زوربــــــــا نيكوس كازنتزاكيس

النسخة محملة من مكتبة نبع الوفاء للكتب المجانيةهذه

Books/com.0s0s.www

منتدى الكتب المجانية منتديات نبع الوفاء

vb/com.0s0s.www

املقدمه

* . الطريقة الوحيدة إلنقاذ نفسك هي أن تناضل إلنقاذ اآلخرين

* فيها يثبت، و كأن األلم لم يكن إال حلماً و الحياة مأساة آسرة ، أنا أصغي إليه غير مبال كنت

. غلظته و سذاجته، من يسرع إلى المسرح و يأخذ حصته من العمل * فهذا من، أما ما يجري وراء القناع . و على الوجه قناع مبتسم ال يتحرك ، اطمئنان , ينةسك

. شأننا *

: و قلت لنفسي، لقد قررت أن أبدل طريقة حياتي

أما اآلن فسأقودك إلى ، و كنت تكتفين به ، لم تكوني لتري سوى الظل ، نفس حتى اليوم يا . الجسد

*

! الحرية: هذا ما يجعلك إنسانا *

و فجأة تتغلب على هواك و ، و أن تجمع قطع الذهب ، شيئاً ما أن تهوى:هذه هي الحرية لكن أليس هذا ، تتحرر من هوى لتخضع لهوى آخر أكثر نبالًُ منه تلقي بكنزك في الهواء أن . شكالً آخر من العبودية

*

. ال يفهم، ال إنساني ، إن الشباب حيوان مفترس

*

و كل شيء على ما يبدو كان سهال، إن سيادتك ال تعرف ذلك . بهيمة كبيرة ، بهيمة اناإلنس

: بهيمة أقول لك. لكن أسألني أنا ، بالنسبة لك

. و إذا كنت طيباً فقأ عينيك , إذا كنت سيئاً معه احترمك و خافك*

أننا جميعاُ متساوون و ال تقل لهم، البشر كثيراً ال تشجع، حافظ على المسافات أيها الرئيس و يسرقون خبزك و ، إال فإنهم سيدوسون حقك أنت و. و أن لنا جميعاً الحقوق نفسها

من أجل الخير الذي أريده ، أيها الرئيس ، المسافات حافظ على. يدعونك تفطس من الجوع . لك*

ذي سيرونه ؟ فما ال، أيها الرئيس ال تفتح أعينهم و إذا فتحت أعينهم دع الناس مطمئنين ! بؤسهم

! دعهم إذن مستمرين في أحالمهم

عالم أفضل من عالم الظلمات الذي يعيشون فيه اآلن , إال إذا كان لديك عندما يفتحون أعينهم ألديك هذا العالم ؟؟؟.* ! و يجب أال نلومه على ذلك، قلب اإلنسان يتألم عندما تمطر إن*

! ألزهار و المطرتقوله الحجارة و ا لو كنا نعرف ما

ستنفتح آذان الناس ؟ متى، تنادينا و نحن ال نسمع ، لعلها تنادي

الحجارة و األزهار و المطر , متى ستنفتح أعيننا لنرى ؟ متى ستنفتح األذرع لنعانق الجميع و البشر ؟

* . فال، أما الموت . إن الحياة إزعاج

أتعرف ماذا يعني هذا؟، أن تعيش

. مك و تبحث عن قتالأن تفك حزا*

! و هو الذي ال يريد أن يسمع، هناك أسوأ ممن هو أصم *

. و التي تحول المادة إلى روح، القوة التي ال تفنى إلهية هي

و لهذا فهو ينجح في تحويل الخبز و الماء و ، الدوامة اإللهية إن في كل إنسان جزءاً من هذه ! قل لي ماذا تفعل بما تأكله أقل لك من أنت: حق إن زوربا على . اللحم إلى فكر و عمل

* وكأن لي كل ، و أن اشتغل كعبد ، أال يكون لي أي مطمح : السعادة الحقيقية تلك هي أن أعيش. المطامح

. أال احتاج إليهم و أحبهم، بعيداً عن البشر *

و على أطراف هذه ، أن قلب اإلنسان عبارة عن حفرة مليئة بالدم : القديمة تقول األسطورة و كلما كانوا، يرتمي األموات األحباء على بطنهم ليلعقوا الدم و تعود الحياة إليهم الحفرة

. شربوا من الدم أكثر، عزيزين عليك أكثر *

. إنه موجود، ونحن نعيش و نناضل معه كل لحظة , ملموس، إن العالم القديم متيم

مصنوع من النور الذي نسجت ، مائع ، و غير قابل للمس ه و، و عالم المستقبل لم يولد بعد الحب و الحقد و الخيال و الصدفة و اهللا: تتضاربها رياح عنيفة إنه غيمة، منه األحالم

...... *

، و إنما عندما تمضي و ننظر إلى الوراء . فنادراً ما نحس بذلك ، نعيش سعادة ما عندما . سعداءفجأة و أحياناً بدهشة كم كنا نحس

* بين هذين العدوين ، سأوفق أخيراً في نفسي . بالروح و أمأل جسدي، سأمأل روحي بالجسد

.... األبديين*

و، ألنك تفهم فجأة أن الحياة تافهة و بائسة ، فتحس بأنك تختنق ، يعزف لحناً وحشياً أحياناً . غير الئقة باإلنسان

تنساب كما ينساب الرمل من بين الحياة تمر وفتحس بأن ، و أحياناً يعزف لحناً مؤلماً . و بأن الطمأنينة ال وجود لها، األصابع

* آخرون فيما و، كثيرون يبحثون عن السعادة فيما هو أعلى من اإلنسان : يقول كونفو شيوس

. لكن السعادة بطول قامة اإلنسان. هو أوطى منه *

، ثم نجد ، دمى محشوة بالنخالة ، هي أيضاً ، ا لتبينا أنه، لو بقرت بطونها , أسمى األفكار

. من التنك مخفياً في النخالة نابضاً*

. إننا ننسى بسهولة ما ال يالئمنا* . ال بأن يزهد فيه، بأن يشبع من كل شيء يخطر له ، اإلنسان يتحرر هكذا إن

يطان و نصفإذا لم تصبح أنت بنفسك ش، أن تتخلص من الشيطان ، تستطيع يا صديقي كيف

؟*

يتبدل تماماً دون أن، زوربا كان من المستحيل عليه أن يسمع امرأة تخاطبه بصوت ممزق . إن دمعة امرأة يمكن أن تغرقه.*

و جميع الذين عندهم ، ليس لديهم وقت للكتابة ، كما ترى , إن جميع الذين يعيشون األسرار أتفهم ؟ , ال يعيشون األسرار، وقت

* . الطمأنينة الوحيدةالعمل هو

* . من دوري في قفص إن دجاجة تسبح في الماء أفضل

* ! مجرد بف ، إن الموت ال شيء ! فلتقنا السماء منها، أيها الرئيس ، إنني أخاف الشيخوخة

. و تنطفىء الشمعة لكن الشيخوخة عار*

. نسان حماقاتلكن الحماقة الكبرى في رأيي هي أال يكون لإل، إنسان حماقاته إن لكل*

. أيديهم على العنان إن حياة اإلنسان طريق لها مرتفعاتها و وهادها و ذوو العقول يتقدمون وألن الصدمات ال ، منذ زمن بعيد فلقد ألقيت بالعنان، أما أنا أيها الرئيس و هنا تكمن قيمتي

. تخيفني*

لكنه يلقي بها . ل األنوف التي تريد عنده كل العيون و ك فقد تكون، عندما يكون لإلنسان قلب جميعاً أدراج الرياح

* . يكفي أن تكون عنده قبعة، ال يهم أال يكون لإلنسان رأس

*

ألنه ال يعمل إال نصف عمله فقط، اإلنسان ال يستطيع أن يعبر إال عن نصف أفكاره فقط إن.

, أو نصف شرير، فاضل ألن اإلنسان نصف . إن العالم موجود في هذه الحالة اليائسة

. عندئذ تنتصر، وال تخف ، ارم بعيداً ، اذهب حتى النهاية *

و قد أماال عتقيهما مستسلمين بلذة ، على األمواج الصغيرة و أخذا يتأرجحان حط نورسان . البحر إليقاع

: و كنت أفكر و أنا أنظر إلى النورسين

. ع األكبر و أن تستلم له بثقةأن تجد اإليقا , ذلك هو الطريق الواجب إتباعه*

. هذا هو اإلنسان الحقيقي: زوربا على ألمه و أنا أحسد، قلت في نفسي

وال يضيع ، يترك دموعاً كبيرة حقيقية تنساب حين يتألم , متينة عظامه، إنسان حارة دماؤه . حين يكون سعيداً، الميتافيزيك الدقيق , فرحه بامراره في غربال

* ، المثخن بالجراح ، لكنه هذا المليء بالندوب . إلى قطعتين ألحزان كلها تشطر قلبيإن ا

سرعان ما يلتصق على

لهذا و، إنني مليء بالجراح التي تحولت إلى مجرد ندوب . و ال يعود للجرح وجود ، نفسه . فإنني أستطيع تحمل الضربات

*

: أصغ إلى يا بني

ال تستطيع طبقات السماء السبع و طبقات األرض السبع أن ، كما ترى , إن اإلله الرحيم . تسعه

! إذن احذر يا بني من أن تجرح ذات يوم قلب اإلنسان. قلب اإلنسان يسعه لكن* و كأنها، أزن في رأسي كلمات زوربا الغنية بالمعنى و الفائحة منها رائحة أرض حارة كنت

. ة بالحرارة اإلنسانيةو هي ال تزال محتفظ، تصعد من أعمق أحشائه

. فكانت من ورق، أنا , أما كلماتي

. ال تكاد تلطخها نقطة دم واحدة، إنها تنزل من رأسي

. فإنما هي مدينة بها لنقطة الدم هذه بالذات، كانت لها قيمة ما لو

* !حر إنني

: و قال، فهز زوربا رأسه

. لست حراً، كال

. هذا كل شيء. ل قليالً من حبل اآلخرين نفسك أطو إن الحبل الذي ربطت به

لكنك ال تقطع ، و تعتقد أنك حر ، فأنت تذهب و تأتي ، طويالً حبالً، أيها الرئيس ،إن لديك . الحبل

......... يقطع اإلنسان الحبل و عندما

: فتوجعت، فتوحاً ألن كلمات زوربا قد لمست في جرحاً، فقلت بتحد

! سأقطعه ذات يوم

، الجنون . بد لذلك من شيء من الجنون ال.صعب جداً ، أيها الرئيس ، صعب هذا - أتسمعني ؟

. و سوف يتغلب عليك، عقال متينا ، أنت , لكن لك! أن تجازف بكل شيء *

هي ذي ، و هي ذي أرباحي ، ووفرت كذا ، دفعت كذا : لديه سجالت، إن العقل عطار ! خسائري

. رحذ إنه صاحب دكان صغير

إنه يمسكه بقوة ! إنه ال يقطع الخيط كال. بل يحتفظ دوماً باحتياطي ، إنه ال يقامر بكل شيء . في يده

! هلك المسكين، فقد هلك ، و إذا ما أفلت منه

أية لذة يمكن أن تكون للحياة ؟، قل لي ، إذا لم تقطع الخيط لكن

! البابونج الذابل , ستكون كطعم البابونج*

! أنت تفهم و هذا ما سيضيعك! م أنت تفه

صحة ، عندك مال ، ذكي ، ما الذي ينقصك ؟ أنت شاب . لكنت سعيداً ، تفهم لو كنت ال .الجنون: ال ينقصك إال شيء واحد ، ال ينقصك شيء ، فتى شجاع و أنت، جيدة

. و هز رأسه و صمت من جديد......، ناقصاً و عندما يكون هذا*

و كان العالم ال ، اندفاعات مجنونة رغبات تتجاوز اإلنسان كنت كلي، عندما كنت طفالً

. يستطيع أن يحتويني

و أفصل الممكن عن المستحيل، أزدت حكمة فكنت أضع حدوداً ، شيئاً فشيئاً مع مر الزمن و

. أمسك بطيارتي بقوة حتى ال تفلت مني، و اإلنساني عن اإللهي ,*

ر من الروح كما نسخر نحن من البصارات العجائز و الساحراتيسخ، ذاك العطار إن العقل. *

. البشري ال يبالي باأللم، هتفت بذلك ألن الجمال بال قلب ، إلى إبليس بالجمال *

الحياة ؟: ما هو إذن هذا السر الفظ

ر أنو عبثاً يحاول النظ، .يتالقون و يفترقون كأوراق األشجار التي تطردها الريح إن البشر

. و جسده و حركاته، يحتفظ بوجه المخلوق الحبيب

. إذا كانت عيناه زرقاوين أو سوداوين فبعد عدة سنوات لن يذكر أبداً ما *

. الموت على شفتي طوال أيام ظل طعم

كصديق جاء ليأخذنا , فقد دخل الموت إلى حياتي بوجه معروف حبيب، لكن قلبي قد اطمأن . دون أن نفقد الصبر، أن ننهي عملنا ينتظر في زاوية، *

. إن الحب أقوى من الموت__________________

الفصل األول

، كانت أول مرة " كريت " عندما كنت متوجها ألخذ القارب إلى " بيريه " التقيته بها في مرفأان رذاذ الموج يصل إلى زجاج وشك أن ينبلج ، و السماء تمطر ، و ك كان الصباح على

كانت أبوابه الزجاجية مغلقة ، و كان الطقس باردا في الخارج ، و قد المقهى الصغير الذي . المقهى بأنفاس رواده عبق الجو داخل

الفائت ، و قد التفوا لباسهم القاتم و كان هناك خمسة أو ستة يجلسون في المقهى منذ الليلو ينظرون إلى زجاج المقهى العابق و ربون القهوة و يدخنونالمصنوع من وبر الماعز يش

األسماك في البحر قد التجأت إلى األعماق إلى البحر الهائج الهادر في الخارج ، و كانتكان البحارة و الصيادون ينتظرون بدورهم بانتظار هدوء العاصفة عند سطح الماء ، كما

أيضا هدوء العاصفة ، حتى تصعد

. سطح الماء لتأكل الطعمإلى األسماك

القامة ، أسمر اللون ، عاري الرأس ، و فتح باب المقهى الزجاجي و ولد منه عامل قصير . إلى أخمص قدميه حافي القدمين و قد صبغ باألوساخ من قمة رأسه

كيف هي األمور معك ؟! كوستاندي ! هاي -

اندي بعد أن بصق على األرضيرتدي سترة زرقاء ، و أجابه المدعو كوست هتف بحار عجوز: تعتقد ؟ في الصباح إلى البار و في المساء إلى البيت ، صباح الخير أيها البار و مساء ماذا -

. هذه هي حياتي التي أعيشها اآلن ، فليس لدي من عمل أعمله! الخير أيها المنزل

: ضحك بعض الحضور بينما شتم البعض اآلخر ، و هم يهزون برؤوسهم و

. سجن مؤبد ، نعم إنه سجن مؤبد ، عليه اللعنة هذا العالم هو -

شعاع أزرق ، و تعلق باأليدي و األنوف و جباه الحاضرين و دلف عبر زجاج المقهى الوسخالزجاجات الفارغة ، و خفت الضوء الكهربائي ، و تمطأ صاحب ، ثم تسلل إلى البار و أضاءيديه بحركة متكاسلة كأنه يستقبل ضوء النهار الجديد ، ، و مسد المقهى الذي كان نصف نائم : قال البحار العجوز متنهداً و بعد فترة من الصمت

! ترى ماذا جرى للكابتن ليموني ؟ كان اهللا في عونه -

: و نظر بغضب إلى البحر ثم صاح

! لعنك اهللا من بحر أثيم مخرب للبيوت -

. ثم عض على شاربه الرمادي

طلبت كأسا ثانيا من الشراب ، و شعرت زاوية المقهى من شدة البرد ، وكنت جالسا فيو جلست أنظر من خالل الزجاج إلى المرفأ بالنعاس لكني قاومت الرغبة في النوم و التعب ، . بصياح سائقي العربات الذي بدأ يضج بالحركة و بصفارات البواخر ، و

تزال مغمورة بظالم الليل القاتم يرة ، كانت الكانت عيناي عالقتين في مقدمة باخرة سوداء كب . الماء المنهمر تربط السماء بالوحل ، و كانت السماء تمطر ، و باستطاعتي مشاهدة خيوط

الذكريات الماضية ، و دفعت األمطار بصورة نظرت إلى الباخرة السوداء ، و تجسدت كآبةم آخر ؟ البارحة ؟ متى كانت حين ؟ في عال وجه صديقي الكبير ، هل كانت السنة الماضية

وداعاً ؟ لقد كانت السماء ممطرة ذلك الصباح ، أيضا ، نزلت إلى هذا المرفأ بالذات ألقول له . تماما شأنه اليوم و في تلك المرة كان قلبي مثقال

، فاألفضل االنقطاع ! العظام كم هي مؤلمة ساعة الفراق البطيئة ، خاصة فراق األصدقاءللرجل ، و لكن ، في ذلك الصباح الممطر الجو الطبيعي–دة ، و العودة إلى الوحدة دفعة واح

لماذا ، فيما بعد ، و لكن لألسف كان ذلك بعد و قد علمت( لم يكن باستطاعتي ترك صديقي المركب و دخلتُ إلى مقصورته المألى بالحقائب ، لقد صعدت معه إلى ظهر) فوات األوان

مالمحه في مخيلتي ، عينيه المضيئتين باألزرق ، كنت راغبا في أن أدونالمبعثرة ، كأنني فوق كل ذلك يديه االرتسقراطيتين و أصابعهما الطويلة وجهه الفني ، و مالمحه الذكية ، و

. النحيلة

أنا أحدق به بشوق ، و نظر إلي و قد ارتسمت على وجهه تلك االبتسامة و حين فاجأني و : ، سألني مبتسما ساخراً! إليها حين يريد أن يخفي انفعاله ، و فهم يلجأ الساخرة التي

متى ؟ إلى -

ماذا تعني بإلى متى ؟ -

بالحبر ؟ لماذا ال تأِت معي بعيدا في إلى متى ستبقى على عادة مضغ الورق و التلوث -

. عظيم ، تعال لننقذهم القوقاز هناك األلوف من أبناء جلدتنا في خطر

: ك كأنه يهزأ من نبله ، قالثم راح يضح

إن الطريقة الوحيدة في تخليص " نقدر على مساعدتهم ، و لكن ألم تكن تعظ ربما ، لن -؟ حسنا ، أيها المعلم ، إلى األمام ، و أنت ممتاز إلقاء " مساعدة اآلخرين نفسك هي في !لماذا ال تأِت معي ؟ المواعظ ،

العجوز ، و صراخ بروميثيوس احرة ، و أم اآللهةو لم أجبه ، و فكرت بأراضي الشرق السِعرقنا مسمراً ، لقد كان ينادي المسمر إلى الصخور ، و هناك على هذه الصخور نفسها كان

و كنت أسمع النداء كأن األلم هو حلم و لقد كان ينادي طالبا المعونة من أبنائه ،!! و يصرخ . حصته من العمل في مسرح الحياة الحياة هي مأساة محيقة ، يثبت فيها من يأخذ

الباخرة معلنة عن اإلقالع للمرة و بدون أن ينتظر جوابا مني ، نهض صديقي ، و صفرت : بابتسامته الساخرة ، ثم قال الثالثة و مد يده إلي ، محاوال إخفاء انفعاله

! إلى الملتقى ، يا عثّ الكتب -

مكن من السيطرة على عواطفه ، فقد كانت و قد شعر بالخجل ألنه لم يت و ارتجف صوته ،و الحركات المضطربة ، تبدو له ضعفا ال يجوز للرجل أن يأخذ بها ، نحن الكلمات الرقيقة ،

مولعين ببعضنا أشد الولع ، لم نتبادل أية كلمة من كلمات العطف و المحبة ، لقد ، الذين كنا . و خدشنا بعضنا بعضا كأننا قطط متوحشة مثلنا

، لقد تمرن على ضبط النفس و إخفاء كل ! الهمجي : الذكي ، الساخر ، المتمدن ، و أنا:هو . كنت أنا أنفجر بضحكتي الوحشية البلهاء العواطف تحت ستار السخرية ، بينما

عواطفي بكلمة قاسية ، لكني شعرت بالخجل ، ال ، لقد كنت أحاول دوما أن أخفي انفعالي و، و أمسكت بيده و لم أقو على تركها ، فنظر إلي لكن سوء التصرفليس الخجل بالذات ، و

: مندهشا

!الحد ؟ هل أنت منفعٌل لهذا -

: و أجبته بهدوء

. نعم -

" على ذلك منذ سنين ؟ ماذا يقول األحباء اليابانيون لماذا ؟ و لكن ماذا قلنا اآلن ؟ ألم نتفق ! يدور هذا القناع ليس من شأننايبتسم ، و لكن ما ، الوجه قناع" ! فودوشين

. نعم -

أن ال أورط نفسي بعبارات طويلة ، و لم أكن واثقا من أنني قادر على أجبته محاوال جاهدا . ضبط صوتي

دوى صوت صفارة الباخرة ، معلنا طرد الزوار من غرف المسافرين ، كان المطر ينهمر و

التوصيات يقة ، القبالت الطويلة ، التأوهات وخفيفا ، و كان الهواء عابقا بكلمات الوداع الرقو األصدقاء الالهثة الخاطفة ، و تهافت األمهات على األبناء ، و الزوجات على األزواج ،

، و " الفراق الكبير " على األصدقاء ، كأنهم سيفارقونهم إلى األبد ، كأن هذا الفرق يعني ! فارتعدتانطلقت الصفارة من جديد كأنها أجراس الجنائز ،

اسمع ، هل أنت متشائم ؟ -

. نعم -

هل تؤمن بهذه الهواجس ؟ -

: بالتأكيد و أجبته

. كال -

إذن ؟ -

.. و لكن كنت خائفا فلم أكن أؤمن بها ،" إذن " و لم يكن هناك من

لقد فهم أني منفعل و حزين و رمش صديقي بجفونه مرتين أو ثالثاً ، و حدق بي مرة أخرى ، : د في إخفاء اضطرابه بالسخرية و الضحك ، و قال، فترد

كأنه شعر و توقف ،.. أعطني يدك ، إذا قدر ألحدنا أن يجد نفسه في خطر الموت ! حسناً -، و سألته !! بالخجل ، نحن الذين كنا نهزأ من هذه النزوات الميتافيزيقية لسنواٍت خلت

: محاوال أن أحذر

!حسنا ؟ -

ألحدنا خطر الموت ، فليفكر في اآلخر بشدة لدرجة أن ا لعبة ، إذا قدرلننظر إليها كأنه - !؟ هل اتفقنا.. ينبهه حيثما كان

. قال ذلك محاوال أن يضحك لكن االبتسامة جمدت على شفتيه

. اتفقنا -

: أضاف صديقي مسرعا ، خوفا من أن يكون قد أفصح عن عواطفه و

.. قراءة األفكار ، و ما شابهأؤمن إطالقا بعلم مع العلم ، أني ال -

: طمأنته متمتماً

.. و ليكن ال بأس ، -

حسن جداً ، و اآلن لندع الموضوع عند هذا الحد ، اتفقنا ؟ -

. اتفقنا -

أنظر إلى الخلف ، كانت هذه كلماتنا األخيرة ، و تصافحنا بحرارة ، و مشيت مسرعا دون أنصديقي ، لكني تمالكتُ ي إلقاء نظرٍة أخيرٍة علىكأنني كنتُ مطارداً ، و شعرتُ برغبة ف

. " ! تقدم! ال تنظر إلى الخلف " نفسي و قلت

* * * صديقي كان الضوء ينتشر رويدا رويداً ، و الصباحان يبدوان متداخالن ، و ظهر لي وجه

باب و انفتح ال و.. واضحا اآلن ، الذي بقي لمدة طويلة تحت المطر ، و يبدو حزينا ساكناً : أصواتٌ فِرحة دخل رجٌل قصير القامة ، مقوس الساقين ، ذو شارٍب متدٍل ، و تعالت

! أهالً ، كابتن ليموني -

مسبحته و راح يطقطق بها بعصبية ، بينما انزويتُ أنا في و انتشر الضوء ، و أخذ الكابتو أتمكن من أن أعيش الصورة التي كانت تذوب مبتعدةً عني ، ل مقعدي محاوال أن أستعيد تلك، و " ! عث الكتب " الغضب الذي تملكني حين قال صديقي مرة أخرى هذه اللحظة من

التي كنت أحياها قد تجسد في هذه الكلمات ، كيف تمكّنتُ أنا تذكرت أن كل القرف من الحياةلقد ! أن أدفن رأسي بين أكداس الكتب و األوراق الملطخة بالحبر ، الذي كنت أحب الحياة ،اليوم ، يوم الفراق ، على الرؤيا بوضوٍح أكبر ، و شعرت ساعدني صديقي في ذلك

علمت اسم حزني مصدر شقائي فباستطاعتي التغلب عليه بسهولة باالطمئنان ، و اآلن بعد أن، فقد تجسدت و أصبحت تحمل اسما ، لذلك أصبح بإمكاني ، و لم تعد أحزاني متفرقة

. رمقارعتها بسهولٍة أكب

أثر هذا التعبير علي و دخل في أعماق نفسي ، و قد حاولتُ البحث عن حجة ألترك لقد الكتابة و أحيا حياة أكثر مغامرة و حركة ، لقد أصبحت مستاء من حمل هذه الحشرة الورق و

البائسة مضافة إلى اسمي ، و قد سنحت لي الفرصة منذ شهر ، فقد استأجرت منجما في

ها لبحر ليبيا ، و سأذهب اليوم إلى هذا المنجم القديم ألعيش مع رجالجزيرة كريت مواج

. " عث الكتب" بسطاء ، عمال ، فالحين ، بعيدا عن جنس

كأن هذه الرحلة تخفي وراءها معاٍن كثيرة ، فقد عزمت على تغيير و أعددتُ العدة للسفر ، الظل و كنت مكتفية به ، و اآلن لغاية اليوم ، لقد شاهدت" قلت لنفسي منهجي في الحياة ، و

. " الجسم سأقودك إلى

على مخطوطة لم و عندما انتهيت أخيرا ، و في ليلة سفري بينما كنت أقلب أوراقي ، عثرتأعماق نفسي ، رغبة قوية تنته بعد ، و أخذتها بيٍد مشدودة ، منذ سنتين كانت الرغبة كامنة في

تنمو و تنضج و ترفسني في ئي كل لحظة ، لقد كانتجامحة ، رغبة أشعر بها تتآكل في أحشاأطرحها ، لم أعد أجرؤ على صدري تطلب أن تخرج إلى الوجود ، و اآلن لم يعد بإمكاني أن

. ذلك ، لقد فات الوقت لهذا اإلجهاض النفسي

كنت ممسكا بالمخطوطات تلك ، ظهر أمامي وجه صديقي الساخر فقلت بصوٍت مرتفع و بينما، و لففتُ !! " سآخذها معي ، سآخذها ، ال تضحك : " عرت بألم السخرية ش بعد أن

. بعناية و حملتها المخطوطة

إلى حديثه الذي كان عن و عاد إلى مسمعي صوت الكابتن ليموني ، وقورا قاسيا ، و أصغيت : العفاريت التي تسلقت صاري مركبه أثناء العاصفة و راحت تلحسه

شاربي و ن اإلنسان حين يلمسها يشعر بالنار تحرق يديه ، لقد ملستلقد كانت لزجة ، و كا -مركبي و نظرت إليها في الظالم و أنا أشع كالعفريت ، و كما قلت ، لقد طغى البحر علىرأف بي و أغرق شحنتي من الفحم و بدأ مركبي يميل في هذه اللحظة ، ترفق اهللا العظيم و

من نزلق الفحم إلى البحر ، و خف وزن المركبأرسل صاعقة حطمت أخشاب األبواب و ا . حمولته و عاد إلى وضعه السابق ، و بذلك أنقذتُ نفسي

باهتمام لما كان يقوله البحار العجوز ، شعرتُ باالنزعاج فجأة فرفعتُ و بينما كنت أصغيأعلم كيف ، لكني شعرت أن عينين اثنتين تحدقان بجمجمة رأسي من الخلف ، رأسي ، لست

سأرى : مسرعاً باتجاه الباب الزجاجي ، و قد ومضت في رأسي فكرة مجنونة التفتّو لقد كنتُ مهيأ الستقبال المعجزة ، لكنها لم تحصل ، فقد رأيتُ رجال غريبا! ثانية صديقي مرة

بأنفه يبلغ من العمر ستين عاما ، طويل القامة ، نحيف الجسم ، عيناه جاحظتان ، و قد ألصق . الباب و هو ينظر إلي ، و كان يحمل صرة صغيرة تحت ذراعهعلى زجاج

أثارني فيه نظرته المتشوقة ، و عيناه الحادتان المتوقدتان ، أو هكذا بدتا لي على كل و قد

بقوة حال ، و ما إن تقابلت نظراتنا ، و تأكد أنني الشخص الذي يبحث عنه ، حتى فتح البابطاولتي ثم الطاوالت بخطى سريعة ، و تقدم نحوي ووقف قربو اندفع إلى الداخل ماراً بين

: قال

هل أنت مسافر ؟ و إلى أين ؟ -

لماذا تسأل ؟ مسافر إلى كريت ، و لكن -

هل تأخذني معك ؟ -

فكه صلب قاٍس ، و وجنتاه ناتئتان ، و شعره و نظرت إليه باهتمام ، كانت خدوده مجوفة ، و . تانالرمادي مجعد و عيناه متوقد

لماذا ؟ و ماذا أفعل بك ؟ -

: و هز بكتفيه و قال

! المرء أن يفعل شيئا دون لماذا ؟ لالشيء ، ألن المرء يريد ذلك لماذا ، لماذا ؟ أال يستطيع - . ، إن باستطاعتي أن أطبخ حساء لم تذق مثله في حياتك خذني معك كطباخ مثال

ا المخلوق كما أعجبني الحساء ، فقلت في ، فقد أعجبني هذ و رحتُ أحدق به و أنا أضحكآخذه معي ، فيبدو أنه قد جاب البحار طويالً ، فهو أشبه نفسي إنه ليس ثمة ضرر في أن

! أعجبني و قد.. بالسندباد البحري

: قال لي و هو يهز برأسه الضخم

.. بنفسك ؟ هيا أيها الصديق اعتمد و قرر لنفسك و بماذا تفكر ؟ هل توازي األمر -

. اجلس اآلن و خذ قدحا من الشراب -

. ينفعني أكثر" الروم " حسناً ، و لكن كأسا من -

: الروم و راح يتذوقه بهدوء و سألته بعد أن تناول كأس

ما نوع العمل الذي تتقنه ؟ -

! باألرجل و األيدي و الرأس ، جميعهم كل األنواع ، -

أين كنت تعمل في السابق ؟ -

فأنا خبير في عمل المناجم ، كما أنني خبير في المعادن ، أنا أعرف كيف أجد في منجم ، -أحفر األنفاق ، و أهبط إلى الحفر العميقة دون أن أخاف ، لقد كنت أعمل جيدا فقد العروق ، رئيسا على العمال ، و كنت ال أشكو من شيء ، و لكن الشيطان تدخل في عملي ، فيوم كنت

هكذا.. حب المنجم ليفتش بين العمال ، فأمسكت به و أوسعته ضربا السبت الماضي جاء صا

. ، دون أن أكون سكراناً

و لكن لماذا ؟ و ماذا فعل لك ؟ -

اإلطالق ، فقد كانت المرة األولى التي أراه فيها ، فالمسكين قد وزع لي ؟ ال شيء على - . أيضاً علينا السجائر

حسنا ؟ -

هذا كل ما في األمر ، تعلم تطرح األسئلة ؟ لقد خطر لي ذلك ،أوه ، مالك تجلس هكذا و -مؤخرتها ، مؤخرة زوجة الطحان ، قصة زوجة الطحان ؟ حسنا ، فال يمكنك تعلم اإلمالء من

. فهذا هو المنطق اإلنساني

: الجديد بمزيد من االهتمام ، فقد أعجبني تحليله لألمور للمنطق ، ثم سألته فنظرتُ إلى رفيقي ماذا تحمل في صرتك هذه ؟ طعام ؟ مالبس ؟ أم معدات ؟ و -

: و رفع صديقي بكتفيه و ضحك

. إنك تبدو كثير التعلق ، أرجو المعذرة لهذا -

: الطويلة القاسية و قال و ضرب على صرته بأصابعه

. كال ، إنها السانتوري -

عليها ؟ السانتوري ؟ و هل تعزف -

األغاني المقدونية أذهب إلى الحانات ثم أعزف عليها و أنشد بعضنعم ، عندما أكون مفلساً - . قليل بالدراهم القديمة ، ثم أبدأ بجمع النقود من الزبائن في قبعتي ، فتمتلئ بعد

ما اسمك ؟ -

ألنني طويل القامة " مجرفة الفئران " الكسيس زوربا ، و في بعض األحيان يدعونني -ألنني كنت أبيع البزر " مضيع الوقت " ، كما أنني أدعىوجمجمتي مسطحة و تشبه الكعكة

ألنني أسبب المشاكل أينما " المعفن " المحمص في وقٍت من األوقات ، و هم يدعونني أيضا . أخرى ، و لكني سأدعها لفرصة ثانية حللت ، كل شيء يذهب للكالب ، و لي أيضا أسماء

و كيف تعلمت العزف على السانتوري ؟ -

ت في العشرين ، فسمعت السانتوري ألول مرة في إحدى االحتفاالت القروية ، هناك عندكن -

سألني قدم جبل أوليمب ، فبهرت لتوي حين سمعت النغم ، و بقيت ثالثة أيام دون طعام ، والسانتوري ، ، فقلتُ له أنني أريد أن أتعلم العزف على" ماذا جرى لك ؟ " والدي رحمه اهللا

فأجبته " ؟ أال تخجل من نفسك ؟ هل أنت غجري ؟ هل تريد أن تتحول إلى عازف" فقال لي القروش لكي و كنت قد ادخرتُ بعض" نعم ، أنا أريد أن أتعلم العزف على السانتوري "

حارا في عروقي أتزوج حين يحين الوقت ، فقد كنت ال أزال فتيا و دم الشباب ال يزال يجريمال ثمنا لشراء و هكذا دفعت كل ما ادخرته نم! غبي المسكين ، و أريد الزواج ، أنا ال

أفندي ، و هو معلم السانتوري ، و هربت إلى سالونيك حيث قابلت رجالً تركيا يدعى رستب" فقال " العزف على السانتوري إنني أريد أن أتعلم" ماهر للعزف على السانتوري ، فقلتُ له

" على أقدامي هكذا ؟حسنا ، و لكن لماذا ألقيت بنفسك

. ألني ال أملك ماالً ألدفعه لك -

و أنت مغرم بالسانتوري إلى هذا الحد ؟ -

. نعم -

. حسنا ، يمكنك البقاء يا ولدي ، فأنا لستُ بحاجٍة إلى مالك -

كان بقيتُ عنده سنة أتعلم العزف ، و هو ال بد أن يكون قد مات اآلن ، رحمه اهللا ، و إذا و، و منذ أن لى يسمح بدخول الكالب إلى جناته ، فلعله يفتح أبواب الجنة لرستب أفندياهللا تعا

أو حين تعلمت العزف على السانتوري حتى أصبحت رجال آخر ، فعندما أشعر بالحزن ،ال أسمع أكون مفلسا ، أعزف على السانتوري فأشعر بالسعادة و االنشراح ، و عندما أعزف

المحاولة فأنا ال أستطيع و إذا سمعت فال يمكنني الكالم ، وال فائدة منشيئا مما يقولونه لي ،... "

و لكن لماذا ، زوربا ؟ -

. إنه الهوس المحموم ، نعم إنه الهوس أوه ، أال ترى ؟ -

البحر ، و كانت أيدينا و أرجلنا متجمدة من شدة و فتح باب المقهى من جديد و سمعت هديرالدافئ و تلفعت بالمعطف و نعمت بدفء المكان ، و قلت إلى الركنالصقيع ، فانزويت أكثر

، " في أحسن حاٍل هنا ، ليت هذه اللحظة تدوم سنين طويلة إلى أين سأذهب ، فأنا" في نفسي

: أمامي ، الذي كان يحدق بي و قلت له و نظرت إلى الرجل الغريب

. حسنا ؟ استمر -

: قال و هز زوربا بكتفيه و

ن ذلك ، هل تعطيني سيجارة ؟دعك م -

من جيبه قداحة و فتيلة و أشعل السيجارة ثم أغمض و قدمت له سيجارة ، تناولها و أخرج : عينيه بسرور و ارتياح ، و سألته

متزوج ؟ -

: و أجابني غاضباً

شأني شأن الجميع ، لقد سقطت على رأسي في ألستُ رجالً ؟ ألستُ رجالً ؟ أعني أعمى ، -بيتا ، و أصبح عندي أطفال و مشاكل ، و تزوجت ، و أصبحت رب عائلة ، و بنيتالفخ و

.. لكن شكرا للرب على السانتوري

كنت تعزف لتنسى همومك ؟ و هل -

موسيقية ، في البيت تكمن كل مشاكلك اسمع ، إني أرى أنك ال تستطيع العزف على أية آلة -أمر الملبس ؟ ما الذي سيحل بنا ؟ يا للجحيم ندبر، الزوجة ، األوالد ، ما الذي ستأكله ؟ كيففي حالة جيدة ، يجب أن تكون صافياً ، فإذا ما ، كال ، لكي تعزف السانتوري يجب أن تكون؟ و إذا كان أوالدك جائعين يصرخون ، حاول رددت زوجتي كلماتها فكيف يمكنني العزفن عند السانتوري ، ال عند أشياء يجب أن يكو عند ذلك أن تعزف على السانتوري ، فعقلك

!أخرى ، هل فهمت ؟

زوربا هو الرجل الذي كنت أنشده منذ مدة طويلة دون أن أجده ، قلب حي ، نعم ، فهمت ، إن . ، و نفس كبيرة قاسية لم تعركها األيام و فم ضخم شره

لي تلك العاطفة ، كل هذه المعاني أظهرتها إن معنى كلمات الفن و الحب و الطهارة و . العامل الكلمات البسيطة التي تفوه بها هذا الرجل

متحجرتان ، و نظرت إلى يديه التين تستطيعان اإلمساك بالمعول و السانتوري ، يدانالصرة و سحبت مشققتان ، مشوهتان ، و باعتناٍء بالغ ، كأنهما تخلعان ثياب امرأة ، فتحت

بالنحاس و العاج مع مة من األوتار ، مضربامنها السانتوري الذي صقلته السنون ، مع حزبعطف كأنه أيٍد تداعب شرابة حمراء من الحرير ، ثم راحت تلك األصابع الطويلة تداعبه

محبوب خافت عليه من البرد وجه امرأة ، ثم أعادت وضعه و لفته باعتناء بالغ كأنه جسد .

. هذا هو السانتوري العزيز -

باعتناٍء على الكرسي ، و كان البحارة يقرعون الكؤوس و الصرة تمتم ذلك و هو يضع : العجوز على كتف الكابتن ليموني و هو يقول يضحكون ، و ربت البحار

. ؟ إن اهللا أعلم بعدد الشموع التي نذرتها للقديس نيقوال قل الحقيقة يا كابتن ، ألست خائفا -

: الضخمين و قطّب الكابتن حاجبيه

العذراء ، وال بالقديس عندما رأيت الموت يقترب مني لم أفكر بالقديسةأقسم لكم ، إنني -لو أنني اآلن ! كاترين آه ،" نيقوال ، بل التفت نحو ساالميس ، و فكرت بزوجتي و صحت

" معِك في الفراش

. الكابت ليموني الضحك هذه المرة و انفجر البحارة في الضحك ، و شاركهم

الموت مخيما فوق رأسه بينما كانت أفكاره حيوان ، فقد كان شبحيا لإلنسان ، إن الرجل - ! من حيوان منشغلة هناك ، ال في أي مكان آخر ، تباً له

إلى الحوار بأذنين و صفق الكابتن و طلب دورا آخر من الشراب لرفاقه ، كان زوربا يستمع : كبيرتين ، و التفت إليهم ثم قال لي

الرجل ؟هذا ما هذا ؟ ماذا يقول -

: و لكنه فهم فجأة ، و هتف بإعجاب

البحارة يعرفون السر ، و أغلب الظن ألنهم معرضين ليال برافو ، يا صديقي ، إن هؤالء - . نهارا للموت

: بقبضتيه في الهواء و قال و أشار

. ، هل سأبقى أم ال ؟ قرر بسرعة حسناً ، إن هذه مسألة أخرى ، و لنعد اآلن إلى عملنا -

فلدي فحما هناك ، و باستطاعتك مراقبة نا موافق يا زوربا ، تعال معي إلى كريت ،أ -هذا العالم ليس عندي ال زوجة وال أطفال وال العمال ، و في المساء ستتمدد على الرمال ، في . على السانتوري كالب ، سنأكل و نشرب معا ، و ستعزف أنت

تريده ، فأنا رجلك ح ؟ سأعمل لك أي شيءهذا إذا كنت في مزاج خاص للعزف ، هل تسم -وحشي ، و هو بحاجة إلى فهذا شيء آخر ، إنه حيوان.. المطيع هناك ، و لكن السانتوري

" الزيباكيكو " ، و سأرقص الحرية ، فإذا كنت مستعدا للعزف فسأعزف ، و ربما أنحني أيضااآلن ، يجب أن أكون مستعدا لذلك و لكن دعني أخبرك منذ" البنتوزالي " و " الهاسابيكو " و

كل شيء اآلن ، فأنا بما يتعلق بهذه ، لنفهم ذلك بوضوح ، و إذا أرغمتني على ذلك فسينتهي . رجل.. األمور

؟ رجل ؟ ماذا تعني بذلك -

. حراً.. أعني -

و قرعنا الكؤوس ، و كان و طلبت كأسا من الروم فأضاف زوربا طالبا كأسا آخر أيضاً ،الذي نقل حقائبي إلى المركب و أشار الحمال، باح قد أشرق ، و سمعنا صفارة المركب الص

: ، و قلت و أنا أنهض

. معنا و ليكن اهللا.. تعال ، لنذهب -

. اهللا و الشيطان معاً -

تحت ذراعه و فتح الباب و سبقني أضاف زوربا ، ثم انحنى و التقط صرته و وضعها .بالخروج

__________________

الفصل الثانى

الخريف ، و الجزر السابحة في النور ، و المطر الناعم الذي أضفى حجابا البحر ، و طراوةالعري األبدي لجزر اليونان ، كم هو سعيد الرجل الذي يمخر عباب بحر إيجه قبل شفافا على . وفاته

هذا كن أن تشق عبابكم هي عديدة مسرات هذا العالم ، نساء ، و فواكه ، و آراء ، و لالفردوس ، البحر الهادئ و في فصل الخريف لهي السعادة التي تمأل قلب اإلنسان في نعيمبهدوء و سهولة ، فهذا هو المكان الوحيد الذي يمكن لإلنسان أن ينتقل فيه من مكان إلى مكان

! إنها المعجزة بالذات.. من الواقع إلى الخيال

، و بددت الشمس حجب الغيوم ، و أطلت علينا ناعمة لتداعب انقطع المطر و عند الظهرالماء الحبيبة ، و تركت نفسي تستوعب هذه المعجزة الخالدة التي انقشعت بأشعتها صفحات . البعيد على مدى األفق

المشعة و العقول التي و على ظهر المركب ، كاليونانيين ، الشياطين األذكياء ، ذوو العيوناألحيان تأخذ بك الرغبة في أن ومة الطويل على البضائع التافهة ، و في بعضتتقن فن المسا

تهزه جيدا لتغسل عنه كل هذه تمسك بهذا المركب من طرفيه و تغرقه في البحر ، ثمتعومه من جديد بعد أن يصبح نظيفاً ثم. الحيوانات التي أوسخته ، رجال ، فئران ، و قمل

. فارغاً

تمنعني ، عاطفة بوذية ، باردة كاالستنتاجات ان كانت العاطفةو لكن في بعض األحيفقط ، بل نحو الحياة كلها بجهادها ، و صراخها ، و الميتافيزيقية ، عاطفة ليست نحو الرجال

كل شيء ليس إال محاولة إلظهار األشباح من العدم ، نواحها ، و آمالها التي ال ترى أنمنجم الفحمي ، و نحو مخطوطتي الناقصة عن بوذا ، و عن ال عاطفة نحو اليونانيين ، و نحو

. الظالل الذي يزعج صفاء الجو ذلك الخليط من النور و

الوجه ، و قد قبع في مجلسه على ظهر و كنت أختلس النظر إلى زوربا المنهك ، الشاحبكان يشم ليمونة و يصغي إلى صراخ المركب على كومة من الحبال عند مقدمة المركب ، : الضخم و يبصق و يتمتم قائال الركاب و شجارهم بأذنيه الكبيرتين ثم يهز برأسه

هؤالء الحطام ، أال يخجلون من أنفسهم ؟ -

يا زوربا ؟) حطام ( ماذا تعني بكلمة -

! النواب ، المرائين كل هؤالء الملوك ، الديموقراطيات ، -

ابتعد عنها ، و بالتأكيد كان بنفسه قدإن الحوادث لم تكون لزوربا سوى أمور قديمة ، فهو و الدين ، ال بد أن تكون كالبنادق التلغراف ، و البواخر ، و المراكب ، األخالق السائدة ،

. تقدم العالم القديمة الصدئة ، فتفكيره قد تقدم بسرعة تجاوزت

ت النساء المسافرا كانت الحبال تتشقق على الصواري ، و الشواطئ كانت تتراقص ، والمساحيق و المشدات و أصبحت وجوههن أكثر اصفرارا من الليمونة ، لقد ألقين بأسلحتهن ،ألوانها إلى األزرق ، دبابيس الشعر و األمشاط ، و شحبت شفاههن و أظافرهن بدأت تتحول

االصطناعية ، فقد كان الناظر و بدأت تتساقط الريش المستعار و الشرائط الحريرية و الجفون . باإلجمال يشعر بالقرف و الرغبة بالتقيؤإليهن

شحب وجه زوربا بدوره و اصفر لونه ثم اخضر ، و خفتت عيناه المتقدتان و لم يعد إلى و

المركب ، تألقه األول إال في المساء ، حين أشار إلي ليريني درفيلين كانا يتقافزان و يسابقان : و صاح

! درافيل -

: ، فارتعدتُ و سألته ام يده اليسرى مقطوعو الحظت ألول مرة أن نصف إبه

ماذا جرى إلصبعك يا زوربا ؟ -

: االستياء ألنني لم أنظر إلى الدرافيل و أجابني و قد بدا عليه

! ال شيء -

؟ هل قطعته بآلة حادة -

. و ما شأن اآللة بالموضوع ؟ كال فقد قطعته بنفسي -

؟ بنفسك ، و لماذا -

، و في ، أيها الرئيس ، لقد سبق و أخبرتك أنني قمت بأعمال عديدةأنت ال يمكنك الفهم -يمكنك إحدى المرات عملت في صناعة الفخار ، و قد أحببت هذا العمل لدرجة الجنون ، هل

تدور الدوالب ثم! أن تتصور ماذا يعني أن تأخذ حفنة من الطين و تعمل منها ما تريد ؟ قررقنديال ، و سأصنع جرة ، أصنع صحنا ، سأصنع" بنفسك و يدور الطين معه بينما تقول

! الحرية: هذا ما تقوله عن كونك رجالً " الشيطان يعلم ماذا أيضاً

.. لقد نسي البحر ، و لم يعد يقضم الليمونة ، و عاد الصفاء إلى عيونه

حسنا ، و لكن إصبعك ؟ -

شاريعي ، و في ذات مرة م لقد كانت تزعجني ، و تقف في طريق عملي ، و تفسد علي - .. أمسكت بفأس صغيرة

ألم تشعر باأللم ؟ -

أشعر بألم ؟ هل تعتقد أني جذع شجرة ؟ إنني إنسان ، لقد تألمت و لكن كما قلت لك كيف لم - ! تقف في طريقي فقطعتها كانت

و فدبت نجمة المساء المعة براقة ، و هدأ البحر قليال عند غياب الشمس و انقشاع الغيوم ،هذا الحد ؟ ثم نأخذ فأسا و نقطع ثم كيف نحب إلى.. ألقيت نظرة على البحر و رحت أفكر

: محاوال االبتسام نتألم ، لكني أخفيت اضطرابي و أردفت قائال

التي تقول عن ناسك رأى إنها تذكرني باألسطورة الذهبية! إنها لطريقة سيئة يا زوربا - .. فأساًامرأة قد أزعجته جسديا ، فتناول

: مقاطعاً و صاح زوربا

! و لكن هذا المسكين ال يعتبر عقبة! كم هو أحمق ، يقطع هذا -

. كيف ؟ بل هو عقبة كبيرة -

أمام ماذا ؟ -

! أمام ولوجك أبواب السماء -

: حدجني زوربا بنظرة ساخرة و هو يقول و

! إنه هو الذي يمكنك اعتباره مفتاح السماء -

، و النساء دق بي كأنه يريد معرفة رأيي بالحياة التالية ، و بملكوت السماءثم رفع رأسه و ح : و النساك ، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى شيء فهز رأسه الضخم و استطرد

. إن الخصيان ال يدخلون السماء -

.. كتاباً و أخذت أقرأ والذ بالصمت ، فذهبت إلى مقصورتي و أخذت

قد أصبحت عن يميننا ، تلك استيقظتُ مبكراً ، و كانت الجزيرةو في صباح اليوم التاليالشاحبة تبدو كأنها تبتسم من خالل الجزيرة الكبيرة المزهوة المتوحشة ، و الجبال الوردية . األزرق ما يزال ثائرا مهتاجاً ضباب شمس الخريف ، و من حول المركب كان البحر

إلى جزيرة كريت ، و عيونه تنتقل من ظر محدقاو كان زوربا الملتحف بغطائه الرمادي ينقد شاهد جميع هذه األراضي و البحار الجبل إلى السهل و تتبع الشاطئ و تتفحصه ، كأنه : منه واضعا يدي على كتفيه قائالً مرات سابقة و هو يتمتع برؤيتها ثانية ، و دنوت

ى كريت ، فأنت تحدق بها كأنك تأتي فيها إل زوربا ، أعتد أنها ليست المرة األولى التي -

. صديق قديم

: ، و شعرت أنه ال يميل إلى الحديث اآلن ، فابتسمتُ و قلت له و تثاءب زوربا ، كأنه ضجر

، أليس كذلك يا زوربا ؟ إن الحديث يضجرك -

. ليس هذا بالضبط ، أيها الرئيس ، لكن الكالم صعب -

!صعب ؟ و لماذا ؟ -

لقد نام ليلته على ظهر و أجال بنظره إلى الشاطئ مرة أخرى ،و لم يجبني على الفور ،الشمس المشرقة تضيء المركب و كان شعره الرمادي المجعد يقطر بالندى ، و كانت : التجاعيد في وجهه و رقبته ، و حرك شفتيه أخيرا و هو يقول

. في الصباح أجد صعوبة في فتح فمي ، صعوبة كبيرة ، اعذرني -

و رن جرس طعام اإلفطار ، و . صمٍت عميق و عاد ينظر إلى كريت راح فيو مرة أخرىالمقصورات ، نساء مترنحات و شعورهن متدلية تفوح منهن روائح القيء ظهرت الوجوه منو كان زوربا يجلس أمامي و هو . الكولونيا ، و أعينهن مذعورة بلهاء الممزوج برائحةبز التي مسحها بالزبدة و العسل ، ثم يأكلها ، و أشرق القهوة و يغمس قطعة الخ يشرب فنجان

بعد ذلك و اطمأن قليال و بدا فمه كأنه أصبح مرنا ، ثم أشعل سيجارة و راح يستنشق وجهه

راح أنفاسا و هو على أشد ما يكون من التلذذ ، و الحظت أنه أصبح مستعدا للحديث و من ثم : يقول

بها إلى كريت ؟هل هذه هي المرة األولى التي آتي -

قليال ، ثم راح ينظر إلى جبل ابرا الذي كان ممتدا وراءنا ، و استطرد قائالً ثم أغمض عينيه: أصبحت رجال ناضجا تماما و كان شاربي و١٨٩٦كال إنها ليست المرة األولى ففي عام -

ألتهم ين أسكرشعري ال يزاالن بلونيهما الحقيقيين و كنت ال أزال في مقتبل العمر ، و كنت حالشيطان المقبالت أوال ثم الطعام ، نعم ، فقد استمتعت إلى أقصى حدود االستمتاع ، لكن

كنت أبيع في تلك األيام كنت بائعا جواال ، و. تدخل أيضا فقد نشبت الثورة في كريت ما أبيعه الخضراوات متنقال من قرية إلى قرية في مقدونيا و عوضا عن المال كنت أستبدل

و أكسب ربحا بالجبنة و الصوف و الزبدة و األرانب و الذرة ، ثم أعود و أبيع هذه األشياءأجد قلب أرملة رحيمة مضاعفاً ، ففي كل قرية أحلها ليال ، أعلم أين أنام ، ففي كل قرية كنت

أسود اللون بسبب المرحوم عطوف ، و كنت أقدم لها مشطا أو مكبا من الخيطان أو وشاحاً ،كال ، لم تكن تكلفني كثيرا ، أيها .. و لم يكن ذلك يكلفني كثيراً! أنام معها بعد ذلك و!

هبت كريت لتحمل السالح ، و قلت الرئيس ، و لكن كما قلت سابقا لقد تدخل الشيطان والكريت اللعينة أن تتركنا بسالم ؟ ثم أال تقدر هذه! لنفسي لتذهب بمصيرها إلى الجحيم

. لالنضمام للثوار في كريت مشاطي و حملت بندقيتي و توجهتوضعت جانبا أ

و كانت األمواج تنتشر بهدوء دون و صمت زوربا ، فقد بدأنا نسير إلى خليج مستدير رملي ،الشاطئ ، و انقشعت الغيوم و تألقت أن تتكسر ، تاركة خيطا رفيعا من الزبد على طول : زوربا نحوي و حدجني بنظرة ساخرة فتالشمس و الحت أطراف الجزيرة بوضوح ، و الت

سأخبرك كم رأسا تركيا قطعت و كم أذنا قد و اآلن ، أعتقد أيها الرئيس أنك تتصور بأني -و لكني لن أفعل ، فأنا ال أحب أن .. حسنا وضعت في الكحول ، فهذه هي العادة في كريت ،

أصبح عقلي راجحا صرت أسائل و اليوم بعد أن أفعل ذلك ألني أخجل منه ، ما هذا الجنون ؟لكي نلقي بأنفسنا على رجل آخر لم يؤذنا بشيء ثم ما هذا الجنون الذي تملكنا: نفسي قائال

فهل ! في الوقت نفسه نطلب من اهللا العظيم أن يساعدنا نعضه و نقطع أنفقه و نمزق أذنيه ، و أنوفهم ؟ و لكن في ذلك الوقت يذهب معنا ليقطع آذان البشر و هذا يعني أننا نطلب من اهللا أن

في عروقي ، و ما كان باستطاعتي الوقوف و التساؤل و التفحص ، ، كان دمي ال يزال حارافعندما يكون ! يفكر بدقة و عدل أن يكون هادئا مسناً دون أسنان إذ يجب على المرء لكي أيها األوالد ، فمن لعنكم اهللا" له ، فباستطاعته القول بسهولة تامة المرء عجوزا ال أسنان

يكون اإلنسان متوحشا .. و لكن حين تكون له أسناني االثنين و الثالثين " العيب أن تعضوا . نعم ، أيها الرئيس ، كالحيوان المفترس آكل لحوم البشر .. كالحيوان

: و هز رأسه ثم قال

كل لحم البشر تبقىو هو يأكل الخراف أيضاً ، و الدجاج و الخنازير ، و لكنه إذا لم يأ -

!إن معدته ال تكتفي ، و اآلن ما لديك من أقوال ؟.. معدته خاوية ، كال

: ينتظر الجواب ، بل أكمل قوله و هو يحدق بي و لكنه لم

إن سيادتك لم تشعر بالجوع مطلقاً ، و لم تقتل أبدا ، و لم ماذا يمكنك أن تقول ، فكما أرى ، - من هذا العالم ؟ إن عقلك بريء ، و جلدك لم ير أشعة الشمستعرف تسرق و لم تزِن ، ماذا

. األخيرة بكثير من االحتقار ، مما جعلني أشعر بالخجل من يدي الناعمتين و وجهي قال جملتهو حياتي الخالية من لطخات الدم و الوحل ، ثم قال و هو يمسح بيده الخشنة على الشاحب : الطاولة

فربما تعرف أود أن أسألك إياه فال بد أنك قرأت مئات الكتب ،حسنا ، حسنا ، فهناك ما - . الجواب

هيا ، قل لي يا زوربا ، ما هو ؟ -

تحدث ، أيها الرئيس ، معجزة مضحكة تحيرني ، إن كل هذه األعمال ، إن هنا ثمة معجزة -ءت باألمير كل هذه جا– نحن الثوار –السرقات و المذابح التي نقوم بها هذه الخدع القذرة و

! ، الحرية جورج إلى كريت

: ثم نظر إلي بعينين ملؤهما الدهشة

أردنا الحصول على الحرية في هذا العالم القذر يجب أن نقوم بهذه إنها أحجية عظيمة ، فإذا - الخدع القذرة ، أليس كذلك ؟ أقول ، إذا أخبرتك عن كل هذه الجرائم المريعة الجرائم ، و هذه

فبدال أن يزيلنا اهللا تعالى ! و لكن ما هي نتيجة كل ذلك ؟ الحرية ! سك شعر رأ لوقف .. إني ال أفهم حقاً! من عنده يمنحنا الحرية بصاعقة

قد الحظت أن هذه المعضلة قد شغلته و آلمته و لم و نظر إلي كأنه يطلب العون مني ، و : يتمكن من كشف سرها ، ثم سألني بقلق

!هل فهمت ؟ -

موجود ، أو أن تكون هذه التي و ماذا أقول له ؟ فإما هذا الذي ندعوه إلها غير! م ماذا أفهالعالم ، و حاولت أن أجد له طريقة ندعوها جرائم و اغتياالت ضرورية للكفاح من أجل حرية

. أسهل ألشرح له األمر

لنفسك أن تنمو و تعيش وسط السماد و القذارة ؟ افترض يا زوربا كيف تستطيع الزهرة أن - . اإلنسان و أن الزهرة هي الحرية هذه األقذار هي

و لكن البذرة ؟ -

: الطاولة بقبضة يده و يقول صاح زوربا و هو يضرب

الذي وضع بذرة كهذه في جوفنا ؟ و لكي تنبت الزهرة يجب أن يكون هناك بذرة ، من هو - إلى الدم و األوساخ ؟لماذا تحتاج لماذا ال تنبت البذرة هذه زهور لطيفة شريفة ؟

: فهززت رأسي قائال

ال أعلم -

يعلم ؟ و من -

. ال أحد -

: و صاح زوربا في يأس

!بالقوارب و المحركات و ربطات العنق ؟ إذا ماذا تنتظر مني أن أفعل -

يحتسون القهوة على مائدة مجاورة و رهفوا آذانهم و تململ اثنان من المسافرين الذين كانوا : منهم و قال لي بصوٍت خفيض نقوله ، و اشمأز صديقيلسماع ما

تحطيم كل ما تقع عليه يدي من لنغير الموضوع ، فعندما أفكر في ذلك أشعر برغبة في -الفائدة من كل هذا ؟ فسأضطر كراسي أو قناديل أو حتى ضرب رأسي بالحائط ، و لكن ماليربط لي رأسي ، فهذا أسوأ بكثير ، إلى دفع ثمن ما حطمته ، ثم أضطر للذهاب إلى الطبيب

. فسينظر إلي من أعالي السماء و ينفجر بالضحك

: و حرك يده فجأة كأنه يريد أن يتخلص من ذبابة مزعجة ، ثم قال

عندما جاءت المركبة الملكية و هي مزدانة : فكل ما أردت أن أقوله لك هو ال بأس ، -هل سبق لك .. وضع األمير رجله على أرض كريت ابتدأ إطالق المدافع ، و حين باألعالم وشعبا بأسره يصبح مجنونا ألنه رأى حريته ؟ كال ؟ آه ، أيها الرئيس ، إذن فقد أن رأيتأعمى ، و ستموت أعمى ، فإذا قدر لي أن أعيش ألف سنة حتى لو أن كل ما تبقى مني خلقت و إذا كل واحد منا قدر له أن!عن قطعة لحم حية ، فلن أنسى ما رأيته ذلك اليوم عبارة

سأقول – و هذا ما يجب أن نكونه ، فهذا ما أدعوه جنة–يختار جنته في السماء حسب ذوقه ، و دع هذه يا إلهي ، لتكن جنتي جزيرة كريت المملوءة باألعالم و الزينات" لإلله العظيم

" فهذا يكفي ! طويلةاللحظة التي وطأت بها أقدام األمير جورج أرض كريت تستمر قرونا

الماء البارد و شربها و عاد زوربا إلى الصمت مرة أخرى ، و رفع شاربه ، ثم مأل كأسا من : دفعة واحدة

! ماذا جرى في كريت يا زوربا ، أخبرني -

: قال لي منزعجاً و

هذا العالم غامض جدا و هل سنعود إلى العبارات الطويلة ؟ أنظر ، أقول و أكرر لك أن - . اإلنسان ليس إال وحش كاسر

" ثائر ، جاء معي من مقدونيا ، اسمه يورغا و كان يدعونه وحشٌ عظيم و إله ، حارس أسودلماذا " لقد بكى ، و قلت له و عيوني تترقرق بالدمع .. تعلم خنزير شرس ، و هل" المجرم

م يكب ، بل ألقى بيديه حول و لكنه لم يجب ، ل" تبكي أيها الخنزير ؟ تبكي أيها الكلب ؟ لماذاكاألطفال ، ثم تناول محفظته و وضعها على حجره بعد أن أفرغ منها عنقي و راح يبكي.. نهبها من األتراك ثم مأل قبضته بالقطع و ألقى بها في الهواء ، أرأيت القطع الذهبية التي

! ، هذه هي الحرية أيها الرئيس

فكرت بنفسي ، " الحرية هذه هي.. " البحر و نهضت إلى ظهر المركب ألستنشق هواءفتتمسك بكنزك و تلقي به تهوى ثم تجمع قطعا من الذهب ، و فجأة تتغلب على تلك العاطفة، أليست هذه هي نوعا آخر أدراج الرياح لتحرر نفسك من عاطفة معينة و تأخذ بعاطفة أسمىما ، هللا ؟ أم أن كلما عرقمن العبودية ؟ لتضحي بنفسك من أجل فكرة معينة ، من أجلاللهو في أرجاء أوسع و نموت ارتفع الرمز طال حبل العبودية ؟ عندئذ يمكننا االستمتاع و !؟ دون أن نصل إلى نهاية الحبل ، هل هذا ما ندعوه الحرية

أشجار و عند المغيب شارفنا الشاطئ الرملي و رأينا أخيرا الرمال البيضاء الصافية وذقنها و تين ، و التل الصغير األجرد الذي يشبه وجه امرأة تستريح ، و تحتالخرنوب و ال

. حول رقبتها تمر عروق الفحم الرمادية

و الغيوم المتقطعة تمر في السماء لتغلق األرض بالظالل كانت نسمات الريح الخريفية تهب ،األرض يضيء و تهدد الشمس التي احتجبت وراءها ، و وجه ، و غيوم أخرى كانت تنظر و

. يظلم كوجه حي منزعج

توقفت للحظة على الرمل و نظرت ، كانت الوحدة مجسمة أمامي ، وحدة مميتة و لكنها و

مدهشة ، كالصحراء ، و برزت أغنية البوذيين من األرض و تلمست طريقها إلى أعماق بدون حزن ، متى سأنزوي في الوحدة أخيرا ، لوحدي ، دون رفاق ، و بدون فرح أو " نفسي – دون رغبات–بالتأكيد مقدس أن كل شيء ليس إال حلما ؟ متى ، و في أسمالي البالية و

سأنزوي مكتفيا في الجبال ؟ و متى ، و أنا متبين أن جسدي ليس إال مرضا و جريمة ، و

؟ متى.. حياة و موت ، حرا دون خوف و بسعادة ، سأعتزل إلى الغابات ؟ متى ؟ متى ؟ آآه " محاوال تقدم زوربا نحوي و هو يحمل السانتوري تحت ذراعيه ، بخطى قلقة ، فقلت لهو

: إخفاء قلقي

! هناك مناجم للفحم -

.. بهزة من رأسه و دون أن ينظر إلى حيث أشرت أجابني

حين تقف األرض ، إنها ال فيما بعد ، فهذا ليس الوقت لذلك أيها الرئيس ، يجب أن ننتظر - . لنذهب إلى القرية .. ليأخذها الشيطان ، كظهر المركب ، تعالتزال تموج و

اثنان من الصبية األشقياء و بهذه الكلمات تقدم بخطى طويلة محاوال إنقاذ وجهه ، و تراكضو ) الحقة ( الموظفين يدخن ليحمال الحقائب ، و في الكوخ ، حيث نقطة الجمرك ، جلس أحد

الحقائب و تحرك قليال كأنه ، ثم ألقى نظرة سريعة علىحدجنا بطرف عينه بنظرات ثاقبة " ، و اكتفى بأن أشار إلينا قائالً يريد الوقوف لكنه وجد أن ذلك سيأخذ منه كثيرا من المشقة

: ساخرة ، و تقدم أحد الصبية و قال لي بلهجة" أهال بكم

. إنه ليس كريتيا ، إنه شيطان بليد -

؟ اءأليس الكريتيين شياطين بلد -

: فقال الكريتي الصغير

. مختلفة و لكن بطريقة.. إنهم كذلك ، نعم ، إنهم كذلك -

هل القرية بعيدة ؟ -

البساتين في الوادي ، إنها قرية جميلة ، يا على بعد طلقة بندقية من هنا ، أنظر ، وراء - على ، لوبياء ، زيت ، نبيذ ، و هناك سيدي تحوي الكثير من كل شيء ، شجر خرنوبأفريقيا هو الذي ينضجها باكراً ، فإذا ما الرمال نبت الخيار مبكرا كذلك البطيخ ، إن هواء

. و هي تنضج و تكبر نمت بأحد البساتين فإنك تسمع صوت طقطقتها

: كان زوربا يتقدمنا و رأسه ما يزال مترنحا ، فصحت به قائالً

. للخوف ، و لم يعد هناك من داٍعارفع رأسك يا زوربا ، لقد اجتزنا المخاطر اآلن -

نجد بعض و تقدمنا مسرعين ، و كانت األرض مملوءة بالرمال و الصدف ، و هنا و هناكاقتربنا من شجرة أشجار التين ، كان الجو ثقيال ، و الغيوم تتجمع و تقترب و الريح تهدأ ، و

: تين ضخمة ، فتوقف أحد الولدين و أشار إلى الشجرة و هو يقول

. هذه شجرة التين خاصة سيدتنا الصغيرة -

: صخرة في أرض كريت قصة محزنة و فوجئت بكلمته ، فقد كانت لكل شجرة أو

و لماذا تدعى كذلك ؟ -

أيام أجدادنا ، وقعت إحدى البنات من األعيان في غرام أحد الرعاة في األيام الماضية ، -بنة تبكي و تصرخ و ترجو والدها الذي لم والدها لم يكن موافقا ، و راحت اال الشباب ، لكن في أحد األيام اختفى الشابان و ظلوا يبحثون عنها يوما ، و يومين ، و ثالثة ، و يلين ، و

تحت أسبوعا ، و لكن دون جدوى ، و أخيرا فاحت رائحة العفونة فتتبعوها فوجدوا العاشقين . العفونة ا عليهما بسبب رائحةشجرة التين ، متعانقين متعفنين ، هل تفهم ؟ لقد عثرو

البعيدة ، و سمعنا و انفجر الصبي بضحكة مجلجلة ، و تناهت إلى أسماعنا ضوضاء القريةمن القدور الذي كان أصوات نباح الكالب و صياح النسوة و الديوك ، و شممنا رائحة العنب

.. العرق يقطر منها

. هذه هي القرية -

صغيرة حتى الحت لنا القرية الصغيرة و بنات لنا كأنها تتسلق سفح التلة ال و ما إن اقتربنا من كانت البيوت الصغيرة متجملة ، متالصقة ، نوافذها كأنها بقع سودا ، فالبيوت كانت الوادي ،

: مبنية من الكلس األبيض الناصح و الحجارة ، و لحقت بزوربا وقلت له

لنا إلى القرية اآلن ، و لنتصرف كرجال يا زوربا ، أن تتصرف بلياقة فقد دخ ال تنس ، - فأنا المدير و أنت ناظر العمال ، إن الكريتيين ال يأخذون األمور بسهولة فما أن تقع األعمال ،

بعد أعينهم عليك حتى يبحثوا عن شيء ظاهر بك و يطلقوا عليك لقبا معينا ، حيث ال يمكنك . حقت بذيله مقالةذلك التخلص من هذا اللقب ، و ستجري كالكلب الذي ل

: زوربا بشاربه و غاب في التأمالت ، و أخيرا قال و أمسك

.. كانت هناك أرملة في القرية فال لزوم للخوف ، و إذا لم يكن اسمع ، أيها الرئيس ، إذا -

ما إن دخلنا إلى القرية تقدمت منا امرأة فقيرة بأسمال بالية و مدت يدها و في هذه اللحظة و : حظت أن لها شاربا أسود ، و صاحت بزوربا كأنها تعرفهال نحونا ، و

روح أيها األخ ؟ مرحى يا أخ ، هل لك -

: و توقف زوربا و أجابها

. نعم لدي -

. درخمات إذاً أعطني خمس -

، و أضاف ، افترت شفتاها عن ابتسامة حريرية" خذي " و نفحها بشيء من المال قائال : زوربا قائال

. خمسة درخمات هنا ليست غالية على ما أظن ، أن الروح تساويإن الحياة -

. " الحشمة ، و دكان اللحام مقهى" و اقتربنا نحو ساحة القرية فرأينا مقهى كتب على مدخله

!و لماذا تضحك ؟ -

وقتاً ألجيبه ، فقد خرج من باب الدكان هذا خمسة أو ستة عمالقة سألني زوربا ، لكنني لم أجد

: زرق لها أحزمة حمراء و صاحوا بنا سراويليرتدون

. كأسا من العرق ، إنه ال يزال حارا من القدور تفضلوا بالدخول و خذوا! أهال باألصدقاء -

: و لعق زوربا لسانه و قال

ما رأيك أيها الرئيس ؟ هل نشرب كأسا ؟ -

و هو رجل عجوز جليل اللحام ، / صاحب المقهى و شربنا كأسا أحرق أمعاءنا ، و قدم إلينا : صاح أحدهم ، كرسيين ، فسألته عن مكان نأوي إليه و

. اذهبا إلى مدام هورتنس -

: و تساءلت بدهشة

؟ هل هي فرنسة -

استقرت هنا لقد جاءت من مكان ال يعلم إال الشيطان ما هو ، لقد طافت في جميع األرجاء ثم . و أسست فندقا صغيرا

: و قال أحد األوالد

! أيضاً هي تبيع الحلوىو -

: ثم أضاف أحدهم

. عنقها ، و لديها ببغاء و هي تتزين و تصبغ وجهها أيضا ، و تضع شريطة حول -

: و هتف زوربا

و هل هي أرملة ؟ -

: المقهى و قال له صاحب

األزواج ، هل فهمت ما كم هو عدد السكارى هنا أيها الصديق ؟ إنها أرملة لعدد كبير من - ؟أقصد

. نعم فهمت -

. أجاب زوربا و هو يلعق شفتيه

و يمكنها أن تجعل منك أرمال -

! انتبه أيها الصديق -

اآلخرون ، و تقدم صاحب المقهى حامال صينية عليها الخبز و صاح أحد الرجال و ضحك : الجبن و هتف قائال

. هيا ، دعوهما و شأنهما ، و سوف أستضيفهما عندي -

. ليس عندي أطفال و بيتي كبير ضيفهما ، فأناكال ، أنا سأست -

: و أجاب صاحب المقهى و هو ينحني فوق الرجل و يقول

. أرجو المعذرة ، أيها العم انانيوستي ، فأنا سبقتك بالكالم -

. اآلخر ، و سآخذ أنا العجوز إذن خذ -

: و صاح زوربا غاضباً

!!أي عجوز ؟ -

له و أنا أهدئ من روعه و قلت

. لن نفترق ، و سنذهب لعند مدام هورتنس -

بدينة قصيرة القامة ، شعرها باهت اللون ، تتلوى في مشيتها ، مادة ذراعيها ، و كانت امرأةذقنها خال تتدلى منه شعيرات طويلة ، و كانت تربط حول عنقها شريطة حمراء ، و على

: المجعدة مصبوغة بلون بنفسجي ، و قالت لنا مرحبة خدودها

. أهال ، أهال و سهال -

: أجبتها ببشاشة و أنا أقبل يدها و

. دون قمل.. نريد سريرين يا سيدتي كم أنا سعيد بمعرفتك يا مدام هورتنس ، إنا -

. من قمل على اإلطالق أوه ، بدون قمل ؟ ال أعتقد ذلك ، ليس هنا -

ت تلبس جواربا زرقاء و كان و تقدمتنا و هي ترفس الحجارة بقدمها القصيرة المكتنزة ، وو لحق بها زوربا و عينيه ضخمة و تنتعل حذاءين مشقوقين عليها عقدة صغيرة من الحرير

! تكاد تأكالنها

. في مشيتها كالنعجة ذات اإللية المشحمة أنظر ، أنظر أيها الرئيس ، كيف تتلوى -

: قالمسمرتان على أرداف السيدة و و عض زوربا على شاربه بعصبية و عيناه

.. همم ، إن هذه الحياة مألى بالعهر -______

الفصل الثالث

صف من أكواخ الحمام القديمة جمعت مع بعضها البعض كان فندق مدام هورانتس عبارة عن، والعلكة ، والشموع ، والفستق عبيد ، و السكاير ، الحلويات أما األولى فكانت دكانا لبيع.

، وفي الخلف كان المطبخ . تالصقة تألفت منها غرف النوم م – أو أكواخ–وأربع غرف وكان عيدان القصب الكثيفة مغروسة حول المكان . واألرانب و قن الدجاج، وغرف الغسيل

) البراز و البول ( رائحة البحر تعبق بالمكان باإلضافة إلى روائح وكانت. في الرمل الناعم وكأن احدهم افرغ طشتا ، انتس بين وقت وآخر تتغير حين تمر مدام هور لكن الرائحة.

. للحالق تحت أنفك

صباح وما إن جهزت لنا الغرف والسرائر حتى انطرحنا عليها دون حراك ولم نستيقظ إال في . اليوم التالي

ليبدأوا العمل في تمام التاسعة كان اليوم األحد والعمال سيصلون في الغد من القرى المجاورةكان . الذي ساقتني إليه األقدار ي بعض الوقت ألقوم بجولة على الشاطئلذلك فقد ترك ل

، متتبعا حافة البحر ، بالبساتين , فذهبت في سبيلي مارا. الفجر يكاد يلوح حين خرجت . متعرفا إلى األرض والهواء

، وأجلت نظري إلى منظر الصخور الغرانيتية والكلسية القاسية ، مجاورة وصعدت إلى تله د. وأشجار الزيتون الفضية وأشجار التين والدوالي ، القاتمة شجار الخروبوأ

خاليا من ، بسيطا ، المصوغ بعناية فائقة ، شبيها بالنثر الجيد ، كما بدا لي , كان هذا المنظر. لقد كان معبرا عن كل ماهو ضروري بطريقة سهلة . صارما ، قويا ، المصطنعة الزخارفلكن . فهو ينطق بكل شيء بطريقة قاسية صارمة ، ا ولم يكن متصنعا يكن متباهي انه لم كانت متبدية من خالل أشجار البرتقال والليمون التي كانت تعطر الهواء برائحتها الليونة

. ومن بعيد كان البحر الخالد يبدو كالشعر الذي ال ينفذ. الذكية

كريت. كريت -

!!! قلت متمتما لنفسي وقلبي ينبض بالبهجة

فرأيت صبايا صغار يسرن في . قريبا من ماء البحر ورحت امشي، ونزلت من التل الصغير . شاطئ البحر طريقهن إلى الدير لسماع القداس عند

ببعضهن البعض وتشبثن، وأصبن برعب شديد ، وما إن ظهرت لهن حتى توقفن عن المسير الكريتي كان على طول الساحلف، وعلمت فيما بعد أن رؤية رجل غريب كانت تخيفهن ،

ويربطونهن ، واألطفال ويخطفون النساء، القراصنة في القرون الغابرة يقمن بغزوات مفاجئة ، واإلسكندرية ، الجزائر بأحزمتهم الزرقاء الغليظة ويلقون بهن في السفينة ويبيعوهن في

. وبيروت

، سرن كالطود المرصوص بعضهن البعض و ورحت انظر إليهن مبتسما بعد أن تكاتفن معمسيرهن بعد أن ألقيت عليهن تحية واقتربن مني وأضاءت وجوههن باالطمئنان وتابعن

. الصباح

وشعرت . بين الصخور أتأمل البحر أمامي وجلست، وأشرقت الشمس عن سماء صافية كالموج الهادر أمامي مطاوعا خاضعا دون ورحت أجول بمخيلتي. بالقوة تدب في جسدي

. ومة لنغمات البحرمقا

فأينما . وعلمت الذي يدعوني . وانطلقت من أعماقي أصوات متضرعة , وشعرت باالنقباضوفجأة سمعت صوت ... والمخاوف تنتابني ، بثمة نداءات تطلبني أكون بمفردي كنت اشعر : فاستدرت ألجده منتصبا وهو يضحك ويقول، الخلف رفيقي زوربا يناديني من

كيف أستطيع مشاهدتك في هذا المخبأ ؟ ولكن، نك منذ ساعات لقد بحثت ع -

: استطرد قائال، ولم اجبه على تساؤله

. وستذوب المسكينة بعد قليل، والدجاجة المطبوخة قد نضجت ، لقد مضى نصف اليوم -

. ولكني ال اشعر بالجوع، نعم اعرف ذلك -

ويجب أن ، إن في جسدا روحا ، ح منذ الصبا ولكنك لم تأكل شيء!! ال تشعر بالجوع -أعطها شيء فإذا لم تطعمها تركتك في ، الرئيس أيها، أعطها شيئا لتأكله ، تشفق عليها . نصف الطريق

كأني أقوم بعمل ، ولو كان ذلك ممكنا ألكلت في الخفاء ، الجسد منذ سنين لقد احتقرت ملذات . لزوربا كي ال يثرثر وقلت، مخجل

. سآت، حسنا -

الطوال بين الصخور وكما تمر الساعات بين العشاق وذهبا إلى القرية بعد أن مرت الساعات : مترددا وسألني زوربا. كالبرق الخاطف

هل كنت تفكر بالمنجم ؟ -

لذلك يجب أن أقوم ببعض ، سنبدأ العمل وهل تعتقد أني كنت أفكر بسواه ؟ ففي الغد - . الحسابات

ت ؟وما هي نتيجة الحسابا -

. بعد ثالثة اشهر يجب أن نستخرج عشرة أطنان من الفحم لنغطي مصاريفنا -

: زوربا بشوق وقال ونظر إلي

أرجو المعذرة أيها الرئيس بحق الشيطان ؟، وما أخذك إلى الشاطئ لتقوم بتلك الحسابات -اجة إلى أن اشعر باني بح، األرقام فعندما اضطر إلى مقارعة، ولكني ال افهم ، لسؤالي هذا

، فإذا رفعت نظري ورأيت البحر , احشر نفس في جوف األرض كي ال أستطيع مشاهدة احدجميع هذه األرقام وسأضطر إلى حتى لو كانت عجوز عند ذلك تطير، أو امرأة ، أو شجرة . مطاردتها

. تستطيع التذكير فأنت ال، ولكنها غلطتك أنت يا زوربا -

فهناك حاالت ال . لألمور فهذا يتوقف على نظرتك، ها الرئيس أي، ربما تكون على حق -رأيت ، كنت مارا في قرية صغيرة ففي ذات يوم بينما، اسمع .... يتمكن حتى سليمان الحكيم

هل تزرع أشجرة لوز يا : " فقلت له رجال عجوزا يبلغ التسعين من العمر يزرع شجر اللوزواعمل كأني سأموت ، كأني لن أموت أبدا أنا اعمل ، يا بني: " والتفت إلي وقال " جدي ؟

أيها الرئيس ؟ , واآلن من كان منا على صواب. " في أي لحظة

: ونظر إلي نظرة المنتصر وقال

!! لقد أحرجتك، واآلن -

كأن أن تعمل، فهناك ممران متساويان قد يؤديا إلى القمة نفسها ، وبقيت ملتزما الصمت متشابهين هما أمران ربما كانا، و أن تعمل متوقعا الموت في أية لحظة ، الموت غير موجود

وقال لي زوربا . ولكن عندما سأني زوربا هذا السؤال لم استطع اإلجابة عليه على التو، : هازئا

. المجادلة ولنتكلم عن أشياء أخرى ال تغضب أيها الرئيس فلن تستطيع. ال بأس ! حسنا -اآلن . فلكل شيء وقته المحدد ، ومن ثم نر . لنأكل اآلن. بالدجاجة و األرز فانا اآلن أفكر . المنجم أمامنا وسنفكر بأمره أيضا وغدا سيكون، فلنفكر به ، أمامنا األرز

انه مافراندوني كبير . األسى يقف بانتظارنا وعند المقهى المجاور رأينا شيخا يبدو عليهجاء في الليلة الماضية إلى مدام هورانتس ليأخذنا إلى لقد، م رجال القرية الذي أجرنا المنج

: بيته وقال لنا

! كأنه ال يوجد رجال في القرية، العار أن تظال في الفندق انه من -

وعندما رفضنا . وكلماته كانت متزنة متناسقة مع مركزه المحترم في القرية , لقد كان متأثرا : وقال لنا وهو يغادر الفندق . باالستياء لكنه لم يلح طلبه شعر

. أحرار لقد قمت بواجبي وانتم -

قال لنا الخادم الذي وقد، وجرة من العرق ، وسله فواكه ، وبعد قليل أرسل لنا شيئا من الجبن : احضرها

لكن القد ، كذلك أوصاني أن أخبركما , إنها ليست كثيرة. مع تمنيات الكابتن مافراندوني - ! منها حسن

: وأجابنا واضعا يده على صدره، التحية واقتربنا منه والقينا عليه

. أتمنى لكما حياة طويلة -

: زوربا معلقا وتمتم

. ويبدو بوقفته كالقضيب العجوز، انه ال يحب كثرة الكالم -

. انه يعجبني، لكنه فخور بنفسه -

وأسرع زوربا إلى ، لمطبخ وهرولت إلى ا حتى صاحت مرتبكة، وما إن رأتنا مدام هورانتس واحضر ، بالخبز وقطعه قطعا صغيرة وجاء، وضع الطاولة على الشرفة تحت ظل الدالية

: الطاولة لثالثة أشخاص وقال ثم نظر إلي بعد أن انتهى من إعداد، النبيذ

هل رأيت أيها الرئيس ؟ -

! نعم رأيت أيها الفاسق -

!! وخذها نصيحة مني ! إن الطيور العجائز التي تصلح للشواء -

. بأغاني الحب القديمة وهو يهرع متمما تجهيز المائدة وراح يدمدم

إني اعمل أشياء ، يجب أن نستمتع بكل دقيقة نعيشها ، الرئيس هكذا يجب أن نعيش أيها - وأنا أسرع بذلك كي ال يدركني الموت قبل أن احصل على العصفور . كأني سأموت بعد دقيقة

. . " إلى المائدة: " هورانتس مداموسمع صوت

ورمقها زوربا وقد عال ، الصحون ثالثة فقد رأت، ثم وقفت مشدوهة ، وقدمت إلينا القدر . وجهها االحمرار الشديد ولمعت عيناها الصغيرتان

: وهمس زوربا قائال

. لقد بدأت تشعر بالحرارة تدب فيها -

: واألدبوقال لها بكثير من اللياقة ثم نظر إليها

أرجو أن تشرفينا . سفينتنا وألقى بنا البحر في مملكتك لقد غرقت، يا جنية األمواج الجميلة - . وتشاركينا الطعام , يا عروسة البحر الجميلة،

تريد أن تضمنا نحن االثنين كأنها، وفتحت الغانية العجوز ذراعيها وضمتهما إلى صدرها وظهرت ، عائدة إلى غرفتها زوربا والمستني وأسرعتثم تمايلت بعظمة والمست، إليها

وضعت عند الصدر ، عند الصدر فستانا مفتوحا: بعد قليل ترتدي أجمل ما لديها من ثياب وبعد أن . غصن الدالية أمامنا وأحضرت معها قفص الببغاء الذي علقته على!! وردة متألقة

فقد كان الحيوان . ننبس بكلمة واحدة دون أن، رحنا نلتهم الطعام التهاما ، أجلسناها بيننا والعالم من ، نزوده يتحول بسرعة إلى دم والطعام الذي، داخلنا يأكل ويتغدى ويشرب الخمر

بدأت تبدو اصغر في كل لحظة والتجاعيد في وجهها والسيدة التي تتوسطنا، حولنا يبدو أجمل ينظر إلينا كأنه رجل غريب قد ، لشجرة المعلق على ا وكان الببغاء.... بدأت تزول وتمحى

... سحره هذا المنظر

ثم فتح ذراعيه كأنه يريد أن يعانق العالم كله ثم ، عينا زوربا تدور في محجريهما وكانت . بي مدهوشا صاح

. العالم وقد فقد صوابه أيها الرئيس ؟ فما إن نشرب كأسا من النبيذ حتى يبدو، ماذا جرى -عناقيد متدلية فوق رؤوسنا ؟ أو هل هذه، بشرفك ، قل لي . كلها خمر ونبيذ ومع ذلك فالحياة

، ال الدجاجة ، وال شيء موجود , أم ترى ليست شيئا على اإلطالق. هي مالئكة ؟ ال اعلم .... تكلم كي ال أفقد عقلي , قل لي أيها الرئيس! وال كريت ، وال عروسة البحر

و راح ينظر إلى مدام ، الدجاجة لقد شبع من. فرح والحظت أن زوربا بدأ يشعر بالوتدخالن إلى صدرها المنتفخ وتصعدان إلى جسدها، كانت نظراته تغتصبها . هورانتس

فقد بدأت تستمتع ، تلمعان من السرور وكانت عينا السيدة الصغيرة. وتتحسسانه وكأنهما يدان ن الخمر قد رجع بها إلى الوراء إلى شيطا وبدا كأن. بعد أن أفرغت عدة كؤوس من النبيذ

ثم أغلقت باب الحديقة ، لطفها وبشاشتها ورغبتها ونهضت وقد عاد إليها. أيام الصبا الجميلة رؤيتنا وأشعلت سيجارة وراحت تنفث دخانها بهدوء الخارجي كي تمنع األعين الفضولية من

. واستمتاع

والكلمة الطيبة تصبح قوية ، ستريح حراسها وي. أبواب المرأة جميعها في أوقات كهذه تنفتح : وهكذا أشعلت غليوني وقلت تلك الكلمة الطيبة. الحب كقوة الذهب أو

لم أكن للحقيقة ، عندما كانت صغيرة .... تذكريني بسارة برنهارت أنت، مدام هورانتس -( ما هذا . وجماال كهذا الجمال، لياقة كهذه ، كهذه ، كهذه عظمة , انتظر رؤية أناقة

. ( الشكسبير

شكسبير ؟ أي شكسبير ؟ -

. الذي أرسلك إلى هنا بين المتوحشين -

وجالت به في المقاهي والمسارح من باريس إلى ، إلى أيام الغناء والمسرح وطارت بتفكيرهالقد كان ذلك في اإلسكندرية : وكأنها تذكرت فجأة ، طول شواطئ األناضول وعلى، بيروت

، والظهور عارية ، والرجال والنساء ، والمقاعد الفخمة ، كبير عامر بالثريات سرحوفي م، ..... وظهر رجل اسود مخيف، وفجأة ارتفعت الستارة ، واألزهار , والعطور

؟ أي شكسبير -

. فقد تذكرت، وسألتني مرة أخرى بكبرياء

؟ هل هذا الذي يدعونه أيضا عطيل -

البيضاء ؟ أيتها الزهرة , ألقى بك على هذه الصخور الوحشيةأي شكسبير إذن. هذا هو -

وكنا ، تتبادل الحب واألرانب، والببغاء نائمة ، وكانت األبواب مغلقة ، ونظرت حولها

وأوراق ، مملوءا بالطيب ، عتيقا وكأنها تفتح أمامنا صندوقا، وراحت تفتح لنا قلبها ، لوحدنا . مةالرسائل الصفراء والثياب القدي

ولكننا تمكنا من فهمها بوضوح ، وراحت تخلط بينهما ، بعض الكلمات باليونانية وكانت تلفظوفي بعض األحيان كنا ننفجر ، بعض األحيان كنا نجد صعوبة في إخفاء ضحكاتنا وفي.

. علما أننا قد شربنا كثيرا من النبيذ , بالبكاء

فقد ، كال ، لم تكن مغنية بسيطة في الحانات , حسنا إن السيدة التي تنظرون إليها اآلن - .... ولكن الحب. داخلية من الحرير الخالص كانت فنانة شهيرة وكنت ارتدي ثيابا

: سيجارة ثانية من زوربا وقالت وأشعلت، وتنهدت تنهيدة عميقة

والية ثائرة وأساطيل الدول العظمى فقد أصبحت كريت مرة أخرى. لقد أحببت أميراال -لو ! يا للحظ ، آه . رسوت أنا األخرى هناك وبعد أيام قليلة) . سورا ( بدأت ترسو في مرفأ

جميعهم ، الروسي ، الطلياني ، الفرنسي ، اإلنكليزي ... رأيتم هؤالء االميرالة األربعة ،ويا لتلك اللحى ، كالديوك تماما ، والقبعات المريشة ، اللماعة واألحذية، متلفحين بالذهب فكل ! وما أطيب رائحتهم ، والحمراء ، الرمادية ، الشقراء ، الداكنة , المجعدة الحريريةفإنكلترا كانت تتميز ، فهكذا كنت أميز بينهم في الظالم ، له رائحته المميزة واحد منهم كانت

طاليا اي ! آه، وايطاليا ، وروسيا برائحة المسك ، وفرنسا برائحة البنفسج ، الكولونيا برائحة، سفينة العلم وكنا نلتقي عدة مرات على ظهر! يا لهذه اللحى ، يا الهي . المشغوفة بالعطر

فقد كانوا ، بجسدي وكانت بزاتهم مفتوحة وكان ثوبي الحريري يلتصق. ونتحدث عن الثورة ة نتحدث عن الثورة بجدي وكنا. كما تعلم ، وكان ذلك كله في الصيف ، يصبون عليه الشمبانيا

وكنا نشاهدهم . الكريتيين المساكين وكنت ارجوهم وأتضرع إليهم أال يطلقوا مدافعهم على، يرتدون قمصانا زرقاء وأحذية ، كالنمل ضئيلين) كايني ( بالمنظار على الصخور قرب

... وكان معهم علم. وهم يصرخون ويصيحون ، صفراء

. مذعورة , اهدة العجوز عن الكالموتوقفت المج، وفجأة سمعنا صوتا خلف قضبان القصب .... ورأينا بين القضبان عيون األطفال الخبيثة تراقبنا

فعادت إلى . فقد أكلت وشربت كثيرا ، ولكنها لم تتمكن ، القيام عن الكرسي وحاولت المغنية . وأخذ زوربا حجرا فتفرق األوالد وهم يصرخون، تتصبب بالعرق الجلوس وهي

! استمري يا كنزي، يلتي جم يا، استمري -

. واقترب بكرسيه منها، كذلك قال زوربا

! وأمسكت بلحيته وقلت له، فقد كنت قد ألفته أكثر من األخرين ، لألميرال الطلياني وقلت -

كم من المرات! " أرجوك ! بوم ،ال تفعل بوم ، يا كانافارو العزيز ، كانافارو أرجوك "

كانت كم من المرات! امكم تنقذ حيات الكريتيين من موت محتم كانت هذه المرأة الجالسة أمولكن من ! بوم! وكنت اهرع المسك بلحيته وارجوه أال يفعل بوم ، المدافع جاهزة لإلطالق

... الذي شكرني على ما فعلته من اجلهم ؟ وبدال من الوسام انظروا ما حصلت عليه

بقبضتها وضربت على الطاولة، مود الرجال لقد كانت مدام هورانتس غاضبة اشد الغضب لج : وصاح بعطف مصطنع، ومد زوربا يده إلى ركبتيها المنفرجتين وامسك بهما . الطرية

! بوم! بحق السماء ال تفعلي بوم ، يا بوبولينتي -

. ارفع يدك -

: وأضافت بعد قليل، كذلك صاحت به السيدة الطيبة

من تظنني ؟ -

.... ةبنظرة غاضب وجحدته

ال تخافي، فنحن هنا يا حبيبة , يا بوبولينتي، إن اهللا موجود في السماء ال تزعجي نفسك -..

، ورأت ببغائها األخضر يغط في النوم عينيها إلى السماء،ورفعت عروسة البحر العجوز : وقالت بصوت حنون

. كانافارو، كانافارو -

: نيه وامسك بقضبان القفص وردد قولهاوما إن سمع الببغاء صوت سيدته حتى فتح عي

. كانافارو، كانافارو

! موجود -

كأنه يريد ، الركبتين التين خدمتا كثيرا صاح زوربا وهو يضع يده من جديد على تلك : كرسيها وفتحت فيها لتقول واستدارت المغنية العجوز على. امتالكهما

لكن األيام العصيبة جاءت وتحررت , رلقد حاربت صدرا بصد، وأنا أيضا حاربت ببسالة -كذلك قلت ) ولكن ماذا سأصير إليه ؟ ) . كريت بعد أن تلقت األساطيل األوامر باالنسحاب

، لقد تعودت على العظمة وعلى الشمبانيا أين ستتركونني ؟. ( وأنا امسك باللحى األربعة ، ية العسكرية حين أمر أمامهم يؤدون لي التح لقد اعتدت على البحارة الصغار وهم! والدجاج

( األعزاء يا سادتي، سأصبح أرملة أربعة مرات

، اإلنكليزية واإليطالية لقد أشبعوني بالليرات. هكذا هم الرجال .... ! ولكنهم سخروا مني وفي الليلة األخيرة . وحذائي وقميصي، والروبالت والفرنكات التي وضعوها في جواربي

، ووضعوني به ، المغطس بالشمبانيا فمألوا، القواد األربعة أشفقوا علي بكيت كثيرا حتى إن ... النور وبعد ذلك اطفأوا، ثم شربوا على شرفي وسكروا

البنفسج و رائحة، وفي الصباح استيقظت على رائحة العطور الممزوجة تفوح في الغرفة

، وايطاليا ، روسيا , فرنسا، را إنكلت، لقد كنت ممسكة بالدول األربعة ... الكولونيا وغيرها .... وذهبت هكذا معهم، هنا على ركبيتي ، وعلى ركبيتي

ثم قالت، راحت مدام هورانتس تهز بيديها كأنها تالعب طفال صغيرا على ركبتيها ثم

واقسم أن ذلك كان. وعند انبالج الصباح راحت المدافع تطلق في الهواء . هكذا ، هكذا -

. وجاء زورق صغير ابيض ليقلني إلى الشاطئ، نعم أطلقوا المدافع ، على شرفي

: و هتف زوربا.... تناولت منديلها وراحت تمسح بدموعها وتبكي ثم

! فأنا هو كانافارو. أغمضي عينيك يا كنزي ، بوبولينتي الصغيرة أغمضي عينيك يا -

: الفاضلة وصرخت السيدة

والقبعة واللحية أين شاراتك الذهبية ؟، انظر إلى نفسك و، لقد قلت لك ذلك ، ارفع يدك - ! آه! آه ! المعطرة

لقد سادت . وكان البحر من وراء القصب يتنهد , وساد صمت حولنا، لقد بدأ الطقس يبرد ومر من فوقنا . والشمس غرقت عند األفق لتنام فالريح سكنت. الطمأنينة والهدوء أخيرا !! ربما كان قميص مغنية، الحرير تمزق ا كأن قصر منغرابان يصفقان بأجنحتهم

: ركبتها وهمهم زوربا بعطف وهو يضغط بركبته على

واسندي ، الصغير ارفعي رأسك، ليس هناك من اله أو شيطان ، ال تضطربي ، يا بوبولينا - . وليذهب الموت إلى الجحيم، خدك على يدي وانشدي لنا أغنية

بينما يده اليمنى تنساب على، وكانت يده اليسرى تفتل شاربه . الحب كان زوربا يشتعل ب لقد

العجوز ولم تكن هذه. وكانت كلماته تنطلق متقطعة وعيناه واهنتان ... المغنية المنتشية ، األنثوي بأجمعه الجنس، بل انه كان يرى آفاق متمثال ، المطلية بالمساحيق هي التي تثيره

جميال أم ، فتيا أم هرما وانمحى الوجه سواء أكان، قد اختفى القرد ل. كما كان يدعو المرأة وجه أفروديت المقدس إن خلف كل امرأة يقف. فهذه كانت اختالفات ال أهمية ، بشعا

. الغامض

أما مدام هورانتس فلم تكن سوى . ويحدثه ويشتهيه، هذا هو الوجه الذي كان يراه زوربا . الخالدة زقه زوربا ليقبل الشفاهقناعا شفافا سريع الزوال يم

: وردد في صوت متضرع هامس

العنق األبيض وأنشدينا بأغنية جميلة ؟ ارفعي، يا كنزي ، ارفعي عنقك الناصع -

وقفز ، وراحت تنشد أغنية من أغنياتها القديمة , ووضعت المغنية العجوز يدها على خدها : رض ثم صاح بأعلى صوتهعلى األ جلس متربعا، زوربا واحضر السانتوري

.... بوبولينتي يا، خذي سكينا واقطعي به عنقي ، آوه ، آوه -

، مألت النشوة نفوسهما وبعد أن، وبدأت النجوم تتألق بالسماء ، وعندما بدأ الليل يقترب

إلي مشيرا ثم همس بقوله ونظر، ابتدأت مدام هورانتس تتقلب وتلتصق بزوربا برفق ودالل : .... كن لطيفا واتركنا لوحدنا، دأت تنسجم لقد ب -

__________________

عند طرف السرير يدخن وهو غارق عندما انبلج الصباح استيقظت ألرى زوربا أمامي جالسا ... النافذة وعيناه مسمرتان على زجاج، في بحر من التأمالت

: وتذكرت أني تركتهما لوحدهما ليلة البارحة وقلت له

.... وتشجع، تمتع جيدا ، يا زوربا , إني ذاهب -

: وقد قال لي

. اتركنا نرتب األمر جيدا , إلى اللقاء أيها الرئيس -

وتهزهزات في ، أصواتا مكتومة فقد سمعت في الليل، وقد بدا لي أنهما رتبا األمر جيدا رح على غرفتنا عاري القدمين وانط وبعد منتصف الليل دخل زوربا إلى. الغرفة المجاورة

... السرير بكثير من الهدوء كي ال يوقظني

وكان ال يزال غارقا في نشوة، وعيناه تضيع بعيدا ، يبدو شاردا ، عند الفجر ، اآلن ولكنه

. الليل الفائت مستسلما بهدوء إلى شعاع الشمس المتداخل من زجاج النافذة

ممتزجة بأصوات الديوك وبدأت الحركة تدب في األزقة، القرية تفيق من نومها وبدأتهيا يا زوربا : " وخطر لي أن اقفز من سريري واصرخ . والناس ، والحمير , والخنازيرلكني كنت اشعر أنا اآلخر بسعادة كبيرة في االستسالم هكذا دون حراك " اليوم فلدينا عمال وتبدو، الغبار خفيفة ك، ففي هذه اللحظات الساحرة تبدو الحياة ،تسرب الفجر الرائع منتظرا

... األرض كأنها تتكون من الريح كالغيوم المتموجة الطرية

. فتناولت غليوني ، فشعرت برغبة في التدخين أنا اآلخر ، يدخن ونظرت إلى زوربا وهووتذكرت ، كان صديقي القديم قد أهداني إياه ، غليون إنكليزي الصنع انه. وحدقت به منفعال واترك السجائر التي تدخن نصفها وترميها ، خذ هذا الغليون : لك هديته ت قوله حين منحني، فهو كالمرأة الوفية فعندما تعود إلى بيتك ، تزوج الغليون ، امرأة عاهرة بعد ذلك كأنها

.... ثم تذكرني، دوما هناك بانتظارك فتشعله وتجلس تتأمل دخانه الصاعد في الهواء ستجده

يودع حيث كان صديقي، وكنا في احد متاحف برلين ، را ال زلت اذكر إن الوقت كان ظهمتأمال ونظر صديقي إلى تلك اللوحة، للرسام رامبراندت ) المحارب ( لوحته العزيزة

، جدير بالرجل إذا ما تمكنت من القيام في حياتي بعمل: " وقال . المحارب الحاقد اليائس " !! فسأكون مدينا به له

وأمامنا تمثال من البرونز لفارسة عارية تمتطي , نقف قرد عامود،كنا في صالة المتحف

رأس التمثال والتفت صوبنا وهز بذنبه وأطلق لحنا وغط عصفور على. حصانا بريا متوحشا : وأنا انظر إلى صديقي وسألته وارتعدت. هازئا ثم طار في سبيله

. في سبيلهثم طار , هل سمعت العصفور ؟ لقد خلت انه قال لنا شيئا -

، انه عصفور ، دعه يغني , انه عصفور: ( وابتسم صديقي وأجابني بمثل من أمثالنا العامة ( دعه يتكلم

عند شاطئ كريت هذه الذكرى تعود إلى , في هذه اللحظة عند طلوع الفجر، كيف كانت ؟ مخيلتي مع هذا المثل الحزين لتمأل عقلي بالمرارة

. خفية إن كل شيء في هذا العالم له معان. غليوني وأشعلته ووضعت قليال من التبغ في بدأ في حل إنها تبدو كالرموز الهيروغليفية لمن، النجوم . الشجر . الحيوانات . الرجال

، أنها رجال اقحاح فتعتقد، فعندما تراها فإنك ال تفقه لها معنى .... رموزها ليكتشف خفاياها األوان تفهم معناها ولكن بعد مرور السنين وبعد فوات، ونجوم ، وأشجار ، وحيوانات ... الحقيقي

وتتالشى معه ، روحي تندمج بهذا الدخان وكانت، ورحت أتابع الدخان المتصاعد من الغليون ، دون العودة إلى المنطق ، كنت اشعر , ومر وقت طويل. في الحلقات الزرق المكونة

. وزواله م وانبثاقهبحقيقة هذا العال، وبتأكيد ال يوصف

هذا الكوخ فنظرت إلى ما حولي إلى، وأطلقت زفرة هادئة أيقظتني من أفكاري الشاردة ، شعاع الشمس وهذه المرآة الصغيرة المتدلية على الحائط والمنعكس عليها، الخشبي الفقير

را لي بهدوء مدي وكان زوربا ال يزال جالسا على حافة السرير يدخن. فبدت تقدح بالشرر . ظهره

والمسك والببغاء الذي بدا كالرجل , رائحة البنفسج والكولونيا، ومرت أحداث األمس بمخيلتي ال تزال الوحيدة ، وسفينة قديمة ، قديما قد تحول إلى ببغاء يضرب قفصه بجناحه مناديا حبيبا

.... والمعارك البحرية القديمة الباقية على قيد الحياة لتقص أقاصيص الحرب

: وتمتم قائال، واستدار زوربا عندما سمع صوت زفرتي

وقد ، أنا وكذلك فعلت، لقد ضحكت . لقد أسأنا التصرف أيها الرئيس ، لقد أسأنا التصرف -يا للعار اللعين . وهذه الطريقة التي غادرتنا بها دون أن تنبس بكلمة رقيقة واحدة، رأتنا هي

اسمح لي أن أقول ، للتصرف وهذه ليست طريقة حسنة. س أيها الرئي، إن هذا ليس تهذيبا ! وقد عملت جيدا حين . خائفة أليس كذلك ؟ مخلوقة ضعيفة. إنها امرأة على كل حال . لك

. بقيت ألعزيها

تعتقد بكل جدية إن جميع النساء ليس في عقولهن ولكن ما تعني بقولك يا زوربا ؟ وهل - شيء سوى هذا ؟

لقد رأيت جميع .... أصغ إلي اآلن . فليس في عقولهن شيء آخر , نعم أيها الرئيس -إنها . إن المرأة ليس عندها من شيء آخر في نظرها ... شيء وعملت في كل، األشياء

وربما هي . لم تقل لها انك تحبها وتريدها فإنها تبدأ في البكاء وإذا. مخلوق ضعيف مشاكس فهذه مسألة أخرى لكن ، حتقرك وربما تقول لك كال بل ربما ت، إطالقا األخرى ال تريدك لذلك، فهذه ما تريده تلك المخلوقة المسكينة ، الذين يرونها يجب أن يشتهونها جميع الرجال

قصتها إن. كانت لي جدة تبلغ الثمانين من عمرها ، فأنا مثال . فاألجدر أن تحاول إرضاءها . كريستالو واسمها، نا فتاة صبية نضرة كالوردة وكانت تسكن قريبا من منزل. حقيقية تماما

كأسا من الخمر كنا نحن الشباب نذهب إلى الحانة لنحتسي، وفي كل يوم سبت عند المساء يا . ونذهب للتنزه ثم نضع ضمة من الحبق وراء أذننا ويأخذ ابن عمي قيثارته، وننتشي به

كنا نتوجه لها مرة واحدة ا وكل يم سبتكنا نخور كالبقر وكنا نريده.... للحب يا للعاطفة الرئيس ؟ يا له من لغز ؟ إن في هل تصدق هذا أيها... حسنا . ليقع اختيارها على واحد منا انه ال ... ال تعتمد كثيرا على كتبك . هذا كل الجروح تشفى إال. النساء جرحا ال يلتئم بالمرة

. مانين ؟ ومع ذلك فالجرح ال يزال مفتوحافي الث ألنها قد أصبحت... لماذا . يلتئم أبدا

وتتناول مرآتها الصغيرة . المتصابية تجر أشياءها نحو النافذة إذن كل سبت كانت العجوزومن ثم تختلس . من شعرها وتنشره على فرقتين فوق جمجمتها وتحاول تسريح ما تبقى

تندفع إلى الوراء ، ها وان اقترب احد من، ان يشاهدها احد نظرات سريعة حولها خوفا منولكن كيف كانت تستطيع النوم ؟ فإنها بانتظار النزهة وهي في . لتستكين بهدوء وتدعي النوم

هل ترى اآلن هذا اللغز المجهول في المرأة أيها الرئيس ؟ إن هذا ... الثمانين من عمرهاوهذا ما كان يدفعني . ولم افهم هذا . أما في ذلك الوقت فقد كنت تافها . يشدني اآلن للبكاء

. لقد كانت توبخني ألنني كنت اجري خلف الفتيات ، احد األيام غضبت منها في، للسخرية لماذا تدلكين شفتيك بورق الجوز كل !! وجهها دون مواربة وبكل صرامة عندها صحت في

أما .أتظنين بأننا نتنزه من أجلك ؟ إننا نأتي من أجل كريستالو . شعرك وتسرحين. سبت . جيفة نتنة أنت فلست إال

دمعتان دفقتا من عيني . هل تصدق أيها الرئيس ؟ في ذلك اليوم عرفت فقط ما هي المرأةواقتربت منها " كريستالو " وصحت. وراحت ذقنها ترتجف ، انكمشت كأنها كلبة . جديتي

إنهم ، انات قاسية الشباب حيو إن" ... كريستالو : " أكثر لكي تتمكن من أن تسمعني بوضوح . ال يفهمون شيئا. ليسو من المخلوقات اإلنسانية

" قلبي عليك اللعنة من أعماق" عندها رفعت جدتي ذراعيها النحيلتين نحو السمار وصاحت . يقترب وبعد شهرين كان يومها قد بدأ، ومنذ ذلك اليوم بدأت صحتها تتالشي وتتدهور

أن فشهقت كأنها حشرة وحاولت. ت تحتضر شاهدتني وعندما كان. وبدت أيامها معدودة

ويجعلك فليلعنك اهللا يا الكسيس. لقد كنت أنت من أنهى حياتي " تمسكني بأصابعها وقالت " تعاني كل ما عانيته أنا

: وابتسم زوربا وتابع

. العجوز قد أصابت هدفها إن لعنة. آه -

: وراح يصلح من حال شاربه وتابع قائال

فسأظل احمل المرآة ، ولو عشت حتى المئة فلن أتقاعد ، الخامسة والستين اآلن فيإنني - . وسأبقى اجري خلف النساء، في جيبي الصغيرة

: ومد ذراعيه قائال , ورمى سيجارته من النافذة، وابتسم ثانية

. علي إال أنها الوحيدة التي سوف تقضي، لي أخطاء غير هذه كثيرة -

: وصاحوقفز من سريره

. نستغل اليوم يجب أن. لقد تحدثنا بما فيه الكفاية اليوم -

. وارتدى ثيابه وحذائه بمثل لمح البصر وخرج

، مدينة مغطاة بالثلوج ، وفجأة لمعت في رأسي ، استعيد كلمات زوربا رحت، وبرأس محني كانت " اهللا يد " وتوقفت ألنظر إلى يد برونزية ضخمة " رودان " ألعمال كنت في معرض

. وفي نصف الراحة كان يوجد رجل وامرأة متعانقان يكافحان. مفتوحة اليد نصف

وراحت تنظر إلى ذلك ، وكانت تبدو غير مستكينة ومضطربة . واقتربت مني جاءت فتاةوذقنا . وكان لها شعرا أشقر كثيفا ، أنيقة ، كانت نحيلة . بين الرجل و المرأة العناق األبدي

. كان في طبيعتي عدم البدء بالحديث. شفاه ناعمة كان باديا عليها التصميم والرجولة و قاسية

: ولكن ال ادري ما الذي دفعني ألن ألتفت نحوها وأسألها

؟ بماذا تفكرين -

فتمتمت بسرعة ؟

!!! لو نستطيع أن نهرب... آه -

نت أسفة ؟هل أ. فال يوجد أي مهرب . في كل مكان فيد اهللا، وأين نذهب -

إنما اآلن فأرى تلك اليد . هذا ممكن . متعة في الوجود فالحب قد يكون اكبر.... كال - فأفكر بالهرب. البرونزية

أتفضلين الحرية ؟ -

. أجل -

ليس " اهللا " لنفترض بأن كلمة . نشعر بأننا أحرار ولكن لنفترض بأننا عندما نطيع تلك اليد - . الجماهير هلها المعنى التي تمنحه ل

. وشفتاها جافتين مرتين، نظرت إلي بقلق وبدت عيناها رماديتان

.. لم أفهم -

. قالت وابتعدت بسرعة

، ولكن البد وأنها كانت تعيش في داخلي . . ومن ذلك الوقت لم أفكر فيها مطلقا، اختفت . يانيمن أعماق ك، جديد شاحبة نحيلة واليوم على هذا الشاطئ المهجور ظهرت من

فاالتصال ، فاليد البرونزية كانت حجة ، على حق كان زوربا، نعم لقد كان تعرفي غير الئقا أن نتعانق ونتحد ، قد تبودلت وكان من الممكن تدريجيا وكانت الكلمات اللطيفة. األول قد تم

ت الفتاة فارتعش. إال أنني قفزت فجأة من األرض نحو السماء . بهدوء ودون إزعاج في يد اهللا . وهربت

وأنوار الصباح الجديد قد بدأت ، العجوز يصيح في باحة حديقة السيدة هورانتس كان الديككان العمال قد بدأوا يغدون حاملين . وانحدرت من الفراش . النافذة الصغيرة تزحف عبرفقد انغمس في . وراح يتناهى لمسامعي صوت زوربا يصدر األوامر ، ومجارفهم معاولهم

. ويحب المسؤولية، إذ أن اإلنسان يشعر بأنه يعرف كيف يأمر . فائقة العمل بسرعة

كأنه عمالق بين ثالثة من العمال ، النافذة الصغيرة وشاهدته واقفا هناك مددت رأسي منكانت يده ممدودة بقسوة وكانت كلماته مختصرة وفي صلب . السمر ، القساة , النحيفين . الموضوع

: فصاح زوربا، امسك بعنق فتى صغير كان يتقدم متمتما بصوت خفيض وبعد قليل

يجب أن ، فأنا ال أحب الدمدمة ، هل عندك شيء لتقوله ؟ هيا قله بسرعة وبصوت عال - . مستعدا للعمل و إال عد إلى الحانة تكون

ألنها لم تضع أي مسحوق، وخدين غائرين , بشعر مشعث، عندها ظهرت السيدة هورانتس . وتنتعل زوجا من األحذية الطويلة المهترئة , وكانت ترتدي ثوبا طويال قذرا. على وجهها

توقفت ونظرت نحو زوربا بكل ، كأنه نهيق حمار , وسعلت سعاال قاسيا كسعال مغنية سابقةتهز ، ومرت بقربه ، متى يلحظها ، جديد فسعلت من، ومضت عيناها ، فخر وكبرياء

إال انه لم يتحمل مشقة النظر ، كادت تلمسه أكمامها الوسخة، ارة مصطنعة وتحرك ردفيها بإث : من الزيتون وصاح بالعمال وأخذ قطعة من خبز الشعير وقبضة، إليها

. الصليب ارسموا عالمة، باسم اهللا . اآلن أيها الرجال -

فهذا ... منجم ال لن أصف هنا العمل في. وسار بعيدا يتقدم الرجال بخط طويل نحو الجبال كوخا من القصب قرب البحيرة بنينا، وأنا ينقصني الكثير منه ، يحتاج لصبر طويل

ويذهب ، ويتناول معوله , كان زوربا يستيقظ عند الفجر، والخيزران وبقايا صفائح البنزين .من الفحم ويرقص من الفرح ويكتشف عرقا، ويفتح نفقا جديدا ، إلى المنجم قبل كل العمال

نفسه على األرض ويرفع رجليه إال أنه بعد يومين أو ثالثة يتوه عن العرق فيصيح ويرمي

. ويلوح بهما نحو السماء كأنه يسخر أو يهزأ من السماء

ليستلمها هو بكل ومنذ اليوم األول تحولت كامل المسؤولية عبر يدي. كان يعمل بكل إخالص . علي تحمل العواقب وكان، يضعه قيد التنفيذ كان عمله هو أن يتخذ القرار وان ، شجاعة

ستكون أسعد أيام حياتي إال أن هذه التدابير ناسبتني أكثر ألنني شعرت بأن هذه الشهور

... وباعتبار كل هذا شعرت بأنني أشتري سعادتي بثمن زهيد

كل اعتاد أن يحمل، الذي كان يسكن في إحدى قرى جزيرة كريت ، والد أمي ، كان جدي المنزل ليقدم فيصطحبه إلى. عله يصادف أحد الغرباء ، ليلة فانوسه ليدور في شوارع الفرية

ويلتف نحو ، التركي ومن ثم يجلس فوق أريكته المعتادة ويشعل غليونه، له الطعام والشراب : قاسية ويقوا بلهجة واثقة، الذي حان الوقت لكي يرد له الضيافة ، ضيفه

... تكلم... هيا -

؟ عن ماذا أيها األب موستويورجي.... أتكلم -

، شيء ماذا تكون ؟؟ من تكون ؟؟ من أين أنت ؟؟ عن المدن والقرى التي زرتها ؟؟ كل - . هيا تكلم. حدثني عن كل شيء

بينما يكون جدي جالسا ، الحقائق واألساطير ليخلط بين، ويبدأ الضيف بالحديث دون هدف . لضيفه بكل جوارحة ومتابعا له في جميع أسفاره يصغي، غليونه بهدوء فوق أريكته يدخن

: فسوف يقول له، وإن أحب الضيف

. فقد بقي عندك أشياء كثيرة لتقصها علي، سوف لن ترحل ، سوف تبقى يوم غد أيضا -

بعض كان يقول إن) لماذا أذهب لهناك ( حتى إلي كانديا أو كانيا ، يترك جدي قريته أبدا لملماذا أذهب أنا إذن. وهكذا فكانديا وكانيا يأتون إلي . يمرون من هنا ، لي كانديا وكانيا أها

!!!إليهم ؟

أيضا قد وجدت ضيفي بعد أن بحثت عنه أنا. وعلى هذا الشاطئ الكريتي اتبع أنا عادة جدي يستحق إال أنه ، يكلفني أكثر من مجر عشاء بالطبع هو. وسوف لن أدعه يرحل . مع قنديلي

وحين يحين . و أجلسه أمامي ونلتهم طعامنا , كل مساء انتظر عودته من العمل، كل هذا هذا الضيف قد شاهد العالم . وأدخن غليوني وأصغي " تكلم" الوقت ليرد لي الضيافة أقول له

. آمل أبدا اإلصغاء إليه وأنا ال. بأسره وخبر الروح البشرية

تكلم..... تكلم يا زوربا -

حيث تمتد في الفسحة التي بين زوربا وبيني " ماسيدونيا " أمام ناظري وعندما يبدأ حديثه تبدوونساءها الذين يعملون بجد ورجالها ذوو األجسام . وغاباتها و سيولها وثوارها بجبالها،

وسكانه ، وأيضا جبل آتوس بأبرشياته الواحد والعشرون ومصانع األسلحة . الضخمة

وعندما ينهي زوربا حديثه عن الرهبان يهز رأسه ويغرق بالضحك قائال. العمل عنالعاطلين : . ليحفظك اهللا أيها الرئيس من مؤخرات البغال ومقدمات الرهبان -

كان . وأرى ... فأغمض عيني . بلغاريا والقسطنطينية ، زوربا عبر اليونان كل يوم يأخذني أشياء، الصغيرتين اللتين كان يفتحهما بدهشة وتعجب سهول البقان وعاينها بعينيه قد جال كل

وعندما . وفجأة تقفز أمام زوربا كأنهم مردة مخيفين. تمر أمامنا بكل بساطة ، اعتدنا عليها : يتوقف بذهول ويتساءل، يشاهد امرأة تمر أمامنا

أنا أسألك ما .. ني ؟ هيا أخبر.لماذا تدير رؤوسنا .... ما سر المرأة ! يا لهذا اللغز المحير - ؟؟؟ معنى هذا

أوجها أو قدحا شجرة في، كلما لمح رجال ، وبمثل هذا الذهول ، انه يستجوبني بهذه الطريقة . ألول مرة إن زوربا يرى يوميا كل هذه األشياء وكأنه يراها. من الماء البارد

: بسرعة قائال ويوالتفت نح، عندما عب كأسا من الخمر ، باألمس كنا جالسين قرب الكوخ

وفي . قديمة تنبت أغصان أغصان. ، أيها الرئيس اخبرني ، مهما يكن هذا السائل األحمر -، وتنضج تحت أشعة الشمس ويمر الوقت. بادئ األمر بعض الحصرم الحامض يتدلى فيها

ونقطر عصيرها ونضعهم في وندوسهم بأرجلنا. عندها ندعوه عنبا . ويصبح بحالوة العسل القديس يوحنا السكير ونجدهم قد ونفتحها في عيد. فيختمورن من تلقاءهم . راميل خشبية ب

وتشعر بأن ، األحمر وينتفخ دماغك وعندما تشرب هذا السائل. إنها معجزة . أصبحوا نبيذا اخبرني أيها الرئيس ، وتتحدى اهللا للقتال , تكبر على الهيكل العظمي القديم، روحك تكبر

. كل هذاكيف يتم

كل األيام القاسية قد عادت : أصغي لزوربا بأن العالم يتكشف من جديد لم اجب شعرت وأنا، النسوة ، الماء . كانت في بداية التاريخ عندما خرجنا من بين يدي اهللا لها حيويتها كما

. كلها عادت المحير والدوامة اإللهية عادت لتدور في الجو من جديد، والخبز النجوم

فأراه يخرج بقوة من بطن . أتمدد على الشاطىء بانتظار زوربا ، كنت كل مساء , هذالكنت أستطيع أن أشاهد ، بجسده المليء بالوحل واألقذار وخطواته الواسعة من بعيد األرض من انتصاب رأسه عاليا أو انخفاضه ومن، من طريقة سيره ، كانت نتيجة العمل اليوم كيف

. جحتانحركات يديه المتأر

، في محاولة لتغيير مجرى حياتي كنت أجهد نفسي، أول األمر كنت أرافقه ألراقب العمال ألختبر ، اإلنسانية التي وقعت بين يدي ألعرف وأحب المادية، ألشغل نفسي في حياة عمليه

كلمات اقرأها أو أكتبها بل مع رجال على قيد واشعر بالمتعة التي انتظرتها طويال ال مجرد . الحياة

سوف انظم . فيما لو نجح مشروع التنقيب عن الفحم ، الرومانتيكية ورسمت بعض الخططوحيث سنأكل جميعنا نفس الطعام . االجتماعية حيث نشترك في كل شيء نوعا من المنظمات

. نواة لحياة جديدة، وخلقت في رأسي أمرا دينيا جديدا ، اللباس كأننا أخوة ونرتدي نفس،

لقد كان ينزعج من ذهابي ومجيئي ، لم أكن قد قررت بعد أن أفاتح زوربا بمشروعي ولكني : عندها يقلب زوربا شفتيه قائال. ودائما لصالح العمال ، اسأل وأتدخل . صفوف العمال بين

؟ أال ترى الشمس والبحر هناك. أيها الرئيس ألن تذهب في نزهة بعيدا من هنا -

قصة حياة أردت أن اعلم، كنت أسأل وأثرثر ، على البقاء وأبقى في بادىء األمر كنت أصرلهم من كم من األوالد لديهم يجب أن يعيلوهم وأخوات ليزوجوهم وأقرباء ليس. كل رجل

. واألمراض وكل ما يقلقهم، بماذا يهمتون . معين

، لرقيق سوف تندفع نحوهم بقلبك ا، أيها الرئيس . حياتهم ال تغوص هكذا في تاريخ -ومهما سوف يفعلون ستخلق لهم األعذار ، لمصلحتك ومصلحتهم وسوف تحبهم أكثر مما يجب

وعندها ، ويقومون به بأي طريقة يريدونها ، فسوف يهملون عملهم , عندها فلتساعدنا اآللهة. عندما يكون الرئيس قاسيا عندها سيحترمونه، يجب أن تدرك هذا جيدا . فليساعدنا اهللا أيضاهل ، وعندما يكون ناعما يتركون كل شيء عليه ويمضون وقتا طيبا ، بجد العمال ويعملون

؟ تفهم هذا

أن نفذ رمى بمعوله في الظل وصاح قائال بعد، بعد انتهائه من العمل ، في إحدى األمسيات : صبره

واآلن ... تهدم كل شيء بالسرعة نفسها التي ابني فيها أنت، توقف عن التدخل ، انظر هنا -؟ هل أنت واعظ أو ما هذا الذي كنت تتحدث عنه اليوم مع الرجال ؟ اشتراكية وهراء

... رأسمالي ؟ يجب أن تقرر

ألجد . أحاول جهدي أن اجمع بين هذين الشيئين ولكن كيف أستطيع أن اختار ؟ لقد كنتفي األرض في الحصول على كل من الحياة طريقة تجمع بين هذين التناقضين و ألنجح

. سنوات حتى منذ األيام األولى لطفولتي كان هذا يتعامل داخلي منذ، وملكوت السماوات نظمت مع اقرب أصدقائي جمعية سرية حيث كنت قد. عندما كنت ال أزال في المدرسة

وداخل غرفة نومي المغلقة . أطلقناه عليها هذا كان االسم الذي" المجتمع الودي " تدعى دموع غزيرة انهمرت فوق وجوهنا . الظلم مين لنكرس حياتنا من اجل محاربةأقسمنا الي

عندما اقسمنا اليمين و أيدينا فوق قلوبنا

ما ولكن عندما شاهدت، ولكن يا لتعاسة من يسخر منها عندما يسمعها ! مبادىء صبيانية اب محالتوأصح، ومحامون غشاشون ، من أطباء مدعون ، صار إليه أعضاء هذه المنظمة

إن مناخ هذه األرض قد أصبح جلف ، غاص قلبي . سياسيون دجالون وصحفيون خونة ,

أستطيع أن أرى . واثمن البذور ال تنمو وتختفي تحت األرض وبين الشوك والقراص , وقاس اشعر، ولكن ليتمجد اسم الرب ، لم أصبح معقوال بعد ، بالنسبة لنفسي ، وضوح اليوم بكل

. ل مستعدا ألقوم ببعض المغامرات الدون كيشوتيةبأنني ال أزا

ونحلق ، نحضر أنفسنا بكل عناية وكأننا شابين يحضران نفسيهما للزواج كنا أيام اآلحادكانت كل يوم أحد تذبح ، ونتوجه بعد الظهر لرؤية السيدة هورانتس ، بيضاء ونرتدي قمصانا

وتمتد يد زوربا إلى صدر السيدة، ل ونشرب وكنا أكثر األحيان نجلس ثالثتنا لنأك , لنا طيرا

ومليئة كانت الحياة تبدو بسيطة. وعندما يحل الليل نعود إلى شاطئنا . المضياف ليمتلكه . بالنوايا الحسنة تماما كالسيدة هورانتس

أصغى . قررت أن اخبر زوربا بمشاريعي ، وليمتنا الممتعة وذات أحد وبينما كنا عائدين منإال انه من وقت ألخر كان يهز رأسه . عليها ليكون صبورا كفاية وضاغطا، نفسه إلي مجبرا

وطردت الخمرة من ... كلماتي األولى جعلته يصحو من سكره ... الضخم بغضب ظاهر : بعصبية شعرة أو شعرتين من شاربه وقال وعندما انتهيت نزع. رأسه

كم تبلغ من . قد أن عقلك قد اكتمل بعد لكن ال أعت و، اعذرني لما سأقوله أيها الرئيس - العمر ؟

. خمسة وثالثون سنة -

. إذا فهو لن يكتمل أبدا -

: وصحت به. وشعرت بأني لسعت ، وانفجر مقهقها

أال تؤمن باإلنسان ؟ -

فلو كنت أؤمن باإلنسان ، بأي شيء فأنا ال أؤمن! واآلن ال تندفع غاضبا أيها الرئيس -كل المشكلة حيث تختلط األشياء وتسبب وهذه هي، و لكنت أمنت بالشيطان أيضا ألمنت باهللا

. لي كثيرا من التعقيد

وانتزع قبعته وحك رأسه بقوة وشد شاربه كأنه يريد أن ينتزعه من , وخيم عليه الصمت ومن ثم نظر، إال أنه منع نفسه ونظر إلي من زاوية عينه ، يقول شيئا كان يريد أن. مكانه

: وصاح ضاربا األرض بعصاه بقسوة. أن يتكلم إلي ثانية وقرر

إذ يبدو بان كل . إال أن سعادتك ال تدرك هذا أبدا . كبيرة بهيمة. اإلنسان ليس إال بهيمة -اسألني أنا فأجيبك بأنه بهيمة فإن كنت قاسيا معه سوف يخافك . شيء كان سهال بالنسبة لك

ال تجعل ، احفظ المسافة بينك وبينهم . فسوف ينتزع عيونك لطيفا معه وان كنت. ويحترمك و ، وان لنا نفس الحقوق . ال تمشي بينهم وتقول لهم بأننا كلنا متساوون . هكذا الرجال أقوياء

، سوف يسرقون خبزك ويتركونك تموت من الجوع . سوف يدوسون على حقوقك أنت إال . أتمناه لكأيها الرئيس من أجل الخير الذي احفظ مركزك

ولكن أال تؤمن بشيء ؟ -

فأنا ال أؤمن بأي شيء أو بأي . كم مرة يجب أن أكرر هذا . أؤمن بشيء بالمرة كال ال -ولكن . كال فهو بهيمة كغيره ، ليس ألن زوربا أحسن من غيره ، بزوربا وحده بل. شخص أما الباقون فكلهم أشباح. والوحيد الذي أعرفه ، هو الوحيد الذي يقع تحت سلطتي ألن زوربا

أشباح كل الباقون. واهضم بهذه المعدة ، واسمع بهاتين األذنين ، فانا أرى بهاتين العينين ,في كل العالم الزوربي سوف يغوص. فسوف يموت كل شيء معي ، عندما أموت ، أقول لك . األعماق

: فقلت ساخرا

. ! يا لها من أنانية -

أنا زوربا فأتحدث عن ، آكل فاصولياء فأتحدث عن الفاصولياء . ال أستطيع معها شيء - . زوربا

الحتقاره الرجال إلى هذا ، لقد أدهشتني قوته . كلمات زوربا لسعتني كالسوط . لم اقل شيئا أو، أما أنا فيجب إما أن أصبح ناسكا ، وبنفس الوقت رغبته في العيش والعمل معهم , الحد

. يش مزيف حتى أستطيع أن أتحملهمأزخرف رؤوس الرجال بر

. ضوء النجوم استطعت أن أرى ضحكة زوربا حتى أذنيه وتحت، التفت زوربا نحوي

؟ هل أزعجتك أيها الرئيس -

بأن شعرت، لم اجب ، نظر إلي زوربا بعطف وقلق . قال فجأة عندما وصلنا إلى الكوخ وليسير في , نطالق والهروب من البهيمةيريد اال، عقلي يوافق زوربا إال أن قلبي راح يقاوم

: قلت. طريقه الخاص

. اذهب أنت لتنام، ال اشعر بالنعاس هذه الليلة -

. والبحر كان يجعل األصداف تتألأل، كانت النجوم تلمع في السماء

حيث كان قطر الندى يقطر من ، األصداف وأضاءت تحت منارتها الصدفية ولمعت إحدى . نشعر الليل الداك

كنت وحيدا بين الليل، دون أن أفكر بأي شيء ، مأخوذ بالسكون ، تمددت على وجهي

كان عقلي كأنه صدفة أضاءت منارتها واستقرت على ارض الشاطىء الداكنة ، والبحر . تنتظر وراحت

دون أن اعلم , كنت قد قررت، وعندما نهضت ، والساعات تمر ، كانت النجوم تسافر وتدور : المزدوجة التي يجب أن اتبعها على هذا الشاطىءالخطة ،

واخلص نفسي من الكلمات الميتافيزيقية وأحرر نفسي من القلق الغير . بوذا أن اهرب من . مجد

. أقوم باتصاالت مباشرة مع الرجال وابتدأ من هذه اللحظة أن

.يفت األوان بعد ربما لم" وقلت لنفسي __________________

امسالفصل الخ

:قال الصبي اناجنوستي يحييكما ويدعوكما لتناول الغداء في بيته، وستعد لكما زوجته السيدة ان العم -

وتتمنيا ويمكنكما أن تهنئاه) ميناس(ثم ان اليوم هو عيد ميالد حفيدهما . ماروليا طعاما خاصا .له السعادة وطول العمر

المدفأة . وترى نظامه التقليدي يتيان من بواعث السرور حقا أن تدخل بيت فالح كرومائدة الطعام واناء الماء الموضوع في والمصباح الزيتي واالواني الخزفية والمقاعد القليلة

المتدلية من أعمدة السقف، ثم المصطبة القائمة في كوة الجدار، وحزم الثوم والرمان والتوابل .دسة، وصورة للسيدة العذراءفوقه االيقونات المق أقصى الغرفة وعليها الفراش ومن

ولكنه يحتوي على كل ما يحتاجه االنسان وما أقل األشياء والبيت بهذا األثاث يبدو عاريا، !فعال التي يحتاجها االنسان

أمام فجلسنا في حديقة صغيرة.. وكان اليوم رائعا، ويزيد من روعته رقة شمس الخريف. هادئا ساكنا ن البحر يتألق أمامنا من بعيد ويبدووكا.. البيت، تحت شجرة زيتون مثقلة بالثمار

وتبتهج تارة بينما السحب تمر فوق قرص الشمس بين وقت وآخر، فتكتئب األرض تارة .أخرى

وكان رب . والكروم واالمطار وتناول حديثنا الموضوعات الخالدة المألوفة، محصول القمح ..الصياح الدار ثقيل السمع فاضطررنا أن نرفع أصواتنا إلى حد

واد أمين، فقد كانت حياة العم أناجنوستي قد سارت في طريق هادئ مستقيم، كحياة شجرة فيأن بعض صحيح.. ولد وترعرع وتزوج ورزق بأوالد وامتد به العمر حتى رأى أحفاده

.األسرة ولكن البعض اآلخر كان على قيد الحياة مما يضمن استمرار.. األحفاد قد ماتوا

التي حدثت في تلك تي الشيخ عن األيام الخالية وعن الحكم التركي، والمعجزاتوتحدث الكري :قال.. األيام ألن النساء كن مؤمنات يخشين اهللا

ستدهشون . مولدي نفسه معجزة، وستدهشون متى ذكرت لكم كيف ولدت، نعم لقد كان -وقدون الشموع الصليب على صدوركم وستذهبون إلى دير العذراء مريم وت وسترسمون عالمة

.لها

:عالمة الصليب على صدره، ومضى يسرد قصته في صوت هادئ قال ورسم

تعيش في قريتنا امرأة تركية ثرية، وقد حملت هذه المرأة وحان موعد في تلك األيام، كانت -إلى فراشها حيث قضت ثالثة أيام بلياليها وهي تئن وتصرخ وال تستطيع أن الوضع، فنقلوهاوحينئذ نصحتها احدى صديقاتها بأن تستنجد بالسيدة العذراء، فصاحت المرأة .تضع طفلها .لماذا؟ انني أوثر الموت على االستنجاد بها :التركية

فما العمل؟.. آخر، والمرأة ال تكف عن الصياح واستمرت االالم وزادت حدتها، ومر يوم

:االالم فصاحت بكل قوتها ولم تستطع المرأة احتمال المزيد من

..يا مريم العذراء!! يا مريم العذراء -

:لم ينقطع، والطفل لم يولد، فقالت الصديقة ولكن االلم

..التركية ربما كانت العذراء ال تفهم اللغة -

:فصاحت المرأة

!يا عذراء الروم! يا عذراء الروم -

:فقالت الصديقة وزادت آالمها،

.تكلعلك تناديها بغير اسمها، ولهذا لم تخف لنجد -

:المرأة فصاحت

!أيتها العذراء المقدسة -

..وجاء المولود على الفور

وراحت بدورها . يوم أحد، وفي يوم األحد التالي، أحست أمي بآالم الوضع حدث ذلك فيوكان أبي يجلس على األرض في فناء الدار وال . بالعذراء المقدسة ولكن دون جدوى تستنجد ..اخ أمي وآالمهاأن يأكل أو يشرب بسبب صر يستطيع

العذراء إلى نجدة أمي، وفي اليوم الرابع، ضاق أبي وانقضت ثالثة أيام دون أن تخف السيدةالسيدة العذراء وهو يتميز غضبا، وهناك أغلق الباب وراءه ذرعا فحمل فأسه ومضى إلى دير

زوجتي جيدا اصغي إلي أيتها العذراء، أنت تعرفين : المقدسة وصاح ووقف أمام تمثال العذراءإنها تتألم وتستنجد بك منذ ثالثة أيام أفلم تسمعيها؟ ال بد .. الزينة والشموع فلطالما حملت إليك

أصبت بالصمم، اذا استنجدت بك احدى الساقطات التركيات فانك تسرعين إلى نجدتها، أما أنك

عليك اللقيتلوال أنك السيدة العذراء!! زوجتي المسيحية فانك تصمين اذنيك وال تسمعينها ..درساً بهذه الفأس

..وأوالها ظهره، وهم باالنصراف

كما لو كان .. الباب، سمع فرقعة خفيفة صادرة من ناحية الشمال ولكنه قبل أن يصل إلى

والشائع عندنا ان التمثال يحدث مثل هذا الصوت عندما توشك .. التمثال يوشك ان يشطرلقد أخطأت أيتها العذراء : ركع على ركبتيه وهتفأبي على عقبيه، و فدار.. معجزة أن تقع

..ما كان ينبغي أن أقولها فمعذرة المقدسة وقلت أشياء

..السعيد وما أن وصل إلى القرية حتى سمع النبأ

..أطال اهللا عمرك يا قسطندي، لقد وضعت زوجتك ولدا: قال له قائال

.بي وصف العذراء بأنها صماءكنت انا ذلك الولد، ولكني ولدت وفي أذني صمم، الن أ وقد

.ولعلها قالت له، صبرا، سأصيب ولدك بالصمم حتى ال تعود إلى مثل هذا الكفر

:العم أناجنوستي عالمة الصليب على صدره مرة أخرى واستطرد قائال ورسم

كل حال، فقد كان يمكن أن تجعلني السيدة العذراء ضريرا أو معتوها، أو شكرا هللا على - .. فتجعلني فتاة– حفظنا اهللا –يمكن أن تفعل بي ما هو أسوأ من ذلك نأدبا، بل كا

:أرفع قدح النبيذ فقلت وأنا

حتى تبلغ المائة وترى أحفاد اسأل اهللا أن يمد في عمرك.. نخب صحتك أيها العم أناجنوستي - .أحفادك

:فاحتسى الشيخ قدحه ومسح شاربه وقال

ان ساعتي تقترب ،.. لقد رأيت أحفادي، وهذا يكفي. .انك تطلب لي الكثير.. كال يا ولدي -

اذن وما عاد باستطاعتي أن ألد مزيدا من األبناء، رغم شدة رغبتي في ذلك، فما قيمة الحياة بالنسبة الي؟

:واستطرد قاال ومال االقداح مرة أخرى، واخرج من حزامه تينا مجففا اقتسمه معنا

.وال أتذمر نحن اآلن فقراء ولكن ال أشكولقد نزلت الوالدي عن كل ما أملك، و -

عليها طعام من خصى وفي هذه اللحظة أبلت زوجته ماروليا وبيدها اناء مليء بالنبيذ وصفحة .اليدين منكسة الرأس فوضعت الشراب والطعام على المائدة وظلت واقفة معقودة.. الخنازير

تصرخ في الحظيرة تزالوأنفت نفسي هذا الطعام فقد كانت الخنازير التي خصيت ال .المجاورة ولكني لم أجرؤ على الرفض

:وابتسم في خبث وقال ونظر إلي زوربا من ركن عينيه

.هذا أشهى طبق يمكن أن تحلم به -

:وقال وضحك أناجنوستي العجوز

الرهبان مأدبة عندما زار األمير جورج الدير، أقام.. تذوقه وسوف ترى.. تلك هي الحقيقة -صفحة مليئة بالحساء، ه وقدموا اللحوم لجميع المدعوين، أما األمير فقد وضعوا أمامهتكريما ل

ما هذا الذي أراه في : دهشة وتناول األمير ملعقة وراح يجرك الحساء، وما لبث أن سأل في ..الحساء؟ فاصوليا

:فأجابه رئيس الرهبان

.وسنتحدث عنها فيما بعد. يا صاحب السمو تذوقها -

:أتى على الحساء ثم لعق شفتيه وقال مير ملعقة ثانية وثالثة حتىفتناول األ

!يا لها من فاصوليا شهية -

:الرهبان ضاحكا قال رئيس

..المنطقة لقد خصينا كل ديوك.. انها ليست فاصوليا يا صاحب السمو -

:وقهقه الشيخ ضاحكا، وتناول قطعة مما في الصفحة وقال

..ح فمكافت.. خليق باالمراء هذا طبق -

.وشربنا نخب حفيده الذي يحتفل بعيد ميالده فدس فيه القطعة ، ثم مأل األقداح ،.. ففتحت فمي

:سألته

حفيدك أيها العم أناجنوستي؟ أنبئنا لكي نبتهل إلى اهللا أن يحقق ماذا تريد أن يكون عليه - .تمنياتك له

المستقيم ويصبح رجال طيباوماذا أتمنى له يا ولدي؟ كل ما أرجوه له ان يسلك الطريق -

عجائز وأن يكون له ولد يشبهني حتى يقول.. وان يتزوج ويرزق اوالدا وأحفادا.. ورب عائلة !لقد كان رجال طيبا.. رحمه اهللا.. ما أشبهه بأناجنوستي العجوز: القرية

:صاح بامرأته دون أن ينظر إليها ثم

..علينا بمزيد من النبيذ يا ماروليا -

تم عبارته، فتح باب الحظيرة بعنف واندفع أحد الخنازير إلى الحديقة وهو يصرخأن ي وقبل

..بصوت منكر

:فنظر زوربا إلى الخنزير مشفقا وقال

..يتألم ان المسكين -

:فضحك الشيخ الكريتي وقال

أما كنت تتألم؟.. فعلوه به هب انهم فعلوا بك ما.. انه يتألم طبعا -

: وغمغم في هلعفتحرك زوربا في مقعده بقلق

..لسانك أيها العجوز األصم قطع -

:الشيخ ووثب الخنزير أمامنا، ونظر إلينا في غضب فقال

.فهو يعلم أنا نأكل قطعة منه. ال عجب -

:قال.. وكان زوربا مرحا راغبا في الكالم وغادرنا بيت الشيخ حول الغسق،

اذهب . ن تفتح عيون الناس، حسناتقول أنك تريد أ كنت.. فيم كنا نتحدث باالمس يا سيدي -لعلك رأيت كيف وقفت زوجته بين يديه في انتظار .إلى العم اناجنوستي وافتح له عيينه

اذهب اليه وقل له ان للمرأة من .. تلقى بها اليه اوامره، كما يقف الكلب في انتظار لقمة الخنزير يصرخ أمامه أن يأكل قطعة من الخنزير بينما الحقوق مثل ما للرجل، وان من القسوة

ماذا يمكن أن يفيد هو أو زوجته من مثل هذا االسفاف؟ لن قل له ذلك ثم انبئني! من األلمكال .. االسرة، واثارة المتاعب، واغراء الدجاجة بأن تصبح ديكا تكون النتيجة اال تعكير صفاء

فتحوا عيونهم فماذا وهب أنهم.. الناس وشأنهم، وال تحاول أن تفتح عيونهم يا سيد، دع هؤالء ودعهم يحلمون.. دع عيونهم مغمضة يا سيدي.. وال شيء غير البؤس.. البؤس سيرون؟

..ويأملون

.وحك رأسه. وصمت لحظة

.كان يفكر

:قال

..اللهم اال -

.تلكم.. ماذا؟ اال -

فهل .الظالم الذي يعيشون فيه اللهم اال اذا جعلتهم يفتحون عيونهم على عالم أفضل من هذا - تستطيع ذلك؟

عيونهم فسوف تدمر أشياء كثيرة، ولكني لم أكن كنت اعرف انهم اذا فتحوا.. ال أعلم - .أحد يستطيع أن يعرف ذلك على وجه اليقين أعرف ماذا يمكن بناؤه فوق االنقاض، ال

لم أما عالم المستقبل انه. ونحن نعيش فيه ونناضل معه ان العالم القديم قائم وواضح المعالم،انه سحابة تتقاذفها .. منظور كالضوء الذي تنسج منه األحالم يولد بعد، انه عالم شفاف غير

ان أعظم االنبياء ال يستطيع أن يهب الناس .. والبغض والخياالت من الحب.. أرياح عنيفة .وكلما كان النظام غامضا زادت أهمية النبي وعظم شأنه أكثر من نظام للحياة،

:أجبته قائال. ابتسامة ساخرة ضايقتني وعلى شفتيهونظر زوربا إلي

.أفضل في استطاعتي أن أدلهم على عالم -

هل تستطيع ذلك حقا؟ وما هو هذا العالم؟ -

.تفهمني انك لن.. ال يمكنني أن أوضح -

واذا كان .. سيد انني لست من البالهة كما تتوهم يا.. معنى ذلك انك ال تعرف عالما أفضل -التعليم أكثر مما تلقى ربما ال أكون قد تلقيت من.. ل لك انني رجل ساذج فقد أخطأهناك من قا

، وهذا مبلغ ذكائي، فماذا فاذا كنت ال أفهمك.. ولكني لست جاهال مثله.. العم اناجنوستيالمزيد من الظالم لتظهرهم عليه؟ تنتظر ممن هم على شاكلته في العالم أجمع؟ أليس لديك اال

وابتالهم اهللا بالعمى والصمم فقالوا .. وأحفاد ولديهم أوالد.. تى اآلن كيف يعيشونلقد عرفوا ح ..واطمأنوا إليه، فدعهم وشأنهم، وال تقل لهم شيئا لقد ألفوا الفقر. . الحمد هللا:

فصمت

..بحديقة االرملة، فتوقف زوربا قليال وتنهد ولكنه لم يقل شيئا ومررنا في هذه اللحظة

..السماء قد أمطرت، فقد كانت رائحة األرض تمأل الهواء ونوال بد أن تك

..وفكرت

فتفتح عقله ، وكبر .. ولكنه مر بكل أنواع التجارب.. لم يذهب إلى المدرسة ان هذا الرجلوجميع المشكالت التي تبدو لنا معقدة . أن يفقد ذرة واحدة من جرأته البدائية قلبه، دونومن العسير أن يخطئ مثل هذا .. كأنما بضربة سيفعلى الحل، يجسمها هو مستعصية

قدميه ثابتتان في األرض تحت ثقل جسمه، ان بعض القبائل المتخلفة في الرجل هدفه، ألنانه .. الثعبان ألنه يلمس االرض بكل جسمه، فهو اذن عليم بكل اسرار األرض افريقيا تعبدل دائم ووثيق بأمنا األرض، وكل هذا ألنه على اتصا. االسرار ببطنه وذيله ورأسه يعرف هذه أما نحن معشر المتعلمين، فاننا مجرد طيور غبية تعيش في.. بالنسبة إلى زوربا صحيح

.الهواء__________________

الفصل السادس

عندما اشعل زوربا النار في الموقد قبل أن ينطلق إلى كان المطر يتساقط في هدوء وسكونقابعا أمام النار، فلم أتناول طعاما ولم أبرح مكاني وانصرفت ار كلهوقد قضيت النه. المنجم

.إلى أول أمطار الموسم بكل حواسي إلى االصغاء

تسمعان أبسط حركة لألرض وهي كان عقلي في خمول وراحة، ولكن أذني المرهقتين كانتارض والسماء لقد كنت أشعر باأل بل.. تتفتح ولألمطار وهي تسقط وللبذور وهي تنمو وتتضخم

واسمع البحر يزأر .. والمرأة وينجبان أطفاال تتالقحان كما في دبي الخليقة وكما يتالقح الرجل .ليطفئ ظمأه على الشاطئ زئير الوحوش ويخرج لسانه

..كنت سعيدا وأعرف ذلك

يمارسها، فاذا ما انتهت سعادته ورجع ببصره إليها، أحس ان االنسان قلما يحس بالسعادة وهو .بروعة السعادة التي كان ينعم بها.. األحيان ة، وبشيء من الدهشة في بعضفجأ

الجو وشعرت بالجوع وسعدت بهذا الشعور، وأخذت وتوقفت االمطار قبيل المساء وصفا .الطعام كما اعتاد أن يفعل كل يوم ارتقب عودة زوربا لكي يشعل النار ويطهو

:نارال وكثيرا ما قال زوربا وهو يضع الوعاء على

..وال عن الطعام هذا شيء آخر الغناء للرجل عنه، ال غناء للرجل عن المرأة لعنها اهللا، -

وكان زوربا يوقد . شعرت بها كان تناول الطعام على هذا الشاطئ المقفر متعة لم يسبق لي أنأكلنا وشربنا وتجاذبنا أطراف النار بين حجرين كل مساء ويطهو الطعام، فاذا فرغ من طهوهاللحم والخبز والنبيذ هي الحديث، وقد أدركت أخيرا أن تناول الطعام عمل روحي وان

.الخامات التي تصنع العقل

الشاق، وقبل أن يتناول طعامه، وشرابه، يبدو متبلدا زاهدا وكان زوربا حين يعود من عملهاه، وتتجلى يمأل معدته، حتى تدب الحياة في جسده، حتى تتألق عين في الكالم، ولكن ما أن .قد نبتت لقدميه أجنحة ذاكرته، ويرقص كأنما

:كان يقول

لك من أنت، ان بعض الناس يحولون الطعام إلى قل لي ماذا تصنع بالطعام الذي تأكله؟ أقل -ومعنى ذلك .. ومرح، وطائفة أخرى تحوله إلى عبادة دهن وسماد، وبعضهم يحولونه إلى عمل

أسوأ األنواع، ولست كذلك من أفضلها، ان ما آكله ست منأن الرجال ثالثة أنواع، وأنا ل .بين النوعين االخرين يتحول إلى عمل ومرح، فأنا اذن وسط

:ثم ينظر إلي في خبث ويضحك ويستطرد قائال

فانني أعتقد انك تبذل قصارى جهدك لتحويل ما تأكله إلى عبادة، ولكنك ال تستطيع أما أنت، - .ان ما يحدث لك قد حدث للغراب قبلكوذلك ما يعذبك ويؤرقك، ،

زوربا؟ وماذا حدث للغراب يا -

يوم أن كان يمشي مشية محترمة سليمة كما يمشي سائر الغربان، وكلن خطر له ذات -عليه يجرب مشية الحمامة ومنذ ذلك اليوم استحال عليه أن يذكر مشيته األولى، واختلط

..فأصبح يقفز كما ترى.. األمر

من المنجم، ولم ألبث أن رأيته مقبال، ، فقد سمعت وقع خطى زوربا وهو قادمورفعت رأسي .جانبيه وهو مغبر الوجه، وساعداه يتأرجحان إلى

:قال بصوت ال حياة فيه

.طاب مساؤك يا سيدي -

اليوم يا زوربا؟ كيف كان العمل -

:وقال. فلم يجب

.سأوقد النار وأعد الطعام -

ركن الكوخ وخرج بها، ورتبها بين الحجرين بطريقة خاصة قطع الخشب من وتناول بعضوضع االناء في الموقد، ووضع فيه ماء وبصال وبعض الطماطم واالرز، أما وأشعل فيها، ثم .وقطعت بضع شرائح من الخبز، ومألت قدحين بالنبيذ. الغطاء فوق المائدة أنا فقد بسطت

.وال يقول شيئاأمام االناء وراح يحملق في النار وجثا زوربا

:سألته فجأة

..يا زوربا هل لك أوالد -

.لماذا تسأل؟ لي ابنة -

متزوجة؟ -

.فضحك

زوربا؟ لماذا تضحك يا -

للنحاس بالقرب من كنت أعمل في منجم.. انها ليست بلهاء. طبعا متزوجة!! يا له من سؤال -أقول لك أن لي أخا ت أننسي.. آه).. يني(حين جائتني ذات يوم رسالة من أخي ) برتفيشتا(

) سالونيك(انه يقال في .. المنافقين عاقال يقرض الناس بالربا ويتردد على الكنيسة كغيره منان ابنتك .. أخي العزيز اليكسيس: (يقول كتب في رسالته.. ويعد من أعمدة المجتمع هناك

لنفسها عشيقا فقد اتخذت .. االسرة باالوحال ولطخت اسم.. قد ضلت سواء السبيل) فروسو( .(إلى القرية ألقطع رقبتها ورزقت منه بطفل، لقد ضاعت سمعتنا، سأذهب

وماذا فعلت يا زوربا؟ -

:فهز كتفيه وأجاب

.ومزقت الرسالة" هكذا النساء" : قلت -

:الملح، واستطرد قائال وحرك األرز في القدر، وأضاف إليه قليال من

أو ثالثة، تسلمت رسالة بعد شهرين.. القصةولكن صبرا حتى تسمع الجانب المضحك من -أخي العزيز، لقد نجا شرف أتمنى لك الصحة والسعادة يا"أخرى من أخي األبله، قال فيها،

."من عشيقها) فروسو) وفي استطاعتك االن أن ترفع رأسك عاليا، فقد تزوجت. االسرة

... تتألقانعينيه ونظر زوربا إلي من فوق كتفه، ورأيت على ضوء سيجارته ان

:ثم هز كتفيه وقال باحتقار شديد

!!هكذا الرجال -

:استطرد قائال بعد صمت قصير ثم

وماذا تنتظر من الرجال غير أن . سبيل ماذا تنتظر من النساء غير أن يحملن من أول عابر - !!يقعوا في الفخ

. التفكيروبدأنا نتناول عشاءنا، والحظت أن زوربا مستغرق في .ورفع القدر عن النار

يهمه ويشغله، فقد نظر إلي، وفتح فمه ليقول شيئا، ثم عاد إلى كان واضحا ان هناك ما ..صمته

ضوء المصباح الزيتي، نظرة القلق التي ترتسم في عيينه، ولم أطق أن أراه على ورأيت على :الحال فقلت هذه

.عنك أن الكالم سيرفه.. فتكلم .. انت تريد أن تقول لي شيئا يا زوربا -

.ولكنه لزم الصمت، وتناول حصاة صغيرة وقذف بها من النافذة بقوة

.الحصى يا زوربا وتكلم دع -

.فمط رقبته المغضنة، وسألني وهو ينظر في عيني في قلق

هل تثق بي؟ -

أنك كاالسد، او حتى لو أردت.. واعتقد أنك مهما فعلت فلن تخطئ.. نعم، انني أثق بك -وانت .. لطبيعته وكالهما ال يتنكر.. يتصرف تصرف الخروف أو الحماركالذئب، فكالهما ال

:برأسه وقال ولن تكون اال زوربا، فأطرق.. زوربا من قمة رأسك إلى أخمص قدميك

.ولكني لم أعد أدري في أي طريق نحن نسير -

.بحسبك أن تمضي قدما.. تنزعج أنا أدري، فال -

:فصاح

.قل ذلك مرة أخرى لتشجعني -

.قدما امض -

:فلمعت عينا زوربا وقال

..اآلن أستطيع أن أنبئك -

..تراودني في األيام األخيرة فكرة مجنونة لقد كانت -

. اذن فأنفذها -

.إلي بمزيج من الفرح والحزن فاشرأب بعنقه، ونظر

:قال

قدومنا هو البحث عن الفحم؟ ألم يكن الغرض من.. حدثني بصراحة يا سيدي -

لقد أردت .. الفضوليين من أهل القرية مجرد ذريعة يا زوربا لكي نسكت ألسنةكان الفحم - هل فهمت؟.. بالطماطم أن ينظر إلينا كرجال أعمال فال يقذفوننا

بالسعادة المفاجئة، فهم علي، وأمسك فذهل، وحاول جاهدا أن يفهم، ثم ألجمته الدهشة والشعور :بكتفي وصاح

هل ترقص؟ هل تجيد الرقص؟ -

.الك -

كال؟ -

...وأحس بخيبة األمل، وتدلى ساعداه على جنبيه

:لحظة قال بعد

.أرجو أن تبتعد قليال حتى ال اصطدم بك.. حسنا اذن ، سارقص وحدي -

إلى خارج الكوخ، وخلع حذاءه ورداءه وصداره، وطوى سرواله حتى ركبتيه، وشرع ووثب

.يرقص

...يتألق ن بياض عيينه كانكان وجهه ال يزال مغبرا من تراب الفحم ، ولك

أخرى رافعا راح يرقص، ويصفق بيديه، ويثبت في الهواء، ويسقط على ركبتيه، ثم يثب مرة ..ساقيه في الفضاء، كما لو كان جسده من المطاط

الهواء وثبات هائلة، كما لو كان يريد التغلب على نواميس الطبيعة وفجأة، راح يثب في ..ويطير

ده المتهالك روحا قوية تحاول أن تجعل منه شهبا في الفضاء وأن الجسدإلي أن في جس وخيل

.يهتز بعنف ويهوي على األرض النه ال يستطيع البقاء طويال في الفضاء

وكف عن الصياح وأطبق اسنانه وهو يحاول القيام . وجهه صرامة مزعجة وارتسمت في :به بالمستحيل فصحت

.كفى. كفى يا زوربا -

ولكن كيف تصل .. العنيف الذي يبذله ار جسده، ويتبدد في الهواء بفعل الجهدوخشيت أن ينه كالطير؟؟ إليه صيحاتي وهو يحملق في الهواء

.وراقبته في قلق وهو يرقص هذه الرقصة الهمجية

انتهى بي .. العنان لخيالي وأسرد على أصدقائي حكايات غير معقولة كنت وأنا صبي أطلق :فلقد سألني أحد أصدقائي الصغار ذات يوم. قتناع بهاواال األمر إلى تصديقها

كيف مات جدك؟ -

.ذهني على الفور، عن أسطورة عجيبة، ما لبثت أنا نفسي أن صدقتها فتفتق

:قلت له

جدي رجال متقدما في السن ذا لحية بيضاء، وقد تعود أن ينتعل حذاء من المطاط، كان - ولكن ما أن مست قدماه األرض حتى ارتفع .ذات يوم أن وثب من فوق سطح بيتنا وحدث

كالكرة ، وتجاوز ارتفاعه سطح البيت، وما زال يهبط ويرتفع، ويزداد ارتفاعه كل مرة أخرى .هكذا مات جدي.. حتى اختفى بين السحب مرة

هذه االسطورة أشير إلى صورة السيد المسيح وكنت كلما ذهبت إلى الكنيسة بعد أن اخترعت :وأقول ألصدقائي

.بحذائه المصنوع من المطاط هو ذا جدي.. انظروا -

فاشفقت أن يختفي في السحب وصرخت، تذكرت هذه القصة وأنا أرى زوربا يثب في الهواء، :مرة أخرى

!!كفى!! كفى يا زوربا -

أخيرا على األرض وهو الهث األنفاس، ووجهه يتألق بالعرق والسعادة وقد التصقت واستقر ..بينه، بينما سال العرق على خديه مختلطا بتراب الفحمشعره بج خصلة من

:بعد لحظة وانحنيت فوقه، فقال

..وأستطيع الكالم.. انني اآلن أحسن حاال -

.أمام الموقد وقد أشرق وجهه وعاد إلى الكوخ ، وجلس

:سألته

ماذا دهاك حتى ترقص كما رقصت؟ -

..متنفساً نقني، وكان يجب أن أجد لهوماذا أستطيع أن أفعل غير ذلك، كاد الفرح أن يخ -

عن أي فرح تتكلم؟ -

.ترتجفان فاكفهر وجهه مرة أخرى وبدأت شفتاه

:قال

. لعلك تفهم معنى ما قلت أي فرح؟ هل ما قلته لي منذ لحظة كان مجرد دخان في الهواء؟ -حتى ال وتضليل أهل القرية ألم تقل أننا ما جئنا للبحث عن الفحم، وانما لقضاء الوقت،نضحك ونلهو كما نشتهي حين ال يكون يحسبوننا مجانين ويقذفوننا بالطماطم؟ واننا نستطيع أنلقد كنت طول .. أريده دون أن أعرف هناك من يرانا؟ أقسم لك ان هذا ما كانت أنا نفسي

فاذا تناولت الفأس وأهويت به على .. وبينك الوقت نهبا موزعا بين المنجم وبين بوبولينا ..أريد ان الفحم هو ما: رة المنجم قلت لنفسيحجا

المنجم إلى ليذهب المنجم وصاحب: فاذا انتهى العمل وخلوت إلى بوبولينا قلت لنفسي .وأنا معهما.. الشيطان

أفكر فيك فيذوب قلبي وأحس بوخز الضمير ولكني ال أكاد أخلو إلى نفسي بعد العمل حتى .وتأكل أمواله الرجلوأصيح عار عليك يا زوربا أن تخدع هذا

إلى ناحية، واهللا يدفعني كان الشيطان يدفعني.. الحق انني لم أكن أعرف أين أنا أو ماذا أريد ..االن بالحكمة بارك اهللا فيك ولكنك نطقت.. إلى ناحية أخرى وأنا أكاد أن أنشطر بينهما

.دعنا نأتي عليهو.. المال؟ أعطنيه لقد أصبحت أرى بوضوح، ونحن متفقان كم بقي معك من

.وراح يجفف عرقه، ويجيل البصر حوله

:بقايا الطعام ال تزال على المائدة الصغيرة فقال وكانت

.أخرى لقد جعت وسآكل مرة.. معذرة -

فمه، وأفرغ وتناول كسرة خبز وبصلة وحفنة من الزيتون، وأكل في نهم ورفع قدح النبيذ فوق :يه ثم غمز بعينه وقالالشراب في حلقه دون أن يمس القدح شفت

ال تضحك؟ لماذا تنظر إلي هكذا؟ ان في أعماقي شيطانا يوسوس لي فأطيعه، وكلما لماذا -

وعندما مات ولدي .. ارقص فارقص، وأبح أحسن حاال: التأثر واالنفعال قال لي غلبني ..ديمتري، رقصت أمام الجثة فهجموا علي ليمنعوني وصاحوا لقد جن زوربا الصغير

انني رقصت، لجننت حزنا وأسى، فقد كان أول أوالدي وكان في الثالثة من عمره، لوالولكن ..أم تراني أتحدث إلى نفسي.. أتسمعني يا سيدي؟.. أن أفقده فعز علي

.زوربا انني أسمعك يا -

ألعمل في انني ذهبت أيضا إلى روسيا.. نعم.. وكنت وقتئذ في روسيا.. وحدث مرة أخرى -أو ست وتعلمت من اللغة الروسية خمس) . نفوروسيسك(س هناك بالقرب من مناجم النحا ..بكم أي القدر الذي يكفيني في عملي، مثل نعم، ال، خبز، ماء، أحبك، تعال،.. كلمات

إلى حانة وهناك توثقت أواصر الصداقة بيني وبين رجل روسي أصيل، فكنا نذهب في المساءاننا شربنا وحدث ذات ليلة) .. الفودكا(ن زجاجات على الشاطئ حيث نشرب عددا كبيرا محياته، وما حدث وأراد الروسي أن يحدثني عن قصة. حتى ثملنا، وأحسسنا برغبة في الحديث

فلقد شربنا .. حياتي له خالل الثورة الروسية، وأردت بدوري أن أحدثه عن نفسي وعن قصة .نمعا وثملنا، وقربت الخمر بين قلبينا فأصبحنا كأخوي

(قف(االتفاق بيننا باالشارة على أن يبدأ هو الكالم، حتى اذا عجزت عن فهمه صحت به وتم

..فينهض واقفا ويرقص، ويعبر بالرقص عما يريد أن يقوله

بأقدامنا وأيدينا وبطوننا، عما عجزنا عن قوله بأفواهنا وكان الروسي هو فعلت مثله، وعبرنادقيته وكيف امتدت الحرب، وكيف وصل العدو إلى بالكالم فحدثني كيف حمل بن البادئ

فكف عن الكالم ووثب ) قف(، ولما عجزت عن متابعة حديثه صحت به (نوفوروسيسك(فهمت .. وراقبت يديه وقدميه وصدره وعينيه وفهمت كل شيء. كالمجنون واقفا وراح يرقصء أظافرهن في واعملوا فيها السلب وكيف أنشب النسا) نوفوروسيسك) كيف دخل االعداء

كما .. وأخيرا كيف استسلمن وأغمضن عيونهم لذة واستمتاعا .. الرجال وجوههن ثم في وجوه ..جميعا هو شأن النساء

أنطق ببضع ثم جاء دوري، ويبدو أن صديقي كان على جانب كبير من الغباء، ألنني ما كدت ر، نهضت من، وذلك ما كنت أنتظره بفروغ صبر، وعلى الفو)قف: (كلمات حتى صاح

ماذا أصاب الناس وهوى.. أواه يا صديقي.. مكاني وأبعدت المقاعد والمواقد وأشرعت ارقص

ولكن ماذا.. لقد أصيبت أجسامهم بالبكم فأصبحوا ال يتحدثون اال بأفواههم!! بمستواهم

. تستطيع االفواه أن تقول؟ ليتك رأيت كيف كان الروسي يصغي إلى من رأسي إلى قدمي لقد رقصت له متاعبي ورحالتي وعدد زيجاتي!! بع قصتي من بدايتها إلى النهايةتا وكيف

السانتوري واالعمال التي مارستها ، وكيف عملت تاجرا، وبائعا جائال، وخزافا وعازفا على .روسيا وحدادا ومهربا، وعامال في المناجم، وكيف سجنت ثم هربت ووصلت الى

بوضوح، كذلك فقد تكلمت يداي وقدماي.. فهم كل شيءوعلى الرغم من بالدته وغبائه فقد قصتي، أقبل وعندما فرغت من. تكلم شعر رأسي وثيابي، والخنجر الذي يتدلى من حزامي

المساء تقابلنا مرة صديقي يعانقني ثم مألنا كؤوسنا بالفودكا وشربنا وبكينا وضحكنا، وفي .أخرى

هذه الخزعبالت التي يرويها هذا ما: االنأتضحك يا سيدي؟ أال تصدقني؟ لعلك تقول لنفسكأقسم لك أن االلهة والشياطين هكذا السندباد؟ وهل يمكن النسان أن يتكلم بالرقص، ولكني

..يتكلمون

تفتقر إلى النشاط والحيوية، فاذهب إلى فراشك وغدا أراك تغالب النعاس، انك انسان رقيقأما اآلن فانني سأدخن لفافة .. ثك عنها غدارائعة سأحد خطة.. نستأنف حديثنا، ان لدي خطةطابت .. ان جسمي يتلظى ويجب أن أطفئه.. في ماء البحر تبغ أخرى، وربما ألقيت بنفسي

.ليلتك

طويال أعالج النوم وال أظفر به؟ ووجدتني على الرغم مني استعرض وقضيت في فراشي وقتادى ، فليتني أستطيع أن أمحو ان حياتي قد ذهبت س: وقلت لنفسي ..ما انقضى من أيامي

تعلمته وكل ما رأيته وسمعته، وان أذهب إلى مدرسة زوربا ألتعلم بقطعة من القماش كل مااالبجدية الحقيقة، لو انني فعلت لتغير مجرى حياتي، ولتعلمت الجري من جدد الحروف

ن والسباحة وركوب الخيل واطالق النار، ولجمعت بين النقيضي والوثب والمصارعة .ومتعة الجسد متعة الروح.. الخالدين

من طيور الليل، وحانت مني التفاتة، فرأيت زوربا قابعا فوق صخرة على الشاطئ كطائر ..وحسدته

!انه هو الذي اكتشف الحقيقة وسلك اقوم السيل

الرجل الذي يتقدم الصفوف .. عاش في العصور البدائية ألصبح زعيم احدى القبائل لو أنه أما في هذا العصر الجاحد الذي نعيش فيه، فانه يتضور حول المزارع..ريق بفأسهالط ويشق

..كالذئب الجائع

..بنفسه في البحر ورأيته ينهض فجأة، ويخلع ثيابه، ويقذف بها على الرمال، ثم يلقي

ينبح كالكلب تارة وفي ضوء القمر الشاحب، رأيت رأسه الضخم يظهر ويختفي وسمعته ..رة أخرىويصيح كالديك تا

وعندما استيقظت في .. النعاس، فاستغرقت في نوم عميق وفي هدوء ، ودون أن أشعر، غلبني .يبتسم ويهم بأن يجذب قدمي ليوقظني الصباح، رأيت زوربا واقفا أمامي

:قال

أنت مصغ إلي؟ هل.. استيقظ ودعين أعترف لك بخطتي -

.نعم -

سلكا هوائيا يل ما بين قمة ف انه سيقيمفجلس القرفصاء على األرض، وراح يوضح لي كينحتاج إليها في دعم جدران الجبل والشاطئ، وبهذه الطريقة يمكن نقل االخشاب التي

وكنا قد . نستطيع بيعه العمال البناء وما زاد عن حاجتنا. السراديب حتى ال تنهار على العمالنا عجزنا عن استغاللها لقلة المدير، ولكن قررنا استئجار غابة من اشجار الصنوبر يملكها

زوربا في مد سلك هوائي، واقامة سقاالت من الخشب البغال وفداحة نفقات النقل، ولهذا فكر .الجبل إلى الشاطئ تنهض على أعمدة خشبية وتنحدر من قمة

:قال بعد أن فرغ من شرح مشروعه

هل توافق؟ -

.زوربا أوافق يا -

قبل أن اء على قدمي حتى ال أصاب بالبرد، وقالفأشعل الموقد واعد القهوة والقى غط :ينصرف

.جديد سنشق سردابا جديدة اليوم، فلقد عثرت على عرق فحم -

كله في ، وأخذت أشق السراديب بدوري، وقضيت النهار)بوذا(وتناولت مسودات كتابي عن .الكتابة، وكلما فرغت من تدبيج صفحة، أحسست بمزيد من الحرية

تناولت بعض الزبيب والخبز، وانتظرت ان يعود زوربا فيعود معه كل ما ف وشعرت بالجوع .الضحكات البريئة، والكلمات الطيبة والطعام الشهي ..يبهج القلب

ولكنه كان مشغول البال، وما لبث أن جثا على .. الطعام، وأكلنا وجاء زوربا في المساء وأعد خيطا فوقها، وحاول أن يجد من الخشب في األرض، ثم شد ركبته، وراح يغرس قطعا

.التصميم كله االنحدار المناسب حتى ال ينهار

:قال موضحا

االنحدار المناسب، وهذا يتطلب مخا يجب أن نجد.. اذا كان االنحدار شديدا، ضاع كل شيء - .ونبيذا

:فقلت ضاحكا

..النبيذ، أما المخ لدينا الكثير من -

:استطرد بعد قليل قائال ثم.. الحق انك ذكي: فجلس ليستريح، وأشعل لفافة تبغ وقال

وان ننشئ مصنعا لتحويل خشب ..اذا نجح هذا المشروع، استطعنا ان ننقل الغابة كلها -فنبتاع سفينة ندور . جيوبنا بالمال االشجار إلى أعمدة والواح وسقاالت وغيرها، وحينئذ تمتلئ

.بها حول العالم

. البعيدة وعن المدن واالضواء والعمائر الضخمةالموانئ وانطلق يتحدث عن النساء في

:قال

وسقطت أسناني، ولم تبق أمامي فسحة من العمر، أما أنت فانك ما زلت لقد شاب رأسي، -. ولن يضرك ان تصبر، ويخطئ من يقول ان الشيخوخة تزيد االنسان اتزانا في ريعان شبابك

أتراه يمد له عنقا ويقول ! ت مقبال عليه؟تصرفات االنسان باالتزان وهو يرى المو وكيف تتسم .تمردا انني كلما امتد بي العمر، ازددت!! أرجوا أن تقطع عنقي لكي أذهب إلى الجنة :له

:من مكانه على الجدار وراح يحدثه بقوله) السانتوري(وتناول

.لماذا تتدلى فوق الجدار وال تقول شيئا؟ دعنا نسمع غناءك... إيها الشيطان تعال -

أكن أضيق قط باسرافه في العناية باآللة الموسيقية وبما يبدي من رقة ورفق حين يخرجها ولم

كما لو كان يزيل قشور ثمرة ناضجة من ثمار التين، أو غاللة رقيقة عن جسد. من غالفها

.امرأة فاتنة

ن لو كان يسألها ع ووضع السانتوري على ركبتيه وانحنى فوقه، ولمس أوتاره في رفق، كمالتؤنس وحشته، وعالج نوع النغمة التي تريد ان ترسلها، أو كما لو كان يرجوها أن تستيقظ

إلى أغنية أخرى، ولكن االوتار احدى األغنيات ، ولكن االوتار لم تخرد النغم المنشود، فانتقل .تغني أخرجت صوتا أشبه بالحشرجة، كأنها ال تريد أن

:في جزع جبينه، وقال وهو ينظر إلى السانتوريوجفف زوربا العرق الذي تصبب فجأة على

.انه ال يريد أن يغني -

الجدار، ثم ألقى ببعض حبات الكستناء في ووضعه في غطائه بعناية، وأعاده إلى مكانه على :النار، ومأل قدحينا بالنبيذ وقال

عض االحيانأشياء ال أفهمها يا سيدي، فهل تستطيع أن تجد لها تفسيرا؟ يخيل إلي في ب ثمة -

الخشب والحجارة، والنبيذ الذي نشربه واألرض التي نسير: أن كل شيء في العالم له روح

. أعني كل شيء بال استثناء–عليها

:ورفع قدحه وقال

. نخب صحتك -

:النبيذ في جوفه وقال وأفرغ

.أتمالك نفسي من الضحك فلما. هذه الدنيا بغي عجوز، أشبه ما تكون ببوبولينا -

:لقا

وبوبولينا عجوز، ولكن لها .. بوبولينا نعم، ان الدنيا بغي مثل.. وال تضحك. اصغ إلي -ولو انك أطفأت النور واحتويتها .. تشدك إليها انها تعرف طريقة أو طريقتين لكي.. مفاتنها

.العشرين بين ساعديك لخيل إليك أنها صبية في

بالحياة بطريقتها، ضج، انها استمتعتوال ضرورة ألن تقول لي أنها تجاوزت مراحل الن -

والرهبان ورجال وعاشرت االميراالت والبحارة والجنود والفالحين والممثلين والقسسبسرعة، وال يمكن ان ولكن ماذا في ذلك؟ انها تنسى.. البوليس والقضاة واالساتذة والتالميذ

وتضطرب كما لو كانت وحين تكون معها يحمر وجهها خجال. تذكر أحدا من عشاقها القدامىسقطت ألف مرة، فانها ان المرأة لغز غامض، وحتى لو.. ترى رجال ألول مرة في حياتها

.ألنها ال تذكر: هو ولكن كيف يحدث ذلك؟ والجواب: ولعلها تسأل.. تنهض ألف مرة عذراء

:فقلت ألضايقه

كلما حلقت في السماء أفال يزعجك.. اسما غير اسمك انها تردد دائما.. ولكن الببغاء تذكر -كانافارو؟؟ أال تشعر وقتئذ برغبة في أن تمسك .. كانافارو السابعة أن تسمع الببغاء تصرخ في

.زوربا.. أن تعلمها أن تصيح زوربا بها وتدق عنقها؟ لقد آن لك

:فصاح وهو يضع يديه على أذنيه

ان المرأة تضعها.. السم ولماذا أدق عنقها؟ انني أحب أن أسمعها تردد هذا ا!! فارغ كالم -

مغازلة وللببغاء الخبيثة عينان تبصران في الظالم، فال اكاد أشرع في.. فوق فراشها كل ليلة ..كانافارو.. كانافارو.. المرأة حتى تصيح الببغاء

عندئذ كأن في قدمي حذاء طويال، وكأن على رأسي قبعة مثلثة االركان وأقسم لك انني أشعرويخيل إلي أن مدافع .. ء، وكأن لها لحية حريرية تنبعث منها رائحة العطربيضا تزينها ريشة .ترسل آالف القذائف من حولي بارجتي

:باليمنى وقال وضحك زوربا من كل قلبه، واغمض عينه اليسرى، ونظر إلي

كان بعد أن بلغ المائة من فانني على شاكلة جدي اليكسيس رحمه اهللا، فقد.. معذرة يا سيدي -وكان نظره . طريقهن إلى البئر ه يجلس في المساء أمام باب البيت ليرقب الفتيات وهو فيعمر

دعاهن إليه، وسأل احداهن من أنت فاذا مرت به الفتيات.. قد ضعف وأصبح ال يرى بوضوحأحقا تقولين؟ اقتربي مني اذن : اندوني، فيقول لها انا كسيينو، ابنة مستر: يا بنية؟ فتجيبه بقولها

.تخافي تعالي وال.. يني المسكودع

.عينيه وتقترب منه الفتاة، فيتحسس وجهها ببط ولذة ، وتطفر الدموع من

لماذا تبكي يا جدي؟: وقد سألته ذات مساء

:فأجاب

.بني وأنا على أبواب القبر، وسأترك ورائي كل هؤالء الفتيات الفاتنات وكيف ال أبكي يا -

:واستطرد قائال وتنهد زوربا

.معي في ذات اللحظة ما تذكرت حديث جدي تمنيت لو ان جميع النساء الفاتنات يمتنكل -

آخرين، بينما أكون قد ولكن الفاجرات سيعشن بعدي، وسينعمن بالحياة بين أحضان رجال .تحولت إلى تراب تحت أقدامهن

__________________ الفصل السابع

وأحسست مرة أخرى بأن السعادة ال .. من الليلحتى ساعة متأخرة جلسنا صامتين أمام الموقدهذه هي .. نبيذ وكستناء مشوية، وموقد حقير، وصوت تالطم األمواج قدح: تكلف اال القليل

وكل ما ينبغي لكي تشعر بأن .. تتألق منها السعادة وال شيء غيرها العناصر التي يمكن أن .أن يكون لك قلب راض ونفس قانعة هذه هي السعادة، هو

:سألت زوربا

زوربا؟ كم مرة تزوجت يا -

إليهن ولكنه لم يسمع سؤالي، ولعله كان في واد آخر ال يصل إليه صوتي، فمددت يدي :ولمسته بأطراف أصابعي وكررت سؤالي

كم مرة تزوجت يا زوربا؟ -

:هذه المرة وأفاق من ذهوله وأجاب وسمعني

لت ما يفعله غيري من الرجال وارتكبت فع عم تبحث اآلن؟ أو تظن أنني لست رجالً؟ لقد -نعم، لقد .. ولكني هكذا اسمي الزواج.. المعذرة انني أسأل المتزوجين) .. الحماقة الكبرى(

.ارتكبت الحماقة الكبرى وتزوجت

وكم مرة تزوجت؟ -

:فحك زوربا رأسه بقوة وقال

ن، وزواجا مرة واحدة، وزواجا نصف شريف مرتي كم مرة؟ انني تزوجت زواجا شريفا - .غير شريف الفين أو ثالثة آالف مرة

ان غدا االحد وسوف نحلق ذقوننا ونرتدي خير ثيابنا ونذهب.. حدثني عن زيجاتك يا زوربا -

..واآلن خبرني.. إلى بوبوليتا لنقضي وقتا طيبا

.. ان الزيجات الشريفة ال طعم لها .. موضوعا للحديث ماذا أقول لك؟ هذه امور ال تصلح -" ان اللحم الشهي، هو اللحم المسروق: "في قريتنا يقولون ها طبق خلو من التوابل، والناسان

.مسروقا وزوجة االنسان ليست لحما

سجال؟ ولماذا؟ أما الزيجات غير الشريفة، فكيف يمكن ان يذكرها االنسان، هل يمسك الديكمقصا لهذا ت أحملكن.. انني كنت في شبابي احتفظ بخصلة من شعر كل امرأة أتصل بها

ومن فنحن رجال على كل حال،.. الغرض، وكنت أذهب إلى الكنيسة والمقص في جيبي !يدري ماذا يمكن ان يحدث في أية لحظة

خصالت الشعر، منها األسود واألشقر واألحمر، وهكذا اجتمعت لدي مجموعة كبيرة منكنت أنام على الوسادة حشوتها في وسادتي و فماذا أصنع بها؟ لقد. وبعض خصالت بيضاء

.انبعث منها رائحة كريهة فاحرقتها شتاء، وأهملها صيفا بسبب الحر، إلى أن

:وضحك واستطرد قائال

ولم أكن أتوقع ان .. سجل مغامراتي، وقد ضقت بها ذرعا فاحرقتها هذه الوسادة كانت - .لمقصووجدت أنها تزداد بسرعة مدهشة، فتخلصت من ا.. الخصالت تجتمع لي كل هذه

نصف الشريفة يا زوربا؟ وماذا عن زيجاتك -

:فتنهد وأجاب

: انهن ال يسألنك! وأية حرية! أية متعة! السالفيات وأولئك النساء.. ان لها سحرا خاصا.. آه -وأنت ال .. قضيت ليلتك؟ انهن ال يلقين عليك أسئلة أين كنت؟ أو لماذا تأخرت؟ أو أين

!!الحرية تلك هي.. تسألهن

:ى قدح نبيذ، وراح يمضغ كستناءة ويتكلم قالواحتس

وقد قابلت صوفنكا في قرية صغيرة .. تدعى صوفنكا، والثانية تدعى نوسا كانت احداهما - .(نوفوروسيسك) بالقرب من

الذي أعمل ففيه، كان الوقت شتاءا، والثلوج تغطي األرض، وكنت في طريقي إلى المنجميتوافدون من القرى للبيع يوم السوق، والرجال والنساءفتوقفت في القرية، ألن اليوم كان

.ليبتاعوا خبزا والشراء، وكان هناك قحط، والناس يبيعون كل ما يملكون

.عربتها وفيما أنا أطوف بالسوق اذ وقع بصري على فالحة شابة تثب من

.الولودالفرس وفخذان مليئتان كفخذي. كان طولها ستة أقدام، ولها عينان زرقاوان كالبحر

كيف سيغمض لك .. زوربا مسكين أنت يا"وما أن رأيتها حتى جمدت في مكاني وقلت لنفسي ."جفن بعد أن رأيت فاتنة الفاتنات

..أقوى على تحويل بصري عنها وسرت في أثرها، دون أن

هذا هو المنجم الذي يجب أن ! المسكين لماذا تذهب إلى المنجم أيها األحمق: وقلت لنفسي !ي سراديبهتعمل ف

وعندئذ رأيت .. تساوم، وابتاعت كومة من الخشب حملتها إلى عربتها وتوقفت الفتاة، وبدأت ذراعين وأي.. ذراعيها

الثمن، ولم بكم هذا؟ وذكر لها البائع: ثم ابتاعت بعض الخبز وخمس سمكات أو ست وسألت .سمكاتوال يكن معها نقود فمدت يدها إلى قرطها الذهبي لتقدمه ثمنا للخبز

.ووثب قلبي بين ضلوعي

عطرها؟ اذا فعلت المرأة ذلك فقل على عن.. عن حليها.. هل أدع امرأة تتخلى عن قرطها

هل يطاوعك قلبك .. يجرد الطاووس من ريشه ومن يدعها تفعل ذلك يكون كمن! الدنيا السالم .على نتف ريش الطاووس؟

!!على قيد الحياةذلك لن يحدث أبدا طالما زوربا ..كال: قلت لنفسي

.وفتحت كيس نقودي، ودفعت

يكن للنقد الروسي في ذلك الوقت أية قيمة، وكان في استطاعتك أن تشتري الفرس بمائة ولم

.دراخمة يونانية والمرأة بعشرة دراخمات

ثم تناولت يدي . وصعدتني بنظرة من ركن عينها فتحولت الفتاة،. دفعت ثمن الخبز والسمك :بالروسية بت يدي، فهتفتلتقبلها ولكن جذ

.شكرا.. أي شكرا.. سباسيبا.. سباسيبا -

:عنان الجواد ورفعت سوطها فقلت لنفسي ووثبت إلى العربة، وتناولت

.أصابعك انها ستفلت من بيد.. حذار يا زوربا -

.حولها وبوثبة واحدة ، كنت بجانبها في العربة، فلم تقل شيئا، بل ولم تنظر

.ظهر الجواد، وانطلقت بنا العربةواهوت بسوطها على

ولكن هذه .. وكنت أعرف من اللغة الروسية ثالث كلمات.. انني أريدها وفي الطريق، أدركت .فقد تفاهمنا بالعيون، وااليدي والسيقان.. إلى كالم كثير األمور ال تحتاج

.ودخلتوتوقفنا أمام دارها، ففتحت الفتاة الباب بدفعة من كتفها ووصلنا إلى القرية

.الخشب إلى فناء الدار، وحملنا الخبز والسمك إلى غرفتها وعاونتها في نقل

عجوز تجلس أمام الموقد الخامد وترتجف من البرد، وكان البرد من وكانت بالغرفة امراة .أظافري ستسقط القسوة بحيث أحسست أن

..أفهمه ونظرت إلى العجوز وابتسمت، وقالت لها الفتاة كالما لم

.أنا فقد أشعلت النار، بينما كانت الفتاة تعد المائدةأما

الفتاة بعض الفودكا وشربنا، وأعدت الشاي، وجلسنا نتناول الطعام ، وأعطينا وأحضرت .نصيبها منه العجوز

زيتيا أمام تمثال السيدة نهضت الفتاة إلى الفراش فأبدلت أغطيته، ثم أشعلت مصباحا. وأخيراإلي، فجثونا أما الصليب على صدرها ثالث مرات، وأومأتالعذراء، ورسمت عالمة

كانت تباركنا فهتفت العجوز، التي وضعت يديها على رأسينا وغمغمت ببضع كلمات، ولعلها :بالروسية

.سباسيا.. سباسيا -

.وحملتها إلى الفراش وأحطت الفتاة بساعدي،

:قليل دإلى البحر، وقال بع.. وأرسل بصره بعيدا.. وهنا صمت زوربا

.كان اسمها صوفنكا -

:فسألته. والذ بالصمت

.ذلك وماذا حدث بعد -

ماذا تعني يا أستاذي؟ وهل ما حدث بعد ذلك يمكن الخوض فيه؟ -

ينبوع متجدد، تنحني فوقه فترى ظلك في مائه، وتشرب حتى تبلى عظامك، ومن ثم ان المرأة ...أتي ثالثثم ي.. آخر ظمآن فينحني ويرى ظله، ويشرب يأتي رجل

..هل هجرتها بعد ذلك -

.ماذا تتوقع؟ قلت لك انها ينبوع متجدد، وما أنا اال عابر سبيل -

:ثم تذكرت المنجم فقلت لها ذات يوم.. ثالثة شهور لقد مكثت معها

.ويجب أن أذهب.. انجازه ان لدي عمال ال بد من -

فاذهب على بركة .. ذلك أنتوك ..اذهب اذن، وسأنتظرك شهرا، فاذا لم تعد، أصبح حرة - .اهللا

وهل عدت بعد شهر؟ -

غبي، كيف كان يمكن ان أعود؟ هل تدعك النساء وشأنك؟ لم تمض معذرة اذا قلت لك انك - .(نوسا(قابلت عشرة أيام على رحيلي حتى

.حدثني عنها اذن -

خب واالن، دعنا نشرب ن.. نخلط بينهما يجب أال.. سأحدثك عنها في مناسبة أخرى - .صوفنكا

:الجدار وقال وجرع قدح النبيذ ثم استند إلى

.حسنا ، سأحدثك عنها -

:قال ومسح شاربه، وبدأ قصته عن نوسا،

.. مليئة بالبطيخ كان الوقت صيفا، والحقول.. انني قابلتها أيضاً في احدى القرى الروسية - .وفي استطاعتك أن تأخذ منه ما تشاء دون أن يتعرض لك أحد

..كل شيء في أكوام، البطيخ والسمك والزبد والنساء.. شيء موجود بوفرة في روسيا ان كل

بطيخة، وبحسبك ان تمد يدك وتأخذ ما تريد، على خالف الحال هنا في اليونان فانك اذا لمستقبح اهللا .. سكين اخذوك إلى الشرطة ثم الى المحكمة واذا لمست امرأة هجم عليك اخوها وبيده

.كاالمراء هب إلى روسيا يا سيدي وستجد انك تستطيع ان تعيش هناكهذا البلد اذ

.وأعجبتني فرأيت امرأة في مطبخ أحد البيوت) كوبان(وقد حدث أنني مررت بمدينة

. الحب قطرة فقطرة والمرأة السالفية، ليست كالمرأة اليونانية النحيلة الجشعة التي تعطيكالمرأة السالفية توفي ان.. ة أن تخدعك وتسرقكوتأخذ منك أكثر مما تعطيك، وتحاول جاهد

انها كحيوان الحقل، ..الكيل والميزان وتعطيك أكثر من حقك في النوم والحب والطعام .وتعطي بسخاء.. تعطي عن طيب خاطر.. وكاألرض نفسها

اسمك؟ ما: سألتها

وأنت؟.. نوسا: فأجابت

..اليكسيس: فقلت

:ثم قلت لها على الفور

.انني معجب بك يا نوسا -

:يشتريه وقالت فنظرت إلي بامعان، كما ينظر االنسان إلى الحصان قبل أن

عريضتان، وساعدان قويان، ولك شارب كبير، وكتفان. فأسنانك سليمة . وأنت ال بأس بك - .انك تعجبني

..عين وطلبت إلي أن أزورها في المساء فقد تفاهمنا في غمضة.. ولم نقل أكثر من ذلك

:سألتني

هل لديك معطف من الفراء؟ -

..ولكن في هذا الحر.. نعم -

.يحسن بك أن ترتديه، لكي تبدو أنيقا.. ال بأس -

المساء، ارتديت أفضل ثيابي، وحملت عصاي ذات المقبض الفضي، وانطلقت في طريقي وفي .نوسا إلى بيت

قدرين كبيرين فوق أيت في فنائهكان بيتا ريفيا كبيرا به حظائر لالبقار وقاعات للتقطير ورفقلت لنفسي أرأيت . خمرا موقدين فسألت ما هذا؟ فقالوا انه عصير البطيخ وانهم يصنعون منه

..يا زوربا

هذه هي األرض الموعودة، فوداعا أيها الفقر، حقا ان! انهم يصنعون خمرا من عصير البطيخ .ن الجبنعلى قرص م انك وقعت واقفا هذه المرة كما يقع الفأر

.نوسا وارتقيت سلما خشبيا كبير، وفي الطابق األول، التقيت بوالدي

وقاال لي كالما كانت ثيابهما تدل على الثراء وسعة العيش فاستقبلوني باألحضان والقبالت،واضحا من مالمحهما انهما كثيرا لم أفهم منه حرفا واحدا ولكن ما أهمية ذلك، طالما انه كان

!راال يضمران لي ش

تئن تحت ثقل الطعام والشراب، موائد كانها السفن ودخلت قاعة فسيحة فماذا رأيت؟ موائد .الشراعية

في ثوب سهرة ) نوسا(االقارب واالصدقاء، نساء ورجاال، تتصدرهم وكان الجميع وقوفا،مقدم السفينة، وتضع على رأسها منديال أحمر، وقد طرز فوق يكشف عن صدر بارز كأنه

.والمطرقة عار المنجلةقلبها ش

:فقلت لنفسي. كانت تتألق شبابا وجماال

عفا اهللا ! الكبير، هل هذا هو الجسد الذي ستضمه إلى صدرك الليلة زوربا ، أيها الخاطئ - !جاءا بك إلى هذه الدنيا عن ابويك اللذين

يجلس إلى كالسمك وكان والد نوسا وانقضضنا جميعا على الطعام ، وأكلنا كالخنازير وشربنايوجه الحديث إلي، أما ماذا قال، فهذا ما جواري ويتكلم دون أن يحول عينيه عن عيني، وكانه

والصقت . الوقوف، خاصا وقد كنت ثمال، فجلست كل ما أعلمه أنني تعبت من.. يعلمه اهللا .يمين ركبتي بركبة نوسا، وكانت تجلس إلى

عليه تصبب العرق على جبينه فهجمإلى أن .. وخيل إلي أن أباها لن يكف عن الكالم :المدعوون ليسكتوه، ونجحوا أخيرا في اسكاته ، وحينئذ اومأت إلي وقالت

.يجب أن تتكلم.. اآلن جاء دورك -

اليونانية، وال أدري ماذا قلت ، ولكني فنهضت واقفا، والقيت خطابا نصفه بالروسية، ونصفهيونانية الشائعة وما ان فرغت منها حتى ألقيت ال اذكر فقط انني ختمت خطابي باحدى االغنيات

.وقبلتها بنفسي بين ساعدي نوسا

:وصمت زوربا لحظة وتنهد واستطرد

..أرجوه اال يمحو اهللا ذكرى هذه الشهور الستة من مخيلتي وقضينا معا ستة شهور، وكل ما -

احدى الذكريات التأثر، وكانت هذه أول مرة أراه فيها وقد هزته وأغمض عينيه، وظهر عليه ..البعيدة

:بعد لحظة فسألته

..هل أحببتها إلى هذا الحد -

:ففتح عينيه وقال

شابا، ولن تفهم، وعندما يشتعل رأسك شيبا مثلي، حينئذ نستطيع أن نتحدث في انك ما زلت - .الموضوع الخالد هذا

أي موضوع خالد؟ -

.أة لغز خالدلك ان المر موضوع النساء طبعا، كم مرة يجب أن أقول -

وماذا كان من أمر نوسا؟ -

:البحر فأجاب وهو يرسل بصره إلى

علمت ان ثم. عدت إلى البيت ذات مساء فلم أجدها، وبحثت عنها في كل مكان دون جدوى -انتهت وان قلبي وخيل إلي أن الدنيا قد.. جنديا وسيما قدم أخيرا إلى القرية وانها هربت معه

السفن وما فيها من قلب الشقي ما لبث أن التأم، ولعلك رأيت أشرعةقد انسحق، ولكن هذا ال

كهذه االشرعة، مليء رقع حمراء وصفراء وسوداء ال تمزقها العواصف واالعاصير، ان قلبي ..وليس هناك ما يخشى عليه منه.. بالثقوب والرقع

على نوسا يا زوربا؟ ألم تنقم -

الشرائع الدينية والدنيوية، ولو كان قد اساءت إليهاولماذا؟ ان المرأة مخلوق غير مفهوم، و -القوانين، ان الرجل يستطيع مواجهة ما األمر بيدي، لما اخضعت الرجال والنساء لنفس

..حول له وال قوة يفرض عليه من قيود، أما المرأة فمخلوق ضعيف ال

.مزيدا من العقلالرجال ولنسأل اهللا أن يهبنا نحن.. دعنا نشرب نخب نوسا، ونخب المرأة__________________

الفصل الثامن

.التالي وأمطرت السماء مرة أخرى في اليوم

أخضر، وكان وكنت جالسا بباب الكوخ، أرى السماء تظلم، والبحر يتألق بلون فسفوريالمطر، كما الشاطئ مقفرا تماما، وال أثر لشراع أو لطيرن فنهضت واقفا، ومددت يدي إلى

..ل يده مستجديا، وشعرت فجأة برغبة في البكاءيمد السائ

األرض الرطبة نوع من الحزن، أشد عمقا وغموضا من أحزان نفسي، وأردت كان ينبعث من ..أحسست بأن ذلك سيرفه عني، ولكني خجلت أن أصرخ، فقد

.فنظرت من النافذة، وشعرت بقلبي ينبض في رفق وكانت السحب تتكاثف وتدنو من األرض،

ان جميع الذكريات المريرة ! مرأى المطر الهادئ المتصل ع الحزن الذي يمأل النفس منما أمتحينئذ فوق السطح، ذكرى األصدقاء الذين هبوا، واالبتسامات الراسبة في أعماق النفس تطفو .العزيزة التي فقدت أجنحتها الحلوة التي ذبلت، واآلمال

القوقاز، فتناولت قلما وورقة رحل إلىوتراءت لي وسط خيوط المطر، صورة صديقي الذي :التنفس وشرعت أتحدث إلى صديقي لكي أفرق ستار المطر وأتمكن من

..صديقي العزيز -

مع القدر على قضاء بضعة شهور انني أكتب إليك من شاطئ مقفر في كريت، حيث اتفقت -انما هي قرار خطير لم تكن لعبة، و ألعب خاللها دور الرأسمالي، فاذا نجحت لعبتي قلت انها

.غير مجرى حياتي

، لقد بلغ من شيقي بهذا )عث كتب(يوم رحلت بأنني وال شك انك تذكر كيف وصفتني ألمارس – وربما إلى األبد –الكتابة بعض الوقت الوصف انني قررت تحطيم قلمي وهجروعربات واعددت الفئوس والمعاول والمصابيح والسالل حياة أكثر واستخدمت بعض العمال،

.، كل ذلك لكي أضايقك وأغيظك النقل، وحفرت السراديب وسرت فيها

الخالدة، الهواء النقي والشمس والبحر ان سعادتي هنا ال حد لها، ألنها تنبع من العناصرأمامي سندباد عجيب غريب األطوار ويتحدث ورغيف الخبز، وفي المساء ، يجلس القرفصاء

بعض األحيان عندما ال تسعفه األلفاظ، يثب من وفي. اتساعاإلي، فأشعر كأن الدنيا تزداد التعبير، يضع السانتوري على ركبتيه ويعزف، مكانه ويرقص، وحين تعجز رقصاته عن

تسمعها بانك تختنق، ألنها تشعرك بأنك تعيش وكثيرا ما يعزف مقطوعات همجية تحس حينواذا عزف مقطوعة حزينة، أحسست .. انتخلق بانس حياة ال لون لها وال طعم ، حياة بائسة ال

..بين اصابعك بأن حياتك تمضي وتنساب كما تنساب الرمل

التي أقضيها في ان قلبي يتحرك بين ضلوعي جيئة وذهابا كالمنسج، انه ينسج هذه الشهور .. انني سعيد–كريت، وأعتقد غفر اهللا لي

الذي كان وقتئذ ) بونتاس(اع عن اقليم ايطاليا في طريقنا إلى اليونان للدف هل تذكر يوم عبرناالغزو؟ لقد غادرنا القطار لقضاء بعض الوقت في المدينة حتى يحين موعد معرضا لخطروكانت أحواض .. وسرنا في حديقة واسعة على مقربة من المحطة.. التالي سفرنا بالقطار

وما كدنا ننحرف في .. الجمال وحسن التنسيق بحيث خيل الينا أننا في حلم الزهور حولنا من الحديقة حتى وجدنا أنفسنا أمام فتاتين تسيران جنبا إلى جنب وتقرآن كتابا واحد مسالك

..واحدا

شقراء واألخرى انني ال أذكر اآلن مبلغ حظهما من الجمال ولكني أذكر أن احداهما كانت .سمراء، وانهما كانتا ترتديان ثياب الربيع

مهما يكن : ي األحالم، اقتربنا منهما، وقلت انت تحدثهمابها ف وبمثل الجرأة التي نترف .تقرآنه، فاننا على استعداد لمناقشته معكما موضوع الكتاب الذي

يكن لدينا متسع من الوقت، فدار الحديث بيننا بسرعة ولم) جوركي(وكان الكتاب من تأليف ..والحب عن الحياة والفقر، وثورة العقل

المجهولتين أصدقاء فقد خيل إلينا والفتاتين.. قتئذ من سرور وأسىولن أنسى ما احسسنا به و ..قدامى، بل وعشاق قدامى

الممتع وشددنا على ايدي الفتاتين، فامتقع وجه احداهما، بينما وأقبل القطار، فأخرجنا من حلمنا .وترتجف راحت االخرى تضحك

وما معنى معنى الوطن؟؟وما.. واذكر انني قلت لك في تلك اللحظة، ما معنى اليونان؟ ..الواجب ؟ ان الحقيقة هنا

..تعني شيئا ان اليونان والوطن والواجب ال: فكان جوابك

تردد، وبذلنا حياتنا في سبيله ولكن هذا الالشيء اذا دعانا، لبينا دعوته بال... انها ال شيء ...

.عن طيب خاطر

هذا؟ لماذا اكتب اليك كل: وعلك تسأل

.معا ن تعلم انني لم أنسى لحظة واحدة من اللحظات التي عشناهاانني أريدك أ

..باالرتياح وما ان فرغت من الرسالة التي تحدثت فيها إلى صديقي حتى سرى عني وشعرت

.ودعوت زوربا

وبين يديه انموذج صغير للسلك كان قابعا تحت احدى الصخور حتى ال يبتل بماء المطر، .الهوائي يقوم باختباره

.القرية هلم بنا نذهب إلى: لهقلت

اال تستطيع الذهاب وحدك؟.. ان المطر ينهمر -

:بالملل، هلم بنا فضحك وقال ال أريد أن أشعر -

.يسرني ان تكون بحاجة إلي -

.وخرجنا إلى الطريق. الصوف كنت قد أعطيته له وارتدى معطفا من

.الجبل وكان الهواء ساكنا، والضباب يحجب

للمرة األولى في التقط زهرة نرجس، ونظر إليها طويال، وكأنه يرى النرجسوانحنى زوربا و .حياته

:وقال وهو يتأملها بعد أن شمها

..لعلها تدعونا ونحن ال نسمعها! تقول الصخور واالمطار والزهور؟ ليتنا نعلم ماذا -

: ن كل شيءالناس عيونهم وآذانهم ليروا ويسمعوا؟ ومتى نفتح سواعدنا لنحتض ترى متى يفتح واالمطار والزهور والناس؟ ما قولك في ذلك يا استاذ؟ وماذا تقول كتبك في هذا الصخور

الموضوع؟

..الكتب هذا ما تقوله.. لتذهب الصخور واالمطار والزهور إلى الشيطان -

:فأمسك بساعدي وقال

ها، كومة واحدة وأشعل النار في ضع كل كتبك في.. خطرت لي فكرة أرجو أال تغضبك - .فلعلنا نستطيع أن نصنع منك شيئا بعد ذلك

..انه على حق، ولكني ال أستطيع أن أفعل ذلك: لنفسي وقلت

.ووصلنا إلى القرية

الفتيات يعدن بالخراف من المراعي، والرجال يطلقون الثيران من نير المحاريث ورأينا .ارع الضيقةوالنساء يعدون وراء أطفالهن في الشو.. الحقول بغير حرث ويتركون

القرية منذ بدأت االمطار نوع من الذعر المرح، فالنساء يصرخن وعيونهن كان يسوديصطنعون الجد والرزانة، وقطرات المطر تتساقط من لحاهم وشواربهم، تضحك، والرجال

.من االرض والحجارة والعشب ورائحة البلل تفوح

المقهى مزدحما بالرجال، وبعضهم والماء يقطر من ثيابنا، وكان) التواضع(ودخلنا مقهى كانوا يتصايحون عبر الجبال، بينما يلعبون الورق وبعضهم يتحدثون بأعلى اصواتهم كما لوالعم : المقهى وراحوا يتداولون دار شيوخ القرية حول مائدة في ركن قصي من أركانونه الطويل ومفراندوني وهو يدخن غلي اناجنوستي بقميصه األبيض ذي االكمام الفضفاضة،وقد استند إلى عصاه وأخذ ينصت إلى شاب وعيناه تنظران إلى موقع قدميه، وناظر المدرسة

وصاحب المقهى . عجائب هذه المدينة الكبيرة وراح يصف) كانديا(ضخم الجسم عاد لتوه من .القهوة المرصوصة أمامه وهو يصغي من مكانه ويضحك ويرقب اواني

إلى مائدته وقال وهو يشير إلى ي حتى نهض واقفا ودعانا للجلوسوما أن رآنا العم اناجنوست :الشباب

.وحديثه ال يخلو من الطرافة).. كانديا(في ان سكافيانو نيكولي يحدثنا عن مشاهداته -

:ثم التفت إلى صاحب المقهى وقال

.قدحان من العرق يا مانوالكي -

. انطوى على نفسه ولزم الصمت تىوجلسنا، وما ان وجد الشاب نفسه في حضرة أجنبيين ح :فقال له ناظر المدرسة ليحثه على الكالم

إلى المسرح كذلك يا نيكولي؟ وهل ذهبت -

:وجمع أطراف شجاعته وقال فمد الشاب يده الغليظة وتناول قدحه، واحتسى النبيذ

احدى وفي .. عن ممثلة معروفة كانوا يتكلمون في كل مكان.. نعم، لقد ذهبت إلى المسرح -حسنا، لماذا ال أرى بنفسي تلك االمسيات ، رسمت عالمة الصليب على صدري وقلت لنفسي،

.التي تثير كل هذه الضجة

:اناجنوستي فقال العم

.حدثنا بحق السماء!! وماذا رأيت يا فتى -

يستحق الذكر، انك تسمعهم يتحدثون عن المسرح فتظن انك ستشهد الحق انني لم أر شيئا -فالمكان عبارة عن حانة كبيرة مستديرة .. انك أضعت نقودك سدى م تدرك بعد قليلث.. شيا

ولم أدر في الواقع أين انا، وبهرتني األضواء فلم .. واالنوار والناس كالجرن، مليئة بالمقاعد :وخشيت أن يسحروني فهممت بالخروج فامسكت بيدي فهتفت بها أتبين شيئا،

بي؟؟ إلى أين تذهبين -

..جذبتني خلفها، ومرت بي بين الصفوف واجلستني في أحد المقاعدولكنها

وشعرت باالختناق، اذ لم . أر اال أناسا حولي وأمامي وخلفي وفي كل مكان حتى السقف ولم :وأخيرا التفت إلى جاري وسألته.. هناك هوا على االطالق يكن

الصديق من أين تخرج الممثالت؟ هل لك أن تدلني ايها -

:فأجابني

.انهن يخرجن من هناك -

.الستار وأشار إلى

التي وكان على حق، اذ لم تمض لحظة حتى دق جرس، وتحركت الستار، وظهرت الممثلة وأخذت تروح وتغدو وتحرك.. ظهرت أمامنا على المسرح بدمها ولحمها.. عنها يتحدثون

..ذيلها، وتدور حول نفسها، حتى صفق الناس فتوارت عن األبصار

في الضحك، فبدا الخجل على وجه نيكولي ونظر إلى الباب وقال ليغير رق القرويونوهنا أغ :مجرى الحديث

..ال تزال االمطار تهطل -

.فاتجهت االبصار إلى حيث كان ينظر

وقد رفعت ذيل ثوبها االسود إلى ما فوق .. بالمقهى امرأة تعدو وفي هذه اللحظة مرت .على كتفيها وانسدل شعرها.. ركبتها

وقلت .. جمال تكوينها فأبرز مفاتنه وأهلني.. كانت رشيقة القوام، وقد التصق ثوبها بجسدهاالطراز الذي يلتهم من.. وخيل إلي أنها امرأة خطرة!! يا لها من وحش مفترس: لنفسي .الرجال

..المقهى نظرة ساحرة خاطفة وألقت على داخل.. وحولت المرأة رأسها بفترة يسيرة

: يجلس بجوار النافذة قائالوهتف شاب كان

.السموات يا اله

:وصاح مانوالكاس ، شرطي القرية

.قلوب الرجال وتدعهم يحترقون قبحها اهللا من فاجرة تشعل النار في -

االغنيات في تردد وبصوت خافت اوال، ثم وراح الشاب الجالس بجوار النافذة يترنم باحدى :أخذ صوته في االرتفاع

..رائحة السفرجل هاوسادة األرملة ل"

أنا أيضا عرفت هذه الرائحة "

."جفن ومن وقتها لم يغمض لي"

:فصاح مافراندوني

.صه -

.فصمت الشاب على الفور

:في أذن مانوالكاس قائال وهمس أحد الشيوخ

.يديه فسوف يمزقها اربا ان عمك حانق على األرملة، واذا وقعت المسكينة بين -

:فقال مانوالكاس

أال تخجل من نفسك؟.. أنك أيضا مفتون بها أيها العجوز اندروليو، اعتقدوأنت -

في أطفال القرية الذين ولدوا أخيرا، بارك اهللا في ال تشك أنك لم تدقق النظر.. اصغ إلي - ..انها عشيقة رجال القرية جميعا في استطاعتك أن تقول.. األرملة

:قائال وبعد لحظة صمت، غمغم اندروليو العجوز

عمري، مثل وليتني كنت في العشرين من!!! ما أسعد الرجل الذي يحتويها بين ساعديه - !!بافيل، ابن مافراندوني

:فقال أحد الحاضرين ضاحكا

.حين تعود إلى بيتها ستراها االن -

البرق يشق صفحة السماء بين وكان المطر قد كف، وبدأ وميض. فتعلقت عيون الجميع بالبابقال . نفسه منذ أبصر باالرملة وتقطعت أنفاس زوربا وفقد سيطرته على.. الفينة والفينة :يحدثني

.لقد كف المطر فهلم بنا -

:صبي عاري القدمين اشعث الشعر زائغ البصر فصاح به البعض ضاحكين وظهر بالباب

ميميكو؟ اهذا أنت يا -

منه، وقد كان ميميكو ابله خرواان لكل قرية انسانها االبله، فاذا لم يوجد االبله خلقوه خلقا ليس .تلك القرية

:النساء وقال ميميكو بصوت رقيق كأصوات

النبيذ جائزة لمن أيها االصدقاء، لقد فقدت االرملة سورمالينا نعجتها، وستعطي جالونا من - .يجدها

:فصاح مافراندوني في غضب

.اخرج ..اخرج من هنا -

:ه العم اناجنوستي مشفقافقال ل. فذعر ميميكو وانكمش بجانب الباب

ماذا تصبح قرييتنا اذا لم .. يا ميميكو وتناول قدحا من العرق حتى ال تصاب بالبرد اجلس - فيها مغفل؟ يبق

فصاح به وأقبل على المقهى شاب الهث االنفاس، تتساقط قطرات المطر من شعر رأسه :مانوالكاس

.تعال يا بافلي واجلس معنا -

:وقطب حاجبيه وتمتم قائال ولدهفنظر مافراندوني إلى

!واصفع به األرض من أين هذه الخنوثة، بودي أن أمسك بخناقه! اهذا ولدي

البقاء بين الجدران وكان زوربا يجلس متملمال، فقد الهبت االرملة حواسه، وشق عليه ..االربعة

:كان يهمس في أذني كل دقيقة

.أختنق هنا انني.. هلم بنا -

:ب المقهى، وساله، متظاهرا بقلة االكتراثثم تحول إلى صاح

تكون هذه األرملة؟ من -

:فقال المدعو كوندومانوليو

.انها فرس ولود -

على شفتيه، ونظر إلى مافراندوني من ركن عينيه نظرة ذات معنى، واستطرد ووضع اصبعه :قائال

.اللعنةولكن دعنا ال نتحدث عنها حتى ال تحل علينا .. انها فرس ولود.. نعم -

:مافراندوني واقفا وقال ونهض

وتبعه ابنه، وما لبثا ان غابا عن اتبعني يا بافلي وخرج.. انني سأعود إلى بيتي.. ومعذرة - .األبصار

:مافراندوني وقال بصوت خافت ال يكاد يسمع وانتقل اندومانوليو إلى مقعد

رثة كبرى، وأمس فقط، لقد نزلت باسرته كا.. كمدا انه سيموت.. مسكين مافراندوني - :سمعت بافلي يقول ألبيه

..نفسي اذا لم تقبلني زوجا لها سأقتل

.أية صلة بينما الفاجرة تسخر منه، وال تريد ان تكون لها

:وهمس زوربا وقد اثارته كل كلمة قيلت عن االرملة

.دعنا نذهب -

:فقلت وأنا أنهض واقفا

.هلم بنا اذن -

.فيه، وسار في أعقابنا ي توارىوخرج ميميكو من الركن الذ

:وبعد لحظة أحسست به يلمس كتفي وسمعته يقول

.سيجارة أيها السيد أعطني -

:فأعطيته سيجارة فاشعلها وراح يدخنها بلذة فسألته

أين أنت ذاهب؟ إلى -

.نعجتها لقد وعدتني بطعام اذا أنا أذعت الخبر عن.. إلى حديقة االرملة -

:وسأل الصبي القرية نظيفة باسمة بعد أن غسلها المطر وتنهد زورباوأسرعنا الخطى، وبدت

هل تحب االرملة؟ -

..المجاري ككل انسان آخر ولماذا ال أحبها أيها الصديق؟ ألم أخرج من -

:فذهلت ، وسألته

ميميكو؟ من المجاري؟ ماذا تعني يا -

ألم أخرج من احشاء أمي؟ -

.ودهشت وفكرت

يستطيع في أفضل لحظاته الخالقة أن يصف سر الوالدة بمثل هذا ذيان شكسبير هو وحده ال .الواقعي التعبير

:سألته

كيف تقضي أيامك يا ميميكو؟

صباحا وأكل كسرة من الخبز، وأؤدي جميع األعمال التي كأي أمير من األمراء، استيقظ - مع عمتي، ندابة انني أعيش.. القمامة والروث، ثم اصطاد السمك يطلبها الناس مني، واجمع

وفي المساء أعود إلى البيت وأتناول .. الجميع يعرفونها.. يوما ما وسوف تعرفها.. القرية ..من النبيذ ان وجد، فاذا لم أجد شربت ماء حتى تمتلئ أمعائي بعض الحساء، وقطرة

يا ميميكو؟ أال تنوي الزواج -

فأين أجدها؟ انني .. أحذية تحتاج إلىالمرأة .. أنا؟ انني لست مجنونا لكي أبحث عن المتاعب - .أسير عاري القدمين كما ترى

أليس لديك حذاء؟ -

تظنني؟ عندي حذاء طبعا، فقد مات رجل في العام الماضي فنزعت عمتي حذاءه من من - ولكني ال أنتعلهما اال في عيد الفصح، او عندما أذهب إلى الكنيسة، ومتى غادرت ..قدميه

.وضعتهما على كتفي، وعدت بهما إلى البيتالكنيسة خلعتهما، و

من سواه يا ميميكو؟ وأي شيء تحبه أكثر -

..الخبز أوالً، وخاصة اذا كان ساخنا ومن القمح -

.النبيذ ثم النوم ثم

والمساء؟ -

.عدا ذلك فمتاعب أما ما.. ال يهمني غير الطعام والشراب والنوم -

واألرملة؟ -

.طريقها عنها، وتنكباذا أردت السالمة فابتعد -

.قال ذلك ورسم عالمة الصليب على صدره -

هل تعرف القراءة؟ -

لست غبيا إلى هذا الحد، عندما كنت صغيرا حملوني إلى المدرسة، ولكني كنت حسن انني - .وهكذا نجوت من المدرسة.. فأحسست بالتيفوس، وأصبحت أبلها الحظ،

يء آخر غير االرملة، فأمسك بساعدي، وتحول لم يكن يفكر في ش ..وضاق زوربا بأسئلتي :يسبقنا ، ثم التفت إلي وقال إلى ميميكو وامره ان

تخذلني، وال تخذل عنصر الرجال جميعا انني أعتمد عليك فال.. أريد أن أحدثك في امر هام -وما دامت لك اسنان فانهش قطعة اللحم . اللحم لقد بعث اليك اهللا بهذه القطعة المختارة من

الخالق هذه األيدي؟ انه أعطانا اياها لكي نأخذ بها ما لماذا اعطانا.. امدد يدك وخذها. باسنانكرأيت في حياتي نساء كثيرات ولكني لم أرد أشد فتة من هذه لقد.. فخذ هذه المرأة.. نريد

.األرملة

:غضب فأجبته في

. انني ال أريد المتاعب -

ذلك الجسد القوي الذي مر بي كما تمر قد اشتهيتوشعرت بالضيق، اذ كنت في قرارة نفسي ..انثى الحيوان البري حين تبحث عن أليف

:زوربا في ذهول وصاح

ال تريد المتاعب؟ ماذا تريد اذن؟ -

.فلم أجبه

:قال

هل تعرف ما معنى ان يعيش االنسان؟ .. الحياة هي المتاعب، وال متاعب في الموت ان - .يبحث عن المتاعبان يشمر عن ساعديه و معناه

.فلزمت الصمت

.ولكني لم أجرؤ على مصارحته بذلك كنت أعلم ان زوربا على حق،

وبلغ .. بالناس اشبه بحديث من جانب واحد لقد سارت حياتي في اتجاه خاطئ، وكانت صلتيامرأة، وقراءة كتاب عن الحب، الخترت بي األمر انني لو خيرت بين الوقوع في حب

.الكتاب

: زوربا قائالواستطرد

حساب شيء يا سيدي، دع االرقام وحطم الموازين، فهذا هو الوقت الذي ستنقذ ال تحسب - ..تدمرها فيه نفسك او

ألن أوراق النقد ال اصغ الي، خذ منديال واطوه على جنيهين او ثالثة، ولتكن جنيهات ذهبية،ان صاحب المنجم : يقول لها تبهر االبصار، وارسل ميميكو بالمنديل إلى األرملة، وعلمه ان

أكبر من هديته، وانها اذا كانت قد ويبعث اليك بتحيته، ويرجوك قبول هذا المنديل ولكن حبهعندما مررت بالمقهى فطار لبه، ولن لقد رآك.. فقدت نعجتها، فانه موجود وسيعوضك عنها

.يبرئه سواك

اء، وتدق بابها، وتقول لها انك يبرد، فتذهب إليها في المس وعليك ان تضرب الحديد قبل اناو تقول انك احسست بدورا فجائين .. وتسألها أن تعيرك مصباحا ضللت الطريق في الظالم،

ها : وأفضل من هذا وذاك، ان تبتاع نعجة تذهب بها اليها وتقول لها ..وتطلب منها قدح ماء ."لقد وجدتها لك.. فقدتها يا سيدي هي نعجتك التي

.وعدت بها من بجد النعجة لدخول، لتعطيك الجائزة التيفتدعوك االرملة ل

ال .. كنت تبحث عن الجنة فهذه هي اذا! انك ستدخل الجنة راكبا فرسا!! يا الهي.. فتدخل :اخرى تصدق ما يقوله رجال الكنيسة، فليست هناك جنة

عبر عن شجونه وراح ي وال بد اننا اقتربنا من تلك اللحظة من حديقة االرملة، فقد تنهد ميميكو :باالغنية الصبيانية التالية

للجوز النبيذ للكستناء، والعسل

والفتاة للفتى ، والفتى للفتاة

:وسألني وهو ينظر في عيني وتوقف زوربا عن السير فجأة، وتنهد،

ما قولك؟ -

:وانتظر بفروغ صبر فأجبته في خشونة

.كفى -

.معهوأسرعت الخطى، فهز زوربا رأسه، وقال شيا لم أس

جلس القرفصاء ووضع السانتوري على ركبتيه واحنى رأسه فوق دره، وعندما بلغنا الكوخ .والتأمل واستغرق في التفكير

وبدأ يعزف أغنية بدا عليه كأنه ينصت إلى أغنيات عديدة ليختار أجملها، وأخيرا حزم أمره،يحاول ان يقول انهرقيقة مؤثرة، وكان ينظر الى من ركن عينه بين وقت وآخر حتى شعرت واني . وأضيعها هباء بالسانتوري ما ال يجرؤ على التعبير عنه بالكالم، وهو انني أبدد حياتي .ظلهما الى االبد واالرملة حشرتان تعيشان بضع ثواني تحت الشمس ثم تموتان ويتقلص

ى الجدار فاستند إل.. فائدة واخيرا، نهض زوربا واقفا ولعله أدرك فجأة انه يتعب نفسه بال :وأشعل لفافة تبغ وقال

.سأقوله حتى ولو لم يسفر عن نتيجة.. رجل من أهل سالونيك سأذكر لك االن شيا قاله لي -

.. جائعا في مقدونيا، وكنت أزور القرى ألبيع االبر والخيط والتوابل كنت في وقت ما بائعا.. ن الصوت الجميلكصوت البلبل، ولعلك تعلم ان بعض النساء يفتنه وكان لي صوت عذب

انك قد تكون دميما .. اهللا وحده يعلم ما في صدورهن.. أولئك الفاجرات وأي شيء ال يفتنفاذا كان صوتك جميال رغم ذلك، وكان في استطاعتك ان .. تكون اعرجا او احدبا كاالثم، وقد

.حتى لتحار ايهن تختار. فان النساء يتهالكن عليك ..تغني

ويبدو ان ابنه أحد . وأطوف بها في الحي التركي! سالونيك فيوكنت أنادي على بضاعتيالنوم جفونها، ولما لم تطق صبرا، ارسلت خادمها العجوز في الباشوات فتنها صوتي، فهجر

.طلبي

.تعال معي ايها الرومي: وقال لي ولحق بي الشيخ

:فسألته

.إلى أين تريد أن تأخذني -

حد الباشوات تنتظرك في غرفتها فتعال معي ايها الروميفتاة كالنبع العذب هي ابنة أ ان -

.الشاب

:له ولكني كنت اعلم انهم يذبحون المسيحيين ليال في الحي التركي فقلت

.لن أذهب معك.. كال -

أال تخاف اهللا؟ -

لماذا؟ -

مة النوم مع امرأة وال يفعل، يرتكب اثما عظيما يعاقبه اهللا عليه يوم القيا ألن من يستطيع - .جهنم مصيرة وتكون

:وتنهد زوربا واردف قائال

ليس ألنني سرقت وقتلت وارتكبت المنكر، .. لهذا السبب اذا كانت هناك جهنم فسأذهب إليها - .سالونيك رفضت الذهاب إلى امرأة تنتظرني في فراشها وانما ألنني ذات ليلة في

:ركن عينه ويبتسم في سخريةيطهو الطعام وهو ينظر إلي من وأشعل زوربا الموقد، وبدأ

:قائال وأخيرا هز كتفيه وتمتم

.انني كمن يدق باب رجل أصم -

الفصل التاسع

والضوء يزداد خفوتاً، والقلوب تضطرب قلقاً كلما أقبل المساء، وبدأ بدأ النهار يزداد قصراً،كلما رأوا الشمس الهلع الفطري الذي كان يستولي على أسالفنا في شهور الشتاء يخامرنا ذلك

غدا ستذهب الشمس إلى(بالغروب يوما بعد يوم، ولعلهم كانوا يقولون ألنفسهم في يأس، تعجل

.ثم يقضون الليل فوق الجبال وهو يرتجفون خوفا وجزعا) األبد

بالقلق أعمق وأكثر بدائية من شعوري ولكي يهرب من هذا الشعور، كان وكان شعور زوربا .م أطول وقت ممكن فال يغادرها اال اذا تألقت النجوم في السماءالمنج يقضي في سراديب

نوع قليل من الرماد غني بالطاقة . في أحد السراديب على نوع جيد من الفحم وكان قد وقعفقد كان عقله يطور أرباحنا تطويراً عجيباً ويحولها إلى .. وسره ذلك وأثلج صدره الحرارية، ..ونساء ومغامرات جديدة رحالت

هكذا –ضخمة، وتصبح أجنحته كان ينتظر بفروغ صبر ذلك اليوم الذي تجتمع لنا فيه ثروةولهذا كان يقضي الليالي بطولها ..لكي يطير ويحلق في الفضاء.. كبيرة–كان يسمي النقود

االنحدار المناسب لتحرك جذوع في اختبار أنموذجه المصغر للسلك الهوائي، للبحث عن .قمة الجبل إلى الشاطئاالشجار ببطء من

ورسم الجبل والغابة، وجذوع.. األيام، تناول ورقة كبيرة وبعض األقالم الملونة وفي أحد

االشجار المعلقة بالسلك الهوائي وهي تنحدر، وجعل لكل جذع جناحين، ثم رسم في الخليج

ق كتالالصغير زوارق سوداء وبحارة يرتدون ثياباً خضراء كالببغاوات، ووضع في الزوار

صفراء من جذوع الشجر، ورسم راهبا في كل من اركان الورقة األربعة وكتب أمام فم كل

.تبارك الخالق وما خلق: راهب بحروف سوداء كبيرة

زوربا يشعل الموقد على عجل، ويعد الطعام ويتناول عشاءه والحظت خالل األيام األخيرة أنأين : زائغ البصر مقطب الجبين، فاذا سألتهويعود بعد فترة بسرعةن ثم ينطلق إلى القرية،

:كنت يا زوربا؟ أجاب

.دعنا من ذلك -

.ويغير مجرى الحديث

ونحن أمام الموقد نتدفأ ونشوي بعض وفي احدى االمسيات، كان المطر يهطل مدارا،فاحصة طويلة، كما لو كان يحاول الكستناء، حين تحول زوربا إلي، وراح يجحدني بنظرة

:أرهقته، ألنه ما لبث أن قال ويبدو أن المحاولة. ثام عن لغز عويصاماطة الل

بأذني وتلقي بي إلى الخارج؟ انني سأفسد لماذا ال تمسك.. ليتني أعرف ماذا يحببني إليك - .الخارج وانفض يدك مني أعمالك وأجلب عليك الدمار، فالق بي إلى

:فأجبته

.أنا أحبك، وهذا يكفي -

عقلي ليس له الوزن المناسب؟ ربما كان أثقل أو أخف وزناً مما ينبغي، ولكن أال ترى أن -الوزن المناسب، سأقول لك االن شيئا أرجو أن تفهمه، انني لم أعرف للراحة ولكن ليس له وأرجوك أال تسيء فهمي، فأنا ال أريدها لنفسي ولن.. األيام األخيرة بسبب األرملة طعماً طيلة

. وحدها ولكني ال أريد أن يخسرها الجميع وال أريد أن تنام.. زهاأمسها ألنني لست من طرا .فذلك ليس من الصواب

القرية كل مساء فهل تعرف لماذا؟ انني أطوف بحديقتها كل ليلة وهذا سر رحلتي إلى

.بالي وتطمئن نفسي كي أرى ما اذا كان هناك من ينام معها، ليرتاح -

.فضحكت

:قال

ذنبنا نحن الرجال وسوف نحاسب عليه في يوم رأة وحدها فالذنباذا نامت ام. ال تضحك - .الدينونة

:فجأة وصمت لحظة ثم سأل

هل يمكن أن يعود االنسان إلى الدنيا بعد أن يموت؟

.زوربا ال أظن ذلك يا -

الذين تخلفوا عن وذلك هو رأيي، ولكن اذا قدر لالنسان أن يعود، فأكبر الظن أن أولئك -يدري، فلعل جميع ومن.. ونساء سوف يعودون إلى الدنيا على شكل بغالوظائفهم كرجال

واجباتهم، ولهذا نراهم البغال التي نراها في هذه الدنيا هي الرجال والنساء الذين تخلوا عن فما رأيك في ذلك؟.. دائما يرفسون

:فأجبت ضاحكا

.هلم إلى السانتوري يا زوربا.. أن عقلك أقل وزنا مما يجب رأيي -

واذا كنت قد أسرفت في أحاديثي السخيفة فهل تعلم .. لن أعزف الليلة أنني.. معذرة يا سيدي - .وهأنتذا تتحدث عن السانتوري.. هموم الدنيا بسبب السرداب الجديد لماذا؟ ألنني أحمل

.من الموقد، ومأل القدحين بالعرق وأخرج الكستناء

:قلت

.منى على كتفه اليسرىالي أسأل اهللا أن يرجح كفة الميزان -

:فقال زوربا

.اليمنى لم يفدنا شيئاً حتى اآلن ان رجحان.. بل لترجح الكفة اليسرى -

. وافرغ الشراب في جوفه وقال

.طاب مساؤك.. إلى كل ذرة من قواي ألناضل آالف الشياطين سأحتاج غدا -

.اليوم التالي مع أول خيوط الفجر وخرج زوربا إلى المنجم في

الماء من جدرانه وسقفه ووجد الرجال أنفسهم العمال قد شقوا السرداب الجديد فتسربوكان جوع األشجار لدعم جدران السرداب يخوضون في أوحال سوداء، فأحضر زوربا بعض

.وسقفه

جعلته يشعر بكل ما يصيب السرداب كما لو كان ولكنه كان قلقا، فقد أحس بغريزته التيوشرائح الخشب ليست من القوة كما ينبغي أن أن جذوع األشجارالسرداب جزءا من جسده، ب

أخى، توحي بأن سقف السرداب يئن من ثقل ما تكون، وسمع قرقعة خفيفة لم تسمعها اذن .يحمل

فإنه ما كاد يهم بدخول السرداب . زوربا في ذلك اليوم وثمة شيء آخر أشاع القلق في نفس ممتطيا بغلته، وهو في طريقه إلى راهبة تحتضر، ستيفانوس، حتى مر به قس القرية، األب

متسعا من الوقت لكي يبصق على األرض ثالث مرات قبل ومن حسن الحظ أن زوربا وجد .أن يتحدث إليه القس

:على تحية القس قال رداً

.طاب يومك أيها األب -

:ثم أردف بصوت خافت

.على ولتهبط لعنتك -

.يد من شر القس وحسدهوظن أنه بذلك قد وقى السرداب الجد

مثقالً برائحة الفحم واالسيتيلين، وكان العمال قد بدوا فعال في دعم السقف وكان جو السرداب باالعمدة التي تحمله، فألقى عليهم زوربا تحية الصباح ثم شمر عن ساعديه، وبدأ وتقويته

.العمل

بالعربات ي وضعهوأخذ بعض العمال في تحطيم كتل الفحم، بينما شرع البعض اآلخر ف .تمهيدا لنقله إلى الخارج

.يحذوا حذوه وأرهف أذنيه وفجأة ، وقف زوربا عن العمل، وأمر العمال أن

أصبح زوربا قطعة من المنجم، يشعر وكما يفني الفارس في جواده، والربان في سفينته، كذلك .بكل تشعب فيه كما يشعر بنبض كل شريان في جسده

.الكبيرتين، أرسل بصره إلى جوف السردابفبعد أن أرهف أذنيه

فقد استيقظت فجأة وأنا متوجس، وكأن يدا خفية تدفعني، .. وصلت إلى المنجم وفي هذه اللحظةأو إلى أين أذهب، . ثيابي على عجل، وأسرعت بالخروج دون أن أعلم لماذا أسرع فارتديت إليه في اللحظة التي كان فيهاقدماي حملتاني دون تردد في الطريق إلى المنجم ووصلت ولكن

.زوربا يصيخ السمع وينظر حوله في قلق

:قال بعد لحظة

.إلى العمل يا رجال.. ولكن ال بأس ..ظننت ان.. ال شيء -

..ودار على عقبيه ورآني وقلب شفته

تفعل هنا في هذا الوقت المبكر؟ ماذا -

:واقترب مني واستطرد قائال في همس

.نشق بعض الهواء النقي؟ يمكنك أن تأتي في يوم آخرتذهب لتست لماذا ال -

زوربا؟ ماذا حدث يا -

.. اليوم كان قسا ولعل السبب أن أول انسان وقع عليه بصري.. ال شيء، لقد تخيلت أشياء - .اذهب

أفال يكون من العار أن أذهب؟.. اذا كان هناك خطر -

.نعم -

أترحل أنت؟ -

.كال -

اذن؟ -

ولكن اذا كان .. ينبغي أن يفعله اآلخرون شي آخر وما.. يفعله زوربا شيءان ما يجب أن - .جنازتك فهذه.. من العار أن ترحل، فابق

مصباحا وتناول معوال، ونهض على أصابع قدميه ليدق مسمارا في السقف، بينما حملت .وخضت في الوحل أللقي نظرة على كتل الفحم الالمعة

ثم جاء .. ها األرض منذ ماليين السنين وأحالت أخشابها فحماابتلعت كانت هناك غابات شاسعة .. زوربا و

.وأعدت المصباح إلى مكانه بالجدار ووقفت أرقب زوربا وهو يعمل

وهو .. فهو ال يفكر في أي شيء آخر.. مستغرقا فيه بكل حواسه.. إلى عمله كان منصرفاالمسامير في نضال ضد شرائح والمعول والفحم شي واحد، وقد اتحد مع المطرقة و واألرض وهو يعالج جدار الجبل ليخرج الفحم بالقوة تارة وبالحيلة تارة.. ليقوم السقف المنبعج الخشب

ويصدر في كل ذلك.. أخرى، ويضرب بمعوله في المواضع الضعيفة التي يمكن التغلب عليها

.عن احساس غريزي ال يخطئ أبدا

ظاهرا منه إال بياض عينيه، وخيل إلي أنه ود، فلم يبقرأيته وقد اكتسى بالوحل والتراب األسالفحم حتى يستطيع مهاجمة غريمه على غرة قد لجأ إلى التمويه وتنكر في صورة كتلة من

.منه، واالنقضاض عليه في عقر داره

:أستطع كتمان اعجابي فهتفت ولم

..أحسنت صنعا يا زوربا -

كيف كان يمكنه في تلك اللحظة ان يتحدث إلي عن إلي أو يحدثني، و ولكنه لم يحاول أن ينظر والورق على المعول والفأس؟ كثب، أيؤثر القلم

.ونظرت إلى ساعتي

:فقلت كانت الساعة قد بلغت العاشرة

.لقد حان وقت الراحة أيها األصدقاء -

وجففوا العرق المتصبب على جباههم،. إلى أحد األركان وعلى الفور، ألقى العمال بأدواتهم .السرداب وتأهبوا لمغادرة

.قيد أنملة ولو سمعني لما تحرك.. وكان زوربا ال يزال مستغرقا في العمل فلم يسمعني

.القلق وفجأة، أرهف زوربا أذنيه مرة أخرى، وظهرت على وجهه دالئل

.ريثما أقدم لكم بعض السجائر.. صبرا لحظة: فقلت أحدث العمال

. في جيوبي عن علبة السجائرالعمال بي، بينما أخذت أبحث فدار

عن عمله وألصق أذنه بجدار السرداب، ورأيته على ضوء وفي هذه اللحظة، كف زوربا :به فصحت.. المصباح يفغر فاه دهشة

.ماذا هنالك يا زوربا -

:بصوت أجش وقبل أن يجيب، حدثت فرقعة فوق رؤوسنا فصاح زوربا

.اخرجوا.. اخرجوا جميعا -

كدنا نتجاوز السقالة االولى حتى دوت فرقعة أخرى فوهة السرداب، ومافانطلقنا نعدو نحو .فوق رؤوسنا

جذع شجرة ضخم، وراح يحاول أن يسند به السقف المتداعي، ولو نجح وكان زوربا قد حمل .قد نتمكن فيها من الفرار التاح لنا بضع ثوان

:وصاح زوربا مرة اخرى

.اخرجوا -

. خافتا مختنقا كأنه صادر من بطن االرضهذه المرة كان ولكن صوته في

اندفعنا جميعا نحو فوهة السرداب، وقد . عادة في لحظات الخطر وبالجبن الذي يصيب الناس .تماما نسينا زوربا

:ولكني توقفت بعد بضع ثوان، وعدت ادراجي إلى السرداب وأخذت اصيح

.زوربا.. زوربا -

حنجرتي وأحسست نقني، وأن صوتي لم يغادرتوهمت أنني أصيح، ثم أدركت أن الخوف قد خ .بالخجل، فوثبت نحو زوربا ومددت له يدي

السقف وبدأ يعدو في الظالم طلبا للنجاة فاصطدم بي، وأحاط كل وكان قد فرغ لتوه من دعم :وصاح زوربا .منا صاحبه بساعديه

..اخرج.. يجب أن نخرج -

وكان العمال قد اجتمعوا عندها والرعب . ةالفوه وانطلقنا نعدو بأقصى سرعة حتى وصلنا إلى

.يمأل نفوسهم

. النهار، حتى سمعنا فرقعة ثالثة، أشبه بصوت شجرة تنكسر في العاصفة وما أن رأينا ضوء .وانهار السرداب.. الرعد هز المنطقة كلها اعقبها دوي كقصف

:الصليب على صدورهم وهتف بعض الرجال وهم يرسمون عالمة

.يا الهي -

:ا صاح زوربا في غضببينم

.معاولكم هناك أرى أنكم تركتم -

:فصمت الرجال، وصاح زوربا ثانية

معكم؟ لماذا لم تأخذوا األدوات -

:فقلت له

.. على أن الرجال نجوا بأنفسهم ليس هذا وقت البكاء على األدوات يا زوربا، دعنا نحمد اهللا - .لك شكرا لك يا زوربا اننا جميعا ندين بحياتنا

:قال زورباف

.ان ما حدث جعلني أشعر بالجوع -

تركها فوق صخرة بالقرب من المنجم ففتحها، وأخرج منها خبزا وتناول حقيبة، وكان قد .النبيذ وزيتونا وبصال، وقليال من

:وقال وفمه مملوء بالطعام

.دعونا نأكل.. هلموا يا رجال -

.به النبيذ إلى فمه، وشرب كل مايأكل بنهم، دون أن ينطق بكلمة، ثم رفع اناء وراح

وأفرغ روع العمال، واستردوا شجاعتهم ورباطة جأشهم، فحملوا طعامهم وجلسوا على

.األرض حول زوربان وراحوا يأكلون دون أن يحولوا ابصارهم عنه

ولكنه عرف بينهم بالشدة وغرابة .. وان يقبلوا يديه.. بأنفسهم على قدميه كان بودهم أن يلقوا .يجرؤ أحدهم على الدنو منه ار فلماألطو

:وقال محدثا زوربا أطراف شجاعته– أكبر العمال سنا –وأخيرا جميع ميشيل

.اليكسيس لوالك ألصبح أوالدنا اآلن أيتاماً أيها السيد -

:فقال زوربا والطعام في فمه

.صه -

.الكالم ولم يجرؤ أحد بعد ذلك على

الفصل العاشر

الصرح الذي يمثل الغطرسة والقحة، هذا الحقل الذي ينبت متاهة، هذامن اذن خلق هذه اليؤدي إلى الجحيم، هذه السلة الملية بالدهاء، هذا السم الذي له آالف الخدع، هذا الباب الذي

.األصفاد التي تغل البشر باألرض المرأة مذاق العسل، هذه

.س على األرض أمام الموقدالبوذية وأنا جال وفي بطء وصمت، أخذت أسجل هذه األغنية

التعاويذ التي حاولت بها أن أطرد من ذهني صورة كانت هذه األغنية وأمثالها هي بعضامرأة ظلت تلح ... المطر ثوبها فألصقه بجسدها وأبرز مفاتنها مغرية المرأة مثيرة، قد بلل ماء

.ءعيني جيئة وذهابا ليلة بعد ليلة، طيلة الشتا على خيالي وتتهادي أمام

السرداب الذي كاد يودي بحياتي، كنت أشعر باالرملة في والواقع، انني منذ حادث انهيار :اناث الحيوان وتقول لي في الحاح وعتاب دمي، وكانت تدعوني كما تفعل

..فتعال قبل فوات االوان. البرق ان الحياة تمر كومضة.. تعال.. تعال -

انقطاع ، لتغريني بمفاتن جسدها، وكنت بالكانت تمأل الجو حولي في وحدتي، وتمر أماميعقلي، ولكن ما أن يقبل الليل حتى تنهار ارادتي، أقاوم االغراء في النهار بقوة ارادتي ويقظة

.وتدخل االرملة ..ويلقي عقلي سالحه، وتفتح االبواب

..النضال من جديد وهكذا كنت أستيقظ كل صباح خائر القوى مغلوبا على أمري، لكي أبدأهي ضوء .. معي انني لست وحدي، فهناك قوة أخرى تخوض المعركة: وكنت أقول لنفسي

وأنا .. ال ييأس ولكنه.. هذا الضوء ينتصر تارة ويهزمه ظالم الليل تارة أخرى.. النهار .أناضل وآمل مع ضوء النهار

ي ليلة الفطري أي شيطان كنت أناضل، فقد قال لي ف وال بد أن يكون زوربا قد الحظ بذكائه :عيد الميالد

.على غير ما عهدتك فيم تفكر؟ انك -

.بسهولة فتظاهرت بأنني لم أسمعه ولكنه لم يكن الرجل الذي يتراجع

:قال

..انك ال تزال في مقتبل العمر -

:ثم أردف في غضب ومرارة

ذا فما انك شاب قوي البأس تأكل جيدا وتشرب جيدان وتستنشق هواء نقيا، وتختزن قوة هائلة -الليلة وال تضيع فاذهب إليها.. تصنع بها؟ انك تنام وحدك كل ليلة، وهذا ضار بمن كان مثلك

..الوقت، كل شيء في هذه الدنيا بسيط، فال تعقد األمور

.اصغي إليه، وأقلب صفحات كتابي عن بوذا وأصفر بفمي الخفي مشاعري فأخذت

:ال أريد االجابة فصاح والحظ زوربا أني

.أن تغادر بيتها إلى الكنيسة ا صديقي هي ليلة عيد الميالد، فأسرع إليها قبلالليلة ي -

:فقلت له في ضجر

فهل تشاجرت مع شجرة . واالنسان كالشجرة.. ميوله الخاصة ان لكل انسان.. كفى يا زوربا - .لقد كاد الليل ان ينتصف فهلم بنا إلى الكنيسة.. بحسبنا هذا اآلن يوما ما النها ال تثمر؟

:يأس وهو يضع قبعته على رأسه فقال زوربا في

..حسنا اذن، هلم بنا إلى الكنيسة -

صافية تماما والنجوم تبدو كبيرة متدلية من السماء ككرات من نار بينما بدا الليل كانت السماء

.كوحش أسود كبير يجثم على طول الشاطئ

قدمة أمام النساء، وعقد الجميع الرجال في الم وازدحمت الكنيسة الدافئة بالقرويين ، فوقفستيفانوس بقامته الطويلة، وثوبه الموشى بالذهب، بينما أخذ األب.. أيديهم فوق صدورهم

يروح ويغدو بخطى واسعة، ويترنم بأعلى صوته، .ووجهه الشاحب بعد صيام أربعين يوماالشواء وسائر حيث تنتظره مائدة مثقلة بالحساء و وبسرعة ، لكي يعود على عجل إلى بيته،

..االطعمة الشهية

..الكتب المقدسة ان النور ولد في مثل هذه الليلة لما نشأت االسطورة ومألت الدنيا ولو لم تقل

في ولكن النور الذي ولد.. ولمر الحادث كأية ظاهرة طبيعية عادية، دون أن يلهب االخيلة .قرنا واالرواح عشرينصميم الشتاء أصبح طفال، والطفل أصبح الها دانت له النفوس

بالطعام وغادرنا الكنيسة إلى فندق مدام هورتنس، حيث كانت في انتظارنا مائدة حافلة .والشراب

شعرها خلف رأسها، وكانت الغانية العجوز ترتدي غاللة طويلة ذات لون باهت وقد عقدتزهور بعطر وأحاطت عنقها المجعد بشريط من الحرير األصفر، وضمخت جسدها في سخاء

.البرتقال

:وأجال زوربا البصر حوله ثم همس في اذني قائال

..الظن أن العجوز لن تطلق سراحي الليلة لكن -

.المخدع الصغير الدافئ، وسرت في طريقي إلى الكوخ وكان الوقت فجرا عندما غادرتهما في

ويعمل ويكد السعادة الحقيقة ان يعيش االنسان بال مطامع كنت سعيدا ، وقلت لنفسي هذه هيالناس ويعمل لخيرهم دون أن يكون في حاجة اليهم وان يأكل كأن له ألف مطمع وان يحبوان يسير .. الميالد دون أن يتورط في المتاعب او يقع في الفخاخ ويشرب ويشترك في أعيادفوقه، والبحر إلى يمينه واألرض إلى يساره وأن يشعر بأن الحياة قد على الشاطئ والنجوم

.الكبرى فصارت قصة من وحي الخيال جزت معجزتهاان

.. الذي كنت أشعر به في قرارة نفسي ومرت األيام، وحاولت أن اصطنع المرح، رغم الحزنذكريات عن موسيقى بعيدة، وأناس . الذكريات فقد أزال أسبوع االعياد الغابر عني كثير من

قلب االنسان حفرة مليئة بالدم، واولئك ان: التي تقول وراعني صدق العبارة القديمة.. أحببتهمبأنفسهم على حافة الحفرة وينهلون من الدم، وهكذا يعودون إلى االحباب الذين ماتوا يلقون .لهم عظيما زادت الكمية التي ينتهلونها من دمك الحياة وكلما كان حبكم

.. بباب الكوخفتحت عيني على زوربا وهو يدق رمانة. الجديد وفي صباح اول يوم من العام

.. بذورها كحبات الياقوت الصافي االديم، وسقط بعضها على الفراش وانشقت الرمانة وتناثرت .وأكلتها وشعرت بانتعاش فتناولت بضع حبات

:قال زوربا

والنساء ثم اغتسل وارتدى ثيابه ومعطفه ارجو أن يزخر بالمال.. عام سعيد يا صديقي .الروسي وفتل شاربيه

الكنيسة بصفتي ممثال للشركة التي تستغل المنجم ، فليس من مصلحة ن إلىسأذهب اال -ان ذلك لن يكلفني شيئا، فضال عن انه .. القرويون اننا من المفكرين االحرار العمل ان يظن

.لقضاء الوقت وسيلة

:ثم انحنى فوقي وقال وهو يغمز بعينه

.االرملة هناك فربما اجد.. ومن يدري -

وارتديت ثيابي، وهو يبتعد، وعاودني االحساس بالوحدة، فنهضتوسمعت وقع خطاه .وخرجت الى الشاطئ

ترى من : إلى الشاطئ وأنا أسائل نفسي وكان الجو صافيا، والهوا باردا فسرت في الطريقمن العام الجديد؟ آمل أن يكون طفال يحمل بين سيكون اول انسان التقي به في هذا اليوم االول

الشعر، يرتدي قميصه االبيض المزركش، ويمشي في الهدايا، أو شيخا أشيبيديه كومة من .بشجاعة كبر وخيالء ألنه أدى واجبه في الحياة

المثير، ومرتدية فقد رايت االرملة بخصرها النحيل وجسمها.. وفجأة أحسست بيداي ترتجفان .إلى القرية ثوبا أحمر، وعلى رأسها منديل أسودن وهي تسير بخطى نشيطة في الطريق

.كانت تنساب ف رشاقة الفهد االسود

..الفرار ووددت لو أستطيع

هي .. خطره أحسست بأن هذا الوحش لن يعرف الرحمة اذا غضب ، وأن أفضل وسيلة التقاء ولكن كيف؟.. الفرار

كما لو كان جيشا برمته يسير كانت االرملة تقترب بسرعة، والحصى يصطك تحت قدميها .فوقه

.شعرها اسود المعا كخافية الغراب فانزلق المنديل وظهر–ي وهزت رأسها وأبصرت ب

.عينيها عذوبة غير مألوفة وكانت في.. وألقت إلي نظرة مغرية وابتسمت

أرى سرا من أخص أسرار وبسرعة اعادت وضع منديلها على رأسها وكأنما اخجلها ان ..المرأة، وهو شعرها

عاما سعيدا، ولكن الكلمات احتبست في حلقي كما احتبست اوأردت ان اتحدث اليها، واتمنى له .في خطر يوم انهار السرداب وكانت حياتي

ثمار الليمون وعبث النسيم باعواد النبات التي تحيط بحديقتها، وسقطت أشعة الشمس على .الجنة وازدهرت الحديقة أمام عيني حتى بدت كقطعة من. والبرتقال

اللحظة ومدت يدها، وفتحت باب الحديقة ومررت بها في هذهوتوقفت االرملة عن السير .فانثنت ونظرت إلي

.تهز ردفيها وتركت الباب مفتوحا، وسارت بين أشجار البرتقال، وهي

.بها أي رجل في مثل هذا الموقف، كانت يجب ان يغلق الباب، ويلحق

في مكاني الزن فقد جمدتأما أنا. وما أرجوه أن يفعله حفيدي.. أو أن هذا ما كان يفعله جدي .االمور وافكر

:ثم ابتسمت بمرارة وتمتمت قائال

.من ذلك اذا قدر لي ان أعيش في عالم آخر قد اتصرف خيرا -

حاولت أن أطرد االرملة من مخيلتي، وأن وعبثا. وأحسست بالبرد، ومرت بجسدي رعدة .وصدرها أنسى حركة ردفيها، وابتسامتها وعينيها

.لة أمامي حتى شعرت بأنني اختنقكلها ظلت ماث

اورقت بعد، ولكن أغصانها كانت تنبض بماء الحياة، حتى لتحس بأن ولم تكن االشجار قد .ورقة وراء كل نتوء

لكي تفجر ..كانت معجزة الربيع الكبرى تتحفز سرا في صمت، ليال ونهار، وفي وسط الربيع .الزهور والثمار من الخشب الجاف

ولم أفكر في شيء وأحسست بالسعادة كما لو .لست تحت احدى االشجاروتركت الطريق وج :صوتا يقول فجأة إلى أن سمعت.. كنت أجلس تحت شجرة في الجنة

ألم تشعر .. النهار او كاد انني بحثت عنك في كل مكان وقد انتصف. ماذا تفعل هنا يا سيدي -ن؟؟ ان رائحة الشواء تثير الفر بالجوع؟ أم لعلك نسيت الخروف الصغير الذي ينتظر في

.فهلم بنا! لعابي

.الطعام والشراب والنساء والرقص، ال تبارح ذهنه ابدا كانت حاجات الرجل االساسية،

:ملفوفة بالورق األحمر ومحزومة بخيط ذهبي فسألته وأنا أبتسم وكان يلوح في يده بحزمة

الجديدة؟ أهذه هدية السنة -

:فضحك ليخفي تأثره، وأجاب

. وحتى تذكر عصرها الذهبي الذي مضى.. للشكوى نا اردت أال أدع للمرأة المسكينة سبيالأ - ..على مصيرها أليست امرأة، أليس من شيم المرأة البكاء

..هلم بنا -

:خافت وعندما دنونا من القرية، اقترب زوربا مني وقال بصوت

االيقونات فجأة، عندما اضاءتكنت واقفا في الصف األول. لقد رأيتها في الكنيسة يا سيدي - الكنيسة؟ وتألق النور في كل مكان فقلت لنفسي، ماذا حدث؟ هل دخلت الشمس

.ونظرت حولي، واذا بي أرى االرملة

.فقلت وأنا أوسع الخطى

.وكفى.. هذا يا زوربا بحسبك -

:ولكنه أسرع ورائي ومضى يقول

.ار لبيورأيت الخال على خدها ، فط ..لقد رأيتها عن كثب -

.االلغاز العويصة انه كذلك لغز من!! وهذا الخال يا سيدي

ماذا .. خاال يذهب بصوابك تكون البشرة لينة وناعمة، ثم فجأة تظهر بها نقطة سوداء، تصبح تقول الكتب في ذلك يا سيدي؟

.الشيطان لتذهب الكتب إلى -

:فضحك زوربا وصاح

.اآلن بدأت تفهم.. هذا كالم جميل -

.هوريتش قد فرغت من طهو الحمل ووقفت بالباب تنتظرنا نت مداموكا

بذلك الشريط االصفر المقيت، وتضع ، على وجهها وشفتيها كانت كالعهد بها، تحيط عنقها ..وتحرص بذلك على ان تجعل من نفسها شيئا يثير االشمئزاز اكداسا من المساحيق والدهون،

مها كله ورقصت عيناها في محجريهما واستقرتا السرور على جس وأبصرت المرأة بنا فبدا .على شارب زوربا

:زوربا الباب، واحتوى الغانية العجوز بين ساعديه وهو يصيح وأغلق

!!انظري ماذا أحضرت لك.. بوبولينا عام سعيد يا -

.وافلتت من فمها صيحة فرح وما ان أطلقها زوربا حتى اختطفت الحزمة وفضتها

.الرى الهديةفانحنيت الى االمام

رسم عليها زوربا بااللوان اربع بوارج .. قطعة سميكة من الورق الكرتون كانت عبارة عن .عليها االعالم ضخمة ترفرف

والمرأة تشبه .. الهواء وفوق االمواج، بين البوارج االربع، صورة امرأة يتطاير شعرها فييحيط عنقها، وقد امسكت ذيمدام هورتنس بكل قسمات وجهها وجسمها، وبالشريط االصفر الاالعالم االنجليزية والروسية بزمام اربعة خيوط ثبتت اطرافها باربع بوارج ترفرف عليها

اللوحة اربع لحى، سوداء وشقراء وحمراء والفرنسية وااليطالية، بينما برزت في أربعة اركان .وشهباء

:ها إلى المرأة في اللوحةالفور وصاحت وهي تشير باصبع وفهمت الغانية معنى الصورة على

.هأنذا -

:في شيء من الخيالء وتنهدت، وقالت

.لقد كنت في وقت ما قوة عظمى -

مثبتة بالجدار على مقربة من قفص الببغاء، ووضعت اللوحة ورفعت مرآة صغيرة كانت .مكانها

ثم صفق فجاء بالحمل المشوي وزجاجة نبيذ، ومأل األقداح . تسلل إلى المطبخ وكان زوربا قد :وصاح بيديه

.إلى الطعام -

:ثم التفت إلى الغانية واستطرد

.ولكن الغانية العجوز عكرت الجو بتنهداتها. ذلك نهتم بما عداها المعدة أوال، وبعد -

وكلما انصرم عام، نظرت وراءها،.. عام جديد بمثابة يوم الدينونة بالنسبة اليها كانت بداية كل

ذكريات مدن كبرى، ومالبس حريرية، .. من قيود ذاكرتهاواستعرضت ماضيها، وبعثت وذكريات مدن كبرى، ومالبس حريرية، وزجاجات شمبانيا، ولحى .. شمبانيا وزجاجات .معطرة

:قائلة غمغمت

.ال رغبة لي في الطعام -

النار بينما جلس زوربا مترددا بين المضي وراحت تحرك. ونهضت الى الموقد فركعت امامهمواساتها بكلمة طيبة ترد عليها بهجتها وقابليتها الطعام الشهي دون ان يعبأ بها، أوفي تناول : فحثا بجانبها وقال يالطفها واتخذ قراره آخر األمر. للطعام

فرحمة بالحمل الوديع، والتهمي هذه ..اذا لم تأكلي يا ساحرتي الصغيرة انتهى كل شيء - .القطعة منه

.أحاطها بساعديه وانهضها وأجلسها بيننا ، ثمودس في فمها قطعة من اللحم

.يدها وأقبلت على الطعام ومسحت المرأة عينيها الحمراوين بظاهر

:وقال زوربا وهو يرفع قدحه

وأن .. اسأل اهللا أن يهبك في هذه السنة بعض األسنان الجديدة ..نخب صحتك يا بوبولينا -لص من هذا الشريط المزعج الذي تحيطين الكثيف، وان يهديك إلى التخ يمأل حاجبيك بالشعرفي كريت ثورة جديدة حتى تعود اليك بوارجك االربع، ومع كل بارجة به عنقك، وأن تقوموان .. وان تسبحي فوق قمم االمواج مرة أخرى ويرتفع صوتك العذب اميرال بلحية معطرة، .هاتين الصخرتين البارزتين تتحطم البوارج على

:المرأة وقالت ضخمة إلى صدرها المترهل، فتنهدتقال ذلك ومد يده ال

..يعود هل يمكن ان يحدث ذلك يا زوربا، ان الشباب اذا ذهب ال -

جديد يقوم لقد ظهر طبيب.. اصغ إلي يا صغيرتي، ألحدثك عن الهدية التي سأقدمها اليك -مسة الخا انه يعطيك جرعة من دواء فتعودين إلى سن العشرين، او.. ببعض المعجزات

طلب هذا ال تبك ايتها العزيزة، فقد ارسلت إلى أوروبا في.. والعشرين على أسوأ تقدير .الدواء

.كما تفعل الهرة فبهتت الغانية، وأحاطت عنق زوربا بساعدها، وقالت وهي تحتك به

..كبيرة، واذا كان مسحوقا اذا كان الدواء سائال فاطلب ملء زجاجة.. شكرا لك ألف شكر -

.كان مسحوقا فسأطلب ملء زكيبةواذا -

.على ركبتي زوربا والقت برأسها على كتفه وتنهدت وجلست الغانية

.وثملت كانت قد أسرفت في الشراب

:وسألها زوربا

فيم تفكرين يا بوبولينتي المحبوبة؟ -

في االتراك والشوارب الطويلة والطرابيش.. االسكندرية وبيروت والقسطنطينية في -

.الحمراء

:قالت.. تنهدت مرة أخرى، وازالت الغبار عن ذكرياتهاو

علي بك يقضي سهرة عندي، كان الموسيقيون يعزفون في فناء البيت وكان علي عندما كان -وكان جيراني يسمعون الموسيقى .. اليهم حفنات من النقود ليعزفوا حتى الفجر بك يلقي .أن علي بك عندها: غيظا ويقولون في حسد ويتميزون

يسمح لي بمغادرة بيته في أيام الجمعة، خوفا من ان في القسطنطينية، لم يكن سليمان باشاوفي أيام الجمعة، خوفا من ان يراني السلطان وهو في يراني السلطان وهو في طريقه الىوكان كلما خرج إلى عمله في الصباح، أمر .. ويختطفني طريقه الى المسجد فيبهره جمالي

ما .. تلك األيام .. آه .. ليمنعوا أي رجل من دخول غرفتي ث بمالزمة بابي،ثالثة من االغوا !! كان أجملها

زوربا وتخلص من المرأة بأن أجلسها على مقعد بجواره، وكانت هناك قطتان وتضايق

:وتتشاجران في الخارج فتناول زوربا عصاه وانطلق إلى الخارج، فصحت به ضاحكا تموءان

سليمان باشا؟: زورباستضرب بعصاك يا من -

.تتركانا في سالم بل سأضرب القطتين اللعينتين اللتين ال -

والشوارب والبوارج وعندما جاء زوربا كانت مدام هورتنس تغط في نومها وتحلم بالشرق :فنظر اليها زوربا باحتقار وقال

.لقد نامت الفاجرة -

سن وعادت إلى.. د تناولت العقار الجديدولعلها تحلم اآلن بانها ق.. ذلك يا زوربا باشا اظن - .العشرين

.بنا هلم!! انظر إليها كيف تبتسم في نومها!! قبحها اهللا من بقرة قذرة

إلى أن قال وساد الصمت بيننا بضع لحظات.. وخرجنا إلى الهواء البارد وإلى القمر المضيء :زوربا

لقد .. لمستها فقد لمست الشيطان ذاقال لي، احذر المرأة فانها شيطان، وا.. رحم اهللا جدي -االن تختال بهما، ومن أكل منهما سرقت تفاحتين من جنات عدن وأخفتهما في صدرها، وهي

.فقد هلك

وكانت الخمر والطعام الجيد ونور القمر .. السير ومررنا بحديقة االرملة، فتوقف زوربا عن :وت أجشنحو الحديقة وقال بص كلها قد لعبت برأسه، فاشرأب بعنقه

.وهنا شيطان آخر -

إلى الكوخ، فاستلقيت على فراشي وانا متعب منهوك القوى، وكان الفجر قد بزغ عندما وصلناالموقد وصنع بعض القهوة ثم جلس على األرض بجوار الباب اما زوربا فقد اغتسل واشعل

.البحر دون أن يأتي بحركة وينظر إلى. وراح يدخن في هدوء

بالمرونة والبساطة اللتين يتأقلم بهما، س في ضوء القمر كأنه صنم، واعجبتوتاملته وهو جالشيء آخر من نساء وخبز وماء ولحم، وبالطريقة التي يتواءم بها جسده وروحه مع كل

.ليتكون من الجميع شيء اسمه زوربا

.انني لم ار قط مثل هذا التحالف الودي بين انسان والعالم الذي يحيط به والواقع ،

القمر وشحب لونه، وهدأ البحر وسكنت امواجه ، والقى زوربا لفافة التبغ، ومال قرصواخرج منه حبال وقطعا صغيرة من الخشب، ثم أشعل المصباح الزيتي وراح وتناول قفصا .على انموذج مصغر للسلك الهوائي يقوم بتجاربه

رأسه حينا ويسب ويشتم حينا ألنه كان يحك ومن الواضح انه كان يقوم بعمليات حسابية معقدة .آخر

.فركل االنموذج وارسل اجزاءه تتطاير في الهواء وفجأة ضاق ذرعا بالعملية كلها،

__________________ الفصل الحادي عشر

وعندما استيقظت في الصباح كان زوربا قد انصرف وكان البرد وغلبني النعاس فنمت، .راش فقررت أن أقضي وقتي مع الكتبإلى مغادرة الف شديدا، ولم تكن بي رغبة

وكان مشرق الوجه، وخيل إلي أنه وجد حال الحدى ولم يعد زوربا إال في المساء، ..عنده فانتظرت العرف ما.. المشكالت

:وكنت قد بدأت أضيق به، ومنذ بضعة أيام دعوته إلي وقلت له في غضب

انشئ ذلك. يمكن عمله، فعجل بهلقد فرغت نقودنا يا زوربا أو كادت، فإذا كان هناك ما -

واال إنما يجب أن تعجل. السلك الهوائي، فاذا فشلنا في المنجم، أمكننا أن نفيد من الخشب .أفلسنا

:فحك رأسه وقال

.تقول ان نقودنا فرغت؟ هذا لن يؤسف له -

نعم يا زوربا لقد ابتلع المنجم بعضها، وأكلنا البعض اآلخر، فافعل شياً، كيف انتهت -

.تجاربك؟ ألم توفق بعد؟

:غضب فأطرق برأسه ولم يجب، وبدا علي الخجل، وما لبث أن صاح في

.سوف أظفر به مهما كلفني األمر!! ذلك المنحدر اللعين -

:صاح.. اآلن بوجه مشرق، وعلى شفتيه ابتسامة عريضة وها هو قد أقبل

. هذا الوقتالزاوية الصحيحة التي حيرتني كل لقد نجحت ونجحت في معرفة -

تنتظر؟ اذن فعجل بالعمل يا زوربا لماذا -

والمسامير واالدوات يجب أن أذهب إلى المدينة غدا صباحا لشراء أسالك الصلب والطنابير - .الضرورية وسأعود على وجه السرعة

.طعاما وأكلنا بشهية جيدة وأشعل الموقد بعد ذلك وأعد

بيننا في الطريق حديث جرى عن القرية وداروفي صباح اليوم التالي، رافقت زوربا إلى .العمل في المنجم

بقدمه حجرا، فتدحرج الحجر في المنحدر، ووقف وفيما كنا نهبط منحدرا، ضرب زوربا :ألول مرة في حياته والتفت إلي وقال زوربا مبهوتا، وكأنه يرى هذا المنظر

..المنحدرات هل رأيت؟ ان الحياة تعود إلى الحجارة في -

:فلم أجبه، ولكني شعرت بسرور وبهجة، وقلت لنفسي

والواقع أنهم ال .. الشعراء والمفكرين إلى األشياء كأنهم يرونها ألول مرة هكذا ينظر كبار - .وإنما يخلقونه يرونه

مجرد مشهد كبير رائع، وقد كانت الدنيا في نظر زوربا كما كانت في نظر االنسان األول،يعيش مع األرض والماء ه، وأمواج البحر تنكسر تحت قدميه، وهوفالنجوم تتألق فوق رأس

.الحياة دون أن يفسد عليه التفكير العقيم متعة.. والحيوان واهللا

وكذلك كان البغل وعلمت مدام هورتنس بامر سفر زوربا، ووجدناها في انتظارنا بباب بيتها، .الذي سيمتطيه زوربا في رحلته

بقيادة، واقتربت الغانية العجوز في حياء ووضعت يدها وأمسكووثب زوربا إلى ظهر البغل .تمنع صاحبها من الرحيل على صدر البغل، وكأنها تريد أن

:ووقفت المرأة على أصابع قدميها وهمست

.زوربا ..زوربا -

.الطريق كان يكره سماع سخف العشاق على قارعة. ولكن زوربا أشاح عنها بوجهه

ممسكة بصدر ولكنها ظلت.. رهيبة التي ارتسمت في عينيه، فذعرتورأت المرأة النظرة ال .البغل، وعيناها تتطلعان إلى زوربا في ضراعة

:وصاح زوربا في غضب

ماذا تريدين؟ -

:فقالت متوسلة

.وكن كريما. ال تنسني يا زوربا.. زوربا -

:وانطلق به البغل فصحت.. عنان البغل ولم يجب فهز

هل سمعتني؟.. ثالثة أيام ال أكثر عد بعد. زورباأرجو لك التوفيق يا -

ورسمت الدموع خطوطا وسط المساحيق فتحول إلى الوراء ولوح لنا بيده، فبكت المرأة، .واألصباغ التي تغطي وجهها

زوربا بين أشجار الزيتون، فنظرت مدام هورتنس حولها كمن ينظر إلى وبعد لحظات، توارى .فراغ

. رحيل زوربادنياها بعد لقد اقفرت

.في الطريق إلى الجبل ولم أعد إلى الشاطئ فقد كنت أشعر بحزن ووحشة وانما سرت

موزع البريد وصوله إلى وقبل أن أخطو بضع خطوات، سمعت دقات الطبلة التي يعلن بهاالطريق، وأعطاني حزمة من ورأيت الرجل يلوح لي بيده، فقابلته في منتصف.. القرية

جيبي ألقرأها في هدأة رسالتين، وعلى الفور أودعت احدى الرسالتينالصحف والمجالت و .قبل أن أفضها الليل، فقد كنت أعرف كاتبها، وأردت أن يطول شوقي إلى مضمونها

البريد العجيب الذي وكذلك عرفت صاحب الرسالة الثانية من خطه على غالفها، ومن طابع .تحمله

وكان يقيم في ذلك الوقت في بلد يدعى كرايانيسكان من زمالئي القدامى في المدرسة، و .(طنجانيقا(جبلي بالقرب من

البشرة عصبي المزاج، يصيح أكثر مما يتكلم ، ويتشاجر أكثر مما وقد عرفته شابا أسود .يناقش

في علم الالهوت وراهبا، وقد فوجئ ذات يوم وهو يقبل احدى تلميذاته في أحد كان أستاذاً الرهبنة ورحل في اليوم التالي إلى افريقيا حيث أنشأ مصنعا للحبال، فخلع مسوح الحقول، .ثروة طائلة وجمع

.افريقيا وكان يكتب إلي بين وقت وآخر، ليدعوني إلى قضاء بضعة شهور معه في

:جلست فوق حجر على جانب الطريق، وفضضت الرسالة، وقرأت فيها ما يلي

أكبر جل الذي استعبدته جبال اليونان وشواطئها؟متى ستحزم أمرك وتأتي لزيارتك أيها الر " !!الظن أنك أصبحت من عشاق الحانات والمقاهي كسائر المواطنين اليونانيين

هذا يوم األحد ، وال عمل عندي، وأنا أكتب إليك من ضيعتي والشمس كاالتون، واالمطار "

.كالطوفان ة، تصبحلم تهطل منذ بضعة شهور، ولكنها عندما تهطل في ابريل ومايو ويوني

أختلط بهم فهم يثيرون يوجد هنا كثير من اليونانيين، انهم في كل مكان كالحشرات، ولكني ال .الخطايا اشمئزازي وقد جلبوا معهم الجذام والقمار والجهل وسائر

اليونانيين أكثر من أي شعب انني أكره االوروبيين، ولذلك لجأت إلى هذه الجبال، ولكني أكرهأمام بيتي ونقشت عليه هذه الكلمات لن أعود إلى اليونان ما حييت وقد شيدت قبري هناآخر، و

.(اليونانيين هنا يرقد يوناني يكره(بحروف كبيرة

والمطر والعمال وانفق أنا ال أعرف ملهاة غير العمل فأنا أكد وأكدح وأناضل األرض والريحولكني عبد للعمل وأفخر بذلك، انني يستعبدني،أموالي كما أريد، ألنني أستعبد المال والمال ال

.وسأشرع في زراعة القطن أشتغل بتجارة األخشاب، وقد أنشأت مصنعا للحبال

العذراء؟ متى ستأتين ، لنتسلق معا هذه الجبال النقية

وتحت كل شجرة لقد رزقت بابنة من امرأة سوداء ولكن األم أهدرت شرفي في وضح النهار .هافي المنطقة فطردت

من اللغة اليونانية القدر الذي يساعدها على والطفلة اآلن في الثانية من عمرها وقد علمتها .سب اليونان وأهلها

.أنفها مفرطح كأنف أمها، وأنا أحبها كما تحب كلبا أو قطا وهي تشبهني ولكن

..لمجرد اللهو.. زنجية لترزق منها ولدا نزوجه من ابنتي تعال وتزوج من امرأة

إلى افريقيا ال ألنني أفتقد السعادة والجدية في كريت، وانما ألنني لكتني رغبة في الرحيلوتم .إلى زيارة أكبر عدد من بالد العالم قبل أن أموت كنت أصبو دائما

.طريقي إلى الكوخ لكي أنعم بقراءة الرسالة الثانية وعدلت عن تسلق الجبل، وسرت في

الشاي وتناولت بعض الخبز والعسل ثم خلعت ثيابي من وهناك أشعلت نارا وأعددت قدحا :وقرأت فيها ما يلي وتمددت على فراشي وفضضت الرسالة

...استاذي وصديقي

الصعوبة والخطورة ، هي محاولة انقاذ نصف انني أضطلع هنا بمهمة على جانب عظيم منلروسية، ولكن قلوبهم وأكثرهم يتحدثون بالتركية أو ا !مليون يوناني في جنوب روسيا والقوقاز

.جميعا تتحدث باليونانية

جزء من شعبنا، وبحسبك ان ترى عيونهم الالمعة وبسماتهم الماكرة، ورؤوسهم المرفوعة انهمكبرياء وصلف وان تعرف كيف كافحوا وناضلوا حتى سادوا المنطقة وصار لهم عيد في

ان من واجبنا أن نحبهم ونقاتل و) اوديسيوس(تدرك انهم حقا أحفاد بطلنا العظيم وخدم، لكي ..اجلهم وال ندعم يهلكون من

الروس من ناحية، واالكراد من لقد فقدوا كل ما يملكون، وهم اليوم جياع عراة، يطاردهملالقامة في بعض مدن جورجيا ناحية أخرى، وآالف الالجئين يفدون من شتى المناطق

يقفون بالموانئ وينظرون إلى ف آخرونوآال.. وليس ثمة طعام او دواء أو غطاء. وارمينيا .أرض الوطن األفق في قلق، لعلهم يرون سفينة يونانية تعود بهم إلى

فسوف يهلك، ولكنا إن هذا الجزء العزيز من شعبنا يعيش في ذعر وهلع، واذا تركناه لمصيرهنعيده سالما إلى لكي ننقذه و بحاجة إلى كثير من الحب والفهم والحماسة والبذل والتفكير السليم

.أبنائه بلدنا الحر الذي هو بحاجة إلى كل ابن من

وأرسل البرقيات إلى انني أذهب إلى القرى والمدن ألجمع اليونانيين معاً، كما أكتب التقريراتواألدوية، واذا كان النضال في المسؤولين في أثينا لكي يبعثوا إلينا بالسفن والطعام والثياب

.سعيد لصاحبه السعادة، فأنا اذن جدحماسة واصرار يجلب

) السانتوري) تنصت إلى أمواج البحر وتصغي إلى نغمات) كريت(انت اآلن قابع على شاطئ .وأنا سعيد بذلك ألن لديك متسعا من الوقت، أما أنا فانني في دوامة من العمل والنشاط

.من كان مثلنال ان العمل، والعمل المتواصل، يا أستاذي الخامل، هو صخرة النجاة

القرى المجاورة وحدث في يوم ، وقد جئت إليها أجمع اليونانيين من) كارس(انا اآلن بمدينة حدوة حصان في قدم كل منهما، وصولي أن أختطف االكراد معلما وقسا من اليونانيين ودقوا

لذي أقيم اليونانية فلجئوا إلى البيت ا وكانت النتيجة ان دب الذعر في قلوب رؤساء الجالية ..فيه

كل ساعة وعيون اليونانيين جميعاً تتعلق بي، كما لو كنت ان دوي مدافع االكراد يزداد اقترابا .انقاذهم االنسان الوحيد الذي يستطيع

أرجل بينما الخطر غدا، ولكني وجدت ان من العار ان) تفليس(لقد كان في نيتي الرحيل إلى .يدنو من مواطني

.ولكني أشعر بالخجل لست خائفا، الواقع اني خائفوال أقول لك انني

مركزي؟ لو أنه وجد نفسه في مثل) رمبران(ترى ماذا يفعل محارب

سأكون أول انسان أعتقد أنه يبقى ، ولذلك سأبقى واذا دخل االكراد المدينة فمن المحقق انني مصير تلميذك؟سيكون فهل خطر ببالك يوما يا أستاذي ان هذا.. يدق حدوة حصان في قدمه

التي ال تنتهي ، ان يجتمع اليونانيون بعد مناقشة حادة من تلك المناقشات اليونانية.. لقد قررنا ..وجيادهم استعدادا للرحيل عند الفجر الليلة، وأن يجمعوا نساءهم وأطفالهم وبغالهم

.سلسلة من الجبال والوديان وسوف أكون انا الكبش الذي يتقدم القطيع عبر

هؤالء المهاجرين ) موسى) ن هجرة جماعية أشبه بهجرة بني اسرائيل وسأكون أناستكو .ودليلهم إلى األرض الموعودة

.أن تصلك هذه الرسالة، النها قد تكون األخيرة أرجو أيها الصديق واألستاذ

تحرس الناس، وانما أؤمن بالقوى الغاشمة التي تضرب يمينا انني ال أؤمن بالقوى الخفية التي .لتقتل من يوقعه سوء حظه في طريقها يسارا بال حقد وبغير قصد،و

أتصل بك أينما كنت، لكي انذرك كما على انني اذا وجدت نفسي في خطر الموت، فسوف .اتفقنا

__________________ الفصل الثاني عشر

مدينة ولما يعد زوربا، وفي اليوم السادس تلقيت رسالة من مرت ثالثة أيام وأربعة وخمسةصفحات من ورق عادي معطر وفي ركن كل ورقة صورة قلب تتألف من بضع) كانديا(

.يخترقه سهم

تعود أن يمسك بالقلم كما يمسك بالفأس، فقد كانت الصفحات مليئة بالثقوب ويبدو أن زوربا .الحبر وبقع

:وفيما يلي مضمون الرسالة بعد تصحيح أخطائها الهجائية واللغوية

مالي،الرأس عزيزي"

.حال والحمد هللا يسرني أن أتناول القلم ألكتب إليك مستفسراً عن صحتك، أما أنا ففي خير

حصانا أو ثورا، فالحيوانات لقد أدركت من بعض الوقت أنني لم أجيء إلى هذه الدنيا ألكونفإنني أخلق لنفسي عمالً ليال وحدها هي التي تأكل لتعيش، ولكي تنسحب على هذه الصفة،

عصفور "أعمل بالمثل القائل را، وكثيرا ما أضحي بمصدر رزقي من أجل فكرة، ألنينها ."نحيل على الجسر، أفضل من ببغاء سمينة في القفص

ولن كثيرا من الناس يفخرون بوطنيتهم دون أن تكلفهم الوطنية شياً، أما أنا فلست وطنيا، ان .أكون، مهما كانت تكاليف الوطنية

أذهانهم أما أنا فال حاجة بي إلى التفكير ، فالخبر كرون طويالً، ويعصرونوكثير من الناس يفيحزنني، وسيان عندي ان يستولي اليونانيون على الطيب ال يسرني، والخبر السيء ال .أثينا القسطنطينية، أو يستولي االتراك على

الشيء الوحيد الذي يهمني، هو هل أنا حي أو ميت؟

، أود أن أحدثك عن أمر يزعجني ويقض مضجعي، وأعني به والموت وعلى ذكر الحياة .الشيخوخة

أما الشيخوخة فانها عار وفضيحة .. يهمني، فالحياة شمعة تطفئها لفحة هواء ان الموت ال .قصارى جهدي ألمنع الناس من االعتقاد بأنني كبرت ولهذا أبذل

الدنيا بي ولكي أستمر ولكني أواصل الرقص وأشرب، فتدور انني أرقص ، فيؤلمني ظهري،وأنا ألقي بنفسي في ماء البحر وأصاب بالبرد، ولكني .. اآلخرون في تناول الشراب كما يفعل ..أبدا.. هل تذكر انك سمعتني مرة أسعل؟.. أتهم بالضعف والشيخوخة أغالب السعال، حتى ال

ام نفسي الضعف والشيخوخة أمام الناس فحسب، وإنما أخجل منهما أم وأنا ال أخجل من أمام زوربا ، فما قولك في ذلك يا أستاذي؟ أخجل منهما.. كذلك

وزوربا الداخلي ال يحب الشيخوخة، ولم تتقدم به السن، ان في أعماقي شيطانا اسميه زوربا ،فقد ضمر جسده وشاب شعر رأسه وسقطت أسنانه وأحدثت أما زوربا الخارجي.. ولن تتقدم

.وجهه األيام شقوقا عميقة في

مت عاجال ولكن إلى متى سيستمر الصراع بين هذين الزربيين؟ وأيهما سيظفر بصاحبه؟ اذا ..الحرية والكرامة كان ذلك الخير كله، أما اذا امتد بي األجل طويال فسيأتي يوم أخسر فيه

الصغار، وأن أسهر على ستطلب إلى ابنتي وابني أن أحمل ذراريهما ، أولئك الشياطين ..ف قذارتهموأنظ.. سالمتهم

وأن تعمل .. هذا العار يوما ما ولذلك أرجو أن تصغي إلي ومن المحقق انك ستمر كذلك بمثلالجبال لنخرج من مناجمها الفحم والحديد والنحاس فاذا نجحنا دعنا نذهب إلى.. بنصيحتي

أما .. ااحترمنا االقارب ولعق االصدقاء أحذيتنا ورفع الجميع قبعاتهم لن وأبحنا من ذوي الثراء فهناك ذئاب ووحوش يمكنها أن تتكفل بنا، فما خلق اهللا الوحوش اال لتأكل أمثالنا، اذا لم ننجح،

.وتجنبهم مذلة الفقر وضياع الكرامة

باحدى االشجار، بينما سبعة ذئاب تطارده وهنا رسم زوربا صورة لرجل طويل نحيل يلوذ .(با والخطايا السبعزور) :وتجد في اثره وكتب تحت الصورة بحروف كبيرة

:ثم مضى في رسالته يقول

ألنني بحاجة إلى نصائحك انك أصغر مني سنا ) كانديا) سأقص عليم اآلن ما حدث لي في ومعذرة من هذا –الحكمة القديمة، وأصبحت إلى حد ما بطبيعة الحال، ولكنك قرأت كتب

..القديم من الطراز–التعبير

جميعا يمتزج واننا ال نالحظ ذلك ألن روائحنا.. خاصةأنا أعتقد أن لكل انسان رائحة" ..بعضها ببعض، فيتعذر علينا تمييزها ورد كل رائحة إلى صاحبها

نعلمه هو ان هذه الروائح في مجموعها تؤلف رائحة واحدة خبيثة هي التي نسميها كل ما

تثير ما انا فانهاوبعض الناس يحبون هذه الرائحة ويشمونها كما لو كانت عطرا، أ) البشرية) .اشمئزازي

ولعل ذلك .. يرغب فيهن بيد ان للنساء انوفا كأنوف الكالب، يميزون بها رائحة الرجل الذيشيخوختي ودمامتي، هو السبب في انني ما أكاد أضع قدمي في مدينة، وعلى الرغم من .السبيل ورثاثة ثيابي، حتى أجد امرأة أو امرأتين تطاردانني وتقطعان علي

مغلقة، فقصدت في الغسق، كانت الحوانيت كلها) كانديا(انني عندما وصلت إلى : فوة القولصأتجول قليال في إلى إحدى الحانات، حيث تناولت بعض الطعام وعلفت البغل، ثم خطر لي أن

حرا أصفر في الطريق شوارع المدينة، لم أكن أعرف أحدا فيها، وال أحد فيها يعرفني ، كنت.. والطرق حافلة بالنساء ..وكانت مصابيح الشوارع قد اضيئت.. دث إلى نفسيواضحك وأتح

كم بقي لك من : لنفسي ورائحة العطور والمساحيق تختلط في الجو برائحة الشواء، فقلت الباقية؟ لماذا ال تستمتع بأيامك القليلة.. العمر يا زوربا

صيحات ونغمات تعرفه فسمعتوكنت في هذه اللحظة أجتاز الميدان الكبير، وال شك أنك .. الكباريهات الغربية موسيقى راقصة، فأرهفت اذني جيدا ألتبين مصدرها فاذا المصدر أحد

ورأيت امرأة بدينه ترقص ..وهذا ما كنت أنشده، فدخلت الكباريه وجلست أمام احدى الموائد، وما هي اال لحظة من الجعة على المسرح، وترفع ذيلها، ولكني لم ألق لها باال وطلبت قدحا :وقالت وهي تضحك حتى أقبلت مخلوقة سمراء صغيرة خفيفة الظل فجلست بجانبي

أتسمح لي بالجلوس يا جدي؟ -

ادق عنقها، ولكني تمالكت نفسي ودعوت الخادم وطلبت فصعد الدم إلى رأسي، ووددت لو .الشمبانيا إليه أن يحضر زجاجتين من

وكان ال بد لي أن ت بعض مالك، ولكن االهانة كانت شديدة،ومعذرة يا سيدي اذا كنت قد انفق

الركوع تحت أقدامنا، وأنا أنقذ شرفنا، شرفك وشرفي، وان أرغم هذه الصغيرة المستهترة على .الدقيق واثق أنك ما كنت لتتخلى عني في مثل هذا الموقف

فاشتريت السلة مين،وأحضر الخادم الشمبانيا، ومزيدا من الشمبانيا، ثم مر رجل يبيع الياس ..اهانتنا كلها، وافرغتها في حجر التافهة العابثة التي تجرأت على

كنت شابا، كانت عندما.. وشربنا، وأسرفنا في الشراب، وأقسم لك انني لم أحاول مغازلتهاأفعله هو أن أنفق، وأنفق المغازلة هي الخطوة األولى ، أما اآلن بعد أن كبرت ، فان أول شي

وقذرا، وحطاما، ولكنهن يتناسين والنساء يعجبهن ذلك، قد تكون مقوس الظهر.. سخاءببذخ و .وتبعثرها بغير حساب وال يرين اال اليد التي تخرج النقود.. كل هذا

–اموالك اضعافا مضاعفة بارك اهللا فيك ورد عليك–وهكذا انفقت في تلك الجلسة ثروة بعظامي النخرة، ولكني تظاهرت مني، وألصقت ركبتهاوكانت النتيجة، ان ازدادت الفتاة قربا

..أتلظى بالبرود وقلة االكتراث، رغم انني كنت في الواقع

تتحرق شوقا وهذه هي الطريقة للعب بعقول النساء، ان تتظاهر باالعراض عنهن، بينما انت .قفالمو من الخير لك ان تعرف ذلك فقد تفيدك المعرفة اذا وجدت في مثل هذا.. اليهن

جيبي حزمة من وانتصف الليل، وشرع الخدم في اطفاء االنوار وغلق االبواب، فاخرجت منوحينذ تعلقت اوراق النقد ذات االلف دراخمة ودفعت الحساب وأعطيت الخدم منحة سخية،

:الفتاة بساعدي وسألتني وهي ترمقني بنظرة اغراء

ما اسمك؟ -

.الجد -

:مست قائلةفقرصتني الفاجرة قرصة آلمتني وه

.تعال معي -

:الصغيرة بين يدي وقلت لها فضغطت يدها

.أهذا ما تريدينه؟ هلمي اذن -

.اليوم التالي كان الوقت ظهرا وعندما استيقظت في

بها مقاعد وثيرة، وزجاجات عطر وأجلت البصر حولي، فاذا بي في غرفة صغيرة أنيقة،أنيقة معلقة بالجدران، وحشد من الصور بسمتعددة االلوان، ومرايا من جميع االحجام، ومال

.لبحارة وضباط، ونساء عاريات

جانبي في الفراش الوثير، صاحبتنا السمراء اللعوب، فأغمضت عيني وقلت ووجدت إلى :لنفسي

.هذا مكان جميل ويجب أال تبرحه.. دخلت الجنة وأنت على قيد الحياة يا زوربا لقد -

استاذي ان لكل انسان جنته المفضلة، فالجنة بالنسبة اليكانني قلت لك ذات مرة يا وأحسب

خزانة زاخرة بالكتب وعدد ال يحصى من زجاجات الحبر، وبالنسبة إلى البعض براميل من

غرفة : جنتي اما بالنسبة الي فهذه.. نبيذ وعرق وروم، وبالنسبة لآلخرين صناديق مليئة بالنقودوامرأة إلى ..علقة بالجدران، وفراش كبير وثيرصغيرة معطرة، ومالبس ذات الوان مرحة م

.جانبي

.. الفراش في ذلك اليوم ان االعتراف بالخطيئة هو نصف التوبة، واعترف لك بأنني لم أبرح .إلى أين أذهب؟ لقد كنت مرتاحا حيث أنا

المطاعم الكبرى في طلب طعام من الكافيار والسمك وعصير الليمون وأرسلت إلى أحد .والقطائف

.المساء ، ارتديت ثيابي، وخرجت متأبطا ذراع صاحبتي في الطريق إلى الكباريه وفي

فانني لم أنس.. انني مازلت اتبع هذا البرنامج، ولكن ال تنزعج.. أطيل عليك الحديث وال

ان تأخير يوم أو.. المهمة التي اوفدتني فيها، ولسوف أشتري االسالك واالدوات االخرى

ثر كثيرا، ومن مصلحتك ان أنتظر حتى يصفو ذهني فال أخدع فيأسبوع أو شهر لن يؤ

تفيدني، فالمغامرات.. فصبرا وثق بي وال ينبغي أن تقلق على صحتي.. البضائع أو األسعاروفي كل مرة انظر وقد ردتني األيام األخيرة إلى شبابي، حتى التوقع أن تنبت لي أسنان جديدة

.كطالء األحذية ر رأسي لونه الطبيعي، ويصبح أسودإلى المرآة وأعجب كيف لم يسترد شع

.. القس الذي يتلقى االعتراف انك لي بمثابة.. ولعلك تسأل لماذا أكتب اليك كل هذا؟ والواقعلماذا؟ ألني عهدتك حتى اآلن ال هل تعرف.. وأنا ال أستحي من االعتراف لك بذنوبي وآثاميفاصغ .. يحفزني ألن أقول لك كل شيء وهذا ما..تحفل بما أفعل ، سواء أكان خطأ أم صوابا

.الي

فقالت لي لوال، وهذا اسم صديقتي ) كانديا(من كان أمس عيد أحد القديسين في قرية قريبة :الصغيرة السمراء

.دعنا نشهد حفالت العيد.. جدي هلم بنا يا -

:فأجبتها

.الصغيرة اذهبي أنت أيتها الجدة -

.ولكني أريد الذهاب معك -

.اذهبي وحدك.. القديسين وأنا ال أريد الذهاب، ألني ال أحب -

.لن أذهب اذن.. حسنا -

.فنظرت إليها مبهوتا

ولماذا ال تذهبين؟ -

..اذا جئت معي ذهبت واال فال -

الحرية؟ أليست لك كل.. ولكن لماذا -

.كال -

أال تريدين أن تكوني حرة؟ -

..ال أريد.. كال -

:ع جيدا وصحت بهاأنني لم أسم وخيل إلي

أال تريدين أن تكوني حرة؟ -

.أكون حرة ال أريد أن.. كال -

أعتقد أن االدميين وأنا) .. لوال(على ورق ) لوال(سيدي، انني أكتب إليك هذا من غرفة هن ادميات؟ فترى هل.. ولكن النساء ال يرونها.. وحدهم هم الذين يريدون الحرية

.رعةأرجو أن تكتب إلي على وجه الس

(اليكسيس زوربا)

تجاذبتني ثالثة عوامل، فلم أدر هل أغضب ، أم ما أن فرغت من تالوة رسالة زوربا حتىالذي حطم غالف الحياة بعناصره الثالثة، المنطق أضحك ، أم أعجب بهذا الرجل البدائي .اللباب واألخالق واألمانة، ووصل مباشرة إلى

فضيلة واحدة قلقة ة التي ال غناء عنها، ولم تكن له االكان يفتقر إلى جميع الفضائل الصغير .الهوة خطرة تلح عليه باستمرار وتدفعه ، دائما إلى آخر الحدود وإلى

:غمغمت أقول

.. المجردة التي تعتمل في داخلي بارك اهللا في زوربا لقد كان يجسد جميع اآلراء والخواطر - ..تضطرب آرائي وخواطري من جديد هنا،وعندما ال يكون .. فيمنحها هيكال حيا دافئا

:بها إليه وتناولت ورقة وقلما، وكتبت هذه البرقية التي بعثت

."عد فورا" -

الفصل الثالث عشر

وهو اليوم األول من شهر مارس، كنت جالسا على صخرة في مواجهة بعد ظهر يوم السبت،فرفعت عيني، ورأيت . الحصىعندما سمعت فجأة وقع أقدام على البحر وبيدي كتاب اقرأه .تتدحرج على الشاطئ الغانية العجوز مقبلة

:كانت الهثة االنفاس بادية القلق، وسألتني على الفور

ألم تصلك رسالة؟ -

:فنهضت الستقبالها، وأجبيها ضاحكا

بتحيته، ويقول انه يفكر فيك ليل نهار، وال يطيب له طعام أو شراب، نعم، وهو يبعث اليك - .عليه الفراق يشقوان

:فصاحت المرأة التعسة وهي تلتقط أنفاسها

أهذا كل ما يقوله؟ -

باالسف لها، وأخرجت الرسالة من جيبي، وتظاهرت بانني أقرأها، وكلما تعثرت وشعرت :تظاهرت بأن الخط مضطرب ومن الصعب قراءته بالكالم،

:وتلوت عليها

غذائي وكنت جائعا، ولكني ما كدت أدخل المطاعم الرخيصة ألتناول ذهبت أمس إلى أحد "ومن عجب انها تشبه بوبولينا . على فتاة فاتنة كأنها ملكة جمال المطعم حتى وقع بصري

بدأت الدموع تنهمر من عيني، ولم أقو على ابتالع الطعام فتركته دون أن تماما، وعلى الفورة القديس ميناس، وهناك أشعلت وبلغ من تأثري أنني قصدت فورا إلى كنيس. شيئاً أتناول منه وجثوت على ركبتي وابتهلت إلى اهللا قائالً اللهم ابعث إلي بنبأ عن المالك الذي أحبه، شمعة،

.واعمل على أن تتالقى أجنحتنا في أقرب وقت

فتوقفت عن الكالم وسألتها لكي اكتسب فسحة من وهنا أشرق وجه الغانية وانفجرت ضاحكة، :األكاذيب دا منالوقت اخترع فيها مزي

.ما الذي يضحك يا سيدتي؟ كنت أظنك ستبكين تأثرا -

.علمت لو.. آه -

ماذا؟ -

اللهم اعمل : وها هو يقول.. أجنحة لقد اعتاد الوغد في خلوتنا أن يسمي أقدامنا!! االجنحة - .. ها .. ها.. ها .. على أن تتالقى أجنحتنا في أقرب وقت

.يناستمعي إلى مايلي وسوف تدهش -

فتذكرت .. حالق، كانت تنبعث منه رائحة عطرة مررت اليوم بحانوت: وعدت إلى القراءة .لم أستطع فراقها أكثر من ذلك.. انني اكاد أجن.. سيدي أواه يا.. بوبولينا على الفور وبكيت

:وجهها دالئل السعادة وقالت فابتسمت المرأة وظهرت على

ألم يقل شيئاً آخر؟ -

اربع .. انظري.. ان الرسالة كلها هناك.. يا مدام هورتنس أكثر من ذلكوماذا تريدين - .صورة قلب صفحات في ركن كل صفحة منها

!أهذا كل شيء -

:حيوان في مأزق فأخذتني الشفقة وقلت ورأيت في عينيها تلك النظرة التي نراها في عيني

.ه للنهايةاالهمية ولذلك احتفظت ب انه يقول شيئا آخر على جانب عظيم من -

ما هو؟ -

ركبتيه أمامك ويتوسل إليك والدموع في عينيه ان تقبليه يقول انه عندما يعود، سيجثو على -حتى ال تفترقا بعد . زوجته الصغيرة، مدام هورتنس زوربا انه يريد أن يجعل منك.. زوجا .ذلك ابدا

.. تي راودتها طول حياتهادموع الفرح لتحقيق االمنية ال.. عيناها حقا بالدموع وهنا امتألت .وال شيء أكثر من ذلك.. االستقرار والنوم في فراش شرعي وهي

:تتنازل بالقبول قالت بلهجة سيدة عظيمة

زهور برتقال لثوب الزفاف، حسنا، قبلت، انما أرجوك ان تكتب إليه بأنه ال يوجد بالقرية -شمعتين كبيرتين، وشريطا أحمر، قل له كذلك ان يشتري).. كانديا(ويجسن به ان يشتريها من وحذاء من .. الزفاف وجواري حريرية وعليه كذلك ان يشتري ثوب.. وال بأس ببعض الحلوى

.وانه ال ضرورة لراء اغطية جديدة قل له ان لدينا اغطية للفراش.. الساتان االبيض

تأمره بأن المطلوبات، زجعلت من زوجها صبيا وهكذا بدأت باصدار االوامر، واعداد قائمة .يشتري هذا وذاك فيطيع

.رقفتها، وبدت عليها هيبة المرأة المتزوجة الكريمة واعتدلت في

:قالت

..شيئا هاما أريد أن أسألك -

.انني في خدمتك.. تكلمي يا مدام هورتنس -

ونحترمك، فانك رجل كريم ولن تكون معرة لنا، فهل توافق على ان تكون أنا وزوربا نحبك - واج؟الز شاهد

.يشرفني ان اكون شاهد الزواج يا مدام هورتنس -

.ارجو ان يعجل بالعودة الينا حسنا، طاب مساؤك، -

..العشرين من عمرها ورأيتها تبتعد، وتختال في مشيتها وتتمايل كفتاة في

..عميقا كانت تمشي بمزيد من الثقة، وحذاؤها يترك في الرمال أثرا

كما لو معت جلبة شديدة وصراخا يشق عنان السماء،وما كادت تتوارى عن عيني حتى سبعض كانت هناك جنازة، فتسلقت احدى االشجار، ونظرت في اتجاه مصدر الصراخ، ورأيترأيت رجال القرية ونسائها يعدون في الطريق إلى الشاطئ والكالب تعوي وراءهم، كذلك

.الغبار ب كثيفة منثالثة رجال يمتطون الجياد ويسبقون أهل القرية وفي اثرهم سح

:قلت لنفسي

.ال بد ان حادثا وقع -

.الخليج وانطلقت اعدو نحو

:وفجأة رأيت مدام هورتنس مقبلة نحوي وهي تلهث، وتبكي وتصيح

:وكادت ان تسقط ، فأمسكت بها، وسألتها وتعثرت

ولماذا تبكين؟.. ماذا حدث -

.خائفة انني -

مم؟ -

.من الموت -

أساعدها على السير معي إلى الخليج حة الموت في الهواء وأردت أنوال بد انها شمت رائ :ولكنها امتنعت وقامت وصاحت

.أريد ال.. كال.. كال -

..وجرت نفسها إلى احدى اشجار الزيتون، وجلست تحتها وهي ترتجف

:قلت

..اذهب انت، وسأنتظرك هنا -

ت يزداد وضوحا كلما قدمت، النادبا فأسرعت إلى الخليج، وكان الصراخ والنحيب وولولة :ورأيت ميميكو يمضي مسرعا بالقرب مني فسألته

ماذا حدث يا ميميكو؟ -

:فصاح دون ان يتوقف

.لقد اغرق نفسه -

من؟ -

.بافيل، ابن مافراندوني -

لماذا؟ -

..االرملة -

.في الفضاء واومأت ضمنا إلى جسد االرملة وخطورة فتنته ولكن الكلمة دوت.. ولم يزد

الرجال حاسروا الرؤوس صامتون، . هناك جميع أهل القرية ووصلت الى الخليج، ووجدتبينما وقف مافراندوني الشيخ بال حراك امام جثة منتفخة والنساء يمزقن شعورهن ويولولن،

.الشاطئ مسجاة فوق رمال

.البيضاء كان الشيخ يستند على عصاه باحدى يديه، ويمسك بيده االخرى لحيته

:جأة صوت ثاقبوصاح ف

.ثمن هذا وسوف تدفعين.. لعنة اهللا عليك ايتها األرملة -

:ووثبت امرأة وقفت بين الرجال وصاحت

!!ارضا ويذبحها ذبح الشاة؟ تبا لكم من جبناء أليس في القرية رجل يلقيها -

.ينظرون اليها وال ينطقون وبصقت على الرجال، الذين راحوا

:صاحب المقهى بقولهوأخيرا اجابها كوندومانوليو

.ترين ال تحقرينا ايتها المعتوهة فال يزال في القرية رجال وسوف.. ال تحقرينا يا كاترينا -

:ولما أتمالك نفسي فصحت قائال

أفال .. المرأة لتسأل عما حدث؟ وما حدث كان مقدرا ماذا فعلت تلك.. عار عليكم جميعا - تخشون اهللا؟

.يجب ولكن احدا لم

إلى القرية، والكاس، ابن عم الغريق، وحمل الجثة بين ساعديه، وسار في الطريقوانحنى مانمافراندوني وتبعته النساء وهن يصرخن ويخدشن وجوههن ويمزقن شعرهن، بينما تقدم

.الموكب في صمت

..فنظرت حولي ووجدتني وحيدا ..واخيرا اختفى الموكب في الغسقن وساد الصمت والسكون

.. دوامة االالم البشرية من أهل القرية من االعجاب باولئك الذين جرفتهموفكرت ولم أتمالكبنفسه في البحر بشجاعة ليغرق احزانه، وكاترينا هورتنس وزوربا واالرملة وبافلي الذي ألقى

االرملة كما يذبح الشاة، ومافر اندوني الذي رفض باباء ان التي حضت رجال القرية على ذبح .امام اآلخرين حدثيبكي، او حتى ان يت

.. بقوة ولم أكره بقوة بل ولم أحب قط.. انا الوحيد الذي لم أغضب ولم يغل الدم في عروقيالجبن، فالقيت التبعة كلها انا الوحيد الذي اردت تصفية األمر بسالم وبطريقة تنطوي على

.على القدر

ة بجوار الشاطئ، ولم يزال هناك جالسا على صخر وحانت مني التفاتة، فرأيت اناجنوستي ال .الموكب أكن قد فطنت اليه بعد رحيل

إليه، ورآني، وهز كان يسند ذقنه على عصاه، وينظر إلى البحر، فناديته ولم يسمعني فذهبت :رأيه وغمغم قائال

مسكين ذلك الشاب، لم يحتمل احزانه فألقى بنفسه ..وا أسفاه على الحياة الفتية التي اهدرت - .وهكذا نجا. .في البحر وغرق

نجا؟ ماذا تعني؟ -

تزوج االرملة، لحدثت ماذا كان بوسعه ان يفعل بحياته لو انه.. انه نجا.. نعم يا بني -االرملة امرأة مثيرة خالفات ومعارك، وربما حدث عدوان على العرض، وتلويث للشرف، ان

.وفاجرة ال تكاد ترى رجال حتى تشتهيه

فموقفه كما ترى كان كموقف رجل يقف بين .. ينا معذباحياته حز واذا لم يتزوجها قضى .والثانية وراءه هوتين احداهما امامه،

.يسمعك ال تتكلم هكذا ايها العم اناجنوستي، انك توقع اليأس في قلب من -

ال تجزع يا ولدي، فليس هناك من يسمعني سواك، وحتى لو سمعوني، هل تظنهم -

وعددا القرية من هو أسعد مني؟ انني أملك حقال كبيراهل في هذه.. اصغ الي.. يصدقونني؟ترفع ضخما من اشجار الزيتون والعنب، واملك بيتا ذا طابقين ولي زوجة كريمة وديعة لموليس ..عينيها في وجهي قط، وقد رزقت منها بابناء عديدين، اصبحوا بدورهم آباء كراما

جديد فلن هذا فانني لو بدات حياتي منومع! هناك ما أشكو منه، فماذا أريد أكثر من ذلكالحياة شاقة يا ان.. اتردد في وضع حجر حول عنقي والقاء نفسي في البحر كما فعل بافلي

.لعنة اهللا عليها.. ولدي

ومم تشكو؟ ولكن ماذا ينقصك ايها العم اناجنوستي؟ -

البحر المظلم ولكن اذهب، وسل قلوب الرجال وصمت لحظة، ونظر الى.. ال ينقصني شيء - :وصاح

لقد نجوت .. نساء بال عقل فهن... دع النساء يصرخن ويولولن.. انك أحسنت صنعا يا بافلي - .بكلمة ولهذا لم ينطق. االن يا بافلي وابوك يعلم ذلك

:ونظر إلى السماء، ثم إلى الجبل الذي لفه الظالم وقال

.ويحسن بي ان اعود لقد هبط الليل -

عظيما ويريد اآلن ان ليه كانه ندم على ما قال وانه قد افشى سراوصمت فجأة، وبدا ع :فالقى بيده على كتفي وقال.. يتراجع

تقم وزنا لما يقوله العجوز، ولو عمل الناس بكالم العجائز لخربت انك ال تزال شابا فال - .الدنيا

انما خلقت.. دوال تترد. تزوج، وانجب اطفاال.. قابلتك ارملة في الطريق فال تتركها اذا

.المتاعب للشباب

وجائعا، فأكلت بنهم، كنت متعبا. ووصلت الى الكوخ واوقدت نارا واعددت قدحا من الشاي .وارضيت غرائزي الحيوانية

.النافذة ويبتسم لي في مكر وفجاة ، رأيت ميميكو يطل برأسه من

:سألته

ماذا جاء بك يا ميمكو؟ -

سلة مليئة بالبرتقال، قالت انها اخر ما تبقى من الثمار . .شيئا من االرملة لقد أحضرت لك -

.حديقتها في

:فهتفت وانا مبهوت

تقول من االرملة؟ ولماذا بعثت بها الي؟ -

.هكذا قالت.. اجل الكلمة الطيبة التي ذكرتها عنها للقرويين مساء اليوم من -

كلمة طيبة؟ أيه -

. شيء غير ذلكوال.. وكيف أعلم؟ انني انقل اليك عباراتها -

.السلة في الفراش وامتألت الغرفة برائحة البرتقال وافرغ

هذه الهدية، وانني انصح لها بان تكون على حذر، وأال تذهب قل لها انني اشكرها من اجل -هل سمعت؟ يجب عليها ان تلزم بيتها بعض الوقت ريثما .. الظروف الى القرية مهما كانت هل فهمتني يا ميميكو؟.. ذا الحادث المؤلمالناس ه تهدأ النفوس وينسى

هل هذا كل ما تريد؟ -

.وفي استطاعتك ان تذهب االن.. نعم -

:فغمز ميميكو بعينه وسأل مرة أخرى

كل ما تريد؟ هل هذا -

.اذهب عني -

.كالعسل كانت حلوة.. فانصرف وتناولت برتقالة وأزلت قرتها

في حديقة ت فيما يرى النائم انني اتجولوتمددت في فراشي واستغرقت في النوم، ورأيواصفر بفمي وانني امشي بين أشجار البرتقال.. برتقال، وانني فالح في العشرين من عمري

.فمن كنت انتظر؟ ال أعلم.. وانتظر

..بالفرح ولكن قلبي كان يفيض

ديقة امرأة وراء ح ففتلت شاربي، وقضيت الليل كله انصت إلى البحر وهو يتنهد كما تتنهد .البرتقال

الفصل الرابع عشر

األيام من جولة في الجبل وما كدت أدنو من الكوخ حتى رأيت النور عدت في مساء أحد .ان زوربا قد عاد أخيرا.. فأدركت على الفور، والسعادة تمأل جوانحي ينبعث من نافذته ،

سروري، وأتظاهر يجب أن أخفي : أعدو إلى الكوخ ولكني أمسكت وقلت لنفسي وهممت بأنإليه في شده وقسوة، فقد أرسلته في مهمة عاجلة فبدد نقودي، وعاش مع بالضيق، وأتحدث

.يجب.. يجب أن أتظاهر بالغضب.. وها هو يعود بعد اثني عشر يوما احدى الساقطات،

وأطبقت يدي، وحاولت أن افعل كل ما يفعله ... أغضب ، وقطبت حاجبي وحاولت جاهدا أن .وكلما دنوت من الكوخ، تضاعف شعوري بالسعادة.. لم أوفق ضب، ولكنيالرجل الغا

النافذة، وأطللت منها فرأيت زوربا جاثيا على ركبتيه أمام الموقد، وهو وتسللت بالقرب من :القهوة يعد

:وذاب قلبي بين ضلوعي وصحت

.زوربا -

عيناه تفتشان في الظالم، زوربا واقفا حافي القدمين أمام الكوخ و وبأسرع من لمح البصر، كان :حتى بسط ساعديه ليعانقني، ولكنه عاد فارخاهما وقال في تردد وما ان تبين وجهي

.أراك يسرني أن -

:فحاولت أن أرفع صوتي في غضب وقلت له ساخرا

.ال تدن مني ان رائحة الصابون المعطر تفوح منك.. بالعودة يسرني أن أرى أنك تفضلت -

ولكنها .. حككت جسدي بالرمل، لكي أتخلص من هذه الرائحة اللعينة فآه، ليتك تعلم كي - .وهذه ليست أولى تجاربي مع الصابون المعطر.. او آجال ستزول مع الوقت عاجال

:ضاحكا فقلت له وأنا أقهقه

.هلم بنا ندخل -

والنساء، فهتفت وأنا أشير إلى وكانت تنبعث منه روائح العطر والمساحيق. ودخلنا الكوخ :وزجاجات العطر صندوق مليء بحقائب السيدات والجوارب وقطع الصابون

!!ما كل هذا بحق السماء -

..هدايا -

هدايا؟ -

وبوبولينا امرأة كما.. ان عيد الفصح يقترب .. هدايا لبوبولينا، فأرجو أال تغضب نعم، -

..تعلم

:فقلت محاوال كتمان الضحك

..ولكنك لم تحضر لها أهم شيء -

اذا؟م -

..ماذا تعني؟ أنا ال أفهمك.. ماذا -

:المدلهة، فحك زوربا رأسه بشدة وقال وهنا قصصت عليه كيف خدعت الغانية

ان النساء .. تعلم ان هذا النوع من الدعابة انت.. ما كان يجب أن تفعل ذلك يا سيدي -املن بعناية ويجب أن يع.. أشبه بأواني الخزف انهن.. ضعيفات ورقيقات كما قلت لك مرارا

..ورفق

.على ما فعلت ولكن بعد فوات االوان وكنت قد أسفت.. فشعرت بالخجل

:قلت الغير مجرى الحديث

واالدوات؟ والسلك الهوائي؟ -

.لقد أحضرت كل شيء فال تنزعج -

:.بعض قطع الحلوى مما أحضره معه قال ذلك ومأل قدحي بالقهوة وقدم لي

:وقال

انني لم أنس أحدا، حتى .. كبير مليء بالحلوى د جئتك بصندوقال تظن أنني نسيتك، فق - .السوداني الببغاء احضرت لها حقيبة مليئة بالفول

.الثعبان وكان يحتسي القهوة ويدخن ويرقبني بعينين كعيني

:سألته

.هل حللت المشكلة التي حيرتك ايها الوغد العجوز -

مشكلة يا سيدي؟ أية -

.رأة مخلوقا آدميا أم المشكلة ما اذا كانت الم -

:يلوح بيده فأجاب وهو

.. هنالك انها أسوأ منا كل ما.. ما في ذلك شك.. ان المرأة مخلوق آدمي مثلنا.. طبعا.. آه -ان الباقي .. ان تفرغ نقودك وتنزل لم عن حريتها ولكن ما.. انها ترى نقودك فتفقد صوابها .معروف وال ضرورة للتكرار

:بسيجارة من نافذة الكوخ وقال لقىثم نهض واقفا وا

وآن لنا أن نتعاقد مع الدير بشأن .. واالدوات لقد أحضرنا السلك.. دعنا نتحدث حديثا جادا -هل .. اقامة السلك الهوائي حتى ال يغالوا في مطالبهم انما يجب أن يتم التعاقد قبل.. الغابة

نا ما أضعنا من مال في رحلة فالوقت يمر بسرعة، وبحسب فهمتني؟ يجب أن نبدأ العمل، .ان الشيطان) كانديا(

..وشعرت باالسف له وصمت،

.يرتجف كان أشبه بطفل ارتكب حماقة ولم يعرف كيف يعالج الموقف فراح

.زوربا آخر انك لن تجد ما حييت.. عار عليك ان تدع رجال كهذا يرتجف خوفا: وقلت لنفسي

:صحت به

وتناول .. قد كان، فانس ما حدث ان ما كان.. شأن لنا بهدعنا من الشيطان يا زوربا فال - .السانتوري

الموسيقية، ولكنه ما كاد يضع يده عليها ، حتى سمعت وقع فوثب نحو الجدار ليتناول االلة

:زوربا في مكانه، ورفع حاجبيه متسائال ثم قال بصوت خافت خطى ثقيلة في الخارج، فجمد

.ة العجوز رائحة زوربا في الهواء فجاءت تطلبهاشتمت الكلب لقد.. يا للشيطان -

:واقفا فقلت وأنا أنهض

تحسم سأقضي بعض الوقت على الشاطئ حتى.. ال أريد ان يكون لي شأن بهذا الموضوع - .االمر معها، وال تنس انك وعدتها بالزواج، حذار ان تكذبني يا زوربا

:وقال فتنهد

مرة أخرى؟أال تكفي الزيجات السابقة حتى اتزوج -

:المعطر فقلت واقتربت رائحة الصابون

.تشجع يا زوربا -

.الخارج وتسللت إلى

الفصل الخامس عشر

.رأيناه عند عودتنا من الدير هو بوبولينا كان أول انسان

فأصدر تعليماته إلى عمال المنجم، ثم احضر بغلين وكان زوربا قد استيقظ مبكرا في الصباحاجتمعنا برهبان التل، ونجح زوربا في اقناعهم بمنحنا اهما، وصعدنا إلى الجبل حيثامتطين

.كثيرا مما سبق االتفاق عليه حق استغالل الغابة باجر أقل

:قال لي زوربا ونحن في طريق العودة

.(كانديا(قد عوضتك بهذا االتفاق عما بذوت من اموالك في اظن انني -

:فاجبته

.يان هذا الموضوععلى نس ألم نتفق -

:قال

االنحدار الصحيح للخط الهوائي وسوف لقد اتاحت لي هذه الرحلة إلى قمة الجبل تقدير -اول عمود للسقاالت التي تتحرك عليها كل ندعو الرهبان القامة ديني عظيم لمناسبة اقامة

.الخشب من القمة إلى شاطئ الخليج

م هورتنس جالسة فوق صخرة أمام الكوخ ولكني ما عدنا من رحلتنا الموفقة، رأينا مدا فعندما :أضيء المصباح الزيتي وانظر إليها حتى هالني امتقاع وجهها فلم اتمالك من ان اهتف كدت

ماذا بك يا مدام هورتنس؟ هل أنت مريضة؟ -

حياتها، فقررت أن تنسى الماضي، وان تقلع عن ويبدو ان فكرة الزواج قد غيرت مجرىالباكوات والباشوات، وهكذا ظهرت على حقيقتها، ة التي الفتها منذ عهدزينتها الصارخ

.الزاوج واالستقرار مخلوقة مسكينة ال أمنية لها اال

القهوة فصاحت المرأة فجأة ولم ينطق زوربا بكلمة، وراح يتشاغل باشعال النار واعداد :بصوت أجش

.أنت رجل قاسي القلب يا زوربا -

. إليها ، وأخذته الشفقة بهازوربا رأسه ونظر فرفع

.لن تغرقه كانت دمعة واحدة من عين امرأة كافية

:قالت المرأة

انني لم أعد أجسر .. برأي في أمر الزواج لماذا كل هذا التسويف والمماطلة؟ لماذا ال تقطع - .نفسي هذه فضيحة لي وسأقتل.. على الظهور في القرية

.ا أقولهوكنت أشهد المأساة المضحكة وال أجد م

:قائلة واستطردت المرأة

لماذا لم تحضر زهور البرتقال؟ -

ولكنه لزم الصمت، وراح يحرك السكر في اناء وأحس زوربا بيدها ترتجف فوق ركبته، .القهوة

:يتهدج وقالت المرأة مرة أخرى بصوت

لماذا لم تحضر زهور البرتقال؟ -

:فأجاب باقتضاب

.ا في كانديامنها شيئا مناسب ألنني لم أجد -

:ثم استطرد بعد قليل

.وكذلك طلبت الشموع والحلوى لقد طلبتها من أثينا، -

:قال.. ثم لمعت عيناه وحلق في سماء الخيال

زواجنا سوق يثير ضجة، صبراً حتى ترى ثوب الزفاف الذي أمرت باعداده لك، طالت ان - ستدعيت اثنين من كبار مصمميفي كانديا لهذا السبب أيتها الحبيبة، ذلك ألنني ا اقامتي

الغرب، لقد ان المرأة التي سأتزوجها ال مثيل لها في الشرق أو: األزياء في أثينا وقلت لهماارملة، كانت الملكة غي رالمتوجة في أربع دول كبرى، وقد ماتت هذه الدول وهي االن

بالذهب شىثوب مو.. وستصبح زوجة لي، وأنا أريد أن يعد لها ثوب زفاف ال مثيل له ..والاللئ

.جمال العروس ولكن مثل هذا الثوب سوف يبهر ابصار المدعوين فال يرون: فقاال

وما أهمية ذلك طالما العروس راضية؟: فقلت لهما

:المرأة ابتسامة عريضة وقالت له فارتسمت على شفتي

..أريد أن أهمس في اذنك بكلمة -

:ها فهمست في أذنه قائلةباحدى عينيه، وأحنى رأسه نحو فغمزني زوربا

.شيئاً لقد أحضرت لك -

.وأخرجت من صدرها منديال قد عقد أحد أطرافه وقدمته له

.المنديل، ووضعه على ركبته ثم أشاح بوجهه وأرسل بصره إلى البحر وتناول زوربا

:المرأة قالت

أال تحل العقدة يا زوربا؟ -

ضرورة ألن أحل العقدة اآلن، فأنا أعرف وال.. أوالً دعيني أحتس قهوتي وأدخن سيجارتي - .ما فيها

.تحلها أرجوك أن -

.يجب أن أدخن سيجارتي أوالً كما قلت لك -

!!انظر ماذا صنعت بي: يقول فنظر إلي عاتباً كمن يريد أن

.البحر وينظر إلى.. وراح يدخن في هدوء ويخرج الدخان من أنفه

:قال بعد لحظة

ذلك .. الزهر وتنمو صدور الفتيات غير الجو، سوف تتفتح أكمامسنشهد عاصفة غداً، لقد ت - .هو الربيع

:فقالت له المرأة متوسلة

.زوربا.. زوربا -

: سأل في اشمئزاز فقذف بسيجارته في غيظ، وحل عقدة المنديل ونظر إلى ما كان فيها ثم

ما هذا يا مدام بوبولينا؟ -

:فقالت المرأة وهي ترتجف

فدعنا نعقد ..وها هو الشاهد، بارك اهللا فيه، والجو رائع، واهللا يرقبنا.. حبيبخاتمان أيها ال - .خطوبتنا

إلي أن الشياطين تعترك في وخيل. فراح زوربا ينقل البصر بينها وبيني، وبين الخاتمين .أعماقه

ترى أي قرار سيتخذ؟

:لولكنه هز رأسه فجأة ونهض واقفاً وهو يقو.. ذعر ونظرت إليه المرأة في

.النجوم خطوبتنا لتشهد.. هلمي بنا إلى الخارج -

:وفي الطريق إلى الخارج، اقترب مني وهمس في أذني قائالً

.ال تتركنا وحدنا.. بحق السماء -

الفصل السادس عشر

.وخرج إلى الشاطئ ليرقب مقدم مدام هورتنس ارتدى زوربا ثيابه

مأدبة عشاء في الهواء الطلق لمناسبة عيد -والفكاهة على سبيل الجد–كنا قد أعددنا لها قوس نصر لتمر تحته، وزينا القوس بأعالم الدول االربع الفصح، وأقمنا من غصون االشجار

.وايطاليا وروسيا الكبرى، انجلترا وفرنسا

لى من بعض القرويين، واتفقنا ع ولما لم يكن لدينا مدافع كمدافع البوارج، فقد استعرنا بندقتين أن نجعلها تعيش –الهدف من هذا كله بوابل من الطلقات وكان–أن نستقبلها، عند قدومها

.القديم على هذا الشاطئ الموحش المهجور لمحة من مجدها

.الملون أما الطعام ، فكان يتألف من حلم مشوي، وعدد ال يحصى من البيض

:قال زوربا متبرماً

.العجوز لماذا تأخرت هذه البقرة -

:فأجبته

.تحضر دعنا ندخن لفافة تبغ ريثما.. انها ستأتي حتما -

:فقال وهو يلقي على الطريق إلى القرية نظرة أخيرة

.نحونا أرى صبياً قادما -

وهمس قال ذلك وخف لمقابلة الصبي في منتصف الطريق، ونهض الصبي على أصابع قدميه :في أذنه كالماً فصاح زوربا في غضب

.عن وجهي قبل أن أضربك أنها مريضة؟ اذن فاغربتقول!! مريضة -

:والتفت إلي وقال

.. لن أغيب أكثر من بضع دقائق. البقرة العجوز سأذهب إلى القرية ألرى ماذا أصاب - .أعطني بيضتين ألقدمهما إليها

.وانطلق في الطريق إلى القرية.. البيضتين في جيبه ووضع

.. فاستلقيت على الرمال انتظاراً لعودة زوربا..مضطربا وكان النسيم عليالً، والبحر

.وهو يفتل شاربيه، وعلى وجهه دالئل الرضى وبعد ساعة، رأيته مقبالً

:قال

يلزمها الفراش بضعة أيام، قالت انها كانت تتردد على الكنيسة لقد أصيبت المسكينة ببرد قد -رد خالل ذلك، بيد أنني دلكت لتصلي من أجلي، ويبدو انها أصيبت بالب طيلة االسبوع األخير

.بالكيروسين وجرعتها كأساً من الروم جسدها جيدا

:قائالً وجلسنا لتناول الطعام، ورفع زوربا قدحه

.أخرى ولنسأل الشيطان اال يقبض روحها قبل فترة طويلة.. لنشرب نخب صحتها

:وأكلنا وشربنا في صمت، وحمل إلينا النسيم صوت قرع الطبول فصاح زوربا

..انهم يرقصون في القرية فهلم بنا نرقص معهم -

.وارقص نيابة عني اذهب انت.. ليست لي رغبة في الرقص -

في الخمر .. كل شيء اذن اللقيت بنفسي رأسا على عقب في.. ليت لي شبابك يا صديقي - .والعمل والحب

يف شيئا إلى ما شفتاه كما لو كان يريد أن يض وتناول عصاه وقبعته ونظر إلي مشفقاً وتحركت .في الطريق إلى القرية قاله، ولكنه لم يتكلم، وسار مرفوع الرأس

.نهضت واقفاً وشيعته ببصري حتى توارى، وما كدت أجد نفسي وحيداً حتى

لماذا؟

ولكي أذهب إلى أين؟

..ال أعلم

.قراراً ، وقد تحرك جسدي تلقائيا، دون أن يستطلع رأيي ان عقلي لم يتخذ

وتوقفت مرة أو مرتين المأل رئتي من .. بخطى سريعة حازمة طريق إلى القريةوسرت في الكما .. عبير زهور الليمون والبرتقال ثم وجدتني اتوقف فجأة ومررت بموجة من. نسيم الربيع

.الذي أقصده لو كنت قد بلغت المكان

.ونظرت حولي، فاذا أنا واقف أمام حديقة االرملة

نسائيا خافتاً يترنم، فنظرت من فوق سور الحديقة، ورأيت تحت أسمع صوتاً وخيل إلي أنني .البرتقال امرأة ذات صدر كبير بارز تقطع االغصان وتغني بصوت خافت احدى أشجار

.في الغسق استدارة نهديها العاريين المطلين من ثوبها االسود واستطعت أن أرى

قلت لنفسي،

وال ترى في الرجال اال مخلوقات تافهة مغرورة. .انها حيوان مفترس، وهي تعلم ذلك جيدا -

.ال حول لها وال قوة

ترى هل أحست االرملة بنظراتي؟

.الغناء وأجالت البصر حولها ذلك انها كفت فجأة عن

.نمرة مفترسة بين االشجار والتقت عيوننا، وشعرت بانهيار، كما لو كنت قد رأيت

:بصوت مختنق جهها وصاحبوأرخت المرأة منديلها على صدرها، وأكفهر و

من هنا؟ -

:وكل ما عيرني به وأجبت ولكني تذكرت كل ما قاله لي زوربا.. وكدت ألوذ بالفرار

.أنا دعيني أدخل -

ولكني تماسكت .. تملكني الذهر وهممت مرة أخرى بالفرار وما كدت أنطق بهذه الكلمات حتى .رغم شعوري بالحرج والخجل

من تكون؟ -

.ثانية االمام في حذر، وحملقت في الظالم، ثم خطت خطوةوخطت خطوة إلى

:وفجأة أشرق وجهها، وبللت شفتيها بلسانها وقالت بصوت رقيق

!المنجم صاحب -

:وتقدمت في حذر تقدم المتحفز للوثوب وسألت مرة أخرى

المنجم؟ انت صاحب -

.نعم -

.تعال -

.لكوخ وراح يدخن وينظر إلى البحرا كان الوقت فجراً، وقد جلس زوربا على الشاطئ أمام

وأخذ نفساً طويال من أنفه وانبسطت أسارير كان ينتظرني، وما أن رآني حتى صعدني بعينيه .وجهه

.لقد شم رائحة االرملة

:واقفا ببطء، وبسط ساعديه ومني إلى صدره وهو يقول ونهض

.دعني أباركك -

وخيل لي .. المنتظمة في الخارجفراشي وأمضت عيني، وسمعت حركة االمواج وأويت إلى .إلى أن غلبني النعاس فنمت نوماً عميقاً هادئاً.. وأهبط معها أنني أعلو

وأنا أشعر بالراحة والرضى، كالحيوان حين يتمدد في الشمس بعد أن واستيقظت حول الظهر .والتهمها يكون قد طارد فريسته

ثانية، حين يشها في الخيال مرةوأخذت أستعرض أحداث الليلة الماضية، وأحاول أن اعإلي أحسست بجسم يحجب الشمس عني، ففتحت عيني، ورأيت زوربا واقفا بالباب ينظر

.ويبتسم

:قال في رفق، وبحنان االم على ولدها

.وفي استطاعتك أن تنام كما تشتهي فاليوم يوم عطلة.. ال تنهض -

:فاعتدلت جالساً في الفراش وأجبت

.الكفايةبما فيه لقد نمت -

.حسناً، سأعد لك لبضة ترد عليك بعض القوة -

إلى البحر، والقيت بنفسي بين أمواجه، ثم جلست على الشاطئ ألجف تحت فلم أجب وأسرعت .الشمس

.عطر زهر البرتقال الذي تضمخ به نساء كريت شعرهن ال يزال عالقاً بأناملي كان

له إلى الكنيسة في مساء اليوم عندما يكوناالرملة قد جمعت كمية من هذا الزهر لتحم وكانت

..القرويون في شغل بالرقص في الميدان

.وبعض الخبز والبرتقال ولحق بي زوربا على الشاطئ وحمل إلي البيضة

.العائد من الحرب كان يشعر بالسعادة وهو يرعاني بحدب األم على وحيدها

.قال وهو ينظر إلي بحنان

.السلك الهوائي راجسأذهب اآلن القامة بعض أب -

إلى الكوخ، حيث فتناولت طعامي تحت الشمس وشعرت بسعادة ال عهد لي بمثلها، ثم عدت .، وكنت قد فرغت من كتابته)بوذا(حزمت كتابي عن

الكوخ فتاة صغيرة عارية القدمين ترتدي ثوبا أصفر وتحمل في يدها بيضة وفجأة، دخلت :ي ابتسمت لها مشجعا وسألتهاإلي الفتاة في هلع، ولكن ونظرت. حمراء

شيئاً؟ هل تريدين -

:فأجابت وهي تلهث

أنت الشخص الذي يسمونه زوربا؟ لقد أرسلتني السيدة ألطلب اليك أن تذهب إليها هل -

.حسنا، سأذهب إليها -

وخرجت على األثر، وقصدت إلى . فأخذتها وانطلقت تعدو.. أخرى ووضعت في يدها بيضةوالصخب يزدادان وضوحاً كلما اقتربت، فاختلطت نغمات القيثارة وضاءوكانت الض.. القرية

الرصاص وصيحات المرح، ولما وصلت إلى الميدان رأيت فتيان القرية بقرع الطبول ودويتحت اشجار الحور وأخذوا يرقصون الرقصات الشعبية، بينما جلس وفتياتها قد اجتمعواووقفت . شجار، واسندوا ذقونهم إلى مقابض عصيهمالخشبية المحيطة باال الشيوخ على المقاعد

.ورائهم وراح الجميع يرقبون الراقصين والراقصات عجائز النساء

البارع، وسط حلقة الرقص، وخلف أذنه وردة حمراء، وراح ووقف فانوريو، عازف القيثارة .بما يرسل من نغمات قيثارته يحرك المرقص ويشجي الراقصين

:وهتفوا لرقص، تحول إلي بعض الشبابوعندما مررت بحلقة ا

.أال تشترك معنا في الرقص -

بيت مدام هورتنس، ووجدت المرأة ممدة في ولكني ابتسمت لهم، ومضيت في طريقي إلى.. الثمين استطاعت االحتفاظ بها على مر السنين فراشها الكبير، وهو آخر قطعة من االثاث . تأثير الحمىمن وكانت تسعل بشدة ، وقد احمرت وجنتاها

.وما أن وقع بصرها علي، حتى جعلت تئن وتتوجع

:وقالت

:أين زوربا! زوربا -

وهو ينظر إليها .. دائما ان صورتك أمام عينيه.. انه أصيب بوعكة منذ رآك طريحة الفراش .وال يكف عن التأوه

.سعادة وغمغمت قائلة فأغمضت الغانية المسكينة عينيها في

.زدني حديثا عنه -

..بحاجة إلى شيء لقد أرسلني إليك ألسألك عما اذا كنت -

.أنه لم يعد يطيق فراقك ويبدو.. ولكي أقول لك أنه سيأتي لزيارتك هذا المساء رغم توعكه

.أرجوك.. تكلم.. تكلم -

وقد . تقول أن ثوب الزفاف قد تم اعداده، وكثير من زهور البرتقال وقد تسلم برقية من أثينا -ومعها الشموع البيضاء الكبيرة والشرائط .. البحر، وستصل قريبا ا بطريقأرسلت جميع ..الحمراء الحريرية

..امض في حديثك.. تكلم -

..تهذي وقهرتها الحمى، فاضطربت أنفاسها، وراحت

برائحة مخلفات وكانت رائحة النشادر والعرق وماء الكولونيا تنبعث من الغرفة مختلطةعند خروجي والتقيت.. ء الفندق، فنهضت وتسللت الى الخارجالدجاج واالرانب في فنا

:بميميكو، وكان يرتدي قميصا جديدا وحذاء ويضع خلف أذنه فقلت له

.أسرع إلى قرية كالو واستدع طبيباً.. ميميكو -

خلع حذاءه ووضعه تحت ابطه حتى ال يتلف في وقبل أن أكمل عبارتي، كان الفتى قد .الطريق

:قلت له

قل له ان السيدة .. وأبلغه تحيتي وقل له ان يمتطي فرسه ويحضر فورا ث عن الطبيبابح - ..حياتها في خطر ال تنس أن تقول له ذلك واآلن، اذهب مريضة بالحمى وان

..فورا -

وصفق بهما، ولكنه لم يتحرك من مكانه فصحت به وبصق في كفيه،،

..اذهب -

:شفتيه ابتسامة ماكرةبعينه وقال وعلى ولكنه لزم مكانه، وغمز

.البرتقال فحملتها إلى كوخك لقد أهداك بعضهم زجاجة من عطر.. سيدي -

:لم أفعل، فقال فتريث لحظة منتظراً أن أسأله عمن أرسل الهدية ولكني

.لتجعل رائحة شعرك طيبة أال تريد أن تعرف من أرسلها؟ قالت السيدة انها أرسلتها اليك -

.ل فمكواقف.. واسرع.. اذهب -

.أخرى، وأطلق ساقيه للريح فضحك وبصق في يده مرة__________________

الفصل السابع عشر

كانت رقصة عيد الفصح التقليدية تحت أشجار البلوط في عندما رحلت إلى ميدان القرية،طويل القامة أسمر البشرة لم تصل الموسى قط إلى الشعر عنفوانها، ويتزعمها شاب وسيم

..بت في وجههالذي ن

يرق وانما كان يطير في الهواء ويرنو بنظراته من حالق إلى بعض الفتيات وتتألق لم يكن .السوداوان في وجه لوحته الشمس عيناه

هورتنس والعناية بها، وجئت خصيصا لشهود وكنت قد كلفت احدى نساء القرية برعاية مدام

..رقصات كريت التقليدية

: بجوار العم أناجنوستي وسألتهالخشبي فجلست على المقعد

من هذا الشاب الذي يتزعم الرقص؟ -

:الرجل باعجاب فقال

الجبل وال ياتي إال في اسمه سيفاكاس وهو راعي غنم يقضي العام كله في.. انه كالمالك - .عيد الفصح ليرى الناس ويرقص

:وتنهد واستطرد قائال

.سيفلو كان لي شبابه لفتحت القسطنيطينية بحد ال -

:كالدوامة ويحلق في الهواء كالطير وصاح الشاب وهو يدور حول نفسه

..نفسه اعزف حتى يموت مالك الموت.. اعزف يا فانوريو -

والبلوط منذ آالف السنين، والفتيان والفتيات يرقصون في الربيع تحت اشجار الحور ن الرغبةوسوف يرقصون عدة آالف أخرى من السنين، بوجوه تعبر ع.. والسنديان

..المكبوتة

..محلها وتتغير الوجوه، وتنهار، وتعود إلى األرض، ولكن وجوهاً أخرى تظهر وتحل

.واحد فقط ال يترك الحلبة راقص

.خالد ال يموت أبداً.. دائماً في العشرين من عمره وهو.. وألف قناع.. ان له ألف وجه

.م يجد له شاربولكن ل.. وجهه ليفتل شاربه ورفع الشاب االسمر يده إلى

:صاح مرة أخرى

..اعزف .. اعزف يا فانوريو -

وثبة قوية، ولعبت أصابع فانوريو على االوتار واستجابت القيثارة للمساته، ووثب الشاب :فصاح الفتيان.. وصفق بقدميه ثالث مرات في الهواء

.سيفاكاس برافو -

كان يرقص وعيناه .. واحدة منهنوأسلبت الفتيات أهدابهن في حياء ولكن الشاب لم ينظر إلى ..تنظران إلى األرض

:الميدان وهو يصيح وتوقف الرقص فجأة، عندما اندفع اندروليو إلى

.. االرملة.. االرملة -

وابن عم الشاب الذي انتحر، أول من خرج من الحلبة وكان مانوالكاس، شرطي القرية، .ليسرع إلى اندروليو

صعد الدم إلى الروس، وترك الشيوخ مقاعدهم ، ووضع الراقصون عن الرقص، و وامسك :وصاحت أصوات يتميز أصحابها غيظاً وغضباً.. قيثارته في حجرة فانوريو

أين هي؟.. اندروليو أين هي يا -

حزمة من زهر الليمون وكانت تحمل. لقد دخلت إليها في التو واللحظة.. في الكنيسة - .والبرتقال

:فصاح مانوالكاس

.. بناهلموا -

.الصفوف، واندفع الجميع نحو الكنيسة كالسيل الجارف وتقدم

على عتبة الكنيسة وعلى رأسها منديل أسود، ورسمت ظهرت االرملة. وفي هذه اللحظة ..عالمة الصليب على صدرها

:األثر؛ ارتفعت أصوات تصيح وعلى

لقد جلبت العار .. بهاعليكم .. الحضور كيف وجدت الجرأة على. القاتلة.. التعسة الفاجرة - .على القرية

كان يتقدم الجميع نحو الكنيسة، بينما قذفها آخرون بالحجارة الذي.. وتبع بعضهم مانوالكاس ..واالسطح من النوافذ

.سكينه وأصاب حجر كتفها فصرخت ، وغطت وجهها بيديها، مانوالكاس قد استل

وجهها، ثم نت إلى األمام لتحمي وانح–وتراجعت االرملة إلى الوراء وهي تصرخ في هلع كان واقفاً دارت على عقبيها وأسرعت إلى الكنيسة لتحتمي بها ولكن مافراندوني الشيخ

.وجهها كالطود على عتبة الكنيسة وقد بسط يديه يميناً ويساراً ليسد الباب في

..الكنيسة ووثبت االرملة إلى اليسار، وتعلقت بشجرة السرو الضخمة، القائمة أمام

.كتفيها فانسدل شعرها على.. ومرق حجر في الهواء وأصاب رأسها ومزق منديلها

:وصرخت االرملة وهي تتعلق بالشجرة

..المسيح باسم.. أناشدكم باسم المسيح -

مناديلهن وكانت بنات القرية قد اصطففن في الميدان ورحن ينشبن أسنانهن في أطراف :جدران البيوتالبيضاء، بينما صاحت العجائز من فوق

.. اقتلوها .. اقتلوها -

..وتقدم شابان، عليها، فتمزق ثوبها وبرز صدرها أبيض كالرخام

:الدم ينزف من رأسها ويسيل على وجهها وعنقها صاحت وهي تلهث وبدأ

..المسيح بحق.. بحق المسيح -

هم من سكاكين وأثار منظر الدماء والصدر االبيض الفاتن شباب القرية، فاستل بعضهم :أحزمتهم، وكلن مافراندوني صاح بهم

..انها لي.. قفوا -

.الفور يزال واقفاً بباب الكنيسة، وقد رفع يده فوق رأسه، فتوقف الشبان على وكان ال

:واستطرد مافراندوني قائالً بصوت عميق

.فدعه ينام في سالم.. يناديك ان دم ابن عمك.. مانوالكاس -

من مكاني، واسرعت إلى الكنيسة ان الشهد ما يحدث ، فوثبتوكنت قد تسلقت أحد الجدر .وارتطمت قدماي بحجر فسقطت على األرض

أن كان سيفاكاس يمر بالقرب مني، فأمسك بياقتي كما يمسك الطفل : اللحظة واتفق في هذه :عنقها وانهضني وقال القطة من

..فابتعد.. هذا المكان ليس ألمثالك -

..رحمة بها: سيفاكاسيا اال تأخذك شفقة -

:فضحك الراعي في وجهي وصاح

.أن أكون شفوقاً؟ أنا رجل هل أنا امرأة لتطالبني -

.كان في وسط المعمعة.. وفي لحظة

..ولكن أنفاسي تقطعت، ولم أستطيع اللحاق به وتبعته عن كثب،

يسمع لم يكن. وحاصروها من كل جانب، وساد صمت رهيب وكان الجميع قد داروا باالرملة .الضحية فيه سوى تردد انفاس

يده، فارتفعت ورسم مانوالكس عالمة الصليب على صدره، وتقدم إلى االمام ورفع السكين في .وحجبن بها وجوههن صيحات الفرح من أفواه النساء فوق الجدران ورفعت الفتيات مناديلهن

الكت تحت جذع وته ورفعت االرملة عينيها، ورأت السكين فوق رأسها فصرخت في هلع .الشجرة وغاص رأسها بين كتفيها، وانسدل شعرها على األرض

:مافراندوني عالمة الصليب على صدره بدوره وصاح ورسم

..السماء انني أطالب بعدالة -

:ولكننا سمعنا من ورائنا في هذه اللحظة صوتاً عالياً يصيح

.أسلحتكم أيها القتلة اغمدوا -

.. زوربا واقفاً أمامه يلوح بيديه ل، ورفع مانوالكاس رأسه، ورأىفنظر الجميع حولهم في ذهو :ويصيح

أنتم؟ قرية برمتها لتقتل امرأة وحيدة؟ انكم لتجلبون أال تخجلون من أنفسكم؟ أي الرجال - !!العار على كريت كلها

:مافراندوني فصاح

:ه وقالأخي هذا شأننا فال تتدخل ثم نظر إلى ابن. ال شأن لك بهذا يا زوربا -

.اضرب باسم المسيح والسيدة العذراء.. مانوالكاس -

.باالرملة وطرحها ارضاً وركع على بطنها، ورفع السكين فأمسك مانوالكاس

وحاول بيده التي لفها بمنديل أن ينتزع السكين من .. وأمسك بذراعه .ولكن زوربا انقض عليه .مانوالكاس قبضة

.. ثغرة تفر منها على ركبتها ونظرت حولها باحثة عنوانتهزت االرملة هذه الفرصة فنهضت كانوا يقفون فوق حتى أولئك الذين. ولكن القرويين ضموا صفوفهم حولها في حلقة محكمة

.الثغرات المقاعد ما ان رأوها تبحث عن منفذ حتى وثبوا إلى األرض وسدوا

قلٍق من مكاني به فيفأخذت أرق.. وفي هذه االثناء، كان زوربا يناضل بخفة وعزم وصالبة ..بالقرب من باب الكنيسة

ولكن . سيفاكاس، ومعه عمالق آخر لمساعدته واحتقن وجه مانوالكاس غضباً، وتقدم :مانوالكاس أوقفهما بنظرة صارمة وصاح

.ابتعدا ال يجب أن يتقدم أحد -

..شفته، ولم ينطق بكلمة وهاجم زوربا بوحشية، ونطحه برأسه كالثور، وعض زوربا

يميناً ويساراً ليتجنب رأس بينما راح يتحرك. كان ممسكا بساعد غريمه بأصابع كالكالبة .مانوالكاس

زوربا وتناول أذنه بأسنانه، وعضها بكل قوته وجن جنون هذا االخير ، وألقى بنفسه على ..منها حتى مزقها، وانفجر الدم

:فصرخت

..زوربا -

:وتقدمت النقذه، ولكنه صاح

..ابتعد ..أستاذابتعد يا -

مانوالكاس وجمع قبضة يده، وسدد ضربة هائلة إلى الجزء االسفل من بظن غريمه، فافلت .االذن من بين أسنانه على الفور، واحتقن وجهه احتقاناً شديداً

.الكنيسة وقذف بها بعيداً فوق سور.. زوربا بيده فألقاه أرضاً وانتزع السكين من يده ودفعه

. المتصبب على وجهه ومسح العرق.. وأوقف به سيل الدم المتدفق من أذنهثم تناول منديله، .وأجال البصر حوله

..كانت عيناه حمراوين منتفختين

:باالرملة قائالً صاح

..وتعالي معي.. انهضي -

ولكنها لم تجد الفرصة لذلك، .. لها من قوة لتنجو بحياتها فنهضت االرملة، واستجمعت ما بقيالشيخ كالصقر، ولطمها فألقاها أرضاً، ولف شعرها االسود ها مافراندونيفقد انقض علي

.واحدة من سكينه فصل راسها عن جسدها الطويل حول ساعده، وبضربة

..الكنيسة وصاح وهو يلقي برأس ضحيته على عتبة

..انني اتحمل مسئولية هذا االثم -

..صدره ورسم عالمة الصليب على

..وعنف منظر الريب فأمسك بشاربه وراح ينتف شعراته بقوةونظر زوربا خلفه ورأى ال

.بأهدابه فنظر إلي، ورأيت دمعتين كبيرتين تتعلقان.. ولحقت به وتأبطت ساعده

.قال بصوت مختنق

..هلم بنا

:تلك الليلة قال ولم يتناول زوربا طعاما او شرابا في

.ان في حلقي غصة وال أستطيع أن أبتلع شيئا -

.بالماء البارد، وعصبها بقطعة قماش بللها بالعرق وغسل أذنه

..الكوخ، وجعلت وجهي إلى الجدار وأطلقت العنان لدموعي أما أنا فقد تمددت على أرض

..بكيت كما يبكي طفل غلبه الحزن واالسى انما. لم أكن أفكر في شيء

صاح، .. وفجأة بدأ زوربا يفكر بصوت مسموع

المحطمون لماذا يموت الشباب ويبقى العجائز.. يا خطأ وظلمان كل ما يحدث في هذه الدن -فقدته وهو في وقد.. لماذا يموت األطفال؟ كان لي مرة ابن اسمه ديمتري! على قيد الحياة

.الثالثة من عمره وذلك، ما لن أغفره للسماء

:فانتكأ جرح أذنه، وسال منه الدم قلت له ..وضرب االرض بقبضة يده

..وأضمده سأغسل لك الجرح. اصبراً يا زورب -

االرملة إلي وبللت قطعة من القطن بما البرتقال الذي بعثت به. وغسلت الجرح بالعرق :فهتف زوربا. وعصبت االذن

:وتنهد واستطرد قائالً.. كأنني في حديقة االرملة وأشعر.. اني أشم رائحة البرتقال.. آه -

: كنت أنظر إليها وأقول!! داً فاتنا كجسدهاتنتج االرض جس كم سنة يجب أن تمر قبل أن -وليت الدنيا تقفر من الرجال والنساء جميعاً فال يبقى عليها .ليتني في العشرين من عمري

.يملئون سطح األرض. فأولدها أوالداً سواي أنا وهذه المرأة

:وامتألت عيناه بالدموع وقال

قي الجبل ثالث أو أربع مرات هذه الليلة يجب أن أر.. أطيق التفكير في هذا الحادث انني ال - .تهدأ نفسي وأستطيع أن أنام لكي

..واندفع إلى الخارج، وتوارى في الظالم

فقد تمددت في فراشي واطفأت المصباح، وبدأت بطريقتي الالانسانية أن أنقل الحقائق أما أنا

ولت إلى نتيجة مزعجة،وان أربطها بنواميس الطبيعة وشرائع الحياة حتى .. عالم التجريد إلى

.هي ان ما حدث كان ضروريا بل انه للصالح العام وكان ال بد من حدوثه

النعاس فنمت، ولم أشعر بزوربا حين عاد أو حين خرج في صباح اليوم التالي، وغلبنيال شيء يعجبه مما يفعلون، .. رأيته على سفح الجبل يصيح ويصرخ في وجوه العمال ولكنيثة منهم، وتناول معوالً وراح يضرب به االرض ليمهد القامة أحد أعمدة فصل ثال حتى لقد .الهوائي السلك

وثار عليهم ..ثم صعد إلى قمة الجبل، وتحدث إلى الحطابين الذين يقومون بقطع االخشاب .ثورة عارمة

ال ينطق بكلمة، واذا تكلم فعن وعاد في المساء إلى الكوخ متعبا منهوك القوى وجلس بجانبي .الفحم والخشب والسلك الهوائي

:عن االرملة ولكنه وضع يده الغليظة على فمي وصاح وهممت مرة أن اتحدث

.. صه -

.استحياء فصمت على

دون أن يدع رجل يبكي عندما يحزن ويضحك.. هوذا رجل بكل معاني الرجولة: وقلت لنفسي .للفلسفة أو المنطق سبيال إلى افساد مرحه

على هذا النحو، قضاها زوربا في عمل متواصل، دون توقف من بعة أيامومرت ثالثة أو أر .اجل طعام أو شراب

مساء، قلت له ان بوبولينا ال تزال طريحة الفراش، وان الطبيب لم يذهب لزيارتها وانها وذات

:تردد اسمه دائما في هذيانها فقال

..حسنا -

:ة وعاد بعد قليل فسألتهوذهب إلى القري وخرج مبكرا في صباح اليوم التالي،

..هل رأيتها؟ كيف حالها -

:فأجاب

.انها ستموت.. ليس بها من شيء -

:عصاه وخرج فسألته وانطلق إلى عمله وعاد في المساء ولك يأكل، وتناول

!اذهب أنت إلى القرية -

.ساتريض قليالً.. كال -

.في الطريق إلى القرية بخطى سريعة حازمة وسار

وطافت . أستعرض بعض الذكريات القديمة والحديثة عدت إلى فراشي، وطفقتوكنت متعبا ف :وقلت لنفسي.. زوربا أفكاري بأشياء كثيرة وعادت إلى

لقد قيل لي انه .. الكريتي بنفسه عليه اذا التقى زوربا بمانوالكاس، فسوف يلقي هذا العمالق "وانه ال يكف .. زلت به على يد زورباالهزيمة التي ن لم يبرح بيته في األيام األخيرة خجال من

وقال لي احد العمال .. بأسبانه بمجرد ان يقع بصره عليه عن القول بانه سوف يمزق زوربا .جنح الظالم وهو مدجج بالسالح أنه رآه يطوف حول الكوخ تحت

.قتل ال شك انهما اذا التقيا الليلة فسوف تقع جريمة

.رتديتها وانطلقت إلى القريةووثبت من الفراش وأسرعت إلى ثيابي فا

ووقع بصري على زوربا بعد.. الليل هادئا ساكنا والجو يزخر برائحة البنفسج البري وكان

النجوم ويتوقف بين الفينة والفينة، وينظر إلى. قليل، وكان يمشي ببطء مية المتعب المكدود ..ويصيخ السمع، ثم يعود إلى مواصلة السير وهو يدق االرض بعصاه

صوت بلبل يغرد بنغمات . حديقة االرملة، وانطلق من فوق أحد أشجار الحديقة قترب منواواستمر البلبل يغرد تغريداً جميالً يأخذ باأللباب فتوقف زوربا عن .. الينابيع أصفى من ماء

.وقد أخذ بعذوبة التغريد السير

:وفجاة انفرجت أعواد سور الحديقة وهدر صوت غاضب

.لقد وجدتك اخيراً.. ألحمق العجوز؟ أهذا أنت أيها ا -

..عروقي فعرفت الوت، وجمد الدم في

..وتقدم زوربا رافعاً عصاه

.حركاته كنت أرى على ضوء النجوم كل حركة من

:ووثب بين االعواد عمالق ضخم الجسم، فمد زوربا عنقه وصاح

أنت؟ من -

.أنا مانوالكاس -

.امض في سبيلك -

.العار ليلماذا أذللتني، وجلبت -

.. قوي صحيح أنك شاب ضخم.. فامض في سبيلك. انني لم أجلب لك العار يا مونوالكاس - .ولكن الحظ لم يكن في جانبك، والحظ أعمى كما تعلم

:بأسنانه فقال مانوالكاس وهو يعض

هل .. الليلة بالذات وفي هذه.. يجب أن أمحو العار.. اعمى أو غير أعمى.. حظ أو ال حظ - .كينمعك س

.معي عصا.. كال -

.اذهب.. وسأنتظرك هنا اذهب وابحث عن سكين، -

:ولكن زوربا لم يتحرك من مكانه فصاح مانوالكاس ساخراً

.أخائف أنت؟ قلت لك اذهب -

كان معك سكين وقتئذ، ولم يكن .. انني أذكر ما حدث أمام الكنيسة!. وماذا أفعل بالسكين؟ - :غضب زمجر مانوالكاس فيومع ذلك انتصرت ف.. معي شيء

..أتحاول اثارتي؟ لقد احترت أسوأ االوقات لسخريتك -

وانت أعزل؟ ابحث لنفسك عن سكين أيها المقدوني القذر، وسنرى بعد هل نسيت أنني مسلح .األفضل ذلك أينا

.فرفع زوربا يده وألقى بالعصا، وسمعت صوت سقوطها بين االعواد

:زوربا وصاح

.الق بالسكين -

النجوم قبل أن يغيب بين أعواد كنت قد تسللت نحوهما، فرأيت نل السكين يتألق في ضوءو ..الغاب

:الهواء وبصق زوربا في يده وصاح وهو يثب في

..تعال -

:وصحت بهما.. ولكني وثبت بينهما قبل أن يلتحما

.هذا عار عليكما.. وأنت يا زوربا تعاليا.. انت يا مانوالكاس ..قفا -

:وقلت. وهما يسيران في بطء، فتناولت اليد اليمنى لكل منهما لغريمان منيفتقدم ا

.ويجب أن تصلحا ما بينكما.. طيب القلب، وكالكما شجاع كالكما.. تصافحا -

!أن يجذب يده فقال مانوالكاس وهو يحاول

.لقد أهانني -

:فقلت

رجل شجاع، فانس ما حدث القرية كلها تعرف انك ..ال أحد يستطيع اهانتك بهذه السهولة -وال تنس أن زوربا غريب عن .. ان ما كان قد كان ..أمام الكنيسة في تلك الساعة المنحوسة

تعال .. نحن الكريتيون ان نرفع أيدينا ضد ضيف بلدنا انه مقدوني، وعار علينا. هذه الجزيرة نبيذ وقطعة من وهلم معنا إلى الكوخ لندعم صداقتنا بكأس ..هذه هي الشهامة.. أعطني يدك

.شواء

:وانتحيت به جانبا وهمست في أذنه واحطت خصره بساعدي

.قوي مثلك ان يهاجم رجالً في مثل سنه ال تنس أنه رجل متقدم في السن، وعار على شاب -

:فالن مانوالكاس قليال وقال

.اكراماً لك فقط ..حسنا -

:فدنا من زوربا وبسط له يده وهو يقول

..اعطني يدك.. لقد انتهى كل شيء يق،تعال أيها الصد -

:فقال زوربا

.يدي ومع ذلك هاك.. انت أكلت أذني -

..وشد كل منهما على يد اآلخر بقوة وعنف حتى خفت أن يتالحما من جديد

:الطريق إلى الكوخ، سرت بينهما وقلت ألغير مجرى الحديث وفي

..ت أمطار غزيرةهذا العام فيما أعتقد، فقد هطل سيكون المحصول وفيراً -

هناك ما يوغر صدر كل منهما على اآلخر، ووضعت كل فلم يجيبا، وأدركت أنه ال يزال .بينهما أملي في الخمر لعلها أن تصلح

وأنا أرفع وجلسنا على حجر أمام الكوخ، وأحضر زوربا ثالثة أقداح وبعض الطعام، فقلت :قدحي

.نخب صحتك يا زوربا.. نخب صحتك يا مانوالكاس -

مانوالكاس بضع قطرات من نبيذ على األرض وقال بصوت رصين فسكب

.اذا أنا رفعت يدي في وجهك يا زوربا يسيل دمي كهذا النبيذ -

:األرض وقال فحذا زوربا حذوه، وسكب قطرة من النبيذ على

.أذني يسيل دمي كهذا النبيذ اذا لم أكن قد نسيت فعال كيف قضمت -

الفصل الثامن عشر

:في الفجر وأيقظني بقوله جلس زوربا على حافة فراشه

هل أنت نائم يا أستاذ؟ -

ماذا حدث يا زوربا؟ -

رأيت أنني.. اصغ إلي.. لقد رأيت حلماً مضحكاً، وأعتقد اننا سنقوم برحلة، في وقت قريب -وكنت أحمل .فيما يرى النائم سفينة كبيرة تهم باالبحار، فجئت من القرية مسرعاً ولحقت بها

:وجاء ربان السفينة وسألني. في يدي ببغاء

أين تذكرتك؟ -

:أخرج من جيبي حزمة من األورق المالية فقلت وأنا

كم ثمنها؟ -

.ألف دراخمة -

!تكفي ثمانمائة دراخمة أال -

.ألف دراخمة بالتمام.. كال -

.فقط وفي استطاعتك أن تأخذها معي ثمانمائة دراخمة -

.أو تغادر السفينة.. مة بل ألف دراخ -

ألنك اذا رفضت، فانني استيقظ من .. أنصحك بقبول الثمانمائة دراخمة.. يا كابتن اصغ إلي - !فال تنال شيئاً وانفجر زوربا ضاحكاً وقال في دهشة النوم

تطعمها خبزاً ونبيذاً وسمكاً، فتعطيك ضحكاً وأحالماً ومناظر ..ان االنسان آلة عجيبة - .جميلة

:الفراش فجأة وقال في قلق وثب منثم

.. أخشى أيها الصديق أن ..ولكن لماذا الببغاء؟ ما معنى أن أصحب معي ببغاء -

.القامة أحمر الشعر، وقال وهو يلهث ولم يتم عبارته فقد فتح الباب بعنف ودخل رسول قصير

ا الموت وان طلب طبيب وتقول أنها على شف ان المرأة المسكينة تصرخ في.. بحق السماء - .وزر موتها يقع عليكما

.فجيعتنا في االرملة قد انستنا صديقتنا القديمة تماما كانت.. فخجلت

:قال الرسول

فتناولت ورقة كتبت عليها. المرأة المسكينة تسعل بشدة، وسعلتها تهز جدران البيت ان -

:رسالة وقلت للرسول

..بيتها ويقوم بفحصها أمامك يرافقك إلىاذهب بهذه الرسالة إلى الطبيب وال تدعه حتى -

له؟ وانصرف الرسول، وارتدى زوربا ثيابه على عجل فقلت

..فسأرافقك.. صبراً لحظة -

:فأجاب

.انني على عجل -

.بالخروج وأسرع

!بباب بيته فهتف وبعد قليل، كنت في طريقي إلى القرية، وراني العم أناجنوستي وكان جالساً

المبكرة؟ جاءت بك في مثل هذه الساعةأية مصادفة سعيدة -

:ولكنه قرأ دالئل القلق في وجهي، وأدرك ما هنالك وقال

.، فلست واثقاً من أنك ستجدها على قيد الحياة عجل يا بني -

الغرفة، ونقلوا الببغاء إلى مكانها المألوف فوق رأس كانوا قد وضعوا فراشها في وسط .يها فيما حولها وال تنطق وكأنها تدرك ما هنالكبعين وكانت الببغاء تدور.. صاحبته

وتتوجع وتضرب االغطية بيديها وتحاول التخلص من شعورها وكانت العجوز المسكينة تئن .باالختناق

.. تنبعث منها رائحة العرق.. شاحبة اللون، مورمة الوجه.. مساحيق أو دهون ورأيتها بال .يوشك على التحلل واللحم الذي

.الحذاء نفسها ذائها تحت فراشها أشد ايالماً للنفس من منظر صاحبةوكان منظر ح

وراح يعض شفتيه وجلس زوربا بجوار الفراش، ونظر إلى الحذاء، ولم يحول عينيه عنه، .ليغالب دموعه

زوربا قبعتها العريضة المحالة بالورود وكانت المرأة المسكينة تتنفس بصعوبة ، فتناول .اشعال النار في قطعة فحم أدركها البلل هها كما لو كان يحاولوجعل يروح بها فوق وج

ولكنها لم تر شيئاً في الظالم، بل ولم تر زوربا وفتحت المرأة عينيها ونظرت حولها في هلع، .وجهها وهو يحرك القبعة فوق

:وصاحت ونشبت المسكينة أظافرها في الوسادة المبللة بالدموع والعرق واللعاب

..ال أريد أن أموت.. أموتال أريد أن -

..عن حالها فجاءتا على الفور وتسللتا إلى داخل الرفة ولكن ندابتان من القرية سمعتا

.على المرأة المريضة وتبادال الغمزات وانصرفا وبعد قليل، جاء شابان وأطال

:الدجاج في الخارج فقلت احدى الندابتين لالخرى ولم تمض بضع دقائق حتى سمعنا جلبة

ان مساكين القرية جميعا .. النهاية، وها هما يسرقان الدجاج أرأيت أن الشابين يعجالن - .انتظار النهاية لكي ينهبوا كل شيء يمألون فناء الدار في

:ضجر ثم التفتت إلى المرأة المحتضرة وغمغمت في

.كاالخرين حتى نأخذ نصيبنا.. عجلي بالرحيل أيتها الصديقة -

:رىالندابة االخ فقالت

:يبدو أن هؤالء الفتيان على حق، فلطالما قالت لي أمي -

واذا أردت اقتناء شيء فاسرقيه، وعلين االن أن نندبها.. أردت أن تأكلي شيئا فاخطفيه اذا

بعد لكي نبارك ذكراها.. بسرعة، ثم نحمل ما تصل إليه أيدينا من االرز والسكر واالوانيالذي فمن ذا الذي سيرث دجاجها وأرانبها؟ ومن ذا.. دانها ال أهل لها وال أوال.. موتها

سيشرب نبيذها ويرث حانوتها؟

.نصيبنا كل هذا سيكون مباحاً للجميع ويجب أن نأخذ منه

:وفي هذه اللحظة، تنهدت المريضة وراحت تهذي فقالت احدى الندابتين

.فلنتناول مناديلنا ونشرع في عملنا.. قد آن األوان -

:فأجابت األخرى

كيف نندبها ولما تلفظ أنفاسها األخيرة؟.. تخافين اهللا أال -

:بصوت خافت وهنا هتفت مدام هورتنس

.ال اريد أن أموت -

:على جبينها وقال والدموع في عينيه فانحنى زوربا فوقها، ورفع خصلة من الشعر سقطت

.زوربا انا.. انني هنا.. ال تخافي ايتها العزيزة -

ثاقبة، وضربت االغطية بقدمها بقوة، وأطلقت صرخة قصيرة.. تسمعهولكنها لم تره ولم ..وسكنت حركتها

يده، وتناول قفص الببغاء ، وغادرنا وعلى الفور ، بدأت الندابتان عملهما المقيت، فمد زوربا .المكان

لم يجدا سوى الجثة .. القرية لجرد مخلفات المتوفاة وعندما جاء كوندومانوليو وناظر مدرسة .سجاة فوق أحد األبوابم

..والنوافذ حتى األبواب.. نهب فقراء القرية كل شيء لقد

الفصل التاسع عشر

..مايو، من األيام الخالدة التي لن أنساها ما حييت كان اليوم األول من شهر

لك ال عمدة قائمة، والس. معدا للبدء في استغالل أخشاب الغابة كان كل شيء.. ففي ذلك اليومالشمس، وجذوع األشجار مكدسة فوق قمة الجبل في انتظار االشارة الهوائي يلمع تحت أشعة

يونانية تخفق فوق الجبل، وأخرى تخفق على الشاطئ عند الخليج الذي ببدء العمل، ورايةتمهيداً لشحنها في السفن، وأمام الكوخ برميل كبير مليء بالنبيذ، وعلى سيتلقى جذوع الشجر

عامل يشوي خروفا سمينا، فقد كان من المتفق عليه ان يقدم الطعام والشراب نهمقربة م

.عقب االحتفال بتدشين المشروع وافتتاحه .للمدعوين

حتى الببغاء كان لها نصيبها في االحتفال، فقد وضع ..والواقع أن زوربا أعد العدة لكل شيء .بالقرب من أول عمود زوربا قفصها على صخرة مرتفعة

وكبراءها، ويوضح لهم طريقة عمل تدى زوربا أفضل ثيابه ، وراح يستقبل اعيان القريةوار .للمشروع الخط الهوائي، وكيف سيعم الخير المنطقة كلها نتيجة

:قال

للخط الهوائي، وقد قضيت عدة انه عمل هندسي فذ، أهم ما فيه هو معرفة االنحدار المناسب -آخر األمر أن المعضلة لن وايقنت.. ولكن دون جدوىشهور في التفكير في هذه المعضلة

.تحل اال بعون من عند اهللا

..المعجزة وذات ليلة، حدثت

للخط الهوائي في تحمل في يدها انموذجاً.. فقد رأيت فيما يرى النائم سيدة متشحة بالسواد ..حجم الكف

:قالت لي

هو ذا حساب المنحدر .. ميم المشروعالعذراء، وقد جئتك بتص اصغ إلي يا زوربا، أنا السيدة - ..بركتي وها هي.. الذي تبحث عنه

.واختفت

ورأيت .. انموذجي للمشروع فاستيقظت مذعوراً، وأسرعت إلى المكان الذي كنت أختبر فيهتنبعث منه رائحة البخور، مما وكانت.. كان السلك موضوعاً في الزاوية المناسبة.. المعجزة

.ة العذراء قد لمستهيدل على ان يد السيد

كوندومانوليو بأن يفتح فمه ليلقي سؤاالً، ولكنه رأى خمسة من الرهبان يمتطون جيادهم وهم

.الخشب ويهبطون على سفح الجبل، وراهباً سادساً يتقدمهم حامالً صليباً ضخماً من

من وشرع الرهبان يدورون باالعمدة ويرتلون ويطلقون البخور بينما وقف حشد كبير .قرويين ينظرون في خشوع وينتظرونال

جذوع، تيمنا بالثالوث المقدس، االب واالبن وكان من المقرر أن تجري التجربة على ثالثة .والروح القدس

االول وجذب حبالً، فارتفعت الراية إلى قمة العمود، وكانت هذه هي ووثب زوربا إلى العمود . الرسال الجذع األولعليها مع العمال فوق قمة الجبل االشارة المتفق

:قمة الجبل وهتف أحد الرهبان وتحولت االنظار جميعا إلى

.باسم األب -

وكدنا ال نجد الوقت الكافي .. نزلت الكارثة كالصاعقة فقد.. ومن المستحيل وصف ما حدث

. وانحدر جذع الشجرة كشيطان هائل متمرد.. البناء الخشبي كله فقد ترنح.. للنجاة بانفسناولما وصل إلى األرض بعد بضع ثوان، .. وتطايرت أجزاء منه في الهواء منه الشرر،فانبعث

..خبية محترقة كان مجرد كتلة

..صدورهم ويتمتمون ودب الذعر في قلوب الرهبان، وراحوا يرسمون عالمة الصليب على

:فقال زوربا

ثر انتظاما في من ان الجهاز سيكون أك ولكني واثق.. هكذا يحدث دائما في أول تجربة - .التجربة الثانية

!وهتف أكبر الرهبان سناً ورفع الراية للمرة الثانية

..باسم االبن -

كالوحش، ألنه تعثر في الطريق ودار حول نفسه وسقط وهجم علينا.. وانحدر الجذع الثاني .من حالق

:وقال وعض زوربا شاربه -

. ن يكونهذا المنحدر اللعين ليس كما يجب أ.. يا للشيطان -

:للمرة الثانية ورفع الراية

كبيرهم؟ وفي هذه المرة، أسرع الرهبان باالحتماء ورا بغالهم، وصاح

.باسم الروح المقدس -

من قمة الجبل حتى سمعنا ضوضاء شديدة وكان الجذع الثالث ضخماً جداً، ولم يكد ينطلق :فصاح زوربا وهو يعدو

.بحق السماء انبطحوا على األرض -

.للريح ى الرهبان بانفسهم على األرض، واطلق القرويون سيقانهمفألق

.وكان جذع الشجرة قد وثب وثبة واحدة

.البحر قبل أن ندرك تماما ما حدث وسقط على األرض وتدحرج وغاص ماء

..بشدة، ومال بعضها بطريقة خطرة واهتزت االعمدة التي يقوم البناء الخشبي عليها

:وصاح زوربا

.الجهاز سيعمل االن بانتظام ، فلنجذب مرة رابعة أنا واثق ان. اال تنزعجو -

:يعدو نحو الصخور ورفع الراية وصاح الراهب وهو

..باسم السيدة العذراء -

حول نفسه، وسمع القوم دوياً شديداً، وسقطت االعمدة وانحدر الجذع الرابع بقوة ثم دار ..كله في طرفة عين وانهار البناء الخشبي. جميعاً

من عين راهب وأصاب شظية متطايرة أحد الرهبان فجرحت فخذه ومرت أخرى بالقرب

..آخر

وبدأوا .. وجمعوا بغالهم وتوارى القرويون عن األبصار، وحمل الرهبان صليبهم الخشبي ..يتقهقهرون في غير نظام

وف وترك الخر.. شي الخروف تواله الذعر والذ بالفرار حتى العامل الذي كان يشرف على ..طعمة للنيران

:جزع صاح زوربا في

.الخروف يحترق -

.وخف النقاذه ، ثم جلس بجانبي

تماما، فنظر إلي زوربا في تردد لم يكن يعرف كيف كان وقع الكارثة وكان الشاطئ قد اقفر .أن تنتهي هذه المغامرة علي، وال كيف يمكن

:وقال وتناول السكين وقطع شريحة من لحم الخروف وتذوقها

هل لك في قطعة؟. هكذا يجب أن يكون الشواء -

..والنبيذ ودعنا نأكل هات الخبز.. انني جائع -

الجيد حتى ارتوينا وترنحت االرض وأكلنا حتى أتينا على الخروف، وشربنا من النبيذ الكريتي .الحياة أقل ثقالً وأوفر بهجة تحت أقدامنا كأنها سفينة في عرض المحيط، وبدت لنا

:واقفاً وصحت بزورباونهضت

.أرقص علمني كيف.. زوربا -

:فوثب واقفاً وقد أشرق وجهه وهتف قائالً

..تعال.. احسن أتريد حقاً أن ترقص؟ هذا -

.هلم.. لقد تغيرت حياتي يا زوربا -

:فخلع حذاءه وقال

.انظر.. انظر إلى قدمي -

وكرر هاتين الحركتين .. ماماال ومس األرض بأصابع قدمه بخفة، ثم خطا بالقدم االخرى إلى .طبلة بسرعة حتى اختلطتا ، ورددت االرض حركة القدمين وكأنها

:وألقى زوربا بيده على كتفي وقال

..هلم ، سنرقص معاً -

على الرقص ويصحح أخطائي في صبر وأناة ودعة حتى تشجعت ، وأحسست وراح يدربني ..جناحان كالطير كأن قلبي قد نبت له

..نت أعجوبةأ.. برافو -

:ويصيح.. قدمي وراح يصفق بيديه لينظم خطواتي وحركة

هأنتذا يا بني قد .. واالرباح إلى الجحيم بالمناجم.. إلى الجحيم بالكتب واالوراق.. برافو - .وسوف نروي لبعضنا أشياء كثيرة.. تعلمت لغتي

.يثب على الحصى بقدميه العاريتين ويصفق بيديه وجعل

:قال

وهناك مئات األشياء .. ان أقولها لك، انني لم أحب أحداً كما أحببتك اء كثيرة أريدعندي أشي - .انظر.. ولكن لساني ال يسعفني ولذلك سأرقصها لك أود أن أقولها لك

..وساقاه إلى أجنحة ووثب في الهواء وتحول ساعداه

.وبدا ، والبحر من ورائه ، أشبه بمالك عجوز متمرد

كل ما تستطيعينه هو .. ماذا تستطيعين أن تفعلي بي يا سماء: السماءيصيح في وجه كان كمن ورقصت ما شئت أن.. لقد قلت لك ما اريد قوله.. اقتليني اذن فلست أبالي.. تقتليني أن

..أرقص

للتغلب وحين شهدت زوربا وهو يرقص، أدركت ألول مرة مدى الجهد الذي يبذله االنسان .خفته واعداده بنفسهعلى ثقله، وأعجبت بصبر زوربا و

..اليوم التالي، فخرجت إلى الشاطئ وسرت في الطريق إلى القرية واستيقظت مبكراً في

..وكنت أشعر بسعادة لم يسبق أن شعرت بمثلها في حياتي.. ضلوعي كان قلبي يثب بين

فلقد فقدت .. بل ضد كل ما يمكن أن يبررها.. ليس لها ما يبررها.. عادية كانت سعادة غيروانشأت ميناءاً صغيراً ال أملك اآلن .. ثروتي، ورجالي، وعرباتي والخط الهوائي ..كل شيء

..أشحنه منها ما

..المنتظر بالخالص غمر قلبي هذا الشعور غير.. وفي هذا الوقت الذي فقدت فيه كل شيء

أموره على االحتمال حين تسوء انها لمتعة أية متعة، ان يختبر االنسان شجاعته ومدى قدرته !!وتتقطع به االسباب

.ولكن راضي النفس.. وأنا متعب منهوك القوى وعدت إلى الكوخ حول الظهر

فنمت، ورأيت فيما يرى النائم أنني أسير وحدي في واستلقيت على فراشي، وغلبني النعاسوبينما أنا أمر بكنيسة .. مقفرة، والحوانيت مغلقة وان الشوارع.. أحد شوارع أثينا

:فسألني بأنفاس الهثة.. ستافريداكي، الغائب في القوقاز ، اذا بي ألتقي بصديقي)يكارياكابذ(

.قابلني الليلة لنتجاذب أطراف الحديث.. انني لم أرك منذ قرون ..ماذا تفعل هذه األيام -

أين؟ -

.(نافورة الجنة(مقهى في -

..سأذهب إلى هناك.. حسنا -

:فقال عاتباً

.نك ال تذهبذلك ولك أنت تقول -

..وهاك يدي.. بل سأذهب -

.. فنهضت من نومي مذعورا.. بأن يده باردة كالثلج وهالني أن شعرت.. وأمسك بيدي .ال بد أن يكون صديقي هناك في خطر.. القوقاز نحو.. واتجهت ببصري نحو الشرق

ي كومة واالدوات والعربات واالخشاب وقطع الحديد ف وجمع زوربا االسالك.. انتهى كل شي .على احدى السفن كبيرة على الشاطئ استعدادا لشحنها

:قلت

..وأتمنى لك حظا سعيدا فخذها،.. انني اقدم كل هذه االشياء هدية لك يا زوربا -

:قائالً فابتلع زوربا لعابه بصعوبة كمن في حلقه غصة وغمغم

هل سنفترق؟ إلى أين ستذهب؟ -

.أن أقرأها وأخرى يجب أن أكتبها بهناك كتب يج.. ربما ذهبت إلى أثينا -

والكتابة؟ ألم تتعلم بعد أشياء أفضل من القراءة -

.بل تعلمت الكثير يا زوربا، والفضل لك -

وماذا سأفعل بدونك؟ -

.فسوف نلتقي مرة أخرى.. ال تحزن يا زوربا -

.. سجدار الكوخ، وراح يشرب الكأس تلو الكأ وجلس زوربا على االرض، وأسند ظهره إلى .دون أن ينطق بكلمة

:قلت لنفسي

.. ألننا لن نلتقي بعد ذلك أبداً.. حتى تنطبع صورته في ذهني.. يجب أن أنظر إليه جيدا -

.أبداً

ألخفي تأثري ووددت أن ألقي برأسه على كتفي وأبكي، ولكني خجلت، ثم حاولت أن أضحك .وأحسست بغصة في حلقي.. وانفعالي، ففشلت

الطويل المغضي كأعناق الطيور الجارحة ليشرب في صمت، مط عنقهنظرت إليه وهو ييتقابلون ويفترقون، ويحاول االنسان ان يحتفظ في ذهنه بصورة أن الناس! وعجبت للحياة

ثم تمضي األيام والسنين فاذا هو ال يذكر .. أو لحركة من حركاته لوجه الشخص الذي أحبه، ..عينيه حتى لون

وقع أقدام صمت، دون أن يبدي حراكاً وخيل إلي أنه ينصت إلىواستمر زوربا يشرب في .تقترب في الظالم، أو أقدام تنسحب من أعماق كيانه

زوربا؟ فيم تفكر يا -

.فيم أفكر؟ انني ال أفكر في شيء ال أفكر في شيء على االطالق -

..فاعزف شيئا على السانتوري اذن -

والمرح والقلب السعيد؟ قد أستطيع أن تطلب البهجةألم أقل لك ان العزف على السانتوري ي - .شخصين افترقا إلى األبد أعزف بعد شهر أو شهرين، ويومئذ سوف أعزف قصة

:فصحت في ذعر

!!إلى األبد -

..بهاتين الكلمتين لنفسي، ولكني لم أتوقع أن يقاال بصوت مسموع والواقع أنني همست

:يبتلع لعابه بصعوبة فقال زوربا وهو

يوماً ما، هو من قبيل الكالم الذي يقال ان ما ذكرته اآلن عن احتمال لقائنا.. إلى األبد.. نعم -هل نحن .. وأنا ال أقول هذا الكالم وال اريده ..النسان مريض لتشجيعه على احتمال آالمه ..إلى األبد.. انا سنفترق.. التشجيع والمواساة؟ نعم ضعاف كالنساء لكي نحتاج إلى عبارات

:وصمت لحظة ثم استطرد

اذ يجب أن تستيقظ في الفجر اذا شئت أن.. لقد آن لك أن تأوي إلى فراشك يا صديقي -

..طابت ليلتك.. تستقل السفينة إلى كانديا

..فهذه ليلتنا األخيرة معاً.. سأبقى معك.. زوربا ليست بي الرغبة إلى النعاس يا -

. ليلتكطابت.. بسرعة ولهذا يجب أن ينتهي األمر -

فوق الحصى وأدار وجهه وخرج إلى الشاطئ دون أن يلقي وراءه بنظرة واحدة وهناك تمدد .إلى البحر

وربما كان قد أختبأ .. دون أن يقع عليه بصري ..فقد رحلت في الفجر.. ولم أره بعد ذلك أبداًوالتلويح نضطر إلى تبادل كلمات الوداع المؤلمة حتى ال.. في مكان ما ليرقبني حين أرحل

..بااليدي والمناديل

.قاطعا كالسيف كان فراقنا

..فيها وفي كانديا تسلمت برقية أرسلت رعدة في جسدي، فقد كنت أتوقع ما جاء

:كانت تتضمن سطراً واحداً

."أمس ستافريداكي أصيب بالتهاب رئوي وتوفي" -

.ومرت خمسة أعوام

تغيرت خاللها الحدود، فاتسعت دول ،خمسة أعوام طويلة مضنية حافلة باآلالم واالهوال .وهلك ماليين الناس. وانكمشت دول أخرى

قال في احداها أنه وصل .. السنوات الثالث األولى، تلقيت بضع بطاقات من زوربا وخالل ألن رهبان الدير من البخل(مونت اتوس، وانه ال أمل في الحصول على عمل هناك، إلى دير

معه إلى وقال في بطاقته الثانية، انه تعب من حمل الببغاء) يثهموالتقتير بحيث يسلخون براغ

."الصالة وانه اهداها إلى أحد الرهبان وأستحلفه أن يعلمها.. كل مكان يذهب إليه

مناجم رومانيا ويأكل وقال في البطاقة الثالثة انه ال يزال على قيد الحياة، وانه يعمل في :سيبيريا يقول فيها امين بعث إلي برسالة منومنذ ع.. عصيدة الذرة ويشرب الفودكا

البطاقة، طالعك وجه البرد هنا مخيف، ولذلك اضطررت إلى الزواج، واذا قلبت هذه "انني أقف الى جانبها ..والسبب انها ستضع زوربا صغيرا.. زوجتي، انها متضخمة قليال

عي فانه خاتم بوبولينا اصب أما خاتم الزواج الذي في.. مرتديا الثوب الذي اهديتني إياه ..المسكينة

. زوجتي) دوطة(الذي أرتديه هو جزء من بائنة الزوجة الجديدة تدعى ليوبا، ومعطف الفراء ..وطفلين من زوجها االول وقد أحضرت لي زوجتي فرساً وسبعة خنازير

الجبال، كما وجدت رأسماليا فقد وجدت منجم نحاس في أحد.. انني أعيش كالباشوات ..لهلتموي

لي أخيراً رسالة من قرية سكويلي في سيبيريا وانقطعت أنباء زوربا بعد ذلك، إلى أن وردت :وقد جاء بها مكتوبة باللغة االلمانية بخط ال أعرفه

اليكسيس زوربا صاحب أكتب إليك، أنا ناظر مدرسة هذه القرية، لكي أنهي اليك نبأ وفاة " .االحد الماضي اعة السادسة من مساء يوممنجم نحاس هنا الذي توفاه اهللا في الس

لي صديقاً في اليونان ان.. اصغ إلي أيها الناظر: وقد دعاني الفقيد قبل موته، وقال لي "وانني غير .. لحظة فمتى مت، فاكتب إليه وقل له انني احتفظت بجميع حواسي حتى آخر

..وانني أرجوا له أن يعود إلى صوابه.. آسف على شيء فعلته

انني اذا جاء قس للصالة على جثماني فاطرده، وبسرعة، وقل له.. وأصغ أيضاً أيها الناظر " ..أريد لعناته ال صلواته

ما كنت أريد أن أفعله، ان الرجال الذين ولكني لم أفعل كل.. لقد فعلت أشياء كثيرة في حياتي .مساؤك على شاكلتي يجب أن يعيشوا ألف عام طاب

إليه، أنا فأسرعنا. ثم حاول النهوض. ، وقد جلس بعدها في فراشهتلك كانت آخر كلماتهالفراش وسار وزوجته، وبعض الجيران، لكي نمنعه، ولكنه نحانا جميعاً بخشونة ووثب من

..يضحك وفتح عينيه وجعل.. إلى النافذة، وتعلق بها، وأرسل بصره إلى الجبل

..ارهاومات وهو واقف أمام النافذة وأظافره مغروسة في اط

أن أكتب إليك وأبلغك تحيتها وأقول لك أن الفقيد كان يتحدث ) ليوبا( زوجته وقد طلبت إلي .وانه أوصى لك بالسانتوري لكي تذكره به عنك كثيرا

تنزل في ضيافتها لكي تأخذ السانتوري معك عند واالرملة ترجوك اذا مررت بهذه القرية ان" ."رحيلك

تمت__________________