الثينيةالرسالة الث في التحذير

من الغلـو فـي التـكفير أو

رسالة الجفر" في أن الغلو في التكفير يودي إلى الكفر"

للشيخ محمد عاصم المقدسي يأب

منبر التوحيد والجهاد* * *

http: //www. tawhed. ws

http: //www. almaqdese. net

http: //www. alsunnah. info

http: //www. abu-qatada. com http: //www. mtj. tw

(1) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

)) يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي اهلل بقوم يحبهم فرين يجاهدون في سبيل اهلل وال يخافون ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكا

لومة الئم ذلك فضل اهلل يؤتيه من يشاء واهلل واسع عليم (( (54المائدة )

-تنويه -ومن املرجئة .. أعلم جيدا أن ممن سيطلع على كتايب هذا ، من الطواغيت وأذناهبم

وهذا ال يزعجين .. يفرح به للوهلة األوىل ، ظانا أنه من بضاعتهم املزجاةوأفراخهم ، من قد ألنين أوقن أنه ومبجرد أن يطالع أي منهم ، بعض ورقات منه ، سيعرف فورا أنين مل .. حبال

.. اكتبه لسواد عيون أمثاهلم .. فما كنت ألقر أعينهم بشيء مما أكتب يوما من األيام

.. أحبة ، وإشفاقا على آخرين وإمنا كتبته نصحا ألخوة .. ودفعا عن دين عظيم.. وحرصا على جناب دعوة غالية

.. فهو ملن طالعه من هؤالء ، مترة األحباب .. وملن تفحصه من أولئك حنظلة العدا

.. فأسأل اهلل تعاىل القبول أبو حممد

(2) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

مقدمة بسم اهلل الرحمن الرحيم وهو حسبي ونعم الوكيل

.. احلمد هلل رب العاملني والعاقبة للمتقني وال عدوان إال على الظاملنيوأشهد ان ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ، كلمة قامت هبا األرض والسموات ،

ا سبحانه حقه على العباد ، ولذا جردت وجعلها اهلل عروة وثقى علق هبا النجاة ، إذ ضمنهألجلها سيوف اجلهاد وشرع القتال واالستشهاد ، وهي فطرة اهلل اليت فطر الناس عليها ، ومفتاح العصمة اليت دعا األمم على ألسنة رسله إليها ، وقطب رحى دين اإلسالم ،

. ومفتاح دار السالمة للعاملني ، وقدوة للعاملني ، وأشهد ان حممدا عبده ورسوله ، أرسله سبحانه رمح

وحمجة للسالكني ، وحجة على املعاندين، فصل اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله . وأصحابه أمجعني

.. وبعدفاعلم حفظنا اهلل تعاىل وإياك ، من مهاوي اإلفراط والتفريط ، ومن مزالق الغلو

وذكروا يل ما (1)فر الصحراوي والتقصري أنه قد زارين بعض األخوة األفاضل يف معتقل اجليتهمنا به أذناب النظام من تكفري الناس بالعموم ، وأنه قد اغرت بذلك بعض السماعني هلم

.. ممن ال ميلكون فرقانا بني احلق والباطل ، وبني الغث والسمنيفقلت يومها ألولئك االخوة على شبك الزيارة ومل يكن يومها عليه غريي ، وعساكر

) إن هذه الفرية اليت : اطه يستمعون ، وأنا أرفع صويت إرادة إمساعهم ما جمملهالسجن وضبينشرها هؤالء ما هي إال عالمة من عالمات إفالس النظام واهنزامه أمام هذه الدعوة املباركة ، إذ ال يصري اخلصم إىل الكذب واالفرتاء إال عند اندحاره وإفالسه من احلجج والرباهني ،

ر إال من كفره اهلل تبارك وتعاىل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم ، وال نتكلم يف فنحن ال نكفكتاباتنا وخطاباتنا ودروسنا وال ندندن إال حول كفر عبيد القانون الوضعي وأوليائه وأنصاره

هـ 1372دم سجون األردن ، أسس يف عهد الربيطانيني سنة سجن اجلفر: معتقل صحرواي ، من أق (1)كم( نقلنا إليه 60كم( جنوب عمان ، وأقرب مدن األردن إليه معان )300م(. ويبعد قرابة )1952)

هـ ، ومت التضييق علينا وتشديد اإلجراءات فيه ، بعد ان عاين 1419يف أواخر شهر ربيع ثاين سنة ة عرب أسوار السجون األخرى. النظام نفاذ دعوة التوحيد بقو

(3) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

، ممن يشرعونه أو حيرسونه وينصرونه ، حنذر من ذلك وندعو الناس إىل الرباءة منه والكفر اب عبادهتم ونصرهتم ، وقد بينا ذلك يف كتاباتنا اليت نبذهلا لكل أحد ، وقد بطواغيته واجتن

أوصلناها للنظام وحماكمه وعساكره ونوابه ، وكشفنا فيها زيف وزور قوانينهم وتشريعاهتم ، وما حتويه من كفر بواح وشرك صراح ، ومن ذلك كتابنا " كشف النقاب عن شريعة الغاب

الدولة وقضاهتا إىل شرع اهلل " وغريه مما كتبناه يف السجن أو " و " حماكمة حمكمة أمنخارجه ، عرينا فيه قوانينهم ، وكشفنا النقاب عن وجهها الدميم ، وأظهرنا قبحها ونتنتها

بذلك .. بفضل اهلل تعاىل وتوفيقه وحده.. وقد واجهناهم.. ومناقضتها لشريعة اهلل املطهرة كل مقام ، وصرحنا وصدعنا به بني ظهرانيهم ، ويف يف كل حمفل ، ويف كل مناسبة ويف . سجوهنم ، وهززنا به أركان حماكمهم

فلما صدموا بقوة حجتنا ، وأجلموا بظهور دعوتنا املباركة والتفاف الشباب حوهلا ، وعجزوا عن ردها وإطفاء نورها ، ألهنا دعوة ربانية ترتكز على نور الوحي ، وتستند إىل

حادوا إىل الكذب واالفرتاء ، وسعوا يف حماولة تشويهها يف أعني الناس مشكاة النبوة ، لعلهم أن يظفروا عن طريق الكذب واالفرتاء ، والزور والبهتان ، مبا عجزوا عنه .. وأمساعهم

( .. من طريق احلجة والربهانوملا مل يقدروا على ترقيع كفرهم الذي اتسع خرقه على الراقع ، وعجزوا عن إثبات

المهم املدعى ، إال من طريق أوراقهم الثبوتية املزيفة ، ووثائقهم وأمسائهم املزخرفة ؛ إسوهو ما يعلم القريب والبعيد أنا منه برءاؤا .. حتولوا إىل اهتامنا بتكفري الناس أمجعني بالعموم

ني ، وهبتونا ومسونا بأمساء ميقتها ويكرهها وينفر منها أهل اإلسالم ، كاخلوارج والتكفرييوذلك كي ينفروا الناس عن دعوتنا ، ويرهبوهم من الكفر .. واإلرهابيني واملتطرفني ، وحنوه

.. هبم ، ويصدوهم عن الرباءة منهم ومن قوانينهم الكفرية ومناهجهم الشركيةوشاركهم يف ذلك ، وطبل وزمر هلم أقوام غصت حلوقهم هبذه الدعوة الطيبة ،

إيناع مثرهتا ، والتفاف الشاب حوهلا يف مدة وجيزة ؛ وضاقت صدورهم من ظهور زهرهتا و .. إذ هي دعوة ربانية مباركة ، تطمئن إليها القلوب السليمة ، وتسلم هلا الفطر املستقيمة

وأعاهنم على ذلك الطغيان والبهتان مشايخ ضالل ، وكتاب جهال ، انتسب ائفهم وأوراقهم بالتحذير من بعضهم إىل طريقة السلف زورا وهبتانا ، فسودوا وجوههم وصح

مع أن من التكفري ما هو حكم شرعي صحيح ، –هكذا بالعموم دون تفصيل –التكفري .. له أسبابه الشرعية وآثاره اليت ترتتب عليه

وشنوا فيها الغارة على أصحاب دعوة التوحيد ، بالكذب والبهتان ، واالفرتاء يف أعراضهم مسوم ألسنتهم وأحقادهم ، حسدا والروغان ، أعملوا فيهم أقالمهم، وأفرغوا

(4) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وبغيا ، يف الوقت الذي سخروا فيه تلك الكتابات للدفع عن أهل الكفر والطغيان من كفرة احلكام ، فصدقت فيهم هم ، صفة اخلوارج البارزة يف إغارهتم على أهل اإلسالم وتركهم

.. ألهل األوثانطة ، والتزلف إليها ؛ لعلهم يظفرون ببعض وسار يف ركاهبم أقوام راموا التملق للسل

فانطلقوا حيذرون من خطر هذه الدعوة الداهم ، ويقرتحون .. رضاهم ، أو فتاهتم وعطاياهمظانني من فرط جهلهم أهنم (2).. على النظام احللول ، يدلونه فيها على كيفية التصدي هلا

روا اهنم بذلك وامهني ، ألهنم وما د.. يقدرون بذلك على إطفاء نورها ، أو إمخاد وهجهايريدون أن يطفئوا نور اهلل )) : يرومون حماال بيـنه اهلل تبارك وتعاىل يف كتابه حيث قال

(( بل يسعون بذلك يف إهالك بأفواههم * ويأبى اهلل إال أن يتم نوره ولو كره الكافرونيهلكون إال وهم ينهون عنه وينئون عنه وإن)) : أنفسهم كما قال سبحانه وتعاىل

. ((أنفسهم وما يشعرونورمبا استغل هؤالء وأولئك زالت بعض الشباب ، أو اطالقات بعض املبتدئني ، أو املتحمسني الذين ال ختلوا منهم دعوة أو مجاعة ، تلك اإلطالقات اليت تزول غالبا بطلب

الشروط واملوانع العلم الشرعي ، والنظر يف كالم العلماء ، وضبط األصول ومعرفة القواعد و ألداهن يف شيء –والعدو قبل الصديق يعرف هذا –ومع هذا ، فلم اكن يوما من األيام

من تلك األخطاء ، أو أقر شيئا من تلكم اإلطالقات ، ال أنا وال غريي من الغيورين من .. اخوة التوحيد

وقد تصديت ألشياء من ذلك داخل السجن وخارجه ، ويف بلدان عدة ، وأوقاتوقد تنوع .. فتجمعت لدي من ذلك جتارب أودعت خالصتها يف هذه األوراق.. خمتلفة

ذلك حبسب ما كان حيتاجه املقام ، فتارة كنت أتصدى لذلك بالنصح ، والوعظ والتذكري .. ، وتارة كان ذلك باملناظرة واجلدال ، وأحيانا بالكتابة أو اخلطابة

رع ، وأقاويل أهل السنة واجلماعة ، وكنت أبني جهدي يف ذلك كله ؛ أدلة الشومباينة تلك األخطاء واإلطالقات هلا ، نصحا هلل تعاىل وكتابه ، ولسنة رسوله صلى اهلل

مع انه ليس له أي خلفية يف العمل –ومن هؤالء سجني جاهلي زجت به السلطة بني اإلسالميني (2)

يف –اجتهد وسعه يف مناصحة النظام وداللته على اجنع الوسائل اليت متكنها –اإلسالمي والدعوة إليه نا يف سجن البلقاء ، مث كان من إحسانه الظن من التصدي خلطر هذه الدعوة ، وذلك عندما ك –ظنه

بالنظام بعد إعالنه الرباءة منا ومن عقيدتنا على صفحات جريدة بعثية ، أن توقع عدم نقله إىل معتقل ظانني أن براءهتم منا ومن دعوتنا –وكذا ظن بعض من كانوا يطعنون يف دعوتنا –اجلفر الصحرواي

ن هذا النقل التعسفي إمنا هو عقوبة تأديبية للتكفرييني !! فقط ، ستشفع هلم عند النظام ، وزعموا أ فخاب ظنهم ، وكانوا يف عداد املنقولني ، ومل تغن عنهم مداهنتهم شيئا.

(5) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

عليه وسلم ، ولعامة املسلمني وخاصتهم ، وحرصا على هذه الدعوة الغالية من أن تشوهبا تطاول بعض اجلهال أو شائبة ، ولذلك فإين أحتسب عند اهلل ما لقيته يف سبيل ذلك من

. بعض أصحاب احلماس األجوف ، لعدم متابعيت وإقراري ملا تستحسنه عقوهلم من ذلكفذلك خري يل من إقرار أحد .. أو لوقويف يف وجه تلك األخطاء واإلطالقات واملمارسات

على اخلطأ أو الغلو أو اإلفراط الذي قد يشوه هذه الدعوة املباركة ، أو يسوغ ألعدائها بني الراسخني فيها وبني املبتدئني ، وال –ألهنم ال يعرفون اإلنصاف –ذين ال يفرقون ال

ويكون مربرا هلم .. بني القائمني هبا املتحملني لتكاليفها ، وبني املدعني وصلها من األدعياءوذريعة عندهم لرميها ووصفها بالغلو والتكفري ، أو أهنا كما يزعمون ؛ من إفرازات القهر

اليت يلبسون هبا أمر . فقر واألفكار السجونية ، وحنو ذلك من دعاويهم الفارغة املتهافتهوال . هذه الدعوة على الناس وينفروهنم بذلك عنها

وليس مهي هنا الدفع عن نفسي ، فيشفيين يف ذلك ويكفيين ، قوله تبارك و تعاىل (( فما ذلك إال بعض ورإن اهلل يدافع عن الذين آمنوا إن اهلل ال يحب كل خوان كف))

تكاليف هذه الطريق ، وقد وطنا النفس عليها ، وواسيناها مبا طال من هم خري منا، فما من –إن كانوا صادقني –من نيب إال وقد أوذي يف نفسه أو عرضه ، وال بد لورثتهم

.. نصيب من تبعات ذلك املرياثوتعدى علي متأوال ، فما ولذلك فإين يف سعة صدر لكل من خالفين أو نال مين

.. داموا من أنصار هذه الدعوة ، ال تثريب عليهم ، يغفر اهلل يل وهلم وهو أرحم الرمحنيوأصرح هبذا هنا إغاظة ألعداء اهلل وخصوم هذه الدعوة الذين يسعون دوما الستغالل بعض

. (3).. ذلك لإليضاع بني الصفوفس يف حل من ذلك يف شيء ، بل اهلل أما من كان من خصوم دعوة التوحيد ، فلي

.. حسيبه وإليه وحده أرفع شكاييتوعلى كل حال فليس للدفع عن شخصي وضعت هذه األوراق ، بل كتبتها دفعا عن دعوة غالية ، وحفاظا على جناب دين عظيم ، وأسأل اهلل تبارك وتعاىل أن يشغلين ما

ذرييت فيه ، وأن ال يشغلنا بالدفع عن تبقى من العمر بذلك ويتقبله مين ويستعملين و ولكن ما جيب أن يتنبه إليه أولئك املنتسبني .. أشخاصنا أو حنو ذلك من سفاسف األمور

أو ضاقت عن . لدعوة التوحيد ممن يشغبون على إخواهنم ألمور مل تنسجم مع تعنتهم

كما فد جرى معي ومع غريي مرارا ، حني كان أعداء اهلل ينقلون لنا ، بعض شغب إخواننا علينا ، (3)

او يكون مدعاة للرباءة منهم ، أو الطعن هبم ، وقد كنا بفضل اهلل ظانني أن مثل ذلك قد ينطلي علينا ، نسمعهم ردا على ذلك من الثناء على إخواننا ما مييتهم غيظا.

(6) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

طوا الدعوة استيعاهبا عقوهلم ، أن أعداء اهلل وأعداء هذه الدعوة لفرط جهلهم قد رببأشخاص محلتها ، حىت إهنم لسفههم يظنون وحيلمون بأهنا ستزول وتنتهي بسجننا أو بزوال أشخاصنا ، إذ هم كما مسعناهم ومسعهم غرينا يزعمون أننا أول من أدخل هذه

إىل هذه البالد ، كذا . تكفريهم هم: الدعوة ، أو كما يسمونه ) فكر التكفري ( ، أيعه حنن يوما ، فلهذه الدعوة من األنصار ، ممن سبقونا باإلميان ونصرة زعموا هم ، ومل ند

ربنا اغفر لنا وإلخواننا الذين سبقونا باإليمان وال الدين من هم خري منا بأضعاف )) (( لكن ذلك زعم أعداء اهلل ، تجعل في قلوبنا غال للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم

هو ما قلته مرارا –تذكري الشباب به ، واحلال كذلك وخصوم هذه الدعوة ، فالذي أريد ان شغبهم علينا ، وطعنهم فينا ، إن كان سيحسب على أشخاصنا وينحصر –لبعضهم

فيها ، ولن يتعداها ليحمل على انه براءة وطعن مبا حنمله من دعوة التوحيد وعداوة للشرك نعم الوكيل ، أما إن كان ذلك والتنديد ، فليشغبوا علينا ما بدا هلم ، فاهلل حسبنا و

سيحسب عند من ال يفرقون بني الدعوة وأشخاص محلتها ، على أنه طعن يف هذه الدعوة .. املباركة وبراءة منها ، فحذار مث حذار

أضف إىل ذلك أن عداوتنا وخصومتنا أمست اليوم كما ال خيفى على أحد ، فكم قد رأيت من .. األوراق تستجلب رضى أعداء اهلل وتقرب منهم ، فحذار من خلط

فهذا .. ضعاف اإلميان ، من يدفع سخطهم ويستجلب رضاهم بالرباءة منا والطعن فيناحمذور آخر جيب حماذرته ، وهو اسرتضاء أعداء اهلل والتقرب والتودد إليهم بعداوة املوحدين

قصرت مهته وحسب من .. ، فإن اهلل تبارك وتعاىل يعلم خائنة األعني وما ختفي الصدورعن اللحاق هبذه الطائفة القائمة بنصرة هذا الدين ، وجنب عن التحيز إليهم ونصرهتم ولو

.. أو إظهار عداوهتم وليدع القافلة تسري –بالدعاء ، أن يكف عن التخذيل عن سبيلهم هذا وأنا اعلم أنين قد استطردت أحيانا يف إنكار بعض األخطاء والتشديد

صحاهبا ، وما ذلك إال خلطورة تلك األخطاء، وشناعة وقبح آثارها ، األمر واإلغالظ على أالذي يدعو يف بعض األحيان إىل شيء من الشدة أو احلزم يف إنكارها ، تلك الشدة اليت

.. ال تدعونا حبال إىل تعدي حدود اهلل يف أحد من املسلمني أو إىل الرباءة املطلقة منهميف الرباءة من أخطائهم واحنرفاهتم ، وال نتحرج يف ذلك وإن وإن كنا ال نداهن أو نرتدد

أنكره من أنكره علينا ، وكيف نتحرج منه وقد أمر اهلل تبارك وتعاىل به قدوتنا و أسوتنا واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين * فإن )) : صلوات اهلل وسالمه عليه فقال

األمر اإلهلي بني رمحة املسلمني اليت (( فجمع يف هذا عصوك فقل إني بريء مما تعملونمنها احلفاظ على حقوقهم وعدم ظلمهم أو التعدي عليهم ، وبني احلزم يف الرباءة من

ويبقى احلق واحلفاظ على وجه هذه . أخطائهم كي ال حتسب على الدين أو تنسب إليه

(7) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

عندنا من الدعوة املشرق ، وجناب هذا التوحيد العظيم أهم عند تعارض املصاحل ، وأعزوكم أغضب وأسخط استصحايب هلذه القاعدة يف حلي وترحايل كثريا من .. اخللق أمجعني

: املقربني ، حىت قلت وإن يكن الرمحن ليس بساخط فلست بسخط العاملني أبايل

وعلى كل حال فالشدة إن قصد هبا ردع الزائغ عن زيغه ، ورد املنحرف عن احنرافه ، ايته إىل اجلادة واملنهاج ؛ حممودة يف مثل هذه املقام ، وهي كما ذكر شيخ اإلسالم من وهد

) مصاحل املؤمنني اليت يصلح اهلل هبا بعضهم ببعض ، فإن املؤمن للمؤمن كاليدين ، تغسل إحدامها األخرى ، وقد ال ينقلع الوسخ إال بنوع من اخلشونة ، لكن ذلك يوجب من

وهي من جنس الدواء املر الذي يصرب (4)حنمد معه ذلك التخشني ( النظافة والنعومة ماوقد قيل ) من بصرك فقد .. املريض على مرارته ويتحملها ويتجرعه ملا يرجتي من فائدة

فقد نصح وزين ، –وإن شدد –نصرك ، ومن وعظك فقد أيقظك ، ومن أوضح وبني ) الذي يبكيك ويبكي : يقولون والعامة عندنا.. ومن حذر وبصر ، فقد أعذر وما قصر (

فهذا النوع من الشدة والتخشني حممود .. عليك، خري ممن يضحكك ويضحك عليك (ألن الغاية منه إصالح املسلمني ، وبيان احلق هلم وحتذيرهم من مواضع الزلل ، دون ان

ويل يكون يف ذلك إهدار حلقوقهم اإلسالمية ، أو بغي أو تعد وظلم أو أخذ بالظنة او تقهلم ما مل يقولوه ، كما يفعل من يرقع ذلك بدعوى اإلغالظ على العصاة ، أو زجرهم ،

أضف إىل ذلك .. وحنو ذلك من الدعاوى ، اليت ال يقفون هبا عند حدود اهلل تبارك وتعاىلمل نذكر أمساء يف شيء من أخطاء التكفري اليت شددنا النكري –كما سريى القارئ –أننا

غريها ، وال تعرضنا ألفراد معينني أو لتجمعات حمددة ، إذ هذه األوراق فيها ، وال يف .. ليست موجهة إىل أفراد خمصوصني ، بل الغاية منها النصح والنفع العام

أن الشباب املنتسبني إىل دعوة التوحيد . ومع هذا فقد بينت يف طيات هذه األوراق -فهم مع ذلك خري قطعا -ات إن وجد عند بعضهم شيء من هذه الزالت والعثر –

من خصوم هذه الدعوة –بتوحيدهم الذي حيملونه ، وبراءهتم من الشرك اليت يعلنوهنا وشانئيها ، الذين ال يستحيون يف كثري من األحيان من إعالن الرباءة من دعوة التوحيد

حلكم ، وأهلها ، يف الوقت الذي يسخرون أعمارهم وما يكتبون يف الدفع عن طواغيت اوالصد عن تكفريهم ، وهذا ال مياحك فيه إال مكابر ، إذ الشاهد الصارخ على ذلك ،

.. كتبهم املطبوعة واملنشورة اليت توزع باجملان غالبا

(28/34جمموع الفتاوى ) ط. دار ابن حزم ( ) (4)

(8) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فمن الظلم واحليف والتطفيف مساواة جرائم هؤالء ، اليت مبعثها غالبا الشهوة مانيها ؛ بعثرات أولئك الشباب اليت والدنيا والتقرب إىل السالطني وضمان سالمة النفس وأ

فزالت أولئك .. مبعثها غالبا الغرية على الدين، ونصرته والغضب حلرماته ومراغمة أعدائهمهما شددنا يف إنكارها حرصا على هذه –إن وجدت –الشباب املنتسبني لدعوة التوحيد

(5).. الدعوة املباركة وأهلها ، ال تبلغ حبال مبلغ احنرافات هؤالءوهي مغمورة يف جنب التوحيد العظيم الذي حيملونه ، ويبذلون مهجهم وأعمارهم يف الدعوة إليه ، ويتحملون أصناف األذى يف سبيل رفعته ونصرته ، فهو العروة الوثقى اليت

ل الدين ميز اهلل هبا اخلبيث من الطيب ، وفرق هبا بني أوليائه وأولياء الطاغوت ، وهو أصالذي علق اهلل به النجاة ، وحق اهلل على العباد ، الذي تطيش كفته بعشرات السجالت من األخطاء واخلطايا ، وحترق أنواره مجيع الزالت والعثرات ما دامت دون الشرك الذي

.. حيبط األعمال .. مث أما بعد

ملوحدين أنصار فقد أردت هبذه الورقات أن أبني للسائل وغريه ، براءيت وإخواين ا . هذه الدعوة املباركة يف كل مكان ؛ من هتمة الغلو يف التكفري

وهي فرصة أن أحذر منه الشباب املتحمسني املبتدئني يف هذا الطريق ، ممن مل تثبت وذلك .. بعد قدمهم يف طلب العلم ، والتبصر يف الدعوة ، وضبط املسائل ومعرفة القواعد

وإظهارا هلذه الدعوة الغالية بوجهها احلقيقي املشرق .. منينصحا لدين اهلل وعموم املسل .. املبارك ، فأسأله تعاىل أن يتقبل ذلك مين ، وأن يعم نفعه يف املسلمني

: وقد ضمنتها هذه املقدمة -وفصال يف التحذير من الغلو يف التكفري ؛ وفيه إشارة إىل أن تكفري الطواغيت -1

.. وأنصارهم ليس من ذلك . ؛ تعليما للشباب وضبطا للمسائل شروط وموانع وأسباب التكفريوآخر يف -2وثالثا يف التحذير من أخطاء شائعة أو شنيعة يف التكفري ؛ وهو تطبيق عملي -3

. مهم للفصل الذي قبله

ولذلك قد نسمي هؤالء حتذيرا منهم ، خصوصا إذا كانوا من رؤوس الضاللة ، خبالف أولئك (5) بني إىل دعوة التوحيد كما أسلفنا فهم املعنيون باإلشارة املتقدمة ، ال رؤوس الضاللة. املنتس

(9) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ورابعا يف بيان جممل حال اخلوارج وبراءة املوحدين من عقيدهتم ، وأن خصوم -4 .التوحيد هم أشبه الناس باخلوارج

مث خامتة يف الوصية بالثبات على طريقة الطائفة املنصورة يف إظهار الدين والقيام -5بأمر اهلل ، وعدم التفريط بذلك أو االحنراف عنه وإن خالفت طريقتها ، ما يهواه الناس

.. أمجعونيف أن الغلو يف التكفري يودي إىل الكفر ، أو ) الرسالة (6)ومسيتها رسالة اجلفر

ة يف التحذير من أخطاء التكفري ( وذلك الحتوائها على ثالثة وثالثني خطأ يف الثالثيني . ذلك

وال يفوتين قبل الشروع يف املقصود أن أذكر مبا ال خيفى على الفطن ، من حال وعدم استقرار ظروف املعتقل ، وعدم أمانه على أوراقه ودفاتره فيها خصوصا يف . السجون

رت منا مصنفات او ملخصات أو فوائد قد عوض اهلل بفضله بالدنا اليوم ، فكم قد صودوقبله بداهة عدم عصميت –وكذا شح املراجع والكتب املهمة بني جدراهنا ، فهذا .. عنها

.. عذري إن ند خلل مين أو تقصري –من الزلل وأنا مع ذلك من أسعد الناس بالرجوع عن خطأ إن بان يل ، أو باتباع حق ظهر

.. بالناصحني املخلصني يل ، فحبذا واحلـمـد هلل أوال وآخـرا

.. وهــو حسـيب ونعـم الـوكيـل.. وكتب / أبو محمد عاصم المقدسي

1419رمضان –معتقل اجلفر من هجرة املصطفى عليه الصالة والسالم

اللهم يا ويل اإلسالم وأهله مسكنا باإلسالم حىت نلقاك

اجلفر: اسم املنطقة الصحراوية اليت يقع فيها املعتقل الذي مسي هبا ، حيث كتبت هذه األوراق ، فهي (6)

اسم بلدة ومكان ، وليس املراد به ابن العنز. الصادق كتابا يدعون أنه كتب فيه احلوادث ، يسمونه ) كتاب * فائدة: ينسب الرافضة إىل جعفر

اجلفر ( وهو من كذهبم عليه ، قال شيخ اإلسالم: ) واجلفر ولد املاعز ، يزعمون انه كتب ذلك يف جلده (4/51( أنظر الفتاوى )

(10) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

الفصل األول

الغلو في في التحذير من التكفير

(11) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

[1]

فصل يف التحذير من الغلو في التكفير

اعلم وفقنا اهلل وإياك إىل العلم النافع والعمل به ، أن موضوع التكفري كحكم شرعي من أحكام الدين ، مع أمهيته وضرورته وتعلق كثري من املسائل واألحكام به ؛ هو

وقد قصر يف .. الكثرية يف الدنيا واآلخرة موضوع خطري بالغ اخلطورة ، ترتتب عليه آثرهفهو )أول مسألة تنازعت فيها األمة من .. فزلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام.. معرفته أقوام

–كما نص شيخ اإلسالم ابن تيمية – (1)مسائل األصول الكبار وهي مسألة الوعيد (واألحكام اليت يتعلق هبا ) اعلم أن مسائل التكفري والتفسيق هي من مسائل األمساء: وقال

الوعد والوعيد يف الدار اآلخرة ، وتتعلق هبا املوالة واملعاداة والقتل والعصمة ، وغري ذلك يف الدار الدنيا، فإن اهلل سبحانه وتعاىل أوجب اجلنة للمؤمنني وحرم اجلنة على الكافرين ، وهذا

( 12/251من األحكام الكلية يف كل وقت ومكان ( جمموع الفتاوى )فإن اخلطأ يف اسم اإلميان ليس كاخلطأ يف اسم حمدث ، وال كاخلطأ يف : ويقول أيضا

غريه من األمساء إذ كانت أحكام الدنيا واآلخرة متعلقة باسم اإلميان واإلسالم والكفر ( 7/246والنفاق ( أهـ )يدور )وكالم الناس يف هذا االسم ومسماه كثري ، ألنه قطب الدين الذي: ويقول

عليه وليس يف القول اسم علق به السعادة والشقاء ، واملدح والذم والثواب والعقاب أعظم . (13/34من اسم اإلميان والكفر، لذا مسي هذا األصل مسائل األمساء واألحكام( أهـ )

واملتابع ملوضوع التكفري يف كتب الفقه على سبيل املثال ، يرى بوضوح تعلق كثري من .. حكام به ويعرف أمهية هذا املوضوع وخطورته حقا املسائل واأل خذ مثال ، يف أحوال احلكام وما يتعلق هبم : حيث جتب موالة احلاكم املسلم ونصرته وطاعته ، وال جيوز اخلروج عليه أو -

منازعته ما مل يظهر كفرا بواحا ، والصالة خلفه واجلهاد معه مشروع برا كان أو فاجرا ، ما . والسلطان املسلم ويل من ال ويل له من املسلمني.. دائرة اإلسالم حمكما لشرع اهللدام يف

(3/147الفتاوى ) (1)

(12) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

أما احلاكم الكافر فال جتوز بيعته وال حتل نصرته وال مواالته ، أو معاونته ، وال -.. حيل القتال حتت رايته ، وال الصالة خلفه وال التحاكم إليه ، وال تصح واليته على مسلم

، وإقامة (2)يه طاعة ، بل جتب منازعته والسعي يف خلعه والعمل على تغيريهوليس له عل .. احلاكم املسلم مكانه

ويتفرع من ذلك كفر من تواله أو نصر كفره أو قوانينه الكافرة وحرسها أو شارك يف .. تثبيتها أو تشريعها أو حكم هبا من القضاة وحنوهم

فر على املسلم ، فال يصح أن يكون ال تصح والية الكا: ويف أحكام الواليةوال تصح واليته على مسلمة يف .. الكافر واليا أو قاضيا للمسلمني ، وال إماما للصالة هبم

نكاح ، وال واليته أو حضانته ألبناء املسلمني ، وال وصايته على أموال األيتام منهم وحنو . ذلك

لمة وال يكون وليها يف ال جيوز نكاح الكافر من املس: ويف أحكام النكاح .. وإذا نكح مسلم مسلمة مث ارتد بطل نكاحه وفرق بينهما.. (3)النكاح

اختالف الدين مانع من التوارث عند مجاهري العلماء: ويف أحكام املواريث . وليس يف قتل الكافر .. ال يقتل مسلم بكافر: ويف أحكام الدماء والقصاص

.. كفارة وال دية ، واملسلم خبالف ذلك احملارب أو املرتد، عمدا أو خطأ ال يصلى على الكافر وال يغسل وال يدفن يف مقابر : ويف أحكام اجلنائز

. املسلمني ، وال جيوز االستغفار له والقيام على قربه خبالف املسلم ال تصح والية القضاء للكافر ، وال جيوز شهادة الكافر : ويف أحكام القضاء

وال تنفذ أحكامه . حيل التحاكم اىل القاضي الكافر احملكم لقوانني الكفر وال.. على املسلم .. شرعا وال يرتتب عليها آثارها

( وانظر الصارم 12/229( وشرح مسلم للنووي )13/123انظر يف وجوب ذلك ؛ فتح الباري ) (2)

ضمن 35-33وانظر للشوكاين )الدواء العاجل يف دفع العدو الصائل( ص 216وص13املسلول ص 412الرسائل السلفية. وحلمد بن عتيق )سبيل النجاة والفكاك من مواالة املرتدين وأهل اإلشراك ( ص

من جمموعة التوحيد. وغريهم ( 2/232ولعبد القادر عودة )التشريع اجلنائي ( )

أنظر املغين )كتاب املرتد ( )فصل: وإن تزوج ال يصح تزوجه.. وإن زوج ال يصح تزوجيه ألن واليته (3)

على موليته قد زالت.. اخل(

(13) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

يفرق بني قتال الكفار واملشركني واملرتدين ، وبني قتال : ويف أحكام القتالال فال يتبع مدبرهم وال جيهز على جرحيهم وال تغنم أمواهلم و .. املسلمني من البغاة والعصاة

تسىب نساءهم وحنو ذلك مما يفعل ويستباح يف قتال الكفار ، واألصل يف دم املسلم وماله .. أما الكافر فاألصل فيه اإلباحة إال أن يعصم باألمان وحنوه.. وعرضه ، العصمة باإلميان

جتب موالة املسلم وال جتوز الرباءة الكلية منه ، وإمنا : ويف أحكام الوالء والرباء.. وحترم موالة الكافر أو نصرته على املسلمني أو إطالعه على عوراهتم.. ن معاصيهيتربأ م

. بل جتب الرباءة منه وبغضه وال جتوز موادتهفما هذا .. إىل غري ذلك من األحكام الشرعية املتعلقة هبذا األمر اخلطري واملتأثرة به

ذلك كله معلومة معروفة يف واألدلة على.. إال غيض من فيض ، قصدنا به التمثيل والتنبيه .. مظاهنا من كتب الفقه وغريها

.. فمن مل مييز بني الكافر واملسلم التبس عليه أمره ودينه يف ذلك كلهولك أن تتأمل ما يرتتب من مفاسد وحماذير ومنكرات بسبب خلط أحكام

: يئ من ذلكوقد قال تبارك وتعاىل يف ش.. املسلمني بأحكام الكفار فيما تقدم من األمثلةوليس خباف على أحد ما نراه اليوم .. ((إال تفعلوه تكن فتنة في األرض وفساد كبير))

من اختالط احلابل بالنابل ، واختالل املوازين عند كثري من املنتسبني لإلسالم يف هذه النظر يف .. وذلك بسبب تقصريهم بل إمهال أكثرهم.. املسائل واألحكام الشرعية وغريها

ويظهر ذلك جليا يف .. احلكم اخلطري وعدم متييزهم أو فرقاهنم بني املسلمني والكفارهذا ختبط عوامهم وخواصهم يف كثري من األحكام واملعامالت والعبادات واملواالة واملعاداة ،

. وغري ذلك من أمورهل مع ان اهلل تبارك وتعاىل قد ميز وفرق يف أحكام الدنيا واآلخرة بني أهل الكفر وأ

ال يستوي فقال تبارك و تعاىل )) : اإلميان ، وأكد هذا الفرقان يف غري موضع يف كتابه(( وقال تبارك وتعاىل منكرا على من سوى بني الطائفتني أصحاب النار وأصحاب الجنة

(( أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون ؟)) : وخلط بني أحكامهم: (( وقال عز وجل كان مؤمنا كمن كان فاسقا ال يستوون أفمن)) : وقال سبحانه وتعاىل

: (( وقال عز من قائل قل ال يستوي الخبيث وال الطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث)) (( فاهلل تبارك وتعاىل يريد أن مييز اخلبيث من الطيب ، )) ليميز اهلل الخبيث من الطيب

.. يف أحكام الدنيا واآلخرةويريد سبحانه فرقانا شرعيا بني أوليائه وأعدائه

(14) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ويريد الذين يتبعون الشهوات من عبيد القوانني أن يسووا بينهم، ولذلك ألغوا من دساتريهم أي أثر للدين يف التفريق والتميز بني الناس ، ومل يبقوا يف شيء من قوانينهم أي

الدماء عقوبة دينية فعطلوا كافة حدود اهلل وعلى رأسها حد الردة وساووا يف أحكامواألعراض والفروج واألموال وغريها بني املسلمني والكفار ، وألغوا اآلثار الشرعية املرتتبة على

.. الكفر والردة يف ذلك كلهوتتبع هذا يطول وقد حل بسببه من الفساد يف البالد والعباد ما ال يعلم تشعبه

من ذلك يف كتابنا ) كشف وخبثه وآثاره املدمرة إال اهلل عز وجل ، وقد أشرنا إىل شيءالنقاب عن شريعة الغاب ( ، وهو أمر غري مستغرب وال مستهجن من قوم قد انسلخوا من الدين وارمتوا يف أحضان الكفار ، وأسلموا قيادهم ألولياء نعمتهم الذين قسموا هلم ديار

.. هتماملسلمني وأوصلوهم إىل كراسي احلكم واصطنعوهم يف أحضاهنم وأرضعوهم من كفريا من ميت يسهل اهلوان عليه ما جلرح مبيت إيالم

وإمنا املستغرب الذي يثري العجب أن يقع يف شيء من ذلك كثري من املنتسبني إىل ! فيموت عندهم التمييز بني املسلمني والكفار ، ويعدم بينهم الفرقان بني .. الدعوة والدينوذلك بإمهاهلم ألحكام التكفري ، وإعراضهم عن تعلمها .. وأولياء الشيطانأولياء الرمحن

وعن النظر يف أحكام الواقع الذي يعيشون فيه، وحكم احلكام املتسلطني فيه وحكم .. أنصارهم وأوليائهم

فما فتئ كثري منهم بسبب ذلك ، أن صاروا للطواغيت جندا حمضرين، وأذنابا !! ويف املقابل شنوا الغارة على .. ؤالء احلكام عندهم مسلمونخملصني، وما املانع ؟؟ فه

كل موحد وداعية وجماهد وقف يف وجه أولئك الطواغيت، أو مشر عن ذراعه ويراعه يكشف زيوفهم ، وحيذر املسلمني من قوانينهم وكفرياهتم وباطلهم ويدعوهم إىل اجتناهبم

.. ه من سلطانوالرباءة من شركهم وتشريعهم الذي ما أنزل اهلل بفشمر هؤالء الذين طمس اهلل على بصائرهم، وحرمهم بإعراضهم عن تعلم أهم مسائل الكفر واإلميان ، من الفرقان والبصرية يف أحكام املسلمني والكفار ، مشروا عن ساق العداوة ألولئك املوحدين ، ودفعوا يف حنورهم وصدورهم بكل ما ميلكونه من كذب وهبتان ،

.. أعراضهم ، وصدوا عن دعوهتم، وخذلوا دوهنم ، وأوضعوا خالهلم يبغوهنم الفتنةطعنوا يف يتقربون بذلك إىل اهلل تبارك وتعاىل ، -زعموا –ومل جيدوا يف ذلك أدىن حرج ، فهم

فأولئك املوحدون عندهم ، خوارج مارقون ، قد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم يف

(15) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وهم جزما!! ) شر قتلى حتت أدمي السماء (3)ألقتلنهم قتل عاد( أمثاهلم !! ) لئن أدركتهم، بل هم عندهم قطعا !! ) كالب النار ( ولذلك فال (5)و) شر اخللق واخلليقة ( (4)(

حرج عندهم حىت لو تعاونوا مع الطواغيت أو ناصحوهم يف قمعهم !! أو ظاهروا أنصارهم !! .. عليهم

!! يتورع أولئك القوم ال عن تكفريهم .. عصاة فالطواغيت وأنصارهم مسلمون!! ال ينبغي التوقف .. وحسب ، بل حىت عن غيبتهم !! وهؤالء املوحدون مبتدعة مارقون

.. أو التورع فيهم ، فالبدعة على أصول أهل السنة ، شر وأخطر من املعصيةوص وهبذا األخذ املشوه لنص.. هكذا وهبذا التأصيل املنحرف عن جادة السلف

الشريعة يف غياهب ظلمات العماية يف واقع هذه احلكومات ،وباستخفافهم وإعراضهم عن وتركوا أهل .. والوا الطواغيت واملشركني وعادوا املؤمنني واملوحدين.. تعلم أحكام التكفري

.. األوثان وأغاروا على أهل اإلسالم، يوجب فساد تطبيقها إذ أن فساد فـهم األصول ، إضافة إىل جهل مدقع يف الواقع

كما قال ابن عمر -لذلك انطلق اخلوارج .. يف الفروع ، ويثمر ضالال عن اجلادة واملنهاجوهؤالء انطلقوا إىل آيات يف حق . إىل آيات أنزلت يف الكفار فجعلوها يف املؤمنني –

!!.. املؤمنني و املوحدين فجعلوها يف الكفار وامللحديناخليانة اليت ميارسها اليوم بعض الرؤوس اجلهال الذين ولذلك فإن من أعظم أنواع

إختذهم كثري من الشباب قدوة و أسوة ، فضلوا وأضلوا كثريا ، وضلوا عن سواء السبيل ؛ خيانتهم لألمانة ، بتحذيرهم املطلق من الكالم يف أحكام التكفري ، وصدهم الشباب دوما

باعتباره من الفتنة اليت جيب التحذير منها عن النظر يف هذا الباب ، وصرفهم عن تعلمه ، (6). بإطالقوترى أحسن مشاخيهم طريقة ممن يشار إليه بالبنان ، يوجه سؤاله ببالهة إىل

أن -جدال –" ماذا تستفيدون من الناحية العملية إذا سلمنا : املكفرين للحكام ، قائال

جزء من حديث خمرج يف الصحيحني عن ايب سعيد مرفوعا (3) جزء من حديث أخرجه اإلمام أمحد والرتمذي وغريمها عن أيب أمامة مرفوعا. (4)جزء من حديث أخرجه مسلم يف الصحيح عن ايب ذر مرفوعا يف كتاب ) الزكاة ( ) باب اخلوارج شر (5)

(158اخللق واخلليقة ( ) أنظر على سبيل املثال )التحذير من فتنة التكفري( لعلي احلليب ، وقد كشفنا بعض تالعبه بكالم (6)

ء بتلبيسات أهل التجهم واإلرجاء (العلماء وختبطه وتدليسه ، يف كتابنا )تبصري العقال

(16) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

)هذا : أن علق على الكالم األولوقول اآلخر بعد (7)هؤالء احلكام كفار كفر ردة ؟" كالم جيد ( ؛ )يعين هؤالء الذين حيكمون على والة املسلمني بأهنم كفار ، ماذا

) فما الفائدة من : إىل آخر هرائه حيث قال يف آخره (8)(.. يستفيدون إذا حكموا بكفرهم هذا جيد جدا ( !! .. إعالنه وإشاعته إال إثارة الفنت ؟ كالم الشيخ

ذلك وينشر بني الشباب يف عشرات بل مئات الكتب والنشرات اليت ألفت ويكتب وأغلبها مما يوزع باجملان !! ويسخر ذلك كله للدفع عن .. يف التحذير املطلق من التكفري

و اهلجوم على خصومهم من املوحدين ، واجملاهدين الذين .. طواغيت العصر وأنصارهميف جهاد أهل الشرك وحرب قوانينهم ، ونصرة يفنون أعمارهم ويبذلون مهجهم وأرواحهم

.. شريعة اهلل املطهرة ، والعمل من أجل حتكيمهاكتبها طائفة من أهل –من جنس ذلك –هذا وقد طالعت عشرات الكتب

التخذيل والتلبيس والتدليس ، حيذرون الشباب مطلقا من التكفري ، مع أن التكفري حكم ابطه وشروطه وموانعه وآثاره ، فال ينبغي الصد عن تعلمه من أحكام الشرع ، له أسبابه وضو

فقد .. أو التخذيل عن النظر والتفقه فيه ، شأنه يف ذلك شأن سائر أحكام الشرع وأبوابهوعرفت ما يرتبط هبذا احلكم من مسائل .. عرفت مما تقدم بعض اآلثار املرتتبة على إمهاله

.. وأحكام يف شىت أبواب الدينيس للتميز بني سبيل املؤمنني وسبيل اجملرمني ومن أمهله خلط فيه ، وأنه سبب رئ

واختلطت عليه سبيل املؤمنني بسبيل الكافرين والتبس عنده احلق بالباطل ، وحرم الفرقان . والبصرية يف أهم أبواب الدين

" قال تعاىل )) : يقول العالمة ابن القيم رمحه اهلل تعاىل حتت عنوان )قاعدة جلية (ومن يشاقق الرسول (( وقال تعاىل )) ذلك نفصل اآليات ولتستبين سبيل المجرمينوك

(( اآلية ، واهلل تعاىل من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولىقد بني يف كتابه سبيل املؤمنني مفصلة ، وسبيل اجملرمني مفصلة ، وعاقبة هؤالء مفصلة ،

ة ، وأعمال هؤالء وأعمال هؤالء ، وأولياء هؤالء وأولياء هؤالء ، وعاقبة هؤالء مفصلوخذالنه هلؤالء وتوفيقه هلؤالء ، واألسباب اليت وفق هبا هؤالء واألسباب اليت خذل هبا هؤالء ، وجلى سبحانه األمرين يف كتابه ، وكشفهما وأوضحهما وبينهما غاية البيان ، حىت

. صار للضياء والظالمشاهدهتما البصائر كمشاهدة األب

وأقول: لو مل نستفد من ذلك إال 71الكالم للشيخ األلباين ، أنظر )التحذير من فتنة التكفري ( ص (7)

البصرية بأعداء اهلل والتمييز لسبيل اجملرمني الذي حرمتم منه بإعراضكم عن هذه األحكام لكفى. 72ر املرجع السابق هامش صوهذا الكالم للشيخ ابن عثيمني. أنظ (8)

(17) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فالعاملون باهلل وكتابه ودينه عرفوا سبيل املؤمنني معرفة تفصيلية ، وسبيل اجملرمني معرفة تفصيلية ، فاستبانت هلم السبيالن ، كما يستبني للسالك الطريق املوصل إىل مقصوده ،

. والطريق املوصلة إىل اهللكةهلم ، وهم األدالء اهلداة ، وبذلك فهؤالء أعلم اخللق وأنفعهم للناس ، وأنصحهم

برز الصحابة على مجيع من أتى بعدهم إىل يوم القيامة ، فإهنم نشأوا يف سبيل الضالل والكفر والشرك والسبيل املوصلة إىل اهلالك وعرفوها مفصلة مث جاءهم الرسول صلى اهلل

ستقيم ، فخرجوا عليه وسلم فأخرجهم من تلك الظالمات إىل سبيل اهلدى وصراط اهلل املمن الظلمة الشديدة إىل النور التام ، ومن الشرك إىل التوحيد ، ومن اجلهل إىل العلم ومن الغي إىل الرشاد ، ومن الظلم إىل العدل ، ومن احلرية والعمى إىل اهلدى والبصائر ، فعرفوا

، وإمنا تتبني مقدار ما نالوه وظفروا به ، ومقدار ما كانوا فيه ، فإن الضد يظهر حسن الضداألشياء بأضدادها ، فازدادوا رغبة وحمبة فيما انتقلوا إليه ، ونفرة وبغضا ملا انتقلوا عنه ، وكانوا أحب الناس يف التوحيد واإلميان واإلسالم ، وابغض الناس يف ضده ، عاملني بالسبيل

عامل تفصيل على التفصيل، وأما من جاء بعد الصحابة ، فمنهم من نشأ يف اإلسالم غري فإن اللبس إنما يقع إذا ضده فالتبس عليه بعض تفاصيل سبيل املؤمنني بسبيل اجملرمني ،

، كما قال عمر ابن اخلطاب ، إمنا تنقض عرى ضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما اإلسالم عروة عروة إذا نشأ يف اإلسالم من مل يعرف اجلاهلية ، وهذا كمال علم عمر رضي

فمن لم يعرف سبيل المجرمين ولم تستبين له ، أوشك أن يظن بعض .. اهلل عنهسبيلهم أنها من سبيل المؤمنين ، كما وقع في هذه األمة من أمور كثيرة في باب االعتقاد والعلم والعمل هي من سبيل المجرمين والكفار وأعداء الرسل ، أدخلها من

وكفر من خالفها واستحل ما لم يعرف أنها من سبيلهم في سبل المؤمنين ودعا إليهاكما وقع ألكثر أهل البدع من اجلهمية والقدرية واخلوارج والروافض حرمه اهلل ورسوله

. وأشباههم ممن ابتدع بدعة ودعا إليها وكفر من خالفها( أهـمث بني أن الناس يف هذا املوضع أربع فرق ، فرقة ) عمت عن السبيلني من أشباه

يل اجملرمني أحضر وهلا أسلك ( وفرقة )صرفت عنايتها إىل معرفة سبيل األنعام وهؤالء بسباملؤمنني دون ضدها ( وفرقة )عرفت سبيل الشر والبدع والكفر مفصلة وسبيل املؤمنني جمملة

من استبان له سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين على ) : وقال ؛ وفرقة هي األوىل.. ( . ( فصاعد108( أهـ من الفوائد خمتصرا ص ) الخلقتفصيل علما وعمال ، وهؤالء أعلم

فإمنا قدمنا لك هذه التوطئة يف هذا الفصل ، كمقدمة بني يدي الغاية من .. وبعدعقده ؛ حىت ال نكيل مبكيال أولئك اخلوالف الذين خلطوا احلق بالباطل بصدهم عن

(18) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

، وإمنا كما هو عنوان التكفري مطلقا، فليس غايتنا هنا التحذير من مطلق أحكام التكفري . التحذير من الغلو يف التكفري.. الفصل

فإنه وكما قد فرط يف احلكم الشرعي أقوام ، وأعرضوا عن تعلمه وميعوه وحذروا منه بإطالق ، ورهبوا الشباب من االقرتاب منه أبدا ، فكان لذلك ما عرفت من آثاره

.. املتقدمةفأعملوا .. قتحام أبوابه ، دون علم أو بصريةفقد قابلهم أقوام أفرطوا وغلوا يف ا

سيوف التكفري وأسنته يف أمة حممد صلى اهلل عليه وسلم ، دون ضابط من الشرع أو وازع .. من ورع أو خشية وخمافة من اهلل

فال هو مع هؤالء يف إفراطهم وغلوهم .. ودين اهلل احلق بني الغايل فيه ، واجلايف عنهوالفرقة الناجية والطائفة املنصورة القائمة بدين . فريطهم ومتييعهم، وال هو مع أولئك يف ت

اهلل ، ال يضرهم من خالفهم ، وال من خذهلم ، حىت يأيت أمر اهلل ، هم الذين حذر اهلل ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له )) : تبارك وتعاىل من اتباع غري سبيلهم فقال

(( ، " ما تولى ، ونصله جهنم وساءت مصيرا الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولهوطمح فوقهم .. فمن دوهنم مقصر ومن فوقهم مفرط ، وقد قصر دوهنم أناس فجفوا

. (9)وإهنم فيما بني ذلك لعلى هدى مستقيم " .. آخرون فغلوا هذا وقد جاءت النصوص الشرعية حتذر وتنهى عن الغلو يف الدين عموما

( والنسائي وابن ماجة وغريهم أن النيب 1/215،347فروى اإلمام أمحد ) -) إياكم والغلو يف الدين فإمنا هلك من قبلكم بالغلو يف الدين( : صلى اهلل عليه وسلم قال

(10) ) صنفان من : وروى الطرباين يف الكبري وغريه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال -

. رق ( وهو حديث حسنأميت لن تناهلم شفاعيت ، إمام ظلوم غشوم ، وكل غال ماكما جاءت النصوص الشرعية أيضا متضافرة حتذر من الغلو يف التكفري ، على وجه

.. اخلصوص ، وترهب من تعدي حدود اهلل اليت حدها سبحانه فيه

(4/11من عبارات شيخ اإلسالم ابن تيمية يف الثناء على السلف جمموع الفتاوى ) (9)صححه شيخ اإلسالم ابن تيمية يف )اقتضاء الصراط املستقيم خمالفة أصحاب اجلحيم ( ويف الفتاوى (10)

( كما سيأيت 3/238أيضا )

(19) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فمن ذلك ما رواه البخاري يف صحيحه يف كتاب األدب ) باب من كفر أخاه -ي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بغري تأويل فهو كما قال ( عن أيب هريرة رض

) إذا قال الرجل ألخيه يا كافر فقد باء به أحدمها (: قال) من حلف مبلة : وعن ثابت بن الضحاك عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال -

غري اإلسالم كاذبا فهو كما قال ، ومن قتل نفسه بشيء عذب به يف نار جهنم ، ولعن . ومن رمى مؤمنا بالكفر فهو كقتله ( املؤمن كقتله ،

وروى أيضا يف الكتاب نفسه من صحيحه يف ) باب ما ينهى عن السباب واللعن( ) ال يرمي رجل رجال : عن أيب ذر أنه مسع النيب صلى اهلل عليه وسلم يقول -

بالفسوق وال يرميه بالكفر ، إال ارتدت عليه ، أن مل يكن صاحبه كذلك ( يف صحيحه يف كتاب اإلميان عن أيب ذر أيضا أنه مسع رسول اهلل ورواه مسلم -

) ليس من رجل أدعى لغري أبيه وهو يعلمه إال كفر ، ومن : صلى اهلل عليه وسلم يقولعدو : ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار ، ومن دعا رجال بالكفر أو قال

اهلل ، وليس كذلك إال حار عليه( قال رسول اهلل صلى اهلل عليه : احلافظ أبو يعلى عن حذيفة بن اليمان قالوروى -

) إن مما أختوف عليكم رجل قرأ القرآن حىت إذا رؤيت هبجته عليه ، وكان رداؤه : وسلماإلسالم اعرتاه إىل ما شاء اهلل ، انسلخ منه ونبذه وراء ظهره ، وسعى على جاره بالسيف

بل : نيب اهلل ، أيهما أوىل بالشرك املرمي أم الرامي ؟ قال يا: قلت: ورماه بالشرك ، قال الرامي (

واتل عليهم نبأ الذي آتيناه )) : وذكره احلافظ ابن كثري عند تفسري قوله تعاىل . إسناده جيد: (( ، وقال. آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين

( عن معاذ بن جبل 5/228يف جممع الزوائد )ورواه الطرباين يف الكبري والصغري كما مرفوعا بلفظ أطول ، من طريق شهر بن حوشب وهو خمتلف فيه من العلماء من صحح

. حديثه ومنهم من ضعفهففي هذه األحاديث الصحيحة من الوعيد والتهديد ، ما جيعل أويل األلباب

هرها قاض بأن من كفر حيتاطون لدينهم أشد االحتياط يف هذا الباب اخلطري، إذ أن ظامسلما مبا مل يكفره اهلل تعاىل أو رسوله صلى اهلل عليه وسلم فقد كفر هو بذلك وهذا وعيد شديد استشكله العلماء ، ولذلك ذكروا فيه عدة تأويالت ، ومما رجحه بعضهم من ذلك

(20) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ذلك ؛ أن من اعتاد اهلجوم على مثل هذه املعصية الكبرية ، وجترأ على تعطيلها ، فإن يؤدي به إىل الكفر ، أو خيتم له به ، ألن املعاصي بريد الكفر وكبارها أسرع إليه من صغارها ، واملستهرت بالكبائر خيشى عليه أن جيره استهتاره إىل اقتحام أسباب الكفر

أن الغلو يف التكفري … وتعاطيها ، وإىل هذا املعىن أشرنا مبسمى أوراقنا هذه حني قلنا ) وقد ذكر النووي يف شرحه ملسلم استشكال بعض العلماء لظاهر .. لكفر (يودي إىل ا

وذلك ألن مذهب أهل احلق ، أهل السنة واجلماعة ، أن ال .. الوعيد يف هذه األحاديثيكفر املسلم باملعاصي ، ومن ذلك قوله ألخيه ) كافر ( ، من غري اعتقاد بطالن دين

:لذلك ذكر يف تأويله مخسة أوجه. اإلسالم . أنه حممول على املستحل لذلك وهذا يكفر: أحدها - . معناه رجعت عليه نقيصته ألخيه ومعصية تكفريه: الوجه الثاين -أنه حممول على اخلوارج املكفرين للمؤمنني ، نقله القاضي عياض عن : الثالث -

. اإلمام مالك بن أنسكما قالوا بريد معناه أن ذلك يؤول به إىل الكفر ، وذلك أن املعاصي : الرابع -

. الكفر ، وخياف على املكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها املصري إىل الكفرمعناه قد رجع عليه تكفريه ، فليس الراجع حقيقة الكفر بل : الوجه اخلامس -

التكفري لكونه جعل أخاه املؤمن كافرا ، فكأنه كفر نفسه ، إما ألنه كفر من هو مثله ، وإما فره إال كافر يعتقد بطالن دين اإلسالم ، واهلل أعلم ( أ هـ خمتصرا من ألنه كفر من ال يك

. شرح مسلمهذا وقد ضعف النووي الوجه الثالث املروي عن مالك ، بدعوى أن اخلوارج عند -

) وملا قاله مالك وجه ، وهو : األكثرين ال يكفرون ببدعتهم ، وتعقبه احلافظ يف الفتح فقالمن الصحابة ، ممن شهد له الرسول صلى اهلل عليه وسلم باجلنة أن منهم من يكفر كثريا

، ال من جمرد صدور (11)واإلميان ، فيكون تكفريهم من حيث تكذيبهم للشهادة املذكورة

كذيب بشهادة الرسول صلى اهلل عليه وسلم لبعض الصحابة باجلنة معلوم ان اخلوارج مل يصرحوا بالت (11) ، وإمنا هذا من لوازم تكفريهم للصحابة املشهود هلم بذلك كعثمان وعلي وعائشة وحنوهم.

وسيأيت يف أخطاء التكفري ، يف باب التكفري باملآل أو بالالزم ، أن الزم املذهب ليس مبذهب إال أن ذلك فإن تكفري اخلوارج من هذا الباب ليس بقوي ، قال احلافظ يف الفتح يلتزمه صاحب املذهب ، ول

بعد أن ذكر توقف بعض العلماء يف تكفريهم: ) وقد توقف قبله القاضي أبو بكر الباقالين ، وقال مل يصرح القوم بالكفر ، وإمنا قالوا أقواال تؤدي إىل الكفر ( أهـ من كتاب استتابة املرتدين )باب من ترك

تال اخلوارج.. ( ق

(21) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) والتحقيق أن احلديث سيق لزجر املسلم عن أن يقول : مث قال.. التكفري منهم بالتأويل ( اخلوارج وغريهم ( أهـ ذلك ألخيه املسلم ، وذلك قبل وجود فرقة

وهذا وعيد عظيم ملن كفر : يقول ابن دقيق العيد يف معىن هذه األحاديث (أحدا من املسلمني وليس كذلك ، وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثري من املتكلمني ، ومن املنسوبني إىل السنة وأهل احلديث ملا اختلفوا يف العقائد ، فغلظوا على خمالفيهم ،

( 4/76إحكام األحكام شرح عمدة األحكام ). ا بكفرهم ( أ هـوحكمو اعلم أن احلكم على الرجل املسلم خبروجه : ويقول الشوكاين يف السيل اجلرار (

من دين اإلسالم ودخوله يف الكفر ال ينبغي ملسلم يؤمن باهلل واليوم اآلخر أن يقدم عليه إال األحاديث املروية من طريق مجاعة من بربهان أوضح من مشس النهار ، فإنه قد ثبت يف

) : وساق األحاديث مث قال…( يا كافر فقد باء هبا أحدمها : الصحابة أن من قال ألخيه( . ففي هذه األحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر ، وأكرب واعظ عن التسرع يف التكفري

(4/578) يشح بدينه ، وال يسمح ) فإن اإلقدام على ما فيه بعض البأس ال يفعله من: وقال

به فيما ال فائدة فيه وال عائدة ، فكيف إذا كان خيشى على نفسه إذا أخطأ ، أن يكون يف عداد من مساه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كافرا ، فهذا }ال{ يقود إليه العقل فضال

ها سقطت ( وما بني املعكوفني زيادة مين يقتضيها السياق لعل4/579عن الشرع ( أهـ ) . من املطبوع الكبرية الثانية والثالثة : ويقول ابن حجر اهليثمي يف الزواجر عن اقرتاف الكبائر (

يا كافر أو يا عدو اهلل ، حيث مل يكفره به ، : واخلمسون بعد الثالمثائة ، قول إنسان ملسلم) : ث املتقدم مث قالبأن مل يرد به تسمية اإلسالم كفرا ، وإمنا أراد جمرد السب ( وذكر احلدي

وهذا وعيد شديد وهو رجوع الكفر عليه أو عداوة اهلل له ، وكونه كإمث القتل ، فلذلك -: كانت إحدى هاتني اللفظتني إما

كفرا بأن يسمي املسلم كافرا أو عدوا هلل من جهة وصفه باإلسالم ، فيكون قد - . مسى اإلسالم كفرا ومقتضيا لعداوة اهلل ، وهذا كفر

وإما كبرية بأن ال يقصد ذلك ، فرجوع ذلك إليه حينئذ كناية عن شدة العذاب - واإلمث عليه وهذا من إمارات الكبرية ( أهـ

) من الكبائر تكفري من : ( على أن4/405وقد نص ابن القيم يف اعالم املوقعني ) مل يكفره اهلل ورسوله ( أهـ

(22) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

يزه عن سائر املعاصي ، ولذلك فإن الشك أن وصف الشرع للذنب بالكفر مي: قلتكون الذنب الذي حنذر منه ؛ كبرية من كبائر الذنوب ، أمر ال يتبادر إليه الشك ، وقد رأيت أن يف تأويالت العلماء للحديث ؛ من وجهه إىل الكفر األكرب ، ومما يؤكد كونه كبرية

حديث ثابت بن عظيمة من كبائر الذنوب ، وصف النيب صلى اهلل عليه وسلم له ، يف لعن املؤمن كقتله ، ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله ( .. ): الضحاك املتقدم بقوله

ومن )): ومعلوم ما ورد من الوعيد الشديد يف قتل املؤمن ، ومن ذلك قوله تعاىليقتل مؤمن متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب اهلل عليه ولعنه وأعد له عذابا

النساء (93(( )عظيما أن حكم .. ومما يناسب تشبيه وعيد تكفري املسلم بغري دليل ، بوعيد قاتله بغري حق

فمن كفر مسلما وحكم عليه (12)املرتد القتل ، كما يف حديث )من بدل دينه فاقتلوه (وعيد قاتل املؤمن ما .. فتأمل بعد هذا.. بالردة بغري دليل ، فهو كمن رأى قتله بغري حق

فجزاؤه جهنم خالدا فيها، وغضب اهلل عليه ، ولعنه وأعد له )) .. أشدهأعظمه وما (( وانظر ما ورد يف ذلك من وعيد يف األحاديث الواردة يف سفك الدم احلرام عذابا عظيما

مث اخرت لدينك بعد ذلك ما شئت ؛ التثبت والوقوف عند .. ، وراجع تشديد ابن عباس فيهأو التهور واملغامرة فيه ، باقتحام هذه املهلكات دون .. طحدود اهلل ، والورع واالحتيا

بصرية أو برهان ؟ )لزوال الدنيا أهون على اهلل من قتل رجل مسلم ( رواه : ويف احلديث الصحيح . الرتمذي والنسائي وابن ماجه

هذا ومما يعرفك أن من العلماء من أخذ وعيد هذه األحاديث على ظاهره ، أن : ؛ قد استدلوا لذلك باألحاديث املتقدمة (13)نحوا منهم إىل تكفري اخلوارجطائفة ممن ج ( حيث قال يف سياق ذكره 429منهم أبو منصور عبد القاهر البغدادي ، )هـ

: لألصول اليت اجتمع عليها أهل السنة)وقالوا مبروق أهل النهروان على الدين ،ألن النيب صلي اهلل عليه وسلم مساهم مارقني

ألهنم كفروا عليا وعثمان وعائشة وابن عباس وطلحة والزبري ، وسائر من اتبع عليا بعد ،

رواه اجلماعة إال مسلما (12)مجهور العلماء على عدم تكفري اخلوارج كما سيأيت ، وخالف يف ذلك بعضهم كما هو اعاله ، (13)

والتفصيل اآليت يف الفصل الرابع أوىل

(23) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ومن أكفر املسلمني وأكفر أخيار الصحابة . التحكيم ، وأكفروا كل ذي ذنب من املسلمني . من الفرق بني الفرق 351، فهو الكافر دوهنم ( أهـ

( حيث قال543وكذا القاضي أبو بكر ابن العريب )وهو يعدد أوجه احلكم هـ) وحلكمهم على كل من خالف معتقدهم بالكفر والتخليد بالنار فكانوا هم : بتكفريهم

(14)أحق باالسم منهم ( وكذا تقي الدين السبكي يف فتاواه احتج بذلك حيث ساق حديث )من رمى

هم أهنم يرمون ) وهؤالء قد حتقق من: مسلما بالكفر أو قال عدو اهلل إال حار عليه ( مث قالمجاعة بالكفر ممن حصل عندنا القطع بإمياهنم فيجب أن حيكم بكفرهم مبقتضى خرب

) وال ينجيهم اعتقاد اإلسالم إمجاال والعمل بالواجبات عن احلكم : ( إىل قوله.. الشارع (15)بكفرهم كما ال ينجي الساجد للصنم ذلك (

إن تعدى حدود اهلل يف .. ثبعدما تقدم من كالم حول األحادي وخالصة القولوإال .. هذا احلكم اخلطري ، مهلكة ال يغامر يف اقتحامها إال رقيق الورع املستخف بدينه

فإن يف األحاديث املتقدمة من الوعيد ما فيه رادع ألصحاب القلوب السليمة عن التكلم يف مساه اهلل على لسان فإن ذنبا .. هذا الباب إال عن علم وبصرية ، مع االحتياط الالزم للدين

بل إما أن يكون كفرا على .. الرسول صلى اهلل عليه وسلم كفرا ، ليس كغرية من الذنوباحلقيقة أي خمرج من امللة ، على وجه من الوجوه املتقدمة أو يكون بريدا للكفر يؤدي

ا تقدم أو يكون على أقل تقدير كبرية من كبائر الذنوب ، إذ هذا الوعيد كم.. ويوصل إليهفإذا كان هذا .. ، هو من إمارات الكبرية ، وعالماهتا ، وهو من جنس وعيد قاتل املؤمنفكيف يكون .. الوعيد هبذه الصورة اليت عرفت، قد ورد يف تكفري املرء لرجل مسلم واحد

فيما يتقحمه بعض املتهورين من رمي عموم مجاهري املسلمني بالتكفري ، لبعض شبهات ؟؟ ال شك أن هذا مع ضاللته وفساده وبطالنه .. ى إىل قوة األدلة الشرعيةعندهم ، ال ترق

، ينطوي على مرض يف القلب ، أو غل على املسلمني ، أو تيه وعجب بالنفس كي يستثنيها ويستخلصها من بني ألوف بل ماليني من حكم عليهم باهلالك ، وهو يف احلقيقة

هريرة رضي اهلل عنه أن الرسول صلى اهلل أهلكهم، كما روى مسلم يف صحيحه عن أيب ) إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم ( ورواه مالك وأبو داود، كما : عليه وسلم قال

نفر الناس ( عن الفتح ، كتاب استتابة املرتدين.. ) باب من ترك قتال اخلوارج للتأليف ولئال ي14،15)

عنه (

(24) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) وفسره مالك ؛ إذا قال ذلك معجبا بنفسه : ذكر املنذري يف الرتغيب والرتهيب وقال . يف خلقه ( أهـمزدريا بغريه ، فهو أشد هالكا منهم ، ألنه ال يدري سرائر اهلل

) روي أهلكهم على وجهني مشهورين ، رفع الكاف وفتحها والرفع : وقال النووي.. ) الرفع أشهر ومعناها أشدهم هالكا : قال احلميدي يف اجلمع بني الصحيحني.. أشهر

واتفق العلماء ، على ان هذا الذم فيمن قاله على سبيل اإلزراء على الناس واحتقارهم ، . فسه عليهم وتقبيح أحواهلم ألنه ال يعلم سر اهلل يف خلقهوتفضيل ن

فأما من قال ذلك حتزنا ملا يرى يف نفسه ، ويف الناس من النقص بأمر الدين : قالوا . ( أهـ.. فال بأس عليه

: ومن جنس ذلك أيضا ما رواه مسلم عن جندب بن عبد اهلل رضي اهلل عنه قال) قال رجل واهلل ال يغفر اهلل لفالن ، فقال اهلل عز : سلمقال رسول اهلل صلى اهلل عليه و

. من ذا الذي يتأىل علي أن ال أغفر له ؟ إين قد غفرت له وأحبطت عملك (: وجل( وقال صحيح 2/27ويناسب هذا الباب أيضا ما رواه احلاكم يف مستدركه ) -

من ) … : عليه وسلم قالاإلسناد ووافقه الذهيب عن عبد اهلل بن عمر أن النيب صلى اهلل . قال يف مؤمن ما ليس فيه حبس يف ردغة اخلبال حىت يأيت باملخرج مما قال(

وأختم هذا املوضع جبملة متفرقة من أقاويل أهل العلم يف التحذير من التسرع -

واملخاطرة يف إكفار املسلمني ، مجعتها لك إضافة إىل ما تقدم كي تزداد بصرية واحتياطا يف .. بابهذا ال

هـ( 133) رأيت لألشعري ): (15/88قال الذهبي في سير أعالم النبالء ) -كلمة أعجبتين وهي ثابتة رواها البيهقي ، مسعت أبا حازم العبدري ، مسعت زاهر بن أمحد

يف داري ببغداد دعاين فأتيته أبي الحسن األشعريملا قرب حضور أجل : السرخسي يقولفر أحدا من أهل القبلة ألن الكل يشريون إىل معبود واحد ، اشهد علي أين ال أك: ، فقال

قال الذهيب بعده قلت وبنحو هذا أدين ، وكذا كان . وإمنا هذا كله اختالف العباراتقال النيب صلى اهلل عليه : أنا ال أكفر أحدا من األمة ، ويقول: يقول ابن تيميةشيخنا

. ن الزم الصلوات بوضوء فهو مسلم ( أهـ" ال حيافظ على الوضوء إال مؤمن" فم: وسلموقوله ) ألن الكل يشريون إىل معبود واحد(؛ بني يف أن حترجه يف التكفري ، : قلت

إمنا هو يف أهل التوحيد ال يف أهل الشرك والتنديد ، فتنبه لذلك فإن هذا هو الذي حنذر

(25) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ون هذا الكالم من التهور فيه ، وحذار من تالعب امللبسني واملدلسني الذين يوظف .. ويستعملونه يف الدفع عن أعداء امللة والدين من الطواغيت احملاربني

) ال نسمي يف الشريعة : هـ( رحمه اهلل تعالى456يقول ابو محمد بن حزم ) -امسا إال بأن يأمرنا اهلل تعاىل بأن نسميه أو يبيح لنا اهلل بالنص بأن نسميه ، ألننا ال ندري

ومع هذا فإن اهلل عز وجل يقول . منا إال بوحي وارد من عنده علينا مراد اهلل عز وجلإن هي إال أسماء سميتموها أنتم )) : منكرا ملن مسى يف الشريعة شيئا بغري اذنه عز وجل

وآباؤكم ما أنزل اهلل بها من سلطان إن يتبعون إال الظن وما تهوى األنفس ولقد جاءهم وعلم آدم األسماء كلها ثم )) : (( وقال تعاىل نىمن ربهم الهدى أم لإلنسان ما تم

عرضهم على المالئكة فقال أنبئوني بأسماء هؤالء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك ال (( فصح أنه ال تسمية مباحة مللك وال إلنس دون اهلل تعاىل، ومن علم لنا إال ما علمتنا

آن ، فنحن ال نسمي مؤمنا خالف هذا فقد افرتى على اهلل عز وجل الكذب وخالف القر إال من مساه اهلل عز وجل مؤمنا ، وال نسقط اإلميان بعد وجوبه إال عمن أسقطه اهلل عز

. (3/191أهـ الفصل يف امللل واألهواء والنحل )…( وجل عنه) إن كل من : (17/22هـ( في التمهيد )463ويقول اإلمام ابن عبد البر ) -

اع املسلمني مث أذنب ذنبا أو تأول تأويال فاختلفوا بعد ثبت له عقد اإلسالم يف وقت بإمجيف خروجه من اإلسالم ، مل يكن الختالفهم بعد اجتماعهم معىن يوجب حجة ، وال خيرج

. من اإلسالم املتفق عليه إال باتفاق آخر أو سنة ثابتة ال معارض هلاأحدا ال خيرجه ذنبه وقد اتفق أهل السنة واجلماعة وهم أهل الفقه واألثر على أن

وإن عظم من اإلسالم، وخالفهم أهل البدع، فالواجب يف النظر أن ال يكفر إال من اتفق . اجلميع على تكفريه أو قام على تكفريه دليل ال مدفع له من كتاب أو سنة ( أهـ

) إن إدخال كافر يف : هـ( قوله478) ونقل القاضي عياض عن أبي المعالي - . سلم عظيم يف الدين ( أهـامللة أو إخراج م

وفيه أن إدخال كافر يف امللة والشهادة له باطال باإلسالم ، ال يقل خطورة عن . إخراج املسلم منه ، فليحذر طالب احلق من كال العقبتني فكلهما كؤود

أيضا يف الشفا يف ) فصل حتقيق القول يف هـ ( 544ونقل القاضي عياض ) -) أنه جيب االحرتاز من التكفري يف أهل : لماء احملققني قوهلمإكفار املتأولني ( عن الع

التأويل فإن استباحة دماء املصلني املوحدين خطر ، واخلطأ يف ترك ألف كافر أهون من (2/277اخلطأ يف سفك حمجمة من دم مسلم واحد ( أهـ )

(26) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ان والزندقة( هـ( يف كتابه )التفرقة بني اإلمي505وهذه العبارة قريبة من عبارة الغزايل ) (16)فلعل القاضي ، قصده يف إشارته ، ومل يسمه ألن له على كتابه املذكور مؤاخذات

) والذي ينبغي، االحرتاز عن التكفري ما وجد : (.. وقول الغزالي في ) التفرقة -له سبيال فإن استباحة دماء املصلني املقرين بالتوحيد خطأ ، واخلطأ يف ترك ألف كافر يف

. ة ، أهون من اخلطأ يف سفك دم ملسلم واحد ( أهـاحليا) وباب التكفري باب خطر وال نعدل : هـ( في المفهم671قال القرطبي ) -

) باب من ترك قتال اخلوارج ( .. بالسالمة شيئا ( أهـ من الفتح كتاب استتابة املرتدينكتابه ) إيثار تواتر األحاديث يف النهي عن تكفري املسلم يف ابن الوزيروقد قرر -

) ويف جمموع ذلك ما يشهد بصحة التغليظ يف تكفري : احلق عن اخللق ( وقال رمحه اهللاملؤمن ، وإخراجه من اإلسالم مع شهادته بالتوحيد والنبوات وخاصة مع قيامه بأركان اإلسالم ، وجتنبه للكبائر ، وظهور أمارات صدقه يف تصديقه ، ألجل غلطه يف بدعة ، لعل

فر له ال يسلم من مثلها أو من قريب منها ، فإن العصمة مرتفعة ، وحسن ظن املكبل الغالب على أهل البدعة اإلنسان بنفسه ال يستلزم السالمة من ذلك عقال وال شرعا ،

وقد كثرت اآلثار يف أن إعجاب … شدة العجب بنفوسهم ، واالستحسان لبدعتهمأيب ثعلبة اخلشين عند أيب داود والرتمذي ، وعن املرء بنفسه من املهلكات ، كما يف حديث

شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب املرء : ) ثالث مهلكات: ابن عمرو مرفوعاودليل العقوبة يف ذلك أنك ترى أهل الضالل أشد عجبا وتيها وهتليكا للناس … بنفسه(

. ( وما بعدها 425 ص ). واستحقارا هلم ، نسأل اهلل العفو واملعافاة من ذلك كله (( أهـ) وقد عوقبت اخلوارج أشد العقوبة ، وذمت أقبح الذم على تكفريهم لعصاة : ويقول

املسلمني مع تعظيمهم يف ذلك ملعاصي اهلل تعاىل ، وتعظيمهم اهلل تعاىل بتكفري عاصيه ، ز فال يأمن املكفر أن يقع يف مثل ذنبهم ، وهذا خطر يف الدين جليل ، فينبغي شدة اإلحرتا

( 447فيه من كل حليم نبيل ( أهـ )

( وسيأيت ذكره يف الكالم على قاعدة ) 281-2/280كما قد أشار إىل شيء من ذلك يف الشفا ) (16)

من مل يكفر الكافر (.. واجلدير بالذكر أن جل كالم الغزايل وأمثلته يف كتابه التفرقة ، حول التكفري يف أبواب األمساء والصفات

لعه ، ليعرف بعد ذلك تالعب وتلبيس بعض مرجئة العصر يف حتميله ما وحنوها ، فليتنبه إىل هذا من طاال حيتمل ، وتنزيله على غري مناطه يف استعماله يف اجلدال عن املشركني ، ودفعهم به عن طواغيت العصر

والرتقيع هلم.

(27) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) وباجلملة فيجب على من : ويقول الشيخ عبد اهلل بن محمد بن عبد الوهاب-نصح نفسه أال يتكلم يف هذه املسألة إال بعلم وبرهان من اهلل ، وليحذر من إخراج رجل

دخاله من اإلسالم مبجرد فهمه ، واستحسان عقله ، فإن إخراج رجل من اإلسالم ، أو إ … فيه من أعظم أمور الدين

وقد استزل الشيطان أكثر الناس يف هذه املسألة ، فقصر بطائفة فحكموا بإسالم من دلت نصوص الكتاب والسنة واإلمجاع على كفره ، وتعدى بآخرين فكفروا من حكم

(8/217الدرر السنية ). الكتاب والسنة مع اإلمجاع بأنه مسلم ( أهـ تنبيه

يشملهم الوعيد على التكفيرإلى من ال إمنا هو يف حق من كفر أخاه املسلم من غري .. عرفت مما تقدم أن الوعيد املذكور

دليل صحيح صريح من الشرع ، فيدخل يف هذا كل من كفره لدافع اهلوى ، أو اخلصومة أو .. العصبية ، أو احلزبية ، أو الغل والعداوة واحلسد ، أو أن يصدر تكفريه له كمسبة

. مما يندرج حتت الغلو يف التكفري ومن ذلك تكفري مجاهري املسلمني بالعموم أو حنوه وبديهي أن ال يدخل يف ذلك تكفري من نص اهلل تعاىل على تكفريهم من اليهود

.. والنصارى وحنوهم من ملل الكفر وكذلك الشأن يف تكفري الكفار اجملمع على تكفريهم كالطواغيت الذين يعبدون

دون اهلل وحنوهم من املشرعني ، وكذلك املرتدين املمتنعني عن شريعة اهلل وأنصارهم ، من فقد أمجع الصحابة بعد املناظرة اليت جرت بني أيب بكر وعمر على تكفري املمتنعني عن

فيدخل يف ذلك من باب أوىل املمتنعني عن شرائع .. بعض شرائع اإلسالم كالزكاة وحنوهاتولني ألعداء اهلل من كفار الشرق والغرب ممن كرهوا ما نزل اهلل ، احملاربني اإلسالم كلها ، امل

ألولياء اهلل وأنصار شرعه ، املظاهرين للكفار واملرتدين على املوحدين ، املشرعني لقوانني الكفر ، احمللني واملبيحني ملا حرم اهلل تعاىل من الردة واخلمر والربا واخلنا وغري ذلك من

املتحاكمني لطواغيت الشرق والغرب ، املرخصني .. احملكمني لغري ما أنزل اهلل احملرمات ، .. واحلارسني واحلامني لكل أنواع الكفر والطعن واالستهزاء بالدين

إىل غري ذلك من كفرياهتم العديدة اليت تعرضنا إىل تفصيل أشياء منها يف غري هذا يد مغلظ ثابت عليهم ، ومتحقق املوضع ، فكفر هؤالء الطواغيت وأنصارهم كفر مز

(28) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

بأسباب عديدة ، وأكثرها من األسباب الظاهرة الواضحة بل واجملمع على التكفري هبا عند . العلماء

يطول الوقوف .. وكل سبب من ذلك له أدلته املعلومة وتفاصيله املعروفة يف مواضعهالك حمله الالئق به ، وقد قال عنده وإمنا أردنا هنا اإلشارة والتنبيه إىل ذلك ، وللتفصيل يف ذ

–) وإذا كان السلف قد مسوا مانعي الزكاة مرتدين : شيخ اإلسالم يف سياق فتواه يف التتارفكيف مبن صار مع –مع كوهنم يصومون ويصلون ، ومل يكونوا يقاتلون مجاعة املسلمني

( 28/289أعداء اهلل ورسوله قاتال للمسلمني ؟!( أهـ جمموع الفتاوى )لذلك فال وعيد يف حق من كفر أمثال هؤالء ، وليس ذلك من الغلو يف التكفري و

.. حبال ، بل هو واجب على كل مسلم ومسلمة ، كي يكونوا على بصرية من دينهموفاعله مأجور ألنه التزم حكما شرعيا وواجبا دينيا ، وهو تكفري من كفره اهلل تعاىل ورسوله

كي يتمكن من معرفة آثار هذا احلكم الشرعي يف أمور دينه صلى اهلل عليه وسلم ، وذلك وما جيب عليه من التكاليف الشرعية املرتبطة بذلك من براءة ومعاداة وجهاد .. ودنياه

وغري ذلك من األحكام الشرعية اليت .. وإعداد لدفع الكفر اجلامث على بالد املسلمني . تقدمت اإلشارة إىل بعضها

حتت الوعيد املتقدم ، من كفر من قارف سببا من وكذلك ال يدخل أيضاأسباب الكفر اليت نص اهلل تعاىل أو رسوله صلى اهلل عليه وسلم على تكفري فاعله بنص

أن مقرتف ذلك –رغم استفراغه اجلهد يف النظر يف الشروط واملوانع –مث ظهر له .. صريحلتكفري ، مل يظهر له حني السبب قد قام دون تكفريه مانع أو ختلف شرط من شروط ا

. كفرهفإن هذا ال يشمله الوعيد املتقدم واحلال كذلك ، وليس هذا من الغلو يف التكفري ،

.. خصوصا إذا كان الدافع لتكفريه الغرية على حرمات الشرع ، ال اهلوى والعصبية وحنوهاكفر ولذلك كان تبويب البخاري رمحه اهلل لألحاديث املتقدمة بقوله )باب من -

أخاه بغري تأويل فهو كما قال ( مث قال يف الباب الذي يليه )باب من مل يرى إكفار من قال ذلك متأوال أو جاهال ( وذكر فيه قول عمر رضي اهلل عنه حلاطب بن أيب بلتعة ، إنه منافق ، وحديث إطالة معاذ بن جبل صالته يف قومهم وقوله عن الرجل الذي جتوز وحده

. أنه منافقيف الصالة ،وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية بعد أن ذكر حديث ) ال ترجعوا بعدي كفارا -

يا كافر ، فقد باء هبا : يضرب بعضكم رقاب بعض ( وحديث ) إذا قال املسلم ألخيه

(29) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) وهذه األحاديث كلها يف الصحاح ، وإذا كان املسلم متأوال يف القتال أو : أحدمها ( قاليا رسول اهلل ، : لك، كما قال عمر بن اخلطاب حلاطب بن أيب بلتعةالتكفري مل يكفر بذ

دعين أضرب عنق هذا املنافق ، ومل يكفر النيب صلى اهلل عليه وسلم ال هذا وال هذا ، بل ( 3/284أهـ جمموع الفتاوى )…( شهد للجميع باجلنة

ا يف فتح مكة وقال ابن القيم رمحه اهلل ، يف زاد املعاد ) فصل يف اإلشارة إىل م -) وفيها أن الرجل إذا نسب املسلم إىل النفاق والكفر متأوال وغضبا هلل ورسوله : من الفقه(

ودينه ال هلواه وحظه ، فإنه ال يكفر بذلك ، بل ال يأمث به ، بل يثاب على نيته وقصده ، عهم وحنلهم وهذا خبالف أهل األهواء والبدع ، فإهنم يكفرون ويبدعون ملخالفة أهوائهم وبد

( 3/423، وهم أوىل بذلك ممن كفروه وبدعوه ( أهـ )( يف فوائد احلديث الذي فيه 1/523وقال احلافظ يف الفتح يف كتاب الصالة ) -

) وان من نسب من : قول القائل عن مالك بن الدخشن إنه منافق جيادل عن املنافقنييكفر بذلك وال يفسق بل يعذر يظهر اإلسالم إىل النفاق وحنوه بقرينة تقوم عنده ، ال

. بالتأويل ( أهـوقال الشيخ عبد الرمحن بن حسن بن الشيخ حممد بن عبد الوهاب يف )الدرر -) لو قدر أن رجال من املسلمني قال يف أناس قد تلطخوا بأمور قد نص العلماء : السنية (

راهة ملا يكره اهلل من على أهنا كفر ، مستندين يف ذلك إىل الكتاب والسنة ، غرية هلل ، وك)ومن كفر مسلما فهو كافر ( أهـ : تلك األعمال ، فغري جائز ألحد أن يقول يف حقه

. من جزء اجلهاد 132صيا ابن الفاعلة : أن املتوكل ملا قال البن الزيات 174وجاء يف اجلزء نفسه ص -

حلسن قصده يف نصر أرجو اهلل أن يغفر له ، نظرا : قال اإلمام أمحد رمحه اهلل.. وقذف أمه . السنة وقمع البدعة

(30) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

الفصل الثاني

شروط وموانع وأسباب التكفير

(31) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

[2]

فصل في شروط وموانع وأسباب التكفير

شروطا وموانع … هذا واعلم رمحنا اهلل تعاىل وإياك أن هلذا احلكم الشرعي اخلطري فتها فقد قصر يف فهمها وتعلمها واعتباراها وأسبابا جيب عليك مراعاهتا واإلنتباه إليها ومعر

ومل مييزوا بني … أقوام ، فأعملوا سيوف التكفري وأسنته يف أمة حممد صلى اهلل عليه وسلم .. برها وفاجرها وكافرها

مع أنه من املعلوم املقرر عند العلماء احملققني ، ) أن نصوص الوعيد اليت يف الكتاب فري والتفسيق وحنو ذلك ، ال يستلزم ثبوت موجبها يف حق والسنة ، ونصوص األئمة بالتك

.. املعني ، إال إذا وجدت الشروط وانتفت املوانع ، ال فرق يف ذلك بني األصول والفروع)(1)

وقد ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية ) أن املقالة اليت هي كفر بالكتاب والسنة واإلمجاع لك الدالئل الشرعية ، فإن اإلميان من األحكام يقال هي كفر قوال يطلق ، كما دل على ذ

املتلقاة عن اهلل ورسوله ، ليس ذلك مما حيكم فيه الناس بظنوهنم وأهوائهم ، وال جيب أن حيكم يف كل شخص قال ذلك بأنه كافر حىت يثبت يف حقه شروط التكفري ، وتنتفي

( 35/101من جمموع الفتاوي ). ( أهـ.. موانعه : ( أصلني عظيمني يف باب التكفري12/266هلل تعاىل )وقد ذكر رمحه ا

أن العلم واإلميان واهلدى فيما جاء به الرسول صلى اهلل عليه وسلم ، : أحدمها -وأن خالف ذلك كفر على اإلطالق ، فنفي الصفات كفر ، والتكذيب بأن اهلل يرى يف

سى أو أنه اختذ ابراهيم اآلخرة ، أو أنه على العرش أو أن القرآن كالمه أو أنه كلم مو …خليال؛ كفر

جيب القول بإطالقه وعمومه –كالوعيد العام –أن تكفري العام : واألصل الثاين -، وأما احلكم على املعني بأنه كافر ، أو مشهود له بالنار ، فهذا يقف على الدليل املعني ،

أهـ …( فإن احلكم يقف على ثبوت شروطه ، وانتفاء موانعه

(10/215عن جمموع الفتاوى لشيخ اإلسالم ابن تيمية ) (1)

(32) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

رمحه اهلل تعاىل نزاع املتأخرين يف كفر اجلهمية وحنوهم ، هل هو كفر ناقل كما ذكر) وحقيقة األمر أهنم أصاهبم يف : مث قال.. عن امللة أم ال ، ونزاعهم يف خلودهم يف النار

ألفاظ العموم يف كالم األئمة ما أصاب األولني يف ألفاظ العموم يف نصوص الشرع، كلما كذا فهو كافر ( اعتقد املستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله ، ) من قال: رأوهم قالوا

ومل يتدبروا أن التكفري له شروط وموانع قد تنتفي يف حق املعني ، وأن تكفري املطلق ال يستلزم تكفري املعني إال إذا وجدت الشروط وانتفت املوانع ، يبني هذا أن اإلمام أمحد

لعمومات مل يكفروا أكثر من تكلم هبذا الكالم بعينه وعامة األئمة الذين أطلقوا هذه ا )…

مث ذكر مباشرة اإلمام أمحد للجهمية الذين فتنوا الناس على القول خبلق القرآن ، و .. مث بني دعاء اإلمام أمحد للخليفة واستغفاره ملن ضربه وحبسه.. ذكر تعذيبهم له ولغريه

اإلستغفار هلم ، فإن اإلستغفار للكفار ال ) ولو كانوا مرتدين عن اإلسالم مل جيز: قال : إىل قوله…( جيوز

وهذه األقوال واألعمال منه ومن غريه من األئمة صرحية يف أهنم مل يكفروا )… املعينني من اجلهمية ، الذين يقولون القرآن خملوق ، وإن اهلل ال يرى يف اآلخرة ، وقد نقل

ينني ، فإما أن يذكر عنه يف املسألة روايتان ففيه عن أمحد ما يدل على أنه كفر به قوما مع . نظر

أو حيمل األمر على التفصيل ، فيقال من كفره بعينه فلقيام الدليل على أنه وجدت هذا (2)فيه شروط التكفري ، وانتفت موانعه ، ومن مل يكفره بعينه فالنتفاء ذلك يف حقه ،

. (262-12/261جمموع الفتاوى ) مع إطالق قوله بالتكفري على سبيل العموم ( أهـ .. مث شرع يف سرد األدلة على بعض موانع التكفري

بأسباهبا -ومن ذلك التكفري –أضف إىل هذا أن الشارع قد ربط األحكام الشرعية فاحلكم يف الشريعة يدور مع علته أو سببه حيث دار ، .. الظاهرة املنضبطة وجودا وعدما

.. وال يوجد إال بوجوده

ه كما سيايت عنه ذلك، وهذا يندرج حتت اإلحتمال الثاين ألن الداعية مظنة أو يفرق بني الداعية وغري (2)

للعلم ، وانتفاء مانع اجلهل وحنوه..

(33) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

ولكي تكون على البينة من دينك يف هذا األمر اخلطري ، فها أنا أسرد لك هنا شروط وموانع وأسباب التكفري على وجه اإلمجال ، وسيأيت املزيد من التفصيل والتمثيل

. لذلك يف فصل أخطاء التكفري ، إذا هو تطبيق وتفصيل لذلك

(34) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

شروط وموانع التكفير الشـروط: أوال : )هو ما ال يلزم من وجوده وجود وال عدم ، لكن يلزم من عدمه : ط شرعا الشر -

. عدم املشروط (أو قل ، هو يف موضوعنا ، ما يتوقف وجود احلكم بالتكفري على وجوده ، فال يلزم

. من وجوده وجود احلكم ، ولكن يلزم من عدمه عدم احلكم بالتكفري أو بطالنه، )وهو يقابل مانع اإلكراه ( ، فإذا التكفري فاإلختيار مثال ، شرط من شروط

عدم اإلختيار عدم احلكم بالتكفري ، وال يلزم من وجود اإلختيار أن يقع املرء بالكفر . وخيتاره

: وتنقسم شروط التكفير ، ثالثة أقسام : شروط يف الفاعل ؛ وهي أن يكون: القسم األول - مكلفا )بالغا ،عاقال ( -1 . لفعلهمتعمدا قاصدا -2 . خمتارا له بإرادته -3

وهذا القسم سيأيت الكالم عليه فيما يقابله من املوانع ، إذا املوانع تقابل الشروط . كما سيأيت

شروط يف الفعل )الذي هو سبب احلكم وعلته( : القسم الثاين : وجيمعها ؛ أن يكون الفعل مكفرا بال شبهة

. لة على الكفرأن يكون فعل املكلف أو قوله صريح الدال -1وأن يكون الدليل الشرعي املكفر لذلك الفعل أو القول صريح الداللة على -2

.. التكفري أيضا وهذا القسم بشرطيه سيأيت بيانه وذكر أمثلة عليه يف ) أخطاء التكفري ( يف التكفري

. باحملتمالت

(35) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

شروط يف إثبات فعل املكلف ، وذلك بأن يثبت بطريق شرعي : القسم الثالث - .. صحيح ، ال بظن ، وال بتخرص وال باالحتماالت أو بالشكوك

: ويكون ذلك - . أما باإلقرار ، أي اإلعرتاف - . شهادة عدلني: أو بالبينة -

وسيأيت الكالم عليه يف أخطاء التكفري أيضا الموانع: ثانيا : فاملانع وصف ظاهر منضبط يلزم من وجوده عدم احلكم ، وال يلزم من عدمه -

د احلكم أو عدمه ( وجو أي إن أكره املرء على –فاإلكراه مانع من موانع التكفري ، فيلزم من وجوده -

عدم احلكم بالكفر أو بطالنه ، وال يلزم من عدم وجود اإلكراه أن يوجد ، أو ال –الكفر ال يلزم يف حال اختيار املكلف وعدم وقوعه حتت اإلكراه ، أن يفعل : أي.. يوجد الكفر

. يفعل الكفر ، بل قد يفعل أو قد ال يفعلأو ال وبتعبري آخر ، املانع ) هو الوصف الوجودي الظاهر املنضبط الذي مينع ثبوت

(3)احلكم (واملوانع ضد الشروط ، أو مقابلة هلا ، فيجوز أن يكتفى يف الذكر باملوانع -

. وحدها ، أو بالشروط وحدها، فما كان عدمه شرطا فوجوده مانعم الشرط مانع من موانع احلكم ، وعدم املانع شرط من شروطه ، هذا عند فعد -

(4). مجهور األصولينيولذلك فاملوانع أيضا تنقسم كالشروط إىل ثالثة أقسام ، تقابل متاما أقسام - : الشروط

. 31والواضح حملمد سليمان األشقر ص 25أنظر يف هذا إرشاد الفحول للشوكاين ص (3)م ، أنظر بدائع الفوائد وخالف بعضهم يف ذلك ، منهم القرايف ، ورد عليه فيه العالمة ابن القي (4)(4/12 )

(36) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

موانع في الفاعل: القسم األول : ليت تعرف )بعوارض وهي ما يعرض له فيجعله ال يؤاخذ بأقواله وأفعاله، وهي ا

: األهلية ( وهي قسمانعوارض يسموهنا مساوية ألهنا ال دخل للعبد يف كسبها ، كالصغر واجلنون –أ -

والعته والنسيان، فهذه العوارض ترفع اإلمث والعقوبات عن صاحبها الرتفاع خطاب التكليف . عنه هبا

وها ، ألنه من خطاب وإمنا يؤاخذ حبقوق العباد ، كقيم املتلفات والديات وحن . الوضع

: ويقابل هذه العوارض أو املوانع من الشروط شرط البلوغ ويقابل عارض الصغر وشرط العقل ويقابل اجلنون والعته

. وشرط العمد ويقابل النسيان : وهي اليت للعبد نوع اختيار يف اكتساهبا: عوارض مكتسبة -ب-انتفاء القصد( فينطق بالكفر وهو ال : أي مبا يؤدي إىل سبق اللسان ): ( الخطأ1)

. يقصد وال يريد القول أو العمل املكفر نفسه ، بل يقصد شيئا غريه . وهذا العارض أو املانع يبطل ما يقابله من شرط العمد

وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ، ولكن ما تعمدت ودليله قوله تعاىل )) أيضا حديث الرجل الذي أضل راحلته يف أرض ( األحزاب ، ويدل عليه50(( )قلوبكم

) اللهم أنت عبدي وأنا ربك( ) أخطأ من شدة الفرح( كما قال : قفر ، فلما وجدها قال (5). صلى اهلل عليه وسلم

رواه مسلم وقد ألحق بعض العلماء في مانع انتفاء القصد بالخطأ من شدة الفرح ، الخطأ من (5)

(: ) لو 4/50شدة الغضب ) اإلغالق ( بحيث ال يعقل المرء ما يقول.. أنظر اعالم الموقعين )ك خالف ، وعلى كل حال فيجب بدرت منه كلمة الكفر في الغضب الشديد لم يكفر.. ( وفي ذل

التفريق عند من يقول بذلك بين من اعتاد الهجوم على المكفرات في حال الغضب والرضى ، وبين من كان أصله الصالح والتقى.

(37) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

وإن –) وليس ألحد أن يكفر أحدا من املسلمني : وقال شيخ اإلسالم ابن تيميةله احملجة ، ومن ثبت إسالمه بيقني مل يزل حىت تقام عليه احلجة ، وتبني -أخطأ وغلط

ذلك عنه بالشك ، بل ال يزول إال بعد إقامة احلجة وإزالة الشبهة ( أهـ جمموع الفتاوي (12/250 )

( عن هذا املانع 66-3/65وقد تكلم ابن القيم رمحه اهلل تعاىل يف اعالم املوقعني )ربة ، واستدل بقول محزة رضي اهلل عنه وقرر أن انتفاء القصد مانع من موانع التكفري املعت

) وكان نشوانا يف اخلمر ، : قال (6)) هل أنتم إال أعبد أليب (: للنيب صلى اهلل عليه وسلمفلم يكفره صلى اهلل عليه وسلم بذلك ، وكذلك الصحايب الذي قرأ قل يا أيها الكافرون

ومل يعد بذلك . (7)حترمي اخلمر أعبد ما تعبدون ، وحنن نعبد ما تعبدون ( وكان ذلك قبل . كافرا لعدم القصد ، وجريان اللفظ على اللسان من غري إرادة ملعناه

فإياك أن تهمل قصد المتكلم ونيته وعرفه ، فتجني عليه وعلى الشريعة وتنسب 66( أهـ ص. إليها ما هي بريئة منه

حكام على جمرد ) ومل يرتب } أي الشارع { تلك األ: (3/117وقال أيضا فيه )ما يف النفوس من غري داللة فعل أو قول، وال على جمرد ألفاظ مع العلم بأن املتكلم هبا مل يرد معانيها ومل حيط هبا علما ، بل جتاوز لألمة عما حدثت به أنفسها ، ما مل تعمل به أو

ه ، إذا مل تكلم به ، وجتاوز هلا عما تكلمت به خمطئة أو ناسية أو مكرهة أو غري عاملة ب، فإذا اجتمع القصد والداللة القولية أو تكن مريدة ملعىن ما تكلمت به أو قاصدة إليه

وهي من مقتضيات عدل اهلل وحكمته ورمحته الفعلية ترتب الحكم ، هذه قاعدة شرعية ( أهـ

أنطر صحيح البخاري كتاب املغازي وغريه. (6)ران الطافح الذي ولذلك اختلف العلماء مبن نطق بكلمة الكفر حال السكر ، فرأى بعضهم أن السك (7)

ال يعلم ما يقول ال عربة بأقواله ردة وإسالما ، قال شيخ اإلسالم: ) ال حيكم بكفره يف أصح القولني كما ( 10/39ال يقع طالقه يف أصح القولني. وإن كان النزاع يف احلكم مشهورا ( أهـ )

أعاله وبقوله تعاىل ) حىت ( واستدل من قال بذلك حبديث محزة املذكور5/49وانظر إعالم املوقعني )فمفهومه أن السكران الطافح ال يقصد أقواله وأفعاله.. وفصل بعضهم بني ما كان …( تعلموا ما تقولون

من خطاب التكليف وبني ما كان من خطاب الوضع ، وأنت ترى أن أدلة املعتربين هلذا املانع كلها قبل ( ونقل عن بعض أهل العلم 2/232م اعتباره )حترمي اخلمر ولذلك رجح القاضي عياض يف الشفا عد

…. القول بقتل شامت النيب صلى اهلل عليه وسلم يف سكره وألزمه الطالق والعتاق والقصاص واحلدود ( وانظر أيضا املغىن البن قدامة )كتاب من ارتد وهو سكران.. (. 2/231-232)

(38) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

ميكن أن يستدل ملانع )انتفاء القصد ( أيضا مبا هو ثابت من اغتفار ما : فائدةبعض نساء النيب صلى اهلل عليه و سلم حبقه بدافع الغرية ؛ من أقوال ال جيوز صدر عن

. ألحد إطالقها حبقه صلى اهلل عليه وسلمفمن ذلك ما رواه البخاري يف باب ) هل للمرأة أن هتب نفسها ألحد ( من -

) : قالت عائشة: (( ترجي من تشاء منهنكتاب النكاح ، وفيه أنه ملا نزل قوله تعاىل )) . يا رسول اهلل ما أرى ربك إال يسارع يف هواك (

) أي يف رضاك ، قال القرطيب هذا القول أبرزه : قال احلافظ ابن حجر يف الفتح)ما أمحدكما وال أمحد إال اهلل ( وإال فإضافة اهلوى إىل : الدالل والغرية وهو من نوع قوهلا

. ال ينطق عن اهلوى وال يفعل باهلوى النيب صلى اهلل عليه وسلم ال حتمل على ظاهره ألنه . ولو قالت إىل مرضاتك لكان أليق ، ولكن الغرية يغتفر ألجلها إطالق مثل ذلك ( أهـ

ومثله ما رواه أيضا يف كتاب اهلبة وفضلها ، باب )من أهدى إىل صاحبه وحترى -إن ) : بعض نسائه دون بعض ( وفيه قول زينب بنت جحش للنيب صلى اهلل عليه وسلم

فليس هذا من جنس الطعن واألذى …( نساءك ينشدنك اهلل ، العدل يف بنت أيب قحافة . ) إعدل (: الذي كان دافعا لذي اخلويصرة ملا قال للنيب صلى اهلل عليه وسلم

.. بل الدافع هنا فرط حمبة النيب صلى اهلل عليه وسلم والغرية اليت جبلت عليها النساء . والشح حبظهن منه

) طلبت العدل مع علمها بأنه أعدل الناس ولكن غلبت عليها الغرية : حلافظقال ا . ومل يؤاخذها النيب صلى اهلل عليه وسلم بإطالق ذلك ( أهـ

وقد حكى القاضي عياض يف اإلكمال عن مالك وغريه ، إن املرأة إذا رمت زوجها بقوله صلى اهلل عليه بالفاحشة ، على جهة الغرية ال جيب عليها احلد ، قال واحتج بذلك

) وما تدري الغرياء أعلى الوادي من أسفله ( أهـ من اإلجابة إليراد ما استدركته : وسلم . 61عائشة على الصحابة ص

. ويتبع هذا املانع ) إنتفاء القصد ( قول الكفر على سبيل احلكاية عن الغريد أمر اهلل بتالوة كمن يقرأ كالم الكفار الذي قصه اهلل تعاىل يف كتابه ، وق -

. كتابه ، فال يكفر قارئ ذلك قطعا بل يؤجر . وكنقل الشاهد ما مسعه من كفر للقاضي أو غريه -

(39) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

وكنقل مقاالت الكفار لبيان ما فيها من الفساد أو للرد عليها ، فكل ذلك -)ناقل الكفر ليس بكافر ( خبالف من حكاه : جائز أو واجب ال يكفر قائله ، وهلذا يقال

. نقله على سبيل النشر أو اإلشاعة على سبيل اإلستحسان والتأييد فهذا كفر ال ريب و قال القاضي عياض تعليقا على حديث مسلم يف الذي انفلتت منه ناقته وعليها

: طعامه وشرابه يف مهلكة ، مث ملا ردها اهلل عليه ) أخذ خبطامها مث قال من شدة الفرح) فيه أن ما ناله اإلنسان من : خطأ من شدة الفرح ( قالاللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أ

مثل هذا يف حال دهشته وذهوله ال يؤاخذ به ، وكذا حكايته عنه على طريق علمي ، وفائدة شرعية ، ال على اهلزل واحملاكاة والعبث ، ويدل على ذلك حكاية النيب صلى اهلل

(9)(أهـ عليه وسلم ذلك ، ولو كان منكرا ما حكاه واهلل اعلم . وقرائن احلال هلا دخل يف التفريق والتميز بني هذه األحوال

قال القاضي عياض ) أن يقول القائل ذلك حاكيا عن غريه وأثرا له عن سواه ، فهذا الوجوب ، : ينظر يف صورة حكايته مقالته وخيتلف احلكم باختالف ذلك على أربعة وجوه

(1003-2/997ـ الشفا)والندب ، والكراهة ، والتحرمي ( أه) اإلقرار باللسان دون عقد القلب ال حكم له عند اهلل عز وجل ، : وقال ابن حزم

ألن أحدنا يلفظ بالكفر حاكيا وقارئا له يف القرآن ، فال يكون بذلك كافرا حىت يقر أنه وا هذا يشهد وقال –يعين املرجئة واجلهمية -فإن احتج هبذا أهل املقالة األول : قال. عقده

قد قلنا إن التسمية ليست لنا : بأن اإلعالن بالكفر ليس كفرا ، قلنا له وباهلل تعاىل التوفيق، وإمنا هي هلل تعاىل ، فلما امرنا تعاىل بتالوة القرآن ، وقد حكا لنا فيه قول أهل الكفر ،

الكفر إىل رضى وأخربنا تعاىل انه ال يرضى لعباده الكفر ؛ خرج القارئ للقرآن بذلك عن . اهلل عز وجل واإلميان ، حبكايته ما نص اهلل تعاىل

إال من شهد )) : بأداء الشهادة باحلق فقال تعاىل (10)} و ملا أمر اهلل تعاىل { (( خرج الشاهد املخرب عن الكافر بكفره عن أن يكون بذلك كافرا ؛ بالحق وهم يعلمون

(250-3/249من الفصل ) . ( أهـ …إىل رضى اهلل عز وجل واإلميان ومن ذلك أيضا أن يتكلم اإلنسان بكالم أو ينطق لفظا ال يعرف معناه فإنه ال -

.. يؤاخذ بذلك حىت يعرف فيتكلم به قاصدا مبعناه بعد قيام احلجة

عن فتح الباري كتاب الدعوات )باب التوبة ( (9) بني املعكوفني زيادة ليست يف طبعة دار اجليل يقتضيها السياق. ما (10)

(40) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

ففي )قواعد األحكام يف مصاحل األنام ( للعز بن عبد السالم ) فصل فيمن أطلق ) فإذا نطق األعجمي بكلمة كفر : يؤاخذ مبقتضاه ( قال رمحه اهلل لفظا ال يعرف معناه مل

أو إميان أو طالق أو إعتاق أو بيع أو شراء أو صلح أو إبراء مل يؤاخذ بشيء من ذلك ، ألنه مل يلتزم مقتضاه ومل يقصد إليه ، وكذلك إذا نطق العريب مبا يدل على هذه املعاين

يؤاخذ بشيء من ذلك ، ألنه مل يريده فإن اإلرادة بلفظ أعجمي ال يعرف معناه ، فإنه الال تتوجه إال إىل معلوم أو مظنون ، وإن قصد العريب بنطق شيء من هذه الكلم مع معرفته مبعانيها نفذ ذلك منه ، فإن كان ال يعرف معانيها ، مثل أن قال العريب لزوجته أنت طالق

، أو نطق بلفظ اخللع أو غريه أو الرجعة أو مبعىن اللفظني (11)للسنة أو للبدعة وهي حاملالنكاح أو اإلعتاق وهو ال يعرف معناها مع كونه عربيا فإنه ال يؤاخذ بشيء من ذلك ، إذ

. (2/102). ال شعور له مبدلوله حىت يقصد إىل اللفظ الدال عليه ( أهـالكفر من لو نطق بكلمة ) : (3/75وانظر أيضا البن القيم يف إعالم املوقعني )

. (ال يعلم معناها لم يكفرحيث قال وهو يتكلم يف إطالق ألفاظ الطالق وأمهية وجود القصد فيها لنفاذ

) وأهنا ال تلزم هبا أحكامها حىت يكون املتكلم هبا قاصدا هلا مريدا ملوجباهتا ،كما : الطالق : دتنيأنه ال بد أن يكون قاصدا للتكلم باللفظ مريدا له ، فال بد من إرا

(12)إرادة التكلم باللفظ اختيارا - (13). وإرادة موجبه ومقتضاه -

بل إرادة املعىن آكد من إرادة اللفظ ، فإنه املقصود ، واللفظ وسيلة ، وهو قول أئمة ) وقال أصحاب أمحد لو قال األعجمي المرأته : الفتوى من علماء اإلسالم ( ، إىل قوله

ا اللفظ ، مل تطلق ، ألنه ليس خمتارا للطالق ، فلم يقع أنت طالق وهو ال يفهم معىن هذمل يقع أيضا ألنه ال يصح منه (14)فلو نوى موجبه عند أهل العربية: طالق كاملكره ، قالوا

ويف . اختيار ما ال يعلمه ، وكذلك لو نطق بكلمة الكفر من ال يعلم معناها ال يكفرمسين ، فسماها الطيبة ، : قالت لزوجها مصنف وكيع أن عمر بن اخلطاب قضى يف امرأة

أنت : فقال هلا. مسين )خلية طالق(: ال ، فقال هلا ماذا تريدين أن أمسيك ؟ قالت: فقالت

كذا يف األصل يف ط. دار املعارف ، ولعل الصواب هنا: ) وهو جاهل ( واهلل أعلم. (11) أي إرادة اختيار اللفظ ، وهو االختيار الذي يقابل مانع اإلكراه. (12)تكلم فيه هنا ، والذي يقابل مانع اخلطأ أو انتفاء أي إرادة املعىن ، وهو القصد والعمد الذي ن (13)

القصد. أي نوى مراد أهل العربية هبذا اللفظ وهو ال يعرف مرادهم ما هو. (14)

(41) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

إن زوجي طلقين ، فجاء زوجها فقص عليه : خلية طالق ، فأتت عمر بن اخلطاب فقالت . خذ بيدها وأوجع رأسها: القصة ، فأوجع عمر رأسها ، وقال لزوجها

وهذا هو الفقه الذي يدخل على القلوب بغري استئذان ، وإن تلفظ بصريح الطالق وقد تقدم أن الذي قال ملا وجد راحلته ) اللهم أنت عبدي وأنا ربك ( أخطأ من شدة

( وانظر أيضا 3/76الفرح ، مل يكفر بذلك وإن أتى بصريح الكفر ، لكونه مل يرده ( أهـ )(4/229 )

تنبيه : عرف أننا ال نعين بانتفاء القصد كمانع ما يشرتطه كثري من مرجئة العصر ومن هذا ت

كشرط تعجيزي للتكفري ، يعتذرون به لكل طاغوت وزنديق ومرتد ، وهي دعوى ان حىت ينوي ويقصد بذلك –عامدا –اإلنسان ال يكفر حىت وإن اتى فعال أو قوال مكفرا

. اخلروج من الدين والكفر بهمبانع انتفاء القصد ؛ ) اخلطأ ( الذي يقابل العمد يف شروط التكفري ، أو وإمنا نعين

كحكايته والتحذير … عدم إرادة الفعل أو القول املكفر نفسه ، وإرادة شيء آخر غريه .. منه، أو يقوله وهو ال يعرف مدلوله وحنو ذلك مما تقدم

، فقل من يريده أو أما إرادة اخلروج من الدين ، والكفر بذلك الفعل أو القوليصرح به أو يقصده ، حىت اليهود والنصارى ، لو سئلوا ؛ هل يريدون الكفر ويقصدونه بقوهلم إن املسيح أو العزيز ابن اهلل ، أو حنو ذلك من كفرياهتم ؟ ألنكروا ذلك ولنفوا

.. إرادهتم للكفرثر الطواغيت فأك.. وكذلك حال كثري من الكفار الذين حيسبون أهنم حيسنون صنعا

وأنصارهم اليوم ، إذا ما عددنا عليهم كفرياهتم ، أنكروا ذلك ، وأبوا أن يقروا بالكفر أو بإرادته أو بقصد اخلروج من الدين ، بل يبادرون بتأكيد اهنم مسلمون ، وحيتجون بأهنم

…يصلون ويشهدون أن ال إله إال اهلل و بإرادهتم للكفر بعبادهتم وكذلك شأن كفار قريش ، مل يقروا قط بكفرهم ، أ

وعلى العكس ، فقد كانوا .. (( ما نعبدهم إال ليقربونا إلى اهلل زلفىلألوثان بل قالوا )) يرمون رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ومن على دينه بالكفر ، فسموه )الصابئ ( وهكذا

.. حال أكثر الكفار إال ما شاء اهلل

(42) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

) : 178-177يف الصارم املسلول صكما قال شيخ اإلسالم ابن تيمية -، إذا وبالجملة فمن قال وفعل ما هو كفر ، كفر بذلك ، وإن لم يقصد أن يكون كافرا

. ال يقصد الكفر أحدا إال ما شاء اهلل ( أهـوالغرض هنا أنه كما أن الردة تتجرد عن السب ، ) : (370وقال أيضا فيه ص)

دة التكذيب بالرسالة ، كما تجرد كفر فكذلك تتجرد عن قصد تبديل الدين وإراإبليس عن قصد التكذيب بالربوبية ؛ وإن كان عدم هذا القصد ال ينفعه ، كما ال ينفع

. ( أهـ من قال الكفر أن ال يقصد الكفروقد اخرب اهلل تعاىل عن اكثر الكفار أهنم حيسبون أهنم حيسنون صنعا ، بل يرون أهنم

.أهدى من الذين آمنوا سبيالقل هل ننبئكم باألخسرين أعماال الذين ضل سعيهم )): فمن ذلك قوله تعاىل

في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم . ( الكهف105-103(( )ولقائه فحبطت أعمالهم فال نقيم لهم يوم القيامة وزنا

من أدل الدالئل على خطأ من زعم ) وهذا : يقول ابن جرير الطربي يف تفسريه - ( .. أنه ال يكفر باهلل أحد إال من حيث يقصد إىل الكفر بعد العلم بوحدانيته

) ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه ال يكفر باهلل أحد إال من : إىل قولهحيث يعلم لوجب أن يكون هؤالء القوم يف عملهم الذي أخرب اهلل عنهم أهنم كانوا

ون فيه أهنم حيسنون صنعة مثابني مأجورين عليه ، ولكن القول خبالف ما قالوا ؛ حيسبدار . )ط. 45-44فأخرب جل ثناؤه عنهم أهنم باهلل كفرة وأن أعماهلم حابطة ( أهـ ص

الفكر ( وقال رمحه اهلل تعاىل يف هتذيب اآلثار بعد أن سرد بعض األحاديث اليت تذكر -

قول من قال ال خيرج أحد من اإلسالم من أهل القبلة بعد ) فيه الرد على: اخلوارجاستحقاقه حكمه إال بقصد اخلروج منه عاملا ( أهـ نقال عن فتح الباري ) كتاب استتابة

( .. ( )باب من ترك قتال اخلوارج.. املرتدين) وفيه أن من املسلمني من خيرج من الدين : وقال ابن حجر يف الباب نفسه -

يقصد اخلروج منه ، ومن غري أن خيتار دينا على اإلسالم ( أهـ من غري أن . وسيأيت مزيد كالم على هذا يف فصل أخطاء التكفري

(43) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

واخلالصة هنا ؛ أن العربة يف اشرتاط العمد والقصد وانتفاءه كمانع من موانع - . التكفري أن يقصد إتيان الفعل املكفر ، ال أن يقصد الكفر به

: ( التأويل2)ملراد به هنا وضع الدليل الشرعي يف غري موضعه باجتهاد ، أو شبهة تنشأ عن عدم وا

فهم داللة النص ، أو فهمه فهما خاطئا ظنه حقا ، أو ظن غري الدليل دليال ، كاالستدالل حبديث ضعيف ظنه صحيحا ، فيقدم املكلف على فعل الكفر وهو ال يراه كفرا ، فينتفي

كون اخلطأ يف التأويل مانعا من التكفري ، فإذا أقيمت احلجة بذلك ؛ )شرط العمد ( ، وي . عليه وبني خطؤه فأصر على فعله كفر حينئذ

ودليل هذا إمجاع الصحابة على اعتبار هذا النوع من التأويل من باب اخلطأ الذي وذلك يف حادثة قدامة بن مظعون حيث شرب اخلمر مع –غفره اهلل تعاىل باألدلة املتقدمة

ليس على الذين أمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما )) : اعه مستدال بقوله تعاىلمجطعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا واهلل

وكان قدامة … املائدة ، كما روى ذلك عبد الرزاق يف مصنفه 93(( يحب المحسنين، فلما شهد عليه أبو هريرة وغريه وشهدت معهم امرأة قد استعمله عمر على البحرين

قدامة أيضا أنه شرب اخلمر أحضره عمر وعزله ، وملا أراد أن حيده استدل باآلية املذكورة ) : قال ابن تيمية يف الصارم(… أخطأت التأويل ) أخطأت استك احلفرة : فقال عمر

، فإن أقروا بالتحرمي جلدوا حىت أمجع رأي عمر وأهل الشورى أن يستتاب هو وأصحابه) أما إنك لو : مث إن عمر بني له غلطه وقال له… 530وإن مل يقروا به كفروا ( أهـ ص

( .. اتقيت الجتنبت ما حرم عليك ، ومل تشرب اخلمرفرجع ، ومل يكفره بذلك ، بل اكتفى بإقامة حد اخلمر عليه ، ومل خيالفه أحد من

. الصحابة بذلك) وأما من مل تقم عليه احلجة مثل أن يكون : شيخ اإلسالم ابن تيمية ويف هذا يقول

حديث عهد باإلسالم أو نشأ ببادية بعيدة مل تبلغه فيها شرائع اإلسالم وحنو ذلك ، أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصاحلات يستثنون من حترمي اخلمر، كما غلط يف ذلك

إهنم يستتابون وتقام احلجة عليهم فإن أصروا كفروا الذين استتاهبم عمر وأمثال ذلك ، فحينئذ ، وال حيكم بكفرهم قبل ذلك كما مل حيكم الصحابة بكفر قدامة بن مظعون

( 610-7/609جمموع الفتاوي ). وأصحابه ملا غلطوا فيما غلطوا فيه من التأويل ( أ هـ

(44) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

اند والفاجر ، بل قد ) فاملتأول واجلاهل املعذور ليس حكمه حكم املع: ويقول أيضا ( 3/180جعل اهلل لكل شيء قدرا ( أهـ جمموع الفتاوي )

.. فمذهب السلف عدم تكفري املتأولني من أهل القبلةأهل القبلة يدخل فيهم اضافة إىل املسلم السين ؛ الفاسق امللي أهل األهواء أهل

.. التأويلوبعض املتكلمني كالشهرستاين يف اما اخلوارج واملعتزلة ومن سار على درهبم كالزيدية

. امللل والنحل فال يدخلون املتأولني يف أهل القبلةوقد تقدم ما نقله القاضي عياض يف )فصل حتقيق القول يف إكفار املتأولني ( من

) إنه جيب االحرتاز من التكفري يف : ( عن العلماء احملققني قوهلم2/277كتابه الشفا )( وستأيت اإلشارة إىل ما ذكره . .. احة دماء املصلني املوحدين خطرأهل التأويل ، فإن استب

أيضا يف الشفا عمن ال يكفر من أضاف إىل اهلل ما ال يليق به ال على جهة السب والردة ، .. ولكن على طريق التأويل أونفي الصفة بدعوى التنزيه وحنوه

ولكن من شرح بالكفر ) قوله تعاىل يف هذه االية الكرمية )): ويقول ابن الوزير(( يؤيد أن املتأولني غري الكفار ، ألن صدورهم مل تنشرح بالكفر قطعا أو ظنا ، أو صدرا

( 437إيثار احلق على اخللق ص ). جتويزا أو احتماال (اهـوأما ما يدفع به بعض الزنادقة واملالحدة ، كفرهم الصريح من سفسطة ومتويه

إال انه مردود وغري مستساغ وال .. اه بعض اجلهلة تأويال وتالعب بالدين ، فهو وإن مسوالعربة للمعاين واحلقائق ، ال لألمساء واأللفاظ .. مقبول ، وذلك لصراحة كفرهم ووضوحه

. فكم من باطل زخرفه أصحابه ليعارض به الشرع.. اليت يتالعب هبا كثري من أهل األهواء) إدعاء التأويل يف لفظ صراح ال : لماءولذلك نقل القاضي عياض يف الشفا قول الع

( 2/217يقبل ( أهـ ) ( 527ونص عليه شيخ اإلسالم يف الصارم املسلول ص )

فمن عرفت واشتهرت زندقته وتالعبه بأدلة الشرع ، أو كان يتعاطى من أسباب الكفر ما هو صريح وواضح وال حيتمل التأويل ، مل تقبل منه دعوى التأويل فليس مث إجتهاد

فإنه ال ختلو حجة كافر من الكافرين من تأويالت .. وتأويل يسوغ تعاطي الكفر الصريح .. فاسدة يرقع هبا كفره

(45) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

) ومن بلغه األمر عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ، من : ولذا قال ابن حزمطريق ثابتة ، وهو مسلم فتأول يف خالفه إياه ، أو رمبا بلغه بنص آخر ، فلم تقم عليه

جة يف خطئه يف ترك ما ترك ، ويف األخذ مبا أخذ فهو مأجور معذور ، لقصده إىل احلق احل، وجهله به ، وإن قامت عليه احلجة يف ذلك فعاند ، فال تأويل بعد قيام احلجة ( أهـ الدرة

(414 ) ) وأما من كان من غري أهل اإلسالم من نصراين أو يهودي أو جموسي ، : ويقول

ل ، أو الباطنية القائلني بإالهية إنسان من الناس ، أو بنبوة أحد من الناس ، أو سائر امللبعد الرسول صلى اهلل عليه وسلم ، فال يعذرون بتأويل أصال ، بل هم كفار مشركون على

. (441كل حال ( أهـ الدرة فيما جيب اعتقاده ص )يه اإلسالم والصالح فيجب التنبه إىل أن قدامة الذي عذر بالتأويل ، كان األصل ف

، فقد كان صحابيا بدريا ، وهو خال عبد اهلل بن عمر وحفصة أم املؤمنني ، وكانت حتته ( بإسناده عن 3/341صفية بنت اخلطاب أخت عمر ، روى ابن عبد الرب يف االستيعاب )

) مل حيد يف اخلمر من أهل بدر إال قدامة بن مظعون ( أهـ : أيوب بن أيب متيمة قالذلك قال شيخ اإلسالم بعد ما ذكر حديث الرجل الذي أوصى بنيه عند موته ول

) واملتأول من أهل االجتهاد احلريص على متابعة الرسول صلى اهلل عليه : حبرق جثمانه قال (3/148وسلم أوىل من املغفرة من مثل هذا ( أهـ )

تكفري وما بعدها ( خالف السلف يف 2/272وقد ذكر القاضي عياض يف الشفا )من أضاف إىل اهلل تعاىل ما ال يليق به ال على طريق السب والردة ،بل على طريق التأويل

. واالجتهاد واخلطأ املفضي إىل اهلوى والبدعةوالصواب ما فصله العلماء يف ذلك بني التأويل الذي له مسوغ يف لغة العرب ،

ال يوجب الكفر ، رغم خمالفته للحق كأن يؤول صفة اليد هلل تعاىل بالنعمة أو القوة ، فهذا الذي كان عليه السلف ، ألن يف لغة العرب إطالق القوة والنعمة على اليد ؛ لذلك عذر املتأول فيه رغم خطئه واحنرافه عن ظاهر نصوص الشرع ، وبني التأويل الذي ال مسوغ له

سني أو بالسماوات (( مثال ، باحلسن واحلبل يداه مبسوطتان، كمن أول قوله تعاىل )) . واألرض ، فهذا يوجب الكفر ألنه ال يصح يف لغة العرب إطالق اليد على مثل ذلكفهو .. وليس مث نص شرعي يوجب نقل احلقيقة اللغوية إىل حقيقة شرعية خاصة

على ذلك من التالعب يف دين اهلل واإلحلاد يف أمسائه سبحانه ، وليس من التأويل الذي . ءيعذر صاحبه يف شي

(46) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

.. فتأمل التفريق فإنه مهموعلى هذا فما كان من التأويل ناشئا عن حمض الرأي واهلوى ، دون استناد إىل

دليل شرعي ، وال هو مبستساغ يف لغة العرب ، فإنه ليس من االجتهاد يف شيء ، بل هو من التأويل الباطل املردود الذي ال يعذر صاحبه ، إذ هو تالعب بالنصوص ، وحتريف

) ال خالف يف كفر من جحد : للدين ، عرب عنه مبسمى التأويل، ولذا قال ابن الوزيرذلك املعلوم ؛ بالضرورة للجميع ، وتسرت باسم التأويل فيما ال ميكن تأويله ، كاملالحدة يف تأويل مجيع األمساء احلسىن ، بل مجيع القرآن والشرائع واملعاد األخروي من البعث والقيامة

. (415ة والنار ( أهـ إيثار احلق على اخللق ص)واجلنومن ذلك قطعا أصل التوحيد ، الذي يتضمن جتريد العبادة هلل وحده بكافة أنواع العبادة ، فنقض هذا األصل بدعوى التأويل الذي يسوغ اإلشراك باهلل تعاىل واختاذ األنداد

.. كارهمعه من أوضح الباطل ؛ الذي بعثت الرسل كافة بإبطاله وإنوقد نص العلماء على أن صرف اللفظ عن ظاهره بغري دليل شرعي ، ليس من التأويل املستساغ حبال ، إذ بذلك تسلط املتأخرون على النصوص ، وقالوا حنن نتأول ،

وقد ذم اهلل تعاىل من يزخرف … (15)فسموا التحريف تأويال ، تزيينا وزخرفة ليقبل منهم : مره على الناس فقال تعاىلالباطل ويزينه ليلبس أ

وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين اإلنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض )) . (112(( األنعام )زخرف القول غرورا

، وعلى كل األحوال فإن اخلطأ يف التأويل يسقط كمانع من موانع التكفري . بإقامة احلجة على املتأول

: ( مانع الجهل3)وعذرا إن كان من اجلهل الذي ال يتمكن املكلف من دفعه أو وإمنا يكون مانعا

… إزالته أما ما كان متمكنا من إزالته ، فقصر وأعرض ومل يفعل فهو جهل من كسبه غري

فإن هذا هو حال .. معذور به ، ويعترب كالعامل به حكما ، وإن مل يكن عاملا يف احلقيقةاب اهلل الذي علقت به النذارة ، فأعرض عن تعلمه املعرض عن دين اهلل ، وهو من بلغه كت

)) فما لهم عن قال تعاىل … أو النظر فيه ، ملعرفة أهم املهمات اليت خلقه اهلل من أجلها

أنظر شرح العقيدة الطحاوية ألبن أيب العز احلنفي ، عند كالمه حول رؤية املؤمنني رهبم يوم القيامة. (15)

(47) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

وأوحي إلي )): (( وقال تعاىلالتذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة (( هذا القرآن ألنذركم به ومن بلغ

وصلته التذكرة فأعرض عن التوحيد ، وارتكس يف محأة الشرك فمن بلغه القرآن ، و والعلماء متفقون على عدم .. والتنديد ، فهذا ال يعذر جبهله ألنه هو الذي كسبه بإعراضه

عذر املعرض إن متكن من العلم ، وإمنا اخلالف بينهم يف عذر من مل يتمكن من ذلك ، اهلل قد بلغ اآلفاق ، وكتاب اهلل بل وهو خالف عدمي اجلدوى فيما حنن فيه ، ألن دين

وسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم املبينه له ، حمفوظان ، ومظنة تعلم ذلك كله موجودة ميسرة لكل أحد ، فلم يبق واحلال كذلك إال جهل اإلعراض ، خصوصا فيما اشتهر من

ود والنصارى دين اإلسالم وعرف وذاع وشاع ليس بني املسلمني فقط ، بل وحىت بني اليه . وغريهم ؛ كالتوحيد الذي هو أصل دين اإلسالم وقطب رحاه

) ان كل : هـ(684ولذلك نص العلماء يف قواعدهم الشرعية كما قال القرايف )( وأيضا 4/264جهل ميكن املكلف دفعه ، ال يكون حجة للجاهل ( أنظر الفروق )

(2/149-151) . يعذر إذا مل يقصر أو يفرط يف تعلم ) جاهل احلكم إمنا: ويقول ابن اللحام

(. 58لقواعد والفوائد األصولية ص )احلكم،أما إذا قصر أو فرط فال يعذر جزما ( أهـ اهذا واعلم أن مانع اجلهل فيه تفصيل يطول ، وقد صنف فيه أهل عصرنا املصنفات

مل يكفره اهلل ، ما بني إفراط وتفريط ، وقد نفاه أقوام بالكلية ، فأخطأوا ، وكفروا من .. ورسوله صلى اهلل عليه وسلم

ووسعه آخرون فتعدوا حدود اهلل فيه ، حىت عذروا املرتدين املعاندين ، والكفرة املعرضني عن دين اهلل ، أولئك الذين جهلوا دين اهلل بكسبهم وإعراضهم عنه ، واستحباهبم

وجل من أمورها وقشورها ، بينما فرتاهم أعلم الناس يف كل ما دق .. احلياة الدنيا وزخرفهاال يرفعون رأسا بتعلم أهم وأول ما افرتض اهلل على ابن آدم تعلمه ، هذا مع توفر مظنة

يعلمون فهم ممن قال اهلل تعاىل عنهم )) -كما قلنا–العلم ، والكتاب والسنة بني أيديهم . (( ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن اآلخرة هم غافلون

لذي يعذر ويعترب يف حقه هذا املانع كمانع من موانع التكفري ، من كان وإمنا اعنده أصل التوحيد لكن خفيت عليه بعض املسائل اليت قد تشكل أو ختفى أو حتتاج إىل تعريف وبيان ، ومن جنس ذلك باب أمساء اهلل وصفاته ، فقد دلت أدلة الشرع على عذر

.. از تكفريه إال بعد إقامة احلجة بالتعريف والبياناملخطئ فيها من أهل التوحيد ، وعدم جو

(48) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

كما يف حديث الرجل الذي أسرف على نفسه فلم يعمل خريا قط إال، فأوصى بنيه ، عند موته أن حيرقوه ويذروا رماده ، وقال إلن قدر اهلل علي (16)التوحيد

. ليعذبين عذبا ال يعذبه أحد من العاملني وأنه سبحانه قادر على بعثه حىت وإن احرتق وتفرقت وفيه جهله بسعة قدرة اهلل

أجزاؤه ، ومع هذا فقد غفر اهلل له لتوحيده وخشيته هلل ، فدل ذلك على أن اخلطأ واجلهل .. يف مثل هذا الباب يعذر فيه اجلاهل إن كان من أهل التوحيد

اليت جلها ولذلك نص شيخ اإلسالم ابن تيمية يف مناظرته على )العقيدة الواسطية ( يف باب األمساء والصفات ، وذلك ملا اعرتض بعض املناظرين على قوله فيها )هذا اعتقاد

) وليس كل من خالف يف شيء من هذا االعتقاد جيب أن : الفرقة الناجية ( قال رمحه اهلليكون هالكا ، فإن املنازع قد يكون جمتهدا خمطئا يغفر اهلل خطأه وقد ال يكون بلغه يف

(3/116ك من العلم ما تقوم به عليه احلجة ( أهـ الفتاوى )ذل ومن هذا الباب أيضا اعتبار مانع اجلهل يف حديث العهد باإلسالم أو من نشأ

فإنه يعذر فيما خفي عليه ما .. يف بادية بعيدة يتعذر وصول تفاصيل الشرع إليها وحنو ذلك . ددام من أهل التوحيد جمتنبا للشرك األكرب والتندي

وقد قدمنا لك يف أول هذا الفصل تفريق شيخ اإلسالم يف الفتاوى( بني تكفري املطلق وتكفري املعني ، وأن تكفري املعني ال بد فيه من تبني 35/101)

إن اخلمر والربا حالل : ) مثل من قال: مث ضرب على ذلك أمثلة فقال… الشروط واملوانع بادية بعيدة ، أو مسع كالما أنكره ومل يعتقد انه من ، لقرب عهده باإلسالم ، أو لنشوئه يف

القرآن وال انه من أحاديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ، كما كان بعض السلف ينكر أشياء حىت يثبت عنده أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قاهلا ، وكما كان الصحابة يشكون يف

لك رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ، أشياء مثل رؤية اهلل وغري ذلك حىت يسألوا عن ذإذا أنا مت فاسحقوين ، وذروين يف اليم ، لعلي أضل عن اهلل ، وحنو ذلك : ومثل الذي قال

لئال يكون فإن هؤالء ال يكفرون حىت تقوم عليهم احلجة بالرسالة ، كما قال اهلل تعاىل )) . ة عن اخلطأ والنسيان ( أهـ(( وقد عفى اهلل هلذه األم للناس على اهلل حجة بعد الرسل

-ومل يعلم شرائع اإلسالم –) وال خالف يف ان امرءا لو أسلم : يقول ابن حزمفاعتقد أن اخلمر حالل ، وأن ليس على اإلنسان صالة ، وهو مل يبلغه حكم اهلل تعاىل مل

لم فيه يف أخطاء التكفري ، وزيادة ) إال التوحيد ( معلومة من دين اهلل سيأيت احلديث وكالم أهل الع (16)

ضرورة ، ومع هذا فقد رواها اإلمام أمحد يف مسنده بإسناد صحيح عن أيب هريرة مرفوعة ومن حديث ابن مسعود موقوفا.

(49) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

ع األمة يكن كافرا بال خالف يعتد به ، حىت إذا قامت عليه احلجة فتمادى حينئذ بإمجا (13/151فهو كافر ( أهـ احمللى )

) ومن مل يبلغه الباب من واجبات الدين فإنه : (4/105وقال أيضا يف الفصل )معذور ال مالمة عليه ، وقد كان جعفر بن أيب طالب وأصحابه رضي اهلل عنهم ، بأرض

رع ، فال يبلغ إىل احلبشة ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم باملدينة والقرآن ينزل والشرائع تشجعفر وأصحابه أصال ، النقطاع الطريق مجلة من املدينة إىل أرض احلبشة ، وبقوا كذلك

ست سنني فما ضرهم ذلك يف دينهم شيئا ، إذا عملوا باحلرام وتركوا املفروض ( أهـ ) ال خالف : ومن ترك الصالة (: وقال ابن قدامة يف املغىن )كتاب املرتد ( )مسألة

أهل العلم يف كفر من تركها جاحدا لوجوهبا إذا كان ممن ال جيهل مثله ذلك ، فإن كان بني ممن ال يعرف الوجوب كحديث العهد باإلسالم والناشئ بغري دار اإلسالم أو بادية بعيدة عن األمصار وأهل العلم ، مل حيكم بكفره ، وعرف ذلك ، وتثبت له أدلة وجوهبا فإن

، وأما إذا كان اجلاحد هلا ناشئا يف األمصار بني أهل العلم فإنه جحدها بعد ذلك كفر . أهـ…( يكفر مبجرد جحدها ، وكذلك احلكم يف مباين اإلسالم كلها

: وقد استدل العلماء لذلك أيضا مبا روي يف سنن الرتمذي عن أيب واقد الليثي قالاء عهد بكفر ، وللمشركني خرجنا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إىل حنني وحنن حدث

سدرة يعكفون عندها ، وينوطون هبا أسلحتهم يقال هلا ذات أنواط ، فقلنا يا رسول اهلل ) اهلل : أجعل لنا ذات أنواط كما هلم ذات أنواط ، فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم

ل لنا إهلا أكرب إهنا السنن ، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو اسرائيل ملوسى ، اجع كما هلم آهلة ، قال إنكم قوم جتهلون ، لرتكنب سنن من قبلكم (

فاستدل من صحح هذا من العلماء على ) أن من أراد أن يفعل الشرك جهال فنهي وليس فيه عذر املشركني بالشرك األكرب كما يستدل به مرجئة العصر (17)فانتهى ال يكفر (

صلى اهلل عليه وسلم غضب لطلب الصحابة وأنكره عليهم للطواغيت وأنصارهم فإن النيب … لكنه عذرهم ومل يكفرهم

.. بينما مل يعذر املشركني يف اقرتافهم للشركفالصحابة طلبوا من الرسول صلى اهلل عليه وسلم جهال منهم ، ألهنم كانوا حدثاء

م شجرة يعكفون عهد بكفر ، ظنا منهم أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم له أن جيعل هلومل يقرتفوا شركا ، وال ذريعة من ذرائعه ، فيجب الوقوف بالدليل عند .. عندها يعبدون اهلل

. 185عن تيسري العزيز احلميد شرح كتاب التوحيد ، ص (17)

(50) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

حدوده ودالالته اليت حيتملها ، بأن يعذر به اجلاهل ما مل يقرتف الشرك األكرب أو الكفر . الواضح املستبني

الكفر البواح أو وذلك ألن األدلة الشرعية قد دلت على أن نقض أصل التوحيد ببالشرك الصراح الواضح املستبني املعلوم بالضرورة إنكاره يف دين املسلمني ، والذي ال خيفى على صبيان املسلمني ، وحىت اليهود والنصارى يعرفون أن حممدا صلى اهلل عليه وسلم بعث

على األمة بإبطاله وهدمه ، فهذا ال يعذر اجلاهل يف مثله ، خصوصا مع إمتام اهلل نعمتهحبفظ كتابه الذي علق سبحانه النذارة فيه وببلوغه ،فمن بلغته النذارة ونقض أصل التوحيد بالكفر أوالشرك الصراح الواضح املستبني فهو كافر بل ومعذب يف اآلخرة وال يصلح االعتذار له باجلهل ألن جهله واحلال كذلك جهل إعراض ال جهل من مل يتمكن من العلم

) إن : ى ذلك داللة واضحة قول النيب صلى اهلل عليه وسلم لرجل سأله عن أبيه، ويدل عللتنذر )) : مع أن هؤالء اآلباء من القوم الذين قال اهلل تعاىل فيهم (18)أيب وأباك يف النار(

لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك )) : (( وقال قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون.. ، فهؤالء مل يعذروا بالشرك األكرب مع اهنم ما أتاهم نذير خاص هبم(( لعلهم يهتدون

وما ذلك إال ألن الشرك األكرب الصراح، قد أقام اهلل على اإلنذار والتحذير منه حججه البالغة الواضحة ، وأرسل كافة رسله منذرين وحمذرين منه ، وأنزل مجيع كتبه من أجل هدمه

كتاب ال يغسله املاء تكفل حبفظه وعلق النذارة به ، فمن مث جعل خامتها.. والتحذير منه يعذر مبثل ذلك من جاؤوا بعد ذلك. باب أوىل أن ال

( يف معرض كالمه على ساب النيب صلى 2/231قال القاضي عياض يف الشفا ) . اهلل عليه وسلم وهو من الكفر الصريح الذي ال يعذر اجلاهل به

أو قبيح من الكالم ونوع من السب يف جهته وإن ) أو يأيت بسفه من القول : قالظهر بدليل حاله أنه مل يتعمد ذمه ومل يقصد سبه إما جلهالة محلته على ما قاله أو ضجر أو سكر اضطره إليه ، أو قلة مراقبة وضبط للسانه وعجرفة وهتور يف كالمه ؛ فحكم هذا

. بالكفر باجلهالة ( أهـالوجه حكم الوجه األول القتل دون تلعثم إذ ال يعذر أحد أي الكفر الصريح الذي هو من قبيل سب النيب صلى اهلل عليه وسلم ، وإال فقد

. تقدم قول القاضي نفسه يف وجوب اإلحرتاز يف إكفار املتأولني من املصلني املوحدين : ( مانع اإلكراه4)

(: ) إن أمي وأمك يف النار (. ويف 4/11ا ، ومثله ما رواه اإلمام أمحد )رواه مسلم عن أنس مرفوع (18)

( …صحيح مسلم ) استأذنت ريب أن استغفر ألمي فلم يأذن يل

(51) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

. ويقابله يف الشروط أن يكون املكلف خمتارا لفعلهمن كفر باهلل من بعد إيمانه إال من أكره وقلبه مطمئن )) : تعاىل ويدل عليه قوله

: (19)(( وقد ذكر العلماء شروطا لصحة حتقق مانع اإلكراه منها باإليمانأن يكون املكره )بكسر الراء ( قادرا على إيقاع ما يهدد به ، واملكره عاجزا عن -

. الدفع ولو بالفرار . انه إذا امتنع أوقع به ما يهدد بهأن يغلب على ظن املكره ، -أن ال يظهر على املكره ما يدل على متاديه ، بأن يعمل أو يتكلم زيادة على ما -

. ميكن أن يزول به عنه البالءواشرتطوا فيما يهدد به يف اإلكراه على كلمة الكفر ، أن يكون مما ال طاقة -

عضاء ، والتحريق بالنار والقتل وأمثال للمرء به ، ومثلوا باإليالمات الشديدة وتقطيع األوذلك ألن الذي نزلت بسببه آيات إعذار املكره وهو عمار ، مل يقل ما قال إال .. ذلك

. بعد أن قتل والديه وكسرت ضلوعه ، وعذب يف اهلل عذابا شديدا واشرتطوا أن يظهر إسالمه مىت زال عنه اإلكراه ، فإن أظهره فهو باق على -

. (20)ظهر الكفر ، حكم أنه كفر من حني نطق بهإسالمه وإن أ ومع هذا فيجدر التنبيه إىل أن العلماء قد نصوا على أن من قامت عليه بينة أنه

نطق بكلمة الكفر وكان حمبوسا عند الكفار مقيدا عندهم يف حالة خوف ، مل حيكم وسا ويقدرون على إنفاذ ما ألنه يف مظنة اإلكراه ما دام يف سلطاهنم مقيدا أو حمب (21)بردته

(22). يريدون به (23)وإن شهد عليه انه كان آمنا حال نطقه هبا حكم بردته

أنظر فتح الباري )كتاب اإلكراه (. (19) (…وانظر املغين البن قدامة كتاب املرتد ) فصل ومن أكره على الكفر (20) (…امة كتاب املرتد ) فصل ومن أكره على الكفر انظر املغين البن قد (21)

) احلالة الثالثة: أن يوافقهم يف 62( أنظر ) سبيل النجاة والفكاك ( للشيخ محد بن عتيق ص 22)الظاهر مع خمالفته هلم يف الباطن وهو على وجهني: أحدمها أن يفعل ذلك لكونه يف سلطاهنم مع ضرهبم

إنه واحلالة هذه جيوز له موافقتهم يف الظاهر مع كون قلبه مطمئن وتقييدهم له وهتديده بالقتل ، ف((. ( أهـ وسيأيت إال من أكره وقلبه مطمئن باإليمانباإلميان كما جرى لعمار، قال تبارك وتعاىل: ))

كالمه على الوجه الثاين قريبا.. أنظر املغين املوضع السابق نفسه. (23)

(52) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

ومن املهم هنا التنبيه إىل أن اإلكراه الذي يتحدث عنه العلماء هو النطقأما اإلكراه على اإلقامة .. بكلمة الكفر أو فعله ، مث العودة إىل إظهار اإلسالم كما تقدم

فهذا مل يعتربوه ومل جييزوه وفرقوا بينه وبني ما يعذرون به يف أبواب .. الكفر والبقاء عليهعلى .. اإلكراه

أنه سئل عن الرجل يؤسر -وهو اإلمام امحد –) فروى األثرم عن أيب عبد اهللما يشبه هذا : ، فيعرض على الكفر ويكره عليه،أله أن يرتد ؟ فكرهه كراهة شديدة ، وقال

الذين أنزلت فيهم اآلية من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم ، أولئك كانوا عندييرادون على الكلمة مث يرتكون يعملون ما شاءوا ، وهؤالء يريدوهنم على اإلقامة على الكفر

وذلك ألن الذي يكره على كلمة يقوهلا مث خيلى ، ال ضرر فيها ، وهذا . (24)وترك دينهمإجابتهم إىل الكفر املقام عليه واستحالل احملرمات وترك الفرائض املقيم بينهم يلتزم ب

والواجبات وفعل احملظورات واملنكرات ، وإن كان امرأة تزوجوها واستولدوها أوالدا كفارا ( . وكذلك الرجل ، وظاهر حاهلم املصري إىل الكفر احلقيقي واالنسالخ من الدين احلنيفيي

ومن اكره على كلمة الكفر فاألفضل له أن يصرب وال : ()فصلأهـ من املغىن )كتاب املرتد …( يقوهلا القسم الثاني من الموانع :-

: موانع في الفعل )أي سبب التكفير ( . ككون القول أو الفعل غير صريح في الداللة على الكفر -1أو أن الدليل الشرعي المستدل به غير قطعي الداللة على كون ذلك القول -2 . مكفرا أو الفعل

يف اخلطأ السادس … الكالم على هذا يف أخطاء التكفري -إن شاء اهلل-وسيأيت . والسابع موانع في الثبوت: القسم الثالث : ) وهي اجلانب القضائي يف املوانع( وتتأكد ويشدد فيها عند ترتيب لوازم التكفري

. عليه كاستباحة الدماء واألموال وحنوها

مام أمحد وما بعده شرح صاحب املغين واهلل تبارك وتعاىل أعلم. كأن هذا هو آخر كالم اإل (24)

(53) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

ثبت الكفر على قائله أو فاعله الثبوت الشرعي الذي هو وذلك بأن ال يكون -االعرتاف ) واإلقرار ( أو شهادة شاهدين عدلني، سواء بنقصان نصاب الشهادة فيها

بأن يشهد رجل واحد فال –كما سيأيت –والذي نص اجلمهور على انه شاهدان عدالن بن أيب بشهادة زيد بن األرقم يؤخذ هبا، كما مل يؤاخذ النيب صلى اهلل عليه وسلم عبد اهلل

. ( (25)وحده ملا شهد عليه بأنه قال ) لئن رجعنا إىل املدينة ليخرجن األعز منها األذلأو بأن يكون أحد الشهود غري مقبول الشهادة يف هذا الباب لكونه كافرا ، أو -

ه ، مع إنكار جمنونا أو صبيا أو غري ذلك ، أو أنه خصم للمشهود عليه أو مقدوح يف عدالت . املتهم ملا نسب إليه ، ودفعه له ورده باألميان ، وسيأيت الكالم على هذا يف أخطاء التكفري

) اإلسالم والبلوغ والعقل : وقد اشرتط العلماء يف قبول شهادة الشاهد أربعة شروط ( 282(( ) وأشهدوا ذوي عدل منكم)) : واستدلوا بأدلة؛ منها قوله تعاىل (26)والعدالة (

ومبا رواه أمحد وأبو داود والبيهقي وغريهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن . البقرة) ال جتوز شهادة خائن وال خائنة ، وال ذي غمر على : النيب صلى اهلل عليه وسلم قال

. أي حقد وعداوة: وذو غمر. وسنده قوي: (4/198أخيه ( قال احلافظ يف )التلخيص( )شافعي ومالك وأمحد واجلمهور عدم قبول شهادة العدو على ولذلك فمذهب ال

) واحلق عدم : عدوه، وخالفهم أبو حنيفة ، ذكر ذلك الشوكاين يف نيل األوطار مث قالقبول شهادة العدو على عدوه لقيام الدليل على ذلك ، واألدلة ال تعارض مبحض األراء ،

قضية واألحكام )باب من ال جيوز احلكم وليس للقائل بالقبول دليل مقبول ( أهـ كتاب األ . بشهادهتم (

احلديث أصله يف الصحيحني. (25)( ، واملراد …أنظر على سبيل املثال املغين ) كتاب القضاء ( مسألة: ) وإذا شهد عنده من ال يعرفه (26)

، أما يف سائر أبواب الفقه األخرى ، فمعلوم أن فيها من هذا هنا ما يتعلق بالشهادة على الردة و التكفري تفصيل ، ففي الزنا ال تثبت الشهادة بأقل من أربعة شهداء ، ويف الدين والرجعة شهادة عدلني ، وثبت قضاء النيب صلى اهلل عليه وسلم يف احلقوق واألموال بالشاهد الواحد واليمني عند تعذر الشاهدان ، ويف

تقبل شهادة كافرين إذا مل يوجد املسلمان العدالن كما يف سورة املائدة ، وهو من الوصية يف السفر مواضع احلاجات اليت راعتها الشريعة ، ومثلها ما جوزه العلماء من شهادات الصبيان على بعضهم يف

ال اجلراحات اليت تكون بينهم وال حيضرها غريهم ، وشهادة النساء منفردات على بعضهن يف املواضع اليتيوجد فيها غريهن ، وانظر يف ذلك ويف نصاب الشهادة وبعض الفوائد املتعلقة فيها ؛ اعالم املوقعني

( فصاعدا. 1/91)

(54) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

وقد ذكر العلماء يف البينات إضافة إىل اإلقرار والشاهدين ؛ اإلستفاضة ، وهواشتهار األمر وظهوره ومعرفته بني الناس حبيث يكون ذلك يف بعض األحيان أقوى من

. شهادة الشاهدينالعلماء يف أبواب ومل يعتربوه يف لكن هذا فيه تفصيل جيب مراعاته ، حيث اعتربه

( وانظر فتاوى .. وما تظاهرت به األخبار: أنظر املغىن كناب الشهادات )مسألة. أخرى . (15/179): ( وسيأيت ذلك ، وانظر أيضا فيها242-35/241شيخ اإلسالم )

(55) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

تنبيهات حول موانع التكفيرالممتنع أو تبين الموانع إنما يجب في المقدور عليه ، وال يجب في (1)

: المحارب .. واعلم بعد هذا أن تبني هذه املوانع إمنا جيب يف حق املقدور عليه دون املمتنع

: * واالمتناع يرد على معنيني . األول امتناع عن العمل بالشريعة جزئيا أو كليا - الثاين امتناع عن القدرة ، أي قدرة املسلمني أن يوقفوه وحياسبوه وحياكموه لشرع -

. هللاوال تالزم بني النوعني فقد يكون املمتنع عن العمل بالشريعة ؛ مقدورا عليه يف دار

. اإلسالم كمن امتنع عن الزكاة وهو فرد مقدور عليه يف دار اإلسالموقد جيتمعان ، فيمتنع املمتنع عن الشريعة بدار كفر أو بشوكة وطائفة وقانون

ون من إنزاله على حكم اهلل تعاىل وإقامة حد اهلل وسلطان دولة ، حبيث ال يتمكن املسلم .. عليه

واملمتنع عن القدرة ، قد يكون حماربا باليد ، وقد يكون حماربا باللسان فقط ، - 388وانظر الصارم املسلول ص

وقد نص العلماء على أن املمتنع عن القدرة ال جتب استتابته ، فمن باب أوىل - . لمني واحتلها وتسلط على مقاليد احلكم فيهااحملارب الذي داهم ديار املس

ويراد باالستتابة معنيان أيضا : . طلب التوبة ممن حكم عليه بالردة: األولتبني الشروط واملوانع قبل احلكم عليه بالردة ، وهذا هو الذي نريد التنبيه عليه : الثاين

. هنام اهلل ، واحملارب للمسلمني فاملمتنع عن شرائع اإلسالم واملمتنع عن النزول على حك

اخلارج عن قدرهتم وحكمهم ، سواء امتنع بدولة الكفر أو بقوانينها أو جبيوشها وحماكمها ، هذا قد مجع بني نوعي االمتناع، فال جيب تبني الشروط واملوانع يف حقه قبل التكفري

(56) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

نظر له يف إذ هو مل يسلم نفسه للمسلمني ، وال سلم بشرعهم وحكمهم حىت ي.. والقتالفال يقال قي حق من كانوا كذلك ، أهنم مل تقم عليهم احلجة ، كما يهذر به .. ذلك

بعض من يهرف مبا ال يعرف ، خصوصا إذا كانوا حماربني مقاتلني لنا يف الدين ، وقد تسلطوا على ديار اإلسالم وامتنعوا بشوكتهم عن شرائعه ، وأقاموا وفرضوا شرائع الكفر

.. والطاغوت) ولو أن قوما من أهل احلرب الذين مل يبلغهم : قول حممد بن احلسن الشيبايني

اإلسالم وال الدعوة أتوا املسلمني يف دارهم ، يقاتلهم }املسلمون{ بغري دعوة ليدفعوا عن من السري الكبري ، وما . أهـ… ( أنفسهم ، فقتلوا منهم وسبوا وأخذوا أمواهلم فهذا جائز

) ألن املسلم لو شهر سيفه على : دة أثبتها السرخسي يف شرحه ، مث قالبني املعكوفني زيامسلم حل للمشهور عليه سيفه قتله للدفع عن نفسه ، فها هنا اوىل ، واملعىن يف ذلك أهنم لو اشتغلوا بالدعوة إىل اإلسالم فرمبا يأيت السيب والقتل على حرم املسلمني وأمواهلم

. وأنفسهم فال جيب الدعاء ( أهـإىل اإلسالم -قبل قتاهلم–) ومنها أن املسلمني يدعون الكفار : ويقول ابن القيم

، هذا إذا كان هذا واجب إن كانت الدعوة مل تبلغهم ، ومستحب إن بلغتهم الدعوة المسلمون هم القاصدين للكفار، فأما إذا قصدهم الكفار في ديارهم فلهم أن

. (1/5عن أنفسهم وحرميهم ( أحكام أهل الذمة ) ألهنم يدفعوهنم يقاتلوهم بغير دعوة .. فهذا من تفريق العلماء بني جهاد الطلب وجهاد الدفع

وهو -وقد فرق شيخ اإلسالم أيضا يف مواضع عديدة من كتبه بني )املرتد ردة مغلظة ملرتد فيقتل بال استتابة وبني ا -الذي يضيف إىل ردته االمتناع أو احملاربة والقتل أو القتال

. (1)ردة جمردة فيقتل إال أن يتوب) املرتد لو امتنع بأن يلحق بدار احلرب ، أو : 322وقال يف الصارم املسلول ص

بأن يكون املرتدون ذوي شوكة ميتنعون هبا عن حكم اإلسالم ، فإنه يقتل قبل االستتابة بال . تردد ( أهـ

تتاب وإمنا يستتاب ) على أن املمتنع ال يس: 326– 325وقال أيضا فيه ص . املقدور عليه ( أهـ

: (2)أعذار يتعذر بها المرتدون وغيرهم ، وليست من موانع التكفير (2)

(. 20/59أنظر على سبيل املثال الفتاوى ) (1)

(57) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

بعد أن عرفت شروط وموانع التكفري ، بقي أن تتنبه إىل قاعدة شرعية مهمة يف هذا المانعية والشرطية ، وكذلك السببية البد إلثباتها واعتبارها دليل أن ) : الباب وهي

فاملوانع والشروط واألسباب ، كل ذلك من األحكام الشرعية الوضعية اليت (3)( شرعي .. وضعتها الشريعة بتوقيف

وما مل يكن كذلك فال يعترب ، فمن ادعى سببية أو شرطية أو مانعية شيء لشيء ، ع فال بد له من إثبات ذلك بدليل ، وإال كان تقوال على اهلل بال علم ، فال جيوز ابتدا

أسباب أو شروط أو موانع للتكفري ما أنزل اهلل هبا من سلطان ، ومن فعل ذلك فهو داخل (( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به اهلل)) : حتت عموم قوله تعاىل

.. فحذار من ذلك.. (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اهلل)) : وقوله سبحانههذا - (4)ألصولني منعوا القياس يف الشروط واألسباب واملوانع (حىت إن) أكثر ا

وقد خاض كثري من اخلوالف يف هذا العصر ، يف أعذار وموانع التكفري ، فصار كثري منهم –ال ختطر حىت على بال أولئك املرتدين -يعتذر للكفار واملرتدين ، مبوانع وأعذار مبتدعة

، وبعضها قد نص اهلل سبحانه على إبطاله يف كتابه أو بعضها ما انزل اهلل به من سلطان . على لسان نبيه صلى اهلل عليه وسلم

: فمن ذلكاخلوف مما يهدد به بعضهم من قطع راتب أو الطرد من الوظيفة أو مصادرة -1

بعض حظوظ دنياهم أو منعهم من بعض قشورها ، فهذا ليس مبانع من موانع التكفري وال ك إىل الكفر برب العاملني ، وتول املشركني ومظاهرهتم على املسلمني ، يعذر به من دفعه ذل

ونصرة قوانني املشركني ، بل هو من تزيني الشياطني وإمدادهم ألوليائهم بالغي ، وأزهم إىل . الكفر أز ا ، إذ التخويف مبثل هذه األمور ليس من اإلكراه يف شيء

وانظر يف أمثال ذلك أيضا كتابنا ) إمتاع النظر يف كشف شبهات مرجئة العصر ( و ) ملة إبراهيم ( (2)

شبهات اجملادلني عن عساكر الشرك وأنصار القوانني ( وانظر أيضا كتاب ) اجلامع يف طلب و) كشفالعلم الشريف ( للشيخ عبد القادر بن عبد العزيز حفظه اهلل ، وال بد يل من أن أنوه هنا ، أنين قد

له إىل استفدت منه واختصرت من بعض مباحث اجلزء الثاين منه بتصرف ، فقد يسر اهلل تعاىل إدخاالسجن خفية عن طريق أخوة أفاضل طلبوا مين أن أنصح هلم يف الكتاب ، فكتبت عليه بعض التنبيهات ، مسيتها: ) النكت اللوامع يف ملحوظات اجلامع ( ، وأذكر ذلك هنا من باب نسبة الفضل إىل أهله ،

العلم (. نقال عن ابن عبد الرب وأنه ) من بركة 858كما قد قال مصنف اجلامع نفسه ص 32أنظر الواضح يف أصول الفقه حملمد سليمان األشقر ص (3)، وانظر إرشاد الفحول ،) الفصل اخلامس ( ) فيما ال 282مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص (4)

. 375جيري فيه القياس ( ص

(58) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

نا باهلل فإذا أوذي في اهلل جعل فتنة ومن الناس من يقول آم)) : وقد قال تعاىل . (( الناس كعذاب اهلل

وقال تعاىل )) يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتوهلم منكم فإنه منهم إن اهلل ال يهدي القوم الظاملني * فرتى الذين يف قلوهبم

يبنا دائرة فعسى اهلل أن يأيت بالفتح أو أمر من مرض يسارعون فيهم يقولون خنشى أن تصعنده فيصبحوا على ما أسروا يف أنفسهم نادمني * ويقول الذين أمنوا أهؤالء الذين أقسموا باهلل جهد أمياهنم إهنم ملعكم حبطت أعماهلم فأصبحوا خاسرين * يا أيها الذين أمنوا من

. اآليات( املائدة…يرتد منكم عن دينه اآليات بيان ردة من دفعتهم اخلشية اجملردة إىل تويل الكفار ، والتصريح ففي هذه

.. بأهنم قد حبطت أعماهلم ، وهذا ال يكون إال بالكفرفلم يعذر اهلل يف اقرتاف الكفر )كتويل املشركني أو قوانينهم( ، باخلشية اجملردة ، ومل

. .ه كما يظن كثري من اجله الجيعل ذلك مانعا من موانع التكفري ،ومل جيعله من اإلكرايقول الشيخ محد بن عتيق يف )سبيل النجاة والفكاك من موالة املرتدين وأهل

من (5)حني ذكر أحوال الناس املظهرين ملوافقة الكفار فذكر فيهم 62اإلشراك ( ص) وإمنا : يوافقهم يف الظاهر مع دعوى خمالفته هلم يف الباطن وهو ليس يف سلطاهنم ، قال

محله على ذلك إما طمع يف رئاسة أو مال أو مشحة بوطن أو عيال أو خوف مما حيدث . (6)يف املال ، فإنه يف هذه احلالة يكون مرتدا وال ينفعه كراهته هلم يف الباطن

ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على اآلخرة ، وإن )) : وهو ممن قال اهلل فيهم . (( اهلل ال يهدي القوم الكافرين

وأخرب انه مل حيملهم على الكفر اجلهل ، وال بغض ) احلق ( ، أو حمبة الباطل ، …وإمنا هو أن هلم حظا من حظوظ الدنيا آثروه على الدين

. وهذا معىن كالم شيخ اإلسالم حممد بن عبد الوهاب رمحه اهلل تعاىل: قال

اهلامش يف مانع هذا هو الوجه الثاين من حال املذكورين أعاله ، وتقدم كالمه يف الوجه االول يف (5)

اإلكراه ، وهو الذي يكون يف سلطاهنم مع ضرهبم وتقيدهم له وهتديده بالقتل. ألنه وافقهم على إظهار الكفر دومنا إكراه حقيقي ، وإمنا تنفع كراهية الباطن املكره على كلمة الكفر (6)

ضه. إكراها حقيقيا ، أو املستضعف الذي يكتم إميانه إذا مل يظهر منه ما يناق

(59) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

ان وتسويله ، فذلك أن وأما ما يعتقده كثري من الناس عذرا فإنه من تزيني الشيطبعضهم إذا خوفهم أولياء الشيطان خوفا ال حقيقة له ، ظن انه جيوز له إظهار املوافقة

. للمشركني واالنقياد هلم ( أهـمث ذكر كالما لشيخ اإلسالم ابن تيمية يف صفة اإلكراه على كلمة الكفر ، وأنه ال

كالم وال بالتخويف باحليلولة دونه ودون يكون إال بالضرب والتعذيب والقتل ، ال مبجرد ال … زوجته أو ماله أو أهله

سئل أبو حممد : وقد نقل السيوطي يف مقدمة تاريخ اخللفاء عن القاضي عياض قالالقريواين الكيزاين من علماء املالكية عمن أكرهه بنو عبيد يعين ) حكام( مصر على

الدخول يف دعوهتم ، أو يقتل ؟ تل ، وال يعذر أحد يف هذا األمر، كان أول دخوهلم قبل أن يعرف خيتار الق: قال

أمرهم ، وأما بعد فقد وجب الفرار فال يعذر أحد باخلوف بعد إقامته ، ألن املقام يف موضع يطلب من أهله تعطيل الشرائع ال جيوز ، وإمنا أقام من أقام من الفقهاء على املباينة

. (13، فيفتنوهم عن دينهم ( أهـ )صهلم ، لئال ختلو للمسلمني حدودهم إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم )) : ويصدق هذا ويدل عليه قوله تعاىل

ألم تكن أرض اهلل واسعة : كنا مستضعفين في األرض ، قالوا: ، قالوا فيم كنتم قالوا [ 97: (( ] النساءفتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا

لت يف أناس كانوا قد أسلموا ولكنهم قصروا يف اهلجرة ، فبقوا يف مكة بني فإهنا نز املرتدين مشحة أن يرتكوا املساكن واألزواج واألموال واألوطان ، فلما كان يوم بدر ،

: أخرجهم املشركون يف صفوفهم ، فكان املسلمون إذا رموا بسهم وقع يف بعضهم ، فقالواتعاىل هذه اآليات من سورة النساء ، فلم يعذرهم تعاىل بدعواهم قتلنا إخواننا ، فأنزل اهلل

اإلستضعاف وإخراج املشركني هلم يف الصف كرها ، ألهنم قصروا أول مرة يف اهلجرة واخلروج –كما يف اآلية اليت بعدها -من بينهم حني كانوا يف سعة حال القدرة عليه ، وإمنا عذر

من اهلجرة وال يستطيعوهنا إما حلبسهم وقيدهم املستضعفني حقا الذين ال يتمكنونوإستضعافهم احلقيقي ، أو ألهنم ال يستطيعون حيلة وال يهتدون سبيل اهلجرة ، كالنساء

.. والولدان وحنوهمفدل هذا كله على أن املكثر لسواد الكفار واملشركني املظهر موافقتهم ونصرهتم

على األموال واملشحة )بالتقاعد( واملساكن على املسلمني ال يعذر مبجرد دعواه اخلوف .. وحنوها من متاع الدنيا وقشورها

(60) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

فكيف مبن أظهر نصرة الشرك نفسه ومحى وحرس قوانني الكفر وخرج خمتارا لنصرهتا .. ؟؟ مث تعذر بأمثال تلك األعذار.. ونصرة أهلها على املوحدين

.. ال شك أن هؤالء أوىل بذلك وأوىلوانع التكفري أيضا كون املرتدين وأنصارهم يتعذرون ولذلك فليس من م -2

باالستضعاف وأهنم ال حيلة هلم مع حكامهم ، فاالستضعاف لو كان موجودا معتربا يف حقهم فإنه ال يسوغ هلم نصرة الشرك والكفر أو نصرة أهله على املسلمني ، إذ ال أحد

بل هم يستميتون يف .. ذلك جيربهم على ذلك ، وال على تويل الوظائف اليت فيها جنس .. ويلتمسون الشفاعات والوساطات لنيلها والوصول إليها.. احلصول عليها

وأعجب من ذلك ما مسعته من بعض من طمس اهلل على بصائرهم وأعماهم عن نور الوحي ، يعتذرون للحكام املعطلني لشرع اهلل املشرعني لقوانني الكفر احملكمني هلا

.. أهنم مستضعفون عند أمريكا وال يستطيعون حتكيم الشرع بسبب ذلكواملمتنعني هبا ، بفمن ذا الذي جيربهم على البقاء يف احلكم والتشبث بكرسيه بالنواجذ : !! وكنت أسأهلم

وأصابع األيدي واألرجل ، كيف وقد وصل أكثرهم إىل هذه الكراسي على ظهور الدبابات لغدر واخلسة ، فمنهم من قتل والده ، ومنه من ، وبكل ما يقدرون عليه من وسائل القتل وا

مث يقول أولئك العميان ؛ أهنم .. نفاه ، ومنهم من أباد قرى ومدن كاملة من أجل ذلكهم أذناهبا وإخواهنا : بل فليسموا األشياء بأمسائها احلقيقية وليقولوا.. مستضعفون ألمريكا

.. وأحباهباوإمنا .. له اقرتاف قول أو فعل مكفر وعلى كل حال ، فاملستضعف عموما ال حيل

يرخص له فقط يف مداراة الكفار والتقية ، وهي ترك اإلنكار عليهم باليد واللسان ، مع بقاء كراهيتهم وإنكار باطلهم يف القلب ، وترك إظهار عداوهتم مع بقاء أصلها بالقلب ،

ضي وتابع ( دون أن يتابعهم على كفر أو يرضى به ، كما يف احلديث ) إال من ر فاهلل مل يعذر املتابعني للكفار على كفرهم وشركهم حبجة االستضعاف ، كما هو

… بني واضح يف آيات كثرية وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إن )) : منها قوله تعاىل

كل فيها كنا لكم تبعا فهل انتم مغنون عنا نصيبا من النار * قال الذين استكبروا إنا . * (( غافر إن اهلل قد حكم بين العباد

ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى )) : وقال تعاىلبعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لوال أنتم لكنا مؤمنين * قال الذين

(61) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

كنتم مجرمين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل * وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر باهلل ونجعل له أندادا ، وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا األغالل في أعناق

. *( سبأ الذين كفروا هل يجزون إال ما كانوا يعملون .. وحنوها من اآليات

.. فوات األوان وإسرارهم الندامة ملا رأوا العذاب فتأمل ختاصمهم بعدبل مكر الليل والنهار إذا تأمروننا )) : وقوهلم لساداهتم الذين قادوهم إىل اهلالك

. ((.. أن نكفر باهلل ونجعل له أندادا فاالستضعاف ليس عذرا يف مثل هذا ، وإمنا يعذر املستضعف باستضعافه ، يف

أو التقصري يف بعض الواجبات ، كرتك اهلجرة إىل املسلمني ارتكاب بعض احملرمات ؛ والتقصري يف نصرهتم وحنو ذلك مما يعجز عنه يف استضعافه ، ما مل يرتكب مكفرا صرحيا باختياره إذ االستضعاف شيء غري اإلكراه الذي تقدمت صورته والذي مينع من تكفري من

.. طمئن باإلميانارتكب شيئا من أسباب الكفر الظاهرة ، وقلبه مولذلك وصف اهلل املستضعفني من املؤمنني بأهنم يسعون جاهدين ويدعون اهلل

خملصني أن خيرجهم من بني الكفار ، وال يطمئنون لواقع االستضعاف، أو يتخذونه ذريعة . وعذرا لبيع الدين بالدنيا

المستضعفين و .. فقال تعاىل )).. كما هو حال من يتعذر به اليوم من املفتوننيمن الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها

. النساء 75(( واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيراوليس من موانع التكفري كون املرتدين وأنصارهم أو غريهم من الكفار يعتقدون -3

.. ما يرتكبونه من املكفراتاهنم مؤمنون أو أهنم على حق في .. فقد وصف اهلل تعاىل كثريا من الكفار بذلك ، ومل جيعل ذلك مانعا من تكفريهم

قل هل ننبئكم باألخسرين أعماال الذين ضل سعيهم في )) .. فقال سبحانه [ 104: ف(( ] الكهالحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا

إنهم اتخذوا الشياطين أولياء لهم من دون اهلل ويحسبون أنهم وقال تعاىل )) [ 30: (( ]األعراف مهتدون

(62) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

)) : وهكذا شأن أكثر الكفار يف كل زمان ، ففرعون طاغوت مصر كان يقول لقومه . (( ما أريكم إال ما أرى وما أهديكم إال سبيل الرشاد

قيل لهم ال تفسدوا في األرض قالوا إنما نحن وإذا )) : وقال تعاىل عن غريه . (( مصلحون

وهكذا الكفار يف كل زمان ، وحىت اليهود والنصارى يعتقدون أهنم مهتدون وأهنم . هم املؤمنون وأصحاب اجلنة الفائزون

(( .. وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء اهلل وأحباؤهكما قال تعاىل )) (( يدخل الجنة إال من كان هودا أو نصارىوقالوا لن وقال سبحانه ))

.. وهكذا سائر الكفار .. ومعلوم أن ذلك ليس بنافعهم عند اهلل وال وهو مبانع من تكفريهم يف الدنيا

وعلى كل حال ، فتقييد التكفري باالعتقاد هو مذهب غالة املرجئة الذين يرون وانظر .. ر يف مذهبهم إال باالعتقاداإلميان اعتقاد القلب وحده فقط ومن مث فال يكون الكف

تفصيل هذا يف كتابنا )إمتاع النظر يف كشف شبهات مرجئة العصر( أضف إىل هذا أن االعتقاد أمر مغيب يف القلب غري ظاهر وال ميكن ضبطه ما دام

ولذلك مل يعتربه الشارع كمانع من موانع التكفري يف أحكام الدنيا فقد تقدم يف .. كذلكمينع ثبوت احلكم ( فما مل يكن كذلك ظاهر منضبط) انه وصف وجودي : ملانعتعريف ا

.. ، فليس مبانع من موانع التكفري وال دخل لنا به يف أحكام الدنياوليس من موانع التكفري، كون من كفر بسبب من أسباب الكفر أو ناقض من -4

.. (7)رار بالشهادتني أو حنومهانواقض اإلسالم يلتزم بعض شرائع اإلسالم كالصالة أو اإلقفهذا ال مينع من تكفريه ألنه مل يكفر من جهة االمتناع عن شيء من الشرائع .. وإمنا كفر بسبب أخر غري ذلك.. املذكورة

فكيف مبا هو دون ذلك من القشور وسفاسف األمور اليت يعتربها البعض موانع من تكفري الطواغيت (7)

احملاربني للملة ؛ كتسمية الشوارع أو املدارس أو املعارك بأمساء الصحابة أو حنو ذلك من األمساء اإلسالمية وت العراق ملا سئل عنه يف بعض فتاواه ، وهو الشيء اعتربه الشيخ األلباين مانعا من موانع تكفري طاغ

املسجلة صوتيا.

(63) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

وقد ذكر اهلل تعاىل يف كتابه أن للمشركني أعماال ، وأن بعضهم عنده من شعب (( وما يؤمن أكثرهم باهلل إال وهم مشركون)) : اإلميان أشياء مل تنفي عنه الشرك كما قال

ولو )) : وبني يف موضع آخر أن الشرك حمبط جلميع تلك األعمال فقال تعاىل . ((أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون

ومعلوم ان اإلنسان يدخل اإلسالم باإلقرار بالشهادتني مث ال يستمر إسالمه وال بينما حيبط ذلك كله .. وع شعب هي أصل اإلميانتدوم عصمته إال باحملافظة على جمم

. بسبب واحد من أسباب الكفرومن األدلة الواضحة على أن هذا األمر ليس من األعذار املقبولة عند اهلل تعاىل وال

.. هو من موانع التكفريولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أباهلل وآياته قوله تعاىل ))

. [66-65(( ] التوبة تهزئون ال تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكمورسوله كنتم تسفإهنا نزلت يف شأن أناس كانوا من املصلني املقرين بالشهادتني قد خرجوا مع النيب

مث ملا قالوا .. صلى اهلل عليه وسلم جماهدين يف غزوة هي من أشهر وأعسر غزوات املسلمنيبالنيب وأصحابه من محلة القرآن ؛ كفرهم اهلل هبذا ما قالوا من أسباب الكفر وهو االستهزاء

السبب ، ومل مينع من تكفريهم إقراراهم بالشهادتني وال الصالة وال اجلهاد وال غريه من .. شعب اإلميان اليت كانت عندهم

وعلى هذا فلو نطق املرتد الذي كفر بسبب نصرته للشرك واملشركني للشهادتني دمه ومل مينع من قتله ألنه مل يكفر باالمتناع عن اإلقرار هبا كي حال قتاله، مل يعصم ذلك

بل هو يقوهلا ويقر .. يقاتل عليها، وحىت يكون حكمه حكم من قتله أسامة بن زيد ملا قاهلاهبا ليل هنار ،ورمبا كان من املصلني ، فليس هذا سبب كفره الذي قوتل عليه ، و إمنا سبب

ونصرة القوانني وأهلها على املوحدين ، فال يصري مسلما كفره الذي قوتل عليه هو تويلحىت ينخلع ويربأ من هذا السبب ويتوب منه ، فبذلك يرجع إىل اإلسالم ، إذ هذا هو

.. الباب الذي خرج منه ، فمنه يرجع ما دام مقرا بسائر األبوابصلى اهلل وهذا أمر واضح معلوم من سرية الصحابة مع املرتدين بعد وفاة النيب

عليه وسلم فإهنم كانوا أصنافا،) قوم ارتدوا عن الدين بالكلية ، وقوم ارتدوا عن بعضه ، نصلي وال نزكي ، وقوم ارتدوا عن إخالص الدين الذي جاء به حممد صلى اهلل عليه : فقالوا

وسلم ، فآمنوا مع حممد بقوم من النبيني الكذابني كمسيلمة الكذاب وطليحة األسدي مها( فجاهدهم الصديق رضي اهلل عنه وسار فيهم سريته يف املرتدين ، فمن كان منهم وغري

(64) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

ومن كانت ردته باإلميان .. يصلي ويقر بالشهادتني وارتد مبنع الزكاة قاتله حىت أداها .. وهكذا.. مبسيلمة ،قاتله على الرباءة من مسيلمة والكفر بنبوتهكيف تقاتل الناس وقد قال النيب : وسألهوملا أشكل ذلك بادي الرأي على الفاروق

) أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأن حممدا : صلى اهلل عليه وسلم… ( واهلل ألقاتلن من فرق بني الصالة والزكاة : احلديث ( قال له أبو بكر… رسول اهلل

.. ي ويشهد الشهادتنيفهذا يوضح أن ممن قاتلهم أبو بكر يف حروب الردة من كان يصل .. وإمنا ارتد من أبواب أخرى فقوتل عليها

وليس من موانع التكفري كون من ارتكب سببا من أسباب الكفر الواضح -5 .. أو غريهم.. املستبني مضلال بتلبيس األحبار والرهبان أو السادة واحلكام

شكلة اليت حتتاج إىل تعريف فقد قدمنا لك أن مانع اجلهل يعترب يف األمور اخلفية وامل .. وسيأيت املزيد منه يف أخطاء التكفري.. وبيان ، فال بد قبل التكفري فيها من إقامة احلجة

لكن هذا ال جيب يف أمور هي أظهر من الشمس يف رابعة النهار ، كهدم أصل ى صبيان التوحيد أو مقارفة ما يناقضه من الكفر البواح والشرك الصراح الذي ال خيفى عل

املسلمني ، بل إن اليهود والنصارى يعرفون أنه مناقض ملا جاء به حممد صلى اهلل عليه .. وسلم

وسيأيت حديث عدي بن حامت يف عدم إعذار اليهود والنصارى بإضالل أحبارهم مع أهنم مل .. إىل غري اهلل تعاىل -الذي هو عبادة -ورهباهنم هلم ، يف صرف التشريع

أن الطاعة يف ذلك عبادة كما صرح بذلك عدي ، وكفر اليهود والنصارى يكونوا يعرفون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اهللأكثره كفر تقليد ولذلك قال تعاىل فيهم ))

اآليات ((. …)) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اهلل قال تعاىل .. وكذلك كفر أكثر الكفار

نا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم ال يعلمون شيئا وال قالوا حسب. وإلى الرسول * (( املائدة يهتدون

ويف احلديث الذي يرويه البخاري يف صحيحه يقول النيب صلى اهلل عليه وسلم يف ال أدري ، كنت أقول ما يقول الناس ، : ) وأما الكافر أو املنافق فيقول: عذاب القرب

. احلديث (. …مث يضرب مبطرقة من حديد ضربة بني أذنيه ال دريت وال تليت ،: فيقال

(65) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

هذا وقد بني اهلل يف كتابه أن الضعفاء واملقلدين يتربؤون يوم القيامة من ساداهتم الذين كانوا سببا يف إضالهلم ، وأن ذلك ليس بعذر هلم ينجيهم ، وال هو مبانع من موانع

.. التكفري جميعا ، فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا وبرزوا هلل)) : فمن ذلك قوله تعاىل

كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب اهلل من شيء ، قالوا لو هدانا اهلل (( * إبراهيم لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا مالنا من محيص

إن اهلل لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا * خالدين فيها أبدا ال )) : وقال تعاىلون وليا وال نصيرا * يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا اهلل وأطعنا يجد

الرسوال * وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيال * ربنا آتهم ضعفين من . * (( األحزاب العذاب والعنهم لعنا كبيرا

…واآليات يف هذا املعىن كثرية بن القيم يف كتابه ) طريق اهلجرتني ( يف سياق ذكره ملراتب هذا وقد ذكر العالمة ا

وأتباعهم ) طبقة املقلدين وجهال الكفرة : املكلفني ) الطبقة السابعة عشر ( وهمإنا وجدنا آباءنا على أمة ، وإنا على أسوة هبم : الذين معهم تبعا هلم يقولون وحميرهم…… .)

قة كفار وإن كانوا جهاال مقلدينوقد اتفقت األمة على أن هذه الطب) : قاللرؤسائهم وأئمتهم إال ما حيكى عن بعض أهل البدع أنه مل حيكم هلؤالء بالنار ، وجعلهم مبنزلة من مل تبلغه الدعوة ، وهذا مذهب مل يقل به أحد من أئمة املسلمني ال الصحابة وال

يف اإلسالم ، وقد صح التابعني وال من بعدهم ، وإمنا يعرف عن بعض أهل الكالم احملدث ، وهذا (8)) إن اجلنة ال يدخلها إال نفس مسلمة (: عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال

املقلد ليس مبسلم ، وهو عاقل مكلف ، والعاقل املكلف ، ال خيرج عن اإلسالم أو الكفر : ( إىل قوله.. …

ميان باهلل وبرسوله واتباعه ) واإلسالم هو توحيد اهلل وعبادته وحده ال شريك له ، واإلفيما جاء به ، فما مل يأت العبد هبذا فليس مبسلم ، وإن مل يكن كافرا معاندا فهو كافر

. جاهل

(178أخرجه مسلم يف )كتاب اإلميان ( حديث ) (8)

(66) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

فغاية هذه الطبقة أهنم كفار جهال غري معاندين وعدم عنادهم ال خيرجهم عن …(كوهنم كفارا

وأن التابع .. ى الكفرمث ساق اآليات اليت تذكر عذاب املقلدين املتابعني غريهم عل)) وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين : حنو قوله تعاىل.. واملتبوع يف النار مجيعا

استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار ، قال الذين استكبروا [ 48: (( ] غافر إنا كل فيها إن اهلل قد حكم بين العباد

ا إخبار من اهلل وحتذير بأن املتبوعني والتابعني ، اشرتكوا يف العذاب ومل ) فهذ: مث قال)) إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين : يغن عنهم تقليدهم شيئا ، وأصرح من هذا قوله تعاىل

اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم األسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم . أهـ[ …( 167-166: البقرة(( ] كما تبرؤوا منا

وليس من موانع التكفري كون املرتد من أهل العلم ، أو من أهل اللحى أو من -6 اجلماعة اإلسالمية الفالنية ، أو كونه حيمل دكتوراه !! يف الشريعة أو حنو ذلك مما يتومهه

.. البعضواتل )) : (فقد قال تعاىل يف بعض من كان أعلم أهل زمانه ) من كبار العلماء

(( وقال عليهم نبأ الذي آتيناه آيتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوينولو أشركوا لحبط )) : تعاىل يف حق خرية خلقه وهم األنبياء صلوات اهلل وسالمه عليهم

اآليات (( … عنهم ما كانوا يعملون * أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة . األنعام

ويدل على هذا أيضا قصة عبد اهلل بن سعد بن أيب سرح الذي كان من كتبة الوحي ، وكان يكتب للنيب صلى اهلل عليه وسلم مث ارتد على عقبيه، فأمر رسول اهلل صلى اهلل عليه

مث انه تاب ورجع إىل اإلسالم عام الفتح ، .. وسلم بقتله ولو وجدوه متعلقا بأستار الكعبةإىل النيب صلى اهلل عليه وسلم –وكان أخاه من الرضاعة –عفان أحضره عثمان بن

وقصته برواياهتا املختلفة بسطها وتكلم على فوائدها شيخ اإلسالم يف الصارم .. فبايعهاملسلول ، والشاهد منها أن كونه من كتبة الوحي عند النيب صلى اهلل عليه وسلم مل مينع من

.. ملا أتى بسببها.. كفره وردته لكن يفرق يف هذا الباب بني ما كان كفرا صراحا خمرجا من امللة فهو على ما

.. ذكرنا

(67) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

وبني ما ليس بكفر من االجتهاد اخلاطئ الذي يؤجر صاحبه على اجتهاده، أو العثرات اليت قد يقع هبا بعض أهل العلم أو طلبته ، فال ينبغي أن يساء األدب معهم

.. بها ، أو يزهد بعلمهم أو ينفر الشباب عن كتبهم هبا ألجلها ، أو يتطاول عليهم بسب .. خصوصا إن كانوا من أنصار الدين القائمني به املتربئني من الطواغيت واملرتدين

ففي صحيح البخاري )كتاب مناقب األنصار( باب قول النيب صلى اهلل عليه -منها حديث أنس يف وسلم ) اقبلوا من حمسنهم وجتاوزوا عن مسيئهم ( وذكر فيه أحاديث

إىل …( )أوصيكم باألنصار : وصية رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم باألنصار وفيه قوله .. ) فاقبلوا من حمسنهم وجتاوزوا عن مسيئهم (: قوله

فأنصار الدين الذين هم من أهل الطائفة القائمة بدين اهلل ، الذين يفنون -وحيده ، هلم نصيب من هذه الوصية النبوية أعمارهم ويبذلون مهجهم يف نصرة دين اهلل وت

.. يف كل زمانفلتحفظ وصيته صلى اهلل عليه وسلم فيهم ، وحذار من تسليط السفهاء وتطاول

وال يقدم .. الرعاع عليهم ، فإن يف ذلك إقرار أعني أعداء اهلل ، وأعداء هذه الدعوة املباركة .. على مثل هذا عاقل أو فقيه

التكفري يف سبب معني من أسباب الكفر كون من سيكفرون وليس من موانع -7 وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن )) : فدين اهلل ال حيايب أحدا، وقد قال تعاىل.. به كثر

. (( في األرض جميعا فإن اهلل لغني حميدوإن )) : (( وقال سبحانه وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)) : وقال تعاىل

. (( اس بلقاء ربهم لكافرونكثيرا من النوال تقوم ) … : ويف احلديث الذي يرويه أبو داود وابن ماجه عن ثوبان مرفوعا

الساعة حىت تلحق قبائل من أميت باملشركني ، وحىت تعبد قبائل من أميت األوثان( وأخرج ناس ورأيت ال)) : تال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم: احلاكم وصححه عن أيب هريرة قال

. (( يدخلون في دين اهلل أفواجا . ) ليخرجن منه أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا ( ، ويروى موقوفا على أيب هريرة: قال

( ؛ أن أتباع مسيلمة 7/217وقد ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية يف منهاج السنة ) . الكذاب حنو مائة ألف أو أكثر

(68) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

علم ؛ قول الكفر على سبيل اهلزل وليس من موانع التكفري باتفاق أهل ال -8ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض )) : واللعب واللهو واملزاح ، ودليله قوله تعاىل

.. ((ونلعب ، قل أباهلل وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ال تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكمالعسرة للقتال مع النيب فلم يعذرهم اهلل تعاىل هبذا العذر ، مع أهنم كانوا خارجني يف غزوة

صلى اهلل عليه وسلم ، وقالوا تلك الكلمات على سبيل اهلزل وشغل الوقت يف السفر ، ) .. حديث الركب نقطع به الطريق( كما جاء يف أسباب النزول

) اهلزل بالكفر كفر ، ال خالف فيه بني : هـ(543يقول أبو بكر ابن العريب ) -واحلق ، واهلزل أخو اجلهل والباطل ( أهـ أحكام القرآن األمة ، فإن التحقيق أخو العلم

( 8/197( وانظر القرطيب )2/964)) اجلد واللعب يف إظهار كلمة الكفر سواء ( أهـ : هـ(597ويقول ابن اجلوزي ) -

. (3/465زاد املسري )) واألفعال املوجبة للكفر ، هي اليت تصدر عن عمد : هـ(676ويقول النووي ) -

. (10/64الدين صريح ( أهـ روضة الطالبني )واستهزاء بال )) : ويقول شيخ اإلسالم ابن تيمية يف الصارم املسلول عند قوله تعاىل -

إنما كنا ) مل يقل }اهلل تعاىل{ قد كذبتم يف قولكم )): (( تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكموه من العذر (( فلم يكذهبم يف هذا العذر كما كذهبم يف سائر ما أظهر نخوض ونلعب

الذي يوجب براءهتم من الكفر لو كانوا صادقني ، بل بني أهنم كفروا بعد إمياهنم هبذا (517اخلوض واللعب ( أهـ )

أي أنه كفرهم سبحانه وتعاىل رغم عذرهم املذكور الذي أدلوا به ، ومل يكذهبم . وانع التكفريبوجوده سبحانه ، بل أنكر اعتباره ، فدل على عدم اعتبار هذا العذر من م

وقال ابن القيم يف إعالم املوقعني بعد كالم له تقدم يف اشرتاط القصد لصحة -)أللهم أنت : األحكام ، قال بعد أن ذكر خرب الذي قال ملا وجد راحلته ، بعد أن أضلها

عبدي وأنا ربك ( أخطأ من شدة الفرح ؛ ) ومل يكفر بذلك وإن أتى بصريح الكفر ، واملكره على كلمة الكفر أتى بصريح كلمته ومل يكفر لعدم ارادته ، خبالف لكونه مل يرده ،

املستهزئ واهلازل ، فإنه يلزمه الطالق والكفر ، وإن كان هازال ألنه قاصد للتكلم باللفظ ، وهزله ال يكون عذرا له خبالف املكره واملخطئ والناسي فإنه معذور مأمور مبا يقوله أو

ازل غري مأذون له يف اهلزل بكلمة الكفر والعقود ، فهو متكلم باللفظ مأذون له فيه ، واهلمريد له ، ومل يصرفه عن معناه إكراه وال خطأ وال نسيان وال جهل ، واهلزل مل جيعله اهلل

(69) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

ورسوله عذرا صارفا ، بل صاحبه أحق بالعقوبة ، أال ترى أن اهلل تعاىل عذر املكره يف ولئن )) : ن قلبه مطمئنا باإلميان ، ومل يعذر اهلازل بل قال تعاىلتكلمه بكلمة الكفر إذا كا

سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ، قل أباهلل وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ال . (3/76(( أهـ )تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم

) ان من تكلم بكلمة الكفر هازال ، أو : هـ(1005ويقول ابن جنيم احلنفي ) -. ) البحر الرايق شرح كنز الدقائق (. عبا كفر عند الكل ، وال اعتبار باعتقاده ( أهـال(5/134)

وليس من موانع التكفري املعتربة كون املكفرين ال يقدرون على ترتيب آثار الكفر -9فهذه شبه يطنطن هبا .. كإقامة حد الردة أو تغري احلاكم الكافر وحنوه.. على من كفروه

وقد تقدمت اإلشارة إىل أقاويل بعض شيوخهم يف ذلك ، يف الفصل .. لعصرمرجئة اوقد تعلق بذلك وقلدهم به سفهاؤهم وجهاهلم ، وهي من سفسطتهم وجداهلم .. األول

.. بالباطل ، إذ لو التزموا ذلك ألبطلوا به مجيع األحكام الشرعيةبت عليه الزنا بالبينة أو إذ يلزمهم ما دمنا عاجزين عن إقامة حد الزنا ، على من ث -

االعرتاف أو حنوه أنه ليس بزان ، وليبحث له عن أخرى !!وما دمنا عاجزين عن إقامة حد القتل على القاتل فإنه ليس بقاتل ، ومن مث فال -

!! .. دية عليه وال كفارة وال توبةا وما دمنا عاجزين عن إقامة حد القطع على السارق فال حيل لنا أن نسميه سارق -

؟! فلنسمه إذن أمينا ولنسلطه على أموال الناس -كما يقولون–، إذ ما الفائدة من ذلك !!

وما دمنا غري قادرين على تغيري املنكرات الظاهرة ، فال حيل لنا أن نعرف هبا أو - … وهكذا .. حنذر منها أو نسميها منكرا ، وما مل تكن منكرا فهي حتما معروف

ما يلزم منه فتح أبواب الفساد واإلحلاد ، وتسويغه وهتوينه على ويف هذا من الباطل .. العباد

)) : واحلق والصواب يف هذا هو ما أمرنا اهلل تعاىل به يف حمكم كتابه بقوله)) إن أريد إال اإلصالح ما : (( وقال تعاىل عن شعيب فاتقوا اهلل ما استطعتم

((.. استطعت لفقهية املعروفة يف أن ) امليسور ال يسقط باملعسور( ومنه وضع الفقهاء قاعدهتم ا

(70) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

فإذا عجز املسلمون يف وقت من األوقات عن اخلروج على احلاكم الكافر وتغيريه ، فال يعين هذا أن يرتكوا تكفريه ، بل هذا حكم شرعي يستطيعونه فيجب عليهم أن يتقوا

يعونه ، فيجتنبوا نصرته وتوليه ويف غريه مما هو من آثار تكفري احلكام ويستط.. اهلل فيهوالتحاكم إىل أحكامه الكفرية ، وال يولونه أمر دينهم ، وال جيعلون له عليهم سبيال ، ما استطاعوا إىل ذلك سبيال ، وال يدخلوا يف بيعته أو يقاتلوا حتت رايته ، أو يعينوه على باطله

درون عليه ، وأيضا فإن معرفة إىل غري ذلك مما ميلكون فعله ويق.. أو يظاهروه على مسلم .. كفر احلاكم ، مدعاة إىل العمل اجلاد واإلعداد الذي ميكن يف يوم من األيام من تغيريه

خبالف من كان احلاكم عنده مسلما ، فإنه لن يرفع بذلك رأسا، ولن يفكر يوما ما .. باإلعداد اجلاد لتغيريه كما هو واقع مرجئة العصر يف هذا الزمان

ختالف احلكم على احلاكم عند كل فريق ؛ هو الفرقان وامليزان الذي يزن سلوك فاكل فريق ومييز توجهه وصبغته ، ما بني موحد كافر بالطاغوت معاد له ، أو جمتنب على

.. أقل األحوالوواقعنا وواقع .. وما بني مبايع له مناصر ، أو جمادل عن باطله مهون من كفرياته

فليتدبر املنصف أحوال املوحدين وسلوكهم .. أكرب شاهد على هذاخصوم هذه الدعوة .. ودعوهتم ومنهاجهم يف واقع اليوم

مث لينظر يف واقع اخلوالف الذين ناموا يف أحضان الطواغيت ورضعوا من ألباهنم ، .. وسلطوا ألسنتهم وأقالمهم على كل من خرج عليهم أو نازعهم ، بلسانه أو سنانه

املقرتف للكفر ، كما زعمه من موانع التكفري املعتربة ؛ سوء تربية وليس – 10بعض من يقتدى هبم ويشار إليه بالبنان يف موانع تكفري ساب الرب أو الدين أو الرسول ، فإن أكثر الكفار واملشركني قد كفروا ونشأوا يف الشرك لسوء الرتبية والتنشئة كما اخرب بذلك

) يولد املولود على الفطرة فأبواه يهودانه أو : اهلل عليه وسلم الصادق املصدوق فقال صلى . ميجسانه أو يشركانه ( رواه مسلم وغريه

. فلم مينع ذلك من تكفريهموليس من موانع التكفري أيضا ، اقرتاف شيء من أسباب الكفر الظاهرة -11

!! فليس مث .. وةالصرحية ، حبجة االستحسان أو االستصالح أو ما يسمونه مبصلحة الدعمصلحة معتربة يف الشرك أو الكفر ، ألنه أعظم ذنب عصى اهلل به يف الوجود ، ولذلك

(( وقد سئل )) إن اهلل ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء: قال تعاىل

(71) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

) أن : النيب صلى اهلل عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم ؛ أي الذنب أعظم ؟ فقال .. ندا وهو خلقك (جتعل هلل

فهو أعظم املفاسد يف الوجود على اإلطالق ، ولذلك كان حمبطا لسائر األعمال ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك )) : قال تعاىل

وكل مصلحة مزعومة أومدعاة يف الشرك أو الكفر فهي . (( ولتكونن من الخاسرين .. مل جيعل الشارع هلا اعتبارا مصلحة باطلة ملغاة شرعا ،

نعم قد يكون يف الشرك مصاحل دنيوية وشهوانية لبعض الناس ، يغطوهنا مبصلحة .. الدين ، والدين منها براء

فاهلل قد بعث كافة رسله وأنزل مجيع كتبه كما هو معلوم إلبطال الشرك وهدم .. يقبل إال طيباوهو سبحانه طيب ال.. ومن مث إخالص العبادة هلل وحده.. الكفر

واملقاصد الشرعية املطهرة ، ال جيوز شرعا أن يتوصل إىل حتقيقها إال بوسائل شرعية مطهرة صحيحة ، متاما كما ال تزال النجاسة ويتطهر منها بنجاسة أخرى ، وكما ال يستنجى من

نشتهي من حىت خنتار ما .. تربر الغاية عندنا الوسيلة (9)فلسنا ميكافيليني.. البول بالبولوسائل ، بل قد سد اهلل مجيع الطرق ، ومل يبق لنا إال طريقا واحدا موصال إليه وإىل جنته ومرضاته ونصرة دينه وحتقيق سعادة الدارين ؛ أال وهو الطريق الشرعي اليت بعث هبا رسوله

وقد بني اهلل . صلى اهلل عليه وسلم ، وهذا من أهم معاين شهادة أن حممدا رسول اهللقل هل )) : ل سعي من يستصلحون الكفر ، وخسارة من يستحسنون صنعته ، فقالضال

ننبئكم باألخسرين أعماال * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا * أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فال نقيم

. * (( الكهفلهم يوم القيامة وزنا هلل السلف الذين كانوا يسمون مثل هذه اإلستصالحات اليت يلصقها أهلها ورحم ا

) خديعة إبليس ( ، يطلقون ذلك على من داهن األمراء وتقرب إليهم يف أزمنة : بالدين .. اخلالفة والفتوحات

نسبة إىل نقوال ميكافيلي صاحب كتاب االمري الذي اودع فيه خالصة جتاربه بني األمراء ودون فيه (9)

. نصائحه اليت تضمن هلم حفظ عروشهم ، وأشهرها " الغاية تربر الوسيلة "

(72) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

) إياك واألمراء أن تدنو منهم : كما قال سفيان الثوري رمحه اهلل لبعض من يناصحهيء من األشياء ، وإياك ويقال لك لتشفع عن مظلوم أوترد مظلمه ، فإن أو ختالطهم يف ش

(10). أهـ… ( ذلك خديعة إبليس ، وإمنا اختذها فجار القراء سلما فتأمل إبطاله استصالح واستحسان بعض الفقهاء الدخول على األمراء والدنو منهم

( ، ويف أي وقت !! ويسمي ذلك ) خديعة إبليس.. حبجة ختفيف الظلم ودرء الفساديف أوائل خالفة بين العباس قبل املعتصم وقبل املأمون وحنوهم ممن أظهروا .. يقول ذلك

وكانت عزة اخلالفة وهيبتها قائمة ، وفتوحات املسلمني وجحافلهم .. بدعهم وامتحنوا الناس .. تدك حصون الكفر شرقا وغربا

تقربوا إىل الطواغيت واملرتدين فكيف به رمحه اهلل لو رأى خوالف زماننا الذين مل يبل دخلوا يف دينهم وأقسموا على احرتام دساتريهم الشركية وشاركوا يف تشريع .. وحسب

؟؟.. قوانينهم الكفرية وصاروا هلم جندا حمضرين وأنصارا خملصني.. مث ال يستحيون من أن يلصقوا ذلك الكفر البواح والشرك الصراح كله بالدين

ورحم .. الدعوة ونصر الدين !! بل هي مصلحة القروش والكروش هي مصلحة: فيقولونكيف أصبحت ؟ فيلني له : ) إين أللقى الرجل أبغضه ، فيقول يل: اهلل سفيان إذ يقول

قليب ، فكيف مبن أكل ثريدهم ، ووطيء بساطهم ؟؟ ( أهـ من تذكرة املوضوعات ص 25 .

تصالحات الفاسدة الكفرية فال غرابة بعد هذا أن ال يكتفي أصحاب هذه اإلس فقد تعدوا ذلك ، إىل الدفع واإلعتذار هبا .. بالدفع هبا عن شركياهتم اليت خلطوها بالدين

فمن األعذار املضحكة يف هذا الباب ما زعمه نائب ) .. عن طواغيت احلكم وأنصارهمومن معه ملا مشرع ( إخواين ، زارنا يف السجن برفقة وزير الداخلية ومساعديه ، وانزعج هو

أبينا السالم عليهم وواجهناهم بكفرهم ، وأظهرنا براءتنا منهم ومن قوانينهم وحكمهم ،

( ولنا يف هذا الباب رسالة لطيفة بعنوان ) القول النفيس يف التحذير 13/586( سري أعالم النبالء )10)من خديعة إبليس( أوردنا فيها فتوى لشيخ اإلسالم حول رجل من اهل السنة قصد إىل هداية مجاعة من

منهم مجاعة صاروا قطاع الطرق بأن أقام هلم مساعا بدف بشعر مباح واستدرجهم بذلك حىت اهتدىيتورعون عن الشبهات بعد أن كانوا ال يتورعون من الكبائر ، فأبطل شيخ اإلسالم هذه الطريقة البدعية رغم ما فيها من مصلحة ظاهرة وبني أن هذا الشيخ جاهل بالطرق الشرعية أو عاجز عنها وأن يف الطرق

( جزء التصوف ، 11/337موع الفتاوى ) الشرعية غنية عن أمثال هذه الطرق البدعية ، أنظرها يف جمفكيف به رمحه اهلل تبارك وتعاىل لو رأى استحسانات واستصالحات من دخلوا يف الكفر يف زماننا حبجة

مصلحة الدعوة والدين ؟

(73) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

.. أن نتقدم إليهم بأية مطالب ، ملا عرضوا ذلك –بفضل اهلل تعاىل وتثبيته -ورفضنا ملن وأنكرنا على ذلك النائب ما افرتاه علينا يف الصحافة من دعوى تكفري الناس ، وبينا له و

معه أن ذلك حمض افرتاء ، فنحن ال نكفر الناس بالعموم ، فليست معركتنا مع عوام الناس ، وإمنا مع النظام احملارب لدين اهلل ، وأننا إمنا نكفره ونكفر من نصر قوانينه الكفرية

وأننا ندعوهم دوما ليرتكوا حراسة القوانني ويصريوا حراسا .. وحرسها أو شارك يف تشريعهاإنربى ذلك النائب يدفع عن تكفري املذكورين بدعوى أهنم .. يعة وأنصارا للدينللشر

ينصرون الدين مبناصبهم هذه ؛ فهم بزعمه يهيئون وميهدون مبراكزهم ومناصبهم ، لقيام ومل يستحي طرفة عني أن يقول ذلك على –كذا قال –اخلالفة اليت ستواجه أمريكا

–رتب يف األمن العام وأخبثهم وأشدهم حربا للدين وكان حاضرا يومها أعلى –مسامعهم ممن مل خيطر ببال واحد منهم يف يوم من األيام ما زعمه هذا الزاعم وادعاه هلم من األعذار

.. اليت ال يذكروهنا هم أبدا ، بل لو تلفظوا هبا أو ادعوها فلرمبا حياكمون عليها أو يطردون) إذا مل : اهلل عليه وسلم من كالم النبوة األوىلولكن هذا مصداق ما أخرب به النيب صلى

أما هو فقد دفع عن نيابته التشريعية الشركية ، مرة مبدح (11)تستح فاصنع ما شئت (إن حلف الفضول الذي مدحه : الرسول صلى اهلل عليه وسلم حللف الفضول ، وملا قلنا له

لقوة املادية ، فالتزم هذا ودع عنك النيب صلى اهلل عليه وسلم إمنا قام على نصرة املظلوم باال ، العمل املادي ال ، حنن مستضعفون وال عمل مادي يف : التشريع ، فر وهو يصيح

!.. إذن قد سقط استداللك فال تعود إىل هذا الدليل: العهد املكي !! قلتولذلك استدل هذه املرة علينا حلظة مغادرته للمكان ؛ بفعل نعيم بن مسعود يف

وهل أقسم نعيم بن مسعود على احرتام الدساتري الوضعية ؟ : فلما سألناه.. حزابغزوة األأم هل شرع ، ملا خذل األحزاب عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ؟ ، أم هل ارتكب كفرا

.. ؟ مل حير جوابا ، ووىل مدبرا.. بواحا أو شركا صراحا كما تفعلون بساطهم ( ؟؟ ووطىء.. ) فكيف مبن أكل ثريدهم: فصدق سفيان

أسباب التكفير: ثالثا : ) هو وصف ظاهر منضبط يثبت احلكم به من : السبب الشرعي عند األصوليني

أو) هو ما يلزم من وجوده وجود املسبب ومن عدمه عدمه (12)حيث أن الشارع علقه به ( )

(13)أو ) هو جعل وصف ظاهر منضبط مناطا لوجود حكم ، أي يستلزم وجوده (

رواه البخاري وغريه من حديث أيب مسعود البدري. (11)31 انظر الواضح يف أصول الفقه حملمد سليمان األشقر ص (12)

(74) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

بري آخر هو ما جعله الشارع عالمة على مسببه وربط وجود املسبب بوجوده وبتع وعدمه بعدمه ، وهلذا قال العلماء ) احلكم يدور مع علته وجودا وعدما (

: والعلة والسبب مرتادفان عند أكثر أهل األصول ، قال يف) مراقي السعود( (14)ذهب ومع علة ترادف السبب والفرق بعضهم إليه

وملا كان اإلميان عند أهل السنة واجلماعة ذو أركان ثالثة ؛ هي االعتقاد والقول .. والعمل

إما قول مكفر ، أو فعل مكفر ويدخل فيه : فإن أسباب الكفر تقابل ذلك فهي . )الرتك املكفر ( ، أو شك أو اعتقاد مكفر

صفة من جحد : ن) وهو يف الدي: هـ( يف تعريف الكفر456يقول ابن حزم ) -شيئا مما افرتض اهلل تعاىل اإلميان به بعد قيام احلجة عليه ببلوغ احلق إليه ، بقلبه دون لسانه ، أو بلسانه دون قلبه ، أو هبما معا أو عمل عمال جاء النص بأنه خمرج له بذلك عن اسم

( 1/45اإلميان ( أهـ اإلحكام يف أصول األحكام )) التكفري حكم شرعي سببه جحد : هـ(771ي )ويقول تاج الدين السبك -

الربوبية أو الوحدانية أو الرسالة ، أو قول أو فعل حكم الشارع بأنه كفر وإن مل يكن . ( 2/586جاحدا ( أهـ فتاوى السبكي )

واملناط: من ناط الشيء أي علقه ، ومنه ) ذات أنواط ( 24أنظر إرشاد الفحول للشوكاين ص (13)

ويطلق املناط على العلة أو السبب ألن احلكم يعلق به.

، ومن فرق بينهما مل خيالف يف أن كال من العلة 42( أنظر مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص 14)أو أن كال منهما بين احلكم عليه وربط به وجودا وعدما ، فالعلة والسبب يف والسبب عالمة على احلكم

ذلك كله مرتادفان ، وإمنا فرق من فرق بينهما يف حكمة الربط بني ما ربط به احلكم ، فإن كانت احلكمة واملناسبة يف هذا الربط معلومة تدركه عقولنا فهو علة وسبب ، وإن كانت مما ال تدركه عقولنا مسي

سببا فقط ، وال يسمى علة ، فالسفر عندهم علة وسبب لقصر الصالة ، والزوال سبب ال علة إلجياب صالة الظهر ، فكل علة سبب وليس كل سبب علة عند هؤالء املفرقني ، من هذه احليثية فقط. لزم احلكم ومن جهة أخرى قسم البعض العلة إىل علة تامة وعلة غري تامة ، فالعلة التامة: هي اليت تست

ويدور معها وجودا وعدما حبيث إذا وجدت وجد احلكم وال يتخلف عنها ، فيدخل يف لفظ العلة على هذا توفر الشروط وعدم املوانع ، أما غري التامة: فهي ما يقتضي احلكم ، لكن يتوقف على توفر الشروط

وانتفاء املوانع ، وهذه يسميها من يقسم هذا التقسيم بالسبب. ما ال يتخلف احلكم عنها ، والثانية ما حيتمل ختلفه لقيام مانع أو عدم شرط.. فاملسألة فاألوىل

(. 21/204اصطالحية تبعا الرتباط العلة أو السبب بالشروط واملوانع.. وانظر الفتاوى )

(75) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

) الردة هي قطع : هـ( يف )مغين احملتاج(977ويقول الشربيين الشافعي ) -واء قاله استهزاءا ، أو عنادا ، او اعتقادا ( أهـ اإلسالم بنية ، أو قول ، أو فعل ، س

(4/133) . هو الراجع ، قال : ) املرتد لغة: هـ(1051ويقول منصور البهويت احلنبلي ) -

الذي : وشرعا . [ 21: (( ]املائدة وال ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين)) : تعاىل)كشاف القناع عن منت . ( أهـ. ،أو فعال يكفر بعد إسالمه ، نطقا أو اعتقادا ، أو شكا

( 6/136االقناع ( ) .. وأقاويل العلماء يف بيان ذلك كثرية

إما قول مكفر ، أو فعل مكفر ، : وفيها أن أسباب الكفر أو الردة كما قدمنا هي .. أو اعتقاد أو شك مكفر

.. وهذه أسباب الكفر عموما الفعل أو القول : أحكام الدنيا فتنحصر يف أما أسباب التكفري ، اليت تعمل يف

املكفر فقط ، وقد ذكرنا األدلة على أن من األعمال واألقوال ما هو كفر جمرد خمرج من امللة ، دون شرط ارتباط ذلك باعتقاد فاسد أو جحد أو استحالل يف كتابنا )إمتاع النظر يف

. عه فإن ذلك حملهكشف شبهات مرجئة العصر ( وأطلنا فيه النفس هناك ، فراج .. وقد حصرت الشريعة أسباب التكفري يف الدنيا بذلك وحده

ألن االعتقاد والشك أسباب غري ظاهرة وال منضبطة يف أحكام الدنيا ، لذلك مل يعلق به الشارع أحكام الدنيا أو جيعلها أسبابا للتكفري فيها ، وإمنا جعل ذلك للذي يعلم

.. سباب للكفر أخروية ، ال عالقة ألحكام الدنيا هباالسر وأخفى ، فهي ألجل ذلك أولذلك كان من أبطن الكفر ومل يظهره ، بل أظهر شرائع اإلسالم منافقا يعامل يف أحكام الدنيا معاملة املسلمني ، أما يف أحكام اآلخرة ، فيحاسبه اهلل على ما أبطن من أسباب

.. الكفر فيكون مصريه الدرك األسفل من النار) : 178-177د تقدم قول شيخ اإلسالم ابن تيمية يف الصارم املسلول صوق

وباجلملة فمن قال أو فعل ما هو كفر ، كفر بذلك وإن مل يقصد أن يكون كافرا ، إذ ال . يقصد الكفر أحد إال ما شاء اهلل ( أهـ

(76) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

، ومل ألن ذلك هو املعترب يف الدنيا –فحصر أسباب الكفر بالقول والفعل املكفر وانظر قريبا منه يف .. يتعرض لألسباب الباطنة اخلفية ألهنا ال دخل هلا يف أحكام الدنيا

(370الصارم ص )وتقدم الكالم على قوله ) وإن مل يقصد أن يكون كافرا ( ، وذلك ألن الشارع ربط

ببه األسباب مع مسبباهتا )فإذا وجد السبب وتوافرت الشروط وانتفت موانعه ترتب عليه مس حتما (

) ألن املسبب ال يتخلف عن سببه شرعا ، سواء أقصد من باشر السبب ترتب ، ) فليس للمكلف أن (15)املسبب عليه أم مل يقصده ، بل يرتتب ولو قصد عدم ترتبه (

حيل اإلرتباط الذي ربط به الشارع املسببات بأسباهبا ( وال يقدر عليه أصال ، ولو متىن على .. اهلل األماين

وعلى هذا فإذا ارتكب املكلف سببا من أسباب الكفر الظاهرة ، قول أو فعل مكفر ، وتوفرت الشروط وانتفت موانعه ،كفر، وإن زعم أنه مل يرد بذلك الكفر واخلروج من

فهذا ال يقصد إليه أحد إال ما شاء اهلل ، وحىت النصارى ، لو قيل هلم ، هل .. الدين . ؟ لنفوا ذلك وأنكروه. ن املسيح ابن اهللتريدون الكفر بقولكم إ

تنبيه حول أسباب التكفير : اعلم أنه إذا ما ارتكب املكلف سببا من أسباب الكفر الظاهرة ، وانتفت يف حقه موانع التكفري ، كفر ، وال يلزم أن جيمع أكثر من سبب كي يكفر ، بل تعدد أسباب

وانظر يف هذا .. دركات كما أن اإلميان درجات الكفر أو علله يغلظ الكفر ويزيده ، فالكفر)فصل مراتب املكلفني يف الدار اآلخرة وطبقاهتا( من كتاب )طريق اهلجرتني ( البن القيم،

((، والنسيء سبب زائد من إنما النسيء زيادة في الكفر)) : ويدل عليه قوله تعاىلقال تبارك وتعاىل أيضا أسباب الكفر أضافه مشركوا قريش إىل كفرياهتم األخرى ، و

[ 93: (( ]التوبةاألعراب أشد كفرا ونفاقا ))ففيه أن بعض الكفر أشد من بعض ، وهذا ظاهر ، فمن مجع بني عدد من أسباب الكفر فارتد برتك اإلقرار بالشهادتني وترك الصالة ، وضم إىل هذا الطعن يف دين اهلل وشتم

يه والسعي يف حربه كعبد اهلل بن سعد بن سرح رسوله صلى اهلل عليه وسلم والتأليب عل

ة ومثلوا لذلك مبن طلق زوجته رجعيا بثبوت الرجع 118أنظر اصول الفقه لعبد الوهاب خالف ص (15)له ولو قال عند الطالق: ) ال رجعة يل ( أو مبن سافر يف رمضان بأنه يباح له الفطر سواء أقصد إىل

اإلباحة أم مل يقصد.. اخل ، فاألحكام كما تقدم تدور مع عللها وأسباهبا وجودا وعدما.

(77) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

وعبد اهلل بن خطل وحنوهم ، ممن عددهم وذكر أخبارهم شيخ اإلسالم يف الصارم املسلول ، ال شك أن ردهتم أشد وأغلظ ممن كفرهم اهلل تعاىل بسبب واحد من أسباب الكفر

ع عن الزكاة وحدها دون أن كالذين استهزءوا بالقراء يف غزوة تبوك ، وكالذين ارتدوا باالمتنا .. ميتنعوا عن الصالة أو سائر أركان اإلسالم ومبانيه

واخلالصة أن تعليل حكم الكفر بأكثر من علة أو سبب ليس بشرط للتكفري، وإمنا .. يزيد ذلك حكم التكفري تأكيدا فيكون الكفر فيه أشد وأغلظ

، (16)كما يف حترمي نكاح الربيبة كما قد يعلل التحرمي أحيانا بعلتني لتأكيد حترميه ،إذا كانت حمرمة بالرضاع إضافة إىل كوهنا ربيبة ، واستدل العلماء لذلك حبديث أم حبيبة يف

إننا نتحدث أنك ناكح درة بنت أم : الصحيحني أهنا قالت للنيب صلى اهلل عليه وسلمري ملا حلت يل ، ألهنا )إهنا لو مل تكن ربيبيت يف حج: سلمة ، فقال صلى اهلل عليه وسلم

. بنت أخي من الرضاعة ، أرضعتين وأبا سلمة ثويبة موالة أيب هلب () هذا كلحم خنزير ميت ( : وقد كان اإلمام امحد يقول يف بعض ما يغلظ حترميه

.. يقول ذلك لتغليظ التحرمي وتقويته ، ومثل تأكيد قتل من قتل وارتد وزىن وكان حمصنا (17)وهكذا

الباب كفر طواغيت احلكام يف هذا الزمان ، فإنه كفر مغلظ زائد ، ألهنم ومن هذاكالتشريع مع اهلل ما مل .. قد مجعوا أسبابا عديدة للكفر فخرجوا من الدين من أبواب شىت

يأذن به اهلل ، واحلكم بغري ما أنزل اهلل ، واتباع وابتغاء غري دين اهلل من مناهجهم الكفرية وتويل اليهود والنصارى ومظاهرة إخواهنم املرتدين من .. راطية وحنوهااملبتدعة كالدميق

طواغيت الدول املختلفة على اجملاهدين املوحدين ، وفتح أبواب االستهزاء بالدين والرتخيص …وغري ذلك مما يضيق املقام عن حصره وتعداده .. لوسائله املرئية واملسموعة واملقروءة

الربيبة: بنت الزوجة من غري الزوج الذي معها. (16)م بعلتني أو أكثر وتفريعاته كتب األصول املختلفة ، وانظر أيضا جمموع انظر يف موضوع تعليل احلك (17)

( فصاعدا. 20/94الفتاوى لشيخ اإلسالم )

(78) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

الفصل الثالث

ر من أخطاء شائعة في التحذي التكفير

(79) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

[3]

فصل يف التحذير من أخطاء شائعة في التكفير

وهذه األخطاء بعضها شائع ، وبعضها شنيع يف موضوع التكفري ، يقع فيها كثري من املتحمسني واملبتدئني والغالة فيطلقون إطالقات قد يكون اهلوى دافعا إليها أحيانا

واإلخالص ، فضعف العلم ثغرة للشبهات ، وضعف اإلخالص ثغرة ، مع ضعف العلم وقد قال تعاىل .. للشهوات واالستسالم للشبهات والشهوات مطية اهلوى ومركب الضالل

وال تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اهلل إن الذين يضلون عن سبيل اهلل لهم عذاب )) (( شديد بما نسوا يوم الحساببغي احلامل هلى املبالغات أحيانا ، واإلفرتاء أحيانا أخرى ، وتارة قد يدفع إليها ال

ومثل ذلك سوء اإلرادة .. (( يا أيها الناس إنما بغيكم على انفسكموقد قال تعاىل )) النابعة من إفرازات اخلصومات غري املنظبطة مبيزان العدل الذي قامت به السماوات واألرض

أمنوا كونوا قوامين هلل شهداء بالقسط وال يجرمنكم يا أيها الذين)) : وقد قال تعاىل.. شنئان قوم على أن ال تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا اهلل إن اهلل بما تعملون

. ((خبيرواحيانا أخرى يدفع إىل ذلك ضغط الواقع الكفري واإلرهاب الفكري واحلسي

، مما يفرز عند البعض بنات أفكار واملعنوي الذي ميارسه أعداء هذا الدين ، على اتباعه نابعة من ردود الفعل العكسية ، وهو الذي يسميه البعض بالفكر السجوين ، وغري ذلك مما خيرتعونه من أمساء حياولون هبا تشويه دعوة التوحيد بدعوى أن عقيدة أصحاهبا غري أصيلة ،

ر واالضطهاد ، ولذلك وال متت إىل الدين بصلة ، بل هي من افرازات مراحل القهر والفق .. حيسبون أهنا ستزول بزوال هذه املراحل

وهذا الذي يزعمون ، إن وجد منه شيء ، فإمنا يوجد عند ضعاف العقول ، وفقراء العلم ، الذين مل ينضبطوا بضوابط الشرع ، ومل يرتبطوا بقواعده وأصوله ، فتالعبت هبم

. وبأفكارهم الظروف واألحوال ، والضغوط واألهوال .. وما أمثال هؤالء من دعاة التوحيد احلق ، وأصحاب العقيدة الراسخة يف شيء

(80) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

وإمنا تتسرب بعض إطالقات الغالة ، أحيانا إىل بعض املتحمسني أو املبتدئني الذين . مل ترسخ قدمهم بعد يف هذه الدعوة ، كما شاهدت غالبا ، عن حرقة للدين وغرية حملارمه

ا ذكر ، ذكر ورجع إىل أدلة الشرع فيضبط هبا غريته وأقواله مث العاقل منهم من إذإذ معلوم أن الغرية احملمودة ، إمنا … وأفعاله ، ، حال الرضا والغضب ، يف السراء والضراء

.. هي ما كان منضبطا بضوابط الشرع ال ما يتولد من ردود الفعل العكسية غري منضبطةملا استصعب سعد أن جيد مع امرأته رجال ، ولذلك قال النيب صلى اهلل عليه وسلم

كال : وقال.. أن يرتكه وال يقتله حىت يأيت بأربعة شهداء ، وذلك قبل نزول حكم اللعانوالذي بعثك باحلق نبيا ، إن كنت ألعاجله بالسيف قبل ذلك ، ، وقال صلى اهلل عليه

أغري مين ، ومن أجل ذلك ) أتعجبون من غرية سعد ، فو اهلل ألنا أغري منه ، واهلل: وسلم( احلديث أصله يف .. حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وال شخص أغري من اهلل

. الصحيحني) إن من الغرية ، ما حيب اهلل ومن الغرية ما يبغض : ويروى يف احلديث املرفوع أيضا

.رواه اإلمام أمحد وأبو داود وغريهم وهو حديث حسن مبجموع طرقه…( اهلل وال شك أن أمثال هؤالء ما داموا أنصارا للدين فإهنم يعذرون ، إذا قويت الشبهة

كما عذر التيب صلى اهلل عليه وسلم عمر ملا قال عن .. الدافعة إلطالقاهتم يف بعض الناس) كفرت ألنك كفرت أخاك املسلم : ومل يقل له.. حاطب ) أنه قد نافق ( واستأذن يف قتله

لكن ال بد من تعليمهم وتنبيههم .. ب قد وقع يف شبهة عمل مكفر( ، وذلك ألن حاطفالدين ال حيايب وال … وردهم إىل اجلادة ، كما فعل النيب صلى اهلل عليه و سلم مع عمر

.. جيامل أحدا وهذا عمر ، فكيف مبن سواه ممن هم دونه ، فاخلطأ مهما كان الدافع إليه يبقى

.. لوليس بعد احلق إال الضال.. خطأوال جيمل وجه الضالل القبيح ، أو يزينه شيء من النوايا الطيبة ، أو املقاصد احلسنة

.. ، أو الدوافع النبيلة ، مهما كثرت وتضافرتمث أعداء هذا الدين وخصوم هذه الدعوة ، يقفون باملرصاد لكل هفوة أو عثرة تصدر

وال .. او يعذروهنم يف تاويل.. أو يذكرون هلم عذرا … من أتباعها ال يقيلون هلم عثرة .. وبني املبتدئني.. يكلفون أنفسهم التفريق بني الدعوة واتباعها ، أو بني الراسخني فيها

(81) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

وجمرد .. وأندر وأعز سلعة عندهم اإلنصاف ، وأكثرها وأوفرها الكذب والبهتانعلم او الدعوى على وجه اخلصومة ، ال يعجز عنها من يستجيز ويستحسن أن يتكلم بغري

.. عدل.. وأصحاب دعوة التوحيد املباركة ذووا ثياب ناصعة نقية ، يظهر فيها أدىن غبش

ولذلك جيب أن حيذروا اإلحنراف عن منهجهم األصيل ، ولو كان يف األعني أدق من فليسوا هم كخصوم التوحيد الذين سودوا وجوه أنفسهم وثياهبم برغام الباطل … الشعر

شبهات ، فما عادوا يتحرجون من املهلكات ، أو يتورعون من وبظالم الشهوات وال .. املوبقات ، أو خيجلون من الطامات

-وقد ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية يف رسالة من أروع ما كتب يف النقد الذايت ) أن من أسباب انتقاص املبتدعة للسلف ، ما حصل يف : -كما يسمونه يف لغة العصر

من نوع تقصري وعدوان ، وما كان من بعضهم من أمور اجتهادية الصواب املنتسبني إليهميف خالفها ، فإن ما حصل صار فتنة للمخالف هلم ، ضل به ضالال كبريا ( أهـ جمموع

( 4/91الفتاوي )ولذلك فما كنا لنقر مثل هذه األخطاء ، فيمن خنالطهم أو ندرسهم أو نتول أمرهم

ومل يكن يهمنا يف سبيل تطهري هذه الدعوة .. يف يوم من األيام، وال سكتنا عن شيء منها .. الغالية من كل شائبة قد تشوهبا أو تعكر صفوها ، رضى أو سخط ، القريب أو البعيد

وال أثنانا عن ذلك بغيهم أو عداوهتم أو أذاهم ، فقد أوذي من هو خري منا يف أنفسهم ن قال وأعراضهم حىت أتاهم نصر اهلل ، ورحم اهلل م

ادأب على مجع الفضائل جاهدا وأدم هلا تعب القرحية واجلسد واقصد هبا وجه اإلله ونفع من تلقاه ممن جد فيها واجتهد

واترك كالم احلاسدين وبغيهم مهال فبعد املوت ينقطع احلسدكروها يف مث إن ممن كانت أسخطتهم براءتنا من تلكم األخطاء والتجاوزات واستن

وقت من األوقات ، رجعوا بعد نضجهم وتبصرهم ، أو بعدما أحسوا خبطر تلكم الشذوذات على الدعوة ، وتنبهوا إىل آثارها السلبية ، فحمدوا براءتنا ، أو فعلوا فعلنا ولو

: بعد حني ، فكان مثلي ومثلهم كم قال بذلت هلم نصحي مبنعرج اللوى

فلم يستبينوا الرشد إال يف ضحى الغد

(82) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

فاحلمد هلل على كل حال ، فهؤالء يف رجوعهم إىل احلق ، ولو بعد مشاكسة وألواء ، خري ممن متادوا يف اخلطأ والضالل ، وهداية القلوب ليست بأيدينا ، وال كانت يوما

تهدي من أحببت ولكن اهلل إنك ال)) : بأيدي أحدا من البشر ، كما قال تعاىل خلريهم .. ((يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين

بل ذلك فضل اهلل وتوفيقه ، يؤتيه سبحانه من يصطفي من عباده اجملاهدين والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )) : ألنفسهم وألهواءهم وألعداء اهلل فيه ، كما قال

(( وإن اهلل لمع المحسنينل اهلل تعاىل وحده ما حتملنا شيئا من تلكم األخطاء والشذوذات واخلالصة أننا بفض

يف يوم من األيام ، وال أقررناه ، وال قبلناه أو دعونا إليه أو كتبناه يف وقت من األوقات ، وهاهي كتباتنا املطبوعة واملخطوطة شاهدة بذلك ، منذ أن هدانا اهلل تعاىل إىل هذه

لكم األخطاء والتخبطات قبل سجننا وأثنائه ، وسنبقى كذلك بل الزلنا نربأ من ت.. الطريق إن شاء اهلل تعاىل ، ومل نتنب يوما عقائد سجونية ، وال ردود فعل عكسية غري منضبطة بضوابط الشرع ، بل محلنا هذه العقيدة اليت هي عقيدة أهل السنة واجلماعة ، وكتبنا فيها ،

.. راسة وحبث ونظر يف أدلة الشرع ومقاالت السلفودعونا إليها يف السراء والضراء ، عن دوما زلنا بفضل اهلل وحده ، عليها يف احلبس والقيد والضراء ، ما ملنا بسبب ضغط

فنسأل اهلل تعاىل أن يتم نعمته علينا بالثبات وحسن .. أو إغراء ، إىل إفراط أو تفريط .. اخلتام

وحتذيرا وترهيبا .. ني واملتحمسنيوهاحنن نكتب يف ذلك ، نصحا وتنبيها للمبتدئ وتأكيدا لرباءئتنا وبراءة أصحاب هذه الدعوة ، من الشذوذات .. للغالة واملفرطني

.. واألخطاء

(83) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

((1 )) عدم التفريق بين الكفر المطلق وتكفير المعين

أو كفر النوع وكفر العينالقات كثري من وذلك ان كثريا من املبتدئني يف طلب العلم ال مييزون ؛ بني إط

) حكاية ابن القيم رمحه اهلل عن مخسمائة إمام من أئمة اإلسالم : حنو.. العلماء يف كتبهم) من قال )القرآن : أهنم كفروا من أنكر االستواء وزعم أنه مبعىن االستيالء ( أو حنو قوهلم

.. خملوق( فقد كفر ( أو )قال )إن اهلل يف كل مكان( فقد كفر (نوال ما كنا نطلقه من إطالقات عن بعض من وقع بأعمال او أقوال وعلى هذا امل

) ان فالنا قد وقع مبكفرات ( أو ) أنه قال أو فعل الكفر ( فقد كان ينسب بعض : مكفرةاملبتدئني إلينا بسبب مثل هذه اإلطالقات تكفري أولئك املعينني ، وهو ما مل نقله أو نقصده

.. حبالء يف الطوائف املنحرفة ، عن عقيدة أهل السنة واجلماعة وكذلك اطالقات العلما

. كقوهلم )اجلهمية كفار( ، أو ) القدرية كفار ( أو حنو ذلكفرمبا كفروا كل من .. فال مييزون بني هذا ، وبني تنزيل هذه األحكام على األعيان

نهم من كفر حىت مسعت م.. مسعوا منه شيئا من هذه املقاالت أو قرؤوه يف كتبه ومؤلفاتهكثريا من األعالم لوقوعهم يف شيء من تأويل الصفات كاحلافظ بن حجر والنووي وغريهم

وهذا كله من التهور والتسرع الذي ال حتمد .. وغريه (1)، ومن املعاصرين سيد قطب .. عقباه

والصواب عند العلماء احملققني أهنم وإن أطلقوا تلك اإلطالقات يف املقاالت أو إال أهنم ال ينزلون حكم التكفري على املعني إال بعد النظر يف .. اليت تنتحلهاالطوائف

شروط التكفري وموانعه، فمن ذلك ما ذكره شيخ اإلسالم مرارا يف الفتاوى أن )اجلهمية

تكفري سيد رمحه اهلل بسبب بعض أخطائه يف باب الصفات ، وبعض إطالقاته األدبية ، مسعته من (1)

األمحق يف تكفري املرتدين احملاربني للدين بعض أفراخ املرجئة املنتسبني زورا للسلفية ، هذا مع تورعهم البارد من الطواغيت وأنصارهم !!.

(84) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

كفرهم السلف واألئمة تكفريا مطلقا ، وإن كان الواحد املعني ال يكفر إال بعد قيام احلجة (2)ا ( أهـ اليت يكفر تاركه

: وخالصة هذا الموضعهو أن يثبت بالدليل الشرعي كفر من أتى بقول أو فعل : أن التكفري املطلق -

معني ، وذلك أن يقال من قال كذا فقد كفر ، أو من فعل كذا فقد كفر ، هكذا بإطالق . دون تنزيل احلكم بالكفر على شخص بعينه

على السبب ، ال على الشخص هو تنزيل احلكم بالكفر: فالتكفير المطلق - . فاعل السبب

أي هو )جترمي الفعل نفسه ال الفاعل( ؛ ولذلك يكفي فيه فقط ، النظر يف الدليل الشرعي من حيث كونه قطعي الداللة على الكفر األكرب ، وأنه ليس من الصيغ حمتملة

. الداللة ، مع النظر يف قطعية داللة الفعل أو القول نفسه على الكفرفهو تنزيل حكم التكفري على الشخص املعني ، الذي قال أو : أما تكفير المعين -

فعل السبب املكفر ، فال بد فيه إضافة إىل النظر يف جترمي الفعل كما يف التكفري املطلق ، أن ينظر يف حال الفاعل أو القائل من حيث ثبوت الفعل عليه ، وانتفاء موانع احلكم يف

.. ط التكفري وانتفاء موانعهحقه ، أي استفاء شرو وقد تقدمت الشروط واملوانع يف الفصل السابق وتقدم أن مراعاهتا إمنا جيب يف حق

.. غري املمتنع) وكنت أبني هلم أن مانقل هلم عن السلف واألئمة : يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية

تفريق بني من إطالق القول بتكفري من قال كذا وكذا ، فهو أيضا حق ، لكن جيب الاإلطالق والتعيني ، وهذه أول مسألة تنازعت فيها األمة من مسائل األصول الكبار ، وهي مسألة ) الوعيد ( فإن نصوص القرآن يف الوعيد مطلقة كقوله ) إن الذين يأكلون أموال

وكذلك سائر ما ورد؛ من فعل كذا فله كذا ، فإن هذه مطلقة .. اآلية… ( اليتامى ظلما وهي مبنزلة من قال من السلف ، من قال كذا فهو كذا ، مث الشخص املعني يلتغي .. عامة

. حكم الوعيد فيه بتوبة أو حسنات ماحية أو مصائب مكفرة أو شفاعة مقبولةوالتكفري هو من الوعيد ، فإنه وإن كان القول تكذيبا ملا قاله الرسول صلى اهلل عليه

إسالم ، أو نشأ ببادية بعيدة ، ومثل هذا ال وسلم ، لكن قد يكون الرجل حديث عهد ب

(. 2/214أنظر على سبيل املثال ) (2)

(85) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

يكفر جبحد ما جيحده حىت تقوم عليه احلجة ، وقد يكون الرجل مل يسمع تلك النصوص أو مسعها ، ومل تثبت عنده أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان خمطئا (

( 148-3/147أهـ جمموع الفتاوى ) أن املقالة اليت هي كفر بالكتاب والسنة : ذلك ) وأصل: ( 35/101وقال أيضا )

واإلمجاع يقال هي كفر قوال يطلق ، كما دل على ذلك الدالئل الشرعية ، فإن " اإلميان " من األحكام املتلقاة عن اهلل ورسوله ، وليس ذلك مما حيكم فيه الناس بظنوهنم وأهوائهم ،

يثبت يف حقه شروط التكفري ، وال جيب أن حيكم يف كل شخص قال ذلك بأنه كافر حىتوتنتفي موانعه ، مثل من قال إن اخلمر أو الربا حالل ، لقرب عهده باإلسالم أو لنشوئه ببادية بعيدة ، أو مسع كالما أنكره ، ومل يعتقد أنه من القرآن وال أنه من أحاديث رسول اهلل

.. اخل ( وقد تقدم.. …صلى اهلل عليه وسلم أن القول قد يكون كفرا ، فيطلق : ) وحقيقة األمر يف ذلك: ( 23/195وقال )

من قال كذا فهو كافر ، لكن الشخص املعني الذي قاله : القول بتكفري صاحبه ، ويقالالحيكم بكفره ، حىت تقوم عليه احلجة اليت يكفر تاركها ، وهذا كما يف نصوص الوعيد فإن

أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في إن الذين يأكلون )) : اهلل سبحانه وتعاىل يقول . (( * النساء بطونهم نارا وسيصلون سعيرا

فهذا أو حنوه من نصوص الوعيد حق ، لكن الشخص املعني ال يشهد عليه بالوعيد ، فال يشهد ملعني من أهل القبلة بالنار جلواز أال يلحقه الوعيد لفوات شرط ، أو

غه ، وقد يتوب من فعل احملرم ، وقد تكون له ثبوت مانع ، فقد ال يكون التحرمي بلحسنات عظيمة متحو ذلك احملرم ، وقد يبتلى مبصائب تكفر عنه ، وقد يشفع فيه شفيع

. مطاعوهكذا األقوال اليت يكفر قائلها قد يكون الرجل مل تبلغه النصوص املوجبة ملعرفة

ها ، وقد يكون عرضت له احلق ، وقد تكون عنده ومل تثبت عنده ، أو مل يتمكن من فهمشبهات يعذره اهلل هبا ، فمن كان من املؤمنني جمتهدا يف طلب احلق وأخطأ ، فإن اهلل يغفر

سواء كان يف املسائل النظرية ، أو العملية ، هذا الذي عليه –كائنا ما كان –له خطأه . أصحاب النيب صلى اهلل علي وسلم ومجاهري أئمة اإلسالم ( أهـ

ا ، بعد أن ذكر نزاع بعض املتأخرين يف تكفري أهل البدع هل هو كفر وقال أيضأهنم أصاهبم : ) وحقيقة األمر: قال… ينقل عن امللة أم ال ، وهل خيلدون يف النار أم ال

يف ألفاظ العموم يف كالم األئمة ما أصاب األولني يف ألفاظ العموم يف نصوص الشارع ، هو كافر ، اعتقد املستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من من قال كذا ف: كلما رأوهم قالوا

(86) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

قاله ، ومل يتدبروا أن التكفري له شروط وموانع قد تنتفي يف حق املعني ، وأن تكفري املطلق ال يستلزم تكفري املعني إال إذا وجدت الشروط وانتفت املوانع ، يبني هذا أن اإلمام أمحد

ت مل يكفروا أكثر من تكلم هذا الكالم بعينه ، وعامة األئمة الذين أطلقوا هذه العمومافإن اإلمام أمحد مثال قد باشر اجلهمية الذين دعوه إىل القول خبلق القرآن ونفي الصفات ، وامتحنوه وسائر علماء وقته وفتنوا املؤمنني واملؤمنات الذين مل يوافقوهم على التجهم

كفرون كل من مل يكن جهميا وذكر أن أكثر أويل األمر كانوا ي… بالضرب واحلبس ) ومعلوم أن هذا من أغلظ : اخل ، إىل قوله… موافقا هلم ويعاملوهنم معاملة الكفار

التجهم فإن الدعاء إىل املقالة أعظم من قوهلا ، وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظم من جمرد .. …الدعاء إليها

حبسه ، واستغفر هلم وحللهم مما مث إن اإلمام أمحد دعا للخليفة وغريه ، ممن ضربه و ولو كانوا مرتدين عن اإلسالم مل جيز االستغفار هلم ، فإن االستغفار للكفار ال … فعلوه

جيوز بالكتاب والسنة واإلمجاع ، وهذه األقوال واألعمال منه ومن غريه من األئمة صرحية يف . …أهنم مل يكفروا املعينني من اجلهمية

يدل على أنه كفر به قوما معينني ، فأما أن يذكر عنه يف وقد نقل عن أمحد ما من كفر بعينه ، فلقيام : املسألة روايتان ففيه نظر ، أو حيمل األمر على التفصيل ، فيقال

الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفري وانتفت موانعه ، ومن مل يكفره بعينه فالنتفاء . على سبيل العموم (أهـذلك يف حقه ، هذا مع إطالق قوله بالتكفري

( 262-12/261جمموع الفتاوى ) .. أن عدم مراعاة الفرق بني التكفري املطلق وتكفري األعيان مزله ومهواة.. واخلالصة

تردى فيها البعض ، فكفروا خلقا ممن ال حيل تكفريهم إال بعد اإلعذار واإلنذار ، فضلوا .. بذلك وأضلوا كثريا

(87) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

((2 )) الكفر( ناء على قاعدة )األصل في الناسب التكفير

ألن الدار دار كفرومن األخطاء الشنيعة يف التكفري؛ التكفري بناء على قاعدة )األصل يف الناس الكفر( الن الدار دار كفر ومعاملتهم واستحالل دماءهم وأمواهلم وأعراضهم بناء على هذه القاعدة

فر ، وهذا أمر منتشر بني كثري من الغالة ، وقد ، اليت أصلوها تفريعا على أن الدار دار كحتمله بعض اجلهال عنهم دون أن يعرفوا أصله وتبعاته ، وحنن وهلل احلمد واملنة مل نقل هبذا

من أشد املنكرين له ، حىت كفرين -والزلنا–التأصيل وال تبنيناه يف يوم من األيام ، بل كنا وناظرهتم يف إبطاله ، ويومها مل أجد عندهم ما بعض غالة املكفرة ، ملا خالفتهم فيه ،

حيتجون به لتأصيلهم هذا ، إال عبارة مبتورة لشيخ اإلسالم ابن تيمية اقتطعوها من فتوى له ) وال مبنزلة دار احلرب اليت أهلها كفار ( وقد حرفوها : حول بلدة ماردين ، وهي قوله فيها

ولو كانت –وا من ذلك أن كل دار كفر فجعلوها ) دار الكفر اليت أهلها كفار ( فخرجوقد بينت .. فأهلها كلهم كفار ، إال من عرفوا تفاصيل معتقده –طارئة حادثة ال أصلية

ما هي –خصوصا يف ماردين وأمثاهلا من دور الكفر الطارئة –هلم يومها أن هذه اللفظة وال دخل لقاطنيها .. مإال اصطالح للفقهاء للدار اليت غلب عليها الكفار وعلتها أحكامه

وذكرت هلم بعض التفصيل اآليت .. بوصف الكفر إال من ارتكب سببا من أسباب التكفريفعجبت كيف يقلب .. ، ولكنهم مل يرفعوا بذلك رأسا ، وأصروا على التمسك بتلك العبارة

اهلوى املوازين ، وجيعل من يقر بعدم حجية قول الصحايب وال يقبل قول غريه من أهل رون الثالثة املفضلة يف فرع من الفروع ، حيتج بقول مبتور مقتطع من كالم عامل يف القرن الق

السابع ، ويف مسألة هي من أخطر أبواب الدين ، عندما يظن أن ذلك القول يوافق هواه ، !! مع أهنم يقرون بأن مجيع اخللق بعد رسول اهلل صلى اهلل عليه .. أو حيقق رغبته وحاجته

لكالمهم وال حيتج به ، وحيتاج إىل الدليل والربهان وليس هو وحده بدليل وال وسلم حيتج .. برهان

وقد بني اهلل عز وجل بعض دوافع النفس وأهوائها ، يف االندفاع حنو التكفري (( وال تقولوا لمن ألقى إليكم السالم لست مؤمنا)) : والتسرع فيه أحيانا ، يف قوله تعاىل

وكذلك كانت رغبات أولئك األغرار الذين .. (( رض الحياة الدنياتبتغون ع)) : ؛ فقالكنت أناظر بعضهم ، فقد كانوا يتحينون أسهل وأقرب فرصة النتهاب أو سرقة ما يقع حتت أيديهم من أموال وممتلكات من حكموا عليهم بالكفر ، حىت وإن كانوا من الدعاة

(88) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

اهلم عندهم غنائم ، وقد شاهدت من واجملاهدين ، أو من املسلمني املستضعفني ، فأمو !! .. ذلك أمثلة ، ويف آخر األمر اقتتلوا هم فيما بينهم واختلفوا على بعض األموال

سواء السبيل ، وأن جينب شباب املسلمني هذه الفنت أسأل اهلل تعاىل أن يهديهم إذ اجلرأة على تكفري املسلمني وإباحة دماء املوحدين وأمواهلم من غري موجب .. املضلة

.. شرعي ، ال تقدم عليه إال النفوس املريضة اليت مل تشم رائحة الورع والتقوى) إن دماءكم وأموالكم : داعوقد قال النيب صلى اهلل عليه وسلم يف حجة الو

وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا يف شهركم هذا يف بلدكم هذا () ال حيل دم امريء مسلم إال بإحدى : وقال أيضا فيما يرويه البخاري ومسلم

. الثيب الزاين ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه املفارق للجماعة (: ثالثلن يزال املؤمن يف فسحة من دينه ما مل يصب دما ): وقال صلى اهلل عليه وسلم

حراما ( رواه البخاري من حديث ابن عمر ) إن من ورطات األمور اليت ال خمرج ملن أوقع نفسه فيها : وقال ابن عمر: وفيه

سفك الدم احلرام بغري حله ( حيرم يا أبا محزة ، ما : ويف البخاري أيضا سأل ميمون بن سياه أنس بن مالك ، قال

دم العبد وماله ؟ ) من شهد أن ال إله إال اهلل ، واستقبل قبلتنا ، وصلى صالتنا ، وأكل : فقال

ذبيحتنا فهو املسلم ، له ما للمسلم وعليه ما على املسلم () : ( عن العلماء احملققني قوهلم2/277وتقدم ما ذكره القاضي عياض يف الشفا )

، خطر ، واخلطأ يف ترك ألف كافر أهون من اخلطأ يف إن استباحة دماء املصلني املوحدين . سفك حمجمة من دم مسلم واحد ( أهـ

) وال هتراق الدماء إال باألمر الواضح ، ويف األدب بالسوط : ونقل عن القابسي قوله . (2/262). ( أهـ.. والسجن نكال للسفهاء

مطالعة األصول ولو انشغل هؤالء يف طلب العلم الشرعي وتقليب كتب العلماء و والفروع ، لعرفوا أن دون إباحة الدم واملال وإن صدر القول أو الفعل املكفر ؛ مراحل

خصوصا يف أمثال من تسلطوا .. وشروط وموانع قد متنع من التكفري فضال عن اإلباحةعليهم من املستضعفني أو الدعاة واملؤمنني غري املمتنعني بشوكة الطواغيت أو أنظمتهم

(89) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

كما تقدم –وأنه ال يلزم من احلكم على الفعل أو القول بالكفر ، تكفري املعني .. هموقوانين .. ومن مث فال ترتتب على احلكم آثاره اليت يهووهنا ويشتهوهنا ويبتغوهنا –

أضف إىل هذا أن مجهور العلماء ، بل ذكر ابن املنذر إمجاعهم ؛ على أن ملك نت ردته غري مغلظة وال كان ممتنعا ، فإنه يستتاب واحلالة إذا كا (1)املرتد ال يزول مبجرد ردته

. كذلك ، وقد يرجع إىل اإلسالموكل من تأمل فتوى شيخ اإلسالم اليت اجتزؤوا منها حجتهم ، وجدها من أوهلا إىل آخرها حجة عليهم ، فقد سئل رمحه اهلل عن بلدة ماردين اليت احتلها التتار وتغلبوا عليها

) احلمد هلل دماء املسلمني وأمواهلم حمرمة : فأجاب رمحه اهلل. …لمون وفيها أناس مسواملقيم هبا إن كان عاجزا عن إقامة دينه وجبت اهلجرة … حيث كانوا يف ماردين أو غريها ) وال حيل سبهم عموما ورميهم بالنفاق ، : إىل قوله… ( عليه ، وإال استحبت ومل جتب

ى الصفات املذكورة يف الكتاب والسنة فيدخل فيها بعض بل السب والرمي بالنفاق يقع علفيها املعنيان ، ليست : وأما كوهنا دار حرب أو سلم ، فهي مركبة (2)أهل ماردين وغريهم

مبنزلة دار السلم اليت جتري عليها أحكام اإلسالم لكون جندها مسلمني ، وال مبنزلة دار مل املسلم فيه مبا يستحقه ، ويقاتل اخلارج احلرب اليت أهلها كفار ، بل هي قسم ثالث يعا

. (28/135خمتصرا من جمموع الفتاوى ). عن شريعة اإلسالم مبا يستحقه ( أهـ : فهو يقرر

أن دماء املسلمني وأمواهلم ، األصل األصيل فيها ؛ هو احلرمة والعصمة حيث -ر المرء لإلسالم مناط تلك العصمة إظهاكانوا ، وال دخل للدار أو البلدة يف ذلك ، بل

. ، ال إظهار الدار لإلسالموأنه ال حيل رمي املسلمني بشيء من صفات النفاق وحنوها ، جملرد كون -

. الدار قد صارت حتت غلبة الكفار ، دون أن حيدث أولئك املسلمون أمرااء لدار وأن الدار اليت سئل عنها وأمثاهلا ، وإن كان ينطبق عليها وصف الفقه -

. الكفر لغلبة الكفار عليها ، إال أهنا بالنسبة للحكم على أهلها مركبةفليست هي كدار اإلسالم األصلية اليت يتميز فيها أهل الكتاب بالغيار ) أي

فاألصل يف كل من عدا أهل الكتاب من .. اللباس الذي مييزهم ( وال يقر املرتد فيها حبال

أنظر املغين ) كتاب املرتد ( ، )فصل: وال حيكم بزوال ملك املرتد مبجرد ردته.. ( (1)يف الشخص نفسه يف أي أن مناط تلك الصفات ليس هو الدار ، بل وجود تلك الصفات أو موجبها (2)

أي بلد كان.

(90) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

لذلك أمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن يسلم املرء يف ساكنيها ، أنه من املسلمني و ولذلك نص الفقهاء واستدلوا كثريا يف فروع الفقه .. (3)مثلها على من يعرف ومن ال يعرف

.. ) األصل يف دار اإلسالم اإلسالم (: مبقولةن وال هي أيضا مبنزلة دار احلرب اليت أهلها كفار ومل تكن يوما دار إسالم وال كا

فهي إذن ليست دار كفر أصلية ، بل قد كانت قبل تغلب .. مجهور أهلها مسلمنيولذلك لم ينط الحكم على .. الكفار عليها دار إسالم وجمهور أهلها من المسلمينلعدم انضباطها ، بل من أظهر أهلها ومعاملتهم تبعا لشيء من تلك االصطالحات

مني ، ومن خرج عن شريعة اإلسالم عومل مبا اإلسالم عصم ماله ودمه وعومل معاملة املسل .. فكالمه رمحه اهلل واضح ال لبس فيه.. يستحقه

أن اجتماع الشهوة مع الشبهة .. ولكن األمر كما ذكر رمحه اهلل يف موضع غري هذا .. يقوي الدافع إىل الشبهة ويورث فساد العلم والفهم

هتم ويسوغ شهواهتم ) والقوم وجدوا يف ذلك الفهم السقيم ، ما يثبت شبها الغنائمية(

فتمسكوا بقوله ) وال مبنزلة دار احلرب اليت أهلها كفار ( ؛ فجعلوا الكفر هو األصل يف أهل كل دار تدخل حتت اصطالح دار الكفر ولو كان وصف الكفر فيها طارئا لغلبة

.. سالمفكفروا أهلها كلهم ولو كان مجهورهم من املنتسبني لإل.. الكفار على أحكامها .. ومتسكوا بذلك وأصروا عليه

هذا وقد كنت تتبعت قدميا مصطلح دار الكفر ودار اإلسالم ومجعت أقوال كثري من العلماء وتعريفهم للدار ، ونظرت يف أثر هذا االصطالح عندهم على قاطنيها ، فلم

دار خصوصا يف.. أجد عند أحد من العلماء احملققني شيئا من هذا الذي رامه هؤالء .. الكفر الطارئة اليت كان مجهور أهلها مسلمني

.. عند بعض طوائف اخلوارج الضالل.. نعم وجدت شيئا شبيها مبقاالهتم) إن من أقام يف دار الكفر فهو كافر ، : فاألزارقة أصحاب )نافع بن األزرق( قالوا

. ني دار كفرال يسعه إال اخلروج ( ، ومعلوم أهنم يرون أن دار خمالفيهم من املسلم) إذا كفر اإلمام كفرت الرعية الغائب منهم والشاهد ( : والبيهسية والعوفية قالوا

.. وهذا كله من سخفهم وجهلهم ، وسنأيت على ذكره يف الفصل الرابع من هذا الكتاب

حديث ) تقرأ السالم على من عرفت ومن مل تعرف ( متفق عليه. (3)

(91) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

أما العلماء احملققني ، فقد تدبرت أقوال كثري منهم ، فلم أجد عندهم شيئا من هذه وال يعكر على إطالقي هذا ما ورد يف أحكام القرآن للجصاص وغريه ، مما قد اإلطالقات ؛

يظنه املتعجل شبيها بذلك ، فليس هو من هذا الباب ، وذلك لكونه ورد يف أرض العدو اليت يعنون هبا دار احلرب أو الكفر األصلية ، ويف ظل وجود دار إسالم ومجاعة املسلمني

إليهم مث هو يفرط يف ذلك ويبقى مكثرا لسواد أهل الذين يقدر املسلم على التحول . الشرك

أما إطالق تلك القاعدة وذلك االصطالح وإعماله مطلقا يف قاطين الدار اليت طرأ عليها الكفر مع أن مجهور أهلها من املنتسبني لإلسالم ، دون اعتبار الستضعاف

م ، ودون أن يتواطأ املسلم أو املسلمني وعدم وجود دار إسالم يهاجر ويأوي إليها املسليعني على كفر ، فهذا ما مل أجده حبال ، وأعجبين يف خامتة املطاف قول الشوكاين يف

) اعلم أن التعرض لذكر دار اإلسالم ودار الكفر قليل الفائدة جدا ، ملا : السيل اجلرارال على كل حال قدمنا لك يف الكالم على دار احلرب ، وأن الكافر احلريب مباح الدم وامل

وأن مال المسلم ودمه معصومان بعصمة األسالم في دار ما مل يؤمن من املسلمني ، . (4/576). ( أهـ الحرب وغيرها

فهذا الذي يهمنا من ذلك ، وهو موافق خلالصة كالم شيخ اإلسالم يف أهل ماردين .. وغريهم

لدار الكفر ودار فأنت خترج من تتبع تعريفاهتم .. والعلماء مجيعهم على ذلكاإلسالم ، بأن هذه املسميات اصطالح فقهي ال أثر له يف احلكم على من أمكن معرفة دينه من قاطين الديار ، وأن من أظهر اإلسالم ومل يأت بناقض من نواقضه الظاهرة معصوم

.. الدم واملال حيث كانطلح يطلق وتعريفاهتم وإن تفاوتت بعض التفاوت ، فجمهورهم على أن هذا املص

تبعا لألحكام والغلبة اليت تعلو الدار، فإن كانت تعلو الدار أحكام الكفر أو أن الغلبة فيها وإن .. للكفار فقد اصطلحوا على تسميتها دار كفر، وإن كان أكثر أهلها من املسلمني

كانت الغلبة فيها واألحكام للمسلمني فهي دار إسالم وإن كان أكثر قاطنيها من الكفار، .. ما يكون احلال يف البالد اليت يسكنها أهل الذمة وحيكمها املسلمونك

)وقول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " أنا بريء من كل : هـ(456قال ابن حزم )مسلم أقام بني أظهر املشركني " إمنا عىن بذلك دار احلرب ، وإال فقد استعمل عليه السالم

ذا كان أهل الذمة يف مدائنهم ال ميازجهم غريهم فال عماله على خيرب وهم كلهم يهود ، وإيسمى الساكن فيهم إلمارة عليهم أو لتجارة بينهم كافرا وال مسيئا بل هو مسلم حمسن ،

(92) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

ألن الدار إنما تنسب للغالب عليها والحاكم فيها ودارهم دار إسالم ال دار شرك ، . (11/200( أهـ احمللى )والمالك لها

) كل دار كانت الغلبة فيها ألحكام : هـ(458يعلى احلنبلي) وقال القاضي أبو . (276املعتمد يف أصول الدين ص). الكفر دون أحكام اإلسالم فهي دار كفر ( أهـ

) ما مل جتر عليه أحكام اإلسالم مل يكن دار إسالم وإن : هـ(751وقال ابن القيم)سالم بفتح مكة ( أهـ أحكام الصقها ، فهذه الطائف قريبة إىل مكة جدا ومل تصر دار إ

. (1/366أهل الذمة ))االعتبار بظهور الكلمة : (4/575هـ( يف السيل اجلرار )1250وقال الشوكاين )

فإن كانت األوامر والنواهي يف الدار ألهل اإلسالم ؛ فهذه الدار دار إسالم وال يضر ظهور هم ، كما هو مشاهد يف أهل اخلصال الكفرية فيها ألهنا مل تظهر بقوة الكفار وال بصولت

الذمة من اليهود والنصارى واملعاهدين الساكنني يف املدائن اإلسالمية ، وإذا كان األمر . بالعكس فالدار بالعكس ( أهـ

-: هـ( شعرا 1349وقال سليمان بن سحيمان ) إذا ما تغلب كافر متغلب على دار إسالم وحل هبا الوجل

أحكام كفر عالنيا وأظهرها فيها جهارا بال مهل وأجرى هبا وأوهى هبا أحكام شرع حممد ومل يظهر اإلسالم فيها وينتحل

فذي دار كفر عند كل حمقق كما قال أهل الدراية بالنحل رئ فيها على صالح العملوما كل من فيها يقال بكفره فرب ام

فأنت ترى من مطالعة هذه التعريفات وغريها أهنم اصطلحوا على هذا املصطلح كداللة على نوع الغلبة واألحكام اليت تعلوا الدار ، وينبهون كما رأيت غالبا على أن املسلم

يف معصوم الدم واملال حيث كان وأنه ال أثر لقاطين الديار ، إسالم أكثرهم أو كفرهم .. يف إسالمهم أو كفرهم وحدهاحلكم على الدار ، كما وأنه ال أثر للحكم على الدار

.. خصوصا إذا كانت دار كفر حادثة طارئة ، ال أصلية وما كل من فيها يقال بكفره فرب امرئ فيها على صاحل العمل

.. كما قال ابن مسحان

(93) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

هـ ، وكان أهلها كلهم يهود 7عام ولقد فتح النيب صلى اهلل عليه وسلم خيربفأقرهم صلى اهلل عليه وسلم فيها وصاحلهم على زراعتها، فصارت بغلبة املسلمني وعلو أحكامهم عليها ، دار إسالم ، وجازت السكىن واإلقامة فيها واالستيطان ، فكان له صلى

.. اهلل عليه وسلم فيها عمال بوة يف اليمن وارتد قوم من أهلها واتبعوه ويف املقابل ملا ادعى األسود العنسي الن

فقتل –وذلك يف آخر أيام النيب صلى اهلل عليه وسلم يف الدنيا -حىت غلب على صنعاء األسود واليها شهر بن باذان الذي كان قد أقره النيب صلى اهلل عليه وسلم عليها ، وفر

ى أمر العنسي ، وارتد خلق معه بعض عمال النيب صلى اهلل عليه وسلم إىل املدينة ملا استشر فلم يكفروا ببقائهم يف دار الردة وعدم فرارهم، بل كان (4))وعامله املسلمون هناك بالتقية (

منهم فريوز الديلمي وأصحابه الذين ثبتوا واحتالوا حىت قتلوا األسود العنسي وعادت الغلبة .. يف اليمن للمسلمني

رتدين والكفار عليها بعد أن كانت دار فهاهي صنعاء صارت دار كفر بغلبة املإسالم أي أهنا صارت دار ردة ، وبقيت حتت غلبة األسود الذي ادعى النبوة ملدة أربعة

ومل مينع ذلك من وجود مسلمني صاحلني فيها ، يأخذون بالتقية ، .. أشهر أو قريبا منهاقتل األسود وإعادة اليمن ويعملون إلعادة الغلبة للمسلمني ، حىت متكنوا يف آخر أمرهم من ، وال قال أهنم كفروا (5)إىل حكم املسلمني ، ومل ينكر النيب صلى اهلل عليه وسلم ذلك

وهذا مع وجود .. ببقائهم يف صنعاء وعدم فرارهم إذ صارت دار كفر بتغلب الكفار عليهم . دار اإلسالم ومجاعة املسلمني

يني الكفرة من بين عبيد القداح وأيضا بعد ذلك ملا سقطت مصر ، بأيدي العبيدواستولوا عليها وتغلبوا على احلكم فيها صارت دار كفر وردة بعد أن كنت دار إسالم ومجهور أهلها من املسلمني ، فبقيت حتت حكم العبيديني حنو مائيت سنة أظهروا فيها

ع ذلك وم.. رفضهم وكفرهم وزندقتهم ، حىت ألف ابن اجلوزي كتابه ) النصر على مصر (مل يقل أحد من العلماء احملققني أن حكم الكفر هذا الذي أطلق على الدار وعلى

.. املتغلبني عليها ، قد مشل أهلها املستضعفني

(. 6/308أنظر البداية والنهاية ) (4)بل روي أهنم فعلوا ذلك عن أمر النيب صلى اهلل عليه وسلم وأنه بعث إليهم يأمرهم بالقيام على دينهم (5)

ود. أنظر تاريخ الطربي وغريه وروي أيضا أن النيب صلى اهلل عليه والنهوض يف احلرب والعمل يف األس وسلم أثىن على فريوز ملا جاءه خرب قتله لألسود وهو يف مرض موته صلى اهلل عليه وسلم.

(94) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

بل قد كان فيهم علماء وفقهاء وصاحلون كثري ، فمنهم من كان مستخفيا وال يقدر ول اهلل صلى اهلل عليه على إظهار عقيدته يف بين عبيد ، بل وال حىت التحديث حبديث رس

وسلم خمافة أن يقتل ) كما حكى إبراهيم بن سعيد احلبال صاحب عبد الغين بن سعيد أنه (6)امتنع من رواية احلديث خوفا أن يقتلوه (

ومع هذا فعموم املسلمني كانوا يضمرون بغض بين عبيد ، والرباءة منهم ، ورمبا أظهر هم ، كما ذكر السيوطي يف مقدمة تاريخ اخللفاء ذلك بعضهم بطريقة ال يناله فيها بطش

) وقد كانوا يدعون علم املغيبات ، وأخبارهم يف : عن ابن خلكان أنه قال يف العبيديني : ذلك مشهورة ، حىت إن العزيز صعد يوما املنرب فرأى ورقة مكتوب فيها

بالظلم واجلور قد رضينا وليس بالكفر واحلماقة . كنت أعطيت علم الغيب بني لنا كاتب البطاقةإن

بالذي أعز اليهود مبيشا ، والنصارى بابن نسطور ، : وكتبت إليه امرأة قصة فيها . (7)وأذل املسلمني بك ، إال نظرت يف أمري ( أهـ

رد قال بتكفري هؤالء جمل.. فمن من العلماء احملققني ، ال من الفشارين املتهورينإقامتهم يف دار الكفر ما داموا مل يظهروا سببا من أسباب الكفر ؟؟ هذا مع وجود در

إسالم يهاجر إليها يف ذلك الوقت ، فكيف مع عدمها يف زماننا ؟؟ وقد كان العبيديون شرا على ملة اإلسالم من الترت كما ذكر الذهيب ، فمنهم من

فقد ذكر السيوطي عن –حدث وال حرج أما سب الصحابة ف.. كان يظهر سب األنبياء) أن الذين قتلهم عبيد اهلل وبنوه من العلماء والعباد أربعة آالف رجل : أيب احلسن القابسي

فيا حبذا لو كان رافضيا فقط ، : لريدوهم عن الرتضي عن الصحابة فاختاروا املوت ، قال . 13ولكنه زنديق ( تاريخ اخللفاء ص صر آنذاك فقهاء ، كما قدمنا أيضا يف كالم أيب حممد فأنت ترى أنه كان يف م

) إمنا أقام من أقام من الفقهاء على املباينة هلم لئال ختلوا للمسلمني : القريواين الكيزاين قوله . حدودهم فيفتنوهم عن دينهم ( أهـ

( . 85/ 35جمموع الفتاوى ) (6) صر. ، وكان ميشا اليهودي عامال بالشام ، وابن نسطور النصراين مب 13تاريخ اخللفاء ص (7)

(95) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

كما قال القاضي أبو بكر .. فكان منهم من يستخفي ومنهم من يظهر دينه فيقتل) كان املهدي عبيد اهلل باطنيا خبيثا حريصا على إزالة ملة اإلسالم ، أعدم :الباقالين

. 12تاريخ اخللفاء ص . العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء اخللق ( أهـأبو بكر النابلسي –حنسبه كذلك –وممن واجههم بكفرهم من العلماء الشهيد

لو أن معي عشرة أسهم لرميت :بلغين عنك أنك قلت: ) فقال له: الذي أحضره املعزالروم بتسعة ورميت املصريني بسهم ، فقال ما قلت هذا ، فظن أنه رجع عن قوله ، فقال

) : ومل ؟ قال: قال. ينبغي أن نرميكم بتسعة مث نرميهم بالعاشر: قلت: كيف قلت ؟ قالليس لكم ( فشهره ألنكم غريمت دين األمة وقتلتم الصاحلني وأطفأمت نور اإلهلية ، وادعيتم ما

مث ضربه بالسياط مث جاء بيهودي فأمره بسلخه فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن ، قال ( البداية .. فأخذتين رقة عليه ، فلما بلغت تلقاء قلبه طعنته بالسكني فمات: اليهودي

. (16/148( خمتصرا وانظر سري أعالم النبالء )11/284والنهاية ) حوال املسلمني حتت حكم املتغلبني الكفار يف كل زمان والشاهد من هذا كله أن أ

تغلبوا فيه على بعض ديار اإلسالم ، كانت تتفاوت بني مستضعف مستخف أو آخذ بالتقية أو جماهد قائم بدين اهلل تبارك وتعاىل ، ومل يكن العلماء يطلقون الكفر على أحد

وأسباب الكفر الظاهرة، وإمنا كفروا من هؤالء ما داموا مل يتلبسوا بشيء من نواقض اإلسالم من نصر الكفار أو املرتدين أو أظهر مواالهتم أو صار من أهل دولتهم وحكمهم الكفري

( عن القاضي الباقالين قوله يف 11/284كما نقل ابن كثري يف البداية والنهاية ) ن أطاعه ) إن مذهبهم الكفر احملض واعتقادهم الرفض وكذلك أهل دولته م: العبيديني

. ونصره ووااله قبحهم اهلل وإياه ( أهـ … و األمثلة من جنس هذا يف التاريخ كثرية ..

والشاهد منه أن األصل في كل منتسب لإلسالم أو مظهر لخصائصه ؛ اإلسالم ، ما لم يظهر سببا من أسباب الكفر ، واألصل فيه أنه معصوم الدم والمال والعرض

.. حيث كان . (( ولوال رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم)) : ك وتعاىلوقد قال تبار -

فسماهم مؤمنني مع أهنم كانوا يف مكة حني كانت دار كفر ، ورغم أهنم كانوا . مستخفني ال يعلمهم املؤمنون

املسلم إن كان ضعيفا يف دار الكفر ال : ) فرع: (10/282قال يف روضة الطالبني )حرم عليه اإلقامة هناك ، وجتب عليه اهلجرة إىل دار اإلسالم ، يقدر على إظهار الدين ،

(96) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

فإن مل يقدر على اهلجرة ، فهو معذور إىل أن يقدر ، فإن فتح البلد قبل أن يهاجر سقط عنه اهلجرة ، وإن كان يقدر على إظهار الدين ، لكونه مطاعا يف قومه ، أو ألن له هناك

، مل جتب اهلجرة ، لكن يستحب لئال يكثر سوادهم عشرية حيمونه ، ومل خيف فتنة يف دينه ، أو مييل إليهم ، أو يكيدوا له ، وقيل ؛ جتب اهلجرة ، حكاه اإلمام ، والصحيح األول (

. أهـأهل وعشرية وأمكنه إظهار –أي دار الكفر –) فإن صار له هبا : وقال املاوردي

صار دار إسالم ( دينه مل جيز له أن يهاجر ألن املكان الذي هو فيه قد) هذا قول باطل ألن جمرد إظهار الرجل لدينه ال : قال رشيد رضا تعليقا على ذلك

جيعل الدار دار إسالم واألحكام فيها غري إسالمية ، فإن مجيع بالد أوروبة ال يعارض أحد م فيها إذا أظهر دينه أو دعا إليه حىت يف حال حماربتهم للمسلمني وألن اهلجرة من دار إسال

إىل أخرى جائزة باإلمجاع ، ولو قال ال جتب عليه اهلجرة يف تلك احلالة لكان قريبا ، ولعل ضمن ) 13( أهـ من شرح األربعني النووية ، ص. هذا هو األصل ، ووقع الغلط يف النقل

جمموعة احلديث النجدية (عدو وإن كان من قوم )) : وقال سبحانه وتعاىل يف تفاصيل قتل املؤمن خطأ -

(( .. لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنةفسماه تبارك وتعاىل مؤمنا ، وجعل يف قتله خطأ كفارة ؛ مع انه مقيم مع أعدائنا يف دار احلرب ، على قول طائفة من السلف والفقهاء واملفسرين كما يف تفسري ابن جرير

. (9/381وانظر روضة الطالبني ) .. وغريه) و هذه مسألة املؤمن الذي يقتله : (1/498لقدير )وقال الشوكاين يف فتح ا

املسلمون يف بالد الكفار الذين كان منهم مث أسلم ومل يهاجر وهم يظنون أنه مل يسلم وأنه باق على دين قومه ، فال دية على قاتله ، بل عليه حترير رقبة مؤمنة ، واختلفوا يف وجه

ال حق هلم يف الدية ، وقيل وجهه أن هذا سقوط الدية، فقيل وجهه أن أولياء القتيل كفاروالذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من )) : لقول اهلل تبارك وتعاىل.. الذي آمن حرمته قليلة

واليتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إال على قوم . ( أهـ.. (( بينكم وبينهم ميثاق واهلل بما تعملون بصير

مل وصف اهلل هلم بالذين آمنوا مع أهنم مل يهاجروا من دار الكفر يف ظل وجود وتأ دار إسالم كانت اهلجرة واجبة إليها

(97) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

وقد ذكر الشوكاين بعد ذلك أن بعض أهل العلم أوجب ديته ولكن لبيت املال، ( والرتمذي من 2642ويستأنس هلذا القول ، وملا حنن بصدده أيضا مبا رواه أبو داود )

) بعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم سرية إىل خثعم ، : ديث جرير بن عبد اهلل قالحفاعتصم ناس منهم بالسجود فأسرع فيهم القتل، قال فبلغ ذلك النيب صلى اهلل عليه وسلم

يا : فأمر هلم بنصف العقل، وقال أنا بريء من كل مسلم يقيم بني أظهر املشركني ، قالوا ال ترايا } تراءى{ نارامها ( : رسول اهلل مل ؟ قال

وقد أعل احلديث باإلرسال حيث مل يذكر جرير يف رواية مجاعة ، لكن صححه . بعض العلماء مبجموع طرقه

وقد ذكر اخلطايب وبعض أهل العلم أنه صلى اهلل عليه وسلم إمنا أمر هلم بنصف قامهم بني ظهراين الكفار ، العقل بعد علمه بإسالمهم ، ألهنم قد أعانوا على أنفسهم مب

فكانوا كمن هلك جبناية نفسه وجناية غريه ، فسقط بذلك حصة جنايته فلم يكن له إال ( 7/218نصف العقل ) أنظر عون املعبود ( )

وهذا كله من الدالئل على أن مثل هذا ال يكفر رغم تقصريه يف اهلجرة ، وعصيانه يف الداللة على ذلك تسمية رسول اهلل صلى اهلل باملقام بني ظهراين املشركني ، وليس أظهر

عليه وسلم له باملسلم وعدم رفع هذه الصفة عنه ، وال يعكر على ذلك براءة النيب صلى اهلل عليه وسلم منه وكون الرباءة الكلية ال تكون إال من الكافر الن املراد بالرباءة هنا براءة

ديث نفسه ، ومن ذلك أيضا قصور حقه يف ، كما قد فسر يف احل(8)الذمة من عقله كامال النصرة لتقصريه يف اهلجرة ، فهذه قرائن صارفة للرباءة املكفرة ، إىل براءة من نوع ثان فسرهتا

والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من واليتهم من )) : السنة وذكرها اهلل تعاىل يف قولهلنصر إال على قوم بينكم شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم ا

. (( وبينهم ميثاق واهلل بما تعملون بصيراللهم إال أن يضم إىل إقامته يف دار الكفر وتقصريه باهلجرة الواجبة إىل دار اإلسالم

.. ؛ مظاهرته للمشركني وحماربته للمسلمني ، فحينئذ تكون الرباءة منه براءة كلية مكفرة) وهو عليه السالم ال يربأ إال من : ديث أعالهقال ابن حزم بعد أن ذكر احل

(( ، مث قال ؛ ) المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضقال تبارك وتعاىل )) . كافرفهو هبذا محاربا لمن يليه من المسلمينفصح هبذا أن من حلق بدار الكفر واحلرب خمتارا

( وغريه وفيها عنعنة احلجاج بن أرطأة: ) من أقام مع املشركني ، فقد 13-9/12ويف رواية للبيهقي ) (8)

برئت منه الذمة (

(98) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

قدرعليه ، ومن اباحة ماله ، الفعل مرتد له أحكام املرتد كلها من وجوب القتل عليه مىتوانفساخ نكاحه وغري ذلك ألن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مل يربأ من مسلم ، وأما من

، ومل جيد يف ولم يحارب المسلمين ، وال أعان عليهمفر إىل أرض احلرب لظلم خافه ، -13/138 أهـ احمللى ). املسلمني من جيريه فهذا ال شيء عليه ألنه مضطر مكره (

139) وهو صريح يف أن اللحوق بدار الكفر إمنا يكون كفرا ، إذا ما انضاف إليه حماربة

املسلمني وإعانة الكفار ومظاهرهتم عليهم ، فهو يتنزل على أنصار الشرك احملاربني للدين أو . من ظاهر املشركني والكافرين على املوحدين ال على عموم املقيمني يف دار الكفر

) وقد ذكرنا أن الزهري حممد بن مسلم بن شهاب كان عازما على : ل ابن حزممث قاأنه إن مات هشام بن عبد امللك حلق بأرض الروم ألن الوليد بن يزيد كان نذر دمه إن قدر

. عليه ، وهو كان الوايل بعد هشام فمن كان هكذا فهو معذوردان والروم من املسلمني وكذلك من سكن بأرض اهلند والسند والصني والرتك والسو

، فإن كان ال يقدر على اخلروج من هنالك لثقل ظهر أو لقلة مال أو لضعف جسم أو . المتناع طريق فهو معذور

( أهـ. فإن كان هنالك حماربا للمسلمني معينا للكفار خبدمة أو كتابة فهو كافر( ، التكفري مبجرد )معينا للكفار خبدمة أو كتابة فهو كافر: وإياك أن تفهم من قوله

إعانة الكفار مبطلق اخلدمة أو الكتابة ، كما يطلقه بعض الغالة ، فقد رأيت كيف ربط ابن حزم هذه اإلعانة حبرب املسلمني ، فهذا هو الكفر ، أعين حرب املسلمني ومظاهرة

م ، الكفار ونصرهتم عليهم يف حرهبم ولو بالكتابة وحنوها ، ال مطلق خدمتهم والكتابة هل . فهذا فيه تفصيل سيأيت يف تفصيل العمل عند الكفار

وهو )وإن كان إمنا يقيم هنالك لدنيا يصيبها وهو كالذمي هلم : مث قال رمحه اهللعن الكفر وما نرى له عذرا فما يبعد قادر على اللحاق بجمهرة المسلمين وأرضهم

. ونسأل اهلل العافيةمن الغالية ومن جرى جمراهم ألن أرض وليس كذلك من سكن يف طاعة أهل الكفر

فاإلسالم هو الظاهر ووالتهم على كل مصر والقريوان ) يشري إىل العبيديني ( وغريمها ذلك ال يجاهرون بالبراءة من اإلسالم بل إلى اإلسالم ينتمون وإن كانوا في حقيقة

. أمرهم كفارا

(99) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

م معلنون بالكفر وترك وأما من سكن يف أرض القرامطة خمتارا فكافر بال شك ألهن . اإلسالم ونعوذ باهلل من ذلك

، فهو ليس وأما من سكن يف بلد تظهر فيه بعض األهواء املخرجة إىل الكفر بكافر ألن اسم اإلسالم هو الظاهر هنالك على كل حال من التوحيد واإلقرار برسالة

الصالة وصيام محمد صلى اهلل عليه وسلم والبراءة من كل دين غير اإلسالم وإقامة . ( أهـ. ، واحلمد هلل رب العاملنيرمضان وسائر الشرائع التي هي اإلسالم واإليمان

.. ومعلوم أن هذا كله يف ظل وجود دار إسالموتأمل اعتبار ابن حزم لظهور شرائع اإلسالم وخصائصه العظام كتوحيد اهلل واإلقرار

صالة وصيام رمضان وانتساب الوالة بنبوة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وإظهار ال –رغم كفرهم ؛ تأمل اعتباره لذلك يف تسويغ إقامة املسلم –لإلسالم وعدم براءهتم منه وال .. إلقامته يف دار كفر هكذا وصفها وهكذا حال والهتا –أو على األقل عدم تكفريه

. مياحك يف شبه هذا حلال بالد املسلمني اليوم إال مكابرديث املذكور يف براءة النيب صلى اهلل عليه وسلم ممن أقام بني ظهراين وكذا احل

املشركني ؛ فقد قيل يف ظل وجود دار إسالم ، بل قد قيل يف وقت كانت اهلجرة إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم واجبة قبل فتح مكة، ومع هذا مل يكفر أمثال هؤالء مبجرد إقامتهم

.. وقبوا بنقصان حرمتهم ، وضعف وقصور واليتهمبني املشركني ، وإن أمثوا وعفإذا ما عدمت دار اإلسالم اليت يهاجر املسلم إليها فإنه بإقامته بدار الكفر معذور إذا ما اتقى اهلل واجتنب الشرك ، وإعانة أهله على املسلمني ، إذ ال سبيل إىل دار إسالم

. يكفر !! يهاجر إليها حىت يأمث بتقصريه يف ذلك ، فضال عن أنفكيف إذا كانت إقامته يف دار الكفر واحلالة كذلك ، ألجل نصرة دين اهلل وإظهار التوحيد ومقارعة الشرك والتنديد ؟ ال شك أن مثل هذا املسلم حمسن مأجور قائم بدين اهلل

.. تبارك وتعاىلى اهلل ويف احلديث املتواتر املروي عن بضع عشر صحابيا بألفاظ متقاربة أن النيب صل

) ال تزال طائفة من أميت ظاهرين على أمر اهلل ال يضرهم من خالفهم وال : عليه وسلم قال . من خذهلم حىت يأيت أمر اهلل (

) اخليل معقود بنواصيها اخلري إىل يوم القيامة األجر واملغنم ( : ومثله احلديث اآلخر .. وهو يف صحيح البخاري

(100) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

ملسلمني الصادقني واجملاهدين إىل يوم القيامة ، فهذان احلديثان يدالن على وجود ا .. واستمرار وجودهم يف كل الظروف ، يف ظل وجود دار اإلسالم ويف حال عدمها

بل قد قرر العلماء وجوب إقامة املسلم يف دار الكفر ، إذا أمكنه السعي يف حتويلها ) ولو قدر على : (4/239إىل دار إسالم ؛ كما جاء يف ) مغين احملتاج ( للشربيين )

االمتناع بدار حرب واالعتزال وجب عليه املقام هبا ، ألن موضعه دار إسالم ، فلو هاجر لصار دار حرب ، فيحرم ذلك، نعم إن رجا نصرة املسلمني هبجرته ، فاألفضل أن يهاجر

ن مث يف إقامته يقاتلهم على اإلسالم ، ويدعوهم إليه إ –وقد تقدم –، قاله املاوردي . وإال فال ( أهـ.. قدر

) فإن كان : ( عن صاحب ) احلاوي ( قوله10/282ونقل يف روضة الطالبني )وإن قدر على االمتناع يف دار : يرجو ظهور اإلسالم هناك مبقامه ، فاألفضل أن يقيم ، قال

احلرب واالعتزال ، وجب عليه املقام به ، ألن موضعه دار إسالم ، فلو هاجر لصار دار ، فيحرم ذلك ، مث إن قدر على قتال الكفار ودعائهم إىل اإلسالم لزمه ، وإال فال ، حرب

( أهـ. واهلل أعلمفتأمل إجياهبم املقام بدار الكفر يف مثل هذه احلال ، فأين املتنطع املكفر بذلك ،

. من هذا ! ؟بشرى ببقاء –أي حديث اخليل –) وفيه : وقال احلافظ ابن حجر يف الفتح

سالم وأهله إىل يوم القيامة ، ألن من الزم بقاء اجلهاد بقاء اجملاهدين وهم املسلمون ، اإلمن كتاب . وهو مثل احلديث اآلخر ) ال تزال طائفة من أميت يقاتلون على احلق ( أهـ

اجلهاد والسري ) باب اجلهاد ماض مع الرب والفاجر ( فإن مل يكن هلم مجاعة وال إمام ): وقريب من هذا املعىن حديث حذيفة املتفق عليه

) فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حىت : ( ؟ قال صلى اهلل عليه وسلم . يدركك املوت وأنت على ذلك (

-وهذه مقومات دار اإلسالم -ففيه أنه ال أثر لغياب مجاعة املسلمني أو إمامهما املناط الذي يتعلق ذلك به هو إظهاره وال عالقة لذلك يف إسالم املرء أو كفره ، وإمن

.. لسبب من أسباب الكفرفهذا كله يدل على أن املسلم إذا كان يف دار الكفر ومل يهاجر منها إىل دار اإلسالم

.. لعجز أو مانع منعه أو لتمكنه من إظهار دينه فيها ، أو لقيامه باجلهاد ونصرة الدين .. فهو مسلم معصوم الدم واملال

(101) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

باب أوىل أن يبقى املسلم كذلك يف حال عدم وجود دار إسالم يهاجر إليها فمن .. أصال

.. فإن اهلل تبارك وتعاىل مل ينط أحكام التكفري بأمور قاهرة ال كسب للعباد فيهاتنحصر بقول او فعل –كما تقدم –وإمنا أناطها سبحانه وتعاىل بأسباب ظاهرة منضبطة

ا مل يظهر املرء شيئا من ذلك ، فال سبيل إىل تكفريه ، وم.. من كسب المكلفمكفر .. بأمور خارجة عن إرادته ما دام عنده أصل اإلسالم

واخلالصة ان مصطلح دار الكفر ال اثر له يف احلكم على قاطين الدار ، خصوصا يف وقت قد أمست األرض كلها فيه دار كفر إما أصلية ، أو طارئة لغلبة الكفار وأحكامهم

.. مجيع البالد علىويتأكد ذلك إذا كانت الدار املوصوفة هبذا املصطلح دار كفر طارئ ، أي أهنا كانت قبل ذلك دار إسالم وال زال مجهور أهلها ينتسبون لإلسالم ، وهذا أمر غفل أو تغافل عنه كثري من املتحمسني ، فلم يفرقوا بني دار الكفر األصلية اليت يغلب الفقهاء

مهم بالتبعية يف بعض املسائل ، وبني دار الكفر احلادثة ، أي اليت كانت حكمها يف حكللمسلمني فغلب عليها الكفار ، فإن الفقهاء يؤصلون فيها جملهول احلال الذي ال سبيل إىل

باإلسالم والعصمة ، احتياطا حلرمة املسلمني –كامليت واللقيط واجملنون –معرفة حاله ق فيها إال مسلم واحد ، الن اإلسالم يعلو وال يعلى ، بل وعصمة لدمائهم ولو مل يب

أصل بعضهم باإلسالم ملثل ذلك ولو مل يظهر فيها مسلم الحتمال أن يكون فيها مؤمن (9). يكتم إميانه

نقل النووي عن الرافعي يف روضة الطالبني قوله يف سياق كالمه عن اللقيط يوجد يف : ار اإلسالم ثالثة أضربالدار واحلكم له بالتبعية ، أن د

فاللقيط املوجود فيها مسلم ، وإن كان فيها أهل ’ دار يسكنها املسلمون : أحدها . ذمة ، تغليبا لإلسالم

دار فتحها املسلمون وأقروها يف يد الكفار جبزية ، فقد ملكوها ، أو : الثاينأكثر ، وإال فكافر صاحلوهم ومل ميلكوها ، فاللقيط فيها مسلم إن كان فيها مسلم واحد ف

. على الصحيح ، وقيل مسلم الحتمال أنه ولد من يكتم إسالمه منهم

أنظر على سبيل املثال ، املغين ) كتاب اللقيط ( ) فصل وال خيلو اللقيط من أن يوجد يف دار إسالم (9)

(. 434-5/433) أو يف دار كفر.. ( ، وانظر روضة الطالبني

(102) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

دار كان املسلمون يسكنوهنا مث جلوا عنها وغلب عليها الكفار ، فإن مل : الثالثمسلم : يكن فيها من يعرف باإلسالم ، فهو كافر على الصحيح ، وقال أبو اسحاق

.. ,إن كان فيها معروف باإلسالم فهو مسلم ،الحتمال أن فيها كامت إسالمه ،) دار الكفر ، فإن مل : هذا يف أحوال دار اإلسالم ، أما يف دار الكفر األصلية فقال

يكن فيها مسلم ، فاللقيط املوجود فيها حمكوم بكفره ، وإن كان فيها جتار مسلمون : م ؟ وجهان ، أصحهماساكنون ، فهل حيكم بكفره تبعا للدار ، أو بإسالمه تغليبا لإلسال

(. الثاينفتأمل احتياط العلماء وتغليبهم لإلسالم عند اإلشكال حىت يف دار الكفر األصلية ، احرتاما حلرمة املسلمني ، واحتياطا يف عصمة دمائهم ؛ فمن باب أوىل يف دار الكفر

. الطارئة اليت ينتسب مجهور أهلها لإلسالملح إمنا أطلقه الفقهاء للداللة على أن الغلبة وعلى كل حال فما دام هذا املصط

واهليمنة يف الدار للكفار وأحكامهم ، فال يصح واحلال كذلك تأصيل قاعدة )األصل يف الناس الكفر( على هذا املصطلح خصوصا يف دار الكفر الطارئة اليت ينتسب مجهور أهلها

.. لإلسالم ويظهرون خصائصهال معلق بقاطين الديار ونوع ديانتهم ، فكيف يصح إذ ما دام املصطلح غري مناط و

فلو كان هذا .. فالتأصيل معناه ؛ استصحاب حكم األصل.. التأصيل لديانتهم عليهولذلك فإن الفقهاء إذا .. االصطالح مرتبط بديانة مجهور أهل الدار لصار للتأصيل مدخل

أو إذا –ال يقر فيها املرتد حبال تكلموا يف دار اإلسالم اليت يلزم فيها أهل الكتاب بالغيار و .. تكلموا يف دار الكفر األصلية اليت مل يدخلها اإلسالم وال كان مجهور أهلها مسلمني

تراهم يستعملون التبعية للدار يف بعض اجملاالت الضيقة حيث يعدم الظاهر والسيما ، يوجد –عن نفسه ويتعذر تبني حال اإلنسان ، كاللقيط أو اجملنون أو امليت الذي اليبني

فأحلقوهم بالدار يف مثل .. يف أحد الدارين وال يعرفه أحد وال عالمة مميزة تدل على دينهأي أهنم اعتربوا يف هذا واستصحبوا فيه ديانة أهل الدار ، ال جمرد .. هذه األحوال

..االصطالح التابع للغلبة واحلكم فقط كما يفعله أولئك الغالة ويف دار الكفر الطارئةوعلى كل حال فموضوع احلكم بالتبعية الذي تعرض له الفقهاء ال دخل له مبا حنن يف صدد رده ، فليس هو فيمن أظهر شيئا من عالمات اإلسالم وخصائصه ومع هذا

بل ينحصر ذلك يف جمهول .. يكفر ؛ كما يكفره من يكفره من الغالة طبقا هلذه القاعدةام السيما ولصغره أو موته أو ذهاب عقله ، وليس هناك احلال الذي يتعذر تبني حاله النعد

ولذلك فقد نص الفقهاء على أنه مىت ظهرت .. من يدعيه من والد أو أولياء ليلحق هبم

(103) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

.. قدم هذا الظاهر على ذلك االستصحاب.. عليه عالمة تدل على دينه أو ادعاه أحد ما . (10)ولذلك قدموا التبعية للوالدين على التبعية للدار

وذلك الن االستصحاب كما قد قرر علماء األصول أضعف األدلة وال يصار إليه .. إال عند التعذر عن إثبات ظاهر

الظاهر يقدم على االستصحاب وعلى هذا عامة ) : قال شيخ اإلسالم ابن تيمية . (أمور الشرع

أضعف األدلة ) التمسك مبجرد استصحاب حال العدم : وقال يف املوضع نفسه) وال جيوز اإلخبار بانتفاء األشياء وعدم : ( إىل قوله.. طلقا ، وأدنى دليل يرجح عليهم

وجودها مبجرد هذا االستصحاب من غري استدالل مبا يقتضي عدمها ، ومن فعل ذلك ( .. كان كاذبا ، متكلما بال علم

و ) وما دل على اإلثبات من أنواع األدلة فه.. فعدم علمه ليس علما بالعدم () . (13/ص23( أهـ خمتصرا من جمموع الفتاوى ) راجح على مجرد استصحاب النفي

فقد اجمع المسلمون ، وعلم باالضطرار من دين اإلسالم ، أنه ) : وقال أيضاال يجوز ألحد ان يعتقد ويفتي بموجب هذا االستصحاب والنفي إال بعد البحث عن

ع ما أوجبه اهلل ورسوله وحرمه اهلل األدلة الخاصة ، إذا كان من أهل ذلك ، فإن جميورسوله مغير لهذا االستصحاب ، فال يوثق به إال بعد النظر في أدلة الشرع لمن أهل

( 29/90جمموع الفتاوى ). ( أهـ لذلك) شهادة العدل رجال كان أو امرأة أقوى من استصحاب الحال : وقال ابن القيم

لهذا يدفع بالنكول تارة وباليمين ، فإن استصحاب الحال من أضعف البينات ، و ( 1/96( أهـ اعالم املوقعني ) المردودة وبالشاهد واليمين ، وداللة الحال

مع أن الفقهاء إمنا استعملوا ذلك االستصحاب أو التأصيل يف اجملال .. تأمل هذاومع هذا ، فتأصيلهم .. الضيق الذي عرفته حيث يعدم متييز القرائن ومعرفة الظاهر

.. حاهبم ضعيف ، يغريه أدىن دليل أو سيما أو ظاهر أو شهادة أو حنوهاواستصفكيف بتلك القاعدة وذلك التأصيل الذي أطلقه أولئك الغالة املتهورون يف عموم أهل اإلسالم ، ومل يعتربوا فيها ما يظهره الصاحلون منهم أو اجملاهدون أو املستضعفون من

؟؟ .. شعائر اإلسالم وخصائصه

أنظرعلى سبيل املثال املغين ) كتاب املرتد ( ) مسألة: وكذلك من مات من األبوين على كفره.. ( (10)

(104) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

ا ما أصلوه وقعدوه مستندا إىل حكم اصطالحي ال دخل له بديانة الناس ، فقدمو والدار دار كفر .. على الظاهر البني واملعلن من أقوال الناس وأعماهلم وشعائرهم اإلسالمية

.. طارئة ليست دار كفر أصليةفكيف إذا أضافوا إليه .. فال شك أن تأصيلهم هذا ، أضعف وأضعف وأضعف

.. تحالل الدماء واألموال واألعراض فهو باطل حمض نربأ إىل اهلل منهوبنوا عليه اس ( ال غبار األصل في جيوش الطواغيت وأنصارهم الكفرإىل أن قاعدة ) : تنبيه

-: عليهاجيدر بنا التنبيه هنا إىل أننا وأن كنا ننكر التأصيل سابق الذكر ، إال أن كالمنا

طواغيت وأنصارهم ؛ فإن القاعدة عندنا ) أن األصل وإنكارنا هذا ال ينطبق على جيوش الفيهم الكفر ( حىت يظهر لنا خالف ذلك ، إذ أن هذا التأصيل قائم على النص وداللة الظاهر ال على جمرد التبعية للدار ، فإن الظاهر يف جيوش الطواغيت وشرطتهم وخمابراهتم

. وأمنهم أهنم من أولياء الشرك وأهله املشركنيعني الساهرة على القانون الوضعي الكفري ، الذين حيفظونه ويثبتونه فهم ال -

. وينفذونه بشوكتهم وقوهتموهم أيضا احلماة واألوتاد املثبتني لعروش الطواغيت والذين ميتنع هبم الطواغيت -

. عن التزام شرائع اإلسالم وحتكيمهاالكفر وإباحة وهم شوكته وأنصاره الذين يعينونه وينصرونه على حتكيم شرائع -

. احملرمات من ردة وربا ، ومخر وخنا ، وغري ذلكوهم الذين يدفعون يف حنر كل من خرج من عباد اهلل منكرا كفر الطواغيت -

.. وشركهم ، ساعيا لتحكيم شرع اهلل ونصرة دينه املعطل املمتهنفهذه حقيقة وظيفتهم ومنصبهم وعملهم ؛ يتلخص يف سببني من أسباب الكفر

: ني ومهاصرحي (11)نصرة الشرك )بتويل القانون والتشريع الكفري الطاغويت( -

وقد نصت قوانينهم نفسها على ان طبيعة وظيفة هذه األجهزة ومهمتها الرئيسة ؛ حفظ القوانني (11)

وتنفيذها وموالة أهلها.

(105) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

. ونصرة أهله وتوليهم ومظاهرهتم على املوحدين -والنصوص الدالة على أن هذان سببان من أسباب الكفر البواح ظاهرة متضافرة ،

تنبيه إىل وقد فصلناها يف غري هذا املقام ، وليس مقصودنا هاهنا تفصيل هذا ، وإمنا ال . األصل املذكور

فقد أصل اهلل سبحانه وتعاىل لنا يف أنصار الكفار وأوليائهم عموما ، أصال حمكما )) : (( ، وقوله سبحانه الذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت)) : يف قوله تبارك وتعاىل

و قاتل (( فاألصل يف كل من أظهر توىل الكفار ونصرهتم أ ومن يتولهم منكم فإنه منهميف سبيل الطاغوت أو كان يف عدوته وحده وأظهر نصرته باللسان أو السنان ؛ أنه من مجلة

.. الذين كفرواولذلك كان حال النيب صلى اهلل عليه وسلم وسريته مع الكفار احملاربني ويف

. أنصارهم وأوليائهم وأحالفهم الذين ينصروهنم على املسلمني؛ على هذا االصلبيل املثال معاملته صلى اهلل عليه وسلم للعباس معاملة الكفار رغم أنظر على س

دعواه اإلسالم ملا أسر يف صفوف املشركني يوم بدر ، وانظر مثل هذا أيضا ما رواه مسلم ( من املختصر من حديث عمران بن حصني يف قصة الرجل من 1008يف كتاب النذور )

ريرة حلفائه ملا نقضت ثقيف عهدها مع النيب بين عقيل حلفاء ثقيف ، ملا أسره املسلمون جبومل يطلقه النيب صلى اهلل عليه وسلم رغم ادعائه اإلسالم بل عامله .. صلى اهلل عليه وسلم

. معاملة الكفار فغنم ناقته وفداه برجلني من املسلمنيوعليه كانت سرية أصحابه صلى اهلل عليه وسلم من بعده يف كل ذوي منعة وشوكة

. عن شريعة اهلل تبارك وتعاىل خيرجونأنظر سريهتم يف خالفة أيب بكر يف أنصار مسيلمة الكذاب وحنوهم من املرتدين كأنصار طليحة األسدي فقد كفروهم مجيعا وساروا فيهم سرية واحدة ومل خيالف يف ذلك

أحد من الصحابة نصارهم وجعلوا ولذلك أطلق العلماء احملققني القول بإباحة دم ومال احملاربني وأ

ويف املغين )كتاب اجلهاد ( ) فصل من أسر .. (12)حكم الردء فيهم حكم املباشر منهم ( أهـ ) .. فادعى أنه كان مسلما ، مل يقبل قوله إال ببينة ، ألنه يدعي أمرا الظاهر خالفه

. ( وذكر فيه قصة سهل بن بيضاء يف غزوة بدر وستأيت8/261

ل تعليله الستواء الردء باملباشر يف أحكام احملاربة ؛ بكون احلرابة مبنية ( وتأم8/297انظر املغين ) (12) … على حصول املنعة واملعاضدة واملناصرة ، فال يتمكن املباشر من فعله إال بقوة الردء

(106) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

أظهر االحنياز جليش الكفار حىت أسر يف صفهم ، فتأمل كيف جعل األصل فيمنحىت تقوم بينة –كما يف قصة أسر العباس أيضا –الكفر ، حبيث ال تقبل الدعوى خبالفه

. تغري هذا األصل الظاهروألجل ذلك كان األصل عندنا يف كل من انتسب إىل هذه األجهزة والوظائف ،

فنحكم على كل واحد منهم بالكفر وجنري . اليت حقيقتها ، نصرة الشرك وأهله ؛ الكفرعليه أحكام الكفر مبا أظهروه من أسباب الكفر ، ما مل يتبني لنا خالف ذلك من قيام

وقد قدمنا أن تبني .. مانع معترب من موانع التكفري يف حق املنتسب لإلسالم منهم فنستثنيهحماربتهم ، لكن إن ظهر لنا شيء املوانع يف حق املمتنعني احملاربني ، غري واجب المتناعهم و

من ذلك يف حق بعضهم مل نكفره ، وما مل يظهر ذلك فاألصل الظاهر عندنا منهم هوالكفر، وحقيقة أمر باطنهم إىل اهلل تبارك وتعاىل ، وليس إلينا ، وقد أمرنا باألخذ

ئف بالظاهر ، ومل نؤمر أن نشق عن صدور الناس وال عن بطوهنم ، وألن أصل هذه الوظاوظاهرها ما قد عرفت فنحن نعاملهم ونؤصل هلم على هذا الظاهر حىت يظهر لنا خالفه ، خبالف غري ذلك من الوظائف واألعمال اليت ليس أصل طبيعتها وحقيقتها نصرة الشرك أو أهله ؛ ولذلك فال نقول أن األصل يف األطباء مثال الكفر ، حىت يتبني لنا خالف ذلك ،

ملدرسني الكفر ، أو أن األصل يف تويل وظائف الدولة الكافرة كلها وال أن األصل يف اكال فهذه الوظائف كما سيأيت لنا فيها تفصيل ، وليست حقيقة مجيعها وطبيعتها .. الكفر

نصرة الشرك وأهله ، نعم قد يوجد فيمن يتوىل هذه الوظائف من هو من أنصار الشرك ة وماهيتها، كما قد يوجد من هو من أنصار وأهله ولكن هذا ليس خمتصا حبقيقة الوظيف

.. الشرك وأهله من غري املوظفنيأن هذا التأصيل إذا كان يف وظيفة أو عمل حقيقته أنه سبب من : والخالصة

أسباب الكفر الظاهرة ، كنصرة الشرك وأهله ، أو التشريع وفقا لنصوص الدستور الكفري ، إجراء حكم : ، فال حرج فيه عندنا ، ومعناهوحنو ذلك من املكفرات الصرحية الظاهرة

. الظاهر على أصحاب هذه الوظيفة ، وإرجاء ما بطن من األحكام إىل اهلل تبارك وتعاىل

(107) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

((3 )) عدم تجويز الصالة خلف المسلم مستور الحال

حتى تعرف عقيدتهون ومن أخطاء التكفري الشائعة قول البعض بعدم جواز الصالة إال خلف من يعرف

عقيدته او ميتحنونه مع كونه مظهرا لشعائر اإلسالم وخصائصه ، ومل يظهر شيئا من نواقض اإلسالم ،)وهو املسلم مستور احلال ( ، بل يشرتطون أن يعرفوا كفره بالطاغوت

، وهذا القيد جيعل التوسع يف هذه القاعدة على التفصيل الذي عندهم وتكفريه له ، فمنهم من اعترب العلماء املداهنني الراكنني للطواغيت أو الذين ال يتنوع بتنوع أهواءهم ،

يكفرون الطواغيت ؛ أحبارا ورهبانا ، ومن مث فهم طواغيت ، ومن مل يصرح بتكفريهم كفروه ، ومل يصلوا خلفه ألنه مل يكفر بالطواغيت فليس مبؤمن ، ولو كان يضلل أولئك

احلكم ويعاديهم ، وقد جرى ذلك يل قدميا مع العلماء ويربأ من باطلهم ويكفر بطواغيت . طائفة منهم ، ومل يكتفوا بتكفريي ، بل كفروا كل من يصلي خلفي

والصحيح الذي نعتقده ونعمل به أن من أظهر شيئا من خصائص اإلسالم الظاهرة حكم له يف أحكام الدنيا باإلسالم دون االلتفات إىل مغيب باطنه ، فذلك ليس مناط

فيصلى خلفه ويصلى عليه ويسلم عليه وتؤكل ذبيحته .. الدنيا بل هو إىل اهللاحلكم يفوحنو ذلك مما يعامل به أهل القبلة ، ما مل يظهر ناقضا من نواقض اإلسالم ، قال النيب

) من صلى صالتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك املسلم ( : صلى اهلل عليه وسلم(1) .

. اسحاق بن راهويه ، اإلمجاع على ذلك وقد نقل القرطيب عن) وأكل ذبيحتنا(؛ أي أنه ال يأكل إال ما ذبح على طريقتنا ، فال : واملقصود بقوله

يأكل امليتة اليت حرمها اهلل ، كما يأكلها املشركون ويفسر ذلك، ما رواه البخاري أيضا ذا قالوها وصلوا صالتنا ) أمرت أن أقاتل الناس حىت يقولوا ال إله إال اهلل فإ: مرفوعا

فقد حرم علينا دماؤهم وأمواهلم إال حبقها وحساهبم على وذبحوا ذبيحتناواستقبلوا قبلتنا وتأمل كيف ذكر النيب عليه الصالة والسالم أمر الذبح مضافا إىل غريه من خصائص . اهلل (

فيه ، بعض أهل وذلك ألنه أمر يشاركنا .. اإلسالم ، ومل يذكره وحده كدليل على اإلسالم

رواه البخاري من حديث أنس (1)

(108) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

امللل األخرى ، كاليهود ومتدينوا النصارى وحنوهم ، شأنه شأن سائر األمور اليت مل خيتص كالصدقة وبعض أعمال الرب ومكارم األخالق واألمر باملعروف وفعل .. هبا املسلمون

اخلريات ، وهذه وإن كانت من شعب اإلميان عند املسلمني لكنها ال ختتص هبم بل هي . فعلها املسلم والكافرمشرتكة ي

، وحديث حكيم بن حزام أنه (2)فشأن حامت الطائي ، أشهر من النار على العلم ) أرأيت أمورا كنت أحتنث هبا يف اجلاهلية من صدقة أو : قال للنيب عليه الصالة والسالم

) أسلمت على ما أسلفت من اخلري ( : عتق أو صلة رحم أفيها أجر ؟ فقال رسول اهلل . ق عليهمتف

) قلت يا رسول اهلل ، ابن جدعان كان يف : وعن عائشة رضي اهلل عنها قالتال يا عائشة إنه مل يقل يوما : اجلاهلية يصل الرحم ويطعم املساكني فهل ذاك نافعه ؟ قال

. ( ومسلم وغريمها6/63ريب أغفر يل خطيئيت يوم الدين ( رواه اإلمام أمحد ) تكفي بالقطع باإلسالم وإن كانت مظنة له ومدعاة للتثبت فهذه األمور املشرتكة ال

.. كما سيأيتأما خصائص اإلسالم ، فهي الشعائر واألمور اليت اختص هبا أهله من بني سائر

. املللولذلك حيكم ملن أظهرها باإلسالم ويعامل به يف أحكام الدنيا ، وإن أبطن خالفه

. ما مل يظهر منه ناقض : ويةيقول شارح الطحا

) الصحيح أنه يصري مسلما بكل ما هو من خصائص اإلسالم ( أهـ : فمن ذلك

حلديث ) أمرت أن أقاتل الناس حىت يقولوا ال إله إال اهلل : أوال النطق بالشهادتني -1فإذا قالوها عصموا مين دماءهم وأمواهلم إال حبقها وحساهبم على اهلل عز وجل ( متفق

. عليه . ) أقتلته بعد أن قال ال إله إال اهلل ( متفق عليهوحديث أسامة بن زيد

( فصاعدا. 2/212أنظر شيئا من أخباره يف البداية والنهاية ) (2)

(109) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

فمن أظهر الشهادتني حكم له باإلسالم وعصم ماله ودمه وعومل معاملة أهل القبلة ، مامل يظهر منه ناقض ، إذ ال إله إال اهلل هلا شروط ونواقض بعضها قليب باطن أمره

. لدنيا ( وهو الذي يعنينا هناإىل اهلل ، وبعضها ظاهر تابع لإلسالم احلكمي ) أحكام افالنطق هبا مع الرتدي يف شيء من موانعها أو نواقضها أو قواطعها، وعدم اإلقالع عن ذلك وعدم التربؤ منه ال ينفع صاحبه شيئا ، وإن صام وصلى وزعم انه مسلم ، ألن

لى التزام أحكام الشهادتني إمنا كانتا دليال على اإلسالم باعتبار أهنما عقد بني العبد وربه عالشرع والرضى هبا واالستسالم هلا وعدم اإلتيان بنواقضها ، فإذا ظهر منه من األعمال أو األقوال ما يناقضها مل تستمر العصمة اليت دخل إليها بنطقه للشهادتني ، كمن يقوهلا وهو

مرمي ، أو ال يقلع عن السجود للصنم أو يقوهلا وهو ال يتربأ من نسبة األلوهية لعيسى بن يقوهلا وهوال يرتك سب دين اهلل تبارك وتعاىل أو يقوهلا وال يرتك التشريع مع اهلل وحتكيم

. القواننيأن الشهادتني تعترب من خصائص اإلسالم وحيكم ملن قاهلا باإلسالم ما :والخالصة

واقض غري مل يظهر منه ما يناقضهما ، فإن كان من املرتدين الذين يقولوهنا ولكن ارتدوا بنجحد الشهادتني أو االمتناع عن اإلقرار هبما ؛ مل ينفعهم قوهلا وحده حىت يقلعوا عن تلك

.. النواقض ويتوبوا منها) من كان كفره بإنكار أمر ضروري : 63قال الكشمريي يف ) إكفار امللحدين( ص

شهادتني معه ، فال كحرمة اخلمر مثال أنه ال بد من تربئه مما كان يعتقده ، ألنه كان يقر بال) مث لو أتى بكلمة الشهادة على : (إىل قوله.. بد من تربئه منه ، كما صرح به الشافعية

. وجه العادة مل ينفعه ما مل يرجع عما قال ، إذ ال يرتفع هبا كفره ( أهـويدل على هذا إمجاع الصحابة يف قضية قدامة بن مظعون على أن يستتاب هو

فإهنم مل .. بالتحرمي جلدوا حد اخلمر ، وإن مل يقروا به كفروا وقتلوا وأصحابه ، فإن أقروا .. جيعلوا رفع الكفر عنهم بالتلفظ بالشهادتني ، إذ هم ال زالوا يقرون هبا

. وإمنا جعلوا ذلك بإقرارهم بتحرمي ما استحلوه)أي ويدل عليه أيضا ما ذكره العلماء من أن اليهودي املقر بالتوحيد ، يصري مسلما

يدخل إىل اإلسالم ( مبجرد شهادة أن حممدا رسول اهلل ، بينما ال يكفيه لذلك اإلقرار بشهادة أن ال إله إال اهلل وحدها ألن كفره جبحد رسالة النيب عليه الصالة والسالم ، فلم

واستدلوا .. حيكم بإسالمه إال بتربيه وتوبته من هذا الكفر ، وبإقراره أن حممدا رسول اهلل

(110) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

) أشهد انك رسول اهلل ، : لك حبديث انس ) أن يهوديا قال للنيب عليه الصالة والسالملذ (3)) صلوا على صاحبكم ( : مث مات ، فقال رسول اهلل عليه الصالة والسالم

قول الشخص ) إين مسلم( كما يف حديث فرات بن حيان وتصديق النيب -2 (4). عليه الصالة والسالم له

: أو ) أسلمت هلل ( ، كما يف حديث املقداد املتفق عليه قالأو قوله )أسلمت ( )يا رسول اهلل أرأيت إن لقيت رجال من الكفار فقاتلين فضرب إحدى يدي بالسيف مث الذ

.. ال تقتله: مين بشجرة فقال ) أسلمت ( أفأقتله يا رسول اهلل بعد أن قاهلا ؟) قال . احلديث

) وإن قال أنا مؤمن أو أنا مسلم فقال : ملرتد (قال ابن قدامة يف املغين ) كتاب االقاضي حيكم بإسالمه هبذا ( وذكر حديث عمران بن حصني يف صحيح مسلم أصاب

يا حممد إين مسلم ، : املسلمون رجال من بين عقيل فأتوا به النيب عليه الصالة والسالم فقال (5)لحت كل الفالح ( ) لو كنت قلت وأنت متلك أمرك أف: فقال عليه الصالة والسالم

) وحيتمل أن هذا يف الكافر األصلي أو من جحد الوحدانية ، أما من كفر : وقال جبحد نيب أو كتاب أو فريضة وحنوها فال يصري مسلما بذلك ألنه رمبا اعتقد أن اإلسالم ما

. هو عليه، فإن أهل البدع كلهم يعتقدون اهنم هم املسلمون ومنهم من هو كافر ( أهـوهذا قيد مهم فإن كثريا من املرتدين اليوم من الطواغيت واملشرعني وأنصارهم : تقل

احملاربني لدين اهلل يقولون ويزعمون أهنم مسلمون وال ينفعهم هذا ألهنم مقيمون على ولذلك نقول هنا كما قلنا يف الشهادتني ؛ أن .. أسباب ردهتم مل ينزعوا عنها ومل يربؤا منها

( لكنه خلط يف 2480غين ) كتاب املرتد ( ، وقد صحح األلباين احلديث يف اإلرواء )أنظر امل (3)

التخريج بني هذا احلديث ، وحديث البخاري يف الغالم اليهودي الذي كان خيدم النيب صلى اهلل عليه وسلم فمرض فعاده النيب صلى اهلل عليه وسلم ودعاه فأسلم.

احلديث عند أمحد وأيب داود (4)وتقدمت اإلشارة إىل احلديث ، وهذا الرجل من حلفاء ثقيف أسره املسلمون جبريرة ثقيف ملا نقضت (5)

عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كما ذكر يف احلديث ، ووجه الداللة منه ، أن قول الرجل ) إين كونه ممتنعا.. مسلم ( فيه كل الفالح ، ومن ذلك عصمة الدم واملال ، لو قاله قبل القدرة عليه ل

اما قول ذلك بعد القدرة عليه وقد كان ممتنعا ) كما هو الشأن هنا فإنه من حلفاء ناقضي العهد ( فال يعصمه قول ذلك وادعائه بعد أسره كما دل احلديث، فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم غنم ناقته ) العضباء

كما هو يف احلديث نفسه وهو يف صحيح ( من هذا الرجل وفداه برجلني من املسلمني أسرهتم ثقيف ( فعامله معاملة الكفار مع دعواه اإلسالم ، ألن هذه الدعوى كانت 1641املسلم ) كتاب النذر ( )

بعد القدرة عليه.

(111) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

فال يكون .. لك اإلسالم ما مل يكن متلبسا بناقض من نواقض اإلسالم األصل فيمن قال ذمسلما يف هذه احلال حىت يقلع عن ذلك الناقض ، فإن شهد له رجل مسلم ثقة أنه أقلع عن ذلك وأسلم قبل منه ، أو شهد للكافر األصلي أنه أسلم ؛ قبل منه ، وذلك كشهادة

باإلسالم ملا صلى عليه اجلنازة كما يف احلديث النيب صلى اهلل عليه وسلم للنجاشي أصحمة حىت أن (6)املتفق عليه ، ومل يعلم الصحابة بإسالمه إال حينئذ كما ذكر شيخ اإلسالم

وإن ) تصلي على هذا العلج النصراين وهو يف أرضه ؟( فنزل قوله تعاىل )) : بعضهم قال (( .. من أهل الكتاب لمن يؤمن باهلل وما أنزل إليكم

ذلك أيضا شهادة ابن مسعود بإسالم سهل بن بيضاء يف قصة أسارى بدر ومن( 3/298( وغريهم أنظر البداية والنهاية )1/383( وأمحد )3/21وحديثه عند احلاكم )

وحمل الشاهد منه أن النيب صلى اهلل عليه ملا قال يف شأن أسارى بدر ) ال ينقلنب أحد فقلت ، إال سهل بن بيضاء : د اهلل بن مسعودمنكم إال بفداء أو بضرب عنق ( ، قال عب . ، فإنه ال يقتل ، وقد مسعته يتكلم باإلسالم

فقال النيب صلى اهلل عليه .. شهد له انه رآه مبكة يصلي {: } ويف االستيعاب (7)) إال سهل بن بيضاء ( : وسلم

فإن الصالة من خصائص أهل اإلسالم وهي : الصالة منفردا أو في جماعة -3 : وقد تقدم حديث أنس مرفوعا.. تضمنة للشهادتنيم

) من صلى صالتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك املسلم ( ، وحلديث )العهد الذي بيننا وبينهم الصالة فمن تركها فقد كفر ( رواه اإلمام امحد وأبو داود والنسائي

. والرتمذي عن بريدة مرفوعا

(. 19/119جمموع الفتاوى ) (6) هكذا الصواب واهلل تبارك وتعاىل أعلم ) سهل ( وليس ) سهيل ( وقد روي سهيل يف أكثر من (7)

( وعزاه احلافظ فيه أيضا 3/298( والبداية والنهاية )8/261موضع مما هو حتت يدي الساعة كاملغين )إىل الرتمذي ، وكذا يف املنتقى باب ) األسري يدعي اإلسالم قبل األسر وله شاهد ( وأقره الشوكاين يف

وقع يف إرواء ( ، وكذا 559( وكذا يف اجلامع يف طلب العلم الشريف ص) 137-8/136النيل )( أخو سهل 2/228( مجيعهم ذكروه ؛ سهيل بن بيضاء وهو كما يف االستيعاب )5/48الغليل )

صاحب القصة ألن األول أسلم يف مكة وهاجر إىل احلبشة مث رجع إىل مكة والنيب صلى اهلل عليه وسلم اهلجرتني مث شهد بدرا ال زال فيها، فأقام معه حىت هاجر عليه الصالة والسالم وهاجر سهيل ، فجمع بني

( يف مجلة البدريني ، 3/319مع النيب صلى اهلل عليه وسلم ولذا ذكره ابن كثري أيضا يف البداية والنهاية )أما سهل فهو الذي أخفى إسالمه يف مكة ، ومل يهاجر حىت أخرجته قريش معها إىل بدر فأسر فيها مع

( 2/221املشركني كذا يف االستيعاب )

(112) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

ك والكفر ترك الصالة ( رواه مسلم عن جابر ) بني الرجل وبني الشر : وحديث . مرفوعا

اإلميان ال يكون إال بال إله إال اهلل دون غريه من .. ): قال القرطيب يف تفسريهلقد أجمعوا في الصالة على شيء لم : األفعال إال يف الصالة ، قال إسحاق بن راهويه

ثم رأوه يصلي الصالة من عرف بالكفر: يجمعوا عليه في سائر الشرائع ألنهم قالوافي وقتها حتى صلى صلوات كثيرة ، ولم يعلموا منه إقرارا باللسان ، إنه يحكم له

اجلامع ألحكام القرآن . ، ومل حيكموا له يف الصوم والزكاة مبثل ذلك ( أهـ باإليمان(8/207) .

ه قال أصحابنا حيكم بإسالم: ) باب اإلمامة ( )فصل: وقال ابن قدامة يف املغين . (.. بالصالة سواء كان بدار حرب أو دار اإلسالم وسواء صلى مجاعة أو فرادى

) بيننا وبينهم الصالة (.. وذكر قول النيب صلى اهلل عليه وسلم) فجعل الصالة حدا بني اإلسالم والكفر فمن صلى فقد دخل يف حد : مث قال . ( أهـ م كالشهادتينوألنها عبادة تختص بالمسلمين فاإلتيان بها إسال.. اإلسالم

وقال يف )كتاب املرتد ( ) فصل، وإذا صلى الكافر حكم بإسالمه سواء كان يف )فإهنا أفعال تتميز : ( إىل قوله.. دار حرب أو دار إسالم أو صلى مجاعة أو صلى فرادى

وال يثبت اإلسالم حىت يأيت بصالة يتميز هبا ويختص بها أهل اإلسالمعن أفعال الكفار وال فرق بني األصلي واملرتد يف هذا .. صالة الكفار من استقبال قبلتنا والركوع والسجودعن

. ( أهـ خمتصرا.. ألن ما حصل به اإلسالم يف األصلي حصل به يف حق املرتد كالشهادتنيإال أن تكون ردته بناقض غري ترك الصالة أو جحدها؛ أي انه قد قارف : قلت

ض من نواقض اإلسالم مع كونه مصليا مل يرتك الصالة ، فال سببا من أسباب الكفر أو ناقتكون عودته إىل اإلسالم بالصالة وحدها ، بل ال بد من اإلقالع عن ذلك السبب أو

.. الناقض و الرباءة والتوبة منه) إال أن يثبت أنه ارتد بعد صالته أو : لذلك قال ابن قدامة بعد كالمه املتقدم

أو نحو ذلك من البدع التي ينتسب أهلها .. أو كتاب أو نيب تكون ردته جبحد فريضةإلى اإلسالم فإنه ال يحكم بإسالمه بصالته ألنه يعتقد وجوب الصالة ويفعلها مع

. ( أهـ.. كفره

(113) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

وهذا كحال الطواغيت وغريهم من املشركني وأنصارهم وحراس قوانينهم إذ منهم من عصمته ألنه مل يكفر جبحدها أو برتكها حىت يصلي وال تنفعه صالته يف احلكم بإسالمه و

حيكم له باإلسالم بفعلها، بل ارتكب ما ارتكبه من اسباب الكفر سواء تويل الطواغيت أو نصرة شركهم وقوانينهم الكفرية أو املشاركة يف تشريعها والقسم على احرتامها والوالء هلا

.. يصلي وينتسب إىل اإلسالمفعله وهو .. وحفظها ومحايتها وغري ذلك من أسباب الكفرفال بد للعودة إىل اإلسالم من إضافة براءته وتوبته مما كفر به ، إىل الصالة وحنوها من مباين

إذ حال هؤالء ليس كالكافر األصلي الذي تعين .. اإلسالم وأركانه حىت يقبل ذلك منه . الصالة يف حاله الدخول يف اإلسالم واإلقرار يف الشهادتني

هنا كما تقدم يف اخلصائص األخرى أننا حنكم للمصلي مستور احلال : ةوالخالصالذي مل يظهر لنا منه شيء من النواقض املذكورة أو غريها ؛ باإلسالم مبجرد صالته ، فنصلي خلفه ونعامله معاملة املسلمني واألصل فيه عندنا اإلسالم حىت يأيت بناقض من

املكفرات هي األصل يف حقه وإن أظهر اإلسالم أو النواقض الظاهرة ،وال جنعل النواقض و . خصائصه بدعوى انتشار ذلك يف جمتمعات زماننا كما هو عند كثري من الغالة

فصالته .. ) فصل إذا صلى خلف من شك يف إسالمه: قال ابن قدامة يف املغين( أهـ ألن الظاهر من املصلني اإلسالم سيما إذا كان إماما.. ما لم يبين كفرهصحيحة

. خمتصرا من باب اإلمامةألهنما متضمنان للشهادتني ، وقد تقدم الكالم فيهما : اآلذان ومثله اإلقامة -4

) كان النيب صلى اهلل عليه وسلم ال يغري إال عند صالة : ، وحلديث انس بن مالك قال . ( رواه مسلم وغريه.. الفجر ، فإن مسع آذان أمسك ، وإال أغار

ليه ما تكرر التنبيه عليه من أن املرتد إذا كانت ردته بناقض أو سبب وهذا ينطبق عغري جحد اإلسالم مجلة أو غري االمتناع عن الصالة واآلذان ، كما هو حال عساكر الشرك والقوانني وطواغيتهم اليوم فإن اآلذان يسمع من معسكراهتم ومواقعهم وهذا ال ينفعهم

دين ، وألن ردهتم ليست باالمتناع عن الصالة واآلذان أو ألهنم ليسوا كفارا أصليني بل مرتحنومها مما يسلم املرتد فيها بالعودة وإظهار هذه الشعائر، بل هم حياربون التوحيد وأهله وينصرون الشرك والتنديد وكثري منهم يصلي ويؤذن ويقيم ويتلفظ بالشهادتني وهو مقيم

اإلسالم ال تكون باآلذان الذي مل يرتكوه على نصرة الشرك وحرب التوحيد ، فعودهتم إىل .. أصال ومل جيحدوه بل بالرباءة من أسباب شركهم واجتناهبا

(114) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

وقد قدمنا لك خرب الذين كفرهم اهلل تبارك وتعاىل يف سورة براءة الستهزائهم مع كوهنم مصلني يشهدون الشهادة ويؤذنون ويقيمون ، وقد خرجوا مع النيب .. بالقراء

.. عليه وسلم جماهدينصلى اهلل فلما كفروا باالستهزاء كانت توبتهم باإلقالع عنه وإظهار الندم عليه ، وليست

.. فإهنم مل يكفروا باالمتناع عن ذلك.. بإظهار اآلذان أو الصالة أو حنوهاأما من مل يظهر منه شيء من أسباب الكفر ونواقض اإلسالم ؛ فاألصل فيمن

هذا هو األصل ، .. عصمة دمه وماله ، حىت يظهر ما يناقضه أظهر منهم آذانا أو إقامة .. وليس هو افرتاض النواقض وإعماهلا وتعطيل هذا األصل النبوي

: الحج -5فهو من شعائر اإلسالم وخصائصه الظاهرة واملشهورة ، وال يلتفت إىل ما ذكره ابن

نيب صلى اهلل عليه وسلم ، قدامة يف املغين من دعوى أن املشركني كانوا حيجون يف عهد ال، وذلك ألن احلج يف زمنه صلى اهلل عليه (6)ولذلك نص أنه ال حيكم بإسالم الكافر به

وسلم كان يشرتك فيه املشركون املدعون أهنم على ملة إبراهيم فيحجون وهم على شركهم إنماإىل أن نزلت براءة وفيها قوله تبارك وتعاىل )) … دون أن يدخلوا اإلسالم

(( وقال النيب صلى اهلل المشركون نجس فال يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا . ) ال حيج بعد العام مشرك (: عليه وسلم

فصار .. فصار احلال بعد ذلك إىل اليوم انه ال حيج البيت إال منتسب لإلسالم طواغيت ما مل يتلبس بناقض من نواقض اإلسالم ، كحال ال.. احلج من خصائص املسلمني

وأنصارهم وحنوهم من املرتدين الذين تبيح وتأذن هلم الدولة السعودية القائمة على أمور فهؤالء ال ينفعهم احلج وال الصالة وال الشهادة (7)احلج اليوم باحلج ودخول املسجد احلرام

للحكم بإسالمهم ، وال مينع ذلك من تكفريهم ألن كفرهم كما عرفت مستقل عن هذه واملباين فال حيكم بإسالمهم حىت يربؤوا من شركهم وقوانينهم وتشريعاهتم ، وألهنم األبواب

يتلبسون بنواقضهم وشركياهتم وكثري منهم يتلفظ بالشهادتني ويصلي وحيج ، فال تعين الشهادتان عندهم الرباءة من الشرك والكفر بالطواغيت ، فلذلك ال يكفي لرجوع أمثاهلم

كما يف –ىت يكفروا بتشريعاهتم وخيلصوا العبادة هلل الواحد القهار لإلسالم النطق هبا، ح

…( ر املغين )كتاب املرتد ( ) فصل إذا صلى الكافر حكم بإسالمه أنظ (6)لتتعرف على بعض كفريات الدولة السعودية.. راجع كتابنا ) الكواشف اجللية يف كفر الدولة السعودية (7)

)

(115) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

) من قال ال إله إال اهلل وكفر مبا يعبد من : حديث أيب مالك األشجعي عن أبيه مرفوعا . دون اهلل حرم ماله ودمه وحسابه على اهلل ( رواه مسلم

تبارك وتعاىل فإنه وإن كانت كلمة التوحيد متضمنة للكفر مبا يعبد من دون اهلل وهو ركن النفي فيها ، لكن أكد ذلك النيب صلى اهلل عليه وسلم وخصه بالذكر ، ليبني أن من قاهلا وهو مقيم على عبادة غري اهلل تبارك وتعاىل ال يربأ من الشرك واليكفر به ؛ مل

.. تنفعه ومل تعصم دمه ومالهسالم ، كما هو الشأن مبا تقدم واملقصود أننا حنكم ملن ظهرت منه شعرية احلج باإل

من خصائص اإلسالم وشعائره ، ونعامله معاملة املسلمني ، ما مل يكن متلبسا بناقض من نواقض اإلسالم ، فاحلاج احملرم عندنا ليس مبجهول احلال ، وال نتوقف يف احلكم عليه

امل النيب صلى باإلسالم ، بل هو مسلم فيما يظهر لنا ، ونعامله مبا أظهر من إسالم كما عاهلل عليه وسلم احملرم الذي وقصته ناقته معاملة املسلمني فأمر أن يغسل ويكفن يف ثوبه وان

فكذلك نعامل يف أحكام الدنيا من نراه من احملرمني (8)ال ميس بطيب وال خيمر وجهه كم واحلجاج يف مىن ومزدلفة وعرفات وغريها مباليينهم ؛ األصل فيهم عندنا اإلسالم ، حن

إال أن يظهر من –رغم أنوف الغالة –هلم مبا ظهر لنا ، ونعاملهم معاملة املسلمني .. اللهم فاشهد.. أحدهم ناقض أو كفر صريح

* * * وعلى هذا فنحن نرى الصالة خلف املسلم مستور احلال ، وهو من حكم له

وال .. م ومل يناقضه بناقض ظاهرباإلسالم احلكمي ، لكونه أظهر شيئا من خصائص اإلسال .. نبطلها ، أو مننع منها أو نشرتط لذلك معرفة مغيب عقيدته وإميانه الباطن احلقيقي

وجتوز الصالة خلف كل مستور ، باتفاق : قال شيخ اإلسالم ابن تيمية (ال أصلي جمعة وال جماعة إال خلف : فمن قالاألئمة األربعة وسائر أئمة املسلمني ،

، فهذا مبتدع خمالف للصحابة والتابعني هلم بإحسان وأئمة أعرف عقيدته في الباطنمن . (4/331جمموع الفتاوى ) . املسلمني األربعة وغريهم واهلل تعاىل أعلم ( أهـ

) جيوز للرجل أن يصلي الصلوات اخلمس واجلمعة وغري : (23/199وقال ايضا )باتفاق األئمة األربعة ، وغريهم من أئمة ذلك خلف من مل يعلم منه بدعة وال فسقا ،

وليس من شرط اإلتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ، وال أن يمتحنه املسلمني ، . ( أهـ ماذا تعتقد ؟ بل يصلي خلف مستور الحال: فيقول

احلديث أصله يف الصحيحني من حديث ابن عباس. (8)

(116) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

: (176-3/175وقال أيضا رمحه اهلل ) ومن قال أن ، ) فالصالة خلف مستور احلال جائزة باتفاق علماء املسلمني

الصالة محرمة أو باطلة خلف من ال يعرف حاله ، فقد خالف إجماع أهل السنة . (أهـ.. والجماعة

وقد كان بعضهم يستدل حبرص اإلمام أمحد على الصالة خلف من يعرف ، عند انتشار بدعة اجلهمية ، وحنن ال ننكر جواز حرص املسلم على الصالة خلف الفاضل ، وال

جر املبتدع لزجره وإنكار بدعته ، إمنا الكالم يف منع الصالة وعدم جتويزها ، ننكر جواز ه .. أو إعادهتا خلف من ال يكفر ببدعته

فضال عن منعها أو إعادهتا خلف مستور احلال حبجة انتشار البدع والكفر أو . الردة

اقضا وأقبح من ذلك التوقف عن إسالمه أو إبطال الصالة خلفه ، مع انه مل يظهر ن . أو سببا مكفرا

بل األصل جواز الصالة خلف املسلم مستور احلال الذي األصل فيه اإلسالم ، ما فإذا تصادفت صالتنا –فإن أظهر ناقضا مل يعد حاله مستورا -مل يظهر منه ناقض ،

خلف املستور صلينا ومل نتحرج ، وهذا ال مينعنا من احلرص يف الظروف املعتادة على الصالة ف األفاضل وحتري أصحاب السنة ، خصوصا يف اجلمع حىت ال نفجأ يف اخلطب مبا خل

.. يسوؤناوفعل اإلمام امحد حممول على االستحباب ال على الوجوب ، كما قال شيخ

) : إىل أن قال.. ) ما زال املسلمون من بعد نبيهم يصلون خلف املسلم املستور: اإلسالمعلى سبيل ء حيب أن ال يصلي إال خلف من يعرفه وكان بعض الناس إذا كثرت األهوا

أنه ذكر ذلك ملن سأله ومل يقل أمحد ؛ إنه ال االستحباب كما نقل ذلك عن أحمد . (3/280جمموع الفتاوى ). تصح إال خلف من أعرف حاله ( أهـ

أما الصالة خلف أهل األهواء من أصحاب البدع املكفرة ، فإن النزاع يف عدم . مر بإعادهتا متفرع عن النزاع يف تكفريهمجوازها أو األ

) وأما الصالة خلف من يكفر ببدعته من أهل األهواء ، فهناك : قال شيخ اإلسالمقد تنازعوا يف نفس صالة اجلمعة خلفه ، ومن قال إنه يكفر أمر باإلعادة ، ألهنا صالة

مضطربون يف هذه خلف كافر ، لكن هذه املسألة متعلقة بتكفري أهل األهواء ، والناس

(117) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

–املسألة ، وقد حكي عن مالك فيها روايتان وعن الشافعي فيها قوالن وعن اإلمام امحد فيها روايتان ، وكذلك أهل الكالم فذكروا لألشعري فيها قوالن ، وغالب مذاهب –أيضا

. األئمة فيها تفصيلري صاحبه ، وحقيقة األمر يف ذلك أن القول قد يكون كفرا ، فيطلق القول بتكف

ويقال من قال كذا فهو كافر ، لكن الشخص املعني الذي قاله ال حيكم بكفره ، حىت تقوم . (23/195جمموع الفتاوى ). عليه احلجة اليت يكفر تاركها ( أهـ

أما من أظهر شيئا من أسباب الكفر الصرحية أو أظهر نوعا من أنواع الردةة التشريعية ، أو أظهر تأييد ونصرة القوانني كالدعوة إىل املشاركة بالسلط.. الظاهرة

الوضعية أو شارك يف تشريعها أو احلكم هبا والثناء عليها أو القسم على احرتامها والوالء .. لطواغيتها

فهذا ال نعمة له وال كرامة ، فال يصلى خلفه ، ألنه ليس بواحد من املوحدين ، بل النيب صلى اهلل عليه وسلم املسلمني أن يصلوا كما وقد أمر .. هو من مجلة املشركني املرتدين

رأوه يصلي وأن يأمتوا بواحد منهم ال من سواهم ، كما يف حديث مالك بن احلويرث عند ) ارجعوا إىل أهليكم فأقيموا : البخاري أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال له وملن كانوا معه

ا حضرت الصالة فليؤذن لكم أحدكم وصلوا كما رأيتموين أصلي ، فإذ.. فيهم وعلموهمويف .. وليؤمكم أكربكم ( فالضمري يف )أكربكم( يعود على واحد من املسلمني ال من غريهم

) إذا كانوا ثالثة : قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم: صحيح مسلم عن أيب سعيد قالواحد منا فال حيل والكافر ليس ب.. ( ورواه أيضا اإلمام أمحد والنسائي.. أحدهمفليؤمهم

ولن يجعل اهلل .. فقد قال تبارك وتعاىل )).. ملسلم أن يقدم كافرا عليه يؤمه يف الصالة) : (9)ويف احلديث الذي يرويه البخاري تعليقا.. (( للكافرين على المؤمنين سبيال

اإلسالم يعلو وال يعلى ( ها ؛ مل يصل كما ومن صلى خلف من أظهر الكفر أو الردة أو من زينها ودعا إلي

بل هو حمدث يف هذا الدين ما ليس منه .. صلى النيب صلى اهلل عليه وسلم وال كما أمر…

ويف الصحيحني من حديث عائشة أم املؤمنني رضي اهلل عنها أن النيب صلى اهلل ) من أحدث يف أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ( : عليه وسلم قال

يصلى عليه.. ( موقوفا على ابن عباس ، وروي يف كتاب اجلنائز ) باب إذا أسلم الصيب فمات هل (9)

مرفوعا من طرق حيسن مبجموعها.

(118) منرب التوحيد واجلهاد

الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفريالرسالة

.. نع ، حىت يأيت دليل يشرع ألهنا توقيفيةومعلوم أن األصل يف العبادات املوأنه ال يقبل وال يصح من العبادات إال ما كان خالصا هلل تبارك وتعاىل ، صوبا ؛

. أي موفقا لسنة النيب صلى اهلل عليه وسلم: (.. وإن صلى خلف مشرك: قال ابن قدامة يف املغىن ) باب اإلمامة ( )مسألة

صالة خلفه حبال سواء علم بكفره بعد فراغة من الصالة أو )ومجلته أن الكافر ال تصح ال . قبل ذلك ، وعلى من صلى وراءه اإلعادة ، وهبذا قال الشافعي وأصحاب الرأي

ال إعادة على من صلى خلفه وهو ال يعلم ، ألنه ائتم مبن ال : وقال أبو ثور واملزين ( . يعلم حاله، فأشبه ما لو ائتم مبحدث

) ولنا أنه ائتم مبن ليس من أهل الصالة ، فال تصح صالته كما لو :قال ابن قدامة . ائتم مبجنون ( أهـ

فإن كان اإلمام ممن يظهر الكفر تارة ويربأ منه تارة ، أو يظهر سببا من أسبابه مرة -) بادروا .. كالذين ذكرهم النيب صلى اهلل عليه وسلم يف قوله.. ويقلع عنه ويتوب أخرى

ا كقطع الليل املظلم ، يصبح الرجل مؤمنا وميسي كافرا ، وميسي مؤمنا ويصبح باألعمال فتن . كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدنيا (

. فهذا ال يصلى خلفه ، حىت يعرف إسالمه وبراءته من الشرك واجتنابه له) وإن كان اإلمام ممن يسلم تارة ويرتد أخرى ، مل يصلى : قال ابن قدامة يف املغين

. أهـ (10)حىت يعلم على أي دين هو ( خلفههذا ما أمكن التنبيه عليه يف هذا املوضع ولنا يف هذا الباب رسالة مفصلة بعنوان )

. مساجد الضرار وحكم الصالة خلف أولياء الطاغوت ونوابه (

من ) باب اإلمامة ( ) فصل إذا صلى خلف من شك يف إسالمه.. ( (10)

(119) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((4 )) التكفير لمجرد مدح الكفار أو الدعاء لبعضهم

دون تفصيللتكفري أيضا التكفري جملرد مدح الكفار أو الدعاء لبعضهم ومن األخطاء الشائعة يف ا

دون تفصيل ، وعدم العذر باجلهل يف ذلك ، والتفريع عليه بعدم جواز الصالة خلف كل .. من دعا للطواغيت بأي نوع من الدعاء

والصواب أن هذا مما يعذر به يف اجلهل والتفصيل فيه واجب ألن الدعاء يتنوع . ر من مدح الكفار لكفرهم أو مدح وأثىن على كفرهم نفسهويتفاوت وإمنا يكف

وذلك كأن يسمي .. والكفر ملدح كفرهم أظهر من الكفر ملدحهم أنفسهمقوانينهم الكافرة حقا ، أو يصفها بالنزاهة والعدالة واهلل تبارك وتعاىل قد بني أهنا الكفر

هلا واحملافظة عليها ، أو يطالب والضاللة ، أو يظهر احرتامها وتوليها أو يقسم على الوالء (1). فإن إرادة دوام الكفر كفرا.. بتحكيمها وتفعيلها ، أو يدعو ببقائها ودوامها

أما مدحهم هم أنفسهم فألن لالحتمال فيه مدخال كبريا ، واملقاصد قد تتعدد .. بني فاعليه لزم التفصيل

األخالق ال فمجرد مدح بعض الكفار لصدقهم أو لتحلي بعضهم مبحاسن -شيء فيه ، ومن ذلك مدح بعض جتمعاهتم أو أحالفهم أو مؤسساهتم اليت تقوم على نصرة

. املظلوم أو غري ذلك من أعمال الرب وحماسن األخالقومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤديه إليك )) : فقد قال تبارك وتعاىل -

. ((.. ت عليه قائماومنهم من إن تأمنه بدينار ال يؤده إليك إال ما دمويدل على هذا بوضوح مدح رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حللف الفضول أو

. حلف املطيبنيوقد كان حلفا يف اجلاهلية بني قوم كفار ، لكنه ملا كان من أجل إغاثة امللهوف

. ونصرة املظلوم ورد احلقوق إىل أهلها جاز الثناء عليه ألجل ذلك

(. 118/ 4أنظر الفروق للقرايف ) (1)

(120) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) شهدت حلف املطيبني مع عموميت وأنا غالم فما : ه وسلمفقال صلى اهلل علي (2). أحب أن يل محر النعم وأين أنكثه (

) اجتمع بنو هاشم وبنو زهرة وتيم يف دار ابن : -كما يف النهاية –وحلف املطيبني جدعان يف اجلاهلية وجعلوا طيبا يف جفنه وغمسوا أيديهم فيه ، وحتالفوا على التناصر

. ظلوم من الظامل ، فسموا مطيبني ( أهـواألخذ للمواملراد هبذا احللف حلف الفضول ، كما جزم بذلك احلافظ ابن كثري يف البداية

( ، وليس احللف القدمي الذي جرى بعد موت قصي وتنازع قريش حول 2/291والنهاية )هبم ، فأحضر السقاية والرفادة واللواء والندوة واحلجابة ، فتحالفت كل طائفة منهم على حز

أصحاب بين عبد مناف جفنة فيها طيب فوضعوا أيديهم فيها وحتالفوا فلما قاموا مسحوا فليس هذا هو الذي مدحه النيب صلى اهلل عليه .. أيديهم بأركان البيت فسموا املطيبني

أي الذي مساه الرسول صلى اهلل –) املراد هبذا احللف : وسلم ، ولكن كما قال ابن كثريحلف الفضول و كان يف دار عبد اهلل بن جدعان كما -سلم باملطيبني ومدحه عليه و

رواه احلميدي عن سفيان بن عيينة عن عبد اهلل عن حممد وعبد الرمحن ابين أيب بكر قاال ) لقد شهدت يف دار عبد اهلل بن جدعان حلفا لو : قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم

حتالفوا أن يردوا الفضول على أهلها وأال يعد ظاملا مظلوما دعيت به يف اإلسالم ألجبت ،) وكان حلف : وكان حلف الفضول قبل املبعث بعشرين سنة ، وقال ابن كثري: ( قالوا

. ( البداية والنهاية2/291الفضول أكرم حلف مسع به وأشرفه يف العرب ( أهـ ) . فثبت قطعا أن ال حرج يف مثل هذا

مد بن إسحاق أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ومن جنسه ما يرويه حم -فإن بها ملكا ال يظلم ) لو خرجتم إىل أرض احلبشة : ألصحابه ملا اشتد أذى قريش هلم

حىت جيعل اهلل لكم فرجا مما أنتم فيه ( وهي أرض صدق، عنده أحد ملا ومنه ما رواه البيهقي أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال البنة حامت الطائي -

فإن أباها كان يحب خلوا عنها .. ): سألته أن خيلي سبيلها وعددت بعض سجايا أبيها ( .. ، واهلل تعاىل حيب مكارم األخالق مكارم األخالق

ومنه قول النيب صلى اهلل عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم وغريمها من -كل شيء ما خال اهلل أال: كلمة لبيد أصدق كلمة قالها الشاعر) : حديث أيب هريرة

( وغريمها عن عبد الرمحن بن عوف 220/ 2( واحلاكم ) 193و 1/190أخرجه أمحد ) (2)

فوعا. مر

(121) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

باطل ( ، وقد قال لبيد ذلك يف جاهليته قبل أن يسلم ، فإنه ترك الشعر بعد إسالمه ومل يقل إال بيتا واحدا ليس هذا هو ، فلم يتحرج النيب صلى اهلل عليه وسلم من مدح كلمة

. قاهلا كافر حال كفره ، ما دامت حقاخيارهم يف خيارهم في الجاهليةالناس معادن ) : وقوله صلى اهلل عليه وسلم -

. اإلسالم ، إذا فقهوا ( رواه البخاري ومسلم ، فأثبت ألهل اجلاهلية خيارهم وكذلك شكرهم باللسان أو بالعمل كرد املعروف الذي قدموه للمسلم مبثله ، ال

.. حرج فيه أيضااهلل من ال يشكر ) ال يشكر : ودليل األول ؛ عموم قوله صلى اهلل عليه وسلم

. صحيح: الناس ( رواه أبو داود والرتمذي وقال) لو كان املطعم : أما الثاين فدليله ؛ قول النيب صلى اهلل عليه وسلم يف أسارى بدر

. رواه البخاري عن جبري بن مطعم. بن عدي حيا مث كلمين يف هؤالء النتىن لرتكتهم له (اف قريش ، وكان له عند رسول اهلل وذلك ألن املطعم بن عدي ، كان من أشر

صلى اهلل عليه وسلم يد ، فقد كان أجاره حني رجع من الطائف ، على إثر ذهابه لدعوة .. وكان أيضا أحد الذين قاموا يف نقض الصحيفة اليت كتبتها قريش على بين هاشم.. ثقيف

(3). وكانت وفاته قبل بدر بنحو سبعة أشهروسلم هذا ، نوع من املكافأة ملطعم والشكر إلحسانه فقول الرسول صلى اهلل عليه

، خصوصا وأنه قد قاله البنه قبل إسالمه أيضا ، ،وقد كان حضر للشفاعة يف أسارى .. بدر

) وجه االحتجاج به أنه صلى اهلل عليه وسلم ال جيوز يف حقه أن : قال ابن بطال . (4)(.. خيرب عن شيء لو وقع لفعله ، وهو غري جائز

ن هذا القبيل هنيه صلى اهلل عليه وسلم عن قتل أيب البحرتي بن هشام ، يف وم -غزوة بدر مع كونه كافرا غري ذي عهد ؛ لكفه عنه وإحسانه بالسعي يف نقض صحيفة

.. اجلور

أنظر االستيعاب يف معرفة األصحاب ، يف ترمجة ابنه جبري بن مطعم. (3)( عند …عن الفتح ) كتاب فرض اخلمس ( ) باب ما من النيب صلى اهلل عليه وسلم على األسارى (4)

(3139احلديث رقم )

(122) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

( وذكر 163وقد ذكر ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية يف الصارم املسلول ص )يه وسلم يكافئ احملسن إليه بإحسانه وإن كان ) كان صلى اهلل عل: حديث املطعم ، مث قال

. كافرا ( أهـومن جنس هذا ما ورد يف اجتهادات بعض أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم -

.. يف رد اإلحسان مبثله كالتحية إن كانت سالما صرحيا ،بل والدعاء وإن كان السالم دعاءند جيد ) كتب أبو موسى ( بس1101فمن ذلك مارواه البخاري يف األدب املفرد )

إنه كتب إيل فسلم علي : إىل دهقان يسلم عليه يف كتابه فقيل له أتسلم عليه وهو كافر قالوإذا حييتم )) : فرددت عليه ( ، وهذا منه رضي اهلل عنه عمال بعموم قوله تبارك وتعاىل

. (( بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها( عن سعيد بن جبري عن 1113ألدب املفرد )ومنه أيضا ما أخرجه البخاري يف ا

وفيك ، وفرعون مات ( ، : ) لو قال يل فرعون ) بارك اهلل فيك ( قلت: ابن عباس قالتأمل ! وفرعون من أطغى طواغيت األرض !! فماذا يقول املتنطع املكفر بأشياء دون هذا

عن اجتهاد حرب القرآن هاهنا ؟؟ يت احلكام أو مدحوهم أو أثنوا عليهم وعلى هذا فلو شكر بعض الناس طواغ

لتخفيفهم شيئا من ظلمهم وجورهم أحيانا عن بعض الناس ، أو لقيامهم ببعض اخلدمات، اليت هي أصال من دم الشعوب !! أو ملنحهم بعض القشور والفتات ، الذي يأكلون هم

واقع وأولياؤهم عوضا عنه أضعاف أضعاف ؛ فهذا و إن كان فيه ما فيه من اجلهل بالطواغيت وسبيل اجملرمني ، وقد يكون فيه من الضالل والتلبيس ما فيه ، إال أنه ال يصل

. وحده إىل الكفر ، خصوصا مع تأول صاحبه واستدالله بشيء مما سبقنقول هذا ؛ مع علمنا بالفرق الظاهر بني التعامل مبا سبق مع عموم الكفار؛ وبني

.. ر وأرباهبم املتفرقنيبذله خلصوصهم من طواغيت الكفونعلم أن صدور ذلك عن املنتسبني للعلم والدعوة ، أقبح وأسوء من صدوره عن

حيث .. العامة املغرر هبم ، خصوصا إذا بالغوا يف الثناء وجلوا يف اإلطراء على الطواغيتع هذا لكن وم.. حيصل بذلك من التلبيس والتدليس واإلغواء للعوام والطغام ما اهلل به عليم

.. كله فالتكفري شيء غري هذافإذا متادى من يفعل ذلك إىل مدح كفرهم وأحكامهم الطاغوتية ، وقوانينهم -

.. الوضعية ، أودميقراطيتهم ) وهو يعين بذلك دينهم الكفري( ؛ فقد اقتحم أبوابا مكفرة

(123) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وشر من ذلك وأخبث من فضلهم على املسلمني ؛ بأن يفضل حكمهم -راطيتهم على حكم اإلسالم وشرعه ، كحال كثري من العميان الذين وشرعهم أو دميق

يزعمون أن حكم اإلسالم فيه تكريس لدكتاتورية األفراد وليس فيه تعددية الدميقراطية وحنو . ذلك من سفههم وضالهلم

فهؤالء وحنوهم ممن يقدمون أحكام الكفر على أحكام اإلسالم ، هم من الذين قال ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت )) : فيهم اهلل تبارك وتعاىل

والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤالء أهدى من الذين آمنوا سبيال * أولئك الذين (( لعنهم اهلل ومن يلعن اهلل فلن تجد له نصيرا

وقد روى اإلمام أمحد وابن جرير يف تفسريه وغريهم عن ابن عباس أن هذه -نزلت يف كعب بن األشرف ملا ذهب إىل أهل مكة يطعن يف النيب صلى اهلل عليه اآليات

وقد كان معاهدا قبل ذلك ، .. وسلم ويقول لكفار قريش أنتم خري و أهدى من حممد .. وانظر الفوائد املتعلقة بقصته يف الصارم املسلول.. فانتقض عهده وقتله املسلمون

ث متسكهم ببعض فضائل األخالق أما إن قصد تفضيل أناس منهم من حي -لكن .. وحماسنها على بعض فساق املسلمني ، الذين فرطوا بتلك األخالق فهذا ال يكفر

يفهم بأن ما عند أولئك الفساق املسلمني من أصل التوحيد واإلسالم خري وأجنى هلم مما . عند أولئك الكفار من األخالق العارية من التوحيد

ن مربر ، واستحسان عاداهتم غري الكفرية ، فقد عده أما مدحهم بالعموم دو - . العلماء كبرية من كبائر الذنوب

* ولذلك جيب اإلستفصال والتبني يف مثل هذه األلفاظ واإلطالقات احملتملة ، . وعدم املبادرة إىل التكفري مبجردها

ة ( قال صديق حسن خان يف كتابه )العربة فيما ورد يف الغزو والشهادة واهلجر -) مدح الكفار لكفرهم ارتداد عن دين اإلسالم ، ومدحهم جمردا عن هذا : 246ص

أهنم أهل عدل ، فإن أراد أن : القصد ، كبرية يعزر مرتكبها مبا يكون زاجرا له ، وأما قولهاألمور الكفرية اليت منها أحكامهم القانونية عدل ؛ فهو كفر بواح صراح ، فقد ذمها اهلل

عليها ، ومساها عتوا وعنادا وطغيانا وإفكا وإمثا مبينا وخسرانا مبينا وهبتانا ، سبحانه وشنعوالعدل إمنا هو شريعة اهلل اليت حواها كتابه الكرمي وسنة نبيه الرؤوف الرحيم ، فقال تبارك

(( فلو كانت أحكام النصارى عدال لكان إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان)) : وتعاىل أهـ (.. مأمورا هبا

(124) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فتأمل تفصيله يف مدح الكفار ، وأنه ليس على وترية واحدة ، وقوله ) فإذا أرد ( فإنه من اإلستفصال والتفصيل الضروري يف الفتوى واحلكم يف األمور احملتملة . كذا …

كما سيأيت ، إذ القصد يف مثل هذه األقوال احملتملة معترب ، وال جتوز املبادرة إىل التكفري إذ ما ثبت .. ن استفصال وتبني ، خصوصا إذا صدرت ممن عنده أصل اإلسالمفيها دو

.. بيقني ، ال ينفى ويبطل وينتقض باالحتمالأضف إىل هذا أن كثريا من عوام املسلمني عجائزهم وشيوخهم ، ال يعرفون -

حقيقة وواقع طواغيت العصر ، وال علم هلم مبا جيري حوهلم ، وال بصرية عندهم مبكر اغيت ؛ وتنطلي عليهم تلبيساهتم فينخدعون ببناء املساجد والصلوات وحنوها مما الطو

فهؤالء إن كانوا من اجملتنبني …يشاهدونه ويسمعونه من كالمهم املزخرف واملنمق وامللبس لكفر الطواغيت وشركهم ، ولكن أشكل عليهم حكمهم ومل يظهر هلم كفرهم ، واغرتوا مبا

ال الرب فأثنوا عليهم ألجله أو لبعض خدماهتم ، أو شكروهم على يظهرونه أحيانا من أعمبعض إجنازاهتم اليت ظاهرها اخلري ومنفعة الناس وباطنها السم املدسوس بالدسم، فهؤالء ال يكفرهم ألجل ذلك وحده ؛ إال متهور قد غامر بدينه مادام عندهم أصل التوحيد، بل لو

مر أو التوفيق بل والنصر والعزة وحنوها من األلفاظ بطول الع بسبب ذلك وألجلهدعوا هلم اليت قد يلزم منها الكفر عند من يعرف كفرهم وكفر قوانينهم ، ويعرف ما يلزم من أمثال

ولكن الن هذا من .. هذا الدعاء من متىن بقاء الكفر وإعزازه وإطالة أمد حكمه وقوانينهوالحتمال أن يكون الداعي هلم ال –ه وسيأيت الكالم في –باب التكفري باملآل والالزم

يلتزم ذلك وال يعرفه وال يقصده أو يريده ، بل كما قدمنا إمنا يدعو ألشخاصهم ألجل ما اخندع به من خدمات ؛ فإننا ال نبادر بتكفري الشخص املعني هبا إال بعد إقامة احلجة

مبا يلزم من أمثال ذلك والبيان والتعريف بواقع الطواغيت ومناقضته لإلسالم والتوحيد ، و .. الدعاء ، فإن أصر والتزم تلك اللوازم فسحقا مث سحقا مث سحقا

وإمنا عذرنا باجلهل هنا واشرتطنا البيان وإقامة احلجة واالستفصال قبل إطالق -أحكام التكفري ؛ ألن أحوال األشخاص ختتلف عن حال القانون أو الكفر نفسه، وألجل

ه الطواغيت من زخارف األقوال واألعمال اليت تشكل على كثري التلبيس احلاصل مبا ميارسودخول .. من الناس ، والختالط مقاصد الناس يف مدح األشخاص والثناء عليهم

االحتمال مبرادهم يف الدعاء ، وهذا خبالف ما لو ارتكب سببا من أسباب التكفري الصرحية ر بالتلبيس وحنوه من زخارف األقوال الظاهرة غري احملتملة فال ينفعه واحلالة كذلك التعذ

. واألعمال( بإسناد 9/203( والبيهقي يف السنن )1112روى البخاري يف األدب املفرد )

حسن عن عقبة بن عامر اجلهين ) أنه مر برجل هيئته هيئة رجل مسلم ، فسلم فرد عليه

(125) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

: لى من رددت ؟ قالأتدري ع: وعليك السالم ورمحة اهلل وبركاته ، فقال له الغالم: عقبةإن : ال ، ولكنه نصراين ، فقام عقبة فتبعه حىت أدركه ، فقال: أليس برجل مسلم ؟ فقالوا

.. رمحة اهلل وبركاته على املؤمنني ، لكن أطال اهلل حياتك وأكثر مالك (فهذا الدعاء منه رضي اهلل عنه ؛ ليس كالدعاء لرؤوس الكفر وأئمته وطواغيته ، فإن

ان ذميا ، ومراده من الدعاء تكثري أموال املسلمني من جزية هذا وأمثاله ، كما النصراين كيتأوله الصحابة ، وكما يروى مثله عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أنه مر على رجل فسلم

كثر اهلل مالك وولدك : ) رد علي ما سلمت عليك ، فقال: إنه كافر ، فقال: عليه فقيل له (5)أكثر للجزية (: فقال ، مث التفت إىل أصحابة

. فتأمل كيف دخل االحتمال يف الدعاء ، وأنه ال يكون دائما إرادة لدوام الكفروهذا خبالف مدح كفرهم البواح نفسه ، أو الثناء على شركياهتم الصرحية ،

.. اءوقوانينهم وتشريعاهتم الوضعية املناقضة لشرع اهلل تعاىل ،أو الدعاء هلا بالعز والعلو والبقال يقدم عليه ويقتحمه إال من هو على ملتهم ودينهم .. فها هنا كفر واضح ال لبس فيه

.. الطاغويتاللهم إال أن يكون املدح أو الدعاء ليس بصريح يف تناول كفرهم وشركهم املناقض لدين اهلل ، بل حيتمل معان أخرى غري مكفرة ,, كمن شكرهم أو أثىن على حماكمهم لدفع

ه أو مدح الدميقراطية وهو ال يعرف من مدلوهلا إال ما يتومهه كثري من العوام من مظلمة عنوال يقصدون أو يعرفون معناها الشركي .. معاين تقابل وتضاد البطش والدكتاتورية واإلرهاب

التشريعي ، فيدخل الدعاء يف هذه احلال يف قسم األقوال احملتملة الذي سيأيت الكالم .. فيه االستفصال وتبني مراد القائل فيهوالذي يلزم .. عليه

وقد قدمنا لك يف موانع التكفري يف)انتفاء القصد ( أن من نطق بلفظ أو كلمة كفرية .. ال يعرف معناها أو فحواها أو حقيقتها؛ مل يؤاخذ هبا ومل يكفر

أنه يجب التفريق بين الدعاء لشخص الكافر وبين الدعاء لكفره : والخالصة . لصريح ، كما وأنه يجب االستفصال والتبين فيما دخله االحتمال من ذلكالظاهر افلو دعا اإلمام أو اخلطيب لبعض طواغيت احلكم ، فال بد من التفصيل ، إذ ليس

كل دعوة حيكم فيها بتكفريه ، ومن مث عدم جواز الصالة خلفه أو بطالهنا، خصوصا يف .. فيها اخلطباء بالدعاء للحكام البلدان اليت يلزم

بداءهتم بالسالم.. ( نقال عن املغين ) كتاب اجلزية ( ) فصل: وال جيوز تصديرهم يف اجملالس وال (5)

(126) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فلو دعا هلم باهلداية مثال، أو بالصالح وأن يردهم اهلل إىل دينه ، وحنو ذلك ؛ -ويف احلديث املتفق عليه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه .. مل جيز تكفريه وال ترك الصالة خلفه

فقال النيب صلى اهلل يا رسول اهلل إن دوسا عصت وأبت ، فادع اهلل عليها ،: وسلم قيل له) اللهم أهد دوسا وائت هبم ( أورده البخاري يف كتاب اجلهاد والسري وبوب له : عليه وسلم

. ) باب الدعاء للمشركني باهلدى ليتألفهم (: بقولهومثله ما رواه اإلمام أمحد وأبو داود والرتمذي وغريهم عن أيب موسى أن اليهود -

يرمحكم اهلل، فكان : اهلل عليه وسلم رجاء أن يقول هلم كانوا يتعاطسون عند النيب صلى . ) يهديكم اهلل ويصلح بالكم (: يقول هلمففيه دعاؤه هلم باهلداية وبصالح البال ، وإمنا يكون صالح باهلم بإسالمهم ، كما

والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو )) : قال تبارك وتعاىل (( ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهمالحق من وكذا لو دعا هلم بأن حيكموا كتاب اهلل ويعملوا به ، وأن يرزقهم اهلل البطانة -

فال يكفرهم مبثل هذا إال متهور مع كراهيتنا لذلك ، ألن الدعاء .. الصاحلة ، وحنو ذلك . رهها العلماءللسالطني عموما ولو كانوا مسلمني من بدع اجلمعة اليت ك

) وأما الدعاء للسلطان فاتفق .. (4/393قال يف اجملموع شرح املهذب ) أصحابنا على أنه ال جيب وال يستحب وظاهر كالم املصنف وغريه أنه بدعة ، إما مكروه

( أهـ .. وإما خالف األوىل( وقد نقل فيه عن أصبغ ، وهو من فقهاء 1/29وكذا يف االعتصام للشاطيب )

) هو بدعة وال ينبغي : هـ( أنه قال عن دعاء اخلطيب للخلفاء املتقدمني273لكية )املا العمل به ، وأحسنه أن يدعو للمسلمني عامة ( أهـ

) أن الدعاء للخلفاء يف اخلطبة : هـ(660ونقل عن عز الدين بن عبد السالم ) . دار اخلاين (. ( ) ط1/30بدعة غري حمبوبة ( أهـ )

. فكيف للطواغيت ؟؟.. لفاءهذا للخ: قلت . (24/118وانظر أيضا الفتاوى لشيخ اإلسالم ) ط دار ابن حزم ( )

وألن يف بعض هذه األدعية وإن مل تكن كفرا نوع جهل وتلبيس ، فالدعاء هلم -بالبطانة الصاحلة ، قد يوهم بأهنم صلحاء وأن الفساد إمنا هو ممن حوهلم ، والدعاء هلم بأن

هلل تعاىل ؛ يوهم بأهنم يصلحون لذلك ، أو أن الطريق إىل حتكيم كتاب اهلل حيكموا كتاب ا

(127) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

تبارك وتعاىل وشرعه إمنا يكون بلزوم الدعاء هلم ، والتباكي على عتباهتم واستجدائهم ، ال . باستئصاهلم

أضف إىل هذا أن الدعاء للحاكم على منابر اجلمعة بعدما شاعت بدعته -ضى عالمة على الوالء للمدعو له وداللة على النزول حتت واستقرت ؛ صار يف عرف من م

.. طاعته والدخول يف واليته) وتوىل اخلالفة سنة كذا وخطب له على : ولذلك تراهم يف التاريخ يقولون -

( . املنابر . أو ) تغلب على حلب وأسقط دعوة العببيديني فيها وأقام الدعوة لبين العباس (

.. ه على املنابر (أو ) بويع سنة كذا ودعي لويعدون إسقاط الدعوة وتركها نوع خروج عن طاعتهم ، أو طعن يف واليتهم

انظر على سبيل املثال البداية والنهاية –خصوصا إذا صاحب ذلك ؛ الدعاء لغريهم فلو كان هذا العرف جار إىل اليوم ، –والكامل البن األثري وغريذلك من كتب التاريخ

خصوصا وأهنم ال يلزمون أحدا أو يكرهونه على –هلم اليوم نظر وخطر لكان يف أي دعوة بل إن من يتوالها يبذل جهدا لتحصيلها ، وال يتأتى له ذلك .. منصب اإلمامة أو اخلطابة

.. حىت يتعدى عقبات واختبارات معينة ، وقد يلجأ إىل الشفاعات والوساطات لتحصيلهاي خلف من ال يدعو هلم بأي ولذلك كله فنحن نتحرى ونستحب أن نصل - .. دعاء كانلكن لو ابتلينا بالصالة خلف مسلم مستور احلال ال نعرفه مث فجأنا مبثل تلك -

حىت وإن كانت حتتمل .. الدعوات غري املكفرة ، فال نرتك الصالة خلفه وال نامر بإعادهتايس مبذهب ، ما أن الزم املذهب ل –كما سيأيت –فإن من املقرر .. بعض اللوازم الفاسدة

وما دامت اجلمعة تتعدد يف زماننا .. دام مل يصرح به ويتبناه صاحب القول أو املذهبفينبغي للمسلم أن يتحرى الصالة خلف الفضالء من أهل السنة .. فمجال االختيار واسع

، خصوصا مع انتشار البدع املكفرة والردة ، فالينبغي له أن يسلم قياد دينه للفساق إال إذا خشي فتنة أو خشي فوات الصالة –الذين هم مظنة التخبط يف الدين والفجار

. لتعذر البديل أو الفاضلفإن أمر اجلمعة واجلماعة يف زماننا موسع ، وغري مضيق كما كان احلال يف -

فمن تركها خلفهم .. سالف األزمان ، حيث كانت اجلمعة ال تتعدد غالبا يف املصر الواحد

(128) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

بديل ، ولذلك كان السلف يصلون خلف الفجار والفساق ، بل أضاعها إذ ليس مث . وخلف أهل البدع ، مث يتفرع اخلالف يف اإلعادة ، تبعا للنزاع يف تكفري أهل األهواء والبدع

، واملناسك (6)) بل أوجبوا فعل اجلمعة والعيدين واخلوف: قال شيخ اإلسالم -غصوبة ، إذا أفضى ترك ذلك إىل ترك وحنو ذلك خلف األئمة الفاجرين ويف األمكنة امل

. (23/142اجلمعة واجلماعة أو إىل فتنة يف األمة ( أهـ جمموع الفتاوى )أما الفتنة ؛ فألن من .. فرتك اجلمعة ؛ خيشى على من تركها خلفهم لعدم تعددها

األئمة ) خلف : كان يتوىل أمر اجلمعة وأمثاهلا هم الوالة أو نواهبم ، وهم املقصودون بقوله) ونرى الصالة واحلج واجلهاد خلف أئمتنا أبرارا كانوا أم : الفاجرين ( ، وبقول السلف

، -ألن فيه طعن يف واليتهم –فجارا ( ولذلك كان يف ترك الصالة خلفهم نوع فتنة ومشاهبة للخوارج املنازعني للوالة واألئمة مبجرد املعاصي واملخالفات اليت ال تصل إىل الكفر

يس املقصود بذلك عموم أئمة األحياء واملساجد ، إذ جمال االختيار فيهم واسع وما ، ول) وقد كانت السنة أن النيب : قال شيخ اإلسالم.. مث فتنة يف ترك الصالة خلف أحدهم

يصلي باملسلمني اجلمعة واجلماعة وخيطب هبم أمراء احلرب الذين هم نواب ذي السلطان ) وكذلك خلفاؤه بعده ، ومن بعدهم من امللوك األمويني : ه( إىل قول.. على األجناد

. (28/146( أهـ جمموع الفتاوى ) …وبعض العباسيني هـ( يف ذكر 418ولذلك جاء يف أصول اعتقاد أهل السنة واجلماعة لاللكائي )

اعتقاد أيب عبد اهلل سفيان بن سعيد الثوري الذي حدث به لشعيب بن حرب ، حيث قال ال ينفعك ما كتبت حىت ترى الصالة خلف كل بر : ) يا شعيب: (2/154يف آخره )

قال . وفاجر واجلهاد ماض إىل يوم القيامة ، والصرب حتت لواء السلطان جار أم عدل الصالة كلها ؟: فقلت لسفيان ؛ يا أبا عبد اهلل: شعيب

. ال ، ولكن صالة اجلمعة والعيدين صل خلف من أدركت: قالفأنت مخير ال تصل إال خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل وأما سائر ذلك

(7)( . السنة والجماعة

كذا يف طبعة دار ابن حزم ، ولعلها )اخلسوف ( وتنبه إىل انه عدد الصلوات اليت ال تتعدد عادة (6)

خبالف الصلوات اخلمسة ، فإهنا تقام عادة يف مساجد األحياء وتتعدد ، فمجال االختيار يف ذلك كان عندهم واسعا.

( وقال عقبه: ) وهذا ثابت عن سفيان (. 1/207اظ )وذكر ذلك أيضا الذهيب يف تذكرة احلف (7)

(129) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

أما إذا أمكن الصالة خلف غريهم لتعدد اجلمعة فلم يقل أحد من السلف بأهنا ولذلك ) .. جتب أو تتعني ، خلف الفجار ، حبيث يبدع من تركها خلفهم أو ينكر عليه

سقا أو مبتدعا ، وأمكن أن يصلي خلف عدل ، فقيل تنازع العلماء يف اإلمام إذا كان فاوقيل ال تصح إذا أمكن الصالة خلف العدل وهو إحدى الروايتني .. تصح الصالة خلفه

. ( 23/204( الفتاوى ).. عن مالك و أمحدأما إن كان دعاء اخلطيب للطاغوت بطول العمر أو بالشفاء من املرض أو بالبقاء -

. ا يلزم منه إرادة بقاء الكفر ونصره وإعزازه وإطالة أمد حكمه ونظامهوالعز والنصر وحنوه ممفهذا ما دام قائله ينتسب إىل العلم وليس ممن جيهل حاهلم فال حيل مساواته مبن تقدم ذكرهم من العوام والعجائز وحنوهم ممن خيفى عليهم حال الطاغوت وتصدر منهم

هم من طرفه أو بامسه من خدمات أو ملا خيفف عبارات الدعاء أو الثناء له عادة ملا يصل .. عنهم من ظلمات

بل هو يف حق من ينتسب للعلم أبشع وأشنع وصاحبه ما دام كذلك أقرب للكفر لكن ملا كانت هذه املقاالت ترجع إىل باب التكفري بالزم القول ومآله ، .. منه لإلميان

مريكان أو حنوهم مما يلهج به الحتمال إرادته الدعاء له بالنصر على اليهود أو األ .. فهذا ال حيل التكفري به وحده.. بعض سفهاء اخلطباء يف األزمات املصطنعة بني الدول

.. فيبني له لوازم دعائه الكفرية فإن التزمها كفر ومل حتل الصالة خلفهأما قبل ذلك فإن حكم الصالة خلف أمثاله ، كحكم الصالة خلف أصحاب

وقد تقدم .. ذين يلزم من كثري من مقاالهتم الكفر كاجلهمية والقدرية وحنوهاالبدع املكفرة ال .. وتفرع عنه نزاعهم يف الصالة خلفهم.. نزاع السلف يف تنزيل الكفر على أعياهنم

) أما الصالة خلف من يكفر ببدعة من أهل األهواء ، : وتقدم قول شيخ اإلسالمفه ، ومن قال أنه يكفر أمر باإلعادة ، ألهنا فهناك قد تنازعوا يف نفس صالة اجلمعة خل

صالة خلف كافر ، لكن هذه املسألة متعلقة بتكفري أهل األهواء والناس مضطربون يف هذه . (23/195اخل ( جمموع الفتاوى ).. املسألة

هذا وقد فصلت يف هذا النوع ، وحشدت أقاويل األئمة يف ترك الصالة خلفهم ية باإلعادة ، وتشديد كثري منهم يف هذا الباب يف رساليت ) وأمرهم من صلى خوفا أو تق

مساجد الضرار وحكم الصالة خلف أولياء الطاغوت ونوابه ( ، وترجح لدي القول برتك

(130) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

الصالة خلفهم ولو من باب هجرهم لزجرهم ، واإلنكار عليهم وعدم إقرارهم على باطلهم .. ومنكرهم الذي ينعقون به

بعض اجملادلني عن الطواغيت الذين ذكرهم الشيخ حممد بن وما أشبه حال هؤالء ب) ومن جادل عنهم أو أنكر على من كفرهم أو زعم أن فعلهم هذا : عبد الوهاب حني قال

لو كان باطال ال خيرجهم إىل الكفر ، فأقل أحوال هذا أنه فاسق ال يقبل خطه وال شهادته . (8)( اهـ .. وال يصلى خلفه

تعدد اجلمعة واجلماعة يف أيامنا فاملرء يف سعة من أمره ، وليس يف ويتأكد هذا مع . تركه الصالة خلفهم تركا للجمعة أو اجلماعة

لكن ملا كان هذا املوضوع موضوعا اجتهاديا وقد تنازع السلف يف مثله ، ال نرى ا أو اإلنكار على من صلى خلفهم ، وال نأمره باإلعادة ، كما ال حيل ألحد أن ينكر علين

. على غرينا ترك الصالة خلف أمثاهلم ؛ فضال عن التبديع أو الرمي بالغلو والتكفري ألجلهفإن املتتبع ألقاويل السلف يف أمثال هذا النوع ؛ سيجد أن مجهورهم على ترك الصالة

. خلفهم ؛ ومنهم من يأمر باإلعادةوه ؛ بإرادة نصرته أما إذا صرح اخلطيب يف دعائه للطاغوت بالنصرة واإلعزاز وحن -

على املوحدين من اجملاهدين اخلارجني على حكمه ، فهذا من باب توليه ونصرته على املوحدين ومظاهرته على اجملاهدين الساعني يف إبطال وهدم شركه وقوانينه لتحقيق التوحيد

وحده بتحكيم شرع اهلل تبارك وتعاىل وحده ، وإخراج العباد من عبادة العباد إىل عبادة اهلل . ، ومن متابعة األرباب املشرعني املتفرقني إىل عبادة اهلل الواحد القهار

. (( ومن يتولهم منكم فإنه منهم)) : فقد قال تعاىلوقد نص العلماء على أن مظاهرة املشركني على املوحدين كفر واستدلوا لذلك

(9).. غري هذا املقامبأدلة كثرية متضافرة من الكتاب والسنة ، وقد بسطنا بعضها يف

. 71الدرر السنية ، كتاب حكم املرتد ص (8)أنظر على سبيل املثال يف هذا الباب كتاب ) حكم موالة أهل اإلشراك ( املعروف عند أهل جند (9)

العلم يف جند فيما )بالدالئل( الحتوائه على مجهرة من األدلة الشرعية يف هذا املوضوع ، وقد كان طلبة هـ( 1233مضى حيفظوهنا عن ظهر قلب ، وهو للشيخ سليمان بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الوهاب )

صاحب كتاب تيسري العزيز احلميد شرح كتاب التوحيد (.

(131) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

-206كما ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية يف أكثر من موضع يف الصارم املسلول )( أن النصرة واجلهاد واحملاربة تكون باللسان كما تكون باليد ، بل قد تكون باللسان 207

. أحيانا أقوى من اليد وسهام فكيف إن كان يصحب ذلك تلبيس وتدليس ونصرة للطاغوت بأدلة الشرع

والمحاربة حماربة باليد ، وحماربة باللسان ، : ) احملاربة نوعان: الوحي ، قال رمحه اهلل . (385( أهـ الصارم املسلول ) باللسان في باب الدين أنكى من المحاربة باليد

وإال . ومعلوم أن من يفعل مثل هذا إمنا يفعله ويتقحمه خمتارا نفاقا وتزلفا إليهم ال تلزم اخلطيب مبثل ذلك بل تكتفي منه كما هو مشاهد من حال كثري فإن احلكومات

من األئمة واخلطباء مبا هو دونه من أي دعوة كانت ؛ فلو أن إلزامهم له اعترب إكراها شرعيا ، لكان يف متادي وتعدي من يفعل ذلك بزيادته يف الدعاء على ما أكرهوه عليه ؛ إبطاال

شروط صحة اإلكراه واعتباره أن ال يظهر من املكره ما يدل فقد تقدم يف.. لذلك اإلكراه . على متاديه

فكيف وإلزامهم بالدعاء أصال ال يصل إىل حد اإلكراه احلقيقي الذي يعذر به من فمن ذا الذي يكره اخلطيب أو اإلمام على االستمرار يف –أظهر شيئا من هذه املهلكات

؟؟ .. تويل اخلطابة أو اإلمامةلك وأخبث إن صرح اخلطيب أو اإلمام مبدح دميقراطيتهم ) دينهم ومثل ذ -

الكفري ( أو الدعوة إىل املشاركة فيها والثناء على قوانينها الكافرة ، أو يكون هو نفسه ممن يشارك يف حتكيم هذه القوانني أو تشريعها ، أو يكون من عساكرها وأنصارها وحراسها ،

دين ، سواء بالتحسس والتجسس على الدعاة واجملاهدين ، أو ممن يتوالهم عمليا على املوحورفع التقارير ، فإن من هذا الصنف من هم هلم جند حمضرون متطوعون وأشد إخالصا هلم

.. من عساكرهم وجندهم الرمسينيوقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم )) : وقد قال اهلل تبارك وتعاىل

زأ بها فال تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم آيات اهلل يكفر بها ويسته . (( إذا مثلهم إن اهلل جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا

فقد حكم اهلل تبارك وتعاىل يف هذه اآليات حكما بينا أن من قعد مع اخلائضني هنم مصريهم يف الكفر دومنا إكراه ؛ أنه كافر مثلهم ، وأنه سيجمعه سبحانه معهم يف ج

األخروي ، كما اجتمعوا معهم ومل يفارقوهم أو يربؤوا منهم يف الدنيا حال خوضهم يف .. الكفر دومنا إكراه

(132) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) اآلية على : قال الشيخ سليمان بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الوهاب رمحه اهللكافرين ظاهرها ، وهو أن الرجل إذا مسع آيات اهلل يكفر هبا ويستهزأ هبا فجلس عند ال

املستهزئني من غري إكراه وال إنكار وال قيام عنهم حىت خيوضوا يف حديث غريه ؛ فهو كافر جزء اجلهاد ص –( أهـ الدرر السنية يف األجوبة النجدية .. مثلهم وإن مل يفعل فعلهم

(72) . فبدل الذين ظلموا قوال غري الذي قيل هلم ، فبدال من أن يستجيبوا ألمر اهلل تعاىل

دم القعود مع هؤالء حال مساع كفرهم وثنائهم على قوانينهم أو الدعوة إىل املشاركة يف بعتفعيلها وتشريعها ودميقراطيتها ؛ جالسوهم ومل يكتفوا بالقعود ومساع ذلك منهم يف خطبهم

ولن يجعل اهلل )) : بل ضموا إىل ذلك أن خالفوا أمر اهلل وحكمه حيث قال.. دومنا إنكار(( فقدموا عليهم أولئك اخلائضني يف الكفر ، وائتموا هبم ى المؤمنين سبيالللكافرين عل

.. يف الصالةففي تقدميهم والصالة خلفهم واإلمتام هبم ؛ إكرام لكفرهم أو إقرار هلم على كفرهم أشد وأظهر من جمرد القعود معهم ، فهي داخلة يف النهي من باب أوىل ، ولو مل يكن يف

(( لكان كافيا يف النهي عن فال تقعدوا معهم)) : له تبارك وتعاىلذلك إال عموم قو .. الصالة خلفهم ، ألن الصالة ال ختلوا من القعود

(( وهذا ليس إنكم إذا مثلهمواخلطورة هنا ، أن خمالفة ذلك داخلة حتت وعيد )) . فيه بطالن الصالة وحسب ، بل بطالن ونقض اإلسالم والتوحيد كما قد عرفت

هؤالء األئمة واخلطباء الذين هذا حاهلم ليسوا منا ولسنا منهم ، وال نعمة وال مثكرامة هلم أو للصالة خلفهم ، وقد تقدم احلديث الذي رواه اإلمام أمحد ومسلم والنسائي

( ؛ .. ) إذا كانوا ثالثة ، فليؤمهم أحدهم: عن أيب سعيد أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قالم حاله كهؤالء فليس بواحد من املسلمني ، بل هو من مجلة الكافرين وكل خطيب أو إما

.. واملشركني وحزهبمأمر .. (( ولن يجعل اهلل للكافرين على المؤمنين سبيال)) : وقوله تبارك وتعاىل

. وحكم بأن ال والية دينية لكافر على مسلم وال إمامة وال تقدمي له عليهأم حسب الذين )) : سوى بني املسلم والكافرقال تبارك وتعاىل منكرا على من

اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ؟ .. (( فكيف مبن قدم الكافر على املسلم ساء ما يحكمون

(133) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

(( ، والفعل ال يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة)) : وقال تبارك وتعاىلفي يتضمن النكرة ، فهو يف قوة )ال استواء ( ، فيعم كل أمر من األمور الواقع يف سياق الن .. وهذا يف االستواء.. إال ما خصه الدليل

؟ .. فكيف بتقدميهم وتشريفهم على املسلم مبنحهم الوالية واإلمامة الدينية عليهوال شك أن اإلمامة فيها من التقدمي والتشريف ما فيها ، ولذلك قدم فيها قارئ

هذا ما سنه لنا .. لقرآن ، فإن استووا بالقراءة فأعلمهم بالسنة مث أقدمهم هجرة مث أكربهمافسحقا .. خامت النبيني ، مث يأيت من ال خالق هلم فيقدموا املشركني واملرتدين على ذلك كله

.. سحقا) اإلسالم يعلو وال يعلى ( : ويف احلديث الذي ذكره البخاري يف صحيحه تعليقا

.. قدموقد تومن ذريتي : )) إني جاعلك للناس إماما ، قال: وقال تعاىل إلبراهيم عليه السالم

فال يصح ملوحد أن يرضى خمتارا بإمامة ووالية الكافر .. (( ، قال ال ينال عهدي الظالمين . الدنيوية عليه ، فضال عن الدينيه

ساقون خلف من تابعوهم فإن الناس يوم القيامة يدعون مبن ائتموا هبم يف الدنيا ، وي.. واقتدوا هبم ، فيشرتكون وجيتمعون باملصري ؛ كما اشرتكوا واجتمعوا على أمرهم يف الدنيا

. إن شرا فشر ، وإن خريا فخرييوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك )) : قال تعاىل

مى فهو في اآلخرة أعمى يقرؤون كتابهم وال يظلمون فتيال * ومن كان في هذه أع . [ 72 –71(( ] اإلسراء وأضل سبيال

هاتوا متبعي إبراهيم عليه : ) اإلمام من يؤمت به ؛ فيقال: قال جماهد وقتادة وغريهم (.السالم ، هاتوا متبعي موسى عليه السالم ، هاتوا متبعي الشيطان ، هاتوا متبعي األصنام

ا ، وعمومها جيعل للرضى بإمامة الكافر يف واآلية عامة ، وقد تنوعت األقوال فيه .. الصالة ، نصيب من هذا الوعيد

فيناد مناد ؛ من كان : ويف احلديث املتفق عليه يف رؤية املؤمنني رهبم يوم القيامة وفيهيعبد شيئا فليتبعه ؛ فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ،

فيقال .. حىت يبقى من كان يعبد اهلل: إىل قوله.. الطواغيت الطواغيتويتبع من كان يعبد

(134) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

إىل آخر .. فارقناهم وحنن أحوج منا إليه اليوم: ما حيبسكم وقد ذهب الناس ؟ فيقولون: هلم . احلديث

ويف هذا وعيد شديد وحتذير أكيد ملن يستهرت يف متابعة أئمة الكفر أويف االقتداء هم ، فيستبدل متابعتهم واإلقتداء هبم مبفارقتهم اليت هي سبيل هبم أو بأنصارهم وأوليائ

.. النجاة والفكاك من متابعتهم ومشاركتهم مبصريهم يوم القيامة ولذلك فنحن ال نرى الصالة خلف من هذه حاهلم ونعد اجتناب الصالة خلفهم

هم باحلقيقة من فهؤالء األئمة الذين هذه صفتهم .. من لوازم براءتنا من الطاغوت وأولياؤهأولياء الطاغوت و أنصاره ، اختاروا بأن يكونوا يف عدوته وجهته وحده وحزبه ، فهم يف

وحنن وإياهم خصمان اختصموا يف رهبم ويف .. عدوة وجهة ، وحنن يف عدوة وجهة أخرى . توحيده

حنن قد نذرنا أنفسنا حلراسة الشريعة والتوحيد ، وهم قد سخروا أنفسهم وأعمارهم . حلراسة القانون والشرك والتنديد

وقد أمر النيب صلى اهلل عليه وسلم هبجران املشركني ومفارقتهم وأن ال تراءى نارنا . ونارهم زيادة يف املفارقة والتباعد والرباءة

) أنا بريء من كل مسلم : كما يف احلديث الذي رواه أبو داود والرتمذي وابن ماجة . ال تراءى نارمها (: يا رسول اهلل ومل ؟ قال: قالوايقيم بني أظهر املشركني ، ( وصححه ووافقه الذهيب ، 4/600( والنسائي واحلاكم )5/5وروى اإلمام أمحد )

كل مسلم على مسلم حمرم ، أخوان نصريان ، ال .. ): أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال . كني إىل املسلمني (يقبل اهلل عز وجل من مشرك بعدما أسلم عمال أو يفارق املشر

فكيف يعقل بعد هذا أن نرتضيهم أو نتخذهم أئمة مقدمني ؟ ولذلك فنحن حنب أن جناهر عادة برتك الصالة خلف هؤالء ، ولو فوجئنا بشيء من ذلك أثناء خطبة من كان عندنا قبله مستور احلال ، مل نتحرج أبدا من قطع الصالة أو

ما أن نعلن براءتنا من الطاغوت وأنصاره ، ونتعمد ان اخلروج من اخلطبة ، ألننا حنب دو كما هو شأن .. نبدي ونظهر عداوتنا له وألوليائه الذين ينصرونه باللسان أو بالسنان

وكما أظهرها وأبداها من قبل .. الطائفة املنصورة الظاهرة على أمر اهلل ، واليت نتقفى آثارهان النبيني واملؤمنني ممن جعلهم اهلل أسوة وقدوة لنا اخلليل إبراهيم والذين معه وعلى طريقته م

قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه )) : يف هذا املضمار، فقال اهلل تعاىل

(135) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون اهلل كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم . (( دهالعداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا باهلل وح

فإذا كان ترك الصالة خلف أمراء اجلور الذين مل خيرجوا من دائرة اإلسالم ؛ .. وأخرياأمرا مذموما قد حذر منه السلف وعلماؤنا األولون ألن فيه نوع منازعة وطعن يف واليتهم ، ومشاهبة طريقة اخلوارج الذين كانوا ينازعوهنم ويرتكون الصالة خلفهم ويثريون الفنت جملرد

. ارتكاهبم بعض املعاصي دون أن يظهروا كفرا بواحافإن تركها اليوم خلف أئمة الكفر وأوليائه بعد أن أظهروا ألوانا من الكفر البواح

قد أمسى عالمة ألنصار التوحيد وأصحاب الطائفة الظاهرة املنصورة اليت . والشرك الصراح .. ال يضرها من خالفها وال من خذهلا

لك نوع من املنازعة أو الطعن يف والية هؤالء الطواغيت ووالية وإذا كان يف ذ .. أوليائهم على أمر ديننا ودنيانا فنعما هو

.. ولذلك فنحن نظهره ونعلنه ، وحنرص عليه ، طاعة وقربة إىل اهلل تعاىل .. وحيث كانوا .. وحتقيقا لتوحيده سبحانه وبراءة من الطواغيت وأوليائهم أين كانوا

إلى خطأ بعض المتسرعين والغالة في تكفيرهم للمسلم لمجرد مدح : تنبيه : الكفار له أو ثنائهم على أخالقه

فضال عن –ومما حيسن التنبيه إليه هنا يف مقابل هذا ؛ أنه ال جتوز املؤاخذة مبدح الكفار أو ثنائهم على أخالق أو أسلوب بعض املوحدين ، ما –التبديع أو التكفري

لئك املوحدون مستقيمني على ملة إبراهيم ، مظهرين لرباءهتم من أولئك الكفار أو دام أو .. املشركني ، ال يضرهم ذلك املدح أو حيرفهم عن اجلادة

فأي حرج عليهم يف ذلك وبأي جريرة يؤاخذون ، خصوصا إذا قيل ذلك مدحا و سباب جمرد ، أو ألسلوهبم يف الدعوة واخلطاب ؛ يف مقابل ما يظهره البعض من تشنج أ

.. إطالقات غري علمية وال منضبطة بضوابط الشرعوسواء أصدر ذلك الثناء من أولئك الكفار عن قناعة وإنصاف ، أم عن مكر وكيد وإيضاع بني الصفوف ، إذ هم يعرفون أن هذا سيكون على بعض ضعاف العقول فتنة أو

وهو ما يسعى إليه –وشق الصفوف دافعا للغل والبغي واحلسد ، والذي قد يثمر العداوة وقد عايشت أمثال ذلك ، ورأيت من يعري إخوانه املوحدين مبدح .. أولئك الكفار ويتمنونه

فهذا من .. الكفار ألخالقهم ، ويطعن فيهم لثنائهم على أسلوهبم يف التعامل واخلطاب

(136) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

يف أنفسهم ويف ولو أن أولئك الدعاة اتقوا اهلل.. مكر أعداء اهلل ، مكر الليل والنهارإخواهنم ، وتفقهوا بسرية نبيهم صلى اهلل عليه وسلم ، وصربوا على طريقته ، وتبصروا

.. بسبيل اجملرمني وأساليبهم يف الكيد للدعوة والدعاة ؛ ملا ضرهم ذلك الكيد شيئاوإن تصبروا وتتقوا ال يضركم كيدهم شيئا إن اهلل بما )) : فقد قال تبارك وتعاىل

. (( محيطيعملون وهب أهنم كانوا صادقني يف مدحهم غري كائدين ، فأي عار على املوحد يف ذلك ما دامت عقيدته ظاهرة بينة ، وما دام تكفريه هلم يعرفه القريب والبعيد ، وبراءته منهم ومن

.. قوانينهم صرحية معلنةشكاة ظاهر عنك ؟ ) فتلك. أليس قد قيل ؛ والفضل ما شهدت به األعداء

( ارهاع أمل يكن كفار قريش يصفون النيب صلى اهلل عليه وسلم بالصادق األمني ؟؟

ويف صحيح البخاري ) كتاب بدئ الوحي ( حديث سؤاالت هرقل أليب سفيان عن ) فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ : النيب صلى اهلل عليه وسلم وفيها قوله

ال : فقال أبو سفيانيقول ، اعبدوا اهلل : ماذا يأمركم ؟ قال: إىل قوله …ال : در ؟ قالفهل يغ: قال

ويأمرنا بالصالة والصدق والعفاف .. وحده وال تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم .. والصلة ( احلديث

أن –ستأيت اإلشارة إليه –ويف مسند اإلمام أمحد من حديث عبد اهلل بن عمرو ن بالنيب ويتوعدونه لذكره آهلتهم ، وفيه أنه مر هبم وهم على ذلك كفار قريش كانوا يتواصو

) حىت إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك لريفؤه بأحسن : وأمسعهم ما يكرهون ، قال عبد اهللانصرف يا أبا القاسم ، انصرف راشدا ، فواهلل ما كنت : ما جيد من القول حىت إنه ليقول

جهوال ( بأحسن ما جيد من القول ( ) لريفؤه : فتأمل قوله

ومثل ذلك ما ذكره اهلل تعاىل يف كتابه من قول بعض أهل السجن لنيب اهلل يوسف .. (( )) يوسف أيها الصديق(( و إنا نراك من المحسنين)) : ، وهم على غري ملته

ته عن أنا راود)) : وقول امرأة العزيز ملا صدقت.. وذلك ملا رأوا من أحواله وأخالقه وسلوكه . (( نفسه وإنه لمن الصادقين

(137) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

.. وسرية النيب صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه فيها من ذلك الشيء الكثريفقد روى البخاري يف صحيحه يف ) كتاب مناقب األنصار ( من حديث عائشة رضي اهلل عنها يف قصة هجرة أيب بكر رضي اهلل عنه حنو احلبشة ، وجوار ابن الدغنة له

) إن مثلك يا أبا بكر ال خيرج وال خيرج ، : كة ، وفيه قول ابن الدغنة أليب بكرورده إىل مإنك تكسب املعدوم وتصل الرحم ، وحتمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعني على نوائب

( 3905احلديث ( ).. احلق ، فأنا لك جار ، ارجع واعبد ربك ببلدكاد والسري ( يف قصة أسر خبيب ومثل ذلك ما رواه البخاري أيضا يف )كتاب اجله

األنصاري ، وفيها ثناء بنت احلارث بن عامر على خبيب يوم كان أسريا عندهم ، فاستعار ) فوجدته جملسه على : قالت.. منها موسى يستحد هبا فأعارته ، فأخذ أبنا هلا وهي غافلة

ن أقتله ؟ ما ختشني أ: فخذه واملوسى بيده ، ففزعت فزعة عرفها خبيب يف وجهي( ، فقال) واهلل ما رأيت أسريا قط خريا من خبيب ، واهلل لقد وجدته يوما يأكل . كنت ألفعل ذلك

. (3045احلديث ( ) .. من قطف عنب يف يده ، وإنه ملوثق يف احلديد وما مبكة من مثر .. وحمل الشاهد منه ظاهر واضح.. وتتبع أمثال ذلك يطول

قل أن يكرتث أو يقيم وزنا لذم أعداء اهلل و يف املقابل أيضا ، ال ينبغي لعاوأذناهبم ألحد من إخوة التوحيد ، أو يلتفت إىل ما يرموهنم به من دعاوى التشدد أو التعصب والتكفري أو الغلظة أو اإلرهاب أو حنو ذلك ، ما داموا ينتقدون هبذه املسميات

من كتابه إىل الشدة والغلظة أمورا من احلق يف مقامها احملمود ، إذ قد ندب اهلل يف مواضع . على أعدائه احملاربني لدينه ، وعلى املنافقني وأشباههم من الشانئني لشرعه

. ((.. يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم)) : فقال تعاىل)) يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا : وقال سبحانه

(( فيكم غلظة.. محمد رسول اهلل والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)) : وقال أيضا

)) . وال يطأون موطئا يغيظ الكفار وال ينالون من عدو نيال إال كتب لهم به )) : وقال . (( عمل صالح

(138) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فسوف يأت اهلل بقوم يحبهم )) : وقال يف وصف أهل دعوة التوحيد وأنصار الدينى المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل اهلل وال يخافون ويحبونه أذلة عل

(( لومة الئموسرية النيب صلى اهلل عليه وسلم وصحابته .. إىل غري ذلك من آيات الكتاب

.. طافحة بالتطبيقات العملية لذلك ، ويطول تتبعهاتأسي به وكل ذلك مشروع يف حمله ومقامه ، وال حرج على أحد باإلقتداء بذلك وال

وتطبيقه ؛ بل احلرج كل احلرج على من فرط وقصر فيه وضعف عن القيام به؛ أن يذم .. القائمني به ويلمزهم ويطعن فيهم ألجله وبسببه ، فتلك أيضا شكاة ظاهر عنك عارها

وال ينبغي لعاقل أن يلتفت إىل ذلك الذم أو القدح ما دام املقصودون به على منهاج نبيهم يه وسلم سائرين ، ومبلة إبراهيم متمسكني ، وهلدي سلفهم مقتفني ، مل مييلوا صلى اهلل عل

إىل إفراط أو تفريط ، وأؤكد على هذا القيد املهم ؛ فإن بعض من احنرفوا عن منهاج النبوة إىل أشياء من ذلك ، وجنوا على أنفسهم ودعواهتم بذلك ؛ تراهم يعزون أنفسهم مبثل هذا

؛ فال عزاء هلؤالء مبثل هذا، ما داموا قد كسبوا ذلك بأيديهم ، وجنوا الذي نذكر به هاهناإمنا العزاء به ملن جاهد نفسه لإلستقامة على منهاج .. على دعوهتم باحنرافاهتم وختبطهم

: دعوة األنبياء ، فهؤالء هم احملسنون الذين وعدهم اهلل تبارك وتعاىل بنصرته ومعيته ، فقال (( ا لنهدينهم سبلنا وإن اهلل لمع المحسنينوالذين جاهدوا فين))

وما داموا من ورثة دعوة األنبياء واملرسلني ، فال بد هلم أن ينالوا بعض تبعات هذا إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن )) : فقدميا قال فرعون عن موسى عليه السالم.. املرياث

وما نراك )) : من املؤمنني ومن قبله قيل لنوح ومن اتبعه.. (( يظهر في األرض الفساداتبعك إال الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم

. (( كاذبينوكفار قريش وصفوا النيب صلى اهلل عليه وسلم بأنه سفه أحالمهم وشتم آباءهم

يكن ، مع أنه صلوات اهلل وسالمه عليه مل (10)وعاب دينهم وفرق مجاعاهتم وسب آهلتهميشتم آباءهم وال ما يعبدون شتما جمردا ، فقد هناه اهلل تبارك وتعاىل عن ذلك ما دام ذريعة إىل سب اهلل عدوا بغري علم ، وأيضا فإن مما يعبدون مالئكة وصاحلون ال جيوز شتمهم ، لكنه إذا عرى آهلتهم الباطلة ، وأظهر أهنا ال تضر وال تنفع وال تغين عنهم شيئا ، ودعاهم

ىل الكفر هبا والرباءة من عبادهتا ، وبني ضالل آباءهم يف ابتداعها واخرتاعها ، وحذر من إسب آهلتنا وشتم آباءنا : تقليدهم ، أو ذم متابعتهم على ذلك ؛ جعلوا ذلك شتما ، وقالوا

( حتقيق أمحد شاكر. 7036أنظر مسند امحد ، حديث رقم ) (10)

(139) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وهكذا ورثتهم من مشركي القوانني ، وعباد الدساتري اليوم ، إذا ما بينا . وفرق مجاعتناوحذرنا من تشريعاهتم اليت ما أنزل اهلل هبا من .. وانينهم ، وأظهرنا كفرها وتناقضهاسفاهة ق

.. متطرفون ، خوارج وتكفرييون وإرهابيون: سلطان ، وسفهناها وسفهنا واضعيها ، قالوا عناخارجون عن دينهم ) القانون ( ، ووصفوا دعوتنا وجهادنا وكفرنا هبم بأنه عمل غري مشروع

شرعي !! ) أي غري قانوين ( ، ورمونا بتمزيق وشق وحدهتم الوطنية الوثنية ، أو غري . !! (.. متاما كما قال مشركوا قريش ) فرق مجاعتنا ( ) تشاهبت قلوهبم.. (11)اجلاهلية

فال حرج على أحد من املوحدين يف شيء من تلك الدعاوى كلها ، ما داموا على رين مل جينحوا إىل إفراط أو تفريط ، فهي عينها هدي نبيهم صلى اهلل عليه وسلم سائ

.. دعاوى املناوئني للتوحيد وأهله منذ القدم ، يتوارثوهنا عن بعضهم البعض يف كل زمان . كأمنا يوصي بعضهم بعضا هبا

. ((.. أتواصوا به بل هم قوم طاغون)) على بعض –أضف إىل هذا أن غالب ما ينتقده أعداء اهلل كما قد شاهدت

املبتدئني املنتسبني لدعوة التوحيد ، محاسهم وشدهتم الزائدة غري املنضبطة بضوابط الشرع أحيانا ، أو لكوهنا يف غري موضعها ؛ حيث جتر إىل التعنت والتضييق يف بعض ما وسع اهلل

. أو مما هو من هذا القبيل.. فيه أحيانا أخرىاجلته ، وعدم إمهاله أو إقراره ، فهذا وإن كان الواجب على أهل هذه الدعوة ، مع

خمافة أن يكون سببا لتشويه وجه هذه الدعوة املشرق ، أو مدعاة للتنفري عنها ، ووجود مثله يف الصف غري مستغرب ، وقل أن يسلم منه إنسان خصوصا يف مراحل تعلمه وجتربته

ما أسأل األوىل ، وما أبرئ نفسي من ذلك ، فقد كانت تعروين من احلدة ونقص احللماهلل أن يغفره يل ، وما ال يزال يذكرين به من أناصحه يف شيء من هذا الباب ، وال ينبغي

فإن الذكرى تنفع المؤمنينرد النصح ألجله ، إذ الذكرى يل وهلم ، ولسائر املسلمني )) . واملعصوم من عصمه اهلل تعاىل.. ((

ل قد وجد شيء منه يف خري وعلى كل حال فقل أن يسلم جتمع من مثل هذا ، ب القرون ، ولكن النيب صلى اهلل عليه وسلم مل يقره حبال وال سكت عنه ، بل حرص على إنكاره وعالجه يوم أن اشتكى إليه رجل إطالة إمامه يف الصالة ، حىت إن الرجل ليتأخر

ه ) فما رأيت النيب صلى اهلل علي: عن صالة الصبح ألجله ، قال أبو مسعود األنصاري

بني توحيد الوطنيني وتوحيد املرسلني ( من رسائلنا يف ولنا يف هذا ورقات بعنوان ) الفرق املبني (11)

السجن.

(140) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) يا أيها الناس إن منكم : وسلم غضب قط يف موعظة أشد مما غضب يومئذ ، فقال . ( احلديث رواه مسلم.. منفرين

إال أن مما جيب معرفته والتنبه إليه ومراعاته هنا ؛ أن أكثر تلك األساليب املنتقدة على بعض دعاة التوحيد ، تنغمر هي وحنوها من األخطاء يف جنب ما حيمله أولئك

الشباب من نصرة للتوحيد ، وقيام به وبراءة من الشرك وأهله ، فهذا أصل موازيننا أهل التوحيد ، وال حيل حبال أن يهدر هذا الفضل العظيم ، وهذه اخلصيصة املهمة اليت تطيش بطاقتها بالعشرات من سجالت الذنوب واملعاصي واخلطايا ؛ بسبب بعض املمارسات أو

.. الفروع ، وتزول عند املخلصني بطلب العلم والتجربة والنضج التجاوزات اليت هي من.. وبدوام النصح والتصحيح من القائمني على توجيههم أو املتوليني أمورهم أو املباشرين هلم

وهو الشيء الذي حنرص عليه دوما بفضل اهلل تعاىل ، وهذه الورقات تتناول قسطا من .. ذلك ، كما ترى

يمية رمحه اهلل تعاىل رسالة قيمة نفيسة ، يف أول اجمللد الرابع من ولشيخ اإلسالم ابن تيدفع فيها عن أهل احلديث وأنصار السنة ، -أشرنا إليها يف مطلع هذا الفصل –فتاواه

ويذكر مؤاخذات خصومهم عليهم وما ينتقده أهل الكالم والبدع على بعضهم ، وال مينعه لسنة أن يعرتف بوجود بعض تلك املؤاخذات حبه ألهل احلديث ، وكونه من أنصار ا

واألخطاء ، ويقر بوجودها وال حيايب أحدا يف نقدها ، حرصا منه على تغيريها .. كما يدفع غريها من التهم املفرتاة.. وتصحيحها

) وإذا قابلنا بني : (4/20مث يقول أثناء ذلك مقارنا موازنا بني الطائفتني ) هل الكالم ، فالذي يعيب أهل احلديث وأهل اجلماعة حبشو أهل احلديث وأ –الطائفتني

فبأن حيتجوا بأحاديث ضعيفة : القول ، إمنا يعيبهم بقلة املعرفة ، أو بقلة الفهم ، أما األول . أو موضوعة ، أو بآثار ال تصلح لالحتجاج

فبأن ال يفهموا معىن األحاديث الصحيحة ، بل قد يقولون القولني : وأما الثاينإما زيادة أقوال غري : واألمر راجع إىل شيئني. تناقضني وال يهتدون للخروج من ذلكامل

مفيدة يظن أهنا مفيدة كاألحاديث املوضوعة ،وإما أقوال مفيدة لكنهم ال يفهموهنا؛ إذ . إىل فهم معناه ، كاتباع القرآن: كان اتباع احلديث حيتاج أوال ؛ إىل صحة احلديث ، وثانيا

. عليهم من ترك إحدى املقدمتني ، ومن عاهبم من الناس ، فإمنا يعيبهم هبذافاخللل يدخل وال ريب أن هذا موجود يف بعضهم ، حيتجون بأحاديث يف مسائل ) األصول والفروع ( وبآثار مفتعلة وحكايات غري صحيحة ، ويذكرون من القرآن واحلديث ما ال

. وضعوه على غري موضعهيفهمون معناه ، ورمبا تأولوه على غري تأويله و

(141) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ثم إنهم بهذا المنقول الضعيف والمعقول السخيف ، قد يكفرون ويضللون ويبدعون أقواما من أعيان األمة ويجهلونهم، ففي بعضهم من التفريط في الحق والتعدي على الخلق ما قد يكون بعضه خطأ مغفورا ، وقد يكون منكرا من القول

لبدع والضالالت التي توجب غليظ العقوبات فهذا ال ينكره وزورا ، وقد يكون من ا . (12)إال جاهل أو ظالم ، وقد رأيت من هذا عجائب

لكن هم بالنسبة إىل غريهم يف ذلك ، كاملسلمني بالنسبة إىل بقية امللل ، وال ريب كل أن يف كثري من املسلمني من الظلم واجلهل والبدع والفجور ما ال يعلمه إال من أحاط ب

شيء علما ، لكن كل شر يكون يف بعض املسلمني فهو يف غريهم أكثر، وكل خري يكون . يف غريهم فهو فيهم أعلى وأعظم

مث شرع يف املقارنة بني .. (…وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم الطائفتني ، وبيان أن أهل احلديث رغم ما ينتقد عليهم هلم من املزية على خصومهم من

الكالم وحنوهم من املنحرفني عن جادة أهل احلق أضعاف أضعاف ، وعند خواصهم أهل بل وعوامهم من اليقني والعلم النافع ما مل حيصل منه شيء ألئمة املتكلمني ، وأن أخطاء

وأطال رمحه اهلل الكالم …خصومهم تفوق أخطاءهم من كافة الوجوه لسالمة أصوهلم . لعه لزامايف ذلك وهو نفيس للغاية ، فطا

فهكذا الشأن فيما ينتقد على بعض أهل هذه الدعوة املباركة ؛ فإن ما يعريون به من أخطاء بعض املبتدئني منهم ؛ ال يعد شيئا إىل جنب الطوام املهلكات من االحنرافات

. املوجودة عند أعدائهم وخصومهمصا الراسخني وما ميتدح من فروع عند خصومهم هو عند أهل هذه الدعوة خصو

.. وذلك فضل اهلل يؤتيه من يشاء.. فيها ؛ أعظم وأكمل وأعلى وأوضح وأظهرإذ أن من أهم دواعي اكتساب الفقه والعلم ، وأهم أسباب تنزل اهلداية

والتوفيق ؛تقوى اهلل تبارك وتعاىل وطاعة رسوله صلى اهلل عليه وسلم ، ونصرة توحيده ، إن تتقوا اهلل يجعل لكم )) : وقال.. (( قوا اهلل ويعلمكم اهللوات)) : كما قال تعاىل

والذين (( ، وقال تبارك وتعاىل )) وإن تطيعوه تهتدوا)) : (( ، وقال سبحانه فرقانا . (( جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا

تأمل كالمه هذا وانطباقه على أحوال بعض املنتسبني إىل دعوة التوحيد من املبتدئني واملتحمسني (12)

وحنوهم ، فقد رأيت أنا أيضا منه عجائب: وعالج مثل هذا وتصحيحه هو الدافع إىل ما نكتب هاهنا ، كما قال بعد ذلك.. ولكن األمر

(142) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

كما أن من أهم أسباب الطبع على القلوب وحرمان الفقه ، وسلب الفهم والعلم صوم هذه الدعوة وأعدائها إىل التخبط يف مهاوي اجلهل والعماية والضالل ؛ الذي يدفع خ

رضوا بأن يكونوا مع )) : القعود والتخلف عن نصرة هذا التوحيد ، كما قال تعاىلرضوا بأن يكونوا مع )) : (( وقال الخوالف وطبع على قلوبهم فهم ال يفقهون . ((الخوالف وطبع اهلل على قلوبهم فهم ال يعلمون

(143) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((5 )) تكفير من لم يبايع إماما معينا

ومن األخطاء الشنيعة يف التكفري أيضا ؛ تكفري من مل يبايع إماما معينا استدالال مبا . ) من مات وليس يف رقبته بيعة مات ميتة جاهلية (: رواه مسلم يف صحيحه

. جاهلية( من فارق اجلماعة شربا فمات فميتة.. ): ومبا رواه مسلم أيضا .. فجعلوا امليتة اجلاهلية كفرا خمرجا من امللة

فلزم فهمها إذن على .. مع أهنا لفظة غري صرحية على إرادة ذلك بل هي حمتملةضوء احملكم من النصوص املبينة هلا ، كما هو الشأن عموما مع النصوص احملتملة

.. لة وغري القطعية على إرادة الكفروسيأيت بيان هذا يف باب األدلة احملتملة الدال.. املتشاهبةفنظرنا يف أدلة الشرع املبينة هلذا ، فوجدنا أن الباغي اخلارج على مجاعة املسلمني

وإن طائفتان من )) : وإمامهم ؛ ال خيرج بذلك وحده من اإلسالم ، فقد قال تعاىلاخوة فأصلحوا بين إنما المؤمنون)) : (( إىل قوله …المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما

. (( أخويكمفهذه قرينة مبينة أن املراد باجلاهلية يف احلديث ما .. فسماهم مؤمنني مع البغي

كان دون الكفر الناقل عن امللة ، من املعاصي واخلصال والعوائد الذميمة ، ووصفت بذلك ا عنه ألن تشنيعا من شأن هذا الذنب الذي يشق عصى املسلمني ويفرق مجاعتهم ، وتنفري

بل كانوا .. فيه مشاهبة ألهل اجلاهلية الذين مل يكن جيمعهم إمام واحد أو مجاعة واحدة .. طوائف متفرقة ، وقبائل متناحرة ، يبغي بعضهم على بعض ويغزوا بعضهم بعضا

ويؤيد ذلك أن لفظة ) اجلاهلية ( قد وردت مرارا يف استعمال الشارع يف املعاصي .. الشركاليت هي دون الكفر و

(( وقرن في بيوتكن وال تبرجن تبرج الجاهلية األولى)) : كما يف قوله تعاىل .. من أخالق نساء اجلاهلية ، وليس هو بكفر ناقل عن امللة وحده: فالتربج

(144) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ومن ذلك ما رواه الطرباين يف األوسط بإسناد حسن أن النيب صلى اهلل عليه -شرهبا مل يقبل اهلل منه صالة أربعني يوما ، فإن مات ) اخلمر أم اخلبائث ، ومن : وسلم قال

وهي يف بطنه مات ميتة اجلاهلية ( . وشرب اخلمر دومنا استحالل هلا ليس بكفر

ومن ذلك ، قول النيب صلى اهلل عليه وسلم أليب ذر ملا عري رجال بأمه ، ) تاب اإلميان ، وزاد يف كتاب ( رواه البخاري يف ك.. أعريته بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية

األدب ) باب ما ينهى عن السباب واللعن ( ) كان بيين وبني رجل كالم ، وكانت أمه أعجمية ، فنلت منها ( ، وهذا التعيري وهو قوله ) يا ابن السوداء ( كما يف رواية أخرى ؛

) باب ولذلك بوب البخاري يف صحيحه يف كتاب اإلميان منه . معصية وليس بكفر قطعااملعاصي من أمر اجلاهلية ، وال يكفر صاحبها بارتكاهبا إال بالشرك ، لقول النيب صلى اهلل

)) إن اهلل ال يغفر أن : ) إنك امرؤ فيك جاهلية ( وقول اهلل تبارك وتعاىل: عليه وسلم (. (( يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء

وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا )) : وذكر فيه حديث أيب ذر ، مث قوله تعاىل (( فأصلحوا بينهما

. )فسماهم املؤمنني ( أهـ: وقالوقال ابن حجر يف كتاب األدب ) باب ما ينهى عن السباب واللعن ( عن لفظة

) وحيتمل أن يراد هبا هنا اجلهل أي فيك جهال ( أهـ من : اجلاهلية ، يف حديث أيب ذر . الفتح

) من مات : يف صحيح مسلم من قوله صلى اهلل عليه وسلم ما جاء: ومن ذلك -ومل يغز ومل حيدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية ( ، وترك الغزو حبد ذاته ليس كفرا وامليتة

ال يستوي القاعدون )) : اجلاهلية هنا ليست بالكفر املخرج من امللة ، بدليل قوله تعاىلن في سبيل اهلل بأموالهم وأنفسهم فضل اهلل من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدو

(( …المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكال وعد اهلل الحسنىفتأمل كيف بني اهلل أن يف القاعدين عن اجلهاد بغري عذر مؤمنني ، مل ينزع عنهم قعودهم

سىن إلمياهنم، وإن كان اسم اإلميان ، وأنه سبحانه وعد كال من القاعدين واجملاهدين احل . اجملاهدون أعظم درجة

* فظهر من هذا كله استعمال الشارع هلذه اللفظة يف املعاصي اليت تركها من اإلميان .. الواجب ، ومقارفتها من اجلهل الذي هو دون الكفر الناقل عن امللة

(145) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

قوله وإذا كانت قد وردت يف استعماله أحيانا فيما هو من كفر اجلاهلية ، كما يف (( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من اهلل حكما لقوم يوقنون تعاىل ))

فقد صارت كما قلنا ، من األلفاظ احملتملة اليت جيب أن تفهم على ضوء النصوص . املبينة هلاومعلوم أن تتبع النصوص املتشاهبة واحملتملة وانتقائها وأخذها وحدها دون ردها إىل

ا من أم الكتاب هو من طريقة أهل الزيغ واألهواء ، كما قد ذكر اهلل تعاىل احملكم املبني هل : يف كتابه فقال

فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله )))) ..

. وكذلك الوعيد باأللفاظ احملتملة ومنها ) امليتة اجلاهلية (مع بعض غالة املكفرة حول حديث هذا الباب ، هذا وقد كنت تناظرت قدميا

وكانوا يتبنون أنه يعين الكفر األكرب قطعا ، ويدعون بناء عليه إىل بيعة أمريهم ، ومن مل يبايع حكموا عليه بالكفر ، بعد إقامة احلجة عليه بذلك وبأهنم اجلماعة احلق ، اليت ال

. جيوز مفارقتها شربا وإال فميتته جاهلية !! .. وهلم ، حرصت على مساعه منهم مباشرة ، ومل ينقله يل عنهم أحدهذا ق

ويومها استدللت ببعض ما تقدم ، وبقول النيب صلى اهلل عليه وسلم حلذيفة بعد ) فاعتزل تلك الفرق ولو أن تعض على : سؤاله ؛ فإن مل يكن للمسلمني مجاعة وال إمام

. أصل شجرة حىت يدركك املوت وأنت على ذلك (يه أنه يصح إسالم املرء رغم غياب مجاعة املسلمني وإمامهم العام املمكن ، وأن فف

.. صحة اإلسالم ال ترتبط ببيعة إمام معني أو أمري بعينه عند تفرق مجاعة املسلمني) فإن مل يكن هلم مجاعة وال : وإال ألمر النيب صلى اهلل عليه وسلم حذيفة ملا سأله

ة أوتنظيما ويبايع لنفسه ، أو غريه إماما وإال ملات ميتة جاهلية إمام ( ؛ بأن جيمع له مجاع!! ومعلوم أن النيب صلى اهلل عليه وسلم مل يأمر بشيء من ذلك يف أجوبته حلذيفة الذي كان يكثر األسئلة يف هذه األبواب ويستفصل حرصا على معرفة الشر خمافة أن يقع فيه ،

هلل صلى اهلل عليه وسلم عن اخلري وكنت أسأله عن ) كان الناس يسألون رسول ا: كما قال . الشر خمافة أن أقع فيه (

(146) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فلو كان عدم مبايعة إمام عند عدم وجود مجاعة املسلمني وإمامهم ، شرا أو كفرا ؛ حلذره النيب صلى اهلل عليه وسلم منه ولبينه له ، ألنه ال جيوز تأخري البيان عن وقت

.. احلاجةهلل عليه وسلم كان أحرص اخللق على أمته ومل يرتك شيئا من اخلري والنيب صلى ا

يقرهبم إىل اجلنة إال ودهلم عليه ، وال شيئا من الشر يقرهبم من النار إال وحذرهم منه ، فكيف بالكفر والشرك املخلد صاحبه يف النار؟؟

واستدللت على ذلك أيضا بقصة أيب بصري وأيب جندل ومن معهم حني أووا إىلمكان بني مكة واملدينة ومل يتمكنوا من اللحوق باملدينة ، وال متكنوا من مبايعة النيب صلى اهلل عليه وسلم واالنضمام إىل مجاعة املسلمني ، بسبب الشرط الذي كان يف صلح احلديبية

.. بني النيب صلى اهلل عليه وسلم وكفار قريش (1)نوا من اللحوق باملدينة وبقوا كذلك إىل أن أسقطت قريش ذلك الشرط ومتك

.. أما أبو بصري فمات يف مكانه قبل أن يتمكنوا من ذلك .. فما أنكر عليهم النيب صلى اهلل عليه وسلم ذلك ، فضال عن أن يكفرهم

ولو كان شيئا من هذا الذي .. وال حكم على أيب بصري بأنه قد مات ميتة جاهليةلم عليه ، وال كان ليقبله يف شرطه مع قريش ، فهو فعلوه كفرا ملا أقرهم صلى اهلل عليه وس

.. صلى اهلل عليه وسلم أورعنا وأتقانا هلل تبارك وتعاىلوقد استدل العلماء على أن أبا بصري مل يكن داخال حتت والية النيب صلى اهلل عليه

وسلم وال وسلم ، وال متحيزا إىل مجاعة املسلمني ، بأن قريشا مل تلزم النيب صلى اهلل عليه طالبته بدية الرجل العامري الذي قتله أبو بصري حني رده صلى اهلل عليه وسلم إىل قريش

فقد كانا كالمها معاهدين ، ولكن ملا مل يكن أبو بصري داخال .. معه ومع اآلخر الذي فر حتت والية النيب صلى اهلل عليه وال متحيزا إىل مجاعة املسلمني ، مل يلزمهم ما فعله ، وال

.. لزمه هو عهدهم مع قريش) احلسن واحلسني سيدا : فلم يرفعوا بذلك كله رأسا، حىت حاججتهم حبديث

وكون احلسني رضي اهلل عنه قد مات وليس يف رقبته بيعة إلمام (2)شباب أهل اجلنة ( فهل مات ميتة جاهلية ؟.. زمانه ، بل كان خارجا عليه هو ومن معه

انظر خربهم يف صحيح البخاري ) كتاب الشروط ( )باب الشروط يف اجلهاد ، واملصاحلة مع أهل (1)

(2732-2731احلرب.. ( حديث )

(147) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

؟!.. وهل كان بذلك كافرا كيف وقد أخرب الصادق املصدوق أنه سيد شباب أهل اجلنة ؟؟

.. فانقطعوا ومل حيريوا جوابا إذ قد صاروا بني نارين ، إحدامها أحر وأمر من األخرى ؛

!!! -عياذا باهلل –إما أن يكفروا سيد شباب أهل اجلنة وا أن ذلك أو أن يرتكوا مذهبهم الذي أقاموا عليه أصال من أصول مجاعتهم ، فيقر

.. ليس كفرا ويناسب هنا التنبيه إىل خطأ من أمث كل من مل يبايع إمامه الذي بايعه هو : تنبيه

.. يف ظل االستضعاففلمن شاء أن يلزم نفسه ببيعة من شاء من املسلمني ممن يراه مستكمال لشروط

ألرض ، لكن ليس له اخلالفة ويسعى للقتال من حوله لتمكينه ونصرته إلقامة دين اهلل يف اأن يؤمث غريه ممن أداه اجتهاده إىل خمالفته يف ذلك ، أو من مل يبايع إمامه، خصوصا وقد وجد من أمثال هذا اإلمام غري املمكن الكثري ؛ وقد بويعوا قبله من قبل آخرين ، وكل

يه وسلم يدعي األولوية يف ذلك ويطلب البيعة لنفسه ، ويستشهد بقول النيب صلى اهلل عل إنه ال نيب بعدي وستكون خلفاء تكثر ، قالوا فما تأمرنا ؟.. )

.. فوا ببيعة األول فاألول وأعطوهم حقهم (: قال واملسلمون يف استضعافهم بني تأثيم هؤالء وتأثيم هؤالء ، هذا إن سلموا من

تكفري األولني !!!يس هو جبنة يتقي به من مع أن إمام كل واحد من هؤالء غري ممكن وال شوكة له ول

. فعالم يلزم المسلمين ببيعتهبايعه فقد صح عن النيب صلى اهلل عليه وسلم انه قال يف وصف اإلمام القوام على أهل

. إمنا اإلمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به ( رواه البخاري ومسلم وغريمها.. ): اإلسالم

( وغريمها وقال الرتمذي: ) حديث حسن صحيح ( وله 167-3/166رواه الرتمذي واحلاكم ) (2)

يف الفيض. طرق تصل إىل حد التواتر كما ذكر املناوي

(148) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

والوقاية للرعية فهو كاجملن والرتس هلم ، واملعىن أن اإلمام يسترت به وأنه حمل العصمة .. فإن من استرت بالرتس فقد وقى نفسه من أذية العدو

) أي كالسرت ألنه مينع العدو من أذى املسلمني ومينع الناس بعضهم : قال النووي . من بعض وحيمي بيضة اإلسالم ، ويتقيه الناس وخيافون سطوته ( أهـ

هاء مما يلزم اخلليفة من محاية البيضة وأداء حقوق وقد فسر هذا مبا اشرتطه الفقاملسلمني والقيام مبا يلزمهم من إقامة اجلهاد وحفظ دينهم وضرورات دنياهم ، حبيث لو منع من القيام من ذلك ألسر أو حجر أو عجز أو حنوه انعزل ومل يعد إماما أو خليفة ، وكذا لو

ئفة أن ترتضيه على استضعافه أمريا هلا ، كان مستضعفا ال حول له وال قوة ، فألي طاولكن ليس هلا وحاله كذلك أن تلزم املسلمني ببيعته ، وجتعله إماما أعظم أو خليفة على عموم املسلمني أو تؤمث من مل يبايعه ، وهو ال ميلك من أمره وأمر أهل بيته شيئا يف ظل

. ن املسلمنيحكم الطواغيت واستضعافهم ؛ فضال عن أن يكون جنة لغريه مسرتة ألنه مينع : ) قوله "إمنا اإلمام جنة " بضم اجليم أي: قال ابن حجر يف الفتح

والمراد باإلمام كل قائم بأمور العدو من أذى املسلمني ويكف أذى بعضهم عن بعض ، . ( أهـ المسلمين

اع من ) والذي عليه العرف املش: وقال القلقشندي يف مآثر األناقة يف معامل اخلالفة قام بأمر المسلمين القيام صدر اإلسالم وهلم جرا إطالق اسم اخلليفة على كل من

. (1/13( أهـ ).. العام) فمن قال يصري إماما مبوافقة واحد : وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية يف منهاج السنة ( 1/141( أهـ ) فقد غلطأو اثنني أو أربعة ، وليسوا هم ذوي القدرة والشوكة

(149) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((6 )) حصر الفرقة الناجية في تجمع أو جماعة أو

حزب أو طائفة معـينة من بين عموم المسلمينومن األخطاء الشنيعة يف التكفري أيضا حصر الفرقة الناجية يف جتمع أو مجاعة أو حزب أو طائفة معينة ، من بني عموم املسلمني ، وتكفري من سواها أو احلكم عليهم

. كباهلالفقد ورد احلديث املخرب بافرتاق األمة واملبشر بالفرقة الناجية من طرق عدة وصححه غري واحد من أهل العلم ، خيرب فيه النيب صلى اهلل عليه وسلم أن اليهود افرتقوا على إحدى وسبعني فرقة ، كلها يف النار إال واحدة ، وافرتقت النصارى على اثنني وسبعني فرقة كلها يف

ار إال واحدة ، وستفرتق هذه األمة على ثالث وسبعني فرقة كلها يف النار إال واحدة ، الن . .. هذه امللة ستفرتق ": ويف لفظ " تفرتق أميت" ويف آخر

) اجلماعة ( ويف : الناجون { قال: ويف رواية ؛ فقيل يا رسول اهلل ! من هم ؟ } أي (1)) ما أنا عليه وأصحايب ( : رواية أخرى) احلديث صحيح مشهور يف السنة واملسانيد ، : ل شيخ اإلسالم ابن تيميةوقا

جمموع الفتاوى ) ط دار ابن حزم ( ) . كسنن أيب داود والرتمذي ، والنسائي وغريهم ( أهـ215/3 )

) حديث افرتاق األمم إىل بضع وسبعني مروي من : وقال احلافظ ابن كثري يف تفسريه . طرق عديدة ( أهـأمسع بعض املتهورين من املتحزبني إىل جتمعات أو املنتسبني إىل مجاعة وقد كنت

معينة ، والغريب أن بعضها من مجاعات اإلرجاء اليت تتمسح بالسلفية زورا وهبتانا ، وتتورع يف تكفري الطواغيت ، وال تتورع من إعالن احلرب على كل من يسعى جلهادهم ، أو ترتدد

.. م ولو كان من خالصة أهل اإلسالم من الرباءة من كل من يكفره

رواية ) ما أنا عليه وأصحايب ( ضعفها بعض العلماء.. وحسنها آخرون منهم الرتمذي. (1)

(150) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

الذي يلزم منه -مسعتهم ورأيتهم حيملون مدلول هذا احلديث ومسمى الفرقة الناجية على مقلدهتم ومشاخيهم ومجاعاهتم بعينها ، ويفرح الغر -عند أكثرهم هالك من سواها

ية ؛ فيطري بذلك كل منهم إذ جيد ألهل العلم أقاويل يف أهل احلديث وأهنم هم الفرقة الناجمطري ظانا أهنم مجاعته من أدعياء السلفية جملرد هتارش بعضهم وحتاسدهم على جتارة حتقيق

.. خمطوطات احلديثوينسى أو يتناسى أن أهل احلديث الذين استشهد بأقاويلهم أمثال إمام أهل

طني أو السنة أمحد بن حنبل وسفيان الثوري وأضراهبم ما سكتوا عن منكرات السالبدعهم ومل يداهنوا على حساب دينهم فيغضوا الطرف عن شيء من باطل احلكام وحتملوا

.. ألجل ذلك األذى والسجن واالبتالءاتوأهنم أعرضوا عن أبواب السالطني ومناصبهم وأنكروا على من توىل شيئا من

(2)مناصبهم وجرحوه وهجروه ، وذلك يف أزمنة اخلالفة والفتوحات !! الوقت الذي يتهافت ويتكالب املدعون وصلهم املنتسبون إليهم زورا اليوم على يف

.. عتبات الطواغيت ومناصبهم الشركية والوثنيةوغفل عن أن أهل احلديث يف القرون األوىل مل يكتفوا بأن سطروا الصحائف يف

اجلهاد يف الذب عن حديث املصطفى صلوات اهلل وسالمه عليه ؛ بل وسطروا أعظم آياتورحم اهلل .. نصرة اإلسالم واملسلمني فرووا بدمائهم ساحات الوغى ودروب االستشهاد

: اإلمام عبد اهلل بن املبارك إذ يقول

واألمثلة على ذلك كثري ، أنظر موقف بعضهم من الزهري يف دخوله على اخللفاء ، وموقف ابن (2)

املبارك من إمساعيل ابن علية ملا ويل القضاء ،وما قاله من شعر ينكر عليه فيه.ومن الطريف أن أفراخ املرجئة ومقلدة علماء احلكومات شنعوا علينا وأقاموا الدنيا ومل يقعدوها ملا استعرنا عجز آخر بيت من قصيدته ) زل محار العلم يف الطني ( وجعلناه عنوانا لكلمات كتبناها غضبة لدين اهلل

جبريرة جهادهم وقتاهلم للكفار ، وإلخواننا املوحدين الذين سوغ مشايخ السوء سفك دمائهم وقتلهمفجعلوا جهاد الكفار حماربة هلل ولرسوله وسعيا يف األرض بالفساد وترويعا ملن وصفوهم باآلمنني !! من

املرتدين والكفار واملشركني احملاربني كل ذلك إرضاء ملليكهم وأوليائه من األمريكان. رد توليه القضاء يف زمن اخلالفة !! فماذا كان سيقول هلؤالء وال أدري إذا كان ابن املبارك قاهلا البن علية جمل

املشايخ ؟؟ لو أنه اطلع على احنرافاهتم وختبطاهتم هذه ونظر يف بيعتهم للطواغيت وتسويغهم لكثري من شركياهتم كتويل املشركني ودوهلم واملرتدين وأنظمتهم ومظاهرهتم على املوحدين واجملاهدين يف ظل اتفاقات

مونه مبكافحة اإلرهاب وغريها ، فذلك كله عندهم ؛ حىت لبس الصليب ) أمور عادية ( !!! ما يس وليست كفرية وال شركية !

(151) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

يا عابد احلرمني لو أبصرتنا لعـلمت أنك بالعبادة تلعـب ـبمن كان خيضب جيده بدموعه فـنحورنا بدمائـنا تتخض أو كان يتعب خيله يف باطل فخيولنا يوم الكريهة تتعـب ريح العبري لكم وحنن عبرينا وهج السنابك والغبار األطيب

إىل آخر األبيات .. . ومعلومة مواقف العز بن عبد السالم مع سالطني زمانه

.. اواه يف تكفري التتار وجهادهمومواقف شيخ اإلسالم ابن تيمية مع ملوك التتار وفت .. وغريه وغريه

فال يستحيي أمثال ذلك الدعي يف انتسابه إليهم زورا ؛ من أن يسمي ويعدد يف رؤوس الفرقة الناجية أمساء رؤوس التجهم واإلرجاء يف هذا الزمان الذين خنثوا الدين وخذلوه

نني ، أعطوهم صفقة أيديهم وطوعوه للسالطني ، فجعلوا من طواغيت الكفر أئمة للمؤمومثرة أفئدهتم ، وصاروا هلم جندا حمضرين ومستشارين خملصني ، فهو جيعلهم رغم ذلك

-كما ذكر –رؤوس الفرقة الناجية بل والطائفة املنصورة !! ألهنم ويا للهول قد حاربوا فرياهتم ، شرك القبور !! وبدع التصوف !! وحنوه مما ال يؤثر يف سياسات الطواغيت أو ك

وال حرج عليهم وال ضري عنده إذ أحيوا وسوغوا بفتاواهم وتلبيساهتم شرك القصور (3). والقوانني والدستور !!!

كما رأيت بعض الغالة يزعمون مثل ذلك يف مجاعاهتم ، ومن مث يتوقفون يف وهذا كفر إذ هم قد فارقوا )اجلماعة (.. إسالم غريهم أو يكفرون كل من هو خارجها

عندهم !!حبجة أهنا .. ومن جنس ذلك من يصف مجاعته أو يسميها جبماعة املسلمني

.. هي اجلماعة احلق والفرقة الناجية ، ومن سواها فمن اهلالكني

أنظر مثاال من ذلك لربيع بن هادي املدخلي يف كتابه ) أهل احلديث هم الطائفة املنصورة الناجية ( ، (3)أفراد ومجاعات بعضهم ممن باعوا دينهم للحكام حيث عدد فيمن اعتربهم من أهل الطائفة املنصورة أمساء

ببيعتهم للطواغيت،وبعضهم من املسوغني أو املشاركني يف برملانات الكفر يف دول الردة وأقلهم شرا وسوءا ؛ من يسمي املوحدين اجملاهدين للطواغيت خوارج وتكفري يف الوقت الذي يهون من كفر الطواغيت

وكفرهم البواح كفرا دون كفر !! ويسهله فيجعل شركهم وتشريعهم

(152) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وأقل الغالة سوءا ، من تراه يعامل كل من هو خارج شرنقة جتمعه ، أو حدود م اإلسالمية ويستحل أعراضهم ،أو يتعدى حدود معاملة الكفار؛ فيهدر حقوقه: مجاعته

اهلل فيهم ، فال يراعي فيهم ذمة وال حقا شرعيا ، وإن كان عند االستفصال ،ال يصرح . بتكفريهم !! وهذا كله من الباطل والضالل املبني الذي نربأ إىل اهلل تعاىل منه

ض أصحاب هذه وهو من جنس ما تقدم من تكفري من مل يبايع إماما معينا، فإن بعمن فارق اجلماعة فمات .. ): املقالة أيضا حيتجون بكفر من فارق مجاعتهم حبديث مسلم

مث يعنتون ويضيقون ما وسع اهلل فيحجرون لفظ اجلماعة هاهنا على . فميتة جاهلية ( . وقد تقدم اجلواب على الوعيد بامليتة اجلاهلية وأن داللته على الكفر غري صرحية.. مجاعتهم

ذلك احلال هنا بالنسبة للوعيد بالنار لغري أصحاب الفرقة الناجية من أمة حممد وكصلى اهلل عليه وسلم ، فإنه أيضا غري صريح الداللة على التكفري ، فمعلوم أن مطلق الوعيد بالنار ال يقتضي اخللود فيها ، ومن جاز خروجه من النار ولو بعد حني فليس من أهل

فمن )) : قال تعاىل .. و حتما من الناجني والفائزين ولو بعد حنياهلالك املطلق ، بل ه . (( زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز

وسيأيت أن الوعيد بالنار قد ورد يف كثري من الذنوب غري املكفرة ، وأن التوعد فعلم.. على الكفر ، خبالف مطلق الوعيد بدخوهلا غالباباخللود فيها أبدا هو الذي حيمل

من ذلك انه ليس كل من توعد بدخول النار من املخالفني للفرقة الناجية ممن هم من أمة . حممد صلى اهلل عليه وسلم ) أمة اإلجابة ( أنه يكون كافرا بذلك

بل من الداخلني يف هذا الوعيد من هم كذلك ؛ أي كفار ، وهم اخلالدون فيها أمة الدعوة ، الذين بعث إليهم النيب صلى : اهلالكون ، ويدخلون حتت عموم لفظ األمة أي

ومنهم من ال خيرج من دائرة اإلسالم مبخالفته أو باحنرافه عن طريقة .. اهلل عليه وسلم .. الفرقة الناجية ، وهؤالء إن دخلوا النار فليسوا من اخلالدين فيها

ين ومن قال أن الثنت) : ولذلك قال شيخ اإلسالم ابن تيمية يف كتاب اإلميان وسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفر ينقل عن الملة ؛ فقد خالف الكتاب والسنة

، وإمجاع الصحابة رضوان اهلل عليهم أمجعني ، بل وإمجاع األئمة األربعة وغري األربعة ، فليس فيهم من كفر كل واحد من الثنتني والسبعني فرقة ، وإمنا يكفر بعضهم بعضا ،

(139/7جمموع الفتاوى ) ببعض املقاالت ( أهـ

(153) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

( أن 226/2وبني ص ) . وقد تكلم الشاطيب أيضا على هذا احلديث يف االعتصامهذه الفرق املذكورة يف احلديث ) حيتمل أن يكونوا خارجني عن امللة بسبب ما أحدثوا ،

فهم فارقوا أهل اإلسالم بإطالق ، وليس ذلك إال الكفر ( عن اإلسالم مجلة ، وإن كانوا قد خرجوا عن مجلة ) وحيتمل أن ال يكونوا خارجني -

(228/2ص ).. من شرائعه وأصوله () وحيتمل وجها ثالثا ، وهو أن ال يكونوا هم ممن فارق اإلسالم لكن مقالته كفر -

وتؤدي معىن الكفر الصريح ، ومنهم من مل يفارقه ، بل انسحب عليه حكم اإلسالم ، وإن نه مل يبلغ به مبلغ اخلروج إىل الكفر احملض والتبديل الصريح عظم مقاله وشنع مذهبه ، لك

( )228-229/2) . مث أورد كالما سننقله يف خطأ التكفري باملآل ، مفاده ) أن الكفر باملآل ليس بكفر

( .. يف احلال) وإذا تقرر نقل اخلالف فلنرجع إىل ما يقتضيه احلديث : (230/2إىل أن قال )

. هذه املقاالتالذي حنن بصدده من أما ما صح منه فال دليل على شيء ، ألنه ليس فيه إال تعديد الفرق خاصة ، وأما رواية من قال يف حديثه " كلها يف النار إال واحدة " فإمنا يقتضي إنفاذ الوعيد ظاهرا ،

الوعيد بالنار قدويبقى اخللود وعدمه مسكوتا عنه ، فال دليل فيه على شيء مما أردنا ، إذ يتعلق بعصاة المؤمنين كما يتعلق بالكفار على الجملة ، وإن تباينا في التخليد وعدمه

. ( أهـ .. مث ذكر تفصيال واحتماالت أخرى

فثبت أن داللة احلديث على كفر الفرق املخالفة للفرقة الناجية ليست قطعية ، بل ن ارتدوا على أدبارهم هي حمتملة ، وأن الراجح أن يف تلك الفرق من هم من اهللكى الذي

. ، وأن منهم من مل خترجه خمالفته من دائرة اإلسالمهذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن ) الفرقة الناجية ( أو )اجلماعة( ، ال حيل قصرها وبوتقتها يف جتمع أو عصابة أو حزب معني حمدد ، من عموم أهل السنة واجلماعة ،

وإن مل يتبع جتمعا بعينه أو يقلد أو يبايع أو يتابع بل كل من كان على أصوهلا ، فهو منهممهما كان عنده من املعاصي .. شخصا من األشخاص غري رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم

.. أو املخالفات غري املكفرة

(154) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) وهلذا وصف الفرقة الناجية بأهنا أهل : (3/ 215يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ) .. ور األكرب والسواد األعظم (السنة واجلماعة ، وهم اجلمه

فكثير من الناس يخبر عن هذه الفرق ) : (216/3ويقول يف املوضع نفسه )بحكم الظن والهوى ، فيجعل طائفته والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له هم أهل السنة

، فإن أهل احلق و السنة ال والجماعة ، ويجعل من خالفها أهل البدع ، وهذا ضاللوعهم إال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ، الذي ال ينطق عن اهلوى ، إن هو إال يكون متب

وحي يوحى ، فهو الذي جيب تصديقه يف كل ما أخرب ، وطاعته يف كل ما أمر ، وليست هذه املنزلة لغريه من األئمة بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويرتك إال رسول اهلل صلى

. اهلل عليه وسلمل شخصا من األشخاص غري رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ، من أحبه فمن جع

كما -ووافقه كان من أهل السنة واجلماعة ، ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة كان من أهل –يوجد ذلك يف الطوائف من اتباع أئمة يف الكالم يف الدين وغري ذلك

. البدع والضالل والتفرقالناس بأن تكون هي الفرقة الناجية ، أهل احلديث والسنة الذين وهبذا يتبني أن أحق

( .. ليس هلم متبوع يتعصبون له إال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم . مث شرع يف ذكر أهم أوصافهم

( فصاعدا يف بيان تفسري الفرقة 290وقد تكلم أيضا الشاطيب يف االعتصام ص )ديث اليت حتث على لزوم اجلماعة ، وبني اختالف الناجية ومعىن اجلماعة ، وأورد األحا

: الناس يف معناها على مخسة أقوال . أهنا السواد األعظم من أهل اإلسالم ،ومن خالفهم مات ميتة جاهلية: أحدها -أهنا مجاعة أئمة العلماء واجملتهدين فمن خرج مما عليه علماء األمة مات : والثاين -

والذي قبله إىل ما يذكره العلماء يف شأن اإلمجاع ، وسيأيت وكأنه يشري هبذا -ميتة جاهلية . -الكالم عليه

. أهنم الصحابة على اخلصوص فهم الذين ال جيتمعون على ضاللة: والثالث - ) فعلى هذا القول فلفظ اجلماعة مطابق للرواية األخرى : (294وقال ص ) . أصحايب " ( أهـيف قوله عليه الصالة والسالم " ما أنا عليه و

(155) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

أهنم مجاعة آهل اإلسالم ، وقد بني أن األظهر يف هذا القول رجوعه إىل : والرابع - . القول األول

ما اختاره الطربي من أن اجلماعة ، مجاعة املسلمني إذا اجتمعوا على : اخلامس -ن ( أمري ، و استدل حبديث ) من جاء إىل أميت ليفرق مجاعتهم فاضربوا عنقه كائنا من كا

( ) أن اجلماعة راجعة إىل االجتماع إىل اإلمام 296وحاصل هذا القول كما قال ص )املوافق للكتاب والسنة وذلك ظاهر يف أن االجتماع على غري سنة خارج عن معىن اجلماعة

املذكورة يف األحاديث املذكورة ، كاخلوارج ومن جرى جمراهم (أهل السنة واالتباع ، وأهنم املرادون ) فهذه مخسة أقوال دائرة على اعتبار: قال

. (296/2( أهـ ).. باألحاديث فلنأخذ ذلك أصالوعلى هذا فال يصح حتجري أهل السنة واجلماعة الذين هم الفرقة الناجية وحصرها

.. وختصيصها يف مجاعة أو عصابة من بينها ، يواىل ويعادى فيها ، من دون سائر املسلمني .. اء طريقة أهل البدعفإن هذه كما ذكر العلم

( أن كل فرقة من فرق الضاللة تنازع 283/2فقد ذكر الشاطيب يف االعتصام ص ) . غريها يف فرقة النجاة

.. فصاحب نفي الصفات يدعي أنه املوحد - .. واملعتزلة مسوا أنفسهم أهل العدل والتوحيد - (4).. واملشبه يدعي أنه املثبت لذات اهلل وصفاته -" ال تزال طائفة من أميت : ) واخلوارج حتتج بقوله عليه السالم: (284/2قال ) -

. ظاهرين على احلق حىت يأيت أمر اهلل "

تشبيه اهلل تعاىل بأحد من خلقه من الباطل الذي يربأ منه أهل السنة ؛ لكن جيدر التنبيه إىل أن من (4)

خصومهم من ينعتهم باملشبهة إلثباهتم الصفات اليت أثبتها اهلل تبارك وتعاىل لنفسه ، مع أن قاعدة أهل رد ، بل اإلثبات والنفي ؛ الذي هو التنزيه عن الشبيه واملثيل ، كما يف السنة يف ذلك ليست اإلثبات اجمل

((. ليس كمثله شيء وهو السميع البصيرقوله تبارك وتعاىل ))

(156) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

" من قال ال إله إال اهلل خملصا من قلبه فهو يف اجلنة وإن : واملرجئي حيتج بقوله - .. زىن وإن سرق " ( مث ذكر القدري واملفوض والرافضة وغريهم

) وذلك أن كل داخل حتت ترمجة " اإلسالم " من سين أو مبتدع : (283/2وقال )مدع أنه هو الذي نال رتبة النجاة ودخل يف غمار تلك الفرقة ، إذ ال يدعي خالف ذلك

. إال من خلع ربقة اإلسالم ، واحناز إىل فرقة الكفر (أهـكنا ننتسب أن احلق الذي نعتقده وندين اهلل تعاىل به ؛ أننا وإن وخالصة ما تقدم

إىل الفرقة الناجية ) أهل السنة واجلماعة ( ونسعى دوما كي نكون من أصحاب الطائفة القائمة بدين اهلل الظاهرة على أمره ، والذين هم من خواص أهل السنة واجلماعة وأهل

.. نسأل اهلل تبارك وتعاىل أن يثبتنا على طريقتهم وخيتم لنا بذلك –الفرقة الناجية أن حنصر الفرقة الناجية يف مجاعة أو فئة -وال لغرينا -ال جنيز ألنفسنا إال أننا

وال أن خنصص الطائفة املنصورة جبماعات معينة أو .. معينة حمددة من بني عموم املسلمني .. جتمع حمدد دون غريهم من أنصار الدين

هم من كال ومعاذ اهلل من أن ندعي ذلك ، فقد علمت أن هذه طريقة اخلوارج وحنو .. أهل الزيغ الذين نربأ إىل اهلل تعاىل من طرائقهم

: وإمنا الذي نعتقدهأن كل مسلم حقق التوحيد واجتنب الشرك والتنديد ، ومل يقارف شيئا من نواقض

.. اإلسالم وقواطعه ، فإنه من أهل هذه الفرقة الناجية .. اإلميان وواجباتهومصريه برمحة اهلل إىل النجاة الكاملة إن كان ممن جاء بأصل

أو يكون مآله إىل النجاة ، ولو بعد حني إن جاء بأصل اإلميان ، وأخل ببعض . واجبات اإلميان فكان من الظاملي أنفسهم

ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم قال تبارك وتعاىل )) و الفضل الكبير * جنات لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن اهلل ذلك ه

. اآليات ((.. عدن يدخلونهاوأن أصحاب الطائفة املنصورة القائمة بأمر اهلل ، وهم من خواص هذه الفرقة الناجية ، كما سيأيت بيانه يف خامتة هذا الكتاب ؛ فكل من قام بأمر هذا الدين ونصره وأظهره فهو

. .من أهل هذه الطائفة أينما كان وإىل قيام الساعة

(157) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وأن يثبتنا على ذلك إىل يوم أن .. نسأل اهلل تعاىل أن جيعلنا من أجنادها وعساكرها . نلقاه ، هو موالنا نعم املوىل ونعم النصري

(158) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((7 )) التكفير بالنصوص محتملة الداللة

ال القطعية في التكفير عية حمتملة ومن األخطاء الشائعة يف التكفري أيضا التكفري بالنصوص أو األدلة الشر

.. الداللة غري القطعية يف التكفريفاحلق أنه ال جيوز التكفري إال بالنصوص الصحيحة الصرحية القطعية الداللة على

. الكفرفال تصلح لذلك ، ألن ما ثبت من اإلسالم والعصمة : أما النصوص احملتملة الداللة

إليه االحتمال بطل به والدليل إذا تطرق .. بنص قطعي ال يصح أن ينقض بنص حمتمل . االستدالل

ويتم تعيني املراد من النص حمتمل الداللة ال باهلوى اجملرد أو بالتشهي واالستحسان أو االستصالح ؛ بل إما بقرائن من النص نفسه ، أو من غريه من النصوص

عدل وبدون ذلك تزل قدم الفهم ، وخيتلط اجلهل بالعلم ، ويلتبس ال.. األخرى املبينةبالظلم كما قد جرى للخوارج وغريهم من الفرق الضالة ، بتناوهلم النصوص احملتملة

.. املتشاهبة دون مبينتها وإمنا فعلوا ذلك ألن النص القاطع يقطع باطلهم ،أما النص احملتمل وحده مبعزلطريقة عن مبيناته فمتشابه يأولونه بأهوائهم وحيملونه بتلبيساهتم على باطلهم ، وهذه

هو الذي أنزل إليك الكتاب )) : أهل الزيغ اليت حذر اهلل تبارك تعاىل منها يف كتابه فقالمنه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ

. (( فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويلهأن يف القرآن الكرمي آيات حمكمات هن ) خيرب تعاىل: قال ابن كثري رمحه اهلل تعاىل

أم الكتاب ، أي بينات واضحات الداللة ، ال التباس فيها على أحد ، ومنه آيات أخر فيها اشتباه يف الداللة على كثري من الناس أو بعضهم ، فمن رد ما اشتبه إىل الواضح منه ،

وهلذا قال تبارك . وحكم حمكمه على متشاهبه عنده ، فقد اهتدى ، ومن عكس انعكس

(159) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وأخر متشابهات(( أي أصله الذي يرجع إليه عند االشتباه )) هن أم الكتاب)) : وتعاىل(( أي حتتمل داللتها موافقة احملكم ، وقد حتتمل شيئا آخر من حيث اللفط والرتكيب ال

بهم )) فأما الذين في قلو ) وهلذا قال اهلل تبارك وتعاىل : إىل قوله.. (.. من حيث املرادزيغ (( أي ضالل وخروج عن الحق إلى الباطل )) فيتبعون ما تشابه منه (( أي أنهم يأخذون بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها الحتمال لفظه لما يصرفونه ، فأما المحكم فال نصيب لهم فيه ، ألنه دافع لهم

وتعالى )) ابتغاء الفتنة (( أي اإلضالل ألتباعهم وحجة عليه ، ولهذا قال اهلل تبارك . ( أهـ إيهاما لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم ال لهم

مث ذكر حديث عائشة رضي اهلل عنها عند البخاري ، أن رسول اهلل صلى اهلل عليه ه فأولئك الذين مسى ) فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه من: وسلم تال هذه اآليات مث قال

. اهلل فاحذروهم ( ، ومن أمثلة حمتمل الداللة فيما حنن فيه ، ورود لفظ " الكفر " بصيغة النكرة

صار وحده متشاهبا قد يؤدي إىل الفتنة .. فإنه إن مل يؤخذ مع مبيناته ويرد إىل احملكم .. والزيغ

عضكم رقاب ) ال ترجعوا بعدي كفارا يضرب ب: خذ على سبيل املثال حديث . بعض ( رواه البخاري ومسلم

.. فسمى صلى اهلل عليه وسلم تقاتل املسلمني كفرا ، تنفريا عنه وختويفا وحتذيرا منهومن محله على الكفر األكرب أداه ذلك إىل تكفري طائفة عظيمة من الصحابة

بني املسلمني ال وقد دلت النصوص املبينة األخرى أن التقاتل.. واملسلمني اقتتلوا فيما بينهم . خيرج من امللة

يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى )) : كما يف قوله تعاىل -الحر بالحر والعبد بالعبد واألنثى باألنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف

(( وأداء إليه بإحسانأهل اإلميان من كان فيهم من ) فابتدأ اهلل عز وجل خبطاب: قال ابن حزم رمحه اهلل

)) : قاتل أو مقتول ، ونص تعاىل على أن القاتل عمدا وويل املقتول أخوان ، وقد قال تعاىل ( 3/235(( فصح أن القاتل عمدا مؤمن بنص القرآن ( أهـ الفصل ) إنما المؤمنون أخوة

(160) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

: قوله تعاىل(( إىل .. وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا)) : وكما يف قوله تعاىل - . ((.. إنما المؤمنين أخوة فأصلحوا بين أخويكم))

فسماهم سبحانه مؤمنني مع االقتتال ، فهذا كله يبني ويدل على أن الكفر الوارد يف هذا احلديث كفر ال يزول معه اإلميان الشرعي الذي هو اإلسالم ؛ فيكون بذلك كفرا

. أصغرفرا حتذيرا وتنفريا منه ، فإن ذنبا مساه الشارع أي أنه ذنب غري مكفر مساه الشارع ك

بذلك ليس كغريه ، فيكون بذلك كبرية من كبائر الذنوب ، أو إن شئت فقل ؛ كفرا دون . كفر ، أو كفرا مقيدا مفسرا بكفر نعمة األخوة ، ال كفرا مطلقا

االسم ) فرق بني معىن: يقول شيخ اإلسالم رمحه اهلل يف )اقتضاء الصراط املستقيم( املطلق إذا قيل " كافر " أو " مؤمن" وبني املعىن املطلق لالسم يف مجيع موارده ، كما يف

) يضرب بعضكم : ) ال ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ( ، فقوله: قولهرقاب بعض ( تفسري الكفار يف هذا املوضع ، وهؤالء يسمون كفارا تسمية مقيدة ، وال

. املطلق إذا قيل " كافر " و"مؤمن " يدخلون يف االسم(( مسي املين ماء تسمية مقيدة ، ومل يدخل من ماء دافق)) : وكما أن قوله تعاىل

. (83-82(( ( أهـ ص ) فلم تجدوا ماءا فتيمموا)) : يف االسم املطلق ، حيث قال ومثاله أيضا ما رواه البخاري يف كتاب اإلميان من صحيحه باب ) كفران العشري

) أريت النار فإذا أكثر : وكفر دون كفر ( عن ابن عباس أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال) يكفرن العشري ، ويكفرن اإلحسان : أيكفرن باهلل ؟ قال: أهلها النساء ؛ يكفرن ( قيل

… ) ورواه أيضا يف كتابه احليض ) باب ترك احلائض الصوم( عن أيب سعيد أن النيب صلى

يا معشر النساء : لم خرج يف أضحى أو يف فطر ، فمر على النساء ، فقالاهلل عليه وس) تكثرن اللعن : ومب يا رسول اهلل ؟ قال: تصدقن ، فأين أريتكن أكثر أهل النار ( فقلن

. (.. وتكفرن العشريبفضل زوجها .. ففيه وصف رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عدم اعرتاف املرأة

بالكفر ، فمن أخذ هذا وحده دون مبينه ضل وزل إن محله على وعدم شكرها إلحسانه الكفر األكرب ، أما إذا نظر يف القرائن املبينة وفسره مبوجبها ، علم أن املراد به الكفر

. األصغر غري الناقل عن امللة

(161) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فأحذ القرائن عدوله صلى اهلل عليه وسلم عن الكفر األكرب ملا سألوه ) أيكفرن - ( .. ) يكفرن العشري: قولهباهلل ؟( بوالقرينة األخرى يف رواية أيب سعيد ؛ أنه أمرهن بالصدقة لتكفري ذلك الكفران ، -

والصدقة إمنا تكفر املعاصي والذنوب غري املكفرة ، وال تكفر الشرك األكرب والكفر الناقل .. عن امللة

اضي أو املضارع )فقد * وهكذا أمثال ذلك مما يرد يف السنة كثريا بلفظه الفعل امل كفر ( ) يكفر( ، أو الكفر بصيغة النكرة مفردا أو مجعا ) كافر( ) كفار(

. فكله من النصوص احملتملة اليت ال جيوز املبادرة والقطع بالتكفري هبا وحدهاأما لفظ الكفر بصيغة االسم املعرف حنو ، الكفر ، الكافر ، والكفار ، والكافرون

. لبا يراد به الكفر األكربوالكوافر ( ؛ فغا( عند حديث مسلم ) اثنتان يف .. يقول شيخ اإلسالم يف )اقتضاء الصراط املستقيم

: الطعن يف النسب والنياحة على امليت (: الناس مها هبم كفر) فقوله " مها هبم" أي هاتان اخلصلتان مها كفر قائم بالناس ، فنفس اخلصلتني كفر

. مال الكفار ، ومها قائمتان بالناس، حيث كانتا من أعلكن ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر ، يصري به كافرا الكفر املطلق ، حىت تقوم به حقيقة الكفر ، كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب اإلميان يصري

. مؤمنا ، حىت يقوم به أصل اإلميان) ليس بني : ه صلى اهلل عليه وسلموفرق بني الكفر املعرف بالالم ، كما يف قول

. العبد وبني الكفر أو الشرك إال ترك الصالة ( ، وبني " كفر " منكر يف اإلثبات ( أهـ . (82ص)

وقد ذكر أهل العلم يف األصول يف ألفاظ الكفر وخصوصا املعرفة منها قاعدة ، كرب ، وجعلوا ذلك مفادها محل لفظ " الكفر " يف ألفاظ الشارع على حقيقته، أي األ

. أصال ، حىت يصرفه عن ذلك صارف إىل الكفر األصغر) ولفظ الظلم : قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرمحن بن حسن آل شيخ

والشرك ، وحنو ذلك من األلفاظ الواردة يف الكتاب والسنة ، قد يراد مسماها .. والفسوق، واألول هو األصل عند األصوليني ، املطلق وحقيقتها املطلقة ، وقد يراد مطلق احلقيقة

(162) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

والثاين ال حيمل الكالم عليه إال بقرينة لفظية أو معنوية ، وإمنا يعرف ذلك بالبيان النبوي (( أهـ وما أرسلنا من رسول إال بلسان قومه ليبين لهم)) : وتفسري السنة ، قال تعاىل

. (22-21)الرسائل املفيدة ( ص) يصدقه فهم الصحابة عند مساعهم وصف رسول اهلل صلى ويدل على هذا التأصيل و

) يكفرن ( ، حيث بادروا بسؤاهلم ) أيكفرن باهلل : اهلل عليه وسلم للنساء يف احلديث بقوله ( ؟

لكن ملا كان اللفظ .. فدل ذلك على أن هذا هو األصل يف الكفر عندهم .. ك اللفظ إىل من عنده بيانهحمتمال مل يقطعوا بذلك ، بل سألوا وراجعوا يف فهم ذل

. وهكذا الشأن يف سائر األلفاظ احملتملة* ويف احلديث فائدة أخرى ميكن اعتبارها مثاال آخر للدالالت احملتملة ، وهي قوله

يف حديث أيب سعيد ) أريتكن أكثر أهل النار ( فهذا أيضا ، أعين جمرد الوعيد على ذنب على الكفر املخرج من امللة ، لثبوت األدلة على أن من معني بدخول النار ، ال يدل وحده

عصاة املؤمنني من يدخل النار مث خيرج منها ويكون مصريه مصري املوحدين ، إما بعد أن يعذب بقدر ذنوبه ، أو بشفاعة شفيع مطاع قد ارتضاه اهلل فيه ، أو بفضل اهلل تبارك

ا يف األحاديث اليت أخرب النيب صلى اهلل كم .. وتعاىل ورمحته من غري شفاعة أحد من اخللق) اذهبوا فمن وجدمت يف قلبه مثقال دينار من إميان : عليه وسلم فيها أن اهلل تعاىل يقول

فأخرجوه( ( إىل .. اذهبوا فمن وجدمت يف قلبه مثقال ذرة من إميان فأخرجوه: وفيه ) فيقول

بقيت شفاعيت ؛ فيقبض قبضة : اجلبار) فيشفع النبيون واملالئكة واملؤمنون ، فيقول : قولهمن النار فيخرج أقواما قد امتحشوا فيلقون يف هنر بأفواه اجلنة يقال له ماء احلياة فينبتون يف

. ( من صحيح البخاري7439( احلديث ).. حافتيه كما تنبت احلبة يف محيل السيلكان على ثـقل ): ومن جنس ذلك ما رواه البخاري عن عبد اهلل بن عمرو قال -

رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات ، فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه ) هو يف النار ( فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها ( : وسلم

: ومنه ما رواه البخاري أيضا عن أيب هريرة ، قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم -فسه خينقها يف النار ، والذي يطعن نفسه يطعن نفسه يف النار ، والذي ) الذي خينق ن

يقتحم يقتحم يف النار (

(163) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) والنيب صلى اهلل عليه وسلم أمر بالصالة على الغال ، وعلى : قال شيخ اإلسالمجمموع الفتاوى ) . قاتل نفسه ، ولو كانوا كفارا ومنافقني ، مل جتز الصالة عليهم ( أهـ

10/358-359 ) قال رسول اهلل : ومن ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي اهلل عنها قالت -

. (األول حىت يؤخرهم اهلل يف النار ال يزال قوم يتأخرون عن الصف: صلى اهلل عليه وسلم .. وأمثال ذلك كثري

* ومثله الوعيد بلفظ )فليتبوأ مقعده من النار ( .. باستقراء أدلة الشرع حمتمل الداللة* وحىت وعيد ) خالدين فيها ( فإنه أما اقرتانه بلفظ ) التأبيد ( فقد ) قيل أنه مل جييء إال مع الكفر ( نص عليه

. ( ومل جيزم به ، بل قال يف املوضعني ؛ )وقد قيل(7/42،51شيخ اإلسالم يف الفتاوى ) يم أو وكذلك صيغة ) ال ينظر اهلل إليهم( و ) ال يكلمهم ( و ) هلم عذاب أل

بدليل أن ذلك قد ورد يف .. عظيم ( فكل ذلك حمتمل ال يدل داللة قطعية على الكفر .. ذنوب هي دون الشرك قطعا ، ودلت أدلة الشرع على أهنا غري مكفرة

) وأما العذاب العظيم فقد جاء وعيدا : 52قال شيخ اإلسالم يف الصارم ص . (( (أهـ ق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيملوال كتاب من اهلل سب)) : للمؤمنني يف قوله

) مل جيئ : خبالف )العذاب املهني( فإنه كما قال شيخ اإلسالم يف املوضع نفسهوأعتدنا .. ))إعداد العذاب املهني يف القرآن إال يف حق الكفار ، كما يف قوله تعاىل

ذاب مهين)) فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين ع: (( وقوله للكافرين عذابا مهينا(( )) ومن يهن اهلل فما له من مكرم: ) وقد قال سبحانه: 53( إىل قوله ص .. ((

وذلك ألن اإلهانة إذالل وحتقري وخزي ، وذلك قدر زائد على أمل العذاب ، فقد يعذب ومن يعص اهلل )) : ولذلك رجح رمحه اهلل تعاىل أن قوله تعاىل. الرجل الكرمي وال يهان ( أهـ

(( أهنا ) فيمن جحد عد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهينورسوله ويت ( 52ص ). الفرائض واستخف هبا ( أهـ

فعدم التنبه ملثل هذا وعدم رده إىل مبيناته هو وأمثاله من نصوص الوعيد ، يوقع )) : وقد رأيت ذلك يف أناس أخذوا مطلق قوله تبارك وتعاىل.. يف الغلو والتخبط يف التكفري

. (( ومن يعص اهلل ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا

(164) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

)) إن اهلل ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون : ومل يقيدوه مببينه من قوله تعاىل(( ؛ فأطلقوا التكفري يف عموم املعاصي والذنوب ، ومل مييزوا بني ما كان ذلك لمن يشاء

املعاصي غري املكفرة ، وهذا أحد مسالك اخلوارج من الشرك األكرب ، وما كان دونه من .. قدميا

ومن الصيغ حمتملة الداللة أيضا الوعيد على بعض األعمال بورود لعن أصحاهبا( 1/316على لسان النيب صلى اهلل عليه وسلم ، فمن ذلك ما رواه اإلمام أمحد )

عن اخلمر وعاصرها ( أن النيب صلى اهلل عليه وسلم ) ل3674( وأبو داود )2/97) ومعتصرها وشارهبا وساقيها وحاملها واحملمولة إليه وبائعها ومبتاعها ، وآكل مثنها (

. اإلبعاد عن الرمحة والطرد عنها: واللعنصار متشاهبا من .. فإن أخذ هذا الوعيد وحده وأطلق دون فهمه على ضوء مبيناته

. جنس ما يتبعه أهل الزيغصوص املبينة األخرى ، وجدنا أن حد شارب اخلمر يف الشريعة لكن بالرجوع إىل الن

اجللد وليس القتل كما هو شأن املرتد ، فدل هذا على أنه ليس بكافر وأن اللعنة وحدها إن .. وردت بصيغة الدعاء املطلق ال تكفي للداللة على الكفر

ن لعن ويدل على ذلك أيضا ما رواه البخاري يف كتاب احلدود ) باب ما يكره مشارب اخلمر ، وأنه ليس خبارج من امللة ( عن عمر بن اخلطاب ، أن رجال كان على عهد النيب صلى اهلل عليه وسلم كان امسه عبد اهلل وكان يلقب محارا وكان يضحك الرسول صلى اهلل عليه وسلم ، وكان النيب صلى اهلل عليه وسلم قد جلده يف الشراب ، فأيت به يوما فأمر

اللهم العنه ، ما اكثر ما يؤتى به ! فقال النيب صلى اهلل : ، فقال رجل من القوم به فجلد ال تلعنوه ، فواهلل ما علمت إنه حيب اهلل ورسوله ( : عليه وسلم

أيت النيب صلى اهلل عليه وسلم بسكران ، : وذكر فيه أيضا حديث أيب هريرة قالبنعله ومنا من يضربه بثوبه ، فلما فأمر بضربه ، فمنا من يضربه بيده ومنا من يضربه

) ال تكونوا : ما له أخزاه اهلل ، فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم: انصرف قال رجل .. عون الشيطان على أخيكم (

فقوله صلى اهلل عليه وسلم ) ال تكونوا عون الشيطان على أخيكم ( قرينة واضحة ألن شربه مل خيرجه .. ب اخلمر ال يعين كفرهعلى أن لعن النيب صلى اهلل عليه وسلم لشار

.. من دائرة األخوة اإلميانية

(165) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وقوله يف احلديث األول ) ال تلعنوه ( دليل على أن لعن املطلق ال يلزم منه لعن .. املعني

) فنهى عن لعنه مع إصراره على الشرب لكونه حيب : قال شيخ اإلسالم ابن تيمية) : ( وذكر احلديث مث قال.. عليه وسلم لعن يف اخلمر عشرةاهلل ورسوله ، مع أنه صلى اهلل

وكذلك ) . ولكن لعن املطلق ال يستلزم لعن املعني الذي قام به ما مينع حلوق اللعنة لهالتكفري املطلق ( و ) الوعيد املطلق ( وهلذا كان الوعيد املطلق يف الكتاب والسنة مشروطا

ق التائب من الذنب باتفاق املسلمني ، وال يلحق من بثبوت شروط وانتفاء موانع ، فال يلحاخل ( جمموع الفتاوى . .. له حسنات متحوا سيئاته ، وال يلحق املشفوع له ، واملغفور له ،

(10/191 ) واخلالصة بأن اللعنة إذا وردت بصيغة الدعاء من النيب صلى اهلل عليه وسلم فإهنا ال

ن ذلك قوله صلى اهلل عليه وسلم ) لعن اهلل وم.. تفيد الداللة وحدها على التكفري( و) .. ( و ) لعن اهلل آكل الربا وموكله.. ( و) لعن اهلل من غري منار األرض.. السارق

.. لعن اهلل الواصلة واملستوصلة والوامشة واملستومشة ( وحنوهال فإن هذا .. خبالف ما إذا كانت الصيغة خرب عن لعنة اهلل له يف الدنيا واآلخرة

كما ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية يف الصارم يف كالمه على قوله تبارك .. يكون إال كافراإن الذين يؤذون اهلل ورسوله لعنهم اهلل في الدنيا واآلخرة وأعد لهم عذابا وتعاىل ))

. 43-41(( ص مهينا ومن الصيغ حمتملة الداللة أيضا صيغة نفي اإلميان .. ) ال يزين الزاين حني يزين وهو مؤمن ، وال : وسلم حنو قوله صلى اهلل عليه -

احلديث( .. يشرب اخلمر حني يشرب وهو مؤمن ، وال يسرق حني يسرق وهو مؤمن . أخرجه البخاري ومسلم عن أيب هريرة

) أخيكم (: فقد تقدم وصف النيب صلى اهلل عليه وسلم لشارب اخلمر بقولهى أناس يف عهد النيب صلى اهلل عليه ) وقد ثبت الزنا و السرقة وشرب اخلمر عل

وسلم ، ومل حيكم فيهم حكم من كفر ، وال قطع املواالة بينهم وبني املسلمني ، بل جلد ال تكونوا أعوان الشيطان على : هذا ، وقطع هذا ، وهو يف ذلك يستغفر هلم ويقول

. (7/409( جمموع الفتاوى )ط دار ابن حزم ( ).. أخيكم يؤمن أحدكم حىت حيب ألخيه ما حيب لنفسه ( متفق عليه ) ال: وحنو حديث -

(166) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

رواه …( ) ال تدخلوا اجلنة حىت تؤمنوا ، وال تؤمنوا حىت حتابوا : وحديث - . مسلم

( 4/165) ليس مبؤمن من ال يأمن جاره غوائله ( أخرجه احلاكم ): وحديث - . عن أنس مرفوعا

ه بوائقه ( رواه البخاري الذي ال يأمن جار . .. ) واهلل ال يؤمن: ومثله حديث - . ومسلم

) ال يؤمن أحدكم حىت أكون أحب إليه من والده وولده والناس : وحديث - . أمجعني ( رواه البخاري

وحنوها من األحاديث ، فهذه الصيغة حمتملة الداللة ، وال جيوز القطع بأن النفي هنا فقد رأيت من ..نفي ألصل اإلميان ، ومن مث تكفري كل من دخل حتت هذا الوعيد

املتهورين واملتحمسني من يكفر كثريا من أهل املعاصي مستدال بأمثال هذه األحاديث وما .. ورد فيها من وعيد

فسمعت من يطلق الكفر على من تكاسل عن صالة اجلماعة أو شغله شاغل دنيوي عنها ؛ حبجة أنه قدم ذلك األمر وفضله على حب اهلل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم

.. ، ومن مث فليس مبؤمن .. ومثل ذلك قالوه فيمن قصر يف اجلهاد ونصرة الدين خوفا على نفسه وولده

) هو مل حيب ألخيه ما حيب : قالوا.. وكذلك من مل يؤثر أخاه يف بعض األمور .. وما هكذا تورد اإلبل.. لنفسه ( فهو ليس مبؤمن كما جاء يف احلديث ؛ أي كافر

.. هذه الصيغة وأمثاهلا حمتملة ال تكفي وحدها للقطع بالتكفري فقد عرفت أنوأن النيب صلى اهلل عليه وسلم قد عامل من ارتكب من الذنوب واملعاصي مما هو

فال بد من .. أشد من هذا ؛ معاملة املسلمني ومل يكفرهم أو يقيم عليهم حكم املرتدينوقاعدة أهل السنة –ألخرى فهم أمثال هذه النصوص على ضوء النصوص املبينة ا

إن اهلل ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن )) : واجلماعة يف هذا ؛ قوله تعاىل . (( يشاء

ويف املقابل ال يصح أن يقال أن النفي الوارد يف هذه األحاديث هو نفي كامل .. كما قد قرأته يف بعض الكتابات.. اإلميان ، أي مبعىن اإلميان املستحب

(167) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

. (1)إال أن يراد نفي الكمال الواجب الذي يذم تاركه ويتعرض للعقوبة إذ أن االنتقاص من اإلميان املستحب ال يستلزم الذم ، وصيغة نفي اإلميان من صيغ الوعيد ، والوعيد كما قال شيخ اإلسالم يف كتاب اإلميان ال يرد إال يف حق من ترك واجبا

.. ميان الواجب، إما من أصل اإلميان أو من اإلفتكون أمثال هذه الصيغ إذن حمتملة مرتددة إما إىل نفي أصل اإلميان الذي بنفيه

يكون صاحبه كافرا ، أو نفي اإلميان الواجب ، أي كمال اإلميان الواجب ، فيكون ويتم حتديد أي الداللتني ، هي مراد الشرع برد هذه النصوص .. صاحبة فاسقا ال كافرا

. ىل النصوص احملكمة املبينة هلااحملتملة إ ) ومن جنس ذلك أيضا صيغة ) ليس منا ) ليس منا من مل يرحم صغرينا ويوقر كبرينا ( أخرجه البخاري : كما يف حديث -

. (358يف األدب املفرد ) . وحديث ) من غشنا فليس منا ،ومن محل علينا السالح فليس منا ( رواه مسلم -تركه فليس منا ( رواه مسلم من حديث عقبة بن وحديث ) من تعلم الرمي مث -

عامر مرفوعا ، ويبني أنه ال يراد بذلك الكفر املخرج من امللة ؛ الرواية األخرى للحديث . نفسه بصيغة ) فقد عصى (

وحنو ذلك من األحاديث فإهنا من الصيغ احملتملة اليت ال جيوز القطع بالتكفري هبا، من الوعيد الدال على نقص يف اإلميان املفروض أو وإن كانت كما نص شيخ اإلسالم

) فحيث نفى اهلل اإلميان عن شخص ، فال يكون إال لنقص ما جيب : الواجب حيث قالعليه من اإلميان ، ويكون من املعرضني للوعيد ، ليس من املستحقني للوعد املطلق ،

نا ( كله من هذا الباب وكذلك قوله ) من غشنا فليس منا ومن محل علينا السالح فليس م، ال يقوله إال ملن ترك ما أوجب اهلل عليه ، أو فعل ما حرم اهلل ورسوله ، فيكون قد ترك من اإلميان املفروض عليه ما ينفي عنه االسم ألجله ، فال يكون من املؤمنني املستحقني

( 31-7/30للوعد ، الساملني من الوعيد ( أهـ الفتاوى )خلوض يف تأويل نصوص الوعيد هذه خمافة من هتوين شأن ولذلك كره السلف ا -

كما –الذنوب املتوعد عليها فيها وجتريء الرعاع عليها ؛ وإمنا اضطروا إىل اخلوض يف ذلك

( ط. دار ابن حزم. 7/14انظر الفتاوى ) (1)

(168) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

لبيان املذهب احلق ودفع شبهات الغالة ، وإال فاألصل إذا أمن ذلك أن يبقى –فعلنا هنا ولذا نقل النووي يف شرح مسلم .. أدعى للزجرالوعيد على ظاهره ، كما أطلقه الشارع فإنه

ليس : عن سفيان بن عيينة أنه كان يكره قول من يفسر قوله يف احلديث ) ليس منا ( بـ) بئس هذا القول ( ؛ يعين بل ميسك عن تأويله ، ليكون أوقع يف : على هدينا ، ويقول

. ( 2/92( كتاب اإلميان ) . النفوس وأبلغ يف الزجر غ حمتملة الداللة أيضا ، وعيد ) حرم اهلل عليه اجلنة ( أو ) ال يدخل ومن الصي

. اجلنة ( أو ) ال جيد ريح اجلنة () ال يدخل اجلنة قاطع رحم ( رواه البخاري : حنو قوله صلى اهلل عليه وسلم -

. ومسلم) ال يدخل اجلنة ، من ال يأمن جاره بوائقه ( : ومنه قوله صلى اهلل عليه وسلم -

. مسلم رواهويبينه ما رواه أبو داود عن أيب هريرة يف قصة الرجل الذي جاء إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم يشكو جاره ، فأمره صلى اهلل عليه وسلم بالصرب ، ومل يكفر جاره ، مث أمره بأن يطرح متاعه يف الطريق ، ففعل فلما سأله الناس وأخربهم بأذى جاره له جعلوا يلعنونه ،

. فيه أنه عامله معاملة املرتد وليس) ويف معىن " ال يدخل اجلنة : ولذلك قال النووي يف شرح مسلم ) كتاب اإلميان (

أنه حممول على من يستحل اإليذاء مع : " جوابان جيريان يف كل ما أشبه هذا ، أحدمهاوقت دخول معناه جزاؤه أن ال يدخلها: علمه بتحرميه فهذا كافر ال يدخلها أصال ، والثاين

وإمنا . مث قد جيازى وقد يعفى عنه فيدخلها أوال. الفائزين ، إذا فتحت أبوهبا هلم بل يتأخرتأولنا هذين التأويلني ، ألنا قدمنا أن مذهب أهل احلق أن من مات على التوحيد مصرا

شاء عاقبه على الكبائر هو إىل اهلل تبارك وتعاىل ، إن شاء عفا عنه فأدخله اجلنة أوال ، وإن ( 16-2/15مث أدخله اجلنة ، واهلل تعاىل اعلم ( أهـ )

( أورد 7/413ولشيخ اإلسالم جواب حول سؤال يف هذا الباب يف الفتاوى ) -فيه قول العلماء ) أن املنفي هو الدخول املطلق الذي ال يكون معه عذاب ، ال الدخول

. (7/414) املقيد الذي حيصل ملن دخل النار مث دخل اجلنة ( أهـ ) ومن ذلك أيضا صيغة ) اجلاهلية ( أو) دعوى اجلاهلية ( أو ) امليتة اجلاهلية

. وقد تقدمت

(169) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ومن الصيغ احملتملة الداللة أيضا لفظة ) أنا برئ ممن فعل كذا وكذا ( أو )فقد . برئت منه الذمة (

رباين يف ) برئت الذمة ممن قام مع املشركني يف بالدهم ( أخرجه الط: حنو حديث - . الكبري

) من بات فوق بيت ليست له إجار فوقع فمات ، فربئت منه الذمة : وحديث - . (5/79، ومن ركب البحر عند ارجتاجه فمات فقد برئت منه الذمة ( أخرجه أمحد )

فقد جاء ذلك مفسرا يف أحاديث أخرى دلت أن الرباءة هنا ال تعين الكفر واخلروج سقوط الدية أو العقل ، يف حال قتل املسلمني لألول مع .. منها من امللة ، وإمنا املراد

. املشركني ، ويف حال سقوط اآلخر عن اجلدار وموته أو غرقه) : ففي بيان األول ، روى أبو داود والرتمذي وابن ماجة عن جرير بن عبد اهلل -

د فأسرع أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بعث سرية إىل خثعم فاعتصم ناس بالسجو أنا : فيهم القتل ، فبلغ ذلك النيب صلى اهلل عليه وسلم ، فأمر هلم بنصف العقل ، وقال

. برئ من كل مسلم يقيم بني أظهر املشركني . ال ترتاءى نارامها (: قالوا يا رسول اهلل ومل ؟ قال

ويف بيان الثاين روى الطرباين عن عبد اهلل بن جعفر أن النيب صلى اهلل عليه -) من رمانا بالليل فليس منا ، ومن رقد على سطح ال جدار له فمات فدمه : لم قالوس

. هدر (أن عدم التمييز والتمحيص يف مثل هذه الصيغ احملتملة ، ومحلها .. والخالصة*

على الكفر األكرب املخرج من امللة ، وعدم ردها إىل مبيناهتا ، عقبة كؤود ال يقتحمها إال نه ، وهو عني مزلة اخلوارج الذين محلوا مجيع صيغ الوعيد على الكفر األكرب من ال يبايل بدي

؛ مع أن كثريا منها غري صريح على إرادة الكفر األكرب ، وله من القرائن واملبينات ما يصرفه عنه ؛ فكفروا اخللق واستحلوا الدماء وأخرجوا من دائرة اإلسالم مبا هو ليس من الكفر

.. بذلك عن مذهب أهل السنة واجلماعةاألكرب ، فخرجوا فعلى طالب احلق أن حيتاط لدينه وأن ال يقدم على التكفري بالصيغ احملتملة الداللة

. قبل تدبر أدلة الشرع وأصوله ومقاصده ، ملعرفة وحتديد مراد الشارع تبارك وتعاىل منها

(170) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

، وهتور أخرق فإن فرط يف هذا ، وتغافل عنه ، وتعامل مع النصوص حبماس أجوف . وعلى دينه جنايته.. ؛ هلك وأهلك احلرث والنسل

(171) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((8 )) التكفير باألقوال أو األعمال محتملة الداللة

دون النظر في قصد قائلها أو فاعلها ومن األخطاء الشائعة يف التكفري أيضا التكفري باألقوال أو األعمال حمتملة

.. ها أو فاعلها ، وهو ما يعرف بالتكفري باحملتمالتالداللة ، دون النظر يف قصد قائل .. وذلك بأن يكون قول اإلنسان نفسه أو فعله حمتمل الداللة على الكفر وليس بصريح

) التكفري ال يكون بأمر حمتمل ( أهـ ص : يقول شيخ اإلسالم يف الصارم املسلول517

: بشرطني فإن فعل املكلف أو قوله ال يكون سببا صحيحا للتكفري إالشرط يف الدليل الشرعي املستدل به على ذلك ؛ وهو أن يكون قطعي : األول -

. الداللة على كفر الفعل أو القول ، وقد تقدم الكالم على هذا املدخل يف املوضع السابقشرط يف قول أو فعل املكلف نفسه ، فال بد أن يكون القول أو الفعل ) : والثاين -

عنه صريح الداللة على الكفر ، أي انه مشتمل صراحة وليس سبب التكفري ( الصادر . احتماال على املناط املكفر الوارد يف النص الشرعي املستدل به على التكفري

) هو وصف ظاهر : بقوهلم –كما تقدم –ولذلك عرف األصوليون السبب . يثبت احلكم به ، من حيث أن الشارع علقه به (منضبط

مال احملتملة ، اليت قد تعين الكفر ، وقد ال تعنيه ، فال حيل املبادرة أما األقوال واألع .. إىل التكفري هبا ، ألهنا أوصاف غري منضبطة

ولكي تصري منضبطة ال بد من النظر يف أمور لتعيني داللتها ، وهل حتمل على : الكفر الصريح أو هتدر ، وهو ما يسمى بالنظر يف املرجحات وهي

. ل أو القائلتبني قصد الفاع - والنظر يف قرائن احلال املصاحبة للقول أو العمل -

(172) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

. ومعرفة عرف املتكلم أو عرف قبيلته أو أهل بلده - فيكون بسؤاله عما أراده ، بذلك القول أو الفعل: أما تبين قصد الفاعل .. لو أن رجال شتم حممدا ، فظاهر هذا أنه قد قال قوال مكفرا ، لكن : مثال ذلك -

أنه أراد شخصا غري النيب صلى اهلل عليه وسلم ، خصوصا إن مل يكن الرجل معروفا حيتمل . فيسأل عن قصده قبل احلكم عليه بالكفر.. بالزندقة أو االستهتار بالدين

فال بد من التبني من قوله : ومثل ذلك لو صدر منه قول غري صريح بالسب -ق على أن من سب النيب صلى اهلل عليه ولذلك نقل ابن املنذر االتفا.. قبل احلكم عليه

. وجب قتله صريحاوسلم ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية يف كتاب اإلمجاع أن من سب النيب -

. ، كفر باتفاق العلماء صريحصلى اهلل عليه وسلم مما هو قذف ومل أما األلفاظ أو األقوال احملتملة غري الصرحية ، فليست حمل إمجاع وال اتفاق -

قال .. يوجبوا التكفري هبا أو القتل إال بعد التبني والتثبت واالستيضاح من فاعلها أو قائلها) القول قوله يف الذي حيتمل غري الظاهر ، حىت ال حيكم : (7/297الشافعي يف األم )

( 3/115عليه أبدا إال بالظاهر ( أهـ وانظر اعالم املوقعني )ابن املنذر وأيب بكر ذلك ، يف كتاب استتابة وقد نقل احلافظ ابن حجر عن

حيث أورد البخاري أحاديث سالم اليهود على النيب صلى اهلل عليه وسلم بقوهلم .. املرتدين) السام عليك ( وبوب لذلك بقوله ) باب إذا عرض الذمي أو غريه بسب النيب صلى اهلل

. " السام عليكم " (: حنو قوله ولم يصرحعليه وسلم د ذكر العلماء يف أسباب عدم قتل النيب صلى اهلل عليه وسلم لذلك اليهودي ، وق

والنبي صلى اهلل عليه وسلم لم يكن أنه مل يصرح بالسب ، وإمنا قال قوال حمتمال ، يؤاخذ إال بالصريح الذي ال يختلف عليه الناس ، بحيث إذا أخذ صاحبه وقتل لم

. عليهم بقوله ) وعليكم ( ، ولذلك اكتفى بالرد ينتطح فيه عنزان-2/224وانظر يف ذلك الشفا للقاضي عياض ).. وذكروا أسبابا أخرى غري هذا

فلم مل يقتل النيب صلى اهلل عليه وسلم اليهودي الذي قال له : ( ) فصل ، فإن قلت230وانظر يف ذلك أيضا الصارم .. " السام عليكم " ( وسيأيت بعضه يف املوضع اآليت بعد هذا

.. وفتح الباري يف املوضع املشار إليه آنفا.. ملسلولا

(173) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

مثال آخر لو أن رجال يدعو عند قرب ، وال يسمع صوته ، يسأل عن دعائه ؛ -أدعو اهلل أن يغفر هلذا امليت ، فهو حمسن إن كان امليت مسلما ، وخمطئ إن كان : فإن قال

مشركني ، ويفعله فهو آمث ، وهو امليت مشركا ، فإن كان يعلم بنهي اهلل عن االستغفار لل .. شيء غري التكفري

وإن قال أدعو اهلل عند قرب هذا الرجل الصاحل رجاء القبول ، فعمله بدعة غري مكفرة . ، فينهى عن ذلك ألنه ذريعة إىل الشرك

.. وإن قال أدعو صاحب هذا القرب لقضاء حوائجي فعمله مكفر ، وهكذا .. الفعل حمتمل الداللة ، ويضبط سبب التكفري فتبني القصد يعني املراد من

عمن قال كذا –أي املفيت –) إن سئل : نقل النووي عن الصيمري واخلطيبيسأل هذا عما : ال يكون بعضها كفرا ، فينبغي للمفيت أن يقول مما يحتمل أمورا: وكذا

( أهـ اجملموع للنووي أراد مبا قال ؛ فإن أراد كذا فاجلواب كذا ، وإن أرد كذا فاجلواب كذا (1/49 )

ومثال ذلك ما أجاب به شيخ اإلسالم ابن تيمية عن سؤال حول رجل لعن دين . ) احلمد هلل ، ليس ألحد أن يلعن التوراة: اليهود وسب التوراة فقال

. بل من أطلق لعن التوراة فإنه يستتاب ، فإن تاب وإال قتل - ، وأنه جيب اإلميان هبا ، فهذا يقتل وإن كان ممن يعرف أهنا منزلة من عند اهلل -

. بشتمه هلا ، وال تقبل توبته يف أظهر قويل العلماءوأما إن لعن دين اليهود الذي هم عليه يف هذا الزمان فال بأس يف ذلك ، فإهنم -

مما يبين أن قصده ذكر تحريفهاملعونون هم ودينهم ، وكذلك سب التوراة اليت عندهم هذه التوراة مبدلة ال جيوز العمل مبا فيها ومن عمل اليوم بشرائعها نسخ: مثل أن يقال

املبدلة واملنسوخة فهو كافر ، فهذا الكالم وحنوه حق ال شيء على قائله ، واهلل أعلم ( أهـ 0( 35/121دار ابن حزم ). جمموع الفتاوى ط

ال نظر فيه إىل * أما فيما ال حيتمل إال الظاهر ، أي الصريح الداللة على الكفر ، ف . نيته وقصده، ولو اعترب ذلك لصار مدخال لتالعب الزنادقة بالشرع

(174) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

: -من فقهاء املالكية –ولذلك نقل القاضي عياض يف الشفا عن حبيب بن الربيع ( ، ونقله حمتجا به شيخ اإلسالم 2/217) أن ادعاء التأويل يف لفظ صراح ال يقبل ( أهـ )

. (527)يف الصارم املسلول ص وقد ذكر القاضي قبله مباشرة مثاال على الكفر الصريح ، فنقل عن أمحد بن أيب

فعل اهلل برسول اهلل : سليمان صاحب سحنون ) قال يف رجل قيل له ؛ ال وحق رسول اهللما تقول يا عدو اهلل ؟ فقال أشد من كالمه األول ، : فقيل له –وذكر كالما قبيحا –كذا

. ت برسول اهلل العقربإمنا أرد: مث قالاشهد عليه وأنا شريكك ، يريد يف قتله وثواب : فقال ابن أيب سليمان للذي سأله

. (2/217ذلك ( أهـ ) أن تبني قصد الفاعل معترب وضروري وال بد منه يف حمتمل الداللة ) :والخالصة

. أي يف التكفري باحملتمالت ( ، وال اعتبار له يف الكفر الصريح قدمنا لك يف موانع التكفري أن القصد املعترب املراد تبينه هنا ، والذي يؤثر : يهتنب

ال تبني إرادته أن يكفر .. يف حكم التكفري ، هو تعيني املراد من الفعل أو القول احملتمل .. وخيرج من الدين ، كما يظنه ويشرتطه البعض

تبينه هو قول القائل ففي مثال من شتم )حممدا( كان القصد املكفر املطلوب . )قصدت النيب صلى اهلل عليه وسلم ال غريه (

. ويف املثال الثاين كان قوله ) أدعو امليت لتفريج كربيت ( فهذا هو القصد املؤثر يف حكم التكفري يف احملتمالت ، وال يلزم سؤاله ؛ هل تقصد

.. اخ مرجئة اجلهميةأن تكفر بذلك ، أو هل تستحل ذلك بقلبك ، كما يشرتطه أفر بل لو قال أنا مل أقصد الكفر بذلك ، مل يؤثر هذا النفي يف احلكم ، ألن احلكم سبب( كما قدمنا ال يتخلف عن سببه شرعا ، سواء أقصد من باشر السبب ، ترتب

)امل

املسبب عليه أم مل يقصده ، بل إن وجد السبب وتوافرت الشروط وانتفت املوانع ترتب به ولو قصد املكلف عدم ترتبه ، فليس للمكلف أن حيل االرتباط الذي ربط به عليه مسب

.. الشارع املسببات بأسباهبا ، ولو متىن على اهلل األماين

(175) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) وباجلملة فمن قال : (178-177ولذلك قال شيخ اإلسالم يف الصارم ص ) ال يقصد الكفر أو فعل ما هو كفر ، كفر بذلك ، وإن مل يقصد أن يكون كافرا ، إذ

. أحد إال ما شاء اهلل ( أهـ وقد تقدم مع نظائره يف شروط وموانع التكفري فهو ما أشرنا إليه من أن للعمل النظر في قرائن الحال المصاحبةوأما ،

يكون قائل القول احملتمل معروفا بتالعبه يف الدين أو مبصاحبته للزنادقة ، أو هو نفسه متهم . ائن وحنوها ترجح إرادة الكفربالزندقة فهذه القر

) داللة األحوال ختتلف هبا داللة األقوال بقبول دعوى ما يوافقها : قال ابن رجب ( 151رقم) 322ورد ما خيالفها ، ويرتتب عليها األحكام مبجردها ( أهـ القواعد ص

) وشاهدت شيخنا القاضي أبا عبد : مثال ذلك ما ذكره القاضي عياض ، قال -عيسى أيام قضائه ، أيت برجل هاتر رجال امسه حممد ، مث قصد إىل كلب فضربه اهلل بن

برجله فقال له قم يا حممد ! فأنكر الرجل أن يكون قال ذلك وشهد عليه لفيف من الناس فأمر به إىل السجن وتقصى عن حاله ، وهل يصحب من يسرتاب بدينه ؟ فلما مل جيد ما

. (2/237لسوط وأطلقه ( أهـ من الشفا )يقوي الريبة باعتقاده ضربه باوإمنا مل يقتله ألن خصم الرجل كما ذكر كان امسه حممدا ، فهذه القرينة مع عدم اشتهار الرجل بالزندقة أو مصاحبة الزنادقة ، كل ذلك دل على أن الرجل أراد سب

ن تكفريه صاحبه الذي هاتره ، ومل يرد سب النيب صلى اهلل عليه وسلم ، وهذا ما منع موعصم دمه ، واكتفى بضربه تعزيرا ، كي يتورع وحيتاط عن مثل تلك السبة احملتملة ، وكي

. ال تكون ذريعة إىل سب النيب صلى اهلل عليه وسلم باستمراء الناس هلا فقد ال تعين لفظة يف عرف قبيلة أو أهل بلد أو طائفة : النظر في العرفأما

. من الناس ما تعنيه عند آخرين -ال جيوز له : ) الفائدة الثالثة واألربعون: ولذلك قال ابن القيم يف اعالم املوقعني

أن يفيت يف اإلقرار واألميان والوصايا وغريها مما يتعلق باللفظ مبا اعتاده هو من -أي املفيت فهم تلك األلفاظ دون أن يعرف عرف أهلها واملتكلمني هبا فيحملها على ما اعتادوه

( .. إن كان خمالفا حلقائقها األصلية ، فمىت مل يفعل ذلك ضل وأضلوعرفوه و ) وهذا باب عظيم يقع فيه املفيت اجلاهل فيغر الناس : وذكر أمثلة على ذلك مث قال

، ويكذب على اهلل ورسوله ، ويغري دينه ، وحيرم ما مل حيرمه اهلل ، ويوجب ما مل يوجبه اهلل . (229-4/228واهلل املستعان ( أهـ )

(176) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ومثال ذلك مما يتبع عرف أهل زماننا خصوصا يف هذه البالد إذا ذكروا اسم حممد حممد ، وإذا أرادوا به غريه من سائر : وأرادوا به النيب صلى اهلل عليه وسلم أعربوه وقالوا

لفظ الناس تلفظوه بالعامية هكذا )احممد( ، فهذا العرف من القرائن اليت ميكن هبا ترجيح الفقد غلب على الناس التخاطب . أو السب احملتمل إذا صدر يف حق من امسه حممد

. والتشامت بالعامية ، أما اسم النيب صلى اهلل عليه وسلم فال يذكرونه إال معرباأن التكفري باحملتمالت مزلة أقدام ، ومدحضة أفهام ؛ ال حيل ملن يشح : والخالصة

. ما تقد م بدينه أن يقتحمها دون مراعاةوهذه أمثلة من فتاوى العلماء والقضاة يف أمثال هذا الباب ، تعرفك باحتياط

.. العلماء وتريثهم فيهأن يأيت من الكالم جبمل : ) فصل( ) الوجه الرابع: قال القاضي عياض يف الشفا -

يرتدد يف ، ويلفظ من القول مبشكل ميكن محله على النيب صلى اهلل عليه وسلم أوغريه ، أو املراد به من سالمته من املكروه أو شره ، فهاهنا مرتدد النظر ، وحرية العرب ، ومظنة اختالف اجملتهدين ، ووقفة استرباء املقلدين ، ليهلك من هلك عن بينه وحييا من حي عن بينة، فمنهم من غلب حرمة النيب صلى اهلل عليه وسلم ، و محى محى عرضه فجسر على

. الحتمال القولومنهم من عظم حرمة الدم ودرء احلد بالشبهة القتل ، صل على حممد صلى اهلل عليه : وقد اختلف أئمتنا يف رجل أغضبه غرميه ، فقال له

. ال صلى اهلل على من صلى عليه: وسلم ، فقال له الطالب هل هو كمن شتم النيب صلى اهلل عليه وسلم ، أو شتم املالئكة: فقيل لسحنون

) ال ، إذا كان على ما وصفت من الغضب ، ألنه مل يكن : الذين يصلون عليه ؟ قال . مضمرا الشتم (

) ال يقتل ألنه إمنا شتم الناس ( ، وهذا : وقال أبو إسحاق الربقي وأصبغ بن الفرج حنو قول سحنون ؛ألنه مل يعذره بالغضب يف شتم النيب صلى اهلل عليه وسلم ، ولكنه ملا

لكالم عنده ، ومل تكن معه قرينة تدل على شتم النيب صلى اهلل عليه وسلم أو شتم احتمل ااملالئكة ، وال مقدمة حيمل عليها كالمه ، بل القرينة تدل على أن مراده الناس غري هؤالء ،

فحمل قوله وسبه ملن يصلي عليه اآلن ، ألجل أمر . صل على النيب: ألجل قول اآلخر له …د غضبه ، هذا معىن قول سحنون ، وهو مطابق لعلة صاحبيه اآلخر له هبذا عن

(177) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وذكر أن غريهم ذهب إىل القتل ، مث نقل عن أيب احلسن القابسي توقفه أيضا يف ، وما ترد إليه ودم المسلم ال يقدم عليه إال بأمر بين) : شيء من هذا القبيل وقوله

وحكي عن أيب حممد بن أيب زيد . المهالتأويالت ال بد من إمعان النظر فيه ، هذا معىن كلعن اهلل العرب ، ولعن اهلل بين إسرائيل ، ولعن اهلل بين آدم ،وذكر أنه : رمحه اهلل فيمن قال

مل يرد األنبياء وإمنا أردت الظاملني منهم ، أن عليه األدب بقدر اجتهاد السلطان ، وكذلك أعلم من حرمه ، وفيمن لعن حديث " لعن اهلل من حرم املسكر ،وقال مل: أفىت فيمن قال

ال يبع حاضر لباد " ولعن ما جاء به ، أنه يعذر باجلهل وعدم معرفة السنة ، فعليه األدب الوجيع ، وذلك أن هذا مل يقصد بظاهر حاله سب اهلل تبارك وتعاىل وال سب رسوله ،

سألة املتقدمة ، وإمنا لعن من حرمه من الناس ، على حنو فتوى سحنون وأصحابه يف املومثل ذلك ما جيري يف كالم سفهاء الناس ؛ من قول بعضهم لبعض ؛ يا ابن ألف خنزير ، ويا ابن مائة كلب ، وشبهه من هجر القول ، وال شك أنه يدخل يف مثل هذا العدد من آبائه وأجداده مجاعة من األنبياء ولعل بعض هذا العدد منقطع إىل آدم عليه السالم ،

غي الزجر عنه ، وتبني ما جهل قائله منه وشدة األدب فيه ، ولو علم أنه قصد سب فينبمن يف آبائه من األنبياء على علم لقتل ، وقد يضيق القول يف حنو هذا لو قال لرجل

أردت الظاملني منهم، أو قال لرجل من ذرية النيب صلى : لعن اهلل بين هاشم ، وقال: هامشيقبيحا يف آبائه ، أو من نسله ، أو ولده على علم منه أنه من ذرية النيب اهلل عليه وسلم قوال

صلى اهلل عليه وسلم ، ومل تكن قرينة يف املسألتني تقتضي ختصيص بعض آبائه وإخراج النيب " : صلى اهلل عليه وسلم ممن سبه منهم ، وقد رأيت أليب موسى بن مناس فيمن قال لرجل

-2/234( أهـ ) …لسالم " أنه إن ثبت عليه ذلك قتل لعنك اهلل إىل آدم عليه ا237) .

يا كلب يا : وسئل شيخ اإلسالم ابن تيمية عمن قال لشريف أي من أهل البيت -فهل جيب قتله أم ال .. لعنه اهلل ، ولعن من شرفه: إنه شريف ، فقال: فقيل له. ابن الكلب

. ؟ وشهد عليه بذلك عدو لهادة العدو على عدوه ولو كان عدال ، وليس هذا الكالم ) ال تقبل شه: فأجاب

. ) من شرفه ( بل يستفسر عن قولهمبجرده من باب السب الذي يقتل صاحبه ، فإن ثبت بتفسريه أو بقرائن حالية أو لفظية أنه أراد لعن النيب صلى اهلل عليه -

. وسلم وجب قتلهية أنه أراد غري النيب صلى اهلل وإن مل يثبت ذلك ، أو ثبت بقرائن حالية أو لفظ -

عليه وسلم مثل أن يريد لعن من يعظمه ، أو يبجله ، أو لعن من يعتقده شريفا ، مل يكن

(178) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ذلك موجبا للقتل باتفاق العلماء ، ال يظن بالذي ليس بزنديق أنه يقصد لعن النيب صلى دليال على أنه مل اهلل عليه وسلم ، فمن عرف من حاله أنه مؤمن ليس بزنديق ؛ كان ذلك

يرد النيب صلى اهلل عليه وسلم ، وال جيب قتل مسلم بسب أحد من األشراف باتفاق . (35/120( أهـ جمموع الفتاوى ).. العلماء ،إمنا يقتل من سب األنبياء

) ومن سب أبا هامشي عزر على ذلك ، وال : (34/87) : وقال أيضا فيها -وسلم ، ولو سب أباه وجده مل حيمل على النيب صلى جيعل ذلك سبا للنيب صلى اهلل عليه

هو أبو األب ، وإذا : ، إذ اجلد املطلق ، فإن اللفظ ليس ظاهرا في ذلكاهلل عليه وسلم مسى العبد جدا فأجداده كثرية ، فال يتعني واحد ، وسب النيب صلى اهلل عليه وسلم كفر

، ال ال يباح الدم المعصوم بالشك فال يزول اإليمان المتعين بالشك ، و يوجب القتل ، فال لفظه وال سيما والغالب يف حال املسلم هو أن ال يقصد النيب صلى اهلل عليه وسلم ،

، وال تقبل عليه قول من ادعى أنه قصد الرسول صلى اهلل عليه وسلم حاله يقتضي ذلك . بال حجة ، واهلل أعلم ( أهـ. تعيني القصد يف مثل هذه األمور احملتملةوضرورة .. واللفظ.. فتأمل اعتبار احلال

فإن .. وتأمل تفصيل أهل العلم الراسخني فيه ؛ يف هذه األبواب فراعه ، وافهمه جيدا .. الكفر واإلميان من األحكام اخلطرية

) من األحكام املتلقاه عن اهلل ورسوله ، وليست مما : وهي كما قال شيخ اإلسالم . (35/101! ( الفتاوى ).. وائهمحيكم فيه الناس بظنوهنم وأه

(517أهـ ص). ) التكفري ال يكون بأمر حمتمل (: وقال يف الصارم املسلول

(179) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((9 )) عدم التفريق بين شعائر الكفر وأسبابه الظاهرة ،

وبين ذرائعه أو عالماته التي ال تكفي وحدها للقطع بالتكفير

التفريق بني شعائر الكفر وأسبابه ومن األخطاء الشائعة يف التكفري أيضا ؛ عدم . الظاهرة ، وبني ذرائعه أو عالماته اليت ال تكفي وحدها للقطع بالتكفري

فقد قدمنا لك أن لإلسالم خصائصه اليت اختص هبا من بني سائر األديان ، وأن . من أظهرها فاألصل فيه اإلسالم ما مل يظهر منه ناقض

د ، وإن كانت ال تكفي وحدها للقطع واجلزم فاعلم كذلك أن له عالمات وشواه وعدم لكنها تكون مدعاة إلى التريث والتبينباإلسالم الشرتاك غري املسلمني فيها ؛

، فمن ألنها مظنة لإلسالم التعجل يف التكفري واستحالل الدم واملال وإباحة العصمة ؛ : ذلك

إلسالم ، ولكنها ليست فهي قرينة وعالمة من عالمات أهل ا: تحية اإلسالم -1-دليال قاطعا على اإلسالم ، ألن كثريا من الكفار يقولوهنا ، كما يف حديث أنس املتفق

) إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم ( ولذلك فهي وحدها ال تكفي : عليهللحكم قطعا باإلسالم ؛ لكن وجود هذه العالمة مدعاة إىل التبني والرتيث وعدم التسرع

يا أيها )) : التكفري ، أو املبادرة إىل إباحة الدم واملال ، كما وصى اهلل تبارك تعاىل فقاليفالذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اهلل فتبينوا وال تقولوا لمن ألقى إليكم السالم لست مؤمنا تبتعون عرض الحياة الدنيا فعند اهلل مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن اهلل

(( فتبينوا إن اهلل كان بما تعملون خبيرا عليكمفنهى اهلل تبارك وتعاىل املؤمنني أن يبادروا إىل تكفري من أظهر هذه العالمة ،

.. ودعاهم إىل تبني حاله وعدم املبادرة إىل إباحة دمه ومالهوالضرب يف األرض ؛ السفر والغزو ، فهو إشارة إىل أن ذلك مل يكن يف دار . اإلسالم

(180) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

مر رجل : قد روى البخاري والرتمذي وغريمها يف سبب نزوهلا عن ابن عباس قالو من بين سليم بنفر من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم ، وهو يسوق غنما له ، فسلم عليهم ، فقالوا ما سلم علينا إال ليتعوذ منا ، فعمدوا إليه فقتلوه ، وأتوا بغنمه النيب صلى اهلل

. زلت اآليةفن.. عليه وسلممن أظهر شيئا من عالمات ) ويف اآلية دليل على أن : قال احلافظ ابن حجر

، ألن السالم حتية املسلمني ، وكانت حتيتهم يف اإلسالم لم يحل دمه حتى يختبر أمره وال يلزم من الذي ذكرته ( إىل قوله ) .. اجلاهلية خبالف ذلك ، فكانت هذه عالمة

، بل ال بد من على ذلك وإجراء أحكام المسلمين عليهالحكم بإسالم من اقتصر التلفظ بالشهادتني على تفاصيل يف ذلك بني أهل الكتاب وغريهم واهلل تعاىل اعلم ( أهـ

. (17الفتح )كتاب التفسري ( )باب هذا ومما يؤيد أن هذه العالمة وحنوها مما هو ليس من خصائص اإلسالم ، ال يكفي

( والبيهقي يف السنن 1112أخرجه البخاري يف األدب املفرد ) للقطع باإلسالم ، ما( عن عقبة بن عامر اجلهين ) أنه مر برجل هيئته هيئة رجل مسلم ، فسلم فرد 9/203)

أتدري على من رددت ؟ : وعليك السالم ورمحة اهلل وبركاته ، فقال له الغالم: عليه عقبة: صراين ، فقام عقبة فتبعه حىت أدركه ، فقالال ، لكنه ن: قال أليس برجل مسلم ؟ فقالوا

(1)إن رمحة اهلل وبركاته على املؤمنني ، لكن أطال اهلل حياتك وأكثر مالك ( فتأمل كيف رد الصحايب على هذا الرجل السالم ، إلظهاره عالمتني من عالمات

سلما ، اإلسالم ومها السالم ، وسيما املسلمني أي هيئتهم، ومع هذا مل يكن الرجل م .. فهكذا شان العالمات اليت ال تبلغ مبلغ خصائص اإلسالم

وفعل الصحايب ال غبار عليه ألن ذلك كان يف دار اإلسالم ، بدليل أن النصراين كان من أهل الذمة كما يفهم من الدعاء وسببه ، واألصل يف دار اإلسالم أن تقرأ السالم

لعدم إقرار املرتد ولتميز املسلمني عن .. (2)على من عرفت ومن مل تعرف كما يف احلديث . غريهم فيها

بة يتأولونه هذا الدعاء من الصحايب للكافر ؛ ألجل نفع املسلمني مبا يدفعه من جزية كما كان الصحا (1)

ويروى عن ابن عمر مثله كما يف املغين )كتاب اجلزية ( )فصل وال جيوز تصديرهم يف اجملالس وال بداءهتم ( وقد تقدم. …بالسالم

وهو متفق عليه. (2)

(181) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فإذا مل يتميز بعضهم عن املسلمني حصل مثل هذا اإلشكال ، وال حرج فيه على (3). املسلم ، ألنه وقف عند النص وفعل ما أمر

كمحمد وحنوه ، وهذه أيضا عالمة تدعو إىل التسمية باألسماء اإلسالمية -2عدم املبادرة إىل التكفري ، ولكنها أيضا ال تكفي وحدها للقطع باإلسالم التثبيت والرتيث و

، ألن كثريا من الكفار واملرتدين يسمون بأمساء املسلمني اليوم وخصوصا بعد ذهاب دولة اإلسالم ، وقيام دولة حتمي الردة وتقر املرتدين ، وال تلزم النصارى بشيء من شروط أهل

من أمساء املسلمني وكناهم فيما مضى ، أما اليوم فقد اختلط الذمة الذين كانوا مينعون . احلابل بالنابل مبباركة قوانني الكفر وأرباهبا

وقد مسعت من بعض من مل يرزق الذرية من النصارى ؛ من ينذر إن ولد ألحدهم . ولد أن يسميه حممدا ، مث يفعلون

ئمهم أو اللحية ، من ثياب املسلمني أو عما الهدي الظاهر ) السيما ( -3-فهذه قرائن ، ولكنها ليست قاطعة الشرتاك كثري من الكفار ببعضها خصوصا اللحى ، وخصوصا وأنه مل يعد ألهل الكتاب زيا خاصا يلزمون به كما كان احلال يف دار اإلسالم ،

. لكن إذا اجتمعت اللحية مع ثياب املسلمني ومست الصاحلني منهم ، صارت قرينة قوية) وإذا دخل املسلمون مدينة من : مد بن حسن الشيباين يف السري الكبريقال حم

مدائن املشركني عنوة فال بأس أن يقتلوا من لقوا من رجاهلم إال أن يروا رجال عليه سيما املسلمني أو سيما أهل الذمة للمسلمني ، فحينئذ جيب عليهم أن يتثبتوا يف أمره حىت يتبني

. هلم حاله ( أهـ

فإن قيل: فما بال هذا النصراين مل يكن متميزا وال ملتزما للغيار الذي تذكرونه وتشرتطون ؟ (3) ال يعلم تارخيها ، فال ختدش هبذا األصل الذي اشتهر يف شروط املسلمني على أهل قلنا: هذه حادثة عني

الذمة ، لكن من املعلوم أن هذه الشروط مل تكن موجودة مفروضة على اليهود يف زمن النيب صلى اهلل يضرب فهو صلى اهلل عليه وسلم ملا قدم املدينة وادع مجيع اليهود فيها موادعة مطلقة ومل -عليه وسلم

عليهم جزية وال كانوا صاغرين إذ املوادعة ليس فيها من الصغار ما يف إعطاء اجلزية ، وانظر يف ذلك وفيما ( وصاعدا ، والشاهد من ذلك أن أهل 62كتبه النيب هلم واشرتطه عليهم وهلم الصارم املسلول ص )

شعور وال يف لباس وال غريه ، لكن الكتاب مل يكونوا يف أول دولة املسلمني يتميزون عن املسلمني ال يفبعد أن قوي املسلمون وظهر الدين وعزت دولتهم ألزم أهل الكتاب بذلك ، وظهور ذلك وكماله كان

( وهو الذي وضع تلك الشروط عليهم 192يف خالفة عمر كما ذكر شيخ اإلسالم يف االقتضاء ص ) قبل ذلك. ولذلك عرفت بالشروط العمرية.. فلعل تلك احلادثة كانت

(182) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) ألن حتكيم السيما أصل فيما ال يوقف على حقيقته ، : الشارح السرخسيوقال . (( تعرفهم بسيماهم)) : (( وقال تعاىل سيماهم في وجوههم)) : قال تعاىلومىت وقع الغلط يف القتل ال ميكن تداركه ، وليس يف تأخريه إىل أن يتبني : قال

أن يتثبتوا يف أمره حىت يتبني هلم حاله ، األمر تفويت شيء على املسلمني ، وهلذا ينبغي هلموهذا ألن السيما يف كونه حمتمال ال يكون دون خرب الفاسق ، وقد أمرنا بالتثبت هناك ،

( 4/1444وهاهنا أوىل ( أهـ السري الكبري )القيام باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإغاثة الملهوف ونصرة -4-

فإن هذا ال خيتص باملسلمني ، بل .. حاسن األخالقالمظلوم ، واألمر بالخيرات ومقلت للنيب صلى اهلل عليه : فعن أم سلمة قالت.. يوجد عند كثري من الكفار كما هو معلوم

) هشام كان يصل الرحم ويقري الضيف ، ويفك العناة ، ويطعم الطعام ، ولو : وسلمكرها ومحدها ، ومل يقل يوما ال إنه كان يعطي للدنيا وذ : أدرك أسلم هل ذلك نافعه ؟ قال

. قط رب اغفر يل خطيئيت يوم الدين ( أخرجه أبو يعلى والطرباين يف الكبريوكذلك ما رواه مسلم وغريه من حديث عائشة أهنا أيضا سألت النيب صلى اهلل عليه

كان يف اجلاهلية يصل الرحم ويطعم املسكني ، فهل ذاك : وسلم عن ابن جدعان ، قالت . ال يا عائشة إنه مل يقل يوما رب اغفر يل خطيئيت يوم الدين (: النافعه ؟ ق

أرأيت : وكذا حديث حكيم بن حزام املتفق عليه أنه قال للنيب صلى اهلل عليه وسلمأمورا كنت أحتنث هبا يف اجلاهلية من صدقة أو عتق أو صلة رحم ، أفيها أجر ؟ فقال صلى

. ت من اخلري () أسلمت على ما أسلف: اهلل عليه وسلموهذا األمر مشاهد يف الواقع فإنه ال خيلو يف الكفار من حيب حماسن األخالق ويسعى يف إغاثة امللهوف ، واملنظمات اليت يسموهنا يف مصطلح العصر )إنسانية( كثرية عند الكفار تقوم بأعمال اإلغاثة واإلنفاق والعالج واإلحسان إىل املعوزين ، وإن تنوعت

فهذا وحده ال يكفي للقطع باإلسالم ، وإن كان أهل اإلسالم أوىل الناس مبثل أهدافها ، .. هذه األخالق احلميدة ، ولذلك كانت من عالماته

أن هذه العالمات وحنوها مما ال يرقى إىل اخلصائص اليت اختص هبا : والخالصةالم يف ظل وإن كانت ال تكفي وحدها للقطع باإلس.. املسلمون ومتيزوا هبا عن غريهم

أوضاع اجلاهلية املعاصرة اليت اختلط فيها احلابل بالنابل ، خصوصا مع إباحة القوانني الوضعية للردة ومحايتها للمرتدين وعدم إلزام أهل الكتاب بالغيار ، بل وتشبه كثري من املسلمني بالكفار ؛ لكنها حتول دون التعجل بالتكفري فهي مدعاة إىل التثبت والرتيث ،

(183) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

)) فتبينوا وال تقولوا : دم اإلقدام على إباحة الدماء واألموال ، كما قال تعاىل يف اآلياتوع: (( يقول فتبينوا) )) : (( قال ابن جرير الطربي لمن ألقى إليكم السالم لست مؤمنا

فتأنوا يف قتل من أشكل عليكم أمره فلم تعلموا حقيقة إسالمه وال كفره ، وال تعجلوا التبس عليكم أمره ، وال تقدموا على قتل أحد إال على قتل من علمتموه يقينا فتقتلوا من

. حربا لكم وهلل تعاىل ولرسوله ( أهـفيمكن بعد هذا كله أن نقول ؛ أن هذه العالمات ال تكفي وحدها للقطع -

باإلسالم لكنها مظنة له ، فمظهرها أقرب إىل اإلسالم منه إىل الكفر ، ألن اهلل تبارك وتعاىل أمرنا يف مثلها أن ال نكفره ، لكنه سبحانه وتعاىل دعانا فيها إىل التبني ، ألهنا عالمات لإلسالم غري قاطعة وليست كخصائصه اليت اختص هبا أهله ، ولو كانت كذلك

. ملا احتجنا إىل التبني والتثبتة اليت هي من * إذا عرفت هذا ، فاعلم يف مقابله ، أن للكفر أيضا شعائره البين

خصائص أهله وكفرياهتم ،وهي تندرج حتت أسباب التكفري الظاهرة اليت تدل على الكفر .. ويدور معها وجودا وعدما

وله أيضا ذرائع وعالمات وشواهد وأمارات ال تكفي وحدها للقطع بالتكفري ، ال بد خصوصا يف ظل ضعف عرى اإلميان يف نفوس املسلمني وانتشار املعاصي فيهم ، بل

.. فيها أيضا من التبني والتثبت

وال تكفي العالمات .. فكما أننا ال نقطع باإلسالم إال ملن أظهر شيئا من خصائصهوحدها يف جمتمعات اليوم للقطع باإلسالم ، فكذلك ال نكفر بذرائع وعالمات وشواهد

القول أو الفعل الكفر وحدها ، بل ال نكفر إال بأسبابه الظاهرة الصرحية اليت تنحصر ب . املكفر

: فمن العالمات اليت ال تكفي وحدها للتكفريفهذا كله من : ، يف زيهم ومستهم ، من حلق اللحى وحنوه التشبه بالكفار -1-

الذنوب غري املكفرة ، والتكفري هبا وحدها مسلك غالة املكفرة ، إال أن يتشبه هبم مبا هو شيء من عباداهتم الشركية أو مقاالهتم من شعائر دينهم وخصائصه ، كموافقتهم يف

(184) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فإنه من (4)الكفرية ، أو أزيائهم اليت تدل على كفرهم داللة صرحية كلبس الصليب الواضح ) بالوثن ( يف –وقد وصفه النيب صلى اهلل عليه وسلم .. خصائص كفر النصارى وشركهم

.. تفسريهحديث عدي بن حامت ، كما يف رواية الرتمذي وابن جرير الطربي يفومثله لبس لباس كهاهنم الديين الذي يرمز إىل دينهم الباطل، كشد الزنار الذي

) ولو : ( يف كتاب الردة10/69يذكره العلماء يف كتبهم ، كما قال يف روضة الطالبني )شد الزنار على وسطه كفر ، واختلفوا فيمن وضع قلنسوة اجملوس على رأسه ، والصحيح أنه

هذا زنار ؛ فاألكثرون على أنه : ولو شد على وسطه حبال ، فسئل عنه ، فقال ال يكفر ، . يكفر

ولو شد على وسطه زنارا ودخل دار احلرب للتجارة كفر ، وإن دخل لتخليص . ( أهـ. األسارى ، مل يكفر( ، وذلك لكونه يتبع .. ) ولو شد على وسطه حبال ، فسئل عنه: وتأمل قوله

. ري الواضحةاألمور احملتملة غأما ما مل يكن من لباسهم الذي يرمز إىل دينهم الباطل أو عقيدهتم الشركية بل كان

.. من عموم لباسهم وزيهم ومستهم فال حيل التكفري به وحدهويدل على ذلك ما رواه مسلم عن عبد اهلل بن عمرو أن النيب صلى اهلل عليه وسلم

. ذه ثياب الكفار فال تلبسها () إن ه: رأى عليه ثوبني معصفرين فقالومل يزد على ذلك ، ولو كان جمرد لبسها كفرا لبينه صلى اهلل عليه وسلم ودعاه للتوبة ،والشتد نكريه عليه وبالغ يف الزجر عنه كما هو شأنه صلى اهلل عليه وسلم يف إنكار

. الشرك والكفر

أي الصريح الداللة على أنه صليب النصارى الذي يرمز إىل عقيدهتم الشركية ، أما جمرد تصليب (4)

اخلطوط وتقاطعها يف بعض ما يكون على الثياب أو حنوها من رسوم وأعالم وتصاوير ، فهذا ال حيل شيئا فيه تصاليب إال نقضه ( رواه التكفري به ، مع أن النيب صلى اهلل عليه وسلم: ) مل يكن يرتك يف بيته

( ويف رواية اإلمساعيلي )شيئا فيه تصليب ( ولكن كراهية التصليب ونقضه وإزالته من 5952البخاري )الثياب حسما للذريعة واملظنة شيء غري التكفري الذي ال يكون إال بالصليب الصريح الذي يرمز إىل

الصراحة ، فال يكفر به ، ألن أقصى ما قد يرقى إليه عقيدة النصارى الشركية ، فما مل يكن كذلك يف عندئذ أن يكون من احملتمالت ، وقد عرفت الواجب يف مثلها.

(185) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

عليها بصيغ حتتمل التكفري هذا وقد ورد يف التشبه بعض النصوص اليت توعد الشرع .. ، أطلقها بعض الغالة يف كل باب من أبواب التشبه ، والصواب فيها التفصيل

(5)من تشبه بقوم فهو منهم ( .. ): وذلك كقوله صلى اهلل عليه وسلمقال شيخ اإلسالم يف كتابه ) اقتضاء الصراط املستقيم خمالفة أصحاب اجلحيم ( ص

قل أحواله أن يقتضي حترمي التشبه هبم ، وإن كان ظاهره يقتضي ) وهذا احلديث أ: (95)( مث قال يف .. (( )) ومن يتولهم منكم فهو منهمكفر املتشبه هبم ، كما يف قوله تعاىل

)فقد حيمل هذا على التشبه املطلق ، فإنه يوجب الكفر ، ويقتضي حترمي أبعاض : تأويلهملشرتك الذي شاهبهم فيه ، فإن كان كفرا أو ذلك ، وقد حيمل على أنه منهم يف القدر ا

. كان حكمه كذلك ( أهـ: معصية أو شعارا هلافتأمل هذا التفصيل فإنه مهم ، وفيه أن التشبه بالكفار منه ما قد يكون تشبها يف كفرهم ، أو تشبها مبعاصيهم ، فكل نوع حكمه حبسبه ، والتشبه املطلق الذي جيمع ذلك

.. ول الكفر فيهكله ؛ كفر قطعا لدخإن اهلل ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما )) : ويبني هذا ويوضحه قوله تبارك وتعاىل

(( ، ويوضحه أيضا أنه لو كان مجيع أبواب مشاهبة الكفار كفرا ، ملا دون ذلك لمن يشاءوافقهم النيب صلى اهلل عليه وسلم يف يوم من األيام على شيء ، فقد ثبت أن النيب صلى

كان حيب موافقة أهل الكتاب فيما مل يأمر فيه .. هلل عليه وسلم يف صدر هجرته )ا . ( متفق عليه .. بشيء

فدل هذا على وجوب التفصيل ، وعلى وجوب فهم احلديث املتقدم على ضوء هذا .. كله

فال يقال كما يقول بعض الغالة أن كل من تشبه هبم يف أي شيء فإنه كافر منهم ، مون بالتكفري واستباحة الدماء واألموال مبجرد حلق اللحى وعموم ثياب ومن مث حيك

.. الكفاربل من تشبه بكفرياهتم فإنه كافر منهم ، ومن تشبه مبعاصيهم كحلق اللحى وحنوه فإنه منهم بقدر تلك املعاصي وال جيوز إحلاقه هبم يف أحكام التكفري ، ومن تشبه هبم

.. و منهم يف كل ذلكمطلقا فقد مجع شرهم كله وه

جزء من حديث رواه اإلمام أمحد وأبو داود عن ابن عمر ، وجود إسناده شيخ اإلسالم يف كتابه (5) (. 94اقتضاء الصراط املستقيم ص )

(186) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ويبقى التشبه هبم يف هديهم الظاهر مما ليس بكفر وال فيه معصية ، فذلك أيضا .. داخل يف عموم النهي عن التشبه هبم ، ألنه ذريعة تفضي إىل احملظور

) املشاهبة تفضي إىل كفر أو : ولذلك قال شيخ اإلسالم ابن تيمية يف االقتضاء . (232ما يف اجلملة ( أهـ ص )معصية غالبا ، أو تفضي إليه

كما ذكر يف مواضع أخرى أن املشاهبة يف الظاهر تورث نوع مودة وحمبة ومواالة يف الباطن، ولذلك حسم الشارع هذا الباب وسد ذريعة ذلك ، بالنهي عن التشبه هبم

.. مطلقاأبيح لكن من املقرر عند العلماء يف قواعد الفقه أن ) النهي إذا كان لسد الذريعة

وقد تكلم شيخ اإلسالم على هذه القاعدة يف الفتاوى وأشار إليها يف (6)للمصلحة ( االقتضاء ؛ ولذلك جوز رمحه اهلل يف االقتضاء التشبه هبديهم الظاهر الذي ليس فيه كفر

املخالفة هلم ال تكون إال بعد ظهور الدين .. ): (192للحاجة واملصلحة ، فقال ص )فلما كان املسلمون يف أول األمر ضعفاء مل : اد وإلزامهم باجلزية والصغاروعلوه ، كاجله

. يشرع املخالفة هلم ، فلما كمل الدين وظهر وعال ؛ شرع ذلكمل يكن مأمورا : لو أن املسلم بدار حرب أو دار كفر غري حرب: ومثل ذلك اليوم

، بل قد يستحب للرجل أو باملخالفة هلم يف اهلدي الظاهر ، ملا عليه يف ذلك من الضررجيب عليه أن يشاركهم أحيانا يف هديهم الظاهر ، إذا كان يف ذلك مصلحة دينية من دعوهتم إىل الدين ، واإلطالع على باطن أمرهم إلخبار املسلمني بذلك ،أو دفع ضررهم

. عن املسلمني ،وحنو ذلك من املقاصد الصاحلةاهلل فيها دينه ، وجعل على الكافرين هبا فأما يف دار اإلسالم واهلجرة اليت أعز

الصغار واجلزية ففيها شرعت املخالفة ، وإذا ظهر أن املوافقة واملخالفة هلم ختتلف باختالف . الزمان واملكان ظهرت حقيقة األحاديث يف هذا ( أهـ

فما كان حاله كذلك ، وكان جائزا للمصلحة واحلاجة فال جيوز حبال تسويته : قلت .. رات والنواقص اليت ال جيوز أن تستصلح حبالباملكف

اء صالة ذوات األسباب يف أوقات النهي عن الصالة ، ألن النهي فيها ولذلك سوغ كثري من العلم (6)

ليس لذات الصالة بل هنيا عن مشابه املشركني الذين يصلون لغري اهلل يف هذه األوقات ، وسدا لذريعة الشرك ، فإذا أمنت الذريعة واحتيج للصالة للمصلحة ؛ رفع احلرج ، وانظر على سبيل املثال ، جمموع

(. 1/123، )الفتاوى

(187) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ومعلوم اليوم حال مجاهري املسلمني وعوامهم وتردي أكثرهم بأمثال هذه املنكرات بل ومن خواصهم مجاعات إسالمية تتبىن ولألسف .. واملعاصي اليت حياكون هبا الكفار

يهم الظاهر إباحة حلق اللحى ، وال شيء عندهم يف تقليد الكفار ومشاهبتهم هبد . !!.. وعاداهتم

فاقتحام التكفري مبثل هذا ، فتح باب عظيم لتكفري مجاهري العصاة من املسلمني ، .. دون سبب صريح من أسباب التكفري

بل ورمبا جر ذلك إىل تكفري خواصهم من املؤمنني واجملاهدين الذين يضطرون يف رب للمؤمنني ؛ إىل التخفي وتغيري كثري من البالد اليت كشر الطواغيت فيها عن ناب احل

زيهم وحلق حلاهم ، خوفا من البطش واالعتقال الذي ميارسه أنصار الطواغيت على اللحية .. والسيما

: ويف احلديث الذي يرويه البخاري تعليقا أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال للمقداده فقتلته فكذلك كنت أنت ختفي )إذا كان رجل مؤمن خيفي إميانه مع قوم كفار فأظهر إميان

( 6358إميانك مبكة من قبل ( )اجلاهلية اليت حمل جوازات دول الكفر والتجنس بجنسياتهاومثل ذلك -2-

فمعلوم ما عمت البلوى به يف ديار املسلمني اليوم يف هذا .. فرضوها على الناس اليومتحركون وال يتنقلون وال الباب ، وما ضيق طواغيت احلكم عليهم األرض به ، فال ي

يتكسبون وال يتناكحون وال يتوارثون إال بأوراقهم أو إثباتاهتم اليت فرضوها على الناس .. وألزموهم هبا

والقليل القليل النادر الذي متكنه شوكته أو عشريته أو إمكاناته وأحواله من األخذ .. واقعبالعزمية فيستغين عنها، ال أثر له يف احلكم يف خضم هذا ال

وال يستطيع عاقل أن يلزم عموم املسلمني بضعفتهم وشيوخهم وعجائزهم وصغارهم وكبارهم االستغناء عن ذلك ، والعيش يف الصحارى والقفار ، أو يف شعف اجلبال ، وإال

اعتربوا كفارا !! خاضعني لقوانني الكفر !! سلطاهنم ، ليس فإن اخلضوع القهري العام الذي قهر طواغيت العصر به الناس ب

وال يقال أن (7)كاخلضوع واالنقياد الذي يكسبه وخيتاره أتباع الطواغيت وأذناهبم وعبيدهم

وعدم التفريق بني هذا وهذا يذكرين بتغايب ذلك النائب الذي زار السجن مع وزير الداخلية يوم أن (7)رددت عليهم ما يتهموننا به من تكفري الناس بالعموم ، وبينت أننا إمنا نكفر النظام احلاكم بغري ما أنزل

(188) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

كل من محل جواز أو جنسية هؤالء الطواغيت ، فهو راض حبكمهم أو اهنم قد رضوا عنه ،كما مسعت من استغىن عنها لفرتة يقول ؛ مث رجعوا عن ذلك املذهب بعد أن ضاقت

. ألرض مبا رحبت ورجعوا إىل جوازاهتمعليهم افلقد كان الكافر جيري املسلم يف زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم يف مكة وما كان ذلك يعين أبدا رضى أحدمها عن دين اآلخر ، كيف وقد قبل النيب صلى اهلل عليه وسلم

يهم يدعوهم جبوار املطعم بن عدي ملا رجع إىل مكة يوم أن رده أهل الطائف حني ذهب إلوكذا جوار العاص بن وائل –كما سيأيت –، وأقر أبا بكر على جوار ابن الدغنة له

. وتأمينه لعمر بعد إسالمهواجلوار محاية ورعاية وتيسري إقامة املرء وتأمينه يف معيشته ، بل فيه من هذه املعاين

ت عداوة الصحابة لدين ومع هذا فقد كان –أكثر مما تقدمه األنظمة اليوم حلملة جوازاهتا .. القوم وبراءهتم من معبوداهتم أظهر من الشمس يف رابعة النهار

وهاحنن وهلل احلمد ، وكل أخ على هذه الطريق ال نرضى عن هؤالء الطواغيت وال يرضون عنا ، ونكفرهم جهارا هنارا ونكفر هبم ونربأ منهم ومن قوانينهم ،ونسمعهم ما

ونصرح هلم بالرباءة منهم ونبدي هلم العداوة والبغضاء ، ومعنا يكرهون من ذلك ليل هنار،نسأل اهلل أن يعيننا على االستغناء عنها وعن كل –جوازات وأوراق وإثباتات هذه البالد

نعم .. -ما ميت إىل الطواغيت بصله ، وجيعل لنا من لدنه وليا وجيعل لنا من لدنه نصريا وتسحب أو جتمد وال جتدد ، ولكن هذا غري منضبط وال قد يضيق علينا أحيانا ، فتصادر

ففي الغرب حيث يتوسعون يف احلريات ، ال حيصل مثل هذا مهما .. يستوي يف كل البالدكان معتقد حامل اجلواز ، ومهما صرح به من ذلك ، فظهر أن محل اجلواز ال يلزم منه

.. رضا أحد الطرفني عن اآلخرجيوز التكفري مبجرده ، اللهم إال أن يرتبط به أو يشرتط وأن األمر غري منضبط ؛ فال

الستخراجه واحلصول عليه ارتكاب قول مكفر كالقسم على الوالء للكفار ودوهلم وقوانينهم وال فرق يف هذا بني جنسيات .. ، أو عمل مكفر كاشرتاط االخنراط يف جيوش الكفر

ا وسالمنا عليه ، وملا قلت له أنك من السلطة اهلل وأنصاره ، فقاطعين مستنكرا حمتجا بعدم مصافحتنالتشريعية فأنت جزء شركي من هذا النظام الكافر ؛ ولذلك نفعل معك هذا ، قال: وأنت أيضا جزء من النظام !! فقلت: كيف ؟ ) أعين من أي سلطاته أنا ؟ ( قال: أنت تأكل وتشرب من النظام ، فأنت

! فتأمل قياسه األعوج ومنطقه الفج.. جزء منه.. ) ويعين بذلك أكل السجن ( !وقد قلت ملن معي وقتها ؛ إن أحسن ما يقال يف مثل هذا املقام ما ينسب إىل الشافعي من قوله: ) ما

جادلت عاملا إال خصمته وما جادلين جاهل إال خصمين.. !! (

(189) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

بل إن طواغيت .. اغيت الشرقالغرب والشرق يف زماننا ، فطواغيت الغرب إخوان لطو الغرب يف زماننا أرحم يف التوسعة على شعوهبم وأرأف وأكثر اعتناء هبم ،وأصدق يف تطبيق

.. حرياهتم بعجرها وجبرهاويف الغرب وغريه من دول الكفر غري العربية ، من املسلمني الصاحلني املعلنني للرباءة

كفر بطواغيتها ؛ ما جيعل التكفري على من دول الكفر اليت يعيشون فيها واملظهرين لل . اجلنسية واجلواز وحده خطأ شنيع ومشكل من املعوصات

أما من ادعى أن يف طلب استخراج جواز السفر حتاكم للطاغوت ؛ وكفر اخللق بدعواه هذه ، فإنه غال متهور يف أحكام التكفري ، مغامر بدينه مل يعرف التحاكم املكفر ،

شرعه اهلل من احلدود واألحكام وجعله توقيفيا مل يأذن للعباد بتبديله أو ومل مييز بني ما ومثله ال حيل .. تغيريه أو التدخل يف وضعه ؛ وبني ما تركه الجتهادهم وأذن هلم يف وضعه

.. له اخلوض يف هذا احلكم اخلطري ما دام ال مييز بني نوعي احلكم الشرعي واحلكم اإلداري . وسيأيت التمييز بينهما

هذا وقد استدل بعضهم على التكفري بذلك ، مبا رواه اإلمام أمحد عن طارق بن ) دخل رجل اجلنة يف ذباب ، ودخل النار : شهاب أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال

) مر رجالن على قوم هلم صنم ال : رجل يف ذباب ( ، قالوا كيف ذلك يا رسول اهلل ؟ قالما عندي شيء ، قالوا قرب : قرب قال: شيئا ، فقالوا ألحدمهاجياوزه أحد حىت يقرب له

قرب ، قال ما كنت : ولو ذبابا ، فقرب ذبابا فخلوا سبيله ، فدخل النار ، فقالوا لآلخر . ألقرب ألحد شيئا دون اهلل عز وجل ، فضربوا عنقه ، فدخل اجلنة (

لذي أجازوا له املرور فاستدلوا هبذا على كفر من قبل جواز الكفار أو محله ، ألن ا دخل النار ,,

فاحلديث مل يثبت .. ال بد قبل النقش من إثبات العرش: والرد على هذا أن يقالمرفوعا ، وإمنا يروى موقوفا ، نعم ذكره الشيخ سليمان بن عبد اهلل بن حممد بن عبد

يف الذبح الوهاب يف كتاب ) تيسري العزيز احلميد شرح كتاب التوحيد ( يف) باب ما جاء لغري اهلل ( فعزاه إىل اإلمام أمحد حدثنا أبو معاوية حدثنا األعمش عن سليمان بن ميسرة

… ( عن طارق بن شهاب أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ) فذكر احلديث وطارق بن شهاب هو البجلي األمحسي اختلف يف صحبته ، فقيل رأى النيب صلى

منه شيئا فهو مرسل ، وقد نقل الشيخ سليمان عن ابن القيم اهلل عليه وسلم ومل يسمع أهـ. ) قد طالعت املسند فما رأيته فيه ، فلعل اإلمام رواه يف كتاب الزهد أو غريه (: قوله

(190) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

( من رواية 33-32( ص )84وهو كما قال ؛ فهو يف كتاب الزهد رقم ): قلت عن طارق بن شهاب عن .. ل قال )ب إال انه لم يرفعهابنه عبد اهلل عنه باإلسناد نفسه

) لعله : )فذكره( ( وسليمان هذا ال يعرف ؛ وقال املعلق على كتاب الزهد: سليمان قالفلعله من اإلسرائيليات (*)سلمان الفارسي ( ، وعليه فال يثبت رفعه، فإن ثبت عن سلمان

، وقد خالط (8)اإلجنيل والفرقان : ، إذ أن سلمان كان يقال له )صاحب الكتابني( يعينوعلى كل حال فخرب هكذا حاله .. فاهلل أعلم بالصواب.. أهل الكتاب يهودا ونصارى مدة

ال يصح أن يعتمد عليه يف حكم خطري كالتكفري ؛ فتفصم به العصمة ، وتستحل به . الدماء واألموالعلى تقدير صحة هذا اخلرب ، فاستدالل من استدل به على التكفري : مث أقول

. زات ، مردود من وجوهباجلواأنه خرب عمن كانوا قبلنا ، ومعلوم أن شرع من قبلنا إذا عارض شرعنا فليس : أحدها

.. بشرع لنا ، ألن اهلل تبارك وتعاىل قد جعل لكل أمة شرعا ومنهاجا يف غري التوحيد واملقصود هنا مانع اإلكراه ، فقد علمت أن اهلل تبارك وتعاىل قد وضعه وشرعه مانعا منموانع التأثيم والتكفري وقد اختصت به هذه األمة من بني سائر األمم فهو من اآلصار اليت

) إن اهلل جتاوز يل عن أميت : كانت على من قبلنا ورفعها اهلل عنا ، كما يروى يف احلديثوهذا من رمحة اهلل وتوسعته على هذه األمة فقد (9)اخلطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (

قبلنا ال يعذرون باإلكراه ، فلو صح احلديث لكان خاصا هبم ، ألن املذكورين يف كان مناخلرب قتلوا من مل يقرب ، وهذا يف شرعنا مانع من التعذيب والتكفري ، فإن دخول من قرب

.. مكرها مهددا بالقتل النار ؛ بني يف أن هذا خمالف لشرعنا ال يصح االستدالل به عليناكما –وعيد بدخول النار وحده ال يكفي للداللة على الكفر األكرب أن ال: الثاين-

ويتأكد ذلك إذا مل يذكر معه اخللود والتأبيد مع حبوط األعمال ، أو قرينة –قدمنا لك وذلك ملا ثبت من أن من .. تدل على أنه من أهلها الذين أعدت هلم وال خيرجون منها

نوبه مث خيرج منها برمحة اهلل إىل اجلنة مصري املوحدين من يدخل النار ويعذب على قدر ذ .. املوحدين ومآهلم

ي موقوفا. ( عن سلمان الفارس1/203مث وجدته بعد أن فرج اهلل عند أيب نعيم يف احللية) (* . 196انظر االستيعاب البن عبد الرب ص (8)( والدارقطين وغريهم وهو وإن أعله ابن أيب حامت وضعفه 2/198رواه ابن ماجة والبيهقي واحلاكم ) (9)

غريه ، إال أن العلماء قد تلقوه بالقبول ألن له شواهد ثابتة يف الكتاب والسنة ، كما إن له طرقا تدل على ( ولذلك حسنه النووي يف األربعني. 230كما ذكر السخاوي يف املقاصد ص )أن له أصال

(191) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

أن هذا اجلواز الذي دخل الرجل النار بسببه ، فيه شرط كفري ، وحنن : الثالث -ال جنيز استخراج اجلوازات أو محلها إن تضمنت شروطا كفرية ، والذين ننكر عليهم تكفري

خراجها دون أن يشرتطوا مثل هذا الشرط ، حاملي اجلوازات يكفروهنم بالعموم مبجرد استوأكثرهم جيعل األصل بطلب اجلواز الكفر والتحاكم للطواغيت ، فليس خالفنا يف مثل هذا الشرط الكفري إن وجد ، وعلى كل حال فالشرط خارج عن اجلواز ، واجلواز إذن باحلركة

، فمن احتاجه وحصل والتنقل مينحه الطواغيت املتغلبون ملن هم مقهورين حتت سلطاهنم عليه واستعمله دون أن يكون فيه شرط مكفر ، فبأي وجه يكفر ؟

يف رفع أعالم الكفار أو شعاراتهم غير صريحة الداللة على كفرهم -3- واقع اليوم امللتبس ، أو اجللوس حتت صورهم اليت تعلق يف امليادين أو يف دوائر احلكومة

.. وحنوها .. فري به وحدهفهذا كله ال حيل التك

أما األعالم فإن الذين يكفرون هبا كما مسعنا من بعضهم إمنا يكفرون من : وجهني دعوى أن تعظيمها أو احرتامها من جنس تعظيم األصنام وعبادهتا ، : األول

وهذا ليس بدقيق وال صحيح ، فتعظيم األصنام تعظيم تأله وتنسك ، فهو عبادة يتلبس هبا ادها يصرفون إليها شيئا من الرهبة والرغبة فيعتقدون أهنا تضر وتنفع أو اخلوف والرجاء ، فعب

.. تقرب إىل اهلل ، ومن أجل ذلك يعظمها من يعظمها منهم ويؤهلهاوالتعظيم إن مل يكن معه تنسك وتأله وخوف وحب ورجاء فليس بعبادة ، وال

..شرك ، بل هو ذريعة قد يفضي إىل ذلك إن دخله الغلو واملبالغةبل يف ذلك .. وكذلك فليس كل خوف عبادة كما هو معلوم وال كل حب كذلك

.. تفصيل معلوم يف كتب التوحيدفهذه األعالم والشعارات ال أعرف أن أحدا يعظمها تعظيم تأله أو تنسك ، بل هو تعظيم من جنس املغاالة ، واملبالغة يف اإلكرام والتوقري واالحرتام الذي خيشى أن يصري ذريعة

بل هو من جنس ما هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه .. إىل الشرك وليس هو شركا حبد ذاتهوملا فعلوه يف الصالة حني .. وسلم أصحابه عنه من القيام له كما تفعل األعاجم مع ملوكها

يقومون : ) إن كدمت آنفا لتفعلون فعل فارس والروم: صلى جالسا يف مرضه هناهم عنه قائال . هم قعود فال تفعلوا ( رواه مسلمعلى ملوكهم و

(192) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ومل يكن (10)( يعظم بعضهم بعضاويف لفظ ألمحد ) ال تقوموا كما تقوم األعاجم فهذا التعظيم والقيام وحنوه من التحية باليد وما ابتدعته وأحدثته الدول .. ذلك منهم كفرا

عاراهتم ، وخصوصا من مراسم ذلك ، وإن كان ال جيوز بذله هلذه اخلرقة وال لغريها من شوأهنا ترمز إىل هذه الدول احملدثة اليت مزقت مشل دولة اإلسالم حبدودها وأعالمها وشعاراهتا

.. وجنسياهتا ؛ ولكن ذلك ال يصل إىل معىن العبادة املكفر(( وقوموا هلل قانتين)) : ولذلك فال يصح أيضا االستدالل هنا للتكفري بقوله تعاىل

لق على طول القيام ، فإن املراد بالقيام هنا الصالة والعبادة والتنسك فإن القنوت وإن أطوالتأله الذي منه الدعاء ، ال عموم القيام الذي يدخل فيه القيام املباح ألي غاية ، أوالقيام

.. لالحرتام والتعظيم املنهي عنه وليس هو بعبادة وال كفرنها طول القيام ومنها اخلشوع م (11)وقد ذكر العلماء للقنوت حنو عشرة معاين

ومنها الطاعة ومنها الدعاء ومنها السكوت ، فإهنم كانوا يتكلمون يف صالهتم يف أول أمر الصالة مث نزلت هذه اآلية فنهوا عن ذلك كما يف حديث زيد بن أرقم يف الصحيحني

حلاجة يف ) كان الرجل يكلم صاحبه يف عهد النيب صلى اهلل عليه وسلم يف ا: وغريمها قال (( فأمرنا بالسكوت ( وقوموا هلل قانتينالصالة حىت نزلت هذه اآلية ))

.. فثبت أن املراد بالقيام هنا قيام الصالة ال مطلق القياموما دام األمر على هذا التفصيل ، فإن وجد من يقوم هلذه األعالم عبادة وتنسكا

عند الكفار األصليني أو اجملوس وأنا شخصيا ال أعرف بوجود مثل هذا حىت.. ويصلي هلاإن وجد مثله عند بعض الناس ؛ فأقصى ما : أو اهلندوس والبوذيني وحنوهم ، مع هذا أقول

يكون حال عموم القيام يف الناس عندئذ ، أن يصري من األعمال احملتملة يف التكفري اليت .. حيتاج التكفري هبا إىل تبني وتثبت ملعرفة قصد الفاعل فيها

أو يكون عبادة مكفرة ، أما .. ا أن يكون معصية ومنكرا وزورا وذريعة إىل الكفرفإم . أن يطلق التكفري فيه على كل حال ، فهذا ال يصلح وليس هو بدقيق

( وقد تكلم شيخ اإلسالم يف ) اقتضاء الصراط املستقيم.. ( على داللة 253-5/256املسند ) (10)

هذا احلديث على خمالفة األعاجم يف ذلك ، وأنه غري منسوخ من هذا الوجه ، حىت على تقدير نسخ اإلمام اجلالس ، وقد صحح كونه حمكما يف ذلك أيضا. حكم اجللوس خلف

( ) باب النهي عن الكالم يف الصالة ( يف 83ذكرها الشوكاين يف نيل األوطار ) كتاب اللباس( ) (11)

(342أبواب ما يبطل الصالة.. عن ابن عريب منظومة. ص )

(193) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ومما جيعل هذا الباب أيضا من احملتمالت والظنيات اليت ال جيوز املبادرة للتكفري هبا رون األوىل املفضلة واحتجاج كثري من الناس دون تبني ؛ وجود رايات للمسلمني يف الق

.. بتعاملهم مع هذه األعالم بذلكراية –صلى اهلل عليه وسلم –) وكانت له : (1/131قال ابن القيم يف زاد املعاد )

رأيت راية رسول اهلل : سوداء يقال هلا العقاب ويف سنن أيب داود عن رجل من الصحابة قال . ، وكانت له ألوية بيضاء ، ورمبا جعل فيها األسود ( أهـصلى اهلل عليه وسلم صفراء

وقد كان املسلمون يلتفون يف احلرب حول هذه الرايات وحيرصون على رفعها وعدم سقوطها ، وهذا مما حيتج به بعض الناس على جواز تعظيمهم وإكرامهم لألعالم ،

مؤتة حني أخذ اللواء ويذكرون يف هذا الباب قصة استشهاد جعفر بن أيب طالب يف غزوةبيمينه فقطعت ، مث أخذه بشماله فقطعت ، مث احتضنه حىت قتل ، وألجل ذلك كان

: يسمى ذو اجلناحني كما يف البخاري عن ابن عمر انه كان إذا سلم على ابن جعفر قال . السالم عليك يا ابن ذي اجلناحني

.. وهذا كله جيعل هذا األمر من احملتمالت كما قلناإىل هذا أن بعض العلماء قد فصل تفصيال حنو هذا يف السجود الذي هو أضف

أشد من القيام ، ففرقوا بني السجود بقصد ربوبية من سجد له ، وبني ما يقع لكثري ممن يدخل على ملوك األعاجم من تقبيل األرض حتية وتعظيما هلم ، فعدوا األول شركا باهلل ،

وهذا قطعا ال يعين إباحة مثل هذا األخري ، الذي (12) ومل يعدوا اآلخر من الكفر بشيءيذكر فعله عن بعض الناس يف كتب التاريخ ؛ فقد عرفت النهي عن القيام تعظيما أو إكراما

؟ لكن إذا كان هؤالء العلماء يفصلون مثل هذا التفصيل يف السجود (13)فكيف بالسجود . ؛ فالقيام الذي هو دونه أوىل

دعوى أن هذه األعالم ترمز إىل النظام احلاكم بغري ما أنزل اهلل ، : اينالوجه الث . فمن رفعها أو عظمها أو أكرمها ، فهو كافر ألنه من أولياء النظام الكافر: قالوا

فريق شيخ اإلسالم بني ما يفعله ( ، وانظر قريبا من ذلك ت4/580أنظر السيل اجلرار للشوكاين ) (12)

بعض الناس بني يدي امللوك من تقبيل األرض واالحنناء كالركوع أو مما فيه السجود وحنوه من احملرمات ؛ ط. دار ابن حزم ( وكذلك تفريق ابن جنيم 1/257وبني من يفعل ذلك تدينا وتقربا ، جمموع الفتاوى )

لجبابرة إن أريد به العبادة ) كفر ( وبني من أراد به التحية ) ال ( بني السجود ل5/134يف البحر الرايق ) يكفره األكثرون (

جاء يف ) غاية املنتهى يف اجلمع بني اإلقناع واملنتهى ( ملرعي الكرمي ، أن السجود للحكام بقصد (13) العبادة كفر ، وبقصد التحية كبرية.

(194) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فهذا أيضا غري صريح بل هو حمتمل ، وهو كالذي قبله يف احتياجه لتبني قصد هذه األعالم على أهنا رموز لألوطان والبلدان الفاعل ، فإن كثريا من الناس يتعاملون مع

وليس لألنظمة واحلكام ، فاحلكام يتغريون ويتعاقبون ، واألنظمة تسقط واحلكومات تتبدل وأقرب مثال على هذا ما يفعله عوام الفلسطينيني وجهاهلم من .. ، وقلما تتغري هذه األعالم

فهذا وإن .. وال نظام حاكم يرمز لهرفع علم بالدهم منذ عشرات السنني ؛ وما مث حكم كان من التشبه بالكفار ، ومن دعاوى اجلاهلية إال أن النزاع ليس يف هذا ، وإمنا النزاع يف كونه وحده عمال مكفرا صريح الداللة ، أم أنه عالمة حمتملة من عالمات الكفر ال تكفي

ق والتفصيل يف قصد رافعها وحدها للقطع بالتكفري ، فالراجح عندنا األخري ، فيجب التفريوفهمه لداللتها ؛ فإن كان يعظمها ويرفعها ويتخذها شعارا ينتسب إىل أهله ودولته باعتبارها رمزا للنظام احلاكم بغري ما أنزل اهلل فهذا عمل مكفر ، ألن فيه احنياز للكفار

م ، وأنه يف عدوهتم وإظهار للمواالة هلم دومنا إكراه ، وإعالن أنه من حزهبم وطائفتهم وفئته .. املعادية للدين ،وحدهم احملاد هلل ورسوله ، وشقهم املشاق للشرع

وإن كان يرفعها لغري ذلك من املعاين سالفة الذكر فهو مع جهله وضالله ال جيوز أن .. نكفره بذلك وحده

من جزء ) حكم 245ولذلك جاء يف كتاب الدرر السنية يف األجوبة النجدية ص، يف رد الشيخ/ عبد الل ه بن عبد اللطيف آل الشيخ على من جوز محاية الكفار أو املرتد( وأخذ علم منهم لسالمة املال والسفينة ، وأن هذا -أي الدخول حتت واليتهم -نائبهم

) هذا قياس باطل فإن أخذ اخلفري لسالمة : فأجاب بقوله. مبنزلة اخلفري الذي هو الرفيق . احلال إليه واخلفري مسلم ظامل أو فاجر فاسق املال جائز إذا أجلأ

، وأخذ العلم منهم ال وأما الدخول تحت حماية الكفار فهي ردة عن اإلسالموليس مبنزلة أخذ اخلفري حلماية املال تحت حمايتهم وواليتهمجيوز إذا كانوا لـم يدخلوا

هم وذلك موافقة هلم يف على أهنم منقادون ألمرهم داخلون يف محايت علم وعالمة،فإن هذا . الظاهر(أهـ

فتأمل كيف جعل الكفر والردة إمنا هو هاهنا يف حقيقة الدخول يف واليتهم ومحايتهم ، ال مبجرد أخذ العلم منهم وتعليقه دون الدخول الفعلي يف واليتهم ؛ فهذا وإن

قال ؛ كان غري جائز كما قال الشيخ ؛ إال أنه ليس بردة ظاهرة وحده ، نعم هو كما عالمة على االنقياد ألمرهم والدخول يف محايتهم ، والعالمة كما قد علمت ليست سببا

. صرحيا ومنضبطا للتكفري

(195) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

هذا مع التنبيه إىل أنه إذا كان العلم املقصود هنا هو علم بريطانيا اليت كانت حتمي ا أصليني ال أولياءها الذين يرفعونه على سفنهم يف مياه اخلليج ، فكوهنم نصارى وكفار

خصوصا مع وجود الصليب –ينتسبون إىل اإلسالم ؛أوضح يف داللة علمهم على الكفر . من غريه من أعالم الدول املنتسبة لإلسالم -عليه

هذا وقد قايس بعض الناس هذه األعالم على الصليب ، وهذا ليس بسديد ، بل الكفرية صرحية ومعلومة عند هو قياس مع الفارق ألن داللة الصليب على عقيدة النصارى

الناس وظاهرة ، وقد مساه النيب صلى اهلل عليه وسلم بالوثن يف حديث عدي بن حامت يف رواية الرتمذي وابن جرير الطربي ملا دخل عليه عدي ويف عنقه صليب من ذهب فقال له

) يا عدي اطرح هذا الوثن عن عنقك( ، خبالف هذه األعالم : صلى اهلل عليه وسلموالشعارات اليت قد عرفت ما فيها من دالالت خمتلفة ، ولذلك ال حيل التكفري بالتصلب عموما حىت وإن كان النيب صلى اهلل عليه وسلم مل يكن يدع يف بيته تصليبا إال نقضه ، إذ

فداللة .. ليس كل تصليب وتقاطع خطوط يدل على عقيدة النصارى الكفرية أو يرمز إليهاوإن كان يستحب مع ذلك نقض عموم .. لة الصليب الصريحالتصليب ليست كدال

التصليب وكذلك شأن هذه األعالم والشعارات أيضا ال خالف يف أن الواجب نقضها .. وإزالتها

أن الطواغيت وحرصا منهم على لبس احلق بالباطل والتالعب .. أضف إىل هذا كلهالشعارات ، بعض شعارات بعواطف الشعوب الدينية ؛ قد أدخلوا يف هذه األعالم و

اإلسالم بل وخصائصه أحيانا ، حنو كلمة التوحيد وشهادهتا ) ال إله إال اهلل ( أو لفظ (( وحنو ذلك مما جيعل موضوع إن ينصركم اهلل فال غالب لكمالتكبري ، أو آية ))

إكرامها واحرتامها وتعظيمها يشكل من هذا الوجه أيضا ، فمن ذا الذي جيوز إهانتها وينكر إكرامها وتعظيمها مع وجود مثل هذا فيها ؟؟

وهذا كله جيعل املبادرة إىل القطع بتكفري رافع هذه األعالم أو حمرتمها دون تفصيل ، . تسرع وهتور ظاهر

اليت ينشرها أولياؤهم يف قاعات صور الطواغيت وشعاراتهمومن ذلك أيضاجيوز جعلها وحدها سببا لتكفري من جلس فال.. وغرف وزاراهتم ودوائرهم احلكومية وحنوها

حتتها أو إىل جوارها يف تلك األماكن ، ومن مث استحالل دمه أو ماله مبجرد ذلك ، سواء . أكان من املوظفني أم من املراجعني أم من غريهم من املسلمني

(196) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فقد عمت هبذا البلوى يف شوارعهم أو أكثر مرافقهم اليوم ، وما دام ليس للمرء يف تعليقها ، فال يصح التكفري مبجرد ذلك ؛ فقد كان حول الكعبة وفوقها يف زمن اختيار

النيب صلى اهلل عليه وسلم أكثر من ثالث مائة صنم ، وما كان ذلك مينع النيب صلى اهلل عليه وسلم أن يصلي عند الكعبة ، كما يف حديث عمرو بن العاص عند البخاري

عليه وسلم يصلي يف حجر الكعبة إذا أقبل عقبة بن بينا النيب صلى اهلل: ( قال3856) . احلديث ( …أيب معيط فوضع ثوبه يف عنقه فخنقه خنقا شديدا

(( أن النيب فليدع ناديه سندع الزبانية)) : وكما يف سبب نزول قوله تبارك تعاىللرتمذي ( احلديث رواه ا. .. صلى اهلل عليه وسلم كان يصلي عند املقام فمر به أبو جهل

. وابن جرير يف التفسريهذا مع أن الصالة ممكنة بعيدا عن .. وغري ذلك من األحاديث املصرحة مبثل ذلك

. الكعبة وعن تلكم األصناموما كان مينعه صلى اهلل عليه وسلم وجود تلك األصنام من اجللوس عند الكعبة

اهلل عليه وسلم غري مع أنه صلى (14)متوسدا بردته وهي حوله ال يقدر على كسرها ففي هذا دليل على رفع احلرج عن ذلك ، .. مضطر للجلوس هناك ويسعه اجللوس يف غريه

. وأنه ال يكفر مبثله وحده ؛ إال متهور قد غامر بدينه وقامرفمجرد اجللوس ال يعين الرضا هبا وتعظيمها أو متابعتها خصوصا وقد عم البالء هبا

، فال يكاد خيلو جيب مسلم أو بيته من نقودهم اليت عليها من غري اختيار من الناس .. صورهم وشعاراهتم

فلقد كان املسلمون يف زمن النبوة وبعد ذلك يف القرون املفضلة يتعاملون بنقد فارس والروم وغريهم إذ مل يكن عند املسلمني نقد خاص هبم ، ومل توجد هلم سكة خاصة هبم ؛

وان ، فكان املسلمون قبل ذلك يتعاملون بنقد الكفار الذي ال إال يف زمن عبد امللك بن مر (15).. خيلو من صور طواغيتهم ، كما هو معروف وموجودة بقاياه وآثاره إىل اليوم

شكونا إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهو متوسد كما يف حديث خباب عند البخاري أيضا ) (14)

احلديث …بردة له يف ظل الكعبة فقلنا: أال تستنصر لنا أال تدعو لنا ؟

ذكر علماء اآلثار أن الدرهم الفضي الذي كان مستعمال يف زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم هو (15)أما الدينار الذهيب فهو الدينار الروماين الدرهم الفارسي الذي كان حيمل صورة نصفية لكسرى الفرس ،

الذي كان حيمل صورة اإلمرباطور الروماين وولديه حيملون عصا البطريركية املسيحية،وال زالت عينات من هذه العملة موجودة إىل اليوم. نقال عن مبحث لعميد كلية اآلثار يف جامعة القاهرة رأفت النرباوي.

(197) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

أنه وكما ال تكفي عالمات اإلسالم وحدها للقطع بإسالم املرء دون : الخالصةو

.. ويف غري دار اإلسالم خصائصه ، بل الواجب التبني فيها ، كما أمر اهلل تعاىلفكذلك ال تكفي يف القطع بالتكفري ذرائع الكفر وعالماته اليت هي ليست أسبابا

.. منضبطة للتكفري ، بل أكثرها من احملتمالت ، أو من جنس الكبائر واملعاصي واملداهنات

(198) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((10 )) التكفير بالشبهة والظن دون تثبت وعدم االلتفات

لشرعية واإللزام بالكفر وإن نكص إلى طرق اإلثبات ا . عنه المتهم

ومن األخطاء الشنيعة يف التكفري أيضا ؛ األخذ بالشبهة والظن دون تثبت أو تبني وعدم االلتفات إىل طرق اإلثبات الشرعية ، أو اإللزام بالكفر وإن نكص عنه املتهم ، ومل

. يقر به وال قامت عليه البينة الشرعية املعتربةا يكثر بني اخلصوم ، خاصة عند ضعف وازع الورع ، ووهن التقوى والدين ، وهذ

فيجعل أحدهم .. فتدخل فيه حظوظ النفس والعداوات الشخصية ، أو البغي واحلسديتصيد الكلمات واهلفوات والعثرات على خصمه لتكفريه ، أو ) شطبه ( ؛ كما هو

قعون بامسه ، فيشطبون من شاؤوا وجييزون مصطلح بعض من تطاولوا على أقالم الشرع يو وترى الواحد منهم يف هذه احلال ؛ إما لدافع اهلوى أو .. من شاؤوا تبعا للهوى واخلصومات

: لسوء اإلرادة ، يكيل مبكاييل ال يرتضيها يف نفسه وأحبابه وخالنه ، كما قيل وعني الرضا عن كل عيب كليلة لكن عني السخط تبدي املساوئا

فرمبا أخذ يف خصومه بشهادة اجملروحني عنده ؛ ممن ال يقبل شهادهتم يف نفسه يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق )) : وأحبابه ، فيتغافل هناك عن قوله تبارك وتعاىل

مث يتذكره دوما .. (( بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين هنا !!!ويدندن حوله فيما ها

ورمبا أخذ يف خصومه بالظن والتخرص والشكوك واالحتماالت اليت يدفع بصدرها ، . ويورد على إبطاهلا الدالئل الشرعية إن أوردت عليه أو رمي هبا خالنه

مع أنه معلوم عند كل من له فقه يف دين اهلل ؛ أن البينة الشرعية اليت يثبت هبا .. كون بشهادة عدلني ،أو بإقرار املتهم واعرتافهالتكفري عند مجهور العلماء، ت

) فصل ، وتقبل الشهادة على الردة من : قال ابن قدامة يف املغىن ) كتاب املرتد (عدلني يف قول أكثر أهل العلم ، وبه يقول مالك واألوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ،

(199) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

( .. يقبل يف القتل إال أربعةال: وال نعلم أحدا خالفهم إال احلسن ، قال: قال ابن املنذر . أهـ

وقد اشرتط اهلل تبارك وتعاىل العدالة يف أمور هي دون التكفري الذي يتعلق به سفك (( وقال )) وأشهدوا ذوي عدل منكم: الدماء وإباحة العصمة ، فقال تعاىل يف الرجعة

ال جتوز وتقدم حديث ).. (( ممن ترضون من الشهداء)) : سبحانه وتعاىل يف الدين (1). شهادة خائن وال خائنة وال ذي غمر على أخيه (

أما شهادة اآلحاد والصبيان واجملاهيل واملتهمني ، واألعداء واخلصوم يف بعضهم البعض فال تقوم هبا حجة يف هذا األمر اخلطري ، الذي ترتتب عليه إباحة العصمة وسفك

.. الدماء ؟؟ .. والرد واإلنكارفكيف إذا دفعت من املتهم باألميان ،

) أن مذهب الشافعي وأيب حنيفة وأمحد أيضا يف املشهور : فقد ذكر شيخ اإلسالمعنه أن من شهدت عليه بينة بالردة فأنكر وتشهد الشهادتني املعتربتني حكم بإسالمه ،

ى ) وال حيتاج أن يقر مبا شهد به عليه ، فكيف إذا مل يشهد عليه عدل ( أهـ جمموع الفتاو 35/124 )

) لو شهد عليه بالردة فقال " مل أزل : (3/398وقال ابن القيم يف اعالم املوقعني ) أشهد أن ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل منذ عقلت إىل اآلن " مل يستكشف عن شيء

وغريه من (2)، ومل يسأل ال هو وال الشهود عن سبب ردته كما ذكره اخلرقي يف خمتصره) إن كنت قلته فأنا تائب : الشافعي ، فإذا ادعى عليه بأنه قال كذا وكذا ، فقالأصحاب

منه ( أو قد تبت ، فقد اكتفى منه هبذا اجلواب ، ومل يكشف عن شيء منه بعد ذلك ( . أهـ

الم ابن تيمية: ) ال تقبل شهادة العدو على عدوه ولو كان عدال ( أهـ ) ( وتقدم قريبا قول شيخ اإلس1)35/120 )

أنظر املغىن ) كتاب املرتد ( مسألة ومن شهد عليه بالردة فقال ما كفرت.. ( ) الفصل الثاين ( (2)(8/99 )

(200) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) من قيل أنه ال يصلي فكذهبم صدق ( أهـ : ويف األم يقول اإلمام الشافعي(1/390) .

ذلك حبديث حمجن الديلي رضي اهلل عنه ؛ ) أنه كان يف جملس مع واستدلوا ل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ، فأذن بالصالة فقام رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فصلى

ما منعك أن تصلي مع : ، مث رجع وحمجن يف جملسه فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلمرسول اهلل ، ولكين قد صليت يف أهلي ، فقال بلى يا : الناس ؟ ألست برجل مسلم ؟ قال

إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت ( : له رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم . أخرجه مالك يف املوطأ وأمحد والنسائي واحلاكم وصححه

( منه ؛ أن من أقر بالصالة وإقامتها 4/224فقد استنبط ابن عبد الرب يف التمهيد )لك إذا قال إين صليت ، ألن حمجنا قال لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ، أنه يوكل إىل ذ

. قد صليت يف أهلي ، فقبل منهصليت يف بييت ترك ( أهـ روضة : ) إذا أراد السلطان قتله ، فقال: وقال النووي

. (2/147الطالبني )املخالف من ) ومن أقبح التكفري ، ما كان مستندا إىل وجه ينكره : ويقول ابن الوزير

أهل املذهب ، مثل تكفري األشعرية باجلرب اخلالص الذي هو قول اجلهمية اجلربية ، وهم . (( (أهـ )) وال تقولوا لمن ألقى إليكم السالم لست مؤمناينكرونه ، واهلل تعاىل يقول

. (418) إيثار احلق على اخللق ( ) من خصومهم ، بنقل جمروح ولقد رأيت أناسا تبلغهم اهلفوة أو اخلطأ عن الرجل

العدالة عندهم أو غري الضابط من اجلهال والسفهاء ؛ فيعتربوهنا ويتشبثون هبا دون مراجعة أو تثبت منه ، إذ ذلك ال يعنيهم ، كما ال يهمهم النظر يف املوانع أو الشروط ، ألن مههم

البغي أحيانا إىل بل وتدفعهم شدة اخلصومة و .. األول واألخري ) شطب ( اخلصم وتكفريه .. رد توبته أو اعتذاره أو استغفاره

وإن راجعه عاقل متثبتا ، فأنكر وحلف األميان على بطالن النقل أو حتريفه ، مل وكأمنا هي هتمة أو فرصة كانوا يرتبصون هبا .. يلتفتوا إىل ذلك ومل يرفعوا بأميانه رأسا

.. ومة قائمةوستبقى عندهم ملصقة به ما دامت اخلص.. وينتظروهنامع أن التهمة مل تثبت أصال بطرق اإلثبات الشرعية ، وقد ردها املتهم بإنكاره

!! .. وأميانه

(201) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ومن مل تثبت عليه التهمة بطرق اإلثبات الشرعية فهي معدومة يف حقه حكما وإن ات ، فاهلل تبارك وتعاىل مل يكلفنا يف أحكام الدنيا بالبواطن والسرائر واملغيب.. وجدت حقيقة

فمن زنا ومل يثبت زناه بطريق شرعي صحيح ، فهو غري زان حكما ، وإن كان زان يف احلقيقة عند اهلل تبارك وتعاىل ، واألحكام الشرعية يف الدنيا إمنا تقوم على طرق اإلثبات الشرعية ، فال يؤخذ مثل هذا يف الدنيا وال يقام عليه احلد ، ومن اهتمه أو رماه بالزنا جلد

قذف وأسقطت عدالته وكان من الفاسقني إن مل يأت معه بثالثة شهود آخرين ، حد الوهكذا سائر أحكام الدنيا إن مل تثبت بالبينة ،وإن كان صاحبها مؤاخذ عند اهلل تعاىل

.. ،معذب إن مل يتغمده اهلل برمحتهمل النيب صلى اهلل عليه وسلم.. ): قال شيخ اإلسالم ابن تيمية يف الصارم املسلول

يكن يقيم احلد بعلمه ، وال خبرب الواحد ، وال مبجرد الوحي ، وال بالدالئل والشواهد ، حىت يثبت املوجب للحد ببينة أو إقرار ، أال ترى كيف أخرب عن املرأة املالعنة أهنا إن جاءت

" : بالولد على نعت كذا وكذا فهو للذي رميت به ، وجاءت به على النعت املكروه ، فقال" لو كنت رامجا : األميان لكان يل وهلا شأن " وكان باملدينة امرأة تعلن الشر ، فقاللوال

مع –أي املنافقني –) فكان ترك قتلهم : ( إىل قوله.. أحدا من غري بينة لرمجتها " . (356ص ). كوهنم كفارا لعدم ظهور الكفر حبجة شرعية ( أهـ .. يه وسلم لكان هلم فيه أسوة حسنةفلو تدبر هؤالء هدي نبيهم صلى اهلل عل

فإن املنافقني يف زمنه مل يكونوا جيرؤون على التصريح بكفرهم يف حضرة من يهابونه فرمبا ملحوا تلميحا يظهر ما تنطوي : من املسلمني ملعرفتهم بأهنم يؤخذون بذلك ، ويعاقبون

. (( القول ولتعرفنهم في لحن)) : عليه صدورهم من الكفر ، كما قال تعاىلومنهم من يصرح بذلك ولكن ال يثبت عليه ثبوتا شرعيا لعدم اكتمال البينة ، مث

يحلفون باهلل ما )) : يدفعون التهمة باألميان يتخذوهنا جنة ، وذلك كالذين قال تعاىل فيهم .. (( اتخذوا أيمانهم جنة)) : (( وقال تعاىل.. قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر

كان يسمعهم صيب أو امرأة أو رجل من املسلمني فيشهد مبا مسع وال يكفي فأحيانا هذا لإلثبات ، فرتد شهادته وال يعاقبون هبا ، كما شهد زيد ابن األرقم على عبد اهلل بن

كما يف .. (( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن األعز منها األذل)) : أيب بأنه قالكذب زيد : بن أيب ميينه أنه ما فعل ، حىت قال الناسمث ملا رجعوا اجتهد ا (3)الصحيح

واألبواب (( اتخذوا أيمانهم جنةاحلديث يف الصحيحني ، أنظر البخاري كتاب التفسري باب )) (3)

بعده.

(202) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ، ومع أن الوحي صدق زيدا ، والنيب صلى اهلل عليه وسلم إال أنه صلى اهلل عليه وسلم مل يكن يؤاخذهم .. كان مطلعا بالوحي على أعيان املنافقني

وإمنا عاملهم صلى اهلل .. اليت ال تكفي بالوحي ، وباالحتماالت أو الظنون أو الشواهد .. عليه وسلم بطرق اإلثبات الشرعية اليت هي البينة أو اإلقرار تعليما ألمته

( )فصل( 230-2/224وانظر يف هذا ما قاله القاضي عياض رمحه اهلل يف الشفا )ام فلم مل يقتل النيب صلى اهلل عليه وسلم اليهودي الذي قال له ؛ )الس: ) فإن قلت

وال قتل املنافقني الذين كانوا يؤذونه يف أكثر : إىل قوله… عليكم( وهذا دعاء عليه ، األحيان ؟( .. فارجع إليه فإنه مهم …فقد فصل هناك القول فيما اختصرناه لك هاهنا..

) ولعله مل يثبت عنده صلى اهلل عليه وسلم من أقواهلم ما : (2/226ومنه قوله ) الواحد ومن مل يصل رتبة الشهادة يف هذا الباب من صيب أو عبد أو امرأة رفع ، وإمنا نقله

، والدماء ال تستباح إال بعدلني ، وعلى هذا حيمل أمر اليهودي يف السالم،وأهنم لووا به .. ألسنتهم ومل يبينوه ، أال ترى كيف نبهت عليه عائشة ولو كان صرح بذلك مل تنفرد بعلمه

)(4) ) وكذلك يقال يف اليهود إذ قالوا السام عليكم ؛ ليس فيه : (228أيضا ) ومنه قوله

. ( أهـ.. صريح سب وال دعاء إال مبا ال بد منه من املوت الذي ال بد من حلاقه مجيع البشرولشيخ اإلسالم ابن تيمية كالم مفصل يف هذا ذكره يف مواضع عديدة من الصارم

. (358-354)املسلول ، أنظر على سبيل املثال ص أفال يسعنا بعد هذا ما وسع النيب صلى اهلل عليه وسلم ؟!

: ) قال الصيمري واخلطيب: قال النووي يف الكالم على إفتاء املفيت يف مسائل الردةأنا أصدق من محمد بن عبد اهلل ، أو الصالة لعب ، وشبه ذلك : إذا سئل عمن قال

عليه القتل ، بل يقول إن صح هذا بإقراره أو هذا حالل الدم ، أو: ؛ فال يبادر بقوله

ولذلك بوب البخاري للحديث يف صحيحه يف كتاب استتابة املرتدين.. بقوله ) باب إذا عرض (4)

…(. الذمي أو غريه بسب النيب صلى اهلل عليه وسلم ومل يصرح

(203) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وإن مل يتب فعل به كذا وكذا ، وبالغ (5)استتابه السلطان ، فإن تاب قبلت توبته بالبينة .. ( وله تتمة مهمة تقدمت يف املوضع السابق1/49من اجملموع ). يف ذلك وأشبعه ( أهـ

الشهادة يف التكفري والردة من * أضف إىل هذا ضرورة التنبيه إىل أنه ال بد يف أداء .. التفصيل ، حىت تكون البينة صحيحة وكاملة وواضحة

) وال تقبل الشهادة بالردة المجملة : قال القاضي برهان الدين بن فرحون املالكيكقول الشهود ، كفر فالن ، أو ارتد ، بل ال بد من تفصيل ما سمعوه ورأوه منه ،

( تبصرة 2/277( أهـ ) د يعتقدون كفرا ما ليس بكفرالختالف الناس في التكفير ، فق .. احلكام

. ( أهـ وال يسمع الجرح إال مفسرا: وقال يف املغىن يف كتاب القضاء ) فصلوعلى هذا فإذا مسع الكفر من إنسان ومل تقم عنده بينة كاملة ، ومل يقر ذلك

إن كان -جاز له تكفريه فليس ملن مسعه وإن.. اإلنسان مبقالته،بل أنكر وأظهر اإلسالم - (6)ممن له أهلية يف معرفة طرق االستدالل ومتييز املكفرات والنظر يف موانعها وشروطها

.. ليس له أن يلزم غريه بتكفريه ، لعدم ثبوت البينة الثبوت الشرعي الكامل ما دام مظهرا لإلسالم.. وليس له من مث أن ينكر عليه معاملته معاملة املسلمني

فضال عن أن يعمل فيه قاعدة ) من مل يكفر الكافر فهو –منكرا ملا أهتم به من الكفر . كافر ( وال بد قبل أن أغادر هذا املوضع من التنبيه إىل أمرين -: تنبيهان مهمان

-: مهمنيأن اشرتاط البينة الشرعية الكاملة أو اإلقرار ؛ إمنا هو يف التكفري وما : أوهلما -

أما يف التحذير من شرهم أو من فجورهم –من إباحة العصمة وسفك الدماء يرتتب عليهإذ التحذير يدخل يف باب اإلخبار ، .. وفسقهم وتالعبهم أو بدعهم فاألمر دون ذلك

م أنظر كالم شيخ اإلسالم يف الصارم املسلول ) املسألة الثالثة ( أن شامت الرسول صلى اهلل عليه وسل (5)

( فصاعدا.. 300يقتل وال يستتاب سواء كان مسلما أو كافرا.. ص )ليس مرادنا من األهلية هنا ، أن يبلغ املرء مرتبة اإلمام أمحد أو حنوه من األئمة اجملتهدين ، وال ما (6)

يهرف به بعض مرجئة العصر من تعقيدات وشروط ما أنزل اهلل هبا من سلطان كادوا أن يلغوا هبا حكم تكفري كلية ، وعسروا بل منعوا من تكفري الكفار احملاربني اجملاهرين املصرحني بالكفر البواح.. وإمنا ال

مقصودنا مراعاة ما تقدم من شروط وموانع التكفري.. واحلذر من أمثال هذه األخطاء..

(204) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

، وقد (7)ومعلوم أن شروط قبول اخلرب عند العلماء ليست كشروط الشهادة بل هي دوهنا .. س بأخداهنم ()اعتربوا النا: قال عبد اهلل بن مسعود

فإذا كان الرجل خمالطا يف سريه وعشرته ألهل الشر والزندقة ال ينهاهم عن باطلهم وال ينكر عليهم ، أو كان داعيا إىل بدعة أو حنوها جاز التحذير منه ، وال يشرتط يف

األنباء التحذير مثلما يشرتط يف التكفري ، اللهم إال مراعاة أمر اهلل العام بالتبني والتثبت يف إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)) )) .

والداعي إىل بدعة لو قدر أنه ال يستحق العقوبة أو ال ميكن عقوبته ، فال بد من قلت : ،ذكر ابن القيم يف اعالم املوقعني عن الكوسج ؛قال(8)بيان بدعته والتحذير منها

. (4/168جيفى ويقصى ( أهـ ): ) املرجئ إن كان داعيا ؟ قال أي واهلل: ألمحدأن من اشتهر فجوره أو زندقته أو تالعبه بالدين أو عرف كفره وطعنه : الثاين -

مرارا ، فهذا يكتفي أهل العلم للقدح يف عدالته ودينه وجرحه وبيان حاله مبا علم منه ذ باالستفاضة املغين كتاب الشهادات ) مسألة ما واشتهر عنه باالستفاضة ،وانظر يف األخ

. (.. تظاهرت به األخباروانظر أيضا الفتاوى باب الشهادات ) سئل شيخ اإلسالم عن الشهادة على

. اخل.. هل جتوز باالستفاضة ، والشهرة ، أم ال بد من السماع واملعاينة ؟: العاصي واملبتدعا يقدح يف عدالته ودينه ، فإنه يشهد به إذا ) ما جيرح به الشاهد وغريه مم: فأجاب

علمه الشاهد به باالستفاضة ، ويكون ذلك قدحا شرعيا ، كما صرح بذلك طوائف الفقهاء من املالكية والشافعية واحلنابلية وغريهم ، يف كتبهم الكبار والصغار ، صرحوا فيما

منه أو رآه ، واستفاض ، وما أنه جيرحه اجلارح مبا مسعه (9)إذا جرح الرجل جرحا مفسرا أعلم يف هذا نزاعا بني الناس ، فإن املسلمني كلهم يشهدون يف وقتنا يف مثل عمر بن عبد العزيز واحلسن البصري وأمثاهلما من أهل العدل والدين مبا ال يعلموه إال باالستفاضة

، وغيالن ،ويشهدون يف مثل احلجاج بن يوسف واملختار بن أيب عبيد ، وعمر بن عبيد

الشهادة يف الزنا ال ومما يبني ذلك ويوضحه أن رواية املرأة كرواية الرجل وليست شهادهتا كشهادته ، و (7)( ، 111بد فيها من أربعة بينما الرواية فيه ال حتتاج إىل ذلك ، أنظر مذكرة األصول للشنقيطي ص )

(. 119وأيضا فإنه ال يقدح يف الرواية بالعداوة والقرابة خبالف الشهادة ، أنظر املذكرة أيضا ص ) (. 35/242أنظر جمموع الفتاوى ) (8)

دار ابن حزم: )مفسدا( بالدال. يف الفتاوى ط (9)

(205) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

القدري ، وعبد اهلل بن سبأ الرافضي وحنوهم ؛ من الظلم والبدعة مبا ال يعلمونه إال أنه مر عليه : عن النيب صلى اهلل عليه وسلم (10)باالستفاضة ، وقد ثبت يف الصحيح

" : جبنازة فأثنوا عليها خريا ، فقال " وجبت " ومر عليه جبنازة ،فأثنوا عليها شرا فقال) هذه اجلنازة : وجبت وجبت ؟ قال: يا رسول اهلل ، ما قولك: ت ، وجبت" قالواوجب

أثنيتم عليها خريا ، فقلت وجبت هلا اجلنة ، وهذه اجلنازة أثنيتم عليها شرا فقلت وجبت هلا (. النار ، أنتم شهداء اهلل يف األرض

. هذا إذا كان املقصود تفسيقه لرد شهادته وواليته. ( أهـ …املقصود التحذير منه واتقاء شره فيكتفى مبا دون ذلك أما إذا كان

( 242-35/241جمموع الفتاوى ) وأما يف احلدود الشرعية فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم قد أخرب يف حديث املالعنة

.. أنه ال يرجم أحدا إال ببينة ولو ظهر عن الشخص السوءر عن شخص الفاحشة بني الناس مل ) وإذا اشته: (15/179قال شيخ اإلسالم )

يرجم ، ملا ثبت يف الصحيح عن ابن عباس أنه ملا ذكر حديث املالعنة ، وقول النيب صلى ) إن جاءت به يشبه الزوج فقد كذب عليها ، وإن جاءت به يشبه الرجل : اهلل عليه وسلم

صلى اهلل عليه الذي رماها فقد صدق عليها ( فجاءت به على النعت املكروه ،فقال النيب فقيل البن عباس ، أهذه اليت قال فيها رسول (11)) لوال األميان لكان يل وهلا شأن(: وسلم

ال تلك امرأة : ) لو كنت رامجا أحدا بغري بينة لرمجتها ؟ ( فقال: اهلل صلى اهلل عليه وسلمو ظهر عن فقد أخرب أنه ال يرجم أحدا إال ببينة ،ول(12)كانت تعلن السوء يف اإلسالم

: ( مث ذكر حديث اجلنازة املتقدم وقول النيب صلى اهلل عليه وسلم فيه.. الشخص السوء

( وقال احلافظ يف قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ) 1367أنظر صحيح البخاري كتاب اجلنائز ) (10)

أنتم شهداء اهلل يف األرض (: ) أي املخاطبون بذلك من الصحابة ومن كان على صفتهم من اإلميان ، ا ينطقون احلكمة خبالف من بعدهم ، قال: وحكى ابن التني أن ذلك خمصوص بالصحابة ألهنم كانو

والصواب أن ذلك خيتص باملتقيات واملتقني ( أهـ. ( ، ويف صحيح البخاري: ) لوال ما مضى من كتاب اهلل لكان يل وهلا 2253هذا لفظ أيب داود ) (11)

(. 4747شأن ( )أن احلاكم ال يكتفي ( وقال احلافظ يف الفتح: ) ويستفاد منه5316البخاري كتاب الطالق ) (12)

باملظنة واإلشارة يف احلدود إذا خالفت احلكم الظاهر كيمني املدعي عليه إذا أنكر وال بينة ( أهـ. (. 1497واحلديث رواه مسلم أيضا يف اللعان )

(206) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) فقد جعل االستفاضة حجة وبينة يف هذه األحكام ، ومل : وقال. أنتم شهداء اهلل يف أرضه . جيعلها حجة يف الرجم ( أهـ

اليت كانت تعلن وقال النووي يف شرحه على مسلم يف ) كتاب اللعان ( يف املرأة) معىن احلديث أنه اشتهر وشاع عنها الفاحشة ولكن مل يثبت ببينة وال : السوء يف اإلسالم

. اعرتاف ، ففيه أنه ال يقام احلد مبجرد الشياع والقرائن بل ال بد من بينة واعرتاف ( أهـ

(207) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((11)) إطالق قاعدة ) من لم يكفر الكافر فهو كافر (

دون تفصيلألخطاء الشائعة يف التكفري إطالق قاعدة ) من مل يكفر الكافر فهو كافر ( ومن ا . دون تفصيل

وسوء استعمال هذه القاعدة عم بالؤه وطم بني كثري من الشباب ، حىت جعلها بعض غالة املكفرة أصل الدين وشرط صحة اإلسالم ، يدور معها اإلسالم عندهم وجودا

ء والرباء ؛ فمن أطلقها وأعملها فهو املسلم املوحد الذي يتولونه وعدما ، وعقدوا عليها الوال،ومن خالفهم يف بعض جزئياهتا عادوه وبرئوا منه وكفروه ؛ حىت بلغ هبم األمر أن كفر

ألنه ال خيلو أن خيالف بعضهم يف تكفري بعض الناس ، فيكفر بعضهم .. بعضهم بعضا . بعضا بسبب هذا اخلالفإذا كان إطالق هذه القاعدة على طريقتكم : هنا سؤاال مفاده وحنن نسأل هؤالء

دون تفصيل شرطا لصحة اإلسالم ؛ أفيولد اإلنسان يعرفه أم جيب عليه تعلمه ؟ . يولد يعرفه: فإن قالوا

. ((واهلل أخرجكم من بطون أمهاتكم ال تعلمون شيئا)) : فقد عارضوا قوله تعاىل . جيب تعلمه: وإن قالوا

. جيب عليه ذلك ؛ أقبل البلوغ أم بعده ؟ وال بد من أحد اجلوابنيمىت: قلنا . قبله: فإن قالوا

منهم ؛ .. ) رفع القلم عن ثالث: خالفوا صريح حديث النيب صلى اهلل عليه وسلم . الصغري حىت حيتلم (

. بعد البلوغ: وإن قالوا على الرتاخي ؟ ضعوا لنا حدا ؛ أجيب عليه مباشرة بعد البلوغ ، أم: قلنا هلم

(208) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

. على الرتاخي: فإن قالواتناقضوا وأجازوا بقاء الغالم بعد احتالمه على الكفر مدة ال يعرفون حدها ، فلو

. مات مات على الكفر عندهم . مباشرة: فإن قالوا

فإهنا من املسائل اليت حتتاج إىل نظر وحبث وتعلم ودراسة خصوصا يف ظل : قلناسوء ، وهذا حبد ذاته حيتاج برهة من الوقت ولو سويعات شبهات وتلبيسات مشايخ ال

؛هذا على أقل تقدير إذ أنتم مل تنتحلوه إال بعد مدة من الدهر وطويل من البحث ، وال . جيادل يف هذا إال جاهل معاند ، فيلزمهم التسليم به

وإذا جوزمت الكفر ولو للحظات ألجل تعلم ذلك ، وال بد لكم من هذا بعد أن لتموه شرطا لإلسالم ؛ فقد جوزمت الكفر باهلل تعاىل ؛ وقررمت أنه ال يصح إسالم أحد جع

بعد بلوغه حىت يكفر باهلل ، وصرمت كفارا بذلك ، وإال فخلوا عنكم املغاالة هبذه القاعدة ، . وتعالوا إىل تفصيل أهل العلم فيها

إىل الشرع ، والتكفري كما تقدم أننا وهلل احلمد ال حنتكم يف ديننا إال : أما حنن فنقول . حكم شرعي ال يصح إال باألدلة الشرعية القطعية الداللة

وكما يقول أبو حممد ابن حزم ؛ أن من ظن أنه قد وقع من الدين على ما مل يقع . عليه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فهو كاذب بل كافر بال خالف

أن يكون قد غفل عليه الصالة والسالم أن ومن احملال املمتنع عند أهل اإلسالم يبني للناس شيئا من أصل دينهم أو مما ال يصح ألحد اإلسالم إال به ، مث يتفق على إغفال ذلك أو يتعمد عدم ذكره مجيع أصحابه من بعده ؛ حىت يتنبه إليه ويدلنا عليه هؤالء

األشقياء !!! أو سنة نبيه عليه الصالة والسالم ولذلك فإننا نقول أن كل شرط ليس يف كتاب اهلل

فهو باطل ، وكل قاعدة أو أصل أو قول مل يستند إىل دليل من الشرع فهو رد على .. صاحبه

ولذلك لزم النظر يف أصل هذه القاعدة ، وعلى أي دليل من الشرع تستند حىت .. نضبطها ونعرف حدودها

(209) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

بني بعض الشباب املتهورين وقد كنت مجعت قدميا يف هذه القاعدة ، ملا عم بالؤهاالضعفاء يف العلم الشرعي ، وتتبعتها يف عبارات العلماء ، ألعرف من أقدم من استعملها ؟

؟.. وكيف تعامل أهل العلم معها وعلى أي شيء ينزلوهنا .. فخرجت هبذه النتائج

وجدت استعماهلا كان قدميا ، وليس كما زعم البعض أهنا من كيس شيخ : أوال م ابن تيمية ، تابعه عليها الشيخ حممد بن عبد الوهاب !!اإلسال

نعم اشتهر عن شيخ اإلسالم استعماهلا وإليه وإىل الشيخ حممد بن عبد الوهاب يعزوها أكثر من يستعملها ، لكن قد سبقهما فيها أئمة مشهورون غريهم ؛بعضهم من

: ومنهم.. القرون األوىل املفضلة) : هـ( قال رمحه اهلل تعاىل198ملؤمنني يف احلديث )،أمري ا سفيان بن عيينة -

رواه . القرآن كالم اهلل عز وجل من قال خملوق فهو كافر ، ومن شك يف كفره فهو كافر (أهـ . ( بسند صحيح25عبد اهلل ابن اإلمام أمحد يف السنة رقم)

كما يف أبي خيثمة مصعب بن سعيد المصيفيوكذا نقل مثل هذا القول عن -( لإلمام احلافظ أيب 430( رقم )2/256صول اعتقاد أهل السنة واجلماعة ) شرح أ

. هـ(418القاسم هبة اهلل الاللكائي )هـ ( الثقة العابد ، فقد سئل 194) أبي بكر بن عياش المقريءوأيضا عن -

( عمن يقول القرآن خملوق ؟ 412( رقم )2/250كما يف السنة لاللكائي أيضا ) . ومن مل يقل إنه كافر فهو كافر ( وإسناده صحيح ) كافر : فقال

هـ( حمدث أهل مكة،قال ابن حجر 247) سلمة بن شبيب النيسابوريوكذا -ال : قال (1)قال داود بن احلسني البيهقي ؛بلغين أن احللواين : (2/303يف التهذيب )

) يرمى : فقالفسألت سلمة بن شبيب عن احللواين ،: أكفر من وقف يف القرآن ، قال داودوذكر ذلك اخلطيب البغدادي يف تاريخ . يف احلش ،من مل يشهد بكفر الكافر فهو كافر (

. (7/365بغداد )

هو أبو حممد احللواين احلسني بن علي بن حممد اهلذيل اخلالل. (1)

(210) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) من زعم أن : هـ( قال264) أبو زرعة عبيد اهلل بن عبد الكريم الرازيوكذا -يفهم نممالقرآن خملوق فهو كافر باهلل العظيم كفرا ينقل عن امللة ، ومن شك يف كفره

فهو كافر ( هـ( وروى ذلك 277) أبو حاتم محمد بن إدريس الرازيوقال مثله متاما أيضا -

. (2/176كله الاللكائي يف السنة ) .. فإنه مهم سأذكرك به فيما يأيت ؛ ) ممن يفهم (: * وتأمل قوهلما

ة ، فهذه األقاويل هي أقدم ما وجدته يف عبارات األئمة والعلماء حول هذه القاعدفهي من القرون الثالثة املفضلة ، وليس األمر كما وصفه بعض املتأخرين من أهنا من عنديات شيخ اإلسالم ابن تيمية ،نعم شيخ اإلسالم والشيخ حممد بن الوهاب وأوالده وأئمة الدعوة النجدية قد استخدموها وبعضهم أكثر من استخدامها وإليهم ينسبها من

. ة ، لكنها ليست من تأصيلهم أو اخرتاعهم ، فليعلم هذايسيء استخدامها من الغالقد ظهر يل بعد التتبع واالستقراء ألقاويل أهل العلم أهنم إمنا يذكروهنا : ثانيا

ويستعملوهنا لتأكيد مناقضة أنواع من الكفر للدين تطاير شرر فتنتها يف أزمنتهم ، للعمل ها وعن أهلها، فيكون ذلك من جنس على استئصاهلا برتهيب الناس منها وتنفريهم عن

نصوص الوعيد اليت جيوز إطالقها ؛ مع وجوب مراعاة النظر يف الشروط واملوانع عند تنزيلها . على األعيان ؛ كما يف فتنة خلق القرآن واألمثلة السابفة من جنس هذا

ري أو للتغليظ والتحذير من بعض أنواع الكفر الظاهرة اليت يكون االمتناع من تكف أصحاهبا فيه نوع تكذيب أو عناد صريح للشرع ، مثله مثل التوقف واالمتناع من تكفري اليهود والنصارى الذين كفرهم اهلل تعاىل بالنصوص املتواترة واملعروفة يف دين املسلمني

.. ضرورة ، ومن هذا ما سيأيت التمثيل به من كالم شيخ اإلسالم يف اإلحتاديةصل هذه القاعدة ودليلها الذي ترتكز وتقوم عليه ، هو قوله ومن مث فإن أ: ثالثا

فمن أظلم ممن كذب )) : (( وقوله سبحانه وما يجحد بأياتنا إال الكافرون)) : تعاىل .. (( على اهلل وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين

أخبار الشرع وحنوها من األدلة الشرعية الدالة على كفر من كذب بشيء ثابت من .. وأحكامه

( عن اجلاحظ 281-2/280ولذلك فإن القاضي عياض بعد أن نقل يف الشفا )ومثامة زعمهم ؛ أن كثريا من العامة والنساء والبله ومقلدة اليهود والنصارى وغريهم ؛ ال

(211) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

يبا ) وقد حنا الغزايل قر : حجة هلل عليهم ، إذ مل يكن هلم طباع ميكن معها االستدالل ، قالمن هذا املنحى يف كتاب التفرقة ،وقائل هذا كله كافر باإلمجاع على كفر من مل يكفر أحدا من النصارى و اليهود وكل من فارق دين املسلمني أو وقف يف تكفريهم أو شك ، قال

ألن التوقيف واإلجماع اتفقا على كفرهم فمن توقف في ذلك فقد : القاضي أبو بكر( و شك فيه ، والتكذيب أو الشك فيه ، ال يقع إال من كافركذب النص والتوقيف أ

. أهـ) وهلذا نكفر من ال يكفر من دان بغري ملة املسلمني : (2/286ومثل ذلك قوله )

، وإن أظهر بعد ذلك اإلسالم (2)من امللل أو وقف فيهم أو شك أو صحح مذهبهمظهاره ما أظهر من خالف ذلك ( واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه ، فهو كافر بإ

. أهـ) وقع اإلمجاع على تكفري كل : ) وهلذا ( كانت إىل قوله قبل ذلك: وإشارته بقوله

. من دافع نص الكتاب ( أهـوملا كان ) التكذيب واجلحد ال يكون إال بعد املعرفة أو االعرتاف( دل على ذلك -

(( فإن اجلحد يجحد بأياتنا إال الكافرون وما)) : أدلة تكفري املكذبني نفسها كقوله تعاىلفمن أظلم ممن كذب على )) : إمنا يذكر بعد جميء اآليات وبلوغها ،وكذا قوله سبحانه

وانظر يف مثل هذا .. (( اهلل وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين . (4/118بدائع الفوائد البن القيم )

) من مل يكفر كافرا : ة وتفسريها على النحو التايلفعلم بذلك أن حقيقة هذه القاعدبلغه نص اهلل تعاىل القطعي الداللة على تكفريه يف الكتاب ، أو ثبت لديه نص الرسول صلى اهلل عليه وسلم على تكفريه خبرب قطعي الداللة ؛ رغم توفر شروط التكفري وانتفاء

ة ومن كذب بذلك فقد كفر موانعه عنده ؛ فقد كذب بنص الكتاب أو السنة الثابت . باإلمجاع (

عبد الوهاب يف رسائله الشخصية: ) من مل يكفر املشركني أو تأمل شبه هذا بقول الشيخ حممد بن (2)

( ، وقد جعله ) الناقض الثالث ( يف 213يشك يف كفرهم ، أو صحح مذهبهم ؛ كفر إمجاعا ( ص ) نواقض اإلسالم العشرة اليت عددها.

(212) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

هذه هي حقيقة هذه القاعدة وهذا هو تفسريها ، بعد النظر يف أدلتها واستقراء (3).. استعمال العلماء هلا

وما مل يصرح ويعرتف املرء مبعرفته للنص املكفر ورده له ، فال يصح إلزامه بذلك ، ساعتئذ تتحول إىل التكفري باإللزام أو باملآل ومن مث تكفريه وفقا هلذه القاعدة ؛ فإن املسألة

وسيأيت يف خطأ التكفري باملآل أن الزم املذهب ليس مبذهب، إال أن يكون صاحب ومادام جاهال بذلك الالزم أو غافال … املذهب عارفا عاملا بلزومه ملذهبه فيصرح بالتزامه

. ه به بال برهانعنه ال يشعر به وال يقصده ، فال يلزمه، وال جيوز إلزاماللهم إال أن يكون ذلك يف الكفر الواضح الصريح الذي ثبت بالنص القاطع -

الصحيح ، وعلم ضرورة من دين املسلمني ككفر اليهود والنصارى وحنوهم أو ممن هم على حبيث يكون املمتنع عن .. ملة غري ملة اإلسالم أو من هم شر من ذلك وهو يعرف حاهلم

إما مكذب أو شاك بالنص الذي كفرهم الشرع به غري منقاد وال مستسلم له تكفريهم غالبا ، ألن مثل ذلك النص ال خيفى حىت على اليهود والنصارى أنفسهم ؛ فضال عن أن خيفى

.. على أهل اإلسالم .. ومن كان كذلك فقد كفر باإلمجاع

الشرع أما من كان كفرهم كفر تأويل ، فامتنع من تكفريهم إلشكال بعض أدلة -عنده ، أو كان ذلك من األبواب اليت يعذر اجلاهل فيها ، ألهنا ال تعرف إال من طريق احلجة الرسالية ، أو أنه رد نصا من نصوص الشرع لعدم علمه به ، أو عدم ثبوته عنده ، وحنوهم ممن ال يكفرون إال بعد إقامة احلجة عليهم والتعريف والبيان ؛ فال جيوز إطالق

عدة فيمن أشكل عليه تكفريهم ، أو توقف فيه أو امتنع عنه ما داموا ممن عندهم هذه القا .. أصل التوحيد

هـ( يف هذا الباب 224* ولذلك كان من فقه اإلمام أيب عبيد القاسم بن سالم ) وإني ألستجهل من ال ) ما رأيت قوما أضل يف كفرهم منهم ، : أنه قال يف اجلهمية

. (12/272من فتاوى شيخ اإلسالم ) . عرف كفرهم ( أهـ، إال من ال ييكفرهم

يربأ من املشركني وبعض الناس يوجهوهنا توجيها آخر ؛ مفاده أن من مل يكفر الكافر أو املشرك فهو مل (3)

؛ ومن مث فهو يتوالهم !! وهذا من نواقض اإلسالم ، وسيأيت الكالم على هذا التوجيه يف خطأ التكفري باإللزام.

(213) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

هـ( قال يف )خلق أفعال العباد ( ص 256* ويعزى قريب منه لإلمام البخاري ) ) نظرت يف كالم اليهود والنصارى واجملوس ، فما رأيت أضل من كفرهم : 35رقم 19

. (عرف كفرهمإال من ال ي وإني ألستجهل من ال يكفرهممنهم } يعين اجلهمية { وإين ) ألكفر من ال يكفرهم ( ، ومع هذا استثىن من التجهيل ؛ : ومل يقل: تأمل

. من مل يكفرهم لعدم معرفته لكفرهم* أما اإلمام أمحد فقد ورد عنه أيضا إطالق الوعيد هبذه القاعدة يف رسالته اليت

عن االختالف يف القدر كتبها جوابا على رسالة مسدد بن مسرهد البصري اليت سأله فيها) فهو كالم اهلل : والرفض واالعتزال وخلق القرآن واإلرجاء ؛ فجاء يف جوابه عن القرآن قوله

( أهـ . ومن لم يكفره فهو كافرخملوق ، فهو كافر باهلل العظيم ، : غري خملوق ، فمن قال . (1/315من طبقات احلنابلة أليب يعلى )

تاوى حول ذلك روايتان يف سياق ذكر مذهبه يف وذكر عنه شيخ اإلسالم يف الف تكفري أهل األهواء من القدرية واجلهمية وحنوهم ، صحح فيه أنه مل يكن يكفر مبثل هذه

. ( أهـ. ) وعنه يف تكفري من ال يكفر ،روايتان أصحهما ال يكفر: القاعدة ، فقال . دار ابن حزم(. ( ) ط12/260)

يان من مل يكفروا اجلهمية وأمثاهلم ، ال مطلق ولعله يريد بذلك عدم تكفري أع . الوعيد بالقاعدة فقد عرفت إطالق أمحد واستعماله هلا كما هو أعاله

) ورمبا جعل بعضهم اخلالف يف تكفري من مل يكفر مطلقا : مث قال شيخ اإلسالم . وهو خطأ حمض ( أهـ

دينا بعد تتبع هذه وهو مستقر ل –فكأنه يشري إىل أمهية التفصيل يف هذا الباب .. القاعدة على ما سرتى

وألجل أن أكثر من مسعته يطلق هذه القاعدة وحيتج هبا من املبتدئني يف طلب العلم أو الغالة ؛ يعزوهنا عادة إىل شيخ اإلسالم ابن تيمية أو الشيخ حممد بن عبد الوهاب

ه واتباعه من أئمة الدعوة ، ومعلوم أن أكثر كتابات حممد بن عبد الوهاب وأوالده وأحفاد . إىل شيخ اإلسالم ابن تيمية –خصوصا يف هذه األبواب –النجدية مرد أكثرها

ألجل ذلك سأتناول من استعماالته هلذه القاعدة ؛ مثاال تطبيقيا يف توضيحها ، كما سأستعني ببيان بعض توضيحات أحفاد الشيخ حممد بن عبد الوهاب لكالم جدهم

. لعل ذلك جيلي األمر ويزيده وضوحا.. هذا البابرمحه اهلل يف

(214) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

( وهو يتكلم على 2/83قال شيخ اإلسالم رمحه اهلل تعاىل يف الفتاوى )جلهلوا من احلق (4)) من قال ؛ أن عباد األصنام لو تركوهم: االحتادية أهل وحدة الوجود

لم يكفرهم فهو أكفر ومن . ، فهو أكفر من اليهود والنصارى(5)بقدر ما تركوا من هؤالء ، فإن اليهود والنصارى يكفرون عباد األصنام ، فكيف من جيعل من اليهود والنصارى

. تارك عبادة األصنام جاهال من احلق بقدر ما ترك منها ؟ ( أهـوذلك أن أهل الوحدة ، يقولون قبحهم اهلل ، أن كل شيء هو اهلل ؛ فاألصنام

. !!!.. ادهتا فقد ترك شيئا من احلق ومن عبادة اهللعندهم من اهلل ، فمن ترك عبولذلك قال العالمة شرف الدين أبو حممد إمساعيل ابن أيب بكر املقري اليمين الشافعي رمحه اهلل تعاىل يف رده على أهل احللول واالحتاد وبيان كفر ابن العريب املبثوث يف

: جة الدامغة لرجال الفصوص الزائغة "فصوصه ، وذلك يف منظومته الرائية اليت مساها " احل-

جتاسر فيها ابن العرايب واجرتى على اهلل فيما قال كل التجاسر بأن الرب والعبد واحد فريب مربوب بغري تغاير : فقال

وأنكر تكليفا إذ العبد عنده إله وعبد فهو إنكار جائر ل حيل احلق يف كل صورة جتلى عليها فهي إحدى املظاهر وقا

وما خص باإلميان فرعون وحده لدى موته بل عم كل الكوافر به يا هذا تكن خري مؤمن وإال فصدقه تكن شر كافر فكذ

و سواع وناسر وأثىن على من مل جيب نوح إذ دعا إىل ترك ود أ ومسى جهوال من يطاوع أمره على تركها قول الكفور اجملاهر ويثين على األصنام خريا وال يرى هلا عابدا ممن عصى أمر آمر

وهو ما ذكره شيخ اإلسالم من قول االحتادية ، أن عباد األصنام لو تركوا عبادهتا : إىل قوله.. لكانوا جهاال بذلك

أي: لو تركوا عبادهتا. (4) أي: من األصنام. (5)

(215) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فإن قلت دين ابن العرايب ديننا وتكفريه تكفرينا فالتحاذركف ر نفسه وأنت الذي ألقيتها يف التهاتر

أقل إنك اآلن امل

فذلك دين غري دين حممد وكفر جلوج يف الضاللة ماهرابن القيم ألمحد بن عيسى وهي أبيات متفرقة من قصيدته ؛ نقال عن شرح نونية

( فصاعدا ، وقوله ) ابن العرايب ( هو ابن عريب الطائي ؛ صاحب ) فصوص 1/174)هـ( وعرف ومد هنا ، لضرورة الشعر ويف أبياته الثالث األخرية إشارة إىل 638احلكم ( )

.. القاعدة اليت نتكلم فيها أو قريب منها .. ابن العريب ودان بدينه فقد ذكر فيها كفر من استنكر تكفري

وقد صرح بذلك وذكر القاعدة فيه يف بعض تصانيفه ؛ كما قال احلافظ السخاوي نيب عن ترمجة ابن العريب (

وقد قال ابن املقري يف الردة من كتاب .. ): يف ) القول امل

من تردد في تكفير اليهود والنصارى وابن عربي وطائفته "الروض" خمتصر" الروضة " ؛ ( ، وذكره الشيخ حممد بن عبد 1/166نقال عن شرح نونية ابن القيم ). ( أهـهو كافر ف

. الوهاب يف ) مفيد املستفيد يف كفر تارك التوحيد (وهذا بناءا على ما بثه ابن عريب يف كتبه من املقاالت الشنيعة والكفريات الصرحية ،

.. نسأل اهلل السالمة والعافيةابن تيمية أيضا تكفري ابن عريب عن غري واحد من أهل وقد ذكر شيخ اإلسالم

) هذا وهو أقرب إىل اإلسالم من ابن سبعني ومن القونوي والتلمساين : وقال.. العلمفإذا كان األقرب بهذا الكفر الذي هو أعظم من كفر اليهود وأمثاله من أتباعه ،

ما يذكرونه من الكفر فكيف بالذين هم أبعد عن اإلسالم ؟ ومل أصف عشر والنصارى ؛ . (2/85( أهـ جمموع الفتاوى )

أما على ماذا مات الرجل فقد توقف يف ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية يف غري ) وهذه : . .( بعد أن ذكر أقاويل االحتادية الكفرية2/284موضع من فتاواه ، فقال )

. الرجل عليه ؟؟ ( أهـواهلل تعاىل أعلم مبا مات . املعاين كلها هي قول صاحب الفصوص . ( ) ط دار ابن حزم (2/91وانظر حنوها أيضا )

(216) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فتأمل قول شيخ اإلسالم هذا ، مع كالمه السابق يف ابن عريب ، فإنه يعرفك بورع هؤالء األئمة األعالم يف حكم التكفري خصوصا عند االحتمال أو عدم وضوح اخلامتة

.. واملآل .. ) من مل يكفر الكافر ( ونرجع إىل نقوالتنا عنه يف قاعدة

حيث قال بعد أن بني أن أهل الوحدة شر يف مقالتهم أن كل شيء هو اهلل ؛!! تعاىل اهلل عما يقول الظاملون .. وأخبث من النصارى الذين قالوا أن املسيح وحده هو اهلل

. علوا كبرياعلى حق ، كما ) وهلذا يقرون اليهود والنصارى على ما هم عليه ، وجيعلوهنم: قال

جيعلون عباد األصنام على حق ، وكل واحدة من هذه من أعظم الكفر ، ومن كان حمسنا وادعى أنه ال يعرف حالهم ، عرف حالهم ، فإن لم يباينهم ويظهر لهم للظن هبم ،

وأما من قال ؛ لكالمهم تأويل يوافق الشريعة . اإلنكار ، وإال ألحق بهم ، وجعل منهم، فإنه إن كان ذكيا فإنه يعرف كذب نفسه فيما قاله ، وإن ن رؤوسهم وأئمتهم، فإنه م

كان معتقدا هلذا باطنا وظاهرا فهو أكفر من النصارى ، فمن مل يكفر هؤالء وجعل . لكالمهم تأويال ، كان عن تكفري النصارى بالتثليث واالحتاد أبعد واهلل اعلم ( أهـ

. ( ) ط دار ابن حزم (2/86) وفيها من التناقض من وأقوال هؤالء شر من أقوال النصارى) : أيضاوقال ،

جنس ما يف أقوال النصارى ، وهلذا يقولون باحللول تارة وباالحتاد أخرى ، وبالوحدة تارة ، فهذا كله كفر باطنا فإنه مذهب متناقض يف نفسه ، وهلذا يلبسون على من مل يفهمه ،

ومعرفة دين : كفر هؤالء بعد معرفة قولهم وظاهرا بإجماع كل مسلم ومن شك في . (2/223( أهـ ) اإلسالم فهو كافر كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين

.. فيتلخص لدينا من هذا املثال مبواضعه الثالث ما يلي أن شيخ اإلسالم أطلق هذه القاعدة بألفاظ متقاربة ، جمملة أحيانا ومفصلة : * أوال : أحيانا أخري

. ) من مل يكفرهم فهو أكفر من اليهود والنصارى (: فقال -

(217) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) ومن كان حمسنا للظن هبم وادعى أانه ال يعرف حاهلم عرف حاهلم ، : وقال -لكالمهم : فإن مل يباينهم ويظهر هلم اإلنكار وإال أحلق هبم وجعل منهم ، وأما من قال

. (. تأويل يوافق الشريعة فإنه من رؤوسهم وأئمتهم) ومن شك يف كفر هؤالء بعد معرفة قوهلم ومعرفة دين اإلسالم فهو : وقال -

كافر كمن يشك يف كفر اليهود والنصارى (فيجب محل ما أمجل من ذلك وفهمه على ضوء ما فصل ، ألن الكالم كما هو

. ظاهر يف موضوع متحد وفئة واحدةاهر بإمجاع كل مسلم ( ، و ) أنه أطلق هذه القاعدة يف كفر وصفه بأنه )ظ: * ثانيا

كل واحد منه من أعظم الكفر ( بل ) هو أكفر من اليهود والنصارى ( و ) شر من أقوال النصارى ( ، فإن النصارى دانوا بعقيدة حلول اهلل أو احتاده بشخص املسيح ، أما هؤالء

وكفاره وفجاره من احللولية واالحتادية فقد جعلوا الوجود كله جبماداته وحيواناته وقاذوراته)فإن من مل : ذات اهلل تعاىل اهلل عما يقوله الظاملون علوا كبريا ، ولذلك قال شيخ اإلسالم

يكفر هؤالء كان عن تكفري اليهود والنصارى بالتثليث واالحتاد أبعد ( و) من شك يف . كمن شك يف كفر اليهود والنصارى (. .. كفرهم

أن كفر املذكورين وأقواهلم شر وأكفر من كفر اليهود مث ومع ما ذكره من : * ثالثاوالنصارى ، تراه ال ينفذ هذه القاعدة إال بقيد مهم جيب على من يتعامل معها وينسبها إليه مراعاته واعتباره وهو أن يكون املمتنع عن تكفريهم ، ممن يعرف حاهلم وتفصيل

. مقاالهتم الكفرية الشنيعة زرعة وأيب حامت الرازيني املتقدمة يف تكفري من قال أن القرآن وأذكرك هنا مبقالة أيب

.. يفهم كفرهم ويعرفهأن يكون ممن خملوق ، حيث اشرتطا قبل تكفري الشاك يف كفره ؛ . وكالم شيخ اإلسالم على ذلك كما ترى ، فالقوم يصدرون عن مشكاة واحدة

( وذلك قبل عرف حالهموإن ) ادعى إنه ال يعرف حاهلم ، : قال شيخ اإلسالم) من شك يف كفرهم : وقال.. إنفاذ هذه القاعدة وتكفريه ، فإن أصر بعد ذلك ، أحلق هبم

فهو كافر ( ، وقد قيد هاهنا واشرتط إضافة إىل بعد معرفة قولهم ومعرفة دين اإلسالمة من هو املعرفة بقوهلم ؛ املعرفة بدين اإلسالم ، فخرج بذلك من إطالقاته هلذه القاعد

. حديث عهد باإلسالم أو حنو ذلك ممن يعذر جبهله لعدم متكنه من العلم

(218) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

اليت ال يطلقها عادة إال يف أظهر –ويف هذا بيان كاف ، بأنه ال يطبق هذه القاعدة . ؛ إال بعد إقامة احلجة والتعريف وبيان احملجة –أنواع الكفر

ذب أو املمتنع عن قبول نص صحيح حبيث ال يكفر من طريق هذه القاعدة إال املك . قطعي الداللة ، ولذلك قيد ) مبعرفة دين اإلسالم (

ويف كفر صريح غري حمتمل ولذلك قيد ) مبعرفة قوهلم ( الشنيع الذي هو شر من . قول النصارى

. (6)فهو قد عذر غري املكفر هلم هنا جبهلني ؛جهل الدليل الشرعي ، وجهل الواقع و املوقع عن رب العاملني ؛ ال ميكنه ذلك وال يصيب احلق به إال بأن فإن املفيت أ

جيمع بني كال املعرفتني أو العلمني ، معرفة الدليل أو حكم اهلل يف ذلك وهو ما أشار إليه ) معرفة دين اإلسالم ( ، ومعرفة حقيقة الواقعة أو املقالة املسؤول عنها ، وهو ما : بقوله

. ( عرف حالهموإن ) ادعى إنه ال يعرف حاهلم ، : عرفة قوهلم ( وقوله) مب: أشار إليه بقولهواجلهل بشيء من هذين القسمني حيرم من إصابة احلق ، ومينع من التوقيع عن رب

. العاملني ، ألن املتكلم يوقع حينها ويتكلم عن اهلل بال علم) : تسبني لإلسالمولذلك قال رمحه اهلل بني يدي فتواه يف التتار وعساكرهم املن

احلمد هلل رب العاملني ، نعم جيب قتال هؤالء بكتاب اهلل وسنة رسوله ، واتفاق أئمة : املسلمني ، وهذا مبين على أصلني

. المعرفة بحالهم: أحدهما - ( أهـ . معرفة حكم اهلل في مثلهم: والثاني --1/87الم املوقعني)ويقول تلميذه ابن القيم رمحه اهلل تعاىل موضحا لذلك يف اع

88) : ) وال يتمكن املفيت وال احلاكم من الفتوى واحلكم باحلق إال بنوعني من الفهم؛

، فإنه غري تنبه ! فهذا لغري املكفر هلم فقط ، أما من أضاف إىل ذلك تسويغ كفرهم أو اجلدال عنه (6)

داخل يف هذا اإلعذار ، وقد قال فيه كما هو أعاله: )وأما من قال: لكالمهم تأويل يوافق الشريعة فإنه من رؤوسهم وأئمتهم. (.

(219) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن واألمارات : أحدمها - . والعالمات حىت حييط به علما

م اهلل الذي حكم به يف فهم الواجب يف الواقع، وهو فهم حك : والنوع الثاين - . يف هذا الواقع -صلى اهلل عليه وسلم-كتابه أو على لسان رسوله

. مث يطبق أحدمها على اآلخر ( أهـ وزيادة يف توضيح هذا األمر وتأكيده أنقل لك بعض أقوال شيخ اإلسالم رمحه اهلل

م إنفاذه ملا حتويه هذه تعاىل ؛ الصرحية يف عذر اجلهال حبقيقة مذهب هؤالء االحتادية ، وعد.. القاعدة من وعيد بالتكفري ؛ فيمن مل يكفرهم من اجلهال ، إال بعد إقامة احلجة عليهم

: وقد عرفت أنه يعين بإقامة احلجة يف هذا املقام . تعريفهم بشناعة أقوال االحتادية وما حتويه من كفر صراح -ل ذلك ، كحديث العهد وتعريفهم مبصادمتها لدين اإلسالم إن كانوا ممن جيه - . باإلسالم

) فأقوال هؤالء وحنوها باطنها أعظم كفرا وإحلادا : * قال رمحه اهلل يف الفتاوى أيضامن ظاهرها ، فإنه قد يظن أن ظاهرها من جنس كالم الشيوخ العارفني ، أهل التحقيق

نصارى وعباد والتوحيد ، وأما باطنها فإنه أعظم كفرا وكذبا وجهال من كالم اليهود وال، فكل من كان أخبر بباطن هذا المذهب ووافقهم عليه كان أظهر كفرا األصنام

وإلحادا ، أما الجهال الذي يحسنون الظن بقول هؤالء وال يفهمونهم ، ويعتقدون أنه من جنس كالم المشايخ ، العارفين الذين يتكلمون بكالم صحيح ال يفهمه كثير من

إسالما وإيمانا ومتابعة للكتاب والسنة بحسب إيمانهم الناس ، فهؤالء تجد فيهم التقليدي وتجد فيهم إقرارا لهؤالء وإحسانا للظن بهم ، وتسليما لهم بحسب جهلهم

) . أهـ ( وال يتصور أن يثني على هؤالء إال كافر ملحد أو جاهل ضال وضاللهم ،2/222) .

حق ، وأنه من احلقائق ) ومن قال أن لقول هؤالء سرا خفيا وباطن: وقال أيضا -، فهو أحد رجلين ، إما أن يكون من كبار اليت ال يطلع عليها إال خواص خواص اخللق

، الزنادقة أهل اإللحاد والمحال ، وإما أن يكون من كبار أهل الجهل والضاللفالزنديق يجب قتله والجاهل يعرف حقيقة األمر فإن أصر على هذا االعتقاد الباطل

( 2/230( أهـ ) لحجة عليه وجب قتلهبعد قيام ا

(220) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

. (2/85وانظر حنوه أيضا ) -وهكذا إذا تتبعت تطبيق العلماء احملققني هلذه القاعدة وجدته على هذه اجلادة

: غالبا، وهذه أمثلة مما هو حتت يدي الساعة أمجع العلماء أن شامت النيب : نقل القاضي عياض عن حممد بن سحنون قوله (

ه وسلم املتنقص له كافر ، والوعيد جار عليه بعذاب اهلل له ، وحكمه عند صلى اهلل علي( وذكره شيخ 216-2/215الشفا ). ( أهـ ، ومن شك بكفره وعذابه كفراألمة القتل

. 4اإلسالم يف الصارم ص .. فتأمل هذا املوضع تراه متسقا مع ما قدمناه ال خيرج عنه

ما ذكر حممد بن سحنون نفسه كفر بإمجاع فشتم النيب صلى اهلل عليه وسلم ك -العلماء ، وقد نقل شيخ اإلسالم اإلمجاع على ذلك يف الصارم املسلول عن اإلمام اسحاق

. فصاعدا 3بن راهويه ، وحكاه عن غري واحد من أهل العلم ، أنظر ) املسألة األوىل ( ص لرسول صلى اهلل كما قرر شيخ اإلسالم يف الصارم املسلول أيضا أن ردة شامت ا -

. (وغريها297عليه وسلم ردة مغلظة وزائدة ، انظر ص )وان فيها من األذى هلل ولرسوله صلى اهلل عليه وسلم ولعباده املؤمنني ما ليس يف

( وغريها ، وأهنا أشد من كفر وشرك اليهود والنصارى 294الكفر واحملاربة انظر صفحة )زية ، وال يقرون ال هم وال غريهم على شتم الرسول الذين يقرون عليه يف دار اإلسالم باجل

. (فصاعدا246أنظر ص ). صلى اهلل عليه وسلم حبالبقي أن تتنبه إىل أن إيراد القاعدة املذكورة هنا إمنا هو يف الشتم والتنقص الصريح ،

تثبت ال يف اإلطالقات احملتملة غري الصرحية ، بدليل ما قدمناه لك يف املواضع السابقة منالعلماء ومنهم القاضي عياض صاحب النقل أعاله وتريثهم وخالفهم يف تكفري من صدر منه قوال حمتمال يف هذا الباب ، واستفصاهلم قبل التكفري باحملتمالت ونظرهم بالقصد

.. والقرائن والعرف ؟ .. كل ذلك يف تكفري صاحب املقالة احملتملة !! فما بالك يف تكفري من مل يكفره

( وهو يتكلم يف طائفة 35/98قال شيخ اإلسالم ابن تيمية يف الفتاوى )وكفر هؤالء مما ال يختلف فيه المسلمون ، بل من شك في كفرهم فهو كافر ) : الدروز

(221) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

، بل هم الكفرة الضالون فال يباح مثلهم ، ال هم بمنزلة أهل الكتاب وال المشركين اخل ( .. أكل طعامهم

إطالقه للقاعدة املذكورة أن كفر هؤالء مما ال خيتلف فيه فتأمل كيف ذكر قبل - .. املسلمونفقد كان ذكر يف .. وذكر أهنم ليسوا مبنزلة أهل الكتاب ، يعين اهنم شر منهم -

املوضع نفسه أهنم يأهلون )احلاكم( العبيدي ويسمونه )الباري العالم ( وأهنم . يهود والنصارى ومشركي العرب ( أهـ) من القرامطة الباطنية الذين هم أكفر من ال

.. فقس عليه تصب إن شاء اهلل.. فهذا متسق مع ما قدمناه لك ( يف تفصيل القول يف من سب 587-586وقال يف الصارم املسلول )) أما من اقرتن بسبه دعوى أن عليا إله ، أو أنه كان هو النيب ، وإمنا غلط : الصحابة

، بل ال شك في كفر من توقف في تكفيره شك يف كفره جربيل يف الرسالة ، فهذا ال(7) .

وكذلك من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت ، أو زعم أن له تأويالت باطنة تسقط األعمال املشروعة ، وحنو ذلك ، وهؤالء يسمون القرامطة والباطنية ومنهم

. التناسخية ، وهؤالء ال خالف يف كفرهممثل وصف بعضهم –با ال يقدح يف عدالتهم وال يف دينهم وأما من سبهم س

بالبخل ، أو اجلنب أو قلة العلم أو عدم الزهد ، وحنو ذلك ، فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير ، وال حنكم بكفره مبجرد ذلك ، وعلى هذا حيمل كالم من مل يكفرهم

. من أهل العلمالف فيهم ؛ لرتدد األمر بني لعن البغض وأما من لعن وقبح مطلقا فهذا حمل اخل

. ولعن االعتقادوأما من جاوز ذلك إىل أن زعم أهنم ارتدوا بعد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إال

نفرا قليال ال يبلغون بضعة عشرة نفسا ،أو أهنم فسقوا عامتهم ؛فهذا ال ريب أيضا يف كفره

وأن من شك في كفره ومثله ما ذكره يف اإلقناع عنه أنه قال: ) من دعا علي بن أيب طالب فهو كافر (7) يد يف كفر تارك التوحيد ( للشيخ حممد بن عبد الوهاب. ( كما يف )مفيد املستففهو كافر

(222) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

بل من يشك ن الرضى عنهم والثناء عليهم،ألنه مكذب ملا نصه القرآن يف غري موضع ؛ مهذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة (8)في كفر مثل هذا فإن كفره متعين ،فإن مضمون

(( وخريها هو كنتم خير أمة أخرجت للناس ، وأن هذه اآلية اليت هي )) كفار أو فساقة شر األمم ، وأن القرن األول ؛ كان عامتهم كفارا أو فساقا ، ومضموهنا أن هذه األم

( إىل .. وكفر هذا مما يعلم باالضطرار من دين اإلسالمسابقي هذه األمة هم شرارها، ) وباجلملة فمن أصناف السابة من ال ريب يف كفره ، ومنهم من ال حيكم بكفره : أن قال

. ( أهـ.. ، ومنهم من تردد فيه : * واكتفي هبذا ألخلص ما سبق فأقول

تستعمل يف تأكيد الكفر الواضح اجللي الذي هو مثل كفر بأن هذه القاعدة -اليهود والنصارى أو أشد وأوضح حبيث أن املمتنع عن تكفريهم يكون كاملكذب بنص

. شرعي قطعي الداللة ومثل هذا كافر باإلمجاعومنه تعرف النكتة يف ذكر أهل العلم كالشيخ حممد بن عبد الوهاب وغريه اإلمجاع

. ذه القاعدةعند إطالقهم هلومع هذا فال يكفر هبا املمتنع عن تكفريهم من جهال املسلمني ؛ إال بعد إقامة -

احلجة عليه ، مبعرفة مقاالهتم الكفرية إن كان ممن جيهل حاهلم ، ومبعرفة مناقضتها لدين . اإلسالم إن كان ممن جيهل ذلك كحديث العهد به

عدة مبا حوته من وعيد التكفري ملن مل يكفر وعلى هذا فيمكن القول أن هذه القا -الكافر ؛ شأهنا شأن سائر نصوص الوعيد يف إطالقات العلماء ؛ فهم يطلقون القول يف هذه القاعدة إذا كان الكالم عاما يف الطوائف أو النحل واألقوال واملعتقدات املنحرفة عن

ال بد من النظر يف توفر منهج أهل السنة ، لكن عند تنزيل هذه القاعدة على األعيانشروط التكفري وانتفاء موانعه ، شأهنم مع سائر نصوص الوعيد ؛ ولذلك فمن الضروري أن أذكر هنا بقول شيخ اإلسالم الذي قدمته يف ضرورة التفريق بني التكفري املطلق وتكفري

ضرورة ربطه املعني سواء يف فهم كالم الشارع ، أو عند تناول كالم األئمة واستعماله ، ل . هبذه القاعدة

تنبه إىل أنه رمحه اهلل يتكلم هنا عن مضمون املقالة ؛ أي حمتواها ومعناها وحقيقتها ، وليس عن (8)

لوازمها اليت قد ال يلتزموها ، كما سيأيت.

(223) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

أنهم أصابهم في ألفاظ العموم في كالم األئمة ما : وحقيقة األمر ): قال رمحه اهللمن قال كذا : أصاب األولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع ، كلما رأوهم قالوا

فهو كافر ، اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله ، ولم يتدبروا أن ر له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين ، وأن تكفير المطلق ال يستلزم التكفي

تكفير المعين إال إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع ، يبين هذا أن اإلمام أحمد وعامة األئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم هذا الكالم بعينه

. ( أهـ من الفتاوى وقد تقدمفال يصح التسلسل الذي يفعله كثري من الغالة يف هذه القاعدة ، فإذا ومن مث -

كان القائلون هبا ال يكفرون من ال يكفر االحتادية وحنوهم بأعياهنم إال بعد إقامة احلجة ؛ وهذا التسلسل .. وهكذا.. فمن باب أوىل أن ال يكفروا من ال يكفر من مل يكفرهم

خمالفيهم يف أبواب التكفري باحملتمالت والتكفري البغيض يطلقه بعض جهال الغالة يفباملآل والتكفري باملسائل اخلفية وحنوها من األمور املشكلة ؛ وقد رأيت شروط القائلني هبا

فإذا كان هذا التشديد واالحتياط .. من أهل العلم يف كفر ككفر اليهود والنصارى أو أظهرتياطهم وتشديدهم سيكون أعظم وأعظم منهم يف أول السلسلة وأصلها ، فال شك أن اح

يف تكفري من يأيت بعد ذلك ممن مل يكفر من مل يكفرهم ، ومن مل يكفر من مل يكفر من .. مل يكفرهم !!!!! إىل آخر ما يسلسل به الغالة

. وال شك أن هذا أعسر وأعسر ، ولكنه مع دافع اهلوى يسري لديك ؛ أنه ال يعقل بعد وبعد فإذا كنت قد فهمت ما تقدم فقد صار معلوما

هذا استعمال مثل هذه القاعدة أو تنزيلها على من امتنع من تكفري بعض املنتسبني لإلسالم ممن قامت عنده على تكفريهم بعض األدلة املعارضة اليت ظنها موانع للتكفري أو

.. الشبهات الواردة عليه من فهمه لبعض النصوصوإن كان خمطئا إال أنه ال جيحد األدلة كتارك الصالة ، فإن من مل يكفره -

الصحيحة القاضية بكفره ، بل يؤمن هبا ويصدق ولكن يؤوهلا بالكفر األصغر ،أو خيصصها فيمن جحد الصالة دون من تركها تكاسال ، لتعارض ظاهر بعض النصوص األخرى معها

هبن فليس له ومن مل يأيت: وفيه قوله.. ، كحديث ) مخس صلوات كتبهن اهلل على العبادرواه اإلمام أمحد وأبو داود والنسائي . عند اهلل عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له (

وغريهم ، وحنو ذلك من حجج القائلني بذلك ؛ وهم كثري ، ومنهم أئمة جبال كمالك فلم نسمع أن أحدا من املخالفني هلم ؛ .. والشافعي وغريهم ممن مل يكفر من تركها تكاسال

بكفره كاإلمام أمحد يف إحدى الروايتني عنه ، وعبد اهلل بن مبارك و اسحاق بن القائلني

(224) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

راهويه وغريهم قالوا بكفرهم أو طبقوا قاعدة ) من مل يكفر الكافر فهو كافر ( عليهم ؛ فضال عن أن يسلسلوا فيكفروا من مل يكفر من مل يكفر من مل يكفرهم !!!!!

.. ر املباينوكذلك الشأن يف خالفهم يف سائ -ومثل هذا خالف الصحابة يف ابن صياد هل هو الدجال أم ال ، فإن الدجال -

. ال شك يف كفره ، ومع هذا مل يكفر بعضهم بعضاوأحلق البعض يف هذا الباب ما ذكره اهلل تعاىل من خالف الصحابة يف طائفة -

أركسهم بما كسبوا فما لكم في المنافقين فئتين واهلل)) : من املنافقني ، فقال سبحانه (( أتريدون أن تهدوا من أضل اهلل ومن يضلل اهلل فلن تجد له سبيال

. ومع هذا مل تكفر إحدى الفئتني الفئة األخرى املخالفة هلم يف هؤالء املنافقنيومن ذلك توقف عمر الفاروق يف أمر مانعي الزكاة ملا عزم الصديق على قتاهلم -

سألة على عمر رضي اهلل عنه كوهنم يقولون ال إله إال اهلل ، فقد أشكلت امل –وسيأيت –ومع هذا مل يكفره الصديق بل كشف له الشبهة وأبان له احملجة ، وال يقال أن هذا ال يصلح إيراده هاهنا ألن عمر إمنا أشكل عليه قتاهلم ال تكفريهم ، وذلك ألن كل أحد يعلم

ته معهم فيه ؛ كان قتال ردة ال قتال بغاة أو أن القتال الذي دعا إليه الصديق وسارت سري . حنوهم وهذا هو الذي أشكل على عمر رضي اهلل عنه

ومثله خالف السلف يف تكفري بعض الظلمة والطغاة من الوالة أو غريهم ، -كخالفهم يف احلجاج فإنه معروف ، وأكثر السلف مل يكونوا يكفرونه ، وكانوا يصلون

خرجت على احلجاج ؟ : أنه كفره ؛ منهم سعيد بن جبري قيل له خلفه ، وصح عن بعضهم . ) إين واهلل ما خرجت عليه حىت كفر ؟ (: قال

. ) تسألين عن الشيخ الكافر (: ومنهم جماهد سأل عنه فقال) احلجاج مؤمن باجلبت والطاغوت كافر : وروى ابن عساكر عن الشعيب أنه قال

. باهلل العظيم () كفى بالرجل عمى أن يعمى عن أمر : إبراهيم النخعي أن قالبل بلغ األمر ب

.. احلجاج (

(225) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ومع هذا فلم يصف ال هو وال غريه ممن كفروا احلجاج أحدا بعينه ممن خالفوهم يف ذلك بأنه أعمى ، فضال على أن يعملوا فيه قاعدة ) من مل يكفر الكافر فهو كافر ( مث

.. يسلسلوا هبا) عجبا إلخواننا من أهل العراق يسمون احلجاج : قالبل صح عن طاووس انه

. (9)مؤمنا ؟ ! ( ألن من توقف يف تكفريه من .. فوصفهم بإخوانه ، وهذا هو احلق الذي ال مرية فيه

.. أهل العلم إمنا توقف ألنه حكم له بأصل التوحيد الذي يدين به ، ومل يبلغه عنه كفر بواح . من نصوص الشرع فهو جمتهد يف ذلك مل يكذب بنص

هذا إذا كان طاووس يقصد تكفريه هبذا ، أما إذا كان يقصد ما ذكره الذهيب يف ) يشري إىل املرجئة منهم،الذين : ( بعد أن أورد مقالته هذه ،حيث قال5/44السري ) . هو مؤمن كامل اإلميان مع عسفه وسفكه الدماء وسبه الصحابه ( أهـ: يقولون

الفقهاء الذين مل يكن يكفرهم السلف جملرد خطئهم يف فإنه يعين بذلك مرجئةتعريف اإلميان وعدم إدخال األعمال فيه ، فإهنم وإن كانوا يرون الفاسق الفاجر مؤمنا كامل اإلميان ال تنقص ذنوبه إميانه ،وهذا قوهلم يف احلجاج ؛ إال إهنم مل يكونوا يسوغون الكفر

ت عندهم كفر احلجاج ملا مسوه مؤمنا، ولذلك مل خيرجهم أويرقعونه أو يسمونه إميانا، ولو ثبهو وغريهم من السلف من األخوة اإلميانية رغم ضالهلم ، هذا خبالف غالة املرجئة الذين

. كفرهم السلف كوكيع بن اجلراح وأمحد بن حنبل وأيب عبيد، وغريهموارج والقدرية وكذلك يقال يف نزاع السلف يف تكفري كثري من أهل األهواء كاخل -

واجلهمية وحنوهم ، وقد تكلم شيخ اإلسالم يف ذلك يف مواضع كثرية من الفتاوى وذكر ( ما وقع فيها من االضطراب بني العلماء ، وسرد مذهب اإلمام أمحد 12/260-261)

وأصحابه وغريهم من أهل السنة يف اخلالف يف تكفري بعض تلك الطوائف ؛ ومل يذكر أن بل ذكر وبني عذرهم يف .. كفروا غري املكفرين ، وال ذكر ذلك غريه عنهماملكفرين منهم

فإهنم يرون أدلة توجب إحلاق وسبب التنازع تعارض األدلة ، ) : ذلك اخلالف ، فقالالكفر هبم ؛ مث إهنم يرون من األعيان الذين قالوا تلك املقاالت من قام به من اإلميان ما

( 261-12/260). رض عندهم الدليالن ( أهـميتنع أن يكون كافرا ، فيتعا

( ففيه ما 132-131ذلك )( وانظر قبل 137-9/136هذه اآلثار مجيعها من البداية والنهاية ) (9)

هو قريب من هذا.

(226) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

قد يكون الرجل لم تبلغه ) وهكذا األقوال اليت يكفر قائلها : وقال يف موضع آخرالنصوص الموجبة لمعرفة الحق ، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده ، أو لم يتمكن من

ملؤمنني ، فمن كان من ا فهمها ، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره اهلل تعالى بهاسواء كان يف –كائنا ما كان –جمتهدا يف طلب احلق وأخطأ ، فإن اهلل يغفر له خطاه

هذا الذي عليه أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم ، ومجاهري . املسائل النظرية ، أو العملية . (196-23/195). أئمة اإلسالم ( أهـ

ية ، ومن ذلك قول عائشة وذكر يف موضع آخر نزاع الصحابة يف املسائل اخلرب ومع ) : ) من زعم أن حممدا رأى ربه فقد أعظم على اهلل الفرية ( ؛ مث قال: رضي اهلل عنها

) : ( مث قالهذا ال نقول البن عباس ونحوه من المنازعين لها ؛ إنه مفتر على اهلل عليه والتكفير هو من الوعيد ، فإنه وإن كان القول تكذيبا لما قاله الرسول صلى اهلل

وسلم ، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسالم ، أو نشأ ببادية بعيدة ، ومثل هذا ال يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة ، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده ، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها

. (3/148) . ( أهـ وإن كان مخطئا فتأمل هذه املواضع ، فإهنا مهمة ، توسع مداركك ، وتفقهك يف هذه األبواب ، وجتنبك التعنت والتهور يف التكفري ، أو التطاول على اجملتهدين من أهل العلم ، وتعرفك بأعذار من يتوقف منهم ومن غريهم من املؤمنني عن متابعة بعض أخبار الشرع أو أحكامه

وقد حصرها شيخ .. ء أكانت يف أبواب التكفري أم يف غري ذلكأو اإلقرار هبا ، سوا (10): اإلسالم هنا خبمسة أعذار

. تعارض األدلة عندهم مما يوجب تأويلهم لبعضها -1عدم بلوغ بعض النصوص إليهم ،سواء حلداثة العهد باإلسالم ، أو للنشوء يف -2

. بادية بعيدة ، أو حنو ذلك . عدم ثبوهتا عندهم -3من فهمها خلفائها أو إشكاهلا ، أو ضعف إدراك أو قلة علم عدم التمكن -4

. متلقيها

ملزيد من التفصيل يف أمثال هذه األعذار أنظر رسالة ) رفع املالم عن األئمة األعالم ( لشيخ (10) . 20اإلسالم وهي يف الفتاوى ج

(227) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

. عروض بعض الشبهات اليت يعذر طالب احلق هبا -5فمن أول النص أو رده ، أو امتنع عن األخذ به لسبب من هذه األسباب ، فإنه ال

مل يكفر يعترب مكذبا أو جاحدا للنص ، ومن مث فال جيوز أن تطبق على مثله قاعدة ) من .. ( فضال عن إطالق التسلسل هبا.. الكافر

* وتنبه إىل أن هذا الكالم يشمل كما هو بني من مل يكفر الكافر رادا بعض األدلة لألعذار املذكورة ؛ فمن باب أوىل أن يدخل فيه من مل يكفر من كفره بعض الناس دون

اتيح العلم أو لعدم معرفتهم إيراد أدلة صحيحة أو صرحية على تكفريهم ؛ لضعفهم يف مف !!.. بطرق االستدالل أو خلطئهم يف ذلك احلكم

وال بد من التنبه هلذا كله ومرعاته ، فإن اخلالف يف باب األمساء ومسائل التكفري واسع ، ومن رام إقناع خمالفيه بتكفري من يكفرهم هو ، فعليه بأدلة الشرع ولرياع طرق

. (( قل إنما أنذركم بالوحي)) : تعاىل االستدالل الصحيحة هبا ، قالفبأي حديث بعد )) : ومن أفلس من ذلك فال خري وال فالح له يف غريه قال تعاىل

(( ؟؟ وال خري له بأساليب اإلرهاب الفكري أو التكفريي ، فإهنا ال اهلل وآياته يؤمنونوما أسرع أن يرتك . .تضر إال صاحبها ،وال خري فيمن تبىن مذهبه خوفا منها أو تضررا هبا

ذلك يف أقرب فرصة وألدىن شبهة ،فاحلق الذي يبارك اهلل فيه هو يف املذهب األسد املوافق .. ألدلة الشرع؛ال يف املذهب األشد املوافق للنزوات

وليعلم أنه إن كان مهه أن يبحث عن أقاويل وإطالقات يف غري كالم اهلل وكالم .. ن يعدم ذلكرسوله تؤيد مذهبه وترقعه ؛ فل

فمن أعجب ما مر علي يف تتبعي لتعامل الناس مع هذه القاعدة ، قول )الصويل( : هـ( عندما قتل عسكره حيىي بن زكرويه القرمطي295-هـ289ميدح اخلليفة املكتفي باهلل )

من رأى أن مؤمنا من عصاكم فقد كفر ورأنزل اهلل ذاكم قبل يف حمكم الس

(228) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ومعناه ؛ أن من مل يكفر أو يفسق من عصاكم أو خرج عليكم، فقد كفر ، ويزعم (11)!! .. أن هذا احلكم دل عليه القرآن

أين قال اهلل تعاىل هذا يف حمكم السور ؟؟ فتأمل كيف استخدمت : فيقال لهومع . .القاعدة هنا إلدخال الناس يف الطاعة ، وختويفهم وإرهاهبم من اخلروج وشق العصا

ولكنه هتور الشعراء ، فحذار من .. أن يف نصوص الشارع عن ذلك غنية ألهل العدل : االغرتار مبثله فإنه من جمازفات الشعراء وقد قال تعاىل فيهم

(( !! والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون)) بن حسن آل الشيخ وهذه رسالة من رسائل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرمحن

خياطب فيها حول هذا املوضوع بعض املتسرعني يف زمانه ممن انتسبوا إىل دعوة الشيخ حممد بن عبد الوهاب وأساءوا استعمال بعض إطالقاته ،دون أن يتنبهوا إىل األصل الذي ذكره

أنهم أصابهم في ألفاظ العموم في: ) وحقيقة األمر: شيخ اإلسالم فيما تقدم وهو قولهكالم األئمة ما أصاب األولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع ، كلما رأوهم

من قال كذا فهو كافر ، اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله ، : قالواولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين ، وأن تكفير

ا وجدت الشروط وانتفت الموانع ، يبين هذا المطلق ال يستلزم تكفير المعين إال إذ

ويذكرين هذا مبجازفات ذلك اجلزائري إذ يقول: )إنه ال يوجد مسلم صحيح اإلسالم، وال مؤمن (11)

اإلميان ويف أي بلد إسالمي كان، إال ويتمىن بكل قلبه أن حيكمه ابن السعود وإنه لو يدعى إىل صادقملا تردد طرفة عني!! كان ذلك من أجل أن هذه الدولة متثل اإلسالم خليفة للمسلمينمبايعته ملكا أو

، ويقول: )هذه هـ 1407، ط57من اإلعالم بأن العزف والغناء حرام ص أهـ…(وتقوم به وتدعو إليههذه الدولة التي ال يواليها إال مؤمن وال يعاديها إال منافق الدولة اليت كانت معجزة القرن الرابع عشر!!

58أهـ. من املرجع السابق، ص !! مادامت قائمة بأمر اهلل!!.. ( كافرال يواليها إال مؤمن وال تأمل: .

أي قيام بشرع اهلل هذا يا عدو نفسك ؟؟ !! و يعاديها إال منافق كافر من شاء أن يعرف نوع ذلك القيام!!فلرياجع كتابنا )الكواشف اجللية يف كفر الدولة السعودية(.

ويذكرين بقول اآلخر وهو من هيئة الكبار !! ويشار إليه بالبنان عندما سئل عن كتاب الكواشف - (. !!دون أن يقرأه بقوله: )قولوا لصاحبه أنه هو الكافر هذا ،انتفض غضبا وتشنج عند مساع امسه ؛ وبادر

يتهورون هبذه اإلطالقات ، مث ال يستحيون أن يرموا خمالفيهم ومكفري دولتهم ، بأهنم خوارج وتكفرييني !! فليت شعري من أحق هبذه األوصاف والنعوت ؟؟

(229) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

أن اإلمام أحمد وعامة األئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم …( أهـهذا الكالم بعينه

أوردها زيادة يف الفائدة ؛ وإال فإن الشيخ حممد بن عبد الوهاب هو وأوالده وأحفاده . باب عن مشكاة شيخ اإلسالمكما قد ذكرنا من قبل يصدرون يف هذا ال

. ) من عبد اللطيف بن عبد الرمحن بن حسن ، إىل عبد العزيز اخلطيبوبعد فقرأت ، رسالتك وعرفت مضموهنا وما قصدته . سالم على عباد اهلل الصاحلني

من االعتذار ، ولكن أسأت يف قولك أن ما أنكره شيخنا الوالد من تكفريكم أهل احلق تكم أنه مل يصدر منكم ، وتذكر أن إخوانك من أهل النقيع جيادلونك واعتقاد إصاب

وأنهم ينسبوننا إلى السكوت عن بعض األمور ، وأنت تعرف وينازعونك يف شأننا ، انهم يذكرون هذا غالبا على سبيل القدح في العقيدة ، والطعن في الطريقة ، وإن لم

باهلل من الضالل بعد اهلدى ، ومن فنعوذ . يصرحوا بالتكفير فقد حاموا حول الحمى . الغي عن سبيل الرشد والعمى

وقد رأيت سنة أربع وستين رجلين من أشباهكم المارقين باإلحساء قد اعتزال الجمعة والجماعة ، وكفرا من في تلك البالد من المسلمين ، وحجتهم من

طونه هو وأمثاله أهل اإلحساء يجالسون ابن فيروز ، ويخال: جنس حجتكم ،يقولونالذي رد دعوة الشيخ محمد ولم ولم يصرح بتكفير جدهممن لم يكفر بالطاغوت ،

ومن ومن لم يصرح بكفره فهو كافر باهلل لم يكفر بالطاغوت: قاال. يقبلها وعاداهاورتبوا على هاتين المقدمتين الكاذبتين الضالتين ما يترتب على . جالسه فهو مثله

فرفع إيل أمرهم ، فأحضرهتم وهددهتم . ، حىت تركوا رد السالمألحكام الردة الصريحة من افزعموا أوال أهنم على عقيدة الشيخ حممد بن عبد الوهاب ، وأن . ، وأغلظت هلم القول

، رسائله عندهم ، فكشفت شبهتهم وأدحضت ضاللتهم ، مبا حضرين يف اجمللس فانه ال يكفر إال مبا أمجع املسلمون ، وأخبرتهم ببراءة الشيخ من هذا المعتقد والمذهب

على تكفري فاعله من الشرك األكرب ، والكفر بآيات اهلل ورسله أو بشيء منها ، بعد قيام احلجة وبلوغها املعترب ، كتكفري من عبد الصاحلني ودعاهم مع اهلل ، وجعلهم أندادا فيما

.. …أهل العلم واإلميان وهذا جممع عليه عند. يستحقه على خلقه من العبادات واإلهليةوقد أظهر الفارسيان املذكوران التوبة والندم وزعما أن احلق ظهر هلما ،مث حلقا بالساحل وعادا إىل تلك املقالة ، وبلغنا عنهم تكفري أئمة املسلمني ، مبكاتبة امللوك

الضالل املصريني ، بل كفروا من خالط من كاتبهم من مشايخ املسلمني ، ونعوذ باهلل من

(230) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

بعد اهلدى ، واحلور بعد الكور ، وقد بلغنا عنكم حنوا من هذا ، وخضتم يف مسائل من هذا الباب ، كالكالم يف املواالة واملعاداة ، واملصاحلة واملكاتبات ، وبذل األموال واهلدايا وحنو ذلك من مقالة أهل الشرك باهلل والضالالت ، واحلكم بغري ما أنزل اهلل عند البوادي

وحنوهم من اجلفاة ، ال يتكلم فيها إال العلماء من ذوي األلباب ، ومن رزق الفهم عن اهلل وأويت احلكمة وفصل اخلطاب ، والكالم يف هذا يتوقف على معرفة ما قدمناه ومعرفة أصول عامة كلية ال جيوز الكالم يف هذا الباب ويف غريه ملن جهلها ؛ وأعرض عنها وعن تفاصيلها

جمال واإلطالق ، وعدم العلم بمعرفة مواقع الخطاب وتفاصيله ، يحصل به فإن اإل، من اللبس والخطأ وعدم الفقه عن اهلل ما يفسد األديان ، ويشتت األذهان ، ويحول

: بينها وبين فهم القرآن ، قال ابن القيم في كافيته رحمه اهلل تعالى إلمجال دون بيانفعليك بالتفصيل والتبيني فاإل طالق وا

قد أفسدا هذا الوجود وخبطا األ ذهان واآلراء كل زمانوأما التكفير بهذه األمور التي ظننتموها من مكفرات أهل اإلسالم فهذا مذهب

اخلارجني على علي بن أيب طالب أمري املؤمنني ومن معه من الصحابة ، الحرورية المارقينكيم أ ى موسى األشعري وعمرو بن العاص يف الفتنة اليت وقعت بينه فإهنم أنكروا عليهم حت

وبني معاوية وأهل الشام ، فأنكرت اخلوارج عليه ذلك وهم يف األصل من أصحابه من قراء الكوفة والبصرة وقالوا حكمت الرجال يف دين اهلل ، وواليت معاوية وعمرا وتوليتهما وقد

وضربت املدة بينكم وبينهم وقد قطع اهلل هذه املوادعة ) إن احلكم إال هلل (: قال تعاىل( وسرد بعض أخبار اخلوارج اليت سنأيت عليها 6-4( ص) .. …واملهادنة منذ أنزلت براءة

. يف آخر هذا الكتاب) ولفظ الظلم واملعصية والفسوق والفجور واملواالة واملعاداة والركون : (7مث قال ص)

ظ الواردة يف الكتاب والسنة قد يراد هبا مسماها املطلق والشرك وحنو ذلك من األلفاوحقيقتها املطلقة ، وقد يراد هبا مطلق احلقيقة ، واألول هو األصل عند األصوليني والثاين ال حيمل الكالم عليه إال بقرينة لفظية أو معنوية ؛ وإمنا يعرف ذلك بالبيان النبوي وتفسري

…ن رسول إال بلسان قومه ليبني هلم ( اآلية ) وما أرسلنا م: السنة قال تعاىل : (8إىل أن قال ص)

) وأما إحلاق الوعيد املرتب على بعض الذنوب والكبائر فقد مينع منه مانع يف حق املعني كحب اهلل ورسوله واجلهاد يف سبيله ورجحان احلسنات ومغفرة اهلل ورمحته وشفاعة

وكذلك ال يشهدون لمعين من أهل القبلة . الثةاملؤمنني واملصائب املكفرة يف الدور الث

(231) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

بجنة وال نار ، وإن أطلقوا الوعيد كما أطلقه القرآن والسنة فهم يفرقون بين العام وكان عبد اهلل ) محار ( يشرب اخلمر فأتى به رسول اهلل المطلق ، والخاص المقيد ،

ول اهلل صلى اهلل عليه صلى اهلل عليه وسلم فلعنه رجل وقال ما أكثر ما يؤيت به إىل رس(( مع أنه لعن ال تلعنه فإنه يحب اهلل ورسولهوسلم فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ))

(.. اخلمر وشارهبا وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها واحملمولة إليه : (10وقال ص)

(( ومن يتولهم منكم فإنه منهم) وأما قوله )) (( باهلل واليوم اآلخر يوادون من حاد اهلل ورسولهال تجد قوما يؤمنون وقوله ))

يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا وقوله تعاىل )) (( فقد من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا اهلل إن كنتم مؤمنين

وأصل املواالة هو احلب والنصرة . فسرته السنة وقيدته وخصته باملواالة املطلقة العامةولكل ذنب حظه وقسطه من الوعيد والذم ، ودون ذلك مراتب متعددةوالصداقة ،

وهذا عند السلف الراسخين في العلم من الصحابة والتابعين معروف في هذا الباب وغيره ، وإنما أشكل األمر ، وخفيت المعاني والتبست األحكام على خلوف من

ن الذين ال دراية لهم بهذا الشان ، وال ممارسة لهم بمعاني السنة العجم والمولديوقال عمرو بن العالء لعمرو . من العجمة أتوا: ، وهلذا قال احلسن رضي اهلل عنه والقرآن

بن عبيد ملا ناظره يف مسألة خلود أهل الكبائر يف النار واحتج ابن عبيد أن هذا وعد واهلل القرآن من الوعيد على بعض الكبائر والذنوب بالنار واخللود ال خيلف وعده يشري إىل ما يف

: من العجمة أتيت ، هذا وعيد ال وعد وانشد قول الشاعر: فقال له ابن العالء وإين وإن أوعدته أو وعدته ملخلف إيعادي ومنجز موعدي

ايب إذا وقال بعض األئمة فيما نقل البخاري أو غريه إن من سعادة األعجمي واألعر . أسلما أن يوفقا لصاحب سنة ، وإن من شقاوهتما أن ميتحنا وييسرا لصاحب هوى وبدعة

: ( 12-11وقال ص) ) وقد بلغين أنكم تأولتم قوله تعاىل يف سورة حممد ) ذلك بأهنم قالوا للذين كرهوا

اتبة أو ما نزل اهلل سنطيعكم يف بعض األمر ( على بعض ما جيري من أمراء الوقت من مكمصاحلة أو هدنة لبعض رؤساء الضالني ، وامللوك املشركني ، ومل تنظروا ألول اآلية وهي

(232) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ولم تفقهوا المراد من ) إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبني هلم اهلدى ( : قولهالمذكور في قوله تعالى في هذه اآلية (14)هذه الطاعة ، وال المراد من األمر المعرف

كريمة وفي قصة صلح الحديبية وما طلبه المشركون واشترطوه وأجابهم إليه رسول ال. ( أهـ.. اهلل صلى اهلل عليه وسلم ما يكفي في رد مفهومكم ودحض أباطيلكم

. باختصار من اجلزء الثالث من جمموعة الرسائل واملسائل النجديةت داود بن جرجيس( وأورد رمحه اهلل يف )منهاج التأسيس والتقديس يف كشف شبها

: رسالة جلده حممد بن عبد الوهاب ؛ قال فيها ) سألين الشريف عما نقاتل عليه،وعما نكفر الرجل به ؟

: فكان مما قال… فأخربت بالصدق،وبينت له أيضا الكذب الذي يبهتنا به األعداءعلى إظهار أنا نكفر بالعموم، ونوجب اهلجرة إلينا على من قدر: ) وأما الكذب والبهتان

فكل هذا من . ومل يقاتل،ومثل هذا وأضعاف أضعافه وأنا نكفر من لم يكفردينه،؛الناس الكذب والبهتان الذي يصد به ورثة أبي جهل من سدنة األصنام وأئمة الكفر

،من املشركني عباد األصنام عن دين اهلل ورسوله؛ وإنا ال نكفر إال من كفره اهلل ورسولهلصنم الذي على قرب عبد القادر والصنم الذي على قرب أمحد البدوي كالذين يعبدون ا

وأمثاهلما أما الذين آمنوا باهلل وكتبه ورسله واليوم اآلخر وجاهدوا يف اهلل حق جهاده فهم ( . فكيف نكفر هؤالء؟ سبحانك هذا هبتان عظيم. إخواننا يف الدين وإن مل يهاجروا إلينا

. ( 89- 88ص). أهـمن –أن من خالفنا .. فإننا نقول بناءا على ما قدمناه لك من تفصيل.. وأخريا

يف تكفري طواغيت احلكم أو أنصارهم وعساكرهم وأجنادهم ، فتوقف يف ذلك –املسلمني ، أو شبهات أشكلت عليه ، (12)أو امتنع من تكفريهم ، لنصوص تعارضت عنده

علم والفهم ، بأهنم يقولون ) ال إله إال اهلل ( أو كاحتجاج كثري ممن مل ترسخ قدمهم يف البأهنم يصلون ، أو حنو ذلك من الشبهات اليت رددنا عليها وكشفناها يف غري هذا املوضع

يف املطبوع: األمر باملعروف. (14)( ، ألن نصوص الوحي أصال ال تتعارض يف هذا الباب وال يف غريه ، قال تعاىل: وإمنا قيدنا بـ )عنده (12)

ولو كان من عند (( وقال سبحانه: )) الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)) (( ، وإمنا يتوهم التعارض يف األذهان لقصور يف الفهم ، أو لتقصري غير اهلل لوجدوا فيه اختالفا كثيرا

عرفة طرق اجلمع بني النصوص ، وإعمال كل يف حمله ، أو باالحتجاج مبا ال يصح وليس بثابت ، أو يف ماجلهل ببعض ما هو ثابت مما مل يبلغه ، أو لعدم معرفة الناسخ واملنسوخ ، ومتييز املتقدم من املتأخر من

النصوص ، أو غري ذلك مما يلزم يف طرق اجلمع والرتجيح املعلومة.

(233) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وأشد .. ؛ فإننا وإن كنا نراهم أجهل ممن استجهلهم األئمة لعدم تكفريهم اجلهمية(13)إال أننا مع ذلك ال نكفرهم .. احلجاجعماية ممن رماهم النخعي بالعمى لتوقفهم يف تكفري

ما دام عندهم أصل التوحيد –ألجل هذه املخالفة وحدها –وال نعمل هذه القاعدة فيهم إذ ليس .. ، وما دام توقفهم لباعث اجلهل أو لقيام شبهات أو تعارض نصوص يف أذهاهنم

ري الطواغيت يف ذلك جحدا أو تكذيبا وردا للنصوص الصحيحة الصرحية القاضية بتكفوأنصارهم ؛ بشرط أن ال يؤدي ذلك هبم إىل اقتحام سبب من أسباب الكفر ، كاالنضمام إىل أجنادهم وعسكرهم واالخنراط يف نصرهتم أو نصرة تشريعاهتم وقوانينهم الكفرية ، أو

كما سنفصله يف خامتة هذا الفصل ، .. املشاركة يف تشريعها أو تفعيلها وحتكيمها وحراستها .. مقالتنا هذه ليست بدعا من القول بني أهل العلم ، بل لنا مبثلها سلفو

( أن العبيديني من أكفر الناس ، 35/79فقد ذكر شيخ اإلسالم يف الفتاوى ) مث ذكر أنه ال يدعي أن منهم اإلمام .. ومعلوم ما كانوا عليه من الردة وتغيري الشرائع

يق يقول بال علم ( هذا فيمن ادعى العصمة يف املعصوم ) إال جاهل مبسوط اجلهل أو زندفإنه مل حيكم بتكفريه وال أورد عليه .. أما من شهد هلم باإلميان ومل يكفرهم.. بعضهم

بل وصفه بأنه ) شهد .. ( اليت تقدم إطالقه هلا مبواضع شىت.. قاعدة ) من مل يكفر الكافر . (.. مبا ال يعلمي العبيديني { يشهد عليهم علماء األمة ) وهؤالء القوم }أ: (35/80فقال )

وأئمتها ومجاهريها ، أهنم كانوا منافقني زنادقة يظهرون اإلسالم ويبطنون الكفر ، فإذا قدر أن بعض الناس خالفهم يف ذلك صار يف إمياهنم خالف مشهور ، فالشاهد هلم باإلميان

. (.. شاهد مبا ال يعلمن شهد هلم بصحة نسب أو إميان ، فأقل ) وإذا كان كذلك فم: (81وقال ص)

ما يف شهادته أنه شاهد بال علم ، قاف ما ليس له به علم ، وذلك حرام باتفاق األئمة ( . أهـ

فإنه مهم ، إذ هو فيمن ال يكفر العبيديني الذين ال يقلون كفرا –فتأمل قوله هذا راط واملغاالة فتصري ممن جعل عن طواغيت هذا الزمان ، وإياك مث إياك أن تزل بك قدم اإلف

هذه القاعدة أصل الدين ، يدور اإلسالم عنده معها وجودا وعدما ، فيعقد على موافقته على تكفري من يكفرهم عقد الوالء والرباء ، واملؤاخاة واملعاداة ، فمن كفر من يكفرهم فهو

ر يف ذلك كتابنا ) إمتاع النظر يف كشف شبهات مرجئة العصر ( ورسالة ) كشف شبهات أنظ (13)

اجملادلني عن عساكر الشرك وأنصار القوانني (.

(234) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ن جهل أو اجتهاد له ويل محيم ؛ ولو كان من شر اخللق واخلليقة ، ومن خالفه يف ذلك ع؛ فهو من أعدائه بل من أعداء اهلل الكافرين !! أسأل اهلل تعاىل أن جينبين وإياك مواقع

. الزلل ، وأن جيعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنهوأذكرك يف ختام هذا املوضع ، وقبل أن أنتقل إىل غريه بقوله رمحه اهلل تعاىل يف

أهل البدع تكفير بعضهم بعضا ، ومن ممادح أهل العلم ؛ فمن عيوب ) : الفتاوى . يخطؤون وال يكفرون

وسبب ذلك أن أحدهم يظن ما ليس بكفر كفرا ، وقد يكون كفرا ، ألنه . تبين له أنه تكذيب للرسول وسب للخالق ، واآلخر لم يتبين له ذلك

ن يكفر من لم يعلم بحالهفال يلزم إذا كان هذا العالم بحاله يكفر إذا قاله ، أ . (3/63( أهـ منهاج السنة )

(235) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((12)) التكفير بالمآل أو بالزم القول

وهو أن ال ومن األخطاء الشائعة يف التكفري أيضا ؛ التكفري باملآل أو بالزم القوليصرح املكلف بقول مكفر، وإمنا يصرح بأقوال يلزم عنها الكفر، وهو ال يعتقد ذلك

بل رمبا كان ال يعرفه وال خطر له على بال، فإن مل يعرف صاحب القول الزمه ،(1)اللزوم . ويلتزمه، فال جيوز إلزامه به، أو تقويله إياه أو نسبته إليه، ومن مث تكفريه بذلك الالزم

وقد رأيت من الغالة يف زماننا من يتتبع العثرات، ويصطاد يف املاء العكر، فيكفر …!!زم الالزمبالزم األقوال بل وبال

) وأما من كفر الناس مبا تؤول إليه أقواهلم فخطأ؛ ألنه : يقول ابن حزم رمحه اهللكذب على اخلصم وتقويل له ما مل يقل به، وإن لزمه فلم حيصل على غري التناقض فقط،

) فصح أنه ال : ( إىل أن قال.. بل قد أحسن إذ قد فر من الكفر . والتناقض ليس كفرا حد إال بنفس قوله، ونص معتقده، وال ينفع أحد أن يعرب عن معتقده بلفظ حيسن يكفر أ

. (3/294الفصل ) . به قبحه، لكن احملكوم به هو مقتضى قوله فقط ( أهـ . فالصواب املقرر عند العلماء أن ) الزم املذهب ليس مبذهب (

وإن … كفرة أو غري املكفرةفقد يتبىن املرء قوال أو مذهبا معينا، وال يلتزم بلوازمه امل . تناقض

. )عامل ولكن ال علم له( و)حي ال حياة له( : وهذا كقول املعتزيل يف صفات اهلل . فإنه يثبت العلم، وأن اهلل عامل وأن اهلل حي، وال يكذب بشيء من ذلك حىت يكفر

ي العلم واحلياة، يلزم ولكن قوله "ال علم له وال حياة له" يوقع االشتباه بتكفريه، إذ أن نفولكن املعتزيل ال يلتزم بذلك، بل يقر بأن اهلل تعاىل … منه أن ال يكون اهلل عاملا وال حيا

وهذا اإلشكال يوجب ختبط املعتزلة، … عامل، فال يكون نفيه للعلم نفيا بأنه عامل . (2)…وتناقضهم وضالهلم، ولكن ال يلزم منه وحده تكفريهم

(. 2/492(انظر بداية اجملتهد وهناية املقصد، البن رشد احلفيد )1)

(. 7/142باب )( انظر شرح النووي على مسلم )كتاب الزكاة( وما ذكره عن املازري يف هذا ال2)

(236) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

بعد أن ذكر خالف العلماء يف تكفري من جهل بعض صفات يقول القاضي عياضأقول عامل ولكن ال علم له، : )فأما من أثبت الوصف ونفى الصفة فقال : اهلل تعاىل

ومتكلم ولكن ال كالم له، وهكذا يف سائر الصفات على مذهب املعتزلة، فمن قال باملآل إذا نفى العلم انتفى وصف عامل، إذ ال ملا يؤديه إليه قوله ويسوقه إليه مذهبه كفره؛ ألنه

يوصف بعامل إال من له علم، فكأهنم صرحوا عنده مبا أدى إليه قوهلم، وهكذا عند هذا . سائر فرق أهل التأويل من املشبهة والقدرية وغريهم

ومن مل يأخذهم مبآل قوهلم وال ألزمهم موجب مذهبهم، مل ير إكفارهم، قال ألهنم ا قالوا، ال نقول ليس بعامل، وحنن ننتفي من القول باملآل الذي ألزمتموه إذا وقفوا على هذ

. لنا، ونعتقد حنن وأنتم أنه كفر بل نقول إن قولنا ال يؤول إليه على ما أصلناهفعلى هذين املأخذين اختلف الناس يف إكفار أهل التأويل، وإذا فهمته اتضح لك

. املوجب الختالف الناس يف ذلكترك إكفارهم واإلعراض عن احلكم عليهم باخلسران، وإجراء حكم والصواب

اإلسالم عليهم يف قصاصهم، ووراثاهتم ومناكحاهتم ودياهتم، والصالة عليهم ودفنهم يف مقابر املسلمني وسائر معامالهتم، لكنهم يغلظ عليهم بوجيع األدب، وشديد الزجر واهلجر

لصدر األول فيهم، فقد كان نشأ على زمن حىت يرجعوا عن بدعتهم، وهذه كانت سرية االصحابة وبعدهم يف التابعني من قال هبذه األقوال من القدر ورأي اخلوارج واالعتزال، فما أزاحوا هلم قربا، وال قطعوا ألحد منهم مرياثا، لكنهم هجروهم وأدبوهم بالضرب والنفي

ئر عند احملققني وأهل والقتل على قدر أحواهلم ألهنم فساق ضالل عصاة أصحاب كبا. السنة ممن مل يقل بكفرهم منهم خالفا ملن رأى غري ذلك واهلل املوفق للصواب( أهـ

. ( الشفا2/293-295)ومن أمثلة ذلك أيضا، خالف العلماء يف تكفري اخلوارج الذين مل يصرحوا بالكفر أو

كما أشار القاضي آنفا . ىل الكفريرتكبوا سببا من أسبابه الصرحية، وإمنا قالوا أقواال تؤدي إ)اختلف العلماء يف تكفري اخلوارج، وقد كادت هذه املسألة تكون : ونقل عن املازري قوله

أشد إشكاال من سائر املسائل، ولقد رأيت أبا املعايل وقد رغب إليه الفقيه عبد احلق الغلط فيها يصعب رمحهما اهلل تعاىل يف الكالم عليها فرهب له من ذلك، واعتذر بأن

موقعه؛ ألن إدخال كافر يف امللة وإخراج مسلم منها عظيم يف الدين، وقد اضطرب فيها قول القاضي أيب بكر الباقالين وناهيك به يف علم األصول، وأشار ابن الباقالين إىل أهنا من

من شرح . أهـ…( وإمنا قالوا أقواال تؤدي إليه . املعوصات؛ ألن القوم مل يصرحوا بالكفر

(237) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

باب )من ترك …( وانظر فتح الباري )كتاب استتابة املرتدين. (7/142مسلم للنووي ) . (277-2/276وانظر الشفا )…( قتال اخلوارج

وكذلك مرجئة اجلهمية فإنه يلزم من تعريفهم لإلميان بأنه املعرفة ؛ إميان فرعون لقوله ولقول موسى كما أخرب . النمل ( -14(( ) وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم)) : تعاىل . (102: (( )اإلسراءلقد علمت ما أنزل هؤالء إال رب السموات واألرض)) : تعاىل

الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما )) : لقوله تعاىل. وإميان اليهود والنصارى . (146: (( )البقرة يعرفون أبناءهم

ته، فإنه مل يكذب خربا ومل جيحد، إذ أن وإميان إبليس ملعرفته اهلل ومعرفته بوحداني اهلل أمره بال رسول، ولكن مجهورهم ال يلتزمون ذلك، ولو التزموه لكفروا به؛ ألن فيه

. تكذيب صريح لنصوص الكتاب املكفرة للمذكورينفال جيوز واحلال كذلك إلزامهم به وإن تناقضوا ، ما مل يصرحوا بالتزامه، وإن كان

ن اجلراح وأمحد بن حنبل من أطلق كفر من قال أن اإلميان جمرد معرفة من السلف كوكيع بالقلب ، وقد كفروا غالهتم ألشياء أخرى، لكن ملن جادهلم وناظرهم أن يستدل على فساد

فإن فساد الالزم يستدل به . مذهبهم يف اإلميان، بإيراد مثل هذه اللوازم الفاسدة عليهم . على فساد امللزوم

منهم كاالحتادية واحللولية من اجلهمية كفر بالتزامه هلا، وإال فال حيل فمن التزمها . إلزامهم هبا ماداموا يدفعوهنا ويردوهنا وإن تناقضوا ، أو كفروا من أبواب أخرى

ومن أمثلة هذا الباب يف واقع اليوم بني بعض الشباب ؛ زعم بعضهم أن عدم تكفري منه مواالهتم،وعدم الرباءة منهم ، ومن مث فكل من يلزم . املشركني أو الطواغيت وأنصارهم

إذ عدم .. (( ومن يتولهم منكم فإنه منهم)) : فهو كافر، لقوله تعاىل . مل يكفرهمتكفريهم وعدهم من املسلمني جيعل هلم نصيبا من املواالة اإلميانية، وال خيرجهم من دائرهتا،

ذا أحد خترجياهتم لقاعدة ) من مل يكفر الكافر ألن املسلم ال جتوز الرباءة الكلية منه، وه .. فهو كافر (

مادام الكفر بالطاغوت شطر التوحيد : وبعضهم يوجه ذلك توجيها آخر فيقولوشرطه ، فمن مل يكفر الطواغيت مل يكفر بالطاغوت ومن مث فهو مل حيقق التوحيد الذي

. عروة الوثقى وعلق سبحانه النجاة هباهو حق اهلل على العبيد، والذي جعله اهلل تعاىل ال

(238) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باهلل فقد استمسك بالعروة الوثقى ال )) : حيث قال . …((انفصام لها

فمن مل يكفر بالطاغوت ويربأ منه مل حيقق التوحيد ومل يستمسك بعروة النجاة ن إىل شيء واحد ؛ وهو الوثقى ومن مث فهو من اهلالكني ، والتوجيهان يف حقيقتهما يرجعا

. إلزام املخالف بعدم الرباءة من الطاغوت ومبواالته مادام عنده مسلما وبالطبع فتكفريهم هبذا الالزم جعلهم خيرجون من اإلسالم مجاعات ومجاهري عوام املسلمني يف هذا الزمان ؛ بل وكفروا خواصهم من اجملاهدين والدعاة وطلبة العلم والعلماء،

وذلك تبعا . ى عدم تكفريهم لبعض املشايخ الذين هلم اتصال باحلكوماتبناء عل . لتوسيعهم ملصطلح الطاغوت الواجب الكفر به كشرط لتحقيق التوحيد

فالشيخ الفالين أو العالين املتصل باحلكومة الطاغوتية، وال يكفرها، قد صنفوه من فره مل يكفر بالطاغوت ومل حيقق األحبار والرهبان فهو إذن طاغوت، ومن مث فمن مل يك

التوحيد!!اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون )) : وذلك استدالال بقوله تعاىل

والصحيح أن األحبار والرهبان والعلماء شأهنم شأن النواب املشرعني واألمراء . ((…اهلليصريون أربابا وطواغيت وإمنا … ال يعتربون أربابا لكل من مل يكفرهم . والرؤساء وامللوك

وهذا هو )اختاذهم أربابا( … معبودين ملن تابعهم على كفرهم وأطاعهم يف تشريعاهتم) أليس حيرمون ما أحل : وعبادهتم كطواغيت كما جاء مفسرا يف حديث عدي بن حامت

ولذلك ذكره الشيخ حممد بن عبد … (3)اهلل فتحرمونه، وحيلون ما حرم اهلل فتحلونه؟(هاب يف كتاب التوحيد يف باب )من أطاع العلماء واألمراء يف حترمي ما أحل اهلل أو حتليل الو

. ما حرم اهلل فقد اختذهم أربابا من دون اهلل(فال يكون اختاذهم أربابا وطواغيت معبودين مبجرد عدم تكفريهم، دون اقرتاف ذلك

ام مانع من موانع التكفري أو ويتأكد ذلك إذا كان عدم تكفريهم لشبهة قي . أو التزامهجهل نص أو عدم بلوغه ، أو خفاء داللة النصوص أو تعارضها يف أذهان العوام الضعفاء

. يف العلم الشرعي

( عن حذيفة 16634( رواه الرتمذي، وفيه ضعف إال أنه ليس بالشديد، فيتقوى مبا رواه ابن جرير )3) موقوفا بنحوه.

(239) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وجمرد ضالل العامل أو إضالله أو تلبيسه أو اتصاله باحلكومات الكافرة وإن صار به ر، ال يلزم منه كونه رأس ضاللة، أو أدى إىل كفره باقتحام أي سبب من أسباب الكف

…طاغوتا . إذ كل طاغوت كافر، وليس كل كافر طاغوتا

: واخلالصة أنه إمنا يصري طاغوتا إذا انطبق عليه تعريف الطاغوت املستفاد من الشرعوهو كل من عبد من دون اهلل بأي نوع من أنواع العبادة اليت يكفر من صرفها لغري اهلل ،

. وهو راض بذلكمن دون اهلل ما مل يأذن به اهلل ، أو يتحاكم إليه يف غري ما أنزل اهلل ، أو كأن يشرع

ال التعريفات اللغوية العامة اليت قد يدخل –حنو ذلك مما يندرج حتت هذا التعريف الشرعي حتتها العصاة والظلمة وغريهم ، وال اصطالحات البعض املطاطة اليت يدخلون حتتها ما

. يهوون ويشتهونكان من الناس يتحاكم إىل عامل أو كاهن أو غريه بغري ما أنزل اهلل أو يتابعه فمن

على تشريع ما مل يأذن به اهلل كتحرمي احلالل أو حتليل احلرام أو استبدال أحكام اهلل اليت وضعها للخلق أو تغيري حدوده اليت حدها للناس ، فهذا قد اختذه ربا من دون اهلل

الذي ال يصري مسلما وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم حىت يربأ من وهذا هو .. وطاغوتا … سواء كان يكفره أم مل يكن يكفره… طاغوته ويكفر به

…هذا من جهةومن جهة أخرى، فإن ما ألزم به أصحاب هذا القول، من ال يكفر الطواغيت

وما يرتتب عليه … ال يلتزمه أكثر الناس… وأنصارهم من لزوم مواالهتم وعدم الرباءة منهمأي إذا أتى مبكفر . بعد ذلك مما رتبوه ال يلزم إال من صرح بالتزامه بقول أو عمل صريح

اليت هي أسباب الكفر، وما مل يأت بشيء … صريح ظاهر من األقوال أو األفعال املكفرة . من ذلك فال يلزمه شيء من تلك اللوازم

ام أكثر الناس بتلك اللوازم، وإن تناقضوا واألمثلة كثرية من واقع اليوم على عدم التز ولكن التناقض والتخبط واجلهل شيء غري التكفري الذي ال … كتناقض املعتزلة املتقدم

.. يكون إال بسبب من أسباب الكفر الظاهرة… وقد ناظرت يف أوقات خمتلفة، أفرادا من مجاعات إسالمية خمتلفة يف هذا الباب

ا من هذه اللوازم اليت تلزم من عدم تكفري الطواغيت، كان وعندما كنت أورد عليهم شيئ

(240) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وكنت أحاججهم وأحرجهم بإظهار تناقضهم، ولكنهم، غالبا ما … أكثرهم ال يلتزموهاومنها اإلقرار … كانوا يرضون هبذا التناقض، على أن يلتزموا شيئا من تلك اللوازم املكفرة

. -أكثرهم بأنه حكم وشرع كفريالذي يقر –مبواالة الطاغوت أو حكمه وشرعه وأذكر أين ألزمت بعضهم بأنه ال جيوز له أن يربأ من الطاغوت براءة كلية لكونه

. فالتزم ذلك . مسلما عنده؟ مل يلتزم ذلك، مع أن عدم الرباءة منه وتوليه …إذن أنت تتواله : فلما قلت له

ن توىل الكفار، صار ذلك أمرا مها يف احلقيقة شيء واحد، لكن ملا نص اهلل على كفر مكما . حمذورا عند القوم مل يصرحوا بالتزامه فال يصح إلزامهم به ما مل يلتزموه قوال أو عمال

ال يصح إلزامهم بالزم الالزم، وإن ختبطوا وتناقضوا ، فليس شغلنا الشاغل التنقيب أو م أو تكفري غريهم على أي التنبيش عن أسباب كفرهم ما مل يظهروها ، وليس مهنا تكفريه

حال ، فالتكفري الذي يلزم له مقارفتهم لسبب من أسباب التكفري الظاهرة شيء ، وجمرد . تناقضهم دون مقارفة ذلك شيء آخر

مث ختبطهم ليس مبوقوف على هذا األمر، فرتى كثريا منهم يف املقابل يربؤون من بل ويعلن . شد من براءهتم من الكفارخصومهم من املوحدين، املنابذين للطواغيت براءة أ

. وكم شاهدناه… ذلك كثري منهم على صفحات الصحف العلمانية الكافرةفيعادوهنم ويفرتون عليهم وينتهكون حرماهتم، ويهدرون حقوقهم اإلسالمية، ويعاملوهنم معاملة الكفار، وإذا ألزمتهم تكفريهم أو بغضهم وعداوهتم ملا حيملونه أو

. (4)ن دين وتوحيد وجهاد مل يلتزموا ذلك ، فهذا من ختبطهم وتناقضهم الكثريينتهجونه مبل إن بعض الناس يرى جواز قتال احلكام واخلروج عليهم ومنازعتهم مع كونه ال

يكفرهم، فكيف ميكن إلزام أمثال هؤالء بتويل احلكام كالزم من لوازم عدم تكفريهم؟؛ )جهيمان( رمحه اهلل ومن كانوا معه، فقد ومن األمثلة العملية الصارخة على هذا

خالطت مجاعته مدة وقرأت كتبهم كلها وعشت معهم وعرفتهم عن قرب، فجهيمان رمحه اهلل مل يكن يكفر حكام اليوم لقلة بصريته يف واقع قوانينهم وكفرياهتم، وكذلك كان أمر

االلتباس( وقد صرح بذلك يف كتاباته، كما يف )كشف… احلكام السعوديني عنده . و)اإلمارة(

( سيأيت التفريق بني ما كان من العداوة لدنيا أو عن تأويل، وبني ما كان نصرة ومظاهرة للكفار على 4) املوحدين أو كان عداوة لدينهم.

(241) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ولكنه كان بالفعل، سخطة عليهم وغصة يف حلوقهم وأشد عليهم من كثري ممن فكان يطعن يف بيعتهم ويبطلها، وال يسكت عن شيء من منكراهتم اليت … يكفروهنم

حىت خرج يف آخر أمره عليهم وقاتلهم هو ومن كانوا معه يف فتنة احلرم عام … يعرفها . هـ(1400)

يعنيين هنا ما رافق تلك الفتنة وسبقها من تأويالت حول املهدي وبيعته، وظنهم وال . أنه كان واحدا منهم

وإمنا الذي أريد قوله هنا، أن الرجل مع أنه مل يكن يكفرهم، فهو مل يكن يواليهم أو حيبهم، بل كان يعاديهم ويبغضهم وينازعهم ويطعن يف بيعتهم ، ويعتزل هو ومجاعته

، كما اعتزلوا مدارسهم وجامعاهتم، بل وختلصوا من وثائقهم ()احلكومية كلها وظائفهموجوازاهتم، مث قاتلوهم يف آخر األمر، وكان قبل ذلك مبدة مطاردا مطلوبا هلم، يدعو ويتنقل

. خفية، إىل أن ظفروا به يف احلرم وقتلوه بعدهاازم املتقدمة على كل من مل فهذا مثال صريح من الواقع على فساد إطالق تلك اللو

. يكفر الطواغيتوأيضا فمعلوم أن التويل املكفر هو نصرة الكفار على املوحدين أو نصرة الكفر نفسه

أي بأن يظهره املرء كسبب من أسباب الكفر القولية أو العملية . سواء باللسان أو السنانأما ما بطن وخفي من ذلك . نيافهذا هو الذي ميكن التكفري به يف أحكام الد . الظاهرة

كدعوى أن من ال يكفرهم البد وأنه يتوالهم، وإن مل يظهر منه شيء بلسانه أو فعاله، فهذا ال أثر له يف أحكام الدنيا، وال يصلح التكفري به، وال بأمثاله من املغيبات والظنون

، فال جيوز إلزامه هبا، والتخرصات، وما مل يلتزم املرء بشيء من تلك اللوازم قوال أو عمال . وإن تناقض وختبط يف مذهبه واختياره… ومن مث تكفريه

() عين بذلك أنه ومجاعته كانوا حيرمون وظائف احلكومة كلها ؛ كال فقد حدثين أبو هزاع عبد وال أ

اللطيف الدرباس وكان من املقربني إىل جهيمان وسجن مع من سجن من مجاعته مدة ؛ أن جهيمان يا حضر جملسا البن باز وكانوا دوما يعرضون رسائلهم وكتاباهتم عليه ، وأنه سأله قائال: هل صحيح

جهيمان أنكم حترمون وظائف احلكومة كلها ؟ فأجابه جهيمان وكان بيده فنجان قهوة: ال يا شيخ ؛ ولو كان األمر كذلك ملا شربت عندك هذا الفنجان ، ولكن أقول لك يا شيخ أنه ال حظ لك يف حديث

ؤمن الذي ال الرسول صلى اهلل عليه وسلم )املؤمن الذي خيالط الناس ويصرب على أذاهم خري من املوأخذ يعدد شيئا من –خيالطهم وال يصرب على أذاهم ( ؛ فأنت تعرف يا شيخ أهنم يفعلون كذا وكذا

وال تقدر على تغيريه ، ويفعلون كذا وكذا وال يأهبون بإنكار املشايخ .. وأخذ يسرد أشياء.. -منكراهتم والشيخ منكس رأسه يهزه إقرارا..

(242) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

. )هل الزم املذهب مذهب أم ال؟( : وقد سئل شيخ اإلسالم ابن تيمية)الصواب أن }الزم{ مذهب اإلنسان ليس مبذهب له إذا مل يلتزمه، فإنه : فأجاب

يه، بل ذلك يدل على فساد قوله إذا كان قد أنكره ونفاه كانت إضافته إليه كذبا علوتناقضه يف املقال، غري التزامه اللوازم اليت يظهر أهنا من قبل الكفر واحملال مما هو أكثر، فالذين قالوا بأقوال يلزمها أقوال يعلم أنه ال يلتزمها لكن مل يعلم أهنا تلزمه، ولو كان الزم

غريه من الصفات إنه جماز ليس املذهب مذهبا للزم تكفري كل من قال عن االستواء أو( إىل .. حبقيقة، فإن الزم هذا القول يقتضي أال يكون شيء من أمسائه أو صفاته حقيقة

)لكن نعلم أن كثريا ممن ينفي ذلك ال يعلم لوازم قوله، بل كثري منهم يتوهم أن : قولهقة واجملاز، وقوهلم وهؤالء جهال مبسمى احلقي . (5)احلقيقة ليست إال حمض حقائق املخلوقني

دار ابن حزم( وما . ( )ط20/121جمموع الفتاوى ) . أهـ…( افرتاء على اللغة والشرع . بني املعكوفني زيادة يقتضيها السياق، سقطت من املطبوع

: ) فالزم قول اإلنسان نوعان : (26-29/25وقال فيها أيضا )زمه، فإن الزم احلق حق وجيوز فهذا مما جيب عليه أن يلت : الزم قوله احلق : أحدمها

. أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه ال ميتنع من التزامه بعد ظهورهحبق، فهذا ال جيب التزامه، إذ أكثر ما فيه أنه قد (6)الزم قوله الذي ليس : والثاين

تناقض وقد ثبت أن التناقض واقع من كل عامل غري النبيني، مث إن عرف من حاله أنه يلتزمهبعد ظهوره له، فقد يضاف إليه، وإال فال جيوز أن يضاف إليه قول لو ظهر له فساده مل

. يلزمه(7)يلتزمه؛ لكونه قد قال ما يلزمه، وهو ال يشعر بفساد ذلك القول وال هل هو مذهب أو ليس : وهذا التفصيل يف اختالف الناس يف الزم املذهب

ان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له مبذهب؟ هو أجود من إطالق أحدمها، فما ك . فهو قوله، وما ال يرضاه فليس قوله، وإن كان متناقضا( أهـ

وقال تلميذه ابن القيم يف قصيدته النونية املوسومة )بالكافية الشافية يف االنتصار : للفرقة الناجية(

احلقيقة، هو ما عليه اخللق من الصفات، ولذلك ينفى لفظ احلقيقة عند ذكره ( أي أنه يظن أن معىن5) اخل. …لصفات اهلل ، فيقول: االستواء جماز ال حقيقة واليد جماز ال حقيقة

( يف طبعة دار ابن حزم )يل(. 6)

( لعل هنا سقط )ما( واهلل تعاىل أعلم. 7)

(243) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

من عارف بلزومها احلقان قصد الوازم وهي ذات بيان

ه بال نكرانقد كان يعلم إذ كان ذا سهو وذا نسيان

العلماء مذهبهم بال برهان

بذكره )ولوازم املعىن تراد وسواه ليس بالزم يف حقه

اجملهول أو لكن إذ قد يكون لزومها عرته غفلة بلزومها

ولذاك مل يك الزما ملذاهب . (2/394نقال عن شرح القصيدة ألمحد بن عيسى )

هذه األبيات؛ أن لوازم املذهب ليست مبذهب، إال أن يكون وخالصة كالمه يفومادام جاهال بتلك اللوازم أو غافال … صاحب املذهب عارفا عاملا بلزومها ملذهبه فيلتزمها

. عنها ناسيا ال يشعر هبا، فال تلزمه، وال جيوز إلزامه هبا بال برهانر بالغوا يف النفي، والرد )ال ريب أن بعض علماء النظ : هـ(748وقال الذهيب )

. والتحريف والتنزيه بزعمهم، حىت وقعوا يف بدعة، أو نعت الباري بنعوت املعدوم، (8)كما أن مجاعة من علماء األثر، بالغوا يف اإلثبات وقبول الضعيف واملنكر

فحصل الشغب ووقعت البغضاء، وبدع هذا هذا، وكفر هذا هذا، . وهلجوا بالسنة واالتباعذ باهلل من الهوى والمراء في الدين، وأن نكفر مسلما موحدا بالزم قوله، وهو يفر ونعو

. (48)الرد الوافر البن ناصر الدين( ص) . ، وينزه ويعظم الرب( أهـمن ذلك الالزم)الذي كنا نسمعه : (2/229هـ( يف االعتصام )790وقال أبو إسحاق الشاطيب )

هل األصول؛ "أن الكفر باملآل ليس بكفر يف احلال" من الشيوخ أن مذهب احملققني من أتبني له وجه لزوم (9)كيف والكافر ينكر ذلك املآل أشد اإلنكار، ويرمي خمالفة به ]ولو[

. الكفر من مقالته مل يقل هبا على حال( أهـهل هو مذهب أم ال؟ هي : )والزم املذهب : ويقول أيضا يف الكتاب نفسه

والذي كان يقول به شيوخنا البجائيون واملغربيون، . بني أهل األصولمسألة خمتلف فيها ويرون أنه رأي احملققني أيضا، أن الزم املذهب ليس مبذهب، فلذلك إذا قرر عليه، أنكره

. غاية اإلنكار( أهـ

ذموم إمنا هو إثبات ما روي باألحاديث الضعيفة واملنكرة، ( من نافلة القول أن ننبه إىل أن اإلثبات امل8). أما اإلثبات الصحيح فليس 4كما ذكر الذهيب، ومن قبله شيخ اإلسالم كما تقدم من الفتاوى جـ

مببالغة وال ينكر، كما أنه ال غضاضة على علماء األثر باللهج بالسنة واالتباع.

السياق يقتضيها. ( ليس يف طبعة )دار اخلاين(: )لو( و 9)

(244) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

: ( مقالة شيخه ابن حجر حيث قال1/334وأورد السخاوي يف فتح املغيث )عليه بالكفر من كان الكفر صريح قوله، وكذا من كان الزم )والذي يظهر أن الذي حيكم

أما من مل يلتزمه وناضل عنه فإنه ال يكون كافرا ولو كان … قوله وعرض عليه فالتزمه . الالزم كفرا( أهـ

)والتحقيق الذي يدل : هـ(1376وقال الشيخ عبد الرمحن بن ناصر السعدي )يصرح به صاحبه ومل يشر إليه، ومل يلتزمه ليس مذهبا؛ عليه الدليل أن الزم املذهب الذي مل

ألن القائل غري معصوم، وعلم املخلوق مهما بلغ فإنه قاصر، فبأي برهان نلزم القائل مبا مل يلتزمه، ونقوله ما مل يقله، ولكننا نستدل بفساد الالزم على فساد امللزوم فإن لوازم األقوال

ا وعلى فسادها، فإن احلق الزمه حق، والباطل يكون من مجلة األدلة على صحتها وضعفهعلى -خصوصا الالزم الذي يعرتف القائل بفساده–له لوازم تناسبه، فيستدل بفساد الالزم

. ( )توضيح الكافية الشافية(113فساد امللزوم( أهـ ص )وقال . واخلالصة؛ أن التكفري بالالزم واملآل من املعوصات كما تقدم عن العلماء

التكفير باإللزام، من أعظم مزالق األقدام، فمن أراد المخاطرة بدينه، فعلى ) : الشوكاين . (4/580من السيل اجلرار ) . ( أهـنفسه جنى

(245) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((13 )) تكفير من مات على شيء من الذنوب لم يتب منها

ومن األخطاء الشنيعة يف التكفري أيضا ؛ تكفري من مات على شيء من الذنوب مل نها ، فقد رأيت بعض غالة املكفرة يقولون هبذا ، واستثنوا الصغائر ، ظانني بأهنم يتب م

يرقعون بذلك مذهبهم الشاذ عن عقيدة أهل السنة واجلماعة ، أو أهنم مييزونه عن مذهب اخلوارج ، ومعلوم أن من اخلوارج من ال يكفر بالصغائر ، بل ومنهم من يعذر باجلهل ومنهم

.. ئر كما سيأيت يف آخر هذا الكتابمن ال يكفر بالكباولقد كنت أوردت على بعضهم األدلة الدالة على فساد مذهبهم هذا ، من اآليات اليت فيها ذكر مغفرة اهلل للذنوب عموما صغريها وكبريها ما عدا الشرك أو الكفر ملن مات

.. عليها دون ذلك لمن إن اهلل ال يغفر أن يشرك به ويغفر م)) : حنو قوله تبارك وتعاىل

(( ، وأحاديث الشفاعة اليت فيها خروج كثري من أهل الذنوب من النار ، بعد أن يشاء .. يعذبوا بقدر ذنوهبم ، أو عدم دخوهلم النار أصال برمحة اهلل تعاىل هلم

ومعلوم أن التوبة الصادقة يف الدنيا .. فقيدوا ذلك مبن تاب يف الدنيا قبل أن ميوتال يبقى على املرء بعدها عذاب ، وباهبا واسع يشمل الكفر والشرك وغريه جتب ما قبلها ، ف

.. ، وليست هي خاصة بالكبائر وال بالصغائر بل هي عامةأما آية النساء السابقة ، فقد احتج هبا أهل السنة ، كما قال شيخ اإلسالم ، على

كما يف جمموع الفتاوى ) .. ال يغفر ألهل الكبائر إذا مل يتوبوا: أهل البدع الذين يقولون7/416) .

)اهلل تعاىل غافر الذنب قابل : وفصل ذلك يف موضع آخر، فقال رمحه اهلل تعاىل التوب شديد العقاب، والذنب وإن عظم، والكفر وإن غلظ وجسم، فإن التوبة متحو ذلك

تائبني، كما كله، واهلل سبحانه ال يتعاظمه ذنب أن يغفره ملن تاب، بل يغفر الشرك وغريه للقل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من رحمة اهلل إن اهلل )) : قال تعاىل

. (( وهذه اآلية عامة مطلقة ألهنا للتائبني يغفر الذنوب جميعا إن اهلل هو الغفور الرحيم

(246) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

(( فإهنا إن اهلل ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) : وأما قولهمقيدة خاصة، ألهنا يف حق غري التائبني، ال يغفر هلم الشرك، وما دون الشرك معلق مبشيئة

. (2/217جمموع الفتاوى )ط دار ابن حزم( ) . اهلل تعاىل( أهـوإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا )) : وقد ذكر ابن حزم قوله تعاىل

(( وقوله تعاىل يف أصلحوا بين أخويكمإنما المؤمنون اخوة ف( إىل قوله )) …(بينهمااآلية، وبني أن األخوة اإلميانية …(( فمن عفي له من أخيه شيء)) : القصاص يف القتلى

) وليس ألحد أن يقول؛ إنه تعاىل إمنا جعلهم إخواننا : مث قال… تستلزم أنه ليس بكافرالفصل . ة إىل احلق( أهـألن نص اآلية أهنم إخوان يف حال البغي وقبل الفيئ . إذا تابوا

(3/236) . وتأمل هذا الذي قاله يف الذنوب غري املكفرة، والفرق بينه وبني ما قاله اهلل تعاىل يف

فإن تابوا )) : الكفر حيث علق األخوة يف الدين ورتبها على التوبة منه؛ يف سورة التوبة . ((ت لقوم يعقلونوأقاموا الصالة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل اآليا

وقد روى البخاري ومسلم وغريمها عن عبادة بن الصامت أن النيب صلى اهلل عليه ) تعالوا بايعوين على أن ال تشركوا باهلل شيئا، وال تسرقوا وال تزنوا وال : وسلم قال ألصحابه

إىل )ومن أصاب من ذلك شيئا مث سرته اهلل فهو : ( احلديث إىل قوله. …تقتلوا أوالدكمففيه أن من أصاب من الذنوب شيئا ومل يقم عليه . إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه( : اهلل

حده وسرته اهلل إىل أن مات فهو يف املشيئة، إن شاء اهلل عذبه بقدر ذلك الذنب وإن شاء والتائب غري … عفا عنه، ومن كان كذلك فليس بكافر، وهذا عموم يدخل فيه غري التائب

لشروط التوبة احلقيقية املتقبلة عند اهلل، أما التائب توبة كاملة حقيقية متقبلة، فال املستكمل كما قال –عذاب عليه، وال يعكر على ذلك ذكر الشرك؛ ألن )عموم هذا احلديث

(( فاملرتد إذا قتل على إن اهلل ال يغفر أن يشرك بهخمصوص بقوله تعاىل )) -النووي . فارة( أهـارتداده ال يكون القتل له ك

حيتمل أن يكون املراد : )وقد قيل : فتح الباري… وقال احلافظ يف )كتاب اإلميان(ما ذكر بعد الشرك بقرينة أن املخاطب بذلك املسلمون، فال يدخل حىت حيتاج إىل إخراجه، ويؤيده رواية مسلم من طريق أيب األشعث عن عبادة يف هذا احلديث؛ "ومن أتى

. قتل على الشرك ال يسمى حدا( أهـمنكم حدا " إذ ال) يقول : ويف صحيح مسلم من حديث أيب ذر قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم

من جاء باحلسنة فله عشر أمثاهلا وأزيد ، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها : اهلل عز وجل

(247) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ته مبثلها مغفرة ومن لقيين بقراب األرض خطيئة ال يشرك يب شيئا لقي: إىل قوله… أو أغفر ) ومن : وفيه داللتان على عدم تكفري من مات على ذنوب دون الشرك ، أوهلما قوله. (

جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أغفر (ففيه أن من جاء اهلل بالسيئة مل يتب منها فهو إىل اهلل إن شاء جازاه مبثلها ، وإن

األرض خطيئة ال يشرك يب شيئا لقيته مبثلها ) ومن لقيين بقراب : والثانية قوله. شاء غفر لهمغفرة ( ففيه أن من مات على ذنوب مل يتب منها ؛ فإن اهلل يغفرها له إن حقق التوحيد

. واجتنب الشرك والتنديد)مازلنا منسك عن االستغفار ألهل الكبائر، : وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال) إن اهلل تبارك وتعاىل ال يغفر أن : لم يقولحىت مسعنا من يف نبينا صلى اهلل عليه وس

يشرك به، ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء فإين ادخرت شفاعيت ألهل الكبائر من أميت يوم . القيامة"، فأمسكنا عن كثري مما كان يف أنفسنا( رواه ابن أيب عاصم يف السنة

اتل نفسه ال وروى مسلم يف صحيحه يف )كتاب اإلميان( )باب الدليل على أن ق يكفر( حديث الرجل الذي هاجر مع الطفيل بن عمرو فمرض فجزع فقطع برامجه

فشخبت حىت مات، فرآه الطفيل يف منامه، هيئته حسنة ورآه مغطيا يديه، (10)مبشاقصمايل أراك مغطيا يديك؟ : فقال… غفر يل هلجريت : ما صنع بك ربك؟ فقال : فقال له

ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم، قيل يل؛ لن نصلح : قال . )اللهم! وليديه فاغفر( : فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم

فيه حجة لقاعدة عظيمة ألهل السنة، أن من قتل نفسه أو )… : قال النوويل هو يف ارتكب معصية غريها، ومات من غري توبة فليس بكافر، وال يقطع له بالنار، ب

. حكم املشيئة( أهـ) مذهب أهل احلق أن املعاصي غري الكفر ال يقطع لصاحبها : وقال يف موضع آخر

بالنار إذا مات ومل يتب منها ، بل هو مبشيئة اهلل تعاىل إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه . (4/297( أهـ شرح مسلم ). خالفا للخوارج واملعتزلة

ذهب من كفر بالذنوب عموما تفاوت احلدود هذا وإن مما يدل على فساد موالعقوبات الشرعية اليت وضعها اهلل تعاىل لعباده يف الدنيا، إذ مل جيعل سبحانه عقوبة

( )الرباجم( مفاصل األصابع و)املشاقص( السهم ذو النصل العريض أو املقص، و)شخبت( أي سال 10) دمها.

(248) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

: الذنوب كلها القتل، كما هو شأن حد الردة الذي قال فيه النيب صلى اهلل عليه وسلم . (11))من بدل دينه فاقتلوه(

ن الذنوب، كفرا خمرجا من امللة، الستوى حدها كلها فلو كانت الكبائر أو غريها ممع حد الردة، لكن ملا تفاوتت عقوباهتا دل ذلك على تفاوت حكم اهلل فيها وأهنا ليست

ولذلك ال تقام احلدود اليت هي دون القتل على من كان مريضا وخيشى … كفرا أكرب . عليه، إال بعد شفائه

كالزاين احملصن وقاتل املسلم، صلي عليه بعد قتله ومن كانت معصيته حدها القتل . ودفن يف مقابر املسلمني وورث ماله لورثته، وهذه كلها أحكام تفارق أحكام املرتد . والسارق تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت املال حلقه فيه كسائر املسلمني

لى اهلل عليه وسلم وملا لعن بعض الصحابة رجال أقيم عليه حد اخلمر، هناه النيب ص . (12)عن لعنه، وذكر أنه حيب اهلل ورسوله

فهذا وغريه مما يدل على أنه قد جتتمع يف املرء السيئة مع احلسنة، وأنه ال خيرج من . دائرة اإلسالم مادامت السيئة دون الشرك

وإمكان اجتماع املعصية مع اإلميان، هو األصل الذي فارق به أهل السنة واجلماعة، . ولذلك قالوا بأن اإلميان يتفاضل ويتبعض . الفرق الضالة كاخلوارج واملعتزلة وغريهم مجيع

هـ( يف رده على اخلوارج 429وقد قال أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي ))ولو كان : املكفرين لكل عاص وهو يسرد األصول اليت اجتمع عليها أهل السنة واجلماعة

كانوا مرتدين عن اإلسالم، ولو كانوا كذلك لكان الواجب قتلهم دون املذنبون كلهم كفرة لإقامة احلدود عليهم، ومل يكن لوجوب قطع يد السارق وجلد القاذف ورجم الزاين

. (352-351فائدة، ألن املرتد ليس له حد إال القتل( أهـ ص) (13)احملصن) املؤمن من فعل :وقال شيخ اإلسالم يف سياق ذكره ملذهب اخلوارج وأهنم قالوا

مجيع الواجبات وترك مجيع احملرمات، فمن مل يكن كذلك فهو كافر، خملد يف النار، مث إن عثمان وعليا وحنومها حكموا بغري ما أنزل : جعلوا كل من خالف قوهلم كذلك، فقالوا

( رواه اجلماعة إال مسلما، من حديث ابن عباس. 11)

(. 6780( رواه البخاري يف احلدود )12)

( كذا يف املطبوع، ولعل الصواب )وجلد الزاين غري احملصن(. 13)

(249) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

لسنة، )ومذهب هؤالء باطل بدالئل كثرية من الكتاب وا : قال . اهلل وظلموا فصاروا كفارا (فإن اهلل سبحانه أمر بقطع يد السارق دون قتله، ولو كان كافرا مرتدا لوجب قتله؛ ألن النيب

)ال حيل دم امرئ مسلم إال : )من بدل دينه فاقتلوه( وقال : قال . صلى اهلل عليه وسلمكفر بعد إسالم، وزنا بعد إحصان أو قتل نفس يقتل هبا( وأمر سبحانه : بإحدى ثالث

جيلد الزاين والزانية مائة جلدة ولو كانا كافرين ألمر بقتلهما، وأمر سبحانه بأن جيلد بأن -7/296جمموع الفتاوى ) . اخل(…قاذف احملصنة مثانني جلدة، ولو كان كافرا ألمر بقتله

. ( )ط دار ابن حزم(297ؤمن ) ويعتقد أهل السنة أن امل: هـ(449قال اإلمام أبو عثمان إمساعيل الصابوين )

وإن أذنب ذنوبا كثرية صغائر وكبائر فإنه ال يكفر وإن خرج من الدنيا غري تائب منها ومات على التوحيد واإلخالص فإن أمره إىل اهلل عز وجل إن شاء عفا عنه وأدخله اجلنة يوم القيامة ساملا غامنا غري مبتلى بالنار وال معاقب على ما ارتكبه واكتسبه مث استصحبه إىل

لقيامة من اآلثام واألوزار ، وإن شاء عفا عنه وعذبه مدة بعذاب النار وإذا عذبه مل يوم ا)عقيدة السلف وأصحاب . ( أهـ. خيلده فيها بل أعتقه وأخرجه منها إىل نعيم دار القرار

. احلديث (

(250) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((14 )) الخلط وعدم التمييز في التكفير بين ما هو من أصل

اإليمان أو نواقضه هو من اإليمان الواجب أو المستحبوبين ما

ومن األخطاء الشائعة يف التكفري أيضا؛ اخللط وعدم التمييز يف التكفري بني ما كان من أصل اإلميان أو نواقضه وبني ما هو من اإلميان الواجب أو املستحب ،وهذا اخللط يوقع

. جب، ومستحبأصل، ووا : وبيان ذلك أن اإلميان ينقسم إىل… يف التخبط يف التكفري)وهو مركب من أصل ال : قال شيخ اإلسالم ابن تيمية يف كتاب اإلميان يف تعريفه

ومن واجب ينقص بفواته نقصا يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب . (14)يتم بدونه . يفوت بفواته علو الدرجة( أهـ

وهو هو ما ال يوجد اإلميان بدونه، وال جناة من الكفر إال به : فأصل اإليمان ، : الذي يسمى )مطلق اإلميان( وهو يشتمل على شعب ال يصح اإلميان إال هبا

معرفة ما جاء به الرسول صلى اهلل عليه وسلم إمجاال، والتصديق : فعلى القلب -واالنقياد له مع اإلتيان بأعمال القلب اليت ال يصح اإلميان إال هبا كاحملبة ملا جاء به . به

. وسلم والرضا والتسليم به وحنو ذلك من أعمال القلوبالنيب صلى اهلل عليه . اإلقرار بالشهادتني : وعلى اللسان -الصالة اليت يكفر تاركها، وكذلك سائر املباين عند بعض : وعلى اجلوارح -

. العلماء تبعا للخالف يف كفر تاركهاله من أن كل قول أو عمل يكفر تاركه، ففع : * وضابط ما يدخل يف أصل اإلميان

. أصل اإلميان، وكل قول أو عمل يكفر فاعله فرتكه من أصل اإلميان

لو قال رمحه اهلل: )أصل ال يصح بدونه( لكان أدق وأمنع، ألن اإلميان ال يتم بأصله فقط، بل (14) مبراتبه الثالث اليت يسمى مبجموعها اإلميان الكامل التام.

(251) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ومن أتى بأصل اإلميان دخل اجلنة، إما ابتداء وإما مآال، إذ هو من املوحدين، - . واجلنة أعدت للموحدين وهي مصريهم، وإن قصروا يف اإلميان الواجب

)ليس كل من قام به : قيم(يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية يف )اقتضاء الصراط املست . (82ص ). شعبة من شعب اإلميان يصري مؤمنا حىت يقوم به أصل اإلميان( أهـ

وهو ما زاد عن أصل اإلميان من فعل الواجبات وترك : واإليمان الواجب . احملرمات

: وضابط ما يدخل يف اإلميان الواجب -من اإلميان الواجب، كأداء أن كل عمل ورد يف تركه وعيد ومل يكفر تاركه ففعله

. األمانة وبر الوالدين واجلهاد الواجب وصلة الرحم وحنو ذلكوكل عمل ورد يف فعله وعيد ومل يكفر فاعله فرتكه من اإلميان الواجب، كالزنا والربا

. والسرقة وشرب اخلمر والكذبعنده أصل ومن قصر يف اإلميان الواجب، فرتك واجبا أو فعل حمرما، فإن كان -

اإلميان، فهو من أصحاب الكبائر، أو عصاة املوحدين، أو من يسمى )بالفاسق امللي( أي أنه مع فسقه مل خيرج من امللة، فمن مات على هذا فهو من أهل الوعيد، ولكنه يف املشيئة

إن شاء اهلل غفر له وأدخله اجلنة -عند أهل السنة واجلماعة، خالفا للخوارج واملعتزلة–تداء بال عذاب، وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه، مث يكون مصريه إىل اجلنة، مصري املوحدين، اب

. مبا معه من أصل اإلميان)حىت : كما يف حديث أيب هريرة عند البخاري أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال

أمر املالئكة إذا فرغ اهلل من القضاء بني العباد وأراد أن خيرج برمحته من أراد من أهل النار، أن خيرجوا من النار من كان ال يشرك باهلل شيئا ممن أراد اهلل أن يرمحه ممن يشهد أن ال إله

. إال اهلل، فيعرفوهنم يف النار بأثر السجود(ومن أتى باإلميان الواجب مع أصل اإلميان، ومل يقصر فيه، ومل يزد عليه فهذا هو -

، أي أنه يستحق دخول اجلنة ابتداء بال سابقة املؤمن املستحق للوعد السامل من الوعيدعذاب، ويف أمثال هؤالء قيل حديث )أفلح إن صدق( ملا قال أحدهم للنيب صلى اهلل عليه

)والذي أكرمك باحلق ال أطوع شيئا، وال أنقص مما فرض اهلل علي شيئا( رواه : وسلم . البخاري

(252) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

لواجب، من فعل املندوبات فهو ما زاد عن اإلميان ا : اإليمان المستحبأماواملستحبات وترك املكروهات واملشتبهات، فمن أتى هبذا مع أصل اإلميان واإلميان الواجب فهو من السابقني احملسنني الذين يستحقون دخول اجلنة ابتداء يف درجة السابقني باخلريات

. اببإذن اهلل، وفوات هذه الرتبة، يفوت علو الدرجة وال عقاب عليها وال عذ)أن كل طاعة إميان وليس كل : ومن هذا التفصيل يتلخص لدينا هذه القاعدة

. معصية كفر أكرب(فكما أن الطاعات تتفاوت مراتبها، فمنها ما يدخل يف أصل اإلميان وتعترب شرطا

. لإلميان، ومنها ما يدخل يف اإلميان الواجب، ومنها ما يدخل يف اإلميان املستحب) اإلميان بضع وستون شعبة، أعالها قول ال إله إال اهلل، وأدناها : كما يف حديث

. إماطة األذى عن الطريق، واحلياء شعبة من اإلميان( متفق عليه . فكذلك املعاصي منها ما خيل بأصل اإلميان، وتسمى كفرا أو ناقضا

. ومنها ما خيل باإلميان الواجب وتسمى فسقا ا يتعلق هبا، والتفريق بني ما يكفر به وبني ما ال فالبد من معرفة كل درجة وم

)ولكن اهلل حبب إليكم اإلميان وزينه يف قلوبكم، وكره إليكم الكفر : قال تعاىل . يكفريهوالفسوق والعصيان( فتأمل تفريق اهلل تعاىل بني الكفر وبني الفسوق والعصيان، فال تسلم

. ق اهلل بينه، وجيمع ويؤلف بني ما ألف اهلل بينهقدم التسليم للعبد حىت يفرق بني ما فر وبني ما ينقص اإلميان الواجب . فيفرق بني ما ينقض أصل اإلميان وهي املكفرات

. أو املستحب، وال ينقض أصلهوبعض العلماء يطلقون مصطلح اإلميان الواجب أو واجبات اإلميان، وجيمعون فيه

ميان الواجب، إذ ذلك كله من الواجبات، لكن األول بني ما كان من أصل اإلميان ورتبة اإلمن شرط اإلميان الذي ينقض اإلميان بنقص شيء منه، والثاين من واجباته فقط وليست من شروطه، وينقص بنقصها وال ينتقض، واملسألة اصطالحية ال مشاحة فيها مادام املراد متسقا

: املثال التايل ويفهم ذلك من السياق كما يف . مع أصول أهل السنة : فقد ضرب شيخ اإلسالم ابن تيمية ألقسام اإلميان مثال بالشجرة فقال

(253) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

، وهي بعد ذهاب (15)اسم جملموع اجلذع والورق واألغصان -مثال –) فإن الشجرة ، فيفعل مثل ذلك (16)الورق شجرة، وبعد ذهاب األغصان شجرة، لكن غري كاملة وناقصة

. يف مسمى اإلميان والدين : اإلميان ثالث درجات إنواملستحبات من فعل (17)إميان السابقني املقربني، وهو ما أتى فيه بالواجبات -

. وترك . من فعل وترك (18)وإميان املقتصدين أصحاب اليمني وهو ما أتى فيه بالواجبات -أو يفعل فيه بعض (19)وإميان الظاملني وهو ما يرتك فيه بعض الواجبات -

. احملظورات)إهنم ال يكفرون : ل علماء السنة يف وصفهم "اعتقاد أهل السنة واجلماعة"وهلذا قا

أحدا من أهل القبلة بذنب(، إشارة إىل بدعة اخلوارج املكفرة مبطلق الذنوب، فأما أصل اإلميان الذي هو اإلقرار مبا جاءت به الرسل عن اهلل تصديقا به وانقيادا له، فهذا أصل

. دار ابن حزم(. ( )ط12/254…( )به فليس مبؤمن اإلميان الذي من مل يأت)وإذا عرف مسمى اإلميان، فعند ذكر استحقاق اجلنة والنجاة : 256مث قال ص

إنما )) : يراد به اإلميان الواجب، كقوله تعاىل-من النار، وذم من ترك بعضه وحنو ذلكلهم وأنفسهم في سبيل المؤمنون الذين آمنوا باهلل ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموا

. [15: (( ] احلجراتاهلل أولئك هم الصادقون

( هذا إشارة إىل اإلميان التام مبجموع درجاته الثالث. 15)

هاب كماله املستحب والواجب ال ينتقض ( أي أن اإلميان بدرجاته الثالث كالشجرة الكاملة، وبعد ذ16)ويزول كما تقول اخلوارج واملعتزلة بل يبقى أصله وإن مسي إميانا ناقصا، كالشجرة إذا ذهبت أوراقها

وأغصاهنا وبقي جذعها وأصلها مل تزل وإن كانت ناقصة.

( الواجبات هنا تشمل واجبات أصل اإلميان واإلميان الواجب كما هو ظاهر. 17،5)

( املراد هنا ترك ما كان من رتبة اإلميان الواجب دون أصل اإلميان، ألن االنتقاص من أصل اإلميان 6)ثم أورثنا الكتاب الذين نقض لإلميان، خصوصا وأنه قد استعمل التقسيم الوارد يف قوله تعاىل ))

لظاملي أنفسهم .. (( فااصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات هنا من مجلة الذين اصطفاهم اهلل مبا معهم من أصل اإلميان وإن قصروا يف واجبه.

(254) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

)ال يزين الزاين حني يزين وهو مؤمن وال يسرق السارق : وقوله صلى اهلل عليه وسلم . (20)حني يسرق وهو مؤمن، وال يشرب اخلمر حني يشرهبا وهو مؤمن(

لك نفي أصل اإلميان فنفى عنه اإلميان الواجب الذي يستحق به اجلنة، وال يستلزم ذ . وسائر أجزائه وشعبه(

)من غشنا فليس : قوله صلى اهلل عليه وسلم : )ومن هذا الباب : إىل قوله، ليس املراد به أنه كافر، كما تأولته اخلوارج، وال أنه ليس من خيارنا، كما تأولته (21)منا(

. املرجئةستحقون للثواب، الساملون من ولكن املضمر يطابق املظهر، واملظهر هم املؤمنون امل

. والغاش ليس منا ألنه متعرض لسخط اهلل وعذابه( أهـ خمتصرا . العذاب أن اإلميان الذي يضاده الكفر هو فقط ما كان من )أصل اإلميان( : واخلالصة

أما )اإلميان الواجب( فهو الذي يضاده الفسق، و)اإلميان املستحب( هو الذي . وال املفسق يضاده الرتك غري املكفر

…فليحذر من اخللط بني نصوص هذه املراتب الثالث فإن يف ذلك مزلة األقداموليتأمل يف اآليات واألحاديث، وليتدبرها ولريد املشكل منها إىل الواضح البني، فإنه

: ال خيرج من دائرة اإلميان واإلسالم إال من أتى بذنب مكفر خيل بأصل اإلميان، سواء كانب من واجبات أصل اإلميان؛ كرتك اإلقرار بالشهادتني، أو ترك الصالة، ترك واج -

وحنو . أو انتفاء تصديق القلب؛ وهو كفر التكذيب، أوانتفاء يقني القلب؛ وهو كفر الشكذلك من شعب وواجبات أصل اإلميان، سواء كانت من أعمال القلب أو اللسان أو

. اجلوارحضاد أصل اإلميان، سواء كانت من أعمال القلب أو أو فعل حمرم من احملرمات اليت ت

اللسان أو اجلوارح كالتحاكم إىل الطاغوت أو سب اهلل ورسوله ودعاء غري اهلل أو الذبح . والسجود لغريه سبحانه أو صرف التشريع والتحرمي والتحليل إىل غريه

( رواه البخاري ومسلم. 20)

( رواه مسلم. 21)

(255) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ار من التكفري أما ما كان خمال باإلميان الواجب فإنه ينقص اإلميان وال ينقضه، فحذ . به وحده

: خمس تنبيهات مهمة* وقبل أن أختم هذا املوضع أنبه على أن الكفر وإن كان قد يكون كما عرفت، باإلخالل بأي شيء من شعب : األول

أصل اإلميان، إال أن التكفري يف أحكام الدنيا إمنا يكون مبا يناقض أصل اإلميان باللسان . وال واألعمال الظاهرة فقطواجلوارح حتديدا، أي باألق

وال دخل ألعمال القلوب يف التكفري يف أحكام الدنيا، ألهنا أشياء مغيبة ال ميكن . االطالع عليها وضبطها ما مل يظهر ذلك االعتقاد بقول أو عمل

وقد عرفت أن الشارع قد وضع لألحكام الشرعية يف أحكام الدنيا أسبابا وعلال مغيب القلوب غري ظاهر وال ميكن ضبطه، ولذلك فهو ليس إلينا ظاهرة منضبطة، وما يف

. وإمنا أمره إىل اهللحتتل نقضا ألصل اإلميان، أو نقصا -كما تقدم–أن كثريا من صيغ الوعيد : الثاني

يف اإلميان الواجب، فيجب متحيص الصيغ احملتملة، بردها إىل احملكم املفصل من مبيناهتا حىت ال يقع االشتباه والتعجل بالتكفري مبا هو ليس بكفر ناقل –رع منها ملعرفة مراد الشا

. عن امللةأن العلماء قد يطلقون لفظ )نفي كمال اإلميان( ويريدون بذلك نفي : الثالثفحذار من محله على نفي حقيقته أي )أصله( فتكفر بإطالقاهتم تلك من . كماله الواجبماله املستحب، فتخطئ املراد؛ ألن الشارع ال يتوعد على أو محله على ك . مل يكفره الشرع

ترك شيء من شعب اإلميان املستحب، بل ال يرد الوعيد، إال يف ترك واجب من واجبات . اإلميان؛ إما من رتبة أصل اإلميان أو رتبة اإلميان الواجب

"نفي كمال اإلميان ال حقيقته( : )معىن قوهلم : (12/256قال شيخ اإلسالم ) . الكمال الواجب، ليس هو الكمال املستحب( أهـ : أي

شعب اإلميان[ دل على : )مث إن نفي "اإلميان" عند عدمها ]أي : (7/14وقال ) . (22)أهنا واجبة، وإن ذكر فضل إميان صاحبها ومل ينف إميانه دل على أهنا مستحبة

( تنبه هلذا فإنه مما يعينك على التمييز بني ما كان من اإلميان الواجب وما كان من اإلميان املستحب. 22)

(256) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

، إال إذا ترك بعض أمر اهلل به ورسوله–فإن اهلل ورسوله ال ينفي اسم مسمى أمر "ال إميان مل ال أمانة له، وال دين : ، وقوله(23)"ال صالة إال بأم القرآن" : واجباته، كقوله

وحنو ذلك، فأما إذا كان الفعل مستحبا يف العبادة مل ينفها النتفاء (24)ملن ال عهد له"ا عنه، جلاز )فلو كان من مل يأت بكماهلا املستحب جيوز نفيه : إىل قوله . …"املستحب

. أن ينفى عن مجهور املسلمني من األولني واآلخرين، وهذا ال يقوله عاقلإن املنفي هو الكمال، فإن أراد أنه نفي الكمال الواجب الذي يذم : فمن قال

تاركه، ويتعرض للعقوبة، فقد صدق، وإن أراد أنه نفي الكمال املستحب، فهذا مل يقع قط فإن من فعل الواجب كما وجب عليه، ومل ينقص . وز أن يقعيف كالم اهلل ورسوله، وال جي

. ما فعله ال حقيقة وال جمازا( أهـ : من واجبه شيئا مل جيز أن يقال)وكذلك من ال حيب ألخيه املؤمن ما حيب لنفسه، مل يكن : (7/30وقال أيضا )

فال يكون إال معه ما أوجبه اهلل عليه من اإلميان، فحيث نفى اهلل اإلميان عن شخص،لنقص ما جيب عليه من اإلميان، ويكون من املعرضني للوعيد، ليس من املستحقني للوعد

. املطلق"من غشنا فليس منا، ومن محل علينا السالح : وكذلك قوله صلى اهلل عليه وسلم

كله من هذا الباب، ال يقوله إال ملن ترك ما أوجب اهلل عليه، أو فعل ما . (25)فليس منا"حرمه اهلل ورسوله، فيكون قد ترك من اإلميان املفروض عليه ما ينفي عنه االسم ألجله، فال

. دار ابن حزم(. يكون من املؤمنني املستحقني للوعد، الساملني من الوعيد( أهـ )طوعلى هذا فإن قول احلافظ ابن حجر أو غريه عند حديث) ال يؤمن أحدكم حىت

، جيب (26)) املراد بالنفي كمال اإلميان( : لى سبيل املثالحيب ألخيه ما حيب لنفسه(، ع . محله على نفي كماله الواجب ال املستحب

ألن نفي اسم اإلميان ال يكون لرتك مستحب، بل ال يكون إال لرتك واجب إما من وقول احلافظ إمنا هو للتنبيه على أن ذلك ليس . أصل اإلميان أو من مرتبة اإلميان الواجب

غريمها. ( رواه البخاري ومسلم و 23)

(: )رواه أمحد وأبو يعلي والبزار والطرباين يف األوسط وفيه أبو 1/101( قال اهليثمي يف اجملمع )24) هالل وثقة ابن معني وغريه، وضعفه النسائي وغريه. (

( رواه مسلم. 25)

( فتح الباري )كتاب اإلميان( )باب من اإلميان أن حيب ألخيه ما حيب لنفسه(. 26)

(257) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

)ضرورة أن من مل : ولذلك قال يف املوضع نفسه . ألصل اإلميان كما تقوله اخلوارجنفيا . يتصف هبذه الصفة ال يكون كافرا( أهـ

أن قيد االستحالل الذي يذكر كشرط للتكفري يف بعض الذنوب، إمنا يصح : الرابعاإلميان فال اشرتاطه يف الذنوب اليت تؤثر يف مرتبة اإلميان الواجب، أما ما يناقض أصل

فإن قرن . مدخل هلذا الشرط فيه، إذ هو من املكفرات اجملردة اليت ال تفتقر إىل هذا الشرط . فهو زيادة يف الكفر… هبا

. يرد كثريا يف كالم العلماء التفريق بني اإلميان املطلق ومطلق اإلميان: الخامسإلميان واإلميان الواجب فاإلميان املطلق هو اإلميان الكامل التام الذي مجع أصل ا

وذلك ألن يف قولك )اإلميان املطلق( تدخل الالم على اإلميان وهي . واإلميان املستحبتفيد العموم والشمول، مث تصفه باإلطالق مبعىن أنه مل يقيد بقيد يوجب ختصيصه فهو عام

. يشمل كل فرد من أفراده . املفيطلق على اإلميان الناقص والك : أما مطلق اإلميان

فاإلضافة فيه ليست للعموم بل للتمييز فهو قدر مشرتك مطلق ال عام فيصدق بأي . فرد من أفراده

وهلذا نفى النيب صلى اهلل عليه وسلم )اإلميان املطلق( عن الزاين وشارب اخلمر (( وال يف واهلل ولي المؤمنين)) : والسارق كما يف احلديث املتقدم؛ لئال يدخل يف قوله

إنما المؤمنون الذين إذا ذكر اهلل وجلت (( وال يف قوله )) قد أفلح المؤمنون)) :قوله(( وحنوها من اآليات، ومل ينف عنه مطلق اإلميان ليبقى داخال يف قوله تبارك قلوبهم(( ويف وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا(( ويف قوله )) فتحرير رقبة مؤمنة)) : وتعاىل

. )ال يقتل مؤمن بكافر( رواه البخاري وغريه : ليه وسلمقوله صلى اهلل ع قالت األعراب آمنا قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا)) : وهلذا كان قوله تعاىل

. (27)(( نفيا لإلميان املطلق ال ملطلق اإلميان ومثل ذلك مطلق التوحيد والتوحيد املطلق :

. 4ع الفوائد البن القيم جـ ( انظر بدائ27)

(258) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

اصهم وعوامهم اتقيائهم وفساقهم، يدخل فيه مجيع املوحدين خو : فمطلق التوحيدفكل من آمن باهلل واجتنب عبادة الطاغوت ومل يرتكب شيئا من نواقض التوحيد يدخل يف

. مطلق التوحيد، وإن قصر يف لوازمه وواجباته اليت ليست من أصلهيطلق على كمال التوحيد التام الذي يأيت املكلف مع أصله : والتوحيد املطلق

ازمه ومكمالته، كجهاد الطواغيت وإظهار عداوهتم وإعالن الرباءة منهم ومن بواجباته ولو أوليائهم، والسعي يف إبطال الشرك وإخراج الناس منه، وال مشاحة يف االصطالح ولكن

. أكثر الناس ال يعرفون ذلكوهلذا فنحن وإن كنا نستعمل لفظة املوحد كثريا ونعين هبا خواص أهل الدين

يهم بأهم مهمات الدين اليت قصر يف لوازمها وواجباهتا أكثر الناس تأكيدا وأنصاره، فنسم . على أمهية التوحيد الذي هو أصل دعوة الرسل وأتباعهم

لكننا نكره وحنذر من نفي التوحيد عن املخالفني لنا يف تكفري الطواغيت وجهادهم نحن وإن كنا نتساهل ؛ مادام أولئك املخالفون من املسلمني كما يفعله بعض الناس، ف

لكننا نكره النفي فيه وننهى عنه؛ ألن اإلثبات ال يوهم حمذورا إال . باإلثبات يف هذا البابباملفهوم وهو غري الزم خبالف النفي، فإنه بإطالقه خيشى أن يوهم تكفري كل من نفي عنه

الناس ال وأكثر . خصوصا وأن ضد التوحيد الشرك يف عرف املسلمني . ذلك فلزم تركهيذهب فهمهم إىل االصطالح حىت يقول القائل أنه يقصد بذلك نفي التوحيد املطلق ال مطلق التوحيد، فهم ال يفرقون بني هذا وذاك، فلزم اجتنابه والتحرز منه حىت ال يوهم تكفري

. املخالف من املسلمني، وحىت ال يعطى أعداء الدعوة فرصة للصيد يف املاء العكرذا استعمال كثري من الدعاة املعاصرين لفظة )أخونا( أو )إخواننا( * ومن جنس ه

دون خمالفيهم أو من هم ليسوا على طريقتهم -وقد عايشته -على جتمعاهتم وتنظيماهتم ليسوا من مجاعتهم، : ودعوهتم، وقد ينفوهنا عن هؤالء فيقولون )ليسوا من إخواننا( أي

الرباءة الكلية منهم، وهو سيئ األثر على األتباع من وهذا ال حيل مع املسلمني إذ هو يوهم هذا إن مل يورث معاملة من هم … الشباب، وأقل مساوئه ما يورث من احلزبية البغيضة

. أو احلكم بتكفريهم… خارج لفظة )إخواننا( معاملة الكفارغي واهلل تعاىل قد أثبت األخوة اإلميانية بني املسلمني يف أشد حاالت العداوة والب

اآليات إىل …( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا)) : وهي القتل واالقتتال، فقال سبحانهكما مجع هبذه األخوة بني ويل . (( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم)) : قوله

. اآلية( …فمن عفي له من أخيه شيء)) : املقتول والقاتل فقال

(259) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((15)) الحقيقي واإليمان الحكميعدم التمييز بين اإليمان

ومن األخطاء الشائعة يف التكفري أيضا؛عدم التمييز بني اإلميان احلقيقي واإلميان . احلكمي ، وبني التوبة الباطنة والتوبة احلكمية

من أمور الغيب الباطنة اليت حكمها إىل اهلل، وهو الذي جتري : فاإلميان احلقيقي . ثواب والعقابعليه أحكام اآلخرة عند اهلل من ال

هو الظاهر، الذي يفرق به بني املسلم والكافر، وهو املرادف : واإلميان احلكميلإلسالم احلكمي الذي يعصم به الدم واملال، وهذا يثبت ابتداء باإلقرار بالشهادتني، أو ما

. مع عدم التلبس بناقض من نواقض اإلسالم الظاهرة . يقوم مقامها من خصائص اإلسالم)اإلميان الظاهر الذي جتري عليه األحكام يف : شيخ اإلسالم يف كتاب اإلميانقال

. الدنيا، ال يستلزم اإلميان الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة يف اآلخرة( أهـ . (7/133الفتاوى )ط دار ابن حزم( )

مل يكن )واهلل تعاىل ملا أمر يف الكفارة بعتق رقبة مؤمنة، : (7/136وقال أيضا )اقتلوا إال : على الناس أال يعتقوا إال من يعلموا أن اإلميان يف قلبه، فإن هذا كما لو قيل هلم

وهم مل يؤمروا أن ينقبوا عن قلوب الناس وال يشقوا بطوهنم، : من علمتم أن اإلميان يف قلبهصلى اهلل عليه فإذا رأوا رجال يظهر اإلميان جاز هلم عتقه، وصاحب اجلارية ملا سأل النيب

. هل هي مؤمنة؟ إمنا أراد اإلميان الظاهر الذي يفرق به بني املسلم والكافر( : وسلم)واملقصود أن النيب صلى اهلل عليه وسلم إمنا أخرب عن تلك : (7/137وقال )

. …(األمة باإلميان الظاهر الذي علقت به األحكام الظاهرة، املؤمنني الظاهرة اليت حيكم فيها الناس يف )فيجب أن يفرق بني أحكام : إىل قوله

الدنيا، وبني حكمهم يف اآلخرة بالثواب والعقاب، فاملؤمن املستحق للجنة البد أن يكون . مؤمنا يف الباطن باتفاق مجيع أهل القبلة( أهـ

)واملقربة اليت كانت للمسلمني يف حياته وحياة خلفائه وأصحابه : (7/138وقال )من أظهر اإلميان، وإن كان منافقا يف الباطن، ومل يكن للمنافقني مقربة يدفن فيها كل

يتميزون هبا عن املسلمني يف شيء من ديار اإلسالم، كما تكون لليهود والنصارى مقربة

(260) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

يتميزون هبا، ومن دفن يف مقابر املسلمني صلى عليه املسلمون، والصالة ال جتوز على من أن ذلك بناء على اإلميان الظاهر، واهلل يتوىل السرائر( أهـ )ط علم نفاقه بنص القرآن، فعلم

. دار ابن حزم( . )اإلميان الذي علقت به أحكام الدنيا هو اإلميان الظاهر وهو اإلسالم : وقال أيضا

فاملسمى واحد يف األحكام الظاهرة، وهلذا ملا ذكر األثرم ألمحد احتجاج املرجئة بقول النيب لم )أعتقها فإهنا مؤمنة( أجابه بأن املراد حكمها يف الدنيا حكم املؤمنة، صلى اله عليه وس

. مل يرد أهنا مؤمنة عند اهلل تستحق دخول اجلنة بال نار إذا لقيته مبجرد هذا اإلقرار( أهـ)ومنشأ االشتباه يف : وقال أيضا عند ذكره خلالف العلماء يف حكم ذراري الكفار

ام الكفر يف الدنيا، بأحكام الكفر يف اآلخرة فإن أوالد الكفار ملا اشتباه أحك : هذه املسألةكانوا جيري عليهم أحكام الكفر يف أمور الدنيا، مثل ثبوت الوالية عليهم آلبائهم، وحضانة آبائهم هلم ومتكني آبائهم من تعليمهم وتأديبهم، واملوارثة بينهم وبني آبائهم، واسرتقاقهم

، وغري ذلك، صار يظن من يظن أهنم كفار يف نفس األمر، كالذي إذا كان آباؤهم حماربنيتكلم بالكفر وعمل به، فإذا عرف أن كوهنم ولدوا على الفطرة، ال ينايف أن يكونوا تبعا

. آلبائهم يف أحكام الدنيا زالت الشبهةمن ال يعلم . وقد يكون يف بالد الكفر من هو مؤمن يف الباطن يكتم إميانه

اله، إذا قاتلوا الكفار، فيقتلونه، وال يغسل وال يصلى عليه ويدفن مع املشركني، املسلمون حوهو يف اآلخرة من املؤمنني أهل اجلنة، كما أن املنافقني جتري عليهم أحكام املسلمني، وهم يف اآلخرة يف الدرك األسفل من النار، فحكم الدار اآلخرة غري حكم الدار الدنيا( أهـ )درء

. (433-8/432العقل والنقل( )تعارض )) يا أيها الذين آمنوا : وقد فرق اهلل تعاىل بني نوعي اإلميان هذين يف قوله تعاىل

إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن اهلل أعلم بإيمانهن، فإن علمتموهن . (9: (( )املمتحنةمؤمنات فال ترجعوهن إلى الكفار

. حبقيقة إمياهنن : ((؛ أيمانهناهلل أعلم بإي)) : فقوله تعاىلحبسب ما يظهر لكم وهو اإلميان : ((؛ أيفإن علمتموهن مؤمنات)) : وقوله )الناس عندنا : وهلذا كان سفيان الثوري وابن املبارك وغريهم من السلف يقولون . احلكمي

. (28)مؤمنون يف املواريث واألحكام، وال ندري كيف هم عند اهلل عز وجل(

(. 2/872(، وابن بطة يف اإلبانة الكربى )3/567( أخرجه اخلالل يف السنة، )28)

(261) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ذا فشروط )ال إله إال اهلل( ونواقض اإلسالم اليت يعددها العلماء يف كتبهم؛ وعلى همنها ما هو متعلق باإلميان احلقيقي، وهي الشروط والنواقض املغيبة اليت ال يعلمها إال اهلل كاإلخالص أو ما ينقاضه من الشرك الباطن، والصدق وما يناقضه من التكذيب القليب،

وحنو ذلك من األمور املغيبة اليت ال يطلع عليها إال اهلل؛ … الشك واليقني وما ينقاضه منال يصح وال يصلح التكفري هبا يف أحكام الدنيا ألهنا أسباب غري ظاهرة وال منضبطة فكيف يناط حكم التكفري هبا؟ وإمنا ينظر يف أحكام الدنيا إىل ما ظهر من تلك الشروط أو

امل اإلنسان معاملة املسلمني فيعصم دمه وماله إن النواقض، فيثبت اإلسالم احلكمي ويع . أتى بشروط اإلسالم احلكمي ويوكل أمر سريرته إىل اهلل)مث أعلم يا أخي أرشدنا : (2/608قال الشيخ حافظ احلكمي يف معارج القبول )

اهلل وإياك، أن التزام الدين الذي يكون به النجاة من خزي الدنيا وعذاب اآلخرة، وبه يفوز العبد باجلنة ويزحزح عن النار، إمنا هو ما كان على احلقيقة يف كل ما ذكر من حديث

. جربيل، وما يف معناه من اآليات واألحاديثيظهر منه ما يناقضه، أجريت عليه أحكام املسلمني يف وما مل يكن على احلقيقة ومل

)) فإن تابوا وأقاموا الصالة وآتوا : الدنيا، ووكلت سريرته إىل اهلل تعاىل، قال اهلل عز وجل)) فإخوانكم في الدين وغيرها من (( ويف اآلية األخرى الزكاة فخلوا سبيلهم

. (( أهـ…اآلياتدم واملال، وعلق األخوة يف الدين باألحكام فتأمل كيف علق اهلل تعاىل عصمة ال

. والشعائر واملباين الظاهرة ال مبا خفي وبطنوأيضا ال يشرتط لإلسالم احلكمي بل وال للحقيقي ما يظنه البعض من لزوم حفظ شروط )ال إله إال اهلل( أو حفظ معناها ونواقضها، ومعرفة تفاصيلها كما شرحها العلماء يف

يستطيع أن يزعم أن األمة اليت سأهلا النيب صلى اهلل عليه وسلم )أين فال أحد … كتبهماهلل( وحكم هلا باإلميان، أو غريها من األعراب والعوام الذين كان صلى اهلل عليه وسلم

كانوا يعرفون تفاصيل ذلك كله أو أهنم هم أو غريهم كانوا … يعاملهم باإلسالم الظاهر . هلم باإلسالم يلزمون بذلك ويشرتط عليهم ليحكم

: قال الشيخ حافظ احلكمي يف معارج القبول عند قوله بشروط سبعـة قـد قيـدت ويف نصوص الوحي حقا وردت فـإنه لــم ينتفع قائلــها بالنطق إال حيث يستكملـــها

(262) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

نه لشيء منها ) ومعىن استكماهلا اجتماعها يف العبد والتزامه إياها بدون مناقضة موليس املراد من ذلك، عد ألفاظها وحفظها، فكم من عامي اجتمعت فيه والتزمها، ولو قيل له اعددها مل حيسن ذلك، وكم حافظ أللفاظها جيري فيها كالسهم وتراه يقع كثريا فيما

. (2/418يناقضها والتوفيق بيد اهلل واهلل املستعان( أهـ )امل يف الدنيا واآلخرة( ولذلك اشرتط استكمال مجيع وهو يقصد هنا )االنتفاع الك

. ألنه قصد اإلسالم احلقيقي… شروطها ومل يفرق بني ما ظهر وما بطن من ذلكأما اإلسالم احلكمي الظاهر يف الدنيا فقد عرفت أن شأنه دون ذلك، وأنه إمنا

توحيد، أي أن يأيت يشرتط له أن يظهر املرء ما يصري به مسلما مما هو من أصل اإلميان وال . بشروط اإلسالم الظاهرة، وأن ال يقع بشيء من نواقضه الظاهرة

إما قول أو فعل : وقد قدمنا لك أن الكفر وإن كان قد يكون بأحد أسباب أربعةإال أن التكفري يف أحكام الدنيا إمنا ينحصر . أو بأكثر من سبب منها . أو شك أو اعتقاد

: قال شيخ اإلسالم ابن تيمية… لفعل املكفر أو هبما معا فقط يف القول املكفر أو اكل من أتى بعد اإلسالم من القول أو العمل مبا يناقض اإلسالم حبيث ال جيتمع : )فاملرتد

. (459الصارم املسلول ) . معه( أهـ)وإذا مل يكن علم اإلميان املفروض صفة لقلب : (370وقال أيضا فيه ص )

مل ينفعه، فإنه يكون مبنزلة حديث النفس وخواطر القلب، والنجاة ال اإلنسان الزمة له . حتصل إال بيقني يف القلب، ولو أنه مثقال ذرة، هذا فيما بينه وبني اهلل

. وأما يف الظاهر فيجري األحكام على ما يظهره من القول أو الفعل ( أهـة اليت أمرها إىل اهلل أما االعتقاد والشك فهو من أسباب الكفر األخروية الباطني

وليس إلينا ؛ إذ ال سبيل يف أحكام الدنيا إىل ضبطها وإعماهلا واعتبارها ، وقد علمت أن الشارع ربط األحكام واملسب بات يف الدنيا بأسباب وأوصاف ظاهرة منضبطة غري خفية وال

كفر ومل مغيبة ، وذلك كي يتمكن املكلفون من التعامل معها ؛ولذلك يعامل من أبطن المبعاملة املسلمني يف أحكام الدنيا ، –كما هو حال املنافقني –يظهره بقول أو عمل

فيعصم إسالمهم احلكمي الظاهر دماءهم وأمواهلم مث مصريهم يف اآلخرة يف الدرك األسفل .. من النار

ومل جيعل لنا سبحانه .. (( وال تقف ما ليس لك به علم)) : وقد قال اهلل تعاىل . باملغيبات والبواطن نعلق أحكام الدنيا هباعلما

(263) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

)) وال أقول للذين تزدري أعينكم : وقال تعاىل حكاية عن نبيه نوح عليه السالم(( فرتب احلكم اهلل أعلم بما في أنفسهم ، إني إذا لمن الظالمين. لن يؤتيهم اهلل خيرا

.. ئر سبحانه وتعاىلعلى ظاهر إمياهنم ، ورد علم ما يف أنفسهم إىل العامل بالسرا) فرض اهلل تعاىل على خلقه طاعة نبيه ، ومل جيعل هلم من : قال الشافعي رمحه اهلل

( .. األمر شيئا ،فأوىل أال يتعاطوا حكما على غيب أحد بداللة وال ظن) فما جعل إليهم احلكم يف الدنيا إال مبا ظهر من احملكوم عليه ، ففرض على : وقال

أهل األوثان، حىت يسلموا فتحقن دماؤهم إذا أظهروا اإلسالم، وأعلم أنه ال نبيه أن يقاتل يعلم صدقهم باإلسالم إال اهلل، مث أطلع اهلل رسوله على قوم يظهرون اإلسالم ويسرون غريه فلم جيعل له أن حيكم عليهم خبالف حكم اإلسالم، ومل جيعل له أن يقضي عليهم يف

. هـأ (29)الدنيا خبالف ما أظهروا(األحكام على جمرد ما يف النفوس من -أي الشارع–)ومل يرتب : وقال ابن القيم

( وهذا يف أحكام الدنيا كما هو 3/117إعالم املوقعني ) . غري داللة فعل أو قول( أهـ . ظاهر

ومن األدلة الصرحية على هذا قول النيب صلى اهلل عليه وسلم يف احلديث الذي يرويه فأخرب …( وإمنا أقضي بنحو ما أمسع… )إنكم ختتصمون إىل : ريمهاالبخاري ومسلم وغ

)إين مل أومر أن أنقب : صلى اهلل عليه وسلم أنه إمنا حيكم بالظاهر، ويف صحيح مسلم . عن قلوب الناس وال أشق بطوهنم(

)أفال : ويف صحيح مسلم أيضا قوله صلى اهلل عليه وسلم ألسامة منكرا عليه شققت عن قلبه(!!

)وال نشهد عليهم بكفر وال نفاق، ما مل : قال أبو جعفر الطحاوي يف أهل القبلة . يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إىل اهلل تعاىل(أهـ

)ألنا قد أمرنا باحلكم بالظاهر، وهنينا عن الظن واتباع ما : وقال شارح الطحاوية . ليس لنا به علم(أهـ

)باب حكم …( الباري )كتاب استتابة املرتدين ويقول احلافظ ابن حجر يف فتح : (6922املرتد واملرتدة واستتابتهم( يف كالمه على حديث )من بدل دينه فاقتلوه( )

(. 3/112( نقال عن إعالم املوقعني )29)

(264) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فإنه . )وقوله "من" هو عام خيص منه من بدله يف الباطن ومل يثبت عليه ذلك يف الظاهر . …(جتري عليه أحكام الظاهر

)فدل على أن : (2: ختذوا أمياهنم جنة" )املنافقونوقال بعد أن ذكر قوله تعاىل "اإظهار اإلميان حيصن من القتل، وكلهم أمجعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر واهلل يتوىل السرائر، وقد قال صلى اهلل عليه وسلم ألسامة "هال شققت عن قلبه" وقال للذي ساره يف

وذكر . الذين هنيت عن قتلهم" أولئك : نعم، قال : قتل رجل "أليس يصلي؟ قالكم من مصل يقول : حديث )خالد بن الوليد ملا استأذن يف قتل الذي أنكر القسمة، وقال

"إين مل أومر أن أنقب عن قلوب : فقال صلى اهلل عليه وسلم . بلسانه ما ليس يف قلبه . الناس" أخرجه مسلم واألحاديث يف ذلك كثرية( أهـ

والتوبة املنجية يف اآلخرة ، بة الباطنة الحقيقيةفي التو ومثل ذلك يقال . اليت تكفي يف الدنيا لعصمة الدم واملال واحلكم باإلسالم الحكمية

هي املتقبلة عند اهلل، وهي املستوفية لشروط التوبة الباطنة : فالتوبة احلقيقيةالستغفار والظاهرة، من الندم واإلقالع عن الذنب، والعزم على عدم العودة إليه، وا

. باللسان، وأداء حقوق العباد إن تعلق الذنب هبا . فهذه هي التوبة املقبولة املنجية عند اهلل تعاىل

أما يف الدنيا فال يصح ما يشرتطه البعض يف عصمة دم اإلنسان أو احلكم بتوبة . هللاملرتد من تبني هذا النوع من التوبة، فإن بعض شروطها من الغيب الذي ال يعلمه إال ا

. وال ميكن للخلق ضبطهوإمنا يكفي يف ذلك ظهور التوبة احلكمية، وهي إظهار املذنب توبته عند الناس باإلقالع عن ذنبه يف الظاهر أو الرجوع والرباءة من السبب املكفر من قول أو عمل ظاهر،

. أو بالتزام ما كفر باالمتناع عنه مما هو من أصل اإلميان الظاهر وهو من تكررت ردته واشتهر : (30)ثىن البعض من ذلك الزنديقاست : تنبيه

تالعبه وطعنه يف الدين، وعوده واستتابته، وكثرت منه احملتمالت واملعاريض واشتهرت . مصاحبته ألهل الريب والزندقة

(. 7/290( الزنديق: لفظة أعجمية شاعت يف لسان الفقهاء ملا كثر األعاجم يف املسلمني )الفتاوى 30)سرتي: )وإمنا مسي الزنديق زنديقا ألنه وزن دق الكالم مبخبول عقله، وترك وقال سهل بن عبد اهلل الت

(265) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

. فمذهب مالك رمحه اهلل عدم قبول توبته وكذا أمحد يف أشهر الروايتني عنه . ومذهب الشافعي قبوهلا

)وهلذا تنازع الفقهاء يف استتابة الزنديق، فقيل : قال شيخ اإلسالم ابن تيميةيستتاب واستدل من قال ذلك باملنافقني الذين كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يقبل

. عالنيتهم ويكل أمرهم إىل اهللأخذوا )ملعونني أينما ثقفوا : هذا كان يف أول األمر، وبعد هذا أنزل اهلل : فيقال له

. وقتلوا تقتيال( فعلموا أهنم إن أظهروه كما كانوا يظهرونه قتلوا، فكتموه . هو املنافق، وإمنا يقتله من يقتله إذا ظهر منه أنه يكتم النفاق : والزنديق

وال تعلم توبته؛ ألن غاية ما عنده أنه يظهر ما كان يظهر، وقد كان يظهر : قالواتوبة لزنديق مل يكن سبيل إىل تقتيلهم، والقرآن قد توعدهم اإلميان وهو منافق، ولو قبلت . (7/137بالتقتيل( أهـ جمموع الفتاوى )

واملرجع يف هذا واهلل أعلم إىل االجتهاد وتقدير املصاحل واملفاسد ومعرفة الواقع؛ من ازدياد الشر واالستخفاف بالدين وجترؤ الناس عليه، فمىت وجد مثل هذا شدد على

عبني الزنادقة وشرد هبم من خلفهم ، خصوصا إن توفرت القدرة عليه، فقد علمت املتالتنوع هدي النيب صلى اهلل عليه وسلم وسريته يف أمثاهلم يف حال ضعف املسلمني، وعند

. قوة شوكتهم

األثر وتأول القرآن باهلوى( أهـ عن معارج القبول. وأصله يف كتاب العلو للذهيب انظر املختصر (. 220ص)

(266) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((16)) عدم التفريق بين التولي المكفر وبين معاملة الكافر

بالمعروفعدم التفريق بني التويل املكفر، وبني لتكفري أيضا ؛ومن األخطاء الشائعة يف ا

. معاملة الكافر باملعروف أو اإلحسان إليه وبره ملصلحة دعوة أو حنوهافاملعاشرة واملصاحبة باملعروف للوالدين الكافرين ثابتة بالكتاب والسنة؛ كما قال

طعهما، )) وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فال ت : تعاىل . (15 : (( )لقمانوصاحبهما في الدنيا معروفا

وحمبة اخلري واهلداية هلما أو لغريمها من الكفار، شيء غري حمبتهم ومودهتم ومواالهتم ال ينهاكم اهلل عن الذين لم )) : وقد فرق اهلل تعاىل بني األمرين بقوله . املنهي عنها

أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن اهلل يحب يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم المقسطين، إنما ينهاكم اهلل عن الذين قاتلوكم في الدين، وأخرجوكم من دياركم

: (( )املمتحنةوظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون8-9) .

ومل ينه عن . ففرق اهلل تعاىل بني الرب واإلقساط واإلحسان، وبني التويل املكفر . األوىل، وهنى عن الثاين هنا ويف مواضع أخرى من كتابه

ومعلوم أن للمسلم أن يتزوج الكتابية الكافرة، وإذا جاز له ذلك، جازت دون شك جمالستها ومؤاكلتها ومصافحتها ومالعبتها وغري ذلك من املعاشرة باملعروف اليت أمر اهلل

أيضا رمحة ومودة طبيعية ، فللزوجة الكافرة من ذلك هبا األزواج أمرا عاما، وجعل بينهم . مودة خاصة مستثناة من عموم النهي عن موادة الكفار

وهذا كله ينبه إىل عدم انضباط إطالقات بعض املتهورين يف التكفري يف هذه والذي يهمين التنبيه إليه يف هذا املوضع؛ أن مقام الدعوة وتأليف القلوب، وبيان . األبواب

الدين باحلكمة واملوعظة احلسنة ؛ يشرع فيه من اللني يف اخلطاب واجلدال باليت هي أحسن واملعاملة باحلسىن والطالقة، ويتأكد ذلك يف املقبلني على مساع الدعوة، ما ال يتعارض حبال مع الغلظة والشدة واملراغمة اليت أمر اهلل تعاىل هبا يف مقامها يف اجلهاد والقتال؛ فقال

(267) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

: (( وقال تعاىل)) يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم : انه وتعاىلسبح . (()) يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة

فمجال القتال ومراغمة أعداء اهلل وردع الشانئني وجماهدة الزنادقة والطاعنني )) وإن أحد : ل الدعوة والبالغ الذي قال اهلل تعاىل فيهغري جما… واملستهزئني وحنوهم

من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كالم اهلل ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم ال فأمر اهلل تعاىل بإجارة املشرك ومحايته وتأمينه، وإن كان حربيا مادام قد أظهر ((… يعلمون

بداللة اإلشارة على جواز إكرامه، مبعىن إطعامه الرغبة يف مساع الدعوة، وهذا مستلزم ويدلوإيوائه ومعاملته ومعاشرته باملعروف حىت يسمع الدعوة كاملة واضحة، مث وإن مل يؤمن فقد

. أمر اهلل تعاىل بإيصاله بعدها إىل بلده آمنا مطمئنا من غري أذى أو ترويعو من يدعى إليها ابتداء، ففي هذا كله وجوب التفريق بني املقبل على مساع الدعوة أ

. سواء كان من احلربيني أم غريهم، وبني املعرض أو املستكربولقد رأيت كثريا من املتعنتني على غري بينة، يشددون ويضيقون على من أحسن إىل بعض الكفار أو خالطهم أو عاملهم أو خاطبهم بلني ألجل إيصال دعوته إليهم بأحسن

. ون، خصوصا واحلال حال استضعاف واملقام ليس مقام قتالطريق، دون أي مداهنة أو ركومع هذا فإذا كانت احلقائق أراهم وأمسعهم من الشدة والغلظة ما تغص به حلوقهم

ومع ذلك ينكر أولئك املتعنتون هذا اللني وجيعلونه عني املداهنة، … وتضيق معه صدورهم . العافيةبل منهم من يدرجه يف التويل نسأل اهلل السالمة و

ورمبا احتج بعضهم بآيات املمتحنة املذكورة وهي حجة عليهم ال هلم، فاهلل جل خصوصا يف جمال الدعوة والبالغ، وإمنا هنى عن . ثناؤه مل ينه فيها قط عن الرب واإلقساط

. التويل هنيا عاما يف غري آية من كتابه سبحانهورمبا أدخل بعضهم … لشدة واإلغالظمث زعموا أن احملاربني عموما ليس هلم إال ا

يف ذلك وعده من اإلغالظ املشروع؛ الفحش والشتم اجملرد الذي هنى اهلل تعاىل عنه . فشوهوا بذلك وجه الدعوة املشرق ، وجتنوا بأفهامهم السقيمة على الدين . املؤمنني

وغفلوا عن أن لفظ احملاربة يف مصطلح الفقهاء يشمل كل من ليس بينه وبنيولو كان من غري املقاتلني، فيدخل فيه النساء … املسلمني عهد أو ذمة أو أمان أو جوار

غري املقاتالت والصبيان والزمين وأمثاهلم ممن ليسوا من أهل القتال، وال يقدرون على إخراجنا من ديارنا، وال يظاهرون على إخراجنا، فإهنم مجيعا يدخلون يف مصطلح احلربيني

(268) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ولذلك … حلرب، وإن مل يكونوا من أهل القتال، فاملقاتل أخص من احملاربمن أهل دار ايذكر املفسرون يف أسباب نزول اآليات املذكورة حديث قدوم أم أمساء بنت أيب بكر من مكة هبدايا وثياب ومسن وإقط لزيارهتا وأذن الرسول صلى اهلل عليه وسلم ألمساء بإدخاهلا

. منزهلا وقبول هداياهاصة أن مقام الدعوة وما يسوغ فيها مع احلربيني أوغريهم، هو غري مقام القتال واخلال

. ومراغمة أئمة الكفر وأطر الشانئني واملستكربين من املعرضني عن الدعوة أو املستهزئني هباأما دعوهتم ابتداء، فقد بعث اهلل نبيه موسى إىل طاغوت زمانه ورأس احملاربني

فأمره وأخاه أن يبدءا دعوته بالقول اللني مع وصفه سبحانه له واملقاتلني له ولقومه؛ )) إذهبا إلى فرعون إنه طغى فقوال له قوال لينا لعله يتذكر أو : بالطغيان، فقال

فابتدءاه بذلك كما أمرهم اهلل تعاىل، فلما أعرض وأ ى وأصر واستكرب وهدد ((… يخشى)) : ((؛ قال له موسى موسى مسحورا إني ألظنك يا)) : وتوعد وأرعد، وقال ملوسى

لقد علمت ما أنزل هؤالء إال رب السموات واألرض بصائر وإني ألظنك يا فرعون . (( مثبورا

وكذلك خليل الرمحن إبراهيم عليه السالم خياطب قومه يف مقام الدعوة باحلكمة )) يا أبت : ه يقولفرتا . واملوعظة احلسنة ويناظرهم باحلجة، ويظهر حرصه على هداية أبيه

)) يا أبت ال تعبد .. ((إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا )) يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب (( الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا

. وحنو ذلك((… من الرحمن فتكون للشيطان وليا مع وضوح احلجة، يقول هلم وألبيه يف ويف مقام إعراضهم وحيدهتم وجداهلم بالباطل

كفرنا ))… : (( ويقولأف لكم ولما تعبدون من دون اهلل أفال تعقلون)) : مجلتهموقال تعاىل …(( بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا باهلل وحده

. …((فلما تبين له أنه عدو هلل تبرأ منه. ))…عنه يف شأن أبيه ذلك خامت األنبياء واملرسلني صلى اهلل عليه وسلم كان أحرص الناس على هداية وك

. قومه وعشريته األقربني، ينذرهم النار ويدعوهم إىل إنقاذ أنفسهم منها . وال زال يدعو عمه أبا طالب ويتمىن هدايته إىل آخر نفس من أنفاسه

(269) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) تسمعون يا معشر : مويف مقام استهزائهم وغمزهم له واستكبارهم، تراه يقول هل . (31)قريش، أما والذي نفس حممد بيده لقد جئتكم بالذبح(

فال بد من التفريق يف احلوار واخلطاب بني من يستمع للدعوة وينصت ويرغب يف . وبني من يتخذها هزوا ولعبا أو يعرض ويستكرب . التعرف إليها

يف اإلعراض واالستكبار رغم وبني من يدعى ابتداء، وبني من طال عليه األمد وجل الدعوة له والبالغ، وهذا كله من احلكمة واملوعظة احلسنة، والسياسة الشرعية اليت أمر اهلل

. تعاىل هبا، وبينها رسوله صلى اهلل عليه وسلم يف سريته وسنته وهديهوذكر اللني يف . وقد فصل اهلل تعاىل ذلك يف كتابه، فذكر الغلظة والشدة يف مقام

مقام، وذكر احلكمة واملوعظة احلسنة يف مقام، وذكر القول البليغ يف مقام، فمن جعل كال . يف مقامه املناسب نال رضا اهلل تعاىل وأفلح يف دعوته كل الفالح

ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )) : ومن ذلك قوله تعاىل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدينوجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل

)) . : )الناس ثالثة أقسام : قال شيخ اإلسالم ابن تيمية عند هذه اآلية

. إما أن يعرتف باحلق ويتبعه، فهذا صاحب احلكمة - . وإما أن يعرتف به، لكن ال يعمل به، فهذا يوعظ حىت يعمل - . وإما أال يعرتف به، فهذا جيادل باليت هي أحسن -

ظنة اإلغضاب، فإذا كان باليت هي أحسن حصلت منفعته بغاية وألن اجلدال م . (2/33دار ابن حزم( ). اإلمكان كدفع الصائل(أهـ جمموع الفتاوى )ط

وال )) : )واهلل تعاىل يقول : (3/159وقال يف موضع آخر من الفتاوى أيضا )خاطب مل (( فمىت ظلم امل تجادلوا أهل الكتاب إال بالتي هي أحسن إال الذين ظلموا

نكن مأمورين أن جنيبه باليت هي أحسن، بل قال أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه؛ لعروة بن "إين ألرى أوباشا من الناس، خليقا أن : مسعود حبضرة النيب صلى اهلل عليه وسلم ملا قال

( حتقيق أمحد شاكر. 7036( مسند أمحد )31)

(270) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ومعلوم أن العزة هلل . (32)"أمصص بظر الالت؛ أحنن نفر عنه وندعه؟!" : يفروا ويدعوك"وال تهنوا وال تحزنوا وأنتم األعلون إن )) : لرسوله وللمؤمنني من كانوا، وقد قال تعاىلو

(( فمن كان مؤمنا فهو األعلى كائنا من كان، ومن حاد اهلل رسوله فقد قال كنتم مؤمنين . (( (أهـ)) إن الذين يحادون اهلل ورسوله أولئك في األذلين : تعاىل

ومن خلط اختلط عليه أمره .. ه ذاك، فإن لكل مقام مقالفتأمل كالمه هذا وكالم . والتبس، ولبس على الناس

ولقد ضرب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم املثل األعلى يف الرب واإلحسان إىل قومه الذين قاتلوه يف الدين وعذبوا أصحابه وأخرجوهم من ديارهم وظاهروا على إخراجهم،

)أخ كرمي : م دخل مكة فاحتا، فأطلقهم وهم كفار، وقالوا يومهافكان بارا هبم أميا بر يو . وابن أخ كرمي( مث دخلوا يف دين اهلل أفواجا

ومن على طائفة منهم قبل ذلك ببطن مكة، وكانوا قد مهوا به وبأصحابه، فأظفره وهل فوق هذا من إحسان؟ . اهلل بثمانني منهم أسارى فمن عليهم، وأطلقهم بغري فداء

ولو ذهبنا نتتبع هديه صلى اهلل عليه وسلم وسريته يف هذا، لطال بنا املقام، ومعلوم . آثار مثل هذا؛ على إقبال الناس على دين اهلل

ومن ذلك قبوله هدية الكفار أحيانا، وإهدائه هلم، كما يف صحيح البخاري )كتاب ( وفيه أيضا يف )كتاب اهلبة( )باب قبول اهلدية من املشركني( و)باب اهلدية للمشركني

. املرضى( )باب عيادة املشرك(ودعاه إىل -كان خيدمه–عن أنس أن النيب صلى اهلل عليه وسلم عاد غالما يهوديا

اإلسالم فأسلم قبل أن ميوت، ويف صحيح مسلم عن أيب هريرة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه ا ، مث أخرى مث أخرى حىت وسلم أضافه ضيف كافر فأمر له بشاة فحلبت فشرب حالهب

شرب حالب سبع شياه، مث إنه أصبح فأسلم فأمر له بشاة فشرب حالهبا مث بأخرى فلم . احلديث( وأصله يف البخاري… يستتمها

ويطعمون الطعام على حبه مسكينا )) : وقد قال تعاىل يف ثنائه على املؤمنني … م من الكفار احملاربني املقاتلني(( والغالب على أسرى املسلمني أهنويتيما وأسيرا

. وهو نافع لكل طالب حق.. وتتبع هذا يطول ويطول

(. 2732-2731( البخاري )كتاب الشروط( )32)

(271) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ونافع أيضا ألولئك املتعنتني؛ يوسعون به مداركهم، ويزدادون بصرية وحكمة فالبد من التفريق يف التكفري بني التويل املكفر الذي نص اهلل تعاىل يف كتابه على . ونضجا

وبني معاملة الكافر باملعروف ، واإلحسان إليه واللني . التكفري البينةأنه سبب من أسباب يف خطابه ألجل الدعوة إىل اهلل تعاىل وحنوها، فال يكفر مبثل هذا إال متهور قد غامر

. فعلى نفسه جنايته… بدينه

(272) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((17)) الخلط بين التولي المكفر

وبين المداهنة المحرمة أو المداراة المشروعة

األخطاء الشائعة يف التكفري أيضا ؛ اخللط بني التويل املكفر وبني املداهنة ومناحملرمة أو املداراة املشروعة ، فاملداهنة فضال عن املداراة ليستا من التويل املكفر، بل األوىل

وبعض املتحمسني ال يفرق بينهما، ويضيق ويشدد فيما مل . حمرمة، والثانية جائزة شرعا . اهلل فيه، وينكر ما هو مندوب وليس مبنكريشدد

. بل قد رأيت من الغالة من يكفر مبحض املداراة، وذلك شطط عن احلق وضالل … فلذلك لزم التنبيه على هذا يف أخطاء التكفري، والتمييز بني كل نوع من هذه األمور

قال ابن حجر يف فتح الباري يف شرحه لكتاب األدب من صحيح البخاري )باباملداراة مع الناس( يف كالمه على ما علقه البخاري من قول أيب الدرداء "إنا لنكشر يف

) الكشر بالشني املعجمة وفتح أوله ظهور األسنان، : وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم" …وأكثر ما يطلق عند الضحك

الكلمة املداراة من أخالق املؤمنني، وهي خفض اجلناح للناس ولني : قال ابن بطال . وترك اإلغالظ هلم يف القول

. وذلك من أقوى أسباب األلفةألن املداراة مندوب إليها، واملداهنة وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط،

. حمرمةمن الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويسرت باطنه، : المداهنةوالفرق أن

. ار الرضا مبا هو فيه من غري إنكار عليهوفسرها العلماء بأهنا معاشرة الفاسق وإظههي الرفق باجلاهل يف التعليم وبالفاسق يف النهي عن فعله، وترك : المداراةو

اإلغالظ عليه حىت ال يظهر ما هو فيه، واإلنكار عليه بلطف القول والفعل، وال سيما إذا . احتيج إىل تألفه وحنو ذلك(

(273) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وأصله اهلمز ألنه من املدافعة، واملراد به الدفع بغري مهز، : )املداراة : وقال أيضا . …(برفق

: ) ومما ورد فيه صرحيا حديث جلابر عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال : قال)مداراة الناس صدقة( أخرجه ابن عدي والطرباين يف األوسط ويف سنده يوسف بن حممد

به، وأخرجه ابن أيب عاصم يف أرجو أنه ال بأس : بن املنكدر، ضعفوه، وقال ابن عديمن الباب نفسه، ونقل يف )باب مل يكن النيب . بسند أحسن منه( أهـ . "آداب احلكماء"

)الفرق بني املداراة : صلى اهلل عليه وسلم فاحشا وال متفاحشا( قول القرطيب تبعا لعياضا معا، وهي مباحة ورمبا بذل الدنيا لصالح الدنيا أو الدين، أو مه : واملداهنة أن املداراة . ترك الدين لصالح الدنيا( أهـ : استحبت، واملداهنة

. فظهر من هذا أن املداراة جائزة بل مستحبة أحيانا أما املداهنة؛ فإهنا وإن أطلق البعض يف تعريفها، حبيث قد تعين عنده أمورا مكفرة،

هبا ما هو دون الكفر من إال أن أكثر من يستعمل هذه اللفظة من العلماء إمنا يقصد)ودوا لو تدهن فيدهنون(؛ : فهي كما قال الطربي يف تفسري قوله تبارك وتعاىل . احملرمات

)ودوا لو : )مأخوذة من الدهن، شبه التليني يف القول بتليني الدهن( أهـ قال احلسنلدين تصانعهم يف دينك فيصانعونك(، فيتلخص من هذا أهنا بذل ما كان بذله من ا

فإذا كان األمر واملقصود هبا كذلك، ومل يرد هبا ما هو فوق . لصالح الدنيا، حمرما ال كفرا فال حيل واحلال كذلك أن يكفر بعض املتعنتني . ذلك من التويل وحنوه من األمور املكفرة

عن خمالفيهم جملرد مداهناهتم ألعداء اهلل اليت هي من قبيل املصانعة واإلكرام، أو السكوتخصوصا . إنكار منكراهتم وفسوقهم وباطلهم دون أن يقروهم على كفر أو طعن يف الدين

وأن أكثر أولئك املخالفني يف واقع اليوم يتعذرون ألكثر إدهاناهتم، إما باخلوف . واالستضعاف، أو باالستصالح

مل وسواء صح اعتذارهم أم … فإدهاناهتم ترتاوح بزعمهم ما بني التقية والتأويلفال حيل … فما دام أقصى ما يف أفعاهلم أن يكون من احملرمات أو الكبائر.. يصح

. التكفري هبا حبالفقد عرفت فيما … بل التكفري هبا وحدها، أشد حرمة منها نفسها وأعظم ضالال

تقدم أن الوعيد على التكفري بغري ما كفر اهلل تعاىل به ورسوله صلى اهلل عليه وسلم من . ع الوعيد، حىت شبهه النيب صلى اهلل عليه وسلم بقتل املسلم وسفك دمه احلرامأشد أنوا

(274) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وإن ذنبا مساه الشارع كفرا ليس هو كسائر الذنوب بل إما أن يكون كفرا على وجه من الوجوه أو أنه يؤدي إىل الكفر، فمن جازف بدينه وخاطر بنفسه وأقدم واقتحم

. ه ودينه جنايتهمثل هذه املهالك، فإمنا على نفس . أوما يكفيه ويكفي أمثاله من املتعنتني، الوقوف عند حدود الشرع، وعدم تعديها؟

. فالشرع ليس حباجة من أحد إىل تشديد فوق ما حدد اهلل ورهب يف وعيدهوال هو حباجة إىل تفريط وإدهان من املتهاونني بعد ما جعل اهلل فيه من تيسري رفع

واحلق وسط ال هو مع املشددين يف تشديدهم وال مع املفرطني يف .به احلرج عن األمة . تفريطهم

. ويف سنة املصطفى وطريقة دعوته غنية وشفاء لكل من طلب دواء هذه األدواءفقد روى اإلمام البخاري يف صحيحه يف كتاب األدب يف األبواب املشار إليها آنفا عن

بئس أخو : اهلل عليه وسلم، فلما رآه قالعائشة )أن رجال استأذن على النيب صلى ائذنوا له بئس أخو العشرية، فلما دخل أالن له : العشرية، ويف الرواية األخرى ]فقال

الكالم فلما جلس تطلق النيب صلى اهلل عليه وسلم يف وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق ذا وكذا، مث تطلقت يف يا رسول اهلل حني رأيت الرجل قلت له ك : الرجل قالت له عائشة

يا عائشة مىت عهدتين : وجهه وانبسطت إليه، فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلمفاحشا؟ إن شر الناس عند اهلل منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره، ويف الرواية

بن األخرى ]فحشه[( وقد نقل احلافظ يف الفتح عن ابن بطال وغريه أن الرجل هو عيينة حصن الفزاري وكان يقال له األمحق املطاع، ورجا النيب صلى اهلل عليه وسلم بإقباله عليه

)مل يكن عيينة واهلل أعلم حينئذ : تألفه ليسلم قومه ألنه كان رئيسهم ونقل عن عياض قوله . أو كان أسلم ومل يكن إسالمه ناصحا( أهـ… أسلم

لم إمنا بذل له من دنياه حسن عشرته )والنيب صلى اهلل عليه وس : وقال احلافظوالرفق يف مكاملته ومع ذلك فلم ميدحه بقول، فلم يناقض قوله فيه فعله، فإن قوله فيه قول

. أهـ…( حق، وفعله معه حسن عشرة . فتأمل هذا اهلدي الكامل الوسط

الذي مجع بني الصدق يف التقييم والتعريف، والنصح للسامعني، وبني حسن العشرة تأليف ملصلحة الدين واإلسالم ؛ وسلم من املداهنة فليس فيه أدىن تنازل أو تفريط يف وال

(275) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

الدين من جهة، كما سلم من الفحش والتفحش والفظاظة املنفرة اليت ليست يف مقامها . من جهة أخرى…

من هذا الفقه العظيم واخللق –فأين املتعنتون املضيقون ملا وسعه اهلل تعاىل ؟…الكرمي

لقد رأيت منهم أقواما شنعوا وبدعوا بل وكفروا خمالفيهم يف أشياء ليست هي يف فدين اهلل من الكفر، بل بعضها مشروع من جنس املداراة املمدوحة مل تستوعبه عقوهلم

وبعضها ال يعدو كونه من املداهنة احملرمة غري . الضعيفة، ومل يناسب فظاظتهم وتفحشهم . املكفرة

الس الكفار أو زاورهم ودخل عليهم أو بش يف وجوههم أو عاملهم فكفروا من جومن باب أوىل عندهم من صافحهم أو مازحهم وضاحكهم . بشيء من اللني والطالقة

.. وال جيوز التكفري به وحده… واحلق أنه ال حيل التسوية بني هذا كله… وداهنهملكفار ألجل دعوهتم واللني يف فمنه ما هو مشروع كاجملالسة واملزاورة والدخول على ا

خطاهبم وجداهلم باليت هي أحسن ودعوهتم باحلكمة واملوعظة احلسنة وقد قدمنا لك من صحيح البخاري أن النيب صلى اهلل عليه وسلم عاد غالما يهوديا مريضا ودعاه إىل اإلسالم

. إسالمهفيجوز إذن للمسلم أن يعود الكافر يف مرضه وأن حيسن إليه رجاء … فأسلموقد كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يغشى الكفار يف جمالسهم يسمعهم دعوته ويصرب على أذاهم يف مكة ويف املدينة أيضا، كما يف احلديث املتفق عليه الذي أورده البخاري يف كتاب األدب )باب كنية املشرك( عن أسامة بن زيد رضي اهلل عنهما أن رسول

سلم ركب على محار عليه قطيفة فدكية وأسامة وراءه يعود سعد بن اهلل صلى اهلل عليه و عبادة يف بين حارث بن اخلزرج قبل وقعة بدر فسارا، حىت مرا مبجلس فيه عبد اهلل بن أيب ابن سلول، وذلك قبل أن يسلم عبد اهلل بن أيب، فإذا يف اجمللس أخالط من املسلمني

ملسلمني عبد اهلل بن رواحة، فلما غشيت اجمللس واملشركني عبدة األوثان واليهود، ويف اال تغربوا علينا، فسلم رسول اهلل صلى اهلل : عجاجة الدابة مخر ابن أيب أنفه بردائه وقال

عليه وسلم، عليهم مث وقف فنزل فدعاهم إىل اهلل وقرأ عليهم القرآن، فقال له عبد اهلل بن ل إن كان حقا، فال تؤذنا به يف جمالسنا فمن أيها املرء، ال أحسن مما تقو : أيب ابن سلول

. بلى يا رسول اهلل، فاغشنا يف جمالسنا : جاءك فاقصص عليه، قال عبد اهلل بن رواحةفإنا حنب ذلك، فاستب املسلمون واملشركون واليهود حىت كادوا يتساورون، فلم يزل رسول

اهلل صلى اهلل عليه وسلم اهلل صلى اهلل عليه وسلم خيفضهم حىت سكنوا مث ركب رسول

(276) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

)أي : دابته فسار حىت دخل على سعد بن عبادة، فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلماحلديث( وفيه كما نقل احلافظ …سعد أمل تسمع ما قال أبو حباب ؟ يريد عبد اهلل بن أيب

ل عن ابن بطال؛ )جواز تكنية املشركني على وجه التألف إما رجاء إسالمهم أو لتحصي) األدب أن خياطب أهل الفضل : ؛ هذا مع أن النووي يقول يف التكنية…( منفعة منهم

ومن قارهبم بالكنية () وقد كان األول أكثر ما يعظم بعضهم بعضا يف املخاطبات واملكاتبات : ويقول

. األذكار. ( أهـ ، ويرون ذلك في غاية الرفعة ونهاية التعظيموحنوها بالكىن غشيان املشركني يف جمالسهم وجمالستهم ألجل دعوهتم وخماطبتهم وفيه جواز

)ادع إىل سبيل ربك : باحلكمة واللني واملوعظة احلسنة رجاء إسالمهم وقد قال تبارك تعاىلوقد قدمنا لك يف غري هذا …( باحلكمة واملوعظة احلسنة وجادهلم باليت هي أحسن

. املوضع، ما هو من جنسه أشياء أخرىأن هذا كله جائز مشروع ال ينكره إال غافل أو جاهل بسنة املصطفى والشاهد

. صلوات اهلل وسالمه عليه وهديه وسريتهومن مث فالتكفري بأشياء منه شر وأخبث من بدعة اخلوارج املكفرين باملعاصي

. والذنوبما … ومما ينكرونه وقد يكفر بعضهم به، مما تقدم أشياء ال تصل إىل حد التحرمي

كمصافحة الكفار والطالقة هلم والبشاشة . مل يكن يف شيء منها إقرار على منكر أو حراممما ال ينتهض الدليل لتحرميه وإن كنا نكرهه لغري حاجة دعوة أو تألف للدين … وحنوهافلقد بلغ ببعض املتهورين أن كفروا بتعنتهم خمالفيهم ممن يصافحون عساكر الشرك .. وحنوه

هم من الكفار، فشطوا بذلك عن جادة احلق وغلوا، ومنهم من اكتفى يف والقانون أو غري . مع أهنم ال يعرفون دليال واحدا مينع من ذلك… ذلك بالتبديع أو االهتام باملداهنة والركون

وحنن وإن كنا نكره مصافحتهم، وال نتعاطاها، إظهارا لدعوتنا وإبداء لرباءتنا من الشرك ، فغريهم من الكفار (33)مام أمحد عن مصافحة أهل الذمة فكرههوأنصاره، وقد سئل اإل

احملاربني أوىل على هذا عنده بالكراهة، ولكننا مع هذا ال نقول بتحرميها لعدم النص، بل )أن ما منع سدا للذريعة، : نعدها فقط ذريعة قد توصل إىل األلفة، ومعلوم يف قواعد الفقه

مننع من املصافحة ملصلحة تألف أو دعوة أو ولذلك فال… أبيح للمصلحة( وقد تقدم

غين )كتاب اجلزية(، فصل وال جيوز تصديرهم وال بداءهتم بالسالم. ( امل33)

(277) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

خصوصا إن كانت املبادرة من … لدرء مفسدة وحنوها حبسب ما يقدره املسلم يف مقامه . غري املسلم ممن مل يكشروا عن ناب العداوة للدين

فشأن املصافحة ليس كشأن السالم الذي ورد النهي فيه صرحيا، بل جعله الشارع ة، كما يف حديث "ال تدخلوا اجلنة حىت تؤمنوا، وال تؤمنوا حىت حتابوا، أوال سببا جمللبة احملب

. أدلكم على شيء إذا فعلتموه حتاببتم؟ أفشوا السالم بينكم" رواه مسلموينهى عنها مع الكفار … واحملبة إمنا تستجلب وحيرص عليها بني املسلمني . املشركني بالسالمواملشركني، ولذلك وردت النصوص صرحية تنهى عن بداءة

. …(كحديث مسلم )ال تبدؤوا اليهود وال النصارى بالسالم . رواه مسلم وغريه… ( ويف رواية )إذا لقيتم املشركني فال تبدؤوهم بالسالم

هذا خبالف املصافحة فإنه مل يصح عندنا فيها شيء ينهى عن مصافحة . (34)الكفار

ا، والطعن فيهم فضال عن تكفريهم!! فال حيل واحلال كذلك تبديع املخالفني فيهومن تلك األمور اليت كفروا هبا ما قد يكون حمرما كاملداهنات اليت فيها إقرار على احملرمات واملعاصي، أو فيها طاعة للكفار مبعصية اهلل تعاىل، وحنوه مما قد يصل إىل الكبائر

. وال يصل إىل الكفر حبالة بني ذلك كله، فإنه خالف العدل والقسط الذي واخلالصة؛ أنه ال جتوز التسوي

. أنزل اهلل به الكتاب وامليزانبل منها … واهلل جل ذكره قد بني يف كتابه أن املخالفات الشرعية ال تستوي كلها

. ما هو كفر، ومنها ما هو فسوق ومنها ما هو من العصيان . …(()) وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان : فقال تعاىل

( أما حديث )من متام التحية املصافحة( أو )األخذ باليد( فحديث ضعيف طرقه شديدة الضعف ال 34)تصلح لالعتبار، وكذا حديث )تصافحوا يذهب عنكم الغل.. ( فقد رواه مالك معضال عن عطاء

( وتروى هذه اللفظة أيضا من طريق بشر األنصاري، وهو 3/278والرتهيب )اخلراساين، انظر الرتغيب ممن يضع احلديث كما ذكر العقيلي وابن عدي.

(278) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

والنيب صلى اهلل عليه وسلم بني أن الذنوب منها ما هو من جنس الصغائر، ومنها ما . هو من الكبائر واملوبقات

فال . وتقدم أيضا أن الكفر دركات بعضه أغلظ من بعض، وبعضه زيادة يف الكفر.. حيل واحلال كذلك ما يفعله كثري من املتهورين من القفز مرة واحدة ومباشرة إىل التكفري

مبا هو من احملرمات، فضال عما كان من املكروهات أو املباحات واملستحبات ، كما خلط . واملداراة… بعضهم التويل املكفر، باملداهنة احملرمة

حىت يبتدع ويضع له الغالة واملتعنتون من تشديدهم .. فالشرع ال يفتقر إىل الزواجر . وتعنتهم وتكفريهم زاجرا

(279) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((18)) ن التولي المكفر وبين التقية الجائزةالخلط بي

. التقية اجلائزة ومن األخطاء الشائعة يف التكفري أيضا ، اخللط بني التويل املكفر وبنيهو نصرة الكفار ومظاهرهتم على املوحدين باللسان أو بالسنان، : فالتولي المكفر

ن يتولهم منكم فإنه وم)) : وقد قال تعاىل فيه.. أو تويل كفرهم وشركهم وإعانتهم عليه . ((منهم

إال أن تتقوا )) : ؛ فهي جائزة للمسلم إن خاف الكفار، كما قال تعاىلأما التقية((، وهي احلذر من الكفار بإخفاء املعاداة، ومداراهتم حال اخلوف منهم بشرط منهم تقاة

. أن ال يعينهم على كفر أو يتوالهم أو يرتكب شيئا من املكفراتلمسلم املستضعف، ال حيل الطعن يف دينه أو رميه بالنفاق ألجلها أو فهي رخصة ل

. تكفريه مبجردها، وإلزامه بإظهار العداوة للكفار واملراغمة ألعداء اهلل كشرط لصحة إسالمهفإظهار العداوة وإن كان هو األكمل واألفضل، وهو صفة الطائفة املنصورة القائمة

حد، خصوصا املستضعفني، وإمنا يكفيهم منها وجود بدين اهلل، لكن ذلك ال يلزم كل أأصلها يف القلب، وما مل يناقضوه بعمل مكفر كالتويل أو حنوه، فال حيل تكفريهم بالتقية

. وحدها، فهي شيء غري املواالة)ومعلوم أن التقاة ليست مبواالة ولكن ملا هناهم اهلل عن : قال ابن القيم رمحه اهلل

ضى ذلك معاداهتم والرباءة منهم وجماهرهتم بالعداوة يف كل حال، إال إذا مواالة الكفار، اقت . (2/69خافوا من شرهم، فأباح هلم التقية، وليست التقية مبواالة( أهـ بدائع الفوائد )

أن التقية جتوز مع جمرد اخلوف دومنا … ومما يدل على أن التقية غري املواالة املكفرة . إكراه

ار التويل إال مع اإلكراه احلقيقي، واخلوف وحده ليس عذرا يف بينما ال جيوز إظه)) ومن يتولهم منكم فإنه التويل، ولذلك أنكره اهلل تعاىل على من تعذر به، بعد قوله

فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن )) : (( فقال منهم . اآليات…(( تصيبنا دائرة

(280) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

قلوهبم مرض مث أكد سبحانه كفرهم حببوط أعماهلم فقال فوصفهم تعاىل بأن يف (( فلم جيعل اخلشية اليت هي ليست حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين)) : تبارك وتعاىل

. خبالف التقية… إكراها، عذرا يف إظهار التويلقال احلافظ ابن حجر يف فتح الباري يف أول كتاب اإلكراه، عند ما علقه البخاري

)ومعىن التقية احلذر من إظهار ما يف : "التقية إىل يوم القيامة" . سن البصريمن قول احل . النفس من معتقد وغريه للغري(أهـ

) إنا لنكشر يف وجوه : وقد قدمنا لك أيضا من صحيح البخاري عن أيب الدرداءال أقوام وقلوبنا تلعنهم ( ، ويف هذا إشارة إىل وجوب بقاء عداوة الكفار يف القلب ح

. التقية، ألن زواهلا كلية ووجود ضدها وهو املودة هلم أو لدينهم؛ من نواقض اإلميانقال . فالذي يباح تركه حال التقية إمنا هو إظهار العداوة وإبداؤها، ال ترك أصلها

)ومسألة إظهار العداوة غري مسألة وجود : الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرمحن آل الشيخ . العداوة

. "إال أن تتقوا منهم تقاة" : يعذر به مع اخلوف والعجز، لقوله تعاىل : فاألولالبد منه، ألنه يدخل يف الكفر بالطاغوت، وبينه وبني حب اهلل ورسوله : والثاين

. الرسائل املفيدة . تالزم ال ينفك عن املؤمن( أهـوأنصارهم وعلى هذا فال جيوز إلزام املسلمني عموما بإظهار العداوة للطواغيت

وإال كانوا غري موحدين وال … وإعالهنا وإبدائها يف واقع اليوم ويف ظل االستضعاف . مسلمني كما يطلق بعض املتهورين

فكم من مؤمن كان يكتم إميانه يف مكة يف زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم؟ بل ر يف البخاري، منهم من أمره النيب صلى اهلل عليه وسلم بذلك، كما يف قصة إسالم أيب ذ

"يا أبا ذر أكتم هذا األمر وارجع إىل بلدك، : وحمل الشاهد منها قوله صلى اهلل عليه وسلم . احلديث"…فإذا بلغك ظهورنا فأقبل

فقد قامت … ومادامت قد قامت بإظهار الدين طائفة من األمة وصدعت باحلقشرطا لصحة بالواجب على األمة وال جيب ذلك على كل أحد فضال عن أن جيعل

. اإلسالم

(281) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

. وإمنا الشرط لذلك وجود عداوة الكفر والرباءة من املشركني يف القلب وعدم زواهلاولقد رأيت بعض الغالة يتتبعون إطالقات للشيخ حممد بن عبد الوهاب وغريه من علماء

وة الدعوة النجدية يف أبواب املعاداة ووجوب إظهارها للكفار وأن ذلك من ملة إبراهيم ودعليكفروا بذلك عوام املسلمني املستضعفني ممن ال جياهرون الكفار . األنبياء واملرسلني

. بالعداوة، بل رمبا عاملوهم باملداراة أو التقيةفمن ذلك قول الشيخ حممد بن عبد الوهاب رمحه اهلل تعاىل يف سياق ذكره لدعوة

منهم عند ذكر آهلتهم، بأهنا ال النيب صلى اهلل عليه وسلم قريشا إىل التوحيد، وما جرى . وأهنم جعلوا ذلك شتما … تنفع وال تضر

)فإذا عرفت هذا، عرفت أن اإلنسان ال يستقيم له إسالم ولو وحد اهلل : حيث قال"ال جتد : وترك الشرك إال بعداوة املشركني والتصريح هلم بالعداوة والبغضاء، كما قال تعاىل

اآلية( أهـ الدرر السنية )جزء … اآلخر يوادون من حاد اهلل ورسوله قوما يؤمنون باهلل واليوم)إعلم وفقنا اهلل : ومثله قول الشيخ حممد بن عبد اللطيف آل الشيخ . (93اجلهاد( ص)

وإياك ملا حيب ويرضى أنه ال يستقيم للعبد إسالم وال دين إال مبعاداة أعداء اهلل . (208اخل( أهـ الدرر )جزء اجلهاد(ص )…ورسوله

فهذا وأمثاله، مع أنه ليس بدليل شرعي، ألن كالم العلماء وفهمهم يستعان به ومع هذا فإنه ال حجة هلم فيه على ما . ويستأنس به، لكن ال يستدل به بل يستدل له

ذهبوا إليه من تكفري العوام غري املصرحني بالعداوة للكفار دون أن يرتكبوا شيئا من النواقض إن ترك –وذلك ألن كالمهم صريح يف عدم استقامة دين العبد وإسالمه …واملكفرات

. ال يف انتقاضه وكفره -ذلك هذا ولقد كنت سقت كالم هؤالء املشايخ وغريهم يف كتايب )ملة إبراهيم( تأكيدا

وذلك قبل .. ألمهية إظهار العداوة والبغضاء ألعداء اهلل وإبداء الرباءة منهم ومن شركياهتميزيد عن أربع عشرة سنة، ويومها علقت عليه هبامش طبع مع الكتاب منذ طبعته األوىل ما

)إن أريد بذلك أصل العداوة فالكالم على إطالقه، وإن أريد عموم العداوة، : ملخصهإظهارها وتفاصيلها والصدع هبا، فالكالم يف استقامة اإلسالم، ال يف زوال أصله، وللشيخ

)مصباح الظالم( تفصيل حول هذا املوضوع، فلرياجعه من شاء، وفيه عبد اللطيف يف كتابه)فالذي يفهم تكفري من مل يصرح بالعداوة من كالم الشيخ، فهمه باطل ورأيه : قوله

وحنن إمنا أوردنا مقوالهتم يف هذا الفصل لبيان أمهية هذا األصل الذي … أهـ…( ضالرغم وضوح –أحلقنا هذه التوضيحات طمست معامله عند أكثر دعاة هذا الزمان، مث

(282) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

لنسد الطريق على من حياولون الصيد باملاء العكر، فيبحثون عن عمومات وأشياء -الكالم . (35)ترقع هلم رمينا بعقيدة اخلوارج(أهـ

فاحلمد هلل على منه وكرمه وفضله وهدايته أوال وآخرا، فليس ما نكتبه اليوم يف الضراء . ما كتبناه باألمس يف السعة والسراءوالقيد واحلبس؛ إال عني

ولسنا ممن يتبنون عقيدهتم من ردود الفعل العكسية، أو الضغوط السجونية أو … غريها

. اللهم يا ويل اإلسالم وأهله ثبتنا عليه ومسكنا به حىت نلقاك

( من الطبعة األوىل. وقد يسر اهلل دخوله خفية، ورقة، 10ص)…( ( من هامش كتاب )ملة إبراهيم35)إعادة جتليده هناك مث تنقل معنا يف ورقة، من ثقب صغري يف قاعة الزيارات يف سجن سواقة، ومت مجعه و

سائر السجون بتيسري اهلل رغما عن أنوف الطواغيت وأنصارهم، هذا مع أين كنت قد خلصت حمتواه لالخوة يف السجن من قبل.

(283) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((19)) التكفير بدعوى أن السكوت عن الحكام يستلزم

الرضى بكفرهم االستضعاف وعدم اعتبار حال

ومن األخطاء الشنيعة يف التكفري أيضا ؛ عدم اعتبار حال االستضعاف،والتكفري بدعوى أن السكوت عن احلكام الكفرة ،وعدم السعي يف تغيريهم وجهادهم يستلزم الرضى

. بكفرهمهكذا وصفهم علماؤنا يف .. فأهل السنة "يتبعون احلق، ويرمحون اخللق"

هلم عن أهل البدع املشددين على املسلمني ، الذين ال يرمحون ضعيفا، وال عقائدهم، متييزا . يقيلون عثرة، وال يعذرون أحدا

فلقد رأيت بعض الغالة من أهل احلماس األجوف ال يرمحون عوام املسلمني وال . بتسلط كفرة احلكام . يعتربون حال االستضعاف الذي عم املسلمني يف ديارهم اليوم

م ما ال يطيقون، فيلزموهنم العمل واجلهاد لتغيري كفر األنظمة احلاكمة؛ وإال وحيملوهنوقد رموا بذلك كل من … اعتربوهم راضني بالكفر لسكوهتم عنه وعدم سعيهم يف تغيريه

قعد عن جهاد الطواغيت، ومل يعتربوا االستطاعة وال فرقوا بني حال القوة وحال . االستضعاف

ات الوعيد اليت يتوعد اهلل فيها القاعدين عن اجلهاد ورمبا استدلوا ببعض آيإال تنفروا يعذبكم عذابا أليما )) : واملتخلفني عن النفري عند وجوبه، كقوله تعاىل

(( ولو فقه هؤالء كالم اهلل تعاىل، وأوجه دالالته، ويستبدل قوما غيركم وال تضروه شيئا فعذاب الدنيا بل والعذاب .. على التكفري بذلكملا وجدوا يف هذه اآلية ومثيالهتا ما يدل

األليم يف اآلخرة ال يلزم منه التكفري، كما قد قدمنا لك يف األدلة احملتملة، وقد علمت أن من املوحدين من قد يعذب ويدخل النار لذنوبه، سواء كانت حمرمات ارتكبها، أو واجبات

، فيكون مصريه مصري املوحدين مث خيرج منها برمحة اهلل وفضله . قصر فيها وتركها

(284) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وقدمنا لك أن نصوص الوعيد كثري منها حمتمل الداللة، ال جيوز اجلزم فيه … )اجلنة( . بالتكفري دون فهمه على ضوء النصوص املبينة األخرى

فالشك أن جهاد الكفار املتسلطني املستولني على أزمة األمور يف بالد املسلمني ج العباد من عبادهتم إىل عبادة اهلل وحده، ومن ظلمات وقتاهلم لدحر شركهم ، وإخرا

تشريعاهتم إىل عدل ونور اإلسالم ، هو من إقامة التوحيد يف األرض ومن أوجب الواجبات . (36)اليت افرتضها اهلل على عباده

لكن ومع هذا فإن تارك اجلهاد الواجب مل يناقض مبجرد ترك اجلهاد أصل اإلميان … ليحكم بتكفريه

منا قصر يف اإلميان الواجب، ولذلك فالوعيد يف حقه هو الوعيد الذي يطلق يف وإ . حق عصاة املوحدين، ال الوعيد الذي توعد اهلل به الكافرين

… والنار اليت قد يدخلها إن مل يغفر اهلل له، هي النار املؤقتة اليت يدخلها املوحدونومثواهم ودارهم ، إذ النار دركات ال النار املؤبدة اليت أعدت للكافرين وهي مصريهم

وطبقات ، فاملنافقني يف الدرك األسفل منها ، والطبقة اليت يعذب فيها عصاة أهل التوحيد …عذاهبا مؤقت زائل فان ، خبالف عذاب الكفار املقيم اخلالد )ومما يبني الفرق : (54-53قال شيخ اإلسالم ابن تيمية يف الصارم املسلول ص )

(، والعذاب إمنا 53: (( )األحزابوأعد لهم عذابا مهينا)) : سبحانه وتعاىل قالأيضا أنه أعد للكافرين، فإن جهنم هلم خلقت، ألهنم البد أن يدخلوها، وما هم منها مبخرجني، وأهل الكبائر من املؤمنني جيوز أن ال يدخلوها إذا غفر اهلل هلم، وإذا دخلوها فإهنم خيرجون

(( فأمر سبحانه )) واتقوا النار التي أعدت للكافرين : قال سبحانه .منها ولو بعد حنياملؤمنني أن ال يأكلوا الربا، وأن يتقوا اهلل، وأن يتقوا النار اليت أعدت للكافرين، فعلم أهنم خياف عليهم من دخول النار إذا أكلوا الربا وفعلوا املعاصي مع أهنا معدة للكفار، ال هلم،

ديث )أما أهل النار الذين هم أهلها، فإهنم ال ميوتون فيها وال وكذلك جاء يف احل . وأما أقوام هلم ذنوب يصيبهم سفع من نار مث خيرجهم اهلل منها( أهـ . (37)حييون(

( وقد بسطنا األدلة على ذلك يف كتابنا )نزع احلسام يف وجوب قتال كفرة احلكام ومنازعة الوالة حىت 36) …(. هلليكون الدين كله

( جزء من حديث رواه مسلم. 37)

(285) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فالبد من التمييز بني نوعي الوعيد، كي ال حيصل اخللط، بني األعمال املكفرة .. وغريها

… ن بأدلة الشرع الصرحية القطعية الداللة، مث التكفري كما قدمنا لك البد أن يكو فإهنا مزلة ملن مل ترسخ قدمه يف العلم .. أما االعتماد على نصوص الوعيد املطلقة وحدها

تنفريا … ألن الشارع كثريا ما يطلق الوعيد يف غري املكفرات الناقلة عن امللة . والفهم . هاوحتذيرا وترهيبا من بعض الذنوب اخلطرية وزجرا عن

وهذا أمر ظاهر بني معروف ملن تتبع أدلة الشرع، وتدبر خطاب اهلل تبارك وتعاىل ولذلك كره السلف تأويل نصوص الوعيد سواء ما ورد فيه لفظ الكفر يف ذنوب … لعباده

معينة، أو غري ذلك من التخويف بعذاب النار أو حنوه، حىت ال يتجاسر الناس على ذلك عليها أو يستهينوا بشأهنا، فإن معصية مساها اهلل كفرا، أو الذنوب اليت توعد الشارع ب

إال أن خيافوا على السامع سو ء الفهم الذي أيت منه .. غلظ الوعيد فيها، ليست كغريها . اخلوارج ويفصلوا ويؤولوا له، كما قد فعلنا ها هنا

فليس منا" قال احلافظ يف الفتح )كتاب الفنت( عند حديث "من محل علينا السالح)واألوىل عند كثري من السلف : بعد أن ذكر بعض تأويالت العلماء يف قوله؛ "ليس منا"

إطالق لفظ اخلرب من غري تعرض لتأويله ليكون أبلغ يف الزجر، وكان سفيان بن عيينة ينكر على من يصرفه عن ظاهره، فيقول؛ معناه ليس على طريقتنا، ويرى أن اإلمساك عن تأويله

. ملا ذكرناه(أهـأوىل)أن القعدة عن القتال معهم : هذا وسيأيت أن األزارقة من اخلوارج كان من مقاالهتم

فلما )وقعد الذين كذبوا اهلل ورسوله( وبقوله )) : مشركون(، واستدلوا لذلك بقوله تعاىل(( كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية اهلل أو أشد خشية

. (77 :)النساءأما اآلية األوىل فإهنا يف املنافقني الذين اطلع اهلل تعاىل على تكذيبهم الباطن، وقد علمت أن أسباب التكفري يف الدنيا ال تربط هبذا األمر الذي ال يطلع عليه إال اهلل، ولذلك مل يؤاخذهم النيب صلى اهلل عليه وسلم به، وهذه اآلية وردت يف شأن املتخلفني عن غزوة تبوك ومعلوم أنه ليس كل من ختلف عنها كان من املنافقني الذين كذبوا اهلل ورسوله، بل

. كان فيهم ثالثة من خيار أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلموليسوا هم قطعا ممن كذب اهلل ورسوله، وال كفروا بتخلفهم عنه، ويوضح هذا أن

. (90: (( )التوبة سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليممتام اآلية ))

(286) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فهي ظاهرة يف أن الذين قعدوا ليس مجيعهم ممن كذب اهلل ورسوله، بل منهم من كان كافرا، ومنهم من مل يكن كذلك، فظهر أن سبب كفرهم عند اهلل، مل يكن القعود والتخلف، بل التكذيب الباطن الذي مل يؤاخذهم به النيب صلى اهلل عليه وسلم يف الدنيا

. يظهروهألهنم مل وقالوا وأما اآلية الثانية؛ فقد قيل أيضا أهنا يف املنافقني ملا حكاه اهلل فيها عنهم ))

اآلية(( وقيل هي يف غريهم، وعلى كل حال … ربنا لم كتبت علينا القتال لوال أخرتنافإن مما يبني هذه اآليات ويفسرها هي وغريها من اآليات اليت تتوعد على ترك اجلهاد قوله

ال يستوي القاعدون من )) : تعاىل يف سورة النساء نفسها وبعد هذه اآليات بقليلالمؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل اهلل بأموالهم وأنفسهم فضل اهلل المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكال وعد اهلل

ين عن اجلهاد بغري عذر، مؤمنني فتأمل كيف بني اهلل أن يف القاعد . (95…(()الحسنى . وأنه وعد كال من القاعدين واجملاهدين احلسىن إلمياهنم، وإن كان اجملاهدون أعظم درجة

والشاهد من هذا كله أن التوعد على ترك اجلهاد الواجب بالعذاب األليم أو الوعيد و ذلك مما أو حن (38)ملن مل يغز أو حيدث نفسه بالغزو بأنه ميوت على شعبة من نفاق

توعدت به الشريعة املقصرين يف الواجبات، كل ذلك وحنوه من اآليات اليت استدل هبا ومن مث فال . اخلوارج على تكفري القعدة ال يصلح وال يكفي وحده للداللة على التكفري

جيوز تكفري عوام املسلمني بسبب قعودهم أو تقصريهم يف تغري واقع األنظمة املرتدة أو . وهتم عن احلكام الكفرةبدعوى سك

. فقد دلت أدلة الشرع املبينة هلذا أنه مقيد باالستطاعةوأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نـزل إليهم ولعلهم )) : حيث قال تبارك وتعاىل

. (44: (( )النحل يتفكرون فنظرنا يف بيان النيب صلى اهلل عليه وسلم لذلك، فوجدناه قد قال يف احلديث الذي

)من رأى منكم منكرا فليغريه بيده فإن مل يستطع : يرويه مسلم عن أيب سعيد اخلدري . فبلسانه فإن مل يستطع فبقلبه وذلك أضعف اإلميان(

فدل هذا البيان على أمرين يف هذا الباب، األول؛ أن وجوب السعي يف التغيري منوط قله أو احلكم عليه بالرضا عن باالستطاعة، والثاين؛ أن الساكت ال جيوز تقويله ما مل ي

( كما يف حديث أيب هريرة مرفوعا عند مسلم وغريه. 38)

(287) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

املنكر الذي مل يستطع تغيريه، ما مل يظهر ذلك الرضا بقول أو عمل، إذ احلديث يبني أن . الساكت قد يكون منكرا بقلبه، فيبقى بذلك من أهل اإلميان وإن كان إميانه ضعيفا

. فضعف اإلميان شيء غري الكفر كثري من املسلمني، وهذا من والشك أن ضعف اإلميان ووهنه قد دب وفشا يف

ولكن للتكفري أسبابه الظاهرة املنضبطة وأدلته . أسباب تسلط الطواغيت واملرتدين عليهم . الصرحية الواضحة

مث وجدناه صلى اهلل عليه وسلم قد زاد األمر بيانا وإيضاحا يف حديث آخر ملسلم أمة قبلي ؛ إال كان له من أمته "ما من نيب بعثه اهلل يف : عن عبد اهلل بن مسعود؛ فقال

حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، مث إهنا ختلف من بعدهم خلوف يقولون ما ال يفعلون، ويفعلون ما ال يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من اإلميان

. خردل" حبةفدل هذا على أن املنكر بقلبه إن اجتنب باطلهم جماهد ال جيوز نسبته إىل الرضا عنهم ما مل يظهر ذلك بقول أو عمل وهو مؤمن ال حيل تكفريه بالظن واخلرص

. واالحتماالت)إنه : مث زاده صلى اهلل عليه وسلم بيانا وبيانا مبا رواه مسلم أيضا عن أم سلمة

أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن يستعمل عليكم . من رضي وتابع(

)"فمن كره فقد برئ" معناه : قال النووي يف شرح كتاب اإلمارة من صحيح مسلممن كره ذلك املنكر فقد برئ من إمثه وعقوبته، وهذا يف حق من ال يستطيع إنكاره بيده وال

)"ولكن من رضي وتابع" معناه ولكن اإلمث : إىل قوله…( يربألسانه فليكرهه بقلبه ولوالعقوبة على من رضي وتابع، وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة املنكر ال يأمث مبجرد

. السكوت، بل إمنا يأمث بالرضى به أو بأن ال يكرهه بقلبه أو باملتابعة عليه( أهـقلب براءة له من الكفر والظلم، مادام ففي هذا البيان أن إنكار املسلم وكراهته بال

… جمتنبا لباطلهم غري متلطخ بكفرهم وال معني أو متابع هلموالرضى القليب … وفيه أن املذموم اهلالك إمنا هو من تابع ورضي أو ناصر وأعان

وإن كان من أسباب الكفر، لكنه ملا امتنع علينا ضبطه واعتباره مل ينط به التكفري يف

(288) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

نيا، إال أن يظهر بقول أو عمل، كاملتابعة اليت قرهنا رسول اهلل صلى اهلل عليه أحكام الدوسلم فيه باحلديث ، ومن ذلك االحنياز إىل طائفتهم وحدهم احملاد هلل ،أو االنضمام إىل عدوهتم املعادية ألوليائه، أواالمتناع بشوكتهم وشقهم املشاق لشرعه ، فمن أظهر مثل هذا

حكمهم ، وحيق أن ينسب إىل الرضى عنهم وعن كفرهم ولو مل يصرح فإنه منهم وحكمهبذلك بلسان املقال ، فإن لسان احلال أبلغ يف كثري من األحيان ، ولذلك نص العلماء على أن حكم الردء يف الطائفة املمتنعة احملاربة حكم املباشر ، وعليه جرى العمل وجهاد

ول ؛ وال يقال أن الردء ساكت فكيف ينسب إليه املسلمني وقتاهلم للطوائف يف القرن األالرضى ؛ بل الردء متابع مناصر متحيز إىل حدهم وشقهم وعدوهتم وطائفتهم احملاربة لدين

.. اهلل وهذا عمل مكفرفمن تابعهم على كفرهم بقول أو عمل بغريما إكراه فقد رضي وقد شرح بالكفر

إال من أكره وقلبه مطمئن )) : وتعاىل كما قال شيخ اإلسالم يف قوله تبارك . صدرا (( باإليمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من اهلل ولهم عذاب عظيم

)وإذا …( )فإنه من كفر من غري إكراه فقد شرح بالكفر صدرا : قال . (16: )النحلأهـ )ط دار ابن حزم( …(تكلم بكلمة الكفر طوعا فقد شرح هبا صدرا وهي كفر

(7/140) . أما من مل يظهر منه قول أو عمل يدل على الرضا، فال حيل نسبة الرضى إليه مبجرد

. (39)ولذلك نص الفقهاء يف قواعدهم الفقهية أنه )ال ينسب إىل ساكت قول( . سكوته)) ولقد بعثنا في كل أمة رسوال أن اعبدوا اهلل واجتنبوا : وأخريا فلقد قال تعاىل(( فمن أتى مبا ظهر .. اهلل ومنهم من حقت عليه الضاللة الطاغوت فمنهم من هدى

من أصل اإلميان ، وكان جمتنبا للكفر غري متابع وال مناصر له، فهو ممن هدى اهلل تعاىل يف أحكام الدنيا الظاهرة عندنا ، فإن صدق باطنه ظاهره ؛ فكره الكفر وأنكره بقلبه؛ فقد برئ

. وإن مل يسع يف تغيريه وجهاده لعجز أو تقصري - أيضا عند اهلل–من الكفر على احلقيقة فكيف إذا أضيف إىل هذا واعترب معه واقع االستضعاف الذي يعيشه املسلمون اليوم، والذي جيوز للمسلم املستضعف فيه أن يأخذ بالتقية فيكتم عداوته للكفار ، أو

؟…يعمل بنصوص العفو والصفح والصرب)وصارت تلك : (221ية يف الصارم املسلول ص)قال شيخ اإلسالم ابن تيم

آيات الصفح والصرب واإلعراض عن الكفار واملنافقني[ يف حق كل مسلم : اآليات ]أي

(. 266( القواعد الفقهية للسيوطي ص)39)

(289) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

مستضعف ال ميكنه نصر اهلل ورسوله بيده وال بلسانه، فينتصر مبا يقدر عليه من القلب على نصر اهلل وحنوه، وصارت آية الصغار على املعاهدين يف حق كل مؤمن قوي يقدر

ورسوله بيده أو لسانه، وهبذه اآلية وحنوها كان املسلمون يعملون يف آخر عمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وعلى عهد خلفائه الراشدين، وكذلك هو إىل قيام الساعة ال تزال طائفة من هذه األمة قائمني على احلق ينصرون اهلل ورسوله النصر التام، فمن كان من

نني بأرض هو فيها مستضعف أو يف وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصرب املؤموالصفح والعفو عمن يؤذي اهلل ورسوله من الذين أوتوا الكتاب واملشركني، وأما أهل القوة فإمنا يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون يف الدين وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب

. د وهم صاغرون( أهـحىت يعطوا اجلزية عن ي

(290) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((20)) إطالق حكم التكفير ولوازمه على أزواج وأوالد

عساكر الشرك والقوانينأو نحوهم من المرتدين وعدم مراعاة حال

االستضعافومن األخطاء الشنيعة يف التكفري أيضا إطالق حكم التكفري ولوازمه على أزواج

من املرتدين وعدم مراعاة حال االستضعاف وأوالد عساكر الشرك والقوانني أو حنوهم؛وهذا من األخطاء الشنيعة اليت خاض فيها بعض املتهورين واملتحمسني يف زماننا، مع أن تكفري الطواغيت وأنصارهم من عساكر الشرك والقوانني أو غريهم ممن ينتسبون لإلسالم

ر امللتبس، تكفري أوالدهم أو وحيسبون أهنم حيسنون صنعا، ال يلزم منه يف هذا الواقع املريزوجاهتم أو آباءهم املظهرين لإلسالم، فما مل يظهر أحدهم سببا من أسباب الكفر الظاهرة، فبأي شيء يكفر؟؟ خصوصا إن كانوا ممن ال يستطيعون حيلة وال يهتدون

سبيال؟أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى * أال )) : فقد قال تعاىل

وال تزر وازرة وزر أخرى، وإن تدع مثقلة )) : وقال سبحانه . (ر وازرة وزر أخرى(تز . (إلى حملها ال يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى(

وضرب اهلل مثال للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب )) : وقال تبارك وتعاىل (( وم الظالمينابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من الق

. (11: )التحرميفهذه امرأة صاحلة، بل من خري نساء العاملني، كانت حتت أخبث أهل األرض

. وأكفرهم، وأشدهم حربا للدين يف زمانهاحشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يقول شيخ اإلسالم عند قوله تعاىل ))

د بأزواجهم؛ نظراؤهم وأشباههم بعد أن بني بأن املرا . (22: (( )الصافاتيعبدون

(291) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

)وليس املراد أنه حيشر معهم زوجاهتم مطلقا؛ فإن املرأة : وقرناؤهم وأتباعهم، قال رمحه اهلل . (7/45الصاحلة قد يكون زوجها فاجرا، بل كافرا، كامرأة فرعون( جمموع الفتاوى )

ها من األمثلة والسرية النبوية املطهرة، وسرية السلف الصاحل وصدر هذه األمة فيالكثرية اليت يؤخذ فيها الزوج الكافر أو املرتد وترتك زوجته، وتعامل معاملة املسلمني

.. إلسالمها، ولعدم ثبوت الردة عليها* ومن أشهر األمثلة على ذلك؛ زينب بنت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم،

ع وهو على شركه وهو ابن أخت زوجها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أليب العاص بن الربيخدجية بنت خويلد، وذلك قبل أن ينزل الوحي عليه، وملا نزل عليه الوحي دعاه إىل اإلسالم، فأ ى وثبت على شركه، وأسلمت زينب وأقامت على إسالمها وهو على شركه حىت هاجر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم، وبقيت ابنته حتت أيب العاص يف مكة، من

النساء والولدان واملستضعفني الذين ال يستطيعون حيلة وال يهتدون سبيال، وبقيت مجلة عنده على ذلك وهو مقيم على شركه، إىل أن كان يوم بدر وخرج أبو العاص مقاتال مع كفار قريش وأصيب يف األسارى، وملا بعث أهل مكة يف فداء أسراهم بعثت زينب بنت

فداء أيب العاص مبال وبعثت فيه بقالدة هلا كانت خدجية رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يفأدخلتها هبا على أيب العاص حني بىن عليها، فلما رآها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم رق

إن رأيتم أن تطلقوا هلا أسريها وتردوا عليها الذي هلا فافعلوا، فأطلقوه، وأخذ : هلا وقاله وعدا بأن خيلي سبيل زينب، فلما خلى سبيل أيب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم علي

العاص وخرج إىل مكة بعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم زيد بن حارثة ورجال من األنصار ليكونا قرب مكة إىل أن متر هبما زينب فيصحباهنا حىت يأتيانه هبا، فخرجا إليها ،

ش اعرتضوها بادئ األمر مث أذنوا إىل آخر القصة وفيها أن كفار قري.. وذلك بعد بدر بشهرهلا، وفيها أن زوجها أيب العاص خرج تاجرا إىل الشام وأنه ملا قفل اعرتضته سرية رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فأصابوا ما معه وهرب أبو العاص، مث أقبل إىل املدينة حىت دخل على

.. لمزينب فاستجار هبا فأجارته يف طلب ماله، وذلك كله قبل أن يسوالقصة مشهورة معروفة يف السرية وكتب التاريخ وأجزاء منها رواها أصحاب السنن

40 فهذه ابنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بقيت مستضعفة حتت رجل مشرك

حمارب مدة، ومل يقدر املسلمون على ختليصها منه إىل أن أعز اهلل اإلسالم يف بدر وأمكن

أنظر سرية ابن هشام وتاريخ الطربي، واالستيعاب البن عبد الرب ومسند أمحد بن حنبل. - 40

(292) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

كوهنا كانت .. دائه، ومل خيدش ذلك كله يف إسالمهااهلل من زوجها، مث سعت يف ف . مستضعفة

وكذلك كان حال غريها من النساء املؤمنات ممن أسلمن يف مكة، ومل يتمكن ولوال رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم )) : من اهلجرة، وكن ممن قال اهلل تعاىل فيهم

اهلل في رحمته من يشاء لو تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل . ( 25 -(( ) الفتح تـزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما

فسماهن اهلل مؤمنات رغم إقامتهن يف دار الكفر، ومنهن من كانت حتت كافر، ومل .. خيدش ذلك يف إسالمهن الستضعافهن

ساء والولدان ال يستطيعون )) إال المستضعفين من الرجال والن: وقال تعاىل أيضا ) حيلة وال يهتدون سبيال * فأولئك عسى اهلل أن يعفو عنهم وكان اهلل عفوا غفورا ((

. ( 99-98النساء * ومثل ذلك ) آزاد ( زوجة ) شهر بن باذان ( عامل الرسول صلى اهلل عليه وسلم

صنعاء، وتزوج زوجته ووايل املسلمني يف اليمن، الذي قتله األسود العنسي وتغلب علىاملسلمة اليت ثبتت على إسالمها، ومل تصدق بنبوته املدعاة، ولكنها مل تظهر ذلك، بل

. بقيت مستضعفة حتته إىل أن قتله ابن عمها ) فريوز الديلمي ( بتنسيق معها) وتزوج بامرأة شهر بن : ( عن األسود 6/308يقول ابن كثري يف البداية والنهاية )

هي ابنة عم فريوز الديلمي، وامسها أزاد، وكانت امرأة حسناء مجيلة، وهي مع ذلك، باذام و . مؤمنة باهلل ورسوله حممد صلى اهلل عليه وسلم ومن الصاحلات( أهـ

* واملختار بن أيب عبيد الثقفي الكذاب أيضا، كانت حتته امرأتان كالمها ابنة فقد . الثانية عمرة بنت النعمان بن بشريصحايب ، األوىل أم ثابت بنت مسرة بن جندب، و

تزوجهما قبل أن يدعي النبوة ويرتد، وملا متكن مصعب بن الزبري ومن معه من املسلمني من املختار وقتلوه، مل حيكموا بكفر هاتني املرأتني مباشرة جملرد كوهنما زوجتا الكذاب املرتد،

)ما : سأهلما عنه، فقالت األوىلفقد كانتا باألصل مسلمتني، ولذلك جاء مصعب هبما و ) رمحه اهلل : واستدعى الثانية فقالت . فرتكها (41)عسى أن أقول فيه إال ما تقولون أنتم فيه(

ت، ومل يقولوا؛ إمنا قالت ذلك خائفة، غري صادقة تأمل تورعهم يف الدماء ودرئهم هلا بالشبها -( 41) فيه، ولعلها تبطن الكفر ولعلها.. ولعلها.. كما قد يقول الغايل الغري مبايل بالدماء !!

(293) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

لقد كان عبدا من عباد اهلل الصاحلني (، فسجنها وكتب إىل أخيه عبد اهلل بن الزبري يسأله . (42)…أن أخرجها فاقتلها، فقتلها)إهنا تقول إنه نيب( فكتب إليه؛ : ما يفعل هبا ، ويقول

فكيف مع واقع االستضعاف الذي يعيشه …وهذا كان يف الصدر األول املسلمون اليوم، ويف ظل عدم وجود الدولة املسلمة اليت ترعى بسلطاهنا وأحكامها شؤون املسلمني وأعراضهم ودماءهم وأنفسهم، ويكون السلطان فيها ويل من ال ويل هلا، أو من

ن أولياؤها من املرتدين أو من املشركني ؛ فيفرق بني املؤمنات والكفار، وبني اخلبيثني كافإن علمتموهن مؤمنات فال ترجعوهن إلى )) : كما أمر اهلل تعاىل يف كتابه.. والطيبات

. (( الكفار ال هن حل لهم وال هم يحلون لهن ة من امرأة صاحلة مستضعفة فكم يف أوضاع اليوم اجلاهلية وجمتمعات العصر اخلبيث

.. أكرهها أهلها على الزواج من املرتدين أو املشركني ممن يروهنم وحيسبوهنم من املسلمنيومعلوم أن عذر اإلكراه ال يشدد يف شروطه حبق املرأة املستضعفة كما هو يف حق

ا إال ما ال يكلف اهلل نفس )).. (( ال يكلف اهلل نفسا إال وسعها)) .. الرجال األقوياء . (آتاها (

والقوانني الكفرية املسلطة على رقاب املسلمني، وحماكمها اليت تقضي وتفرض قراراهتا ال تفرق كما نص دستورهم الذي هو أبو -حىت تلك اليت يسموهنا شرعية -مبوجبها،

ا يف القوانني عندهم، بني الناس يف الدين، فال عقوبة يف قوانينهم على الردة ، وال أثر هلالتفريق بني الناس يف الوالية أو النكاح أو املواريث أو غريها، بل يستوي يف ذلك ويف غريه

.. عندهم اجملرمون واملؤمنون، واخلبيثون والطيبون، والكافرون واملسلمونبل تعدى األمر ذلك إىل محاية املرتدين ورفعهم فوق املسلمني، وإقرار واليتهم يف

ولن يجعل )) : اح وغريه على املسلمني، معاندة لقوله تعاىل وأمرهاحلكم والزوجية والنك( فال تصح يف شرع املسلمني والية املرتد على املسلمة اهلل للكافرين على المؤمنين سبيال (

سواء كان والدا أم حاكما أم قاضيا، أما يف شريعة القوانني الوضعية، فقد اختلط احلابل . بالنابل وعم يف ذلك البالء

ومما زاد الطني بلة استهتار املسلمني وهتاوهنم باألحكام الشرعية، وجهلهم يف أصول دينهم وفروعه وعدم متييزهم بني الكفر واإلميان، والتنديد والتوحيد، واغرتارهم بصالة وصيام كثري من املرتدين ممن هم حرب على الدين وأهله، سلم للشرك واملشركني، مث حيسبون أهنم

(. 8/289( انظر البداية والنهاية )42)

(294) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وعم . ن وأهنم مسلمون مؤمنون، فناكحوهم ، وولوهم أمر كرائمهم من املؤمناتمهتدو فالتبصر بأحكام تكفري الطواغيت وأنصارهم . خصوصا فيما بني القرابات . بذلك البالء

من حراس الشرك والتنديد اليوم أمر أمهله وقلل من شأنه وأعرض عن معرفته كثري من ر هذه الثمرة اخلبيثة، وقد قدمنا لك شيئا من أمهية أحكام اخلواص فضال عن العوام، فأمث

. الكفر واإلميان، وما يتعلق هبا من آثار، وأن هذا شيء من ذلكفمراعاة هذا كله والتنبه إليه، يعرف املسلم حبقيقة وجود املسلمات املستضعفات

ظل قوانني الكفر من الاليت ال ميلكن من أمرهن شيئا، وال جيدن يف هذا الواقع املرير ويف خيلصهن، أو يفرق بينهن وبني الكفار بالعدل دون هضم حقوق أو ضياع أوالد، يف ظل

ويعرفه بأنه ال يصح إطالق أحكام التكفري للمظهرين .. ظلم القوانني الوضعية وجورهاأو لإلسالم من النساء والولدان جملرد والية آبائهم أو أزواجهم املرتدين من عساكر الشرك

واحلكم بالتبعية للوالدين إمنا يذكره الفقهاء، ملن ال . غريهم ممن حيسبون أهنم مسلمونيعقل أو ال يعرب عن نفسه من جمنون أو وليد أو حنوه، أما من أظهر اإلسالم، فال حيل أن يكفر بالتبعية، بل ال يكفر إال بسبب ظاهر من أسباب الكفر القولية أو العملية، فقد تقدم

احلكم بالتبعية معناه احلكم باالستصحاب وهو من أضعف األدلة حبيث يقدم عليه أدىن أن . ظاهر من خصائص اإلسالم

وإذا كان النيب صلى اهلل عليه وسلم قد هنى عن قتل نساء وصبيان الكفار األصليني بطال إال أن يقاتلوا، أو يقتلوا دون قصد يف البيات حىت اتفق مجيع العلماء )كما نقل ابن

وغريه على منع القصد إىل قتل النساء والولدان، أما النساء فلضعفهن، وأما الولدان . (43)فلقصورهم عن فعل الكفر(

فكيف مبن كان مظهرا لإلسالم من النساء والولدان أفيؤاخذوا جبريرة آبائهم م من وأزواجهم مع أهنم قد يكونون ممن ال يستطيعون حيلة وال يهتدون سبيال ، وليس هل

؟…خيلصهم وينصرهم ويتوالهمأضف إىل هذا أننا نعذر املخالفني لنا يف عدم تكفريهم لعساكر الشرك وأنصار الطواغيت لشبهات ظنوها موانع شرعية متنع من تكفريهم، ما مل يرتبوا على ذلك سببا

هلم ظاهرا من أسباب التكفري من مواالة هلم أو مناصرة على شركهم وكفرهم أو مظاهرةأما مجرد نكاح المسلمة الجاهلة لبعض جند الطواغيت ممن تظن فيه .. على املوحدين

وإن كان اإلسالم واإليمان لعبادته وصالته، فليس بسبب من أسباب التكفير الظاهرة ،

( عن فتح الباري )كتاب اجلهاد والسري( )باب أهل الدار يبيتون، فيصاب الولدان والذراري(. 43)

(295) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

من الضالل واجلهل الذي عم بني املسلمني ويوجب على الدعاة مزيدا من الدعوة والبيان (44).. من رجس هذه املنكراتلتطهري املسلمني

وهذا يعرفك، إننا بفضل اهلل تعاىل نستربيء لديننا وحنتاط يف أبواب التكفري، وليس األمر كما يدعي خصومنا ويفرتون من أننا نكفر بالعموم دون تفصيل، فكم قد أنكرنا مثل

الفينا أنفسهم بل وأنكرنا مرارا وتكرارا طعن خم… هذا اخلطأ ولوازمه على كثري من اجلهاليف أعراض ونساء وبنات الطواغيت وأنصارهم من جند القوانني مع أهنم ال يكفرون

… الطواغيت وال أنصارهمفطاملا مسعناهم يقذفون الطواغيت وأنصارهم ويشتموهنم بفاحش األقوال، إذا ما ظلموهم أو هضموا بعض حقوقهم، ويقذفون نساءهم وأخواهتم بأفحش القول وأقذع

لفاظ، ولقد كان بعضهم يعجبون من إنكارنا عليهم ذلك وأمثاله، وتشديدنا فيه رغم األ . تكفرينا للطواغيت وأنصارهم، فنبني هلم بأننا نكفرهم بأدلة الشرع وال نتعدى ذلك

أما هم فيقذفوهنم ويقذفون نساءهم مبحض اهلوى، وردود الفعل غري املنضبطة ية دومنا دليل، مع أهنم ال يكفروهنم، بل يعدوهنم من بضوابط الشرع، وبدافع الشهوة الغضب

…!!املسلمني، وخياصموننا يف تكفريهموحىت لو كان بعضهم يكفر الطواغيت، فهذا ال يربر ذلك أو يسوغه، فاخلوض يف األعراض جيب أن يرتفع عنه الدعاة، وهو ال يليق بأخالق املؤمنني، ولقد أنكر العلماء

ضهم يف قذف الذمية التعزير، وذلك حىت ال يتجرأ الناس على قذف الكافرة، وجعل بعاألعراض، ويكون ذلك ذريعة إىل استساغة فحش القول وبذيئه، أو يصري ذريعة إىل تقحم قذف احملصنات املؤمنات، والحتمال وجود ابن أو أخ أو قريب مسلم للكافرة، يؤذيه قذفها

(44)

وعلى كل حال فالنكاح من كافر حبد ذاته ليس توليا وال سببا من أسباب حذفت من هاهنا قويل: ) التكفري، ولو كان كذلك ملا جاز نكاح الكتابيات، فكيف إذا كان بتأويل ؟ (أهـ.

أسباب التكفري الظاهرة الصرحية واملنضبطه يف حال جهل املرأة بكفره واالغرتار بانتسابه ومرادي للمسلمني واملصلني كما بينته أعاله ،لكن ملا كانت هذه العبارة مطلقة غري مقيدة بذلك لزم حذفها ،نبهنا إىل ذلك بعض إخواننا جزاه اهلل خريا، قال الشيخ أمحد شاكر رمحه اهلل: )أال فليعلم النساء

بالبقاء مع زوج املسلمات،أن من رضيت منهن بالزواج من رجل هذه حاله، وهي تعلم حاله، أو رضيت (. 159-158تعرف فيه هذه الردة فإن حكمها وحكمه يف الردة سواء(( أ هـ. )كلمة حق ص

وهذا حق ال مرية فيه وتأمل كيف اشرتط علمها ومعرفتها بردته ،ألهنا تكون واحلالة كذلك ممن يستحل ما ة أبيه كما يف حديث الرباء علم من دين املسلمني حترميه ضرورة وحكمها حكم الرجل الذي تزوج امرأ

،وألجل قبوهلا الدخول خمتارة وعن علم حتت والية الكافر.

(296) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وابن أيب ليلى باحلد على من قذف ولذلك أفىت سعيد بن املسيب… والطعن يف عرضها .. ذمية هلا ولد مسلم، مع أن من شروط حد القذف عند مجاهري العلماء ؛ اإلسالم

وذلك ألن الطعن يف األعراض يعم شرره من حول املرأة من األصول والفروع؛ وال ختلو أحوال عساكر الشرك والطواغيت اليوم من وجود املسلم يف فروع أو أصول نسائهم،

. هذا إن مل تكن نساؤهم أنفسهن من املسلمات املستضعفات)ولعل ما يلحق بعض : (46-45يقول شيخ اإلسالم يف الصارم املسلول ص )

الناس من العار واخلزي بقذف أهله أعظم مما يلحقه لو كان هو املقذوف، وهلذا ذهب رأة غري حمصنة كاألمة اإلمام أمحد يف إحدى الروايتني املنصوصتني عنه إىل أن من قذف ام

والذمية، وهلا زوج أو ولد حمصن حد لقذفها، ملا أحلقه من العار بولدها وزوجها احملصنني، وهو قول األكثرين إنه ال حد عليه؛ ألنه أذى هلما ال قذف هلما، .. والرواية األخرى عنه

. واحلد التام إمنا جيب بالقذف( أهـ . لتعزير على مثله، وبعضهم رأى احلدولذلك كما قلنا رأى بعض العلماء ا

؟؟.. فأين أولئك املتهورون من فقه العلماء وورعهم .. ، ويسبه بألفاظ الفاحشة. ولقد مسعت بعضهم مرة يقذف قاضيا ظلمه، باللواط

هذا قذف إلنسان تعتقد فيه اإلسالم !! وذلك : فأنكرت عليه ذلك، وقلت لهوأنتم تشنعون علينا تكفري أمثال هؤالء، مع أننا حنشد لكم حيتاج إىل بينة ؛ وال بينة عندك،

عشرات البينات والرباهني!!ال يحب اهلل الجهر بالسوء من )) : فما كان جوابه إال أن استدل بقوله تعاىل

…!!وهل السوء إال مثل هذا : وقال . …((القول إال من ظلمتكفري الطواغيت مع واحرتت يومها من أي شيء أعجب، أمن ورعهم البارد يف

كثرة األدلة وشهرهتا، أم من جرأهتم على النصوص الشرعية، وتالعبهم يف تفسريها على ما كما ذكر –؟ إذ أن السوء الذي جوز اهلل اجلهر به هنا .. يشتهون مبحض الرأي واهلوى

… هو جواز غيبة املظلوم لظامله يف ذكر مظلمته والتحذير من الظامل وظلمه -العلماء . وليس املراد قطعا االفرتاء عليه وقذفه

هذا وكثريا ما كنت أنبه هؤالء، إىل أن شأن الطعن يف األعراض وقذف النساء على . وجه اخلصوص، قد شدد فيه الشارع من حيث طرق اإلثبات الشرعية أكثر من التكفري

(297) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

اهدين مسعا ففرض يف الزنا أربع شهود يعاينون الزنا الصريح، ويف التكفري يكتفى بش . (45)القول املكفر، أو شاهدا الفعل املكفر الصريح الداللة

كما أوجب حد الفرية على من قذف غريه بالزنا دون من قذفه بالكفر، فليس يف : ذلك ملن صدر منه التكفري ملسلم كمسبة ال تأويال إال التعزير، كما روى البيهقي عن علي

يا كافر! يا فاسق! يا محار! وليس فيه حد، وإمنا :)إنكم سألتموين عن الرجل يقول للرجل . فيه عقوبة السلطان، فال تعودوا فتقولوا(

)وأما إجياب حد الفرية على من قذف غريه بالزنا دون الكفر ففي : وقال ابن القيمغاية املناسبة، فإن القاذف غريه بالزنا ال سبيل للناس إىل العلم بكذبه، فجعل حد الفرية

له، وتربئة لعرض املقذوف، وتعظيما لشأن هذه الفاحشة اليت جيلد من رمى هبا تكذيبا مسلما، وأما من رمى غريه بالكفر فإن شاهد حال املسلم واطالع املسلمني عليها كاف يف تكذيبه، وال يلحقه من العار بكذبه عليه يف ذلك ما يلحقه بكذبه عليه يف الرمي

ملقذوف امرأة، فإن العار واملعرة اليت تلحقها بقذفه بني أهلها بالفاحشة، وال سيما إن كان اوتشعب ظنون الناس وكوهنم بني مصدق ومكذب ال يلحق مثله بالرمي بالكفر ( أهـ

. (2/64إعالم املوقعني )فهذا هو شأن التكفري الذي تعظوننا فيه ليل هنار، مع أن كفر القوم الذين ختالفوننا

الشمس يف رابعة النهار، فهو ظاهر معلوم مستفيض، أشهر من أن يف تكفريهم، أوضح منحيتاج إىل شاهدين، إذ هم يقرون به، ويشهدون على أنفسهم بالكفر ليل هنار، بل ويفاخرون بذلك جهارا بإعالهنم الوالء والنصرة للقوانني الوضعية الكفرية وأرباهبا، وبالقسم

ستها أو املشاركة يف تشريعها، أو حماربة أعدائها على احرتامها، والسهر على محايتها وحرا .. من املوحدين املتربئني منها ومظاهرة املشركني عليهم يف كل مكان

أما قذف نساءهم الاليت ال يقطع بكفرهن فذلك هو شأنه؛ ومع هذا فإن كثريا من الزنا عيانا خصومنا يتقحمونه دوما دون ورع أو تقوى، مع أنه حيتاج إىل أربعة شهود يرون

كما يرى امليل يف املكحلة، فإن نكص أحدهم عن الشهادة أو تلكأ ونكل؛ حد الثالثة . الباقون مثانني جلدة حد الفرية، وأسقطت عدالتهم وكانوا من الفاسقني

* هذا وال يفوتين أن أنبه أيضا هنا، إىل ما أنكره دوما على بعض املتحمسني الذين كفر األصلي، فيخلطوهنا يف كفر الردة، ويتفاكهون بذكر سيب نساء يتندرون ببعض لوازم ال

( تقدم أن هذا قول مجهور أهل العلم، كما يف املغين )كتاب املرتد( )فصل تقبل الشهادة على الردة 45) من عدلني(.

(298) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وأن ذلك دليل على جهل مفرط بأحكام الشرع، .. الطواغيت أو نساء عساكرهم وحنوهوهتور واستخفاف باقتحام احملرمات إذ قد عرفت مما مضى أن احتمال كون أولئك النساء

. من املسلمات الصاحلات املستضعفات وارد جدا هب أن التكفري قد ثبت عند هؤالء املتهورين ثبوتا شرعيا!! فإن كفرهن واحلال مث

وإذا كان األمر كذلك، أفلم يعلموا أن الصحيح من . كذلك كفر ردة الدعائهن اإلسالمأقوال العلماء هو عدم جواز سيب املرتدة؛ ألن يف سبيها إقرارها على الردة، واملرتد ال يقر

)من بدل دينه فاقتلوه ( رواه اجلماعة إال مسلما، وجاء يف : ال ، حلديثبني املسلمني حببعض روايات حديث معاذ وحسن إسنادها احلافظ ابن حجر يف الفتح أن النيب صلى اهلل

) أميا رجل ارتد عن اإلسالم فادعه فإن عاد وإال : عليه وسلم ملا أرسله إىل اليمن قال له دت عن اإلسالم فادعها , فإن عادت وإال فاضرب عنقها (فاضرب عنقه , وأميا امرأة ارت

(46) . وأيضا فإن التسري الذي حيلم به أولئك الكساىل البطالون؛ إمنا جيوز بعد حصول

وما ،(7)ملك اليمني واسترباء الرحم، فقد ) حصر الشارع جواز التسري يف امللك الصحيح(ال، وأنه ال سبيل اليوم إىل امتالك الرقاب مل متلك الرقبة ملكا صحيحا؛ فال حيل التسري حب

إال يف شوكة ومتكني ودولة على منهاج النبوة ال تبايل بكفار الدنيا وعداوهتم خصوصا يف ظل توقيع دول العامل اليوم، على اتفاقية حترمي الرق، يف الوقت الذي تواطؤوا فيه على

. !!.. اسرتقاق الشعوب املستضعفة وإذالهلا وهنب خرياهتاأننا ال نتعرض ملوضوع السيب يف مثل هذه األحوال، ومل نتعرض له قبل : واخلالصة

اليوم، وما ينسبه البعض إىل دعوتنا من هذا الباب فهو حمض كذب وافرتاء، يدل على اندحارهم أمامها وعجزهم عن ردها باحلجج والرباهني، وإفالسهم عن مقارعتها باألدلة

لكذب واالفرتاء لتشويهها ورد الناس عنها، لعلهم أن يظفروا من فحادوا إىل ا . والبينات . طريق الكذب والبهتان مبا عجزوا عنه من طريق احلجة والربهان

ث ضعيف، ضعفه ( وقد ذكر فيه أن ما روي عن علي أن املرتدة تسىب حدي8/96( انظر املغين )46)أمحد، وأنه مل يثبت أن الذين سباهم أبو بكر كانوا أسلموا حىت حيكم عليهم بالردة ،وذكر غريه أن علي بن أيب طالب مل يسيب من نسائهم شيئا و إمنا اليت سباها كانت جارية سوداء من جواري بين حنيفة وقالوا

اع من أموال بين حنيفة ، وللعلماء أجوبة أخرى غري جيوز غنم مال ومتاع املرتد وهذه اجلارية تعترب مال ومت هذه.

(. 2/282فتاوى السبكي ) (7)

(299) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فنساء من نكفرهم من الطواغيت وأنصارهم عندنا ما بني حالني، كالمها ال حيل : فيها السيبن يف ذلك إقرار هلا إما أن يكن مرتدات كأزواجهن، واملرتدة ال حيل سبيها؛ أل -

. على ردهتاأو يكن مسلمات جاهالت هلن علينا واجب النصح والبيان، أو مسلمات -

. صاحلات مستضعفات هلن علينا واجب النصرة واملواالةوإذا كان هذا هو قولنا يف نساء وأزواج وبنات الطواغيت وأنصارهم ؛ فمن باب أوىل

من عهد ليس ببعيد ديار إسالم ، وال يزال عموم النساء يف هذه اجملتمعات اليت كانت … مجهور أهلها ينتسب إىل اإلسالم

؟…فهل حان ألولئك املفرتين أن ينزعوا عن كذهبم علينا وهبتاهنم لنا ويتوبوا) من قال يف مسلم ما : واضعني نصب أعينهم قول املصطفى صلى اهلل عليه وسلم

(. املخرج مما قالليس فيه أسكنه اهلل ردغة اخلبال حىت يأيت ب . عصارة قيح وصديد أهل النار: وردغة اخلبال

وهل آن األوان ألولئك املتخبطني يف هذه األبواب أن يرعووا ؟ فقد صار ختبطهم . وجهلهم ذرائع ومطاعن تشبث وطنطن هبا أعداء اهلل، ليشوهوا وجه هذه الدعوة املباركة

(300) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((21)) عدم التفريق في آثار التكفير

ن الكافر الممتنع وبين المقدور عليهبي ومن األخطاء الشنيعة يف التكفري أيضا عدم التفريق بني الكافر املمتنع وبني املقدور

: عليه، والتسوية بينهما يف استباحة املال والدم دومنا استتابهوهو ما يتقحمه بعض الغالة من تكفري املستضعفني من عوام املسلمني يف األمور

ة أو حنوها، دون تبني أو نظر أو استتابه واعتبار للشروط واملوانع، بل معاملتهم فورا احملتمل . معاملة املمتنعني باستحالل دمائهم وأمواهلم

: * واالمتناع يرد على معنيني . امتناع من العمل بالشريعة جزئيا أو كليا : األول . يوقفوه وحياسبوهامتناع عن القدرة، أي عن قدرة املسلمني أن : والثاين

وال تالزم بني النوعني، فقد يكون املمتنع عن العمل بالشريعة أو بعضها مقدورا عليه يف دار اإلسالم، كمن امتنع عن الصالة أو الزكاة وهو فرد مقدور عليه يف دار

. اإلسالم واالمتناع الذي يسقط وجوب االستتابة هو االمتناع عن قدرة املسلمني .

. طلب التوبة ممن حكم عليه بالردة : ستتابه؛ يشملومعىن االتبني الشروط واملوانع قبل احلكم عليه بالردة، وهذا هو املقصود : ويشمل كذلك

)من قال أو فعل : ومنه تعرف أن عبارة العلماء اليت ترد كثريا يف كتب الفقه وغريها… هناليه قد كفر وتطلب منه التوبة، بل قد اخل(، أهنا ال تعين دائما أن املشار إ…كذا يستتاب

. تعين أنه قد صدر منه فعل أو قول مكفر، وجيب تبني حاله، أي تبني الشروط واملوانع حقهوبعدها، إما أن حيكم برباءته من الكفر لتخلف شرط من شروط التكفري أو قيام

املوانع، فتطلب مانع من موانعه يف حقه، وإما أن حيكم بردته إن حتققت الشروط وانتفت . منه التوبة، وهي النوع الثاين واألخري من االستتابة، الذي يكون قبل إقامة حد الردة عليه

(301) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ولذلك فال حيل التعجل يف أخذ مثيالت هذه العبارة وإطالقها أو إعمال بعض وجيب التنبه إىل أن املقدور عليه … توابعها يف الناس دون النظر يف مقصود أهل العلم فيها

.. من الناس ليس كاملمتنع يف هذاال ميتنع عن النزول على حكم اهلل وشرائعه، وال ميتنع عن سلطان : فاملقدور عليه

. املسلمني، وال ميتنع بسلطان الكفار وشوكتهم ودولتهم وقوانينهمفهو الذي ميتنع إما بدار الكفر، فيلتحق هبا فيمتنع بشوكة أهلها : أما املمتنع

بدولتهم وسلطاهنم وقانوهنم حبيث يأ ى النزول على أحكام املسلمني وال يتمكن احلربيني أواملسلمون من إقامة حكم اهلل عليه، أو ميتنع بطائفة وشوكة بني املسلمني متنعه من املسلمني

. وحكمهمفمثل هذا حكمه حكم أهل احلرب يباح قتله وقتاله وأخذ ماله ملن قدر عليه دون

. استتابة)العقوبات اليت جاءت هبا الشريعة ملن عصى اهلل : خ اإلسالم ابن تيميةقال شي : ورسوله نوعان …عقوبة املقدور عليه من الواحد والعدد : أحدمهاجمموع الفتاوى . عقاب الطائفة املمتنعة كاليت ال يقدر عليها إال بقتال( أهـ : والثاين

. (28/193ط دار ابن حزم )ني عن قدرة املسلمني وعن شرائع اإلسالم يف هذا الزمان؛ ويدخل يف حكم املمتنع

الطواغيت املعطلني ألحكام الشريعة، املشرعني واحملكمني للقوانني الوضعية الكافرة، وأنصارهم وجندهم الذين يظاهروهنم على املسلمني ويظاهرون قوانينهم ويقوون شوكتها

فهؤالء قد مجعوا بني نوعي االمتناع، وحيموهنا وميتنعون من النزول على أحكام الشرع ؛ . االمتناع عن الشرائع واالمتناع عن القدرة ،إذ هم من أشد احملاربني لإلسالم وأهله

)كل طائفة خرجت عن شريعة : وقد قال شيخ اإلسالم يف فتواه الشهرية يف التتارلمني، وإن تكلمت من شرائع اإلسالم الظاهرة املتواترة، فإنه جيب قتاهلا باتفاق أئمة املس

بالشهادتني، فإذا أقروا بالشهادتني وامتنعوا عن الصلوات اخلمس وجب قتاهلم حىت يصلوا، )وكذلك إن امتنعوا عن : إىل قوله…( وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتاهلم حىت يؤدوا الزكاة

ك إن احلكم يف الدماء واألموال واألعراض واألبضاع وحنوها حبكم الكتاب والسنة، وكذل

(302) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

امتنعوا عن األمر باملعروف والنهي عن املنكر، وجهاد الكفار إىل أن يسلموا ويؤدوا اجلزية . …عن يد وهم صاغرون

فإذا كان بعض قال اهلل تعاىل )وقاتلوهم حىت ال تكون فتنة ويكون الدين كله هلل( -28/278…( )الدين هلل وبعضه لغير اهلل وجب القتال حتى يكون الدين كله هلل

. ( )ط دار ابن حزم(279إىل آخر فتواه وقد بني فيها أن قتاهلم ليس من جنس قتال البغاة املسلمني بل من

. جنس الذين قاتلهم أبو بكر الصديق من املرتدينمع كوهنم يصومون –)وإذا كان السلف قد مسوا مانعي الزكاة مرتدين : وقال

كيف مبن صار مع أعداء اهلل ورسوله قاتال ويصلون، ومل يكونوا يقاتلون مجاعة املسلمني، ف . (28/289للمسلمني؟!( )

أما املقدور عليه، فالواجب استتابته قبل احلكم عليه بالتكفري، أي أنه جيب النظر يف شروط التكفري وموانعه يف حقه، هل قام مانع من تكفريه أو عدم شرط، فإن ثبت عليه

ه حىت يدعى إىل التوبة والعود إىل اإلسالم وهو النوع التكفري مل يقتل ومل يزل ملكه عن أموال (48)وال يزول ملكه حىت يقتل مرتدا الحتمال عوده إىل اإلسالم . (47)اآلخر من االستتابة

ويندرج حتت حكم املقدور عليهم، املستضعفني من عوام املسلمني يف هذا الزمان وانينهم املسلطة على العباد، وال إذا كانوا ال ميتنعون عن الشرع بشوكة املرتدين وال بق

يستنصرون هبم أو يظاهروهنم على املوحدين، فكيف إذا كانوا جمتنبني للطواغيت وشركياهتم . ((؟؟اعبدوا اهلل واجتنبوا الطاغوت حمققني لقوله تعاىل ))

فال حيل مساواهتم واحلال كذلك باحملاربني املمتنعني من املرتدين وأنصارهم املتسلطني أزمة احلكم يف بالد املسلمني ، فإذا صدر من بعضهم قوال أو عمال مكفرا عن جهل على

أو خطأ أو تأويل على التفصيل الذي قدمناه لك يف فصل شروط وموانع التكفري؛ مل جيز املبادرة إىل تكفريهم قبل االستتابة أي إقامة احلجة والنظر يف الشروط واملوانع وقد تقدم قول

)وأما من مل تقم عليه احلجة، مثل أن يكون حديث عهد باإلسالم، أو : شيخ اإلسالمنشأ ببادية بعيدة مل تبلغه فيها شرائع اإلسالم وحنو ذلك، أو غلط فظن أن الذين آمنوا

( وفرق شيخ اإلسالم يف الصارم املسلول يف هذا بين الردة اجملردة والردة املغلظة، فذهب إىل عدم 47) استتابة من ارتد ردة مغلظة وكفرا مزيدا وسيأيت.

…(. صل: وال حيكم بزوال ملك املرتد مبجرد ردته( انظر املغين )كتاب املرتد( )ف48)

(303) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وعملوا الصاحلات يستثنون من حترمي اخلمر كما غلط يف ذلك الذين استتاهبم عمر وأمثال عليهم، فإن أصروا كفروا حينئذ وال حيكم بكفرهم قبل ذلك فإهنم يستتابون وتقام احلجة

ذلك، كما مل حيكم الصحابة بكفر قدامة بن مظعون وأصحابه ملا غلطوا فيما غلطوا فيه . (610-7/609من التأويل( أهـ جمموع الفتاوى )

فال حيل واحلال كذلك ما يفعله كثري من اجلهال املتهورين من البحث عن صيد ملظهرين لإلسالم ليمتحنوه بسؤال يف أي باب من األبواب اليت يكفرون ضعيف من عوام ا

وال يهمهم إن كان ذلك الباب من احملتمالت، أو مما استعوصه اجلهابذة يف أبواب … هباالتكفري باملآل، أو مما ال يكفر به إال بعد إقامة احلجة، كما ال يهمهم كون ذلك الصيد من

حيلة وال يهتدون سبيال، أو ممن والءهم للدين وعاطفتهم املستضعفني الذين ال يستطيعونفهم أولئك األغرار، تصيد … مع أهله ورمبا وقعوا يف بعض األخطاء اليت يعذر اجلاهل فيها

هذه األخطاء ال عالجها، ليقفزوا مباشرة إىل التكفري فاالستحالل والتخوض يف بشروط التكفري أو يراعوهنا أو ينظرون يف وال يأهبون … وأحيانا استباحة الدماء… األموال

مث ومع هذا فمنهم من جيعل هذا … موانعه، بل منهم من مل يسمع بشيء من ذلك قبلها . من اإلعداد واجلهاد يف سبيل اهلل تعاىل!!

ولو كانوا أبطاال وجماهدين حقا؛ لتصدوا جلهاد أعداء اهلل احملاربني لدين اهلل وشرعه، إذن … وبشوكتهم وبقوانينهم الكفرية من أنصارهم وأوليائهم وأشياعهم أو املمتنعني هبم

. ألغناهم اهلل من فضله، ولوجدوا فيما هنالك مغامن كثريةوإذ مل يقدروا على هذا، فهال اشتغلوا بدعوة أولئك املستضعفني غري املمتنعني غالبا،

. متنعنيوسعوا يف هدايتهم، إىل أن يقويهم اهلل ويعينهم على جهاد املبعث حممدا صلى اهلل عليه وسلم هاديا ومل -كما قال عمر بن عبد العزيز–فإن اهلل

. يبعثه جابيا ولقد رأيت من هؤالء الغالة اجلهال يف الباكستان من كان يسرق وينتهب أموال أيتام املسلمني وفقرائهم ومهاجريهم بل وجماهديهم، حبجة أن األصل يف الناس الكفر ألن

أو ألهنم مل يكفروا الكفار الذين يكفرهم أولئك األساتذة!! مث ما فتئوا … دار دار كفرالأن جترؤوا فقتلوا بعض املوحدين الذين خالفوهم يف ذلك فاستباحوا دماءهم حبجج واهية

. وشبه فارغة

(304) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

)وال هتراق الدماء إال باألمر : وقد قدمنا لك ما نقله القاضي عياض عن القابسي( الشفا ، واحتياطهم هذا كان يف والية القضاء مع التمكني 2/262) …(الواضح

فكيف يف أحوال هؤالء؟؟… والشوكة وقد حدثين يف السجن من ندم من بعض أولئك املتهورين على هتوره؛ أهنم كانوا يستقلون سيارة األجرة ليال من الطريق العام دون أن يعرفوا صاحبها، وهم خيفون أسلحتهم،

فإذا وافقهم، أو … تحنون السائق بأن يطلبوا منه أن يذهب هبم إىل مخارة ليشرتوا مخرا مث ميمل ينصحوه أو يعظوه، فهم مل يسألوه لينصحوه، بل … قال بعض عبارات جياملهم فيها

هكذا مباشرة … ليغنموه، ويبادروه بأسلحتهم بعد أن أمنهم، فيسلبوه كد هناره على عياله …!!فيقررون وحيكمون وخيرجون من الدين ويغنمون… االستدراجي يكتفون هبذا السؤال

مع أن الذي سألوه عنه، وما فعله من إيصاهلم إليه ؛ معصية وتعاون على اإلمث وحىت لو صدر منه شيئا مكفرا، فدون أخذ . والعدوان، وما هو مبكفر يقينا وال احتماال

، وقد ذكر ابن املنذر اإلمجاع على أن املال مراحل وعقبات، خصوصا إن مل يكن ممتنعا ، وإمنا يكون ذلك بعد قتله أو موته، ودون ذلك (49)املرتد ال يزول ملكه مبجرد ردته

وهذا فيمن بدل دينه وانتقل إىل ملة أخرى كما هو متعارف … االستتابة واحتمال الرجوعممن يلتزمون شعائر فكيف بكفار التأويل . عليه عند الفقهاء عند إطالقهم ملصطلح الردة

اإلسالم ومل يتخلوا عنه قط وال حاربوه أو حاربوا أهله أو ظاهروا أعداءه، وإذا ووجهوا بكفرهم أنكروا ذلك وبرؤوا منه أو ذكروا تأويالهتم وأعذارهم، ومن يكفرهم إمنا يكفرهم

أفتباح العصمة وهتراق الدماء مبثل هذا؟؟؟… باجتهاد قد يصيب وقد خيطئن أولئك األغرار إمنا سألوه، لينتظروا منه إنكارا كي يتفضلوا بعد ذلك وإذا كا

فهم قد غرروا به من قبل حني غريوا مستهم … بفقههم الواسع!! فيعصموا دمه ومالهوحلقوا حلاهم ومل يبقوا أثرا من سيما أهل الدين على أنفسهم، مث استدرجوه كي جييبهم مبا

ما ينتظرونه من إنكاره، قل من يفعله اليوم إال الغرباء و . يشتهون؛ بطلبهم وبوجهتهماملستمسكون بدينهم بقوة، أما العوام اجلهال الذين ميضون حياهتم بالركض خلف لقمة

فتغلب عليهم … العيش بسبب ما ضيقه الطغاة على العباد يف أرزاقهم ومعيشتهموهذا وحده ال … ال من حراماجملامالت واملداهنات، بل وكثري منهم ال يبايل بكسب امل

. يكفي للتكفري، فضال عن إباحة األموال والدماء

( انظر املرجع السابق. 49)

(305) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ورمبا لو أنه حني ركبوا معه رأى عليهم سيما أهل الدين والصالح ودعوه للخروج ولو أهنم سألوه … معهم كما يفعل رجال الدعوة )مجاعة التبليغ( لوعدهم خريا أو خلرج

. ضا بعاطفة دينية ومحاس وكأنه شيخ اإلسالم ومفيت الديارسؤاال دينيا، النطلق جياملهم أيفما هكذا تورد اإلبل وما هكذا يكون التثبت والتبني، وما هكذا يقطع بأحكام الشرع اليت تستباح هبا الدماء واألموال ، خصوصا يف ظل عموم اجلهل وضعف العلم

. والعلماءهؤالء الشباب الدينية أو زعمهم أهنم وال يربر أو يسوغ مثل هذه احلماقات ؛عاطفة

يريدون بتلك األموال اإلعداد جلهاد الطواغيت، أو حنوها من الدعاوى صادقة كانت أم والوسيلة البد أن تكون مشروعة ونظيفة ومطهرة .. فاهلل طيب ال يقبل إال طيبا . كاذبة

. كالغاية عند املسلمنيرقة عديدة وقد أظهروا تدينهم، مث اعتقل هؤالء بعد ذلك يف قضايا سلب وس

وأطلقوا حلاهم فكانوا أحدوثة عند أعداء اهلل استغلوها لتشويه الدين وأهله، والطعن يف اجلهاد عرب صحافتهم اخلبيثة ولقد رأيتهم قد زجوا يف مهاجع اللصوص، والعساكر يهزؤون

. وهاهبم ويستخفون، ويشككون بتدينهم، بل ويعظوهنم يف قضاياهم اليت ارتكب وما من أعجب األشياء علج يعرفين احلالل من احلرام

… يضرب أمخاسا بأسداس… مث رأيت بعضهم بعد مدة وقد انتكس أو كاد . ويطلق عبارات فيها تسخط واعرتاض على أقدار اهلل، الستطوال السجن واستبطاء الفرج

. فنسأل اهلل تعاىل العفو والعافية واهلداية لشباب املسلمنيومما يصلح إحلاقه هبذا املوضع والتنبيه عليه؛ التفريق بني الردة اجملردة اليت : فائدة*

: يستتاب صاحبها، وبني الردة املغلظة اليت ال استتابة فيها( 366وذلك أن الردة كما ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية يف الصارم املسلول ص )

ظة شرع القتل على خصوصها، وكل منهما ردة جمردة، وردة مغل : فصاعدا؛ )على قسمنيواألدلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة ال تعم . قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها

القسمني، بل إمنا تدل على القسم األول ؛ كما يظهر ذلك ملن تأمل األدلة على قبول صاحبه، ومل يأت نص وال توبة املرتد، فيبقى القسم الثاين، وقد قام الدليل على وجوب قتل

والذي . إمجاع لسقوط القتل عنه، والقياس متعذر مع وجود الفرق اجللي فانقطع اإلحلاقحيقق هذه الطريقة أنه مل يأت يف كتاب وال سنة وال إمجاع أن كل من ارتد بأي قول أو أي

(306) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

جماع بل الكتاب والسنة واإلفعل كان فإنه يسقط عنه القتل ذا تاب بعد القدرة عليه، قد فرق بين أنواع المرتدين كما سنذكره، وإنما بعض الناس يجعل برأيه الردة جنسا

فإذا مل يكن معه عموم نطقي يعم واحدا على تباين أنواعه، ويقيس بعضها على بعض،أنواع املرتد مل يبق إال القياس، وهو فاسد إذا فارق الفرع األصل بوصف له تأثري يف احلكم،

. ى تأثريه نص الشارع وتنبيهه، واملناسبة املشتملة على املصلحة املعتربةوقد دل عل : وتقرير هذا من ثالثة أوجه

)) كيف يهدي اهلل قوما : أن دالئل قبول توبة املرتد مثل قوله تعاىل : أحدها(( ، وقوله إال الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا)) : (( إىل قولهكفروا بعد إيمانهم

(( وحنوها، ليس فيها إال توبة من كفر بعد اإلميان من كفر باهلل من بعد إيمانه)) : ىلتعافقط، دون من انضم إىل كفره مزيد أذى وإضرار، وكذلك سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه

وكذلك سنة اخللفاء الراشدين إمنا . وسلم إمنا تضمنت قبول توبة من جرد الردة فقطجرد الردة وحارب بعد ارتداده كمحاربة الكافر األصلي على كفره ، تضمنت قبول توبة من

فمن زعم أن يف األصول ما يعم توبة كل مرتد سواء جرد الردة أو غلظها بأي شيء كان فقد أخطأ، وحينئذ فقد قامت األدلة على وجوب قتل الساب، وأنه مرتد، ومل تدل األصول

. (50)الدليل السامل عن املعارضعلى أن مثله يسقط عنه القتل فيجب قتله بكيف يهدي اهلل قوما كفروا بعد إيمانهم، )) : أن اهلل سبحانه قال : الثاين

وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات، واهلل ال يهدي القوم الظالمين، أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة اهلل والمالئكة والناس أجمعين، خالدين فيها ال يخفف عنهم

وال هم ينظرون، إال الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن اهلل غفور رحيم ، العذاب . ((إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون

فأخرب سبحانه أن من ازداد كفرا بعد إميانه لن تقبل توبته، وفرق بني الكفر املزيد قبول التوبة من الثاين دون األول، فمن زعم أن كل كفر بعد اإلميان كفرا، والكفر اجملرد يف

. تقبل منه التوبة فقد خالف نص القرآن

( واضح أن معىن عدم قبول توبته؛ أي أن توبته ال حتقن دمه. وال تسقط عنه القتل ومن مث فال 50)تشرتط استتابة من كانت ردته مغلظة مزيدة، أما رجوعه إىل اإلسالم إن رجع فال مينعه منه أحد، وكذا

ل توبته عند اهلل إن تاب فال يقدر على حجرها عنه أحد، كما بني شيخ اإلسالم يف مواضع من قبو الصارم، وستأيت اإلشارة إليه من كالمه يف هذا املوضع. ومن مث فمن أظهر ذلك قبل قتله مل يقتل ردة،

معصوم أو حنوه. بل قتل حدا على ما غلظه وزاده يف ردته من سب للرسول صلى اهلل عليه وسلم أو قتل

(307) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وهذه اآلية إن كان قيل فيها إن ازدياد الكفر املقام عليه إىل حني املوت، وإن التوبة . (51)املنفية هي توبته عند الغرغرة أو يوم القيامة، فاآلية أعم من ذلك

نا سنة رسول اهلل عليه الصالة والسالم فرقت بين النوعين فقبل توبة وقد رأيجماعة من المرتدين، ثم إنه أمر بقتل صبابة يوم الفتح من غير استتابة لما ضم إلى ردته قتل المسلم وأخذ المال ولم يتب قبل القدرة عليه، وأمر بقتل العرنيين لما

بقتل ابن خطل لما ضم إلى ردته السب ضموا إلى ردتهم نحوا من ذلك، وكذلك أمر وقتل المسلم وأمر بقتل ابن أبي سرح لما ضم إلى ردته الطعن عليه واالفتراء؛ وإذا كان الكتاب والسنة قد حكما في المرتدين بحكمين، ورأينا أن من ضر وآذى بالردة

لقا، أذى يوجب القتل لم يسقط عنه القتل إذا تاب بعد القدرة عليه، وإن تاب مط، مل يصح القول بقبول توبة املرتد مطلقا، وكان الساب من القسم دون من بدل دينه فقط

وألن املرتد اجملرد إمنا نقتله ملقامه على التبديل، فإن عاود … الذي ال جيب أن تقبل توبتهى الدين احلق زال املبيح لدمه كما يزول املبيح لدم الكافر األصلي بإسالمه، وهذا الساب أت

مبا أتى به وهو ال يقتل ملقامه عليه، فإن ذلك ممتنع، فصار قتله … من األذى هلل ورسوله . كقتل احملارب باليد

وباجلملة فمن كانت ردته حماربة هلل ورسوله بيد أو لسان فقد دلت السنة املفسرة . للكتاب أنه من كفر كفرا مزيدا ال تقبل توبته منه

د تتجرد عن السب والشتم، فال تتضمنه، وال أن الردة ق : الوجه الثالثتستلزمه، كما تتجرد عن قتل المسلمين وأخذ أموالهم، إذ السب والشتم إفراط في العداوة، وإبالغ في المحادة مصدره شدة سفه الكافر، وحرصه على فساد الدين

. …(وإضرار أهلهلسب، فكذلك )والغرض هنا أنه كما أن الردة تتجرد عن ا: (370إىل قوله ص)

قد تتجرد عن قصد تبديل الدين وإرادة التكذيب بالرسالة، كما تجرد كفر إبليس عن قصد التكذيب بالربوبية، وإن كان عدم هذا القصد ال ينفعه، كما ال ينفع من قال

. …(الكفر، أن ال يقصد أن يكفر

( أي أهنا تشمل أحكام الدنيا اليت يتكلم فيها الشيخ وأحكام اآلخرة اليت ذكرها املفسرون يف معىن 51) عدم قبول توبة من مات على ردته، أو من تاب عند الغرغرة.

(308) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ا بالتوبة قياس (52)وحاصل هذا الوجه أن عصمة دم هذا) : (371إىل قوله ص )على المرتد متعذر لوجود الفرق المؤثر، فيكون المرتد المنتقل إلى دين آخر، ومن أتى من القول بما يضر المسلمين ويؤذي اهلل ورسوله وهو موجب للكفر على نوعين تحت جنس الكافر بعد إسالمه، وقد شرعت التوبة في حق األول فال يلزم شرع التوبة

حيث اإلضرار، ومن حيث أن مفسدته ال تزول في حق الثاني، لوجود الفارق من . بقبول التوبة( أهـأنه كما جيب التفريق بني الكفار املمتنع وغري املمتنع يف وجوب استتابة : واخلالصة

. األخري دون األولفكذلك جيب التنبه إىل الفرق بني الردة اجملردة والردة املزيدة املغلظة، يف وجوب

ردة ، وعصمته وحقن دمه برجوعه إىل اإلسالم، وعدم وجوب استتابة من كانت ردته جمذلك فيمن غلظ الردة، وحىت لو تاب ورجع إىل اإلسالم قبل قتله مل حيقن ذلك دمه ومل يرفع عنه القتل، لتعلق القتل بأمور مزيدة على الردة وتبديل الدين، كشتم الرسول وقتل

ال تسقط بالتوبة لتعلق حقوق العباد هبا، املسلم وزنا احملصن وحنو ذلك من احلدود اليتوهذا مما خيالف به املرتد الكافر األصلي كما بني شيخ اإلسالم يف مواضع أخرى من

. الصارمومنه تعرف الفرق أيضا بني القتل ردة والقتل حدا، فالثاين جتري عليه أحكام

ويورث ماله ألهله، املسلمني بعد قتله فيغسل ويصلى عليه ويدفن يف مقابر املسلمني . خبالف األول فإنه جتري عليه أحكام الكفار

( أي الساب للرسول صلى اهلل عليه وسلم، واملرتد مزيدة مغلظة. 52)

(309) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((22)) تكفير كل من عمل في وظائف الحكومات الكافرة

دون تفصيلومن األخطاء الشنيعة يف التكفري أيضا تكفري كل من عمل يف وظائف احلكومات

الذين يستقون الكافرة دون تفصيل ،ولقد انتشر هذا عند كثري من الغالة املتحمسنيأحكامهم من بعض اإلطالقات األدبية اليت يقرؤوهنا يف بعض كتب العصر الفكرية، كلفظة

… )اجملتمعات اجلاهلية( اليت استدل!! بعضهم هبا لتكفري عموم الناس يف هذه اجملتمعات… وكمقولة )العمل حتت غطاء األنظمة اجلاهلية( أو )العمل ضمن ما يعزز اجلاهلية(

. ذلكوحنو مما جعل بعضهم يقول بأن موظفي الدولة الكافرة مجيعهم كفار، ابتداء من عامل

فهذا إطالق باطل، نربأ إىل اهلل منه، وال … البلدية )الزبال( إىل رأس الدولة )الطاغوت( . نقره حبال

.. مل نتقلد وظيفة حكومية يف يوم من األيام -حبمد اهلل تعاىل -بل حنن وإن كنا إلخواننا املوحدين دوما التباعد عن هذه احلكومات ووظائفها قدر اإلمكان، مبالغة وحنب

يف اجتناب الطاغوت وكل ما ميت إليه بصلة ، وسدا لكل الذرائع اليت قد تقرب منه ومن وقطعا لكل الطرق واحلبال اليت تتصل به، إال أننا ال نلزم الناس بذلك، … حكمة وشركة

. ان وشروطهأو جنعله من أصل اإلميبل نفصل يف وظائف احلكومات الكافرة من حيث احلكم الشرعي، فال نقول أهنا

. كلها كفر، وال أهنا كلها حرامبل ما كان فيه سبب من أسباب الكفر، من األقوال أو األعمال الظاهرة، فهو

م على وظيفة مكفرة كاملشاركة يف تشريع قوانينهم الكفرية، أو أن يكون يف الوظيفة قساحرتام قوانينهم والوالء لطواغيتهم، أو نصرة القوانني، أو مظاهرة لعبيدها على املسلمني إىل

. غري ذلك مما هو كفر ظاهروأما ما كان فيها معصية أو تعاون على اإلمث والعدوان، فهي وظيفة حمرمة يأمث

…ولكن ال حيل التكفري هبا وحدها، مادام ليس فيها سبب مكفر… صاحبها

(310) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

… فال نقول فيها إال بالكراهة… وما مل تكن الوظيفة من النوع املكفر أو احملرموإمنا قلنا بالكراهة خوفا من أن تصري ذريعة إىل تسلط أعداء اهلل على املسلم وحتكمهم

. حبقوقه أو حماولة إذاللهفقد روى البخاري يف صحيحة يف كتاب اإلجارة )باب هل يؤاجر الرجل نفسه من

كنت رجال قينا، فعملت للعاص : ك يف أرض احلرب( عن خباب رضي اهلل عنه قالمشر ال واهلل، ال أقاضيك حىت تكفر : بن وائل، فاجتمع يل عنده، فأتيته أتقاضاه، فقال

: وإين مليت مث مبعوث؟! قلت : قال . أما واهلل حىت متوت مث تبعث فال : مبحمد، فقلتأفرأيت )) : مث مال وولد فأقضيك، فأنزل اهلل تبارك وتعاىل فإنه سيكون يل : نعم، قال

. (( الذي كفر بآياتنا وقال ألوتين ماال وولدا وهذا كان يف مكة وهي آنذاك دار حرب، واطلع النيب صلى اهلل عليه وسلم على

…شأنه)ومل جيزم املصنف باحلكم، الحتمال أن يكون مقيدا : قال ابن حجر يف الفتح

ورة، أو أن جواز ذلك كان قبل اإلذن يف قتال املشركني ومنابذهتم، وقبل األمر بعدم بالضر أي العمل عند –)كره أهل العلم ذلك : إذالل املؤمن نفسه( مث نقل عن املهلب قوله

: إال لضرورة بشرطني -املشركني . أن يكون عمله فيما حيل للمسلم فعله : أحدمها . يعود ضرره على املسلمني( أهـ أن ال يعينه على ما : واآلخر

حدادا، : وجيب التنبه إىل أن كالمهم هذا، يف مثل حال خباب الذي كان قينا، أيوقد أجر نفسه يف عمل معني للعاص، أي أنه مل يكن مرتبطا معه بعقد شبه دائم منذ

ا الزمان، تسلمه العمل وحىت التقاعد كما هو حال الوظائف اليت يرتبط هبا الناس يف هذفال شك أن … حيث يكون جمال تسلط أرباب العمل وحتكمهم وإذالهلم للموظف آكد

. كراهيتهم لذلك ستكون أشد وأوىل من كراهتهم للمؤاجرة املؤقتة عند الكفارهذا مع التنبيه إىل احتمال إرادهتم بالكراهة هنا التحرمي كما كان يف اصطالح

. األوائلشيء غري التكفري، إذ التكفري كما قد ذكرنا لك مرارا حكم -كما قلنا–ولكن هذا

وال . شرعي ال يصح إال بأسباب ظاهرة منضبطة، من قول أو عمل مكفر صريح الداللة . تكفي يف ذلك اإلطالقات الفكرية واحلماسية غري املؤصلة، وال املنضبطة بضوابط الشرع

(311) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

من أن املوظف يف احلكومات الكافرة وما يورده بعض الغالة املتهورين يف هذا الباب إن الذين ارتدوا على أدبارهم )): ويستدلون بقوله تعاىل.. يكفر ، من باب طاعة الكفار

من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين (( كرهوا ما نزل سنطيعكم في بعض األمر

.. كفرة املقصودة ها هنافإنه من جهلهم ملعىن الطاعة امل .. فإهنا طاعة خمصوصة يف التشريع أو الكفر والشرك والردة ال مطلق الطاعة

بدليل أن الكافر أو الطاغوت لو أمر بطاعة أو معروف ملا أمث من أطاعه يف .. ذلك،فضال على أن يكفر

ع وهذا أمر واضح من السفه إطالة الوقوف عنده واجلدال فيه ،ومع هذا فال مانعندي من أن أذكر بعض اجلهال الذين يطالبون باألدلة عليه ؛بقول النيب عليه الصالة

) لو دعيت إليه : والسالم يف شأن حلف الفضول وهو مؤسسة من مؤسسات الكفار .. يف اإلسالم ألجبت ( وسيأيت

) ال يسألونين خطة : وبقوله عليه الصالة والسالم يف قصة احلديبية عن كفار قريش . يعظمون فيها حرمات اهلل إال أعطيتهم إياها ( ومبا أجاهبم إليه من شروط معلومة معروفة

أنظرها يف البخاري ) كتاب الشروط ( باب الشروط يف اجلهاد ، واملصاحلة مع أهل .. احلرب ، وكتابة الشروط

ولذا قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرمحن بن حسن آل الشيخ خماطبا بعض ذلك بأنهم قالوا ) وقد بلغين أنكم تأولتم قوله تعاىل يف سورة حممد )) : رعني يف زمانهاملتس

(( على بعض ما جيري من أمراء الوقت للذين كرهوا ما نزل سنطيعكم في بعض األمرمن مكاتبة أو مصاحلة أو هدنة لبعض رؤساء الضالني ، وامللوك املشركني ، ومل تنظروا ألول

(( وتفقهوا )) إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى: اآلية وهو قولهاملراد من هذه الطاعة ، وال املراد من األمر املعرف املذكور يف قوله تعاىل يف هذه اآلية الكرمية ، ويف قصة صلح احلديبية وما طلبه املشركون واشرتطوه وأجاهبم إليه رسول اهلل صلى

( أهـ من جمموعة الرسائل . يكفي يف رد مفهومكم ودحض أباطيلكم اهلل عليه وسلم ما . واملسائل النجدية وقد تقدم

)املصابيح املنرية يف : هذا ولنا يف العمل عند احلكومات الكافرة فتوى طبعت بعنوان . الرد على أسئلة أهل اجلزيرة(

(312) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

(313) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((23)) تكفير كل من استعان بالطواغيت أو أنصارهم أو

حاكمهم لجأ إلى م في ظل عدم وجود سلطان لإلسالم دون تفصيل

ومن األخطاء الشائعة يف التكفري أيضا تكفري كل من اضطر إىل اللجوء إىل احملاكم يف هذا الزمان أو حوكم إليها أو استعان بالطواغيت وانصارهم لدفع صائل أو للتخلص

. يف األرضمن مظلمة أو حتصيل حق يف ظل عدم وجود سلطان حلكم اهللبل لقد رأيت من الغالة من يكفر كل من ميثل أمام حمكمة من احملاكم احلاكمة بالقوانني الوضعية ولو سيق إليها سوقا أو اضطر إىل ذلك اضطرارا قد يصل إىل حد اإلكراه

بل وبعض السفهاء –، وكان من املستضعفني الذين ال يستطيعون حيلة وال يهتدون سبيال مبجرد دخوله إىل أي خمفر للدفع عن نفسه يف شكوى رفعت عليه ، أو للتبليغ عن يكفرونه

خطف ولد أو فقده أو سرقة شيء من ممتلكاته لعله جيده عندهم أو يكون لديهم عنه إذ يعدون ذلك كله من التحاكم إىل الطاغوت الذي يكفر فاعله !!… خرب

ل عليهم عدو غاشم أوخطف فماذا يفعل ضعفة املسلمني إذا صا : فإذا قيل هلموال سلطان أو متكني حلكم … هلم ولد أو هتك عرض أو اعتدي على أنفسهم وأمواهلم

اهلل؟؟ وهل تركتهم الشريعة سدى، وأمهلتهم دون حل يف مثل هذه النوازل ؟ مث إذا اضطروا مل إىل اللجوء إىل سلطان الكفار كفروا !! مع أهنم يتأولون أهنم مكرهون على ذلك !!

حيريوا جوابا ومل يراعوا استضعاف املسلمني يف هذا الزمان، وإمنا كل ما يهمهم هو إنزال . حكم التكفري

وأنا أعلم أن للعلماء شروطا يف صحة اإلكراه على الكفر وكذا يف قتل النفس . املعصومة شددوا فيها عن سائر أبواب اإلكراه

فيها ، ومن يطالع أقاويلهم يعلم لكن ومع هذا يبقى ذلك من الفروع املختلف . ذلك

ومن مث فإن اخلالف يف حده يكون من الفروع اليت يعذر اجلاهل املتأول فيها إذا كان وجيب أن يفهم طالب العلم أن إطالق الوعيد أو الكالم يف . مستضعفا يف سلطان الكفار

(314) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

حلث على األخذ موضع التحذير من الوقوع يف الكفر أو الرتهيب من تقحم أبوابه ، وابالعزمية له طريقته ، وهو شيء غري الكالم يف تنزيل أحكام التكفري على األعيان خصوصا

. مع التأويل واالستضعافوبعضهم يلزم الناس التحاكم إىل مشاخيهم الذين ال ميلكون سلطة وشوكة يردون هبا

!! .. احلقوق ومينعون الظلم ، وإال كفروا كتابه الغياثي فصوال دعا فيها العلماء والقضاة عند فقد وقد رأيت اجلويين عقد يف

إىل القيام مبصاحل اخللق وذلك بلجوء أهل كل بلد إىل . اإلمام القوام على أهل اإلسالمجمتهديهم ليحكموا فيهم بأحكام الشرع، وهي صورة ال ميكن حتققها إال بوجود اجلماعة

فإنه … تصري هلم شوكة ميضون هبا أحكامهماملسلمة امللتفة حول أولئك اجملتهدين حىتافرتض خلو الزمان من إمام ومل يفرتض انفراط عقد اجلماعة وتشتت األمة شذرمذر وتسلط املرتدين وفرضهم أحكامهم على العباد والبالد، ورفع العلم بقبض العلماء وأهل احلل

كني وغري ذلك من الدواهي والعقد، وترأس الرؤوس اجلهال وحلوق فئام من هذه األمة باملشر اليت دهت هذه األمة يف هذه األزمة، حىت انطبق فيها كثري مما أخرب به الصادق املصدوق من فنت وأمور تكون بني يدي الساعة، فصار أهل الفضل من املشايخ وحنوهم ال سلطان

، هلم وال شوكة متكنهم من إنفاذ أحكام الشرع لو جلأ إليهم بعض الناس يف اخلصوماتخصوصا إذا كان املعتدين من الكفار املمتنعني بشوكة ،فإنه ال يستسلم ألحكام هؤالء املشايخ لو حكموا يف هذه احلال إال من غلب عليهم سلطان التقوى، وانقادوا لسلطان

والذي عم . …خشية اهلل، وهذا ال يكون إال إذا كان اخلصوم مجيعا من أهل الورع واإلميانالناس ليس مع أمثال هؤالء، بل هو غالبا مع من ال يرتدعون بالقرآن بالؤه يف خصومات

. وال وازع هلم من اإلميان، فال يرعوون إال بالتخويف بالسلطان وسطوته وعقوباتهفإذا كانت خصومة املسلم أو االعتداء عليه أو على عرضه أو ماله أو نفسه وأهله

ألحكام الشرع اليت يقضي هبا بعض من هذا الصنف الكافر الذي ميتنع عن االحتكاماملشايخ، ولو حوكم ملا استجاب ألحكامهم ماداموا ال ميلكون سلطانا ينزعون به ما ال ينزعه القرآن واإلميان يف نفوس كثري من اخللق، وال ميلكون شوكة أو شرطة وقوة تلزم وتأطر

واحلال –لزم املسلم املظلوم على أداء احلقوق، وتردع اجملرمني واملعتدين والعابثني؛ فكيف ي وهم ال يقدرون على رد حقه … باللجوء إىل هؤالء املشايخ يف مثل هذه النوازل -كذلك

مث إن اضطر إىل اللجوء إىل شوكة احلكومات أو شرطتها استجارة هبم … أو دفع مظلمته ؟.. حيكم عليه بالتكفري… من كافر أو دفعا لصولة فاجر

(315) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

تربير الواقع املرير الذي يعيشه املسلمون اليوم ، بل أصل وحنن هنا ال ندعوا إىل دعوتنا ؛الدعوة إىل تغيريه إلخراج العباد من عبادة العباد إىل عبادة اهلل وحده ومن أحكام

فهذا من أعظم الواجبات اليت جيب … وشرائع الطواغيت إىل شريعة اهلل املطهرة العادلةإلعداد واجلهاد من أجله ، وهذا هو احلل على املسلمني خواصهم وعوامهم العمل وا

. والعالج الناجع جلميع مشاكلهم وأمراضهمفما الذي يفعله املستضعفون يف –ولكن إىل أن مين اهلل تعاىل على املسلمني بذلك

مثل تلك األحوال ؟ وإذا ما اضطروا إىل اللجوء إىل هذه احلكومات وشوكتها فهل يكفرون ؟

أنبه أنين هنا ال أدعو بكالمي هذا إىل التحاكم إىل .. قبل أن أجيب على هذاكال ومعاذ اهلل أن أفعل ذلك يوما من األيام، فنحن حنتسب … الطواغيت أو تسويغه

أعمارنا عند اهلل أننا أفنيناها يف إنكار هذا املنكر العظيم الذي خرجنا إىل هذه الدنيا وهو مل حنتكم أو حناكم إليهم يف صغرية أو -املنةوهلل احلمد و –وحنن يف أنفسنا . …خميم عليها

كبرية يف يوم من األيام، وال جلأنا إىل شرطتهم أو خمافرهم أو حماكمهم يف شيء من اخلصومات، حىت على مستوى حوادث الطرق والسري، إن أعطانا اخلصم حقنا، وإال مل

قضايا وهتم وجهت نرجع أو نلجأ إليهم ولو ذهب حقنا، وقد حوكمنا مأسورين معتقلني يفإلينا قد يبلغ حكم بعضها إىل اإلعدام، فهدانا اهلل بفضله وثبتنا ؛ فلم نرتض توكيل حمامني عن أنفسنا، لعلمنا أهنم لن يتحاكموا يف الدفاع عنا إال إىل قوانني الكفر ، وأن أكثرهم ال

فنسأل اهلل – يتورعون من تبجيل حماكمها أو وصف قضائها بالنزاهة وأحكامها بالعدالة . -القبول وحسن اخلتام

وبذلك نفيت الناس دوما وحنثهم على أن جيتنبوا الطواغيت وقوانينهم وأن ال إال أن يقادوا إليها معتقلني مقيدين، … يتحاكموا إىل حماكمهم ولو ذهبت دنياهم كلها

.. فيحاكموا ، قهرا فيدفعوا عن أنفسهم ، وال يتحاكموا أو حيتكموا هم إليهالكننا مع هذا نعرف أن أحوال الناس ختتلف، وإمكاناهتم تتفاوت يف ظل ما هم فيه

فال ميكن إلزام كل أحد باألخذ : من استضعاف، ويف ظل غياب حكم الشريعة وسلطاهنا . بالعزمية يف كل الظروف

ودين اهلل مل يضع احللول واألحكام والشرائع لألقوياء فقط ، بل رفع احلرج عن األمةعموما وراعى ظروف الضعفاء، فلم يكلف نفسا إال وسعها، وأباح احملظورات يف

. الضرورات، ورخص بقول الكفر أو فعله يف اإلكراه مادام القلب مطمئنا باإلميان

(316) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وأولوا العزم أنفسهم قد يضطرون يف بعض الظروف القاهرة إىل ما يرتكونه ويأبونه دائما مسألة حقوق أو دنيا يتنازل عنها املرء أو واملسألة ليست… وجيتنبونه يف غريها

بل قد ينال أحدهم يف عرضه و يصال على أهله، فاملتتبع … يرتكها هلل عصمة لدينهإلفرازات هذه اجملتمعات اخلبيثة يف ظل تعطيل أحكام اهلل تعاىل وحدوده املطهرة، يرى من

ألعراض واألنفس، ما ال سعة القضايا واجلرائم، خصوصا منها ما يتعلق بالتعدي على اوما كل أحد له من القوة أو العشرية واجلاه … للناس يف التنازل عنه أو اإلعراض والسكوت

ما يقدر به على الدفع عن نفسه وعرضه وأهله، أو جيد على ذلك نصريا أو جمريا ميكنه به فالبد … اناالستغناء عن اللجوء إىل هذه احلكومات اليت أمست بيدها القوة والسلط

للفقيه العامل مبقاصد الشريعة ومصاحل العباد من مراعاة هذه األحوال كلها والنظر فيها عند . الكالم يف هذه النوازل ،وعدم التهور واملبادرة بالتكفري فورا يف مثل هذه األبواب

ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا )) : خاصة وأن صورة سبب نزول قوله تعاىلنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن بما أ

يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضالال بعيدا*وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اهلل هي صورة . (61-60: (( )النساء وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا

. -دم وجود سلطان حلكم اهلليف ظل ع–غري هذا الذي نتكلم فيه فهذه اآليات نزلت يف وقت كان حلكم اهلل فيه دولة وسلطان، وأعدل اخللق بني

… ظهراين الناس ينصف املظلوم ، ويأطر الظامل على احلق ، ويعطي كل ذي حق حقه((… وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اهلل وإلى الرسول كما هو بني من قوله تعاىل ))

هذا يعرض هؤالء املذكورون يف اآليات ويصدون عن حكمة خمتارين التحاكم إىل ومع الطواغيت وأحكامهم، سواء كانوا كهانا أم يهودا أم غريهم، ليحكموا هلم حبسب أهوائهم،

. وحبسب ما يشتهونالذين شرعوا . فهذه الصورة يدخل فيها من باب أوىل الطواغيت املشرعيني أنفسهم

. الدين ما مل يأذن به اهلل تعاىلمن احلكم و ويلتحق هبم طواغيت العصر الذين بيدهم أزمة احلكم وسلطاته التشريعية وغريها، مث ميتنعون عن حتكيم شرع اهلل ويصرون على حتكيم تشريعاهتم الكفرية ويلزمون اخللق

وكذلك حكم كل من نصرهم وامتنع معهم عن حتكيم شرع اهلل … ويأطروهنم عليها

(317) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فحكم الردء يف مثل ذلك حكم … عاهنم على إقامة وإدامة أحكام الطواغيتوأ . (53)املباشر

وعموما فإن هذه الصورة تنطبق على كل من تيسر له التوصل إىل حكم اهلل وأمكن له فض النزاع بالتحاكم إىل شرع اهلل تعاىل ، فأ ى وامتنع وعدل عنه خمتارا إىل حكم

. ري ما انزل اهلل أو تشريع مل يأذن به اهلل تعاىلالطاغوت، وهو كل حكم بغأما الذين ندفع عن تكفريهم، فصورهتم ليست كالصورة املذكورة يف اآليات، وال هي

بل هي تتم يف ظل عدم . من أشباهها ونظائرها حىت ينطبق عليها حكمها، أو تلحق هبا شوكة للمسلمني وقوة وجود سلطان حلكم اهلل يف األرض يرد احلقوق إىل أهلها، وال

يستنصر هبا املستضعفون ويأوون إليها، فال يلجأ هؤالء حني يلجؤون إىل هذه احلكومات وشوكتها أو حماكمها عدوال عن سلطان حلكم اهلل موجود، أو عدوال عن االستنصار بقوة

شرع اهلل املسلمني وشوكتهم وسلطاهنم القائم، وال امتناعا بشوكة الطواغيت وقوانينهم عن … كال ومعاذ اهلل أن ندفع عن شيء من هذا… أو مظاهرة هلم على املسلمني

وإمنا الصورة املقصودة؛ صورة قوم مقهورين مستضعفني ال جيدون نصريا وال وليا وال . إماما من أهل احلق حيوطهم، وال شوكة للمسلمني يلوذون هبا

كمهم لينصفوه يف عرضه أو نفسه فيلجأ أحدهم إىل سلطان الكفار وقوهتم أو حما من ظامل كافر آخر ذي قوة وشوكة وعشرية، أو ممتنع بسلطان وشوكة الطواغيت أنفسهم

. متأوال أنه مكره على ذلك . فهذه الصورة ال حيل مساواهتا بصورة سبب نزول اآليات املذكورات

تسبني لإلسالم وكذلك لو كان الصائل عليه أو على عرضه من الفجار أو الظلمة املن .. الذين ال تردعهم إال الشوكة والقوة والسلطان ، ومل ميكنه دفعه إال بذلك

أقول هذا وأنا من أعرف الناس بقوانني الكفر املسلطة اليوم على رقاب املسلمني، وأعراضهم . وأهنا من أخبث األسباب اليت أهدرت حقوق الناس وانتهكت حرماهتم

عرضة لكل منتهب ومعتد، وقد بينا ذلك وضربنا عليه أمثلة من وجعلت أمواهلم وممتلكاهتم . (54)هذه القوانني يف كتابنا )كشف النقاب عن شريعة الغاب(

(: اتفق أكثر العلماء على أن الردء حيكم فيه 150-1/148لقرآن )( قال ابن العريب يف أحكام ا53) حبكم املقاتل (. ونص على مثله شيخ اإلسالم ابن تيمية يف الفتاوى.

( النسخة الكويتية، وأحلقناه من السجن بالنسخة األردنية املختصرة. 54)

(318) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

لكن احلوادث اليت يبتلى هبا الناس ال تنضبط وال تتناهى إىل أن يرث اهلل األرض ملرء إىل حد وضرورات الناس ونوازهلم تتفاوت، وأحيانا قد تبلغ الضرورة با… ومن عليها

. اإلكراه خصوصا فيما يتعلق باألعراضبني جنود الطواغيت وأنصار القوانني –وقد يوجد بل وجد فعال من واقع التجربة

وبعض القضاة ممن حيسبون أهنم حيسنون صنعا ، ومن ال يرضون باالعتداء على األعراض بيال خصوصا إن كانوا من ويغضبون النتهاكها، وينتصرون للمظلوم ما استطاعوا إىل ذلك س

أصول طيبة، أو كانوا من أهل الغرية واملروءات، فإنه ال خيلو أن يوجد يف الكفار من هو )الناس معادن خيارهم يف اجلاهلية : كذلك، مصداقا حلديث النيب صلى اهلل عليه وسلم

.. فصح أن ألهل اجلاهلية خيارهم (55)خيارهم يف اإلسالم إذا فقهوا(ك ما يرويه ابن إسحاق من قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ألصحابه ملا ويؤيد ذل

، …()لو خرجتم إىل أرض احلبشة فإن هبا ملكا ال يظلم عنده أحد : اشتد أذى قريش هلموال أسلمهم لقريش ملا بعثت يف طلبهم، وذلك -على كفره–وبالفعل مل يظلمهم النجاشي

.. قبل أن يسلم كما سيأيت( يف جوار ابن الد غنة أليب بكر 3905تقدم من حديث البخاري ) ويصدقه ما

)فأنا لك جار، إرجع : إىل قوله…( )إن مثلك يا أبا بكر ال خيرج وال خيرج : وقوله له . (56)واعبد ربك ببلدك(

وغري ذلك مما يدل على أن يف الكفار من يكره الظلم ويغيث امللهوف وينصر لقوانني، بل يف بعض جندها الذين قد يستعملون سلطاهنم وليس الكالم يف ا… املظلوم

. وشوكتهم يف بعض األحايني لدفع الظلم أو رد بعض احلقوقوهذا كله ال يغري من حكم كفر أنصار القوانني شيئا، كما مل يغري جوار ابن الد غنة

ألمر كالمنا، وال يسوغ أو يبيح هلم البقاء يف مناصبهم، فما يف هذا ا . أليب بكر حكمةوإمنا الكالم يف التأويالت أو الدواعي واملسوغات اليت تدفع كثريا من الناس إىل اللجوء

. إليهم أو االحتكام أو االستنصار هبم بالصورة اليت ذكرناها وكون ذلك مينع من تكفريهم

( ومسلم وغريمها. 3383( رواه البخاري )55)

يف إجارة وتأمني …( بخاري )كتاب مناقب األنصار( )باب إسالم عمر( وانظر أيضا يف صحيح ال56) (. 3865-3864العاص بن وائل لعمر بن اخلطاب )

(319) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

من أما جمرد جلوء املسلم يف الضرورات إىل كافر حيميه أو جيريه أو يرد مظلمته وينصرهكافر آخر، أو لدفع صائل فاجر ال يردعه وال يرهبه إال ذلك ،، يف ظل عدم وجود سلطان

.. وشوكة لشرع اهلل فليس هو أصال من التحاكم يف شيء ولقد قدمنا لك مدح رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حللف الفضول مع أنه كان

)فما : سلم وهو غالم وقال حلفا جاهليا أسسه كفار وقد شهده النيب صلى اهلل عليه . )لو دعيت به يف اإلسالم ألجبت( : أحب أن يل محر النعم وأين أنكثه( ويف رواية

وقد كانت صورته بأنه جتمع عشائري يف اجلاهلية تعاقد على إغاثة امللهوف ونصرة املظلوم ورد احلقوق إىل أهلها بقوهتم وشوكة جتمعهم، وكان ذلك يف وقت مل يكن فيه

سالم سلطان وال دولة وقبل بعثة النيب صلى اهلل عليه وسلم ويف جاهلية جهالء فهو لإل …مؤسسة من مؤسسات اجلاهلية

فمدح النيب صلى اهلل عليه وسلم لذلك احللف يقتضي عدم احلرج على املستضعف إذا ما جلأ إليه أو إىل مثله من الكفار الذين يقدرون على دفع الظلم عنه أو عن عرضه أو ماله، أو حتصيل بعض حقوقه بقوهتم وشوكتهم وسلطاهنم، من كفار ظلمة آخرين يف ظل

ولو كان يف ذلك أدىن حرج، فضال عن احلرمة أو الكفر ، … عدم وجود سلطان للشريعةلبينه النيب صلى اهلل عليه وسلم يف معرض مدحه له، فهو صلى اهلل عليه وسلم أتقى األمة

. ال وحذرها منهوأورعها، ومل يدع شرا إفهذا اإلستنصار وذلك التحاكم بصورته وتأويالته املذكورة هو الذي ندفع عنه

…وننكر تكفري أهلهوحذار من تقويلنا ما مل نقله من جتويز التحاكم إىل الكفار والطواغيت وقوانينهم

ينهم أو االستنصار هبم على املسلمني املوحدين أو حماكمتهم إليهم وإىل قوان… مطلقا الكافرة يف اخلصومات، فهذا مل نقل به يف يوم من األيام، فاملسلم عنده من وازع التقوى والورع واإلميان ما يردعه ويقوده إىل النزول على حكم اهلل تعاىل والتسليم له دون رهبة شوكة أو أطر سلطان، ومن كان حاله كذلك فأ ى خصمه إال حماكمته إىل قوانني الكفر وهو

ن مبقدوره حتصيل حقه دون ذلك، فقد حتاكم إىل الطاغوت خمتارا، ودخل يف نظري يعرف أ . صورة سبب النزول

ومن دعي إىل حكم اهلل وحكم كتابه مىت تيسرت إقامته وأمكن حله للخصومات )) : وفصله يف النزاعات من ظامل أو مظلوم فأ ى وامتنع، فهو من الذين قال اهلل تعاىل فيهم

(320) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

لهم تعالوا إلى ما أنزل اهلل وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك وإذا قيل . (61 : (( )النساء صدودا

فال وربك ال يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا في )) : وقال . (65 : (( )النساء أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما

ر على عوام املسلمني، وضيقوا عليهم، هذا، ولقد بالغ بعض املتعنتني يف اإلنكاومحلوهم ما ال يطيقون، حىت أنكروا عليهم جمرد مثوهلم أمام هذه احملاكم أو احلكومات أو شرطتها وخمافرها، ولو للدفع عن أنفسهم حني يطلبون، وألزمهم البعض باالمتناع عن ذلك

. …وبالفرار وإال كانوا كفارا .. ه ويقدر عليه كل أحد، خصوصا يف واقع االستضعافومعلوم أن ذلك ال يستطيع

وأن الناس يتفاوتون يف حتمل األذى والضرورات ، أال ترى جتويز الفقهاء يف املخمصة للضعيف والشيخ الكبري ما مل جييزوه لغريهم وتوسيعهم عليهم مبا هو أوسع مما

أن لكل حال ومقام . كراهأجازوه للقوي القادر املعاىف ، وأن الناس خيتلفون يف حد اإل . مقال

ولذلك فقد قدر إبراهيم عليه السالم الذي حتدى قومه ومل يبال بنارهم املؤججة يف وقت من األوقات ،رغم أنه كان وحيدا فريدا ؛ قد قدر يف ظرف آخر أنه وزوجه

بل أدرج البخاري ذلك .. مستضعفان ومضطران ألن يلبيا طلب الكافر حني استدعى سارة" هاجر إبراهيم : وأعين بذلك حديث النيب صلى اهلل عليه وسلم.. ) كتاب اإلكراه (يف

فأرسل إليه أن أرسل –أو جبار من اجلبابرة –بسارة ، دخل هبا قرية فيها ملك من امللوك اللهم إن كنت آمنت بك : إيل هبا ، فأرسل هبا ، فقام إليها ، فقامت تتوظأ وتصلي فقالت

علي الكافر ، فغط حىت ركض برجله " وبوب له البخاري يف كتاب وبرسولك فال تسلط اإلكراه " باب إذا استكرهت املراة على زنا فال حد عليها "

فعد ذلك إكراها وال مالمة على ابراهيم أو على زوجه يف خلوهتا مع ذلك الكافر يالما أو يعاتبا ومل .. كوهنا كانت مكرهة ، كما أورد احلافظ ابن حجر يف أقوال أهل العلم

.. فهما أعلم بظرفهما وحاهلما يف ذلك املقام.. على عدم الفرار وال ألزمهم به أحدومعلوم كذلك أنه ليس كل مثول أو مراجعة للكفار أو حماكمهم أو خمافرهم يعد

… حتاكما للطاغوت أو كفرا

(321) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

عة واملثول أضف إىل هذا أن كثريا من التهم والشكايات، حتل وتدفع مبجرد املراجوإزالة اإلشكال، وقد حتل بصلح أو حنوه من التحكيم الذي ال حرج فيه وليس من التحاكم

(( ، وقال فيما استثناه من والصلح خير)): املكفر يف شيء ، فقد قال تعاىل عن الصلح(( ، وقال يف شأن القتال والنزاع بني أو إصالح بين الناس)) : النجوى اجلائزة بني الناس

.. (( فأصلحوا بينهما وأقسطوا)) : ئف املسلمنيطوا)الصلح جائز بني : ويروى من حديث أيب هريرة وغريه من الصحابة مرفوعا

. املسلمني( وهو مروي عند أيب داود واحلاكم والبيهقيوكان عمر رضي اهلل عنه يأمر برد اخلصوم حىت يصطلحوا ، ولذلك استحب الفقهاء

بني اخلصوم يف مجيع الدعاوي اليت ال يكون املطلوب فيها حقا من للقاضي حماولة الصلححقوق اهلل ، إذ الدعاوي والقضايا تنقسم إىل ماكان حقا هلل خالصا ، أو حقا للعباد ، أو حقا مشرتكا يغلب فيه طرف ، ويف ذلك تفصيل معروف من حيث جواز الصلح والتنازل

-1/107أنظر أعالم املوقعني ) . وق اهلليف حقوق العباد ، ويف عدم جواز ذلك يف حق108) .

والصلح اجلائز عام بني الناس ، وليس خاصا بالزوجني بل يكون بني الشريكني .. واخلصمني والطائفتني املختلفتني أو املقتتلتني وغري ذلك

فكما أن اخلصومة بني الزوجني جيوز أن حيكم فيها بالصلح وجيتهد احلكمان فيها، ل أحد الزوجني عن بعض حقوقه يف سبيل اإلصالح الذي هو خري من الفراق بأن يتناز

والشقاق ؛ فهكذا األمر يف كثري من النزاعات واخلصومات، جيوز أن حتل بالصلح وتراضي األطراف أو تنازل بعضهم عن شيء من حقوقهم، فالصلح عقد رضائي جتيزه الشريعة وال

. م حالاليرد عليه قيد إال أن حيل حراما أو حير ) والصلح أقسام صلح املسلم : (2961قال احلافظ يف الفتح عند حديث رقم )

والصلح يف اجلراح .. مع الكافر ، والصلح بني الزوجني ،والصلح بني الفئة الباغية والعادلةكالعفو على مال ،والصلح لقطع اخلصومة إذا وقعت املزامحة إما يف أمالك أو يف املشرتكات

. ( أهـ ..كالشوارعوهذا مما وسع اهلل تعاىل فيه، وليس هو من التشريع الكفري حبال، وال هو من

)إذا : احلكم بغري ما أنزل اهلل أو التحاكم إىل الطاغوت، وقد قال الفاروق رضي اهلل عنه . رواه البخاري…( وسع اهلل فأوسعوا

(322) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

حلق دوما مع وبعض الناس ال يعجبهم التوسيع على عباد اهلل ، وحيسبون أن االتشديد ، وأنزع الناس إىل ذلك اخلوارج ؛ ولذلك فقد ضاقت أذهاهنم عن فهم هذا، وضعفت عقوهلم عن إدراكه، فاعرتضوا على ما كان من السعي يف الصلح والتحكيم بني

فاعتربوه حكما بغري ما أنزل اهلل، خصوصا … معاوية وعلي، وما كان من قصة احلكمنيقد تنازل ألجل اإلصالح عن بعض األمور اليت اعرتض عليها أهل الشام يف عندما رأوا عليا

كتاب الصلح كتسميته أمري املؤمنني، وما جرى بني أيب موسى األشعري وعمرو بن حكمتم الرجال )ومن مل حيكم مبا أنزل اهلل فؤلئك هم الكافرون( فكان : فقالوا… العاص

أن ذكرهم مبا تنازل عنه رسول اهلل صلى اهلل عليه مما ناظرهم فيه ابن عباس ، وينسب لعليوإن خفتم )) : )يقول اهلل يف كتابه يف رجل وامرأته : وقال.. وسلم يف صلح احلديبية

شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصالحا يوفق اهلل حممد؟( أو )فأمة حممد أعظم دما ((، أفيجوز ذلك يف امرأة ورجل وال جيوز يف أمة بينهما

.. فثاب ورجع منهم من رجع وأصر آخرون كما سيأيت . (57)؟(…وحرمة من امرأة ورجل( وهو يبني عالمات وخواص فرق 265-2/264قال الشاطيب يف االعتصام )

فأما الذين في )) : )اخلاصية الثانية هي اليت نبه عليها قوله تعاىل : أصحاب البدع واألهواءفبينت اآلية أن أهل الزيغ يتبعون متشاهبات … (( اآليةوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منهقل

ما أشكل معناه، ومل يبني مغزاه، ]سواء[ كان من املتشابه احلقيقي : القرآن، ومعىن املتشابهأو من املتشابه اإلضايف؛ وهو ما حيتاج يف بيان معناه احلقيقي إىل … كاجململ من األلفاظ

كاستشهاد اخلوارج على إبطال . ارجي، وإن كان يف نفسه ظاهر املعىن لبادي الرأيدليل خ(( فإن ظاهر اآلية صحيح على اجلملة، وأما على إن الحكم إال هلل)): التحكيم بقوله

التفصيل فمحتاج إىل البيان، وهو ما تقدم ذكره البن عباس رضي اهلل عنهما، ألنه بني أن ( أهـ ألنه إذا أمرنا بالتحكيم، فالحكم به حكم اهلل، (58)كيماحلكم هلل تارة بغري حت

. باختصار يسريفمن جنس التحكيم املشروع الصلح بني األزواج وبني الناس عموما بالتنازل أو أداء بعض ما يصطلحون عليه وحنوه، وكذلك من جنسه ما وسع اهلل فيه على احلاكم أو اإلمام

أهل احلرب وأمواهلم إذا فتحت بالدهم عنوة بني قتل املقاتلة أو أمري احلرب من التخيري يفومن هذا الباب حتكيم سعد بن معاذ يف بين قريظة ملا … و االسرتقاق أو املن أو الفداء

(. 7/281( انظر البداية والنهاية )57)

( لعل ها هنا سقط )وتارة بتحكيم( وما بني معكوفني زيادة توضيحية يقتضيها السياق. 58)

(323) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

نزلوا على حكمه، فحكم بأن تقتل مقاتلتهم وتسىب ذراريهم، فقال النيب صلى اهلل عليه . ث متفق عليه)لقد حكمت فيهم حبكم اهلل( واحلدي : وسلم

ومثله حديث بريدة الذي يرويه اإلمام أمحد ومسلم يف صحيحه وغريمها يف وصية )وإذا حاصرت أهل حصن وأرادوك : الرسول صلى اهلل عليه وسلم ألمراء اجليوش وفيه قوله

أن تنزهلم على حكم اهلل، فال تنزهلم على حكم اهلل ولكن أنزهلم على حكمك، فإنك ال . هم حكم اهلل أم ال(تدري أتصيب في

وإمنا قال ذلك، ألن هذا النوع من احلكم مما يسع األمري أو احلاكم فيه االختيار …واالجتهاد بني أمور

ومن باب )التحكيم والصلح( أيضا ما رواه أبو داود والنسائي والبخاري يف األدب مع قومه مسعهم يكنونه املفرد عن أيب شريح أنه ملا وفد إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم

) إن اهلل هو احلكم وإليه احلكم : بأيب احلكم، فدعاه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقالإن قومي إذا اختلفوا يف شيء أتوين فحكمت بينهم : فلم تكىن بأيب احلكم ؟ ( فقال

كناه ) ما أحسن هذا ( مث : فرضى كال الفريقني، فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلمقبل إسالمه ولذلك عد من حكام (59)وهذا كان يفعله يف اجلاهلية… بأكرب أوالده

ومع هذا فقد استحسنه النيب صلى اهلل عليه وسلم ولو كان من احلكم بغري ما … اجلاهلية أنزل اهلل، ألنكره وملا استحسنه حبال، فهذا كله يدل على أن الصلح جائز ، وأنه ليس من

اغوت أو احلكم بغري ما أنزل اهلل ، ولو أشرف عليه كافر ارتضاه اخلصمان التحاكم إىل الط .. ما دام ال حيل حالال وال حيرم حراما

فابعثوا حكما من أهله وحكما )) : ويؤيد هذا قوله تعاىل يف الصلح بني الزوجنيالذي (( ومعلوم أن للزوجة أن ختتار احلكم من أهلها إن يريدا إصالحا يوفق اهلل بينهما

.. تثق به من أهلها ، وأهنا لو كانت كتابية هلا ان ختتاره من أهل دينها) أما بالنسبة ملا انتهى عند قضاة العشائر : وقال الشيخ حممد بن ابراهيم آل الشيخ

فإن كان ذلك عن طريق الصلح ومل يتضمن هذا الصلح حتليل حمرم أو حترمي حالل فالصلح حلكم فذلك غري صحيح ، ألن املعروف عن مشايخ صحيح ، وإن كان ذلك بطريق ا

العشائر اجلهل وعدم العلم باألحكام الشرعية ، فالتحاكم إليهم من باب التحاكم إىل . (12/292من فتاوى ورسائل الشيخ حممد بن ابراهيم ). الطاغوت ( أهـ

( ترمجة )هانئ بن يزيد بن هنيك(،وانظر طبقات ابن 4/97( انظر االستيعاب البن عبد الرب)59) (. 6/49سعد)

(324) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فعلم من هذا أنه ليس كل مثول بني يدي أعداء اهلل أو حماكمهم يعد من التحاكم . املكفر

أضف إىل هذا، أنه إذا تغيب املرء أحيانا عن املثول، أو فر لغري ضرورة أو داع فقد -خصوصا وأن أحكامهم … تتعقد أموره وتتضاعف عقوبته، وتثبت التهمة عليه بالباطل

الغيابية عادة ما تكون أشد من احلضورية، واملسلم مطالب بدفع أعظم املفسدتني عن نفسه .. وهذا باب عظيم ترد عليه كثري من التأويالت واإلجتهادات. نامهاباحتمال أد

ويف خالف ذلك ما اهلل به عليم من التشديد والتضييق على عباد اهلل وإيقاعهم يف فليس هذا من التحاكم إىل الطواغيت بل هو … احلرج الذي رفعه اهلل عنهم دون ضرورة

. اإلمكان من جنس دفع املعتدي والصائل ورد التهمة حبسبومما يصلح االحتجاج به يف هذا املقام قصة مثول جعفر وأصحابه املهاجرين إىل احلبشة بني يدي النجاشي قبل إسالمه، ودفعهم عن أنفسهم حبسب اإلمكان، ملا جاء مبعوثا قريش يطلباهنم، وعدم امتناع أحد منهم من املثول أو حترجه من ذلك، وعدم إنكار

يه وسلم لذلك وقد ذكر القصة احلافظ ابن كثري يف البداية والنهاية عن النيب صلى اهلل علابن إسحاق وأيب نعيم يف الدالئل والبيهقي يف الدالئل أيضا وغريهم بأسانيد جود بعضها

( فصاعدا وفيها أن النجاشي أمنهم ونصرهم 3/69وصحح وقوى البعض اآلخر انظرها ) .. وأ ى تسليمهم لقريشذا الباب أيضا، االستدالل بقول يوسف عليه السالم ملا اهتمته امرأة ويصلح يف ه

. (()) ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إال أن يسجن أو عذاب أليم : العزيز بقوهلااآليات(( وفيه دفعه … قال هي راودتني عن نفسي، وشهد شاهد من أهلها))

. ربئتهعن نفسه بني قوم كفار وشهادة بعضهم ودفاعهم عنه وتقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني وأظهر من ذلك ما فعله يف السجن؛ حني ))

(( فلم مينعه كفر ملك مصر يف ذلك الوقت وكونه له تشريعه ودينه املخالف …عند ربكلدين اهلل ، من أن يبعث إليه يعلمه أنه مظلوم قد زج به يف السجن من غري ذنب، لعله

وال منعه … ظلم ويربي ساحته من التهمة اليت حبس من أجلها يفرج عنه ويرفع عنه الذلك أيضا من أن يدفع عن نفسه ويسعى يف إظهار براءته عند ما طلبه امللك بعد ذلك،

ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة الالتي قطعن أيديهن إن ربي )) : فقال للرسولعند امللك الكافر ليظهر براءته ؛ (( فها هو يشكو مظلمته أو قل يذكرها بكيدهن عليم

. فأين املتنطع املكفر لعوام املسلمني املستضعفني من هذا ؟؟؟

(325) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وهذا كله فعل نيب معصوم، واحلفاظ على جناب التوحيد وإخالصه مما بعث به فما .. األنبياء كافة، واتفقت دعواهتم مجيعا عليه كما هو معلوم يف دعوة األنبياء واملرسلني

اهلل يوسف أن خيالف ذلك أو يناقضه أو خيرج عن ملة آبائه إبراهيم وإسحاق كان لنيب )) : كيف وقد نزهه اهلل تعاىل وأعاذه مما هو دون ذلك فقال… ويعقوب ولو قيد أمنلة

. (إنه من عبادنا المخلصين)) : (( مث قال كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء . أصال يف مثلهفيظهر من هذا كله أن ال حرج على املوحد

وأنه ليس كل تعامل مع الكفار والطواغيت وسجانيهم أو شرطتهم أو حماكمهم يلزم وال كل مراجعة هلم أو مثول بني … أن يكون من التحاكم إىل الطاغوت املناقض للتوحيد

. أيديهم يلزم أن يكون كذلكوفيه وأن التفصيل يف ذلك واجب ومهم فمن ذلك ما قد يندرج حتت اإلسنتصار

التفصيل املتقدم ،ومنه ما قد يدخل يف أبواب الصلح وقد علمت جوازه ، ومنه ما قد يدخل يف باب دفع املفاسد عن النفس ، أو دفع أعالمها باحتمال أدنامها ، وأنه باب من

وأن منه ما قد يكون من التحاكم إليهم ؛ فيجب النظر يف نوعه هل هو . أبواب االجتهاد . -كما سيأيت –غويت املكفر ، أم يف األمور اإلدارية اليت وسع اهلل فيها من التحاكم الطا

كما جيب النظر يف حال املتخوض يف ذلك مكره هو أم غري مكره ، والنظر يف .. تأويالته ومراعاة استضعاف األمة وعدم وجود سلطان حلكم اإلسالملك املراجعات اليت ال هذا واملسلم بعد ذلك أعرف مبا ينفعه أو يضره يف أمثال ت

ففي احلديث الذي يرويه مسلم عن أيب هريرة … تندرج حتت التحاكم أو الركون احملظوراحرص على ما ينفعك، واستعن باهلل وال تعجز، وإن أصابك شيء فال تقل )…: مرفوعا

قدر اهلل وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل : لو أين فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل . ن(الشيطا

فالواجب عليه أن جيتهد ويقدر األمور بقدرها غري باغ وال عاد ، وينظر يف املصلحة ويوازن بني املفاسد، فإن قدر أن يف مراجعته أو مثوله بني أيديهم تسليط ألعداء اهلل على دينه، أو حتميل لنفسه من البالء ما ال يطيقه، فال ينبغي للمسلم أن يذل نفسه ويسلمها

وكل مسلم أعرف … مثل هذه احلال، ويف الفرار منجاة يف كثري من األحيانهلم يفبأحواله ونوازله، وضروراته، وهو يقدر املفسدة واملصلحة يف املقام الذي هو فيه ، فإن لكل

. مقام مقال، ويدفع الضرر عن نفسه ما استطاع ، إىل أن جيعل اهلل هلذه ألمة فرجا

(326) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

اجلهاد والسري( "باب هل يستأسر الرجل؟ ومن مل ويف صحيح البخاري )كتاب يستأسر" وذكر فيه حديث سرية عاصم بن ثابت األنصاري، وفيه اجتهاد الصحابة ما بني مستأسر نازل على عهد الكفار وميثاقهم ، وغري مستأسر رافض عهدهم وذمتهم حىت

. (4086( وشرحه احلافظ يف املغازي )3045).. قتلتاب اإلميان( )باب من الدين الفرار من الفنت( وذكر فيه حديث وفيه أيضا يف )ك

)يوشك أن يكون خري مال : أيب سعيد اخلدري أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال . (19املسلم غنم يتبع هبا شعف اجلبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفنت( )

(327) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((24)) التحاكم إليه عدم التفريق بين متابعة النظام اإلداري و

وبين التحاكم إلى التشريعات الكفرية عدم التفريق يف التكفري بني متابعة النظام اإلداري .. ومن األخطاء الشائعة أيضا

.. والتحاكم إليه ، وبني التحاكم إىل التشريعات الكفريةحىت إن بعض غالة املكفرة وجهاهلم يكفرون كل من التزم بأوامر أو تعليمات أو

. ائح الدوائر أو املؤسسات والشركات وأنظمتها اإلداريةلو ويعدون ذلك من التشريعات الكفرية، وال يفرقون بني هذا النوع من التشريعات اإلدارية وبني التشريع املطلق الذي جعله الطواغيت حقا دستوريا هلم وألذناهبم، وميارسونه

. (60)م الشركيةانطالقا من قوانينهم، ووفقا لنصوص دساتريهمع أن هذا النوع التشريعي الطاغويت املخرج من امللة كما فصلناه يف غري هذا املوضع من كتاباتنا، هو غري النظام اإلداري الذي يوضع ويتفق عليه لضبط شؤون املوظفني أو العاملني وحفظ حقوقهم العمالية وتعدادهم وأوقات عملهم وإجازاهتم، أو تنظيم أمور

.. واحملالت وتنظيم أمور التجارة أو النقل أو السري أو الربيد أو السفر وختطيط املدن الباعةوحنو ذلك مما أذن اهلل للعباد بوضعه ، وسوغ هلم تنظيمه وتشريعه ووسع االجتهاد فيه مما هو من قبيل الرتاتيب اإلدارية واجلتهاد واملصاحل املرسلة اليت تركها الشارع للعباد ينظمون هبا

أمورهم، ويتبع هذا الباب العقوبات التعزيرية اليت ترك للقاضي أو احلاكم تقديرها فيما ال حد فيه ؛ وال دخل لذلك كله بالتشريع الذي يستبدل حبدود اهلل وتشريعاته التوقيفية، أو حيلل فيه احلرام وحيرم فيه احلالل، حىت وإن كان يف تلك األنظمة اإلدارية بعض املعاصي

خالفات الشرعية، كإلزام املوظفني بلباس معني فيه مشاهبة لزي الكفار أو إلزامهم حبلق واملاللحى أو فرض خمالفات مالية وعقوبات تعزيرية ظاملة أو جائرة، أو أن يف تلك الرتتيبات

( من الدستور األردين أليت 26( كما نصوا على ذلك يف دساتريهم، انظر على سبيل املثال؛ املادة )60)تنص على أن )السلطة التشريعية ]هكذا مطلقا دون قيد[ تناط بامللك وجملس األمة( وفيها أن هذه

ن السلطتني القضائية والتنفيذية متارس صالحياهتا وفقا لنصوص الدستور، أي أن السلطة شأهنا شأ التشريع عندهم ال يكون إال وفقا للدستور.

(328) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

مظامل ومتييز وتقدمي لألغنياء وذوي اجلاه على الفقراء، أو كوهنا تدخلها بعض العصبيات . لقبلية واإلقليمية، وحنوه من احملرمات اليت ال حيل إلزام الناس هبا أو اختاذها أنظمةاجلاهلية وا

فهذا كله وإن كان فيه من الباطل واملعاصي ما فيه، إال أنه ال دخل له بالتشريع وكون ذلك … الطاغويت الكفري الذي يكفر واضعه وناصره ومتوليه واملتحاكم إليه خمتارا

من حقيقته شيئا، فاألمر باملعصية كتابة كاألمر هبا لفظا، وليس جمرد يكتب وينظم ال يغري . كتابته جيعله تشريعا طاغوتيا

بل األصل يف هذه األنظمة اإلدارية اإلباحة وهي من أمور دنيانا اليت ترك لنا الشارع كذلك، تنظيمها، وإمنا يذم منها ما كان فيه خمالفة للشرع أو أمرا باملعصية، فما كان

. …(فاألصل فيه )أنه ال طاعة ملخلوق يف معصية اهلل إمنا الطاعة يف املعروفخبالف التشريع الكفري العام الذي جعله الطواغيت حقا هلم يف كل باب وال

فهذا يذم كله ما كان منه معارضا … يستثنون من ذلك حالال أو حراما أو حدودا أوغريهان الذي وضعه حني وضعه مل يراع موافقته للشرع، بل مل يراع للشرع وما كان موافقا؛ أل

. أوال وآخرا إال موافقته للدستور وأهواء املشرعنيوعدم التكفري يف النوع األول إال أن تستحل فيه … فالبد من التفريق بني النوعني

اضلهم املعصية، فقد رأيت أناسا ال يفرقون بينهما فعاملوا عصاه املسلمني، بل وبعض أف . وصاحليهم معاملة الطواغيت املشرعني

اعلم أنه جيب التفصيل بني : )تنبيه : (4/82قال الشنقيطي يف أضواء البيان )النظام الوضعي الذي يقتضي حتكيمه الكفر خبالق السموات واألرض، وبني النظام الذي ال

: يقتضي ذلك، وإيضاح ذلك أن النظام قسمان ؛ إداري وشرعيداري الذي يراد به ضبط األمور وإتقاهنا على وجه غري خمالف للشرع فهذا أما اإل -

ال مانع منه، وال خمالف فيه من الصحابة فمن بعدهم، وقد عمل عمر رضي اهلل عنه من ذلك أشياء كثرية ما كانت يف زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم ككتبه أمساء اجلند يف ديوان

مع أن النيب صلى اهلل عليه وسلم مل يفعل … حضرألجل الضبط ومعرفة من غاب ومن ذلك ومل يعلم بتخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك إال بعد أن وصل تبوك صلى اهلل عليه

دار صفوان بن أمية وجعله إياها سجنا يف -أعين عمر رضي اهلل عنه –وسلم، وكاشرتائه

(329) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

، فمثل هذه (61)هو وال أبو بكرمكة املكرمة ، مع أنه صلى اهلل عليه وسلم مل يتخذ سجنا األمور اإلدارية اليت تفعل إلتقان األمور مما ال خيالف الشرع ال بأس به كتنظيم شؤون املوظفني وتنظيم إدارة األعمال على وجه ال خيالف الشرع فهذا النوع من األنظمة الوضعية

. ال بأس به، وال خيرج عن قواعد الشرع من مراعاة املصاحل العامةالنظام الشرعي املخالف لتشريع خالق السموات واألرض، فتحكيمه كفر خبالق -

. مث أخذ بالكالم يف هذا النوع… ( السموات واألرض والشاهد منه أن ما كان من قبيل التنظيمات اإلدارية وكان مباحا ال معصية فيه وال

ه بعض العلماء يف كتب ومنه ما يسمي… خمالفة، فهذا مما أمجع عليه الصحابة وعملوا مبثله . الفقه واألصول باملصاحل املرسلة ، فإن كان فيه من املخالفات ماال يصل إىل استحالل حمرم

. فإنه وإن كان تنظيما خمالفا للشرع، لكنه ليس من النوع التشريعي الطاغويت .. إذ ليس كل خمالفة للشرع تعد كفرا ، بل من ذلك ما هو معصية ومنه ماهو كفر

دم التفريق بني النوعني مزلة أقدام دفعت البعض إىل تكفري كل من يعمل بعقود وعاإلجيارات وحنوها من املبايعات أو يلتزم بتسعرية املواصالت أو املبيعات ؛ حيث زعموا أن

. التسعري تشريع طاغويت كفري ال جيوز العمل بهبتسعرية فمن أعجب العجب ما مسعته عن بعضهم أهنم يكفرون من التزم

املواصالت ويلزمونه أن يدفع للحافالت سعرا غري السعر احملدد من قبل احلكومة ، وإال وقع يف الكفر!!!

مع أن التسعري، وإن كان النيب صلى اهلل عليه وسلم قد امتنع عنه ورفضه كما يف سول يا ر : )غال السعر على عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقالوا : حديث أنس قال

وإين ألرجو أن ألقى اهلل . )إن اهلل هو القابض الباسط الرازق املسعر: اهلل لو سعرت، فقال . (62)وال يطلبين أحد مبظلمة ظلمتها إياه يف دم وال مال(

( أما إذا وضع السجن كعقوبة قانونية وضعية تستبدل باحلدود والعقوبات الشرعية، فقد صار كما هو 61)من الرتاتيب والتنظيمات اإلدارية، حيث كان قدميا الواقع اليوم من التشريعات الطاغوتية الكفرية وليس

يستعمل للحجر والتوقيف والتعزير وحنوه فقط وال يستبدل باحلدود والعقوبات الشرعية.

( رواه اإلمام أمحد وأصحاب السنن إال النسائي وصححه الرتمذي، وقال احلافظ ابن حجر: )إسناده 62) على شرط مسلم(.

(330) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

أال أنه ليس بكفر ناقل عن امللة، بل أقصى ما يقال فيه أنه ظلم أو ذريعة إىل اهلل عليه وسلم لرتكه له، بأنه يرجو بذلك أن ال الظلم، كما هو ظاهر من تعليل النيب صلى

يطلبه أحد مبظلمة حقوقية يف دم أو مال، ومل يتطرق إىل ذكر الشرك أو حقوق اهلل، والشارع العليم الحكيم، إذا توعد على خطيئة أو نفر وحذر من عمل، في كتابه أو

اف على فالبد أن يذكر أقصى ما يخعن طريق رسوله صلى اهلل عليه وسلم ) . (63)(صاحبه

فلو أن التسعري كان من جنس التشريع الكفري أو الشركي، أو حىت ذريعة إليه، لبني ذلك النيب صلى اهلل عليه وسلم والشتد نكريه على من طلبه، كعادته صلى اهلل عليه وسلم

. يف إنكاره للشرك أو ذرائعه اليت قد توصل إليه، عندما يطلب منه شيء ميت إليهايف حديث أيب واقد الليثي أن بعض الصحابة وكانوا حدثاء عهد بكفر ؛ كما

شاهدوا املشركني يعكفون حول )ذات أنواط هلم( فطلبوا منه صلى اهلل عليه وسلم أن جيعل هلم شجرة يتربكون هبا بتعليق أسلحتهم عليها بإذنه ؛ فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم

كفار يف شيء من عملهم وهو تعليق أسلحتهم على شجرة منكرا عليهم طلبهم التشبه بال)اهلل أكرب، إهنا السنن، قلتم والذي : معينة والذي قد يصري ذريعة توصل إىل الشرك ، قال

. (64)احلديث(… اجعل لنا إهلا كما هلم آهلة : نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل ملوسىته يف اإلنكار مع أهنم طلبوا املشاهبة يف فتأمل مقالة النيب صلى اهلل عليه وسلم ومبالغ

فرع من الفروع قد يصري ذريعة توصل إىل الشرك ، ومل يطلبوا الشرك الصراح قطعا ؛ لعلمهم قبل إسالمهم أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم حياربه وال يأذن به ، وإمنا كان إسالمهم

يعقل أن يطلبوه صراحة كما أصال وبيعتهم للنيب صلى اهلل عليه وسلم على تركه ؛ فكيف زعمه البعض !!

)أجعلتين هلل ندا؟ ما شاء اهلل : وملا قال له رجل ما شاء اهلل وشئت، قالويف صحيح مسلم من حديث عدي بن حامت أنه صلى اهلل عليه وسلم مسع . (65)وحده(

: رجال خيطب يقول

(. 44ول ص)( انظر الصارم املسل63)

( وقال صحيح ووافقه الذهيب وقد 4/455( رواه اإلمام أمحد والرتمذي وقال حسن صحيح واحلاكم )64) تقدم.

( رواه أمحد وابن ماجة والنسائي يف عمل اليوم والليلة. 65)

(331) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ى اهلل عليه من يطع اهلل ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال صل . (66))بئس اخلطيب أنت، قل ومن يعص اهلل ورسوله( : وسلم

فتأمل نكريه يف مثل هذا وحنوه مما ليس هو من الشرك األكرب ؛ لكن ملا خشي أن يصري ذريعة توصل إليه اشتد خطره وشدد يف إنكاره ؛ شأنه شأن كل ما تعلق أو اتصل

ة وهو حتقيق التوحيد وإبطال ما يناقضه من بأصل األصول الذي بعث من أجله األنبياء كاف . الشرك والتنديد وذرائعه اليت قد توصل إليه

… أما يف التسعري فإن غاية ما خشيه صلى اهلل عليه وسلم؛ أن يطلبه أحد مبظلمةوليس هو مما اختص به اهلل سبحانه من .. أي أنه أمر متعلق حبقوق العباد وأمور دنياهم

. ليل والتحرميأبواب التشريع والتحولذلك روي عن مالك أنه جوز إلمام املسلمني التسعري للمصلحة، وبعض الشافعية

. جوزوه يف الغالء، واجلمهور على املنع منه . ( نزاع العلماء يف التسعري ووجهه28/56وقد ذكر شيخ اإلسالم يف الفتاوى )

متنع الناس من بيع ما )فهذا الذي تنازع فيه العلماء؛ وأما إذا ا : (57مث قال ص)جيب عليهم بيعه، فهنا يؤمرون بالواجب ويعاقبون على تركه، وكذلك من وجب عليه أن يبيع بثمن املثل فامتنع أن يبيع إال بأكثر منه، فهنا يؤمر مبا جيب عليه، ويعاقب على تركه

. بال ريبإن اهلل هو املسعر ) : ومن منع التسعري مطلقا حمتجا بقول النيب صلى اهلل عليه وسلم

أهـ …( احلديث( فقد غلظ فإن هذه قضية معينة ليست لفظا عاما … القابض الباسط ، . دار ابن حزم(. )ط

: تنبيهان - قد استشهدنا وأوردنا يف غري هذا املوضع يف معرض ذمنا للقوانني الوضعية

يقصد عند -" ليس الدستور عندنا : وبراءتنا من واضعيها ؛ قول بعض املعاصرينهو املقدم على الكتاب والسنة بل التشريع الفرعي ، مبا فيه قواعد املرور -حكومات اليوم

وقوانني الباعة املتجولني ولوائح احملالت الصحية وغريها ، بل العرف املستند من العادات . (377وتقاليد متغرية للمجتمعات ( انتهى من حد اإلسالم وحقيقة اإلميان ص )

( ورواه أيضا أمحد وأبو داود والنسائي. 66)

(332) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ال يعين أبدا أننا نكفر املتقيد بقوانني املرور أو بقوانني الباعة املتجولني ولوائح وهذا احملالت الصحية وحنوها سواء أكان ذلك التقيد خوفا من املخالفات والعقوبات وعمال بقاعدة دفع أعلى املفسدتني باحتمال أدنامها ، أو عن قناعة بأن ذلك من القوانني

.. يسع فيها اإلجتهاد واالنظمة اإلدارية اليتكال ومعاذ اهلل أن نفعل ذلك ، بل هذا من الغلو الذي نربأ إىل اهلل منه ،

وخنطئ قائله إن كان عن اجتهاد ، ونبدعه إن كان متفرعا عن أصول فاسدة توافق .. تأصيالت اخلوارج

وأنصارهم فيجب التفريق بني كالمنا يف ذم القوانني وتكفري مشرعيها من الطواغيت واملمتنعني هبا من أتباعهم ؛ وبني التفصيل الواجب عند الكالم يف عموم الناس املقهورين

.. بسلطان هؤالء الطواغيتوالتفصيل الواجب يف نوع الطاعة اليت تصدر منهم هلؤالء الطواغيت أو عدم املخالفة

فالتفصيل يف .. للتلك القوانني من منطلقات اخلوف واالستضعاف أو اإلكراه أو التأويذلك كله مهم حبسب اختالف املقاصد واألحوال والتأويالت ، وحبسب نوع الطاعة هل

.. هي طاعة يف املعروف أم يف املعصية أم يف الكفرويطلق الكالم على عواهنه فيها .. وال يهمل التفصيل يف مثل هذه املشكالت

.. رائحة العلم والورع ويهجم على التكفري دون تفصيل إال جاهل متعجل مل يشم ملا رأى ذمنا يف كثري من .. ومن جنس ذلك ما زعمه بعض الغالة من تناقضنا

املواضع للقوانني وتكفري مشرعيها ؛ حىت تلك القوانني اليت يشرعوهنا من منطلقات الدستور نطلوا وتكون موافقة أحيانا للشرع ؛ ألهنم حني شرعوها مل يراعوا موافقتها للشرع بل راعوا وا

يف تشريعها من منطلقات القانون الوضعي والدستور وأهواء طواغيتهم ، ومن خالل السلطة .. التشريعية املطلقة اليت منحها هلم الدستور وتواطؤوا عليها

مث قرأ عدم تكفرينا ملن احتكم إىل مثل هذه القوانني أو تابعها أو حاكم إليها .. للشرع حتديدا ، متأوال أهنا شرعية ملوافقتها

فلم يرق ألولئك الغالة هذا التفصيل فاعتربوه تناقضا ، مع أن باب التأويل ها هنا ظاهر ، وال يهمله إال متهور مغامر بدينه غري مبال خبطر أحكام التكفري ؛ فأقل أحوال التكفري هنا أن يكون من التكفري باحملتمالت ، أو أن يكون من التكفري باإللزام ، وقد تقدم

. التنبيه عليه

(333) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وحنن على كل حال ال يهمنا رأي أولئك الغالة أو غريهم فينا ، وال يضرنا إن شاء اهلل حكمهم علينا بالتناقض أو حىت بالتكفري ، وال نتشاغل بشغبهم ، ما دام هذا التفصيل

وما حبثنا أو عولنا على رضاهم أو رضى غريهم من املبتدعة يف يوم .. منسجم مع دين اهلل .. وإمنا غايتنا رضا اهلل تبارك وتعاىل ، فنسأله سبحانه التوفيق والتسديد لذلك.. ن األيامم

(334) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((25)) عدم التفريق بين الحكم بغير ما أنزل اهلل وبين

مجرد ترك بعض حكم اهلل أحيانا في الواقعة كمعصيةناه التشريعي ومن أخطاء التكفري أيضا عدم التفريق بني احلكم بغري ما أنزل اهلل مبع

التبديلي الطاغويت املكفر؛ وبني جمرد ترك احلكم مبا أنزل اهلل أحيانا يف الواقعة من غري تول، . كاجلور يف القضاء

ولو أن هذا اخللط توقف كما رأيته يف مصنفات بعض األفاضل من أهل العصر، ين، ابتداء من على ختطئة كل من خالف يف ذلك وفرق بني النوعني من األولني واآلخر

بعض السلف الذين تنسب إليهم مقولة )كفر دون كفر( يف وصف اجلور يف القضاء أو ترك بعض حكم اهلل أحيانا يف الواقعة للهوى أو املعصية أو الشهوة، وليس لالستبدال والتشريع والتحاكم إىل الطواغيت ، إىل كل من تابعهم على ذلك ممن تكلم يف هذا

كما –لو أن األمر توقف عند ختطئة هؤالء كلهم : لني واآلخرين، أقولاملوضوع من األو مع أهنم تسرعوا ورموا بعض خمالفيهم من املتأخرين باإلرجاء ألجل -فعل أولئك األفاضل

. ما يوردونه من تفصيل وقيد باالستحالل يف هذا الباب ؛ الحتمل اخلطبكل من جار يف القضاء واحلكم يف ولكنين رأيت أناسا من املتهورين قد كفروا بذلك

اخلصومات أحيانا لقرابة أو شهوة، وإن كان ملتزما بأحكام الشرع ظاهرا وباطنا، ال يتحاكم بل شطوا وأطلقوا ذلك … مث مل يتوقفوا عند ذلك… إىل غريه من الشرائع وال يدين بسواه

ه، إن مال إىل بعضهم حىت كفروا الرجل يف حكمه يف خصومات أهل بيته وزوجاته وأوالدومل يعدل بينهم، فجعلوه بذلك حاكما بغري ما أنزل اهلل، مث أدرجوه يف النوع التبديلي

أليس هو راع مسؤول عن رعيته؟ فكأنه صار عندهم : التشريعي الطاغويت املفكر، وقالواكم ومن لم يحبذلك كاحلاكم العام يف رعيته، فأدرجوه حتت عموم لفظ اآلية الكرمية ))

. (( بما أنزل اهلل فأولئك هم الكافرونوالصواب أن جمرد ترك شيء من حكم اهلل كمعصية يف الواقعة أحيانا ال تبديال وال تشريعا وال احتكاما إىل الطواغيت، وإن كان داخال يف عموم لفظ اآلية وظاهرها، إال أهنا

فإهنا آية يف . ح املراد باآليةليست نصا فيه، ويظهر ذلك من سبب النزول الذي يبني ويوض

(335) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

مجلة آيات تتكلم على الكفار من أهل الكتاب، ولذلك قال الرباء بن عازب يف حديثه )يف الكفار كلها( أي أهنا تتناول الكفر األكرب الناقل عن : الذي ذكر فيه سبب نزوهلا

. امللة أمر وذلك يف صحيح مسلم يف قصة رحم اليهودي، وفيه بيان كيفية تسلسل

حيث قال عاملهم أوال ملا سأله النيب صلى اهلل عليه وسلم : احلكم بغري ما أنزل اهلل عندهم"جنده الرجم، ولكنه كثر يف أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف : عن حد الزاين يف كتاهبم

فإىل هنا كانت جرميتهم ترك حكم اهلل يف . تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه احلد"عض الوقائع أحيانا، وإقامته أحيانا، مع أن األصل يف احلكم عندهم، احلكم بكتاب اهلل، ب

. وهذه اجلرمية حبد ذاهتا جمردة عن االستحالل كبرية من كبائر الذنوب أو )كفر دون كفر(فمىت ما ذكر احلكم بغري ما أنزل اهلل وأريدت به هذه الصورة، ترى العلماء السابقني

كفري فيه شرط االستحالل، وإذ استدل مستدل باآلية على هذا النوع أولوا يشرتطون للتالكفر فيها إىل الكفر األصغر غري الناقل عن امللة كما هو مشهور يف عباراهتم يف الرد على

…( اخلوارج وغريهم )ليس الكفر الذي يذهبون إليه( )ليس كمن كفر باهلل ومالئكته ورسله . و)كفر دون كفر(

ة هذا، يزول اإلشكال الذي استشكله البعض يف عبارات السابقني اليت ومبعرفجيمعون فيها احلكم بغري ما أنزل اهلل مع الذنوب غري املكفرة، فإنه يف مثل هذه احلال

. يقصدون لزاما هذا النوع إذ هو النوع الذي كان معروفا مشتهرا عندهمقلنا؛ تعالوا فلنجتمع على )… : * مث تأمل قول عاملهم بعد ذلك يف احلديث نفسه

احلديث( … شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم واجللد مكان الرجم . ()كتاب احلدود(28/1700)

فها هنا شرعوا وتواطؤوا واجتمعوا على شرع وحكم غري ما أنزل اهلل )حكموا بغري ما . يف قضية أو حد واحدوحتاكموا إىل الطاغوت فكفروا، ولو كان ذلك . أنزل اهلل(

ولقد كان اليهودي الذي رمجه النيب صلى اهلل عليه وسلم بعد ذلك يف هذه احلادثة، قد حكم فيه اليهود باحلكم املبدل، الذي شرعه وتواطأ عليه أجدادهم وهو )اجللد

)): والتحميم(، فأنكر اهلل تعاىل عليهم ذلك وقال يف اآليات اليت نزلت يف هذه املناسبة. ( ))…الظالمون(. (( ))…ومن لم يحكم بما أنزل اهلل فأولئك هم الكافرون

فهذا هو سبب النزول، وهذا هو مناط … (( "يف الكفار كلها" كما قال الرباءالفاسقون

(336) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

اآلية املكفر الذي ال يذكر معه االستحالل أو اجلحود، اللهم إال على سبيل الزيادة يف . واالشرتاط للتكفريالكفر، ال على سبيل التقييد

: ولقد زلت يف هذا وخلطت فيه طائفتان ما بني إفراط وتفريطفطائفة فرطت، ومنهم مرجئة العصر وجهمية الزمان، فأولوا الكفر األكرب املذكور -

. يف اآلية إىل األصغر يف مناط اآلية احلقيقي وأشباهه ونظائره، ويف غري مناطهاقته على أصله )الكفر األكرب( يف مناطة ويف غري وطائفة أخرى غلت وأفرطت فأب -

مناطة أيضا، وكان أول هؤالء اخلوارج احملكمة الذين ادعوا أن عثمان وعليا ومعاوية وحنومها ظلموا وحكموا بغري ما أنزل اهلل فصاروا كفارا، وأنزله آخرون ممن ذكرنا يف حكم الرجل يف

زلنا وقبلنا تسميته ووصفه بأنه حكم بغري ما أنزل أهل بيته وبني أوالده، مع أن هذا لو تناهلل، فإمنا منشيه من حيث كونه حكما بالظلم واجلور واهلوى، وال شك أن هذا من غري ما

. أنزل اهلل، ال من حيث أنه من جنس احلكم العام يف العباد بشرائع وضعية كفرية، خصوصا يف موضوع فتنبه إىل الفرق، فإنه واضح جلي، وال يكاد خيفى أو يشكل

. حكم الرجل يف خاصته وأهل بيته إال على من أعماه اهلوى والغلو عن التمييزوالصواب أن يبقى الكفر يف اآلية على ظاهره )أي األكرب( وحقيقته وال يؤول إىل

. )األصغر( مادام االستدالل هبا على مناطها )سبب نزوهلا ونظائره(ما استدل بعموم ظاهرها على غري مناطها كما هي عادة وأن يؤول إىل )األصغر( إذا

. (67). السلف مع من استدل بعمومها على بعض خمالفات األمراء)من ترك شيئا من : (( يشمل احلالنيمن لم يحكم بما أنزل اهلل فظاهر اآلية ))

وإن كانت حكم اهلل يف الواقعة أحيانا( و)من حكم بغري ما أنزل اهلل وتوىل عن حكم اهلل(، . اآلية نصا على النوع الثاين التبديلي التشريعي

وهذا الظاهر وحده إن مل يفهم على ضوء النصوص األخرى ومبيناته من السنة، . صار من املتشابه الذي يتتبعه وحده أهل الزيغ ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله حبسب أهوائهم

من عصى اهلل، فقد حكم بغري ما فقدميا زعم اخلوارج أن كل… فحذار من اخللطهكذا دون فهم لآلية أو اعتبار لسبب نزوهلا أو … أنزل اهلل، ومن مث فهو من الكافرين

النظر يف كشف شبهات مرجئة العصر(. ( انظر ملزيد من التفصيل يف هذا الباب كتابنا )إمتاع 67)

(337) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فهم يقرؤون القرآن ال جياوز تراقيهم، أي ال ينفذ إىل قلوهبم … نظر يف مراد اهلل فيها …فيفهمونه حق الفهم

عنهم أمجعني، وكفروا معهم مث كفرت طائفة منهم احلكمني وعلي ومعاوية رضي اهللومن …( )) )حكمتم الرجال… وقالوا… طائفة عظيمة من املسلمني ملا سعوا يف الصلح . (( لم يحكم بما أنزل اهلل فأولئك هم الكافرون . )يقرؤون القرآن ال جياوز تراقيهم(: فصدق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم

(338) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((26)) خابات دون تفصيلتكفير عموم المشاركين في االنت

ومن األخطاء الشائعة يف التكفري أيضا تكفري عموم املنتخبني لنواب الربملانات بل . ودون إقامة للحجة.. والبلديات وحنوها دون تفصيل أو اعتبار للقصد واخلطأ

فإن كثريا من الشباب املتحمس يطلقون الكفر على أعيان املشاركني يف انتخاب شريعية أو البلديات دون عذر يف اجلهل الذي يثمر انتفاء القصد املعترب نواب الربملانات الت

. يف التكفريفالكفر فيها غري صريح وال واضح عند أكثر الناس ، وما : أما البلديات -

حتويه من منح أو جتديد تراخيص حملال اخلمور واملواخري يف بعض البلدان ؛ ال يعرفه أكثر ابات ، وال يلتزم به كثري من املنتسبني لإلسالم من املرشحني ، كما املشاركني يف االنتخ

يعرفه عنهم كل من له اتصال بالواقع ؛ فال يرخصون ملثل ذلك وال جيددون ترخيصه ؛ فمساوات املشاركني .. الشيء الذي جيعل كثريا من الناس يغرتون هبم ويشاركون يف انتخاهبم

. الربملانات التشريعية حيف وجور يف مثل هذا باملشاركني يف انتخاباتوأما الربملانات ؛ فالناظر بعني اإلنصاف إىل عموم املشاركني يف اإلنتخابات ؛ -

يرى أن هذا العمل من األبواب اليت التبس فيها القصد عند كثري من العوام الذين ال يعرفون فرتى كثريا منهم …من هذه الربملانات إال ما يصلهم عن طريق نواهبا من خدمات دنيوية

وكثريا ما شاهدنا من … يتعاملون معها كمجالس للخدمات الدنيوية أو نواب للخدماتيؤتى به منهم حمموال أو يساق على كرسي املقعدين، من عجوز أو شيخ كبري أو حنوهم من

م أو الزمىن املنقطعني عن الواقع وال يعرفون عنه شيئا، ورمبا سيقوا النتخاب أبناء عشائرهمناطقهم كي يسامهوا يف إصالح وتعمري وتطوير قراهم، أو رفع الظلم عنهم أو ختفيفه، أو

وحنو ذلك مما هو مشاهد ومعروف … بالسعي يف إطالق سراح بعض أبنائهم املسجونني . عند كل من له اتصال هبذا الواقع

ط العريض ومنهم من يؤتى به، فريى تلك اإلعالنات الرباقة اليت كتب عليها باخل)اإلسالم هو احلل( وحنوه من الشعارات اليت يغرر هبا املشرعون املشركون بعوام املسلمني، فينتخبوهنم وخيتاروهنم حبا لإلسالم، ووالء لشريعته، وال يعرفون أو يقصدون الطريقة الشركية

جيب املسدودة اليت يسلكها أولئك النواب لتحكيم بعض حدود الشرع بزعمهم، فهذا كله

(339) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

مع من لم يباشر التشريع، أو القسم على احترام القوانين الكفرية، أو اعتباره، االحتكام إليها أو غير ذلك من األقوال واألعمال المكفرة التي يباشرها النواب،

، وإمنا ينتخب وينيب عنه من )*(فمعلوم أن المنتخب ال يفعل ذلك كله وال يباشره . خيتاره

ل أو ينيب عن نفسه من يرتكب هذه املكفرات الصرحية، فإن كان يقصد أن يوكفما دام ردءا له على هذا القصد … فحكمه حكم من أنابه، إذ حكم الردء حكم املباشر

… فحكمه حكمةولكن إذا كثر التلبيس حول أمر غري معروف وال واضح لكل أحد _ أعين حقيقة

ء ممن قد خيفى عليه ذلك وال يعلمه، وكان املر -عمل النواب وما يباشرونه من املكفرات بل ينتخب النائب وينيبه، بقصد أن يؤدي له أو لعشريته أو لبلدته وقريته بعض اخلدمات، فهذا مل يقصد إىل اإلنابة على العمل املكفر وال اختاره، فهو خمطئ غري عامد وال قاصد إىل

. أعمال أولئك املشرعني املكفرة، حني اختارهمل املبادرة إىل تكفري أمثاله إال بعد إقامة احلجة وتعريفه حبقيقة عمل ولذلك فال حت

النواب املشرعني، وما يرتكبونه من مكفرات تناقض دين اإلسالم وتوحيد رب العاملني، فإن . أصر على انتخاهبم مع ذلك كفر

فالبد من التفصيل يف املنتخبني بني من قصد اختيار املشرع ، وبني من مل يقصد ك بل قصد اختيار شيئا آخر غري املشرع، فال يكفر الثاين إال بعد إقامة احلجة، ألنه وإن ذل

كان يف الظاهر قد أتى مبكفر عند من ال يعرف قصده، لكن التباس األحوال واختالطها وكون الدميقراطية والربملان بدعا وأمساء وألفاظا أعجمية ختفى على كثري من الناس حقيقتها؛

ض الناس يقدم على عمل ال يعرف معناه احلقيقي، فهو من جنس من أطلق لفظا جعل بعفالعلماء على أنه ال يؤاخذ بذلك حىت يعرف مبعناه؛ وتقام . أو قال قوال ال يعرف معناه

( )فصل فيمن أطلق لفظا ال 2/102عليه احلجة ففي )قواعد األحكام يف مصاحل األنام( ))فإذا نطق األعجمي : ضاه( قال العز بن عبد السالم رمحه اهلليعرف معناه مل يؤاخذ مبقت

بكلمة كفر أو إميان أو طالق أو إعتاق أو بيع أو شراء أو صلح أو إبراء، مل يؤاخذ بشيء ألنه لم يلتزم مقتضاه، ولم يقصد إليه، وكذلك إذا نطق العربي بما يدل على من ذلك

وهذا الفرق هو الذي جيعلنا نفصل يف املنتخبني ونفرق يف احلكم بينهم وبني النواب املباشرين هلذه )*(

املكفرات ، وليست املسألة مسألة ختري مزاجي ، أو استحسان حمض دون دليل ، حىت نلحق احلكم على تخبني ؛ كما دعانا إليه بعض األفاضل يف تعليقات له على " النواب وخنلطه حبكمنا وتفصيلنا يف املن

عقيدتنا ".

(340) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

نه ال يؤاخذ بشيء من ذلك، ألنه لم هذه المعاني بلفظ أعجمي ال يعرف معناه فإوإن قصد العريب بنطق شيء من . يرده، فإن اإلرادة ال تتوجه إال إلى معلوم أو مظنون

هذه الكلم مع معرفته مبعانيها، نفذ ذلك منه، فإن كان ال يعرف معانيها مثل أن قال العريب ، أو نطق بلفظ اخللع مبعىن اللفظني. (68)لزوجته أنت طالق للسنة أو للبدعة، وهي حامل

أو غريه أو الرجعة أو النكاح أو اإلعتاق، وهو ال يعرف معناها مع كونه عربيا، فإنه ال . (أهـإذ ال شعور له بمدلوله حتى يقصد إلى اللفظ الدال عليه يؤاخذ بشيء من ذلك،

وهذا يف زماننا كمن ال يعرف معىن لفظة الدميقراطية ومدلوهلا فيثين عليها : قلتما يقابل االضطهاد واالستعباد -كما هو عند كثري من العوام–ظانا أهنا تعين فقط

فال يكفر مثله حىت يعرف بأهنا تعين أصال تشريع … ومصادرة احلريات واحلقوق وحنوهاوما مل يعرف ذلك فإنه ال … الشعب للشعب أو حاكمية اجلماهري ال حاكمية اهلل وحده

. ي حىت يقصد إليهشعور له مبدلوهلا الكفر )لو قالت املرأة : (4/229وحنو كالم العز قال ابن القيم يف إعالم املوقعني )

أنت طالق ثالثا" وهو ال يعلم : لزوجها الذي ال يعرف التكلم بالعربية وال يفهمها "قل يلموضوع هذه الكلمة، فقال هلا، مل تطلق قطعا يف حكم اهلل تعاىل ورسوله، وكذلك لو قال

"أنا عبدك ومملوكك" على وجه اخلضوع له، كما يقوله الناس، مل يستبح : الرجل آلخرملك رقبته بذلك، ومن مل يراع املقاصد والنيات والعرف يف الكالم، فإنه يلزمه أن جيوز له

. بيع هذا القائل وملك رقبته مبجرد هذا اللفظكذب على اهلل ورسوله، وهذا باب عظيم يقع فيه املفيت اجلاهل، فيغر الناس، وي

. واهلل املستعان(أهـ . ويغري دينه، وحيرم ما مل حيرمه اهلل، ويوجب ما مل يوجبه اهلل)إن اهلل تعاىل وضع األلفاظ بني عباده تعريفا وداللة : (3/117وقال أيضا فيه )

ظه،على ما يف نفوسهم، فإذا أراد أحدهم من اآلخر شيئا ،عرفه مبراده وما يف نفسه بلفولم يرتب تلك . ورتب على تلك اإلرادات والمقاصد أحكامها بواسطة األلفاظ

األحكام على مجرد ما في النفوس من غير داللة فعل أو قول، وال على مجرد ألفاظ، ، بل جتاوز لألمة عما مع العلم بأن المتكلم بها لم يرد معانيها ولم يحط بها علما

أو تكلم به، وجتاوز هلا عما تكلمت به خمطئة أو ناسية حدثت به أنفسها، ما مل تعمل به فإذا أو مكرهة أو غري عاملة به، إذا مل تكن مريدة ملعىن ما تكلمت به أو قاصدة إليه،

( كذا يف األصل ولعل الصواب )وهو جاهل(. 68)

(341) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

، وهي من اجتمع القصد والداللة القولية أو الفعلية، ترتب الحكم، هذه قاعدة الشريعة . مقتضيات عدل اهلل وحكمته ورمحته( أهـ

)إن املسلم إذا عىن معىن صحيحا يف حق اهلل تعاىل، أو : يخه ابن تيميةويقول شولم يكن خبيرا بداللة األلفاظ، فأطلق لفظا يظنه داال الرسول صلى اهلل عليه وسلم،

. (على ذلك المعنى، وكان داال على غيره أنه ال يكفرت مما يقصد به اليهود )وقد قال تعاىل "ال تقولوا راعنا" وهذه العبارة كان : ويقول

إيذاء النيب صلى اهلل عليه وسلم واملسلمون مل يقصدوا ذلك، فنهاهم اهلل تعاىل عنها، ومل . (342، 341يكفرهم هبا( أهـ الرد على البكري ص )

( يف املوضع التاسع والعشرين من هذا 180وسيأيت من الصارم املسلول ص )شة رضي اهلل عنها يف حادثة اإلفك قاصدا أذى الكتاب تفريقه أيضا بني من تكلم يف عائ

النيب صلى اهلل عليه وسلم والطعن عليه وإحلاق العار به ويتكلم بكالم ينتقصه، وبني غريه )فإهنم مل يقصدوا : ممن مل يقصد يف كالمه فيها إىل ذلك؛ كحسان ومسطع ومحنة، قال

ىل أن تبني حقيقة القصد قد يعرف وفيه إشارة إ . ذلك، ومل يتكلموا مبا يدل على ذلك( أهـ . من دالالت الكالم نفسه

كما –واخلالصة مما تقدم كله؛ أنه وإن كانت أسباب التكفري تنحصر يف الدنيا بالقول أو العمل املكفر، إال أنه عند التباس األحوال واختالط املعاين وتعدد -تقدم

، البد من االستفصال عن االحتماالت بوجود مظنة اجلهل حبقيقة األلفاظ واألعمال . القصد وتبني توجهه إىل سبب الكفر وإرادته، ال إرادة شيئ آخر

وهو ما قدمناه لك من قبل يف باب التكفري باألقوال واألعمال احملتملة الداللة، وما . يلزم فيها من تبني قصد القائل مبعرفة عرفه والنظر يف قرائن احلال

عين بانتفاء القصد ما يشرتطه أهل التجهم واإلرجاء وقد عرفت مما تقدم أننا ال نمن االعتقاد واالستحالل حىت يف األعمال واألقوال املكفرة !! أو أن اإلنسان ال يكفر إال

فهذا قل من … أن يقصد أن يصري كافرا، أي أن تكون عنده إرادة اخلروج من الدينو فعل ما هو كفر، كفر بذلك، وإن )وباجلملة فمن قال أ : يقصده، كما قال شيخ اإلسالم

الصارم املسلول . مل يقصد أن يكون كافرا، إذ ال يقصد الكفر أحد إال ما شاء اهلل( أهـ . (178-177)ص

(342) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وإمنا مرادنا كما بينا مرارا، أن يقصد العمل املفكر نفسه، أي سبب الكفر سواء أراد ومنها –األحكام الشرعية )املسببات( بذلك اخلروج من الدين أم مل يرده، فالشارع ملا ربط

بأسباهبا، مل جيعل للمكلف اختيارا يف التفريق بينها، بل حيثما وجد السبب -التكفريفالعربة … وتوفرت الشروط وانتفت املوانع وجد املسبب، وإن مل يقصد املكلف إجياده

. بقصد إتيان القول أو الفعل املكفر، ال قصد الكفر بهأننا مل نعذر املنتخبني جبهلهم إذا قصدوا واختاروا العمل املكفر نفسه وننبه هنا

)التشريع مطلقا وفق نصوص الدستور أو القسم على احرتام الدستور والقوانني( وحنوه من . الكفريات الصرحية

إذ هذا مما ال يعذر اجلاهل به، ألنه من الشرك الواضح املستبني املناقض ألصل ثت به الرسل كافة، فاجلاهل به جهله جهل إعراض عن تعلم أهم مهمات التوحيد الذي بع

كما وأنه ال يوجد عاقل . الدين اليت ال جيوز اجلهل هبا، مع تيسري تعلمها وعدم تعسرهجيهل أن التشريع من خصائص اهلل اليت جيب أن يفرد هبا ويوحد، خصوصا إذا كان تشريعا

الدين أو الدنيا، كالذي جعله الطواغيت حقا هلم ولنواب مطلقا ال يستثىن شيئا من أمور . الربملانات

وقد نص العلماء على أن من ادعى أن له حق التحليل والتحرمي والتشريع فقد ادعى الربوبية، وأن من أطاع العلماء أو األمراء أو امللوك أو غريهم يف حترمي ما أحل اهلل أو حتليل

ألن الطاعة يف . ما مل يأذن به اهلل، فقد اختذهم أربابا من دون اهللما حرم اهلل أو يف تشريع . التشريع عبادة، واإلشراك باهلل يف حكمه كاإلشراك به يف عبادته

وال تأكلوا مما لم يذكر اسم )) : واستدلوا على ذلك بأدلة كثرية منها قوله تعاىلهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم اهلل عليه، وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائ

. (( إنكم لمشركونوقد روى أبو داود وابن ماجة واحلاكم وابن جرير يف تفسريه عن ابن عباس أن

ما ذبح اهلل فال تأكلوه، وما ذحبتم أنتم : املشركني كانوا جيادلون املسلمني يف امليتة يقولون(( فهذا عتموهم إنكم لمشركون إن أطفتأكلوه؟؟ فأنزل اهلل تعاىل اآليات إىل قوله ))

حكم من اهلل تعاىل على أن كل من أطاع الكفار يف حتليل ما حرم اهلل أوحترمي ما أحل اهلل . أوتشريع ما مل يأذن به اهلل، أنه مشرك باهلل

اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اهلل وهو كقوله تعاىل يف أهل الكتاب )) يا : ريه وهو حسن مبجموع طرقه عن عدي بن حامت أنه قال(( وقد روى الرتمذي وغ

(343) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) أليس حيرمون ما أحل اهلل : رسول اهلل إنا لسنا نعبدهم، فقال صلى اهلل عليه وسلموقد حسنه . )فتلك عبادهتم( : قال . بلى : فتحرمونه، وحيلون ما حرم اهلل فتحلونه؟( قال

. (7/47شيخ اإلسالم يف الفتاوى )كانوا جيهلون أن الطاعة يف التحليل والتحرمي عبادة، ومع هذا فلم يعذروا ففيه أهنم

)أما إهنم مل يكونوا يصومون : هبذا اجلهل وروى ابن جرير عن حذيفة رضي اهلل عنه قالهلم، وال يصلون هلم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا هلم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا

. ، فتلك كانت ربوبيتهم(أحله اهلل هلم حرموهوقد يقال إن التشريع يف أبواب احلدود والعقوبات ليس بالوضوح واجلالء يف مضادته

والتشريع الكفري يف هذه … للشريعة ومناقضته للتوحيد كصراحة التحليل والتحرمي يف ذلكستدالل األزمنة يتناول احلدود والعقوبات وال يتعرض للتحليل والتحرمي غالبا فال يصلح اال

هبذه األدلة على عدم إعذار أتباع املشرعني، ألهنا يف الطاعة يف حتليل ما علم حترميه ضرورة كامليتة واخلمر والزنا والربا، ومن مث فالبد من اعتبار جهلهم يف نوع التشريع الذي يتابعون

. عليه ، وعدم إكفارهم إال بعد إقامة احلجةريعية املمنوحة ألعضاء الربملان وطاغوهتم كما لكن يعكر على هذا كون السلطة التش

. (69)نص الدستور سلطة مطلقة غري مقيدةوجمرد القبول مبثل هذه السلطة ملطلقة، .. فيدخل فيها التحليل والتحرمي وغريه

واعتبارها من حقوق النائب وصالحياته تكفي لتكفريه وتكفري من أنابه على ذلك سواء سواء شرع يف جمال العقوبات واحلدود أو مل يشرع، وسواء أقسم حلل وحرم فعال، أم ال، و

على احرتام الدستور الكفري الذي حيوي هذا احلق الشركي وغريه من نصوص الكفر، أم مل يقسم، فالتشريع املطلق من أخص خصائص األلوهية اليت جيب أن يفرد هبا اهلل عز وجل،

، فقد ابتغى غري اهلل إهلا وربا وحكما، وابتغى ومن نسبها إىل نفسه أو إىل غريه من دون اهلل . غري اإلسالم دينا

وأيضا فمن ذا الذي يستطيع أن يزعم أن التشريع الذي كفر به املشرعني من أهل ؟؟ أي اعتقاد ذلك …الكتاب مع من تابعهم عليه كان كله من باب التحليل والتحرمي

!!.. كفريكما يقيد أفراخ اجلهمية واملرجئة كشرط للت

( كذا نصت دساتريهم، اللهم إال يف املساس باملواد والنصوص املتعلقة بنظام وراثة امللك أو حنوها من 69) اب الربملان التعرض هلا أو التعديل فيها. النصوص اليت حتفظ عرش الطاغوت فال جيوز يف دينهم لنو

(344) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فقد ثبت أن تشريعهم كان أكثره يف أبواب احلدود والعقوبات واحلقوق التوقيفية ومن لم يحكم بما أنزل اهلل )) : كالديات، كما يف إحدى رواييت سبب نزول قوله تعاىل

(( عن ابن عباس أهنا نزلت يف الطائفتني من اليهود بين النضري وبين فأولئك هم الكافرونأن قتلى بين النضري كان هلم شرف فكانوا يودون الدية كاملة وأن قريظة كانوا قريظة وذلك

أذالء فيودون نصف الدية، فتحاكموا إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم، فجعل الدية . بينهم سواء، وقد روى ذلك اإلمام أمحد وهو عند ابن جرير يف تفسريه أيضا

ء بن عازب عند مسلم يف قصة رجم النيب وقد تقدم السبب اآلخر يف حديث الرباوفيه أن جرميتهم اليت نزلت اآليات بسببها هي متابعة . صلى اهلل عليه وسلم لليهودي الزاين

آبائهم على حد الزىن املبدل الذي شرعوه وليس فيه أهنم أحلوا هلم الزىن أو أهنم استحلوه، فاحلالل أو املباح ال يعاقب عليه . ولو كان األمر كذلك ملا وضعوا له عقوبة أيا كانت

. أحدوأيضا فإن احلدود الشرعية اإلسالمية، لكثرة اخلوض فيها وتنديد الكفار واملرتدين بشدهتا، قد أمست يف زماننا أشهر من أن ختفى على أحد من الكفار فضال عن أن جيهل

. حاهلا املنتسبون إىل اإلسالمقد عطلوا تلك احلدود املطهرة وألغوها فكل أحد يعرف اليوم، أن الطواغيت

. واستبدلوا هبا عقوبات قانونية وضعية وضيعة مستوردة من دول الكفرومعلوم أن تشريع العقوبات البديلة عن هذه احلدود، وتشديدها أو تسهيلها أو

. تبديلها هي مهمة السلطة التشريعية املتمثلة بأعضاء الربملان وطاغوهتمالناظر يف تشريعات هذه األنظمة، يرى أن التحليل والتحرمي أضف إىل هذا أن

موجود فيها أيضا يف أبواب شىت، فالربا املعلوم ضرورة حترمية يف شرع املسلمني مباح يف . تشريعات عبيد القانون، وله مؤسساته املرخصة املمتنعة بالقانون واحملروسة بأوليائه

هتا اليت يرخص فيها بيعها أو شرهبا، وحتمى وكذلك اخلمر مباحة وهلا حمالهتا وصاالومثل ذلك البغاء املرخص احملروس … وميتنع أهلها وأصحاهبا بالقانون وشوكة عبيده

. بالقانونوقبل ذلك كله الردة والكفر بألوانه املختلفة، مباح مرخص حيميه القانون باسم حرية

حيرم الردة أو الكفر أو يقضي بتجرميه، االعتقاد، وليس يف قوانينهم من أوهلا إىل آخرها ما فالردة عندهم ليست جبرمية يعاقب عليها القانون، بل هي حرية شخصية مباحة حيميها

(345) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

والكالم يف هذه األبواب يطول وقد فصلناه يف غري … وحيرسها ويكفلها القانون الكفري . هذا املوضع من كتاباتنا اليت أشرنا إليها فيما تقدم

ننا مل نعذر من عمد إىل اختيار املشرعني، أو تابعهم وتواطأ معهم على أ : واخلالصة . تشريعاهتم

. وإال لعذرنا اليهود والنصارى يف عبادهتم األحبار والرهبانأكفاركم خير من …)) إذ ال يعرف يف الشريعة تفريقها بني املتناظرين واملتماثلني

(( ؟أولئكم أم لكم براءة في الزبرذرنا به عوام املسلمني هنا، هو )انتفاء القصد( إن وجد، وهو )اخلطأ( وإمنا الذي ع

الذي يقابل العمد، عند من مل خيرت من ينيبه على أنه مشرع وال على أن يقسم على احرتام الدستور وال على أن يتحاكم إىل القوانني، وال على أن تكون آلية عمله من خالهلا أو من

وال علم … من تلك املكفرات اليت يرتكبها أعضاء الربملانخالل تشريعها، وال على شيء لذلك املنتحب وال شعور له هبا حىت يتوجه قصده واختياره وإرادته إليها، وإمنا خيتار من خيتاره منهم ألجل أن حيكموا شرع اهلل كما يعلن املنتسبون لإلسالم منهم يف دعاياهتم

أو . لية الكفرية اليت حيلمون بتحكيمه من خالهلااالنتخابية، دون أن يعرف أو تظهر له اآل . خيتارهم ألجل ما يأمله منهم من خدمات دون أن يعرف حقيقة عملهم وطبيعته

فمثل هؤالء ال يكفرون إال بعد التعريف والبيان وإقامة احلجة، خصوصا مع ما . ين عليهمذكرناه من التباس األحوال وجهل العوام وانطالء تلبيس املنتسبني إىل الد

يف (70))ومع هذا فقد يكثر أهل هذه األهواء : وقد قال شيخ اإلسالم ابن تيميةلكالم أهل العلم والسنة، -عند اجلهال–بعض األمكنة واألزمنة حىت يصري كالمهم مكافئا

حىت يشتبه األمر على من يتوىل أمر هؤالء، فيحتاج حينئذ إىل من يقوم بإظهار حجة اهلل . (3/152أهـ جمموع الفتاوى )ط دار ابن حزم( )وتبيينها(

وإقامة احلجة ليست فقط إبالغ كالم اهلل وكالم الرسول، خصوصا بعد انتشار اإلسالم وبلوغ كتاب اهلل للقاصي والداين مع تكفل اهلل حبفظه، بل قد تكون يف كثري من

معىن الكالم وحقيقة األحيان بإزالة الشبهات وكشف التلبيسات وإظهار حقيقة الواقع أو . العمل

( يشري إىل ما ذكره قبل ذلك من بدع اجلهمية واخلوارج والقدرية وحنوهم. 70)

(346) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وقد تقدم ذكر األدلة على اعتبار العذر باخلطأ )انتفاء القصد( الناجم عن عدم فهم . أو جهل… الكالم ومعرفة مراميه أو عن اندهاش وذهول لشدة فرح أو خوف

وحنوه مما يثمر عمال أو قوال مل يقصد املكلف إىل حقيقته ومعناه، إذ ال شعور له يف . لساعة ملعناه وحقيقته حىت يقصدهتلك ا

وذكرنا حديث الرجل الذي أضل راحلته يف ارض فالة، وعليها سقاؤه وطعامه ومتاعه، فلما استيقن اهلالك نام حتت ظل شجرة ينتظر املوت، فلما أفاق وجد راحلته عند

ا رأسه فأخذ خبطامها وهو يقول )اللهم أنت عبدي وأنا ربك( )أخطأ من شدة الفرح( كم . قال النيب صلى اهلل عليه وسلم

كما تقدم حديث الرجل الذي أوصى بنيه أن حيرقوه إذا مات ويذروا رماده، من شدة خوف اهلل ساعة موته إلسرافه على نفسه حيث مل يعمل خريا قط غري التوحيد، وفيه

جزاؤه جهله وذهوله عن سعة قدرة اهلل تعاىل وأنه قادر سبحانه على بعثه وإن تفرقت أ . وسيأيت مزيد من الكالم عليه

وعلى هذا فاحلكم بكفر مجيع املنتخبني )بكسر اخلاء(، يف االنتخابات الربملانية دون تفصيل خطأ ظاهر من أخطاء التكفري، جيب التنبه إليه، خصوصا مع اجلهل حبقيقة هذه

. الربملانات وحقيقة وظيفة النائب فيها ،والتباس األمور واملقاصدمع هذا فنحن ال نتحرج من أن نقول، من واقع معرفتنا حبقيقة هذه الربملانات و

؛ أن املشاركة يف (71)الشركية، وطبيعة اآللية اليت ميارس النائب هبا مهامه التشريعية وغريهاانتخاب نواب الربملانات التشريعية كفر ظاهر، فهذا حكم مطلق على نفس العمل ، نطلقه

لكننا عند تنزيل .. لربملانات ، كوعيد وترهيب لدعوة الناس إىل اجتناهبايف حتذيرنا من هذه ا، بل نفصل حبسب اختيار (72)احلكم على األعيان، ال نكفر مجيع أعيان املنتخبني هلم

. وقصد كل منهمفمن قصد واختار النائب ألجل التشريع، أو حنوه من األعمال املكفرة األخرى ؛

أسباب الكفر، ويكفر وإن مل يقصد أن يكفر هبذا العمل كفر ألنه قد أتى بسبب من . وخيرج به من لدين

( انظر كتابنا )الدميقراطية دين كفري( وفتاوى سجن سواقة. 71)

( تقدم التفريق بني التكفري املطلق وتكفري املعني يف اخلطأ األول. 72)

(347) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

أما من كان جاهال حبقيقة هذا اجمللس وطبيعة عمل أعضائه، فهذا جيب إقامة احلجة وال يبادر إىل … عليه وتعريفه حبقيقة وظيفة من ينيبهم وخيتارهم، فإن أصر على ذلك كفر

. انتكفريه قبل إقامة احلجة والبيوإن أخطأ –وليس ألحد أن يكفر أحدا من المسلمين ) : يقول شيخ اإلسالم

حتى تقوم عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسالمه يتقين لم يزل -وغلطجمموع . ( أهـذلك عنه بالشك، بل ال يزول إال بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة

. (12/250الفتاوى )ط دار ابن حزم( )

(348) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((27)) عدم العذر بالجهل في المسائل الخفية ونحوها

ومن األخطاء الشائعة يف التكفري أيضا عدم العذر باجلهل يف املسائل اخلفية وحنوها .. من املسائل اليت حتتاج إىل تعريف وبيان أو اليت ال تعرف إال من طريق الرسل

فطائفة ضيقت ما وسعه فالعذر باجلهل باب افرتق فيه الناس بني إفراط وتفريط ، … اهلل تعاىل على اخللق فألغوا مانع اجلهل من موانع التكفري ، ومل يعذروا باجلهل مطلقا

وفرطت طائفة أخرى فقابلت األوىل بفتح باب العذر باجلهل على مصراعيه يف أمور هي دين من املعلوم ضرورة عند كل مسلم ، بل ال خيفى حىت على اليهود والنصارى أهنا من

املسلمني ،حىت عذروا الكفار املعرضني عن الدين ممن كسبوا جهلهم بإعراضهم ، وليس هو بسبب عدم بلوغ احلجة إليهم، إذ القرآن بني أيديهم والسنة املبينة له عندهم، ولكنهم ال يرفعون بشيء من ذلك رأسا ،وال يكلفون أنفسهم تعلم ما أوجب اهلل عليهم، مع توسعهم

يعلمون )) : م على خمتلف علوم الدنيا وحطامها وزخارفها، فهم ممن قال اهلل فيهموانكباهب . (( ظاهرا من الحياة الدنيا وعهم عن اآلخرة هم غافلون

مع أن اهلل تعاىل قد ذم من تغافل وأعرض عن أمره ، ومل ينتفع بسمعه وبصره اية من خلقه وحتقيقها ، فقال وعقله فيستعمله يف معرفة ربه ومرضاته وطاعته ومعرفة الغ

ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن واإلنس لهم قـلوب ال يـفقهون بها ولهم )) : تعاىلأولئك أعين ال يـبصرون بها ولهم آذان ال يسمعون بها أولئك كاألنـعام بل هم أضل

وقالوا لو كنا نسمع أو نـعقل ما كنا في )) : (( ، وقال حاكيا عن مثلهمهم الغافلون . .. )): (( ، وقال تعاىلعتـرفوا بذنبهم فسحقا ألصحاب السعير فا أصحاب السعير

هم سمعهم و . ((. .. ال أبصارهم وال أفئدتـهم من شيء فما أغنى عنـ) أترى هؤالء املقرين على أنفسهم أنـهم كانوا : قال أبو حممد ابن حزم رمحه اهلل

اليسمعون وال يعقلون ، ولو مسعوا أو عقلوا ما دخلوا النار ، أكانت صمخ آذانـهم ذات نوا جاهلني بأمور دنياهم وأحكام حرثهم و آفات مانعة من تأدية األصوات ؟!! ، أو كا

غراسهم والقيام على مواشيهم ونفقات أموالـهم و إمنائها وبنيان منازلـهم وعمارة بساتينهم وتدبري متاجرهم و ضيعاتـهم وحفظ أموالـهم وطلب اجلاه والرئاسة ؟!! كال والذي عذبـهم

وأشغل نفوسا فيه وأبصر لنموه وأخزاهم وذمهم ، بل كانوا أعلم بذلك كله وأشد اهتباال

(349) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ولكن هؤالء املعذ بون أضربوا عن استعمال السمع والبصر و اللمس 000وتكثريه وحياطته والذوق والشم والعقل يف االستدالل على اخلالق تعاىل وما يقرب منه من عقد وقول وعمل

( . ندم ، وباهلل التوفيق، وصرفوا كل ذلك يف حطام فان ال يـجدي وال يغنـى ، بل يثقل وي . (66/ 1إحكام األحكام ). أهـ

والصواب يف هذا الباب التفصيل ؛ فهناك من مسائل الدين ما ال يسع اجلهل به ، وأوحي )) : خصوصا مع حفظ اهلل لكتابه وبلوغه اآلفاق، وقد علق اهلل به النذارة ، فقال

. ((إلي هذا القرآن ألنذركم به ومن بلغذلك أصل التوحيد ، احلنيفية اليت خلق اهلل عليها عباده كما يف حديث عياض فمن

بن محار عند مسلم ، ويولد املولود ويفطر عليها ، كما يف الصحيحني ؛ فأبواه حيرفانه عنها فمن مل حيققها وصدف … ، وأرسلت الرسل قاطبة هبا، وأنزلت الكتب كلها من أجلها

. كافر معرض جاهلعنها فهو كافر معاند مكذب أو وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون، أن )) : قال تعاىل

إىل …(( تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين(( سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون)) : قوله سبحانه

. عام( األن155-157)) فذكر سبحانه أنه سيجزي الصادف عن آياته : يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية

. سوء العذاب بما كانوا يصدفون -سواء كان مكذبا أو لم يكن–مطلقا يبين ذلك أن كل من لم يقر بما جاء به الرسول فهم كافر سواء اعتقد كذبه أو

ما يهواه، أو ارتاب فيما جاء به، فكل استكبر عن اإليمان به، أو أعرض عنه اتباعا ل( أهـ مكذب بما جاء به فهو كافر، وقد يكون كافرا من لم يكذبه إذا لم يؤمن به

. (3/196دار ابن حزم( ). )جمموع الفتاوى( )طفاملعرض الصادف عن أصل الدين وعروته الوثقى )التوحيد( بعد أن ختم اهلل

مه عليه ، وعلق الندارة بكتاب ال يغسله املاء ؛غري الرساالت خبامت الرسل صلوات اهلل وسالوليس كل كافر جيب .. معذور جبهله الذي كسبه بإعراضه عن تعلم أهم ما خلق من أجله

أن يكون مستكربا مكذبا، كما قال شيخ اإلسالم، بل قد يكون كذلك ،وقد يكون معرضا ه وال ينصره، وال يعنيه أمره من قريب متبعا هلواة ال يكذب بالدين وال يصدق به، وال حيارب

. أو بعيد

(350) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ومن مسائل الدين ما هو من املسائل اخلفية اليت حتتاج إىل بيان، فال جيوز مساواهتا بأصل التوحيد وما يناقضه من الشرك الظاهر والتنديد ،أو مبا علم من الدين ضرورة وظهر

. واشتهر فما عاد خيفى على أحد : وهذا إذا كان في المقاالت الخفية فقد يقال) : تيمية يقول شيخ اإلسالم ابن

. إنه مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبهالكن ذلك يقع في طوائف منهم، في األمور الظاهرة التي تعلم العامة والخاصة

من المسلمين أنها من دين المسلمين، بل واليهود والنصارى يعلمون أن محمدا صلى يه وسلم بعث بها وكفر مخالفها، مثل أمره بعبادة اهلل وحده ال شريك له، ونهيه اهلل عل

عن عبادة أحد سوى اهلل من المالئكة والنبيين والشمس والقمر والكواكب واألصنام وغير ذلك، فإن هذا أظهر شعائر اإلسالم، ومثل أمره بالصلوات الخمس، وإيجابه لها

واملشركني والصابئني واجملوس، ومثل حترمي ود والنصارى وتعظيم شأنها، ومثل معاداته لليهجمموع الفتاوى )ط دار ابن حزم( . الفواحش والربا واخلمر وامليسر وحنو ذلك( أهـ

(4/37) . وقد نقل الشيخ حممد بن عبد الوهاب رمحه اهلل يف مفيد املستفيد قول شيخ

ينسب معني إىل تكفري أو تبديع أو ) أنا من أعظم الناس هنيا عن أن: اإلسالم رمحه اهللتفسيق أو معصية ، إال إذا علم أنه قد قامت عليه احلجة الرسالية اليت من خالفها كان

. كافرا تارة وفاسقا أخرى و عاصيا أخرى () وهذا صفة كالمه يف املسألة يف كل موضع وقفنا عليه من : مث قال رمحه اهلل معلقافري املعني إال ويصفه مبا يزيل اإلشكال أن املراد بالتوقف عن كالمه ، ال يذكر عدم تك

تكفريه قبل أن تبلغه احلجة ، وأما إذا بلغته حكم عليه مبا تقتضيه تلك املسألة من تكفري أو . تفسيق أو معصية

، فقال يف الرد على وصرح رضي اهلل عنه أن كالمه في غير المسائل الظاهرة "وهذا إن : عض أئمتهم توجد منهم ردة عن اإلسالم كثريا ، قالاملتكلمني ملا ذكر أن ب

أنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي : كان في المقاالت الخفية ، فقد يقاليكفر تاركها ، لكن هذا يصدر عنه في أمور يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أن

ها ، مثل عبادة اهلل وحده ال الرسول صلى اهلل عليه وسلم بعث بها وكفر من خالفشريك له ونهيه عن عبادة أحد سواه من المالئكة والنبيين وغيرهم ، فإن هذا أظهر

ومثل حترمي الفواحش شعائر اإلسالم ، ومثل إيجاب الصلوات الخمس وتعظيم شأنها ،

(351) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ا مرتدين ، ومثل حترمي الربا واخلمر وامليسر ، مث جتد كثريا من رؤوسهم وقعوا فيها ، فكانو وأبلغ من ذلك أن منهم من صنف يف دين املشركني ، كما فعل أبوعبد اهلل الرازي يعين )

. " انتهى كالمه. وهذه ردة صرحية باتفاق املسلمني: الفخر الرازي( قالفتأمل هذا وتأمل ما فيه من تفصيل الشبهة اليت يذكر أعداء اهلل ، لكن من يرد اهلل

، على أن الذي نعتقده وندين اهلل به ونرجو أن يثيبنا اهلل شيئا فتنته فلن متلك له من عليه ، أنه لو غلط هو أو أجل منه في هذه المسألة ، وهي مسألة المسلم إذا أشرك باهلل بعد بلوغ الحجة أو المسلم الذي يفضل هذا على الموحدين ، أو يزعم أنه على

ي بينه اهلل ورسوله وبينه علماء األمة حق ، أو غير ذلك من الكفر الصريح الظاهر الذ، أنا نؤمن بما جاءنا عن اهلل وعن رسوله من تكفيره ، ولو غلط من غلط ، فكيف

، وإمنا يلجأ والحمد هلل ونحن ال نعلم عن واحد من العلماء خالفا في هذه المسألةما سمعنا ) (( أو حجة قريش ) )) فما بال القرون األولىمن شاق فيها إىل حجة فرعون

(أهـ من ) مفيد املستفيد يف حكم تارك التوحيد ( ضمن .. (( بهذا في الملة اآلخرة . ( 55-54جمموع )عقيدة املوحدين ( )

) ومسألتنا هذه وهي : ويقول الشيخ إسحاق بن عبد الرمحن آل الشيخ رمحه اهللاهلل غريه فقد أشرك عبادة اهلل ال شريك له والبـراءة من عبادة ما سواه وأن من عبد مع

، هي أصل األصول وبـها أرسل اهلل الرسل وأنزل الشرك األكرب الذي ينقل عن امللة وهكذا جتد اجلواب من أئمة الدين الكتب وقامت على الناس الحجة بالرسول وبالقرآن

قتل ،ال يذكرون يف ذلك األصل عند تكفيـر من أشرك باهلل ؛فإنه يستتاب فإن تاب وإال يف في مسائل األصول إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي قد يخفى التعر

كمسائل نازع بـها بعض أهل البدع كالقدرية واملرجئة أو يف دليلها على بعض المسلمينمسألة خفية كالصرف والعطف ، وكيف يعرفون عباد القبور وهم ليسوا مبسلمني ، وال

)) ال : يبقى مع الشرك عمل ؟! واهلل تعاىل يقول يدخلون يف مسمى اإلسالم ؟! وهلومن يشرك باهلل فكأنما خر من (( )) يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخيط

)) إن اهلل ال يغفر أن (( السماء فتخطفه الطير أو تـهوي به الريح في مكان سحيق يات ، ولكن هذا (( إىل غري ذلك من اآلومن يشرك باهلل فقد حبط عمله(( )) يشرك به

املعتقد يلزم منه معتقد قبيح ، وهو أن احلجة مل تقم على هذه األمة بالرسول والقرآن ، نعوذ باهلل من سوء الفهم الذي أوجب لـهم نسيان الكتاب والرسول ، بل أهل الفرتة الذين

( أهـ من . علـم تبلغهم الرسالة والقرآن وماتوا على اجلاهلية ، اليسم ون مسلمني باإلمجا

(352) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

( ضمن 151، 150)حكم تكفري املعني والفرق بني قيام احلجة وفهم احلجة ( ص ) . جمموع )عقيدة املوحدين (

) واحتج بعض من جيادل عن : وقال الشيخ عبد اهلل بن عبد الرمحن أبا بطنيفر املشركني بقصة الذي أوصى أهله أن حيرقوه بعد موته على أن مرتكب الكفر جاهال اليك

. ، وال يكفر إال املعاندواجلواب على ذلك كله أن اهلل سبحـانه وتعـاىل أرسل رسله مبشرين ومنذرين لئال

وأعظم ما أرسلوا به ودعوا إليه عبادة اهلل وحده يكون للناس على اهلل حجة بعد الرسل ، ر الشريك له والنهى عن الشرك الذي هو عبادة غيره فإن كان مرتكب الشرك األكب

! والزم هذه الدعوى أنه ليس هلل حجة على أحد معذور لجهله فمن هو الذي اليعذر ؟إال املعاند ، مع أن صاحب هذه الدعوى الميكنه طرد أصله ، بل البد أن يتناقض فإنه الميكنه أن يتوقف يف تكفري من شك يف رسالة حممد صلى اهلل عليه وسلم أو شك يف

لدين ، والشاك جاهل والفقهاء رمحهم اهلل يذكرون يف كتب البعث أو غري ذلك من أصول االفقه حكم املرتد وأنه املسلم الذي يكفر بعد إسالمـه نطقا أو فعـال أو اعتقادا أو شكا ، وسبب الشك اجلهل ،والزم هذا اليكفر جهلة اليهود والنصارى ، وال الذين يسجدون

حر قهم علي بن أيب طالب رضـي اهلل عنه للشمس والقمر واألصنام جلهلهم ، وال الذينبالنار ألننا نقطع أنـهم جه ال وقد أمجع العلماء _ رمحهم اهلل _ على كفر من مل يكفر

وقد : إىل قوله. .. .. اليهود والنصارى أو يشك يف كفرهم ، وحنن نتيقن أن أكثرهم جه الوذكر اآليات يف ذلك .. ليه الرسلأخرب اهلل سبحانه عن الكفار أهنم يف شك مما تدعوهم إ

إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم )) : وقد ذم اهلل املقلدين بقوله عنهم: مث قال(( اآليتني ، ومع ذلك كفرهم سبحانه وتعالـى ، واستدل العلماء بـهذه اآلية مهتدون

اهلل سبحانه قائمة على الناس وحنوها على أنه ال جيوز التقليد يف معرفة اهلل والرسالة ، وحجةبإرسال الرسل إليهم ، وأن مل يفهموا حجج اهلل وبيناته ، قال الشيخ موفق الدين أبو حممد

: بن قدامة رمحه اهلل ملا أجنر كالمه يف مسألة )هل كل جمتهد مصيب( رجح قول اجلمهوروزعم اجلاحظ أن : الإنه ليس كل جمتهد مصيبا ، بل احلق قول واحد من أقوال اجملتهدين ق

أما ما : خمالف ملة اإلسالم إذا نظر فعجز عن إدراك احلق فهو معذور غري آمث ، إىل أن قال) االنتصار حلزب اهلل . ذهب إليه اجلاحظ فباطل يقينا وكفر باهلل ورد عليه وعلى رسوله (أهـ

يدة ضمن جمموع )عق 17، 16املوحدين والرد على اجملادل عن املشركني ( ص . املوحدين(

(353) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وقال الشيخ حممد بن ابراهيم آل الشيخ عقب فتوى له يف تكفري الذين يعبدون البدوي واجليالين وقبور أهل البيت وإن مسوهم وسائط وليس آهلة وعدم اشرتاط أن

) التوحيد ما فيه جهل ، هذا ليس مثله جيهل ، إمنا هذا : يعتقدوهم آهلة هبذا اللفظ قال، جيهل اإلنسان الشمس ؟! علماؤهم جهال ، وال أجهل من املشرك ، معرض عن الدين

ما يف القرآن خطاب باجلهل إال يف بعض من يعبد غري اهلل ؛ فهم جهال واحلجة قائمة علم بقدر ما قامت عليهم احلجة ، وجهل بقدر ما أعرض : عليهم ؛ فالشيئان جيتمعان

(. عنههؤالء : األزهر الذي قال يف النهاية وقد جرت مناظرة حول ذلك بينه وبني شيخ

بإبدال الظاء . ( أهـ. ) فنظهر هلم مظهر املكفرين: فأجاب الشيخ. أظهروا مظهر الكفار) فنزهر هلم مزهر املكفرين !!( أنظر جمموع فتاوى : زاي ، على لغة املناظر من أهل مصر

(198-12/197ورسائل الشيخ حممد بن إبراهيم )

يضا وهو يتكلم يف مسألة التوسل بالنيب صلى اهلل عليه وسلم وقال شيخ اإلسالم أ)ومل يقل أحد أن من قال بالقول : ردا على من قال أن من نفى جواز التوسل به فقد كفر

فإن هذه مسألة خفية ليست أدلتها جلية ظاهرة، األول فقد كفر، وال وجه لتكفريه، رة، أو بإنكار األحكام المتواترة والكفر إنما يكون بإنكار ما علم من الدين ضرو

. (1/81( أهـ )ط دار ابن حزم( )والمجمع عليها، ونحو ذلكومن نافلة القول أن ننبه إىل أن احلصر هنا إمنا هو يف كفر التكذيب، فال يكون إال فيما عرف من الدين ضرورة وتواتر وظهر، أما ما كان من األمور اخلفية فإن منكره ال يكون

. فائه عليه أو لعدم بلوغه إليهمكذبا خلوبدهي أنه ليس حصرا جلميع أنواع الكفر يف كفر التكذيب ،كما يقوله أفراخ اجلهمية واملرجئة يف زماننا، فقد تقدم قبل قليل كالمه يف كفر اإلعراض، وتكرر مرارا قوله

( وهذا عند )وباجلملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك وإن مل يقصد أن يكون كافرا . شيخ اإلسالم أظهر من جيادل به جمادل أو حيرفه حمرف

وقال أيضا يف التفريق بني األمور اخلفية اليت يعذر اجلاهل هبا وبني األخرى الظاهرة )ولفظ التوسل قد يراد به ثالثة أمور؛ يراد به أمران متفق عليهما بني : املعلومة ضرورة

: املسلمني . إلميان واإلسالم وهو التوسل باإلميان به وبطاعتههو أصل ا : أحدمها

(354) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

دعاؤه وشفاعته، وهذا أيضا نافع، يتوسل به من دعا له وشفع له باتفاق : والثاين . املسلمني

ومن أنكر التوسل به بأحد هذين املعنيني فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإال أصل الدين، وهذا معلوم باالضطرار ولكن التوسل باإليمان به وبطاعته هو قتل مرتدا،

من دين اإلسالم للخاصة والعامة، فمن أنكر هذا المعنى فكفره ظاهر للخاصة والعامة، وأما دعاؤه وشفاعته وانتفاع المسلمين بذلك، فمن أنكره فهو أيضا كافر، لكن هذا أخفى من األول، فمن أنكره عن جهل عرف ذلك فإن أصر على إنكاره فهو

. (1/115جمموع الفتاوى )ط دار ابن حزم( ). هـ( أمرتدفتأمل تفريقه يف العذر بني ما خفي واحتاج إىل تعريف، وبني ما كان من أصل

. الدين واإلميان واإلسالم، أو علم باالضطرار من دين املسلمنيإما أن تكون مسائل جيب (73) أصول الدين)إن : (3/184وقال أيضا )وال وعمال، كمسائل التوحيد والصفات والقدر والنبوة واملعاد أو دالئل اعتقادها قوال، أو ق

. هذه املسائل

(73)

م قبله تعرف أن كالمه يف اإلنكار )على من قسم الدين إىل أصول يكفر بإنكارها ومنه ومما تقد وفروع ال يكفر بإنكارها( ليس املراد به رد أو إبطال هذا التفصيل املذكور أعاله والذي يكرره يف مواضع

ورة سواء كانت كثرية من فتاواه يف أبواب العذر باجلهل يف املسائل اخلفية دون الظاهرة البينة املعلومة ضر وإمنا املراد بذاك ؛اإلنكارعلى املعتزلة وأمثاهلم ممن قسموا الدين إىل ذينك … من األصول أم من الفروع

القسمني على أصول فاسدة خمالفة ألصول أهل السنة. كمااشار يف املوضع نفسه الذي يدندن حوله )والسلف واألئمة الذين ذموا (:3/191( وقال مبينا موضحا يف مواضع أخر )23/196بعض الناس )

وبدعوا الكالم يف اجلوهر واجلسم والعرض. تضمن كالمهم ذم من يدخل املعاين اليت يقصدها هؤالء أهـ. …( هبذه األلفاظ يف أصول الدين يف دالئله، ويف مسائله: نفيا وإثباتا

( وهذا اسم عظيم ،واملسمى (: )إن طائفة من أهل الكالم يسمي ما وضعه )أصول الدين4/38وقال )قال المبطل؛ قد أنكروا أصول به فيه من فساد الدين ما اهلل به عليم، فإذا أنكر أهل احلق والسنة ذلك

، وإنما أنكروا ما سماه هذا أصول الدين! وهم لم ينكروا ما يستحق أن يسمى أصول الدينالدين ، فالدين ما شرعه اهلل ورسوله وقد بين ا من سلطانوهي أمساء مساها هم وآباؤهم بأمساء ما أنزل اهلل هب

أهـ. …( أصوله وفروعه، ومن المحال أن يكون الرسول قد بين فروع الدين دون أصوله

فمقالته اليت يبني فيها أن تقسيم الدين إىل أصول وفروع مأخوذ عن املعتزلة وأمثاهلم من أهل البدع ، واليت التجهم واإلرجاء وتابعهم على ذلك لألسف بعض األفاضل من دندن حوهلا وفرح هبا كثري من أهل

املنتسبني إىل العلم أو الدعوة.. ليست كما فهموها على إطالقها ؛ بل هي على ما بينه رمحه اهلل تعاىل هنا..

(355) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فكل ما حيتاج الناس إىل معرفته واعتقاده والتصديق به من هذه : أما القسم األولفقد بينه اهلل بيانا شافيا قاطعا للعذر، إذ هذا من أعظم ما بلغه الرسول البالغ املسائل،

نه للناس ، وهو من أعظم ما أقام اهلل به الحجة على عباده فيه بالرسل المبين، وبي . الذين بينوه وبلغوهمشتملة من ذلك على …وسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم… وكتاب اهلل

وإنما يظن عدم اشتمال الكتاب والحكمة … غاية المراد، وتمام الواجب والمستحبسمعه ومن له نصيب من قول أهل النار على بيان ذلك من كان ناقصا في عقله و

. انتهى خمتصرا . ((أهـلو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير)) : الذين قالوا)إهنم خيالفون ما اتفقت عليه امللل وأهل الفطر السليمة كلها، : وقال يف اجلهمية

ى يظن أن لكن مع هذا قد يخفى كثير من مقاالتهم على كثير من أهل اإليمان حتويكون أولئك املؤمنون مؤمنني باهلل ورسوله باطنا الحق معهم لما يوردونه من الشبهات،

وظاهرا، وإمنا التبس عليهم واشتبه هذا كما التبس على غريهم من أصناف املبتدعة، فهؤالء ه، ليسوا كفارا قطعا، بل قد يكون منهم الفاسق العاصي، وقد يكون منهم املخطئ املغفور ل

وقد يكون معه من اإلميان والتقوى ما يكون معه به من والية اهلل بقدر إميانه وتقواه، وأصل قول أهل السنة الذي فارقوا به اخلوارج واجلهمية واملعتزلة واملرجئة، أن اإلميان يتفاضل

)خيرج من النار من كان يف قلبه مثقال ذرة : ويتبعض كما قال النيب صلى اهلل عليه وسلم)جمموع الفتاوى ط دار . ن إميان(، وحينئذ فتتفاضل والية اهلل وتتبعض حبسب ذلك( أهـم

. (3/220ابن حزم( ))وأما التكفري، فالصواب أنه من اجتهد من أمة حممد صلى اهلل : (12/99وقال )

عليه وسلم، وقصد احلق فأخطأ مل يكفر بل يغفر له خطؤه، ومن تبني له ما جاء به الرسول الرسول من بعد ما تبني له اهلدى، واتبع غري سبيل املؤمنني، فهو كافر، ومن اتبع فشاق

هواه وقصر يف طلب احلق، وتكلم بال علم، فهو عاص مذنب، مث قد يكون فاسقا، وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته، فالتكفري خيتلف حبسب اختالف حال الشخص،

ضال يكون كافرا، بل وال فاسقا، بل وال فليس كل مخطئ وال مبتدع وال جاهل والعاصيا، ال سيما في مثل )مسألة القرآن( وقد غلط فيها خلق من أئمة الطوائف

. أهـ…(المعروفين عند الناس بالعلم والدين)التكفري حق هلل تعاىل، فال يكفر إال من كفره اهلل : ويقول شيخ اإلسالم أيضا

خص املعني، وجواز قتله موقوف على أن تبلغه احلجة النبوية ورسوله، وأيضا فإن تكفري الش

(356) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

: ( إىل قوله…وإال فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفراليت يكفر من خالفها، )وهلذا كنت أقول للجهمية من احللولية والنفاة الذين ينفون أن يكون اهلل تعاىل فوق العرش،

كم كفر، وأنتم عندي ال تكفرون ألنكم أنا لو أوافقكم كنت كافرا ألين أعلم أن قول . (74)جهال( أهـ

أين من أعظم الناس -ومن جالسين يعلم مين –)هذا مع أين دائما : وقال أيضا هنيا عن أن ينسب معني إىل تكفري وتفسيق ومعصية، إال إذا علم أنه قد قامت عليه احلجة

رى وعاصيا أخرى، وإين أقرر أن اهلل قد الرسالية اليت من خالفها كان كافرا تارة، وفاسقا أخغفر هلذه األمة خطأها، وذلك يعم اخلطأ يف املسائل اخلربية والقولية واملسائل العملية، ومازال السلف يتنازعون يف كثري من املسائل ومل يشهد أحد منهم على أحد ال بكفر وال

)عن اهلل : يسخرون( وقال)بل عجبت و : بفسق وال معصية، كما أنكر شريح قراءة من قرأوكما نازعت عائشة وغريها من الصحابة يف رؤية حممد صلى اهلل عليه … ال يعجب(

ومع هذا ال )من زعم أن حممدا رأى ربه فقد أعظم على اهلل الفرية(، : وسلم ربه، وقالتوكما نازعت يف مساع أنه مفتر على اهلل، : نقول البن عباس ونحوه من المنازعين لها

: إىل قوله (75)…(امليت كالم احلي، ويف تعذيب امليت ببكاء أهله وغري ذلك)والتكفري هو من الوعيد فإنه وإن كان القول تكذيبا ملا قاله الرسول صلى اهلل عليه

لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسالم أو نشأ ببداية بعيدة، ومثل هذا ال وسلم يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو يكفر بجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد

وإن كان خمطئا ، سمعها ولم تثبت عنده أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها)إذا أنا مت : وكنت دائما أذكر احلديث الذي يف الصحيحني يف الرجل الذي قال

با ما عذبه فأحرقوين مث أسحقوين مث ذروين يف اليم، فواهلل لئن قدر اهلل علي ليعذبين عذا

( نقله عنه الشيخ أمحد بن إبراهيم بن عيسى يف شرحه لنونية ابن القيم، مث قال معلقا: )وقوله 74)بني أن عدم تكفريهم ليس أمرا جممعا عليه، لكنه اختياري، وقوله يف هذه املسألة خالف "عندي" ي

املشهور يف املذهب. فإن الصحيح من املذهب ]أي مذهب أمحد[ تكفري اجملتهد الداعي إىل القول خبلق يمية رمحه اهلل: القرآن، أو نفي الرؤية أو الرفض، وحنو ذلك وتفسيق املقلد. قال الشيخ جمد الدين ابن ت

"الصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية فإنا نفسق املقلد فيها، كمن يقول خبلق القرآن وأن علم اهلل خملوق، أو أن أمساء اهلل خملوقة، أو أنه ال يرى يف اآلخرة، أو يسب الصحابة تدينا، أو يقول أن اإلميان

هذه البدع يدعو إليه ويناظر عليه فهو حمكوم بكفره جمرد االعتقاد وما أشبه ذلك، فمن كان يف شيء من نص أمحد على ذلك يف مواضع( انتهى، فانظر كيف حكموا بكفرهم مع جهلهم، والشيخ رمحه اهلل خيتار

(. 410-2/409عدم كفرهم ويفسقون عنده(أهـ. )

( وانظر يف هذا وأمثاله: )اإلجابة عما استدركته عائشة عن الصحابة( للزركشي. 75)

(357) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

: ما محلك على ما فعلت؟ قال : أحدا من العاملني، ففعلوا به ذلك، فقال اهلل لهفهذا رجل شك يف قدرة اهلل، ويف إعادته إذا ذري بل اعتقد أنه ال . خشيتك، فغفر له(

يعاد، وهذا كفر باتفاق املسلمني، لكن كان جاهال ال يعلم ذلك وكان مؤمنا خياف اهلل أن . به، فغفر له بذلكيعاق

والمتأول من أهل االجتهاد الحريص على متابعة الرسول صلى اهلل عليه وسلم . (148-3/147)جمموع الفتاوى ط دار ابن حزم( ). ( أهـأولى بالمغفرة من مثل هذا

وتأمل قوله يف حديث الرجل ) فهذا رجل شك يف قدرة اهلل، ويف إعادته إذا ذكور مل جيحد اليوم اآلخر وال أنكر البعث على إطالقه، بل فإن الرجل امل . اخل(…ذري

)كان مؤمنا باهلل يف : (12/263كما قال شيخ اإلسالم يف موضع آخر من الفتاوى ) . اجلملة، ومؤمنا باليوم اآلخر يف اجلملة، وهو أن اهلل يثيب ويعاقب بعد املوت( أهـ

دهاشه ساعة موته إىل أن يوصي مبا وخوفه من اهلل أن يعاقبه على ذنوبه دفعة يف ان فالجهل حصل عنده في سعة قدرة اهلل تعالى وتفاصيلها وأن اهلل قادر على أوصى به،

جمع كل ذرة من ذراته، وهذا التفصيل من األخبار التي ال تعرف إال من طريق الحجة ال الرسالية ولذلك يعذر الجاهل الذي عنده أصل اإليمان والتوحيد بها، كما كان ح

، إذا ما أخطأ أو جهل بعض تفاصيل األمساء والصفات وحنوها من األمور اليت هذا الرجل . قد ختفى( 11/224وقد ذكر شيخ اإلسالم خرب هذا الرجل يف موضع آخر من الفتاوى )

فظن إذا تفرق هذا التفرق،)فهذا الرجل ظن أن اهلل ال يقدر عليه : مث قال مبينا لذلكفغاية ما في هذا أنه كان رجال ) : (225إىل قوله ص )…( ا صار كذلكإذأنه ال يعيده

لم يكن عالما بجميع ما يستحقه اهلل من الصفات، وبتفصيل أنه القادر، وكثير من مث ذكر حديث عائشة يف صحيح (… المؤمنين قد يجهل مثل ذلك، فال يكون كافرا

ال إىل البقيع، وهو ال يشعر هبا، مسلم حني تبعت النيب صلى اهلل عليه وسلم ملا خرج ليمهما يكتم : قلت : )أظننت أن حييف اهلل عليك ورسوله؟ وقوهلا : وقوله ملا علم بذلك

)فهذه عائشة أم : (226مث قال ص ) . (76)احلديث(… نعم : الناس يعمله اهلل؟ قال

( كذا ذكره شيخ اإلسالم، ويف مسلم بدون )قال( وقد جعل النووي قول )نعم( من كالم عائشة، 76)وأهنا صدقت نفسها، قال: )وهكذا هو يف األصول(، ورواية مسلم له يف املتابعات والشواهد ألن فيه

اق يف مصنفه )رجل من قريش( مل يسمه، فهو من األحاديث اليت انتقدت عليه، واحلديث رواه عبد الرز على ما عند مسلم أي: دون )قال(، ورواه أمحد والنسائي على الوجه الذي ذهب إليه شيخ اإلسالم.

(358) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

س؟ فقال هلا هل يعلم اهلل كل ما يكتم النا : املؤمنني سألت النيب صلى اهلل عليه وسلموهذا يدل على أنها لم تكن تعلم ذلك، ولم تكن قبل نعم، : النيب صلى اهلل عليه وسلم

وإن كان اإلقرار بذلك بعد قيام معرفتها بأن اهلل عالم بكل شيء يكتمه الناس كافرة،إىل …( احلجة من أصول اإلميان، وإنكار علمه بكل شيء كإنكار قدرته على كل شيء

، ولكن تكفير قائله ال (77)فقد تبين أن هذا القول كفر) : على أصل السؤالقوله جوابا . ( أهـيحكم به حتى يكون قد بلغه من العلم ما تقوم به عليه الحجة التي يكفر تاركها

. (226-11/224)ط دار ابن حزم( )كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة : )قد يستشكل هذا فيقال: وقال اخلطايب

والجواب أنه لم ينكر البعث وإنما جهل أنه إذا فعل به ذلك ال إحياء املوتى ؟ علىذكره ابن . (يعاد فال يعذب وقد ظهر إيمانه باعترافه بأنه إنما فعل ذلك من خشية اهلل

. (604/ 6حجر يف فتح الباري )

ن )قد يغلط يف بعض الصفات قوم من املسلمني فال يكفرو : وذكر قول ابن قتيبة . (أهـ. بذلك

لم يكن عالما بجميع ما يستحقه اهلل ) : ويف قول شيخ اإلسالم عن ذلك الرجل؛ ما يبني أنه لم ينكر البعث (): ،وقول اخلطايب…( من الصفات وبتفصيل أنه القادر

أن األمر ليس كما ذهب إليه بعض أهل التجهم واإلرجاء من دعوى أن هذا الرجل أنكر (( ومن مث توجيه )) زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا : ستدل بقوله تعاىلالبعث مطلقا، مث ي

وتعميم إعذاره باجلهل يف إنكار البعث مطلقا، لينتقل بذلك إىل إعذار الطواغيت املشرعني واحلكام املرتدين احملاربني للدين املتولني ألعدائه، الذين قد خرجوا من دين اهلل من أبواب

أن هذا من حتميل الدليل ما ال حيتمله، فالرجل كما هو ظاهر مل !! فال شك .. عديدةيكن منكرا لقدرة اهلل على البعث، وإمنا دخله اجلهل يف سعة هذه القدرة وتفاصيلها، وأنه

وتفرق يف األهنار والبحار من رماده وبعثه، وهذا . سبحانه قادر على مجع ما ذرته الرياحخيفى وتذهل عنه األذهان،خصوصا مع شدة الفزع التفصيل حتار فيه العقول، وقد

واالندهاش يف سكرات املوت ، وهو مما ال يعرف إال من طريق احلجة الرسالية، فال حيل مماثلة اخلطأ أو اجلهل يف مثل هذا األمر اخلفي ،وتنزيل العذر فيه وإحلاقه بالشرك األكرب

ة الدين ،وغري ذلك من الكفر البواح الواضح املستبني، والردة الصرحية املضاف إليها حمارب

( إشارة إىل قول القائل يف السؤال أنه )إذا جتوهر بدوامه على الرياضة سقطت عنه األوامر والنواهي.. 77) .)

(359) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

الذي ارتكس يف محأته طواغيت احلكم، مناقضني بكفرياهتم أظهر وأصرح وأشهر أمور . الدين اليت بعث هبا الرسل كافة

فواهلل الذي ال إله إال هو ال يساوي أو مياثل بني خطأ هذا الرجل املوحد وبني طوام ا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم خيسرون، القوم ؛إال املطففون الذين إذا اكتالو

أال يظن أولئك أنهم املتالعبون باألدلة، الذين يلوون أعناقها ويتالعبون بدالالهتا، )) ((؟؟؟مبعوثون ليوم عظيم

فقد عرفت مما تقدم أنه ال جيوز مساواة اخلطأ يف األبواب اخلفية اليت ال تعرف إال واليت يعذر اجلاهل فيها،ومماثلتها مبناقضة األبواب الظاهرة املعلومة من طريق احلجة الرسالية

من الدين ضرورة، فكيف مبناقضة أشهرها، أعين أصل التوحيد الذي أقام اهلل فيه على خلقه حججه البالغة الظاهرة،فغرسه يف فطرهم ،وزينه يف عقوهلم وقبح مايناقضه من الشرك

ل أن خيلقهم ، وبعث مجيع رسله لتقريره وإبطال ما يناقضه والتنديد ،وأخذ عليه امليثاق قبمن الشرك وأنزل مجيع كتبه من أجله، حىت إن اليهود والنصارى ال خيفى عليهم اليوم أن

. ذلك أصل أصول دين حممد صلى اهلل عليه وسلم ، وأعظم وأهم قواعدهالتفاق، فال فهو ال خيفى إال على من كسب جهله باإلعراض وهذا ليس مبعذور با

حتل مساواة البابني وخلط أحدها باآلخر، كما ال حيل مساواة أهل التوحيد بأهل الشرك . والتنديد

واهلل ما استويا ولن يتالقيا حىت تشيب مفارق الغربانهذا وقد روى اإلمام أمحد يف مسنده زيادة مهمة حلديث ذلك الرجل تدل على أنه

تنزيل أعذار املوحدين يف املسائل اخلفية ،على طوام املشركني كان من املوحدين ، فال حيل . يف شركهم الصراح وكفرهم البواح

قال احلافظ ابن رجب احلنبلي معلقا على حديث " فيخرج من النار قوما مل يعملوا ) املراد بقوله "مل يعملوا خريا قط" من أعمال اجلوارح وإن كان أصل التوحيد : …"خريا قط

وهلذا جاء يف حديث الذي أمر أهله أن حيرقوه بعد موته بالنار )إنه مل يعمل خريا معهم،( خرجه اإلمام أمحد من حديث أيب هريرة مرفوعا ومن حديث ابن مسعود غير التوحيدقط

. (78)موقوفا( أهـ

( ط 260( )الباب الثامن والعشرون( ص )( من كتاب )التخويف من النار والتعريف حبال دار البوار78) دار الرشيد.

(360) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فتأمل كيف عذر اهلل تعاىل من جاء بالتوحيد يف خطئه يف هذه األبواب اخلفية ، . ء بأصل الدين واإلميان وعروة النجاة الوثقى اليت ال انفصام هلاألنه قد جا

فبدل الذين ظلموا من أفراخ اجلهمية واملرجئة قوال غري الذي قيل هلم وعكسوا؛ فعذروا الطواغيت واملرتدين املناقضني ألصل التوحيد من أبواب شىت، فحكموا هلم باإلسالم

. لناجنيواإلميان وعصموا دماءهم وجعلوهم من اومل يعذروا من أخطأ من علماء املسلمني أودعاهتم يف أبواب قد ختفي على بعض الناس إذ هي مما ال يعرف إال من طريق احلجة الرسالية ؛ وإن كان عندهم أصل التوحيد

(79). واإلميان؛ فجرؤوا سفهاءهم عليهم وضللوهم وهلكوهم، بل ومنهم من كفرهممية يف مناظرته على العقدية الواسطية ملا اعرتض بعض قال شيخ اإلسالم ابن تي

)هذا اعتقاد الفرقة الناجية( ؛أن ذلك قد يقتضي أن بعض من : املناظرين على قوله فيهاوليس كل من خالف في شيء من هذا ) : خالفوها بأشياء هلكى غري ناجني ، فقال

مخطئا يغفر اهلل خطأه، االعتقاد يجب أن يكون هالكا، فإن المنازع قد يكون مجتهدا )ط دار ابن حزم، . ( أهـوقد ال يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة

(3/116) . ويقول اإلمام الذهيب، يف تكفري من مل يقر ببعض صفات اهلل تعاىل الثابتة كالنزول

قال ذلك، إنما يكفر بعد علمه بأن الرسول صلى اهلل عليه وسلم) : والعجب وحنوها . (282رقم ) 232( أهـ من خمتصر العلو ص ثم إنه جحد ذلك ولم يؤمن به

)هلل تعاىل أمساء وصفات ال : ( عن الشافعي رمحه اهلل أنه قال177ونقل فيه ص )فأما قبل يسع أحدا قامت عليه احلجة ردها، فإن خالف بعد ثبوت احلجة عليه فهو كافر،

هل، ألن علم ذلك ال يدرك بالعقل، وال بالروية ثبوت الحجة عليه فمعذور بالج . (202رقم ). ( أهـ 80…والفكر

(79)

وأقرب مثال على ذلك هجمة أهل التجهم واإلرجاء يف زماننا على الشيخ اجملاهد سيد قطب رمحه اهلل تعاىل

(80)ومنه تعلم تسرع وخطأ من أنكر علينا التفريق يف باب العذر باجلهل بني اجلهل يف أبواب األمساء

ها من املسائل اليت ال تعرف إال من طريق احلجة الرسالية ، وبني نقض أصل التوحيد والصفات وحنو باجلهل بعبادة غري اهلل والشرك الواضح املستبني الذي ال يعذر اجلاهل فيه ، قال: ) ومل يقل به أحد من

: ) كيف السلف(، فتأمل كالم السلف أعاله مع التفصيل املتقدم ، تعلم خطأه يف هذا ويف قوله بعدهيعرف العبد حق اهلل عليه من التوحيد، وهو جيهل املعبود وأمساءه وصفاته، ومث يكون معذورا باجلهل.. ؟!!

(361) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

هـ( يف كتابه )التبصري يف 310ونقل أيضا يف الكتاب نفسه عن ابن جرير الطربي )فإن هذه المعاني ) : معامل الدين( بعد أن ذكر بعض صفات الرب تبارك وتعاىل، قوله

ه نفسه ورسوله، ما ال يثبت علمه بالفكر التي وصفت، ونظائرها مما وصف اهلل ب . (274( رقم )224ص). والروية، ال نكفر بالجهل بها أحدا إال بعد انتهائها إليه( أهـ

أنه جيب التفريق يف باب العذر باجلهل بني ما علم ضرورة من دين … واخلالصة الواضح املستبني الذي اإلسالم وتأباه الفطر السليمة ويقبحه العقل السليم ؛ كأبواب الشرك

ال جيوز أن جيهل كونه مما يناقض دين اإلسالم أحد ممن ينتسب إليه ، إذ أن ذلك ال خيفى على صبيان املسلمني وحىت اليهود والنصارى يعرفون أن حممدا صلى اهلل عليه وسلم، بل

. وكافة الرسل من قبله قد بعثوا بإبطاله وهدمهد ختفى وحتتاج إىل تعريف وبيان وال تعلم إال باحلجة وبني ما كان من األمور اليت ق

الرسالية املفصلة، فمثل هذا يعذر فيه باجلهل خالفا الباب األول، فيجب عدم املبادرة يف … التكفري به إال بعد التعريف وإقامة احلجة

وقد ساواه بعض املتحمسني بالباب األول، فأخرجوا من دائرة اإلسالم، بتهورهم املسلمني، وقابلهم املفرطون من أهل التجهم واإلرجاء وحنوهم من املتساهلني ، كثريا من

فأخذوا كالم األئمة وإعذارهم يف املسائل اخلفية ؛ فأنزلوه على الكفر املعلوم من الدين ضرورة، وقايسوه عليها، وأحلقوا هبا الشرك الواضح املستبني ؛ فعذروا بذلك الطواغيت ورقعوا

. اح، وجادلوا عن املشرعني املشركني، والطغاة احملاربني للدينلكفرهم البو ، واهلل وسط، بين الغالي فيه، والجافي عنه -كما قال شيخ اإلسالم– ودين اهلل"

إما إفراط . تعاىل ما أمر عباده بأمر، إال اعرتض الشيطان فيه بأمرين ال يبايل بأيهما ظفر . (3/236ط دار ابن حزم( ) )جمموع الفتاوى…" فيه، وإما تفريط فيه

( أهـ. أقول: تأمل حال زيد بن عمرو بن نفيل قبل البعثة ،وكيف كان حمققا للتوحيد وجمتنبا للشرك فاصيل أمساء اهلل وصفاته وحنوها من والتنديد ، فقد عرف حق اهلل عليه من التوحيد ؛ دون أن يعرف ت

مسائل اإلميان التفصيلية اليت ال تعرف إال من طريق الرسل ، وتذكر أنه كان حنيفا مع هذا ، وقال عنه .النيب صلى اهلل عليه وسلم: ) حيشر أمة يوم القيامة ( ؛ تعرف اإلجابة على سؤالك اإلستنكاري

(362) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((28)) صيلتكفير كل من خالف اإلجماع دون تف

ودون ومن أخطاء التكفري أيضا تكفري كل من خالف اإلمجاع دومنا تفصيل مراعاة ما يكتنف اإلمجاع وإمكان انعقاده، وإمكان العلم به وثبوته وحجيته بنوعيه الصريح

كل مطلع على كالم احملققني من علماء األصول منها والسكويت ؛ من خالف معلوم عند . ،ولك أن تتأمل خالصة ذلك يف مبحث اإلمجاع للشوكاين يف كتابه القيم "إرشاد الفحول"

والذي نعتقد صحته يف هذا الباب وإمكان انعقاده وحتققه، ونتابعه ونعده من -ائل هلا أصل أو مستند سبيل املؤمنني؛ ما ثبت من إمجاع الصحابة رضي اهلل عنهم على مس

من الشريعة، وذلك قبل تفرقهم يف األمصار، كإمجاعهم على بيعة أيب بكر الصديق، . وإمجاعهم على قتال مانعي الزكاة وحنوه

خبالف ما حيكى ويدعى من إمجاع من سواهم مما يعسر إثباته ، واليعلم مستنده ، ، بل هو (81)وأومأ إليه اإلمام أمحدوهذا ليس بدعا من القول منا، فهو قول الظاهرية

)اإلمجاع أن يتبع ما : املشهور عنه كما قال الشوكاين، ونقل عنه من رواية أيب داود أنه قالوهو . جاء عن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم، وعن أصحابه، وهو يف التابعني خمري( أهـ

. (82)ظاهر كالم ابن حبان يف صحيحهعلى ما علم من الدين بالضرورة مما الخيالف فيه أحد من وكذا إمجاع املسلمني -

. أهل اإلسالم ال ملا إال" عليه جمتمع "هذا العلم أهل من أحد وال أقول لست ): الشافعي يقول

أشبه وما، اخلمر وكتحرمي، أربع كالظهر، قبله عمن وحكاه، لك قاله إال أبدا عاملا تلقى . [534ص الرسالة ] ( هذا

أن يعين): قال العالمة أمحد شاكرمعلقا يف هامش الرسالة على كالم الشافعي هذا وأقمنا ذلك أوضحنا كما، بالضرورة الدين من املعلوم األمر يف إال إمجاعا يكون ال اإلمجاع . (أهـ املختلفة الكتب على حواشينا من كثري يف مرارا عليه احلجة

(. 155( انظر مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص )81)

(. 148( إرشاد الفحول، ص )82)

(363) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

العامة كلفتها اليت الفرائض مجل سوى فيما إلمجاعا يدع )مل: أيضا الشافعيوقال بعدهم من الذين القرن وال التابعني وال، اهلل صلى اهلل عليه وسلم رسول أصحاب من أحد

إىل العامة نسبته أحد وال، األرض ظهر على علمته عامل وال، يلوهنم الذين القرن وال، وقد عرفه العلم أهل من أحدا أعلم مل عىنمب فيه قال قائال فإن الزمان من حديثا إال علم

. [1/153]األم. أهـ ( إبطاله منهم عدد عن حفظت ال اليت الفرائض مجلة يف، كثري اهلل حبمد نعم ): إمجاع من هل سأل عندما وقال

يعرف أحدا حولك جتد مل، الناس أمجع قلت لو الذي هو اإلمجاع فذلك، جهلها يسع، فيها اإلمجاع ادعى من هبا يصدق اليت الطريق فهذه، بإمجاع ذاه ليس لك يقول شيئا . [7/281 ]األم. (أهـ غريها األصول ودون فروعه دون العلم أصول من أشياء ويف

رفوهع اهلل رسول أصحاب مجيع أن تيقن ما هو: واإلمجاع: مسألة ): حزم وقال ابن السالم عليه معه صلوا عنهم اهلل رضي كلهم أهنم كتيقننا أحد منهم خيتلف ومل به وقالوا

الناس مع صالها أنه علموا أو، وسجودها ركوعها عدد يف هي كما اخلمس الصلوات وكذلك، احلضر يف رمضان الناس مع صام أنه علموا أو، معه صاموا كلهم وأهنم، كذلك

ما وهذا، ملؤمننيا من يكن مل هبا يقر مل من واليت اليقني هذا مثل تيقنت اليت الشرائع سائر، غريهم األرض يف مؤمن ال املؤمنني مجيع حينئذ كانوا وهم إمجاع أنه يف أحد خيتلف ال

احمللى ]. أهـ ( إليه سبيل وال يدعي ما على الربهان كلف إمجاع هو هذا غري أن ادعى ومن1/54]

يصح ال ريهغ إمجاع وال املتيقن اإلمجاع هو الذي اإلمجاع )إن: اهلل أيضا رمحهوقال : قسمني ينقسم لكن، بالدعوى ادعاؤه وال تفسريه

فليس به يقل مل من أن يف، اإلسالم أهل من أحد فيه يشك ال ما كل: أحدمها -، اخلمس الصلوات وكوجوب، اهلل رسول حممدا وأن، اهلل إال إله ال أن كشهادة مسلما فهذه، الزكاة ومجلة، بالقرآن واإلقرار، واخلنزير والدم امليتة وكتحرمي، رمضان شهر وكصوم

مسلم فهو هبا قال من فكل، كذلك ذلك فإذ، مسلما فليس هبا يقر فلم بلغته من أمور . اإلسالم أهل مجيع من إمجاع أهنا صح فقد،

اهلل رسول فعل من عنهم اهلل رضي الصحابة مجيع شهده شيء: الثاين القسم - يف كفعله، منهم السالم عليه عنه غاب من كل عرفه هأن تيقن أوصلى اهلل عليه وسلم،

، شاءوا إذا املسلمون خيرجهم، متر أو زرع من منها خيرج ما بنصف يهود أعطاها إذ خيرب، إليه وصل أو األمر شهد إال املدينة يف مسلم يبق مل أنه يف أحد كل عند شك ال فهذا

(364) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

إال مسلم النائية والبالد مبكة يبق ومل، الضعفاء والصبيان النساء من للجماعة ذلك يقع .. .. به وسر عرفه

أن وال، عنهما خارجا اإلمجاع يكون أن إىل سبيل وال لإلمجاع قسمان فهذانكاذبة( فدعوى عدامها وما إنكارمها أحدا ميكن وال، إليهما صحيح نقل بغري إمجاع يعرف

[150-4/149 ]اإلحكام. أهـمتفق عليه بني عامة املسلمني من الفقهاء : )اإلمجاع : تيميةوقال شيخ اإلسالم ابن

والصوفية وأهل احلديث والكالم وغريهم يف اجلملة، وأنكره بعض أهل البدع من املعتزلة . والشيعة

لكن المعلوم منه ما كان عليه الصحابة، وأما ما بعد ذلك فتعذر العلم به غالبا، واختلف . من اإلجماعات الحادثة بعد الصحابةولهذا اختلف أهل العلم فيما يذكر

يف مسائل منه كإمجاع التابعني على أحد قويل الصحابة، واإلمجاع الذي مل ينقرض عصر أهله حىت خالفهم بعضهم، واإلمجاع السكويت وغري ذلك( أهـ جمموع الفتاوى )ط دار ابن

. (11/187حزم( )يتعذر القطع بإمجاعهم يف مسائل ( أن املسلمني ) 17/ص13وقد ذكر فيها أيضا )

. فإنه ميكن العلم بإمجاعهم كثريا ( أهـ : النزاع خبالف السلفمن ادعى اإلجماع فقد كذب هذه : )وهلذا قال أمحد وغريه من العلماء: وقال

والذين كانوا يذكرون اإلجماع . ال أعلم نزاعا : دعوى المريسي واألصم، ولكن يقولهذا هو : غيرهما يفسرون مرادهم بأنا ال نعلم نزاعا، ويقولونكالشافعي وأبي ثور و

. (19/147( أهـ الفتاوى )اإلجماع الذي ندعيهحول اإلمجاع يف هامش حزم البن كالم على معلقا شاكر أمحد العالمة وقال

، به واالحتجاج اإلمجاع معىن يف احلق هو املؤلف إليه ذهب الذي هذا ): إحكام األحكام يتصور فال األصوليون يدعيه الذي اإلجماع أما، بالضرورة الدين من املعلوم عينهب وهو

األمر حزبهم إذا الفقهاء ترى ما وكثيرا . خيال إال هو وما أبدا يكون وال وقوعه اإلجماع إنما. هلل وحاش، بالكفر مخالفه ونبزوا، اإلجماع ادعوا الحجة وأعوزتهم

… بالضرورة الدين من المعلوم ترالمتوا هو مخالفه يكفر الذي

(365) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

: أحدمها-: نوعان اإلمجاع أن اعلم: اإلمجاع يف قوله الوزير ابن العالمة عن نقل مث عنه يستغىن ولكنه صحيح إمجاع فهذا، خمالفه يكفر حبيث الدين من بالضرورة صحته تعلم

. الدين من الضروري بالعلم الظن إال التواتر بعد ليس ألنه ظنيا إال ونيك وال املرتبة هذه عن نزل ما: وثانيهما -

حبصول العلم مينع من حجة هو وهذا، باإلمجاع قطعية مرتبة النقل يف بينهما وليس، [144، 4/142 اإلحكام ]. (أهـ اإلسالم انتشار بعد اإلمجاعات

أضف إىل هذا أنه البد لإلمجاع من مستند شرعي صحيح، وهذا املستند هو احلجة ندنا، وإمنا يزيد اإلمجاع تقوية للدليل الظين جبعله قطعيا ال خالف فيه، كما أفاد والدليل ع

. بعض العلماءوإال فاإلمجاع ليس دليال شرعيا مستقال يضيف إىل الكتاب والسنة تشريعا غري الذي فيهما كما يفسره بعض املتأخرين عياذا باهلل، وأهل اإلمجاع ولو كانوا أصحابه كما هو

صحيح ؛ ليس هلم أن يستدركوا على الشارع بشيء، وحاشى الصحابة وحاشى فقهم ال . وورعهم من هذا اخلطل والزلل

إذ أن أصل دعوة األنبياء واملرسلني اليت هي سبيل املؤمنني من الصحابة وغريهم إىل أين ؛ الرباءة من األرباب املتفرقني –وحنن على ذلك بتوفيق اهلل تعاىل -أن تقوم الساعة

كانوا، وجتريد العبادة وإفرادها بكافة أنواعها هلل الواحد القهار، ومن ذلك التشريع الذي ال . حيل صرفه أو قبوله من غري اهلل تعاىل

ولذلك فقد نص أئمتنا على أن من أطاع العلماء واألمراء يف حتليل ما حرم اهلل تعاىل به اهلل ؛ فقد اختذهم أربابا من دون اهلل أو حترمي ما أحل اهلل تعاىل أو تشريع ما مل يأذن

تعاىل، كما حكى اهلل تبارك وتعاىل يف سورة براءة عن أهل الكتاب يف عبادهتم لألحبار وقد .. وكما فسره وبينه النيب صلى اهلل عليه وسلم يف حديث عدي بن حامت . والرهبان

. تقدمعني يف زمان ما؛ إذا كان على ولذلك فأن إمجاع املنتسبني إىل العلم أو الناس أمج

حكم غري حكم اهلل تعاىل فليس من سبيل املؤمنني، بل هو من سبيل املشركني، كما كان .. حال اليهود

يوضحه حديث الرباء بن عازب عند مسلم، يف قصة اليهودي الذي رمجه النيب : د الزنا عندهمصلى اهلل عليه وسلم، وفيه قول عاملهم ملا سأله صلى اهلل عليه وسلم عن ح

(366) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

)جند حد الزاين يف كتابنا الرجم، ولكنه كثر يف إشرافنا فكنا إذا زنا فينا الشريف تركناه، وإذا فأجمعناتعالوا جنعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع : زنا الضعيف أقمنا عليه احلد فقلنا

زل اهلل فأؤلئك هم فأنزل اهلل )ومن مل حيكم مبا أن : قال الرباء… على التحميم واجللد . الكافرون( )الظاملون( )الفاسقون( يف الكفار كلها

على حكم وتشريع غري : أي…( على التحميم واجللد فأجمعنافتأمل قوله ) حكم اهلل وتشريعه، أي أنه إمجاع على حكم خمرتع حمدث ال نص له من الشارع وال

. سبيل املؤمنني يف شيءفهذا كما ترى كان سبيل املشركني، وليس هو من … مستند: ولذلك فإن أشهر ما استدل به الفاحتون لباب اإلمجاع على مصراعيه، قوله تعاىل

ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما )) . (115: (( )النساء تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا

والصحيح الذي ال معدل عنه . ما فسروهفزعموا أن سبيل املؤمنني هو إمجاعهم كأن سبيلهم هو الكتاب والسنة ؛ الوحيان اللذان يتضمنان توحيد اهلل وإفراده بالعبادة واحلكم والتشريع، وتوحيد الرسول صلى اهلل عليه وسلم باملتابعة، وذانك ما حتويه شهادة أن

الم، والسبيل الذي صاروا به مؤمنني، ومها أصل اإلس . ال إله إال اهلل، وأن حممدا رسول اهللوالذي يقابله الكفر باهلل والتويل عن اتباع الرسول، ومشاقته، ولذلك قرن اهلل تعاىل مشاقة الرسول صلى اهلل عليه وسلم، باتباع غري سبيل املؤمنني؛ )واملشاقة ال حتصل إال مع الكفر،

. (83)آلخر يف الشق اآلخر(بيانه أن املشاقة مشتقة من كون أحد الشخصني يف شق وا) الكافر يف شقاق بعيد قد شاق اهلل ورسوله صلى : ويقول شيخ اإلسالم ابن تيمية

اهلل عليه وسلم وال أحد أضل ممن هو يف مثل هذا الشقاق حيث كان يف شق واهلل ورسوله والشقاق قد يكون مع العناد وقد يكون مع اجلهل ، فإن اآليات إذا ظهرت .. .. يف شق

(84)فأعرض عن النظر املوجب للعلم كان مشاقا (فعلم أن الوعيد املذكور يف اآلية ال يتناول من خالف اإلمجاعات املزعومة اليت توسع

. حىت كفروا املخالف هلا… هبا أهال وجعلوها من أبواب التشريعاملعرض عن وإمنا املراد هبذا الوعيد املشاقق هلل ولرسوله صلى اهلل عليه وسلم املتويل

. حكم الكتاب والسنة اللذان مها سبيل املؤمنني ال غري

(. 24-23(، وانظر الصارم املسلول ص )135إرشاد الفحول للشوكاين ص ) (83) . 407-406/ 5اجلواب الصحيح جـ (84)

(367) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

قال الشوكاين بعد أن ساق كالم الغزايل يف احملصول يف مناقشة احملتجني لإلمجاع )إذا عرفت ما قدمناه كما ينبغي علمت أن اآلية ال تدل على مطلوب : باآلية املذكورة

. حول( من إرشاد الف139املستدلني هبا( أهـ ص ))والعجب من الفقهاء أهنم اثبتوا اإلمجاع : وكان قد نقل قبل ذلك عن الغزايل قوله

بعمومات اآليات واألخبار، وأمجعوا على أن املنكر ملا تدل عليه العمومات، ال يكفر وال يفسق إذا كان ذلك اإلنكار لتأويل، مث يقولون؛ احلكم الذي دل عليه اإلمجاع مقطوع

أهـ . فاسق، فكأهنم قد جعلوا الفرع أقوى من األصل !! وذلك غفلة عظيمة(وخمالفه كافر و . (138اإلرشاد ص )

ولذلك فاعلم أن التكفري بدعوى خمالفة اإلمجاع أو رده، مزلة جيب احلذر منها، . خصوصا إذا عرف ما يف صورته املوسعة من خالف

معلوما كما تقدم تفصيله والصواب يف هذا الباب؛ أن ال يكفر إال من جحد إمجاعا ثابتا ثبوتا قطعيا، مستندا إىل نص شرعي صحيح، فيكفر جاحده أو معارضه، جلحد النص الواضح املعلوم، خبالف من رد إمجاعا مزعوما غري معلوم املستند، من دعاوى اإلمجاع

سكوتية من الكثرية اليت تساهل يف ادعائها الناس، ويعسر إثباهتا، فضال عن اإلمجاعات ال . !!.. ذلك، أو ما يدعيه أهل البدع من إمجاعات

أضف إىل ذلك أن يكون اإلمجاع من املعلوم من الدين ضرورة )أي ما كان ظاهرا . متواترا معلوما عند اخلاص والعام( وليس هو من جنس املسائل اخلفية اليت يعذر اجلاهل هبا

: ل بتكفري جاحد اإلمجاعيقول النووي تعليقا على إطالق الرافعي القو أطلق اإلمام الرافعي القول بتكفير جاحد المجمع عليه، وليس هو على )بل من جحد مجمعا عليه فيه نص، وهو من أمور اإلسالم الظاهرة التي . إطالقه

يشترك في معرفتها الخواص والعوام كالصالة، أو الزكاة، أو الحج، أو تحريم الخمر . هو كافرأو الزنا ونحو ذلك ف

ومن جحد مجمعا عليه ال يعرفه إال الخواص كاستحقاق بنت االبن السدس مع بنت الصلب وتحريم نكاح المعتدة، وكما إذا أجمع أهل عصر على حكم حادثة

. (2/146)روضة الطالبني . ( أهـفليس بكافر

(368) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

إله إال وقال يف شرحه ملسلم )كتاب اإلميان( )باب األمر بقتال الناس حىت يقولوا الإذا كان علمه كل من أنكر شيئا مما أجمعت األمة عليه من أمور الدين ) : …(اهلل

وصوم شهر رمضان واالغتسال من الجنابة وتحريم (85)كالصلوات الخمس منتشرا،الزنا والخمر ونكاح ذوات المحارم ونحوها من األحكام إال أن يكون رجال حديث

. (86).. ، فإنه إذا أنكر شيئا منها جهال به لم يكفرعهد باإلسالم وال يعرف حدودهفأما ما كان اإلجماع فيه معلوما من طريق علم الخاصة، كتحريم نكاح المرأة

. على عمتها وخالتهاوأن القاتل عمدا ال يرث وأن للجدة السدس وما أشبه ذلك من األحكام، فإن

. (1/183). علمها في العامة( أهـ من أنكرها ال يكفر بل يعذر فيها لعدم استفاضةالمسائل اإلجماعية تارة يصحبها التواتر عن ) : هـ(702ويقول ابن دقيق العيد )

صاحب الشرع كوجوب الصالة مثال، وتارة ال يصحبها التواتر، فالقسم األول يكفر . ( أهـجاحده لمخالفته التواتر، ال لمخالفته اإلجماع، والقسم الثاني ال يكفر به

( وتأمل قوله )ملخالفته التواتر، ال ملخالفته 4/84إحكام األحكام شرح عمدة األحكام ) . اإلمجاع(

الصحيح في تكفير منكر اإلجماع تقييده بإنكار ما ) : ويقول احلافظ العراقي . (12/202( فتح الباري) يعلم وجوبه من الدين بالضرورة كالصلوات الخمس

وال يعتقد أن جاحد ما أجمع عليه يكفر على ) :ويقول القرايف يف )الفروق(بل البد أن يكون المجمع عليه مشتهرا في الدين حتى صار ضروريا، فكم . اإلطالق

من المسائل المجمع عليها إجماعا ال يعلمه إال خواص الفقهاء، فجحد مثل هذه . (4/117( أهـ )المسائل التي يخفى اإلجماع فيها ليس كفرا

: السعود مراقي صاحب قال

ابتدع ما وبئس االمجاع إنكار اتـ بع قد الـذي يكـ فر وال

( مل يعدد الزكاة هنا ألن الكالم قبل هذا مباشرة كان فيها فهي من مجلة ذلك. 85)

)من جحد ما يعلم من دين اإلسالم ضرورة حكم ( وقال يف موضع آخر من كتاب اإلميان أيضا: 86)بردته وكفره، إال أن يكون قريب عهد باإلسالم، أو نشأ ببادية بعيدة وحنوه ممن خيفى عليه فيعرف ذلك، فإن استمر حكم بكفره، وكذا حكم من استحل الزنا أو اخلمر أو القتل أو غري ذلك من احملرمات اليت

( شرح مسلم. 1/134يعلم حترميها ضرورة( أهـ. )

(369) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وقــع قــد علمه مما عليه أمجعا قد ما اجلاحد والكافر

القــوي يف املشـهور ومثلـه الـديين من الضروري عن

هل يكفر؟ : )وقد تنازع الناس يف خمالف اإلمجاع : ويقول شيخ اإلسالم ابن تيميةوالتحقيق أن اإلجماع المعلوم يكفر مخالفه كما يكفر مخالف النص : على قولني

، وأما العلم بثبوت اإلمجاع يف بتركه، لكن هذا ال يكون إال فيما علم ثبوت النص بهجمموع الفتاوى . ( أهـ…مسألة ال نص فيها فهذا ال يقع، وأما غري املعلوم فيمتنع تكفري

. (19/146دار ابن حزم( ). )ط) وقد أدخل قوم يف : ويقول رمحه اهلل تعليقا على قول ابن حزم يف مراتب اإلمجاع

اإلمجاع ما ليس فيه ، وقوم عدوا قول األكثر إمجاعا ، وقوم عدوا ما ال يعرفون فيه حالفا عدوا قول الصاحب املشهور املنتشر إمجاعا وإن مل يقطعوا على أنه ال خالف فيه ، وقوم

إذا مل يعلموا له من الصحابة خمالفا وإن وجد اخلالف من التابعني فمن بعدهم فعدوه إمجاعا، وقوم عدوا قول الصاحب الذي ال يعرفون له خمالفا من الصحابة رضي اهلل عنهم

وكل : إىل أن قال …وإن مل يشتهر وال انتشر امجاعا ، وقوم عدوا قول أهل املدينة إمجاعا هذه آراء فاسدة ولنقضها مكان آخر ويكفي يف فسادها أهنم جندهم يرتكون يف كثري من مسائلهم ما ذكروا أنه إمجاع ، وإمنا حنوا إىل تسمية ما ذكرنا إمجاعا ؛ عنادا منهم وشغبا

. عند اضطرار احلجة والرباهني هلم هلم إىل ترك اختياراهتم الفاسدةال يكفرون من خالفهم يف هذه املعاين ، ومن شرط اإلمجاع الصحيح وأيضا فإهنم

أن يكفر من خالفه بال اختالف بني أحد من املسلمني يف ذلك فلو كان ما ذكروه إمجاعا وال حول . ولبيان كل هذا مكان آخر. لكفر خمالفوهم بل لكفروا هم ألهنم خيالفوهنا كثريا

. ( 10 – 9مراتب اإلمجاع )ص . ـ(أه. وال قوة إال باهلل العلي العظيم) ما ألزمهم إياه من تكفري املخالف غري الزم فإن كثريا من : قال شيخ اإلسالم

العلماء ال يكفرون خمالف اإلمجاع،وقوله إن خمالف اإلمجاع يكفر بال اختالف من أحد من لك املسلمني هو من هذا الباب فلعله مل يبلغه اخلالف يف ذلك مع أن اخلالف يف ذ

مشهور مذكور يف كتب متعددة ، والنظام نفسه املخالف يف كون اإلمجاع حجة ال يكفره فمن كفر مخالف اإلجماع إنما يكفره إذا بلغه اإلجماع ؛ (87)ابن حزم والناس أيضا

(87)

املراد هنا أهنم مل يكفروه إلنكاره حجية اإلمجاع وإال فمعلوم أن طائفة قد أكفرته ألمور أخرى ( تقريبا ، قيل سقط سكرانا 231،والنظام هو شيخ اجلاحظ ابراهيم بن سيار البصري املعتزيل تويف سنة )

اله أيب اهلذيل وقد أكفره خاله وغريه من من غرفة فمات عن ست وثالثني سنة ، تلقى اإلعتزال عن خ

(370) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وكثري من اإلمجاعات مل تبلغ كثريا من الناس ، وكثري من موارد النزاع بني المعلوم ،اإلمجاع يف ذلك ؛ إما أنه ظين ليس بقطعي ، وإما أنه مل يبلغ املتأخرين يدعي أحدمها

)مراتب اإلمجاع (و)نقد مراتب اإلمجاع . اآلخر ، وإما العتقاده انتفاء شروط اإلمجاع ( أهـ . (11(البن حزم وابن تيمية ، ط دار الكتب العلمية ) ص

ين ضرورة أمر كون الشيء معلوما من الد) : وأخريا يقول شيخ اإلسالم رمحه اهللإضافي ؛ فحديث العهد باإلسالم ومن نشأ ببادية بعيدة قد ال يعلم هذا بالكلية فضال

، وكثري من العلماء يعلم بالضرورة أن النيب صلى اهلل عليه وسلم عن كونه يعلمه بالضرورة سجد للسهو وقضى بالدية على العاقلة ، وقضى أن الولد للفراش وغري ذلك مما يعلمه

جمموعة الرسائل الكربى ، البن تيمية . ة بالضرورة ، وأكثر الناس ال يعلمه البته (أهـاخلاص(1/89) .

إن خمالف اإلمجاع الصحيح إمنا يكفر عند : وأكتفي هبذا ألخلص ما تقدم بأن أقول : حتقق الشروط اآلتية

. أن يكون إمجاعا صرحيا صحيحا على ما قدمناه لك -1 . ابتا أن يكون معلوما قطعيا ث -2أن يكون هذا اإلمجاع مبنيا على نص صحيح معلوم، أي أن يكون له مستند -3

)دليل( من الشرع، حبيث يكون منكر هذا اإلمجاع، جاحدا لذلك النص املعلوم، قال . )وما جيحد بآياتنا إال الكافرون(: تعاىل

شتهرة أن يكون اإلمجاع فيما هو معلوم من الدين بالضرورة، أي من املسائل امل -4اليت يشرتك يف معرفتها العامة واخلاصة، وليس من املسائل اخلفية أو اليت ال يعلمها إال

. اخلاصة من العلماء، فمثل هذه املسائل البد فيها من إقامة احلجة والبيان قبل التكفريأن ال يكون جاحد اإلمجاع من حديثي العهد باإلسالم، أو ممن نشؤوا يف بادية -5

هم ممن مل تبلغهم احلجة، وقد ختفى عليهم بسبب ذلك مثل هذه املسائل بعيدة، أو حنو . املعلومة املشهورة بني عموم املسلمني

املعتزلة فضال عن طائفة من أهل السنة وهو أول من أنكر اإلمجاع والقياس وأطال لسانه يف الصحابة وكان كثري الوقيعة يف أهل احلديث .

(371) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

)) ومن يشاقق : (115وأخريا، فقد قال شيخ اإلسالم وهو يتكلم عن آية النساء ))وهذه اآلية تدل على أن إمجاع املؤمنني حجة؛ من جهة أن خمالفتهم : ((…الرسول

ملخالفة الرسول، وأن كل ما أمجعوا عليه فالبد أن يكون فيه نص عن الرسول، مستلزمة فيها باإلمجاع، وبانتفاء املنازع من املؤمنني، فإهنا مما بني اهلل فيه اهلدى، يقطع فكل مسألة

. وخمالف مثل هذا اإلمجاع يكفر كما يكفر خمالف النص البنيبأنها مما -أيضا –نا قد ال يقطع وأما إذا كان يظن اإلجماع وال يقطع به، فه

تبين فيه الهدى من جهة الرسول، ومخالف مثل هذا اإلجماع قد ال يكفر، بل قد . يكون ظن اإلجماع خطأ، والصواب في خالف هذا القول

. أهـ وهذا هو فصل الخطاب فيما يكفر به من مخالفة اإلجماع وما ال يكفر( . (7/29جمموع الفتاوى )ط دار ابن حزم( )

فتأمل تفريقه يف التكفري مبخالفة اإلمجاع بني القطعي والظين من اإلمجاع ، وتأمل تقريره بأن خمالفة اإلمجاع املقطوع به يلزم منها خمالفة، الرسول ولذلك يكفر خمالف مثل هذا

. اإلمجاعوعلى هذا فما كان من اإلمجاع غري معلوم املستند، وال صريح األصل أو الدليل

قام عليه، كما هو شأن كثري من دعاوى اإلمجاع،أو أن يكون مما ال يعلم ضرورة من الذيدين املسلمني ؛ فإن التكفري حينئذ للمعارض أو املخالف ملثل هذه اإلمجاعات، يؤول إىل ما تقدم التنبيه عليه من التكفري باإللزام، الذي هو مزلة لألقدام، والذي ال يصح التكفري به

. مة احلجة بالتعريف بالزم القول، والتزام القائل لهإال بعد إقا

(372) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((29)) عدم التفريق بين كفر الردة وبين كفر التأويل

والتسوية بينهماومن أخطاء التكفري أيضا عدم التفريق بني كفر الردة وبني كفر التأويل والتسوية

.. بينهما من أهل البدع كالقدرية ما حيكم به العلماء على كثري: واملراد بكفر التأويل هنا

واملعتزلة واجلهمية وحنوهم من التكفري، فهؤالء وإن أطلق العلماء التكفري على بدعهم )اجلهمية كفار( وحنوه، لكنهم : ومقاالهتم، بل وأطلقوا التكفري على الطائفة منهم كقوهلم

ة، مع اخلالف عند تنزيل األحكام على األعيان، يفصلون، وال يكفرون إال بعد إقامة احلج . فيمن كان داعية منهم وغريه

ومن مث فالصواب أن ال يرتب على إطالق التكفري عليهم قبل ذلك ما يرتبونه على املرتد ردة صرحية يربأ فيها من الدين، ألن كفرهم ليس كفر حتول عن اإلسالم إىل دين آخر

ال هو من جنس ارتكاب بل هم يتمسكون باإلسالم ويتولونه وال يرضون بدين وملة غريه ،و نواقض اإلسالم الواضحة واملكفرات الصرحية كسب اهلل أو سب رسوله صلى اهلل عليه وسلم صراحة، بل يف بدعهم من اللبس واإلشكال، وتأول بعض النصوص بدعاوى التنزيه والتعظيم هلل تعاىل وحنوه ما يوجب إقامة احلجة عليهم وإزالة الشبهة قبل تكفريهم، فال جيوز

)من بدل دينه فاقتلوه(، إال بعد : مساواهتم باملرتد الذي قال فيه النيب صلى اهلل عليه وسلموسبب ذلك أن غالب كفرهم إمنا . وضوح احلجة واملعاندة واإلصرار على الكفر الصراح

. يكون بالالزم واملآل، وقد تقدم الكالم فيه)فصل، وأما : (2/272)قال القاضي عياض يف )الشفا بتعريف حقوق املصطفى(

من أضاف إىل اهلل تعاىل ما ال يليق به ليس على طريق السب وال الردة وقصد الكفر، ولكن على طريق التأويل واالجتهاد واخلطأ املفضي إىل اهلوى والبدعة من تشبيه أو نعت

، أو نفي صفة كمال فهذا مما اختلف السلف واخللف يف تكفري قائله ومعتقده،(88)جبارحةواختلف قول مالك وأصحابه يف ذلك، ومل خيتلفوا يف قتاهلم إذا حتيزوا فئة ،وأهنم يستتابون

( تنبه؛ فإن األشاعرة قد يعنون مبثل هذا إثبات الصفات حىت ولو على طريقة أهل السنة، فالقاضي 88) أشعري.

(373) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فإن تابوا وإال قتلوا وإمنا اختلفوا يف املنفرد منهم، فأكثر قول مالك وأصحابه ترك القول . أهـ…(بتكفريهم وترك قتلهم

بفئة وبني املقدور تأمل وفيه أيضا فائدة حول ما تقدم من التفريق بني املمتنعني مث ذكر أقواال للعلماء يف اخلالف يف ذلك وأن اخلالف يف إعادة الصالة خلفهم … عليه

)وممن روي عنه معىن القول اآلخر برتك : (2/275وقال ص ) .. متفرعة من هذا اخلالفوابن عمر واحلسن البصري، وهو رأي مجاعة من الفقهاء (89)تكفريهم علي بن أيب طالب

. ار واملتكلمنيوالنظواحتجوا بتوريث الصحابة والتابعني ورثة أهل حروراء، ومن عرف بالقدر ممن مات

. منهم ودفنهم يف مقابر املسلمني وجري أحكام اإلسالم عليهم(أهـولعل اخلالف الذي ذكره يف كالم السلف والعلماء يف أهل التأويل، ينضبط ويأتلف

التكفري املطلق أو تكفري الطائفة، وبني تكفريهم لألعيان كما إذا ميز وفرق بني أقاويلهم يف . تقدم، وسيأيت حنو هذا التوجيه لشيخ اإلسالم

وقال القاضي عياض أيضا يف )فصل يف حتقيق القول يف إكفار املتأولني( بعد أن ذكر اختالف الفقهاء يف ذلك، واختالف قويل مالك يف ذلك وتوقفه عن إعادة الصالة

)وهذا قول القاضي أبو بكر إمام أهل : تأولني من أصحاب البدع واألهواءخلف املإهنا من املعوصات إذ القوم مل يصرحوا باسم الكفر، وإمنا قالوا قوال : التحقيق واحلق، وقال

… يؤدي إليه، واضطرب، قوله يف املسألة على حنو اضطراب قول إمامه مالك بن أنس( . (277-2/276ترك التكفري باملآل( أهـ ))وأكثر ميله إىل : إىل قوله

أنه يجب االحتراز من التكفير في ونقل يف املوضع نفسه عن العلماء احملققني )أهل التأويل فإن استباحة دماء المصلين الموحدين خطر، والخطأ في تكفير ألف كافر

. (أهـأهون من الخطأ في سفك محجة من دم مسلم واحدالناس يف إكفار أهل التأويل وإذا فهمته اتضح لك )اختلف : (2/294وقال )

املوجب الختالف الناس يف ذلك، والصواب ترك إكفارهم واإلعراض عن احلكم عليهم باخلسران، وإجراء حكم اإلسالم عليهم يف قصاصهم ووراثتهم ومناكحاهتم ودياهتم والصالة

غلظ عليهم بوجيع األدب عليهم ودفنهم يف مقابر املسلمني، وسائر معامالهتم، لكنهم ي

( وسنورده عند الكالم يف اخلوارج. 89)

(374) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وشديد الزجر واهلجر حىت يرجعوا عن بدعتهم، وهذه كانت سرية الصدر األول . أهـ…(فيهم

) قوله" ستفرتق أميت على ثالث وسبعني فرقة " فيه داللة : وقال أبوسليمان اخلطايبلهم على أن هذه الفرق كلها غري خارجني من الدين اذ النيب صلى اهلل عليه وسلم جعلهم ك

السنن الكربى . ( أهـ. من أمته ، وفيه أن املتأول ال خيرج من امللة وإن أخطأ يف تأويله . (10/208للبيهقي )

( يف كتاب الشهادات عن اإلمام الشافعي 10/207وقد ذكر البيهقي يف سننه )بذلك وغريه من األئمة يف تكفري املبتدعة من اجلهمية والقدرية واخلوارج وحنوهم أهنم أرادوا

( واستدلوا على ذلك بقبوهلم 1/228وذكر مثله البغوي يف شرح السنة ).. كفرا دون كفر .. لشهادهتم

) فكأهنم أرادوا بتكفريهم ما ذهبوا إليه من نفي هذه الصفات اليت : قال البيهقيأثبتها اهلل تعاىل لنفسه وجحودهم هلا بتأويل بعيد مع اعتقادهم اثبات ما أثبت اهلل تعاىل

عدلوا عن الظاهر بتأويل فلم خيرجوا به من امللة وإن كان التأويل خطأ كما مل خيرج من فأنكر اثبات املعوذتني يف املصاحف كسائر السور من امللة من الشبهة وإن كانت عند غريه

. (10/207السنن الكربى ). ( أهـ. خطأ (92)بن املعتمروبشر (91)وابن األصم (90)وقال ابن حزم بعد أن ذكر أبا اهلذيل

وأباغفار (96)ومثامة (95) وجعفر بن مبشر (94) وجعفر بن حرب (93) وابراهيم بن سيار، واألزارقة والصفرية وجهال -وكلهم مبتدعة من أهل اإلعتزال – (98) والرقاشي (97)

(90)

هـ( من رؤوس املعتزلة عين باجلدل يف الكالم 236أبو اهلذيل هو حممد بن اهلذيل العالف البصري ) واستمد ذلك من كتب اليونان ،وهو خال النظام.

(91)الفرد عين ابن األصم هو أبو بكر عبد الرمحن بن كيسان البصري من طبقة بشر املريسي وحفص

بعلم الكالم وله تفسري وعناية بالفقه ولذا تذكر آراؤه يف كتب ابن جرير وكتب أيب بكر الرازي وغريمها من األقدمني ، وقد شذ يف اشرتاط نصاب الشهادة لقبول خرب اآلحاد بأن ال يقل رواته عن عدلني أو يرد

(92) األدب والكالم على طريقة أهل هو أبو سهل اهلاليل شيخ املعتزلة يف بغداد،كان عمله يف

هـ(.210اإلعتزال،تويف يف حدود سنة )(93)

هو النظام املعتزيل وقد تقدم (94)

هـ(.236هو اهلمداين كان صاحب ورع وزهد تويف سنة ) (95)

هـ(.234هو الثقفي املعتزيل وكان ال يرى األخذ بالقياس تويف سنة ) (96)

هـ(.213عروف باخلالعة تويف سنة )هو مثامة بن أشرس النمريي املعتزيل م (97)

لعله مصحف من ) أيب عفان ( الرقى املعتزيل صاحب اجلاحظ.

(375) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) وحنن : قال.. وأهل الرفض-وهم من أشهر فرق اخلوارج سنأيت على ذكرهم –األباضية فر كثريا ممن ذكرنا وال نفسق كثريا منهم بل نتوىل مجيعهم حاشا من أمجعت وإن كنا ال نك

. (15مراتب اإلمجاع ص). ( أهـ.. األمة على تكفريه منهم)فرق : ولذلك عدد هؤالء يف الفرق اإلسالمية أو فرق املقرين مبلة اإلسالم فقال

. (أهـ. ملرجئة ،والشيعة ،واخلوارجأهل السنة ،واملعتزلة ،وا: املقرين مبلة اإلسالم مخسة،وهم . ( من الفصل يف امللل واألهواء والنحل2/265)

، فال فيمن لم يخرج بعينه من دائرة اإلسالم والمواالة اإليمانية وهذا هو احلق ؛ بالكافر األصلي –ما دام مل خيرج هبا من دائرة اإلسالم –حيل مساواته مهما كانت بدعته

.. سالمأو باملرتد عن ملة اإلوحىت لو كانت بدعته بدعة مكفرة وكفر هبا فال يصح ما دام كفره كفر تأويل

مساواته بالكافر األصلي أو مبن ردته عن الدين وامللة ردة ظاهرة ، إذ أن هذه املساواة .. ليست مساواة نظرية فكرية بل هلا تبعاهتا وآثارها العملية

وإىل خطأ من سوى بني كفر الردة الظاهرة وقد نبه شيخ اإلسالم ابن تيمية إىل هذاهو كافر، فإنه يجب : إن كثيرا من الفقهاء يظن أن من قيل) : وبني كفر التأويل فقال

أن تجري عليه أحكام المرتد ردة ظاهرة، فال يرث وال يورث وال يناكح حتى أجروا . (هذه األحكام على من كفروه بالتأويل من أهل البدع وليس األمر كذلك

)والعلماء قد تنازعوا يف تكفري : إىل قوله بعد أن ذكر عدم تكفري الصحابة للحروريةأهل البدع واألهواء، وختليدهم يف النار، وما من األئمة إال من حكي عنه يف ذلك قوالن كمالك والشافعي وأمحد وغريهم، وصار بعض أتباعهم حيكي هذا النزاع يف مجيع أهل

كل من يعتقد أنه مبتدع بعينه، ويف هذا من اخلطأ (99)حىت التزم ختليد البدع، ويف ختليدهم،وقابله بعضهم فصار يظن أنه ال يطلق كفر أحد من أهل األهواء، وإن ما ال حيصى،

. كانوا قد أتوا من اإللحاد وأقوال أهل التعطيل واالتحاد

(98)

هو الفضل الواعظ من رجال ابن ماجة واهي الرواية ال حيتج به وهو قدري النحلة كما ذكر ابن قتيبة.

.وهذه الرتاجم خمتصرة ومستفادة كلها من هامش مراتب اإلمجاع (. 7/377)ختليدهم( )ط دار ابن حزم( ) يف األصل (99)

(376) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

)إن هلل ال : قالواوالتحقيق يف هذا أن القول قد يكون كفرا كمقاالت اجلهمية الذين يتكلم، وال يرى يف اآلخرة، ولكن قد خيفى على بعض الناس أنه كفر، فيطلق القول بتكفري

)من قال؛ القرآن خملوق فهو كافر( )ومن قال، إن اهلل ال يرى : القائل، كما قال السلفع أهـ جممو …( يف اآلخرة فهو كافر( وال يكفر الشخص املعني حىت تقوم عليه احلجة

. (377-7/375الفتاوى )ط دار ابن حزم( )وتأمل تفريقه بني كفر التأويل، أو الكفر يف األمور املشكلة اليت حتتاج إىل بيان

فإنه -كما تقدم–وتعريف، وبني الكفر الصريح الذي هو ككفر اليهود والنصارى أو أشد م كالتسرع يف تكفري أعيان يشري هنا إىل اإلحتادية، وأن التساهل يف تكفري أمثال هؤالء مذمو

. أهل التأويلويف كالمه إشارة أيضا إىل أن التساهل يف تكفري أهل الكفر الصريح، يكون أحيانا

فاحلق ما وافق الدليل ؛ ال هو مع … ردة فعل مقابلة لتهور بعض الناس يف التكفري . املتساهلني، وال مع املتهورين

: ضل اليهود والنصارى على الرافضة، فأجابوسئل رمحه اهلل تعاىل عن رجل يف -)احلمد هلل، كل من كان مؤمنا مبا جاء به حممد صلى اهلل عليه وسلم فهو خري من كل من كفر به، وإن كان يف املؤمن بذلك نوع من البدعة، سواء كانت بدعة اخلوارج والشيعة

معلوما باالضطرار من دين فإن اليهود والنصارى كفار، كفراواملرجئة والقدرية أو غريهم، اإلسالم، والمبتدع إذا كان يحسب أنه موافق للرسول صلى اهلل عليه وسلم ال مخالف

، ولو قدر أنه يكفر فليس كفره مثل كفر من كذب الرسول صلى له لم يكن كافرا به . (100)( أهـاهلل عليه وسلم

فر اليهود والنصارى فتأمل تفريقه بني من كان كفره كفرا معلوما باالضطرار ككوحنوهم، وبني من ليس كفره كذلك كمن ال يكذب الرسول صلى اهلل عليه وسلم بل يؤمن

. به وحيسب أنه موافق له وال يتعمد خمالفتهأنه ال تصح مساواة كفر التأويل، بكفر الردة الذي فيه تبديل للدين : واخلالصة

بالكفر الصريح املعلوم من الدين ضرورة ؛ وانتقال إىل دين آخر وبراءة من دين اإلسالم، أو

( وقد تقدم عن شيخ اإلسالم أيضا تفريقه يف كتابه 35/122( جمموع الفتاوى )ط دار ابن حزم( )100) الصارم املسلول بني الردة اجملردة والردة املزيدة واملغلظة.

(377) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فضال عن مساواة أهله بالطواغيت واملرتدين املمتنعني، ومن مث التهور يف ترتيب آثار حكم . (101)التكفري على النوع األول دون إقامة للحجة أو استتابة

فإن يف ذلك من استباحة دماء وأموال وعصمة املصلني املوحدين ؛ ما اهلل وحده . م بشرره وخطره وآثاره الوخيمة على املسلمنيأعل

( تعليقا على قول صاحب حدائق 4/373يقول الشوكاين يف السيل اجلرار ))وأما قوله "بأي وجه : األزهار؛ "والقتل حد احلريب واملرتد بأي وجه كفر" ، قال رمحه اهلل

دة، وهذه زلة أراد المصنف إدخال كفار التأويل اصطالحا في مسمى الر كفر" فقد قدم يقال عندها لليدين وللفم، وعثرة ال تقال، وهفوة ال تغتفر، ولو صح هذا، لكان

، ألن أهل املذاهب األربعة أشعرية غالب من على ظهر البسيطة من المسلمين مرتدينوماتريدية، وهم يكفرون املعتزلة ومن تابعهم ،واملعتزلة يكفروهنم، وكل ذلك نزغة من نزغات

. ن الرجيم، ونبضة من نبضات التعصب البالغ والتعسف العظيم(أهـالشيطاها هنا تسكب العربات ، ويـناح : ) أقول: وقال تعليقا على قوله " واملتأول كاملرتد "

على اإلسالم وأهله مبا جناه الت عصب يف الدين على غالب املسلمني من الرتامي بالكفر ال لبيان من اهلل ، وال لربهان ، بل لم ا غلت مراجل العصبية يف الدين لسن ة ، وال لقرآن ، وال

، ومتك ن الشيطان الرجيم من تـفريق كلمة املسلمني لق نهم إلزامات بعضهم لبعض مبا هو شبيه اهلباء يف اهلواء ، والسراب بقيعة ، فياهلل وللمسلمني من هذه الفاقرة اليت هي من

الدين والرزية اليت ما رزئ مبثلها سبيل املؤمنني ، وأنت إن بقي فيك نصيب من أعظم فواقرعقل ، وبقية من مراقبة اهلل عز وجل ، وحصة من الغرية اإلسالمية قد علمت وعلم كل من له علم هبذا الدين أن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم سئل عن اإلسالم قال يف بيان حقيقته

) إنه إقامة الصالة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ، : ه، وإيضاح مفهوموشهادة أن ال إله إال اهلل( ، واألحاديث هبذا املعىن متواترة ، فمن جاء هبذه األركان اخلمسة ، وقام هبا حق القيام فهو املسلم على رغم أنف من أ ى ذلك كائنا من كان ، فمن جاءك

: القول ، وزائف العلم ، بل اجلهل فاضرب به يف وجهه ، وقل له مبا خيالف هذا من ساقط . قد تقدم هذيانك هذا برهان حممد بن عبد اهلل صلوات اهلل وسالمه عليه

. ( أهـ. دعوا كل قـول عند قـول حممد فما آمن يف دينه كمخاطر

يف نوازل العصر، كالتفريق ( ويتفرع من هذا التفريق ؛ مسائل مهمة كثرية جيب أن يتنبه إليها الفقيه 101)بني ذبائح من كان كفرهم كفر تأويل وبني ذبيحة املرتد الذي برئ من اإلسالم، فإن األول ال يزال يصلي صالتنا ويستقبل قبلتنا ويذبح ذبيحتنا ، ومثل ذلك قبول شهادته أو أخباره أو رواياته يف غري بدعته،

وتفاصيل ذلك معلومة يف مظاهنا.

(378) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

. (4/584السيل اجلرار )

(379) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((30)) التفريق بين البدع المكفرة عدم

وبين غيرها من المعاصي أو بدع الفروعومن األخطاء الشائعة يف التكفري أيضا عدم التفريق بني البدع املكفرة وبني غريها من املعاصي أو بدع الفروع، ومعاملة أصحاب النوع األخري وحنوهم من العصاة معاملة

.. الكفارون كل خمالف هلم من خصومهم يف مجلة أهل البدع، فإن كثريا من املتحمسني جيعل

ويطلقون عليهم إطالقات األئمة وكالمهم يف أصحاب البدع املكفرة من اجلهمية والروافض وحنوهم، من لزوم اإلغالظ عليهم وهجراهنم ومصارمتهم وترك السالم عليهم وترك الصالة

ن اجلميع معاملة أصحاب خلفهم، بل ويدخلون يف مجلة ذلك عصاة املسلمني، فيعاملو البدع املكفرة بل والكفار احملاربني املمتنعني، وأهل الردة املغلظة، حىت إنه ليختل عندهم ميزان الوالء والرباء، فال تكاد جتد فرقانا بني معاملتهم ألنصار الطواغيت احملاربني وبني

ؤون من الكفار، بل معاملتهم ملخالفيهم من املسلمني، فيتربؤون من املسلمني كما يترب . ويتعدون حدود اهلل فيهم وينتهكون حرماهتم ويضيعون حقوقهم اإلسالمية

مع أن الرباءة الكلية ال تكون إال من الكفار، أما عصاة املسلمني فإمنا يتربأ فقط من واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين * فإن عصوك )) : معاصيهم، كما قال تعاىل

. (216: (( )الشعراءملونفقل إني برئ مما تعوكما قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ملا بلغه قتل خالد ألسارى بين جذمية بعد قوهلم

)اللهم إين أبرأ : )صبأنا( ومل حيسنوا أن يقولوا أسلمنا ؛فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم . ومل يقل ؛ أبرأ إليك من خالد (102)إليك مما صنع خالد (

.. ىن فوائد جليلة ومهمةوحتت هذا املع وقد أنكر شيخ اإلسالم ابن تيمية تكفري الطوائف الذين اشتبه عليهم احلق يف مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم، وأنكر على من يعاملهم ألجل ذلك معاملة الكفار،

بخاري يف كتاب املغازي. ( رواه ال102)

(380) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

حىت وإن كان فيهم بدع حمققة، وبني أن املكفرين هلم أو املعاملني هلم معاملة الكفار، قد)وهلذا كان السلف مع االقتتال يوايل : تكون بدعتهم أغلظ من بدعة أولئك، مث قال

ال يعادون كمعاداة الكفار، فيقبل بعضهم شهادة بعض بعضهم بعضا مواالة الدين، ويأخذ بعضهم العلم عن بعض، ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين

القتال والتالعن وغري ذلك( أهـ جمموع الفتاوى مع ما كان بينهم من بعضهم مع بعض، . (3/176)ط دار ابن حزم( )

وليت األمر وقف عند هؤالء، عند ذلك احلد، بل منهم من يلحق هبم من ال يعاملهم مبثل هذه املعاملة اليت قرروها واختاروها، فيصري هو أيضا عندهم من أهل البدع

. حقوقهفيصارم ويهجر ويزجر ويغلظ عليه وهتدر وما أشبه هذا بتسلسل غالة املكفرة يف تكفري من مل يكفر الكافر، ومن مل يكفر

…وهكذا … من مل يكفر الكافر أيضا فإن مل يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمها بلباهنا

ورمبا صحح بعض هؤالء مذهبهم هذا، ورقعوه ببعض أقاويل أهل العلم، كقول : تهالقحطاين يف نوني

ال يصحب البدعي إال مثله حتت الرماد تأجج النريان)من خفيت علينا بدعته مل ختف عنا ألفته( ، وحنو ذلك : أو قول بعض العلماء

من حتذير السلف من مصاحبة أهل األهواء أو أصحاب البدع املكفرة، وهذا مع كونه ليس لى عصاة املؤمنني، ويلزمون كل أحد مبعاملتهم من األدلة الشرعية، إال أهنم يتعنتون بإنزاله ع

واستبيحت … بذلك، حىت ولو كانت خلطته هبم ألجل الدعوة ؛ وإال )شطب( وأحلق هبم …!!حرماته

ولقد انتشر هذا التعنت وأمسى من أساليب اإلرهاب الفكري الذي يستعمله ف بعضهم يف ويضغط به بعض املتعنتني على خمالفيهم، وفشا يف صفوف الدعاة، وتعس

استعمال لفظ املبتدع واملبتدعة وتوزيع هذه األلقاب، حىت صارم وفاصل وهجر بعضهم بعضا، وشدد بعضهم على بعض، وقد شكى إىل بعض األفاضل هجر إخوانه له وبغيهم عليه ومقاطعتهم له حىت بالسالم والكالم، ألجل تردده على بعض العصاة يدعوهم وينكر

ى باطل أو جيالسهم على معصية، مع أهنم يظهرون الندم ويعدون عليهم وال يقرهم علبالتوبة وليسوا من املعاندين، لكن داعي الشهوة ورفقة السوء أتلفتهم، وهو يرى أهنم حباجة

(381) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ملن يصلهم ويعظهم ويصرب عليهم، ال ملن يهجرهم ويوسع اجملال لرفقاء السوء ليعينوا .. الشيطان عليهم

اهلل عليه وسلم ثالثة من خيار أصحابه ملا ختلفوا عن غزوة وقد هجر النيب صلى العسرة ، ومل يهجر غريهم من ضفاف اإلميان ، فاملسألة اجتهادية يقدر فيها الداعي املصلحة باجتهاده، وال حيل إلزامه فيها بتقدير أو اجتهاد معني، أو أطره عليه باهلجر أطرا،

. وحنوها من أساليب الضغط واإلرهاب الفكريفضال عن التضليل والتبديع واملعاداة كما ال يصح مساواة الفساق والعصاة، بأهل األهواء املضلة أو معاملتهم معاملة أصحاب البدع املكفرة، استسهاال ملوضوع اهلجر بدعوى الزجر دون بيان أو تفصيل أو

صعابا للصرب وطول ورمبا ملوافقة ذلك ألمزجتهم وطبائعهم الغضبية، واست.. وعظ أو تذكري . النفس يف الدعوة إىل اهلل

. ولقد رأيت يف هذا الباب أقواما ما بني إفراط وتفريطفقوم داهنوا أعداء اهلل من عساكر الشرك والقوانني، وعاملوهم معاملة هي خري وأحسن مما يعاملون به املوحدين، حبجة فظاظة أولئك املوحدين وشدهتم وخشونة أسلوهبم

. وةيف الدعوقابلهم اآلخرون بأن ساووا العصاة واملخالفني هلم مع من يكفروهنم من عساكر الشرك والتنديد، يف التكفري أحيانا، ويف املعاملة واهلجر والغلظة والشدة والتبديع والتضليل والتربي منهم أحيانا أخرى ، بل من هؤالء من قد يتذكر اللني واحلكمة واملوعظة احلسنة مع

ه الذين يكفرهم من عساكر الشرك وحنوهم، وال يستسيغه أو يقبل التذكري واملراجعة أعدائفيه، مع خصومه من أولئك العصاة أو املخالفني لطريقته، وهذه خصلة خيشى على صاحبها إن مل ينضبط بضوابط الشرع أن يلحق باخلوارج املقاتلني ألهل اإلسالم، التاركني

. ألهل األوثانكما -هؤالء وأضل سبيال ،وأكثر مشاهبة باخلوارج يف هذه اخلصلة وأشد من حال حال أفراخ التجهم واإلرجاء يف عصرنا؛ املسلطني ألسنتهم وأقالمهم على الدعاة -سيأيت

واملعلنني حرهبم على املوحدين،واملشمرين عن ساق العداوة للمجاهدين ؛ يف الوقت الذي . ت، بل يتمرغون على عتباهتم ويرمتون يف أحضاهنميتفننون فيه يف اجلدال عن الطواغي

وال مع أهل التفريط يف … واحلق وسط ال هو مع أهل اإلفراط يف إفراطهم …تفريطهم

(382) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ورحم اهلل شيخ اإلسالم ابن تيمية حيث بني حال أكثر أهل الكالم املنتسبني إىل ألبعد عن السنة منهم، السنة واجلماعة، وأهنم قد جياوزون العدل يف ردهم على الطوائف ا

حبيث جيحدون بعض احلق، فيكونون قد ردوا بدعة كبرية ببدعة أخف منها، وردوا باطال )ومثل هؤالء إذا مل جيعلوا ما ابتدعوه قوال يفارقون به مجاعة : مث قال… بباطل أخف منه

مؤمنني املسلمني، يوالون عليه ويعادون، كان من نوع اخلطأ واهلل سبحانه وتعاىل يغفر للخطأهم يف مثل ذلك، وهلذا وقع يف مثل هذا كثري من سلف األمة وأئمتها، هلم مقاالت

بخالف من والى موافقة وعادى قالوها باجتهاد، وهي ختالف ما ثبت يف الكتاب والسنة ،مخالفة وفرق جماعة المسلمين، وكفر وفسق مخالفه دون موافقه في مسائل اآلراء

قتال مخالفه دون موافقه ، فهؤالء من أهل التفرق واالجتهادات، واستحل . (3/217( أهـ )جمموع الفتاوى ط دار ابن حزم( )واالختالفات

. ألن هذا من أشهر أخالقهم ومساهتم… مث شرع يف الكالم على اخلوارجولذلك فقد أمسى تعنت أولئك الدعاة، وعدم تفريقهم يف املعاملة بني الكفار

ت وأنصارهم، وبني عصاة املسلمني، وخلطهم بني البدع املفكرة وبني ما واملشركني والطواغيهو ليس كذلك، أمسى ذلك ذريعة ألعداء الدعوة وخصومها، لتثبيت وتأكيد ما يرموهنم به دوما من طريقة اخلوارج يف تكفري الناس بالعموم؛ إذ هم ال يلحظون فرقا عند أولئك الدعاة

ملمتنعني وبني معاملتهم لفساق املسلمني أو غريهم من املتأولني بني معاملتهم ألعداء اهلل ا … من املوحدين

وقد حدثين بعض من زارين يف السجن من الشباب، الذين يتهمون بأن عندهم شيئا من تأويالت األشاعرة يف باب األمساء والصفات ، وشكا يل جتين بعض الشباب املنتسبني

هتم ومبالغتهم يف مقاطعتهم وهجراهنم والتحذير منهم، مع إىل دعوة التوحيد عليهم، ومغاالأن هؤاالء إن كان عند بعضهم شيئا من تلك التأويالت، فهم ال يشتغلون بتلك املسائل وال يثريوهنا أو يدعون إليها، بل شغلهم الشاغل الدعوة إىل أصل التوحيد وتربية الشباب

اهلل ال يرتكوهنم أو يهادنوهنم، شأهنم يف ذلك على الرباءة من الطواغيت، ولذلك فإن أعداء شأن كل من دعى إىل التوحيد ونابذ الطواغيت، فيشددون عليهم يراقبوهنم ويكررون

ومع هذا فما كان ذلك ليشفع هلم عند أولئك املتعنتني، أو يفقههم بأن … اعتقاهلمبة إليهم، وأن األوىل توحيد إخواهنم وبراءهتم من الطواغيت يرجح بتلك التأويالت املنسو

السعي يف عالجها باحلجة والربهان، ال بالتعنت والبهتان، فال يزالون يطعنون فيهم كما هو شرط –ويصارموهنم ويستحلون غيبتهم مطلقا بغري ما داع إىل حتذير أو تعليم

حىت استغل أعداء اهلل ذلك، فأخربين ذلك الشاب -جواز الغيبة يف أمثاهلم من املسلمني

(383) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ن أعداء اهلل ملا اعتقلوه، سعوا يف اإليضاع بني الصفوف، واستدراجه للتعاون معهم ، أفكانوا يزهدونه بأولئك الشباب وبدعوة التوحيد اليت ينتسب إليها مجيعهم، وحيتجون بقسوهتم على بعضهم وأهنم يقاطعوهنم وال يسلمون عليهم ويعاملوهنم متاما كما يعاملون

.. وهم ممن يقطعون بتكفريهمأنصار الطواغيت وحنوإذا كان هذا الشاب مل تنطل عليه أالعيب أعداء اهلل ومكرهم، ومل يتضرر : أقول

بإيضاعهم، فهل ترى سائر الشباب يف مثل وعيه ؟ أو ليس فيهم من ضعاف إلميان من قد يسقط حببائل أعداء اهلل بسبب تعنت أولئك الدعاة؟ وهل سيستحضر غريه كما

هو ساعتها قصة كعب بن مالك وعدم تضرره بدعوة وعرض ملك غسان ملا استحضربعث إليه كتابا يدعوه باللحاق به يف الوقت الذي هجره فيه النيب صلى اهلل عليه وسلم واملسلمون؛ فريدون مكر أعداء اهلل يف حنورهم ،وال يتضررون بكيدهم ويرمون عروضهم

يف النار؟؟ بعرض احلائط ، كما رمى كعب ذلك الكتابأو ليس الواجب أن نتنبه إىل أن حال وواقع الثالثة الذين هجرهم النيب صلى اهلل عيه وسلم يف دار اإلسالم ليست كحال شباب املسلمني اليوم يف دار الكفر وواقع االستضعاف، وأن إميان أولئك الصحابة ليس كإميان سائر الناس، ولذلك مل يهجر غريهم

وهذا من الفقه … (103)ذين كانوا يعتذرون له عن التخلف فيعذرهممن ضعاف اإلميان ال . الذي حرمه كثري من املتعنتني، فشقوا بتعنتهم صف املسلمني، وأقروا بذلك أعني أعداء اهلل

وقدميا حاول املعتزلة ترقيع مذهبهم ومتييزه عن مذهب اخلوارج، فتحايلوا وتراجعوا فمسلم : فقيل هلم… ال نسميه كافرا : ، فقالواخطوة عن التصريح بتكفري الفاسق امللي

فابتدعوا املنزلة بني املنزلتني، ولكنهم ظلوا موافقني للخوارج . وال نسميه مسلما : هو؟ قالوا …!!وهو مع ذلك خالد يف النار : فقالوا . يف مآل ذلك الفاسق

را، مادام فما الذي استفاده ذلك الفاسق من مذهبهم من تلميع إذ مل يسموه كاف األساتذة قد أوردوه وخلدوه يف دار البوار ومصري الكفار؟؟

وهؤالء املتعنتون اليوم، أكثرهم يعرف مذهب اخلوارج واملعتزلة، ويربؤون من ذلك، وعند احملاجة يقولون؛ حنن ال نكفر خصومنا هؤالء، وال ننزهلم منزلة بني املنزلتني، بل هم

( انظر حديث كعب بن مالك يف كتاب املغازي من صحيح البخاري، وكالم احلافظ عليه يف الفتح 103)يف فقه اهلجر والتفريق يف ذلك بني القوي والضعيف يف الدين، ولشيخ اإلسالم فيه أيضا تفصيل طيب

لطيفة مما كتبناه يف سجن سواقة. ( فصاعدا )ط ابن حزم( ولنا يف ذل رسالة28/115يف الفتاوى )

(384) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

مث ومع هذا يعاملوهنم معاملة شر من معاملة . مبتدعة عندنا مسلمون عصاة أو فساق أو . املشركني واملرتدين والكفار

فوافقوا أهل السنة يف املسمى واحلكم، ووافقوا اخلوارج وأضراهبم يف السرية واملعاملة . أم أن اخلصومة عمياء تضل وتزل… فهل تراها صرعة وبدعة جديدة.. الدنيوية

عاملة الدنيوية اليت اشتط هبا هؤالء أشد ضررا على ومعلوم أن شرر وضرر هذه املالناس من ذلك احلكم األخروي الذي قال به املعتزلة، فال املعتزلة وال غريهم ميلكون تقرير أوإيقاع وإجياب ذلك احلكم األخروي الذي ادعوه، إذ هو عندهم حمض اعتقاد، خبالف

. دنيوية واقعة حاصلة جار ضررهامعاملة هؤالء املتعنتني لفساق املسلمني ؛ فإهنا واخلطورة يف األمر أن هذه املعاملة ال تقف عند حدود اهلجر والزجر والظلم والبغي والبهتان وتضييع احلقوق، بل قد تعدت يف بعض البلدان إىل سفك دماء املسلمني، فبلغ

فسفكوا ببعض الغالة واملتهورين أن صفوا وقتلوا خصومهم ممن يسموهنم بأهل البدع،دماءهم على مسع وبصر العامل كله ، ووقعوا فيما حذر منه النيب صلى اهلل عليه وسلم يوم

. )ال ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض( رواه البخاري عن ابن عمر : قالوهذا مع أهنم مجيعا بني أنياب أعداء اهلل مضطهدون حماربون مطاردون ال دولة هلم

ذا تراهم سيفعلون إن صار لبعضهم دولة ؟؟فما… وال شوكة)ومن البدع املنكرة تكفري الطائفة غريها من طوائف : يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية

هذا زرع البدعي وحنو ذلك، فإن هذا : املسلمني، واستحالل دمائهم وأمواهلم، كما يقولون : عظيم لوجهني

ها من البدعة أعظم مما يف أن تلك الطائفة األخرى قد ال يكون في : أحدمها الطائفة املكفرة هلا، بل تكون بدعة املكفرة أغلظ أو حنوها أو دوهنا، وهذا حال عامة أهل البدع الذين يكفر بعضهم بعضا، فإنه قدر أن املبتدع يكفر، كفر هؤالء وهؤالء، وإن قدر

فر األخرى وال ، فكون إحدى الطائفتني تك(104)أنه مل يكفر مل يكفر هؤالء وال هؤالءإن الذين )) : تكفر طائفتها، هو من اجلهل والظلم، وهؤالء من الذين قال اهلل تعاىل فيهم

. ((فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء

( أي ألن الطائفتني يف البدعة إما سواء أو أن بعضهم أغلظ فيها من بعض. 104)

(385) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

أنه لو فرض أن إحدى الطائفتني خمتصة بالبدعة، مل يكن ألهل السنة أن : والثاينأخذ بذكر األدلة على أعذار املخطئني من مث (105)…(يكفروا كل من قال قوال أخطأ فيه

. املسلمني وقد تقدم حنوهومعلوم أيضا كما قدمنا لك ؛وجوب التفريق بني من يسميهم العلماء بكفار التأويل أي أصحاب البدع املكفرة وبني املرتدين ردة صرحية، وأنه ال تصح املساواة بني هؤالء وال

تابة وال يف تنزيل الكفر على األعيان وال يف إباحة العصمة، هؤالء ال يف املعاملة وال يف االستبل تقدم أيضا أن الردة نفسها تتفاوت وتفرتق يف استتابة أهلها بني الردة اجملردة ،والردة

. املزيدة أو املغلظةفكيف مبن نتكلم عنهم من العصاة الذين ال تصل بدعهم إىل البدع املكفرة ؛ فضال

جملردة أو املزيدة املغلظة؟عن أن تصل الردة اوملا اشتد نكري بعض العقالء على أولئك الذين سفكوا دماء إخواهنم املسلمني بدعوى أهنم من أهل البدع ؛ ما كانت حجتهم إال أن أوردوا عليهم تشديد السلف على أهل البدع املكفرة وبعض نصوصهم يف ذلك، ونقلوا كالما لشيخ اإلسالم ابن تيمية يشنع

ه على رؤوس أهل االحتاد واحللول، ويبني وجوب القيام عليهم وجهادهم، واإلغالظ على فيمن دافع عنهم، وأن ضررهم أعظم من ضرر قطاع الطرق والتتار والسراق واخلونة الذين يتعدون على األموال، ويرتكون دين املسلمني ؛فهؤالء املبتدعة !! شر منهم ألهنم جيتالون

. كل ذلك كي يسوغوا قتل خصومهم وقتاهلم.. دين اإلسالم !!ولندرة اإلنصاف يف اخلصومات بني املسلمني يف زماننا، مل يبينوا أن كالمه هذا كان يف االحتادية الذين هم عنده وعند علماء املسلمني أشد كفرا من اليهود والنصارى ،وشر من

)فرؤوسهم هم أئمة : رمحه اهللفرعون وحنوه من رؤوس الكفر كما تقدم عنه، بل ذكروا قوله كفر جيب قتلهم، وال تقبل توبة أحد منهم، إذا أخذ قبل التوبة، فإنه من أعظم الزنادقة، الذين يظهرون اإلسالم، ويبطنون أعظم الكفر، وهم الذين يفهمون قوهلم وخمالفتهم لدين

أو عظم املسلمني، وجيب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثىن عليهم . …(كتبهم، أو عرف مبساعدهتم ومعاونتهم، أو كره الكالم فيهم، أو أخذ يعتذر هلم

)وأمثال هذه املعاذير اليت ال يقوهلا إال جاهل أو منافق ؛ بل جتب عقوبة : إىل قولهكل من عرف حاهلم ومل يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤالء من أعظم

. …(دوا العقول واألديانالواجبات، ألهنم أفس

(. 7/417( جمموع الفتاوى )ط دار ابن حزم( )105)

(386) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

)فضررهم يف الدين أعظم من ضرر من يفسد على املسلمني : ويقول يف آخر كالمهدنياهم ويرتك دينهم ؛ كقطاع الطريق، وكالتتار الذين يأخذون منهم األموال ويبقون هلم دينهم، وال يستهني هبم من مل يعرفهم فضالهلم وإضالهلم أعظم من أن يوصف ، وهم

. ( )ط دار ابن حزم(132-2/131لناس بالقرامطة الباطنية( أهـ جمموع الفتاوى )أشبه افأين .. ما هكذا تورد اإلبل ، وما هكذا يكون االستدالل.. على رسلكم: فأقول

هؤالء الذين يتكلم فيهم شيخ اإلسالم، من بعض العصاة أو الفساق أو ممن خالف وابتدع بعض األخطاء غري املكفرة يف االعتقاد وأبواب ؟؟ أو حىت ممن عنده…يف بعض الفروع

اإلميان؟؟ فالبد من فرقان يف احلكم واملسمى، ويف املواالة واملعاملة أيضا بني أولياء الرمحن . ما داموا يف دائرة اإلميان، مهما عصوا وقصروا ،وبني أولياء الشيطان من الكفار واملرتدين

ؤالء يف شيء من ذلك لدواعي البغي واحلذر احلذر من اخللط بني هؤالء وه . واخلصومة

أوفوا الكيل وال تكونوا من المخسرين * وزنوا بالقسطاس )) : فقد قال تعاىل . (182-181: (( )الشعراء المستقيم

. ((ويل للمطففين)) : وقال سبحانهيت تنم عن وهلل در شيخ اإلسالم يف لفتاته الرائعة اليت يبثها كثريا يف ثنايا فتاواه، وال

إنصاف خلصومه قل أن يتحلى به خمالفوه، وقل أن نراه يف اخلصومات هذه األيام، فمن ) ومن أهل البدع من يكون فيه إميان باطنا وظاهرا، لكن فيه جهل وظلم حىت : ذلك قوله

أخطأ ما أخطأ من السنن، فهذا ليس بكافر وال منافق، مث قد يكون منه عدوان وظلم ا أو عاصيا، وقد يكون خمطئا متأوال مغفورا له خطؤه، وقد يكون مع ذلك يكون به فاسق

جمموع الفتاوى . معه من اإلميان والتقوى ما يكون معه من والية اهلل بقدر إميانه وتقواه( أهـ . (3/220)ط دار ابن حزم( )

(387) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((31)) تكفير كل من لم يكفر الطواغيت بدعوى أنه لم

يكفر بهمألخطاء الشائعة أيضا ؛ تكفري كل من مل يكفر الطواغيت ، بدعوى أنه مل ومن ا

.. حيقق التوحيد ألنه ال يكفر هبم .. إذ ال شك أن الكفر بالطواغيت هو شطر التوحيد وشرطه

ومن مل يكفر بالطاغوت مل يتمسك بالعروة الوثقى ومن مث فهو من مجلة الكفار كفر بالطاغوت ويؤمن باهلل فقد استمسك بالعروة فمن ي)) : قال تعاىل .. اهلالكني

(( .. الوثقى ال انفصام لها لكن هل تكفري الطاغوت شرط من شروط صحة الكفر به ؟؟

هل كل من مل يظهره أو ينتحله من املنتسبني لإلسالم ولو جهال واغرتارا : مبعىن ر بالطاغوت ؟؟بصالة الطاغوت وعبادته وانتسابه لإلسالم؛فليس مبسلم ألنه مل يكف

وحنن هنا ال نقلل من أمهية تكفري الطواغيت وال ندعوا إىل إمهاله أوترك تعلمه ، كما كال ؛ وكل من .. حيلوا للبعض أن يفهموا ، أوحيلوا هلم توجيه كالمنا هذا إىل هذا الفهم

فيه يعرفنا ويعرف كتاباتنا يعرف اهتمامنا وتركيزنا على هذا األمر ، بل حنن ال نكتب إال .. ويف متعلقاته

.. وإمنا ندعوا إىل التأصيل والتفصيل وضبط الكالم بأدلته الصحيحة الصرحية .. فاإلطالقات احلماسية اجلوفاء ال تغين من احلق شيئا

وال حاجة لنا بألفاظ محاسية جمملة حيسبها الظمآن ماء ؛ ويا ليته إذا جاءها مل جيدها شيئا ؛ بل جيدها مسا ناقعا !!

دعوى الشرطية اليت يطلقها ويذكرها بعض الناس يف هذا الباب مل يأتوا عليها بأدىن ف .. دليل ، اللهم إال إطالقات بعض العلماء املتأخرين

(388) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

.. وكالم العلماء يسرتشد به نعم ؛ولكن ال يستدل به بل يستدل له يف ) الشرط هو ما يؤثر عدمه يف عدم املشروط واليؤثر وجوده: يقول الشوكاين

وذلك إما بعبارة فال يثبت إال بدليل يدل على أن المشروط يعدم بعدمهوجوده ، ال صالة ملن ال يفعل كذا ، أو ملن فعل كذا : مفيده لنفي الذات والصحة مثل أن تقول

وأما جمرد األوامر فغاية ما يدل عليه الوجوب ، والواجب ما يستحق فاعله : إىل قوله …برتكه ، وذلك ال يستلزم أن يكون ذلك الواجب شرطا ، بل يكون الثواب بفعله والعقاب

. التارك له آمثا ،وأما أنه يلزم من عدمه العدم فالوهكذا يصح اإلستدالل على الشرطية بالنهي الذي يدل على الفساد املرادف

ل من السي. (أهـ. للبطالن إذا كان النهي عن ذلك الشيء لذاته أو جلزئه ال ألمر خارج عنه . (158-1/157اجلرار )

واآلن نسأل فنقول أين الدليل الواضح والصريح من كالم اهلل أو كالم رسوله صلى اهلل عليه وسلم على كون تكفري الطاغوت شرط لصحة اجتناب عبادته أو الكفر هبا والذي هو شرط متفق عليه لصحة اإلسالم ؟؟ حبيث يلزم من عدم وجوده عند املنتسب لإلسالم

اإلسالم وبطالنه ولو كان كافرا بالطاغوت مبعى أنه كافر بعبادته ، جمتنب لدينه الباطل عدم .. وتشريعه ، جمتنب لتوليه ونصرته

والذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدوها وأنابوا إلى )) : أمل يقل تعاىل مبشرا عباده . (( اهلل لهم البشرى فبشر عباد

ئك املتنطعون هذه البشرى اليت وعد اهلل تعاىل فبأي دليل يقطع ومينع ويبطل أول هبا عباده الذين اجتنبوا عبادة الطاغوت وأنابوا إىل رهبم جملرد أن خفي عليهم كفر بعض

الطواغيت جلهل عرض هلم يف حاهلم أو لظنهم قيام مانع شرعي مينع من تكفريهم ؟؟؟ .. ذا اإلطالقلقد كنت قد حتاورت مع بعض الغالة املتحمسني جدا هل: أقول

مل يذكروا دليال واحدا صريح الداللة على ذلك من .. وملا سألتهم هذا السؤال . الكتاب والسنة

وإمنا كان اعتمادهم فقط يف هذا على قول للشيخ حممد بن عبد الوهاب رمحه اهلل : تعاىل مفاده أن ) أصل دين اإلسالم وقاعدته أمران

(389) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

شريك له ، والتحريض على ذلك واملواالة فيه ، األمر بعبادة اهلل وحده ال: األول . وتكفري من تركه

وتكفير من اإلنذار عن الشرك يف عبادة اهلل والتغليظ يف ذلك ومعاداة فيه ، : والثاين . ( أهـمقام التوحيد إال بهذا فال يتمفعله ،

تغليظ " اإلنذار عن الشرك يف عبادة اهلل وال: فطار هؤالء الشباب بقول الشيخ هنا يف ذلك ومعاداة فيه ، وتكفري من فعله "

وفرحوا بقوله ) وتكفري من فعله ( فجعلوه أصل دين اإلسالم عقدوا عليه الوالء .. والرباء ، وأناطوا به املواالة واملعاداة ؛ ومن تركه أو قصر فيه فقد كفرعندهم

ذا تفصيل مجع مع أن نص كالم الشيخ يف آخر عبارته واضح بني بأن يف إطالقه ه .. من األمور ما هو تابع ألصل اإلسالم وما هو من لوازمه وواجباته

.. التوحيد إال هبذا " فهو يريد كمال مقام التوحيد ومتامه فال يتمحيث قال " ومل يقل " فال يصح أو ال يقبل " وهي األلفاظ اليت تستعمل يف الشرطية اليت يلزم

.. من عدمها العدم والبطالنبل منها ما .. ضح هذا ويأكده أن األمور اليت عددها الشيخ ال تستوي مجيعهايو

هو من أصل الدين وشروطه اليت ال يصح إسالم املرء إال هبا ؛ كعبادة اهلل وحده ال شريك . له ، وترك الشرك يف عبادته سبحانه

ى ومنها ما هو من واجبات الدين والتوحيد أو لوازمه وعراه ؛ حنو التحريض عل . التوحيد والدعوة إليه واملوالة فيه

فوجود أصلها يف القلب للشرك وأهله عموما .. وكذا املعاداة يف الشرك فيها تفصيلمن شروط اإلسالم والتوحيد ، أما إظهارها وإعالهنا وإبداؤها فهذا من لوازم التوحيد

.. ومكمالته ال من شروطهلشرع اليت جيب أن يكون التعويل يف وهذا كله يعلم ويفهم من النظر يف أدلة ا

.. التأصيل عليها ، ال على أقاويل الرجال اليت قد يتطرق إليها الزلل

(390) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وإال فإذا كان اإلحتكام عند هؤالء القوم إىل أقاويل الرجال والتأصيل والتقعيد مبنيا غريه عليها ؛ فلن يعدموا أقاويل أخرى مثل قول الشيخ حممد بن عبد الوهاب هذا ؛له أو ل

.. من علماء جند يف هذا البابفمن جنسه قوله يف رسالة يف معىن الطاغوت ، ضمن جمموعة التوحيد ، وموجودة

: (1/376أيضا يف جمموع مؤلفات الشيخ حممد بن عبد الوهاب ) ) فأما صفة الكفر بالطاغوت فهو أن

. تعتقد بطالن عبادة غري اهلل - . وترتكها - . وتبغضها - . وتكفر أهلها - .. وأمثاله كثري. أهـ( . وتعاديهم -

ومعلوم أن هذا الكالم حق وهو من حيث اإلمجال ال اعرتاض عليه ؛ وملثله ندعوا ، ومبثله خناطب الناس ، اللهم إال إذا سوي بني هذه املطالب الشريفة فجعلت كلها يف رتبة

يح والبيان كما أسلفنا واحدة وهي الشرطية اليت يلزم من عدمها العدم ؛ فعندها يلزم التوض؛ فذلك فهم خاطيء ال جتوز نسبته إىل كالم الشيخ إال إذا ورد نص له به ،أو تصريح منه

.. عليهكما يلزم أيضا يف كالمه هذا التنبيه على عده ملطلق عداوة عبيد الطاغوت يف صفة

وجوب الكفر بالطاغوت والذي قد يفهم منه الشرطية ؛ وضرورة التفصيل يف هذا بني . وجودها كشرط للتوحيد ،وبني استحباب إظهارها الذي ال يستطيعه وال يلزم به كل أحد

ومن جنسه كالم سليمان بن سحمان يف رسالة له يف بيان معىن الطاغوت واجتنابه ( من كتاب حكم املرتد من الدررالسنية قد يفرح به أولئك الغالة لو وقعوا عليه 271ص )

) فأخرب أن مجيع : آليات الدالة على وجوب اجتناب الطاغوتحيث قال بعد أن ذكر ا ( . املرسلني قد بعثوا باجتناب الطاغوت فمن مل جيتنبه فهو خمالف جلميع املرسلني

(391) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

والمراد من اجتنابه هو بغضه وعداوته بالقلب وسبه وتقبيحه باللسان ) : مث قالطاغوت ولم يفعل ذلك فما وإزالته باليد عند القدرة ومفارقته فمن ادعى اجتناب ال

. صدق ( أهـفتأمل كيف جعل يف هذا اإلطالق ؛من مل يقبح الطاغوت ويسبه بلسانه غري صادق أي كاذبا يف دعواه اجتناب الطاغوت ،مع أن التصريح مبسبة الطاغوت وتقبيحه باللسان ال جتب على كل أحد ،وهل كان أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم مجيعهم معلنني

؟ وهل يقال فيهم واحلال . مصرحني بتقبيح طواغيت قومهم أم أن أكثرهم كان مستخفيا كذلك أهنم كانوا خمالفني جلميع املرسلني أوأهنم ما صدقوا يف اجتناهبم للطاغوت ؟؟

أما املسبة فإن النيب نفسه صلى اهلل عليه وسلم مل يكن يفعلها خصوصا بعد أن ئال يسبوا اهلل عدوا بغري علم ؛ كيف وقد كانوا جيعلون دعوته هناه اهلل تعاىل عن ذلك ؛ ل

للتوحيد وبراءته من طواغيتهم وحتذيره من عبادهتا ببيان أهنا ال تبصر وال تسمع وال تغين عنهم شيئا ؛ جيعلون ذلك مسبة آلهلتهم ، كما كانوا يعدون بيانه خلطأ وضالل آبائهم يف

.. عبادهتا مسبة هلم وآلبائهمادي من هذا االستطراد أن أذكر بأن كالم املشايخ ليس قرآنا وأهنم ليسوا ومر

حاشا -وأن كالمهم وكالم غريهم .. مبعصومني ،واخلطأ دون أدىن شك وارد عليهمليس حبجة يف ديننا ؛ ومع هذا فإن من اإلحسان -املعصوم صلوات اهلل وسالمه عليه

ن يفسر كالمهم بعضه ببعض فيحمل مطلقه إليهم واإلنصاف يف التعامل مع كتاباهتم أعلى مقيده وجممله على مفسره ، ومن األمانة العلمية والصدق مع دين اهلل أن تفهم

.. إطالقاهتم على ضوء عقيدة أهل السنة وطريقة أهل العلم يف إطالق الوعيدكانت تقوم على تعظيم -كما يعرف كل من خرب كتاباهتم -وذلك ألن طريقتهم

التوحيد واملبالغة يف إظهاره وبيان أمهية حتقيق لوازمه والقيام بواجباته وعراه ، وعلى شأنالتغليظ يف الشرك والتشنيع على أهله والتشديد يف التنفري عنه باملبالغة يف إنكار كل ما ميت

.. إليه بصلة حىت ولو كان من الذرائع ومل يكن شركا صرحيامن أحفادهم إىل بيان مشكل تلك اإلطالقات حىت احتاجوا هم ومن جاء بعدهم

.. على بعض الناسسواء من خصومهم الذين حاولوا التشنيع عليهم ببعض تلك اإلطالقات -

.. وقولوهم ما مل يقولوه من التكفري بالعموم أوتكفري كل املخالفني هلم

(392) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

بل فيهم وليس مجيع هذا القسم من أهل املذاهب املتعصبني أوالقبوريني اجلهلة ،علماء سلفيون حمققون أمثال العالمة الشوكاين الذي قال عن الشيخ حممد بن عبد الوهاب

) ولكنهم يرون أن من مل يكن داخال حتت دولة صاحب جند ، وممتثال أوامره : وأتباعه (1). خارج عن اإلسالم (أهـ

ءة أهل وكذا الشيخ حممد صديق حسن يف كتابه ) ترمجان الوهابية ( أعلن برا .. احلديت من الوهابيني

والشيخ أنور شاه الكشمريي ؛ ذكر أن الشيخ حممد بن عبد الوهاب يتسارع إىل .. احلكم بالتكفريوأنظر يف ذلك ويف الدفاع عن الشيخ ودفع الشبهات عن دعوته كتاب ) .. وغريهم

د علي العبد دعاوى املناوئني لدعوة الشيخ حممد بن عبد الوهاب ( لعبد العزيز بن حمماللطيف ، وكذلك ) مصباح الظالم يف الرد على من كذب على الشيخ اإلمام( و)منهاج التأسيس والتقديس يف كشف شبهات داود بن جرجيس ( وحنوه لعبد اللطيف بن عبد

.. الرمحن آل الشيخأو من بعض املنتسبني إىل طريقتهم ممن اختذوا مطية الغلو مركبا ، وقد تقدمت -

.. من هذا أمثلةمنها ما تقدم من كالم الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ يف رده على رجلني من

اإلحساء كانا قد اعتزال اجلمعة واجلماعة وكفرا من عندهم من املسلمني حبجة جمالستهم ممن لم يكفر بالطاغوت بحجة أنه لم يصرح بتكفير جده الذي رد البن فريوز وأمثاله

ومن لم يصرح بكفره فهو كافر : ) قاال عبد الوهاب وعاداها دعوة الشيخ محمد بنباهلل لم يكفر بالطاغوت ، ومن جالسه فهو مثله ، ورتبوا على هاتين المقدمتين

( .. الكاذبتين الضالتين ما يترتب على الردة الصريحة من األحكام حتى تركوا السالمفزعموا أوال أنهم على لظت هلم ، ) فرفع إيل أمرهم،فأحضرهتم وهددهتم وأغ: قال الشيخ

عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وأن رسائله عندهم ، فكشفت شبهتهم وأدحضت ضاللتهم ، بما حضرني في المجلس ، وأخبرتهم ببراءة الشيخ من هذا

إىل آخر كالمه يف رسالة باسم ) اإلنكار على من كفر املسلمني . .. المعتقد والمذهب .. (5-3/4عليه الفقهاء ( ضمن جمموعة الرسائل واملسائل النجدية )بغري ما أمجع

(. 2/7) البدر الطالع مبحاسن من بعد القرن السابع ( ) (1)

(393) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

) ولقد أخربين أمري : ( 2/5ومن ذلك ما ذكره الشوكاين يف البدر الطالع ) أي من أتباع –حجاج اليمن السيد حممد بن حسني املراجل الكبسي أن مجاعة منهم

حجاج اليمن بأهنم كفار وأهنم خاطبوه هو ومن معه من -الشيخ حممد بن عبد الوهاب غري معذورين عن الوصول إىل صاحب جند لينظر يف إسالمهم ، فما ختلصوا منه إال جبهد

. ( أهـ.. جهيدوتقدم أيضا كالم الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ يف بيان وتوضيح ما أمجل من

به بعض الغالة ، كالم جده الشيخ حممد بن عبد الوهاب يف أمثال هذا الباب مما اغرت اإلنسان ال يستقيم له إسالم ولو وحد اهلل وترك ) فإذا عرفت هذا ؛عرفت أن : وهو قوله

ال )) : ،كما قال تعاىل بالعداوة والبغضاء والتصريح لهمالشرك إال بعداوة المشركين . (( (أهـ تجد قوما يؤمنون باهلل واليوم اآلخر يوادون من حاد اهلل ورسوله

والذي يفهم تكفير ) : ".. الشيخ عبد اللطيف يف كتابه "مصباح الظالمحيث قال . (أهـ.. من لم يصرح بالعداوة من كالم الشيخ فهمه باطل ورأيه ضال

ومثله قول الشيخ حممد بن عبد الوهاب ملا سئل عن املواالة و املعاداة ؛ ) هل هي . من معىن ال إله إال اهلل ، أو من لوازمها ؟ (

) حسب املسلم أن يعلم أن اهلل افرتض عليه عداوة املشركني ، وعدم : ه اهللفقال رمح . مواالهتم ،وأوجب عليه حمبة املؤمنني ومواالهتم

وأخبر أن ذلك من شروط اإليمان ، ونفى اإليمان عمن يواد من حاد اهلل . ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ( أهـ

عداوة املشركني ؛ أهنا من شروط اإلميان ال يعين بذلك إظهار العداوة فقوله عنوإبدائها وجماهرة املشركني هبا كما كان يفعل إبراهيم والذين معه وعلى طريقتة من النبيني

.. واتباعهم أصحاب الطائفة الظاهرة القائمة بدين اهلل .. وإمنا يعين به وجود أصل ذلك ولو يف القلب

لم لزوم التفصيل يف كالم الشيخ وغريه من العلماء ،وضرورة التفريق بني ومنه تعإطالقهم الوعيد بالتكفري أو التكفري املطلق ، يف مواضع دعوية حيتاج إليها ؛ وبني تنزيل

.. احلكم على األعيان

(394) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فهذا من إحسان الظن بإطالقات –كما جيب فهمه على ضوء أصول أهل السنة وعدم املساواة يف احلكم على مجيع إطالقاته ، فيقال يف –منهجه الشيخ عند من يعرف

إن أريد هنا أصل العداوة ووجودها في القلب فال حرج من فهم مثل هذه اإلطالقات ؛ الكالم على إطالقه بحمله على التكفير، وإن أريد عموم العداوة؛ إظهارها وتفاصيلها

.. استقامة اإلسالم ال في زوال أصلهوالصدع بها، فيجب التنبيه إلى أن كالمه في فهذا هو الفهم والفقه الذي يهدي اهلل إليه من يشاء من عباده ويصد ويطرد عنه

كل حمروم ، وهو من اإلحسان إىل الشيخ وكتاباته خصوصا وأنه بشر غري معصوم ، وكالمه إذ كالمه ليس بدليل ..حيتج له وال حيتج به ، فما وافق احلق منه قبلنا،وما عارضه رددناه

.. وكل خملوق يؤخذ من قوله ويرد إال املعصوم صلوات اهلل وسالمه عليهوإذا كان مثل هذا يقال يف كالم إمام الدعوة النجدية فمن باب أوىل كالم املتأخرين

.. من أحفاده وأتباعهفإن املقلب لكالمهم لن يعدم أن يقع فيه على إطالقات دعوية غري حمددة أو

إن مل –مقيدة؛ املراد منها كما قدمنا املبالغة يف استئصال الشرك والتحذير منه ؛ ميكنه محلها على مراد أهل -يفهمها على أصول أهل السنة ، وتعامل معها بطريقة أهل الزيغ

.. الغلووأنا ال ألقي هذا الكالم جزافا ، بل أقوله بعد إذ مل أدع كتابا ألئمة الدعوة النجدية

حتت يدي يف بداية الطلب إال وقد طالعته ، وقد نقلت من أمثال ذلك الكثري يف وقعكتايب ملة إبراهيم وغريه ؛ نبهت على بعضه وأبقيت الوعيد يف بعضه كما هو دون تعليق ، ولذلك ملا طالع بعض من ضاق فهمه تفصيلنا يف مثل هذه املواضع اليت حنذر فيها من

لك تناقضا وظنه تراجعا ،ومل يتنبه إىل الفرق بني كتاباتنا أخطاء التكفري ؛ حسب أن ذالدعوية اليت نطلق فيها الوعيد والرتهيب ، ونشدد فيها النكري على عموم املنحرفني عن جادة التوحيد أو املفرطني بلوازمها وحقوقها ، وبني الكالم يف أحكام التكفري خصوصا

. .تكفري املعني وما حيتاجه من دقة وتفصيلومل يراع للتوفيق بني كالمنا هذا وكالمنا ذاك ؛ ما قدمناه من تفريق العلماء بني

.. التكفري املطلق وتكفري املعنيأضف إىل هذا أنين أعرف من خالل مطالعيت لرسائل أئمة الدعوة النجدية أن األمر

ى األمر مل يقف يف كتاباهتم عند إطالقات دعوية حتتاج إىل تفصيل وفهم سديد ؛بل تعدعند بعض متأخريهم الذين يشار إليهم بالبنان أمثال الشيخ سليمان بن سحمان والشيخ

(395) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

حممد بن ابراهيم آل الشيخ ومعهم كافة علماء العارض إىل شطحات ال حيل متابعتهم عليها وال جمال لرتقيعها ؛ومن ذلك حتديدا ما أصدروه من فتاوى وإطالقات خاطئة يف حق

.. ني على إمامهم عبد العزيز ويل األمريكان واإلنكليز جيب احلذر منهاخمالفيهم واخلارجفقد كفروا فعال الدويش والعجمان ومن خرج معهم من اإلخوان على إمامهم !! عبد العزيز؛وحكموا عليهم بالردة وأنزلوا فيهم قول شيخ اإلسالم فيمن مجز إىل معسكر الترت

أنظر الدرر السنية .. جعلوهم أوىل منه بالكفر والردة وحلق هبم فارتد وحل دمه وماله ؛ بل . (334كتاب اجلهاد ص) 7، ج

حول قبول توبة من تاب منهم وجاء –يف جواب استفتاء إلمامهم!! -بل اشرتطوا نادما على خروجه على عبد العزيز وعلى تضليله للمشايخ اجملادلني عنه ؛ اشرتطوا أن يربأ

عبد العزيز من اإلخوان ، ويصرح بتكفريهم وجبهادهم باليد واملال التائب من اخلارجني على . (330واللسان !!! أنظر املرجع نفسه ص )

فتأمل هذا وحذار أن تتعامل معهم كمعصومني أو تتناول كتاباهتم وكأهنا ال يأتيها .. الباطل من بني يديها وال من خلفها

خلطأ الذي حنن يف صدد التحذير منه عودا على بدء نرجع فنقول إن املطلقني هلذا امل يأتوا على تأصيلهم بدليل صحيح إذ كالم البشر بعد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم

.. ليس بأدلة (( .. اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم وال تتبعوا من دونه أولياء)) : قال تعاىل

أنه عابد له أو مل بأن كل من مل يكفر الطاغوت مل يكفر به ، مبعىن: فالتأصيل .. جيتنبه كما قد يعرب عنه آخرون ، كل ذلك يفتقر لألدلة

ومنهم من يوسع معىن االجتناب الذي يرونه شرطا لصحة اإلسالم فيدخلون فيه اجتناب العمل يف حكومات الطواغيت ولو فيما ال حيرم ، بل أدخل بعض احلمقى يف

تناب مراعات شواخصهم املرورية واجتناب ذلك اجتناب الوقوف على إشارات مرورهم واجفما رمحوا أمة حممد وما رمحوا أنفسهم من هذا الزيغ والضالل .. تسعريات مواصالهتم وحنوها

.. إذ معىن الكفر بالطاغوت ومعىن اجتنابه الشرعي الذي هو مطلوب رب العاملني ال

حقيقة عبادته أو اختاذه مطلوب أهل التنطع والغلو ؛ يفهم ويعرف على ضوء معرفة معىن .. ندا وشريكا

(396) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

بأي نوع من أنواع -وهو راض -ومعلوم من تعريفه أنه كل من عبد من دون اهلل العبادة اليت يكفر من صرفها لغري اهلل تعاىل ، فمن صرف إليه عبادة الصالة أو الطواف أو

ق يف ذلك فقد عبده الذبح أو النذر أو الدعاء أو الطاعة يف التشريع أو اعتقد أن له احلفمثل هذا ال يكون مسلما حىت يكفر بعبادته أو اعتقاد ربوبيته .. واختذه ربا وطاغوتا

.. وألوهيتهوالكفر به هنا ال يعين تكفريه وإن كان ذلك الزما من اللوازم أوواجبا من الواجبات

نه مستحقا ألن يصرف ؛وإمنا يعين الرباءة من عبادته وطاغوتيته والكفر بألوهيته وربوبيته وكو )) : إليه أي نوع من أنواع العبادة ؛وهو املعرب عنه باجتناب عبادة الطاغوت يف قوله تعاىل

(( …والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى اهلل لهم البشرىولقد بعثنا في كل أمة رسوال أن اعبدوا )) : وهذا مفسر مبني لقوله تعاىل اجململ

.. (( بوا الطاغوتاهلل واجتنوال يصح ما يفعله بعض املتسرعني من أخذ هذه اآلية وحدها والفرح بإطالق لفظ

فهذه من طريقة أهل الزيغ .. اجتناب الطاغوت فيها مبعزل عما يفسرها يف اآلية األخرى .. الذين يتبعون ما تشابه منه ، وال يردونه إىل أم الكتاب من النصوص املبينة املفسرة له

قد بني علماؤنا أن النص اجململ إذا أخذ مبعزل عن مبينه صار متشاهبا وكذا النص ف .. العام أو املطلق إذا أخذ مبعزل عن خمصصه أو مقيده فقد صار متشاهبا

وإمنا يفعل ذلك الذين يف قلوهبم زيغ ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله كما ذكر اهلل تعاىل .. يف مطلع سورة آل عمران

) إن ذوي االجتهاد ال يقتصرون على التمسك بالعام حىت يبحثون : شاطيبقال ال .. يف خمصصه وعلى املطلق هل له مقيد أم ال؟

مع إرادة -فالعام مع خاصه هو الدليل، فإن فقد الخاص، صار العام زيفا وانحرافا عن -أي الخاص -من قبيل المتشابه، وصار ارتفاعه -الخصوص فيه

. الصواباعملوا ما )) : ألجل ذلك عدت املعتزلة من أهل الزيغ حيث اتبعوا حنو قوله تعاىلو

.. [ وتركوا مبينه40: (( ]فصلتشئتم

(397) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

[ 40: ]يوسف (( إن الحكم إال هلل )) : وكذلك اخلوارج حيث اتبعوا قوله تعاىلمن أهله فابعثوا حكما )) : (( ، وقولهيحكم به ذوا عدل منكم )) : ، وتركوا مبينه

. ((وحكما من أهلها [، وتركوا 96: (( ]الصافاتواهلل خلقكم وما تعملون )) : واتبع اجلربية قوله

. [82: (( ]التوبةجزاء بما كانوا يكسبون )) : بيانه، وهو قولهوهكذا سائر من اتبع هذه األطراف من غير نظر فيما وراءها، ولو جمعوا بين

فإذا ثبت هذا فالبيان . به أن يوصل، لوصلوا إلى المقصودذلك ووصلوا ما أمر اهلل وليس املتشابه يف نفسه، بل فإذا أخذ المبين من غير بيان صار متشابها،مقرتن باملبني،

. الزائغون أدخلوا فيه التشابه على أنفسهم فضلوا عن الصراط املستقيم" اهـ خمتصرا الذي –مطلب اجتناب الطاغوت ومن ذلك ما يفعله بعض الغالة من فهم : قلت

وتفسريه مبطلق االجتناب ؛ فيدخلون فيه اجتناب العمل عند –هو ركن التوحيد وشطره احلكومات الكافرة ولو بوظيفة ال حرمة فيها ؛ وهذا لو كان على وجه االستحباب فال غبار

من أخل به عليه وحنن ندرسه وندعوا إليه ؛ ولكنهم جيعلون ذلك شرطا للتوحيد واإلسالمفعمل بأي وظيفة ، أو أطاع احلكومة أو الطواغيت بأي شيء ولو كان من املباحات ؛ كان

. كافرا ألنه مل جيتنب الطاغوت عندهم ومل حيقق التوحيدواحلق الذي ال مرية فيه أن املراد باجتناب الطاغوت اجتناب عبادته بأي نوع من

.. اهلل ،وكذا اجتناب توليه ونصرتهأنواع العبادة اليت يكفر من صرفها لغري ) اليت يكفر من صرفها لغري اهلل ( ألن بعضهم أطلق العبادة : وإمنا قيدنا بقولنا

وأخذها مبعناها اللغوي ال االصطالحي الشرعي فأدخل يف ذلك عبادة اهلوى والشيطان صاة عنده كفارا فصار الع.. مبعىن متابعته وطاعته واليت منها ما هو كفر ومنها ما هو معصية

. فنزع إىل مذهب اخلوارج يف هذا شاء أم أ ىفمن أطاع احلكومات أو الطواغيت مبعصية كفر عندهم ألن مطلق الطاعة عندهم

.. عبادة مكفرةبل من احلمقى من جعل طاعتهم ولو باملعروف عبادة مكفرة ؛ وفلسف لذلك

لو أمروه بشيء من الواجبات وسفسط أوصافا مكفرة ما أنزل اهلل هبا من سلطان ، حىتالشرعية كالصالة املفروضة وحنوها فأطاع أمرهم ؛ لكان بذلك مشركا غري جمتنب للطاغوت

.. ، ومل يراعوا يف ذلك تفصيال أو تأويال

(398) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

.. وال شك أن هذا من الضالل املبني .. ولو قاله صبيان يسيل خماطهم أليس من فالحهم

زق سوء تأصيلهم ، وخلطهم بني التعريفات وإمنا أوصلهم إىل مثل هذه املآ .. االصطالحية واللغوية

وتقدمي األخرية يف كثري من اإلطالقات جعلهم يبتدعون دينا وتوحيدا جديدا ما .. أنزل اهلل به من سلطان

حىت صريوا بأفهامهم السقيمة اجتناب عبادة الطاغوت معضلة من املعضالت على حتقيقه خواص اخلواص من الدعاة واجملاهدين وأهل خصوصا يف هذا الزمان ؛ ال يقدر

.. الثغور ، فضال عن العوام من الشيوخ والعجائزوقصروا بذلك دين اهلل على أفراد معدودين على أصابع اليد الواحدة ممن هم على

.. شاكلتهم ،شاءوا أم أبوا فهذا هو مضمون مقاالهتم وحقيقتهابادة الطاغوت تكون كفرا بصرف نوع من أنواع أن ع.. واحلق الذي ال معدل عنه

. العبادات له ؛واليت إن صرفت لغري اهلل صارت شركا خمرجا من امللةال يف .. وأن طاعته تكون كفرا أو شركا إذا أطيع يف أي نوع من أنواع املكفرات

. مطلق املعاصي واحملرماتأحل اهلل أو تشريع ما مل وتكون شركا إذا كانت يف حتليل ما حرم اهلل أو حترمي ما

.. يأذن به اهللويف مثل هذا يتنزل تفصيل شيخ اإلسالم يف الذين تابعوا أحبارهم ورهباهنم

: وأطاعوهم من دون اهلل ؛ حيث جعلهما قسمنيأن يعلموا أهنم بدلوا دين اهلل فيتبعوهنم على التبديل ، فيعتقدون حتليل ما : ) أحدمها

ل اهلل اتباعا لرؤسائهم ، مع علمهم أهنم خالفوا دين الرسل فهذا حرم اهلل ، وحترمي ما أح …وإن مل يكونوا يصلون هلم ويسجدون هلم –كفر ، وقد جعله اهلل ورسوله شركا

أن يكون اعتقادهم وإمياهنم بتحرمي احلالل وحتليل احلرام ثابتا، لكنهم : والثاينه من املعاصي اليت يعتقد أهنا أطاعوهم يف معصية اهلل ، كما يفعل املسلم ما يفعل

. اإلميان 7( أهـ من جمموع الفتاوى ج.. معاص،فهؤالء هلم حكم أمثاهلم من أهل الذنوب

(399) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ويبني هذا التفصيل وجيليه تفسري النيب صلى اهلل عليه وسلم ملعىن اختاذهم أربابا من ؛ وحصرها بطاعتهم دون اهلل ، وحتديده للطاعة اليت كانت عبادة مكفرة لألحبار والرهبان

.. يف حتليل احلرام وحترمي احلالل ؛أو يف التشريع الذي مل يأذن به اهلل ، ال يف مطلق الطاعةأحبارهم ورهباهنم أربابا (( فجعل الوصف املعترب يف اتخذوا)) : ولذلك قال تعاىل

(( ومل اتخذواشركهم ) اختاذهم أربابا ( أي طاعتهم املطلقة ال مطلق طاعتهم ، فقال )) فال بد من قيد ) االختاذ ( يف التكفري يف طاعة الطواغيت .. أحبارهم ورهباهنم أطاعوا: يقل

، والذي يدل على الطاعة املطلقة يف كل باب ، فمن اختذهم حمللني حمرمني مشرعني فيما مل يأذن به اهلل وصرف هلم الطاعة املطلقة فذلك املشرك الذي اختذهم أربابا ، خبالف

.. ملطيع هلم باملعصية اجملردةاوذلك ألن حال الطائع يف احلرام الذي مل يصرح بقصده ؛ حمتمل يدور بني املعصية

.. اجملردة وبني االستحالل ، فلزم النظر يف حاله والتفصيل يف احلكم بني هذا وهذا وعليه فكل من اجتنب عبادة الطاغوت واجتنب توليه ومتابعته على دينه الكفري أو

طاعته يف تشريعه الكفري فهو جمتنب للطاغوت رغم أنف الغالة ولو مل يكفره ، وإن أطاعه .. يف املعصية دومنا استحالل

وأن من عبده أو أطاعه وتابعه على شيء من ذلك فهو كافر مل جيتنب عبادة .. الطاغوت ولو كان يكفره

اجململ بكالمه املبني؛ فريد وهذا هو أعلى وأجل أنواع التفسري ؛ أن يفسر كالم اهللوالذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها )) : (( إىل قوله اجتنبوا الطاغوت)) : قوله تعاىل

.. (( ؛ فيدل على أن مطلب اجتناب الطاغوت مفسر باجتناب عبادته)) : (( يفسر بذلك ،وبقوله تعاىل أيضا فمن يكفر بالطاغوت)) : وكذا قوله تعاىل

(( حاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا بهيريدون أن يتفدل على أن التحاكم إىل الطاغوت يناقض ويضاد الكفر به ، وكذا عبادته ، وكذا

(( وحنوها من اآليات املكفرة ملن توىل ومن يتولهم منكم فإنه منهم)) : توليه لقوله تعاىل .. الكفار

.. ه دالالهتاهذا ما دلت عليه النصوص الصرحية ؛ وهذه أوج

(400) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

أما تفسري الكفر واالجتناب بالتكفري وحده وجعله شرطا لصحة اإلسالم ، فغري سديد وال دقيق ؛ بدليل أننا مأمورون بأن نكفر بعبادة كل من سوى اهلل تعاىل ولو مل يكن طاغوتا ؛ كعيسى ابن مرمي واملالئكة والصاحلني ممن عبد من دون اهلل ولسنا مأمورين

..بتكفريهموكذلك األصنام فإهنا طواغيت عبدت من دون اهلل فيجب اجتناب عبادهتا والرباءة

وليس تكفريها فإهنا مجادات ال تعقل وال تكسب حىت .. من ألوهيتها وهذا هو الكفر هبا .. تكفر وتكفر

كماال يصح ما يؤصله البعض ؛ من أن من مل يكفر الطواغيت ويعرف أهنا طواغيت !.. تنابه هلا وكفره هبا إذ كيف حيقق الرباءة منها وهو ال يعرف أهنا طواغيت؛ال يعقل اج

ألن املقصود لتحقيق ما ال تكون النجاة إال به من التوحيد الذي هو حق اهلل على العبيد ، واملطلوب كي يدخل املرء يف البشرى اليت وعد اهلل هبا عباده ؛ أن حيقق اإلميان باهلل

كل من سوى اهلل من الطواغيت وغيرهم على وجه اإلجمال ويجتنب عبادةتعاىل ولو مل يسميهم ؛ وهذه هي حقيقة الرباءة من كل ما يعبد من دون اهلل ، ويجتنب توليهم

وال يلزم قطعا أو يشرتط لذلك أن يصرح برباءته من طاغوت معني ال يعرفه ومل يسمع به ! .. كان مشركا مل يربأ من الطواغيت حىت يظن أنه كان مشركا به أو عابدا له ؛ وإال

فمن كان عنده أصل اإلسالم أو أظهر خصائصه أوأركانه ومبانيه ومل يظهر منه شيء من نواقض اإلسالم وقواطعه الظاهرة ؛ مل جيز أن يتوقف يف إسالمه حىت ينظر وميتحن

ة وتتفرع ويسأل عن قائمة معينة من الطواغيت هل كفر هبم أم ال !! وتطول هذه القائم وتتعقد على املسكني حبسب ختبط أفهام الغالة وتنوعها يف حتديد معىن الطاغوت !!

وإمنا اشرتط العلماء يف قبول إسالم املشرك العابد لغري اهلل أو املعتقد أللوهيته كي مع .. حيقق التوحيد والكفر بالطاغوت ؛أن يربأ من عبادة ذلك املعبود املعني ويكفر بألوهيته

.. ءته من عبادة كل ما يعبد من دون اهلل على وجه اإلمجالبرا) من قال ؛ ال إله إال اهلل وكفر مبا يعبد من دون اهلل ، : واستدلوا على ذلك حبديث

. حرم ماله ودمه وحسابه على اهلل عز وجل () من شهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ، وأن حممدا عبده ورسوله : وحديث

عيسى عبد اهلل ورسوله وكلمته ألقاها إىل مرمي وروح منه واجلنة حق والنار حق ؛ أدخله وأن (. اهلل اجلنة على ما كان من العمل

(401) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ومل يشرتطوا التصريح بالرباءة من قوائم معينة للطواغيت سواء كانوا حكاما أو رهبانا سالم والتوحيد أو سحرة أو كهانا أو تكفريهم ؛ للحكم على كل من كان عنده أصل اإل

.. كما يشرتطه الغالة.. ومل يتلبس بعبادة غري اهلل تعاىل وال توالهويؤيد ما تقدم أيضا أن التكفري ليس من معىن كلمة التوحيد ) ال إله إال اهلل ( واليت

وما أرسلنا من قبلك من رسول إال نوحي إليه )) : هي دعوة الرسل كافة كما قال تعاىلولقد بعثنا في كل أمة )) : (( ، وهذا يضم إىل قوله تعاىل أنا فاعبدونأنه ال إله إال

.. (( فيفسر بعضه بعضا رسوال أن اعبدوا اهلل واجتنبوا الطاغوتفمن .. وقد فسر العلماء احملققني كلمة التوحيد بأن معناها ) ال معبود حبق إال اهلل (

اجبات واللوازم اليت جيب فيها البيان حقق هذا املعىن كان مسلما موحدا ولو قصر يف الو ومن ذلك تفاصيل أحكام التكفري ، فلم يوجب اهلل على كل أحد تعلمها .. والتعريف

.. بالتفصيل الذي يورده الغالةوليس يف معىن ) ال إله إال اهلل ( ال الشرعي االصطالحي املذكور وال اللغوي أن

. ءة منه ؛ من شروط صحتهاتكفري املخالف يف شيء من جزئياهتا أو الربانعم قد يكون ذلك أحيانا من لوازمها أو من واجباهتا أو من توابعها ، لكن الشرطية اليت يلزم من عدمها العدم ال تثبت مبجرد الدعاوى ،وشأن الداللة عليها فوق هذا عند من

.. ويبين دينه على أصول سليمة.. يعرف طرق االستداللأن يأيت بالدليل والربهان وإال صار من القائلني على فعلى من زعم أن ذلك شرط

(( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)) .. اهلل وعلى دينه بغري علم .. فإن ادعوا ذلك ومل يأتوا بربهاهنم الصحيح الصريح فهم من الكاذبني

وتنبه أننا قلنا ) تكفري املخالف يف شيء من جزئياهتا ( ونعين بذلك مطلق .. ال املخالفة املطلقة.. لفةاملخا

وذلك الن من يتكلم يف هذه املسائل من الغالة املتسرعني ال يضبطون أصوهلم وال حيددون كالمهم ؛ وال يعرفون طرق اإلستدالل وال وجوه الداللة عند تعاملهم مع األدلة ؛ بل هي إطالقات فضفاضة أقاموها على بناء هش ما أسرع أن ينهار عند تفحصه

.. حيصهومت

(402) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وقد سئل الشيخ حممد بن عبد الوهاب عن قوله يف املواالة و املعاداة ؛ هل هي من . معىن ال إله إال اهلل ، أو من لوازمها ؟ (

) أما كون ذلك يف معىن ال إله إال اهلل أو من لوازمها ، فلم يكلفنا : فكان مما قالهذلك وأوجبه وأوجب العمل به ، وإمنا كلفنا معرفة إن اهلل فرض 106اهلل بالبحث عن ذلك

. فهذا الفرض واحلتم الذي ال شك فيهومن عرف ذلك من معناها أو من لوازمها ، فهو حسن وزيادة خري ، ومن مل

، ال سيما إذا كان الجدال في ذلك والمنازعة فيه مما يفضي يعرف فلم يكلف مبعرفته وا بواجبات اإليمان وجاهدوا في إلى شر واختالف ووقوع فرقة بين المؤمنين الذين قام

، والسكوت على ذلك متعني ، وهذا ما ظهر يل اهلل وعادوا المشركين ووالوا المسلمين . على أن االختالف قريب من جهة املعىن واهلل أعلم ( أهـ

وأختم هذا املوضع بكالم ألحد أتباعه وهو الشيخ عبد اهلل بن عبد الرمحن أبا وباجلملة فيجب على من نصح نفسه أال يتكلم يف هذه املسألة إال بعلم ) : بطني يقول فيه

وليحذر من إخراج رجل من اإلسالم بمجرد فهمه واستحسان عقله ، وبرهان من اهلل ، ، وقد كفينا بيان هذه فإن إخراج رجل من اإلسالم أو إدخاله فيه أعظم أمور الدين

أحكام الدين ؛ فالواجب علينا اإلتباع وترك املسألة كغريها ؛ بل حكمها يف اجلملة أظهروأيضا فما ) اتبعوا وال تبتدعوا فقد كفيتم ( ، : االبتداع كما قال ابن مسعود رضي اهلل عنه

تنازع العلماء في كونه كفرا فاالحتياط للدين التوقف وعدم اإلقدام ما لم يكن في . المسألة نص صريح عن المعصوم صلى اهلل عليه وسلم

استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة فقصر بطائفة فحكموا وقد . بإسالم من دلت نصوص الكتاب والسنة واإلجماع على كفره

وتعدى بآخرين فكفروا من حكم الكتاب والسنة مع اإلجماع بأنه مسلم ،ومن العجب أن أحد هؤالء لو سئل عن مسألة في الطهارة أو البيع ونحوهما لم يفت

د فهمه أو استحسان عقله ؛ بل يبحث عن كالم العلماء ويفتي بما قالوه ، بمجر فكيف يعتمد في هذا األمر العظيم الذي هو أعظم أمور الدين وأشد خطرا على مجرد

. فهمه واستحسانه

وحتديده وتأصيله والبد.. !!لكن من أراد التكفري به وبأمثاله ؛ لزمه معرفة ذلك 106

(403) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

. فيا مصيبة اإلسالم من هاتين الطائفتين ، ومحنته من تينك البليتين ستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غري املغضوب ونسألك اللهم أن هتدينا الصراط امل

. عليهم وال الضالني . ( كتاب حكم املرتد8/217من الدرر السنية ). ( أهـ. وصلى اهلل على حممد

(404) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((32)) عدم التفريق في أسباب التكفير بين الطعن في

الدين وبين الطعن في األشخاص

يق يف أسباب التكفري بني الطعن ومن األخطاء الشنيعة يف التكفري أيضا عدم التفر يف الدين وبني الطعن يف األشخاص، أو بني العداوة الدينية والعداوات الشخصية، أو

.. االستهزاء باملسلم لتدينه واالستهزاء به لغري ذلكوذلك أن كثريا من املتهورين الذين ال يزنون بالقسطاس املستقيم، وتتنازعهم حظوظ

خيلطون يف أسباب التكفري، خصوصا مع خمالفيهم وخصومهم بني النفس األمارة بالسوء؛العداوات الدينية، والعداوات الشخصية وبني الطعن يف الدين والطعن يف أشخاصهم، أو االستهزاء ببعض شعائر اإلسالم وخصائصه واالستهزاء بأشخاصهم أو سلوكياهتم

ي قامت به السموات واألرض، وتصرفاهتم وأخطائهم، وهذا كله مناف مليزان العدل الذ . وفيه تسليط لألهواء واملآرب الشخصية على أحكام الشرع

فالطعن يف الدين أو االستهزاء بشعائره ،والتشمري عن ساق العداوة له ولشرائعه كفر بني واضح، واألدلة عليه أشهر من أن نتكلف سردها هنا ؛ وال جيوز خلطه حبال بالطعن يف

اخلالف، أو باالستهزاء بأشكاهلم وهيئاهتم وتصرفاهتم، أو بالعداوات أشخاص الدعاة حال . الشخصية اليت قد توجد بينهم وبني بعض الناس

. وكمثال يوضح ضرورة التفريق وضرر اخللط يف ذلك : * االستهزاء باللحية

فإن قصد املستهزئ، االستهزاء هبا وباللحى عموما كسنة من سنن املصطفى صلى يه وسلم فهذا كفر، فإن كان املستهزئ هبا ممن جيهل سنيتها، وصدر منه ذلك، اهلل عل

عرف، وأقيمت عليه احلجة بذلك، فإن أصر على استهزائه كفر، خبالف ما إذا كان استهزاؤه بشيء معلوم ضرورة أنه من الدين كالقرآن والصالة وحنوها من خصائص

نه يكفر دون حاجة إىل التعريف مبثل هذه اإلسالم،ومل يكن حديث عهد باإلسالم ؛ فإ

(405) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

بدليل أن اهلل تعاىل حكم بالكفر على من … األمور البينة املعلومة عند كل مسلم . استهزؤوا حبفظة القرآن دون حاجة إىل ذلك ومل يقبل اعتذارهم

ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب، قل أباهلل وآياته )) : فقال سبحانه . (107) ((م تستهزئون ال تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكمورسوله كنت

أما إذا وجدت قرينة تدل على أن ذلك املستهزئ بلحية مسلم معني ،أو الطاعن فهذا ليس -مثال –فيها إمنا فعل ذلك لغري القصد األول، بل لكوهنا شعثاء أو شوهاء

نوا ال يسخر قوم من قوم عسى يا أيها الذين آم)) : بكفر، وإن كان حمرما، لقوله تعاىل : ولقول النيب صلى اهلل عليه وسلم . (11 : (( )احلجراتاآليات…أن يكونوا خيرا منهم

. )حبسب امرئ من الشر أن حيقر أخاه املسلم( رواه مسلم

( شبهة: فإن قيل: مقالة املستهزئني بالقراء الذين أكفرهم اهلل تعاىل يف سورة براءة كانت ) ما رأينا 107)مثل قرائنا هؤالء أرغب بطونا وال أكذب ألسنا وال أجنب عند اللقاء. ( كذا جاء يف سبب النزول ؛ ومع

يحذر المنافقون أن تنزل ه ورسله وقد كفروا هبا ؛ فقال تعاىل: )) هذا اعتربها اهلل استهزاء باهلل وآياتعليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم، قل استهزءوا إن اهلل مخرج ما تحذرون، ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب، قل أباهلل وآياته ورسوله كنتم تستهزءون، التعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم

[.. 66ـ 64(( التوبة ](( وهو أحكم احلاكمني وأحكامه سبحانه على احلقيقة فهو يعلم اهلل يحكم ال معقب لحكمهقلنا: ))

السر وأخفي ويعلم ما يف الصدور ؛ ومادام قد حكم سبحانه بأهنم قد استهزأوا باهلل وآياته ؛ فذلك حق ه سبحانه جعل االستهزاء هبيئات ال يتطرق إليه الشك عندنا، ولكن أين يف كتاب اهلل أو سنة رسوله أن

القراء أو طبائعهم هو عني االستهزاء باهلل وآياته ورسله ؟؟تبني قصد فاعلها –كما تقدم –فمقالتهم املنقولة يف األثر من األلفاظ احملتملة يف التكفري اليت جيب فيها

م أراد حقا ذم شيء من تلك قبل التكفري ؛هل أراد هبا االستهزاء هبم ألجل دينهم ومحلهم للقرآن ؛ أاخلصال يف بعضهم ،أوأراد الطعن عليهم لعداوة شخصية ، وهذا التبني مطلوب يف األلفاظ احملتملة يف أحكامنا اليت ال تتعرض إال للظاهر ، أما يف أحكام اهلل الذي يعلم السر وأخفى فقد أخرب سبحانه وقطع

سله وهو أصدق القائلني. بأهنم أرادوا بذلك االستهزاء باهلل وآياته ور

* فإن قيل: فلماذا مل يقتلهم صلى اهلل عليه وسلم ماداموا قد كفروا وارتدوا؛ ويف احلديث )من بدل دينه إن نعف عن طائفة منكم فاقتلوه(. قلنا: اجلواب على هذا ظاهر يف تتمة اآلية وهو قوله تعاىل: ))

على أن مجيع من كفروا بذلك، أظهروا التوبة والندم ((، فهو دليل نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمينعلى ما بدر منهم، وأهنم كانوا يف هذه التوبة طائفتني، األوىل صادقة تابت توبة حقيقية، وهم الذين عفا اهلل عنهم، واألخرى أظهرت التوبة نفاقا غري صادقة هبا يف الباطن ، وهم الذين توعدهم اهلل بالعذاب

وانظر يف هذا … أما يف الدنيا فالتوبة الظاهرة احلكمية عصمت دماءهم من القتل… منيألهنم كانوا جمر (. 11/207كالم ابن حزم يف احمللى )

(406) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ولو أنه انتقده لرثاثة شكله وثوران شعر رأسه وحليته، وعدم اهتمامه بإكرام ذلك …ن عليه بذلك بأس، بل هذا أمر باملعروفوترجيله وتسكينه ملا كا

كما يف مرسل عطاء بن يسار الذي أخرجه مالك يف املوطأ بسند صحيح، كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يدخل يف املسجد فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار

ه وحليته، أن اخرج، كأنه يعين إصالح شعر رأس : إليه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بيده)هذا خري من أن يأيت : ففعل الرجل، مث رجع، فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم

. (108)أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان(فالبد من مثل هذا التفصيل، إذ عدم التفريق بني ذلك، وخلط بعضه ببعض يثمر

. ختبطا وتكفريا مبا هو ليس بكفرأشخاص الدعاة واملؤمنني وشتمهم أو ومن جنس ذلك أيضا الطعن يف

التطاول عليهم ال لدينهم وتوحيدهم بل لعداوات دنيوية، أو حلسد وغل وبغي وحنوه من أو بسبب سوء أخالق وختبط سلوكيات أولئك الدعاة ، أوالطعن فيهم … أمراض القلوب

يف الواقع بتأويل بدعوى الدفاع عن الدين ؛كمن يرميهم بالغلو والسطحية وقلة البصرية وضعف الفقه يف فهم النصوص وحنو ذلك مما يطعن اخلصوم به بعضهم البعض كثريا يف زماننا، فال حيل خلط مثل هذا بدافع الشهوة الغضبية ولبسه بالطعن بالدين والشرع، خصوصا مع صدوره من مسلمني تعرف فيهم الدعوة والصالح، فكم قد تكلم األقران من

وبالغوا، حىت ترك وأمهل بسبب ذلك علماء اجلرح والتعديل جرح العلماء بعضهم ببعض . األقران بعضهم بعضا خصوصا إن مل يكن مفسرا

وكم بغى من املسلمني على بعضهم البعض بالقول والطعن والثلب حىت وصل األمر فكل ذلك من نزغات … بني كثري منهم إىل التخاصم والتهاجر والتدابر بل واالقتتال

. ومن املعاصي اليت ال حيل خلطها بالطعن يف الدين والشرع ومن مث التكفري هبا الشيطانوقد فرق اهلل تعاىل يف كتابه بني الطعن يف الدين وإيذاء اهلل ورسوله وبني إيذاء

. املؤمنني عموما وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في )) : فقال سبحانه يف النوع األول

. (12: (( )التوبةأئمة الكفر إنهم ال أيمان لهم لعلهم ينتهون دينكم فقاتلوا

( وغريهم حنوه خمتصرا عن جابر بن عبد اهلل دون 3/357( وقد روى أبو داود والنسائي وأمحد )108) ذكر اللحية أو التشبيه بالشيطان.

(407) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

)وإمنا ذكر الطعن يف الدين وأفرده بالذكر ختصيصا له بالذكر : قال شيخ اإلسالموبيانا ألنه من أقوى األسباب املوجبة للقتال، وهلذا يغلظ على الطاعن يف الدين من العقوبة

. (14( أهـ الصارم ص )ما ال يغلظ على غريه من الناقضني . ( أهـفثبت أن كل طاعن في الدين فهو إمام في الكفر ) : (17وقال ص )

إن الذين يؤذون اهلل ورسوله لعنهم اهلل في الدنيا واآلخرة )) : وقال سبحانه أيضا . (57: (( )األحزاب وأعد لهم عذابا مهينا

وذكر أوجه الداللة فيها على وقد تكلم شيخ اإلسالم ابن تيمية على هذه اآلية ( فصاعدا ، وأطال النفس فيه 40كفر من آذى اهلل ورسوله يف الصارم املسلول ص )

. فراجعه فإنه مهم وفيه فوائد شىتوالذين )) : أما يف النوع الثاين وهو أذى املؤمنني عموما، فقال سبحانه وتعاىل فيه

(( قد احتملوا بهتانا وإثما مبينايؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ف . (58: )األحزاب

فتأمل كيف فرق اهلل تعاىل بني من آذاه سبحانه وآذى رسوله وبني من آذى املؤمنني، يف آيتني متتاليتني، فجعل اللعنة يف الدنيا واآلخرة على األولني وأعد هلم عذابا

إلسالم يف املوضع املشار إليه مهينا، وكل ذلك من الدالالت على كفرهم كما ذكر شيخ ا .. خبالف اآلخرين فلم يكفرهم وال لعنهم بل خوفهم وأمثهم… آنفا

ولذلك كان الطاعن باهلل أو رسوله كافرا مرتدا وعقوبته القتل، خبالف الطاعن . (109)باملؤمنني فإن ) مطلق البهتان واإلمث ليس مبوجب للقتل (

ان اهلل تعاىل عليهم وفقههم، فمن عدهلم أهنم مل وكذلك كان عدل الصحابة رضو يكونوا جيعلون الدين جنة هلم من الناس ، فلم يكونوا يلصقون الطعن املوجه إىل أشخاصهم

.. وحيولونه على الدين ليشددوا يف احلكم والعقوبةومن فقههم أهنم مل يكونوا يسوون بني الطاعن يف أشخاصهم والشامت هلم ؛وبني

. فهذا شيء عندهم، وهذا شيء.. لطاعن يف الدين أو الشامت للرسولا

(. 578ول ص )( وانظر الصارم املسل109)

(408) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

أغلظ رجل أليب بكر : فمن ذلك ما رواه النسائي وأمحد عن أيب برزة األسلمي قاليا خليفة رسول اهلل أال أضرب عنقه ؟ : الصديق، ويف رواية )أن رجال شتم أبا بكر، فقلت

. (110)( لى اهلل عليه وسلمويحك، ما كانت ألحد بعد رسول اهلل ص: فقالوأيضا فقد فرق العلماء بني شتم الصحابة والقدح فيهم قدحا دينيا يناقض ما تواتر

. من تعديلهم وتزكيتهم يف الكتاب والسنة وبني من شتمهم بغري ذلكفنقل القاضي عياض عن مالك رمحه اهلل أن )من شتم أحدا من أصحاب النيب

بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال صلى اهلل عليه وسلم أباكانوا على ضالل وكفر قتل، وإن شتمهم بغري هذا من مشامتة الناس نكل نكاال شديدا(

. (2/308الشفا ) . أهـ( عن بعض احلنابلة قال )وهو 570ونقل شيخ اإلسالم يف الصارم املسلول ص )

إن سبهم سبا يقدح يف دينهم وعدالتهم كفر بذلك، وإن الذي نصره القاضي أبو يعلى أنه -مثل أن يسب أبا أحدهم أو يسبه سبا يقصد به غيظه وحنو ذلك–سبهم سبا ال يقدح

. مل يكفر( أهـ"من شتم أبا بكر وعمر : ( عن اإلمام أمحد يف رواية املروزي571مث ذكر )

عبد اهلل وأيب طالب عن قتله وكمال وعائشة ما أراه على اإلسالم" وذكر توقفه يف رواية . احلد، وإجياب التعزيز فقط ؛ مما يقتضي أنه مل حيكم بكفره

"ما أراه على اإلسالم" على سب : ) وحيتمل قوله: مث نقل عن القاضي عياض قولهظلموا، وفسقوا، بعد النيب صلى اهلل عليه وسلم، وأخذ األمر : يطعن يف عدالتهم حنو قوله

كان : وحيمل قوله يف إسقاط القتل على سب ال يطعن يف دينهم، حنو قوله . بغري حق. فيهم قلة علم، وقلة معرفة بالسياسة والشجاعة، وكان فيهم شح وحمبة للدنيا وحنو ذلك(

. من الصارم املسلول . أهـ( بني من سبهم سبا ال 587-586وقد تقدم ذكر تفريق شيخ اإلسالم فيه )

م وال يف دينهم، مثل وصف بعضهم بالبخل أو اجلنب أو قلة العلم أو عدم يقدح يف عدالتهالزهد وحنو ذلك، وأنه يستحق التعزير وال يكفر مبجرد ذلك، وبني من جاوز ذلك إىل أن

( وما بعدها. 93( وانظر يف هذا الصارم املسلول ص )110)

(409) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

زعم أهنم ارتدوا بعد النيب صلى اهلل عليه وسلم إال نفرا قليال وأن هذا ال ريب يف . (111)اخل…كفره

احملرقة يف الرد على أهل البدع والزندقة ( ألمحد بن حجر وجاء يف ) الصواعق) خبالف ساب : هـ( يف معرض ذكر اخلالف يف تكفري من سب الصحابة974اهليتمي )

مجيعهم فال شك أنه كفر ، وكذا ساب واحد منهم من حيث هو صحايب ؛ ألنه ينبغي أن حيمل استخفاف بالصحبة فيكون استخفافا به صلى اهلل عليه وسلم ، وعلى هذا

قول الطحاوي " بغضهم كفر " فبغض الصحابة كلهم وبغض بعضهم من حيث الصحبة . (256ص). ال شك أنه كفر،وأما سب أو بغض بعضهم ألمر آخر فليس بكفر ( أهـ

وغريه من تكفري من كان يف قلبه غيظ (112)ومثل ذلك ما استنبطه اإلمام مالكمحمد رسول اهلل والذين معه أشداء على )) : وكره للصحابة، استدالال بقوله تعاىل

. (29: (( )الفتح ليغيظ بهم الكفار : إىل قوله… الكفار )وإذا كان الكفار يغاظون هبم، فمن غيظ هبم فقد شارك : قال شيخ اإلسالم

الكفار فيما أذهلم اهلل به وأخزاهم وكبتهم على كفرهم، وال يشارك الكفار يف غيظهم الذي زاء كفرهم إال كافر، يوضح ذلك أن قوله تعاىل "ليغيظ هبم الكفار" تعليق كبتوا به ج

للحكم بوصف مشتق مناسب؛ ألن الكفر مناسب الن يغاظ صاحبه، فإذا كان هو املوجب ألن يغيظ اهلل صاحبه بأصحاب حممد، فمن غاظه اهلل بأصحاب حممد فقد وجد

. (579الصارم ص ) . يف حقه موجب ذاك وهو الكفر( أهـلكن جيب لزاما التفريق بني مطلق الغيظ والبغض، وبني الغيظ والبغض والكراهية

) ال يبغض األنصار رجل يؤمن : الدينية هلم، واليت قال النيب صلى اهلل عليه وسلم يف مثلهاباهلل واليوم اآلخر( رواه مسلم ، ويف الصحيحني من حديث أنس مرفوعا ) آية اإلميان حب

وآية النفاق بغض األنصار( ويف لفظ ) ال حيبهم إال مؤمن وال يبغضهم إال منافق األنصار، ( فإمنا ينطبق مثل هذا على من أبعضهم وكرههم أو سبهم وطعن فيهم لدينهم وجلهادهم

أشداء على ونصرهتم للحق ، كما ذكر اهلل تعاىل يف أهم صفاهتم يف اآلية نفسها )) (( ، ليغيظ بهم الكفاراآلية (( إىل قوله )) … ا سجدا الكفار رحماء بينهم تراهم ركع

خبالف من مل يكن كرهه لبعضهم أو طعنه يف طائفة منهم لغري هذا املعىن ، بدليل ما جرى بينهم أنفسهم يف حضرة النيب صلى اهلل عليه وسلم من سب بعضهم لبعض أو تغيظ

( انظره يف خطأ اطالق "قاعدة من مل يكفر الكافر" دومنا تفصيل. 111)

( وتفسري القرطيب. 6/327( انظر احللية أليب نعيم )112)

(410) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

عليهم ، وخفضهم أوهدأهم فيه بعضهم أو ما جرى من جدال وثوران وهم باالقتتال أنكره، وكذا ما جرى بينهم بعد وفاته صلى اهلل عليه وسلم من (113)؛ لكن مل يكفرهم بسببه

احلروب واالقتتال والسب والعداوة ، ما مل حيكم بسببه بعضهم على بعض بكفر أو نفاق، جر إلرادته إذ حاهلم يف هذا كله حال اجملتهدين، فقد كانوا فيه ما بني جمتهد خمطئ له أ

. وجمتهد مصيب له أجران… اخلري واجتهادهال ينبغي تكفري كل من -كما تقدم–وهكذا القول يف أنصار الدين يف كل زمان

عادى بعضهم أو أبغضهم أو طعن فيهم لدنيا أوغري ذلك من األسباب اليت تقدمت التوحيد أو اإلشارة إىل بعضها؛وإمنا يكفر من طعن فيهم أوعاداهم لنصرهتم للدين و

. لتحليهم بالصفات اليت حيبها اهلل وذكر غيظ الكفار من الصاحبة ألجلها . فإن ألنصار الدين يف كل زمان نصيب مما كان ألنصار النيب صلى اهلل عليه وسلم

( بعد أن ساق األحاديث املتقدمة 582-581قال شيخ اإلسالم يف الصارم ص )ألنصار في نصر اهلل ورسوله بما أمكنه فهو فمن شارك ا) : فيمن أبغض األنصار

اللهم . " ( أهـشريكهم في الحقيقة، كما قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار اهلل . فاجعلنا من أنصار دينك يا حي يا قيوم

فيجب أن ينحى فيمن أبغض أو عادى أحدا من أنصار الدين والتوحيد يف أي . ال جيعل كله كفرا دون تفصيلزمان حنو التفصيل املذكور و

ومن جنس ذلك أيضا التفريق بني الطعن يف أعراض املؤمنات املوحدات وقذفهن إلسالمهن وحجاهبن تنفريا عن التدين واحلجاب واخلمار وغطاء الوجه، أو طعنا يف توحيدهن ودعوهتن ،أو لقصد تشويه جهاد وتوحيد أزواجهن، وبني عموم قذف احملصنات،

…لغري هذا القصدفقد فرق اهلل تعاىل يف احلكم بني النوعني يف آيتني من كتابه، فقال سبحانه يف النوع

إن الذين يرمون المحصنات الغافالت المؤمنات لعنوا في الدنيا واآلخرة )) : األول(( فذكر سبحانه هنا أن هؤالء ملعونون يف الدنيا واآلخرة ؛وهي من ولهم عذاب عظيم

إن الذين يؤذون اهلل الت املكفرة كما ذكر شيخ اإلسالم يف كالمه على قوله تعاىل )) الدال(( ، وبني أن مثل هذه الصيغة يف اللعن توجب ورسوله لعنهم اهلل في الدنيا واآلخرة

اإلبعاد عن الرمحة، ومن طرده : ( ؛ ألن اللعن43-41القتل أو التكفري ، انظر الصارم )

( كما يف قصة حديث اإلفك املروي يف الصحيحني عن عائشة رضي اهلل عنها. 113)

(411) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

)ويؤيده قول النيب صلى اهلل : قال… الدنيا واآلخرة ال يكون إال كافرا اهلل عن رمحته يف ) لعن املؤمن كقتله ( متفق عليه، فإذا كان اهلل قد لعن هذا يف الدنيا واآلخرة : عليه وسلم

( ، وهذا خبالف ورود اللعنة بصيغة الدعاء؛ 42فهو كقتله، فعلم أن قتله مباح ( أهـ ص)ة امللعونني الذين ال يقتلون أو ال يكفرون إمنا لعنوا بصيغة الدعاء، )وعام: قال شيخ اإلسالم

مثل قوله صلى اهلل عليه وسلم "لعن اهلل من غري منار األرض" و"لعن اهلل السارق " و"لعن . (43اهلل آكل الربا ومؤكله" وحنو ذلك( أهـ ص)

ي اهلل عنها فإن وقد ورد يف أقوال املفسرين حول هذه اآلية أهنا نزلت يف عائشة رضومع ذلك فهي عامة كما .. قذفها طعن يف النيب صلى اهلل عليه وسلم ولذلك كان كفرا

) فيجب إجراؤه على : ( ألن وجه ظاهر اخلطاب عام ،قال50رجح شيخ اإلسالم ص )عمومه، إذ ال موجب خلصوصه، وليس هو خمتصا بنفس السبب باالتفاق، ألن حكم غري

نيب صلى اهلل عليه وسلم داخل يف العموم، وليس هو من السبب، وألنه عائشة من أزواج الفإن . لفظ مجع والسبب يف واحدة، وألن قصر عمومات القرآن على أسباب نزوهلا باطل

. عامة اآليات نزلت بأسباب اقتضت ذلك، وعلم أن شيئا منها مل يقصر على سبب( أهـأهنا نزلت يف مشركي أهل مكة، إذ كان بلغنا : ) قال أبو محزة الثماىل : مث قال

، فكانت املرأة إذا خرجت إىل رسول (114)بينهم وبني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عهدإمنا : اهلل صلى اهلل عليه وسلم إىل املدينة مهاجرة قذفها املشركون من أهل مكة، وقالوا

به عن اإليمان، فعلى هذا يكون فيمن قذف المؤمنات، قذفا يصد هنخرجت تفجر، ويقصد بذلك ذم المؤمنين لينفر الناس عن اإلسالم، كما فعل كعب بن األشرف،

، وهو مبنزلة من سب النيب صلى اهلل عليه وسلم( أهـ وعلى هذا فمن فعل ذلك فهو كافر . (50ص)

هذا وقد أفاد شيخ اإلسالم نكتة بديعة يف جوابه عن شبهة حول ما تقدم مفادها فوا عائشة ؛مؤمن ومنافق، وسبب النزول البد أن يندرج يف العموم، يعين؛ كيف أن فيمن قذ

تكون اآلية يف الكفار واللعنة فيها داللة على التكفري، مادام فيمن نزلت فيهم ولعنوا فيها؛مؤمنني ؟

شيخ اإلسالم أن قول أيب محزة هذا ال يراد به أهنا نزلت زمن العهد، بل يعين واهلل أعلم أنه عين ( بني 114)هبا مثل أولئك املشركني املعاهدين وما كانوا يقولونه عن املؤمنات ، ألن اآلية إمنا نزلت ليايل اإلفك، يف

(. 51ر الصارم ص )غزوة بين املصطلق قبل اخلندق، واهلدنة كانت بعد ذلك بسنتني. انظ

(412) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

"لعنوا يف الدنيا : ) اجلواب على هذا التقدير أنه سبحانه قال هنا : فقال رمحه اهلل"لعنهم اهلل يف الدنيا (115)على بناء الفعل للمفعول، ومل يسم الالعن، وقال هناكواآلخرة"

واآلخرة" وإذا مل يسم الفاعل جاز أن يلعنهم غري اهلل من املالئكة والناس، وجاز أن يلعنهم وجاز أن يتولى اهلل لعنة بعضهم، وهو من اهلل يف وقت؛ ويلعنهم بعض خلقه يف وقت،

، وإذا كان الالعن خملوقا فلعنته قد في الدين، ويتولى خلقه لعنة اآلخرين كان قذفه طعنا تكون مبعىن الدعاء عليهم، وقد تكون مبعىن أهنم يبعدون عن رمحة اهلل، ويؤيد هذا أن الرجل

"لعنة اهلل عليه إن كان من الكاذبني" فهو : إذا قذف امرأته تالعنا، وقال الزوج يف اخلامسة . (51ص ) . أهـ…" ه إن كان كاذبا يف القذف أن يلعنه اهلليدعو على نفس

وهو قذف احملصنات عموما لغري هذا القصد، فقد قال تعاىل : أما يف النوع الثاينوالذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة )) : فيه

إال الذين تابوا من بعد ذلك وال تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون * . (5-4: (()النوروأصلحوا فإن اهلل غفور رحيم

فهؤالء فاسقون فسقا أصغر، وليسوا كفارا، ألهنم قذفوا احملصنات، لشهوة أو لشبهة بغري بينة صحيحة كاملة، وليس يف قصدهم أو مقاهلم الطعن يف الدين أو أذى أهله على

بحانه عقوبتهم اجللد ورد الشهادة، ومل يذكر أهنم لعنوا وجه اخلصوص، ولذلك جعل اهلل سيف الدنيا واآلخرة كاألولني، أضف إىل هذا أيضا أنه سبحانه ذكر التوبة ها هنا، ومل يذكرها هناك تغليظا وتفريقا بني النوعني، وقد استدل بذلك شيخ اإلسالم يف الصارم املسلول ص

. ليه وسلم من غري استتابة( على قتل ساب النيب صلى اهلل ع338)كما ذكر الفرق بني النوعني فيه أيضا بعد أن ذكر قول النيب صلى اهلل عليه وسلم

)أنا : )من يعذرين يف رجل بلغين أذاه يف أهلي( وقول سعد بن معاذ له: يف قصة اإلفك) فلما مل ينكر ذلك : (180فقال ص )…( أعذرك، إن كان من األوس ضربت عنقه

، (10)على أن من آذى النيب صلى اهلل عليه وسلم وتنقصه جيوز ضرب عنقه عليه دل

( أي يف قوله تعاىل: )إن الذين يؤذون اهلل ورسوله(. 115)جاء يف ) الصواعق احملرقة.. ( البن حجر اهليتمي: ) وإمنا مل يقتل صلى اهلل عليه وسلم قذفة عائشة (10)

ية فلم ألن قذفهم كان قبل نزول القرآن فلم يتضمن تكذيب القرآن ، وألن ذلك حكم نزل بعد نزول اآل( ، ولشيخ اإلسالم أجوبة أخرى حول هذا جتدها يف 261ينعطف حكمه على ما قبلها. ( أهـ ص)

الصارم املسلول عند كالمه عن األسباب اليت جعلت النيب صلى اهلل عليه وسلم يعرض عن املنافقني يف ( 223)( و220( و)189( و)179( و)178مواقف شىت ويرتك قتلهم.. أنظر على سبيل املثال ص)

( وغريها. 359( و)237و)

(413) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

والفرق بني ابن أيب وغريه ممن تكلم يف شأن عائشة أنه كان يقصد بالكالم فيها عيب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم، والطعن عليه، وإحلاق العار بة، ويتكلم بكالم ينتقصه به؛

ف حسان ومسطح ومحنة فإهنم مل يقصدوا ذلك، ومل يتكلموا مبا نقتله ، خبال: فلذلك قالوايدل على ذلك، وهلذا إمنا استعذر النيب صلى اهلل عليه وسلم من ابن أيب دون غريه؛ وألجله

. خطب الناس حىت كاد احليان يقتتلون( أهـ : )األذى على قسمني : ويقول السبكي يف ذلك أيضا

صدا ألذى النيب صلى اهلل عليه وسلم، والشك أن هذا يكون فاعله قا : أحدمها . يقتضي القتل، وهذا كأذى عبد اهلل بن أيب يف قصة اإلفك

أن ال يكون فاعله قاصدا ألذى النيب صلى اهلل عليه وسلم مثل كالم : واآلخر . مسطح ومحنة يف اإلفك، فهذا ال يقتضي قتال

إن ذلكم )) : يكون مقصودا، قول اهلل تعاىل ومن الدليل على أن األذى البد أنفهذه اآلية يف ناس صاحلني من الصحابة، مل . (53(( )األحزاب كان يؤذي النبي

يقتض ذلك األذى كفرا، وكل معصية ففعلها مؤذي، ومع ذلك فليس بكفر، فالتفصيل يف . (592، 2/591فتاوى السبكي ). األذى الذي ذكرناه يتعني( أهـ

س ذلك أيضا الفرق بني قتل املسلم وقتاله لدينه وإسالمه وتوحيده وكفره ومن جنبالطواغيت ؛وبني قتله وقتاله خلصومة دنيوية، فاألول كفر خمرج من امللة والثاين كبرية عظيمة

…من كبائر الذنوب، وال حيل اخللط بني النوعنيمثل ما –دين اإلسالم أما إذا قتله على ) : ويف هذا يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية

فهذا كافر شر من الكافر المعاهد، فإن هذا -يقاتل النصراني المسلمين على دينهمكافر محارب بمنزلة الكفار الذين يقاتلون النبي صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه،

. وهؤالء مخلدون في جهنم، كتخليد غيرهم من الكفارال، أو خصومة، وحنو ذلك فهذا من الكبائر، وأما إذا قتله قتال حمرما؛ لعداوة، أو م

وال يكفر مبجرد ذلك عند أهل السنة واجلماعة، وإمنا يكفر مبثل هذا اخلوارج، وال خيلد يف النار من أهل التوحيد أحد عند أهل السنة واجلماعة، خالفا للمعتزلة الذين يقولون بتخليد

ن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا وم)) : فساق امللة، وهؤالء حيتجون بقوله تعاىل . (93 : (( )النساء فيها وغضب اهلل عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما

(414) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

على أهنا حممولة على املتعمد لقتله على إميانه، وأكثر الناس مل حيملوها : وجواهبميغفر أن يشرك به )) إن اهلل ال: هذا وعيد مطلق قد فسره قوله تعاىل : على هذا، بل قالوا

جمموع الفتاوى )ط دار ابن حزم( . ( أهـ48: (()النساءويغفر ما دون ذلك لمن يشاء (34/88) .

: وهذا التفصيل نافع يف تأويل حديث البخاري عن عبد اهلل بن مسعود مرفوعا فقد تأولوا الكفر فيه على حنو من التأويالت اليت . )سباب املسلم فسوق وقتاله كفر(

ولوها يف حديث ) إذا قال الرجل ألخيه يا كافر فقد باء به أحدمها ( فذكروا فيها تأ: االستحالل كسبب حلمل الكفر فيه على األكرب، فليضم هذا التفصيل إىل ذلك؛ فيقال

من قاتل املسلم وحاربه لدينه وتوحيده فقد كفر وخرج من امللة، ومن قاتله لبغي أوخلصومة ة عظيمة كفر هبا نعمة األخوة اإلميانية، وخيشى عليه أن يؤول به ذلك دنيوية فقد أتى بكبري

. إىل آخر ما ذكره العلماء ها هنا… إىل الكفروهكذا، فقتال الطواغيت وأنصارهم للموحدين الذين يسعون لتحقيق التوحيد، بإخراج العباد من عبادة الطواغيت إىل عبادة اهلل وحده، ومن شرك تشريعاهتم وإفك

، وكل من 116 نينهم وظلمها إىل شرع اهلل الواحد القهار ؛ الشك أنه من النوع الكفريقوايعينهم وينصرهم عليه، فيعذب املوحدين أو يسجنهم أو يرتبص هبم الدوائر أو يتجسس

. عليهم ويكتب فيهم التقارير ألجل ذلك، فهو داخل يف هذا النوعالبغي واالقتتال الذي حيصل كثريا وال حيل خلط مثل هذا، مبا جيري من اخلصومات و

وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا )) : فقد قال تعاىل يف هذا األخري… بني املسلمني(( إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم)) : إىل قوله تعاىل…(( فأصلحوا بينهما

. (10-9: )احلجرات . روا طوائف من املسلمنيفقد غال قوم فأحلقوا هذا النوع بالقتال الكفري فكف

وفرط آخرون فجعلوا قتال الطواغيت وعداوهتم للموحدين، وحماربتهم لدعوهتم . واحلق ما قد فصلناه لك… وجلهادهم، من قبيل خلصومات اليت جتري بني املسلمني

بعد ما تقدم كله؛ أنه جيب التفريق يف أسباب التكفري بني الطعن يف والخالصة له إلسالمهم وقرآهنم ودينهم وشعائره ، وبني الطعن يف أشخاصهم لبواعث الدين أو بأه

(116)

وهل أصرح من أن تكون يف هتمهم اليت حياكمون عليها )االنتماء إىل تنظيم إرهايب!! يسعى إىل قلب نظام احلكم بالقوة إلقامة حكم إسالمي (؟؟

(415) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ودوافع دنيوية أو شخصية ؛ بأن ال يكفر وتستباح الدماء إال مبا كان من جنس الطعن يف . الدين، الذي جيعل صاحبه إماما يف الكفر

د عهدهم وإن نكثوا أيمانهم من بع)) : ولذلك أمر اهلل تعاىل بقتال مثله فقال . (( وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم ال أيمان لهم لعلهم ينتهون

وحذار من اخللط بني هذا وذاك فتختل املوازين وتلتبس األمور وختتلط أحكام الشرع حبظوظ النفس واألهواء، فكم قد رأيت أناسا قد جعلوا الشرع درعا يتقون به السهام

يلصقون به الطعون املنصبة على احنرافاهتم وأخطائهم، وذلك املوجهة إىل أشخاصهم، و ليتمكنوا من إكفار خصومهم، فجنوا بذلك على الشرع، ولبسوا جبنايتهم على اخللق،

…وخلطوا األهواء باحلقوأخريا فإن يف هدي النيب صلى اهلل عليه وسلم يف هذا عربة لكل معترب؛ فإنه صلى

اختالط العداوات الشخصية واحلظوظ النفسانية بأمر الدين اهلل عليه وسلم كان حياذر من؛ فمع علمه صلى اهلل عليه وسلم بكفر املنافقني يف الباطن، مل يكفرهم يف أحكام الدنيا

. إال بالكفر الظاهر الصريح )االستهزاء (الذي حكم اهلل فيه حبكم واضحالصبيان وحنوهم ممن مل وما كفرهم وال أخذهم بلحن القول وال بشهادة اآلحاد و

يكن يكتمل بشهادهتم نصاب البينة، وذلك خمافة أن يقال أنه إمنا يقتلهم ملآرب وأحقاد شخصية، فيختلط أمر الدين ويلتبس على الناس ؛ ويقولون حممد يقتل أصحابه، فينفرون

…عنهما ) فلو قتلهم النيب صلى اهلل عليه وسلم لنفاقهم و : قال القاضي عياض يف الشفا

يبدر منهم وعلمه مبا أسروا يف أنفسهم، لوجد املنفر ما يقول والرتاب الشارد وأرجف ولزعم املعاند وارتاع من صحبة النيب صلى اهلل عليه وسلم والدخول يف اإلسالم غري واحد،

وقد رأيت معىن الزاعم وظن العدو الظالم، أن القتل إنما كان لعداوة وطلب أخذ الترة،"ال : سوبا إىل مالك بن أنس رمحه اهلل، وهلذا قال صلى اهلل عليه وسلمما حررته من

( ولشيخ اإلسالم حنوه يف الصارم 2/227أهـ)…( يتحدث الناس أن حممدا يقتل أصحابه" . (237املسلول ص )

وتأمل حال دعوات كثري .. فتأمل نقاوة دعوة النيب صلى اهلل عليه وسلم ووضوحهاتلط فيها حظوظ النفس وأهوائها وعداواهتا ، بأمر الدين ، الذي من أهل زماننا اليت خت

.. اختذه أكثر اخللق جنة يتقون به السهام والطعونات املوجهة إىل أخطائهم واحنرافاهتم

(416) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

(417) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

((33)) تكفير المخالفين لمجرد انتمائهم إلى جماعات

اإلرجاءرد انتمائهم إىل مجاعات ومن األخطاء الشنيعة يف التكفري أيضا تكفري املخالفني جمل

.. اإلرجاءفلقد رأيت يف املتحمسني الذين مل يضبطوا إطالقاهتم بضوابط الشرع، من يكفر عموم مجاعات اإلرجاء اليوم ممن خيالفونه يف تكفري الطواغيت أو أنصارهم من عساكر

. القواننيليسوا يف دين ) إن اجلماعة الفالنية من جامعات اإلرجاء: فسمعت مثال من يقول

اهلل، أوأهنم ليسوا حتت مظلة اإلسالم(، وإذا استفصلت منهم عن مرادهم هبذه اإلطالقات فإذا طالبتهم … احلماسية، وجدهتم يقصدون بذلك تكفري عموم أفراد تلك اجلماعات

بالدليل ذكروا لك مواقف أو تصرحيات بعض قادهتا، اليت فيها بعض املداهنات للطواغيت، . ادالت عن تكفريهمأو اجمل

ومعلوم أن هذا وحده ال يكفي للتكفري خصوصا إذا كان املخالف يف ذلك؛ إمنا توقف يف التكفري العتقاده وجود مانع من موانع التكفري، أو أشكل عليه حاهلم لقيام بعض شبهات عندهم من ضعف فهمهم للنصوص، كأن يغرت بقوهلم )ال إله إال اهلل( أو

حديث أسامة وإنكار النيب صلى اهلل عليه وسلم عليه قتل من قاهلا، أو بصالهتم، فيذكرحديث البطاقة وحنوها من فضائل ال إله إال اهلل، أو حديث أم سلمة عند مسلم يف األمراء

)ال ما : وفيه سؤال الصحابة )أفال نقاتلهم(؟ وجواب النيب صلى اهلل عليه وسلم . (117)صلوا(

…يت تربط عصمة الدم واملال ببعض خصائص اإلسالموحنو ذلك من األحاديث الفإن كان األمر كذلك ومل يكن عند املرء شيء من أسباب الكفر، فهذا وحده ال

. يكفي لتكفريه

( انظر يف الرد على هذه الشبهات وغريها كتابنا ) إمتاع النظر يف كشف شبهات مرجئة العصر( و) 117) كشف شبهات اجملادلني عن عساكر الشرك وأنصار القوانني(.

(418) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

خصوصا وأن من خيالفوننا فيهم مل يصرحوا بالرباءة من اإلسالم بل ال يزالون ظون بالشهادتني ؛ األمر الذي قد ينتسبون إليه وكثريا منهم يصلون ويصومون وحيجون ويتلف

يشكل معه تكفريهم على كثري من الناس ، ولذلك فليس كفرهم عند كثري من الناس ككفر املرتد ردة صرحية بانتقاله إىل ملة أخرى تظهر براءته من دين املسلمني ؛ فهو ليس كاملتحول

ما حنن فيه مما حيتاج للنصرانية الذي ال تكاد جتد عاميا مسلما يتوقف يف تكفريه ، خبالف .. إىل تعرف وتفهيم

ولذلك فقد أشكل شيء حنو هذا على من هو خري من هؤالء، أعين الفاروق رضي اهلل عنه، ملا هم الصديق بقتال من ارتد من العرب مبنع الزكاة دون أن يربؤوا من اإلسالم ،

"أمرت أن : ليه وسلم)كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول اهلل صلى اهلل ع : فقال له عمرأقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل، فإذا فعلوا ذلك عصموا

واهلل ألقاتلن من : ؟" فقال أبو بكر.. مين دماءهم وأمواهلم إال حبقها وحساهبم على اهلل . فرق بني الصالة والزكاة، فإن الزكاة حق املال

ا كانوا يؤدوهنا إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لقاتلتهم على واهلل لو منعوين عناق . منعها

فقال عمر؛ فواهلل ما هو إال أن رأيت أن اهلل قد شرح صدر أيب بكر للقتال فعلمت . واحلديث يف الصحيحن.. أنه احلق (

) لقد كان فيما : فتأمل اشتباه األمر على من قال فيه النيب صلى اهلل عليه وسلم ، فإن يك يف أميت أحد فإنه عمر ( رواه البخاري عن (118)قبلكم من األمم ناس حمدثون

.. أيب هريرة ؟…فكيف مبن هم دونه

وهو أتقى األمة بعد رسول اهلل وأحرصهم –مث تأمل كيف أن أبا بكر رضي اهلل عنه ك الن جداله كان مل يكفره لتوقفه وجداله يف قتال أولئك املرتدين، وذل –على دين اهلل

بسبب شبهة، وال كفره العتقاده أهنم مسلمون تعصمهم الشهادتني، وحاشاه وحاشا الصحابة من أمثال تلك التهورات ؛ بل بني له الدليل على قتاهلم، بأن الزكاة حق املال ،

وذلك إشارة منه إىل حديث النيب صلى اهلل… وأهنا مع الصالة من حقوق ال إله إال اهلل ) أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إال اهلل وان حممدا رسول اهلل : عليه وسلم

( حمدثون: أي ملهمون يصيبون احلق بغري نبوة ، كما يف الفتح )كتاب فضائل الصحابة(. 118)

(419) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا ذلك عصموا مين دماءهم وأمواهلم إال حبقها ( وهو تابوا فإن)) : تعاىل قال كما ، العبادتني إقامة إىل ممدود القتال أن لهيف الصحيحني، فبني

هو وهذا بذلك، اإلشكال عنه وأزال.. (( سبيلهم فخلوا الزكاة وآتوا الصالة وأقاموا . هذا حنو عليه أشكل من كل مع الواجب

وإذا مل جيز تكفري أحد ممن أشكل عليه شيء من هذا القبيل، فخالفنا وجادلنا يف راد مجاعته، جملرد تكفريهم ، فمن باب أوىل أن ال يكفر أتباعه أو طلبته، أو من هم من أف

. قول شيخهم ذاك، أو حنو ذلك من ختليطاته ومداهناته . …((وال تزر وازرة وزر أخرى)): فقد قال اهلل تعاىل

. أال ال جيين جان إال على نفسه( أخرجه الرتمذي وغريه)… : ويف احلديث . )ال جتين نفس على أخرى( رواه ابن ماجة وغريه: ويف لفظ آخراجلماعات ممن ال يرضون عن تلك التخبطات، بل ومنهم من جياهر فكم يف هذه

وبعضهم يزعم أنه يسعى لإلصالح من الداخل، وحنو ذلك من الدعاوى .. بإنكارها . الساذجة

وقد ثبت عند كل من له معرفة وجتربة يف واقع هذه اجلماعات املهلهلة، وجود وحيتاجون بعض املراحل … تحرونهالشباب املخلصني يف صفوفها ممن يبحثون عن احلق وي

ليتبصروا حبقيقتها واحنرافاهتا، وكثري منهم كما شاهدنا يوفق لذلك فيبادر باخلروج من تلك بل إن كثريا من دعاة التوحيد اليوم كانوا قد بدأوا … اجلماعات، أو تفصلهم اجلماعة غالبا

وا بتوفيق اهلل هلم وهدايته أن التزامهم بالدين يف صفوف وأحضان هذه اجلماعات، مث ما لبثوالذين جاهدوا )): تبصروا باحنرافاهتا والتزموا بدعوة األنبياء ومنهاج أتباعهم؛ وقد قال تعاىل

(( فاملرء ال ينال البصرية يف الدين دفعة فينا لنهدينهم سبلنا وإن اهلل لمع المحسنينلم بالتعلم، وإمنا احللم بالتحلم، ) إمنا الع: واحدة، وإمنا األمر كما أخرب الصادق املصدوق

. ومن يتحر اخلري يعطه، ومن يـتـوق الشر يـوقة(كذلك كنتم من قبل فمن اهلل عليكم فتبينوا إن اهلل )): وليتذكر املرء قوله تعاىل

. ((كان بما تعملون خبيراونصرح؛ بأننا ال ولذلك فقد قلنا مرارا وتكرارا يف غري ما موضع ومقام والزلنا نقول

نكفر خمالفينا جملرد خمالفتهم لنا يف تكفري الطواغيت وعساكرهم، لقيام شبهات عندهم من بعض النصوص، أو جلهلهم بأدلة الشرع املكفرة لؤلئك الطواغيت وعساكرهم ، أو جلهلهم

(420) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

بطهم مادامت خمالفتهم لنا فقط يف باب األمساء واأللفاظ ؛ ومل يؤد هبم خت… بكفرياهتم وإرجاؤهم إىل تسويغ الكفر أو إباحته أو الدعوة إليه أو غري ذلك مما يدخل يف أسباب التكفري، متاما كما مل يكفر السلف أشياخ هؤالء من املرجئة األوائل الذين كان خالفهم مع

…أهل السنة لفظيا فقطنصوصه أنه )وأما املرجئة فال ختتلف: كما نقل شيخ اإلسالم عن اإلمام أمحد فقال

ال يكفرهم، فإن بدعتهم من جنس اختالف الفقهاء يف الفروع، وكثري من كالمهم يعود النزاع فيه إىل نزاع يف األلفاظ واألمساء وهلذا يسمى الكالم يف مسائلهم باب األمساء، وهذا

ط من نزاع الفقهاء لكن يتعلق بأصل الدين، فكان املنازع فيه مبتدعا( أهـ جمموع الفتاوى . ويقصد بذلك مرجئة الفقهاء . (12/260دار ابن حزم )

)وهلذا دخل يف إرجاء الفقهاء مجاعة هم : (7/246ولذلك يقول يف موضع آخر )عند األمة أهل علم ودين، وهلذا مل يكفر أحد من السلف أحدا من مرجئة الفقهاء، بل

إن كثريا من النزاع فيها لفظي، جعلوا هذا من بدع األقوال واألفعال، ال من بدع العقائد، فلكن اللفظ املطابق للكتاب والسنة هو الصواب فليس ألحد أن يقول خبالف قول اهلل

ال سيما وقد صار ذلك ذريعة إلى بدع أهل الكالم من أهل اإلرجاء وغيرهم ورسوله وإلى ظهور الفسق فصار ذلك الخطأ اليسير في اللفظ سببا لخطأ عظيم في العقائد

. ( أهـألعمالوافتأمل هذا لتعرف الفارق بني إرجاء الفقهاء اللفظي الذي يتوقف على مسائل التعريفات واألمساء وبني ما قد يؤدي إليه ذلك، من اإلحنراف يف االعتقاد والعمل ، وهذا أمر بني معلوم، فليس مجيع املرجئة على ما كان يعذر فيه السلف من اخلالف اللفظي، بل

دى به إرجاؤه إىل التجهم احملض فألغوا أسباب التكفري مجلة وحصروها يف منهم من أاجلحود القليب وحده !! ومنهم من أدى به إرجاؤه إىل ترك الفرائض أو تسويغ ذلك أو تسويغ الكفر أو تسهيل اقتحامه والتهوين من أمره، وهذا يف املتأخرين أظهر منه يف املرجئة

. األوائلسالم بني من مساهم )مقتصدة املرجئة( الذين بدعتهم من قبيل ولذلك فرق شيخ اإل

بدع الفقهاء، وبني )غالية املرجئة( الذين يكفرون بالعقاب ويزعمون أن النصوص خوفت مبا )وكذلك مقتصدة املرجئة، مع أن بدعتهم من بدع الفقهاء : (20/60ال حقيقة له، فقال )

مة، ومن أدخلهم من أصحابنا يف البدع اليت ليس فيها كفر بال خالف عند أحد من األئحكى فيها التفكري ونصره فقد غلط يف ذلك، وإمنا كان ألهنم ال يرون إدخال األعمال أو

(421) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

غالية المرجئة الذين يكفرون بالعقاب األقوال يف اإلميان، وهذا ترك واجب، وأما . هـأ…(ويزعمون أن النصوص خوفت بما ال حقيقة له، فهذا القول عظيم

بني إرجاء الفقهاء اللفظي، وبني اإلرجاء الكفري الذي (119)وحنوه تفريق الذهيب . يقول )ال يضر مع التوحيد ترك الفرائض(

فتأمل هذا التفريق فإنه مهم، ولذلك كنا والزلنا نقول؛ أن موافقة بعض أفراخ مفارقتهم هلم وخمالفتهم اجلهمية يف زماننا ألهل السنة يف أبواب ألفاظ اإلميان وتعريفاته، مع

يف التوحيد وعراه الوثقى، وترقيعهم للطواغيت وتسويغهم للشرك بأمساله وأثوابه العصرية من دميقراطية وحنوها وترقيعهم للدساتري والقوانني الوضعية وتسويغ احلكم هبا بدعوى أهنا ال

ة الفقهاء، وإمنا ختالف الشرع أو أهنا حتفظ حقوق الناس ، ال جيوز حبال مساواته مبرجئالذين نعذرهم ونلحقهم مبرجئة الفقهاء من أدته أمثال الشبهات املتقدمة اليت أوقعهم فيها ضعف فهمهم للنصوص،أو ظنهم قيام موانع للتكفري وحنو ذلك ؛ إىل التوقف يف تكفري الطواغيت وأنصارهم أو حنوهم ؛ دون أن يؤدي هبم ذلك، إىل تسويغ الكفر البواح أو

تسهيله، واإلفتاء جبواز الشرك الصراح أو استحسانه واستصالحه، أو اقتحام شيء من . فتنبه هلذا النوع الذي ندفع عنه، وحذار من اخللط، وتقويلنا ما ال نقول.. أبوابه

أقول هذا مع علمي أن السلف قد شددوا اإلنكار على مرجئة الفقهاء أيضا ألن بدعتهم كما تقدم عن شيخ اإلسالم صارت وبدعوهم وغلظ بعضهم القول فيهم،

فصار ذلك اخلطأ اليسري يف اللفظ سببا . ذريعة إىل بدع أهل الكالم وإىل ظهور الفسق …خلطأ عظيم يف العقائد واألعمال

وكذلك األمر بالنسبة لكثري من أفراخ مرجئة العصر الذين جيادلون يف تكفري .. ممن ال يسوغ الشرك الصراح أو يستحسن الردةالطواغيت وأنصارهم، فإهنم وإن كانوا

وإمنا خالفهم يف أمساء الكفر واإلميان بسبب شيء من الشبهات املتقدمة، لكن ذلك قد صار ذريعة عند كثري من غالهتم إىل تسهيل أمر الشرك وتويل الطواغيت والتهاون يف كثري

. من املكفراتآل وال يثبت إال بأسباب ظاهرة منضبطة؛ ولكن ملا كان التكفري ال يصح باالزم وامل

. مل نكفر إال من باشر تسويغ الكفر أو الفتوى بإباحته أو اقتحم أسبابه

(. 5/235( انظر سري أعالم النبالء )119)

(422) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وما مل يكن حاهلم كذلك ، وما دام من جنس إرجاء الفقهاء فنحن معهم على ما .. كان عليه سلفنا من عدم التكفري واالكتفاء بالتبديع أوالتضليل أوالتجهيل

)وأما السلف واألئمة فلم يتنازعوا يف عدم : مثاهلم حيمل قول شيخ اإلسالمفعلى أ تكفري املرجئة والشيعة املفضلة وحنو ذلك، ومل ختتلف نصوص أحد يف أنه ال يكفر هؤالء، وإن كان من أصحابه من حكى يف تكفري مجيع أهل البدع من هؤالء وغريهم خالفا عنه،

ختليد هؤالء وغريهم ، وهذا غلط على مذهبه وعلى أو يف مذهبه، حىت أطلق بعضهم . (3/219دار ابن حزم( ). جمموع الفتاوى )ط. الشريعة( أهـ

ثم إن السلف واألئمة ) : وقال بعد كالم يف مرجئة الفقهاء وأول نشوء مذهبهماشتد إنكارهم على هؤالء وتبدعيهم، وتغليظ القول فيهم، ولم أعلم أحدا منهم نطق

بل هم متفقون على أنهم ال يكفرون في ذلك، وقد نص أحمد وغيره من بتكفيرهم،، ومن نقل عن أمحد أو غريه من األئمة تكفريا على عدم تكفير هؤالء المرجئة : األئمة

هلؤالء، أو جعل هؤالء من أهل البدع املتنازع يف تكفريهم، فقد غلط غلطا عظيما( أهـ (7/311) .

م أفراخ املرجئة اليوم خيالفوننا يف تكفري الطواغيت أو أنه مادا : والخالصة أنصارهم، لظنهم قيام بعض موانع التكفري يف حقهم، أو لشبهة طرأت عليهم من بعض نصوص الشرع،أو جلهلهم يف واقع كفرياهتم ؛ فنحن ال نكفرهم مادام ذلك مل يؤدي هبم

، كنصرة قوانني الكفر أو إىل سبب من أسباب الكفر الظاهرة اليت ال يسع اجلهل هبااملشاركة يف تشريعها أو القسم على احرتامها والوالء هلا، أو نصرة عبيدها وإعانتهم على تثبيتها وحتكيمها أو نصرهتم ومظاهرهتم على املوحدين املتربئني منها الناصرين للشريعة، أو

حلمل عليه، إذ تسويغ شيء من ذلك واستحسانه واستصالحه واإلفتاء جبوازه وإباحته وا . (120)احلمل على الكفر والدعوة إليه واإلفتاء به كفر كما نص العلماء

ولذلك فرقوا يف أقاويلهم يف التكفري والعقوبة بني الداعية املستبصر ببدعته الداعي .. إليها وبني عموم جهال أهل البدع

داد وفيه تكفير علماء السلف لمن أفتى امرأة باالرت( 189-3/188( انظر إعالم املوقعني )120) آنيا ومؤقتا؛ لتبين من زوجها الذي يأبى طالقها.

(423) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ن ببدعته ومنعوا فمنع األئمة كاإلمام أمحد بن حنبل وأمثاله قبول رواية الداعي املعل .. (5)شهادته والصالة خلفه ؛ خبالف اجلاهل املقلد الذي ال بصرية له

أي واهلل جيفى : )املرجئ إذا كان داعيا؟ قال : وقال الكوسج؛ قلت ألمحد . (6)ويقصى( أهـ

وقوله هذا فيمن عرفت القول فيهم من مرجئة الفقهاء، فكيف به لو رأى من أدى رجاء يف زماننا إىل نصرة الشرك واملشركني واستحسان الردة واستصالح هبم التجهم واإل

؟؟…الكفر واملروق من الدينهذا ولقد استهجن هذا التفريق منا بعض الناس، وتعجبوا من عذرنا ملن أخطأ وخالفنا فقط يف احلكم على الطواغيت وأنصارهم، وبني من بىن على ذلك وأتبعه بشيء

. من املكفرات . نعتقد أن الفرق واضح بني منضبط باألصول ، منسجم مع ضوابط الشرع وحنن

( إعذار من . …فقد قدمنا لك من قبل يف الكالم على قاعدة )من مل يكفر الكافرتوقف يف تكفري الكافر العتقاده قيام مانع من موانع التكفري يف حقه، أو لتعارض بعض

. .. قيام بعض الشبهات عنده األدلة يف ذهنه، أو جلهله ببعض النصوص، أوفما دام توقف هؤالء املرجئة يف تكفري الطواغيت وأنصارهم من جنس ذلك وليس هو من قبيل التكذيب بأدلة الشرع؛ أو تويل قوانينهم والدفع عنها أو توليهم هم ومظاهرهتم

فبأي شيء يكفرون؟؟؟… على املوحدين أو غري ذلك من أسباب الكفر الظاهرةوقد عرفت أننا ال نكفر إال بسبب من أسباب الكفر الظاهرة اليت تنحصر خصوصا

. بالقول أو الفعل املكفر صريح الداللةفأين يف أدلة الشرع، أن من أسباب الكفر؛ خطأ املرء يف تنزيل حكم الكفر على بعض من نكفرهم من املدعني لإلسالم املتلبسني ببعض شعائره، لشبهات قامت يف ذهنه

أت عليه من بعض النصوص، أو العتقاده وجود مانع أوخلفاء بعض النصوص عليه؟؟ أو طر ؟؟…حنو ذلك من األعذار اليت يعددها العلماء

أنظر يف هذا ) الطرق احلكمية يف السياسة الشرعية ( البن القيم ) الطريق السادس عشر ( احلكم (5)

جدة (. –( فصاعدا ، )ط. مكتبة املدين 232بشهادة الفساق ص ) (. 4/168عن إعالم املوقعني ) (6)

(424) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فإن أورده علينا أولئك املستهجنون لكالمنا واختيارنا هذا ؛ فليبشروا بأهنم لن جيدوا الرأس والعني ، وحنن من فأدلة الشرع عندنا على… منا إن شاء اهلل إال اإلذعان والتسليم

.. أسعد الناس هبا ومبتابعتها … أما االستهجان العقلي وحده فال يكفي

) إذ اإلميان والكفر، من األحكام اليت تثبت بالرسالة، وباألدلة الشرعية مييز بني . (7)املؤمن والكافر ال مبجرد األدلة العقلية (

. (.. ما هو من املقاالت كفر يقول القاضي عياض يف الشفا، يف فصل ) بيان . أهـ…( )إعلم أن حتقيق هذا الفصل وكشف اللبس فيه مورده الشرع، وال جمال للعقل فيه

(2/282) . ) الكفر حكم شرعي متلقى عن صاحب الشريعة، : ويقول شيخ اإلسالم ابن تيمية

ون كفرا يف والعقل قد يعلم به صواب القول وخطؤه، وليس كل ما كان خطأ يف العقل؛ يكالشرع، كما أنه ليس كل ما كان صوابا يف العقل، جتب يف الشرع معرفته( أهـ درء تعارض

. (1/242العقل والنقل ))كون أمر ما كفرا، أي أمر كان، ليس من : هـ(723ويقول ابن الشاط اإلشبيلي )

أمر ما هو كفر فهو األمور العقلية بل هو من األمور الوضعية الشرعية، فإذا قال الشارع يف . (159، 4/158هتذيب الفروق ) . كذلك، سواء كان ذلك القول إنشاء أم إخبارا( أهـ

: ويقول ابن القيم يف نونيته الكـفر حق اهلل ثم رسـوله بالنص يثبت ال بقول فالن من كان رب العاملني وعبده قد كفراه فذاك ذو كفـران

) إن التكفري مسعي حمض ال مدخل : هـ(840د بن إبراهيم ابن الوزير )ويقول حمم . للعقل فيه، وإن الدليل على الكفر ال يكون إال مسعيا قطعيا، وال نزاع يف ذلك( أهـ

. (179، 4/178باختصار من العواصم والقواصم )

(. 3/204خ اإلسالم ابن تيمية، من جمموع الفتاوى )ط. دار ابن حزم( )أصل العبارة لشي (7)

(425) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ال اهلل، حىت وقد عرفت توقف الفاروق يف شأن املرتدين وقتاهلم، لشبهة قوهلم ال إله إناظره الصديق وكشف تلك الشبهة وأبان له احلق، ومل يكفره خلطئه ذاك، بينما مل يتلكأ الصديق، وما كان له أن يتلكأ يف تكفري من أدته هذه الشبهة، أو غريها من الشبهات إىل اقتحام شيء من أسباب الكفر والردة، كنصرة مسيلمة الكذاب، أو االمتناع عن بعض

فمن الذين قاتلهم أبو بكر الصديق يف مجلة املرتدين قوم ممن منعوا … إلسالمشرائع اخذ من )) : الزكاة حمتجني بشبهة استدلوا هلا بنص شرعي، حيث تعلقوا بقوله تعاىل

((؛ وأن أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صالتك سكن لهمي عليهم وصالته سكن هلم، وهو النيب صلى اهلل الصدقة إمنا كانت تلزمهم ملن كان يصل

. عليه وسلم وقد مات، فال صدقة لغريهوهؤالء هم الذي أشكل حاهلم على عمر حىت ناظره أبو بكر وأزال عنه اإلشكال، ومعلوم أنه مل يستشكل حال أتباع مسيلمة أو األسود أو سجاح، لوضوح أمرهم فتنبه هلذا

. (8)ثة أصناففقد كان املرتدون آنذاك ثالومع هذا مل تنفعهم هذه الشبه أو تصلح عذرا هلم عند الصديق، لظهور ووضوح أمر فريضة الزكاة، وألن التأويل أوالشبهة إذا أدت إىل كفر صريح أو امتناع عن الشرع والقدرة بطائفة أو شوكة، فإهنا ال متنع من التكفري أو القتال، فكذلك من أدته شبهاته إىل نصرة

رتدين من عبيد القوانني على املوحدين، أو نصر قوانينهم واالمتناع هبا عن الشرع، أو املتسويغ التشريع الكفري أو جتويز حتكيم قوانني الكفر أو أعلن الوالء هلا، أو أداه إرجاؤه إىل املشاركة يف تشريع ما مل يأذن به اهلل أو اإلعانة على حتكيم قوانني الكفر، فهذا قد اقتحم

. بتجهمه وإرجائه وشبهاته أسبابا ظاهرة من أسباب الكفر، وهبذه األسباب الظاهرة نكفرهخبالف من توقفت خمالفته وجمادلته على األمساء واأللفاظ فقط، فلم يكفر الطواغيت أو أنصارهم لشبهات قامت عنده من ضعف فهمه لنصوص الشرع، أو ملوانع

دون أن يؤديه ذلك إىل ارتكاب شيء من .. يهظن قيامها، أو خلفاء بعض النصوص علفال حيل تكفريه بذلك وحده، وال بلوازمه اليت يذكرها … أسباب الكفر املذكورة أو غريها

.. البعض ما مل يلتزمهاوال نقوهلم أو ننسب إليهم شيئا مل يقولوه أو ينتحلوه، وإن هبتونا هم، وافرتوا علينا

فضال عن أن نكفرهم جملرد بغيهم علينا وكذهبم … لبوا وأوضعواوقـولونا ما ال نقول به، وأج

(. وانظر فتح الباري )كتاب استتابة املرتدين.. ( )باب قتل من 2/385انظر االعتصام للشاطيب ) (8) أ ى قبول الفرائض(.

(426) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فهذا كله من اإلمث والعدوان الذي سيجدونه يف صحائفهم، … وظلمهم وتعديهم . وسيسألون عنه بني يدي اهلل، إال أنه وحده، ليس من أسباب التكفري، حىت نكفرهم به

مع األصول، وغري أفال ترى يا أخ التوحيد بعد هذا، أن تفصيلنا منسجم مستهجن؟

كفرت ، وأما : ) أهل البدع إذا خالفته قال: يذكر عن اإلمام الشافعي أنه قال . أخطأت ( أهـ: السين فإذا خالفته قال

فلهذا كان أهل العلم ) : ويقول شيخ اإلسالم ابن تيمية يف رده على ابن البكريف يكفرهم، ألن الكفر حكم والسنة ال يكفرون من خالفهم، وإن كان ذلك المخال

شرعي، فليس لإلنسان أن يعاقب بمثله، كمن كذب عليك وزنى بأهلك، ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله، ألن الزنا والكذب حرام لحق اهلل تعالى، وكذلك التكفير

. (257( أهـ ص)حق هلل تعالى، فال يكفر إال من كفره اهلل ورسولهل البدع تكفري بعضهم بعضا، ومن ممادح أهل العلم وذكر أيضا، أن )من عيوب أه

. (9)أهنم خيطئون وال يكفرون( أهـ) واخلوارج تكفر أهل اجلماعة ،وكذلك أكثر : (5/158وقال يف منهاج السنة )

وكذلك أكثر الرافضة ، ومن مل يكفر فسق ، وكذلك (10)املعتزلة يكفرون من خالفهم ن رأيا ،ويكفرون من خالفهم فيه ، وأهل السنة يتبعون احلق من أكثر أهل األهواء يبتدعو

رهبم الذي جاء به الرسول ، وال يكفرون من خالفهم فيه ،بل هم أعلم باحلق وأرحم باخللق : )) كنتم خري أمة أخرجت للناس (( قال أبو هريرة: ،كما وصف اهلل به املسلمني بقوله

. كنتم خري الناس للناس ( أهـ)هذا : يب يل أختم هذا املوضع بأن أستعري كالمه الذي يقول فيه رمحه اهللويط

فإنه وإن تعدى حدود اهلل في بتكفير أو تفسيق أو افتراء وأنا يف سعة صدر ملن خيالفين، فأنا ال أتعدى حدود اهلل فيه، بل أضبط ما أقوله وأفعله وأزنه . أو عصبية جاهلية

انظر منهاج (، و 407، 2/406هذا والذي قبله نقال عن شرح قصيده ابن القيم ألمحد بن عيسى ) (9)

(. 5/251السنة النبوية )( أن أكثر املعتزلة يكفرون خمالفيهم بل ويكفرون 343ذكر عبد القاهر البغدادي يف أصول الدين ) (10)

من يشك يف تكفري خمالفيهم !!

(427) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

، حاكما فيما بالكتاب الذي أنزله اهلل وجعله هدى للناس بميزان العدل، وأجعله مؤتما . ((فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اهلل والرسول)) : اختلفوا فيه، قال تعاىل

إن اهلل مع وذلك أنك ما جزيت من عصى اهلل فيك، مبثل أن تطيع اهلل فيه، )) . ((الذين اتقوا والذين هم محسنون

وتتقوا ال يضركم كيدهم شيئا إن اهلل بما يعملون )) وإن تصبروا : وقال تعاىل . (156-3/155أهـ جمموع الفتاوى )ط دار ابن حزم( ). ((محيط

. اللهم فأعين على ذلك، واهدين وسددين …وبعد

فهذا أهم ما أحببت التنبيه إليه والتحذير منه يف أخطاء التكفري، مما عايشت . من الشباب يف مواضع متفرقة من املعمورة وشاهدت وجوده فعال بني جمموعات متفرقة

. وهي أشهر أخطاء أعرفها يف التكفري وشذوذاتهوقد تعمدت أن أخصص احلديث عن أخطاء كان ميكن إدراجها حتت أخطاء أخرى سلفت يف الفصل نفسه، لكن لشناعة تلك األخطاء أو لشيوعها وانتشارها، رأيت

. يف التفصيل والبيان ضرورة إفرادها باحلديث وحدها، زيادةهذا وقد اجتهدت وسعي، يف النصح هلذه الدعوة وأهلها، ويف حتذير املفرطني وتنبيه املفرطني نصحا هلل سبحانه، ولدينه ولكتابه وسنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم ولعموم

. املسلمنيخالص يف فإن أصبت فمن اهلل وله وحده املنة والفضل، واحلمد، والشكر، وأسأله اإل

ذلك والقبول ، وإن أخطأت فمن نفسي وما أبرئ نفسي فلست مبعصوم، وأستغفر اهلل من وأن يهديين سبحانه ملا اختلف فيه من احلق .. الزلل، وأسأله أن ال حيرمين فيه أجر اجملتهدين

. إنه يهدي من يشاء إىل صراط مستقيم… بإذنه

(428) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

الفصل الرابع

تنا مجمل حال الخوارج وبراء ومنهاجهم من عقيدتهم

(429) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

[4 ] فصل يف

مجمل حال الخوارج وبراءتنا من عقيدتهم ومنهاجهم

* نشأة الخوارج وأشهر عقائدهم وفرقهم *طائفة، وهم قوم مبتدعون ضالل، مسوا بذلك خلروجهم : اخلوارج مجع خارجة أي

. على خيار املسلمنيعن الدين احلق وخلروجهم عن طاعة والة األمور املسلمني وخلروجهم . وأصل ظهور بدعتهم يف خالفة علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه

فقد روى البخاري … أما جذورها، فموجودة منذ زمن النيب صلى اهلل عليه وسلمبينا النيب صلى اهلل عليه وسلم يقسم، جاء عبد اهلل بن : عن أيب سعيد رضي اهلل عنه قال

ويلك ومن يعدل إذا مل أعدل : فقال . اعدل يا رسول اهلل :ذي اخلويصرة التميمي فقال) دعه، فإن له أصحابا حيقر أحدكم : قال. دعين أضرب عنقه : ؟ قال عمر بن اخلطاب

( .. صالته مع صالته وصيامه مع صيامه، ميرقون من الدين كما ميرق السهم من الرميةاملرأة، خيرجون على حني فرقة من )آيتهم رجل إحدى يديه مثل ثدي : احلديث إىل قوله

. الناس(فهذا احلديث يذكر أن جذور هذه الفرقة ودوافعها النفسية موجودة منذ زمن النيب

صلى اهلل عليه وسلم ؛وأما بداية ظهورها وخروجها ففي زمن الفرقة واالقتتال الذي كان بني ، وحنوها من املواجهات علي ومنازعيه، أي أن ذلك كان من إفرازات وقعة اجلمل وصفني

اليت جرت بني املسلمني بعد مقتل عثمان رضي اهلل عنه، وصدق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم )خيرجون على حني فرقة من الناس(، فالتاريخ حيكي ويقص علينا ما أخرب به النيب

…صلى اهلل عليه وسلم بدقةب عثمان، فطعنوا على )وأصل ذلك أن بعض أهل العراق، أنكروا سرية بعض أقار

عثمان بذلك، وكان يقال هلم "القراء" لشدة اجتهادهم يف التالوة والعبادة، إال أهنم كانوا

(430) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

يتأولون القرآن على غري املراد منه ويستبدون برأيهم، ويتنطعون يف الزهد واخلشوع وغري . (121)ذلك(

، فقاتال معه أهل فلما قتل عثمان رضي اهلل عنه قاتلوا مع علي واعتقدوا إمامتهاجلمل الذين كان رئيسهم طلحة والزبري رضي اهلل عنهما، ومعهم عائشة أم املؤمنني رضي اهلل عنها خرجوا يطلبون قتلة عثمان، فانتصر علي يف الوقعة، وقتل فيها طلحة، وقتل الزبري

. واعتقد أولئك القراء كفر عثمان ومن تابعه وكفر أهل اجلمل.. بعد أن انصرف منهاباملطالبة بدم عثمان أيضا، وأرسل إىل -وكان أمري الشام إذ ذاك–مث قام معاوية

أدخل فيما دخل فيه الناس مث : علي أن ميكنه من قتلته، مث يبايع له بعد ذلك، وعلي يقولحاكمهم إيل أحكم فيهم باحلق ،فلما طال ذلك خرج علي يف أهل العراق، ومعه أولئك

أهل الشام فخرج معاوية فيهم قاصدا قتاله، فالتقيا يف صفني، فدامت القراء طالبا قتالاحلرب بينهما أشهرا، كاد أهل الشام أن ينكسروا، فرفعوا املصاحف على الرماح ونادوا ندعوكم إىل كتاب اهلل تعاىل، وكان علي يريد مواصلة القتال ؛ فرتك مجع كثري ممن كانوا معه

بسبب ذلك تدينا، وشددوا عليه بطلب قبول التحاكم، القتال –خصوصا القراء –ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب اهلل )): واحتجوا بقوله تعاىل

. (23: (( )آل عمرانليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون)أنا : هلم )القوم يدعوننا إىل كتاب اهلل وأنت تدعونا إىل السيف(، فقال: وقالوا

)إين إمنا أقاتلهم ليدينوا حبكم الكتاب، فإهنم قد : وقال . (122)أعلم مبا يف كتاب اهلل( . …(عصوا اهلل فيما أمرهم به، وتركوا عهده، ونبذوا كتابه

)يا علي أجب إىل كتاب اهلل إذ دعيت إليه، وإال : فقالت عصابة من أولئك القراءك ما فعلنا بابن عفان، إنه غلبنا أن يعمل بكتاب اهلل دفعناك برمتك إىل القوم، أو نفعل ب)فاحفظوا عين هني إياكم، واحفظوا مقالتكم : قال . فقتلناه، واهلل لتفعلنها و لنفعلنها بك

. (123)يل() ابعثوا حكما منكم وحكما منا، وحيضر معهم : فراسلوا أهل الشام يف ذلك، فقالوا

فوكل معاوية عمرو بن العاص، وأراد …( معه أطاعوه من مل يباشر القتال فمن رأوا احلقال نرضى إال بأيب موسى : علي أن يوكل عبد اهلل بن عباس ولكن منعه القراء، وقالوا

…(. )باب قتل اخلوارج وامللحدين…( ( فتح الباري )كتاب استتابة املرتدين121)

(. 114ص )( امللل والنحل للشهرستاين 122)

(. 7/274( البداية والنهاية )123)

(431) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

األشعري، ووصفوه بأنه كان ينهى الناس عن الفتنة والقتال، وكان أبو موسى قد اعتزل يف م اهلل الرمحن الرحيم، هذا ما ) بس: بعض أرض احلجاز، فأحضروه، وكتبوا بينهم كتابا

اكتب امسه واسم أبيه، هو أمريكم : فقال عمر بن العاص…( قاضى عليه أمري املؤمننيامح أمري املؤمنني، واكتب؛ هذا ما قاضى عليه علي بن أيب : وليس بأمرينا، فقال علي

هما مث كتبوا كتاب التحكيم وانفصل الفريقان على أن حيضر احلكمان ومن مع… طالببعد مدة عينوها يف مكان وسط بني الشام والعراق، ويرجع العسكران إىل بالدهم إىل أن يقع احلكم ،مث شرع الناس يف دفن قتالهم، وأطلق علي مجاعة من األسرى من أهل الشام

. كانوا يف يده، وكان مثلهم يف يد معاوية فأطلقهم أيضا )كانوا عربا يعرف : فقال . صفنيقال عبد الرمحن بن زياد بن أنعم، وذكر أهل

بعضهم بعضا يف اجلاهلية، فالتقوا يف اإلسالم معهم احلمية، وسنة اإلسالم، فتصابروا واستحيوا من الفرار، وكانوا إذا حتاجزوا دخل هؤالء يف عسكر هؤالء، وهؤالء يف عسكر

. هؤالء، فيستخرجون قتالهم فيدفنوهم . (124)بعضهم بعضا فلم يفر أحد من أحد( هم أهل اجلنة، لقي: وقال الشعيب

مث كانت أول شرارة انبعثت على إثرها أفكار اخلوارج وعقائدهم املتنطعة، أن األشعث بن قيس وكان من مجلة من شهد التحكيم من جيش علي مر على مأل من بين

بن جرير، متيم من أولئك القراء، فقرأ عليهم كتاب التحكيم، فقام إليه رجل منهم هو عروة . "أحتكمون يف دين اهلل الرجال؟" مث ضرب بسيفه عجز دابة األشعث بن قيس : فقال

. فأطلقها كلمة كانت مفتاح فتنة اخلوارج وأول خروجهم)وقد أخذ هذه الكلمة من هذا الرجل طوائف من : (7/279قال ابن كثري )

. (أهـمحكميةال"ال حكم إال هلل" فسموا : أصحاب علي من القراء، وقالوامث تفرق الناس إىل بالدهم من صفني، فخرج معاوية بأصحابه إىل دمشق، ورجع

فقال . ذهب علي ورجع يف غري شيء : علي إىل الكوفة ، فلما دخلها مسع رجال يقوليريد خصومه من أهل الشام مث أنشأ . للذين فارقناهم خري من هؤالء: علي رضي اهلل عنه

: يقول أحرجتك ملمـة من الدهر مل يربح لبثك رامحا أخوك الذي إن

( واملراد أهنم رغم اقتتاهلم، يرعون حق اإلسالم بينهم، ال كاخلوارج الذي 7/278( املرجع السابق )124) نبتوا يف تلك الفنت.

(432) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وليس أخوك بالذي إن تشعبت عليك أمور ظل يلحاك الئمـا . مث مضى يذكر اهلل حىت دخل قصر اإلمارة من الكوفة

وكان ملا قارب دخول الكوفة قد إجناز من جيشه قريب من اثىن عشر ألفا، ونزلوا لذلك مسيت اخلوارج حرورية، وزعيمهم يومئذ عبد اهلل بن مكانا يقال له )حروراء(، و

. الكواءوسبب ذلك أهنم أنكروا عليه أشياء فيما يزعمون أنه ارتكبها، فبعث إليهم علي رضي اهلل عنه عبد اهلل بن عباس فناظرهم فرجع أكثرهم، وبقي بقيتهم مث خرج إليهم علي

ء وطائفة معه أطاعوا عليا ودخلوا معه الكوفة، فظهر عليهم باحلجة، فاستأمن إليه ابن الكواواحناز الباقون إىل النهروان، مث إن الذين دخلوا معه الكوفة أشاعوا أن عليا تاب من

، ولذلك رجعوا معه، فبلغ ذلك عليا، فخطب وأنكر ذلك، فتنادوا من جانب (125)احلكومة . املسجد )ال حكم إال هلل(

، إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وصف ناسا، كلمة حق يراد هبا باطل : "فقال… إين ألعرف صفتهم يف هؤالء، يقولون احلق بألسنتهم، ال جياوز هذا، وأشار إىل حلقه

. (126)احلديث()وملا وقع : بإسناد صحيح عن أيب رزين قال (127)وأخرج ابن جرير الطربي يف تارخيه

فلما انتهوا إىل النهر أقاموا به، فدخل التحكيم، ورجع علي من صفني، رجعوا مباينني له، علي يف الناس الكوفة، ونزلوا حبروراء فخرج إليهم علي، فكلمهم حىت وقع الرضا بينه

إن الناس قد حتدثوا أنك رجعت هلم عن كفرك، : وبينهم، فدخلوا الكوفة، فأتاه رجل فقال"ال : املسجد يقولون فخطب الناس يف صالة الظهر، فذكر أمرهم فعابه، فوثبوا من نواحي

ولقد أوحي إليك وإلى )): حكم إال هلل" واستقبله رجل منهم واضع إصبعيه يف أذنيه فقال . ((الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك، ولتكونن من الخاسرين

. ((فاصبر إن وعد اهلل حق وال يستخفنك الذين ال يوقنون)) : فقال علي

( أي مما جرى من حتكيم احلكمني يف صفني. 125)

د اهلل بن رافع بإسناد ( عن عب32( أخرجه النسائي يف )خصائص علي رضي اهلل عنه( ص )126) صحيح.

( وقال احلافظ ابن حجر عن أيب رزين: صوابه أبو زرير، وهو عبد اهلل بن زرير وهو ثقة 4/54( )127) رمي بالتشيع.

(433) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

( والبيهقي 154-2/152واحلاكم )( 87-1/86وأخرج اإلمام أمحد )) قدمت عائشة رضي اهلل عنها، فينا حنن جلوس : ( عن عبد اهلل بن شداد قال8/179)

يا عبد اهلل بن شداد : عندها مرجعها من العراق ليايل قوتل علي رضي اهلل عنه إذ قالت يل : لتق. هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ حدثين عن هؤالء القوم الذين قتلهم علي

إن عليا ملا أن كاتب معاوية : فحدثين عن قصتهم، قلت : ومايل ال أصدقك، قالتوحكم احلكمني خرج عليه مثانية آالف من قراء الناس، فنزلوا أرضا من جانب الكوفة يقال

حروراء، وإهنم أنكروا عليه، فقالوا انسلخت من قميص ألبسكه اهلل وأمساك به، مث : هلايف دين اهلل، وال حكم إال هلل، فلما بلغ عليا ما عتبوا عليه وفارقوه، أمر انطلقت فحكمت

ال يدخل على أمري املؤمنني إال رجل قد محل القرآن، فلما أن امتأل من قراء : فأذن مؤذنالناس الدار، دعا مبصحف عظيم فوضعه علي رضي اهلل عنه بني يديه، فطفق يصكه بيده

يا أمري املؤمنني ما تسأله عنه، : فقالوا : الناس، فناداه الناسأيها املصحف حدث : ويقول إمنا هو ورق ومداد، وحنن نتكلم مبا روينا منه فماذا تريد؟

أصحابكم الذين خرجوا بيين وبينهم كتاب اهلل، يقول اهلل عز وجل يف امرأة : قالد صلى اهلل فأمة حمم…(( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله)) : ورجل

عليه وسلم أعظم حرمة من امرأة ورجل، ونقموا علي أين كاتبت معاوية، وكتبت؛ علي بن أيب طالب، وقد جاء سهيل بن عمرو وحنن مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم باحلديبية

بسم اهلل الرمحن الرحيم، : حني صاحل قومه قريشا، فكتب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلماكتب : فكيف أكتب؟ قال: ال تكتب بسم اهلل الرمحن الرحيم، قلت: يلفقال سه

اكتب من حممد رسول : اكتبه، مث قال: بامسك اللهم، فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلمهذا ما صاحل : لو نعلم أنك رسول اهلل مل خنالفك، فكتب: فقال . اهلل صلى اهلل عليه وسلم

لقد كان لكم في رسول اهلل أسوة )) : ، يقول اهلل يف كتابهعليه حممد بن عبد اهلل قريشا (( ، فبعث إليهم علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه حسنة لمن كان يرجو اهلل واليوم اآلخر

عبد اهلل بن عباس، فخرجت معه حىت توسطنا عسكرهم، قام ابن الكواء فخطب الناس، فمن مل يكن يعرفه، فأنا أعرفه من كتاب يا محلة القرآن، إن هذا عبد اهلل بن عباس : فقال

(( ،فردوه إىل صاحبه وال تواضعوه بل هم قوم خصموناهلل، هذا من نزل فيه ويف قومه )) واهلل لنواضعنه كتاب اهلل، فإذا جاءنا : فقام خطباؤهم فقالوا : كتاب اهلل عز وجل، قال

ولنردنه إىل صحبه، فواضعوه على حبق نعرفه اتبعناه، ولئن جاءنا بالباطل لنبكتنه بباطله،كتاب اهلل ثالثة أيام، فرجع منهم أربعة آالف كلهم تائب، فأقبل هبم ابن الكواء حىت

قد كان من مرنا وأمر : أدخلهم على علي رضي اهلل عنه، فبعث علي إىل بقيتهم، فقاللم وتنزلوا فيها الناس ما قد رأيتم، قفوا حيث شئتم حىت جتتمع أمة حممد صلى اهلل عليه وس

(434) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

حيث شئتم، بيننا وبينكم أن نقيكم رماحنا ما مل تقطعوا سبيال وتطلبوا دما، فإنكم إن فعلتم ذلك، فقد نبذنا إليكم احلرب على سواء، إن اهلل ال حيب اخلائنني، فقالت عائشة

يل، واهلل ما بعث إليهم حىت قطعوا السب : يا ابن شداد فقد قتلهم، فقال : رضي اهلل عنها . (128)احلديث…( وسفكوا الدماء وقتلوا ابن خباب، واستحلوا أهل الذمة

وهؤالء الذين أشار ابن شداد إىل قتلهم ابن خباب، هم الطائفة اليت احنازت إىل النهروان وأصرت على تعنتها بعد مناظرة ابن عباس وعلي هلم، ورجوع بعضهم معه إىل

ع إىل الكوفة شيئا بعد شيء، وذلك بعد الكوفة، مث خرج إليهم أيضا بعض من رجمالحاهتم املتقدمة لعلي رضي اهلل عنه، وأمروا على أنفسهم أعرابيا بواال على عقبيه ليس له

. صحبة وال سابقة يف اإلسالم هو عبد اهلل بن وهب الراسيب . هذا بعد أن طعنوا يف إمارة علي ومن قبله عثمان !!

عودوا إىل طاعة أمري املؤمنني؛ "إذا جئتمونا : دما قيل هلموقد كانوا قالوا من قبل عنمبثل عمر فعلنا!!" فراسلهم علي رضي اهلل عنه يف الرجوع، فأصروا على االمتناع حىت

: يشهد على نفسه بالكفر لرضاه بالتحكيم، ويتوب من خلعه إمرة املؤمنني عن نفسه، قالوا . كافرينوإذ مل تكن أمري املؤمنني فأنت أمري ال

ثم اجتمعوا على أن من ال ، (129)مث راسلهم أيضا فهموا بقتل رسوله، بل قيل قتلوهيعتقد معتقدهم يكفر ويباح دمه وماله وأهله!! وانتقلوا إلى الفعل، فاستعرضوا الناس

. وقتلوا من اجتاز بهم من المسلمين وأغاروا على سرحهموكان واليا لعلي على بعض تلك – ومر عليهم عبد اهلل بن خباب بن األرت

حدثنا حديثا مسعته عن أبيك عن رسول اهلل : ومعه جاريته أم ولده، فقالوا له (130)-البالد . صلى اهلل عليه وسلم

)ستكون فتنة : قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم : مسعت أيب يقول : فقالواملاشي خري من الساعي، فمن القاعد فيها خري من القائم، والقائم خري من املاشي،

فبينما هو يسير معهم، إذ استطاع أن يكون مقتوال، فال يكونن قاتال( فاقتادوه معهم، لم : لقي بعضهم خنزيرا لبعض أهل الذمة فضربه بعضهم فشق جلده، فقال له آخر

(: إسناده صحيح. 7/281( قال احلافظ ابن كثري يف البداية والنهاية )128)

(. 7/288( كما ذكر الطربي وعنه ابن كثري يف البداية والنهاية )129)

( فتح الباري )كتاب استتابة املرتدين.. ( )باب قتل اخلوارج وامللحدين(. 130)

(435) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فعلت هذا وهو لذمي؟ فذهب إلى ذلك الذمي فاستحله وأرضاه، وبينا هو معهم إذ بغير إذن وال : تمرة من نخلة، فأخذها أحدهم فألقاها في فمه، فقال له آخر سقطت

. (131)ثمن ؟ فألقاها ذاك من فمهأنا أعظم حرمة من هذه التمرة!! فأخذوه فذبحوه ،شد : فقال لهم ابن خباب

وعند أيب العباس املربد يف الكامل .. عليه رجل منهم يقال له مسمع بسيفه فقتلهإن هذا الذي يف عنقك ليأمرنا : أنه ملا لقيهم كان يف عنقه مصحف؛ فقالوا): (2/135)

. ما أحيا القرآن فأحيوه، وما أماته فأميتوه(أهـ : أن نقتلك، قالفقتلوه، فجرى دمه فوق ماء النهر كالشراك إىل اجلانب اآلخر، وقتلوا ولده وجاؤوا

. ، فذحبوها وبقروا بطنها عن ولدهاإين امرأة حبلى أال تتقون اهلل : إىل امرأته فقالتأن سلموا قاتل : فبلغ ذلك عليا فخرج إليهم جبيشه، وملا قرب منهم أرسل إليهم

) إنا كلنا قتله، ولئن ظفرنا بك قتلناك( ؛فأتاهم علي يف : عبد اهلل بن خباب!! فأرسلوا إليهة فوعظهم، فلم ينفع، جيشه وبرزوا إليه جبمعهم ، فتقدم إليهم قيس بن سعد بن عباد

وكذلك أبو أيوب األنصاري أنبهم ووخبهم فلم ينجع، فتقدم إليهم علي رضي اهلل عنه ماذا نقمتم مين؟ : فوعظهم وخوفهم، وقال هلم قبل القتال

أول ما نقمنا منك أنا قاتلنا بني يديك يوم اجلمل، فلما هنزم أصحاب : فقالوا لهعسكرهم من املال، ومنعتنا من سيب نسائهم وذراريهم، اجلمل، أحبت لنا ما وجدنا يف

إمنا أحبت لكم أمواهلم بدال عما : فكيف استحللت ما هلم دون النساء والذرية؟ فقالكانوا أغاروا عليه من بيت مال البصرة قبل قدومي عليهم، والنساء والذرية مل يقاتلونا، وكان

كن منهم ردة عن اإلسالم، وال جيوز اسرتقاق هلم حكم اإلسالم حبكم دار اإلسالم، ومل يمن مل يكفر، وبعد لو أحبت لكم النساء أيكم يأخذ عائشة يف سهمه؟ فخجل القوم من

. هذانقمنا عليك حمو إمرة املؤمنني على امسك يف الكتاب بينك وبني معاوية : مث قالوا له

اهلل صلى اهلل عليه وسلم يوم فعلت مثل ما فعل رسول : فقال . ملا نازعك معاوية يف ذلك . احلديبية

وجدت رسول اهلل : فلم حكمت احلكمني يف حق كان لك ؟ فقال : إىل قوهلمصلى اهلل عليه وسلم قد حكم سعد بن معاذ يف بين قريظة، ولو شاء مل يفعل، وأقمت أنا

( وعند ابن أيب شيبة، أهنم قالوا له؛ )مترة معاهد ففيم استحللتها؟؟(. 7/288( البدأية والنهاية )131)

(436) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وا، مث هم اآلن وذكرهم أهنم هم الذين دعوه إىل ذلك وهناهم عنه، فلم يقبل… أيضا حكما يكفرونه به!!صدق : سوى هذا ؟ فسكت القوم، وقال أكثرهم… فهل عندكم شيء : مث قال

. واهللالتوبة؛ واستأمن إليه منهم يومئذ مثانية آالف، وانفرد منهم أربعة آالف : وقالوا

. بقتاله، مع عبد اهلل بن وهب الراسيب، وحرقوص بن زهريري أن يرفع راية أمان للخوارج قبل القتال، ويقول هلم؛ وأمر علي أبا أيوب األنصا

من جاء إليها فهو آمن، ومن انصرف إىل الكوفة واملدائن فهو آمن، إنه ال حاجة لنا فيكم . إال فيمن قتل إخواننا

: وقال علي ألصحابه… فانصرف منهم طوائف كثريون فلم يبق منهم إال ألفالرواح الرواح … ) ال حكم إال هلل : وارج يهتفونكفوا عنهم حىت يبدؤوكم ، فأقبلت اخل

. …(إىل اجلنةقاتلوهم، فوالذي نفسي بيده ال يقتل منا عشرة، وال : فقال علي رضي اهلل عنه

وبرز حرقوص بن زهري إىل . (132)فقتل من أصحاب علي يومئذ تسعة. ينجو عشرة منهم: فقال له علي. اهلل والدار اآلخرة يا ابن أيب طالب، ال نريد بقتالك إال وجه : علي وقال

قل هل ننبئكم باألخسرين أعماال ؟ الذين ضل )) : بل مثلكم كما قال اهلل عز وجل. (( ؛منهم أنت ورب الكعبةسعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا

ن فرسه مث محل عليه يف أصحابه، وقتل عبدا هلل بن وهب يف املبارزة، وصرع ذو الثدية ع . ،وقتلت اخلوارج يومئذ فلم يفلت منهم غري تسعة أنفس

اطلبوا ذا الثدية، فوجدوه حتت دالية ورأوا حتت يده : وقال علي ألصحابه يومئذويف حديث ذي (133)) صدق اهلل ورسوله(: عند اإلبط مثل ثدي املرأة، فقال علي

) آيتهم رجل : عليه وسلماخلويصرة املتقدم يف ذكر اخلوارج؛ قال رسول اهلل صلى اهللخيرجون على حني فرقة من (134)مثل البضعة تدردر : إحدى يديه مثل ثدي املرأة، أو قال

( وعند مسلم من رواية زيد بن وهب اجلهين وكان يف جيش علي قال: )وما أصيب من الناس132) يومئذ إال رجالن(.

( غالب ما تقدم عن الفرق بني الفرق باختصار. 133)

( أي القطعة من اللحم، تتحرك وتذهب وجتيء. 134)

(437) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

أشهد مسعت من النيب صلى اهلل عليه وسلم، واشهد أن عليا : ( قال أبو سعيد. الناس . سلم(قتلهم وأنا معه، جيء بالرجل على النعت الذي نعته النيب صلى اهلل عليه و حكمة(

. * فهذه خالصة قصة أول فرقة ظهرت من اخلوارج وهم )امل

إكفار علي وعثمان وأصحاب اجلمل ومعاوية وأصحابه واحلكمني، : وكان دينهم . ومن رضي بالتحكيم، وإكفار كل ذي ذنب ومعصية

)باب قتل اخلوارج … وقد روى البخاري يف صحيحه يف كتاب استتابة املرتدينإذا : ين بعد إقامة احلجة عليهم( عن علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه قالوامللحد

حدثتكم عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حديثا، فواهلل ألن أخر من السماء أحب إيل من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيين وبينكم فإن احلرب خدعة، وإين مسعت رسول

)سيخرج قوم يف آخر الزمان أحداث األسنان، سفهاء : يقولاهلل صلى اهلل عليه وسلم األحالم، يقولون من خري قول الربية، ال جياوز إمياهنم حناجرهم ميرقون من الدين كما ميرق

.. السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن يف قتلهم أجرا ملن قتلهم يوم القيامة( . يف أواخر خالفته سنة مثان وثالثني وقد كان قتل علي هلم بالنهروان،

مث بعد ذلك كانوا خمتفني بقية خالفة علي حىت كان منهم عبد الرمحن بن ملجم . الذي قتل عليا رضي اهلل عنه يف صالة الصبح

وملا وقع صلح احلسن ومعاوية، ثارت منهم طائفة، فأوقع هبم عسكر الشام مبكان . يقال له النجيلة

يف إمارة زياد وابنه عبيد اهلل على العراق طوال مدة حكم معاوية مث كانوا منقمعني . رضي اهلل عنه وولده يزيد، وظفر زياد وابنه منهم جبماعة، فأبادهم بني قتل وحبس طويل

فلما مات يزيد، ووقع االفرتاق وويل اخلالفة عبد اهلل بن الزبري، وأطاعته األمصار إال .. عى اخلالفة وغلب على مجيع الشام إىل مصربعض أهل الشام، وثار مروان فاد

ومل تكن باألزارقةوعرفوا . ظهر اخلوارج حينئذ بالعراق مع نافع بن األزرق ،للخوارج قط فرقة أكثر عددا وال أشد منهم شوكة، بايعوا ابن األزرق ومسوه أمري املؤمنني،

ا، واستولوا على األهواز وانضم إليهم خوارج عمان واليمامة، فصاروا أكثر من عشرين ألفوما وراءها من أرض فارس وكرمان وجبوا خراجها، وجرت بينهم وبني والة عبد اهلل بن الزبري معارك كان الظفر فيها لألزارقة ، حىت كتب عبد اهلل بن الزبري إىل املهلب بن صفرة وهو

(438) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ألزرق يف تلك يومئذ يف خراسان يأمره حبرهبم فقاتلهم املهلب وهزمهم ومات نافع بن ااهلزمية، وبايعت األزارقة بعده عبيد اهلل بن مأمون التميمي، واستمر املهلب يف قتاهلم حىت قتل عبيد اهلل هذا، مث بايعوا بعده قطري بن الفجاءة، ومسوه أمري املؤمنني، وبقيت احلروب

سع عشرة بينهم وبني املهلب بعد ذلك سجاال، ثبت املهلب وبنوه وأتباعهم على قتاهلم تسنة، بعضها يف أيام عبد اهلل بن الزبري ،وباقيها يف خالفة عبد امللك بن مروان ووالية احلجاج على العراق، وقرر احلجاج املهلب على حرهبم وبعث بغريه أيضا يتتبعهم إىل أن

. طهر اهلل األرض منهم وكان دين األزارقة الذي اجتمعوا عليه أشياء منها :

: الفيهم من هذه األمة مشركون، وكانت المحكمة األولى يقولونقولهم بأن مخ . إنهم كفرة مشركون

ومنها قولهم أن القعدة عن الهجرة إليهم والقتال معهم مشركون أيضا وإن كانوا ))إذا : ))وقعد الذين كذبوا اهلل ورسوله(( وبقوله: على رأيهم، مستدلين بقوله تعالى

. (135)ية اهلل((فريق منهم يخشون الناس كخشومنها أهنم أوجبوا امتحان من قصد عسكرهم إذا ادعى أنه منهم؛ أن يدفع إليه

: أسري من خمالفيهم ويأمروه بقتله ، فإن قتله صدقوه يف دعواه أنه منهم، وإن مل يقتله، قالوا . هذا منافق مشرك وقتلوه

موا أن األطفال أهنم استباحوا قتل نساء خمالفيهم، وقتل أطفاهلم، وزع: ومنها . مشركون، وقطعوا بأن أطفال خمالفيهم خملدون يف النار

. وزعموا أن دار مخالفيهم دار كفر، ويجوز فيها قتل األطفال والنساءواجتمعوا على تفكير من ارتكب كبيرة كفرا مخرجا عن الملة، ويكون به مخلدا

ما ارتكب إال كبيرة بامتناعه عن : في النار مع الكفار، واستدلوا بكفر إبليس، قالواالسجود فكفر مع كونه عارفا بوحدانية اهلل ، كذا زعموا مع أن كفر إبليس كفر إباء

)) إال إبليس أبي واستكبر وكان من الكفارين(( وقد : واستكبار كما قال تعالى . ))أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين((: اعترض على حكم اهلل وأمره بقوله

. 125( امللل والنحل للشهرستاين ص135)

(439) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

إن مخالفينا مشركون، فال : واستحلوا كفر األمانة التي أمر اهلل بأدائها، وقالوا . يلزمنا أداء األمانة لهم

. وأنكروا حد الرجم للزاين، بدعوى عدم وجوده يف القرآن . (136)ومل يعتربوا نصاب السرقة فقطعوا يد السارق يف القليل والكثري

زارقة أن من أقام في دار الكفر فهو )وزعمت األ : وقال أبو الحسن األشعري . (137)كافر، ال يسعه إال الخروج(

)بالنجدات(* مث ظهر أتباع جندة بن عامر احلنفي يف اليمامة، وعرفت طائفتهم وكان السبب يف ظهورها، أن نافع بن األزرق ملا أظهر الرباءة من القعدة عنه، مع أهنم كانوا

حل قتل أطفال خمالفني ونسائهم، فارقه مجاعة من أتباعه على رأيه، ومساهم مشركني، واستعلى ذلك، وذهبوا إىل اليمامة، فاستقبلهم جندة بن عامر يف جند من اخلوارج يريدون اللحوق بعسكر ابن األزرق، فأخربوهم بإحداث نافع، وردوهم إىل اليمامة، وبايعوا هبا جندة

. بن عامر . م عن اهلجرة إليهموأكفروا من قال بإكفار القعدة منه

. وأكفروا من قال بإمامة نافع . مث بعد مدة اختلفوا هم أيضا يف أمور نقموها على جندة، فصاروا ثالث فرق

: ومن ضالالت جندة إضافة إىل ما سبق . أنه أسقط حد اخلمر

. فهو مشرك وأصر عليهاوقال أن نظر نظرة صغرية، أو كذب كذبة صغرية . لها من خالفه يف دينهوزعم أن النار يدخ

وأن من زىن وسرق وشرب اخلمر غري مصر عليه، فهو مسلم إذا كان من موافقيه . على دينه

-120( وامللل والنحل للشهرستاين ص )84-83( مجيع هذا نقال عن الفرق بني الفرق ص )136) ( بتصرف. 122

(. 1/88يني )( مقاالت اإلسالم137)

(440) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

مث إنه بعث بعض أتباعه يف جيش عليه ابنه، فغنموا وسبوا من أهل القطيف، فأكلوا مل : الواأنكره عليهم، فق . من الغنيمة ونكحوا النساء قبل القسمة، فلما رجعوا إليه وأخربوه

. نعلم أن ذلك ال يسعنا؛ فعذرهم جبهالتهمأن من جوز العذاب على اجملتهد املخطئ يف األحكام قبل قيام احلجة عليه : وقال

. (138)فهو كافرفلما أحدث هذه األمور، اعتربها أكثر أتباعه إحداثا وابتداعا يف دين اخلوارج،

. من إحداثك، ففعل ذلكاخرج إىل املسجد وتب : فاستتابوه ، وقالوا لهأنت : مث إن قوما منهم ندموا على استتابته، وانضموا إىل العاذرين له، وقالوا له

اإلمام ولك االجتهاد، ومل يكن لنا أن نستتبك، فتب من توبتك!! واستتب الذين استتابوك، وإال نابذناك، ففعل ذلك، فافرتق عليه أصحابه، وخلعه أكثرهم، وصاروا ثالث

. هـ(69كما قلنا؛ قتلته واحدة من هذه الفرق سنة )فرق وتشعبت فرق اخلوارج، وكثروا، كلما اختلفت طائفة يف مسائل انشعبت إىل فرق

. وهكذا… عدة، وبرئ كل قوم منهم ممن سواهموقد ذكر صاحب كتاب )الفرق بني الفرق( أهنم بلغوا عشرون فرقة، وعدد أمساءها

. (139)…فرقا أيضا وبني أن بعضها افرتقت (؛ أتباع رجل يعرف باألخنس، وهي إحدى ست فرق )األخنسية* فمنهم يجب ) : أتباع ثعلبة بن مشكان، ومن بدع األخنسية، قوهلم الثعالبية،انقسمت عن فرقة

التوقف عن جميع من في دار التقية إال من عرفنا منه إيمانا فنواليه عليه، أو كفرا فنبرأ . (140)(…منه

)إذا : ينسبون إىل أيب بيهس، ومن أقاويلهم البيهسية(؛ومن فرق اخلوارج أيضا )* . كفر اإلمام كفرت الرعية(

( وقد مسيت النجدات بالعاذرية، لعذرهم باجلهل يف بعض 123( امللل والنحل للشهرستاين ص )138) األحكام االجتهادية.

( وما بعدها. 72( ص )139)

( ،ويعنون بدار التقية؛ دار خمالفيهم من املسلمني. 101( الفرق بني الفرق ص )140)

(441) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

من رجع عنا من دار : ؟ فرقة قالتبالعوفيةوانشقت عن البيهسية فرقتان عرفا أمر بل نتواله، ألنه رجع إىل : ومن اجلهاد إىل حال القعود، برئنا منه، وفرقة قالت . هجرته

. (141)()إذا كفر اإلمام كفرت الرعية الغائب منهم والشاهد : وكال الفريقني قال . مباحأتباع عبد اهلل بن إباض، منهم أباضية عمان، : (األباضية* ومن فرق اخلوارج )

يجمعها القول بأن كفار هذه األمة، أي مخالفيهم برآء من وافرتقت فيما بينها فرقا ، وخالفوا غريهم ممن ليسوا مؤمنين وال مشركين، ولكنهم كفارالشرك واإليمان، فهم

. يكفر بالكبائر، فأمجعوا على أن من ارتكب كبرية كفر كفر نعمة، ال كفر امللة . وجوزوا مناكحة خمالفيهم من أهل القبلة

وقالوا إن دار خمالفيهم من أهل اإلسالم دار توحيد، إال معسكر السلطان فإنه دار . ذلك عدهم العلماء أقل اخلوارج غلوا، وأقرهبم إىل أهل السنةول . بغي

وتساهلهم النسيب بالنسبة للخوارج يف مقابل غلو الفرق األخرى، ولد فرق التوقف . كاألخنسية وحنوها… اليت مثلت املذهب التوسطي بني اخلوارج

اين، ومذهبه (؛ أتباع شبيب بن يزيد الشيب)الشبيبية: * ومن فرق اخلوارج أيضا . إال أن شوكته وقوته مل جتتمع لطائفة من اخلوارج (142)مذهب البيهسية

. خرج أول أمره باملوصل، فبعث إليه احلجاج مخسة قواد فقتلهم واحدا بعد واحدومازال كذلك حىت هزم للحجاج عشرين جيشا يف مدة سنتني، مث سار إىل الكوفة وقاتل

ليال ومعه ألف من اخلوارج ومعه أمه جهيزة وامرأته احلجاج وحاصره، وكبس الكوفة ؛ يف مائتني من نساء اخلوارج قد اعتقلن الرماح، وتقلدن السيوف، وقصد (143)غزالة

املسجد اجلامع وقتل حراسه واملعتكفني فيه، ونصب غزالة على املنرب حىت خطبت، وصرب ع إليه جنده بعد الصبح، وصلى احلجاج هلم يف داره ألن جيشه كان متفرقا، إىل أن اجتم

. شبيب بأصحابه يف املسجد فقرأ يف ركعيت الصبح بالبقرة وآل عمرانمث وافاه احلجاج جبيشه واقتتلوا يف سوق الكوفة، فقتل أصحاب شبيب واهنزم شبيب مبن معه إىل األنبار، وتعقبهم جيش احلجاج، وقطعوا هبم جسر دجيل، وكان عليه شبيب

. هـ(77(( وذلك سنة )ذلك تقدير العزيز العليم)): رسه وهو يقولفغرق فيه مع ف

(. 109( املرجع السابق، ص)141)

(. 128والنحل للشهرستاين ص )( امللل 142)

( ويقال ن غزالة أمه وزوجته جهيزة. 143)

(442) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وبايع أصحابه يف اجلانب اآلخر من الدجيل غزالة، وذلك أن الشبيبية أجازوا إمامة املرأة ، إذا قامت بأمورهم ، وكانت غزالة من الشجاعة والفروسية باملوضع العظيم، هرب

: الشعراء بقولهمنها احلجاج يف بعض املعارك، فعريه بعض أسد علي وفـي احلروب نعامـة فتخاء تنفر من صغري الصافر

هال برزت إىل غزالة يف الوغى بل كان قلبك يف جناحي طائر .. مث إن جيش احلجاج قتلوها، وقتلوا أكثر جيشها، وأسروا الباقني

لعباسية، هذا كفرق ومل يزل من اخلوارج بقايا طول الدولة األموية، وصدر الدولة اخارجه على الدولة، أما كعقائد متبعثرة يتبناها اآلحاد، فال أظنها انقطعت منذ أن ظهرت،

. إىل يومنا هذاطوائف شىت، وفرق متشرذمة بعقائد متباينة جيمعها … * هذا جممل حال اخلوارج

: من ذلكوصوب إكفار علي وعثمان وأصحاب اجلمل واحلكمني، ومن رضي بالتحكيم، -

. (144)احلكمني أو أحدمها، )وال يصححون املناكحات إال على ذلك( . واخلروج على السلطان اجلائر-

: ( وزاد بعضهم1/156هذا قول أيب احلسن األشعري يف مقاالت اإلسالميني ) . إمجاعهم على تكفري مرتكيب الذنوب-

. …(سن عنهم)والصواب ما حكاه شيخنا أبو احل : قال عبد القاهر البغدادي)إن : وأنكر إمجاع اخلوارج على تكفري مرتكيب الذنوب، وذكر أن النجدات قالت

: صاحب الكبرية من موافقيهم كافر نعمة وليس فيه كفر دين( )وقد قال قوم من اخلوارجإن التكفري إمنا يكون بالذنوب اليت ليس فيها وعيد خمصوص، فأما الذي فيه حد أو وعيد

زانيا، وسارقا، وحنو : يزاد صاحبه على االسم الذي ورد فيه، مثل تسميتهيف القرآن فال . (73الفرق بني الفرق ص ). ذلك( أهـ

(. 115( انظر امللل والنحل للشهرستاين ص )144)

(443) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وال يهمنا أمجعوا على ذلك أم مل جيمعوا، لكنه أشهر مقاالت مجهورهم : قلت .. فهو من أصوهلم

بالذنب، وأصل قول الخوارج أنهم يكفرون ) : قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ويعتقدون ذنبا ما ليس بذنب، ويرون أتباع الكتاب دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب، وإن كانت متواترة، ويكفرون من خالفهم، ويستحلون منه الرتداده عندهم ما

"يقتلون أهل : ال يستحلونه من الكافر األصلي، كما قال صلى اهلل عليه وسلم" ولهذا كفروا عثمان وعليا وشيعتهما وكفروا أهل صفين اإلسالم، ويدعون أهل األوثان

( أهـ )جمموع الفتاوى،ط دار ابن حزم( الطائفتين، في نحو ذلك من المقاالت الخبيثة(3/221) .

: تحقيق القول في نوع قتال الخوارج *وقد بني شيخ اإلسالم ابن تيمية يف الصارم املسلول بعد أن ذكر حديث علي

) فأينما لقيتموهم : حيح البخاري وفيه قول النيب صلى اهلل عليه وسلماملتقدم من ص(، وغريه من األحاديث اليت حتث على قتل اخلوارج؛وتصفهم .. فاقتلوهم فإن يف قتلهم أجرا

أن قتال الخوارج المأمور به بأهنم شر قتلى حتت أدمي السماء، وتأمر بقتلهم قتل عاد ؛) ألن أولئك : ع الصائل أو قتال البغاة ؛ قالفي هذه األحاديث ليس من جنس دف

وال إنما يشرع قتالهم حتى تنكسر شوكتهم ويكفوا عن الفساد ويدخلوا في الطاعة،يقتلون أينما لقوا، وال يقتلون قتل عاد ، وليسوا شر قتلى تحت أديم السماء، وال

أوجب قتلهم مروقهم يؤمر بقتلهم، وإنما يؤمر في آخر األمر بقتالهم، فعلم أن هؤالء من الدين لما غلوا فيه حتى مرقوا منه، كما دل عليه قوله في حديث علي "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميه، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم" ؛ فرتب األمر

)وإمنا مل يقتلهم علي رضي اهلل : إىل قوله…( بالقتل على مروقهم، فعلم أنه الموجب لهما ظهروا ألنه مل ينب له أهنم الطائفة املنعوتة حىت سفكوا دم ابن خباب وأغاروا عنه أول

على سرح الناس، فظهر فيهم قوله "يقتلون أهل اإلسالم ويدعون أهل األوثان" فعلم أهنم املارقون ، وألنه لو قتلهم قبل احملاربة لرمبا غضبت هلم قبائلهم، وتفرقوا على علي رضي اهلل

ن حاجته إىل مداراة عسكره واستئالفهم كحال النيب صلى اهلل عليه وسلم يف عنه، وقد كا . (184-183أهـ ص )…( حاجته يف أول األمر إىل استئالف املنافقني

. وبني يف موضع آخر أن قتاهلم من جنس املمتنعني عن بعض الشرائع كمانعي الزكاة

(444) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وارج وحنوهم ليس كقتال )إن قتال مانعي الزكاة واخل : (28/281فقال يف الفتاوى)أهل اجلمل وصفني، وهذا هو املنصوص عن مجهور األئمة املتقدمني، وهو الذي يذكرونه يف اعتقاد أهل السنة واجلماعة، وهو مذهب أهل املدينة كمالك وغريه، ومذهب أئمة احلديث

. …(كأمحد وغريهرضي اهلل –لي فإن النص واإلمجاع فرق بني هذا وهذا، وسرية ع)… : إىل قوله

تفرق بني هذا وهذا، فإنه قاتل اخلوارج بنص رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم، وفرح -عنهفقد ظهر منه من كراهته . وأما القتال يوم صفني . بذلك، ومل ينازعه يه أحد من الصحابة

إخواننا بغوا علينا، طهرهم السيف، : والذم عليه ما ظهر، وقال يف أهل اجلمل وغريهم . …(صلى على قتلي الطائفتنيو

)فإن األمة : (282مث ذكر بعض األحاديث يف اخلوارج تقدم شيء منها وقال )متفقون على ذم اخلوارج وتضليلهم، وإمنا تنازعوا يف تكفريهم على قولني مشهورين يف

. نزاع يف تكفريهم -أيضا –مذهب مالك وأمحد، ويف مذهب الشافعي أهنم : أهنم بغاة، والثاين : أحدمها… مذهب أمحد وغريهوهلذا كان فيهم وجهان يف

كفار كاملرتدين، جيوز قتلهم ابتداء، وقتل أسريهم، واتباع مدبرهم، ومن قدر عليه منهم استتيب، فإن تاب وإال قتل، كما أن مذهبه يف مانعي الزكاة إذا قاتلوا اإلمام عليها، هل

.يكفرون مع اإلقرار بوجوهبا؟ على روايتنيوهذا كله مما يبين أن قتال الصديق لمانعي الزكاة، وقتال علي للخوارج، ليس

يقتضي أنهم ليسوا . فكالم علي وغيره في الخوارج . مثل القتال يوم الجمل وصفينكفارا كالمرتدين عن أصل اإلسالم، وهذا هو المنصوص عن األئمة كأحمد وغيره،

وصفين، بل هم نوع ثالث، وهذا أصح وليسوا مع ذلك حكمهم كحكم أهل الجمل ( وانظر 283-28/281( أهـ جمموع الفتاوى )ط دار ابن حزم( )األقوال الثالثة فيهم

. (277-4/276أيضا ) : *القول في إكفار الخوارج

اختلف العلماء يف إكفار اخلوارج، وقد قدمنا لك يف أول هذا الكتاب احتجاج . تتوعد من كفر أخاه املسلم بالكفربعض من كفرهم منهم ؛باألحاديث اليت

وتقدم قريبا قول شيخ اإلسالم أن العلماء تنازعوا يف تكفريهم على قولني مشهورين . نزاع يف تكفريهم -أيضا –يف مذهب مالك وأمحد، ويف مذهب الشافعي

(445) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

أهنم : أهنم بغاة، والثاين : أحدمها.. وهلذا كان فيهم وجهان يف مذهب أمحد وغريه .. كاملرتدين كفار

بل ادعى اخلطايب … وأكثر الفقهاء ومجهور أهل السنة ال يكفرون اخلوارج لتأويلهم) أمجع علماء املسلمني على أن اخلوارج مع ضاللتهم، فرقة من : اإلمجاع على ذلك فقال

فرق املسلمني، وأجازوا مناكحتهم، وأكل ذبائحهم، وأهنم ال يكفرون ما داموا متمسكني . (25)الم(أهـبأصل اإلس

)ذهب مجهور العلماء، إىل أن اخلوارج غري خارجني عن مجلة : وقال ابن بطال"يتمارى يف الفوق" ألن التماري من الشك، وإذا وقع -أي يف احلديث–املسلمني، لقوله

الشك يف ذلك مل يقطع عليهم باخلروج من اإلسالم، ألن من ثبت له عقد اإلسالم بيقني من : وقد سئل علي عن أهل النهر، هل كفروا ؟ فقال : بيقني، قال مل خيرج منه إال . عن فتح الباري . الكفر فروا( أهـ

وقول علي هذا مروي من طرق يعضد بعضها بعضا، ورواه ابن أيب شيبة يف : قلت ( عن طارق ابن شهاب قال كنت عند علي فسئل عن أهل النهر أهم 15/332مصنفه )

إن املنافقني ال يذكرون إال : فمنافقون هم ؟ قال: قيل. شرك فروامن ال: مشركون ؟ قال . )قوم بغوا علينا (: فما هم ؟ قال: قليال ، قيل

حكمة ، ومثله ما احتج به الفقهاء وهذا حيمل على حنو من كانوا يف زمنه من امل

روراء ودفنهم لعدم تكفري أهل األهواء، ومنهم اخلوارج من توريث الصحابة والتابعني ورثة ح . (26)يف مقابر املسلمني وإجراء أحكام اإلسالم عليهم

خصوصا وأنه ممن جاء بعد أولئك أقوام غلوا يف معتقدهم الفاسد فأنكروا الصلوات الواجب صالة بالغداة وصالة بالعشي، ومنهم من زاد : اخلمس كما ذكر ابن حزم؛ وقالوا

ح بنت االبن وبنت األخ واألخت، ومنهم من نوعا من اجملوسية إىل دينهم فأجازوا نكا ، وزعم أن من قال )ال إله إال اهلل( مؤمن عند (27)أنكر أن تكون سورة يوسف من القرآن

. اهلل ولو اعتقد الكفر بقلبه . فالصواب التفريق والتفصيل بني أصحاب هذه املقاالت وبني غريهم

عن فتح الباري ) كتاب استتابة املرتدين.. ( ) باب من ترك قتال اخلوارج (. (25) ( وقد تقدم. 2/275كما يف الشفا للقاضي عياض ) (26)( وامللل والنحل 96له إىل فرقة امليمونية، انظر الفرق بني الفرق ص )ينسب هذا والذي قب (27)

(. 129للشهرستاين ص )

(446) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

. الغالة وعليه فلعل من كفر اخلوارج عين بذلك أمثال هؤالء)وأسوأهم حاال الغالة املذكورون، وأقرهبم إىل قول أهل احلق : قال ابن حزم

. األباضية( أهـ

(447) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

* وقفات مع صفات الخوارج * وأشبه الناس بهم

من املوجز التارخيي والعقائدي املتقدم تتضح أبرز مسات هذه : الوقفة األولى[ 1]على أمهها هنا، براءة منها وحتذيرا لطالب احلق أن الفرقة الضالة وصفاهتا وأخالقياهتا، انبه

: يتصف بشيء منها، وهو ال يشعر، بل وتكفري خيار هذه األمة جرأتهم وتهورهم في تكفير المسلمين* فمن ذلك؛

وساداهتا من الصحابة وتابعيهم من أهل القرون املفضلة، وعلى رأسهم عثمان وعلي شعري وعمرو بن العاص ومعاوية وغريهم رضي اهلل وعائشة وطلحة والزبري وأبو موسى األ

شرار الخلق انطلقوا إلى آيات نزلت في عنهم أمجعني، وقد وصفهم ابن عمر بأهنم ) . (28)(الكفار فجعلوها على المؤمنين

، فيقتلون خمالفيهم ويرتبون على ذلك استحالل الدماء واألموال والفروج قتلهم البن خباب وبقرهم بطن امرأته احلامل ويغنموهنم ويسبون نساءهم ،وقد تقدم خرب

. عن ولدهايتحلون بورع بارد سمج في الكفار ويف مقابل هذه اجلرأة املفرطة على املسلمني،

فقد تقدم أهنم مع قتلهم ابن خباب تورعوا ووعظ بعضهم بعضا يف مترة والمشركين، . معاهد وخنزير ذمي، حىت حتللوا من صاحبه

يقتلون أهل اإلسالم، وصف النيب صلى اهلل عليه وسلم هلم بأهنم ) وهذا مصداق . ويدعون أهل األوثان (

)وهذا كله من آثر عبادة اجلهال : قال القرطيب يف املفهم بعد ذكره هلذه الصفةالذين مل تنشرح صدورهم بنور العلم، ومل يتمسكوا حببل وثيق من العلم، وكفى أن رأسهم

. (29)لى اهلل عليه وسلم أمره ونسبه إىل اجلور، نسأل اهلل السالمة( أهـرد على رسول اهلل ص

أخرجه البخاري معلقا يف )باب قتل اخلوارج وامللحدين( من )كتاب استتابة املرتدين.. ( وقال (28)

احلافظ يف الفتح: )وصله الطربي يف مسند على من هتذيب اآلثار وسنده صحيح( أهـ.

…(. )باب من ترك قتال اخلوارج…( نقال عن فتح الباري )كتاب استتابة املرتدين (29)

(448) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

بدعوى شدتهم وحدتهم وجفاءهم وتطاولهم على خيار المسلمين* ومن ذلك املثالية املطلقة، وتصيد العثرات بسوء الظن ودون تثبت، مما يدل على تيه وإعجاب

فأصلهم ذو اخلويصرة . إليهم من عل بالنفس، والرتفع على املسلمني واحتقارهم والنظر )اعدل( ويف رواية )ما أراك : التميمي جترأ وتطاول وقال خلري الناس صلى اهلل عليه وسلم

. تعدل( ويف أخرى )إن هذه قسمة ما أريد هبا وجه اهلل(فال غرابة بعد هذا إن قالوا لعلي بسبب موافقته على كتابة امسه يف كتاب التحكيم

)إن مل تكن أمري املؤمنني، فأنت أمري الكافرين( هذا مع أهنم هم : املؤمنني دون لقب أمري)أجب إىل كتاب اهلل إذا دعيت إليه وإال دفعناك : الذين ألزموه بالتحكيم من قبل وقالوا له

برمتك إىل القوم أو نفعل بك ما فعلنا بابن عفان(!! فصدق فيهم وصف النيب صلى اهلل وإمنا ندبت الشريعة الشدة … داء أحداء ذلقة ألسنتهم بالقرآن()قوم أش: عليه وسلم

والغلظة على الكفار املعاندين ،ودعت إىل الرأفة والرمحة باملسلمني ؛فعكس اخلوارج )إن فيكم قوما يتعبدون حىت : ( عن أنس مرفوعا 3/1007وقد روى أبو يعلي )… ذلك

. كما ميرق السهم من الرمية(يعجبوا الناس ويعجبهم أنفسهم، ميرقون من الدين ومن إعجاب اخلوارج بأنفسهم وبرؤوسهم مدحهم هلم، مع أهنم من شرار اخللق، يف

. الوقت الذي ذموا فيه وسبوا، بل وكفروا خيار الصحابة رضي اهلل عنهم أمجعني( وهو يتكلم على عالمات أهل الزيغ وقد ذكر 2/268قال الشاطيب يف االعتصام )

)فإهنم ذموا من مدحه اهلل ورسوله واتفق السلف الصاحل على مدحهم والثناء : اخلوارجعليهم، ومدحوا من اتفق السلف الصاحل على ذمه كعبد الرمحن بن ملجم قاتل علي رضي

ومن الناس من يشري )) : إن يف شأنه نزل قوله تعاىل: اهلل عنه، وصوبوا قتله إياه، وقالوا)) ومن الناس من يعجبك قوله يف : وأما اليت قبلها وهي قوله (( نفسه ابتغاء مرضاة اهلل

وقال -قاتلهم اهلل–احلياة الدنيا(( اآلية، فإهنا نزلت يف شأن علي رضي اهلل عنه، وكذبوا : يف مدحه البن ملجم (30)عمران بن حطان

هـ( 84هو عمران بن حطان السدوسي، كان من رؤوس اخلوارج وخطيبهم وشاعرهم مات سنة ) (30)

وكان سبب اعتناقه ملذهب اخلوارج أنه تزوج ابنة عم له على رأيهم: فمال إىل رأيها، وعمران ممن انتقدعلى البخاري إخراجه هلم يف الصحيح، مع أنه مل خيرج من طريقه يف الصحيح إال حديثا واحدا يف حترمي لبس احلرير، وقد أخرجه يف املتابعات وللحديث عنده طرق أخرى غري طريق عمران، انظر مقدمة فتح

يرى رأي اخلوارج، وحكى الباري ، وفيه أن بعض العلماء قد زعموا أنه إمنا أخرج له ما محله عنه قبل أنآخرون أنه رجع يف آخر عمره عن رأي اخلوارج، ومع هذا فقد قال أبو داود: "ليس يف أهل األهواء أصح حديثا من اخلوارج" مث ذكر عمران وغريه، وذلك ألهنم يرون الكذب كفرا ، قال ابن القيم يف )الطرق

(449) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

يا ضربة من تقي ما أراد هبا إال ليبلغ من ذي العرش رضوانا ذكره يومـا فأحسبه أوىف الربيـة عند اهلل ميزانـاإنـي ألوانظر مثله مع أبيات لعبد القاهر البغدادي يف الرد عليه يف . ( أهـ. وكذب لعنه اهلل

. (93كتاب )الفرق بني الفرق( ص )ذلك سرعة إطالقهم لألحكام، دون فهم لألدلة الشرعية، أوفقه لمراد * ومن

؛فعقوهلم رديئة الفهم، كما وصفهم النيب صلى ووجوه دالالتها الصحيحة، الشارع فيها، وقد حرموا أنفسهم من االستفادة من بيان السنة (31))سفهاء األحالم( : اهلل عليه وسلم

للقرآن فتخبطوا، وكفر بعضهم بعضا يف مسائل، وتداعوا إىل التوبة منها، مث يتبني هلم ل آخر ؛ فيتداعون إىل التوبة من تلك التوبة، وإال صاروا كفارا خطؤهم، أو ينتقلون إىل قو

. وهكذا ، وذلك كله لضعف فقههم وختبطهم يف طرق االستداللإن : ذكر املربد يف الكامل أن موىل لبين هاشم جاء إىل نافع بن األزرق، فقال له

لنا حالل، قال له أطفال املشركني يف النار، وإن من خالفنا مشرك، فرماء هؤالء األطفال . (32)كفرت، وأدللت بنفسك: نافع

إن مل آتك هبذا من كتاب اهلل فاقتلين؛ )قال نوح رب ال تذر على األرض : قال لهفشهد نافع . من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك وال يلدوا إال فاجرا كفارا(

دار كفر إال من أظهر إميانه، وال حيل أكل الدار : أهنم مجيعا يف النار، ورأى قتلهم، وقال . (أهـ.. ذبائحهم وال تناكحهم وال توارثهم

يف قومه يدعوهم ألف –عليه السالم –فتأمل كيف ينزلون قول نوح الذي مكث سنة إال مخسني عاما، ومع هذا كانوا كلما دعاهم وضعوا أصابعهم يف آذاهنم واستغشوا

إنه لن يؤمن من قومك إال من )): كبارا، وقد أوحى اهلل إليهثياهبم وأصروا واستكربوا است

بالذنب ويعد الكذب ذنبا أوىل بالقبول ممن (: )وال ريب أن شهادة من يكفر232احلكمية.. ( ص ) ليس كذلك ، ومل يزل السلف واخللف على قبول شهادة هؤالء وروايتهم ( أهـ.

جزء من حديث رواه مسلم من حديث علي مرفوعا يف باب )التحريض على قتل اخلوارج(. (31)

لت.. !!وتأمل دمويتهم تأمل )كفرت( مباشرة ،دون أي مقدمات ،كأخطأت ،أو ضللت ،أو زل (32)ومسارعتهم يف القتل والدماء وترتيب آثار حكم التكفري عليه يف قول اآلخر )إن مل آتك به من كتاب اهلل

اقتلين( ؛ومل يقل: )إن مل آتك به.. ارجع أو أتوب( مثال.. !

(450) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

!! جملرد طروق هنا االستدالل .. (( ؛ ينزلون ذلك يف مسلمي خري القرون وأطفاهلمقد آمن . اخلاطيء على أذهاهنم العقيمة ، من غري بصرية وال نظر ثاقب أوفقه سليم

. ن القرآن ال جياوز تراقيهم()يقرؤو : وهذا مصداق قول النيب صلى اهلل عليه وسلم)املراد أهنم ليس هلم فيه حظ إال مروره على لساهنم، ال يصل إىل حلوقهم، : قال النووي

. فضال عن أن يصل إىل قلوهبم، ألن املطلوب تعقله وتدبره بوقوعه يف القلب( أهـى تنطعهم وغلوهم وتشديدهم في األحكام الشرعية، وتضييق ما وسعه اهلل عل*

حيث أوجب بعضهم الصالة . المسلمين، وأمرهم بالحرج الذي رفعه اهلل عن األمةالفائتة على احلائض يف زمن حيضها، وقطعوا يد السارق من إبطه، ومل يراعوا نصاب السرقة، فقطعوا يف القليل والكثري، وأوجبوا اهلجرة إليهم، فكفر بعضهم القعدة الذين ال

وإن كان أولئك القعدة على مذهبهم الفاسد، ومل يعذر بعضهم يقاتلون املسلمني معهم، حىت النساء يف ترك اهلجرة إليهم، فقد كفروا امرأة كانت على مذهبهم استكرهها أهلها على الزواج برجل ليس على مذهبهم، وقالوا مل يكن يسعها إال اهلجرة إليهم؛ ألن من أقام

. (33)اخلروج يف دار الكفر فهو كافر، ال يسعه عندهم إالولذلك كان املسلمون يف الصدر األول، يظنون بكل من شدد فيما وسعه اهلل ؛أنه

ما بال : منهم ، كما روى البخاري ومسلم واللفظ له عن معاذة قالت ؛ سألت عائشةلست حبرورية : قلت أحرورية أنت؟ : احلائض تقضي الصوم وال تقضي الصالة؟ فقالت

. ولكين أسأل . كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم وال نؤمر بقضاء الصالة( :فقالت

ومن صفاتهم أيضا تتبعهم للمتشابه من اآليات وعدم تبصرهم في المحكم * عن ابن عباس (34) ، فقد أخرج الطربي يف هتذيب اآلثار بسند صحيح كما قال احلافظمنها

. ند متشاهبه()يؤمنون مبحكمه ويهلكون ع : وذكر عنده اخلوارج فقالولذلك كان أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم إذا وجدوا شيئا من ذلك عند بعض الناس ظنوه منهم، كما يف حديث صبيغ بن عسل، عن أيب عثمان النهدي سأل رجل من بين يربوع، أو من بين متيم، عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه عن الذاريات

(. 1/88انظر املقاالت اليب احلسن ) (33) …(. باب من ترك قتل اخلوارج…( )عن الفتح )كتاب اسستابة املرتدين (34)

(451) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فقال (35) ضع عن رأسك، فإذا له وفرة : ضهن، فقال عمرواملرسالت والنازعات أو عن بعأما واهلل لو رأيتك حملوقا لضربت الذي فيه عيناك، مث كتب إىل أهل البصرة أن ال : عمر

( 188قال شيخ اإلسالم يف الصارم ص ) . فلو جاء وحنن مائة تفرقنا : جتالسوه، قال . )رواه األموي وغريه بإسناد صحيح( أهـ

كان نظر التابعني وظنهم، فروى مالك يف املوطأ وسعيد بن منصور يف سننه وكذلك كم يف إصبع : ( عن ربيعة بن أيب عبد الرمحن، قلت، لسعيد بن املسيب8/96والبيهقي )

: فكم يف اصبعني؟ قال : عشر من اإلبل ، قلت: إرش قطعه أو عقلة[ قال: املرأة ؟ ]أي . عشرون: ففي أربع؟ قال : قلت . ثالثون : قال ففي ثالث أصابع؟ : قلت . عشرون

ملا عظم جرحها، واشتدت مصيبتها نقص عقلها؟!: فقلت : قالهي : بل عامل متثبت أو جاهل متعلم، قال : قلت أعراقي أنت؟: قال سعيد

. السنة يا ابن أخي(الثلث وذلك أن جراح املرأة تساوي جراح املرأة حىت تبلغ ثلث الدية، فإذا بلغت

وانظر يف هذا )كتاب . عادت إىل نصف جراح الرجل ألن ديتها نصف دية الرجل . الديات( يف املغين وغريه من كتب الفقه

فلما رأى سعيد تتبع السائل لذلك ظنه يعرتض على السنة ويتتبع املتشابه، ولذلك . أعراقي أنت؟ والعراق كانت آنذاك خمرج الفتنة وموطن اخلوارج: سأله

هو من جنس قول عائشة رضي اهلل عنها ملن سألتها معاذة عن ترك احلائض قضاء ف )أحرورية أنت(؟؟ : الصالة

) لو رأيتك حملوقا لضربت الذي فيه عيناك( : * وإمنا قال عمر رضي اهلل عنه لصبيغكما جاء وصفهم يف أحاديث من صفاتهم التي يلتزمونها أيضا؛ تحليق رؤوسهمألن

) يكون : ( عن أنس مرفوعا 3/197هلل عليه وسلم، ومن ذلك ما رواه أمحد )النيب صلى اسيماهم التحليق يف أميت اختالف وفرقة، خيرج منهم قوم يقرؤون القرآن ال جياوز تراقيهم

الوفرة: ما سال من شعر الرأس على األذنني أو ما جاوز شحمة األذن ، مث بعد ذلك اجلم ة مث الل م ة. (35)

(452) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

استئصال الشعر القصري، ومنه النعال : ، فإذا رأيتموهم فأنيموهم( والتسبيتوالتسبيت . (36)عن جلدهاالسبتية؛ أي اليت أزيل الشعر

ولذلك يغرت هبم زخرفة باطلهم، وتزيينه، وتلبيسه بالحق،* ومن صفاهتم أيضا ويتابعهم السذج وسفهاء األحالم الذين ليس عندهم بصر ثاقب أو فرقان، فعندما أجلؤوا

ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب )): عليا إىل التحكيم ؛استدلوا بقوله تعاىل . اآلية(( …لى كتاب اهلليدعون إ

ومن لم يحكم بما أنزل اهلل )) : وبعد التحكيم، كفروه مستدلني بقوله تعاىل . ((فأولئك هم الكافرون

(( ، إن الحكم إال هللوشغبوا عليه يف خطبه، يقاطعونه حمتجني بقوله تعاىل )) يلهبون وعندما كان خيطب أمراؤهم كانوا… كلمة حق يراد هبا باطل : فكان يقول

) أخرجوا بنا من هذه القرية : مشاعرهم بذكر اجلنة واالستشهاد، ويقولون عن املسلمني)من أغرب أشكال بين آدم( وذلك عندما : وقد وصفهم ابن كثري بأهنم(… الظامل أهلها

) اضربوا وجوههم وجباههم : ذكر حتريض بعض خطبائهم هلم على قتال علي بقوهلممحن الرحيم، فإن ظفرمت وأطيع اهلل كما أردمت أثابكم ثواب املطيعني، بالسيوف حىت يطاع الر

. وإن أنتم قتلتم فأي شيء أفضل من املصري إىل رضوان اهلل وجنته(أهـ: وذكر ابن كثري عن الصحايب أيب أيوب األنصاري، وكان من قواد جيش علي، قال

أبشر يا عدو اهلل بالنار، : )وطعنت رجال من اخلوارج بالرمح فأنفذته من ظهره، وقلت له . ستعلم أينا أوىل هبا صليا( أهـ: فقال

( )باب قتل اخلوارج .. قال احلافظ ابن حجر يف الفتح )كتاب استتابة املرتدينعند وصفهم يف احلديث بأهنم )يقولون من خري قول الربية( بعد أن أشار …( وامللحدين

) وحيتمل : من قول خري الربية وهو القرآن، قال إىل قول من قال أنه من القلوب وأن املراد، والمراد القول الحسن في الظاهر وباطنه على خالف ذلكأن يكون على ظاهره ،

. أهـ…( كقوهلم "ال حكم إال هلل" يف جواب علي

الذين طاملا رموا مبسمى اخلوارج -ومن اللطيف أن املعروف عنا وعن أكثر أهل دعوة التوحيد املباركة (36)

وسهم، حىت عيب ذلك علينا وانتقد من بعض اجلهال. إعفاؤهم لرؤ -ظلما وزورا

(453) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

، هم محلوا عليا على التحكيم، مث كثرة تناقضهم وسرعة تقلبهم* ومن صفاهتم ) : لتحكيم!! وملا قيل هلم عودوا إىل طاعة أمري املؤمنني، قالواكفروه وخرجوا عليه بسبب ا

إذا جئتمونا مبثل عمر فعلنا ( ،مث ما لبثوا أن أمروا على أنفسهم عبد اهلل بن وهب الراسيب، أعرايب ليس له صحبة وال سابقة وال فضل ، وكفروا عائشة أم املؤمنني خلروجها إىل البصرة

((، مع أهنا وقرن في بيوتكنرم، وتلوا عليها قوله تعاىل )) وأنكروا خروجها من غري حمخرجت مع أخيها عبد الرمحن، وابن أختها عبد اهلل بن الزبري، وكل واحد من املسلمني حمرم

مث إن الشبيبية منهم ممن أنكر عليها ذلك وكفرها؛ ولوا إمرهتم غزالة . هلا؛ فكلهم بنوهاوهذا من تفريقهم بين رج لقتال احلجاج وجيشه!! وخرجت هي وطائفة من نساء اخلوا

. (37)(مع أنهم )من أشد الناس قوال بالقياس . النظائر اتباعا للهوىواالنشطار والتفرق إىل طوائف وفرق قابليتهم السريعة للتشرذم* ومن صفاهتم

متعددة ألتفه األسباب ، وأي خالف فرعي ميكن أن يربأ بسببه بعضهم من بعض ويكفر . بعضهم بعضا .. وبعد

فهذه خصال وصفات ذميمة، وعقائد وأفكار ضالة، جيب على كل طالب حق يصبو ألن يكون من أصحاب وأجناد الطائفة الظاهرة املنصورة القائمة بدين اهلل، أن يربأ

…بنفسه عنها وحيذر منها ومن شرها اهلمل قد هيؤوك ألمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع

وكل من يعرفنا ويعرف دعوتنا وهنجنا، يعرف براءتنا بفضل اهلل تعاىل وبراءة دعوتنا من ذلك كله؛ وأننا من أشد الناس حتذيرا منه، بل منه ما قد خاصمنا بعض الناس، وجتنوا

ومع ذلك فلم نداهن … علينا وطعنوا فينا، وبعضهم كفرنا، ألجل براءتنا وحتذيرنا منهيبا أو بعيدا، أو نقره يوما على شيء من تلك الصفات الذميمة والعقائد على ذلك قر

. الضالة . وكل من يتحلى بشيء من اإلنصاف من خصومنا، يعرتف بذلك ويشهد لنا به

أنه ال يصح أن حيكم على كل من كانت … * ومع هذا، فمما جيدر التنبيه إليه هناأنه من مجلة اخلوارج كال، بل الصواب أن فيه خصلة أو شيء من تلك األخالق الذميمة؛

(. 116امللل والنحل للشهرستاين ص ) (37)

(454) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ال يوصف املرء بذلك حىت يتبىن أصول اخلوارج اليت ضلوا وخالفوا أهل السنة هبا ، وقواعدهم الكلية اليت ابتدعوها؛ حنو تكفري الصحابة وتكفري أصحاب الذنوب من

ع تركهم ألهل املسلمني، وقتاهلم ألهل اإلسالم واستحالهلم لدمائهم وأمواهلم وأعراضهم م . األوثان، وحنو ذلك مما تقدمت اإلشارة إليه

( وهو يتكلم على مسائل يف حديث الفرق 2/233يقول الشاطيب يف االعتصام )أن هذه الفرق إنما تصير فرقا : )املسألة اخلامسة: -وقد تقدم –املخالفة للفرقة الناجية

قاعدة من قواعد الشريعة، ال في بخالفها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين، و ، إذ اجلزئي والفرع الشاذ ال ينشأ عنه خمالفة يقع بسببها التفرق شيعا، جزئي من الجزئيات

. …(وإمنا ينشأ التفرق عند وقوع املخالفة يف األمور الكليةويجري مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات، فإن المبتدع إذا أكثر ) : إىل قوله

، كما تصري لفروع المخترعة عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضةمن إنشاء االقاعدة الكلية معارضة أيضا، وأما اجلزئي فبخالف ذلك، بل يعد وقوع ذلك من املبتدع له

. (287وانظر أيضا ص ) . كالزلة والفلتة( أهـشيء ؛ ال فعلم من هذا أن املوافق للخوارج أو غريهم من أهل الزيغ والضالل يف

ينبغي أن ينسب إليهم إال إذا وافقهم يف أصوهلم وقواعدهم الكلية املخالفة لطريقة أهل السنة واجلماعة، ال من وافقهم يف بعض الفروع أو األخالق الذميمة كالشدة والتعنت

فإن هذا وإن وجد يف اخلوارج وكان من السمات . والتسرع يف إطالق األحكام الشرعيةم، إال أنه ليس من قواعدهم وأصوهلم الكلية اخلاصة هبم واليت ابتدعوها يف الدين البارزة هل

. وخالفوا هبا أهل السنة . وهذه ألخالق ليست خاصة هبم وال وقفا عليهم بل قد توجد يف غريهم

فأكثرها إفرازات وتداعيات وانعكاسات ألمراض قلبية قد توجد عند غريهم من وإمنا أنبه على هذا ألن بعض املبتدئني من طلبة العلم، تراهم . علمضعفاء اإلميان وفقراء ال

يف بادئ أمرهم يتشددون ويتنطعون يف بعض املسائل اليت مل يتقنوها، ورمبا تعنتوا يف آرائهم خصوصا . فال حيل واحلالة هذه رميهم مبسمى اخلوارج جملرد ذلك. وتشددوا يف أفهامهم

ول غالبا عند الصادقني املخلصني ؛باخلشية اليت هي أصل العلم، وأن هذه الصفة الذميمة تز كما وصف اهلل تعاىل العلماء يف كتابه، ويدرك ذلك بتدبر كالم اهلل، والنظر يف األحاديث احملذرة من التنطع والغلو ،واملرهبة من طلب العلم للمباهاة والرياء والسمعة واملراء وجمادلة

(455) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

مطالعة كالم العلماء وقراءة سريهم، ومعرفة أحواهلم وصفاهتم ويعني على ذلك … السفهاء . وأخالقهم

قال رسول اهلل صلى اهلل : ويف احلديث عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قالولكل شرة فرتة، فمن كانت فرتته إىل سنيت، فقد اهتدى، (38) ) لكل عمل شر ة : عليه وسلم

ويف . هلك( رواه ابن أيب عاصم وابن حبان يف صحيحه ومن كانت فرتته إىل غري ذلك فقد . رواية ) لكل عامل (

فهذا يبني أن هذه الصفة توجد يف مرحلة من املراحل عند أكثر الناس، ومن يرد اهلل به خريا يصرفها سبحانه عنه ويعافيه منها مبجاهدته النفس على الطاعة واتباع سنة

. املصطفى صلى اهلل عليه وسلمجب على طالب احلق مادام قد تعرف على صفات اخلوارج الذميمة، أن جيتنب والوا

مشاهبتهم بشيء منها، وأن يتحلى بصفات الصاحلني ومست املتقني وهدي العلماء الربانيني سيما أهل احلق وأنصار الدين من أصحاب الطائفة القائمة بأمر اهلل تعاىل، وأن حيذر كل

والتفرق، اليت تقود إىل املروق من الدين، فإن الغلو واهلوى قاد احلذر من مزالق الغلو واهلوىأولئك اخلوارج رغم تنسكهم وتعبدهم إىل املروق فكانوا شر قتلى حتت أدمي السماء يف ذلك الزمان ؛مع قرب عهدهم من النبوة ، ومع وجود الصحابة وخري القرون، فأجدر أن

بعدهم، أو من كان يف هذه األزمنة املتأخرة اليت قل خيشى ذلك ويتنبه إليه وحياذره من جاء فيها العلم وعم فيها اجلهل واختذ الناس رؤوس الضاللة، وآلوا إىل إعجاب كل ذي رأي

. برأيه، إن دين اهلل وسط بين الغالي فيه والجاني عنه) : قال شيخ اإلسالم ابن تيمية

فيه بأمرين ال يبالي بأيهما ظفر، إما واهلل تعالى ما أمر عباده بأمر إال اعترض الشيطانإفراط فيه، وإما تفريط فيه، وإذا كان اإلسالم الذي هو دين اهلل ال يقبل من أحد سواه؛ قد اعترض الشيطان كثيرا ممن ينتسب إليه، حتى أخرجه عن كثير من شرائعه،

السهم بل أخرج طوائف من أعبد هذه األمة وأورعها عنه، حتى مرقوا منه كما يمرق . (3/236( )من الرمية

)فإذا كان على عهد : (237مث قال ص ).. وساق بعض أحاديث اخلوارج املتقدمةرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وخلفائه الراشدين، قد انتسب إىل اإلسالم من مرق منه مع

الشرة: هي النشاط والقوة، وشرة الشباب: حدته. (38)

(456) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

اإلسالم عبادته العظيمة، حىت أمر النيب صلى اهلل عليه وسلم بقتاهلم، فيعلم أن املنتسب إىلأو السنة يف هذه األزمان قد ميرق أيضا من اإلسالم والسنة، حىت يدعي السنة من ليس من

: أهلها بل قد مرق منها، وذلك بأسبابيا أهل الكتاب ال تغلوا )) : الغلو الذي ذمه اهلل تعاىل يف كتابه، حيث قال : منها . اآلية((…في دينكم

تغلوا في دينكم غير الحق وال تتبعوا أهواء يا أهل الكتاب ال)) : وقال تعاىل . (77: (( )املائدة قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل

"إياكم والغلو يف الدين، فإمنا أهلك من كان : وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم . قبلكم الغلو يف الدين" وهو حديث صحيح

. ذكره اهلل تعاىل يف كتابه العزيزومنها التفرق واالختالف الذي ومنها أحاديث تروى عن النيب صلى اهلل عليه وسلم، وهي كذب عليه باتفاق أهل

. املعرفة، يسمعها اجلاهل باحلديث فيصدق هبا ملوافقة ظنه وهواهإن يتبعون )) : وأصل الضالل اتباع الظن واهلوى، كما قال تعاىل يف حق من ذمهم

. (23: (( )النجم ى األنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدىإال الظن وما تهو والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما )): وقال يف حق نبيه صلى اهلل عليه وسلم

. (4-1: (( )النجمغوى، وما ينطق عن الهوى إن هو إال وحي يوحا . فنزهه عن الضالل والغواية، اللذين مها اجلهل والظلم

. احلق فالضال هو الذي ال يعلم . والغاوي الذي يتبع هواه

. وأخرب أنه ما ينطق عن هوى النفس، بل هو وحي أوحاه اهلل إليه . ( الفتاوى )ط دار ابن حزم(3/238فوصفه بالعلم ونزهه عن اهلوى" أهـ )

(457) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

جيب التنبه والتفريق يف مصطلح )اخلروج( بني اخلارجني على : [ الوقفة الثانية2]كم، أو طمعا يف الرياسة وامللك، وبني اخلوارج أصحاب البدع احلكام سواء جلور احل

العقائدية واألصول املخالفة ألهل السنة ،الذين تقدم احلديث عنهم؛ فهؤالء مل يكن مههم احلكم ابتداء، فقد عرفت زهادة أكثرهم يف الدنيا وحرصهم على التنسك والعبادة، وعلى

رأيت مل خيرجوا على احلكام وحدهم، بل خرجوا املوت ألجل عقائدهم الضالة، مث هم كما على عموم املسلمني، ال مييزون بني برهم وفاجرهم، فاستحلوا قتلهم وهنب أمواهلم وسيب نسائهم، هذا بعد أن حكموا بكفرهم، وأكثرهم مل يستثن من ذلك أطفاال وال نساء،

. فالدوافع عندهم عقدية شاذة ضالة منحرفةلذين خيرجون على احلكام، أو خيرجون يف طلب امللك، ال أما اآلخرون، فهم ا

: للدعاء إىل معتقد ؛وهم قسمانقسم خرجوا غضبا للدين وإنكارا جلور الوالة وترك عملهم بالسنة أو تأخريهم -

، ويعد العلماء منهم، احلسني بن علي رضي اهلل عنهما، وأهل فهؤالء أهل حقللصلوات، . اء الذين خرجوا على احلجاج مع عبد الرمحن بن األشعث وحنوهماملدينة يف احلرة ،والقر

. (39)وقسم خرجوا يف طلب امللك فقط، سواء كانت هلم شبهة أم ال، وهم البغاة -فإذا كان العلماء يعدون الخارج على أئمة الجور، إنكارا لمنكراتهم من : أقول

أن مجهور أهل السنة على ، معأهل الحق، وال يساوونه بالخوارج المارقين بحالفكيف إذا الصربعلى األئمة وإن جاروا ، وال يرون اخلروج عليهم ما مل يظهروا كفرا بواحا؛

كان الخارج على الحكام، قد عاين بالفعل كفرا بواحا، وشركا صراحا متعددة ألوانه سمى وأشكاله ؟ أفيجوز بحال أن يوصف مثل هذا الناصر لدين اهلل أو يسمى بمحيث الخوارج ؟؟ كما يفعله كثير ممن طمس اهلل على بصائرهم، وختم على قلوبهم،

يلقبون كل من نابذ أو نازع الطواغيت املشرعني واحلكام املشركني احملكمني لقوانني الكفر؛ ويسموهنم باخلوارج، وإن كانوا من خيار أهل السنة ومن أفاضل املوحدين ، وسواء كان

. أو خروجهم عليهم وعلى كفرياهتم بالقلم أو باللسان، أم بالقوة والسناننزاعهم هلم وال يقف األمر عند هذه الفرية الباطلة والتهمة الكاذبة، بل جتد من هؤالء من يستـعدون الطواغيت على أولئك املوحدين، ويغروهنم هبم، ويظاهروهنم على قمعهم والقضاء

. …!!فية اخلالص من جهادهمعلى دعوهتم، ويناصحوهنم يف كي

…(. )باب قتل اخلوارج وامللحدين…( انظر فتح الباري )كتاب استتابة املرتدين (39)

(458) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ولو أهنم صدقوا يف زعمهم، وكان أولئك املوحدون خوارج، كما يدعون؛ فياليتهم حتلوا بعقل وفقه علماء املغرب يف ترجيحهم بني املفاسد، يوم خرجوا يقاتلون بين عبيد

ارجي، القداح حتت راية أيب يزيد اخلارجي، وملا المهم بعض الناس يف قتاهلم حتت راية اخل)هم : وقال أبو إسحاق الفقيه يومها . …() نقاتل مع من عصى اهلل، من كفر باهلل: قالوا

فإن ظفرنا هبم، مل ندخل حتت راية –يعين بين عبيد –أهل قبلة، وأولئك ليسوا أهل قبلة فكيف وأصحاب هذه الدعوة املباركة، قد برؤوا من عقيدة . أيب يزيد ألنه خارجي( أهـ

فهال إذ عجز أولئك . وارج املارقني كرباءة الذئب من دم يوسف عليه السالموطريقة اخلاخلوالف وقعدوا عن نصرهتم، وقنعوا بالذل واإلدهان والركون ألعداء اهلل، كفوا ألسنتهم عن

: الكذب واالفرتاء والبهتان أقلـوا عليـهم ال أبا ألبيـكمو من اللوم أوسدوا املكان الذي سدوا

. البد وأنه قد ظهر لك مما تقدم، أن من أشبه الناس باخلوارج : الوقفة الثالثة [3]أولئك األذناب من املنتسبني -وال أعين االعتقاد–وأوالهم بصفاهتم وأخالقهم الذميمة

وأبرزها وصف النيب صلى . للعلم والدين، ممن تنطبق عليهم كثري من صفات اخلوارج اخلبيثة)يقتلون أهل اإلسالم ويتركون أهل م يف احلديث املتفق عليه بأهنم اهلل عليه وسلم هل

( ؛فهؤالء الذين تقدمت اإلشارة إىل أمثاهلم ممن هم سلم للطواغت، حرب على األوثاناملوحدين وعلى دعوهتم وجهادهم؛أو قل مرجئة مع الطواغيت خوارج على املوحدين ؛ كم

نابذين لقوانينهم وكفرياهتم، وحيثوهنم على استئصالهم، رأيناهم يغرون الطواغيت بالدعاة املبل جتعله من أحسن األعمال والقربات إىل (40)ويدجبون الفتاوى اليت تزين ذلك وحتسنه،

اهلل؛ إذ يسموهنم بغاة تارة!! وكأهنم بغوا وخرجوا على علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه، أو …!!على أمثاله من أئمة العدل

يسموهنم خوارج، فيكفروهنم بذلك على قول طائفة من أهل العلم املكفرين وتارة . للخوارج ، فيصري هؤالء األذناب بذلك، شر من اخلوارج املارقني

وهؤالء يكفرون ويضللون مبحض التوحيد … فاخلوارج كفروا باملعاصي والذنوب : يف أمثاهلمفرحم اهلل ابن القيم إذ يقول . والرباءة من الشرك والتنديد

احلجاز وأتباعهم يف كثري من البلدان، وانظر قصيدة أحدهم يف ذلك ومن هؤالء اجلامية واملداخلة يف (40)

وردنا عليه بقصيدتنا اليت مسيناها ) إىل حارس التنديد ورهبانه ( ، ومنهم عندنا يف األردن علي احلليب يف يف فتواه الشهرية اليت أقر هبا أعني الطواغيت وأنصارهم ، وقد نشرها بعض األفاضل بعنوان ) القول املبني

شيخ املخربين (.

(459) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

بالذنب تأويال بال إحسان هو غاية التوحيد واإلميان قد جاء باآلثار والقرآن أخذواالظواهرمااهتدوا ملعان نسبوا إليه شيعة اإلميان سيفني سيف يد وسيف لسان وهم البغاة أئمة الطغيان فساق ملته فمن يلحاين واهلل ما الفئتان مستويان وبني مكفر العصيان!

ما فئتان باغيتانوكالك هذا وبينكما من الفرقان مل يفهموا التوفيق باإلحسان

(42ـبه اليت هي فكرة األذهان) منــهم للحـق واإليـمان

على احلديث املوجب التبيان عـليهـما، أفأنتـم عدالن؟

من يل بشبه خوارج قد كفروا وخصومنا قد كفرونا بالذي ومن العجائب أهنم قالوا ملن

ذا مثل اخلوارج إهنمأنتم ب فانظرإىل ذاالبهت هذا وصفهم سلواعلى سنن الرسول وحزبه واهلل ما كان اخلوارج هكذا

(41)كفرمت أصحاب سنته وهم إن قلت هم خري وأهدى منكم شتان بني مكفر بالسنة العليا قلتم تأولنا كذاك تأولوا وكالكما للنص فهو خمالف

لههم خالفوا نصا لنص مث لكنكم خالفتم املنصوص للشـ

فبأي شـيء أنتم خري وأقرب هم قدموا املفهوم من لفظ الكتاب

لكنـكم قدمتـم رأي الرجال

الح الصباح ملن له عينان بالعدل واإلنصاف وامليزان

أم هم إلىاإلسالم أقرب منكم؟ اواهلل حيكم بينكم يوم اجلز

هذا وصف دقيق البن القيم ومقارنة رائعة، وكأنه يتكلم يف واقع أذناب الطواغيت يف زماننا، فاخلوارج (42)

أتوا من تفريطهم بالسنة وضعف فهمهم لنصوص القرآن، وقصور أذهاهنم عن التوفيق بينهما. أما هؤال بل جلها كالذي أنشد … تدالالت وبراهني ساطعةاخلوالف، فاملتتبع الستدالالهتم، ال جيد فيها اس

اخلطايب يف حجج أهل الكالم: شبه هتافت كالزجاج ختاهلا حقا وكل كاسر مكسور

الضمري يعود على اخلوارج، أي هم كفروا فساق امللة بالذنوب، بينما أنتم كفرمت أنصار السنة وأهلها (41) مبحض الطاعة.

(460) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

برآء إال من هدى وبيان

هذا وحنن فمنهم بل منكم

هذا وقد تبني لك فيما تقدم معاملة علي ومن معه، للخوارج احلقيقيني املراقني، حيث مل يظلموهم شيئا من حقوقهم، وناظروهم، وراسلوهم مرارا قبل القتال، ومل يبدؤوهم

تال نادوا بقتال حىت قتلوا من قتلوا من املسلمني وأغاروا على أمواهلم وسرحهم، وقبل القفيهم؛ أن من اعتزل القتال أو دخل الكوفة واملدائن فهو آمن، مث كانت سريهتم يف قتاهلم أهنم مل يغنموا أمواهلم وال صادروها بل ردوها على أوليائهم وأعطوها لورثتهم ، هذا كله مع

هنم ما ورد من األحاديث الصرحية يف احلث على قتلهم أينما وجدوا، وتشبيهه بقتل عاد، وأ . شر قتلى ،وأن يف قتلهم أجرا

وكل ذلك منه رضي اهلل عنه، تثبتا واحتياطا يف دماء املنتسبني إىل امللة، وما اشتد فرحه بقتلهم إال حني استيقن بأهنم املعنيون يف األحاديث حني عثر على ذي الثدية بني

: فروا" قيل "من الشرك: القتلى ، مث مع هذا يقول ملا سئل عنهم ؛أمشركون هم؟ . (43)"إن املنافقني ال يذكرون اهلل إال قليال" : أفمنافقون؟ قال

فأين فقه السلف رضوان اهلل عليهم وورعهم وإنصافهم حىت للخوارج املارقني ؛ من . جتين وبغي اخلوالف املعتدين على املوحدين يف زماننا

للخوارج استدالهلم ومن مشاهبة أولئك اخلوالف املرجفني : [ الوقفة الرابعة4] . بنصوص الكتاب والسنة دون فقه أو نظر أو بصر، وتنزيلهم لكالم العلماء يف غري مقامه

فشاهبوا اخلوارج يف وصف النيب صلى اهلل عليه وسلم هلم بأهنم؛ )يقرؤون القرآن ال . الفقهجياوز حناجرهم أو تراقيهم( أي ال جياوزها ويتعداها إىل القلب الذي هو حمل العقل و

حيث تتبع هؤالء اخلوالف ردود السلف على اخلوارج، وأخذوا تأويلهم للكفر يف (( حني أنزل اخلوارج ذلك ومن لم يحكم بما أنزل اهلل فؤلئك هم الكافرون)): قوله تعاىل

على احلكمني وعلىعلي ومعاوية -كما تقدم–على كل من عصى اهلل، بل وأنزلوها وأمثاهلا . ومن معهم

أيب شيبة بإسناد على شرط مسلم ، وذكره ابن كثري يف البداية والنهاية تقدم من مصنف ابن (43)( من رواية اهليثم بن عدي وزاد )فقيل: فما هم يا أمري املؤمنني؟ قال: إخواننا بغوا علينا 7/290)

دة فقاتلناهم ببغيهم علينا". لكن اهليثم بن عدي قال فيه البخاري: )ليس بثقة، كان يكذب( أهـ. والزيا املذكورة يروى عن علي حنوها يف أهل اجلمل.

(461) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

هؤالء إىل أقاويل السلف يف ردهم على صنيع اخلوارج هذا، فنقلوها إىل غري فعمد مناطها، وأنزلوها على املرتدين واملشركني من طواغيت احلكام الذين قارفوا ألوانا خمتلفة

. ومتعددة من الكفر البواح، والشرك الصراح، يطول بسطها وبياهنا وتتبعهارا دون كفر( على لسان السلف الذين مل فصريوه بصنيعهم وتدليسهم هذا؛ )كف

. يكن يف زماهنم نظائره أصال وهذا يتعاطاه أناس من رؤوسهم عن قلة أمانة يف التعامل مع األدلة والنصوص كما قد خربناهم ، وعمومهم يتخبطون فيه لقلة فهمهم وضحالة فقههم، وضعف معرفتهم

. ال اخلوارج ؛هذا مع إحسان الظن هبمبدالالت آيات الكتاب وأسباب نزوهلا، كما كان حوكانت البدع األولى مثل بدعة الخوارج، إنما هي ) : قال شيخ اإلسالم ابن تيمية

من سوء فهمهم للقرآن، ولم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه، لم فمن : فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب إذ كان المؤمن هو البر التقي، قالوا

وعثمان وعلي ومن واالهما : يكن برا تقيا، فهو كافر، وهو مخلد في النار، ثم قالواليسوا بمؤمنين، ألنهم حكموا بغير ما أنزل اهلل، فكانت بدعتهم لها مقدمتان؛

. أن من خالف القرآن بعمل أو برأي أخطأ فيه فهو كافر : الواحدةجمموع الفتاوى . أهـ…( وا كذلكأن عثمان وعليا ومن واالهما كان : والثانية

. (13/20)ط دار ابن حزم( )فلما رد عليهم الصحابة، وناظروهم يف مثل هذه األفهام السقيمة، جاء : قلت

هؤالء اجملادلون عن الطواغيت، فعمدوا إىل ردودهم تلك يف ذلك املقام؛ حنو قوهلم )كفر ا ينسب إليهم وبعضه يف أسانيده دون كفر( أو )ليس الكفر الذي تذهبون إليه( وحنوه مم

. فأنزلوا ذلك على شرك املشرعني الصراح، وكفر القانونيني البواح . مقال) أول التفرق واالبتداع يف اإلسالم بعد : (13/112وقال شيخ اإلسالم أيضا )

مقتل عثمان وافرتاق املسلمني، فلما اتفق علي ومعاوية على التحكيم، أنكرت اخلوارج، ال حكم إال هلل، وفارقوا مجاعة املسلمني، فأرسل إليهم ابن عباس فناظرهم فرجع : اوقالو

إن عثمان وعليا ومن واالمها قد حكموا بغري ما : بل قالوا)… : إىل قوله…( نصفهم(( فكفروا املسلمني هبذا ومن لم يحكم بما أنزل اهلل فؤلئك هم الكافرونأنزل اهلل ))

. وبغريه : ين على مقدمتني باطلتنيمب… وتكفريهم

(462) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

. أن هذا خيالف القرآن : إحدامهاأن من خالف القرآن يكفر، ولو كان خمطئا أو مذنبا، معتقدا للوجوب : والثانية . والتحرمي( أهـ

فتأمل هذا جيدا، وافهمه، فإن تكفري اخلوارج للمسلمني وأئمتهم احلاكمني بشرع ، وردوا (44)دة الباطلة، ناظرهم السلف كابن عباس وغريهاهلل، ملا كان هلذه املقدمات الفاس

)هم : ولذلك قال ابن عمر رضي اهلل عنهما كما تقدم عن اخلوارج… عليهم مبا ردوا . شرار اخللق انطلقوا إىل آيات أنزلت يف الكفار فجعلوها على املؤمنني(

وقلة فهمهم فجاء هؤالء اخلوالف الذين هم أشبه الناس بسفاهة أحالم اخلوارج،وضحالة فقههم، وانطلقوا إىل أقاويل السلف يف املوحدين، واليت كانوا يدفعون هبا تكفري اخلوارج للمؤمنني بالذنوب، فجعلوها يف الطواغيت املرتدين ويف املشركني وامللحدين ؛ يدفعون هبا عن كفرهم البواح وشركهم الصراح ، ويدرؤون هبا يف حنور من يكفرهم من

. !!!(45)دين املوحومن مشاهبة املذكورين للخوارج أيضا تسميتهم ووصفهم : [ الوقفة الخامسة5]

وعدم . لطواغيتهم املشرعني املرتدين؛ بإمام املسلمني، أو أمري املؤمنني، ومبايعتهم هلماعتبارهم ألي شرط من شروط اإلمامة الشرعية، أو مراعاهتم لتوفر ذلك فيهم، بل هم شر

ن اخلوارج ؛ فقد عرفت أن أول اخلوارج بايعوا بعد خروجهم عن إمرة علي وطعنهم يف هذا ميف إمرة عثمان، رجال أعرابيا ال تنطبق فيه شروط اإلمامة،لكنه مسلم ، وأهنم يسمون غري القرشي ممن مل جتتمع عليه األمة بأمري املؤمنني، وقد خالفوا بذلك أهل السنة واجلماعة كما

)اشرتاط كون اإلمام قرشيا مذهب العلماء كافة، وقد عدوها يف : عياض قال القاضيمسائل اإلمجاع، ومل ينقل عن أحد من السلف رضي اهلل عنهم أمجعني فيه خالف، وكذلك

. (46)وال اعتداد بقول اخلوارج ومن وافقهم من املعتزلة( : من بعدهم يف مجيع األمصار، قال

من أشهر من ناظرهم من الصحابة علي وابن عباس وابن عمر وأيب بكرة رضي اهلل عنهم أمجعني (44)

ومن التابعني طاووس وأيب جملز وعمر بن عبد العزيز.

رجئة العصر(، و ) تبصري وملزيد من التفصيل يف هذا، راجع كتابنا )إمتاع النظر يف كشف شبهات م (45) العقالء بتلبيسات أهل التجهم واإلرجاء (.

عن فتح الباري )كتاب األحكام( )باب: األمراء من قريش( وانظر امللل والنحل للشهرستاين ص (46)(116 .)

(463) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

يعتربوا شرط القرشية يف اإلمامة، وبعضهم مل مينع من فإذا كان اخلوارج مل : أقولفإهنم مل يرتكسوا حبال فيما ارتكس فيه هؤالء اخلوالف … إمامة املرأة كما فعلت الشبيبية

إذ جوزوا اإلمامة للمرتدين وبايعوهم أئمة للمسلمني!!! فلم يبقوا بذلك شرطا من شروط كله اإلسالم، فكانوا يف هذا الباب، شرا من اإلمامة الشرعية إال وأهدره، وعلى رأس ذلك

حيث بايعوا املرتدين واملشركني من الطواغيت املشرعني واحملكمني لقوانني . اخلوارج وأخبثفأعطوهم صفقة أيديهم . الكفر، احملاربني لدين اهلل وشرعه، املتولني لكفار الغرب والشرق

، أو نابذهم ساعيا يف إنكار وتغيري كفرهم ، ومثرة أفئدهتم ، مث صريوا كل من خرج عليهم وباطلهم؛ من البغاة!! واخلوارج!!

اجلاينأوىل ليدفع عنه فعل ولذاك عند الغر يشتبهان

بهفرموهم بغيا مبا الرامي يرمي الربيء مبا جناه مباهتا

البد وأنه قد ظهر لك وبان مما تقدم، أن جرائم وأفاعيل : [ الوقفة السادسة7]ض غالة مرجئة العصر ودعاة جهمية الزمان، اجملادلني عن الطواغيت وأنصارهم ، بع

احملاربني للموحدين ودعوهتم، جتعلهم بذلك شرا من اخلوارج، ذلك الوصف الذي طاملا رموا به املوحدين، مع أن املوحدين إمنا خرجوا على كفار ومرتدين، ومل خيرجوا على أئمة عدل

؛ فخروجهم إذن طاعة حمضة، ألنه حتقيق عملي للتوحيد وبراءة من من املسلمني واملؤمنني . الشرك والتنديد

فال شك أن هؤالء اخلوالف بتعديهم على املوحدين ألجل طاعتهم هذه؛ شر وأشد . ضالال وخبثا من اخلوارج الذين تعدوا على املسمني ألجل املعاصي والذنوب بزعمهم

. )هم أخبث قوم( : القاضي يف املرجئة فال عجب إذن أن يقول شريك . )ما ابتدعت يف اإلسالم بدعة أضر على أهله من اإلرجاء( : وأن يقول الزهري

)ليس شيء من األهواء أخوف عندهم على األمة : ويقول حيىي ابن أيب كثري وقتادة . من اإلرجاء(

ه األمة من فتنة أخوف على هذ-يعين املرجئة -)لفتنتهم : ويقول إبراهيم النخعي . (47)أي اخلوارج… األزارقة(

(. 7/246هذه اآلثار نقال عن جمموع الفتاوى )ط. دار ابن حزم( ) (47)

(464) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

هذا مع أن خالف املرجئة األوائل، مع أهل السنة احنصر يف بدايته يف األمساء واأللفاظ، أي أنه كان خالفا يف تعريف اإلميان فقط، ويف دخول األعمال يف مسماه، ومل

رك الفرائض، فضال عن يكن أحد من أوائلهم يدعو مع ذلك إىل التفريط باألعمال، أو تكال، بل قد كان منهم عباد …أن يرقع بإرجائه كفر الكفار وشرك املشركني وإحلاد املرتدين

. (48)وزهار، وكان فيهم عاملون وجمتهدونلكن اإلرجاء صار بعد ذلك ذريعة أوصلت إىل مذهب غالة املرجئة الذين أكفرهم

ي يصرح أهله اليوم دون حياء بأنه )ال بعض السلف ؛والذي نبت منه اإلرجاء الكفري الذيضر مع دعوى التصديق أو االعتقاد الصحيح شيء من املكفرات الظاهرة "القولية أو العملية" كما ال يضره التويل عن جنس العمل واإلعراض عن الدين واالنسالخ عن الفرائض

. بالكلية(ريهتم حيث اشتد نكريهم وهذا دليل على فراسة السلف رضوان اهلل عليهم، وقوة بص

. على املرجئة األوائل، رغم أهنم مل يظهروا شيئا من الكفر وال سوغوه أو جوزوهولكنهم عرفوا بنظرهم الثاقب وأدركوا أن هذا املذهب سيؤدي دون ريب إىل

. االنسالخ من الدين واالنفالت من شرائعهن على فقه ونباهة السلف، فإن وآثار اإلرجاء القبيحة اليوم وصنيع أفراخه، يؤكدا

اإلرجاء مل يزل ينحرف بأصحابه، حىت أخرج غالهتم من الدين، وأقحمهم يف املكفرات، وآل األمر ببعضهم اليوم إىل تسهيل الكفر وتسويغه والرتقيع للشرك وأهله، واإلفتاء جبوازه،

. وجواز املشاركة فيه، أو جواز نصرته وحراسته وتويل أهله)لفتنتهم : ن أن يقول النخعي بفراسته، عن أوائل املرجئة وأصلهمفال عجب إذ

أخوف على هذه األمة من فتنة األزارقة( خصوصا وأن أصل مذهب اخلوارج، كما نص لكن أضلهم إعراضهم عن السنة املبينة له، (49)شيخ اإلسالم )تعظيم القرآن وطلب اتباعه(أما أذناب املرجئة اخلبثاء، . تقدمة اليت أضلتهموغري ذلك من أحواهلم وأهوائهم الذمية امل

ترمجة "عمر بن ذر بن عبد اهلل اهلمداين" الذي يقول عنه اإلمام أمحد: )هو انظر على سبيل املثال (48)

أول من تكلم يف اإلرجاء( فقد كان من أعبد الناس وأزهدهم،وانظر كالمة يف التهجد والعبادة يف حلية (، وانظر أيضا قول سفيان يف قيس بن مسلم: )ما رفع قيس بن مسلم رأسه 115-5/108األولياء ) اء مذ كذا وكذا تعظيما هلل ( وقد قال حيىي بن سعيد وأبو داود والنسائي أنه كان مرجئا. إىل السم

(. 7/112انظر الفتاوى )ط دار ابن حزم( ) (49)

(465) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فإهنم ينقضون بتلبيساهتم عرى القرآن واإلسالم واإلميان، عروة عروة، ويسهلون أمر تعدي . حدوده، ويهونون من اقتحام نواقضه

فهم على هذا شر وأخبث من اخلوارج ؛الذين يبهتون املوحدين دوما ويرموهنم . مبسماهمهذا واعلم يف خامتة هذا الفصل ؛ أن رمي خصوم التوحيد : ة السابعة[ الوقف7]

ألهله ودعاته، هبذا املسمى البغيض عند أهل اإلسالم، هي عادة قدمية ألهل البدع توارثوها . عن بعضهم البعض، فهذه سنة اهلل تعاىل يف خلقه أن جعل لكل قوم ورثة

-جعلنا اهلل تعاىل منهم–ون توحيدهم فكما وأن لألنبياء ورثة يتتبعون آثارهم وينصر وللمنافقني ورثة، وللمخذلني ورثة، وللمدلسني … فكذلك ألعدائهم وخصومهم ورثة .

وامللبسني ورثة؛ يتوارثون باطلهم وشبهاهتم، ويتناقلوهنا يف كل زمان، يستعملوهنا يف ترويج . بدعهم ويف الطعن على أهل احلق وأصحاب الطائفة املنصورة

)عندهم( رخيص سعره حثوا بال كيل وال ميزان فالبهتوقد تقدمت أبيات ابن القيم يف قصيدته النونية، املوسومة )بالكافية الشافية يف -

. االنتصار للفرقة الناجية( وفيها بيان أن املبتدعة دأبوا على تسمية أهل السنة باخلوارج) : ن اإلمام أمحد بن حنبل أنه قالومن ذلك أيضا ما رواه اخلالل يف السنة ع -

بلغين أن أبا خالد وموسى بن منصور، وغريمها جيلسون يف ذلك اجلانب، ويعيبون من . (50)"إنا نقول بقول اخلوارج" مث تبسم أبو عبد اهلل كاملغتاظ( أهـ: يكفر، ويقولون

من ، بعدما شكا ومن ذلك ما نقله الشاطيب عن احلافظ عبد الرمحن بن بطة -)فكنت على حالة : هبتان أهل زمانه وخمالفيه له، ورميه بشىت التهم واأللقاب، حيث قال

تشبه حالة اإلمام الشهري عبد الرمحن بن بطة احلافظ مع أهل زمانه، إذ حكى عن نفسه "عجبت من حايل يف سفري وحضري مع األقربني مين واألبعدين، والعارفني : فقال

كة وخراسان وغريمها من األماكن، أكثر من لقيت هبا موافقا أو واملنكرين، فإين وجدت مبخمالفا، دعاين إىل متابعته على ما يقوله، وتصديق قوله والشهادة له، فإن كنت صدقته فيما يقول وأجزت له ذلك مساين موافقا، وإن وقفت يف حرف من قوله، أو يف شيء من فعله

ها أن الكتاب والسنة خبالف ذلك وارد، مساين مساين خمالفا، وإن ذكرت يف واحد من

( ط دار الكتب العلمية. 6/479من جمموعة فتاوى ابن تيمية ) (50)

(466) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

خارجيا، وإن قرأت عليه حديثا يف التوحيد مساين مشبها، وإن كان يف الرؤية مساين سامليا، . …"وإن كان يف اإلميان مساين مرجئيا، وإن كان يف األعمال مساين قدريا

مجاعتهم ومهما وافقت بعضهم عاداين غريه، وإن داهنت"… : إىل أن قالأسخطت اهلل تبارك وتعال، ولن يغنوا عين من اهلل شيئا، وإين مستمسك بالكتاب والسنة،

. واستغفر اهلل الذي ال إله إال هو وهو الغفور الرحيم "، فقلما )هذا متام احلكاية فكأنه رمحة اهلل تكلم على لسان اجلميع : قال الشاطيب

، ألن اهلوى ، إال وقد نبز بهذه األمور أو بعضهاتجد عالما مشهورا أو فاضال مذكورا تبع الغالب على أهل

قد يداخل املخالف، بل سبب اخلروج عن السنة اجلهل هبا، واهلوى امل

اخلالف، فإذا كان كذلك محل على صاحب السنة أنه غري صاحبها، ورجع بالتشنيع عليه . والتقبيح لقوله وفعله، حىت ينسب هذه املناسب

"إن األمر : قل عن سيد العباد بعد الصحابة )أويس القرين( أنه قالوقد ن بالمعروف والنهي عن المنكر، لم يدعا للمؤمن صديقا، نأمرهم بالمعروف فيشتمون

لقد رموني بالعظائم، -واهلل–أعراضنا، ويجدون على ذلك أعوانا من الفاسقين، حتى . (51)أهـوأيم اهلل ال أدع أن أقوم فيهم بحقه"(

ونظري ذلك أيضا ما ذكره شيخ اإلسالم من )أن اجلهمية واملعتزلة إىل اليوم -حىت إن منهم من غال -كذبا منهم وافرتاء–يسمون من أثبت شيئا من الصفات مشبها

ورمى األنبياء صلوات اهلل وسالمه عليهم بذلك، حىت قال مثامة بن األشرس، من رؤساء (( وعيسى إن هي إال فتنتك)): األنبياء مشبهة، موسى حيث قالثالثة من : اجلهمية

(( وحممد صلى اهلل عليه وسلم تعلم ما في نفسي وال أعلم ما في نفسك)): حيث قال . …()ينزل ربنا: قال

حىت إن جل املعتزلة تدخل عامة األئمة، مثل مالك وأصحابه، والثوري وأصحابه، ابه، وأمحد وأصحابه، وإسحاق بن راهويه، وأيب عبيد واألوزاعي وأصحابه، والشافعي وأصح

شبهة . وغريهم، يف قسم امل

وقد صنف أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن درباس الشافعي جزءا مساه )تنزيه أئمة الشريعة عن األلقاب الشنيعة( ذكر فيه كالم السلف وغريهم يف معاين هذا الباب، وذكر أن

( خمتصرا. 33-1/31االعتصام ) (51)

(467) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

يزعم أنه صحيح على رأيه -يلقب أهل السنة بلقب افرتاه أهل البدع كل صنف منهمفالروافض تسميهم . كما أن املشركني كانوا يلقبون النيب بألقاب افرتوها -الفاسد . (52)نواصب

. والقدرية يسموهنم جمربة . (53)واملرجئة تسميهم شكاكا . واجلهمية تسميهم مشبهة

. وإىل أمثال ذلك . (55)وغثاء، وغثرا . (54)وأهل الكالم يسموهنم حشوية، ونوابتكما كانت قريش تسمي النيب صلى اهلل عليه وسلم تارة جمنونا، وتارة شاعرا، وتارة كاهنا،

. وتارة مفرتيا . …(فهذه عالمة اإلرث الصحيح والمتابعة التامة : قالوا

ومن حكى عن الناس المقاالت، وسماهم بهذه األسماء )… : إىل قوله . المكذوبة بناء على عقيدته التي هم مخالفون له فيها، فهو وربه، واهلل بالمرصاد

. ( أهـوال يحيق المكر السيء إال بأهله . (74-5/72دار ابن حزم( ). من جمموع الفتاوى )ط

ونظريه أيضا ؛ما قاله تلميذه العالمة ابن القيم يف قصيدته املوسومة )بالكافية -يف تنزيه أهل احلديث والشريعة عن األلقاب : صار للفرقة الناجية(؛ )فصلالشافية يف االنت

: القبيحة الشنيعة( حاشاهم من إفك ذي هبتان أوىل ليدفع عنه فعل اجلاين ولذاك عند الغر يشتبهان

وجمسمني وعابدي أوثان وهم

ةيرموهنم كذبا بكل عظيم فرموهم بغيا مبا الرامي به يرمي الربيء مبا جناه مباهتا مسوهم حشوية ونوابتا

العداء بزعمهم. أي ممن يناصبون أهل البيت (52) ألهنم جييزون مقولة )أنا مؤمن إن شاء اهلل(. (53) النوابت: هم األغمار من األحداث. (54) الغثر: سفلة الناس. (55)

(468) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

(56)الروافض أخبث احليوان بالنواصب شيعة الرمحن

وكذاك أعداء الرسول وصحبه نصبواالعداوةللصحابة مث مسوا

: إىل قوله

لكم يا معشر اإلخوان يف الناس طائفتان خمتلفان والوارثون لضده فئتان ما عندهم يف ذاك من كتمان

رمحنهم أهلها ال خرية ال وراثة بالبغي والعدوان فامسع وعه يا من له أذنان شيئا وقالوا غريه بلسان بني الطوائف قسمة املنان سلوان من قد سب بالبهتان ومشبه هلل باإلنسان

(57)كمحمد ومذمم امسان عن شتمهم يف معزل وصيان يف اللفظ واملعىن مها صنوان للمشبه هكذا اإلرثان

مذمة وهوانأهل لكل واسم املوحد يف محى الرمحن

عجب سأبديها هذا ومث لطيفة البد أن يرث الرسول وضده فالوارثون له على منهاجه إحدامها حرب له وحلزبه فرموه من ألقاهبم بعظائم فأتى األىل ورثوهم فرموا هبا هذا حيقق إرث كل منهما واآلخرون أولو النفاق فأضمروا هذي مواريث العباد تقسمت هذا ومث لطيفة أخرى هبا

جملسم جتد املعطل العنا واهلل يصرف ذاك عن أهل اهلدى هم يشتمون مذمما وحممد صان اإلله حممدا عن شتمهم كصيانة األتباع عن شتم املعطل والسب مرجعه عليهم إذ هم وكذا املعطل يلعن اسم مشبه

كما يدعي بعض أفراخهم يف زماننا حني يرمون املوحدين من أهل السنة ببغض النيب صلى اهلل عليه (56)

وا عند وصيته يف عدم إطرائه والغلو فيه صلى اهلل عليه وسلم، أو ردوا وسلم أو الطعن يف أصحابه، إذا وقف بعض اجتهادات الصحابة أو أقاويلهم املرجوحة اتباعا ملا ظهر هلم من الدليل.

(: )أال تعجبون كيف يصرف اهلل عين شتم قريش ولعنهم ؟ 35-33إشارة إىل حديث البخاري ) (57)

ا وأنا حممد(، وفيه تسلية للموحدين من أتباعه صلى اهلل عليه وسلم الذين يشتمون مذمما ويلعنون مذمميسبهم خصومهم بألقاب التعطيل والتشبيه، وكذا التسمية باخلوارج والتكفرييني، فإن اهلل يصرف عنهم املسبة بذلك، إذ هم برؤاء من هذه األلقاب، فهم يف معزل عن سبهم ، الذي يرجع على خصومهم

له ، والذين هم أهل كل مذمة وهوان. املفرتين

(469) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ولدى املعطل هن غري حسان من غري بواب وال استئذان ال تشقنا اللهم باحلرمان بسرائر منكم وخبث جنان ورسوله بالعلم والسلطان أحد ولو مجعت له الثقالن

قد جاء باآلثار والقرآن أخذوا الظواهر ما اهتدوا ملعان

هذي حسان عرائس زفت لكم والعلم يدخل قلب كل موفق ويرده احملروم من خذالنه

توا بغيظكم فريب عامل مو فاهلل ناصر دينه وكتابه واحلق ركن ال يقوم هلده

: وقد تقدم قوله ومن العجائب أهنم قالوا ملن أنتم بذا مثل اخلوارج إهنم

…إىل آخر أبياته املتعلقة بذلك رمحه اهلل تعاىل

(470) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

مةـاتـــخـال

نسأل اهلل حسنها

(471) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

[5 ] الخاتمـــــة

هلل وإياك على احلق املبني، أنه قد ثبت باخلرب الصادق، أنه لن تزال من اعلم ثبتنا اهذه األمة عصابة أو طائفة أو مجاعة، قائمة بأمر هذا الدين، تظهره وتنصره، وتعلي

. حجته، وتنفي عنه حتريف احملرفني، وانتحال املبطلني، حىت يأيت أمر اهلل وهم على ذلكومسلم وأصحاب السنن حديث الطائفة املنصورة فقد روى اإلمام أمحد والبخاري

. (145)الظاهرة القائمة بدين اهلل عن بضع عشر صحابيا، بألفاظ متقاربة، بلغت حد التواترعصابة، ويف : يبشر فيها النيب صلى اهلل عليه وسلم بأنه )ال تزال طائفة، ]ويف رواية

واية يقاتلون[ على أمر اهلل، ]ويف أمة[ من أميت، ظاهرين، ]ويف ر : ناس، ويف غريها : أخرىعلى احلق[ ال يضرهم من كذهبم وال من خالفهم، ]ويف رواية، ال يضرهم من : رواية

حىت : حىت تقوم الساعة، ويف أخرى : خذهلم[ حىت يأيت أمر اهلل وهم كذلك، ]ويف رواية . يقاتل آخرهم الدجال[(

ت هذه الطائفة، ليميزها، فعلى طالب احلق أن يتعرف على خصائص ومسات وصفا . وليلحق هبا، ويكون من مجلة أهلها وأنصارها وجندها املوحدين

: فمن خصائصها التي ذكرت في الروايات المتعددة لحديثها : )احلق( أنها ظاهرة على أمر اهلل[ 1* ]والظهور على احلق، يشمل الصدع بالدعوة واملعتقد، وإظهاره وبيانه عالنية، -والتصريح به دون مداهنة أو مداورة و تلبيس، وذلك كي يتعرف الناس إىل احلق وإبداؤه

.. بأشرق صورة، وليتميز اخلبيث من الطيب، ولتستبني سبيل اجملرمني بتميز سبيل املؤمننيقد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم )) : كما قال تعاىل

دون من دون اهلل كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة إنا برءاؤا منكم ومما تعب . (4: املمتحنة…(()والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا باهلل وحده

( نص على ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية، انظر )اقتضاء الصراط املستقيم.. ( ونص عليه أيضا 145) السيوطي يف )قطف األزهار املتناثرة( وغريهم.

(472) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

. (( أي قد واجهوهم بذلك صراحة إذ قالوا)) : فتأمل قوله تعاىل . ظهر وبان : (( أي وبدا بيننا وبينكم)) : وكذا قوله

بن حممد بن عبد الوهاب؛ وهو يبني يقول الشيخ إسحق بن عبد الرمحن بن حسنضرورة إظهار املعتقد، والدعوة ألجل حتقيق التوحيد ظاهرا وباطنا، ونصرة الدين ومراغمة

) وال يكفي بغضهم بالقلب، بل البد من إظهار العداوة والبغضاء( وذكر : املشركني، يقولحيث قال : ليس بعده بيان)فانظر إىل هذا البيان الذي : مث قال -آية املمتحنة السابقة

)بدا بيننا( أي ظهر، هذا هو إظهار الدين، فالبد من التصريح بالعداوة وتكفريهم جهارا، كما أن . ، ومعنى العداوة أن تكون في عدوة، والضد في عروة أخرىواملفارقة بالبدن

الكفار، ، وقلب املؤمن ال خيلو من عداوةأصل البراءة المقاطعة بالقلب واللسان والبدنأهـ )الدرر السنية يف األجوبة النجدية( جزء اجلهاد ص …(وإمنا النزاع يف إظهار العداوة

(141) . : ويقول الشيخ سليمان بن سحمان شعرا

بالكفر إذ هم معشر كفار يا للعقول أما لكم أفكار واحلب منه وما هو املعيار جهرا وتصرحيا هلم وجهار

هلم إظهار هذا الدين تصريح وعداوة تبدو وبغض ظاهر هذا وليس القلب كاف بغضه لكنما املعيار أن تأيت به

(146)(77، 76)ديوان عقود اجلواهر املنضدة احلسان( ص )

ثبات أهل هذه الطائفة على احلق والدين : ويشمل الظهور على أمر اهلل أيضا -امة على سبيل املؤمنني، والتمسك الذي تركهم عليه نبيهم صلى اهلل عليه وسلم، واالستق

. بعقيدة وطريقة وهدي ومست الفرقة الناجية؛ أهل السنة واجلماعةوأصل ذلك ورأسه وأسه؛ حتقيق التوحيد، والقيام به، وإعالن الرباءة من الشرك

ولقد بعثنا في كل أمة رسوال )) : وأهله، فإهنا دعوة األنبياء واملرسلني كافة، كما قال تعاىلوما أرسلنا من قبلك من )) : (( وقال سبحانه أيضا ن اعبدوا اهلل واجتنبوا الطاغوتأ

(( فشريعة األنبياء يف هذا األصل واحدة، رسول إال نوحي إليه أنه ال إله إال أنا فاعبدونأمر اهلل تعاىل نبيه صلى اهلل عليه وسلم باالستقامة عليها يف آيات كثرية من كتابه، من ذلك

فراجعه فإنه مهم يف هذا الباب. …( ( هذا والذي قبله نقال عن كتابنا )ملة إبراهيم146)

(473) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

(( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك وال تطغوا إنه بما تعملون بصير)) : انهقوله سبحوكذلك جعلناك على شريعة من األمر فاتبعها وال تتبع أهواء الذين ال )) : وقوله سبحانه

. ((يعلمونومن الشريعة واألمر الذي تتمسك به هذه الطائفة، التمسك بعقيدة أهل السنة

عقائد الفرق الضالة املخالفة هلا، والذين يندرجون حتت عموم قوله واجلماعة، والرباءة من (( فهي الطائفة الوسط، يف منهجها، وعقيدهتا، وال تتبع أهواء الذين ال يعلمون)) : تعاىل

وجهادها ودعوهتا، وسلوكها، ال متيل إىل إفراط، وال إىل تفريط، يف أي باب من أبواب وسط يف باب صفات اهلل سبحانه وتعاىل بني -المكما يقول شيخ اإلس–الدين ؛ ) فهم

أهل التعطيل اجلهمية، وأهل التمثيل املشبهة، وهم وسط يف باب أفعال اهلل تعاىل بني القدرية واجلربية، ويف باب وعيد اهلل بني املرجئة والوعيدية من القدرية وغريهم، ويف باب

جئة واجلهمية ،ويف أصحاب رسول اهلل صلى اإلميان والدين بني احلرورية واملعتزلة، وبني املر . من العقيدة الواسطية. اهلل عليه وسلم، بني الروافض واخلوارج( أهـ

ويشمل الظهور أيضا، ظهور حجتهم ودعوهتم على خصومهم، فمن معاين -)قاهرين : الظهور الغلبة، ولذلك جاء يف بعض روايات احلديث )منصورين( ويف بعضها

ين على من ناوأهم( وال يلزم من ذلك النصر املادي دائما، فعلو الدين لعدوهم( و)ظاهر وظهور حجته، وقوة براهينه، وإحكام شريعته وعلوها على سائر امللل والشرائع، من أعظم

وإننا . إىل أن ميكن اهلل هلذا الدين وأهله يف األرض . معاين الظهور والعلو والعزة والنصرور هذه الدعوة وعلو كلمتها وحجتها على سائر الدعوات بفضل اهلل تعاىل نعاين ظه

فإهنا دعوة مرفوعة مطهرة مباركة، ال … املنحرفة يف هذا الزمان، كما هو شأهنا يف كل زمانحتتاج وال حيتاج أهلها إىل ما يلجأ إليه خصومهم من التدليس والتلبيس والكذب والتالعب

ط شبهاهتم حني جيتاهلم أهل هذه الدعوة بالنصوص، ولذلك ما أسرع أن يفتضحون وتتساق . بصواعق الكتاب والسنة

وكذلك حال أعداء هذه الدعوة من الطواغيت وأنصارهم، فكم قد واجهناهم بفضل اهلل تعاىل وتثبيته، بأدلة الشرع، وفندنا حججهم وزخارفهم، وأبطلناها برباهني

أمام ظهور حجج هذه الدعوة الكتاب والسنة، فينكشفون ويروغون، أو يطأطئون الرؤوس إن مل يكن بيده سلطة –العالية، وأمام تعري وسقوط إفك باطلهم، فيتحول أكثرهم

(474) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

غري ذلك من … إىل التعذر بالرزق والضرورة وضغط الواقع و (147)-التهديد والتعذيب . أعذار املنهزمني

أميا منهم كان بل وكانوا يلوذون مبثل ذلك أمام بعض عوام املوحدين، وأذكر واحدا ) مها كلتمتان ؛ "اعبدوا اهلل واجتنبوا الطاغوت" ال داعي للف : جيادهلم دوما بقوله

أم حترسونه وتنصرونه؟؟ ( فكانوا ال حيريون جوابا، . والدوران؛ هل أنتم جمتنبون للطاغوتاب وهذا مصداق قول الشيخ حممد بن عبد الوه… بل حييدون إىل تلك األعذار املتهافتة

: )والعامي من املوحدين يغلب األلف من علماء املشركني، كما قال تعاىل : رمحه اهلل تعاىل"وإن جندنا هلم الغالبون" فجند اهلل هم الغالبون باحلجة واللسان، كما أهنم الغالبون

. بالسيف والسنان( أهـ كشف الشبهات …ن ناوأهموهذا كله من ظهور حجة هذه الطائفة ودعوهتا ، وقهرهم مل

هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله )): قال تعاىل . ((ولو كره المشركون

. ((فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين)) : وقال سبحانه . ((وهلل العزة ولرسوله وللمؤمنين)): وقال تعاىل

ز طائفتها، ويعلي حجتهم؛ بطاعتهم وإمنا يرفع اهلل تعاىل أمر هذه الدعوة، ويعواستقامتهم على أمر اهلل، وثباهتم على احلق الذي تركهم عليه نبيهم صلى اهلل عليه وسلم،

إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح )) : وجهادهم يف سبيل ذلك كما قال تعاىلملوافق للحق هو الذي (( ، فبني سبحانه أن االستقامة على أمر اهلل، والعمل الصاحل ا يرفعه

: يرفع الدعوة والقول، وهبذا فسر بعض العلماء، قول النيب صلى اهلل عليه وسلم عن اخلوارج) يقرؤون القرآن ال جياوز حناجرهم ( ؛أي أنه ال يرفع وال يتقبل وال يظهر أو يعز، ألنه مل

ؤالء اجلالدون، فإهنم ال حيسنون مواجهة حجج املوحدين اليت تعريهم وتقهرهم وتفضح ( أما ه147)باطلهم، إال بسياطهم وعصيهم، ظانني بغبائهم املفرط، أهنا تغري العقيدة، أو تفل التوحيد، وكم قال هلم

أخوة التوحيد وخطوا هلم على جدران زنازهنم: وما زادنا السجن إال يقني

لو باملئنيوقتل الدعاة و وإظهار توحيد حق ودين

وما زادنا القيد إال ثباتا وما زاد تعذيب إخواننا سوى رفع راية إمياننا

…!!ولكنهم ال يعقلون….

(475) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

ا على أحكام الشرع، يقرن بعمل صاحل موافق للشرع يرفعه، بل كانت أعماهلم غلوا وخروج . وبغيا على املسلمني

فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس )) : وهو مصداق قوله تعاىل . ((فيمكث في األرض

أيضا أهنا طائفة -جعلنا اهلل وإياك من أهلها–[ ومن خصائص هذه الطائفة 2* ]هلل ونصرته باليد والقوة والسنان، ، ال على أمر غريه، فتسعى لرفعة شرع اتقاتل على أمر اهلل

ففي لفظ النسائي هلذا احلديث، عن سلمة بن نفيل .. إضافة إىل القول واحلجة واللسان : كنت جالسا عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال رجل : الكندي رضي اهلل عنه قال

اد، قد وضعت ال جه : الناس اخليل، ووضعوا السالح، وقالوا (148)يا رسول اهلل! أذال)كذبوا، اآلن اآلن : فأقبل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بوجهه، وقال . احلرب أوزارها

جاء القتال، وال يزال من أميت أمة يقاتلون على احلق، ويزيغ اهلل هلم قلوب أقوام، ويرزقهم يوم منهم، حىت تقوم الساعة، وحىت يأيت وعد اهلل، واخليل معقود يف نواصيها اخلري إىل

)وعقر دار املؤمنني الشام( وهو يف مسند أمحد أيضا : احلديث إىل قوله…( القيامة(4/104) .

ال [ ومن خصائص هذه الطائفة جعلنا اهلل وإياك من جندها املوحدين، أهنا 3* ]واملكذبني هلا واملخذلني واملناوئني، كما جاء وصفها تتضرر لقلة األنصار وكثرة المخالفين

. يث )ال يضرهم من كذهبم وال من خالفهم( و)ال يضرهم من خذهلم(يف احلدفال يقعدهم ذلك عن مواصلة جهادهم، وال حيرفهم عن الصدع بدعوهتم ما ميارسه اخلصوم من ختذيل وكذب وافرتاء وطعن ووصف هلم بأشنع األلقاب، كاخلوارج والتكفرييني

وال حيرفهم ذلك كله … شارة إىل بعضهواإلرهابيني واملتطرفني وغري ذلك مما تقدمت اإلوال … عن منهاج هذه الطائفة األصيل الذي هو )أمر اهلل( كما وصف يف احلديث

يتخلون عما هم عليه من احلق، أو يتبنون بنات أفكار وعقائد كردود فعل ملا ميارسه خصومهم وأعداؤهم يف حقهم من إرهاب فكري أو معنوي أو حسي؛ كال، فعقيدهتم ومنهاجهم ودعوهتم وجهادهم وقتاهلم كل ذلك يأخذونه من أمر اهلل وشريعته اليت تربأ من

…أهواء الذي ال يعلمونولذلك فأهل هذه الطائفة، ال يستوحشون لقلة أنصارهم، واجتماع من يف أقطارها

إن اهلل مع الذين اتقوا والذين هم وكيف يستوحشون وموالهم معهم )) … على عداوهتم

( أذالوا اخليل: أي أهانوها واستخفوا هبا، وأمهلوها، ووضعوا عنها آلة احلرب. 148)

(476) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

كيف أستوحش وهو : أال تستوحش ؟ قال : (149)(( وقد قيل لبعض السلف ونمحسن)أنا مع عبدي ما ذكرين : أنا جليس من ذكرين( ويف احلديث القدسي أن اهلل يقول : يقول

فهم يذكرون اهلل، وال يغفلون عن ذكره طرفة عني ؛ إذ هم (150)وحتركت يب شفتاه(الغداة والعشي، وإمنا يستوحش من ضعفت عالقته حيملون هم إعالء دينه ونصرة دعوته يف

باهلل ، وقلت عبادته وخىب ذكره، وهذا كله من الزاد الذي ال يهمله أو يقصر فيه أصحاب يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون هذه الطائفة، فقد وصف اهلل تعاىل أوهلم بأهنم ))

. ((ر هم يستغفرونقليال من الليل ما يهجعون وباألسحا(( وأهنم ))وجههفهم حيملون أمر هذا الدين، وهم هذه الدعوة الغالية يف صدورهم ليل هنار، ويفنون أوقاهتم وأعمارهم يف اجلهاد من أجل إعالئها وإعزازها، ولذلك فهم ال يغفلون عن معية

عم ناصرها ووليها ومعزها ومظهرها، وكيف يستوحشون وهو سبحانه وليهم، نعم املوىل ون …النصري

ماداموا يتذكرون … كما أهنم ال يستوحشون لقلة األنصار والسالكني هلا يف زماهنممن سبقهم على هذه الطريق الكرمية، من املؤمنني واملتقني واجملاهدين والشهداء واألنبياء،

. ويف مقدمتهم خامت النبيني صلوات اهلل وسالمه عليه، قائدهم وقدوهتميستشعرون معية هذا القائد العظيم وتقدمه لصفوفهم يف فماداموا يسرتوحون و

الدعوة واجلهاد والقتال يف سبيل اهلل، فكيف وأىن يستوحشون؟؟؟محمد رسول اهلل والذين معه أشداء على الكفار )): أمل يقل اهلل تبارك تعاىل

بينهم فهم بفضل اهلل وتوفيقه ممن معه صلى اهلل عليه وسلم، وإن حالت .. ((رحماء بينهم . السنون، ماداموا متشبثني هبديه، مستمسكني بستة مستقيمني على طريقته ودعوته

وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية عند قوله تعاىل ))((؛ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اهلل، وما ضعفوا وما استكانوا واهلل يحب الصابرين

معه أو قتل معه ربيون كثري ال يستلزم أن يكون النيب معهم يف الغزاة، إن )كون النيب قاتل ، وهذا الذي فهم الصحابة، فإن بل كل من اتبع النبي وقاتل على دينه، فقد قاتل معه

أعظم قتاهلم كان بعد وفاته صلى اهلل عليه وسلم، حىت فتحوا البالد شاما ومصرا وعراقا ومشرقا، وحينئذ فظهر كثرة من قتل معه، فإن الذين قاتلوا ومينا وعجما وروما ومغربا

ويكون في هذه اآلية عبرة لكل المؤمنين إلى يوم وأصيبوا وهم على دين األنبياء كثريون،

يهقي. ( ينسب حملمد بن النضر، كما يف شعب اإلميان للب149)

( بإسناد صحيح عن أيب هريرة مرفوعا. 2/540( مسند أمحد )150)

(477) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

القيامة، فإنهم كلهم يقاتلون مع النبي صلى اهلل عليه وسلم وعلى دينه، وإن كان قد . مات

: هلل والذين معه(( اآلية، وفي قوله))محمد رسول ا : وهم داخلون في قوله))والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم(( اآلية، فليس من شرط من يكون مع

جمموع الفتاوى )ط دار ابن حزم( . ( أهـأن يكون مشاهدا للمطاع ناظرا إليه المطاع(1/48) .

ئفة القائمة فليفهم هذا جيدا، وليستحضره كل من أراد اللحوق بركب هذه الطا : ورحم اهلل ابن القيم إذ يقول… وال توحشنه غربتهم بني الورى . بدين اهلل

فالناس كاألموات يف احلسبان الغرباء حقا عند كل زمان والتابعون هلم على اإلحسان وحمارب بالبغي والطغيان ذقت األذى يف نصرة الرمحن

ال توحشنك غربة بني الورى ل السنةأو ما علمت بأن أه

قل يل مىت سلم الرسول وصحبه من جاهل ومعاند ومنافق وتظن أنك وارث هلم وما

أن جهادها -جعلنا اهلل وإياك من عساكرها–[ ومن خصائص هذه الطائفة 4* ]

، ال يزال مستمرا في كل األوقات وظهورها، ووجود من يقوم بأمر الدين وينصره منها . الم وفي ظل عدمها إلى قيام الساعةوالظروف، وفي ظل وجود دار اإلس

فقد تقدم يف ألفاظ حديثها ما يدل على استمرارية قيامها بأمر اهلل، كما هو ظاهر أو )ظاهرين إىل يوم …( و)ال يزالون ظاهرين…( من قوله صلى اهلل عليه وسلم )ال تزال

اتل آخرهم ، و)حىت يق(151)حىت يأيت أمر اهلل()… القيامة( أو إىل )قيام الساعة( أو . الدجال(

فال يثبطهم أو يعوقهم أو يقعدهم عن نصرة دين اهلل تعاىل وتوحيده على أي صعيد يستطيعونه ؛شيء من شبهات وأباطيل القاعدين عن نصرة هذا الدين، فهم يقومون بأمر

( وفسر العلماء )أمر اهلل( هنا؛ بالريح الطيبة اليت يرسلها اهلل تعاىل قبل قيام الساعة، فتقبض روح 151)كل مؤمن، فال يبقىإاال شرار الناس، وعليهم تقوم الساعة، كما يف حديث مسلم عن عبد اهلل بن عمرو

لعاص. بن ا

(478) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

على اهلل وينصرونه، ويقاتلون يف سبيل إقامة وحتقيق التوحيد يف كل حال، وجد اإلمام القوام .. أهل اإلسالم أم مل يوجد، ووجدت للمسلمني دار إسالم ودولة، أم مل توجد

فهم قائمون بأمر اهلل وشرعه يف كل الظروف، ينصرونه باحلجة واللسان والبيان، . وبالقوة والعدة والسنان، حبسب احلال واملقام واإلمكان

داد املعنوي ومن عجز منهم عن القوة يف وقت من األوقات،مل يقعد عن اإلعواملادي، ومل يرتك الدعوة إىل التوحيد والصدع بنصرة الدين، والقيام بواجب البيان يف كل مقام ، وحىت من كان مستضعفا منهم ومل يقدر على هذا وال ذاك مل يأل جهدا أن ينصر

.. هذا الدين وأهله ولو بالدعاء : فنصر الدين عندهم كما وصفه ابن القيم

ن فرض الزم ال للكفاية بل على األعيانهذا ونصر الدي بيد وإما باللسان فإن عجــز ت فبالتوجه والدعا بلسـان

ولذلك، فال تزال دعوهتم ظاهرة، ودينهم قائم، وحجتهم غالبة بينة كما بشر بذلك . املصطفى صلى اهلل عليه وسلم إىل قيام الساعة

بدع، أو أعداءهم من أهل الشرك والباطل؛ فدعواهتم مبتورة أما خصومهم من أهل الكما أخرب … مهدورة ،وإفكهم وشبهاهتم مدحورة ، وباطلهم زاهق وزخارفهم مهزومة

ولذلك .. ((فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكن في األرض)) : تعاىل، وأهل البدعة أهل السنة يموتون، ويحيى ذكرهم)… : قال أبو بكر بن عياش

يموتون، ويموت ذكرهم، ألن أهل السنة أحيوا ما جاء به الرسول صلى اهلل عليه وأهل البدعة شنؤوا ما . )) ورفعنا لك ذكرك ((: وسلم؛ فكان لهم نصيب من قوله

)) إن شانئك هو : جاء به الرسول صلى اهلل عليه وسلم، فكان لهم نصيب من قوله . (16/292فتاوى )ط دار ابن حزم( )(( أهـ عن جمموع الاألبتر

وبعد،،،فقد اتضح لكل منصف قرأ ما تقدم من كالمنا يف هذه األوراق؛ أننا حبمد اهلل وتوفيقه ممن حيرص كل احلرص على التمسك والتشبث بطريقة أصحاب هذه الطائفة

قة الظاهرة القائمة بأمر اهلل، والذين هم من خواص أهل السنة واجلماعة أصحاب الفر

(479) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

وحيشرنا حتت لواء . الناجية، فنسأله تعاىل أن يتقبلنا يف عصابتهم ويثبتنا على طريقتهم . قائدهم صلوات اهلل وسالمه عليه

كما ظهر لكل من طالعها أننا نقتفي آثارهم ونتتبع خطاهم يف كل أبواب الدين، . وراق فيهومن ذلك أبواب الوعد والوعيد واإلميان والتكفري؛ الذي صنفت هذه األ

وال . وأننا ال نكفر الناس بالعموم؛ كما يفرتي علينا خصوم هذه الدعوة املباركةنكفر بشيء من تلكم األخطاء والشذوذات، اليت يكفر هبا كثري من الغالة أو اجلهال أو

. غريهمبل حنن ال نكفر إال من كفره اهلل تعاىل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم بالنصوص

لنكون كما أمرنا اهلل تعاىل قـوامني له سبحانه شهداء بالقسط، . صحيحة الصرحيةال . وقوامني بالقسط شهداء هلل ولو على أنفسنا والوالدين واألقربني

ونشهد على احملسن بأنه حمسن، وعلى املسيء بأنه مسيء، كما أمرنا رسول اهلل ط والبيهقي يف الزهد الكبري عن أيب سعيد صلى اهلل عليه وسلم فيما يرويه الطرباين يف األوس

) أال إين أوشك أن أدعى فأجيب، فيليكم عمال من بعدي، يقولون ما : اخلدري مرفوعا يعلمون، ويعملون مبا يعرفون، وطاعة أولئك طاعة، فتلبثون كذلك دهرا، مث يليكم عمال

ناصحهم ووازرهم وشد من بعدهم، يقولون ما ال يعلمون، ويعملون ما ال يعرفون، فمن على أعضادهم، فأولئك قد هلكوا وأهلكوا، خالطوهم بأجسادكم، وزايلوهم بأعمالكم،

. واشهدوا على احملسن بأنه حمسن، وعلى املسيء بأنه مسيء(هذا وقد علم كل من طالع أوراقنا هذه أو غريها مما نكتب، أن جل ما نتكلم فيه

. فر الواضح البني البواح اجملمع عليه عند العلماءيف أبواب التكفري، إمنا هو من الكفنحن حني نكفر هؤالء الطواغيت وأنصارهم، إمنا نكفرهم مبحض الشرك باهلل، وعبادة غريه من اآلهلة املزعومني املتفرقني؛ باختاذهم أربابا مشرعني من دون اهلل، وتوليهم

حكما ومشرعا وربا، واختيار غري وتويل شركهم وقوانينهم الكفرية، وهو ابتغاء غري اهللوعلى ذلك ؛فنحن إمنا نكفرهم بنقض شهادة التوحيد اليت يكفر … اإلسالم دينا وحكما

وليس تكفريهم من باب التكفري باحملتمالت، أو التكفري بالالزم .. ناقضها بإمجاع املسلمنيتقدم حتذيرنا وبراءتنا منه واملآل، أو التكفري بالشك أو الظن أو التخرص، أو غري ذلك مما

. يف أخطاء التكفري

(480) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فالقوم قد وجلوا يف أبواب متعددة من الكفر البواح والشرك الصراح املناقض … كال . ألصل دين اإلسالم، وشهادة أن ال إله إال اهلل

وقد أشرنا إىل شيء من ذلك فيما تقدم، وعددنا كثريا غريه يف كتاباتنا األخرى، لتزداد يقينا برباءتنا مما يرمينا به خصوم هذه … رمت الزيادة يف هذا الباب ارجع إليها إن

الدعوة، من اخلوالف واملخذلني واملرجفني، من دعاوى الغلو يف التكفري، أو مذهب اخلوارج . وأشباههم من التكفرييني

ام ولتتبصر ببطالن ما يبهتنا به أعداؤنا القائمني على هذه األنظمة الكافرة من احلكاملرتدين وأذناهبم، من دعوى تكفرينا للناس بالعموم، ليصرفوا بذلك الناس ويشغلوهم عما ندندن به دوما ونشتغل من تكفري طواغيت احلكم وحنوهم من األرباب املشرعني املتفرقني، وأنصارهم وحراس قوانينهم الذين يفنون أعمارهم، ويسهرون عيوهنم يف حفظ وتثبيت ومحاية

. انني الكافرة وتنفيذها وتفعيل تشريعاهتا وأحكامها وحماكمهاتلك القو إذ هذه هي معركتنا وخصومتنا الرئيسة، اليت آلينا على أنفسنا منذ أن هدانا اهلل، أن

واملتتبع لكتاباتنا يراها كلها ترتكز وتنحصر فيها … ال ننحرف عنها، أو خنرج عن دائرهتا . أوفيما يتفرع منها

بالكالم يف تكفري عموم الناس، أو امتحاهنم، وال يف تكفري خصومنا ومل ننشغل يوما وشانئينا من املنتسبني لإلسالم والدعوة ممن خيالفوننا يف تكفري الطواغيت وأنصارهم ؛ماداموا

. مل ينقضوا التوحيد أو ينصروا الشرك والتنديد، أو يسوغوه أو جيوزوا نصرتهن من سرايا وأجناد الطائفة الظاهرة القائمة ولذلك فنحن حنتسب أنفسنا أن نكو

.. بدين اهلل تعاىل ؛ وندعوك للحاق بصفوفها واالنضمام لسراياها حيث كانوا .. والبد من التميز واالختيار… انظر لنفسك، فقد الح الصباح ملن له عينان

فاخرت لنفسك بعد هذا، أن تكون يف مجلة أولئك املخذلني عنا وعن دعوتنا

… يننا، أو أن تلحق بأصحاب هذه الطائفة الظاهرة القائمة بدين اهلل حيث كانواود …فتكون من عساكرها وأنصارها

.. اخرت لنفسك أن تكون لنا عدوا أو حبيبا .. أو خذوال . …أن تكون لدعوتنا الغالية نصريا .. واخرت

(481) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

. فعند ذي العرش يدري الناس ما اخلرب

ضل اهلل تعاىل وتوفيقهوكان الفراغ من تبييضه بف ( يف معتقل اجلفر يف صحراء األردن 1يف مهجع رقم )

وذلك يف سحر ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان

لعام تسعة عشر وأربعمائة وألف من اهلجرة النبوية

على صاحبها . أفضل الصالة وأمت التسليم

…اللهم ببابك أوقفنا ركائب الذل واالنكسار

…أخننا جنائب العجز واالفتقار وجبنابك ولرضاك ولقبول كل ما نكتب ونقول ونعمل

…مددنا يد الفاقة واالضطرار وإليك وحدك حاكمنا خصومنا الشانئني لدعوتنا،

… املفرتين علينا، فأنت عامل األسرار . اللهم فال جتعل ما ألفته قرائحنا مردودا إلينا بالطرد واإلبعاد

. املنا شهيدا علينا يوم يقوم األشهادوال ما سطرته أن .. اللهم إنك عفو حتب العفو فاعف عين

(482) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

.. اللهم إنك عفو حتب العفو فاعف عين …اللهم واجعل خامتيت شهادة أنال هبا أعلى رتب الزلفى لديك

وتبيض هبا وجهي حني تسود الوجوه وتبيض يوم العرض عليك آمني،، حممد وصل اللهم وسلم على نبيك ورسولك

…وعلى آله وصحبه أمجعني

كتبه العبد الفقري إىل رمحة ربه ومرضاته عاصم

يد والجهادمنبر التوح* * *

http: //www. tawhed. ws

http: //www. almaqdese. net

http: //www. alsunnah. info

http: //www. abu-qatada. com

http: //www. mtj. tw

(483) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

* فهرست أهم المراجع *الزركشي، املكتب اإلسالمي، . اإلجابة إليراد ما استدركته عائشة على الصحابة-

. هـ1400الطبعة الثالثة؛ بريوت، . بريوت –األربعني النووية )منت( دار ابن حزم -اد الفحول إىل حتقيق علم األصول، الشوكاين، مؤسسة الكتب الثقافية ط إرش- . بريوت -السادسة -ابن عبد الرب، دار الكتب العلمية، ط األوىل . االستيعاب يف معرفة األصحاب-

. بريوت . أصول الفقه، عبد الوهاب خالف، دار القلم، ط الثانية عشرة، الكويت- . الرياض-اين، ط األوىل االعتصام، الشاطيب، دار اخل- . إعالم املوقعني عن رب العاملني، ابن القيم، دار الفكر، ط الثانية، بريوت-اقتضاء الصراط املستقيم خمالفة أصحاب اجلحيم، ابن تيمية، دار اجليل، ط -

. األوىل، بريوت . بدائع الفوائد، ابن القيم، دار الفكر- . هـ1408املعارف، ط البداية والنهاية، ابن كثري، مكتبة -التخويف من النار والتعريف حبال دار البوار ابن رجب احلنبلي، دار الرشيد، ط -

. الثانية، دمشق ، بريوت . هـ، بريوت1411الرتغيب والرتهيب، املنذري، دار مكتبة احلياة، ط -د تيسري العزيز احلميد يف شرح كتاب التوحيد، سليمان بن عبد اهلل بن حممد بن عب-

. الوهاب، املكتب اإلسالمي ط الثامنة بريوتهـ، 1415جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطربي، دار الفكر -

. بريوت

(484) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

اجلامع يف طلب العلم الشريف، عبد القادر بن عبد العزيز، اجلزء الثاين منه فقط - . )نسخة مصورة عن طبعته األوىل فيها بعض النقص(

هـ 1405ط الدارالسلفية . لعباد ،البخاري ،حتقيق بدر البدرخلق أفعال ا - . الكويت

. رياض الصاحلني، النووي، مؤسسة الكتب الثقافية، ط الثالثة، بريوت-زاد املعاد يف هدي خري العباد، ابن القيم، مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة عشر، - . هـ، )ناقص اجلزء الثالث يف السجن(1410

. مام أمحد، دار الكتاب العريب، ط الثانية، بريوتالزهد، لإل- . الزواجر عن اقرتاف الكبائر، اهليتمي، دار الفكر ط األوىل-السيل اجلرار املتدفق على حدائق األزهار، للشوكاين، دار الكتب العلمية، ط -

. األوىل، بريوت . بريوت : ةشرح العقيدة الطحاوية، ابن أيب العز، املكتب اإلسالمي، ط التاسع-شرح قصيدة ابن القيم، أمحد بن إبراهيم بن عيسى، املكتب اإلسالمي، ط الثالثة - . هـ1406

شرح كتاب السري الكبري، السرخسي، دار الكتب العلمية، بريوت، الطبعة األوىل - هـز1417

. الشفا بتعريف حقوق املصطفى، القاضي عياض، دار الكتب العلمية، بريوت-هـ 1415لول على شامت الرسول، ابن تيمية، املكتبة العصرية ط الصارم املس-

. بريوت . صحيح مسلم بشرح النووي، دار الكتب العلمية، ط األوىل، بريوت-طريق اهلجرتني وباب السعادتني، ابن القيم، دار مكتبة احلياة، ط بريوت - . م1980

(485) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

لكتب العلمية، ط عون املعبود شرح سنن أيب داود، أيب الطيب آبادي، دار ا- . الثانية، بريوت

فتح الباري شرح صحيح البخاري ابن حجر، مكتبة دار السالم الرياض، ط األوىل - . هـ1418

فتح القدير اجلامع بني فين الرواية والدراية من علم التفسري، الشوكاين، دار املعرفة، - . بريوت

. بريوت الفرق بني الفرق، عبد القاهر البغدادي، دار املعرفة،- . هـ1408الفوائد، ابن القيم، دار الفكر، بريوت، طبعة - . قواعد األحكام يف مصاحل األنام، عز الدين بن عبد السالم، دار املعرفة، بريوت-جمموعة الفتاوى، ابن تيمية، ط دار ابن حزم، حتقيق عامر اجلزاز وأنور الباز، ط - (1). ( جملد20األوىل )

. ( جملدات6يمية، ط دار الكتب العلمية )جمموعة فتاوى ابن ت- . هـ1412خمتصر العلو، الذهيب، املكتب اإلسالمي، ط الثانية - . مذكرة أصول الفقه، الشنقيطي، املكتبة السلفية، املدينة املنورة -معارج القبول بشرح سلم الوصول، حافظ احلكمي، دار ابن القيم، الدمام، ط -

. الثانية

وهو من أهم املراجع اليت اعتمدهتا يف هذا الكتاب ؛ ولذلك فمن لطائف الرؤيا ؛ ما رأيته يف السجن (1)

بعد أن أمهين جدا أمر إخراج أصل هذا الكتاب ؛ خصوصا بعد أن ضيق علينا أعداء اهلل السبل وسدوا ار السجن ؛ فقد رأيت فيما يرى النائم مجيع املنافذ والطرق فال تكاد تنفذ لنا يف آخر األمر ورقة من أسو

، كأنين راجع من سفر برفقة شيخ اإلسالم ابن تيمية وقد أخذت يده بيدي حىت قطعنا فالة ووصلنا إىل العمران فخرج الناس يستقبلوننا فرحني بشيخ اإلسالم ؛ فأولته بأن الكتاب سيخرج معي آمنا إن شاء اهلل

داء اهلل أو يتمكنوا من مصادرته أو منعه من اخلروج ، وبالفعل عملت وسينشر بني الناس ولن يظفر به أععلى هذا فكففت عن حماواليت اليائسة إلخراجه ؛ وعمدت إىل إخفائه يف بعض ثنايا حاجيايت يف السجن ؛ فلم نلبث بعدها إال قريبا من شهرين ؛وفرج اهلل عنا وخرج الكتاب برفقيت بفضل اهلل ومنته ،

ذي بنعمته تتم الصاحلات ، وأسأله سبحانه القبول. فاحلمد هلل ال

(486) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

صر اخلرقي، ابن قدامة املقدسي، دار الكتب العلمية، ط األوىل، املغين على خمت- . بريوت

. امللل والنحل، الشهرستاين، دار الفكر، بريوت- . ملة إبراهيم ودعوة األنبياء واملرسلني أبو حممد املقدسي، ط األوىل- . هـ1414نيل األوطار شرح منتقى األخبار، الشوكاين، دار الفكر، بريوت، -يف أصول الفقه للمبتدئني، حممد األشقر،الدار السلفية الكويت، ط الواضح-

. األوىل باإلضافة إىل بعض دفاتر ملخصايت وفوائدي املنتقاة من كتب أخرى متفرقة يف

. سجون أخرى

(487) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

* فهرست الموضوعات *

. * تنويه . * مقدمة

. التحذير من الغلو يف التكفري : الفصل األول* . أمهية التكفري كحكم شرعي - . النصوص احملذرة من الغلو يف التكفري، وكالم العلماء فيها - . إىل من ال يشملهم الوعد على التكفري : تنبيه - : شروط وموانع وأسباب التكفري : الفصل الثاني* . شروط التكفري - : موانع التكفري -

: موانع يف الفاعل : * القسم األول . مانع اخلطأ )انتفاء القصد(-1

. تنبيه حول انتفاء القصد . مانع التأويل-2 . مانع اجلهل-3 . مانع اإلكراه-4

. موانع يف الفعل )سبب التكفري( : * القسم الثاين . موانع يف الثبوت : * القسم الثالث

: حول موانع التكفريتنبيهات -

(488) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

. _تبني املوانع جيب يف املقدور عليه دون املمتنع : _أعذار يتعذر هبا الكفار واملرتدون وليست من موانع التكفري

. اخلوف الذي ليس بإكراه-1 . دعوى االستضعاف-2 .اعتقاد الكافر أنه حيسن صنعا بكفره ليس مبانع من التكفري-3 . التزام بعض شعائر اإلسالم مع الكفر، ال مينع من التكفري-4

. التقليد وتضليل العلماء واألحبار والرهبان ليس مبانع من التكفري-5 . كون الكافر من املنتسبني إىل العلم ال مينع من تكفريه-6 . كثرة املرتدين بسبب معني ال مينع من إعماله يف التكفري-7 . اهلزل ليس مبانع من موانع التكفري باالتفاق-8 . عدم التمكن من ترتيب بعض آثار التكفري ليس مبانع من التكفري-9 . االستحسان واالستصالح )مصلحة الدعوة( ال تسوغ الوقوع يف الكفر-10

: أسباب التكفري - . تنبيه حول أسباب التكفري

: تحذير من أخطاء شائعة يف التكفريال : * الفصل الثالث . عدم التفريق بني الكفري املطلق وتكفري املعني أو كفر النوع وكفر العني -1 . التكفري بناء على قاعدة )األصل يف الناس الكفر( ألن الدار دار كفر -2 . إىل أن قاعدة )األصل يف جيوش الطواغيت وأنصارهم الكفر( ال غبار عليها: تنبيه

. عدم جتويز الصالة خلف املسلم مستور احلال حىت تعرف عقيدته -3 . التكفري جملرد مدح الكفار أو الدعاء لبعضهم دون تفصيل -4

(489) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

إىل خطأ بعض املتسرعني والغالة يف تكفريهم للمسلم جملرد مدح : تنبيه - . الكفار له أو ثنائهم على أخالقه

. تكفري من مل يبايع إماما معينا -5 صر الفرقة الناجية يف جتمع أو مجاعة أو حزب أو طائفة معـينة من بني ح -6

. عموم املسلمني . التكفري بالنصوص حمتملة الداللة ال القطعية يف التكفري -7التكفري باألقوال أو األعمال حمتملة الداللة دون النظر يف قصد قائلها أو -8

. فاعلهابابه الظاهرة ، وبني ذرائعه أو عالماته اليت عدم التفريق بني شعائر الكفر وأس -9

. ال تكفي وحدها للقطع بالتكفريالتكفري بالشبهة والظن دون تثبت وعدم االلتفات إىل طرق اإلثبات -10

. الشرعية واإللزام بالكفر وإن نكص عنه املتهم : تنبيهان

. اشرتاط البينة الكاملة يف التكفري دون التحذير- . باالستفاضة احلكم -

. إطالق قاعدة ) من مل يكفر الكافر فهو كافر ( دون تفصيل -11 . التكفري باملآل أو بالزم القول -12 . تكفري من مات على شيء من الذنوب مل يتب منها -13اخللط وعدم التمييز يف التكفري بني ما هو من أصل اإلميان أو نواقضه -14

. جب أو املستحبوبني ما هو من اإلميان الوا : * مخس تنبيهات مهمة

. أن التكفري إمنا يكون بشعب اإلميان الظاهرة اليت هي من أصله : األول -

(490) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

أن كثريا من صيغ الوعيد حتتمل نقضا ألصل اإلميان أو نقصا يف : الثاين - . اإلميان الواجب فيجب متحيصها

ان( قد يعين يف كثري من أن مراد العلماء بلفظ )نفي كمال اإلمي : الثالث - . األحيان نفي كماله الواجب ال املستحب

أن قيد االستحالل ال يشرتط يف نواقض أصل اإلميان عند التكفري، : الرابع - . وإمنا يف الذنوب املنافية لإلميان الواجب

التفريق بني اإلميان املطلق ومطلق اإلميان، والتوحيد املطلق ومطلق : اخلامس - . التوحيد

التنبيه على خطأ من ينفي مطلق التوحيد أو األخوة عن املسلمني من غري . خواص إخوانه ومجاعته

. عدم التمييز بني اإلميان احلقيقي واإلميان احلكمي -15 . والفرق بني التوبة الباطنة احلقيقية، والتوبة الظاهرة احلكمية - . وبة الزنديقعلى اخلالف يف قبول ت : تنبيه

. عدم التفريق بني التويل املكفر وبني معاملة الكافر باملعروف -16 . اخللط بني التويل املكفر وبني املداهنة احملرمة أو املداراة املشروعة -17 . اخللط بني التويل املكفر وبني التقية اجلائزة -18

رهم وعدم التكفري بدعوى أن السكوت عن احلكام يستلزم الرضى بكف -19 . اعتبار حال االستضعاف

إطالق حكم التكفري ولوازمه على أزواج وأوالد عساكر الشرك والقوانني -20 . أو حنوهم من املرتدين وعدم مراعاة حال االستضعاف

. عدم التفريق يف اثار التكفري بني الكافر املمتنع وبني املقدور عليه-21 . ردة وبني الردة املغلظةيف التفريق بني الردة اجمل: فائدة -

. تكفري كل من عمل يف وظائف احلكومات الكافرة دون تفصيل -22

(491) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

تكفري كل من استعان بالطواغيت أو أنصارهم أو جلأ إىل حماكمهم يف ظل -23 . عدم وجود سلطان لإلسالم دون تفصيل

م إىل عدم التفريق بني متابعة النظام اإلداري والتحاكم إليه وبني التحاك -24 . التشريعات الكفرية

: تنبيهانالتفريق بني ذم املشرعني يف هذا الزمان مطلقا حىت الذين يشرعون النظم -

. اإلدارية منهم ؛ وبني املتقيد بتلك النظم خوفا أو تأويالوالتفريق بني ذم من يشرع القوانني مطلقا وإن وافقت الشرع النطالقه من -

يف التشريع ؛ وبني احملتكم أو احملاكم إليها تأويال ملوافقتها املستندات القانونية الطاغوتية . الشرع

عدم التفريق بني احلكم بغري ما أنزل اهلل وبني جمرد ترك بعض حكم اهلل -25 . أحيانا يف الواقعة كمعصية

. تكفري عموم املشاركني يف االنتخابات دون تفصيل -26 . وحنوها عدم العذر باجلهل يف املسائل اخلفية -27 . تكفري كل من خالف اإلمجاع دون تفصيل -28 . عدم التفريق بني كفر الردة وبني كفر التأويل والتسوية بينهما -29 . عدم التفريق بني البدع املكفرة وبني غريها من املعاصي أو بدع الفروع -30 . تكفري كل من مل يكفر الطواغيت بدعوى أنه مل يكفر هبم -31

التفريق يف أسباب التكفري بني الطعن يف الدين وبني الطعن يف عدم -32 . األشخاص . تكفري املخالفني جملرد انتمائهم إىل مجاعات اإلرجاء -33

: جممل حال اخلوارج وبراءتنا من عقيدهتم ومنهاجهم : * الفصل الرابع . سرد تارخيي لنشأة اخلوارج وأشهر عقائدهم وفرقهم -

(492) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

. نوع قتاهلم حتقيق القول يف - . القول يف إكفار اخلوارج-

: _وقفات مع صفات اخلوارج وأشبه الناس هبم . أبرز مسات اخلوارج والتحذير منها : الوقفة األوىل التفريق يف مصطلح اخلروج بني اخلوارج املارقني وبني من خرج على : الوقفة الثانية

. جور احلكام أو كفرهمه الناس باخلوارج الذين يقتلون أهل اإلسالم ويدعون أهل أشب: الوقفة الثالثة

. األوثان غالة املرجئة احملاربني للموحدين اجملادلني عن الطواغيتومن مشاهبة هؤالء اخلوالف للخوارج قراءهتم للقرآن دون فهم أو : الوقفة الرابعة

اخلوارج املكفرين فقه وتنزيل تأويالت السلف يف دفاعهم عن أئمة املسلمني وردهم على . هلم؛ على الطواغيت املرتدين

ومن مشاهبة املذكورين للخوارج تسميتهم لبعض الطواغيت بإمام : الوقفة اخلامسة . املسلمني وأمري املؤمنني

اجملادلون عن الطواغيت املسوغون لنصرهتم شر من اخلوارج : الوقفة السادسة . املارقني

وحدين بوصف اخلوارج وحنوها من األلقاب الشنيعة عادة رمي امل : الوقفة السابعة . قدمية يتواصى هبا املبتدعة ويورثها بعضهم بعضا

: يف بيان أهم خصائص ومسات الطائفة املنصورة : الخاتمة* . أهنا طائفة ظاهرة على أمر اهلل وبيان أهم معاين الظهور- . أهنا طائفة تنصر الدين باللسان والسنان أيضا - . أهنا ال تتضرر بكثرة املخالفني أو لقلة املناصرين- . أهنا ال تزال قائمة بنصرة الدين يف كل الظروف إىل قيام الساعة-

(493) منرب التوحيد واجلهاد

الرسالة الثالثينية يف التحذير من الغلو يف التكفري

فهرست املراجع فهرست املوضوعات

(( تم بحمد اهلل الذي بنعمته تتم الصالحات))