43
اﻟﺰﻳﺎت ﻟﻄﻴﻔﺔ اﻟﺰﻳﺎت ﻟﻄﻴﻔﺔ وﻟﺪت) ١٩٢٣ - ١٩٩٦ ( دﻣﻴﺎط ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ) ﻣﺼﺮ( ، اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻤﺪارس ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﺎ وﺗﻠﻘﺖ، ﺛﻢ اﻟﻘﺎهﺮة ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ. ﻋﺎم ﻣﻨﺬ اﻟﺠﺎﻣﻌﻲ ﻋﻤﻠﻬﺎ ﺑﺪأت١٩٥٢ ، وﺁداﺑﻬﺎ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ اﻟﻠﻐﺔ ﻗﺴﻢ رﺋﺎﺳﺔ ﺗﻮﻟﺖ وﺧﻼﻟﻪ، اﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ اﻟﻔﻨﻮن ﺑﻤﻌﻬﺪ اﻟﻨﻘﺪ ﻗﺴﻢ ورﺋﺎﺳﺔ، ﻣﺪﻳﺮ ﻋﻤﻠﺖ آﻤﺎ اﻟﻔﻨﻮن ﻷآﺎدﻳﻤﻴﺔ ا. اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ اﻟﺰﻳﺎت ﻟﻄﻴﻔﺔ اهﺘﻤﺖ وﻣﺜﻠﻤﺎ، اﻟﻌﺎم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ اهﺘﻤﺎم ﻟﻬﺎ آﺎن، ﻓﺎﻧﺘﺨﺒﺖ- ﻃﺎﻟﺒﺔ وهﻲ- ﻋﺎم١٩٤٦ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ اﻻﺣﺘﻼل ﺿﺪ اﻟﻤﺼﺮي اﻟﺸﻌﺐ ﺣﺮآﺔ ﻗﺎدت اﻟﺘﻲ واﻟﻌﻤﺎل ﻟﻠﻄﻠﺒﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻟﻠﺠﻨﺔ ﻋﺎﻣ أﻣﻴﻨ. ﻋﺎم وﻓﻲ١٩٧٩ ، ﻟﺠﻨﺔ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻓﻲ ﺷﺎرآﺖ رﺋﺎﺳﺘﻬﺎ وﺗﻮﻟﺖ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻋﻦ اﻟﺪﻓﺎع. واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ واﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺑﺎﻟﻨﻘﺪ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ اﻷدﺑﻲ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﺗﺎﺑﻌﺖ، وﻗﻀﺎﻳﺎهﺎ اﻟﻤﺮأة ﻟﺸﺆون ﺧﺎﺻ اهﺘﻤﺎﻣ وأوﻟﺖ. ﻋﺎم اﻵداب ﻓﻲ اﻟﺘﻘﺪﻳﺮﻳﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﺟﺎﺋﺰة ﻋﻠﻰ وﺣﺼﻠﺖ١٩٩٦ . ﺣﻤﻴﻤ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ واﻟﺮواﺋﻴﺔ اﻟﻘﺼﺼﻴﺔ اﻟﺰﻳﺎت ﻟﻄﻴﻔﺔ أﻋﻤﺎل ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة: اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﻨﻤﺎذج اﻟﻨﻔﺴﻲ ﺑﺎﻟﺘﻜﻮﻳﻦ، ﻣﻌﻬﺎ وﺗﺘﻔﺎﻋﻞ إﻃﺎرهﺎ ﻓﻲ ﺗﺘﺤﺮك اﻟﺘﻲ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﺑﺎﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت. اﻷﻋﻤﺎل ﺗﻠﻚ وﻓﻲ، اﻟﻮاﻗﻊ إﻧﺘﺎج اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﺗﻌﻴﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﺣﻮار ﻓﻲ ﻣﻌﻪ وﺗﺪﺧﻞ، إزاءﻩ ﻣﻮﻗﻔ وﺗﻌﻠﻦ. واﻟﺘﺮﺟﻤﺎت اﻷآﺎدﻳﻤﻴﺔ واﻟﻤﺆﻟﻔﺎت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﻤﺆﻟﻔﺎت ﻣﻦ ﻋﺪد ﻋﻦ ﻓﻀﻼ، ﻣﺆﻟﻔﺎت ﺳﺘﺔ اﻟﺰﻳﺎت ﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺻﺪر إﺑﺪاﻋﻴﺔ) : اﻟﻤﻔﺘﻮح اﻟﺒﺎب) ( رواﻳﺔ، ١٩٦٠ ( ، ) أﺧﺮى وﻗﺼﺺ اﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ) ( ﻗﺼﺼﻴﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ، ١٩٨٦ ( ، ) ﺗﻔﺘﻴﺶ ﺣﻤﻠﺔ- ﺷﺨﺼﻴﺔ أوراق) ( ذاﺗﻴﺔ ﺳﻴﺮة، ١٩٩٢ ( ، ) ﺑﻴ وﺷﺮا) ( ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ، ١٩٩٤ ( ، ) اﻟﺒﻴﺖ ﺻﺎﺣﺐ( ) رواﻳﺔ، ١٩٩٤ ( ، ) ﺗﻬﻤﺘﻪ ﻋﺮف اﻟﺬي اﻟﺮﺟﻞ) ( ﻗﺼﻴﺮة رواﻳﺔ، ١٩٩٥ . ( ﺑﺪاﻳﺎت١١ دﻳﺴﻤﺒﺮ١٩٧٤ اﻟﻴﻮم ﺳﺎﻣﻲ ﻣﻦ ﻣﻔﺎﺟﺌﺔ ﺗﻠﻴﻔﻮﻧﻴﺔ ﻣﻜﺎﻟﻤﺔ ﺗﻠﻘﻴﺖ. ﺣﺎﺟﺔ ﻓﻲ أﻧﻪ وﻃﻮﻳﻼا ﺑﻌﻴﺪ ﻳﺴﺎﻓﺮ أن ﻗﺒﻞ ﻋﺎدة ﻳﻘﺮر آﻤﺎ ﻗﺮر ﻳﻠﻘﺎﻧﻲ أن إﻟﻰ. ﺳﺎﻣﻲ أن أﻋﺮف وﻃﻮﻳﻼا ﺑﻌﻴﺪ ﻳﺮﺣﻞ أن وﺷﻚ ﻋﻠﻰ وهﻮ إﻻ اﻟﻮﻃﻦ ﻓﻲ. ﻳﻌﻮد رﺑﻤﺎ ﻗﺎل، ﻣﺮة آﻞ ﻳﻘﻮل آﻤﺎ، ﻣﺮة ﻷول اﻟﻘﻮل وأزﻋﺠﻨﻲ) . اﻟﻤﻮت ﻣﻦ واﻟﺨﻮف ﺑﺎﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ اﻟﺸﻌﻮر ﻳﻘﺘﺮن.( أن أﻟﺒﺚ وﻟﻢ داﺋﻤ ﻣﻨﺤﺘﻨﻲ اﻟﺘﻲ ﺑﻌﻮدﺗﻪ اﻟﻴﻘﻴﻦ واﺳﺘﻌﺪت اﻟﺨﻮف ﺗﺠﺎوزت، ﻟﻢ أﻋﻠﻢ وﻻ، اﻻﻃﻤﺌﻨﺎن ﻣﻦ ﻧﻮﻋ. ا ﻓﻲ ﻳﺴﺮ ﻓﻲ ﺳﺎﻣﻲ ﻣﻊ اﻟﺤﺪﻳﺚ واﺗﺎﻧﻲ ﻟﺘﻠﻴﻔﻮن، ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻣﻌﻪ ﺑﺪأﺗﻪ ﺣﺪﻳﺜ أﺳﺘﺄﻧﻒ وآﺄﻧﻲ. هﺬﻩ ﻏﻴﺒﺘﻪ ﻃﺎﻟﺖ آﻢ اﻟﻤﺮة ؟ اﻟﻬﺮم ﻓﻲ اﻷﻧﻴﻖ اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﻤﻄﻌﻢ هﺬا ﻓﻲ اﻟﻐﺪاء ﻃﻌﺎم ﺗﻨﺎوﻟﻨﺎ أن ﻣﻨﺬ ﺻﻮﺗﻪ أﺳﻤﻊ ﻟﻢ، أﻋﻘﺎب ﻓﻲ هﺬا آﺎن ﺑﺎﻟﻄﻼق اﻟﺰوﺟﻴﺔ ﻟﺤﻴﺎﺗﻲ إﻧﻬﺎﺋﻲ، ﺳﻨﻮات ﻋﺸﺮ ﺣﻮاﻟﻰ ﻣﻦ أي. أﺷﻌ ﻟﻢ اﺳﺘﺸﻌﺮﺗﻪ اﻟﺬي ﺑﺎﻟﺤﺮج ﺑﺎﻷﻣﺲ ذاك إذ ﺗﺮددت آﻤﺎ اﻟﻤﻮﻋﺪ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﺗﺮددت وﻻ ﻟﻘﺎﺋﻲ ﻳﻄﻠﺐ وﺳﺎﻣﻲ. إذ وﻣﺮﻩ ﺑﺤﻠﻮﻩ اﻟﻤﺎﺿﻲ رﻓﻀﺖ أﻷﻧﻲ أﺗﻘﺒﻠﻪ اﻵن وﺑﺪأت ذاك ؟ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ إﻟﻰ اﻻﻣﺘﺪاد ﺗﻌﻘﻴﺪات واﻷرﺑﻌﻴﻦ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ وأﻧﺎ أﺧﺸﻰ أﻋﺪ ﻟﻢ أﻷﻧﻲ ؟ أي

الشيخوخة لطيفة الزيات

Embed Size (px)

DESCRIPTION

لطيفة الزيات

Citation preview

Page 1: الشيخوخة لطيفة الزيات

لطيفة الزيات

ثم ، وتلقت تعليمها بالمدارس المصرية، )مصر(في مدينة دمياط ) ١٩٩٦ - ١٩٢٣(ولدت لطيفة الزيات ، وخالله تولت رئاسة قسم اللغة اإلنكليزية وآدابها، ١٩٥٢بدأت عملها الجامعي منذ عام . بجامعة القاهرة

. ا ألآاديمية الفنونآما عملت مدير، ورئاسة قسم النقد بمعهد الفنون المسرحية

عام -وهي طالبة-فانتخبت ، آان لها اهتمام بالعمل السياسي العام، ومثلما اهتمت لطيفة الزيات بالعمل الثقافي. أمينا عاما للجنة الوطنية للطلبة والعمال التي قادت حرآة الشعب المصري ضد االحتالل البريطاني١٩٤٦

. الدفاع عن الثقافة القومية وتولت رئاستهاشارآت في تأسيس لجنة، ١٩٧٩وفي عام

. وأولت اهتماما خاصا لشؤون المرأة وقضاياها، تابعت الكاتبة اإلنتاج األدبي في مصر بالنقد والتحليل والتقييم . ١٩٩٦وحصلت على جائزة الدولة التقديرية في اآلداب عام

، بالتكوين النفسي للنماذج اإلنسانية: ة بالحياةتتسم أعمال لطيفة الزيات القصصية والروائية بمعرفة حميمتعيد الكاتبة إنتاج الواقع ، وفي تلك األعمال. وبالتناقضات االجتماعية التي تتحرك في إطارها وتتفاعل معها

. وتعلن موقفا إزاءه، وتدخل معه في حوار، االجتماعي

صدر للطيفة الزيات ستة مؤلفات ، فضال عن عدد من المؤلفات النقدية والمؤلفات األآاديمية والترجمات، )١٩٨٦، مجموعة قصصية) (الشيخوخة وقصص أخرى(، )١٩٦٠، رواية) (الباب المفتوح: (إبداعية

) صاحب البيت(، )١٩٩٤، مسرحية) (ع وشرابي(، )١٩٩٢، سيرة ذاتية) ( أوراق شخصية-حملة تفتيش ( ) . ١٩٩٥، رواية قصيرة) (الرجل الذي عرف تهمته(، )١٩٩٤، رواية(

بدايات

١٩٧٤ ديسمبر ١١

قرر آما يقرر عادة قبل أن يسافر بعيدا وطويال أنه في حاجة . تلقيت مكالمة تليفونية مفاجئة من سامي اليوم، قال ربما ال يعود. في الوطن إال وهو على وشك أن يرحل بعيدا وطويالال أعرف أن سامي . إلى أن يلقاني

ولم ألبث أن ). يقترن الشعور بالشيخوخة والخوف من الموت. (وأزعجني القول ألول مرة، آما يقول آل مرة . نوعا من االطمئنان، وال أعلم لم، تجاوزت الخوف واستعدت اليقين بعودته التي منحتني دائما

آم طالت غيبته هذه . وآأني أستأنف حديثا بدأته معه باألمس، لتليفون واتاني الحديث مع سامي في يسرفي اآان هذا في أعقاب ، لم أسمع صوته منذ أن تناولنا طعام الغداء في هذا المطعم الجديد األنيق في الهرم؟ المرة

ر باألمس بالحرج الذي استشعرته لم أشع. أي من حوالى عشر سنوات، إنهائي لحياتي الزوجية بالطالقأألني رفضت الماضي بحلوه ومره إذ . وسامي يطلب لقائي وال ترددت في تحديد الموعد آما ترددت إذ ذاك

أي ؟ أألني لم أعد أخشى وأنا في الثامنة واألربعين تعقيدات االمتداد إلى المستقبل؟ ذاك وبدأت اآلن أتقبله

Page 2: الشيخوخة لطيفة الزيات

أألني وأنا أواجه اآلن مرحلة الشيخوخة . ل لقائي مع سامي أي تعقيداتبعد الثامنة عشرة لم يحم؟ تعقيدات ؟ في حاجة إلى التصالح مع ما مضى من حياتي

صادفت تقريبا آل عقد من ، لقاءات سامي آانت عالمات مميزة على طريقي. يخطر في بالي اآلن خاطر غريب . ألرض والشمس التي تدور حولها األرضا، في الثامنة عشرة آان سامي الحب البداية بال نهاية. عمري

بعد نهاية ؟ ومتى آتبت هذه القصة؟ أم عن نهايته) األبدي(أآانت القصة التي آتبتها قديما عن بداية هذا الحب أهي عن حبي ؟ أم بعد انفصالي بالطالق عن زوجي وأنا في الثامنة والثالثين، حبي لسامي بعشر سنوات

! ؟)بدي الثانياأل(أم حبي ) األبدي األول(

وأن أبحث عن القصة التي آتبتها وأنا في الثامنة والعشرين ، يتعين علي أن أتوقف عن هذا الشعور بالمرارةفهأنذي إزاء حكاية تواجه احتماالت ، أمامي فرصة ذهبية ال تتوافر لكاتب إال قليال). حبها األول(تحت عنوان

. االآتمال

١٩٧٤ من ديسمبر سنة ١١بتها منذ حوالي عشرين عاما بمذآرات اليوم أرفق القصة التي آت: ملحوظة . ألفرغ لتأمل بقية انطباعات اليوم

حبها األول

ونغازتاه ، السيجارة ترتجف غير مشتعلة في رآن فمه: لفتها موجة حنان وباب مكتبها يسفر عن ساميوتغلبت على دهشتها وهي ، لذي يرتديهوقطرات المطر تتساقط من معطف المطر األنيق ا، يعمقان في خديه

ومالت على المكتب تدق . تخرج من خلف مكتبها تتقدم في خطى هادئة تالقي حبها األول بعد غيبة عشر سنين : الجرس وقالت وسامي يجلس في المقعد المقابل

؟ تشرب إيه يا سامي-

والمرة األولى ، تناديه باسمهوضحكت ضحكات قصيرة متقطعة وهي تالحظ أن هذه هي المرة األولى التي . التي تصمد فيها لنظرته دون أن تخجل وقد استطال لقاؤهما األول ما يقرب من ثالثة أشهر

وجمد وجهها لحظة والساعي يتقدم وابتسمت ابتسامة العمل ، رفضت أن تفصح عما أضحكها وسامي يسأل . التقليدية وهي تطلب منه إعداد قدحين من القهوة

ويده ، سيجارته تهتز في فمه وهو يضحك، ونفث الدخان وبدأ يحكي عن أسفاره، عن أخبارهوسألت ساميوتساءلت وعيناها متعلقتان . تتحرك آعادتها ترسم على طرف المكتب خطوطا وهمية متعارضة ومتشابكة

؟ الثامنة عشرةأين ذهبت الفورة الحلوة المجنونة لبنت: بوجهه تشبع الرغبة التي لم تجرؤ أبدا على إشباعها

وانتظرت ، تجاوزت نظرات المعجبين. بنت الثامنة عشرة عدت عدم وقوعها في الحب حتى هذه السن آارثةتنتفض ، يجتاحها آاإلعصار، تغشي له عيناها آأنه البريق، متلهفة حدوث الشيء يخرج عليها من المجهول

، إلى أن هبط عليها سامي، تشوقا، ليلة بعد ليلةوتقلبت في الفراش . له آل خلية من خالياها آمس الكهرباء . وهي في السنة األولى من دراستها الجامعية، وآأنما من السماء

آانت تجلس مع ثريا وسميرة في الصالة العامة لمكتبة الجامعة في األسبوع األول من إجازة نصف السنة : ارف قال الدآتور صفوت مشيرا إليهاوبعد أن تمت عملية التع. حين دخل الدآتور صفوت وبصحبته سامي

. اإلنجيل والبيان الشيوعي في نفس الوقت. تقرأ رابعة العدوية وبودلير معا-

أو ، آانت تقف إذ ذاك هي والماليين في نهاية الحرب العالمية الثانية على مشارف عالم جديد. وابتسمت هيويتساوى ، تسقط فيه آل الحوائط، مال التحرر الوطنيتتفتح فيه آ، عالم يصالح آل المتناقضات، توهمت ذلك

. فيه التشوق إلى المعرفة مع التشوق إلى الحب

Page 3: الشيخوخة لطيفة الزيات

وأدار ، وأدارت رأسها إلى الخلف لترى سامي وهو في طريقه إلى الخروج من الباب الخارجي لصالة المكتبة . ذاك أن شيئا غير عادي قد حدثولكنها لم تدرك إذ. وأسدلت جفنيها خجال والعيون تتالقى، هو رأسه ليراها

وقضت هي وسميرة وثريا ما يقارب ، وأرسل الدآتور صفوت في استدعاء مجموعة البنات إلى حجرته . وخرجت من الجلسة دون أن تدرك، الساعتين في جلسة مع سامي والدآتور صفوت

يطن في الحديقة التي ، معتمةيربض متوترا في الممرات ال، خافت والصمت يلف الكلية في إجازة نصف السنةبالمناقشات ، بالضحكات، وافتقدت الحياة تضطرم باأللوان الساخنة. آالسكون يسبق العاصفة، تواجه المكتبة

بالمناآب تتدافع . بأحالم المستقبل تتشكل في األرآان الهادئة خلقا أدبيا وفنيا وسينمائيا وسياسيا، السياسية . مرات السياسية والندوات األدبية وحلقات االستماع للموسيقى الكالسيكإلى قاعات الدراسة والمؤت

والشعب المصري يطالب بالكفاح ، لم يكن غاندي. وتحدثت واتفقت واختلفت، لمدة ساعتين استمعت طويالوضحكت حتى طفرت الدموع من عينيها وسامي يشخص . آما آان بطل سامي، بطلها، المسلح ضد اإلنجليز

، يقلد تمثال الحرية في نيويورك وغاندي يسحب الماعزة في الهند، يقوم ويعاود القيام، يحكيهاآل حكاية ولم تدرك إال حين بدأت ثريا تلعب . ينتقل من حكاية إلى حكاية من بلد إلى بلد وآأنه ال يستقر يوما بمكان

. لم يأتتغافلهما وتعلن مجيء األوتوبيس وهو ، لعبتها المفضلة على محطة األتوبيس

وفي األوتوبيس . استدارت شفتاها وآادت تبكي، وبدال من أن تضحك هي آالعادة، قالت ثريا، )عليكم واحد(. وهي تجلس على طرف المقعد في حرص وآأنها تحمل آوبا مليئا حتى الحافة تخشى أن ينسكب، أدرآت

الشجن الموجع يصل إلى مرتبة وتستشعر ألول مرة ذلك ، وانكفأت إلى األمام تحتضن جسدها بذراعيهاوعندما التفتت إلى الخلف لترى . واعتدلت ووميض الشمس يتراقص حبات ماس على سطح الماء. النشوة

. لم تر سوى مجرى رمادي عات من الماء ينساب في رتابة وجالل، الوميض من جديد

ودخان ، ل من اللعنات المتبادلةوفي ميدان األزهار أفاقت على صوت احتكاك وفرملة عجالت سيارة يتبعها سيورجل يمضغ في روية وقد ، وناس حول المقاعد يأآلون على قارعة الطريق، أسود محمل برائحة الشواء

تتسارع ، وطفلة تبكي في حرقة على حطام طبق وزحمة من الناس تطرح الطفلة أرضا، انتهى الطعام من فمهومألت الزحمة وعيها بألوانها وأشكالها ... دا ثم ينسابوالقطار يتقدم وئي، في اتجاه محطة قطار حلوان

. وعاودتها حالتها الطبيعية إلى أن آوت إلى حجرتها في البيت، وروائحها

تلف في أرجاء ، ولفتها الحمي يقظي في سريرها تستعيد المشهد في المكتبة وفي حجرة الدآتور صفوتتبحث عن شيء ما ميزها به سامي عن ، ائسة وتعود تبنيهتهد المشهد ي. تجزئه وتعيد ترآيبه، المشهد وتدوروتحاول أن تصل النظرة بشيء ما خاص ، تتوقف عند التقاء عينيها بعيني سامي في المكتبة. سميرة وثرياال يمكن ، ال يمكن أن يحدث لها آل هذا وال يحدث له نفس الشيء. وتثور. وال شيء على اإلطالق، بعد النظرة

. وال ينقلب هوأن تنقلب الدنيا

ألح . أن يتعرف عليها، سامي أراد أن يراها من جديد: ويقفز بها خاطر من السرير إلى منتصف الحجرة واقفةوأسندت رأسها بيديها حتى ؟ وإال فيم االستدعاء، على الدآتور صفوت لكي يستدعيها وصديقتيها من المكتبة

ترتاد قاعات ، جوب الشوارع يوما بعد يوم تبحث عن ساميولكنها قد طارت فعال وهي آروح هائمة ت. ال تطير، وفي آل خطوة تخطوها يخيل إليها أنها وجدته. المحاضرات ومعارض الفنانين والندوات على أمل أن تراه

يقترب سامي أخيرا وبحرآة ال إرادية تكاد تنحرف عن ... وفي آل خطوة تتراجع وقد توهمت أنها وجدتهوهي تعرف أن سامي في مكان ما من ، وتعود إلى البيت منهكة. تدرك أنه ليس بسامي. ..الطريق وال تنحرف

وشبه يقين يبقيها فوارة ، وال تملك النفاذ إليه حتى لو عرفته، خلف حائط من هذه الحوائط ال تعرفه، القاهرةال . ال بد. ربما. وسيصل. سامي يستطيع أن يصل إليها في الكلية بعد أن تنتهي إجازة نصف السنة... ضاحكة

. بد أن يصل

شعرت به يقف . ولكن سامي جاء أخيرا، وبدأت تهدأ هدوء اليأس وقد انقضي أسبوع على عودتها إلى الكلية، وربما ألنها أرادت بكل خلجة من آيانها أن يكون هو، ربما ألنها لم تكن تنتظر غيره، خلفها دون أن تراه

الة من صاالت المكتبة ويدها تمتد إلى مرجع من المراجع على آانت تقف في ص، لحظة شعرت به. وآانولم تجرؤ فيما . وجمدت يدها لحظة واستدارت تالقيه وتوقفت نظرتها عند ربطة عنقه وهي تصافحه. الرف

. بعد على تجاوز هذا االرتفاع إال وهو غافل عنها يتبادل هو وصديقة من صديقاتها الحديث

Page 4: الشيخوخة لطيفة الزيات

وخشي أال تكون قد ، وأبدت استعدادها إلعارته إياه. عادت آتاب رابعة العدويةوتساءل سامي إن آانت قد أوقررا أن يلتقيا صبيحة اليوم التالي في نفس المكان والزمان . وأآدت آاذبة أنها فعلت، انتهت من الكتاب

. لتعيره الكتاب

ي هذا المكان الضيق بين وال آيف اندست ف، وال تعرف آيف وصلت يومها من المكتبة إلى قاعة المحاضراتواستحال أن تهمس في أذن أي منهما ، ثريا وسميرة تأتي أن تتقاسما معها الفرحة التي تغلي في رأسها

وقربتها من عيني سميرة وثريا وتنهدت في ارتياح ) جاء سامي(وعلى ورقة آتبت . وجسدها معلق في الفراغوثريا أظلم ، ة المحاضرة وهي تبتسم ابتسامة خفيفةسميرة تكمل آتاب. وال شيء... في انتظار رد الفعل

؟ ال تدري لم. وجهها

وال شيء سوى طنين يحدثه األستاذ ويتلقاه صرير ، وألف عين وأذن تترقب، وألف يد متوترة في هذه القاعة شيء رائع يحدث. ولكنهم ال يعرفون، وهو هنا وهي، آان هناك وآانت... موتي آلهم ال يشعرون... األقالم

... آان ينبغي أن تتوقف له هذه الساعة التي تدور وتدور

. إنت مجنونة-

واستبعدت هي فيما بعد ضاحكة . قالت ثريا وهي تقفل دفتر المحاضرات في غضب بعد أن انتهت المحاضرةتقتحم ، على لسان ثريا، فها هي ذي. تصوير ثريا الكوميدي لمشهد دخولها قاعة المحاضرات بعد لقاء سامي

جسدها يرتجف ، بوجه آرغيف الخبز خرج من الفرن لتوه، اعة المحاضرات وآأنما تدخل غرفة نومهاقتثير صفير االستهجان من الطلبة وهي تعبر ، يؤنبها األستاذ وودن من طين وودن من عجين، آفرخة مذبوحة

. جاء سامي: تدوس األقدام وترتطم بالمناآب لتكتب وآأنما على السبورة، القاعة

كن سامي استحال في الشهور الثالثة التالية إلى جزء ال يتجزأ من حياة البنات وهو يزور الكلية بانتظام ول . يوم إجازته في األحد من آل أسبوع

ولم يبد من ، لم تتشكل المشاعر قط في آلمات. أن سامي يحبها، وإن لم يكن على وجه اليقين، وعرفت هيوأشعار رابعة العدوية تتحول إلى أشعار دنيوية تتنغم بها آل ، أحدالضروري أن تتشكل وفي األسبوع يوم

والذرات تتوحد والسحب تسافر ، تفجر جسدها إلى ذرات، ليلة والفورة تقذف بها في جوف الليل إلى الشرفة، سفينة ذات قالع، وهي اآلن موآب من الفيلة ولكل فيل زلومة، تغيب وتعاود الظهور متنكرة آل مرة، الهية

ونور ثاقب لكوآب يتبقي وحيدا يدفع دموع الشجن إلى . خيول مطهمة والخيول ترآض، ثير من القالع تبحرآوآل شيء رائع ، والدموع تلون الدنيا بألوان قوس قزح، عينيها فال تعود تعرف إن آانت تضحك أم تبكي

أليام وإنما بالساعات التي وجميل والهواء أنقي وخضرة األشجار أعمق واألصوات أنغام والزمن ال يقاس بايكفي أن . وال هي تريد أن تنفرد بسامي عن صديقتيها، وال شيء ينتقص من سعادتها. ترى فيها سامي . يكفي أن ترى السيجارة تهتز في فمه وهو يضحك، تستمع إليه يتكلم

وحين . فلم تسأل، جديداستوعبتها اللحظة تحيا عليها حتى تحياها من ؟ وماذا بعد: ولم يخطر في بالها السؤال . جاءها سامي يعلن أنه راحل لم يكن اليوم يوم أحد

وعبرت الممر الطويل إلى قاعة المحاضرات ، وصلت الكلية يومها متأخرة دقائق عن المحاضرة األولىآان يقف على عتبة الباب المؤدي إلى الحديقة . وقبل أن تدفع الباب سمعت سامي يناديها واستدارت، مهرولة

: فصله عنها درجتان من درجات السلم حين قالت

. أنا مسافر-

؟ فين-

. أتعينت مراسل للجورنال هناك، لندن-

؟ مدة طويلة-

Page 5: الشيخوخة لطيفة الزيات

. سنة على األقل-

والكرة تصيب ، وآأنما ال يتكلمان بل يتقاذفان فيما بينهما بكرة بنج بونج، وبدا لها صوته غريبا وآذلك صوتها ... آل مرة

؟ إمتي ومسافر -

. بكره-

لو ؟ وهذه الخيول التي ترآض في الدور العلوي من أين أتت، ليس هذا صوته، مستحيل ال بد وأنها تحلمأن يقول ، وقفت تنتظر أن يبدأ، ولكنها لم تصرخ. استطاعت أن تصرخ صرخة واحدة ألفلتت من هذا الكابوس

حائط يغرق حسها طنين بال معنى وزحمة من والتصقت بال. وصمت يربض على صدرها بكلمات ال تقال، شيئا . تعبر الباب إلى الحديقة، الطلبة تنزل السلم

وتجلس الهثة في أول مكان خال تجده في قاعة ، ووجدت نفسها فجأة تترك سامي خلفها بال آلمةتقذف بها وتكومها بيدها ل، تمدها في خيط طويل يكاد ينقطع، وطالبة إلى جانبها تلوك قطعة لبان. المحاضرات

، إما أن ينكسر الزجاج أو تموت. ونحلة تتخبط على زجاج النافذة المغلق لتعود تتخبط، في فمها من جديدتطبق عليها ، وقطعة اللبان تكاد تفلت من فم غليظة الشفتين وال تفلت. والزجاج ال ينكسر والنحلة ال تموت

ويسألها األستاذ عما تريد . ن سامي قد ضاع منهاوتقفز هي واقفة وهي تدرك أ......... المصيدة من جديد : وتقول

... أنا عايزة ... أنا -

ولم تشعر . ينشب في العرق المجاور لعينها اليسرى، ال يستطيل سوى ثانية، ولم تستطع أن تكمل وألم حادلو .. م تتشكل آانت منشغلة بكلمات تأتي أن تتشكل ول، بخطورة ما حدث حين فقد خدها األيسر الحس للحظات

. وربما عرفت، لحظة واحدة لعرف، رأته مرة ثانية

آان ينتظرهن على محطة األوتوبيس . ليس بالتأآيد على آل حال، ورأته يومها ثانية ولم يعرف ولم تعرفولم تنفرد به إال في األتوبيس وهما يقفان وجها لوجه إلى جانب . أنه آان في االنتظار، ونفي في شدة مفتعلة

. آلمات توشك أن تقال وال تقال، واجفة الحلق، ولفهما هذا الصمت المتوتر من جديد وهي تنتظر. لسائقا : وتنهدت وهي تقول، وأزاحتها عن الطريق امرأة تحمل على رأسها قفة، وعبر األتوبيس آوبري قصر النيل

. نفسي أرمي نفسي تحت األتوبيس ده؟ عارف أنا نفسي أعمل إيه-

وتلفتت . ترنح تحت وطأة آلماتها ولم يقل شيئا، قصى ما استطاعت أن تقول ولم يقل هو شيئاوآان هذا أ . وعيون من الصخر تنظر وال تري، خلفها ترقب مجري عاتيا من الماء ينساب في رتابة وجالل

***

ال بصوت وق، وتأملها سامي وهي توقع بإمضائها بعض األوراق العاجلة في ثقة وآفاية ورقة بعد ورقة : هامس وآأنما توصل إلى اآتشاف

. إنت تغيرت-

ثم أآملت آتابة اسمها الثاني بخط أآبر قليال مما تعودت أن تكتب به توقيعها ، وتوقف القلم في يدها لحظة. إن لم يكن قد تغير هو اآلخر، والتقطت ورقة جديدة وتساءلت بسخرية خفيفة وهي تتصفحها. الرسمي

: ترفع الورقة إلى أعلى وتترآها تسقط من بين يديها في حرآة مسرحية مفتعلةوأضافت باسمة وهي

. الزمن... الزمن يا أستاذ-

Page 6: الشيخوخة لطيفة الزيات

ما أن سقطت الورقة حتى شعرت فعال . ولم تضحك هي، وضحك آما أرادت له بحرآتها المسرحية أن يفعلبين ، غيرات آانت ولم تزل حبليمليئة باألحداث والمت. ١٩٥٤ إلى عام ١٩٤٤بوطأة السنوات العشر من عام

وال هي ، بقيت الغصة ولم تكتمل الفرحة. وال هي تعرف وال أحد يعرف إلى أين تسير. الفرحة والغصة تقف . وال إلى أين يسير البلد، تعرف إلى أين تسير شخصيا

: ونجح سامي في إخراجها من وجومها ليقول ما أتي ليقول

.... إنت عارفة إني آنت -

وتصدق مقدما على آل ما ، رأسها ضاحكة تنهيه عن االستمرار في الكالم وهي تعرف مقدما ما سيقولوهزت : وأضاف، يقول

.... ولسه -

عنوة ، وآأنه مشهد في مسرحية انتزع من مكانه وزمانه وظروفه ووضع، وبدا لها الموقف مربكا ومحيرابعد أن ، الكلمات تشكلت بعد فوات األوان. ع متغايرةفي زمان آخر ومكان آخر وفي ظل أوضا، وبال معني

وعدلت هي من وضع الورقة التي أسقطتها بحرآة مسرحية ووقعتها وضمتها إلى بقية . أصبحت ال تعني شيئا : على حافة المكتب وهي تقول، مرتبة، وآومتها، األوراق

. مفيش داعي يا سامي نفتح الموضوع-

: وقال في إصرار

... ن آنت وإنت آما-

. وغطت ضحكاتها القصيرة المضطربة على بقية آلماته وقطرات المطر تسقط آالحصى على زجاج النافذةوآسر الساعي وطأة الصمت . يتحاشي آل منهما النظر إلى اآلخر، وخيم الصمت على الحجرة وهما مطرقان

. سم ابتسامة العمل التقليديةوحين فعل لم تنس أن تشكره وهي تبت. وأشارت إليه أن يسدل شيش النافذة

]١٩٥٥نوفمبر

١٩٧٤ ديسمبر ١١

سأضحك وسيضحك . يجتران ذآريات الماضي، آهل وآهلة، مع سامي سأجلس في شرفة النادي وجها لوجهما أحد ما تتحدد . (ألني أوده وال أحبه، ولن أقول إني أحبه، ويقول إنه ما زال يحبني آما يقول دائما

ال لبس وال التبأس وال حتى لدقيقة واحدة في طبيعة . أتجاوزها، نمو على مشاعر الحب القديمةأ! ؟مشاعريفال هذا الحب المعين من جانبه وال هذا الود . ولن أنزعج ألن سامي يحبني وال ألني أوده). هذه المشاعر

. الخاص من جانبي حال دون أن يعيش آل منا حياته مكتملة في استقالل عن اآلخر

وفي طريق العودة سألمح وجهي آما لمحته في مرآة السيارة يوم تناولت طعام الغداء مع سامي من عشر ؟ أعرف أني تجاوزت هذا الوجه من وجوهي ولكن إلى أي مدي. ال لن أرى وجهي آما رأيته يومها. سنين

. معهأعرف أني تصالحت مع الكثير في السنوات العشر الماضية ولكن بقي األآثر ألتصالح

. يكتمل ما بدأت، يوم ال أعود أهرب من المرآة ومن عدسة التصوير

فعل ماض يتحتم ) آان(أجلس و. تفصلني عن سامي مائدة غداء وسنوات تجربتي، في الثامنة والثالثين أجلسطريق مسدود ) آان(تطول جلستي و. عيناي تتطلعان بعيدا في األفق إلى ما سيكون. أال يكون، أن يسقط

. ضاني اإلفالت منه صراعا مريرااقت

Page 7: الشيخوخة لطيفة الزيات

) ؟آيف توهمت إمكانية الفصل بين ما آان ويكون(

. وأنا أقطع الحبل بضحكة مبتورة المرة بعد المرة. أن أتخفف، سامي يريد لي أن أتحدث عما آان مع زوجيأنا أسدل و، سامي يستثير ذآريات حبنا األول وضحكته تواتيني متصلة تردد أصداء ماض مكتمل بحلوه ومره

. دون أن تمسني، آقطرات ماء على معطف مطر، تنزلق آلمات سامي. وأعود أحكمه، الستار على الماضي

بالبرآان الذي ، أسترخي في جلستي وأنا أدرك أن شيئا ما من الماضي لن يخل بالتوازن الذي توصلت إليهأحاول بال . بسمتى الودود الخجلةأسترخي اآلن وعلى فمي. أحلته حجرا خامدا ألستمر واقفة على قدمي

... جدوى أن أوقف هذا السيل الجارف من العاطفة الذي يمطرني

وأني أغتصبها بال وجه ، أشعر أنها موجهة إلى امرأة غيري، أستكثرها على نفسي. عواطف سامي تحرجني، ة التي تحبها ماتتالمرأ، آفي. أآاد أصرخ وسامي يذوب آيانه في آلماته. وأنا موجودة وغير حاضرة. حق

. تزدهيني آلمات الحب وألتزم الصمت... وأنتحل آلمات الحب لنفسي وال أصرخ

، مرفوعة الرأس متئدة الخطوات، وتخرج المرأة في الثامنة والثالثين آما دخلت مغتربة عن ذاتها واآلخرين . ما من شيء هز آيانها وال هي بذلت قطرة من هذا الكيان، مستغنية بال اآتفاء

***

ومرآة السيارة ، في عيني المرأة في الثامنة والثالثين، آحصي الملح، من عيني تنسال اآلن دموع تحجرتمن رفض مراهق للحياة ، من األلم وحتمية تجاوز األلم، تصفعها بوجه مليح قد من صخر الكبرياء المر

، مجنون بالسبل المسدودة حتى االختناقمن تشبث ، من تعلق مغترب بكمال دنيا غير الدنيا، ونسبية األشياء . ومن عمي عن الباب المفتوح

وقد انفرطت من عيني اليوم ، وفي أعماقي ترقد، وفي أعماقي أفسح مجاال للمرأة المراهقة التي ضلت الطريق . وبعد عشر سنوات دموع استعصت عليها

١٩٧٤ ديسمبر ١٥

. التقيت بسامي صباحا. لم أآتب باألمس

: ميرة وأنا أحكي لها مساء جزءا من الحكايةقالت س

. وددت لو التقطت فيلما سينمائيا لمجموعة االنفعاالت التي تتابعت على وجهك وأنت تحكين-

: وانفجرت ضاحكة وأنا أقول

! ؟ وماذا لو راقبت المشهد مكتمال-

واتتني . ضحكة قد تصدر عن اآلخروال آانت ضحكتي دفاعا مسبقا عن الذات في وجه، ولم تكن سخريتي مرة . من يوم تعلمت أن أضحك، متصلة، وآأنها امتدت، ضحكتي منسالة آمجري صاف بال سدود

قررنا أن حملة التزييف في الجرائد تهدنا وال . وانتقل الحديث بيني وبين سميرة من موضوع إلى موضوعا الحديث عن الوعي الزائف إلى مناقشة رواية وجرن. يتأتي أن يلتزم الناس الصمت في وقت ينبح فيه الكالب

توقفنا آثيرا عند مشهد اغتيال رجال الشرطة للمتظاهرين في محطة سكة ). مائة عام من الوحدة) (مارآيز(والكل يقرر أن ما مجزرة ، وغير الرسمية خوفا، التي أنكرتها في اليوم التالي المصادر الرسمية عمدا، الحديد

الذي يتكرر اآلن ذآره في ) الحادث المؤسف(تأملنا آم يتشابه الحدث الروائي و. ة الحديدحدثت في محطة سكوقدرة اإلنسان ، تسابقنا في اإلشادة بعبقرية الكاتب في اإلمساك بلب الحقيقة في عالمنا الثالث. الجرائد عندنا

. على الخلق والتجديد والتجاوز

Page 8: الشيخوخة لطيفة الزيات

: نفسي أتوقف وأقول لها وآأني أستأنف حديثا لم ينقطعوعلى عتبة الباب وجدت، وودعت سميرة ألنصرف

. انفعاالت العمر مكتملة-

. واندهشت ألني لم أدرج من قبل انفعاالتي خالل لقاء سامي في هذا السياق

***

. أهال يا سامي-

إلى قلت بعد أن اجتزت عدة مناضد من شرفة النادي واتجهت مباشرة إلى حيث يجلس سامي موليا ظهرهوالعضل الذي يتوتر ، تعرف انحناءة ظهره. من بين مئات الرجال ال تخطئ المرأة رجال أحبته يوما. المدخل

. تميز لون شعره حتى لو مسح الزمن لونه. مشدودا في مؤخرة رقبته حين يميل برأسه

وأشارت إلى ، تيونظرت بال وعي إلى ساع. آان مرآتي، حين وقف سامي يحييني أدرآت ما فعله بي الزمن : وقلت لكي أخفي توتري، دقائق سبع بعد الحادية عشرة

؟ هل تأخرت-

وقال إنه في االنتظار من الحادية عشرة إال ربعا ألن السلوك المتمدن يقتضي . ونفي سامي حقيقة أني تأخرتعلى هذه اللمحة وضحكت وأنا أعاود التعرف . أن يكون الرجل في االنتظار وأن تتأخر المرأة بعض الشيء

. وأزالت الضحكة بعضا من توتري. من لمحات الرجل الذي هو حبي األول

وقصصت عليه بعد أن زال توترنا . قال سامي بعد أن زال توترنا معا إن يدي آانتا ترتجفان على طرف المائدة وسط سيارات ال تضاهيها ،معا تماما ما حدث وأنا أرآن السيارة في موقف من مواقف النادي محاذيا للشرفة

. في ألوانها السوقية سوى مالبس الكرنفال يرتديها األوالد والبنات

بمئات من السيارات ، والنادي يزدحم على غير ما عرفته من سنوات، وجدت مكانا خاليا بعد طول لف ودورانانحدرت السيارة من المرتفع . موقبل أن أتنفس ارتياحا ألن األمر قد ت. وضعت السيارة في المكان. المستوردة

، عطلت السيارة: وحاولت أن أرتقي المرتفع المرة بعد المرة وفشلت، الذي آانت تقف فيه إلى الخلفواآتشفت فجأة أن ؟ وأي بداية سيئة هذه البداية؟ وآيف أعود إلى بيتي؟ ما العمل اآلن: وتساءلت في ضيق

. وأن العطب آان في حواسي ال في السيارة، )رياجالفرامل والدب(قدمي آانت طوال المحاولة على

***

أعرف . أعرف أني لقيت سامي لكي أفعل، أعرف اآلن أني قطعت مشوار عمري ما بين بداية توتري ونهايته . اآلن أن العطب آان في أنا ال في السيارة

***

بعد سنوات ، بذلت مجهودا ألتجمل. أبكر مما أستيقظ عادة، أيقظني اللقاء المنتظر مبكرة، باألمس صباحا . وقررت فجأة وبال تدبير سابق زيارة الحالق قبل لقاء سامي. آففت فيها عن التجمل

غضون رقبتي ، لم أحب آثيرا ما رأيت في مرآة الحالق. ال يستطيع اإلنسان أن يتجنب المرآة عند الحالقولكن ماذا عن هذا األخدود األسمر الغامق أسفل . تعايشت معها وهذه التجاعيد الخفيفة في جبيني وحول فمي

. لم ألحظهما من قبل؟ آل عين من عيني

Page 9: الشيخوخة لطيفة الزيات

وحين وقفت أزيل بعض الشعيرات التي التصقت . بعد أن اآتملت تسريحة الشعر تحسنت األشياء بعض الشيءتكن هناك ثمة ولم . حسبت أني مستعدة للمواجهة، بثوبي وألقي النظرة األخيرة على صورتي في مرآة الحالق

وعرفني بالشحم الذي اآتنز به جسدي ، عرفت سامي في الرجل الممتلئ تمتد سوالفه مجللة بالشيب. مواجهة : وجدت سامي ووجدني وظل يردد طوال جلستنا. وأخدودين أسودين

. وإني أحببتك دائما، وأقول إني أحبك، في وسط آل هؤالء الناس، بودي أن أقف فوق هذه المائدة-

***

ولست أدري على وجه التحديد إن . تأتي علي أن أطلق سراح الصبية ألفلت بحياتي من بين ضفتي باب مغلقأم ، هي التي أثارت الفضول اللحوح المنبهر من جانب الجالسين من حولي، آانت نشوتي وأنا أفعل

. لم أعد أهتم باالنطباع الذي أترآه في اآلخرين. وال أهتم. هيستيريتي

وأدرآت أن لقائي بسامي ، رد أن جلست أنا وسامي حول المائدة لمحت زميل عمل يجلس على مقربة منيبمجوآان أن نسيت الرجل تماما وأنا . وأسقطت عامدة اإلدراك عن وعيي، سيصبح خبر الموسم في أوساط عملي

إلى ، بمكتمل جسدي، يبيد، وأنا أضحك بوجهي، أضحك أنتشل من عدم الصبية التي آنتها يوم التقيت بساميولم أعد أعي . ووعيت للحظة أثر هذا الحدث على من حولي. حد قذف حقيبة يدي من فوق المائدة إلى األرض

أصور المشاعر التي لم تجرؤ الصبية ، وضحكتي تستطيل منسالة تصل ما انقطع وأنا أبني قصة حبي األولآياني وهج ، وأنا اآلن هي. أحيا الصبية من جديدو، أآمل الكلمات التي تعثرت على لسانها، على تصويرها

ومسام جسدي ، وأنا اآلن آنا. التي لم تعد مكتومة، وجسدي وهج يشع يزغرد بتشوقات الصبية المكتومة، أحكي له عن خططي للمستقبل ويحكي، وأنا أتواصل في لحظتي الراهنة مع سامي، ترق تعمق، الخامد تتفتح

ما يعينني ويعينه على استكمال ، يمنحني من لحظته الحاضرة وأمنحه، أفضي باهتمامات حاضري ويفضي . المشوار

***

في فورة حماستي للدفاع عن القرار الذي تبنيته في اجتماع . صباح اليوم فعلت ما تمنيت أن أفعله من سنينخيت في استر، بعد أن مر القرار الذي أردت له أن يمر. خلعت حذائي وطويت ساقي تحت جذعي، اليوم

. جلستي على المقعد المريح آما أسترخي في بيتي

. وتنهدت ارتياحا وأنا أعبر بكهولتي ما مضى من عمري إلى ما هو آت

الشيخوخة

حاولت تعديل هذه اليوميات لتعبر عن . هذه يوميات آتبتها من عشر سنوات وسقطت في زحمة أوراق منسيةفكل شيء يتغير ويتبدل وخاصة في المرحلة . تبينت استحالة ذلكمنظوري الحالي للحياة آامرأة وآكاتبة و

وإن اندرج االثنان في آل ، ومنظور امرأة في الستين غير منظور امرأة في الخمسين، المتقدمة من العمر . متعدد الجوانب متناقض الوجوه يلقي التصالح في نهاية المطاف

فما من ، بعض مالحظات توافرت بحكم السن والخبرةعلى أن أضيف لها، وقررت نشر هذه المذآرات آما هيوما من تصوير لتجربة شعورية يمسك بحقيقة في آليتها وال في ، تجربة شعورية تتكرر على نفس الصورة

. وإن آان هذا ال يلغي بحال صالحية تصوير التجربة. حرآتها الدائبة

تفرحني بقدرتها على . وتفرحني وأنا في الستينتربكني المرأة في الخمسين التي تطل علي من هذه اليومياتأفتقد في يومياتها ضحكتها التي تجاوزت بها آل . وتربكني بحدة مشاعرها واستطالة هذه الحدة، التجاوزوأعرف اآلن أن لحظات تعاستها قد اندرجت في عشرات من لحظات الفرحة والحماسة واالهتمام بما ، شيء

. الحاالت النهائية التي تكتسبها المشاعر العابرة على الورقوتخيفني في آل. هو خارج عنها

Page 10: الشيخوخة لطيفة الزيات

وال أعود بحاجة إلى االعتذار عن هذا االتجاه الذي ظل ، أرصد مبتسمة ميل المرأة في الخمسين إلى التنظير، أدرك بعد قراءة اليوميات أن التنظير آان دائما وسيلتي آإنسان للفهم وللتجاوز عن طريق الفهم، يالزمني

، بالرغم من إدراآي أن التنظير ينطوي بالضرورة على التبسيط والتسطيح، وأقول ربما أفاد الناس ما أفادني . ويذآرني هذا بمالحظة أستبقيها حتى نفرغ من هذه اليوميات. ويخضع بالضرورة للتغيير والتطوير

]١٩٧٤[

١٩٧٤ سبتمبر ٢٧

بعد شهر ، شيء ما ال يستقيم، شيء ما خطأ: سي أآرر عبارةوجدت نف، اليوم صباحا وأنا بين اليقظة والنوموللمرة الثانية في حياتي تعاودني الرغبة في تسجيل . من عودة ابنتي حنان من غيبة استطالت عامين

. وهذا يعني أني أقف على حافة االنهيار وأني أسعي واعية لإلفالت. يومياتي ومواجهة الذات على الورق

لم أجسر ، تسع سنوات ال عشر. ن أزيل تراب عشر سنوات عن يومياتي األولى ولم أفعلتعين علي اليوم أومع انقضاء العام تأتي . على االقتراب من الورق في العام الذي أعقب موت زوجي أحمد من عشر سنوات

لوقوف على آانت ابنتنا حنان في السادسة عشرة وأحوج ما تكون إلى أم قادرة على ا. علي أن أسجل يومياتي . قدميها

. ويتأتي علي اآلن بعد أربع سنين من زواج ابنتي أن أواجه نفسي على الورق من جديد

؟ ألم تكن الرسائل التي أدمنت آتابتها لمدة سنتين طيلة غيبة حنان نوعا من المذآرات: أتوقف ألتساءل وعيي اندرجت الرسائل التي آتبتها في. يزعجني السؤال ويزعجني أآثر استخدام اإلدمان في صيغة السؤال

وفي إطار حاجتي آإنسانة ، على مدى سنتين في إطار دوري آأم تسعي بكل آيانها إلنجاح زيجة ابنتهافي فترة تداهمني فيها آآبة الشيخوخة وتتضاعف فيها الحاجة لإلفضاء ، لإلفضاء وللتواصل مع ابنتي

. والتواصل

وتحول أحيانا ، رسائل يوما بعد يوم وصفحات بعد صفحات تجاوز أحيانا هدفهوعلي أن أقر اآلن أن تدبيج الولكني لم أقصر يوما . تكاثرت الخطابات على الرغم مني آما تتكاثر النباتات الوحشية. إلى غاية في حد ذاتها

م أودع ل: وال تخليت يوما عن واجبي آأم يعتمد وجودها على وجود ابنتها سعيدة ومتحققة، في واجبي . صندوق البريد إال القليل من الخطابات التي آتبتها في غيبة حنان

خطابات آتبت لترسل لحنان ولم ترسل ، عنوان األول؟ ولكن ما داللة بقية الخطابات التي ترقد في ملفات ثالثةظات تكتسب لح، على غير ما هي في الحياة(خطابات آتبت لكيال ترسل ، والثاني). أقسي من أن ترسل(

لحظات التعرية الكاملة (خطابات غير موجهة إلى أحد ، وعنوان الثالث). التعاسة على الورق رسوخا ونهائية ). للذات التي ال يجوز إلنسان آخر االطالع عليها

بمجرد أن لمحتهما ، آما أردت لها أن تستقيم، أدرآت أن العالقة بين حنان وزوجها قد استقامت في البعدشيء ما في الطريقة التي دفعا بها عربة الحقائب فيما . المؤدي من صالة المطار إلى الشارعيعبران الممر

بمدى ما استشعرت الذنب والطبيب . بينهما جعلني ألهث ارتياحا آمن جرى مشوارا طويال وآن له أن يستريحفعان عربة الحقائب فيما بمدى ما شعرت باالرتياح وأنا أرقبهما يد، يشخص سبب اختالل عالقة حنان بزوجها

. تعزلهما معا عن بقية البشر، تميزهما، ووحدة تجمعهما، بينهما

***

آمنت أن ما بيني وبين ابنتي ال ، لم أستشعر القلق لحظة رصدت تحفظ حنان تجاهي عقب عودتها من السفرتترقب في خوف وهي ، وهي تستعد لكل امتحان، عشت معها آل لحظة من لحظات حياتها مكتملة. ينفصم

علمت . وهي تكبر وتتحقق، وهي تلتحق بالجامعة وتتخرج. وهي تتجاوز بنجاح آل امتحان، نتيجة آل امتحانوحللنا معا ، عانينا معا أشواقا ال تشبع للمعرفة. قرأت معها آل آتاب وتبادلت معها آل انطباع، ابنتي وعلمتني

Page 11: الشيخوخة لطيفة الزيات

في زحمة الناس . يا معا وتصفحنا الخرائط واقتسمنا التعليقاتاآتشفنا الدن. األغوار السحيقة للنفس البشرية، نفضي. تلتقي عيوننا ترصد وتسجل وتتلهف للحظة تنداح الزحمة وتلتقي رؤوسنا ونحن نعلق على ما حدث

. تداخل نسيج حياتي ونسيج حياة حنان حتى آدنا نصبح واحدا. نتواصل ونضحك

، تتلمس بين الشك واليقين موقع األقدام، خبطت معها وهي تتخبطوت، فرحت وحنان تلتقي بهشام في الكليةوآل آلمة في خطاباته الخجلة الوجلة بعد ، استرجعت معها آل حرآة من حرآات هشام وآل لفتة. ولم أتخبط

. وأشبعناها تحليال ونحن نحاول مقياس مدى عمق عاطفته نحوها، أن سافر عقب التخرج للعمل في الخارج

ولكن هذا البعد حد من قدرتها على أن ، د هشام عن حنان بقادر على الحد من حيويتها وانطالقهاولم يكن بع. وتأتي على أن أعلمها أن تمد يدها وال تنتظر انتظار العاجز ليد تمتد إليها طوال الطريق. تحب من جديد

وإما بداية حب ، بعد في آلماتفإما نهاية قصة حب طفولية لم تتبلور، أيا بلغت قوة الحسم، علمتها أن تحسمفي ، ممتنة، ومدت حنان يدها الخجلة المتخبطة لتالقيها يد هشام. يقوم على أرآان اليقين من مشاعر اآلخر

. وعاد هشام من الخارج ليعلن خطوبته على حنان بعد أيام. منتصف الطريق

قلت اآلن وقد استقامت عالقة . رال لم أستشعر القلق لحظة رصدت تحفظ حنان تجاهي عقب عودتها من السفوتعود إلي آاملة مزدهرة قادرة على ، لم يبق سوى أن تستقيم هذه العالقة بالعالم الخارجي، حنان بزوجها

. العطاء

، وتوهمت أني أستطيع االنتظار إلى األبد، اختنقت المرة بعد المرة بالحاجة إلى التواصل مع حنان دونما إشباع . التواصل والقرب مع ابنتيعودة، وبهدوء وثقة

رسائل ال (أرقبها تتصفح ، بال حياء، وجلست. وآان أن قذفت حنان بالملفات الثالثة بعد أسبوعين من عودتها . وآان أن أعادت حنان الرسائل في اليوم التالي دون أن تقوي على قراءتها). يجوز إلنسان االطالع عليها

***

أتساءل وأنا أستند ... رهاق العام الذي هو عرض من أعراض الشيخوخةعدت لتوي من العمل ومعي هذا اإلولم يعاودني اآلن ؟ لم يعاودني أحمد في الحلم وقد مات منذ عشر سنوات: إلى باب الشقة المغلق ورائيهل هي . عن مغزي الطيور السوداء في حلم أمس األول، أتساءل ما زلت؟ وعالقتي تتعثر بابنتنا حنان

؟ يور أحمد أم طيورنا معاطيوري أم ط

يخطر ببالي وأنا أستند إلى ضلفة الباب المغلق إمكانية إدراج يومياتي هذه في نفس الدفتر الذي آتبت فيه أرقب الدفتر . أفتح درج المكتب الذي لم أفتحه منذ تسع سنوات. بعد موت زوجي أحمد١٩٦٥يومياتي عام

. وأقفله دون أن أزيل عن الدفتر طبقات من تراب يتعين إزالتهابغالفه األسود السميك يرقد في جوف الدرج

***

يسألني بعد السالمات ... يستوقفني اليوم زميل عائد من السعودية وأنا أمر بالردهة الرئيسية في مكان عملير وأتمتم بشيء غي، يقول، شد ما آانت واعدة، بداياتي آانت واعدة. والتحيات عن إنتاجي الروائي األخير

: ونفترق وأنا أردد بيني وبين نفسي. مفهوم آما اعتدت أن أتمتم بعد أن تحولت البدايات الواعدة إلى نهايات . هذه المرة بابنتي، وال عالقة لهذا الشيء، شيء ما ال يستقيم، شيء ما خطأ

ين ال تعفيني من فأنا أعرف أن مسئوليتي نحو اآلخر، لن أحتج بانشغالي بدور األم، ال أدين باالعتذار ألحد، أعرف هذا عقليا. لن أحتج بكآبة الشيخوخة فأنا أعرف أن العمل هو الكفيل بالخالص، مسئوليتي نحو نفسي

! ؟وأتساءل هل استقرت هذه المعرفة في وجداني وشكلت سلوآي

وليلة بعد يوما بعد يوم ، على سريري، أوراقي مفرودة على مكتبي، لم أآف عن المحاولة، يعزيني أني حاولتأسعي إلى ، ال أرضي عن شيء وال أرتضي شيئا، أشطب وأغير، أعدل وأبدل، وأنا ال أآف عن العمل، ليلة

Page 12: الشيخوخة لطيفة الزيات

. على أمل أن يكون أفضل، أترك عمال وأسعي آلخر. أو آمال ال وجود له في هذه الدنيا، آمال ال طاقة لي بهأعمل ، وأنا أعمل ضد نفسي ال من أجل نفسي، الآتمالبدايات بعد بدايات ال يكتب ألي منها ا، والبدايات تتكاثر

. أعمل منوطة بهزيمة نفسي وآأن شيطانا يرآبني، وأنا شبه موقنة أن شيئا ما لن يكتمل لي

. ما لم أتمكن من مواجهة أسباب ودوافع هذا اليقين بالفشل الذي يالزمني لن يكتمل لي شيء أبدا

***

. ليه انعدام في النضج العاطفي التصاق جنيني باألم يترتب ع-

. بعد سنة ونصف السنة من زواجها، قال الطبيب وهو يشخص سبب اختالل عالقة ابنتي حنان بهشاموبمثابة ، آان تشخيص الطبيب بمثابة إشهار إفالس لي آأم. وصرخت مفجوعة رافضة تشخيص الطبيب

جاهدت عمري وما زلت أجاهد . اعية ومتعمدةو، هزيمة لكل األهداف التي استهدفتها في أسلوب تنشئة ابنتي . آيانها الذي يقف موقف الندية مني ومن اآلخر، ليكون البنتي آيانها المستقل عني وعن اآلخر

ولم أجد قط حاجة إلى . وعيت تماما خطورة اتكالها النفسي على بعد موت أبيها وهي في السادسة عشرةواتسع هذا . تتألق فيه محبة ومحبوبة، المها المستقل عن عالميآان لحنان دائما ع... ممارسة هذا الوعي

من ) التسكع(وآان تعبير . العالم بعد التخرج والعمل حتى آدت ال أراها يوميا إال في الساعات األخيرة من الليلوإن لم تنشغل ، ددةتعبيراتها األثيرة إن لم تنشط في هذا االتجاه أو ذاك من اتجاهاتها الثقافية المتعددة والمتج

: آانت تفسر غيبتها عن البيت بقولها، أو تجتمع بهذه الشلة من الصديقات أو األصدقاء، بهذه المهمة أو تلك

. على النيل... عند تمثال نهضة مصر.... في الهرم... في خان الخليلى... آنت أتسكع في ميدان التحرير-

وال أن يوقف ، ولم أرد لشيء ما أن يعوق انطالقتها العارمة. رةآانت آفتاة تحب الزحمة والناس ومعالم القاه، ال تستقران أبدا في موضعيهما، عيناها تضويان وحدقتاها تدوران: هذا النهم الذي ال يشبع الآتشاف الحياة

. يستقطبان الضياء من الناس واألشياء ويعكسان الضياء على الناس واألشياء

***

! ؟ أي التصاق جنيني-

أصالح وأوفق وأنصح ، آان لي سنة ونصف السنة أقف على أطراف أصابعي. رخت مفجوعة غير مصدقةصأقف في صف حنان مرة وفي صف ، وأعلم وأحتضن وأدلل وأستمع إلى شكوي هشام ساعات وشكوي حنان

إلى نسبها أعيد األشياء . أعمل جاهدة على إنجاح زيجة تتوافر لها آل مقومات النجاح وال تنجح، هشام مراتطفالن ترعبهما الهوة بين المثال ، وواقع اصطدام األنا باألنا لحظات، الطبيعية بين طفلين يعيشان المثال لحظة

. يتخبطان حبا وخوفا على ضياع الحب، والواقع

: حتى قال الطبيب، واستوعبني الدور تماما وأنا أقوم بدور ربان السفينة لتبحر

... التصاق جنيني -

وآأن المشكلة ، وتلقفتني حنان في حضنها تهدهدني وتدللني، خرطت منهكة مهزومة في بكاء طويلوان . مشكلتي ال مشكلتها

... حنان

: قلت ضاحكة باآية وقد استرخيت في حضنها

Page 13: الشيخوخة لطيفة الزيات

! لقد آنت غائبة عني في الشارع طوال الوقت؟ وآيف؟ متي... حنان -

: ولمعت عينا حنان يومها بخبث الطفلة وقالت

أضع رأسي على صدرك ونحن نتبادل قبل أن ، ألني على يقين أنك موجودة تنتظرينني، آنت أملك أن أغيب- . ننام الحديث

وسافرت هي وهشام الستكمال دراستهما في . وآان أن جاهدت حنان بعدها للحصول على منحة دراسية . الخارج

***

في آل مرة أحاول فيها . طليقا آالنبع الجاري لم يعد يتأتيالتواصل مع حنان الذي آان يتأتي لي سهال حلوا في آل مرة تخرج . موطنا لأللم، من حيث ال أدري، الولوج إلى عالم حنان الداخلي تخطئ آلماتي وتصيب

. وآأني أقتطع اإلفضاء من لحمها، آلمات حنان مذبوحة

. مع حنان آالمشي على الشوك، مجرد الكالم، أصبح الكالم

***

. تحمل نفسها دائما وأبدا أآثر مما تطيق. أيا بلغت قسوة البتر على ذاتها باترة، آحد السيف باترة، باترة ابنتيوهي تضغط بأسنانها على شفتها السفلى متحدية آل ما هو ، تجلس وتمشي، يخيل لي أحيانا أنها تنام وتصحو

يل لي أحيانا أن سوطا وهميا يسوطها لتنجز أآثر ما يخ. آل ما هو فاسد ومزيف، قاصر في هذه الحياة وظالم : وحين يضنيني شعورها الحاد بقصر الحياة تقول. متجاوزة لكل طاقتها، أفضل ما يمكن إنجازه، يمكن إنجازه

؟ فهل مات لك في سن الشباب رفاق، ١٩٦٧ لي رفاق ماتوا في حرب سنة -

بعينيات في المظاهرات والسجون الشعور باالمتداد إلى وأشفق أن أقول أورثني استشهاد الرفاق في األروأشفق أن أقول ونحن نقترب محبطين من الذآري األولى النتصار حرب أآتوبر الموءود أن . المستقبل

، ١٩٦٧ويبقي اإلحباط ما لم يندرج شهداء عامي . اإلحباط العام هو الذي يورث قصر العمر ال االستشهاد . متفرجين، جديد ينتشلنا من الوضع الذي تردينا إليه في سياق مد شعبي ١٩٧٣

قالت لي في لحظة إفضاء في أعقاب . تغير الكثير من منطلقات حنان بال رجعة١٩٦٧بعد هزيمة سنة : الهزيمة

. ولن تكتمل لواحد منا أبدا ضحكة، سرقوا الفرحة من جيلي-

: وبعد شهور من زواجها قالت

؟ ما السعادة-

ونحن بمعرض مناقشة هدف أي ارتباط إنساني قائم على الحب ، داللة الكلمة على أي معنى محددمشككة في وتأتي على أن أتنازل عن منطلقين من منطلقاتي األثيرة لكي تبدأ المناقشة من أرضية . بين الرجل والمرأة

ورفضت حنان . لاستبعدت السعادة واقترحت استخدام تعبير التكامل أو التحقق النفسي آبدي. مشترآةوبدأت المناقشة والهدف . وذهبت إلى أن التكامل والتحقق النفسي منطلق آخر من منطلقات الكبار، اقتراحي

. األسمى للحب والزواج هو التوصل إلى حالة من التوازن النفسي والحفاظ على هذه الحالة

Page 14: الشيخوخة لطيفة الزيات

منطلق حنان منطلق صحي سليم يجمع . ايتأتي علينا أن نتعلم من أوالدنا وإال عشنا بطعم المرارة في حلوقناستخدامي لتعبير . هو منطلق المطلق المستحيل، بال وعي، ومنطلقي. بين تقبل النسبي وصرامة االلتزام

. السعادة مثال ليس سوى بادرة بسيطة من البوادر التي تدل على تشبثي الساذج بكل ما هو مطلق

قانون الحياة المحكوم بنسبية الزمان والمكان والتغير رهين برفض، المطلق اآلن في عقلي قرين الموت ؟ ولكن هل هو آذلك في وجداني. الدائب

***

أسجل الحلم هنا في محاولة لفك . أعود وأتساءل للمرة األلف؟ ما مغزي الطيور السوداء في حلم أمس األول . يلتيغالبا ما أنسى أحالمي بعد اليقظة ولكن حلم األمس محفور في مخ. طالسمه

في نفس الحجرة التي آان ، رأيت زوجي أحمد حيا يجلس فوق صوان مالبسه يضيف ترآيبة آهربية جديدةأفكر في أن من الممكن أن يتجاوز . في الحلم أدرك أنه مريض وإن آان قد تجاوز أزمة صحية. يعيش فيها

أالحظ أن الصوان . ن مدى رؤيتييغادر أحمد الغرفة ويغيب ع. وتسرني الفكرة، أزمة أخرى وأن تمتد حياتهأصيح ). مسا خفيفا ولكنه محسوس(واألرضية يحدثان مسا آهربيا أستشعره وأنا أمر بالردهة خارج الغرفة

. إبلغ أحمد بوجود المس الكهربي

صوان طيور ترقد على ال. أالحظ شيئا جديدا، وأنا اآلن ال أستشعره، ينقلني المس إلى مرحلة أقرب إلى الوعيطيور يبدو أن مكانها الدائم هو هذا . سوداء أشبه بالبط األسود وإن لم تكن بطا، حيث جلس أحمد سابقا

وقد بدأت تنزل ، وإن لم أستغرب وجودها، لم ألحظها في اللقطة األولى وأحمد يجلس على الصوان. المكان .ويبقي نصفها تقريبا في مكانه، نتيجة للمس الكهربي صفا بعد صف

متحيرة ال أعرف آيف أجمع شتاتها ألعيدها إلى ، أقف في الردهة مرتبكة وأنا أتعثر في طير من هذه الطيورأعاود . ومحددا بحيث تختل األشياء إذا ما اختل، الذي يبدو في الحلم مكانا دائما مرئيا وغير مرئي، مكانها

. النظر إلى غرفة أحمد ويواتيني اإلدراك أنه مات

المكتبة في (تسترعي انتباهي مكتبة خاوية في غرفة أحمد . لقطة التالية ال أعود أرى الطيور السوداءفي الأن أنقل المكتبة الخاوية إلى غرفتي ، أقرر وقد وعيت أن أحمد قد مات). الواقع لي وهي موجودة في الردهة

بة ليست خاوية آما رأيتها في اللقطة المكت، ال ألبث أن أالحظ ما لم ألحظه من قبل. ألضع فيها بقية من آتبيوآل حزمة ملفوفة بأوراق سميكة من اللون األزرق ، المكتبة مليئة بحزم أوراق في حجم الفلوسكاب. السابقة، يخطر في بالي في ذات الوقت الذي ألمح فيه حزم الورق. ومصفوفة على شكل آتب). لون الرسائل(اللبني

. أن ال مكان في غرفتي لمكتبة جديدة، وأنا في مرحلة أقرب إلى الوعي

باالستعانة بأوليات المنهج ، عادة ما أستطيع أن أفسر أحالمي أو على األقل بعضها. لم يزل. يحيرني الحلمغالبا ما أستطيع أن أرد هذا الحلم أو ذاك إلى هذا القلق أو الخوف المعين . الفرويدي وبعض اإلدراك اليومي

. ولكني ال أستطيع أن أرد حلمي هذا إلى شيء، الدفينة في تحقق هذا الشيء أو ذاكأو هذه الرغبة، أو ذاك

الطيور السوداء هي قطعا طيوري بمدى ما . وأنا أحاول هنا أن أخرج بأسئلة يفتقر معظمها إلى إجابات محددةفقد ؟ من الموت، دالخوف من الفق؟ ولكن إالم ترمز هذه الطيور). تعثرت بإحداها في الردهة(هي طيور أحمد

ويوم مات قبل أن ، يوم انسلخ عني عاطفيا قبل أن يموت بسنين، زوجي أحمد فقدته بدل المرة مرتين؟ منلم أنخرط بعد في الشيخوخة إلى حد الخوف من ؟ موتي أنا. أستكمل معرآتي المستميتة الستعادة المستحيل

. الموت

وعرض سمير ، ظات يذآرني بأني ما زلت امرأة مرغوبةالحديث التليفوني الذي تلقيته من سمير منذ لح . بالزواج ما زال قائما رغم رفضي له المرة بعد المرة

. سمير أحبك دائما وما زال يحبك، فكري في األمر بجدية-

Page 15: الشيخوخة لطيفة الزيات

: واعترضت سوسن صديقة حنان وهي تقول، وأيد هشام القول في حماسة، قالت حنان

. عر المهم أن تبادله هي نفس المشا-

وحسمت أنا المناقشة في ، وتساءلت سوسن وهي تضحك إن آان هشام وحنان يريدان التخلص مني والسالم : هدوء قائلة

. سمير ال يستطيع أن يمنحني ما أنا بحاجة إليه-

إالم ترمز هذه . ولم أعد متأآدة وأنا أتعثر في طيوري السوداء، وتوهمت لحظتها أني أعرف تماما ما أريد ؟ أهي خفايا النفس البشرية التي ترقد طبقة فوق طبقة في أغوار الالوعي؟ رالطيو

المهم في . وأآتشف اآلن أني أسقطت من آل محاوالتي السابقة لتفسير الحلم شيئا أهم من الطيور السوداءما . دةالحلم هو هذه الحزم من األوراق وارتباط ظهورها المفاجئ باإلقرار أن حجرتي ال تتسع لمكتبة جدي

أهي ؟ ولم آانت ملفوفة بورق بلون ورق الرسائل؟ وعالم تدل؟ عسي أن تكون ماهية هذه الحزم من األوراقوتشير إلى ، )إمكانية الكتابة(أم هي أوراق بيضاء ؟ أوراق مكتوبة تشير إلى ماض مثقل ال أملك اإلفالت منه

وما ؟ أم هما االثنان معا). تتسع لمكتبة جديدةحجرتي ال (تطلع لمستقبل خالص ال أملك نفسيا الولوج إليه ؟ وبكآبة الشيخوخة التي تعاودني في موجات أحد وأمر؟ عالقة آل هذا بتعثر عالقتي مع ابنتي حنان

. تبقي األسئلة بال جواب

***

: السؤال، منذ عودتها، ظلت حنان تردد

؟ هل تخليت عنك يا أمي بطريقة أو بأخرى-

وترجع حالة ، وتستبعد ضاحكة مثل هذا االحتمال، ر اإلقرار بأني أمر بآالم الشيخوخةوهي ترفض بإصراوهي . االآتئاب التي أمر بها إلى غضبي منها أو إلي ما قد يكون قد التبس علي من تصرفاتها بعد عودتها

عد المرة أنها وأوضحت لحنان المرة ب. ال تريد لتصرف من تصرفاتها أن يغضبني أو يجرحني، تسعي لتفهموأن آآبة ، وأن اهتمامي بها جانب من اهتماماتي وليس آل اهتماماتي، وليست آل حياتي، جزء من حياتي

وأن . وهو حدث يعرض لكل امرأة في سني، الشيخوخة عرض فيزيائي بحت لن يلبث أن ينقضي مع األيام . م هي فيها إال بالقليلحالة الكآبة التي تنتابني جاءت نتيجة لتراآم عوامل عديدة لم تساه

ال ألتقبل ، فأنا أآتب هنا ألفهم، علي أن أختبر هذه الحقيقة. وربما لم يكن، وربما آان هذا الكالم صادقا . مسلمات تفرض علي أو أفرضها أنا على نفسي

١٩٧٤ سبتمبر ٢٨

راك هالمي ومبعثر يتبدي إد. وال أعرف حتى من أي حقائق أهرب، أهرب من الحقائق. قرأت ما آتبت باألمس؟ آلمات قلتها أنا. آلمات تكاد تتجمع في جمل مفيدة وال تتجمع. في هذه الصفحات التي آتبتها وال يتبلور

! ؟وأسقطتها الذاآرة عمدا؟ قالتها حنان

صراع يتأتي علي إن ، ألف وأدور حول الموضوع دون أن أتغلغل في وقائع تضعني في صميم صراع يمزقنيوأتجاوز ، أسطر حلمي بزوجي أحمد في صفحات. أن أحدد طبيعته وأن إبلوره في آلمات، حقا تجاوزهأردت

: أآتب. حدثا محوريا في عالقتي بابنتي في سطور

Page 16: الشيخوخة لطيفة الزيات

بال حياء أرقبها تتصفح ، وجلست. وآان أن قذفت ابنتي حنان بالملفات الثالثة بعد أسبوعين من عودتها[وآان أن أعادت حنان الرسائل في اليوم التالي دون أن تقوي على ). ع عليهارسائل ال يجوز إلنسان االطال(

]. قراءتها

ولم في هذا التوقيت بالذات وابنتي تخرج من مرض ؟ لم فعلت أنا هذا الفعل المجنون: لم أتوقف ألتساءلني عن تخرج، تسلبني إنسانيتي، أي ريح عاتية تحملني: لم أتوقف ألتساءل؟ عضوي لتدخل في اآلخر

في أي سياق : لم أتوقف ألتساءل؟ تجعلني أحرق وأحترق دون أن أدري، تحبسني وحنان في بئر، حدوديوما من فعل ال ، ما من فعل ينشأ من فراغ؟ وال إلى أين يقودني هذا السياق، مجنون اندرج هذا الفعل المجنون

آيف أصالح ؟ قسوة في مواجهة ابنتيوآيف واتتني هذه ال؟ أي قسوة تنطوي عليها أعماقي. يندرج في سياقوبين رغبتي العارمة في إمالء ، بين رغبتي الواعية في االنسالخ عن عالم ابنتي لتستكمل ما بنت في غيبتي

رسائل (وعدت ألملي عليها ، تعمدت أن أغيب عنها وهشام لمدة أيام في اإلسكندرية؟ جحيمي الداخلي عليها ). غير موجهة ألحد

. أتساءل؟ استغاثة مستميتة لغريقأآانت قسوة أم

***

. ال أملك التوقف الستجماع األنفاس

... تثقب آالرصاص عقلي، تقفز جملتي إلى الوعي من أغوار النسيان. أرجو أال يكون هذا بداية تخليك عني-ية تصادم وعيناي على الطريق خش، آياني يترآز في عيني، وآأنها طوق نجاة، يداي تتشبثان بعجلة القيادة

: وأنا أقول لحنان، يبدو أن ال مفر منه

. أرجو أن ال يكون هذا بداية تخليك عني-

من الضروري ). لكيال يلتبس الوضع(تلتزم الصمت بعد أن أفاضت في شرح الموقف ، حنان وقد صدمها قولي المطلوب في العالقة ولترسي التوازن، أن تحد من رغبتها الطفولية في االلتصاق بي لتحمي هشاما من األلم

هذه العالقة التي أصبحت بدورها حيوية ، وما بيني أنا وبين هشام من ناحية أخرى، ما بينها وبيني من ناحية . ووجهي يطالعني في المرآة بشعا. وصمت ثقيل يسود السيارة. لكلينا

. ال ألحد... آان هذا قبل أن أقذف بقطعة من لحمي تنزف دما

***

: غاب عني قولي لحنان بعد عودتها بأيامال أعرف آيف

. أرجو أال يكون هذا بداية تخليك عني-

: وحنان ال تكف عن أن تقول، في أي أغوار دفنته

. ؟ هل تخليت عنك يا أمي بطريقة أو بأخرى-

كر وأن؟ هل يشكل هذا القول نقطة تحول في عالقتي بها: وحنان ال تكف عن أن تتساءل، في أي أغوار دفنتهومقتنعة ، آنت مقتنعة تماما بسالمة موقف حنان وبضرورته. المرة بعد المرة أهمية هذا التساؤل، صادقة، أنا

ولم أع سوى أن األشياء ال تستقيم ودأبت على . تماما بصدور هذا الموقف عن منطلق ال أناني يكلفها الكثير : القول

. نمد أيدينا بعضنا إلى بعض اآلنومن الصعب أن ، وأنت مريضة، أنا مريضة يا حنان-

Page 17: الشيخوخة لطيفة الزيات

: ودأبت على القول وأنا أتقوقع وأتباعد

وبدا آل شيء . خير لي من أن أراك آل يوم مريضة ومبتئسة، أن أراك ساعة في األسبوع مزدهرة ومتحققة- . بين ابنتيعودة التواصل بيني و، وبدا آما لو آنت أستطيع أن أنتظر إلى األبد في هدوء وثقة، منطقيا وعاقال

تحفظت . وأن تلقائية األشياء ضاعت بيني وبين حنان من يوم إن قلت هذا القول، ولكني أعي اآلن أني تغيرت . وتال التحفظ حالة تقوقع دفاعا عن النفس، في عالقتي بابنتي

ن ورفضت أنا عامدة أ، وحاولت حنان منذ بداية عودتها التوصل إلى عالمي الداخلي المرة بعد المرة. وهي تترنح فعال ال مجازا تحت وطأة هذا الحمل، شعرت أن من اإلجرام أن أضاعف حملها النفسي. أساعدها

. ثم آان أن توقفت حنان عن المحاولة بعد أن صفعتها بحقيقة عالمي الداخلي

بها على تراجعت في محاولة لتحاشي ألم ال طاقة ، تراجعت حنان في رعب وخوف ما زال يتملكها حتى اليوم . فهناك حد لما يستطيع اإلنسان تحمله من ألم بشري، وهي معذورة في هذا التراجع تمام العذر، احتماله

***

يعمل العقل ، لإلبقاء على المعتقدات أو باألحري األوهام الثابتة عن الذات، في محاولة للدفاع عن صورة الذات . السطححتى ال يطفو على ، مرة بعد مرة، على صد اإلدراك

مثل هذا اإلدراك . إدراك األشياء المؤلمة ال يتأتي إال بإرادة اإلنسان الواعية وسعيه الدائب إلى بلورة اإلدراكانطباعا بعد انطباع ، يتشكل وفقا لصراع مع ميكانيكية للعقل شديدة التعقيد تدفن االنطباعات في أغوار النسيان

. راج في سياق متصل ومفهوموتحول بين االنطباعات والتراآم واالند

١٩٧٤ أآتوبر ١

باألمس حين زارتني واليوم صباحا وأنا أوصلها إلى مبني إدارة ، انفردت بحنان مرتين لمدة نصف ساعة. إما في بيتها أو في بيتي، غالبا ما أراها مع هشام أو في جمع من الناس. البعثات في الطريق إلى عملي

. بحت تتحاشي االنفراد بييخيل إلي أحيانا أنها أص

، آانت حالتي فيما يبدو قد شخصت فيما بينها وهشام. دخلت حنان باألمس صباحا في الموضوع مباشرة . وتمخض التشخيص عن عالج ناجح جاءت حنان تطرحه علي

تباعدة بدت م، ولكن حنان التي جاءت في مهمة عاجلة إلنقاذي، آان لدي الكثير مما أردت أن أقوله البنتي : افتتحت حنان الجلسة قائلة. سريعة حاسمة وصارمة. محايدة حياده، تباعد الطبيب

. آن األوان لكي تكملي ما بدأت-

: وأجابت حنان وهي ترى نظرة التساؤل في عيني؟ أيا من بداياتي التي ال تكتمل تعنين: وتطلعت إليها متسائلة

. سيرتك الذاتية التي أهملتها منذ سنين-

وتذآرت أنها اطلعت على صفحات من سيرتي . وتأسيت ألنها ال تعرف شيئا عن بداياتي العقيمة األخرى . الذاتية التي لم أقربها منذ خمس سنوات

وهي تفيض في شرح اإلشباع الذي استشعره في الكتابة ، وغبت عن حنان في دهاليز العقم ليلة بعد ليلةوقلت في سخرية خفيفة لم تفت ، ورفعت رأسي بعد طول إطراق. تي الذاتيةالفنية ومزايا االنشغال بكتابة سير

: حنان

Page 18: الشيخوخة لطيفة الزيات

؟ تعنين آنوع من اللهو أو التلهية-

. التلهية ذاتها هي ما تكتبين اآلن-

. وهي تشير إلى هذه اليوميات، قالت حنان في نهائية وصرامة

: وتساءلت أنا

؟ هل قرأت يومياتي لتصدري هذا الحكم-

. ي قرأت الرسائل ولكن-

: واستدرآت وصوتها يحتد

. هذا انتحار.. حرام ما تفعلينه بنفسك.. حرام.. قرأت ما يكفي-

قلت آالما آثيرا ال أذآر اآلن فحواه وال ، )تتعمد حنان دائما أن يهبط علينا أحد(وقبل أن تهبط علينا سوسن . تسويغا النعدام قدرتي على الكتابة الفنية اآلنوربما آان، ربما آان دفاعا عن يومياتي هذه. حتى هدفه

. وخذلتني ذاآرتي وأنا أحاول أن أستعيده باألمس، وقالت حنان شيئا بدا في غاية األهمية إذ ذاك

***

آما فسرت هي غضبتي هذا ، ربما ألني لم أستطع أن أصل إليها، بت ليلتي غاضبة غضبا جنونيا من حنان، وآان شعوري وأنا ألجأ إلى فراشي شعور الغريق يتشبث بقشة. ق إلى مكتب البعثاتالصباح ونحن في الطري

غير ، حنان تملك أن تسلبني. وأقسي ما في األمر أنه يملك أن يفعل. وأعز أعزائه يحاول أن يسلبه القشة . بهذا الشيء أو ذاك، هذا االهتمام أو ذاك، واعية وواعية أحيانا

ولكن يتأتي علي أن أواصل برغم آل . آتب هذه اليوميات من قدرتي على االستمرارولست متأآدة اآلن وأنا أ . ألن خالصي يعتمد على أن أفعل، شيء

***

قالت حنان . تذآرت فجأة ما قالته حنان باألمس وأسقطته من ذاآرتي، ونحن نعبر آوبري قصر النيل صباحا : باألمس

وحدث أن مت ، ماذا يحدث لو اعتمد على هشام اعتمادا آليا. حد من الخطإ الفادح االعتماد على شخص وا- ! ؟فجأة

عما عنته حنان ، وسألت والسيارة تتوقف في إشارة المرور المؤدية من شارع قصر العيني إلى مجلس األمة : وتراجعت في مقعد السيارة منزعجة وتمتمت بارتباك. باألمس بهذا القول

. ال شخص واحد، بما أردت القول إن من الخطر االعتماد على شيء واحدر، لم أعن اعتمادك أنت علي-

وانسلت منها مهرولة إلى ، وقبل أن يرسب ما قالته حنان في وعيي توقفت السيارة، وانحسر الضوء األحمر . فناء مكتب البعثات

١٩٧٤ أآتوبر ٤

Page 19: الشيخوخة لطيفة الزيات

أي . بل ألن من الضروري أن أفعل، أريدال ألني، أآمل اآلن. لم أستطع أن أآمل ما بدأت في األول من أآتوبر ؟ قوة شيطانية دفعتني باألمس إلى االستمرار في عملية تعذيب للذات واآلخرين استمرت ساعتين

وأنهيتها ، بدأت أنا الجلسة في بيت حنان آقاض يجلس على منصة الحكم يصدر األحكام باردة بال انفعال . ضحة لمدى حاجتي ومستجدية العطاءفا، عارية بال خجل وال حياء، شاآية منهارة

ولكني لم أآن أتحدث أو ، ربما لو آنت باألمس أتحدث أو أتواصل مع أحد ألرهقني الوضع لحد اإلغماءومن األلم ومن اإلشفاق على الذات ومن الشعور القاتل ، آنت أفرغ شحنة من الغضب طال آبتها، أتواصل

بال معنى على ، وبال معني، آنت أصرخ في صحراء. على الورقوآأنما أفرغها ، بالوحدة وبالعجز والفقد . اإلطالق

في استباحة هذه الذات وهتك عوالمها الخاصة شديدة ، شيء ما مرضي في رغبتي في تعرية الذاتألن ، أذآر بألم موجع الغصة التي استشعرتها فترة من الزمن. شيء ما مرضي جديد وقديم. الخصوصية

. ي وأنا أمارس هذا الجانب من نشاطاتي أو ذاكزوجي أحمد ال يران

. وضعت ألني لم أستبق لذاتي شيئا، ذبحت عوالمي قربانا تحت أقدام المعبود

***

! وآأنك تحملينني تبعة شعورك باإلحباط-

بلور هشام في آلمات ما عرفت وتعمدت آبته في . الغريب حقا أن هشاما لم يحمل لي الجديد الذي ال أعرفواألنا التي تستشعر وطأة ما يقال تغيب ، واألنا التي تفهم ما يقال تتفرج وآأن األمر ال يعنيها، أليام األخيرةا

. فتحت فمها لتصرخ بشيء وبقي فمها مفتوحا دون أن تتشكل الكلمات. تماما أو تكاد

: قال هشام

. ي لي ولحنان الدرس في بداية زواجناوحرصت على أن تكرر، لقد علمتني دائما درسا مستفادا من حياتك-وأنا أدرك اآلن آم هو حيوي ، وهذا الدرس هو أن من الخطإ أن يعتمد اإلنسان اعتمادا آليا على اآلخر

وبمدى ما وعينا ، وقد استقامت العالقة بيني وبين حنان بفضلك. وأساسي في أي عالقة إنسانية بين ندين . الدرس الذي هو محصلة تجربتك

: آان هذا المدخل لكي يقول هشامو

. وأنت اآلن تعتمدين اعتمادا آليا على حنان-

: وأن يضيف مستدرآا وممعنا في التهذيب

. وعلي-

واألنا التي ، األنا التي تتفرج بدأت تنكمش. ليس هذا آل ما قاله هشام وال أهم ما قال. القلم يرتجف في يدي . رتشعر تتمدد بشكل يؤذن باالنفجا

: قال هشام

... آنت تفعلين آذا وآذا ، عندما آنا بحاجة إلى مساعدتك لتستقيم األمور بيننا-

***

Page 20: الشيخوخة لطيفة الزيات

وحقيقة أن حنان تضيق بهذا ، حقيقة أني أعتمد على حنان اعتمادا مرضيا، يتعين علي اآلن أن أقر بحقيقتين . االعتماد

***

. أشعر أن وجودي زائد على حاجة البشر. دة تجمد أطرافيوالبرو، داهمني شعور قذف بي من مقعدي واقفةأتخبط في قطع األثاث وال أجد ما أبحث ، أجرر ساقي خلفي وأنا أتجول من غرفة إلى غرفة أبحث عن شيء ما

وأنا ما زلت أجرر وجودي الزائد عن حاجة البشر من ، أدرك أن شيئا ما آان يجب أن يكتمل ولم يكتمل. عنه . غرفة إلى غرفة

تصطك أسناني من . ألتف به، أشد الغطاء على جسدي إلى قمة رأسي. ألجأ إلى سريري ورجفة البرد ترجني . ال تخافي لقد اجتزت من قبل هذه اللحظات: ينعدم وزني وصوت في مؤخرة رأسي يقول. البرودة

يخطر ببالي أن . غطاء حولييواتيني رنين التليفون من الصالة ملحا يناديني وأنا أطفو فوق سريري عارية والمن الضروري أن أستمر في . من الضروري أن أجيب وترعبني ضرورة عبور الردهة المؤدية إلى الصالة

ورنين التليفون ما . ارفعي قبضتك عنا لنتنفس: قالوا. وشكرا، انتهى الدور؟ أي دور: أقول لنفسي، أداء الدور . وأنا أعتدل جالسة في سريري، أقول: الحياةدور من يمارس ؟ أي دور: زال ملحا يناديني

أصارع ألصرخ الصرخة التي لم أصرخها في وجه هشام وال . في الردهة أجد طيوري السوداء في انتظاري، تعوق حرآتي، بصدري، ببطني، والطيور السوداء تعلق بساقي، أصارع ألتقدم في الردهة. أجد الكلمات

تلتصق الطيور ، والكلمات تتشكل في عقلي وال أصرخ، أآبر غلط،غلط: وهشام يصرخ، غلط: وحنان تصرخ : وتنفك عقدة لساني وأصرخ، ونداء التليفون يلح، أهشها بشراسة لتعود. آالخفافيش بوجهي

! ؟ أي التصاق جنيني-

األم بوشاح األمومة متشحا واالبنة، بوشاح الحب متشحا، إلى الرحم يدلف منتشيا، يتعلم اإلنسان وال يتعلم . وما من حبل سري. واألم االبنة

: تخرج الصرخة من فمي في نواح حيوان جريح

! ؟ أي التصاق جنيني-

، تتقافز من حولي وأتحرك، أزيلها عن طريقي وأتحرك، والطيور تنزاح اآلن عن جسدي فوجا بعد فوج . مل المنادي. نداءأرفع سماعة التليفون وال. أستجيب لنداء التليفون، أتعايش مع طيوري وأتقدم

***

سأقول : نعم؟ آيف غابت عني حاجة سمير إلي. تدور يداي بقرص التليفون خمس مرات في نشوة ملتاثةأملك أن . أملك أن أعيد إليه الحماسة التي فقدها واإليمان بالحياة. نعم: بال أدني تردد، لعرض سمير بالزواج

آيف تأتي أن أستشعر وجودي زائدا على . الممزقة آال موحداوأشالءه ، أحيل عجزه قدرة وتعثره استقامة ؟ تتربص لي متحفزة... تحاصرني، تطوقني، تسيمني العذاب، حاجة البشر وحاجة سمير منذ سنين تستجديني

، تدور يداي ملتاثة منتشية على قرص التليفون خمس مرات وتتوقف عند الرقم السادس لتليفون سمير . هكذا تبدأ اللعبة: ي يقولوصوت في مؤخرة رأس

يقول صوت في مؤخرة ، هكذا تبدأ اللعبة. إلى الرب واهب الحياة، ما أسهل أن يتحول الال شيء إلى الشيءوفي محاولة ، وبوعي آامل بمدى خوائك، وأسوأ ما في األمر أنك تبدئينها هذه المرة بال أدني رغبة، رأسي

. لملء الفراغ وإيجاد بديل لحنان

Page 21: الشيخوخة لطيفة الزيات

، عيناك مرآتي، قال زوجي أحمد بعد أول مرة يسافر فيها بعيدا عني، لم يكن وجهي، وجهي في المرآةأنكرت في ، وحلقت أنا فوق أرض غير األرض. حين ال ترد لي عيناك صورتي ال أآون، وجودي يتوقف على وجودك

وجود أحمد . ب الحياةاستحلت إلى الرب واه. لم أعد الزوجة وال الحبيبة وال اإلنسان، سماء غير السماءأسرني . أسرني احتياج أحمد. يعتمد على وجودي وأنا الخالق ال أبخل على مخلوقي بشيء وال أستبقي شيئا

. وما من حب إال بين ندين من بني البشر. وال يقدر على الحب الحقيقي إال اإلنسان، احتياج حنان

. عدنيا يحملني إلى درجة أعلى من الوعيويحدث اصطدامها باآللة رنينا م، أضع سماعة التليفون

***

تتخبط عيني تتصفح صفحة طويلة بعد ، تتخبط يدي تسعي إلى دفتر يحوي أرقام التليفونات التي شكلت عالميأسماء ، رفاق عمر وعمل واهتمامات، معارف وأصدقاء، أسماء رجال ونساء. أسماء بعد أسماء. صفحة

باللمسات العمياء تكتسب البصيرة على ، الرؤوس تتالقي براحة اإلفضاءظللته ب، حفرت لي الطريق ومهدتهبضحكات ، بوحدة التواصل، بلمعة االآتشافات المتبادلة بانكسار الوحدة، برجفة التعرف، أيدي اآلخرين

تنصهر وهي ، تتوهج وهي تتناقش، بوهج العقول تسقط ستارا من البالدة بعد ستار، االعتداء اإلنسانيمغنيا ومغتنيا خطوة بعد ، تحمل اإلنسان واثقا متكامال، تحمل اإلنسان على الطريق خفيفا متخففا، تتناطح . أسماء عنت لي الكثير ولم تعد تعني شيئا... أفقا بعد أفق، سنة بعد سنة، خطوة

***

لنيل وال ال مدينة لعروس ا: وصوت في مؤخرة رأسي يقول، وأنا أقفل دفتري، قلت، ضاقت بي مدينتي . المدينة واألصدقاء لإلنسان. وال أصدقاء، مدينة للرب ال للضحية. أصدقاء

***

؟ هل آنت في الخارج: يواتيني صوت سوسن. رن جرس التليفون

هل تستطيع أن تأتي لزيارتي . آنت في الخارج ولكني عدت. أقول. نعم. طلبت الرقم من فترة ولم يرد. تسأل . أآرر. نعم، نعم. تسأل؟ هي وزوجها حمدي

ويخطر ببالي وأنا أعيد سماعة التليفون أن حزم األوراق في حلمي لم تكن ملفوفة بورق أزرق زرقة أنه يتعين على لكي ، ويخطر في بالي في ذات الوقت. وإنما آانت مجرد أوراق بيضاء معدة للكتابة، الرسائل

. أمأل األوراق البيضاء أن أستعيد مفردات لغتي

١٩٧٤

بدأت الجلسة وأنا أقول فيما يشبه . وآان تعليقها العاقل هو النتيجة الحتمية لمنطقي المجنون، الت لي حنانق : الموضوعية المحايدة التي هي في الواقع قمة األنانية

ومن يبدأ . أنت تتصورين أنك آلهة صغيرة عليها أن تعدل مع الكل؟ أتعرفين يا حنان ما صورتك عن الذات- . عدل مع الكل ال يعدل مع أحدبرغبة ال

وحاولت أن ترد االتهام وجدانيا وعقليا إلى أسبابه في ، وإن سايرتني، وتلوت حنان تحت وطأة اإلتهاموإلى ، أرجعت حنان ما سميته أنا باأللوهية إلى شعور باألمومة يستوي عندها والشعور بالبنوة. سلوآها

وهي تريد أن تحمي هشاما وتحتمي . لحاجة إلى حماية اآلخرينحاجة لحماية من اآلخرين تستوي عندها وا

Page 22: الشيخوخة لطيفة الزيات

، وللتدليل على آالمها سألت حنان إن آنت ال أشعر برغبتها في حمايتي. تريد أن تحميني وتحتمي بي، به . وصادقة، في برود، ووجدت نفسي أجيب بالنفي، وهي تتوقع بالطبع الرد باإليجاب

***

آان إنكاري إنكارا عقليا . أرجو أال تكون هذه بداية تخليك عني: قولي لحنانأنكرت بيني وبين نفسي أهمية . آان رفضا لخوف عميق ينخر آياني. مفصوال عن وجداني

. لم أآتشف هذه الحقيقة إال في أثناء انفجارة األمس. الخوف من فقد حنان فقدا معنويا يدمرني

يصبح خطي ، والكلمة في الكلمة، يتخبط الحرف في الحرف. يعلو على السطر ويهبط، يتلوي خطي ويتعرج . قبيحا ينزف ويستنزف

أنا . وأنا لست بغاضبة اآلن، غضبتي باألمس حررتني من اإلرهاق ومن اإلدراك اإلنساني. اإلرهاق يشل يدي . ومن ثم هذا اإلرهاق الذي يشل يدي ويجعل خطى ينزف ويستنزف، خائفة من مواجهة الحقائق

***

وهذه حقيقة أواجه نفسي بها ألول ، ربما آنت ال واعية، الوضع الكالسيكي للثالوث، الوضع وضع ثالوث . رفضت حقيقة وجود هذا الثالوث بمدى ما رفضه هشام، أقول ربما، مرة

أآرر آلمة ربما ألني. حسم نهائيا لصالح هشام، ربما آان منشأ األزمة هو شعوري أن األمر في ظل الثالوث . غير واعية بهذه الحقيقة على اإلطالق

إن آان في هذا االفتراض شبهة حقيقية النطوي األمر على هوة عميقة بين رغبة األم العقلية في أن تقطع وبين رغبة األم في االستئثار بابنتها ، )أعني الذي يربط ابنتها بها(الحبل السري الذي يربطها بابنتها

فلماذا أغضب هذا الغضب ، نت أدفع حنان باستمرار لحسم الموقف لصالح هشامآ. واالحتفاظ بها في رحمها ؟ الجنوني حين يتحقق هذا

. أو باألحري النعدام وجودي في السنين األخيرة، الحسم يسلبني الدور الذي اتخذته ذريعة لوجودي

***

أن أخلص للحقيقة ولو ، ورةأن أصفع نفسي في المرآة بصورة أقبح من ص، يتأتي علي أن أختبر آل احتمال . لم يعد في األمر اختيار. خلصت معها أنفاسي

***

: باألمس في نهاية الجلسة قالت لي حنان

؟ لم يتسبب إقتراح استئناف سيرتك الذاتية في هذه االنفجارة. ما زلت عاجزة عن الفهم-

الشخص : سقتها للتدليل على عجزيوآانت حنان محقة في عجزها عن الفهم برغم األمثلة البالغية التي . وما إلى ذلك، والخراج المتقيح الذي يتأتي أن ينفجر، المبتور الساقين المطلوب منه أن يلعب آرة القدم

Page 23: الشيخوخة لطيفة الزيات

وأتساءل اليوم وخاليا جسدي تتليف الواحدة بعد ! ؟ومن غيري بترهما؟ لم أنا مبتورة الساقين: وأتساءل اليومتراح آتابة السيرة الذاتية مظلوم ظلم الحسين إال من حيث انطوي على رفض اق! ؟لم أدمنت القيح: األخرى

. جديد من جانب حنان لمحاوالتي إلمالء جحيمي الداخلي عليها

آنت . وتعرية الذات جزء ال يتجزأ من عملية االبتزاز. آانت ابتزازا رخيصا. غضبتي باألمس لم تكن غضبةتبتز بتعذيب الذات واآلخر ما توهمت أنه . تهديد األجوف والرجاء العقيمآالمحبة المهجورة تتخبط ما بين ال

. ويستحيل أن يعود، آان

***

. وحقي في الدفاع عن هذا المعقل، في حومة االنفجار قلت شيئا عن ضرورة الدفاع عن معقلي األخير : وصرخت حنان محتجة

. غلط. غلط-

وما من معقل أخير . توهمت زوجي أحمد معقلي األخير. جتهاتوهمت أني معقل حنان األخير حين تعثرت زي . قدرات اإلنسان على التجاوز هي معقله األخير. خارج عنا

لم يعد ... في مخيلتي يرتسم اآلن وجه حنان شاحب البياض وقد انسحب الدم منه آما لمحته في آخر الجلسة . فلم يعد يراني وال يسمعني، ه المناعةتكرار مشاهد االبتزاز أآسب، الدم ينسحب من وجه زوجي أحمد

***

أتصفح يوميات امرأة في األربعين من . ١٩٦٥يحمل تاريخ سنة ، أزيل التراب عن دفتر يومياتي األسود : أتوقف عند صفحات أخيرة وأقرأ. أتجاوز بدايات اليوميات إلى نهايتها. عمرها بعد سنة من موت زوجها

، تي انحبست فيها طوال زيجتي التي استطالت سبعة عشر عاما سعادة وتعاسةتأتي على أن أخرج من البئر ال . وأنا أتحرق إلى مطلق مستحيل، أو ما توهمت أنه السعادة والتعاسة

أصارع لكيال يغيب خبري ، وظللت ما يقارب السنة أبدأ الجملة وال أستطيع تكملتها، فقدت ذاتي بعد موت أحمدتأتي . يغيب عن ذاآرتي، بديال لمسمي من مسميات األشياء التي نتداولها يومياوأناضل لكي أجد ، عن مبتدئي

فاقد الشيء ال . من أجل نفسي، وأقول وأنا أنهيها. من أجل ابنتي، قلت وأنا أبدأ هذه اليوميات، على أن أآون . وال يملك أن يهب الحب الحقيقي سوى اإلنسان. يعطيه

، لية والحسية التي أهدرتها فيما سميته السعادة في السنوات السبع األولىتأتي على أن أستعيد قدراتي العق . وأحمد ينسلخ عني عاطفيا وال يعود بحاجة إلي، استطال بقية زيجتي، وتجنبا أللم فوق طاقة البشر

والتي ، وأحمد يملكني ، تأتي علي أن أستعيد الكلمات ألبني من جديد لغتي التي لم تكن بلغتي وأنا أملك أحمدأو ما ، أستخلص من أحمد ما آان لي ولم يعد، لم تكن بلغتي وأنا أمارس ال واعية عملية ابتزاز طالت سنين

. صارخة محتدة باآية مستجدية، توهمت أنه آان لي ولم يعد

، نظام قيم اإلنسان التي لم تكن بقيمي، آما يبني الطفل ألول مرة بيتا بالمكعبات، ي على أن أبني من جديدتأتوأسمي الفناء . أفني وجودي في وجود اآلخر، وأنا بال وعي، أفني وجود اآلخر في وجودي، بال وعي، وأنا

. توحدا ومطلقا وسعادة فوق سعادة هذه الدنيا

في أعمق ، أن أبذر بذوري في األرض، أن أولد من عدم وأن أآون، بعد موت أحمدوباختصار تأتي عليولن يعاودني االطمئنان حتى أستشعر جذوري عميقة خشنة في أحشاء . أعماق األرض حتى ال تدوسها األقدام

. األرض

Page 24: الشيخوخة لطيفة الزيات

إلنسان بال ليس من السهل أن يحاصر ا. ولم تكن تجربة المخاض على الورق بعد موت أحمد باألمر السهلولكنه أمر . ودرعا مزوقة لخداع الذات بعد درع، مزيال لطبقة جميلة من الوهم الزائف بعد طبقة، رحمة ذاته

ليس من السهل أن يتوصل اإلنسان لحقيقة أن ما سماه حبا آان . أساسي إن أراد اإلنسان أن يولد من عدم . وما سماه توحدا آان موتا، توما سماه عطاء آان فناء في اآلخر ووأدا للذا، ضياعا

تحرق . أجن في محاولة استعادة وهم لم يكن أبدا، تحرقي للمطلق جعلني أخلق سعادة موهومة وأعبدها (...). حولني إلى الال شيء وأنا ، للمطلق سلبني إنسانيتي

. تحرقي للمطلق آان في واقع األمر تحرقا للموت

: رأة في األربعين في نهاية يومياتي لكيال تنسيأستمر في قراءة مالحظات آتبتها ام

مالحظات نهائية تكتب لكيال تنسي

في االنزالق إلى حالة الال شيء والتخفف من عبء الوجود ، في أعماق آل منا ترقد رغبة آامنة في الموتوصل إلى مطلق وتتضح هذه الرغبة في السعي إلى الت. اإلنساني والمسؤولية اإلنسانية تجاه الذات واآلخرين

وال ينبغي أن تخيفنا هذه . وإلغاء المكان والزمان ال يتحقق إال في حالة الموت. ما يلغي المكان والزمان . فاإلنسان الذي يعيها قادر على تجاوزها، الرغبة

ونحن . بين الرجل والمرأة، أو ما نسميه حبا، تنخرط في إطار هذه الرغبة في الموت الكثير من صور الحب. وما من توحد يواتي ندين من بني اإلنسان. نسمي هذه الصور من الحب توحدا والمحبان يستحيالن واحدا

. أو وأد اآلخر لحساب الذات، التوحد يعني وأد الذات لحساب اآلخر

آنت . على تبادل المواقع، تنطوي آما اآتشفت من تطورات عالقتي بزوجي أحمد، الموت هذه/ عالقات الحب . الشيء والالشيء، الوائد والموءود، المالك والمملوك، (...)

. بدأت لعبة التوحد وأنا المعبود وانتهت وأنا العابد

محاولة : والوضعان وجهان لنفس العملة، الرغبة في امتالك اآلخر تستوي والرغبة في أن يمتلكنا اآلخر . لرفض الحياة المحكومة بالتغير ونسبية األشياء

يدا القتيل في آل الحاالت مخضبتان : ال يملك أحد أن يقتل أحدا. د آما توهمت فترة أنه فعللم يقتلني أحم، يطويها الموج منتشية بأمل التوحد مع المعبود، تنزلق إلى المياه مستسلمة، عروس النيل تقبل راضية: بدمه

. بأمل أن تصبح المعبود

وهي تساوي حاجته ألن يصل ما بينه وبين العالم األوسع ، حاجة اإلنسان إلى اإلنسان حاجة مشروعة وبناءةوهي حاجة ال يملك . وحاجته إلى أن يتزود بالدفء والقدرة على مواصلة الطريق األشق واألصعب، واألرحب

. ال عبدا لها، وهو يملك أن يشبعها طالما ظل صاحبها وسيدها. سوى اإلنسان أن يشبعها

إلى تثبيت ، إلى وقف الحرآة، تساوي الحاجة إلى تغييب الواقع الحيحاجة المالك والمملوك إلى اآلخروتلغي آل من يتجاوز حدود ، وهي حاجة تلغي ما عداها، إلى مزيد من اإلنغماس في حالة العدم، المتغير

. طرفي اللعبة

إذا أفلت أحد وينهد العالم وال يكون، تدور لعبة الموت الدامية، في بئر ضيقة ينتفي فيها العالم وال يكون . أو شاء أن يبدأ اللعبة مع طرف ثالث، طرفي اللعبة من البئر

Page 25: الشيخوخة لطيفة الزيات

وهي تساعدنا على التوصل إلى معنى ، العالقات اإلنسانية الحميمة تساعدنا على الخالص وال تشكل الخالصالفردي المعنى يكمن في عمل يصلنا بما هو خارج عن الدائرة الضيقة لوجودنا . وال تشكل المعني، الحياة . الضيق

***

أآتب هذا بسرعة ألسجل ما قاله هشام قبل أن تزول عني حالة االنفصام النفسي التي الزمتني وأنا أقرأ أعرف بخبرتي أن هذا االنفصام بين المرأة التي تتفرج وتلك . واستمرت طوال زيارة هشام، يومياتي القديمة

. التي تشعر لن يلبث أن يزول

، وأن الستار قد أسدل ولم يعد له دور يؤديه، الفرد بأن وجوده زائد على حاجة البشرالشيخوخة هي شعور وليست ، والشيخوخة بهذا المعنى حالة. وهي االفتقار إلى معنى الوجود ومسوغه الناتج عن هذا الشعور

األوان إلى وإن أدت ربما قبل، وهي حالة نفسية وليست بالضرورة حالة فيزيائية، مرحلة من مراحل العمر . عوارض فيزيائية

ال يشيخ اإلنسان إال إذا فقد قدراته العقلية . والشيخوخة بهذا المعنى مرض ال يصيب سوى اإلنسان المريضقد . قد يطعن اإلنسان في السن ويضطر إلى تغيير عدسات القراءة المرة بعد المرة. أو جانبا من هذه القدرات

ولكنه لن يستشعر أبدا برد الشيخوخة وال ، تناد إلى عكاز أو إلى ذراع بشريةال تحمله ساقاه ويضطر إلى االسيتبين منتشيا ، يقبل تحديا فكريا أو ماديا ويتجاوزه، يبدأ عمال وينهيه، اإلحساس بانعدام الوزن ما ظل يناطح

. على المعرفة وعلى التوصل للهدف، ومحتضنا للذات المزيد من القدرة على المناطحة

يغنيه بهذا الوهج المتواصل الذي ال يشتعل فجأة ، ال يشيخ اإلنسان طالما ظل عقله يضفي على وجوده المعني . الهادئ هدوء اليقين ، هذا الوهج األزرق زرقة غاز البوتاجاز النقي، الذي يدفئ وال يحرق، ويخمد

الممر الضيق

وانحنت بجذعها خارج النافذة لعلها تلمح . المدرسةوقفت األم في النافذة بعد الظهر تستعجل عودة ابنتها منال يلمح اإلنسان من هذه النافذة . وآأنها ال تتعلم من التجربة... ولم تلبث أن اعتدلت. سهام ومني من بعيد

فيبدو ، بيت رمادي قديم على مبعدة بيتين يسد الشارع بالعرض وال يترك سوى ممر ضيق... شيئا من بعيدسهام تلقي ، ولن تظهر سهام ومني في مرأي البصر إال بعد اجتياز الممر الضيق. سدودالطريق وآأنه م

ترآض لتلحق بخطوتها األوسع ، ومني تلهث خلف سهام، برأسها إلى الخلف وشفتاها مطبقتان في إصرار . ترآض تتشبث بذراع سهام وآأنما تخشي أن تفلت منها فتضيع، واألآثر عنادا

شيء ما جد على . خلف تمسح بظهر يدها حبات عرق تساقطت من جبينها إلى عينيهاوتراجعت األم إلى الالبنت تمشي وآأنما هي تتحفز للدفاع عن نفسها في . شيء يوجع القلب، مشية سهام في السنة األخيرة

... معرآة تتجاوزها مع آل خطوة في أعجوبة، معرآة تنتظرها في الخطوة التالية

يعكسها ، وآأن بالط الشارع يختزنها في الحفر، ولكن الحرارة ما زالت شديدةالشمس انحسرت بعض الشيءقطة تشارك أوالد أم . آالهبوب محملة بروائح التقلية والبول القديم والنفايات المتعفنة أآواما في األرآان

دد تمسح تتم، تتمطي في ظل بيت، تخرج القطة من آوم قمامة. فيما يبدو في عملية فرز النفايات، محمد . ظهرها بلسانها راضية ومستكينة

. صوت صفارة القطار يدوي من جديد يقطع سكون الظهيرة في الشارع والقطة تزحف على بطنها مذعورةيطلق صفارة البدء ويشهق . المجنون الذي يسكن سطح البيت المقابل خرج آالعادة يمتطي قطاره الموهوم

تتزايد سرعة القطار ببطء تدريجيا ثم ينتهي باالندفاعة . القطاروساقاه وذراعاه عجل ، ويزفر آما القطارال ممر ضيق في دنيا . هرب المجنون من الواقع إلى الوهم. وآأن السور هناك يوقف االندفاعة. المجنونة

يرتطم المجنون بالسور ويطلق صفارة . آل شيء ممكن في دنيا المجنون وال شيء. المجنون وال مستحيل . ودمه يسيل، يد لينتهي من حيث يبدأالبدء من جد

Page 26: الشيخوخة لطيفة الزيات

يقول ، وال حول وال قوة إال باهللا. دم المجنون يتراآم على السور يوما بعد يوم وال يكف عن أن ينطح السورومن . وهو يستمع إلى صفارة البدء" بوتيك"عم جمعة البقال الذي تحول في السنين األخيرة إلى صاحب

الذي استحال إلى صاحب آشك للسجائر المستوردة والحلويات ولعب ،مسجل الولد سيد صبي الميكانيكي ... يرتفع صوت سعاد حسني تغني أغنيتها الجديدة للمرة األلف ، األطفال والحبوب المخدرة واألعراض

لن يلبث الغريبان أن . الولد سيد القواد يسترق النظر إلى بيت مقابل وبصحبته اثنين من األغراب عن الحي عن األنظار عبر الممر الضيق بمجرد أن ينفتح باب من هذه األبواب التي آانت مستورة في يوم من يختفي ا

؟ أو بنت من؟ من عسي أن تكون المرأة هذه المرة. األيام ويسفر عن امرأة

تعرف أن التيار جارف وال شيء عاد يعز على ، تعرف هي أن طريق االستقامة أصبح الطريق الصعبعن ، ها المفاجأة آل مرة ويطعنها الخوف والباب يسفر عن هذه الجارة األليفة الوجه أو تلكوتوجع. التصديق

يا تجيب لي شيكوالته يا :" وسعاد حسني ترفض البطاطا وال تكف تردد، هذه الفتاة التي حملتها طفلة أو تلكال ، ا من الصبية والبناتوالذباب يغطي صدر أم محمد العاري وهي ترضع وليدها وبقية أطفاله، "بالش يا ولد

يحملون إلى عشة الجريد المسقوفة بالطين في األرض الخالء القمامة ، يزيد سن أآبرهم على ثماني سنواتودم المجنون ال يكف عن أن . وبقايا طعام قد يسد الرمق، الخرق والزجاج وعلب الصفيح، المفروزة أوال بأول . العاقلوالعجيب حقا أال يجن . يتراآم على السور

أخرت المواصالت عودتها اليوم ، واألرز لم ينضج بعد، في المطبخ تقشر األم الباذنجان الرومي لتقلي شرائحهحكاية ... وسهام. وسيرتفع عويل مني لحظة تكتشف أن طعام الغداء لم ينته بعد، من المدرسة إلى البيت

. بنت الحادية عشرة آبرت قبل األوان. سهام طويلة

تعلق ثوب العيد على جدار سرير أمها ، ام آانت هي قطة مغمضة ال تعرف من أمور الدنيا شيئافي سن سهلم تكن تعرف آخر خطوط . وتنام تحلم بلحظة ترتديه في الغد، النحاس وتدور فرحة تتأمل الثوب طول اليوم

لشارع والمدرسة على في ا، وال بقية األطفال، الموضة وال نوعية القصة والقماش الذي يتواءم مع الموضةيوم . آان فستان العيد جديدا وآان هذا يكفي ليجعله جميال في عينيها وفي عيون بقية األطفال. عرفوا، السواء

تتأمله ، مرضت في عيد من األعياد بقي ثوب العيد معلقا على جدار السرير التي تشارك أمها فيه ثالثة أيام، بالصداقات تنمو فجأة، ا باأللوان واألطفال والضحكات والصرخاتيحملها فرحة إلى الشارع صاخب، محمومة

، باأللعاب الوهمية يتقمص فيها آل طفل دورا يأخذه بمنتهى الجدية، باالنتماء، بالخصام ينداح وآأن لم يكنيره بلغته باصطالحاته بمعاي، بعالم الطفولة المسحور يستغلق على الكبار، سواء آان من العسكر أو الحرامية

. وقيمه التي تساوي بين الكل وال تميز طفال عن طفل

وغسلت أصبعها . وخدش حد السكين أصبع األم وأدرآت فجأة أن مواجهة ابنتها سهام أصبحت تخيفها أحياناوآلمها الجرح وهي تغمس شرائح الباذنجان في . وأآملت ما بدأت، وراقبت الماء يتلون باألحمر ثم يصفو

والغني والفقر واألسود واألبيض ، قررت أن الدنيا تغيرت ولم يعد فيها طفولة وال أطفالو، الماء والملح ... حتى في الحواري، يتالزمان حتى في مدارس األطفال

تضفيان على األسود ، وقدرة قادر تحيل األبيض أسود وقسوة المعيشة، سقط الفاصل بين عالم الكبار والصغار . ويشيخ بما يعرف، والكل يرى ويعرف. سطوةوال، وهج الذهب الوحشي الفتاك

ووضعت األم المقالة بالزيت على النار وحمدت اهللا ألن سهام ال تميل إلى االختالط وتعتذر عن الزيارات ، وتساءلت وهي تنتظر تحول الدخان المتصاعد من الزيت إلى اللون الرمادي الغامق. ودعوات أعياد الميالد

حين ال " مني"أم تكره الظهور أمام زميالتها في المدرسة بأثواب ترثها ، ط فعالإن آانت سهام تكره االختال ؟ يبقي في ثنية الذيل مزيد لالستطالة

تساءلت البنت عن ثمن السيارة الرولزرويس إن ، أمس األول سألتها سهام سؤاال ال يزال يصيبها بالذهولفطلبت إعادة السؤال ، ق أذنيها ألآثر من سببولم تصد. آان ثمن السيارة المرسيدس ثمانين ألف جنيه

! وأجابت هي في حدة متسائلة عن دخل سهام في آل هذا، وأعادته البنت

ولتفهم فيه ثانيا مغزي توجيه ، وهي تعرف اآلن أنها احتدت عامدة لتكسب وقتا لتفهم فيه فحوي السؤال أوال سيارة أغلى من المرسيدس وهو ما لم تكن تعرفه وخمنت أن الرولزرويس. البنت لمثل هذا السؤال الغريب

Page 27: الشيخوخة لطيفة الزيات

وتعجبت من حقيقة أن في الدنيا سيارة . وهي ال تستطيع أن تفرق بين السيارتين حتى اآلن، حتى لحظتهاوأن في مدرسة البنتين أهال قادرين على شراء مثل ، بثمانين ألف جنيه وهو االحتمال الذي تستبعده حتى اآلن

ألن سهام تبدي اهتماما بمجال خارج على آل سياق متصور أو معقول في إطار وفجعت. هذه السيارات . فطالبت البنت بالتزام حدودها وااللتفات إلى دروسها، ولم يزدها فهم فحوي السؤال إال حدة. أسرتها وبيئتها

ط لو تفوقت على طول الخ" نصر"ولو ، وتساءلت البنت إن آانت تستطيع أن تشتري حين تكبر سيارةوأربكها سؤال سهام واحتمت وهي تجيب بالمثل ؟ وادخرت آل قرش ممكن من مصروفها وعملها حين تتخرج

. ولم تصدق نفسها وهي تعيد آالببغاء المثل الذي صح قديما ولم يعد يصح. لكل مجتهد نصيب: الذي يقول . نحرف أو يصاب بالجنونحتى ال ي، وإن تأتي أن يتمسك اإلنسان بالمثل آما يتمسك الغريق بحبل النجاة

وطالعتها نظرة . حتى ال يصيبها رشاش الزيت المغلي، وتراجعت األم إلى الخلف والباذنجان يستقر في المقالةربما . تقول سهام، هذه التفصيلة قديمة لم يعد أحد يلبسها: سهام تتفحص مالبسها وهي في الطريق إلى العمل

وآأنها تلميذة من تلميذاتها وليست ، ول وهي تتفحصها بنظرة غريبةتق، لو قصر ذيل هذا الفستان يكون أفضلوأن ، آم هو مؤلم أن نري أحيانا بعيون الغرباء. آم هي موجعة هذه النظرة لسهام ذاتها ولها هي. بابنتها

. نتعري لحظتها ونصاب ويصابون باالغتراب. يرانا أحباؤنا بعيون الغرباء

سترصد سهام . الزيت المغلي وعاودها الشعور بالذنب وآأنما اقترفت جرماوقلبت األم شرائح الباذنجان فيوإن آانت في حالة نفسية جيدة ستسجل هذا ، غياب اللحوم على مائدة الغداء لليوم السادس على التوالي

: الغياب

؟ هل أآلت القطة اللحمة يا ماما

والمليء ، سخرية الخالي من المرارةوجو ال، وقد تجاري هي سهام في سخريتها أو تكتفي باالبتسامآل . السخرية ال تهم وال التهريج. يحمل األسرة راضية إلى نهاية الوجبة، باإلفضاءات الصغيرة المتبادلة

وهذا يجعل مهمتها ، لم تعد تعرف آيف تعامل البنت... شيء يهون أمام صمت سهام وامتناعها عن التعليق . آأم أصعب

وتساءلت األم آم مرة أوشكت أن ، وهو يستقر في طبق زجاجي به خل وثومالباذنجان المغلي" وطش"راتب األب الشهري من وظيفته األصلية واإلضافية إلى جانب ؟ تصارح سهام بحقيقة الوضع المالي لألسرة

يغطي بالكاد مصاريف مدرسة البنتين ، راتبها هي من العمل آمدرسة ودخلها من الدروس الخصوصيةآل ضروريات الحياة تستحيل بالتدريج . ورية ولقمة العيش في ظل االرتفاع الجنوني لألسعاروالكسوة الضر، وبعد اللحمة الفاآهة، أدرجت اللحمة من سنين في بند الكماليات عدا يوم أو يومين في األسبوع. إلى آماليات

على المائدة رغم أهمية لم تعد قادرة على تقديم طبق سلطة أخضر يوميا. ويأتي اآلن الدور على الخضار . ولوال أن إيجار الشقة قديم الستحالت حتى لقمة العيش. الفيتامينات للبنتين

آم مرة استفزها الوجه العارف الغاضب . آم مرة أرادت أن تشرك سهام آبالغة في تحمل المسؤولية وأشفقت ؟ وشرعت تكمل المعرفة لتذهب الغضب

، أن الوجه العارف وجه صغير، وهي تدرك من جديد آل مرة، تفاجئهاوطعنة ال تكف عن أن، آم مرة تراجعتيعمالن مما يزيد على ، ألبوين متعلمين تعليما عاليا، وجه طفلة أنضجها قبل األوان عوز لم يكن على بال أحد

وعمارة أصبح يمتلكها الولد سيد القواد ومحل، االثنتي عشرة سنة في وظائف حكومية في منتهى االحتراموسيارة بثمانين ألف جنيه يمتلكها موظف من المفروض أن يماثل دخله دخل آباء ، "بوتيك"بقالة تحول إلى

. التلميذات من الموظفين

. ولعل األيام تعلمها ما فيه الكفاية ويزيد، يكفي ما تعلمت قبل األوان. لن تكون هي والزمن حربا على سهام

***

Page 28: الشيخوخة لطيفة الزيات

والحي يقيظ بعد ، مهرولة متدحرجة آالكرة، ى غير العادة دون سهامعل، في مرمي البصر) منى(ظهرت وتوقفت مني تحت النافذة تشير بذراعيها إشارات مبهمة لم تفهم . والمجنون ما زال ينطح الصخر، القيلولة

. ووضعت حقيبة المدرسة على أرض الشارع وبدأت تقفز في الهواء قفزة أعلى من قفزة. منها أمها شيئا

التقطت سهام . ولم تصرخ، بالكاد) منى(ودراجة في الطريق يقودها صبي تتفادي ، األم تصرخ هلعاوآادت . مرغمة إلى البيت) منى(حقيبة الكتب من على األرض وسحبت

تسلك هذا السلوك الغريب وهي تتجه إلى ) منى(وتساءلت عما جعل ، وترآت األم باب الشقة مفتوحا للبنتينتهرول في الصالة ومالت تصب ) منى(وسمعت خطوات . خضار تبقت من طعام األسبوعالمطبخ تسخن حلة

. قليال من الماء على الخضار الذي تجمد في الثالجة

وربتت آتف . تطوق ساقيها من الخلف في اندفاعة مجنونة) منى(و، وآادت األم تنقلب فوق النار والحلةونأت األم . عينين تضويان بألف ضي وضي) منى(إليها ورفعت . لتفلت ساقيها واستدارت تواجهها) منى(

: عن النار وهي تسحبها إلى وسط المطبخ تسأل) بمني(بنفسها و

؟ فيه إيه يا حبيبتي؟ )منى( فيه إيه يا -

: في احتقار وهي تقف على باب المطبخ مربعة الذراعين) سهام(وأجابت

. حا تمثل في حفلة المدرسة. حاتتجنن يا ستي-

: في اعتداد جديد عليها) منى(افت وأض

. دور تاجر الحرير في رواية هارون الرشيد-

ورنين ضحكتها ، وأطلقت ضحكتها التي تشبه صياح الديكة وبدأت تدور حول نفسها دورة أوسع من دورة : وصرخت األم في هلع... والدائرة تتسع تكاد، يختلط بصفارة المجنون يقلع

. رالنا).. منى( النار يا -

ثم التقطت أذنها ، وقد أظلم وجهها، واستدارت، لحظة واجمة تواجه النار والباذنجان المقلي) منى(وتوقفت : واندفعت إلى الصالة تشهق وتزفر، صفارة القطار يطلقها المجنون وضحكت ضحكتها تشبه صياح الديكة

. قطارا عجالته ساقاها وذراعاها

وعاودها هذا الشعور باالرتباك ، اولها طبق الخبز لتضعه على المائدةوالتقت عينا األم بعيني سهام وهي تنوحين خرجت جاءت ، وتعثرت الكلمات على لسانها. الذي يعاودها آلما حاولت أن تصل إلى قلب ابنتها الكبرى

: نغمتها مزيجا بين النغمة التي نخاطب بها الصغار وتلك التي نخاطب بها الكبار

؟ الملكة... ك إيه في الرواية وإنت يا حبيبتي دور-

وقبل أن ترخي جفنيها رصدت األم النظرة ، وتوقفت يد سهام لحظة في منتصف الطريق إلى طبق الخبزأنا عرفت وضعي ؟ أم على نفسك، أتضحكين علي يا أمي: نظرة تقول، العارفة التي ومضت في عيني ابنتها

. في الحياة وما من وهم يا أمي ينسيني وضعي

واحمر وجه سهام وسحبت يدها ، ت األم يدا مرتجفة تحتضن اليد الطفلة التي استقرت على طبق الخبزومدوربما في ، وعند باب المطبخ قالت سهام ربما في اعتذار. بالطبق في حرآة عنيفة آادت تخل بتوازن الخبز : محاولة لإلفالت من لحظة تواصل شعورية مكثفة

. زة آآلعاي... أنا جعانة يا ماما-

Page 29: الشيخوخة لطيفة الزيات

: وقالت متخففة بدورها من اللحظة الشعورية المكثفة، والتقطت األم الخيط من ابنتها

. بس لهي مني شوية أحسن تفتح جعورتها. حاضر يا حبيبتي-

واستقالال أغاظ ، أظهرت في أثناء وجبة الغداء استغناء عن الكل. ولكن مني لم تعد بحاجة إلى من يلهيها، ولم يكن األب موجودا ليشهد التطور الجديد في العالقة بين البنتين. أن تتبعها مني آظلهاسهام التي تعودت

. خارج البيت وداخله، فهو دائما مهموم بأمور المعيشة، ولو آان موجودا لما رصد التطور

ى اآلخر ظلت تضرب الصحن بالشوآة والملعقة ويدها تنتقل من جانب من الصحن إل، لم تكد مني تمس الطعاموحاولت . وأذنها تنصت إلى اإليقاع المتصاعد من الصحن تصوبه آلما مال إلى النشاز، في روية ورشاقة

ثم لم تعد تسمع ، واحتجت مني مرة واحدة بأنها تعزف األآسلوفون، سهام أآثر من مرة إلزام مني بالهدوء . قلعاختلطت أنغامها بصفارة البدء يطلقها المجنون وهو ي. نواهي سهام

اتجهت إلى غرفة . ومع نهاية الوجبة حاولت سهام أن تعيد األوضاع إلى ما آانت عليه بينها وبين أختهاوتعمدت أن تحدث ضجة بمقعدها وهي ، دون أن تساعد آالعادة في جمع األطباق وغسلها، البنتين المشترآة

بل لم تلحظ ، ولم تغادر مني المائدة. اوأن تبطئ من خطوتها لتهب مني مهرولة تلحق بها آظله، تغادر المائدةورصدت مني انغالق ، وطرقت سهام باب الغرفة خلفها في عنف لتجذب انتباه مني. حتى أن سهام قد غادرتها . وصوبت النغمات تتصاعد من صحنها وهي تعزف األآسلوفون. الباب دونها بال اهتمام

***

ج صباحا من البيت مع سهام وتعود من المدرسة في استمرت تدريبات حفل المدرسة أسبوعين ومني تخرورفضت . قاطعت سهام الحفل على أساس أنه تمثيل في تمثيل وقلة عقل أطفال. الخامسة بعد الظهر وحدها

. انتظار انتهاء أختها من التدريبات لتعود بها، رغم إلحاح أمها الدائب، في إصرار

أآدت أنها لم تعد ، وفي آبرياء جديد عليها، تعرف الطريقإنها، وقد عادت وحدها ألول مرة، وقالت منيوبعد هذا الحديث الطويل سكتت مني وانزوت في . صغيرة وبينها وبين التاسعة ثالثة شهور عدا على أصابعها

وتنبأت سهام بقرب إصابة مني بالجنون آلما مرت بها متكورة في . محاولة دائبة ومتصلة لالنفراد بنفسهاولم يعد البيت يرتج بصيحات الديكة تطلقها مني وال بتعليقات سهام الساخرة تثير . النائي أو المظلمهذا الرآن . الضحكات

وفي ، وطوال األسبوع األول من تدريبات حفل المدرسة حاولت األم وفشلت في انتزاع مني من دائرة العزلةوآان أن انشغلت عن مالحظة . تدريباتإقناع سهام أن عزلة مني ليست جنونا بل مجرد إرهاق بدني من ال

ولكن سهام لم تنشغل عن . األعراض الغريبة التي بدأت تظهر على مني بتصحيح الكراسات وأعمال المنزلوإن امتنعت عن التعليق ، رصدت بدقة األعراض يوما بعد يوم. أختها التي خرجت من دائرة نفوذها تماما

أيام انشغلت األم بخياطة ثوب جديد لسهام اختارت قماشه بنفسها قبل حفل المدرسة ب. حتى استفحل األمروآانت األم تجلس في الصالة تلفق ذيل الثوب . وجاءت بباترون للموديل من إحدى زميالتها في المدرسة

الجديد وقد انتهت منه حين خرجت سهام من حجرة البنتين المشترآة على أطراف أصابعها وأشارت لها أن . تتبعها

وما بين اللحظة واللحظة ، حجرة البنتين وجدت األم مني تجلس على سريرها تحد النظر إلى ال شيءوفي : وقالت سهام. تضيق حدقتا عينيها وتتألقان ببريق وهاج وآأنما ترى رؤية بارعة الجمال

. قلت لك حاتتجنن، حاتتجنن-

حبات من العرق تجمعت على جبينها ومسحت، وأفاقت مني وآأنما من حلم وتطلعت إلى سهام ثم إلى أمهاوأريكة تدلت ، وطافت نظرتها بالحجرة وتوقفت عند البالط العاري. وهي تتعرف عليهما وأطرقت لحظة

. وبدت نظرتها آنظرة فأر وقع في المصيدة. وشق في الحائط المقابل يتعمق يوما بعد يوم، أحشاؤها

Page 30: الشيخوخة لطيفة الزيات

واستلقت على سريرها متظاهرة بالرغبة في ، من الحجرةوأشاحت مني بيدها تطلب إلى أمها وأختها الخروج . النوم

ونسيت تماما أين وضعت . تبحث عن ميزان الحرارة، وخرجت األم وهي على ثقة بأن ابنتها محمومةتؤآد أن مني ال تأآل على اإلطالق وهي تقلب رفوف الصوان رفا ، وسهام تحول بينها وبين الترآيز، الميزان

وما من وقت على اإلطالق في الدوامة التي ، آم مرة انتوت أن تعيد ترتيب أشيائها. ن الميزانبعد رف بحثا ع : وسهام تعود منتصرة، يعيشها اإلنسان في هذه األيام إلعادة ترتيب األشياء والتقاط األنفاس

. حتى السندويشات نسيت تديها للعيال زي ما بتعمل آل يوم.. بصي-

تقضي الليل مفتوحة العينين مستلقية ، وسهام تؤآد أن مني ال تنام، يزان الحرارةوهي محمومة تبحث عن موتعتدل األم وقد وجدت . ما تكاد تلمح النور حتى تغلق عينيها متظاهرة بالنوم، ولكنها لئيمة، على ظهرها

: تقول في لوم لسهام. ميزان الحرارة أخيرا

. مني عيانة يا سهام-

: ومني تحتج قائلة، ٧٣والميزان ال يصل حتى درجة ، ارة في فم مني وتعود تدسهواألم تدس ميزان الحر

متشبثة بفكرة وجود خلل ما جسدي يبرر السلوك ، تتحسس جسدها جزءا بعد جزء، تقلبها، واألم تعري مني . ينفيها، ينئيها، يرفضها، يذآرها بعبث محاولتها، وجسد مني يتصلب تحت يدي األم، الغريب

. األم النور مخذولة ومني تسدل الغطاء على جسدها حتى قمة رأسهاوأطفأت

***

تبادل ، والستار مفتوح. وانفتح الستار ليحيي جمهور األهالي أوالدهم وانسدل، أضيئت األنوار في الصالةج والقاعة ترت، البسمات والتحيات، واألهالي في الصالة والبناوير واأللواج، األطفال على خشبة المسرح

بعد أن تعب األهالي من التصفيق ، بكلمة برافو تتردد ما بين الحين والحين على نغمة التصفيق المتقطع . الممتد

. وقفت مني على خشبة المسرح موجودة وغائبة، وحاولت هي أن تسترعي نظر مني المرة بعد المرة وفشلت طوال العرض بدت مني سعيدة مندمجة .بمدى ما بدت سعيدة طوال المسرحية بمدى ما بدت تعيسة وقد انتهت

تتكلم ، وهي تتحرك واثقة الخطي، وفي هذا العالم الوهمي الجميل التي بدت جزءا ال يتجزأ منه، في دورهاخلصت مني لعالم الغناء والرقص والطرب واأللوان الحريرية . وبانطالقة ال حدود لها، بطالقة غريبة عليها

ولم ، لم تخرج عن عالمها الوهمي ولو للحظة. وخلص لها، لتيجان الذهبيةالساخنة والمجوهرات الماسية واففيم ، وآان أن أجادت دورها آما لم يجده أي من األوالد والبنات المشترآين في المسرحية. تشعر بشيء عداه

م وفيم نظرة الفأر وقد وقع في المصيدة وهي تقف بين أطفال يتألقون وه؟ االآتتاب وقد انتهت المسرحية ؟ يتلقون التحية

ولو لم تسمح لسهام بالعودة إلى البيت مع الجارة . وطال انتظار األم لمني في ردهة المسرح الخارجيةومع انتظام النمط . وراقبت األم األهالي ينفضون بأوالدهم فوجا بعد فوج. وأوالدها ألرسلتها الستعجال منى

ومن ، ومن يملك سيارة يقودها األب أو األخ األآبر، رةاستطاعت أن تفرق بين من ال يملك من األهالي سيا . يملك سيارة يقودها سائق يلبس زي سائقي السيارات المالآي آما في تمثيليات التليفزيون

يختفون في الظلمة حتى قبل أن تنتهي درجة السلم األمامي ، األهالي المشاة ينعرجون بمحاذاة حائط المسرح، يبرز الواحد منهم مفاتيح السيارة دون حاجة، لسيارات التي يقودها األب أو األخواألهالي أصحاب ا، األخيرة

تداهمه مثلما ، وتتوقف تسد باب المسرح، ربما ألن منظر السيارات الفارهة تمرق المعة، وفي افتعال ملحوظرسمي يفتح أبواب والسائق بزيه ال، وأصحابها يتلكأون أمام سياراتهم الفاخرة يتبادلون الحديث، ...تداهمها

إما بأثواب السهرة المطرزة بالترتر ، وتدلف النساء يجررن ذيولهن إلى السيارة أوال، السيارة بابا بعد باب

Page 31: الشيخوخة لطيفة الزيات

وأي آمية من اللولي الحر تعقد الغطاء على الرأس ؟ ولكن أي حجاب يا إله السموات. أو محجبات، والخرز ! ؟وتلتف على العنق اللين المرتاح آالسوار، آالتاج

وابتسمتا ابتسامة آسرت الشعور بالغربة في هذا الجو ، والتقت عين األم بعين أم أخرى تنتظر ابنتها أو ابنها" التايير"وآل تلبس هذا ، وربما آمدرسة، تعرفت آل منهما على األخرى آموظفة. المعادي والمستفز

" بلوزة"لى مر األيام بوشاح جديد أو ويتغير ع، يعيش على مر األيام، الكالسيكي الصارم المعد للمناسبات . وداهم األم القلق وزميلتها الموظفة تودعها ملوحة وتغيب في الظلمة. جديدة وربما بوردة صناعية

المكان اآلن شبه خال وأنوار المسرح تنطفئ بالتدريج وهي . الفوج األخير من األهالي ينصرف ومني ال تخرجوولجت األم صالة المسرح ولمحت بابا جانبيا . ذا التأخير الطويلال تعرف فيم تأخير مني في الخروج ه

وهي تنادي ، وارتقت درجات السلم التي تؤدي إليه وسارت في ممر طويل يتسلل إليه نور من عتبة باب مغلقودفعت الباب ودخلت ووجدت نفسها في حجرة معتمة الضوء مستطيلة آالممر تتراآم . مني وما من جواب

وفي نهاية الحجرة . وعاودت النداء دون جدوي. خلعها األطفال في عجل، ي مالبس التمثيلفيها في فوض : وجدت مني بمالبس التمثيل مكومة في رآن من األرآان وهزتها

. مش حنروح بقي يا حبيبتي... جرى إيه يا منى-

ع عنها ثياب وخفضت مني رأسها وضغطت بأسنانها على شفتيها واستسلمت بوجه مظلم ألمها وهي تخلوعند باب حجرة المالبس . وتبعت أمها مستكينة. وشاءت مني أن تستقل بارتداء مالبسها الخاصة. التمثيل

وعلب ، توقفت مني تلقي نظرة أخيرة على المكان ورائحة آريهة تنبعث من مالبس حريرية عطنة وبقايا طعاموزهور ، رق ملقاة على األرض في إهمالتيجان ذهبية وفضية من و. مياه غازية وزجاجات تسيل بقاياها

تلتف ، وقالدة هارون الرشيد الذهبية سلسلة من الصفيح، صناعية داستها األقدام في الطريق إلى الخروج . وأقفلت الباب في بطء خلفها، واستدار فم مني وآأنها توشك على البكاء. حول عنق فانوس ورق بال نور

***

وانتزعت يدها من يد أمها بمجرد أن . تاز الممر الضيق في طريق العودةسالت دموع مني بال صوت وهي تج، وقطعت مني المسافة من الممر إلى البيت تجري. لمحت األطفال يجتمعون آعادتهم آل ليلة لمطاردة المجنونوارتفع عويل مني في بير السلم واألطفال . تحتمي من الحصى يندفع من األرض ويتساقط من السماء

، يشيعهم المجنون باللعنات، يتفرقون

. ال البطاطا، ثمنها الشيكوالته، األلف تعقد صفقة

***

. وتوقفت لحظة ترقب الدموع في عيني أختها الصغرى ثم تراجعت تفسح الطريق، فتحت سهام باب الشقةل تربت آتفيها وتقب، وطوقتها األم من الخلف. ووقفت مني في وسط الصالة تمسح دموعها بظهر آفها

وسارت إلى غرفة البنتين المشترآة ، وتجاهلت يد سهام الممدودة إليها، وأفلتت مني من ضمة األم. شعرها . ملقاة الرأس إلى الخلف مطبقة الشفتين، بخطى ثقيلة

. وأصابها الدوار وهي تشعر بسرعة إيقاع الحياة. وأدرآت األم أن مني قد آبرت بدورها

. غ التاسعة من عمرهاآبرت بعد العاشرة ومني ولم تبل

وتذآرت أن أباها بكي يوم أدرآت سن البلوغ وهي في .. وطفرت الدموع إلى عيني األم وهي تعتدل واقفةعلى آل ، بكي أبوها خوفا عليها في أيام آانت االستقامة فيها هي القاعدة ال االستثناء. الثانية عشرة . وترحمت على أيام زمان. واستشعرت فداحة مسؤوليتها الجديدة آأم. المستويات

Page 32: الشيخوخة لطيفة الزيات

. أن يعين البنتين على اجتياز الممر الضيق بسالم ، وهي تخلع عنها ثوب المناسبات، وتمنت األم على اهللا

الرسالة

أخيرا وجدت . أن أآتب الرسالة، يتأتي علي اآلن أن أتخذ الخطوة األولى، في جوف الليل أقفز من سريريحكاياتك ، الساعات القليلة التي جمعتنا. تحولت إلى أسطورة، رجال بالنسبة إليلم تعد ، الحل ألني فهمت السر

مواجهة الرجل ال ، وال خالص من الجنون الذي أعيشه دون المواجهة. في آمال األسطورة جمدتك، وخيالي . الواقع وحده هو الذي يملك أن يبدد األسطورة. األسطورة

غريب ، أن أآتب رسالة لغريب ال أآاد بعد شهر أذآر مالمحه، ولىليس من السهل علي أن أخطو الخطوة األما حدث في رحلة القطار يخل بكل عقل . آما أوقن اآلن، يقف على طرف النقيض مني وآتفه لصق آتفي

شيء ما لم يحدث لي من قبل وربما لن . في منتهى الطبيعية بدا ونحن نضحك. شيء غير طبيعي. ومنطقما أندر الرجل الذي يعرف . آما أتنفس حدث ونحن نضحك معا، هذه الطبيعية واالآتماليحدث لي من بعد بمثل

ال أتصور أن شيئا ما يمكن أن يحدث بيننا وال أستغرب والشيء ، جنبك جلست الهية أضحك! آيف يضحكعرف فيك لم أ. وآأني على موعد معه من ألف عام، أتفتح له لحظة العتمة وآأن من الغريب أال يحدث، يحدث

. الهارب األبدي لحظتها

هذا هو . وشيء آخر أن يتمدد آالسرطان طيلة شهر في آياني، ولكن أن يحدث ما حدث في ساعات شيءرجال من لحم ، يتأتي علي أن أراك مرة ثانية وجها لوجه. الجنون المطبق الذي أعرف اآلن آيف أتجاوزه

أنا أحيا الواقع ال ؟ ما حاجة امرأة من طرازي إلى أسطورة.وال بد وأن تتبدد. لكي تتبدد األسطورة، ودم . األساطير قدرك أنت ال قدري. األسطورة

طبيعتي وطبيعتك . وأنا ال أملك االختيار، مشكالت آثيرة ال بد وأن تحسم إذا تأتي للرسالة أن تكتب وأن ترسلهل أنت على : صيغة الخطاب مثال. هومإن آان يمكن أن تسمي عالقة بالمعنى المف، وطبيعة العالقة بيننا

. آما ينبغي على الورق أن تكون، أم أنت عزيزي األستاذ. ورق ستتداوله أنت وربما اآلخرون، الورق عزيزيمن الفجر مطعم ، من الليل مثخن بالجراح: أهو العقل أم الخوف من الرفض. آما يستوجب العقل أن تكون

من الغروب وعودة الكليل مرهقا ، أآثر مما تعلو عادة والكلمة والضحكةمن الصبح والقامة تعلو ، بالمرارةمن همهمات ال ، من نظرات تحيي وتميت: أهو العقل أو الخوف من اآلخرين؟ من الوقفة على خشبة المسرح

شهر الجنون بدأ يتمخض ! ماشاء اهللا. [ هو الخوف قطعا؟ من أصابع مصوبة باتهامات ال تبين، تتشكلوإلى أي نهاية يمكن أن يقودني هذا التفكير . آومي يديك، استعدي لتلقي المولود الجديد. ي الشوكفاحتضنن ] ؟ المجنون

: عزيزي! ؟أي مفارقة حقيرة هذه، الصدق مع النفس وواقع األمر يحول بيني وبين مخاطبتك بصيغة األستاذبل شخصيتك أنت ، الذي يحسم الترددوليس الصدق مع النفس وال واقع األمر هو. أآتب أخيرا على الورق

. وحاجتي الملحة إلى وأدك

ما أآثر ، اختيار النغمة مثال ليس باألمر السهل. على أن أآون في منتهى الحرص لكي تستجيب لدعوة اللقاءوآيف أتوصل إلى إيجاد تعادل دقيق بين هذا الكثير ! ما يتوقف عليه اختيار نغمة الرسالة وما أعقد ما يتطلب

وصورتك آما حرصت على توآيدها في حكاياتك ، صورتي في نظري وفي نظر الناس! ؟من النقائضما أفدح الرصيد حين . وست ساعات مستحيلة في جمالها واآتمالها، حكاياتك هي آل رصيدي منك. المشوقة

زحمة رفاق لم أعرف فيك الهارب األبدي وقبضتك تفسح لي الطريق في . يستحيل إلى أسطورة! يكون خاطفا . وقبضتك تقرع مسند المقعد الحديدي ضيقا بالفاصل قبل أن يتحطم بيننا الفاصل، الرحلة

عرفت ال من الست ساعات التي قضيناها معا في قطار يجري من أعلى الوادي ، من تأمل حكاياتك طيلة شهرنا ذي أسارع أجيب وغصة في وها أ، أني عشت اللحظة معك، ها أنت ذا تسألني لتتأآد مما تعرف. إلى أسفله

أجيب صادقة مع المرأة التي بعثت من لحم ودم في لحظة . فالنهار على وشك أن يبدد لحظة العتمة، حلقي ؟ آيف تأتي لها أن تفلت من إطار االحترام. العتمة

Page 33: الشيخوخة لطيفة الزيات

أم ؟ بديدهاوهل أنا بسبيلي إلى اجترار األسطورة أم ت؟ ألن يكتب لهذه الرسالة االآتمال؟ ما هذا الذي أفعله ! ؟لعلى أنا األخرى ال أملك أن أعيش بال أسطورة

وال بد وأن . ال بد وأن أدخل في الموضوع مباشرة إذا آتب لهذه الرسالة أن تكتمل، ال داعي للف والدورانلن أدع أسطورة تحولني إلى عينين ال . توازني النفسي ونمط حياتي، عملي: تكتمل وأشياء آثيرة في الميزان

ألدع لك أنت . إلى يدين تحالن بالنهار ما تنسجانه ليال، إلى ذراعين تعانقان الوهم، ترصدان الالشيء، نتغفال . وألستعد أنا حاستي العملية، األساطير

لم . لم أبدأ الخطوة األولى أبدا. لم أستجد رجال من قبل لقاء. وأتوقف من جديد. أريد أن أراك، أضيف، عزيزيفي منتهى . قبل أن أساوم. قبل أن أتأآد من مشاعر اآلخر، لم أمنح قبل أن أتلقي، خر قطتستبق يدي يد اآل

وماذا لو لم ، أآتب. أريد أن أراك، عزيزي. في منتهى الخوف من الرفض، وفي منتهى االحترام، الكبرياء أنا . ة في عيون الناسلم أآن أعلم أني صورة محنط؟ وماذا لو تصور الناس أني ألهث خلفك مرفوضة! ؟ترد أنت

... ] شهر الجنون تمخض فاحتضنني الشوك

؟ أيها صورتك. والصورة تناقض الصورة، وعن أآثر من صورة، عن األرنب المذعور تتفتح أآمام حكاياتكالقيود . األرنب المذعور يتحرق إلى الدفء ويخاف الشباك. أنت اآلن أرنب مذعور يجري وال يكف عن الجري

لو تكوم في جوف البئر ، يود األرنب لو تالشي. الخسة والرتابة والقهر والغثيان، ك والجراحتنتظره في الشباالحصاة مدفونة في عمق ، وأنت البحر األزلي والموجة ال تتجدد على نفس الصورة أبدا. هربا من الشباكآل شيء ممكن في . ويمغيوم الدخان تلتف حول عمامته البيضاء والتها، أنت اآلن ساحر جبار. البحر والزبد

. الجو المعبأ بالدخان والتهاويم

صراع سمك ، العملة القديمة الممسوحة تستحيل إلى تعويذة وعن ألف مستحيل ومستحيل أن تتفتح التعويذةآلهة اإلغريق مهترئو . وأطفال بعيون خضر وزرق وعسلية، القرش الوحشي يلد ضحكة ال تنتهي بغصة

تكون وفقا ، األشياء هنا تبدأ وفقا لمشيئة الساحر المارد وتختفي. رة في الحارةصبية يلعبون الك، األقدامفي ... الميت من القبر يبعث حيا والحي ال يكون. اللحظة الماضية من عدم تولد، لعصاه السحرية وال تكون

ي الواقع وتفرض غيوم التهاويم والدخان تلتف حول عمامة المارد الجبار تلغ. في الجمال يموت، الكون يتوحد . المستحيل

، وأنت اآلن القط السيامي الوديع في الحجر تقبع، تصيح أمي متدثرة من خلف زجاج النافذة، ال فائدة، ال فائدةوأنت اآلن تنتقم لعالم ... ال فائدة ال فائدة. على الصدر ترتخي عيناك الزرقاوان تضويان بألف نداء ونداء

انتظارك يطول . تقف شامخا بوحدتك ومتعذبا، اردة التي ال تتسع لقدم إنسانعلى القمة الب. مشوه من اآللهة ... وأمي تصيح متدثرة، وسيفك بيدك للحظة تنتقم لعالم مشوه من اآللهة

] ؟ وما دخل أمي في آل هذا؟ أما لهذا الجنون من آخر

مبعثرة تكاد تنتظم وال أريد لها أن األفكار تالحقني . ال أستطيع أن أآمل الرسالة وربما ال أرغب في أن تكتمل، صورة أمي مثال خلف زجاج النافذة متدثرة تحول بيني وبين الترآيز؟ ال أدري لم، انتظامها يهددني. تنتظم

ال أملك ، ولكن يتأتي علي أن أحاول أيا آانت الصعوبة، بيني وبين اختيار الكلمات الكفيلة بتبديد أسطورتي . التراجع ممكنالم يعد . التراجع اآلن

إن شيئا ما ، أضيف حتى تطمئن أني ال أنسج لك شباك الحنان، لن يتكرر، أريد أن أراك نصف ساعة. عزيزيليس وأنت من أنت وأنا من . ليس هذا ما أريد. اطمئن! وآأن شيئا يمكن أن يحدث للهارب األبدي. لن يحدث

قضيت العمر ألملم لحظاتي في ... لم ألق بلحظة إلى البحر أبدا. أنا لم أبتر لحظاتي اللحظة عن اللحظة أبدا. أناوأنا أجري في حديقة بيتنا القديم أجمع ، أعقد الخيط آلما انقطع وأمي متدثرة تقول ال فائدة. خيط طويل

على ، على ساقي، على ذراعي، ماس على شعري، البرد شاهق البياض. فصوص البرد على طبق من صاج ... بقيالماس ملء ط. يدي

يحدوني رنين ، أقول لنفسي والريح من يومها تحملني، ال فائدة، فصوص البرد ال تلبث أن تذوب، ال فائدة . ضيعت العمر بحثا عن فصوص ال تذوب. فضي في طبقي

Page 34: الشيخوخة لطيفة الزيات

! ؟آيف قاومت الرغبة وأنا صبية. على الحافة الضيقة التي ال تتسع لقدم إنسان أردت دائما أن أقف متحديةأحتضن عمود السور وأنا أنتصب . ر الثالث أمام فصلي أعتلي حافة السور التي ال تتسع لقدم إنسانفي الدو ؟ أآنت أمتشق السيف الخشبي أنا األخرى؟ آيف آبحت الرغبة في إطالق ذراعي في الهواء ألطير. واقفة

شامخة ، آالطود أقف، نسانعلى القمة التي ال تتسع لقدم إ. لم أتصور نفسي أبدا أهوي على األرض وأنا أفعل . رأسي يطاول السماء ويداي تشقان الفضاء، بوحدتي ومتعذبة

أبي يحول بيني وبين الفصوص ال . وعلى قمة ال تتسع لقدم إنسان، في أخدودي أبحث عن فصوص ال تذوبد حديدية وقيو، وخبطة في جوف الليل على الباب، والمالآان يثقالن آتفي اليمنى واليسرى، تذوب وعزرائيل . وحساب المالآين، وسين وجيم، تغل اليد واللسان

ال أحد عداي ينزلق في يسر . ال أحد في البيت القديم عداي عرف متعة التكوم في حلكة بئر جف منها الماءوال شيء على ، قالت أمي وأنا صغيرة، مليء بالثعابين، على السلم المؤدي إلى جوف األرض األسمنتي

وال تعود بك حاجة ، الزمان ينتفي في عتمة البئر والمكان. الال شيء في البئر والكمال. راإلطالق في البئأصوات المعذبين في األرض ال . الفصوص هنا ال تذوب وال أحد يملك أن يؤذيك، لنسج األساطير لتعيش

. ودمهم ال يخضب يديك، تتناهى إليك هنا

لعله الشيء الوحيد الذي تبقي لي من الصبية محلولة . حملت بئري معي بعد أن هدوا البيت الريفي القديملم أتشبث باألخدود ؟ ألدفن نفسي فيه؟ لم أحفر أخدودي المرة بعد المرة: وإال خبرني، الشعر متوهجة الخدين

وقد علمت أن األخدود ، ولكني ال أآف، صحيح أني لم أآن أعلم؟ يقنع بالحفر... في عالم ال يتسع إال للحفر . يعلم الهارب من الحياة وينسج األساطير. يعلم الرافض للحياة وال يتعلم. البئريفضي إلى

ربما لو لم . ال تملك سوى أن تقبع في أخدودها المستحيل، ربما ألن عاطفتي أعمق من أن تتبدد في الحفرة أن ولتعلمت في موسم الهجر، ألدرآت في الخريف حتمية حلول الشتاء، أنسج أسطورتي على شكل قوقعة

. ربيع الحب دائم في قوقعتي وفي البئر. أطير

ربما ال تتبدل أسطورتي آل يوم شأن ، ال داعي للقلق. حيا أمامي، يا شبيهي، أتمدد في سريري أبعثكوإن لم أجد من . وقد تكون أنت غدا وقد يكون غيرك. الزمن في صفي وخيالي. ولكنها حتما تتبدل، أسطورتك

. صنعهأنسج حوله أسطورتي أ

. وأسطورة تسلمه إلى أسطورة حتى يطبق عينيه على الربيع الدائم ، يتحتم على الرافض للحياة أن يعيش

]١٩٧٢كتبت سنة[

على ضوء الشموع

وقفت خلف باب الشقة التي تقيم فيها تستعجل الرحيل ورغبة قديمة تلح عليها في اإلفالت من الشقة العالية . نفوذ زوجها الذي يرقد في السرير إلى ساعة متأخرة من النهار آعادتهومن دائرة ، تطل على النيل

وفي انتظار مرور المضيفة صاحبة البيت الريفي في قرية سنور وزوجها الكاتب المسرحي ليصحباها إلى . وقفت تستعجل الرحيل، محطة األتوبيس المتجه إلى بني سويف

على مدى ؟ ربما ماذا... فلربما، رة مشروع روايتها الثانيةوفي اللحظة األخيرة دست في حقيبة السفر الصغيتعليقات . سنتين وهي تهدم في يسار الدفتر الرملي اللون ما تبنيه في اليمين وخطوط المشروع ال تكتمل

، ١٩٦٢ إلى ١٩٦٠تتغلى في اليسار بتواريخ متالحقة تمتد من سنة ، حيا لم يزل، اإلنسان السياسي فيهاترفض الخروج على الناس برسالة يأس ، وير تجربة فشل فردية آتجربة اإلنسان الكليةترفض محاولة تص

. من الحياة

Page 35: الشيخوخة لطيفة الزيات

تساءلت في مرارة وهي ما تزال تقف ؟ سنتين أم عشرا؟ فهل يعقل أن تنفرج في يومين أزمة استطالت سنتين أن تخلص بكليتها وانتوت. وغيبت السؤال آعادتها أخيرا حين تطرق أرضا محرمة. خلف الباب المغلق

. لتجربة المعيشة في قرية وهي تجربة جديدة عليها

***

، وقد انضمت إلى المجموعة صديقة ناقدة أدبية وشقيقتها الطبيبة، استقلت األتوبيس المتجه إلى بني سويفوشعرت بنوع من االنتماء والمجموعة التي تسافر معها أقرب إليها من . وزوجها أستاذ علم النفس

مع هذه المجموعة . أآثر أصالة وأقل ادعاء وأصدق، موعات التي تتحرك في إطارها خلف زوجهاالمجوهو ال يتوقي في آل لحظة الضربة ، يستطيع اإلنسان أن يسقط أقنعته وأن يتخفف من دروعه ويرتخي قليال

ي تتناول العشاء على وال الت" الليل والنهار"ليست بالمجموعة التي تسهر في آافتريا سميراميس . المقبلةوال تلك التي تزين الليالي االفتتاحية في المسارح ومعارض التصوير ، ضوء الشموع في المطاعم األنيقة

. والندوات العامة

تبقي . حتى في السياسة وإن لم تتماثل، تلتقي هي والمجموعة التي تسافر معها في الكثير من االهتماماتولكن األمر أصبح ، الحمراء يقول الكثيرون. وداء في سرب البط األبيضبحكم ماضيها السياسي البطة الس

. يختلط حتى عليها

***

يتوغل األتوبيس في طريق الصعيد الزراعي تميزه أشجار النخيل على الجانبين عن معظم الطرق الزراعية في وجهاز الراديو في األتوبيس يذيع تتكاثف أشجار النخيل آالغابات وتبدو التالل الصحراوية في األفق . دلتا النيل

إيقاع األغنية الرتيب يتكرر على نفس الوتيرة ". مين قال إن الحب زي العسل والحب أحلي من العسل"أغنية ، مترجما من الروسية إلى العربية، جاجارين، تجثم على الوادي األخضر، الخانقة والتالل الرملية تتقارب

يصل األتوبيس إلى بني سويف وعبد الحليم . والتالل تخنق الوادي، لفضاءيتحدث عن أول رحلة لإلنسان إلى ا ". عشانك يا قمر أطلع لك القمر"حافظ يغني

تتوقف . تحمل المجموعة سيارة أجرة إلى أقرب بقعة من قرية سنور التي تقع على حدود الصحراء الشرقية . السيارة وقد عبرت الوادي ولم يعد التقدم ممكنا

لم يتبق سوى . وتجلس على شط النيل في انتظار وصول المعدية، والمجموعة في تالل الرملتغوص هيندر استخدامه في السنين العشر التي تلت تطبيق قانون ، عبور النيل للوصول أخيرا إلى بيت ريفي قديم

. اإلصالح الزراعي

***

النيل يلتف في نصف دائرة يحجب . نيلفي انتظار المعدية افترشت رمال الشاطئ ترقب الضفة الشرقية للعند هذا الشط من الرمال الصفراء الدقيقة الناعمة تلتمع آحقل ، الوجود يبدأ هنا وينتهي. الرؤية من الجانبين

عند هذا السوار األخضر الفيروزي من النخيل السامق يطوق الكهرمان ، من الكهرمان تحت أشعة الشمس . والفيروز في سكينة أبدية

وفي األفق لمحت التالل الرملية تطوق النيل والشط . لو بدأ الوجود هنا وانتهى والسكينة أبديةوودتوقلبت صفحات دفترها الرملي بحثا عن فقرة في مشروع روايتها تصف االختيارات . وتطوقها، والنخيل

: وما من اختيار، المفتوحة أمام بطلتها

إما أن تستسلم وتعيش بقية حياتها بطعم ، ت بال أمل في البرءوقد تلف، طريق من الطريقين مفتوح أمامها" ". وإما أن تتقبل الحقيقة في شجاعة، المرارة في فمها

Page 36: الشيخوخة لطيفة الزيات

" شجاعة"وما بين الموت والموت موت والحقيقة المطلوب تقبلها في ، وإنما طريق واحد، وما من طريقين . وانتفضت واقفة تلملم أشياءها وقد وصلت المعدية. موت

***

وبفالحين يعملون في ، ازدحمت المعدية بفالحين يعودون بمالبس األعياد بعد رحلة ال مفر منها إلى المدينةوساد . وبمجموعة المثقفين القاهريين وبحمارين وماعزة، المدينة جاءوا بعد غيبة في زيارة قصيرة لألهل

يسألون عن األهل ويحملون األشواق ، والفالحون يتبادلون التحيات بعد غيبة، المعدية جو احتفائي ودود . لألحباب توزعوا في شطري النيل بحثا عن الرزق

وبين ، وجلست هي تستمع إلى الحديث يدور بين ريس المعدية يربط القرية المعزولة بالعالم الخارجي، يامةويحكي الريس عن النبوءة التي روجت لها صحف القاهرة منذ أسبوع عن قرب حلول يوم الق. الفالحين

: وتضحك فالحة عائدة بماعزتها من المستشفى البيطري وتقول، وينهق الحمار األبيض نهيقا مستطيال

. عشان ما يجيش حدانا، والنبي ياريس لما الموت يجي ما تعديه-

ما دام في الدنيا بشر يكافحون من ، تبقي مشكالت البقاء حقيقة الحقائق التي تتضاءل إلى جانبها آل حقيقةسارتر يؤرقها وال عبثية " وال غثيان"، الوجود والعدم ال يؤرق الفالحة آما يؤرق آير آجارد. أجل البقاء

آما ، أو حقيقة الحقائق، الفالحة تتعامل ببساطة وبخفة مذهلة مع الموت. ليست الفالحة من المرفهين. آاميه وتتجاوز هذا اإلقرار فيما تتجاوز وهي تقر بوجود، تحيل الموت إنسانا تعايشه وتعانده. يسميه آاتب مصري . تكافح من أجل البقاء

تتبادل هي ومجموعتها نظرات التساؤل . يستوي سطحها وسطح الماء، تشتد الريح وتميل المعدية إلى جانبوالفالحون والريس يواصلون الحديث في جو ، مصنوعة في وجه غرق محتمل في النيل، وبسمات التجلد

وآأن الفاصل بين الحياة والموت قد انتفي وتصالحت ، ح الماء يستوي وسطح المعديةاحتفائي ودود وسط . األضداد في لحظة احتفائية ودود

تتطلع لرجال يتقدمون نحو ". السجادة"تصل المعدية إلى الشاطئ وتغمرها فرحة الحياة والريس يطلب وفي لحظة . تتعرف على نعش لطفل صغير" السجادة"وبدال من . المعدية يحملون فيما بينهم شيئا خشبيا

وتلتقي عيناها بعيني الفالحة ذات الوجه البشوش وهي تفسر الوضع بصيغة ، مكثفة تتصادم الحياة بالموت . تقريرية خالية من االنفعال

. بندفن موتانا في البر التاني... أصل ما حدناش قرافة-

وتشعر . إلى الشط الرملي بخطى ثاتبة" السجادة"لى وتنزل ع، وتراقب الفالحة تسحب ماعزتها الهزيلةوحتمية فشل السعي ، بالخجل ألنها في عزلتها الطويلة عن الناس انزلقت إلى التفكير في عبثة الوجود

. اإلنساني

***

وأرست صاحبة البيت ، تأتي أن يسير آل شيء وفقا لبرنامج مسبق في إجازة آخر األسبوع القصيرةوآذلك صباح اليوم التالي ، ص عصر اليوم لجولة حرة حول البيت والحقول التي يشرف عليهايخص. البرنامج

وما بين . الذي يتوج مساؤه باالستماع إلى مغني األغاني الشعبية ذات اللون المحلي الفريد في هذه المنطقةوالمشرف حاليا ، ابقاعصر ومساء اليوم التالي يتعين على صاحبة البيت وزوجها زيارة منزل خولي العزبة س

وهذه الفقرة من البرنامج اختيارية وعلى من يرغب في الخلود . على توريد إيجار ما تبقي من أرض لألسرةوخاصة أن زوجته ، وإن آان من المالئم أن تشارك الطبيبة في زيارة الخولي، للراحة أن يبقي في البيت

. ختيار في نهاية األمر اختيارهاوإن تبقي اال، مريضة وما في المنطقة بأآملها طبيب

Page 37: الشيخوخة لطيفة الزيات

: وتساءلت هي وقد انتهت صاحبة البيت من إرساء البرنامج

؟ أين القرية-

وأآدت صاحبة البيت أن القرية ليست . وما من شيء يبدو من شرفات البيت سوى خضرة تنتهي بالرمال . تاليوسيمر بها بالضرورة من يختار زيارة منزل الخولي مغرب اليوم ال، ببعيدة

وما آادت صاحبة البيت تنتهي من آالمها حتى دخلت البيت فالحة من القرية تحمل للطبيبة الزائرة طفلها . الرضيع يحتضر

***

وخطر . حتى األعشاب جفت... بدأت بحديقة البيت التي استحالت بعد إهمال عشر سنوات إلى مرتع لألعشابوارتسم في خيالها الدمع ينسحب بال صوت . التجوال والتأملببالها وهي تتجول أنها آفت من زمان طويل عن

ما بين تفكير مخطط ؟ وتساءلت هل بلغت بها التعاسة حد الخوف من التفكير، على خدين معروقين ألم ريفيةإن لم تجد ما . آل شيء وأي شيء حتى ال تفكر، لحديث إذاعي أو تلفزيوني تقرأ، لمقال، لندوة، لمحاضرة

هل أصبحت آالقطار يفقد توازنه ويتحطم إن خرج عن . ا نشرة طبية للدواء ملقاة هنا أو هناكتقرؤه أسعفته ؟ شريط السكة الحديد

وليس ما يتمخض عنه السعي ، مواصلة اإلنسان للسعي، المهم هو الرحلة وليس ما تتمخض عنه الرحلة-يلمح اإلنسان الواحة الخضراء . إلنسانما من واحة خضراء في مكان ما أو زمان ما يتوصل إليها ا. اإلنساني

. الرحلة هي الواحة الخضراء. ويعيشها وهو يسعي

وقال ، يوم آانت تأمل في استكمال الرواية، المحورية في مشروع روايتها الثانية" التيمة"قالت هي تلخص : الصديق أستاذ علم النفس يعلق على المشروع

واألآيد أن السعي اإلنساني ليس مرصودا ، ما ال يجوز تعميمهيعمم، مشروع هذه الرواية يفلسف للفشل- . بالفشل

: وأضاف بعد فترة صمت

؟ هل تحاولين تبرير وضع ال تطيقينه-

وأدرآت أنها أسقطت هذا التعقيب فيما أسقطت من آالم الناس حتى ال يفقد ، وتأملت ألول مرة صدق تعقيبه : ا يقف سياسيا على طرف النقيض منهوقال زميل لزوجه. القطار توازنه وينقلب

. رغم آل شيء، الناس مندهشة ألنك آتبت هذه الرواية الممتازه-

إيمانها ، نفس اإلنسان، رغم زيجتها، ففيم االندهاش وهي، ويومها استبعدت آالم زميل زوجها آكالم فارغ . بالفعل وتسعي إليه امرأة بالكتابةسعت شابة إلى التغيير االجتماعي، القديم لم يتغير وال إرادة التغيير

لو ملكت القدرة على استكمال : وفي حومة نجاح روايتها األولى نسيت عهدا قطعته على نفسها ورهانا عقدته . ومن هذا األسلوب من الحياة، ومن هذا البيت، هذه الرواية لواتتني القدرة على التحرر من زوجي

. ن اللذين تتذآرهما اآلنوأآملت الرواية ونسيت العهد والرها

هل استوي الحصى على مر السنين أم تبلدت : وتساءلت، وتتبعت ممرات الحديقة مرصوفة بالحصى المدببوهل هي حقا نفس اإلنسانة بعد زيجة استطالت عشر ؟ مشاعرها ولم تعد تشعر بالوخز يواتيها آل حين

. خلفها في البيت يموت وخرجت في جولة حرةترآته ، هربت من الطفل نحلت ساقاه وانتفخت بطنه؟ سنين

Page 38: الشيخوخة لطيفة الزيات

وإن اختنقت من . ربما اختنقت بالليل على وسادتها وبكت الطفل قليال وانتظم تنفسها وقد تمت عملية التطهيرففي الروايات والمسرحيات ، جديد وهذا المظهر من مظاهر البؤس والحرمان والقهر يلح عليها أو ذاك

من أن تشارك بقدر ما تستطيع في تغيير األوضاع ستبكي في ظلمة المسرح وبدال. واألفالم متسع للجميعأدموع التكفير عن . ستظل تلعب لعبة البكاء لتوهم نفسها أنها لم تمت وما زالت تعيش. والسينما والسرير

: وتمتمت وهي تستشعر وخز الحصى؟ الذنب هذا السيل من الدموع أم دموع التطهير

. ني شيء ما خطأ في بنيا-

: وأضافت تطلب النجدة من ناس لم يعد لهم وجود يومي حي في آيانها

. باهللا عليكم دلوني أين موطن الخطإ-

تحققين على الورق ما ال تستطيعين تحقيقه ، تناضلين على الورق، الناس تقول إنك تحلمين على الورق- . على مستوى الحياة

ووصلتها ، وهما تجلسان في آافيتيريا اإلذاعة، ى روايتها األولىقالت لها ممثلة تكن لها االحترام معلقة عل : وبدال من اإلقرار بالحقيقة أجابت يومها في حدة واعتداد، الوخزة هذه المرة

. فليحلم من يستطيع رواية مماثلة في الجودة-

، على الوجه األآملوما آاد التعليق الساخن والرد السريع ينتهيان حتى انصرفت آل منهما إلى أداء دورهادور الكاتب الذي بزغ فجأة من ؟ إلى أي دور انصرفت: وهي، الممثلة لدور من األدوار التي تتغير آل يوم

الفنان القادرعلى أن يمنح من يريد أن يلعب مفاتيح ، المجهول إلى المعلوم وهو يملك مفاتيح لعبة الكتابة . اللعبة

وأنها أصبحت وقد انتهت روايتها األولى أشبه ما . عبة على اإلطالقوأسوأ ما في األمر أن اللعبة ليست بلمفاتيح حرفة الكتابة مكتملة ال تملك أن تصنع . وإن تبقت معه مفاتيح الصندوق، يكون بجحا ضاع صندوقه

فأين هي اآلن من هذا الوله الخالص الذي يتحول بدونه الفن . هذا الوله الخالص بالحياة الذي هو مادة الفن ؟ لى مادة للتسلية أو لعبة زخرفيةإ

. قبل أن تفلت مني هذه الرؤية نهائيا، أردت أن أمسك برؤيتي للحقيقة آشابة-

: سأل، داهمتها العبارة التي قالتها لمذيع محطة أجنبية

؟ بالذات١٩٦٠ لماذا هذه الرواية بالذات وفي سنة -

فها هي ، وال شك في أنها عادت وغيبتها، ها طويالودهشت يومها وهي تستمع إلى نفسها تقر بحقيقة غيبتوأقرت أن . عرفتها وغيبتها، ذي العبارة تداهمها وهي تسير في حديقة جفت أعشابها وآأنها جديدة وقديمة

وإنما عمر انقضي وسقط عن هذه اإلنسانة التي تلعب ، الرؤية في روايتها األولى ليست برؤية عمر معيش . لعبة البكاء

ال شك في أن هذه ... رجات الساللم المتآآلة تقسم الحديقة إلى مرتفعات ومنخفضات وهبطتهاوصعدت دجذورها في األرض ، المرتفعات والمنخفضات عنت الكثير والزهور تتفتح للشمس والهواء واألشجار سامقة

.يستوي الصعود والهبوط اآلن وقد جفت الحديقة. ولم تعد تعني شيئا، وفروعها في السماء

وآأن التي وصلت إنسانة ، حين نقلتها روايتها األولى إلى قلوب الناس عني الوصول الكثير ولم يعن شيئافي عيون البنات رأت بريق التعرف عليها وعلى الذات . مخلوقة انتحلت ولهها الخاص بالحياة، أخرى غيرها

على درجة من . ها مدعوة إلى حفلوحلمت ذات ليلة أن... وفي شدة يد ممتنة لشاب يصافحها على استحياءتعرفت ، يسبقها ناس ويلحق بها آخرون، درجات السلم المؤدي إلى قاعة االحتفال وقفت مع بقية المدعوين

Page 39: الشيخوخة لطيفة الزيات

ونقلها مس آهربي وهي تقف في الصف على درجة من درجات ، بينهم على بعض آتاب مصر المعروفين ؟ المدعوين أم انفردت هي بالشعور بالوخزهل أصاب الوخز بقية: السلم إلى حالة اليقظة تتساءل

ومن يومها ، ويومها شعرت أنها غشت قليال لكي تصل إلى قلوب الناس وأن الوخز قد أصابها ألنها فعلت، الحقها الشعور بالفشل وهي تتحرك في دائرة النجوم التي تعبر في خطوة واثقة وابتسامة مدروسة مصنوعة

. وما من واقع فيما تقول...). في الواقع: (ون لتنتهي بالقولممرات مبني اإلذاعة والتليفزي

وأقرت بأن لون التخشيبة . وتهالكت جالسة على مقعد صخري وقد وجدت نفسها في آشك خشبي آيل للسقوطوألح عليها تعليق في يسار الدفتر الرملي يهدم مشروع رواية ال تكتمل في . قد تحول من األخضر إلى الترابي

يساوي اإلقدام على ، الهروب من المواجهة ال يشكل حال: "جدت نفسها بال وعي تردد آلماتهوو. يمينه ". االنتحار آبديل النتظار استكمال عملية القتل

وأخافها اإلقرار فهربت إلى . وإن التف في نهاية األمر على عنق اإلنسان، وأقرت بأن حبل خداع الذات طويل . فسحة حقل قريب

***

ومدت يدا مرتجفة وقطعت . بدا لها من الضروري أن تفعل. تتعرف على النبات األخضر في الحقلحاولت أن. ولم تتعرف على النبات. وترآزت آل حواسها في حاسة الشم، ورقة من أوراق النبات وقربتها إلى أنفها

بصقت . علمامضغت جزءا منها واستحلبته وهي تتذوق لتعرف ولم تزدد، قطعت الورقة نصفين وذاقتها . الرحيق ومضت تتدحرج في الحقل

آوسة خضراء نيئة من الحقل وأحبتها في حومة الوله بالحياة الذي يعطي لكل شيء ، شابة، تذآرت أنها أآلتحلمت صبية أن تجري هي وحبيبها حافية القدمين في حقل فول . مذاقا خاصا وفريدا، مهما صغر وتباين

أن تأآل هي وحبيبها الفول بشوآه . ا تضمهما الخضرة ورائحة األرض الخصبةأن تتمدد هي وحبيبه. أخضروما من عشق تبقي ، وانتهت هي وزوجها يتناوالن العشاء على ضوء الشموع آالعاشقين. مع الجبن القريش

آذبة ، آذبة هذه الشموع: وأرادت آل مرة وهو يسحبها إلى هذه الدائرة الالمعة أو تلك أن تصرخ. بينهماوتساءلت هل أصبحت بدورها . عاشتها، وبدال من أن تصرخ تبدد الكذبة. آذبة آل دائرة ندور فيها، يجتناز

جزءا ال يتجزأ من مؤسسة تدمن المسكنات وتتحاشي االصطدام وتقنع الكلمات حتى ال يتفجر صراع ، آذبة ؟ الحياة الحي الصاخب

الليل " عن زيف المثقفين الساهرين في آافيتريا بدال من أن تصرخ قرأت على زوجها ذات صباح قصيدةال تذآر اآلن من القصيدة سوى بيت واحد وربما . نشرها صالح عبد الصبور في أهرام الجمعة" والنهار

: المرأة تقول للرجل يسهر معها في الكافيتيريا، المعنى دون الكلمات

تذآر أن عينيها غصت بالدموع وهي تقرأ قم بنا يا حبيبي قبل أن يطلع الصبح وتزول مساحيقي ولكنها . واستمرت تعيش الكذبة، القصيدة وتطهرت

. أن تقرأ القصيدة آما ينبغي أن يقرأ الشعر الجيد المتذوق الجيد، وتذآر أنها لم تنس وهي في حومة االنفعال . وما بين االنفعال وضروريات اللياقة عاشت الكذبة

تفصل بينهما الشموع وأنصاف الحقائق ومرارة الحقيقة ، مع زوجهافي المطعم األنيق تجلس وجها لوجهوالحرص على الصورة االجتماعية ، والخوف من االصطدام، وقسوة الخديعة والرفض المتبادل لماهية اآلخروبعد الحب الجبن االجتماعي أو ، وآلمات قلم الحب أظافرها، والتظاهر بنجاح مشروع أفلس من زمن طويل

تود . تلف وتدور متقنعة في المسالك الجبانة، تهرب آالزئبق، آلمات ال تفصح أبدا، قفين آما يسميتمدين المثوفيم الصراخ وجلسة الشموع ليست سوى طقس آخر من مجموعة الطقوس التي . لو تصرخ وال تصرخ عن أن تساهم وال تكف، طقس من هذه الطقوس التي تدمرها، حرآتهما معا ومع اآلخرين، تشكل حياتهما معا

. في صنعها

Page 40: الشيخوخة لطيفة الزيات

على مر األيام تحولت إلى . آان يوما ولم يعد. إن جاز أن يسمي حديثا، حديثهما الليلي معا طقس من الطقوسينسج المزيد ، أذن تستمع بعقل يثقله رآام األآاذيب وأنصاف الحقائق يتكاثر يوما بعد يوم وهو ال يكف يتكلم

... قلها يشت يوما بعد يوم دون أن تدري حتى أنه يشتوع، من األآاذيب وأنصاف الحقائق

في جمع من الناس تتكلم آما . في حضور زوجها وفي غيابه، تحت وطأة الرآام يشت عقلها اآلن وهي تتكلموبدال ، وتدرك أن عقلها يضيع، وفجأة ترتد إليها نظرة االستغراب في عين مستمع إلى آالمها، يتكلم الناس

. تلتزم الصمت معقودة اللسان، آفي: ةمن أن تهب صارخ

يعد لها طعام . ال يكتمل اليوم دون طقس الطقوس، إن آانت نائمة أيقظها، طقس الطقوس الليلي وهي تستمععند النجاحات . العشاء على صينية ويجلس على طرف سريرها يحكي عن نجاحاته اليومية التي ال نهاية لها

وصعب عليها في ؟ تصوري أن الناس تقول إني على عالقة بفالنة: لحقائقالغرامية ترد في الحكاية أنصاف ا؟ ألم أقل لك: حتى إذا ما وصلتها الحكاية قال، ألن فالنه فعال في موقع االبنة منه، يوم من األيام أن تتصور

: ومن سنين صاحت فيه. وخرج بريئا آالذئب من دم الحمل

لم ، وهو إهانة مجانية لكلينا، إلى الكذب شيء مهين لك وليلجوءك المستمر ، توقف عن الكذب أرجوك- . أطالبك بالتفسير ولن أطالبك

استحال عليه أن يعيش دون مستمع ليلى لنجاحاته اليومية التي ال نهاية لها ولمراراته ، ولكنه لم يتوقفهي إلى أذن تستمع وفم وعلى مر األيام تحولت . اليومية من جحود الناس والدنيا التي ال نهاية لها أيضا

لو اختلفت سيبقيها الليل . يتأتي أن تنام لتذهب إلى عملها مبكرة وقادرة على أداء هذا العمل. معقود اللسانعلى أمل اللقاء الفكري سهرت سنين . حتى تتظاهر باالقتناع لتنام، أو وهذا هو األسوأ، ساهرة حتى تقتنع

حتى . بفم معقود اللسان بعد أن اآتشفت أن ال أرضية بينهما للقاءثم آان أن تحولت إلى أذن تستمع ، تتناقش . تحول بدوره إلى طقس مدمر، اللقاء بينهما في السرير استحال

: يوم لم يكن لقاؤهما في السرير طقسا صرخ فيها. وينام" الزوجي

. أنت تحتقرينني-

: وأضاف موضحا، وتطلعت إليه في اندهاش مستفسرة

. يحتقرني، ي جسدك يرفضن-

ولم تكن تعرف أن خداع الذات الذي ، وأفصح تعبيرا، ولم تكن تعرف أن الجسد يكون أحيانا أذآي من العقلوعرفت ولم تزدد علما وقد . ما من شيء يخدع الجسد عن أحاسيه، يجوز على العقل ال يجوز على الجسد

وتحولت العملية . ن تباعد المدة وإن لم تكفتعمدت أ. توقعت أن يكف عن العملية الجنسية ولم يكف. عرفتمضت متورمة العينين من السهر ، حولها إلى أداة إشباع وبدال من أن تهب صائحة آفى. إلى طقس مدمر

. العقيم في سريرها المنفرد بهذا الشعور الذي ال يريم بالغثيان واإلخفاق

. ولكن شخصيتك ليست بشخصية المحارب-

ميل في العمل وقد استدعت األوضاع الفاسدة تجميع الجهود في معرآة مفتوحة وطاحنة مع قال لها منذ أيام ز : وأجابت هي ربما في تسويغ وربما في اعتذار، اإلدارة

. أنا أشتري راحة البال بكثير من التنازالت الصغيرة. فلنجرب-

. ولكن عندما تصبح المسألة مسألة مبدإ تجدني عنيدة آما الحمار

، وأن ال قرار للتنازل. وهي تتمدد وسط خضرة ال تعرف لها مسمي أن سفح الجبل هو نفس السفحوأقرت والتنازل الالمبدئي يختلط على اإلنسان بالتنازل المبدئي على مر ، وتنازل صغير يسلم اإلنسان إلى تنازل أآبر

لم تصرخ في زوجها ألنها وأقرت بأنها. ويفيق اإلنسان ذات يوم ليجد نفسه في الهوة بال قرار، األيام

Page 41: الشيخوخة لطيفة الزيات

وأن زوجها أفضل منها ألنه ال ، تلعب نفس اللعبة وتلتزم بنفس قواعد اللعبة، استحالت بدورها إلى أآذوبة .... يتظاهر بغير ما يفعل

. الغضب حق القادر على أن يبتر ويصل. وأقرت بأن الغضب لم يعد من حقها

***

حكي . ة واجمة ومتوترة من المرور بالقرية وزيارة منزل الخوليغني المغني ليلة السفر بعد عودة المجموع. وناس عاشوا في القرية يحيلون على مر السنين الصخر خضرة، حكاية قرية تخنقها تالل رملية وصخرية

وبددت آهات الناس وضحكاتهم عبر السنين حالة الوجوم والتوتر التي استبدت بالمجموعة لحظة عادت إلى لم تعد . العشق والموت، األمل والجوع، ي جافة العينين تستمع إلى حكايات الزرع والحصادوجلست ه. البيت

. لعبة البكاء تجدي

. بعد المرور بالقرية وزيارة منزل الخولي، لم تشارك هي في لحظات الوجوم وال التوتر الذي تال الوجوممحاولة إسقاط المسؤولية على قوي ومرحلة التخفف من الشعور بالذنب ب، تجاوزت مرحلة الشعور بالذنب

انعزلت عن المجموعة مع إدراك جديد بأن عالمها في شقة تطل على النيل قد . مجهولة أو على اآلخرين . انتهى

هل انتهى ، ولم تعرف على وجه التحديد. شيء في ما حدث في مغرب اليوم ومسائه أنهي هذا العالم بال رجعةأم انتهى في منزل ؟ تقاوم وتنتصر على رغبتها في الوقوع في حالة اإلغماء،وهي تمر بمسالك القرية الطينيةلم يعد اجترار التعاسة على ضوء . ولكن األآيد أنه انتهى؟ "أخرجوني من هنا"الخولي لحظة صرخت مخنوقة

. الشموع ممكنا وال ممارسة الحلم على الورق

هل : وانعزلت عن المجموعة تسأل. ر موضع التنفيذووضعها الشعور بحتمية النهاية أمام ضرورة وضع القرا ؟ هل تبقي من الشابة التي آنتها بقية تعينني على بتر ما هو قائم ووصل ما انقطع؟ أستطيع

لم يكن من الصعب عليها التكهن بما حدث في البيت في أعقاب مرور المجموعة بالقرية وزيارتها بيت وإن لم تعرف لقسوة اللحظات التي عاشتها الليلة ، ات المراتعاشت لحظات مماثلة من قبل عشر، الخولييتحاشي الواحد منهم النظر إلى ، جلس أفراد المجموعة في الصالة في مواجهة بعضهم البعض أغرابا. مثيال

وآل يحاول أن ، إلى توتر، آما توقعت، ولم يلبث الوجوم أن تحول. اآلخر خشية أن تفضح النظرة المستور ... المسؤولية يلقيها على قوي غير مرئية أو على اآلخريتخفف من

الذي ، اإلقرار بالمسؤولية يعني انهيار القوقعة البراقة بارعة الجمال التي بناها آل لنفسه في القاهرة ليعيشسؤال يتأتي تجاوزه بأي ثمن ألن الكثير في ؟ ماذا فعلت ألغير األوضاع: والسؤال. يحتمي فيها آل ليعيش

. نالميزا

واتهم آل اآلخر أنه تعامل مع الحدث آالسائح جاء يتفرج على تعاسة ، محل الوجوم، آما توقعت، وحل التوتروصلت ما بينها . وضاقت دائرة االتهام في النهاية وانصبت على الطبيبة التي لم تتفرج آاآلخرين، الفالحين

ترسل إلى بني سويف ، لخطر وأطفاال يحتضرونتعالج أطفاال في مرحلة ا، وبين الفالحين وهي تتبادل الحديثتتمزق وهي تدرك أن أحدا ، توصي بعالج طويل يستمر بعد مغادرتها القرية، لشراء األدوية والحقن الطبية

تصرخ في طوب األرض احتجاجا ، من أهل المرضي ال يملك من المال ما من شأنه أن يضمن العالج الطويل . ي القرية وفي المنطقة بأجمعهاعلى انعدام الرعاية الصحية ف

. أسئلة ما آان ينبغي أن تطرح على الفالحين، آالسياح، قيل إن الطبيبة طرحت

***

Page 42: الشيخوخة لطيفة الزيات

واستبد بها الدوار وبيوت الطين . في لون الطين، في لون واحد ثابت ال يريم بدت القرية في عتمة المغرب، وبطون منتفخة وشفاه جافة، عتبات البيوتوناس من طين يجلسون على، تغيب أبعادها في عتمة المغرب

، وناس يختفون في مسالك القرية آدمي من الطين. ودم في لون الطين يسيل من أفواه أطفال يحتضرونوامرأة تنعي ، وال شيء يقطع الصمت سوى سعال دموي. وأعناق قلقة نحيلة متصلبة لحيوانات آلعب األطفال

. وليدها بصوت خافت ال يكاد يبين

وأدرآت أن هامشا دقيقا يفصل بينها وبين فقدان الوعي وأن خالصها يتوقف على ، ترنحت آالمخمورة باأللمووبدال من أن . تمهلت تترنح بدوارها، وبدال من أن تهرب هذه المرة أيضا، تجاوز هذا الهامش والبقاء واعية

وتوقفت ، ورأت وسمعت واستوعبت. لتريتغمض عينيها لكي ال يطعنها األلم آالسكين فتحتها على اتساعها . لكي ال تغضب، تجتر في ذاآرتها ووجدانها تفصيال بعد تفصيل لكيال تنسي

. من بيت الخولي هربت. إليهم عادت بعد طول غيبة. ال لم تفر من القرية هذه المرة وال من الناس من الطين

، د الرجل أن ينسلخ إلى بيت من الطوب األحمرمن البيت الطيني أرا. شيء ما زائف ومصنوع في بيت الخوليال هو ينتمي إلى حيث ينتمي ، بقي معلقا بال بيت آمن رقص على السلم. ولم تساعده فيما يبدو إمكانياته

بيت . بيت الخولي ليس ببيت على اإلطالق. الفالحون وال هو ينتمي إلى أصحاب البيوت من الطوب األحمرال ، وال شيء في الدور األرضي على اإلطالق. ني معلقة في الهواء بسلم بال سورالخولي حجرة في الدور الثا

. ال فرن لخبز العيش وطهي الطعام وال دورة ماء، غرف لألوالد من مختلف األعمار وال زريبة للحيوانات . مجرد حجرة معلقة في الهواء على سلم بال سور آديكور تمثيلية لن يلبث أن يزال

الخروج من . تبقت في الغروب بقية من ضوء جعلت الصعود هينا، إلى الحجرة المعلقة صعبالم يكن الصعود ووجب الخروج أيا آانت الظلمة وأيا . الغرفة المعلقة هو الصعب وقد تبددت البقية الباقية من ضوء النهار

. ال بديل للخروج إال الموت اختناقا. آانت الصعوبة

هل : األمل والجوع والعشق والموت، غني القرية يحكي حكاية الزرع والحصادوتساءلت وهي تستمع إلى مأم ساهمت هي راضية في االستعراض الذي أعد آديكور لحساب ضيوف قادمين ، حملوا المرأة المريضة قسرا

. فما من أحد ينقل أحدا قسرا على ما ال يرتضيه، ورجحت االحتمال األخير؟ من القاهرة

ومنبتة تلك المرأة المريضة وهي ممددة على السرير المعدني األسود في حجرة معلقة في آم بدت غريبة نومة ، آم بدت غريبة ومنبتة وهي تنام ربما ألول مرة على سرير. الهواء ما زالت بقايا الجير تعلق ببالطها

؟ تهت اللعبةهل يتأتي للمرأة المريضة أن تعود اآلن إلى حيث تنتمي وقد ان: وتساءلت. غير نومتها

***

على العتبة وقف الرجال . لم تدر هي على وجه التحديد ماذا حدث للمرأة بعد أن انهار السرير المعدني األسودوفي الحجرة المعلقة وقفت هي وبقية الضيوف من النساء لصق الحائط ، من الضيوف وأصحاب البيت

. دأ الكشف الطبيبعد تبادل السالمات والتحيات ب. ليفسحوا مجاال للطبيبة

، عرت الطبيبة المرأة من مالبسها وما آادت تميل تضع السماعة على قلبها حتى انهار السرير بالمرأة عارية : وخرجت هي من الغرفة مختنقة بخزيها تهمس للصديق أستاذ علم النفس

. أخرجوني من هنا-

تستشعر عمق الجراح التي ، جسدهاتتحسس ، وفي الهواء الطلق خارج منزل الخولي وقفت ترتجف بخزيها . أصابتها لحظة انهار السرير بها عارية

***

Page 43: الشيخوخة لطيفة الزيات

وصاحبة البيت تدس شرائط تسجيل األغاني في حقيبة السفر استعدادا للعودة ، وتساءلت هي والمغني قد رحلي الحامل ورعت غضبها آما ترع؟ هل تملك المرأة القدرة على بتر ما هو قائم ووصل ما انقطع، إلى القاهرة

، أن تقف على قدميها، وقد انتهت اللعبة، يتأتي على المرأة. وهي تدرك أن طلب النجدة لم يعد يجدي، الجنين . إلى بيتها بعد غيبة عشر سنين ، أن تؤوب إلى نفسها إلى أهلها وناسها

١٩٨٥كتبت سنة [

حسن فؤاد: رسومبدأ . الده رجل التعليم في مختلف األقاليم المصريةفي القاهرة، وتنقل مع و) ١٩٨٥ - ١٩٢٦(ولد حسن فؤاد

اهتمامه بفن الكتب والمطبوعات منذ آان طالبا في آلية الفنون الجميلة بالقاهرة، التي صمم لها مجلتها ومنذ ذلك العام، عمل في عدد من أهم الدوريات المصرية ودور النشر مؤسسا وآاتبا . ١٩٤٧السنوية عام

.ورساما ومصمماالدور الرئيسي في تأسيس فن الغرافيك ) ١٩٩٧ - ١٩٢٦(مع زميله وصديقه عبد الغني أبو العينين لعب

وآان حسن فؤاد أستاذا وراعيا للمدرسة الجديدة التي برزت . التطبيقي العربي في مجالي الكتاب والصحيفةالكتب والدوريات إلى بمصر في منتصف الخمسينيات، والتي انتقلت بالرسم الصحفي والكاريكاتور وتصميم

.مصاف الفنون الرفيعةوبموازاة آل تلك المشاغل، لم يتوقف حسن فؤاد عن الرسم الحر والتصوير الملون حتى خالل فترة اعتقاله

آما آتب السيناريو لعدد من األفالم السينمائية الروائية، وأخرج . ١٩٦٣ و ١٩٥٩السياسي ما بين عامي .بعض المسرحيات