1

2

لئال أقع من تلك االرتفاعات بالشسعتشبثت ف على أكتاف العمالقة ، ووق ، وعندما أرتقى إلى األعاليتمسكت بشسع نعلھ

أستقر بي المقام على ظھر نعلھ ، فقعدت ھناك أرى وأتأمل . فیدق عنقي وأصبح ثاني قتیل للشسع بعد بجیر الخیرات الشاھقة

لم یكن بوسعي رؤیتھا وعجائب ومناظر مشاھد األرض وتجلت لي أمام ناظري أنداحتوأھیم ، فمن ذلك العلو وأسرح وأتعجب

وات ا، وسقطت على رأسي تفاحات حمر من قبل ، وأنتابتني رؤى لم أر مثیل لھا في أحلى أحالمي إال من على ھذا المكان

.لم أعد أخشى السقوط ألن الجاذبیة لم تعد تؤثر في و، وعندما أكلت واحدة منھا شعرت بخفة عجیبة ، لذیذات ، شھیات

)فرید أبوسرایا ( القاعد على نعل نیوتن

حكایة الثعبان والثالثة كانلماذا عنوانھا و والتساءل عنالبد في البدایة من التطرق إلى عنوان ھذه القصة ،

ثعبان ( ، أو ) ضحك األقدار ( لماذا لم یكن على سبیل المثال و عمیان ، ولیس حكایة الثالثة عمیان والثعبان ،

لیس لدي ھأنوبصراحة تامة ، صدقفأقول بكل ، )المحسوس والمعقول ( ، أو )تریاق الحقیقة ( ، أو) ایبیل

.أدنى فكرة عن السبب الذي دعاني إلى مثل ھذا االختیار

أحتدم الصراع بین الفالسفة منذ قدیم الزمن حول ما إذا كانت الحواس أو التجربة ھي المصدر الوحید للمعرفة

والطریق األوحد المؤدي إلیھا أم أن العقل بحدوسھ وبدیھیاتھ یتقدم على الحواس ، وبمعانیھ األولیة تفھم التجربة

یرفض كونھا ولمتبار الحواس طریقا وحیدا للمعرفة ، یوافق على اع ولمالقرآن نزل . ویحصل اإلدراك الحسي

فمن أبصر فلنفسھ : ( الحواس للوصول إلى المعرفة والحقیقة یستعملمن وأمتدحالطرق المؤدیة إلیھا ، إحدى

: والحقیقة من ال یجعل الحواس طریقا للمعرفة وذم ، ) إنما یستجیب الذین یسمعون ( ، ) ومن عمي فعلیھا

ومع ، ) ولھم أعین ال یبصرون بھا ولھم آذان ال یسمعون بھا أولئك كاألنعام بل ھم أضل أولئك ھم الغافلون(

التنویھ بدور الحواس في الوصول إلى المعرفة إال أن القرآن جعل دورھا مع العقل في إكتساب المعرفة ، ولم

ھو الذي یحول أعتبره المعرفة ھو للعقل ، بل ، وأعتبر أن الدور األساسي للوصول إلىمصدرا مستقال یجعلھا

وال تقف ما لیس لك بھ علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنھ : (المعرفة الحسیة إلى معرفة عقلیة

) . مسئوال

مع أعرف الفیل ، وال یقال أعلم الفیل ، ولكن یقال علمتھ حیوان ال یستطیع القفز ، ویقال أیضا علمتھ حیوان یس

یوصف البارئ . بذات الشئ ، والعلم یتعلق بأحوالھ تتعلق المعرفة، فمن األصوات ما یتجاوز سمع اإلنسان

وفي الفرق ألن العلم قد ال یسبقھ جھل ، بینما المعرفة یسبقھا جھل ، سبحانھ وتعالى بالعلم وال یوصف بالمعرفة

3

والعلم . رفة قد تقال فیما تدرك آثاره ، وإن لم تدرك ذاتھ المع: " بین العلم والمعرفة ، یقول الراغب األصفھاني

. یعلم اهللا: فالن یعرف اهللا وال یقال : ال یكاد یقال إال فیما یدرك ذاتھ ولھذا یقال

لیة نفسھا تختلف من قتختلف الصور المدركة بواسطة الحواس بتباین قوة الحواس لدى األفراد ، كما أن القدرة الع

أبوسلیمان للتدلیل على نسبیة المعرفة یقول و إلى آخر ، وبالتالي فإن المعرفة الحسیة ھي معرفة نسبیة ، شخص

قال أفالطون إن الحق لم یصبھ الناس في كل وجوھھ ، وال اخطأوه في كل . المنطقي

ومثال ذلك عمیان أنطلقوا إلى فیل وأخذ : قال . صاب منھ كل إنسان جھة أ، بل وجوھھ

اإلمام حجة اإلسالم أوردكما ، .. . بیده ومثلھا في نفسھكل واحد منھم جارحة منھ فجسھا

: فقال، حكایة العمیان والفیل في كتاب إحیاء علوم الدین الغزالي أبوحامد

ملتھم قصروا عن اإلحاطة بكنھ جالفیل ، ولكنھم بولم یخرج واحد في خبره عن وصف .

. فاستبصر بھذا المثال واعتبر بھ فإنھ مثال أكثر ما اختلف الناس فیھ.صورة الفیل ،

، خلد ) العمیان والفیل ( دة بعنوان یقص) 1887ــ 1816( كما نظم الشاعر اإلنجلیزي جون جودفري ساكس

:وقال في مطلعھا فیھا حكایة الفیل والعمیان ،

ستانوكانوا ستة رجال من ھند

یمیلون للتعلم أشد المیالن

وقد ذھبوا لرؤیة الفیل

الرغم من كونھم عمیانعلى ، ثم جاء جالل ) المسورة حدیقة الحقیقة( وأورد الشاعر الفارسي سنائي الغزنوي قصة الفیل والعمیان في كتابھ

:، قال فیھا ) فیل في الظالم ( بعنوان ) المثنوي ( الدین الرومي ، ونظم في ذلك قصیدة في كتابھ

4

كل منا لمس جزءا واحدا

وبتلك الطریقة أدرك الكل

راحة الید واألصابع تتحسس في الظالم

الكیفیة تستكشف الحواس حقیقة الفیلبھذه و

محاولة بأعلى صوتھا كانت الحقیقة تصرخ ھا ،وضرب أطنابھ فیعزبة ایبیل في الجھل فیھ سادالوقت الذي في

إن قول الحقیقة في : جورج أوریلكانت مدركة لما قالھ ھا على الرغم من أن لفت األنظار وشد االنتباه إلیھا ،

كلما إزداد إبتعاد المجتمع عن الحقیقة ، كلما أزدادت كراھیتھ لمن یتحدثون و ، زمن الخداع ھو عمل ثوري

.ال تخبر بالحقیقة أناس ال یستأھلونھا: مارك توینلألسف لم تكن عارفة بما قالھ ولكنھا ، ابھ

لیتمشوا ویتنزھوا عزبة ایبیلمن أجمات أجمة إلى ثالثة عمیان دخل حكى أنھ ذات مرة العصیبة في تلك األوقات

الثعبان ، ما ھو یعرف العمیان الثالثة لم یكن أیا من. ، وكانوا یتسمون بأبي العالء ، وملتون ، وھومیروس فیھا

. علیھا لتعرفللم تھئ لھم فرصة األقدارإلى قلة الثعابین في ایبیل ، إنما ألن ولم یكن مرد ذلك

الذي سجنھ بجزیرة أوجیجیاجاء ھومیروس إلى ایبیل ذات فجر أودیسي وكأنھ البطل أودیسیوس الھارب من

ایبیل وھو ینشد فیھا فردوسا أفتقده ، وجاء أبوالعالء إلى ایبیل على، وقدم ملتون ھ فیھ الحوریة كالیبسو أودعت

: وھو یقولبعد أن تحرر من سجونھ الثالثة ،

أل عن الخبر النبیثــــــــفال تس.. ...من سجوني أراني في الثالثة

وكون النفس في الجسم الخبیث. ....ري ولزوم بیتي ــــلفقدي ناظ

5

عن ویعبر، الذي أفتقده في شھر ینایر لیستحم ، ویغتسل بالماء فبرایرلحلول شھر وكان یستبد بھ شوق عارم

: بقولھ ھذا الحنین

حمیم الماء فاقدم یا شباط.. ...مضى كانون ما استعملت فیھ بداخل األجمة ، فكما البصر فإن الحدس یتعطل بطول ما یدورلم یكن العمیان قادرین على حدس المدخلمن

ما ینبغي رؤیتھ بعیدا عن القلب ، المسافة وبعد الشقة ، وكما یقال ، البعید عن العین بعید عن القلب ، وإذا كان

ي ال یرى إال بقلبھ ؟فكیف یراه األعمى وھو الذ

عالم الفیزیاء الكبیر الحسن بن نوه عنھا، وھي حقیقة الرؤیة ید طولى في تقریر لمسافة بین الرائي والمرئيلإن

:، فھو یقول في ھذا الشأن ) المناظر ( في كتابھ الھیثم

إذا كان ملتصقا فإن المبصر .نجد البصر لیس یدرك من المبصرات إال إذا كان بینھما بعد ما

.بسطح البصر فلیس یدركھ البصر وإن كان من المبصرات التي یصح أن یدركھا البصر ، فالبصیر لن یحلق بھ بصره لرؤیة ما ھو بعید، من على بعد ، یتساوى األعمى والبصیر في رؤیتھما لألشیاء ف

األدیب ویؤكد ، في الرؤیة البصریة ھو من ھذا المنظور یتساوى مع األعمىوبھ عن رؤیة اآلفاق ، سیتخلفبل

:الكبیر مصطفى صادق الرافعي على ذلك بقولھ

إذا نظرا إلى شيء بعید...... وسیان البصیر وكل أعمى

الخوض في ھي فكرة ذات أھمیة قصوى عند الحكم على األشیاء ، أو أثناء Perspectiveأن فكرة المنظور

من زیدالمناقشات والحوارات ، فما یراه زید من منظور معین من شئ ما ، سیكون بالتأكید مختلفا عما یراه

مكاني ، أي أن العوامل المكانیة ، كالمسافة الطولیة، أو وقد یكون المنظور، نفس الشئمن منظور آخر مختلف

من ) أو ال نراه ( ن المنظور زمني ، أي أن ما نراه ، وقد یكو الرؤیةاإلرتفاع ، أو زاویة النظر ھي التي تحدد

القمر في بدایة الشھر ، یختلف تماما عما نراه منھ في اللیلة الرابعة عشر من الشھر القمري

بدوره في الرؤیة ویؤثر ، ومعدل الرطوبة ، یتأثر بدرجة الحرارة ، والضغط الجوي كما أن ھناك منظور مناخي

فما یراه المرء من مكان معین صحراء یباب ، وكثبان رملیة تسفعھا حرارة الشمس ، یراه ، التي تتم وفقا لھ

.واحة غناء ، ذات نخل وماء وأطیار ، في ظل ظروف مناخیة مختلفة ، من المكان عینھ ،المرء نفسھ

ھو الذي جعل شماس الكنیسة األسكتلندي ولیم برودي یسلك في النھار جدیر باالھتمام ف أیضا منظور النفسيالو

وباالمكان ،إدوارد ھاید ، قائد العصابة ، والمقامر وفي اللیل یتحول إلى مستر مسلك الدكتور ھنري جیكل ،

ان جعاله یقول حین سألھ الرسول صلى اهللا علیھ عمرو بن األھتم منظوران نفسی وغضبأیضا اعتبار رضى

ما كذبت .رضیت فقلت أحسن ما علمت ، وغضبت فقلت أقبح ما علمت : عن الزبرقان بن بدر سلم و

الفصل ، ویضع النقاط على ثم یأتي عبداهللا بن معاویة بمسك الختام والقول .أوال ، ولقد صدقت أخرا

6

واحد من الشعر بیت في النفسي في ھذا الخصوص ، فیلخص موضوع المنظور ، والبلسم على الجروحالحروف

: یقول

یاتبدي المساو ولكن عین السخط..... ین الرضا عن كل عیب كلیلة وع الناسیقسم وھو بئر معطلة ، بأنھ ھلكي ال یقال عن في ھذا الموضوع بدلوه یدليوالبد ألبي الطیب المتنبي أن

:في ذلك یقولفصغار ، وعظام ، وكل منھما یرى األشیاء بمنظوره الخاص ، : إلى قسمین

وتصغر في عین العظیم العظائم ..... وتعظم في عین الصغیر صغارهیصف نوعا من الریاح عندما ھوفل صولة وجولة في ھذا الموضوع ، یوللكاتب األمریكي الكبیر ھرمان ملف

یحدد بقاءك على قید الحیاة من ھو ما تسمى أوروكلیدون ، یقول أن المنظور الذي تنظر من خاللھ إلى ھذه الریح

:عدمھ

حین تحكم على ھذه الریح العاصفة التي تسمى أوروكلیدون فیجب أن تعین من أي الزاویتین تنظر

:إلیھا ، ألن االختالف بینھما ینشئ فرقا مدھشا في حكمك

ي ، أم أنت أأنت ترمقھا من وراء الشباك الزجاجي حیث یتجمع الصقیع كلھ في الجانب الخارج

ترقبھا من خالل النافذة العاریة التي ال إطار لھا ، حیث یتجمع الصقیع في الجانبین الخارجي

.والداخلي ، وحیث یكون شخص الموت ھو الزجاج الوحید ، وعندما یحترف ومیول خاصةكل حرفة أھلھا بطبائع معینة تؤثر الحرف والمھن كثیرا في أصحابھا ، فتصبغ

إلى مستوى عال ، تصبح الحرفة ھي العدسة التي ینظر من خاللھا إلى حرفیتھالمرء في مجال عملھ ، وتصل

اللؤلؤة عن صورة وشكل ما یراه ، ویحدثنا رائد الخیال العلمي جول فیرن، ویحدد منظوره الحرفي األشیاء

:فیقول وكیف تبدو لعدة حرفیین ،

وللكیمیائي ، ، وللمرأة ، عقد حول العنق، إنھا بالنسبة للشاعر دمعة من عیون البحر

ولعالم األحیاء ، إفرازات أحد ، خلیط من فوسفات وكربونات الكالسیوم وبعض الجیالتین

.أعضاء القواقع حسب ، معارضیھ وخصومھللعقید معمر القذافي ل بدت أختلفت الصورة التيوفي التاریخ السیاسي الحدیث ،

ومن قمل ، ومن منظور ثان یراھم ضالة ، ایراھم كالب فمن منظور معین :من خاللھ إلیھم نظرالمنظور الذي

ومن من أنتم ؟ فیقول لھمال یتعرف علیھم على االطالق ومن منظور رابع یراھم و، منظور ثالث یراھم جرذان

شعب آخر على أنھم رأىمنظور نفس ال، ومن تعیش في جزیرة بعض الشعوب خنازیر رأىمنظور معین

للقذافي لشعبھ ، فمن تتراءىبتعدد المناظیر تتعدد الصور التي . ، وأن بلدھم لیس أكثر من مربط للحمیرحمیر

7

نات خلفھن عمر المختار ب لیسوا إال المختار ، ومن منظور آخر یراھم ا للمجاھد عمرمنظور معین یراھم أحفاد

، وبتعدد المناظیر تباینت الصور التي تراءت لھ لنفسھ ، فمن منظور معین رأى نفسھ عربیا ، بل أمینا بعد وفاتھ

على القومیة العربیة ، ومن منظور آخر رفض العروبة وقال أنھ أفریقي ، ومن منظور آخر رأى نفسھ بأنھ لیس

أنا معمر القذافي القائد : رأى نفسھ بصفة مختلفة فقال معبرا عن ذلك ر حاكما أو رئیسا ، ومن منظور آخ

األممي وعمید الحكام العرب وملك ملوك أفریقیا وإمام المسلمین ، مكانتي العالمیة ما

.تسمحلي إني أنا ننزل ألي مستوى آخر

حالة خاصة من حاالت العمى ھو المنظور ھو العنوان الرئیسي ، وأن یمكننا القول أنبناء على ما تقدم ، ھل

؟ Blindness is special case of perspectiveمنظور ال

ع رأیھ في ھذا ستطالساراماغو ال خوزیھوأجواء مجاالتالحدیث عن العمى والعمیان إلى البد أن یجرنا

أم عاھة أم آفة ؟ أم إعاقة عجز یعتبره، وھل ، ومعرفة ما یعنیھ العمى بالنسبة إلیھ الخصوص

بروح متفائلة أن عالم العمیان لیس ملیئا باألشواك كما یتبادر إلى اذھان المبصرین، األدیب البرتغالي الكبیر یقرر

:بل ھو عالم ملیئ بالورود حتى حافتھ ، فیقول

8

.ربما أن األشیاء في عالم العمیان فقط ستكون على ما ھي علیھ بالفعل :لتعرف العمى والعمیان بالقول ) العمى ( زوجة الطبیب في روایة نطق وی

یرون، بشر عمیان ولكن ، بل أعتقد أننا عمیان، عمیانأصبنا بالعمىال أعتقد أننا

. یستطیعون أن یروا، لكنھم ال یرون :یقول ھو بالنسبة إلیھ ، ف ذا بالومن الواضح والجلي ، أن العمى ال یعني أمرا

.العمى ھو أمر شخصي بین المرء وعینیھ التي ولد بھما عندما یصف ساراماغوا العمى باألمر الشخصي بین المرء وعینیھ ، فإن طھ حسین یعده آفة ، وأھل مكة أدرى

وھو صغیر ویتطرق تعرض لھا ، ففي كتابھ األیام یصف تجربة قاسیة بعیونھم الناس ، والعمیان أدرىبشعابھا

:العمى ، فیقول ھا إلى الوصف الذي أطلقھ على في حدیثھ عن

: وإذا ھو یسمع أحد الممتحنین یدعوه بھذه الجملة التي وقعت من أذنھ ومن قلبھ أسوأ وقع

".أقبل یا أعمى"

ولوال أن أخاه أخذ بذراعھ فأنھضھ في غیر رفق وقاده إلى الممتحنین في غیر كالم ، لما صدق أن

إلیھ فقد كان تعود من أھلھ كثیرا من الرفق بھ وتجنبا لذكر ھذه اآلفة ھذه الدعوة قد سیقت

ومع ذلك فقد جلس . وكان یقدر ذلك وإن كان لم ینس قط آفتھ ولم یتخل قط عن ذكرھا . بمحضره

طلب أمام الممتحنین وطلب إلیھ أن یقرأ سورة الكھف ، فلم یكد یمضي في االیات األولى منھا حتى

: إلیھ أن یقرأ سورة العنكبوت ، فلم یكد یمضي في اآلیات األولى منھا حتى قال لھ أحد الممتحنین

" .أنصرف یا أعمى فتح اهللا علیك "

وقد كان ینتظر على اقل . وقد دھش الصبي لھذا االمتحان الذي ال یصور شیئا وال یدل على حفظ

ولكنھ أنصرف راضیا عن نجاحھ ، . ھ أبوه الشیخ تقدیر أن تمتحنھ اللجنة على نحو ما كان یمتحن

.ساخطا على ممتحنیھ، محتقرا المتحانھما

أما رھین المحبسین الذي ال یتذكر من األلوان إال األحمر بعد أن أصیب بالجدري وھو في الرابعة من عمره ،

:بروح تشاؤمیة لم یتركھ الجدري إال بعد أورثھ العمى ، ومع العمى جاء التشاؤم ، فیقولو

ونـقلت بفقدانكــــــم یھ..... ح ـقالوا العمى منظر قبی

تأسى على فقده العیون..... واهللا ما في الوجود شئ

9

:ویستدرك في موضع آخر ، فیرى النصف المملؤ من الكأس ، فیقول

أنا أحمد اهللا على العمى، كما یحمده غیري على البصر، فقد صنع لي وأحسن بي

.كفاني رؤیة الثقالء البغضاءإذ من لھا أیضا وسوسة ، ووسوستھا ال تقل إغراء وإغواء عن بریقھا ولمعانھا ، ولكن بسبب وإن للحلي بریق ،

نظر (رھین المحبسین أن الغواني یوظفن وسوسة الحلي في لفت األنظار نسىشعور حزین بفقدان نعمة البصر ،

:ن فیھ جمالھا وتألقھا ، فیقول إلیھن بنفس القدر الذي یوظف) الفكر

حمل الحلي لمن أعیا عن النظر.. ...ویا أسیرة حجلیھا أرى سفھا ویتذكر ما قالھ ، افكان یتفكر في حالھمورفیقاه متشبثان بھ ، في یده ، عصاالطریق بواسطة العالء تحسس أبو

: سلیم بن یزید العدوي

اـوقائد ذي عمى یقتاد عمیان..... دواء لھ داء ال ـــــــال لـــــــــــیا للرجبین الفینة والفینة یرتفع صوت لم تكن قیادة أبي العالء للمجموعة تسیر دون إرشادات وتعلیمات من رفیقیھ ، ف

:الحفر واألشواك ، فیرد علیھما منشدا من الوقوع في إیاه ھومیروس أو ملتون محذرا

ألني ضریر ال تضيء لي الطرق.. ...ومابي طرق للمسیر وال السرى :ثم یردف قائال

أبر لھ من كل خدن وصاحب..... عصا في یدي األعمى یروم بھا الھدى

طیور یشنفون آذانھم بشقشة طیور الدوري وسقسقتھا ، وما اكثر وھمتجوالھم في الخمیلة واصل عمیان ایبیل

، والوجود الذي ال یجد وجودا في محق جوارھاإلیفاء ب عن یغفلھي الجیران اللذین فالدوري في عزبة ایبیل ،

أراد أبوالعالء أن ینبھ رفاقھ بأن ال یزجروا الطیر .في نفوسھم وال یقابل بعطف ورحمة ایبیل ،أھل وعي

:، فقال لیتیمنوا بسنوحھا ویتشاءموا ببروحھا

شر القبائح بما وضعت فالظلم.. ...والتفجعن الطیر وھي غوافل حطت حمامة على غصن شجرة قریبة ، وطفقت تھدل وتنوح ، فمأل سجعھا أجواء الخمیلة ، فأستحث ھذا الجو

:قریحة أبي العالء فأنشد قائال

على فرع غصنھا المیاد..... أبكت تلكم الحمامة أم غنت واألصوات ھي مصابیحالصوت ھو رسول األذن والسمع مثلما أن الضوء ھو رسول العین واألبصار ،

یتحسسون طریقھم ویتلمسون ما یقابلھم فیھا ، أنساب كان عمیان ایبیل بینماف ،العمیان، وأذانھم ھي عیونھم

10

صوتا تكسر األوراق والفروع الیابسة تحت جسمھوأحدث منزلقا على األعشاب والحشائش إلى األجمة ثعبان

، جاورھم في األجمةذلك الشئ الذي وكنھ ماھیة وقفوا لیتعرفوا علىأستلفت إنتباھھم ، فتوأسماع العمیان المس

وھو یفح في على ساق شجیرة وأتلع بعنقھ في الھواء فاتحا فاه الثعبان ألتفوعندما أقتربوا من مصدر الصوت ،

أھذه یا أبا العالء ، : عند سماع عمیان ایبیل فحیح الثعبان ، قال ملتون .وجوھھم ولسانھ ذي الشعبتین یتشممھم

ھي ملكة الحیات التي أخبر بھا الحكیم جالینوس ، والتي قال أنھ إذا رآھا أو سمع فحیحھا امرؤ مات حاال ؟

:فقال أبوالعالء

م فیقتبســــفیستماح وال عل.. ...ماذا تریدون ال مال تیسر لي

بسوتحلبون سفیا ضرعھا ی.. ...م ــــأتسألون جھوال أن یفیدك، إنك التزال حیا ترزق ، وبقاءك على قید الحیاة ھو إجابة على ملتون یا رفیقي العزیز حال ولكن على أیة

قد أنتقد أبوالریحان ف، لیس من الحكمة في شئ اعتبار كل ما قالھ الحكیم جالینوس من درر الحكمة. سؤالك

:جالینوس لتصدیقھ خبر ملكة الحیات ، بقولھ البیروني

شعري من أخبر بمكانھا أو أخبر أمرھا إذا كان المطلع علیھا میتا ؟لیت

قد یتبادر إلى ذھن أحدھم بأن ھناك فیال في العزبة ولكن عمیان ایبیل أدركوا ان صوت تكسر األوراق

ه واألغصان الیابسة ال یمكن أن یحدثھ فیال من األفیال ، ولم یكونوا بحاجة إلى االستدالل على ذلك بما أورد

:الجاحظ في كتاب الحیوان حول خفة مشي الفیل بقولھ

ألن إنسانا لو كان جالسا ومن خلف ظھره فیل لما شعر بھ ، لخفة وقع قوائمھ ، مع

سرعة مشي وتمكین في الخطا

قد یلتبس األمر على الناظر إلى الثعبان وھو ملتف على ساق الشجیرة ، فیظن أنھ أمام عصا أسكلیبیوس فتطمئن

، فإذا كانت عصا بید أن االلتباس كثیرا ما یقود إلى األرماسنفسھ لمعرفتھ بالداللة التي تحملھا ھذه العصا ،

أسكلیبیوس ترمز إلى الدواء والشفاء ، فإن ثعبان ایبیل ال یحمل في أنیابھ إال العطب ، ویكاد یكون ھو ما ذكره

:النابغة الذبیاني في شعره

نضناضة بالرذایا، صل أصالل..... ن حیة ذكرماذا رزئنا بھ م

لیس ھناك أي وجھا من وجوه الشبھ بین ثعبان ایبیل والثعبان الذي ذكره الشاعر الفرنسي شارل بودلیر في و

:، التي یتغزل فیھا بحبیبتھ فیقول Le Serpent qui danseقصیدتھ األفعوان الراقص

11

فمن یرى وقع خطوك على جمال سجیتھ

ا ــــــیظن أفعوانا یرقص فوق رأس عص

كدر عیشھم ویعكر نفوسھم فجاء لی فیھاتنعم التيالبال وراحةمن األنس الذي فیھ العمیان ثعبان ایبیل تضایق

، وھو یمارس الشابيأبوالقاسم ، وكأنھ ذلك الثعبان المقدس الذي ذكره حیاتھم علیھم ھناءھم وینغص ھم وصفو

:رآه یرقص فوق األعشاب فلسفتھ على شحرور

رح، وفیض شباب ـا فیھ من مــم..... ال، فغمھــــــان الجبـــــــورآه ثعبتساوى عنده العین واألذن في إیفاء توأن بأذنھ یعشقبإمكان األعمى أن یكون من السھل أن یتفھم المرء كیف

:، وھو من أشھر العمیان بشار بن برد، فكما قال الواقع على ارضلما یجري ةبصور العقل

اــق قبل العین أحیانـواألذن تعش..... ي لبعض الحي عاشقة ـوم أذنـیا ق

األذن كالعین توفي القلب ما كانا..... قالوا لمن ال ترى تھوى فقلت لھم أو یحرك شفتیھ على اإلطالق فاهیفتح من بطنھ دون أن المرء یتكلم بھاأن نعي الطریقة التي من الیسیرو

Ventriloquism ، ولم ینبس ببنت شفة (ال یصبح للعبارة النافیة للقول أن في ھذه الحالةومن الطبیعي ( ،

عن الكالب تعبر بھا وأآذانھا بواسطة األفیال بھا تتخاطبأن ندرك الكیفیة التي عسیرا كما أنھ لیس أي معنى ،

لموجات الصوت ، ومن السھل استیعاب الكیفیة التي تتنصت بھا األسماكذیولھا مواقفھا ورغباتھا بواسطة

یصعب بواسطة خطوط جانبیة على أجسامھا ، إال أن تقبل فكرة أن یشتم الثعبان الروائح بواسطة لسانھ فھذا أمر

یتذوق الطعام بواسطة أنفھ ، إن كان لھ أنف ؟ عبان فما المانع من القول أن الث ، وإال ھضمھ وإمتصاصھ وتمثیلھ

12

في غمرة من فوق مبنى محكمة شمال بنغازي رجل یدعى عبداهللا الصابري تكلم، بمدینة بنغازي ذات مرة

: فقال ھ وإحتفاءه بالحریةتحماس

.ألول مرة من اتنین وأربعین سنة ، نشموا طعمة الحریة

نحن ؟بفمھ الروائحإذا كان الصابري یشم األطعمة بأنفھ ، فھل یتذوق ، فیبدو ظاھر ھذه العبارة محیرا للبعض

، وأن البعض یتصورھا كشجرة یجب أن تسقى بین الفینة دي المضرجة بالدماءتدقھ األی نعلم أن للحریة باب

في ھذه إذا سلمنا بأن للحریة رائحة ف جدید ، ولكنشئ أن یكون لھا رائحة فھذا وأما والفینة بدماء الشھداء ،

.لیس الطعم وإنما الشذا واألریج والعبق منھا ما یشتمالحالة

لدرجة فالبد أن تكون فرمونات الحریة ھي من الكثافة إذا كان الشم یتم عن طریق الفم وبالذات اللسان ، ولكن

الرائحة إلى وھكذا تحولت، عملیة التذوق فأنتجتمل أنھا حطت على حلمات التذوق في اللسان وحفزتھا للع

.والثعابین أصدق شاھد على ذلك فھي تخرج ألسنتھا ذوات الشعبتین ال لشئ إال لتشتم الروائح طعم،

الصابريھي األخرى كما قال طعمھا كانت األجواء تعبق برائحة الحریة فال ضرر وال ضرار من إشتمام إذا

ثم لماذا یتساھل الناس مع من یصف ،فبرایر 17ثورة ة بنغازي في األیام األولى من في ساحة التحریر بمدین

اكان یتذوق الجمال إینما وجده ، سواء في لوحة رسمھا فنان أو تمثاال نقشھ نحات ، أو نغم: بالقول رجال ذواقا

فزل لسانھ وقال بلبھ ، وأطاشت الثورة روح ترنم بھ مطرب ویشددون النكیر على رجل من عامة الناس أسكرتھ

طعم الحریة ؟ اھذه أول مرة أشم فیھ

.طعوم األشیاء ، وقد تكون تتذوق الروائح أیضا تعلموا من الثعابین فإنھا تشم أیھا السادة ،

13

، لیبیة حسناءوعند تحریر طرابلس من قبضة القذافي ، تكررت ظاھرة شم الحریة ، ولكن ھذه المرة من قبل

:لمراسلة قناة تلفزیونیة وھي تعبر عن مشاعرھا وفرحتھا بالخالص من حكم الدیكتاتور معمر القذافي قالت

.الحمد هللا . مبسوطین ، مبسوطین ، مبسوطین ، وشمینا الحریة

بالتأكید فھما ھذا الشئ أیا كان من الثعبان ووضع یده على رأسھ ، ولمس لسانھ ، ثم قال ، ھومیروسأقترب

.شعبتین ذات صغیرة شوكةال یعدو أن یكون وإنما، نابا فیللیس

:عند سماع أبوالعالء مقالة ھومیروس أنشد قائال

ارـــــــــن وشك، ألقمــــإن األھلة، ع..... راــــــــھ، قمــالل، إذا عاینتـــــسم الھ ارـــــــــا یلفظ، التلقیب، أغمــــــوإنم..... ن، إنھ لقبــــــــحجی: نــــــــوال تقول

ار؟ـــــــل وأسمــــــــل ذاك أباطیــأم ك..... ي، فنقبلھـــــن الحاكـول مــھل صح ق ارـــل غرس، لھ، بالصدق، أثمــوالعق..... ذبــــــــــھ كــول، فآلت أنـــا العقـــأم

ارــــود یجاوبھ، في الشرب، مزمـــع..... م الماضي، سوى حزنما ھاج، للحاز ارـــــــــاح، وفیھ الجن سمــقبل الصب..... راــــھل تعرف الماء، تغشاه القطا زم

ارـــــود وطول المكث، مسمـمن الھم..... اء حندسھـــــوان، في ظلمــأن كیـــــك ارــــــــومن یخیب، فإن الموت مضم..... ان بھــــن یرزق الحظ یسعد أین كـــم

إلى ابن حرب، والقى، الحتف، عمار..... دار صیرھاـــائب، والمقـــــــكانت عج ارـــــاق، أنمــــعین، وجول، في اآلف..... ا، ولم ترجع، إلى مضرـــــما فات أعی

ارــــھ أمــر بالشيء، ینھى عنــوالس..... ةــــيء، منافقـن شــــــینھى لسانك ع

14

نابيأطبق الثعبان بفكیھ على یده وشعر ھومیروس بوخز ، في وصف ملموسھ امستطرد كان ھومیروسبینما

.والحقیقة الكاملة یسریان في جسدهالسم وأخذالثعبان ،

:المتنبي شاھدا على خراب طروادة كما شاھده ھومیروس ، وھومیروس لیس المتنبي وإال لقال لم یكن

وتنكزني األفعى فیقتلھا سمي..... یحاذرني حتفي كأني حتفھ

: عما دھاه حتى یصرخ ھكذا؟ فقال أبوالعالء فسألھیده من فم الثعبان وھو یصرخ من األلم ھومیروسأنتزع

. الحمقى یھلكتھم حماقنتیجة و، فحتى األحمق یدرك ذلك بمجرد أن یصاب بأذى لقد أوذیت ،

.لقد منحت األقدار البشر روحا صبورة ، فكن ھادئا یا فؤادي ، فقد مر بك ما ھو أسوأ من ھذا

: أبوالعالءقال

ـنوس؟ ھیھات أن یعیش طبیب ..…أین بقراط، والمقلد جالیـ، سرقت األفعى عشبة الخلود من جلجامیش ، ملك أورك ، وھا ھي ھنا في ایبیل تسرق من ھومیروس مھجتھ

، ولم یتركھ السم ھومیروسالصغیرة ذات الشعبتین ماتت الحقیقة على لسان الشوكةمن لسان الثعبان أو تلك و

الكاملة ، في حین أن ثالثھما عرفھا ودفع ثمنا غالیا لھذه ذھل االثنان اآلخران عن الحقیقة . الزعاف لیكشفھا

نقل لسان الثعبان الحقیقة . فأحترقت بضوءه المصباحالتي أقتربت كثیرا من كالعثة ھومیروس كان .المعرفة

د إن ھذا یؤك. الكاملة لألعمى ، ولیس مجرد وجھا من وجوھھا ولكن التریاق أغتالھا قبل أن تعلن عن نفسھا

یصدق على ، و ستحررك الحقیقة ، ولكن لیس قبل أن تفرغ منك: دیفید فوستر واالس على ما قالھ

.في جوفھا عسل ، وفي ذنبھا إبرة : الحقیقة مثل النحلة إن: القدیمة القائلة الحكمة

15

من عبداهللا صالحعلي والدرایة بالرقص على رؤوس األفاعي التي مكنت الحكمة الیمانیة من لو كان لھومیروس

.بعزبة ایبیل أجمةعام ، لما لقى حتفھ ملدوغا في 33لمدة السعید حكم الیمن

، فقط من باب اإلنصاف یجب أن ننوه على أن علم ودرایة الرئیس صالح ال یقتصران على رؤوس األفاعي

غیر المقبولة فاألصوات النشاز، رؤوس البشروإنما یشمالن أیضا رؤوس البشر وعلى وجھ الخصوص حالقة

.یأتي اآلخرون ویحلقوھا لھم رؤوسھم قبل أن بوجوب حالقةتوجیھ الدعوة لشعبھ لم تمنعھ من التي كان یسمعھا

ھا الصراع حول أحقیة كل منھا مات ھومیروس ، فھل ستدعي سبع مدن فاحشة الثراء بأنھ أحد أبناءھا ویحتدم بین

قیة المدن ؟ینسب إلیھا وحدھا دون ب بأن

مات ھومیروس الذي لو قدر لھ أن یتواجد في ھذه المدن السبع لكان تواجده فیھا تواجد المتسول الذي یستجدي

ھناك سیدة عمیاء وتكاد أیضا تكون بكماء وخرساء یعرفھا التاریخ بید أنالناس الخبز في طرقاتھا وأزقتھا ،

وھذه السیدة ھي األمریكیة ھیلین كن الموت یعني لھا شیئا كبیرا لم ی في سجالتھ ،بمكان وثیر جیدا ویحتفظ لھا

:فتقول ، یغمر التفاؤل نفسھا الكبیرة كیلر التي

مرور من غرفة إلى أخرى ، ولكن لعلمك ، ھناك فرق عملیة الموت لیس أكثر من

.بالنسبة إلي ، ألنھ في الغرفة األخرى سأكون قادرة على الرؤیة

16

لم یكن یملك علم الیقین ، ولم یر بعین الیقین ، ولم یحصل لھ الذي فجع أبوالعالء وملتون في رفیقھما ھومیروس

بما عرفھ عن طریق التي أكتسبھامعرفة اللم تكن فالمعقول ، فر لھومیروس المحسوس ولكنھ أفتقدتو. حق الیقین

، بل كانت تصل إلى المعرفة الیقینیة في محفظة العقللثعبان مسبقة ل صورةل كامل بغیاب قرونةحاسة اللمس م

:ائي البریطاني الكبیر ستیفن ھوكنغ توھم المعرفة التي تحدث عنھ الفیزی

، بل ھو توھم المعرفة الجھل ھو ألد عدو للمعرفةلیس

:ال یعول كثیرا حتى على دور العقل في إكتساب المعرفة ، فیقول نفسھ الرازيو

الل ـوأكــثر ســعي العــالمین ض..... ـالــإقــــدام العقــــول عقـــ نھایـــــة وغایــــــة دنیانـــا أذى ووبـــال ..... اـوأرواحنـا فـي وحشـة مـن جسومن

وا ـسـوى أن جمعنا فیھ قیل وقال..... ولـم نسـتفد مـن بحثنـا طـول عمرنـا :ھومیروس ، فأنشد قائال موت بأراد أبوالعالء ان یعزي نفسھ

فإن حدیث القوم ینسي المصائبا..... إذا ما عراكم حادث ، فتحدثوا بجانب ضفة النھر انیسیر اعبر الخمیلة ، وأخذ ماملتون في تجوالھأبوالعالء وبعد رحیل ھومیروس ، أنطلق

عند . تدانیھا عظمة بعظمة ال ما، ویشعرھ ماإلى خریر المیاه الذي كان یحدث رنینا بداخلھ وھما یصغیانالعظیم

ملتون روائح الزھور التي أنبعثت من حوض زرعت فیھ عدة أنواع من شمربوة محاذیة لضفة النھر العظیم

، ثم قطف ثمان زھرات م روائحھا لحظة رحیلھا عن الغدد الرحیقیة تالزھور لیشأنحنى ملتون على . الزھور

واقفا في الھواء بوأنتص حوض الزھور حف ثعبان ایبیل إلىز للزھرة الثامنة ھقطف دواحدة تلو األخرى ، وعنال

17

، أمتدح فیھ خالل ملتون ووصفھا بالكریمة ، فصیح كالمب صار ینطقمتكیئا على ذیلھ ، وبدال من الفحیح

ا سمعھ ، وقال البد تعجب ملتون مم. وأطرى مناقبھ بشعر في غایة الجمال والعذوبة ، وبكلمات تنضح بالحكمة

،مما علمت رشدا لك یا سیدي أن تعلمن أوتي من الحكمة خیرا كثیرا، فھل أو رجال اكبیر اأن یكون المتكلم شاعر

. المحسنینإني أراك من

عندما سمع أبوالعالء مقالة الثعبان ، وحالوة لسانھ ، قال في نفسھ قد یكون ھذا ھو ثعلب صالح بن عبدالقدوس،

: یقول حمد بن عبد اهللا بن سلیمان التنوخيتذكر بیتا من الشعر ألثم

نعم: وقالوا صدقنا ؟ فقلنا ..... دعوا باطال وجلوا صارما

قائال ، سأعلمك مثلث المعرفة واألرض واإلنسان ، فھذه المعرفة إذا عرفتھا فقد على ملتون ثعبان ایبیل رد

ستكون مثلي تماما ، فأقترب مني لتنھل من معارفي، ولتغرف من معین عرفت كل شئ ، وبھذه المعرفة

.حكمتي

قد تختلف الثعابین فمنھا ما ینھش ، ومنھا ما یعصر ، ومنھا ما یلدغ ، ولكنھا في النھایة ھي كلھا ثعابین ، جلودھا

الفلسفة إلى تونس الخضراء لیتعلم في الماضي أرتحل قد ناعمة وأنیابھا تقطر سما زعافا ، وكأن ثعبان ایبیل

:الشحاریر وإنما على عمیان ایبیل ، ثم عاد إلى موطنھ لیمارس الفلسفة لیس على ھناكعلى نابي الثعبان المقدس

:ذابــــوأجاب في سمت، وفرط ك..... ازئــــــفتبسم الثعبان بسمة ھ البــــــــــــأرثي لثورة جھلك الث..... يـــــــــیا أیھا الغر المثرثر، إنن

اب ــــــــــجھل الصبا في قلبھ الوث..... ىـــــوالغر بعذره الحكیم إذا طغ يــــــشردت بلبك، واستمع لخطاب..... اــفاكبح عواطفك الجوامح، إنھ

يــــــــظلي، وخافوا لعنتي وعقاب..... ورىـــــــــأني إلھ، طالما عبد ال د األوابــــــــــفرحین، شأن العاب..... مــــــــموا لي بالضحایا منھوتقد

ابــــــــــیوما تكون ضحیة األرب..... اــــــــوسعادة النفس التقیة أنھ اب ــــــقدسیة ، خلصت من األوش..... ة ــھة بضعفتصیر في روح األلو

يـــــفتحل في لحمي وفي أعصاب..... يــــــأفال یسرك أن تكون ضحیت ي ـــــــــفي ناظري، وحدة في ناب..... اـوتكون عزما في دمي، وتوھج

؟ يــألوھتي وشبابوتصیر بعض ..... وتذوب في روحي التي ال تنتھي ابــــفي روحي الباقي على األحق..... اـــــــإني أردت لك الخلود، مؤلھ

يــأسمى من العیش القصیر الناب..... ھـــــــــــفكر، لتدرك ما أرید، وإن

18

لم یطمئن أبوالعالء لحدیث الثعبان عن ثالوث المعرفة واألرض واإلنسان ، وترجم ما جال في خاطره من

: فقال لرفیقھھواجس

فتستفید من التصدیق تكذیبا..... وال تصدق بما البرھان یبطلھ ،مدورا ناعما ، فوجده جلده وأخذ یتحسسالثعبان ، جسم، ومد یده فلمس مصدر الصوت من ملتون أقترب

إن . صلة ، وألول وھلة یبدو للمتلمس كما لو كان صحیفةبال یمت لألفیال فھو بالتأكید أیا كان ھذا الشئ: فقال

أصابعي تحدثني بأن ما ألمسھ قد یكون عنق طویل لشئ ما ، ومن المعلوم أن لیس للفیل عنق ، وقد نوه عن ھذه

:قائال ) مفتاح دار السعادة ومنشور والیة العلم واإلرادة ( في كتابھ الحقیقة العلمیة ابن قیم الجوزیة

لھ مقام الید في تناول العلف والماء ثم تأمل شفر الفیل وما فیھ من الحكم الباھرة فإنھ یقوم

وإیرادھما إلى جوفھ ولوال ذلك ما أستطاع أن یتناول شیئا من األشیاء من األرض ألنھ لیست لھ

ا كسائر األنعام فلما عدم العنق أخلف علیھ مكانھ الخرطوم الطویل لیسد مسده وجعل عنق یمدھ

قادر على سدلھ ورفعھ وثنیھ والتصرف بھ كیف شاء وجعل وعاء أجوف لین الملمس فھو یتناول

بھ حاجتھ ویحملھ ما أراد إلى جوفھ ویحبس فیھ ما یرید ویكید بھ إذا شاء ویعطي ویتناول إذا أراد

فسل المعطل من الذي عوضھ ومن الذي أخلف علیھ مكان العضو الذي منعھ ما یقوم لھ مقامھ

وینوب منابھ غیر الرؤوف الرحیم بخلقھ المتكفل بمصالحھم اللطیف بھم وكیف یتأتى ذلك من

) : قلت فإن ( .مھ وبارئھ ومبدعھ وفاطره ال آلھ إال ھو العزیز الحكیم اإلھمال وخلو العالم عن قی

واهللا أعلم بحكمتھ في : فما بالھ لم یخلق ذا عنق كسائر األنعام وما الحكمة في ذلك ؟ قیل

مصنوعاتھ ألن رأسھ وأذنیھ أمر ھائل عظیم وحمل ثقیل فلو كان ذا عنق كسائر األعناق النھدت

مؤنة وخلق رقبتھ بثقلھ ووھنت بحملھ فجعل رأسھ ملصقا بجسمھ لئال ینالھ منھ شئ من الثقل وال

ولما طالت عنق البعیر للحكمة في ذلك صغر . لھ مكان العنق ھذا المشفر الطویل یتناول بھ غذاءه

رأسھ بالنسبة إلى عظم جثتھ لئال یؤذیھ ثقلھ ویوھن عنقھ فسبحان من فاتت حكمھ عد العادین

.وحصر الحاصرین أي فیل، ولكنني أظن أنھ لیس ھناك elephant in the room الغرفةھناك فیال في : یقول اإلنجلیز في أمثالھم

وكأن لسان . مفرطا في نعومتھوإن كان ، اغلیظ حبالأن یكون ال یعدوإن ما ألمسھ وأحسھ . في ھذه األجمة

ھل تریدني أن أصدقك وأكذب أصابعي ؟: یخاطب أبا العالء ویقول ھحال

Inputاألصابع ھي المجسات التي تمارس بھا حاسة اللمس وظیفتھا ، وباإلمكان أن تكون أجھزة إدخال

devices كما في عملیات التحسس االعتیادیة ، ویمكنھا أیضا أن تكون ) العقل ( لوحدة المعالجة المركزیة

19

یحدث عند العزف على آالت افي حالة سیف اإلسالم القذافي ، أو كم كما Output devicesأجھزة إخراج

.البیانو ، والكمان ، والعود فإن تدفق المعلومات في ھذه الحالة یكون عكسیا

تمترس ملتون خلف أصابعھ ، وظن أنھا الوسیلة الوحیدة لتلقي المعرفة كما ظن سیف اإلسالم القذافي أنھا

بأي حق یا : تقول لھ اإلیھ ، وكأنھ مرتدةابعھ األخرى وأص الوسیلة الفعالة إلیصال الحقیقة ، فلوح بسبابتھ كثیرا

لنفسك بذلك تعطيفأفألنك فرخ من أفراخ الصقر الوحید تلوح بسبابتك وتھدد وتتوعد ، وبأي صفة ، أصبع الشر

عبر إلیك من یإن یدك وسبابتك الممدودتین ستكونان القنطرة التي سالحق بأن تطوي لیبیا كلھا تحت جناحیك ؟

من العقل مثل ما لم یكن ألبیك ، ألتبعت نصیحة لك ، ولو كان المصائب والرزایانصیبك الذي تستحقھ من فوقھا

:ضریر بمعرة النعمان عندما قال

فالعقل خیر مشیر ضمھ النادي. ....فشاور العقل واترك غیره ھدرا

لم یكن مطلعا على أشعار كن ملتون ، وللیونة ملمس األفاعي قدیم الزمان من منعنترة بن شداد نالقد حذر

:تتبسم وف الذي یشبھ بریق ثغر عبلة حین، وإال لتذكر لمعان السیعنترة

20

عند التقلب في أنیابھا العطب..... إن األفاعي وإن النت مالمسھا في فیرنر ھزنبرغ عندما أبدى شكوكھ لیس فقط Uncertainty Principleلقد صدق صاحب مبدأ عدم الیقین

:تجلیات الطبیعة لنا عندما قال في تحدید الزخم الحركي للفوتونات وأماكن تواجدھا ، بل أیضا

یجب أن نتذكر أن ما نشاھده لیس الطبیعة بذاتھا ، ولكنھا الطبیعة المكشوفة إلى منھجنا

.في التساؤل

ھي فالبصیرة أما الرؤیة بالعین ، البصر ھو من البصر ، وعینا ثالثة تمكنھ من الحدس ، ف نھتمكنالإلنسان عینان

: ، وقد قال أعز من قائلالرؤیة بالقلب اإلبصار و

.فإنھا لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور

.ھو نقیض العلم إن عمى العیون ھو اإلنكار الذي ھو نقیض المعرفة ، ولكن عمى القلوب ھو الجھل الذي

، ، والتألیف ، والتجرید ، وجافى عقلھ ، فإنھ بذلك سیفتقد إلى القیاس ، والمضاھاة إذا أتكل المرء على حواسھ

والتصور ، والتذكر وھي آلیات عقلیة بحتة ال یمكن للساعي إلى المعرفة أن یدرك إال بواسطتھا ، والذي یستغني

:لكنھ ال یستطیع الوصول إلیھا ، أو كما قال رھین المحبسین عن عقلھ ھو كمن یملك وسیلة النجاة و

والماء فوق ظھورھا محمول..... كالعیس في البیداء یقتلھا الظمأ

، فالبد أن یكون Blind Spotأبصارھم تسمى البقعة العمیاء تدركھاال كان في مجال إبصار المبصرین بقعةإذا

إن العمى بحد ذاتھ مشكلة عویصة ، ولكن إذا ) . الكشفبقعة ( في ظلمة العمى بقعة نیرة ، یجب أن تسمى

البصیرة ، فعندئذ یمكن وصف ھذه الحالة بأنھا نازلة من النوازل ، أو طامة إنطماسأضیف إلى عمى البصر ،

على أن العمى إذا كان ھنا ونة ملمس األفاعي ، فھا ھو یؤكدوكما حذرنا عنترة من اإلغترار بلی .من الطامات

:ھو عمى العیون فھو لیس بعائق للرؤیة

والخرس لو كان في أفواھھم نطقوا..... فالعمى لو كان في أجفانھم نظروا

، وأنتھت بذلك رحلتھ في إلیھولو أتوا بھا تمائم األرضلم تعد تنفعھ جمیع ف، أنشب الثعبان ناباه في ید ملتون

لقد خانتھ حاسة لمسھ في الوصول إلى معرفة یقینیة ، ولكن إمتزاج تریاق الثعبان .البحث عن فردوسھ المفقود

بدمھ خلق حاسة جدیدة أستطاع عن طریقھا الوصول إلى الحقیقة ، وإن كان الوصول إلیھا قد أتى متأخرا جدا ،

، ومعنى ھذا المثل متوافق إلى من النادر أن تأتي النوائب فرادىثل اإلنجلیزي ، یقول الم. وبدفع ثمن غال جدا

: أحمد بن عبد اهللا بن سلیمان بن محمد بن سلیمانحد ما مع قالھ الشاعر العربي

وإما توالت في الزمان تولت.. ...نوائب، إن جلت، تجلت سریعة

21

: قائال نفسھ ملتونبما یشبھ الھمس ، ناجى

وداعا أیھا األمل ، ومع األمل وداعا . الموت ھو المفتاح الذھبي الذي یفتح قصر األبدیة

ومن النعیم ، نعیما أن یصنع بداخلھ من الجحیم یستطیع العقل بحد ذاتھإن . أیھا الخوف

على العواطف والرغبات والمخاوف ، فھو أكثر سیطرمالمن ھو سید نفسھ ، .جحیما

.ألفضل أن یكون المرء سیدا في الجحیم على أن یكون خادما في النعیم من ا. من ملك فجیعتھ في نفسھ بالمقارنة إال أن ذلك لم یمنعھ من التقلیل من أجلھعلى الرغم من لدغ الثعبان لھ ، وشعوره بدنو

:، فقال من أھمیة للعقل من ضرر ، لما لھ قد یصیب الكتاب مع ما

یقتل مخلوقا عاقال ، صورة اهللا ، ولكن ذلك الذي یدمر كتابا جیدا ، من یقتل رجال فھو

.فھو یقتل العقل نفسھ

لقد كان الساكن الذي . Lost Inhabitant of Paradise، فكان ھو المفقود بالنسبة إلیھا ایبیل رحل ملتون عن

.أفتقده الفردوس

ایبیل ، وأدرك أن ملتون قد أخطأ في حساباتھ وتقدیراتھ ، وبرحیل ملتون ألفى أبوالعالء نفسھ وحیدا في عزبة

وإن كان ھو اآلخر یدرك بأنھ أیضا بعید عن التقدیرات الصحیحة للموقف الذي كانوا فیھ ، وللحالة التي مرت

:بھم ، فقال وكأنھ یؤبن ملتون

كما اختل في وزن القریض عبید... ..وقد یخطئ الرأي امرؤ وھو حازم بان في الطریق ألبي العالء ، وأماط اللثام عن نابیھ ، وكأنھ كان ینظر إلى العمیان الثالثة وكأنھم ثالثة قعد الثع

، ولم یعد أبوالعالء یمثل في نظره سوى ثور أحمر یجب إخالء األجمة منھ ، وإلحاقھ أثوار كن في أجمة

أیا كان ھذا : ، فقال ، مدبب الطرف رقیقا بذیل الثعبان فألفاه جاسئا أبوالعالءأمسك . بالثورین األبیض واألسود

الشئ ، إنني أستبعد أن یكون ھذا لسمعنا نھیمھ عیثوما أو زندبیال ، ولو كان فیالدغفال أو أو الشئ فھو لیس فیال

أبرك محمود ، فلم یستطع أن : لھ قائالنفیل بن حبیب الخثعمي ، في أذنھ ھمسالعباس الذي ي أب یتحدر من نسل

ومقابل ذلك ضحكني قم دلكني ،: ، لقالت لھ نملة فیال ھذا لو كان. یتقدم خطوة واحدة بإتجاه بیت اهللا الحرام

:ثم أنشد قائال ، )كما أمطر المطر (

أقصى اجتھادي أن أظن وأحدسا.. ...أما الیقین فال یقین وإنما

22

ھناك ما لیسف ، فرقعتھفض بقوة لسمعنا أنھ لو ن أحسب، وإنني أشبھ بالسوط الشئ ھذا: أردف أبوالعالء قائال

وبینما كان أبوالعالء یتحسس ذیل حاجز الصوت وھو على األرض ،ل ھقاخترا أكثر منعلى وجود السوط یدل

كانت تتحسس الذیل وتظنھ سوطا بإمكانھ إختراق وعض الید التي إلى الوراء برأسھ الثعبان ، ألتوى الثعبان

.حاجز الصوت

ثعبان ایبیل ید أبي العالء ، فأدرك ما أدركھ رفیقاه قبلھ ، ولكنھ تماسك ، ولم یجزع ، وقال رحم اهللا أبا نھش

:الطیب ، القائل

عضاض األفاعي نام فوق العقارب..... إلیك فإني لست ممن إذا اتقىأن لم ینم أبوالعالء فوق ظھور العقارب بعد أن عضھ ثعبان ایبیل ، ولم یلم الثعبان على ما فعلھ بھ ألنھ كان یدرك

العض والنھش واللدغ ھو الطبع الذي جبلت علیھ الثعابین ، ولو أكتفى كل ثعبان بالبقاء في جحره لما عض أحد

ا أرادت أن تقتات بأي شئ آخر سوى التراب ، وهللا در المعري أحدا بالنیابة عنھ ، فالبد لھا أن تروح وأن تغدو إذ

:الضریر القائل

سوى بیتھ، یقتات ما عمر التربا..... إذا كف صل أفعوان، فما لھعلى الخلیل بن القول ، ولو عرض ھذا یقال عرف الحق فأقر بھ ، وعرف الحق فأنكره ، وعرف الحق فكفر بھ

:الفراھیدي لصاغھ بشكل آخر یتناسب مع عبقریتھ وذكاءه وإبداعھ ، فقال أحمد

، ورجل یعرف وال عالم فاتبعوه فذلك رجل یعرف ویعرف أنھ یعرف ، : الرجال أربعة

، ورجل ال یعرف ویعرف أنھ ال یعرف ، فذلك فأیقظوه نائم، فذلك أنھ یعرفیعرف

.جاھل فارفضوه ، ورجل ال یعرف وال یعرف أنھ ال یعرف ، فذلك فأرشدوه مسترشد، فعرف وأقر بعقلھ بعد أن تغلغل تریاق الثعبان في جسده، ولكنھ أدركھا بحاسة لمسھلم یدرك أبوالعالء المعرفة

:بأن علتھ لیس منھا براء ، فقال یصف حالتھ

ا إجراؤھافي الدھر لم یطلق لھ. ....مالي غدوت كقاف رؤبة قیدت

اـــــــــأعیا األطبة كلھم إبراؤھ.. ...ة ـــــأعللت علة قال وھي قدیم :ثم أردف قائال

وال حیاتي فھل لي بعد تخییر. ....ما باختیاري میالدي وال ھرمي :عندما لفظ أبوالعالء أنفاسسھ األخیرة ، لفظ معھا بیتا من الشعر یقول

جنیت على أحدوما .. ...ھذا جناه أبي علي

23

ھذه حنا مینھ، وقد عرف أجھز ثعبان ایبیل على أبي العالء أنسل عائدا إلى جحره ، منزلقا على بطنھ بعد أن

، ولكن عمیان ایبیل لم عرف اللھ كید األفعى فوضع رجلھا في بطنھا: فأكد علیھا بقولھ الحقیقة

، في عروقھم مجرى الدم لیدركوا ذاتھ ، وعلموه فأدركوا أحوالھ بعد أن جرت آثارهیعرفوا الثعبان حق المعرفة

كان في ھیئة الثعبان وھو یتلوى على أرض العزبة . إال بعد فوات األوانلنیل علم لم یكتسبوه فقدموا حیاتھم ثمنا

:التنوخي سلیمانبن نوعا من الشماتة والتشفي ، وكأن لسان حالھ یردد ما قالھ أحمد بن عبداهللا

فما أدركوا غیر لمح البصر..... وا مكاني وقد فتھم ـتعاط

كما نبح الكلب ضوء القمـر..... وقد نبحوني وما ھجتھم سمع في أجواء األجمة صوتا عالیا لشاعر ینشد بعض األشعار ، وقال بعض العارفین أن ھذا ،بعد موت العمیان

:ضحیة إلدراكھم الحسي ومعرفتھم الظنیة ، وتقول ھذه األبیات ایبیل الذین قضوا الصوت ھو لروح أحد عمیان

ا وتدارــــــــــــــفیھ تدبر كلھ..... ىــــــــــاللب قطب، واألمور لھ رح دارــــــوكذا األھلة عقبھا اإلب..... اق مآلھـــــــــــوالبدر یكمل، والمح

دارـــــفاللیث یستر حالھ اإلخ..... ةــــــإلزم ذراك، وإن لقیت خصاص دارــــــــأن الرواح یحم فیھ ق..... دتــــــــــلم تدر ناقة صالح، لما غ

فالمرء، لوال أن یحس، جدار ..... كوائن ھذي الشخوص، من التراب دارــــتعطي وتملك، ما لھ مق..... اـــــــقلیل، وكل موتضن بالشيء ال

دارـــــفالعبید، لربنا، وال! مھ..... ول، وأعبديـــویقول داري، من یق ویكون، من تلف، لھم إصدار..... رـــــكم یرد، الحیاة، معاش! یا إنس

دارــــــــإن الزمان، كأھلھ، غ..... اــــــــــأتروم من زمن وفاء مرضی دارـــــوتقدرون، فتضحك األق..... رــــــــــتقفون، والفلك المسخر دائ

باهللا وما توفیقي إال

فرید أبوسرایا

ھـ 1436 رمضان 1م الموافق 2015 یونیو 18، الخمیس