- ٢ -

מ א

א

طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

- ٣ -

- ٥ -........................والسيادة والقوة دين الوحدة - ٦ -.....................................................اإلسالميةالوحدة

- ١٩ -...................................................والوحدة والسيادة - ٣٠ -................................................األمل وطلب المجد

- ٤٤ -.......................................................الوحدة والقوة - ٥٤ -.............................................الفضائل مناط الوحدة - ٦٩ -.............................................الدين وسيلة اإلصالح

- ٨٦ -................وتعدد الزوجات في اإلسالم الزواج - ٨٧ -.......................................حاجة اإلنسان إلى الزواج

- ٩٥ -......................................................جاتتعدد الزو

- ١١٠ -.....................................ثالث مسائل - ١١١ -...................................................القضاء والقدر - ١٢٨ -.....................وأحاديث القصاصين م فتوحات اإلسال

- ١٣٧ -...........................................الوهم حجاب الحقيقة

- ٤ -

- ١٤٩ -....................مبادئ في األخالق واالجتماع - ١٥٠ -..........................................................التعصبنب١٨٦ -..............................................................الج - - ١٩٦ -............................................................االنتقاد

- ٢٠٥ -..........................................من هو خائن الوطن؟

- ٢١٦ -....................اإلسالم لماذا انتشر بسرعة؟ - ٢١٧ -..........................................سرعة انتشار اإلسالم

- ٥ -

- ٦ -

الوحدة اإلسالميةالوحدة اإلسالمية بتـذهوا فتفشـلوا وعال تنازو ولهسروا اهللا وأطيعو كمريح قرآن كريم

قصـى ية اإلسالم ما بين نقطـة الغـرب األ ت وال أطل ان لى حدود الصين في عرض ما بـين فـاز تونكاني إ إلى

أقطـار .. من جهة الشمال وبين سرنديب تحت خط االستواء متصلة، وديار متجاورة، يسكنها المسـلمون، وكـان لهـم

أخذ بصولجان الملك منها ملوك ،فيها السلطان الذي ال يغالب م هزما كان ي .. ال قليال ظام، فأداروا بشوكتهم كرة األرض إ ع

كنلهم جيش، وال يس ر لهم علم، وال يقول علـى قـائلهم د ..قالعهم وحصونهم متالقية، ومنابتهم ومغارسهم في سـهوبهم

األراضـي المنحـدرة "خيافهم وأ" أراضيهم السلهة الواسعة "دهية بأنواع النبـات، حاليـة بأصـناف رابية مز "عن الجبل

مؤسسـة ت آهلة األشجار، صنع أيدي المسلمين، ومدنهم كان ي مدن العالم بصنائع سـكانها على أمتن قواعد العمران تباه

م وبدائعهم، وتفاخرها بشموس الفضل، وبدور العلـم ونجـو . على في العلوم واآلدابالهداية من رجال لهم المكان األ

- ٧ -

ابـن سـينا، والفـارابي : كان في الشرق من حكمائهم والرازي، ومه، وابن رشد ، ابن باج : يشاكلهم، وفي الغرب ن

وما بين ذلـك أمصـار تتـزاحم ..بن الطفيل، ومماثلوهم وان والهندسة وسـائر فيها أقدام العلماء في الحكمة والطب والف

عن العلوم الشرعية التـي كانـت ، هذا فضال العلوم العقلية سـي ينطـق كان خليفتهم العبا ،عامة في جميع طبقات الملة وترتعد منها فـرائص (١)الصين بالكلمة فيخضع لها فغفور

: ونهم المتوسطة مثـل في قر ومن ملوكهم .الملوك في أوربا وصـالح الـدين (٣) وملكشاه السـجوقي (٢)محمود الغزنوي

يوبي، وكان منهم في المشرق مثـل تيمـور الكوركـان، األوفي الغرب السلطان محمد الفاتح، والسلطان سليم، والسلطان

. ك الزمانلقب ملوك الصين في ذل: فغفور )١()٢( ــوي و ــود الغزن ــمحم ــنة دل ــنة ،م٩٦٧ س ــات س م ١٠٣٠ وم

ن، ى أفغانستان اآلعد التي ت عظماء التاريخ االسالمي فتح غزنة من . سالميم فتح الهند وأدخل فيها الدين اإلث

م ١٠٨٢ملكشاه بن الب أرسالن، سلطان سلجوقي تولى الملك سنة )٣(ة المقتدي العباسي، وكان هدفه إعادة ج ابنته للخليف م زو ١٠٩٢إلى

. المجد إلى الخالفة بسيف السلجوقيين

- ٨ -

الزمـان أولئك رجال قضوا ولـم يطـو .. سليمان العثماني رهم أثذكرهم ولم يمح .

طة ال تبارى فـي البحـر ساطيل المسلمين سل كانت أل حمر والمحيط الهندي، ولها الكلمة العليا في تلك األبيض واأل

يدينون لملكوت كان مخالفوهم .. زمان غير بعيد إلى البحارفضلهم كما يذلون لسلطان غلبهم، والمسلمون اليوم هم هـم

وعديـدهم قطار التي ورثوهـا عـن آبـائهم ون تلك األ يملئ ربعمائة مليون، وأفـرادهم فـي كـل قطـر ال ينقص عن أ

ا قـدام شـجع وأسـرع إ بما أشربت قلوبهم من عقائد دينهم أ على الموت ممبالحيـاة أقل احتفـاال يجاورهم، وهم بذلك ن

. فها الباطلالدنيا وأقلهم مباالة بزخرالبرهـان بجاءهم القرآن بمحكم آياته يطالب النـاظرين

وهـام، ائدهم، ويعيب األخذ بالظنون والتمسـك باأل على عق الفضائل وعقائل الصفات، فأودع في أفكـارهم إلى ويدعو

جراثيم الحق وبذر في نفوسهم الفضل، فهم بأصـول ديـنهم نسـانية لنيل الكماالت اإل اا وأشد استعداد وأنبه ذهن أنور عقال سـهم نفوربما يـرون أل .. خالقاالستقامة في األ إلى وأقرب

عمن االختصاص بالشرف، وما وعلى لسان كتابهم –وا به د

- ٩ -

جمع ولو كره ظهار شأنهم على شئون العالم أ من إ –الصادقالمبطلون، ال يرغبون بسلطة لغيرهم عليهم، وال يحوم بفكر

ن بلغـت هم أن يخضع لذى سطوة من سـواهم، وإ واحد من خـاء المـؤزر إلا بينهم من ا مل.. من الشدة أو اللين ما بلغت

بمناطق العقائد، يحسب كل واحد مـنهم أن سـقوط طائفـة ذلـك . لنفسـه اجانب سـقوط من بني ملته تحت سلطان األ

ا، وبمـا سـاخ حساس يشعر به وجدانه وال يجد عنه مسلي إرشدهم في نفوسهم من جذور المعارف التي أ "غاص ورسب " دولـتهم، على في عنفوان دينهم ونالوا منها النصيب األ ليها إ

. يعدون أنفسهم أولى الناس بالعلم وأجدرهم بالفضل ***

ذلك شأنهم األول وهذا وصفهم لآلن، ولكنهم مع هذا كله وقفوا في سيرهم بل تأخروا عـن غيـرهم فـي المعـارف

ممـالكهم توالصنائع بعد أن كانوا فيها أساتذة العالم، وأخذ سم علـيهم تنقص أطرافها وتتمزق حواشيها مع أن دينهم ير

أن ال يدينو لسلطة معظـم لـدينهم بل الركن األ .. يخالفهم نجنبي عنهم، وكشفها ديارهم، بل منازعة كـل طرح والية األ

هل نسوا وعد اهللا لهم بـأن يرثـوا .. ذي شوكة في شوكته

- ١٠ -

هل غفلوا عـن تكفـل اهللا .. العباد الصالحون األرض وهم كره المجرمـون؟ ظهار شأنهم على سائر الشئون ولو لهم بإ

عـالء كلمتـه أنفسـهم هل سهوا عن أن اهللا اشترى منهم إل مالكة ن العقائد اإلسالمية إ.. ال.. والهم بأن لهم الجنة؟ ال وأم

فـي العقائـد رادتهم، وسـواء لقلوب المسلمين، حاكمة في إ . الدينية والفضائل الشرعية عامتهم وخاصتهم

ضعف في القوة نماء العلوم، ولل نعم يوجد للتقصير في إ ـ أل ؛ أعظمها تخالف طـالب الحكـم فـيهم أسباب، نـا ا بي ن

ال في دينهم، فتعدد الحكـام علـيهم أن ال جنسية للمسلمين إ الطين في جنس واحد ، كتعدد الرؤساء في قبيلة واحدة، والس

كافة غراض ومتعارض الغايات، فشغلوا أفكار ال مع تباين األ ائل بتهيئة وس ا العامة لهوبمظاهر كل خصم على خصمه، وأ

دت هذه المغالبات ومن أشبه المغالبة وقهر بعضهم لبعض، فأ الذهول عما نالوا من العلـوم إلى بالمنازعات الداخلية شيء

ر في طلب ما لم ينـالوا منهـا، عن التقصي والصنائع، فضال ونشأ من هذا ما نراه ... دون الترقي في عواليها (٤)غسارواإل

. أي التقصير: اإلغسار )٤(

- ١١ -

تياج، وعقبة الضـعف فـي القـوة والخلـل حاالمن الفاقة و ق الكلمة مراء على المسلمين تفر في النظام، وجلب تنازع األ

جانب بالعدوان ض األ تعر وانشقاق العصا، فلهوا بأنفسهم عن . عليهم

مراء المسلمين مع ما فيه مـن الضـرر هذا كان من أ يجـاريهم الفادح عندما كانوا منفردين في ميادين الوغي، ال

لكن ضرب الفساد في نفوس أولئـك و ،فيها سواهم من الملل ن من طباعهم حرص وطمـع مراء بمرور الزمان، وتمك األ

ل، ت عنهم غايات المجد المؤث باطل فانقلبوا مع الهوى، وضل سماء وقنعوا بألقاب اإلمارة وأسماء السلطنة وما يتبع هذه األ

ش مـدة من مظاهر الفخفخة وأطوار النفحة ونعومـة العـي جنبـي عـنهم المخـالف من الزمان، واختاروا مـواالة األ

لهم في الدين والجنس، ولجأوا لالستنصار به وطلب المعونة والنعـيم لهذا الشـبح البـالي استبقاء ؛منه على أبناء ملتهم

!الزائللسـلطنة ندلس، وهدم أركـان ا هذا الذي أباد مسلمي األ

د علـى رسـومها شـي طاللها، و التيمورية في الهند ومحا أ هكذا تالعبت أهـواء السـفهاء .. نجليز ملكهم بتلك الديار اإل

- ١٢ -

دهورتها أمانيهم الكاذبـة فـي مهـاوي سالمية، و بالبالد اإل . الضعف والوهن، قبح ما صنعوا وبئس ما كانوا يعملون

أولئك الالهون بلذاتهم، العاكفون على شـهواتهم، هـم لوم نها، وأوقفوا سير الع ضاعوا شأ بددوا شمل الملة، وأ نالذي

عمال النافعـة، مـن صـناعة فيها، وأوجبوا التراخي في األ . وتجارة وزراعة بما غلوا من أيدي بنيها

ــك أ ــدنيا والتهال ــى ال ــرص عل ــل اهللا الح ال قاتما أشد ضررهما وما أسوأ أثرهما، نبـذوا .. على الخسائس

ا من أعظم فروضـه، كالم اهللا خلف ظهورهم وجحدوا فرض اختلفوا والعدو على أبوابهم، وكان مـن الواجـب علـيهم ف

باعـد لمة الجامعة، حتى يدفعوا غـارة األ أن يتحدوا في الك فـادتهم المغـاالة مـاذا أ .. م لهم أن يعودوا لشئونهم عنهم، ث

أفادتهم حسـرة دائمـة .. في الطمع والمنافسة في السفاسف؟ ال تمحـوه عد الممات، وسوء ذكـر ا ب دياة، وشقاء أب في الحي

. ياماألا وعزة الحق وسر العدل، لو ترك المسلمون وأنفسهم مأ

ن العقائد من رعاية العلماء العـاملين مـنهم، مبما هم عليه ا تخللهم أولئك أسف أرواحهم وائتلفت آحادهم، ولكن وا لتعارفت

- ١٣ -

المفسدون الذين يـرون كـل السـعادة فـي قلـب أميـر هؤالء الـذين .. ها وال نهي ولو على قرية ال أمر في أو ملك ن عما والهم اهللا، وخرجوا على ملوكهم يوجه المسلم حولوا أ

. وخلفائهم، حتى تعاكرت الوجوه وتباينت الرغائب ***

االتفاق والتضافر علـى تعزيـز الواليـة اإلسـالمية، ليـات واالعتقاد به مـن أو ،من أشد أركان الديانة المحمدية

ـ إلى يحتاجون فيه العقائد عند المسلمين ال ، وال مأسـتاذ يعل فضـال إن رعاة المسـلمين .. كتاب يثبت، وال رسائل تنشر

عمعالهم تتصاعد زفراتهم، وتفيض من الدمع حزن ن ا وبكاء ق اآلراء، وتضارب األهـواء، على ما أصاب ملتهم من تفر

المطامع فـي السـلطة مراء، ذوي ولوال وجود الغواة من األ ـ الجت بينهم ى مع شرقيهم بغربيهم، شـماليهم بجنـوبيهم، ولب

جميعهم نداءا واحد . ين ال يحتــاجون فــي صــياغة حقــوقهم، ن المســلمإ

تنبيه أفكارهم لمعرفة ما به يكون الـدفاع، واتفـاق إلى الإ آرائهم على القيام به عند لزومه، وارتباط قلـوبهم الناشـئ

.خطارعن إحساس بما يطرأ على الدين من األ

- ١٤ -

هل تجد فيها ما يزيد علـى هـذه !؟ألم تر أمة الروس صول الثالثة، هي أمة كانت متأخرة في الفنون والصـنائع األ

عن سائر أمم أوربا وليس في ممالكها ينابيع للثروة، ولـئن عمال الصناعية، فهـي انت فليس هناك ما يستفيضها من األ ك

هـا غير أن تنبـه أفكـار آحاد .. عوازبالحاجة واإل مصابة لما به يكون الدفاع عـن أمـتهم واتفـاقهم فـي النهـوض

ر لها دولة تميد لسـطوتها رواسـي به وارتباط قلوبهم، صي لمعظم اآلالت الحربية، ولكن لم يكن لروسيا مصانع .. أوربا فيهـا الفـن العسـكري ها ذلك عن اقتنائها، ولم يرتق يمنعدها عن جلـب هذا لم يقع ال أن إ.. حد ما عليه جيرانها إلى

حتى صار لجيشها ؛مم االخرى لتعليم عساكرها ضباط من األ . صولة تخيف، وحملة تخشاها دول أوربا

مـا هـو أيسـر فما الذي أقعدنا عن مشاركة غيرنا، في من رعاية شـرف : اليه شد الناس ميال األشياء علينا، ونحن أ منه، والتعاون علـى صـون الوحـدة الدين والتألم بما يحط

امعة لنا عن كل ما يثلمها؟الج الهمـم أقعـد فكـار عـن الحركـة، ومـا ما رد األ ال أولئك المترفون، يحرصون علـى طيـب إ. عن النهوض

- ١٥ -

في المطعم، ولين في المضجع، وتطاول في البنيان، وتفاخر بالخدم والحاشية وال يراعون في حرصهم ما بعـد يـومهم،

ـ ون ويحافظون على لقب موضـوع ورسـم متبـوع، يقنعنه باالحتفال لهم في المواسم واألعياد وهز الرءوس وثنـي موراق الرسمية بأسماء ، ثم تذييل األ ا وتبجيال عطاف، تعظيم األ

هؤالء الساقطون يرضون لتخيـل هـذه .. ليس لها مسميات عـدائهم ف أ نيئة، هؤالء يقبلون من تصـر بكل د (٥)المواثل

ناس دون موته، أولئك ال يقبله واحد من آحاد ال في بيوتهم ما ، يحبسون هـذه صاروا في أعناق المسلمين سالسل وأغالال

ـ عسود عـن فريسـتها بـل يجعلونهـا ط األ ة للثعالـب، م . ال باهللاوال حول وال قوة إ

.. يـال يا بقية الرجال، ويا خلف األبطال، ويا نسل األق أمضى وقت التدارك، هـل آن أوان هل ولى بكم الزمان، هل

.. ال، معاذ اهللا أن ينقطع أمـل الزمـان مـنكم .. ال ..ساليأ

. جمع ماثل؛ من الرسوم ماذهب أثره: المواثل )٥(

- ١٦ -

سالمية متصلة االراضي، إ بيشاور دوال إلى (٦)درنهإن من أ حدة العقيدة يجمعهم القرآن، ال ينقص عددهم عن خمسـين مت

ة، وهم ممتازون بين أجيال الناس بالشجاعة والبسال (٧)امليونا اتفق عليه سـائر يس لهم أن يتفقوا على الدفاع واإلقدام كم لأ فاالتفاق من أصول ؛ولو اتفقوا فليس ذلك ببدع منهم .. مماأل

ـ . دينهم ون بحاجـات هل أصاب الخدر مشاعرهم فال يحس أخيه بما حكم إلى ليس لكل واحد أن ينظر بعضهم البعض، أ

ا فيقيمون بالوحـدة سـد إنما المؤمنون إخوة اهللا في قوله . السيول المتدفقة عليهم من جميع الجوانبيحول عنهم هذهمر في الجميع يصـبح هذا أن مالك األ يقولبال ألتمس

شخص ا واحد ا، ولكنـي أرجـو ا، فان هذا ربما كان عسـير أن يكون سلطان جميعهم القرآن، ووجهة وحـدتهم الـدين، وكل ذي ملك على ملكه يسعى بجهده لحفظ اآلخر ما استطاع

أدرنه بلدة في شـمال تركيـا فـي حـدود بلغاريـا، وبيشـاور، )٦(

. أو بيشار بلدة في أقصى المغرب العربيين اآلن في هذه المنطقة على مائـة مليـون، واذا يزيد عدد المسلم )٧(

أضفنا عليه عددهم في الهنـد والصـين وإندونيسـيا وباكسـتان .وغيرها؛ فان عدد المسلمين يكون نحو خمسمائة مليون

- ١٧ -

ـ ته وبقاءه ببقائه، إ ان حياته بحيا ف ا ال أن هذا بعد كونه أساسضرورة، وتحكم بـه الحاجـة فـي هـذه لدينهم تقضي به ال

. وقاتاأل ن االتفاق؟هل آ.. هل آن االتفاق؟

ال أن الزمان يواتيكم بـالفرص وهـي لكـم غنـائم، إن االسـف ال يـرد الميت، إن البكاء ال يحيي إ.. فال تفرطوا

لعمل مفتاح النجاح، ن ا إ.. ع المصيبة ئت، إن الحزن ال يدف الفاب األجـل، ن الوجل يقر م الفالح، إ خالص سل إن الصدق واإل

وقـل اعملـوا : ن اليأس وضعف الهمة من أسباب الحتف إ وندترسو ؤمنونالمو ولهسرو لكممى اهللا عريالم إلى فسع

ة فيادالشهب والغيلونمتع ا كنتمبم ئكمنب . عاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا بن كره اهللا ا ن تكونوا مم ال الأ

رضوا بـأن : مع القاعدين، احذروا أن تقعوا تحت قول اهللا ونفقهال ي مفه لى قلوبهمع طبعالف والخو عكونوا مي.

أصابه نصيب من حمده نت، وم ن القرآن حي ال يمو إ فهو محمود، ومأصيب من مقته فهو ممقـوت، كتـاب اهللا ن

مـوه فـي أحـوالكم وطبـاعكم لم ينسخ فارجعوا اليه، وحك لونما تعما اهللا بغافل عمو .

- ١٨ -

ولعل حكام المسلمين قد وعظوا بسـوء مغبـة أعمـال ن يقضـي علـيهم، السالفين وهموا بمالفاة أمـرهم، قبـل أ

ئ به المفرطون من قبلهمزبما ر . الوحـدة وتـوقظ إلـى ورجاؤنا أن أول صيحة تبعث

ـ من الرقدة، وكة، تصدر عن أعالهم مرتبـة، وأقـواهم شلعاملين ستكون لهم اليد الطـولى وال نرتاب في أن العلماء ا

مـر يف، واهللا يهدي مـن يشـاء وهللا األ ي هذا العمل الشر ف . ومن بعدمن قبل

- ١٩ -

والوحدة والسيادة والوحدة والسيادة "االمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعض"

"حديث شريف" تحمل عليهما الضرورة تارة، ويهـدي أمران خطيران

ليهما الدين تارة أخرى، وقد تفيـدهما التربيـة وممارسـة إوكل منهما يطلب اآلخر ويستصحبه بل يسـتلزمه، .. اآلداب

ا ورفعتها واعتالؤها، وهما الميـل وبهما نمو االمم وعظمته . وحدة تجتمع، والكلف بسيادة ال تتضعإلى

"يثبت ويقيم "راد اهللا بشعب أن يوجد ويلقي بوانيه وإذا أ هذين الوصفين "أصوله" أجل مسمى، أودع في ضئاضئه إلى

ن ا، ثم استبقى له حياته بقدر ما مك ا سوي فأنشأه خلق ؛الجليلين . منتهى أجلهى إلفيه من الصفتين

ل منها بالغلب تناكل أمة ال تمد ساعدها لمغالبة سواها ل ـ ـ قا أن ت ما تنمو به بنيتها، ويشتد به بناؤها، فال بد يوم ضم

ـ م وتضمحل وي مضهوت رضى أثرهـا مـن بسـيط األ ح . همل تغلب في االمم كالتغذي في الحياة الشخصية، فاذا أ ن ال إ

ـ كالبدن من الغذاء وقفت حر و، ثـم ارتـدت الـذبول ة النم

- ٢٠ -

وليس من الممكـن ،الموت والهالك إلى فضتوالنحول، ثم أ ـ ظمة أن تحف أل قوامها، وتصول علـى م يليهـا لتختـزل ن

ال أن تكون متفقة فـي تحصـيل منه ما يكون مادة لنمائها، إ الوحدة، إلى ذا أحسست من أمة ميال إ.. ما تحتاج إليه هيئتها لسـيادة العليـا لها في مكنون غيبه من ا فبشرها بما أعد اهللا

إذا تصفحنا تاريخ كل جـنس .. مموالسلطة على مختلف األ نا أحوال الشعوب في وجودها وفنائها، وجدنا سـنة واستقري

اهللا في الجمعيات البشرية، حظها من الوجود علـى مقـدار لهـا حظها من الوحدة، ومبلغها من العظمة على حساب تطو

شأن قوم وما هبطوا عن مكـانتهم، ما انحرف و.. في الغلب ال عند لهوهم بما في أيديهم، وقناعتهم بمـا تسـنى لهـم، إ

ووقوفهم على أبواب ديارهم، ينظـرون طـارقهم بالسـوء، ـ زال بعد ما ر وما أهلك اهللا قبيال إ وا بـاالفتراق، وابتلـوا ئ

. ادي سرم، ثم فناء وعذابا وبيال طويال فأورثهم ذال؛بالشقاق حسـاس كـل فـرد الوفاق تواصل وتقارب يحدثـه إ

مضارها، وشعور جميـع اآلحـاد ومن أفراد االمة بمنافعها فيلذ لهم كما ؛طبقات بما تكسبه من مجد وسلطان الفي جميع

- ٢١ -

فيألمون له كما ؛يلذ أشهى مرغوب لديهم، وبما تفقده من ذلك . عظم رزء يصابون به أليألمون

يبعث كل واحـد علـى التفكيـر حساس هو ما وهذا اإل ا من زمنه للبحث فيمـا يرجـع حوال أمته، فيجعل جزء في أ

ليها بالشرف والسؤدد، وما يدفع عنها طوارق الشر والغيلة، إ ر فكير في هذا أقل من اهتمامه بـالنظ وال يكون اهتمامه بالت

ـ حواله الخاصة، ثم ال يكون نظر في أ ا عقيم ا بـين ا حـائربـل يكـون .. لسـنة ا على أطراف األ ، دائر جدران المخيلة

يثابر على استكماله ها عمل ا تتبعه عزيمة يصدر عن استبصار بما يمكن من السعة، وما تحتملة القدرة على نحو ما يكـون

نفـس مواد المعيشة بال فرق، بل تجـد األ في الحصول على ولـى ول من النظر، والدرجة األ مة في المكان األ أن شأن األ

الثانيـة منهمـا، ة الخاصة في المنزل عتبار، والشئون من اال وقاتها عند جلب المصالح ودرء المفاسد أل وال تقف فيما تجد

من التفكير، ويخترطون الحاضرة، بل يأخذ العقالء منها سبال ليصيبوا من سعيهم شـوارد مـن القـوة، ؛ا من الهمة سيوفويجمعـوا دفائن من الثروة، من المكنة، ويستخرجوا رونواد

حـد العمـر الالئـق بهـا، إلى لصيانة حياتهم ؛مةذلك لأل

- ٢٢ -

كما يسعى الحازم جهده لتوفير ما يلزم لمعيشته، وما يطمئن به قلبه في دفع حاجتـه مـدة العمـر الغالـب، بـل يزيـد

ن الـدور األول وإ.. عليه ما فيه الكفاية ألبنائه مـن بعـده تتلوه سـائر عن خمسة قرون، ثم مم ال ينقص من أعمار األ

لها أقصرها وهو سن الطفولة، وبدء الكمال فيمـا دوار وأو األ . مم المستبصرةفما أرفع همم العقالء في األ.. يهيل

الحد الذي إلى مةإذا بلغ اإلحساس من مشاعر أفراد األ بي ناه، رأيت في الدهماء منهم والخاصة همم ا ا تعلـو، وشـيم

كـل يطلـب السـيادة .. سوقا ي ا يقود، وعزم قدامتسمو، وإ فتتالقى هممهم، وتتالحق عـزائمهم، فـي سـبيل ؛والغلب

الطلب، فيندفعون للتغلب على الذين يلونهم، كما تندفع السيول ليـه، ة مما نهضوا إ الوهاد، وال تقف حركتهم دون الغاي على

ا من الطبـع ول تدفق مم بعد الغلب األ ويكون واليتهم على األ . عداد وسائل الفوز والظفروروية إال في إفكر إلى ال يحتاج

الوفاق، والغلب، عمادان قويان وركنان : مرانهذان األ حتومـان مشديدان من أركان الديانة اإلسالمية ، وفرضـان

على ميستمسك بهما ن ، وم خالف أمر اهللا فيما فرض منهما ن وقعفي الدنيا والعذاب في اآلخرة بالخزيب .

- ٢٣ -

ـ ـ ن المـؤمن لل إ"احب الشـرع جاء في قول ص ؤمن م ن المؤمن ينزل من المـؤمن إ و ،"اكالبنيان يشد بعضه بعض

منزلة أحد أعضائه، اذا مس أحدهما ألم تأثر له اآلخر، وجاء وكونوا عبـاد ! اال تقاطعوا وال تدابروا وال تحاسدو "في نهيه

، عن الجماعة بالخسران والهـالك شذ ننذر م أ و ،"اخواناهللا إ . ب له مثل الشاة القاصية تكون فريسة للذئابوضر

له، ونهاهم بهذا كله بعد ما أمر اهللا عباده باالعتصام بح ن كانوا خوة بعد أ والتغابن، وامتن عليهم بنعمة األ قعن التفر

وطلـب إنما المؤمنون إخـوة أعداء ونطق الكتاب اإللهي عنـد الح ذات البـين صن المخاطبين بآياته أن يبادروا بإ م

مقاتلة إلى ن أدى التخالف، ثم شدد على وجوب اإلصالح وإ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا : الباغي، فقال

بينهما فإن بغت إحداهما على األخرى فقاتلوا التـي تبغـي تى تفيءر إلى حاهللا أم الدخول فيمـا اتفـق ب وقد أمر اهللا

وال تكونوا كالـذين عليه المؤمنون وتوحيد الكلمة الجامعة د الكتـاب وتوع تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات

لـيم، يل المؤمنين بالعقاب األ ف عن سب انحر نقدس كل م األ

- ٢٤ -

فحكم بأن مى، ه اهللا مـا تـول بع غير سبيل المؤمنين يول يت نويلصاه جهنم وساءت مصير .

، ىيجاب التعاون على البر والتقـو وفي أمره الصريح إ عـالء تعاون عليه من تعزيز كلمة الحـق وإ وال بر أحق بال

،"يد اهللا مـع الجماعـة أن" خبر الصادق مة، وأ منار األ لفة، ح االجتماع وصدقت األ ذا ص إا ة عون لهيوكفى بالقدرة اإل

سالمية أسمى درجـة لغت مكانة االتفاق في الشريعة اإل وقد ب مة واتفاقها على أمر إجماع األ في الرعاية الدينية، حتى جعل

، وأوجب الشرع ا عن حكم اهللا وما في علمه مور كاشف من األ ا من الدين، جحوده مروق خذ به على عموم المسلمين، وعد األ

االتفـاق عن اإليمان، ومن عناية الشـارع بـأمر وانسالخا ، فهو مـن " الفضول لفعلت (٨)حلف إلى تيعلو د " قوله

حلف الجاهلية، وقد صر ـ ح الشارع بقبوله لو د .. ليـه إ يع

حلف الفضول ما كان بين بني هاشم وبني زهرة وتيم حين وفـدوا )٨(م، ويأخـذوا على عبد اهللا بن جدعان وتحالفوا على أن يدفعوا الظل

الحق من الظالم؛ وسمي حلف الفضول، ألنهم تحـالفوا علـى أال يدعوا عند أحد فضال يزيد على حقه، ويكـون نوالـه بـالظلم إال

وه لصاحبهأخذوه منه ورد .

- ٢٥ -

فـاق وحظـر المنابـذة وهذا إجمال األدلة على وجوب االت رضي نمين، بل وبينهم وبين غيرهم م والمغابنة بين المسلم

ـ ب ن سـبيل إذمتهم وقبل جوارهم بالمعروف في شـرعهم، ف . المؤمنين يسعه وال يضيق عنه

*** عالء كلمة الحق وبسطة الملك وعمـوم ا السعي إل موأ

تجد آية من آيات القـرآن الشـريف إال وهـي يادة فال سالليه، جاهرة بمطالبة المسلمين بالجد فيـه، حـاظرة داعية إ

. لمفروض منهعليهم أن يتوانوا في أداء ا ؛ن تنمية ملتهم وامر الشرعية أن ال يدع المسلمو ومن األ

حتى ال تكون فتنة ويكون الدين كله هللا، وفي السنة المحمدية والسيرة النبوية، مما يضافر آيات القرآن ما جمعه العلماء في

هذا حكم ديننا ال يرتاب فيه أحد مـن .. هامجلدات يطول عد . ين بعروتهالمؤمنين به والمستمسك

هل يمكن لنا ونحن على مـا نـرى مـن االخـتالف وكيف .. ام بفروض ديننا؟ الضيم أن ندعي القي إلى والركون

راؤه علـى قـوة الواليـة جومعظم األحكام الدينية موقوف إ الغلـب فرضـين إلـى ن لم يكن الوفاق والميل الشرعية، فإ

- ٢٦ -

ـ ب إ لذاتهما أفال يكونان مما ال يتم الواج ف بهمـا ال به، فكي هل لنا عـذر .. مناوهما ركنان قامت عليهما الشريعة كما قد

نفـع خلـة ت عند اهللا يوم العرض والحساب، يـوم ال نقيمهقامتها هدم هذين الركنين، وأيسر شفاعة إلينا إ وال شفاعة بعد

ذا خلونـا إ يتيسر لنـا ديدنا أربعمائة مليون أو يزيد، هل وع نعهـا ونرضـيها بمـا نحـن نق بأنفسنا وجادلنا ضمائرنا أن

ن؟ عليه اآلـ ت بأقطارنـا، ووضـعت كل هذه الرزايا التـي حط

من أقدارنا، ما كـان قاذفنـا ببالئهـا، ورامينـا بسـهامها، ال افتراقنا وتدابرنا والتقاطع الذي نهانـا اهللا ونبيـه عنـه، إ

لسـنتنا، تلك الكلمة التي تهـل بهـا أ ا تطالبنا دينا حقوق لو أ . بنا بذكرها، وهي كلمة اهللا العلياوتطمئن قلو

غراب أن يمزقوا ممالكنا كل ممـزق، هل كان يمكن لأل (٩)وهل كان يلمح سيف العدوان في وجوهنا، وهل كنا نشـيم

وأيـدينا (١٠)قـدامنا فـي صياصـيهم نيران األعـداء إال وأ

. تطلع نحوه ببصره: شيم )٩( .متنع به كالحصون والقالعكل ما ا: الصياصي )١٠(

- ٢٧ -

ـ اإل بناء الدين إن أل .. على نواصيهم ا بمـا جـاء سالمي يقين س على صاحب اليقين بـدين أن يقـوم به شرعهم، لكن ألي

أحسب الناس أن يتركوا بما فرض اهللا عليه في ذلك الدين؟ فتنونال ي مهنا وقولوا آمأن ي* لهممـن قـب فتنا الذين لقدو

الكاذبين نلمعليقوا ودص اهللا الذين نلمعفلي . ا وال ريبة فـي أن المـؤمن يسـره أن يعلمـه اهللا صـادق

تنة ويمتاز به الصادق من الكـاذب وأي صدق تظهره الف ،اال كاذبر ألف سنة في الـذل المسلم لو يعم ال الصدق في العمل، هل يود إ

. يمانإلوالهوان وهو يعلم أن االزدراء بالحياة هو دليل ا –انت لنا الكلمة العليا وقد ك –أنرضى ونحن المؤمنون

علينا الذلة والمسكنة، وأن يسـتبد فـي ديارنـا برضأن ت وأموالنا ميحتـرم ال يذهب مذهبنا، وال يرد مشـربنا، وال ن

ال وال ذمة، بل أكبر همه أن يسوق شريعتنا، وال يرقب فينا إ ا أوطاننا، ويسـتخلف فيهـا من خليعلينا جيوش الفناء حتى ي

. دته، والجالية من أمتهبعدنا أبناء جليمانهم، الواثقين بوعـد اهللا إن المخلصين في إ .. ال.. ال

في نصر مينصر اهللا، الثابت في قولهن : وا اهللاـرإن تنص كمامت أقدثبيو كمرنصي ال يتخلفون عن بذل أموالهم وبيـع

- ٢٨ -

ـ أرواحهم، والحق داع أين واهللا حاكم والضرورة قاضـية فنه ال سبيل لنصر اهللا وتعزيز المبصر بنور اهللا يعلم أ .. المفر هل يسوغ ،ال بالوفاق وتعاون المخلصين من المؤمنين دينه إ

قرعـة لنا أن نرى أعالمنا منكسـة، وأمالكنـا ممزقـة، وال في أيدينا ثم ال نبدي حركة، تضرب بين الغرباء على ما بقي

ننـا مؤمنـون بـاهللا وال نجتمع على كلمة، وندعي مع هذا أ واخجلتاه لو خطر هذا ببالنا، وال أظنه .. وبما جاء به محمد؟

. سالمخطر ببال مسلم على لسانه شاهد اإلي ن الميل للوحدة، والتطلع للسـيادة، وصـدق الرغبـة إ

سالم، كل هذه صفات كامنة فـي نفـوس في حفظ حوزة اإل الفصل ليه في قاطبة، ولكن دهاهم بعض ما أشرنا إ المسلمين

وأذهلهـم ،السابق فألهاهم عما يوحي به الدين فـي قلـوبهم ا عن سماع صوت الحق يناديهم مـن بـين جـوانحهم أزمان

فسهوا وما عووا، وزلوا وما ضلوا، ولكنهم دهشوا وتـاهوا، رض في الليالي المظلمة، فمثلهم مثل جواب المجاهيل من األ

. ليها وهو معه ولكن ال يهتدي إكل يطلب عونيصـال لماء العاملين لو وجهوا فكـرتهم إل رى أن الع وأ

مكـنهم مسـامع بعـض، أل إلـى أصوات بعض المسلمين

- ٢٩ -

وليس ذلك بعسـير .. أن يجمعوا بين أهوائهم في أقرب وقت ض بيتـه الحـرام عليهم، بعد ما اختص اهللا مـن بقـاع األ

باالحترام، وفرض على كل مسلم أن يحجه مـا اسـتطاع، ـ وفي تلك البقعة ي لمين حشر اهللا مـن جميـع رجـال المس

ال كلمة تقال بيـنهم مـن ذي وعشائرهم وأجناسهم، فما هي إ رض، وتضـطرب انة في نفوسهم تهتز لهـا أرجـاء األ مك

. لها سواكن القلوبـ هذا ما أعدته ليـه ضـفت إ إن أ م له العقائد الدينيـة، ف

جانب علـيهم، ومـا ضـاقت من تعديات األ ذاب قلوبهم ما أ غراب على بالدهم، حتى بلغـت من غارات األ به صدورهم

أن االستعداد بلغ مـن نفـوس إلى أرواحهم التراقي، ذهبت وهو مما يؤيد السـاعين ا يوشك أن يكون فعال المسلمين حد ،

في هذا المقصد، ويهيئ لهم فوز بعون اهللا الذي (١١)اا ونجاح . أنيبما خاب قاصده، وهو ربي إليه أدعو وإليه

م عن فوز كثير من البالد اإلسالمية بالحريـة لقد تحقق أمل األستاذ اإلما )١١(

والسيادة، واالستقالل والخالص من نير االستعمار، ولكن بقيت الوحـدة .التي تجمع شمل هذه البالد وتزيدها حرية وسيادة وقوة

- ٣٠ -

لب المجدلب المجداألمل وطاألمل وطونالكافر مح اهللا إال القوومن ر أسيال ي إنه الونه إال الضبة رمحقنط من رن يمو

"قرآن كريم" عظيم، اخـتص آيات الكتاب الحكيم، تنبئ عن سر تلك

المقام ليبلغ به ؛كوان اإلنسان، ورفعه به على سائر األ اهللا به الكمـال لهيـة مـن وز ما أعدته له العناية اإل المحمود، ويح

صـغ لمناجـاة سـرك، تجـد راجع نفسـك، وأ .. الالئق به طلـب إلـى ا، يـدفعك ا شديد ا، وحرص قوي في وجدانك ميال

ثـم ارفـع .. المجد، وعلو المنزلة، في قلوب أبناء جنسـك ـ إلى بصرك ا سواد أمة بتمامها، تجد مثل ذلـك فـي كليته

مـم ، تبتغي رفعة المكانة فـي نفـوس األ كما هو في آحادها . سواها

ا ذلك أمر فطري جبل اهللا عليه طبيعة هذا النوع منفـردلسهل على طالب المجد وعلـو المكانـة ا، ليس من ا ومجتمع ا ليه وعـر ما يطلب ولكنه يالقي في الوصول إ إلى أن يصل

ذا فال يضـعف عن المسير، ومع ه في السبل، وعقبات تصد

- ٣١ -

ا، حتى ا، ويعاني صعاب يقطع شعاب .. حرصه، وال ينقص ميله يرقى ذروة المجد، ويتنسم شاهق العزة، ولو قام في وجهـه مانع عن االسترسال في مسيره والتجأ للسكون رأيته يتململ

. ويتضجر، كأنما يتقلب على الرمضاء ر الحكيم الخبير أعمال البشر، ونسب كل عمـل ولو سي

غاية العامل منه، رأى أن معظمها في طلـب الكرامـة لى إ وما يتعلق منها بتقويم المعيشة ،كل على حسبه .. وعلو المقام

ا بالنسبة لما يتعلق بشئون الشرف، هذه خلة ا مذكور ليس شيئ ثابتة في الكافة من كل شعب على اخـتالف الطبقـات مـن

أهـل مر والنهي، كل ينـافس أصحاب األ إلى أرباب المهن طبقته في أسباب الكرامة بينهم، ويأنف من ضـعته فـيهم،

ذا له من قلوبهم محل االعتبار، حتـى إ ويحرص على ما يح بلغ الغاية مما به الرفعة عندهم، تخطى حدود تلـك الطبقـة ودخل في طبقة أخرى، ونافس أهلها في الجاه، وال يزال يتبع

ا يخطر في بسيط األرضسيره ما دام حي . ه نهايـة، نساني ليس له حد، وال تحد ن الكمال اإل ذلك أل

وليس في استطاعة أحد من الناس أن يقنـع نفسـه ويعتقـد ا ليست بعده غايةأنه بلغ من الكمال حد .

- ٣٢ -

نسان، ماذا أخذت محبة الشرف من قلب اإل !سبحان اهللا وماذا ملكت من أهوائه؟ يعده ثمرة حياته وغايـة وجـوده،

، أو عند (١٢)اة عند فقده والعجز عن دركه حتى أنه يحتقر الحي ـ أرأيت أن فقير .. مسه والخوف من سلبه ه ا ذا أسمال ال يؤب له، اذا اعتدى عليه مليه بعلة تهينـه، أو قذفـة تطول يده إ ن

الغضب للدفاع عن المنزلة التي هو فيها فيرتكب هتشينه، يغلب نـة هاالموت، وأن القذف أو اإل إلى مخاطرة ربما تفضي به

ا من طعامه وال شرابه، وال خشنت مضـجعه ما نقصت شيئ . في مبيته

جنـاس آالف مؤلفة من الناس في األجيال المختلفة واأل ا عن الشرف المهالك، وماتوا دفاع إلى المتنوعة ألقوا بأنفسهم

عام نسان ط ال يهنأ لإل !! شأن اهللا ا للكرامة والمجد، جل أو طلبال أن يلحظ فيه أن ما نـال مضجع إ وال شراب، وال يلين له

: براهيمهذا مصداق قول حافظ إ )١٢(

سعيت إلى أن كدت أشعل الـدما سالم على الدنيا سالم مـودع

وما أعقبت إال التندما وعدت رأى في ظالم القبر أنسا ومغنما

- ٣٣ -

منه أعلى مما نال سواه، مع وقـوف بعـض مـن النـاس ن لذة التغذيـة والتوليـد م فيه، كأ على ذلك ليعترفوا له بالتقد

ت لتكون وسيلة للذة المباهاة والمفاخرة فما ظنـك عضنما و إ كم يعـاني االنسـان مـن التعـب البـدني، !؟بسائر اللذائذ سفار، وكم يخاطر بروحه في اقتحام ن مشاق األ وكم يقاسي م

الحروب والمكافحات، وكم يتحمل في االنقطاع عن اللـذات، ا كل ذلك لينال شـهرة أو ليكسـب فخـار ؛ن منها مع التمك

. أو ليحفظ ما أتاه اهللا منهال ليشرف فيشرف إما أجل عناية اهللا باالنسان، ال يعيش

ليـه، فهـي وسـيلة إ م، وكـل لـذة دون الشـرف به العال بل الحيـاة الـدنيا هـي السـبيل الـوعر يسـلكها الحـي

جل يفارقهـا قريـر ا يستطيع من المجد، وفي نهاية األ مإلى . العين بما قارب منه أسف الفؤاد على ما قصر عنه

*** لهـي، اإللهام ما هو المجد الذي يسعى إليه اإلنسان باإل

.. في تحصيله خطار في طلبه، ويقارع الخطوب ويخوض األ هو شأن تعتـرف النفـوس لصـاحبه بالسـؤدد، وتـذعن

نميكون هذا له ولكل .. الطاعة ليه قياد له باالعتالء، وتلقي إ

- ٣٤ -

؛متـه يه من ذوي قرابته وعشيرته وسائر أ ليدخل في نسبته إ ليه وكلمة المتصـلين بـه، والملتحمـين معـه فتنفذ كلمته إ في شئون ممن العزيـز الحكـيم سواهم وهو أعظم مكافأة ن

حصيل ذلك الشأن في هـذه الحيـاة وصاب لت على معاناة األ نفسه بالمنفعة إلى اولى، فما كان يحسبه طالب المجد عائد األ

. يبارك فيه مدبر الكون فيفيض خيره على بني جلدته أجمعينمـة ال الواحد مـن األ ذا ن إ.. تلك حكمة بالغة !.. واهاـ .. حظها من السؤدد مة من المجد، نالت األ مطلبه ل نعم وه

ذلك تقدير العزيز حاد منها نال ما نال إال بمعونة سائر اآل العليمـ ماذا يستطيع المجاهد وحده، وماذا يكسبه من .. هيعس

كان همه أن يصعد نفم. ن لم يكن له أعضاء من بني قبيلته إ أن يهيـئ ، فعليه ذروة السيادة إلى عرش العزة، ويرقى إلى

نسـاني في العالم اإل صيل كل ما يعد حيه لت لنفسه والمنتمين إ . فضيلة وكماال

قيام بخدمة هذا الميـل الفطـري واإللهـام ما أصعب ال وما أشد ما تحمل النفوس في قضاء بعض الـوطر .. لهياإل

وما أعظم الحامـل لألنفـس علـى تجثـيم ،مما يتصل به

- ٣٥ -

مـا هـذا ،مر الرفيع ذا األ اعب لنيل ما تميل إليه من ه المص ،رواح كـل صـعب الباعث الشريف الذي يسهل علـى األ

صغر كل عظيم، ويلـين كـل خشـن، ب كل بعيد، وي ويقرض للتهلكـة ها عن جميـع اآلالم، ويرضـيها بـالتعر ويسلي

عن بذل كل نفيس والسماح بكل عزيز ، فضالومفارقة الحياة . عال هو األملهذا الباعث الجليل، وهذا الموجب الف..

األمل ضياء ساطع في ظالم الخطوب، ومرشد حـاذق ل المشكالت، وحاكم في مجاهي دافي بهماء الكروب، وعلم ه

ن عـرض ذا عراها فتور، ومسـتفز للهمـم إ ر للعزائم إ قاهمنية والتشهي اللدين يلمحهمـا ليس األمل هو األ .. لها سكون

ـ ـ : ر عنهمـا الذهن تارة بعد أخرى، ويعب ت لـي كـذا بلي الراحـة إلـى من المال، وكذا من الفضل، مـع الركـون

واالستلقاء على الفراش، واللهو بما يبعد عـن المرغـوب، نسان عناية ل اهللا سنته في سير اإل ن صاحبهما يروم أن يبد كأ

ليه ما يهجس بخـاطره ؛ فيسوق إ بنفسه الشريفة أو الخسيسة مل رجاء يتبعه ا األ إنم.. ا أو يالقي مشقة دون أن يصيب تعب

عمل، ويصحبه حمل النفس علـى المكـاره، وعـرك لهـا في المشاق والمتاعب، وتوطينها لمالقـاة الـبالء بالصـبر،

- ٣٦ -

لوالشدائد بالج يعـرض لهـا فـي سـبيل د، وتهوين كل ملم ذا لغو إ الغرض من الحياة، حتى يرسخ في مداركها أن الحياة

ح أول خطوة يخطوهـا رب، فيكون بذل الرو لم تغذ بنيل األ ال وقايـة بنـاء عن المال الذي ال يقصد منه إ القاصد فضال

. الحياة من صدمات حوادث الكون وكما كان الميل للرفعة أمر مـل ا، كذلك كان األ ا فطري

.. غاية سعيها من ودائـع الفطـرة إلى وثقة النفس بالوصول ـ غير أن ثبوتها في فطرة عموم البشر كان داعي ات ا للمزاحم

يطلب الكرامة ن كل واحد بما أودع في جبلته والممانعات، فإ ب ومطلوب، ولم تبلغ سعة طال فكل.. خروالتمكن في قلب اآل

فـراد عمـال درجة تعين لكل فرد من األ إلى نسانيالعقل اإل تكون له به المنزلة العليا في جميع النفوس غير مـا يكـون

ا شرفاء ن جميعهم أمجاد خر مثل تلك المنزلة حتى يكو به لآل هواء، ولكنهم تزاحموا في اآلمال واأل .. بما يأتون من أعمالهم

فنشأت تلـك المقاومـات ؛ومسالكهم ضيقة، وطرقهم ضنكة دمات بين النوع البشري، حكمة من اهللا ليعلم الـذين والمصا

ذا توالى الصدام على شـخص إف.. جاهدوا ويعلم الصابرين انحطـاط، وحصـل صابهاف وأ أو قوم حدث في الهمم ضع

- ٣٧ -

.. جـد الرجاء، وطلب الم: الفساد في هاتين الخلتين الشريفتين ،خالق الفاضلة بسوء التربيـة كما يحصل الفساد في سائر األ

..! اليأس والقنوط، نعوذ باهللا منهما إلى وربما يؤول الضعفماذا يكون حال القانطين المنقطعة آمالهم، يحكمون على

ويسجلون عليها العجز عن كل رفعة، فيأتون أنفسهم بالحطة، هانة والتحقيـر، عاطون الرذائل، وال ينفرون من اإل الدنايا ويت

ــل ــه ب ــا يوج ــول م ــى قب ــهم عل ــون أنفس يوطن فتسـلب مـنهم جميـع اإلحساسـات ؛ا كان ليهم من ذلك أي إ

نعـام از بها اإلنسان عـن األ نسانية التي يمت والوجدانات اإل ال بحاجـات ه البهائم، وال يهتمـون إ ما ترضى ب فيرضون ب

وسوائب يرعون ثم يا ليتهم يكونون همال (١٣)قبقبهم وذبذبهم ، ويتبعون مواقع الغيث، ولكنهم وإن تركـوا العمـل النبات

فهم بالعمل لغيـرهم، يكل نط عليهم م نفسهم فاهللا تعالى يسل أل

؛ والمعنى أهداب الثوب التي تعلق للزينة : والذبذب ،البطن: القبقب )١٣(

. ال بالطعام والشراب والزينةال يهتمون إ

- ٣٨ -

، االة ال تستفيد ممـا تحمـل شـيئ الحم (١٤)فيكونون كالنمال فيعالجون .. سعد غيرها ويستريح يوظيفتها أن تسعى وتشقى ل

الفالحة والصناعة وغيرهما من األعمال الشـاقة، العمل في بون بأشد مما يـدأب العامـل لنفسـه، ثـم ال ينـالون ويدأ

الـذين إلى لةثمرات كسبهم بأسرها محو .. امما يعملون شيئ ل فـي ذلـة هذا الذي يتجشمه الـذلي .. سادوا عليهم بهممهم

ـ من مشاق األ ـ عمال ومعاناة المكاره لو تحم ا منـه ل بعض صاب حظه منها، بل تصير درجة القانطين ة أل في طلب العز

عند منى من درجة الحيوانـات العاملـة؛ د سادوا عليهم أ ن ا ن السائدين يشعرون بحكم البداهـة، أن هـؤالء أسـقطو فإنسانية ضى الفطرة اإل انوا يستحقونها بمقت نفسهم عن منزلة ك أ

ورضوا لها بما دون حقها، بـل بمـا ال يصـح أن يكـون مة اهللا فـي تكـوينهم علـى الشـكل من شأنها، وكفروا بنع

فيعاملهم أولئك ؛نساناإلنساني وإيداعهم ما أودع في أفراد اإل السادة بما ال يعاملون بـه مـا يقتنـون مـن الحيوانـات،

من أنـواع النمـل نـوع وظيفتـه أن يحمـل الطعـام لغيـره )١٤(

. وال يستفيد مما يحمل،من النمل

- ٣٩ -

ـ ولنا على ذلك شاهد العيان في األ ي أدركهـا اليـأس مم الت ..!جانبوسقطت في أيدي األ

في الـزمن مونظن أنه يوجد أقوم آخرون سامهم سادته ،السابق، ويسومونهم اآلن ما تسـام بـه السـوائم الراعيـة

. وهم على القرب منا وليسوا ببعيد عنا ***

ـى ا، كيف تتبدل أحكا عجبحمأثـر م الجبلة وكيـف ي .. النفس حتى ال تطلب رفعـة؟ لفسكيف ت .. الفطرة؟مـل وحـب واأل.. تقنط حتى ال يكون لها أمل؟ وكيف

بعد إمعان النظر نجـد .. نسانان في اإل الكرامة طبيعي أن جميـع أعمالـه إنمـا السبب في ذلك ظن اإلنسان

رادته باالستقالل، وأن قوته هـي تصدر عن قدرته وإ سلطان أعماله وليس فوق يـده يـد تمـده بالمعونـة

ذا صادفته الموانع مرة بعد أخرى فإ.. ه بالقهر تصد أورتـه قد إلى وقطعت عليه سبيل الوصول لمطالبه رجع

فيعتـرف بوهنـه، ؛هنةفوجدها فانية، وقوته فرآها وا ا فييأس ويقنط، ويذل ويسفل اعتقاد ؛عجزه إلى ويسكن

منه بأنه ال دافع لتلك الموانع التي تعاصت على قدرته،

- ٤٠ -

المانع أعظم من قوتـه فـال سـبيل ومتى كانت قوة فيقطع األمـل فيقـع ؛ العمل الستحالة قهر المانع إلى

. بديفي الشقاء األأم ا عظيم القدرة تخضـع ا لو أيقن أن لهذا الكون مدبر

على، وأن ذلك عظمته، وتدين كل سطوة لجبروته األ كل قوة ل ء، ف عباده كيـف يشـا القادر العظيم بيده مقاليد ملكه يصر

س، وتغتـال آمالـه لما أمكن مع هذا اليقين أن يتحكم فيه اليأ ضعف قدرتـه إلى ن صاحب اليقين لو نظر غائلة القنوط، فإ أعلى مـن كـل قـوة، قوة اهللا التي هي إلى ال يفوته النظر

ـ إلى عماله، وال يجد اليأس فيركن إليها في أ .. انفسـه طريقا في مدافعتها، انبعاثما تعاظمت عليه الشدائد زادت همته فكل

في وجهـه قلغما أ ا على أن قدرة اهللا أعظم منها، وكل معتمد ، وال يكـل فال يمل اهللا أبواب إلى باب فتحت له من الركون

ن في قدرة مدبر الكون أن يقهر العتقاده أ ؛وال تدركه السآمة الجبال، ويشـق ذالء، وأن يدك األ إلى عزاء، ويلقي قيادهم األ

وكـم كانـت .. قوياءن الضعفاء من نواصي األ البحار، ويمك فه اهللا ب فيما كل ؛ فتشتد عزيمته ويدأ لقدرة اهللا من هذه اآلثار

- ٤١ -

ه اهللا له مـن السـعادة من السعي لنيل الكمال والفوز بما أعد . ولى واآلخرةفي األ

وما كان لموقن باهللا وبقدرته وعزته وجبروته أن يقـنط أخبر اهللا تعالى عن الواقـع والحقيقـة التـي ولهذا ؛وييأس

إنه ال ييأس مـن : ال ريبة فيها بما قال وهو أصدق القائلين ونالكافر مح اهللا إال القوور وبما حكى مـن قـول نبيـه

فقد جعل ومن يقنط من رحمة ربه إال الضالون : براهيمإ على الكفر، ومن أين يطرق اليـأس اليأس والقنوط دليال اهللا قلبقا عيمان باهللا وقدرته الكاملة على اإلد .

ن المسلمين ال يسمح لهم يقينهم باهللا، وبمـا ل إ لهذا نقو عـادة ، أن يقنطوا من رحمة ربهـم فـي إ جاء به محمد

يمانهم أن يرضخوا كثرة عددهم، وال يسوغ لهم إ مجدهم مع عالء كلمـتهم، وهـم ويرضوا للضيم، ويتقاعدوا عن إ ذل،لل

فـإن ؛مـم به كثير مـن األ يلتب اآلن محفوظون مما ا إلى في أيديهم ملك عظيم على بسيط ا، وال يزال ا عظام لهم ملوك

ن أبواب رحمة اهللا متفتحة إ: األرض، وإن من الحق أن نقول نافحـة ن روح اهللا وإ.. م، وما عليهم سوى أن يلجوهـا لديه

ا تمد والفرص دائم .. عليهم، وما يلزمهم سوى أن يستنشقوها

- ٤٢ -

ه غـافلهم وتـوقظ نـائمهم، نهاضهم وتنب أيديها إليهم تطلب إ ولـى والصـعود ليس عليهم فـي اسـترجاع مكـانتهم األ و

ــى ــامهم األول إإل ــاونوا مق ــتهم ويتع ــوا كلم ال أن يجمعمـا يكـون وذلك أيسر .. عزاز دينهم على ما يقصدون من إ

. ن الجامعة الدينية بينهمعليهم، بعد تمك للقنوط، وبين أيديهم كتاب فأي موجب لليأس، وأي داع

اهللا الناطق بأن اليأس من أوصاف الضـالين، وهـل توجـد فماذا بعـد الحـق إال الضـالل واسطة بين الرشد والغي

هل يكون للقانطين فيهم من عذر؟ ماذا .. العلياجانب بعد تلك السيادة العبودية لأل أيرضون ب

وفاقة شـقاء هانة وفقر ن كانت في ذل وإ يبتغون من الحياة إ أجنبي حاكم، وبغيض دائم بيد عدو غاشم؟ أيطمئنون وهم بين

ع دنيء ح غبي، ومشن شامت، ومقب ر خسيس، يرمونهم ، ومعيــون ــتعداد، ويحكم ــص االس ــول ونق ــعف العق بض

االمم، ألم ينسـلخ ادعد عليهم أن يصيروا أمة في بأن محاال كيف يرضى بحياة مكتنفـة .. نسانيةاإلنسان عن كل خاصة إ

أينسـون أنهـم كـانوا .. بكل هذه التعاسات والمكـدرات؟ ت التواريخ يحرض وما طال على ذلك الزمان، وال م في األ

- ٤٣ -

ضمحلت بالكليـة شـوكة المسـلمين اثار، وال اآل وال عفت (١٥)رضه األمن وجن كان للعامة عذر في الغفلة عما أوجـب اهللا علـيهم، إ

فأي عذر يكون للعلماء وهم حفظـة الشـرع والراسـخون ال يسعون في توحيـد متفـرق المسـلمين؟ مل.. في علومه

الوسـع ال يفرغـون م يبذلون الجهد في جمع شملهم؟ ل ال ملـ إل علـى مـا ال يـأتون مصالح ما فسد من ذات بينهم؟ ل

في الطاقة لتقوية آمال المسلمين، وتذكيرهم بوعود اهللا التـي وتبشيرهم بهبوب ، صدق في طاعته واليقين به ن لم فلخال ت

روح اهللا على أرواحهم؟مر يمان قاموا بهذا األ ا شرح اهللا صدورهم لإل ن قوم بل إ

ــع ــي مواق ــن األف ــة م ــع التواصــل مختلف رض، يجمال أن أملنا في بقية المسـلمين أن يتفقـوا إ بينها عقدة واحدة،

معهم ويقوموا بمعاضدتهم ليتمكن الجميـع مـن نصـر اهللا كمامت أقدثبيو كمرنصوا اهللا يرإن تنص

مـام ذه العبارات، وبمثل هذا اإليمان القوي كان األستاذ اإل همثل ب )١٥(

. المجدنشطوا من خمولهم، وأن يسعوا إلى يهيب بالمسلمين أن ي

- ٤٤ -

الوحدة والقوةالوحدة والقوة ابه قلونعي قلوب مله ض فتكونوا في األرسيري أفلم آذان ـى أوملكـن تعو ارصى األبما ال تعا فإنهبه ونعمسي

"قران كريم" القلوب التي في الصدور أهلك اهللا شعوب وال يـزال .. اا، وأباد قبائل، ودمر بـالد

عدل اهللا يبد ا بقوم، ويأتي لكل حين بأنـاس آخـرين ل قوم ..ن ، وعـي عمل جـزاء حكيم سبقت رحمته غضبه، جعل لكل

ا بحكمته لكل حادث سببادأح كبر ظلمال يو. ـ ا، وال يصدر عنـه شـيء وليست أفعاله جزاف ا، عبث

قل سيروا في األرض ثم أمر اهللا عباده بالسير في االرض كذبينة الماقبع ف كانوا كيانظر ليـريهم قضـاءه الحـق

وامـره، ؛ فيطيعـوا أ خلـف ن سلف وم نمه العدل، فيم وحكويقفوا عند حدود شرائعه، ويفوزوا بخيـر الـدنيا وسـعادة

. ةاآلخرمكان له قلب يعقل، وعين تبصر، وعقل يفقه، وتتبع ن

في تواريخ مم، وخاض ر كيفية انقالب األ حوادث العالم، وتدب نـا فـي كتابـه اهللا علي جيال الماضية، واعتبر بما قـص األ

- ٤٥ -

المنز ا ال يخالطه ريب، بأنه ما حاق السوء بأمة ل، يحكم حكم ازلة البالء، وما مسـها الضـر فـي شـيء وما نزلت بها ن

ال وكانت هي الظالمة لنفسـها، بمـا تجـاوزت حـدود اهللا إ وانتهكت حرماتـه، ونبـذت أوامـره العادلـة، وانحرفـت

فت الكلم عـن مواضـع عن شرائعه الحقة، وحر لـت ه، وأو . هواء والشهواتب األسمن كالمه تعالى على ح

هوية، كما أن لألغذية واألدوية، واختالف الفصول واأل العليم، كذلك اقتضـت مزجة بتقدير العزيزا في األ ا ظاهر ثرأ

نسـانية ولكـل يكون لكل عمل من األعمال اإل حكمة اهللا أن ـ ولهـذا .. ةطور من أطوار البشر، أثر في الهيئة االجتماعي

حكام ليتبـين بعبادة تحديد الحدود، وتقرير األ كان من رحمته لرسـل، رسـل ا ن الشر، ويتميز النفع من الضر، فأ الخير م

لهية فقد ظلـم نفسـه، وامر اإل فمن خالف األ .. وأنزل الكتب . الدنيا وعذاب اآلخرةفليستعد لخزي

ببه س الكونية في أطوار الحياة قد يخفى ن تأثير الفواعل إنسان في اإل ا تأثير أحوال بني أم.. حتى على الطبيب الماهر

ن لم تكن عين إدراك، يئة اجتماعهم، فيسهل سره لكل ذي إ ه . بصيرته عمياء

- ٤٦ -

ـ لم تر أ ة العامـة حلأن اهللا جعل اتفاق الرأي في المصوة واستكمال ا للق لفة في المنافع الكلية سبب واالتصال بصلة األ ن مـن الوصـول ه الحياة الدنيا، والتمك لوازم الراحة في هذ

علة للضعف، في اآلخرة، وجعل التنازع والتغابي بد لخير األ ا للسقوط في هوة العجـز عـن كـل فائـدة دنيويـة وداعي

أو أخروية، ومهيأ لوقوع المتنازعين في مخالـب العاديـات نظر في أحوال الشعوب ماضيها وحاضرها، نفم.. مممن األ

ا بمرض القلب، وعمى البصيرة، أدرك سـر ابولم يكن مص وسر نهيـه واعتصموا بحبل اهللا جميعا أمر اهللا في قوله

وال تنـازعوا فتفشـلوا وتـذهب وال تفرقـوا في قوله كمريحكلمتكم أي جاهكم وعظمتكم وعلو . يصلح الركـون ال نم إلى ن اهللا تعالى يجعل الركون إ

مـر ا في اختالف األ ال تنبغي الثقة به، سبب نليه، والثقة بم إ ، ليس منه في شـيء ن وثق في عمله بم نمف.. وفساد الحال

وال تجمعه معه جامعة حقيقية، وال تصله به رابطة صحيحة، وليس في طبعه ما يبعثه على رعاية مصاحبته، أو كتم سره،

الجهد في جلب منفعته، ودفع المضار وال ما يحمله على بذل ا ضاع ن كان ملك ال ريب يفسد حاله، ويسوء مآله، وإ عنه، ف

- ٤٧ -

وأحـوال (١٦)ا بطل أمره، والحـوادث عاهـدة ملكه أو أمير أ بعمى البصيرة يدرك بأول زر لم ي نفم.. المغرورين ناطقة

ال تتخـذوا عـدوي اهللا تعالى فـي قولـه ر نهي التفات س كم وـاءا جوا بمكفر قدة ودوبالم همإلي تلقون اءليأو كمودع

ال تتخذوا بطانة من دونكـم ال يـألونكم وقوله من الحق خفي خباال ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما ت

رأكب مهوردص وسائر نواهية المبنية على الحكمـة البالغـة . مصالح الدارين إلى المرشدة

لكل شخص في طبقته من أمته عمل مفـروض عليـه، ليحفظ بذلك لنفسه حياة طيبة في هذه ؛وواجب يلزمه القيام به

قلـب نسان له ، وهو إ ا في اآلخرة صالح الدنيا، ويعد لها مآال .. شـياء فاته سـائر األ د، لو جعل معظم همه في شيء واح

ما أنعم اهللا الشهوات، وبالغ في الترف، وبطر في فلو توغل في عليه، فقد أغفل فرائضه، وأضر ر بنفسه، وحمن منافعـه، م

ا، به من عقاب اهللا أشد الوبال، وخسر الدنيا واآلخرة مع وحلحرق بنـاره اوره، وأ يج نت آثار أعماله بالسوء م وربما مس

. حافظة وشاهدة: عاهدة )١٦(

- ٤٨ -

الموقدة بفساد أخالقه، وانحرافه عن سنن الحق ميسـاكنه ن . في بلدته، أو يواطنه في مدينته

وهذه آثار المترفين في كل أمة تنطـق بمـا ال يعجـم رة ال علـى بصـي ال على أذن صماء وتشهد بما ال يخفى إ إ

كبر ن أحوال المترفين، أل م اهللا علينا ن فيما قص وإ (١٧)كمهاءوكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مسـاكنهم عبرة

ارثينالـو نكنا نحإال قليال و دهمعن بكن متس تـى إذا *لمح ونأرجي مذاب إذا هبالع فيهمترأخذنا م* مووا اليأرإنكم ال تج

ونرنا ال تنصـر *مض بغيفـي األر ونحتفر ا كنتمبم ذلكم ونحرتم ا كنتمبمق والح ظـوظهم ح هذه عواقب الالهين ب

ومن أعرض عن ذكـري فـإن لـه عما أوجب اهللا عليهم موي هشرنحنكا وعيشة ضىممة أعامالقي

*** نسـان ال يمكن إل .. ال قليال ما أوتي اإلنسان من العلم إ

وحده أن يحيط بوجوه المنافع الخاصة بنفسه، وال أن يطلـع .. على منابع فوائده ليكسبها، أو يكشف مكامن مضاره فيتقيها

. مؤنث أكمه وهو األعمى، من كمه إذا عمي )١٧(

- ٤٩ -

رشده اهللا لالستعانة بغيره مـن بنـي ا فأ نسان ضعيف اإل قلخحتاجين نا م قلخ ...جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا وجنسه

. نا ربنا للتعاون والتناصرللعون، مضطرين للصبر، وهدا هذا مما يحكم به العقل في المصالح الخاصـة، فكيـف

ليـه بزمـام وألقـى إ ه اهللا رعاية أمـة، لو كان شخص وال فيـه والواضـع رادته، وهو الـوازع مصالحه التامة تحت إ

المشـورة إلى والرافع، ال ريب أن مثل هذا الشخص أحوج ـ إلى اواالستفادة من آراء العقالء، وهو أشد افتقار ذلك ممن

يكون سعيه لمتعلقات ذاته، وتكـون سـعة دائـرة افتقـاره وقد أمر اهللا نبيه وهو .. التشاور على مقدار سعة سلطانه إلى

ا وإ المعصوم من الخطأ تعليما فقال رشاد فـي مهشـاورووأمـرهم شـورى وقال فيما امتدح به المـؤمنين األمرمنهيب ـ غ عـن هـذا الصـراط المسـتقيم، أي بصر يزي

ــدي ــيرة ال تهت ــى أي بص ــويم إل ــنهج الق ــذا الم : ه مهاءأت آبي ا لمم مهاءج ل أموا القوربدي أفلمليناألو

ن وازع البالد والقائم على الحكـم لـو ألمـح لمحـة إطمـاع ضـة أل لرأى أن بالده في كل وقت معـر نفسه إلى

الطامعين، وأن الحرص المودع في طباع البشـر، يحـرك

- ٥٠ -

للسطو على بالده ليذلوا قومـه، ويسـتعبدوا جيرانه كل آن منحوها أبناء هم، وي أهله، ويستأثروا بمنافع أرضهم وثمار كد

عمالـه، يشركه فـي أمـره مـن نفعليه وعلى م .. جلدتهمياالته، وقواد جيشه، وعلـى كـل والحكام النائبين عنه في إ

أرباب الرأي، ومبهم قوام الدولة، أن يستعدوا لدفع طوارئ ن فرطـوا فلـو .. العدوان، ورفع نوازل الغـارات األجنبيـة

فيما يكف عـنهم سـيل أو تساهلوا عداد لوازم الدفاع، في إ شـوكتهم أو تهاونوا فيما يشـد قـوتهم، ويقـوي طماع، األبالدهـم ضوا فقد عر – بأي وجه كان، ومن أي نوع كان – . خطارالك، وألقوا بأنفسهم في مهاوي األلله

دراك هذا مما يفهمه األبله والحكـيم، ويصـل اليـه إ تعـالى بهام في قوله اهل والعليم، وهو سر اإلفصاح واإل الج ةن قوتم متطعا اسم موا لهأعدو .. عـداد القـوة أمر بإ

علـى حسـب .. الطاقـة وحكـم االسـتطاعة إلى ووكلهاـ ما يقتضية الزمان، وما تكون عليـه حالـة متخشـى ن

هـذا أمـر اهللا ينبـه الغافـل، ويـذكر الـذاهل .. غوائلهم كم ال يؤالء القوا لهديثافمح ونفقهي وناد.

- ٥١ -

ــع األ ــه، ووض ــق حق ــل ذي ح ــاء ك ــياء إعط ش في مواضعها، وتفويض مهام الحكم للقادرين علـى أدائهـا،

د بنـاء مما يوجب صيانه الوطن، وقـوة السـلطان، ويشـيظام مـن الخلـل، السلطة، ويحكم دعائم السطوة، ويحفظ الن

م به بداهة العقل هذا مما تحك .. مة من العلل ويشفي نفوس األ رض، وثبت لحكمة التي قامت بها السموات واأل وهو عنوان ا

بها نظام كل موجود، وهو العدل المأمور بـه علـى لسـان إن اهللا يـأمر بالعـدل واإلحسـان الشرع في قوله تعالى

كما أن الجور عن االعتدال والميل عـن سـبيل االسـتقامة العالم يوجب فناءه واضمحالله، كذلك في كل جزء من أجزاء لهـذا حثـت .. بشرية يسبب دمارهـا الجور في الجمعيات ال

لهية على العدل، وكثر النهي في الكتاب المجيـد األوامر اإل . عن الظلم والجور

والحاكم أول من ا وامر والنواهي في هـذ ه إليه األ توجلـى عبـاده اهللا بهـا ع متنالعدل هو الحكمة التي ا .. الباب

ومن يؤت الحكمة فقـد أوتـي : وقرنها بالخير الكثير فقال ؛ مظاهر صفاته العليـة هي مظهر من أجل .. خيرا كثيرا

. وهو اللطيف الخبير،فهو الحكم العدل

- ٥٢ -

ماألمم، وكان بصير سار في االرض، وتتبع تواريخ ن ال انقلب عـرش مجـد، نه ما ينهدم بناء ملك، و القلب، علم أ

به، وتخلل العنصر قثو ال ي نلشقاق واختالف، أو ثقة بم ال إي الرأي، واستنكاف عـن المشـورة، جنبي، أو استبداد ف األ

والدفاع عن الحـوزة، أو تفـويض عداد القوة، وإهمال في إ شـياء فـي غيـر أداءها، ووضع األ ال يحسن نعمال لم األختالف فـي الـنظم، لحكم ، وا فيكون جور في ا .. واضعهام

فيحصل غضبه بالخـاطئين، ؛وفي كل ذلك حيد عن سنن اهللا .وهو أحكم الحاكمين

مـت رنا آيات القرآن، واعتبرنا بالحوادث التي أل لو تدب بالبالد االسالمية، لعلمنا أن فينا محاد عن أوامر اهللا وضل ن

عن هديه، ومنا مذي ضـربه قيم ال مال عن الصراط المست ننفس وخطوات اتبع أهواء األ نوبيننا م .. ليهاهللا لنا وأرشدنا إ

ذلك بأن اهللا لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قـوم الشيطان ليمع ميعاهللا س أنو ا بأنفسهموا مرغيتى يح على العلماء ف

مة، وقواد الملة المحمدية، أن يهتموا الراسخين وهم روح األ يقـاظ النائمـة قلـوبهم تنبيه الغافلين عمـا أوجـب اهللا، وإ ب

ا فرض الدين، ويعلموا الجاهل ويزعجوا نفـس الـذاهل، عم

- ٥٣ -

ويذكروا الجميع بما أنعم اهللا بـه علـى آبـائهم، وينبهـون اهللا لهم لو استقاموا، ويحـذروهم سـوء العاقبـة ما أعد إلى ما كان عليه النبـي إلى لم يتداركوا أمرهم بالرجوع لو

وأصحابه، ورفض كل بدعة، والخروج عن كل عادة سـيئة، ـ وا علـيهم ال تنطبق على نصوص الكتاب العزيـز، ويقص

ا نزل بها من قضـاء اهللا عنـدما مم الماضية، وم أحوال األ فـي فأذاقهم اهللا الخزي عن شرائعه ونبذت أوامره دتاح

ونلمعكانوا ي لو رة أكباآلخر ذابلعا ونياة الديالح . على العلماء أن يزيلوا اليأس بتذكير وعـد اهللا ووعـده

وعد اهللا الذين آمنوا منكم وعملـوا : الحق في قوله تعالى في األر متخلفنهسات ليالحمـن الص تخلف الذينا اسض كم

قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم مـن .بعد خوفهم أمنا

هذه وظيفة العلماء الراسخين، ومـا هـم بقليـل بـين وكل ض اهللا إليهم، و وال نظنهم يتهاونون فيما فو .. المسلمين

إلى ذمتهم، وهم أمناء الدين وحملة الشرع، ورافعـوا لـواء اإلسالم، وأوصياء اهللا على المؤمنين، أعانهم اهللا على خيـر

. أعمالهم، ونفع المؤمنين بإرشادهم

- ٥٤ -

الفضائل مناط الوحدةالفضائل مناط الوحدةؤمنينالم ى تنفعالذكر فإن ذكرو

"قرآن كريم" ليـه، فروض عليـه أن يسـعى إ ن كمال م لإلنسا: قالوا

ع عنه، وقالوا كماله نه عرضة لنقص يجب عليه الترف وقالوا إ ث برذيلة يمكن من الفضائل، ونقصه في التلو في استيفاء ما فما هي الفضائل وما هي الرذائل؟ .. من الرذائل

فيق بين لنفس من مقتضاها التأليف والتو الفضائل سجايا ل ان فالسـخي .. كالسخاء والعفة والحياء ونحوها المتصفين بها،

ال يتشــاحنان وال يتنازعــان فــي التعامــل، فــإن ؛ة كل منهما البذل في الحق، والمنع إذا اقتضاه الحق جيمن س

يوجد موضوع للنزاع عنـد ه فيقف عنده، فال فكل يعرف حداء ال يتزاحمون على مشتهى عفواأل.. ماليةعمال ال معاطاة األ

التجافي عن الشـهوة، مشتهيات، فإن من خلق كل منهم من ال وهكذا إذا اسـتقريت جميـع .. يثار بالرغائب اإلوفي طبيعته

فاضلة تجـد أن لـوازم ه علماء التهذيب من الصفات ال ما عد صفين بها في متعلق األثـر كل فضيلة منها التأليف بين المت

- ٥٥ -

و غلبـت جتمعت الفضـائل أ عن تلك الفضيلة، فإذا ا الناشئاالتحاد وااللتئام فـي جميـع إلى في شخصين مالت نفساهما ها، ودامت الوحدة بينهمـا بمقـدار األعمال والمقاصد أو جل

مر في األشخاص الفضيلة، وعلى هذا النحو يكون األ رسوخ . الكثيرة

،فالفضائل هي مناط الوحدة بـين الهيئـة االجتماعيـة ،اآلخـر إلـى ل منهمـا وعروة االتحاد بين اآلحاد، تميل بك

ور من الناس كواحد مـنهم، يشاكله حتى يكون الجمه نمإلى .. رادة واحدة، ويطلب في حركتـه غايـة واحـدة يتحرك بإ

مجموع الفضائل هو العدل في جميع األعمال ، فـإذا شـمل ه من آحادهـا عنـد حـد طائفة من نوع اإلنسان وقف بكل

لآلخر فيه يكون التكـافؤ ا حق في عمله ال يتجاوزه بما يمس د خاص بـه، لكل شخص من أفراد اإلنسان وجو .. والتوازر

لهية من القوى ما به يحفظ وجـوده، وأودعت فيه العناية اإل فـراد ء النوع، وهو في هذا يساوي سائر أ وما به التناسل لبقا

ا لكن قضت حكمة اهللا أن يكون اإلنسـان ممتـاز .. الحيوانكون آخر، ووجود أرقى وأعلى، وانية ب عن بقية األنواع الحي

حتى يتألف من أفـراده الكثيـرة بنيـة ؛وهو كون االجتماع

- ٥٦ -

ها اسم واحد، واألفراد فيهـا كأعضـاء تختلـف واحدة يعم نما كل يؤدي عمله لبقـاء البنيـة في الوظائف واألشكال، وإ

الجامعة وتقويتها وتوفير حظها من الوجود ليعود إليه نصيب ا وبنيتنـا ن كما أودع اهللا في أعضاء أبـدان ،كليمن عملها ال . الشخصية

،والفضائل في المجتمع اإلنساني كقوة الحياة المستكملة ره على أداء عمله مع الوقوف عند حـد في كل عضو ما يقد

صـها كاليد بها البطش والتناول وليس مـن خصائ ؛وظيفتهـ اإلبصار، والعين بها اإلبصار وتميـز األ كال، لـوان واألش

والكـل حـي بحيـاة واحـدة، .. وليس من وظائفها البطش ن شئت قلت الفضائل في عالم اإلنسان كالجاذبيـة العامـة وإ

في العالم الكبير، فكما أن الجذبة العامة يحفـظ بهـا نظـام الكواكب والسيارات، وبالتوازن في الجاذبية ثبت كل كوكب

نـتظم وات النسبة بينه وبـين الكوكـب ظففي مركزه، وح م، حتى تمـت بها سيره في مداره الخاص بتقدير العزيز العلي

كذلك شـأن الفضـائل .. كوان وبقائها حكمة اهللا في وجود األ بها يحفـظ اهللا الوجـود الشخصـي ؛في االجتماع اإلنساني

- ٥٧ -

أن يـأتي إلـى بت البقـاء النـوعي ثياألجل المحدود و إلى . أمر اهللا

رافع، والحارس والوازع، أي أمة يكون الواضع فيها وال والجالب والدافع، وجميع مدير أمورها، ويسوسـها فـي ي ن

، (١٨)نما هم أفراد منها من هاماتها أو من لهازمهـا شئونها، إ ويكون كل واحد منها قائم ا ا بحق الكل، وال يختـار مقصـد

ن غايـة ة تميل به ع غاي إلى عكس مقصد الكل، وال يسعى بمـة حتـى يكـون الجميـع تعلق باأل ي الكل، وال يهمل عمال

ـ الـزالزل، ه كالبنيان المتين ال تزعزعه العواصف وال تدكمة قوة، تحفظ بها موقعها، وتـدفع وبقوة كل منهم يجتمع لأل ترد غارة المغيرين عليهـا، فهـي بها عن شرفها ومجدها، و

فضـائل، واسـتعلت فيهـا مكـارم مة التي سادت فيها ال األ . خالقاأل

لف، شـأنها ال يتخـالف أفرادهـا إال للتـآ ن أمة هذا إال لالتحاد، فمثلهم في اختالف أعمالهم كمثـل وال يتغايرون إ

المتدابرين على محيط دائرة، يتفارقان في مبدأ السير ليتالقيا

. طرافاألعلياء واألوساط، بل سائر األ )١٨(

- ٥٨ -

ومثالها في تغاير مأخـذهم لجلـب .. على نقطة من المحيط كل آخـذ ) حبل واحد (منافعهم كجاذبي طرفي خيطة واحدة

بعـاد مع تعادل القوتين، ففي جذب أحدهما لصاحبه إ بطرف.. لنفسه عنه من وجه، وحفظ لمكان قربه منه من وجه آخـر

فال يفترقان وال يتباينان، وال تفنى منفعة أحدهما في منفعـة مة بما منحـوه ا أن مسالك األفراد من مثل هذه األ أم.. اآلخر

األمـة من االرتباط بينهم كأنصاف دائـرة مركزهـا حيـاة ال واحد منهم عن محـيط الجنسـية، وعظمتها، وال يخرج و

البحر نهم في جلب منافعها واستكمال فوائدها كالجداول تمد وإ . لتستمد منه

يرى كل واحد منهم أن ما تبتهج به النفـوس البشـرية وتمتاز بالميل إليه عن سائر الحيوانات من رفعـة المكانـة

مـة ة، إنما يمكن إذا توفر لأل الكلم والغلب وبسط الجاه ونفاذ بـالغ كـل واحـد ؛ فيسعى جهـده إل حظها من هذه المزايا

.. له استعداده ليأخذ بسهم مما ينالـه مة أقصى ما يؤه من األ فال يهمل وال يخون في الدفاع عن فرد من أفرادها، فضـال

نـه أبطـل آلـة ؛ أل ال فقد خان نفسه إو.. عن هيئتها العامة وال يحتقـر .. ا من أسباب غايتـه سببمن آالت عمله، وقطع

- ٥٩ -

ا من اآلحاد، وال يزدري بعملـه، ويحسـب الشـخص واحد ا بمنزلة مسمار صغير فـي آلـة ن كان صغير من األمة وإ

.لت اآللة بسقوطهكبيرة لو سقط منها تعط عليك أن تنظر في حقائق الصـفات الفاضـلة لـتحكم

ـ : نـاه بما ينشأ عنها من األثر الـذي بي ، ل، والتـروي التعقوهام، والعفة، والسخاء، والقناعة، وانطالق الفكر من قيود األ

، والصـبر، والدماثة، والوقار، والتواضع، وعظـم الهمـة والسماحة، والصـدق، يثار، والنجدة، والحلم، والشجاعة، واإل

مانة، وسالمة الصدر من الحقد والحسد، والعفو، والوفاء، واأل . مية، وحب العدالة والشفقةوالرفق، والمروءة والح

مـم ت هذه الصفات الجليلة أمة مـن األ ال ترى لو عم أفرادها ال يكون بينها سوى االتحـاد وااللتئـام أو غلبت في أ

التام؟ هل يوجد مثار للخالف والتنافر بـين عـاقلين حـرين صادقين وفيين كريمين شجاعين رفيقين صـابرين حليمـين

رحيمين؟ أما واهللا لو نفخت نسمة متواضعين وقورين عفيفين ـ ا من أرواح هذه الفضائل علـى أرض قـوم وكانـت موات

حمة مطرتها من غيث الر ا أل نبتتها، أو جدب ا أل حيتها، أو قفر أل

- ٦٠ -

ا قامت لها مـن الوحـدة سـياج ما يسبغ نعمة اهللا عليها، وأل خال يقر وحرز ، ا منيع ا ال يتهمم بأن تبلـغ ، وإن أولى األ ك

بعثت إنما": الكمال في هذه السجايا الشريفة أمة قال نبيهم مم تصون أجسـامها الفضيلة حياة األ .. "تمم مكارم االخالق أل

عن تداخل العناصر الغريبة، وتحفظها من االنحالل المؤدي وما كان ربك ليهلـك القـرى بظلـم وأهلهـا الزوال إلى

ونلحصم . ***

نفـس، لرذائل فهي كيفيـات خبيثـة تعـرض لأل ا ا وأم من طبيعتها التحليل والتفريق بين النفوس المتكيفة بها كالقحة

عراض بما ال تقتضـيه التطاول على األ " والبذاء "قلة الحياء " والسـفه، والبلـه، والطـيش، "دب من الكـالم الحشمة واأل

والحسـد، ر، والجبن، والدناءة، والجـزع، والحقـد، والتهو والكبرياء، والعجب، واللجاج، والسخرية، والغدر، والخيانة،

ث لـو فأي صفة مـن هـذه الصـفات ت .. والكذب، والنفاق ألقت بينهما العداوة والبغضاء، وذهبت بهما مذاهب بها نفسان لوفاق، فإن طبيعـة كـل حيث ال يبقى أمل في ا إلى الخالف

،التعدي علـى الحقـوق ا مجاوزة الحدود في مواحدة منها إ

- ٦١ -

ال يمكن معـه للشـخص أداء الواجـب ما إلى ا السقوط وأم عليه لمن يشـاركه فـي الجنسـية، أو الـدين، أو القبيلـة،

نسـان واإل.. بأي نوع من أنـواع التعامـل أو العشيرة، أو مجبول بالطبع على النفرة مميتعدى على حقوقه أو يمنعـه ن

حين بذيئين سـفيهين جبـانين ن شئت فتخيل وق ا منها، وإ حق شـرهين حاقـدين حاسـدين "كل يمنع اآلخر حقـه "بخيلين

لجـوجين خـائنين "ال فعل نفسه إكل ال يستحسن "متكبرين ا غادرين كاذبين منافقين، هل يمكـن أن يجمعهمـا مقصـد

أو توحل وصف على بينهما غاية، أليس ك د ا حدتـه قاضـي كل من صاحبه؟بانتباذ

إذا فشت في أمة نقضت بناءهـا، ونثـرت هذه الرذائل واستدعت بعد ذلك طبيعة .. مذر (١٩)أعضاءها، وبددتها شذر

مـة قـوة أجنبيـة ود االجتماعي أن تسطو على هذه األ الوج عنها لتأخذها بالقهر، وتصرفها في أعمال الحيـاة بالقسـر، فإن حاجاتهم في المعيشة طالبة لالجتمـاع وهـو ال يمكـن

لميم، وكسـرهما أي ذهبـوا كـل تفرقوا شذر مذر بفتح الشين وا )١٩(

. فرقهقه بالخرز، ومذر الشيء من شذر النظم فصله وفر،مذهب

- ٦٢ -

فالبد من قوة خارجـة تحفـظ صـورة ف؛مع هذه األوصا . حد الضرورة إلى االجتماع

هذه صفات إذا رسخت في نفوس قوم صار بأسهم بينهم ا وقلوبهم شتى شديدا، تحسبهم جميع .. بعضـهم ة تراهم أعز

ـ على بعض، أذلة لأل يادة جنبي عنهم، يدعون أعـداءهم للس للغـالبين يمهدون السـبل .. ليهمعليهم، ويفتخرون باالنتماء إ

اية بهم، ويمكنون مخالب المغتالين مـن أحشـائهم، نكالإلى ا، وكل جليـل مـنهم ويرون كل حسن من أبناء جنسهم قبيح

احقير .. وه إذا نطق أجنبي بما يدور على ألسنة صبيانهم عـد أحـدهم بحـر من جوامع الكلم ونفائس الحكم، وإذا غـاص

دقـائق لهـم ر الحقـائق وكشـف الوجود واستخرج لهم در لسـان حـالهم أو وه من سقط المتاع، وقـالوا ب سرار عد األ

مكان أن يكون منا عارف، ومن المحـال ليس في اإل : مقالهم . أن يوجد بيننا خبير

ويغلب عليهم حب الفخفخة والفخر الكاذب، ويتنافسـون تها، يرتابون في نصح الناصـحين، في سفاسف األمور ودنيا

يسـخرون .. لبـراهين ا ن قامت علـى صـدقهم أقطـع وإن كانوا فـي طلـب خيـرهم مـن أخلـص بالواعظين، وإ

- ٦٣ -

المخلصين، يبذلون جهدهم لخيبة معالء شـأنهم، يسعى إل نيقيمون في طريقـه .. وجمع كلمتهم، ويقعدون له بكل سبيل

العقبات، ويهيئون له أسباب العثار، تراهم بتضارب أخالقهم لـذي ال تنـتظم وتعاكس أطوارهم كالبدن المصاب بالفالج ا

وال يمكن تحريك عضو منه علـى وجـه عضائه حركة، أل ؛ فشغلت أعمالهم عن حد الضـبط، مخصوص لمقصد معلوم

خـالق فساد طبـاعهم بهـذه األ .. اعد الربط وتخرج عن قو ا للضر، يصير الواحـد مـنهم كالكلـب ا ومبعث يجعلهم منبع

بتلىبل كالم .. جنبيب، أول ما يبدأ بعض صاحبه قبل األ لالك بطبيبـه ول ما يفتك بمربيه ومهذبه ثم يثني بجنون مطبق، أ

ومكالـة ه، تكون اآلحاد مـنهم كـاألمراض اآل يعالج داء ن من نحو الجذام واآلكلة، يمز ا وجذاذات بعـد قون االمة قطع

أولئك قوم يسـامون .. ما يشوهون وجهها ويوشوشون هيئتها لـة علـى سـائر في مراعي الدنايا والخسائس لتغلـب النذا

جانب لى أبناء جلدتهم، ويذلون لقزم األ فينتفخون ع ؛أوصافهم . عن عليتهمفضال

نون الذلة في نفوسهم، ومن دونهم، ويطيعونها وبهذا يمك إلـى لداء من طبقـة ى الخضوع للغرباء، بل األعداء األ عل

- ٦٤ -

طبقة حتى تضمحل االمة وتنسخ هيئتها وتفنى في أمة أو ملة وكـذلك أخـذ هللا في تبدل الدول وفناء االمم، أخرى، سنة ا

شديد أليم أخذه ة إنظالم هيى وإذا أخذ القر كبر نـا أعاذــا ــا وملتن ــرس أمتن ــة، وح ــذه العاقب ــن ه اهللا م

. هذه النهاية إلى من المصير ***

صحموت الفضائل، ما به تقتنى إلى بقيت لنا لمحة نظر الجمعيات البشرية باالتحـاد، النفوس من الرذائل، حتى تسعد

"كل مولود يولد على الفطـرة " به أكوانها من الفساد وتصون هـل ينـال ن بأي لون، ف مادة مستعدة لقبول كل شكل والتلو يكون لهم حظ منها، أنى.. كمال الفضيلة من آبائه وأسالفه؟

!نشأ وليدهموقد كانوا ناشئين على مثل ما أن االعتدال في أصول األخالق، إلى يرشدنا رائد الحق

الت البدنيـة والتحلي بحلية الفضائل، وترويض القـوى واآل ولن يتم أثر الدين في .. نما يكون بالدين على العمل بآثارها، إ

يتمتعوا ا مما يرشد إليه ف را واف نفوس اآلخذين به فيصيبوا حظ ال إذا قام رؤساء الدين وحملتـه بحياة طيبة وعيشة مرضية إ

ن أوامره ونواهيه، وتثبيتها في وحفظته بأداء وظائفهم من تبي

- ٦٥ -

العمل بها، وتنبيه الغـافلين عـن إلى العقول، ودعوة الناس . رعايتها، وتذكير الساعين عن هديها

ا إذا أهمل خدمة الدين وظائفهم، أو تهاونوا في تأدية أم النفـوس، وذهلـت العقـول ضعف اليقـين فـي ؛أعمالهم

عن مقتضيات العقائد الدينية، وأظلمـت البصـائر بالغفلـة، وتحكمت الشهوات البهيمية، وتسلطت الحاجـات المعاشـية،

نفس أوفـاد األ إلى فحشدت ؛ومال ميزان االختيار مع الهوى بهم من الشقاء على الناس كلمة العذاب، ويحل الرذائل، فيحق

. اما أشرنا إليه سابقهذه علل الخراب في كل أمة، لقد ظهر أثرها في أمم ال

ولـم يـزل .. اآلن إلى نسانا من بداية كون اإل ى عدد صحت بقايا بعضها يشهد على ما فتكت بـه الرذائـل فـيهم، بعـد

مـن سـكنة ) منك(روا كما في طائفة الدهيرو لوا وغي دما ب "باريـا "ائفـة بيـين بط طار الهندية المعروفين عند األور االق مـن ة الذيناقبع ف كانوا كيض فانظروا في األرقل سيرالسعادة في الدنيا كما يسـوق إلى فالدين هو السائق ... قبل . ليها في اآلخرةإ

- ٦٦ -

ب قلب الدهر على بعض طوائـف مـن المسـلمين تقللقاها ، وأ همرض، وسلبهم تيجان عز في أقطار مختلفة من األ واليوم ينـازع طوائـف أخـرى .. على هامات قوم آخرين .. فكشف هذا عن نوع من الضـعف ؛وال تخاله يتغلب عليهم

همال في اتبـاع أوامـر من اإل ا إال عن شيء وال يكون ناشئ إن اهللا : الشرع اإلسالمي ونواهيه بحكم قول اهللا في كتابـه

تى يم حا بقوم رغيال ي ا بأنفسهموا مرغي ،وقد يكون ذلـك وربما ال ينكر اآلن أن كثيرا من عامة المسلمين وإن صحت

ال أنهـم ال ينهجـون دهم من حيث ما تعلق به االعتقاد إ عقائ اء، وهذا مما يحـدث في بعض أعمالهم منهاج الشريعة الغر

مة بقـدر الميـل عـن جـادة االعتـدال ا في قوة األ ضعفوما أصابكم من مصيبة فبما كسبت عمال الفضائل واأل في

ديكمأي .ال أن المسلمين لم يزالوا على أصـول الفضـائل إـ ا ذعـان بمـا جـاء اإل نلموروثة عن أسالفهم، ولهم حس

م وكتاب اهللا متلو على ألسـنتهم، وسـنة نبـيه ،به شرعهم لفاء الراشـدين والسـلف الخ يتناقلونها رواية ودراية، وسير

الصالح مرسومة على صفحات نفوس الخاصة منهم، فلـيس

- ٦٧ -

ب وما تسب ،ما طرأ على بعضهم من الغفلة عن متابعة الشرع . ال يدوما ال يبقى وحاالال عرضعنه من الضعف في القوة إ

مـا أودعتـه آيـات القـرآن إلى انظر نظرة إنصاف حـرص المسـلمين من غرر الفضائل وكرائم الشيم، وإلى

وتبجيله، تجد مـن نفسـك حكمـا باتـا حترام كتابهم على ا داء وظـائفهم اء الديانة اإلسـالمية لـو نشـطوا أل بأن علم

المفروضة عليهم بحكم وراثتهم لصاحب الشرع، والمحتومة الذين يعقلونـه، وهـم هـم إلى هعلى ذمتهم بأمر اهللا الموج

الخيـر إلـى م أمـة يـدعون ولتكن مـنك : في قوله الحق ـمه أولئـكنكـر وـن المع نونهيوف ورعبالم ونرأميو

ونفلحالم المفهوم من قوله اإللهي وبالحض : ال نفـرفلوروا قومهم من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذ

ونذرحي ملهلع هموا إليعجإذا ر . ولو قالوا يعظون العامة بما ينطق به القرآن، يذكرونهم

خلفاؤه النـاهجون علـى و بما كان عليه صاحب الشرع مال المبرورة، لرأيـت أن خالق المحمودة واألع سنته من األ

عـادة ضـافرة علـى إ ة ناشطة من عقالها، مت مة اإلسالمي األمجدها وصيانة واليتها العامة من الضعف، وبيضة دينها من

- ٦٨ -

ال صـيحة كل ذلك في أقرب وقت، ولن تكـون إ . .الصدع . واحدة فإذا هم قيام ينظرون

وال ريب أن الراسخين في العلـم مـن أهـل الـدين زمان به المسلمون في هذه األ يبصاإلسالمي يعلمون أن ما أ

على بعـض مـا هو مما امتحنهم اهللا به جزاء األخيرة، إنما فالرجـاء فـي همهـم .. فرطوا، وليس للناس على اهللا حجة

رتق الفتـق إلى وغيرتهم وحميتهم الدينية أن يوجهوا العناية بناء الملة روا أ ؛ فيذك قبل اتساعه، ومداوة العلة قبل استحكامها

ما أمر اهللا لفة ك ويحكموا بينهم روابط األخوة واأل بأحكام اهللا، لمحو اليأس والقنوط به وعلى لسان نبيه، ويبذلوا الجدة في كتا

قنعوهم أنه ال ييأس من لطف الذي ملك أفئدة البعض منهم، وي ال الذين في قلوبهم مرض وفي عقائدهم زيغ، ويسـيروا اهللا إ

بهم في سبيل يجمع كلمتهم، ويوحوجهتهم، ويقـوي فـيهم د نفـة، الذل، ويحرك فـيهم روح األ نفرة من باءة الضيم، وال إ

حتى ال تسمح نفس أحدهم أن يأتي الدنية في دينه، ويكشـفوا وكان حقا علينـا : لهم حقيقة وعد اهللا ووعده الحق في قوله

ؤمنينالم رنص.

- ٦٩ -

صالحصالحالدين وسيلة اإلالدين وسيلة اإل لن تجدل وا من قبخلو نة اهللا في الذينـنة اهللا سلس "قرآن كريم" تبديال

ا، ثم انشق عنها ا مذكور مم لم تكن شيئ أرأيت أمة من األ احد منها كون بديع النظـام عماء العدم فإذا هي بحمية كل و

ركان شديد البنيان، عليها سياج مـن شـدة البـأس، قوي األ ويحيطها سور من منعة الهمم، تخمد في ساحاتها عاصـفات

ــ ــاكل الن ــد المش ــديريها عق ــدي م ــل بأي .. وازل، وتنحد ما ثبتت أصولها، ورسخت جذورها نمت فيها أفنان العزة بع

فاسـتعلت ؛ليها السلطان على البعيد عنها والداني إ متد لها واداب، وسادت أخالقها وعاداتها على ما كـان آدابها على اآل

من ذلك لسابقيها ومعاصريها، وأحسـت مشـاعر سـواها ال فـي انتهـاج منهجهـا وورود سـعادة إ مم بأن ال من األ وصارت وهي قليلة العدد كثيرة السـاحات كأنهـا ،شريعتها

ر وهو لها بدن عاملللعالم روح مدب . ر منظومها، وتفرقت وهى بناؤها، وانتث –وبعد هذا كله

ا، وانحل د ما كان مجتمع هواء، وانشقت العصى، وتبد فيها األ

- ٧٠ -

وانفصمت عرى التعاون، وانقطعت روابـط ا، ما كان منعقدالتعاضد، وانصرفت عزائم أفرادها عما يحفظ وجودها، ودار كل في محيط شخصه المحدود بنهايات بدنه، ال يلمـح فـي مناظره بارقة من حقوقها الكلية والجزئية وهو في غيبة عن

على أيدي الملتحمين معـه ال إ يات حاجاته ال تنال أن ضرور شد عضدهم من تقوية سـاعده، إلى مة، وإنه أحوج بلحمة األ

وإلى توفير خيرهم من تنمية رزقه، وكأنه بهذه الغيبـة فـي ا، وذبـول يظنـه المغـرور سبات يخاله الناظر إليه صحو

وأخذ القنوط بآمال أولئك المدهوشين فأبادها، وحدثت .. ازهو . والرضا بكل حال(٢٠)فيهم قناعة البهم

للحق في خيال أحدهم، أو استفزه داع ه خاطر ولئن تنب ه ا، عـد ا أو يعيد إليها مجـد ملته شرف بسكما ي إلى من قلبه ا أصيب به من ضعف فـي المـزاج أو خلـل ا وهذيان هوس

في البنية، أو حسب أنه لـو أجـاب داعـي الذمـة لعـاد عليه بالوبال وأورده موارد الهلكة، أو لصـار مـن أقـرب

والبهيمة ، بهمة ، واحده البهم بفتح الباء اسم جنس لولد البقر والمعز )٢٠(

. كل ذوات أربع

- ٧١ -

نعمته ونكد معيشته، ووضع لنفسه سالسـل سباب لزوال األعن العمـل وتقـف يداه لغ فت ؛ من اليأس من الجبن وأغالال

حس بعد ذلك بغاية العجـز عـن كـل قدماه عن السعي؛ وأ فيه خيره وصالحه، وقصر نظره عـن إدراك مـا أتـى مادت قريحته عن فهم ما قام بـه أولئـك سالفه من قبل وتجم أ

ـ ه خليفة على ما كسبوا، وقي اآلباء الذين تركو ا علـى مـا ما يشـرف مة حد ويبلغ هذا المرض من األ .. أورثوه ألعقابهم

بها على الهالك، ويطرحها على فراش الموت فريسة لكـل . لكل طاعمةمع وطعاد

مم لم تكن، ثم كانت وارتفعـت، نعم رأيت كثيرا من األ ـ ثم انحطت وقويت، ثم ضعفت وعز وصـحت تت، ثم ذل

.. بلى.. ثم مرضت، ولكن أليس لكل علة دواء؟ الـدواء، ومـا أقـل ا، ما أصعب الداء وما أعز أسفاو

لمة بعد افتراقها، العارفين بطرق العالج، كيف يمكن جمع الك سـتغفر اهللا أو.. عكف على شأنه ن كال وهي لم تفترق إال أل

أشـد نفصل عن أخيه، وهو لو كان له شأن يعكف عليه لما ا ولكنه انصرف لشئون غيره وهو يظنها .. به عضائه اتصاال أ

ما هو فطرة كـل إلى ربما التفت كل .. نعم. من شئون نفسه

- ٧٢ -

حي من مالحظة حفظ حياته بمادة غذائه، وهـو ال يـدري أمن عليهـا، لها، وال بأية طريقة يكون في من أي وجه يحص

ـ موتها، وما ماتت إ بعد ممهكيف تبعث ال ا سـكنت ال بعد م التائـه هل من السـهل رد .. معاليها؟ إلى ا غير قصير زمن الصراط المستقيم وهو يعتقد أن الفوز في سلوك سواه، إلى

ستدبر المقصد وفـي كـل خطـوة يظـن ا بعد ما ا خصوص كيف يمكن تنبيـه المسـتغرق .. وةأنه على مقربة من الحظ

مسـه في نومة المبتهج بأحالمه وفي أذنـه وقـر وفـي مال حاد المتفرقة من أمـة هل من صيحة تقرع قلوب اآل .. خدر؟

عظيمة تتباعد أنحاؤها وتتناءى أطرافها، وتتبـاين عاداتهـا ـ .. وطبائعها؟ د هل من وحدة تجمع أهواءها المتفرقـة وتوح

أن كـل ل للعقـول يراءها المتخالفة بعد ما تراكم جهل، وخ آ عسير يعيـي شيءأيم اهللا إنه ل .. قريب بعيد وكل سهل وعر

! ويحار فيه الحكيم البصيرالنطاسيفي عالجه الوقوف على أصل الداء ال بعد هل يمكن تعيين الدواء إ

ن كـان إ.. ولى والعوارض التي طـرأت عليـه وأسبابه األ عللـه وأسـبابه إلـى المرض في أمة فكيف يمكن الوصول

ال بعد معرفة عمرها وما اعتراها فيه من تنقـل األحـوال إ

- ٧٣ -

ا بعينه أن يختار أيمكن لطبيب يعالج شخص .. طواروتنوع األ ا من العالج قبل أن يعرف ما عرض لـه مـن قبـل له نوع

ال فـإن نة من حقيقة المـرض، وإ ليكون على بي ؛في حياته مـن أطـوار مراض تتولد جراثيمها في طور كثيرا من األ

ال في طور آخر لتغلـب قـوة الطبيعـة العمر ثم ال تظهر إ . على مادة المرض فال يبدو أثرها

نه ليصعب على الطبيب المـاهر تشـخيص علـة كال إ لشخص واحد سنو عمـره محـدودة، وعـوارض حياتـه

ة طويلة األجل وافـرة يريد مداواة مل نفكيف بم .. محصورةي أجيال وجود بعض رجـال يقومـون لهذا يندر ف .. العدد؟

ها ، كان المتشـبهون ليبإحياء أمة أو إرجاع شرفها ومجدها إ . بهم كثيرين

اض البدنية ال يزيـد مروكما أن الطبيب القاصر في األ ال شدة لوال مساعدة االتفـاق والمصـادفة، عالجه المرض إ

كذلك يكـون حـال .. الموت إلى بل ربما يفضي بالمريض مم على غيـر خبـرة تامـة ون بتعديل أخالق األ الذين يقوم

وجوه العلـة فيهـا وأنواعهـا، بشأنها، وموجب اعتاللها، و وما يكتنف ذلك من العـادات، ومـا يوجـد فـي أفرادهـا

- ٧٤ -

تتابعة على اخـتالف من المذاهب واالعتقادات، وحوادثها الم ولى من الرفعة، ودرجتهـا مواقعها من األرض، ومكانتها األ

بين المنزلتين، فإن أخطـاء جها فيما الحالية من الضعة وتدر ل الـدواء داء مما ذكرنا تحو تناه شيء طالب إصالحها في اك

والوجود فناء . بنشر جالعمم ت ظن قوم في هذه األزمان أن أمراض األ

فكـار وتقـويم مم وتنبيـه األ نهاض األ الجرائد، وأنها تكفل إ ـ نا لو فرضنا أن ك كيف يصدق هذا الظن؟ وإ .. خالقاأل اب ت

م مـع التنـزه م يقصدون بما يكتبون إال نجاح األ الجرائد ال فبعد ما عم الـذهول، واسـتولت الدهشـة .. غراضعن األ

ون والكاتبون، ال تجد لهـا قارئـا، على العقول، وقل القارئ ما تجد الفاهم، والفـاهم قـد يحمـل ولئن وجدت القارئ فقل

ر أو ميـل ما يجده على غير ما يراد منه لضيق في التصـو فيشـبه غـذاء ،تـأثير ال سوء ال مع الهوى، فال يكون منه إ

علـى أن الهمـة إذا .. اال يالئم الطبع فيزيد الضرر أضعاف كانت في درك الهبوط، فميستطيع تفهيمها فائدة الجرائـد ن

حتى تتجه منها الرغبات الستطالع ما فيها مع قصر المـدة .. ن هذا وحقك لعزيزإ.. ؟ق سيول الحوادثوتدف

- ٧٥ -

ة في أقطار واسعة من مة المنبث ويظن قوم آخرون أن األ مـا دون رتبتهـا إلـى خالدهاق أهوائها وإ رض مع تفر األ

ورضاها بالدون من العيش، والتمـاس .. بدرجات ال تحصر الشرف باالنتماء لمليس من جنسـها وال مـن مشـربها، ن

بل لمن مع هذا كلـه .. حكامهاا أل ا لسيادتها مذعن كان خاضعنشـاء المـدارس لقاتلـة بإ يتم شفاؤها من هذه األمـراض ا

العمومية دفعة واحدة في كل بقعـة مـن بقاعهـا، وتكـون المعـارف با حتى تعـم على الطراز الجديد المعروف بأور

ت المعارف كملـت ومتى عم .. فراد في زمن قريب جميع األ . خالق واتحدت الكلمة واجتمعت القوةاأل

يقـوم فإن هذا العمل العظيم إنمـا ؛وما أبعد ما يظنون ا حتـى مة على ما تكره أزمان به سلطان قوي قاهر يحمل األ

ا تذوق لذته وتجني ثمرته، ثم يكون ميلها الصادق من بعد نائبعن سلطته في تنفيذ ما أراد من خيرها، ويلزم له ثروة وافرة

وموضوع كالمنا – وهي كثيرة –تفي بنفقات تلك المدارس طة تقهـر وثـروة في الضعف ودوائه، فهل مع الضعف سل

. ت من الساقطيندا عممة هذان لولو كان لأل.. تغني

- ٧٦ -

ستمرار والثبات، وافقناهم ج مع اال لتدرفإن قالوا يمكن ا قوياء حتى ال يـدعوا على اإلمكان لوال ما يكون من طمع األ

ن يستنشقوا نسيم القوة، فأين الزمان لنجاح تلـك لهم سبيال أل الوسائل البطيئة األثر؟

نعلى أنا لو فرضنا مسالمة الدهر، ومت األمة مدة من ح تلك العلوم في بعض األفراد واالسـتزادة الزمان تكفي لبث

ج يفيدها فائدة ا، فهل يصح الحكم بأن هذا التدر ا فشيئ منها شيئ ن ما يصيبه البعض منها يهيئه للكمـال الالئـق جوهرية، وأ

ـ وا.. لباقي من أبناء أمته بإرشاد ا نه من القيام به ويمك ا، عجبن األمة في بعد عن معرفة تلـك العلـوم كيف يكون هذا وإ

واسـتوت ت بذورها، وكيف نبتت رذالغريبة عنها، وكيف ب ت، وبأي تربـة يق، وبأي ماء س على سوقها وأينعت وأثمرت

يت، وال خبرة لها بمـا يترتـب عليهـا مـن الثمـرات ذغ من القول ا ذلك فإنما يكون ظاهر ن وصل إليها طرف من وإ

ألنباء عن الحقيقة، فهل مع هذا يصيب الظن بـأن مفاجـأة أذهانهم المشـحونة بغيرهـا، إلى بعض األفراد بها، وسوقها

م من أفكارهم يقو، ويهديهم طرق الرشاد ،ل من أخالقهم ويعد . في إفادة إخوانهم

- ٧٧ -

هـذا لعل األقرب أن ناقلي تلك العلوم، وهم مـن أمـة ،شأنها مع ما ينعكس إلـيهم مـن األوهـام المألوفـة فيهـا

مونه من أمر وما يعظ ،وما رسخ في نفوسهم على عهد الصبا نون بين أمة كخلط غريب وا عنها علومهم، يكو األمة التي تلق

ال يزيد طبائعها إال فسادا ذا يكون من أولئك الناشئين في علوم لم تكن ينابيعهـا ما

يكـون .. ولو صدقوا فـي خدمـة أوطـانهم من صدورهم ون مـا تعلمـوه كمـا سـمعوه، منهم ما تعطيه حالهم، يؤد

ال يراعون فيه النسبة بينه وبين مشـارب األمـة وطباعهـا .. ه على غير وضـعه نوما مرنت عليه من عاداتها فيستعملو

ضره عن ماضـيه وغفلـتهم احن أصله ولهوهم ب ولبعدهم ع ما بلغهم هو الكمال لكل نفس والحياة ، يظنونه على عن آتيه

مـن الكبيـر الام إ ؛ فيرومون من الصغير ماال ير لكل روح ،مـوه صـور مـا تعل إلـى الوبالعكس، غير نـاظرين إ وال مفكرين في استعداد ميعرض علـيهم، وهـل يكـون ن

ا، له من طباعهم مكان يحمد أو يزيدها على ما بهـا أضـعاف . ليسوا أربابها وإنما هم لها نقلة وحملةال لكونهموما هذا إ

- ٧٨ -

وفقه اهللا منهم بعنايته اإللهية، نال م فهؤالء الصادقون، إ يكون مثلهم كمثل والدة حنون يلذ لها غذاء فتفيض منه على ولدها وهو رضيع ليساهمها في اللذة وسنه سن اللبان ال يقبل

كـون فت التلـف، إلى فيسرع إليه المرض وينتهي به ؛سواه الجمـع لة المحللة يشتتون بقيـة منزلتهم من األمة منزلة اآل ن كان الفساد أبقى للقـوم بعـض ويبددون أخريات االلتئام إ

بما يذهلهم عنها، وما الروابط، فهؤالء المغرورون يغشونهم ن، ويوسـعون بـذلك ن كـانوا مخلصـي قصدوا إال خيرا إ

ضفاف حتى ا، ويباعدون ما بين ال أبواب الخصاص حتى تعود تصير ميادين لتداخل األجانب فيهم تحـت اسـم النصـحاء

الفناء واالضمحالل إلى ويذهبون بأمتهم ،وعنوان المصلحين . وبئس المصير

شي ا مـن المـدارس د العثمانيون والمصـريون عـدد البالد الغربيـة إلى على النمط الجديد، وبعثوا بطوائف منهم

من العلوم والمعارف والفنون ليحملوا إليهم ما يحتاجون إليه ن للبالد وهو في الحقيقة تمد .. انونه تمد ب، وكل ما يسم ادواآل

. التي نشأ فيها على نظام الطبيعة وسير االجتماع اإلنسـاني نفسهم من ذلك أل مواهل انتفع المصريون والعثمانيون بما قد

- ٧٩ -

هل صاروا أحسـن .. وقد مضت عليهم أزمان غير قصيرة؟ هـل .. ك بهذا الحبل الجديـد؟ مما كانوا عليه قبل التمس حاال

هـل نجـوا .. استنقذوا أنفسهم من أنيـاب الفقـر والفاقـة؟ هـل .. بها من ورطات ما يلجئهم إليه األجانب بتصرفاتهم؟

هل نالوا بها من المنعـة .. وا الثغور؟ أحكموا الحصون وسد من البصـر هل بلغوا .. عداء عليهم؟ ما يدفع عنهم غارة األ

ف في األ بالعواقب والتصر ا يميل عزائم الطـامعين فكار حدت فيهم قلوب مازجتها روح الحياة الوطنية دجهل و .. عنهم؟

مصـلحة، وتطلبهـا كـل التي تؤثر مصلحة الـبالد علـى ن بادت في سبيلها، خلفها وإن تجاوزت محيط الحياة الدنيا، وإ

. من األمموارث على شاكلتها كما كان في كثير بينهم أفراد يتشـدقون بألفـاظ الحريـة دجنعم ربما و

الجنسية وما شاكلها، ويصوغونها فـي عبـارات ووالوطنية متقطعة بتراء ال تعرف غايتها وال تعلم بـدايتها، ووسـموا أنفسهم زعماء الحريـة أو بسـمة أخـرى علـى حسـب

واومنهم آخرون عمـد .. ما يختارون، ووقفوا عند هذا الحد العمل بما وصل إليهم من العلم، فقلبوا أوضاع المبـاني إلى

لوا هيئات المأكل والمالبس والفرش واآلنيـة والمساكن، وبد

- ٨٠ -

وسائر الماعون، وتنافسوا في تطبيقها على أجود ما يكـون وها من مفاخرهم، وعرضوها منها في الممالك األجنبية، وعد

غيـر بالدهـم، إلى فنسفوا بذلك ثروتهم .. معرض المباهات واعتاضوا عنها أعراض الزينة مما يروق منظره وال يـ ح دم

فأماتوا أرباب الصنائع من قومهم، وأهلكـوا العـاملين ؛أثرهفي المهن لعدم اقتدارهم أن يقوموا بكل مـا تسـتدعيه تلـك

الجديدة والكماليات الجديدة؛ ألن العلوم الجديدة من الحاجيات الطـراز الجديـد، وأيـديهم إلـى مصانعهم لـم تتحـول

لم تتعود على الصنع الجديد، وثروتهم ال تتـيح لهـم جلـب نـف األمـة، ة من البالد البعيدة، وهذا جدع أل اآلالت الجديد

ن تلك العلوم وما كان هذا إال أل .. بشأنها يشوه وجهها ويحط ضوقبل أوانهامساسها وفاجأتهت فيهم على غير أع ..

دين الحوادث بأن المقل ارب ونطقت مواضي متنا التج علنون فيهـا منافـذ غيرها، يكو ار من كل آمة، المنتحلين أطو

عداء إليهـا، وتكـون مـداركهم مهـابط وكوى لتطرق األ بل يكونون بما أفعمت أفئدتهم .. الوساوس ومخازن الدسائس

لم يكـن علـى مثـالهم ندوهم واحتقار م من تعظيم الذين قل ونهم ويحتقرون أمرهم ويستهينون ى أبناء أمتهم، يذل ا عل شئوم

- ٨١ -

في بعـض رجـال وإن بقي –ت وإن جل –بجميع أعمالهم نصـبوا معالي الهمـم، ا إلى األمة بقية من الشمم أو نزوع عليه وأرغموا من أنفه حتى يمى أثر الشهامة وتخمد حرارة ح

بين، دون طالئـع لجيـوش الغـال الغيرة، ويصير أولئك المقل بـواب ت، يمهدون لهم السـبيل ويفتحـون األ وأرباب الغارا

. ثم يثبتون أقدامهم وال يظنون أن قوة تغالب قواهم فغانية عـدد ا، لو كان في البالد األ أقول، وال أخشى لوم

ب علـى بعـض أراضـيها قليل من تلك الطالئع عندما تغل العلـم عنـد فإن نتيجـة .. االبدين ا بارحوها أبد منجليز ل اإل

ـ إلى ال توطيد المسالك، والركون هؤالء ليست إ ديهم قوة مقل فيبالغوا في تطمين النفوس وتسكين القلوب ؛واستقبال فنونهم

حتى يزيلوا الوحشة التي قد يصـون بهـا النـاس حقـوقهم ية ا أل جانب أرض ولهذا لو طرق األ ويحفظون بها استقاللهم،

يقبلون عليهم، ويعرضـون أمة، ترى هؤالء المتعلمين فيها أنفسهم لخدمتهم بعد االستبشار بقدومهم، ويكونـون بطانـة

ون الغلبة األجنبية ويعد ،كأنما هم منهم .. لهم ومواضع لثقتهم . في بالدهم مباركة عليهم وعلى أعقابهم

***

- ٨٢ -

ضـعيفة ،، والجرائد بعيدة الفائدة ة وما الوسيلة فما الحيل يهــا، والعلــوم الجديــدة ت الضــمائر فاألثــر لــو صــح

الوقت ضيق و ، رأينا ما رأينا من آثارها – لسوء استعمالها –ـ أي جهوري .. والخطب شديد دين من األصوات يوقظ الراق

أي قاصفة تزعج الطبـاع الجامـدة .. على حشايا الغفالت؟ أي نفخـة تبعـث هـذه األرواح .. ك األفكار الخامدة؟ وتحر ـ إلى جسادها وتحشرها في أ .. ف صـالحها وفالحهـا؟ مواق

لمناكب، المواصالت عسـرة ااألقطار فسيحة الجوانب بعيدة الرءوس مطرقة .. والجنوبي والشمالي بين الشرقي والغربي

مام والخلف األ إلى بصار جوالن ما تحت القدم، ليس لأل إلى صغاء، وال للنفوس رغبـات والشمال، وال لألسماع إ واليمين

. ساوس سلطان وال للو،مهواء تحكولألماذا .. والزمن قصير؟ ماذا يصنع المشفقون على األمة

نون ورسل بأي سبب يتمك .. خطار محدقة بهم؟ يحاولون واأل ـ .. المنايا على أبوابهم؟ ا، وال أذهـب ال أطيـل عليـك بحث

ولكنـي ألفـت نظـرك .. ن البيـان عبك في مجاالت بعيدة أرسـل ،لسبب يجمع األسباب ووسيلة تحـيط بالوسـائ إلى نشأة األمة التي خملت بعد النباهة، وضعفت بعـد إلى فكرك

- ٨٣ -

وتبـين .. ت بعد السيادة، وضيمت بعد المنعـة قرتالقوة، واسأسباب نهوضها األول حتى تتبين مواضع الخلـل وجـراثيم العلل، فقد يكون ما جمع كلمتها، وأنهض همم آحادها، ولحم

تشـرف مكانـة إلـى ما بـين أفرادهـا، وصـعد بهـا بدقيق – وهي في مقامها –منها على رءوس األمم وتسوسهم

يم األصول، محكم القواعد، شـامل نما هو دين قو حكمتها ، إ المحبة، مـزك إلى لفة، وداع ألنواع الحكم ، باعث على األ

وب من أ ر للقل للنفوس ، مطه ر للعقـول دران الخسائس، منو لكـل مـا يحتـاج شراق الحق من مطالع قضاياه، كافـل بإ

إليه اإلنسان من مباني االجتماعات البشرية، وحافظ وجودها، . جميع فروع المدنية إلى وينادي بمعتقديه

فإن كانت هذه شرعتها، ولها وردت، وعنها صدرت فما نما يكون من مكانتها، إ تراه من عارض خللها وهبوطها عن

نهـا ا، وحدوث بدع ليست م طرح تلك األصول ونبذها ظهريأقامها المعتقدون مقام األصول الثابتة، وأعرضوا .. في شيء

عما يرشد إليه الدين، وعما أتى ألجله، وما أعدتـه الحكمـة ؛أرق وعبارات ت ركذ منه إال أسماء ت حتى لم يبق .. اإللهية له

- ٨٤ -

ا بين األمة وبين الحق الـذي تشـعر فتكون هذه البدع حجاب . هاا بين جوانحبندائه أحيان

. قواعد دينهـا إلى إنما يكون برجوعها فعالجها الناجع إرشـاد العامـة ن فـي بدايتـه، و بأحكامه على ما كا خذوأ

هير القلوب وتهذيب األخـالق، وإيقـاد بمواعظه الوافية بتط .. ع األرواح لشـرف األمـة نيران الغيرة، وجمع الكلمة، وبي

أحقـاب ن جرثومة الدين متأصلة في النفوس بالوراثة من أل طويلة، والقلوب مطمئنة إليه، وفـي زواياهـا نـور خفـي

نفخة واحدة إلى ال فال يحتاج القائم بإحياء األمة إ ..من محبته قرب وقـت، فـإذا قـاموا نفثها في جميع االرواح أل يسري

لشئونهم ووضعوا أقدامهم على طريق نجاحهم وجعلوا أصول يبلغوا بسيرهم دينهم الحقة نصب أعينهم، فال يعجزهم بعد أن

. منتهى الكمال اإلنسانيصالح أمة شأنها ما ذكرنا، بوسيلة سـوى ومن طلب إ

ا، وجعل النهاية بدايـة، وانعكسـت طهذه، فقد ركب بها شط فينعكس عليـه القصـد، ؛وخالف فيها نظام الوجود .. التربية

. اال تعسا، وال يكسبها إال نحسوال يزيد األمة إ

- ٨٥ -

صـول الدينيـة رئ من قولي إن األ هل تعجب أيها القا مم قوة االتحـاد الحقة، المبرأة عن محدثات البدع، تنشئ لأل

ف على لذة الحياة، وتبعثهـا وتفضيل الشر ،وائتالف الشمل تناء الفضائل وتوسـيع دائـرة المعـارف، وتنتهـي على اق

ن عجبت فـإن عجبـي إ.. أقصى غاية في المدنية إلى بها . من عجبك أشدمة العربية، وما كانت عليـه قبـل تاريخ األ هل نسيت

.. تيان الدنايا والمنكـرات بعثة الدين من الهمجية والشتات وإ حتى إذا جاءها الدين، فوح اهـا، وهـذ دها، وقو ر بها، ونـو

عقولها، وقو فسادت على العـالم، ؛د أحكامها م أخالقها، وسد وساست معد أن كانت وب.. تولته بسياسة العدل واإلنصاف ن

هتهـا قتضياتها، نبئها في غفلة عن لوازم المدنية وم بناعقول أ ـ إلى شريعتها وآيات دينها ر طلب الفنون المتنوعـة والتبح

ارهم طب أبقـراط وجـالينوس وهندسـة دي إلى فيها، ونقلوا وما كانوا قبـل الـدين .. فالطون وأرسطو أ قليدس وحكمة إ

ت هذا اللواء إنما كانت وكل أمة سادت تح ، من هذا في شيء ك بأصول الدينقوتها ومدنيتها في التمس .

- ٨٦ -

- ٨٧ -

الزواجالزواج إلى إلى حاجة اإلنسانحاجة اإلنسانلم ض للفناء ا كان من لوازم حفظ النوع اإلنساني المعر

والزوال، والتناسل والتوالد، أودع الحـق سـبحانه وتعـالى االقتران، وتحملـه إلى ة شهوية، تدعوه في طبيعة اإلنسان قو

. على طلب االزدواج كسائر أنواع الحيواناتغير أن اإلنسان يمتاز عن سائر الحيوانات بقوة ذاكرة،

ا ن كـان لذيـذ بها ما شهده في الماضي، فيطلبه إ يستحضر لمجرد اللذة، وله حرص بالطبع على المدافعة عن استحصاال

–ن أن تمسه يد الغير، ويدفع عنه كل ما يروم جلبه لنفسه م ن هذا التمييز ثم إ . حاول مشاركته فيه ن كل م –ما استطاع

ن يطلب من االزدواج ما هـو أبهـى فـي العقلي، دعاه أل هات المنظر، وأنعم في الملمس، وأسلم من اآلفـات والمشـو

بمقتضى الحرص الذي نسميه –ونحو ذلك، فال يسمح ألحد ويدفع ذلك بكل ما يمكنه حتـى القتـل أن يشاركه، –غيرة . والجرحن كـان ذكرهـا ا بخالف باقي الحيوانات، فإنها وإ وهذ

لكنها لحيظات وتنقضي، – وقت طلبه لها –يغار على أنثاها

- ٨٨ -

نسان لفكره واإل.. هوةفإذا سافدها انقضت الغيرة بانقضاء الش ـ ك، بل يالزم الحرص فـي جميـع أحوالـه ليس كذل ا خوف . تقبلعلى المس

ومن المعلوم أن تلك القوة وهذه الخواص منتشرة بـين جميع األفراد البشرية، فكل واحد منهم يطلب صرف شهوته

مع مصف بالجمال، وسلم من اآلفات، حالة كون واحـد ت ا نـ به، ويدافع الغير عنه ل (٢١)منهم يطلب االستئثار م مناه ا قـد

كان الرجل في كثير من القبائل في الزمن القديم يخطـف المـرأة )٢١(

ـ ا إذا كان عد خصوص ،لحيازتها ت حـوادث د النساء قليال، ثم قل فقد كـان .. خطف النساء عندما أعدت القبائل لها عدتها في الدفاع

المتعر عزمهة تثنيض لها يجد صعوبات جم ، ا إذا أو يقـع أسـيرذيب، وقد زادت فيالقي صنوف التع حاول خطف فتاة من الفتيات؛

م، أو يحظـون خذ الرجال يشترون النساء بالدراه هذه القلة حينما أ لرجل لها أو لوالدها على سبيل بزواجهن مقابل القيام بعمل يعمله ا

حينمـا تـزوج بنـت النبـي كما فعل النبي موسـى ،جراألا كما جـاء مقابل أن يعمل عنده ثماني سنوات أو عشر شعيب

قـال .ا موسى مخاطب في القرآن على لسان النبي شعيب أنكح أن إني أريد ـانيني ثمرلى أن تـأجن عاتيه نتيى ابدإح ك

=

- ٨٩ -

ـ ، وزد علـى ذلـك أن اإل سبابمن األ ي حاجـة نسـان ف تـه ال ينظـر التعاون بالضـرورة، وهـو فـي فطر إلى ـ .. نسانع جميع أفراد اإل مالتعاون إلى ق فالبد له مـن تعل

فـال يتـرك اإلنسـان ،خاص يوجب عقد التعاون الخـاص مع شهوته من غير أن تقيد طرق استعمالها بقانون مسترسال

م ختـل عقـد نظـا نتيجتها وإال ا يحفظ ثمرتها ويكفل سالمة وفسدت أركان سيادته، ولم يصن وجـوده ،نسانيالمجتمع اإل : هزوال وعاديات الفناء وذلك من وجوعن غائلة ال

ـ ت لكل ذكر من الرجال، وأيحبنثى إذا أ أن األ –ول األ يحب – فـي أي وقـت –لكل أنثى أن تقترن بكـل زوج

الشتعلت نار الغيرة في أفئدة كل البشر، وسارع كل

= ـكليأشـق ع أن ا أريـدمو عندك ا فمنشرت عمأتم ج فإنحج

الحينالص اهللا من ني إن شاءتجدس خطفها كأنما من ا لها بدال ثم صار الرجل يدفع لوالدها، وأهلها ثمن

صل في الصـداق، فيها منازع، وهذا هو األاشتراها له فال ينازعه . وهو المهر، والمهر في اللغة العوض

- ٩٠ -

ى ذلـك يروم االشتراك معه، ولو أد نعة م مداف إلى . سفك دماء الطالبين والطالباتإلى ــاني ــدرة أ–الث ــن الق ــالطبع ع ــاجزة ب ــرأة ع ن الم

على جلب لوازم معيشتها، ودرء المكروهـات عـن أزمنة الحمل، وعقـب الـوالدة ذاتها، خصوصا في

وما لم يعلم الرجل اختصاصه بها، .. الرضاع وسني ؛ في القيام بحاجاتها والمدافعة عن حقوقهـا ال يسعى

!فتضيع وتضيع ذريتهاالرجل ال يخاطر بنفسـه هم من هذا، أن وهو األ –الثالث

ا للحصـول تعاب واقتحام الشدائد ، طلب في تحمل األ هـم على وسائل المعيشة، إال إذا رأي صبية وعياال

ور معيشتهم ونوال مآربهم ، يـؤدي عليه في أم عالة فيهم م ما استطاع من الرزق وقت قدرته، مؤمال ليهإ

إذا كبروا – بعد عنايته بتربيتهم –أنه إذا وهنت قواه تعابه السالفة، وتسـوءهم مصـيبته، يعرضون عليه أ

بل لو لم تكن له زوجة ..ويفرحون بثروته وسعادته ــد ــه، وتعـ ــتص بـ ــة تخـ ــبته وذريـ نسـ لنفسه من إليه كنسبة الجسد للروح، لما أمكنه االدخار

- ٩١ -

نسـان قوته، فإن ادخار العيش الذي هو من لوازم اإل ه القلوب بناء، وتوج على عناية الزوجات واأل موقوف

فهو يجتهـد .. ذا الكاسب العافي مساعدة ه إلى منهميجاد، وهم يهتمون بحفظ الموجـود، وكـل ذلـك لإل

بانسا إذا اختلطت األ مفقود بل لو .. ت األصول له وجه همة رجل للسعي في تربيـة لم تتوج باختلط النس

ولد، فيستأصل الموت أفـراد النـوع فـي أوائـل . أعمارهم

فظهر من ذلك أن سعادة اإلنسان في حياته، بل صـيانة وجوده في هذه الدار، موقوفة على تقييد تلك الشهوة بقـانون

يقـف كـل شـخص ايضبط استعمالها، ويضرب بها حدود ين الزوج والزوجـة، فيمتنـع عندها، وتوجب االختصاص ب

صي بين كـل شـخص ق الخصو ر منه التعل هالتعدي ثم يظ اخـتص نفيسعى كل لخير م .. علهاوزوجته وكل زوجة وب

بـل هـو بعيـد .. ن سعيه لكل البشر غير ممكن به، حيث إ . فراد النوع البشريلبسيطة الغالبة على أعن األفكار ا

هـذا األمـر، لـة بمـا يكفـل وقد أتت الشرائع المنز ـ ل ؛اختالف طبائع األمم إلى وإن اختلفت مظاهره بالنسبة ا م

- ٩٢ -

ولم تبح للرجـل .. طرأ عليها من تقلبات األجيال واألمصار ـ ال إذا كانت خالية عـن األ أية امرأة يريدها إ ن يزواج، وبيق

بهـذا فراغها من الحمل وخلوها من جميع الموانع التي تخل جابـة منهـا أو وليهـا ها واإل خصاص، وطلب العقد علي اإل

لـيحجم ؛بالقبول بمحضر جماعة من الناس تذيع هذا األمـر ت برجل يقوم بحاجاتها صالناس عن الرغبة إذا علموا أنها خ

ويدرأ عنها أي مكروه، وأمرت الطرفين بحسن المعاشـرة، نزلـي بنظام االجتمـاع الم ونهت عن ارتكاب أي أمر يخل

ال برعايـة حرمتـه والمحافظـة ائلة إ الذي ال تتم سعادة الع كالقيام بالواجبـات والحاجـات لكـل واحـد .. على حقوقه

من أفرادها، وحسن االقتصاد في المعيشة، وأن ينظـر كـل مصـلحته الخاصـة، إلـى مصلحة العائلة نظره إلى واحد

ال إذا كانـت تجلـب وبعبارة أظهر ليس هناك مصلحة لـه إ وتنقلهـا مـن درك الشـقاء ملعائلته وافر الـرزق والتقـد ،

..! درجات السعادة والهناءإلى فتبــين مــن ذلــك أن الشــهوة الحيويــة المغروســة في اإلنسان لم تكن مقصودة لذاتها، بل هـي وسـيلة لحيـاة زوجية هانئة، وسبب لتكوين عائلة يـأنس فيهـا الزوجـان

- ٩٣ -

ويسعدان بتلك الرابطة المقد سة التي تنمو بها األمة، ويـ ح ظفبها النوع اإلنساني، وترتبط فيها العائالت بـأقوى الـروابط

. اإلنسانية، التي لوالها الختل نظام المجتمع اإلنسانيا كان التعاون على المصالح المعاشـية، واالتحـاد ولم

جمـاع لمة من ثمرات الزواج، لم يبح باإل والتألف وجمع الك ه يضـيق تلـك ألن ؛أن يقترن الرجل بأخته أو عمته أو ابنته

عن كونه في نظر األطباء الفوائد ويقلل من الثمرات، فضال . قد يوجب العقم وضعف النسل

؛فلذلك أوجبت الشريعة أن يكون الزواج مـن عـائلتين ليحصل االرتباط بينهما بعالقة المصاهرة، بل البد أن يقـع االقتران من بيئتين ليجتمع العائلتان على مصـلحة واحـدة

فيقـوم كـل ؛لمصاهرة كجسم تعددت أعضاؤه وتصيران با عضو بما فيه مصلحة الكل، وتتجاذب صـالت المصـاهرة ورابطة النسب مصالح القبائل المتفرقة، وتجعلهـا متجهـة

م الشقاق فيستريح الناس من أل ؛ كعبة االتحاد واالئتالف إلى ـ أ.. ووخامة البغض والحقـد ا العائلـة الواحـدة فيكفـي م

. عالقة النسبيةفي ارتباطها ال

- ٩٤ -

ـ اء الـدين، هذا ما أتت به الشرائع، ونطـق بـه علم الزواج واالقتران، بقطع النظـر وأوضحه العقالء في حكمة اقتصرنا عليه اآلن، وسنشـفعه .. عن كونه بواحدة أو بأكثر

باحـة الـزواج بـأربع جاءت به شـريعتنا مـن إ ببيان ما مـا كـان مع بيان .. من النسوة، وجواز مفارقتهن بالطالق

عليه السلف الصالح في معاشـرة زوجـاتهم، ومـا نحـن وليس لنا غـرض ،ما أوجبته الشريعة عليه اآلن من سوء ع

. من ذلك سوى تبيين الحق وتوضيح الصراط المستقيم

- ٩٥ -

تعدد الزوجات د الزوجات تعد أباحت الشريعة المحمديـة للرجـل االقتـران بـأربع

ال وإ.. بينهن نفسه القدرة على العدل ن علم من من النسوة، إ فإن خفـتم أال : قال تعالى . فال يجوز االقتران بغير واحدة

عطاء كل مـنهن فإن الرجل إذا لم يستطع إ تعدلوا فواحدة إذ العمـاد .. حقها، اختل نظام المنزل وساءت معيشة العائلة

القويم لتدبير المنزل هو بقاء االتحاد والتـآلف بـين أفـراد . لةالعائ

ــص ــل إذا خ ــات والرج ــنهن دون الباقي ــدة م واحخرى، كأن يستقضيها حاجة في يوم األ – زهيد ولو بشيء –

امتعضت تلك األخرى وكرهت الرجل لتعديه على حقوقهـا ال حق لها، وتستبدل باالتحاد النفرة وبالمحبة نم إلى بتزلفه . البغض

ليهم، وجماعة الصحابة رضوان اهللا ع ي بنوقد كان ال إلـى والخلفاء الراشدون، والعلماء، والصالحون من كل قرن

هذا العهد، يجمعون بين النسوة مع المحافظة على حـدود اهللا

- ٩٦ -

من أمته ال وأصحابه، والصالحون في العدل بينهن، فكان ..!ذنهافي نوبة األخرى إال بإحدى الزوجات يأتون حجرة إ

(٢٢)المـرض يطاف به وهو في حالة ي نبوقد كان ال .. ا للعـدل حفظ ؛كتاف على األ على بيوت زوجاته، محموال

باإلقامة في بيت إ ولم يرض ا كـان عنـد حداهن خاصة، فلما، فعلم نساؤه أنه يسأل حدى نسائه سأل في أي بيت أكون غد إ

عن نوبة عائشة، فأذن له في المقام عندها مـدة المـرض، في بيت عائشة حتـى فلم يقم "نعم": فقلن "هل رضيتن ": فقال

. علم برضاهننطبق هو الذي ي وهذا الواجب الذي حافظ عليه النبي

في الصحيح أن آخر مـا على نصائحه ووصاياه، فقد روي سـانه ثالث كان يتكلم بهن حتى تلجلج ل " أوصى به النبي

ال تكلفوهم . يمانكمأ وما ملكت ،الصالة الصالة " وخفي كالمه

ذن كان في مرض موته حين اشتد المرض عليه، وقد كان هذا اإل )٢٢( عنـدها فما كاد يجلس النبـي .. اليوم يوم ميمونة بنت الحارث

ا رأينه علـى إليه، فلم زوجاته أن يحضرن احتى ثقل مرضه، فدع سى، فاستأذنهن أن نه فزعن إلى البكاء واستبد بهن األ غير ما يعهد

من المسجدض في بيت عائشة؛ لقربهيمر .

- ٩٧ -

أي –نهن عندكم عـوان اهللا في النساء فإ اهللا.. يطيقون ما ال أخذتموهن بأمانـة اهللا، . انفسهن شيئ ال يملكن أل –ضعيفات

مرأتـان كان له ا نم": وقال ،"واستحللتم فروجهن بكلمة اهللا وفي روايـة ولـم يعـدل –خرى ون األ حداهما د إ إلى فمال

يعتـذر وكان ،حد شقيه مائل جاء يوم القيامة وأ –بينهما أي العـدل فـي البيـات (اللهم هذا .. ميله القلبي بقوله عن

فيما أملك، وال طاقة لـي فيمـا تملـك وال جهدي) والعطاءـ وكان ي ) يعني الميل القلبي .. (أملك بيـنهن إذا أراد (٢٣)عرقاسفر ..

أكثر من أربـع زوجـات ج النبي يجاز لماذا تزو نوضح هنا بإ )٢٣(

خديجة بنت فقد تزوج النبي ؛وهو ما يطعن فيه خصوم اإلسالم وبقيت ،هي في األربعين الخامسة والعشرين و د، وهو في سن خويل

زوجته الوحيدة حتى ماتت وهو في الخمسين من عمره، وقد وفى فخطـب ؛لحت عليه سيدة مسلمة أن يتـزوج لها ولم يتزوج حتى أ

، في التاسعة من عمرها ائشة من صديقه أبي بكر الصديق وهي عي مـا يقولـه وهذا ينف ،ال بعد ما تجاوزت حد الصبا بها إ ولم يبن

! تسيطر عليه الشهوةنه كان رجالإالطاعنون =

- ٩٨ -

لمساواة في القسـمة وقد قال الفقهاء يجب على الزوج ا العطاء أعنـي النفقـة ئمة، وفيها وفي جماع األ في البيتوتة بإ

فـه عند غالبهم، حتى قالوا يجب على ولي المجنون أن يطوقالوا ال يجوز للزوج الـدخول عنـد إحـدى على نسائه، و

ال لضرورة مبيحة وقـد يجـوز زوجاته في نوبة األخرى إ له أن يسلم عليها من خارج الباب، والسؤال عن حالها بدون

. دخولج إذا أراد الدخول عنـد حت كتب الفقه بأن الزو وصر

صاحبة النوبة، فأغلقت الباب دونه وجـب عليـه أن يبيـت .. ال لمانع برد أو نحوه ضرتها إ إلى بحجرتها وال يذهب

فإن خفتم أال تعدلوا ن ظاهر آية وقال علماء الحنفية إ أن العدل فرض في البيتوتة وفي الملبس والمأكـل فواحدة

= بواحـدة مـنهن ا سائر زوجاته فقد كان معظمهن أرامل، ولم يـبن أم

بهن عن المذلـة، أو لصـيانة نما لصلة الرحم والضن لجمالها وإ مكانتهن العائلية واالجتماعية من الهوان، أو للمحافظة على عقيـدة

الردة فقدن أزواجهن وخاف عليهن ممن في قلوب بعضهن اإلسالم . هلهن الذين لم يكونوا من المسلمينمن اإلسالم إذا رجعن إلى أ

- ٩٩ -

ال فرق في ذلك بين فحل وعنين ال في المجامعة، والصحبة، ن العدل مـن حقـوق بوب ومريض وصحيح، وقالوا إ ومج

اجب على األزواج كسائر الحقوق الواجبـة والزوجية، فهو ا، إذ ال تفاوت بينهاشرع . القاضـي وجـب نهيـه إلـى عف لم يعدل ور اذقالوا إ و

وزجره، فإن عاد عذلـك ر بالضرب ال بـالحبس، ومـا ز وهو التعـاون ؛إال محافظة على المقصد األصلي من الزواج

.. في المعيشة وحسن السلوك فيهام الدقيق الحتمي الذي لزاأفبعد الوعيد الشرعي وذاك اإل

ت عند ا، يجوز الجمع بين الزوج وال تحويال ويالال يحتمل تأ عن تحققـه؟ م عدم القدرة على العدل بين النسوة فضال توه . ع بين نسوة ال يحملنـا علـى جمعهـن غ لنا الجم يف يسو فك

، غيـر مبـالين ، واستحصال لذة وقتية إال قضاء شهوة فانية .. لمفاسد ومخالفة الشـرع الشـريف من ا بما ينشأ عن ذلك

فرصة للوشاية عنـد الـزوج حداهنفإنا نرى أنه إن بدت إل ما استطاعت فـي تنميقهـا صرفت جهدها ىفي حق األخر

ومـا هـي "نها لصادقة فيما افتـرت انها، وتحلف باهللا إ وإتقفيعتقد الرجل أنها أخلصت له النصح لفرط " من الكاذبات إال

- ١٠٠ -

ا فظيعـا، ا، وسـب ا مبرح ضرب ليها، ويوسع األخريات ميله إ ونهرا مـن غيـر أن يتبـين فيمـا ألقـي ويسومهن طردا

يز صـحيح تمي إلى ال هداية عنده ترشده إليه من الوشاية؛ إذ القول من فاسده، وال نور بصـيرة يوقفـه علـى الحقيقـة فتضطرم نيران الغيظ في أفئدة هؤالء النسوة، وتسعى كـل

ج والمرأة الواشية أو يكثـر واحدة منهن في االنتقام من الزو وفضالة بينهن بياض النهار وسواد الليل، العراك والمشاجر

عمـال المنـزل عن اشتغالهن بالشقاق عما يجب عليهن من أ يكثرن من خيانة الرجل في ماله وأمتعته لعدم الثقة بالمقـام

ا من خبث أخالقهن مإنهن دائما يتوقعن منه الطالق، إ عنده، ف ـ اأو من رداءة أفكار الزوج وأي ا ال يهـدأ ما كـان، فكالهم !له بال، وال يروق له عيش

ـ ومن شدة تمك ل ن الغيرة والحقد في أفئدتهن، تزرع كخوتـه احدة في ضمير ولدها ما يجعله من ألد األعـداء إل و

بالسوء نها دائما تمقتهم وتذكرهم فإ.. خرياتأوالد النسوة األ د متيازهم عنه عند والدهم، وتعد عنده وهو يسمع، وتبين له ا

الولـد إلـى فكل ذلك وما شابه إن ألقي .. وه االمتياز له وج زالتـه بعـد يقوى على إ ال حال الطفولة يفعل في نفسه فعال

- ١٠١ -

ا ا وظهيـر ا له، ال نصـير ا من أخيه عدو فيبقى نفور ؛لهتعق . له على اجتناء الفوائد ودفع المكروه كما هو شأن األخ

لد األخـرى، وحداهن على وإن تطاول واحد من ولد إ ا، انتصب سوق العراك بين وإن لم يعقل ما لفظ لكونه صغير

دة األخرى، بمـا فـي وسـعها والدتيهما وأوسعت كل واح ن كن من المخدرات ظ الفحش ومستهجنات السب، وإ من ألفا

في بيوت المعتبرين، كما هو مشاهد في كثير مـن الجهـات إذا دخل الزوج عليهن في هـذه الحالـة .. ا الريفية خصوص

ر عليه إطفاء الثورة من بيـنهن بحسـن القـول ولـين تعس وال يرهبن منه الوعيد لكثـرة ا، إذ ال يسمعن له أمر ؛لجانبا

لمنازعات والمشاجرات لمثل هـذه ما وقع بينه وبينهن من ا سقوط اعتباره وانتهاك إلى سباب أو غيرها، التي أفضت األ

فتقوده ؛واجباته عندهن أو لكونه ضعيف الرأي أحمق الطبع فض هذه المشاجرات بطالقهـن جميعـا، إلى سبابتلك األ

ولـو كانـت –أقل منزلة في الحب أو طالق من هي عنده فتخرج من المنزل سـائلة الـدمع حزينـة –أم أكثر أوالده

منزل أبيها إلى بهم ؛ فتأوي االخاطر حاملة من األطفال عديد ال تـراه ه إ عليها بضعة أشـهر عنـد ن كان، ثم ال يمضي إ

- ١٠٢ -

ن علمـت أبيهم وإ إلى األوالد ا من رد فال تجد بد ؛قد سئمها الحالية تعاملهم بأسوأ مما عوملوا به من عشـيرة أن زوجته

. أبيها ت وليس لها من تـأوي قلوال تسل عن أم األوالد إذا ط

النفس ليس يحزن شرح ما تعانيه من ألم الفاقة وذل إليه، فإن القلب بأقل من الحزن عند العلم بمـا تسـام بـه صـبيتها

ـ ن ألـم من الطرد والتقريع، يئنون من الجـوع ويبكـون م . المعاملة

فـت اء كل فإن الشريعة الغر ؛ن ذلك غير واقع وال يقال إ نفاق على مطلقتـه وأوالده منهـا حتـى تحسـن الزوج باإل

تربيتهم، وعلى من خرجـت يقوم مقامها في الحضـانة إ ن فته الشريعة بـذلك ن كل فإن الزوج وإ .. تها وتزوجت من عد

األمر الذي يكلفه نفقـات احكامها في مثل هذ لكن ال يذعن أل . اا مجبرال مكرهكبيرة إ

طالبـه بحقهـا عنـد الحـاكم والمرأة ال تستطيع أن ت ا لبعد مركزه فال تقدر على الذهاب إليه ، وتترك مالشرعي، إ

ا مدة أسبوع أو أسبوعين حتى يستحضر بنيها ال يملكون شيئ بالدفع ا بالتزامه القاضي الزوج، وربما آبت إليهم حاملة صك

- ١٠٣ -

لها كل شهر ما أوجبه القاضي عليه من النفقـة مـن غيـر أن تقبض ما يسد الرمق أو يذهب بالعوز، ويرجـع الـزوج

ليقينه بأن المرأة ال تقـدر ؛ا على عدم الوفاء بما وعد مصر العودة للشكاية لوهن قواها واشـتغالها إلى خاطر بنفسها تأن

شـكاية الـزوج، مـن بما يذهب الحاجة الوقتية، أو حيـاء ا ون مطالبة المرأة بنفقتها عيب رياف يعد فإن كثيرا من أهل األ

فهي تفضل البقاء على األ .. افظيع ا لما تقـيم تعاب الشاقة طلببه أودها هي وبنوها، على الشكاية التي توجب لهـا العـار

. بالثمرة المقصودةوربما لم تأتاألعمـال الشـاقة يم بهذه أن قيام المرأة األ وغير خفي

ها ابتذال ماء الوجـه تـؤثر ومعاناة الباليا المتنوعة التي أقل افي أخالقها فساد، مما يـذهب بكمالهـا ؛ا وفي طباعها قبح

ت ولربمـا أد ،تحقيرها عند الراغبين في الزواج إلى ويؤديبابها تتجرع غصص ا مدة ش يمأن تبقى أ إلى بها هذه األمور يـوم خطبها رجل بعد زمن طويـل مـن نالفافة والذل، وإ

ا ال أقل منزلة وأصـغر قـدر الطالق فال يكون في الغالب إ ا قلت رغبة النساء فيه ويمكث زمن أو كهال ،من بعلها السابق

خشية على نفسه من عائلة ؛ ويؤخر أخرى م رجال طويال يقد

- ١٠٤ -

زوجها السالف فإنها تبغض أي شخص يريد زواج امرأتـه ن فعل ذلك، كأن مطلقها يريـد أن تبقـى سوء إ وتضمر له ال

ـ ساءتها إ ؛ رغبة في نكالها وإ الممات إلى اأيم ا ن طلقها كاره . لها

كثاره من ا عن حماقة الرجل إل ا إذا كان طالقها ناشئ موأ كمـا –سباب وأضعف المقتضيات عند أدنى األ –الحلف به

ى لو تمنو.. هو كثير الوقوع اآلن، اشتد حنقه وغيرته عليها . يريد االقتران بهانقتلها أو قتل م إلى استطاع سبيال وكأني بمن هذه المعاملة وتلـك المعاشـرة يقولون إ ن

ا ذوو المقامـات موأ.. دنيائهمال تصدر إال من سفلة الناس وأ إذ إنهم ينفقون .. ا من ذلك وأهل اليسار، فال نشاهد منهم شيئ

م وأوالدهم منهـا، وعلـى نسـائهم كثيرا على مطلقاته ماال كثار من الـزواج فال ضير عليهم واإل .. ت في بيوتهم العديدابـل هـو األجمـل .. ق إذا أرادوا الحد الجائز، والطال إلى ـ لواتناكحوا وتناس" ليق بهم، اتباعا لما ورد عنه واأل ني إ ف ا ما يقع مـن سـفلة النـاس، وأم "مم يوم القيامة بكم األ مباه خذ قاعدة للنهي عما كان عليه عمل النبـي تيصح أن ي فال

فـانكحوا مـا مة وخصوصا وآية والسلف الصالح من األ

- ١٠٥ -

اعبرثالث وثنى واء مالنس نلكم م طاب جماع، سخ باإل لم تن . فإذن يلزم العمل بمدلولها ما دام القرآن

: نقول في الجواب عن هذا غنيـاء ا المقال وقد رأينا الكثير مـن األ هذ كيف يصح

وذوي اليسار يطردون نساءهم مع أوالدهن، فتربي أوالدهـم .. لـيهم تهم، ال يعتنون بهم وال يلتفتون إ عند أقوام غير عشير

وهـم كبـار –ا ما رأينا اآلباء يطردون أبنـاءهم وكثير – ــيئون ــدات، ويس ــائهم الجدي ــى مرضــاة لنس ــاء إل النس

حتى أنـه ربمـا ال يحمـل الرجـل مـنهم بما ال يستطاع ضرار باألولى، وهـذا شـائع ج ثانية إال بقصد اإل على تزو

. كثيربما يلـزم اليسار قائمون وعلى فرض التسليم بأن ذوي

– كمـا هـو الواقـع –ال أن نقول من النفقات، ال يمكننا إ نفاقهم على النسوة وتوفية الحقوق الزوجية من القسـمة إن إ

ا بيت ليس على نسبة عادلة، كما هو الواجـب شـرع في الم فهذه النفقـة تسـتوي مـع عـدمها .. على الرجل لزوجاته ذن بحقوق الزوجات الواجبة الرعاية فـإ من حيث عدم القيام

متـه رتكب ما حر راء في أن كال قد ا ال تمايز بينهم وبين الفق

- ١٠٦ -

ـا وأن أضـرار الشرائع ونهت عنها نهيا، خصوصا شـديدغنياء أكثر منها عند الفقراء كما هو تماع الزوجات عند األ اج

. الغالب فإن المرأة قد تبقى في بيـت الغنـى سـنة أو سـنتين

خشية أن تغضـب ؛ ال يقربها الزوج –ا بل خمس –ا أو ثالث وهي مع ذلـك ال تسـتطيع .. ا شديد يميل إليها ميال ن م هعلي

؛سـها مـن بأسـه أن تطلب منه أن يطلقها لخوفها علـى نف . فعل ما ال يليق إلى فتضطر

وبقية المفاسد التـي ذكرناهـا، مـن تربيـة األبنـاء تهم بل أبيهم أيضا موجودة عنـد األغنيـاء على عداوة إخو

نكـار هـذا في إ ةا تصح الممار وأكثر منها عند الفقراء، وال األمر بعد مشاهدة آثاره في غالب الجهات والنواحي، وتطاير

(*). كثر البقاع من بالدنا وغيرهاشره في أ

سباب التي أوردها في هذا الفصل األستاذ اإلمام الشـيخ بعد هذه األ (*)

: محمد عبده نقولنـه كـان ا بشريعة اإلسالم وحدها بـل إ د الزوجات ليس خاص ن تعد إ

وهو موجود حتى اآلن فـي جميـع ،ر اإلسالم ا قبل ظهو موجود =

- ١٠٧ -

= دين للزوجات يفوق كثيرا عدد الموحدين وعدد المعد ،قارات العالم

فـي سـتراليا، و موجود عند الفويجيين فـي أمريكـا وأ فهو . لهن الجديدة، ومنتشر بين الهنود الحمـر كالدونيا الجديدة، ونيوزيالندا

سيا وفي البالد األفريقية وآ ا، وفي كثير من وجنوب في أمريكا شماال والرجال في كثير من هـذه الـبالد، وسومطره ومدغشقر، جاوه

لعـدد وال حـد . أفريقيا يتزوجون أكثر مـن أربعـة وخاصة في ، وهم يتزوجون من اثنتي عشـرة زوجـة إلـى الزوجات عندهم

على قـوة الرجـل، نه يدل ؛ أل ثلثمائة، ويفاخرون بكثرة الزوجات د الرجال الزوجات ليسـاعدنهم فـي وقد يعد ،وتهوعلى غناه وثر

. أعمالهم الزراعية، أو التجارية أو الصناعية كما قال الرحالة الرحالة –اليةويعتبر قبائل الكوش في أمريكا الشم

، ويقـول د الزوجات هو عادة حسـنة أن تعد –نجليزي شوتر اإلـ نجليزي لفنجستون أن الرحالة اإل اركولولوس فـي نساء قبائل الم

دون الزوجات صحن قائالت نجليز ال يعد اإلأفريقيا حينما علمن أن ..!نجليزيات يرضين بذلكال يفهمن كيف أن اإلنهن إ د للزوجات محبوب ومحترم عنـد وتعتقد قبائل الشيبوي أن المعد

ون دالروح األكبر، وهو معبودهم، وقد كان المصريون القدماء يعدليم اإللهيـة، خالق الفاضلة، والتعا رون ذلك موافقا لأل الزوجات وي ..! كثيرةن اهللا يبارك في رجال لهم أزواج عدة، وسرارويقولون إ

- ١٠٨ -

تلك هي معاملة أغلب الناس عندنا من أغنياء وفقراء في فـي ج بعدة نساء وكأنهم لم يفهمـوا حكمـة اهللا حالة التزو

ـ مشروعية التعد ا لصـرف الشـهوة د، بـل اتخـذوه طريق.. صد الحقيقي منه قواستحصال اللذة ال غير، وغفلوا عن الم

ـ وال يقبله العقل، فالواجب عليهم إ ريعة وهذا ال تجيزه الش ا ماالقتصار على واحدة إذا لم يقدروا على العـدل كمـا هـو

فإن خفتم أال قوله تعالى عمال بالواجب عليهم بنص ؛مشاهدفانكحوا ما طاب لكم من ن هذه اآلية ثم إ ،تعدلوا فواحدة

ن يتبصروا قبل طلـب وما إ .. آية فإن خفتم دة ب مقي النساءالتعد ا من العدل، وحفظ د في الزوجات فيما يجب عليهم شرع لفة بين األوالد، وحفظ النساء من الغوائـل التـي تـؤدي األ ضـرار هن علـى اإل وال يحملـو ،لضارةاألعمال ا إلى بهن

ومقتضى شرعي شأن هن إال لداع بهم وبأوالدهم، وال يطلقو الـذين يخـافون اهللا، ويـوقرون شـريعة العـدل، الرجال

ويحافظون على حرمات النساء وحقـوقهن، ويعاشـرونهن فهـؤالء ... ند الحاجة بالمعروف ويفارقونهن ع .. بالمعروف

- ١٠٩ -

تقياء ال لوم عليهم فـي الجمـع بـين النسـوة األفاضل األ

كانوا عددا قليال في كل بلد ن، وهم وإ ا المباح شرع الحد إلى قليم، لكن أعمالهم واضحة الظهور تستوجب لهـم الثنـاء وإ

بهم من أمة العادل العزيزالعميم والشكر الجزيل، وتقر .

- ١١٠ -

- ١١١ -

القضاء والقدر القضاء والقدر ا بأن للعقائـد القلبيـة سـلطان هة اهللا في خلق نمضت س

عمـال مـن صـالح األعمال البدنية، فما يكون في األ على عقيدة ورب.. ا مرجعه فساد العقيدة، وصالحها أو فساد، فإنم

واحدة تأخذ بأطراف األفكار فيتبعها عقائد ومدركات أخرى، ورب.. ثم تظهر على البدن بأعمال تالئم أثرها في الـنفس

أصل من أصول الخيـر، وقاعـدة مـن قواعـد الكمـال، نفس في تعلـيم أو تبليـغ شـرع يقـع إذا عرضت على األ

فتلتبس عليه بما ليس من قبيلهـا، ؛ على السامع فيها االشتباه أو تصادف عنده بعض الصـفات الرديئـة أو االعتقـادات

وفي كـال ، مما تصادفه لباطلة فيعلق بها عند االعتقاد شيء االحالين يتغير وجهها ويختلف أثرها، وربما تتبعهـا عقائـد

في الفهم، أو على خبث االسـتعداد؛ فاسدة مبنية على الخطأ وذلـك علـى غيـر علـم .. نشأ عنها أعمال غير صالحة فت

والمغرور .. من المعتقد كيف اعتقد، وال كيف يصرفه اعتقاده ل إنما نشأت عن االعتقاد بذلك بالظواهر يظن أن تلك األعما

. صل وتلك القاعدةاأل

- ١١٢ -

ومن مثل هذا االنحراف في الفهـم، وقـع التحريـف ل هو علة البـدع ب ..اوالتبديل في بعض أصول األديان غالب

وكثيرا ما كان هـذا االنحـراف ،غلبفي كل دين على األ وما يتبعه من البدع منشأ لفساد الطباع وقبائح األعمال، حتى

أفضى بموهـذا ،الهالك وبئس المصير إلى ابتالهم اهللا به ن ما يحمل بعض مال خبرة لهم علـى الطعـن فـي ديـن ن

أعمـال إلى اة، استناد ائد الحق ديان، أو عقيدة من العق من األ ةدالدين أو العقي إلى ج المنتسبينذبعض الس .

عقيدة دينيةعقيدة دينية مـن أصـول من ذلك عقيدة القضاء والقدر التي تعـد

كثر فيها لغط المغفلـين .. ةالعقائد في الديانة اإلسالمية الحق فرنج وظنوا بها الظنون، وزعموا أنهـا مـا تمكنـت من اإل

مـت فـيهم ال وسلبتهم الهمة والقـوة، وحك م إ من نفوس قو لـيهم ة، ورموا المسلمين بصفات ونسـبوا إ الضعف والضع

ا، ثم حصروا علتها فـي االعتقـاد بالقـدر فقـالوا أطوار : ن المسلمين في فقر وفاقة وتأخر في القوة الحربية والسياسية إ

فكثر الكـذب ؛خالقمم، وقد فشا فيهم فساد األ ائر األ على س قـت كلمـتهم وتفـر .. نفاق والخيانة والتحاقد والتباغض وال

- ١١٣ -

وجهلوا أحوالهم الحاضرة والمستقبلة، وغفلوا عما يضـرهم وعما ينفعهم، وقنعوا بحياة يأكلون فيها ويشربون وينـامون

حـدهم ولكن متى أمكن أل .. رهم في فضيلة ثم ال ينافسون غي أن يضر وا بأسهم لضرر به، فجعل لحاق ا ر في إ أخاه ال يقصرضوا بكل .. مم من ورائهم تبتلعهم لقمة بعد أخرى بينهم واأل

السـكون إلـى عارض، واستعدوا لقبول كل حادث، وركنوا . مأواهم إلى في بيوتهم، يسرحون في مرعاهم، ثم يعودون

مراء فيهم يقطعون أزمنتهم في اللهو واللعب ومعاطاة ألا أدائهـا الشهوات، وعليهم فروض وواجبات تسـتغرق فـي

أمـوالهم فيمـا يصـرفون .. اا شيئ هأعمارهم وال يؤدون من واسعة، ولكن ال نفقاتهم .. اا وتبذير سرافيقطعون به زمانهم إ

يعود على دينهم بالمنفعة، يتخـاذلون يدخل في حسابها شيء ويتنــافرون، وينوطــون المصــالح العموميــة بمصــالحهم

أمـة كاملـة، ع تنافر بين أميرين يضـي فرب.. الخصوصيةجنبي عليه جاره؛ فيجد األ كل منهما يخذل صاحبه، ويستعدي

، فينال من بالدهما ما ال يكلفـه الا قات فيهما قوة فانية وضعف ا وال عدةعدد .

- ١١٤ -

يفزعـون .. هم الجـبن والخـور شملهم الخوف، وعم مـا إلى قعدوا عن الحركة .. من الهمس، ويألمون من اللمس

ة والشوكة، وخالفوا في ذلك أوامـر العز مم في يلحقون به األ - بل الـذين تحـت سـلطتهم -دينهم، مع رؤيتهم لجيرانهم

ـ إو.. مون عليهم ويباهونهم بما يكسبون يتقد ا ذا أصـاب قوم خوانهم مصيبة، أو عدت علـيهم عاديـة، ال يسـعون من إ

وال ينهضون لمناصرتهم، وليست لهم .. في تخفيف مصابهم يــرة، ال جهريــة وال ســرية، يكــون جمعيــات دينيــة كب

دة من مقاصدها إحياء الغيـرة، وتنبيـه الحميـة، ومسـاع .قوياء وتسلط الغرباءالضعفاء، وحفظ الحق من بغي األ

لك األطـوار، المسلمين هذه الصفات وت إلى هكذا نسبوا سناد وزعموا أن ال منشأ لها إال اعتقادهم بالقضاء والقدر، وإ

لهية، وحكموا بـأن المسـلمين ة اإل جميع همومهم على القدر ا، لو داموا على هذه العقيدة فلن تقوم لهم قائمة ولن ينالوا عز ا، وال يأخذون بحـق، وال يـدفعون تعـديا، ولن يعيدوا مجد

وال ينهضون بتقوية سـلطان، أو تأييـد ملـك، وال يـزال بهم الضعف يفعل في نفوسهم، ويفسد طباعهم، حتى يـؤدي

ـ يفني" والعياذ باهللا "فناء والزوال ال إلى بهم ا بعضـهم بعض

- ١١٥ -

بالمنازعات الخاصة، وما يسلم من أيدي بعضـهم يحصـده . جانباأل

ليست جبرية ليست جبرية فرنج أنه ال فرق بين االعتقاد بالقضاء واعتقد أولئك اإل

بأن اإلنسـان : وبين االعتقاد بمذهب الجبرية القائلين ،والقدرمجرب ن المسلمين بعقيدة القضاء موا أ في جميع أفعاله، وتوه

بها الرياح كيفمـا سهم كالريشة المعلقة في الهواء تقل فيرون أن ومتى رسخ في نفوس قوم أنه ال خيار لهم في قـول .. تميل

وال عمل، وال حركه وال سكون، وإنما جميـع ذلـك بقـوة فال ريب تتعطل قواهم، ويفقدون ثمرة .. جابرة، وقدرة قاسرة

هللا من المدارك والقوى، وتمحى مـن خـواطرهم ما وهبهم ا داعية السعي والكسب، وأجدر بهم بعـد ذلـك أن يتحولـوا

. عالم العدم إلى من عالم الوجودفرنج، وذهب مذهبها كثيـرون هكذا ظنت طائفة من اإل

كذب : قولالعقول في المشرق، ولست أخشى أن أ من ضعفاء ـ . هم، وبطل الـزاعم ا الو الظان، وأخطأ روا علـى اهللا وافت ال يوجد مسلم في هذا الوقت مـن سـني .. اوالمسلمين كذب

سماعيلي ووهابي وخارجي يرى مـذهب وشيعي وزيدي وإ

- ١١٦ -

.. الجبر المحض، ويعتقد سلب االختيار عن نفسـه بـالمرة بل كل من هذه الطوائف المسلمة يعتقدون بأن لهـم جـزءا

ط الثـواب اختياريا في أعمالهم، ويسعى بالكسب، وهو منـا وإنهم محاسـبون بمـا وهـبهم اهللا .. والعقاب عند جميعهم

مطالبون بامتثال جميع األوامر من هذا الجزاء االختياري، و كل خيـر، الهاديـة إلى لهية، والنواهي الربانية، الداعية اإل

كل فالح، وأن هذا النوع مـن االختيـار وهـو مـورد إلى . لالتكليف الشرعي، به تتم الحكمة والعد

إلى ى بالجبرية، ذهبت سمنعم كان بين المسلمين طائفة ت ا ال يشـوبه أن اإلنسان مضطر في جميع أفعاله اضـطرار

ـ ه اختيار، وزعمت أن ال فرق بين أن يحرك الشـخص فكلألكل والمضغ وبين أن يتحرك بقفقفة البـرد عنـد شـدته،

ه المسلمون من منـازع السفسـطة ومذهب هذه الطائفة يعد . الفاسدة

وقد انقرض أرباب هذا المذهب في أواخر القرن الرابع لهم أثر، وليس االعتقاد بالقضاء والقـدر من الهجرة ولم يبق

- ١١٧ -

هو عين االعتقاد بالجبر، وال من مقتضيات ذلك االعتقاد كما (٢٤)ظنه أولئك الواهمون

االعتقاد بالقضاء يؤيده الـدليل القـاطع، بـل ترشـد أن كـل إلى ر أن يلتفت له فك نوسهل على م .. إليه الفطرة

الزمان، وأنه ال يرى من سلسـلة حادث له سبب يقاربه في ال مبـدع األسباب إال ما هو حاضر لديه، وال يعلم ماضيها إ

ظاهرا فيما بعده بتقدير العزيـز نظامها، وأن لكل منه مدخال ، سلسلةوإرادة اإلنسان إنما هي حلقة من حلقات تلك ال . العليم

دراك انفعـال ا من آثار اإلدراك، واإل ال أثر ة إ دوليست اإلرا النفس بما يعرض علـى الحـواس، وشـعورها بمـا أودع

فلظواهر الكـون مـن السـلطة .. في الفطرة من الحاجات .. عـن عاقـل ال ينكره أبله، فضـال رادة ماعلى الفكر واإل

رة، إنما هو ى في الظاهر مؤث روأن مبدأ هذه األسباب التي ت عظم الذي أبدع األشياء على وفق حكمته، ر الكون األ بيد مدب

من رسالة التوحيد للشيخ محمد عبده التي نشـرتها ٨٢في صفحة )٢٤(

أفعال ": فصل بعنوان ١٩٦٣ في فبراير سنة "كتاب الهالل "سلسلة . "اهللا وأفعال العباد

- ١١٨ -

ـ ا لشبهه كأنه جـزاء وجعل كل حادث نابع ا لـه، خصوص . في العالم اإلنساني

عن االعتراف بوجود إلـه ضل ولو فرضنا أن جاهال ص مـن االعتـراف صانع للعالم، فليس في إمكانه أن يـتمل

رادات عية والحوادث الدهريـة فـي اإل الطبيبتأثير العوامل ة نفهل يستطيع إنسان أن يخرج بنفسه عن هذه الس .. البشرية ها اهللا في خلقه؟ التي سن

عن العلمـاء هذا أمر يعترف به طالب الحقائق فضال ـ ا من حك ن بعض وإ واماء اإلفرنج وعلمـاء سياسـتهم التجئ

ثباتهـا، فـي إ سلطة القضاء، وأطالوا البيان الخضوع ل إلى . االستشهاد بآرائهم إلى ولسنا في حاجة

بالبحث فيه العلمـاء ين فوق الرواية، ع ان للتاريخ علم إمن كل أمة، وهو العلم الباحث عن سير األمم في صـعودها وهبوطها وطبائع الحوادث العظيمة وخواصها، ومـا ينشـأ

ـ التبديل في العادات واألخـالق واأل عنها من التغيير و ار، فكحساس الباطن والوجدان، وما يتبع ذلـك بل في خصائص اإل

ن الدول، أو فناء بعضها وانـدراس مم، وتكو ه من نشأة األ كل . أثره

- ١١٩ -

زلهـا الفنون األدبيـة وأج وه من أجل هذا الفن الذي عدلـى االعتقـاد بالقضـاء والقـدر، ئدة، بناء البحث فيه ع فا

ف ر للكائنات، ومصر بأن قوى البشر في قبضة مدب واإلذعان ما انحـط رفيـع، ت قدرة البشر بالتأثير للحادثات ولو استقل . ض سلطان، وال انهدم مجد، وال تقووال ضعف قوي

مزايا هذه العقيدة د عن شـناعة الجبـر، االعتقاد بالقضاء والقدر إذا تجر

ق الشجاعة والبسالة، ويبعث لقدام، وخ يتبعه صفة الجرأة واإل اقتحام المهالك التي تفزع لها قلوب األسـود، وتنشـق على

ـ ؛ هذا اعتقاد يطبع األ النمور منها مرائر ات، نفس علـى الثب الجـود ها بحلـي يلهوال، ويح واحتمال المكاره، ومقارعة األ

عليهـا، الخروج من كل مـا يعـز إلى والسخاء، ويدعوها .. حيـاة رواح، والتخلي عن نضرة ال بل يحملها على بذل األ

. كل هذا في سبيل الحق الذي قد دعاها لالعتقاد بهذه العقيدة واألشياء ،جل محدود، والرزق مكفول الذي يعتقد بأن األ

كيــف يرهــب المــوت .. بيــد اهللا يصــرفها كمــا يشــاء عالء كلمة أمتـه، أو ملتـه، والقيـام ه وإ في الدفاع عن حق

مما ينفـق بما فرض اهللا عليه من ذلك؟ وكيف يخشى الفقر

- ١٢٠ -

ز الحق وتشييد المجد، على حسب األوامـر من ماله في تعزي . صول المجتمعات البشريةاإللهية، وأ

امتدح اهللا المسلمين بهذا االعتقاد مـع بيـان فضـيلته الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعـوا : في قوله الحق

*يمانا وقالوا حسبنا اهللا ونعم الوكيل لكم فاخشوهم فزادهم إ فانقلبوا بنعمة من اهللا وفضل لم يمسسهم سـوء واتبعـوا

رضوان اهللا واهللا ذو فضل عظيمقطار الممالك واأل إلى اندفع المسلمون في أوائل نشأتهم

روا األلبـاب فأدهشوا العقول وحي ؛ليهايفتحونها ويتسلطون ع تهم من جبـال بما دوخوا الدول وقهروا األمم، وامتدت سلط

جـدار الصـين إلـى سبانيا وفرنسـا بيريني الفاصلة بين إ – دهم علـى األجـواء مع قلة عدتهم وعددهم ، وعدم تعـو

ذلوا أرغموا الملوك، وأ –قطار المتنوعة المختلفة، وطبائع األ ن هذا إ.. في مدة ال تتجاوز ثمانين سنة واألكاسرة، القياصرة

من خوارق العادات وعظائم المعجزاتليعد .

- ١٢١ -

دم ا، ودكوا أطوادروا بالد ا ا، ورفعوا فوق األرض أرض وسـحقوا (٢٦) وطبقة أخرى من النقـع (٢٥)ثانية من القسطل

قـاموا بـدلها جبـاال رءوس الجبال تحت حوافر جيادهم، وأ رءوس النابذين لسلطانهم، وأرجفوا كـل قلـب، من وتالال

جميع هذا إلى وأرعدوا كل فريصة، وما كان قائدهم وسائقهم . ال االعتقاد بالقضاء والقدرإ

قاد هو الذي ثبتت به أقدام بعض األعداد القليلة تهذا االع بها الفضاء، ويضـيق بهـا بسـيط منهم أمام جيوش يغص

. وهم على أعقابهمردالغبراء، فكشفوهم عن مواقعهم وبهذا االعتقاد لمعت سيوفهم بالمشرق، وانقضت شـهبها

وهـو .. على الحيارى في هبوات الحروب من أهل المغرب الذي حملهم على بذل أموالهم وجميع ما يملكون مـن رزق

هذا ،ا وال يخافون فاقة الء كلمتهم، ال يخشون فقر عفي سبيل إ مل أوالدهم ونسائهم، ومـن ل عليهم ح االعتقاد هو الذي سه

.. ساحات القتال في أقصى بالد العالم إلى ورهمجحيكون في

. الغبار الساطع في الحرب:القسطل )٢٥( .الماء المستنقع أي المتجمع )٢٦(

- ١٢٢ -

فسهم نالحدائق والرياض، وكأنهم أخذوا أل إلى كأنما يسيرون وأحاطوها من االعتماد . ةا من كل غادر بالتوكل على اهللا أمان

وكـان نسـاؤهم .. عليه بحصن يصونهم من كـل طارقـة وأوالدهم يتولون سقاية جيوشهم، وخدمتها فيما تحتاج إليـه،

بحمـل الساء واألوالد عن الرجال والكهـول إ ال يفترق الن .. السالح، وال تأخذ النساء رهبة، وال تغشى األوالد مهابـة

ـ إلى بهم هذا االعتقاد هو الذي ارتفع مهم حد كان ذكـر اسـ نحتى كـانوا ي .. بادكيذيب القلوب، ويبدد فلذات األ صون ر

به في قلوب أعدائهم فيهزمون بجيش الرهبة فذقبالرعب، ي قبل أن يشيموا بروق سيوفهم ولمعـان أسـنتهم، بـل قبـل

. تخومهم أطراف جحافلهم إلى أن تصلأين أنتم يا .. قين على الساب بكائي على السالفين، ونحيب

ة، أين أنتم يا أعالم المروء .. فقة؟عصبة الرحمة وأولياء الش أين أنتم يا آل النجدة، وغوث المضيم يـوم .. وشوامخ القوة؟

أين أنتم يا خير أمـة أخرجـت للنـاس، تـأمرون .. الشدة؟ بالمعروف وتنهون عن المنكر؟

اآلخذون امون بالقسط، نجاد، القو أين أنتم أيها األمجاد األ أال .. مـة؟ طقون بالحكمة، المؤسسون لبنـاء األ ، النا بالعدل

- ١٢٣ -

ما أتاه خلفكم من بعدكم، وما إلى تنظرون من خالل قبوركم أصاب أبناءكم ومنحرفوا عـن سـنتكم، ا.. ينتحل نحلتكم ن

ـ وحادوا عن طريقكم، فضل ا وا عن سـبيلكم، وتفرقـوا فرقتـذوب ا، حتى أصبحوا من الضـعف علـى حـال وأشياع

مم أضحوا فريسة لأل .. ا، وتحترق األكباد حزنا لها القلوب أسف ـ األجنبية ال يستطيعون ذود ا عـن ا عن حوضهم، وال دفاع

ـ ه الغافـل، حوزتهم، أال يصيح من برازخكم صائح منكم ينبإنا هللا وإنا سواء السبيل؟ إلى الضال، ويوقظ النائم، ويهدي

وناجعه رإلي

- ١٢٤ -

عقيدة العظماءعقيدة العظماء نه من ا ينازعني فيما أقول، إ أقول وربما ال أخشى واهم

فاتح عظيم، دجاليوم، ما و إلى بداية تاريخ االجتماع البشري بهمتـه ير، نبت في أواسط الطبقات، ثم رقي وال محارب شه

لت له الصعاب، وخضعت الرقـاب، ل فذ ؛أعلى الدرجات إلى لعجيب، ويبعـث الفكـر ا إلى ك ما يدعو وبلغ من بسطة المل

. ا بالقضاء والقدرال كان معتقدلطلب السبب، إاإلنسان حريص علـى حياتـه، شـحيح .. سبحان اهللا

ن فمـا الـذي يهـو .. بوجوده على مقتضى الفطرة والجبلة وخـوض المهالـك، ومصـارعة المنايـا، عليه المخاطر،

ر كائن أن المقد إلى هال االعتقاد بالقضاء والقدر، وركون قلب إ . وال أثر لهول المظاهر

"كيخسرو"أثبتت لنا حوادث التاريخ أن كورش الفارسي وهو أول فاتح يالظفر ى له قدمين، ما تسن في تاريخ األ فرع

.. ا بالقضاء والقـدر نه كان معتقد في فتوحاته الواسعة، إال أل .. ةزيمته شـد فكان لهذا االعتقاد ال يهوله هول، وال توهن ع

رسخ في نفوسهم هذه نسكندر األكبر اليوناني كان مم اإلوأن فتوحـات صـاحب ال – لعقيدة الجليلة، وجنكيزخان التتري ا

- ١٢٥ -

ليون بل كان نـاب .. أرباب هذا االعتقاد كان من –المشهورة الناس تمسكا بعقيدة القضاء، وهي بونابرت الفرنسي من أشد

القليلة على الجمـاهير الكثيـرة، التي كانت تدفعه بعساكره . فيتهيأ له الظفر، وينال بغيته من النصر

ر النفوس اإلنسانية مـن رذيلـة فنعم االعتقاد الذي يطه س بـه عـن بلـوغ كمالـه وهو أول عائق للمتدن –الجبن

نعم، أننـا ال ننكـر أن هـذه العقيـدة –ا كانت في طبقته أي ـ ن المسـلمين شـوائب قد خالطها في نفوس بعض العامة م ا في رزيئـتهم بـبعض من عقيدة الجبر، وربما كان هذا سبب

. المصاعب التي أخذتهم بها الحوادث في العصور األخيرةـ ورجاؤنا ف عوا ي الراسخين من علماء العصـر أن يس

ذه العقيدة الشريفة من بعض ما طـرأ جهدهم في تخليص ه سنن السلف الصالح روا العامة ب عليها من لواحق البدع، ويذك

رضـي اهللا وما كانوا يعملون، وينشروا بينهم ما أثبتته أئمتنا والركـون من أن التوكـل - كالشيخ الغزالي وأمثاله -عنهمنما طلبه الشرع منا في العمل، ال فـي البطالـة القضاء إ إلى

وما أمرنا اهللا أن نهمل فروضنا، وننبذ ما أوجـب .. والكسل المارقين عـن الـدين، فتلك حجة ؛ل عليه علينا، بحجة التوك

- ١٢٦ -

وال يرتاب أحد مـن أهـل ..الحائدين عن الصراط المستقيم الدين اإلسالمي في أن الدفاع عن الملة في هذا األوقات صار

. من الفروض العينية على كل مؤمن –ة عقائدهم الحق إلى وليس بين المسلمين وبين االلتفات

ـ إ التي تجمع كلمتهم، وترد غيـرتهم ضهنليهم عزيمتهم، وت .. ال دعـوة خيـر مـن علمـائهم إ –السترداد شأنهم األول . ذمتهم إلى وأن جميع ذلك موكول

ن من االنحطـاط والتـأخر، ا ما زعموه في المسلمي أم "وال غيرها من العقائد اإلسـالمية "ه هذه العقيدة فليس منشؤ

أشبه مـا يكـون نقيضه، بل إلى ليها كنسبة النقيض ونسبته إ نعـم حـدث .. النـار إلى الثلج والبرودة إلى بنسبة الحرارة

للمسلمين بعد نشأتهم نشوة من الظفـر، وثمـل مـن العـز والغلب، وفاجأهم وهم على تلك الحـال صـدمتان قويتـان،

وهي غارة التتر من جنكيز خـان ؛صدمة من طرف الشرق مـم وهـي زحـف األ ؛وأحفاده، وصدمة من جهة الغـرب

ن الصدمة في حالة النشوة وإ.. بية بأسرها على ديارهم ألورا .. الطبيعـة بحكـم ب بالرأي، وتوجب الدهشة والسبات تذهـ د ذلك تداولتهم حكومات متنوعة، وأ وبع مـر فـيهم األ دنس

- ١٢٧ -

.. سياسـتها نسح ال ي ن على أمورهم م يلغير أهله، وو إلى فـي أخالقهـم فكان حكامهم وأمراؤهم من جراثيم الفسـاد

ن الضـعف فـتمك ، وكانوا مجلبة لشقائهم وبالئهم وطباعهمار الكثير مـنهم علـى مالحظـة من نفوسهم، وقصرت أنظ

وأخـذ كـل مـنهم .. لذاتيةالجزئيات التي ال تتجاوز لذته ا خر، يطلب له الضرر ويتلمس له السوء من كـل بناصية اآل

ا ثمـرة هـذ وجعلـوا .. قوي باب، ال لعلة صحيحة وال داع ىالضـعف والقنـوط، وأد إلـى مـر بهـم الحياة؛ فآل األ

. ما صاروا إليهإلى ن هذه الملة لن تموت إ – وحق ما أقول –ولكني أقول

مأخـذها مـن قلـوبهم، ما دامت هذه العقائد الشريفة آخذة ورسومها تلوح في أذهانهم، وحقائقها متداولة بـين العلمـاء

مراض النفسية عليهم من األ ا عرض وكل م .. الراسخين منهم واالعتالل العقلي، فال بد أن تدفعه قوة العقائد الحقة، ويعـود

يـذهبوا مـذاهب األمر كما بدأ، وأن ينشطوا من عقالهم، و الحكمة والتبصر في إنقاذ بالدهم، وإرهاب األمـم الطامعـة

. وما ذلك ببعيد.. هايقافها عند حدفيهم، وإ

- ١٢٨ -

فتوحات اإلسالم فتوحات اإلسالم اصيناصين القص القصوأحاديثوأحاديث

سألني سائل عن الـرأي فيمـا يوجـد بأيـدي النـاس ولـى، وعمـا زوات اإلسالمية وأخبار الفتوح األ من كتب الغ

شحنت به تلك الكتب من أقوال وأعمال ت يسالنبي إلى ب ، منها، ، وهل يصح االعتماد على شيء وإلى كبار أصحابه

موضوع في فتوح في السؤال كتاب الشيخ الواقدي ال ثم خص يام المعتـدين، ا من معربدة هذه األ الشام، وذكر لي أن بعض

على مقام التصنيف، قد جعلوا هذا الكتاب عنقلهم، ومثابة ةدم ليتخذوا منـه حجـة علـى مـا ؛ليها في روايتهم إيرجعون

ولـين، وليسـلكوا جونه من تشويه سيرة المسـلمين األ يرو ا آخر وأن بعض ،لب، ونشر المعايب ذاعة المثا إ إلى منه سبيال

وا هذا الكتاب من أنفـس من ضعفة العقول من المسلمين، ظن نه جدير أن يحرز في خـزائن إولون لآلخرين، و ما ذخر األ

الكتب السياسـية، وحقيـق أن ينقـل مـن اللغـة العربيـة بـت السـائل بجـواب أحببـت غيرها من اللغات، فأج إلى شنلو يعلى ظن أن ر ،تكون فيه ذكرى لميتذكرن .

- ١٢٩ -

لم يأ اإلسالم بأعظم مما ابتدعـه المنتسـبون إليـه، زر جلب الفسـاد فذلك مما ؛ثه الغالة من المفتريات عليه وما أحد

عليـه ساء ظنون غيرهم فيما بنـي أعلى عقول المسلمين، و الدين، وقد فشت للكذب فاشية على الدين المحمدي في قرونه

ـ ، بـل ع عهد الصـحابة ي ذلك ف فرعاألولى، حتى ده : في حياته، حتى خطب في الناس قائالالكذب على النبي

ـ نال م أ الكذابة، يأيها الناس قد كثرت عل " ي يكذب عل(٢٧) أو كما قال"ا فليتبوأ مقعده من النارمتعمد ه في على الناس بالؤ كاذيب حق ال أن عموم البلوى باأل إكثيـر ويين، فكثر الناقلون، وقل الصادقون، وامتنع ماألدولة

ـ ؛ يثقون بحفظه نال لم من أجلة الصحابة عن الحديث إ ا خوفــن ــى ســ م ــنهم، حت ــذ ع ــا يؤخ ــف فيم لئالتحري

. ثينلكثرة المحـد : ث؟ فقال ال تحد مل: عبد اهللا ابن عباس ما رأيت : نه قال مام مسلم في مقدمة صحيحه أ عنه اإل وروى

ال أذكر أنني رأيت الحديث بهذا اللفظ، وظاهر أنه مروي بالمعنى )٢٧(

. بقوله أو كما قال

- ١٣٠ -

سع شر ثم ات (٢٨) أكذب منهم في الحديث ل الخير في شيء هأ االفتراء، وتفاقم خطب االختالق، وامتـد بامتـداد الزمـان،

ثين، والعلماء العـاملين، أن نهض أئمة الدين من المحد إلى ، وشـرطوا فـي صـحة الروايـة ووضعوا للحديث أصوال

ـ ا، وبي شروط نوا درجات الرواة وأوصـافهم، ومن ـ ي قوث به ومن ا من أهـم الفنـون به منهم، وصار ذلك فن قوث ال يبتسناد، وأ وه فن اإل سم وه فـن مصـطلح عوه بفن آخر سـم

فامتاز بذلك الصحيح من الفاسـد، وامتـاز الحـق ؛الحديث غيرها، وثبـت من الباطل، وعرفت الكتب الموثوق بها من

لمام بالديانة اإلسالميةإعلم ذلك عند كل ذي أنه كان قد كتـب كتابـه مام مالك عن اإل وقد روي

لف حديث عن النبـي أا أربعة عشر الموطأ حاوي ـ ا ، فلمابة فطـابقوا بـين كالمـي الكذ يقد كثرت عل "سمع حديث

روى مسلم هذه العبارة في مقدمة صحيحه عن يحيى بـن سـعيد )٢٨(

يذكر ابـن القطان بهذا اللفظ وبلفظ الصالحين بدل أهل الخير ولم له بأن الكذب يجري على لسانهم وال يتعمـدون الكـذب عباس وأو

يعني يروون األحاديث الموضوعة وال يعلمون؛ لحسن ظنهم وعدم . نقدهم

- ١٣١ -

تحريـر كتابـه، إلى عاد "ال فاطرحوه إوافقه و فإنوالقرآن، راجـع نا أكثر من ألف وم ربعة عشر ألف فلم يثبت له من األ

مقدمة اإلمام مسلم علم مـا لحقـه، مـن التعـب والعنـاء الدخالء في الدين طلع على ما أدخله في تصنيف صحيحه، وا

لم يخف على أهل النظر فـي التـاريخ ،وليس منه في شيء لعالم بالمع القـوة، وعـال أبصار ا أن الدين اإلسالمي غشي

ـ ،مم بسلطان السطوة رءوس األ ان وفاض في النـاس فيضلت لهم منـه السيول المنحدرة، والحت لهم فيه رغبات، وتمث

فكـان ؛لباب عليه آيـات بينـات ولي األ مرهبات، وقامت أل ـ إقوم اعتقدوا به : لى هذه األقسام الداخلون في الدين ع ا ذعانـ لحجته واستضاءة بن ل وره، وأولئك الصادقون، وقوم من مل

ا لرغبة في مغانمـه، مإمختلفة انتحلوا لقبه، واتسموا بسمته، أو لرغبة من سطوات أهله، أو لتعـزز باالنتسـاب إليـه،

بسوا اإلسـالم ل. فتدثروا بدثاره، لكنهم لم يستشعروا بشعاره أعشار قلـوبهم، فهـم ال أنه لم يمس إعلى ظواهر أحوالهم

كانوا على أديانهم في بـواطنهم، ويضـارعون المسـلمين شـباههم أ مـن قـول في ظواهرهم، وقـد قـال اهللا فـي

ـالمنا ولملكن قولوا أستؤمنوا و نا قل لمآم ابرقالت األع

- ١٣٢ -

في قلوبكم انخل اإليمدي ـ فمن هـؤالء م كـان يبـالغ ن ـ نه من األ أفي الرياء، حتى يظن الناس ذا أحـس إتقيـاء، ف

القديم، مسـندا بقوله أخذ يروي لهم أحاديث دينه من قوم ثقة ولهـذا تـرى جميـع ؛ أو بعض أصـحابه النبي لها إلى

الكتـب إلـى لقاإلسرائيليات وما حوته شروح التوراة قد ن ال أن أئمة الدين عرفـوا إنه أحاديث نبوية، أاإلسالمية، على

وا على عدم صحتها، ونهوا عـن النظـر فيهـا ذلك فنص، ومنهم من تي لو رسـخت معانيهـا حاديث ال د وضع األ تعم

عمـال خالق، وحملت على التهاون باأل األ في العقول أفسدت حاديث الدالة الشرعية، وفترت الهمم عن االنتصار للحق كاأل

ة في عفو عمطأو الم ) والعياذ باهللا (على انقضاء عمر اإلسالم اهللا مع االنحراف عن شرعه، أو الحاملة على التسليم للقـدر

كـل ذلـك يضـعه .. اما يصلح الدين والـدني بترك العقل في فساد المسلمين، وتحويلهم عـن أصـول الواضعون قصدا إل

. ليختل نظامهم، ويضعف حولهم؛دينهم كثـار خبار واإل د في اإل ومن الكاذبين قوم ظنوا أن التزي

هذروا بما شاءوا، يبتغـون من القول يرفع من شأن الدين، ف ال الوزر والعقـاب وهـم إم يناله جر والثواب، ولن بذلك األ

- ١٣٣ -

ما رأيت أهل الخبر فـي شـيء : بن عباس الذين قال فيهم ا ويريد بأهل الخبـر أولئـك الـذين ،أكذب منهم في الحديث عون سربالهم، ويطأطئون رءوسـهم، يطيلون سبالهم، ويوس

المسـاجد إلـى ويخفتون من أصواتهم، ويغدون ويروحون كون بالـذكر احهم، يحر بأسباحهم، وهم أبعد الناس عنها بأرو

شفاههم، ويلحقون بها في الحركة سبحهم ولكنهم كمـا قـال الحـق، منقادون لحملـة : ن علي بن أبي طالب أمير المؤمني

ول حنائه، ينقدح الشـك فـي قلـوبهم أل إ ال بصيرة لهم في عارض من شبهة، جعلوا الدين من أقفال البصيرة ومغـاليق

ـ العقل، فهم أغرار مرحومـون، يسـيئ ون أنهـم ون ويحس، ، والغـدر فضـال فهؤالء قد يخيل لهم الظلم عدال "يحسنون

بـي ممـا يزيـد نأصـحاب ال إلى فيرون نسبة ما يظنون : في النفوس منزلتهم، فيصح فيهم ما قيل في فضلهم، ويعلي

جاهل عدو عاقل خير من محب ، اع كتـب ومن هؤالء وض . المغازي والفتوح وما شاكلها

ه لشيخ الواقدي فكان من علماء الدولة العباسـية وال ا ا أم القضـاء المأمون القضاء في عسكر المهدي، وكـان تـولى

فوه فـي الحـديث وضـع ": قال ابن خلكان . في شرقي بغداد

- ١٣٤ -

. وه ضعيف الرواية ليس من أهل الثقـة أي عد ؛"يهموا ف وتكله ال يؤخذ نعلى أ : اإلمام الرملي من علماء الشافعية نعىولذا

فإن كان هـذا الكتـاب المطبـوع (٢٩)بروايته في المغازي الموجود في أيدي النـاس مـن تصـنيفه، فهـذه منزلتـه من الضعف عند علماء المسلمين، على أني لو حكمت بأنـه

. امكذوب عليه، مخترع النسبة إليه، لم أكن مخطئن الواقدى كان من أهل المائـة الثانيـة بعـد وذلك أل

وكان من العلم بحيث يعرفه مثل المأمون بن هارون الهجرة،الرشيد، ويواصله ويكاتبه، وصاحب هذه المنزلة في القرون

نطق في العربية فإنما ينطق بلغتها، وقد كانت اللغة لتلك اإذاألجيال على المعهود فيها من متانة التأليف، وجزالة اللفـظ

كشف له بـأول والناظر في كتاب الواقدى ين ،وبداوة التعبير النظر أن عبارته من صناعات المتـأخرين فـي أسـاليبهم، وما ينقل فيها من كالم الصـحابة مثـل خالـد بـن الوليـد

أقل ما قيل فيه إنه ضعيف، وقد كذبه الشـافعي وأحمـد، وروى )٢٩(

البيهقي عن الشافعي أنه قال كتب الواقدي كلهـا كـذب، ووثقـه كما في تهذيب . خالف في كونه من أعلم علماء الملة آخرون، وال

. التهذيب

- ١٣٥ -

ال ينطبق على مذاهبهم في النطـق، عبيدة وغيرهم وأبياء قوله يجد أسلوبه من أسـاليب حبل كلها دقق المطالع في أن

مائـة الثامنـة صاصين في الديار المصرية من أبنـاء ال القوالتاسعة، وال يرى عليه لهجـة المـدنيين وال العـراقيين،

اقي المقـام، ولـوال خـوف والرجل كان مدني المنبت عر نت وجه المخالفة بينها تيت بكثير من عباراته، وبي التطويل أل

وبين مناهج أبناء القرون األولى في التعبير، على أن ذلـك . طوار اللغة العربيةفين بأ العار عند البيان إلى ال يحتاج

نـه مكـذوب النسـبة ؛ أل فهذا الكتاب ال يصح الثقة به ـ على الواقدى وهو األظهر، وأ ضـعف الواقـدي نفسـه ا م ح به العلماء، فال تقوم به حجـة في رواية المغازي كما صر ا للسياسيين، ومثل هذا الكتـاب للمتحذلقين، وال يصلح ذاخر

بي منصور الثعالبي، ء المنسوب أل نبياألكتب كثيرة كقصص ا وكثير من الكتب المتعلقة بأحوال اآلخرة، أو بـدء العـالم،

الشيخ السـيوطي، إلى أو بعض حقائق المخلوقات المنسوبة صـمعي، حبـار أو األ كعب األ إلى وقصص روايات تنسب

وما شاكلهما ممن وا بالرواية، فأولع الناس بالنسبة إليهم فر ععتداد ن صحيح وباطل، فجميع ذلك مما ال ا ريق بي من غير تف

- ١٣٦ -

والعمدة فـي النقـل ،به عند العلماء، وال ثقة بما يندرج فيه التاريخي كتب الحديث كصحيحي البخاري ومسلم وغيرهمـا من الصحاح، ويتلوهـا كتـب المحققـين مـن المـؤرخين

،ثير والمسعودي وابن خلدون وأبي الفـدا وأمثـالهم كابن األ الع التاريخ من قـوة حاكمـة ط م حال فال يستغني لى أي وعز بها بين ما ينطبق على الواقع وما ينبو عنهيمي.

- ١٣٧ -

الوهم حجاب الحقيقةالوهم حجاب الحقيقةوهام حتـى نـرى اللهم اكشف عن بصائرنا ستار األ "

. "الحقائق كما هي كي ال نضل ونشقىا يكون مرآة المزعجات، الوهم طور .. أال قاتل اهللا الوهم

ـ الا يكون ممث وطور.. زعات المف يومجل ا للمسـرات، حكيللمنعشات، وهو في جميع أطواره حجاب الحقيقـة، وغشـاء

ا على ة وحكم ادرعلى اإل ا سلطان له لكن.. على عين البصيرة . فهو مجلبة الشر، ومنفاة الخير؛العزيمة

ا، والمـأمن ا، والقريب بعيـد ل الضعيف قوي الوهم يمث الوهم يذهل الـواهم عـن نفسـه، .. الكمخافة، والموئل مه

ويصرفه عن حس ـ ه، ي خي ا، والمعـدوم ل الموجـود معـدومالواهم في كون غير موجود، وعالم غير مشـهود .. اموجود . دركه وماذا تركهفيه خبط المصروع ، ال يدري ماذا أيخبط

الوهم روح خبيث يالبـس الـروح اإلنسـانية وهـي ـ .. في ظالم الجهل م، ت الحقـائق تحكمـت األوهـا إذا خفي

بيداء الضاللة، إلى نيموتسلطت على اإلرادات، فتقود الواه

- ١٣٨ -

سبيل، وال يستقيمون إلى فيخبطون في مجاهيل، ال يهتدون . على طريق

نجليز أمة مجتمعة القوى، مستكملة العدد مستعدة كان اإل مم الشرقية بتفريـق وذلك في زمان بليت فيه األ .. وحاتللفت ت بالجهــل بــجهــواء، وحة، واخــتالف األلكلمــا

فكـان .. عن معرفة أحوال الغربيين وصـنائعهم وعـاداتهم ون كل غريبة معجزة، وكل بديع من االختراع الشرقيون يعد

نجليز تلـك الفرصـة وانـدفعوا فانتهز اإل ؛ا أو كرامة سحر ى غالب أرجائه، وما دهموا الشرق وبسطوا سلطتهم عل إلى

ثـارت عض غرائب الصناعة األوربيـة التـي أ بال ب سكانه إ نجليـز ام، ثم زاد الوهم قوة ما نصـبه اإل وهفيهم خواطر األ

من حبائل الحيلة والمكر، حتـى جلبـوا قلـوب المسـاكين وأذهلوهم عما في أيديهم، بل أخذوهم عن عقولهم وخطرات

فسلبوا أموالهم، وانتزعوا منهم أراضيهم، وأجلـوهم .. قلوبهمنجليزية بما سلبت، وأثـرت فاستغنت األمة اإل ؛كهمعن أمال

ا واسـعة، بما نهبت، وترفهت بما ملكت، وحكمـت أقطـارار، متوزعـة قطشاسعة، وقواها منقسمة على تلك األ نحاءوأ

اال نـزر فيها، فال ترى في كل إمارة من إماراتها الشرقية إ

- ١٣٩ -

ع يطستمن العدد والعدة، وهي في جميعها ضعيفة واهنة، ال ت ذود نحـاء توجـب ا، وإن أخف حركة في تلك األ ا وال دفاع

. زعزعة في تلك القوة أو هدمها والقضاء عليها فهي دائمـا ؛نجليزيةوقد ظهر هذا األمر على األمة اإل

قها وضـياعها في رجفة على أمالكها، في خوف من تمز .. ية حركـة تحـدث من كل حادثة في العالم، وتقلق أل تتوجس

سبب حـدوثها غرب م بالشرق أو ال مة تل ود، وكل مل في الوج الضـعيفة زلزلة في قوى اإلنجليز المتوزعة فـي األنحـاء

. رجاءفي جميع األ

سالح الوهم سالح الوهم ـ ومع هذا كله نرى ذلك خفي ا ا على الشـرقيين، محجوب

نجليـز يمثل الوهم لكل شـرقي أن اإل .. وهمعنهم بحجاب ال زمـانهم، فمثـل الشـرقيين على ما كانوا عليه في ماضي

يرى بها جثة أسد مطروحة في مغارة نجليز كمثل مار مع اإل ، فاقدة الحياة عديمة الحراك، فيتوهمهـا سـبعا على طريقه

ضاري ا قوي؛اا ومفترس ا وريبة بدون فينكب عن الطريق وهمف منه، يرتعد ويسقط ويموت خوفا أو يضـل ق لما تخو يتحق

غايتـه، إلـى ختلط عليه مسالك الوصول بعد ذلك الجادة وت

- ١٤٠ -

ـ هوربما صادف مهلكـة فـي ضـالله ومتلفـة فـي غي .. ا على الغربيين ن هذا الوهم كان متسلط بل ال نخطئ إن قلنا إ

نكما هو متسلط على الشرقيين، فاألوربيون كـانوا ينظـرو نجلترا في أمالكها البعيدة كما ينظرون إليها في جزائـر إإلى

نة ممتنعة فـي هـذه نجلترا متحص كانت حكومة إ ا، و بريطاني القبة الوهمية، مترب عة على عرش هذه العظمة الخيالية، يحس

وال ستار .. ضعف قوتهم فيجتهدون دائما في ستره اإلنجليز ب ولهذا نراهم فـي كـل حادثـة يضـجون ؛أكثف من الوهم وهـام، زأرون ليثيروا بالضوضاء هواجس األ ويصيحون وي

أنظار الناظرين، وتغشـى بصـائر المستبصـرين لفتحو ..كشفها ال فقليل من االلتفات ي فتحول دون استطالع الحقيقة، وإ

. نجليزفتقوم قيامة الخراب على اإل الهند في قوى مجتمعـة، وتسـابقوا إلى نجليزذهب اإل

راضـي الهنديـة ا وهولندا والبرتغال في ميدان األ مع فرنس امتـازوا المباراة قصب السبق بما فحازوا في هذه .. الواسعة

بما ساعدهم على ذلـك مـن غفلـة به من الدهاء والمكر، و فمالـت النفـوس .. الهنود لذاك العهـد أو طيـب قلـوبهم

وا بوا على تلك الـبالد، واسـتقل ا، وتغل نجليز اغترار اإلإلى

- ١٤١ -

ال مضـائق وما أبقوا لغيرهم من الدول إ .. ئاا فشي بأمرها شيئ وأول ما استمالوا به القلوب المسـالمة ، ركذ ال ت رضاألمن

فرنسـا، ؛ننا نريد تخليصكم من هذه الدول الظالمـة قولهم إ فإنها تريد التسـلط علـى ممـالككم، .. وهولندا، والبرتغال

ال تحريـركم واسـتقاللكم ا نحن اإلنجليـز فـال نريـد إ أم . سـلطة ن في الهند والهند الصينية وبورمـا إن لإلنجليز اآل نجليزيـة، نفوس، كلها كارهة لتلك السـلطة اإل على ماليين ال

ظالمة كانت –ص منها، وتفضل أية سلطة سواها تطلب التخل نـه كأنما يتصور كل واحد من أفراد تلك األمم أ –أو عادلة

نجليـز، في العالم تبلغ في ظلمها مبلـغ اإل ال توجد حكومة . في الكبرياء والجبروتنجليزما وصل إليه اإل إلى وال تصل

ولكن مع هذه البغضاء اآلخذة بقلوب أولئـك الرعايـا، ص مـن ومع سعة ديارهم وتباعد أرجائها، وشدة ميلهم للتمل

تلــك الســلطة الظالمــة، ال يوجــد بيــنهم قــوة تقهــرهم

- ١٤٢ -

ألف (٣٠)ال خمسون ى الخضوع لتلك الحكومة المبغوضة إ عل لك الصـغيرة التـي نجليزي، مع أنه يوجد من المما جندي إ لهـا، ع مـن االسـتقالل وتخشـى زوال مـا بقـي لها نو

هذا .. ما لو جمعت قواها لبلغت أكثر من ثالثمائة ألف جندي التـي يستطيعون حمل السالح من أهالي الـبالد ن عم فضال

. نجليزية وزال استقاللهادخلت تحت سيطرة الحكومة اإل والحواس، حتى فلوال الوهم الذي استولى على المشاعر

.. أذهلها عما بين يـديها، بـل عمـا هـو موجـود فيهـا ما بقيت هذه النفوس الكثيرة العدد الفائقة القوة في قبضة قوم ضعاف يسومونهم عذاب الذل والهوان، لـو لمـح أولئـك المساكين أنفسهم لمحة اعتبار، وأدركوا ما أتاهم اهللا من القوة

الحاضـرة يز في الحالة نجلاإلضعف إلى الطبيعية، ونظروا .. أرجلهم يديهم، وملجأ النجاة تحت لرأوا موئل الخالص بين أ

ـ إلى نفسهم وبالدهم، ال يحتاج وعلموا أن استقاللهم أل م تجش

وقد أصبحت هذه .. هذه القوة كانت موجودة أثناء كتابة هذا المقال )٣٠(

البالد مستقلة استقالال كامال وال صلة لها بإنجلترا إال بتلك المعاهدة . التي جعلتها ضمن دول الكومنولث

- ١٤٣ -

بذل أمـوال وفيـرة، إلى ف مشقة، وال يدعو تعب وال تكل . وال سفك دماء غزيرة

وهم الدولوهم الدول يوجد في الدول األوربية ماإلنجليـز يهـاب دولـة ن

مم العظيمـة ي سلطتها من الممالك الواسعة واأل ا لما ف اعتبارمما لم يبلغ عدده رعية دولة من الدول، ويقيس شأنها وقوتها

طراف القاصية بما يراه في جزائـر بريطانيـا، في تلك األ ويظن أن لها قدرة على الدفاع عن تلـك الممالـك تسـاوي

ولـم يلتفـت ،هـا قدرتها عليه في بريطانيـا أو تقـرب من حـد إلـى أن جسم اإلنجليز قد مد في الطول والعرض إلى

ة لتقطعت أوصاله وتفرقـت قـواهم لو حصلت فيه أدنى هز رض حتى لم تبق لهم في موضع قوة ورعايـاهم في بسط األ

في كل صقع في ضجر ال مزيد عليه، يترقبـون فـي كـل ايـة ا من خارج يعينهم على ما يقصـدون مـن النك آن زحف

نجلتـرا لو التفتت تلك الدولة التي تهاب إ بحكامها الظالمين و مر، لما احتاجت فـي معارضـتها ومنازلتهـا حقيقة األ إلى حد إلى مر من الظهور ر وال مشورة، فقد وصل األ تدب إلى

..! قاتل اهللا الوهم.. دقة الفكر لوال حجاب الوهم إلى ال يحتاج

- ١٤٤ -

اإلنجليز كما ينظـرون دولة إلى ن العثمانيين ينظرون إ نجلتـرا تحكـم دولة الروس، مع مالحظـة أن دولـة إ إلى

فيظنون لهذا النظر .. ا من النفوس على مائتين وخمسين مليون وا أن معارضة هذه الدولة ربما تجلب الضرر، وليـتهم مـد

ما وراء ذلك ليتبين لهم قوتها العسكرية، وماذا إلى أنظارهم ميـادين القتـال، ويتضـح إلى وديمكنها أن تسوق من الجن ثيرة ال اعتداد بها فـي قـوة دولـة لهم أن هذه الماليين الك

عدائها عليهـا، وهـي فإنما هي في الحقيقة قوة أل .. ترانجلإنجلترا ت دولة إ بكرتافي ارتقاب الفرص لخلع طاعتها فمتى

ا تقاتل بالحرب مع دولة أخرى، رأيت مائتين وخمسين مليون ا من المسلمين في حكومـة ا خمسين مليون صوصاإلنجليز، خ

ون إليـه، ئا يلج ون الدولة العثمانية قبلة لهم ومالذ نجلترا يعد إ ليـت العثمـانيين ،وهم أول قوم حربيين في البالد الهنديـة

نجلترا إنما تستميل المسـلمين فـي الهنـد يعلمون أن دولة إ عـة كونها حليفة الدولـة العثمانيـة ونصـيرة لهـا ومداف ب

ما واهللا لو علم العثمانيون ما لهم من السـلطة عن حقوقها، أ المعنوية على رعايا اإلنجليـز، واسـتعملوا تلـك السـلطة

عوا مرارة الصبر على تحكمـات ا تجر ماستعمال العقالء، ل

- ١٤٥ -

في أعمالهم، وتعديهم على حقوق السـلطان ماإلنجليز وحيفه قة أهـم مسـألة يفي مثل المسألة المصرية التي هي في الحق

. سالميةعثمانية أو إ

الوهم واحتالل مصرالوهم واحتالل مصرن سكان مصر كانوا أيام عرابي على قسـمين، قسـم إ

يروم حفظ الحالة القديمة والوقوف عند ما يرسم به توفيـق عرابـي، ويهـاب إلـى باشا، وقسم كان يميل بأحد جانبيه فكان هذا القسـم الثـاني ؛بالجانب اآلخر سلطة الرسم القديم

وال عزيمة مع الريب، والقسم األول مخلد ؛ي ريبة من أمره ف وإنمـا بنـوع . فدخل اإلنجليز بال حرب حقيقية ؛ الفشل إلى

من الترهيب، وقليل من الترغيب، وخفيف مـن الدسـائس، ـ صادف قلوب ا، فانحلـت الرابطـة ا مستعدة فأخذ منها مقام

بـزوال جانـب الميـل (٣١)"عرابـي "ق الناس عـن وتفر ومع ذلك مـا كـان يعتقـد واحـد مـنهم ،يه من قلوبهم إل

ا سوى أنهم يؤيدون توفيق أن اإلنجليز يبتغون من البالد شيئ فتسـاهل المصـريون ؛باشا وينقذونه من الثـائرين عليـه

. ١٨٨٢ و ١٨٨١بية عام أحمد عرابي زعيم الثورة العر )٣١(

- ١٤٦ -

في األمر بحسن ظنهم في حكومة اإلنجليز مع مـا جـاءتهم من الحجة القوية القائمة على أن صاحب السـيادة الشـرعية

ستقرت أقدامهم، اإلنجليز وا بهذا فاز .. في رضا عن تصرفها رهم، وسوء نيـتهم، أما وقد مضى الزمان الكافي لظهور غد

يميل إليهم، بل ال يوجد نهالي المصريين م فال يوجد من األ أن يعمـل عمـال يبغضهم ويتمنى فنـاءهم، ويـود نال م إ

ن أهالي ، إ مةلهالكهم، ولكن الوهم يجسم الخوف ويكبح العزي مصر، كأنهم ذهلوا أن المصريين كانوا على كلمـة واحـدة

بـت علـيهم القـوة اإلنجليزيـة في مدافعة اإلنجليز، ثم تغل كأن المصريين نسـوا مـا كـان بيـنهم، .. وقهرتهم جميعا

. ال بمعونتهموأن اإلنجليز ما دخلوا بالدهم إـ ا ف ن الذين كانوا سبب إ.. هذا هو الوهم العجيب ب ي تغل

نـه لـوالهم جليزية وحلولها في وادي النيل، وإ العساكر اإلن ادرون ، يظنون اآلن أن هؤالء الجنود ق استقر لها قدم فيه ما ا

؛خضاعهم لحكومـة بريطانيـا على قهر األهالي عموما، وإ ـ وبهذا الظن الباطل يستسلمون أل ا ويجـارونهم عدائهم كره

القوة إلى صريون نظرة تأمل ال ينظر الم أ.. افي أهوائهم نفاق ليس في طاقة بريطانيا لـو أفرغـت هاإلنجليزية ليعلموا أن

- ١٤٧ -

لـف مصر والسودان أزيد من عشرين أ إلى جهدها أن تبعث أال يعلمون أنه إذا اشتغل الجند اإلنجليز بالسـودان، .. جندي

وحصلت حركة خفيفة في الشرقية والبحيرة والفيوم الرتبـك .. هلهـا وا لترك الـبالد أل والتجئ مهماإلنجليز وخارت عزائ

!أال قاتل اهللا الوهم

وشبح بال وشبح بالصوت عالصوت عال، ولكن مبلغ تلـك ركنأن لإلنجليز قوة حربية بحرية ال ت

ال يمكـن .. القوة البحرية هو الذي ظهر أثره فـي سـواكن فيما يبعد عن البحر أكثر من فرسخين، فلـو أن تعمل عمال

وا قنـابلهم علـى السـواحل فهـل فرضنا أن اإلنجليز أطلق بـدين أبد اآل إلى في استطاعتهم أن يقيموا تحت ظالل القنابل

إذا كان األهالي في داخل الـبالد ينـاوئونهم، ولـيس لهـم لـيس . من القوة العسكرية البرية ما يقهرهم علـى الطاعـة

قـت حجبـه هذا الوهم تمـز .. سوى الوهم في األمر شيء ضعيف يسطو .. هم اإلنجليز نوا م ملعيين ف عن بصائر الغرب

قامت الدولـة . وشبح بال صوت عال .. قوياءعلى حقوق األ مـم كالـدودة تهم لعلمها أن اإلنجليز صاروا لأل على معارض

تفسد الصحة وتدمر البنية، لكن بقـي الوحيدة، على ضعفها

- ١٤٨ -

أن يزول هذا الوهم من الشرقيين حتى يستفيدوا مـن هـذه لوا بـأمورهم، وال ينتقلـوا مـن عبوديـة الحركات، ويستق

. ا بسيد آخرا أجنبيأخرى، وال يستبدلوا سيدإلى ، وهيئ لنا الرشد في أمورنـا، اللهم ارفع حجب األوهام (٣٢)خير نهاية إلى واحفظنا من الغواية، واهدنا

)٣٢( رأي األستاذ األمام في هذا الوهم العجيـب الـذي كـان لقد صح

يسيطر على األفراد والجماعات وعلى بعض الـدول، وتكشـفت حقيقة اإلنجليز، واستقلت كثير من األمم، وأصبحت لها إرادة قوية، وعزيمة صادقة وسيادة حقة بعد ما زال عنها حجاب الوهم الـذي

. طر عليها حقبة من الزمانسي

- ١٤٩ -

- ١٥٠ -

التعصببالتعص ا أنزل إليوا موا مـن اتبعال تتبعو كمبن ركم م

اءليونه أود "قرآن كريم"

ا في بالد الشرق، تلوكه قول الناس خصوص لفظ شغل ع فواه في المحافل والمجامع حتى صـار األلسن وترمي به األ

ـ (٣٣)تكأة (٣٥) فـي تهتهتـه، (٣٤)ي للمتكلمين، يلجأ إليـه العيواقع التعبيـر، أخذ هذا اللفظ بم (٣٧) في تفهيقه (٣٦)والذملقاني

ـ فقلما تكون عبارة إ أو خاتمهـا، هاوال وهو فاتحهـا أو حشونيعد علة لكل اه مسم ا لكل عناء، ويزعمونـه بالء، ومنبعا كثيف حجاب صفين به وبين الفـوز والنجـاح، ا بين المت ا وسد

. ا على النقص وعلما للرذائلويجعلونه عنوان

.ما يتوكأ عليه: التكأة )٣٣( . من العي وهو العجز عن الكالم: العيي )٣٤( . ضرب من اللكنة: التهتهتة)٣٥( . السريع الكالم: الذملقاني )٣٦( . التوسع والتنطع: التفهيق )٣٧(

- ١٥١ -

فرنج، الذاهبون فـي تقليـدهم بسرابيل اإل والمتسربلون هـم .. زون بين حـق وباطـل مذاهب الخبط والخلط، ال يمي

ق بهـذا البـدع الجديـد، فتـراهم أحرص الناس على التشد ب يهزون الرءوس ويعبثـون بـاللحى في بيان مفاسد التعص

ردفوه من شأنه أ ا للحط ويبرمون السبال، وإذا رموا به شخص فإن عهدوا بشخص نوعا (٣٨)"فناتيك"فرنجي فظ إ بلللتوضيح

ا، وهمزوا بـه وغمـزوا من المخالفة لمشربهم عدوه متعصبا وشمخوا بأنوفهم كبر (٣٩)ولمزوا، وإذا رأوه عبسوا وبسروا

مـاذا سـبق .. ا، ونادوا عليه بالويـل والثبـور وه دبر وول، أفهامهم من هذا اللفظ، وما تصل بعقولهم مـن معنـاه إلى

ا لكل نقيصة، وهل لهم ومصدر ،حتى خالوه مبدأ لكل شناعة من حقيقته؟ وقوف على شيء

. متعصب: معناها )٣٨( . بتشديد الهاءقطب وجهه في تجهم: قطب وجهه، وبسر: عبس )٣٩(

- ١٥٢ -

ما هو التعصب؟ ب؟ ما هو التعص ب قيام بالعصـبية، والعصـبية مـن المصـادر التعص

العصبة، وهـي قـوم الرجـل الـذين إلى نسبة ؛(٤٠)النسبيةـ .. يعززون قوته، ويدفعون عنه الضيم والعـداء ب فالتعص

يتصل ننسانية، تصدر عنه نهضة لحماية م وصف للنفس اإل حكـام الـنفس د عن حقه، ووجوه االتصال تابعة أل بها والذو

. في معلوماتها ومعارفهال اهللا به الشعوب، وأقام بنـاء هذا الوصف هو الذي شك

وهو عقد الربط في كل أمة، بل هو المزاج الصحيح .. مماأليوح ا أو ينشئها بتقدير اهللا خلق ق منها تحت اسم واحد، د المتفر

ره روح واحـدة؛ تدب واحدا، كبدن تألف من أجزاء وعناصر، شئونه وسعادته وشـقائه و فتكون كشخص يمتاز في أطواره

. شخاصعن سائر األ، وقبيل وهذه الوحدة هي مبعث المباراة بين أمة وأمة

متـين المتقـابلتين بمـا يتـوفر وقبيل، ومباهاة كل مـن األ

ــو )٤٠( ــاء الصــرف والنح ــد علم ــادر عن ــذه المص ــمى ه وتس . "المصادر الصناعية"

- ١٥٣ -

من أسباب الرفاهة وهناء العيش، ومـا تجمعـه قواهـا لها نفـاذ الكلمـة وة والمنعة، وسـمو المقـام من وسائل العز ..

، أعظـم باعـث والتنافس بين األمم كالتنافس بين األشخاص على بلوغ أقصى درجات الكمال في جميع لوازم الحياة بقدر

. ما تسعه الطاقةوصـورتها، مهبطه هيئـة األمـة ب روح كلي التعص

بأحـد فـإذا ألـم .. وسائر أرواح األفراد حواسه ومشاعره ، اعر ما ال يالئمه من أجنبي عنه، انفعل الروح الكلـي المش

ة العامة، وباعث وجاشت طبيعته لدفعه، فهو لهذا مثار الحمي هذا هو الذي يرفـع نفـوس آحـاد األمـة . النعرة الجنسية

فيما يعود على األمـة عن معاطاة الدنايا وارتكاب الخيانات ستقامة الطبـاع ن ا وإ.. سوء عاقبة إلى بضرر، أو يؤول بها

ـ ورسوخ الفضيلة في أ ب مة تكون على حسب درجة التعصيكون كل منهم بمنزلـة عضـو .. فيها وااللتحام بين آحادها

عن القـدم، دن حي، ال يجد الرأس بارتفاعه غنى سليم من ب . ا في رتبـة الوجـود طاطوال يرى القدماء في تطرفهما انح

. وإنما كل يؤدي وظائفه لحفظ البدن وبقائه

- ١٥٤ -

فـراد األمـة بضـعف ما ضعفت قوة الربط بين أ وكلـ التعص طنـاب، األ (٤١)تب فيهم استرخت األعصاب، ورث االنحـالل، كمـا إلـى ت األوتار، وتداعى بناء األمة ورق

يموت الـروح بعد هذا .. لفناءا إلى بناء البنية البدنية يتداعى ن بقيـت آحادهـا، فمـا هـي ، وتبطل هيئة األمة وإ الكلي

بأبدان أخـرى بحكـم ا أن تتصل مجزاء المتناثرة، إ إال كاأل أن ينفخ إلى ا أن تبقى في قبضة الموت مضرورة الكون، وإ

. فيها روح النشأة األخرى)إذا ضعفت العصبية في قوم رماهم ).. ة اهللا في خلقه نسع في لفشل، وغفل بعضهم عن بعض، وأعقب الغفلة تقط اهللا با

جانـب والعناصـر سع لأل فيت ؛وتبعه تقاطع وتدابر .. الروابطبعد حتى الغريبة مجال التداخل فيهم، ولن تقوم لهم قائمة من

ــدأهم بإ ــا ب ــدهم اهللا كم ــة روح التعصــ يعي ب فاض . في نشأة ثانية

. أي بليت األطناب )٤١(

- ١٥٥ -

االعتدال في التعصبباالعتدال في التعص بنعم أن التعص وصف كسائر األوصـاف، لـه حـد

نـا فراط وتفريط، واعتداله هو الكمال الذي بي اعتدال وطرفا إ .. النقص الـذي أشـرنا لرزايـاه مزاياه، والتفريط فيه هو

ة تبعث على الجور واالعتـداء، فـالمفرط فراط فيه مذم واإل به يدافع عن الملتحم به بحق وبغير حـق، ويـرى في تعص

األجنبـي إلـى نظـر باستحقاق الكرامة، وي دة عصبيته منفر ال يعترف له بحق، وال يرعـى .. الهمل إلى عنه كما ينظر

؛ةله ذم ب فيخرج بذلك عن جادة العدل، فتنقلب منفعة التعص ـ مضرإلى .. وض مجـدها ة، ويذهب بهاء األمـة، بـل يتق

وكل قوة .. ممم المجتمع اإلنساني، وبه حياة األ فإن العدل قوا فراط الزوال، وهذا الحد من اإل إلى تخضع للعدل مصيرها ال

ب هو الممقوت على لسان الشارع في التعص فـي قولـه "ليس منا معصبية إلى دعان"!

ب كما يطلق ويراد منه النعـرة علـى الجـنس، التعصـ ع ومرجعها رابطة النسب واالجتماع في منبت واحـد، توس

ام الملتحمين بصـلة الـدين أهل العرف فيه، فأطلقوه على قي عون من مقلـدي اإلفـرنج والمتنط.. المناصرة بعضهم بعض

- ١٥٦ -

وال نخال ،ون هذا النوع منه بالمقت، ويرمونه بالتعس يخص قـون فإن لحمة يصير بهـا المتفر ؛مذهبهم هذا مذهب العقل

وحدة، تنبعث عنها قوة لدفع الغائالت وكسب الكمـاالت، إلى ن مرجعها الدين أو النسب، وقد كـان اا ك ال يختلف شأنها إذ

من تقدير العزيز العليم وجود الرابطتين في أقـوام مختلفـة وعن كل منهما صدرت في العالم آثـار جليلـة .. من البشر

ويفتخر بها الكون اإلنساني، وليس يوجد عند العقـل أدنـى فرق بين مدافعة القريب عن قريبه، ومعاونته على حاجـات

ن ما يصدر عن ذلك عـن المتالحمـين بصـلة معيشته، وبي . المعتقد ورابطة المشرب

ب المشتركين في الدين، المتوافقين فـي أصـول فتعص إذا وقف عند االعتدال ولـم يـدفع .. هم البعض عضالعقائد، ب

جور فـي المعاملـة، وال انتهـاك لحرمـة المخـالف إلى سـانية، الفضائل اإلن لهم أو نقض لذمته، فهو فضيلة من أجل

ة وأعالهـا، بل هو أقدس رابط .. ا وأجزلها فائدة وأوفرها نفعأوج السـيادة إلـى المكنة فيها إذا استحكمت صعدت بذوي

لطان فيهم س إن كانوا من قبيل قوي وذروة المجد، خصوصا

- ١٥٧ -

هواء الجنسية حتـى أشـرف الدين، واشتدت سطوته على األ . يةبها على الزوال كما في أهل الديانة اإلسالم

وال يؤخذ علينا في القول بأنه من أقدس الروابط، فإنـه كما يطمس رسوم االختالف بين أشخاص وآحـاد متعـددة،

كذلك يمحو .. ويصل ما بينهم في المقاصد والعزائم واألعمال جنـاس فرة بين القبائل والعشائر، بـل األ أثر المنابذة والمنا

المتباعـدة المتخالفة في المنابت واللغـات والعـادات، بـل قصد إلى ل أهواءها المتضاربة في الصور واألشكال، ويحو

وهو تأصيل المجد وتأييد الشرف، وتخليد الذكر تحت واحد؛ . االسم الجامع لهم

ـ ب الـديني، وشـهد هذا األثر الجليل عهد لقوة التعص . عليه التاريخ بعد ما أرشد إليه العقل الصحيح

وقات فـي بيـان هذه األ ن متزندقة جماعة م (٤٢)غثغ ث مفاسد التعص ة أهل الـدين كمـا ب الديني، وزعموا أن حمي

بـدينهم خوانهم من ضيم، وتضافرهم لدفع ما يلـم يؤخذ به إ هـم عـن السـير من غاشية الوهن والضعف هو الذي يصد

. خلط وثرثر: ثغثغ في كالمه )٤٢(

- ١٥٨ -

كمال المدنية، ويحجبهم عن نور العلم والمعرفة، ويرمي إلىلهم على الجور والظلم والعدوان بهم في ظلمات الجهل، ويحم

على م(٤٣)فـين رأي أولئك المثفث ومن .. يخالفهم في دينهم ن أن ال سبيل لدرء المفاسد واستكمال المصـالح إال بـانحالل

العصبية الدينية ومحو أثرها، وتخليص العقول مـن سـلطة وكثيرا مـا يرجفـون بأهـل الـدين اإلسـالمي، .. العقائد

. ب إليهمام التعصويخوضون في نسبة مذ م، وأرشد أسـتاذ، ن الدين أول معل إ.. اصونكذب الخر

اكتسـاب العلـوم والتوسـع إلـى نفـس وأهدى قائـد لأل يطبع األرواح في المعارف، وأرحم مؤدب، وأبصر مروض

ة ويقيمها على جـاد .. داب الحسنة، والخالئق الكريمة على اآل العدل، وينب ـا ة ال ه فيها حاسديـن شفقة والرحمـة، خصوص

القسوة أعرق األمم في رفع أمة كانت من اإلسالم فهو الذي أرقى مراقـي الحكمـة والمدنيـة إلى وسما بها .. والخشونة

. وهي األمة العربية؛في أقرب مدة

. المغالين المتفلسفين )٤٣(

- ١٥٩ -

التغالي في التعصببالتغالي في التعص فراط مثل ب الديني من التغالي واإل قد يطرأ على التعص

ظلم وجـور، إلى ب الجنسي، فيفضي ما يعرض على التعصفيهم ومحـق بـادة مخـال قيام أهل الـدين إل إلى ربما يؤدي الغربية وانـدفعت علـى بـالد مم وكما قامت األ .. وجودهم

الدين إلى بادة، ال للفتح وال للدعوة الشرق لمحض الفتك واإل عـل وكما ف .. في الحرب الهائلة المعروفة بالحرب الصليبية

وكما وقع قبل هـذا وذاك فـي ..ي األندلس اإلسبانيون بمسلم ن صـاحب السـلطان مـن بداية الدعوة للدين المسـيحي، أ

ن جمع اليهود في القـدس وأحـرقهم، إال أن هـذا المسيحييما تمتد له مدة، ثم يرجـع صول الدين قل العارض لمخالفته أل

أصوله القائمة على قواعد السلم والرحمـة إلى أرباب الدين . والعدلت ا أهل الـدين اإلسـالمي، فمـنهم طوائـف شـط أم

إال أنه لـم يصـل بهـم .. بها في األجيال الماضية في تعص رض حد يقصـدون فيـه اإلبـادة وإخـالء األ إلى فراطاإل

ذلك في تاريخ المسـلمين دهوما ع .. من مخالفيهم في دينهم قـوم الـدليل األ بعد ما تجاوزوا حدود جزيرة العرب، ولنـا

- ١٦٠ -

اآلن إلى نقول، وهو وجود الملل المختلفة في ديارهم على ما طوا عليهـا، وهـم حافظة لعقائدها وعوائدها منـذ أن تسـل . في عنفوان القوة وهي في وهن الضعف

نعم كان للمسـلمين ولـع بتوسـيع الممالـك وامتـداد الفتوحات، وكانت لهم شدة على ميعارضهم في سلطانهم ن ..

ديان، ويرعون حق يحفظون حرمة األ نهم كانوا مع ذلك ال أ إ الذمة، ويعرفون لمخضع لهم من الملل المختلفـة حقـه، ن

ويدفعون عنه غائلـة العـدوان، ومـن العقائـد الراسـخة ) بذمتنا فله ما لنا وعليه ما علينا رضي نأن م : (في نفوسهم

ولم يعدلوا في معاملتهم لغيرهم عـن أمـر اهللا فـي قولـه كونوا قو لـى أنفسـكمع لـوهللا و اءدط شـهبالقس امين

بيناألقرن ويالدأو الو ال تخلو عنـه الطبـائع ال ما اللهم إ . البشرية

ا اليـوم لـم يـدفعوا أحـد إلـى ومن نشأة المسـلمين ما يسـتحقه مـن علـو الرتبـة إلى ممن مخالفيهم عن التقد

لقد سما في دول المسلمين على اختالفها و.. وارتفاع المكانة من أرباب األديان المختلفة، وكـان المراتب العالية كثير إلى

.. ذلك في شبيبتها وكمال قوتها، ولم يزل األمر على ما كان

- ١٦١ -

مم الغربية لم تبلغ هذه الدرجة مـن العـدل وفي الظن أن األ . اليومإلى

م بدينهم، ن عهد قريب مسلك اإللزا لم يسلك المسلمون م ات دولهـم، ة بأسهم فـي بـداي جبار على قبوله، مع شد واإل

ندفاع هممهـم للبسـطة فـي وتغلغلهم في افتتاح األقطار، وا ـ بغونها، فـإن ق ت لهم دعوة يبل الملك والسلطة، وإنما كان ت ل

ال استبدلوا بها رسما ماليا يقوم مقام الخراج عند غيـرهم، وإ . من كتب الفقه اإلسالميملعمع رعاية شروط عادلة ت

هذا على خالف متنصرة الرومانيين واليونانيين، أيـام ال ويلزمـون ا إ ون أرض وكتهم األولى، فإنهم ما كانوا يطئ ش

طين أهلها بتغيير أديـانهم، واعتنـاق ديـن أولئـك المتسـل ، كما فعلوا فـي مصـر وسـوريا – وهو الدين المسيحي –

. نفسهافرنجية اإلبل في البالد هذا فصل من الكالم ساق إليه البيان، وفيه تبصرة لمن

يتبصر، وتذكرة لمسابق الحـديث إلى يتذكر، ثم أعود بك ن هل لعاقل لم يصب برزيئة في عقله أن يعد : فيما كنا بصدده

وهل يوجد فرق بينه .. ب الديني نقيصة؟ االعتدال من التعص ال بما يك ب الجنسي إ وبين التعص ب الديني أقدس ون به التعص

- ١٦٢ -

يرتـاب فـي صـحة ال نخال عـاقال .. فائدة؟ وأطهر وأعم !ولئك القوم يهذرون بما ال يدرون؟ما قررناه، فما أل

أي جانب من جوانب المنطق يستندون إليه في المفاخرة ب الجنسي فقط، واالعتقاد بأنه فضيلة مـن والمباهاة بالتعص

عنه بمحبة الوطن، وأي قاعدة من رونأشرف الفضائل، ويعب ـ ب قواعد العمران البشري يستندون إليها في التهاون بالتعص

. ع عنها يجب الترفالديني المعتدل، وحسبانه نقيصة

سالميةسالميةفرنج والرابطة اإلفرنج والرابطة اإلاإلاإلد لديهم أن أقوى رابطة بين المسلمين فرنج تأك نعم أن اإل

ـ إنما في الرابطة الد وتهم ال تكـون إال ينية، وأدركـوا أن قفرنج مطـامع فـي ديـار وألولئك اإل .. بالعصبية االعتقادية

بث هذه األفكـار إلى هت عنايتهم المسلمين وأوطانهم، فتوجنوا لهم هجر هـذه رباب الديانة اإلسالمية، وزي الساقطة بين أ

لينقضوا بـذلك بنـاء الملـة ؛سة وفصم حبالها الصلة المقد كما علمنـا، فإنهم علموا .. ا وأحزاب عااإلسالمية ويمزقوها شي ن المسلمين ال يعرفون لهـم جنسـية وعلم العقالء أجمعون أ

ى للمفسدين نجاح فـي بعـض ال في دينهم واعتقادهم، وتسن إ قطار اإلسالمية، وتبعهم بعـض الغفـل مـن المسـلمين األ

- ١٦٣ -

– جهد فساعدوهم على التنفير من العصبية الدينية –ا ا وتقليد ما فقدوها، ولم يستبدلوا بها رابطة الجنس التي يبـالون بعد

فمثلهم كمثـل ... ا منهم وسفاهة في تعظيمها واحترامها حمق مقامة ؛ فاضطر لإل ا سواه هدم بيته قبل أن يهيئ لنفسه مسكن ن

بالعراء معرا للعوامل الجوية وما تصول به على حياتهض . الدول اختباره بية أجادت السياسة األور هذا أسلوب من

وجنت ثماره، فأخذت به الشرقيين لتنال مطامعها فيهم، فكثير ولم تعدم ،صبت الحبائل في البالد اإلسالمية من تلك الدول ن

الجديـدة، صيدا من األمراء والمنتسبين إلى العلم والمدنيـة وليس عجبنا ... واستعملتهم آلة في بلوغ مقاصدها من بالدهم

ـ من الدهريين والزنا دقة مميتسـترون بلبـاس اإلسـالم ن ولكنا نعجب من أن بعضا هواء الباطلة، أن يميلوا مع هذا األ

علـى عقائـدهم وثبـاتهم مع بقـائهم -ج المسلمين ذمن س ـ يسفكون الكـالم فـي ذم –يمانهم في إ ب الـديني، التعص

دات بين بالخشونة، والبعد عن مع ويهجرون في رمي المتعصون نهم بهذا يشق وال يعلم أولئك المسلمون أ .. حاضرةالمدنية ال

ويخربون بيوتهم بأيديهم وأيـدي عصاهم، ويفسدون شأنهم، ب المعتدل، وفي محوه محـو التعص المارقين، يطلبون محو

- ١٦٤ -

جانب يستعبدونها ما دامت األرض أيدي األ إلى الملة ودفعها أرضا والسماء سماء.

شد مـن العجـب ألحـوال عجبنا من هؤالء بأ واهللا ما قصى الجهد لنشر الغربيين من األمم اإلفرنجية الذين يبذلون أ

ـ ب هذه األفكار بين الشرقيين، وال يخجلون من تبشيع التعص فرنج أشـد النـاس اإل.. ني ورمي المتعصبين بالخشونة الدي

ب، وأحرصهم على القيام بدواعيه في هذا النوع من التعص .. ية فـي حكومـاتهم السياسـية الـدفاع ومن القواعد األساس

ين والقائمين بنشره، ومساعدتهم علـى نجـاح عن دعاة الد مما ال يخلـو عنـه المجتمـع – وإذا عدت عادية ،أعمالهم

على دينهم ومذاهبهم فـي ناحيـة ن على واحد مم–البشري من نواحي الشرق سمعت صياحا وعويال، تتالقـى أمواجـه

ـ أ: جميعهم لغربية، وينادي جو بالد المدنية ا في ت ال قـد ألمهبـة ت حادثة مهمة، فأجمعوا األمر وخـذوا األ ة، وحدث ملم

االحتياط من وقوع مثلها حتـى ال تنخـدش ولتدارك الواقعة وتراهم علـى اخـتالفهم فـي األجنـاس .. الجامعة الدينية

ـ ب كـل وتباغضهم، وتحاقدهم وتنابذهم في السياسات، وترقيتقـاربون .. رة األخرى حتى توقع بها السوء دولة منهم لعث

- ١٦٥ -

ويتآلفون ويتحدون في توجيه قواهم الحربية والسياسية لحماية ماألرض، قصى قاصية من يشاركهم في الدين، وإن كان أ ن

. نساب الجنسيةولو تقطعت بينه وبينهم األأم وجه األرض ، وغمـر ا لو فاض طوفان الفتن، وطم

فال ينهض .. خالفين لهم في الدين والمذهب البسيطة دماء الم غافلون عنه ويذرونهتيه لهم إحساس، بل فيهم عرق وال يتنب ..

ه، ويـذهلون وما يجرف حتى يأخذ مـدة الغايـة مـن حـد في الفطرة البشرية من الشفقة اإلنسانية والرحمـة عدوعما أ

انـات ون الخارجين عن دينهم، من الحيو كأنما يعد .. الطبيعية من نوع اإلنسان الذي يـزعم السائمة والهمل الرعية، وليس

. بيون أنهم حماته وأنصارهاألور وليس هذا خاص ا بالمتدينين منهم، بل الدهريون ومال ن

ـ بهم يعتقدون باهللا وكتبه ورسله يسابقون المتدينين فـي تعص ـ .. ا في تقوية عصبيتهم الديني، وال يألون جهد ون وليتهم يقف

فـرنج ن شـأن اإل أمـا إ . د الحق، كثيرا مـا تجـاوزوه عنكهم بالعصبية الدينية لغريبفي تمس!!

- ١٦٦ -

دسـتون، يبلغ الرجل منهم أعلى درجة في الحرية كجال ال وفيها نفثة من روح بطـرس ثم ال تجد كلمة تصدر عنه إ

. ال نسخة من روحه بل ال ترى روحه إ(٤٤)الراهب

المسلمينالمسلمين إلى إلى نداءنداء مـة هـذه حيـاتكم فاحفظوهـا، ودمـاؤكم فيا أيتها األ

فال تريقوها، وأرواحكم فال تزهقوها، وسعادتكم فال تبيعوهـا نكـم ال تغـر ،هذه هي روابطكم الدينية .. بثمن دون الموت

شـكم زخـارف كم الترهات، وال تده الوساوس وال تستهوين ارفعوا غطاء الوهم عن باصرة الفهم، واعتصـموا .. الباطل

طة الدينية التـي هـي أحكـم رابطـة اجتمـع بحبال الراب ـ في ، والمصـري ديها العربي بـالتركي، والفارسـي بالهن

بالمغربي، وقامت لهم مقام رابطة النسب حتـى أن الرجـل ن تنـاءت لما يصيب أخاه من عاديات الـدهر، وإ منهم ليألم

. دياره، وتقاصت أقطاره

)٤٤( ــة الحــرب الصــليبية وي ــو داعي ــمه ــك س ى بطــرس الناس

. "صخرةال" ومعنى بطرس ، وهو فرنسي،"م١١١٥ – ١٠٥٠"

- ١٦٧ -

لـيكم، وفيهـا قها اهللا إ هذه صلة من أمتن الصالت سـا ولكـن .. عتكم وسلطانكم وسيادتكم فال توهنوهـا نتكم وم عز

فالعدل أسـاس ؛عليكم في رعايتها أن تخضعوا لسطوة العدل وال نجاح لقوم يزدرون العـدل بيـنهم، .. الكون وبه قوامه

ه في حفظ الذمم، وتأديـة وعليكم أن تتقوا اهللا وتلزموا أوامر لفة في المنـافع لمعاملة، وإحكام األ ربابها، وحسن ا الحقوق أل

الوطنية بينكم وبين أبناء أوطانكم وجيـرانكم مـن أربـاب ال بمصـالحهم، فإن مصالحكم ال تقـوم إ .. المختلفةاألديان

ـ ،ال بمصالحكم كما ال تقوم مصالحهم إ م أال تجعلـوا يك وعل ؛عصبة الدين وسيلة للعدوان، وذريعـة لالنتهـاك الحقـوق

.. ليـه بأشـد العقـاب فإن دينكم ينهاكم عن ذلك ويوعدكم ع وال تجعلوا عصبيتكم مقصورة على مجـرد ميـل بعضـكم لبعض، بل تضافروا بها على مباراة األمم في القوة والمنعـة

م النافعـة والشوكة والسلطان، ومنافستهم في اكتساب العلـو جعلـوا عصـبيتكم سـبيال والفضائل والكماالت اإلنسانية، ا

كم بيـد أخيـه خذ كل من م، واجتماع شملكم، وأ لتوحيد كلمتك وتعاونوا على البر ذروة الكمال إلى ليرفعه من هوة النقص

!والتقوى وال تعاونوا على اإلثم والعدوان

- ١٦٨ -

الشجاعة وعلو الهمةالشجاعة وعلو الهمةوكـل .. العالم اإلنساني كتاب المعتبر، وسفر المستبصر

ر قرن من قرونه صفحة، وكـل جيـل مـن النـاس سـط . لهي عبرةملة، ولنا في كل ما خطه القلم اإلفيه أو ج

أول ما يفيدنا النظر فيه وقوفنا على أحوال الشعوب في ـ .. لةأطوارها المختلفة، وأدوارها المتبد ا علـت فتـرى أمم

قت في جو المعالي وجازت في الرفعة مسـارح وسمت وحل النظر، ثم انحدرت بعد هذا وتـدهورت وعفـت رسـومها

حاديث، ومنهـا أجيـال لم يبق لها أثر إال في الروايات واأل و كانت في أطواء الفناء، ثم اكتست حلية الوجـود، واتخـذت

كان الهامة من الجسد، ثـم انطـوت من المجتمع اإلنساني م اليوم يسـحب إلى ومنها ما نراه .. (٤٥)خنت عليها أم قشعم وأ

ة، ويشـرف علـى العـالم بـاألمر والنهـي مطارف العز . من شواهق القوة

)٤٥( رياد ر بها هنا الموت وقد يا بها الداهية، والحرب في غيـر هـذ اد

ل والنساء والنسور، من الرجا نالموضع، والقشعم في األصل المس . وجمعه قشاعم وقشاعيم،سدويطلق على األ

- ١٦٩ -

فمن الناس مطوار كما تتجلى له هذه الشئون وتلك األ ننبسط لبعضها إذا أعجبه، وينقـبض تعرض عليه التماثيل، ي

وهو في غفلة من منشأ ظهورهـا وعلـل .. خر إذا انكره آل سبحان اهللا وهكـذا كـان : عن السبب قال لئانقالبها، فإن س

د بـه السـعداء، عد فيسـع ال بخت يس كون، وما هو إ وهكذا ي . شقياءوينحس فيتعس به األ

الحقيقةالحقيقة إلى إلى النافذونالنافذون ومنهم مقة، فيقف على ما هيأه الحقي إلى تنفذ بصيرته ن

مـم فـي صـعودها اهللا من األسباب التي تتبعها أحـوال األ مة إنما كان بأيـدي طها، ويعلم أن ما سبق من الخير أل وهبو

وفازوا بتأصيل الجد لشعوبهم وا وجاهدوا آحاد من أماثلها جدولئك ويرى أل .. بما بذلوا من نفائسهم وأنفسهم .. جنسهم وبني

األعالم ذكر ا يفرومكانة من القلوب ت ع ،حمد ا عنـد ، وتمييزوهو ال يخالفون النـاس فـي جسـومهم .. الخلف بالكرامة

وقـد يسـوقه االعتبـار ،موهم بهممهـم ودمائهم، وإنما تقد مـار الثنـاء وتخليـد رغبة في اقتطاف ث ؛قتداء بهم اال إلى خذ مأخذهم، واستقام على طريقهم، فـال يكـاد فإذا أ .. الذكر

ر تحت نظره، حتى تتعثـر ييخطو بضع خطوات ومبدأ المس

- ١٧٠ -

وأشـالء مبـددة، ، مقطعة، ورءوس مجذوذة أقدامه في أياد وشعور منثورة، وصدور مدقوقة، ويشهد الطريق مضرسـة

اء، من طالب الحق والنـاهجين فـي مناهجـه، بقبور الشهد دغـال يرجـع وتبدو له غابات وأ .. يص عن سلوكها وال مح

إليه منها صدى زئير اآلساد وزمجـرة الضـراغم، وال بـد . له من اختراقها

لي موحشـات مدهشـات هكذا تنكشف لطالـب المعـا .. اها وأعالها دناها، والموت الشريف أقص لمخاطر أ امصاولة ه فينكص على عقبيه، ويرتد زمه ويضعف هم ور ع فتارة يخ

. أسوأ أحواله ويرتع من مراتع أمثالهإلى مـا هاجمتـه نسـانية، كل أحيـاه اهللا الحيـاة اإل نن م إ

أن صـاحب ا على قهرها، كما ال حرص المصاعب ال يزداد إ ـ اصـرار الجـدال، وإ يالشمم ال يزيده الخصام إال حـدة ف

على شكل اإلنسان يحيـا نكثير مم و.. قناع المخاصم على إ شقاء أشد حياته هذه بروح حيوان آخر، وهو يعاني فيها من ال

. براز مزايا اإلنسانمما يعانيه اإلنسان في إ ويخشـى ،ا من التعـب ا الجبل ربما يجد شيئ ن صاعد إ

أن تفترسه الكواسر ولكن قد ينجو منها ويستريح على القمة،

- ١٧١ -

.. ة، وتقصر عنـه يـد المتنـاول ويعتصم بمكانه من الرفع أم ا مفحظه من الحياة خـوف ال ينقطـع، السفح إلى أخلد ن شفاق ال يزول، كل لحظة تهدده بالسقوط في صيد الصائد، وإ

فـي طلـب نياب الغائل، مات من الناس كثير والوقوع بين أ العال ولم ينالوا، وبلغ كثير من الطالبين غاية ما أملوا، ولكن

ـ هلك بالفت ك أضعاف هؤالء وهؤالء ممألفـوا الخمـول، ن هذه أحاديث الحق، ونفثات الروح .. ورضوا بالحياة الحيوانية

الزكية، تبعث من مداومـة إلـى ده اهللا ووهبه نعمة العقل أيا وصـل أشرف المقاصد، فإم إلى السير واقتناء أثر الماضين

ا مات كما يموت الكرام وإم ة من المزايا المحمودة عند بني م مزي ملم تنل أمة من األ

في العلوم والمعارف، واآلداب والفضـائل، أو البشر، سواء القوانين والنواميس العادلة، أو العسكرية وقوة الحماية، حتى

ما تخشاه النفوس وتهابه القلوب، وسلكوا إلى خرج آحاد منها ـ .. تلك المسالك الوعرة م فبلغوا بأممهم، أقصى ما بلغـت به

. زلية في جميع سيرهممهم، مع االعتماد على العناية األهممم أو النـوع اإلنسـاني، ماذا يريد الفانون في خدمة األ

ـ والمنفقون لحياتهم في أعمال قادحة يعود نفعهـا علـى من

- ١٧٢ -

.. تجمعه معهم جامعة األمة أو الملة أو يشاركهم في النـوع نة اهللا في عباده ليس من س سببا، أ شيءأليس قد جعل اهللا لكل

ال بعد حركة تصدر عن المريد إ إلى ال تتجه اإلرادة البشرية أذاته، وبعد اليقين أو راجح الظن بأنـه إلى ر غاية تعود تصو

يستفيد الغاية من العمل؟ـ اواة اآلالم الروحيـة، فإن كان األجل يذهب فـي مس

ية، فلماذا يقصدون وصاب البدن األ (٤٦) في مناهدة والعمر ينفد ن كان يوجد في أبناء جلدتهم، وسوى ملـتهم من أعمالهم، وإ

ميالمهـم، وممـانعتهم يساعد حـوادث الكـون علـى إ ن هم عـن السـعي فيمـا يرجـع خيـره في مقاصدهم، وصد

يهم جراح اللـوم والتقريـع أنفس المعارضين، ويثخن ف إلى فما الذي .. والتشنيع، أو يدافعهم بالمكافحة والمنازلة والشماتة

يبتغون من جد ال لذة ت . هم؟هم وكدـ نتج .. ىى، وال ألـم يتقهواء، ولـم يضـعفه جهـد فما الباعث القوي الذي غلب األ

البالء؟

. ورافعه، والمعنى مدافعة المتاعبناهده أي ناهضه: مناهدة )٤٦(

- ١٧٣ -

حب المحمدةحب المحمدة أقوى من كل ميل، وهو نعم أودع اهللا في اإلنسان ميال

ن غيره من األنـواع ، وهـو خاصة فيه يمتاز بها ع أخص ). وحسن الذكر من وجوه الحقة حب المحمدة الحق(

ا كـان ا من حب المحمدة من أي وجه حق أقول هذا تفاديـ أو باطال اء، والظهـور ، وطلب الثناء بالزور والغش والري

سـرار، فـإن هـذا ن سـرائر األ خيار، مع تبط بمظاهر األ من أسوأ الحالل، وإنما يعرض بعد اعتالل الفطـرة وفسـاد

.. م النفسـاني ء الروحاني، والمقو المحمدة هي الغذا ؛الطبيعة ما قرب الشخص من الكمال اإلنساني تهاون بالشـهوات وكلحمـدة مال إلـى فيه الميـل زدرى باللذائذ الحسية، وقوي أو ا

. عمالل الوسع فيما يفيدها من جالئل األالباقية، وبذن الفاضل يرى له في هذا العالم أجلين أقصرهما تأمل، إ

ر، نهايـة العمـر المقـد إلى ن يوم والدته األجل المحدود م يتـه عنـدما يـنجم واآلخر أبعـد مـن هـذا نهايـة، وبدا

النـوع لمنفعة تشـمل أمتـه أو تعـم عمله الصالح أثر من أثـره مـن ألـواح ىجل عندما يمح اإلنساني، وغاية هذا األ . النفوس وصفحات التاريخ

- ١٧٤ -

ي بـدنها الخـاص، وجود ف : للروح الفاضلة وجودان فبدان، وهو ما يكون بحلولها مـن كـل وجود في جميع األ و

وال ريـب أن هـذا األجـل .. الكرامة والتبجيل روح محل الطويل، وهذا الوجود العـريض، خيـر مـن ذاك األجـل

وحقيق باإلنسـان أن يبيـع (٤٧)القصير، وذاك الوجود الكز . ما هو أدنى بالذي هو خير

وهب كل نوع ما ن اهللا الذي فأقصر، إ يطول بي الكالم لهمهـم الحمـد، وأ إلى ة البشر ميال به كماله، وضع في جبل

لسن في كل أمة بالثناء حقه لمستحقه، ألم تر انطالق األ تأدية على كل من ا لها في مجـد ورفعـة، أو نهـوض كان سبب

لواح، في علم أو صنعة، ويرسمونه في األ مو تقد من سقطة، أ التواريخ، ويرفعون له الهياكـل لون مديحه في بطون ويسج

والتماثيل، ويحفظون له ذكر بناء عن اآلباء، ا يتناقله األ ا حميد . حتى ينقرضوا وينقرض العالم

)٤٧( ابس والمنقبض، والمراد هنا ما ال خير فيهالي : الكز .

- ١٧٥ -

تقدير العاملينتقدير العاملين رت إذا جحــدت األمــة حــق العامــل لهــا، أو قصــ

السعي في المصالح في استحسان عمله، ضعفت الهمم، وقل األمة، نو فهبطت شئ ؛اطيهاعن تع ، وانقبضت األيدي العامة

. فافترقت وماتت شأنه قرن كل حادث بسبب، فإذا استوى لدى ن اهللا جل إ

األمة الحسن والقبيح، والطيب والخبيث، والفضيلة والرذيلة، ـ منها التمييز، ولم ت دقوالمصلحة والمفسدة، وف ر أعمـال دق

كـرا، تنكـر من معروفا، ولم العاملين حق قدرها، ولم تعرف وكان هذا أشـد ؛سلبت آحادها الميل إلى المعالي والكماالت

ظلم الظالم ال .. ب الغالبين كناية بها من جور الظالمين، وتغل يدوم، وسطوة الغالب ال تثبت، إذا كان جمهور األمة يقابـل

ـ اإلحسان باالعتراف، والفضل بالحمد، فإنه يوجد منهـا من ـ .. نقاذهاا وإ ة بتخليصه أي هذه المكاف يشتر ا فقـد هـذا وأم

ـ ة بـالهرم، ال عقبـى اإلحساس الشريف، فهـو أشـبه عل . ال الموت والفناءله إ

- ١٧٦ -

النفوس اإلنسانية، كيف ال يكون المديح الحق نعمة على اهللا بها على علون من بني اإلنسان، وقد امتن يسعى إليها األ

كيــف وورفعنــا لــك ذكــركنبيــه فيمــا يقــول لــه ا تطالب به الطبيعة وقـد سـمح اهللا لمسـتحقيها ال يكون حق

بالتحد غ لنبيـه ذلـك ث بنعم األعمال الصالحات، كما سـو وأما بنعمة ربك فحدثفي قوله ب طرفك في تواريخ األمم أقصـاها وأدناهـا، تجـد قل العالية، تى بخست قيم األعمال ا قاطعا على أن األمة م برهان فيها شأن الفضيلة، فقدت ما بـه قوامهـا، وانهـدم يردزوا

بناؤها، وذهبت كما ذهب أمس، وال جرم أن الكفران مقرون . بزوال النعم

الشرفالشرفكلمة يهتف بها أقوام مختلفة من الناس، إال أن أكثـرهم

فئة ترى الشـرف فـي تشـييد .. عن حقيقة معناها غافلون لبنيان، وزخرفة الحوائط والجـدران، القصور، والتعالي في ا

ووفرة الخدم والحشم، واقتناء الجياد، وركوب العربات، وفئة ن أخرى تتوهم أن الشرف في لبس الفاخر من الثياب، والتزي

الجـواهر الثمينـة، لبسة وأنواعها، والتحلي بحلي بألوان األ

- ١٧٧ -

عة باألحجار الكريمة، كالمـاس واليـاقوت والزمـرد مرص .ونحوها

لقاب والرتب، كالبيك والباشا، وفئة تتخيل الشرف في األ ول روفة بالنياشين وعلو أسمائها كـاأل سامات المع أو في الو

من الصنف الفالني، والثاني من الدرجة الفالنية، حتى أنـك ترى الرجل يسلب مال أخيه، وينهب ثروة أقاربه وذويه، أو

ا، لسـحت قصـر ته ومواطنيه، ليشيد بما يصيب من ا بني مل ــاء ــع بن ــويرف ــرف بيت ــا ، ويزخ ــه حراس ــيم ل ا، ويق

ا من المماليك، وخفراء من الغلمان، ويظن بذلك أنه نال مجدأبديا وفخارا سرمديا، وصلحاله أن يعنون بعنوان الشرفح .

وتجد اآلخر يذهب في الكسب أشنع مما يـذهب األول ـ ليكتسي برفيع ال ، أو ليكـون يثياب، ويتزين بأجمـل الحل

نه بلغ بـه درجـة ذلك ما يفاخر به أمثاله، ويتخيل أ له من من الرفعة ال يىاند هذا بلفظ الشرف، ر عن حاله فيها، ويعب

ومنهم ثالث يسهر ليله .. م أنه وصل الحقيقة من معناه ويتوه لقاب، ك األ ا من تل ويقطع نهاره، بالفكر في وسيلة ينال بها لقب

ا ل به أو يحصا أو يستفيد وشاحعنده الوسائل وسواء.. ا وسام خـراب بـالده، إلـى ا كان نوعها، وإن أفضـت يطلبها أي

- ١٧٨ -

ته، وعنـده أنـه بلـغ الـذروة أو تذليل أمته، أو تمزيق مل . من معنى الشرف

حقائقحقائق أوهام الأوهام النحن نرى هذا األوهام قائمة مقام الحقائق فـي أذهـان

مست عين الحـق فـيهم، ظنها ط من الناس، ولكن ال ن كثير نحـرافهم عـن الصـواب حتى عموا عن إدراك أخطائهم وا

ماذا يجد من نفسه المباهي بقصوره، وولدانـه .. في وهمهم من أنه وإ وحوره، ال يحس ره ن حاز منها أعلى مـا يتصـو

لديه من جميع ما كسب لم تسـتفد العقل، فذاته التي هي أعز له أجنبـي عنـه، لـيس يع ما حص ن جم ا من الكمال، وإ شيئ

ال يرى أن كثيرا إ.. ال نسبة العناء في تحصيله له نسبة إليه إ صروف الدهر مـا بأيـديهم، بلغ مبلغه أو فاقه، سلبتهم نمم

فإن لم تكن على جانـب .. فأصبحوا بصفاتهم وجواهر ذاتهم الكمال اإلنساني، انخرطت في سلك الطبقات السافلة، ولم يبق

. ي القلوب منزلة وال في النفوس مكانةلهم ف ماذا يشعر به المفاخر بحلي د منه وخال ه ولباسه إذا تجر

.. ة من الفضيلة وزينة من الكمال ن لم يكن لذاته حيل بنفسه، إ ه عنـد سـر ن، وأال يجد م واءأال يكون هو وعراة الفقراء س

- ١٧٩ -

ميـدان ات الخدور، في المفاخرة أنه يجول مع الغانيات ورب . واحد

سـامه، ماذا يتصـور الزاهـي برتبـه، المعجـب بو ، ه أو الصعود لرتبته، على حـال تجـل تمن لم يكن قبل وس إ

ـ بلنه لو س أليس يشعر أ .. أو كمال يبجل عز الوسـام، أو نمنزلته من االحتقار، فإن نال الكرامة إلى عنه الوشاح، يعود

ق ع ج واللقب معل ذعند بعض الس ب ا للق ليه، أليس ذلك تعظيم ال تكون هذه الكرامة عارضا سريع الزوال، أ.. ب به لقللمال

ا ال يمسا ظاهربواطن القلوب؟بل رسم .!

حقائق ال أوهام حقائق ال أوهام لقاب الشريفة شـأن يرتفـع بـه النظـر، نعم لهذه األ

بعمل يعترف عموم العالم بشرفه، وكان اللقب دليال قبإذا س شيرا إليه، كما يكون لمثلها حال يسقط به االعتبار عليه أو م

ـ إذا تقد ري، وكـان مها فعلة يمقتها العقالء من النـوع البش على ما اقتـرف كاسـبه، وعالمـة الوسام أو اللقب عنوانا

. على ما احترم

- ١٨٠ -

ن إ.. تخطئ فما أنت من الصواب ببعيد ر وال انظر وتدب حن رتبة وم نال "ةسد بالون بأ"به أعداؤه عثمان الغازي الذي لق

بمكانة رفيعة بين الطبقة العليا من العظماء فـي يلقبا، وحظ تـه، في المدافعـة عـن مل دولته بعد ما دفع بروحه للموت

دقاء ، األعداء واألص عالء كلمة دينه، بما شهد له إوجاهد في بـوا بألقـاب شـريفة سالمية لقإوأن بعض األمراء في ديار

مـوا أمـام لهم على ما تقـد كدولة اإلنجليز جزاء من دولة نـوا اإلنجليـز جيوش أعدائهم، الفتتاح بالدهـم، حتـى مك

من ديارهم، وجميع المسلمين اآلن يكابدون الجهد في إيجـاد أين موقع النيشان من صدر عثمان .. الوسائل لخروجهم منها

باشا الغازي من موقعه على صدور أولئك المخدوعين، أظن العمل برجع النظر بين الموقعين يثبت لك أن النيشان يشرف

دليال عليه ويسقط بسقوطهلعالذي ج . أال يعلمون أن .. ر أولئك الواهمين على اختالفهم ماذا غيج، هـي هنة بالم اة بالنجيع، الملو مة بالدم، الموش الثياب المعل

ثـرا مجيـدا التي حفظت لالبسها ذكرا حسنا ال ينقطـع، وأ ال يمإ.. ىح رلمللهم، جوا بدمائهم في طلب المجد ن الذين ض

صوات، وأجمعت على فضـلهم هم الذين خشعت لذكرهم األ

- ١٨١ -

ت السجن، لطلب حـق ألم يصل إليهم ظلما ،خواطر القلوب شـرف إلى هم الذين ذكرهم ،د موجود مسلوب أو حفظ مج

أظـن . سماءالشمس األعلى ، وعلت أسماؤهم على جميع األ جنـاتهم إلـى أن الذين كانوا في الغرفات العالية ينظـرون

وحدائقهم ، ويشرفون على الناس من شـرفات قصـورهم، لهـم ذكـر وقصروا حياتهم على التمتع بما نالوا، لم يبـق

ال ما هو محصور في دوائـر إولم يكن لهم في حياتهم شأن بون مطارف وا يسح ، وال يختلف عنهم أولئك الذين كان بيوتهمذهبوا وذهبـت معهـم .. والديباج ز ويكتسون حلل الخ الرفه

ـ عرتدوا من حيـث أتـوا ال ي كسيتهم، فا أ متـى جـاءوا مل . الدنيا، ومتى انكشفوا عنهاإلى

ا يكذهل سمعنا أن أحدبين بني البشر بأنه نال نيشان ر ل رتبة كذا، نعم يقولون علم وعمل، وأعطى وبذل كذا وحص،

ورفع ووضع، وجاهد وكافح، وأباد وأبقى، وما يشاكل ذلـك سكندر األكبـر اإل ركفإذا ذ .. من األعمال التي لها أثر ثابت

أي أبله يطلب سيرة .. هل يخطر بالبال أن كان له قصر أوال نابليون األول في آثار قصر كان يسكنه، أو في خرق ثيـاب

امـات مقبلغوا من وهل بلغ عظماء العالم ما .. كان يلبسها؟

- ١٨٢ -

الشرف بعدما شي نوا وترف دوا وزي أو كـان .. مـوا؟ هوا وتنعجميع ما ينالون من ذلك بعد أن يسودوا ويفتحـوا ويغلبـوا

. ويأخذوا بالنواصي طـوا تهـم األوهـام، ففـر قوم باألحالم، وغـر عدخ

سماء التـي تلك األ في شئون بالدهم، وباعوا مجدها الشامخ ب ال من لم تطاوعهم ضـمائرهم أنهـم إوزعموا و .. ى لها سم

. رقوا مكانة من الشرف فهم ثهم بـه سـرائرهم، وتعـن ا تحد موا ل فلو أنهم أصغ

به خواطر أفئدتهم، ورمقوا بأبصارهم ما يحيط بهم، لعلمـوا المنازل وأبعد المزاجـر، وأدركـوا خطـأهم أنهم في أخس

الصواب فـي طلبـه ةفي معنى الشرف وجورهم عن جاد .. ولو أحس وما لصق من الذل والعار ت به أوطانهم، ئزوا بما ر لطرحوا الوشاحات، ونبذوا الوسـامات، ولبسـوا بذراريهم

. أثواب الحداد، ونفروا خفافا وثقاال لطلب الشرف الحقيقي

الشرف والشريفالشرف والشريف قول دتها ع الشرف حقيقة محدودة كشفتها الشرائع، وحد

شاكلة إنسـانية أن يرتـاب وليس لذي .. من البشر الكاملين

- ١٨٣ -

ختم اهللا على قلبه، وجعل علـى بصـره نال م إفي فهمها، . غشاوة

ه إليه نظار، ويوج الشرف بهاء للشخص، يحوم عليه باأل فكار، وجمال يـروق حسـنه فـي البصـائر الخواطر واأل

واألبصار، ومشرق في ذلك البهاء عمل يأتيه طالبـه يكـون ته، أو في النـوع اإلنسـاني ثر حسن في أمته أو بني مل أله

حق ، أو تنبيه لطلب نقاذ من تهلكة، أو كشف لجهالة إعامة ك يقـاظ إنهاض من عثرة، أو إ، أو تذكير بمجد سابق أو سلب

، ، أو تحذير مـن شـر يغـم رشاد لخير يعم إمن غفلة، أو وتجديـد أو جمع كلمـة أو تهذيب أخالق، أو تثقيف عقول،

. ةيقاد حميإعادة قوة وانتشال من ضعف، أو إرابطة، أو مأثر من هذه اآلثـار فهـو أتى عمال من األعمال له ن

ن كان يسكن الخصـاص واألكـواخ، ويلـبس إالشريف، و ويبيت علـى تـراب الفقـر، األسماك، ويقتات بنبات البر ،

ويتـردد بـين د نشز األرض، ويضرب في كل واد ويتوس ، هذا له حلية من عمله، وزينة مـن فضـله، .. الربى والوهاد

ه، يهدي إليه ضالة األلباب، وبهاء من كماله، وضياء من جدالحساسة وال تنكره، وتكتنفه تعرفه المشاعر .. وتائهة األفئدة

- ١٨٤ -

له من روحه قصور .. المتطايرة إليه وال تنفصل عنه القلوبوجمال باهر، ونور ناظر رائقة، شاهقة، وغرفات شائقة، وم

ـ حتى يظهـر، وال يكـاد ي زاهر، ال يكاد يخفى تسحتـى ر يبصيرفعـه يصعد الكلم الطيب، والعمـل الصـالح إليه .. ر

ة مشـرقة أعلى أعليين، حياة طيبة في القلـوب وعـز إلى .وفي ذلك فليتنافس المتنافسونفي جبهة الزمان

فاسـدة بعـض يه من أرباب الطباع ال نعم قد ينبعث عل لسنة، ويرشقونه بسهام اللوم، وال تروق الكرائه، فيسلقونه باأل

لبعـدها ؛في أنظارهم أزهار أعماله، وال أنـوار مزاهـره لفوه من االنكبـاب أا معن فهمهم، وغرابتها على حواسهم، ل

ا، وحسـبوها وها شـرف الساقطة، التي عد السفاسفعلى تلك نمـا إ.. كشفتها الشرائع وآراء العقالء ناها كما وقد بي مجدا ،

ينفر من رائحة الورد، ويألف روائـح (٤٨)لمثلهم مثل الجع . القذر

علـى قلطضم الجيم وفتح العين نوع من الخنافس، وقد ي الجعل ب )٤٨(

. الرجل األسود الذميم أو اللجوج

- ١٨٥ -

خالق لهم، أو ال يبعد أن يسخر بالعامل الفاضل أناس ال يقصده باألضرار منو ال ذمة له، ولكنهم بأنفسهم يهـزء ن ، زمـان فـي هـذا ون، وال يطول عليهم ال وبمصالحهم يضر

بل ال يلبثون إذا بدت الثمـرة الشـهية أن يهرعـوا .. العمىد ال الحم إوا من جناها، وال يسعهم بعد ذلك القتطافها، ويطعم

ن كان دونهم فـي تلـك إلغارس الشجرة، وحافظ الثمرة، و ثم يكون عقابهم .. الزخارف التي ال قيمة لها في نظر العاقل

طيئة، وانكشاف نقصهم لدى على ما فرط منهم ندما على الخ . وجدانهم

لهية هذه الكرامة لصاحب العمـل هكذا تمنح العناية اإل فق هـذا العـالم أما دام حيا، فإذا غابت شمسه عن الشريف

ب أشعة ضيائه التي فاضت منه على نجوم هاديـات، جحلم ت . وبدور منيرات

العدم بجسمه، ولكنـه نعم يموت ويتوارى خلف حجاب عنـد ربـه، قزر ي فئدة، شاهد على األلسنه، حي في األ قائم

.ونعمة الحياة حياته، ولمثل هذا فليعمل العاملون

-١٨٦-

الجالجببنن وجـرفـي ب كنـتم لوت ووالم رككمدا تكونوا ينمأي قيكمقل إن الموت الذي تفرون منه فإنه مال *مشيدة

"قرآن كريم" فراد أت اآلثار على ما صدر من بعض شهد العيان ودل

اإلنسان من أعمال تحي ش األفكـار، ينظـر ر األلباب، وتده ن لـم تكـن إونهـا معجـزات، و إليها ضعفاء العقول، فيعد

ن لم تكن إويحسبونها خوارق عادات، و .. وءاتفي أزمنة النب فالك، حركات األ إلى لفوقد ينسبها الغ من تحدي الرساالت،

ومـن القاصـرين .. وأرواح الكواكب، وموافقـة الطوالـع ها من أحكام المصادفات، وقذفات االتفـاق، عجـزا من يظن

ـ عن أدراك األ ـ سباب، وفهم الصـواب، وأم ا متـاه اهللا آ ن شـأنه، الحكمة، ومنحه الهداية، فيعلم أن الحكيم الخبير جـل

قدرته، أناط كل حادث بسبب، وكل مكسوب بعمل، وعظمت اإلنسان من بين الكائنـات بموهبـة عقليـة، وأنه قد اختص

هظومقدرة روحانية، يكون بهما ما لعجائب األمور، وبهـذه رـ المقدر وبهمـا .. رعيةة وتلك الموهبة مناط التكـاليف الش

اب عنـد عند العقالء، والثواب أو العق استحقاق المدح أو الذم واسع الكرم سريع الحساب

-١٨٧-

ة العللة العللعلعلالقياس الصحيح، رأى في تشـابه إلى إذا رجع البصير

على تقارب القوى اإلنسانية، وتماثل الفطرة البشرية، ما يدل وأرشـده الفكـر السـليم .. العقول بل على استواء المدارك

كل إنسان للكمال، ومنحه ما يكـون أن فضل اهللا قد أعد إلى عمـال، علـى تفـاوت ال يظهـر ا لفضـائل األ به مصدر

.. هنـا وقفـة الحيـرة . ال للنظر الدقيق إبه االختالف بينها فـي كـل للكمال في خلقة اإلنسان، ميل كلي استعداد فطري

فرد ألن ينفرد بالفخار، ويمتاز بجالئل اآلثار، وفضل عـام ا، و من الجواد المطلق سبحانه وتعالى، ال يخيب طالب ال يـرد

خلـص السـالك أئال، إذا صدق القاصد فـي قصـده، و سا خالد الجمهور األعظـم مـن بنـي إة في فما العل .. هفي جدما إلى دنيات المنازل، وقصورهم عن الوصول إلى اإلنسان

أعد ـا ته لهم العناية ويستفزهم إليه الميل الغريزي، خصوصبوعـده ووعيـده، ن كانت النفوس مؤمنة بعدل اهللا مصدقة إ

علـى الباقيـات الصـالحات، وتخشـى عقابـا ثواباترجو عترف بيوم العرض األكبر، يـوم رتكاب الخطيئات، وت على ا *فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره كل نفس بما كسبت ىتجز

-١٨٨-

هـرا ية شـرل مثقال ذرمعن يمو مـاذا يقعـد بـالنفوس إذا .. ماذا ينحدر بها في مزالق الزلل؟ .. ن العمل الصالح؟ عرأسبابها، وطلبت الحقائق مـن حـدودها إلى ت المسببات د

ورسومها، وجدنا لهذا علة هي أم العلل، ومنشأ يقرن به كل . "نبالج" خلل، هو

أضرار الجأضرار الجببنن الجبهـو .. هو الذي أوهى دعائم الممالك فهدم بناءها ن

هن عزائم هو الذي أو .. نظامها قطع روابط األمم فحل الذي الملوك فانقلبت عروشهم، وأضعف قلوب العالمين فسـقطت

هو الذي يغلق أبواب الخير في وجوه الطالبين، .. صروحهمل علـى يسـه .. ويطمس معالم الهداية عن أنظار السـائرين

ن النفس احتمال الذلة، ويخفف عليها مضض المسكنة، ويهـوـ يوط.. ليها حمل نير العبودية الثقيل ع ي ن النفس علـى تلق بالجلد، ويوطئ الظهـور الجاشـية هانة بالصبر، والتذليل اإلقل مما كان يتوهم عروضـه عنـد حمال من المصاعب، أث أل

. قدامي بالشجاعة واإلالتحلـ ا عند كـل روح زكيـة وهمة الجبن يلبس النفس عار

.. عالية

-١٨٩-

ملهوان عليه يهن يسهل ان يالم إما لجرح بميت

ع مرارات الموت في كل لحظـة، ولكنـه ال بل يتجر ال عـين تبصـر األعـداء، إ له ن لم يبق إ بكل حال و راض

ال بالصعداء، وإحسـاس إونفس ال يصعد .. وال ترى األحباء ـ : هذه حياتـه . الألواء ألم الإال يلم به يءأضـاع كـل ش

ـ أوهو يظن . في القناعة بال شيء ل نه أدرك البغيـة، وحصنالم(٤٩)ةي

؟ ؟ ننببهو الجهو الج ماما ما هو الجبانخذال في النفس عـن مقاومـة كـل .. ؟ن

عارض ال يالئم حالها، وهو مرض من األمراض الروحية، ا من أركان يذهب بالقوة الحافظة للوجود التي جعلها اهللا ركن

جوهر كل منها لوحظ ه أسباب كثيرة، لو ول.. الحياة الطبيعية . الخوف من الموت إلى رأينا جميعها يرجع

. بضم الياء المطلوب، والمنية بضم الميم األمنية واألمل: المنية )٤٩(

-١٩٠-

لـيس .. ، ومصـير كـل ذي روح الموت مآل كل حي للموت وقت يوال ساعة ت فرع ،لعه فيما بين النشـأة ، ولكن م

ر اآلجال ال مقد إعمر ينتظر في كل لحظة وال يعلمه وأرذل ال ا تكسب غدا وما تدري نفس وما تدري نفس ماذ شأنه جل

. بأي أرض تموتإلى الخوف من الموت يشتد ث الـنفس هـذا حد يـور

المرض القاتل بسبب الغفلة عن المصير المحتوم، والـذهول عم ه اهللا لإلنسان من خيـر الـدنيا وسـعادة اآلخـرة ا أعد

نعـم يغفـل .. جلـه ت أل قلوهوبة فيما خ مإذا صرف قواه ال ـ اإلنسان عن نفسـه فـيظن ا للحيـاة مـا جعلـه اهللا واقي

يحسب الجاهـل ا في الفناء، سبب –قدام وهو الشجاعة واإل – م أن في كل خطـوة خطـرا، ، ويتوه أن في كل خطوة حتفا ا بين يديه من اآلثار اإلنسانية، وما ناله ممع أن نظرة واحدة ل

لوا من المصـاعب بآمالهم، وما ذل طالب المعالي من الفوز ك المخـاوف إنمـا هـي أوهـام في سيرهم تكشف له أن تل

ـ .. يالت، ووساوس شياطين وأصوات غ ه، تغشـيته فأدهشته، ومن كل خير حرمتهوعن سبيل اهللا صد .

-١٩١-

تنصبه صروف الدهر وغوائل األيام، لتغتـال الجبن فخ هـو حبالـة ..به نفوس الناس، وتلتهم به األمم والشـعوب

ة لكن هم عن سبيله، هو عل الشيطان يصيد بها عباد اهللا ويصد ه، خصلة ذميمة، ال شقاء إال وهـو مبـدؤ رذيلة، ومنشأ لكل

.. ال هو باعثه وموجبه إال وهو جرثومته، وال كفر إوال فساد ع روابط الصالت، هازم الجيـوش، عات، ومقط امق الج ممز

ـ األ ومنكس الطين مـن سـماء الجاللـة عالم، ومهبط الس .. أرض المهانةإلى

ماذا يحمل الخائنين على الخيانة في الحروب الوطنيـة، أليس هو الجب؟ ن

دنياء لدنيئة االرتشـاء، ألـيس هـو ماذا يبسط أيدي األ الجب؟ ن

م بعد المثال فتأمل، فإن الخوف مـن الفقـر ربما تتوه، سهل نبة الج وهو عل الخوف من الموت، إلى يرجع بالحقيقة

عليك أن تعتبر هذا في الكذب والنفاق وسائر أنواع األمراض ار علـى كـل ذي عار وشن نبالج.. المفسدة لمعيشة اإلنسان ا الذين يؤمنون باهللا ورسـله واليـوم فطرة إنسانية خصوص

-١٩٢-

اآلخر، ويؤم لون أن ينالوا جزاء ا ألعمالهم أجرا حسنا ومقام . كريما

واجب المسلمينواجب المسلمين بمقتضى أصول –ة اإلسالمية ينبغي أن يكون أبناء المل

إنها أشد ف "نبالج" أبعد الناس عن هذه الصفة الرديئة –دينهم اهللا، وإنهــم ال يبتغــون الموانــع عــن أداء مــا يرضــي

. إال رضاه المـوت عالمـة اء القرآن أن اهللا قد جعل حب ريعلم ق

ـ به قلوب المعاندين، ويقول في ذم اإليمان، وامتحن اهللا م ن الذين قيل لهـم كفـوا أيـديكم إلى ألم تر : ليسوا بمؤمنين

وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة فلما كتـب علـيهم القتـال إذا أو أشد خشية وقالوا فريق منهم يخشون الناس كخشية اهللا .أجل قريب إلى ربنا لم كتبت علينا القتال لوال أخرتنا

قدام في سـبيل الحـق، وبـذل األمـوال واألرواح اإل الكتـاب لم يكتف. سم بها المؤمنونسمة يت في إعالء كلمته أو

األيدي، وعـد كفى الزكاة، وت تؤ الصالة، وت امقلهي بأن ت اإل ذلك مما يشترك فيـه المؤمنـون والكـافرون والمنـافقون،

-١٩٣-

ح في إعالء كلمة الحـق، بل جعل الدليل الفرد هو بذل الرو بغيـره ه الركن الوحيد الذي ال يعتد بل عد .. لهيوالعدل اإل

عند فقده، ال يظن ظان أنه يمكن الجمع بين الدين اإلسـالمي كيف يمكن هـذا وكـل جـزء .. في قلب واحد نبلجوبين ا

قـدام، وإن عمـاده ر اإل ل الشجاعة ويصو من هذا الدين يمث . اإلخالص هللا والتخلي عن جميع ما سواه الستحصال رضاه

المؤمن من فها كيف يشاء، يوقن أن اآلجال بيد اهللا يصرال ض زيادة فـي األجـل، و وال يفيده التباطؤ عن أداء الفرو

ـ .. قدام دقيقة منه ينقصه اإل المـؤمن مال ينتظـر بنفسـه ن ـ ا عزيـز ا أن يعيش سـيد إم ؛إحدى الحسنيين إال ا أن ا، وإم

أعلى عليين، ويلتحق إلى يموت مقربا سعيدا، وتصعد روحه بينباألكرمين والمالئكة المقر .

من أم يتوه نه يجمع بين الجبه وبين اإليمان بما جاء نب ه هوسه، وهو ر بعقله ولعب ب نفسه وغر ، فقد غش محمد

كل آية من القرآن تشهد علـى .. ليس من اإليمان في شيء لهذا نؤمل من ورثة األنبياء ؛الجبان بكذبه في دعوى اإليمان

ــاء" ــذك"العلم ــالحق، وي ــدعوا ب ــات اهللا، أن يص روا بآي

-١٩٤-

ء كلمته، والنهـي قدام إلعال ألمر باإل وما أودع اهللا فيها من ا . عن التباطؤ والتقاعد في أداء ما أوجب اهللا من ذلك

وفي الظن أن العلمـاء لـو قـاموا بهـذه الفريضـة قليال ، ووعظوا زمنا " والنهي عن المنكر ،األمر بالمعروف "

حيائهـا فـي أنفـس إفة بتبيين معاني القرآن الشريف و الكا ة يبقى ذكره أبد الدهر، ا في هذه المل المؤمنين، رأينا لذلك أثر

دها في هذه الدنيا وهو مجد وشهدنا لها يوما تسترجع فيه مج . كبراهللا األـ لمؤمنون بما ورثـوا عـن أسـالفهم، و فا ن بمـا تمك

يل من التنبيه، لال لق إهم، من آثار العقائد ال يحتاجون في أفئدت اوا مفقود د فيسترد ويسير من التذكير، فينهضوا نهضة األسو

اويحفظوا موجودا محمودا، وينالوا عند اهللا مقام .

-١٩٥-

االنتقاد االنتقاد "مك مثل مقاومم، وما قوئ مثل الكما وعظ"

حكمة مأثورة

دور البشر، تظهر االنتقاد نفثة من الروح اإللهي في ص بدفع الكامـل االكمال، وتنبيه إلى للناقص في مناطقهم سوقا

. ما يليق بهطلب الغاية م إلى من موقفه تتنفس عنه القلوب، وتنفتق به االنتقاد صائح من الالئمة

ب الكمـال همالهم، ودفع طال إ لتقريع الناقصين في ؛لسنةاأل : منتهى ما يمكن لهمإلى

دراك وقوام الحياة باإل اجعل اهللا للحياة قوام إنما اإلنسان كون عقلي سلطان وجوده العقل، فإن صح

ن اهللا إ حكمه صلح ذلك الكـون وتـم أمـره، ذالسلطان ونف لم يهمل العقل من ناصرين عزيزين حاذقين، أحـدهما لـه،

: والثاني له وعليهفضـل، ا قرن اهللا به من غريزة الميل لأل ا األول، فم أم

. مثلواالصطفاء لأل

-١٩٦-

ا الثاني، فما ألزمه الخالق من االنقباض عن الدون، وأم . والنفور عن منازل الهوان

فذاك يحدوه، وهذا يسوقه، وذاك يزين له الطلب، وهذا الهرب، وكل منازل العقل صـعود، إال أدناهـا إلى يزعجه

وكل منزلة الوارد بعـد .. العدمفعجز يقف بأهله على شفير دنى دنو من الكمال، غير أن ما يسمو إليه العقـل، أشـبه األ

ويرتفـع دون غير نهاية، إلى بما ينبسط إليه الوجود ، يمتد مقـام إلـى فليس يصل منتجع الكمـال .. الوقوف عند غاية

بعد منه، ومسـاقط العجـز، كثيـرة أ إلى ال ويرمي بطرفه إالم، تستوكرها أفاعي الهموم، وغائالت الغموم، وقد جعلها اآل

ما التفت إليه راعه هـول منظرهـا، كل.. اهللا من وراء العقل يزال يزجيه الخوف وتطير منجاة منها، وال إلى از عنه فتحف

على، ولكن كالل غبة حتى يدنو من رفرف السعادة األ به الر ارة، وظـواهر البصائر البشرية قد يقف بها عند مظاهر غر

خد ناعة، فتخالها طلبتها، وتحسبها مها، وال تدري أن بهـا تي نهلكتها، وفيها مإلـى فمثلها مثل الطير ينظر .. هاتي الحـب

المنصوب، فإذا سقط لاللتقاط وقـع عن الفخ ثور، ويغبى المن في يد الحابل، أو مثل المفترس يلـوح لـه الئـح الفريسـة

-١٩٧-

فإذا وثب عليها أتـاه الصـائد .. له صائده وال يشعر بما أعد . من مقتله، وأعجله من مأكله

ا ال يهمـل، ا ال يغفل، وحسيب اهللا بالعقل منبه ولهذا وكل مـا سـكن .. ينام، يزعج الواقف، ويمسك الواجف ا ال وكائنن مـا إ: ال هتف بـه إحال، وال قنع قانع بمنال، إلى ساكن

: ال صاح به إوال أوغل موغل فيما ال ينفعه، . .تطلب أمامك م ض من سيرك، وقو تعست الجدود، وأضرعت الخدود، فخف

.. ال فالذل مقيلك، والهلكة مصيركإمن سيرك، و ينبـث "نتقاداال"ب العليم هو حكيم والمؤد ذلك الواعظ ال ى في البيان، على اللسان، فيفقه العالمون، في الفؤاد، ثم يتجل . فطرت اهللا التي فطر الناس عليهاوال يعمله العاملون

ألوان من الناقدين أودع في كل ناطق بصر حاطـة إ ا بشأن غيـره، أشـد

من تمييز أحـوال اآلخـر ن كال ومكمن بصره بشأن نفسه، ثم دفعه للنطـق .. حسنها من قبيحها، وفاسدها من صحيحها

بعدد ان لكل إنسان أبصار ما ألهمه، والقضاء بما أحكمه، فكأ بيـه كلها كبصره تر .. الناظرين إليه، العارفين بما عليه عمله

فيجتنبه، وجعل اهللا الناقـدين الخير فيطلبه، وتكشف له الشر

-١٩٨-

ذكر المنقبة، الفضل ال يعدوه فهوى إلى فمنهم ناظر : ساماأقومن هذا القسم المفرطون فـي الوفـاء .. عن المثلبة ويغض

قباء النقائص وجواسـيس العيـون ومنهم ر .. من األصدقاء ـ وفـيهم الح .. ن المساوئ، ويسكتون عن الحسنات يرو اد، س

لوجهين، وأهل األحقاد، ومنهم ناظرون بالعينين، عارفون بـا وهـؤالء .. يذكرون للكمال نبله، ويلزمـون الـنقص ويلـه

في أعلى المنازل، وفيهم اآلمـرون بـالمعروف والنـاهون . عن المنكر والحافظون لحدود اهللا

ومن الناقدين فاسقون يكتمون ما يعرفون، ويهرفون بما نـاس المنـازل، ولـيس فـي ال ال يعملون، وهم في أخس

ا وما جعـل اهللا بشـر . األقسام له أو عليه تجمع هذه نال م إوإن منكم إال يسلم ويحرم من بعضها، فكأنها التي قال فيها

على ينـادي لهي األ وكلها صدى صوت الكمال اإل واردهـا . الكاملين أن يستزيدوا، والناقصين أن يستجيدوا

هل لجاحد أن يصغر قدر الحسيب على أي وجه كـان يجـاده؟ أو لـواهم إلجاهل أن ينكر حكمة اهللا في أو حسابه؟

وإنـي أحيلـك .. أنه ليس من نظام الفطـرة؟ إلى أن يذهب أن ملك الصين ر نفسك إذا بلغك وأنت غربي مثال على خواط

-١٩٩-

فهـم غدر بأحد أوليائه، أو استصفى أمـوال رعيتـه، أو كل ال يطيقون احتماله، أو أهمل في مصلحة بالده حتى تجرأ ما.. به وكان يستطيع دفعه ليها أعداؤها أو جبن عن حادث ألم ع

أال ترى من قلبك امتعاض بعملـه، ا عليه، ومن نفسك ازدراء !.. على بعد المشـرقين؟ وفي لسانك لهجة بلومه، وهو منك

ليك روايات عدله ورعايته حقوق بالده وحفظه إولئن وصلت لعملـه ، ومـن رأيـك ادك مـيال لذمامه، وجدت إليه من فؤ

. ، ومن لسانك عليه ثناءاستحسانامذاهب ميلك عندما تنظـر إلى حتكمت معك ولو شئت ا

في تاريخ مسبقك فإن بدأ لك النظر فضـال فـي سـيرة، ن نبسـاطا أو خزية في جريرة، ألسـت تجـد مـن نفسـك ا

نشـر إلى نقباضا عن المخازي، ثم انطالقا الفضائل، وا إلى حدهما كأنه قائم يستنصـر ا منك ألعضدت، ثم رأيت دما وج

خر كأنما يدعوك لعونه فأنـت ا على اآل فأنت تنصره، وتغيظ . تخذله

ال جرام أن النقد حافز طبيعي يوقظ السابقين والالحقين، وكل نقد حشوه لوم حتى ما كان منه مقصـورا علـى بـث

المحمواإلقرار بالفضيلة، فإن حمد الكامل عـذل للنـاقص ةد

-٢٠٠-

ج للمحمود، وزجر له عـن مالبسـة ى التقصير، وإزعا علـ أ: فكأني وصاحب الثناء يقول .. ياءعاإل دون ال أيهـا القاع

حذروا الوقفة فإنها وا ..ويا أيها المبرزون اركضوا .. انهضوا عن تلك أقالم الحق، في ألسنة الخلق، ال يصم : بداية القهقرى غبيال إنذارها إبى عن ، وال يغندائها إال أصم.

النقد البناءالنقد البناء عالم على ذلك قام النظام اإلنساني، فلوال االنتقاد ما شب

أترى لو أغفل العلمـاء .. ملك عن منبته متدعن نشأته، وال ا نقد اآلراء وأهملوا البحث في وجوه المزاعم أكانـت تتسـع

دائرة العلـم، وتتجلـى الحقـائق للفهـم، ويـ ع ـ مل ق المح أغمض األصدقاء واألولياء عن سياسـة أو لو .. من المبطل؟

السائس، وتدبير الحاكم، وهجروا النظر فـي قـوة الملـك، ولم يقرعوا كل عمل بمقارع النقد، أكانت تسـتقيم محجـة،

كال بل كان يتحكم الغـرور، .. وتعتدل حجة، أو تعظم قوة؟ تلـك .. ، والنظام خلال وتتسلط الغفلة، ويعود الصواب خطال

ة اهللا فنسخرينلين، وهي كذلك في اآلي األو .

-٢٠١-

!!جزى اهللا األعداء كل خيرجزى اهللا األعداء كل خير فالمغبوط في حالة ميستمع قول الالئمين، ويسـتطلع ن

ذلـك روح .. رينح وجوه المتنك خواطر المعترضين، ويتصف الحياة فيه يطلب حاجاته، ويتحفظ من آفاتـه، فيمـا يملـك

ههم بمـا ينـب نحاء علـيهم، يهم، من األ الحازمون، أنفس لد وا، وينعشـهم مهم إذا جهلوا، ويهديهم إذا ضـل إذا غفلوا ويعل

رشاد عند األولياء، توجد عند وكما توجد نفائس اإل . واإذا زل الء أجود، فإنهم يرفعون للمعايـب بل هي عند هؤ .. األعداء

وأحجـى بالعقـل . نة حتى ال تعود فيها شبهة نظر عالما بي أ تى أكاذيب أهل الضغينة، ووجوم ح االنتقاد شيئ من ا أال يمج فإن أباطيل اللـوم – على مخالفتها للحقيقة – السخيمة ذوي

تكون للعقل بمنزلة الحصون تقاوم في الثغور زمـن السـلم، ه يطرقها عن عدوان المغيرين عليهاا مما عساحذر .

قيـل فينـا "وأقل ما يكون من العاقل فيهـا أن يقـول مطلـب إلى ن لم تهده إ فهي و "يف بنا لو عملنا ولم نعمل فك

ا كان ينفلت منـه، فقـد تحفظـه عنه، ولم ترد إليه فائت ضلـ .. من السقوط فيما يجعل الكذب صدقا، والباطل حقـا فمن

-٢٠٢-

فسق لسانه، وخالف بيانه جنانه، وجاء بغير الحق في ثلـب وهللا مـا يقـول بعـض هغيره، فقد أفسد نفسه لصالح عدو

جزى اهللا األعداء عنا كل خير فلوالهم مـا نزلنـا : ةفيالصو قـوم هذا وقد كفر .. حللنا حظائر القدس منازل القرب، وال روا فـوق "نعوذ بـاهللا "ا وا صنع اهللا فيه عبث بنعمة االنتقاد فظن لوا من ناحيته سمعهم، وجعلـوا أصـابعهم عنه آذانهم، وعط

اصـف نهيـه من صواعق زجـره، وقو (٥٠)في صماليخهم قاموا دونهـم أا، و وأمره، وضربوا بينهم وبين أهل النقد حجب

أستار ل لهم الجهل أن صـممهم عنـه ، يقـيم منـه، ا، وخي يدرأ عـنهم سـهام اللـوائم، (٥١) الغفلة وأن قبوعهم في أهب

مما خافوا، وانـدفاع كأنهم ال يعلمون أن ذلك وقوع في أشد كمثل بعـض الطيـور إذا رأى فمثلهم .. مما رهبوا شرإلى

ا منه أنـه متـى أغمـض الصائد غمس رأسه في الماء ظن ر للصـائد فيكون بذلك قد يس ؛عن طالبه أغمض الطالب عنه

ـ ط وي ،جمع صمالخ وهو داخل خرق األذن : الصماليخ )٥٠( علـى قل

. وسخها وهـو الجلـد الـذي ؛بضـمتين جمـع أهـاب ككتـاب : األهب )٥١(

لم يدغب .

-٢٠٣-

ل عليه كيده صيده، وسه .. تجـدهم فـي عمـى ومـن ثـم ة من الهـوان ط في أعمالهم، قد لزموا خط عن شئونهم وتخب

ـ ـ لو أبصر عقلهم بعض أطرافها لم مـن هـول ااتوا جزع لسن أسـنة األقـالم ال تـألوا كل ذلك وسيوف األ .. ما فيها

اديهم من أعمـاق في تقريعهم، بل وصوت الحق الصريح ين هم ولي.. شتريتم ألنفسكم لو كنتم تعلمون بئس ما ا : ضمائرهم

عاتب، وعدوهم عائب، وهـم فـي غفلـة عـن هـذا بـل .. ال يشعرون

ـ أولئك الذين ختم اهللا عل وبهم، ى سمعهم، وطبع على قللهيـة فهـم أمـوات األرواح، فمرقوا من ناموس الفطرة اإل

عـنهم قبـور الخمـول حتـى األشباح وال تنشق مضطربوم الكونيـة، ينشرهم اهللا في حياة أخرى يخضعون فيها لألحكا

ـ إفلينتظـروا .. لهيـة ويعملون علـى السـنن اإل ا معهـم ن . من المنتظرين

-٢٠٤-

ممنالوطن؟ الوطن؟ هو خائن هو خائن ن د ارجريدة السـتند إلى نقلت الجرائد اإلنجليزية نبأ ورد

من مدينة دونقال، ثم كر ـ رت ذكـره وثب ا تـت مفـاده أيام لسن تلهج في مدينـة دونقـال أن األ (٥٢)لهمتواليات، ومحص

، (٥٣)وفيما بين الجيوش اإلنجليزية بقدوم جيش محمد أحمـد لـيهم إ زاحف في جميع المعسكرات بأنه والحديث مستفيض

ط يأتي من الصحراء، واآلخر على شـطو بجيشين، أحدهما النيل، وأنهم ال بد أن يالقوا منه صدمة شديدة ال قبـل لهـا

ــدة )٥٢( ــي جري ــه ف ــام وبحوث ــاالت اإلم ــذا البحــث عــن مق ه

سها مع السيد جمال الدين األفغـاني فـي التي أس "وثقىالعروة ال " للدفاع عن اإلسالم والمسلمين وبـالد ١٨٨٣نة باريس في أوائل س

. المسلمينهو الزعيم الديني السوداني محمد أحمد المهدي من قبيلة الدناقلـة )٥٣(

وانتشـرت ١٨٨١وقـد ظهـر بدعوتـه سـنة . ١٨٤٨ سنة دلو في أرجاء السودان وانتصر على غوردن باشا وفـتح الخرطـوم

٣٧ بحمى التيفوس وعمـره ١٨٨٥ ه يوني ٢١ وتوفي في ١٨٨٢ . عاما

-٢٠٥-

ضراب والتشويش على أفكار ستولى بذلك اإل اوقد .. باحتمالها . عساكر مدير دونقال خوفا وفزعا

طان راض لأنوا إليه من أن الس مطا أيقنوا به وا ولكن لم جميع إلى عن أعمال محمد أحمد، بل صدرت منه التنبيهات

بوا محاربة هـذا القـائم المؤمنين في تلك األطراف بأن يتجن وأن يعتبروا اإلنجليز في منزلة العدو ويقـاوموهم مقاومـة

. اآليسين ا نعلم أن جميع المسلمين وسـائر الـوطنيين يـرون كن

، وإقامـة نجليزلسعي في مكافحة سير اإل من فروض دينهم ا ، قياما بما يوجبـه مكانموانع في طريقهم بقدر الطاقة واإل ال

أمر إلى الدين والوطن، وال يحتاجون في هذا العمل الشريف لهية والنواميس الطبيعية في كـل فإن الشريعة اإل .. سلطاني

ة وكل قطر من أقطار األرض تطالب كل شخص بصيانة مل الموت دونـه بـل توجبـه وطنه والذود عن حوزته، وتبيح

خـذ الحـذر ، وتدعو كل ذي عقل أل في مدافعة الباغين عليه رواح الشـريرة الخبيثـة من حيل المحتالين، والتوقي من األ نها ما يخطـف برونقـة التي تتجلى في أشكال من الصور م

بنور األبصار، لباب، ويذهب بهاؤه الصوري األ الظاهر لب

-٢٠٦-

ومصادر ال وهي منابع الشر ريـاح الفـتن فسـاد ومهـب تلك أرواح األجانب ونفوس األباعد الذين يهتكون ،واالختالل ويغمطـون الحقـوق ، ويخفضون شئون العباد ،حرم البالد

المدافعة عن الوطن أمـر ،ون النفوس ويفسدون األخالق ويذل طبيعي وفرض معاشي يساعد في دعوة الطبيعة إليه الميـل

عليهم يمدح القائمون به وال يثنى ب فليس الطعام والشرا إلى ة بأوصـافهم ى صورهم الجميلـة محـال نعم تتجل ،هفي أدائ

النظـر إليهـا علـى تماثيـل في مزايا التواريخ عندما يمر كـل الخائنين الذين تجاوزوا تخوم الطبيعة، وصيغت لهم هيا

ا هكـذ .. والعار السرمدي من اللعن األبدي مسربلة بالخزي يبضدهالشيء فرع .

لسنا نعني بالخائن ممها للعـدو يبيع بالده بالنقد، ويسل ن به الـبالد فهـو اعب وكل ثمن ت –بثمن بخس أو بغير بخس

يكون سببا في خطوة يخطوهـا ن بل خائن الوطن م –بخس العدو في أرض الوطن، بل ما تستقر فـي تـراب نيدع قدم

لك هو الخائن في أي لباس الوطن وهو قادر على زلزلتها، ذ القادر على فكر يبديه، أو تدبير .. ظهر وعلى أي وجه انقلب

و الخـائن ر فيه، فه يأتيه، لتعطيل حركات األعداء ثم يقص ..

-٢٠٧-

موأمكنـه أن يرشـد العامـل وتهـاون لم يستطع عمال ن الغـد، إلـى ف عمل اليـوم سو ن م ،في النصيحة فقد خان

رتكـب األعداء بقول أو فعل، فقـد ا ل كيد وتوانى في تضلي تـه فهـو ملعـون وكل خائن لوطنـه أو مل . خطيئة الخيانة

لسنة األنبياء والمرسلين وممقوت فـي نظـر العـالم أعلى يـأتي الزمـان بطولـه .. ما أعظم جريمة الخيانة ،أجمعين

فيمحو أثره ويطمس رسمه إال وصمة الخيانة على كل شيء ـ حم.. خفيها تطـاول العصـور فال تطويها الدهور وال ي ت ي

أسماء العظماء والملوك والسالطين ولكن لـم تمـح أسـماء . الخائنينمكان مكتنفة على وجه الزمان ودرن في صفحة ال لوث

ال يحـيط القلـم .. بـدين أبد اآل إلى باللعنة محفوفة بالمقت فوس مهمـا بوصف الخائن وما يبتغيه من الشنائع، ولكن الن

. راك تشعر بعظم جرمهدتدانت في اإل ***

-٢٠٨-

(٥٤)أن الذات الشـاهانية .. كنا على يقين وال نزال عليه وهي األب األكبر لعموم المسلمين وهـي الكافلـة للشـريعة

حركة األعـداء إلى فاتتلالحافظة للدين هي أجدر الناس باال في البالد اإلسالمية، وهي ال تألوا جهدا في تعويق سـيرهم

ال يمكن أن يطمئن للسلطان قلـب وهـو و.. وإحباط أعمالهم يرى أن أمة عظيمـة مـن أخلـص األمـم فـي الـوالء

نـه كته سقطت تحت السلطة األجنبيـة، وإ له والخضوع لشو لحرج الصدر من أعمال الحكومـة اإلنجليزيـة وعـدوانها على الحقوق العثمانية واإلسالمية والمصرية بلغت كبريـاء

مـن الغريـب أن تضـيق حد ال يحتمل، فليس إلى اإلنجليزبها الصدور، وتفيض بالغيظ القلـوب، وتبلـى منهـا دروع

.. الصبر والجلدفيا أيها المصريون، هذه دياركم وأموالكم وأعراضـكم وعقائد دينكم وأخالقكم وشريعتكم، قبض العدو علـى زمـام

ف فيها غيلة وا التصرليكم تحت رايـة إا، زحف العدو ختالس

لعثمانيــة الخليفــة الســلطان يعنــي شاهنشــاه اإلمبراطوريــة ا )٥٤(

. عبد الحميد الثاني في ذلك الحين

-٢٠٩-

ونكم م ظهر المجن، وتناول بيده الظالمة شئ المحبة، ثم قلب لك لكـم ولم يبـق .. ة وقضاء اردإالعامة، من عسكرية ومالية و

وطالما .. بها شيئا إال الحرمان من خدمة أوطانكم، وأنتم أحق دافعتم عنها في األيام السابقة، هذا وهو لم يـأمن طـوارق

مالة القوى الداخلية، يطلـب اسـت السياسة الخارجية ولم يمحالقلوب إليه، وجمع النفوس عليه، فكيف إذا رسخت أقدامـه،

مـاذا .. ال له الجو من المعارضـين وارتكزت أعالمه، وخ رخاء العنان لـه، إؤملون في ون من مطاوعته، وماذا ت ترجع

ـ .. وماذا تهابون في معارضته واألخذ على يده ا رجـاء أم أفسـد باطل، فقد رأيـتم أنـه الخير منه فوهم فاسد وخيال

، وأقلق راحتكم، وحرم رجالكم من الخيـر، وأفقـر شئونكم عدائكم، وأضر ة من العائالت، ووهب من بالدكم أل ا مؤلف آالف

غلق أبـواب أالعامة من زراعة وتجارة وصناعة ف بمنافعكم بـأمور ل فيما يختص التدخ إلى الكسب في وجوهكم، وقصد

زالة قـوتكم إ و خرق سياجكم إلى وعمد –وقاف كاأل –دينكم .. بطرد جنودكم، وهذه أوائل أعماله، فكيف يكـون نهايتهـا

فماذا تخشون منه؟

-٢١٠-

يتم هل تخشون أن تنقص أموالكم، وثمرات كسبكم إذا أدـ . حقوق وطنكم، وحاربتم عدوكم؟ اطر ربما يختلج هـذا بخ

واقعـون بسـكونكم م أنت .بعضكم، وهو من عجيب الخواطر وفاضـت األمـوال والثمـرات، فيما تخافون منه، انتقصت

ن زدتم في الخضوع زادكـم إالعبرات وزادت الحسرات، و عدوكم خسار اا وأوسعكم خراب قدم العدو ن رسخت إا، ودمار

ــي ــنكم غن ــى م ــنكم ال يبق ــيم إبي ــر ، وال عظ ال افتقن شئتم فانظروا مستقبلكم في مرآة حاضـركم، إال احتقر، و إ

. قكم سبنوا حالكم في تواريخ مواقرء هل تخشون إذا قمـتم بفروضـكم أن يـأتي الخطـر

. على حياتكم؟ لعل هذا الوهم بخيال طائفة منكم يعرض لكـم كم في هذا الوقت ضـعيف العزيمـة ولكن فلتعلموا أن عدو

الدول متألبة عليه، يترقب منهـا فـي كـل آن .. خائر القوة هو فه، ثم مطالبته بنتائج أعماله ومحاسبته على عواقب تصر

نـه مسـرع إ.. م كما يخشى الدول أو أشـد خشـية يخشاكمقصده بغاية ما يمكنه ليتخـذ لنفسـه إلى في سيره، منطلق

ا مكين قرار ا، وال يخفـى علـيكم أن المسـرع ا أمين ا، ومقر

-٢١١-

فلو ظهـرت (٥٥)رة في مدرة ه على وجهه عث في جريه يكب ، منكم في هذا الوقت مقاومـة خفيفـة، أو مؤاخـذة طفيفـة، أو تظاهرتم بالنفرة وعدم الرضا عن سيره فـيكم، وجهـرتم

وسيفه كهـام، (٥٦)بذلك لرأيتم أن ماءه سراب وسحابه جهام قفتم سيره واستعليتم بقوتكم على ضعفه، وأقمـتم للـدول وأو

حج ة قوي لزامه باحترام الحقـوق إ جماحه، و ة في كبحه ورداده، وتخويلها العامة والخاصة، ونزع قوة العمل من يد استبد

. لسلطة تحفظ بها الموازنة بين حقوقكم وحقوق أوربا كافـة أم ا لو تركتم عدو ه، ويقوى على أمـره، كم حتى ينتهي لمقر

خ السودان، ويحيط بجيوشه أعـالي الـبالد المصـرية ويدو يقافه عنـد إ صعب بعد هذا تعريفه بقدره و "ال أناله اهللا ذلك "

فه، وضع حد ـ ة الد ت حج ة ول في معارضته، فإن أقـوم حجـ هللدول عليه هي عجزه عن القيام بمـا كتـب علـى نفس

صالح ما كان يظن من الخلل في مصر، إمن تقرير الراحة و

.الحصاة الصغيرة: المدرة )٥٥( والكهام السـيف غيـر ،السحاب الخفيف الذي ال ماء فيه : الجهام )٥٦(

. القاطع

-٢١٢-

قامـة الـدليل إظهار قدرته و إكم بسكوتكم من ن عدو فلو تمك اءته للوالية عليكم فقد فاز بالسيادة فيكم، وأصـبحت على كف

..!جميع شئون حياتكم في قبضة جورهدماؤكم وأموالكم ومكانه أن إكم وليس في وا بعدو مكانكم اآلن أن تضر إفي

فإذا مضى زمن انعكسـت القضـية وأصـبحت . بكم يضر . ذاللكمإ عجز عن مقاومته، وأصبح في وسعه في

ذالل، فهـل همـا اآلن ن كنتم تخافون المـوت أو اإل إرياء بالشـبهة الباطلـة، على بعد منكم؟ أليس يؤخذ منكم األب

. ون، وكثير منهم يقتلونويهانون ويذل خطرات قلوبكم وحركات كم هذا سيحاسبكم على ن عدو إ

م في ديار غير دياركم، ثم خوانكإبدانكم، ويفعل ب أدمائكم في فأنتم أصحاب أمركم، وهذا قصـده . . على أحد منكم ال يبقي

التحصين من خطر مكانكم أن تستعينوا اهللا في إوفي .. ليكمإال إفإن شئتم فارحموا أنفسـكم، و .. جلآجل، بدون ضرر عا

. فأنتم ساقطون، فيما منه تخافونـ : يا قوم يؤثر في كتبكم من كالم سلفكم ب الشجاع محب

تعلمـون .. بيـه وأمـه ض حتى أل ه، والجبان مبغ حتى لعدو بـاء، لمـاذا عب باإل قوم بالخضوع وال أستهين ش أنه ما عز

-٢١٣-

تعد ون أنفسكم في الدرجة الدنيا عمألستم تتشابهون . سواكم نيمـان أعدائكم، ألسـتم تمتـازون عـنهم باإل في الخلقة مع

أولئـك إلـى الصادق، والعقائد الصحيحة، ألستم تنتسـبون عون أنكم خوا البالد وسادوا العباد، ألستم تد بطال الذين دو األ

أشرف عنصر م بطلب حقوقكم فهـل ا؟ فإن قمت ا وأكرم جوهرن كـان المـوت فهـم إ.. اءكميصيبكم أكثر مما يصيب أعد

نهـم يـألمون كمـا إن كان الخسار فهم يرهبونه، إيخشونه، . تألمون، وترجون من اهللا ما ال يرجون

ـ يخـاطر عـدو ي شيء أل ـ كـم بمالـه ودم ب ه للتغل من شـهامتكم يءي سبب ال تقدمون بش ، وأل على ما ليس له

ركم بقول عجاب، هل نذك ن هذا لشيء إما هو لكم؟ في حفظ (٥٧)شاعركم

بـراهيم بـن إهو أبو الطيب المتنبي، والبيت من قصيدة هجا بها )٥٧(

وكـان رجـال ،بنان وهو على مدينة طرابلس بل ٣٣٠كيغلغ سنة دمشق فلم يلحقه، فنظم هـذه عرض للمتنبي في طريقه إلى جاهال

. حتوته من الحكم والمواعظوهي من عيون قصائده لما ا. لقصيدةا

-٢١٤-

ذىال يسلم الشرف الرفيع من األ اق على جوانبه الدمرحتى ي

ليس هذا مقام التذكير، وليس مكان المباراة في المجـد نما الكالم اآلن فـي الـدفاع إ.. مورمعالي األ إلى والمسابقة

ة، فإن لم يستفزكم طلب عن الحياة وصيانة ضرورات المعيش ر الشقاء المنتظـر الـذي العال وسمو الهمم فليستفزكم تصو

سـتغفر اهللا أ.. ونعوذ باهللا أن تدرككم أواخـره رأيتم بوادره . ال تزال ترجى فيكم النجدة والشمم والرفعة

ة وغيرة لـدفع الغائلـة ال يزال دينكم يترقب منكم حمي . عنه

-٢١٥-

? ?

-٢١٦-

نتشار اإلسالمنتشار اإلسالمسرعة اسرعة ا فجعل اهللا رسالة ؛اإلصالح عامة إلى كانت حاجة األمم

لكن ما يدهش عقل النـاظر فـي .. خاتم النبيين عامة كذلك أحوال البشر أن هذا الـدين يجمـع إليـه األمـة العربيـة

أقصاها في أقل من ثالثين سنة، ثـم يتنـاول إلى من أدناها وجـدار الصـين (٥٨)ن المحيط الغربـي من بقية األمم ما بي

في أقل من قرن واحد، وهو أمر لم يع؛د في تاريخ األديان ه الكثير في بيان السبب، واهتدى إليه المنصـفون ولذلك ضل . فبطل العجب

الحقالحق إلى إلى دعوته دعوته--١١ ن بالدعوة كغيـره مـن األديـان، ولقـي ابتدأ هذا الدي اعي ي الـد ذوأ: باطلأشد ما يلقى حق من من أعداء أنفسهم

قيذاء، وأ بضروب اإلـ يم ه في وجهه ما كان يصعب تذليلـ رب المستجيبون له، وح من عقبات لوال عناية اهللا، وعذ وا م

غير .. ت منهم دماء غزيرة كفوا من الدار، وس درالرزق، وط

. الغربي المحيط األطلسي، تخوم الصينيقصد بالمحيط )٥٨(

-٢١٧-

أن تلك الدماء كانت عيون العزائم تنفجر من صخور الصبر، قذف بها الرعب في أنفـس بمشهدها المستيقنين، وي بت اهللا يث

فكانت تسيل لمنظرها نفوس أهل الريـب وهـي ؛المرتابينذوب ما فسد من طباعهم، فتجري من مناحرهم جري الـدم

ليميز اهللا .. الفاسد من المفصود على أيدي األطباء الحاذقين عل الخبيث بعجيب والطي الخبيث من هكمرض فيعلى بع هض

ونالخاسر مه أولئك نمهفي ج لهعجا فيميعج . تألبت الملل المختلفة ممكان يسكن جزيرة العرب وما ن

فمـا .. وا دعوته على اإلسالم ليحصدوا نبتته، ويخنق جاورهاقويـاء، والفقيـر يف لأل زال يدافع عن نفسه دفـاع الضـع

باطيل، والرشـد ال أنه الحق بين األ إ، وال ناصر له غنياءلأل ز بالمنعـة، في ظلمات األضاليل، حتى ظفر بالعزة، وتعـز

خر كانت تـدعو أئ أرض الجزيرة أقوام من أديان وقد وط ة وسـلطان، وحملـوا النـاس إليها، وكانت لهم ملوك وعز ومـع ذلـك لـم يبلـغ كـاره، على عقائدهم بأنواع من الم

بهم السعي نجاحاا، وال أنالهم القهر فالح . اإلسالم سكان القفار العربية على وحدة لم يعرفهـا ضم

تاريخهم، ولم يعد لها نظير في ماضيهم، وكـان النبـي ه

-٢١٨-

ـ إلى قد أبلغ رسالته بأمر ربه مجـاور الـبالد العربيـة ن وا وامتنعـوا، وناصـبوه من ملوك الفرس والرومان، فهزء

.. قوا علـى المتـاجر ، وأخافوا السابلة، وضـي ومه الشر وق فغزاهم بنفسه، وبعث إليهم البعـوث فـي حياتـه، وجـرى

ا للـدعوة، بالغإا لألمن، و طلب ؛على سنته األئمة من صحابه فاندفعوا في ضعفهم وفقرهم يحملون الحـق علـى أيـديهم،

ددها، وانهالوا به على تلك األمم في قوتها ومنعتها، وكثرة ع واستكمال أهبتها وعددها فظفروا منها بما هو معلوم، وكانوا

السلطان للفاتح عطفوا متى وضعت الحرب أوزارها، واستقر أباحوا لهم البقاء على أديانهم على المغلوبين بالرفق واللين، و

قامة شـعائرهم آمنـين مطمئنـين، ونشـروا حمـايتهم إوم وأموالهم، وفرضـوا عليهم يمنعونهم مما يمنعون منه أهله

ا قليال من مكاسبهم على شرائط معينةعليهم كفاء ذلك جزء .

مساعدة المغلوبين مساعدة المغلوبين--٢٢تبعـوا أن غير المسلمين إذا فتحوا مملكة كانت الملوك م

دينهـا، يلجـون إلـى جيشها الظافر بجيش مـن الدعايـة على الناس بيوتهم ويغشون مجالسهم ليحملوهم علـى ديـن

برهانهم الغلبة، وحجتهم القوة، ولم يقع ذلك لفاتح و.. الظافر

-٢١٩-

من المسلمين، ولم يعد في تاريخ فتوح اإلسـالم أن كـان ه له دعاة معروفون لهم وظيفة ممتازة، يأخذون على أنفسـهم العمل على نشره، ويقفون مسعاهم على بث عقائده بين غير

ـ .. المسلمين بل كان المسلمون يكتفون بمخالطة ماهم عـد نـ أفي المعاملة، وشهد العالم بأسره ومحاسنتهم ان ن اإلسالم ك

إ مجاملة المغلوبين فضال و يعد هـا حسانا عندما كـان يعـد . بيون ضعة وضعفااألور

العدالة االجتماعية العدالة االجتماعية--٣٣ األموال المسلوبة توات، ورد رفع اإلسالم ما ثقل من األ

ووضع المساواة أربابها، وانتزع الحقوق من مغتصبيها، إلى . في الحق عند التقاضي بين المسلم وغير المسلم

ـ لبقال ي أ أمر المسلمين فيما بعد بلغ إسـالم م دخـل ن قرار من المسـلم الجديـد إ شرعي، ب ال بين يدي قاض إفيه

..(٥٩)كراه وال رغبة في دنياإأنه أسلم بال

قطـار الخاضـعة لسـيادتها كان هذا في الدولة العثمانية واأل لقد )٥٩(

. مه الشريعة اإلسالميةتحت ذا ال وه،كمصر

-٢٢٠-

ووصل األمر في عهد بعض الخلفاء األمويين أن كـره ا رأوا أنـه يـنقص هم دخول الناس في دين اإلسالم لم عمال

عن سبيل ولئك العمال صد أمن مبالغ الجزية، وكان في حال مثل ذلك أمر عمر بن عبد العزيز بتعزير ول ؛الدين ال محالة (٦٠)أولئك العمال

الحرية في العمل والدين الحرية في العمل والدين--٤٤ عرف خلفاء المسـلمين وملـوكهم فـي كـل زمـان

كتاب وغيرهم مـن المهـارة فـي كثيـر ما لبعض أهل ال أعلى المناصـب إلى ستخدموهم وصعدوا بهممن األعمال، فا حتى كان منهم مسبانياإى قيادة الجيش في تولن .

اشتهرت حرية األديان في اإلسالم حتى هجـر اليهـود بالد األندلس وغيرها بسيوفهم إلى ا منها بدينهم أوربا فرار ..

أولئك األقوام كتـاب اهللا إلى املووى أنهم ح ا س لم يفعلوا شيئ وشريعته وألقوا بذلك بين أيديهم، وتركوا الخيار لهـم فـي

ا ولـم دي بعث ها ن محمد إ": شكا إليه عامله بمصر ذلك فأجابه )٦٠(

ـ "ايبعث جابي ويا له من جواب مم ،تـاه اهللا الحكمـة وفصـل أ ن . "ر.ر.م"هامش . لخطابا

-٢٢١-

موا بيـنهم بـدعوة، ولـم يسـتعملوا القبول وعدمه، ولم يقو ا من القوة، وما كان من الجزية لم يكـن كراههم عليه شيئ إل

مما يثقل أداؤه على مفما الذي أقبل بأهـل .. ضربت عليه نقنعهم أنه الحق دون ما كان أاألديان المختلفة على اإلسالم، و

ا، وبذلوا في خدمته ما لم يبذلـه لديهم حتى دخلوا فيه أفواج .. العرب أنفسهم؟

به على رذائل األخالقبه على رذائل األخالق تغل تغل--٥٥ ظهور اإلسالم على مـا كـان فـي جزيـرة العـرب

به على مـا كـان فيهـا ة، وتغل من ضروب العبادات الوثني خـالق وقبـائح األعمـال، وسـيره بسـكانها ن رذائل األ م

لهيـة السـابقة اء الكتـب اإل ر لق حقق.. على الجادة القويمة وتحقيـق ،سـماعيل إيه إبـراهيم و أن ذلك هو وعد اهللا لنبي

،ربنا وابعث فـيهم رسـوال مـنهم استجابة دعاء الخليل ـ ر بـه األنبيـاء أقوامهـا وإن هذا الدين هو ما كانـت تبش

البقـاء إلـى من بعدها، فلم يجد أهل النصفة مـنهم سـبيال على العناد في مجاحدته شاكرين، وتركوا ما كان لهـم بـين

. قومهم صابرين

-٢٢٢-

رفعته للنفوس البشرية رفعته للنفوس البشرية--٦٦ كهـم ديهم مـا حـر أوقع ذلك من الريب في قلوب مقل

ا ونعمة، ال عقيدة ا ورحمة، وخير فوجدوا لطف ؛النظر فيه إلى تضعف ينفر منها العقل وهو رائد اإليمان الصادق، وال عمال

عن احتماله الطبيعة البشرية وهي القاضية في قبول المصالح والمرافق، رأوا اإلسالم يرفع النفوس بشعور من الالهـوت،

علـى، عالم السفلي ويلحقها بالملكوت األ يكاد يعلو بها عن ال بخمس صلوات في اليـوم، ذلك الشعور حياء إ إلى ويدعوها

ـ ع بالطيبـات، وال يفـرض وهو مع ذلك ال يمنع من التمت علـى الفطـرة هادة ما يشـق من الرياضيات وضروب الز

رضا اهللا ونيل ثوابه حتى في توفيـة مه، ويعد ب البشرية تجش ته متى حسنت النية وخلصت السريرة، فـإذا نـز البدن حق

تى حسنت لهي ينتظره م كان الغفران اإل شهوة أو غلب هوى . وبةالتوبة، وكملت األ

وا القـرآن الكـريم ءت لهم بساطة الدين عندما قـر تبد ونظروا في سيرة الطاهرين مـن حامليـه إلـيهم، وظهـر

فهمه وما تكفي جولة نظـر إلى ال سبيل لهم الفرق بين ما

-٢٢٣-

ما كـانوا ا من ثقل فتراموا إليه خفاف ؛علمه إلى في الوصول . عليه

لغاؤه لالمتيازاتلغاؤه لالمتيازاتإإ --٧٧ مم تطلب عقال فـي ديـن فوافاهـا، وتتطلـع كانت األ

فما الذي حجم بها عن المسارعة .. عدل في إيمان فأتاها إلى رغيبتها؟ إلى طلبتها، والمبادرةإلى

كانت الشعوب تئن من ضروب االمتياز التـي رفعـت مهـا بعض بغير حق، وكـان مـن حك بعض الطبقات على

دنين متـى حالـت دونهـا شـهوات ال يقام وزن لشئون األ أي بـين جميـع د الحقوق، ويسـو فجاء دين يحد .. ينيعلاأل

غ الطبقات في احترام النفس والدين والعرض والمال، ويسـو المرأة فقيرة غير مسلمة أن تأبى بيع بيت صغير بأية قيمـة

كان يريـده وما .. مير عظيم مطلق السلطان في قطر كبير أل ما عقد العزيمة على أخـذه لنفسه ولكن ليوسع به مسجدا، فل

فـورد ؛الخليفـة إلى ع دفع أضعاف قيمته، رفعت الشكوى م

-٢٢٤-

(٦١) بيتها إليها مع لوم األمير على ما كان منـه أمره برد .. بن أبي طالب أمـام ل يسمح ليهودى أن يخاصم مثل علي عد

. القاضي وهو بينهما

روح اإلسالمروح اإلسالم المحبة المحبة --٨٨ بههذا وما سبق بيانه مما جاء به اإلسالم وهو الذي حب

إليه أهواءهم حتى صاروا أنصاره عداءه، ورد أ كانوا نمإلى . وأولياءه

غلب على المسلمين في كل زمن روح اإلسالم، فكـان من خلقهم العطف على مجاورهم من غيرهم، ولم تستشعر ن

قلوبهم عداوة لمفهـم .. ال بعد أن يحرجهم الجـار إم خالفه نـ إيتعلمونها من سواهم، ثـم ال يكـون كانوا ا يحـل ال طائف

ثم يرتحل، فإذا انقطعت أسباب الشـغب تراجعـت القلـوب

يبنـي مسـجده المشـهور كان فاتح مصر عمرو بن العـاص )٦١(

اد زل صغير بجـوار البنـاء، فـأر بالقاهرة، وكان لسيدة قبطية من ا، فأبت فأراد االستيالء عليه كره ؛شراءه ليوسع جانبا من المسجد

فبعث إليه يلومه ويأمره بـالكف ؛فشكته إلى عمر بن الخطاب . عنها

-٢٢٥-

لفته من اللين والمياسرة، وعلى الرغم من غفلة أسابق ما إلى الكثيـر مـنهم ين عن اإلسالم، وخذالنهم له، وسعي المسلم

م وبغير علم، لم يقف اإلسالم في انتشاره عنـد في هدمه بعل حد زمـن ولـم يخـل .. في الصين وفي أفريقيا ا، خصوص

األخـذ إلـى من ظهور جموع كثيرة من ملل مختلفة تنزع ال سـيف وراءهـا، : بعقائده على بصيرة فيما تنـزع إليـه

طالع على ما أودعـه، داعي أمامها، وإنما هو مجرد اال وال . ركة الفكر في العلم بما شرعهمع قليل من ح

ومن هذا تعلم أن سرعة انتشار الدين اإلسالمي، وإقبال لـه، نما كان لسهولة تعق إة الناس على االعتقاد به من كل مل

ويسر أحكامه، وعدالة شريعته، وبالجملة ألن فطرة البشـر إلـى بمصالحها، وأقـرب ا ترتاد منه ما هو أمس تطلب دين

.. خرةالطمأنينة في الدنيا واآل إلى عرها، وأدعى قلوبها ومشا ، وإلى العقول سـبيال ا، القلوب منفذ إلى ودين هذا شأنه يجد

األموال الكثيـرة، واألوقـات دعاة ينفقون إلى وبدون حاجة الطويلة، ويستكثرون من الوسائل ونصب الحبائـل لجـذب

. النفوس إليه

-٢٢٦-

وطهارته التي في بساطته األولى، هذا كان حال اإلسالم ــيم أ ــب عظ ــى جان ــزال عل ــا، وال ي ــأه اهللا عليه نش

. اليوم إلى رضمنها في بعض أطراف األ

لم ينتشر بالسيفلم ينتشر بالسيف قال من منـاه أو لـم يـرد أن يفهمـه لم يفهم ما قـد :

إن اإلسالم لم يطف علـى قلـوب العـالم بهـذه السـرعة ى حـد إر غيرهم والقرآن ب فقد فتح المسلمون ديا ؛إال بالسيف

.. ، يعرضون القرآن على المغلـوب اليدين والسيف باألخرى فإن لم يقبله، فصل السيف بينه وبين حياته، سـبحانك هـذا

!.. بهتان عظيمـ ن ما قد إ مناه من معاملة المسلمين مدخلـوا تحـت ن

سلطانهم هو ما تواترت به األخبار تواتر ا ال يقبـل ا صحيحوإنما شهر .. في تفصيله ن وقع اختالف إ في جملته، و الريبة

ا للعدوان عـنهم، دفاعا عن أنفسهم، وكف ؛المسلمون سيوفهم ثم كان الفتح بعد ذلك مـن ضـرورة الملـك، ولـم يكـن

ال أنهم جاوروهم وأجاروهم، فكان إمن المسلمين مع غيرهم الجوار طريق العلم باإلسالم، وكانت الحاجة لصالح العقـل

. والعمل داعية االنتقال إليه

-٢٢٧-

، فقد عمـل فـي الرقـاب (٦٢)الو كان السيف ينشر دين ا كل أمـة لـم تقبلـه مهدد.. لإلكراه على الدين واإللزام به

لجيوش ووفرة بادة والمحو من سطح البسيطة، مع كثرة ا باإلن لها، وابتدأ ذلـك سمى درجة كانت تمك أالعدد، وبلوغ القوة واسـتمر سالم بثالثة قـرون كاملـة، إلالعمل قبل ظهور ا

فتلـك ... سالم سبعة أجيال أو يزيـد اإل ته بعد مجيء في شدعشرة قرون كاملة لم يبلغ فيها السيف من كسب عقائد البشر مبلغ اإلسالم في أقل من قرن، هذا ولم يكن السـيف وحـده

ال والدعاة من خلفه يقولـون إبل كان الحسام ال يتقدم خطوة فئـدة، تفـيض مـن األ حمايته، مع غيرة ما يشاءون تحت

لبـاب ألسـنة، وأمـوال تخلـب وفصاحة تتـدفق عـن األ . ن في ذلك آليات للمستيقنينإالمستضعفين،

ل حياة نبع في سلسبي: ت حكمة اهللا في أمر هذا الدين جل فاض حتى شملها –بعد بالد اهللا عن المدنية أ.. القفار العربية

كراه، وقهـر القـوة فرنج على نشر النصرانية باإل طالما عمل اإل )٦٢(

على ذلك مـذابح التـاريخ العسكرية، قبل اإلسالم وبعده، كما تدل . في أوربا وبالد الشرق

-٢٢٨-

ـ ؛فجمع شملها حتـى هد فأحياها حياة شعبية دينية، عـال ماستغرق ممالك كانت تفاخر أهل السماء في رفعتهـا وتعلـو

ره على لينه ما كان استحجر أهل األرض بمدنيتها، زلزل هدي الحياة فيها، قالوا كـان ت عن مكنون سر رواح فانشق من األ

.. ة اهللا فـي الخلـق قلنا تلك سن "بالتحريك"ال يخلو من غلب والباطل، والرشد والغي، قائمة ال تزال المصارعة بين الحق

إذا سـاق اهللا . أن يقضي اهللا قضاءه فيـه إلى في هذا العالم تهـا، وينمـي أرض جدبة ليحيي ميتتها، وينفع غل إلى اربيع

الخصب فيها، أفينقص من قدره أن أتى في طريقه على عقبة فعالها، أو بيت رفيع العماد فهوى به؟

بلغها أهله، فلم يكن بـين اإلسالم على الديار التي طعسأهل تلك الديار وبينه إال أن يسـمعوا كـالم اهللا ويفقهـوه، واشتغل المسلمون بعضهم ببعض زمنا وانحرفوا عن طريق

القائـد خذلـه األنصـار ، وكـاد ةا، فوقف وقف الدين أزمان لكن اهللا بـالغ أمـره، فانحـدرت .. ما وراءه إلى يتزحزح

خان وفعلوا نكيزمن التتار يقودها ج ديار المسلمين أمم إلى جاءوا لمحـض الغلبـة .. يل، وكانوا وثنيين بالمسلمين األفاع

ـ .. اوالسلب والنهب، ولم يلبث أعقابهم أن اتخذوا اإلسالم دين

-٢٢٩-

جـاءوا : غيـرهم هم منه ما عـم أقوامهم، فعم إلى وحملوه . لشقوتهم فعادوا بسعادتهم

ثير الحضارة اإلسالميةثير الحضارة اإلسالميةأأتتملك لم يبق .. (٦٣)رب على الشرق حملة واحدة حمل الغ

ت واستمر.. ال اشترك فيها إمن ملوكه، وال شعب من شعوبه المنازعات والحـروب بـين الغـربيين والشـرقيين أكثـر

سنة، توافرت للغربيين من الغيـرة والحمايـة (٦٤)من مائتي للدين ما لم يسبق لهم من قبل، وجي وا شوا من الجنـد وأعـد

ن، ديـار المسـلمي إلـى قوة ما بلغته طاقتهم، وزحفوا من ال فانتصر الغربيون على كثير ؛وكانت فيهم بقية من روح الدين

)٦٣( األستاذ اإلمام في مقالين على مسـيو هـانوتو وزيـر راجع رد

الذي نشـرته "ةاإلسالم دين العلم والمدني "خارجية فرنسا في كتاب ن كثير من التهم التي لة ع وردود مفص ففيه بيان واف ؛دار الهالل

ليهسالم إهها أعداء اإلوج . الحروب الصليبية التي أثارتهـا أوربـا منـذ يشير اإلمام هنا إلى )٦٤(

زثمانية قرون، وهوكـان النصـر ؛ت في كثير مـن معاركهـا م . في النهاية للعرب واإلسالم

-٢٣٠-

هت تلك الحروب الجارفة بإجالئهم ت وان ؛من البالد اإلسالمية . عنها

ظفـر رؤسـاء الـدين .. جاءوا وبمـا رجعـوا؟ مول ا يشـاءون مـن سـكان دوا م يثارة شعوبهم ليب إفي الغرب ب

سلطان تلك الشعوب على مـا يعتقـدون الشرق أو يستولي جـاء ،ألنفسهم الحق في االستيالء عليه من البالد اإلسالمية

غفير، الثروة، وعلية الناس، جم مراء، وذوي من الملوك واأل اسـتقر ،روه بـالماليين وجاء من دونهم من الطبقات ما قد

انت فتـرات المقام بكثير من هؤالء في أرض المسلمين، وك تنظر.. سكينتها إلى تنطفئ فيها نار الغضب وتثوب العقول

خالطين، وتنفعـل فكار الم أفي أحوال المجاورين، وتلتقط من فتبينت أن المبالغـات التـي أطاشـت ؛بما ترى وما تسمع

مت اآلالم، لم تصب مستقر الحقيقة، ثم وجـدت األحالم وجسحري ة في دين، وعلممـت ل في يقـين، وتعل ا مع كماا وشرع

م من وسائل اإليمان ال من العوادي ة الفكر وسعة العل أن حري بالدهـا إلى داب ما شاء اهللا وانطلقت عليه، ثم جمعت من اآل

-٢٣١-

(٦٥)مـا كسـبه إلى قريرة العين بما غنمته من حروبها، هذا بمخالطـة .. بالد األنـدلس إلى الة من أطراف الممالك الرح

شعوبهم ليذيقوهم حـالوة إلى ثم عادوا به .. حكمائها وأدبائها ما كسبوا، وأخذت األفكار من ذلك العهد تتراسـل والرغبـة

ونهضت الهمم لقطع سالسـل .. في العلم تتزايد بين الغربيين تقييد سـلطان زعمـاء الـدين، إلى التقليد، ونزعت العزائم

فـوا واألخذ على أيديهم فيما تجاوزوا فيـه وصـاياه وحـر عناه، ولم يكن بعد ذلك قليل من الزمن حتـى ظهـرت في م

اإلصـالح والرجـوع بالـدين إلـى طائفة مـنهم تـدعو صالحها بما ال يبعد عن اإلسـالم إ بساطته، وجاءت في إلى

(٦٦)، بل ذهب بعض طوائف اإلصالح فـي العقائـد إال قليال ما يتفق مع عقيدة اإلسالم إال فـي التصـديق برسـالة إلى

ا سـم هم عليه إنما هو دينه يختلف عنـه ا ن ما إ، و محمد . وال يختلف معنى إال في صورة العبادة ال غير

ومـا ،ما استفادته شعوب أوربا من الحضارة اإلسالمية يشير إلى )٦٥(

ـ نقلته من علوم العرب وفنونهم وفلسفتهم مما ال يزال ي درفـي س . جامعات أوربا

)٦٦( دين وأكثرهم من اإلنجليز واألمريكانهم طائفة الموح .

-٢٣٢-

ثم أخذت أمم أوربـا تنطلـق مـن أسـرها، وتصـلح ، حتى استقامت أمور دنياها على مثل مـا دعـا من شئونها

رت إليه اإلسالم، غافلة عن قائدها، الهية عن مرشدها، وتقر ة، التي تفاخر بها األجيال المتـأخرة أصول المدنية الحاضر

. ما سبقها من أهل األزمان الغابرة وربـت ا قابلة فـاهتزت من وابله أصاب أرض هذا طل فاسـتفادوا ؛جاء القوم ليبيـدوا .. كل زوج بهيج وأنبتت من

هاجة شعوبهم وشـفاء إ الرؤساء أن في ظن.. وعادوا ليفيدوا ضوح شأنهم وضعضـعة فباءوا بو .. ضغنهم، وتقوية ركنهم

ناه في شأن اإلسالم سلطانهم، وما بي– ويعرفه كل م ـ ن ه تفق الغرب فعرفوا قد ظفر به كثير من أهل النظر في بالد –فيه

نه كان أكبر أساتذتهم فيما هم فيه اليـوم، أله حقه، واعترفوا . والى اهللا عاقبة األمور