قال شبعت •• تطلع جهاد إلى زوجته ، كانت  

: لها و هو يبتسم طيبا مثلها ، ادعي لها بالخير يا أم قاسم ، ريم طيبة و لن يكون نصيبها إال  

جاء و لعل سهيل هو خيرها الذي ال نعلم مداه •• *** مساء اليوم التالي ، سهيل مبكرا أكــــثر من المعتاد ، لم يكن األب قد عـــاد من عمله ، و كذلك

، كانت سميحة وحدها مع ســــمر ، فتحت له الــــباب و رحـــبت به ريم أخبرته أن زوجها ليــس بالبيت ، فدخل سهيل و توجه نحو بتــــحفظ و

: الصالون مباشرة و هو يقول لدي كل العذر في التبكير بالحضور اليوم هو عمي ، و أنت زوجة عمي ، و  

: •• دخلت األم خلفه فبادرها بسرعة ، مرهقا ، تعرفين يا خالتي ، أنا لقد مر علي األسبوع الفائت طويال ممال  

كرسيها و تطلعت إلى أنتظر الرد •• جلست األم و أجلست سمر على ذراع : سهيل و سألته فجأة

لكنه لماذا تريد الزواج من ريم يا سهيل ؟ فوجيء سهيل بالسؤال ، و   : تماسك بسرعة و قال مبتسما

: قالت و لماذا يريد الناس الزواج يا خالة ؟ ضبطت األم أعصابها و   اإلرتباط بابنتي و ليس عن األسباب وراء زواج أسألك عن سبب رغبتك في  

لهجتها أنه في اختبار عسير عليه العالمين •• فقال سهيل و قد استشف من : أن ينجح فيه

فقالت األم •• ريم فتاة ممتازة ، و أي شخص يسعده كثيرا أن يرتبط بها   : بسرعة

لم تتزوج حتى اآلن يا سهيل رغم أنك لست صغيرا ، أعتقد أنك و لماذا   : كذلك ؟ فقال سهيل تخطيت الثالثين ، أليس

الشباب وصلوا لهذا الســن و لم يتزوجـــــوا بعد ، تعرفـــــين كثير من   : تعرفين النصيب •• و ركز عيونه عليها و أكمل ظروف الحــــياة ، و

األم و أنا أؤمن جدا بالنصيب يا خالتي ، أال تؤمنين به بدورك ؟ نهضت   : قالت

: فقال سهيل و هو يبتلع ريقه ماذا تشرب ؟   كل ما تعدينه جميل يا خالتي •• صحبت األم سمر و توجهت للمطبخ  

: فصفر سهيل بشفتيه و همس ، ابتلع بداية غير مشجعة •• *** عندما عاد األب ووجد سهيال في المنزل  

احتجاجا صغيرا و رحب به بحرارة و سأله إن كـان قد شــرب شيء ، و : سهيل عن رأيه في طلبه الزواج من ريم أجابه األب عندما سأله

إبن ريم هي ابنة عمري يا سهيل ، و لن أجد لها خيرا منك ، أنت شاب  

Page 154: رواية لاجئة

حالل و أدعو الله أن يوفقكما •• نظر األب إلى األم يدعوها بعيونه أن تبادر : بالتهنئة ، فقالت و عيونها مترقرقة

نهض •• مبارك عليك يا سهيل ، ريم فتاة ممتازة ، احفظها في عيونك   سهيل فعانق عمه و قبل رأس زوجة عمه و قال و هو يجلس و السعادة

: تنطق في عيونه ، ريم في عيوني •• و عندما عادت ريم سوف لن تندموا على هذا القرار  

ميعاد الخطوبة و مقدار المهر وجدت أن اتفاقا قد تم بين األب و سهيل على بهدوء إلى حجرتها و و وجدت في عيون سهيل شوقا كثيرا و حديثا ، فانسلت

مهنئا و قال لم تخرج إال عندما خرج سهيل من المنزل ، جاءها أبيها و قبلها : لها

مختلف ، الزواج يا ابنتي شراكة عمر ، و عندما ترضى المرأة اآلن كالمي   في عيونها و تتحمل تقلبات مزاجه ، و تخفي برجل زوجا فالبد أن تحفظه

سعادة حقيقية ال أنكرها ، و أسأل عيوبه ما وسعها ، لقد كان سهيل سعيدا : الله أن يوفقكما •• و قالت األم و هي تحتضنها

تأكدي أنك ستظلين الجوهرة الثمينة دائما سهيل سيأخذ جوهرتي الثمينة ،   بأقل منه يا ابنة بطني •• و لم تنم ريم و لن يغير الزواج هذا األمر ، ال تقبلي

ألول مرة هاتف من سهيل هتف تلك الليلة ، و عند منتصف الليل استقبلت : بحماس عندما سمع صوتها

: مبارك يا ريم •• فقالت بخجل   : قائال مبارك عليك يا سهيل صمتا كالهما و قطع سهيل الصمت و تنهد  

ستة شهور قادمة بدأت ريم اإلستعداد للزواج مع أخيرا •• *** خالل   الفاتحة تم عقد القران في المحكمة و سهيل فبعد شهر تقريبا من قراءة

منزلهم و منذ اللحظات األولى أصبح من حق ريم الخروج مع سهيل إلختـــيار لم تهتم ريم ، تقرر للمنزل أن يكون في حدود متوسطة قدر اإلستطاعة و

أصبح فهي قادرة على تحويل منزلها أيا كان مستواه إلى قطعة من الجنة ، و من المعتاد أن تتغيب عن العمل يومين أو ثالثة أسبوعيا من أجـــل إعـــداد المنزل و فرشه ، و في غضون ذلك الحظت ريم أن سهيال كان غاية في

يفكر يوما أن يستغل وحدتهما خاصة في الشقة لكي التهذيب معها ، لم النقيض من ذلك ، كان سهيل في يتصرف تصرفا متوقعا من زوج ، و علي

استطاع ، و الشقة منشغال دائما بأدق التفاصيل ، يرتب بأقصى قوة ما تشارك مع ريم في شراء كل قطعة أثاث ، و كانت األم تستقبل ريم كل يوم

بسؤال واحد عن سلوك سهيل معها فتجيبها دوما بأنه مثال األخالق •• و الست و في اليوم المحدد للزواج أعد األب مع قاسم ابنه و انتهت الشهور

سطح المنزل ليكون مقر احتفال النساء فيما بمساعدة رجال من الجيران للرجال ، و ذهبت ريم مع أختها تبرع أحدهم بإعداد سطح عمارته المقابلة

في المنزل تشرف سمر إلى حيث تتزين و تتأهب لليلة العمر ، و بقيت األم على استقبال الحلويات و المأكوالت و الضيفات المبكرات ، عند التاسعة مساء كان كل شيء جاهزا الستقبال العروس ، السطح مليء بالنساء

و الصبايا يتناوبن الرقص على إيقاع الموسيقى مختلفة المهنئات و أطفالهن ،

Page 155: رواية لاجئة

أقبلت العــــروس فتعالت الزغاريد و بسملت النغمات ، و عنــد العاشــــرة الجميع ، فقد كانت ريم جميلة جدا األم و حوقلت و استعاذت بالله من عيون

تفارق اإلبتسامة وجهها ، و هذه الليلة ، اتخذت مكانها في صدر الجلسة و لم و جلس عند الحادية عشر جاء العريس بصحبة األب من السطح المقابل

بجوارها و ألبسها الشبكة و بقي قليال حتى انتهى قاسم من التقاط الصور ثم إلى الرجال و دعي الجميع لتناول طعام العشاء •• عند الواحدة ليال مضى

و لكن هذه المرة ليصحب عروسه •• و انطلق جاء العريس مجددا ، نزال الساللم و ركبا العروسان وسط الزغاريد و الموسيقى الصادحة

تصويرها السيارة المزينة التي انطلقت بهم إلى جولة في المدينة ، تم بالفيديو من قبل بعض أصدقاء سهيل ، و في حدود الثالثة فجرا اتجهت

بالعروسين إلى منزلهما الجديد و لم يتركهما الناس إال بعد أن اضطر السيارة : الباب في وجوههم و هو يصيح باسما سهيل الغالق

أتركوا العروسين يا متاعيس •• !! و على باب المنزل حمل سهيل   عروسه ، و سار بها حتى منتصف صالة المنزل ثم أنزلها برفق و قال و هو

: يقبل جبينها ابتسمت له ريم و قلبها يخفق بشدة و •• مبارك عليك يا عروسي الجميلة  

: همست بارتباك عنقه و مبارك عليك يا زوجي العزيز •• تلفت سهيل حوله و حل ربطة  

: قال في المنزل لنرى كيف رتبته أمك و أختك الترتيب األخير ؟ هل نقوم بجولة  

لها يده و سارا معا إلى الصالون أوال •• وقف هزت ريم رأسها موافقة ، فمد : ابتسامته انسحبت بسرعة و صاح سهيل على بابه و هو مبتسم ، على أن

: ما هذا ؟ اضطربت ريم و قالت بسرعة   : ماذا هناك ؟ فقال  

بنفسي أنظري ، لقد غيروا مكان المقاعد ، لم أضعها هكذا عندما رتبتها   : •• ابتسمت ريم و قالت

مكانها لقد أعادت أمي تنسيقها وفق ما وصفت لها ما أتمناه •• تركها في   و قام بجولة سريعة على غرف البيت و أخذ يتمتم بنفس العبارات كلما دخل

: في النهاية وقف وسط الصالة و صاح بغضب غرفة و أحب هذا لقد قاموا بتغير كل شيء ، لم يتركوا غرفة دون عبث ••أنا ال  

: •• قالت ريم واجمة أشد سهيل ، لقد بذلوا جهدا كبيرا ، و عندما عادت أمي أمس كانت في  

حاالت اإلجهاد ، حتى أنني شعرت بوخز الضمير ، ال تنس ، أمي إمرأة كبيرة : سهيل بإصرار •• فقال

التنظيف ، ال التنظيم ، تدخلهم هذا يضايقني •• كتمت ريم طلبنا منهم   : بصوت حاولت أن يخرج هادئا غيظا يثور داخلها و قالت

يصيح غدا نعيد تنظيم البيت كما تحب •• و لم تكمل حديثها و فوجئت به   : بسرعة

: قالت ريم و قلبها يدق بشدة •• ال •• بل اآلن  

Page 156: رواية لاجئة

: اآلن ؟ فقال و هو ينزع الجاكت و يشمر أكمام قميصه األبيض   يعود كل شيء إلى ما كان عليه •• هيا معي يا نعم اآلن ، مساعدة قليلة و  

•• حبيبتي سيبرد ، هال أكلنا لكنني متعبة يا سهيل ، و جائعة ، الطعام الذي أعدته أمي  

: عرضها و قال و بدلنا ثيابنا أوال ثم قمنا بما تريد ؟ هز سهيل رأسه رافضا سأقوم بالعمل وحدي ، أم تريدين أن يأتي الناس للتهنئة غدا كلي أنت ،  

: قالت ريم بصوت متعب مقهور فيروا البيت بهذا العبث ؟ إلى نحن اآلن غدا فعال يا سهيل •• لم يسمعها سهيل ، توجه بسرعة  

الصالون و أخذ يحرك المقاعد و يـــبدل أمــــاكنـــــها و عندما احتاج ناداها ، فجاءت إليه تجر ثوبها األبيض الجميل ، و بدون كالم لمساعدة

صباحا ، كان المنزل قد عاد إلى سابق عهده و ساعدته •• عند السابعة ، جلسا منهكين على مقاعد اتخذت قطع األثاث شكلها الذي يريده سهيل

ثوب الصالون كانت بعض التكسرات و البقع الخفيفة قد انتشرت على الزفاف األبيض ، و كان شعر ريم مشعثا بعد أن اضطرت لخلع الطرحة عنوة

: العمل •• تطلع سهيل حوله و قال بصوت فخور متعب أثناء : الئما هكذا ينبغي أن يكون بيت سهيل •• أنتبه أخيرا إلى ثوبها فقال  

الزفاف ، كان ينبغي أن تبدليه قبل مساعدتي •• أنظري ، لقد فسد ثوب   : غلبها فنهضت متكاسلة و قالت لم ترد ريم ، كان النعاس و التعب قد

: سأذهب للنوم •• فقال بسرعة   : و الطعام ؟ فقالت و هي تشيح بيدها  

أنفها يحكها تقاوم ال حاجة لي به ، كل أنت •• اتجهت نحو غرفة النوم و   بجسدها عبرة على ضياع ليلة العمر التي حلمت بها ، و تذكرت و هي تلقي

المنهك على السرير ما قالته لها مشاعل عن طقوس ليلة العمر ، و ما قالته أخريات كن أكثر جرأة من الجيران •• همست لنفسها و هي تدخل فورا في

: ضبابات النوم في حدود الخامسة عصرا أفاقت ريم !! *** مبارك عليك يا عروسة  

بسرعة و حاولت تذكر ما مــــذعورة على يد تهزها ، فتحـــت عيــــونها ، حدث ، و عندما لمست يدها ثوبها و سمعت حفيفه تذكرت على الفور

نظرت إلى سهيل الذي يوقظها ، كان مرتديا بيجامة النوم الحمراء التي قبل الزفاف بيومين ، كان مشمرا عن ساقيه ، ابتسم لها أشتروها سويا

: عندما فتحت عيونها و قال نمت قرابة عشر ساعات حتى اآلن ، لم أشأ يبدو أنك تعشقين النوم ، لقد  

أحب أن تنامي قبلي بعد اليوم •• إزعاجك ، لكنني آمل أال تكرريها ثانية ، ال : استوت جالسة على فراشها و همست

: ألم تنم ؟ فقال و هو يضحك   استيقظت منذ ساعة تقريبا ، ال لقد نمت بعد أن أكلت بساعة تقريبا ، و  

بدورك •• أحب النوم أكثر من سبع ساعات يوميا ، ستعتادي على ذلك : تمطت في فراشها و قالت و هي تبتسم بمكر

يوم لقد كانت ليلة أمس مرهقة جدا يا سهيل ، ال يكفي لتعويضها نوم  

Page 157: رواية لاجئة

•• بأكمله و ليس عشر ساعات أصــبح بحاجة حسنا ، قومي بدلي ثيابك ، و حاولي إخفاء هذا الثوب فلقد  

من إلى تنظيف و كي ، ارتدي شيئا أنيقا سيأتي المهنئون بعد قليل •• نهضت : فراشها بتثاقل كبير و قالت و هي تتثاءب

: أشعر بجوع عظيم •• فقال و هو يغادر الغرفة   للعروسين معهم عندما يأتون مهنئين األصول تقتضي أن يحضر أهلك طعام  

ارتدت ثوبا مغربيا مطرزا و ، آمل أال ينسوا ذلك •• بدلت ريم ثيابها ، و خرجت مشطت شعرها و أعادت ترتيب زينتها ، فبدا وجهها مشرقا ، و

مبتسمة تبحث عن سهيل ، وجدته في الصالة يطالع التلفاز فقالت على الفور :

: انتباهه على الشاشة ماذا تشاهد ؟ فقال و هو يركز   فيلم مصري قديم ، شاهدته أكثر من مائة مرة ، أحب مشاهدته كثيرا أنه  

••

: وقفت أمام الشاشة و قالت بدالل أوال ؟ فقال و هو يثني رقبته الن تخبرني عن رأيك في ثوبي و زينتي  

••: ليشاهد الفيلم من الزاوية ، ابتعدي فالفقرة القادمة هي لقد اشتريناه سويا ، و هو جميل بال شك  

للمطبخ ، كانت أجمل الفقرات •• ابتعدت ريم عن التلفاز متنهدة و اتجهت بقايا طعام العشاء في المجلى داخل األواني ، راعها منظر المجلى و هو

مزدحم باألواني ، فشمرت أكمامها و شرعت في تنظيف األواني ، عندما دق متتابعة تنبىء عن مقدم المهنئين ، أسرعت فغسلت يدها جرس الباب دقات

في طريقها التلفاز و جهاز الفيديو و هي و توجهت لحجرتها بعد أن أغلقت : تقول

بزينتي •• أكمله بعد أن ينصرفوا ، و أذهب الستقبالهم ، علي أن أهتم   : نهض على مضض و هو يتمتم

الئقا ، كان ال أحب أسلوب األوامر •• فتح الباب و رحب بأسرة ريم ترحيبا   األب و قاسم يحمالن أكياسا ، و تحمل األم طعاما و تحمل سمر كيسا آخر ،

انطلقت زغرودة األم بمجرد دخولها و هتف األب مهنئا و وضع الجميع ما : سمر بإتجاه غرفة النوم ، فاستوقفها سهيل بحزم صائحا يحمله و ركضت

فقال سهيل إلى أين تذهبين ؟ فوقفت مرتبكة و هي تشير على غرفة ريم   : بسرعة بصوت حاول أن يكسبه بعض الليونة

تؤنبها على ستأتي بعد قليل •• نادت األم سمر و أاجلستها بجوارها و هي   سلوكها ، و خرجت ريم بسرعة مبتسمة و أقبلت تقبل الجميع و تتقبل تهنئتهم

و لم ينس األب أن يمنحها مبلغا من المال في يدها و هو يقبلها ، و جلست : زوجها ، فتمتمت األم بدعوات لحمايتها و قال قاسم و هو يبتسم ريم بجوار

، يبدو أنني سأفكر جديا في ما شاء الله يا ريم ، لقد تضاعف جمالك   : الزواج فقال األب

غمزت األم أمنية حياتي أن أراكم جميعا في بيوتكم و أحمل أطفالكم •• و  

Page 158: رواية لاجئة

: لريم ثم قالت أصلي المغرب ، هال جئت لتعرفيني مكان القبلة يا ريم •• نهضت ريم لم  

أمها ، و لم تدر وجهها إلى زوجها رغم يقينها أنه كان ينظر و قد فهمت مرمى ما •• و في غرفة النوم ، قبلت األم ابنتها مجددا و إليها و في عيونه رسالة

: سألتها عن أحوالها فقالت ريم ال غبار عليه •• تنهدت األم و عادت فقبلتها أنا بخير يا أمي ، وسهيل رجل  

الصالة توجهت ريم إلى المطبخ لتعد و هي تعيد التبريك ، و لما شرعت في عندما حسم األب الموقف و شيئا للضيوف األعزاء •• انتهت الزيارة بسرعة

: قال للجميع الجميع و هيا بنا ، لنترك العروسين ، الحمد لله اطمئننا عليهما •• خرج  

بقيت ريم تنظر إلى الباب المغلق بعدهم ، ثم تطلعت إلى سهيل فوجدته : و في عيونه أسئلة فقالت يطالعها

نأكل اآلن ••؟ توجهت إلى المطبخ و حلت األكياس و استخرجت من هل   و المكسرات الشيء الكثير ، أعدت مائدة أنيقة ، و طيبات الطعام و الفاكهة

أن قبل خدها و أثنى على حسن نادت سهيل ليأكل ، فجاء و جلس بعد : تنظيمها للمائدة ثم قال

تتحدثي سرا مع أمك ريم ، ال أحب أن يدخل أحد غرفة نومنا ، و ال أحب أن   في أي شأن يخصنا •• تنهدت ريم و كأنها كانت تتوقع ما سيقول فقالت

: بهدوء دون أن تنظر إليه أمي ، و من حقها أن تطمئن علي •• تطلع إليها فقالت و هي تبتسم هي  

: عيونه بعد أن قرأت شك في تماما •• تناوال طعامهما بدون كلمة واحدة زيادة ، و اطمئن ، لقد اطمأنت  

فغسلت األطباق و وضعت البواقي في الثالجة و بعد اإلنتهاء منه ، نهضت ريم تسمع صوت التلفاز يفتح مجددا وضعت إبريق الشاي على النار ، و لما لم

بكثير من اإلهتمام خرجت لترى أين سهيل ، فوجدته في غرفة النوم يطالع : ثوب الزفاف األبيض المعلق في خزانة المالبس فقالت

: التفكير ماذا تفعل ؟ فقال و هو مستغرق في   الثوب غاليا ، و ينبغي أال نتركه على هذه الحالة من اإلهمال لقد كلفنا هذا  

: الجسيم •• فقالت بتهكم يرد ، لكنه أنزله و حمله عائدا به إلى الصالة و هل تريد تنظيفه اآلن ؟ لم  

: قال المالبس ، احضري منشفة و ماء دافيء ضعي فيه قليل من صابون غســل  

: سيعود جديدا بعد قليل •• قالت ريم و هي تأخذ نفسا عميقا غاضبا المساء انشغل سهيل في حاضر •• حاضر يا زوجي العزيز •• طيلة  

و ببطء تنظيف الثوب ، و كان يبدو مستمتعا جدا بما يعمل ، يؤديه بهدوء شديد و يتغزل في كل قطعة تعود لتلمع من جديد بعد تنظبفها ، جلست ريم

بعض الوقت ، كان عقلها يعمل بسرعة ، كان يهدر غضبا ، لم يعد األمر تراقبه ألشياء ال تعجبه ، و إنما أصبح تهربا •• عندما وصلت لهذه مجرد تعديل

تنظيف الثوب و كيه و كانت الساعة تدق الثانية الحقيقة ، كان قد انتهى من

Page 159: رواية لاجئة

مرات ، و كانت ترتدي في كل مرة ثوب عشرة تماما ، بدلت ريم ثيابها عدة اتجه إلى الفيديو و سألها نوم بلون جديد عله ينتبه لها ، لكنه عوضا عن ذلك

يريد شيئا عن العشاء ، نهضت فأعدته له و وضعته أمامه و سألته إن كان : فقال مستنكرا

ستنامي اآلن ؟ فنظرت إليه و على لسانها أجوبة كثيرة مختلفة عما هل   : نطقت بالفعل

: نعم •• فقال و هو يقضم لقمة   شاهدي الفيلم القادم ، إنه مسل جدا ، اجلسي يا ريم ، تعشي معي ، و  

: بهدوء غاضب عالم اإلستعجال ، لدينا إجازة طويلة فقالت ريم : أريد النوم فقال بحزم لكنني متعبة و  

اجلسي ، سبق و أن أخبــــرتك أنني ال أحـــب أن تسبقيني إلى النوم بل   سننام سويا بعد الفيلم •• جلست ريم على مضض ، و بدأ أبدا ، أجــلسي و

كانت تطالع سهيل و هو يشاهده بحرص شديد الفيلم ، فلم تشاهد منه شيئا ، السخيفة و يدق يدا بيد و هو كأنه يراه للمرة األولى و يضحك على المشاهد

: يشير إلى الشاشة صائحا الشاي الذي أنظري •• أنظري •• بعد أن انتهى الفيلم ، و شرب سهيل  

: كان حريصا على تناوله بعد الطعام مباشرة ، نهضت ريم قائلة إليها سهيل مبتسما و قال و هو ينهض يمكننا النوم اآلن فيما أعتقد •• نظر  

: إلى غرفة بالطبع يا حبيبتي •• إذا كان هذا ما تريدينه •• نهض فسبقته  

النوم ، اتخذت مكانها و استلقت على الفراش ، بعد قلـــيل جـــاء و استلقى بدوره بجوارها ، ظال صامتين •• و عندما لم يبـــدي حـــراكا ، اســــترخت

: و أغمضت عينيها فهمس تمــامــا يا ريم ؟ تمتمت باإليجاب فأدار ظهره و اتخذ وضعا جنينيا و تنهد هل نمت  

طالعت ظهره •• تنهدت و ألقت برأسها على الوسادة •• رفعت رأسها و : فهمس

أنفاسها لطالما حلمت بأن يكون لي بيت لوحدي •• لم ترد و حبست   : فأكمل

أثاث يخصني وحدي ، و فيه زوجة جميلة تنتظرني ، فيه بيت كبير فيه   ال فقر و ال عوز •• أطفال منعمين أطفال لي ••• أطفال بال يتم ، و

يلعبون بألعاب تخصهم يشربون الحليب المحلى و يأكلون التفاح األحمر و يغير وضعه ألعاب ألكترونية و عرائس و دببة و مكعبات •• ضحك بهدوء و لم

: و أكمل صغيرا كنت أعوض حرماني من كل هذا باألحالم ، كانت أحالما عندما كنت  

فيها ، لكن البرد و الجوع و النهار المذعور كانوا جميلة يسعدني اإلستغراق تستمع لهمسه بإصغاء تام ، استدارت ينتشلوني منها بسرعة •• كانت ريم

أكمل دون أن يدير وجهه بهدوء ، و طوقته بذراعها فتناول كفها بين كفه و : إليها

كنت أعيش الخوف في كل لحظة ، تجسد لي دوما كمارد عمالق صوته  

Page 160: رواية لاجئة

قصف الرصاص المتقطع و خطواته نداءات ملتاعة ألم فقدت ابنها للتو ، : استدار ليواجهها و أكمل و هو يكز أسنانه و قال أتعلمين ؟ و

هل إذا كنت أحسد ذلك اإلبن الفقيد على بكاء أمه عليه •• و كنت أتساءل   مت سأجد من يبكيني •• و كانت اإلجابة في عيون كل الالهين بهمومهم عني

أعرف أنني لو مت فلن أكون إال رقما عشريا تافها في قوافل األموات ، كنت قررت أال أموت •• نعم قررت أال أموت يا ريم ، لن أموت إال •• لذا •• لذا

يترحم علي و يزور قبري •• أحكمت ريم احتواءه إذا أصبح لدي من يبكيني و :و همست بحنان

يفكر في الموت من يبدأ حياته للتو يا سهيل ؟ ربت عليها و استرخى هل   لحظة حتى سمعت ريم صوت أنفاسه المنتظمة يتردد في نومه ، و لم تمض

ليعلن إنتهاء يوم آخر في حياتها الجديدة في أذنها ، ينسل إلى تجويفها الخالي سهيل في ذهنها و مررته على قلبها •• ولم تنم ريم هذه الليلة ، أدارت كالم

المضي قدما في فاستشعرت مأساة يمر بها هذا الشاب تحول بينه و بين اتمام الزواج على الوجه المفروض ، قررت أن تكف عن التفكير في هذا

: األمر حتى يأتي لوحده ، قالت و هي تحكم الدثار حوله يهمه أمرك كثيرا قريبا جدا ستتيقن أيها الغالي من أنك وجدت أخيرا من  

••

Page 161: رواية لاجئة

إلى العمل ، لم بعد أسبوعين من الزفاف قررت ريم قطع إجازتها و العودة يعترض سهيل بل على العكس كان يرى أنه البد بالفعل من العودة للعمل

:لكليهما و علق قائال

شهور المكوث في المنزل أمر ممل للغاية ، ال أدري كيف يحتمل الناس   اإلجازة •• و استقبلت مشاعل عودة ريم السريعة بكثير من الدهشة و لم

عذر قدمته لها ريم ، و عندما شارف اليوم على اإلنتهاء و تتقبل أي بهدوء كان من الطبيعي أن تبادر مشاعل بسؤالها استطاعت االثنتان الجلوس

: المتوقع كحرز غير قابل ماذا حدث يا ريم ؟ لكن ريم التي كانت تحفظ نصيحة أبيها  

: لإلهدار قالت بمرح مصطنع : ال شيء يا أم األفكار •• فقالت مشاعل بهدوء الواثق  

سؤالي هل يتعلق األمر بسهيل ؟ بل هناك شيء ، و شيء كبير أيضا ، و   فصمتت تمنع رغبة هزت ريم رأسها و لم تقوى على اإلستمرار في اإلدعاء

شفتيها قوية في الكالم ، رغبة وصلت معها حد الحرقة •• كزت مشاعل على : و تفكرت قليال ثم قالت برزانة غريبة عليها

حالمة ، اسمعي يا ريم ، قبل أن نتزوج نكون قد رسمنا في أخيلتنا صورة   شديدة النعومة عن حياتنا مع الزوج ، و لكن عندما نتزوج فعال نجد أن الصورة اختــلفت قليال أو كثيرا عما رسمنا ، و العقدة دائما فينا ، نحن القادرات على

أو زيادة تعقيدها ، فإذا كنت قد جابهتي أمرا لم تتوقعيه ، ابحثي في حلها طريقة التكيف معه ، ال توجد عقدة بدون حل •• فقالت ريم نفسك أوال عن

: و كأنها تنفي تهمة : ابتسمت مشاعل و قالت على الفور •• سهيل انسان يا مشاعل  

فقالت لم أقل عكس هذا يا ريم •• أدركت ريم أنها تسرعت بهذه العبارة   : باقتضاب

: أي مشكلة •• تنهدت مشاعل و قالت لست أعاني من   إذا كان األمر يتعلق بسهيل فأعتقد أنك يجب أن تشركي أمك في  

: الموضوع فهي سيدة حكيمة و سيفيدك رأيها •• بسرعة قالت ريم :مشاعل و تناولت عباءتها و قالت ال •• ال يمكن •• ال أستطيع •• نهضت  

كفيل أذن ، أنا رهن خدمتك ، و أعتقد أن مجرد الحديث عن المشكلة   بايجاد حل لها •• ألن تستعدي ، أزف ميعاد اإلنصراف •• هزت ريم رأسها

نهضت متكاسلة ارتدت عباءتها و أحكمت وضع غطاء رأسها بآلية موافقة و داخلها يقسم أن ريم لديها مشكلة •• *** ذاك فيما مشاعل تراقبها و شيء

زوجها ، قررت أال تقف مكتوفة المساء قررت ريم أن تفتح نقاشا صريحا مع معه ، قــــدمت له اليدين أمام مشكلة تفرض نفسها على تفاصيل عـــالقتها : كـــوب الشاي مبتسمة و قالت مداعبة

Page 162: رواية لاجئة

: تفضل يا وطني •• تطلع إليها سهيل و ابتسم بدوره و قال   :هزت ريم رأسها و قالت بمرح وطني ؟ هل هذا أسم تدليل ؟  

هو واقع الحال يا سهيل •• أنا لم أر وطني و لم أعش فيه ، و زواجي بل   رحلة بحث مضنية عن هذا الوطن •• في البداية بحثت عنه منك كان نهاية

كبيرة أحصل عليها •• لكنني وجدت بعد رحلة في دراستي و كتبي و شهادة ، و شهادتي معلقة على حائط دراسة مضنية أن الوطن ال يختبيء في الكتب

اسمي و مؤهلي و الجاليري بال قيمة ، حتى سطورها المتتابعة التي تحمل تقديري ال تعنيني و كأنها لشخص آخر ، ثم اعتقدت أنني سأجد الوطن في العمل و اإلنتماء له ، فأخذت أرسم و أعمل و استغرقني العمل حتى نسيت

فجأة على أن ريم التي تعمل هناك ليست سوى عاملة ، أيا الهدف و أفقت لجنسيتها عالقة بعملها و ال مكانها و مكانتها ، و كان طبيعة عملها ، و ليس

أو سعودية ، أو سودانية •• أي جنسية تيقنت أن ريم هذه لو كانت مصرية ، تمحور حولك انتمائي فلن يتغير الوضع •• و عندما ظهرت أنت في حياتي

••فصرت اآلن أنت الوطن ، هذه حقــيقة فال تضحك يا سهيل

الشاي اهتز في كان سهيل يضحك على هذه العبارة األخيرة حتى أن كوب :يده فأسقط قطرات على مالبسه ، لم يشعر بحرارتها و قال

، فهل الوطن يا ريم ليس دراسة و ال عمل و ال زوج ، الوطن أرض و حدود   : ترين أنني أرضك ، حدودك ، هل أصلح لهذا الدور ؟ فقالت ريم حانقة

تسخر مني يا سهيل ، أنني بل يجب أن تكون في هذا الدور معي ، ال   يعوزني صادقة جدا فيما أقول ، يعوزني دوما اإلنتماء إلى شيء ما ،

اإلطمئنان و الركون و إغماض عيني بال خوف ، يعوزني الوثوق و الحماية ، و األمان ، هذه معاني يوفرها الوطن ، و أنا بال وطن ، و بزواجنا صرت أنت

الحماية ، إليك أنتمي و معك أغمض عيني و آخذ من الدنيا مواثيق األمان و يا سهيل ، هل تفهم هذا ؟ سحب سهيل بقايا ضحكة األمان •• أنت الوطن

معاني األلم فيهما ، قال بصوت ال التهكم من عينيه ، وحلت في لحظات : يشبهه

يعيش ، إنسان بال هوية ، ساقط قيد ، من فئة البدون ، ال يستحق أن   إنسان يستجدي علمه ، يستجدي عمله ، يستجدي وجوده ، أكرم له أال يعيش

تفهمين يا ريم ، أكرم له أال يعيش •• لم تفهم ريم ، ظالم لف عقلها •• هل فاستحالت معه كلمات سهيل طالسم ، أمل كان هنالك يرعى في لحظات

تجمد على ابتسامة جهل بلهاء طافت على في نفسها مطمئنا انكمش فجأة و : سؤاال لم تستطع أن تكتمه شفتيها ثوان ثم انطفأت و صاح داخلها األلم

ربطت في لماذا تزوجتني يا سهيل ، أنت انسان يقتات الضياع ، فلماذا   عنقك إنسانا يعيش على األمل ، لماذا تزوجتني يا سهيل ، إذا كنــت ترى

الحياة ظـــالما ، و النـــاس شـــرا و األسرة وهما ••؟

Page 163: رواية لاجئة

: أمسكها بسرعة من كتفيها و صاح بعنف أردت أن أحطم شرنقة تعاسة ألنني أردت الخروج من كل هذا ، ألنني  

النجاح ، تعشعش في كياني منذ طفولتي ، تسرق مني متع الحياة ، فرحة ابتسامة التفاؤل •• ألنني رأيتك إنسانا يحاول أن يطفو برأسه من مستنقع الضياع و يتنفس األمل ، رأيتك منذ حدثني عنك تامر في خطابه فتاة ترفض

الغربة األبدي و تمد يدها نحو الضوء رغم عجزها و قلة حيلتها الرضوخ لواقع التواصل مع الغائبين مالم نستطع أن نفعله و الغربة •• فعلت بخطابات

و المرارة تغلف أيامنا •• صاحت ريم و تمتص دماءنا و الصبر يلعق جروحنا :هي تحاول التفلت من يده

تؤلمني يا سهيل •• أفلتها و أكمل و زبد أبيض يحيط شفتيه و تهدج إنك   : خفيف يغلف صوته

اللعن لساني ، أمارس عملي كما كان كنت ساخطا ، ال تفارق عبارات   السوط ، الفرق الوحيد العبيد يمارسون أعمالهم تحت نير التعذيب و فرقعة

•• أن المعذب كان من هنا •• دق صدره بقوة أذهب إلى العمل و أظل أعمل من داخلي ، كنت أستيقظ في الصباح و  

كنت أحاول حين الساعات الطوال ، ال أبالي بشمس يسقط تحتها المترفون ، أواصل ضرب المطارق أن أطمس على صوت اتهامات اآلخرين للفلسطنيين

حطهم من قدرهم ، كنت أحاول أن أدفع بقسوتي على ذاتي اتهاما لم و لكنني كنت أراه في العيون ، أقرأه في الصحف ، ألمسه يواجهني به أحد ،

العالم إلينا ، تعرفين أو ال تعرفين أن في المعاملة •• تعرفين كيف ينظر فلسطيني ، حين نمر على السارق في أي مكان فلسطيني ، و اإلرهابي

أظافرنا الحدود يفتشون تحت الجلد منا ، يسألون أطراف شعورنا و زوائد ••عن شر البد أننا نحمله

الحدود و عندما كنت أراهم يا ريم ، يمرون جماعات ببساطة أمام مفتشي و يأتي الدور على فلسطيني يستنفرون عروقهم ، و يلمــــسون أسلحـــتهم

يقـــدمون اإلهـــانات على مرأى و مسمع كل من له وطن •• و الجميع ينظر ال نحتاجها ، أو لسان حال يصرخ في العيون إننا نستحق •• أنت ، بين شفقة

الالجئين ، و مع ذلك مازال لديك أمل ، مازلت جربت بعضا من بعض عذاب نزين بها شفـاهنا ، و قهقهة تخرج من ترين الحياة إبتسامة واسعة يمكن أن

تسألي لماذا تزوجتك •• ال ال •• أعماق أعماق روحنا •• ال تسألي يا ريم|سأل المبطون |سأل المجروح لماذا يبحث عن الضماد ، ال ي لماذا يبحث عن ي

••الدواء

وطن •• و لم تريدين مني أن أكون الوطن •• وطنك يا ريم بحاجة إلى تجرب ريم أن تفتح معه نقاشا بعدها •• *** قالت األم و هي تحتضن ابنتها

: بشوق غريب أين سهيل ؟ لقد عودنا أال يفارقك في أي زيارة •• أهال بحبة القلب  

جالسناك وحدنا •• ظلت ريم صامتة كأنه يخشى أن نعبئك ضده إن نحن

Page 164: رواية لاجئة

وجوم ابنتها فسألتها تستمع إلى تعليق األم و ال ترد و انتبهت سميحة إلى حاولت بقلق عن حالها ، ترقرقت الدموع في عيون ريم و هزت رأسها و

: اإلبتسام و قالت ••بخير يا أمي •• لقد اشتقت إليكم كثيرا هذا كل ما في األمر أنا  

: أمامها استشعر قلب األم بأسا ، قالت و هي تجلس ريم و تجلس تقولي ، ما بك يا حبة القلب و نور العين •• حنان أمها هو أحلفك بالله أن  

كلمات الدالل القديمة ، و اإلهتمام الذي فقدته مذ •• ما كان حقا ينقصها داخلها ، أصبحت عيونها مستعدة تماما تزوجت حرك مكامن الخوف القديمة

دمعات صامتة ، و عندما لترجمة عذابها ، خرجت دمعة يتيمة تستطلع تبعتها مرتفع هز احتضنت األم عذابها انفجر القلب المغلق على همومه في نشيج

األم و بلل كتفها •• تركت ريم تبكي ، تركتها تقول في هذه الدموع كل شيء دون أن تنبس بحرف واحد ، و عنــدما انــتهت ريم و صامت شهقاتها

تقبلت شاكـــــرة كأس العصـــير المثـــلج من ســمر و المتوالية عن الدموع : احتسته بهدوء و ابتسمت و قالت

••أنا بخير يا أمي  

األم و راحة بالها و عندما انصرفت ريم دون أن تفصح ، أخذت معها اطمئنان إخفاؤه و •• و تركتها في قلق ال يعلم إال الله مداه ، قلق لم تستطع األم

:بادرت به األب حال عودته قالت و حسرتها تسبقها

: تعيسة يا جهاد •• نفس األب دخانه بهدوء و قال كمن كان يعرف ريم   : رأسها و قالت البداية دائما صعبة •• هزت أم ريم  

مصدومة •• إنطفأ البريق في عيونها ، و أصابها هزال ريم مجروحة ،   : قال األب •• غريب •• البد أن نفعل شيئا

: هزت رأسها نفيا فقال هل حدثتك بشيء ؟   •• دعيها حتى تقول •• ريم ال تريد منا التدخل إذن  

لكنها تتعذب   إذا استجارت بنا أجرناها  

ريم عنيدة   •• هي أدرى بشؤونها •• ريم لم تعد صغيرة  

••لهفي عليك يا ابنتي •• لهفي عليك  

***

خبيرة ، و عندما في شئون الزواج و العشرة بين الزوجين دائما مشاعل جاءت أم عبد الله في زيارة للجاليري و علقت على هزال ريم و لما يمض

: على زواجها شهرين علقت مشاعل ••بين زوجها ريم أصبحت كتومة للغاية ، أعتقد أن لألمر عالقة بما بينها و  

Page 165: رواية لاجئة

:قالت لها بحنان صحبتها أم عبد الله إلى مطعم السوق ، و عندما جلستا

أحيانا ، يصعب علينا اإلعتراف بهمومنا حتى ألقرب الناس لنا ، •• ريم   لمن يسمعنا و يفهمنا و يخفف عنا ، حتى لو كان الكالم لكننا دوما بحاجة

فنانة و راحة البال رأس مالك ، فإذا لمجرد التخفف من همومنا •• أنت ، كصديقة و ليس تركت همومك تأكلك ضعت ، لذا آمل أن تتحدثي معي

كصاحبة مال ••• و ريم لم تكن بحاجة لهذه المقدمة ، كانت تريد حقا شخصا غريبا يفهمها ، يبدي تعاطفا ، أو يقدم حال •• كانت تريد الكالم لكنها

تعرف لمن تبوح ، كانت تخشى على أبويها من هم لن يفارقهم ، لم تكن تفضي إليهم بهمها لكنها كانت دوما تتراجع ، ال ناقشت مع نفسها مرارا أن

تريد أن تسمع كلمة عن اختيارها وال تريد تريد أن تشعل حزنهما عليها ، و ال كثيرة كانت تمنعها ، و ال معنى أن تفسد عالقة بينهم و بين زوجها •• محاذير

كل شيء بصراحة لكل هذه المحاذير مع أم عبد الله ، لذا حكت ، قالت ووضوح ، تحدثت كأنها تحدث نفسها ، استفاضت في الشرح ألمرأة صامتة كانت تتلقى قصتها كأنها تشاهد فيلم خيالي ال يمكن تصديق أحداثه و عندما

: من كل شيء قالت أم عبد الله على الفور انتهت ريم ريم شهران يا ريم ؟ شهران بال زواج •• ال يوجد ما يبرر صمتك فقالت  

: على الفور أبوح بهذا السر لمخلوق ، إنني أكتفي بالدعاء لله في كل ال أستطيع أن  

يرفع عن صدر زوجي مارد الغضب على الحياة ، صالة أن يفرج هذا الكرب و : الله بحزم موقفة استطراد ريم أنا متأكدة أنه يعاني •• فقالت أم عبد

مشكلة ، ال يقوم أيا كان يا ريم ، البداية أن تواجهي األمر، و أن تعترفي بها   زواج بين أثنين على تبادل تحيات الصباح و المساء ، يجب مواجهة سهيل

بمشكلته ، يجب أن يعرف أنك ترفضي ما أنتم عليه ، ألن حياتكم غير سوية ، بالمحاولة معه ، فإن لم تجدي محاولتك نفعا فعليك بوالدك ، أو عليك أوال

: سهيل نفسه على طبيب •• صاحت ريم والدتك ، يجب أن يعرض : أحاول معه ؟ ال يمكن •• فقالت أم عبد الله بجدية  

كان زوجك متهيبا و بحاجة ألن تكسري ال خجل مما أحله الله يا ريم ، ربما   مشجعة ، خجل الزوجات معه حاجز الهيبة ، ربما كان بحاجة فقط إلى بداية

ببرود مماثل ، أحيانا يوحي بالبرود ، و بعض الرجال يستجيبون لهذا البرود ربما كان زوجك منهم •• حاولي قبل أن تفتحي معه الموضــوع مباشرة ،

•• فإذا لـــم يستجب فعليك بأمك و أبيك ، البد من تدخلهما الموت قبل أن أفتح ال •• ال أريد أن يتدخال في هــذا األمر ، إنني أفضل  

•• فمي بهذا األمر ألي منهما •• حسنا إبدئي أوال ، و ربما لن تحتاجي ألي تدخل بعدها  

هل تعتقدين بضرورة هذا ؟   ريم •• *** ظلت ريم بعد حديثها مع أم عبد بل أنا متأكدة من ضرورته يا  

و ترضخ آخر األمر لحيائها فال تفعل الله أسبوعا تقوي نفسها ، فيغلبها الحياء عملها بعد هذا األسبوع ما أوصتها به السيدة ، و صادف أن عادت ريم من

Page 166: رواية لاجئة

ريم من مجهدة ، و كان سهيل متأخرا في العودة للمنزل ، و لم تتمكن مقاومة رغبتها في النوم رغم يقينها بأن نومها سيضايق زوجها الذي رفض

أن تنام قبله ، لكنها لم تستطع الصبر ، فألقت بنفسها على الفراش و دائما عميق على أمل أن تستيقظ قبل عودته ، لكنها لم استغرقت في نوم

: هو يوقظها قائال تستيقظ بعد ساعات إال على يد سهيل و أنني ال أحب نومك بدوني •• فتحت عيونها بصعوبة ، فلم تقوى ألم أخبرك  

في الغرفة فأغلقتهما بسرعة و قالت بين على مواجهة الضوء المشتعل : تهويمات النوم

الضوء ، إنه دعني يا سهيل ، ال أستطيع مغالبة نعاسي ، أرجوك أطفيء   : يضايقني •• لكن سهيل لم يدعها و عاد يهزها

وحيدا •• فجأة إنهضي ، أين عشائي ، إنهضي يا ريم ، لم أتزوج ألسهر   نفسها انتبهت كل ذرة في كيانها ، طار النعاس بسرعة لم تتوقعها ، و وجدت

: مدفوعة لتنفيذ أمر ، ترددت قليال و قالت بلهجة ال تخلو من تحذير مبطن لكنه و قد أيقن من صوتها يقظتها التامة •• أتركني يا سهيل أكمل نومي  

: عاد يلح من جديد عنها و قالت هيا يا ريم ، إنهضي ، ال داعي لمضايقتي •• نفضت الغطاء  

: بمكر تصر •• لم يفهم سهيل ماذا تعني ، و راقبها و هي تنهض من أنت الذي  

باب الغرفة فتغلقه بالمفتاح عليهما ، و تضع الفراش بسرعة و تتجه إلى الضوءاألحمر في أحد أركان الغرفة فتضيئه ، المفتاح في صدرها و تتجه نحو

كان قلبها يخفق خفقات من •• ثم تتجه بسرعة إلى الضوء الكبير فتغلقه فلما انتهت ، •• يقبل على مغامرة ، و كان قلبه قد بدأ يدق مستشعرا خطرا

:اقتربت منه بخطوات جريئة أدهشتها قبل أن تدهشه و قالت له بصوت ناعم

مرتبكا من على الفراش و صاح بصوت خرج هيا يا زوجي الحبيب •• نهض   : ضعيفا مستنكرا

: ماذا تريدين ؟ فقالت و هي تقترب منه   تأخر ألكثر من شهرين بدون سبب أريد زوجي ، حبيبي ، أريد أن أتمم زواج  

فتعثر في طاولة •• ركض من أمامها بسرعة متجا إلى زاوية في الغرفة ، راقبته ريم ، صغيرة عليها تحفة صغيرة فأسقطها و لم يبال حتى الذ بالزاوية ،

: فاتسعت ابتسامتها عن ضحكة ظفر و قالت و هي تتجه إليه الباب مقفل ، ال مفر •• كانت أين تذهب أيها الحبيب ، الغرفة صغيرة و  

تكن تدرك حتى هذه تشعر كأنها طفلة تنادي طفال مذعورا ليلعب معها ، لم اللحظة إن مارد رعب حقيقي سيطر في هذه اللحظة على سهيل فعجزت

: ساقاه عن حمله فسقط قائما و همس بحلق جاف تماما لعبتها أرجوك افتحي النور ، افتحي النور أرجوك •• ارادت ريم أن تكمل  

إال أن منظره في هذا الوضع و نبرة الرجاء البائسة في صوته نبهتها إلى أن األمر خطأ كبيرا •• لم تتكلم فاعتقد سهيل أنها مصرة على موقفها ، في

اللحظة قد خارت تماما ووجدت ريم نفسها فجأة أمام كانت قواه في هذه

Page 167: رواية لاجئة

تماما و بكى و هو يتوسل لها ان تفتح رجل يبكي •• نعم لقد انهار سهيل الموقف ، اعتقدت أنها تحلم ، النور و الباب •• للحظات لم يستوعب عقلها

الدموع التي كانت أو أن سهيال يمزح ، لكن شهقات الفزع و نبرة الرجاء و زيف تلمع في الضوء األحمر على خدوده أقسمت لها أن الموقف حقيقي و ال

فيه ، تكسرت روحها ، نبض قلبها بشدة عكس نبضات المغامرة قبل قليل ، األرض تميد بها ، وجدت نفسها تتجه بسرعة إلى الباب لتفتحه و شعرت أن

مجددا و اتجهت نحو سهيل الذي كان جسده ينتفض تضيء المصباح الكبير : تخاطب طفال مفزوعا قالت انتفاضا عظيما في هذه اللحظة و كأنها

، أهدأ يا أهدأ يا سهيل ، أهدأ يا حبيبي ، لقد فتحت الباب ، أشعلت الضوء   سهيل أرجوك •• كان سهيل قد رفع يده كمن يتقي شرا عندما رأى ريم تتجه

و لكن بعد أن أخذت تهدئه و تطمئنه ، أرخى يده و أسقط نفسه على نحوه بكاء من أنتهت أزمته و جاءه الفرج ، كان يتمتم و هو صدرها وارتفع بكاؤه ،

: يبكي أستطيع •• و كانت ريم تربت عليه بهدوء سامحيني يا ريم ، ال أستطيع ، ال  

هذه اللحظة بأنها فقدت فيما انسابت دموعها تبلل شعره و قد شعرت في تغير سهيل كثيرا ، إلى االبد حلما بأن يكون لها وطن •• *** بعد هذه الحادثة

أن لم يعد يتحدث معها مالطفا ، أو يطلب ما يريد بتهذيب ، الحظت ريم أسلوبه معها تحول إلى األوامر الصارمة التي ال تقبل النقاش ، و كانت من

تتفهم موقفه فتتعمد تهدئته بالطاعة التامة ، و بدون نقاش ، حتى لما داخلها أن تكــــف عن الحديث عن اهــــلهــــا بصيغة أمــي ، أو أبي طلـــــب منها

تستبدل هذه العبارات بكلمة "الجماعة" ، فتقول أريد أن أو أختي ، أو أخي و اليوم أحد أفراد "الجماعة " ، لم تطل اعتراضها و أزور "الجماعة "، أو جاءنا

فيما يطلب ، كانت تعرف أنها تتعامل مع قبلت على الفور مستميحة له العذر مظاهر لتقوية الشخصية و رجل ضعيف ، مهزوم ، و ما يفعله ليست إال

خطيرا عندما إكسابها خشونة و رجولة •• لكن األمر تطور بعد ذلك تطورا بعد جمعتهما طاولة الغذاء ذات يوم و كان الصمت ثالثهما كالعادة لكنه قطعه

: قليل قائال بصرامة اعتادت عليها فقالت •• أريدك أن تعدي صنفين من الخضار كل يوم و ليس صنفا واحدا  

: بهدوء و هي تغتصب ابتسامة سوف لكنك ترفض أن تأكل نفس الطعام في يومين ، و عندما أعد صنفين  

يتبقى الكثير و حرام أن ألقي به •• لم تكد ريم تنتهي من عبارتها حتى خرج من أعماق سهيل عبر عيونه فقام ثائرا و بعثر األطباق و سكب الوحش

: محتوياتها و هو يصيح الكالم ، دائما أنت العاقلة الرزينة المدبرة ، أما ال تريدين أبدا أن تسمعي  

البيت ال أستطيع أن أقولها •• سئمت لعبة أنا فال شيء ، حتى كلمة في هذا كان قلب ريم يخفق بشدة ، كان •• تبادل األدوار أنا الرجل هنا •• ال أنت

العبــــارات التي صمتها عجزا و ليس اختياريا ، فقد كانت يغص جوفها بأالف يزبد و يصيح ، يمـــكن أن تفند بها كالمـــه ، لكنها لم تــــرد ، تركته يرغي و

راقبته و هو يركض نحو المطبخ و يقتلع أنبوب الغاز بعصبية ، ظنت أنه

Page 168: رواية لاجئة

سيضربها به ، تسمرت في مكانها ، وجدته يندفع إلى غرفتهما ، ثم يخرج بعد مالبس الخروج ، صفق الباب خلفه ، بقيت دقائق ال تستطيع أن قليل مرتديا

أصال أنه حدث و فجأة و بهدوء شديد أخذت تستوعب ما حدث ، لم تصدق زوجها أخذ معه مفتاح البيت دموعها تنساب •• و أكتشفت بعد دقائق أن

الموقد ، دهشت الخاص بها ، و أنه نزع خرطوم الغاز ليمنعها من أستخدام و لم من هذا التفكير الغريب و لم تجد له ما يبرره ، لكن عندما انتهى اليوم

يعد ، اكتشفت أنها سجينة ، نعم هكذا بمنتهى البساطة سجينة ، بال مفتاح و وسيلة إلعداد طعام •• و في اليوم التالي عند الرابعة و النصف عصرا بدون

على الباب فلم تجرؤ على الرد عليه ، استبعدت فكرة سمعت طرق السائق يئس السائق فمضى و انتهى اليوم الثاني أن تخبره أنها سجينة ، لم ترد و

و لم يعد •• كانت ريم قد أيضا و لم يعد سهيل •• و أنتهى اليوم الثالث يقبل تصديق ما وصلت خالل هذه األيام إلى مرحلة من الجنون ، فال عقلها

لتستعين هي فيه ، و ال جوعها الذي يقرصها بشدة يرحمها ، و ال جرأة لديها بأي شخص خارج المنزل لينقذها •• كانت تفكر في عاقبة أن تعلن ألي

حقيقة وضعها ، صارت تدور في شقتها تحدث قطع االثاث ، و غريب عن المرآة و تبكي •• ثم ضبطت نفسها تضحك •• تطالع وجهها الشاحب في

: تصفق كفا بكف ، تهمس لي زوج ، و لي أهل ، أين هم ، لماذا أنا ريم •• هذه حقيقة ، و هذا بيتي ،  

أن يرد •• صبيحة اليوم ال يأتون ؟ لكن ال شيء في هذا البيت كان بوسعه سهيل قد الرابع سمعت الباب يفتح •• لم تنهض من فراشها •• أدركت أن

جاء ، لم تجد في نفسها القوة لكي تهاجـــمه ، أو حتى تعـــلن له أحــتجاجها دخل الغرفة ، و لم يتكلم ، ألقى أمامها كيسا صغيرا فيه شطائر ساخنة••

بهدوء ، تناولت الكيس ، فتحته ، بدأت تأكل ثم لملمت بقاياها •• مدت يدها أرضا و سقطت في سبات عميق •• عند المساء في ذات الكيس وضعته

المنزل •• نهضت من فتحت عيونها على صوت التلفاز عاليا في صالة على ورقة فراشها ، و توجهت إلى الصالة ، كان جالسا و بقايا شطائر و أرز

جريدة أمامه •• كان يحتسي علبة عصير و يطالع التلفاز باهتمام ، نظر إليها: ، ثم عاد لتلفازه و قال

فوقفت أخيرا استيقظت •• ذهبت إلى المطبخ ، شربت ماءا ، ثم عادت   : بهدوء أمام التلفاز ، أغلقته و ألتفتت إليه و قالت بلهجة خالية من أي تعبير

: يعب عصيره عبا سهيل •• طلقني •• قال و هو   التلفاز و ابتعدي عن طريقه •• تنهدت و عادت تطلب الطالق افتحي  

عــــاد يأمرها بأن تفتــــح التلفــــاز و تتركه و شأنه مجددا ، و للمرة الثانية : فاض منها الكيل •• صاحت بأعلى صوتها و قد

طلقني •• اآلن يا سهيل •• االن •• ضحك بتهكم و قال ببساطة قلت لك   : و هو يلقي بعلبة العصير

الصعداء رغم أنها شعرت بأن مطرقة ريم •• أنت طالق •• تنفست ريم   أغلقت الباب بعنف ضخمة نزلت على رأسها للتو ••اتجهت إلى غرفتها

و وراءها و بدأت في لملمة مالبسها في حقيبة •• فتح الباب بقوة و صاح

Page 169: رواية لاجئة

: الشرر يتطاير من عيونه مرة قلت لك أال تعامليني باحتقار •• لم يدع لها الفرصة لترد ، هجم كم  

ضربا •• ظل يكيل لها اللكمات و الرفسات و الصفعات عليها و أوسعها حتى سقطت مغشيا عليها ، بال صوت ، بال مصحوبة بأقوى العبارات البذيئة ،

و كأنها تسحب نفسها من كرامة ، بال أمل •• *** عندما أفاقت ريم بدا مظلمة و ال أعماق سحيقة ، تلفتت حولها ، كانت على سريرها ، و الغرفة

: صوت هنالك •• صاحت بفزع ثانية حبس آخر •• حاولت النهوض فلم تقوى •• عادت فكررت المحاولة  

لكن أضلعها كانت ضعيفة جدا فلم تحتملها ، شعرت أن أجزاء في جسدها ، كان األلم يخرج منها دون أن يحدد منبعا ، تشعر بالوجع لكنها تحطمت تماما

يؤلمها ، عادت فاستلقت مجددا و نامت أو أغشي عليها ال تعرف تحديدا ماذا الموت •• *** منزل متهدم ، مكشوف من •• شيئا منهما لكنه كان يشبه

و ريم تركض فيه وجوهه األربعة ، تنهال عليه من كل مكان القذائف باألعمدة مذعورة ، خائفة •• تلوذ باألركان فال تحميها ، تعود فتركض تلوذ

فتتحطم قربها و تسمع لها دويا يصم اآلذان ، فتعود لتركض من جديد •• و يظهر سعيد ، يمسكها من يدها ، يجري بها بسرعة و يقول بحزم :" فجأة

هيا " تشعر بيده تطوق يدها فيزول الخوف ، •• أركضي •• أهربي يا ريم بها ، و في مستنقع كبير نتن الرائحة تترك له القياد ، مسلوبة اإلرادة يركض

خضراء شاسعة األبعاد ، بشع الصورة يسبح بها حتى يخرجا معا إلى أرض تتنفس الصعداء و •• جميلة الرائحة ، هادئة ال أثر فيها لكل الرعب السابق

فجأة تنظر ممتنة إلى سعيد فال تجده ، رغم أن ملمس يده مازال في يدها ، تمطر الدنيا ، مطرا هتانا ، خفيفا يسقط على يدها و تسقط بضعة قطرات

خدودها •• مازال ملمس يده في يدها و ابتسامة خفيفة تطوف منه على تشعر بها من قبل •• قطرة مطر كبيرة على على وجهها إبتسامة راحة لم

يسلط أشعته في عيونها و خدها تفيقها •• رعب كبير يجتاحها ، ضوء ساطع تصيح فزعا ، سهيل جالس بقربها يمسك يدها و دموعه تتساقط على وجهها ،

من مكانها يهمس تفلت يدها و تحاول اإلبتعاد •• يهدئها •• يعيد تثبيتها في : بين دموعه

للحياة •• تستكين لصوته المتضرع •• ترتاح في نومها ، أخيرا عدت   : وتهمس بحلق جاف

: بحنان بالغ كم الساعة االن ؟ يربت على يدها يهمس   سالمتك •• يغرقها طوفان الحنان فتنبت في أحاسيسها حمدا لله على  

: إليه و هو يهمس بلهفة الدموع و تتساقط صامتة ، يضمها الدنيا في سامحيني يا حبيبتي ، سامحيني أرجوك •• و تنظر ريم إليه ، لوم  

: عينيها ، تهز رأسها فيتصاعد األلم تهمس كأنها تصيح المجنون ، تصمت ، ترتشف لماذا ؟ يضيع بقية السؤال في غصة األلم  

، ال تقوى دموعها ، يده التي تمسح الدموع بحنان فائق تشعر بها كالشوك على رفض وخزاته •• تدير وجهها عنه ، أصبح فجأة في ناظريها كالشيطان ،

مالمحه الجميلة قناع يخفي الوحش الذي رأته قبل قليل ، وداعته و دموع

Page 170: رواية لاجئة

ضخمة ينزع بها جلدها ، أمانها ، وهمها القديم •• يهمس لها و ندمه كالليب : هو يمسد شعرها

إلي ، ال ترفضيني ، أرجوك •• تحاول أن ريم حبيبتي ، اجيبيني ، أنظري   كأنما أخرجها من المستنقع قبل تبتعد عن لمساته ، بها نار تحرقها ، لزجة

مالبثت أن ادركت أنه قليل ، تذكرت الحلم ، فاستكانت روحها ، على أنها : مجـــرد حلــــم ، همست و هي تهز رأسها لتبعد الدموع عن وجهها

مجرد مستنقع وحل •• قال لها و نشيجه •• رأيتك مستنقع وحل يا سهيل   : يرتفع

هذا العـــالم ، ال يا ريم ، ال ، ال تتخلي عني ، أنت الوحيدة التي أعرفها في   أتذكرين •• أنت عنواني و شهادة مــيالدي ، أنت بيتي •• أنت وطني يا ريم ،

: كنت بدوري وطنك منذ أيام •• أدارت وجهها و علت أنفاسها و صاحت مستنقع وحل كنت أظنه جنتي فصار مزيف •• وطن مزيف يا سهيل ،  

نار ال تمنح من سجني ، عبوديتي ، ناري •• أنت نار يا أيها المسكين ، تطلع يعاشرها إال الحريق •• انتفض واقفا ، مسح دموعه كأنه ينزعها نزعا ،

: إليها بكراهية شديدة و همس على ال تستحقين العطف •• غادر الغرفة و صفق الباب وراءه ، تحاملت  

نفسها ، نهضت من الفراش ، سارت بخطوات متعثرة حتى وصلت إلى الباب بصعوبة استطاعت فتحه ، لم تجد سهيال في الصالة ، توجهت إلى المصفوق ،

تشرب ، وجدته هناك ، كان يبحث عن ملعقة في المطبخ ، كانت تريد أن ليمون صنعه لنفسه ، عندما رآها جارور المطبخ ليذيب بها سكرا في كأس

: على باب المطبخ ، نظر إليها بغضب و صاح تذكرته أنها تريد الفكاك من هذا ماذا تريدين ؟ نسيت ماذا تريد ، كل ما  

: المخلوق الكريه ، همست و هي تضم ثوبها كان يقلب ليمونه بهدوء •• أريد أبي ، و أمي •• خذني إليهم أرجوك  

تريد أن تفضحه و يخفي عاصفة داخله ، تملكه يقين بأن ريم تريد إذالله ، : تخبر العالمين بعجزه ، همس و هو يقلب كأسه كأنه ينحته

: فقالت بتصميم أغربي عن وجهي •• زادها موقفه إصرارا   ألقيت علي يمين الطالق ، من فضلك أذهب بي ألهلي ، أو سهيل ، لقد  

: يقبض الكأس بيده بقوة اذهب فاستدعهم •• قال و هو أغربي عن وجهي اآلن •• ضعف ريم وقتها و قلة حيلتها كانا الدافعين قلت  

: العنـاد ، تشبثت ببـاب المطبخ و صاحت إلى مزيد من أذهب بي إلى أبي •• أسمعت ؟ في أقل من لحظة كان كوب الليمون  

يغسلها ، استشعرت طعمه في قطرات لمست شفاهها المتشققة ، اتسعت غضبا ، ال تدري كيف اندفعت باتجاهه ، تريد اإلنقضاض عليه عيناها رعبا ، ثم

: تقول لكنه سمعها جيدا كانت تصيح و هي ال تعي ما عليك ، حرام عليك •• دفعها عنه بقوة فاصطدمت بطاولة المطبخ ، حرام  

عليها ، لمست أصابعها المرتجفة السكين ، قبضت سقطت أرضا و هي تستند الكالم فتركت السكين يلوح أمام عليه بقوة رفعته باتجاهه ، عجزت عن

صاح بأعلي صوت عيونه بما تريد أن تقول ، تطاير الشرر من عيونه و

Page 171: رواية لاجئة

: يمكنه قتلي يا مجرمة •• تريدين قتلي ؟ نبهها صراخه فتركت السكين تريدين  

إليه ، ثم إليها فقالت و هي تكاد تغيب عن يسقط أرضا بجانب قدمه نظر : الوعي

أرخص أقتلني يا سهيل •• هيا أقتلني ••أرجوك •• ما أرخص الحياة ، ما   الحياة •• كانت تغيب تدريجيا عن وعيها و سمعها يلتقط طرقات متلهفة على

البيت •• *** عندما أفاقت ريم كانت على فراش قديم كان لها ذات باب الغرفة القديمة على الفور ، أنتبهت ذرات كيانها على يوم •• عرفت مالمح

تبينت فيها سمت أمها و أبيها و أختها •• و ما أشباح واقفة بال حراك أمامها أذنها فصبت على جزعها ماءا باردا لبثت أصواتهم أن أنسابت رقراقة في

: فصاحت و هي تمد يدها نحوهم بلهفة نحوها ، أحاطوها ، غمرتها قبالتهم ، أمي •• أبي •• سمر •• اندفع ثالثتهم  

: تردد و غمرتهم بقبالتها ، كانت دموعها تنزف و هي كانت تلمسهم ، تلمس ثنايا أجسادهم ، •• الحمد لله ، الحمد لله  

كانت تتأكد في كل هذا أنها ال وجوههم ، شفاههم ، دموعهم ، تشم رائحتهم ، : تحلم ، تعاود احتضانهم ، تبكي ، تصيح

: أهلي •• أهلي •• تضحك تصيح   في أنها الحقيقة ، فتسأل بلهفة أنتم معي •• أنتم معي •• و تعاود تشكك  

: و خوف : بدموعها أنا ال أحلم ؟ تحاول النهوض ، فتعيدها أمها برفق و هي تقول  

الوكيل ، حسبي الله و نعم الوكيل •• اهدئي يا حبة حسبي الله و نعم   تقاومها ، تخشى إن هي استسلمت للنوم •• القلب •• نحن معك يا حبيبتي

: بقوة أن تستيقظ لتجده معها ، تقول و هي تقبض عليها أنتم معي ؟ يجلس أبوها بجوارها ، يربت خدودها •• أمي •• أنا ال أحلم  

يميل عليها ، شاربه الكث الحبيب •• •• تلمع دموعه ، ألول مرة تراه يبكي : يقتحم مجال رؤيتها بقوة يقول و هو يهدئها

سأنتقم منه •• تسمع نهنهات سمر فتمد •• أقسم ألنتقمن منه يا غالية   الممتدة نحوها تسألها و عيونها تلتمع يدها تناديها ، تقترب منها سمر تقبل اليد : بالبكاء

خوفا أنت بخير يا أختي •• هه أنت بخير •• تتنهد ريم فتزيح عن صدرها   : قبع عليه أياما طوال و تهمس لالحبة حولها

تحمد الله ، اطمئنوا •• الحمد لله •• أنا بخير •• ترفع األم كفها للسماء ،   : تقبل يدها ظهرا ببطن ، تقول و هي تحتضن رأس الحبيبة

لم تكن األيام التالية سهلة ، •• *** الحمد لله يا ريم ، الحمد لله يا ابنتي   أفتقدتها منذ زمن ، و زارتها أم كانت ريم تلقى من أهلها كل الرعاية التي

عليها أسم ريم عبد الله و مشاعل التي أصبح لديها مولود ثالث أطلقت إال أن فادخلت البهجة على قلب ريم الكبيرة و شعرت أن الدنيا الزالت بخير ،

الحديث عن سهيل و عن اإلجراءات التي يجب أن تتخذ ضده كان هو الهم الذي بات يؤرق العائلة و خصوصا ريم التي كانت تتمنى لو أن حياتها الكبير

Page 172: رواية لاجئة

صفحة كتاب يمكن أن تمزق و تنتهي ، لم تكن تريد ذيوال معه منذ البداية : اقتراح يقترحه االب عليها طويلة للموضوع ، فكانت ترفض كل

محكمة ؟   •• ال  

جلسة رجال و حق عرب ؟   •• ال  

: أمزقه أربا و أحطم البيت فوق رأسه ؟ و تصيح ريم بحزم   حريتي •• و كان لها ماأرادت ، ورقة سجلها ال ••ال أريد غير ورقة تؤكد  

كل شيء مقابل هذه الورقة ، سهيل في المحكمة و أعطاها لألب بعد أن أخذ : يتسلم ورقة ابنته و يوم التقى األب به في رواق المحكمــة قال له و هو

في بلد نظامي ، لعرفت كيف أنتقم إلبنتي منك ، لكن العمر لوال أننا   ما سأمسك بك ألقطع من لحمك الحي قطعة الطويل يبلغ األمل و يوما

الغالية ووضعتها بعناية في قطعة حتى أشفي غليلي •• أمسكت ريم ورقتها أهم ورقة صندوق مقتنياتها الثمينة •• كانت في نظرها في تلك اللحظة

رسمية تحصل عليها •• في المساء أعلن التلفاز السعودي غزو العراق و كانت صدمة كبرى ألهت األسرة عن مأساة ريم لبعض الوقت ، للكويت ،

البيت و في كل بيت نحو هذا الموضوع ، و تغير مجرى الحديث في هذا ياسر عرفات تأييده للجانب أنصبت التحاليل من كل جانب و عندما أعلن

جديد يحكم في عين الالجئة ، فها هو موقف سياسي العراقي اسودت الدنيا على ماليين الفلسطنيين الذين ال ذنب لهم بالطرد من رحمة الدنيا ، ضاقت

: عليــها األرض بمـــا رحبت و تمتمت بغيظ شديد يوم لماذا ؟ لماذا ؟ قالت مشاعل و هي ترضع ريم الصغيرة قرب انتهاء  

: العمل الموقف أبدا ، ما السر فيه ؟ لن ينسى الكويتيون ما عاشوا ال أفهم هذا  

أبدا ، لماذا اتخذتم هذا الموقف يا ريم ؟ قالت ريم هذا الموقف للفلسطنيين : بضيق شديد

•• من اتخذه أرجوك يا مشاعل ال تتحدثي و كأنني أنا   •• كثيرا ، هذا مؤكد لكنه سيؤثر عليكم  

، و ال أملك حيلة •• *** كغيرها من أفراد الشعب السعودي أعلم هذا   العون للكويتين الذين لجأوا إلى السعودية فأسكنتهم قررت أم عبد الله مد يد

دوما بالغذاء و الكســـاء و الدواء و متطلبات الدولة في عدة أماكن و أمدتهم معها في زيارة لهم للوقوف على الحياة ، لذا قررت اصطحاب ريم و مشاعل

الحال ، و تحدثت مع أحوالهم و تقديم يد العون لهم ، و هناك وقفت ريم على الســكن عضوات لجنة مناصرة الكويت و اقتــرحت عمل معرض دائـــم في

للتعبير عن الموقف الكويتي و مساندته •• و على الفور بدأت ريم في رسم تعبيرية كانت تسهر عليها طوال الليل و في الصباح تذهب بها إلى لوحات

أنهمكت في هذا العمل و عندما شارف المعرض •• مقر اللجنة القرارها سعودية أو كويتية ، تقدمت منها على االنتهاء و قد شاركت فيه كل فنانة

: جهودها إحدى العضوات الكويتيات و قالت لها و هي تثني على

Page 173: رواية لاجئة

أيها المصريون •• ابتلعت ريم غصة و أوشكت أن تخبرها نحن نحبكم كثيرا   أخرسها على الفور ، و انتبهت إلى أنها كانت أنها فلسطينية ، و لكن شيئا ما

كان رفض السيدات الكويتيات •• تتحدث معهم دائما باللهجة المصرية تستمع إليهن و للجنس الفلسطيني واضح جدا في كل أحاديثهن ، و كانت ريم

: عندما تهم بالتعبير عن وجهة نظرها فتقول هن ينددن ليس كل الفلسطنيين سواء •• كانت تجد ألف صوت يخرسها و  

: بموقفهن من الغزو العراقي و تقول إحداهن أبناء عاشوا معنا و أكلوا من خيرنا و أصبح لدينا منهم من هو أغني من  

البلد ثم انتقموا منا و انقلبوا علينا بمجرد أن واتتهم الفرصة ، إنهم غدارون و إذا حدث أن بثت وكاالت األنباء خبرا عما يلقاه أبناء الكويت الذين بقوا•• الكويت على أيدي العراقيين علقت السيدات بأن الواشي فلسطيني بال في

ريم في صراع كبير مع نفسها ، تريد أن تقف أمام كل أدنى شك •• كانت تعتز بجنسيتها كما كانت تفعل أيام الجامعة هؤالء و تخبرهم أنها فلسطينية و

سياسي ، إال ان الظرف كان عندما كانت تهاجم في جنسيتها بسبب موقف السيئة ، تشعل دائما غير مواتيا و األحداث كانت متسارعة تفيض باألخبار

حياة قلوب الناس على مدن تــدمر و أبرياء يموتون و أبار بترول تحترق و فطرية يعتدى عليها في الخليج •• *** تطلعت ريم عبر مرآة حجرتها إلى

تسللت في غفلة منها إلى شعرها •• الحظت األم أنها وقفت شعرة بيضاء : تتأملها طويال فقالت باسمة

ريم رغما عنها و قالت و هي تغادر موقعها مازلت ريم الجميلة •• ابتسمت   : و تجلس قبالة أمها

، لم أعد ريم الصــغيرة •• عمري ال يا أمي •• لم أعــد ريم الجميـــلة   : فقالت األم بقلق •• ينسل من بين أصابعي و الزمن يبدو كأنه ال يتحرك

: تتحدثين هكذا كمن فاتها قطار العمر ؟ فقالت ريم مبتسمة لماذا   ســــرقت مني تجربتي في الحيـــاة يا أمي أضــــافت إلى عمري سنين ،  

•• الفــرحة بالحياة و اإلقبال عليها إلى الثالثين ال يا ابنتي ، ال تقولي هذا الكالم ، مازلت صغيرة ، لم تصلي  

: بعد •• تنهدت ريم و قالت و هي تضغط حروفها لكن باختالف ياه ه ه كأنني بك في األمس القريب تقولين نفس العبارة و  

•• الرقم ، كنت لم أصل إلى العشرين •• ما أسرع األيام يا أمي منتصف الطريق ، أما لو سابقتها إذا حملتها فوق ظهرك سوف تقعين في  

•• فستصلين حتما قبلها لماذا أعيش ، •• سابقتها إلى أي شيء يا أمي ؟ ما هو الهدف من حياتي  

•• إذا كان كل أمل يصبح ألم ، و كل هدف أصل إليه أجده سراب الحياة لم تتوقف بسبب فشل تجربة ضعي لنفسك هدفا جديدا ، ال تيأسي ،  

•• الفشل فظيع يا أمي  

كان فشله هو و ليس فشلك أنت •• تنهدت ريم و قامت مبتسمة و   : قالت

Page 174: رواية لاجئة

عاد قاسم •• حمل شهادته الكبيرة و عاد •• *** هو فشل على أية حال   : أبيه •• لم يكد يستقر حتى فتح نقاشا حازما مع

: هز األب يدا ترتجف و قال بهدوء •• أبي •• البد أن نعود   : إلى أين ؟ فقال قاسم على الفور  

ضحك •• إلى مصر ، إلى بيتنا هناك ، لن تعيش في غربة طيلة حياتك   : األب و هو يشيح بيده و قال

أنه بيتنا في مصر ؟ هل نسيت يا بني أن ال بيت لنا هناك ، هل نسيت   موطن غربة بدوره •• غربة لي و لكم ، هنا يشبه هناك ، ما الفرق ؟

نازعه حنين اغتصب ابتسامة و إذن عد إلى فلسطين •• رفع األب رأسه ،   : قال

•• يا ليت   : المرارة ما المانع ؟ أشعل سيجارته بأصابع مرتجفة و قال بشيء من   بختم الغـــربة ، لم أر بلـــدي •• أحوالــها تغيرت ، منذ أن ختمت جبيني  

بأناس ال أعرفهم ، و الجميع يعرف أنني هنا و الصغار كبروا و البيوت امتألت حياتي المتوقعة هنا •• هل تعرف كم يتوقع مني عندما أعود أن أكون بحجم

أنني أستــــطيع أصــال يمكن أن يكلفني تفكيري في العودة •• هذا بفــرض ؟ العودة متجاوزا كل المحاذير و الحدود و عالمة ممنوع الدخول

و لم ال ؟   فلسطيني ، ال يمكن أن أمنح هذه يا بني الطريق إلى غزة يمر بمصر و أنا  

•• التأشيرة حجرتها نحاول •• غمزت له ريم بطرف عينيها ، و عندما انفردت به في  

: قالت له •• أن يستجيب لطلبك يا قاسم أبي ال يمكن  

لم ال ؟ و   الغربة أعطته جنسيته التي أصبح اآلن ينتمي إليها •• ال •• ألنه أصبح غريبا  

: و تذكره أن له وطن •• صاح قاسم تحاول أن تسلبه هذه الجنسية : و لكن هذه سلبية •• فقالت ريم بسرعة  

•• قاسم •• أنت تتحدث عن أبي   إنني أتحدث عنك و عني ، عن ال يا ريم ، حديثي ليس فقط عن أبي ،  

األخضر و أمي ، عن أبي•• أتحدث ، عن مأساة استطالت حتى جاءت على اليابس في حياتنا ، أبي عاش غريبا ، الجئا ، يقدم حنينه قربانا إلى وحش ال يشبع اسمه الغربة ، و أنت وقعت ضحية رغبتك في وطن ، تعثرت المرة تلو

عاشت اختياريا غربة عن وطنها ، و أنا فقدت حبي الوحيد المرة ، و أمي •• بسبب جنسيتي

ناعمة مع زميلته مهيتاب ، إبنة حبك الوحيد ؟ *** عاش قاسم قصة حب   والدها عنه بتقدير أستاذه في الجامعة ، سعت هي للتعرف عليه عندما تحدث

تحولت إلى كبير ، و عندما تعرفا نبتت بينهما رويدا مشاعر ألفة ما لبثت أن حب جارف من ناحية قاسم ، قابله دوما مودة عاقلة من "ماهي " كما كان يناديها •• كان وراء زميلته عقل أكبر يرشدها دوما إلى ما فيه سعادتها ،

Page 175: رواية لاجئة

بالمرصاد لهذا الحب ، ألن الولد ــ رغم كل مميزاته و تفوقه و أبوها كان : قال قاسم لريم و هو يفرك يده بغيظ •• أخالقه ــ فلسطينيا

قابلت لم أكن أتخيل يوما أن جنسيتي ستحول دون أن أعيش و أن أحب ،   كل عثرة في حياتي بروح راضية ، فقد كنت أعرف أنها ستمضي إلى حال

لكن أن تصادفني هذه العقبة •• أن يرفضني الدكتور عامر لمجرد •• سبيلها هذه هي الطامة الكبرى ، المشكلة التي لن أجد لها أنني فلسطيني ، كانت

بالمستقبل و العمل القادم و المال الذي حال ، لو أنه أحتج بفقري ، لحاججته لوعدته بإصالح ما ال يعجبه ، أو نصنعه و ال يصنعنا ، أو أنه رفضني ألخالقي ،

رفضني لجنسيتي قال لي :" ال أنه رفضني لعلة قابلة للتغير •• ؟ لكنه يا ريم العالم " •• يرضيك أن تعيش إبنتي تفاصيل لجوئك و تعاني معك من رفض

إذن لماذا نعيش ؟ ، ما الهدف من حياتنا ، إذا صودرت مشاعرنا كيف نعاود مهادنتها ، و نعقد معها صلحا ، إذا جرحنا في كبريائنا ، كيف نضمده و نغسل

السكين •• أي مصير اختاره لنا أبي عندما اختار أن يغادر بالده عنه آثار مصير رمانا إليه عندما أقتلعنا من جذورنا و رفضت أي ليبحث عن نفسه ، أي

ما الذي جناه أبي من غربته و ضياعه و أرض أخرى أن نغرس فيها ذواتنا ؟ تفسير ؟ جلست ريم على طرف ضياعنا ؟ هل لديك إجابة يا ريم ؟ هل لديك

العمر •• فجأة فراشها •• كان األلم يمزقها ، فجأة وضعها قاسم أمام حصاد أبدا اكتشفت أن الحصاد كان هباء ، لم يكن أبدا بقدر المعاناة ، لم يكن

يستحق عناء الحياة التي عاشوها •• تلفتت حولها •• ماذا بعد سنين العمل و الغربة و العذاب •• ما هي النتيجة ؟ شهادة لها و شهادة الدراسة و

؟ كم عدد حاملي الشهادات في كل وطن ، كم عدد من لقاسم ، من ذا يعبأ رغم الشهادات و التعليم ؟ ماذا قدم يقتاتون قمامة الطرقات في اوطانهم

هناك ، و لماذا هم دومــا لهم جهاد أبيهم ، لماذا هم هنا ؟ و لماذا يكونون •• الماء على الهامش ، يأكلون فتات الموائد و يبــلعون الذل مع

معك حق ، لم نجني من كفاح العمر إال السراب •• • معك حق يا قاسم   يتقلب على جمر التفكير ، حديث قاسم *** تلك الليلة لم ينم جهاد ، ظل

، تلقى فيها ضرب المطارق ، إليه ، ثم إلى ريم ، نبهه إلى غفوة عاشها طويال فراشه فنبه زوجته و لم يدفع عن نفسه تهمة أنه يريد أن يعيش •• نهض من

: •• دق كفا بكف و قال قلبها متى تحتوينا الدنيا فيمن احتوت ؟ نهضت سميحة فزعة ، قالت و  

: يخفق بشدة : العيال ؟ نظر إليها و قال و هو يتنهد حسرة ما بك أبا  

السعادة أبنائي تعساء يا أم قاسم ••لم أستطع تأمين القدر الضئيل من   لهم ، فشلت في منحهم صك أمان يعيشون به في هذا العالم •• لم تفهم

الذي يقصده زوجها على أنها استشعرت هما كبيرا يعربد في قلبه سميحة ما : •• صمتت ، فأكمل

يصونها ، و لم أنجح في إعطاء قاسم انتماء� يعتز لم أنجح في منح ريم رجال   غربة طويلة ، سمحت لنفسي أن أجور به ، لم أنجح في حمايتك من سنين

حياة سوية ، كان عليكم جميعا ، سمحت لنفسي أن أصادر أحالمكم في

Page 176: رواية لاجئة

أشرف لي ألف مرة لو بقيت في بلدي ، أعاني ما يعانون ، أشرب ماءهم الملوث بالرصاص ، و آكل لقمتهم المغمسة بذل النهار •• كان أشرف لي

بمحمد في طابور الشهداء بدال من أن أضاعف مآساتي ألف مرة أن ألحق يعرفون لماذا يدير العالم ظهره عنهم ، ثالثة مرات في ثالثة أبناء ، ال

يقدمون له الود فيرفضهم •• يالطفونه فيصفعهم ، يهادنونه ، فيضربهم ، : صاحت سميحة لتسكته

بالذات لحياتك ويحي يا أبا العيال ، ويحي ، ال يمكن أن تكون نظرتك أنت   بهذه القسوة ، أنت جهاد •• جهاد الذي جاهد منذ نعومة أظفاره تصاريف

أقدار ال ترحم •• أنت جهاد الذي رفض أن يترك أوالده نهبا لمستقبل مجهول يحصنهم بالعلم ، أنت جهاد الذي منح أوالده معنى الحب و معنى دون أن

المثل في التضحية و الفداء ، جهادك للجهل ليس فشال العطاء و ضرب أروع ال يقل أبدا عن جهاد محمد و من معه ، يا أبا قاسم ، جهاد ظروف ال ترحم

للضياع ، منحت ألصابع ريم لقد جاهدت غربة كان يمكن أن تسلم أبناءنا رجـــل بال رجولة ، الضياء لتظل ترسم و تقتات برسمها ، تعيش فال يكسرها

رب منحت لقاسم شهادة عز يصبو إلى مثلــــها الكثيرون ، و غدا تراه أســــرة قـــادر على تحــمل مسؤولية أوالده و منحهم السعادة و األمان ••

الزلت لسمر كل الحب و الرعاية و التعليم •• منحتني و الزلت منحت و بديال لو بادلتني الدنيا به كل الرجال ، رجل يعرف الرجل الذي ال أرضى عنه

كنت وطني ، بلسم جرحي ، أبو •• معنى العشرة ، معنى المسؤولية تستهن بسنين جهادك ، أوالدي ، زوجي ، أبي ، أخي ، حبيبي •• ال يا جهاد ، ال

كل ما وسعك ال تذروها رمادا في الهواء ، فلقد فعلت و تفعل ، قدمت و تقدم ، لن ينسى لك أبناؤك عطاءك و لن يجحفك الله فضلك •• لم يرد جهاد ،

بحاجة إلى كلماتها ، كان بحاجة إلى أن يسمع شيئا ينصفه ، في داخله كان تقول المزيد ، و على لسانه خرجت عبارة تستجدي التأكيد توسل وجدانه أن

: قال بضعف كبير األم رأسها تأكيدا ، و ضمت كفه هل صحيح ما تقولين يا أم العيال ؟ هزت  

: إلى كفها و همست بحب الثالثة في أقسم لك أنه صحيح •• *** و جمعتهم األم •• جمعت أوالدها  

: غياب األب •• كانت حازمة للغاية قالت موجهة حديثها للجميع صدوركم •• شرارة نار لن أشعر أن شرارة نار صغيرة ترعى اآلن في  

إلى قاسم تلبث أن تصبح جحيما •• ماذا حدث يا أوالد جهاد ؟ نظرت ريم : فبادلها النظر و قالت سمر

: ال أفهم يا أمي •• فقال قاسم بهدوء   السلبية يا أمي •• قالت األم و هي شرارة النار لن تحرق إال اإلستسالم و  

: تنظر إليه بقوة ستحرقنا إذا بقيت شرارة يا ابن بطني ، أما اذا تحولت إلى جحيم فإنها  

: جميعا و أولكم أبيكم •• قالت ريم بسرعة مازالت تنظر أبعد الله الشر عنه يا أمي •• ماذا حدث ؟ فقالت األم و هي  

: إلى قاسم

Page 177: رواية لاجئة

البارحة لم ينم أبوكم •• كانت روحه تحترق من أجلكم •• تملكته ليلة   كأنه أضاع عمره بال ثمن •• لماذا قسوتم على فكرة غريبة •• تحدث و

عميقا و قال و هو متأكد أن ما أبيكم ، لماذا يا قاسم ؟ أخذ قاسم نفسا : سيقوله لن يكون هينا

عاما كان أمي •• عندما غادر أبي فلسطين قبل أكثر من سبعة و عشرين   شابا ، واحدا ، عانى من قسوة ظروف ال ترحم و جاء إلى مصر بحثا عن

و عندما تزوجك لم يفكر للحظة واحدة في مستقبل لن يكون فيه •• األفضل فيه وقتها أن يصنع لنفسه وطنا بدال عن وطنه الذي وحيدا •• كل ما فكر

خضم فرحته بوطنه الجديد و مسؤوليات انتزع نفسه منه انتزاعا ، نسي في ال يكفل لمن ينتمون له األسرة ، أن الوطن الذي صنع وطن غير معترف به ،

مباركة العالم ، أبسط الحقوق ، و ال يمنح من يلجأ إليه األمان ، وطن يعوزه صغاره نسي و هو يحملنا صغارا واحدا بعد واحد أن وطنه بال حدود ، و أن

••ينبغي أن يظلوا صغارا ال تعدوا حاجتهم طعاما و شرابا ، لعبة و تدليال تركنا نكبر رغم أن األرض تحتنا ليست لنا ، تركنا نحلم رغم علمه بأن أحالمنا

بساطتها غير قابلة للتحقيق •• و عندما اصطدمت أحالمه فينا بعقبة على استعداده المطلق للتغرب عنا من أجل تأمينه لنا ، حتى المال ، أبدي بسرعة

تتسع و نفاجأ و نحن نوشك على قطف الثمار يظل حلمنا يكبر و تظل أحالمنا الحياة الالئقة •• مجرد كائنات أننا ال نملك الحق فيها ، ليس لدينا مسوغات

بأن يصنع تؤدي وظيفة واحدة ، هي تحقيق حلم أسطوري لالجيء قديم لنفسه وطن •• غير أننا يا أمي أصبحنا بدورنا الجئين ، نبحث بجنون عن

نريح عليه أقدامنا المتعبة و نثبت فيه جذورنا التي تتمايل في الهواء •• وطن وطن فاصطدمت بالعجز و القسوة ، و أنا بحثت عن وطن ريم بحثت عن

ينتظر سمر أيضا •• ال تلومينا يا أمي إذا فأغلقوا الباب دوني •• و هو مصير ، فصارحناها ، كاشفناها بحثنا في طفح الكيل منا ووجدنا أنفسنا أمام أنفسنا

األم و نظرت إلى ريم ، ذواتنا عن أصل الخطأ ، و قررنا معالجته •• تنهدت أن تقرر إذا أدركت ريم أن عليها أن تتكلم بدورها ، عليها في هذه اللحظة

قالت كانت توافق قاسم فيما يقول أو أنها ضده ، كان البد أن تتكلم فتكلمت : بحروف تتعثر في الحياء و االرتباك

الدنيا ، و أنظر أمي •• أنا أحب أبي •• أحبه حبا جما ، و اراه أعظم رجال   أناقش إلى عطائه لنا طيلة سنين غربته نظرة إكبار و تقدير ، لكنني عندما

حياتنا مع نفسي ، أو مع قاسم ، أو حتى على المأل معكم جميعا ، أحاول و أخي أن نضع النقاط على الحروف ، أن نحدد لخطواتنا موقعا قبل يحاول

الحياة يا أمي أن يكبر الصغار و أن تنفصل أحالمهم عن الشروع فيها •• سنة للحياة عن رؤيتكم •• لقد ظللنا حتى أحالمكم •• و أن تختلف رؤيتهم

أحالمكم •• كنا نعتقد أنها التخرج و رغم المعاناة التي شربتموها معنا نحقق األقل •• بدورها أحالمنا ، لكننا اكتشفنا ، و سأتحدث عن نفسي على

اكتشفت أن ما فعله أبي معي كان هدفه هو •• البد للمرء أن يضع لنفسه حتى يعيش من أجله ، و أبي الذي فقد وطنه ، و يعرف أن حلمه في هدفا

شيء يملكه سيكون من قبيل حرث البحر ، ارتاح كثيرا أرض ، أو منزل ، أو

Page 178: رواية لاجئة

كثيرا إلى فكرة أنه يكافح من أجل أن يصل إلى أن يجعلنا هدفه •• ارتاح الهدف يا أمي له ميزة عظيمة ألبي أبناؤه إلى أعلى الدرجات العلمية •• هذا

تتخرج سمر بدورها فهو هدف متواصل سيظل يكافح من أجل تحقيقه حتى كأفضل •• و هو هدف في حد ذاته عظيم و نبيل و قد أداه والدي حتى اآلن

ما يكون •• لكنه نسي في خضم هذا أننا كائنات حية و بدورنا تتشكل أهدافنا تتوجه نظراتنا و تتغير اتجاهاتنا •• لسنا مجرد عرائس تتحرك وفق رغبة و

نحـــن أهــــداف متحركة تنــمو و تكبر و تتسع نظرتها في الحياة •• محركها إننا نريد أن نضع حدا لهذه الحياة •• نضع حدا لطريق •• لتشمل كل شيء

رغبة ألبينا ، نريد طريقا آخر ألنفسنا ، يدفعنا له لتحقيق سرنا فيه منذ البداية نريد أن نظل طوال حياتنا رهن طريق واحد هدف نسعى بدورنا لتحقيقه ، ال

ثم قالت لهما دون أن تخص يقودنا في النهاية إلى ال شيء •• تنهدت األم : واحدا منهما بسؤالها

ريم النظرات و ما هي أهدافكم يا أوالد جهاد ؟ للمرة الثانية يتبادل قاسم و   : فتقول ريم بهدوء

: مازلت لم أحددها بعد •• و يقول قاسم   الخليج قد انتهت و عاد عما قريب ستعرفانها •• *** كانت حرب  

ريم لحضوره الكويتيون إلى بالدهم و في حفل أقامته السفارة الكويتية دعيت تم تكريم كل من شارك في مساندة الشعب الكويتي ، و نالت ريم شهادة

جميلة و دعوة كريمة بزيارة الكويت من عضوات اللجنة الذين كانوا تكريم كل التقدير •• و استيقظ العالم ذات صباح قريب" يكنون لريم"المصرية

ذلك تابع جهاد مع أسرته على على مؤتمر السالم في مدريد •• وبعد حديقة البيت األبيض الشاشة المصافحة التاريخية بين رموز بالده و أعدائه في

كان •• ساد الوجوم الوجوه •• نظر جهاد في عيون أوالده •• ضعف غريب يسكن عيونه ، شعر أنه ال يستطيع التقاط أنفاسه •• جر قدميه جرا أمام

الجميع و اتجه إلى فراشه •• احاطه الجميع بقلقهم ، بحبهم ، تطلع عيون من بين ضبابات غربته •• تجمعت في عيونه دموع ساخنة إليهم ، كان يراهم

يده فضغط عليها بقوة ضعفه و قال و •• استجاب ليد سميحة و هي تمسك : ريم ذات يوم بعيد هو يطالع لوحة البئر غير المكتملة التي رسمتها

نهاية الرحلة يا سميحة •• لم تستطع سميحة أن تتكلم هزت رأسها إنها   على وجنتيها •• ركعت ريم بجواره ، مسدت رأسه رافضة و دموعها تتزاحم

: بحنان قالت و هي تحاول أن تبدو قوية ال تعطي الفرصة للهزيمة كي تأكلك •• أبي ، أنت أقوى من كل شيء ،  

أننا نحتاجك •• مد جهاد انهض يا أبي •• عد إلينا ، نحتاجك •• اقسم إليك الحب ، طبع قبلة يده باتجاه قاسم ، فلبى سريعا النداء فيها و أمسكها بكل

: حارة عليها فقال األب غدا عندما لم يكن هباءا حصاد العمر •• زرعت فيكم الغد الذي لم أره ، و  

تواجه دنيا يحكمها قانون البقاء ، سوف تجد أنني كنت على حق عندما لكم حدود الوطن في شهادة تحملها ، و أخالق تربيت عليها و احترام رسمت

طريقك فلقد أعطيتك المفتاح و لكن انتبه لنفسك •• الئق تعيش فيه ، جد

Page 179: رواية لاجئة

عنقك يا قاسم •• سمر البد أن تكمل هؤالء هم األمانة التي أتركها في وصن أمك في عيونك •• •• تعليمها ، و ريم البد أن تتزوج رجال حقيقيا

في حافظ على نفسك •• كن كما عهدتك دوما رجال يا بني •• انفجرت ريم : البكاء و جاوبتها سمر فقال األب و هو ينظر للجميع

حرمتكم من سامحوني ، و اطلبوا لي الرحمة ، و إذا شعرتم يوما أنني   شيء فال تجعلوه في عنقي و أسألوا لي المغفرة •• بعدها لم يكن األب

إال بهمهمات قليلة تتبين فيها األسرة أسماء قديمة ظلت محفورة في يتكلم يومين ينازع الشوق و الحنين ، ال يفارقه أبناؤه و زوجته ذاكرته •• استمر

بالشهادة و مات •• مات جهاد •• *** ذات يوم حمل حتى وهبه الله النطق لك البريد نعي عمك •• كأن البريد بيننا لي البريد نعي عمي ، و اليوم يحمل

إال أن يكون رباط الدم بيننا دائما نذير موت ال ينتهي ، و كأنما األقدار أبت عمي ، أشعر به نبضا مسفوحا •• تامر •• يسكنني الخوف منذ سنين يا ابن

تطاردني صارخا يدق كطبول حرب ال تريد أن تضع أوزارها •• أشباح الغربة كأنها ال تعرف في الدنيا غيري ، كأنها مكلفة بمراقبتي ، تلف أنشوطتها حول عنقي و تسحبني ، إلى نفس المصير تسحبني ، إلى فراش بارد في غربة

سألفظ أنفاسي المحترقة حنينا في ذات الغربة التي لفظ قاسية ، يوما ما دنيا دأبها العناد ، و دقات ساعاتها الفراق •• في فيها أبوينا انفاسهما ، في

بلحم اجســادنا •• هباء ، كل ما عشناه حتى نار تتأجج من أعصابنا ، و تستعر ، زفرات الحنين ، و أنات الحرمان ، و اآلن هباء •• كل ما القيناه كان بال ثمن

تامر ، ضاعت يوم ارتضينا قسوة الظروف و البشر ، كلها بال ثمن ، ضاعت يا تخفــي أناتنا خـــلف معاهدة سالم ترخي على عذاباتنا الستارة المزركشة ، و

زهرا الموســيقى الصاخبة •• تحضرنا و نزعنا مسوح األجالف يوم قطفنا نبت على قبور أحبابنا لنهديه طوعا ألعدائنا •• و ماذا بعد يا تامر ؟ ماذا بعد

الجرافة العمالقة تسير في الطرقات تحمل جثثنا اكواما نتنة لتلقي بها•• تسعره حتى يضيء شعلة سالم مزعومة •• ال تقل لي يا ابن في األتون ،

أشعارا عن الوطن و تحفرها فوق أضالع قفصك عمي أن ثمة أمل ، ال تكتب لقد مات جهاد ••لقد مات الصدري ، و تنقشها وشما على قلبك المتعب ،

كل ما يربطهم أبي •• *** كان الكفيل رحيما ، أمهلهم شهرا حتى ينتهوا من كان بالبالد و يستعدوا للرحيل ، كان الجميع على كفالة رجل مات قهرا ، و

موته إيذانا بالنهاية •• لملموا أغراضهم ، و تنهدت األم تحمد الله أن لها وطنا يمكن أن يعيش فيه أبناؤها • ليلة الرحيل بدت ريم ساهمة في ثوبها األسود ،

: تنظر للحقائب المكومة همست و هي سنترك أبي هنا لألبد ؟ تطلعت إليها األم واجمة •• لم ترد فأكملت هل  

: تغلبها ريم و دموعها اليوم زيارته ، حتى قبر يضمه لن يكون بمقدورنا قراءة ألن نستطيع بعد  

جدث مجهول ، لرجل مجهول ، عاش و مات الفاتحة عنده •• سنتركه هنا ، : مجهوال •• قالت األم و شفتاها ترتجفان

ريم •• إسألي الله له المغفرة و الجنة في أطلبي له الرحمة أنى كنت يا   : تمتمت ريم •• أي مكان •• الله موجود في كل مكان

Page 180: رواية لاجئة

لو كان لنا وطن •• لو كان من حقه أن يحتل في بلده •• لو كان له وطن   مات غريبا •• آه ه آه ه ، كم أنا مقهورة و مترا في متر لما عاش غريبا ، و

ثمن ••أحزاننا قوقعة اتخذت شكل حزينة •• كم نحن بال ثمن يا أمي •• بال خلقنا بها ••لكننا لم أجسادنا و أصبحت من تكويننا ، يعتقد من يراها أننا

، قوقعة نخلق بها •• ولدنا بقشرة رقيقة من الحزن مع األيام صارت غالفا •• لم يدرك الناس أننا ال نحبها •• نريد الخالص منها ، ظنوا طرقنا المستمر عليها حفالت رضى و رقصات حبور ، لم يفهموا يوما أنها صرخات احتجاج و

: عليها •• مسحت دموعها و أردفت بهدوء محاوالت تمرد فوق محاوالت لم يكتب لها النجاح أبدا •• وسنظل نحمل قوقعة الحزن  

أرواحنا حتى نموت •• صاح قاسم بقوة : - البد من حل •• البد من تغيير ، لليلنا الطويل أن ينتهي •• لن نظل نتوارث الحزن جيال بعد جيل ، البد

اللجوء أبا عن جد ، البد من بعض السكر في اباريق العلقم نتوارث الهم و : أمسك يد ريم و قال و هو يضغط عليها بقوة •• التي نزدردها لكي نعيش

اإلتهام ، و البد أن فرجا سيأتي يا أختي •• سيأتي يوم نخرج فيه من دائرة   سيأتي•• يرى العالم أننا أوفينا العقوبة و أمضينا الحكم ، وكان سلوكنا حسنا

يوم لن يبحث فيه أوالدنا عن أرض ينامون فيها ملء عيونهم ، لن يبحثوا فيه حنان زائف يحتضن همومهم ، لن يبحثوا فيه عن عيون تتفهم قضيتهم •• عن

أنا أكيد •• هزت ريم رأسها و ابتسمت متهكمة و قالت •• سيأتي هذا اليوم : و هي تسحب يدها

يبحث عن خالص •• يحلم بخالص مهزوم أنت يا أخي •• و المهزوم دوما   : •• لكنه لن يأتي هذا الخالص •• فقال قاسم بتصميم

العالم فلنسعى نحن لتغير الظروف ، إن لم يأتنا بل سيأتي ، إن لم يتغير   فنانة •• دعينا نضع خطوط غدنا الفرج فلنرسم نحن مالمحه ، نصممه يا

•• بإيدينا الذي نريد ، دعينا نفجر قوقعتنا و نزحف بعيدا عنها •• لن نستطيع  

: أبتسامة هزيلة شفاهها و صرخت روحها إن شاء الله سنستطيع •• علت   ••كم أنك واهم أيها المهزوم ، كم أنك واهم  

Page 181: رواية لاجئة

:الرابع القسم

آالف البشر ، ضاعت أصبحوا على متن باخرة العودة •• باخرة عمالقة تحمل مالمحهم وسط المالمح •• كان الهم في قلوبهم يزيل عن وجودهم صفة

الوجود •• تطلعت ريم إلى ميناء جدة و هو يبتعد و تنهدت ••كان لها في هذا يوما حكاية ، و تذكرت مشهد الوداع و كم كــان صعبا مع مشـــاعل و المكان

الســوق و حتى أم عبدالله قالوا لها و هي ترفع شهادتها من كل زميــالت :فوق حائط الجاليري

: تذكرينا يا ريم •• ابتسمت و هي تقول   مشاعل و هي تحمل ريم في صندوق ذكرياتي متسع للجميع •• قالت  

: الصغيرة احتضنتها ريم و •• لن أنساك أبدا يا ريم •• ستظل ريم ابنتي تذكرني بك  

: هي تقول أقسم بالله أني أحببتك صادقة يا مشاعل •• و إنك كنت دوما نعم  

••الصديقة ، نعم اإلنسان

••أكتبي لي  

••سأكتب •• أعدك  

:و هي تحتضنها تنحت بها أم عبد الله ركنا ، منحتها ظرفا منتفخ و قالت

ما يسر تذكري يا ابنتي أن الحياة ليست كلها شرا •• و دعيني أسمع عنك  ••

: أومأت إيجابا و احتضنتها محبة و داخلها صوت يقول الباخرة أفاقتها من شرودها •• كان ليت كل الناس مثلكم •• صفارة  

: قاسم بجوارها همس و هو يتطلع للماء : علقت سنبدأ من جديد يا ريم •• ابتسمت ريم و  

متي نتابع يا أخي البدايات ؟ ركز قاسم وجهه في كل يوم بداية جديدة ،   : الماء و قال بصوت حالم

•• كلون البحر و السماء يذكرني لونه بعيون ماهي ، كانت زرقاء  أحببتها ؟  

لم أحب من قبل يا ريم •• أحببت فيها أمانا لن يكون لي في يوم من كما   و أسرة عادية ليس بوسعي أن أحلم بمثلها •• أمال أزرقا األيام ، استقرارا

•• قليلة •• ما أجمل الحياة حين نحب جميال منحه لي الله سنوات

Page 182: رواية لاجئة

ظهره أسأل الله أن يجمعك و إياها زوجين كما تتمنى تنهد قاسم و أدار   : للبحر و قال

نفسي يا ريم •• عودتي الســريعة ال تعني أن مشكلتي حلت ، لن أخدع   •• لكنني أفكر بأمر آخر •• مازلت فلسطينيا يا أختي

: ؟ قال قاسم بتصميم من قرر ما هو   أن أبحث لنفسي عن جنسية رقمية ، جنسية يعترف بها العالم كله ،  

جنسية ال يستطيع كائنا من كان أن يرفضها أو يضطهدها •• سيكون هدفي المال هو حل اللغز ، عندما أصبح ثريا ، شديد الثراء لن المال يا ريم ،

جنسيتي ، و لن يضيع أبنائي في متاهات اللجوء ، يسألني الدكتور عامر عن ألبنائي يحترمهم العالم بها و سأتمكن من شراء جنسية عالمية أمنحها

جنسيتي الجديدة التي يفتحون لهم من أجلها األبواب المغلقة •• هذه هي لسانها سأسعى لها ما حييت •• كانت ريم تسمع أخاها و دهشة كبرى تعقد

: همست بعد أن انتهى الذي هذا جنون •• هل تعني أنك تريد طوعا هجر جنسيتك ، األثر الوحيد  

: تحمله النتماءك و أصلك ؟ أجاب بصوت حاسم شيء •• نعم •• هذا هو غدي الذي أريده •• و لن يمنعني من تنفيذه أي  

هذا هو الهدف الجديد يا ريم ••أنت أيضا ابحثي عن هدف يخصك ، هدف نفسك ، ابحثي خارج إطار الوطن المفقود عن شيء آخر ، معنى تجدين فيه

هو الحل •• شيء كبير داخل ريم كان يرفض آخر للحياة •• صدقيني هذا عالم كبير حولها كان يؤيده ، الكالم ، يرفض الحروف ، يرفض اللهجة ، و

ظهره لألزرق و يحلم يتبناه ، يقول نعم هذا هو الحل •• تركته وحيدا يدير •بجنسية جديدة و عادت للكابينة

***

: عندما وصلت الباخرة ميناء السويس تمتمت ريم الواقع قال كلمة نزلت عليهم •• لقد عدنا •• لكن الواقع أنهم لم يعودوا  

: كالصاعقة ••هنا األم فقط تدخل أما أنتم فعودوا من حيث أتيتم •• ال إقامة لكم  

العبارات واضحة ، لكن تلفتوا ينظرون حولهم ، غير مصدقين لما يسمعون ، حولهم ، ليس البد أن هنالك خطأ ما ، البد أن هذا الحديث ألشخاص هالميين

: لهم •• تمسكت سمر بأمها فصاحت األخيرة : لكنهم أبنائي •• قال المسؤول و هو يمط شفتيه  

، ينتظرون نجدة من السماء تذيب هذا هو النظام •• عادوا يتلفتون حولهم   جلست ريم على •• جبل الجليد القابع أمامهم ، ال يمكن تصديق ما يقوله : الحقائب المكومة و همست بألم

إنها حقيقة •• احتج قاسم بأعلى صوت يملكه ، لوح بيده في وجه   الموظف ، أوشك أن يمد يده ليضربه •• كل هذا لم يجدي نفعا •• بالعكس

: الموظف على تنفيذ النظام •• و قال له و هو ينهي الحديث زاد من إصرار

Page 183: رواية لاجئة

معهم •• قال لو دخل الجميع فلن تدخل أنت •• و قررت األم أن تعود   : قاسم و مرارة تقطر منه مع العرق و الغضب

فقالت األم بحزم •• إبقي أنت يا أمي •• لماذا اللجوء إذا كان لك وطن   : إلبنها

يا قاسم تعاون معنا في نقل الحقائب •• لن أترككم و لو كان آخر يوم هيا   عادت األسرة بحرا ، غادرت الباخرة ميناء السويس تحمل في عمري •• و

مقهورة ، ثلة من الالجئين •• كانوا أربعة و مالمح ليست كالمالمح ، نفوسا قهرهم •• هذه المرة تكوموا في خامسهم صمتهم ، كانوا أربعة و خامسهم

لبعضهم البعض و كابينة إحسان واحدة ضيقة •• لم يغادروها كانوا ينظرون تقول عيونهم كل شيء لكن شفاههم صامتة ، كانوا يتساءلون عن العمل ،

عن الحل ، و لم تكن لديهم إجابة آثروا الصمت ، فكانت الكابينة قبرا جماعيا أجسادا تتنفس فقط ألن الله كتب عليها أن تتنفس •• و في ميناء يضم

: قال لقاسم و هو يهز رأسه أسفا جدة ، اندهش المسئول و حل ، آسف حقا يا بني •• أنا فعال منزعج لما أصابكم ، و لكن ليس لدي  

لقد سلمتم إقاماتكم هنا و ليس لكم إقامات لدينا •• قال قاسم و جسده : يفور

: يمط شفتيه ماذا تقصد ؟ فقال الموظف و هو   مصر و محاولة الدخول ، أمكم مصرية و من حقكم عليكم العودة إلى  

: هو يفرك يديه الدخول •• عاد قاسم إلى أسرته ، قال و رفعوا وجوههم نحوه فهز رأسه و قال بصوت بال •• سنعود إلى مصر  

: معنى األنفاس الملتهبة هذا هو النظام •• و عادت األسرة مجددا •• كومة من  

مقدمات في كابينة ضيقة •• ظلوا صامتين لبعض الوقت ، ثم فجأة و بدون نظروا إلى بعضهم البعض و ضحكوا ، ظلوا يضحكون قرابة الخمس دقائق

دمعت عيونهم و ظلوا يضحكون ، سقطت دموعهم أرضا فشربتها متواصلة ، يضحكون ، و عندما أصاب التعب حلوقهم أرض السفينة بسرعة و ظلوا

: توقفوا فجأة كما بدأوا فجأة ، و قال قاسم ما رأيك يا ريم أليس من الواجب أن نعمل يبدو أننا سنعيش في البحر ،  

: مجددا إلى الضحك المرير حتى نجد قوت يومنا •• فقالت ريم و قد عادت أنا سأخرج ألعرض على الركاب رسم وجوههم المرفهه و تخليدها •• نعم  

تعمل في مطعم الباخرة ، أما أنت يا سمر فبيعي في صورة و أنت جرب أن الغلة في حجر أمنا العزيزة ، ما رأيك لو اليانصيب ، و نأتي آخر اليوم لنضع

: قاسم أطلقنا على أنفسنا أسماء جديدة •• فقال أنت فتكات ، أما سمر فلتكن فلة •• و أنت يا أمي نعم ، أنا شفتورة ، و  

تطلعت األم إلى أوالدها و قالت •• المعلمة سمسمة ، سنكون فريقا رائعا : بهدوء حزين

: هل انتهيتم من مسرحيتكم العابثة ؟ فقالت ريم و هي تنهض   إنها الحقيقة سنصل فيعيدونا ، و •• ليست مسرحية عابثة يا أم قاسم  

يومين ، البد أن نعيش ، و نصل هنا فيعيدونا مجددا ، لن تتغير األنظمة في

Page 184: رواية لاجئة

ساقطي وجود ، العمل هو الحل الوحيد •• اإلستسالم لالمر الواقع ، نحن الجهاد لكننا لسوء الحظ نحتاج من أجل استمرارالحياة إلى الطعام •• فإلى

: يا أبناء جهاد •• تنهدت و بصوت كسير أكملت ترسو لن نمد أيدينا إلى مدخراتنا القليلة فسنحتاجها ذات يوم عندما  

: سفينتنا التائهة على أرض تقبلنا •• بكت األم و قالت و هي تداري دموعها : فقال قاسم و هو ينهض بدوره •• رحمة الله عليك يا جهاد  

سمر الئذة في ارتاح كثيرا يرحمه الله •• خرج اإلثنان من الكابينة ، تاركين   حضن أمها ، خائفة •• بدأ الخوف معها مبكرا •• اتفق اإلثنان على التوجه فورا إلى القبطان ، كان البد من الحديث معه ، وجد القبطان شابين جميلي

الحزن عيونهما يقفان بين يديه يقصان قصتهما و يطلبان عمال الطلعة يسكن : ذقنه المميزة و قال و هو يدخن غليونه ••حار في إجابتهما ، حك

حدثت أغرب طلب تلقيته في حياتي ، رغم أن قصتكم ليست غريبة ، فلقد   معي بالذات على هذه الباخرة العام الماضي •• قالت ريم و هي تحاول

: ابتسامة اصطناع نتيجة المباراة حضرة القبطان ؟ قال القبطان و هو و لصالح من كانت  

: يبتسم البتسامتها الجميلة لحالهم مسؤول هناك و رفــع بشــأنهم لصالح السعودية ، لقــد رق  

في إسكان خيري لحين مــعروضا إلمارة مكة و جاء الرد سريعا بإسكانهم •• إيجــاد شخص يقبل نقل كفالتهم عليه و يعيشون هناك

تقف مأساتها عند هذا الحد من و كم رحلة قطعتها هذه األسرة قبل أن   : ضيق عينيه و قال الضياع ؟ كان هذا السؤال لقاسم ، نظر إليه القبطان و

من السفر على الباخرة ، ذهاب و عودة ، حوالي ست رحالت ، شهر كامل   و كان أبوهم خارجا على القانون و نفذ حكم لكنهم كانوا ألم فلسطينية ،

في وضع أفضل بكثير •• قالت ريم بالسجن ثم أخذ أمرا باإلبعاد ، لذا فإنكم : مسلية و مازالت ابتسامتها لم تفارقها و كأنها تسمع حكايات

أسبوعا آخر فقط ، لم يكن والدنا يرحمه الله سجينا ، و ال إذن دعنا نتوقع   بكثير •• ضربت ريم كفها بكف أخيها و قال أمنا فلسطينية ، نحن أهون

: قاسم ينظر ما قولك سيدي القبطان ، هل ستجد لنا عمال ؟ فقال القبطان و هو  

: إلى ريم حلمت بصورة كبيرة لي و أنا خلف الدفة ، هل تستطيعين نعم •• لطالما  

: تحييه تحية البحارة رسمها لي ؟ فقالت ريم بمرح و هي : سرور يا سيدي ، و لكن ما المقابل ؟ فقال القبطان بسرعة بكل  

: كم تريدين ؟ فقالت بحزم   : كابينة خمس نجوم ألسرتي •• صفر القبطان و صاح  

نظرت ريم إلى قاسم و تبادال بالنظر •• خمس نجوم •• حقا فلسطينية   بدأت ريم فورا في تنفيذ" *** رسالة تقول سطورها :" حتى أنت يا قبطان ؟

، و خصصت اإلتفاق ، و انتقــلت األسرة إلى كابينة أوسع و أجمل و أنظف ريم ساعتين صباحا و مثلهم مساءا لرسمه ، كان قاسم خالل هذا الوقت

Page 185: رواية لاجئة

معهما يتحدث مع القبطان في سائر أمور حيـــاتهم ، و تبــادال يجلس أحـــوالهم ، و كانت ريم ال تتكلم ، ترتدي معطفها األزرق و الحكـــايات عن

، فيما ترسم باألخرى و تمزج األلوان على ظهر تقبض على فرشاة بأسنانها : كفها •• قال القبطان لقاسم

•• إلى أمريكا إذا كنت تبحث عن الثراء فعليك بالهجرة   الفرشاة من فم ريم و قالت مع أخيها في نفس الوقت أمريكا ؟ سقطت  

: غليونه و أخذ في تنظيفه و هو يكمل هذه الكلمة ، فأخرج القبطان حشو أنك نعم ، أمريكا ، هناك يمكن ان تجد فرصتك مثل آالف الشباب ، كما  

تستطيع الحصول على الجنسية بشروط بسيطة ، أعرف أناسا استطاعوا أن القمة في سنوات قليلة ، المهم أن يكون لديك هدف و أن تكون يصلوا إلى

: ريم جادا في تحقيقه •• قالت سافروا إلى هناك سقطوا و لم يعودوا أبدا •• فقال و لكن الكثير ممن  

: وضع الرسم القبطان و هو يعاود وضع نفسه في ممن يذهبوا ليسقطوا ، ال يأخذون األمر جديا ، و ال الذين يسقطون هم  

اقتناص الفرصة إذا سنحت •• و أعتقد يبحثون عن الفرص ، و ال يستطيعون : أن قاسما ليس منهم •• قال قاسم و قد أخذه الحلم

الحل •• فقالت ريم في محاولة يائسة إلثنائه نعم ، معك حق •• هذا هو   : عن هذا التفكير

رغم والدتنا بمصر لم نتمكن من و كيف تستطيع الذهاب إلى هناك ، إننا   : دخولها فكيف بأمريكا ؟ قال القبطان دون أن يغير وضعه

معارف في السفارة األمريكية بمصر و يمكنني أستطيع تدبير األمر ، لي   : فرحا التوسط لك ألخذ التأشيرة •• صاح قاسم

: تلملم أغراضها حقا ؟ فقالت ريم و هي   : ، لقد تعبت •• فقال القبطان هيا يا قاسم  

: و اللوحة ؟ فقالت بغيظ   :القبطان نكملها مساء� •• خرجت بسرعة و هي تشد قاسم من يده فقال  

أغضبها •• على سطح الباخرة كان لريم حديث طويل مع ال أفهم ماالذي   : األخير فقال و هو يتطلع إلى األفق قاسم ذكرته بوصية األب له في نزعه

طلبكم ، من قال إني سأتخلى عنكم ؟ بضعة شهورهناك ، أرسل بعدها في   أعرف خاللها كيف ستسير حياتي هناك ، و أؤمن لكم السكن و أرسل في

ال تقلقي يا ريم ، ربما كان في هذا خالصنا •• فقالت ريم •• طلبكم : بغضب

تعيش غربة جديدة و تموت خالصك لوحدك يا قاسم ، لن تقبل أمي أن   نفسي أرفض فيها ، و ليس من العدل أن تجبرها على هذا ، كما أنني عن

تماما أن أبحث عن نفسي في أرض ساهم حكامها في ضياع أرضي و تشريد : أشاح قاسم بيده و قال •• شعبي

صغيرة العقل ، وجدانك مغلق على خرافة الوطن ، أين الوطن يا مازلت   الشاسع الذي نعيش فيه منذ أسبوعين ، لماذا لم ذات المثل في هذا البحر

Page 186: رواية لاجئة

أرض استقبالهم •• ال أرض مات فيها يهب أحد رجاله إلنقاذ أسرة ترفض كل أننا تكيفنا مع وضعنا هذا ، أبوهم ، وال أرض تنتمي إليها أمهم •• هل تعتقدين

هزليتنا و عملك ، أشياء هل تعتقدين أن حركتنا و كالمنا و ضحكنا و عبثنا و الضياع األسود ، و تعطي لتغربنا لونا جديدا ؟!! هو لون واحد يا فنانة ، هو

أسود كئيب الشتات األسود ، لن يتغيرهذا اللون إال إذا سعينا لتغييره ، لون قاتم بال معنى •• لماذا تخيفك فكرة سفري إلى أرض جديدة ، لماذا تقفين

: وجه أمل جديد ••؟ قالت ريم و هي تكز على أسنانها في ، و أقف في وجه لجوء جديد و غربة جديدة •• أقف في وجه فرقة قادمة  

•• أنفاس عزيزة أخرى تلفظ على فراش بارد في غربة قاسية ، فلماذا ال يكون فراشا في النهاية سنلفظها على فراش غريب بارد  

أمها فقال و أمريكيا فاخرا ؟ نظرت إليه ريم بسخط و تركته و غادرت إلى : هو يعطي ظهره للبحر

الفراش العربي أشواكه كثيرة •• لست مجرما إن بحثت لنفسي عن   فراش أكثر راحة ألموت عليه •• *** انتهت لوحة القبطان فكانت بديعة كما

: لريم و هو يتأمل اللوحة تمناها ، قال فنانة حقيقية ، أصابعك من ذهب ، لماذا ال تستثمرين هذه الموهبة و أنت  

لمحبيها ، هناك الكثير من البشر يحبون تخليد أنفسهم تقدمي هذه الخدمة : تجمع أغراضها بعصبية في لوحات خاصة •• قالت ريم و هي

أن أصبح أداة في يد المتخمين المرفهين ، أرسم خدودهم المنتفخة تريدني   : أجل حفنة مال ؟ فقال القبطان و هو يضحك و كروشهم المدالة من

كأنها أنت غاضبة مني يا ريم أليس كذلك ؟ فقالت و هي تنظر إليه و   : ستأكله

في رأس قاسم فكرة الهجرة إلى أمريكا ؟ نفث القبطان لماذا أدخلت   : بهدوء دخان غليونه و قال و هو يبتسم

شيئا ، ال تنسي ، لقد كان قراره أن يسير في هذا أنا لم أدخل لرأسه   لم أفرض عليه رأيا ، كنت مرشدا فقط الطريق ، اقتصر دوري على ارشاده ،

•• •• لكنه مقتنع تماما بهذه الفكرة  

حقه أن يسعى يا ريم •• من حق قاسم أن يجرب حياة عملية جديدة ، من   لتحقيق أهدافه ، من حقه إذا أغلقت أرض بابها في وجهه أن يطرق بابا آخر في أرض أخرى ، كوني واقعية ، إنه شاب ، لم يمارس حياته العملية بعد ،

مجهول في مصر أو في السعودية أيا كانت البالد التي أمامه مستقبل آالف مثله من أبناء الوطن بالفعل ، ستقبلكم أخيرا ، سيزاحم في تخصصه

، و لكن األمر سيجد عقبات ال حصر لها ، هذا إن وفق في عمل أصال ، يتيح سيختلف كثيرا لو أنه سافر إلى بلد مفتوح ، ينادي بالحرية و يعمل بها

لمن يذهبون إليه فرصة أن يجدو أنفسهم بغض النظر عن جنسياتهم ، يتيح أن يكون كما يحب ، صعلوكا ، أو أميرا ، كل شخص يحدد موقعه لكل فرد

دعيه يجرب ، قد ينجح ، و حاولي بدورك أن تجربي ، هناك وفق إمكانياته ، مكان بعينه ، إنها أرض الله مفتوحة قد تنجحين ، الحياة ليست قصرا على

Page 187: رواية لاجئة

: لكل الناس •• قالت ريم و هي تهم بالمغادرة صدفة أن أصولك يهودية •• فقال القبطان لن أستغرب كثيرا إذا اكتشفت  

: و هو ينفض غليونه ألتفتت •• لن تستطيعي أن تنجحي إال إذا تخلصت من عنصريتك الصغيرة  

: ريم إلى باب حجرته و قالت و كان لن أتغير •• لن أتغير •• *** وصلت الباخرة إلى ميناء السويس ،  

يمكن لألسرة أن تعود ثانية إلى ميناء جدة لوال وجود الصحافة ، إذ اتفق أن على الباخرة صحفي مصري عائد إلى مصر ، سمع القصة و فهمها تماما كان

أبطالها و أوصى األم أن تعمل جاهدة على عدم مغادرة ميناء و قام بتصوير األقل يكون خاللها قد استطاع نشر القصة في السويس قبل يومين على

و اتفقت األم مع أبنائها على تنفيذ جريدة األخبار و تحريك المسؤولين لحلها ، وجدوا أنفسهم يتبعونها هذا األمر بأية طريقة ، و كم كانت الطريقة التي

معها األبناء قاسية و مهينة ، إذ أصرت األم على عدم المغادرة مجددا و أصر و لم تفلح محاوالت المسؤولين في إجبارهم على ركوب الباخرة العائدة إلى جدة ، و وجد المسؤول األمني نفسه مضطرا إلى وضع األسرة رهن االحتجاز

أمرهم و يتم تسفيرهم على الباخرة المغادرة بعد يومين •• و حتى يبت في : هذه النتيجة قالت ريم ألمها عندما وصلت األسرة إلى

ذراعها و ماذا إن لم يفي الصحفي بوعده لنا ؟ فقالت األم و هي تتوسد   : لتنام أرضا

: شيئا •• و تنهدت ريم و هي تؤمن على كالم أمها و قالت لن نخسر   التالي ، نشرت صحيح ، ماذا سنخسر ؟ *** و انقلبت الدنيا صبيحة اليوم  

األخبار القصة مصورة ، و كانت عبارات األبناء التي أحسن الصحفي المتعاطف صياغتها لها مفعول السحر ، إذ بدا للقاريء عمق مأساة هذه

احتواء أفرادها أي وطن رغم كون األم مصرية ، و األسرة التي يرفض األسرة صباح اليوم التالي على بعثة تعاطف اإلعالم مع القضية فاستيقظت

عمل لقـــاءات حية مــعها التلفزيون المصري التي جاءت لتصوير األســـرة و اختتمت حديثها قائلة ، و عبرت األم خالل هذا اللقاء عن مأساتها أروع تعبير و

: كانت بــــالدي ترتضي لي أن أعيش اللـــجوء بسبــب أنظمة جائرة إذا  

أوالدي فإنني لن أنفصل عنهم و لو قتلوني ، و لن أكف تـــريد فصــلي عن القرار سريعا من أكبر مسؤول بالسماح أيضا عن حب بالدي •• و جاء

تجديد إقامات األبناء لثالثة سنوات لألسرة أن تدخل مصر و تعود لبـــيتها ، مع بحقائبهم مغادرة الميناء ، قادمة • • و قبل أن تسير بهم السيارة المحملة

يغمره ضـــوء كانت سيارة أخرى قد وقفت أمام سيارتهم و نزل منها رجل سالما الشمــــس فتتألأل ابتســــامته و تنزل على قلب ريم المتـــعب بردا و

••و تصيح كل ذرة في كيانها فرحا لرؤيته و تتحرك شفاهها بصوت منخفض : كل المسافات ليستكين هادئا قويا مرتاحا في قلبه لكنه اخترق

سعيد ••؟ *** عندما استقرت األسرة في البيت برفقة سعيد ، كان   الحديث مازال متواصال حول األحداث األخيرة التي مرت باألسرة ، حالة من

Page 188: رواية لاجئة

يحاول أيا منهم تنظيمها ، كان الكل يتحدث ، و الكل يحكي ، كان الصخب لم نفسه عدة مرات و بعدة طرق فيتفاعل معه في كل مرة سعيد يتلقى الخبر

أفراد األسرة يشعرون أخيرا أنهم وجدوا من كأنه يسمعه للمرة األولى ، كان يستطيعون أمامه أن ينزعوا األقنعة عن يسمعهم ، من يلقون إليه همهم ، من

الصراحة ، و كما انعقد مشاعرهم و تعليقاتهم و أن يقولوا كل شيء بكل السحابات عن الصخب سحابات في سماء الغرفة قبل قليل ، فجأة انقشعت

صمت تام ، فجأة أدرك كل فرد أنه لم يقل ما ينبغي قوله في مناسبة مثل هذه المناسبة •• لم يتبادلوا خالل ساعات العـــــودة و حتى استقــــروا

بيتهم أي حديث منطقي يحمل ســـالمات أو تعازي أو سؤال عن جلوسا في حديثا لم ينقطع ، لذا لم ينتبهوا إلى قفزهم فوق األحوال •• كانوا يتمون

شعر أنه يجب أن يبادر فقال بحزن متطلبات اللحظة ، تنحنح سعيد و قد : صادق

عليه عظم الله أجركم في وفاة عمي جهاد يرحمه الله •• تمتموا يردون   : بعبارات مناسبة و أطرقت ريم و قالت بهدوء

كثيرا ، بدت تركناه هناك •• تطلع إليها ، اعتصره حزن قاتم ، تغيرت ريم   أكثر هزاال •• عروق خضراء ارتسمت بارزة على ظهر كفها ، شعرها

قليال من السفر لم يعد يحمل البهجة القديمة التي جعلت من لمسه المشعث لسعيد •• نازعته نفسه أن ينهض ، ليجلو بيده عن ذات يوم غاية المنى

ذكرياتها ، ليمسح بيده عنها مسحة الحزن وجهها عناء الشهور الماضية بكل و يحتوي قلبها المتعب •• قال الغريبة التي بدت أكثر قتامة •• ليضمها إليه

: قاسم و هو ينهض أسبوعين أنا سأدخل لإلستحمام و من ثم النوم •• لم ننم نوما حقيقيا منذ  

••و النوم في الحجز أمس كان قاسيا جدا •• تابعه سعيد بعينه و هو ينصرف رغم أن كلماته كانت تحمل دعوة خفية لينصرف بدوره ، إال أنه تعمد أال ،

: جالسا •• نظر لريم مجددا ، قال بإشفاق كبير يفهمها •• بقي : تبدين متعبة •• هزت رأسها و هي تبتسم ابتسامة طفيفة و قالت  

: هي تتنهد جميعنا متعبون •• قالت األم و   مما ينبغي ، و الظروف التي مررنا بها كانت فوق ريم حساسة أكثر  

: تسأله احتمالنا •• تطلعت ريم إليه و قالت : يا سعيد ؟ هز رأسه بهدوء و قال هل تغيرت عليك كثيرا  

ابتسمت •• ال •• أنت ريم التي عرفتها دوما مهما مر عليها من أحداث   : ريم ابتسامة باهتة و تطلعت حولها و قالت

أنا هنا ، و كأنني أحلم ، كأن الفترة السابقة لم تكن ••• أخيرا مجددا ، ها   أنت هنا ، و ها هو منزلنا الصغير •• كأن شيئا لم يتغير •• لكن •• أطرقت

: ريم و امتألت عيونها بالدموع ، فركت يدها و همست بصوت متهدج لم يعد لها وجود ، و المشاكل لكن أبي لن يعود ، و األحالم الجميلة ،  

بأفراده تصاريف التافهة صارت من األمنيات •• صمت البيت ، و لعبت إليه الترحم ، داخلي فارغ تماما ••• فارغ حد العدم •• هل تفهمني ؟ رفعت

عيونا دامعة متسائلة ، فلبتها على الفور عيون و جوارح متلهفة قال بكل ذرة

Page 189: رواية لاجئة

: مشاعره من تنهدت ، مسحت دموعها ، رسمت ابتسامتها الباهتة و •• أفهمك يا ريم  

: قالت : على األقل ، أنا هنا األن •• قال سعيد   : وكنت هنا دائما •• قالت األم بسرعة  

اآلن ، الدور عليك يا ريم •• لم يتعمد عدم البد أن قاسما أنهى حمامه   : يتجه للخروج الفهم مجدد ا، نهض متثاقال و قال و هو

ليال •• آمل أن تكونوا قد أرتحتم •• لم يعطهم فرصة سآتيكم بطعام   منظر ريم المتعب أوصله إلى مرحلة من •• لإلعتراض ••خرج ثقيال ، ثقيال

بهذا الشكل •• تبدو مهزومة ، فقد التوازن ، لم يكن يتخيل أنه سيراها يوما : أسنانه مصدومة ، منهارة ••كور قبضته في الهواء ، قال و هو يكز

الفرحة المسروقة يا ريم و لو كلفنني األمر حياتي •• أقسم أن أعيد إليك   األسرة حول مائدة حافلة جلبها معه أقسم •• *** في المساء ، اجتمعت

التي أمضوها في النوم سعيد و هو قادم •• كانت الساعات القليلة الماضية حتى •• قد تركت أثرا حسنا عليهم •• بدت وجوههم مرتاحة و عيونهم المعة

مالبس البيت التي ارتدوها جميعهم كانت تضفي عليهم ألفة و هدوءا جميال أكلوا كثيرا •• كانوا جائعين ••و كانوا ممتنين •• تطلع سعيد إلى ريم••

القديمة و أسعده كثيرا أنها تطل بخجل من العيون الحزينة ، يبحث عن ريم أحبها مازالت موجودة ، ذابلة قليال لكنها موجودة ، مد أسعده أن المالمح التي

: منه و هي تقول لها يده بقطعة لحم تناولتها : لوحدي حتى اآلن نصف الطعام •• قال مبتسما لقد أكلت  

سريعا •• قالت بالهناء و الشفاء •• يجب أن تأكلي كثيرا حتى تعودي إلينا   : و هي تنهض

يعيد الطعام ما تبدد يا سعيد •• اتجهت للمطبخ إلعداد الشاي و قامت لن   المائدة فيما اتجه قاسم مع سعيد للصالون قال قاسم و هو األم و سمر برفع

: يجفف يده القريب العاجل •• دهش سعيد هل أخبرتك ؟ سأسافر إلى أمريكا في  

: لهذا الخبر فأكمل قاسم على قبطان السفينة األخيرة التي كنا عليها وعد بمساعدتي في الحصول  

التأشيرة ••معي كارت توصية منه للسفير األمريكي هنا •• قرأ السؤال في : فأجابه قبل أن يسأل عيونه

موافقة •• لم أفاتح أمي بعد •• أريدك أن تساعدني في اقناعهم ريم غير   : قال سعيد مستنكرا •• ••إنهما تثقان بك كثيرا

في أمس الحاجة إليك اآلن أكثر من أي وقت مضى يا قاسم ، ما هذا إنهم   : هو يجلس و قال بسرعة التفكير ؟ صفر قاسم و

ال أريد جبهة ثالثة أحارب فيها ، يكفيني ريم و أمي •• فقال •• أرجوك   : سعيد بقوة

يذكرك بواجبك ، ما تقوله جنون قاسم •• لست صغيرا كي تحتاج إلى من   : •• ابتسم قاسم و قال ساخرا

Page 190: رواية لاجئة

أصارع طواحين الهواء بال فائدة جنون ؟ !! الجنون يا صديقي أن أبقى هنا   لن أجد عمال بسهولة •• لن يفيدهم وجودي ، ستقتلهم انكساراتي المتعاقبة ،

بال هدف ، و لن أستطيع لو وجدته أن أتحول إلى ثور في ساقية ، يلف و يدور ••بال مستقبل •• لن أكرر جهاد ، لن أعيــــش على الهامــــش حتى أموت

إما أن أجـــد لنفسي مكانا تحت الشمس ، أو أموت و انتهي ، هذا خير لي و : سعيد بحزم لهم •• صاح

: فقال قاسم بتصميم ال تكن أنانيا   أبلها •• دخلت ريم بصينية الشاي وزعت األكواب قالت و هي ولن أكون  

: تنظر لقاسم : فقالت لسعيد أخبرته يا قاسم ؟ هز رأسه إيجابا ،  

: سمعت ؟ فقال سعيد بهدوء ما رأيك فيما   أناقشه للتو •• قاسم عاقل و سيـ ••• لم يتركه قاسم يكمل حديثه كنت  

: قال بتصميم انتهى األمر •• دخلت األم و قاسم ينهي ال مجال للنقاش ، لقد قررت و  

: عبارته فقالت : ما هو األمر الذي انتهى يا قاسم ؟ فقال قاسم بعد تردد  

أمريكا ، سأعمل هناك •• تطلعت ريم إليه أمي لقد قررت السفر إلى   : بغضب و قالت ألمها بسرعة

:بعدم السفر •• فقالت األم بهدوء مازال يفكر يا أمي ، و نحاول أن نقنعه  

: و لكن يبدو أنه قد قرر فقال قاسم   : يا أمي أفهميني أنا •• فقالت األم مقاطعة  

المندهشة أمامها ، جلست و هي أنا موافقة •• جابهت كل العيون   : رشفة تتنـــاول كـــأس الشــــاي و قالت بعد أن رشفت منه

حملتك على هذا القرار يا قاسم ، أعرف أن الدنيا أعرف األسباب التي   منك هذا القرار منذ ذلك اليوم في على وسعها ضاقت عليك ، و كنت أتوقع

و لن تسير وفق سير الرياض عندما قلت أنك ستختار لنفسك هدفا مختلفا ، نفسي أبيك يرحمه الله •• كنت أعرف أن هذا القرار قادم ، و لقد وطنت

على قبوله ، لم تعد صغيرا يا بني ، افعل ما تريد •• جلست ريم القرفصاء : و قالت و هي تمسك يدها أمامها

لكن قاسم يا أمي رجلنا الوحيـــد اآلن ، كيف تسمــــحين له بالتـــخلي و   و توافقين على سفره و قد وضعنا أبينا يرحمه الله أمانة في عن مسئوليته

: عنقه •• سارع قاسم يقول يا ريم ، بضعة شهور أتلمس فيها طريقي ، و لن أتخلى عن مسئوليتي هذه  

: ثم أرسل لكم لتلحقوا بي •• قالت األم بسرعة جهاد ، لن نلحق بك و نعيش غربة جديدة و لو ال •• أما هذه فال يا ابن  

أربي سمر و أشرف على أصبحت سيد العالم هناك ، سأظل في بلدي ، مستقلة ، تحمل مستقبلها ، و لن أرتاح حتى أسلمها شهادتها ، لتصبح بدورها

أشتقت سالحا ، عندها أكون قد أديت ما علي ، أما أنت فتعال لزيارتنا كلما

Page 191: رواية لاجئة

إلينا ، ستجد بيت أبيك مفتوحا لك ، و قلوبنا جميعا متلهفة عليك •• نهضت صامتة ، حزينة ، تطلعت إلى قاسم تستجدي تراجعا ترجوه ، فأشاح ريم ،

أنه قد يضعـــــف في أية لحظة ، و كـــان يحتاج للقوة بوجهه ، كان يعـــرف : قالت بصوت مخنوق •• التفتت ريم إلى أمها و

: تطلعت إليها األم فأكملت و أنا ؟   حساباتكم ، هدفك اآلن هو سمر ، و هدفه هو المال و أنا ؟ أين أنا من  

: لماذا أسقطتموني منها ؟ فقالت األم و هي تغالب دموعها طلبتموه ذات يوم مني •• تنهد بدورك فتشي لنفسك عن هدف •• هذا ما  

: سعيد و نهض و هو يقول كثيرون من أعتقد رغم قسوة هذه القرارات أن هذا هو الوضع الطبيعي ،  

الشباب يسافرون ، يتكسبون في الغربة عيشهم ، أما أنت يا ريم ، فإنك لم تسقطي من الحساب ، كنت أول من حمل شهادة ، أول من قبض ثمن غربة

، و أبواب كثيرة تستطيعين طرقها ، هذا اليوم األول لك أبيه ، لديك موهبتك الغد •• فقالت ريم و هي تشعر بضياع أعاد لها هنا ، و ال تعرفين ماذا يحمل

: خفقات الخوف العالية أعــــود مــجددا ألتـــرك نفسي أعود مجددا أنتظر غدا مجـهــــوال ،  

األمل داخله يتراوح بين رهيــنة رياح تحملني و رياح تحطني ؟ فقال سعيد و : قوة و ضعف

قاسمتـــك إن شئت كنت أنا حــــارس بوابة غدك المجهول ، إن وافقـــت   : رحلة المستقبل ، و حملت عنك أعباؤه •• نظر إلى األم و قال بقوة

، و طلبت مني عهدا باإلبتعاد عن طلبت منك ريم في الماضي فرفضت   أمل ، بل رجاء أن تقبلي طريقها •• و اليوم أعود فأطلبها منك مجددا و كلي

: •• قالت األم و هي تنهض مبتسمة استنكار عالي أنا موافقة يا سعيد •• تطلعت إليهم ريم ، كان في عيونها  

الصوت •• هزت رأسها و ركضت إلى غرفتها ، سحبت األم ابتسامتها و : أكملت

اليومين التاليين كان لدى األسرة الكثير إن وافقت هي •• *** خالل   حساب و مكافأة والــــدهم لتفعله ، كانت معهم بعض المدخرات من باقي

و كان البد أن المتوفى و بعض المال مما اكتسبته ريم خــــالل فترة عملها عمال يفكروا جديا في طريقة الستثمار المال حتى ال ينضب قبل أن يجد األبناء

، و اقترح قاسم وضعه في البنك و الصرف من فوائده الشهرية ، إال أن هذا اإلقتراح لم يلق قبوال بسبب ضآلة المبلغ الذي لن يحقق فائدة معقولة يمكن

على متطلبات عائلة يزمع أحد أفرادها السفر قريبا بكل ما يحتاجه أن تصرف ، و بعد تفكير لم تجد األسرة بدا من ضرورة أن هذا السفر من مصاريف

متطلبات سفره و تعمل ريم لتأمين يعمل قاسم خالل الفترة القادمة لتأمين تؤمن عائدا جديدا متطلبات الحياة مع الصرف من المال المتوفر بحرص حتى

: يدخل لألسرة ، و قال قاسم شهور قليلة فقط نضغط على أنفسنا حتى أضع قدمي على أول الطريق  

: و نظر إلى ريم و أكمل••

Page 192: رواية لاجئة

فقالت ريم •• هذه الشهور قائمة في كل األحوال ، إذا بقيت ، أو سافرت   : و هي تشغل نفسها بشيء أمامها حتى ال تنظر إليه

القادم بعد شهور •• فقال قاسم لم نعتمد عليك يوما لننتظر عطاءك   : بعصبية

: الصغير يكبر يا ريم •• فقالت و هي تنظر إليه بغضب   :أهله يا قاسم •• فقالت األم بسرعة مهما كبر الصغير ، فإنه ال يكبر على  

يمسك يدها كالكما كبير يا أبناء جهاد •• قال قاسم و هو يجلس بجوارها و   : بحرارة

لســــت عـــــاقا ، لســـت مجرما ، ال يمـــــكن أن أنجــــح في أمي ، أنا   : تـــركتكم و في نفوسكم سخط علي •• ربتت األم عليه و قالت غربتي إذا

الغضب سخـــــطا ، و لن يكون ال يا قاسم ، مهما غضبنا فلن يكــــون   دومــــا بالتوفيق •• حتى جمـــــرا يحــرقك في غربتك ، تأكد أننا سندعو لك

قالت و هي تتقدم ريم ستــــدعو لك •• إنها تحبك يا ولد •• ابتسمت ريم و : نحوه فتقبل رأسه

ذهب بالطبع أحبك يا ولد •• دقات مرحة على الباب دق لها قلب ريم ،   : قاسم ليفتح الباب ، كان سعيد قال و هو يلوح بمجلة في يده

: الفور وجدتها •• تطلع الجميع إليه فقال على   ، فيها خبر يهم ريم كثيرا •• تلقفت ريم منه المجلة هذه مجلة صباح الخير  

يده فأشعلت في أحاسيسه الرجفة ، على عجل فلم تنتبه إلى أنها لمست ريم بسرعة و توقفت كانت المجلة مفتوحة على الصفحة المعنية ، طالعتها

بصوت لدى إعالن صغير تطلب فيه المجلة رسامين مهرة •• قرأت اإلعالن : عال فرح و عندما انتهت نظرت إليه بامتنان و قالت بأمل

: حاول أن يخفي فيه اإلرتجافة ليتهم يقبلوني قال سعيد بصوت هاديء   : صاحت ريم سيقبلوك إن شاء الله ، أنا متأكد •• تمتمت األم بالدعاء و  

: فقال سعيد على الفور •• سأذهب اآلن   جاهز الصطحابك •• هم قاسم أن يتكلم فلكزته األم فسكت ، وقالت و أنا  

: : و هي تقبل أمها بسعادة و لكن هل ستجدان أحدا هناك ؟ فقالت ريم   من وجود أحدهم •• الصحافة ليست دكانا يغلق في الثانية و النصف البد  

: سعيد و قالت أبوابه •• نظرت إلى : ركضت باتجاه غرفتها فقال سعيد لألم •• سأستعد فورا  

: هل نقول مبروك ؟ فقالت األم و هي تغمز بعيونها   المجلة قال سعيد و هو يرنو أنت و شطارتك •• *** في الطريق إلى  

: بعيونه إلي ريم : أنت جميلة يا ريم •• أبتسمت و قالت  

سعيد •• قال لها و هو يخفض إنها عيونك التي تراني جميلة دوما يا   : صوته

: ريم •• أنا أحبك جدا •• فقالت و هي تضحك  

Page 193: رواية لاجئة

: فقالت لم تتغير يا سعيد •• صمت و لم يرد   غير ريم التي أحببتها ، لقد تغيرت كثيرا ، أكثر مما ريم التي أمامك اآلن  

لي صفحة وردية ننقش عليها قلوبا و حروفا تتصور ، لم تعد الحياة بالنسبة و نكتب تحتها التاريخ ، صارت مرتجفة ، لم تعد وردة حمراء نضعها في كتاب

يا سعيد أنا أتمنى هما نتنفسه ، و ضبابا يخفي المالمح و النفوس •• صدقني •• لك من كل قلبي من تستحق حقا قلبك الكبير

•• أريدك أنت   فقال و هو •• صدقني لن أنفعك •• أنا منتهية •• لن أتمكن من إسعادك  

: يقبض كفها في كفه قالت سعادتي هي أن أسعدك •• و ال أريد منك المقابل •• خلصت كفها و  

: المجلة •• و في المجلة كانت مقبولة قبل أن تثبت للحديث بقية •• وصلنا  

: جدارتها سألها المسئول الرحالت المكوكية في الباخرة ؟ أنت ريم الفلسطينية التي عاشت تجربة  

: ابتسمت بمرارة و قالت هي أنا  

•• عرض التلفاز اللوحة التي رسمتها للقبطان ، كانت رائعة   كنت أسلي نفسي  

استطاع قاسم أن يعمل في مجال •• *** أعتبري نفسك منا منذ اآلن   الذي تعاطف معه و عمل والده وديا ، و ذلك بعد أن استعان بصديق والده

قدمه ألحد المقاولين مشفوعا بتوصية اعتمدت على حسن سيرة المتوفى طيلة عمله معهم ، و قام المقاول بإعطائه عمال مميزا راعى فيه شهادته

يشرف علي سير العمل في البناء فيما يشبه مساعد مهندس العلمية ، فكان الذي حدد لنفسه هدفا و مبلغا محددا يريده تنفيذي ، و لم يكن لدى قاسم

الحصول على مبتغاه ، خاصة بعد مانعا من أن يعمل في أية مهنة في سبيل موضوعه حين كان على أن وجد تجاوبا من السفارة األمريكية التي تابعت

: متن الباخرة ، علق قاسم و هو يحكي ألسرته ضاحكا تتبين حديثه ، و لما سألها عما رب ضارة نافعة •• كانت ريم ساهمة فلم  

: بها تنهدت فعلق : هل األمر متعلق بسعيد ؟ هزت ريم رأسها و قالت  

: الفور يبدو أنك ال تقرأ •• فقال قاسم على   : حال ، ماذا هناك ؟ قالت ريم لست مغيبا على أية  

الليبية ــ منذ عدة أيام و ال حديث للصحافة إال عن المبعدين على الحدود   : المصرية •• قال قاسم

: آه •• نعم ، قرأت شيئا عن هذا الموضوع •• قالت ريم بغيظ   السياسية ، القذافي قال لهم عودوا إلى نحن أول من يدفع ثمن القرارات  

العالم و على هذا وقع بالدكم •• لقد صار لكم وطن •• هكذا قال زعماء : كبيركم •• فقال قاسم

التنازالت من معه حق •• ال أستطيع لومه ، إن كنـــا قدمنا كـــــل هذه  

Page 194: رواية لاجئة

أجل وطن فلـــماذا ال يحتويهم هذا الوطن ؟ أشاحت ريم بوجهها ، منذ قرر قاسم الهجرة و هو يحاول تدريجيا التخلص من أية عواطف يمكن أن تعرقل

وجدانه نزعا من قلب عائلته ، و بيته ، وبالده •• يهمش عامدا قراره ، ينزع ما يجري حوله ال يعنيه ، حتى قبول ريم في المجلة ، متعمدا ذاته ، كأنما كل

، لم يعني لديه أكثر من نجاح خطوة رغم سرعته ، و مجيئه في وقت حاسم ••أخرى باتجاه هجرته

Page 195: رواية لاجئة

: قالت ريم ألمها و هي تطوي معها المالبس فقالت األم و هي تتشاغل بما في أمي أال تالحظين تغير أحوال قاسم ؟  

: يدها ••الصغير يكبر يا ريم  

: فقالت ريم و هي مصرة على مواصلة النقاش بنفسه أكثر من أي وقت مضى ، حتى قاسم يبدو لي غير مهتم ، بات معنيا  

ظهره و يفر بأسرع وقت أنني أحيانا أشعر أنه يرانا عبئا يتمنى لو يلقه عن بعضا من ممـكن ، هل هذه حقيقة ، أم أنني أتوهم ؟ فقالت األم و هي تضع

: الثياب في خزانتها تتحول قاسم مجروح يا ريم ، عنـــدما يحب الشـــاب و يصدم في حبه ،  

هذه الصدمة إلى ضربة ، تدفعه إلى التغيير ، و التغيير عند الرجال عادة أكثر حزما ، و عندما يقررونه فإنهم ينفذون ما يقررون ، و قد كانت األحداث

متالحقة يمسك بعضها بزمام بعض ، تخرجه و ر فض حبه ، و وفاة سريعة و فجأة وسط كل هذه الضبابات ينبت لديه حل •• والده ، و سفر مشين

محبوبته ، و من أسرة مات سيخلصه من كل شيء ، من بلد تعيش فيها السذاجة اإلعتقاد عائلها ، و من قلة عمل ، قلة كرامة ، قلة إهتمام •• من

بأنه سيترك هذا الحل ألية اعتبارات •• و إن كان قاسم يحاول ظاهريا التملص من مشاعره نحونا فإنني متأكدة من أنه داخليا يعاني كثيرا •• ثم

: قالت ابتسمت و : منذ أحبك ، ماذا قررت بشأنه ؟ فقالت ريم كما عانى سعيد و يعاني   لرجاءك ، أمي ، ذكر سعيد يوم طلبني شيئا عن ابتعاده عن طريقي تلبية  

: متى حدث هذا و لماذا ؟ فقالت األم و مازالت تبتسم أذكر ، كان والدك يرحمه الله منذ بداياتك األولى في الجامعة على ما  

طلبت منه أن يبتعد مسافرا و فاتحني سعيد بشأن اإلرتباط بك ، و رفضت و : عن طريقك و يتركك تعيشين حياتك كما ينبغي •• فقالت ريم

: ارتباطي به فأجابت األم و لكنك اليوم موافقة على   : بمرارة األمور تغيرت يا ريم ، و •• قاطعتها ريم و قالت و هي تبتسم  

، وحيدة ، و لم أعد صغيرة فقد شارفت على أصبحت مطلقة ، يتيمة   ، أليس كذلك يا أمي ؟ قالت الثالثين ، سعيد بالنسبة لمن في ظروفي لقطة

: األم بهدوء ريم •• أريد أن أطمئن عليك ، لن يهدأ لي بال قبل أن أطمئن عليك يا  

: قالت ريم و في نبرتها حنان و تصميم بخير اطمئني يا أمي ، رغم كل الظروف التي ماعادت في صالحي ، فإنني  

، و لدي في دنياي ما يحملني ، و يبعد شبح الضياع عني •• فقالت األم : بأمل

: رأسها و قالت ستتزوجين من سعيد ؟ هزت ريم   ••هي أفضل مني ، أما أنا •• فال سعيد يستحق من  

Page 196: رواية لاجئة

رئيس التحرير فريقا في المجلة كانت هناك مفـــاجأة سارة لريم ، لقد كون هذا الفريق لزيارة الحدود و اإللتقاء مع المبعدين عليها ، و اختيرت ريم ضمن

، لتتمكن من رسم الموضوع بشكل أفضل ، شعرت و هي تتلقى التكليف فائقة ، انتفضت كل ذرة في كيانها لهذا القرار ، إنه القرار الذي بسعادة

، ألول مرة تتفاعل مباشرة مع الحدث الفلسطيني ، كانت تحتاجه بالفعل ، ستقرؤه في الوجوه ، في الخيام ، ألول مرة لن تقرؤه مثل ماليين البشر

عليهم ، و في في صيحات الصغار ، ستقرؤه في قرص الشمس المسلط إليها الرمال الصفراء المتطايرة حولهم ، هذا حقا ما تحتاج •• عندما جاء

سعيد ليصحبها إلى المنزل ، قدمت إليه عالمات السعادة على وجهها خبرا : موافقتها على عرضه ، فقال و هو يسير نشيطا بجوارها كاذبا عن

: اللهم اجعله خيرا قالت و هي تستشعر ابتسامتها في قلبها   إليها ، كأنه لم يفهم ، انسحبت ابتسامته ، سأسافر إلى الحدود •• نظر  

: قال : تسافرين إلى الحدود ؟ فقالت و هي تؤكد  

المسافر إلى هناك ، سأرى معاناة نعم ، كلفت ضمن الفريق اإلعالمي   المعاناة ، أدعو الله جديدة لالجئين ، أعيش معهم ساعات ، أسجل خاللها هذه

: لي بالتوفيق •• قال سعيد بسرعة : سآتي معك •• قالت ريم مندهشة  

سعيد ، رحلة عمل ، و أعتقد أننا تأتي معي ؟ إنها ليست رحلة إستجمام يا   عملنا للسماح لنا سنطالب عند الحــدود بأوراق رسميــة تثبت جهات

: بالدخول ، فكيف ستدخل أنت ؟ فقال و هو يكز على أسنانه مصمما األمر التسلل عبر الحدود •• نظرت إليه سآتي معك يا ريم و لو اقتضى  

: ريم و هزت رأسها مبتسمة و قالت ••!!مجنون  

***

للسفر ، جمع المال انتهى قاسم من تجهيز أوراقه كلها ، أصبح جاهزا تماما كان في الالزم و اشترى المالبس المناسبة لشاب ال يعرف هناك مصيره ، و

الفترة األخيرة يكثر من قراءة الكتب باللغة اإلنجليزية عن الحياة في أمريكا حصل عليها من السفارة ، و يتابع األفالم الغربية ، و ال يرى إال و جهاز تسجيل

به شريط أجنبي حول أذنيه ، شعرت أسرته أنه سافر قبل أن يسافر ، صغير بما يجري حوله في المنزل ، و عندما طلبت منه األم فلم يعد يهتم كثيرا

لتحضر شهادة تعفي سمر من مصاريف الدراسة مرافقتها إلى ادارة الوافدين : يعود إلى مسجله باعتبار وفاة أبيها الفلسطيني قال و هو

: سعيد •• لم تعلق األم فقالت ريم اذهبي مع   : متى تسافر يا قاسم ؟ رفع السماعات و قال بحماس كبير  

: تتنهد األسبوع القادم •• فقالت و هي   : أغلق التسجيل و قد أستشعر خجل داخلي فهمس •• قل إن شاء الله   األســرة إن شاء الله •• *** في المساء عندما جاء سعيد لتفقد أحوال  

Page 197: رواية لاجئة

كعادته تعمدت األم الخروج إلعداد الشاي و هي موقنة أن حديثا هاما البد أن : تنتهي منه ريم مع سعيد ، بادرته ريم

كنت سمعت أن عرضا مغريا لشراء لوحة الجئة قد جاءك فهل بعت ؟   أطرق سعيد ، داخله غضب من هذا السؤال شعر أنه يريد أن يصرخ ، أن

االعماق ، ليحرك بحرها الراكد ، ليقتلع بردوها ، تجاهلها ، ينهض ليهز فيها : شفته السفلى هدوءها قال و هو يكز على

ريم ، ستة أعوام و مازلت تسألين ببرود قاتل ، ألم تعرفي ستة أعوام يا   في إيصال مشاعري إليك ؟ فركت ريم يدها و بعد ، هل فشلت إلى هذا الحد

: تنهدت و هي تقول تغيرت •• أعتبرتها من قبيل لم تصدقني يا سعيد عندما أخبرتك أنني  

تكن سهلة ، الحجج الواهية ، لكنني فعال تغيرت •• تجربتي مع سهيل لم كانت خليطا مريعا من األحاسيس •• منذ طالقي لم أتحدث مع مخلــــوق

الشأن ، لكنني أجد نفسي مــدفوعة للحديث إليك •• ألنك أنت ، و أنت بهذا منه •• أجابت على سؤال عينيه بابتسامة حزينة و قالت تحديدا من أنقذني

: كأنها تحدث نفسها أهــــربي يا ريم ، هيا أهربي •• في ذلك اليوم حلمت بك ، كنت تصيح بي  

إنقاذ أنت قائدها •• لم يكــن حلما يا سعيد كان رسالة خالص ، كان عملية على رغم دموع سهيل النادمة يومها كان صوتك أقوى ، كنت أسمعه يطغى

كل واقعي ، يبـــسط نفسه على إرادتي ، و في ذلك اليوم تحديدا ، وصلت إلى مرحلة انكسار لن تتخيلها مهما حاولت ، قدمت له بيدي مع سهيل

جدا فيما أفعل ، في لحظة هانت الدنيا ، هانت السكين ليقتلني •• كنت جادة لحظة رفض كل سنتيمتر في الحياة ، فرغت تماما ، صارت عدم ، في

كنت جسدي البقاء في الدنيا •• كانت كرامتي مذبوحة ، كنت ضعيفة ، منكسرة ، كنت وحيدة •• شعرت أنني مت فعال و لم يبق سوى خروج

شعـــرت أنني ضئيلة ، ضـئيلة جدا ، و ال أستحق الحياة ، الــــروح ، فجأة أن يقتلني •• لحظة إنكسار مــــريعة ، يصعب القيت إليه بالسكين و رجوته

أحرقت بيادري ، و حجمت •• وصفـــــها ، لـــكنها وسمتني إلى األبد ثانوية تمنحني مشاعري ، جعلت قلبي مجــــرد مضخة دم يؤدي وظيـــــفة

أي عبارة حياة ال أريدها •• منذ ذلك اليــوم و أنا أسخر حتى الـــــذوبان من حب ، من أية أغنية حب ، من أي قصة حب •• يقين داخلي جعل من هذه

شيئا مقرفا يشبه مضغة من لحمي يلوكها سهيل ثم يقذفها أرضا و الكلمة كلها كانت تؤكد هذا اليقين يوما بعد يوم ، كل يدوسها بقدمه •• الحياة

المرارة و الذل ••كل التفاصيل ، و كل موقف مررنا به ، كل يوم عشنا فيه أنت الشيء الوحيد •• العذابات ، كانوا يمنحونني مباركتهم على يقيني

مضخة الغريب في منظومة الكون حولي ، أنت الوحيد الذي مازال يؤمن بأن الدم في جوفه قادرة على ضخ الحب ، و لسوء حظك فإنني أنا بالذات

الحب •• صدقني يا سعيد أنا ال أستحقه •• ال أفهمه ، ال أشعر المعنية بهذا عينا سعيد قد امتلئت حتى فاضت بدموع صامتة ، به •• ال أريده •• كانت

: قال و هو يضرب كفا مكورا في كف

Page 198: رواية لاجئة

: بجواره المجرم •• فقالت و هي تجلس   أنني رغم كــــل شيء سامحــــته ، لم أعــد أشعر ستــــندهش إذا عرفت  

حب •• ربما ألن قلبي لم يعـــد يحمل بكراهية تجاهه ، ال كراهية ، و ال كراهية •• أمسك سعيد مشاعر •• لم يعــــد قـــادرا على حب ، أو على

: يدها ، كانت يده باردة ، مبتلة عرقا ، قال و هو يضغط عليها مذعورة •• قلبك صنع غالفا من قسوة ليحمي به •• أنت خائفة يا حبيبتي  

القاسي قلبا حساسا مازال قادرا نفسه ، لكنني متأكد أن خلف هذا الغالف الغفران ، أنت عظيمة على الحب و العطاء ، قادرا على مهادنة الدنيا ، على

، كان يا ريم •• لم يكن ما حدث معك في تلك الليلة انكسارا كما تقولين انتصار ، انتصرت بنفسك على منطق الغاب الذي فرض نفسه علىكما آنذاك

اإلنسان داخلك لغة الحيوانات و قررت األنسحاب •• أنسحابك كان •• رفض حبيبتي •• البد أن تفهمي هذا •• البد أن تؤمني بأنك انتصارا إلنسانيتك يا

الموقف لكنك كنت األقوى •• ال تجعلي كنت األقوى ، رغم ضعفك ، و هول ذاتك ، فقد كنت األقوى •• من هذه الحادثة وهما تعيشين فيه •• ال تجلدي

تشعر بعظمة هذا األقوى يا حبيبتي •• كانت دموع ريم تسقط حثيثا •• كانت القلب المحب أمامها ، كانت تتمنى لو تستطيع مجاراته ، كانت تتمني لو يستــــطيع قلبها المتعب أن يتخــــلص من رفـضه و عناده فيمنح هذا

حقا عليه ، و يكتب معه معاهدة وفاق •• كاد لسانها أن اإلنسان المحب صريحة قوية ، لكن قبلة ساخنة طبعها سعيد يتمرد عليها فيعلن الموافقة

لحظة لم تنتبه لها ريم أفاقتها •• على جبينها أودع فيها كل تعاطفه و حبه في ملتهب ، شعرت أن قبلته نزعت يدها بسرعة ، مسحت دموعها ، كان جبينها

رأسها و قالت أحرقتها ، و أدركت أنها أبدا لن تستطيع منحه ما يريد •• هزت : بسرعة و هي تغادر الغرفة

سعيد ، ال فائدة يا سعيد •• ال فائدة ••لن أستطيع •• لن أستطيع أطرق   لمح دمعته و هي تسقط أرضا مس شفتيه بأصابعه و قال بصوت أودع فيه

: كل أحاسيسه المعذبة الصغيرة •• *** سافر قاسم •• أحبك يا ريم •• أحبك أيتها  

الطريق على أوراقه ، يحتضن ذهبت معه كل العائلة تودعه ، كان يقبض طيلة تراوده عن التراجع ، حقيبته الصغيرة ، يلوذ ببرودتهم من مشاعر قوية كانت

كانت كان يتشبث بهما كأنه يتشبث بالحياة ، كان يجلس بجوار أمه ، تحتضنه ، قلبها كان يقول كل شيء لكن شفتيها كانت صامتة ، دقات قلبها

قوية في أذنيه كانت تقرأ عليه تفاصيل الرسالة ، كان يسمعها التي كانت ، و تتلو عليه أدعية كثيرة ، و تخلط حديثها الصامت تردد آيات القرآن لتحفظه

كانت سطور رسالتها تتالحق فتختلط حروفها برجاء ال حروف له ليبقى معها ، رأسه تارة ، و تحتوي كتفيه تارة و تتشتت افكارها ، كان يشعر بيدها تمسد

بشرته ، لم يجرؤ على أخرى ، كان يشعر بأنفاسها الملتهبة تهب عليه فتحرق قالت ريم رفع نظره إليها ، كان يدرك كم هو ضعيف إزاء عيونها الدامعة ،

: لتقطع الصمت ستقيم يا قاسم ؟ قال و هو يحاول اكساب صوته قوة ليبث األمن في أين  

Page 199: رواية لاجئة

: قلب أمه الفنادق الصغيرة ذات األسعار زودتني السفارة بأسماء و عناوين بعض  

فيها عمال ، أعتقد المعتدلة ، كما أنهم زودوني بجهات مختلفة يمكن أن أطلب القوة أن األمر سيكون بسيطا •• قالت ريم بصوت حاولت بدورها إكسابه

: الالزمة تحب كتابة الرسائل ، لكن يجب أن تراسلنا ، تعرف كم أعرف أنك ال  

: يتحدث بقلب واجف سنتلهف على أخبارك •• قال و هو إليكم كل يوم ، لن تشعروا أبدا بغربتي عنكم ، صدقيني •• نظر سأكتب  

: السيارة على وصول المطار ، قال بحنان و رجاء ألمه و قد أوشكت ••صدقيني يا أمي ، صدقيني سأكتب لك كل يوم ، صدقيني سأكون بخير  

أحكمت األم لف ذراعها حوله ، ربتت عليه و لم تتكلم ، كانت تدرك أن أية تقولها لن يكون لها إال معنى واحد ا، أن تنفجر في بكاء لن يحتمله قلب كلمة

المسافر •• وصلوا المطار •• كانت الصالة باردة ، استشعروا الحبيب أجلسهم قاسم في أحد األركان و ذهب إلنهاء إجراءاته برودتها في أعماقهم ،

: ••احتضنت ريم أمها و قالت صابرة •• فجأة بكت األم ، لم تقو على تحمل سيعود يا أمي ، سيعود يا  

، كانت تريد أن تعبر عن حزنها ، المزيد ، كانت ستنفجر ، داخلها كان يهدر : قالت و هي تدفع ريم برفق

: بعيدا منشغال ، قالت أنظري هل يرانا ؟ تطلعت ريم إليه ، كان   أم قاسم ، ال يرانا •• قالت األم و هي تلتقط دموعها في منديلها ، و ال يا  

: بال جدوى تحاول إيقافها أبكي ، سيعذبه هذا كثيرا •• يجب أن أسكت ، يجب أن ينبغي أال يراني  

و هي تبكي ، تكتم شهقاتها ، تجبر أسكت •• كانت تردد الكلمة األخيرة بدا قاسم قادما نفسها على السكوت فال تطاوعها عيونها ، و عندما

باتجاههم ، مسحت دموعها بسرعة ، ابتلعت غصتها ، و حاولت رسم ابتسامة : ، كان قاسم بدوره يبتسم قال و هو يطالع عيونها الحمراء

لوداعكم •• رفعت انتهت اإلجراءات ، علي الدخول لصالة التفتيش ، جئت   تجاهه األم رأسها نحوه ، لم تجد في نفسها القوة على القيام ، مدت يدها

فمال عليها احتضنته ، ثم تشبثت به ، فاضطر إلى الركوع أمامها ، كان يحس ذراعيها حوله ، كانت تريد زرعه في قلبها ، كانت تتمنى لو أن حضنها قوة

مجددا إلى أحشائها التي حملته يوما ، كانت تربت ربتات يرغمه على الدخول : قوية على ظهره ، كانت تقول

يا قاسم ، سأفتقدك يا غالي •• بكى قاسم سأفتقدك يا حبيبي ، سأفتقدك   ذراعيه حولها و يحاول التلطف ، لم يستطع مقاومة دموعه ، قال و هو يحكم : بها حتى ال يؤذيها

رسائلي لن أجعلك تشعرين بغربتي ، ساراسلك دوما ، سوف تنزعجين من   المتواصلة إليك ، لقد قدمت على هاتف ، لعله يأتي خالل فترة قصيرة

: يوم •• أخذ يقبل يديها قبالت كثيرة و يقول فأكلمك كل أمي ، ال تنسيني بدعائك يا أمي ، ال تغضبي علي يا أمي ، أنا أحبك يا  

Page 200: رواية لاجئة

أحبك ، أقسم بالله أنك أغلى عندي من نفسي •• و أمه في كل هذا ترد لن تنساه ، ستدعو له دوما ، راضية عنه حتى تموت ، صوت ميعاد مؤكدة أنها

العاطفة بينهما ، فنهض ، سلم على ريم قال لها و هو الرحلة قطع حديث : يقبلها

تصلك أخباري ، ال تحملي علي في ستدركين يا ريم أنني كنت محقا عندما   إنما أبحث عن غدي ، فال قلبك الشفاف غضبا ، فأنا لست أنانيا ، أو عاقا ، و

تشرق تلوميني يا أختي •• ربتت ريم على يده و قالت و هي تبتسم و : بدموعها

أسأل الله أن يوفقك فيما أنت ذاهب إليه في غير معصية لست غاضبة ، و   : وعدها بالكثير من الهدايا فقالت األم أو ذنب •• قبل سمر و احتضنها ،

اإلستجابة ضع الله نصب عينيك ياقاسم ، إياك و ترك الصالة ، إياك و   لشياطين اإلنس حولك ، بلد غريب و طباع غريبة ال تجعل قلبي يأكلني عليك

عاد يقبلها و هو يطمئنها على ما أوصت ، نداء آخر جعله ينزع نفسه منهن•• و سار بظهره و هو يشير إليهن ، كن يسرن أمامه ، يلوحن له ، نزعا ، تركهن

سعيد ، كان يركض ، اتجه بسرعة نحوه ، قبله يمسحن دموعهن ، فجأة ظهر دون أن أودعك يا قاسم ••؟ و احتضنه قال : - كيف تصورت أنك ستسافر

: قال قاسم و هو يضرب كتفه األكبر و األعظم ، إنهم كنت أعلم أنك األكبر و األعظم يا سعيد ، دوما كنت  

حاجة إليك يحتاجونك ، ال تجعل موقف ريم يمنعك عنهم ، إنها أكثر الناس : رغم عنادها •• تطلع إليهم سعيد و قال مبتسما

قال سعيد و •• و هل تعتقد أني سأتركهم ؟ النداء األخير ، و اختفى قاسم   : هو ينضم إليهن

كان له عليهم هيا بنا •• ال فائدة من اإلنتظار •• و استجاب الجميع ، دوما   كلمة مسموعة ، منحوها له منذ أوصاه األب بهم عندما سافر قبل سنوات كثيرة •• تطلعت ريم إليه و استجابت باسمة للسير خلفه باتجاه سيارته

بدورها بعد أيام قليلة سافرت ريم ••كانت متحمسة •• *** خارج المطار بعناية ، و قالت و هي تجهز حقيبتها الصغيرة جدا لهذه الرحلة ، جهزت أدواتها

: ، يفضل أن ال أعرف كم يوما سنبقى هناك ، ربما يومين أو ثالثة ، ال أعرف  

: آخذ معي بعض األغراض البسيطة •• قالت لها األم و هي تبتسم بهدوء : هي تهز رأسها تشتعلين حماسا يا ريم فقالت و  

، إنني أخيرا سألمس عن قرب معاناة شعبي الحقيقية ، هذا بالطبع يا أمي   يعطي أدواتي الفنية زخما أكبر ، ليتهم ينظمون سيمنح رؤيتي بعدا أكبر ، و

أعرفها أكثر •• ثم انسحبت ابتسامتها رحلة إلى فلسطين نفسها ألراها و : الهادئة عن وجوم قائلة

: هي تبتسم رغم أن الشيء لي هناك •• فقالت األم و   هناك ، بيت أبيك في غزة فقالت ريم و هي تبتسم لماذا ؟ لك بيت  

: بمرارة يرحمها الله ، غادر أخبرني تامر أن اليهود استولوا عليه ، و بعد وفاة جدتي  

Page 201: رواية لاجئة

اثبات عمي بدر إلى القطاع حيث تعيش زوجته األخيرة •• قال إنه عجز عن حقه في البيت رغم أنه عاش فيه عمره كله •• أية مهزلة ؟ قالت األم و هي

: جبينها بيدها تدق : تذكرت يا ريم •• فقالت ريم بدهشة تذكرت •• لقد  

: ماذا تذكرت يا أمي ؟ قالت األم و هي تتجه إلى غرفتها بسرعة   راقبتها و هي تفتح خزانتها ، و تخرج حقيبة قديمة اتبعيني •• تبعتها ريم و  

قائمة بأسماء و عناوين األقرباء ، اشتعل كانت قد فتحتها يوما لتخرج منها الحقيبة القديمة ، جلست األم فضول ريم لما يمكن أن يخرج هذه المرة من

أن نورا سيسطع على السرير ، فتحت الحقيبة ، فتخيلت ريم لفرط فضولها بعد قليل من األوراق القديمة أمامها •• قصاصات جرائد تحمل أخبارا و

و غير ذلك من أحداث76صورا عن فلسطين و المقاومة الداخلية ، و هزيمة الحقيبة ، وضعتها على حجرها فتحت الصحف برفق و تصفحتها ، أمسكت ريم

على ركن منها دائرة بالقلم األحمر ، تحت بحرص ، وجدت في إحداها صورة قالت األم بحماس و هي تخرج " الصورة كتبت عبــارة " قطاع غزه يلتهب

: الملف األصفر القديم منها انظري ، هذه حجة البيت •• هذه حجة البيت قالت ريم و هي تلقف  

: الملف : األم أي بيت ؟ قالت  

الله ، أنه اصطحب معه حين غادر غزة هذه الحجة أخبرني أبوك يرحمه   سفره و أوصاه بالمحافظة عليها ، قال إنه سهوا بعد أن أعطاها له والده ليلة

نسي ، هذه الدائرة فوق الصورة كان عليه تركها للباقين منهم هناك ، لكنه ، قال لي76 هي للبيت ، كان مصورا صحفيا قد التقطها لقطاع غزة عام

والدك و هو يحتفظ بالقصاصة ، إن هذا هو بيتهم •• أخرجت ريم حجة البيت بأصابع مرتجفة و قرأت فيها عبارات قديمة لكنها واضحة عن ملكية البيت

الحجة تعين تماما موقع البيت و مساحته ، شعرت ريم أنها ألسرة القاسم ، هي تعيد الوثيقة إلى مكانها و تعاود النظر في تمسك كنزا ، دق قلبها بشدة و

كانت النخلة الطويلة التي تحدث عنها الصورة غير الواضحة للبيت القديم ، أعالها سعف •• قالت ريم و أبوها تبدو في الصورة كمئذنة عمالقة نبت في : هي تحتضن األوراق

: رحمة الله عليك يا أبي •• التفتت إلى أمها و قالت بحماس باك   : كنز •• فقالت األم و هي تتنهد إن هذه الوثيقة كنز يا أمي ،  

لم أوصاني أبوكم أن أعطيها لكم حين يموت ، كان هذا قبيل سفره ،   : أتذكر إال اليوم •• لكن ماالجدوى منها ؟ قالت ريم و هي تحتضن األوراق

قطعة من روحه •• هل يمكن أن يكفي أنها من رائحة أبي ، يكفي أنها   : أحتفظ بها ؟ فقالت األم و هي تنهض متثاقلة

وضعت ريم األوراق بحرص في •• خذيها إن كان فيها بعض العزاء لك   في خزانتها الخاصة الحقيبة و أغلقتها برفق ثم اتجهت بها إلى غرفتها وضعتها

الرحلة إلى و أغلقت عليها ثم عادت تلملم أغراضها بذهن شارد •• *** طيلة الحدود بواسطة الحافلة كانت ريم ساهمة ، حاول بعض الزمالء الحديث معها

Page 202: رواية لاجئة

فكانت تبتسم مجاملة ثم تعود لشرودها ، تفهموا سبب الشرود ، فلم يلحوا لحظات قاسية تلك التي تنتظرها ، تذكرت يوم وقفت على عليها ، كانت

الشائكة ، تنهدت ، لقد كان يوما عصيبا •• الحدود في رفح أمام األسالك بمحاذاتهم ، نظرت من الشباك ، انتبهت على صوت نفير سيارة صغيرة تسير

تحيتها بالنفير ، كان سعيد •• هزت رأسها و ابتسمت ، أشارت له فعاود : سألوها عنه فأجابت باسمة

الوصول ولي أمري •• أوقفوا الحافلة و تفاهموا معه على عدم منطقية   للحدود بهذه السيارة الصغيرة ، اتفقوا معــه على أن يضــــع سيــــارته في أقـــرب استراحة و يركــب معهم إكراما لريم •• و عرضوا عليها إن أرادت

يركب معهم •• نظر إليها راجيا أن توافق ، هزت رأسها ، و مرافقته حتي أغراضها فيها و ركبت بجواره •• حرك سيارته راقصا غادرت الحافلة ، تركت

الحافلة :" هذا رجل محب " تنهدت ريم و هي بها في الطريق فقال نفرا في : تستقر بجوار سعيد و قالت

: صافية مجنون !! قال و هو يطلق ضحكة حبور   كثيرا ، طرقا كل المواضيع ، إال موضوع القلب ، حذرته أحبك ••!! تحدثا  

أعطى وعده و وفى به ــ في العبارات على ريم منذ البداية أال يتحدث عنه االستراحة ، ركن سيارته و ركبا األقل !! ــ و بسرعة طوت األرض نفسها عن

بسرعة مودة الحافلة معا ، انعكس مرحه على جميع من فيها ، ربطتهم الطريق ، مودة قادرة على كسر كل الحواجز حتي بين األغراب ، كان يترك كرسيه بجوار ريم أحيانا استجابة لنداء يأتيه من آخر الحافلة فيذهب إليهم

، يترك للسانه الحرية في التعبير عن حبه لريم ، يستمتع بما يجلس بينهم حدودا ، كان حديثه حلوا ، كانوا يستمعون إليه ، يقول ، ال يضع لنفسه

المنخفض ، ريم كانت تنظر إليه أحيانا ، يطرقون هدوءا حتى يسمعون صوته تهز رأسها و تعود لكتاب في و تبتسم عندما ترى انسجامه مع المجموعة ،

: يدها تقطع به المسافة ، يعود إليها يجلس بجوارها يهمس إصبعها محذرة ، فيضع يده بسرعة على وحشتيني " تبتسم و ترفع"   

: شفتيه و يقول : آسف !! قالت ريم ألمها و هي تطوي معها المالبس  

فقالت األم و هي تتشاغل بما في أمي أال تالحظين تغير أحوال قاسم ؟   : يدها

: الصغير يكبر يا ريم •• فقالت ريم و هي مصرة على مواصلة النقاش   بات معنيا بنفسه أكثر من أي وقت مضى ، حتى قاسم يبدو لي غير مهتم ،  

لو يلقه عن ظهره و يفر بأسرع وقت أنني أحيانا أشعر أنه يرانا عبئا يتمنى األم و هي تضع بعضا من ممـكن ، هل هذه حقيقة ، أم أنني أتوهم ؟ فقالت

: الثياب في خزانتها تتحول قاسم مجروح يا ريم ، عنـــدما يحب الشـــاب و يصدم في حبه ،  

هذه الصدمة إلى ضربة ، تدفعه إلى التغيير ، و التغيير عند الرجال عادة أكثر حزما ، و عندما يقررونه فإنهم ينفذون ما يقررون ، و قد كانت األحداث

متالحقة يمسك بعضها بزمام بعض ، تخرجه و ر فض حبه ، و وفاة سريعة و

Page 203: رواية لاجئة

فجأة وسط كل هذه الضبابات ينبت لديه حل •• والده ، و سفر مشين محبوبته ، و من أسرة مات سيخلصه من كل شيء ، من بلد تعيش فيها

السذاجة اإلعتقاد عائلها ، و من قلة عمل ، قلة كرامة ، قلة إهتمام •• من بأنه سيترك هذا الحل ألية اعتبارات •• و إن كان قاسم يحاول ظاهريا

التملص من مشاعره نحونا فإنني متأكدة من أنه داخليا يعاني كثيرا •• ثم : قالت ابتسمت و

: منذ أحبك ، ماذا قررت بشأنه ؟ فقالت ريم كما عانى سعيد و يعاني   لرجاءك ، أمي ، ذكر سعيد يوم طلبني شيئا عن ابتعاده عن طريقي تلبية  

: متى حدث هذا و لماذا ؟ فقالت األم و مازالت تبتسم أذكر ، كان والدك يرحمه الله منذ بداياتك األولى في الجامعة على ما  

طلبت منه أن يبتعد مسافرا و فاتحني سعيد بشأن اإلرتباط بك ، و رفضت و : عن طريقك و يتركك تعيشين حياتك كما ينبغي •• فقالت ريم

: ارتباطي به فأجابت األم و لكنك اليوم موافقة على   : بمرارة األمور تغيرت يا ريم ، و •• قاطعتها ريم و قالت و هي تبتسم  

، وحيدة ، و لم أعد صغيرة فقد شارفت على أصبحت مطلقة ، يتيمة   ، أليس كذلك يا أمي ؟ قالت الثالثين ، سعيد بالنسبة لمن في ظروفي لقطة

: األم بهدوء ريم •• أريد أن أطمئن عليك ، لن يهدأ لي بال قبل أن أطمئن عليك يا  

: قالت ريم و في نبرتها حنان و تصميم بخير اطمئني يا أمي ، رغم كل الظروف التي ماعادت في صالحي ، فإنني  

، و لدي في دنياي ما يحملني ، و يبعد شبح الضياع عني •• فقالت األم : بأمل

: رأسها و قالت ستتزوجين من سعيد ؟ هزت ريم   هي أفضل مني ، أما أنا •• فال •• *** في المجلة سعيد يستحق من  

لقد كون رئيس التحرير فريقا لزيارة كانت هناك مفـــاجأة سارة لريم ، ريم ضمن هذا الفريق ، الحدود و اإللتقاء مع المبعدين عليها ، و اختيرت

لتتمكن من رسم الموضوع بشكل أفضل ، شعرت و هي تتلقى التكليف بسعادة فائقة ، انتفضت كل ذرة في كيانها لهذا القرار ، إنه القرار الذي

بالفعل ، ألول مرة تتفاعل مباشرة مع الحدث الفلسطيني ، كانت تحتاجه ماليين البشر ، ستقرؤه في الوجوه ، في الخيام ، ألول مرة لن تقرؤه مثل

الشمس المسلط عليهم ، و في في صيحات الصغار ، ستقرؤه في قرص عندما جاء إليها •• الرمال الصفراء المتطايرة حولهم ، هذا حقا ما تحتاج

خبرا سعيد ليصحبها إلى المنزل ، قدمت إليه عالمات السعادة على وجهها : كاذبا عن موافقتها على عرضه ، فقال و هو يسير نشيطا بجوارها

: ابتسامتها في قلبها اللهم اجعله خيرا قالت و هي تستشعر   إلى الحدود •• نظر إليها ، كأنه لم يفهم ، انسحبت ابتسامته ، سأسافر  

: قال : تسافرين إلى الحدود ؟ فقالت و هي تؤكد  

اإلعالمي المسافر إلى هناك ، سأرى معاناة نعم ، كلفت ضمن الفريق  

Page 204: رواية لاجئة

خاللها هذه المعاناة ، أدعو الله جديدة لالجئين ، أعيش معهم ساعات ، أسجل : لي بالتوفيق •• قال سعيد بسرعة

: سآتي معك •• قالت ريم مندهشة   إستجمام يا سعيد ، رحلة عمل ، و أعتقد أننا تأتي معي ؟ إنها ليست رحلة  

تثبت جهات عملنا للسماح لنا سنطالب عند الحــدود بأوراق رسميــة : مصمما بالدخول ، فكيف ستدخل أنت ؟ فقال و هو يكز على أسنانه

اقتضى األمر التسلل عبر الحدود •• نظرت إليه سآتي معك يا ريم و لو   : ريم و هزت رأسها مبتسمة و قالت

تجهيز أوراقه كلها ، أصبح جاهزا تماما مجنون ••!! *** انتهى قاسم من   المناسبة لشاب ال يعرف هناك للسفر ، جمع المال الالزم و اشترى المالبس

باللغة اإلنجليزية مصيره ، و كان في الفترة األخيرة يكثر من قراءة الكتب الغربية ، و ال عن الحياة في أمريكا حصل عليها من السفارة ، و يتابع األفالم

أنه يرى إال و جهاز تسجيل صغير به شريط أجنبي حول أذنيه ، شعرت أسرته سافر قبل أن يسافر ، فلم يعد يهتم كثيرا بما يجري حوله في المنزل ، و

طلبت منه األم مرافقتها إلى ادارة الوافدين لتحضر شهادة تعفي سمر عندما باعتبار وفاة أبيها الفلسطيني قال و هو يعود إلى من مصاريف الدراسة

: مسجله : اذهبي مع سعيد •• لم تعلق األم فقالت ريم  

: قال بحماس كبير متى تسافر يا قاسم ؟ رفع السماعات و   : القادم •• فقالت و هي تتنهد األسبوع  

: قل إن شاء الله •• أغلق التسجيل و قد أستشعر خجل داخلي فهمس   ••إن شاء الله  

Page 205: رواية لاجئة

تعمدت األم في المساء عندما جاء سعيد لتفقد أحوال األســرة كعادته الخروج إلعداد الشاي و هي موقنة أن حديثا هاما البد أن تنتهي منه ريم مع

:سعيد ، بادرته ريم

سمعت أن عرضا مغريا لشراء لوحة الجئة قد جاءك فهل بعت ؟ كنت   هذا السؤال شعر أنه يريد أن يصرخ ، أن أطرق سعيد ، داخله غضب من

، ليقتلع بردوها ، تجاهلها ، ينهض ليهز فيها االعماق ، ليحرك بحرها الراكد : هدوءها قال و هو يكز على شفته السفلى

تسألين ببرود قاتل ، ألم تعرفي ستة أعوام يا ريم ، ستة أعوام و مازلت   فركت ريم يدها و بعد ، هل فشلت إلى هذا الحد في إيصال مشاعري إليك ؟

: تنهدت و هي تقول قبيل لم تصدقني يا سعيد عندما أخبرتك أنني تغيرت •• أعتبرتها من  

الحجج الواهية ، لكنني فعال تغيرت •• تجربتي مع سهيل لم تكن سهلة ، مريعا من األحاسيس •• منذ طالقي لم أتحدث مع مخلــــوق كانت خليطا

مــدفوعة للحديث إليك •• ألنك أنت ، و أنت بهذا الشأن ، لكنني أجد نفسي ••تحديدا من أنقذني منه

: تحدث نفسها أجابت على سؤال عينيه بابتسامة حزينة و قالت كأنها حلمت بك ، كنت تصيح بي أهــــربي يا ريم ، هيا أهربي •• في ذلك اليوم  

رسالة خالص ، كان عملية إنقاذ أنت قائدها •• لم يكــن حلما يا سعيد كان أقوى ، كنت أسمعه يطغى على رغم دموع سهيل النادمة يومها كان صوتك

تحديدا ، وصلت كل واقعي ، يبـــسط نفسه على إرادتي ، و في ذلك اليوم مع سهيل إلى مرحلة انكسار لن تتخيلها مهما حاولت ، قدمت له بيدي

السكين ليقتلني •• كنت جادة جدا فيما أفعل ، في لحظة هانت الدنيا ، هانت فرغت تماما ، صارت عدم ، في لحظة رفض كل سنتيمتر في الحياة ،

كرامتي مذبوحة ، كنت ضعيفة ، كنت جسدي البقاء في الدنيا •• كانت سوى خروج منكسرة ، كنت وحيدة •• شعرت أنني مت فعال و لم يبق

الــــروح ، فجأة شعـــرت أنني ضئيلة ، ضـئيلة جدا ، و ال أستحق الحياة ، ••القيت إليه بالسكين و رجوته أن يقتلني

وسمتني إلى األبد •• لحظة إنكسار مــــريعة ، يصعب وصفـــــها ، لـــكنها يؤدي أحرقت بيادري ، و حجمت مشاعري ، جعلت قلبي مجــــرد مضخة دم

وظيـــــفة ثانوية تمنحني حياة ال أريدها •• منذ ذلك اليــوم و أنا أسخر حتى الـــــذوبان من أي عبارة حب ، من أية أغنية حب ، من أي قصة حب ••

من هذه الكلمة شيئا مقرفا يشبه مضغة من لحمي يلوكها يقين داخلي جعل ••بقدمه سهيل ثم يقذفها أرضا و يدوسها

موقف مررنا به ، كل الحياة كلها كانت تؤكد هذا اليقين يوما بعد يوم ، كل كانوا يوم عشنا فيه المرارة و الذل ••كل التفاصيل ، و كل العذابات ،

Page 206: رواية لاجئة

يمنحونني مباركتهم على يقيني •• أنت الشيء الوحيد الغريب في منظومة حولي ، أنت الوحيد الذي مازال يؤمن بأن مضخة الدم في جوفه قادرة الكون

لسوء حظك فإنني أنا بالذات المعنية بهذا الحب •• على ضخ الحب ، و ••أفهمه ، ال أشعر به •• ال أريده صدقني يا سعيد أنا ال أستحقه •• ال

و هو يضرب كفا كانت عينا سعيد قد امتلئت حتى فاضت بدموع صامتة ، قال :مكورا في كف

••المجرم  

:فقالت و هي تجلس بجواره

أعــد أشعر ستــــندهش إذا عرفت أنني رغم كــــل شيء سامحــــته ، لم   بكراهية تجاهه ، ال كراهية ، و ال حب •• ربما ألن قلبي لم يعـــد يحمل

••مشاعر •• لم يعــــد قـــادرا على حب ، أو على كراهية

:هو يضغط عليها أمسك سعيد يدها ، كانت يده باردة ، مبتلة عرقا ، قال و

خائفة يا حبيبتي •• مذعورة •• قلبك صنع غالفا من قسوة ليحمي به أنت   أن خلف هذا الغالف القاسي قلبا حساسا مازال قادرا نفسه ، لكنني متأكد

مهادنة الدنيا ، على الغفران ، أنت عظيمة على الحب و العطاء ، قادرا على الليلة انكسارا كما تقولين ، كان يا ريم •• لم يكن ما حدث معك في تلك

نفسه علىكما آنذاك انتصار ، انتصرت بنفسك على منطق الغاب الذي فرض كان •• رفض اإلنسان داخلك لغة الحيوانات و قررت األنسحاب •• أنسحابك

انتصارا إلنسانيتك يا حبيبتي •• البد أن تفهمي هذا •• البد أن تؤمني بأنك األقوى ، رغم ضعفك ، و هول الموقف لكنك كنت األقوى •• ال تجعلي كنت

تعيشين فيه •• ال تجلدي ذاتك ، فقد كنت األقوى •• من هذه الحادثة وهما ••األقوى يا حبيبتي

القلب المحب كانت دموع ريم تسقط حثيثا •• كانت تشعر بعظمة هذا قلبها أمامها ، كانت تتمنى لو تستطيع مجاراته ، كانت تتمني لو يستــــطيع

المتعب أن يتخــــلص من رفـضه و عناده فيمنح هذا اإلنسان المحب حقا يكتب معه معاهدة وفاق •• كاد لسانها أن يتمرد عليها فيعلن عليه ، و

لكن قبلة ساخنة طبعها سعيد على جبينها أودع فيها الموافقة صريحة قوية ، لها ريم أفاقتها •• نزعت يدها بسرعة ، كل تعاطفه و حبه في لحظة لم تنتبه

قبلته أحرقتها ، و أدركت مسحت دموعها ، كان جبينها ملتهب ، شعرت أن بسرعة و هي أنها أبدا لن تستطيع منحه ما يريد •• هزت رأسها و قالت

: تغادر الغرفة فائدة يا سعيد •• ال فائدة ••لن أستطيع •• لن أستطيع أطرق سعيد ، ال  

Page 207: رواية لاجئة

تسقط أرضا مس شفتيه بأصابعه و قال بصوت أودع فيه لمح دمعته و هي :كل أحاسيسه

••يا ريم •• أحبك أيتها المعذبة الصغيرة أحبك  

***

طيلة الطريق على سافر قاسم •• ذهبت معه كل العائلة تودعه ، كان يقبض أوراقه ، يحتضن حقيبته الصغيرة ، يلوذ ببرودتهم من مشاعر قوية كانت

تراوده عن التراجع ، كان يتشبث بهما كأنه يتشبث بالحياة ، كان يجلس بجوار كانت تحتضنه ، قلبها كان يقول كل شيء لكن شفتيها كانت صامتة ، أمه ،

قوية في أذنيه كانت تقرأ عليه تفاصيل الرسالة ، كان دقات قلبها التي كانت ، و تتلو عليه أدعية كثيرة ، و تخلط حديثها يسمعها تردد آيات القرآن لتحفظه

كانت سطور رسالتها تتالحق الصامت برجاء ال حروف له ليبقى معها ، رأسه تارة ، و فتختلط حروفها و تتشتت افكارها ، كان يشعر بيدها تمسد

تحتوي كتفيه تارة أخرى ، كان يشعر بأنفاسها الملتهبة تهب عليه فتحرق بشرته ، لم يجرؤ على رفع نظره إليها ، كان يدرك كم هو ضعيف إزاء عيونها

:قالت ريم لتقطع الصمت الدامعة ،

ستقيم يا قاسم ؟ قال و هو يحاول اكساب صوته قوة ليبث األمن في أين   : قلب أمه

الفنادق الصغيرة ذات األسعار زودتني السفارة بأسماء و عناوين بعض   فيها عمال ، أعتقد المعتدلة ، كما أنهم زودوني بجهات مختلفة يمكن أن أطلب

القوة أن األمر سيكون بسيطا •• قالت ريم بصوت حاولت بدورها إكسابه : الالزمة

تحب كتابة الرسائل ، لكن يجب أن تراسلنا ، تعرف كم أعرف أنك ال   ••سنتلهف على أخبارك

: قال و هو يتحدث بقلب واجف صدقيني •• نظر سأكتب إليكم كل يوم ، لن تشعروا أبدا بغربتي عنكم ،  

: ألمه و قد أوشكت السيارة على وصول المطار ، قال بحنان و رجاء لك كل يوم ، صدقيني سأكون بخير •• صدقيني يا أمي ، صدقيني سأكتب  

تتكلم ، كانت تدرك أن أية أحكمت األم لف ذراعها حوله ، ربتت عليه و لم بكاء لن يحتمله قلب كلمة تقولها لن يكون لها إال معنى واحد ا، أن تنفجر في

استشعروا الحبيب المسافر •• وصلوا المطار •• كانت الصالة باردة ، برودتها في أعماقهم ، أجلسهم قاسم في أحد األركان و ذهب إلنهاء إجراءاته

: احتضنت ريم أمها و قالت•• ••سيعود يا أمي ، سيعود يا صابرة  

Page 208: رواية لاجئة

، داخلها كان يهدر فجأة بكت األم ، لم تقو على تحمل المزيد ، كانت ستنفجر : ، كانت تريد أن تعبر عن حزنها ، قالت و هي تدفع ريم برفق

: إليه ، كان بعيدا منشغال ، قالت أنظري هل يرانا ؟ تطلعت ريم   منديلها ، و ال يا أم قاسم ، ال يرانا •• قالت األم و هي تلتقط دموعها في  

: تحاول إيقافها بال جدوى يجب أن ينبغي أال يراني أبكي ، سيعذبه هذا كثيرا •• يجب أن أسكت ،  

أسكت •• كانت تردد الكلمة األخيرة و هي تبكي ، تكتم شهقاتها ، تجبر على السكوت فال تطاوعها عيونها ، و عندما بدا قاسم قادما نفسها

بسرعة ، ابتلعت غصتها ، و حاولت رسم باتجاههم ، مسحت دموعها : عيونها الحمراء ابتسامة ، كان قاسم بدوره يبتسم قال و هو يطالع

••اإلجراءات ، علي الدخول لصالة التفتيش ، جئت لوداعكم انتهت  

القيام ، مدت يدها رفعت األم رأسها نحوه ، لم تجد في نفسها القوة على أمامها ، كان تجاهه فمال عليها احتضنته ، ثم تشبثت به ، فاضطر إلى الركوع

يحس قوة ذراعيها حوله ، كانت تريد زرعه في قلبها ، كانت تتمنى لو أن حضنها يرغمه على الدخول مجددا إلى أحشائها التي حملته يوما ، كانت تربت

:على ظهره ، كانت تقول ربتات قوية

قاسم سأفتقدك يا حبيبي ، سأفتقدك يا قاسم ، سأفتقدك يا غالي •• بكى   ، لم يستطع مقاومة دموعه ، قال و هو يحكم ذراعيه حولها و يحاول التلطف

:ال يؤذيها بها حتى

أجعلك تشعرين بغربتي ، ساراسلك دوما ، سوف تنزعجين من رسائلي لن   قدمت على هاتف ، لعله يأتي خالل فترة قصيرة المتواصلة إليك ، لقد

••فأكلمك كل يوم

: أخذ يقبل يديها قبالت كثيرة و يقول علي يا أمي ، أنا أحبك يا أمي ، ال تنسيني بدعائك يا أمي ، ال تغضبي  

في كل هذا ترد أحبك ، أقسم بالله أنك أغلى عندي من نفسي •• و أمه ميعاد مؤكدة أنها لن تنساه ، ستدعو له دوما ، راضية عنه حتى تموت ، صوت

الرحلة قطع حديث العاطفة بينهما ، فنهض ، سلم على ريم قال لها و هو : يقبلها

عندما تصلك أخباري ، ال تحملي علي في ستدركين يا ريم أنني كنت محقا   ، و إنما أبحث عن غدي ، فال قلبك الشفاف غضبا ، فأنا لست أنانيا ، أو عاقا

و تشرق تلوميني يا أختي •• ربتت ريم على يده و قالت و هي تبتسم : بدموعها

و أسأل الله أن يوفقك فيما أنت ذاهب إليه في غير معصية لست غاضبة ،   ••أو ذنب

Page 209: رواية لاجئة

: األم قبل سمر و احتضنها ، وعدها بالكثير من الهدايا فقالت ياقاسم ، إياك و ترك الصالة ، إياك و اإلستجابة ضع الله نصب عينيك  

طباع غريبة ال تجعل قلبي يأكلني عليك لشياطين اإلنس حولك ، بلد غريب و••

ينزع نفسه منهن عاد يقبلها و هو يطمئنها على ما أوصت ، نداء آخر جعله له ، نزعا ، تركهن و سار بظهره و هو يشير إليهن ، كن يسرن أمامه ، يلوحن

يمسحن دموعهن ، فجأة ظهر سعيد ، كان يركض ، اتجه بسرعة نحوه ، قبله قال : - كيف تصورت أنك ستسافر دون أن أودعك يا قاسم ••؟ و احتضنه

:قال قاسم و هو يضرب كتفه

أعلم أنك األكبر و األعظم يا سعيد ، دوما كنت األكبر و األعظم ، إنهم كنت   تجعل موقف ريم يمنعك عنهم ، إنها أكثر الناس حاجة إليك يحتاجونك ، ال

••رغم عنادها

:تطلع إليهم سعيد و قال مبتسما

تعتقد أني سأتركهم ؟ و هل  

: إليهن النداء األخير ، و اختفى قاسم •• قال سعيد و هو ينضم ••من اإلنتظار هيا بنا •• ال فائدة  

منحوها له منذ و استجاب الجميع ، دوما كان له عليهم كلمة مسموعة ، أوصاه األب بهم عندما سافر قبل سنوات كثيرة •• تطلعت ريم إليه و

استجابت باسمة للسير خلفه باتجاه سيارته خارج المطار •• *** بدورها بعد سافرت ريم ••كانت متحمسة جدا لهذه الرحلة ، جهزت أدواتها أيام قليلة

: حقيبتها الصغيرة بعناية ، و قالت و هي تجهز يوما سنبقى هناك ، ربما يومين أو ثالثة ، ال أعرف ، يفضل أن ال أعرف كم  

:البسيطة •• قالت لها األم و هي تبتسم بهدوء آخذ معي بعض األغراض

تشتعلين حماسا يا ريم  

:فقالت و هي تهز رأسها

الحقيقية ، هذا بالطبع يا أمي ، إنني أخيرا سألمس عن قرب معاناة شعبي   ينظمون سيمنح رؤيتي بعدا أكبر ، و يعطي أدواتي الفنية زخما أكبر ، ليتهم

رحلة إلى فلسطين نفسها ألراها و أعرفها أكثر •• ثم انسحبت ابتسامتها : عن وجوم قائلة الهادئة

: لي هناك •• فقالت األم و هي تبتسم رغم أن الشيء   لماذا ؟ لك بيت هناك ، بيت أبيك في غزة فقالت ريم و هي تبتسم  

: بمرارة

Page 210: رواية لاجئة

اليهود استولوا عليه ، و بعد وفاة جدتي يرحمها الله ، غادر أخبرني تامر أن   تعيش زوجته األخيرة •• قال إنه عجز عن اثبات عمي بدر إلى القطاع حيث

أية مهزلة ؟ •• حقه في البيت رغم أنه عاش فيه عمره كله

: قالت األم و هي تدق جبينها بيدها :ريم بدهشة تذكرت •• لقد تذكرت يا ريم •• فقالت  

: تذكرت يا أمي ؟ قالت األم و هي تتجه إلى غرفتها بسرعة ماذا   تخرج حقيبة قديمة اتبعيني •• تبعتها ريم و راقبتها و هي تفتح خزانتها ، و  

اشتعل كانت قد فتحتها يوما لتخرج منها قائمة بأسماء و عناوين األقرباء ، فضول ريم لما يمكن أن يخرج هذه المرة من الحقيبة القديمة ، جلست األم

السرير ، فتحت الحقيبة ، فتخيلت ريم لفرط فضولها أن نورا سيسطع على القديمة أمامها •• قصاصات جرائد تحمل أخبارا و بعد قليل من األوراق

و غير ذلك من أحداث76، و هزيمة صورا عن فلسطين و المقاومة الداخلية الصحف برفق و تصفحتها ، أمسكت ريم الحقيبة ، وضعتها على حجرها فتحت

، تحت بحرص ، وجدت في إحداها صورة على ركن منها دائرة بالقلم األحمر الصورة كتبت عبــارة " قطاع غزه يلتهب " قالت األم بحماس و هي تخرج

: األصفر القديم الملف حجة البيت •• هذه حجة البيت قالت ريم و هي تلقف منها انظري ، هذه  

: الملفأي بيت ؟  

: قالت األم الحجة أخبرني أبوك يرحمه الله ، أنه اصطحب معه حين غادر غزة هذه  

سهوا بعد أن أعطاها له والده ليلة سفره و أوصاه بالمحافظة عليها ، قال إنه كان عليه تركها للباقين منهم هناك ، لكنه نسي ، هذه الدائرة فوق الصورة

، قال لي76كان مصورا صحفيا قد التقطها لقطاع غزة عام هي للبيت ، إن هذا هو بيتهم •• أخرجت ريم حجة البيت والدك و هو يحتفظ بالقصاصة ،

لكنها واضحة عن ملكية البيت بأصابع مرتجفة و قرأت فيها عبارات قديمة شعرت ريم أنها ألسرة القاسم ، الحجة تعين تماما موقع البيت و مساحته ،

النظر في تمسك كنزا ، دق قلبها بشدة و هي تعيد الوثيقة إلى مكانها و تعاود الصورة غير الواضحة للبيت القديم ، كانت النخلة الطويلة التي تحدث عنها أبوها تبدو في الصورة كمئذنة عمالقة نبت في أعالها سعف •• قالت ريم و

:األوراق هي تحتضن

••الله عليك يا أبي رحمة  

: التفتت إلى أمها و قالت بحماس باك : فقالت األم و هي تتنهد •• إن هذه الوثيقة كنز يا أمي ، كنز  

لم أوصاني أبوكم أن أعطيها لكم حين يموت ، كان هذا قبيل سفره ،  

Page 211: رواية لاجئة

: أتذكر إال اليوم •• لكن ماالجدوى منها ؟ قالت ريم و هي تحتضن األوراق قطعة من روحه •• هل يمكن أن يكفي أنها من رائحة أبي ، يكفي أنها  

: أحتفظ بها ؟ فقالت األم و هي تنهض متثاقلة وضعت ريم األوراق بحرص في •• خذيها إن كان فيها بعض العزاء لك  

في خزانتها الخاصة الحقيبة و أغلقتها برفق ثم اتجهت بها إلى غرفتها وضعتها ••و أغلقت عليها ثم عادت تلملم أغراضها بذهن شارد

***

، حاول بعض طيلة الرحلة إلى الحدود بواسطة الحافلة كانت ريم ساهمة الزمالء الحديث معها فكانت تبتسم مجاملة ثم تعود لشرودها ، تفهموا سبب الشرود ، فلم يلحوا عليها ، كانت لحظات قاسية تلك التي تنتظرها ، تذكرت

على الحدود في رفح أمام األسالك الشائكة ، تنهدت ، لقد كان يوم وقفت على صوت نفير سيارة صغيرة تسير بمحاذاتهم ، يوما عصيبا •• انتبهت

و ابتسمت ، أشارت له فعاود من الشباك ، كان سعيد •• هزت رأسها نظرت :تحيتها بالنفير ، سألوها عنه فأجابت باسمة

••أمري ولي  

للحدود بهذه أوقفوا الحافلة و تفاهموا معه على عدم منطقية الوصول السيارة الصغيرة ، اتفقوا معــه على أن يضــــع سيــــارته في أقـــرب

استراحة و يركــب معهم إكراما لريم •• و عرضوا عليها إن أرادت مرافقته معهم •• نظر إليها راجيا أن توافق ، هزت رأسها ، و غادرت حتي يركب

فيها و ركبت بجواره •• حرك سيارته راقصا بها في الحافلة ، تركت أغراضها رجل محب " تنهدت ريم و هي تستقر الطريق فقال نفرا في الحافلة :" هذا

: بجوار سعيد و قالت !!مجنون  

:قال و هو يطلق ضحكة حبور صافية

••!!أحبك  

حذرته ريم منذ البداية تحدثا كثيرا ، طرقا كل المواضيع ، إال موضوع القلب ، ــ و !! أال يتحدث عنه أعطى وعده و وفى به ــ في العبارات على األقل

بسرعة طوت األرض نفسها عن االستراحة ، ركن سيارته و ركبا الحافلة انعكس مرحه على جميع من فيها ، ربطتهم بسرعة مودة الطريق ، معا ،

الحواجز حتي بين األغراب ، كان يترك كرسيه مودة قادرة على كسر كل آخر الحافلة فيذهب إليهم يجلس بجوار ريم أحيانا استجابة لنداء يأتيه من

يستمتع بما يقول ، ال بينهم ، يترك للسانه الحرية في التعبير عن حبه لريم ، يطرقون هدوءا يضع لنفسه حدودا ، كان حديثه حلوا ، كانوا يستمعون إليه ،

Page 212: رواية لاجئة

حتى يسمعون صوته المنخفض ، ريم كانت تنظر إليه أحيانا ، و تبتسم عندما ترى انسجامه مع المجموعة ، تهز رأسها و تعود لكتاب في يدها تقطع به

: إليها يجلس بجوارها يهمس المسافة ، يعود وحشتيني " تبتسم و ترفع إصبعها محذرة ، فيضع يده بسرعة على"   

: شفتيه و يقول كانت خيام الالجئين تبدو على آسف !! *** عندما وصلوا إلى الحدود ،  

بهم الحافلة البعد كشريط أسود كبير ، خفق قلب ريم بشدة بينما تحركت بإتجاه ذلك الشريط ، لم تنتبه ريم إلى إجراءات دخول قد يكون رفقاء

الحافلة قد أنهوها ، كانت عيونها معلقة بهذا الشريط الذي بدأ يتلون و تظهر كلما اقتربت الحافلة منه أكثر ، فجــــأة بــــرز بعض الرجـــال و مالمحه

بإتجاههم ، وقفوا أمام الحافلة على بعد حوالي مائة متر من كانوا يركضون كبح الحافلة بسرعة فأحدثت إطاراتها زوبعة من المخيم ، اضطر السائق إلى

و لما انقشعت الرمال الطائرة ، كان الرمال ، أختفت الرؤية تقريبا خاللها ، أحدهم موجها حديثه للطالين عدد من الرجال يحاولون فتح الباب ، فيما صرخ

: من النوافذهل أحضرتم الدواء ، هل معكم أطباء ؟  

معا فتضيع عباراتهم لم تفهم ريم ما الذي يقوله الرجال فقط كانوا يتحدثون مع صخبهم ، على أن قلبها استشعر خطرا ، نهضت بسرعة و اتجهت إلى

الباب ، كان المشرف على الرحلة مضطربا ، حذرها من التقدم نحو الباب و :شديد قال بارتباك

أننـا أغفلــنا الجانب األمني •• هؤالء الرجال بهم مس من الجنون و يبدو   ••قد يعتدون علينا

تضاعفت ، لم يكن نظرت ريم من النافذة مجددا فالحظـــت أن أعدادهم المالمح يبدو عليهم جنونا و لكنه كان الغضب ، الحظت إعياء� واضحا على

فرق قلبها ، قالت للمشرف أنها تريد النزول اآلن فقال لها بعصبية شديدة أنه ال يستطيع ، ألنه لن يتحمل مسئولية هالكها على أيدي هؤالء المجانين ••

النافذة و راعها أن بعض الرجال صاروا يخمشون الباب بأظافرهم نظرت من : الباب و هو يصيح بصوت واهن ، و سقط أحدهم أمام

: افتحوا •• افتحوا •• صرخت ريم في المشرف و قالت له   بدأوا في إلتقاط الصور من نافذة افتح الباب اآلن •• كان المصـــورون قد  

: الباص ، و اندفع سعيد إلى ريم قائال قبل المخاطرة بفتح الباب •• لكن ريم إهدئي •• البد من تبين الوضع أوال  

مأزقا و استجداء ، لم ريم التي كانت ترى في اندفاع الرجال حول الباص :تستطع التحمل ، انقضت على السائق و صارت تدق ظهره و هي تصيح

الباب ، افتح الباب •• تحملها السائق و هو ينظر للمشرف في انتظار افتح   و نظرت للمشرف برجاء و قالت و عيونها مغرورقة أوامره فتركته ريم

Page 213: رواية لاجئة

: بالدموع أغلقوه فورا ، إن أتوسل إليك أن تفتح الباب ، سأنزل وحدي ، أنزلوني ثم  

:شئت كتبت لك إقرارا ، هؤالء يشهدون علي •• صاحت و هي تواجه الجميع

مسئولية نفسي ، و أن المشرف براء مما قد أال فاشهــدوا أنني أتحمل   : تتوسل برجاء يحدث لي إذا نزلت •• عادت تنظر للمشرف و

الباب •• أسقط في يده فأعطى للسائق إشارة و طلب من أرجوك ، افتح   امتثلت ريم بسرعة ، فتخطى سعيد ريم الوقوف أمام الباب مباشرة ،

: األجساد المكومة حوله و حاذى ريم و هو يقول ••سأنزل معك  

تأهبت للقفز من كان يضع يده على كتفها ، فأمسكت بها ريم امتنانا ، و الباص بمجرد فتح الباب ، و كان لها ما أرادت •• في لحظــة كانت هي و

:سعيد أمام الرجال الذين هجموا عليهم و تبينت ريم سؤالهم المتكرر

معكم طبيب ؟ هل أنتما طبيبين ؟ هل أحضرتم الدواء ؟ وقفت ريم هل   عليهما ، تراجعت خطوة حتى المس ظهرها جسم واجمة و هي ترى تكالبهم

: بصوت جهوري الحافلة ، ووقف سعيد أمامها يحميها ، صاح ، أرجوكم اهدأوا •• نريد فقط أن نعرف ماذا هناك ؟ اهدأوا من فضلكم  

يحمل وجها مغبرا ، مرهقا ، ال تخطيء صاح أحد الرجال و كان مثل الجميع : العين اإلعياء فيه ، قائال

فائدة •• أسقط ذراعيه و قال للرجال مازلتم تريدون أن تعرفوا ؟! إذن ال   : معه

اإلستنكار ، و ال فائدة يا جماعة •• يبدو أنهم صحافة •• تعالت صيحات   سمعت ريم بكل وضوح عبارات سخط و لعن و بدأ الرجال ينصرفون و هم

: يشيحون بأيديهم ال نريد صحافة •• من إحدى الخيام جاءت إمرأة متشحة هيا انصرفوا  

:وجهها بالسواد تركض و هي تصيح و تلطم

محمد •• أبو محمد •• مات الولد ، مات الولد •• ركض أحد الرجال أبو   لحق به الباقون ، نظرت ريم إلى سعيد و نظر إليها و في بقوة في اتجاهها و

يتبعوهم قد انعقد بينهما ، هرولت ريم و لم ثوان كان اتفاقا مشتركا بأن الحافلة و هو يفتح و باقي أعضاء تلتفت وراءها رغم أنها سمعت صرير باب

في إحدى الخيام ، كان الفريق يتبعوهم ، كانت ريم و سعيد أول الواصلين ، و كثيفة هناك شاب عشريني مسجى عاري الصدر تنتشر في جسده بقع حمراء

، و أمامه السيدة التي جاءت بالخبر ، كانت تولول فيما جلس أبيه على حافة : فراشه األرضي ممسكا بيده يقبلها و هو يصيح بلوعة

أخذت دموع •• ال يا محمد ، ال تمت يا ولدي •• سيأتي الدواء يا وحيدي   ريم تسقط بال هوادة و هي تتابع مع عشرات غيرها الموقف ، و كان أعضاء

الفريق قد أصبحوا جميعهم خلفها •• التفتت إلى المشرف و قالت و دموعها

Page 214: رواية لاجئة

: تأكل الحروف ••مات •• مات  

: أحاطها سعيد بذراعه ، فالتفت األب إليهم و صاح ابني ، و بثوا صورته عبر شاشات التلفاز •• ماذا تريدون •• هيا صوروا  

الرجولة العربية ، و الموقف العربي النبيل قولوا لهم عن الشهامة العربية ، و ، هيا صوروا و اركضوا إلى •• هيا صوروه ، أليس هذا ما جئتم من أجله

••سيارتكم و عودوا بالغنيمة

و يقبض على و لم يقو الرجل على إكمال الكالم فبدأ يضرب األرض بيده التراب و يضعه فوق رأسه و يبكي •• تقدم مشرف الفريق خطوات و هو

: الزحام و اتجه نحو الرجل المكلوم و قال بصوت حازم يعبر يؤكـــدون هل هذا المرض منتشر هنا ؟ تعالى صخب الموجودين و كانوا  

أن العدوى تنتــشر بين الجميع بسرعة كبيرة ، و أن هذا الشهيد هو الخامس في غضون أسبوع •• صرخت ريم من هول ما تسمع و قال رجل من

: الواقفين منهم النجدة ، نريد أطباء و أدوية ، جاءتنا بعثة صحافة قبل يومين و طلبنا  

: وعدونا خيرا و لم يعودوا •• و قال األب المكلوم محمد ولدي الوحيد •• لم أنجب غيره بعد •• توسلت إليهم أن يسرعوا  

بسرعة جمع المشرف •• انتظار سبعة عشر عاما •• لكنه مات •• مات القاهرة و أعضــــاء فريقه و أعــــطى توجـــيهات بالعودة السريعة إلى

إحضار عدة أطباء بعد شرح األعراض ليتسنى لهم إحضار كل أنواع األدوية يمكن أن تفيد ، شدد عليهم ضرورة العودة السريعة و أن يكون األطباء التي

:ليتجاوزوا الروتين ما أمكن ، قال لريم و هو يدفعها برفق من معارفهم

: اذهبي معهم ، سأبقى هنا في انتظاركم •• قالت ريم بحزم و عناد   لكنني سأبقى •• نظر المشرف إلى سعيد لن أذهب ، فليذهب من يريد  

: يدعوه للتدخل فقال سعيد برفق تستطيعين ماال يستطيعونه •• ريم اذهبي و سأبقى مع المشرف ، قد  

: رفعت ريم عينا دامعة إليه و قالت بصوت مخنوق ••لن أذهب  

Page 215: رواية لاجئة

البعد كشريط أسود عندما وصلوا إلى الحدود ، كانت خيام الالجئين تبدو على الشريط ، كبير ، خفق قلب ريم بشدة بينما تحركت بهم الحافلة بإتجاه ذلك

لم تنتبه ريم إلى إجراءات دخول قد يكون رفقاء الحافلة قد أنهوها ، كانت عيونها معلقة بهذا الشريط الذي بدأ يتلون و تظهر مالمحه كلما اقتربت

أكثر ، فجــــأة بــــرز بعض الرجـــال و كانوا يركضون بإتجاههم ، الحافلة منه الحافلة على بعد حوالي مائة متر من المخيم ، اضطر السائق إلى وقفوا أمام

فأحدثت إطاراتها زوبعة من الرمال ، أختفت الرؤية كبح الحافلة بسرعة الرمال الطائرة ، كان عدد من الرجال يحاولون تقريبا خاللها ، و لما انقشعت

:حديثه للطالين من النوافذ فتح الباب ، فيما صرخ أحدهم موجها

أحضرتم الدواء ، هل معكم أطباء ؟ هل  

معا فتضيع عباراتهم لم تفهم ريم ما الذي يقوله الرجال فقط كانوا يتحدثون مع صخبهم ، على أن قلبها استشعر خطرا ، نهضت بسرعة و اتجهت إلى

الباب ، كان المشرف على الرحلة مضطربا ، حذرها من التقدم نحو الباب و :شديد قال بارتباك

أننـا أغفلــنا الجانب األمني •• هؤالء الرجال بهم مس من الجنون و يبدو   ••قد يعتدون علينا

تضاعفت ، لم يكن نظرت ريم من النافذة مجددا فالحظـــت أن أعدادهم المالمح يبدو عليهم جنونا و لكنه كان الغضب ، الحظت إعياء� واضحا على

فرق قلبها ، قالت للمشرف أنها تريد النزول اآلن فقال لها بعصبية شديدة أنه ••ال يستطيع ، ألنه لن يتحمل مسئولية هالكها على أيدي هؤالء المجانين

الباب بأظافرهم نظرت من النافذة و راعها أن بعض الرجال صاروا يخمشون : ، و سقط أحدهم أمام الباب و هو يصيح بصوت واهن

••افتحوا •• افتحوا  

:صرخت ريم في المشرف و قالت له

الباب اآلن •• كان المصـــورون قد بدأوا في إلتقاط الصور من نافذة افتح   : سعيد إلى ريم قائال الباص ، و اندفع

إهدئي •• البد من تبين الوضع أوال قبل المخاطرة بفتح الباب •• لكن ريم   ترى في اندفاع الرجال حول الباص مأزقا و استجداء ، لم ريم التي كانت

:السائق و صارت تدق ظهره و هي تصيح تستطع التحمل ، انقضت على

الباب ، افتح الباب •• تحملها السائق و هو ينظر للمشرف في انتظار افتح   و نظرت للمشرف برجاء و قالت و عيونها مغرورقة أوامره فتركته ريم

: بالدموع

Page 216: رواية لاجئة

أغلقوه فورا ، إن أتوسل إليك أن تفتح الباب ، سأنزل وحدي ، أنزلوني ثم   :شئت كتبت لك إقرارا ، هؤالء يشهدون علي •• صاحت و هي تواجه الجميع

فاشهــدوا أنني أتحمل مسئولية نفسي ، و أن المشرف براء مما قد أال   ••يحدث لي إذا نزلت

:عادت تنظر للمشرف و تتوسل برجاء

من أرجوك ، افتح الباب •• أسقط في يده فأعطى للسائق إشارة و طلب   ريم الوقوف أمام الباب مباشرة ، امتثلت ريم بسرعة ، فتخطى سعيد

: حوله و حاذى ريم و هو يقول األجساد المكومة ••سأنزل معك  

تأهبت للقفز من كان يضع يده على كتفها ، فأمسكت بها ريم امتنانا ، و الباص بمجرد فتح الباب ، و كان لها ما أرادت •• في لحظــة كانت هي و

:سعيد أمام الرجال الذين هجموا عليهم و تبينت ريم سؤالهم المتكرر

معكم طبيب ؟ هل أنتما طبيبين ؟ هل أحضرتم الدواء ؟ وقفت ريم هل   عليهما ، تراجعت خطوة حتى المس ظهرها جسم واجمة و هي ترى تكالبهم

: بصوت جهوري الحافلة ، ووقف سعيد أمامها يحميها ، صاح ، أرجوكم اهدأوا •• نريد فقط أن نعرف ماذا هناك ؟ اهدأوا من فضلكم  

يحمل وجها مغبرا ، مرهقا ، ال تخطيء صاح أحد الرجال و كان مثل الجميع : العين اإلعياء فيه ، قائال

فائدة •• أسقط ذراعيه و قال للرجال مازلتم تريدون أن تعرفوا ؟! إذن ال   : معه

اإلستنكار ، و ال فائدة يا جماعة •• يبدو أنهم صحافة •• تعالت صيحات   سمعت ريم بكل وضوح عبارات سخط و لعن و بدأ الرجال ينصرفون و هم

: يشيحون بأيديهم ال نريد صحافة •• من إحدى الخيام جاءت إمرأة متشحة هيا انصرفوا  

:وجهها بالسواد تركض و هي تصيح و تلطم

محمد •• أبو محمد •• مات الولد ، مات الولد •• ركض أحد الرجال أبو   لحق به الباقون ، نظرت ريم إلى سعيد و نظر إليها و في بقوة في اتجاهها و

يتبعوهم قد انعقد بينهما ، هرولت ريم و لم ثوان كان اتفاقا مشتركا بأن الحافلة و هو يفتح و باقي أعضاء تلتفت وراءها رغم أنها سمعت صرير باب

في إحدى الخيام ، كان الفريق يتبعوهم ، كانت ريم و سعيد أول الواصلين ، و كثيفة هناك شاب عشريني مسجى عاري الصدر تنتشر في جسده بقع حمراء

، و أمامه السيدة التي جاءت بالخبر ، كانت تولول فيما جلس أبيه على حافة :فراشه األرضي ممسكا بيده يقبلها و هو يصيح بلوعة

Page 217: رواية لاجئة

يا محمد ، ال تمت يا ولدي •• سيأتي الدواء يا وحيدي •• أخذت دموع ال   هوادة و هي تتابع مع عشرات غيرها الموقف ، و كان أعضاء ريم تسقط بال

خلفها •• التفتت إلى المشرف و قالت و دموعها الفريق قد أصبحوا جميعهم : تأكل الحروف

••مات •• مات  

: أحاطها سعيد بذراعه ، فالتفت األب إليهم و صاح ابني ، و بثوا صورته عبر شاشات التلفاز •• ماذا تريدون •• هيا صوروا  

الرجولة العربية ، و الموقف العربي النبيل قولوا لهم عن الشهامة العربية ، و ، هيا صوروا و اركضوا إلى •• هيا صوروه ، أليس هذا ما جئتم من أجله

الكالم فبدأ يضرب سيارتكم و عودوا بالغنيمة •• و لم يقو الرجل على إكمال األرض بيده و يقبض على التراب و يضعه فوق رأسه و يبكي •• تقدم

مشرف الفريق خطوات و هو يعبر الزحام و اتجه نحو الرجل المكلوم و قال :بصوت حازم

هذا المرض منتشر هنا ؟ هل  

تنتــشر بين الجميع تعالى صخب الموجودين و كانوا يؤكـــدون أن العدوى ••بسرعة كبيرة ، و أن هذا الشهيد هو الخامس في غضون أسبوع

: صرخت ريم من هول ما تسمع و قال رجل من الواقفين و طلبنا منهم النجدة ، نريد أطباء و أدوية ، جاءتنا بعثة صحافة قبل يومين  

: المكلوم وعدونا خيرا و لم يعودوا •• و قال األب يسرعوا •• محمد ولدي الوحيد •• لم أنجب غيره بعد توسلت إليهم أن  

مات •• بسرعة جمع المشرف •• انتظار سبعة عشر عاما •• لكنه مات إلى القاهرة و أعضــــاء فريقه و أعــــطى توجـــيهات بالعودة السريعة

إحضار عدة أطباء بعد شرح األعراض ليتسنى لهم إحضار كل أنواع األدوية التي يمكن أن تفيد ، شدد عليهم ضرورة العودة السريعة و أن يكون األطباء

:ليتجاوزوا الروتين ما أمكن ، قال لريم و هو يدفعها برفق من معارفهم

: اذهبي معهم ، سأبقى هنا في انتظاركم •• قالت ريم بحزم و عناد   لكنني سأبقى •• نظر المشرف إلى سعيد لن أذهب ، فليذهب من يريد  

: يدعوه للتدخل فقال سعيد برفق تستطيعين ماال يستطيعونه •• ريم اذهبي و سأبقى مع المشرف ، قد  

: رفعت ريم عينا دامعة إليه و قالت بصوت مخنوق بقية أعضاء الفريق للذهاب لن أذهب •• حسم المشرف الموقف فدعا  

الباقون بسرعة و على أن يبقى معه مصوران و ريم و سعيد، تحرك األعضاء : اتجهــــوا للباص فيما ركض أحد الرجال خلفهم و هو يصيح

ستقتلنا جميعا • في دقائق كانت ال تنسوا بعض المطهرات •• العدوى  

Page 218: رواية لاجئة

رفاق الرحلة ، تدق الحافلة تغادر تاركة خلفها زوبعة رملية و أربعة من ••قلوبهم بعنف و تمأل حلوقهم المرارة

: التفتت ريم إلى المشرف ممتنة فربت كتفها و قال أي مصاب ، و اكتفوا باإلنتشار بين المبعدين علينا بالحذر ، ال تقتربوا من  

: قال وهو يبصق ترابا لمعرفة التفاصيل •• جاء أحد الرجال و : سيعودون ؟ فقال المشرف و هو يبتسم هل  

: بأسرع مما تتوقع •• فقال الرجل   : المنكوبة للتو ما أسمك ؟ فقال المشرف بهدوء و هو يطالع الخيمة   راقبت ريم بعض الرجال و هم يحفرون قبرا للشهيد •• *** أبو محمد  

الحزين ، كان سكان المخيم قد اختاروا الشاب ، اعتصر قلبها مشهد األب فيها •• الحظت ريم شواهد بقعة تبعد عنهم بحوالي مائة متر لدفن األموات

سبعة و عشرة قبور قبور بدائية متناثرة هـــنا و هنــاك ، كـــان عــددهم بين بمجرد •• وقفت تطالع المنظر و الرياح الحارة تصفع وجهها و تجفف دموعها

أن تالمس بشرتها •• جاء سعيد إليها ، وقف بجوارها و عقد يديه خلف ظهره بقدمه حجرا صغيرا فسمعت ريم صوته و هو يحتك بالرمال الجافة •• ، ركل

: فتطلع إليها وقال غاضبا و هو يعيد النظر في األرض تطلعت إلى سعيد ، ••عار علينا و أي عار  

سارت عائدة لم تتكلم •• كزت على شفتيها كأنها تمضغهما •• تركته و للمخيم •• كان أربعة من الرجال يحملون الجثة ملفوفة في مالءة ملونة و يسيرون بها نحو المقبرة •• تنـــهدت و هي ترى األم تخرج مولولة خلف

انتظم على بعد خطوات سكان المخيم في جنازة صامتة بدأت الرجال فيما وضعوا الجثة أرضا و قام أحد الرجال الملتحين •• بطيئة ثم أسرعوا الخطو

فحملوه و ساروا به إلى مقره االخير •• بتأدية صالة الميت عليه ، ثم عادوا أخذتها في حضنها و هي لم تستطع ريم مرافقتهم ، فبادرت إلى األم و

على حضور تواسيها و تحاول العودة بها و المرأة تقاوم رغبة ريم ، و تصر ••دفن الوحيد

هي تقول بغيظ و تركتها ريم ، و سقطت على األرض تقبض الرمال الحارة و :غضب

لماذا ؟ لماذا ؟  

: جاءها أحد المصورين و قال و هو يحاول رفعها إنهم يحتاجون قوتنا ليعوضوا بها •• إنهضي يا ريم •• أمامنا عمل كثير  

إليه ريم ، ثم ضعفهم •• ال يجدر بك الضعف في ظرف كهذا •• تطلعت نظرت أرضا و انخرطت في بكاء مرير •• *** في المساء ••كان سكان

و معهم الضيوف الرجال يصطفون جلوسا على األرض ، و كان القمر المخيم الرجال و شرع في قراءة متأنية للقرآن •• كان مأتما بدرا ، توسطهم أحد

Page 219: رواية لاجئة

قبل •• بدا والد المتوفى أكثر هدوءا ، في العراء ، لم يشاهدوا مثله من العزاء •• و كانت ريم مع أحاط به الرجال يربتون يده و يسمعونه عبارات

الخيام •• النسوة في إحدى الخيام ، و انتشر األطفال يتصايحون خلف جلست ريم بجوار األم التي جفت دموعها و احتضنت بعض مالبس الفقيد و

تتمايل مع صوت القرآن القادم من الخارج •• كان الجو صحوا •• و أخذت الوجوه ، حاولت ريم أن تحرك لسانها بكالم فلم تستطع ، نسمة باردة تلفح

:فقالت إحداهن تطلعت حولها تستنجد بالنسوة

••الموت أصبح عادة يومية هنا  

:و قالت أخرى

يومين مات هيثم و أمه في لحظة واحدة •• كان قد أصيب بالمرض منذ   احتضانه طيلة الوقت ، هي أرملة منذ سنين و جميع اللعين و أصرت أمه على

العنقود عمره ثالثة عشر عاما •• أكاد أوالدها في الخارج ، كان هيثم آخر صباح أول أمس •• قالت ريم و أجزم أنهما ماتا معا •• وجدناهما جثة واحدة

: هي تبتلع رهبة غصت بها : كيف تعيشون هنا ؟ فقالت إمرأة  

آلخر إمدادات غذائية من مصر أو الله ال ينسى عباده •• تأتينا من وقت   : و قالت أخرى •• من ليبيا ، كما أن بعض منظمات دولية تزورنا أيضا

األشخاص يأتون بسيارات محملة ببضائع تجارية و يبيعونا حتى أن بعض   معنا نقودا ال فائدة منها ، يبيعون بأثمان مرتفعة إياها ، يعرف المالعين أن

: صدرها جدا •• فقالت سيدة و هي تضغط بتبديد ما أملك ، أعرف أن هذا األمر سينتهي يوما •• ال أسمـــح لنفسي  

: و هي تشيح بيدها قد أحتاج للنقود •• فقالت سيدة قبل أن ينتهي األمر •• و يأكلك الدود و يأكل نقودك •• لم قد تموتين  

عين المرأة ، و قالت و هي تنظر للقنديل تكترث للخوف الذي تراقص في : المعلق على سارية الخيمة

مذبحة دير ياسين المشئومة ، في فلسطين عندما خرجنا من قريتنا بعد   يستغرق األمر أياما ، عشنا في مخيم على الحدود مع األردن ، قالوا لنا لن

سنة •• و فلما تطاولت األيام شهورا قالوا الفرج قبل سنة •• و سنة جرت لم نغادر المخيم حتى كبرت و تزوجت و جاء بي زوجي إلى ليبيا •• أول

حقيقي عشت فيه كان في ليبيا ••كانت له جدران ال تخترقها العيون ، منزل يجرح عورتي فيه متلصص في الظلمات •• تنهدت و قالت و حماما منفصال ال

:

••بقاء الحال من المحال لكن  

آخر الخيمة كانت هناك شابة تضع نظارات طبية على عيونها و تجلس في ، و صامتة ، لفتت نظر ريم فنهضت باتجاهها ، راقبتها الفتاة و هي تتجه نحوها

Page 220: رواية لاجئة

عندما اتخذت ريم لنفسها مكانا بجوارها ، ضمت ساقيها أكثر لتفسح لريم خلعت نظارتها و طفقت تمسحها بطرف ثوبها ، عادت فلبستها و مكانا و

: قالت لريم : بود ما اسم جريدتكم ؟ فقالت ريم و هي تبتسم  

: الخير •• فابتسمت الفتاة و قالت إنها مجلة •• مجلة صباح   أنت ؟ أعرفها ، كنت أقرأ بعض أعدادها التي تصل إلى ليبيا •• ما اسمك  

: فقالت ريم و هي تسند ظهرها برفق على قماش الخيمة : ريم •• ريم جهاد القاسم •• قالت الفتاة بدهشة  

اسمك ليس مصريا  

:فقالت ريم على الفور

فلسطينية •• من غزة •• أقصد أبي من غزة ، أنا لم أر فلسطين أبدا أنا  ••

:تنهدت الفتاة و قالت

الجئة إذن ؟  

:برأسها للخلف و قالت أومأت ريم برأسها إيجابا ، فتنهدت الفتاة و ألقت

: في الهم سواء •• و سألتها ريم عن اسمها فقالت كلنا   تنهدت و •• أنا وردة صبحي •• طالبة في السنة الثالثة بكلية اآلداب  

أردفت ••كنت طالبة  

Page 221: رواية لاجئة

بعيد ، ركض بعض عند الفجر ، سمع سكان المخيم صوت الحافلة قادما من : الرجال لمالقاته فقال المشرف أبو محمد بحزم

معهم معدات البد من الحذر في •• أتركوا لهم الفرصة لينزلوا بالقرب منا   ••إنزالها

و نزل منــــها استجاب الرجال ، فوقفت الحافلة بالقرب من إحدى الخيام أعضـــاء الفريق و معهم خمسة أطباء شباب ، أخرجوا من بطن الحافلة

صناديق كثيرة و أنزلوها في إحدى الخيام التي أخليت على الفور بتوجيهات الذين أرادوا مكانا خاصا ليكون بمثابة عيادة يتم فيها فحص كل من األطباء

اللقاحات المناسبة خاصة لمن لم تصبه العدوى سكان المخيم و إعطائهم :منهم ، قال أحد األعضاء للمشرف

هاتف ستلحق بنا بعض الحافالت حالما ينتهون من جمع التبرعات ، لقد   رئيس التحرير نقابة األطباء و نقابة المحامين و حتى نقابة الفنانين ، و أبدي

الجميع استعدادهم للمساعدة بما يستطيعون •• ال تنس نحن في أول اليوم ، ••العودة سريعا إليكم كنا نريد

:ربت عليه المشرف و قال فخورا

••الله فيكم بارك  

***

بيد رفيقة تهزها ، كانت ريم قد نامت تعبا في إحدى زوايا الخيمة ، شعرت :فتحت عيونها بسرعة ، بفزع ، فقالت وردة مبتسمة

إلزعاجك ، يبدو أن النوم غلبك إرهاقا ، شخص من أفراد فريقكم آسفة   ••يريدك خارج الخيمة

: نهضت ريم بسرعة فقالت لها وردة المخيم ، أخلوا ثالثة خيام منذ ثالثة ساعات و األطباء يفحصون سكان  

قليل •• للمصابين و أعطوا معظمنا اللقاحات ، لقد أعطوني حقنة قبل ابتسمت ريم و هي تحمد الله ، خرجت فوجدت سعيدا واقفا على باب الخيمة

: ينتظرها بقلق ، بمجرد رؤيتها هتف حامدا لله بادرهاريم أين كنت ؟  

: قالت بهدوء هو بالداخل ، غلبني النوم فنمت في مكاني ، هل حدث شيء ؟ فقال و  

:يهز رأسه و يبتسم

Page 222: رواية لاجئة

الخير يا حبيبتي •• منذ البارحة ظهرا لم أرك ، أكلني قلبي عليك •• صباح   :عند المقبرة •• ابتسمت ريم و قالت كنت في حالة سيئة

بخير يا سعيد اطمئن •• سمعت أن اإلمدادات وصلت ، هل نذهب أنا   و مد لها يده فأمسكت بها و سارا باتجاه الخيمة لنلقي نظرة •• ابتسم سعيد

: إليهما و قال احدهم بحزم العيادة ، تطلع األطباء المكممين قالت للطبيب نأمل أن تغادرا حتى ال تتعرضا للعدوى •• أفلتت ريم يدها و  

: مساعدتكم ، أستطيع أن أوفر عونا البأس به •• كنت أساعد أنا أريد  

: قال سعيد طبيب الجامعة في عمله •• و أعمال األسعاف منذ أيام الجيش ، أستطيع أن أكون و أنا لي خبرة في  

••ممرضا ممتازا

: فقال الطبيب بسرعة تتحصنا ألبسوا الكمامات و ضعوا القفازات و تناولوا اللقاح •• البد أن  

بدوركما •• تساعد اإلثنان في فعل ما أمر به الطبيب ، و كان سعيد سعيدا أول حقنة يعطيها في عمله الجديد ستكون لريم ، أغمضت عيونها و هي ألن

: قالت تسلمه ذراعها و ••كن رفيقا بي  

:فقال و هو يبتسم

هذا السائل سائل محبة بعد أن أحقنك به تصيحين فورا " تزوجني يا ليت   : هي تكز على شفتها السفلى حذر األلم سعيد " ابتسمت ريم و

أقبلت أحقني يا سعيد بسرعة ••• نريد أن نعمل يا رجل •• عند العصر   الحافلة الثانية و معـــــها شـــاحنة عمالقة تحمــل الكثير من المعونات ، و كانت فرحة سكان المخيم المبعدين كبيرة عندما جاءت من ليبيا أيضا عربتا

••كبيرتين ، و شاحنة تحمل مساعدات إسعاف

لكبير سكان نصبت العديد من الخيام الجديدة ، و قال المسؤول الليبي :المخيمات كأنه يبلغ رسالة

زعيمكم ، و إبعادكم ليس قسوة و إنما استجابة لمعطيات واقع جديد صنعه   في النهاية نحن أخوة ، سننقل المصابين منكم للعالج في المستشفيات ، و

هناك فرصة للطالب أن يعودوا آلداء اإلمتحانات إن ارادوا •• فقط آلداء لقاء غريب على الحدود اجتمع فيه المصري و الفلسطيني و •• اإلمتحانات

واقع غريب •• لكنه كان لقاءا جميال رغم الليبي في ظرف غريب نشأ عن ••كل شيء

Page 223: رواية لاجئة

و يودعون سكان صبيحة اليوم التالي كان أعضاء الفريق يجمعون أغراضهم ، : المخيم في طريقهم للعودة ، قالت وردة و هي تقبل ريم

بخطيبي في ليبيا •• أتمنى لكما أسعدتني رؤيتك كثيرا ، و ذكرني خطيبك   ••السعادة

: نظرت ريم إلى سعيد فهز كتفيه و قال باسما تعمدت عدم الركوب حتى انتهى لديها نظر ••!! توجهت للحافلة ، و  

: أعضاءالفريق من صعوده ، و قال لها المشرف تطلعت للمخـيم ، و لسكانه الذين هيا يا ريم ، أم مازلت تريدين البقاء ؟  

: وقفوا يلوحون لهم ، ثم نظرت للمشرف و قالت بامتنان ابتسم الرجل و قال و هو يصعد و يغلق •• أنت عظيم يا أستاذي ، عظيم  

: الباب خلفه الحافلة المكان ، لن يعفيك هذا من العقاب حالما نصل المجلة •• غادرت  

: و التفتت ريم إلى السكان المبعدين و قالت و هي تتنهدترى متى يعودون ••؟  

: فقال سعيد و هو يطالع تفاصيلهم المبتعدةإلى فلسطين أم إلى ليبيا ؟  

••تنهدت ريم و لم ترد

••لم تكن ثمة إجابة

***

و التحليالت و كان الموضوع الذي عاد به الفريق قويا بالصور و الرسوم اللقاءات •• أعطت ريم المجلة ألمها و قالت و هي تشير إلى فتاة سمراء

: نحيلة خلف الوجوه : التي حدثتك عنها •• قالت األم و هي تتأمل الصور هذه وردة  

: آمل أال تذبلها األحداث •• فقالت ريم   : تركناهم بخير •• فقالت األم  

سيقتل كل سكان المخيم ، إنهم إلى حين يا ريم •• هذا الوضع لو استمر   الناس ، عندما في صحراء ، يعتمدون على ذاكرة العالم ، ماذا لو نسيهم

عن تخف األضواء عنهم ، و تزهد الصحافة في أخبارهم ، ماذا لو توقف العالم اإللتفات إلى مصابهم •• العالم دأبه النسيان و ذاكرة هذا العصر ضعيفة جدا

: وضعت ريم يدها على قلبها تهدىء نبض خوف قوي اجتاحه و قالت•• : هي تتنهد أسأل الله أال ينسوهم •• فقالت األم و  

:تنتهي مصيبتهم •• قالت ريم و هي ترى انزعاج أمها الكبير أسأل الله أن  

: ألم تصل برقية من قاسم ؟ فقالت األم  

Page 224: رواية لاجئة

األيام ينبغي أن تكون األولى في وعد أن يكتب كل يوم رسالة ، بحساب   : قالت ريم غضون يومين بين أيدينا ، أسأل الله له السالمة •• و

: ينسى •• قالت األم و هي تدفع شكا يراودها فيخيفها أسأل الله أال   فقالت ••• لن ينسانا قاسم يا ريم •• ولدي الحبيب لن ينسى أسرته أبدا  

: ريم و عيونها تلتمع : ينبغي أال ينسى يا أمي •• و إن نسي نذكره •• فقالت األم بدهشة  

:نذكره ؟ فقالت ريم  

ال ينسى •• البد أن نقرع األجراس دوما •• نصرخ بصوت عال أننا حتى   أننا نرفض نسيانه •• إذا أدار وجهه عنا ، أدرنا أنفسنا إليه هنا •• نعلنها للدنيا

خرجنا له منه ، إذا قرأ كتابا كنا بعضا من سطوره ، وإذا ، و إذا تشاغل بأمر ••ذراته تنفس هواء كنا بعضا من بعض

: أمسكت بأمها ، قبلتها بحماس كبيرو قالت ال ينسى قالت األم متسائلة البد يا أمي •• البد من عمل كل شيء لكي  

: بدهشة : لألمام قاسم ؟ فقالت ريم بقوة و هي تحكم قبضة في الهواء و توجهها  

•• *** كله يا أمي العالم •• العالم   كانت تعرف أن فكرتها لن تكون محل ترحيب بمجرد طرحها •• هذا جنون  

كبيرة تنتظرها ، لكنها كانت مصرة على ، كانت تعرف أن هناك معارضة :يفارقها ، تنام و تصحو عليه تنفيذها ، كانت الفكرة قد أصبحت هاجسا ال

•• من محاربة النسيان يا سعيد البد   تجلس أي نسيان يا ريم ؟ ، ماذا تقولين ؟ فيما تفكرين ؟ قالت و هي  

بجواره و توجه حديثها له و ألمها التي قامت باستدعاء سعيد على عجل بعد : ريم عليها فكرة مجنونة و أصرت عليها أن طرحت

نكبة النسيان هو آفة العالم •• خمسون عاما و نحن نعيش نكبة كبرى ،   تجتاحنا ، تأتي على األخضر و اليابس فينا ، غرب و عرب •• الجميع ينسى

يتناسى ، المهم أننا نعود للوراء ، كلما أوغلنا في النسيان كلما اتسعت•• الواقع المرفوض وبين ما ينبغي أن يكون نتفاوض اآلن من أجل الفجوة بين

، و كأن فلسطين كانت حقا لهم و نحن نغتصبه بضعة أمتار و كأننا نشحذ لنا ، البد من حدث يحرك الراكد منهم ، البد من تذكير العالم بأن فلسطين

إنتفاضة جديدة ، من تاريخنا •• البد من حدث يذكر العرب بعروبتهم ، هذا بأسلوب جديد •• بأسلوب يتماشى و النظام العالمي الجديد •• البد من

:•• قال سعيد و هو يكتم غيظا

!!لكن هذا جنون و  

: فقالت بسرعة أناسا وما الذي يجري حولنا وله عالقة بالعقل ؟ كنا معا و رأيت بنفسك  

Page 225: رواية لاجئة

يموتون ألنهم لم يتمكنوا من رفض قرار عربي قوض أمنهم •• في البيــوت من أهلها و عاش أصحاب البيوت في مخيمات فلســطين سلـــبوا

إلى بيوتهم ، أصبح يعيش فيها األعداء حقيرة يرنون بعيون ملؤها الحسرة إسرائيل بيوتا في على مرأى و مسمع من العالم ، في كل يوم تهدم

فلسطين و تسطو على ممتلكاتها و تعطي لنفسها مساحات أوسع من دولية عمياء دأبها النسيان ، ما الذي جعل اإلسرائيلين يحصلون دوما شرعية

ذلك أنهم يقرعون في كل يوم أجراس الذكرى ، رويدا على ما يريدون ؟ تراجعوا ببطء عن أمالكهم و احتلتها رويدا حلت إسرائيل محل العرب ،

إذا تنازلت إسرائيل تكرما عن إسرائيل و نسي العالم أنها كانت يوما لنا حتى ••أمتار قليلة رفعوا لها قبعاتهم و حيوها على تضحيتها

ينسيني اللجوء اسمع يا سعيد •• اسمعي يا أمي •• أنا فلسطينية ، لن انتمائي ، لن يعطيني جنسية البدون ألعيش على الهامش ، لن يكون هدفي

لقمة اليوم أمضغها فتمضغني ، حتى إذا حانت منيتي ، اندثرت أكثر مع أبنائي إذا لم أعد لبالدي لن يعرفهــا أبنائي •• ستـــــغلق فلسطــــين •• أمنيتي

تموت بمـــوتهم قهرا ، أو ذال ، أو برصاص غادر يستبيح على من فيها ، و ناقوس الذكرى ، كما كانت جدتي تعمل مع دماءهم •• البد من أن أقرع

سعيد مشفقا :د أوالدها •• عل العالم يسمع ، و يلبي •• فقال

•• وحيدة لكنك   ماليين األجراس •• البد أن يحمل كل مغترب ناقوسه إذن البد من قرع  

العالم و توقظه من سباته و تجعله يركن ليدقه •• لنشعلها حربا سلمية تنبه الدليل لمن نسي أننا لم ننس للعدل •• لنضع النقاط علي الحروف و نقدم

: كيف ؟ قالت ريم و هي تبتسم بهدوء رغم أن قلبها ينبض بقوة   العدل الدولية •• همست األم و هي سأقاضي إسرائيل أمام محكمة  

: تجلس بإعياء هذه مجنونة ••!! نظر سعيد إلى األم ، ثم نظر إلى ريم و قال جادا  

: المرة : فقالت ريم و قد لمست في نبرته استعدادا للتفهم فيما تفكرين ؟  

اليهود أملك وثيقة رسمية تثبت ملكية عائلتنا للمنزل الذي استولى عليه   •••• سأقدمها مع مذكرة أطالب فيها باسترداد بيتنا

: ابتسم سعيد و هو يقول الدوليــة ال لو سلمت جدال بمعقولية ما تقولين ، فإن محكمـــة العدل  

تملك الحكم بين فرد و دولة •• اختصاصها فض المنازعات بين الدول و ليس : بين فرد و دولة •• فقالت ريم مبتسمة بثقة

هناك •• أنا فلسطينية •• بالدي مغتصبة ، نفاوض من أجل عدة أمتار   اعتراف عالمي ضمني بأن للفلسطنيين حقا في تلك األرض •• سأبدأ بنفسي

يرفضون طلبي ستتولى الصحافة شرح القصة و سأدعو إلى أن •• و عندما وثائق تثبت ملكيته لألرض ، أو للبيت •• يقدم كل فلسطيني ما لديه من

Page 226: رواية لاجئة

دولة •• نحن في الخارج ال سنكون في نهاية المطاف دولة •• دولة تطالب تقاضي دولة نقل عن مليونين ، لو استجاب لي مليون فسنصنع دولة •• دولة

•• قالت األم بجزع : د ••تحلمين  

: عندما همت ريم أن ترد قال سعيد معك يا ريم •• فقالت ريم و قلبها كل األعمال العظيمة تبدأ بحلم •• أنا  

: يدق حماسا و طربا : لكنك مصري •• فقال بثقة  

شأنها أن أنا عربي •• محام عربي •• سأتخذ كافة االجراءات التي من   تذلل أية عقبات أمامنا •• سأسافر معك إلى هولندا ••• و هناك في الهاي

تشهد أروقة المحكمة الدولية أغرب قضية من نوعها بين الجئة و دولة سوف •• بالدها قامت على أنقاض

•• أنت رائع يا سعيد   كانت ريم تصعد درجات سلم الطائرة بصحبة أنت رائعة يا ريم •• عندما  

هذه اللحظة لها بالدعاء •• سعيد ، كانت تعرف أن قلبا واجفا يتمتم في الهواء عله يصل أخرجت جرسا صغيرا من حقيبة يدها أرسلت به صوتا عبر

إلى أمها فيطمئنها أن ريم الالجئة عرفت آخـــر األمر هدفها •• و سعت لتحقيقه •• لم يشغلها إن كانت ستنجح ، أم أن فشال ذريعا ينتظرها •• كانت

••القرار ليس سهال لكنها كانت مصممة على المحاولة تعرف أن

اللجوء و هل يمكن لدقات الجرس الصغير أن تخترق عشرات السنين من" النسيان •• وتصل إلى كل شهيد على أرضه ، و إلى كل من مات في غربته

فراش بارد ؟هل يوقظ رنينه األموات و يهب النار الغافية صحوة و على ؟ " هذا ما كان يشغل سعيد ، لكنه كان متفائال •• اشتعاال ينذر بالحريق

••الطائرة معا أحكم قبضته على كف ريم و دخال

م19/9/1998الموافق/ هـ25/2/1419انتهت بحمد الله الجمعة /