) 1( الدرس الرمضا�ي

هـ 1425دروس

فـــــــتألي أبي يزن حمزة بن فايع الفتحي

) 2( الدرس الرمضا�ي

هـ 1426دروس

فـــــــتألي أبي يزن حمزة بن فايع الفتحي

) 3( الدرس الرمضا�ي

هـ 1427دروس

فـــــــتألي أبي يزن حمزة بن فايع الفتحي

) 1( الدرس الرمضا�ي

هـ 1425دروس

فـــــــتألي أبي يزن حمزة بن فايع الفتحي

الحمد هللا نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعود باهللا مـن شـرور إن

أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده اهللا فال مضل له ، ومن يضلل فال هادي له ،

: أما بعد .. د وعلى آله وصحبه أجمعين وصلى اهللا وسلم على نبينا محم

، به البصائر ، وتحفز الهممآسرة جذابة ، تخطف األفئدة ، وتن فإن القصص

.وتورث المواعظ

فكيف إذا كانت هذه القصص تفيض من القرآن الكريم ، والتنزيل المبـين

.الذي يشع حقا ، وينشرصدقا ، ويشف حسنا وبيانا

ـ 1425(ص رمضان هذه السـنة ولذلك وغيره آثرت تخصي ن بمعـا )هـ

) القصص القرآنـي (دبره وتفهمه عبر سرد تتربطنا بالقرآن وحالوته ، ومدرسة

المكتمل حسنا وعظة وجماال ، وقد أعان اهللا ويسر ، أن ألقي ثالث عشرة درسـا

. تناولت إحدى عشرة قصة قرآنية

عظها المبلغ ، وتصـيب نا في إلقائها مسلك التسهيل واإليجاز ليبلغ موكسفل

. المقصد ، وتظفر بالمطلب

، الثالث، وها هو )1(وقد عزمت إصدارها إلحاقا بجزئين سابقين تم نشرهما

ويحوي القصص القرآني ، التي ينبغي علينا كطلبة علم نشرها في الناس ، وكشف

اب ا كبيرا من كترقد يعالقلوب ، وتنشرح النفوس ، وتلتصلح عظاتها وأسرارها

قصصا كثيرة ، وامتزج بأخبار تاريخية لهـا بـالغ األهميـة ، احتوى ربها الذي

.وشديد االعتبار في حياتنا الدعوية واإلصالحية والسلوكية

.األول بين اآلذانين واآلخر الدرس الرمضاني )1(

!لماذا قصص القرآن ؟) 1(

يسرنا أن نجتمع ونلتقي في هذه الليالي المباركـة فـي الـدروس الرمضـانية

رمضان وأحكام الصيام ، وفي هذه السنة ، انشـرحت المعتادة ، وكنا سالفا نتحدث عن

نفسي للخروج عن اإلطار المألوف في مواضيع ذات صلة بالقرآن الذي هـو شـرف

.رمضان ، حيث نزوله كان في رمضان

ه علـى فيفسوف نتذاكر هذه القصص القرآنية بأسلوب سهل مختصر ، نحرص

.إيصال الفائدة وإبراز الحكم والدروس

، فلعلنا ) التدبر والتأمل(مهمة توفقنا لقضية هامة حول القرآن وهي وهي وسيلة

نحاول أن نتدبر هذا الكتاب الذي أهملته األمة ، وغفلت عنه غفلة شديدة ، فنحن إذن في

.بس من مواعظه قصصه ونعيش عبره ، ونقمائدة القرآن نتدبر

نهـا قصـص وقصص القرآن ذات أثر إيماني وتربوي على أهليها ومتأمليها أل

.ليس فيها مجال للدجل والكذب أو الزيادة . حق

:ولها فوائد منها

،لفظا ومعنى وأسلوبا وصياغة ، تشرح النفس ، وتطرب السمع أنها أحسن القصص )1(

نحن نقص عليك أحسـن : اسمع ما يقول اهللا تعالى عند ذكر يوسف عليه السالم

]3: يوسف[ إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلينالقصص بما أوحينا

تعـالى ير ال سيما والمؤمن يعيش مآسي وابتالءات قـال بصأنها طريق للتثبيت والت )2(

فؤادك ت بهل ما نثبسالر أنباء نك معلي نقص وكال ] 120: هود [.

لقد كان في قصصهم عبرة ألولي األلباب أنها موطن للعظة واالعتبار قال تعالى )3(

فاقصص القصص لعلهم وقال تعالى ] . 111: يوسف [ ما كان حديثا يفترى

] . 176: األعراف [ يتفكرونالقرآن وفهمه وإقبال الناس عليه ، فلـيس هـو هذه القصص تعين على تدبر لمثو )4(

. أحكام وشرائع فحسب ، بل فيه مادة محبوبة كهذه القصص المؤثرة ال سيما وأنت تشاهد فيها إيمان األنبياء ، وقوة صـبرهم إن فهمها يزيد في اإليمان )5(

.يقينهم بموعود اهللا ، وكيف نصرهم على أعدائهم و .لبصيرة في الدعوة يعلم الفقه واوقراءة هذه القصص )6(

وا املوفق واهلادي إىل سواء السبيل ،،

قصة آدم عليه السالم أبو البشر) 2( فـي يـومين ، أن خلق الكـون ، خلـق اآلرض شاءت حكمة اهللا تعالى ، بعد

هاقن فوي ميها رواسيها وجعل فب وبارك في أريها أقواتها فر فوقد ـام سـواءأي عة

] . 10: فصلت [ للسائلين

وخلق السماء ، وسخر الشمس والقمر كل يجري ألجل مسمى ، ثم خلق المالئكة

.وذريته ) آدم(حكمته أن يخلق واقتضت شاءت إرادته ثم المكرمون ، العباد

:فأخبر مالئكته أنه سينشئ خلقا آخر

.يسعون في األرض -

.مناكبها ويمشون في -

.ي أرجائها وينشر نسلهم ف -

.فيأكلون من بينها -

.ويستخرجون الخيرات من باطنها -

.ويخلق بعضهم بعضا -

يسبحون في غاية الخضوع والطاعة واالنهماك كانوا عبادا: والمالئكة الكرام

.لل ، وال انقطاع ال تعب وال ك] . 20: األنبياء [ يفترون ال والنهار الليل

وقع عـنهم أو إشـارة لتقصير خيرا منهم خلقا خلق سين اهللا أفخافت المالئكة ،

.فسارعوا إليها تبرئة نفوسهم

).كيف يخلق غيرنا ونحن دائبون على التسبيح بحمدك ، وتقديس اسمك: (قائلين

ع وخيـرات ومن تستخلفهم يا ربنا البد أن يختلفوا على ما فيها من مناف: وقالوا

.فيفسدوا فيها ، ويسفكوا الدماء الغزيرة

يهاف دفسيها من يعل فماء قالوا أتجالد كفك ويسدبحم حنسب نونح سونقـد

] . 30: البقرة [ لك

] . 30: البقرة [ تعلمون ال إني أعلم ما فقال اهللا لهم

أي أعرف من حكمة استخالفه ما ال تدركون فاطمأنت قلـوبهم وقـال لهـم اهللا

] . 29: الحجر [ ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فإذا سويته : تعالى

م اهللا هذا المخلوق أن أمر المالئكة بالسجود له بعد أن سواه من صلصال من كر

.هو المصور : والمسنون . هو الطين األسود : والحمأ . حمأ مسنون

إبليس أبى واسـتكبر وكـان مـن إال فأمر المالئكة بالسجود إجالال ، فسجدوا

.الكافرين

ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت ولما أتى إبليس سأله اهللا تعالى

] . 75: ص [ أم كنت من العالين

قال أنا خير منه خلقتني أزكى منه جوهرا وفزعم أنه خير من آدم عنصرا ،

] . 76: ص [ وخلقته من طين من نار

فـاخرج فجهر بالمعصية ، وعاند واستكبر فجازاه اهللا على عصيانه بقولـه

] . 35 - 34: الحجر [ ن عليك اللعنة إلى يوم الدين منها فإنك رجيم وإ

. الملعون ، المبعد ، المطرود : والرجيم

.فجعله اهللا مطرودا ملعونا إلى يوم القيامة

ثم إن إبليس بعد ذلك سأل اهللا أن يمهله إلى يوم الدين وأن يمد له في الحياة إلى

قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم لما طلب فأجابه اهللا. يوم يبعثون ] . 38 - 37: الحجر [

لما استجاب اهللا سؤاله وطلبه ، لم يشكر اهللا على فضـله ، بـل قابـل نعمتـه

.بالكفران وفضله بالجحود والنكران

].16: األعراف[ لهم صراطك المستقيم قال فبما أغويتني ألقعدن : وقال

وال وعن شمائلهم وعن أيمانهم ومن خلفهم ثم آلتينهم من بين أيديهم . د لهم يترص

] . 17: األعراف [ تجد أكثرهم شاكرين

. ترصد تأمل هذا المكر وهذا القعود وال

امض لسـبيلك الـذي : طرد اهللا إبليس من رحمته ، ومد له في أمله ، وقال له

واستفزز من استطعت منهم بصـوتك .اخترته ، وسر في طريق الشر الذي أردته

].64: اإلسراء [ وعدهم واألوالد األموال وشاركهم في ورجلك وأجلب عليهم بخيلك

هم باألماني البعيدة ، فلن أخلي بينك وبين مـن دهم بالمواعيد الكاذبة ، ومنأي ع

إن عبـادي لـيس لـك علـيهم صحت عقيدته ، وقويت عزيمته من أهل اإليمان

لطانس ] ك وأتباعك كما قال أحبابأما . ] 42: الحجر : ألنكألمجهنم م ن نموم

] . 85: ص [ تبعك منهم أجمعين

وعلـم وبصيرة نورا ثم إن اهللا أكرم آدم بأن أفاض عليه من علمه ، وزاده

هـؤالء ـماءي بأسفقال أنبئون على المالئكة معرضه ماء كلها ثمآدم األس إن كنـتم

علم لنا إال ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم ال صادقين قالوا سبحانك

وأعلم واألرض واتبأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السم

] . 33 - 31: البقرة [ وما كنتم تكتمون ما تبدون

فإن المالئكة حينئذ شرف آدم وفضله ، وأدركوا سر خلقه ، وظهرت لهم حكمة

. استخالفه

، وينهالن من بنعيمها ثم إن اهللا تعالى أكرم آدم وزوجه وأسكنهما الجنة يتمتعان

.معينها ا ، ويرشفان من رغده

تقربـا هـذه وال وزوجك الجنة فكال من حيث شـئتما اسكن أنت قال تعالى

] . 19: األعراف [ الشجرة فتكونا من الظالمين

ال تعـرى وأنـك الو إن لك أال تجوع فيها : وذكر اهللا شيئا من صفة الجنة

] . 199 - 118: طه [ تضحى وال تظمأ فيها

وعـز ) إبليس اللعين(لم ذلك آوزوجه بنعيم الجنة ، فترة طويلة ، واستمتع آدم

ودنا مـن الجنـة ، .. عن جنته مبعد عليه أن ينعم آدم ، وهو مطرود من رحمة اهللا ،

ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إال أن تكونا ملكـين وقال وكلمهما في سر وخفاء

فلم يصغيا له ، مع تكـرار المحـاوالت ] . 20: األعراف [ أو تكونا من الخالدين

ينحن الناصما إني لكما لموقاسمه ] ـ ] . 21: األعراف ركما ، بمعنى أنا لن أض

فأكال منها فبدت لهمـا سـوءاتهما فاغراهما .. ولن أوذيكما ، إنما ناصح ومشفق

وناداهمـا ربهمـا ألـم ] . 121: طه [ ورق الجنة وطفقا يخصفان عليهما من

لكما الشجرةنا أنفسناوأقل لك أنهكما عن تنا ظلمقاال رب بينم وطان لكما عدالشي ما إن

] . 23 - 22: األعراف [ وترحمنا لنكونن من الخاسرين وإن لم تغفر لنا

:ومن فوائد هذه القصة .فضل آدم على المالئكة )1(

.شرف العلم )2(

.وذريته عداوة إبليس آلدم )3(

.ذم خصلة الكبر والحسد ، وأنها من صفات إبليس )4(

.الكالم هللا تعالى ةإثبات صف )5(

.إن الواجب على العبد التسليم ألمر اهللا ، واتهام عقله إذا لم تظهر له الحكمة )6(

.الحذر من الشيطان وحبائله )7(

.ذلك قبل إن حال آدم بعد التوبة خير من )8(

.ابتالء اإلنسان في هذه الحياة )9(

.رحمة اهللا وعفوه عن آدم لما تاب وأناب إليه سعة )10(

خبر ابني آدم) 3( نزولهمـا ، وجعل بينهما مودة ورحمـة ، وكـان أهبط اهللا آدم وحواء األرض

ظهر حكم آلهية ومقاصـد تلألرض ، ليؤديا رسالة اهللا من االستخالف في األرض ، ول

.عظيمة قد ال تدركها عقولنا

: ومن ذلك

.ألرض عمارة ا -

.ظهور سنة اهللا في االمتحان -

.ظهور مؤمنين وصالحين يعبدون اهللا -

لقد كان آدم وزوجه مشتاقين لرؤية األبناء والذرية التي تمأل عليهم الحياة ، فهيأ

.اهللا تعالى لهم أسباب ذلك من معرفة أسباب اإلنجاب

وة في رعايـة وشب األخ ،وأخته ، وهابيل وأخته قابيل) توأمين(فرزقهما اهللا

الولدان يضربان في األرض كسـبا وانبعث األبوين ، ومالت البنتان إلى حال النساء ،

.وابتغاء للخير ، فكان قابيل من المزارعين وهابيل اشتغل برعي الغنم للرزق ،

.ا ونصرة وسعادة ، وشبا واكتمال وبلغا مبلغ الرجال رنومأل الشابان حياة آدم

النكاح وهي سنة اهللا في الحياة ، يحصل بها النسل ، وكسر وأحسا بالحاجة إلى

ومن آياته أن خلق لكم من أنفسـكم : كما قال تعالى . الشهوة ، والسكن واالطمئان

قـوم يتفكـرون ورحمة إن في ذلك آليات ل وجعل بينكم مودة أزواجا لتسكنوا إليها

] . 21: الروم [

وكلـم آدم أبنـاءه , بنيه بتوأم أخيهفأوحى اهللا إلى آدم ، أن يزوج كل فتى من

.بذلك ، فطابت نفس هابيل بذلك ، وثار قابيل على هذا الحكم ، لقلة جمال تؤأم أخيه

فـتهمم اهللا وتمنى من أبيه أن يزوجه توأمته ، فرأى آدم أن ذلك مخالفا ألمـر

واغتم ، ثم شرح اهللا صدره لحل ، يحل به هذه المشكلة فطلب من ولديه أن يقرب كـل

. إلى اهللا ) قربانا(واحد منهما

واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانـا : وهو ما قصه اهللا في كتابه

] . 27: المائدة [ ولم يتقبل من اآلخر فتقبل من أحدهما

فقدم هابيل حمال من . أن من يقبل اهللا قربانه كان أحق بتلك الفتاة : وكان الحكم

من زراعته ، فأرسل اهللا تعالى نارا فأكلت قربـان هابيـل دون اأنعام وقدم قابيل قمح

ال ألقتلنك قال إنما يتقبل اللـه مـن ق : ر الحقد ألخيه ، وقال له ظهوافغضب قابيل

.ثم ساءه ذلك ، وتوعده بالقتل فكان يترصد له حتى قتله ] . 27: المائدة [ المتقين

:وفيها روايات

.قيل نحره بحديدة -1

.وقيل أتى عليه وهو نائم يرعى غنمه ، فشدج رأسه بصخرة -2

.وقيل علمه إبليس ذلك -3

ظلمـا ، إال كـان نفس قتلال ت: (في الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعا جاء

) .فل من دمها ، ألنه كان أول من سن القتلعلى ابن آدم األول ك

!اء ، ما يدري ما يصنع ؟لما قتل قابيل أخاه ، تركه بالعرو

ـ فبعث اهللا له غرابين فاقتتال أمامه ، فقتل أحدهما صاحبه ، فحفر له ، ثم ح ى ث

فأواري سـوءة أخـي ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب قال يا : عليه فقال

] . 31: المائدة [ فأصبح من النادمين

حيـاك اهللا (ويذكر أن آدم مكث سنين حزينا على هابيل ، إلى أن أتاه مـن اهللا

.أي أضحكك ) وباركك

:روى أنه قال وي

ــبال ــرت ال ــادتغي ــن عليه وم

قبـــيحمغبـــر فلـــون األرض

ــم ــون وطع ــل ذي ل ــر ك تغي

ــل ــيح وق ــه المل ــة الوج بشاش

: فأجيب

ــا ــتال جميع ــد ق ــل ق ــا هابي أب

ــذبيح ــت ال وصــار الحــي بالمي

ــه ــان من ــد ك ــره ق ــاء بش وج

فجـاء بهـا بصـبيح على خوف

لقاتل عوجل بالعقوبة أن علقت ساقه بفخذه يـوم قتلـه ، أن ا: وذكر ابن كثير

.وجعل اهللا وجهه إلى الشمس حيث دارت ، عقوبة له وتنكيال

من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغيـر : ثم قال تعالى

ومن أحياها فكأنمـا أحيـا النـاس ا قتل الناس جميعانفس أو فساد في األرض فكأنم

ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في األرض لمسرفون جميعا ] . 32: المائدة [

:وهذه القصة فيها فوائد

.لتقوى ، وأن اهللا إنما يتقبل من المتقين فضيلة ا )1(

.فضيلة االنصياع ألمر اهللا ، كما صنع هابيل )2(

.شؤم المعصية ، وقبحها على صاحبها )3(

.حرمة القتل ، وعظم البلوى به )4(

.أن من سن سنة فكان عليه وزرها ووزر من عمل بها )5(

.إثبات االمتحان والبالء )6(

.اختالف طبائع الناس وأخالقهم )7(

املوفق واهلادي إىل سواء السبيل ،، وا

قصة نوح عليه السالم ) 4(

.هو أول رسول إلى أهل األرض -

.وأكثرهم مكثا في قومه -

.أن آياته من أضخم اآليات -

] . 77: الصافات [ وجعلنا ذريته هم الباقين أبو األنبياء الثاني -

.أول أولي العزم من الرسل -

عليه السالم هو أول داعية ورسول إلى أهل األرض ، والناس عقـب آدم نوح

واحدة فبعث اللـه كان الناس أمة : كانوا عشرة قرون على التوحيد كما قال تعالى

] . 213: البقرة [ ومنذرين النبيين مبشرين

م وسـبب ظهورهـا ، أن ثمـة قومـا فكانوا على اإلسالم ، ثم ظهرت األصنا

بنـوا ] 23: نـوح [ ونسرا ويعوق يغوث وال سواعا وال ودا صالحين لما ماتوا

.على قبورهم مساجد ، وصوروا لهم صورا حتى يتذكروهم ويتشبهوا بحالهم

المـدة فلما طال بهم الزمان ، جعلوا أجسادا على تلك الصور ، فلما طالت بهم

عبدوا تلك األصنام ، وسموها بأسماء تلك الصالحين ، فلما تفاقم األمر بعث اهللا تعـالى

لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قـوم : ، قال تعالى في موضع نوحا عليه السالم

ليكم عذاب يوم عظيم قال المأل من قومه اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف ع

ولكني رسول من رب العـالمين إنا لنراك في ضالل مبين قال يا قوم ليس بي ضاللة

ذكـر تعلمون أو عجبتم أن جاءكم ال ما وأعلم من الله وأنصح لكم أبلغكم رساالت ربي

ركمنذلي نكمل معلى رج كمبن رون ولتتقوا محمتر ولعلكم ]63 - 59: األعراف .[

السادة (بدأ نوح عليه السالم الدعوة بالتوحيد ، وتذكيرهم بعذاب اهللا ، ولكن المأل

.يعني الظاهر ) بالضالل المبين(رموه مباشرة )واألشراف

ومع ذلك لم ييئس نوح عليه السالم بل عاود الكالم ، وحاورهم ، وجادلهم أشـد

.المجادلة

قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنـا وأخبر عن ذلك اهللا تعالى عنهم

] . 32: هود [ الصادقين بما تعدنا إن كنت من

قال رب إني دعوت قومي ليال ونهارا فلم يزدهم وفي السورة المسماة باسمه

ـ وا دعائي إال فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهـم واستغش

وأس ملنت لهإني أع جهارا ثم متهإني دعو كبارا ثمتوا استكبروا واسوأصر ميابهت ثرر

] . 9 - 5: نوح [ لهم إسرارا

لمس أوقاتهم ومع ذلك ، لـم تـزدهم تبالليل والنهار ، ي دعوة: الجهد الذي بذله

. اإلبالغ إال فرارا الدعوة وال

:وإذا زاد في دعوتهم وكرر قابلوه بما يلي

)1( همي آذانف مسدوها لئال يسمعوا : جعلوا أصابعه.

)2( ميابها ثتغشوتنكروا له لئال يعرفهم : واس.

.استمروا على الكفر والعناد : وأصروا )3(

.فوا عن سماع الحق استنك : واستكبروا استكبارا )4(

فقلت استغفروا ربكم إنه كـان : ثم ذكر اهللا بعض مواعظه الجميلة المؤثرة

لكم غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل

ا لكم ال ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا ألم تروا كيف خلـق اللـه سـبع أنهارا م

سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم مـن األرض

م فيها ويخرجكم إخراجا والله جعل لكم األرض بساطا لتسلكوا منها سبال نباتا ثم يعيدك

] . 20 - 10: نوح [ فجاجا

. اهللا خلقها لكم مبسوطة مجهزة لتستقروا عليها ، وتسلكوا في نواحيها وأرجائها

.ا وكذبوا ومع هذه األدلة والبراهين على وجود اهللا كفرو

إال خسـارا هوولـد مالـه هيزد لم وا مني واتبعنعصو مإنه رب قال نوح

ومكروا مكرا كبارا وقالوا ال تذرن آلهتكم وال تذرن ودا وال سواعا وال يغوث ويعـوق

را وقدين إال ضالال ونسالظالم يرا وال تزدأضلوا كث ] 24 – 21: نوح . [

ما نراك إال بشـرا : ومع ذلك طالت به المدة في قومه وكان من عنادهم له

نرى لكم علينا من فضل بل مثلنا وما نراك اتبعك إال الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما

: قالوا له ] . 27: هود [ نظنكم كاذبين

.أنت بشر -

.أتباعك أراذل الناس بمعنى لستم أفضل منا -

.ومعتقداتكم كاذبة -

نمة مي رحي وآتانرب نم نةكنت على بي إن تمم أرأييت قال يا قومفع هندع

على يقـين ، ورحمـة أي أنا ] . 28: هود [ عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون

.عليكم ، أنلزمكومها بها ، اني لن أكرهكم عليها وخففت هي النبوة ،

يه ماال إن أجري إال ويا قوم ال أسألكم عل ثم بين أنه ال يقصد ماال وال جاها

يـا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم مالقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون و

ع ون وال أقول لكمأفال تذكر متهطرد إن الله ني منرينص م منوال قو الله ي خزائنند

الله أعلم الغيب وال أقول إني ملك وال أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا

] . 31 - 29: هود [ أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين

قالوا يا نوح قـد منه ، وكرهوا دعوته ، وضاقوا به ذرعا ملوا د ذلك ثم بع

به يكمين قال إنما يأتقادالص نكنت م نا إندنا بما تعت جدالنا فأتجادلتنا فأكثر إن اللـه

جزين وال ينفععبم شاء وما أنتم أن ريدي كان الله إن أنصح لكم ت أنأرد ي إنحنص كم

] . 34 – 32: هود [ يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون

سيصل إليكم أمر اهللا ، ولن تعجزوه ، وال بقـوتكم وال بكفـركم وال : المعنى

.بجاهكم

ن يؤمن من قومك إال من قد آمن فال تبتئس بما كـانوا ل : ثم إن اهللا قال له

يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا وال تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقـون

صنع الفلـك بمـرأى منـا أي من سيؤمن قليل يا نوح ، وابدأ ب ] . 37 - 36: هود [

. وعلمنا

.لما بدأ العمل في السفينة سخروا منه سخرية شديدة

اليوم تزعم أنك نبي ورسول ، فكيف أصـبحت إنك يا نوح قد كنت قبل : (وا قال

!!) اليوم نجارا ، أزهدت في النبوة ، أم رغبت في التجارة

أعـددت النيـران أ! ما بال سفينتك تصنعها عن البحار واألنهار(وقال آخرون

).لجرها ، أم كلفت الهواء حملها

جمع ألواحها ومساميرها ، كما قـال تعـالى يوانصرف لعمله الدائم في السفينة

رسألواح ود على ذات وحملناه ]والدسر جمع دسار وهو المسمار] . 13: القمر.

يون األرض بالماء المنهمـر ، وع فتحت أبواب السماءتمنهم الساعة حانت فلما

لك إال مـنن وأهن اثنيجيكل زو نيها مل فمقلنا اح نا وفار التنوررحتى إذا جاء أم

] . 40: هود [ سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إال قليل

ففتحنا أبواب السماء فدعا ربه أني مغلوب فانتصر : قال وفي موضع آخر

علـى ذات ر وحملنـاهقد ر قدعلى أم ونا فالتقى الماءيض عنا األررر وفجنهمم بماء

نا جزاءنيري بأعر تجسـف ألواح ودر فكيكدم نتركناها آية فهل م ر ولقدكان كف لمن

] .16 - 10: القمر [ كان عذابي ونذر

وفار التنور موضع النار ، وقيل موضـع بما فيه أي عيون األرض كلها

.وهذا غريب بالهند ،

مسيها باوا فكبـي وقال اروه ـيمرح ي لغفوررب ساها إنرراها وممج الله

تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركـب معنـا وال

ني منمصرين قال سآوي إلى جبل يعمع الكاف ـر تكنأم نم مم اليوقال ال عاص الماء

ـي مـاءكلعاب ضيل يا أرين وقغرقالم نفكان م جما المونهم وحال بيرح إال من الله

يودتوت على الجواس ري األموقض يض الماءي وغعأقل م وياسماءـدا للقـوعيل بوق

] .44 – 41: هود [ الظالمين

:وفيها فوائد .. هذا ملخص قصة نوح

.صبر نوح الطويل )1(

.تنوع أساليب الدعوة )2(

.القيام بالدعوة دون االهتمام بالنتائج )3(

.واستعراض البراهين على وجود اهللا واآليات حسن مجادلة )4(

.إن الضعفاء أتباع الرسل )5(

.أن ذريته هم الباقين ونوح فضل )6(

.بيان رعاية اهللا للمؤمنين )7(

. الكافرين على الظالمين أن الدائرة )8(

.بيان قدرة اهللا العظيمة ، وأنه ال راد ألمره ، وال معقب لحكه )9(

قصة هود عليه السالم) 5( بـاليمن ، )األحقاف(وقد كانوا في مكان يسمى ) عاد(أرسل اهللا تعالى إلى قومه

كانوا في أطيب عيش ، وأحسن حياة ، حباهم اهللا نعما غزيرة ، فجروا العيـون ، وقد

.وزرعوا األرض ، وشادوا القصور

وآتاهم اهللا بسطة في األجسام ، وقوة في األبدان ، كان حق ذلك الشكر وااللتفات

. إلى منعمها وواهبها

ا تقربهم إلى اهللا ، ولكن لألسف ، زين لهم الشيطان عبادة األصنام ، بزعمهم أنه

.التي بسطها عليهم ونسوا حق اهللا والنعم

:وقد اتصفوا بصفات

.كانوا في غاية من طول األجسام وقوتها )1(

.كانوا أصحاب بطش شديد )2(

.كانت أرزاقهم وفيرة ومساكن باهرة )3(

هم هـود كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخو وهذا يظهر في سورة الشعراء

ـر إنأج ـنم ـهعلي ألكمون وما أسيعفاتقوا الله وأط ينول أمرس أال تتقون إني لكم

ع لعلكـمـذون مصـانبثون وتتخنون بكل ريع آية تعين أتبالعالم ري إال على ربأج

تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقـوا الـذي أمـدكم بمـا

تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عـذاب يـوم عظـيم

] . 135 - 123: الشعراء [

مـن بلهنيـة ، فهم كانوا فـي فتأمل هذه النصيحة التي حملها هود عليه السالم

وقوة ، وجنات وأنهار ، ومـال وأبنـاء ، ويتفـاخرون االعيش ، نعمة ورخاء ، وعز

.بالعمران والبنيان

نون بكل ريعأتب ة البنيان المرتفع المحكم عند الطـرق المشـهور : الريع

. ليس للحاجة ويفعلونه إظهارا للقوة والزهو

:فحذرهم هود أن هذا البناء فيه مفاسد

.فيه تضييع للوقت )1(

.إتعاب للبدن بال فائدة و )2(

.إضاعة للمال )3(

.اشتغال بما ال يجدي في الدنيا وال في اآلخرة )4(

.وصية األنبياء فاتقوا الله وأطيعون ثم ذكرهم بتقوى اهللا

قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكـن مـن الـواعظين فماذا كان ردهم نصحت أو لم تنصح ، ذكرت أم لم تذكر ، لن نترك شـريعة : يعني ] 136: الشعراء [

نحن يعني ما ]137: الشعراء [ إن هذا إال خلق األولين اآلباء ، وطريقة األجداد

!!ف نتركه ، كيف نهجره ، هذا محال ؟عليه هو دين األولين ، كي

عذبينبم نوما نح ] ما تزعمه من عذاب تخافه علينا ، ال ] 138: الشعراء

.حقيقة له ، ال يوجد بعث وال معاد ، وال ثمة هناك عذاب ، يعني إنت من الكاذبين

اعبدوا الله ما لكم من إله غيره حيددعاهم إلى اهللا والتو: في موضع آخر

قال المأل الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سـفاهة وإنـا لنظنـك مـن أفال تتقون

ه أنت سفيه ، طائش الحلـم تسـف : يعني يا هود . ]66 - 65: األعراف [ الكاذبين

ما ميزتك علينا ، نأكل كما تأكل ، ونشرب كما . عبادتنا ، وتعيب ما وجدنا عليه آباءنا

.تشرب ، فكيف أختصك اهللا وآثرك علينا ، ما نظنك إال من الكاذبين

رأي ، ولقد عشت فيكم دهرا حماقة يا قوم ليس بي سفاهة عقل ، وال : قال هود

يختص اهللا واحدا من قومه برسـالته ، ويحمـل فما أنكرتم علي شيئا ، وما الغريب أن

. دعوته

قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسـول مـن رب العـالمين : قال تعالى

رب نم كرذ جاءكم أن تمأوعجب ينأم حناص ي وأنا لكمرب رساالت ـل أبلغكمعلى رج كم

منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فـي الخلـق بسـطة

. ]69 - 67: األعراف [ فاذكروا آالء الله لعلكم تفلحون

ويـا اهللا ، وآمنوا به واستغفروه عم ن واواآلالء هي النعم عليهم ، فيقول تذكر

ـ وتكم قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى ق

.روا كالمجرمين بإعراضكم وتكذيبكم يصتأي ال ] . 52: هود [ وال تتولوا مجرمين

ال شك أن بعض آلهتنا قد أصابك بسوء ، فأصبت في عقلك، : ردوا عليه قائلين

إن نقول إال اعتراك بعض آلهتنـا كما قال تعالى .. فأصبحت تهذي بما ال حقيقة له

وءبس ] 54: هود . [

ـ برأ من شركهم توكرر ، وذكرهم بعذاب اهللا ، وزاد هود في النصيحة ال ق

إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونـه فكيـدوني جميعـا ثـم ال

ـ رب ها إنـيتذ بناصو آخإال ه ةداب نما م كمي وربرب ون إني توكلت على اللهري تنظ

.أي كل دابة تحت حكمه وقهره وسلطانه ] . 56 - 54: هود [ اط مستقيم على صر

هود ، بل تعاظموا بقوتهم وبطشـهم ينقطع وبعد ذلك ازداد كفرهم وعنادهم ولم

غـرتهم ] .15: فصـلت [ وقالوا من أشد منا قـوة وأن العذاب لن يصل إليهم

ة ، أنه ال يصل إليها قوة اهللا ، ومكره وبطشه عن ظلـم األجسام الضخمة والقوة المنيع

.عاند و وأبىوكفر

فعندها قامت عليهم الحجة ، وأعذر إليهم هود عليه السالم ، وزاد كفرهم بقولهم

ينقادالص نكنت م نا إندنا بما تعفأت ] سألوا العذاب بأنفسـهم ] .70: األعراف

وق قال قدوغضب سرج كمرب نم كمع علي ] 71: األعراف. [

يعترض السماء ، ) سحاب أسود(وبالفعل جاءتهم أمارة العذاب وهي عبارة عن

.من األمطار ممحلين فاستشرفوا له وفرحوا ، ألنهم كانوا

الوا هذا عارض ممطرنا بـل فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم ق قال تعالى

هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا ال يرى إال

. ]25 - 24: األحقاف [ مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين

هذه الريح تحمل دوابهم وتقذف بها إلى مكان سحيق ، وأصابهم الهلع ثم شاهدوا

وهرعوا سراعا إلى بيوتهم يغلقونها عليهم ، يظنون أنهم سينجون ، ولكن الريح كانـت

.شيء عظيم ال يوصف .. باردة شديدة

عليهم سبع ليال وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها : قال تعالى

ـمفهل ترى له نخل خاوية جازأع معى كأنهيها صرم فوما فترى القوسام حية أيوثمان

يةباق نم ] 8 - 6: الحاقة . [

.بال رحمة : عاتية .باردة : صرصر

.بالية : خاوية .ات كوامل متعاقب: حسوما

فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيـام نحسـات لنـذيقهم وفي آية أخرى

] 16: فصلت[ عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب اآلخرة أخزى وهم ال ينصرون

الرجل الضخم منهم فترفعه ، ثم تلقيـه علـى أم رأسـه ، جعلت الريح العاتية ، تحمل

كـأنهم أعجـاز : فيصبح كالجثة الهامدة ، كالنخلة إذا سقطت بال أغصان ، كما قال

نخل خاوية ] 7: الحاقة [ ، رنقعنخل م جازأع مكأنه ] 20: القمر [ ، ما تذر

. ]42: الذاريات [ ت عليه إال جعلته كالرميم من شيء أت

واختبئوا في مكان آمـن ، والـريح من المؤمنين أما هود فقد أوى إليه أصحابه

.حولهم يشاهدونها ، لكن ال يصيبهم ضررها ، إلى أن هدأت بعد األيام النحسات

.تقل هود إلى حضرموت وهناك مات عليه السالم ثم ان

:وائد القصة ودروسها ف

.شفقة هود عليه السالم على قومه )1(

.رعاية اهللا للمؤمنين ن بيا )2(

.ظهور سنة اهللا في المكذبين الظالمين )3(

.عظم بطش اهللا بأهل الظلم والفساد في األرض )4(

.هوان الكاذبين إذ عذبهم بالهواء )5(

.حقارة البشر إذ يبارزون اهللا بالعداوة والحرب )6(

.ن مهما طغا الظلمة وتجبروا إن العاقبة للمتقي )7(

.صبر هود على قومه وكثرة دعوتهم )8(

و�كتفي هبذه الفوائد املوجزة وصلى ا وسلم على �بينا حممد ،،

قصة صالح عليه السالم) 6( وهو نبي عربي أرسله اهللا إلى أمة ثمود العربية ، كانت من العرب العاربة قبل

.إبراهيم عليه السالم

، كما قال في القـرآن )جرالح(رة بين الحجاز والشام وتسمى ومساكنهم مشهو

ينرضعنا فكانوا عنها مآيات مناهين وآتيسلرر المجالح حابكذب أص ولقد ]الحجر :

80 - 81. [

ا وتعرف حاليا بمدائن صالح ، وقد مر بها صلى اهللا عليه والسالم لما كان غادي

النبي قد نزل قريبا من دارهم وكان ) ال تدخلوا على هؤالء المعذبين: (إلى تبوك وقال

ـ نصـبوا وطبخوا حيث ، مياههم واستعملوا ، فدخل الصحابة ديارهم ور فـأمرهم دالق

.رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بإراقتها ونهاهم عن دخول ديار المعذبين

عذاب ألية أمة من األمم ، إال من باب العظة وهو كذلك ال يجوز دخول أماكن ال

ال تدخول على هؤالء المعـذبين إال أن تكونـوا (قال صلى اهللا عليه وسلم .واالعتبار

) .باكين فإن لم تكونوا باكين فتباكوا ال يصيبكم ما أصابهم

اصطفى اهللا تعالى صالحا على صومه ، وآثره بهذه الدعوة ، فبدأ الدعوة كعادة

دعاهم إلى التوحيد ، ] . 73: األعراف [ اعبدوا الله ما لكم من إله غيره اء األنبي

.ألنهم كانوا على آثار من سبقهم في عبادة األصنام التي ال تغني وال تنفع وال تضر

واذكروا : كان من مواعظ صالح لهم ما ذكره اهللا تعالى في سورة األعراف

كم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في األرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون إذ جعل

. ]74: األعـراف [ الجبال بيوتا فاذكروا آالء الله وال تعثوا في األرض مفسـدين

دوا الله ما لكم من إله غيره هـو أنشـأكم مـن قال يا قوم اعب : وفي موضع آخر

جيبم ي قريبرب إن هوا إليتوب ثم وهرتغفيها فاسف مركمتعض واساألر ]61: هود[.

:فهذتان الموعظتان شملت أمور

.األصنام ونبذ الدعوة إلى التوحيد ، )1(

.بخلق اهللا لهم تذكيرهم )2(

.وبوأهم فيها استعمارهم في األرض )3(

.جعلهم خلفاء بعد عاد )4(

.تشييد القصور )5(

وثمود الذين جـابوا الصـخر بـالواد نحت البيوت من الجبال كما قال )6( وتنحتون من الجبال بيوتا فـارهين ينحتونه ويحرقوه ، وقال . ]9: الفجر[: الحجر[ وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنينوقال ] . 149: الشعراء [

.حاذقين وقيل شرهين وال منافاة بينهما : فارهينمعنى ] . 82

: ولم يزل صالح عليه السالم ينصحهم ويذكرهم بـآالء اهللا ، فقـد قـال لهـم

ننا آمي ما هاهتون أتتركون فوتنح يمها هضوع ونخل طلعرون وزيوع ي جناتين ف

من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون وال تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون

] .152 - 146: الشعراء [ في األرض وال يصلحون

!من هؤالء المفسدون ؟

إنهم الرؤساء والكبراء ، من عادتهم الكذب والكفر والصد والعناد ، فهو يحذرهم

: الشعراء[ قالوا إنما أنت من المسحرين : من هؤالء ألنهم من أول ما دعاهم قالوا

.أي المسحورين ال عقل لهم وال بصيرة ] . 185

بشرية المماثلة لهم فكيف يصطفيك اهللا علينا بال آية وال دليـل وأيضا وصفوه بال

ينقادالص نكنت م إن بآية ثلنا فأتم ما أنت إال بشر ]154: الشعراء . [ يأؤلق

ون غدا منلمسيع رأش و كذابنا بل هنبي نم هعلي الذكر ـراألش الكـذاب ] القمـر

25-26. [

لما اشتد الحوار بينه وبينهم وهو يدعو ويكرر ، اقترحوا عليه أن يخـرج لهـم

فقام صالح عليه السالم ، وصلى ودعا اهللا . من صخرة عندهم يعرفونها ) ناقة عشراء(

: قـال ف. فانشقت الصخرة عن ناقة عشراء فانبهروا ، فآمن بعضهم ، وكفر أكثـرهم

ميو عذاب فيأخذكم وءوها بسلوم وال تمسم معيو برش ولكم برناقة لها ش هقال هذ

] . 156 - 155: الشعراء [ عظيم

فـذروها قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آيـة وفي موضع آخر

أليم عذاب فيأخذكم وءوها بسوال تمس ض اللهي أرتأكل ف ] 73: األعراف. [

ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض اللـه وفي آية آخرى

فيأخذكم وءوها بسوال تمس قريب عذاب ] 64: هود . [

فبين لهم أن هذه الناقة ، ناقة اهللا وقد كانت عظيمة الجسم ، جميلة الشـكل ، إذا

.بأنغامهم نفرت منها مرت

:وأعطاهم أوامر تجاهها

ونبئهم تشرب يوما ، وأنتم يوما ، وفي اليوم الذي لها تنتفعون بحلبها ولبنها )1(

] . 28: القمر [ قسمة بينهم كل شرب محتضر أن الماء

وال تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب ألـيم ها بسوء وسإياكم وأذيتها وال تم )2( ] .73: األعراف [

] . 73: األعراف [ فذروها تأكل في أرض الله ل كما شاءت كذروها تأ )3(

الناقة مدة على هذا الحال لها يوم ، ولهم يوم ، ثم إنهم تضايقوا من هـذا ظلت

:الحال ربما

.ضايقتهم في الماء ألنها -

.النجذاب الناس إليه بسبب الناقة أو -

.عليهم ومن حسد وحقد على صالح وظهور حجته -

وآيتـه العجيبـة ، فبدأوا يفكرون ، ويمعنون النظر ، ماذا يصنعون مع صالح

، فيحاولون ، ثم يتخوفون يتذكرون وعيد سهم الشريرة تؤزهم إلى قتل الناقةت نفووكان

.صالح لهم

وعلمت النساء بما يريد السادة الكبار من الفتك بالناقة ، وتحطيم دعوة صـالح ،

إن هو قتل الناقة زوجته إحدى بناتها ، وال ) ن سالفب قدار(دعي فقالت إحداهن لرجل ي

.نواة تسأله ماال وال

فتآمرت هذه المرأة وقدار ، وبحثوا عمن يؤازرهم ، فاستجاب لهم سبعة آخرون

وكان في المدينة تسعة رهط يفسـدون فـي األرض وال : وهم من عناهم اهللا بقوله

] .48: النمل [ يصلحون

ومن ثم قتل صالح عليـه هؤالء المفسدون تآمروا ، وتشاوروا على قتل الناقة ،

قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه مـا شـهدنا قال تعالى . السالم

يف كان مهلك أهله وإنا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم ال يشعرون فانظر ك

] .51 - 49: النمل [ عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين

، وكان المتولي لقتلها أخيبهم وأشـقاهم فهؤالء تحالفوا وتبايعوا على قتل صالح

]. 29:القمر[ فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر : ، كما قال تعالى)سالفقدار بن (وهو

] . 12: الشمس [ إذ انبعث أشقاها : وقال تعالى

إنه لم يباشر حتى طاف على أهل القرية يسألهم فكلهم أشـاروا عليـه : ويقال

وهافعقر وهفكذب ] 14: الشمس . [

فانطلق التسعة ورصدوا الناقة بعدما شربت من المـاء فرماهـا رجـل اسـمه

عرقوبها فسقطت ، ثم طعنهـا بسهم ، ثم ضربها فدار بالسيف في) مصدع بن مهرب(

.في صخرة اختفى ويقال إنهم قتلوه ، وقيل بل فصيلها ها ونحرها ، وفر في لبت

تمتعوا في داركم ثالثة أيام ذلك وعد غيـر : علم صالح بفعلهم اآلثيم ، فقال

، قبلنـا نقتل صالح ، إن كان صادقا عجلناه نذهب : وقالوا ] . 65: هود [ مكذوب

ومكروا مكرا ومكرنا مكـرا : وهو ما عناه اهللا بقوله ، بناقته وإن كان كاذبا ألحقناه

] . 50: النمل [ وهم ال يشعرون

ثم إن خرصتهم وماتوا هم فرضختاهللا عليهم حجارة فسلط فانطلقوا لقتل صالح ،

جاءتهم صيحة من : اسودت ، ثم آخر اليوم الثالث ثم –احمرت ثم –اصفرت وجوههم

السماء ، ورجفة من أسفل منهم ، فاضت ألجلها األرواح وزهقت النفوس ، فأصـبحوا

.في ديارهم جاثمين

ربي ونصـحت لكـم لقد أبلغتكم رسالة : وعندئذ قال صالح تقريعا وتوبيخا

] . 79: األعراف [ ولكن ال تحبون الناصحين

فلما جاء أمرنـا نجينـا : قال تعالى .. والذين آمنوا معه ونجى اهللا صالحا

إن ئذمي يوزخ ننا ومم مةبرح ين آمنوا معهوأخذ صالحا والذ العزيز و القويك هرب

ود كفرثم يها أال إنا فيغنو لم ين كأنمجاث ميارهي دوا فبححة فأصيوا الصين ظلموا الذ

] . 68 - 66: هود [ ربهم أال بعدا لثمود

.مستنكف عن الحق نعم بعدا وسحقا لكل مكذب و

.بخبر صالح مع قومه المكذبين هذا ما يتعلق

:ت فمنها تم ما في هذه القصص من فوائد وعظاولعلكم أدرك

.الناس وهو التوحيد واجب على اتفاق األنبياء في أول )1(

.بيان كثرة النعم واآلالء التي امتن اهللا بها على ثمود )2(

. واالنقياد كان حق هذه النعم الشكر )3(

. مظهر حجتهيد األنبياء بالمعجزات لتتأي )4(

.العبد خطر الدنيا ومفاتنها إذا لم يهتد )5(

.بيان خطر النساء على ألباب الرجال )6(

.المكذبين للرسل السادة والكبراء أول إن )7(

.مكر المجرمين بيان شدة )8(

.إتيان صفة المكر هللا ، وإن اهللا يمكر بمن يمكر بدينه )9(

. حفظ اهللا لصالح والمؤمنين معه )10(

وأما ثمود فهـديناهم فاسـتحبوا بيان العذاب الشديد وهو الصيحة والرجفة )11(

العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهـون بمـا كـانوا يكسـبون

] . 17: فصلت [

وصلى ا وسلم على �بينا حممد ،،

ليه السالمقصة شعيب ع) 7(

)خطيب األنبياء(شعيب نبي من أنبياء اهللا ، أرسله اهللا إلى عرب معان ، في مكان يسمى مـدين

ومدين يطلق على ] . 85: األعراف [ وإلى مدين أخاهم شعيبا : كما قال تعالى

. القبيلة ، وعلى المدينة جهة معان

: كمـا قـال تعـالى ) أصحاب األيكة(و رفوا بلقب في القرآن هوقوم شعيب ع

أال تتقون بشعي مين إذ قال لهسلرالم كةاألي حابكذب أص ] 177: الشـعراء [ .

.ي أخاهم إال شعيب نبوالعجيب أنه قال في كل . فهم أمة واحدة ، وليسوا أمتين

تنزيه شعيب عنهم فليس هـو بـأخ ناسب ف، الشجرة ةلعبادوالجواب أنه نسبهم

.للعباد لمن يعبد الشجر واألوثان

:وقد عرف قوم شعيب إضافة إلى الشرك والكفر عرفوا

.بالتطفيف في المكيال والميزان )1(

.أشياءهم وأموالهم الناس ويبخس )2(

.اإلفساد في األرض )3(

.المال ألجل قطع الطريق )4(

اهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلـه وإلى مدين أخ : قال تعالى

موا الناس أشياءهخسيزان وال تبل والمفوا الكيفأو كمرب ننة مبي جاءتكم قد هروال غي

ها ذلكمالحد إصض بعي األروا فدين تفسنؤمم كنتم إن لكم رخي ] 85: األعراف [ .

وال تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمـن وقال لهم

ان عاقبة المفسدينبه وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليال فكثركم وانظروا كيف ك ] . 86: األعراف [

:فهذه الموظعة شملت أمور

.الدعوة إلى التوحيد )1(

.تأييد اهللا له بالمعجزات )2(

.نهيهم عن بخس الكيل )3(

.تحذيرهم من اإلفساد )4(

.تحذيرهم من قطع الطريق لنهب األموال أو توعد المؤمنين بالقتل )5(

.بعد قلة وأغناهم بعد فقر إذ كثرهم ، تذكيرهم بنعمة اهللا )6(

.دعوتهم إلى االعتبار بحال السابقين المفسدين )7(

ال يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نـوح : وفي موضع آخر

ربكم ثم توبوا إليـه إن أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد واستغفروا

ودود يمي رحرب ] 90 - 89: هود . [

من والمعنى اعتبروا من حال األمم السالفة ، وذروا الكفر ، وذروا ما أنتم عليه

.نهب األموال والتطفيف

ن وما أنا عليكم بحفيظ بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمني : وقد قال تعالى .، أي رزق اهللا خير لكم من بخس الناس ] 86: هود [

قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنـت إال بشـر فرموه بالسحر والسخرية

ء ، فكان جـوابهم مملـو ]186 - 185: الشعراء [ مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين

ألفناه ، وشرع ورثناه ، وأنت الراجح عقـال ، دين عن كيف تنهانا (بالسخرية والتهكم

قالوا يا شعيب أصالتك : ، وهو ما عناه اهللا تعالى بقوله ) والسديد رأيا ، الواسع حلما

فعل في أموالنا ما نشـاء إنـك ألنـت الحلـيم تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن ن

يدشالر ] قراءتك تأمرك ، أن نترك دين اآلباء كال واهللا : يعنون . ] 87: هود!!

إن أريد إال اإلصالح ما استطعت وما توفيقي : ثم بين لهم مقصده في الدعوة

إال بالله يبأن هتوكلت وإلي هعلي ] 88: هود [ .

. فيهم قائمة على اإلصالح إن دعوته )1(

.أسند التوفيق إلى اهللا ، وأن الرزق والفضل والصالح بيد اهللا )2(

.ل على اهللا تحقيق التوك )3(

.خلل والتقصير وإليه اإلنابة على كل حال ، ال سيما عند ال )4(

األدلة عليهم ، وأنه لهم الناصح األمين ، فلما ويقيم ناظرهم ، يمدة مكث شعيب

. بالشتم ة الحجة فعيأسوا لجأوا إلى المراوغة في الرد ، ومدا

إننا لم نفقه كثيرا مما تقول ، ألنه ليس لكالمك سبيل إلى قلوبنـا ، وال : فقالوا

لـوال منفد إلى عقولنا ، ولتكف عن إثارة من اغتروا بك وأنت المستضـعف الـذليل و

قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنـراك : عشيرتك لقتلناك ، قال تعالى

] . 91: هود [ فينا ضعيفا ولوال رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز

.يعني ليس لك عندنا قيمة وال معزة

قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن قال لهم

] . 92: هود [ ربي بما تعملون محيط

قـال . شعيب عليهم هددوه وأتباعه من طائفة المسـتكبرين نكير ثم لما اشتد

روا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك مـن قريتنـا أو المأل الذين استكب

] . 88: األعراف [ لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين

هما خيارن ، إما طردكم من القرية ونهجركم ، أو تتركوا الدين الجديـد : يعني

.دون لملة اآلباء وتعو

ألن ! هل معناه إن كان على الشـرك ؟ أو لتعودن في ملتنا وهنا إشكال

. ليس كذلك

: والجواب

.د هنا بمعنى صار عا )1(

.تباعه أأو المراد )2(

جانا الله منهـا قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ ن : ثم قال

ـ ه وما يكون لنا أن نعود فيها إال أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الل

] . 89: األعـراف [ توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين

وربنا وسع كل شيء علما ، هـو . دعاء األنداد مع اهللا فرية في انه أعظم أ: والمعنى

.يحكم بيننا وبينكم ، وهو خير الحاكمين

بعد ذلك ، لم يترك دعوتهم شعيب ، ولم يخف من تهديدهم ، بل بقـى صـامدا

.قوي العزيمة

لى مكانتكم إني عامل سوف تعلمون مـن ويا قوم اعملوا ع : وكان مما قال

يـبرق وا إنـي معكـمبتقوار بو كاذه ومن خزيهي عذاب يهيأت ] 93: هـود . [

يبين من يستحق العذاب ، اعملوا على طريقتكم ، فأنا على طريقتي ، سوف : والمعنى

.كاذب ، وانتظروا وارتقبوا ذلك ومن هو الصادق من ال

:ثم جاءت سنة اهللا في المكذبين

يننا وأخـذت الـذم مةبرح ين آمنوا معهبا والذنا شعيينا نجرا جاء أمولم

يغنو لم ين كأنمجاث ميارهي دوا فبححة فأصيوا الصدت ظلمين كما بعدا لمدعيها أال با ف

ودثم ] 95 - 94: هود . [

فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهـم جـاثمين وفي األعراف ذكر عنهم

] . 91: األعراف [

الظلة إنه كان عـذاب فكذبوه فأخذهم عذاب يوم : وفي الشعراء قال تعالى

] . 189: الشعراء [ يوم عظيم

ظلة ، حسب السياق ، حيـث الصيحة ورجفة وعذاب : ثالث نقم جمعها اهللا لهم

]. 187: الشعراء [ فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين : قالوا

فجزاهم اهللا تعالى بأن أصابهم حر شديد مدة سـبعة يتحدون ، من السماء ، يعنون عذابا

فلمـا فجعلوا يسـتظلون بهـا ، فيه شيء ، ثم أقبلت إليهم سحابة أظلتهم يكنهم أيام ال

ت بهم األرض ، وجـاءتهم منها شررا ولهبا ، ورجفاجتمعوا تحتها ، أرسل اهللا عليهم

في ذلك آلية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك إن صيحة عظيمة أزهقت أرواحهم

يمحالر و العزيزله ] 191 - 190: الشعراء [ .

وقال يا قوم لقد أبلغتكم رساالت ربي ونصحت لكـم موبخا لهم وقال شعيب

] . 93: األعراف [ كافرين فكيف آسى على قوم

:فوائد القصة

.عظمة التوحيد في تاريخ الدعوات )1(

.والبشرية األمم بتهم باطلة ال حقيقة لها كالسحر ، والكذب ، تواصي )2(

.شفقة شعيب على قومه )3(

.حرمة االعتداء على الناس وبخسهم أموالهم )4(

.حرمة التطفيف في الكيل والميزان )5(

.ور التهكم والسخرية صبر الداعية على ص )6(

.سالمة النبي من كفريات قومه )7(

.) بقية الله(ال إذا كان مما حرم اهللا فساد الم )8(

.إن دعوات األنبياء قائمة على نفع الناس وإصالحهم )9(

.اهللا وأن المرء ال حول وال قوة له عزو الفضل والتوفيق إلى )10(

.من وسائل أعداء الدعوة الصد عن سبيل اهللا وتهديد المستضعفين )11(

.االعتبار بمصارع الهالكين قبلنا )12(

ا�تهت القصة وا املوفق ،،

قصة أصحاب الجنة) 8( وأصحاب الجنة نقصد بهم مالك البستان ، فالجنة تطلق علـى بسـتان الثمـار

. والفواكه

إنا بلوناهم كما : برة والعظة قال تعالى وهذه القصة قصة عظيمة ، مليئة بالع

حاب الجنةنا أصبلو ] 17: القلم . [

.وقد كانوا من أهل اليمن ، وقبل الحبشة ، حزروان باليمن

:وكان أبوهم رجال صالحا ، سار في الجنة بسيرة حسنة

.يرد فيها ما نحتاجه -

.وندخر لعياله قوت سنة -

.تصدق بالفاضل وي -

.ويحسن للفقراء والمساكين -

ويبتسـم ، فيهش فيهم، يتجمع عنده جموع الفقراء إذا دنا موسم الحصادحيث

، وذاك في ثيابه ، ولهم بعد ذلـك مـا تنـاثر مكتله ن لهم باألخذ فيتحمل هذا في ذويؤ

.وأخطأته األيدي

ثـروة ، حيـث صـار يبدد الهم ضايق األبناء من فعل أبيهم ، وأحسوا أن أبات

.البستان مستباحا للمساكين

فاقك على الفقراء ، لتضيق علينـا فـي رزقنـا ، إنما أتى إنك ب: فقال األول منهم -

.وتبخسنا حقنا

تكفـف نغدو بعـدك فقـراء ، نسقيت يا أبتي على هذه الحال ، فإذا ب: وقال الثاني -

. الناس

.وازداد الثالث أن يتكلم ، فأشار إليه بالصمت -

ما أراكم إال خاطئين في الوهم والتقدير ، إن هذا الحـال (: فقال األب الصالح

ني عليه ، على أن أبذله فـي ني فيه ، وآمنمكنليس مالي وال مالكم ، إنما هو مال اهللا ،

وجوهه ، فللقراء حقهم ، وألبناء السبيل نصيبهم ، والطيور والبهائم طعامها ، وما فضل

.م بعد ذلك فهو لي ولك

شـابا طريـا ، التزمتها ال بذلك يزيد ، وقد مثم ذكرهم أن هذا حكم اهللا ، إن ال

. فكيف أتركها شيخا فانيا

، وجسمي قد نحل ، وعودي قد ذوى أشهب ها أنتم ترون شعري قد : وقال لهم

ن وإنكـم سـترثو : واألسقام أخذت سبيلها إلي ، ولن ألبث إال قليال حتى ألقى اهللا تعالى

فإن اهللا وعد كل منفق خلفا ، إن اتعظتم : هذا البستان والمال والنعم ، وأنتم بين خطتين

.تلفا وإن بخلتم ، فإن اهللا أنذرك

.ع بالهدى واإليمان والصدق ومحبة الناس شت: الصالح الرجلوصية كذا هي

ر حاله ثم لم يلبث الشيخ مدة حتى توالت عليه األسقام ، ومضت إلى اهللا على خي

.وأحسن خاتمة

توالت األيام سراعا ، وتهيأت الحديقة للجني ، ودنت ثمارها للقطوف ، وتسامع

.الفقراء ، وهبوا كعادتهم السنوية

ليس للفقراء منها : ألول ، فقال اوأحس األبناء بخطر الفقراء ، فبدأوا يتشاورون

.ثمره كيف يشاء ينصيب صيب ولكلحق وال ن

تأمنون وحدهم وهو أقرب بهم للوالد ، إنكم إن حرمتم الفقراء ، ال وقال أوسطهم

ـ فـإن اهللا يمنهم شرا أو اعتداء ، امنحوهم حقهم ، واذهبوا منها مذهب أبيكم ، وما بق

. ينميه

.قترح شيئا فيما ال تملك تال : فصاحوا في وجه أخيهم

وقد تردكم إلى الحقر ، نها تنهي عن الفحشاء والمنكإ: ثم أرشدهم للصالة قائال

. ما استجابوا له وتعطف قلوبكم إلى الفقراء ، ولكن

قطفها مع طلوع الفجر وظلمته ، قبل استيقاظ بكروا ليخلص اجتماعهم إلى أن ثم

إذ أقسـموا ليصـرمنها مصـبحين وال يسـتثنون : الفقراء ، كما قال تعـالى

] . 18 – 17: القلم [

يض قصدهم ، حيـث أرسـل نيتهم ، وخبث طويتهم ، فعاملهم بنقفعلم اهللا سوء

على البستان ، حاصبا من السماء ، قلع نبتها ، وأسقط شجرها ، وبدد أوراقها ، فعادت

. كالصريم وهو الليل األسود

ئمون فأصـبحت فطاف عليها طائف من ربك وهم نـا : قال تعالى مبينا ذلك

] . 20 – 19: القلم [ كالصريم

لؤمهم تدمرت الحديقة واسودت ، وهؤالء اللئام ال يشعرون ، عازمين على تنفيذ

فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فـانطلقوا وهـم وبخلهم

يتخافتون أن ينكسم كمم عليخلنها اليوال يد ] 24 - 21: القلم . [

تنادوا للذهب صباحا مبكرين لجذها ، وأخفوا سرا بينهم ، أن ال يدخلنها اليـوم

ال تمكنوا اليوم فقيرا يدخلها ، واندفعوا وهم في حالة : عليكم مسكين ، أي يقول بعضهم

] . 25: القلم [ وغدوا على حرد قادرين ساكين من الغيظ والحقد على الم

رأوا حديقـة سـوداء ! وصل هؤالء األبناء إلى الحديقة ، فما صدقوا ما رأوا

فلمـا قال تعـالى . مدلهمة ال ثمر وال زرع وال عنب ، فظنوا أنهم أخطأوا الطريق

.والمعنى أخطأنا الطريق ] . 26: القلم [ رأوها قالوا إنا لضالون

] 27: القلم [ بل نحن محرومون : فقالوا : نظروا ودققوا ، فعلموا أنها هي

. إنها هي الجنة ، لكن الحظ لكم فيها وال نصيب

] 28: القلم [ قال أوسطهم ألم أقل لكم لوال تسبحون فقال أوسطهم وخيرهم

إنها حديقتكم حرمتم منها قبـل أن يحـرم وتشكرون على ما أعطاكمأي هال تسبحون

.الشحيح ىوجزيتم بأسوأ ما يجازالفقير ،

اعترفوا حيث . ] 29: القلم [ قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين فندم األخوة

. ال ينفع الندم

فأقبل بعضهم على المساكين وبخس لبخل ثم طفقوا يلوم بعضهم بعضا على ا

أي اعتدينا وبغينا ، ] 31 - 30: القلم [ بعض يتالومون قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين

راغبون عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا: فأصابنا ما أصابنا ، ثم قالوا

: نقل عن ابن مسعود أنهم تابوا وأخلصوا وأن لهم هللا جنة يقـال لهـا ] . 32: القلم [

.الحيوان

: القلم[ كذلك العذاب ولعذاب اآلخرة أكبر لو كانوا يعلمون : ثم قال تعالى

حق المسكين والفقير ، ثم رغم مـا زيناكم بها لبخلكم ومنعكماإن هذه العقوبة ج ] . 33

. لقيتم ، فإن عذاب اآلخرة أعظم وأشد لو علمتم وتفكرتم

:أما فوائد هذه القصة

مكة حين امتن اهللا عليه رحمة النبوة ، فقـابلوه إن هذه القصة ضربها اهللا مثال ألهل )1(

ـ . بالكذب والمعاندة ق اهللا فيهـا وأهل الجنة امتن اهللا بالحديقة المزهرة فلم يؤدوا ح

. فعاقبتم

وآتوهم مـن مـال استأمنهم عليه ، وأوجب فيهم حقوقا مال األغنياء مال اهللا إن )2(

ي آتاكمالذ الله ] 33: النور . [

.في القصة ذم البخل والشح ، وأن اهللا قد يعجل العقوبة ألصحابها )3(

.وأيضا فضل الكرم واإلحسان إلى الناس )4(

.فيه ، وليس بحفظه وحراسته اء المال وبركته في بذله وإخراج حق اهللا إن نم )5(

.بيان شؤم عاقبة البخل ، وأنه قد يكون سببا في ذهاب المال ، ومحق الثروة )6(

.مشروعية االعتراف بالذنب والظلم وعدم المكابرة )7(

].28: القلم [ تسبحون قال أوسطهم ألم أقل لكم لوال وجوب اإلنكار عند الخطأ )8(

.إثبات البالء واالمتحان في هذه الحياة )9(

.االعتراف بالذنب سبب إلى التوبة كما قد حصل منهم )10(

.إن عذاب الدنيا أهون من عذاب اآلخرة )11(

. وال يستثنون : مشروعية االستثناء في القسم ، قال )12(

:، وإن قدره نافذ سريع كما قيل خلق المخلوق أمام قدرة اهللا ، ومشيئته في الضعف )13(

دع المقادير تجري فـي أعنتهـا

ــال ــالي الب ــامن إال خ وال تن

ما بين طرفة عـين وانتباهتهـا

يغير اهللا من حـال إلـى حـال

وا املوفق ،،

قصة يونس عليه السالم) 9(

اس إلى في العراق ، طغت ظلمات الشرك ، وانصرف الن) نينوي(هناك في بلدة

يونس بن متـى أوثان ال قيمة لها ، وأصنام ال فائدة منها فأرسل اهللا إليهم نبيا منهم هو

.عليه السالم فدعاهم إلى التوحيد وعبادة اهللا وحده ، وأن ينبذوا تلك األوثان

.إن اهللا أرسلني هداية لكم ، ورحمة بكم ألدلكم عليه وأرشدكم إليه : وقال لهم

يألفوه ، كبر عليهم أن يروا واحدا كالمه حيث سمعوا كالما لم فدهش القوم من

.ينصب نفسه نبيا عليهم منهم

عبـدها ما هذا القول الذي تهذر به والبهتان الذي تدعو إليه ، هذه آلهة : فقالوا

.ونعبدها نحن اليوم آباؤنا من قبل

بإقناعهم بأن هذا ثم عاد يونس عليه السالم بالتذكير والنصح مرة أخرى محاوال

.هو الدين الحق

ما لكم تعرضون عن هذا الدين الذي أدعوكم إليه ، وهو يأمركم بما : وقال لهم

.فيه صالح أموركم ، واستقامة أحوالكم ، وتقويم جماعتكم

إنه يأمر بالمعروف ، وينهي عن المنكر ، ويبغضكم في الظلم ، ويحبب إلـيكم

. العدل

وبماذا ردوا ؟ ه له ، فكيف كان جواب قوم

مـا أنـت إال بشـر مثلنـا متعنتـين أجابوه بجواب الجاهلية ، وبحجة ال

] . 186: الشعراء [

بالهوادة واللين وجادلتكم بالتي هي أحسن ، فإن أمنـتم يا قوم لقد دعوتكم : فقال

.فهذا الخير الذي أرجوه

ترون طالئعه ، وتقدم إلـيكم نازال ، قعا وبالء واوإن أبيتم ، فإني أنذركم عذابا

.دالئله

يا يونس ، ما نحن بمستيقنين لك ، وال خائفين ( : ثم ردوا عليه بعد هذا الوعيد

) . من وعيدك ، فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين

فرحل عنهم مغاضبا لهـم ، لم يطق يونس بعد ذلك صبرا ، بل ضاق بهم ذرعا

وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لـن نقـدر : من إيمانهم ، كما قال تعالى يائسا

هعلي ] 87: األنبياء . [

ولم يكن يبعد يونس قليال عن نينوي ، حتى وافت أهلها نذر العذاب ، واقتربـت

: منهم طالئع الهالك

.اغبر الجو حولهم -

.تغيرت ألوانهم -

. وتشوهت وجوههم ، ونتج عن ذلك قلق ألم بهم ، وخوف داخلهم -

عندئذ أن دعوة يونس دعوة حق ، نذارته صدق ، وأن العذاب واقع ال محالة فعلموا -

.وأنه سيصيبهم ما سمعوه عن عاد وثمود وقوم نوح

فيؤمنوا ، ويعلنوا توبتهم وأثناء ذلك ، وقع في نفوسهم أن يلجأوا إلى إله يونس ،

.واستغفارهم

شغاف الجبال ، ووصلوا الصحراء ، شـاكين متضـرعين وبالفعل خرجوا إلى

وأوالدهـا ، والغـنم وحمالنهـا ثـم وفصالنها وفرقوا بين األمهات وأطفالها ، واإلبل

الغنم ، وكانت ساعة وثغت ت اإلبل ، وخارت البقر ، ، فصاحت األمهات ، ورغأعول

مته ، ورفع عنهم نقمته ، وقبـل اهللا تـوبتهم ، إذ كـانوا عظيمة ، بسط اهللا عليهم رح

.مخلصين في توبتهم ، صادقين في إيمانهم

.وتمنوا بعد ذلك لو يعود يونس ، ليعيش بينهم رسوال ونبيا ، ومعلما وإماما

ها فلوال كانت قرية آمنت فنفعها إيمان: قال تعالى مشيرا إلى حال قوم يونس

إال قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الـدنيا ومتعنـاهم إلـى

] . 98: يونس [ حين

، بنبيهم رفع اهللا عنهم العذاب بسبب إيمانهم وتوبتهم ، فلم توجد قرية آمنت كلها

.م تابت وأنابت إال قوم يونس وأيضا رأت عالمات العذاب ، ث

أما يونس لما انتهى إلى البحر ، وجد أناسا مسافرين فسألهم أن يركبوه ففعلـوا

.وأنزلوه منزال كريما ، ومقاما عزيزا ، لما الحظوا عليه آثار التقوى والصالح

ولكنهم ما ابتعدوا عن الشاطئ ، وجاوزوا البر ، حتى هاجت األمواج ، وتوقـع

. ب سوى المصير ، وأحسوا بالهلكة الركا

لعل مـنكم مـن : وقالوا . ثم تشاوروا ، فاصطلحوا على أن يخففوا من المتاع

.، فوقعت القرعة على يونس ، ثم أعادوها أساء ، فاستهموا

فعلم يونس أن وراء ذلك سرا ، وأن هللا في ذلك تدبيرا ، وأدرك أنه أخطأ حيث

رة ، أو يستخير اهللا في الرحيل ، فألقى بنفسه في البحر رحل عن قومه قبل اإلذن بالهج

.فيها يتقلب وأسلم نفسه لألمواج ،

وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون وهو ما عناه اهللا بقوله

وت وهالح ين فالتقمهحضدالم نفساهم فكان م يملو م ] 142-139: الصافات . [

.أوحى اهللا إلى الحوت فابتلعه على أن ال يأكل لحمه ، وال يهشم عظمه

واستقر به الحال في الحوت الكبير ، يشق به األمواج ، ويهوي إلى األعماق في

ومفـزع فضاق صدره وفزع إلى ملجأ المضطرين ظلمات متضاعفة ، وشدائد صعبة ،

فنادى في الظلمات أن ال إله إال أنت سـبحانك : المكروب المشهور ودعا المنكوبين

] . 87: األنبياء [ إني كنت من الظالمين

) صوت معروف من عبد معـروف : (فسمعت المالئكة صوته ، فعرفته وقالت

فنبذناه بالعراء وهو سقيم اء ألقه في العرفاستجاب اهللا دعاه ، وأوحى للحوت أن فلـوال أنـه كـان مـن . قيل باليمن وقيل على جانب دجلة ] . 145: الصافات [

مـن ] . 144 - 143: الصـافات [ المسبحين للبث في بطنه إلى يـوم يبعثـون

. لح سابق المستحسن قبل المصلين أوله عمل صا

ه اهللا بأن أنبت عليه شجرة مـن مخرج من الحوت وهو عليل سقيم ، هزيل فرح

يقطين طعم من ثمرها ، واستظل بورقها ، حيث أن هذه الشجرة ال تقربها الحشرات قال

ـ [ فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين تعالى ] . 88: اء األنبي

ولما استوى وعوفى لما جاءه ، أمره اهللا أن يرجع إلى بلده ، وأخبره أنهم آمنوا ، وقـد

. نبذوا األصنام

فاصبر لحكم ربك وال تكـن قال اهللا تعالى لرسول محمد صلى اهللا عليه وسلم

ال أنلو و مكظومإذ نادى وه وتب الحـو كصاحوه لنبذ بالعراء هرب نمة معن تداركه

] . 50 - 48: القلم [ مذموم فاجتباه ربه فجعله من الصالحين

:هذا ملخص القصة وفيها فوائد

.سعة رحمة اهللا وعظيم عفوه لمن تاب وأقبل )1(

.أهمية الصبر في حياة المسلم والداعية )2(

إنه لما قـال : فضيلة يونس عليه السالم وأن له سابقة حسنة عند اهللا ، ويذكر )3(

هذا صوت ضـعيف : فقالت المالئكة تحن عند العرشجاءت الكلمة : الدعاء

هـذا : ال قـال : أما تعرفون هذا ؟ قالوا : معروف ، من بالد غريبة ، فقال اهللا

ع له عمل صـالح ودعـوة يا رب هذا عبدك الذي ال يزال يرف: يونس ، قالوا

أفال ترحم ما كان يعمله في الرخاء فنجيه من البالء : نعم قالوا : مستجابة قال

ما ينبغي ألحد أن يقول أنا (فنبذه في العراء ، وفي الصحيحين فأمر اهللا الحوت

) .من يونس بن متى خير

.تعرف على اهللا في الرخاء يعرفك في الشدة )4(

) .ال إله إال أنت سبحانك إني كنت من الظالمين(مة فضيلة الدعاء بهذه الكل )5(

.وأنها عامة ألهل اإليمان )6(

دعوة ذي النـون إذ (وقد جاء في فضل هذه الدعوة ما رواه الترمذي والنسائي

فإنه لم يدع بها مسلم سبحانك إني كنت من الظالمين هو في بطن الحوت ال إله إال أنت

) .شيء قط إال استجاب له ربه في

إال قوم يونس لما آمنوا فضل قوم يونس بعد توبتهم ، حيث أثنى اهللا عليهم )7(

] .98:يونس[ كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين

فآمنوا فمتعنـاهم خروي لقوله رفع عنهم العذاب الدنيوي واألإنهم بإيمانهم )8(

] . 148: الصافات [ إلى حين

.إن اإليمان طريق للسعادة والمتاع والحياة الطيبة )9(

سرعة نباته ، وتظليل ورقه لكبـره : له فوائد أن وقد ذكر اليقطين فضل شجر )10(

طبوخـا ، ه ، وأنه يؤكل نيئـا وم يفر منها الذباب ، وجودة ثمرنه أونعومته ، و

. وقشره أيضا

مـن الدعاء ويتبعه يحب أنه كان وقد صح عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

. الصحفة كما جاء في الصحيح نواحي

. إني كنت من الظالمين ضرورة اعتراف لعبد بخطيئته )11(

إلـه إال ال ال مخرج للعبد في الشدائد إال بالرجوع إلى اهللا وتصحيح التوحيد )12(

ولشيخ اإلسالم ابن تيمية كالم طويل في الفتاوى في فضل هذه الدعوة . أنت

.وكشف أسرارها

وا املوفق ،،

قصة أصحاب السبت) 10( وهم طائفة من بني إسرائيل من قوم موسى عليه السالم ، كانوا يسـكنون بلـدة

.على شاطئ البحر األحمر ) ةلأي(تسمى

قومه عن أعمالهم الدنيوية يوما كـل تعليم اهللا لنبيه موسى ، أن ينقطع وكان من

.دون اهللا فيه ، ويذكرونه ويعظمونه بأسبوع يع

.لكن رغبوا أن يكون يوم السبت ادتهم ، بواختار اهللا لهم يوم الجمعة لع

وكان موسى يأتيهم في هذا اليوم مذكرا ومرشدا ، ثم توالت األيام وهم على ذلك

من تعظيم السبت ، وعدم مزاولة أي عمل من صيد أو آبائهم ار األبناء على طريقة وس

.صناعة أو تجارة فيه

األمة ، بأن جعل األسماك والحيتان تغدو يوم سبتهم شـرعا هذه ابتلى اهللا ن إثم

.السبت اختفت قفل سمانا ، ليختبر إيمانهم وصبرهم فإذا بيضا

شغولون بالذكر والتسبيح ، يخرجون األحـد فـال وال يستطيعون السبت ألنهم م

واسـألهم عـن : في كتابه العزيز يجدون ما يجدونه السبت وهو ما قصه اهللا علينا

همتم سـبيـو ميتانهح يهمإذ تأت تبي السون فدر إذ يعرة البحي كانت حاضالت يةالقر

]. 163:األعراف[ ويوم ال يسبتون ال تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون شرعا

خوانهم الذين خالفوا أمر اهللا عندما إأي اسأل يا محمد من حولك من اليهود عن

. حرم عليهم الصيد يوم السبت

.ظاهرة على الماء : عا رش

أي بسبب فسقهم وخروجهم عن نبلوهم بما كانوا يفسقون كذلك قال تعالى

.طاعة اهللا ابتليناهم

هم رؤية األسماك الكثيرة يوم السبت ، وشحها يوم األحـد ، ءالمهم إن هؤالء سا

هم ، نبيفتحركت دواعي الطمع فيهم ، وثارت عوامل الجشع عندهم ، وغفلوا عن تعليم

ما بالنا نترك الحيتـان (ا به ، فتشاوروا ما يصنعون فقال بعضهم ونسوا حظا مما ذكرو

في يوم تكثر فيه وتزيد ، ونأتي لصيدها في أيام ، فال تصل إال بجهد ومشقة ، فال سبيل

.إليها إال يوم السبت ، فصادوها ، وغنموا منها الكثير

ا فيـه ، وقيل بل أوحى إليهم الشيطان إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت فخـذوه

.وكلوها في بقية األيام

بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها يوم السبت وهـؤالء : وقالت طائفة أخرى

.الصالحون

.لكن فعلوا ما عزموا عليه ، وصادوها يوم السبت ، اليوم المحرم عليهم

علم الصالحون ما صنع إخوانهم ، فخرجوا إليهم وذكروهم ، فما زادهم ذلك إال

ا وإمعانا في غيهم ، فثار أهل اإليمان وحملوا أسلحتهم لمنع هؤالء من دخـول استهتار

.القرية

إن القرية لنا ولكم ، وال حق لكم في دفعنا عنها ، إنهـا موطننـا : فقال العصاة

.ومحط رزقنا ، فإن صممتم على ذلك فلتقاسمونا القرية ، ونبني حائطا بيننا وبينكم

لقرية ، وانفردت كل طائفة بحظها ، وشغل الفسـاق ابقسمة ورضى الصالحون

.بلهوهم وصيدهم ، وصنعوا سدودا للحيتان يوم السبت ، وصادوها األحد

ومع ذلك لم يغفل المؤمنون من نصحهم وتحذيرهم عذاب اهللا ، بل لما قال لهـم

رة إلى معذ(بعض إخوانهم لماذا ينصحون أناسا قد هلكوا ، واستحقوا عقوبة اهللا ، قالوا

وإذ قالت أمـة مـنهم لـم أي فيما أوجب علينا من األمر والنهي ، قال تعالى ) ربكم

ـمولعله كـمرة إلـى ربـذيدا قالوا مععذابا شد مهعذبم أو مكهلهم ما اللهظون قوتع

] . 164: األعراف [ يتقون

:فانقسمت القرية إلى ثالث طوائف

.طائفة باغية عاصية )1(

.وطائفة أعرضت وسكتت )2(

.وطائفة صالحة صدعت وأنكرت )3(

والمهم أن هؤالء الفساق لم يزالوا على حيلتهم ومخالفتهم لنبيهم وعصيانهم حتى

.تزلزلت عليهم أرضهم ، وفرح المؤمنون : قيل . جاءهم عذاب اهللا الشديد

فلما عتوا عن ما نهوا عنه : لى قردة وخنازير ، قال تعالى ومسخ الفساق إ

أي ذليلين ذهب إلـيهم بعـض ] . 166: األعراف [ قلنا لهم كونوا قردة خاسئين

جيرانهم يسألونهم أشياء فوجدوا المدينة مغلقة فنادوهم فلم يجيبـوا ، فتسـوق بعضـهم

.عياذ باهللا من ذلك ... القرد يدنو مما يعرفه ، ويتمسح به فرآوهم قردة ، فجعل

ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم : وفي موضع قال تعالى في أصحاب السبت

ـ ا خلفهـا في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكاال لما بين يـديها وم

] . 66: البقرة [ وموعظة للمتقين

..عصوا وبدلواأي قد علمتم يا معشر اليهود ما حل بأصحابكم يوم السبت ، لما

: قيل

.ت قلوبهم خمس )1(

.وقيل الشباب قردة والشيوخ خنازير )2(

.رجالهم ونساؤهم لها أذناب تعاوي قردة وقيل بل صاروا )3(

س حقيقة ألن فعلهم في الشكل ، ولي يلشبهها باألناسم قردة ، والحكمة في مسخه

.كان تحايال لنسيان الحق ، وهو مخالف له في الباطن

.مآل القرية ، فقد هلك الفساق ونجا المؤمنون أما

فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عـن السـوء : كما قال تعالى

] . 165: األعراف [ وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون

!هل هلكوا أم نجوا ؟: ما حالهم . واختلف العلماء في الفئة الثالثة الساكنين

.إنهم من الناجين بفضل اهللا ورحمته : واألرجح األقرب

اس فوجده يبكي ، وإذا المصـحف فـي وجاء عن عكرمة أنه دخل على ابن عب

تعرف أنك فتال اآليات وخـرج : ما يبكيك ، جعلني اهللا فداك ، فقال : جره ، فقال له ح

فأرى الذين نهوا قد نجوا ، وال أرى اآلخرين ذكروا ، ونحـن : له خبر القرية ثم قال

ال ترى أنهم قـد جعلني اهللا فداك ، أ: نرى األشياء وال ننكرها ، وال نقول فيها ، فقال

لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عـذابا شـديدا كرهوا ما هم عليه وقالوا

.فأمر لي فكسيت ثوبين غليظين : قال ] . 164: األعراف [

قبـل أن يتبـين لـه الأوبه نهم من الهالكين ، لكن لعله قال أرواية هوجاء عن

.محاله

:فوائد القصة

.بيان تعنت بني إسرائيل ، ومخالفتهم ألوامر اهللا )1(

.اختالف النفوس في ميالنها للخير أو الشر ، أو الصالح والفساد )2(

.وجوب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه سبب النجاة )3(

نت حاضـرة واسألهم عن القرية التي كااالتعاظ بمصير العصاة والمخالفين )4(

البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يـوم سـبتهم شـرعا ويـوم ال

]. 163:األعراف[ يسبتون ال تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون

.بيان شدة عذاب اهللا لمن خالف واستكبر )5(

وقد جاء في الحديث بسند جيد يم الحيل ، وهي ما يتوصل بها إلى محرم ، تحر )6(

) . ال ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم اهللا بأربى الحيل(

.ألهل اإليمان الناصحين في كل زمان ومكان حفظ اهللا )7(

.في هذه الحياة ، وأنها ظرف المحن واألحداث إثبات االبتالء )8(

وإذ تـأذن ربـك : على أهلها ، فقد قال تعالى بعد ذلك بيان شؤم المعصية )9(

ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب

يمرح لغفور وإنه ] 167: األعراف . [

.سنة 13عليهم الخراج سبع سنين وقتل إن موسى ضرب : ومن ذلك

ين ، ثم صـاروا إلـى قهـر نيثم صاروا إلى قهر الملوك من اليونانيين والكلدا

.النصارى وإذاللهم

عيسى وهم المسلمون معيقتلهم ثم قهرهم عن صلى اهللا عليه وسلم وأصحابه ثم

.مع الدجال

. إثبات المسخ في األمة ، وأنه صورة شديدة من عذاب اهللا )10(

.بيان أن الظلم واالعتداء من أسباب غضب اهللا )11(

قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ظهور حجة الصالحين على الساكتين )12( ] . 164: األعراف [

اليهود الكاتمين لصفتك فـي واسألهم هذه القصص بمثل وعظ المخالفين )13(

. كتبهم وقد عرفوها

تعاىل أعلم ،،وا

قصة لوط عليه السالم) 11( يهو نبي من أنبياء اهللا المرسلين واسمه لوط بن هارون بن آزر ، وهو ابن أخ

وقد كان آمن مع إبراهيم عليه السالم ، وهاجر معه إلـى أرض . إبراهيم عليه السالم

. الشام

عوهم إلى اهللا ويأمرهم وما حولها من القرى تد) دومسأهل (ثم إن اهللا أرسله إلى

م والفواحش التي اخترعوها ، وهـي آشبالمعروف ، وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من الم

ما سبقكم بها من أحد مـن العـالمين : كما قال تعالى ون النساء ، إتيان الذكور د

] . 28: العنكبوت [

:ا أصحاب أخالق فاسدة ونوايا سيئة فهذه القرية تميزت بالخبث والخبائث فكانو

.عن معصية ينفكون ال -

.وال يتناهون عن منكر فعلوه -

.وكانوا من أفجر الناس وأقبحهم سيرة -

.يقطعون الطريق ، ويخونون الرفيق -

.ما حمل هيتربصون لكل شار ويسلبون -

ـ ى وزادوا إلى ذلك الفاحشة النكراء ، الجريمة الشنعاء ، وهي إتيان الذكور عل

النساء ، وليتهم استتروا ، بل أشاعوا هذا المنكر وحملوا الناس على مشايعتهم والعيـاذ

.باهللا

أن يدعوهم إلى اهللا ، وينهاهم عن تلك الفواحش حينئذ أوحى اهللا تعالى إلى لوط

.والجرائم

لوط أال تتقون إني كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم : قال تعالى

ري إال على ربأج ر إنأج نم هعلي ألكمون وما أسيعفاتقوا الله وأط ينول أمرس لكم

م كمرب ون ما خلق لكمين وتذرالعالم نين أتأتون الذكران مالعالم بل أنـتم واجكمأز ن

] . 166 - 160: الشعراء [ قوم عادون

:فهذه الرسالة النبوية من لوط حوت أمورا

.سائر األنبياء بإنهم كانوا كفارا ، وبكفرهم بلوط كأنهم كفار )1(

.دعاهم إلى تقوى اهللا )2(

.أخبارهم بصدق رسالته وإمامته )3(

. هم بالتقوى وبطاعتهتوصيتثم )4(

.وليس همي األجر وال المال )5(

.استنكاره عليهم إتيان الذكور وترك األزواج )6(

. بل أنتم قوم عادون صفهم باالعتداء ثم و )7(

قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين ! فكيف كان ردهم عليه ؟ ] . 167: الشعراء [

قالوا أخرجوا آل لوط في واإلخراج من القرية ، وفي موضع آخر هددوه بالن

باتت الطهارة عندهم شيئا منكرا ، ] . 56: النمل [ من قريتكم إنهم أناس يتطهرون

.فقد طبعوا على الفساد والقذارة

ي لعملكم من القالين قال إن ، قال لهم غيهم ولما رأى أنهم مصرون على .أي من المبغضين ] 168: الشعراء [

ثم إن لوطا استمر في دعوتهم وتحذيرهم نقمة اهللا ، وحـذرهم عاقبـة سـوئهم

وفسادهم ، فما ازدادوا إال عنادا واستهزاءا ، عندئذ سأل لوط ربه أن ينصره على القوم

] . 169: الشعراء [ مما يعملون رب نجني وأهلي المفسدين

أجاب اهللا دعوة لوط ، وحقق له مطلبه ، وبعث إلى أهل هذه القريـة الظالمـة

فمروا أوال بدار إبراهيم عليه السـالم ، مالئكة لتنزل عليهم عذابا ورجزا من السماء ،

ـ ديهم إلـى الطعـام فظنهم عابري سبيل ، فقدم لهم ما يقدم لألضياف لكنهم لم يمدوا أي

. فنكرهم وأوجس منه خيفة

:وهو ما ذكره اهللا تعالى في مواضع

ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سالما قال سالم فمـا : قال تعالى

ل إليال تص ميهدا رأى أيفلم يذل حنججاء بع يفة قالوا لبث أنخ منهجس موأو مرهنك ه

م لوطلنا إلى قوسال تخف إنا أر ] 70 - 69: هود . [

استفسرهم إبراهيم عليه السالم ما الذي جاء بكـم ثم ثم إنهم بشروه بغالم عليم ،

سلون قالوا إنرها المأي كمينقال فما خطبرمجم ملنا إلى قوسا أر ] 58-57الحجر [

.لننزل بهم عذاب اهللا ، جزاء ما كذبوا لوطا وما فعلوا من الموبقات واآلثام

إن فيهـا لوطـا ، : فاشتد حزن إبراهيم عليه السالم ، فأخذ يجادلهم ويقول لهم

ولما جاءت رسلنا إبـراهيم :وكان يرجو توبتهم وإنابتهم إلى اهللا تعالى ، قال تعالى

بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيهـا لوطـا

: العنكبوت [ نت من الغابرينقالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إال امرأته كا

.أي من الهالكين ، ألنها كانت تعينهم على كفرهم وفسادهم ] 32 – 31

وأخذت المالئكة تؤنس إبراهيم وتطمئنه إن اهللا سـينجي لوطـا والمـؤمنين ،

.وبشروه بالولد الصالح من سارة وهو إسحاق عليه السالم

، فلمـا دخلـوا ) شبان حسان(وم في صورة ثم دخلت المالئكة وانطلقت إلى سد

واعتذرت من ذلك ، فأشفقت ا فسألوها أن تضيفهم هلماء ألهلقي اتوجدوا جارية بيت تس

. فها عبض

أرادك فتيان على باب المدينة ، ما رأيت : (ثم عادت إلى أبيها لوط ، فقالت له

، فـأحس )موجوه قوم أصبح من وجوههم ، وأخاف أن يعلم بأمرهم قومك فيفضـحوه

، وحدثته نفسه بأن يرسل لهم معتذرا ، لكن الحرج والضيق ، وتردد في ضيافتهملوط ب

الكرم هزته ، فانطلق إليهم مسرعا متخفيا عن عيون قومه ، وكانوا قد حـذروه أريحية

.أن يلتقي بأحد وال يستضيف أحدا

كان كئيبا حزينـا ب بهم ، وأخذهم إلى منزله ، لكنهفوصل إلى المالئكة ، ورح

.أن يعلم بهم قومه

ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهـم ذرعـا : قال اهللا تعالى

ن وقالوا ال تخف وال تحزن إنا منجوك وأهلك إال امرأتك كانت من الغابرين إنا منزلـو

.] 34 – 33: العنكبوت[ على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون

قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلـك : وفي موضع آخر

م أحد إال امرأتك إنه مصيبها ما أصـابهم إن موعـدهم بقطع من الليل وال يلتفت منك

] . 81: هود [ الصبح أليس الصبح بقريب

تستر لوط على األضياف لكن علمت زوجته بأمرهم ، فانطلقت وأخبرت قومها

: هرعـون إليـه ، قـال تعـالى عن الشباب الثالثة وعن جمالهم وصباحتهم فاندفعوا ي

ون واتقـوا اللـه والي فال تفضحفضي هؤالء ون قال إنرشتبيس ينةل المدوجاء أه

نهم لفي تخزون قالوا أولم ننهك عن العالمين قال هؤالء بناتي إن كنتم فاعلين لعمرك إ

] . 72 - 67: الحجر [ سكرتهم يعمهون

نفوسهم للمنكـر العظـيم ، فأخـذ يناشـدهم جاشت أحاطوا بمنزل لوط ، وقد

قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد قال ويذكرهم باهللا فقالوا

] . 80 – 79: هود [ ن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديدلو أ

عندئذ إنهم رسل اهللا ، وأنهم مفاتيح عذاب هذه القريـة فأخبروه فعلمت المالئكة

.الخبيثة

فجاء جبريل عليه السالم فضرب وجوههم بجناحه فطمس أعينهم ، فرجعوا وهم

ولقد راودوه عن ضيفه فطمسـنا : العذاب قال تعالى ال يهتدون فهو وعد أن يأتي ب

] . 37: القمر [ أعينهم فذوقوا عذابي ونذر

بهـم ، ثم أمروه أن يسير في آخر الليل هو وأهله وال يتلفت للعـذاب إذا حـل

عـذاب التفـت ته خرجت معه ولما سمعت صـوت ال أوبالفعل حمل متاعه وأهله وامر

إنه مصيبها مـا أصـابهم إن واقوماه فجاءها حجر من السماء فقتلها ، قالوا : وقالت

] . 81: هود [ موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب

نا عليها حجارة من فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطر : قال تعالى

يدين ببعالظالم ني مك وما هند ربمة عسوم وديل منضجس ] 83 - 82: هود . [

أي حجارة من طين منضود متتابعة ، مسومة ، معدة ومكتوب عليهـا أسـماء

. لظالمين ببعيد وما هي من ا . ورفعها جبريل إلى السماء . أصحابها

:هذه قصتهم العجيبة وفيها فوائد

.خبث الجريمة التي حملها قوم لوط وإنهم قد تميزوا بها وسبقوا بها )1(

حرمة اللواط وشناعته من األمم السابقة وكذلك في شريعتنا هو محـرم ومـن )2(

خبر قـوم لوال أن اهللا حكى علينا (وقد قال الوليد بن عبد الملك .كبائر الذنوب

وهذا يـدل علـى عفتـه وتمـام خلقـه ) لوط ، لم صدقت أن ذكرا يعلو ذكرا

.ورجولته

من وجدتموه يعمل عمل (وقد صح في الحديث عظم عقوبة فاعل هذه الرذيلة ، )3(

) .قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به

ولذلك اتفق الصحابة بال خالف على قتل اللوطي ولكن اختلفوا فـي الكيفيـة ،

.في المدينة ثم تصب عليه حجارة رمي من أعلى شاهق يحرق وقيل برجم وقيل ي: فقيل

وهـو اهللا أو آوي إلى ركن شديد وجوب الفرار إلى اهللا واالعتماد عليه )4(

.تبارك وتعالى

.وفي ذلك أهمية حشد الداعية األتباع واألنصار له في مثل هذه الظروف )5(

.يف إكرام الض مشروعية )6(

. مشروعية األمر والنهي )7(

. هؤالء بناتي إن النبي يعتبر والدا لقومه )8(

.إن الزواج سبب لطهارة اإلنسان وبعده عن المآثم والمناكر )9(

. إن الظلم وغلبة الفواحش من أسباب الهالك )10(

إن العبرة باألعمال ال األنساب فها هي زوجة تخونه ، وتطـاوع قومـه فـي )11(

.م شركهم وعناده

قصة عيسى عليه السالم) 12( .وسوف نتحدث عن والدته هنا

.فين الذين أكرمهم اهللا عز وجل برسالته عيسى من أنبياء اهللا المصط -

.وجعله اهللا آية للعالمين ، حيث إنه جاء من أم بال أب -

وأمه هي المرأة الصديقة الصالحة مريم بنت عمران ، التي نـذرتها أمهـا للعبـادة -

.دمة في بيت المقدس والخ

مريم كعادتها وجلست تصـلي وتعبـد اهللا وتعظمـه في يوم من األيام اعتكفت

وتسبحه فأحست برهبة ، وخالطها اضطراب لم تألفه من قبل ، وتبدى أمامها ملك مـن

جاءها على صورة بشر ، لكيال تفر وتخاف ، ومـع ذلـك حاولـت الهـرب ، السماء

.وهي المرأة العفيفة الطاهرة زنيما معتديا أثيما وفاجرا ، واستعاذت باهللا منه ، إذ ظنته

واذكر في الكتاب مريم إذ انتبـذت : وهذا ما قصه اهللا علينا في سورة مريم

فتمثل لها بشـرا من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا

] . 18 - 16: مريم [ سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا

:د أمورا يفهذه اآليات تف

عن أهلها مكانا شرقيا قيل للعبادة ، وقيل لسقي الماء ، وتنحت إن مريم انتبذت )1(

.وقيل لمرض أصابها

.واحتميت بحيث ال يراها أحد أنها تواجدت )2(

.إن اهللا أرسل إليها جبريل على صورة بشر سوي )3(

إن كنت تقيـا إنها لما رأته أنكرته واستعاذت باهللا منه أن يصيبها بسوء )4( .فقد أشارت إلى أن المتقي هو من يعظم حرمات اهللا

جاء ليهب لها غالما بأنه رسول اهللا ، وطمأنها بأنه إنمالها الملك أبان بعد ذلك

كيف يكون لها ولد وليس لها زوج ولم : صالحا زكيا ، فاستنكرت أشد مما سبق وقالت

.تتلبس بالفجور

قال إنما أنا رسول ربك ألهب لك غالما زكيا قالت أنى يكون لي : قال تعالى

ي بشرنسسيم ولم آيـة غالم علـهولنج نهي و عليه كقال رب ا قال كذلكيبغ أكن ولم

] . 21 - 19: مريم [ للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا

فوضح لها الملك بأن هذا الولد آية من اهللا ، فهو هين في قدرته ، وسنجعله آية

.اللة على قدرة اهللا تعالى، وأنه خلق الناس ونوع خلقهم للناس ، ود

وأيضا جعله رحمة من اهللا للناس يذكرهم ويدعوهم إلى عبادة اهللا وحده ، كمـا

إذ قالت المالئكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منـه اسـمه المسـيح : قال تعالى

نيسى ابال عوكه دي المهالناس ف كلمبين ويقرالم نوم رةنيا واآلخي الديم وجيها فمر

] . 46 - 45: آل عمران [ ومن الصالحين

:وهنا جعل هذا الولد بشارة لها وليس فاجعة وال مصيبة

.يكون كلمة من اهللا كن فيكون -

.مكانة في الدنيا واآلخرة وهو وجيه له -

.وهو يدعو إلى اهللا في مهده وكهولته -

. وكان أمرا مقضيا وقدره كما قال قضى اهللا ذلك األمر

جيـب قدر اهللا عليها الحمل بهذا المولود الصالح المنتظر ، حيث نفخ الملك في

.درعها ، فنزلت النفخة حتى ولجت في الفرج فحملت بإذن اهللا

فلما حملت شعرت بالضيق والحرج ، حيث إنها امرأة عفيفـة ، ومـن أسـرة

صالحة ، فماذا ستقول للناس ، وهل سيصدقونها ؟ إن األمر كرب خطيـر ، ومصـاب

أسلمت أمرها لقضاء اهللا ، واحتملـت مـا دينها وصالحها ، بفضل جسيم عليها ، لكنها

: الذي جرى ، قـال تعـالى ييجرحصل لها ، وإن كانت تتمنى لو أنها ماتت قبل أن

تي متنقالت يا لي إلى جذع النخلة ا فأجاءها المخاضيمكانا قص فانتبذت به فحملته

] . 23 - 22: مريم [ قبل هذا وكنت نسيا منسيا

ر النساء تسعة أشهر ؟حصل الحمل لها ، وقد اختلف هل حملت كسائ

.حملت ووضعت مباشرة : قال بعضهم

.إنها حملت كسائر النساء وهذا أبلغ في الفتن والبالء : والذي عليه الجمهور

.وهو ما صوبه ابن كثير في التفسير

واألخبار تدل على أن مخايل الحمل ظهرت عليها ومن ذلك اتهام النـاس لهـا

هل يكون شجر من غيـر : (وسألها ) يوسف النجار(برجل صالح كان يخدم معها اسمه

) .حب ، وزرع من غير بذر

ولما حصلت التهمة لها خرجت هاربة من قومها مكانا قاصيا بعيدا ، ثـم لمـا

، ) بيت لحـم (في قرية تسمى قيلوصلت جذع نخلة بالية ضربها المخاض وأصابها ،

يا ليتني مت قبـل هـذا : وقالت ، اشديد اوهناك اشتد الكرب عليها ، وحزنت حزن

المصيبة ، ولم أطلق ، ولـم أخلـق ولـم أي ليتني مت قبل هذه وكنت نسيا منسيا

.وفيه جواز تمني الموت خشية الفتنة أعرف

ك تحتـك فناداها من تحتها أال تحزني قد جعل رب حينئذ جاءها الفرج من اهللا

وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا فإما سريا

: مريم [ ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا

جاءها الملك فناداها ال تحزني وال تيئسي إن اهللا قد جعل لكي سريا وهو ] . 26 - 24

.الصغير والنهر الجدول من الماء قيل هو بالسريانية

.وهزي بجذع النخلة تساقط عليكي رطبا جنيا أي ثمرا عجوة من النخلة

.لكالم صمتا ، كان من شريعتهم الصوم عن األكل وا) صوما(

وضعته وطعمت من النهر والتمر ، ثم أخذته وحملته إلى قومها ، وأرشدها اهللا

قالوا يا مريم لقد جئـت أن ال تكلم أحدا يسألها في طريق ، فلما وصلت إلى قومها

مرأ سـوء يا أخت هارون ما كان أبوك ا أي عظيما . ] 27: مريم [ شيئا فريا

] . 27: مريم [ وما كانت أمك بغيا

.لم تتكلم ، وعقد الحياء لسانها ، فالتزمت الصمت

!!وأشارت إلى المولود الصغير ، هو سيخبركم وسيحدثكم ما الخطب ؟

اصبي دي المهكان ف من ف نكلمقالوا كي هفأشارت إلي ] 29: مريم . [

فانطلق الصغير يتكلم بكل وضوع وفصاحة لم يدفع التهمة عن أمه ، لكن أخبر

قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيـا أن اهللا جعله نبيا وآتاه الحكمة والكتاب

الة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولـم وأوصاني بالص وجعلني مباركا أين ما كنت

: مـريم [ يجعلني جبارا شقيا والسالم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا

30 - 33 . [

:فهذه الكلمات العظيمات من عيسى حوت مسائل

.هللا إثبات العبودية )1(

.اصطفاء اهللا له بالكتاب وجعله نبيا )2(

.كان نفاعا للناس : إحاطته بالبركة أينما كان وقيل معناها )3(

.أهمية الصالة والزكاة )4(

أي مستكبرا عـن ولم يجعلني جبارا شقيا وفاؤه لوالدته بالبر واإلحسان )5(

تجد عاقا لوالديه إال وجدته ال: (قها بالبر قال بعض السلف عبادته ويحتمل تعل

) .جبارا شقيا

.إخباره بأنه عبد مخلوق خلقه اهللا ، وسيحيا ويموت ويبعث كسائر الخالئق )6(

قولـه بف األفئـدة ، ر العقول ، وخطكان المنظر مهوال ، والموقف عجيبا ، به

لبـراءة ومقاله ، فاختلف الناس فيه ، ما هذا الغالم وما قصته ، وهل وهو دليل كـاف

.أمه مريم

ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله قال اهللا تعالى

م بكأن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي ور

يمتقسراط مهذا ص وهدبفاع ] 36 - 34: مريم . [

فاختلف األحزاب من بينهم فويل في أمره واثم ذكر اهللا أن أهل الكتاب اختلف

] . 37: مريم [ للذين كفروا من مشهد يوم عظيم

:اختلفوا فيه على طوائف

.عليهم لعائن اهللا اليهود ولد زنا وكالمه سحر وهؤالء جمهور : قالت طائفة )1(

.إنما تكلم اهللا )2(

.هو ابن اهللا )3(

.ثالث ثالثة )4(

.هو عبد اهللا ورسوله ، وهذا مسلك أهل اإليمان )5(

ألن اهللا ال يعجزه في خلقه شيء ، وال يجوز في حقه الزوجة والولـد سـبحانه

. صاحبة وال ولداما اتخذ كما قال .وتعالى

:فوائد القصة

كمل مـن (يث فضل مريم عليها السالم ، واصطفاء اهللا لها وهذا صح في الحد )1(

) .الرجال كثير ولم يكمل من النساء إال مريم بنت عمران وآسيا امرأة فرعون

.على قدر دينه يبتلى إثبات البالء في هذه الحياة ، وأن المؤمن )2(

عجبـا (ر للمؤمنين إال خيرا ، قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إن اهللا ال يقد )3(

) .أن أمره كله له خيرألمر المؤمن

.تبرئة اهللا عن الصاحبة والولد وأن ذلك محال في حقه )4(

.براءة مريم من التهمة التي ألحقها بلها الجهلة )5(

ن ما كان أبـوك امـرأ يا أخت هارو الطيبة ال يخرج منها إال طيبا أن البيئة )6(

. سوء وما كانت أمك بغيا

.حرمة الزنا في الشرائع السابقة )7(

وهزي إليك بجذع النخلة إسباغ الرزق على أهل اإليمان ، ورعايتي لعباده )8(

. ينا تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري ع

. والصالح والتقوى العفة ل عظيم في مثإن مريم )9(

وفي ذلـك رد علـى . قال إني عبد الله إثبات عبودية عيسى هللا تعالى )10(

.النصارى من أدعياء التأليه والتثليث

.إن اهللا يحكم ال معقب لحكمه ، ويخلق ويأمر وال راد ألمره )11(

.وجعله نبيا ، وجعله ممن يتكلم في المهد اصطفاء اهللا لعيسى عليه السالم )12(

.جواز تمني الموت لمن خشى الفتنة )13(

.أهمية الماء والتمر للحامل )14(

.الوالدين بر فضيلة )15(

.أهمية الصالة والزكاة )16(

.إثبات البعث يوم القيامة )17(

أهل اإليمان مقرين بعبوديته ، وأنه عبـد اهللا اختالف الناس في عيسى ، ولكن )18(

. كال في ذلك ورسوله وال إش

وغري هذه من الفوائد ، و�كمل القصة يف الدرس القادم إن شاء ا

وا أعلم ،،

قصة عيسى عليه السالم_تابع ) 12( نكمل بقية قصة عيسى عليه السالم حيث نذكر نبوته ، وخبر المائدة من السماء

.والنهاية التي آل إليها عيسى

أكثر األطفال ، إال أن بوادر فضـله ، وعالمـات نشأ عيسى عليه السالم كما ينشأ •

نبوته بدأت تظهر للناس ، فحين يلعب مع أقرانه يخبرهم بما يأكلون وما يـدخرون

. في بيوتهم

وإذا حضر لمعلم القرية ، يصغى له بكل جد واهتمام ويعي ما يقولـه بكـل ذكـاء

.وفطنة

، وهناك اندمج مع الناس ، سنة 12إن أمه رحلت به إلى بيت المقدس ، وعمره ثم •

.ورأى الكهنة ، وسمع حديثهم ، ورد عليهم شبهاتهم

ثم حضر مجالس العلماء ، وانتفع بمجالستهم ، وخاض معهـم بالسـؤال والبحـث •

. والمناقشة حتى نسى دنياه ، وغفل عن طعامه ولباسه

خبر فغاب عن أمه مدة ، فخافت عليه ، فصارت تبحث في كل مكان ، وال حس وال •

. ثم عادت إلى منزلها وقد يئست من العثور عليه

ولما عيت من البحث ظنت أنه قد رجع مع بعض أقاربه أو سافر به بعض أهل بلده •

.فعادت إلى القرية تبحث وتسأل فلم تجده

البحث مرة أخرى ، حتـى ، وهي جادة في ) بيت المقدس(أخرى إلى ثم عادت مرة •

ناها عليه ، فإذا هو لصـيق العلمـاء يحـاورهم ، وصلت لمقام العلماء فوقعت عي

.ويجادلهم ، فاندهشت لما رأته ، وأنبته لغيابه عنها

. وهي الموضع التي نشأ بها ) الناصرة(ثم سارت به أمه إلى بلدة •

بدء رسالته ، فأتاه ليه الروح األمين ، فكان ذلك ولما بلغ الثالثين من عمره ، هبط ع •

وبدأ بالدعوة يخبر الناس برسالته ، ويدعوهم إلى متابعته فـي اهللا الكتاب والحكمة ،

.في الضاللة طغوا وانغمسوا ) اليهود(ظل وجود جماعات من

.حيث حرفوا شريعة موسى -

.وانصرفوا لجمع المال -

.تحريض الفقراء لتقديم النذور للهيكل -

.طائفة تنكر القيامة ، وتستبعد الحشر ومن اليهود •

الدنيا ، وانغمسوا في لذائذها فأرسله اهللا تعالى بالدعوة ليخرج النـاس ألهتهم وطائفة •

. هدى الرحمن من هذه الضالالت وتلك االنحرافات إلى

، بين فساد اليهود ، وفساد قادتهم الذين ينهبون أموال فأخذ في النصح والتذكير

.الناس ، ويستهترون بالدين

مهم ، وأن عيسى سيعكر عليهم حيـاتهم بأن الخطر يداه) رجال الدين(عندئذ أحس •

.بما يدعو إليه

: ومع ذلك لم يبال بهم بل .. وا على مناوأته ومحاربته قفاتف

.صمد بكل جرأة وشجاعة -

.وتنقل في األرياف يفند زيفهم -

.رسالته ويشيع -

: فأيده اهللا تعالى بمعجزات باهرة منها

ويبريء األكمه واألعمى واألبرص ، إنه يخلق من الطين كهيئة الطير منتفخ فيه

ويعلمه الكتاب والحكمـة والتـوراة : ، كما ذكر اهللا ذلك في القرآن ويحيي الموتى

ـنم أني أخلـق لكـم كمرب نم بآية جئتكم رائيل أني قدي إسوال إلى بنواإلنجيل ورس

الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ األكمه واألبـرص وأحـي

ـ م إنالموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك آلية لك

كمم علـيـري حض الـذبع ل لكموألح راةالتو نم ن يديقا لما بيصدنين ومؤمم كنتم

ط وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هـذا صـرا

ميمتقس ] 51 - 48: آل عمران . [

أن قوم عيسى برعوا في الطب ، فناسب أن تكون المعجزة من التفسير ذكر أهل

.فأيده اهللا بهذه اآليات ، وأيضا نسخ بعض شريعة موسى . ما برعوا فيه صميم

د ومع هذه اآليات والبراهين ، لم يؤمن به إال القليل وكذبه كثيرون ، واسكتبر اليهو •

فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلـى : ورجال الدين ، قال تعالى

الله ] 52: آل عمران . [

أي لما استشعر منهم التصميم على الكفر قال من أنصاري إلـى اهللا ، أي مـن

ل الحواريون نحـن أنصـار قا : فأجابه الحواريون إلى اهللا بالدعوة والعمل ، يتبعني

ول فاكتبسنا الرنا آمنا بما أنزلت واتبعون ربملسبأنا م واشهد آمنا بالله نـا مـع الله

. ] 53 – 52: آل عمران [ الشاهدين

من مكان إلـى آخـر وهـؤالء قل ينتثم خرج عيسى عليه السالم داعيا إلى اهللا

الحواريون معه ، يتحملون وعثاء السفر ، وشدائد الطريق فتشاوروا فيما بينهم ، وقد ألم

. وفقر بهم حاجة

الخـوان : ، والمائدة هي فقالوا لعيسى ادع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء

هذا لئال يكون فتنـة لكـم ، إن اتقوا اهللا وال تسألوا مثل: عليه طعام ، فأجابهم المسيح

وتوكلوا على اهللا في طلب الرزق ، فذكروا له أنهم محتاجون ، وأيضا تطمئن القلـوب

. ونزداد إيمانا بك وبرسالتك

إذ قال الحواريـون اهللا علينا مائدة ، وهي ما ذكره فدعا عيسى ربه أن أنزل

ع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن يا عيسى ابن مريم هل يستطي

عليها كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون

ى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنـا من الشاهدين قال عيس

ـ يكم عيدا ألولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين قال الله إني منزلها عل

-112المائـدة [ م فإني أعذبه عذابا ال أعذبه أحدا من العالمينفمن يكفر بعد منك

115 [ .

.وطريقة وصولها يطول جداوهيئتها وفي المائدة كالم كثير للسلف في وصفها

.وجابر عن مجاهد إنه لم ينزل شيء وإنما هو مثل ضربه اهللا

ن أعداءه من اليهود ضاقوا من وجوده فوشوا فإما انتهى عليه أمر عيسى ، أما

ويصدهم عنك اهللا ، ويفسد الرعية ، عن جال يضل به إلى ملك ذلك الزمان ، أن هناك ر

. ] 54: آل عمران [ ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين : كما قال تعالى

شبهي وهو لقى عليهمن أيكم ي: يسى فحاصروه في بيته مع الحواريين ، فقال ع

.رفيقي في الجنة ، فانتدب لذلك شاب منهم ، قيل إنه استصغره

وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه : قال تعالى

ن اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إال وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذي

: النسـاء [ اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيمـا

157 - 158 . [

:وافترق أهل الكتاب ثالث فرق

.اليعقوبيين وهذا قول .. ثم صعد إلى السماء بيننا اهللا كان )1(

.ريون اهللا ، ثم رفعه اهللا وهم النسطوابن بيننا كان )2(

عبد اهللا ورسوله ما شاء اهللا وهؤالء المسلمون ، فتظارت الكافرتـان بيننا كان )3(

على المسلمة فقتلوها ، فلم يزل اإلسالم طامسا حتى بعث اهللا محمدا صـلى اهللا

. سند صحيح عن ابن عباس عليه وسلم وهذا

.وهذا آخر درس ، وآخر قصة في هذا الشهر واهللا الموفق

وصلى ا وسلم على �بينا حممد وعلى آله وصحبه ،،

رســـــــالفه ص الموضـــوع م

2 !لماذا قصص القرآن ؟ 1

3 قصة آدم عليه السالم أبو البشر 2

7 خبر ابني آدم 3

10 قصة نوح عليه السالم 4

15 قصة هود عليه السالم 5

19 قصة صالح عليه السالم 6

24 )خطيب األنبياء( قصة شعيب عليه السالم 7

29 قصة أصحاب الجنة 8

33 قصة يونس عليه السالم 9

38 قصة أصحاب السبت 10

43 قصة لوط عليه السالم 11

48 قصة عيسى عليه السالم 12

54 مقصة عيسى عليه السال -تابع 13

) 2( الدرس الرمضا�ي

هـ 1426دروس

فـــــــتألي أبي يزن حمزة بن فايع الفتحي

وصلى اهللا وسلم الحمد هللا حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، كما يحب ربنا ويرضى ،

.ا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين على نبين

: د ــــــبعو

بدأنا معكم في رمضان الماضي ا قدنوك، فحياكم اهللا في ثاني ليلة من رمضان

وتحدثنا بتوفيق اهللا ومنته عن إحدى ) القصص القرآني(هـ كلمات مقتضيات في 1425

عشرة قصة ، تناولت حسب السرد القرآني ، مع بعض الزيادات التاريخية التي ال تضر

. ه ، وأوضحت مشكله بالسياق القرآني ، بل ربما جلت مجمل

بارز ، والعاقبة الحميدة ، ألنها تنبع من الوحي الحق وكان لتلك القصص األثر ال

الصائمين في هـذا ةمن الكتاب المحكم ، والذي هو طلب تبزغويحكيها اهللا عز وجل ، و

. الشهر

ي ، أو الخروج األبعد عن وظيفة مفليس حديثنا عن القصة نوعا من الترف العل

المتضـاعفة ، وفـي ة ، وطاعته هذا الشهر ، بل إننا في رمضان ، وفي عبادته القويم

همم الصالحين ، وحياة العباد والمتقين ، ولعل هذه القصص تؤدي ثمارها في مستحقيها

.وقارئيها ، بعون اهللا وتوفيقه

قصة اإلفك) 1( وهذه قصة عظيمة مليئة بالدروس والصبر ، أشار القرآن إلى أطرافهـا ، وكشـف -

ائقها ، ولكن تجدون وصفها الدقيق في كتـب دوافعها دون الخوض في تفاصيلها ودق

.السنة والتاريخ وهي على كل حال ثابتة مخرجة في الصحيحين وغيرهما

] 11: النور [ إن الذين جاءوا باإلفك عصبة منكم وحينما نسمع قوله تعالى -

. يتردد في ذهنك ، ما هو اإلفك وما معناه

.الكذب والبهتان :واإلفك في اللغة

:وملخص القصة

إن النبي صلى اهللا عليه وسلم خرج لمالقاة بني المصطلق حيـث بلغـه أنهـم

يجمون لحربه ، وكان إذا خرج أقرع بين نسائه ، فأيها خرج سهمها أخـذها فخرجـت

سنة (القرعة على عائشة ، فانطلق لهدفه العسكري ، وهو تأديب بني المصطلق ، وذلك

، فلمـا بالتصغير ) المر يسيع(ماء لهم يقال له ديارهم ووصل إلى اسم ما فبلغ) هـ 6

.علموا لمقدم جيش المسلمين تفرقوا وباغتهم رسول اهللا على مائهم في ديارهم وأحوالهم

ثم قضى النبي صلى اهللا عليه وسلم من قتالهم ، وعاد ثم في عودته نـزل فـي

من هودجها ، فخرجت لبعض حاجتها بعض المنازل ، فخرجت عائشة رضي اهللا عنها

ثم عادت ، فنظرت فليس منها عقدها ، وكأنه سقط منهـا ، فرجعـت تبحـث عنـه ،

وتأخرت ، وقام من يحرك هودجها وظنوا أنها فيه ، وذلك لخفة النساء ، تلـك الفتـرة

.واندفع الجيش سائرا إلى المدينة

ليس فيه داع وال مجيب ، خال ، ثم وصلت عائشة بعد انصرافهم ، فإذا المكان

غلبتها عيناهـا ونامـت راجية أن يعودوا ألخذها ، فلما طال بها المقام فقعدت مكانها ،

كان قد يحـرس فـي أخريـات –رضي اهللا عنها ، فلم تستيقظ إال على قول صحابي

. )إنا هللا وإنا إليه راجعون( –ير ثالجيش وكان من طبعته النوم الك

السلمي ، فلما رآها عرفها ، ألنه قد رآها قبل الحجاب وهو صفوان بن المعطل

، فما كان منه بعـد ) فحمرت وجهي ، وكان قد رآني قبل الحجاب فعرفني: (قالت هي

استرجاعه إال أن قرب لها ناقته فركبتها ، ولم يكلمها كلمة واحدة ، ثم سار بها يقودها ،

ابـن الخبيثشاكلته ، ووجد حتى أدرك الجيش فلما رآها الناس تكلم كل شخص حسب

إلسالمية ، وضربها في سلول فرصة سانحة للحط من المقام النبوي ، وتحطيم الدعوة ا

، عقة ، تعكر صفوها ، وتلطخ خطابها، رآها هو أنها ستنزل عليها كالصا العمق ضربة

.التاريخ وتلحقها سوأة الدهر ، ولعنة

واهللا ما نجت منه وال نجا (المشهد وكان مما ذكرته كتب السيرة أن قال لما رأى

يشيعه ويفرقه يستوسني اإلفك ، و، وفشت هذه المقالة في الناس ، وجعل الخبيث ) منها

والذي تولى كبره منهم له عـذاب عظـيم : قوله تعالى ب في الناس وهو المعني

.وقام على نشره وإذاعته أي تولى معظمه ،: ومعنى قوله كبره ] 11: النور [

وصل الجيش المدينة ، والرسول يحسن الظن بزوجه ، وبالصـحابي صـفوان

.ودعوته استعملوها للكيد والنيل من عرض رسول اهللا ، ولكن أرباب النفاق

ومسـطح حمنة بنت جحشومن المؤسف انزالق بعض الصحابة في ذلك نحو

، وقد عاتبهم القرآن في ذلك فقال وحسان رضي اهللا عنهم حيث خاضوا مع من خاض

البين لوذا إفك مقالوا هرا وخي همنات بأنفسؤمالمو نونؤمالم ظن وهتمعمال إذ سلو

لـه هـم الكـاذبون جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند ال

. ] 13 - 12: النور [

ره العميـق ، وجلـس ببص ، فتألم كثيرا ، ولكن قاوم نما الخبر إلى رسول اهللا

منتظرا متأمال ، وكان اإلفك بالء له ولزوجه وألبي بكر وزوجه والدي عائشة رضـي

.اهللا عنهم

ل الناس فيها حتى خرجـت وعائشة حين وصولها المدينة ، لم تكن تعلم بما يقو

مسـطح ، ستع: أثاثه فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت بن ذات يوم مع أم مسطح

أو ما بلغك الخبر يا بنت : بئس لعمري ما قلت لرجل شهد بدرا ، قالت : فقالت عائشة

.وما الخبر ؟ فحدثتها باإلفك : أبي بكر ؟ قالت عائشة

ءها الغم من كل مكان ، وأحاطتها الـدموع فوقعت عائشة في كرب شديد ، وجا

واألحزان ، وعادت إلى بيتها ، ال تهنأ بنوم ، وال يجف لها دموع ، وحدثت أمها فقالت

عند رجل يحبها ، ولها وضيئة لما كانت امرأة قخففي عليك ، فواهللا ل: (لها كلمة حكيمة

ائر ، إال أكثرن عليهاضر . (

ن ، ودخل رمضان واألمر لم ينقضي ، وكان مضى شهر ، وكان ذلك في شعبا

لو ينزل اهللا قرآنا ، أو يرى رؤيا تكشف الـبالء رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يشتاق

ن وراءه ؟وم !

أحمي سمعي وبصـري ، : فاستشار صحابته ، وسأل زينب بنت جحش وقالت

. ما علمت عليها إال خيرا

.أي لم تخض كمن خاض ) فعصمها اهللا بالورع: (قالت عائشة

.واستشار غيرها من الصحابة

ثم دخل صلى اهللا عليه وسلم على عائشة وعندها أبواها وهي تبكي ، فقال لها يا

) .إن كنت قارفت سوءا فتوبي إلى اهللا ، وإن كنت بريئة فسيبرئك اهللا: (عائشة

.ما اإلجابة فالتفت إلى لوالديها ليجيبا رسول اهللا ، فلم يستطع أي واحد منه

لقد علمت إنكم سمعتم ما يتحدث به الناس ووقر في نفسـكم ذلـك ، : (ثم قالت

وواهللا ما أجد لي ولكم مثال إال قول والد يوسـف قلت لكم أني بريئة ال تصدقوني ولقد

فونا تصلى مع انتعسالم اللهيل ومر جبفص ] 18: يوسف . [

، فقام يستعذر من النـاس خطب على رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ثم اشتد ال

من يعذرني من رجل بلغنـي آذاه : أيها الناس : (أي يطلب النصرة على من آذاه فقال

) .في أهلي ، وما علمت على أهلي إال خيرا

أنا واهللا أعذرك منه ، إن كان من األوس ضربنا عنقه ، : فتكلم أسيد بن حضر

. ن إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك وإن كان م

. كذبت لعمر اهللا ال تقتله : فقام سعد بن عبادة

فخفضهما رسول اهللا صلى اهللا عليه وسـلم وقطـع الفتنـة يقتتالن الحيان وكاد

. بينهما

رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ، وجاءه الوحي ، ثـم غشى ثم في آخر الشهر

) يا عائشة ، احمدي ربك فقد برأك اهللا(فكان أول من تكلم به سري عنه ، وهو يضحك

ال واهللا ال أقوم إليـه ، وال أحمـد إال اهللا : قومي إلى رسول اهللا ، فقالت : فقالت أمها

إن الذين جاءوا باإلفك عصبة منكم ال تحسبوه شرا تعالى ، ثم أنزل اهللا اآليات فيها

م بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من اإلثم والذي تولى كبره مـنهم لـه لك

عذاب عظيم لوال إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك

وال جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئـك عنـد اللـه هـم مبين ل

يـهف تما أفضي مف كمسلم ةراآلخا ونيي الدف تهمحرو كمليع ل اللهال فضلوو ونبالكاذ

إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا عذاب عظيم

ا وهو عند الله عظيم ولوال إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سـبحانك هـذ

ن عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم اآليـات بهتا

ذاب أليم فع منوا لهآم يني الذشة فالفاح يعتش أن ونبحي ينالذ يم إنكيم حلع اللهي و

الد اللـه أنو تـهمحرو كمليع ل اللهال فضلوو ونلمال تع أنتمو لمعي اللهو ةراآلخا وني

] . 20 - 11: النور [ رءوف رحيم

واهللا ما ظننت أن ينزل اهللا في شأني وحيا ، وألنا أحقـر فـي : (وكانت تقول

بالقرآن في أمري ، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول اهللا في النـوم نفسي من أن يتكلم

) . رؤيا يبرئني اهللا

وخطب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في الناس ، وتال اآليات ، ثـم نـزل ،

منة ومسطح وحسان ، واختلف هل جلد ابن أبي ، فـي ذلـك كحوجلد من قذف عائشة

، لما علم أن تكلم في عائشة ، مسطح النفقة خالف بين العلماء ، وكان أبو بكر قد منع

وال يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن : فأقسم أال ينفق عيه ، فأنزل عليه معاتبا له

ا أال تحبون يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحو

. ] 22: النور [ أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم

.بل نحب أن يغفر اهللا لنا : فقال أبو بكر

وهذا يدل على فقه أبي بكر ، وطيب نفسه ، ورجوعه إلى الحق ، وعفوه عمن

: وقد انشد بعضهم يقول .ظلمه

إن قدر الذنب من مسطحـف

يحط قدر النجم من أفقه

وقد جرى منه الذي قد جرى

وعوتب الصديق في حقه

هذا هو ملخص قصة اإلفك ، التي أشار القرآن إلى شيء ، وسـاقها اهللا عبـرة

:ألهل اإليمان ، وجعلها موعظة يتعظ بها كل ذي قلب وبصيرة ، وفيها فوائد مهمة منها

.معركة كبيرة خاضها رسول اهللا وصحابته مع األعداء أن هذه القصة تعتبر )1(

فيها بيان صبره المتين صلى اهللا عليه وسلم الذي استطاع من خالله كظم غيظه )2(

.وتجاوز الوقيعة في مخاطر أشد وأغلظ

.تأكيد االبتالء في حق رسول اهللا وأهل اإليمان )3(

.تنفيذ أهدافهمحرجة لبيان خطورة المنافقين على الدعوة واستنهازهم للمواقف ال )4(

فضل عائشة وإظهار شأنها ، وأن المحتة تكون في طيات المحن ، وكما قـال )5(

. ]19: النساء [ فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا تعالى

.تحريم قذف المسلمين ، وأن فاعله مستحق للعقوبة ، وهي الجلد ثمانون جلدة )6(

.آيات تبرئها صغرت من شأنها أن ينزل فيها تواضع عائشة حين )7(

.فضل زينب رضي اهللا عنها حيث عصمها اهللا من الوقيعة بسبب دينها وورعها )8(

.طوية ابن سلول ، وبيان عدائه المستحكم للدعوة وأهلها خبث )9(

هذه أشهر الفوائد والدروس من القصة ، وثمة مسائل وفوائد أخـرى اسـتوفاها

حجر في الفتح وابن القيم في زاد المعاد ، وهي قصة جليلة خليقة بالتأمل واالعتبار، ابن

.واستنباط المعاني والعظات

وصلى ا وسلم على �بينا حممد ،،

دولة سبأ) 2( ة ، امتـازت ففي هذا المساء يسعدنا أن نتكلم عن دولة عظيمة وعن حضارة مني

حيث آتاها اهللا من صـنوف العـيش البهـيج ، بالملك العريض وبالقصور الشامخة ،

.ب ما لم تؤتاه أمه أو يحوزه بشر صوالرجاء الخ

هذه الدولة حكى اهللا خبرها في القرآن ، فهي قصـة قرآنيـة ، آياتهـا بـاهرة

لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتـان عـن يمـين : وأخبارها مثيرة ، قال تعالى

شب غفورورة وبة طيلدب وا لهاشكرو كمبر قرز نال كلوا مم ] 15: سبأ [ .

متعهم اهللا كانت مساكن سبأ في اليمن ، سبأ هذا رجل من آبائهم نسبوا إليه ، وقد

، ومـن ، حيث بنى ملوكهم األقادم سدودا عديدة لحفظ الماء واالنتفاع بهبالمنن الكثيرة

عة والسعة ، فحفت به الجنـات ن، الذي امتاز بالم) سد مأرب(أشهر ما بنوه من السدود

: الياغة ، والبساتين الباهرة ، وازدهرت حياتهم بالخيرات ، والبركـات ، كمـا قـال

ة طيلدب وا لهاشكرو كمبر قرز نال كلوا ممشين ومي ننتان عب غفورجرة وب .فكان حق هذه النعم والشكر واإلنابة وليس اإلعراض واالستعالء

!!ولكن لآلسف

نهم أزينة الحياة الدنيا ، وظنوا واغتروا بجاءتهم الرسل ، فكذبوا ، وأعرضوا ،

.بأموالهم خالدين ، وبحضارتهم راسخين

ـ (ى ويبة صغيرة تسموا حتى سلط اهللا عليهم دثلبفما الجـ ) ذر ت سـدهم ، نقب

فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل : وسحقت جناتهم ، وخربت معاشهم ، كما قال تعالى

: سـبأ [ العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل

16 [ .

.كان السدر أفضله قلله اهللا تعالى ولما

فتأملوا يا إخوان كيف تبددت هذه الجنات وكيف أفناها اهللا ، وجعلها شذر مـذر

بعد أن كانت شيئا جميال ، ومنظرا خالبا ، حتى إن المرأة كانت تدخل وعلـى رأسـها

نوا ال كـا دون عنت وكلفة ، حتى فـي أسـفارهم ، كتل ، فيمتلئ بالثمار المتساقطة الم

ــالوا ــك فق ــوا خــالف ذل ــاء ، فتمن ــزاد والنم ــدون ال ــزال إال ويج ــون من ينزل

واـيرس ريا السيهنا فرقدة ورا قرى ظاهيهكنا فاري بى التالقر نيبو منهيلنا بعجو

ينناما آمأيالي وا لييهف ] بيت المقدس بـال لافرون من اليمن سيكانوا ] . 18: سبأ

!!اوز والمشاق بطرا فلكن تمنوا المزاد وال ماء ، حيث نزلوا وجدوا الخير والرخاء ،

] . 19: سبأ [ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم : فقالوا

وصاروا أحاديث يتحـدث وذهب ذلك الملك والتمكين ، وزالت تلك الحضارة ،

.بهم الناس

] 17: سـبأ [ ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إال الكفور قال تعالى

غسان هرعت إلى الشام ، وأنمار إلى يثرب : ذهبت حضارتهم ، وتمزق شملهم ، قالوا

.وخزاعة إلى مكة ، واألزد إلى عمان

:الدروس والعظات ما يبهر ويمتع ، ومن ذلك وفي هذه القصة من

. ضمان البقاء ، وأن الكفر بوابة الدمار والزوال إن اإليمان )1(

غ عليهم الـنعم ليعبـدوه وأسبورزقهم بيان امتنان اهللا على عباده ، وأنه خلقهم )2(

أموال وعقارات ومتاجر ، بعض الناس ينعم اهللا عليه بنعم كثيرة ، ، وويشكروه

.عابدا ومصليا شاكرا ثم ال يرى

.خطورة االنغماس في الدنيا ونسيان ما أوجب اهللا على العباد )3(

.وجوب شكران النعم ، والحذر من نكرانها وأن النكران طريق للزوال والفناء )4(

. تعجيل العقوبة للظالمين والمكذبين ، إذا لم يتوبوا ، ويرجعوا إلى ربهم )5(

ا ال يتوقعون من صـغار المخلوقـات م بمعلى اهللا حيث أهلكهالظالمين هوان )6(

.وجعل سبب نهايتهم بفعل الجرذ ، الذي دمر خيرهم ، وخرب جناتهم

يرضقصة بني الن) 3( حكى اهللا علينـا . في المدينة المنورة ةن من بطون اليهود الكائنبطبنو النضير

.خبرهم في القرآن

الذين كفروا من أهل الكتـاب مـن هو الذي أخرج فإنك قد تسمع هذه اآلية

تاهم ديارهم ألول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأ

ي بعالر ي قلوبهمقذف فوا وبتسحي ث لميح نم ي اللهـدأيو يهمـدبأي موتهيب ونخرب

] . 2: الحشر [ المؤمنين فاعتبروا يا أولي األبصار

!فنتساءل عن المعنى هنا ومن يقصد القرآن ؟

هم يهود بني النضير ، الذي حاصـرهم رسـول اهللا حصـارا : والمقصود هنا

.خيلهم تشديدا عليهم نشرة ليلة ، وحرق خمس ع: شديدا قيل ست ليال ، وقيل

وكان سبب الغزوة أنه خرج صلى اهللا عليه وسلم إليهم يطلبهم في دية الـرجلين

خطئا ، وكان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة الضهري الذين قتلهم عمرو بن أمية

اهللا ، فجلـس صـلى ) قضي حاجتكنتفضل يا أبا القاسم ، اجلس ها هنا حتى : (فقالوا

.عليه وسلم إلى جنب جدار ينتظرهم وكان معه طائفة من أصحابه

تآمروا على رسول اهللا صلى اهللا عليه وسـلم ، وأن فوجلس اليهود يتشاورون ،

.. ويصعد يلقيها على رأسـه أيكم يأخذ هذه الرحى: ة ، فقالوا هذه هي الفرصة السانح

ال تفعلوا فواهللا ليخبرن بما هممتم : أنا ، وحذرهم سالم بن مشكم جحاش فقال عمرو بن

.به ، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه ، ولكن لم يهتموا بكالم سيدهم

.فجاءه جبريل عليه السالم ، فأخبره بمكيدتهم فنهض ولم يشعر به أصحابه

اخرجوا من : (وما لبث حتى أرسل محمد بن مسلمة إلى بني النضير يقول لهم

).عشرا ، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقهأجلتكم كنوني بها ، وقد المدينة وال تسا

فارتعب اليهود ، وبدأوا التهيؤ للخروج لكن كتب إليهم رأس المنافين ابن سلول

ألفين يدخلون معكـم حصـنكم ، أن اثبتوا وتمنعوا ، وال تخرجوا من دياركم فإن معي

ئن أخرجتم لنخرجن معكم وال نطيع فيكم ل : فيموتون دونكم ، وهو ما عناه اهللا بقوله

نكمرلننص لتمقوت إندا ودا أبأح ] 11: الحشر . [

.عنئدذ ، أحسوا بالثقة والتأييد ، وارتفعت معنوياتهم لمواجهة جيش المسلمين

ال نخـرج مـن ديارنـا ، إنا : (خطب إلى رسول اهللا أبن حيي فبعث رئيسيهم

) .فاصنع ما بدالك

عندئذ شعر رسول اهللا بخطورة الحرب والمواجهة الداخلية مع هؤالء ، وهو لم

.يسلم من عدوان العرب وتحرش األعداء

لكن ما أقدم عليه بنو النضير ، ولمشكلة بقائهم بعد التهديد ونقض العهد ، حمل

.تهم أيا كانت النتائج رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على مواجه

اليهـود ، وتحصـن ، وضرب عليهم الحصار ، فانطلق هو وجنود اهللا المؤمنة

.وبدأوا يرمون النبل والحجارة على المسلمين

فقام رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بمحاصرتهم ، وحرق النخـل الـذي هـو

.لنفسي لهم مصدر عيشتهم ، وهذا نوع من المحاصرة االقتصادية ، واإلرهاب ا

ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصـولها : وفي ذلك يقول تعالى

ينقالفاس خزيليو فبإذن الله ] إنك تنهي عن الفساد، : فقالت قريظة ] . 5: الحشر

ه اآلية مؤيدا لفعـل رسـوله ، وأن هذاهللا تعالى فما بالك تأمر بقطع األشجار ؟ فأنزل

. أو حرقها ، كله بإذن اهللا ورضاه بقاءها

ق رسول اهللا نخل بني النضير ، وقطـع ، حر: كما في الصحيح قال ابن عمر

.وهي البويرة

:وفي هذا قال حسان

راة بني لؤي سوهان على

بالبويرة مستطير حريق

:لحارث فأجابه أبو سفيان بن ا

عيأدام اهللا ذلــك مــن صــن

وحرق فـي جوانبهـا السـعير

ــزه ــا بن ــا منه ــتعلم أين س

وتعلــم أي أرضــنا نضــير

واشتد البالء والتنكيل على بني النضير من كل مكان ، وظنـوا أنهـم مـانعتهم

حصونهم من اهللا ، فسلط عليهم الرعب ، ودب فيهم الهلع واعتزلتهم قريظة ، وخـانهم

: سلول رأس المنافقين ، فشبه اهللا حالهم ابن

إني أخاف نكريء مقال إني ب ا كفرفلم ان اكفرطان إذ قال لإلنسثل الشيكم

ينالمالع بر الله ] 16: الحشر . [

هم على أن لهم ما فأخرج) نحن نخرج عن المدينة(عندها أرسلوا إلى رسول اهللا

.حملت اإلبل إال السالح ، وحقن دماءهم

نهم كسروا أبواب البيـوت كلهـا التـي إفبدأوا بالرحيل يحملون أمتعتهم حتى

.استحسنوها لحملها وكان المؤمنون يخربونها لكي يتسع القتال لهم مدة الحصار

]. 2: الحشر [ دي المؤمنينيخربون بيوتهم بأيديهم وأي هذا معنى قوله ف

ثم خرجوا مدحورين صاغرين إلى أذرعات الشام ، وهي أرض المحشر وهـذا

. ألول الحشر المراد بقوله

ولوال أن كتب الله عليهم الجالء لعذبهم في الـدنيا ولهـم فـي قال تعالى

.هو خروجهم من المدينة إلى الشام : والجالء . ] 3: الحشر [ اب الناراآلخرة عذ

ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق اللـه وبين تعالى سبب ذلك بقوله

] . 4: الحشر [ فإن الله شديد العقاب

لفيء وكانت أموالهم فيئا أفاء اهللا بها على رسوله ، ثم بين تعالى بعد ذلك أحكام ا

حيث لم يحصل فيها قتال وال مبارزة ، وإنما هزمهم اهللا بالرعب ، قال عمر كما فـي

كانت أموال بني النضير مما أفاء اهللا على رسوله مما لم يرجف المسلمون (الصحيحين

)عليه بخيل وال ركاب ، فكانت لرسول اهللا خالصة

خاصة ، ولم يعط من األنصار إال ها رسول اهللا في المهاجرين األوائل وقد وضع

. فقرهما لجانة وسهل بن حنيف دا أب

تناولتها كلها سورة الحشر حتى إن ابن عباس إذ ) هـ4سنة (وكانت هذه الغزوة

.كما في صحيح البخاري ) قل سورة النضير: (سمع من يقول سورة الحشر قال

:فوائد ما يلي وفي هذه القصة من ال

على الـدعوة وعلـى دبيان خطورة اليهود ، وما تنطوي عليه قلوبهم من الحق )1(

.صاحبها صلى اهللا عليه وسلم

غـدروا انقـض روا ، فإذا غدق مع األعداء ما لم ييالعهود والمواث ةجواز كتاب )2(

.وأصبحوا محاربين عهدهم

ا كما صنع بحـرق محاصرة األعداء اقتصاديا ، والتضييق عليهم معيشيجواز )3(

.نخيلهم

.حفظ اهللا ورعايته لرسوله عليه الصالة والسالم )4(

.نصر اهللا لرسوله بالرعب والهلع المقذوف في قلوب األعداء والمجرمين )5(

بيان أحكام الفيء ، وأن أموال بني النضير كانت مما أفاء اهللا على رسـوله ، )6(

.وقد جعلها في فقراء المهاجرين

.من المنافقين وأذنابهم لداخل اشناعة دور أعداء )7(

ال : كشف حيل اليود وأنهم ال يقاتلون إال من وراء جدر ، كما قال تعـالى )8(

يقاتلونكم جميعا إال في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بيـنهم شـديد

] . 14: الحشر [ ك بأنهم قوم ال يعقلونتحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذل

مختلفون غاية االختالف ، وذلك فرصـة بيان تشتت اليهود والمنافقين ، وأنهم )9(

.ألهل اإليمان

وا تعاىل أعلم ،،

أصحاب الفيل) 4( اب الفيـل ألـم ألم ترى كيف فعل ربك بأصح هم من عناهم اهللا تعالى بقوله

ـملهعيل فججس نة مارجبح يهممابيل تررا أبطي همليل عسأريل ولي تضف مهدل كيعجي

] . 5 - 1: الفيل [ كعصف مأكول

أن الحبشة استقلت بملك اليمن بعد سقوط دولـة : وملخص خبر أصحاب الفيل

مير وهالك ذو نواس غريقا في البحر ، وكان عامل النجاشي علـى الـيمن أبرهـة ح

األشرم الذي تنازع مع قائد آخر يدعي ارياط ، ثم آل الحكم إليـه ، بعـد أن غضـب

إني سأبني لك كنيسة : (النجاشي من نزاعهما فاسترضى سيده النجاشي رغم أنه قال له

) .بأرض اليمن لم يبن قبلها مثلها

بل عز عليه أن يتدافع الناس من اليمن وغيرها إلى مكة ، وخشى علـى : يل وق

اضمحالل الدين المسيحي ، فأراد أن يبني شيئا مضاهيا للكعبة ، يؤمه الناس من كـل

الرتفاعها ألن الناظر إليهـا تكـاد تسـقط ) القليس(مكان ، فبنى كنيسة سمتها العرب

وأراد هذا األشرم أن يحول الناس من الكعبة إلى قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنايتها ،

كنيسته في صنعاء اليمن ، ودعا الناس إلى ذلك ، فألم العرب هذا الصنيع ، وغاظهم أن

، ، فقصدها رجل عربي من كنانة لياليوجد مكان عظيم مقدس ينافس الكعبة في الشرف

.وأحدث فيها ودخلها

إنما صنع هذا بعض قـريش : (وقالوا له ، أخبروا أبرهة فلما رأى السدنة ذلك

قرشـيون أحـدثوا فيهـا نـارا فتية بل : ، وقيل ) غضبا لبيتهم ، الذي ضاهيت هذا به

!فاحترقت فماذا صنع األشرم ؟

كعبتهـا حجـرا وليخبرنـه غضب ، وأزبد وأرعد ، وأقسم ليسيرن إلى مكة ،

.حجرا

هر من يعترض له ، وأخذ معه فيال وما ، حتى يقمفجهز الخبيث جيشا كبيرا عر

. عظيما كبير الجثة ، لم ير مثله قط

ريد اإلرهاب واإلخافة ، واألهم لكي يستطيع هـدم نالفيل ألجل طبعا اصطحب

في عنق الفيل ثم يزجر فكانت الخطة أن تجعل السالسل في األركان ثم توضع الكعبة ،

.ليلقي الحائط جملة واحدة

على البيت وعلى عزهم وشرفهم ، الخطيرة رب بعزيمة أبرهة عندها سمعت الع

.انتصر عليهم هفقاتلته عدة قبائل في طريقه ، لكنفقرروا مجابهته وعدم االستسالم ،

فـأكرمهم ، ) الالت(لئال يهدم بيتهم صانعوه فلما رأوه ) ثقيف(وكان من آخرهم

الجيش ومعه األفيال حتى بلـغ بمثابة الدليل فسار) أبا رغال(وبعثوا معه رجال يدعي

ضمنها مائتا بعيـر وفيه إبل ترعى للمكيين ، ومن ) مسغالم(موضع قرب مكة يسمى

. لعبد المطلب ، جد النبي صلى اهللا عليه وسلم

بأشرف رجل في مكـة ، وأن كلم أبرهة بعض العرب أن يأتيهوفي أثناء ذلك

.عن البيت صدوهتيخبره أن الملك لم يجيء لقتالكم إال أن

واهللا ما نريد حربه ، ومالنا بذلك مـن (: فأخبر عبد المطلب بمراد أبرهة فقال

منه فهو بيته وحرمـه ، وإن يمنعه فإن طاقة هذا بيت اهللا الحرام ، وبيت خليله إبراهيم

) .يخلي بينه وبينه فواهللا ما عندنا رفع منه

إلى أبرهه ، فلمـا رآه ب عبد المطل فاذهب معي إليه فذهب: رسول أبرهه فقال

. أجله ووقره ، وكان رجال جسيما حسن المنظر

.ونزل األشرم عن سريره ، وجلس على البساط

ما حاجتك ؟: فقال

.حاجتي أن يرد على الملك مائتي بعير أخذها رجالك : فقال

هـو اـحين كلمتني ، تكلمني في مائتي بعير ، وتترك بيتقد زهدت فيك : فقال

.ينك ودين آبائك قد جئت لهدمه د

) .وإن للبيت ربا سيمنعه.. أنا رب اإلبل (فقال عبد المطلب

.مني ما كان ليمتنع : فقال الخبيث

.أنت وذاك : فقال

خاطب القرشيين أن يخرجوا من مكة ، ويتحصنوا بـرؤوس ثم إن عبد المطلب

هو إلى باب الكعبة ، ومعه نفـر الجبال تخوفا عليهم مما قد يحل بجيش أبرهة ، وعمد

. يدعون اهللا ويستنصرونه على أبرهة وجيشه

: وقال فيما اشتهر في كتب التاريخ

ــرء ــم إن الم ــع..ال ه يمن

ــ ــامنع ررحلـ ــكه فـ حالـ

ــ ال ــليبهمنبيعلـــ صـــ

ومــدا م ــالهم أبـ ــكححـ الـ

ووجـه . جيشه وفيلته فلما كان الغد ذهب أبرهه لما أراد ، وعزم عليه ، وتهيأ ب

.الفيل الضخم لمكة ، فبرك الفيل ولم يحرك ساكنا

بكل شيء فأبى ، فوجهوه للـيمن فسـار راجعـا فضربوه في رأسه ، وحركوه

ة ، فإنهم إذا فأعادوه جهة مكة فبرك ، وكان كلما وجهوه لجهة تحرك وهرول ، إال مك

عليهم طيـرا مـن البحـر ، أمثـال ثم في أثناء ذلك ، سلط اهللا وجه استحسر وبرك ،

الخطاطيف والتلبسان مع كل طائر ثالثة أحجار وهذه الحجـارة أمثـال الحمـص ، ال

.يصيب أحد منهم إال هلك

وخرج الجيش المدجج مهزوما مدحورا فارا ، يسألون عن نقيل بن حبيب يدلهم

: يقول الطريق وكان ممن اعترضهم فأسروه وجعل نفيل وهو على رأس الجبال

أين المفر واإلله الطالب

!واألشرم المغلوب ليس الغالب ؟

وجعلوا يهلكون ويتساقطون ، وكان أبرهة يسقط عضوا عضوا ، حتى قدموا به

.، وهو مثل الفرخ ، وهلك هناك صنعاء

كيـدهم ألم ترى كيف فعل ربك بأصـحاب الفيـل ألـم يجعـل : قال تعالى

في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سـجيل فجعلهـم كعصـف

. مأكول

والمعنى جعل كيدهم في ضالل أي ذهاب وإبطال وسلط عليهم جماعـات مـن

.وطين مطبوخ الطير مجتمعة وتحصيهم كحجارة من سجيل أي مكونة من حجر

وكانت الحجارة تدخل من أعلى الرجل وتخرج من دبره ، بكل قـوة وصـالبة

.فهلكوا جميعا

شرة على الحبـة ن ، أو الق، وهو التب فجعلهم كعصف مأكول قال تعالى

،يكسومثم آل ملك اليمن إلى أهله ، إذ بعد هالك أبرهة ، ورثة ابن من مأكول البهائم ،

ملك فرد على الحبشة ، فأعانه هإلى كسرى فاستعانالحميري ثم خرج سيف بن ذي زين

.اليمن وجاءته وفود العرب للتهئنة

تلى ـهذا ملخص قصة أصحاب الفيل ، وقد أنزل اهللا في خيرهم سورة صغيرة ت

.وفي هذا العام ولد النبي صلى اهللا عليه وسلم ، في كتابه

:ن هذه القصة وأهم الفوائد والعبر م

صيانة اهللا وحفظه لبيته الحرام وأن أي يد تطاله هي يـد طاغيـة ، حقهـا البتـر )1(

. واإلزالة

.بيان ما كان عليه أهل الجاهلية من تعظيم البيت ، واحترامه ، مع كونهم مشركين )2(

.إقرار الجاهلين بتوحيد الربوبية )3(

.ذه البالد خاصة لقرشيين بحماية بيته وهو شرف للعرب ، ولهلتشريف اهللا )4(

.من يغالب اهللا وشعائره يغلب ، ويخسأ ويندحر )5(

، حيث أهلكهم اهللا بطير أبابيل أتت مجتمعة ، تحمـل حجـاة حقارة الغزاة المعتدين )6(

.صغيرة

.أن لكل ظالم ومعتد نهاية وخاتمة ، مهما طغا وتجبر ، فإنه هالك مدحور )7(

ل مستعل جبار إذا تجاوز حده ، ونسى بيان قدرة اهللا العظيمة ، وعزته النافذة في ك )8(

.قدر نفسه

عرف هذا العام بعام الفيل عند العرب ، وأرخ الناس به ، وفيه ولد سـيد ولـد آدم )9(

.عليه السالم

. فجعلهم كعصف مأكول قبح النهاية التي آل إليها أصحاب الفيل )10(

. وحرماته إن فيها نذارة لكل ظالم يحاول المساس بشعائر اهللا )11(

والدة موسى عليه السالم) 5( موسى عليه السالم من أنبياء اهللا العظام ، وهو أحد أولي العزم من الرسل ، وقد

امتألت حياته باألحداث الكبيرة ، وتكرر ذكره في القرآن مـرات ومـرات ، وسـوف

: نتخير من تلك األحداث ما تيسر

خبر والدته : فمنها أوال

يرا للدهشة ، ممتلئا بالعبرة جدير بمن يقرأ القرآن ، ويحب القصص فقد كان مث

.أنه سيتأمله ، ويتدبر فيه

نتلو عليك من نبإ : وقصة الوالدة ذكرها اهللا في مطلع القصص بعد ما قال

ي األرال فع نوعرف إن نونؤمم يق لقوبالح نوعرفى ووسعا مـيـا شلهل أهعجض و

ينـدفسالم ـنم كـان إنه مهاءسي نتحسيو مهناءأب حذبي منهف طائفة معتضسي

] . 4 - 3: القصص [

هم فـي عمل أكان من أمر فرعون الطاغية الجبار أنه استضعف بني إسرائيل ، و

. هم ، ويستحي نساءهم ءفقد كان يقتل أبنا اإلهانات واألذيات ،

إنه قد شاع في مملكة فرعون أن زوال ملكه وذهاب مجـده : والسبب في ذلك

.على يد طفل من بني إسرائيل

فوصل الخبر لفرعون فصار يقتل أبناء بني إسرائيل ويتـرك النسـاء للخدمـة

.واإلهانة

أن يفنى بنو إسرائيل ، فتنتقـل فلما استمر القتل في بني إسرائيل ، خافت القبط

روا إلى فرعون أن اقتل عاما ، واترك عاما ، ألن النسـاء األعمال والمهن إليهم ، فأس

لن يقمن بأعمال الرجال ، فولد هارون عليه السالم في السنة التي تترك فيهـا األوالد ،

وكـان عنـد . اهللا عليه السالم في العام الذي يقتل فيه األوالد حكمة مـن وولد موسى

على ذلك مكون من موكلين وقوابل يدرن على النسـاء ، يقيـدن )جهاز رقابي(فرعون

الحوامل فإذا ولدت جارية تركتها ، وإن ولدت ذكرا دخل الـذباحون وذبحـوا الطفـل

.اهللا قبحهم

فلما حملت أم موسى لم يظهر عليها عالمات الحمل ثم وضعته ، فلما وقع ذكرا

!لماذا ؟.. ا شديدا ، وذعرت منه خافت خوف

جزارو فرعون ، الذين يقتلون الصبيان سيتركه ستعرف مصيره ، وكيف ألنها

. في سنة دون سنة

فلما أحست باأللم الشديد والحزن ، وقد قذف في قلبها حبه ، ألقى اهللا في خلدها

رضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في وأوحينا إلى أم موسى أن أ : ما ذكره في السورة

ينلسرالم نم لوهاعجو كإلي وهادي إنا رنزال تحي وال تخافو مالي ] 7: القصص .[

:إذن هنا عدة أمور

.قومي بالرضاعة )1(

.عند الخوف عليه ارميه في البحر )2(

.ال تخافي عليه وال تحزني )3(

.سنعيده إليك لتأنسي به )4(

.وسنجعله من المرسلين بالدعوة )5(

ومن تقدير اهللا أن دارها كان على حافة النيل ، فكانت ترضعه ، فإذا خافت ألقته

في ذات مرة دخل عليها من خافـت منـه وفي البحر في تابوت ، وربطت ذلك عندها

ار الماء بالتابوت حتـى أن تربطه عندها ، فطفألقت هذا الصندوق في البحر ، ونسيت

وصل إلى قصر فرعون ، فرأته الجواري فاحتملوه ، وأدخلوه على زوج فرعون آسية

بنت مزاحم ، وكانت امرأة صالحة ، فلما فتح الصندوق ، فإذا هو غالم صـغير مـن

أجمل ما خلق اهللا ، وأوقع اهللا في قلبها محبته ، وكان موسى كل من نظر إليـه أحبـه

.عا وشرعابط

علم الطاغية الخبيث بأمر هذا الغالم الذي حل ضيفا على القصر ، فأراد قتلـه

قرة عين لي ولك ال تقتلـوه ، كمـا خشية أن يكون إسرائيليا ، فخاصمته زوجته وقالت

ن فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عـدوا وحزنـا إن فرعـون وهامـا : قال تعالى

ـى أنسع ال تقتلـوه لكن لي وية عقر نوعرأة فرقالت امو ئينا كانوا خاطمهنودجو

ونرشعال ي مهلدا وو ذهنتخ نا أونفعي ] 9 - 8: القصص . [

عم ، وأما لي فال ، أما لك فن: قرة عين لي ولك ، قال : يروى أنها لما قالت له

فكان كذلك انتفعت به واتخذته ابنا لها ، وهداها اهللا بسببه ، وأشقى المجرم بسببه ، حيث

.ازداد كفرا وعدوانا

أما أم موسى لما اختفى ابنها في البحر صار قلبها فارغا من كل شيء عن الدنيا

ـ وأصـبح فـؤاد أم : ال اال ابنها ، حتى كادت تفشي سره لوال تثبيت اهللا لها كما ق

يننـؤمالم ـنم ا لتكـونلى قلبهطنا عبر ال أنلو ي بهدت لتبكاد ى فارغا إنوسم

] . 10: القصص [

أثره ، انظري إلى أين حل مكانـه ، تتبعي قصيه : ثم إنها قالت الخته الكبرى

قالت ألختو ونرشـعال ي مهنب وج نع ت بهرصفب يهقص ه ] 11: القصـص [

وكان اهللا قد حرم عليه المراضع تحريما قدريا ، حيث عاف كـل المرضـعات فقالـت

كفلت ييل بلى أهع لكمل أدل فقالت هقب نم عاضرالم هلينا عمرحو لـه مهو لكم ونه

ونحناص ] له رغبـة ينصحون إنما : وا في أمرها ، فقالت فشك] . 12: القصص

في سرور الملك ، فذهبوا معها إلى بيت أمه ، فالتقم الصبي ثديها ، وأخبـرت زوجـة

الملك ، وفرحت بذلك ، فأرسلت إليها أن تأتي لترضعه في القصر فاعتذرت بـأن لهـا

رت عليها بيتها ، فأجابت امرأة فرعون ، وأجوأوالدا ، لكن إن أحبت ارضعته في بعال

فرددناه إلى أمه كـي تقـر : فرحا شديدا ، قال تعالى الصالت ، ففرحت أم موسى

].13: القصص [ يعلمونعينها وال تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم ال

:أما فوائد القصة ما يلي

بيان ما كان عليه من فرعون من البطش واإلسراف في القتـل ، وأذيـة بنـي )1(

.إسرائيل

.من الخصال وتشريفه بكثير فضل موسى عليه السالم ، )2(

إذالل اهللا تعالى للظلمة ، مهما طغوا ، فقد أذل هـذا الطاغيـة بهـذا الغـالم )3(

.الصغير

حفظ اهللا لعباده المؤمنين ، فقد حفظ موسى وأمه ، وهيأ لهـم أسـباب الحفـظ )4(

.والرعاية والصيانة

.بيان ما عليه األم من الشفقة ، والعاطفة الجياشة تجاه أبنائها )5(

فيه الصبر الفرج فقد صبرت أم موسى علـى وأن عاقبة إن مع العسر يسرا ، )6(

.البالء

تصريف اهللا لألمور فقد جعل نهايتهم في هـذا بالظالمون جهل بني آدم ال سيما )7(

. وهم ال يشعرون الغالم الذي اعتنوا به كما قال

ـ )8( ببا فـي فضل آسيا رحمها اهللا ، حيث دافعت عن الغالم الصغير ، وكـان س

.هدايتها وإيمانها

بها لبني إسرائيل من كبد هذا الظالم ، بنبـوة موسـى عليـه تعالى استنقاذ اهللا )9(

.السالم

لـوال أن ربطنـا : تثبيت اهللا لعباده المؤمنين نحو ما حصل ألم موسى قال )10(

. على قلبها

و�كتفي هبذا القدر وا املوفق ،،

نبوة موسى عليه السالم ) 6(

وخروجه من مصر إلى مدينحكما وعلمـا وكـذلك نجـزي ولما بلغ أشده واستوى آتيناه : قال تعالى

يننسحالم ] 14: القصص [ .

ربا وترعرع حتـى كبعد أن تمت أمه رضاعته ، أسلمته لقصر فرعون ، وهنا

.رسالته ، وآتاه العلم والحكمة لاستوى واستقام ، فاصطفاه اهللا

تـتالن ثم في ذات يوم خرج إلى بعض شوارع المدينة فوجد فيهـا رجلـين يق

فاستغاث به صاحبه من جماعته علـى عته واآلخر قبطي ، ين إسرائيل من شأحدهما م

فتألم موسى بمـا حصـل عصا كانت معه ، وكان فيها موته ، الذي من عدوه ، فوكزه ب

معينـا نه عدو مضل واستغفر اهللا ، وقـرر أن ال يكـون إفقال هذا من عمل الشيطان

. للظالمين

ل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجـد فيهـا رجلـين ودخ : قال تعالى

هودع ني ملى الذع هتيعش ني مالذ تغاثهفاس هودع نذا مهو هتيعش نذا مالن هقتتي

نذا مقال ه هليى عى فقضوسم هكزإني فو ببين قال رل مضو مدع طان إنهل الشيمع

فلـن لـيت عما أنعبم بقال ر يمحالر الغفور وه إنه له لي فغفر ري فاغفت نفسظلم

ينرمجظهيرا للم أكون ] 17 - 15: القصص [ .

ي اليوم اآلخر ، تكرر المشهد مع موسى عليه السالم ، وكان قد أصبح بعد ثم ف

فأصبح في المدينة خائفا يترقـب : ما وقع باألمس ، قال تعالى جراء ذلك خائفا من

: القصص [ مبينفإذا الذي استنصره باألمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي

18 [ .

إنك لغوي مبـين ، هذا اإلسرائيلي يتنازع مع رجل آخر فلما رآه موسى قال له

فظن اإلسرائيلي لضـعفه ودفعه أي كثير الغواية ، ثم عزم موسى على صد الفرعوني

. إنك لغوي مبين وأنه وخوره أن موسى يريده ، ال سيما وقد قال له

، وكان قول ن تقتلني كما قتلت نفسا باألمس يا موسى أتريد أ: إلسرائيلي فقال ا

فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد اإلسرائيلي لموسى

إال أن تريد س إنا قتلت نفسا باألمي كمتقتلن أن أن ا تريدمض وي األرارا فبج تكون

ينحلصالم نم تكون ] 19: القصص . [

، وأوصلها إلى فرعون وملئه ، فاشـتد فأخذها الفرعوني ، ونشرها بين الناس

.خاف موسى ورعب مما حصل . حنق فرعون ، وبحث عن موسى ليبطش به

سعى ، يخبره أن المأل يريدون قتلك فاخرج إني وجاءه رجل من أقصى المدينة ي

وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى : قال تعالى . لك من الناصحين

ينحالناص نم إني لك جفاخر قتلوكلي بك ونرأتمأل يالم إن ] 20: القصص [ .

فخرينم الظالمالقو ني مننج بقال ر قبترا خائفا ينهم ج ] القصص :

يتلفت ، يحذر بطش فرعون ودولته ، ودعـا اهللا أن أي خرج من مصر خائفا ، ] 21

.ينجيه من الظالمين وكيدهم ، فقيل إن اهللا بعث إليه ملكا على فرس فأرشده إلى الطريق

مصر خائفا ، ومسرعا أن يصل إليه األعادي ، وسار يسير بمفـرده خرج من

) مـدين (ليس له راع ، وال مؤنس إال اهللا تعالى ، حتى حطت به األقدار في بالد تسمى

.بالشام تلقاء غزة

وهي غير المدائن التي قرب بغداد ، وكانت تحت كسرى إلى أن جـاء الفـتح

.اإلسالمي

د ثماني ليال من المشي والتعب ، وقد مشـى حافيـا ، وصل إليها بع هويقال إن

.جائعا حتى بان عليه الرهق والهزال

ولما توجه تلقاء مدين قال عسـى ربـي أن يهـديني سـواء : قال تعالى

] . 22: القصص [ السبيل

، ووجد جماعة من الناس ةوهناك في مدين ورد على بئر ماء يستقى منه الرعا

عزلتين تمنعنان غنمهما عن مخالطة غنم الناس ، فلما تين منعليه ، ثم نظر في ذلك امرأ

قالتا ال نشرع ! ما خطبكما ؟: لحالهما ورحمهما وقال رق رآهما موسى عليه السالم ،

ال في سقي الغنم حتى ينتهي هؤالء الناس ، وليس عندنا من رجل ، وأبونا شيخ كبيـر

.يستطيع العمل

ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من : قال تعالى

دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا ال نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شـيخ

] . 1: القصص [ كبير

ان عليه صخرة كبيـرة ال يحملهـا إال أن البئر ك: وفي مصنف ابن أبي شيبة

.وسقى لهما اموسى فرفعهفجاء عشرة من الرجال ،

ثم لما فرغ سرحهما ، وجلس تحت ظل شجرة ، وهو فقير كسير ، لـيس لـه

نهكت قواه جهد وأطعام إال ورق الشجرة ، وقد قدمنا أنه جاء مسافرا على قدميه ، وقد

فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من وهناك دعا اهللا تعالى

] . 24: القصص [ خير فقير

عادت المرأتان إلى أبيهما في وقت مبكر على خالف العادة ، فسألهما : بعد ذلك

. رتاه الخبر األب ، فأخب

وإن رجال صالحا ، أحسن إليهما ، وسقى لهما مع الناس ، وآواهمـا وسـرح

.غنمهما ، فبعث إحدى المرأتين لدعوته

وتأمل األخالق النبيلة ، تجذب اهتمام الناس ، والناس معـادن ، وأحـب والـد

.الفتاتين أن يتعرف حال هذا المحسن إلى بناته

إحداهما تمشي على استحياء قالـت إن أبـي يـدعوك فجاءته : قال تعالى

ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال ال تخف نجوت من القوم

ينالظالم ] 25: القصص [.

ءته تمشي على استحياء بكل أدب ووقـار ، قـد أرسل األب إحدى البنتين ، فجا

) .ليست بسلفع من النساء والجة خراجه: (تسترت بحجابها ، قال عمر

دعته ناسية الشـأن : إنها تتجه بكامل حيائها واألدب واآلخر : فهذا أدبها األول

.لئال يتوهم موسى ريبة فيها ) . إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا(إلى أبيها

. ابتك على ما فعلت لنا ثوالدي دعاني إل: والمعنى

ـ : فجاء موسى إليه وذكر له قصته وما جرى له في مصر ، فقال الوالـد طب

.نفسا ، وقر عينا ، فقد خرجت من مملكتهم ، وال حكم لهم عندنا

ـ ثم إن البنت التي دعت موسى اقترحت أمرا على أبيها ، ا يماهـدا قالت إح

يناألم ت القويرتأجاس نم رخي إن هتأجراس تأب ] أي المهنة ] . 26: القصص :

.رعي الغنم ، وفي ذلك تواضع األنبياء

طبعا األب استغرب ، وصفته باألمانة وبالقوة ، وهما أجل مـا ستصـف بـه

. ليتم اإلتقان والحفظ والصيانة : مانة بتحصيل القدرة واالحتمال ، واأل: القوة . العامل

إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تـأجرني ثمانيـة فقال األب

كندع نشرا فمت عمأتم ج فإنجح ] 27: القصص . [

غنمـي ثمـان سـنوات وإن سأزوجك إحدى البنتين على أن ترعى: والمعنى

. أكملت عشرا ، فهو فضل من عندك

وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شـاء اللـه مـن الصـالحين قال

] . 27: القصص [

والله على ما قال ذلك بيني وبينك أيما األجلين قضيت فال عدوان علي قال

] . 28: القصص [ نقول وكيل

.هذا عهد بيني وبينك أيهما قضيت فال عدوان علي : قال

وقد سئل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في الحديث أي األجلين قضى موسى ؟

) . أتمهما وأكملهما: (فقال صلى اهللا عليه وسلم

عليه السالم وخروجه من مصر فرارا من بطش هذا باختصار خبر نبوة موسى

.فرعون وملئه

:وفي هذه القصة من الفوائد

.فضل موسى عليه السالم حيث اصطفاه اهللا تعالى واختاره لرسالته )1(

.تعاطف اإلنسان لجماعته وشيعته والقيام على نصرهم )2(

.وقوع الخطايا من األنبياء )3(

نوب كما حصل مـن موسـى عليـه مقارفة الذ دوجوب التوبة واالستغفار عن )4(

.السالم

وال تركنوا : التحذير من إعانة الظالمين ونصرتهم ومظاهرتهم ، قال تعالى )5(

إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم مـن دون اللـه مـن أوليـاء ثـم ال

ونرتنص ] 113: هود [ .

.لمبذول من الرجل الصالح الذي جاء يسعى عظم الدور ا )6(

.مشروعية العمل والسعي لنصرة اإلسالم وحماية شعائره ودعاته )7(

مع كرامتهم وفضلهم عنـد ء على الخصوصثبوت االبتالء للمؤمنين ، ولألنبيا )8(

) .أشد الناس بالء األنبياء ، ثم الصالحون(اهللا وفي الحديث

ـ مشروعية هجرة الداعية من مكان إلى )9( ت فـي دآخر إذا أحس الخطر ، أو س

.وجهه السبل

.المرأة من أدب وحياء عليه كون تبيان ما ينبغي أن )10(

.ن تمتعا بالحياء والتصون من مخالطة الرجالفضل المرأتين الصالحتين ، اللتي )11(

.إلى التكشف ، وإذهاب حياء المرأةاالختالط بالرجال ، ال سيما ما يجر حرمة )12(

ضعفين ، ونصر المظلومين ، ال سيما النسـاء ، وفـي مشروعية رحمة المست )13(

) .المرأة واليتيمج حق الضعيفين رحإني أ(الحديث

انجذاب الناس لألخالق الفاضلة ، فالرجل الصالح سأل عـن موسـى وطلـب )14(

.مالقاته

.مشروعية إثابة المحسن ورد الجميل )15(

ـ تخضع إن صوت المرأة ليس بعورة لكن بشرط أن ال )16( فـال ال فيه ، كما ق

: األحزاب [ تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قوال معروفا

32 . [

.جواز عرض الرجل ابنته على الرجل الصالح )17(

إن خير من استأجرت القـوي فراسة المرأة الصالحة حيث زكته أمام أبيها )18(

يناألم حمل الصخرة عن البئر مع هزاله وضعفه ، ولما بلغته الرسالة حيث

.خفض عينيه ، ولما دعته إلى أبيها مشى أمامها لئال يرى منها شيئا تكرهه أ

.فضل موسى حيث أوفى بأكمل األجلين )19(

.تواضع موسى حيث رعى الغنم وهو ديدن األنبياء )20(

. العمل واالتجار مشورعية استعفاف الدعاة عما في أيدي الناس ب )21(

وغريها من الفوائد املهمة وهي كثرية �كتفي هبذا القدر وا املوفق واهلادي إىل سواء السبيل

عودة موسى إلى بلده) 7(

أتم موسى األجل مع الرجل الصالح ورعى غنمه مدة عشر سنين وكـان فيهـا

وبأخالقه الكريمة ، خير عامل أمين ، وباذل كريم ، وكان الرجل الصالح قد أعجب به

.وقد صاهره ، وأصبح جليسه وسميره

ولكن بعد تمام األجل ، أخبر صهره بأنه عازم على الرجوع إلى بلده ، فأعطاه

بها ، وكان رجوعه نوعا من العاطفة الجياشة إلى الوطن واألهـل يرعى صهره أغناما

.والذكريات القديمة

: كما قيل

الرجال إليهم وحبب أوطان

مجالس قضاها الشباب هنالك

إذا ذكـروا أوطانهم ذكرتهم

عهود الصبا فيها فحنوا لذلك

.وفي الطريق حصلت لهما أمور عجيبة

فلما قضى موسى األجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا : قال تعالى

نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جـذوة مـن النـار لعلكـم قال ألهله امكثوا إني آنست

طلونتص ] 29: القصص . [

عزم موسى على أن يدخل مصر خفية من فرعون وجنده ، سلك بأهله في ليلـة

.مطيرة مظلمة ، وأراد أن يوقد نارا فما استطاع

من مكان بعيـد ، ءور نارا ، رأى نارا تضيوفي أثناء ذلك آنس من جانب الط

بخبر ، أو جذوة مـن النـار لعلكـم كم منها يفقال ألهله امكثوا أني آنست نارا لعلي آت

.تصطلون

في هذا الظالم الدامس ، وقد أضل الطريق ، ويمكن أن يأخذ قطعة ايريد أخبار

. من النار لكي يستدفئوا بها

.ؤدي أنني أنا اهللا رب العالمين فلما وصل إلى تلك النار ، ن

.وكانت النار في شجرة ، ونودي من شاطئ الواد األيمن في البقعة المباركة

موقف رهيب ، ال يرى أحدا ، وال يحس بمخلوق ، ولكنه سمع صوتا من ذلـك

]. 31 - 30: القصص [ إني أنا الله رب العالمين وأن ألق عصاك : المكان يقول

: وفي موضع آخر من القرآن

لـىـا عـش بهأها وهليكأ عأتو ايصع يى قال هوسا مي كينمبي لكا تمو

غنمي ولي فيها مآرب أخرى قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هـي حيـة تسـعى

] . 20 - 17 :طه [

.استجاب موسى ألمر ربه ، فألقاها فإذا هي حية كبيرة

فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولـم يعقـب : وفي القصص قال

] . 31: القصص [

تحولت العصا التي يرعى بها الغنم ، إلى حية كبيرة وسريعة الحركة ، قوائمها

.ها متسع ، تسمع أضراسها وهي تصطك وال تمر بصخرة إال ابتعلتها وفم

لما رأى موسى عليه السالم المشهد المهول ، خاف وارتعب ، فولى هاربا فناداه

] . 31: القصص [ يا موسى أقبل وال تخف إنك من اآلمنين اهللا

أي ترجع عصا ] 21: طه [ ا األولىسنعيدها سيرته : وفي موضع آخر

.كما كانت

واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سـوء : ثم قال اهللا تعالى له

] . 23 - 22: طه [ آية أخرى لنريك من آياتنا الكبرى

. س بها برص وال أذى لينقية أني أدخلها تحت العضد ، تخرج بيضاء

ية عرف أنه لقى اهللا وسمع كالمه ، بعـدها اسـتقر قلبـه ، ومن خالل هذه اآل

!وذهب عنه الخوف والوجل ، ثم أمره اهللا عقبها أنه سينطلق إلى من ؟

إلى الجبار الطاغية ، ملك مصر ، الذي تربى في قصره ، وفر منه كما قـدمنا

] . 24: طه [ رعون إنه طغىاذهب إلى ف : سالفا ، قال

فاآلن أعطاه اهللا آيتين عظيمتين وسماهما برهانين قاطعين الحية واليد البيضاء ،

حجة قاطعة إلى فرعون وملئه ، إنهم كانوا قوما فاسقين ، عندها أحس موسـى عليـه

ـ د طلبـوه السالم بالخوف وبخطورة المواجهة ، إذ كيف يرجع إلى بلد هرب منها ، وق

لقتله وهو وإن تمنى رؤية بلده ، لكنه يخاف بطش الطاغية هنـاك ، فأيـده اهللا بهـذين

.قوي عزمه ، ويشحذ همته يالبرهانين ل

تلج في نفسه خلكن ذكر اهللا ما ي. ولم يجد بدا من تلبية أمر اهللا ، وإجابة دعوته

فسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هـو قال رب إني قتلت منهم ن من الذنب القديم

: القصـص [ أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكـذبون

33 - 34 [ .

ح قال رب اشر انطلق موسى ، والهم يعتمل في نفسه فالتجأ بالدعوات إلى اهللا

نزيرا مل لي وعاجلي ووا قوفقهي يانلس نة مقدلل عاحري ولي أم رسيري ودلي ص

أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيـرا

كنت بنا ب يراإنكص ] 35 - 25: طه . [

. ] 36: طه [ قال قد أوتيت سؤلك يا موسى : فأجاب اهللا دعاءه

ثبته اهللا ، وشرح صدره ، ويسر أمره وقواه ، وأحل عقدة من لسانه ، ودعمـه

.بأخيه هارون يشاوره ، ويشد من أزره

الطـور ، وهنـاك التقيـا وقد كان أخوه هارون في مصر ، التقاه هارون عند

.وتشاورا ، وذهبا إلى فرعون مصر ، ليحصل اللقاء العظيم ، والمناظرة الكبرى

.وهذا ما سنعرفه في الدرس القادم

:أما فوائد هذه القصة ورجوعه إلى مصر وما حصل له من آيات في طريقه

.حنين النفوس مضطرة إلى ديارها والشوق إلى مرابعها القديمة )1(

البراهين واآليـات ، بكالمـه موسى عليه السالم حيث خصه اهللا بهذه فضيلة )2(

] . 164: النساء [ وكلم الله موسى تكليما : وبذاته ، كما قال تعالى

.إثبات صفة الكالم هللا تعالى ، وإن اهللا لم يزل متكلما متى شاء ، كيفما شاء )3(

حولت عصاه إلى حية تسعى وخرجت يـده تأييد اهللا لموسى بالمعجزات ، فقد ت )4(

.من تحته بيضاء ليس بها سقم وال عيب

.أهمية المعجزات في تثبيت قلب الداعية )5(

إقامة الحجة على بني آدم بما يحصل من آيات مبينات ال ينكرها إال جاحـد أو )6(

.مكابر

ح لي قال رب اشر : سؤال االنشراح والتوفيق في المواقف العصيبة كما قال )7(

. صدري

.ضرورة دعوة الظالم ، وإيقاف ظلمه ، وإقامة الحجة عليه )8(

: طـه [ ولي فيها مآرب أخرى إن حمل العصا من سمات األنبياء قبلنا )9(

الدفاع عن النفس ، صد كل آفة تريده ، إضفاء المهابة عليه ، يصـلح ] : 18

.بها طريقه ، ويحمل عليها متاعه

اللقاء الرهيب ، والمناظرة الكبرى ) 8( مهم في حياة موسى عليه السالم إذ بعد ما كلف اهللا موسى بالـذهاب خبر وهذا

يده اهللا باآليات ، وأجاب دعاءه ، وشد أإلى فرعون ودعوته لم يجد فرصة لالعتذار فقد

.أزره بأخيه هارون

غى فقوال له قوال لينا لعلـه يتـذكر أو اذهبا إلى فرعون إنه ط : قال تعالى

] . 44 - 43: طه [ يخشى

وشره تكاثر فالبد من نصـحه وموعظتـه ، طغيان فرعون تعاظم ، : والمعنى

أي . قوال لينا : ومع ذلك الشر والفساد الذي تحمله النفس الفرعونية قال اهللا لهما

. رقيقا لطيفا ، حتى يكون أوقع في نفسه ، وأبلغ في احتوائه والتأثير عليه كالما سهال

] 45: طـه [ قاال ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى عند ذلك

ـ يعني أنه رجل جبار متوحش قد يعتدي ويبطش بنا ، فقال اهللا ي قـال ال تخافـا إنن

لهية بالحفظ واألمان إوهذه حماية ربانية ، ورعاية ] 46: طه [ معكما أسمع وأرى

والكفاية من هذا الظالم فناصيته بيد اهللا ، وأمره ونهيه إلينا ، فال يفعل إال ما يقـدره اهللا

.ويأذن به

قصـر ، اجتمع موسى بهارون وانطلقا ينفذان أمر اهللا تعالى ، وصال إلى باب ال

، قيل ظال سنتين يغدوان ويروحان ال يعلم بهما ، وال يجتريء أحد أن ومكثا عليه مدة

أيها الملك إن على الباب : يخبره بشأنهما ، حتى دخل عليه بعض جالسه وسماره فقال

.نعم : ببابي ؟ قال : لها غيرك أرسله إليك ، قال إرجال يقول قوال عجبا ، يزعم أن له

.خلوه ، فدخل ومعه هارون أد: قال

، ضبأن موسى ذهب وضرب باب فرعون بعصاه ، فسمع فرعون فغ: ى ووير

من يجتريء على هذا الصنيع الشديد ؟ فأخبره السدنة بأن ها هنا رجال مجنونـا : وقال

ما ذكر اهللا : علي به ، فلما وقفا بين يديه قاال وقال لهما : إنه رسول اهللا ، فقال : يقول

] . 47: طه [ قد جئناك بآية من ربك والسالم على من اتبع الهدى كتابه في

، طبعا ، سلم على فرعون ، وجرى بينهما حوار ذكره اهللا في أكثر من سـورة

ذبهم قد جئناك بآيـة إنا رسوال ربك فأرسل معنا بني إسرائيل وال تع : ففي طه قال

] . 47: طه [ من ربك والسالم على من اتبع الهدى

:وهنا عدة قضايا

.أخبراه إنهم رسل اهللا : األولى

.أمراه أن يخلي سراح بني إسرائيل وأن يرفع عنهم سوط العذاب : الثانية

.حمال إليه معجزة من اهللا : الثالثة

.ن اتبع الهدى إسلما عليه : الرابع

قال ألم طاب وتهكم وقال لموسى وقد عرفه عند ذلك استنكر فرعون هذا الخ

يننس ركمع نينا ملبثت فليدا وينا وف كبنر ] 18: الشعراء . [

.بخيراتنا نحن أحسنا إليك وعشت في مصرنا واستمتعت: يعني

.أتمن علي ذلك وتعدها نعمة ، ومنشؤها استعبادك لبني إسرائيل : موسى فرد

: الشـعراء [ وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين : قال فرعون

.، أي الجاحدين ] 19

نكم لما خفتكم فوهب لي فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت م : فقال موسى

ينلسرالم ني ملنعجكما وي حبر ] 21 - 20: الشعراء . [

، يعني هذا اإللـه ] 49: طه [ فمن ربكما يا موسى بعدها قال فرعون

.فإني ال أعرفه وما علمت لكم من إله غيري ! الذي بعثكما من هو ؟

] 50: طه [ قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى : ل موسى فقا

.أي أعطاه ما يصلحه ، وقدر األرزاق واآلجال ، وهدى الخالئق إليه فال يحيدون عنه

قـال ثم إن فرعون لما دمغه موسى باأللوهية ، ذهب يحتج بالقرون األولى

ال القرا بون األولىفم ] أي الذين لم يعبدوا اهللا ] 51: طه.

: طـه [ علمها عند ربي في كتاب ال يضل ربي وال ينسى : قال موسى

، وسيجزيهم بذلك في اللوح محفوظ أي إن كان األوائل لم يعبدوه ، فإن عملهم ] . 52

.ال يعتريه الضالل وال النسيان المحفوظ ال تفوته صغيرة وال كبيرة ، و

الذي جعل لكم األرض ثم بدأ موسى عليه السالم يقرر عليه دالئل عبودية اهللا

مهدا وسلك لكم فيها سبال وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ] . 53: طه [

ت الحجة على فرعون الطاغية ، وأخرسه موسى بالبراهين القاطعة ، ولكن قام

] . 56: طه [ ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى : كما قال

إن كنت جئت بآية فـأت قال في موضع آخر واستكباره هلكن مع زيادة عناد

] . 106: األعراف [ صادقينبها إن كنت من ال

وهو الذكر مـن الحيـات أي ظاهر فألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ،

.الكبيرة اندفعت تجاه فرعون فطار من سريره ، واستغاث بموسى أن يكفه ففعل

: راف األع[ ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ولم يكتف بهذه المعجزة

أي أخرجها من درعه ، فإذا هي بيضاء تتألأل كأنها فلقة قمر ، ليس بهـا أذى ، ] 108

.مه فعادت جميلة للناظرين ، ثم أعادها إلى ك

إن هذا لساحر علـيم : الكرب والحسرة على فرعون فقال عند ذلك اشتد

ريد أن يخرجكم من أرضكم فمـاذا ي فأيده المأل والحاشية معه ] . 109: األعراف [

ونرتأم ] 110: األعراف [ .

قال أجئتنا لتخرجنـا مـن أرضـنا فلما رأى اآليات وخشى العار والفضيحة

نكيبننا ويل بعفاج هثلر محبس نكيى فلنأتوسا مي ركحال أنت بسو ننح فهدا ال نخلعوم

] . 58 - 57: طه [ مكانا سوى

موسى ساحرا ، فزعم ما دام عندك فهو لما رأى هذه اآليات عاند واستكبر وعد

: شخص فيه كليتصف منصفا ، ، فليكن بيننا موعدا دنا سحر مثله نسحر ، فع

: طـه [ يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحىقال موعدكم : فرد موسى

ويوم الزينة هو يوم عيدهم ، وتفرغ الناس من أعمـالهم ، والوقـت ضـحى ، . ] 59

.ليشهده الناس ، ويبين الحق ، كما أن النهار بين عندهم

ون فأرسل فرع : عند ذلك شرع فرعون في جمع السحرة في بالده ، كما قال

ريناشائن حدي المف ] وقـال . ] 53: الشعراء : أتـى ثـم هـدكي ـعمفج

] . 60: طه [

فحضر الناس للمشهد العظيم ، والمناظرة الكبرى ، وجلس فرعون على سـرير

الملك ، والحاشية حوله ، والسحرة وكبارهم ينتظرون ، فحضر موسى وأخوه هـارون

ويلكم ال تفتروا على الله كـذبا ه يتوكأ عليها فلما رأى السحرة وعظهم ومعه عصا

يحذرهم أن ال يخيلـوا النـاس ] . 61: طه [ فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى

.بسحرهم أشياء ال حقيقة لها

فرعون بالجائزة والزلفى ورأوا المجابهة ، وطمعهم. لموعظة للكنهم لم يصغوا

.عليه انتصروا إليه إن هم

ل ألقوا فـإذاألقى قال ب نل مأو نكون ا أنإمو يتلق ا أنى إموسا مقالوا ي

] . 66 - 65: طه [ حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى

قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعـين النـاس واسـترهبوهم : كما قال تعالى

] . 116: األعراف [ وجاءوا بسحر عظيم

العصي شيئا من الزئبق فلفحتها أودعوا نهم إوالسبب أن هذا كذب ودجل ، ويقال

عندها خاف موسى أن تضعف حجته ، ويضعف الناس ، والشمس ، فخيل إنها تتحرك

قلنا ال تخف إنك أنت األعلى وألق ما فـي بسحر هؤالء المجرمين ، فقال اهللا تعالى

: طـه [ يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر وال يفلح الساحر حيث أتـى

68 - 69 [.

أمر اهللا موسى بإلقاء عصاه ، فصارت تنينا عظيما هـائال ، ذا قـوائم وعنـق

ورأس وأضراس ، فجعلت تبتلع تلك الحيات الكاذبة ، والناس ينظرون ، وكلهم ذهـول

فـألقي وتعجب ، فوقع الحق ، وصدق البرهان ، فغلبوا هنالك ، وانقلبوا صاغرين

. ] 70: طه [ الوا آمنا برب هارون وموسىالسحرة سجدا ق

قال آمنتم لـه قبـل أن آذن لكـم إنـه من إيمان السحرة فغضب فرعون ،

كم في جـذوع لكبيركم الذي علمكم السحر فألقطعن أيديكم وأرجلكم من خالف وألصلبن

] . 71: طه [ النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى

قالوا لن نؤثرك علـى المهين لهم تأمل كيف لغة الخطاب ، وصورة العذاب

ما أنت قاض إنما تقضي ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض فاقض

] . 72: طه [ هذه الحياة الدنيا

آمن السحرة لما خالط اإليمان قلوبهم ، فقتلهم فرعون وانتهى حالهم إلى الشهادة

) . كانوا أول النهار سحرة فجرة ، وآخره شهداء بررة(قال بعض السلف

:وأشهر الفوائد من هذه القصة

.في الدعوة ، وإنه مفتاح التأثير ، ال سيما مع الظلمة والبغاة لين النشر )1(

.حفظ اهللا لعباده ودعاته المتوكلين عليه )2(

) .السالم على من اتبع الهدى(بيان أن السالم مع الكافرين )3(

.قوة حجة موسى على فرعون ، قبل مواجهة السحرة )4(

.والتلبيس بطالن كيد الساحر ، وأن ما يأتي به إنما هي من الدجل )5(

.مشروعية مناظرة أهل الباطل ، لمن قدر على ذلك ، وأنها من وسائل الدعوة )6(

.أن للسحر حقيقة ، وإن كان فيه التلبيس والتخييل )7(

.قوة البرهان الذي حمله موسى في المناظرة )8(

.تثبيت اهللا للموحدين وقت األزمات والشدائد )9(

.م والهدى هو أن سلطان الجهل والخرافة تجاه سلطان العل )10(

أصحاب الكهف) 9( . قصة قرآنية عظيمة ، ذكرها اهللا تعالى في سورة هي اسم لما يرمز إليهم

وهي تحكي عن شباب فتية ، فروا بدينهم من شرك قومهم ، هداهم اهللا لتوحيـده

.غوائل الشرك في زمانهم وجنبهم

ـ ذه السـورة ، أو ورد في السيرة النبوية ما يشير إلى سبب إنزال اهللا تعالى ه

.حديثه عن هؤالء الفتيان المؤمنين ، الذين آمنوا وزادهم ربهم هدى

أنتم أهل الكتـاب : التقى بعض مشركي مكة بأحبار اليهود في المدينة فقالوا لهم

. األول فأخبرونا عن صاحبنا هذا

سلوه عن ثالث ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإال فرجل : فقالت اليهود

ل ، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر األول ، ما كان من أمرهم ، فإنهم كـان لهـم تقوم

وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق األرض ومغاربها ما كان نبـؤه ، ،حديث عجيب

وسلوه عن الروح ما هي ؟ فإن أخبركم فهو نبي فاتبعوه وإن لم يخبـركم فإنـه رجـل

) .أي مدع كاذب(متقول

بعد انتظار أشفق منه رسول اهللا ، ويبين أن هؤالء الفتية الـذين ثم جاء الوحي

ذهبوا في الدهر األول هم أصحاب الكهف ، وبالفعل كان حديثهم عجيبا ، ومليئا بالفائدة

.واالعتبار ، وهذا في عقولنا نحن كبشر

كانوا من آياتنـا أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم : لكن اهللا تعالى يقول

أي ليس في أمرهم عجيبا في قدرتنا وسـلطاننا ، فـإن خلـق ] 9: الكهف [ عجبا

.ألشد السموات واألرض ، واختالف الليل والنهار ، وتسيير الشمس والقمر والكواكب

اء ملوك الروم ، وساداتهم ، وكان نن أبمأنهم كانوا : وملخص خبر أهل الكهف

وكان لهم يوم عيد يجتمعون فيه فـي السـنة ، يعبـدون فيـه شرك ووثنية ، قوم أهل

.األصنام ويذبحون لها ، وكان لهم ملك جبار يحضهم على ذلك

وفي يوم من تلك األعياد خرج الناس كعادتهم وخرج أولئك الفتية مع آبـائهم ،

أن تلك العبادة ، فلم تقبله فطرهم ، ورأوايصنعه قومهم ونظروا بعين بصيرتهم إلى ما

. لى وحده ال تنبغي إال هللا تعا

من العيد فانسحب واحد منهم ، وجلس تحت ظـل التفلت فجعل كل واحد يحاول

) .فتية(حتى اجتمعوا وهم رهط .. شجرة ثم تبعه اآلخر ، وآخر

.فلما تقاربوا ، جعل كل واحد منهم يكتم أخاه سره خشية األذى

من قومكم إال شيء فليظهـر يا قوم إنه ما أخرجكم تعلمون واهللا: (فقال أحدهم

إنه باطـل واهللا رأيت ما قومي عليه ، فعرفتأما أنا ، فإني : كل منكم أمره فقال آخر

. )وإنما الذي يستحق العبادة هو اهللا وحده

.وأنا واهللا وقع لي كذلك : فقال اآلخر

.مثل ذلك : وقال اآلخر

.، وبغض ما قومهم عليه من الشرك والفساد فاتفقت كلمتهم على توحيد اهللا

وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقـالوا ربنـا رب السـموات : كما قال تعالى

كيف : ، يعني ] 14: الكهف [ واألرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا

الق السموات واألرض ، وال يجوز أن يقع ذلك منا ، ولو وقع كان باطال ، نعبد غير خ

.وزيغا عن الحق

: تعاقد الفتية على اإليمان والصبر ، ونبذ كل تهديـدات قـومهم ، كمـا قـال

ن فيلطان ببس همليع أتونال ية لوآله هوند ننا اتخذوا ممقو ؤالءه ـنمم أظلم نم

] . 15: الكهف [ افترى على الله كذبا

مكث الفتية المؤمنون يعبدون اهللا ، واتخذوا مكانا لهم ال يعلم بهم قومهم ، ثم بعد

: مدة ، انكشف أمرهم ، فاستدعاهم الملك ، فأجابوه بالحق ، وثبـتهم اهللا ، كمـا قـال

لى قلطنا عبرووبهم .

أن الملك أنذرهم ، وتهددهم ، وأمهلهم مدة ليرجعوا عن ديـنهم هـذا ، : ويقال

.الفرار بدينهم من بطش الظالم ةوكان هذا من رحمة اهللا بهم ، حيث سنحت لهم فرص

ينشر لكم وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إال الله فأووا إلى الكهف : قال تعالى

] . 16: الكهف [ ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا

بدينكم ، ففـارقوهم بأبـدانكم ، ألن فأرشدهم اهللا ، أنكم كما اعتزلتموهم بقلوبكم

ووا إلـى فأ : هؤالء لن تنفع معهم الدعوة ، ال سيما وأنكم قليل ، وقد نابذوكم ، فقال

هتمحر نم كمبر لكم نشري فالكه .

.جبل في غارة –) الكهف(فألهمهم اهللا تعالى

:وفي الكهف حصلت لهم خيرات

.نشر اهللا عليم من رحمته )1(

.حفظهم من كيد قومهم )2(

.ذهب عنهم الروع والخوف أ )3(

.أمنوا على دينهم وأجسادهم )4(

فلم يجدوهم ، وعمى اهللا عليه خبـرهم ، ليختبروهم رى ثم طلبهم قومهم مرة أخ

. عن مشركي مكة موضع رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم عمى كما

. وفي الكهف حصلت اآلية العظيمة ، والمعجزة الكبيرة حيث أنامهم اهللا تعـالى

الكهف سـنين فضربنا على آذانهم في : النوم الطويل ، والمرقد العظيم ، كما قال

] . 11: الكهف [ عددا

.سنة وتسع سنين ثالثمائة ناموا شيئا عجيبا ،

ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا وهم من قبلها لما ولجوا الكهف دعوا هللا ؛

نا بها من قومنـا ، سترتنسألك رحمة : والمعنى ] . 10: الكهف [ من أمرنا رشدا

.في أمرنا هذا الرشد والخير ، إذن هذه اآلية األولى وتيسر

قلبهم لئال تبلـى يناموا أعينهم مفتحة ، وأجسادهم تتحرك ، وكان اهللا : والثانية

] . 18: الكهف [ وتحسبهم أيقاظا وهم رقود أجسادهم

من رآهم كمـا قـال بحيث يخاف لجاللة ، ضرب اهللا عليهم المهابة وا: الثالثة

.] 18: الكهف [ لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا : تعالى

وتـرى الشـمس إذا طلعـت الشمس تدخل عليهم والريح كما قال: الرابعة

ات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجـوة منـه تتزاور عن كهفهم ذ

الله اتآي نم ذلك ] 17: الكهف . [

على حاالتهم ، لم يفقـدوا شـيئا مـن بعد تلك المدة الطويلة ، بعثهم اهللا تعالى

ربكم أعلـم : ما أو بعض يوم ، ثم قالوا لبثنا يو: كم لبثتم ، قالوا : صحتهم ، فتساءلوا

ليذهب بعضكم إلى المدينة فلينظر أيهـا أزكـى : ، لكن أحسوا بالجوع فقالوا بما لبثتم

.أطيب وأطهر ما يكون من األطعمة : طعاما فليأتكم برزق منه ، أي

عب ما أووقالوا لبثنا ي لبثتم كم منهـا قال قائل مبم لـمأع كمبم قالوا روي ض

كمـأتاما فليكى طعا أزهأي نظرفلي ينةدإلى الم هذه كمرقبو كمدثوا أحعفاب ق لبثتمبـرز

نهم ] 19: الكهف [

إنهم إن يظهـروا ن بكم أحداوليتلطف وال يشعر وليحرص أال يشعر به أحد

] 20 - 19: الكهـف [ عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا

.وهذا يدل على أن قومهم نابذوهم ، ومتى ظفروا بهم قتلوهم

ة قد تغيرت ، والديار تحولـت ، فرأى المدين: دخل رسول الفتية وجالب الطعام

على غير هذه عشية أمس عهدي بهذه البلدة إن : فقال . وكأنه يدخل مكانا جديدا غريبا

.الصفة

نقودا ، أنكرها البائع ، فإذا هي من عهد الملك القديم من ثالثة فناوله ذهب للبائع

.قرون ، فدفعها إلى جاره ، وجعل الناس يتدافعونها

لعل هذا وجد كنزا ، فسألوه ثم استدعى إلى ملك ذلك الزمان فحـدثهم :وقالوا

دخل الملك وسلم عليهم وعانقهم ، ثم : بخبره ، فشكوا فيه ، ثم ذهبوا إلى الكهف ، قيل

.اهللا أرواحهم وقبض ودعوه ، وناموا

خـذن علـيهم قال الذين غلبوا علـى أمـرهم لنت ثم أنهم تنازعوا في شأنهم

سيقولون ثالثة رابعهـم ثم ذكر عدتهم . وهذا محرم . ] 21: الكهف [ مسجدا

ـ ل كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ق

عدتهم ما يعلمهم إال قليل فال تمار فيهم إال مراء ظاهرا وال تسـتفت فـيهم ربي أعلم ب

وال فائدة من معرفة عددهم ، والمهم أنهم فتيـة ، وإن . ] 22: الكهف [ منهم أحدا

ـ حبة الصـالحين ، كان األقرب إنهم سبعة وثامنهم كلبهم ، وقد حظي الكلب بشرف ص

. فذكره اهللا معهم

:وأهم فوائد القصة

.أن العبد مفطور على عبادة اهللا وتوحيده )1(

.أن العقول الزكية تأبى صرف العبادة لغير اهللا )2(

.أن قصة الكهف من أعاجيب األخبار التي توقظ البصائر ، وتزيد اإليمان )3(

.أعجب منها لمن تأمل وتدبر إن في الكون )4(

.د مجندة األرواح جنو )5(

.إن اإليمان الصادق سبب للنجاة )6(

.فضل الصالحين في اهللا ، واالجتماع على الخير ، حتى الكلب ذكره اهللا )7(

.تلفهم وانفتاح عيونهم تأييد الصالحين بالكرامات ، المنام الطويل وعدم )8(

.وجوب الفرار بالدين من الفتن )9(

. الثبات على المبدأ ، وعدم التزحزح مهما كانت الظروف )10(

.عدم االعتزاز بالكثرة ، وإن القلة قد تكون مؤمنة راشدة )11(

.إن عدتهم ما ينبغي أن تكون محل خالف ألنها من فضول العلم )12(

. حماية اهللا لعباده الصالحين ، وبسطه رحماته عليهم )13(

قصة يوسف عليه السالم) 10( ـ وقد سماها تعـالى من أروع قصص القرآن الفريد ، القص ـنسصأح

لقد كان في قصصهم عبرة ألولي األلباب ما كـان خرها قال آوفي . ] 3: يوسف [

.] 111: يوسف [ حديثا يفترى

ولم تذكر قصة نبي بطولها في موضع واحد سوى هذه القصة ، ذكرت بأكملهـا

الدروس ، وقد كتب الناس فيهـا وهي غاصة بالفوائد و. واستغرقت كل أجزاء السورة

.كتابات كثيرة

ملوا في بعض المرات فقالوا حدثنا يا رسول اهللا ، فأنزل اهللا أن الصحابة يرو

تاباك يثدالح نسل أحنز الله ] 23: الزمر . [

ثم ملوا ملة أخرى ، فقالوا يا رسول اهللا حدثنا فـوق الحـديث ودون القـرآن ،

نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هـذا ، فأنزل اهللا ن القصص يعنو

آنالقر ] 3: يوسف . [

.القصة تبدأ بشيء عجيب ، رؤيا يراها الطفل يوسف بن يعقوب عليهما السالم

.لقمر رأى مجموعة من الكواكب ساجدة له بما فيها الشمس وا! إيش رأى ؟

شرك يفانشرح صدره ، وفرح بها ، وظهرت تباشيرها على محياه ، وأحب أن

يا بني إنها رؤية : عجب بها ، وبشره خيرا ، وقال له في الفرحة أباه ، فقصها عليه ، فأ

عليك ، كمـا يتمها ك بنعمة بوويح، بعلم سيخصك صادقة ، وإنها بشرى لك من اهللا ،

.أتمها على آبائك من قبل

يـرتهم ممـا غفقد عرفت : ثم حذره أن يقصها على إخوته لئال يحسدوه وقال

إذ قال يوسف ألبيه يا أبت إنـي رأيـت : أخصك به وأخاك من رعاية ، قال تعالى

يناجدلي س متهأير رالقمو سالشمكبا وكو شرع د4(أح (نيا بقال ي اكؤير صال تقص

] . 5 - 4: يوسف [ على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان لإلنسان عدو مبين

ال سيما بعد هذه الرؤيا التـي ) بنيامين(ازداد تعلق يعقوب بيوسف وأخيه اآلخر

هؤالء واعترافهم بفضله ، حيث تدل على شرفه ومكانته ، ال سيما وإن داللتها خضوع

.تعبيرها أن الكواكب أخوته ، والشمس والقمر أبواه

إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلـى أبيهم إلى يوسف ميل اإلخوة األحد عشر

، والمعنى كيف يحـب اثنـين ويغفـل عـن ] 8: يوسف [ أبينا منا ونحن عصبة

إنه في خطأ بميله إلى هـذين ] 8: يوسف [ إن أبانا لفي ضالل مبين . الجماعة

. االثنين

تنامت الغيرة عندهم ، وحركهم دار الحسد ، فتشاوروا لماذا يميـل أبونـا إلـى

.يوسف ويهملنا ونحن القائمون على خدمته ، ورعاية شئونه

في الراحتين األصابع ، فاقترح إن حبهما نبتت في قلبه كما نبتت : فقال بعضهم

اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبـيكم بعضهم قتله والتخلص منه

: يوسـف [ وتكونوا من بعده قوما صالحين أي تخلوا أنتم بأبيكم ] 9: يوسف [

.أي تتوبون عما بدر منكم ] 9

) أي المسافرين(لقوه في البئر يأخذه بعض السيارة ال تقتلوه لكن أ: أحدهم وقال

قال قائل منهم ال تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجـب فالقتل ال يقره دين وال عقل

ينلفـاع كنتم إن ةاريالس ضعب طهلتقي ] استحسنوا هـذا الـرأي ، ف] 10: يوسف

تنفيذه ، ولكن كيف الوصول إليه ، ويعقوب ال يتركه ألحـد ، وصوبوه ، وعزموا على

.وال يسلو إال به

يا أبانا يوسف أخونا ، وبضعة : وفي الغد عزموا على الذهاب إلى أبيهم وقالوا

ل منا فلماذا ال تتركه يذهب معنا ، يلعب ويركض ، ونحن نحميه ونحرسه ، كمـا قـا

قالوا يا أبانا ما لك ال تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون أرسله معنا غدا : تعالى

ظونافلح إنا لهو بلعيو تعري ] 12 - 11: يوسف . [

ال أطيـق أرى : طبعا يعقوب عزيز عليه فرقة يوسف وخاف المكـروه فقـال

قال إني ليحزنني أن تذهبوا غفلة منكم فيأكله الذئب يوسف بعيدا عن قلبي ، وأخشى

لونغاف نهع أنتمو الذئب أكلهي أخاف أنو به ] فـردوا عليـه . ] 13: يوسـف :

ة إنبصع ننحو الذئب أكله قالوا لئنونرا إذا لخاس ] يعنـي ] 14: يوسف ، :

.ألسنا رجاال نحن ، إنا إذا لعاجزون هالكون ، وألحوا وكرروا حتى اقتنع الوالد

فلما ذهبوا في صباح الغد ، ذهبوا به ، وقد أجمعوا على وضعه في الجب ،

بالج ةابي غيف لوهعجي وا أنعمأجو به ] فارقوه ، بدأوا حين ، فمن ] 15: يوسف

وأوحينا إليه لتنبئنهم بـأمرهم هـذا بضربه وأذيته ، وفي تلك الحال أوحى اهللا إليه

ونرشعال ي مهو ] سوف يأتي يوم تذكرهم بصنيعهم هذا ، : ، يعني ] 15: يوسف

.له في هذا الكرب وتثبيت وهذا لطف من اهللا بيوسف

وذهبوا لشرهم ومكيدتهم ، وجردوا يوسف من ثوبه ، ورموه في البئر ، وفرحوا

. بذلك ، وظنوا أنهم حققوا مقصودهم ، وأصابوا غايتهم

!هنا اآلن ، كيف يواجهون أباهم ؟ لكن المشكل

ذهبنا !خوفت فجاءوا في الليل إلى أبيهم يبكون ، ويكذبون ، يا أبانا لقد وقع ما ت

نجري نتسابق ، فغدا الذئب على أخينا يوسف ، فهجم عليه وأكله ، وال نملك إال البكـاء

وجاءوا أباهم عشاء يبكـون : مضرج بدمه ، قال تعالى هوهذا الحزن وهذا قميص

م ندف عوسكنا يترتبق ونا نسبانا إنا ذها أبن قالوا يـؤما أنت بممو الذئب نا فأكلهتاع

] . 18 - 16: يوسف [ لنا ولو كنا صادقين وجاءوا على قميصه بدم كذب

. ء نياتهم طويتهم ، وسوخبث يعقوب شك فيهم ، وعرف

صبر جميل والله المستعان على مـا قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا ف : قال

فونتص ] 18: يوسف . [

سأصبر صبرا ال جزع فيه ، واهللا يعلم على ما تـذكرون مـن الكـذب : يعني

والمحال ، ألن ثمة دالئل أنتم عصبة ، والقميص ليس مخروقا ، لكن صـبر واحتمـل

.عليه السالم

يق الوقت وأهم الدروس من هذا المقطع من القصة ما ونكتفي بهذا القدر هنا لض

: يلي

. جمال قصة يوسف وروعتها )1(

.إثبات االبتالءات في هذه الحياة )2(

.انطواء النفس البشرية على الحسد ووجوده بين اإلخوة )3(

.إن الهوى يحمل صاحبه على الكذب والحسد وسوء الظن )4(

.فضل الرؤيا الصالحة في النوم )5(

. لمرائي الحسنة عند الحسدة عدم التحديث با )6(

. حفظ اهللا تعالى ليوسف عليه السالم وتثبيته وقت البالء )7(

تابع قصة يوسف) 11( وحيدا طريدا ، بال ذنب بألقى يوسف عليه السالم في الج ، !وم نممـن ! ؟ ن

إخوته ، يعاني الوحشة ، ويتحسس ظلمة ، ويحوطه الخوف والحزن من كـل مكـان ،

.ه من أولى المحن وهذ

ثالثة أيام ، وهناك رغم البالء والغـم والخـوف ب محبوسامكث في الج: يقال

ه بالصبر ، وأوحى إليه إنك ستظهر على إخوتك وستخبرهم بصنيعهم هذا ثبته اهللا وحال

ونرشعال ي مهذا وه مرهبأم مئنهلتنب هنا إلييحأوو .

الحزن ، ثم جاء الفرج إذ هو يسمع صوت وتلمظ مكثه في البئر جاع وفي مدة

.أناس قادمين تجاه البئر ، فاستبشر وانشرح وأن ساعة الفرج قد دنت

ون وراءه فرج قريبـيك أمسيت فيه ى الكرب الذي ـعس

ويأتي أهله النائي الغريب فيأمـن خائـف ويفـك عـان

سيارة مسافرون وأرادوا التزود من الماء ، فألقى واحد جاءت! ما الذي حصل ؟

منهم دلوه في البئر لينزع الماء ، فلما رماه إذا هذا الغالم الصغير ، قد تعلق بالـدلو ،

لقة قمـر ، فصـاح فـي فانذهل حيث رأى غالما صغيرا من أجمل ما خلق اهللا كأنه ف

.يا سروري ويا فرحتي : ، يعني ] 19: يوسف [ يا بشرى هذا غالم جماعته

.هؤالء ، واتفقوا أن يتخذوه غالما يبيعوه في مصر فيه اجتمعت

إن إخوته كانوا حول البئر يتربصون ماذا يحدث ، فلما أخرجه المسافرون : قيل

منا ، فرفضوا أن يتركوه حتى يشـتروه فلـم هذا غالمنا فر: طلع عليهم هؤالء وقالوا

.شرائه يكن بد من

ولذلك حقروا ثمنه ، وزهدوا فيه ، حيث باعوه ، قيل بعشرين درهما ولم يكونوا

حاء عليه ، كما قال رص : ـنم يـهكـانوا فة وودـدعم ماهرخس دن ببثم هوشرو

ينداهالز ] أي إخوته زهدوا فيه ، وحقروا ثمنه وشأنه ] 20: يوسف.

م يستطع الكالم ، ويكشف أمره ، بل صـبر حرصـا علـى النجـاة ويوسف ل

.والسالمة

، وانطلقوا به إلى مصر وهناك باعوه ، مـع البضـائع ونأخذه الركب المسافر

.به في األسواق وطيف والرقيق ،

، )وزير الخزانة المصـرية (فقدر اهللا سبحانه وتعالى أن اشتراه عزيز مصر ،

س فيه ، ورأىفلما جيء به إليه ، تفر سنه وأدبه ، واكتمال خلقه ما دعاه أن يقول من ح

كرمي مثواه ومأواه ، وحاشاك أن تزجريه زجر الخدم ، أو تضربيه ضرب أ: لزوجته

.العبيد ، فإني أرجو إذا كبر سنه ، واكتمل عوده أن ينفعنا أو نتخذه ولدا

من مصر المرأته أكرمـي مثـواه وقال الذي اشتراه وهذا ما عناه اهللا بقوله

. ] 21: يوسف [ عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا

أكرمي مثـواه ، : عزيز مصر حين قال : أفرس الناس ثالثة (جاء ابن مسعود

) .يا أبت استئجره ، وأبو بكر حين استخلف عمر: والمرأة التي قالت ألبيها

وتـه ، ل هنا بارقة تمكين يوسف ، وظهوره حيث نجاه اهللا من كيد إخوما حص

وكذلك مكنا ليوسف فـي األرض : ، قال تعالى الحكيم واحتواه هذا الرجل الفاضل

[ ال يعلمـون ولنعلمه من تأويل األحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس

] . 21: يوسف

فما أراده اهللا واقع ، وال مانع ألمره ، لكن لألسف أكثر الخلق ال يدركون حكمته

.في خلقه

مكث يوسف في دار العزيز مسرورا ، مرتاحا ، وبدأ عمله في القصر بكل جد

.وأمانة

ا بلغ أشده آتيناه حكما ولم : بان تلك المدة ، اصطفاه اهللا للنبوة ، كما قال إو

يننسحزي المنج كذلكلما وعو ] 22: يوسف . [

لـي ثم وهو ماض في عمله في القصر ، وقد هدأت نفسه ، وسكنت روحه ، ابت

بمحنة أخرى جديدة ، وهذه الحياة حياة ابتالء ، واهللا عز وجل له حكمـة فـي ذلـك ،

، زوج العزيز ، حيـث بـدأت )القصرسيدة (ليست من إخوته وإنما من والمحنة اآلن

تتعلق بهذا الشاب ، الذي أعطى مكانة جليلة في القصر ، وبدأت تراقبه ، وتالحظـه ،

وقد جمله اهللا ، وآتاه شطر الحسن ، وبدأ حب يوسف يتنامى في قلبها ، لكن كلما همت

تعاظم األمر معها ، وبدأت تلمح ليوسف تذكرت أنه غالمها ، وهي زوجة العزيز ، لكن

.لكن ال يلتفت إليها ويعرض عنها

لكن بلغ الهوى منها مبلغا عظيما ، وفي يوم من األيام دعته إلى غرفتها الخاصة

هيـأت : ، يعني ] 23: يوسف [ هيت لك بها ولبست أبهى المالبس فتنة وقالت

إنـه : ، كما قال شاي أن أخون موالي العزيز معاذ اهللا أن أجيبك وحا: لك ، فقال

ايثوم نسي أحبر ] يعني ] 23: يوسف ، : سيدي أكرمني في بيته ، وأسدل علي

] . 23: يوسف [ إنه ال يفلح الظالمون نعمته ، ثم أغشه في أهله ،

امتنع ، فأخذتها العزة باإلثم ، لكنها أصرت عليه ، وأغلقت األبواب كلها فأبى و

كيف فتى من فتياني ال يستجيب لطلبي ، وأنا في عزتي وكمالي وداللي ، فقامت وراءه

تبطش به ، ولم يكن أمامه إال الفرار ، فهرب عليه السالم فجذبته من قميصه ، وكـان

تهمـة وصل الباب ، فرآه العزيز ، وقد انشق قميصه ، فكان موقفا مشبوها ، وموطن

.وارتياب

حرمتك ، وقد راودني عن عرإن يوسف لم ي: فمباشرة رجعت إلى كيدها قالت

]. 25: يوسف [ ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إال أن يسجن أو عذاب أليم نفسي

: يوسف[ نفسي قال هي راودتني عن ب مباشرة بكل صدق وصراحة يوسف عقف

.وهذا قميصي شاهد على ذلك ] 26

رجل : ، قيل ] 26: يوسف [ شهد شاهد من أهلها عند النزاع في ذلك

إن كان قميصه قد من قبـل فصـدقت وهـو مـن ننظر : من خاصة الملك ، فقال

بين26(الكاذ (قم كان إنوينقادالص نم وهت ور فكذببد نم قد هيص ] يوسـف :

26 - 27 . [

الحقيقة ، وسـقط الزيـف وتجلت وبهذا الحل الذكي الحصيف ، انكشف الغبار

بهـذا الشـاب فتنت والبهتان ، ظهر الحق للعزيز ، وأدرك ما آلت به زوجته ، وأنها

.وروادته عن نفسه

ذا كيد النساء ، واستغفري لذنبك إنك كنت من الخـاطئين ، وقـال إن ه: وقال

إنه مـن كيـدكن إن كيـدكن عظـيم احفظ لسانك ، وال تنشره في الناس : ليوسف

ئينالخاط نم كنت إنك ري لذنبكتغفاسذا وه نع رضف أعوسي ] 28: يوسـف -

29 [.

بعد ذلك رغم حرص العزيز على عدم انتشار الخبر إال أنه ذاع فـي القصـر

أن امرأة العزيز افتتنـت بغالمهـا : الشائعة تقول ايش وتجاوزه إلى جنبات المدينة ، و

وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاهـا ، حبه وغرامه الفتى ، وذابت في

] . 30: يوسف [ عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضالل مبين

ذلك في أذن امرأة العزيز مـا شاعت المقالة ، وأخذت ألوانا وأشكاال حتى رن

يقول الناس منها ، فدعت صديقاتها من نساء المدينة ، وهيأت لهن متكئا ، أي مفـارش

فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهـن متكـأ م من فاكهة ووسائد ، وطعا

] . 31: يوسف [ وآتت كل واحدة منهن سكينا

] 31: يوسف [ وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه ثم أمرت يوسف

حلـو ة ، وضيء الطلعة ، أيلح الغر ،انبهرن بحسنه وجماله ، فهو شاب ال كالشباب و

وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هـذا إال المالمح ، فاندهشن بالمشهد

] . 31: يوسف [ ملك كريم

قالت فذلكن الذي لمتنني : لك وقالت حت بذامرأة العزيز ، وكأنها فرفصفقت

ـنم كـونليو ننـجسلي هرا آمل مفعي لم لئنو مصتعفاس هنفس نع دتهاور لقدو يهف

ريناغالص ] 32: يوسف . [

نفسها ، وأنها ال تطيق بعده لزميالتها ، أنها أحبته ، وأنها أرادته علىواعترفت

أمرها في افتضح ، وأذلت نفسها له ، لكنه يستعصم ، وقد ) ومن الحب ما قتل(أو غيابه

. الناس

النسوة الحاضرات أصابهن الهيام ، وعز عليهن ما القت امرأة العزيز ، فبـدأن

عـرض الضغط على يوسف ، بكل أساليب النساء الجذابة ، لكن يوسف عليه السالم ، أ

قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإال واستعصم وسأل اهللا الحفظ والتثبيت

ينلاهالج نم أكنو هنإلي بأص نهدني كيرف عتص ] 33: يوسف . [

، لكنه أبى وامتنع فقامت وزدن في المراوغة واإلغراء ، وهددته السيدة بالسجن

إن يوسف قد فضحني في أمري ، وافترى علـى فـي : (إلى زوجها العزيز ، وقالت

سجنشرفي ، وما أرى إال أن ي. (

دة والنساء شاركنها الجريمة ، ولكـن المراوهي لعزيز أن امرأته وكان قد تبين ل

ثم بـدا : قال تعالى ظا على القصر وسمعته أن يسجنوه ،رأوا أن من المصلحة حفا

] . 35: يوسف [ لهم من بعد ما رأوا اآليات ليسجننه حتى حين

ولكـن .. التي بلغتها المرأة ، وزميالتهـا المنحطة باتت أدلة براءته ، والحالة

.محنة وبلوى من اهللا ليوسف ، يجدد بها إيمانه ، ويهيئه ألمور عظيمة

:شهر الفوائد هنا وأ

.أن األنبياء أشد بالء في الحياة )1(

.كون في طيات المحن ت ةأن المن )2(

.قبح الحسد وتغير قلب المسلم على إخوانه )3(

.فراسة العزيز حيث تفاءل في يوسف الخير والنعماء )4(

.عفة يوسف وتمنعه من الوقوع في الحرام )5(

تقربوا الزنى إنه كـان وال حرمة الزنا في الشرائع ، وأنه من أقبح الذنوب )6(

] . 32: اإلسراء [ فاحشة وساء سبيال

.تثبيت اهللا لعباده المؤمنين المخلصين )7(

.فضل اإلخالص ، وإنه وقاية من السوء والمخاطر )8(

إنه ربـي أحسـن حفظ يوسف ألمانة العزيز ، وعدم خيانته في بيته وأهله )9(

ايثوم .

.إيثار السجن والبالء على الفاحشة والنعماء )10(

.تساهل أرباب الزينة والدنيا في الخلوة بالشباب والخدم )11(

ثم بدا لهم من بعد ما رأوا اآليات وعبيدها وقوع الظلم من أهل الدنياتصور )12(

. ليسجننه حتى حين

تابع يوسف عليه السالم ) 12(

دخل يوسف عليه السالم السجن مظلوما ، صابرا ، مؤثرا السـجن علـى كـل

، واألماني التي دعته إليهـا امـرأة العزيـز وشـاركت النسـوة والخنا مراتع الفحش

.المحرضات على الفاحشة

لكن سلم ألمر اهللا تعالى ، وواهللا لحياة الضنك والشدة ، خير من حيـاة التـرف

. وظلم النفس والنعمة في ظل معصية اهللا

، حيث تعرف على مجتمع جديد ، وأخالق ) قصة عجيبة(في السجن حصلت له

.جديدة ، وشارك الناس مصائبهم

.ازه هما ساقي الملك ، واآلخر خبأحد: هناك التقى برجلين في السجن قيل

.السجينان لحظا صالح يوسف ، وأمانته ، وحسن أدبه ، وكثرة ذكره وعبادته

!جرى ؟فماذا

: ، قـال تعـالى تفسـيرها رأيا رؤيا ، كل واحد رأى رؤيا فأحب أن يعـرف

يانإني أر قال اآلخررا وخم رصي أعانا إني أرمهدان قال أحفتي نجالس هعخل مدو

نب نهم رزا تأكل الطيي خبأسق رل فومأح ينـنسحالم ـنم اكإنـا نـر هئنا بتأويل

] . 36: يوسف [

إيش الرؤيا ؟

قال رأيت فيما رى النائم أني غرست جنة عنب فخرجت عناقيد ثـم سـقيتهن : األول

.الملك

.كأني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه : قال : والثاني

لمرأئي ، وهي تأويل الحديث الذي علمه اهللا إياه طبعا يوسف عليه السالم خبير با

إنا نراك من ، التعبير لما رأوا من صالحه ، وحسن سمته هرأيا حقيقة ، وسأال ماوه

يننسحالم بل إنهما أحباه وارتضياه ،.

مـا ، بارك اهللا فيك: واهللا لقد أحببناك حبا شديدأ زائدا ، فقال : (وورد أنهما قاال

إنه ما أحبني أحد إال دخل علي من محبته ضرر ، أحبتني عمتي ، فدخل علي الضـرر

واهللا مـا : بسببها ، وأحبني أبي فأوذيت بسببه ، وأحبتني امرأة العزيز ، فكذلك ، فقاال

) .ستطيع إال ذلكن

: المهم يوسف عليه السالم سمع الرؤيا وأصغى لهما إصغاء العالم البصير ثم قال

ا عما ما ذلكمكميأتي ل أنقب ها بتأويلأتكمإال نب هقانزام ترا طعيكمأتي قال ال يبي رنلم

بائي إبراهيم إني تركت ملة قوم ال يؤمنون بالله وهم باآلخرة هم كافرون واتبعت ملة آ

وإسحق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلـى

ونشكرالناس ال ي أكثر نلكالناس و ] 38 - 37: يوسف . [

ام ، وذكـر لهمـا توحيـده هللا ، أخبرهما إنه عارف بالتعبير ، ويخبرهم بالطع

يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم : وسلوكه لطريق المرسلين ، وزاد يقول

ارالقه داحالو ـا ) 39(اللهم ـاؤكمآبو ا أنتموهتميماء سمإال أس هوند نم وندبا تعم

يم ولكن زل الله بها من سلطان إن الحكم إال لله أمر أال تعبدوا إال إياه ذلك الدين القأن

ونلمعالناس ال ي أكثر ] 40 - 39: يوسف . [

في السجن ثالثة تمكث: ثم بعد هذه الموعظة التوحيدية ، عبر لهما ، قال لألول

يا صاحبي السجن أمـا أحـدكما فيسـقي ربـه أيام ، ثم تخرج فتسقي الملك خمرا

وأما الثاني فأخبره بأنه يقتل ، ويصبح جثة هامدة ، تأكـل ] . 41: يوسف [ خمرا

] . 41: يوسف [ ن رأسه وأما اآلخر فيصلب فتأكل الطير م ه الطير من

قضي األمر الـذي : ما رأينا شيئا ، فقال : ، قاال تعبيرلما سمع الرجالن ال

] . 41: يوسف [ فيه تستفتيان

الجـواب عن وأنه ينبغي التدافع خطورتها مما يدل على ) فتوى(فسمى الرؤية

على ذلك الجزم ، وذكر التاريخ وهـذا شـيء فيها كما يفعل بعض المعاصرين ، وزاد

!! مستغرب جدا

ثم إن يوسف عليه السالم قال للذي ظن أنه ناج منهما ، اذكر شأني عند الملك ،

وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربكوإني مظلوم ، أدخلت بغير جريمة . ] 42: يوسف [

رجل من السجن ، فأنساه الشيطان ذكر ربه أي الشـيطان حـرص أن وخرج ال

فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع ينسي ذلك الناجي لماذا كانت العاقبة

يننس ] 42: يوسف . [

حتى قارب الفرج ، وحـدث شـيئ لبث يوسف في السجن ابتالء من اهللا تعالى

.كان طليعة خروجه ظيم ع

ماذا تقول الرؤيا ؟.. ن الملك رأى رؤيا أفزعته وأهمته أ: والحدث

رأى الملك سبع بقرات سمان تأكلها سبع عجاف مهازيل ، وسبع سنبالت خضر

ع وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجـاف وسـب خر يابسات أو

. ] 43: يوسف [ سنبالت خضر وأخر يابسات

أصبح في يومه مهتما كثيرا ، فجمع رجال دولته ، وأشراف النـاس ، بعضـها

] . 43: يوسف [ يا أيها المأل أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون عليهم

قالوا خياالت وأوهام : نهم البصير بالمنامات ، فقالوا ، وليس مهم ما عرفوا

ينالمالم بعبتأويل األح نا نحمالم وغاث أحأض ] 44: يوسف [ .

وهو الناجي من الرجلين ، ) ساقي الملك(سمع الرؤيا وويحتمل أنهم خافوا منها

: فسارع إلى الملك بقوله) يوسف(التعبير فتذكر الرجل الصالح في السجن عالم الرؤيا و

أيها الملك إن بالسجن فتى كريما ، صائب الفكر ، يكشف ودائع الغيوب بنور عقلـه ،

.فاذكر له رؤياك ، يأتيك بالخبر اليقين

يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سـمان فانطلق الساقي إلى السجن

هن سبع عجاف وسبع سنبالت خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهـم يأكل

ونلمعي ] 46: يوسف . [

إنكم تزرعـون : (فلما سمعها يوسف ، ألهمه اهللا تعالى حسن الجواب فيها فقال

البقر بالسـنين ، متواليات ففسر ع سنين سبع سنين دأبا ، أي يأتيكم الخصب والمطر سب

. األرض ، التي يبرز منها الثمرات وهن السنبالت الخضر تثير ألنها

وهو أن ما يحصدونه في السبع سنين ذروه في سنبله : ثم أرشدهم إلى أمر هام

ما حصدتم قال تزرعون سبع سنين دأبا ف . ليكون أبعد عن الفساد إال ما تأكلون منه

ا تأكلونميال مإال قل هلنبي سف وهفذر ] 47: يوسف . [

ثم يـأتي ثم تأتي سبع سنين عجاف ، شداد تجتاحكم إال ما أحصنتم وحفظتم

ميال مإال قل نله تمما قدم أكلناد يدع شبس ذلك دعب نمنونصا تح ] 48: يوسف .[

ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه ثم بشرهم بالخير والرخاء بعام يأتي بعد السبع

ونرصعي يهفو غاث الناسي ] 49: يوسف . [

.ينزل المطر ، وتعم الخيرات ، وتكثر ، ويعصر الناس الزيت ونحوه

، وعرف أن هذا كالم ال الملك بالرؤيا وتعبيرها فاندهش منها رجع الناجي إلى

كر ملهم ، فطلب الملك ليسأله ويجربه ، ويفيد من رأيه وعلمـه بصير وف يقوله إال عقل

ي بهائتون كلقال المو ] إن الملـك : ، جاءه رسول الملك وناداه ] 50: يوسف

الكريم الصبور ، رفض العـرض أن يحضـر يدعوك إلى حضرته ، لكن يوسف النبي

قال ارجـع : بعفو الملك ، ومحبته له ، لكنه قال كان سيخرج ، حتى تظهر براءته

: يوسف[ إلى ربك فاسأله ما بال النسوة الالتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم

50 . [

ـ (: يوسف الخروج أثنى عليه نبينا صلى اهللا عليه وسلم وقال ورفض تولو لبث

.يثني على صبره وشدة احتماله ) ألحببت الداعيفي السجن ما لبث يوسف

قال ما خطـبكن إذ : استدعى الملك النسوة ومعهم امرأة العزيز فقال : المهم

هنفس نف عوسي دتناور ] يذكرهم بيوم الضيافة ] 51: يوسف.

: يوسف [ قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء فاعترفن أنه ليس بمتهم

51 . [

اآلن حصحص الحق أنا راودتـه عندها نطقت امرأة وزيره العزيز بالحقيقة

لك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله ال يهـدي كيـد عن نفسه وإنه لمن الصادقين ذ

ينالخائن ] 52 - 51: يوسف . [

وما أبرئ نفسي إن النفس ألمارة بالسوء إال ما رحـم ربـي إن : ثم قالت

] . 53: وسف ي[ ربي غفور رحيم

، ومـع فها هي المرأة اعترفت بالحق ، وأن يوسف بريء لكنه نزوة شيطانية

.يستجب يوسف لما طلبت منه الفاحشة فهي لم تخن زوجها بالغيب حيث لم ذلك ،

.. وأثنت على يوسف خيرا ، وأكدت أنه سجين مظلوم ، وأنـه زكـي عفيـف

لى تعبير الرؤيا ، كافية إلخراج يوسف ، وكانت هذه الكلمات من امرأة العزيز إضافة إ

.وإعالنه براءته للناس ، وأنه من أنقى الناس خلقا ، وأزكاهم نفسا

هذه المحاسن واألخالق التي ظهرت عن يوسف اآلن ، دعت الملك أن يستدعيه

نفسـي وقال الملك ائتوني به أستخلصـه ل ويقربه ، ويجعله من خاصته وبطانته

علم وبصيرة ، وأدب وأخالق ، فحضر يوسف ، قربون يهؤالء مثل. ] 54: يوسف [

أي ] 54: يوسـف [ إنك اليوم لدينا مكـين أمـين : عجب به الملك وقال له فأ

. أصبحت ذا مكانة وشرف

نـي حفـيظ علـيم قال اجعلني علـى خـزائن األرض إ : فطلب يوسف

وكذلك مكنا ليوسف فـي األرض : فأجابه إلى طلبه ، قال تعالى . ] 55: يوسف[

ـرألجو ينـنسحالم ـرأج يعال نضو نشاء ننا متمحبر يبنص شاءث ييا حنهأ موتبي

] . 57 - 56: يوسف [ ن آمنوا وكانوا يتقوناآلخرة خير للذي

أي مكنا ليوسف ، وآتيناه من صنوف النعم والخيرات في هذه الحيـاة ، جـزاء

إيمانه وصبره ، نصيب برحمتنا من نشاء ، ومع ذلك ، فأجر اآلخرة أعظم وهو خيـر

. من متاع الدنيا

:ونقف هنا ، ونبين أهم الدروس

. إنا نراك من المحسنين وسف في السجن حسن شمائل ي )1(

.القيام بالدعوة في اللحظات الشديدة نحو السجن )2(

. إن السجن ليس حائال عن الدعوة ، والتأثير في الناس )3(

.بتعبير الرؤيا العلية خبرة يوسف ومكانته )4(

.عبد من دونه إن أول ما يدعى اهللا الخلق ، هو توحيد اهللا تعالى ، ونبذ كل ما ي )5(

إن عبادة اهللا وحده هي الدين القيم ، والمنهج السوي ، ومـا عـداها انحـراف )6(

.واعوجاج

وقال للذي ظن أنـه نـاج منهمـا الظنية إن تعبير المرائي جار في إطار )7(

كبر ندي عناذكر وليس مسألة قطعية كما يتوهمه بعض الناس .

.لناس إلى من يكتشف أسرار الغيوب كالمعبرين والكهان انجذاب ا )8(

أو كـرم حتـى تثبـت براءتـه بمنة ثبات يوسف وصبره ، ورفضه للخروج )9(

.يقيةالحق

. اعتراف المرأة العزيز بالخطيئة ورجوعها إلى الحق ، وتزكيتها ليوسف )10(

.أهليته في ذلك والمهمة ، لمن علم جواز طلب اإلمارة )11(

وا تعاىل أعلم ،،

تابع قصة يوسف عليه السالم) 13( نكمل هذه الليلة ، سياقا جديدا في قصة يوسف عليه السالم ، وقد مكنه اهللا فـي

) .أي يعني صار هو العزيزالملك على الخزائن المصرية هاألرض ، وجعل

قلد أمر معاش الناس وأرزاقهم ال سيما وأنه قد حذرهم من مغبـة تي وناسب أن

.دمة العجاف السنين القا

بان وزارته بكل حكمة وعقل ، حيث هيأ إاستقبل يوسف السنوات السبع السمان

غالت ، وأسبغ على الناس ، ومع حسن التـدبير والتنظـيم ، خشـية المخازن ، ومأل ال

.مفاجأة السنوات العجاف

وبالفعل دخلت السنوات الشداد ، وقلت األمطار ، وقحـط النـاس فـي مصـر

كن مصر استقبلت القحط بكل حيطة واستعداد بفضل اهللا ، ثم بحكمة يوسف ، لوالبلدان

وحسن تخطيطه ، حيث ادخر من الغالل ما يكفي حاجة الناس ، ويصونهم أيام الجـوع

.والجدب

تسامع الناس بذكر مصر ، وأنها رخية ، وكأنها لم يصبها القحـط ، وأن فيهـا

.العدل والرحمة بميزان ة بين الناس طعزيزا عادال وفاضال كريما ، يوزع الحن

وصل الخبر إلى أرض فلسطين ، وفيها يعقوب عليه السالم وبنوه ، فقال يعقوب

إن الجدب عمنا فشدوا ركابكم ، واقصدوا هذا العزيز الذي حملـت الركبـان : ألبنائه

.أخباره

وجاء : وبالفعل أجاب األبناء دعوة أبيهم ، وانطلقوا إلى مصر كما قال تعالى

ونرنكم له مهو مفهرفع هليخلوا عف فدوسة يإخو ] 58: يوسف . [

وحولـه دخل الحاجب على يوسف العزيز ، وقد صار في رئاسته ووجاهتـه ،

، غرباء عـن معارفهم إن بالباب عشرة تتشابه : الناس محل إجالل وإكرام ، وقال له

.تأذنون في الدخول عليك هذه الديار يس

خوته العشرة الذي غدروا به ، ورموه فـي إفأذن لهم يوسف بالدخول ، فإذا هم

.لم يعرفوه ، واستبانهم وهم قد أنكروه مع طول المدة والبئر فعرفهم ،

.يوسف كان حكيما رزينا ، آواهم وأحسن ضيافتهم

ي ؟من أنتم ؟ وما أقدمكم بالد: ثم قال لهم

عيون ؟ لعلكم : يا أيها العزيز قدمنا للميرة ، قال : فقالوا

! فمن أين أنتم ؟ : ، قال معاذ اهللا : قالوا

.من بالد كنعان وأبونا يعقوب نبي اهللا : قالوا

وله أوالد غيركم ؟: قال

عشر فذهب أصغرنا هلك في البرية ، وكان أحبنا إلى أبيه ، وبقى نعم كنا اثني: قالوا

.تبسه أبوه ليتسلى به عنه شقيقه فاح

ال قيمة لهذا القول عندي حتى تأتوا به أو شاهد ، فأقيموا عنـدي حتـى : فقال يوسف

.بيتكم يحضر

.نحن غرباء ، وإنك تكلفنا محاال ولكن التمس لنا مخرجا عن هذا : فقالوا

الـذي إني سأجهزكم ، وأمدكم بالميرة الوفيرة على أن تعودوا ومعكـم أخـوكم : فقال

خلفتموه عند أبيكم ، ليكون شهيدا عليكم ، وسأضاعف إكرامكم ، وأزيدكم حمل بعير في

.غالتكم ، هذا هو شرطي ، فإن لم تأتوني به فال كيل لكم عندي وال تقربون

ون ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم أال تـر : قال تعالى

أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين فإن لم تأتوني به فال كيل لكم عندي وال تقربون ] . 60 - 59: يوسف [

لونإنا لفاعو اهأب نهع اودنرقالوا س ] يعني سنحاول فـي ] 61: يوسف

. ه معنا ، وإن كنا نظن أنه لن يأذن بسفره ، وال يصبر على فراقه أبيه أن يرسل

ثم إنه ودعهم وخرجوا من عنده على الموعد لكن يوسف قبل ذلك صـنع شـيئا

!ماذا صنع ؟.. عجيبا

وا عوضا عنهـا هم بضاعتهم التي جاءوا بها ليمتارقال لخدمه وفتيانه ردوا علي

خشى أن ال يكون عنـدهم بضـاعة : بب قيل يشعرون ، والسما في رحالهم من غير

.يعاوضون بها أو خشى أن يأخذ من أبيه عوضا وقيل إلحراجهم فيرجعوا إليه

ووزيرا كريما عرف يا أبانا لقينا رجال عظيما ، : رجع األخوة إلى أبيهم فقالوا

د حتى نأتيـه أال يكيل لنا من بعوشرطا افضلنا ، وأكرم وفادتنا ، ولكنه أخذ علينا عهد

.، يخبره بحقيقة حالنا ، إنه شك في أمرنا ) بنيامين(بأخينا

[ قال هل آمنكم عليه إال كما أمنتكم على أخيه من قبل وأبى أبوهم رفض

.أي هل أنتم صانعون به إال كما صنعتم بأخيه من قبل ] . 64: يوسف

م ورحالهم ، فإذا بضاعتهم التي جاءوا يشترون بها فقـد بعد ذلك قلبوا بضاعته

قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضـاعتنا فرحين ردت عليهم فعادوا إلى أبيهم مسرورين

].65: يوسف [ ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير

ونمير أهلنـا إيش نريد وراء هذا ، ردت علينا بضاعتنا وأوفى لنا الكيل

أي يسير في مقابلة ذلك كيل يسير أرسلت معنا أخانا نأتي بالميرة إلى أهلنا أي إذا

.أخذ أخيهم

لـن أرسـله قال والعهد المبين المتين ضغطوا على أبيهم فوافق بعد الموثق

مقهثوم ها آتوفلم اط بكمحي إال أن ي بهلتأتونن الله نقا مثوي متى تؤتونح كمعقـال م

] . 66: يوسف [ الله على ما نقول وكيل

هم أمرهم أبـوهم ثم ذهبوا فرحين مسرورين وأعطاهم أخاهم معهم ، وقبل ذهاب

بأمر مهم وهو أنهم إذا وصلوا إلى العزيز ال يدخلوا من باب واحد وليدخلوا من أبواب

وقال يا بني ال تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنـي متفرقة

كمالح ء إنشي نم الله نم نكمع كلـونتوكـل المتوفلي هليعكلت وتو هليع إال لله

والسبب إنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة فخشى علـيهم العـين ، ] . 67: يوسف [

.وهذه اآلية أصل في إثبات العين ومشروعية التوقي منها

فآوى إليه أخـاه ، ورق لـه والتقوا بيوسف رهم أبوهم ، موصلوا ودخلوا كما أ

مثنـى وحن عليه ، ولكن لم يظهر عواطفه ، ثم إن يوسف صنع لهم طعاما ، فجلسـوا

فأجلسه ) ن أخي يوسف حيا لجلس معيلو كا(مثنى ، وبقى بنيامين وحيدا فبكى ، وقال

: أتحب أن أكون أخاك الهالك ، فقـال : عنده بنيامين فقال له بات نه إعلى مائدته ، ثم

يعقوب وال راجيل ، فبكى يوسف عليه السالم وقام إليه يرك من يجد أخا مثلك ولكن لم

ت نفس بنيامين ، قرفحينها إني أنا أخوك الذي تنشده وتهتف باسمه : وعانقه ، وقال له

.واستقرت روحه

قال إني أنا أخو أخاه هى إليف آووسلى يخلوا عا دلمـا وبم تـئسفال تب ك

لونمعكانوا ي ] 69: يوسف . [

ودبر يوسف لهم مكيدة ومكرا ، وأخبر أخاه بما . بعد ذلك انقضت أيام الضيافة

!وماذا صنع لهم ؟.. سيصنع

وهو إناء من الفضة يشـرب منـه ، ويكيـل ) صواع الملك(قبل سفرهم وضع

فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية م انصرفوا ، للناس به في متاع أخيه بنيامين ، ث

يهل أخحي رف ] 70: يوسف . [

قالوا وأقبلوا عليهم ماذا أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون وقت خروجهم

اعوص دقالوا نفق ونديم تفقعز أنا بهير وعل بمح به اءج نلمو كلالم ] يوسـف :

70 – 72 [.

.من جاء به أعطيناه حمل بعير طعاما ذه خصالهه

قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في األرض وما اتهمهم الغلمان بالسرقة

ينارقكنا س ـوفه ـهلحـي رف جدو نم اؤهزقالوا ج بينكاذ كنتم إن اؤهزا جقالوا فم

ينزي الظالمنج كذلك اؤهزج ] 75 – 73: يوسف . [

لكم ، هذا شرعنا ، ونحن على بدسير عندكم عفهو أمن وجد في متاعه : قالوا

.يقين من براءتنا

أوعيتهم يفتشها وعاء وعاء ، ثم فتش وعاء أخيه ، فوجد الصواع ، فرفعـه بدأ ب

.أمامهم فدهشوا وأطرقوا رؤوسهم حياء وخجال

ناـدك كـذلك يـهأخ اءوع نا مهجتخراس ثم يهأخ اءل وعقب همتيعأ بأودفب

ه في دين الملك إال أن يشاء الله نرفع درجـات مـن نشـاء ليوسف ما كان ليأخذ أخا

] . 76: يوسف [ وفوق كل ذي علم عليم

.أي كدنا ليوسف وهذا من الكيد المحبوب والمعنى دبرنا وصنعنا له هذه الفعلة

:نتوقف هنا ، وفي هذا السياق من الفوائد ما يلي

طنة يوسف بادخار األطعمة ، وحذقه بأحوال الناس ، ومعرفته ألخوته الـذين ف )1(

.لم يعرفوه

بـاألمن (حسن شمائل يوسف ، وتمام إدارته لألمور وتوفير مـا يسـمى اآلن )2(

.الذي يعينك في أيام المحن والكوارث ) الغذائي

.وأن هذا خلق األنبياء وفادته مشروعية إكرام الضيف ، بإحسان )3(

.جود العين وأنها حق ، ومشروعية التوقي منها إثبات و )4(

.جواز التوصل إلى األغراض بالحيل إذا لم تخالف شريعة ، ولم تهدم أصال )5(

.سن المعاملة في البيع والشراء ، والتيسير على الناس أيام الشدائد ح )6(

.تحريم السرقة وذمها في الشرائع السابقة )7(

سارقه استرقه وملكه ، وفي مصر بظفر أن المسروق إذا إن كان في شريعتهم )8(

.ضربه وتغريمه

.فضل يعقوب وأنه يعلم من اهللا حيث ؟؟؟؟؟ أسباب العين )9(

توالي النعم على يوسف بعد الشدة والكرب ومقاساة الحياة ، لما صبر واحتمـل )10(

راسر يسالع عم را إنسر يسالع عم فإن ] 6 - 5: الشرح . [

ها من الفوائد املهمةوغري وصلى ا وسلم على �بينا حممد وعلى آله وصحبه

تابع قصة يوسف عليه السالم) 14(

توقفنا في الدرس السابق عند استخراج يوسف عليه السالم السقاية مـن وعـاء

علـيكم بالشـرط : أخيه فخجل إخوته وخفضوا رؤوسهم حياء منه ، فقال لهم يوسـف

ف جدو نماؤهزج وفه هلحي ر ] أي أن يملك المسروق السارق ] . 75: يوسف

.ويصبح أسيرا له

قالوا إن يسرق فقـد سـرق أخ لـه ثم إنهم أرادوا أن يبرئوا أنفسهم فقالوا

نتم شر مكانا واللـه أعلـم بمـا من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أ

فونتص ] 77: يوسف . [

إن عمـة يوسـف : يقصدون بذلك يوسف وأنه سرق في صباه ، والقصة تقول

طنكانت عندها مبر ، وكان يوسف قد تربى عند عمته فة إسحاق ، وكانوا يتوارثونها بالك

تاقت إليه نفس أبيه يعقوب ، فقال سنوات 7مره هذه ، وأحبته حبا شديدا ، فلما صار ع

.يوسف ، فإن نفسي قد تاقت إليه سلمي إلي: لها

فـة طنظر إليه ، فلما خرج يعقوب قامت إلى المنأدعه عندي أياما حتى : فقالت

فـة ، فـانظروا مـن طعلى يوسف من تحت ثيابه ، ثم زعمت أنها فقدت المنفحزمتها

.صنع به ما شئت أإنه لي : ف ، فقالت أخذها فوجودها عند يوس

إنت وذاك ، ولم يجد بدا من تركه لعمتـه ، حيـث : وأخبر يعقوب الخبر فقال

. أحبته وكانت ال تسلو إال به ، فقالوا ذلك يشيرون إلى هذه القصة

. أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون : فقال يوسف في نفسه

قالوا يا أيها العزيز إن له أبـا شـيخا ثم إنهم بدأوا يستجدون العزيز يوسف

يننسحالم نم اكإنا نر كانهنا مدكبيرا فخذ أح ] 78: يوسف . [

ا إنما نأخذ من وجدنا متاعنا عنده ، حاولو! كيف نأخذ شخصا لم يظلمنا ؟: فقال

.كرروا على يوسف ، لكنه أصر ومنع أن يأخذ عوضا عن بنيامين

، ا عن الناس يتشاورون ماذا يفعلونانفردو خلصوا نجيا يئيسوا إنهم لما لم

.وقد اعطوا أباهم الميثاق أن يرجعوا به

ألم تعطوا أباكم عهدا على أن ترجعوا به ، إن جرح يوسف لـم : فقال كبيرهم

فلن أبرح األرض حتى يأذن لي أبي أو : وأن دموع عينيه لم تنقطع ثم قال يندمل ،

ينماكالح رخي وهلي و الله كمحي ] 80: يوسف . [

: يوسـف [ ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق ثم ال مناص

الذي عاهد أباه ، رجعوا إلى أبيهم ، وكاشفوه بالحقيقة ) هوذا(، ذهب التسعة وبقى ] 81

وما شهدنا : يا أبانا وقع كيت وكيت ، وقد سرق بنيامين وصدقوه هذه المرة وقالوا

ينظب حافا كنا للغيمنا وملا عإال بم ] إنـه أي ما علمنا في الغيـب ] 81: يوسف

سيسرق له شيئا ، وإنما سألنا ما جزاء السارق ؟

واسأل القرية التي كنا فيها وسل يا أبي القرية التي كنا فيها ، قيل هي مصر

قونادإنا لصا ويهلنا في أقبالت يرالعو ] 82: يوسف . [

لخبر عليه كالصاعقة هدت كيانه ، وأذهبت طبعا يعقوب لم يتمالك نفسه ، ووقع ا

بل سولت لكم أنفسكم أمرا : يمانكم وقال أما صنعتم بأخيكم ، وما فعلتم ب: عقله فقال

يمكالح يملالع وه يعا إنهمج ي بهمنيأتي أن ى اللهسيل عمر جبفص ] 83: يوسف .[

. فصبر جميل ن يعقوب أنها مكيدة جديدة ، كما فعلوا بيوسف فقال ظ

وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف : عرض عنهم وقال أثم إنه تولى و

] . 84: يوسف [ وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم

من شدة ذهب سوادهما وعمي: وابيضت عيناه ند له حزن اآلن الحزن الدفيجد

.كئيب : وكظيم . كثرة البكاء

.يبكي ويتألم حتى ضوى جسمه وانهد وابيضت عيناه مكث مدة يعقوب ،

سمعه أحد أبنائه يتوجع ويتلهف على يوسف ، فاستدعى أخوته لينظروا : ومرة

حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين تالله تفتأ تذكر يوسف : فلما سمعوه قالوا . ] 85: يوسف [

هـم أذابه ضعيف القوة من مرض المريض الموشك على الهالك أو: الحرض

إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما ال تعلمون : أو مرض ، فقال

] . 86: يوسف[

.قالوا يشير إلى الرؤيا وأنها صدق حتما سيلتقي بيوسف وسيلم اهللا الشمل

يا بنـي اذهبـوا : ثم إن يعقوب ندب أبناءه للبحث عن يوسف وأخيه وقال

اللـه إال فتحسسوا من يوسف وأخيه وال تيئسوا من روح الله إنه ال ييئس من روح

ونرالكاف مالقو ] 87: يوسف . [

فرج اهللا قريب ورحمته واسعة ، وبالفعل خرجوا يبحثون ، ورجعوا مصر إلـى

يـا : وقالوا والمفجوع المضيوم العزيز ، وهناك وقفوا موقف المنكسر المكروب ،

نا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئ

ينقدتصزي المجي الله ] 88: يوسف . [

جاءوه مرة أخرى في أيام جدب وقحط وسألوه أن يحسن عليهم ويتصدق حيـث

.امين جاءوا بطعام رديء وقليل ، أو يمن عليهم بإطالقه سراح أخيهم بني

خوته ، وتذكر ما ألم بأبيه من األسـى واللوعـة إعند ذلك رق يوسف لمصاب

هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جـاهلون : على فقد أبنائه ، فقال لهم

ذكرهم يوسف بما فعلوا به في الصغر ، وكيف احتالوا علـى أبيـه ] . 89: يوسف [

أخذوه وجروه وضربوه وقد توسل لهم فلم يرحموا ضعفه ، ولم يجبروا كسره ، وكيف و

أنهم غشيتهم غاشية الحسد ، وحاقت بهم آفة العداء ، حتى رموه في البئر بكـل جفـوة

. وقساوة

فتعجبوا كيف عرف دقائق ذلك ، ولم يعلم به أحد ، وبنيامين ال يعرف تفاصـيل

.، ويدققون فيه ذلك ، فبدأوا ينظرون في يوسف

.خلع التاج من على رأسه وكان في جبهته شامة عرفوه بها : قيل

أئنك ألنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من : فقالوا

يننسحالم رأج يعضال ي الله فإن برصيو تقي ] 90: يوسف . [

] 91: يوسـف [ تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنـا لخـاطئين : فقالوا

ال تثريـب علـيكم : فقال . اعترفوا بأن اهللا خضه بالفضل والشرف والسعة والملك

احالر محأر وهو لكم الله رغفي مواليينم ]92: يوسف . [

.والمعنى ال تأنيب وال عتب ، وارجو اهللا أن يستر عليكم ويتجاوز عنكم

اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت : خوته وهم عائدون ثم قال إل

ينعمأج كملي بأهأتونيرا وصب ] 93: يوسف . [

يه السالم كان في صالته ودعاته ثم يتذكر أبناءه فيبكي ، فـي هـذه يعقوب عل

إني ألجـد ريـح : المرة أحس بانشراح في نفسه ، وإشراقة في قلبه ، فقال ألبنائه

.ف والخر للفندتنسبوني أي ] 94: يوسف [ يوسف لوال أن تفندون

ذلك وجد الريح من عند لة القميص ، وذلك لما فصلت العير من مصر وهي حام

قالوا تالله إنك لفي ضاللك القديم ضاق األبناء من كالم أبيهم . مسيرة ثمانية أيام أي حبك القديم ليوسف ، ال تنساه وال تساله ، وهي كلمة غليظة في ] . 95: يوسف [

.حق والدهم

وذا ، فألقاه على وجه أبيه فارتد بصيرا ، وصلت العير ، وكان حامل القميص يه

.عاد إليه بصره بعد سنين طويلة

قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنـا عندها ندم األبناء ، واعتذروا ألبيهم

ئيني خاطحالر الغفور وه ي إنهبر لكم رتغفف أسوقال س م ] 98 – 97: يوسف . [

وأتـوني بـأهلكم ثم هيأوا أمتعتهم ورحالهم للنقلة إلى مصر حيث العزيـز

ينعمأج ] 93: يوسف . [

انطلقوا من فلسطين إلى مصر ، ولما علم يوسف ، فرح السـتقبالهم ، وخـرج

على يوسف آوى إليـه أبويـه فلما دخلوا : معه الملوك وأكابر الناس ، قال تعالى

يننآم الله شاء إن رصخلوا مقال ادو ] منين من القحط والجدب آأي ] 99: يوسف

.والعنت

داجس وا لهخرش ورلى العع هيوأب فعرو ] أي أجلسهما ] 100: يوسف

وقال يـا لجميع له إجالال ، وكان هذا جائزا في شريعتهم على سرير الملك ، فسجد ا

ـنـي منجبـي إذ أخر نسأح قدقا وي حبا رلهعج ل قدقب ناي مؤيذا تأويل ره تأب

يب طانغ الشينز أن دعب نو مدالب نم بكم اءجن وجيف السي لطبر ي إنتإخو نيبي ون

يمكالح يملالع وه إنه شاءا يلم ] 100: يوسف . [

ل أربعون سنة عند ذلك وظهور النعم ت بعد مدة طويلة قيفهذه هي الرؤيا ، تحقق

.على يوسف مكنه اهللا تعالى ، وجمع له شمله ، وأسجدهم له

رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل األحاديث فـاطر :دعا اهللا قائال

اتومالس ينـالحي بالصقنألحما ولسي مفنتو ةراآلخا ونيي الدف ليض أنت واألرو

] . 101: يوسف [

:عدة أمور وهذا الدعاء العظيم اشتمل على

.ذكر ما امتن اهللا عليه من الملك : األولى

.اهللا عليه بتأويل األحاديث ةذكر من: الثانية

.ناء على اهللا بأنه فاطر السموات واألرض ث: الثالثة

.ذكر واليته هللا دنيا وآخرة : الرابعة

.الدعاء بأن يتوفاه اهللا مسلما ويلحقه بالصالحين : الخامسة

: ئد القصة من فوا

.كظم الغيظ في أصعب اللحظات وأنه عمل عظيم )1(

]. 15: اإلسراء[ وال تزر وازرة وزر أخرى ال تؤخذ أحد بجريمة اآلخر )2(

.شدة البالء الواقع على أنبياء اهللا ورسله )3(

.إن الشكوى ال تكون إال هللا تعالى )4(

.ضرورة العمل في الحياة وعدم اليأس )5(

.مخطئ بخطئه تعريف ال )6(

.فضل العفو والسماح عن الناس )7(

.من شاء من عباده باختصاص اهللا الفضل )8(

.إن رجوع بصر يعقوب بقميص يوسف إنما عاد على وجه المعجزة )9(

انتقال بني إسرائيل يعقوب من فلسطين إلى مصر كان في عهد يوسف ، وهناك )10(

.تكاثروا

.الخطيئة داالستغفار عنمشروعية )11(

. ورفع أبويه على العرش سان إلى الوالدين وتكريمهم مشروعية اإلح )12(

.خوته إمكانة يوسف الرفيعة ، حيث أسجد اهللا له أبويه و )13(

.جواز السجود في شريعتهم ، وحرمته في شريعتنا )14(

.إن أمد الرؤيا غير محدود ، قد يطول وقد يقصر ، وهنا ذكروا أربعين سنة )15(

.اله لشدائد الحياة حسن صبر يعقوب ، واحتم )16(

من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتيحسن أدب يوسف في المعاتبة )17(

وغريها من الفوائد وا املوفق ،،

ـرســــــالفه ص الموضـــوع م

2 قصة اإلفك 1

7 دولة سبأ 2

9 قصة بني النضير 3

13 أصحاب الفيل 4

16 ى عليه السالموالدة موس 5

21 نبوة موسى عليه السالم وخروجه من مصر إلى مدين 6

27 عودة موسى إلى بلده 7

31 اللقاء الرهيب ، والمناظرة الكبرى 8

36 أصحاب الكهف 9

41 قصة يوسف عليه السالم 10

45 تابع يوسف عليه السالم 11

51 تابع يوسف عليه السالم 12

57 لسالمتابع يوسف عليه ا 13

62 تابع يوسف عليه السالم 14

) 3( الدرس الرمضا�ي

هـ 1427دروس

تأليـــــــف أبي يزن حمزة بن فايع الفتحي

)1(سبأقصة ) 1( الحمد هللا حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، وصلى اهللا وسلم على نبينا محمد وعلـى

:آله وصحبه أجمعين وبعد

وهي قصـة قـوم حديثنا الليلة عن قصة عظيمة ذكرها اهللا تعالى في القرآن ، ف

لكم فيـه ، لنا وسبأ لكن قبل الشروع فيها ، نهنئكم ببلوغ رمضان ونسأل اهللا أن يبارك

.وألمتنا وأن يكون طريق مجدها وعزها ووحدتها

ين تقريبا فـي تمن سنانتهجنا وكنا قد ) سبأ(أما قصة هذه الليلة فهي تدور حول

يار قصص القرآن ، وما تحتويه مـن ، وآثرنا اخت )درسا قرآنيا(هذا الدرس أن يكون

ر وعجائب ، ويبقى درس العصر ألحكام الصيام وقضاياه كمواعظ وذ.

لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلـوا : يقول تعالى

رة وبة طيلدب وا لهاشكرو كمبر قرز نمغفور ب ] 15: سبأ . [

التي عناها اهللا النعم والرخاء واآلية وسبأ دولة في بالد اليمن ، وسبأ من ملوكهم

جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق في البالد واتساع الرزق ، حيث فسرها بعده

برة وبة طيلدب وا لهاشكرو كمبرغفور .

دوا إلى طريقة لحفظ كانت تنزل األمطار ، وتسيل السيول فال يستفيدون منها فه

) .سد مأرب(الماء ، بناء السدود المختلفة وكان أقواها

فصانوا الماء ، وغرسوا الزرع ، وجملوا البساتين ، فأنبتهـا اهللا نباتـا حسـنا

، وأمرهم بعبادته ، لكـنهم أعرضـوا وبارك اهللا لهم في أرزاقهم ، وبعث إليهم رسله

وجئتك من سبإ بنبإ يقين إني وجدت امرأة وكفروا ، وقد بين كفرهم في مكان آخر

نس مللشم وندجسا يهمقوا وتهدجو يمظش عرا علهو ءكل شي نت ميأوتو مكهلتم

. ] 24 - 22: النمل [ ن اللهدو

.تكررت معي هذه القصة بدون قصد فأبقيتها كما هي )1(

تل فيمتلـئ وال تحـرك يـدها ن المرأة كانت تدخل البستان بالمكأ: ومن النعم

فيهم الخيرات ومن واتسعت مكثوا مدة على ذلك النعيم ، واهللا ليس بغافل عنهم ، . لشيء

تي باركنـا فيهـا قـرى وجعلنا بينهم وبين القرى ال : صور الخير والنعيم عندهم

ينناما آمأيالي وا لييهوا فيرس ريا السيهنا فرقدة ورظاه ] 18: سبأ . [

القرى متقاربة ، والخيرات دانية ، حيث مسافرهم ال يحتاج إلى حمـل زاد وال

.الشام : ي والقرى المباركة ه. ماء ، بل حيث نزل وجد الزاد والماء

ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسـهم : لكنهم لفسادهم بطروا النعمة فقالوا

قزمكل م مقناهزميث وادأح ملناهعفج ] 19: سبأ . [

قهم في ار يحتاجون فيها للزاد والماء والمتاع ، فمزقهم اهللا وفرفاوز وقغتمنوا م

فأعرضـوا : حيث أعرضوا عن دينه وكذبوا رسله ، قال تعـالى شذر مذر األرض

شيأثل وو طاتى أكل خمن ذونتيج همنتيبج ملناهدبرم ول العيس همليلنا عسفأر ـنم ء

] . 16: سبأ [ سدر قليل

تحولت الجنان الجميلة ! السد ، وخرب الجنان والبساتين فنقبت ذرالج أرسل اهللا

.إلى خمط وهي األراك واألثل وهو الطرفاء

. وشيء من سدر قليل ولما كان السدر أجودها

ازي إال الكفورل نجهوا وا كفربم مناهيزج ذلك ] 17: سبأ . [

لـه ا كـانمو يننؤمالم نإال فريقا م وهعفاتب ظنه يسلإب همليق عدص لقدو

عليهم من سلطان إال لنعلم من يؤمن باآلخرة ممن هو منها في شك وربك علـى كـل

] . 21 - 20: بأ س[ شيء حفيظ

أي دعاهم الشيطان ومناهم ، وليس عنده سلطان عليهم ، ال حجة مقنعـة ، وال

سار ت نهايتهم الزوال ، وعاقبيتهم الخعصا مؤلمة ، لكن دعاهم ومناهم فأطاعوه ، فكان

غسـان إلـى الشـام ، حيث لم يطيقوا المقام بعد الخراب والدمار ، فتمزقوا في البالد

، واألزد إلى عمان ، وأصبحوا حديث الناس ، بعد ذام إلى تهامةب ، وجاز إلى يثرنموأ

.النعمة واليسار إلى النقمة والدمار

:وأشهر فوائد هذه القصة

.أهمية اإليمان وأثره في نقاء الخير والنعمة )1(

.فناء الدنيا ، وزوال مفاتنها ، وأنها ليست مكان للخلود والبقاء )2(

. ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إال الكفور يد المصائب برإن الكفر )3(

لئن شكرتم ألزيـدنكم ولـئن : وجوب شكر النعم ، وأداء حقها ، قال تعالى )4(

يدذابي لشدع إن تمكفر ] 7: إبراهيم . [

.شيئا أن يقول كن فيكون إن األمر هللا من قبل ومن بعد ، وإذا أراد )5(

ولقد صدق عليهم إبليس إن رأس الشرور والضالل في هذه الحياة الشيطان )6(

وهعفاتب ظنه .

. إال فريقا من المؤمنين واإليمان عصمة البالء والفتنة )7(

ما كان لـه علـيهم مـن و اإليمان بالدار األخرة طريق الثبات وعدم الزلل )8(

ي شكا فنهم وه نمم ةرباآلخ نؤمي نم لملطان إال لنعس .

.ضعف حجج الشيطان ، وقلة حيلته وال يملك إال األماني والمواعيد الكاذبة )9(

و�كتفي هبذا القدر ، وا تعاىل أعلى

دوصلى ا وسلم على �بينا حمم

والجنتين رجلين مثل ال) 2( واضرب لهم مثال رجلين جعلنا ألحدهما جنتـين : وهي المعنية بقوله تعالى

تظل لما ون آتت أكلهنتيلتا الجعا كرا زمنهيلنا بعجا بنخل ومففناهحناب وأع نمم نهم

] . 33 - 32: الكهف [ شيئا وفجرنا خاللهما نهرا

ر هؤالء ذك: الخطاب لنبينا صلى اهللا عليه وسلم يقول له ربه تعالى : واضرب

أعطينا أحدهما جنتين من أعنـاب المشركين المستكبرين بمثل الرجلين من بني إسرائيل

ولم تظلـم منـه أي أخرجت ثمارها تين آتت أكلها كلتا الجن محفوفة بالنخيل

.أي لم ينقص شيئا واألنهار متفرقة فيهما شيئا

نهما أبناء لرجل واحد ، ورثا هذا المال مـن إمنظر بهيج ونعمة فاخرة ، وقيل

ـ ح علـى أبيهما ، فأحدهما أعطى المساكين والمحتاجين ، واآلخر منع أهل المـال وش

.اآلخرين ، فابتالهما اهللا

المتصدق لرجائه ما عند اهللا ، وإليمانه بالبعث والحساب ، طمع في ثواب اهللا ،

.فتصدق بكل ما يملك حتى افتقر

المال ، وزاده اهللا فتنة بـه وفتن بحب أبى ورفض ، وطرد المحتاجين واآلخر

] . 34: الكهف [ ماال وأعز نفراأنا أكثر منك : حيث كثر ماله وولده حتى

جاءه أخوه الصالح ناصحا له ، ومذكرا بحق اهللا عليه ، وفي مالـه ، لمـا رأى

.والعيال ، وجمال البساتين فقره سخر منه وقال انظر ما أنا فيه من العزة وكثرة المال

ما أنا فيه مـن : له فذكره أخوه بالساعة ، وفناء الدنيا ، والعود إلى اهللا ، فقال

رمدي المال والعيال والبساتين هو دائم س داأب هذه تبيد أن ا أظنة ماعالس ا أظنمو

] . 36 – 35: الكهف [ قائمة ولئن رددت إلى ربي ألجدن خيرا منها منقلبا

اهللا ، لكان لي عنده أوفر الحـظ والنصـيب ، لو قدر إن رجعت إلى: والمعنى

ألنه أكرمني في الدنيا ، فبعيد هملني في اآلخرة أن ي.

أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك فذكره أخوه مرة أخرى

لقك من نطفة من ماء أي كيف ال تؤمن باهللا وبالبعث ، وقد خ] 37: الكهف [ رجال

.مهين ، ثم سواك رجال كامال مستويا

داي أحببر ال أشركي وبر الله ونا هلك ] أي رغم مـا أ،ا ] 38: الكهف

بدل ديني ، وكان جديرا بك أنـك لمـا أفلن أشرك بربي ، ولن فيه من الفاقة والحاجة

أي تقولهـا ] 39: الكهف [ ء الله ال قوة إال باللهما شا : دخلت جنتك أن تقول

.لما رأيتني أقل منك ماال وولدا

لكن لعل اهللا أن يرزقني خيرا من جنتك ويسلط على جنتك اآلفات ، فتراها وقد

ويرسـل فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتـك تبدلت ، وذهبت خضرتها وجمالها

هـو : الحسـبان ] 40: الكهـف [ عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا

.بت فيه قدم تثأي البلقع األملس ، ال : العذاب من المطر ، والصعيد

. ] 41: هفالك[ أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا وربما أيضا

!فماذا حصل ؟

سبانا من السماء أي مطرا مدمرا جنتين حالمؤمن وسلط اهللا على الخشيه وقع ما

.ير إال اليبس والدمار والجفاف فلم دخل المسكين فيها يستمتع بها ،

أنفـق فأصبح يقلب كفيه على مـا أي دمر وأحيط بثمره : قال تعالى

] 42: الكهف[ فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا

ولم تكن له فئة ينصرونه من دون اللـه خسر فيها أمواله وجهده ، وندم على كفره

خـوان ، وال أي لحظة نزول البالء ، لم ينفعه اإل] 43: الكهف [ وما كان منتصرا

.نصره األعوان

: الكهف[ هنالك الوالية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا : ثم قال الحق

.أي يوم القيامة يتولى اهللا الخالئق فينصر المؤمنين ، ويخذل الكافرين ] 44

.هنالك السلطان هللا في المعاد ) الوالية(وعلى قراءة الكسر

:أما أهم ما يستفاد من هذه القصة ما يلي

.ين ذكرى لآلخرين بقإثبات البالء في هذه الحياة ، وأن قصص السا )1(

.، تغر ضعيفي اإليمان ، والمهووسين بها أن الدنيا حلوة غرارة )2(

.القيام بحقه إن الرزق بيد اهللا ، وهو خالق العباد ورازقهم فيجب شكره و )3(

.إن الكفر والمعاصي ظلم للنفس ، وتحطيم لقدراتها )4(

.وجوب اإليمان بالبعث والقدوم على اهللا للحساب والجزاء )5(

.إن أطوار خلق اإلنسان دليل على قدرة اهللا واستحقاقه للعبادة )6(

.مشروعية ذكر اهللا عند رؤية النعم والمحاسن )7(

. يا ليتني لم أشرك بربي أحدالبعث بيان سوء عاقبة الشرك باهللا ، وإنكار ا )8(

.إن الشرك والمعاصي سبب لفناء األرزاق ، وذهاب األموال )9(

.بيان قدرة اهللا العظيمة ، وأنه ال يعجزه شيء في األرض وال في السماء )10(

ما بين طرفة عين وانتباهها

اهللا من حال إلى حاليغير

غزوة بدر) 4( ، فهو يـوم الفرقـان ، وسـاعة في التاريخ بين اإلسالم والوثنيةقاء هذه أول ل

.النصر واإلعزاز

ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون : يقول تعالى ] . 123: آل عمران [

كما أخرجك ربك مـن بيتـك : ويقول في سياقها المطول ، ووصفها الدقيق

سا يكأنم نيا تبم دعق بي الحف لونكادجي ونلكاره يننؤمالم نفريقا م إنق وبالح اقون

وننظري مهو توإلى الم ] 6 - 5: األنفال . [

وغ األنباء إلى رسول اهللا عن قافلة قـريش التجاريـة هذا الخروج كان سببه بل

ـ ، فندب أصحاالجزيلة المحملة باألموال ر دون به إلى الخروج وخيرهم فخرجـوا للعي

ر وال يريدون المصادمة ولذلك جـادلوه ، كيـف اد للقتال لكنهم كانوا يحبون العياستعد

.يطلب منا المقاتلة ، ولم نأخذ أهبتنا ولم نستعد

وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غيـر ذات : ى قال تعال

لحـق الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق ا

اطل البطبيوونرمجالم كره لول و ] 8 - 7: األنفال [ .

ال تعلمون ما هي المصلحة العظمى من قتالكم المشركين وأنها نصركم : المعنى

.عليهم ، وإحقاق الحق ، ورفع لشأن اإلسالم

طدام بين المشركين والمسلمين ، وفر أبو سفيان توبالفعل حصل االجتماع واالص

بـن ضمضـم (ر الطريق ، وأرسل رجال إلى مكة يستنصرهم اسمه ن غيبالقافلة بعد أ

) .اريغفعمرو ال

إذ تسـتغيثون ربكـم : يقول تعالى مشيرا إلى نوع من االستعداد للمعركـة

ينفدرم الئكةالم نم بألف كمدمأني م لكم ابتجفاس ] 9: األنفال . [

الستعانة هنا هي دعاء رسول اهللا ربه لما نظر إلى أصحابه فإذا هم قلة ، ونظر ا

نجز لي ما وعـدتني ، أاللهم (فإذا هم ألف وزيادة ، فاستقبل القبلة ودعا إلى المشركين

) .في األرض أبدا عبدن تهلك هذه العصابة من أهل اإلسالم فال تإاللهم

كفاك مناشـدتك : تى جاءه أبو بكر فقال فما زال يستغيث حتى سقط رداؤه ، ح

.ربك ، إنه سينجز لك ما وعدك

وما جعله الله إال بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إال من : قال تعالى

يمكح زيزع الله إن الله ندع ] 10: األنفال . [

، فهو قادر علـى نزول المالئكة إال بشرى لكم وليطمئن قلوبكم جعل اهللاما أي

.نصركم بدون مالئكة وال غيرهم

إذ يغشيكم النعاس أمنة منه : ثم ينتقل السياق إلى كشف صورة من المعركة

بذهيو به كمرطهلي اءم اءمالس نم كمليل عنزيلـى وبط عـرليطان والشي زرج نكمع

اماألقد ت بهثبيو قلوبكم ] 11: األنفال . [

غشاهم اهللا بالنعاس أمانا من الخوف والقلق الذي حل بهم ، حيث كانت تسـقط

.سيوف بعضهم

ـ ي وجاء في الصحيح أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم لما كان يـوم بـدر ف

نة من النـوم ثـم العريش مع الصديق رضي اهللا عنه وهما يدعوان أخذت رسول اهللا س

أي الغبـار ، ثـم ) عبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقأبشر يا أ: (استيقظ مبتسما فقال

: القمر[ سيهزم الجمع ويولون الدبر خرج من باب العريش وهو يتلو قوله تعالى

دت به بومن نعمة اهللا عليهم أن أنزل عليهم المطر ليلة بدر ، فجف الغبار ، وتل ] . 45

.األرض ، وطابت نفوسهم ، وثبتت به أقدامهم

إذ يوحي ربك إلى المالئكة أني معكم فثبتوا الذين : ثم من نعمته عليهم قوله

لذين كفروا الرعب فاضربوا فوق األعناق واضربوا منهم كـل آمنوا سألقي في قلوب ا

. ] 12: األنفال [ بنان

.ونكتفي بهذا القدر ، ونكمل إن شاء اهللا في المجالس القادمة

تابع غزوة بدر) 5( إذا لقيتم الـذين كفـروا يا أيها الذين آمنوا : يقول تعالى في سياق اآليات

إلى فئـة زحفا فال تولوهم األدبار ومن يولهم يومئذ دبره إال متحرفا لقتال أو متحيزا

يرصالم بئسو نمهج اهأومو الله نب مبغض اءب فقد ]16 - 15: نفال األ . [

قيل نزلت في أهل بدر ، نهاهم اهللا عن الفرار عن رسول اهللا صـلى اهللا عليـه

وسلم ، ذلك اليوم العظيم ، وعموما ال يمنع عموم اآلية ، وأن الفرار يوم الزحف مـن

.الكبائر المحرمات

ما رميت إذ رميت ولكن اللـه فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم و : ثم قال تعالى

ـدكي نـوهم الله أنو ذلكم يملع يعمس الله نا إنسح الءب نهم يننؤمالم يلبليى ومر

رينالكاف ] 18 - 17: األنفال . [

حولكم وقوتكم ، وإنما اهللا هو بم والمعنى إنكم لم تهزموا المشركين وتناولوا منه

.الذي أظفركم عليهم

: وهناك روى أن النبي صلى اهللا عليه وسلم أخذ قبضة مـن التـراب وقـال

ذلكم وأن اللـه مـوهن كيـد : وقال وشغلته ال بلغته إأحد يبق فلم ) اهت الوجوهش(

رينالكاف أخبـرهم همع جعل من النصر ، إال أنوهذه بشارة أخرى ألهل اإليمان مع

.أن اهللا مضعف كيدهم فيما يستقبل من األمور

إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن : ثم قال تعالى

: األنفال [ رت وأن الله مع المؤمنينتعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كث

19 . [

إن تستنصروا وتستقضوا اهللا يفصـل بيـنكم وبـين : هذا خطاب للكفار يعني

. فقد جاءكم ما سألتم أعدائكم

بما وآتانا اللهم أينا كان أقطع للرحم ، : (إن أبا جهل قال يوم بدر : وسبب ذلك

) .اةبماال نعرف فأرحنه الغد

أي عـن هـذا الكفـر وإن تنتهوا فهو خير لكـم ثم يتوعدهم اهللا تعالى

وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن اللـه مـع والتكذيب ،

يننؤمالم ع عباده المـؤمنين ينصـرهم ، جموعكم سنهزم ، وجيوشكم ستقتل واهللا م

يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله وال تولـوا ! ويعلي شأنهم ، فماذا تريدون ؟

ابوالد شر إن ونعمسال ي مهنا وعمقالوا س ينال تكونوا كالذو ونعمتس أنتمو نهع ندع

تولوا الله الصم البكم الذين ال يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا ألسمعهم ولو أسمعهم ل

ونرضعم مهو ] 23 - 20: األنفال . [

و�كتفي هبذا القدر ، وا املوفق ،،

تابع غزوة بدر) 5(

هذا الدرس بقية اآليات في األنفال ، بدأت اآليات إلـى توجيهـات نستكمل في

.مهمة ألهل اإليمان ، وتحذيرات للمشركين

يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم : قال تعالى

مرء وقلبه وأنه إليه تحشرون واتقوا فتنـة ال تصـيبن واعلموا أن الله يحول بين ال

] . 25 - 24: األنفال [ الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب

مكة ثم يذكرهم اهللا تعالى بنعمته عليهم بعد الضعف واالستضعاف والخوف في

اكمفـآو النـاس تخطفكمي أن ض تخافوني األرف فونعتضسيل مقل وا إذ أنتماذكرو

ونتشكر لكملع اتبالطي نم قكمزرو رهبنص كمدأيو ] 26: األنفال . [

ها الذين آمنوا ال تخونوا الله والرسول وتخونوا يا أي ثم يحذرهم من الخيانة

أج هندع الله أنتنة وف كمالدأوو الكموا أموا أنملماعو ونلمتع أنتمو كماناتأميمظع ر . ] 28 - 27: األنفال [

يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ثم نداء آخر ألهل اإليمان

] . 29: األنفال [ ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم

من الحفـظ رسول اهللا ، وتذكيره بما من اهللا عليه ثم ينتقل السياق إلى مخاطبة

وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتـوك أو والصيانة من مكر المشركين به ليلة الهجرة

ريناكالم رخي اللهو الله كرميو ونكرميو وكخرجي أو قتلوكي ] 30: األنفال . [

ريش وتمردهم ، وأنهم لو سـمعوا القـرآن فر قكبعد ذلك يخبر اهللا تعالى عن

وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ادعوا معرفته من قبل

ليناألو يراطذا إال أسه إن ] أي أكاذيب سمعها ، فهو يتعلم منها ] 31: األنفال.

قالوا اللهم إن كان هذا هو الحـق مـن يغ جهلهم وشدة كفرهم اسمع ومن بل

وكـان ] 32: األنفـال [ عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم

.األولى أن يطلبوا هداية اهللا ، وليس استعجال العذاب والمقت

وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معـذبهم وهـم : تعالى قال

ونرتغفسي ] 33: األنفال . [

إن الـذين ثم ينطلق السياق إلى أن يخبرنا عن حربهم لدين اهللا ببذل األموال

مالهوأم قوننفوا يكفر ة ثـمـرسح همليع تكون ا ثمقونهنفيفس بيل اللهس نوا عدصلي

ونشرحي نمهوا إلى جكفر ينالذو ونغلبي ] 36: األنفال . [

يا (، وعادت إلى مكة قال أبو سفيان نجت العير قيل نزلت في مشركي بدر لما

إن محمدا قد وتركم ، وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا الحال علـى حربـه : معشر قريش

.ففعلوا ) أصيب منالعلنا أن ندرك منه ثأرا بمن

ثم يتواصل السياق في تحذير المشركين من الكفر وأمر المـؤمنين بقتـالهم إذا

نمـتم مـن واعلموا أنما غ أصروا على عنادهم إلى أن يصل إلى بيان قسمة الغنائم

كنتم بيل إنن السابين واكسالمى وتاماليى وبي القرلذول وسللرو هسخم لله فأن ءشي

ى كل شيء آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله عل

يرقد ] 41: األنفال . [

.كلمته ، وفرق بين الحق والباطل فيه يعني بدر أعلى اهللا

إذ أنتم بالعـدوة الـدنيا وهـم بالعـدوة هذا ) الفرقانيوم (ثم بدأ اهللا يصف

دتماعتو لوو نكمفل مأس كبالرى ووـرا القصأم الله يقضلي نلكو اديعي المف الختلفتم

ـيملع يعملس الله إنو نةيب نع يح نا ميحيو نةيب نع لكه نم كلهوال ليفعم كان

] . 42: األنفال [

ريب من المدينة نزل بها المسلمون موضع ق: العدوة الدنيا : هذه أسماء مواضع

.أبو سفيان والقافلة : نزل به المشركون ، والركب : والعدوة القصوى

ولو تواعدتم الختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله نحن جمعنا بينكم : يقول

ب نع لكه نم كلهوال ليفعم را كانأم نةيب نع يح نا ميحيو نةي أي ليكفي من كفر

.بعد الجمع لما رأى من اآلية والعبرة

إذ يريكهم الله في منامك قليال ولو أراكهم كثيرا لفشلتم : ثم يقول اهللا تعالى

. ] 43: األنفال [ ه سلم إنه عليم بذات الصدورولتنازعتم في األمر ولكن الل

يروي أن رسول اهللا رآهم في المنام وعدتهم قليلة فأخبر المسـلمون ففرحـوا ،

.واختلفتم جبنتم أي : وثبتهم ذلك ، ومعنى فشلتم

يال وقل كمنيي أعف تمإذ التقي موهريكمإذ يـي وف قللكـميو همنيي أعف قللكمي

وراألم عجتر إلى اللهوال وفعم را كانأم الله يقضلي همنيأع ] 44: األنفال . [

وهذا من لطف اهللا عليهم عند المالقاة معهم أنه قللقهم ليطمعهم فيه حتى قال ابن

ال ، : تراهم سبعين ، قال .. للوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل جنبي لقد ق(مسعود

) .ألف: كم كنتم ، قال : بل مائة حتى سألنا رجال منهم

وراألم عجتر إلى اللهوال وفعم را كانأم الله يقضلي أي يجمـع بيـنكم

.ليعلي دينه ويهزم أعداءه

,,واهللا أعلم ... ا القدر ونكتفي بهذ

تابع غزوة بدر) 7( يا أيها الذين آمنوا إذا : نستكمل أيضا آيات األنفال ، وبلغنا عند قوله تعالى

تنـازعوا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله وال

ابرينالص عم الله وا إنبراصو كمريح بتذهفتفشلوا و ] 46 - 45: األنفال . [

: وهذه جملة من اآلداب والتوجيهات عند القتال

.الثبات عند القتال : أوال

.مشروعية ذكر اهللا كثيرا : الثاني

.طاعة اهللا ورسوله : الثالث

.كراهة النزاع ، وإنه سبب للهزيمة : رابع ال

.بر وأهميته صضرورة ال: الخامس

.ام يق بهذه الخصال ، وقاموا بها خير وقد تحلى صحابة رسول اهللا

وال تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم ثم حذرهم تعالى عن مشابهة المشركين

دصيالناس و رئاءطرا ويطبحم لونمعا يبم اللهو بيل اللهس نع ون ]47: األنفال. [

واهللا ال (، دافعين للحق ، ومتفاخرين كما قال أبو جهـل مكة بطرين خرج أهل

ونعـزف القيـان ، ويتحـدث ، ونشرب الخمر ، ر الجزور نرجع حتى نرد بدرا وننح

) .بوننا أبداالعرب بمكانتنا هذه ، فال يزالون يها

وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال ال غالب لكم اليوم من النـاس : ثم قال

لكم ارإني جو ] 48: األنفال . [

أنا جار لكم : (بتهم وقال ثو) سراقة بن مالك الجعشمي(حيث جاءهم في صورة

) .شيء تكرهونهبمن أن تأتيكم كنانة

حضر الشيطان وجنود المشركين ، وحضر جبريل بالمالئكة ، فلما رآه الشيطان

نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني : فر وخرج من المعركة كما قال تعالى

] . 48: األنفال [ بأرى ما ال ترون إني أخاف الله والله شديد العقا

فـي ي ألقى نفسهولما فر لزمه الحارث بن هشام ، فضربه على صدره وفرحت

.البحر ، كما في السيرة

إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤالء دينهم : ثم قال تعالى

. ] 49: األنفال [ ن الله عزيز حكيمومن يتوكل على الله فإ

والمراد أناس خرجوا مع المشركين منافقون ، وقيل نطقوا باإلسالم ولم يخـالط

ومن يتوكل على الله قلوبهم ، رأوا قلة المسلمين في بدر فتهكموا فرد اهللا عليهم .لجناب اعليه فإنه منصور ، ألن اهللا عظيم أي يعتمد

ولو ترى إذ يتوفى : ثم ينتقل السياق لخطاب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

ريقالح ذابذوقوا عو مهاربأدو مهوهجو ونربضالئكة يوا المكفر ينالذ ] األنفال :

50 [.

اح الكفار لرأيت أمرا عظيمـا ، أي لو عاينت يا محمد حال توفي المالئكة أرو

وشيئا فظيعا ، إذ يضربون وجوههم وأدبارهم أي مقاعدهم ، وذلك متى ؟ في بدر وهو

.يشمل كل أحوال المشركين

ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظـالم للعبيـد : لهم مخاطبا ثم قال

كفركم وعنادكم وتكذيبكم لرسولكم ، واهللا ال يظلم ! أعمالكم بسبب أي ] 51: األنفال [

. أحدا بل هو الحكم العدل سبحانه وتعالى

تابع غزوة بدر) 8(

نستكمل أيضا بقية اآليات في سياق سورة األنفال ، الحاوية ألحداث غزاة بـدر

.الكبرى

مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيـروا ذلك بأن الله لم يك : يقول تعالى

يملع يعمس الله أنو هما بأنفسم ] 53: األنفال . [

أن اهللا ال يزيل نعمة عن عباده إال بسبب ذنوبهم ، وهذا مـن تمـام : والمعنى

كثيرة ، وكنوزا عظيمة ، ولكـن قال فرعون بأنه أتاهم نعمامثل بآل ثم . عدله وقسطه

.ظلموا واعتدوا

كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيـات ربهـم فأهلكنـاهم : فقال

ينكل كانوا ظالمو نوعرقنا آل فأغرو بذنوبهم ] 54: األنفال . [

ملة من اآلداب والوصايا المتعلقة بالحرب إلـى أن قـال جالسياق إلى ثم ينتقل

ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في األرض تريـدون عـرض : تعالى

الله نم تابال كلو يمكح زيزع اللهة وراآلخ ريدي اللها ونيالد ا أخـذتميمف كمسق لمبس

يمظع ذابع ] 68 - 67: األنفال . [

) .أسرى بدر(وهنا تعرض اآليات لقضية عظية ، وقع فيها االختالف ، وهي

!انتصر المسلمون ، قتلوا سبعين ، وأسروا سبعين فاحتاروا ما يصنعون بهم ؟

بنو العم والعشيرة ، فخذ : قال أبو بكر فاستشار صلى اهللا عليه وسلم أصحابه ، ف

مكنني من زيـد ، أن تال أرى واهللا رأي أبي بكر ولكن أرى : منهم الفداء ، وقال عمر

أن ليس في قلوبنا على المشركين يعلم اهللا قتلهم حتى نن تمكن حمزة من قريب له ، وأو

.هوادة ، فهؤالء أئمة الكفر وقادتهم

ـا : (أبي بكر ، فأنزل اهللا تعالى رأي ر ، وهويرسول اهللا رأي عم فلم يهوم

البد من قتلهم حتى يثخن ويتمكن في األرض : والمعنى ) كان لنبي أن يكون له أسرى

ما يبكيكما ، إن كـان : فجاء عمر في اليوم الثاني ، ورسول اهللا وأبو بكر يبكيان فقال

.ثمة شيء بكيت وإال تباكيت

من الفداء ، لقد عرض على كأبكي للذي عرضى على أصحاب(اهللا فقال رسول

.لشجرة قريبة ) عذابكم أدنى من هذه الشجرة

) .لوال كتاب من الله سبق: (ثم نزلت

. المن على األسرى: وقيل ، الغنائم حل : قيل

الله إن الله غفـور رحـيم فكلوا مما غنمتم حالال طيبا واتقوا : ثم قال

] . 69: األنفال [

.لكل فرد أربعة آالف درهم أوقية وكان الفداء المعروض عليهم أربعون

ومن لم يفاد أو عجز ، علم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابـة ، وهـذا

ية ، كما نبه علـى إلسالم في أول الدعوة اإلسالمشيء عظيم ، وإنجاز حضاري عمله ا

.شوقي ضيف في كتابه في سيرة خير المرسلين / ذلك األستاذ

وا املوفق ،،

وصلى ا وسلم على �بينا حممد وعلى آله وصحبه

تابع غزوة بدر) 9(

يا أيها النبي قل لمن فـي : نستكمل آخر شيء في السورة وهو قوله تعالى

نم يكمدأي لكـم رغفيو نكمذ ما أخمرا مخي كمؤترا يخي ي قلوبكمف الله لمعي ى إنراألس

يمحر غفور اللهو ] 70: األنفال . [

هذه نزلت في العباس وبعض المكرهين ، الذين خرجوا رغما عنهم ، خيرهم اهللا

.ل سيعوضهم عنه إن ما أخذ منهم من الما

فأنزلني اهللا خيرا من ذلك ، لي اآلن عشرون عبدا ، : (ولذلك العباس كان يقول

بها جميع أموال لي إن أدناهم ليضرب في عشرين ألفا ، وأعطاني زمزم ، وما أحب أن

) .نتظر المغفرة من ربيأأهل مكة وأنا

خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله وإن يريدوا خيانتك فقد : ثم قال تعالى

يمكح يملع ] 71: األنفال [ .

أي يخونوك فيما أظهره لك من األقوال ، فقد خانوا اهللا بالكفر قبـل : والمعنى

.بدر فأمكن منهم أي باألسر في المعركة

.بعد ذلك انتقلت اآليات للحديث عن أصناف المؤمنين

هنا ينتهي الحديث القرآني عن غزوة بدر ، أول مشهد في التاريخ ، وقد حصل

: فيه المصالح ، والفوائد لألمة ما ال يحصى وظهر النفاق بعده حيث قال رأس المنافقين

) .إن هذا أمر قد توجه ، فادخلوا في دينه(

آمنوا قالوا آمنـا وإذا لقوا الذين فدخلوا مظهرين اإلسالم ، ومبطنين الكفر

زئونتهسم نا نحإنم كمعقالوا إنا م هميناطا إلى شيإذا خلوو ] 14: البقرة . [

ال ريب أن هذا الحدث العظيم غاص بالحكم والعبر الجديرة بأن يهتم بها المسلم

: فمنها

حانه وتعالى ، فلـيس بـالكثرة ، وال إن النصر من عند اهللا ، فهو النصير سب )1(

كم من فئة قليلة غلبـت فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم بضخامة العدة

ة بإذن اللهيرئة كثف .

إن من يغالب اهللا يغلب ، خرجوا متحدين بطـرين ، فجعـل اهللا كيـدهم فـي )2(

.نحورهم

.اهللا لجنده بالمالئكة تأييد )3(

.النكاية بالعدو والتعرض لقوافلهم وتجاراتهم )4(

وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن ربـاط الخيـل وجوب اإلعداد للقتال )5(

كمودعو الله ودع به ونبهتر .

.أهل الجنة فضل أهل بدر وأنهم من خالص المؤمنين وهم من )6(

.لهذه األمة الغنائم إحالل )7(

)8( عليهم جواز فداء األسرى أو المن.

.أهمية الشورى في اتخاذ األحكام والقرارات )9(

.إن هذه المعركة فرقانا بين الحق والباطل )10(

وغريها من الفوائد اليت تفوق احلصر وليس هذا موضع استقصائها وا املوفق ، واهلادي إىل سواء السبيل

غزوة األحزاب ) 10( حديثنا الليلة عن قصة قرآنية ، تحكي موقعة عسكرية ، وقعت بين النبي صـلى

.اهللا عليه وسلم وجيش مكة ومن تحزب معه

واآليـات . هـ 5وقد وقعت سنة )الخندق(أو )باألحزاب(وهذه الغزوة تعرف

الذين آمنوا اذكروا نعمة اللـه يا أيها : تتلى في سورة األحزاب تبدأ من قوله تعالى

ن عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملـو

. ] 9: األحزاب [ بصيرا

جموع كثيرة مـن م يذكرهم سبحانه وتعالى بنعمته عليهم ، حيث اجتمعت عليه

.من بعض اليهود بايعاز خرجوا وغطفان بيشقريش واألحا

: أي هزمنـاهم بـأمرين فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها : فيقول

.شملهم ، وكذلك جنود لم تعاينوها وهي المالئكة التي زلزلت قلوبهم تتالريح التي ش

: وقد صح عنه قوله ) الصبا(سمى تالصالة والسالم ليه بها عنصر والريح التي

) .يورهلكت عاد بالدبا ، وأنصرت بالص(

ثم يضيف تعالى انتشار هذا الجيش العرموم المتحرب ، الذي بلغ عشـرة آالف

وبلغـت القلـوب إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت األبصار مقاتل

الظنون بالله تظنونو ناجرالح ] أي جمع األحـزاب : من فوقكم . ] 10: األحزاب

.بنقضه العهد اليهود من بني قريظة ، : ومن أسفل منكم

وبلغـت القلـوب ، ولم تنظر إال إلى عـدوها أي مالت ولم : زاغت األبصار

نها بلغت حلوقهم ويظنون باهللا الظنونا ، ظن المؤمنون كـل تصوير للخوف أل: الحناجر

.نفاق المنافقين ، ونجم ن الدائرة عليهم أظن وحس بعضهم

: األحزاب [ هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزاال شديدا : ثم قال تعالى

.ين المؤمن من المنافق أي في ذلك الموقف اختبروا بالقتال والحصار ليب] 11

وإذ يقـول والجـبن التخـذيل ثم تعرض السياق لدور المنافقين الخبيث في

: األحزاب [ المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إال غرورا

12 . [

ا رسول اهللا ، وكلما أضـاءت التي عرضت لهم ، فكسرهالصخرة هذا في قصة

يعدنا محمد أن نفتح : فقالوا ) ، أعطيت مفاتيح اليمنعطيت مفاتيح فارس أ(الضربة قال

وإذ قالت طائفة منهم يا ) مدائن كسرى وقيصر ، وأحدنا ال يستطيع أن يجاوز رحله

] . 13: األحزاب [ أهل يثرب ال مقام لكم فارجعوا

المعنى ال فائدة من مكثكم مع محمد هاهنا عـودوا إلـى مسـاكنكم لترتـاحوا

.وتطمئنوا

إن ةرـوبع ـيـا همة ورووتنا عيب إن قولوني النبي منهفريق م نتأذسيو

] . 13: األحزاب [ يريدون إال فرارا

بيوتنا نخاف عليها السراق ، وليس لها : حارثة قالوا لرسول اهللا عنت اآلية بني

. وما هي بعورة إن يريدون إال فرارا فرد اهللا .. من يحميها

ولو دخلت عليهم من أقطارها ثـم سـئلوا : ثم كشف كذبهم وخورهم بقوله

أي لـو هجـم هـؤالء ] . 14: األحزاب [ وما تلبثوا بها إال يسيراالفتنة آلتوها

األحزاب على بيوتهم واستولوا عليها وسألوهم الفتنـة أي الكفـر ومقاتلـة المسـلمين

وما تلبثوا النضموا معهم ، ذلك أنهم ال يحافظون على إيمانهم مع أدنى خوف وهلع

. بها إال يسيرا

ولقد كانوا عاهدوا الله مـن قبـل ال يولـون على ذلك اهللا زيادةوبخهم ثم

] . 15: األحزاب [ األدبار وكان عهد الله مسئوال

كم مرة عاهدوا على عدم الفرار ، قيل بعض من تخلف عن بدر ، وقيل بل من

.سيسألون عن معاهدتهم تلك يوم القيامة هد الله مسئوالوكان ع فر يوم أحد

لن ينفعكم الفرار إن فررتم مـن المـوت أو قل لهم يا محمد : ثم قال تعالى

أي أن فرارهم لن يؤخر آجالهم ، بل ربما كان سـببا فـي ] 16: األحزاب [ القتل

.ة أخذهم غرتعجيل

قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكـم سـوءا أو أراد بكـم ثم قال

. ] 17: األحزاب [ رحمة وال يجدون لهم من دون الله وليا وال نصيرا

را ، ولـن ينصـركم أي لن يمنعكم أحد من عذاب اهللا ، إن أراد بكم شرا أو خي

.أحد دون اهللا

.ونكتفي بهذا القدر

وصلى ا وسلم على �بينا حممد وعلى آله وصحبه ،،

تابع غزوة األحزاب) 11( لمجريات المعركة الفاصلة بـين اإلسـالم نستكمل أيضا آيات األحزاب الكاشفة

ه المعـوقين مـنكم والقـائلين قد يعلم الل : والشرك والكفر ، وكنا وقفنا عند قوله

] . 18: األحزاب [ إلخوانهم هلم إلينا وال يأتون البأس إال قليال

عليم بهم وبمقـوالتهم ، ومـا يقولونـه يخبرهم تعالى من أنه محيط بالمعوقين

دعوا محمدا ، وال تشـهدوا : قولون خوانهم ، والمعوقين المراد بهم المثبطين ، حيث يإل

.الحرب معه ، وهم جماعة من المنافقين

هو أي إن خرجوا فإنما وال يأتون البأس إال قليال : ثم كشفهم تعالى بقوله

.رياء وسمة وليس هللا تعالى

تهم ينظرون إليك تدور أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأي : ثم وصفهم بقوله

أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حـداد أشـحة

اللـه يسـيرا على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكـان ذلـك علـى

] . 19: األحزاب [

. ي سبيل اهللا ونصره أي هؤالء أشحة ، أي بخالء بالنفقة ف

فـإذا تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت ثم عيرهم تعالى بالجبن

أي آذوكم باأللسنة الحـداد د فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حدا ذهب الخوف

.الفصاح

رلى الخية عحأش أي عند الفتنة يشاحون المـؤمنين ويصـيحون فـيهم

.أعطونا قد شهدنا معكم

أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلـك علـى ثم بين حقيقة إيمانهم

. الله يسيرا

يحسبون األحزاب لم يذهبوا وإن : ثم زاد في كشف جبنهم وهلعهم من العدو

م يكمكانوا ف لوو ائكمأنب نع ألونساب يري األعف ونادب مأنه وا لودوي ابزاألح أتا ي

] . 20: األحزاب[ قاتلوا إال قليال

جاء األحـزاب إلـيهم ر دأن األحزاب قريبون منهم ولو ق، فهم في تفكير دائم

ولو كـانوا من الناس أخباركم لو كانوا في البادية وليسوا في المدينة ، ليأخذوا تمنوا

.فحسب إلباء وسمعة ا بالحجارة ، وقيل قيل يقاتلون رمي فيكم ما قاتلوا إال قليال

ثم جاءت اآلية العظيمة والتي هي مدرسة في الشجاعة والبروز واالستبسـال ،

لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله : فيقول لهم تعلموا منها

] . 21: األحزاب [ واليوم اآلخر وذكر الله كثيرا

وهي أصل عظيم في االقتداء به والتأسي بسنته في كل األحوال ال سـيما حـال

.الصبر والجهاد والمرابطة

تجتـاحهم ثم عرج تعالى بوصف أهل اإليمان ، الذين لم يداخلهم الوهن ، ولـم

ورسـوله ولما رأى المؤمنون األحزاب قالوا هذا ما وعـدنا اللـه الظنون الفاسدة

] . 22: األحزاب [ وصدق الله ورسوله وما زادهم إال إيمانا وتسليما

.النصر والفرج يعقبه هذا ما وعدنا اهللا ورسوله من االمتحان الذي

. وصدق اهللا ورسوله وما زادهم إال إيمانا وتسليما دليل على زيادة اإليمان وقوته

.انقيادا ألوامره ) تسليما(باهللا ، و) اإيمان(

ثم قال تعالى ردا على المنافقين بأنكم فررتم ونقضتم ما عاهدتم اهللا عليـه مـن

من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبـه عدم الفرار

و رنتظي نم منهميالودلوا تبدا بم ] 23: األحزاب . [

عاهدوا على الصبر والقتال وعدم الفرار فمنهم من قضى نحبه أي عهده ، وآخر

.ينتظر وما بدلوا عهد اهللا وال غيروه

تـوب ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شـاء أو ي ثم قال

] . 24: األحزاب [ عليهم إن الله كان غفورا رحيما

أي إنما يختبر عباده بالخوف والزلزال ليميز الخبيث مـن الطيـب ، فيظهـر

الصادقون ، وينكشف الكاذبون ، ثم هم تحت رحمة في الدنيا ، إن شاء عـذبهم ، وإن

.شاء تاب عليهم وأرشدهم لإليمان

املوفق ،،وا

ا�تهى الدرس ، وصلى ا وسلم على �بينا حممد

تابع غزوة األحزاب) 12(

وكنا قد وقفنا في المجلس الماضي عند مدح اهللا لعباده المؤمنين الثـابتين فـي

هذا ما وعدنا الله ورسوله : نهم لم ينهزموا أو يضعفوا بل قالوا أاألحزاب ، وكيف

] . 22: األحزاب [ الله ورسوله وما زادهم إال إيمانا وتسليماوصدق

من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من : ثم مدحهم بقوله

] . 23: األحزاب [ قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديال

ورد اللـه : واآلن نختم باآليات الكاشفة لنهاية المعركة وما آلت إليه ، قـال

يزاالذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزم وفرقهم بـالريح التـي فرقـت أي طردهم وأحزابهم بعد جمعه ] . 25: األحزاب [

حيث فشلت خطتهم وخاب ظنهم في لم ينالوا خيرا : قال خيامهم لعت ، وقشملهم

.الدنيا واكتسبوا اإلثم والنقمة في اآلخرة

إال تراشقا لم ينازلوهم ولم يبارزوهم ، وكفى الله المؤمنين القتال : وقال

.بالسهام حصل ، ومبارزة بين علي رضي اهللا عنه ، وابن عبد ود العامري

اللهم منـزل الكتـاب ، : (وقد دعا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم عليهم بقوله

) .ومجري السحاب ، وهازم األحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم

إشارة إلى انتهاء المعارك مع أهـل ل وكفى الله المؤمنين القتا وفي قوله

اآلن نغـزوهم وال : (مكة ، ولذلك قال صلى اهللا عليه وسلم كما في صحيح البخـاري

) .يغزوننا ، نحن نسير إليهم

زيزاقويا ع الله كانو وعزته نصر عباده ، فهو النصير لهـم ، بقوته أي

في خالل ذلك أرسل رسول اهللا صـلى اهللا عليـه و .وال بأسلحتهم وذكائهم بقوتهم ليس

ةتهم المالئكة ، في قصة مشـهور برعأالريح وشغلتهم القوم لما يأتيه بخبر وسلم حذيفة

.مليئة بالفوائد

صبحتم بدار مقـام ، لقـد هلـك يا معشر قريش واهللا ما أ(حتى قال أبو سفيان

هذه الريح مـا ولفينا من نكره ، وأخلفتنا بنو قريظة ، وبلغنا عنهم الذي والخف الكراع

) .ني مرتحلإوا فلفارح.. لنا قدر يطمئن ترون ، واهللا ما

ل فـي الفـريقين ، حيث خذالغطفاني عيم بن مسعود وكان ثمة دور كبير بذله ن

.وضعضع عزائمهم

صيهم وقذف وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صيا : ثم قال تعالى

في قلوبهم الرعب وقذف في قلوبهم الرعـب فريقـا تقتلـون وتأسـرون فريقـا

] . 26: األحزاب [

هم سعد في، وقضى حكمك زلهم اهللا على نوالمعنى بنو قريظة لما نقضوا العهد أ

السالح انطلـق وضعتأ(ضع السالح ابن معاذ حيث حاصرهم ، وقال له جبريل لما و

) !!، فإني ذاهب إليهم فمزلزل بهم إلى بني قريظة

بقتل فقضى فيهم وقد كانوا مواليهفنزلوا على حكم سعد بن معاذ ، وظنوا يحسن

لقد حكمت فيهم بحكم اهللا : (المقاتلة ، وسبى النساء والذرية ، فقال عليه الصالة والسالم

) .وحكم رسوله

. فريقا تقتلون وتأسرون فريقا من صياصيهم أي حصونهم أنزلهم

وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان اللـه : ثم قال

م أورث المسـلمين أراضـيهم وأمـواله ] 27: األحـزاب [ على كل شيء قديرا

قيل خبير ، وقيل مكة ، وهي بشارة لهم بظهورهم وأرضا لم تطئوها ومزارعهم

.ونصرهم ، وحصول فتوحات جديدة لهم

:هذه هي غزوة األحزاب من خالل اآليات المذكورة في السورة وأهم فوائدها

الطغـاة تحـزب لدينه ، وحمايته ألوليائه مهما فعل المجرمـون ، أو حفظ اهللا )1(

.المتفرعنون

.تأييد اهللا لعباده بالخوارق واآليات )2(

.ابتالء المؤمنين لتمحيصهم وكشف أعدائهم )3(

.خطورة النفاق والمنافقين على الجماعة المسلمة وعلى وحدة األمة وتضامنها )4(

.كشف دور اليهود الخياني ، القائم على الغش ونقض العهود )5(

.مسعود رضي اهللا عنه إن الحرب خدعة ويتجلى هذا في دور نعيم بن )6(

.سوء نهاية بني قريظة بسبب نقضهم العهد )7(

.فضيلة سعد بن معاذ حيث أصاب حكم اهللا في الناكثين )8(

وا املوفق ،،

ا�تهى الدرس ، وصلى ا وسلم على �بينا حممد

ـرســــــالفه ص الموضـــوع م

1 قصة سبأ 1

4 مثل الرجلين والجنتين 2

7 غزوة بدر 3

9 تابع غزوة بدر 4

11 تابع غزوة بدر 5

14 تابع غزوة بدر 6

16 تابع غزوة بدر 7

18 تابع غزوة بدر 8

20 غزوة األحزاب 9

23 تابع غزوة األحزاب 10

26 تابع غزوة األحزاب 11