37
T.C. ULUDAĞ ÜNİVERSİTESİ İLÂHİYAT FAKÜLTESİ DERGİSİ Cilt: 19, Sayı: 2, 2010 s. 21-57 رشد وابن الغزالى بينعقل الفھوم م بناء إعادة ضوء فيلمعاصرة افلسفات ال تعيـــــــــلب أيمن ا الجمھورية ـ بورصة ـلوداغ أو جامعة ــ العربيدب وا النقد أستاذ لتركية العربيملخص ال رشد ابن بينميةس ا العربيةلثقافة ا فىعقل الفھوم م قراءة تركيبعيد ي البحث ھذا جديدفھوم ميس تأسعيد يلمعاصرة،بما ا والمعرفيةفلسفية الصورات الت ضوء فى والغزالىجتماعية واياسية والس الفكريةلثنائيات ا تجاوز علىدرا قا يكونا العربىعقلل ل التى والقيمية.لمعاصر امىس الواقع با العربى،وأضرتعقل الت فتAbstract Reconstructing the concept of Mind between al-Ghazālī and Ibn Rushd in the light of Contemporary Philosophies This research re-installed to read the concept of mind in the Arab- Islamic culture between Ibn Rushd, al-Ghazālī, in the light of perceptions and philosophical knowledge of contemporary, including re-establish a new concept of the Arab mind be able to override the binaries of intellectual, political, social and values that drew the Arab mind, and hurt the reality of contemporary Islamic.

ابن رشد وشوق المعرفة

  • Upload
    joker15

  • View
    62

  • Download
    3

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: ابن رشد وشوق المعرفة

T.C. ULUDAĞ ÜNİVERSİTESİ İLÂHİYAT FAKÜLTESİ DERGİSİ Cilt: 19, Sayı: 2, 2010 s. 21-57

في ضوء إعادة بناء مفھوم العقل بين الغزالى وابن رشد الفلسفات المعاصرة

أيمن تعيـــــــــلب

لتركيةأستاذ النقد واألدب العربي ــ جامعة أولوداغ ـ بورصة ـ الجمھورية ا

الملخص العربيھذا البحث يعيد تركيب قراءة مفھوم العقل فى الثقافة العربية اإلسالمية بين ابن رشد والغزالى فى ضوء التصورات الفلسفية والمعرفية المعاصرة،بما يعيد تأسيس مفھوم جديد

والقيمية التى للعقل العربى يكونا قادرا على تجاوز الثنائيات الفكرية والسياسية واالجتماعية فتت العقل العربى،وأضرت بالواقع اإلسالمى المعاصر.

Abstract

Reconstructing the concept of Mind between al-Ghazālī and Ibn Rushd in the light of Contemporary Philosophies

This research re-installed to read the concept of mind in the Arab-Islamic culture between Ibn Rushd, al-Ghazālī, in the light of perceptions and philosophical knowledge of contemporary, including re-establish a new concept of the Arab mind be able to override the binaries of intellectual, political, social and values that drew the Arab mind, and hurt the reality of contemporary Islamic.

Page 2: ابن رشد وشوق المعرفة

22

لقد جرت العادة الفكرية واإلسالمية لدى املفكرين العرب القدامى واحملدثني معا، أن يقيموا السدود واحلدود بني قلب الغزايل وعقل ابن رشد،وبعضهم ردد أن الغزايل قد قضى على

نادي بضرورة اإلفادة من عقالنية ابن رشد وغض البصر العقل الفلسفي اإلسالمي،وبعضهم الفكري عن صوفية الغزيل اليت غيبت العقل اإلسالمي وشطحت به صوب املثاليات املتعاليات اليت ال تفيد كثريا يف بناء الواقع اإلسالمي املعاصر،وظل هذا (الفصام املعرىف النكد) بني قلب

ثقافة العربية اإلسالمية لقرون طويلة حىت اللحظة احلضارية الغزايل وعقل ابن رشد قائما يف الاملعاصرة،ولكننا نظن احلقيقة على غري ما تصوره املفكرون العرب القدامى واملعاصرون، فالتصورات الفلسفية العاملية املعاصرة تبني لنا أن عقل ابن رشد وقلب الغزايل كليهما ضروري وأساسي يف

ية واألخروية معا، فليس الغيب هو الغيب الديين فقط، بل هناك الغيب البحث عن احلقيقة الدنيو املادي الواقعي الذى يتكنفنا من كل جانب على املستوى املعرىف والعقلى والتجريىب واملنطقى

والرياضى والتخييلى،لقد اتسع العامل بعد أن ارتفع احلد الصارم الذى أقامه الفالسفة واملناطقة اصرون للقضايا: والىت صنفوها حتت قطبني ال ثالث هلما ومها (إما أن تكون القضية القدامى واملع

صادقة وإما أن تكون كاذبة)،لكن املناطقة والفالسفة اجلدد أدخلونا إىل حد ثالث وهو (وإما أن تكون غري مفهومة ولكنها قائمة موجودة قائمة )، وهو ما يطلق عليه ىف الفكر الفلسفى

مبنطق الفئات الغائمة)) والذى حيلو أن نرتمجه بـ ((باملنطق البيىن الغائم) الذى يعيش ىف املعاصر (مناطق الالحتدد املعرىف والتشوش والالدقة الىت أصبحت حدودا تأسيسية ىف بنية الفلسفة والعلم

التجريىب املعاصر.إلعادة بناء فتحا معرفيا ومنطقيا جديدا fuzzy logicلقد صار (املنطق الغائم) "

مفاهيم اإلدراك والوعي والتعقل واللغة وعالقتها بقوة احلدس واالفرتاض والتخييل أى قوة منطق الوجدان إىل جوار منطق العقل،ولقد استطاع املنطق الغائم أن ينقذ املناطقة والفالسفة احملدثني

اء منطق جديد للعقل من ومهية التناقضات املعرفية،وال سببية الفجوات املنطقية، وإعادة بنوالعقالنية واللغة خارج احلدود العقالنية الضيقة، والتصورات الكلية الومهية،وقد قاد املنطق الرمادي

، ومستحيل possibleالغائم املناطقة إىل األخذ بتصورات قيمية أخرى مثل منطق: ممكن impossible وحادث ،contingent وضروري ،necessaryصورات ، فمثل هذه الت

ميكن أن ننسبها للقضايا اليت ليست صادقة أو كاذبة كما شاع لدى الوضعية املنطقية بكل

Page 3: ابن رشد وشوق المعرفة

23

صورها القدمية واجلديدة،.مبا يدخلنا إىل عامل جديد من املنطق ثالثى القيم، أو قل "املنطق متعدد كما أبان عنه لوكاشيفتش. وكثري من املناطقة والفالسفة many-valued logicالقيم"

املعاصرين،فالقضايا إما أن تكون كاذبة أو صادقة أو غري حمددة أيضا ولكنا موجودة بالفعل الندرك مسارها املادى بدقة بل بطريق تقريبية ظنية إحصائية،فاإلحصاء هنا ليس طريقة علمية

ا الواقع واملادة والعامل بل العامل نفسه إحصائى النستطيع تكميم مجوحه ىف قنوات عق النية ندرك منضبطة بصورة مطلقة،بل املمكن فقط هو أن نقول ((إذا حدث كذا فمن املمكن أن حيدث كذا وبنسبة كذا))،هذا هو املتح فقط،ذلك أن تصوراتنا العقالنية والعلمية واملنطقية عن الواقع

نظن أننا واملادة والعامل التسيطر على مانعرفه وال على مانظن أننا نعرفه بل على ((فهمنا)) ملا نعرفه،وبذلك يتساوى عندنا الوعى بالعلم مع القدرة على الوعى باجلهل ىف إدراك العامل والعلم والواقع،ولقد تطورت العلوم والفلسفات حىت وصلنا إىل هذه التصورات املعرفية واإلدراكية

Quineاجلديدة، ولنا أن نقرر هنا بأن الفيلسوف الألمريكي (ويالرد فان أورمان كواين )) هو الذي قاد هذه التصورات املنطقية والفلسفية اجلديدة قيادة معرفية 1908 -2000(

خالقة ففتح بذلك جماالت إدراكية جديدة ملفاهيم احلقيقة والتعقل واإلدراك والوعى والواقع والتصور،ولقد مت ذلك حني كتب مقاال بعنوان "(عقيدتان جامدتان من عقائد املذهب

، معارضا بذلك قضايا (املنطق ثنائى القيم) Two Dogmas of Empiricism)التجرييبالذي يقتصر فقط على قيميت الصدق والكذب ىف القضايا ويبني ويالرد فان كواين الصعوبات أو باألحرى التناقضات اليت واجهت هذا املنطق التقليدى ىف اقتصاره على هاتني القيمتني،ويبني

د على لسان كواين قائال: ((وميثل هذا املقال ـ الذى كتبه كواين آنفا ـ ذلك الدكتور حممد السييار املدرسة الوضعية املنطقية. اعرتض "كواين" يف هذا املقال على اعتقادين البداية احلقيقية الما معظم الفالسفة منذ أفالطون وأرسطو وحىت "كارناب" وبوبـر. يتلخص االعتقاد كان يسلم

ول بوجود متييز واضح قاطع بني نوعني من القضايا يطلق عليهما القضايا التحليلية األول يف القوالقضايا الرتكيبية، أي بني القضايا الضرورية من قبيل قضايا الرياضيات وحتصيل احلاصل من جهة وقضايا العلوم الطبيعية والعلوم االجتماعية من جهة أخرى واليت ميكن تكذيبها من خالل

والتجارب. وقد أمجع الفالسفة على أن القضايا التحليلية ال ختربنا بشيء عن الواقع املالحظات ا إىل االستشهاد بأدلة مستمدة من اخلارجي، ومن مث فنحن ال حنتاج ىف إثبات صدقها أو كذ

تصدق من خالل معاين األلفاظ الداخلة يف تركيبها 4= 2+ 2ذلك الواقع. فالقضية القائلة

Page 4: ابن رشد وشوق المعرفة

24

ة إىل الواقع اخلارجي، وينطبق نفس القول على بعض قضايا اللغة اليت تستخدم دون العوداملرتادفات للتعبري عن نفس القضايا من قبيل قولنا "الشخص األعزب هو الشخص غري املتزوج"، فمثل هذه القضايا تكتسب قيم صدقها أيضا من خالل معاين الكلمات املكونة هلا. اعرتض

ا على عدم دقة هذا الرأي، واقرتح "كواين" على هذا التمي يز وساق عدة حجج منطقية دلل بدال من هذه الثنائية القدمية العقيمة بني احلقائق الضرورية من جهة وقضايا العلوم االجتماعية والطبيعية من جهة أخرى، سلسلة متدرجة من االعتقادات تقرتب من االعتقادات الىت يفرتضها

فيزيائية. فاعتقاداتنا املعرفية، ىف رأيه، ليست سوى شبكة متداخلة من الباحثون يف العلوم ال Holism العالقات الىت تتقاطع مع غريها، وهو ما أصطلح النقاد عل تسميته بالنزعة الكلية

الفارق بني هذين النوعني من القضايا، ىف رأيه، يكمن فقط ىف درجة قبولنا هلا من الناحية طقية،أما االعتقاد الثاين: الذي انتقده "كواين" فهو ذلك الذى يطلق عليه الربمجاتية، وليس املنوالذي كان ميثل حجر الزاوية يف فلسفة الوضعيني reductionismاسم النزعة الردية

املنطقيني حيث استندوا إليه يف االستدالل بأن قضايا الدين واألخالق ال معىن هلا من الناحية . يتلخص هذا االعتقاد يف القول بأن كل قضية cognitively meaninglessاملعرفية

ميكن، مبعزل عن القضايا األخرى، أن تقبل التأييد أو التفنيد. وقد ساق كواين عدة حجج يدلل ا على عدم صحة هذا الرأى وبعدم وجود مربر منطقي يربهن على إمكان مقارنة القضايا اجلزئية

قد تعدل من منظومة أفكارنا. لقد حث "كواين" الفالسفة باخلربة احلسية، فكل خربة جديدةعلى أن يكفوا عن البحث عن طلب احلقائق اليقينية، وأن يكتفوا بدال من ذلك مبحاولة العثور

1969على طرق جديدة لتنظيم املادة اليت يقدمها العلم الطبيعي،وكتب ىف ذلك مقاال ثوريا عام قدم فيه تصورا Epistemology Naturalizedبعنوان "االبستميولوجيا مطبعة "

مستقبليا ميكن فيه تطبيع نظرية املعرفة، أي دراستها يف إطار من العلوم املعرفية، والكف عن دراستها بالطرق التأملية البالية. وال عجب يف ذلك، فقد سلم "كواين" منذ بداية دراسته للمنطق

ية هي اللغة املناسبة للفلسفة، بل هي الوحيدة اليت ميكن والفلسفة بأن لغة املنطق والعلوم الفيزيائأن تكشف لنا عما أمساه "البنية احلقيقية العليا للواقع"...... ولقد اهتم "كواين" بفلسفة اللغة وعالقتها باإلنسان والواقع، حيث كان يرى صعوبة أو استحالة ترمجة املصطلحات من لغة إىل

لغات كتابة وحتدثا)، فالكلمات ليست سوى استجابات أخرى (على الرغم من إجادته ستسلوكية ال تنفصل عن الثقافة اليت تستخدم فيها، وحنن حني نتعلم لغة جديدة، بل وحىت حني

Page 5: ابن رشد وشوق المعرفة

25

نتعلم لغتنا األم األصلية، ال نعقد صلة مباشرة بني الكلمات واملعاين، فاألم حني تعلم وليدها ه معاين الكلمات املختلفة، وإمنا يربط الطفل بني الكلمات كلماته األوىل ال تستطيع أن تنقل إلي

واألشياء احمليطة اليت تثري انتباهه، وهذا خيالف رأي الفيلسوف واملنطقي املعروف "فرجيه" ورأي الفيلسوف وعامل اللغة األمريكي املعاصر "تشومسكي" وغريمها ممن اعتقدوا يف ضرورة وجود معاين

همها، وإال ما استطعنا التواصل كبشر. لقد ظل كواين يشارك يف احلياة واحدة نشرتك مجيعا يف فاية حياته، حيث نشر كتابا مهما عام بعنوان "من املثري إىل 1995األكادميية والفكرية حىت

حاول فيه أن يقدم استبصارات جديدة حول From Stimulus to Scienceالعلم" ). 1موضوع اإلدراك والفهم))(

يع هذه التصورات تعيدنا إىل الطرفة الىت تقول:((يف البدء مل يكن اإلنسان يسأل ومج ا يف السماء، مث جاء ذاته أو غريه عن احلقيقة، وحينما ابتدأ السؤال جاء األنبياء وقالوا: إا: يف الطبيعة، ويف العصر ا يف العقل، وذهب علماء عصر النهضة إىل أ الفالسفة وقالوا: إ

ا: فيما دون " السرة " وأكد نيتشه: أن ال احلديث ا يف البطن، وزعم فرويد أ زعم ماركس: أوجود للحقيقة، لكن أينشتني أكد يف الوقت نفسه: أن احلقيقة موجودة " لكنها دائما نسبية ")). والطرفة كما نرى قد تبدو قوال بسيطا يف الظاهر، لكنها ىف الباطن العميق ختتزن قلقا

ا ومنطقيا ومنهجيا مرهقا للبحث عن حقائق األشياء واملوجودات والذات والعامل، مما يدل معرفيعلى أن مفهوم احلقيقة نفسه، وطرائق تعقلها،قد تعرض لتشوهات لغوية وسياسية واجتماعية ونفسية وفلسفية كثرية، فكل خطاب من هذه اخلطابات حاول تأطري وتوصيف احلقيقة يف نسقه

به، وقد أخفى احلقيقة بقدر ما أظهرها، وأربك كليتها من حيث وقوفه على بعض العلمي اخلاصا فقط، وشوهها من حيث أراد إصالح حاهلا، وطمسها من حيث ظن اإلبانة عنها، وإذا جزئياكان هيدجر يقول بأن "(( اللغة هي بيت الكائن)) فمن املمكن أن نرى اللغة أيضا من وجهة

كائن )) وإذا كان العقل والواقع والوجود هو حمض اللغة الىت يتكلمها بال نظرنا ((سجن ومنفى الزيادة وال نقصان، حيث حدود العقل واحلقيقة والواقع هى حدود اللغة،فإن العقل خيضع بصورة حتمية ملا ختضع له اللغة،وإذا كانت اللغة ليست عقال حمضا فإن التعقل ليس تعقال حمضا أيضا

( سيطرة العقل على املوضوع مل تكن أبدا جمرد إجراء نظرى، بل هى سيطرة فيما نرى، ذلك أن(على العامل وتنظيم له يف آن، وهلذا فالتاريخ ال ينفصل عن تاريخ العقل نفسه، ألن التاريخ هو

Page 6: ابن رشد وشوق المعرفة

26

)،لكن الواقع ليس هو العقل وطرائق إدراك الواقع 2النسخة العملية الفورية ألعمال العقل))(فسه،فاملعرفة ليست هى األشياء،والنظريات ليست هى األحياء، وال مفر للغة ليست هى الواقع ن

الىت هى العقل من تغليب حس التجزيء على حس الرتكيب،وحس االنعزال واالستقالل على حس التداخل والتعدد،وحس التعاقب الزمين السبيب العلي الفقري على ما نطلق عليه هنا ((حس

ي)) القائم على التداخل الدوري للزمن،وما حيتويه من شبكية معرفية التنامي العضوي البيين احلتشعبية تنتظم اجملهول ضمن املعلوم واحتقاب القدرة على الوعي باجلهل الىت يراها متضمنة بالضرورة ضمن القدرة على الوعي بالعلم،حىت لتنتظم هذه الشبكية ضمن ما تنتظم العقل

نشاط واجلدل والتسامى،ولو أردنا أن نبسط القول النقدي حول والوجدان واالستشراف واحلب والاألخطاء املنهجية واملعرفية واملنطقية الفادحة الىت وقع فيها املفكرون الغربيون ــ إذ العلم كما يقول باشالر هو تاريخ األخطاء العلمية املصححة ــ ومن تبعهم من املفكرين العرب املعاصرين خبصوص

صطلح العقل والوعي وطرائق اإلدراك والتعقل، وغياب منطق جدل الوجود قصور مفهومهم ملم احلي ، وغياب منطق العقل املتجسد القائم على احلب والتعاطف والتسامى والرتامي يف تصورااملعرفية حول مفهوم العقل ـ أقول لو تتبعنا كل ذلك لدى مفكرى الغرب وبالتبعية لدى املفكرين

هذا اهلزال املعريف الفادح يف الوعى جبوهر األشياء واألحياء والظواهر والوقائع العرب ــ هلالناوالنصوص،وقصور معرفتهم بطبيعة اجملتمع الثقايف الغريب والعرىب بوصفهما نصوصا عقلية أيضا!!فال يعىن العلم بالوقع حقيقة وجود الواقع!!وال تعىن املناهج والنظريات الىت حتاول تصنيف

ا قد احتوت الواقع بالفعل!!هذا ليس صحيحا بالضرورة،ال على املستوى الواقع بالعقل أالسياسى واإلجتماعى واإلقتصادى واجلماىل والفلسفى، وال على املستوى املنطقى أو العلمى التجريىب أواملنهجى فأى ظاهرة علمية جتريبية منطقية ال تستطيع أن تدعى القدرة على التحقيق

ا، حىت وإن ادعت ذلك عقليا من اجلهة العلمية أو بصورة مطلقة ىف صدقها،أو حىت كذا ال تستطيع ا ستطلع غدا بالضرورة ، غري أ الفلسفية،إن ظهور الشمس ماليني املرات ال يعىن أولن تستطيع أن تدعى عدم قابليتها للتكذيب مع دوران األحداث واملتقلبات واملستجدات ،

لتدفق احلى املتجدد للحياة والوجود والظاهرات والنصوص أعمق وآصل من وهذا راجع إىل أن امجيع تصوراتنا العقلية والعلمية واملنهجية عنها، فالنظرية ـ أية نظرية مهما كانت شروط دقتها العقلية واتساقها البنيوى الداخلي ـ هى حمدودودة حبدودها التارخيية اجلدلية،وحدودها العلمية

من مثة فهى جامدة بصورة من الصور، بينما شجرة احلياة رعراعة نضرية غيسانة مباء التجريبية، و

Page 7: ابن رشد وشوق المعرفة

27

الوجود الدافق،يقول كارل بوبر أحد فالسفة العلم املعاصرين ((ينبغى على العلم الذى يزعم أن نظريته تؤيدها املالحظات والتجارب أن يسأل نفسه:هل ميكنين أن أصف نتائج حمتملة

).3ذا حدثت بالفعل تفند نظريىت))((للمالحظات اليت إإن األشياء واألحياء والوقائع واأللوان واألصوات واألمكنة واألزمنة على الرغم من

ا ترتامى باستمرار إىل صور ورموز أعلى منها انغمارها يف التيار املادي للواقع احلسي العياين غري أ،بل من املمكن أن نقول بأن العامل هو الشئ ، إن العامل من حولنا ليس هو الشئ يف ذاته فقط

يف ذاته وما بعد الشئ يف ذاته حىت ال حنجر على هذا التعايل امليتافيزيقي الكامن يف بنية األشياء واألحياء على الدوام ، ولعلنا نتذكر هنا القضية الفلسفية املزمنة بني خمتلف النظريات الفلسفية

ا والوجود املوضوعي اخلارجي حمض وهم ؟! أم العامل هو واليت تقرر : هل العامل هو األن ا يف ذاالوجود املادي املوضوعي واألنا جزء منه ؟! أم هناك هذا التضايف اجلربي يف كل وعي بشري بني وسرل فهيدجر ، ولعلنا ال الذات واملوضوع كما تقرر الفلسفة الظاهراتية منذ مريلوبنيت ومرورا

ندرسل عن مبدأ " الواحدية احملايدة " يف مواجهة مذهب األنا الوحيدة ( ننسى هنا دفاع برتراSolipsis حيث الواحدية احملايدة تعادل بني احلقيقي وما هو معطى يف اخلربة احلسية ، يف (

مواجهة األنا الوحيدة اليت تقر بأن ليس هناك من وجود سوى وجود األنا ، أما العامل اخلارجي وى صورة من صور األنا ، حىت ليقرر إرنست ماخ بأن " اإلحساسات هي احمليط بنا فليس س

العناصر اليت تتكون منها الطبيعة، وليست اإلحساسات عالمات لألشياء وإمنا الشئ على العكس من ذلك رمز نكري إلحساس مركب ، بعبارة أكثر دقة العامل ال يتألف من أشياء وإمنا

وأزمنة أي باختصار مما نطلق عليه عادة اسم اإلحساسات من ألوان وأصوات وأثقال ومسافات)،وما يتصوره (ارنست ماخ) هنا توصلت إليه النظرة اجلديدة لنظريات العلم املعاصر ، 4الفردية "(

فالعامل غائي تطورى متحرك، وكل هذه التصورات الفكرية والفلسفية والعلمية تشري بصورة صرحية لنا كريستالة وجودية كربى ال يقر لوهجها املعريف قرار، فهي تشع أو ضمنية بأن العامل من حو

بالرموز والدالالت واألفكار والصور يف كل اجتاه،إن العامل من حولنا جمال كوين واسع اإلثارة واألخيلة واملشاعر والعوامل الظاهرة والباطنة، فالعامل يف ظاهرة نشاط وعمل دائب واتساق وضرورة

ائي وحر ومجيل،فالظواهر من خارجها نشاط عملي ال انقطاع فيه ، لكنها من ولكنه يف باطنه منباطنها صمت خالق فاعل،ومن مثة فمهما تدشنت األنساق والتصورات والوقائع واألنظمة

Page 8: ابن رشد وشوق المعرفة

28

بآالف الشواهد والتحقيقات، فلن تكون قادرة على فض أسرار الواقع،ومغيبات الوقائع،فليس رهان أكيد على أن احلاالت اليت كان لدينا عنها خربة ماضية هناك أى دليل صادق، أو حىت ب

ا اآلن تشبه تلك اليت مل يكن لدينا خربة )) عندما قال: (( هل يسوغ 1776ـ 1711ولنا أن نتساءل هنا مع ديفيد هيوم ((

لنا استنتاج حاالت أو نتائج تفتقر إىل خربتنا من حاالت متكررة قامت على تلك )،وهذا يؤكد إخفاق املنطق السبيب املوضوعي ىف تفسري أحداث الواقع والعامل وتعاظم 5اخلربة))(

دور منطق تصورى جديد يسمى ((املنطق الدوري التداخلي))،يف تفسري الواقع والعامل،لقد أشار هيوم قدميا إىل أن االستقراء ال يستطيع مهما كان دقيقا ونزيها وكليا أن يفسر لنا تشعبات الواقع

الظاهرات من حولنا "(( فال ميكن ألي عدد من املالحظات املفردة أن يستلزم منطقيا قضية و عامة،فإذا الحظنا أن ( ب ) تتبع ( أ ) يف حالة معينة فال يلزم عن هذا منطقيا أن ( ب ) ستتبع

قط ( أ ) يف احلالة القادمة ، وال يتأتى نفس الشئ من تكرار احلدث مرات عديدة ، رمبا نتوقع فأن حيدث نفس األمر يف املرة القادمة ، ولكن هذا التفسري ينتمي إىل عامل النفس ال املنطق ، ا ستشرق غدا : فالشمس أشرقت آالف املرات من قبل ، ولكن هذا األمر ال يتضمن منطقيا أ

ا تشبه تلك اليت مل يكن لن ا خربة فال توجد حجة برهانية تثبت أن احلاالت اليت كان لدينا خربة )6ا)(

لكن معظم مفكرينا مل يعى الظواهر احلياتية والثقافية واملعرفية العربية إال من خالل مفهوم فقري جدا للعقل والتعقل يكاد ينحصر يف املادية الصلبة اجلامدة،والسببية العلية املسطحة،

ومن مثة أدركوا الواقع واملادة الىت ختتزل الثراء املذهل للواقع والعامل عرب خطوط فكرية كربى فقرية،والذات والروح والعقل والثقافة ركامات جمزأة ممزقة صلبة،ومل يتصوروا إشكاالت الواقع احلضاري اإلسالمي العريب إال يف صورة أشتات معرفية غليظة من الثنائيات الفكرية املبعثرة بني العقلي

كة بني منطق الربهان ومنطق العرفان ومنطق واحلسي، واملادي والروحي، واألنساق املعرفية املفكالبيان،ولذلك حرقوا املسافات اخلصيبة املتجددة املتداخلة بني عرفان الغزايل وبرهان ابن رشد،وأقعوا الثقافة العربية اإلسالمية يف ثنائيات علمية ومنهجية فقرية، وهى ثنائيات مبعثرة

والعقالين واملادي والتداخل املعريف واملنهجي، مفككة يغيب عنها حس التواصل الروحي والتجرييب وهذا راجع فيما نتصور إىل غياب مفهوم واضح للعقل جيمع بني العرفان والبياين والربهان

Page 9: ابن رشد وشوق المعرفة

29

واالستشراىف االحتمايل فالعقل مفهوم وجودي معريف منهجي فلسفي واسع،فالتعقل التجسيدي إىل حدود مرنة فعالة،وانتقال ببنية التعقل من احلي هو االنتقال مبنهجية املعرفة من حدود صارمة

صرامة األطر إىل مساحة التداخل والتعدد واالحتمال واإلمكان بوصفها واقعا كمينا ممكنا، لكن مفكرينا آثروا غلظة احلدود على نشاط اجلدل،جند هذا لدى معظم مفكرينا من زكى جنيب

وأنور عبد امللك، وغريهم يف مصر،إىل حممود،وفؤاد زكريا،وحسن حنفى،وعبد الرمحن بدوى،طيب تيزيىن وإبراهيم غليون يف سوريا،وحممد دكروب يف لبنان، إىل حممد أركون وحممد عابد اجلابرى وحممد عزيز احلباىب وعبد اهللا العروى يف املغرب،إىل مالك بن نىب يف اجلزائر،وغريهم

م قد فسروا مفاهيم مثل العقل وال وجدان والتخييل يف ضوء الفلسفات الغربية كثريون، ذلك أاية أشواطها الفكرية الىت تطورت كثريا عن أفكارهم، وطرائق النظرية، ومل يتعمقوا فيها حىت تلقيهم الثقايف هلا ناهيك عن عدم متكنهم الدقيق بالفوارق املعرفية الكربى بني العقل التجسيدي

يقف ضد منطق العقل التجريدي العام الذى الفعال الذى خيص كل حضارة على حدة والذى نادى به ديكارت يف بدايات فلسفة التنوير الغريب،والذى مت جتاوزه ىف الفلسفة الغربية بصورة جذرية لدى هايدجر ونيتشة، وسوزان الجنر، وجورج اليكوف ومارك جونسون وريتشارد روترى

بند وويالرد فا كوين))وفالسفة اللغة مثل( وفالسفة العلم املعاصرين مثل: (إمرى الكاتوش وفريا أجورج اليكوف ومارك جونسون)) وفالسفة مابعد احلداثة مثل ((ريتشارد روتري ـ ومان دى بول وفرانسوا ليوتار ولندا هتشن) يف كتبهم الفلسفية الكبرية حول العقل التجسيدي واجملازى،والعقل

فصل معظم املفكرين املسلمني العرب على الالانسجامي و العقل التناقضى املفارقي، لكن م املعرفية بني العقل العرفاين، والعقل األصوىل، والعقل م الفكرية،وتباين خلفيا اختالف توجهااللغوي، والعقل البياين، والعقل الربهاين،وقالوا أن ال لقاء أبدا ــ وهو وهم معريف منهجي فادح ــ

ناء حضارة إسالمية مدنية معاصرة،ونادى كثري منهم بوجوب بني عقل ابن رشد وقلب الغزايل يف بتفعيل فلسفة ابن رشد والتخلى متاما عن فلسفة الغزاىل الىت قضت على مفهوم العقل يف الواقع الفكرى اإلسالمي بزعمهم،وقد أدت هذه القراءة الفلسفية التفتيتية الربمجاتية والسياسية إىل تعويق

يب، و بالتايل تعويق البناء املدين للمجتمعات اإلسالمية العربية يف حركة العقل اإلسالمي العر العامل املعاصر،كما أدى إىل تعميق الفجوة املعرفية بني املعرفة األوربية واملعرفة اإلسالمية،وتعويق حركة التالؤم الثقايف اإلنساين والعاملي،ومل يستفد مفكرونا من تعدد أنظمة العقل وخصائصه ىف

اإلسالمى والعريب القدمي سواء لدى الغزاىل أو ابن رشد،فهناك صور متعددة للعقل كان الفكر

Page 10: ابن رشد وشوق المعرفة

30

من املمكن اإلفادة املعرفية منها والبناء عليها بصورة فلسفية منطقية مبتكرة مبا يوسع من حدود طلعه الوعى واللغة واإلدراك والواقع واملادة والعلم معا،((فالعقل لدى الغزاىل هو منبع العلم وم

وأساسه،والعلم جيرى منه جمرى الثمرة من الشجرة،والنور من الشمس..... والعقل هو الوصف الذى يفارق اإلنسان به سائر البهائم وهو الذى استعد به لقبول العلوم النظرية وتدبري الصناعات

ل له معان اخلفية الفكرية.... والعقل هو علوم تستفاد من التجارب مبجارى األحوال....والعقعديدة: فقد ذكرنا ىف كتب العلم أن العقل يطلق ويراد به العلم حبقائق األمور،فيكون عبارة عن صفة العلم الذى حمله القلب،ويطلق ويراد به املدرك للعلوم فيكون هو القلب أعىن تلك

بعلمه اللطيفة،....والعقل يدرك غريه ويدرك نفسه عاملا وقادرا،ويدرك علم نفسه ويدرك علمهاية،وهذه خاصة التتصور ملا يدرك بآلة األجسام بنفسه،وعلمه بعلمه بعلمه بنفسه إىل غري ووراءه سر يطول شرحه....والعقل يدرك الوجود على سبيل التصور بالشك،وهو مستغن عن الرسم واحلد،إذ ليس للوجود رسم والحد...والعقل ليس مستقال باإلحاطة جبميع

للغطاء عن مجيع املعضالت.... وهناك العقل بامللكة والعقل العملى والعقل املطالب،والكاشفا الغريزى والعقل الفعال،والعقل اجملرد، والعقل املسفاد،وعقل املفارقات،والعقل النظرى،والعقل اهليوالىن،.....فما بال أقوام من املتصوفة يذمون العقل واملعقول؟فاعلم أن السبب فيه ان الناس

العقل املعلقول إىل اجملادلة واملناظرة باملتناقضات واإللزامات،وهو صنعة الكالم،فلم نقلوا اسمم بعد تداول يقدروا على ان يقرروا عندهم انكم اخطأمت ىف التسمية إذ كان الينمحى عن قلو األلسنة به ورسوخه ىف القلوب فذموا العقل واملعقول وهو املسمى به عندهم،فأما نور البصرية الىت

ا يعرف اهللا تعاىل ويعرف صدق رسله،فكيف يتصور ذمه وقد أثىن اهللا تعاىل عليه وإن ذم فما الذى بعده حيمد؟!فإن كان احملمود هو الشرع فبم علم صحة الشرع؟فإن علم بالعقل املذموم الذى اليوثق به فيكون الشرع أيضا مذموما واليلتفت إىل من يقول:إنه يدرك بعني اليقني ونور اإلميان ال بالعقل،فإنا نريد بالعقل:مايريده بعني اليقني ونور اإلميان،وهى الصفة الباطنة الىت يتميز ا حقائق األمور،واكثر هذه التخبطات إمنا ثارت من جهل من ا اآلدمى عن البهائم حىت أدرك

)7طلبوا احلقائق من األلفاظ فتخبطوا فيها لتخبط اصطالحات الناس ىف األلفاظ))(

فانظر مدى الثراء املعرىف والتصورى وحىت التخيلى ملفهوم العقل عند الغزاىل مبا ينأى به عن أن يكون ىف مواجهة عنيفة مع ابن رشد، أو على تناقض تام معه،وىف املقابل مل يكن ابن

Page 11: ابن رشد وشوق المعرفة

31

رشد كما كتب هو فكره ـــ وليس كما استوعبه املفكرون العرب والغربيون معا حيث االستيعاءوالتلقى الينفصل حبال عن األطر الثقافية والرتبوية واملعرفية والتأويلية الىت يعتنقها املفكر حبال من األحوال، فنحن نفهم ونفسر ونقيم بل ونرى بأطر رمزية مسبقة تؤطر حدود الوعى والالوعى

لثقافة ـــ مل يكن معا،والمفر للبشر وللفكر واملعرفة اإلنسانية من حدود التحيز والقياس وإكراهات اابن رشد ىف مواجهة تناقضية بالكلية مع فكر الغزاىل،لكن غياب الوعى النقدى لدى مفكرينا،وضآلة جسارة الوعى باملتناقضات واملفارقات الكامنة والكائنة بالفعل ىف بنية املادة والواقع

ال واالستمرار سواء ىف واملعرفة والوجود،وغياب الوعى باالستمرار واالنفصال داخل منظومة االتصبنية الوجود أو العقل واملعرفة ـ أقول كل ذلك أدى باملفكرين عرب وغربيني ان يصدروا ىف فكرهم العقالىن عن العقل اللفظى التخبطى كما انتبه إىل ذلك الغزاىل نفسه بعبقريته النافذة،فمفكرونا

عن الوقوف على حمنة الثقافة واللغة مييلون إىل رزيلة اهلدر اللغوى االصطالحى املؤدجل بعيدا م أى لوجه العلم ىف ذاته، وتثمني قيمة االنتباه العقلى النقدى م ولذا والوجود واملادة ىف ذالوجوه اجلدل واحلركة والتعدد والتعقد والتداخل ىف بنية الواقع والعامل والعلم واملعرفة واملناهج

فكرية وفلسفية ومنهجية كثرية كانت على رأسها هذه معا،فصنع مفكرونا جراء ذلك كله أوهاما الثنائية املعرفية الغليظة املوحشة بني قلب الغزاىل وعقل ابن رشد،وهى ثنائية سياسية تربوية جتريدية عوقت احلركة احلرة للعقل العريب اإلسالمى عرب تارخيه الفكرى املديد،كما عوقت الواقع احلضارى

عن املوائمة اجلدلية املادية الفكرية احلية بينه وبني ذاته، وبينه وبني ثقافات والثقاىف العريب املعاصرالعامل من حوله،وبينه وبني القدرة على إقامة جدل معرىف صحى مع اآلخر،كما أقامنت السدود ذه املثابة املعرفية واحلدود بني متصالت املعرفة وتداخالت اللغة ومفارقات وتناقضات الوجود،و

هجية أرى من وجهة نظرى اخلاصة أن التنوير العريب كان ىف معظمه إظالما ألنه ألغى العقل واملنبالعقل،وحرق الواقع بالثقافة،وخلق املناوءات واملناورات اجلدلية على إقصاء فكر التواصل واحليوية

وير نفسها واإلنسانية احلقة، واالنفتاح الدينامى الوجودى احلر،فتنويرنا كان حركة ضد فكرة التوماتتطلبه من جدل وتعدد وتواصل وتداخل وإنتاح سواء على مستوى بنية الفكر أو بنية الواقع، على عكس التنوير الغريب الذى تراجع كثريا عن مقوالته الفلسفية الكلية والتجريدية،بل تراجع

ممارسة رزيلة كثريا جدا عن اإلرث الديكارتى واهليجلى واملاركسى الشموىل والثنائى،وكفوا عمالتعارض الذي أقامه كانط بني "العقل النظري" و "العقل العملي"، وإظهروا أن املعرفة منهجية

ا هي ممارسة،كما علينا أال نتلمس معيار احلقيقة ىف العقل احملض ومقوالت الذهن التجريدى ذا

Page 12: ابن رشد وشوق المعرفة

32

ملفهوم والوجود،بني الوعى فقط،بل علينا أن نتلمس احلقيقة ىف الروح املعرىف املتكامل دوما بني اوميات وضالالت واملمارسة وانعكاس هذا الوعى على نفسه بكل مايعىن هذا من تناقضات وا هى علم كبري وأوهام أيضا،فالتعارض بني فلسفة املعرفة وفلسفة املمارسة فاملمارسة نفسها ولذا

انية وروحية وبرهانية بل هى علم العلم لو صح التعبري،فالعقل نفسه تداخالت نفسية ووجدومنطقية واستداللية وجتريدية وجسدانية معا وىف وقت واحد،العقل ليس مقابال لألسطورة بل هو ضمن نسق األسطورى،وليس مضادا للعاطفى بل هو داخل النسيج العاطفى نفسه،وليس فوق

قية اجلسدى بل حنن نفهم داخل حدود أجسادنا وليس خارجها على اإلطالق،وىف مقابل نسوجتريدية وثنائية الفكر العريب اإلسالمى، هذا جند كثريين من املفكرين الغربيني الكبار ((ريشارد روترى، وبول دى مان، ولندا هتشن، وجان فرانسوا ليوتار، وإمرى الكاتوش، وفريا أبند، والفيناس

لفلسفة ودوللوز وغوتارى وميشيل فوكو،وجاك الكان، وغريهم من كبار رجاالت العلم وااملعاصرين)) يصرخون يف عقولنا وأفئدتنا وأخيلتنا ومعارفنا بأن العالمة اللغوية ليست الشئ بالضرورة وأن املعىن السائد ليس احلقيقة بالتمام، فنحن عندما نستخدم اللغة واملعرفة واملناهج يف

قة، ومهومنا الصادقة، جتسيد مرامي أفكارنا، تستخدمنا اللغة واملعارف أيضا فتعيقنا عن ذواتنا احلوطموحاتنا املستشرفة، ومن هنا رأى العقل الفلسفي الغريب أن الوجه األمثل الحرتام العقل والعقالنية تتمثل اآلن يف وجوب مواجهة جتريدية ومركزية العقل أكثر من أى وقت مضى،وهكذا

ى (( لون من التشبيه، أكانت أدرك العقل النقدي الغريب أن كل قراءة ـ باملعىن الفلسفي للقراءة ـ هشرحا، أم تفسريا،أم تأويال، وسواء اختص األمر بقراءة العامل، أم بقراءة النصوص،أى قراءة القراءة، ذلك بأن اإلنسان إذ يقرأ معاىن األشياء أو يقرأ فيها، فإنه الينفك يعري األشياء أمساءه،

سده فيكىن عن رغباته، وينبئ بأحواله، وخيلع عليها أوصافه، إنه يقرأ عرب قراءته للشيء يف جويرمز إىل أطوراه،ويعقل نفسه ويستعرض قوته، فال فكاك إذن من تشبيه، والتشبيه أثر من آثار الذات،إنه قراءة فيما هو اإلنسان وفيما يعرض له من صور ورسوم..... لذلك فإن القارئ إذ يقرأ

لقد كان فهمنا الفلسفي ).8صورة من الصور))(إمنا يعيد إنتاج املقروء مبعىن من املعاين،وعلى ا مفهومه واختزلناه إىل جتريدات واملنطقى ملفهوم العقل كليال شاحبا إىل الدرجة الىت صحرنا معرفية فقرية،بل رمبا قصرنا فيه عن مفهوم السلف من مفكرينا القدامى، فالعقل مفهوم متشعب

والروحية واخللقية والربهانية بل العقل كان هو حركة جد رجراج من التشعبات والتبديات املعرفية العقل الفلسفي وحيويته وقلقه،لقد كان بعض السلف يقولون عن العقل أن امسه "يدل على

Page 13: ابن رشد وشوق المعرفة

33

معان كثرية" (العقل الفعال والعقل اإلنساين والعقل املستفاد)؛ أو "يف أن بعض املسائل توجد ورمبا لو .)55و 83" (انظر التوحيدي، املقابسات، رقم بالفكر والرؤية وبعضها باخلاطر واإلهلام

قرأنا تراثنا الفلسفي العريب ألفدنا من بذور مفاهيمية كثرية عن مفهوم العقل كانت قادرة على تطوير تصورات املفكرين املسلمني املعاصرين ملفهومه الواسع الكبري، فلدينا الكندى الذى رأى

األشياء على جوهرها، وهو ليس جبسم،ولدينا ويوافقه اجلرجاىن العقل جوهرا جمردا يف ذاته يدركيف تعريفاته بأن العقل هو جمرد عن املادة وهو جوهر يف ذاته،وابن رشد الذى رأى العقل ((ليس قوة جسمية وال يستخدم أى عضو جسماىن،والعقل ليس هو شيئا .. أكثر من إدراك نظام

ا) )،وكلها تصورات تفصل وتفتت بني تواشجات اجلسد الواحد األشياء املوجودة وترتيبها وأسباالذى هو عقل وروح وشوق وجتريب واحتمال واستشراف مرة واحدة وىف وقت واحد،،وهناك آراء ا بصورة قبلية العلوم الضرورية لبعض املتكلمني واألصوليني للعقل بأنه هو الغريزة الىت نعرف

ذلك احملاسيب والشافعي وأمحد بن حنبل والغزايل وابن واألشياء على جوهرها الطبيعى، قال بتيمية،وفرقوا بني مفهوم العقل الذى هو العلوم الضرورية ومفهوم العقل الغريزة مبا يفرق بني املدرك واملدرك وأداة اإلدراك،وهناك آراء كثرية للمعتزلة وابن سينا والغزاىل واألشاعرة للعقل لو رحنا نتتبع

ملا كفتنا جملدات كثرية لكننا نريد هنا أن نلفت النظر املعريف إىل أن الرتاث ذلك بصورة شاملةالفلسفي واألصويل واللغوي العريب كانت لديه تصورات خصيبة متعددة حول مفهوم العقل حبيث ميكن البناء عليها يف ضوء املستجدات الفلسفية والعلمية الغربية املعاصرة إلعادة بناء مفهوم العقل

لفكر العريب اإلسالمي املعاصر كخطوة ضرورية لبناء الواقع اإلسالمي يف العامل املعاصر،حىت يف االغزاىل نفسه قد قال ىف كتابه((معيار العلم ىف فن املنطق)) ((أما الفالسفة فاسم العقل عندهم مشرتك يدل على مثاىن معاىن خمتلفة: العقل الذى يريده املتكلمون،والعقل النظرى والعقلالعملى،والعقل اهليوالىن،والعقل بامللكة،والعقل بالفعل،والعقل املستفاد،والعقل الفعال،فأما األول فهو الذى ذكره أرسطاليس ىف كتاب(الربهان)وفرق بينه وبني العلم،ومعىن هذا العقل هو ني التصورات والتصديقات احلاصلة للنفس بالفطرة،والعلم ما حيصل للنفس باالكتساب، ففرقوا ب

املكتسب والفطرى،فيسمى إحدامها عقال واآلخر علما،وهو اصطالح حمض،وهذا املعىن هو الذى حد املتكلمون العقل به، إذا قال القاضى أبوبكر الباقالىن ىف حد العقل: إنه علم ضرورى جبواز

ر اجلائزات واستحالة املستحيالت،..... أما العقل النظرى فهو قوة للنفس تقبل ماهيات األمو الكلية من جهة ما هى كلية))،مث يقوم الغزاىل بتوضيح آخر للعقل ىف كتابه إحياء علوم الدين

Page 14: ابن رشد وشوق المعرفة

34

حتت عنوان((بيان حقيقة العقل وأقسامه))،وكل هذا يؤكد على أن الغزاىل مل يرفض منطق العقل وحدوده ىف مواجهة عقالنية ابن رشد بل يقف الغزاىل مثل ابن رشد على حدود العقل

كنه رأى أن العقل وحده ال يستطيع اإلحاطة الدقيقة بالوجود وظاهراته والنفس وقوته،ولا،والزمان ومعضالته،وهو ما نشايعه عليه وما سنبسط فيه القول الفلسفى ىف هذا وممكناالبحث، لكن فضل املفكرون املسلمون املعاصرون الراحة على التعب،والتبعية املعرفية الفقرية على

دع املنتج،فآثروا منطا غربيا معينا للعقل تاركني بقية الرتاث الفلسفي الغريب والعريب معا، التأسيس املبوتبعا هلذا فرمبا كان من األفضل لنا ولواقعنا ولثقافتنا أن يسعى مفكرونا إىل بناء العقل املعريف

الدينامى التجسيدي،القائم على التعقل التجسيدي الوجودي واإلصغاء الروحي والعقلي والتجرييبم،بعيدا عن جمرد السيطرة املوضوعية املسبقة الغليظة على لطبيعة املادة والواقع والنصوص احمليطة املادة باملادة، فالواقع أكرب من أن يكون حالة عقلية أكادميية خالصة،أو حمض وصفة تصورية

د احلسى والعقالين حمدودة،وإمنا هو حالة وجودية حية معقدة كل التعقيد تتناوب بني الوجو والتجرييب واالحتمايل والذى يرتاوح دوما بني الفهم والتعقل وإعادة بناء الفهم والتعقل، ولن يتم ذلك إال عرب جدليات معرفية منظومية تتعدد فيها املراكز املعرفية وتتصادى املرجعيات الثقافية

المحة ميوج بعضها يف بعض، ويتنادى عرب صور روحية وعقالنية وجتريبية ومادية وختييلية شىت متأس بعضها املعريف إىل أس بعض، ولقد وقف فالسفة العلم املعاصرين وقفة فلسفية مقلقة إزاء التناحر املعريف اهلائل يف وسائلنا املعرفة إلدراك العامل والواقع والنصوص يقول الفيلسوف األمريكى

فلسفة العلم وإىل ما آمل أن نكرس له جهودنا املعاصر جون سريل ((إن ما يتوجب أن يشغلنا يف يف القرن احلادي والعشرين. أعتقد أن اإلشكالية األساسية هي التالية. لقد حتدى علم القرن العشرين بطريقة متطرفة جمموعة من الفروض الفلسفية والبدهية الفعالة والسائدة املتعلقة بالطبيعة،

التطورات العلمية. إنين أفكر خصوصا يف ميكانيكا غري أننا مل ننجح بعد يف استيعاب هذه الكم. أعتقد أننا نستطيع قبول النظرية النسبية بدرجة أو أخرى، ألنه ميكن اعتبارها بسطا ملفهومنا النيوتوين التقليدي للعامل. كل ما حنتاجه تعديل أفكارنا خبصوص املكان والزمان،

سرعة الضوء. غري أن ميكانيكا الكم تشكل حتديا وعالقتهما بثوابت فيزيائية أساسية من قبيل أساسيا لرؤيتنا يف العامل، وهذا ما مل نستوعبه بعد. إنين أعترب عجزنا حىت اآلن عن طرح تصور متسق مليكانيكا الكم يناسب مفهومنا العام للكون، ليس فقط فيما يتعلق بالسببية واحلتمية بل

م فالسفة العلم بل تصم حىت علماء الفيزياء املهتمني حىت أنطولوجيا العامل املادي، فضيحة تص

Page 15: ابن رشد وشوق المعرفة

35

بفلسفة العلم.لدى معظم الفالسفة، كما لدى معظم مثقفي زماننا هذا، مفهوم يف السببية ميزج بني أحكام الفهم املشرتك وامليكانيكا النيوتونية. هكذا ينزع الفالسفة إىل افرتاض أن العالقات

لقوانني سببية حتمية كلية، وأن عالقات السبب والنتيجة السببية تشكل دائما حاالت عينية ترتبط فيما بينها يف عالقات ميكانيكية بسيطة أشبه بعجالت ترسية حترك عجالت ترسية، كما ترتبط مع ظواهر نيوتونية أخرى.إننا نعرف على مستوى جمرد ما أن هذه الصورة ليست صحيحة،

ا مبفهوم أكثر تركيبا. أعتقد أن العمل يف هذا اجملال غري أننا مل نستعض عن مفهومنا البدهي هذعرب اخلوض يف مثل هذه القضايا من أهم مهام فلسفة العلم يف القرن احلادي والعشرين. حنتاج إىل طرح تصور يف النظرية الفيزيائية، خصوصا نظرية الكم، ميكننا من استيعاب النتائج الفيزيائية يف

عتقد أننا يف سياق هذا املشروع سوف حنتاج إىل تعديل بعض رؤية كونية شاملة ومتسقة. أاملفاهيم احلامسة، من قبيل مفهوم السببية; وسوف يؤدي هذا التعديل إىل آثار مهمة يف مسائل

)9أخرى من قبيل مسألة احلتمية وحرية اإلرادة. احلال أن هذا العمل قد بدأ فعال.))(

تعددي الذي يسقط احلدود الفلسفية واملعرفية بني ومن هذا املنطلق املعريف التداخلى ال العلوم واملعارف والتصورات مما يزيدها عمقا وخصوبة وتداخال، نريد يف هذا البحث تأسيس منهجية معرفية تعددية جديدة تتبىن فكرة اجملال التحقيلى يف رؤية الواقع الفلسفي واملعرىف العريب

يل اجملال املعريف تداخل ــ يف الرؤية املعرفية ـ العربية والعاملية اإلسالمي والعاملى املعاصر،وفكرة حتقمعا ـ بني احلسى والتجرييب والعقلي والتخييلى واحلدسى االستشراىف يف ربقة معرفية منهجية تركيبية واحدة، تضم املعرفة إىل العرفان، وتقرن التصور بالبيان،وجتمع التخييل بالربهان،حىت لتمحى

صلة بني العقل الربهان كما تصوره ابن رشد، و العقل العرفان كما تصوره أبو حامد احلدود الفاالغزاىل، والعقل البياين كما تصوره املفسرون وعلماء احلديث واألصول،ولعل هذا التصور يتفق مع تصورات العلوم الرياضية والتجريبية التطبيقية املعاصرة أو ما كان يطلق عليها لوقت قريب علوم

ارت احلدود الثنائية بني منطق الربهان ومنطق العرفان، وبدأ امل نطق والربهان، مت ذلك بعد أن اعصر العوامل املعرفية املتعددة املتداخلة، حنن نعيش باالستعارات العلمية كما نعيش باالستعارات

املشاعر، هى األدبية، وتصوراتنا عن املادة والروح والنفس والطاقة، والزمن واحلب، والكواكب و تصورات واحدة متداخلة متشابكة، والتغري اجلذرى الذى حلق جبل املفاهيم السابقة سينال مجيع ا، يقول العلم املصرى وسائلنا ىف اإلدراك والوعي واخليال، كما سينال مجيع قيمنا الىت نعيش

Page 16: ابن رشد وشوق المعرفة

36

(( مث جاء إنشتني الرياضى مصطفى مشرفة ىف دراسته عن تقارب املسافات بني العلم والتصوف بنظرية النسبية وجاء دى بروىل وشرويدجنر بأن املادة إن هى إال أمواج ىف الشئ ال سبيل إىل وصفها إال باستعمال الرموز الرياضية املعقدة فتالشت األسس املادية الىت كان العلم يبىن عليها

لعنكبوت، ولكى أدل صرحه واستعضنا عنها مبعادالت رياضية هى ىف ماديتها أوهى من نسيج االقارئ على موقف العلم إزاء الفلسفة الصوفية سأنقل له ترمجة عن (آرثر أو جنتني) من أكرب العلماء الفلكيني والطبيعيني من كتابه (( كنه العامل الطبيعى)) حيث يقول: (( كلنا يعلم أن هناك

فى للخليقة الىت حتيط بنا وىف أحناء من النفس البشرية غري مقيدة بعامل الطبيعة، ففى املعىن اخلالتعبري الفىن وىف النزوع إىل اهللا ىف كل هذه تطمح النفس إىل العلى، وجتد حتقيقا لشئ مودع ىف طبيعتها، وتربير هذا الطموح داخلي فينا، فهو حماولة من جانب إدراكنا أو هو نور داخلي ناشئ

ىف تربير هذا الطموح، إذ أن الرغبة ىف عن قوة أعظم من قوتنا، والعلم يكاد ليقدم على الشك العلم هى نفسها ناشئة عن وازع داخلي ال نقوى على ردعه، فسواء ىف االستزادة الفكرية من العلم أو ىف سائر النزعات الروحية اخلفية ىف كلتا هاتني أمامنا نور جيذبنا إليه، وحنن نشعر بالرغبة

املسألة عند هذا احلد وهل من الضروري أن نصر ىف السعي حنو هذا النور، أال يكفى أن نرتك ).10على استخدام كلمة احلقيقة كما لو كانت الزمة لتشجيعنا ىف جمهودنا))(

وهذا التقارب احلميم بني الذى يلحظه العامل الرياضي املصري الكبري مصطفى مشرفة بني التصوف والعلم وسعيهم وغريه من العلماء التجريبيني ىف رصدهم العالقات الظاهرة واخلفية

األبدي احلميم صوب التكشف عما يربط بني بىن مجيع مظاهر الوجود واللغة واملعرفة،هو ما يراه العلماء والفالسفة املعاصرون ويؤسسونه ىف معارف ومناهج العلوم التجريبية والفلسفية املعاصرة

ار ورصدهم جدل املعلوم واجملهول، والغياب واحلضور داخل الكث افة الزمنية نفسها، بعد أن امفهوم العلم مبا أنه الوعى بالشيء ىف ذاته، وانتقل إىل الوعى بصورتنا اللغوية الرمزية عن الشيء حال جدله التناقضى الالنسجامي مع نفسه وغريه من جهة،وحال جدله مع املظنون به

هنا صار الوعي باجلهل حدا ىف واالحتمايل الكامن ىف بنية الواقع املادى من جهة ثانية، ومنالعلم مثله مثل الوعى بالعلم متاما، فاملعرفة ختفى بقدر ما تكشف، ومتنع بقدر ما متنح، والداللة بقدر ماتكشف تعمى، فبقد ماتبصرنا على الشىء فهى تتكتم عليه أيضا،ومن مثة يكون

سفة العلم املعاصر أمثال فريا أبند االحتكام إيل القياس اخلفي ضرورة الزبة المفر منها،مما دفع فال

Page 17: ابن رشد وشوق المعرفة

37

وإمرى الكاتوس وكارل بوبر وتوماس كون وفالسفة مابعد احلداثة ىف العامل الغريب كله إىل أن يدخلوا اجلانب السيكولوجى والسسيولوجى كأحد األساسات املعرفية األصيلة ىف تأسيس بنية

من األمور اهلامة للغاية إدراكا فطريا ال العلم نفسه، وهو األمر الذي يؤكد أن اإلنسان يدرك كثريا شعوريا،أو حىت إدراكا شعوريا ولكنه يفتقد القدرة التجريبية على إقامة الربهان املنطقى والعملى افت الفالسفة، ورمبا كان الفقه والتجريىب عليها متاما كما أقر الغزاىل من قبل ىف كتابه عن

صالة إىل احلقيقة املادية للواقع والتعقل، من العقل اليوناىن اإلسالمى القائم على الظن أقرب أالقائم على التجريب النظري العملى فقط، إن العلم مثله مثل الشعر والتصوف يصل إىل حقائق فعلية، وإن مل يستطع التعبري عنها وفق أسس عقلية واضحة وهنا يلعب احلدس والتخمني،

رئيسيا، بل (أقول تأسيسيا) ىف اإلدراك، سواء أكان إدراكا واستشرافات البصرية، واخليال، دورا علميا أم إدراكا مجاليا، إن التغري اجلذري الذي طرأ على تصورات العلم ونظريات املعرفة والفلسفة، له عالقة كبرية باملستجدات الوجدانية والنفسية والشعورية الىت اقتحمت املعقل التجريىب

اب جمرد القرب للعلم التطبيقى نفس ه وعالقته بالواقع والعقل والتجريب، وهى تصورات كانت دد ما شاع ومها حول القيمة من السياج املعرىف واملنطقى الرصني للعلم والعقل ومن هنا فهى املوضوعية الصارمة للعلم،وماساد من أقاويل الرصانة العقلية واملتانة املوضوعية واالتساقية البنيوية

لية جلسم العلم نفسه دون خروق وفجوات، وأن كل ما هو غري خاضع للمعمل وال للعقل الداخ وال للمنطق ال عالقة له بالعلم احلق.

لكن تغريت التصورات املعرفية واملنطقية واملنهجية تغريا كبريا ىف اجتاهات علوم اء وتصورات حدوسهم وفلسفات ما بعد احلداثة، لقد أصبح تاريخ العلم وأحوال وجدانات العلم

م هلا كبري القيمة يف تصورات نظرية املعرفة يف الفلسفات الغربية املعاصرة ، حىت ومطارح ختياللنجد علماء وفالسفة معاصرين كبار يقننون منطق هذه التصورات يف كتابات عميقة مثل كتاب (

ون) خاصة كتابه األخري / أمريكا،وكتابات (توماس ك 2002هيلني لوجنينز ) مصري املعرفة عام عن ((بنية الثورات العلمية))،وكتابات الفيلسوف الكبري ((فريا أبند))وحماوراته الفلسفية الطويلة عن معيار العلم ومعيار املعيار،وكتابات الفيلسوف اجملرى الكبري إمرى الكاتوش التلميذ النجيب

املبتكرة عن سياسات العلم ال قواعده، لفيلسوف العلم لكارل بوبر ىف تدشيناته الفلسفية العلميةوختييالت احلقيقة ال منطقها، وكشوفات الفيلسوف األمريكي الكبري " كوسي " الذي أعاد النظر

Page 18: ابن رشد وشوق المعرفة

38

بعمق فلسفى نافذ فيما يبدو أنه مألوف شائع ال خيضع للمساءلة فقال بأن القضايا الرتكيبية و هذا املعيار يف التقسيم هل هذا الشئ تركيي أم التحليلية ىف املنطق ليست دقيقة يف معيارها فحىت

حتليلي ؟ معيار مضطرب، يسقط عندما نوجه إليه هذا السؤال:وما هو معيار املعيار ؟ تساؤل فلسفي عميق هز األساسات املنطقية واملوضوعية واملنهجية واملنطقية،مما وسع كثريا من تصور

فتج اجملال املنطقى والعلمى واسعا لفكر التداخل الوجود / املعرفة / العقل / الفكر ،والواقع،و والتعقيد والرتكيب اجلدىل املتوتر للقضايا والتصورات واملنطق. وباتت تصورات راسخة متبعة مثل: املوضوعية والعقالنية والواقعية واجلمالية واجملازية يف حاجة ماسة إىل إعادة فهم تصورها ،بل إعادة

عرىف من جديد.لكن معظم مفكرينا القدامى واحملدثني قد وقع ىف وهم بناء جماهلا املفاهيمى واملادعاء الصرامة املنطقية للموضوعية العلمية يف دراسة احلادثات والظاهرات والنصوص ،وأرادوا أن يقيموا حدودا حامسات بني ما خيضع ملنطق العقل وبني ماال خيضع له، وجعلوا منطق الوجدان

لوا بأن منطق العرفان ضد منطق البيان وهكذا دواليك يف قصة ضد منطق الربهان، وقااالنفاصامات العلمية النكدة بني حقل معريف وآخر يف ثقافتنا العربية واإلسالمية القدمية واملعاصرة،واطمئن مفكرونا لفكرة القبول والدقة والوضوح أكثر مما اطمئنوا لفكرة القلق واملساءلة

جرتاح احتماالت الوجود، فقد استبدل اخلطاب الثقايف العريب اإلسالمي والقدرة على املغامرة وااملؤسسسى ـ يف معظمه ـ الفعالية بالفعلية، والتفاعل باالنفعال، والغربلة واالنتقاء واالستبعاد والنفي، بالقبول والتسليم واالنبهار، وبكلمة واحدة ارتاح معظم مفكرينا إىل يقني األجوبة

ألسئلة،قد أسأنا كثريا إىل العلم واحلقيقة واملعرفة عندما أنكرنا كثريا من احلقائق مستبعدين قلق االعلمية واالجتماعية بسبب عدم خضوعها ألساليبنا املعتادة املألوفة يف اإلدراك والقياس واملراقبة

لغليظة واالستنتاج واالستدالل،لكننا يف هذا البحث لن نسلم بفكرة الفواصل الفكرية واملنهجية ابني حدود اجلسد الفكرى والوجودى الواحد والىت دشنها معظم الفالسفة واملفكرين سواء يف واقعنا الثقايف العريب،أو الغريب،كما فعل مثال عندنا حممد عابد اجلابرى يف فصله العقل البياين

فصله بني بنية عن الربهان عن العرفان يف دراساته عن بنية العقل العريب، أو زكى جنيب حممود يفاملعقول والالمعقول يف ثقافتنا العربية، وما فعله غريهم من املفكرين العرب يف تصور إشكاالت العقل العريب والواقع الثقايف املعاصر بصورة عامة،جيب أن نسلم بأننا نفكر باالستعارات

كؤ املعريف واملنهجي الغليظ اإلدراكية،مثلما نفكر باالستدالالت العقالنية اجملردة،مبا ينفى هذا التلالفاصل بني آليات وعى العقل ووعى التجريب ووعى التخييل والوجدان، إن ضيق األفق املعريف

Page 19: ابن رشد وشوق المعرفة

39

اإلسالمي املعاصر راجع يف معظمه ـ كما أرى ـ إىل ضعف العقل النظري اإلسالمي،أو قل إن عقل أن يتجاوز حمنة العقل اإلسالمي مل يتأسس بعد بصورة معرفية جادة،ولن يستطيع هذا ال

تفككه املنهجي واملعريف واخليايل إال إذا استطاع أن يسلم حبيوية اجلدل وثراؤه وتعدد سياقات ا على املزج املعريف املعارف والتصورات، وتداخل املناهج وتصاديها املعريف التكويىن، وقدر

تأسيس وإعادة البناء، إن والرتكيب املنهجي والصهر التعددى التداخلى يف الرؤية والفحص والفكرة التداخل التخييلى واملعريف والعقالىن والتجريىب واإلنساىن والثقاىف واملادى ترتامى إىل جتاوز انغالق النسق الواحد، إىل دينامية األنساق املعرفية املتداخلة،وتفتح باب اجلدل على الواقع واحلياة

لشكل،وحنن نقر هنا بضعف العقل النظري العرىب والوجود قبل انفتاحه على الثقافة واملنهج وابصفة عامة يف تأسيسه لرؤية العامل والواقع والذات والتاريخ والثقافة واجلمال واخليال بسبب غياب هذا اجلدل الوجودى واملعريف متعدد السياقات يف الواقع الثقاىف العرىب املعاصر، وقد ترتب على

عريف اجلدىل يف ثقافتنا النقدية املعاصرة، ومن هنا فإننا نود أن هذا الضعف قلة التأسيس النظري واملنرتقى إىل خلق(( منهج معريف متعدد األبعاد لدراسة اجملال املعريف اإلسالمي))،وحتبيذ فكرة

ا، وهذا اجملال املعريف الواسع على فكرة العناصر املتعددة املتجادلة كل◌ ىف انعزاهلا املعريف اخلاص التصور الرتكيىب البيين التداخلى لتحقيل احلدود املعرفية واالجتماعية والسياسية واجلمالية يف ربقة ا التجريدية املختزلة منهجية تعددية جدلية دينامية مفتوحة، يقلل كثريا من عنف املناهج،وسطو

غلظة الفكرية الىت جتزىء من حيوية الوعى وتناقضاته وتعدداته،وهذا سيخفف كثريا من الاالحتوائية الىت حتاول احتواء الوقائع والظاهرات أوىف حماولة تعليلها أو حماولة متثلها ووصفها

وتفسريها وتقييمها.ومنهجية التحقيل املعريف واملنطقى والوجداىن الىت نقرتحها هنا: ترينا الواقع واللغة والعقل

ة دينامية مفتوحة على النسق والالنسق من جهة والذات واحلقيقة والعامل والثقافة تراكيب حسي،وتصورات افرتاضية ختييلية احتمالية ضمن تصورات أخرى ممكنة أيضا من جهة ثانية، معا وىف وقت واحد،فعلى الرغم من أن العامل ميوج بالوقائع واحلسيات واملوجودات غري أن تصور مجيع

ا وتعدداته وشروخها ذلك وإحداث نوع من التعالق املعريف البيىن عرب أنساقها وحدودها وتناقضااملعرفية واملنطقية، مبا خيلق نوعا من التواشجات العلمية واملنهجية املتصادية فيما بينها،هو أمر راجع يف النهاية فيما نرى يف هذا البحث إىل طبيعة أحاسيس الوعي البشري نفسه،وطبيعة إدراكه

Page 20: ابن رشد وشوق المعرفة

40

مل احمليط به،إن كل ما يف العامل ال يفسر أو يصنف وال حيمل اللغوي واملنهجي واإلجرائى للعااملعىن والقصد إال عندما يدرجه الوعي اإلنساين نفسه يف نسق رمزي عالئقى تعددى تداخلى منظومى،يتكون من طبيعة ومنهجية إدراكنا للعامل،ولعل هذا دفعنا يف هذا البحث إىل املناداة

املعرفية واملنهجية واإلجرائية الكامنة يف النظريات الفلسفية بوجوب مناقشة املعايري والتصوراتوالعلمية والتجريبية املعاصرة، مناقشة جدلية مفتوحة على الواقع واحلياة، وخنص هنا ضرورة مناقشة منطق معيار التمييز بني العلم والالعلم،أو حبث احلد املعريف الفاصل بني الوهم واحلق،وبني

الية،أو بني مفهوم العقل ومفهوم الروح أو بني مفهوم العقل ومفهوم األسطورة املوضوعية واالنفعأو بني العقل والسلطة،أى مناقشة احلدود الفاصلة واملتداخلة بني حد الوهم وحد احلقيقة،أو حد العالمة وحد الشىء، وهو تصور فلسفي عريض بدأ منذ والدة العقل الفلسفي القدمي منذ اليونان

بل العامل القدمي كله، مرروا بابن رشد والغزايل والفاراىب والكندى وابن خلدون وكانت واملصرينيوفرانسيس بيكون وديفيد هيوم وإرنست ماخ،ولودفيج فتجنشتني،وكارناب وأصحاب الوضعية املنطقية والفلسفة التحليلية مثل كارل بوبر مث دائرة فينا وليس انتهاءا بإمري الكاتوش وفريا أبند

توماس كون ودبليو يف كواين وويالرد فا كواين إىل آخر فالسفة العلم املعاصرين،ولعل يف تتبع و هذه املقوالت املعرفية والفلسفية واملنطقية واملنهجية عرب صراعها العلمي اجلهيد ملعرفة املعيار

يزيقا الدقيق الواضح بني حدود العلم وحدود اخليال أو ما يطلق عليه الفالسفة " حدود الفالتجريبية وامليتافيزيقا احلدسية االفرتاضية يف الفلسفة الغربية، أو بني العقل الصوىف العرفان والعقل املنطقى التجريىب االستدالىل لدى لدى الفالسفة املسلمني ــ لعل يف هذا التتبع ما يغين تصورنا

دمي احلوائط العلمية واملنهجية بني منطق العلمى يف هذا البحث خبصوص حماولتنا املعرفية يف العقل ومنطق الوجدان،وحمو احلدود املنطقية الفاصلة بني طرائق ومنافذ الوعي البشري يف نظريات ا ،وضرورة إعادة بناء مفهوم جديد للعقل ا وإشكاال العلم املعاصرة على اختالف ختصصا

بني املعرفة والعرفان والتصور يتجاوز املفهوم التجريدي للعقل إىل املفهوم التجسيدي املتصل والتصوير خاصة بعد دخولنا عصرا معرفيا شبكيا جديدا،تتنافذ فيه مدركات الوعى بعضها إىل بعض،وينسرب بعضها يف بعض عرب مدارات التداخل والتبادل والتحاور اجلدىل الدينامى من

لتانقضي، حيث يتم تغيري خالل معرفية التصادى املعريف البيين، والتداخل الرتكيىب التأسيسى اتغيريا جذريا نوعيا حىت لتنتقل العالقة الرتكيبية –وهو أساس كل علم جديد –مفهوم العالقة

ألسس العلم من العالقة احلدية الصارمة بني جمال علمى وآخر، إىل مفهوم العالقة النسقية

Page 21: ابن رشد وشوق المعرفة

41

بالعلوم البينية التداخلية بطبيعتيها التداخلية اجلدلية النشطة فيما يعرف يف نظرية املعرفة املعاصرة ((الرأسية واألفقية معا))،لقد تقاربت املسافات العلمية،وتداخلت التصورات املنطقية،وتالمحت التداخالت املنهجية، تالمحا مقلقال ومعقدا بني حدود معرفية وفوق معرفية،أي حدود ما يعرف

ف بالعقل الفيزيقى واملنطقى واملنهجي،ولعلنا بامليتافيزيقا واخليال والفرض واحلدس، وحدود ما يعر نتوقع مستقبليا أن تقدم لنا فلسفة العلم املعاصرة تصورا معرفيا منهجيا جديدا جيمع بني امليتافيزيقا واحلدوس واألحالم والعلم التجريىب واملنطقى والعقالين بوصفها أسسا معرفية تأسيسية ال

من املعىن والداللة، كما اعتاد تصورها العقل الغريب وبالتبعية بوصفها عوامل متناطحة متنافرة خاليةالعقل العريب (( انظر يف ذلك زكى جنيب حممود مثال يف كتابيه (( خرافة امليتافيزيقا واملعقول والالمعقول يف تراثنا الفكرى،ود. فؤاد زكريا ىف كتابه التفكري العلمي وسائر كتاب العلمانية الرخوة

ن قوة العقل اجلدىل الرتكيىب االنفتاحي)) ـ بل بوصفها عوامل متجاذبة متداخلة متدرجة املستقيلة متتصادى تكوينيا،وتتداخل تركيبيا وترتامى منهجيا، حىت ليحتقب كل حد علمى بنية احلد العلمى اآلخر وال يكون إال به عرب نسب رمزية معقدة متعددة من نسب اجلدل والتداخل والتعضون

اجلديد ، وهذا املنهج املعريف اجلديد الذى نقرتحه يف هذا البحث ميثل فيما نرى حماولة املنهجىمعرفية أولية إلعادة بناء مفهوم العقل بني الغزاىل وابن رشد عرب بناء فكرة حتقيل وتعدد اجملاالت

رفية واجلمالية املعرفية اإلسالمية القائمة على فكرة التأسيسية احلدودية احلوارية بني احلقول املعوالعقلية والتجريبية مبا يدفعها مجيعا ومن خالل حوار منهجي تعددى بيىن تدرجى إىل خلق منهجية االستمداد واالستثمار واحلوار والتداخل وإعادة خلق التصادى البنيوى التأسيسى بني

التكوثر املعريف هذه العلوم مجيعا يف ربقة معرفية بينية واحدة متجادلة متداخلة من اجل مقاربة اهلائل يف بنية الظاهرات والواقع والتاريخ والثقافة بصورة عامة، يف نقلة منهجية معرفية ختييلية نوعية تقرن املعرفة بالعرفان والتصور بالتصوير يف ربقة تأسيسية واحدة عرب متصل جمازى معريف عقلى

جتريىب تعددى تداخلى.كل ما يصطنعه العقل اإلنساىن من مناهج لقد غاب عن مفكرينا ومناهجنا أن

ومعارف هو حمض تفكري استعارى جمازى،فليس هناك موضوعية إزاء مايسمى بالذاتية،بل املوضوعية نفسها هى ذاتية موسعة أحاهلا اجملتمع والثقافة والشيوع واالصطالح العام إىل تصور

إدراك ذاتى مصلحى ثقاىف موضوعى عام،والعقل نفسه أكثر ذاتية من العاطفة نفسها فهو

Page 22: ابن رشد وشوق المعرفة

42

اصطالحى، فاملعرفة ليست هى عقل ابن رشد دائما، بل حنن نستطيع أن نفيد من وجدانية الغزاىل أكثر مما نفيد من عقالنية ابن رشد ــ لو صح التعبري بأفعل التفضيل الىت هى غري علمية من

اإلنساىن نفسه كما األساس ــ فليس هناك عقل حمض وليس هناك جتريب موضوعى حمض،فالعقلا))( ما (( االستعارات الىت حنيا )، 11أوضح كل من جورج ال يكوف ومارك جونسون يف كتا

ال يستطيع ـ وإن حاول وإن ادعى ـ أن يفكر إال بصورة استعارية جمازية سواء يف بنية العلوم املنهجية بني العلمى والتجرييب التجريبية أو بنية العلوم اإلنسانية خاصة بعد انتفاء القسمة املعرفية و

ارت احلدود املعرفية الصارمة بني العلوم املعاصرة،ودخلنا إىل والعقالين والتخييلى والتأملى،لقد ارحاب العقل التجسيدي حيث يفكر العقل باألشواق واخلياالت مثلما يفكر بالرباهني

بعية العقل املشرقى اهلامشى التابع، واالستدالالت،،وبعيدا عن فكرة التمركز املعريف الغريب ، وتنقول: بأن هذا التصور اجلديد الذى نقدمه هنا للمعرفة والتخييل والوعى بالعلم والعامل والنصوص هو أمر له عالقته الوثيقة بالنمو املوضوعى الداخلى لنظرية املعرفة نفسها بعيدا عن اى تصورات

جبالء لدى رواد فلسفة العلم املعاصرين بداية من معرفية غربية حداثية أو بعد حداثية، نرى ذلكزعيم الوضعية املنطقية الىت مترد عليها يف كتاباته األخرية( كارل بوبر) الذى أقر بأن كل ميتافيزيقا

) الذى 12غري مربرة اآلن، هى فيزيقا العلم القادم، ومروا بتلميذه النجيب ((إمرى الكاتوش))(ية نوعية يف منهجية نظرية املعرفة وخلق حدودا جديدة لإلدراك أحدث تغيريات معرفية ومنهج

العلمى املوضوعى،ومرورا أيضا بفريا أبند صاحب كتاب(ضد املنهج) وكتاب ("ثالث حماورات يف )،ودبليو فا كواين واجتهاداته 13املعرفة))،وتوماس كوين صاحب كتاب(بنية الثورات العلمية)(

مى والفلسفى للقضايا التحليلية والرتكيبية يف علوم الفلسفة األصيلة يف إعادة التأسيس العلا)) و( واملنطق،وليس انتهاءا باليكوف ومارك جونسون يف كتابيهما((االستعارات الىت حنيا الفلسفة يف اجلسد:العقل املتجسد وحتديه للفلسفة الغربية))، فقد رأيا أن العقل والوعى واإلدراك

اس واالستدالل وكل سبل وعينا بالعامل والنصوص كل ذلك ال يتم مبعزل والتخييل والربهان والقيعن فكرة التجسيد واجلسد وعالقتهما الوثيقة بالطرق االستعارية واجملازية للوعى اإلنساىن يف إدارك الواقع والذات والتاريخ والعامل من حولنا،مبا ينقض فكرة (العقل التنويرى الغريب التجريدي) من

ذى أسسه كانت يف العقل الفلسفي الغريب، مبا يقضى على فكرة عوملة األفكار أساسه،والا فكرة العقل التجسيدي الوجودي، وىف هذا املفرتق التجريدية، والتصورات العقالنية،ويستبدل املعريف التجريىب العقالىن الوجداىن يغدو القول الفلسفي كما يقول املفكر املغرىب طه إبراهيم يف

Page 23: ابن رشد وشوق المعرفة

43

فقه اللغة:(( يغدو القول الفلسفي ليس قوال عباريا خالصا،وال قوال إشاريا خالصا،وإمنا هو كتابهجيمع بني العبارة:(القول ذو املعىن احلقيقى واحملكم واملصرح به،واإلشارة (القول ذو املعىن اجملازى

تفكري ىف معىن )،ويقول فنتجشتني (( عندما نبدأ ال13أو املشتبه أو املضمر) على وجوه خمتلفة))(احلياة والزمان واملكان واجلسم واملعىن واإلرادة احلرة واخلري وغريها من املوضوعات الفلسفية الكبرية

).14فإننا نصبح مسحورين عن طريق اللغة))(ذه املثابة املعرفية واملنهجية ال مفر من تصادى اجملازى والعرفاىن بالعقالىن والتجرييب يف و

ا أصال معرفيا من أصول النظرية املعرفية، ذلك أننا ال نستطيع ــ وإن ادعينا ذلك وقت واحد ليكونــ أن منارس عملية التفكري نفسها إال على حنو جمازى، فكل إدراك حسي هو صورة من صور ا بل نعى صورتنا وتصورنا عن هذه األشياء أو التمثالت التصورية ألننا ال نعى األشياء ىف ذا

ا ووعيها ىف سياق معرىف تارخيى جسدى ما،ومن مثة يتجاور النسق إىل جوار نعى صور عال قاالالنسق، والقصد إىل جوار الفوضى، والنظام إىل جوار الالنظام،وتتنامى مناطق الالحتدد والاليقني والالدقة جنبا إىل جنب مع مناطق شبه التحدد واليقني والدقة،ويتجلى املنطق البيىن

م نافيا املنطق الصورى األرسطى،وهنا يبدو مفهوم العقل منبسطا عرب مدرج تصورى الضباىب الغائهائل من الواقعى التجريىب، والعقالىن التصورى،واحملتمل اإلمكاىن الذى هو واقع كامن مل يتعقل بعد بالقدر الكاىف،،وإزاء هذه التصورات املعرفية املنهجية اجلديدة يف بنية العلم نفسه ومن مثة

فلسفة واللغة، كان على املناهج املعرفية العربية والغربية معا،أن جتمع بني عقل ابن رشد وعرفان الا املعرفية واملنهجية والفلسفية واجلمالية والثقافية لتتسع التساع الغزاىل بغية تطوير وعيها بأدوا

املضمون املسبق العامل والذات والواقع،ذلك أن منطق التعقل هو أدوات حتصيل التعقل وليس للتعقل والعقل،فالوجود ليس حالة عقلية مسبقة بل هو تنام مستمر للعقل وطرق التعقل معا،فالعقل هو حمصول أدواته،وأداة التحصيل وآليات التعرف تتم ىف اللغة وباللغة،ومن مثة يبطل

يبطل مفهوم العقل التجريد املسبق واملطلق ملفهوم العقل الربهاىن نفسه كما تصوره ابن رشد،كما العرفاىن الذى تتنزل عليه احلقائق املسبقة غري املبنية من كد الوجود وترقيه وتناميه،فليس مفهوم العقل هو حدود املادة والوجود لذاته وىف ذاته وليس مفهوم العقل هو تعاىل منطق العقل على

يله ىف الوجود حال اشتباكه مفهوم املادة ىف ذاته ولذاته،بل مفهوم العقل هو أدوات وآليات حتصمبا بعد الوجود داخل حدود الوجود أيضا،فنحن نتعقل بالربهان مبثل ما نتعقل بالعرفان معا وىف

Page 24: ابن رشد وشوق المعرفة

44

وقت واحد، ومن مثة وجب علينا أن نتصور مفهوم الطبيعة والوجود نفسه نصا مثل باقى نع ،لقد تداخلت النصوص خيضع حده ملنطق التصور واللغة والتأويل سواء وعينا ذلك أم مل

وتضايفت املسافات واحلدود العقلية والروحية واحلدسية واالفرتاضية والتخييلية بني العلمى التجريىب، واملنطقى الفلسفي،وامليتافيزيقى الكامن،لقد صار منطق التعقل هو الفعل اجلسدى

ناك تفلسف عقلي العقلى ال النظر املادى العقلى فقط، وبناء على تصورنا املعريف هنا فليس هخالص من اجملاز، وليس هناك جماز خال من بالغة التداول احلريف واحلجاج العقلي،وليس هناك وعي علمي وجداين خالص مبعزل عن الوعى العقلي التجريىب وبالعكس أيضا!!بل هناك كما نرى

ول املعرفية، يف هذا البحث انفتاح معريف وتصادى بنيوى تأسيسى بني حدود العلوم تتبادله احلقواملنهجيات والتصورات واإلجراءات الكامنة يف بىن النظريات،ليس هناك جماز تقابله حقيقة!!وليس هناك عقل يقابله حدس،وليس هناك فكر يقابله عاطفة،وليس هناك وضوح يقابله غموض،وليس هناك أصل يقابله فرع،وليس هناك منطق يقابله ال منطق،أو نظام يقابله ال

واقعى يقابله عملى،أو تقليدى يقابله جتديدى،وبصورة عامة ليس هناك جتريد يقابله نظام،أوجتسيد، بل ينحل العلم والعامل والنصوص واملعرفة والعرفان يف متصل علمى عقلى جتريىب ختييلى جتسيدى واحد من خالل بنية معرفية هرمية تدرجية احتوائية معقدة،وال نعدو احلقيقة إذا قلنا أن

يخ تطور التصورات والفلسفات واملعارف هو تاريخ تطور العلوم والنظريات واملناهج وهو تاريخ تار تقدير نسبة التداخل والتباعد والتصادى بني مجيع هذه التصورات عرب احلقب العلمية واجلمالية

ا املتعددة واملتغايرة عرب العصور!! لقد دخلت البنية املعرفية واملنهجية على اختالف ختص صاا إىل أفق معريف شبكى تداخلى تدرجى،بعد أن استغنت عن فكرة العنصر أو العناصر وتوجهابفكرة النظام والتداخل املنظومى بني العلوم ،لقد زاد الوعى، وخصب اخليال، وتعقدت املعرفة

ملعريف تعقدا كبريا،وقد أدى ذلك كله إىل صعوبة الوعى باحلادثات والكلمات والنصوص يف عاملنا ااملعاصر وصرنا حمتاجني أكثر من أى وقت مضى إىل إىل شبكة معقدة من النظر واملناهج

واملعارف والقيم لقد انتهت منهجية املطابقة والتماثل والصالبة واألحادية بني العقل واحلوادث وفكرة وعلينا اآلن أن نثمن فكرة النشاط على فكرة النظام،وفكرة الثغرة على فكرة االتساق،

االنتظام داخل تعدد منهجي جدىل على فكرة القبوع داخل نظام أحادى واضح مستقيم نرتاح إليه ويرتاح إلينا،إن املنهج املعريف اخلالق يدين لفكرة التعاىل واجلدل والتعدد واملراجعة أكثر مما

فقط أو سلطة يدين لفكرة التدقيق والتقسيم واالتساق املنهجى املطمئن مابني عقل فقط أو روح

Page 25: ابن رشد وشوق المعرفة

45

فقط!!، ومن هنا كنا نتصور املنهج املعريف الفعال قادرا على أن جيمع بني الظاهراتى والتأويلى واملعرىف واجلماىل واالستشراىف يف قران واحد، أى يكون قادرا على ضم الفهم إىل التفسري إىل

ل ذلك ال على سبيل التأويل ومعرفة املوضوع إىل معرفة الذات إىل رحابة االستشراف ـ يضم كالتلفيق املبتذل، أو اخللط املعريف الغامض، أو التجميع الفج أو الرتاكم املعتم الكليل، بل يضم مجيع ذلك داخل ربقة منهجية تعددية تدرجية واحدة. حنن نسعى يف هذا البحث إىل الفهم

فان الصوىف بدون جتاوز املنهجي التعددى الرتاكىب بني حدود العقل التجريىب املنطقى والعقل العر للحدود املنطقية للمعايري واملوضوعات ومادة البحث نفسه، كما نسعى أيضا إىل الفهم املتجاوز حلدود هذه املعايري واملوضوعات ومادة البحث من داخل هذه املادة. ويف هذا املفرتق املنهجي

يف موازاة جدلية تعددية “الالتساق املنهجي “التعددى التداخلى الصعب، أود أن نود أن يعملمع ((االتساق املنهجي)،وقة والنسق مع جسارة الالنسق،ومنطق املفارقات والتناقضات والشروخ مع منطق االتساقات والتطابقات، حنن نعيش اآلن يف عصر التعالق املعريف التعددى الشبكى بعد

زيادة مذهلة بات معها كل التصورات زيادة الوفرة املعرفية والعلمية واالتصالية ىف العامل املعاصر املعرفية السابقة تعاىن الفقر املعرىف واملنطقي واملنهجي معا، ومن هنا كان منهجنا يف هذا البحث منصبا على البحث عن نظرية معرفية منطقية لدنة ومرنة رحيبة جتمع بني قوة الوجدان وجسارة

ملعيار أيضا، كما جتمع بني تثمني االتساق اخليال ومنطق العقل وتصنيف املعيار ونقد معيار االعقالىن إىل جوار تفكيكه من خالل احلدس واحللم واالستشراف يف وقت واحد، وجيب أن نستحضر نيتشه هنا ـ بعيدا بالطبع عن عدميته الىت ال تالئم العقل العريب والقيم احلضارية العربية ـ

ارات واجملازات املرسلة احلافلة بالتشبيهات الذى كان يرى احلقيقة حشدا مضطربا من االستعاإلنسانية، وبعيدا عن وعى احلداثة وما بعد احلداثة،حنن نقر أن طبيعة الوعى البشرى نفسه طبيعة استعارية جمازية ،فليس هناك وعى غفل وخالص، وليس هناك أيضا إدراك حسى خالص،وليس

خالص لذاته،مامن شىء وإال به هناك إدراك عقلى خالص،ليس هناك يف هذا الكون شىءشوب عالقة ما، فنحن ال ندرك الواقع والذات والتاريخ والثقافة واحلقيقة إال من خالل تصورات نظرية مسبقة كامنة يف الوعى، وال نصف ما نراه إال من خالل ما متكن يف وعينا املسبق من

ل الكيان اجلسدى مفردات وتصورات ومشاعر وهواجس وخماوف، أى ال نرى إال من خاللوجودنا اإلنساىن كله، بل حنن ال نرى ما نراه من ظواهر جديدة، إال من خالل ما تسمح به أو تزخر به أمناط الرموز الثقافية الكامنة يف الوعى والالوعي، يقول فريا أبند يف مقاله(( مشكالت

Page 26: ابن رشد وشوق المعرفة

46

وإن كل نظرية علمية ) ( إن ما هو مدرك يتوقف على ما هو معتقد، 1965املذهب التجريىب)) (ا اخلاصة ، ويقول يف دراسته(( التفسر والرد واملذهب التجريىب) إن النظريات العلمية تفرض خرب‘ ليست سوى طرق معينة للنظر إىل العامل، وإن تبىن هذه النظريات يؤثر على توقعاتنا وخرباتنا

العلماء خالل الثورات العلمية ) إن 1962ويقول توماس كون يف كتابه (( بنية الثورات العلمية))(يشاهدون أشياء جديدة وخمتلفة حني ينظرون باآلالت املألوفة من املواضع نفسها الىت نظروا منها

جتعل العلماء يشاهدون PARADIGMمن قبل، إذ إن تغريات (( النموذج الشارحنوا ينتمون إليه من بالفعل عامل أحباثهم اخلاصة بطريقة خمتلفة متاما عن ذلك العامل الذى كا

)15قبل))(ويؤكد على هذه التصورات كثري من فالسفة العلم املعاصرين الثائرين يف أوربا مثل " فريا أبند " صاحب كتاب " العلم والال علم " وكتاب "( ضد املنهج )" ومثل توماس كوين يف كتابه "

يف حبثه عن الفارق بني تاريخ ((بنية الثورات العلمية ))" والفيلسوف الكبري (إمرى الكاتوش)العلم وفلسفة العلم وتساؤله الفلسفى العميق: هل هناك موضوعية حقة، أو حىت حياد عقلي صارم ؟! إن الكاتوش يرد دائما عل أصحاب الوصفية املنطقية، والعقالنية املوضوعية بأن ليس مثة

فقط، بل هناك دروب فكرية شيئا يف هذا الكون خيضع للعقل فقط، أو للروح فقط، أو للخيالتداخلية غامضة ومعقدة متور مورا يف جوهر األشياء واألحداث، ودائما يتعثر القانون العلمي املنهجي يف دقة التعبري عن حقيقة ما حيدث، فعلى حني يدعي العلم املعيارية، نرى الواقع نفسه

الدراسة القيمة الىت كتبها األستاذ خيرج باستمرار عن حدود املعيار، مطلقا من حيويته املثرية،وىفالدكتور حممد السيد عن الكاتوش،نرى فيها ال كاتوش يؤكد مع عامل الرياضة ( بوالين ) بأنه دائما(( " يكتشف يف كل حلظة يف معمله أن قوانني الطبيعة تتناقض مع بعضها من الناحية

التجرييب... ذلك ألنين إذا أخذت الصورية، بيد أين أفسر هذا التناقض من خالل افرتاض اخلطأ كل احنراف حيدث يف املعمل مأخذ اجلد، فسوف يتقهقر البحث العلمي ليتحول إىل جمرد موضوعات ختيلية ))"، ويؤكد الكاتوش على هذا التصور العلمي الدقيق فيقول بأننا عندما نقرأ

على قاعدة واحدة مهما بدت بعناية ودقة ال نعثر –ناهيك عن اإلنساين –تاريخ العلم التجرييب مقبولة ومستندة إىل أسس أبستمولوجية راسخة،فما من حقيقة أبستمولوجية راسخة إال ويتم جتاوزها وخمالفتها يف وقت من األوقات،لقدم إمرى الكاتوش حال منهجيا ومعرفيا ملشكالت

Page 27: ابن رشد وشوق المعرفة

47

التجريىب يعد األرقى من البحث العلمى وبالتاىل مشكالت أمناط متثل العامل وتعقل الواقع الفعلى نوعه ىف املنهجيات العلمية الفلسفية املعاصرة،إذ يعيد الكاتوش بناء جسم العلم مبا يوسع من حدود الواقع والنظرية معا،((فقد تصور الكاتوش أن الوحدة العضوية النمطية لإلجنازات العلمية

برنامج حبثى متكامل .... فالعلم العظمى ىف تاريخ العلم ال تكون على هيئة فروض منعزلة وإمنا ليس ببساطة هو احملاولة واخلطأ والهو سلسلة من احلدوسات الفرضية والتفنيدات..... حيث تنمو النظريات العلمية دائما وسط تيار مستمر من االحنرافات،إن السمة املميزة للعلم،تكمن ىف

ريات العلمية التجريبية تتكون بالرغبات التنبؤات الدرامية املذهلة غري املتوقعة))، ومن هنا فالنظواألشواق والتخيالت واحلدوس الصوفية التخييلية االفرتاضية اخلالقة ،إىل جوار بىن التعقل ذه املثابة املنهجية تنفتح النظريات على جسارة التخييل املستقبلى والتجريب والتصديق والتفنيد،و

املذهل اخلارج عن حدود قياسات التعقل ىف النظريات االستباقى والقدرة على بناء التوقع العلمىاحلالية،وألول مرة ىف تاريخ العلم تتحرك البنية املوضوعية الداخلية جلسم العلم نفسه بقوة التخييل وجسارة االستشراف،وعناد الفروض املعرفية غري املربرة، وتظل النظريات تصطرع سنوات طويلة بني

وبرنامج تعقلى تصورى استشراىف حىت تتخلق مالمح جدل معرىف برنامج تعقلى معرىف سائد، منهجى جديد من عمق هذه املتاهة العلمية الالحمدودة،وكأن الكاتوش قد أحل املستقبل املمكن بالفعل ىف أعماق احلاضر الكائن لينتصر لصاحله دوما،أو قل كأن الكاتوش قد أحال الدميومة

ون من اجملال الفلسفى التصورى إىل اجملال العلمي التجريىب الزمنية اخلالقة السائلة لدى برجسالفعلى خالقا بذلك شروطا علمية منهجية جديدة جلدل ختلق النظريات والتصورات العلمية،ونافيا بذلك أى حد علمى منطقى سابق قائم على الثنائية الضدية أو حىت التفاعلية فليس معيار العلم

ىف مقابل التقابلية للتكذيب،وال ىف معيار التعقل ىف مقابل كامنا ىف القابلية للتصديق التجريب،وال ىف االتساقات العلمية ىف مقابل االحنرافات واالختالالت، بل كل ذلك يعمل عرب شبكة معقدة من التعدد املنهجى ىف جسد النظريات معا وىف وقت واحد فيما يطلق عليه

نهجية الواقية لقوة النظرية خالقة القلب الصلد هلا،فالواقع الكاتوش جمموعة من األحزمة النظرية واملأعقد من كل نظرية،وكأن الكاتوش ينقلنا هنا من ضيق التعقل والتمنهج والتنظري إىل رحابة الواقع والتخييل والوجود،أو ينقل التعقل والعلم ومناهجه إىل حالة من حاالت التموضع ىف الوجود ىف

هنا ينتفى متاما هذا املنطق الفكرى الثنائى الغليظ الذى طال أمده ىف ذاته باملعىن اهليدجرى،و الواقع الفكرى الفلسفى املعاصر، بني العقالىن واحلسى،والتارخيى واجلماىل،والتجريىب والتخييلى

Page 28: ابن رشد وشوق المعرفة

48

والذى دشنه معظم مفكرينا ىف واقعنا العرىب املعاصر حىت حجبوا حيوية الواقع وتعدديته، وجسارة سيسيته، وإذا حتققنا من هذه املنهجية املنظومية البينية التداخلية نكون قد قفزنا ـ إىل ما اإلبداع وتأ

نقرتحه هنا ىف هذا البحث ـ إىل الواقعية املعرفية املفرطة قرينة األمنوذج املعرىف املنظومى التعددى والتزامن ددالبيىن التشعىب القائم على التداخل والتشعيب والغموض والتفتت والتكسري والتع

والرتامى،واملوسوعية والتشعب اجلماىل واملعرىف واالستشراىف البنيوى الدينامى املفتوح لكافة أمناط العالقات واألوضاع واملمكنات واملستحيالت،والرغبة الالهثة ىف جتاوز كل التقاليد والتصورات

استنباع آفاق معرفية شبكية واألنساق واأليديولوجيات والنماذج املعرفية التكوينية السائدة إىلجد مبتكرة ومدهشة ىف توازيها وتعددها وتزامنها وتداخلها ىف وقت واحد.وبالطبع فإن التصورات العلمية والفلسفية والفيزيائية واملنطقية السابقة تطرح رؤى علمية وجمازية تركيبية تعددية تداخلية

لرؤية العلمية املعاصرة، وتؤسس جماال إدراكيا جديدة ملسألة العالقات ومفهوم العقل والتعقل ىف انوعيا جديدا يفكك كافة أمناط العالقات السابقة املكونة لبنية الوعى العلمى املعاصر من جهة، وبنية التصورات واملناهج واألدوات العلمية املختلفة املكونة لشروط احلقيقة ىف احلقول العلمية

احتياجنا املعريف ضروريا ملنهجيه تعددية بينية تداخلية املعاصرة من جهة ثانية. ومن مثة كانعقالنية وفوق عقالنية منهاجية وعرب منهاجية، أو منهجية ال اتساقية تعمل جنبا إىل جنب مع

ليصبح –املنهجية االتساقية منهجية تضم العقالىن والتجريىب إىل الوجداىن والتخييلى االستشراىف،ال مفر منها سواء يف منهجية العلوم اإلنسانية، أو التجريبية أو كل ذلك ضرورة علمية حتمية

))، الذى يعتمد 16التطبيقية. وباحلرى فيما اقرتحناه من منهجنا املعريف املنظومى التعددى ((اجملازى والعرفاىن إىل جوار العقالىن والتجرييب أصال معرفيا من أصول النظرية املعرفية، ذلك أننا ال

إن ادعينا ذلك ــ أن منارس عملية التفكري نفسها إال على حنو جمازى، فكل إدراك نستطيع ــ و ا بل نعى صورتنا حسي هو صورة من صور التمثالت التصورية ألننا ال نعى األشياء ىف ذاا ووعيها ىف سياق معرىف تارخيى جسدى ما، وتصورنا عن هذه األشياء أو نعى صور عالقا

دما نبدأ التفكري ىف معىن احلياة والزمان واملكان واجلسم واملعىن واإلرادة احلرة يقول فنتجشتني (( عنواخلري وغريها من املوضوعات الفلسفية الكبرية فإننا نصبح مسحورين عن طريق اللغة))، ومن هذا

زات املنطلق أيضا ختضع مجيع تصوراتنا املنهجية والنقدية للتفكري اجملازى التشبيهى التمثلى، فاجملاا إطار الرؤية وجماهلا وحدودها أيضا، لقد تغري مفهوم العالقة ىف ا، إ تشكل الطريقة الىت نفكر العلم التجريىب املعاصر(( فغالبا ما يزعم مفكروا مابعد احلداثة أن العلم تطور حنو مرحلة تتخطى

Page 29: ابن رشد وشوق المعرفة

49

ــــ ينظر فيها البحث كثريا ذلك اليقني الكالسيكى وهى مرحلة ــ كما يزعم جان فرانسوا ليوتار العلمى لتطوره على ظانه غري مستمر،كارثى غري قابل للسرد ومتناقض وذلك من حيث أنه يهتم بأشياء غري قابلة للحسم وحبدود التحكم الدقيق والصراعات الىت تتسم مبعلومات منقوصة

ارثيا وكوارث ومتناقضات برمجاتية إنه ينظر لتطوره فرياه متقطعا وك FRACTAوشذرات ومتناقضا وغري قابل للتقومي))،وإزاء هذه التصورات املنهجية اجلديدة يف بنية العلم نفسه، كان على املناهج املعرفية العربية والغربية معا،أن جتمع بني عقل ابن رشد وعرفان الغزاىل بغية تطوير

ا املعرفية واملنهجية والفلسفية واجلمالية والثقافية لتتس ع التساع العامل والذات وعيها بأدواوالواقع،لقد تداخلت وتضايفت املسافات واحلدود العقلية والروحية واحلدسية واالفرتاضية والتخييلية بني العلمى التجريىب، واملنطقى الفلسفي، والتخييلى،وامليتافيزيقى الكامن يقول ريتشارد

مط الفكرى الذى سيطر على روترى:(( ومما يستوقف يف قضية روترى هو رد الفعل ضد ذلك النبعض األوساط األكادميية األدبية ويأتى لفظ األدىب ليعىن أن روترى رغم تكوينه كفيلسوف أكادميى ....... يفضل أن ينظر إليه على أنه ناقد أدىب أو حماور ثقاىف ال يدين بوالء لتلك

والدقة التصويرية،أو القوة الرتكيبية األفكار القدمية ((الىت يقودها العلم)) املتعلقة بالقوة التحليلية القادرة على حل املشكالت،ولذلك فهو ينتهز كل فرصة للدفاع عن تفضيل االستعارة على التصور الفكرى،والبالغة على املنطق،والفهم السردى على اجتاهات إعادة الرتكيب العقلي

شىء يشبه السعى اخلادع حنو واملقاربات التأويلية،((أو ذات امليل الشديد حنو الوصف)) على أىمعرفة موضوعية تتجاوز أفق ميولنا واحتياجاتنا الثقافية يف الوقت احلاضر،وقد أدى ذلك بدوره ــ يف أكثر حاالته استفزازا ــ إىل الزعم القائل بأن علماء الفيزياء النووية أو البيولوجيا اجلزيئية قد

رات اجلديدة الىت ينتجها الشعراء والروائيون أو نقاد يكون لديهم املزيد ليتعلموه يف جمال االستعااألدب،وليس من زمالئهم يف فروع املعرفة العلمية املشرتكة))،فليس اجملاز أو الوجدان مقابال للعقل والتجريب، فإذا كان اجملاز بكافة صوره وأشكاله ومراميه، يعىن بتفكيك شروط احلقيقة كما تتجلى

ا االجتماعية ا العلمية والثقافية الشائعة، ويقرتح عرب اخليال ما يف عالقا العقلية اليومية، وعالقاال يسمى بعد، أو ما يند عن التسمية بطبيعته، وما ال خيضع لتصورات العقل اجلمعى السائد، وما هو خارج شروط الواقع بكافة صور أنساقه الرمزية ــ فإن مجيع ذلك كان قرين

احلقيقة البدئية يف بنية املادة،يف تصورات الفيزيائيني املعاصرين لدى )،وما يقع خلف16احلقيقة(بروكود عامل الفيزياء احلديثة ،وما توصل إليه العلماء السابقون يف جماالت بنية العلم التجريىب

Page 30: ابن رشد وشوق المعرفة

50

توصلت إليه فلسفيا قامات علمية شاخمة من فالسفة العلم املعاصرين أمثال ( كارل بوبر،وفريا الكاتوش، ورتشارد روترى،وجون سيل فيلسوف اللغة،ودبليو يف كواين الذى أدخل أبند وإمرى

القلق الفلسفة مرة ثانية على بديهيات القضايا التحليلية والرتكيبية وتوماس كون صاحب كتاب بنية الثورات العلمية)) وغريهم من الفالسفة املعاصرين الكبار ممن حطموا كل احلدود واحلواجز

واملوضوعى والتخييلى وامليتافيزيقى والعقالين والتجرييب والعرفاىن الصوىف يف نظرية املعرفة بني الذاتىاملعاصرة. إن التصورات املنهجية والتجريبية، والعلمية، واملنطقية، والفلسفية، والفيزيائية، السابقة

العقل التجريىب فقط إىل تنقل وعينا بالواقع والعامل والعقل من االتساقية الفقرية الىت تعتمد حدود الالتساقية اخلالقة الىت تعتمد اخليال والوجدان أصال معرفيا أيضا،فتنقلنا من احلد العلمى القائم على العقل التجزيئى االنفصايل إىل احلد العلمى التعددى التداخلى القائم على البينية مما يطرح

ل ىف العالقات العلمية والفلسفية بالطبع رؤية علمية جديدة إلعادة تأسيس مفاهيم العق)، بدال من مفهوم احلقل املعرىف الواحد،ومفهوم 17واملنهجية، ويطرح مفهوم التحقيل املعريف(

التحقيل قائم على منظومة التداخالت املعرفية،وانتقال حد العقل واملعرفة من فكرة العناصر إىل من مركزية النظام املعرىف الصارم، إىل تشعبية فكرة األنظمة،ومن فكرة التعاقب إىل نسق التزامن،و

املراكز املتعددة املتجادلة الىت تتناوب فيما بينها اهلامشى واملركزى وهامش املركزى ومركز اهلامشى وفق تصورات معرفية تعددية تداخلية عبورية تتناوب تأسيس حدودها وبنائها معا وىف وقت

ن املطلق الالحمدود ىف النسىب احملدود،مبعىن أنه يفكك واحد،وكأن التخييل املعرىف حييل شيئا مفكرة احلضور الزمىن املعرىف التعاقىب نفسه فيجعله تفتيتا زمنيا دوريا ال نسقيا وال خطيا، يسري بنمطق الكتلة والتعرج والتداخل ال مبنطق الصرامة واالستقامة والوضوح،بل يكون الوضوح طريقة

عود الوضوح بديهيا ىف بناء النص بل يصري بنائيا، فنحن نبىن الوضوح بناء،ال فلسفة ابتداء،فال يبدال من الوضوح الكانىت البدهى الساذج،ونقيم االستدالل التخييلى واملعرىف تلو االستدالل بديال عن احلدس الواثق من نفسه غرورا منذ البدء،بل يقوم الغموض املعرىف بوصفه خاصية تفكري ىف

عمل منطق املعمى الغائم إىل جوار منطق الواضح، ومنطق املعىن إىل جوار منطق الواقع والعامل فيالالمعىن الكامن ىف الواقع والكون واىل يعمل بنفس قوة منطق املعىن ولكنه معىن مل يتأسس بعد ىف أنظمته السيمولوجية واألبستمولوجية اخلاصة به ،وهذا يؤسس بدوره ملفهوم جديد للعقل

عالقة العقل العرفاىن بالربهاىن بالبياىن، مفهوم حتقيلى تعددى للعقل خيرج به من والوجدان أو لحده املعرىف الصرف، القائم على الثنائية إىل حدود وعالئق مجالية ومعرفية جديدة، بناء على ما

Page 31: ابن رشد وشوق المعرفة

51

يار فكرة احلد البيين ىف التخصصا ت تصورته نظرية املعرفة املعاصرة من تعقد بنية العلوم جهة، وااإلنسانية والعلمية املختلفة من جهة ثانية، و من مث الدخول ىف هذا التداخل الشبكي املعريف العالئقى ىف تصور العامل والوعي واحلقيقة من جهة أخرية، وتأثري مجيع ذلك على حساسيتنا

تداخال اإلنسانية واجلمالية، ولزوم إحداث تطور جذري نوعى ىف نظرية املعرفة واخليال معا، إن مثةتراكبيا نسقيا جدليا بني ديناميات التخييل األدىب البياىن، وديناميات احلداثة العلمية املعاصرة ىف نظريات العلم املختلفة، وديناميات التكنولوجيا الذكية اجلسورة، وسيكون هذه التداخالت

و سيتمثل ذلك ىف رصد التخييلية البينية املركبة وراء ديناميات التعقل املعرىف من ختصيب وسعة، ترابطات معرفية نوعية تعددية ىف الشىء الواحد، والدخول ىف أنسقة عالقات معرفية منظومية بينية تعددية شبكية، األمر الذى استدعى تغيريا نوعيا جذريا ىف مفاهيم احلقيقة والوعى والعقل

مت هذا الكشف العلمى وآليات تعقله، واتساع مدى احلس املعرىف البيولوجى لإلنسان بعد أناملذهل للشبكة العصبية للكائنات احلية،واكتشاف الرتكيب البنائى والشفرة الوراثية جلزىء(

DNA فاالكتشاف األول للشبكة العصبية قاد بشكل مباشر إىل ظهور ما يعرف)(،ىف اجلسم وقد بالسيربنطيقا والىت تعىن بالبحث ىف التطبيق التكنولوجى للنماذج البيولوجية املوجودة

أدى ذلك إىل هذا التسارع لعلوم الكمبوتر والذكاء االصطناعى هذا من ناحية، وقد أدى الرتكيب MOLE إىل ظهور البيولوجيا اجلزئية DNAالبنائى والنشاط البيولوجى جلزىء

CULR biology لقد قاد مجيع ذلك إىل ضرورة العمل املشرتك بني علم .....تصال ىف الكائن احلى واآللة، واكتشاف اخلواص اخلطية للعديد من الظواهر التحكم واال

البيولوجية الىت مازالت غري خطية، كذلك اكتشاف حدود العالقات البيولوجية غري اخلطية لبعض الظواهر، كما مت التوصل إىل معرفة متقدمة نسبيا عن التكامل واملثالية ىف األنساق البيولوجية، كما

وبلوغ مستويات جديدة من الاليقينية Certaintyل إىل درجات عالية من اليقينية مت التوصUncertainty ومت االرتقاء إىل معرفة جديدة ويقينية عالية عن الوحدة ،UNIT والتكامل

بني األنساق املتناهية ىف الصغر بعضها بالبعض اآلخر، وكذلك بني األنساق وكل مستويات )Subsystems and Systems )((18األنساق الكرب

لقد انتقل العلم ليعمل وفق منطق ((التآذر املنظومى)) عوضا عن منطق العالقات بني العناصر، لقد اتسع العامل، وكشف عن ثرائه املذهل، وانفكت كافة الروابط الفكرية الواضحة،

Page 32: ابن رشد وشوق المعرفة

52

اتساقا ما،وبالتاىل بنية الداللة والعالقات العقلية والروحية املعهودة الىت كانت تعطى بنية الوعى انسجاما مرئيا ومتصورا، وبات العامل والعلم حمتاجا إىل تصورات ومقاييس جديدة تكون قادرة على السيطرة على انفالت وتعدد الوعى بالعامل، مل يعد العامل واحدا بل صار متعددا مرتاكبا

يولوجية واخنفضت قدرة الزمن متجادال،وتعددت صور النسبية السيكولوجية والنسبية الفسالكرونولوجى على قياس حقيقة اجلدل املرتاكب ىف أعماق الكائنات احلية وغري احلية، واستبدل الزمن الكورنولوجى بالزمن الفسيولوجى بعد أن أوضع أينشتني بأن ((لكل جسم مرجعى زمنه

معىن ىف ذكر الوقت اخلاص به ودون معرفة اإلطار املرجعى للزمن اخلاص به فليس هناك أىاخلاص حبدث ما يتعلق باجلسم املشار إليه)) ينطبق هذا على األجرام السماوية، كما ينطبق على الكائنات احلية كلها مما أحدث ثورة مذهلة ىف الوعى بالعوامل اخلفية املوارة ىف الطبيعة والكون

لواقع واجملتمع والكون والثقافة، واحلادثات املختلفة، واستتبع ذلك تغري مفاهيم العقل والذات وايار فكرة اليقني، والتحدد، واملوضوعية، واملنطقية، واملقايسة،وظهور منطق الفئات الغائمة، واام، والالحتديد، والالدقة، والتشوش، والتضاد، وانتقال حد العلم من والالتيقن،وااللتباس، واإل

ة حدود اجلهل به، إن ظهور هذا النسق املعرىف القدرة على الوعى بالشىء إىل القدرة على معرفاجلديد ىف نظرية املعرفة املعاصرة، دفع بكافة احلدود النظرية للمعرفة إىل الذوبان والتالشى، واجلدل والتداخل، وجتلت حدود العلم املعاصر ىف القدرة على إدارة التعقيد املتداخل لصاحل حدود اجلهل

م بالشىء فقط، وأتوقع مستقبال أن اجلهل سيصري أحد احلدود بالشىء، وليس لصاحل حدود العلاملعرفية املهمة ىف نظرية املعرفة املعاصرة، حيث اجلهل بالشىء هنا ال يعىن عدم قدرتنا على استيعابه، بل يعىن عدم القدرة على معرفة حدوده احلامسة من جهة، وعدم القدرة على معرفة احلد

فية املتعددة مع الكيانات الواقعية األخرى املتداخلة معه من جهة الفاصل بني تداخالته املعر أخرى. لقد صار الغموض وااللتباس ميثالن قاعا معرفيا عميقا ىف مجيع نظريات العلم واألدب والفلسفة معا، لقد صار اجملهول واحدا أمام العلماء والشعراء،وكما ختلت نظريات العلم عن جماهلا

ئم على اليقني، ختلت أيضا ىف قلقها املعرىف املعاصر عن جماهلا التجريىب املعاصر التأملى القدمي القاالقائم على االحتمال وااللتباس والغموض، مث تداخلت أخريا إىل اجملال امليتافيزيقى، فبعد أن وثق

ضوعية العلم كثريا مبجال البنية الفيزيقية التجريبية، صار العلماء اآلن ال يعولون كثريا على املو العلمية بعد أن انتفى معها مبدأ املقايسة، و انتفى صدق القضايا التحليلية والرتكيبية ىف املنطق كما أشار فالسفة العلم املعاصرين وهذا الطرح النظرى اجلديد يف الرؤى واملناهج والتصورات

Page 33: ابن رشد وشوق المعرفة

53

ظرية املعرفة وحدود العقل التجريبية واإلنسانية املعاصرة، يؤسس جماال معرفيا إدراكيا نوعيا جديدا لنومفهوم الذات والواقع واللغة والبالغة مبا يفكك كافة أمناط العالقات السابقة املكونة لبنية الوعى العلمى املعاصر من جهة، وبنية التصورات واملناهج واألدوات العلمية لدى العلوم املختلفة املكونة

)19قول العلمية املعاصرة من جهة أخرى. (لشروط احلقيقة والذات والتاريخ والثقافة، يف احل املراجع

ـ د. حممد السيد،غواص ىف حبر الفلسفة،مقال أعطاه ىل املؤلف هدية لقرائته،عام .1 Quine،وقد ذكر فيه أن الفيلسوف واملنطقي األمريكي ويالرد فان أورمان كواين 2008

عد ــ واحدا من أهم ) الذي تويف عن عمر يناهز اثنتني وتسعني عاما ي1908 -2000(املناطقة على مر العصور.ولقد تأثر "كواين" يف مقتبل حياته بآراء "برتراند رسل" و"كارناب"

اية حياته أستاذا للفلسفة يف جامعة 1932وحصل على الدكتوراه عام مث عمل بعد ذلك وحىت ال الفلسفة اليت جعلت منه هارفارد. على الرغم من أمهية كتابات "كواين" ومكانته املرموقة يف جم

أهم منطقى يف النصف الثاين من القرن العشرين باعرتاف العديد من كبار الفالسفة من أمثال "ديفيدسون" و"ريتشارد روريت" و"بتنام" وغريهم، فإن "كواين" مل حيظ بشهرة غريه من الفالسفة

من أمثال "فتجنشتني" و"هيدجر" و"سارتر" مثال. ,Horkheimer : Eclipse Of Reason , Oxford University pressـ .2

New York,1947,p187 Paper, K.R, the Nyth of franemark: in Defense of science andـ .3

rationality. Edited by M. A Motturme, London, Routledge, 1995, p88.

–نشأة املعارف باالسكندرية نقال عن د. حممد أمحد السيد ، التمييز بني العلم والالعلم ، ط م. 97 -96ص 1996

, Mach ,E , The science of Mechanics . Chicago Open Courtـ .41969 ,p 579.

نقال عن د . حممد أمحد السيد ، التميز بني العلم والالعلم ، دراسة يف مشكالت املنهج العلمي . 37-36، ص 1996، منشأة املعارف باإلسكندرية ،

Page 34: ابن رشد وشوق المعرفة

54

ني على حسن،األسس امليتافيزيقية للعلم،جلنة التأليف والتعريب والنشر،وكالة ـ د. حس .5 76،ص1998املطبوعات اجلامعية،الكويت،

ـ د . حممد أمحد السيد ، التمييز بني العلم والالعلم ، دراسة يف مشكالت املنهج العلمي .6 . 23-22م ، ص1996منشأة املعارف باإلسكندرية ،

قل لدى الغزاىل:د. رفيق العجم،موسوعة مصطلحات اإلمام الغزاىل،سلسلة ـ انظر ىف معاىن الع .7 .483ـ 465موسوعات مصطلحات أعالم الفكر العريب واإلسالمي،مكتبة لبنان،ص

60العدد(الفكر العرىب املعاصر)على حرب،(قراءة ما مل يقرأ،نقد القراءة،ضمن جملة .ـ د .8 . 41،ص61،1989

ن اجلديد( الواحد والعشرين) ترمجة الدكتور جنيب احلصادى،جملة ـ جون سريل،الفلسفة يف القر .9 ،ص24،2005نزوى،عمان،العدد

82، ص1943، 1ـ د. مصطفى مشرفة، مطالعات علمية، مطبعة االعتماد مبصر، ط .10، وانظر أيضا :و.أ.ت. بفردج، فن البحث العلمى، ترمجة زكريا إبراهيم، مراجعة د. أمحد

.94، ص1986، 5بريوت، طمصطفى أمحد، دار إقرأ، ا،ترمجة: عبد اجمليد جحفة، .11 ـ جورج اليكوف ومارك جونسون،االستعارات الىت حنيا وانظر للمؤلفني: ،58،ص 1996، دار توبقال، 1ط

Lakoff, G. and Johnson, M. (1980 :(Metaphors We Live by ,Chicago: Chicago University Press

ii Lakof, G. (1987): Women, Fire and Dangerous Things, Chicago and London: the University of Chicago Press.

Johnson, M. (1987): The Body in the Mind: The Bodily Basis of Meaning, Imagination, and Reason, Chicago

University Press: Chicago and London. بني العلم والالعلم،دراسة يف مشكالت املنهج العلمي ، ـ د . حممد أمحد السيد،التمييز .12

. ، د. فؤاد كامل، أزمة العلم يف العصر 23-22م ، ص1996منشأ، اهليئةرف باإلسكندرية ، احلديث، ضمن كتابه: مدخل إىل فلسفة الدين ودراسات أخرى،اهليئة املصرية العامة

ر للفنون يف رأب فجوة .،د. طارق على حسن، هل هناك دو 66، 65،ص1984للكتاب،

Page 35: ابن رشد وشوق المعرفة

55

، وانظر 99ـ 95، ص1985، يناير ـ مارس،2،ع5التخلف، جملة فصول، األدب والفنون، مجأيضا:جيمس جليك، الفوضى، صنع علم جديد، ترمجة سامي الشاهد،اإلمارات العربية املتحدة،

26، 259، ص2000اجملمع الثقايف بأبو ظىب، طترمجة/ شوقى جالل/ اجمللس الوطىن للثقافة والفنون ــ توماس كون/بنية الثورات العلمية/ .13

، د. نظري جاهل،املنهج الالسلطوى 1992/ الكويت/ ديسمرب/168واآلداب/ عامل املعرفة/ع/ـ وانظر أيضا/ توماس 30. 154،ص1999،صيف،97يف فلسفة العلم،جملة الفكر العريب،ع

وطىن للثقافة والفنون واآلداب/ عامل كون/بنية الثورات العلمية/ ترمجة/ شوقى جالل/ اجمللس ال، حممد أمحد السيد، دفاع عن نظرية العلم، دراسة 1992/ الكويت/ ديسمرب/168املعرفة/ع/

أعطاها ىل املؤلف، وهى مقدمة للنشر يف جملة الدراسات يف نظرية الكاتوش، دراسة خمطوطة ماجد على نظرية املعرفة الفلسفية بكلية اآلداب جامعة اإلسكندرية. وانظر أيضا خبصوص

املعاصرة من تغريات حامسة: نقال عن د. نظري جاهل،املنهج الالسلطوى يف فلسفة العلم،جملة ـ وانظر أيضا: توماس كون/بنية الثورات 30. 154،ص1999،صيف،97الفكر العريب،ع

/ 168/ع/العلمية/ ترمجة/ شوقى جالل/ اجمللس الوطىن للثقافة والفنون واآلداب/ عامل املعرفة، وانظر أيضا: كارل بوبر، أسطورة اإلطار، يف دفاع عن 55،ص1992الكويت/ ديسمرب/

العلم والعقالنية، حترير: مارك أ ، نوترنو،ترمجة:د. ميىن طريف اخلوىل، اجمللس الوطىن للثقافة ،.ود.عبد 40ـ 36، ص 2003، أبريل، 292والفنون واآلداب، علم املعرفة، الكويت، ع

، فرباير ، 16لكباص ، الزمن األيقوين ودغمائية املستقبل ، جملة فكر ونقد ، املغرب عالصمد ا. وانظر أيضا بعد السالم بن عبد العاىل،الفلسفة أساسا للحوار،جملة 32-31م ، ص1999

، ص،حيث يفرق بدقة بني مفاهيم االتفاق بوصفها 2006،يونية،عام 47نزوى،عمان،العددفاهيمى لدى العلماء والفالسفة،ومفاهيم االنفصال بوصفها حدا أقصى حدا أقصى للرسوخ امل

يتساوى فيه العلماء والدمهاء،أعلم العاملني وأجهل اجلاهلني.مبا يستتبع معه طرح األسئلة الىت تبدو معروفة من جديد وبصورة جذرية.وقد ضم املؤلف أخريا هذه الدراسة القيمة ىف كتابه اجلديد ((

،وراجع نفس 50،ص2007دار توبقال،املغرب، الدار البيضاء،الطبعة األوىل، منطق اخللل ))التصورات لدى الكاتب ىف كتابه ((ىف االنفصال))،املغرب،دارتوبقال،الدار البيضاء،املقالة اخلاصة

. ــ وانظر د . علي حرب ، مسألة احلرية ، جملة عامل 7،9ب((تفكيك امليتافيزيقا ...عندنا))،ص. وانظر: 15، ص 2005مارس ، –، يناير 33، اجمللد 3تية ، العددالفكر الكوي

Page 36: ابن رشد وشوق المعرفة

56

Richard Kirkham Theories of Truth. 1992. The MIT Press:وانظر يف البحث عن منطق آخر للمعىن كتاب:روبري مارتان،يف سبيل منطق ).وانظر

، 1ة،اجلزائر،طللمعىن،ترمجة وتقدمي الطيب البكوش،وصاحل املاجرى،املركز العريب للرتمج،خاصة تفرقة املؤلف بني منطق احلقائقية ومنطق اعتقادات احلقائقية بتعبري املرتمجني وهذا 2006

يعىن بلغة أسهل نقرتحها هنا: التفرقة النقدية واملعرفية واملنهجية بني منطق احلقيقة اخلالصة،ومنطق تؤطرها،فال حقيقة أصال إال يف ظروف احلقيقة من خالل املعتقد الذى تنبع منه،واأليديولوجيا الىت

اعتقادها،ولن يكون املعىن أو احلق حقا إال من خالل جممل الظروف االعتقادية واالجتماعية والثقافية الىت ننظر إليه من خالهلا،وهى تصورات حتاول حتقيب رؤية املعىن تارخييا ومعرفيا

نرى من اجتاهات مابعد احلداثة يف رؤية وثقافيا.وهذه التصورات املعرفية واملنهجية تقرتب فيما منطق املعىن والداللة يف الواقع والعامل والنظرية.وإعادة النظر املعريف واملنهجي يف جممل اجلهاز

وتثمني املفاهيمى للمعرفة ورفض املماهاة املنهجية السائدة بني العقل واملنطق والتوازن والنظام.حول، واالختالل و الالحتدد،والالدقة،واالنفصال اجلدىل الكامن يف املنطق البيىن الغائم والتعدد والت

كل اتصال سائد،والتداخل البيىن للحدود املعرفية للعلوم، وتثمني كل ذلك على حساب منطق ا. وانظر املنظومات الداللية املغلقة،والقواعد العلمية املنسجمة،والعقالنية التقليدية املتسقة مع ذا

:د. نظري جاهل،املنهج الالسلطوى ىف فلسفة العلم،جملة الفكر خبصوص ذلك أيضا وانظر:جيل دللوز ، ما هي الفلسفة ، ترمجة مطاع 30. 154،ص1999،صيف،97العرىب،ع

.وندرة اليازجى، التصور احلديث 25م ص1997 1صفدي مركز االنتماء القومي بريوت ط ، أغسطس، 323جملة املعرفة السورية، عللعلم بني حكمة كريشنا مورتى وفيزياء دافيد بوهم،

: ،وانظر أيضا:د.ابرهيم البليهى، اجلهل بوصفه موضوعا للدراسة: موقع 30، 9،ص1990عبد الصمد الكباص:اجملرى األنطولوجى،دار أفريقيا د. . وانظر8/11/2002االنرتنت،

. 2006، 1الشرق،املغرب،الدار البيضاء،ط

لفلسفة، القول الفلسفي، و((كتاب املفهوم والتأثيل)) ــ د. طه عبد الرمحن، ((فقه ا .14

[بريوت، املركز الثقايف 1، ط12 – 11الفلسفة والرتمجة)) ص – 1 –وكتاب ((فقه الفلسفة

Page 37: ابن رشد وشوق المعرفة

57

[بريوت، 2ط – 264الفلسفة والرتمجة، ص – 1 –]. وكتاب ((فقه الفلسفة 1999العريب، ].1997املركز الثقايف العريب،

1وفر (جودى) جريفر،فنتجشتاين،ترمجة إمام عبد الفتاح إمام، طـ هيتون (جون) وجر .15 130،ص 2001،اجمللس األعلى للثقافة، القاهرة ،

ـ وانظر يف البحث عن منطق آخر للمعىن كتاب:روبري مارتان،يف سبيل منطق .16، 1للمعىن،ترمجة وتقدمي الطيب البكوش،وصاحل املاجرى،املركز العريب للرتمجة،اجلزائر،ط

خاصة تفرقة املؤلف بني منطق احلقائقية ومنطق اعتقادات احلقائقية بتعبري املرتمجني وهذا ،2006يعىن بلغة أسهل نقرتحها هنا: التفرقة النقدية واملعرفية واملنهجية بني منطق احلقيقة اخلالصة،ومنطق

إال يف ظروف احلقيقة من خالل املعتقد الذى تنبع منه،واأليديولوجيا الىت تؤطرها،فال حقيقة أصالاعتقادها،ولن يكون املعىن أو احلق حقا إال من خالل جممل الظروف االعتقادية واالجتماعية والثقافية الىت ننظر إليه من خالهلا،وهى تصورات حتاول حتقيب رؤية املعىن تارخييا ومعرفيا

د احلداثة يف رؤية وثقافيا.وهذه التصورات املعرفية واملنهجية تقرتب فيما نرى من اجتاهات مابعمنطق املعىن والداللة يف الواقع والعامل والنظرية.وإعادة النظر املعريف واملنهجي يف جممل اجلهاز املفاهيمى للمعرفة ورفض املماهاة املنهجية السائدة بني العقل واملنطق والتوازن والنظام.وتثمني

حتدد،والالدقة،واالنفصال اجلدىل الكامن يف املنطق البيىن الغائم والتعدد والتحول، واالختالل و الالكل اتصال سائد،والتداخل البيىن للحدود املعرفية للعلوم، وتثمني كل ذلك على حساب منطق

ا. املنظومات الداللية املغلقة،والقواعد العلمية املنسجمة،والعقالنية التقليدية املتسقة مع ذارية القدمية والعقل النقدي املعاصر،حنو ـ وانظر للكاتب نفسه د. أمين تعيلب، الشع .17

.وانظر أيضا للمؤلف نفسه 2009، 1تأسيس منهجي جتريىب،اجمللس األعلى للثقافة، القاهرة،ط: الثورات العلمية املعاصرة وبنية التحول اجملازى ((حنو نظرية للخيال))، مؤمتر كلية اآلداب،

، شعرية 2006العلوم اإلنسانية)) مارس، جامعة بىن سويف، بعنوان(( االجتاهات احلديثة يفالعلم يف اخلطاب الشعرى املعاصر،((شعرية الفضاءات البينية)) جملة فصول، القاهرة،صيف ـ

.،منهجية تداخل األنواع واخلطاب النقدي املعاصر :حنو تأسيس منهجي للتحقيل 2007خريف،ازيق/بعنوان تداخل العلوم واخلطاب التخييلى،مؤمتر كلية اآلداب/قسم اللغة العربية،جامعة الزق

. وكتاب ((خطاب النظرية وخطاب التجريب:تفكيك 2009ـ مارس 31ـ 30النقدي املعاصر، .2010العقل النقدى العريب))،سلسلة كتابات نقدية،القاهرة،اهليئة املصرية العامة للكتاب،