رسالة نحو النور

حيـم حمـن الر بســم الله الر ئ لنا من أمرنا رشدا نا آتنا من لدنك رحمة وهي رب

هـ1366 القاهرة عاصمة الديار المصرية في رجب حضرة صاحب ...

السالم عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد , فإنما حملنا على التقدم بهذه الرسالة إلى مقامكم الرفيع رغبة أكيدة في توجيه األمة التي استرعاكم الله أمرها , ووكل إليكم شأنها في عهدها الجديد , توجيها صالحا يقيمها على أفضل المسالك , ويرسم لها خير المناهج , ويقيها التزلزل واالضطراب ,

ويجنبها التجارب المؤلمة الطويلة . ولسنا نبغي من وراء ذلك شيئا إال أن نكون قد أدينا الواجب وتقدمنا بالنصيحة ...

وثواب الله خير وأبقتبعة الراعييا صاحب ...

إن الله وكل إليكم أمر هذه األمة , وجعل مصالحها وشؤونها وحاضرها ومستقبلها أمانة لديكم ووديعة عندكم , وأنتم مسؤولون عن ذلك كله بين يدي الله تبارك وتعالى , ولئن كان الجيل الحاضر عدتكم , فإن الجيل اآلتي من غرسكم , وما أعظمها أمانة وأكبرها

تبعة أن يسأل الرجل عن أمة : )كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته( . وقديما قال اإلمام العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه : )لو عثرت بغلة بالعراق

لرأيتني مسؤوال عنها بين يدي الله تبارك وتعالى لم لم أسو لها الطريق؟( .

وصور اإلمام عمر بن الخطاب عظم التبعة في جملة فقال : )لوددت أن أخرج منهاكفافا ال لي وال علي(

مـقدمــات

) أ ( عهد االنتقال :

وإن أخطر العهود في حياة األمم وأوالها بتدقيق النظر عهد االنتقال من حال إلى حال , إذ توضع مناهج العهد الجديد وترسم خططه وقواعده التي يراد تنشئة األمة عليها

والتزامها إياها , فإذا كانت هذه الخطط والقواعد والمناهج واضحة صالحة قويمة فبشر هذه األمة بحياة طويلة مديدة وأعمال جليلة مجيدة , وبشر قادتها إلى هذا الفوز ,

وأدلتها في هذا الخير ,بعظيم األجر وخلود الذكر وإنصاف التاريخ وحسن األحدوثة .

) ب ( على مفترق طريقين :

ولقد كانت المهمة ذات شطرين :

أولهما : تخليص األمة من قيودها السياسية حتى تنال حريتها , ويرجع إليها ما فقدتمن استقاللها وسيادتها.

ثانيهما : بناؤها من جديد لتسلك طريقها بين األمم , وتنافس غيرها في درجات الكمالاالجتماعي .

واآلن وقد وضع النضال السياسي أوزاره إلى حين , وأصبحتم تستقبلون باألمة عهدا جديدا , فإنكم سترون أمامكم طريقين، كل منهما يهيب بكم أن توجهوا األمة وجهتها

وتسلكوا بها سبيله، ولكل منهما خواصه ومميزاته وآثاره ونتائجه ودعاته ومروجوه. فأما األول فطريق اإلسالم وأصوله وقواعده وحضارته ومدنيته، وأما الثاني فطريق الغرب

ومظاهر حياته ونظمها ومناهجها.

وعقيدتنا: أن الطريق األول طريق اإلسالم وقواعده وأصوله هو الطريق الوحيد الذييجب أن يسلك وأن توجه إليه األمة الحاضرة والمستقبلة.

) ج ( مزايا التوجه اإلسالمي :

وإننا إذا سلكنا باألمة هذا المسلك استطعنا أن نحصل على فوائد كثيرة؛ منها أن المنهاج اإلسالمي قد جرب من قبل وشهد التاريخ بصالحيته، وأخرج للناس أمة من أقوى األمم وأفضلها وأرحمها وأبرها وأبركها على اإلنسانية جميعا؛ وله من قدسيته

واستقراره في نفوس الناس ما يسهل على الجميع تناوله وفقهه واالستجابة له والسير عليه متى وجهوا إليه، فضال عن االعتزاز بالقومية واإلشادة بالوطنية الخالصة. إذ أننا

نبني حياتنا على قواعدنا وأصولنا وال نأخذ عن غيرنا. وفي ذلك أفضل معاني االستقاللاالجتماعي والحيوي بعد االستقالل السياسي.

وفي السير على هذا المنهاج تقوية للوحدة العربية أوال، ثم للوحدة اإلسالمية ثانيا، فيمدنا العالم اإلسالمي كله بروحه وشعوره وعطفه وتأييده، ويرى فينا إخوة ينجدهم

وينجدونه ويمدهم ويمدونه، وفي ذلك ربح أدبي كبير ال يزهد فيه عاقل.

وهذا المنهاج تام شامل، كفيل بتقرير أفضل النظم للحياة العامة في األمة عملية وروحية. وهذه هي الميزة التي يمتاز بها اإلسالم، فهو يضع نظم الحياة لألمم على

أساسين مهمين: أخذ الصالح وتجنب الضار.

فإذا سلكنا هذا السبيل استطعنا أن نتجنب المشكالت الحيوية التي وقعت فيها الدول األخرى، التي لم تعرف هذا الطريق ولم تسلكه، بل استطعنا أن نحل كثيرا من

المشكالت المعقدة التي عجزت عن حلها النظم الحالية , وإنا نذكر هنا كلمة جورجبرنارد شو:

)ما أشد حاجة العالم في عصره الحديث إلى رجل كمحمد يحل مشكلته القائمة العقدةبينما يتناول فنجان القهوة(.

وبعد ذلك كله، فإننا إذا سلكنا هذا السبيل، كان تأييد الله من ورائنا، يقوينا عند الوهن،وينقذنا في الشدائد، ويهون علينا المشاق، ويهيب بنا دائما إلى األمام:

هم يألمون كما تألمون وترجون من الله )وال تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإن( .104ما ال يرجون وكان الله عليما حكيما( )النساء:

) د ( المدنية الغربية اآلن :

ومن تمام هذا البحث أن نقول : إن مدنية الغرب، التي زهت بجمالها العلمي حينا من الدهر، وأخضعت العالم كله بنتائج هذا العلم لدوله وأممه، تفلس اآلن وتندحر , وتندك

أصولها وتنهدم نظمها وقواعدها , فهذه أصولها السياسية تقوضها الدكتاتوريات، وأصولها االقتصادية تجتاحها األزمات , ويشهد ضدها ماليين البائسين من العاطلين

والجائعين , وأصولها االجتماعية تقضي عليها المبادئ الشاذة والثورات المندلعة في كل مكان، وقد حار الناس في عالج شأنها وضلوا السبيل , مؤتمراتهم تفشل , ومعاهداتهم

تخرق , ومواثيقهم تمزق , وعصبة أممهم شبح ال روح فيه وال نفوذ له , ويد العظيم فيهم توقع مع غيره ميثاق السالم والطمأنينة في ناحية , ثم تلطمه اليد الثانية من ناحية أخرى أقسى اللطمات , وهكذا أصبح العالم بفضل هذه السياسات الجائرة

الطامعة كسفينة في وسط اليم , حار ربانها وهبت عليها العواصف من كل مكان . اإلنسانية كلها معذبة شقية قلقة مضطربة , وقد اكتوت بنيران المطامع والمادة , فهي

في أشد الحاجة إلى عذب من سؤر اإلسالم الحنيف يغسل عنها أوضار الشقاء ويأخذبها إلى السعادة .

لقد كانت قيادة الدنيا في وقت ما شرقية بحتة ، ثم صارت بعد ظهور اليونان والرومان غربية ، ثم نقلتها النبوات الموسوية والعيسوية والمحمدية إلى الشرق مرة ثانية ، ثم

غفا الشرق غفوته الكبرى ، ونهض الغرب نهضته الحديثة ، فكانت سنة الله التي ال تتخلف , وورث الغرب القيادة العالمية ، وها هو ذا الغرب يظلم ويجور ويطغى ويحار

ويتخبط ، فلم تبق إال أن تمتد يد "شرقية" قوية ، يظللها لواء الله ، وتخفق على رأسها راية القرآن ، ويمدها جند اإليمان القوي المتين ، فإذا بالدنيا مسلمة هانئة ، وإذا

ا لنهتدي لوال أن هدانا الله( ذي هدانا لهذا وما كن بالعوالم كلها هاتفة: )الحمد لله ال( .43)ألعراف:

ليس ذلك من الخيال في شيء , بل هو حكم التاريخ الصادق ,إن لم يتحقق بنا ,ة على الكافرين ة على المؤمنين أعز ونه أذل هم ويحب )فسوف يأتي الله بقوم يحب

يجاهدون في سبيل الله وال يخافون لومة الئم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء( )المائدة:54. )

بيد أننا نحرص على أن تكون مما يحوزون هذه الفضيلة , ويكتبون في ديوان هذاك يخلق ما يشاء ويختار( )القصص: ( .68الشرف , )ورب

اإلسالم كفيل بإمداد األمة

ليس في الدنيا نظام يمد األمة الناهضة بما تحتاج إليه من نظم وقواعد وعواطف ومشاعر كما يمد اإلسالم بذلك كله أممه الناهضة , ولقد امتأل القرآن الكريم بتصوير هذه الناحية خاصة , وضرب األمثال فيها باإلجمال تارة وبالتفصيل تارة أخرى , وعالج

هذه النواحي عالجا دقيقا واضحا , ال تأخذ به أمة حتى تصل إلى ما تريد .

أ ـ اإلسالم واألمل

تحتاج األمة الناهضة إلى األمل الواسع الفسيح , وقد أمد القرآن أممه بهذا الشعور بأسلوب يخرج من األمة الميتة أمة كلها حياة وهمة وأمل وعزم , وحسبك انه يجعل اليأس سبيال إلى الكفر والقنوط من مظاهر الضالل , وإن أضعف األمم إذا سمعت

قوله تعالى :

ذين استضعفوا في األرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين , )ونريد أن نمن على الن لهم في األرض( )القصص: ( .6-5ونمك

وقوله تعالى : )وال تهنوا وال تحزنوا وأنتم األعلون إن كنتم مؤمنين , إن يمسسكم قرحاس( )آل عمران: ام نداولها بين الن ( .140-139فقد مس القوم قرح مثله وتلك األي

ذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم ألول الحشر ما ذي أخرج ال وقوله تعالى : )هو الهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم وا أن ظننتم أن يخرجوا وظن

عب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا يحتسبوا وقذف في قلوبهم الر(.2أولي األبصار( )الحشر:

ذين خلوا من قبلكم ة ولما يأتكم مثل ال وقوله تعالى : )أم حسبتم أن تدخلوا الجنذين آمنوا معه متى نصر الله سول وال ى يقول الر اء وزلزلوا حت تهم البأساء والضر مس

( .214أال إن نصر الله قريب( )البقرة:

إن أضعف األمم إذا سمعت هذا التبشير كله , وقرأت ما إليه من قصص تطبيقية واقعية , البد أن تخرج بعد ذلك أقوى األمم إيمانا وأرواحا , والبد أن ترى في هذا األمل ما يدفعها إلى اقتحام المصاعب مهما اشتدت , ومقارعة الحوادث مهما عظمت ,حتى

تظفر بما تصبو إليه من كمال .

ب ـ اإلسالم والعزة القومية

وتحتاج األمم الناهضة إلى االعتزاز بقوميتها كأمة فاضلة مجيدة لها مزاياها وتاريخها , حتى تنطبع الصورة في نفوس األبناء , فيفدون ذلك المجد والشرف بدمائهم وأرواحهم

, ويعملون لخير هذا الوطن وإعزازه وإسعاده . هذا المعنى لن نراه واضحا في نظام من النظم عادال فاضال رحيما كما هو اإلسالم الحنيف , فإن األمة التي تعلم أن كرامتها وشرفها قد قدسه الله في سابق علمه وسجله في محكم كتابه فقال تبارك وتعالى :

اس( )آل عمران: ( , وقال تعالى : )وكذلك جعلناكم أمة110)كنتم خير أمة أخرجت للنسول عليكم شهيدا( )البقرة: اس ويكون الر ( , )ولله143وسطا لتكونوا شهداء على الن

ة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين ال يعلمون( )المنافقون: ( , لهي أجدر8العزاألمم بافتداء عزتها الربانية بالدنيا وما فيها.

ولقد عملت األمم الحديثة على ترسيخ هذا المعنى في نفوس شبابها ورجالها وأبنائها جميعا , ومن هنا سمعنا : )ألمانيا فوق الجميع( , )إيطاليا فوق الجميع( , )وسودي يا

بريطانيا واحكمي( . ولكن الفارق بين الشعور الذي يمليه المبدأ اإلسالمي وبين الشعور

الذي أملته هذه الكلمات والمبادئ , أن شعور المسلم يتسامى حتى يتصل بالله , على حين ينقطع شعور غيره عند حد القول فقط من جهة , ومن جهة أخرى فإن اإلسالم

حدد الغاية من خلق هذا الشعور وشدد في التزامها , وبين أنها ليست العصبية الجنسية والفخر الكاذب بل قيادة العالم إلى الخير , ولهذا قال تبارك وتعالى : )تأمرون

(110بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله( )آل عمران:

ومعنى ذلك مناصرة الفضيلة ومقارعة الرذيلة واحترام المثل األعلى ومالحظته عند كل عمل , ولهذا أنتج الشعور بهذه السيادة في السلف المسلم منتهى ما أثر عن األمم من

عدالة ورحمة , أما مبدأ السيادة في نفس األمم الغربية فلم يحدد غايته بغير العصبية الخاطئة , ولهذا أنتج التناحر والعدوان على األمم الضعيفة , فكان المبدأ اإلسالمي أخذ

خير ما في هذه الناحية , وأراد أن ينطبع بذلك أبناؤه , وجنبهم ما فيها من شر وطغيان ,ولقد وسع اإلسالم حدود الوطن اإلسالمي , فالوطن في عرف اإلسالم يشمل

:

– القطر الخاص أوال.1

– ثم يمتد إلى األقطار اإلسالمية األخرى فكلها للمسلم وطن ودار.2

– ثم يرقى إلى اإلمبراطورية اإلسالمية األولى التي شادها األسالف بدمائهم الغالية3 العزيزة فرفعوا عليها راية الله , وال تزال آثارهم فيها تنطق بما كان لهم من فضل ومجد , فكل هذه األقاليم يسأل المسلم بين يدي الله تبارك وتعالى لماذا لم يعمل

على استعادتها.

– ثم يسمو وطن المسلم بعد ذلك كله حتى يشمل الدنيا جميعا , ألست تسمع قول4ه لله( )ألنفال: ى ال تكون فتنة ويكون الدين كل ( .39الله تبارك وتعالى : )وقاتلوهم حت

وبذلك يكون اإلسالم قد وفق بين شعور الوطنية الخاصة وشعور الوطنية العامة بماا خلقناكم من ذكر وأنثى اس إن ها الن فيه الخير كل الخير لإلنسانية جميعا : )يا أي

( .13وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا( )الحجرات:

ج ـ اإلسالم والقوة الجندية

وتحتاج كذلك األمم الناهضة إلى القوة وطبع أبنائها بطابع الجندية , وال سيما في هذه العصور التي ال يضمن فيها المسلم إال باالستعداد للحرب , والتي صار شعار أبنائها

جميعا : )القوة أضمن طريق إلحقاق الحق(

واإلسالم لم يغفل هذه الناحية , بل جعلها فريضة محكمة من فرائضه , ولم يفرق1 بينها وبين الصالة والصوم في شيء , وليس في الدنيا كلها نظام عني بهذه الناحية , ال في القديم وال في الحديث , كما عني بذلك اإلسالم في القرآن وفي حديث رسول الله

وإنك لترى ذلك ماثال واضحا في قوله تعالى :

)وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم( ( , وفي قوله تعالى : )كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا60)ألنفال:

وا شيئا وهو شر لكم( )البقرة: (216شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحب

وهل رأيت منشورا عسكريا في كتاب مقدس يتلى في الصالة والذكر والعبادةوالمناجاة كهذا المنشور الذي يبتدئ بالمر المنجز في قوله تعالى :

ذين يشرون الحياة الدنيا باآلخرة( ثم بين الجزاء بعد ذلك : )فليقاتل في سبيل الله ال( .74)ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما( )النساء:

ثم يتلو ذلك باستثارة أنبل العواطف في النفوس وهي استنقاذ األهل والوطن فيقول :

ذين ساء والولدان ال جال والن )وما لكم ال تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من يقولون رب

( .75لدنك نصيرا( )النساء:

ثم يوضح لهم شرف غايتهم ودناءة غاية عدوهم , ليبين لهم أنهم يجودون بثمن غال هو الحياة على سلعة غالية وتربوا عليه وهي رضوان الله ,على حين يقاتل غيرهم لغير

غاية , فهم أضعف نفوسا وأخزى أفئدة, فذلك قوله تعالى :

ذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا ذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله وال )اليطان كان ضعيفا( )النساء: يطان إن كيد الش ( .76أولياء الش

ثم يندد بالذين جنبوا عن أداء هذا الواجب , وأخذوا التكاليف السهلة وتركوا تكاليف البطولة , ويبين لهم خطأ موقفهم هذا , وأن اإلقدام لن يضرهم شيئا بل سيكسبون به الجزاء الكبير , واإلحجام ال يغنيهم شيئا فالموت من ورائهم ال محالة فيقول بعد اآليات

السابقة مباشرة :

كاة فلما كتب عليهم ذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصالة وآتوا الز )ألم تر إلى النا لم كتبت اس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا رب القتال إذا فريق منهم يخشون الن

قى وال رتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل واآلخرة خير لمن ات علينا القتال لوال أخدة( )النساء: -77تظلمون فتيال , أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشي

78)

بربك أي منشور عسكري في هذه القوة وفي هذا الوضوح يبعث في نفس الجندي كلما يريد القائد من همة وعزة وإيمان ؟؟

وإذا كان قوام الحياة العسكرية في عرفهم أمرين , هما النظام والطاعة , فقد جمعهماالله في آيتين من كتابه فقال تبارك وتعالى :

هم بنيان مرصوص( )الصف: ذين يقاتلون في سبيله صفا كأن ( , كما4)إن الله يحب ال( .21-20قال تعالى : )فأولى لهم , طاعة وقول معروف( )محمد:

وإنك إذا قرأت ما جاء به اإلسالم في إعداد العدة واستكمال القوة وتعليم الرمي ورباط الخيل , وفضل الشهادة وأجر الجهاد وثواب النفقة فيه ورعاية أهله واستيعاب صنوفه , لرأيت من ذلك ما ال يحصيه الحصر , سواء في اآليات الكريمة أو األحاديث

(98الشريفة أو السير المطهرة أو الفقه الحنيف : )وسع كل شيء علما( )طـه:

ولقد عنيت بذلك األمم الحديثة فبنت نفسها على هذه القواعد , ورأينا أساس فاشية موسوليني ونازية هتلر وشيوعية ستالين أساسا عسكريا بحتا , ولكن الفرق بين ذلك

كله وبين عسكرية اإلسالم فرق عظيم , فإن اإلسالم الذي قدس القوة هذا التقديس , وهو الذي آثر عليها السلم فقال تبارك وتعالى بعد آية القوة مباشرة: )وإن جنحوا

ل على الله( )ألنفال: لم فاجنح لها وتوك (61للس

وهو الذي حدد ثمن النصر ومظاهره فقال تعالى : )ولينصرن الله من ينصره إن اللهكاة وأمروا بالمعروف اهم في األرض أقاموا الصالة وآتوا الز ن ذين إن مك لقوي عزيز , ال

(41ونهوا عن المنكر ولله عاقبة األمور( )الحج:

وهو الذي وضع أساس القانون الدولي الحربي فقال تعالى : )وإما تخافن من قوم(58خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله ال يحب الخائنين( )ألنفال:

وألمر ما كانت وصية الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده لقواد جنودهم أروع مظاهر الرحمة والرفق : )ال تغدروا ، وال تغلوا ، وال تمثلوا ، وال تقتلوا امرأة وال طفال وال شيخا كبيرا ، وال تقطعوا شجرة مثمرة ، وال تجهزوا على جريح ، وستمرون

بأقوام ترهبوا في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له(

كذلك كانت العسكرية في اإلسالم بوليس العدالة وشرطة القانون والنظام , أما عسكرية أوربا اآلن فقد علم الناس جميعا عنها أنها جيش الظلم وجند المطامع , فأي

الفرقين خير مقاما وأحسن نديا؟

د ـ اإلسالم والصحة العامة

ولما كانت األمم الناهضة في حاجة إلى هذه الجندية الفاضلة , وكان قوام هذه الجندية صحة األبدان وقوة األجسام , فقد أشار القرآن إلى هذا المعنى في بيان قصة أمة

مجاهدة تحفزت للنهوض بعبء النضال في سبيل حريتها واستقاللها وتكوين نفسها , فاختار الله لها زعيما قوي الفكر وقوي الخلق , وجعل من أركان نهوضه بعبئه قوة بدنه

, فذلك ما حكاه القرآن الكريم عن بني إسرائيل في تزكيته طالوت : )قال إن الله(247اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم( )البقرة:

ولقد شرح رسول الله هذا المعنى في كثير من أحاديثه , وحث المؤمنين على المحافظة على قوة أبدانهم , كما حثهم على قوة أرواحهم , فالحديث الصحيح يقول :

)المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف( ويقول )إن لبدنك عليك حقا( . ولقد بين رسول الله لألمة كثيرا من قواعد الصحة العامة وبخاصة في علم الوقاية , وهو أفضل شطري الطب فقوله صلى الله عليه وسلم : )نحن قوم ال نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا ال نشبع( وتحريه فيما يشرب من ماء , وفي الحديث : )كان يستعذب الماء( , ونهيه عن البول والتبرز في المياه الراكدة , وإعالنه الحجر الصحي على البلد المطعون وأهله ,

فال يتركونه وال ينزله غيرهم , وتحذيره من العدوى وطلب الفرار من المجذوم , وأخيرا عنايته بكثير من فروع رياضة البدن كالرمي والسباحة والفروسية والعدو , وحث أمته

عليها وعلى العناية بها حتى جاء في الحديث : )من تعلم الرمي ثم نسيه فليس مني( , ونهيه نهيا مشددا عن التبتل والترهب وتعذيب الجسوم وإضوائها تقربا إلى الله تبارك وتعالى , وإرشاد األمة إلى جانب االعتدال في ذلك كله , كل هذا ينطق بعناية اإلسالم

البالغة بصحة األمة العامة وتشديده في المحافظة عليها وإفساح صدره لكل ما فيهخيرها وسعادتها من هذا الجنب الهام.

هـ ـ اإلسالم والعلم

وكما تحتاج األمم إلى القوة تحتاج كذلك إلى العلم الذي يؤازر هذه القوة ويوجهها أفضل توجيه ، ويمدها بما تحتاج إليه من مخترعات ومكتشفات ، واإلسالم ال يأبى العلم

، بل يجعله فريضة من فرائضه كالقوة ويناصره ، وحسبك أن أول آية نزلت من كتابالله تعالى :

م ذي عل ك األكرم , ال ذي خلق , خلق اإلنسان من علق , اقرأ ورب ك ال )اقرأ باسم ربم اإلنسان ما لم يعلم( )العلق: (5-1بالقلم , عل

وأن رسول الله قد جعل من فداء المشركين في بدر أن يعلم أحدهم من األسرى عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة ,عمال على محو األمية , ولم يسو الله بينذين ال ذين يعلمون وال العلماء وبين الجاهلين , فقال تبارك وتعالى : )قل هل يستوي ال

ر أولو األلباب( )الزمر: ما يتذك ( , وقد وزن اإلسالم مداد العلماء بدم9يعلمون إن الشهداء , والزم القرآن بين العلم والقوة في اآليتين الكريمتين : )فلوال نفر من كل

هم يحذرون , فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله ذين آمنوا قاتلوا ال ها ال يا أي

قين( )التوبة: (123-122مع المت

ولم يفرق القرآن بين علم الدنيا وعلم الدين ، بل أوصى بهما جميعا ، وجمع علوم الكون في آية واحدة ، وحث عليها وجعل العلم بها سبيل خشيته وطريق معرفته ،

فذلك قول الله تعالى :

ماء ماء( وفي ذلك إشارة إلى الهيئة والفلك وارتباط )ألم تر أن الله أنزل من الس السماء باألرض , ثم قال تعالى: )فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها( وفي ذلك اإلشارة

إلى علم النبات وغرائبه وعجائبه وكيميائه , )ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود( وفي ذلك اإلشارة إلى علم الجيولوجيا وطبقات األرض وادوارهااس والدواب واألنعام مختلف ألوانه كذلك( وفيها اإلشارة إلى علم وأطوارها , )ومن الن البيولوجيا والحيوان بأقسامه من إنسان وحشرات وبهائم فهل ترى هذه اآلية غادرت

ه من عباده ما يخشى الل شيئا من علوم الكون ؟ ثم يردف ذلك كله بقوله تعالى : )إن( .28-27العلماء( )فاطر:

أفلست ترى من هذا التركيب العجيب أن الله يأمر الناس بدراسة الكون ويحضهم علىذلك , ويجعل العارفين منهم بدقائقه وأسراره هم أهل معرفته وخشيته ؟

اللهم فقه المسلمين في دينهم .

و ـ اإلسالم والخلق

واألمة الناهضة أحوج ما تكون إلى الخلق .. الخلق الفاضل القوي المتين والنفس الكبيرة العالية الطموحة ، إذ أنها ستواجه من مطالب العصر الجديد ماال تستطيع

الوصول إليه إال باألخالق القوية الصادقة النابعة من اإليمان العميق والثبات الراسخ والتضحية الكثيرة واالحتمال البالغ , وإنما يصوغ هذه النفس الكاملة اإلسالم وحده ، هو

اها , الذي جعل صالح النفس و تزكيتها أساس الفالح ، فقال تعالى : )قد أفلح من زكاها( )الشمس: ( .10-9وقد خاب من دس

وجعل تغيير شئون األمم وقفا على تغير أخالقها وصالح نفوسها فقال : )إن الله الروا ما بأنفسهم( )الرعد: ى يغي ر ما بقوم حت ( .11يغي

وإنك لتسمع اآليات البالغة في مفردات األخالق الكريمة فتراها القوة التي ال تغالب في إصالح النفوس وإعدادها وتزكيتها وتصفيتها , مثل قوله تعالى في الوفاء : )من

المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما( .24-23بدلوا تبديال , ليجزي الله الصادقين بصدقهم( )األحزاب:

هم ال يصيبهم ظمأ وفي البذل والتضحية والصبر واالحتمال ومغالبة الشدائد : )ذلك بأن وال نصب وال مخمصة في سبيل الله وال يطأون موطئا يغيظ الكفار وال ينالون من عدو

نيال إال كتب لهم به عمل صالح إن الله ال يضيع أجر المحسنين , وال ينفقون نفقة صغيرة وال كبيرة وال يقطعون واديا إال كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون(

( .121-120)التوبة:

وليس كاإلسالم عامال على إيقاظ الضمير وإحياء الشعور وإقامة رقيب على النفسوذلك خير الرقباء ، وبغيره ال ينتظم قانون ما إلى أعماق السرائر وخفيات األمور

ز ـ اإلسالم واالقتصاد

واألمة الناهضة أحوج ما تكون إلى تنظيم شؤونها االقتصادية , وهي أهم الشؤون في هذه العصور , ولم يغفل اإلسالم هذه الناحية بل وضع كلياتها ولم يقف أمام استكمال

أمرها , وها أنت ذا تسمع قول الله تبارك وتعالى في المحافظة على المال وبيانتي جعل الله لكم قياما( فهاء أموالكم ال قيمته ووجوب االهتمام به : )وال تؤتوا الس

( .5)النساء:

ويقول في موازنة اإلنفاق والدخل : )وال تجعل يدك مغلولة إلى عنقك وال تبسطها كل( .29البسط( )اإلسراء:

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : )ما عال من اقتصد( وهو كما يصدق في الفرد يصدق في األمة مع قوله صلى الله عليه وسلم : )نعم المال الصالح للرجل

الصالح( , وأي نظام اقتصادي فاضل يرحب به اإلسالم ويدعو األمة إلى تشجيعه وال يقف أبدا في سبيله , والفقه اإلسالمي مملوء بأحكام المعامالت المالية , وقد فصلها

تفصيال ال يدع زيادة لمستزيد .

وبعد فإن األمة إذا توفرت لها هذه الدعائم من األمل والوطنية والعلم والقوة والصحة واالقتصاد فهي بال شك أقوى األمم والمستقبل لها , وال سيما إذا أضيف إلى ذلك أنها

قد طهرت من األثرة والعدوان واألنانية والطغيان , وأصبحت تتمنى الخير للعالم كله , وإن اإلسالم قد كفل ذلك فال حجة ألمة تريد النهوض في النكول عنه والعدول عن

طريقه.

ح ـ نظم اإلسالم العامة

هذه ناحية من نواحي الجمال في بعض النظم اإلسالمية وهي النظم الخاصة بنهضة األمم , على اعتبار أننا نستقبل عهد النهضة , أما كل نواحي الجمال في كل النظم

اإلسالمية فذك ما يحتاج إلى مجلدات ضخام وبحوث واسعة مترامية األطراف , وحسبنا أن نقول كلمة مجملة كل اإلجمال وهي : إن نظم اإلسالم فيما يتعلق بالفرد أو األسرة

أو األمة حكومتها وشعبها , أو صلة األمم بعضها ببعض , نظم اإلسالم في ذلك كله قد جمعت بين االستيعاب والدقة وإيثار المصلحة وإيضاحها , وإنها أكمل وأنفع ما عرف

الناس من النظم قديما أو حديثا . هذا حكم يؤيده لتاريخ ويثبته البحث الدقيق في كلمظاهر حياة األمة .

ولقد كان هذا الحكم يشهد به كل منصف , وكلما تغلغل الباحثون في بحوثهم كشفوا من نواحي الجمال في هذه النظم الخالدة ما لم يكن قد خطر ببال سلفهم , وصدق

الله القائل :

ه ك أن ه الحق أولم يكف برب ن لهم أن ى يتبي )سنريهم آياتنا في اآلفاق وفي أنفسهم حت( .53على كل شيء شهيد( )فصلت:

موقف اإلسالم من األقليات واألجانب

يا صاحب ...

يظن الناس أن التمسك باإلسالم وجعله أساسا لنظام الحياة ينافي وجود أقليات غير مسلمة في األمة المسلمة ، وينافي الوحدة بين عناصر األمة ، وهي دعامة قوية من

دعائم النهوض في هذا العصر ، ولكن الحق غير ذلك تماما ، فإن اإلسالم الذي وضعه الحكيم الخبير الذي يعلم ماضي األمم وحاضرها ومستقبلها قد احتاط لتلك العقبة

وذللها من قبل ، فلم يصدر دستوره المقدس الحكيم إال وقد اشتمل على النص الصريح الذي ال يحتمل لبسا وال غموضا في حماية األقليات ، وهل يريد الناس أصرح

من هذا النص:

وهم ذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبر )ال ينهاكم الله عن ال( .8وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين( )الممتحنة:

فهذا نص لم يشتمل على الحماية فقط، بل أوصى بالبر واإلحسان إليهم ، وأن اإلسالمالذي قدس الوحدة اإلنسانية العامة في قوله تعالى:

ا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا( )الحجرات: اس إن ها الن )يا أي13. )

ثم قدس الوحدة الدينية العامة كذلك فقضى على التعصب وفرض على أبنائه اإليمانبالرساالت السماوية جميعا في قوله :

ا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب )قولوا آمنق بين أحد منهم هم ال نفر ون من رب بي واألسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي الن

ما هم في وا فإن ونحن له مسلمون , فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولميع العليم , صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة( شقاق فسيكفيكهم الله وهو الس

( .138-136)البقرة:

ثم قدس بعد ذلك الوحدة الدينية الخاصة في غير صلف وال عدوان فقال تباركوتعالى :

كم ترحمون( )الحجرات: قوا الله لعل ما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم وات )إن10. )

هذا اإلسالم الذي بني على هذا المزاج المعتدل واإلنصاف البالغ ال يمكن أن يكون أتباعه سببا في تمزيق وحدة متصلة , بل بالعكس إنه أكسب هذه الوحدة صفة

القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتها من نص مدني فقط .

وقد حدد اإلسالم تحديدا دقيقا من يحق لنا أن نناوئهم ونقاطعهم وال نتصل بهم فقالتعالى بعد اآلية السابقة :

ذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على ما ينهاكم الله عن ال )إنهم فأولئك هم الظالمون( )الممتحنة: وهم ومن يتول ( .9إخراجكم أن تول

وليس في الدنيا منصف واحد يكره أمة من األمم على ترضى بهذا الصنف دخيال فيهاوفسادا كبيرا بين أبنائها ونقضا لنظام شؤونها .

ذلك موقف اإلسالم من األقليات غير مسلمة , واضح ال غموض فيه وال ظلم معه , وموقفه من األجانب موقف سلم ورفق ما استقاموا وأخلصوا , فإن فسدت ضمائرهم

وكثرت جرائمهم فقد حدد القرآن موقفنا منهم بقوله :

م قد بدت خذوا بطانة من دونكم ال يألونكم خباال ودوا ما عنت ذين آمنوا ال تت ها ال )يا أيا لكم اآليات إن كنتم تعقلون , ها ن البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بي

ونكم( )آل عمران: ونهم وال يحب ( .119-118أنتم أوالء تحب

وبذلك يكون اإلسالم قد عالج هذه النواحي جميعا أدق العالج وأنجحه وأصفاه .

موقف اإلسالم من العالقة مع الغرب

وقد يظن الناس كذلك أن نظم اإلسالم في حياتنا الجديدة تباعد بيننا وبين الدول الغربية ، وتعكر صفو العالئق السياسية بيننا وبينها بعد أن كادت تستقر ، وهو أيضا ظن عريق في الوهم ، فإن هذه الدول إن كانت تسيء بنا الظنون فهي ال ترضى عنا سواء تبعنا اإلسالم أم غيره ، وإن كانت صادقتنا بإخالص وتبودلت الثقة بينها وبيننا فقد صرح خطباؤها وساستها بأن كل دولة حرة في النظام الذي تسلكه في داخل أرضها ، مادام ال يمس حقوق اآلخرين فعلى ساسة هذه الدول جميعا : أن يفهموا أن شرف اإلسالم

الدولي هو أقدس شرف عرفه التاريخ ، وأن القواعد التي وضعها اإلسالم الدوليلصيانة هذا الشرف وحفظه أرسخ القواعد وأثبتها.

فاإلسالم الذي يقول في المحافظة على التعهدات وأداء االلتزامات: )وأوفوا بالعهد إنذين عاهدتم من المشركين ثم لم34العهد كان مسؤوال( )االسراء: ( ، ويقول: )إال ال

ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحبقين( )التوبة: ( ، ويقول7( , ويقول: )فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم( )التوبة:4المت

في إكرام الالجئين وحسن جوار المستجير: )وإن أحد من المشركين استجارك فأجرهى يسمع كالم الله ثم أبلغه مأمنه( )التوبة: ( ، وهذا بالمشركين فكيف بالكتابيين؟6حت

فاإلسالم الذي يضع هذه القواعد ويسلك بأتباعه هذه األساليب: يجب أن يعتبره الغربيون ضمانة أخرى ، تضمن لهم . نقول إنه من خير أوربا نفسها أن تسودها

النظريات السديدة في معامالت دولها بعضها لبعض، فذلك خير لهم وأبقى .

أصول النهضة في الشرق غير الغرب

يا صاحب ...

من األسباب التي دعت بعض األمم الشرقية إلى االنحراف عن اإلسالم واختيار تقليد الغرب دراسة قادتها للنهضة واقتناعهم بأنها لم تقم إال على تحطيم الدين وهدم

الكنائس , والتخلص من سلطة البابوية وإلجام القساوسة ورجال الكهنوت , والقضاء على كل مظاهر السلطة الدينية في األمة , وفصل الدين عن سياسة الدولة العامة

فصال تاما , وذلك إن صح في األمم الغربية فال يصح أبدا باألمم اإلسالمية , ألن طبيعة التعاليم اإلسالمية غير طبيعة تعاليم أي دين آخر , وسلطة رجال الدين المسلمين

محصورة محدودة ال تملك تغيير األوضاع وال قلب النظم , مما جعل القواعد األساسية في اإلسالم على مر القرون, تساير العصور وتدعو إلى الرقي و تعضد العلم وتحمي العلماء , فما كان هناك ال يصح أن يكون هنا , وتلك بحوث واسعة وضعت فيها الكتب

الكثيرة , ومهمتنا اآلن أن نلم بالموضوع إلمامة قصيرة من باب التذكرة والقضاء على الشبهات , ونحن على يقين من أن كل منصف معنا في هذه القاعدة , وعلى ذلك فال

يجوز أبدا أن يكون هذا الشعور رائدنا في نهضتنا الجديدة , التي يجب أن ترتكز أول ما ترتكز على دعائم قوية من الخلق الفاضل والعلم الغزير والقوة السابغة , وهو ما يأمر

به اإلسالم .

رجال الدين غير الدين

ومن المبررات التي اتخذها بعض الذين سلكوا سبيل الغربيين , أنهم أخذوا يشهرون بمسلك رجال الدين المسلمين من حيث موقفهم المناوئ للنهضة الوطنية , وتجنيهم على الوطنيين ومماألتهم للغاصبين وإيثارهم المنافع الخاصة والمطامع الدنيوية على مصلحة البلد واألمة , وذلك إن صح فهو ضعف من رجال الدين أنفسهم ال في الدين

ذاته , وهل يأمر الدين بهذا؟ , وهل يمليه سيرة األجالء األفاضل من علماء األمة اإلسالمية الذين كانوا يقتحمون على الملوك واألمراء أبوابهم وسدودهم , فيقرعونهم ويأمرونهم وينهونهم ويرفضون أعطياتهم ويبينون لهم الحق ويتقدمون إليهم بمطالب

األمة , بل ويحملون السالح في وجوه الجور والظلم , وما نسي التاريخ بعد كتيبة الفقهاء في صف ابن األشعث في شرق الدولة اإلسالمية , وال ثورة القاضي بن يحيى

الليثي المالكي في غربها .

هذه تعاليم الدين وهذا ماضي رجاله من فقهاء المسلمين فهل فيه شيء من هذا الذييزعمون؟ وهل من اإلنصاف أن يتحمل الدين تبعة رجال انحرفوا عنه؟

وعلى هذه المزاعم إن صحت في قوم فليست صحيحة للجميع , وإن وقعت لظرف خاص فليست تسار كل الظروف, وهذا تاريخ النهضات الحديثة في الشرق حافل

بمواقف رجال الدين المسلمين في كل أمة من األمم , وما موقف األزهر في مصر والمجلس األعلى في سوريا الجنوبية )فلسطين( وسوريا الشمالية )لبنان( وموالنا أبي

الكالم وإخوانه من جلة العلماء الهند وزعماء المسلمين في إندونيسيا بمنسي وال ببعيد , فتلك إذا مزاعم يجب أال تتخذ ذريعة لتحويل األمة عن دينها باسم الوطنية

المجردة , أو ليس األنفع لألمة أن تصلح رجال الدين وتصطلح عليهم بدال من أن تقفمنهم الموقف المبيد .

على إن هذه التعبيرات التي سرت إلينا تقليدا ومنها )رجال الدين( ال تنطبق وال تتفق مع عرفنا , فإنها إن كانت مع الغرب خاصة )باألكليروس( , فأنها في العرف اإلسالمي

تشمل كل مسلم , فالمسلمون جميعا من أصغرهم ألكبرهم رجال دين .

خطوة جريئة ولكنها موفقة

يا صاحب ...

بعد كل ما تقدم ال عذر لنا إن جانبنا طريق الحق : طريق اإلسالم , واتبعنا طريق الشهوات والزخارف : طرق أوربا , وفي طريق أوربا زينة وبهرج , وفيه لذائذ وترف , وفيه تحلل وإباحية , وفيه ما تهوى األنفس من متعة , وكل ذلك إلى النفس حبيب وقد

قال تعالى :

ساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة هوات من الن اس حب الش ن للن )زي(.14والخيل المسومة واألنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا( )آل عمران:

ولكن طريق اإلسالم عزة ومنعة , وحق وقوة , وبركة واستقامة , وثبات وفضيلةونبل , فاسلكوها باألمة وفقكم الله :

ات تجري من تحتها األنهار خالدين هم جن قوا عند رب ذين ات ئكم بخير من ذلكم لل )قل أؤنب( .15فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد( )آل عمران:

وإنما أهلك األمم الترف , وإنما زلزلت أوربا المتع والمطامع :

)وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها( .16تدميرا( )االسراء:

وإن الله تعالى قد أرسل رسوله رحمة للعالمين إلى يوم القيامة , وبعث معه كتابه الحق نورا وهدى إلى يوم القيامة , وإن زعامة الرسول صلى الله عليه وسلم باقية بسنته , وإن سلطان القرآن قوي بحجته , وإن اإلنسانية صائرة إليهما ال محالة بعز

عزيز أو بذل ذليل من قريب أو من بعيد حتى يتحقق قول الله : )ليظهره على الدينه( )الفتح: (.28كل

فكونوا أول من يتقدم باسم رسول الله بقارورة الدواء من طب القرآن الستنقاذ العالمالمعذب المريض .

إنها خطوة جريئة ولكنها موفقة إن شاء الله تعالى والله غالب على أمره : )ويومئذحيم( )الروم: (5-4يفرح المؤمنون , بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الر

بعض خطوات اإلصالح العملي

يا صاحب ...

بعدما وضحنا ما يجب أن يسود األمة في نهضتها الجديدة من شعور روحي , نحب أن نعرض ختاما لبعض هذه المظاهر واآلثار العملية التي يجب أن يمليها هذا الشعور ,

وسنذكر هنا رؤوس موضوعات فقط ونحن نعلم تمام أن كل مطلب من هذه المطالب يحتاج إلى بحث فسيح واسع دقيق تتوافر فيه جهود األخصائيين وكفايتهم , كما أننا نعلم

أننا لم نستقص بعد كل حاجيات األمة ومطالبها ومظاهر النهضة جميعا , ولسنا نعتقد أن تحقيق هذه المطالب من الهنات الهينات بحيث يتم في عشية أو ضحاها , كما أننا

نعلم أن كثيرا منها أمامه من العقبات المتشعبة ما يحتاج إلى طول األناة وعظيم الحكمة وماضي العزيمة , كل ذلك نعلمه ونقدره , ونعلم إلى جانبه أنه إذا صدق العزم وضح السبيل , وان األمة القوية اإلرادة إذا أخذت في سبيل الخير فهي ال بد واصلة إلى ما تريد إن شاء الله تعالى , فلتتوجهوا والله معكم , أما رؤوس مناحي اإلصالح المرتكز

على الروح اإلسالمي الصحيح فهي :

أوال : في الناحية السياسية والقضائية واإلدارية :

– القضاء على الحزبية وتوجيه قوى األمة السياسية في وجهة واحدة وصف واحد .1

– إصالح القانون حتى يتفق مع التشريع اإلسالمي في كل فروعه .2

– تقوية الجيش واإلكثار من فرق الشباب وإلهاب حماستها على أسس من الجهاد3اإلسالمي.

– تقوية الروابط بين األقطار اإلسالمية جميعا , وبخاصة العربية منها تمهيدا للتفكير4الجدي العملي في شأن الخالفة الضائعة.

– بث الروح اإلسالمي في دواوين الحكومة بحيث يشعر الموظفون جميعا بأنهم5مطالبون بتعاليم اإلسالم .

– مراقبة سلوك الموظفين الشخصي وعدم الفصل بين الناحية الشخصية والناحية6العملية .

– تقديم مواعيد العمل في الدواوين صيفا وشتاء حتى يعين ذلك على الفرائض7ويقضي على السهر الكثير .

– القضاء على الرشوة والمحسوبية واالعتماد على الكفاية والمسوغات القانونية8فقط.

– أن توزن كل أعمال الحكومة بميزان األحكام والتعاليم اإلسالمية , فتكون نظم9 الحفالت والدعوات واالجتماعات الرسمية والسجون والمستشفيات بحيث ال تصطدم

بقاعدة بتعاليم اإلسالم , وتكون الدوريات في األعمال على تقسيم ال يتضارب معأوقات الصالة.

– استخدام األزهريين في الوظائف العسكرية واإلدارية وتدريبهم.10

ثانيا : في الناحية االجتماعية والعلمية :

- تعويد الشعب احترام اآلداب العامة , ووضع إرشادات معززة بحماية القانون في1ذلك الشأن , وتشديد العقوبات على الجرائم األدبية .

- عالج قضية المرأة عالجا يجمع بين الرقى بها والمحافظة عليها وفق تعاليم اإلسالم2 ، حتى ال تترك هذه القضية التي هي أهم قضايا االجتماع تحت رحمة األقالم واآلراء

الشاذة من المفرطين والمفرطين.

- القضاء على البغاء , بنوعيه السري والعلني , واعتبار الزنا مهما كانت ظروفه3جريمة منكرة يجلد فاعلها .

- القضاء على القمار بكل أنواعه من ألعاب ويناصيب ومسابقات وأندية .4

- محاربة الخمر كما تحارب المخدرات , وتحرمها وتخليص األمة من شرورها .5

- مقاومة التبرج والخالعة وإرشاد السيدات إلى ما يجب أن يكون , والتشديد في6ذلك بخاصة على المدرسات والتلميذات والطبيبات والطالبات ومن في حكمهن .

– إعادة النظر في مناهج تعليم البنات ووجوب التفريق بينها وبين مناهج تعليم7الصبيان في كثير من مراحل التعليم .

– منع االختالط بين الطلبة والطالبات , واعتبار خلوة أي رجل بامرأة ال تحل له8جريمة يؤاخذان بها .

- تشجيع الزواج و النسل بكل الوسائل المؤدية إلى ذلك , ووضع تشريع يحمي9األسرة ويحض عليها ويحل مشكلة الزواج .

- إغالق الصاالت والمراقص الخليعة وتحريم الرقص وما إلى ذلك .10

- مراقبة دور التمثيل وأفالم السينما والتشديد في اختيار الروايات واألشرطة .11

- تهذيب األغاني واختيارها ومراقبتها والتشديد في ذلك .12

- حسن اختيار ما يذاع أو يعرض على األمة من برامج ومحاضرات وأغاني13وموضوعات واستخدام اإلذاعة والتلفاز في تربية وطنية خلقية فاضلة .

- مصادرة الروايات المثيرة والكتب المشككة المفسدة والصحف التي تعمل على14إشاعة الفجور وتستغل الشهوات استغالال فاحشا .

- تنظيم المصايف تنظيما يقضى على الفوضى واإلباحية التي تذهب بالغرض15األساسي من االصطياف .

- تحديد مواعيد افتتاح وإغالق المقاهي العامة ومراقبة ما يشتغل به رواده16وإرشادهم إلى ما ينفعهم وعدم السماح لها بهذا الوقت الطويل كله .

- استخدام هذه المقاهي في تعليم األميين القراءة والكتابة ويساعد على ذلك هذا17الشباب المتوثب من رجال التعليم اإللزامي والطلبة

- مقاومة العادات الضارة اقتصاديا أو خلقيا أو غير ذلك وتحويل تيارات الجماهير18 عنها إلى غيرها من العادات النافعة ، أو تهذيب نفسها تهذيبا يتفق مع المصلحة وذلك

كعادات األفراح والمآتم والموالد والزار والمواسم واألعياد وما إليها ، وتكون الحكومةقدوة صالحة في ذلك .

- اعتبار دعوة الحسبة ومؤاخذة من يثبت عليه مخالفة شئ من تعاليم اإلسالم أو19 االعتداء عليه ، كاإلفطار في رمضان وترك الصالة عمدا أو سب الدين وأمثال هذه

الشؤون .

- ضم المدارس اإللزامية في القرى و المساجد وشمولها معا باإلصالح التام من20 حيث الموظفين و النظافة وتمام الرعاية , حتى يتدرب الصغار على الصالة ويتدرب

الكبار على العلم.

- تقرير التعليم الديني مادة أساسية في كل المدارس على اختالف أنواعها كل21بحسبه وفى الجامعة أيضا.

- تشجيع تحفيظ القرآن في المكاتب العامة الحرة , وجعل حفظه شرطا في نيل22 اإلجازات العلمية التي تتصل بالناحية الدينية واللغوية , مع تقرير حفظ بعضه في كل

مدرسة.

- وضع سياسة ثابتة للتعليم ، تنهض به وترفع مستواه , وتوحد أنواعه المتحدة23 األغراض و المقاصد , وتقرب بين الثقافات المختلفة في األمة , وتجعل المرحلة األولى

من مراحله خاصة بتربية الروح الوطني الفاضل والخلق القويم .

- العناية باللغة العربية في كل مراحل التعليم وإفرادها في المراحل األولى عن24غيرها من اللغات األجنبية .

- العناية بالتاريخ اإلسالمي والتاريخ الوطني التربية الوطنية وتاريخ حضارة اإلسالم.25

– التفكير في الوسائل المناسبة لتوحيد األزياء في األمة تدريجيا.26

- القضاء على الروح األجنبية في البيوت من حيث اللغة والعادات واألزياء27والمربيات والممرضات ..الخ ، وتصحيح ذلك وبخاصة في بيوت الطبقات الراقية .

- توجيه الصحافة توجيها صالحا وتشجيع المؤلفين والكاتبين على طرق28الموضوعات اإلسالمية الشرقية.

- العناية بشؤون الصحة العامة , من نشر الدعاية الصحية بمختلف الطرق واإلكثار29من المستشفيات واألطباء والعيادات المتنقلة وتسهيل سبل العالج .

- العناية بشأن القرية من حيث نظامها ونظافتها وتنقية مياهها ووسائل الثقافة30والراحة والتهذيب فيها.

ثالثا : في الناحية االقتصادية :

– تنظيم الزكاة دخال ومنصرفا بحسب تعاليم الشريعة السمحة , واالستعانة به في1 المشروعات الخيرية التي البد منها كمالجئ العجزة والفقراء واليتامى وتقية الجيش .

– تحريم الربا وتنظيم المصارف تنظيما يؤدي إلى هذه الغاية , وتكون الحكومة قدوة2 في ذلك بإلغاء الفوائد في مشروعاتها الخاصة بها كبنك التسليف والسلف الصناعية

وغيرها .

– تشجيع المشروعات االقتصادية واإلكثار منها , وتشغيل العاطلين من المواطنين3فيها واستخالص ما في أيدي األجانب منها للناحية الوطنية البحتة.

– حماية الجمهور من عسف الشركات المحتكرة وإلزامها حدودها والحصول على4كل منفعة ممكنة للجمهور.

– تحسين حال الموظفين الصغار برفع مرتباتهم واستبقاء عالواتهم ومكافأتهم5وتقليل مرتبات الموظفين الكبار.

– حصر الوظائف وخصوصا الكثيرة منها , واالقتصار على الضروري , وتوزيع العمل6على الموظفين توزيعا عادال والتدقيق في ذلك.

– تشجيع اإلرشاد الزراعي والصناعي والتجاري , واالهتمام بترقية الفالح والصانع من7الناحية اإلنتاجية.

– العناية بشؤون العمال الفنية واالجتماعية , ورفع مستواهم في مختلف النواحي8الحيوية .

– استغالل الموارد الطبيعية كاألرض البور والمناجم المهملة وغيرها.9

– تقديم المشروعات الضرورية على الكماليات في اإلنشاء والتنفيذ .10

وبعد , فهذه رسالة اإلخوان المسلمين , نتقدم بها, وإنا لنضع أنفسنا ومواهبنا وكل ما نملك تحت تصرف أي هيئة أو حكومة تريد أن تخطو بأمة إسالمية نحو الرقي والتقدم ,

نجيب النداء ونكون الفداء , ونرجو أن نكون قد أدينا بذلك أمانتنا وقلنا كلمتنا والدينالنصيحة لله ولرسوله وألئمة المسلمين وعامتهم .

وحسبنا الله وكفى ... وسالم على عباده الذين اصطفى ...

حسـن البنــا