-١-

-٢-

تصميم الغالف عبد العزيز حممد

-٣-

مجعه وحققه

دققه لغويا

أخرجه ونفذه

منشورات اهليئة العامة السورية للكتاب

م٢٠١٣ دمشق - وزارة الثقافة

-٤-

طبعة األوىلصدرت ال م١٩٣٥ -هـ ١٣٥٣عام

مطبعة ابن زيدون بدمشق

تأليف حممد سعيد العريف؛ مجعه وحققه / موجز سرية خالد بن الوليد

اهليئـة : دمشق -.حيدر حممد سعيد العريف؛ دققه لغويا عادل هواس . سم٢٤ص ؛ ١٤٤ -.م ٢٠١٣العامة السورية للكتاب،

)١٩٣٥صدرت الطبعة األوىل عام (

ع ر ف م٩٥٦,٠٣ -٢خالد بن الوليد ع : ٩٢٣,٥ -١ العريف-٥ العريف -٤ العنوان -٣

مكتبة األسد

-٥-

املغفور له العالمة السيد حممد سعيد العر

ــم يــصل « ــي بنعمـاه ل ــا وكـم طالــب رق ــرئيس املعظمـ ــان الـ ــو كـ ــه ولـ »إليـ

» ق الحــر ــل بـ ــا كـ ــستفزنيومـ ــا يل يـ ــن األرض أرضــاه منعم ــل م »وال ك

»اجلرجاني«

-٦-

-٧-

حملة عن حياة العالمة

السيد حممد سعيد العر

هـ الموافق ١٣١٤ولد في مدينة دير الزور قاعدة محافظة الفرات عام .م إثر مرض عضال١٩٥٦هـ الموافق ١٣٧٥م وتوفي فيها عام ١٨٩٦

:حياته العلمية

، وحصل على شهادة الدراسة الرشدية )الكتاب(أ القرآن الكريم في قرأجازه الشيخ حسين األزهري ). وهي تشمل المرحلة االبتدائية واإلعدادية(

مفتي محافظة الفرات، ومحدث الشام الشيخ بدر الدين الحسني في دمشق، ادة والشيخ محمد السحيمي الشرقاوي المعروف بالشيخ محمد النجدي شيخ الس

.الشافعية في مصرم عضوا في المجمع العلمي العربي بدمشق، كان ١٩٤٢انتخب عام

خطيبا مفوها وكاتبا بارعا يجيد اللغة التركية إجادة تامة، ويلم باللغتين .الفارسية والهندية

سر انحالل األمة العربية (كتاب : ترك عدة مؤلفات، المطبوع منهاقبسات من (وكتاب ) مبادئ الفقه اإلسالمي، العبادات(وكتاب ) نووهن المسلمي

هتلر (وكتاب ) فكر العالمة العرفي، وهو مجموعة رسائل وخطب ومقاالت ).المقاالت الدينية(وكتاب ) والعرب المسلمون

-٨-

اللغة العربية رابطة (ومحاضرة ) بماذا يتقدم المسلمون(ومحاضرة ).جز األخالق المحمديةمو(ومحاضرة ) الشعوب اإلسالمية

).موجز سيرة خالد بن الوليد(وهذا الكتاب الذي طبع سابقا

، )رياض الصالحين(جزآن من شرح موسع لكتاب : والجاهز للطبع ).المقاالت الدينية(، وتتمة كتاب )سيرة خالد بن الوليد(وكتاب

وفقدت له عدة مؤلفات مخطوطة أشار إلى ذكر بعضها في مؤلفاتهالنقد الصريح لترجمة (وكتاب ) تفسير القرآن الكريم: (المطبوعة منها

وكتاب ) وسائل االستعباد ودسائس األوروبيين(وكتاب ) البخاري والصحيحوكتاب ) تاريخ دير الزور(وكتاب ) تقمص الخوارج في المذاهب اإلسالمية(ن أفتى بكفر الرد على م(، ورسالة في )تذكرة نائب(وكتاب ) ثروة النحاة(

البائس (، ورواية )العصر المظلم(، ورواية )العروض(، ورسالة في )الفالسفة ).الشرقي

وأثناء وجوده في القاهرة قام بتحقيق كثير من الكتب وتصحيحها : والتعليق عليها منها ما كتب اسمه عليها ومنها ما لم يكتب، نذكر بعضها كـ

للخطيب البغدادي، ) اريخ بغدادت(البن األثير، و) الكامل في التاريخ(الروض النضير شرح (وله مقدمة على كتاب . البن يعيش) المفصل(و

للقاضي شرف الدين السياغي الصنعاني، وتعليق على ) مجموع الفقه الكبير ).ترجمة واسعة لإلمام البخاري(وكتب . للنووي) بستان العارفين(كتاب

) الدين والحياة اليومية(نها وتوجد له محاضرة مسجلة بصوته عنوام وقد أذيعت من محطة ١٩٥١ألقاها في دار المعلمين العليا ببغداد عام

.اإلذاعة العراقية عدة مرات

-٩-

ولم ينقطع عن ، كان رحمه اهللا من المنادين بإلزامية التعليم وبمجانيته .إلقاء الدروس المجانية الخاصة والعامة طوال حياته

على جمع كلمة المسلمين، وعلى تحرير الفكر اإلسالمي عمل العرفي .وجعله يتماشى مع متطلبات العصر الحديث

:حياته السياسية

م التي قامت ١٩١٩ساهم في الثورة العربية الكبرى، وفي ثورة عام وحارب الفرنسيين حربا ال هوادة فيها، . بدير الزور ضد االستعمار البريطاني

نطاكية التابعة للواء اسكندرونة، ثم إلى مصر وذلك من عام فأبعدوه منفيا إلى إم وبعد عودته من منفاه لم ينقطع عن محاربة ١٩٣١م حتى عام ١٩٢٢

.الفرنسيينم نائبا في المجلس النيابي السوري عن مدينته دير ١٩٣٦انتخب عام

.الزور، وكانت له مواقف وطنية مشرفةبية المنعقد في مكة المكرمة عام كان عضوا في مؤتمر الوحدة العر

م المنعقد لبحث القضية ١٩٣٧م وعضوا في مؤتمر بلودان عام ١٩٢٢الفلسطينية، وعضوا في المؤتمر البرلماني العالمي المنعقد في القاهرة عام

.م١٩٣٨

:حياته الوظيفية

ثم . ثم ضابطا في الجيش التركي) النول(بدأ حياته عامال للنسيج على سا فمديرا للمكتب السلطاني وكلف مديرا للمعارف بالوكالة بدير الزور، مدر

نيوعمل محاميا للخزينة وكلف بمديرية مالية دير الزور بالوكالة، ثم عالمدرس األول بدير الزور، ثم عين رئيسا للجنة األوقاف في الفرات

-١٠-

بدير الزور، ثم مارس والجزيرة وكان ممثال لألوقاف لدى المحكمة الشرعيةم انتخب مفتيا لمحافظة الفرات خلفا ألستاذه العالمة ١٩٣٩وفي عام . المحاماة

م عضوا في المجلس اإلسالمي ١٩٥٠الشيخ حسين األزهري، وانتخب عام وكان رئيسا لمجلس أوقاف . م رئيسا له١٩٥١األعلى في سورية وانتخب عام .لكبير بدير الزور ثم في الجامع الحميديدير الزور وخطيبا في الجامع ا

:حياته االجتماعية

قام ببناء الكثير من الجوامع والمدارس والمكتبات ودور األيتام كان يحب . والجمعيات الخيرية وغير ذلك من األعمال والمشاريع النافعة

الفقراء والمساكين ويعطف على األيتام، ويعمل على قضاء حوائج الناس .ومتطلباتهم

كان مصلحا اجتماعيا وثورة على الظلم والفساد والنزعات الجاهلية والشعوبية، وحربا على الجهل والفقر والتخلف وعلى الربا والمرابين، وكان له فضل في محاربة البدع والخرافات والجمود والتعصب المذهبي، وتغيير

.كثير من العادات السيئةاقات وصالت مع الكثير من علماء زار معظم البالد العربية وله صد

وامتاز العرفي بإخالصه ووطنيته . ورجاالت العالم العربي واإلسالمي .وجرأته وصراحته وثباته على الحق وسمو تفكيره وسعة إطالعه

-١١-

P الحمد هللا رب العالمين والصالة والسالم على محمد سيد المرسلين

.وعلى آله األطهار وصحبه األخيار

المحرم ١٠إني بعد تبعيدي الثاني عن وادي الفرات في أما بعد فهـ ومرور أربعة أعوام على ذلك تمكنت من االنفصال عن دار ١٣٤٤

مقاما ووجدت حرية »القاهرة«اإلقامة الجبرية إلى الديار المصرية فاتخذت لنشر بعض آرائي وأفكاري، وهناك تعرفت بفضيلة األستاذ الشيخ محمد منير

السلفي صاحب اإلدارة المنيرية وقد جاد علي بالسماح في االستفادة الدمشقيمن إدارته وما تحتوي عليه من الكتب القيمة، فخطر لي أثناء كتاباتي في

أن أجمع حياة عظماء األمة ) رياض الصالحين (السنة والسيما عند شرحيتها في ذي فبدأت في كتابة سيرة سيف اهللا خالد بن الوليد المخزومي فأكمل

هـ، وجرت بيني وبين فضيلة العالمة الكبير والمؤرخ ١٣٤٨القعدة عام العظيم الشيخ عبد الوهاب النجار بشأن ساللة خالد مذاكرة على صفحات

هـ والذي بعده، عندئذ رغبني فضيلة ١٣٤٩ ربيع الثاني سنة ١٥األهرام في قاء محاضرة مختزلة األستاذ الجليل العالمة السيد محمد الخضر حسين في إل

في شهر شوال »جمعية الهداية اإلسالمية«من هذه السيرة المطولة فألقيتها في هـ ونشرت في العدد األول من المجلد الرابع من مجلة الهداية ١٣٤٩عام

.اإلسالمية وعددين بعده

-١٢-

أما اآلن فقد طلب إلي بعض اإلخوان جعل المحاضرة كتابا يزاد عليه صل على أن يطبع على حدة كي تسهل مطالعته وال يمل منه قليل من األ

»موجز سيرة خالد بن الوليد «القارئ فأجبته إلى تدوين ما رغب فيه وسميتهولقد اجتهدت كثيرا في تخفيف المصادمة مع تيار العادات التي أصبحت

ين بمرور األيام عقائد راسخة، سائال من ذوي النهى من أحرار علماء المؤمنأال يؤاخذوني فيما جاريت فيه شأن جميع المؤلفين، ألن الحق مر طعمه ونشره مجردا يكون عديم الفائدة عند من لم يألفه وهم األكثرون، ولكني أستعمل الرمز في الحقائق اعتمادا على ظهور الحقيقة عند أدنى تأمل صحيح،

فإن الحر تكفيه اإلشارة ؟

هـ١٣٥٣ رمضان ٢٧اء األربع: دير الزور

محمد سعيد العرفي

-١٣-

m

إن من أعظم مزايا األمم حفظها تاريخ مجدها السالف وعزها القديم ليكون ذلك نبراسا يهتدي به الخلف ومحجة يسيرون عليها وقدوة يأتمون بها

مخ ودستورا يعملون بموجبه والسيما األمم ذات المجد الرفيع والشرف الشاوالفخر العظيم كاألمة العربية التي لها من ماضيها الجليل ما يمأل ماضغي

ورجالها السابقين عظمائها األقدمين عند المفاخرة مآثر المباهي إذا عد.

شرف لألمة العربية على األمم األخرى قاطبة هو ظهور أعظم وإن من هذه األمة العريقة بالمجد B أشرف الخلق وسيد الرسل سيدنا محمد

وذات السؤدد القديم ولهذا كان عصره أفضل العصور وأصحابه أفضل الناس، فعلينا إذن أن نتحرى معرفة سيرهم لنقتدي بها ونقتفيها كي نعود إلى

.الطريق التي ضللناها حتى شططنا عن سواء السبيل مسافات شاسعة

ى الجادة التي كانوا عليها فذلك ال يكون إال بتدقيق وإذا شئنا الرجوع إلأحوال أصحابه الكرام ومعرفة تاريخهم المجيد والدراية بما كانوا عليه وما قاموا به من األعمال العظيمة ألن إشراق نور النبوة عليهم من كثب صيرهم ال

والسيما أنهم أدرى الناس بمعاني يحيدون قيد شعرة عن إتباع نهجه واقتفاء هديه كتاب اهللا ألنه نزل بلغتهم، وأعلمهم بالسنة النبوية ألنهم عملوا بها في حينها

وجاهدوا في سبيل الحق حتى أفسحوا لنا مجاال Bوتلقوها رأسا من صاحبها

-١٤-

ثابت ذلك وبنوا لنا مجدا ال نزال نرتع فيه بل نسعى في تقويضه، وهو برغم .)١()إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون(: وطيد األركان لتحقيق قول اهللا تعالى

ال شبهة في أن ما أصاب المسلمين عامة والعرب خاصة من االنحالل والضعف لم يكن إال لعدم معرفتنا ماضي أمتنا الزاهر وإلهمالنا الطريق التي

ار عليها السلف، فتركنا العمل إلعالء كلمة اهللا وتقديس الحق وكل ما يتعلق سبه ورضينا الذل واستكنا لالستعباد ولم نأنف من الخضوع لعبيد آبائنا ففارقتنا

.البسالة والشهامة وهما أحسن حلية ألسالفنا الكرام الجامدين يعد معرفتها عارا ومن الغريب أنا ال نهتم بالسير، وبعض

ونقصا فال نكترث بها ولو من طريق معرفة المجاهدين كي نتعلق بالشجاعة فقد روى . األدبية بعدما عجزنا عن الشجاعة المادية ألنهما صنوان ال يفترقان

كان يعلم بنيه : عن سعد بن أبي وقاص أنه) سيرته(نور الدين الحلبي في يا بني إن هذه شرف آبائكم فال : ومغازيه وسراياه، ويقول Bالنبي سيرة

علم : - شيخ اإلمام مالك - بل قال محمد بن شهاب الزهري. تنسوا ذكرها .المغازي هو خير الدنيا واآلخرة

وبما أن من أجل قادة الصحابة الذين دارت عليهم معظم الحروب والعراق هو خالد بن الوليد المخزومي سيف اهللا المسلول، فإنا كالردة والشام

نتكلم عن حياته وسيرته بصورة موجزة كي يطلع العرب والمسلمون على فنسترجع ذلك العز سيوف أولئك األبطال لعلنا ننتبه المجد الذي كانت تدعمه

ى لنا إعادة حرية األمة إذا لم نقدر على إذا تأسينا واقتدينا بهم، عسى أن يتسنإعادة ما اندثر من مجد وسلطة تبوأتها أمتنا قرونا طويلة ورقت بها على

.العالم أجمع

.٩ اآلية :سورة الحجر) ١(

-١٥-

نسب خالد

خالد بن الوليد بن المغيرة بن : هو أبو سليمان ويكنى أبا الوليد أيضا، B وبه يجتمع مع رسول اهللا. ظة بن مرةعبد اهللا بن عمر بن مخزوم بن يق

لبابة الصغرى بنت الحارث من بني هالل بن عامر وهي أخت : وأما أمه فهي المؤمنين وأخت لبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب وأم ميمونة أمأوالده الفضل وقثم وعبد اهللا وعبد الرحمن، وأخت أسماء بنت عميس

ها، تزوجت أسماء جعفر بن أبي طالب فولدت له عبد اهللا ومحمدا مخثعمية ألالتزوجها أبو بكر فولدت له محمدا فلما ) مؤتة(وعونا فلما استشهد في غزوة

فمن هذا تظهر عالقة . مات عنها تزوجها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى .حسوس أصالخالد بالهاشميين ولكن لم يظهر لها أثر م

:ية من الحقوقلها في الجاهل أسرة خالد وما

عير التي من أجلها يدلك على مكانتها أن قريشا لما طلبت تخليص الجاء األخنس بن شريق قائد بني زهرة إلى أبي ) بدر الكبرى(نشبت حروب

؟، أترى محمدا يكذب: جهل بن هشام بن المغيرة، ولما اختلى به سأله قائالما كذب قط وكنا نسميه األمين ولكن إذا كان في بني هاشم : فقال أبو جهل

لبني مخزوم؟ كونيالسقاية والرفادة والمشورة ثم تكون فيهم النبوة فأي شيء

-١٦-

فمن هذا يتبين أن بني مخزوم يرون أنفسهم في درجة بني هاشم فإن أبا عم خالد، ويقول أمية بن خلف لسعد بن معاذ سيد األوس حينما نزل جهل ابن

إن منعتني هنا ألمنعنك ما هو : عليه وتناقش مع أبي جهل ورفع صوته عليهأبي - ، ال ترفع صوتك على أبي الحكم)المدينة (أعظم من ذلك طريقك على

ومع هذا فكان الوليد ) السيرة الحلبية (كما في. فإنه سيد أهل الوادي - جهلهو المقدم على بني مخزوم وكان من عظماء قريش وكان في سعة من العيش ويطعم الناس أيام منى وينهي أن توقد نار ألجل طعام غير ناره وكان ينفق

. وهو العدل: قال ابن األثير) ريحانة قريش (على الحاج نفقة واسعة، ويقال لهوة الكعبة فتكسوها قريش عاما وهو وحده ألنه كان عدل جميع قريش في كس

يكسوها عاما ولكن شاء اهللا أن يموت ضاال ويكون من المستهزئين الذين نزل ، فهلك بسهم داس عليه )١(}إنا كفيناك المستهزئني{: فيهم قول اهللا تعالى

:وإلى ذلك يشير البوصيري بقوله. فجرحه فماتــ ــهمفأصــاب الولي د خدشــة س

قـصرت عنهـا الحيـة الرقطـآء

وكان موته بعد الهجرة بثالثة أشهر عن خمس وتسعين سنة ودفن فيوسبب امتناعه من اإلسالم كما . ، كذا في ابن األثير والحلبية)الحجون بمكة (

في تفسيره أن النبي البغوي ذكره اإلمامBتنزيل. حم{: في المسجد قرأ غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا . الكتاب من الله العزيز العليم

.٩٥ اآلية :سورة الحجر) ١(

-١٧-

صريه الملي B وكان الوليد يسمع قراءته ففطن له رسول اهللا )١(}إله إلا هو إ :ه فقالفأعاد اآلية فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قوم

واهللا لقد سمعت من محمد آنفا كالما ما هو من كالم اإلنس وال من كالم الجن إن له لحالوة وإن عليه لطالوة وإن أعاله لمثمر وإن أسفله لمغدق

. هـ.وإنه يعلو وما يعلى ا

ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش صبأ واهللا الوليد، وهو ريحانة فانطلق فقعد إلى . أنا أكفيكم: فقال أبو جهل. لتصبأن قريش كلهمقريش، واهللا

وما : مالي أراك حزينا يا ابن أخي؟ فقال: فقال له الوليد. جنب الوليد حزينايمنعني أن أحزن؟ وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك على كبر سنك

وابن أبي )٢(لى ابن أبي كبشةويزعمون أنك زينت كالم محمد وأنك تدخل عألم تعلم قريش أني من : لتنال من فضل طعامهم، فغضب الوليد وقال)٣(قحافة

أكثرها ماال وولدا؟ وهل شبع محمد وأصحابه ليكون لهم فضل؟ ثم قام مع أبي :جهل حتى أتى مجلس قومه فقال لهم

.اللهم ال: قط؟ قالواتزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يحنق

.اللهم ال: تزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه تكهن قط؟ قالوا: قال

.اللهم ال: تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر؟ قالوا: قال

.اللهم ال: تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟ قالوا: قال

.٣-٢-١ اآليات :سورة غافر) ١( . محمد )٢( .أبو بكر) ٣(

-١٨-

هو ما : سه ثم نظر وعبس فقالفقالت قريش للوليد فما هو؟ فتفكر في نفيفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فهو ساحر أما رأيتموه ،وما إال ساحر

. إنه فكر وقدر {: فذلك قول اهللا تعالى في سورة المدثر. يقوله سحر يؤثررقد فاآليات«} فقتل كي«.

د في قومه، فلقد خشوا أن يكون إسالمه من هذه القصة تعلم مكانة الوليسببا إلسالم جميع قريش وكادت فطرته تسوقه إلى الهداية لوال كفار قريش فإنهم استغاثوا باالفتراء والتزوير على لسان من ال يتهمه وهو ابن أخيه أبو

م أنه جهل بن هشام فأثار حفيظته وهيج عواطفه وحرك عصبيته عندما زع وأصحابه وهو المعروف بالكرم وأن قريشا تريد جمعB يأكل فضلة محمد

إعانة له وهو من أغناهم فاضطر لمناقشتهم كي يبرر كالمه السابق، ولكنه اخترع وصفه بالساحر بعد ما نزهه عن السحر لتكف قريش عن تشويه

.سمعته

أهم وسائل االستعمار اليوم، إذ إنهم وخطة قريش هذه مع الوليد هي من يستأجرون أشخاصا يتقولون وينشرون ما يوعز إليهم من الطعن برجل صالح نافع أو من المدح واإلطراء لشخص خبيث لئيم، ومثل ذلك المشاريع النافعة

ريق واألعمال الضارة فيروجون الثانية ويثبطون الهمم عن األولى من الطالذي سلكه أبو جهل على لسان أحد أقاربه أو أصدقائه أو المنتمين للعلم أو المنتسبين للصالح فإن أبا جهل حول لين عمه إلى قسوة وكفر وعناد إلى أن

.مات وهو من المستهزئين

حققه فماتت مسلمة بعد وفاة ابنها خالد كما: وأما أم خالد لبابة الصغرى ).اإلصابة (ابن حجر في

-١٩-

:وأما إخوة خالد فهمعمارة بن الوليد، وقد ذهب مع عمرو بن العاص بهدايا إلى النجاشي ملك الحبشة ليردوا المهاجرين جعفر بن أبي طالب وأصحابه فمات هناك

.كافرا قبل الهجرة بيسيرفنجاه ) مكة (بسوه فيوح) بدر (أسلم بعد ما فدى بـ: الوليد بن الوليد

ثم كان سبب إسالم ) مكة (اهللا تعالى وصار يسرق أسرى المسلمين من كفار ).المدينة(على ميل من ) براعة (خالد بعد عمرة القضاء ومات فيأورده ابن . من المؤلفة قلوبهم): االستيعاب (هشام بن الوليد قال في

ت أنشدها المرزباني خطابا لعثمان بن عفان مستشهدا بأبيا) اإلصابة (حجر في :في خالفته منها

لساني طويل فاحترس مـن شـدائه

عليك وسيفي من لـساني أطـول وهو المترجم، والذي كان متوليا حراسة األسلحة وقيادة : خالد بن الوليد

حديث فرسان قريش، فهو عريق في المجد فيصدق عليه ما رواه البخاري من : قالBأبي هريرة أن رسول اهللا

.»خياركم في الجاهلية خياركم في اإلسالم إذا فقهوا«

:والدة خالد

ولكنها لم تكن معروفة بالضبط، وإنما أورد ابن عساكر ) مكة(هي في أنه في سن عمر بن الخطاب واستدل بحادثة جعلها سبب العداوة ) تاريخه(في

عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد اصطرعا وهما غالمان وكان بينهما هي أنخالد ابن خال عمر فكسر خالد ساق عمر وجبرت وعليه فتكون سن خالد

.حين الدعوة اإلسالمية سبعا وعشرين سنة

-٢٠-

:خالد قبل اإلسالم

كان خالد أحد أشراف قريش في : قال ابن عبد البر في االستيعاباهلية واليه كانت القبة واألعنة في الجاهلية، فأما القبة فإنهم كانوا الج

يضربونها ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش، وأما األعنة فإنه كان وموقفه في . هـ.يكون على خيل قريش في الحروب، ذكر ذلك الزبير ا

على فرسان قريش يدل على خبرته التامة بالحرب فقد كان) أحد (غزوةمرابطا فوق الجبل ومعه ابن عمه عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وانكسرت قريش وهو ثابت في مكانه يريد غرة من المسلمين ألن خمسين من الرماة وعليهم عبد اهللا بن جبير األنصاري كانوا في طريقه وكان رسول اهللا

Bهم أال يفارقوا مكانهم إن ظفر المسلمون أو انكسروا وأن يبقوا أمرلينضحوا الخيل عنهم كي ال تأتي قريش من خلفهم، لهذا لم يتمكن خالد من الهجوم خشية من الرماة لكنه لم ييئس مع أن قومه قد هربوا وتفرقوا في الصحراء وتخلت بنو عبد الدار عن اللواء وهم حماته حتى لم يجدوا من

: عبدهم صوابا كان عبدا ألبي طلحة العبدري فعيرهم حسان بقولهيحمله إال

ــر ــر فخ ــاللواء وش ــرتم ب فخ

)صــواب(لــواء حــين رد إلــى جعلــتم فخــركم فيــه بعبــد

ــراب ــر الت ــا عف ــن يط وأألم م

فقتل العبد ثم تناولته عمرة بنت علقمة الحارثية ألن الصحابة ما كانوا

:ون النساء وذلك قول حسانيقتل

فلـوال لـواء الحارثيـة أصــبحوا

يباعون في األسواق بيع الجالئـب بد من نفاذها وشاهد الرماة هذه الهزيمة ظنوا ولما كانت هللا إرادة ال

ببقائهم في مكانهم مدة الحرب Bانقضاء المعركة فأولوا أمر رسول اهللا

-٢١-

حسب رأيهم وخالفوا رئيسهم الذي حذرهم عاقبة تركهم وهي قد انتهت تمامافتركوه ومعه نحو عشرة، عندئذ هجم خالد على الرئيس ومن معه فقتلهم وتولى المسلمين من خلفهم فاضطرب أمرهم وتحول النصر إلى هزيمة ولم

وسعد ومعه علي بن أبي طالب وطلحة وأبو دجانة Bيبق إال رسول اهللا ابن أبي وقاص وسعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأم عمارة ثم رجع إليهم

يقاتل المشركين يومئذ Bالمنهزمون، وفي الحقيقة لم يبق إال رسول اهللا أن عليا قال لما أشيع أن محمدا قد : وحده، فقد نقل ابن األثير في أسد الغابة

فلم أجده ألن رسول اهللا ال ينهزم فقلت قد غضب قتل فتشت عليه بين القتلىاهللا علينا ورفع نبيه إليه فال خير في الحياة بعده فكسرت جفن سيفي ثم هجمت

. هـ.على قريش فأفرجوا لي فوجدت رسول اهللا وسطهم يقاتلهم وحده اانتهت الواقعة ويومئذ كسرت ثناياه وشج وجهه الشريف فالتحق به من ذكرنا و

بأن استشهد سبعون صحابيا وعلى رأسهم سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب .بعد أن كان المسلمون الغالبين

ورأت شدة بأس المسلمين ) بدر الكبرى (وإن قريشا التي نكبت يومهم هذه ألخذ الثأر الشك في أنها لم تسلم قيادة الفرسان وعلي) أحد (وجاءت في

تدور معظم الحرب إال ألعظم قائد لديها فروسية وتدبيرا، فعمل خالد هذا بتغييره وضع الحرب من مغلوب إلى غالب يدل على أنه من أقدر القادة وأمهرهم في فنون الحرب والوصول إلى الهدف المقصود منها وهو الغلبة

ذلك فأصبح سيفا من سيوف اهللا والظفر فال عجب إذا صقله اإلسالم بعد .المسلولة على أعداء اهللا

وكان خالد يوم األحزاب هو الواقف في وجه المسلمين مع مئتي فارس حتى رحلت قريش بعد أن فقدت فارسهم عمرو بن عبدود العامري الذي قتله

-٢٢-

إليه أحد ، وطلب المبارزة فلم يبرز) الخندق (علي بن أبي طالب بعد ما عبررى ) الخندق(حتى أثخنته الجراحة فجاء يوم ) بدر (وقد قاتل يوممعلما لي

:مكانه وعير المسلمين بقولهــدا ــن الن ــت م ــد بحح ولق

ــارز ــن مب ــل م ــم ه ء بجمعك

ووقفـــت إذ جـــبن المـــشـ

موقــف القــرن المنــاجز ـــجع أبي طالب وكب بن لقتله قال ابن هشامفلما قتله علي المسلمون وألقى : ر

عكرمة بن أبي جهل رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو وقتل نوفل بن عبد اهللا، وهرب هبيرة بن وهب المخزومي زوج أم هاني بنت أبي طالب بعد ما رمى درعا له وكان أشجع قريش، وهرب ضرار بن الخطاب، وخذلت قريش

دت وأمنت من أن وتفرقريشا حتى بع ق شملها فذهبت هاربة، وحفظ خالد .يلحق بها المسلمون

-٢٣-

دــالم خالــإس

بسبب أنه هرب ر وغيرهأسلم خالد بعد عمرة القضاء كما قاله ابن عبد الب الوليد بن حتى ال يرى المسلمين يؤدون عمرة القضاء وكان أخوه) مكة (من

لو أتانا ألكرمناه ومن « عن خالد ثم قال B مسلما فسأله رسول اهللا الوليد : فكتب إليه الوليد ما يلي كما في الحلبية»مثله سقط عليه اإلسالم في عقله؟فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك : أما بعد، بسم اهللا الرحمن الرحيم

سألني عنك رسول عن اإلسالم وقلة عقلك ومثل اإلسالم هل يجهله أحد؟ وقدما مثله يجهل اإلسالم ولو «: أين خالد؟ فقلت يأتي اهللا به فقال: فقالBاهللا

ولقدمناه على كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيرا له .هـ. فاستدرك يا أخي ما فات فقد فاتك مواطن صالحة ا»غيره

ض في اإلسالم مع ابن عمه عكرمة بن فأسلم خالد وقبل أن يهاجر تفاوأبي جهل فصفوان بن أمية فرفضا ثم اتفق مع عثمان بن طلحة الحجبي فأسلما جميعا سنة سبع من الهجرة، ورواية ابن عساكر في صفر سنة ثمان من

:الهجرة ولم يباليا بهجو ابن الزبعرى لهما كما في سيرة ابن هشامـ اانشد عثمان بـن طلحـة خلفن

وملقى نعال القوم عند المقبـل وما عقد اآلباء مـن كـل حلفـة

وما خالد مـن مثلهـا بمحلـل امفتاح بيت غيـر بيتـك تبتغـي

وما تبتغي من مجد بيت مؤثـل

ــد هــذه ــدا بع ــأمنن خال فــال ت

وعثمان جاءا بالدهيم المعـضل

-٢٤-

حروب خالد اإلسالم »وتوابعها) تةمؤ(غزوة «

وكان ذلك في جمادى األولى سنة ) مؤتة (أول حروبه في اإلسالم غزوةإن : على الجيش زيد بن حارثة وقالBثمان من الهجرة وقد أمر رسول اهللا

فإن أصيب فعبد اهللا بن رواحة وكان المسلمون أصيب فجعفر بن أبي طالبأتتهم جيوش ) البلقاء ( يسمى مشارف من تخومثالثة آالف حتى إذا كانوا بموقع

وبها ) مؤتة (قيصر من روم وعرب فلما دنوا من العدو مالوا إلى قرية يقال لهاسميت الغزوة فاستشهد زيد ثم جعفر بعد أن قطعت يداه وهو ماسك اللواء وذلك

وطعن سبب تسميته بذي الجناحين ألن اهللا أعاضه عنهما جناحين في الجنةبضعا وتسعين طعنة أو رمية كما رواه البخاري في صحيحه، ثم استشهد عبد اهللا

معجزة Bبن رواحة شاعر األنصار فماتوا على ترتيب ما ذكره رسول اهللا اله فلما استشهد قادة المسلمين الثالثة أخذ الراية ثابت بن األقرم أخو بني العجالن

اصطلحوا على واحد فقالوافقال يا معشر فأبى، ثم اصطلحوا . أنت: المسلمين .على خالد بن الوليد ومن يومئذ سمي سيف اهللا نعى زيدا Bأن رسول اهللا : روى البخاري في صحيحه عن أنس

أخذ الراية زيد فأصيب : وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيه خبرهم فقالحتى أخذ الراية - وعيناه تذرفان - أخذ ابن رواحة فأصيبثم أخذ جعفر ثم

.سيف من سيوف اهللا حتى فتح اهللا عليهم

-٢٥-

أخذ خالد على عاتقه عبء القيادة وكان ذلك مساء كما في تاريخ ابن عساكر فلم يصبح الصباح حتى جعل الميمنة ميسرة والقلب جناحا والساقة

عند الصباح فظن العدو أن مددا جاء للمسلمين مقدمة وبالعكس وزحف بهم .فوقع الرعب في قلوبهم فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم مع كثرتهم تجاه عدد ضئيل

وأبلى خالد بنفسه في تلك الحرب بالء حسنا، فقد روى البخاري في انقطعت لقد: صحيحه عن قيس بن أبي حازم قال سمعت خالد بن الوليد يقول

هـ .تسعة أسياف فما بقي في يدي إال صحيفة يمانية ا) مؤتة (في يدي يومفقائد تندق في يده تسعة أسياف لقد بذل جهده وفادى بنفسه ولكن اهللا أبقاه سيفا

.مسلوال للمسلمين على الكفارألمر ثم اكتفى خالد بهرب العدو ولم يتبعهم أو يعقبهم خشية أن يفتضح ا

وكان ذلك من حسن تدبيره والسيما أن فريقا من الجيش اإلسالمي حاجزوا وكرهوا الموت بشهادة قيس بن المحسر اليعمري أحد الحاضرين كما في

:سيرة ابن هشام

ــومني ــك نفــسي تل فــو اهللا ال تنف

على موقفي والخيل قابعـة قبـل ــذا ــستجيزا فناف ــا ال م ــت به وقف

وال مانعا من كان حم لـه القتـل

على أننـي آسـيت نفـسي بخالـد

أال خالد في القوم ليس لـه مثـل وجاشت إلي النفس من نحو جعفـر

جعفر

إذ ال ينفع النابل النبـل ) مؤتة(ب ــا ــزتيهم كليهم ــا حج ــم إلين وض

مهاجرة ال مـشركون وال عـذل

ية أن جيش المسلمين كما علمت وجيش وسبب هذه المحاجزة والخش

كان مائتي ألف من الروم وخمسين : قيصر كما في السهيلي نقال عن ابن اسحقهـ فإذا إن .ألفا من العرب ومعهم من الخيول والسالح ما ليس مع المسلمين ا

-٢٦-

قديم في جيش األعداء أمر ه وأعاد التاريخ محاربة العرب إخوانهم العربنفس . هجرية إلى اآلن، فما أشبه اليوم بالبارحة١٣٣٧بعد الهدنة العظمى عام

في الحديث المقدم هو انخذال Bوالفتح الذي بشر به رسول اهللا جيش قيصر، إذ لو رأى الروم ضعفا في المسلمين لتعقبوهم إلى حدود

امع فإنهم أشد من الروم والسيما أن فيهم حثالة العرب عبيد المط) الحجاز( .ضررا كما شاهدنا ذلك اآلن عيانا في حين أنه قد حصلت غنائم كثيرة

أخرج مسلم في صحيحه واإلمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه وابن عساكر في تاريخه مفصال، قال عوف بن مالك األشجعي خرجت مع

من أهل )١(فرافقني رجل من حمير مددي) مؤتة (زيد بن حارثة في غزوةليس معه غير سيفه فنحر رجل من المسلمين جزورا فسأله المددي ) اليمن(

قطعة من جلده فأعطاه إياها فاتخذها كهيئة الدرقة ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهب وسالح مذهب فجعل

رومي يفري بالمسلمين وقعد له المددي وراء صخرة فمر به الرومي فعرقب الفرسه فخر فعاله وقتله فحاز فرسه وسالحه فلما فتح اهللا على المسلمين بعث

فأتيته فقلت يا خالد أما علمت أن : خالد بن الوليد فأخذ منه السلب قال عوفقال عوف . ولكني استكثرتهتل؟ قال بلى قضى بالسلب للقاBرسول اهللا

فأبى أن يرده علينا فاجتمعنا Bلتردنه أو ألعرفنكها عند رسول اهللا : فقلتيا خالد ما : Bفقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد فقال رسول اهللا

رد عليه ما «فقال له . حملك على ما صنعت؟ فقال يا رسول اهللا استكثرته

هـ نووي .ويساعدونهم ا) مؤتة(ا يمدون جيش والمددي نسبة إلى المدد الذين جاؤ) ١( .لى مسلمع

-٢٧-

ما ذاك؟ : B دونك يا خالد ألم أقل لك؟ فقال رسول اهللا: فقلت. »ت منهأخذيا خالد ال ترد عليه، هل أنتم تاركو لي أمرائي إنما «: فأخبرته فغضب وقال

مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعى إبال فرعاها ثم تحين سقيها فأوردها حوضا هـ.ا .»فصفوه لكم وكدره عليكمفشرعت فيه فشربت صفوه وتركت كدره

فهذا دليل على وجود الغنائم وأراد الشارع أن السلب محدود إلى درجة عطى منه المعتادمعينة، أما إذا كان عظيما إلى درجة أن ينتفع به الجيش في

أن يشجع المددي في أول األمر فأمر Bوخالد فعل ذلك وأراد رسول اهللا يع السلب فلما ظنوه حقا صريحا وتناولوا من كرامة أمير الجيش بإعطاء جم

إعادة شيء ألن مصلحة الحكم الشرعي وأمره بعدمBبين رسول اهللا ) والمصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة حتما(اإلسالم تقتضي ذلك

ائهم يستلزم تردد وإن كان هذا ال يرضى به المتفيقهون في حين أن عدم رض في األحكام أو الطعن في صحيح مسلم وبقية كتب الحديث Bرسول اهللا

فليت شعري أي الطرفين أهون عليهما؟

ويحتمل أن يكون الفتح يعود إلى حادثة الحصن ألن هذه الغزوة حدثني رجل من بني سالمان عن : روى ابن عساكر في تاريخه قال. وقعتانالشراة ( واحد من كبراء قومه أن زيد بن حارثة سار بهم إلى جبال بين غير

»اكثب«على ريفها وعمارتها فمر بقرية من قرى الجبال يقال لها ) والبلقاءفشد أهلها على ساقة المسلمين فأصابوهم بجراحة وقتلوا رجال من المسلمين

بن حارثة في الرجعة إليهم واالنتقام فبلغ ذلك جماعة المسلمين فاستأذنوا زيدفيكونوا من - منهم فقال زيد ال أرى ذلك ألن عدوكم أمامكم قد جمع لكم

فمضى زيد ومن معه حتى بلغوا عدوهم بين - ورائكم وتكونوا بين عسكرين) مؤتة (إلى أن أكمل غزوة - فصافوهم هناك) مؤتة وزقوقين (قريات ثالثة

-٢٨-

مسلمون على طريقهم التي أتوا منها حتى مروا بتلك القرية فقفل ال: فقالوالحصن اللذين كانوا شدوا على ساقتهم وقتلوا رجال منهم فحاصروهم في

فقتل خالد بن الوليد مقاتلتهم في نقيع إلى . حصنهم حتى فتحه اهللا عليهم عنوةى اليوم وهدموا جانب حصنهم صبرا فيها وسمي ذلك النقيع نقيع الدم إل

هـ.ا. حصنهم هدما لم يعمر بعده إلى اليومهـ فبقاء ما ذكر إلى زمنه ٥٧١ومن المعلوم أن ابن عساكر توفي سنة

الشك في أنه فتح عظيم وردع وإرهاب لكل من تحدثه نفسه بالتعرض إلى ة في قلوب الجيوش اإلسالمية وأن هذا الفتح وأمثاله أوجد للمسلمين هيب

أعدائهم حتى صاروا يخشون بأسهم وعلموهم كيف يثأر المسلمون ممن اعتدى عليهم ألجل دينهم فال يتركون المجرم بغير أن يجازوه على غدره كما

.ظافرا) المدينة (وقع ألهل الحصن ونقيع الدم وبعد ذلك عاد خالد بجيشه إلى

-٢٩-

)مكة (فتح

سنة ثمان من الهجرة بسبب نقض قريش ) مكة (كان فتح في رمضان

فقد تألبت مع حلفائها بني بكر على خزاعة حلفاء رسول ) الحديبية (لمعاهدة وذبحوهم ليال كما ذكر ذلك عمرو بن سالم سيد خزاعة في قصيدته Bاهللا

:التي منها

ونقـــضوا ميثاقـــك المؤكـــدا

رصـدا ) كـداء (وجعلوا لي فـي ـ وا أن لـست أدعـو أحـدا وزعم

ــددا ــل عـ ــم أذل وأقـ وهـ

هجـدا ) الـوتير (هم بيتونـا بــ

ــجدا ــا وسـ ــا ركعـ وقتلونـفهيج شعور المسلمين وبلغ منهم الغيظ على قريش منتهاه فانبرى

شعراء المسلمين يهيجون عواطف المسلمين فمن ذلك حسان بن ثابت في :قصيدته المشهورة ومنها

رجال بني كعب تحـز رقابهـا )مكـة (عناني ولم أشهد ببطحـاء وقتلى كثير لـم تجـن ثيابهـا بأيدي رجال لـم يـسلوا سـيوفهم

عرفت قريش خطأها فأرسلت أبا سفيان ليجدد المعاهدة فلم يفلح وعاد مسلمين عنها وقد أدراجه وكان الفتح وقريش آمنة ال علم لها النقطاع أخبار ال

كان جيشهم يزيد على عشرة آالف مقاتل وكان خالد قائدا على بني سليم

-٣٠-

وعدتهم ألف فارس قد خضع رئيسهم العباس بن مرداس السلمي لقيادة مع أنه ذلك الباسل العظيم واألمير الكبير ولم يرض في قسمة هوازن أن خالد حصن الفزاري واألقرع بن حابس سيدي غطفان بل أقل من عيينة بن يأخذ :قال

ــد ــي ونهــب العبي ــل نهب أتجع

ــرع؟ ــة واألقـ ــين عيينـ بـ وال حــابس فمــا كــان حــصن

ــع ــي مجم ــرداس ف ــان م يفوق وما كنـت دون امـرئ منهمـا

ــع ــوم ال يرف ــضع الي ــن ت وم

نه رضي إمارة خالد ففاخر بنفسه وبفرسه العبيد على أمراء غطفان ولكعليه نظرا لما عرف به خالد من المقدرة الحربية الموصلة إلى الظفر الذي

:يعود شرفه على قومه وباهى بها فقال

يوم فـتح محمـد ) مكة (منا بـ

مألف تسيل به البطـاح مـسو نصروا الرسول وشاهدوا أيامه

هم يـوم اللقـاء مقـدموشعار نزل ثبتـت بـه أقـدامهم في م

فيـه الحنـتم ضنك كأن الهـام )مكة( خالدا أن يدخل من أسفل Bوأمر رسول اهللا : قال ابن األثير

من الليط وكان عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو قد فكان ) مكة (جمعوا القبائل بموقع يعرف بالخندمة كي يحاربوا من يدخل

يبهم االصطدام بخالد فلم يلبثوا ساعة حتى ولوا هاربين ولم ينفعهم عددهم نصجابر بن جبير الفهري : وال حصانة الموقع واستشهد من المسلمين ثالثة

وحبيش بن خالد وهو األشعر الكعبي ومسلمة بن الميالء، وقتل من المشركين سبعون، والظاهر أن سبب التفاوت ثالثة عشر، والذي في السيرة الحلبية

سرور المسلمين بهذا الفتح العظيم فلم يكترثوا بعدد قتلى المشركين فروى كل

-٣١-

من Bودخل المسلمون من كداء فإنهم سألوا رسول اهللا . حسب مشاهدته :يشير لقوله" من حيث قال حسان: "قال) مكة (أين ندخل

ــا ــم تروه ــا إن ل ــدمنا خيلن ع

ــداء ــدها ك ــع موع ــر النق تثيولم يقاتل في هذا الفتح العظيم الذي ختم اهللا به الهجرة إال خالد بن

. وتحت لوائه المنصورBالوليد وهي أول إمارة له من رسول اهللا : ومن غريب هذه الواقعة أن حماس بن قيس الدئلي كان يقول لزوجه

كأني بك : منة مستضعفة فتقول لهآلتينك بخادم من أصحاب محمد وكانت مؤ :أين الخادم؟ فأنشدها: فلما جاء منهزما قالت له. وأنت تقول خبئيني

إنك لو شـهدت يـوم الخندمـه

ــر عكرمــه إذ فــر صــفوان وف )٢( قائم كالمؤتمـه ) ١( وأبو يزيد

واسـتقبلتنا بالـسيوف المـسلمه

يقطعــن كــل ســاعد وجمجمــه

ع إال غمغمــهضــربا فــال تــسم ــه مهمــا وه ــت حولن ــم نهي له

ال تنطقي في اللـوم أدنـى كلمـه

.سهيل بن عمرو) ١(قال ابن إسحق االسطوانة كما في السهيلي أي جامد ال يتحرك أو كأم األيتام تولول ) ٢(

.وتستغيث

-٣٢-

وقعة بين جذمية

أرسل رسول اهللا ) المدينة (إلى) مكة (قبل رجوع المسلمين من فتحB خالدا في ثالثمئة وخمسين رجال إلى بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة

أن خالدا أخذهم أسارى فقالوا صبأنا ولم : في صحيحهابن كنانة فروى البخارييقولوا أسلمنا فأباح دماءهم، وحصل النزاع بينه وبين عبد الرحمن بن عوف وبينه وبين عمار بن ياسر، وأبى عبد اهللا بن عمر ومن معه أن يقتلوا أسراءهم

ذم على ألنهم اعتبروا ذلك إسالما في حين أن هذه الكلمة لقب أطلقه الكفار نقم : قال الخطابي. فحنق عليهم خالد بذلك وقتل رجاالتهم) مكة (المسلمين في

خالد عليهم العدول عن لفظ اإلسالم ألنه فهم منهم أن ذلك وقع منهم على سبيل .هـ فتح الباري.األنفة ولم ينقادوا إلى الدين فقتلهم متأوال قولهم ا

اللهم إني أبرأ إليك مما : الخبر رفع يديه وقالBهللا ولما بلغ رسول افعل خالد . دي به قتالهم، فودى لهم الدماءأبي طالب بمال ي بن وأرسل علي

لهم من مال حتى إنه ليدي لهم ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق شيء وما أصيب حين فرغ منهم - هممن دم وال مال إال وداه بقيت معه فضلة من مال فقال ل

فإني أعطيكم : ال، قال: هل بقيت لكم بقية من دم أو مال لم يود لكم قالوا - مما ال يعلم ومما ال تعلمونB هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول اهللا

أصبت وأحسنت : فأخبره الخبر فقالBففعل، ثم رجع إلى رسول اهللا .رهـ ابن هشام وابن األثي.ا

-٣٣-

رأى خالدا معذورا في عمله هذا وإال Bشك في أن رسول اهللا واللعزله ولكنه بريء من فعله طمعا في إسالمهم الحتمال أن يكون مرادهم من صبأنا أسلمنا حقيقة فكان ذلك استعجاال من خالد ومخالفا لرأفة رسول اهللا

Bعن ابن مسعود أن ر ومسلم سول اهللا ، فقد روى البخاريB لما .»رب اغفر لقومي فإنهم ال يعلمون«: أدمت قريش وجهه قال

وكان أبو بكر ممن شد أزر خالد وحسن رأيه ولعله ألجل محو هذه الوصمة وترهيبا لمن تحدثه نفسه بها تحت ستار اإلسالم من األعداء وكان

أخذتهم إال بالحق، كما رواه ابن عمر أشد الناس عليه مع أنه حلف له بأني ما .أستغفر اهللا وأتوب إليه، فسكت عمر: عساكر فلما ألح عليه قال

وكان نزاع خالد مع عبد الرحمن بن عوف ألجل األسرى الذين سفكت إنما : دماؤهم، فإن عبد الرحمن قال لخالد عملت بأمر الجاهلية في اإلسالم فقال

ولكنك ثأرت بعمك ، قد قتلت قاتل أبي، عبد الرحمن كذبت: لفقا. ثأرت بأبيكمهال : قالBالفاكه بن المغيرة، حتى إذا كان بينهما شر وبلغ ذلك رسول اهللا

يا خالد دع عنك أصحابي، فواهللا لو كان لك أحد ذهبا ثم أنفقته في سبيل اهللا ما . في سيرة ابن هشامكما. أدركت غدوة رجل من أصحابي وال روحته

ونازعه عمار بن ياسر كما نقله ابن عساكر بشأن رجل من بني جذيمة ال سبيل : راجع عمارا بإسالمه فآمنه فبقي مع أهله فلما أخذوا قال عمار لخالد

وما أنت وذاك أتجير علي وأنا األمير؟ قال نعم : لك على الرجل قد أسلم، قالمير فإن الرجل قد آمن وأنا أمرته بالمقام فتنازعا فلما أجير عليك وأنت األ . أمان عمارBقدما أجاز رسول اهللا

فمن هاتين الحادثتين يتبين أن اإلسالم ال يمنح األمير صالحية مطلقة وإنما هي مقيدة ضمن دائرة مصلحة اإلسالم وال تعطي الوظيفة صاحبها

-٣٤-

مة وفصل الخطاب بمجرد ما أودعت له فإن رسول قدسية تجعله ينطق بالحكوفقا ألمر ) مؤتة ( أجاز عدم إعطاء جميع السلب للمددي في غزوةBاهللا

عوف وابن ابن لماألمير وقبل أمان عمار وإجارته على األمير نفسه ولم يم أو عمر على عدم اإلصغاء لألمير في قتل األسرى، ألن األمير أو الحاك

القائد ليس أعلى من إخوانه الجنود وإنما يقدم عليهم ألمور دعت ذلك وإن دع عنك : لخالدBكان فيهم من هو أفضل منه ولهذا قال رسول اهللا

بشأن عبد الرحمن بن عوف، وقال كف يا خالد عن عمار فإنه من . أصحابي .ى التزم أن يطلب رضاءهفي تكملة الحديث حت. يبغض عمارا يبغضه اهللا

ويستفاد من كلمة أصحابي لخالد أن الصحبة ال تنصرف إلى كل من وهو مؤمن بل إلى المالزمين المقتفين أثره تماما وهم Bرأى النبي

السابقون األولون كالمهاجرين عند ضعف اإلسالم واألنصار الذين آووه هو ممن أسلم قبل الفتح ولكن لخالد وBونصروه، ولهذا قال رسول اهللا

إال أن كلمة " دع عنك أصحابي"بعد صلح الحديبية الذي هو مقدمة الفتح .أصحابي عندنا اليوم اتسعت إلى درجة فسيحة جدا

ورغما عن هذا النزاع كله المعارض بحلف خالد واعتذاره عن نفسه قول الجحاف بن حكيم له وعدم مؤاخذته له وبBوعدم عزل رسول اهللا

:السلمي يخاطب بني جذيمة

ــنكم ــذر م ــى بالتع ــد أول فخال

غداة عال نهجا من األمر واضـحا معانا بـأمر اهللا يزجـي إلـيكم

ــا ــه وبوارح ــو ل ــوابح ال تكب س

فقد كان عمل خالد حكمة محت عن اإلسالم وصمة صابئ التي اندثرت

مة عبرة لغيرهم على تقدير صدق نيتهم في باندثار الشرك، وكان بنو جذي

-٣٥-

إرادة اإلسالم من كلمة صابئي التي اختلقها أعداء الدين ألن دفع الدية ال يثبت زل والسيما أن بذل المال لمثل ذلك قد يكونمنه أو ع التبعة على خالد وإال القتيد

على أن خالدا يجوز أنه قد لمصلحة عامة هي تألف الباقين وغيرهم على الدينأحس منهم الغدر ألن القائد يطلع على الحركات العامة ويدري من أحوال عدوه ماال تدريه الجنود وبعض القضايا ال يستطيع إقامة البرهان عليها وإن كان مقتنعا

دح في دليل ينق - كما في جمع الجوامع - بها كاالستحسان عند األصوليين وهوهـ أضف إلى ذلك أن خالدا من أدرى الناس .نفس المجتهد تقصر عنه عبارته ا

.بعادات األعراب عموما وهذه العشيرة خصوصاإذن فقد غسل خالد وسخ هذه الكلمة الشنيعة ومأل قلوب األعراب رعبا

غالب األعراب كان له خير عون على نيل االنتصار في الحروب المقبلة ألنقساة القلوب غالظ األكباد ال يلينون بسهولة وال ينقادون بالهين، بيوتهم على ظهور جمالهم وحصونهم خيولهم ومقامهم صحراء واسعة كلما رأوا مكانا خصبا فيها انتجعوه، فمن درس حياتهم واختلط بهم يجد لخالد عذرا مقبوال والسيما هذه

وكانوا شر ) لعقة الدم(لعشيرة المعروف ماضيها باألذى والضرر وأنها تلقب بـا .حي في الجاهلية كما نقله الحلبي في سيرته

فعلى هذا ال يسع اإلسالم أن يشاهد في طريقه إلى هداية العالم عقبة .ليدكؤودا تعرقل سيره كهذه العشيرة فأزيل شرها بحسام خالد بن الو

ھدم العزىوهي صنم لقريش كانوا يعظمونه جدا، وقيل بل شجرات ثالث من السمر كانوا يهدون إليها كما يهدون إلى الكعبة، وذكر ابن هشام في سيرته أن

وكانت بيتا يعظمه هذا الحي من قريش وكنانة ومضر كلها ) ١( محلها نخلة

).الطائف(اسم محل بالقرب من ) ١(

-٣٦-

ذه األقوال بأن الصنم بين السمرات داخل الدار وال هـ ويمكن الجمع بين ه.ايعلم بذلك إال السدنة والمقربون منها فتكلم كل واحد على حسب رؤيته فإن للعزى مكانة تجعل كثيرا من مشركي العرب ال يقربون منها مباشرة إجالال

.لها وتعظيمالهدمها خالدا ومعه ثمانون Bونظرا لمكانة العزى اختار رسول اهللا

من شجعان الصحابة ولوال ذلك ألرسل عماال وصناعا يهدمونها لكن حادثة بني جذيمة جعلت المشركين ال تأخذهم غيرة على إلههم أكثر من تحميسها على االنتقام فقد كانت سدنتها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم فلما

:سير خالد علق عليها سيفه وأنشدسمع السادن السلمي م

)١( أيا عز شدي شدة ال شوى لهـا

على خالد ألقي القناع وشـمري أيا عز إن لم تقتلي المـرء خالـدا

فبوئي بإثم عاجـل أو تنـصري

:فأتى إليها خالد وهو ينشد

ــبحانك ــك ال س ــز كفران ــا ع ي

ــك ــد أهان ــت اهللا ق ــي رأي إن

هدمها غير مكترث بفدائي من مضر التي تعبد هذا اإلله ينتقم إللهه ف .Bالمهدوم وعاد سالما مع جيشه إلى رسول اهللا

.أي ال تبقى خصمها حيا) ١(

-٣٧-

)حنني (غزوة

كان خالد على مقدمة جيوش المسلمين بالكتيبة التي ترأسها يوم فتح

عشر ألفا وكانت وهي ألف فارس من بني سليم وكان المسلمون اثني) مكة(هوازن ومن التف عليها عداوة باإلسالم أو طمعا بالنهب أضعافهم فالتقوا

وكان خالد فاتح باب الحرب بشهادة ما أورده ابن هشام من ) أوطاس (بوادي :قول العباس بن مرداس رئيس بني سليم

فإن سراة الحي إن كنت سـائال

»من تسلما وفيهم منهمو »سليم وجند من األنصار ال يخذلونـه

أطاعوا فما يعصونه مـا تكلمـا

فإن تك قد أمرت في القوم خالدا

ــدما ــد تق ــه ق ــه فإن وقدمت بجنــد هــداه اهللا أنــت أميــره

تصيب به في الحق من كان أظلما ــد ــرة لمحم ــا ب ــت يمين حلف

فأكملتها ألفا من الخيـل ملجمـا وقال نبـي المـؤمنين تقـدموا

وحب إلينـا أن نكـون المقـدما ولكن خالدا لم ينج من أمامه أحد اشترك في المعمعة حتى أنه قتل

- أجير - أن يقتل وليد أو امرأة أو عسيفBامرأة وعندئذ نهى رسول اهللا في فرقانه ولم يلبث أن جرح وأخرج للتداوي، ثم حصل ما قصه اهللا علينا

وهو انكشاف المسلمين ولم يبق إال رسول اهللا ومعه ثمانية من بني هاشم،

-٣٨-

وهم العباس وابنه الفضل وعلي بن أبي طالب وابنا عمه ربيعة بن الحارث وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابنه جعفر وعتبة بن أبي لهب

يد وفي رواية قثم بن العباس، ثم اجتمع وأخوه معتب ويروى بدله أسامة بن زيا أنصار اهللا : عليهم األنصار وفريق من المهاجرين بعد نداء العباس لهم بـ

فأنزل اهللا نصره وانكسر العدو وغنموا أموالهم وكل . وأصحاب سورة البقرة .ما أتوا به من المواشي والعيال

-٣٩-

كغزوة تبو

ة تسع من الهجرة وكان المسلمون يومئذ ثالثين ألفا كانت في رجب سن أن ال يخبر الصحابة عن الجهة التي يغزوها Bوكانت عادة رسول اهللا

لئال ينتقل الخبر إلى العدو فيزداد استعدادا إال في هذه الغزوة فقد أخبر يصر المؤلف ق: المسلمين كي يستعدوا لعدوهم الكثير العدد القوي العدد وهو

جيشه من روم وعرب أشبه بجيوش المستعمرين اآلن للبلدان العربية فهؤالء أضر من األعادي األصليين، وكانت الغزوة زمن عسرة على الناس وجدب في البالد وشدة حر القيظ وحين طابت الثمار والناس عادة تكره الشخوص في

سرة كما سميت بـمثل هذه األوقات ولهذا سوكانت ) تبوك (ميت الغزوة بالعخير امتحان للمنافقين الذين يدخلون في الجيش اإلسالمي خداعا للمسلمين وطمعا في النهب والسلب من المسلمين أو من أعدائهم ألن مثل هؤالء

تهم في كأعرابنا اليوم ينتهبون أموال المغلوب صديقهم أو عدوهم وتطمع غالالهرب لكسر شوكة المسلمين، أما في هذه الغزوة فإن عدوهم قيصر وجيشه المختلط الطامع مثلهم والمسافة بعيدة وال يوجد في قلوبهم إيمان يطمعهم في النصر لذلك بقوا معذرين مع القاعدين كما قصه اهللا علينا في سورة براءة

أصاب المسلمين حادث ينتهبون المسلمين فيوكان لهم مطمع آخر إذا

-٤٠-

ليث اهللا الغالب علي بن أبي Bويقتسمونهم لذلك أبقى رسول اهللا ) المدينة(مع أنه حامل لوائه في جميع المغازي ولكن ) المدينة (طالب أميرا على

المنافقين نشروا دعاتهم بعدم استحسان تخلف علي عن الجهاد ونصرة ابن على رسول اهللا عم بن أبي طالب ه وبقائه مع النساء، فعرض عليB

وتخلفه مع النساء واألطفال ) المدينة (الحرب على إمارةترجيح االشتراك في أعرف العالم Bلكن رسول اهللا . وطلب أن يكون معه يحارب بين يديه

ون بقاءأميرا هادما ألمانيهم الباطلة بدسائسهم وتواطئهم مع اليهود وإنهم ير علي أهليهم أبدا بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول واملؤمنون إىل(: التي بينها اهللا بقوله لهم

أما ترضى أن تكون مني : " أجابه بقوله)١()وزين ذلك يف قلوبكم وظننتم ظن السوء .صحيحهرواه مسلم في " بمنزلة هارون من موسى إال أنه ال نبي بعدي

إال أن هذه الغزوة لم يحصل فيها حرب وكانت إرجافا لألعداء وفضيحة : للمنافقين الذين اعتذروا كاذبين سوى الثالثة الذين خلفوا وهم مؤمنون وهم

وقاطعهم المسلمون حتى إنه . كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهالل بن أميةن حتى إن كعبا سلم على ابن عمه أبي قتادة في ال يكلمهم أحد في سر وال عل

بستانه فلم يرد عليه السالم، فلما مضت عليهم أربعون ليلة أمروا بأن يعتزلوا قد بلغنا أن صاحبك قد : النساء وأرسل ملك غسان كتابا إلى كعب يقول لهفكان جوابه أن . ا نواسكجفاك ولم يجعلك اهللا بدار هوان وال مضيعة فالحق بن

سجر به التنور ولما مضت خمسون ليلة وتبين صدقهم وحصل لهم ما ذكره وعلى الثالثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم األرض بما رحبت {اهللا في كتابه

ليهم ليتوبوا إن الله وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أ ع تاب ه ثمالله إال إلي أ منلجن ال م

.١٢اآلية : الفتحسورة ) ١(

-٤١-

حيمالر ابالتو وقبلت توبتهم وهم مؤمنون لتقصيرهم في الجهاد ألن . )١(}هالمقاطعة مشروعة للتأديب ولكن هل يقوم بها المسلمون اآلن أم أنهم يمالئون

الم ويودون المنافق ويعطفون على المرجف ويخلصون لألعداء ويبيعون الظالدين واألمة بعرض زائل أو بمواعيد ال نتيجة لها وأماني كاذبة مع أن اهللا

فإن رجعك الله إلى طآئفة منهم فاستأذنوك {: أنزل في حق المنافقين قوله تعالىعود أول للخ ا إنكم رضيتم بالق ودع ي لوا مع ي أبدا ولن تقات خرجوا مع روج فقل لن ت

الخالفني عوا مدع م ٨٣مرة فاق ره إنهقب لىع ال تقمدا وأب اتم مهند ملى أحل عال تصو وأظن أن هذه اآلية لم تخطر . )٢(}٨٤روا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقونكف

على بال علماء السوء المداهنين تجاه أمر موهوم أو دراهم زهيدة ألنهم عنة ولكن العوام تهاب هذا الزي متسترون بالهيبة القديمة وهم مستحقون لل

تحته رئيس المنافقين أو عظيم الكافرين ألن األمة أصبحت تعتبر وإن كانالصور الظاهرة وتتمسك بالقشور فكان نصيبها أن أصبحت مستعمرة مستعبدة تسام كالبهائم غير أمينة على نفسها وال على أعراضها وال على أموالها وما

.برحت في سبات عميقلم يحصل في هذه الغزوة حرب إال أن : نعود إلى الموضوع فنقول

هي - رسول اهللا أرسل في أثناء الطريق خالدا إلى أكيدر ملك دومة الجندلومعه أربعمائة وعشرون فارسا وأخبره بأنك تجده - المسماة اآلن بالجوف

معجزة له وذلك قول Bيصيد البقر الوحشي فوجده كما قال رسول اهللا :بجرة الطائيبجير بن

.١١٨ اآلية:التوبةسورة ) ١( .٨٤ اآلية:التوبةسورة ) ٢(

-٤٢-

ــي ــرات إن ــائق البق ــارك س تب

ــاد ــل ه ــدي ك ــت اهللا يه رأي فمن يك حائـدا عـن ذي تبـوك

ــاد ــا بالجه ــد أمرن ــا ق فإن

. أكيدرا على الجزية وأرجعه إلى محلهBثم صالح رسول اهللا

-٤٣-

سفر خالد إىل اليمن

ربيع في شهر Bأرسل رسول اهللا ) تبوك (ولما عادوا من غزوة

الثاني سنة عشر من الهجرة خالدا إلى بلحارث بن كعب بن نجران وأمره أن يدعوهم إلى اإلسالم ثالثا قبل أن يقاتلهم فإن استجابوا يقبل بهم وإن لم يفعلوا يقاتلهم فأسلموا، وأقبل خالد بوفدهم وفيه من وجهائهم قيس بن الحصين وذو

أمر رسول اهللا قيس بن الحصين عليهم وهؤالء الغصة ويزيد بن عبد المدان ف كتابه Bهم الذين ذهب إليهم عمرو بن حزم الذي كتب إليه رسول اهللا

.الشهير الذي يعول عليه الفقهاء في الدية والزكاة B وهذه قبيلة معروفة بالبسالة حتى إن وفدهم لما جاء إلى رسول اهللا

كنا نغلب من قاتلنا يا رسول : قالوا. قاتلكم في الجاهليةبم كنتم تغلبون من: سألهمهـ فقوم ما قاتلهم .صدقتم ا: قال. اهللا أنا كنا نجتمع وال نفترق وال نبدأ أحدا بظلم

أحد إال غلبوه أرى أن وقعة بني جذيمة كانت لها يد طولى في حقن دمائهم حتى . الهدى وكانوا بذلك من الفائزينحكموا العقل على العاطفة فأتبعوا

فليت شعري هل يعتبر المسلمون من جواب هؤالء القوم عن سبب نصرهم في الجاهلية؟ فإن حالة المسلمين اليوم المؤسفة من ذل واستعباد لعبيد أسالفهم قد سببها فقد مزية االجتماع التي هي أعظم غرض يرمي إليه

: مي كالصالة والحج وجميع األحوال لقول اهللا تعالىالتشريع اإلسال

-٤٤-

وأطيعوا الله {: وقوله تعالى. )١(}واعتصموا بحبل الله جميعا وال تفرقوا {حيكم شلوا وتذهب ر الشك في أن مرض التفرقة . )٢(}ورسوله وال تنازعوا فتف

خاصة ذوو األنفة والبسالة أزمن فيا ترى هل يستيقظ المسلمون عامة والعرب أم يصدق عليهم قول المتنبي؟

من يهـن يـسهل الهـوان عليـه

ــرح ــا لج ــالم م ــت إي بميثم سافر خالد إلى همدان وهناك التقى عليا بن أبي طالب الذي أصبح

هشام في سيرته بعث رسو. األمير ل اهللا قال ابنB بن أبي طالب إلى علي وبعث خالد بن الوليد في جند آخر وقال إذا التقيتما فاألمير علي بن ) اليمن(

بعثنا رسول اهللا : ورواية البخاري في صحيحه سمعت البراء يقول. أبي طالبBمع خالد بن الوليد إلى اليمن قال ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه فقال : رمفكنت . اب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبلأصح

قال في فتح الباري وقد أورده . فغنمت أواقي ذات عدد: فيمن عقب معه، قالسماعيلي فزاد فيه قال البراء فكنت ممن عقب معه فلما دنونا من القوم خرجوا اإل

ثم تقدم بين أيدينا فقرأ عليهم كتاب رسول إلينا فصلى بنا علي وصفنا صفا واحدابإسالمهم فلما Bفكتب علي إلى رسول اهللا . فأسلمت همدان جميعا Bاهللا

.هـ.السالم على همدان ا: قرأ الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه وقالوفي رواية البيهقي وغيره من حديث البراء أن خالدا لبث ستة أشهر

إلى اإلسالم فلم يجيبوه ولعل سبب ذلك أن الحكمة اليمانية واللين يدعوهماليماني ورقة أفئدتهم الثابتة في األحاديث الصحيحة لم تتناسب مع قسوة خالد

.١٠٣ اآلية :آل عمرانسورة ) ١(

.٤٦اآلية : األنفالسورة ) ٢(

-٤٥-

وال يسعه أن يفتح باب حرب في هذه المنطقة الواسعة مع قلة جنوده فتدارك عمه ووصيه علي بن أبي طالب وعندئذ بإرسال ابن Bذلك رسول اهللا

.أسلموا من غير أن يسفك دمومما يؤخذ على خالد في هذا البعث أنه اتفق مع بريدة األسلمي على

:قال فتح الباري شرح البخاري وألحمد عن بريدة. اإلمام علي بن أبي طالبقريش لم أحبه إال على بغضت عليا بغضا لم يبغضه أحد وأحببت رجال من ابعث إلينا من : B بغضه عليا قال فاصبنا سبيا، فكتب أي الرجل إلى النبي

: فبعث إلينا عليا وفي السبي وصيفة هي أفضل السبي قال: قال. يخمسهيا أبا الحسن ما هذا؟ قال ألم تر إلى : فقلت. فخمس وقسم فخرج رأسه يقطر

ت في الخمس ثم صارت في آل محمد ثم صارت في آل الوصيفة فإنها صارفلما . أال ترى إلى هذا: وتكملته في البخاري فقلت لخالد. علي فوقعت بها

يا بريدة اتبغض عليا فقلت نعم : ذلك فقال ذكرت له Bقدمنا على النبي نسائي ورواية أحمد وال. »ال تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك«: فقال

»من كنت وليه فعلي وليه«قد احمر وجهه يقول Bفإذا النبي : والحاكم كم بعدي«وألحمدفإنه مني وأنا منه وهو ولي ال تقع في علي«.

ويجوز أن خالدا عدل عن رأيه كما عدل بريدة بقوله المنقول في فتح .»من علي بن أبي طالب بعد ذلكفما كان أحد من الناس أحب إلي «: الباري

-٤٦-

حجة الوداع

السفر إلى الحج وخرج في ذي القعدة سنة Bلما أعلن رسول اهللا عشر من الهجرة خرج معه خالد فلما حلق رأسه أخذ خالد ناصيته فكانت في

الى فكان ال يلقى أحدا إال هزمه اهللا تع: قال ابن عساكر. مقدم قلنسوتهببركتها، ولقد قاتل يوم اليرموك فوقعت قلنسوته فتحراها حتى وجدها، قيل له

إن فيها ناصية : يا أبا سليمان عجبا لطلبك القلنسوة وأنت في حومة القتال فقال .هـ.لم ألق أحدا إال تولى ا Bالنبي

صلوات اهللا وبهذا انتهى الدور األول، وهو ما كان في حياة رسول اهللاوسالمه عليه وعلى آله، فترى خالدا منذ دخل في اإلسالم لم يزل أميرا على

في حجه ليتالفى ما Bسرية أو قائدا على جيش حتى إنه رافق رسول اهللا .فاته

-٤٧-

حروب الردة

Bوجد األقوام الذين لم يؤمنوا باإلسالم عن عقيدة وفاة رسول اهللا سانحة إلظهار ما في قلوبهم من نفاق ومرض فأعلنوا ما كانوا فرصة

يضمرونه من خبث الطوية وسوء النية ووجدوا أعوانهم بازدياد فغرهم ذلك فأما الذين ] إعادة الجاهلية األولى[وظنوا أنهم بعملهم هذا يقضون لبانتهم وهو

وحده كافيا إلرجاعهم إلى فكان ذهاب جيش أسامة ) المدينة (بالقرب منلوال أن لهؤالء المسلمين قوة لما جهزوا هذا الجيش : حظيرة الحق فقد قالوا

العظيم كي يغزوا به قيصر والغساسنة وأما الذين هم في المناطق البعيدة فقد غرتهم كثرتهم وحصانة) نجدا ويمامتها وعمان والبحرين ونجران اليمن(

مواقعهم فبقوا على عنادهم وخدعوا المؤمنين السماعين لهم بلزوم عدم إرسال الزكاة للخليفة وإنما يجب أن تبقى عندهم فالتفوا عليهم حتى ألفوا جيوشا

.وبعض الوقائع سميت باسم مانعي الزكاة. جرارةي ومسيلمة وهذا سبب حروب الردة التي كثر المتنبئون فيها كطليحة األسد

وقد اختلفت آراء الصحابة فيها فكان أبو بكر . الكذاب الحنفي وسجاح التميميةيريد محاربتهم بأسرع ما يمكن، وكان عمر بن الخطاب يود التمهل كي يثوبوا إلى رشدهم وتحقن دماء المسلمين، فخالفه أبو بكر وقد أصاب إذ لوال تداركه

وانقلب التاريخ اإلسالمي إلى غير ما هو بإرسال القادة البواسل الستفحل الشرك بعد محاورة، فكان أول قائد عليه اليوم وقد شرح اهللا صدر عمر لرأي أبي بكر .اختاره أبو بكر لقمع هذه الفتنة هو خالد بن الوليد

-٤٨-

طليحة بن خويلد األسدي

اسمها - كان طليحة من شجعان العرب المعدودين وعشيرته بنو أسد

ذات نفوذ قوي وسطوة معروفة وكانت إليه مائلة ألن اإليمان لم - اآلن مطيريرسخ في قلوبها فهي تريد التخلص من مضر ألنها من ربيعة وهذه العشيرة معروفة بالفتك قديما فهي التي قتلت في الجاهلية ملكها حجرا الكندي أبا امرئ

وى للملك القيس الشاعر، وإن حروبها في عصرنا معروفة فهي الساعد األقعبد العزيز السعود في استيالئه على الحجاز وإخراج الهاشميين منه عام

هجرية، زد على ذلك أنها قد أعانتها عشائر كبيرة كقيس وطيء ١٣٤٢وفزارة وعليها رئيسها األحمق المطاع عيينة بن حصن الفزاري وتجمعوا

مقرهم ) بزاغةال (تحت قيادة متنبيهم الجديد طليحة ، فسار إليهم خالد يريد، وكان أبو بكر بعث عدي بن حاتم فدعا طيئا )خيبر (وأظهر أنه يقصدأمهل الجيش اإلسالمي حتى نستطيع الخالص من طليحة : عشيرته فقالوا له

وإال فإنا هالكون، فلما تالقى خالد وعدي تأخر خالد حتى جاءته طيء هاربة لد أن يهاجم قبيلة بجيلة فاستمهله من طليحة فالتحقت بالمسلمين ثانية، وأراد خا

.عدي حتى يذهب إليهم فأنابوا ولحق بالمسلمين منهم ألف فارسسار خالد وأمر عيونه أن يختبروا كل من مروا به عند مواقيت الصالة باآلذان لها فيكون أمانا لهم ودليال على إسالمهم، وأرسل عكاشة بن محصن

ه فلقيا حياال أخا طليحة فقتاله فبلغ خبره وثابت بن أقرم األنصاري طليعة ل

-٤٩-

طليحة فخرج هو وأخوه سلمة يتعقبهما فقتل طليحة عكاشة وسلمة ثابتا فلما رآهما خالد والمسلمون جزعوا فعبأ خالد جيشه وجعل على األنصار ثابت بن قيس وعلى طيء وبجيلة عدي بن حاتم وامتنعت طيء من قتال حلفائهم بني

حرب قيس رغما عن إرادة عدي لحرب بني أسد فأمره خالد أسد واختاروا وطلب عدي إلى خالد أن : أن ال يخالف رأي أصحابه، وفي تاريخ الخميس

يا أبا طريف إن األمر قد اقترب وإني : يجعل قومه مقدمة أصحابه، فقال خالد أخاف أن أقدم قومك فإذا ألحمهم القتال ومستهم السيوف انكشفوا فانكشف من

يعني - معنا ولكن دعني أقدم قوما صبرا لهم سوابق وثبات وهم من قومكفقدم المهاجرين واألنصار وجعل خالد يسوي - األنصار ألنهم قحطانيون

صفوفه على رجليه وطليحة على راحلته ودفع خالد اللواء األعظم إلى زيد بن طيء لواء أعظم الخطاب ولواء األنصار إلى ثابت بن قيس بن شماس وعقد ل

لعدي بن حاتم حتى إذا استوت الصفوف من الطرفين كان خالد طلب أن إن من عهد خلفيتنا إلينا أن ندعوك إلى : يخرج إليه طليحة فخرج فقال خالد

اهللا وحده ال شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن تعود إلى ما خرجت منها خالد أنا أشهد أن ال إله إال اهللا ي: فنقبل منك ونغمد سيوفنا عنك فقال طليحة

وإني رسول اهللا وإني نبي مرسل يأتيني ذو النون كما كان جبريل يأتي .محمدا

عندئذ زحف خالد بجيشه حتى دنا من طليحة فلما انتهى إليه خرج إليه اضربوا : طليحة بأربعين غالما جلدا من جنوده مردا فأقامهم في الميمنة فقال

الميسرة، فتضعضع المسلمون ثم أقامهم ففعلوا مثل ذلك فانهزم حتى تأتوا األنصار اهللا اهللا: المسلمون، عندئذ نادى خالد واقتحم وسط القوم . يا معشر

وكرت الصحابة معه فاختلطت الصفوف واختلفت السيوف وضرس خالد في أمير القوم وال ينبغي لك أن اهللا اهللا فإنك: القتال فجعل يقحم فرسه ويقولون له

-٥٠-

واهللا إني ألعرف ما تقولون ولكني واهللا ما رأيتني أصبر وأخاف : فيقول. تقدميعني - يا خالد عليك سلمى وأجا: هزيمة المسلمين، فنادى مناد من طيء

ثم حمل فما . بل إلى اهللا الملجأ: فقال خالد - جبلي طيء اعتصم بهما لقربهماغالما واحدا، وقاتل خالد يومئذ بسيفين لم يبق من أولئك األربعين رجع حتى

الهزيمة حتى إنهم أسروا قائد بني أسد حبال بن حتى قطعهما وتراد الناس بعداضربوا عنقي وال تروني : أبي حبال فأراد خالد إرساله إلى أبي بكر فقال

.محمديكم هذا فضربت عنقهأن قسوة خالد على هؤالء القوم وأشباههم ضرورية ومن هذا ترى

هم ويحسنهم ويعرف عالجالذي يشخص مرض إلرهاب أمثالهم وأنه الطبيب .مداواتهم

والراية معيار . وكان يحمل راية طليحة شخص ال يتزحزح عن مكانه إن الخيل واإلبل قوة القوم وضعفهم، فهجم عليه خالد فقتله فانهزموا حتى

.وطئت رايتهموقاتل يومئذ عيينة مع عشيرته فزازة قتاال شديدا حتى ألح المسلمون

ال أبا : عليهم بالسيف وقد صبروا لهم فأتى إلى طليحة وهو تحت الكساء فقال. ال واهللا ما جاء= وهو تحت الكساء = لك هل أتاك جبريل، فيقول طليحة

فلما ضجوا من وقع السيوف وطال األمر على . تبا لك سائر اليوم: ينةفقال عيعيينة جاء إلى طليحة وهو مستلق متشح بكسائه فجبذه جبذة جلس منها وقال

إن : قبح اهللا هذه من نبوة أما قيل لك بعد شيء؟ فقال طليحة، قد قيل لي: لهأظن أن قد علم اهللا أن سيكون : يينةلك رحى كرحاه وأمرا لن تنساه فقال ع

هذا واهللا كذاب ما . وأشار لها تحت الشمس. لك أمر لن تنساه يا فزارة هكذا بورك لنا وله فيما يطالب.

-٥١-

وسبب معاملة عيينة لطليحة بهذه القسوة التي ال تتناسب مع دعوى فقد نقل الطبري في تاريخه النبوة أنه ال يعتقد به وإنما ساعده عصبية فقط،

: قول عيينة منذ انقطع ما بيننا وبين بني أسد وإني لمجدد غطفان ما أعرف حدودالحلف الذي كان بيننا في القديم ومتابع طليحة، واهللا ألن نتبع نبيا من الحليفين

تابعوه أحب إلينا من أن نتبع نبيا من قريش وقد مات محمد وبقي طليحة ف .هـ.ا

وانهزم الناس وكان طليحة قد أعد فرسه وراحلته المرأته النوار فلما يا معشر فزارة من : غشوه ركب فرسه وحمى امرأته ثم نجا بها، وقال

) الشام(استطاع منكم أن يفعل هكذا وينجو بامرأته فليفعل، ثم انهزم فلحق بـ . أسلم بعد ذلك وخرج معتمرا في آخر خالفة أبي بكرف) كلب (حتى نزل على

) القادسية (يحمد عليها والسيما) العراق (وله مواقف بعد ذلك في حروبسنة إحدى وعشرين هجرية ) نهاوند (ولبث مجاهدا حتى استشهد في حروب

.كما في اإلصابة بن حصن وفي هذه الحرب أسر عمرو بن مضرس الطائي عيينة

الفزاري وأراد خالد قتله فتكلم فيه رجل من بني مخزوم فأرسله إلى أبي بكر متى : ارتد عدو اهللا فكان يقول لهم: وكان صبيانها يقولون) المدينة (مقيدا إلى

أسلمت حتى أرتد؟ يريد أنه لم يدخل اإلسالم في قلبه وإن تظاهر به وإن ر فليت شعري كم وجد بين المسلمين على شاكلة عيينة البعرة تدل على البعي

.وأصبح أمره مستورا، فكان مصيبة على اإلسالم والمسلمينكانت بنو عامر تنتظر أمر طليحة وبني أسد وأعوانهم ولبثوا على الحياد وكان أميرهم قرة بن هبيرة ممن منع الزكاة وآمن بجميع األحكام

) بزاغة(سالمية ولما مر به عمرو بن العاص أكرم وفادته فلما انهزم أهل اإل

-٥٢-

قالت بنو عامر ندخل فيما خرجنا منه ونؤمن باهللا ورسوله، وأتوا خالدا عليكم عهد اهللا وميثاقه لتؤمنن باهللا ورسوله ولتقيمن الصالة : فبايعهم قائال

وأخذ أميرهم . نعم: ى ذلك أبناءكم ونساءكم فقالواولتؤتن الزكاة وتبايعون عل .قرة فأرسله موثقا إلى أبي بكر ولم يأخذ سالحهم

أما بنو سليم فكانوا من أول األمر فريقين فريق بقي على إسالمه مواليا لنائب أبي بكر معن بن حاجز ويرأسه خفاف بن ندبة السلمي وآخر تقدمه

اليل الملقب بالفجاءة طلب من أبي بكر سالحا يساعده نجية بن إياس بن عبد يأبي الميثاء من بني الشديد فأعطاهم ما أرادوا والتحقوا بطليحة وارتدوا ولهذا

:قال خفافــام ال يأخــذون ســالحه لقتالــه ــه أث ــد اإلل ــذاكمو عن ول ــاتن ــا ف ــي وال أن ــنهم دين حتى يسير إلـى الطـراة شـمام ال دي

فبعد أن كان بنو سليم كتيبة خالد التحق كثير منهم بطليحة فلما انهزم اجتمعوا مع فلول غطفان إلى امرأة تكنى أم زمل اسمها سلمى بنت مالك بن

: صاحبة الجمل الشهير، قال ابن جريرحذيفة بن بدر وأمها ذات العز أم قرفة عليها من ضيق عليه من فلول غطفان وكانت في مثل عز أمها فاجتمع

.وهوازن وسليمفلما بلغ خالدا سار إلى المرأة وقد استكشف أمرها وغلظ شأنها فنزل عليها وعلى من اجتمع عليها واقتتلوا قتاال وسلمى واقفة على جمل أمها وفي

ون بالبسالة مثل عزها فاجتمع على عقر الجمل فوارس المسلمين المعروف .فعقروا الجمل وقتلوها وقتلوا حول جملها مائة

ال ريب في أن قتل هذا العدد بجنب الجمل يدل على استماتتهم دونه ألن كثيرا من شجعان األعراب دخل في هذه المعمعة مستفيدا من توجه التبعة

-٥٣-

ا تحت قيادة امرأة على سلمى ألن غايتهم الفتك بالمسلمين وال يهمهم أن يكونوومن هؤالء أبو شجرة ابن عبد العزى بن الخنساء الشهيرة وأحد شجعان بني

:سليم وزعمائهم فإنه يقول فرويت رمحي من كتيبـة خالـد

وإني ألرجـو بعـدها أن أعمـرا فعندئذ جمع خالد سالح سليم وغطفان وأسد باألولى وتركهم عزال كي

تسول لهم أنفسهم نقض العهد مرة أخرى ولم يقبل من المذكورين صلحا إال الأن يأتوه بالذين حرقوا ومثلوا بالمسلمين وعدوا على اإلسالم في حال ردتهم فأتوه بهم فعاملهم بمثل ما ارتكبوه، مثل بهم وأحرقهم ورضخهم بالحجارة

آلبار وألقى عليهم درسا علم كل مفسد ورمى بهم من الجبال ونكسهم في اعاقبة البغي والفساد فنالوا جزاء ما اقترفوه وأدب أحياءهم وأرهب بأمواتهم غيرهم فكان ذلك خير عبرة لمن تسول له نفسه األمارة بالسوء أو يلقيه

أو الكفر بعد الشيطان في أمنيته من الوساوس بغية التعدي على المسلمين اإليمان أو أحداث القالقل واالضطرابات ألجل النهب والسلب والظلم

ولقد كان خالد بعمله هذا خلع قلوب المجرمين من الهيبة وكفى . والتعديالمسلمين مؤنة مرابطة الجيوش إذ قلم أظفار األعادي وعامل األبرياء معاملة

. العدل واإلنصافما الفجاءة ونجية فقد قتال، وأحرق أبو بكر الفجاءة بالنار كما رواه ابن أ

مر أن اإلسالمهم فما زال عند أبي بكر فلما توفي ورأى عجرير، وأما سالحهـ تاريخ .قد ضرب جرانه دفعه إلى أهله وإلى عصبة من مات منهم ا

.الخميس

-٥٤-

بنو متيم ومقتل مالك بن نويرة

لما فرغ خالد من حروب طليحة وتوابعها وقهر تلك الجيوش العظيمة : أراد أن يسير إلى بني تميم فعارضته األنصار وأميرهم ثابت بن قيس وقالوا

ال أجبركم : فقال خالد. ما عهد إلينا إال لهؤالء وليست بنا قوة إلى غيرهم واألعراب وتخلفت األنصار فسار ومعه المهاجرون. ولكني سائر بمن معي

إن أصيب إخواننا يقال عنا إنا خذلناهم : يومين ثم تالومت فيما بينها فقالواوهي سبة باق عارها إلى آخر الدهر وإن أصابوا خيرا نكون قد حرمناه، فبعثوا إلى خالد مسعود بن سنان وثعلبة بن غنمة فلما جاءه الخبر أقام حتى

فاستقبلهم في كثرة من معه من المسلمين لما أظلوا على الجيش حتى لحقوه نزلوا ألنهم جناحه الثاني الذي يعول عليه وساروا جميعا حتى انتهى خالد بهم

.إلى البطاح من أرض تميم وحصل بينهم نزاع هم قد اضطربردة بني تميم أن أمر وكان سبب

دجلة ( بنت الحارث التميمية من الجزيرة الكائنة بينوقتال فجاءت سجاحتقود قبيلة تغلب فادعت النبوة وغطت على بني تميم وكان أول من ) والفرات

لبى نداءها مالك بن نويرة كما في تاريخ الطبري وأثرت دعوتها في بني تميم فإن حصل ملك - من تميمويربوع - ألنها قالت إني امرأة من بني يربوع

فغرهم ذلك وهجموا على قبائل كانت بينهم حروب فقتلوهم وهم . فهو لكمالرباب وضبة وقتلت قتلى كثيرة بسبب ذلك وكانت سجاح ترجو من قيس بن

-٥٥-

عاصم أن يدخل في دينها وتحت حكمها لتردده في األمر فلما صارت هذه اإلسالم ولذلك لم يدخل أحد من ضبة وال الحرب ندم على الوقوف ورجح

الرباب وال بني سعد تميم وال بني عمرو في أمر سجاح وألن القتل بينهم ندموا فقال األصم:

ــتهدت ــب فاس ــت تغل ــا أخ أتتن

جالئب مـن سـراة بنـي أبينـا ــفاها ــا س ــوة فين وأرســت دع

ــا ــائر آخرين ــن عم ــت م وكان

ــزريهم ــا لن ــا كن ــاالفم زب

ــا ــسلم إذ أتين ــت ت ــا كان ومــلت ــومكم وض ــفهت حل أال س

ــا ــا ثبين ــشدون له ــشية تح ع

أثرت هذه األبيات وأمثالها في بني تميم حتى تجاسروا على تحقيرها :فهجاها عضدها األيمن عطارد بن حاجب بقوله

أمست نبيتنا أنثـى يطـاف بهـا

كرانـا وأصبحت أنبياء النـاس ذ

وعيرتهم العرب فلم تجد سجاح لها مقاما في بني تميم فتوجهت إلى وهناك تزوجت بمسيلمة فلم يجىء خالد إلى بني تميم إال وعقدهم ) اليمامة(

منفرط ورأيهم مشتت فكفى اهللا المسلمين مؤنة حرب سجاح وندم مالك لما يأتون إلى القوم فإذا لم يسمعوا أذانا أغاروا ولقد كان المسلمون. تفرق قومه

عليهم فلما جاؤوا البطاح وارتقبوا األذان ولم يسمعوا من شعائر اإلسالم أغارت خيلهم عليهم فأخذت رجاال منهم مالك بن نويرة ونفر من بني ثعلبة

.من يربوع

الزكاة فقال أنا آتي الصالة دون: قال أبو الفداء في تاريخه، قال مالكفقال . أما علمت أن الصالة والزكاة معا ال تقبل واحدة دون أخرى: خالدأو ما تراه لك صاحبا واهللا لقد : فقال خالد. قد كان صاحبكم يقول ذلك: مالك

-٥٦-

: إني قاتلك قال له: ثم تجادال في الكالم، فقال له خالد. ضرب عنقكأهممت أن وكان عبد اهللا بن عمر وأبو قتادة . وهذه بعد تلك: الق. أو بذلك أمرك صاحبك

فكلما خالدا في أمره فكره كالمهما، فقال مالك حاضرين ابعثنا إلى : األنصاريال أقالني اهللا إن لم أقتلك فتقدم : فقال خالد. أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا

هذه : فت مالك إلى زوجته وقال لخالدإلى ضرار بن األزور بضرب عنقه، فالتأنا على : بل اهللا قتلك برجوعك عن اإلسالم، فقال مالك: فقال خالد. التي قتلتني

فضرب عنقه وجعل رأسه اثفية . يا ضرار اضرب عنقه: فقال خالد. اإلسالم . هـ.لقدر، وكان من أكثر الناس شعرا، وقبض خالد امرأته ا

مصدقا Bوكان مالك بن نويرة قد بعثه النبي : خ الخميسوفي تاري Bإلى قومه بني حنظلة وكان سيدهم فجمع صدقاتهم فلما بلغته وفاة النبي

جفل إبل الصدقة أي ردها من حيث جاءت فلذلك سمي الجفول، ولما بلغ ذلك لوليد لئن أخذه ليقتلنه أبا بكر والمسلمين حنقوا على مالك، وعاهد اهللا خالد بن ا

.هـ.ثم ليجعلن هامته اثفية للقدر ا

ومن هذه نعلم أن خالدا غير واثق به لذلك نذر قتله فلما كرر كلمة صاحبك وجدها مبررة لقتله وأن كلمة أنا على اإلسالم ليست مخلصة بالنسبة

" تقبل توبة الزنديق " لحراجة موقف خالد وذلك من قبيل قول الفقهاء ال .واستنادا على ذلك أباح دمه وزاد عليه أن جعل رأسه أثفية لقدر

قتل : قال عمر بن الخطاب ألبي بكر) المدينة (ولما وصل الخبر إلىقال . ما كنت أقتله وقد تأول: قال أبو بكر. خالد مسلما بغير حق وزنى فاقتله

سيفا سله اهللا على الكفار: أبو بكرقال . فاعزله: عمر ما كنت ألغمد. وإذا حللنا المسألة تحليال عمليا والحظنا منفعة اإلسالم نجد أن خالدا

، وأما دعوى أنه قال لهم هم وجعل رؤوسهم أثافي للقدورمصيب في عمله بقتل

-٥٧-

يليق فهو كذب صريح ال أدفئوا أسراكم ، وأدفئوا في لغة كنانة اقتلوا فقتلوهم .بالصحابة الكرام أن تفعله وهم المثل األعلى لطاعة اهللا وطاعة رسوله

وإنما حقيقة المسألة أن خالدا رجل حرب وقائد عظيم يعرف الرجال وأالعيبهم ونفوذهم وخداعهم ويعرف ما سيقدم عليه من حروب عظيمة

ورجال محنكون وشجعان عرفوا بالبسالة والفتك وقوة يقودها قادة مدربون وروي . المراس قد اتخذوا القراع حرفة ومجابهة الموت عادة والنزاع صفة

س شديد {:أنه نزل فيهم قول اهللا تعالى ي بأ ول فهو )١(}ستدعون إلى قوم أهللا كثير الشكوك حذر من اجتناب كل أمر يؤدي إلى الفشل وكان معه عبد ا

ومن المعلوم أن . بن عمر بن الخطاب المعروف بالعبادة وشدة الورعاالتدبير الحربي غير العبادة وأن المنافع العامة غير الحقوق الشخصية فإن م مالك بن نويرة أمير قومه بني حنظلة تميم مسموع الكلمة في بني تميم وه

ما رأيت نارا قط إال : األلوف المؤلفة كريم بشهادة أخيه متمم بن نويرة قال كنت انقطع أسفا عليه ألنه كان يوقد ناره إلى الصبح مخافة أن يأتيه ضيف

: وال يعرف مكانه، وكان شجاعا جلدا ألن عمر قال لمتمم صفه لي فقال د الجمل الثقال أي البطيء، وهو بين المزادتين كان يركب الفرس ويقو

النضوحتين في الليلة القرة وعليه شملة فلوت معتقال رمحا خطيا فيسري ه فلقة قمر، كما في تاريخ ابن األثير، وكان مالكوكأن وجه ليلته ثم يصبح

وسفك دماء ضبة هو أول من منع الزكاة وأول من لبى نداء سجاح المتنبئة بصاحبك Bغير راحم لهم وهم أبناء عمه، وكان يخاطب خالدا عن النبي

حفيظته فال يأمن وجادله وهو تحت السيف فأثار ه خالدعلى حسب ما فهم

.١٦اآلية الفتح، سورة ) ١(

-٥٨-

ما على غزوالذي كان مصم اليمامة وبقية نجد أن يقع مرة أخرى بين ةخالد ليم وبين بني حنيفة وبقية ربيعة إذ يجوز أن بني تميم وفلول غطفانوس

متفقا مع سجاح المتنبئة وزوجها مسيلمة الكذاب على أمر علم به مالك يكونخالد ولم يشأ إفشاءه خشية من تعطيل تدبيره الحربي لذلك قد أزال من

قر طريقه هذه العقبة كي يأمن من خلفه وتسهل عليه منازلة بني حنيفة في ع .دارهم

أما عمر بن الخطاب فنظر إلى ظاهر األمر وأبدى رأيه المتقدم، لهذا لم يوافقه أبو بكر على قتل خالد قصاصا ولم يرض بعزله بل أبقاه في القيادة ولم يشأ أن يكدر خاطره فضال عن أن يعزله علما منه أن القائد قد تكتنفه

يسفك بسببها دم أعز أصحابه ألجل مصلحة دينه وأمته ويحتمل أن ظروفكان واقفا على تدبير خالد بصورة مفصلة ولم يعلم - وهو الراجح - أبا بكر

أصحابه عنه مستعينا على استحصال النصر بالكتمان فلم يفعل أكثر أخلصت وحسم النزاع ودى مالكا ألخيه متمم من عتاب خالد، وألجل قطع التقوال

.وأعاد سبي القومم وقد أصاب أبو بكر في رأيه هذا ولذلك لما هرب فريق من بني تمي

وأرادوا أن يبايعوا أبا بكر نفسه هربا من بيعة خالد ) المدينة (وأعوانهم إلى ي خالد عنه أنه حضرقال لهم بيعتي وأماني لكم أن تلحقوا بخالد فمن كتب ل

فهو آمن، اجعلوا وجوهكم نحو خالد ليرى الناس اعتمادهم عليه ) اليمامة( .ورضاءه عن تدبيره النافع لمصلحة المسلمين

على أنه يجوز أن يكون مالك ندم وقد أسلم حقا ألن العرب ال تعرف ترجمانا عن قلبه ومن النفاق بل إذا صدق أحدهم بلسانه يكون ذلك في الغالب

.هذا الوجه كان غضب أبي قتادة وعمر بن الخطاب وابنه عبد اهللا

-٥٩-

ليست فيها غضاضة " صاحبك"ويجوز أن يكون استعمال مالك كلمة فكان يجبB نظرا ألسلوب بعض البدو إال أن مالكا أسلم زمن رسول اهللا

وز أن يكون أراد بصاحبك أبا بكر غير ويج،عليه أن يعرف اآلداب اإلسالميةأنه في موقف الموت كان عليه أن يصرح عن رأيه إال أنه يجوز أيضا أنه يعرفها كلها ولكن غلبت عليه عزة النفس وجبروت الرئاسة وبقايا العصبية

القتل أو الجاهلية، ولربما أن خالدا لو كان بغير ذلك الموقف الكتفى منه بغير ه لكن حراجة الموقف لم تدعإليه رشد ه ويثوبأمر مالك أمهله ريثما يتدبرخالدا يتماهل في األمر ألنه ليس في وسعه إعطاء مجال ألعدائه كي يتنفسوا فيجمعوا قواهم مرة أخرى ومن الجائز أن تستفحل الردة والعياذ باهللا تعالى

ع خالد أن يرسل مالكا ألبي بكر ألنه سيرسله مع شجعان حينئذ، وليس في وسيحافظونه من أن يخلصه قومه والجيش محتاج إلى أولئك الشجعان وإن كان

.مع غيرهم فإنه قد يتخلص منهم ويثير نار الحرب بعدما خمدت

وأرى أنه لو أرسله لكان خرقا لحرمة القيادة ولما أمكنه بعد ذلك إيفاء اعتماد على نفسه وتنشأ عن ذلك جرأة العدو عمل ما والسيما أن فيه عدم عن جهة الحرب ال يعرف عنها مثل ما يعرف قائد عليه ألن أبا بكر البعيدالمعمعة نفسها وما كل األمور تقام عليها بينات وشهود ألن الشهود في إثبات

العامة، أما هي فيكفي فيها السيماء ولحن الحق الذي ال دخل فيه للمصلحةالقول كما هو صريح اآلية، وقد أدرك أبو بكر هذا األمر طبعا فأعاد أبا قتادة

.يشكوه) المدينة(إلى خالد كما جاء في بعض الروايات أنه قدم

يخه والدليل على علم أبي بكر بتفاصيل الحادثة ما رواه ابن األثير في تار صدأ الحديد وأقفل خالد بن الوليد قافال حتى دخل المسجد وعليه قباء عليه: قال

معتجرا بعمامة قد غرز فيها أسهما فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع

-٦٠-

األسهم من رأسه فحطمها ثم قال ارئاء قتلت امرءا مسلما ثم نزوت على وال يكلمه خالد وال يظن إال أن رأي أبي بكر . ك بأحجاركامرأته واهللا ألرجمن

على مثل رأي عمر فيه حتى دخل على أبي بكر فلما أن دخل عليه أخبره هـ فهذا برهان على .الخبر واعتذر إليه وتجاوز عنه ما كان في حربه تلك ا

ير ملتفت إلى أنه أعلمه بتدبيره كله حتى قبل عذره وأعاده إلى قيادته غ .االعتراضات الواردة ألنها صادرة ممن لم يقفوا على حقيقة القضية

ذكرنا هذه األسباب لكثرة ما قيل في هذه المسألة وتحامل فيها على خالد كثيرون والسيما عند زواجه بامرأة مالك مع أنه اعتبرها سبيا فلو لم تكن

. من غيره بهاله كانت لغيره، إذا هو أولىفريق محبذ لعمله مدافع عنه ويرأسه أبو بكر : أصبح خالد بين فريقين

ولكال الطرفين وجهة، ولكن ه عمرمعترض عليه ويرأس لهح فعوفريق مقبشتان ما بين الوجهتين ألن المنتقدين يبنون حجتهم على مسألة خاصة وأما

صلحة العامة التي تنشأ عن الخاصة ألن قتل مالك المحبذون فينظرون إلى الموأمثاله قد ألقى الرعب في قلوب األعادي ولوال ذلك اإلرهاب لما حصل هذا

المبين والفتح العظيم النصر.

-٦١-

حروب اليمامة ومسيلمة الكذاب

وكانت تسمى) الرياض (هي قاعدة بالد نجد اآلن وتسمى) اليمامة(

وهو - بكسر فسكون - باسم أحد أودية اليمامة المسمى العرض) عارضال( .الذي أخذ فيه مجاعة بن مرة الحنفي أسيرا

أمره أبو بكر بالعودة فسار ونزل مع جيشه ) المدينة (بعدما قدم خالد إلىبت األنصار ثاالبطاح وكان على المهاجرين أبو حذيفة وزيد بن الخطاب وعلى

بن قيس وبقي ينتظر النجدة حتى جاءته مع أسامة بن زيد وجيشه الذي عقد ا .لواءه وغزا به الروم فسار متوجها نحو اليمامةB رسول اهللا

وكان أبو بكر أرسل عكرمة بن أبي جهل إلى اليمامة وأتبعه بشرحبيل وكتب عكرمة إلى أبي بكر بالخبر ابن حسنة فعجل عكرمة فنكبته بنو حنيفة،

فكتب إليه أبو بكر ال أرينك وال تراني، ال ترجعن فتوهن الناس، امض إلى أنت وجنودك تستبرؤون ثم تسير ) مهرة(و) عمان (حذيفة وعرفجة فقاتل أهل

).حضرموت(و) اليمن (الناس حتى تلقى المهاجر بن أبي أمية بـ

إلى شرحبيل بالمقام إلى أن يأتي خالد، فإذا فرغوا من وكتب أبو بكر وعجل شرحبيل إلى بني . مسيلمة يلحق بعمرو بن العاص يعينه على قضاعة

حنيفة وكانت عدتهم أربعين ألف مقاتل فنكب والمه خالد على ذلك كما في .ابن األثير

-٦٢-

ظيم لم ينجح في حرب بني فإذا عرفت أن عكرمة المخزومي القائد العحنيفة وكذلك شرحبيل المعروف بالبسالة وحسن القيادة، تعلم أن خالدا قد امتاز بالتدبير الحربي وأن ما كان يعمله في سفك الدماء له أثر كبير في خذل ه قوة أعدائه المعنوية فلقد أصاب في سفك دماء األشخاص الذين اعترض علي

فيهم حتى لو فرضنا أنهم مسلمون أليس يقتل الثلث إذا كان فاسدا إلصالح الثلثين؟ فدم مسلم ألجل حقن دماء ألوف من المسلمين أو هداية ألوف من

.الكافرين الشك في أنه عين الصواب

باألمر اللعب أو بمجرد األقوال وإنما هي الموت الزؤام ليست الحربوقاسى أهوال الحرب فال ي الدهر ره إال من عركر موقف خالد حق قدقد

ومارس القيادة وتجرع حراجة الموقف وما تحتاج إليه من مفاداة وتضحية وتحمل صعوبات ولكن غالب المعترضين على أعمال خالد هم أهل صالح

الشجعان ولكنه لم وتقوى ال يدرون الحروب وال ما تحتاج إليه بعضهم من يتول القيادة ليعرف الصعوبة التي تكتنفه عند إدارة دفة األمور لقهر الخصم والتغلب عليه، لذلك لم يعبأ أبو بكر برأيهم بل استحسن عمل خالد وأبقاه سيفا

.مسلوال على األعداء وشهره على مسيلمة الكذاب وقومه بني حنيفة

الكذاب فهو ابن ثمامة بن كبير بن حبيب من بني حنيفة أما مسيلمة، ورواية ابن هشام في )مكة ( بعد فتحBوكان قد وفد على رسول اهللا

وأخذوا جائزته Bأنه بقي في رحالهم يحفظها لهم وذكروه للنبي : سيرته: قدم وقالأنه) صحيحه (ورواية البخاري في. منه بعدما قال إنه ليس بشركم

لو سألتني : قالBإن جعل لي محمد األمر من بعده تبعته وإن رسول اهللا ما أعطيتكها ولن تعدو أمر اهللا - لجريدة من النخل كانت بيده - هذه القطعة

فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك اهللا وإني ألراك الذي أريت فيه ما رأيت وذلك كما

-٦٣-

بينما أنا نائم ثم رأيت في يدي Bقال رسول اهللا : ري نفسهفي صحيح البخاسوارين من ذهب فأهمني شأنهما فأوحي إلي في المنام أن أنفخهما فنفختهما

.هـ.فطارا فأولتهما كذابين يخرجان بعدي أحدهما العنسي واآلخر مسيلمة ا

ويحتمل أن يكون : فقالوجمع بينهما الحافظ ابن حجر في فتح الباري ه ولهذا أقامبني حنيفة غير تين األولى كان تابعا وكان رئيسمر مسيلمة قدم

النبي هة متبوعا وفيها خاطبفي رحالهم، ومرB وعامله النبي B معاملة إنه ليس بشركم أي بمكان لكونه: الكرم على عادته في االستئالف، فقال لقومه

كان يحفظ رحالهم، ثم بين أنه ذهب إليه بنفسه إلقامة الحجة واإلعذار في .هـ.اإلنذار ا

والظاهر الذي تميل إليه النفس أن مسيلمة جاء في المرة أو المرتين وهو مشرك أو مطالب بالنبوة ألن ) مكة (مسلما ألنه ال معنى لوفوده بعد فتح

ده وال يعقل أن يفد إال أن يكون طلب الخالفة بعد رسول مثل هذا ال حاجة لوفأي لكونه ] أنه ليس بشركم[ كما طلبها عامر بن الطفيل قبله، وتفسير Bاهللا

ال وجه له Bيحفظ رحالهم وادعاء ابن هشام أن هذا مراد رسول اهللا وأن فيهم على هذا الوفد قد اطلع Bوجرأة عظيمة ولم ال يكون رسول اهللا

بالجيم - أشرارا ليس مسيلمة شرا منهم فإن في الوفـد نهار الرجالبن عنفوة وهو أضر من مسيلمة ألنه قرأ القرآن وتفقه في الدين - المشددة

اإليمان واإلسالم، فصار داعية لمسيلمة وشهد أن ) اليمامة (فبعث معلما ألهلرك معه في األمر مسيلمة ولما نشبت الحرب كان على مقدمة أشBمحمدا

وفيهم مؤذنه عبد اهللا بن النواحة، والذي يقيم له . مسيلمة يحارب المسلمينفإذا إن هذا الوفد وإن جاء مظهرا اإلسالم كان عدوا له . حجير بن عميرأي أن الجميع أشرار ، . ليس بشركم : على ذلك فقال Bوأطلع اهللا نبيه

-٦٤-

وإعطاؤه إياهم الخلع حجة له عليهم ، ولهذا لما كانوا بهذا الشكل أمر أبو بكر بذبح كل شخص نبتت عانته من هذه العشيرة ألن وفدهم دليل عليهم، وأن

لليمن والشام Bمعظمهم يرضى الباطل كما يأتي، ولهذا لما دعا رسول اهللا رواه - »من ههنا تظهر الفتن« أن يدعو لتلك األماكن، بل قال بالبركة أبى

.البخاري وغيره مسيلمة في السنة العاشرة من الهجرة، وأحل لهم الخمر وكان ظهور

وكانت فيه قرى ) اليمامة (والزنا ووضع عنهم الصالة واتخذ له حرما بـ، )اليمامة( على ثمار مدينة األحاليف ومنهم أفخاد بني أسيد، فكانوا يغيرون

واتخذوا الحرم دغال يختفون به فكثر ذلك منهم حتى استعدوا عليهم مسيلمة :انتظر الذي يأتي من السماء فيكم وفيهم ثم قال لهم: فقال

.والليل األطحم والذئب األدلم والجذع األزلم ما انتهكت أسيد من محرم

الحرم وفساد األموال؟ ثم عادت أسيد للغارة أما محرم باستحالل : فقالوا :أنتظر الذي يأتيني من السماء ثم قال: وعادوا للشكاية فقال مسيلمة

.»والليل الدامس والذئب الهامس ما قطعت أسيد من رطب وال يابس«

أما النخيل مرطبة فقد جذوها وأما الجدران يابسة فقد هدموها : فقالوا .»بوا فال حق لكماذه«: فقال

وأنه يعتمد باسم الوحي السماوي وهذا من بعض تصنعه وتأييده الظلمعة شبيهة بقريش في مضر، وإال فإن كل يعلى شرف عشيرته التي هي في رب

:عاقل يعتقد بكذب من يبيح تعدي القوي على الضعيف بنهب أموالهمن : فقال لمسيلمة) اليمامة (ي جاء إلىفروى ابن جرير أن طلحة النمر

في ظلمة؟ فقال: فقال: يأتيك؟ فقال رحمان في ظلمة فقال: في نور أم : أشهد

-٦٥-

أنك كذاب وأن محمدا صادق ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر، ).عقرباء (فقتل معه في

التي احتمى بها كما وإن سخافة قرآنه دليل على كذبه لوال العصبيةيحتمي بها بعض الساقطين األنذال الخونة في عصرنا هذا مستندين على حزبهم في المدن وعلى عصبتهم في األعراب والقرى والبلدان الشبيهة

:فمن قرآن مسيلمة. بالبداوة

والشاة وألوانها، وأعجبها السود وألوانها والشاة السوداء واللبن األبيض إنه لعجب محض وقد حرم المذق فمالكم ال تمجعون؟

يا ضفدع ابنة ضفدع نقي ما تنقين أعالك في الماء وأسفلك في : ومنه .الطين ال الشارب تمنعين وال الماء تكدرين

أضف إلى هذا فحش شعره وتهتكه عند زواجه بسجاح المتنبئة فإن .الذوق يمجه ويأبى سماعه

وادي (لنعد إلى موضوع السيرة، فقد سار خالد بجيوشه حتى إذا نزلجعل طليعة جيشه مائتي فارس عليهم معن بن ) اليمامة المشهور بالعرض

عدي العجالني ودليلهم فرات بن حبان العجلي يتقدم الجميع مكيث بن زيد . من أصبتم من الناس فخذوه: الدالخيل وأخوه عينين للمسلمين وقال لهم خ

فانفلتوا حتى أخذوا مجاعة بن مرة الحنفي في ثالثة وعشرين رجال من قومه قد خرجوا في طلب رجل من بني نمير أصاب فيهم دما وهم ال يشعرون

فظن المسلمون أنهم رسل . بمقبل خالد فسألوهم من أنتم؟ فقالوا من بني حنيفة. ما تقولون يا بني حنيفة في صاحبكم، فشهدوا أنه رسول اهللا: قالوامسيلمة، ف

واهللا ما خرجت إال في طلب رجل من بني : فقالوا لمجاعة ما تقول أنت؟ فقال

-٦٦-

Bنمير أصاب فينا دما ما كنت أقرب مسيلمة ولقد قدمت على رسول اهللا ناقهم على دم واحد، فأسلمت وما غيرت وال بدلت، فقدم القوم فضربت أع

يا خالد إن كنت تريد بأهل : حتى إذا بقي سارية بن مسيلمة بن عامر فقالفإنه عون لك في حربك - يعني مجاعة - اليمامة خيرا أو شرا فاستبق هذا

وسلمك، وكان مجاعة شريفا فلم يقتله، وأعجب بسارية وبكالمه فتركه أيضا .ع حديدوأمر بهما فأوثقا في جوام

تقدم : فقال له خالد) اليمامة (وكان عمير بن صالح اليشكري من سادات :فأتاهم ولم يكونوا علموا بإسالمه فقال. إلى قومك فاكسرهم

أظلكم خالد في المهاجرين واألنصار تركت ) اليمامة (يا معشر أهل أسد وغطفان وعليا ، وقد قضوا وطرا من)اليمامة (القوم يتبايعون على فتح

هوازن وأنتم في أكفهم وقولهم ال قوة إال باهللا، إني رأيت قوما إن غلبتموهم بالصبر غلبوكم بالنصر، وإن غلبتموهم على الحياة غلبوكم على الموت، وإن مدبر قبل والشركم اإلسالم ،دد لستم والقوم سواءدد غلبوكم بالمغلبتموهم بالع

م نبي وصاحبكم كذاب ومعهم السرور ومعكم الغرور فاآلن والسيف وصاحبهفي غمده والنبل في جفيره قبل أن يسل السيف ويرمى النبل سرت إليكم مع

.القوم عشرا

.فكذبوه واتهموه فرجع عنهم

:وقام ثمامة بن آثال الحنفي فقال

. نبيان في أمر واحداسمعوا مني وأطيعوا أمري ترشدوا إنه ال يجتمع ال نبي بعده وال نبي مرسل معه، ثم قرأ بسم اهللا الرحمن Bإن محمدا

غافر الذنب وقابل التوب . تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم. حم{: الرحيم

-٦٧-

هذا كالم اهللا عز وجل أين )١(}يه المصريشديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليا ضفدع نقي كما تنقين أعالك في الماء وأسفلك في الطين ال : "هذا من

واهللا إنكم لترون أن هذا الكالم ما يخرج " الشارب تمنعين وال الماء تكدرينم في وقام بهذا األمر من بعده رجل هو أفقههBمن إله، وتوفي رسول اهللا

أنفسهم ال تأخذه في اهللا لومة الئم، ثم بعث إليكم رجال ال يسمى باسمه وال باسم أبيه يقال له سيف اهللا معه سيوف اهللا كثيرة فانظروا في أنفسكم فآذاه

:القوم جميعا وعندئذ أنشد قوله فإنــك فــي األمــر لــم تــشرك مــسيلمة ارجــع وال تمحــك

ــي وح ــى اهللا ف ــذبت عل ــهك ــوك ي ــوى األن ــواك ه ــان ه فكــو ــأن يمنع ــوم ب ــاك ق ــرك ومن ــد تت ــأتهم خال ك وإن ي ء وال لك في األرض من مـسلك فمالك مـن مـصعد فـي الـسما

ولما وردت قصيدة حسان إلى محكم بن الطفيل سيد اليمامة التي :مطلعها

يا محكم بن طفيل قـد أتـيح لكـم

ــة ــيكم حي ــواديهللا در أب ال :ويقول فيها

فاكفف حنيفة يومـا قبـل نائحـة

تنحى فوارس شاج شـجوها بـاد ال تأمنوا خالـدا بـالبرد معتجـرا

تحت العجاجة مثل األغضف العادي

ويل اليمامة ويـال ال فـراق لـه

إن جالت الخيل فيها بالقنا الصادي : قال في تاريخ الخميس. لمينوقيل له هذا خالد بن الوليد في المس

رضي : وهم إن يرجع إلى اإلسالم فبات يلتوي على فراشه، ثم قال. جزع

.غافرسورة ) ١(

-٦٨-

خالد أمرا ورضينا غيره، وما ينكر خالد أن يكون في بني حنيفة من أشرك في األمر فسيرى خالد إن قدم علينا يلق قوما ليسوا كمن لقي ثم خطب أهل

:فقال) اليمامة(

إنكم تلقون قوما يبذلون أنفسهم دون صاحبهم ) اليمامة (ر أهليا معشفابذلوا أنفسكم دون صاحبكم فإن أسدا وغطفان إنما أشار إليهم خالد بذباب السيف فكانوا كالنعام الشارد وقد أظهر خالد بن الوليد نارا بإيقاعه ببزاعة ما

.وهل حنيفة إال كما لقينا: أوقع ثم قال

م من إرسال عمير اليشكري ونصح ثمامة أن خالدا ال يريد الحرب فتعلإال مضطرا إليها وهكذا شأن كل شجاع يكره الحرب في أول األمر حتى إذا

.حمي وطيسها خاض غمارها فإذا سفك خالد دما فإنه لحقن دماء كثيرة

سيلمة فلما ثم مضى خالد وخرجت بنو حنيفة مع م: وفي كتاب األمويفالتقيا هناك، وكان الرجال بن ) عقرباء (قاربهم زحف بالمسلمين حتى نزلوا

عنفوة على مقدمة مسيلمة، فلما رأى خالد بني حنيفة تسوي صفوفها نهض إلى صفوفه فصفها وقدم رايته مع زيد بن الخطاب ودفع راية األنصار إلى

ل على ميمنته أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ثابت بن قيس بن شماس وجعوعلى ميسرته شجاع بن وهب واستعمل على الخيل البراء بن مالك ثم عزله واستعمل أسامة بن زيد وكان خالد في فسطاطه ومعه أشراف الصحابة

.يتحدث معهم، وعنده مجاعة وزوجه أم متمم امرأة مالك بن نويرة سابقا

حملت بنو حنيفة أول مرة كانت لها الحملة وخالد : وفي تاريخ الخميسعلى سريره حتى أخلص إليه فجرد سيفه وجعل يسوق بني حنيفة سوقا حتى ردهم وقتل منهم قتلى كثيرة ثم كرت بنو حنيفة حتى انتهوا إلى فسطاط خالد

وترك مسيلمة : خ ابن األثيروفي تاري. فجعلوا يضربون الفسطاط بالسيوف

-٦٩-

األموال وراء ظهره فقال شرحبيل بن مسيلمة يا بني حنيفة قاتلوا فإن اليوم يوم الغيرة فإن انهزمتم تستردف النساء سبيات وينكحن غير حظيات فقاتلوا وكان أول من لقي المسلمين نهار كم، والتقى الناسعن أحسابكم وامنعوا نساء

جال بن عنفوة فقتله زيد بن الخطاب، واشتد القتال ولم يلق المسلمون حربا الرمثلها قط وانهزم المسلمون وخلصوا إلى مجاعة وإلى خالد فزال خالد عن الفسطاط، ودخلوا إلى مجاعة وهو عند امرأة خالد وكان سلمه إليها فأرادوا

ركوها وقال لهم عليكم بالرجال قتلها فنهاهم مجاعة وقال أنا لها جار، وتبئس ما عودتم : فقطعوا الفسطاط، ثم إن المسلمين تداعوا فقال ثابت بن قيس

يعني أهل - أنفسكم يا معشر المسلمين اللهم إني أبرأ إليك مما يصنع هؤالء .-يعني المسلمين - وأعتذر إليك مما يصنع هؤالء -) اليمامة(

وقد انكشف المسلمون حتى غلب بنو حنيفة على : وفي تاريخ الخميسأما الرجال فال : الرجال فجعل زيد بن الخطاب ينادي وكانت عنده راية خالد

رجال، اللهم إني أعتذر إليك من فرار أصحابي وأبرأ إليك مما جاء مسيلمة ومحكم بن الطفيل، وجعل يشتد في نحر العدو ثم ضارب بسيفه حتى قتل

يا سالم إنا : ووقعت الراية فأخذها سالم مولى أبي حذيفة، فقال المسلمون :فقال. نخشى أن نؤتى من قبلك

.»بئس حامل القرآن أنا إذا أتيتم من قبلي«

ونادت األنصار ثابت بن قيس وهو يحمل رايتهم، الزمها فإنما : قالوايفة فحفر لرجليه حتى بلغ أنصاف مالك القوم الراية، فتقدم سالم مولى أبي حذ

ساقيه ومعه راية المهاجرين، وحفر ثابت بن قيس لنفسه مثل ذلك ثم لزما رايتهما ولقد كان الناس يتفرقون وإن سالما وثابتا لقائمان ثابتان برايتيهما حتى

ورأس قتل سالم وقتل مواله أبو حذيفة فوجد رأس أبي حذيفة عند رجلي سالم

-٧٠-

فلما قتل . سالم عند رجلي أبي حذيفة لقرب مصرع كل منهما من صاحبهسالم مكثت الراية ساعة ال يرفعها أحد فأقبل يزيد بن قيس وكان بدريا فحملها

.حتى قتل، ثم حملها الحكم بن سعيد بن العاص فقاتل دونها حتى قتلاهللا بن عمر لقد رأ: وقال عبديت عمارا على صخرة قد أشرف يصيح :

يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرون؟ أنا عمار بن ياسر هلموا إلي وأنا أنظر لقد رأيته يقاتل يومئذ قتال : إلى أذنه تذبذب وقد قطعت، وقال سعد القرظي

.عشرةالفزاري الفريقان صب: وقال شريك نا والقوم صبرمثله لما التقي را لم أر

قط ما تزول األقدام فترا واختلفت السيوف بينهم وجعل يقبل أهل السوابق والنيات فيتقدمون فيقتلون حتى فنوا ودلفت فينا سيوفهم نهارا طويال فانهزمنا ولقد أحصيت لنا ثالث انهزامات وما أحصيت لبني حنيفة إال انهزامة واحدة

ي التي ألجأناهم فيها إلى الحديقة، يعني حديقة لمسيلمة كانت يقال لها وه .حديقة الموت: حديقة الرحمان وبعد ذلك سميت

فقال له . يا خالد بن الوليد أخلصنا إليك: وقبل أن يقتل ثابت بن قيس نادىفتسللت إليه رجال فأخذ الراية ونادى يا لألنصار: قال. ناد في أصحابك: خالد قال رافع بن خديج هزمتنا بنو . فنادى خالد يا للمهاجرين، فأحدقوا به. رجال

حنيفة مرارا فنعود إلى مصافنا وفيها خلل، وذلك أن صفوفنا كانت مختلطة فيها حشو كثير من األعراب في خالل صفوفنا فينهزم أولئك بالناس فثبت أهل

نيات حتى كثر القتل فيهم، فلما أخلص خالد المهاجرين واألنصار البصائر والوأخلص عدي بن حاتم ومكنف بن زيد الخيل طيئا عزلت األعراب عن المسلمين

.ناحية فقاموا من ورائهم غلوة أو أكثر ألنهم كانوا يؤتون من قبل األعراب : ب الخيل صاح المسلمونولما انكشف الناس وانكشف أسامة بأصحا

فعزل أسامة ورد الخيل إلى البراء وقال . يا خالد ول البراء بن مالك الخيل

-٧١-

وهل لنا من خيل؟ قد عزلتني وفرقت الناس : اركب في الخيل، فقال البراء: لهليس حين عتاب اركب أيها الرجل في خيلك أال ترى ما : فقال له خالد. عني

األمر، فركب البراء فرسه وأن الخيل ال وازع لها من كل ناحية وما لحم منهي إال الهزيمة فجعل يليح بسيفه وينادي أصحابه يا لألنصار يا خياله يا بن مالك فثابت إليه الخيل من كل ناحية، وثابت إليه األنصار خياله أنا البراء

تالومت األنصار فيما صنعت وكان فارسها وراجلها تأوي إلى يعسوبها، وعباد بن بشر قتل من شجعان بني حنيفة قتال ذريعا وجرح غالبهم حتى إنه قتل بالسيف أكثر من عشرين رجال من مشاهيرهم وإن بني حنيفة لتذكره فإذا

.هذا ضرب محرب القوم عباد بن بشر: رأت برجل منهم جراحا تقول

المسلمون أقبح االنكشاف حتى ظن ظانهم أال تكون لهم فئة ولقد انكشف هم، وأسرت بنو حنيفة وأظهروا البغيقد هدأ حس في ذلك اليوم والناس أوزاع بن بن بشر على نشز من األرض ثم صاح بأعلى صوته أنا عباد وأوفى عباد

قبلوا إليه جميعا وأجابوه لبيك بشر يا لألنصار يا لألنصار أال إلي أال إلي فأفداكم أبي وأمي حطموا جفن السيوف، ثم حطم : لبيك حتى توافدوا عنده فقال

حملة صادقة : جفن سيفه فألقاه وحطمت األنصار جفون سيوفهم، ثم قالفخرج أمامهم فساقوا بني حنيفة منهزمين حتى انتهوا بهم إلى . اتبعوني

فألقوه عليها . القوني على الترسة: ها عليهم فصاح أبو دجانةالحديقة فأغلقووهو يقول ال ينجيكن منا الفرار ) الحديقة (ورفعوها على الرماح حتى وقع في

.فضاربهم حتى فتحها ودخلنا عليه مقتوال

يا بني حنيفة قاتلوا قبل أن تستحقب الكرائم غير : وقال محكم بن الطفيلرضيات وي حظيات وما كان عندكم من حسب فأخرجوه فقد لحم ن غيرنكح

-٧٢-

يا بني حنيفة ادخلوا الحديقة سأمنع : األمر واحتيج إلى ذلك منكم ثم قال :دابركم، وجعل يرتجز

ــسيلمة ــا م ــسما أوردن أورثنــا مــن بعــده أغيلمــه لبئ صلتا ثم إن عباد بن بشر ألقى درعه على باب الحديقة ودخل بالسيف

فجالدهم حتى قتل وقال أبو سعيد الخدري، فرأيت بوجهه بعد قتله ضربا .شديدا وما عرفته إال بعالمة كانت في جسده

الطفيل من قتل من قومه جعل يصيح بن يا أبا : ولما رأى محكم ادن خالدا سليمان فقد جاءك الموت الناقع قد جاءك قوم ال يحسنون الفرار فبلغت

كلمته فحمل عليه وسبقه عبد الرحمن بن أبي بكر بسهم وضربه خالد بسيفه فوقع ميتا، وقاتلت بنو حنيفة بعد قتل سيدهم محكم بن الطفيل أشد القتال وهم

.ال بقاء بعد محكم: يقولون

فال ين أما الد: يا أبا ثمامة أين ما كنت وعدتنا؟ قال: وقال قائل لمسيلمة .هـ.فاستيقن القوم أنهم على غير شيء ا. دين ولكن قاتلوا عن أحسابكم

وكانت أم عمارة نسيبة بنت كعب األنصارية قد شهدت هذه الحربفلما توفي ) عمان (وذلك أن ابنها حبيب بن زيد كان مع عمرو بن العاص بـ

ه مسيلمة فسبقه عمرو، فاعترض ل) المدينة ( أقبل عمرو يريدBرسول اهللا فأما األسلمي . وكان حبيب وعبد اهللا بن وهب األسلمي في الساقة فأصابهما

فآمن به ونجا وأما حبيب فأبى فقطع أعضاءه ثم احرقه في النار فلما تهيأ جاءت إلى أبي بكر فاستأذنته في الخروج فقال لها أبو ) اليمامة (بعث خالد إلىك يحال بينه وبين الخروج قد عرفناك وعرفنا جرأتك في الحرب بكر ما مثل

فلما انتهينا : فاخرجي على اسم اهللا وأبلت في هذه الحرب بالء حسنا، قالت

-٧٣-

إلى الحديقة ازدحمنا على الباب وأهل النجدة من عدونا في الحديقة قد انحازوا واهللا ما رأيت أبذل لمهج يكونون فئة لمسيلمة فاقتحمنا فضاربناهم ساعة

أنفسهم منهم وجعلت أقصد عدو اهللا مسيلمة ألن أراه ولقد عاهدت اهللا لئن رأيته ال أكذب عنه أو أقتل دونه، وجعلت الرجال تختلط والسيوف بينهم تختلف وخرس القوم فال صوت إال وقع السيوف حتى بصرت بعدو اهللا

عرض لي منهم رجل فضرب يدي فقطعها فو اهللا ما عرجت فشردت عليه وعليها حتى انتهيت إلى الخبيث وهو صريع وأجد ابني عبد اهللا بن زيد قد قتله

بثيابه فقلت أقتلته؟ قال نعم يا أمه فسجدت هللا وفي رواية وابني يمسح سيفه .هـ.شكرا وقطع اهللا دابرهم ا

عمارة؟فأين نساء المسلمين اليوم من أم

وكان وحشي قد أشرك عبد اهللا في قتل مسيلمة إذ هوى إليه بحربته فأصابته مع سيف عبد اهللا فنسب القتل لكل منهما ولكن القاتل الحقيقي عبد اهللا

بن زيد األنصاري راوي حديث األذان كما حققه عمر بن يحيى المازني ا .وغيره

.ن وألف معظمهم من القراء وأهل السابقةوقتل من المسلمين مئتا

وقتل من بني حنيفة وأتباعهم نحو عشرين ألفا منهم محكم بن الطفيل سيد اليمامة ومسيلمة الكذاب الذي انتهت به الحرب، قال خالد بن الوليد شهدت عشرين زحفا فلم أر قوما أصبر لوقع السيوف وال أضرب بها وال

إنا لما فرغنا من طليحة الكذاب ولم ) اليمامة (ت أقداما من بني حنيفة يومأثبوما بنو حنيفة؟ ما هي - والبالء موكل بالمنطق - تكن له شوكة قلت كلمة

إال كمن لقينا، فلقينا قوما ليسوا يشبهون أحدا ولقد صبروا لنا من حين طلعت

-٧٤-

ل عدو اهللا فما ضرب أحد من بني حنيفة الشمس إلى صالة العصر حتى قت وهو فارس بعده بسيف ولقد رأيتني بالحديقة وعانقني رجل منهم وأنا فارسفوقعنا عن فرسينا ثم تعانقنا باألرض فأجؤه بخنجر في سيفي وجعل يجؤني بمعول في سيفه فجرحني سبع جراحات وقد جرحته جرحا أثبته فاسترخى في

وما بي حركة من الجراح وقد نزفت من الدم إال أنه سبقني باألجل يدي .فالحمد هللا على ذلك

وكان فيمن بقي من المسلمين جراحات كثيرة، فلما أمسى مجاعة بنمرارة أرسل إلى قومه ليال أن ألبسوا السالح النساء والذرية والعبيد ثم إذا

صونكم حتى يأتيكم أمري، وبات خالد أصبحتم فقوموا مستقبلي الشمس على حوالمسلمون يدفنون قتالهم فلما فرغوا رجعوا إلى منازلهم وباتوا يتكمدون بالنار من الجراح فلما أصبح خالد أمر مجاعة فسيق معه في الحديد فجعل يسير في القتلى وكان يرى أنه لم يبق من بني حنيفة أحد إال من ال ذكر له

يا مجاعة هذا : ل عنده، فقال خالد لما وقف على مسيلمة مقتوالوال قتاصاحبكم الذي فعل بكم األفاعيل ما رأيت عقوال أضعف من عقول أصحابكم،

قد كان ذلك يا خالد وال تظن أن الحرب انقطعت بينك وبين بني : فقال مجاعة إال سرعان الناس وإن جماعة حنيفة وإن قتلت صاحبهم أنه واهللا ما جاءك: فرفع خالد رأسه وهو يقول. الناس وأهل البيوتات لفي الحصون فانظره

فنظر خالد فإذا السالح وإذا الخلق . أقول واهللا الحق: قاتلك اهللا ما تقول؟ قالعلى الحصون فرأى أمرا غمه ثم تشدد ساعتئذ وأدركته الرجولية فقال

يا خيل اهللا اركبوا وجعل يدعو بسالحه ويقول يا صاحب الراية : ابهألصحقدمها والمسلمون كارهون لقتالهم قد ملوا الحرب وقتل من قتل وعامة من

بقي جريح.

-٧٥-

أيها الرجل إني لك ناصح أن السيف قد أفناك وأفنى : وقال مجاعةخالد مصاب أهل السابقة ومن كان غيرك فتعال أصالحك عن قومي وقد أخل ب

يعرف عند العناء فرق وأحب الموادعة مع عجف الكراع واصطلحا على الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع ونصف السبي ثم قال مجاعة آتي القوم

انطلق، فذهب ثم رجع فأخبره أنهم أجازوه : فأعرض عليهم ما صنعت قالويلك يا مجاعة خدعتني في يوم : د أنه إنما هو نصف السبي، قالفلما بان لخالقال مجاعة قومي فما أصنع؟ وقال أسيد بن حضير وأبو نائلة . واحد مرتين

ا صالحلخالد لم :واهللا قد أفناكم : قال خالد. يا خالد اتق اهللا وال تقبل الصلحفمن بقي منكم جريح قال : قالوإنه قد أفنى غيرنا أيضا،: السيف، قال أسيد

وكذلك من بقي من القوم جرحى ال ندخل في الصلح أبدا أغد بنا عليهم حتى إن أظفرك اهللا "يظفرنا اهللا بهم أو نبيد عن آخرنا، احملنا على كتاب أبي بكر

هم فقد أظفرنا اهللا عليهم وقطعنا رأسهم فمن بقي من" ببني حنيفة فال تبق عليهم :أقل شوكة، فبينما هم على ذلك إذ جاء كتاب أبي بكر يقطر الدم

» كفإن أظفر بسم اهللا الرحمن الرحيم أما بعد فإذا جاءك كتابي فانظر فتكلمت األنصار »اهللا ببني حنيفة فال تستبق منهم رجال جرت عليه الموسى

وإني واهللا : فقال خالد. منهمفي ذلك وقالوا أمر أبي بكر فوق أمرك فال تستبقما صالحت القوم إال لما رأيت من رقتكم ولما نهكتكم الحرب منهم وقوم قد صالحتهم ومضى الصلح فيما بيني وبينهم واهللا لو لم يعطونا شيئا ما قاتلتهم

.وقد أسلموا

:وصورة الصلح كما حكاه ابن جرير

اعة بن مرارة وسلمة بن عمير هذا ما قاضى عليه خالد بن الوليد مجوفالنا وفالنا قاضاهم على الصفراء والبيضاء ونصف السبي والحلقة والكراع

-٧٦-

وحائط من كل قرية ومزرعة على أن يسلموا ثم أنتم آمنون بأمان اهللا ولكم على وذمم المسلمينB ذمة خالد بن الوليد وذمة أبي بكر خليفة رسول اهللا

.هـ.الوفاء ا

يا بني حنيفة قاتلوا : ومع أن الصلح جرى مع سلمة فقد عارض وقالعن أحسابكم وال تصالحوا على شيء فإن الحصن حصين والطعام كثير وقد حضر الشتاء فأبى مجاعة وأبان لبني حنيفة الضرر الذي ينجم عن رأيه

إلى خالد ألجل البيعة واإلسالم فأطاعوه وعصوا سلمة وحشرت بنو حنيفة والبراءة مما كانوا عليه، وأراد سلمة أن يغتال خالدا فمسكه قومه ولعنوه وأوثقوه وقالوا أردت أن تهلك قومك ولو علم خالد فإنا ال نأمنه أن يقتل الرجال ويسبي النساء لظنه أن ذلك على رضى منا فأوثقوه ولكنه أفلت ليال

وأورد . فهجم على المسلمين وأدركه قومه فلما أرادوا أن يوثقوه نحر نفسهابن خلدون أن بني حنيفة قومه هم الذين قتلوه خشية أن يتمسك المسلمون

.بعمله في نقض الصلح الذي كان في جانب بني حنيفة

ولما فرغ خالد من الصلح أمر بالحصون فألزمها الرجال وحلف باهللا ال يغيب عنه شيئا مما صالحه عليه وال يعلم أحدا غيبه إال رفعه مجاعة

إلى خالد، ثم فتحت الحصون فاخرج سالحا كثيرا ودنانير ودراهم ثم أخرج فلما قدم السبي فقسمه قسمين وعزل الخمس من ذلك فأرسله إلى أبي بكر،

جعفر بن سبي تسمى خولة بنتعليه أعطى إلى علي بن أبي طالب امرأة من ال .قيس فولدت له محمدا واشتهر بأمه فيقال له محمد بن الحنفية

وكان خالد قد خطب إلى مجاعة بنته وكانت أجمل : وفي تاريخ الخميسفقال له مجاعة مهال إنك قاطع ظهري وظهرك عند صاحبك أن ) اليمامة (أهل

زوجني أيها الرجل : هذا رغبة عنك فقال له خالدالقالة عليك كثيرة وما أقول

-٧٧-

فإنه إن كان أمري عند صاحبي على ما أحب فلن يفسده ما تخاف علي وإن قد نصحتك ولعل : كان على ما أكره فليس هذا بأعظم األمور، فقال مجاعة

.هذا األمر ال يكون عيبه إال عليك، ثم زوجهإن خالدا لحريص على النساء : قال لعمرولما بلغ ذلك أبا بكر غضب و

حين يصاهر عدوه وينسى مصيبته فوقع عمر في خالد وعظم األمر ما :فكتب أبو بكر لخالد، استطاع » بهن وببابك دماء خالد إنك لفاره تنكح النساء وتعرس أم ابن يا خالد

عة عن رأيك فصالحك مائتين وألف من المسلمين لم تجف بعد ثم خدعك مجا .»على قومه وقد أمكنك اهللا منهم

هذا عمل عمر، وكتب إلى أبي بكر : فلما نظر خالد في الكتاب قالكتابه مع أبي برزة األسلمي جواب:

أما بعد فلعمري ما تزوجت النساء حتى تم لي السرور وقرت بي «دع إني . لم أبل) المدينة (يه منالدار، وما تزوجت إال إلى امرئ لو عملت إل

استثرت خطبتي من تحت قدمي فإن كنت قد كرهت لي ذلك لدين أو دنيا عتبتك، وأما حسن عزائي على قتلى المسلمين فو اهللا لو كان الحزن يبقي حيا أو يرد ميتا ألدمت الحزن إبقاء للحي وردا للميت، ولقد اقتحمت في طلب

أيست من الحياة وأيقنت بالموت، وأما خدعة مجاعة إياي عن الشهادة حتى رأيي فإني لم أخطئ رأي يومي ولم يكن لي علم بالغيب وقد صنع اهللا

.»للمسلمين خيرا أورثهم األرض وجعل لهم عاقبة المتقين

فلما قدم الكتاب على أبي بكر رق بعض الرقة وتم عمر على رأيه خالد بما صنع ووافقه على ذلك رهط من قريش فقام أبو برزة األول في عيب

:األسلمي فعذر خالدا وقال

-٧٨-

خالد نؤبحتى أعذر يا خليفة رسول اهللا ما ي بجبن وال خيانة ولقد اقتحم وصبر حتى ظفر وما صالح القوم إال على رضاه وما أخطأ رأيه بصلح القوم

.إذ ال يرى النساء في الحصون إال رجاال .صدقت لكالمك هذا أولى بعذر خالد من كتابه إلي : فقال أبو بكر

تحول من منزله ) اليمامة( ولما انقطعت الحرب بين خالد وبين أهلالذي كان فيه إلى منزل آخر ينتظر كتاب أبي بكر يأمره أن ينصرف إليه

سمرة بن عمرو العنبري ) اليمامة (هـ ثم استخلف خالد على.ا) المدينة(بـإلنجاد العالء بن الحضرمي، ) البحرين (لما ورده كتاب أبي بكر بالذهاب إلى

.اه البالذري في فتوح البلدانكذا حكفتح في شهر محرم في السنة الثانية عشرة هجرية كما ) اليمامة (وكان .في ابن خلدون

وفي هذه الحرب تظهر لك مقدرة خالد في جهاده بنفسه عند الفسطاط محكم بن ) اليمامة (الذي وصله بنو حنيفة ثالث مرات وهجومه على سيد

كان حسامه مكمال لسهم عبد الرحمن بن أبي بكر ومجازفته بنفسه في الطفيل فحديث الفارس وتدبيره الحربي فإنه في وسط المعمعة عزل أسامة بن زيد

وأودع عمله إلى البراء بن مالك ترجيحا لمصلحة B حب رسول اهللا .اإلسالم

رين واألنصار وطيء وأعظم من ذلك كله موافقته على إفراز المهاجعن األعراب ونار الحرب مشتعلة ألنه رأى األعراب سبب انفالل الجيش ولم ونه في عصرنا تفريق الكلمة الذي يتحمل بسببه قادة الرأي العاميبال بما يسموالمصلحون أمر المضض من المخالفين باسم التآلف وجمع الكلمة في حين

مع هذا المتناقض كان وال يزال وباال على المسلمين عامة أن السعي لج

-٧٩-

وفي الحقيقة إن األعراب ما كانوا مخلصين لإلسالم ولوالهم . والعرب خاصةلما استطاع مجاعة أن يرسل إلى قومه أمره وهو في خيمة خالد فيلبسوا

لتي تعددت في النساء واألطفال السالح والمة الحرب فضال عن الهزيمة االيوم الواحد عدة مرات ولم تنهزم بنو حنيفة إال مرة واحدة فيضطر خالد إلى

ضده عندما أصبحت تضج ) المدينة (الصلح وهو غالب صلحا أنطق الذين بـبالبكاء فلم تبق دار إال وفيها باكية لكثرة الشهداء الذين قضوا نحبهم وأدوا

.ي هذه المعركة الدامية العظيمةواجبهم فوفي هذا الصلح الذي أجحف بحقوق المسلمين تظهر لك عدالة الدين اإلسالمي ومحافظته للعهود، فإن قائدا من قواد المسلمين يعقد صلحا وهو مخدوع به فيجيزه المسلمون وخليفتهم وال ينقضونه بينا نرى الدول األوروبية

للعرب خاصة والشرق عامة المعاهدات ثم تكون حبرا على ورق اآلن تعقدأو أنهم يلتمسون مخرجا مزورا تصححه القوة وينفذ جزء المعاهدة الذي لهم أما الذي عليهم فهو قصاصة ورق ال قيمة لها والمسلمون يعقد قائدهم صلحا

وبغير موافقة خليفة المسلمين ويتم ظاهر ل الفرق بيننا غبنهفتأم ،تنفيذه .وأن التاريخ ما عرف فاتحا ارحم من العربوبينهم،

تت دعائمنا قليال في هذه الوقعة ألنها كمال الفتح وهي التي ثبأطنبفتح من ) مكة (اإلسالم بعد ما أصبحت على شفا جرف الهالك وهي تشبه

) اليمامة(الناس في دين اهللا أفواجا كذلك فتح حيث انها صارت سببا لدخول كان سببا في إرجاع كثير من العرب إلى حظيرة الدين بعد ما ارتدوا وأعلنوا الحرب ضد اإلسالم والمسلمين فإن بني حنيفة هم القوم الذين نزل في حقهم

س {قول اهللا تعالى ي بأ . )١(}شديد تقاتلونهم أو يسلمونستدعون إلى قوم أول

.١٦ اآلية :فتحسورة ال) ١(

-٨٠-

على ما اختاره البغوي في تفسيره وهو المطابق للواقع فإن هذه الحرب لم يحصل مثلها أبدا في وقعة بعينها ألنهم يعتمدون على سيوفهم يقودهم مسيلمة

العدد فكان االعتماد فيها على كثرة) فارس والروم (المتنبيء، أما حروبوكمال العدد والسيما أن اإلسالم لم يقبل من العرب إال اإلسالم أو السيف

»تقاتلونهم أو يسلمون«بخالف األمم األخرى فإنه يقبل منها الجزية وهؤالء .وال ذكر لثالثهما الذي هو الجزية

تعالى لكان لو تم لهم النصر والعياذ باهللا ) اليمامة (وال ريب في أن أهلمن المرجح أن يمحي اإلسالم من وجه األرض نظرا لبسالة هؤالء القوم وكثرة من يلتف عليهم ويعتمدون على دين جديد ومتنبؤهم على رأسهم يقودهم فال أسهل من أن تلتف عليه بقية العرب بعد ما أسقط عنهم التكاليف الشرعية

ولذلك فإن هذه ل على عظمة خالد وحسن مواقفه وفي هذه وحدها ما يدالحرب لم تنته حتى فقد المسلمون غالب الشجعان وأكثر القراء وإنما يهون المصيبة فيهم أنها وحدت قوى األمة العربية تحت راية اإلسالم فسهلت على

تحرير العراق والشام (المسلمين (هما ومن أيديتخليص )الفرس والروم (وقمعت كل فتنة أرادها المفسدون والمنافقون الذين تظاهروا باإلسالم مكرا

.وخديعة فكانت بهذه االعتبارات أعظم فتح إسالمي

-٨١-

سري خالد إىل العراق

وأن يأذن لمن شاء الرجوع ) العراق (أمر أبو بكر خالدا أن يسافر إلى

وطلب خالد مددا فأمده أبو ) المدينة المنورة (تح بمكره فرجع أهلوأال يستفبكر بالقعقاع بن عمرو التميمي فقيل له أتمده برجل واحد؟ فقال جيش فيه مثل هذا ال يغلب، وكتب إلى خالد أن استنفر من قاتل أهل الردة ومن ثبت على

هـ فلم . أحد ارتد حتى أرى رأيي ا وال يغز معكBاإلسالم بعد رسول اهللا .يشهد أيام خالفته مرتد حربا من الحروب

) العراق(وال ريب في أن هذا الكتاب كان خير وسيلة إلنجاز حرب بينهم فاسد للمسلمين، ألن المجاهدين لم يوجد والنصر الظفر بسهولة فتم

نحو اإلسالم أو المسلمين، فإن من العقيدة أو خبيث الطوية أو سيء النية المقرر أن الظفر ال يكون إال لجيش صفا من الخونة والمنافقين وخال من

ولعل مسلمي عصرنا يتمسكون بهذه الوصية الذين هم ضد تلك الحرب ويجعلونها قاعدة أساسية لحركاتهم، فإن فعلوا ذلك فقد سلكوا طريق الفوز

.والنجاة

: كتب إلى األمراء األربعة) العراق (ما أصبح خالد أمير جيوشفلالمثنى بن حارثة ومذعور وسلمى وحرملة أن يلحقوا به وكان معهم ثمانية آالف وجمع خالد ثمانية آالف من ربيعة ومضر الذين لم يرتدوا وكان معه

-٨٢-

لعام للجيوش الفارسية ثمانية ألفان فمجموع جيشه الذي حارب هرمز القائد ا .عشر ألفا

:وكان أول عمل قام به خالد أن كتب إلى هرمز المذكور الكتاب اآلتيأما بعد فأسلم تسلم أو اعقد لنفسك الذمة واقر بالجزية وإال فال تلومن "

.هـ.ا" إال نفسك فقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة

بانقیا

وجاء بشعر األعشى ) الفرات (على شاطئ) العراق (محل من سواد :بقوله

إذا راح مفعمـا ) بانقيـا (وال بحر فما نيل مصر إذ تـسامى عتابـه إذا سئل المعروف صـد وجمجمـا بأجود منـه نـائال إن بعـضهم

سعد األنصاري بن ته وعليها بشيرمقدم أبو النعمان فلما أرسل خالد خرج عليه فرخبنداذ في جيش فهزمهم بشير وقتل فرخبنداذ ) بانقيا (وصل

فلما وصل ) عين التمر (وانصرف بشير وبه جراحة فمات بعد ذلك منها فيقاتله أهلها إلى الصباح يقودهم بصرى بن صلوبا وفي ذلك ) بانقيا (خالد إلى

بن األزور األسدي يقول ضرار:

لقيت ببانقيا مـن الحـرب يـأرق أرقت ببانقيا ومن يلـق مثلمـا فلما رأوا أنهم ال طاقة لهم بحربه طلبوا منه الصلح فصالحهم وكتب

على لهم كتابا بذلك، فأورد ابن جرير أن الصلح على ألف درهم وابن خلدون قبض وقد) سألي (عشرة آالف دينار وكذلك ابن األثير ولكنه أدخل معها

سواد (وأنها الخطوة األولى في تثبيت أقدام المسلمين في: خالد الجزية .إذا قلنا إنها أول ما حصل، وهو اختيارنا من عدة روايات) العراق

-٨٣-

ذات السالسل

ذكرنا كتاب خالد لهرمز قائد الفرس في البر والبحر فكتب بالحبر إلـى ، وجمع هرمز جموعه ثم تعجل إلى الكواظم في شيرى وارد شير ابني كسرى

سرعان الناس ليتلقى خالدا، أما خالد فقسم جيشه إلى ثالث فرق واحدة بقيـادة بن عمرو سيرها بعد المثنى بن حارثة واألخرى بقيادة عدي بن حاتم وعاصم

).فيرالح (يوم وخرج خالد ببقية الجيش وواعدهم جميعا على الجيش كما ذكرنا ألنه مقبل على أعظم قادة الفرس هرمز م خالدقسالذي كان يحارب العرب في البر والهند في البحر وهو قائد أعظم فروج فارس وأشدها شوكة وقد بلغ لديهم منتهى الشرف ألن قلنسوته المفصصة

أخبث من : لعرب به األمثال فقالوابالجواهر تساوي مائة ألف وقد ضربت ارمزمن ه وأكفر زرمه.

وأما هرمز فعبأ جيشه وجعل على مجنبته قباذ وأنوشجان وهما أخوانفسبقه إليه ) الحفير (سار خالد إلى. يلتقيان مع أبناء كسرى في أردشير األكبر

ظ لم تخف عليه أعمال ولكن هرمز المتيق) كاظمة (هرمز فمال بالمسلمين إلىفاحتل المياه والمواقع الخصبة، عندئذ لم يسع خالدا ) كاظمة (خالد فبادره إلى

إال أن يجابه خصمه الذي لم يدع له فرصة لالستراحة وينزل على غير ماء أال انزلوا وحطوا أثقالكم ثم جالدوهم على الماء فلعمري : وأمر مناديه فنادى

فحطت الرحال والخيل . ليصيرن الماء ألصبر الفريقين وأكرم الجندين .وقوف

أما القائدان الفارسيان قباذ وأنوشجان فاقترنا مع شجعان قومهما فقال من ال يوافق ) ذات السالسل (بالسالسل حتى ال يفروا لذلك سميت الوقعة

-٨٤-

كم فال تفعلوا فإن هذا طائر سوء فأجابوهم قيدتم أنفسكم لعدو: على هذا الرأي .وقالوا أما انتم فيحدثوننا أنكم تريدون الهرب

حمل خالد على الفرس بجيوشه يريد اإلسراع بالحرب خشية أن يطول األمر فيقتل العطش المسلمين لكن هرمز سلك طريق الغدر فهيأ عدة من

له وطلب مبارزته، فمشى إليه خالد فالتقيا شجعان قومه ليفتكوا بخالد إذا نازفاختلفا ضربتين واحتضنه خالد وحملت حامية هرمز المعدة للغدر فاستلحموا على حامية هرمز وحمل القعقاع ،خالدا فما شغله ذلك عن قتل خصمه هرمز

هم إلى الليل فوجد خالدا يماصعهم، وانهزم أهل فارس وركب المسلمون أكتافولم يتعرضوا للفالحين واكتفوا بوضع الجزية عليهم وبلغ سهم الفارس ألف

فنفل أبو بكر خالدا قلنسوة هرمز ) المدينة (درهم وأرسل الخمس الخامس إلىالتي أشرنا إلى أنها عالمة من تم شرفه وليس فوقها شرف إال أن يكون من

.الهرمزانبيوتات فارس السبعة ك وهذه الواقعة عظيمة جدا فلقد مهدت الفتح العام لبالد فارس إذ كسرت

ل تحريرهم رعبا من المسلمين فسهوذلك ) العراق (قوتهم المعنوية ومألت قلوب .في العام الثاني عشر للهجرة النبوية

المذار أو الثنى

هو النهر - أو الثنى) رالمذا (ثم حصلت بعدها في شهر صفر وقعةقريانس وذلك أن ملك الفرس أرسل قارن بن - الذي يتفرع من النهر الكبير

جاءته فلول ) المذار (مددا لهرمز بناء على كتاب خالد يهدده به، فلما وصل إلىجيش هرمز واجتمعوا هناك وتشجعوا ألن الجيش لم يسحق تماما وإنما انهزم

.ه األكبرلقتل قائد

-٨٥-

اجتمعت فلول الجيش وأهل السهل والجبل إلى قارن ومنهم قباذ وأنوشجان فإنهما لما مستهما السيوف هربا بعد أن قيدا أنفسهما بالسالسل

يوزع غنائم ه، وكان خالدجنبتيعلى م على ) ذات السالسل (فاستعملهما قارنفالتقوا ) المذار(ذلك فجاء خالد في تعبئته إلى المجاهدين فأرسل المثنى يعلمه ب

واقتتلوا على حنق وحفيظة وخرج قارن فبرز له خالد وأبيض الركبان معقل بن األعشى فابتدراه فسبق معقل خالدا فقتل قارن وكان كهرمز قد انتهى إليه ا

عدي بن شرف فارس ولم يقتل المسلمون بعده أحدا منهم انتهى شرفه، وقتل" قال . حاتم قباذ وقتلت من فارس مقتلة عظيمة ولكن المياه منعت المسلمين

ثالثون ألفا سوى من غرق ولوال المياه ألتي ) المذار (قتل ليلة: ابن جرير وأقام خالد في". على آخرهم ولم يفلت منهم من أفلت إال عراة وأشباه العراة

م األسالب لمن سلبها بالغة ما بلغت وقسم الغنائم ونفل من وسل) المذار(األخماس أهل البالء وأقر الفالحين ومن أجاب إلى الخراج وسلم إليهم

.أرضهم

.وكان في السبي حبيب أبو الحسن البصري وكان نصرانيا

م على وفي هذه الغزوة سلم األسالب لمن سلبها بالغة ما بلغت ألنه قادفإنه لم يسلم إليه جميع ) مؤتة (حروب عظيمة بخالف حادثة المددي في

.السلب لتعلم أن رائد خالد المصلحة العامة وهذا سر نجاحه

الولجة

من جهة البر، وذلك أن اردشير لما بلغه ) كسكر (اسم لموقع ما يليالجيش بعث االندرزغر وكان ووصلته فلول ) المذار (انكسار الفرس في

وال نشأ بها ولعله ) المدائن( فارسيا من مولدي السواد ولم يكن ممن ولد بـ

-٨٦-

اختاره ترجيحا لجانب القرويين على أبناء العاصمة ألنهم أقدر على تحمل من المشاق والصبر على آالم الحرب ولم يكتف اردشير بهذا القائد فأعقبه ببه

عن طريق آخر جاذويه يسير على أثره في جيش احتياطي.

ثم جاوزها إلى ) كسكر (حتى أتى) المدائن (خرج االندرزغر منوقد حشر إليه من بين الحيرة وكسكر وعرب الضاحية والدهاقين ) الولجة(

.كوعسكرا هنا) الولجة( وأخذ ببهمن جاذويه وسط السواد فالتقيا بـ

سار ) الولجة (أما خالد فكان يتجسس أخبار الفرس فلما بلغه نزولهم فيإليهم وجعل له كمينا قسمه إلى ناحيتين يهجمان حين اشتداد الحرب أمر على بن سويد وترك مرة العجلي بن أبي رهم وعلى اآلخر سعيد ر بنسأحدهما ب

ية أن تكون دسيسة فارسية فيهاجمون الجيش مع قوة خش) الثنى (مقرن على ).الثنى(من جهة ويرسلون جيشا آخر إلعادة ما تحرر كـ

واقتتلوا قتاال شديدا وأظهر الفرس بسالة ) الولجة (اصطدم الفريقان عند :نادرة ومعهم العرب وقاتلوا قتال المستميت بشهادة قول القعقاع

أيـتهم ولم أر قوما مثل قـوم ر

على ولجـات البـر أحمـى وأنجبـا وأقتل للرؤاس في كـل مجمـع

إذا ضعضع الدهر الجمـوع وكبكبـا

ولما ظن الفريقان أن الصبر قد أفرغ خرج كمين المسلمين من بين أيدي الفرس وآخر من خلفهم فلم ير رجل مقتل صاحبه ومضى االندرزغر

وأصاب ) الثنى (وسار خالد في الفالحين بسيرته فيفي هزيمة فمات عطشا .في أناس من بكر بن وائل ابنا لجابر بن جبير وابنا لعبد األسود

-٨٧-

اليس

على شاطئ الفرات وهما واقعتان أما هذه ) األنبار (اسم قرية من قرى في ابن فكانت بقيادة خالد، وأما األخرى فكانت بقيادة المثنى، وسبب هذه كما

أعانوا األثير أن خالدا أصاب في الولجة من نصارى بكر بن وائل الذين ) اليس (الفرس فغضب لهم نصارى قومهم وكاتبوا الفرس واجتمعوا على جابان وعليهم عبد األسود العجلي ليثأر البنه، فقدم بهمن جاذويه إليهم

) الحيرة (ضبيعة وعرب ضاحيةفاجتمع عليه نصارى عجل وتيم الالت و .ومن يتبع جابر بن جبير

حائال دون محاربة نصارى بكر العرب للمسلمين فلم يكن العنصر غير إذا ناصر العرب أما اليوم فال عتاب ،العرب انتصارا لجيش وثني المسلمين أوروبا على عرب المسلمين، والسيما أن األكثرين يحتجون بوحدة

) اليمن ( لـ)الحبشة (الدين الذي له األثر الكبير منذ الزمن القديم، فإن احتالللم يكن إال بإشارة قيصر المسيحي عندما هيج عواطف مسيحيي الحبشان على أن الحروب الصليبية التي لم تنته حتى اآلن هي من هذا النمط فهل عقلت

في وادي الغفلة نائمة؟أمتنا ذلك أم أنها ما برحتولم تكن الجامعة العربية ليتمزق شملها إال من أثر الحروب الصليبية التي كانت متممة ألعمال بعض األعاجم من الشعوبيين من حيث أن نفوذهم يتغلغل منذ يومئذ باسم العلم والثقافة في النوادي والمعاهد والمدارس وباسم

ن في الطب والمعالجة في المستشفيات وغيرها وفي جمعيات الرحمة والحناالرفق بالحيوان والجمعيات الخيرية وغيرها من األغذية السامة التي أوصلتنا إلى حالنا المؤسفة فأصبح معظم البلدان العربية مستعبدا أو

باب لقوة مستعمرا وأهله قادرون على التخلص ولكنهم لم يأخذوا باألس .المخدرات التي جمدت العقول وأفسدت األذهان فال حول وال قوة إال باهللا

-٨٨-

وكان خالد قد بلغه تجمع العرب بقيادة عبد األسود ومن تأشب إليه وجعل همه البطش بهم ألنهم أشبه بالخونة في عصرنا من الذين يدعون أنهم

ابان وجيشه وكان وضع األكل فعاجلهم عليه عرب، فأقبل خالد فالتقاهم وجإن ظفرتم فأيسر هالك وإن كانت : خالد فلما يئس منه أمرهم أن يسموه قائال

للمسلمين هلكوا بأكله فلم يفعل الجيش واقتتلوا قتاال شديدا والفرس وأعوانهم اذويه الذي ذهب يزيدهم كلبا وشدة ما يتوقعونه من قدوم القائد العام بهمن ج

المسلمون عليهم واشتد بروح لمفاوضة ملكه بهذا الشأن فصابروا المسلمين :األمر وعظم الهول حتى أن خالدا اضطر أن ينذر قائال

اللهم إن لك علي إن منحتنا أكتافهم أال أستبقي منهم أحدا قدرنا عليه «ألن العرب فيهم يقاتلون أمتهم بدون وذلك . »حتى أجري نهرهم بدمائهم

رابطة بينهم وبين الفرس إال كرابطة عربنا المسلمين اآلن مع األوربيين ، فكانت النتيجة أن قتل المسلمون من أعدائهم سبعين ألفا وأذنابهم الصهيونيين

ي دما حربا وصبرا وأعاد خالد مجرى الماء وفاء بنذره حتى صار النهر يجر .عبيطا فسمي نهر الدم

أمغیشیا

من مسالحها وهي مقر بادقلى بن ) اليس( و) الحيرة (هي مدينة كـالذي كانت قيمة قلنسوته خمسين ألفا أي تم له نصف ) الحيرة (مرزبان

هجم عليها المسلمون فهرب أهلها ) اليس(الشرف الفارسي فلما حصلت واقعة نفالل الجيش، فأمر خالد بجمع ما فيها واعتباره فيئا ألنها أخذت بغير حرب ال

وهدم أسوارها كي ال يدخلها العدو فيصعب فتحها مرة أخرى لحصانتها ومناعتها فتصبح منطقة تناويء المسلمين في وسطهم وليس عندهم قوة

-٨٩-

ررة فكان هدمها ضروريا البد منه يوزعونها عليها وعلى بقية البلدان المحإلنجاز الحرب ومحافظة مصلحة المسلمين.

وبلغ سهم الفارس منها ألفا وخمسمائة سوى النفل الذي نفله خالد ألهل :البالء فلما بلغ أبا بكر ذلك قال مخاطبا للمسلمين يبشرهم

اء أن ينشئن عدا أسدكم على األسد فغلبه على خراذيله عجزت النس« .»مثل خالد

يريد باألسد األول خالدا وبالثاني الفرس ألنه رمز لهم ما برح منقوشا اللحم فأشار أبو بكر إلى أن الفرس على ألويتهم وراياتهم، والخراذيل قطع

وقطعوه وقسموه ) المملكة العربية (الذي هو جزء من) العراق (تغلبوا على .دة منه كما يقطع اللحم وجاء أسد العرب فأعاد ذلك المغتصبلالستفا

وهكذا اغتصبت أوربا في عصرنا لحم األمة العربية وقسمته كما تشاؤه مطامعها وجعلوا معظم جيوش االحتالل من أبناء البالد الذين نشأوا على الذلة

لجهل وسقوط األخالق فليت وضعف العزيمة وعدم القيام بالواجب الستفحال اشعري هل يعيد التاريخ نفسه ومراقبة األعادي دقيقة ووطأتهم ثقيلة لبطشهم حال، والبدالحال من الم في أن دوام بكل نابه مفكر أو مصلح غيور؟ الشكاهللا هم أن العاقبة للمتقين وحزب ج وإن اشتدت وطالت غيرلألزمة من فر

الغالبون.

یوم المقر وفم الفرات

في ) الحيرة (سار نحو) امغيشيا (بعدما هدم خالد سرعا وبحرا ليبرفتحها وكان مرزبانها يدعى الزاذبه فعبر خالد بالسفائن فأرسل المرزبان ابنه

-٩٠-

غير مجرى النهر فبينا تسير سفائن ) الغريين (بادقلي في قوة فلما نزلسلمين بهم وإذا بها راكدة على األرض وال ماء فقال المالحون ال تسير الم

السفائن إال متى سد النهر وعاد إلى مجراه فتعجل خالد بنفسه مع خيل حتى ته في ) الفرات (إذا جاء فمهم بادقلى ورمى جماعآمنين فقتل قائد وجد الفرس

.والغرقالنهر وأجرى الماء فوقهم فماتوا بالسيف فإقدام خالد بنفسه دليل على علم منه بالحادث وأن القائد نفسه هناك

ألنه ربما استفاد من ذلك العرب المخلصون ألمتهم ليكونوا فوجدها فرصة، .في مقابلة المتطوعين الذين مكنوا األعادي من االستيالء على بالدهم

الحیرة

وأمر جيشه بمحاصرة ) الخورنق (زلفن) الحيرة (وصل خالد إلىوفيه أياس ) القصر األبيض (الحصون فكان ضرار بن األزور األسدي على

وفيه ) قصر الغريين (بن قبيصة، وكان ضرار بن الخطاب الفهري علىاعدي بن عدي المقتول، وكان ضرار بن مقرن المزني عاشر عشرة أخوة له

وفيه ابن أكال وكان المثنى بن حارثة الشيباني على) بني مازن (رعلى قص .وفيه عمرو بن عبد المسيح) قصر ابن بقيلة(

وا بالدعوة إلى اهللا فإن قبلوا قبل منهم وإن ؤوعهد خالد ألمرائه أن يبدالدوائر ال تمكنوا عدوكم من أذانكم فيتربصوا بكم : وقال - أبوا يؤجلوهم يوما

.هـ.ولكن ناجزوهم وال تردوا المسلمين عن قتال عدوهم افأجلهم يوما ألن الهدنة غالبا تكون مدعاة للتفكر في العواقب والتبصر هم سفكفكان نصيب في األمور ولكي يعتبروا بغيرهم ممن قاوموا اإلسالم

لكنهم ينظرون إلى فعله، فإذا وأمرهم أال يصغوا إلى أقوال العدو. دمائهم

-٩١-

انقضى األمد وطلبوا الزيادة فما هي إال خدعة لطلب قوة واستحضار معدات ونحو ذلك، فإن إطالة الزمن تفيد الدول المنظمة حتما، ولذا قال خالد وال

يريد أال يغتروا بالمفاوضة فإنها سبب كل، تردوا المسلمين عن قتال عدوهمضرر للعرب قديما وحديثا فكم غيرت المفاوضة مجرى الحوادث ولعبت بعقول البسطاء وغرت الرأي العام الساذج فتفرقت قواه واستحكم فيه عدوه فأملى ما

أهواؤه ومطامعه تشاؤه.

اءنا وليت زعم. فمن هذا تعلم أن خالدا قائد فاتح وسياسي محنك بآن واحدأخذوا بوصيته ولم يلتفتوا إلى أالعيب المستعمرين وما يدسونه من السموم في اهلب ذلك الصوت المشؤوم زعيم اعة فإذا سمعالبلسم تحت ستار المفاوضة الخد ة مأجور ظنا منهم أنه صوت إغاثة ولكنكل مغفل أو سيء الني هدضهرولة وع

ليالي وال تنال األمة إال خمود الروح الوطنية وانطفاء نيران الحماسة تمضي الوالتعلق باألماني الكاذبة في حين أن المستعمر يعد عدته للبطش باألمة وضربها ضربة قاسية أو قاضية فإن أفاقت وطالبت بإلحاح يشعر باإليقاظ والتنبه فإن

شخص آخر أو في موقع ثان ليست ببعيدة وهكذا األمر دواليك المفاوضة على يدونحن ال نعتبر ولو كنا على بصيرة من األمر لنقشنا نصيحة خالد هذه في أفئدتنا

.وجعلناها دستورا ألعمالنا

على أن إطالة األمد على المستعبدين البؤساء يجعلهم يعتقدون أنهم خلقوا ة وأن حياتهم ال تصلح للحرية وإنما هي مقصورة على الخضوع ألسيادهم، للعبودي

سواه مدت عقولهم على ذلك فأصبحوا ال يتصورونولقد ج.

وعرف الفرس ) الحيرة (وبعد قتال قليل نشب بين المسلمين وبين أهلم إليهم، والعرب أنهم غير قادرين على أن يخدعوا المسلمين أسلموا أنفسه

فسلم أهل كل حصن إلى األمير المحاصر وجيء بهم إلى خالد فخال بأهل كلويحكم أما أنتم عرب؟ فما : على حدة وبدأ بأصحاب عدي، فقال خالد) حصن(

-٩٢-

فما تنقمون من العدل واإلنصاف؟ فقال له عدي تنقمون من العرب؟ أو عجم :لو كنتم كما تقولون لم تحاربونا : تعربة فقال خالدبل عرب عاربة وأخرى مس

نا، فقال له عديإال : وتكرهوا أمر ليدلك على ما نقول أنه ليس لنا لسانفاختاروا واحدة من ثالث، أن تدخلوا في ديننا فلكم مالنا : قال خالد. بالعربية

كم، أو الجزية، أو وعليكم ما علينا إن نهضتم وهاجرتم وإن أقمتم في ديارالمنابذة والمناجزة، فقد واهللا أتيتكم بقوم هم على الموت أحرص منكم على

تبا لكم ويحكم إن الكفر فالة : بل نعطيك الجزية، فقال خالد: الحياة، فقالوامضللة فأحمق العرب من سلكها فلقيه دليالن أحدهما عربي فتركه واستدل

.هـ الطبري.األعجمي اب

فتأمل إلى ما عير به خالد القوم من محاربتهم أمتهم العربية في صفوف الفرس وخضوعهم لغير أمتهم وهذا دليل على انحالل العرب يومئذ كما حصل لنا

لنطق اليوم فإنا ال نمت للعرب إال بدعوى االنتماء إلى قبائل من العرب معروفة، وابلغة عامية متفسخة عن اللغة الفصحى، كما تفسخت أخالق أولئك العرب المتنصرة ولقد تفسخت أخالقنا أيضا حتى أصبحنا نرى من يمت بنسبه إلى أشرف قبائل العرب يصبح آلة مسخرة يستعملها أعداء العرب ضد العرب كما أن بني

صفوة قحطان بقيلة من غسان قبيصة من خالصة ربيعة عدنان بن وإياس فاختاروا الذلة ودفع الجزية على قبول دين اإلسالم الذي هو أعظم مفخرة لبني يعرب ولذلك نسبهم خالد إلى الحماقة عند ما تركوا الدليل العربي وجعلوا دليلهم

.أعجمياقصيدة ابن بقيلة يتأوه على نعم إنهم لحمقى فإن صاحب األغاني نقل لنا

:كسرى ومنهاــواما ــذرين أرى س ــد المن أبع

ــسدير ــالخورنق وال ــروح ب ت

-٩٣-

ــر وبعد فـوارس النعمـان أرعـى ــرة والحفي ــين م ــا ب قلوصــد ــن مع ــل م ــسمنا القبائ عالنيـــة كأيـــسار الجـــزور تق والنظيــروخــرج مــن قريظــة نؤدي الخرج بعد خـراج كـسرى

تحكمه وتأخذ الخراج بدال من سيده ) معد (أسف الشاعر ألن قبائلكسرى مفتخرا به، ألنه يستشم أنه من عنصره وإال لذم كسرى عندما مات ممدوحه النعمان في حبسه ألمر تافه فداسته الفيلة كجان أثيم، ولكن الدخيل

ألصلي، وإنما مدح المناذرة لذر الرماد في األعين، البد أن يحن إلى نسبه ا .وفي الحقيقة تأوه على كسرى ولو كان عربيا محضا لفخر بقومه العرب

وقد بليت األمة العربية بالدخالء، كما بلي اإلسالم بالخوارج والمالحدة يتجاوز حناجرهم، الذين دخلوا في اإلسالم ألجل تمزيقه، ألن إيمانهم ال

مستترين بصالة يحقر المسلم الصادق صالته معها وصيامه مع صيامهم، وبذلك لعبوا دورا عظيما ال تزال آثار أضرارهم ماثلة للعيان مرئية ألنظار

إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على (: المحققين من أهل العلم والمتبرئين من . إذا خالف طريق الهدى والصواب)١()تدونآثارهم مق

والذي يفيده تمحيص أعمال الخونة المنتمين للشرف في العرب وللوالية في اإلسالم أن أذهان األعداء قد اخترعت تلك األنساب وهذه الوالية علما منهم

إال للبيوتات العريقة بالمجد وأن اإلسالم ال تخضع بأن العرب س المتقينيقدواألولياء هللا فينسبونهم إلى العرب كذبا وزورا وإلى التقوى والهداية إفكا ومينا صرح وتهدم العربي المجد يريدون من وراء ذلك أن يكونوا أدوات هادمة تقوض اإلسالم الشامخ فقد أصبحت دعوى األنساب طويلة وعريضة ال تمكن معرفتها إال

إليهم ولعل شيوع بأخالق صاحب النسب ودرجة إخالصه إلى القوم الذين ينتسب :األنساب حدا الشاعر لقوله

.٢٣الزخرف، اآلية سورة ) ١(

-٩٤-

وما ينفـع األصـل مـن هاشـم

ــة ــن باهل ــنفس م ــت ال إذا كان أو أمراء قطحان مون أنهم من أشراف عدناننا كثيرا ممن يزعفشاهد

العرب، وبعضهم يكون شغله الشاغل أن وهم يشدون أزر األعادي إلذاللأعاديهم، أو أنه ينال يجلس على كرسي الحكم ليبطش بالعرب ويقوي دعامة

: بشهادة قول اهللا تعالىوساما يكون برهانا على خيانته لألمة التي ينتمي إليها}م همن فإنه نكمم ملهتون يم١(}و(.

الوالية والقطبية فكم من مزار كان صاحبه ظالما أو فاسقا أو أنه أما فشرف قيمه وخادمه وأبناءه، وبعض المزارات هزوء ،عدم اختلق للتعيش

وكم من الشيوخ كان ،في أول األمر أو جيفة حيوان ثم صار قطبا مقدسا ألن المسلمين لما ضعف شأن العلم ،جاسوسا ألعداء اهللا وخادما مطيعا لهم

عندهم أصبحوا يهابون االسم العظيم ويحترمونه وإن كان ال مسمى له، على ر النهضة األخير وعصرنا هذا أمثلة كثيرة يعرفها كل مؤمن حروأن في د

.مفكرا على أن يدفعو) الحيرة (نعود إلى الموضوع فنقول صالح خالد أهل

الجزية تسعين ومئتي ألف، وعلى رواية الطبراني وأبي نعيم أن يسلموا كان في حياته قد وهبها الشماء أخت عبد المسيح بن نفيل ألن رسول اهللا

لخزيمة بن أوس معجزة له، فافتداها أخوها من خزيمة بألف درهم لظنه أن .ذلك أعظم مبلغ في الحساب

في شهر ربيع األول من السنة الثانية عشرة ) حيرةال (وكان فتح .هجرية

.٥١ اآلية لمائدة،سورة ا) ١(

-٩٥-

ما بعد احلرية

) الحيرة(كان الدهاقين يتربصون بخالد ما يصنع أهل : قال ابن خلدون فلما صالحهم واستقاموا له جاءته الدهاقين من كل ناحية فصالحوه عما يلي

ألف ألف وقيل على ألفي ألف سوى جباية من الفالليج وغيرها على ) الحيرة( .كسرى

جيشه كسروي طردكسرى ي هذه هي الوطنية الصادقة، فإن ولعمري إنوتمزق أعالمه وهم مع هذا يحتفظون بجبايته لتكون قوة له على مصادمة

،ها الشرعيينهم ترفرف على هذه الديار، وأصبحوا حكاملقد والذين أعالمرأينا في عصرنا أن بعض البلدان العربية نهضت لتحرير نفسها من االستعباد الدهاقين أبنائها فأين هذا من أن ونهبوا أموالها وسفكوا دماء فبطش بها العرب

إن هذا لعار عظيم وعمل مخجل يجب . تحتفظ بجزية كسرى المغلوب على أمرهحقيقة الراهنة فتجيش بها النفس مرغمة متأثرة بحماس الغيرة كتمانه ولكنه ال

.والحمية والقعقاع الخطاب الفهري بن األزور وضرار بن ضرار وبعث خالد

بن عمرو والمثنى بن حارثة وعيينة بن الشماس فكانوا في الثغور وأمرهم ا ).دجلة (بالغارة فمخروا السواد كله إلى شاطئ

وكتب إلى ملوك فارس:

-٩٦-

أما بعد فالحمد هللا الذي حل نظامكم ووهن كيدكم وفرق كلمتكم ولو لم نفعل ذلك كان شرا لكم فادخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم ونجوزكم إلى غيركم وإال كان ذلك وأنتم كارهون على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون

.الحياة :تب إلى المرازبةوك

أما بعد فالحمد هللا الذي فض حدتكم وفرق كلمتكم وجفل حرمكم وكسر شوكتكم فأسلموا تسلموا أو فاعقدوا مني الذمة وأدوا الجزية وإال فقد جئتكم

.بقوم يحبون الموت كما تحبون شرب الخمرسنة وكان الفرس مختلفين بموت ) الحيرة (فجبى خالد الخراج وأقام بـ

لعدم وجود من يجتمعون عليه ألن شيرين ملكونهفيمن ي وحائرين أردشيروكان أهل فارس : قال ابن جرير. كان قتل جميع من ينسب إلى بهرام جور

بموت أردشير مختلفين في الملك مجتمعين على قتال خالد متساندين أي أنهم فهل يعتبر . ج األوقات يذيبون المنافع الشخصية في المصالح العامةفي أحر

عربنا اآلن؟ أم أنهم ما برحوا يتقاتلون على ما ال يملكونه، ويحملون قولي هذا على الطعن كما حملوا مقاالت ابن خلدون في مقدمته عن العرب وهو عربي

نا المتفسخين فطعن بهم ألن حالهم حضرمي ولكن الظاهر أن عربه أشبه بعرب .أصرح من أن تحتاج إلى إيضاح وتبيان

ولقد نقل ابن خلدون أن كتاب خالد لما وصل إلى البيت المالك للفرس اجتمع نساء آل كسرى وولوا الفرخزاذ بن البندوان إلى أن يجدوا من

.هـ.يجتمعون عليه اتمامهن األزياء والرطانة في السعة، والبكاء فأين نساؤنا الالتي جعلن اه

والنواح في مثل هذه الشدة؟ وما يجدي البكاء وال العويل، وما تنفع النصيحة لقلب !!.جاهل غافل

-٩٧-

ارــاألنب

قال األزهري :ها نبرالطعام وأحد هراء ألن - بكسر أوله - األنبارعه انتبر وارتفع، ومنه سمي المنبر الرتفاعه وقال الطعام إذا صب في موض

).بابل (األنبار حد: في معجم البلدان

في تعبئة على مقدمتها األقرع بن حابس ) الحيرة (خرج خالد منفوجدوا أهلها مخندقين ) األنبار (والزال الجيش على نظامه إلى أن وصلوا

ما رأوا طليعة جيش المسلمين أشرفوا عليهم على أنفسهم في داخل الحصن فلمن الحصون وكان على جيوش الفرس شيرزاذ صاحب سيباط فتقدم خالد إلى

إني أرى قوما ال علم لهم بالحرب فارموا عيونهم وال : رماته فأوصاهم قائالموا رشقا واحدا ثم تابعوا ففقئت ألف عين يومئذ، فست توخوا غيرها، فرمي

).ذات العيون (تلك الوقعة

رأى ذلك قائد الفرس شيرزاذ فعلم أن قومه جزعوا من الحرب ألنهم ال علم لهم بها ولذلك وقفوا متجمهرين في أعلى الحصن تنالهم سهام المسلمين، فراسل خالدا في طلب الصلح بشروط لم توافق خالدا فرفض خالد الصلح إال

يمليها حسب إرادته فأبى شيرزاذ، لكن خالدا رأى في الخندق محال بشروطضيقا فنحر فيه مهازيل اإلبل وضعاف الحيوانات وردم تلك الحفرة حتى تساوت مع األرض وأصبح العبور منها سهال فتصادموا في الخندق وكان

-٩٨-

ح على شرط أن يخليه الظفر للمسلمين، عندئذ راسل شيرزاذ خالدا في الصل فرضي ،ويلحقه بمأمنه في جريدة خيل ليس معهم من المتاع واألموال شيء

.خالد بذلك كما في ابن جرير وابن األثير وابن خلدون

وهذه عادة المستعمرين إذا يئسوا من البقاء في بلدة استعمروها يسعون هم البالدإال الستثمار البالد في خالص أنفسهم، وال تهم حربهم لم تكن ألن

وأهلها، لكن الجهالة تستولي على أهل البالد فيشدون أزر المستعمر الغاشم الذين هم عرب بلغتهم كما علمت، فبعد أن تعبوا في حفر الخندق ) األنبار (كسكان

ريدة خيل وفقئت عيونهم وأقدموا على محاربة أمتهم امتثاال لقائد أجنبي معه جوقتلت رجالهم على الخندق، طبعا يجري الصلح بنجاة ذلك القائد وجريدته على ظهر خيولهم ويدخل خالد مدينتهم فاتحا، ولو أن هؤالء العرب عقلوا في أول

المستعبد األمر لعلموا أنهم يساقون إلى ويلهم ويبذلون أموالهم وأرواحهم لتمكينالظالم من حيث ال يشعرون ألن العاقل يدرك األمر مقبال واألحمق ال يعرفه إال

ساعتئذ الندم مدبرا وال ينفع.

:ومن األمثال قول أكثم بن صيفي

.يشتبه األمر إذا أقبل فإذا أدبر عرفه الكيس واألحمق

اذهب فقاتل في : للقائد وجريدتهلو أنهم قالوا ) األنبار (وماذا يضير أهل عليهم فخشوا أن يغلب الوهم غلب قابلة ما تأخذه منا من الخراج، ولكنمالفرس عليهم فيظلموهم، ولو أن لهم قوة لما دعوهم للمحاربة بل حاربوا

.بجيوشهم

ومما يؤلم كل عاقل أن حال عرب اليوم ومسلميهم أتعس حاال من أهل، إذ يكثر المتطوعون في جيوش المستعمرين للقضاء على كل فكرة ) نباراأل(

ترمي إلى تحرير البالد، فإذا طالب فريق من األمة بتحرير بالده من نير

-٩٩-

ونبوصالبالد تحت قيادة األعداء ي أمامه خصوما إال أبناء االستعمار ال يجدهم إلى أفئدة أبناء أمتهم ودينهم ويذبحونهم ذبحا ذريعا في مقابلة بنادقهم وحراب

كرتبة ووسام ونحو ذلك من السفاسف، ثم يندم أمر زهيد كراتب، أو وهمي .أحدهم إذا استغنوا عنه فأهملوه أو تناسوه أو آذوه وال ينفعه الندم حينذاك

د من سلطة العدو في الشام ولهذا فإن الثورات في عصرنا ألجل تحرير البال ل األدعياءالممالك الشرقية لم تخذل إال من قب والهند وغيرها من والعراق ومصرفي أبناء البالد الذين تربى أحدهم على فساد األخالق والعقيدة وال مكان لحب أمته

سقوط أخالق أو أطلق عليه ما في قلبه فإن شئت سمه جهال وإن شئت سمه .شئت من الوصمات والنقائص

ذ : نعود إلى الموضوع فنقول أن خالدا رضي بأن يوصل شيرزاوجريدته إلى مأمنهم، ليحسم مادة الحرب التي ال تلبث إال يسيرا بعد زوال

وروبيين القائد الذي كانت العرب تعتقد أنه يحيي ويميت كاعتقادنا في األواألميركيين.

ه وأخبرهعلى بهمن جاذوي نه فلما قدمشيرزاذ إلى مأم أوصل خالدإني كنت في قوم ليست لهم عقول وأصلهم من العرب : الخبر المه، فقال

.هـ ابن جرير.فقاتلهم الجند ففقأوا منهم ألف عين فعرفت أن المسالمة أسلم ا ال عقول لهم وإال لما حاربوا أمتهم فليت شعري هل حقا إن هؤالء

تحفظ أمم الشرق المحكومة جواب شيرزاذ فتتلوه صباحا ومساء فتستفيد منه ما تضيق عنه العبارات أم أنها ال تفكر فيه أصال؟

) األنبار(وصالح أهل كلوذاي، ولكن أهل ) األنبار (استولى خالد على .ا الصلح بعد ذلك فبطش بهم المسلمون ونالوا جزاء ما اقترفوهنقضو

-١٠٠-

لعمري هذا برهان على أن النفوس إذا تعودت على السفالة واالنحطاط ال ترضى بالرفعة والمجد، ومن ألف االستعباد ال يريد االستقالل كما ترى من أهل

)هم وهذا ليس بغريب فإنا ومحاربتهم أمتهم ثم نقضهم ال) األنبارمرضاة لعدو صلحنجد في عصرنا هذا من الذين يزعمون أنهم عريقون في العروبة يحنون إلى زمن حكم األتراك ويتمنون أن لو دام حكمهم على البالد العربية فيفاخرون بأنهم أول

استقالل بالده وبالغ بعض خاصم لزعيم عربي يطلبة العربية مهم في العداوة باألم استعباد األوروبيين للبالد العربية على االستقالل ويؤلف األحزاب حرجحتى صار ي

.الكثيرة بنقود المستعمرين لنشر هذه الدعوة وتعميمها فإنا هللا وإنا إليه راجعون

ة وتخلع هذا فليت شعري متى تفيق األمة العربية من هذه الرقدة الطويل عي العقل والفكر منا يحترممد بعض عليها؟ فمما يؤسف له أنك تجد المسيطر الوهم مفكر ف بأنه حرفي دين اإلسالم ليوص ويطعن ،رأمته ليقال عنه متنو هينه ويأعادي

مة العربية وسائر نسأل اهللا أن يهب لأل. وهذا هو الضالل بعينه والجنون بأتم معانيهوالصواب ها الرشدأمم الشرق المظلومة عقال صحيحا وذهنا سليما ويلهم.

عین التمر

استخلف عليها الزبرقان بن بدر وقصد ) األنبار (لما فرغ خالد منوكان فيها يومئذ مهران بن بهران جوبين يقود الجيوش الفارسية ) عين التمر(عه عقه بن أبي عقه في جمع عظيم من العرب من تغلب والنمر وإياد ومن وم

التف عليهم ممن تفسخت أخالقهم أو آثروا النفاق على عنصرهم ظنا منهم أن العدو يحترمهم إذا غلبت أمتهم وما علم الحمقى أن احترامهم مدة صلوحهم

قرعون بعصا اإلهانةلالستفادة منهم وإال فإنهم العبيدالذين ي . م : ولما سمعوا بخالد، قال عقة لمهران: قال ابن جرير إن العرب أعل

صدقت، لعمري ألنتم أعلم بقتال العرب : قال. بقتال العرب فدعنا وخالدا

-١٠١-

وإنكم لمثلنا في قتال العجم، فخدعه واتقى به، وقال دونكموهم وإن احتجتم ما حملك على : فلما مضى عقة نحو خالد قالت األعاجم لمهران. مإلينا أعناك

أن تقول هذا القول لهذا الكلب؟دعوني فإني لم أرد إال ما هو خير لكم وشر لهم، إنه قد جاءكم : فقال

من قتل ملوككم وفل حدكم فاتقيته بهم، فإن كانت لهم على خالد فهي لكم وإن ى لم تبلغوا منهم حتى يهنوا فنقاتلهم ونحن أقوياء وهم كانت األخر

.مضعضعون، فاعترفوا له بفضل الرأي

إن هذا الكالم يجب على كل عربي حفظه ألن حالنا اليوم تشبه حال أولئك األقوام فال ننخدع بجمل اإلطراء التي يصوغها لنا المستعمرون فإن مهران ترك

هم بعضا بجملة واحدة هي ثمن حياته وحياة أمته ومع هذا لم العرب يذبح بعض صانالكلب اليوم ي إلى كلب وفي الحقيقة أن دم لوا العربيذلك فنز الفرس ترض

.أكثر من دم العربي المسلم

مساكين أبناء يعرب كانت الفرس تسمي العربي كلبا واليوم يسمي ولوال أني أريد النفع من - جمع بدوي -) بدوان (با أواألوربيون الكلب عر

الكتاب وال أريد أن يمنع نشره في مناطق الحماية واالنتداب لذكرت من الوقائع والحوادث ما تقشعر له أبدان أحرار البشر مثبتا فيها تاريخ الحوادث وأماكنها غير

.ة أخرىأن لهذه وقتا نرجئه إلى فرصمهران التمر (لزم به )عين ونزل عقة لخالد على الطريق ليصطدم ،

ألن الجيش السائر يغلب عليه عادة عدم االنتظام بخالف الواقف المهيأ، وهذا ذيل بنجيرا وعلى ميسرته الهأ جيشه فجعل على ميمنته بما أراده عقة إذ عب

ومهران غدوة، ولكن خالدا ليس ممن يقدر عقة على الغدر عمران وبين عقة به فقدم عليه في تعبئته وكان عقة يقوم صفوفه فما راعه إال هجوم خالد

-١٠٢-

من معه بدون حرب وأكثر بحاميته عليه فاحتضنه وأخذه أسيرا، وانهزمهر. المسلمون فيهم األسر فإنه لما بلغه الخبر هرانفي جنده األعاجم أما م ب

كوتر) فاتح ) الحصن فاحتمت به فلول عقة لظنهم أن خالدا جاء غائرا غيرمحرر، وعندئذ حاصرهم حتى نزلوا على حكمه فقتل عقة وعمرو بن الصعق

.وغنم الحصن وما فيه بعد أن ضرب أعناق المحاربين يوافقه في عصرنا عمل أذناب السوء وإذا نظرنا نحن إلى عمل عقة الذي

من أرباب الثروة في الحضر ورؤساء العشائر في القرى والصحراء من التزلف والنفاق للعدو، نجد أن خالدا أحسن كل اإلحسان في قتلهم ألن هؤالء أضاعوا

فعه فبقاؤهم الشمم العربي وانخلعوا من عنصرهم إال باالسم الذي ضرره أكثر من نيفسد غيرهم ما عدا أنه ال يرجى منه خير، إذا فالواجب يقضي بإجراء عملية بتر إلزالة هذا العضو الفاسد كما فعل خالد جزاه اهللا عن العرب أفضل الجزاء، فلقد أتى واهللا بأمر يطرب له كل عربي بقي في دمه شيء من دم آبائه الطاهر فلم

.كدر بالوسط الذي عاش فيهيتووجد في بيعة عين التمر أربعين غالما يتعلمون : قال ابن جرير

منهم سيرين د اإلنجيل عليهم باب مغلق فكسره عليهم فقسمهم في أهل البال .والد محمد ومنهم أبو زياد مولى ثقيف

األربعين فإنه إذا كان وإنا لنعتب على أبي سليمان في استبقائه هؤالء فالمصلحة تقضي بأن يتركهم وشأنهم ال أن ) الحصن (لم يرد أن يلحقهم بأهل

يوزعهم على أهل السابقة فيسودوا غيرهم ألن مولى القوم منهم، وبذلك نال هؤالء نفوذا عظيما أورثوه ألبنائهم ومن الجائز أن يكونوا قد أورثوهم مما

ليه، فتكون الخرافات والعقائد الزائغة قد انتقلت إلى الدين وقفوا حياتهم عاإلسالمي من هؤالء الغلمان وأمثالهم، وما برحت آثار التشويه في نمو إلى

-١٠٣-

أن افترق المسلمون شيعا وأحزابا فوصلوا إلى حالهم الحاضرة المؤلمة رغما ذا المعوج، ألن هذه الضالالت قد عن اجتهاد العلماء المخلصين لتقويم ه

.اندست وأصبحت عقيدة راسخة ال تزول وال تتزعزع، وهللا في خلقه شؤون

دومة الجندل

وكان عياض بن غنم هو المكلف بفتحها ) الجوف (هي المسماة اآلن بـنهما في والسابق م) الحيرة (من قبل أبي بكر ويسير منها إلى أن يلتقيا في

ولم يتمكن من فتحها فاستغاث ) الدومة (فتحها هو األمير، لكن عياضا لبث فيفخلف خالد عليها عويمر بن كاهل األسلمي وسار ) عين التمر (بخالد بعد فتح

.في تعبئته وفي طريقه أخذ أكيدر بن عبد الملك أسيرا

أتاهم وديعة في كلب وبهراء ) ندلدومة الج (أن أهل: أورد ابن جرير الحدرجان في الضجاغم وابن وأتاهم ابن وبرة بن رومانس ه ابنومساند ا عياضا وشجوا به فلما بلغهم دنوووتنوخ فأشج األيهم في طوائف من غسانخالد وهم على رئيسين أكيدر بن عبد الملك والجودي بن ربيعة اختلفوا، فقال

أكيدر : الناس بخالد فشأنكم، فخرج منهم وبلغ ذلك خالدا فبعث عاصم أنا أعلمفلما أتى به خالدا . إنما تلقيت األمير خالدا: بن عمرو معارضا له فأخذه، فقالا

.أمر به فضربت عنقه وأخذ ما كان معه

نا في غزوةقد يستغرب القارئ قتل أكيدر بعدما ترك القيادة، ولكن قدم فنقض الصلحB أن خالدا أخذه أسيرا فعقد صلحه مع رسول اهللا ) تبوك(

وحارب المسلمين وضيق الخناق على عياض وجيشه وال ندري مقدار ما سفكه من دماء المسلمين ولكنهم مع هذا لم ينتصروا عليه، فلما جاءه خالد

أن المسلمين غالبون، فكان تركه مددا أصبحوا في حرج شديد وتبين لهم

-١٠٤-

،ه عملهقوله إذا كذب عتبرال ي هكرالقيادة بعد انفراط األمر طاعة مقسور والم على أنه لم يأت إلى خالد رأسا وإنما ذهب إلى طريق أخرى أخذه منها عاصم

متقلب بن عمرو، فدعواه أنه تلقى األمير خالدا كذب وزور فمثل هذا الاالمنافق والمرتد على ما في بعض الروايات من أنه أسلم أقل جزائه قطع عنقه

.وقد أحسن خالد بذلك صنعا

عياض فجعلها بينه وبين ) دومة الجندل (ثم سار خالد حتى نزل على) الحصن(وكان النصارى الذين أمدوا أهل دومة من العرب محيطين بـ

م يحملهم لكثرتهم، فلما اطمأن خالد خرج إليه الجودي في جمع ممن ألنه لعياض عنده من العرب لقتاله وأخرج طائفة أخرى إلى عياض فقاتلهم

فهزمهم وهزم خالد من يليه وأخذ الجودي أسيرا ، وانهزموا إلى ل األسرى، إال أسرى فلم يحملهم فبقوا حوله وأخذهم خالد فقتلهم وقت) الحصن(

خالد عمرو ثم فتح بن نهم عاصمتميم وأم كلب فإنهم حلفاء)الحصن.(

الحصید والخنافس

وكاتبهم عرب) العراق (فطمع األعاجم في) دومة الجندل (أقام خالد فيفخرج زرمهر وروزبه ) عين التمر (غضبا لعقة الذي قتل في) الجزيرة(

فسمع القعقاع بن عمرو وهو ) حصيدا والخنافس (واتعدا) األنبار (يريدانوسار أبو ليلى اعبد بن فدكي ) الحصيد (فسار نحو) الحيرة (خليفة خالد على

بعدما كان عازما عليه فمنعه ) المدائن (إلى الخنافس بأمر خالد وعدل عن فتحخشية أال يتم األمر، فتكثر لوامه ألنهم إذا كانوا ذلك كراهية مخالفة أبي بكر و

.ينالون منه وهو فاتح فإن انكسر فهم عليه أشد نيال وتألبا

-١٠٥-

فقتل من الفرس مقتلة عظيمة وقتل ) حصيد( التقى القعقاع وجيشه بـبنفسه زرمهر وقتل عصمة بن عبد اهللا الضبي روزبه وغنم المسلمون ما في

وسار أبو ليلى بمن معه إليها وبها ) الخنافس (حصيد وانهزمت األعاجم إلى وغنم أبو ليلى ما في) مصيخ بني الرشاء (المهبوذان فلما أحس بهم هرب إلى

).الخنافس (

مصیخ بني الرشاء

وهرب) الحصيد (أن خالدا لما انتهى إليه مصاب أهل: أورد ابن جرير القعقاع وأبا ليلى وأعبد وعروة ساعة واحدة من ليلة واحدة واعد) الخنافس(

وخرج خالد من) حوران والقلت (وهو بين) المصيخ (يجتمعون فيها إلى) فالبردان فالحنىالجناب (قاصدا له على اإلبل يجنب الخيل، فنزل) العين(

غلب مجتمعة على دفعة واحدة بآن واحد، وكانت فيه ت) المصيخ (وواصلوا .الهذيل بن عمران غير منتظرة لهذه الصدمة

ورغما عن قلة الوسائط، فسوق الجيش المختلفة طرق سير كتائبه مع بعد المسافة في صحراء واسعة يصل في ساعة واحدة، إنه ألمر بديع جدا

النقل المنتظمة من سيارات ويعجز أعظم القادة في زمان كثرت فيه وسائط .وغيرها، ولعمري إن عمله لهو غراس التربية اإلسالمية الصحيحة

أنهم في الساعة التي واصلوا فيها : أورد ابن األثير في تاريخهأغاروا على الهذيل ومن معه وهم نائمون من ثالثة أوجه فقتلوهم ) المصيخ(

وكثر فيهم القتل وكان مع الهذيل عبد العزى بن وأفلت الهذيل في ناس قليلأبي رهم أخو أوس بن مناة ولبيد بن جرير وكانا قد أسلما ومعهما كتاب أبي

:بكر بإسالمهما فقتال في المعركة فبلغ ذلك أبا بكر وقول عبد العزى

-١٠٦-

أقول إذ طـرق الـصباح بغـارة

ــد ــم رب محم ــبحانك الله ســب ــره س ــه غي ــي ال إل حان رب

ــودد ــن يت ــبالد ورب م رب ال

فوداهما وأوصى بأوالدهما فكان عمر يعتد بقتلهما وقتل مالك بن نويرة هـ وال يخفى أن .على خالد، فيقول أبو بكر كذلك يلقى من نازل أهل الشرك احقيقة، وأن نسبة قول أبي بكر بشأن من نازل الشرك هو الحد الفاصل لبيان ال

عمر لخالد قتلهما تحامل منه ألن الحرب ال يمكن فيها التصفية والسيما إذا كانت ليال، وما الذي حدا بهما حتى يدخال جيش الكفار لو كانا صادقين بإسالمهما ويستشم أن إسالمهما إسالم أعراب وعندئذ لو قتلهما صبرا لكان

يحاربا ماداما في سواد المشركين يكثرونهم، فهال نزحا عن ذلك حسنا وإن لمالمحاربين أو جلسا في عقر دورهم؟ أضف إلى ذلك أن اسم أحدهما لم يتغير فما برح عبدا لصنم العزى وما كان إعطاء أبي بكر الدية إال تألفا لغيرهم

. انتمى إليه بأي وجه كانونشرا لسمعة اإلسالم الحسنة وأنه يحتفظ بمن ومن التف عليها وهم سكان وهذه الوقعة التي خذلت فيها تغلب

مغترين بقوتهم وتستروا بثأر عقة مهدت السبيل) الفرات (وعبروا) الجزيرة( نعم وكانت) الفرات والدجلة (الكائنة بين نهري) الجزيرة (الحتالل مقاطعات

لى الدخيل وعادى أمته حبا في المنصب واأللقاب الفارغة التي الجزاء لمن وا كان ثمنها حرية أمته واستقالل بالده كما يحصل اآلن في عصرنا الحاضرمما يخجل اليراع من ذكره، ولكن أولئك أفهمهم خالد وعقالء العرب أن لديهم

ستطيع غيرهم أن يطمع بهم فضال عن قوة إذا اتحدوا تحت راية التوحيد ال يأن يستولي عليهم فمن يفهم عربنا اليوم؟ ويزيل الوهم المسيطر على عقول أبناء يعرب ويعلم بأنهم لوال كراهية الموت واالختالف ألسسوا مملكة عزيزة

.الجانب تطأطئ لعظمتها رؤوس ملوك األرض إجالال واحتراما

-١٠٧-

ابن األثير في تاريخه إيراد قصة حرقوص بن النعمان بن النمر واختارفي هذه الواقعة، وهو أنه نصح قومه فلم يقبلوا منه فجلس مع امرأته وأوالده يشربون فقال لهم اشربوا شراب مودع هذا خالد بن البين وجنوده

:ثم قال) الحصيد(بـ

أال فاسقياني قبل خيل أبـي بكـر

منايانـا قريـب ومـا نـدري لعل :فضرب رأسه فإذا هو في جفنة الخمر ومنها

أظن خيـول المـسلمين وخالـدا

ستطرقكم عند الصباح على البشري

الثنى والزمیل

صافة (هما موقعان شرقي(عند) الر كما في ياقوت وابن ) البشريبعه صاحب القاموس في البشر، وت) الجزيرة (إنها في: األثير لكن ياقوت يقول

المتصل بجبال) البشري (ومن المعلوم أن بين جبل البشر المسمى اآلن جبل ولم يرد) الجزيرة العربية( إال إذا أراد ) دمشق وبين الجزيرة نهر الفرات( تبعد عن) الرصافة(ألن ) الجزيرة الواقعة بين نهري الفرات ودجلة( مع أن بينهما) الرقة (جنوبا نحو ثالثين ميال وهي من أراضي) تالفرا(بعدما كانت عاصمة ) لواء الفرات(قاعدة ) لدير الزور (وتابعة اآلن) الفرات(

هشام بن عبد الملك، وخراب ينعق فيها البوم بعد ذلك العز وتلك األبهة وتقع . طوال٣٧،٥ عرضا و٣٤،٥على درجة وكان ربيعة بن بجير التغلبي قد خرج غضبا : تاريخ ابن األثيروفي

) المصيخ (فسار خالد من) الثني( لعقة وواعد روزبه وزرمهر والهذيل بـواجتمع هو وأصحابه بالثني وبيتهم من ثالثة أوجه وجرد فيهم السيف فلم

-١٠٨-

أخذ علي بن أبي طالب بنت ربيعة يفلت منهم مخبر، ومن خمس هذه الواقعة .بن بجير فولدت له عمر ورقيةا

وكانت على) البشر (وكان الهذيل قد لحق بعتاب بن فالن وهو بـليبغتن خالد يمين) الثني (في دارها فلما انقضى من) تغلب (ت أهلبي) الزميل (

منهم مقتلة عظيمة يعة التغلبي فقتل بغارة شعواء قبل أن يصل إليهم خبر ربوفيها هالل ) الرضاب (إلى) البشر (وأرسل الخمس إلى أبي بكر وسار من

.بن عقة، فلما سمعوا بدنو خالد تفرقوا عنه ولم يلق خالد فيها كيداا

»الفراض«

وهي تخوم الشام والعراق والجزيرة [) الفراض (سار خالد إلىصبحت اآلن خربة تسمى جحاش سورية بالقرب من نقطة الحمام على وأ

نحو ثالثين ميال وذلك أن خالدا لما تعقب ] شاطئ الفرات شمالي الرصافةليخضد شوكتهم ويمزق ) الفراض (مال إلى) الرضاب (تغلب ولم يجدهم في

و على ملتهم طمعا في أمور موهومة قوتهم ويجعلهم عبرة للذين يمالئون العديخدعهم بها المستعمرون، ولكن هذه النقطة ملتقى الروم والفرس وكالهما حريص على محو األمة العربية يساعدهم عرب كثيرون ممن تفسخت ا أخالقهم كأكثر عرب اليوم الذين يرون االندماج في عدوهم فخرا ومدنية مم يستتر تحته خيانة األمة، وأصبح موقف خالد حرجا لما ذكرنا ولبعده عن

.لطلب اإلمداد) الحجاز(حميت الروم ) الفراض (لما اجتمع المسلمون في: وفي تاريخ الطبري

واغتاظت واستعانوا بمن يليهم من مسالح أهل فارس وقد حموا واغتاظوا

-١٠٩-

وذلك في شهر ذي ) الفرات (إيادا والنمر فأمدوهم وعبرواواستمدوا تغلب والقعدة سنة اثنتي عشرة هجرية فلما تتاموا قالت الروم للفرس امتازوا حتى نعرف اليوم ما كان من حسن أو قبيح من أينا يجيء ففعلوا، واقتتلوا قتاال

قال خالد للمسلمين ألحوا عليهم وال شديدا طويال فانهزم الروم والفرس، عندئذ مثل ذلك ابن ترفهوا فقتل في هذه المعركة وفي الطلب مائة ألف، وأورد

:خلدون في تاريخه وفي ذلك يقول القعقاعــوع روم ــالفراض جم ــا ب لقين

ــسالم ــول ال ــا ط ــرس غمه وف

ــا ــا التقين ــم لم ــدنا جمعه أب

ــا بجمــع بنــي )١(رزاموبيتن فما فتئـت جنـود الـسلم حتـى

ــسوام ــالغنم ال ــوم ك ــا الق رأين ).العراق (وفي هذه الواقعة تنتهي حروب خالد في

»حجة خالد«

وأظهر ) الحيرة (وأمر بسوق الجيش إلى) الفراض (عاد خالد من وقعةعدة يريد أداء نفسه مرافقا للساقة وسار من الفراض لخمس بقين من ذي الق

فريضة الحج ولم يعلم به إال بعض أفراد الساقة واستعرض البالد متعسفا متسمتا فورد) العنبري ذات عرق (ثم انتهى إلى) مثقب (ومنها سار إلى) ماء (

وعاد من مثله فلم تواف الساقة) عرفات (فشرق منها فأسلمه الطريق إلى .خالد معهاإال وكان ) الحيرة(

.فريق من تميم) ١(

-١١٠-

السفر إلى الشام

إلى الشام هذه الحجة ) العراق (كان السبب المباشر لتحويل خالد منته تحويله ألنه وأصبح ) العراق (بغير إذن أبي بكر فجعل عقوبقد انتهى أمر

قاب قوسين وفي مقدور أي قائد كان إتمام ) المدائن (استيالء المسلمين علىبخالف حروب الشام فإنها ما - لكن النتيجة كانت عكس ذلك - الفتحهذا

برحت فتية وقوى الروم في عنفوان شبابها لم تصطدم بالمسلمين إال في وقعةولكن الراجح أن . ولعلهم فيها بدأوا يسمعون باسم خالد سيف اهللا) الفراض(

ي يكر كان ناقما على خالد أمورا كثيرة عمر بن الخطاب الذي يعد وزيرا ألبويراه مقصرا في عمله وكان عمرو بن العاص هول حروب الروم وكثرة جيوشهم كما نقله ابن عساكر فأشار عمر على أبي بكر بإرسال خالد فكتب

إليه كتابه اآلتي:

ا وأشجوا سر حتى تأتي جموع المسلمين باليرموك فإنهم قد شجو«فإنه لم يشج الجموع - الحج بغير إذن الخليفة - وإياك أن تعود لمثل ما فعلت

من الناس بعون اهللا شجك ولم ينزع الشجى من الناس نزعك فليهنك أبا سليمان النية والحظوة فأتمم يتمم اهللا عليك وال يدخلك عجب فتخسر، وإياك أن

.» فإن اهللا له المن وهو ولي الجزاءتدل بعمل

هذا عمل عمر حسدني على فتح: فلما أتى خالدا كتاب أبي بكر قال وأن يكون على يدي وأحب أن يجعلني مددا لعمر وأصحابه فأكون ) العراق(

تحت يد بعضهم فإن كان فتح شركنا فيه أو أن أكون فتح كأحدهم وإن يكن ذكر دوني وقال المطلب بن السائب بن وداعة لما كتب أبو بكر إلى كان له

:خالد كتب أيضا إلى عمرو بن العاص

-١١١-

إني كتبت إلى خالد بن الوليد ليسير إليك مددا لك فإذا قدم عليك " .هـ.ا" فأحسن مصاحبته وال تطاول عليه وال تقطع األمور دونه

المثنى بن حارثة الشيباني وأخذ بصحبته ) العراق (أناب خالد علىمعظم الصحابة فأبى المثنى أن يتركهم حتى يقسمهم فأرضاه خالد بأن أبقى

Bهؤالء أصحاب رسول اهللا : معه الشجعان وأرباب النجدة ألنه قال لهالسنة أتبرك بهم وكانوا نحو الستمائة سار بهم خالد في شهر ربيع الثاني في

الثانية عشرة هجرية وجعل دليله رافع بن عميرة الطائي فسلك بهم طريقا لم وبقوا ثالثة أيام حتى أشرفوا بعد ذلك على موقع وجدوا به أثر يمر بها إنسان

وذلك قول أبي أحيحة القرشي ت الناسعين ماء عند شجرة عوسج فروي:

ــى ا ــع أن ــا راف ــدىهللا عين هت

ــوى ــى س ــر إل ــوز مــن قراق ف خمسا إذا ما سارها الجيش بكى

ــسي أرى ــك ان ــارها قبل ــا س م

تسمى اآلن) سوى (وهم بهراء والظاهر أن) سوى (وأغار على أهل ).اليرموك (ومن هناك سار إلى) وادي السرحان(

اليرموك

أبو عبيدة بن :اجتمعت أمراء األجناد على اليرموك وكانوا أربعةالجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، وعدة جيوشهم نحو عشرين ألفا، وكان كل قائد منفردا عن رفيقه حتى إنه ال

أما جيوش الروم وأعوانهم من عرب متنصرة وغيرها فكانوا . يصلي خلفهي ابن األثير مائتين وأربعين ألفا، وكان القسيسون نحو أربعمائة ألف، وف

والرهبان يشعلون نار الحرب بخطبهم الحماسية فيهم ويحضونهم على حرب

-١١٢-

ورأى حال القادة وتخاذلهم وأصبح وقتالهم، فلما وصلهم خالد المسلمينر الشدة ولم تعهد المسلمون من جراء ذلك في أشد أنواع الضيق وأصعب أدوا

إليه اإلمارة يومئذ بل جاء عونا ومددا يقود تسعة آالف محارب خطب فيهم :عندئذ خطبته الشهيرة وهي

بالذي كان لمولو ع أبا بكر لم يبعثنا إال وهو يرى أنا سنتياسر إنا غشيهم وأنفع ويكون لما جمعكم وإن الذي أنتم فيه أشد على المسلمين مم

للمشركين من إمدادهم ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم فاهللا اهللا فقد أفرد كل رجل منكم ببلد من البلدان ال ينقصه منه إن دان ألحد أمراء الجنود وال يزيده إن دانوا له، إن تأمير بعضكم على بعض ال ينقصكم عند اهللا وال عند خليفة

ول اهللا هلموا فإن هؤالء قد تهيؤوا وهذا يوم له ما بعده إن رددناهم إلى رسخنادقهم اليوم لم نزل نردهم وإن هزمونا لم نفلح بعدها فهلموا فلنتعاور اإلمارة فليكن عليها بعضنا اليوم واآلخر غدا واآلخر بعد غد حتى يتأمر كلكم

.ـه.ودعوني إليكم اليوم ا

أثرت هذه الخطبة فيهم فتركوا إليه القيادة ذلك اليوم ووزع جيش المسلمين فجعله ستا وثالثين كردوسا ونصب على كل كردوس قائدا وكان

.منهم ابنه عبد الرحمن

ما أكثر الروم وأقل المسلمين؟ فقال : روى ابن جرير أن رجال قالو: خالد بالنصر وتقل بالخذالن ال ما أقل الروم الجنود المسلمين إنما تكثر أكثر

مرض في - براء من توجيه - فرسه - بعدد الرجال واهللا لوددت أن األشقر .هـ.وأنهم أضعفوا في العدد، وكان فرسه قد حفي في مسيره ا - حافره

رئ المقداد ألنه كان أول ما بدأ به خالد قراءة سورة األنفال وكان القا عساكر أن ماهان أول الصحابة الموجودين إيمانا ومن أهل بدر، ونقل ابن

-١١٣-

كل رجل من المسلمين ويعطي منه أن يعود الروم أرسل إلى خالد يطلب قائدعشرة دنانير وراحلة ألن المسلمين على زعمه قد أخرجهم الغالء والفقر وإال

تي له بجيوش ال قبل له بها، وألن هذا كالم غير معقول ألنه لو قدر فإنه يأأجابه خالد ،هذا المقدار نا من جوع : على تنفيذ وعيده لما وهببأنا ما خرج

فأقبلنا . أن ال دم أحلى من دم الروم: ولكنا معاشر العرب نشرب الدم، فقيل لناكم، فنظر ماهألصحابه وقالنهريق دماء هذا ما كنا نحدث به عن شرب : ان

.هـ.العرب الدماء اعلم خالد أن المفاوضة ال تجدي نفعا وال ترجى منها فائدة فأراد أن يقطع قلب قائد الروم بما كانت الروم تنقله عن العرب من األخبار الباطلة

دعاة االستعمار تنقلها ألممها وال تزالويصمونها بالوحشية والهمجية، .وتتبجح بهذه األباطيل والمين الظاهر بال خجل وال حياء إلى يومنا هذا

ثم أمر خالد عكرمة والقعقاع أن ينشبا القتال فحميت نار الحرب وكان ألفا وطلب ها اثنا عشرقادة الروم يدعى جرجة على فرقة أرمنية عدد أحدمبارزة خالد فلما التقيا سأله جرجة عن أحكام تتعلق بالدين اإلسالمي وما

فكشف له خالد عن الحقيقة وبين له أن غاية اإلسالم سعادة يدعو إليه،البشر عامة في الدنيا واآلخرة وانتشال النوع اإلنساني من وهدة الجهل

وكان جرجة في نزاع مع أحد وعلو العدل، وحفرة الظلم إلى رفعة المجد الفرصة ودعا جرجة لإلسالم فأسلم خالد فاستفاد قناطر قادة الرومان المدعووتبعه فلما رأت الروم أن جرجة ذهب مع خالد ظنوا أنها حملة منه فهجموا

ة بن أبي جهل على المسلمين وأزالوهم عن مواقفهم إلى الحامية وعليهم عكرم في كل موطن ثم Bقاتلت النبي : وعمه الحارث بن هشام، فقال عكرمة

من يبايع على الموت؟ فبايعه عمه الحارث بن هشام : أفر اليوم؟ فنادى

-١١٤-

اماألزور في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم فقاتلوا قد بن وضرارتوا جميعا بالجروح وأكثرهم قد استشهد وتراجعت الروم فسطاط خالد حتى أثب

إلى مواقفها، فزحف خالد بالمسلمين وضرب بهم جيوش الروم من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب ثم أصيب جرجة ولم يصل صالة سجد فيها

.إال الركعتين اللتين أسلم عليهما

الظهر وكانت كثيرات من المهاجرات وصلى الناس إيماء والعصر وكن المسلمين خلف الصفوف يشجعن مع أزواجهن وأبنائهن وجلسن جئن ت الحربنا إن لم تمنعونا، فلما اشتدنا وال آباءينادين لستم بعولتنا وال أبناء

مسلمين إلى وأقبلت الروم بصلبانها أقبل خالد يركض حتى قطع صفوف اليا نساء المسلمين أيما رجل أقبل إليكن : النساء وهن على تل مرتفع فقال

منهزما فاقتلنه، وكن يستقبلن من انهزم من المسلمين معهن عمد البيوت يضربن وجوه الهاربين ويرمينهم بالحجارة، وثبتت النساء معرضات لهجوم

:اد في إقدام المسلمين وثباتهم، ولقد ارتجز عمرو بن بحرالروم وهذا ما ز يا هاربا عن نسوة ثنيات

فعن قليل ما ترى سـبيات

فال حظيات وال رضيات

إلى الموت بصدر رحب ووصف ابن تتقدم المسلمين وابتدأت شجعانطا ومعصما نادرا قلما رؤي يوم أكثر قحفا ساق: عساكر يوم اليرموك فقال

وكفا طائرة من ذلك الموطن ثم نادى خالد يا أهل اإلسالم لم يتوسد القوم من فو الذي نفسي بيده إني ألرجو أن ، الشدة الشدة،الجلد والشدة إال ما رأيتم

يمنحكم اهللا أكتافهم وشد المسلمون عليهم وتوالت الهجمات وكان فريق من اقترنوا بالسالسل خشية الهرب وهم الرماة فهجم عليهم المسلمون الروم قد

-١١٥-

ومزقوا شملهم ثم لم يلبث الجيش الروماني وأنصاره من العرب أن انكسروا كان من وقع - هي واد عميق جدا - وكان ليال حتى إذا جاؤوا إلى الواقوصة

تل أو مات من الروم فيها أكثر ممن تناولته السيوف وكان جملة من قكما في . وأعوانهم مائة وعشرين ألفا منهم ثمانون ألفا هلكوا في الواقوصة

.الطبري وغيرهحصلت هذه النتيجة الحسنة رغما عن وجود مخالفين في الجيش، نقل

كنت مع أبي يوم اليرموك : ابن األثير في تاريخه عن عبد اهللا بن الزبير قالأنا صبي فلما اقتتل الناس نظرت إلى ناس على تل ال يقاتلون فركبت و

وذهبت إليهم وإذا أبو سفيان بن حرب ومشيخة من قريش من مهاجرة الفتح فجعلوا واهللا إذا مالت المسلمون وركبتهم الروم : فرأوني حدثا فلم يتقوني، قال

ويح بني : ت الروم وركبتهم المسلمون قالوايقولون إيه بني األصفر، فإذا مالقاتلهم اهللا أبوا إال : األصفر فلما هزم اهللا الروم أخبرت أبي فضحك وقال

.ضغنا لنحن خير لهم من الرومولقد أذلت هذه الواقعة دولة الرومان ألن جيشهم تمزق ولم يعد في

تطاعته القيام بالهجوم ألن قوة الدولة إمكانه طاقة على الدفاع وليس في اسق وفنيبالجيش وقد تمز.

وقد فقد المسلمون أبطاال كراما عرفوا بالشجاعة والقيادة والبسالة مثل عكرمة بن أبي جهل وولده عمر وعمه الحارث بن هشام وغيرهم من

ب ثالثة آالف من نخبة األشاوس ألن عدد الذين استشهدوا في هذه الحر .المسلمين

هشام قال خالد وسلمة بن نه عمرزعم ابن : ولما مات عكرمة واب .حنتمة أنا ال نستشهد، يريد عمر بن الخطاب ألن أمه حنتمة بنت هشام

-١١٦-

الذي ) اليرموك (أثرت حرب هذه في الروم تأثيرا عظيما فإن قيصرولما ) األستانة(لما بلغه خبر هذه الواقعة التحق بـ ) كيةأنطا (كان مقيما بـسورية (عليك يا: قال) بوزانتي (جاوز الدرب (هذه للعدو ونعم البلد السالم - يعني الشام - المسلمين في هذه الحرب عظيمة جدا وفيها تتبين وكانت غنائم

دبيره كان سبب فتح سورية بعدما مقدرة خالد الحربية وشجاعته من حيث أن تكان المسلمون متخاذلين، وإنه نعم الداعية لإلسالم إذ استطاع أن يجلب جرجة

.لإلسالم فتفرقت بعده فرقته األرمنية طبعا

حرب أجنادين

من أرض فلسطين، ذكرها ) الرملة وبيت جيرين (هي موقع بين، وأن خالدا هو القائد )اليرموك (ي معجمه بعدالطبري في تاريخه وياقوت ف

هجرية مساعدا لعمرو بن العاص كما أن قائد الروم ١٣الذي فتحها سنة أي قبل وفاة ١٣تذارق أخو هرقل وقيل القبقالر وذلك في جمادى األولى سنة

أبي بكر بزمن ) اليرموك (أبي بكر بشهر وأوردها ابن األثير مرتين مرة بعدوأخرى في السنة الخامسة عشرة في زمن عمر بن الخطاب وعلى كل حال

والفضل فيها للـ ) اليرموك (فإن ما اجتمع فيها كان من بقايا جيوشالتي كسرت معنويات الروم وأنصارهم ومع هذا فقد قتل فيها من ) واقوصة(

بد المطلب بعدما قتل في المعركة جمعا أبطال اإلسالم عبد اهللا بن الزبير بن عمن الروم، وقتل ضرار بن الخطاب الفهري وعمرو بن سعيد بن العاص

فلم يفلحوا ) اليرموك (والفضل بن العباس مما يدل على أنهم أرادوا أخذ ثأر .وأتم اهللا النصر للمسلمين

-١١٧-

فتح دمشق

إلحاطة األنهار بها ووجود في موقع حصين من األرض) دمشق (تقع قلعتها العظيمة داخل سورها ويحميها من الشمال والغرب جبل قاسيون المنيع على باب شرقي وهو أمنع حاصروها، ونزل خالدإال أن ي فما وسع المسلمينموقع وأحصنه، وأبو عبيدة على باب الجابية، وعمرو بن العاص على باب

عرف بباب كيسان، توما، ويزيدعلى الباب الصغير الذي ي أبي سفيان بنوشرحبيل على باب الفراديس، وأبو الدرداء على مسلحة برزة وكان ذلك آخر

. هجرية١٣سنة بن وبينما هم يحاصرون دمشق توفي أبو بكر وتولى بعده عمر

قاؤه تحت أمر أبي عبيدة الخطاب الخالفة فكان أول عمل قام به عزل خالد وإببالعودة إليها، وعزل أيضا نائب خالد في ) العراق (وأمر من جاء مع خالد من

المثنى بن حارثة الشيباني، وأرسل سعد بن أبي وقاص قائدا ) العراق (قيادة) راقالع (فكان هذا العمل سبب استعادة الفرس قوتهم وانتقاض) عراق (للـ

على المسلمين حين احتاج إلى فتح جديد وإلى ضحايا من المسلمين كثيرة .جدا

لكن أبا عبيدة كتم خبر العزل عن خالد ولم يعارضه في التدبير خشية الفشل أو تفريق كلمة المسلمين والسيما أن خالدا حينذاك قائد عظيم يرفرف

على راياته والجيش طوع على أنه . أمره، غير أنه لم يعارض في ذلكالنصر خالد وداعة وفضال من أبي عبيدة المرشح للخالفة حتى يكون أن يكون يجوز

.من حزبه بعد ذلك فيخلص لهوكان لخالد صديق من األساقفة وكان له دير سمي بعد ذلك دير خالد

إن أمرك مقبل ولي : ا كثيرا ويقول لهجهة باب شرقي فكان األسقف يكلم خالد

-١١٨-

عليك وعد أن تصالحني، فصالحه عن حزبه والجماعة التابعين ألبرشيته سبعين يوما وهم يرمونهم بالمجانيق ) دمشق (وكان له عونا بعد هذا فحاصروا

واألهلون معتصمون بالمدينة المسورة ويعلقون األمل على وعد هرقل بإرسال نجدة غير مكترثين بجنود المسلمين لوثوقهم من حصانة القلعة ومتانة أسوار

.المدينة وما يحيط بها من مياه نهر بردى وفروعه

) حمص(وكان المسلمون وضعوا ذا الكالع الحميري يقطع الطريق بين وا البرد كي من مدد هرقل انتظر) دمشق (ليصد هجمات الروم فلما يئس أهل

يكون سببا النكشاف المسلمين عن مدينتهم ولكن خالدا كان يراقب أحوالهم وحوادثهم ويستطلع أخبارهم فبلغه خبر فرح عندهم وقد جرت العادة أنهم يبيتون ثملين من السكر ورأى ذلك فرصة يجب اغتنامها فجلب من أهل الدير

لى رأس الحصن ومعه جماعة من شجعان المسلمين سلمين ثم خرج عكالقعقاع بن عمرو والمذعور بن عدي فقتلوا البوابين وفتحوا الباب ليال وكبر المسلمون من داخل المدينة فاصطدموا بالروم الذين هجموا عليهم وكادوا

لى التأخر فعلموا يحمون األبواب لوال أن خالدا شد على من يليه فأرغمهم ع عندهم بعمل خالد، فذهب أنهم ال طاقة لهم بالحرب وكان بقية األمراء ال علمفريق من الروم إلى أبي عبيدة وعرضوا عليه الصلح وأدخلوه من باب الجابية حتى إذا وصل نصف المدينة وجد خالدا وصل هناك قبله فاتحا وهو

يكون محل الجامع األموي وبعد االختالف اتفقوا على أن ما أخذه خالد اليوم .فتحا وما سواه يعد صلحا، وبذلك صح رأي الطرفين

ثم بنى المسلمون الجامع المشهور اآلن باألموي مع أن األولى به أن أو الصاحبي أو الصحابي سمى اإلسالميللجمع - ي نسبإذا لم ي - أي قسمه

اآلن الشرقي وفيه مقصورة الصحابة، وأما القسم الغربي فألحقه الوليد بن عبد

-١١٩-

الملك بالجامع بعد أن أدخل فيه كنيسة يوحنا الواقعة وسطه والمعروفة اآلن المسيحيين عنها من األراضي ما )١(بقبر يحيى عليه السالم ضوعو ،

.أرضاهماء كتاب من عمر فأخذه خالد وفضه لظنه وبينما المسلمون في دمشق ج

أنه األمير وإذا به خطاب ألبي عبيدة فعلم خالد فضل أبي عبيدة في عدم ني وأنت األميرتخبر لم إليه قائال لم إعالمه مع إبقائه اإلمارة بيده واعتذر

ما كنت ألكثر ما كنت ألعلمك حتى تعلمه من غيري و: فأجابه أبو عبيدة بقولهعليك حزنك وما سلطان الدنيا أريد وأن ما ترى سيصير إلى زوال وانقطاع عليه أخوه في دينه ودنياه بل يعلم الرجل أن يلي وإنما نحن أخوان وما يضرالوالي أنه يكون أدناهما إلى الفتنة وأوقعهما في الخطيئة لما يتعرض له من

.هـ.صم اهللا وقليل ما هم االمهلكة إال من ع بعظمة اإلسالم وسب سر في هذا الجواب أدرك من أمعن النظرانتشاره، ولو أنا اتخذناه نبراسا ألضاء لنا طريقنا الحالك وسرنا في جادة

.السالمة ونجونا من كل مهلكةهو يخاطر بنفسه بقي خالد بعد هذا يفتح البالد على حساب أبي عبيدة و

ينبغي أال تجازف بنفسك فقال كنت أخشى على المسلمين من : فقيل له مرةموتي أما اآلن فإني من بعض األجناد فال يؤثر موتي كثيرا ألن أمير الجيش

.يسهل عليه تالفي النقص

إن قبر يحيى عليه : لمقدس ويقول ابن األثير في تاريخه عند الكالم على فتح بيت ا) ١(إن : وياقوت يقول. السالم في سبسطية بلدة من أعمال نابلس بينها وبين القدس يومان

ويحيى منقسم هناك أيضا، أما اآلن فأصبح زكريا في حلب قبر زكريا عليه السالممزورون بين دمشق وبين بيروت ولكل منهم مسجد عظيم وضريح مزوق وسدنة و

.جعلوا الزيارة مرتزقا فتجارة

-١٢٠-

قنسرين والحاضر

)(مدينة بالقرب من) قنسرين هي اآلن ضيعة تقع في جنوبها ) حلبولذا كان يتولى محافظتها ) الشام (صغيرة وقد كانت تعد القاعدة الحربية لبالد

الحاضر إلى موقع اسمه قائد بعد هرقل فتقدم ميناس وهو أعظم ميناس القائدواصطدم هناك بخالد فاقتتلوا قتاال شديدا وكان الروم مستميتين فماتوا على دم

إنا عرب وإنهم إنما حشروا ولم يكن من : وأما أهل الحاضر فقالواواحد، هم كبقية البالد، وكانوا كما قال البالذريرأيهم حربه فقبل منهم وصالح

.أصنافا من تنوخ وغيرهم ثم أسلموا بعد ذلك وكانوا غنما بال راع ألن قائدهم قتل في ) قنسرين (وسار خالد إلى

إنكم لو كنتم في السحاب : ومع هذا فقد تحصنوا من خالد، فقال )الحاضر(فنظروا في أمرهم وعلموا أن البرد الذي . لحملنا اهللا إليكم أو ألنزلكم إلينا

يعتمدون عليه في فشل محاصرة العرب لم يجدهم نفعا، فقد قال أهل )كوا بم: قبلهم كما في ابن األثير) حمصدينتكم فإنهم حفاة فإذا أصابهم تمس

هـ ومع هذا فقد فتحت مدينتهم بعد أن خرب كثير من .البرد تقطعت أقدامهم االصلح من خالد فأبى إال بهدم السور ) قنسرين (دورها، عندئذ طلب أهل

.ونقضه من أساسه فأرغموا على قبول هذا الشرط وهدم السوربعدما ترك خالد )قنسرين ( ومنه تعلم الصلح كانت هي أول بلد نقض

أن خالدا عارف بأخالق أهل البلدان معرفة تامة أضف إلى ذلك أنها قاعدة المسلمين ، والشك في أن سورها لو بقي لشق على )الشام (حربية لبالد

افظت على العهد حقد) الحاضر (استعادتها مرة أخرى، في حين أن جارتهاالتي تبعد ) حلب(وانتقلت مكانتها إلى ) قنسرين (ألن سكانها عرب فخربت

.عنها يوما واحدا

-١٢١-

غزوة اآلستانة

فلم تطب نفسه بأن ) قنسرين (ثم إن أبا عبيدة جعل خالدا عامال علىزو قيصر في يبقى بال جهاد فأقنع بقية قادة المسلمين وكتب إليهم بلزوم غ

وعبد اهللا بن المعتم من )٢()قرقيسية( من )١(عقر داره فوافقه عياض بن غنم فلحقوا بقيصر تحت قيادة خالد )٣()الكوفة(وعمرو بن مالك من ) الموصل(

لوال ) استانبول (وتوغلوا في البالد حتى وصلوا أسوار وكادوا يأسرون قيصرملكه المذكورة واحتمى بها ومع هذا فلم يستطع تخليص أنه دخل عاصمة

أثقاله، فغنم المسلمون غنائم عظيمة جدا فلما بلغ الخبر عمر بن الخطاب قال .قد أمر خالد نفسه

وقفل خالد فانتجعه الناس يطلبون العطاء ويستدرون نداه، فأنعم عليهم بن قيس الكندي لما انتجعه عشرة آالف بما عنده حتى إنه أعطى األشعث

.درهم فأغضب ذلك عمر وأمر بمقاسمتهوهذه الغزوة آخر فتوحات خالد وبها ينتهي دوره، وعدلنا عن ذكر

وغيرها ألنه كان تابعا غير ) المرج وفحل وحمص(كثير من الوقائع كـ .متبوع

.بفتح فسكون كما في االستيعاب واإلصابة والذي في القاموس غنام على وزن شداد) ١(

تسمى اآلن البصيرة ناحية تابعة لدير الزور قاعدة لواء الفرات شرقيها بنحو عشرين ) ٢( .خابور بالفراتميال وهي الزاوية التي يلتقي عندها ال

. تسمى اآلن النجف التصالها بخربة الكوفة القديمة) ٣(

-١٢٢-

عزله ومقاسمته

سابعة عشرة هجرية أرسل عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة في السنة الأن يقيم خالدا ويعقله بعمامته وينزع عنه قلنسوته حتى يعلمكم من أين أجاز األشعث هل من مال اهللا أم من ماله أم من إصابة أصابها؟ فإن زعم أنه

سرف، واعزله على كل أصابها فقد أقر بخيانته، وإن زعم أنها من ماله فقد أ عليه، ثم جمع الناس أبو عبيدة خالدا فقدم إليك عمله، فاستقدم محال واضمفسأل البريد خالدا أمن مالك أجزت عشرة آالف أم من إصابة؟ فلم يجبه حتى

إن أمير المؤمنين : أكثر عليه وأبو عبيدة ساكت، فقام بالل إلى خالد فقال لهفيك بكذا وكذا ثم تناول عمامته فنقضها ال يمنعه سمعا وطاعة ثم رمى أمر

ه : قلنسوته وعقله بعمامته، فقال خالدبل من مالي فأعاد بالل قلنسوته ثم عممنا: بيده، قال خالدموالي ونخدم لوالتنا ونفخم ونطيع ه ماله حتى . نسمعثم قاسم

مخذوال ال يدري أمعزول أم غير معزول، ) دمشق( نعله، وأقام خالد في وجعل أبو عبيدة يكرمه ويزيده تفخيما حتى كتب عمر إلى خالد باإلقبال إلى

: عندئذ عاتب أبا عبيدة في كتمه الخبر عنه فقال أبو عبيدة) المدينة المنورة(له وودعهم وخطب أهل عم) قنسرين(فرجع خالد إلى . ما كنت ألروعك

المدينة ( فخطب أهلها وودعهم، ثم خرج نحو) حمص (وتجمل ثم أقبل علىقد شكوتك للمسلمين واهللا إنك في أمري : حتى قدم على عمر وقال له) المنورة

جمل يا عمرم حتى توفاه اهللا تعالى فيها) المدينة (ولبث في. غير.

-١٢٣-

أسباب العزل

في هذا الموضوع الشاق نقدم جملة تفصح عن رأينا في قبل الخوضالمسألة دفعا للدسائس وما تتمشدق به أرباب النيات السيئة أو أصحاب العقول الجامدة والمتنطعون البلهاء الذين هم مصيبة على اإلسالم في جميع األدوار

ريد مس الصحابة بسوء ومعاذ اهللا أن ظنا منهم، وإن بعض الظن إثم، أنا ن يكون هذا ألنا نتقرب إلى اهللا باحترامهم والسيما السابقين األولين فإنهم

أحد من كرامتهم بسوء إال أن يكون ذا عقيدة زائغة يضمر لإلسالم ال يتناول .شرا

قيق أعمالهم إنا نجل الصحابة ونحترمهم، ولكن هذا ال يمنعنا من تدواختيار األنفع واألصلح ألن درجات الصحابة متفاوتة تفاوتا عظيما جدا وإن االجتهاد ونثبت للمصيب أجرين أجر كنا نثبت للمجتهد المخطيء أجر

وبما أن قضية خالد دار النزاع فيها بين رأي أبي . االجتهاد وأجر اإلصابةعلى حسب الوثائق التي بكر وبين رأي عمر الراجح الرأي لمأن نع فإنا نريد

.وصلت إلينا وما يمكن االستنتاج منها، أما الحقيقة فعلمها عند اهللا تعالىمما ال نزاع فيه لدى علماء األثر والسير أن الصحابة الكرام كانوا

ان كل واحد يريد التقدم يتسابقون إلى ما يرضي اهللا تعالى من األعمال فكعلى غيره في خدمة اإلسالم حتى إن األخ ليستأثر على أخيه في أداء الطاعة كي يفوز وحده باألجر الكامل ونستدل على هذا بما رواه البخاري في

إني لفي : عن عبد الرحمن بن عوف قال) بدر (صحيحه في باب غزوةفلم ) بدر (الصف يوم إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن

: يا عم أرني أبا جهل فقلت: آمن بمكانهما إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه

-١٢٤-

عاهدت اهللا إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه : يا ابن أخي وما تصنع به؟ قالسرا مثل صاحبه، قال عبد ني أني بين رجلين : الرحمنفقال لي اآلخرفما سر

فأشرت لهما إليه فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما ابنا . مكانهما .هـ.عفراء ا

فهذه الحادثة بين أخوين ألم واحدة تدلك على أن الصحابة ينسى أحدهم أبو عبيدة والد كل شيء في سبيل مرضاة اهللا تعالى كما نسي ه المشرك المسلمين يوم ففلق ) بدر(المسمى بالجراح لما أبى قبول اإلسالم وحارب

.رأسه بالسيف فلقتينفإذا كانت الصحابة الكرام تتسابق إلى عمل الخير أكثر من تسابقنا اليوم إلى عمل الشر والفساد وبذلك شادوا لإلسالم مجدا عظيما وعزا خالدا

يرون الخالفة من أعظم األعمال األخروية ألن الماسك على صولجان وكانوا من أجر اإلتباع شيء ه من غير أن ينقصمن اتبع ل كان له أجردكم إذا عالحفهم ال ينظرون إلى لذة الحكم والتنعم المادي وإال لما كان عمر بن الخطاب

على أرض المسجد وهو المالك وكانت جبة ينام ،لكنوز كسرى وقيصر علي بن أبي طالب في خالفته بلغت قيمتها خمسة دراهم على أعظم تقدير ألنهم يرون القائم بالخالفة قادرا على إقامة شعائر الدين واألمر بالمعروف

ستيالء والنهي عن المنكر فال غضاضة إذا تسابقوا إليها أو أعدوا الوسائل لال .عليها

إذا علمت ما قدمناه وعرفت أن أكثر الصحابة السابقين أراد الخالفة لنفسه، ولكن لم يتوفق لها إال من أراده اهللا لها ألنها حظوظ ال يكفي سعي

إن عمر : المرء وحده للحصول عليها وال أن يكون أهال لها فال مانع أن نقولا للخالفة بزمن أبي بكر كان يرى خالدا عقبة ابن الخطاب الذي كان مرشح

بنت عم عمر غم عن أن أمه من الخالفة بالرتحقيق ما يريد ه تحول دونأمام

-١٢٥-

خالد وهي حنتمة بنت هشام أو هاشم بن المغيرة ألن خالدا قائد عظيم وذو على الجيش ومن قبيلة بني مخزوم التي تزاحم بني هاشم بالشرف نفوذ قوي

وله عالقة بالهاشميين فإن أبناء العباس أبناء خالته وكذلك أوالد جعفر بن أبي . طالب ويحيى بن علي بن أبي طالب أبناء خالته أسماء أم محمد بن أبي بكر

وكانت آخر الحلقات هجومه على قيصر إلى أن وصل أسوار غير إذن الخليفة وأعطى عشرة آالف درهم إلى األشعث بن قيس ب) استانبول(

له حساب بحسوالمعروف بعدم اإلخالص وي القحطانيين وهو ملك الكنديعظيم.

لذلك كان عمر يخشى على الخالفة من خالد فعزله وعزل وكيله المثنى كخالد ولكنه ذو نفوذ كبير في بن حارثة الشيباني الذي ال اعتراض له عليه ا

فلم يكن اعتذار عمر ) ذي قار (ربيعة وزعيم العشيرة التي خذلت كسرى فيوما معنى الفتنة والحروب . عزلتهما خشية أن يفتن بهما الناس: أكثر من قوله

متواصلة لوال أن عمر يخاف على الخالفة ألن الجيش عليه عمل كبير في ه األمور لكن التجارب أثبتت أن خالدا لم يفكر بهذا األمر وأن أبا بكر مثل هذ

الذي سبب أي عمره خيرا من رباعتماده على خالد كان مصيبا وكان رأي(بكرا وحصلت وقعة) العراق (انتقاض الفرس حتى عادت حروب اليس (

محجن الثقفي البطل العظيم فلما الثانية التي هرب فيها الشجعان ومنهم أبو :عوتب قال

وما رحت حتى كنت آخـر رايـح

وضرج حولي الصالحون األماثل

ولربما أن عمر أبقى خالدا عند أبي عبيدة يستعين به ألن أبا عبيدة كان ن إ: المرشح للخالفة بعد عمر، فقد روى اإلمام أحمد في مسنده عن عمر قال

هـ ويجوز أن هذا االتفاق تنم عليه .أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته ا

-١٢٦-

سقيفة بني ساعدة حينما كان أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ذاهبين لتسوية الخالفة فحصلت بيعة أبي بكر لكن عمر لما رأى خالدا غزا Bقبل دفن رسول اهللا

ن أبا عبيدة اللين العريكة يمشي على خطة أبي قيصر في عقر داره عرف أ وفاته والسيما لما رأى خالدا يعطي عطاء إال عند بكر التي لم يستحسنها عمر خالدا ماله ألن عمر من هذا العطاء فقاسم معتاد لشخص له أهمية وخشي غير

أن يندفع إلى أمر عظيم كان يجتهد أال يترك بيد قائد أو أمير ثروة خشية ) المدينة (تحصل منه فتنة كبرى ولذا أهان خالدا وقاسمه ماله وعزله وأتى به

شأنه بغالب مشيخة قريش ال يخرجهم إال برخصة منه فهو بعمله هذا يعد أول .من أحدث جواز السفر

م يعمل أكثر أما خالد فلم يكن في خاطره ما كان يتصوره عمر لذلك ل .من شكايته للمسلمين وصبر على ما أصابه

ندامة عمر وثناؤه على خالد

لما كثرت االختبارات على خالد وهو صابر يتلقاها برباطة جأش وثبات عزيمة إلى أن انتهى أجله وتوفاه اهللا تعالى ولم تحصل منه بادرة

بأن رأي أبي بكر كان هو الصواب انتقاض أو نحوها أحس عمر بن الخطابفأظهر . رحم اهللا أبا بكر كان أعرف مني بالرجال: ولذلك اعترف بقوله

الندامة واألسف بعد وفاة خالد النكشاف األمر وألنه تبين له أن الظنون التي كر كانت تخامره بشأن خالد هي مخالفة للواقع فأعلن ندامته؛ روى ابن عسا

لقد ثلم في اإلسالم ثلمة ال ترتق، : أن عمر بن الخطاب قال عند وفاة خالدندمت على : يا أمير المؤمنين لم يكن رأيك في حياته على هذا؟ قال: فقيل له

.هـ.ما كان مني ا

-١٢٧-

إن عمر مأجور على عمله وإن أخطأ فيه ألنه يقصد أال تحدث بين أعمال خالد زمن أبي بكر كانت تجربة كافية إلثبات أنه المسلمين فتنة، ولكن

لم يفكر فيما يتوهمونه، وأرى أن المسألة نشأت من عدم التفاهم وكثيرا ما كان فقد التفاهم سببا لتخريب أعمال حسنة كثيرة وحائال دون القيام

د روى ابن عساكر بمشروعات جليلة، على أن صراحة عمر تدل على هذا فقإني لم أعزل خالدا عن سخطة وال خيانة ولكن : أن عمر كتب إلى األمصار

.الناس فتنوا به فأردت أال يكونوا بعرض فتنة سيف

غضبت بنو مخزوم على عمر عساكر في : ولما مات خالد روى ابنلقد عزلت : الد فقال لعمرتاريخه أن عمر لما أورد كالمه هذا قام ابن عم لخ

ولقد أغمدت سيفا سله اهللا ولقد نقضت لواء عقده Bأميرا أمره رسول اهللا اقعد فإنك غالم : فال عذرك اهللا وال عذرك الناس، فقال عمرBرسول اهللا

.هـ.تغضب البن عمك ا

ها عمر الذي كانت وهذا كالم ثقيل نحو مقام الخالفة في وجه القائم ب من سيف الحجاج ولكنه يدل على غضب عظيم، وخشي هيبة درته أعظمعمر أن تكون شرارة من نار عظيمة فأغلق باب الجدال ألن الصحابة السابقين كانوا على خالف رأيه فإن علي بن أبي طالب ناقشه في عزل خالد

:لحة بن عبيد اهللا تمثل بقول الشاعرولما مات خالد واخبر عمر ط ال أعرفنك بعـد المـوت تنـدبني

وفي حيـاتي مـا زودتنـي زادا

ولم يقصد طلحة بإنشاد هذا البيت إال إسماع عمر أنه غير راض عن .معاملته لخالد

-١٢٨-

أنه لما أنشده بعض : ومما يدل على ندامة عمر ما رواه ابن عساكر مخزوم مرثية لخالد قال قصرت في الثناء على أبي سليمان إنه كان بني

إلى أن - ليحب أن يذل الشرك وأهله وإن كان الشامت به لمتعرضا لمقت اهللارحم اهللا أبا سليمان ما عبد اهللا خيرا مما كان عليه ولقد مات فقيدا - قال

.وعاش حميدا

روايته للحديث

ئر مناقبهوسا

إن خالدا مع تأخر إسالمه واشتغاله بالحرب لم يمنعه ذلك من حفظ فقد نقل الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب أن ممن كالم رسول اهللا

بن معد يكرب وقيس عبد اهللا والمقدام بن عباس وجابر روى عن خالد ابن بن قيس وجبير وأبو العائلة وأبو وائل ابن أبي حازم واألشتر النخعي وعلقمة

وغيرهم، ولكن العدد الذي بقي من مروياته يسير جدا فقد قال الخزرجي في الخالصة روي له ثمانية عشر حديثا اتفق البخاري ومسلم على واحد وانفرد

.هـ.البخاري بحديث موقوف عليه ا

ر في مسألة الغسول ومراجعة عمر وأما فقهه فإن نزاعه مع عم :وإصراره يدل على فقهه ولذلك كان جوابه األخير لعمر قوله

سهل أبـا حفـص فـإن لـديننا

شرايع ال يشقى بهـن المـسهل انجست بالخمر الغسول وال تـرى

من الخمر تثقيف المحيل المحلـل

وهل يشبهن طعم الغسول وذوقـه

حميا الخمور والخمـور تسلـسل

-١٢٩-

يريد خالد أن االستحالة مطهرة وإن كان األصل نجسا ألن نجاسة الخمر في اإلسكار فإذا وضع في الغسول فقد زالت الحميا علة التنجيس عند القائلين به، وإذا انتفت العلة فقد انتفى المعلول، على أن مذهب التطهير

ة قال به أكثر األئمة، بل نقل النووي في مجموعه أن ذلك وجه باالستحالعلى أن طهارة الخمرة نفسها قال . للشافعية وهم المشددون في عدم التطهير

بها ربيعة شيخ مالك والمزني كما نقله القليوبي على المنهاج عن األسنوي، ال بطهارتها أيضا، وأن إمام الحرمين أن داود ق: ونقل النووي في المجموع

والغزالي نقال وجها للشافعية بطهارة الخمرة المحترمة وهي التي عصرت ال .ألجل اإلسكار، وعلى هذا فالكحول طاهر وإن استخرج من المسكرات

.أما شجاعته المادية والمعنوية ففيما قدمناه كفاية وإن كان موجزا

ن كريما ويكفي برهانا على ذلك إعطاؤه عشرة آالف درهم وكا .لألشعث ابن قيس لما انتجعه حتى كانت سبب عزله

فقد كان يتبرك بشعره وال Bوكان حسن العقيدة بآثار رسول اهللا فتش عليها ) اليرموك (يزال حامال له في قلنسوته حتى أنها لما وقعت يوم

مشتبكة والرؤوس متطايرة ولم يطمئن إال بعد أن وجدها ألنه والسيوفيستنصر بها، ولما قسم الجيش مع المثنى بن حارثة ترك له أهل النجدة

.والبسالة وأخذ الصحابة الكرام يتبرك بهم

ووردت في فضله أحاديث كثيرة عقد البخاري في صحيحه فصال ورد في كنز العمال الكثير منها، ويكفي أن رسول اهللا خاصا لمناقبه وأ

.سماه سيف اهللا وقد سله اهللا على الكفار

-١٣٠-

ةـالمصلحة العام

فصلنا هذا الموضوع على حدة وإن كان من المناقب ألنه طابع خالد سالة الخاص وهي سر نجاحه في أعماله كافة وذلك ينشأ عن اإلخالص والب

وفقدان النفاق والجبن، فإن خالدا كان مشركا ودافع عن الشرك حسب طاقته أحد (كما فعل يوم (ويوم) في قلبه صار يدعو )األحزاب ولما وقع اإلسالم ،

مع صفوان أبي جهل وتفاوض عكرمة بن ه القريبعم ابن إليه فذاكر الناساحد منهما لكن هذا لم يفت من عضد عزمه، فعرض بن أمية فلم يوافقه وا

مل وهو ) أحد (اإلسالم على الموتور في أهله يومه غير مندوالزال جرح .عثمان بن طلحة العبدري حتى إذا أسلم هاجر معه كما تقدم

إن الذي يسلك الطريق الخطرة لهو في كل وقت قادر على اإلحجام انت غاية خالد شخصية لتفاوتت أعماله وفق تلك الغاية ولتطور عنها فلو ك

.حسب الظروف ولكنه كان سائرا مع المصلحة العامة لإلسالم حسب اجتهاده

فخالد من أعظم من فهم روح الدين اإلسالمي وقليل ما هم منذ بدء ولذلك قلما تجد . ال مسمىاإلسالم إلى عصرنا الحاضر الذي أصبح فيه اسما ب

فقيها فرق في األحكام بين المصلحة العامة وبين األمور الشخصية أو بين .الحرب وبين السلم، إال النادر أو في القول دون الفعل

أما خالد فليس كذلك فإنه إذا رأى خطرا أحاط بالمسلمين استعمل أقل إلشارة ولم يبال بسفك دم أو دماء إذا كان سفكها أمارة ولو كانت من طريق ا

يحقن دماء أكثر من دماء المسلمين أو يكون سببا لهداية آخرين كحادثة مالك بن نويرة وبني جذيمة، علما منه بأن المقتول إذا كان مظلوما فهو شهيد وال ا

-١٣١-

ية وخدمة األمة والدين، وأما إن شيء على القائد القاتل مادام رائده حسن الن .كان القتيل مستحقا للقتل فقد لقي جزاءه في دنياه وموعده الجحيم في عقباه

ة رأى خالد العرب تداهن الفرس والروم وتتفق معهم ضد األمة العربيال يجدي العتاب فلما رأى أن . ألستم عربا ؟ كما تقدم: اإلسالمية فعاتبهم بقوله

األنبار وعين [ نفعا نكل بهم وذبح من وقع بيده منهم أسيرا كما فعل في ، ألنه كان ]وقنسرين التمر ودومة الجندل والمصيخ والفراض واليرموك

يرى أن التصفية أحسن عالج إلظهار مجد األمة ونشر فضائلها فال يفتر عن ن ألمتهم ألنه يراهم عضوا فاسدا البد له من إجراء الفتك بالعرب المحاربي

.عملية البتر لتأمن بقية األعضاء من سريان الفساد إليها

وكان خالد يلين عند الحاجة كتأجيله طيئا وبجيلة، ويقسو عند المقتضى وكان صريحا في رأيه رأى . كسفكه دماء بني تميم وأسد بدون تأجيل

لم يأكله فلما عرف عدمB حابة تحجم عن أكل الضب ألن رسول اهللا الص، ونازع عمر في قضية الغسول Bالحرمة أكله على مائدة رسول اهللا

مرارا وبقي مصرا عليها، ومن المعلوم أن عمر ال يعارض في قضية واحدة .عدة مرات

حتفظ بحياته ويسعى جهده شأن القيادة أن يحرص عليها صاحبها فيأما خالد فقد شهد عمر أن غايته إذالل الشرك . إلرضاء الخليفة أو الملك

وأهله فكان يغامر ويخاطر بنفسه عندما يرى اإلقدام أمرا ضروريا ويقدم على المنفعة العامة وإن كان خالف مراد رغبة الخليفة فأضاع في سبيل ذلك قيادته

. العراق فالشامفيأرى أن ترجيح خالد للمصلحة العامة سبب نجاحه في الحروب كافة

صحيح مشروع من حديث عائشة قالت قال . وذلك حكم ومسلم روى البخاري

-١٣٢-

يغزو الكعبة جيش فإذا كانوا ببيداء من األرض يخسف «: Bرسول اهللا اهللا كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم قلت يا رسول «: قالت»بأولهم وآخرهم

.»يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم: أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال

إذا كان اهللا تعالى يهلك الجميع بسيئات فريق منهم وهو الذي ال تخفى لجميع ثم عليه خافية وقادر على تفريقهم وإهالك الظالمين وحدهم ولكنه يهلك ا

بعد الخسف والهالك يحشر كل واحد على نيته، فهل من لوم على خالد الحامل لعبء ثقيل والمكلف بمحاربة أمم كثيرة ذات بأس وشدة وليس لديه إال قوة ضئيلة نسبة لهم إذا قتل من يشتبه به وإن أظهر اإلسالم إذا كان يخشى

عونا للكافرين؟منه أن يكون

مما ال ريب فيه أن خالدا خشي من مالك بن نويرة ومن على شاكلته وأمارات تحصل منها القناعة التامة والتصديق النفساني ت لديه قرائنجدوو :وإن فقدت البينة بالنصاب المعروف بالحقوق الشخصية وأخذ بقول اهللا تعالى

}رلفلعن القوي لح عرفنهم ف فسفك دماءهم ثم يحشرون )١(}فتهم بسيماهم ولتوبذلك ترك بني حنيفة وحدهم وقهرهم فساقهم إلى طريق الهدى . على نياتهم

والرشاد بعدما أعلنوا الكفر وخذلوا عكرمة وشرحبيل ألن الذي أعان بني ضد عكرمة وشرحبيل يتأكد أنه إن وقع بيد خالد فارق حنيفة على المسلمين

رأسه جسده فانفردت حنيفة وحدها وإن تدويخ قبيلة واحدة على خالد والجيش .اإلسالمي أمر يسير جدا

فما فعله خالد من القتل ولو بعد أداء الشهادة وما أظهره من التنكيل القدور وحرق عصاة بني سليم بالنار لهو من والتشهير كوضع الرؤوس تحت

.٣٠ية اآل ،سورة الفتح) ١(

-١٣٣-

مقتضيات المصلحة العامة التي هي أعظم مطلب للدين اإلسالمي وإن أغفلها الذين لم يفهموا روح الدين ولم يكترثوا بلبابه وإنما وقفوا على قشوره فضيعوا

من قتلهم ولو عمرهم فيها وعلى رأي هؤالء يلزم أن يقاد من خالد قصاصا ع بعد إيقاعه ببني جذيمة ولكنه Bكان ما يقولون حقا لما أبقاه رسول اهللا

كما تقدم وغاية هذه ) تبوك (وإلى أكيدر في غزوة) العزى (أرسله بعدها لهدم ابن عمه علي بن أبي طالب فودى قتالهم Bالحادثة أن أرسل رسول اهللا

أن يصبر على Bوحاشا رسول اهللا . أن تشينحفظا لسمعة اإلسالم من أما أن خالدا ارتكب . الباطل أو أن يبقي مجرما قائدا له أميرا على جيشه

خالف األولى فهذا ال يعيب مجتهدا رأى الصواب في عمله فتبين بعد ذلك .خطؤه

ندوب إن كل محظور يمكن استثماره لمصلحة اإلسالم العامة لهو الم وشتمه ال يجوز ومن Bفعله إذا لم يكن واجبا محتما فإن سب رسول اهللا

ولكن ،عفى عنه وإن تاباألئمة قال ال ي ه، وبعضدم سفكجرأ عليه ي لنعيم بن مسعود الغطفاني لتفريق Bللمصلحة العامة أباحه رسول اهللا

قتل كعب األشرف، وأباحه أيضا لمسألة ال األحزاب ولمحمد بن مسلمة عندأسلم إخال فقهاء اليوم يجيزونها وذلك أن الحجاج بن عالط السلمي البهزي

) مكة ( فأذن له ألن أهلBفاستأذن رسول اهللا ) مكة (وكان له مال بـته ويزيد كانوا يومئذ كفارا محاربين والمال الذي يؤخذ من العدو يضعف قو

في قوة المسلمين وبذلك استخلص أمواله منهم ولو علموا بإسالمه أو اشتبهوا .به لكان ماله غنيمة باردة لهم

فخالد يرى من الدين سلوك كل سبيل يعز اإلسالم ويذل الشرك، ولهذا ه ألنه رآه كثيرا منع المددي اليماني إعطاءه سلب قتيل) مؤتة (فإنه في غزوة

-١٣٤-

فاستبقاه لبيت المال لحصوله من طريق المصادفة ال من باب المفاداة، وأما وغيرهما فقد أعطى األسالب وزاد أهل البسالة ) الثني والزميل (في حروب

.من الخمس تشجيعا لهمونجاح المسلمين متوقف على فهمهم أن أول واجبات الدين وأهمها

عي إلعالء كلمة اهللا واالجتهاد إلذالل الشرك وأهله وكل وسيلة تؤدي إلى السذلك فهي مشروعة وال عبرة بما يتمشدق به الذين ال يفرقون بين حق األمة

وبين الحق الشخصي أعمال خالد هذه قانونا أساسيا . العام فعسى أن تكونب خاصة، وعندئذ يسهل تحريرهم من ربقة الذل لسعي المسلمين عامة والعر

والمجد لهم ذلك العز والعبودية، فيعود.

ةـالوصي

بن قفها على الجهاد وجعل عمرأما وصيته المادية فهي أمواله التي والخطاب وصيا عليها فليست من األهمية على جانب عظيم، وأما وصيته

: بعضهاالمعنوية فإليك لما حضرت خالدا الوفاة قال لقد : روى ابن عبد البر في االستيعاب قال

شهدت مائة زحف أو زهاءها وما في جسدي موضع شبر إال وفيه ضربة أو فال نامت أعين ) الحمار (طعنة أو رمية ثم هاأنذا أموت كما يموت العير

.هـ.الجبناء اما من ليلة يهدى : يخه أن خالدا كان يقولوروى ابن عساكر في تار

إلي فيها عروس أنا لها محب وأبشر منها بغالم أحب إلي من ليلة شديدة .هـ.البرد، كثيرة الجليد في سرية أصبح فيها العدو، فعليكم بالجهاد ا

-١٣٥-

، هل يوم أراد ما أدري أي يومي أقر لعيني: وروى أيضا أن خالدا قال اهللا أن يهدي لي فيه الشهادة، أو يوم أراد اهللا أن يهدي لي فيه بركة؟

في اإلصابة، قال خالد حجر العسقالني لقد طلبت القتل في : وأورد ابنمظانه فلم يقدر لي إال أن أموت على فراشي، وما من عمل شيء أرجى

من ليلة بتها وأنا مترس والسماء تهمل مطرا إلى عندي بعد ال إله إال اهللاصبح حتى نغير على الكفار وإذا مت فانظروا سالحي وفرسي واجعلوهما

.هـ.عدة في سبيل اهللا ا

فتراه وهو على فراش الموت يحض المسلمين على الجهاد ويشوقهم بهذه . لك على الجهاد في سبيل اهللا تعالىإليه، وكان آخر عمله أن وقف كل ما يم

األعمال شادوا لإلسالم مجده الرفيع وأقاموا معالم الدين وحرروا األمة العربية .من رق استعباد الفرس والروم وأعلوا شأنها حتى أصبحت سيدة العالم أجمع

الساللة

ي يبقي أوالده تحت بعد وفاة خالد تزوج عمر بن الخطاب امرأته ككنفه حتى ال يضيعوا ألنهم تحت وصايته، وكان لخالد ولدان عبد الرحمن والمهاجر وسلوكهما مختلف، فعبد الرحمن أموي النزعة وهو أحد قادة معاوية

يوم ابن أبي سفيان) شرب وكان ) صفينالم هاشمي قائدا في ، والمهاجر) صفين (المؤمنين علي بن أبي طالب الذين عليهم المعول فيجيش أمير

وبعد ذلك عين معاوية عبد الرحمن قائدا للصائفة وكان محبوبا لدى . أيضاالشاميين حتى إنهم رشحوه لوالية العهد بعد معاوية فعزله ونصب مكانه

-١٣٦-

ابن أثال المسيحي طبيب معاوية ثم إن. سفيان بن عوف قائدا على الصائفةومات المهاجر أيضا . الخاص سقى عبد الرحمن السم فمات بدون عقب

أتدع ابن أثال : وخلف ولده خالدا كاسم جده فعيره عروة بن الزبير بقوله لهمسبل إزارك، وكان خالد ) مكة (وأنت في) الشام (يفني أوصال عمك بـ

غير، على مذهب أبيه المهاجر هاشمي النزعة إال أنه أخذته الغيرة الصمستترا ووقف بين ) دمشق(فاستعان بعبده نافع المعروف بالبسالة كسيده فجاء

الجامع ودار معاوية التي هي اآلن سوق الصاغة حتى مر به الطبيب ابن أثال ص منهم، ثم قبض عليه فسجنه معاوية ثم بناء فقتله، فهجم عليه الناس وتخل

على تدخل بني مخزوم أطلق سراحه وأخذ منه الدية اثني عشر ألفا نصف له ونصف لبيت المال، ألن ابن أثال ال وارث له وهو معاهد وبقيت عادة جارية

العزيز، وعاد خالد حتى أبطلها عمر بن عبد »يأخذ الملك نصف دية المعاهد«ولكن دار جده وضع يده عليها ابن عمه أيوب بن ) المدينة (بن المهاجر إلىا

: سلمة بن هشام بن المغيرة بصورة إرث، وبما أنه ابن عم فالقاعدة الشرعية، وهذا ما دعا ابن »أن ابن العم ال يرث إال بعد انقراض األبناء واألخوة«

الدمشقي أن يقول بانقراض ساللة خالد، ثم تبعه ابن األثير، عساكر .والقلقشندي وغيرهما

هـ في جريدة ١٣٤٩ ربيع الثاني ١٥وإني وإن كنت نشرت بتاريخ والعالمة النحرير اني المؤرخ الكبيردا تحلم األهرام المصرية هذا الرأي

طلب مني إبداء رأيي في القضية فقد ختمته بما الشيخ عبد الوهاب النجار ويفيد الشك فيه نظرا ألن خالد بن المهاجر عدو األمويين إرثا عن والده فكنت أحمل إرث أيوب بن سلمة الدار على طريق غير شرعي ألن الدار وقف ال

أن يقال أن تورث وابن عساكر نفسه نقل هذا القول إال أنه لما كان يجوز

-١٣٧-

المقصد من اإلرث هو الوصاية عليها أو نحو ذلك وهذا يفيد االنقراض لم أشأ التصريح عن رأيي الحقيقي ببطالن ما نقله ابن عساكر حتى صادفت ذيول تذكرة الحفاظ التي طبعها األستاذ حسام الدين القدسي الدمشقي وفيها لحظ

في ٢٥٣في صحيفة هجرية فإنه ٨٧١لمكي المتوفى سنة األلحاظ البن فهد ا :ترجمة شيخ اإلسالم ابن ظهيرة المخزومي قال ما يلي

محمد بن عبد اهللا بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة بن مرزوق بن راجح بن سليمان بن هاشم بن حزام بن علي بن عليان ابن محمد بن علي

بن عبد الرحمن بن حرب بن إدريس بن جعفر بن هاشم بن القاسم بن الوليد ااهللا بن الحارث بن عبد اهللا بن الوليد بن الوليد بن المغيرة بن جندب بن عبدا

هجرية وتوفي ٧٥١مولده ليلة عيد الفطر سنة - إلى أن قال - المخزوميولم يخلف بها بعده ) مكة المشرفة (رية في هج٨١٧ شعبان سنة ١٦ليلة الجمعة

.هـ.مثله ا

أما في العصر األموي فإن أخا خالد هشام بن الوليد الذي أسلم يوم فتحمن قبل عبد الملك بن مروان وخال ابنه ) المدينة (له ساللة منهم عامل) مكة(

ل بن هشام بن الوليد بن المغيرة هشام بن عبد الملك وهو هشام بن إسماعي :المخزومي الممدوح من قبل الفرزدق بقوله

وما مثله فـي النـاس إال مملكـا

ــه ــه حــي أبــوه يقارب أبــو أم

أي أن هشاما المخزومي ليس له من يعادله سوى ابن أخته هشام بن عبد الملك األموي.

ية خالد مبنية على أن أيوب بن سلمة بن وحيث إن دعوى انقراض ذرهشام ورث الدار وهو ابن عم وال يخفى أن الوليد وهشاما أخوي خالد لهما

-١٣٨-

عقب فإن ابن ظهيرة لم يعارض أحد من المؤرخين وأصحاب التراجم في بن هشام بن انتسابه إلى الوليد بن الوليد أخي خالد ونسبة هشام بن إسماعيل

والقاعدة في الشرع اإلسالمي عند جميع المذاهب على . الوليد ال نزاع فيهاأن ابن العم مع األخ وابن األخ محجوب ال يرث أصال : اختالفها وتباينها

البعيد العم ابن بيحج القريب العم وأن ابن . فقد دلنا هذا على أن الحكمباإلرث أليوب ذرية خالد غير عنه وهو انقراض صحيح فما نجم غير

.صحيحولربما أن الدار أخذت قهرا من آل خالد بعد قتل حفيده خالد الثاني البن أثال طبيب الملك الخاص وكان قتله هذا مثيرا لذكريات صفين وقد كان

الدولة في أيام الملك والده قائدا فيها ضد معاوية وإن شخصا يعاديالدولة العضوض ويحاربها في أهم الوقائع التي كادت تقضي على حياة تلك

وبعد انتهاء الحرب يقتل أحد اخصاء الملك الذي حاربه يجوزـه تلك الدولة من كل شيء وأقل ذلك حرمانه من - وهو الراجحأن تجرد

أمالكه وسائر مقتنياته، وقد وقع في عصرنا هذا وفي اإلرث مع مصادرة عامنا هذا أن أحد الملوك الشرقيين نقم على ابن عمه ألنه انتصر للشعب فجرده من لقبه وأخرجه من األسرة المالكة وحرمه من كل مميزاتها

.وعالقاتها الوليد باطلة ومردودة فإذا ال نشك بأن دعوى انقراض ذرية خالد بن

بالدليل الواضح الستنادها على إرث غير شرعي وإنما هو تغلب أو تسليط من عقبة الدولة األموية يومئذ على ساللة خالد ولم يبق أمام المنتسبين إلى خالد وأن تمنعهم من دعوى االنتساب، والسيما أن الناس مأمونون على أنسابهم،

-١٣٩-

منتسبين إلى خالد هم ألوف مؤلفة في أقطار متعددة فال يعقل تواطؤ هؤالء الكلهم على االنتماء إلى شخص ال وجود لذريته ألنهم يزيدون على مقدار التواتر الذي يرجح ولو كان نفيا ال تقام ضده بينة، وألن االنتساب إلى خالد

. وأن التواتر من األسباب الموجبة للعلمخال من مطامع دنيوية خصوصا

-١٤٠-

وفاته وحمل دفنه

توفي خالد في السنة الحادية والعشرين من الهجرة أي بعد طاعون عمواس الذي توفي فيه أبو عبيدة، ولكن الشهر الذي توفي فيه غير معلوم،

ع عمر بن الخطاب من عند رجو: وإنما قصارى ما تفيده بعض الروايات أنهم. الحجعادة في المحر بالمدينة"واختلفوا في محل دفنه فقيل . وذلك يكون "

معروف »بحمص«وقيل . وهو الصواب من البالد الشامية وله هناك قبر ومقام مشهور، ولكن هذا قبر العالمة الكيمائي خالد بن يزيد بن معاوية وقد

ى العامة من حيث اتفاق االسم على بعض الخاصة الذين يجرفهم التبس علفي مسالك األبصار. التيار قال ابن فضل العمري:

وإنما هو خالد بن . وال يصح»حمص«إنه خارج : خالد بن الوليد، يقالفإن عمر بن الخطاب كان قد عزل خالدا عن . يزيد بن معاوية بقول جزم

»ه إلى »حمصهـ.ا - ووجد عليه بعد موته»المدينة« وأشخص.

وأما ابن عساكر الدمشقي فنقل القولين ، ومثله النووي الشامي في ، وأما الحافظ ابن حجر العسقالني في »حمصا« ورجح »تهذيب األسماء« والقول »ينةالمد« والراجح أنه في »حمص«األكثرون في : فقال»اإلصابة«

يستند على قول أبي زرعة الدمشقي الحمصي وحده »حمص«بوفاة خالد في وتبعه من بعده والسيما الشاميين منهم، والتحقيق العلمي يدل على أنه توفي

-١٤١-

وهو المعقول ألن عمر بعدما عزله ال يمكن أن يتركه »المدينة المنورة«في وذلك شأنه مع جميع قادة األمة ووجهائها وإنما أوردنا قول »ةالمدين«في غير

»زافا »حمصالحقيقة أنا نرمي القول ج طالب ألجل أمانة النقل ولكي ال يظن .من غير مستند

رحم : وروى ابن عبد البر في االستيعاب وابن عساكر أن عمر، قالفي ترجمة لبابة " اإلصابة"وقال في . ما ظننا بهاهللا أبا سليمان كان على غير

. »المدينة«الصغرى من رواية سيف بن عمر بعد ذكر عزل خالد وإقامته في فلما رأى عمر أنه زال ما كان يخشاه من افتتان الناس به عزم على : ثم قال

تسقى خارجا أن يوليه بعد أن يرجع من الحج فخرج معه خالد بن الوليد فاس »المدينة«فقدمت به أمه . احدروني إلى مهاجري: فقال»المدينة«من

ما الخبر؟ : ومرضته حتى ثقل فلقي عمر الق وهو راجع من الحج فقال لهخالد للذي به، فطوى عمر ثالثا في ليلة واحدة فأدركه حين قضى فرق : فقال

: عساكر تمثل عمر بقول القائلعليه واسترجع، ورواية ابن أتبكي مـا وصـلت بـه النـدامى

ــال ــوارس كالجب ــي ف وال تبك

ــدا ــد فق ــت أش ــك إن بكي أولئ

مــن األدهــان والعكــر الحــالل ــداهم ــوم م ــدهم ق ــى بع تمن

ــال ــباب الكم ــدنوا ألس ــم ي فل

:ولما خرجت جنازته ندبته أمه بقولها . ألف ألف من الناس إذا ما كبت وجوه الرجالأنت خير منعن : وفي رواية. صدقت واهللا إنه لكذلك: فقال عمر هل قامت النساء

.مثل خالد؟

-١٤٢-

-١٤٣-

N

وعــاملوض الصفحة وعــاملوض الصفحة

ومسيلمة الكذاب) اليمامة(حروب ٦١ المقدمة ١٣

سير خالد إلى العراق ٨١ نسب خالد وأسرته ١٥

بانقيا ٨٢ والدة خالد ١٩

ذات السالسل ٨٣ خالد قبل اإلسالم ٢٠

المذار أو الثني ٨٤ إسالمه ٢٣

الولجة ٨٥٢٤

حروب خالد في اإلسالم اليس ٨٧ غزوة مؤتة وتوابعها

امغيشيا ٨٨ فتح مكة ٢٩

يوم المقر وفم الفرات ٨٩ وقعة بني جذيمة ٣٢

الحيرة ٩٠ هدم العزي ٣٥

ما بعد الحيرة ٩٥ ة حنينغزو ٣٧

األنبار ٩٧ غزوة تبوك ٣٩

عين التمر ١٠٠ سفر خالد إلى اليمن ٤٣

دومة الجندل ١٠٣ حجة الوداع ٤٦

الحصيد والخنافس ١٠٤ حروب الردة ٤٧

مصيخ بني الرشاء ١٠٥ طليحة األسدي ٤٨

الثني والزميل ١٠٧ بنو تميم ومقتل مالك بن نويرة ٥٤

-١٤٤-

وعــاملوض الصفحة عوــاملوض الصفحة

أسباب العزل ١٢٣ الفراض ١٠٨

ندامة عمر وثناؤه على خالد ١٢٦ حجة خالد ١٠٩

رواية خالد للحديث وسائر مناقبه ١٢٨ السفر إلى الشام ١١٠

المصلحة العامة ١٣٠ اليرموك ١١١

الوصية ١٣٤ أجنادين ١١٦

الساللة ١٣٥ فتح دمشق ١١٧

ته ومحل دفنهوفا ١٤٠ قنسرين والحاضر ١٢٠

المحتويات ١٤٣ ستانةغزوة اآل ١٢١ عزله ومقاسمته ١٢٢

م٢٠١٣/ الثانيةالطبعة نسخة١٠٠٠عدد الطبع