رواية

إمبابي فتحي

طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

فهرس ٣.............................................................فهرس

............................................5 ٦.......................................ل األولالفص

١٤٢....................................الفصل الثاني

١٩٢....................................الفصل الثالث

٢٥٢....................................الفصل الرابع

٣١٦..................................الفصل الخامس

٣٣٣..................................الفصل السادس

......................................426 ٤٢٧....................................الفصل األول

٤٦٠....................................الفصل الثاني

٥٢٩....................................الفصل الثالث

٥٦٢....................................الفصل الرابع

٥٩٠..................................الفصل الخامس

٦٣٣..................................الفصل السادس

٦٧٣....................................الفصل السابع

٧١٥....................................الفصل الثامن

٧٧٤....................................الفصل التاسع

٨١٠...................................الفصل العاشر

٨٤٥.............................الفصل الحادي عشر

٨٦٦..............................الفصل الثاني عشر

٩٠٠...................................الفصل األخير

الفصل األول

-١- انحنائه في تا محتضنا يعبر بحر الفرعونية وسط الدل

وعندما تبـدأ .األطراف الشرقية لمدينة منوف ؛جهة الغرب الفرعونية في العودة إلى الشمال تنتصب القلعة التـي يمتـد

هدم مع البحر في انعطافة شديدة جهة الغرب بقايا سورها المت .ليحيط بالمدينة من جميع أطرافها

كان قد مر على احتالل الدولـة العثمانيـة للـديار أبقـى خاللهـا ة وخمسـون عامـا؛ المصرية مائتان وثماني

المماليك على وجودهم في مصر تحت خالفة آل عثمان مـن ا الملك الصـالح أنشأتها الجارية التي أعقتها زوجه بعد دولة

وبزواجها من عز الدين أيبك المملـوكي ")شجرة الدر ("أيوب ن إلى حكم المماليك فحكموها لفترة امتـدت يآلت دولة األيوبي

استولى السلطان سليم ١٥١٧وفي عام . لمائتين وسبعين عاما ا إلى الديار العثمانية ترك البالد على البالد وعندما رحل عائد

المملوكي ا على الحكم مبقي ، ؛ا خراجها بـين ثالثـة وموزع

وعسكر المماليك وإنفاقات المحمل النبـوي ،السلطة العثمانية .وإمارة الحجاز

كان أول من الحظ أن المكان جيـد لبنـاء حصـن "علي بيك الكبير "ف الدلتا ويدافع عنها هو صيسيطر على منت

كبيـر "عبد الرحمن كتخدا " فأمر تابعه ؛"جن علي "الملقب ب فانكـب علـى عمـل الرسـومات ؛بإنشائه ك وقتها الممالي

على أن الوقت لم ..اا منيع التي تجعل منه حصن والمخططاتتل هو اآلخر الذي ق "علي بيك الكبير "اه أستاذه نف فقد ؛يسعفهفي الشـام والـذي " محمد بيك أبو الذهب كتخدا"ا بيد مسموم

حقيق حلمه وهو على وشك ت –باعه لألتراك بعد جدل طويل العثمانية التـي ظهـر اإلمبراطوريةالكبير باالستقالل عن لقاء حريمه وكن ألف جاريـة مـن –عليها الوهن والتآكل

ولم يكن ليخونه بأقل من هذه ،أفضل وأغلى النساء في العالم أبـو " فقد مـات ؛ بهن الزمن لم يتركه ليستمتع ولكن ،يةالكيف

لحضـور ١٧٧٥ عكا هو اآلخر بالحمى يوم دخوله "الذهبوكان قـد دخلهـا . المراسيم بتولية إمارة مصر والشام وعكا

بالحبال والجنـازير ؛ فنهبوها وربطوا أهلها هي ويافا بجنده وبنـوا مـن ،وسبوا النساء والصبيان وقتلوهم عن آخـرهم

كأهرام الفراعنـة وعلـوا بهـا علـى رؤوس القتلى أهراما وكان أن أظهر . والزوابعح واألتربة ا للريا وتركوه ،أسوارها

ن مـن أتبـاع وم بين كل من العلويي تأمر موته الصراع المك حسـن بيـك " و "إسـماعيل بيـك " ويقودهم "علي بك الكبير "

" أبـو الـذهب محمد بيـك "ن من أتباع ي والمحمدي ،"الجداويهذا الصراع الذي خـيم . "مراد بيك " و "إبراهيم بك "ويقودهم

ط السيامراء على بعضهم مصر طيلة ربع قرن فجرد األ علىبعضهم وصدهم وكفهم عن "مراد بيك " فحضر ،بسبب المال

، وأرضـى هم وتشاوروا فـي أمـرهم البعض، وجمع كبراء بينهم وتشـتتهم فـي بـالد من وقوع الفشل خواطرهم خوفا

واتفق رأيهـم علـى الرحيـل الشاميين فيهم، عمالغربة وط دفنوه في أرض رمة سيدهم لما تحقق عندهم أنهم إن وأخذوا

فعادوا وكل منهم يضـمر ؛ ومثلوا به،عكا أخرجه أهل البالد .الشر لآلخر

وبعد عامين مـن الصـراع آل ،١٧٧٧وفي يوليو )"حسن بيك الجـداوي " و "إسماعيل بك "(األمر أوال للعلويين

للدولة وخلع عليـه اا للبلد ومدير شيخ "إسماعيل بيك "وعين وفـي زيـارة . خلعة سمور )الدوالي الب ( "محمد باشا عزت "

رغبة أستاذه وسيده علـي بيـك "إسماعيل بيك "لمنوف تذكر ورسـوماتها أوراقهـا فجمع ؛الكبير في بناء قلعة في المكان

الذي شرع في البنـاء ؛ الجاويش "سليمان بيك "وأعطاها إلى . على الجانب الشرقيفأقام القصر وملحقاته

قلعة المدينـة حيث تالصق ال - وعلى الجهة الغربية وحظـائر ، أقام ثكنات الجنود والسـالحليك -ودور األهالي

وعند بدايـة االنحنـاءة . ومخازن الغالل ،الخيول والماشية لنقل الغالل صغيرا أقام مرسى ؛المزدوجة بين البحر والقلعة

.والذخيرةن أعوان ؛ إذ إ وعندما تأهب للسكنى لم يسعفه األمر

حسـن بـك "ين وعلـى رأسـهم من العلوي "إسماعيل بيك " وعنـدما ذهـب .ا للمحمديـة وانضمو ، تخلو عنه "الجداوي

ا وسارع إلى مغـادرة وارتد مقهور،لمحاربتهم هزم في قبلي . فوقع نهب في قصره وقصـور أعوانـه ؛البالد جهة الشام

ودخـل القـاهرة . . على الفور "سليمان بيك الجاويش "وتبعه وعـاد . " بيـك الجـداوي حسن" و "مراد بيك " و "إبراهيم بيك "

قـال "مراد بيـك " فلما فكر ؛ا للبلد إبراهيم بيك كما كان شيخ

ا فـي كيف نقبل بعلوي وخائن شريك . ."إبراهيم بيك "لصديقه .حكم البالد

حسن بيك " على "مراد بيك "ا كبس إيداكش تلميذ عنده به مس مخبوال ، فأخرجه من القاهرة عاري الرأس ؛"الجداوي

في األمروهكذا استقر . .داكش حتى ترك البالد ولم يتركه إي إبـراهيم " و "مراد بيك " ؛"محمد بيك أبو الذهب "مصر ألتباع

."بيك "مصطفى أغـا إيـداكش "فلما تولى كشوفية المنوفية

ا أمام األبنية التي تم إنشاؤها بواسطة رسـومات وقف مبهوت ن خطوط وأشكال هذه إذ إ ". عبد الرحمن كتخدا "ومخططات ل

بنية أعادت إليه من الماضي السحيق خيـاالت الحصـون األم في ذاكرته التي حفظـت صـورة التي كانت تهي البيزنطية

جن بهـا وفـتن، وزوجتـه . .ضائعة لسفوح وهضاب القرم وهـو مـا -التركية الصغيرة تحثه بأنها ستأتي له بولد ذكر

مهـد األمـر للبالد ا فإذا صار أمير -يندر أن يملكه مملوك علي بيك الجـن "ا كما فعل ا عليها تمام ما ألن يكون ملك البنه . ."الكبير

يرى وهو يحك رأسه أن األمـر "إيداكش"وإذا كان كله محض افتراء أفرزه رأس زوجتـه التركـي المشـهور

إال أن منظر الحصن البيزنطـي المسـيطر علـى بالحماقة؛ل فجمع من الفالحين ك ؛منتصف الدلتا جعله ال يستطيع النوم

اكـب ا المر محضـر ، وسخره في البنـاء ،قادر على العمل وعند وصول المراكـب . .المحملة بالحجر الجيري من طرة

إلى مرسى منوف أصابه التردد فتوقف عن اسـتكمال بنـاء . وشرع في بناء سور آخر يحيط بها وبالقصر،القلعة

دم الدور المحيطة بالجانب الغربي ه في وعندما بدأ هالي وخرج إليه الشيخ السـنهوري والشـيخ ثار األ ؛للسور

وأخبـره أن دور ،الفرماوي في جمع من أعيـان المدينـة الفكـرة فاقتنع بوجاهة ؛األهالي حماية له من الفضاء الخالي

وشرع في بناء أبـراج القلعـة ،وتوقف عن هدم الدور ثانية ، على غرار برجي المقطم وكركالن المشيدين بقلعة الجبـل

ن هواجسـه ؛ إذ إ حتى توقف ثانية ؛ى من بنائهما ن انته وما إ حدثته بأن يبني سور القلعة وأبراجها من أحجـار األهـرام

عند بناء "بهاء الدين قراقوش األسدي "القوية كما فعل األمير ية في هدم سور المدينة، وحتى ال يتوقف بدأ ثان . .قلعة الجبل

كـان . .ه من األحجار الجيرية فأتمه بعد عـامين وأعاد بناء شـئون الزراعـة وأصـاب الفالحون قد توقفوا عن متابعة

وصـلت الكميـات األولـى مـن وعندما .راألراضي البوا ا على أن ال مصمم-األحجار التي جمعها من سفوح األهرام

يتوقف عن هدم الهرم األكبر فيما بعد السـتكمال احتياجـه ووقـف الفالحـون يشـاهدون ، أثار ضجة عظيمـة -منها

وهي تهبط من المراكب األطنانر التي تزن عشرات األحجاولم يكن اهتمامهم بحجمها وعظم ثقلهـا . .بواسطة البكرات

قدر اهتمامهم بأنها أحجار فرعون الذي لعنـه اهللا وهزمـه األمر الـذي ؛ وأغرق جنوده في البحر ،سيدنا موسى بسحره

كسـيدنا ن رجال ؛ إذ إ جعلهم يقدرون سيدنا موسى حق قدره هزم فرعون يجب أن يكون طوله ما ال يقل عن مائة موسى

ذن أن يعبر بحر ، وأنه ليستطيع حين إ ذراع وعرضه ثالثين .الفرعونية هذا في خطوة

لتقطـع "إيداكش"وعندما غرق مركبان من مراكب قال الفالحون وهم يبتسمون بمكر وشماتة ؛وصالت البكرات ـ ووقفـوا يتـابعون . .هذه لعنة فرعون ؛ارين صـراع الجب

الذي يحاول أن يجر أحجار فرعـون "مصطفى أغا إيداكش "

وفرعون الذي وضعه سيدنا موسى فـي ،من النهر إلى البر ا لعنته تطارد كل من بغى وتكبر في الجحيم وأغلق عليه تارك

ا كل هذا جعل الباشا والي البالد يفتح أذنيـه جيـد . .األرض شيخ البلد "يم بيك إبراه" كما أن ، المنوفية "سنجق"على أفعال يساءله أن مال المنوفيـة تـأخر فـي "مراد بيك "أرسل إلى إذا كان مراد بيـك ما وأن الهمس يدور في القلعة ،الوصول

"مراد بيـك " فلم يهتم . وموانيها البالد االستقالل بشمال ينوي إليه ثانية " إبراهيم بيك "لهذه الدسائس الدنيئة إال عندما أرسل

وفية والجيـزة ومكـوس ندفع متأخرات الم يسأله متى ينوي يتساءل إن كان ينـوي أن ، وأن السلطان في األستانة ،دمياط

علي بيـك "ا على مصر وخليفة ألحالم سيدنا يجعل نفسه ملك فأرسل يساءل "مراد بيك " األمر الذي أثار القلق لدى ؛"الكبير

نبنـي . .قلعـة . .: فقال له ؛في منوف حقيقة تلميذه عما يفعله .."إبراهيم بيك" ل"مراد بيك"فأرسل . .لعة صغيرةق

ولمـاذا يخيـف هـذا . . ما األمر في بناء قلعـة - األستانة؟

: بحنق"إبراهيم بيك"فقال له

إن من يبني قلعة من حجار فرعون الذي تعسـف - وهو أمر ال يبعد -في وجه سيدنا موسى وعصى اهللا وتكبر

ـ إذ إ عنكم كثير ان ال يـنقص ن الغـرور والتكبـر والطغيومثلكم شارك في . .افإذ. . مجهوال إنما ينوي أمرا -حضرتكم

"إسـماعيل بيـك (" وطرد أعوانـه "علي بيك "القضاء على صمدت منذ فإنه عندما يستخدم حجارة "حسن بيك الجداوي "و

فإنما يكون الجاهل من ال يدرك عظم بدء الخليقة في بنائها؛ .مطامعكم وأغراضكم

"إبراهيم بيك " ولم يستطيع أن يجيب ،"كمراد بي "وحار . سوياهوأعوانه إنما فعال" علي بيك الكبير"بأن ما جرى ل

ولم تمض أيام حتى أوشك الباشا على إصدار فرمان وإعـالن ، عن كشوفية المنوفية "مصطفى أغا إيداكش "بإقالة

وحدثت كرنكة في القلعـة وفـي . ."مراد بيك "الحرب على عبـد " ودار ،ان حسـن جـامع السـلط ميدان الرملية وعلى

على الفور يأمر تلميـذه "مراد بيك "فأرسل . ."الرحمن كتخدا ،كش من حربه مع فرعـون ا فارتاح إيد ؛بالتوقف عن البناء

.وألقى بالحجارة في النيل* * *

"إيـداكش "عندما هدأت األمور في القاهرة عـادت ل ماذا يجب أن يكون عليه سطح السور الخـارجي ؛هواجسهكان يدور . .أم سطح انطالق . .للمرآةسطح انعكاس . .للقلعة

..حول نفسه مثل دجاجة توشك أن تبيضوقد شق عليه أن يختار بين النوعين لعدم علمه بفائدة

ثم شرع في بنـاء . . فبنى قواعد األسوار وتوقف ؛أي منهما المزاغل قد بنيـت لتحقيـق ات وكانت الكوى وفتح ،األبراج

.لة النبال والبنادقأفضل رماية لحم األمر ثالث سـنوات لبنـاء األبـراج ولقد استغرق

سـطح انطـالق فجعل الجزء الشمالي منهـا ذا ؛واألسوار وجعل األسـوار الشـرقية ذات ،من البر ن لمقاومة المهاجمي

وهـو أمـر . سطح انعكاس لمقاومة المهاجمين من النهـر شـف فما كاد أن ينتهي حتـى اكت ؛ارتضاه لتسكين هواجسه

فجأة أن األبراج الثالثة ال تحقق الرماية للحماية الجانبية لعدم وشـاهده . .فسقط منها ساخطا العنا . .بروزها عن األسوار

الخدم والعبيد والجواري ينطلق في ساحة القصـر يضـرب فعلمـوا وعلمـت ؛ وتارة يضرب الهواء ،رأسه تارة بالبلغة غـادر القلعـة "سليمان بيك جاويش " وأن ،امرأته ما أصابه

ـ . .وترك شيطانه يعبث بساكنيها ا أن وما لم يكن يعلمـه حقاستيالء المهاجمين على األسوار وهي علـى هـذه الشـاكلة يمكنهم من السيطرة على الممرات الداخلية لألسوار وسـحق

؛ وكذا السيطرة على ساحة القلعـة الداخليـة ،المدافعين عنها .ومن ثم المدينة كلها

سارع باالختفاء مـن . .ليمان الجاويش اللعنة على س التي تزعم نسبها للنبي محمد "شريفة"أمام زوجته األميرة

والتي تالحقـه بحملهـا التركـي ؛ في طفلها األول والحامل اللص الحقير والمملوك "مصطفى أغا إيداكش ". .محتقرة إياه

والـذي ، من نخـاس "مراد بك "الذي اشتراه مملوك آخر هو لهـذا . تركية الحرة التي تنتسب لسيدنا محمـد تزوجها هي ال

كانت تقول له يجب أن تعزم وتجهز نفسك لتكون أمير مصر واضطر في النهاية . . ووالد ملكها وهي تشير إلى بطنها أوال

علم وفي اليوم السابع . عندما قاربت على الوالدة أن يعتكف وإنما ؛فلم يدخل عليها لرؤيتها . . فاطمة أسمتهاأن الوليد أنثى

دخلت عليه في يوم أربعينها تحمل على يدها الوليدة الصغيرة . . إذ أخبرته قائلة ؛لم تترك له أن يتكلم . .وقد تجهزت للرحيل

إن سحر ذلك أنها كانت على يقـين مـن أن ؛اا أصابهما مع

وأنها راحلة إلى القاهرة لمقابلة شيوخ . .اوليدها سيكون ذكر ت دخلت منوف في ليلة مظلمـة، فلما عاد .المغاربة والحبش

. .فعبرتها في صمت دون أن يراها أحد أو يـرى أصـحابها وقد جاء معها خنثى حبشي أسود يحار فيه من يراه إن كـان

ثالث نساء عجائز عجـاف ؛ومعها أتباعها . .امرأة أو رجل فتحت لهن حجرة واطئـة بباحـة . .تفوح منهن رائحة عطنة

.القصر الخلفيةن الرسـل إذ إ . .اكش أن يعتكف كثير لم يستطع إيدا

، وكانـت تتابعت عليه دون توقف تطالبه بميري الكشـوفية فخرج إلى القرى يطلـب الميـري، وكـان ؛نه خاوية خزائ

ولـم ،القلعة خمسة أضعاف الفالحون قد دفعوا له أثناء بنائه فانـدفع . يتبق لديهم حتى الخرق التي يسترون بها عوراتهم

"رملـة األنجـب " و "فيشا" على ى فأت ؛روالكفويحرق القرى يقه إلى سمنود وأشمون وتركها وهو في طر ، بأكملها "شما"و

فهاجر الفالحون باتجاه الشرق في الطريق الـذي بقايا رماد؛ ، فبلغ بعضهم غـزة وأقـام ؛ قبلهم "إسماعيل بيك "هرب فيه

واستمر البعض اآلخر في سيره حتى بلغ الشـام واسـتوطن .بها

عمر بيـك "عندما زاره غبة تنهشه ثانية عادت الر والذي كان الوحيد ؛ كاشف الشرقية " كتخدا األلفي بيك الجين

أجـزاء إيداكش فأشار عليه بهـدم يرالذي تعرف على األم خلـف موقعهـا ،األسوار التي تحيط باألبراج وبنائها ثانيـة

فاهتـاج . حتى تبرز األبراج ثانيـة ؛الحالي بمسافة ذراعين للفكرة وقد أصبح حلمه ثانية ممكن التحقـق، ولـم "إيداكش"

قبل أن يشاهد الفالحين وهـم يهـدمون "عمر الجين "يغادره .، ثم تركهم ورحلاألجزاء التي عينها لهم بنفسه بخيبة أمل شديدة وهدمه "إيداكش" فلما انتهت أصيب

ا كاألسوار التي هدمها عشرات المرات ثم هـي اإلحباط هدمنه وجد أن الرمي الجانبي لألبراج لن ؛ إذ إ ة مهدمة خرب اآلن

ثغـرة ار سوى المناطق التي هدمها تاركـا يحمي من األسو واسعة في األسوار البارزة التي ستكون لقمة سائغة في أيدي

.المهاجمينا توقف مهموم:

لماذا لم أهدم األبـراج وأجعلهـا إلـى األمـام " -جدها ببسـاطة قـد فلما ذهب إلى مكان األبراج و . ."ذراعين

إلى األمام يجعلهـا فـي وأن نقلها . .شيدت على حافة النهر

فإذا القلعة عبارة ؛ ثم إنه ترك األمر كله ونساه ،النهر مباشرة وسور يحمي المدينـة دون ،عن أبراج تقف كاألشباح وحيدة

.قصره المكشوف على النهر والسهلهـذا مـا . ."الذي يحمينا أيها البغل الصـغير ما " - ؛، التي ألبست ابنتها مالبس الذكور "األميرة شريفة "حدثته به

.وهي في خوف وهلع باطنيا إن مملوك . .لو توقفت عن إكمال القلعة لهجرتك " -لم يمض على شرائه من النخاس عامـان ليسـتولي اصغير

د وخلفه عشـرة على القلعة والقصر لو دخل علينا على جوا ".ا للعراءنا جميع ويطردفالحين من حملة الفئوس،

ن هذه القلعـة ؛ إذ إ افلم يأبه بها واستدار عنها غاضبن ينفق عليها يمن أ . .أصبحت عنده كخرافة رحالت السندباد

لو أنه حاول ثانية أن يجمع المال ؟وقد هجره فالحو الكشوفية هو وحـده والقلعـة مالها؛ لجلس على كشوفية المنوفية الستك

. أو لعزل عنها،والخراب، انية مقهـورا جعلته يعتكف ث هذه الفكرة . .الخراب

ا من التفكير كان يرى خاللهـا شـيطان وخالل أربعين يوم تشـاركه فـي ،ا به يبرز له لسانه هازئ "سليمان بك جاويش "

فكـر بـذكاء . .سخريته زوجته المجنونة وهذه القلعة الشبح يندر أن يجد مثله أنه الوحيد الذي ظل على كشوفيته ثـالث

لعنة اهللا أو لعنة . .سنوات من أمراء المماليك وخزائنه فارغة أن مـن . .فكر أنه حمار كبير . .هي لعنة والسالم . .فرعون

هـو . .يفكر في بناء شيء في هذه البالد هو حمـار كبيـر ولهذا صـمم . . السنجق الوحيد الفقير "مصطفى أغا إيداكش "

أن يفعل ببساطة ما يفعله كـل مملـوك وجـد علـى هـذه وهو القناعة بجمع المال ونقب الدور واالسـتيالء ؛األراضي

أما أوهام الملـوك . .على ميراث الموتى وأمالكهم وكنوزهم التي تقض مضاجع زوجته التركية التي تعلوه نسب ؛اا وحسـب

ا وكي ينهي األمر ويثبته دخل إليها في عليتها فقد ركلها بعيد، كيف لمملوك . .ا غيظ ا بالسياط وهي تبكي وانهال عليها ضرب

عبد ال يعرف أحد أصله وال يدرك أحد من أي أرض جـاء مملوك تزوجها وهي في حالة بؤس عنـدما مـات أبوهـا (

عثمان بيك قشـطة، وخلفها وحيدة هي وأختها التي تزوجت ..) دار للعوزوتزوجت هي صديقه إيداكش

ساحة القصـر وهـو يخلـع ا نزل إلى عندما تركه وأتى بمحراث شرع يحرث به ،ا في أروقته به مالبسه ويلقي

فخرج من تحت عشبه األخضر عظـام ؛ شديد األرض بغل حيوانات وحوافر ماعز ورؤوس كباش وجثث أطفال دفنتهـا

فلما انتهى كانت هناك غيمة مـن ؛هي وساحراتها الحبشيات الذباب الفسفوري ألرواح الضحايا البشرية التي شربت دمها

السالح حمل وتحت تهديد .واحها الشريرة ألر وقدمتها قرابين ثـث األرض المحملة بالج - والرعب يمسك تالبيبهم -جنوده

على عربات تجرها دواب مهتاجـة إلـى المقـابر جنـوب كومة عظيمة فصب عليهـا فلما انتهوا كانت هناك . .منوف

.الزيت وأشعل فيها النيرانوطوال الليل كانت أرواح الشـياطين تخـرج مـن

وكان األهالي قـد عرفـوا اآلن أن . .تصرخ مولولة النيران فكانت ؛أطفالهم الذي اختطفوا قد نهشت عظامهم ستنا الغولة

وتصاعدت من الدور تالوة ،المشاعلأيام سود أضيئت فيها .القرآن في أرجاء المدينة وهم يتحسبون للطاعون القادم

ن دخولـه هـو م" إيداكش"نع المكان الوحيد الذي م لقد استدارت األميرة شريفة .حجرة الماينجة المظلمة عليتها و

فتبعها إلى الداخل فلـم ؛مبتعدة عنه إلى داخل غرفة الماينجة ا في الظالم الـدامس سـوى طع أن يرى أحد تلم يس . .يجدها

وسمع دمـدمات شـديدة وأصـوات ..نيران جمرات تشتعل ، وقهقهات عالية ،صراخ دموي وبكاء ألطفال رضع وصغار

ذا رآها ترقص هك. .جت عليه الحبشية من بين النيران ثم خر تحدق بـه بعينـين . .حول ذيلها الطويل على دقات الطبول

هذا ما أقسم به وهو يحكي كيف أنها . .متقدتين بألسنة اللهب وتهمس في أذنيه وهو اقتربت منه برائحتها المقززة تحتضنه

أن كان يعلم موشك على اإلغماء وعندما استيقظ في حجرته وأن ما يحدث فـي ، لزوجته ما قد تلقاها بأال يتعرض اأوامر

إال أن ما كان يزعجه هي تلك اللغة . .االعلية لمصلحتهما معلغة غير مفهومة تأتيه . .التي تحدث إليه بها الساحرة الحبشية

وأقسم أنه متأكد أنها لغة . .وتخرج عليه من الماضي السحيق الشك الـذي . .كيف عرفت هذا . . بالده التي أخذ منها ؛القرم

لقد أصر علـى . .أمضه لم يكن ليدفعه للسؤال قط عما حدث اتفاق غير معلن بينه وبين ر من األم وبقي ،تناسي كل شيء

ـ زوجته أن يتـرك ا وغرفـة الماينجـة وسـاحراتها عليتها من ضحاياها وأحالمها وأن تترك له القصر خالي ،الحبشيات .المجنونة

* * *

-٢- األراضي الممتدة جنوب أسوار منـوف جمـع على

في حلقات ودارت الثيران بـالنوارج نظموه ،الفالحون القمح فوقه للدريس وسط صيحات الغضب والشـتائم وطرقعـات السياط المصنوعة من الكتان التي تخفـي الفـرح الجميـل

.بالحصادبـو المنصـور أ "وفي جرن يقع بأقصى الغرب كان

لمـح .لصغيرة على دق األصـلة يقوم هو وامرأته ا "حجاج المصـنوع نثني ويتغضن تحت قميصها جسدها القوي وهو ي

ت شـرد . .تعـب لمن الكتان الخشن دون أن يبـدو عليهـا ا ن يرحل كعادته، مـا إ بخاطرها وانتابها هاجس مؤلم، سوف

وماذا تظنني غير هـذا . .ينتهي موسم الحصاد حتى يتركها منـوف اسـتجدي وهل أبقى على أسـوار . .أفعل، سأرحل

مـن نفث المنصـور زفيـرا . .هه. .البطالة وأنفاس الدخان وهو يتعلـق بـذيل أمـه ؛صدره وهو ينظر لطفله الصغير

كل هذا عن صدره بسرعة وهو يردد فنفض ؛ومشنة الطعام .." وهو غائبمن الذي يستعلي سقيفة داره ليال"

: فكرت صديقة

ه من كان يجب أن يكون لي زوج حتى لو اشتريت " - ."سوق العبيد

إليه وهي تجذب مشـنة ابتسمت في مالحة ونظرت :الطعام تسأله

؟"حتتغذى يا أبو عبد الباري" -، دفع بالقلة إلـى ا والعرق ينسال غزيرا توقف صامت

وهي تنتظر أن يترك لها من ،فمه وراح يشربها عن آخرها لما رفعتها لـم يكـن بهـا سـوى قطـرتين ف ؛ البارد مائها

ن الجـرة ساخطة وجثث على األرض تمألها م تهمافازدرداوهي تردد في يأس ما تقوله أمها دوم:

. ."أنت التي اخترته فتحملي "-عندما . .عادت بها الذاكرة إلى األيام األولى لزواجها

استيقظت في الصباح األول كانت عيناهـا محمرتـان مـن ـ ،السهر، عصبت رأسها بمنديل قديم ا، والصداع ينهشها نهش

وانهمكت في أعمال الدار التي ال تنتهي، وعندما أزف الليل ته بصـحبة كان قد أمضـى سـهر . أصرت أن تنتظر أوبته

ـ " ابن الشيخ "محمدين" وعندما حل عليهم ،رفاقه "دعبد الحميلرجل لـم يأبـه بـه ولـم لكن ا ؛نظر المنصور نحوه بعداء

ا وعلـى وجهـه ابتسـامة وإنما جلس سعيد يتحرشه أيضا؛ لم ينس المنصور .فراء ظلت تالزمه حتى غادر المجلس ص

؛ بل إنها ظلت في مخيلته طيلـة حياتـه ؛هذه االبتسامة قط عن ليلته التي "محمدين"وخاصة عندما تناقل الفالحون حديث

.ة المنصور في جزيرة قرب قريـة جـزى أمضاها مع امرأ ا؛يدولقد نفى المنصور هذه االفتراءات عن ذهنه وألقى بها بع

هـذه ء؛لكنه لم يستطع أن يلقي بابتسامة محمـدين الصـفرا االبتسامة التي ال تخرج إال من رجل قد قضى وطـره مـن

واسـتهزاء فال تخلف وراءها إال رعونـة ،امرأة رجل آخر .وسخرية الذعة

ما لـم وإذا كان الشك قد بدأ يأكل قلبه إال أن دليال تصر على انتظاره فكـر وحين وجد أنها .ايكن يؤكد له شيئ

وفي الليلة الخامسة أخذت تدمدم بعبارات مبتورة .في إيذائها . وهو يتصنع تجاهلهافأصاخ لها السمع

ال تركت لنـا . .أنت سبب بلوتي . . منك هللا يا بويا -أه . .ا نتركن عليه زي الناس وال خلفت لنا أخ ،اا وال دار غيط

و الشيخ السنهوري يا أمه لو كنت سمعت كالمك كان ابن أخ . . بالقليل أهبل ال يؤاخذ على شيء، لكن أقول إيه ا،أرحم علي

الغلب قدر مكتوب علينا، منك ..ضل راجل وال ضل حيطة .الصبر يا رب. .واهللا يسامحك. .هللا يابا

حـدق عبـر ضـوء . .تراقص الغضب على وجهه جذبـه . فرأى امرأته تفترش تحتها قميصه ؛المصباح الزيتي

تتدحرج ساقطة ألسفل بحرايـة ا إياها بقسوة جعلتها عبغل داف صرخت صرخة مكتومة وأطلقت العنـان لغضـبها .الفرن

.المكبوتيـا ابـن الكلـب، أه يـا جنبـي . . يا ابن الكلب -بتستعفى علـي يـا . .ضربني يا ابن أبو حجاج تب. .حيموتني

. .مرة يا ابن المرة :دمدم هو اآلخر

بتشـتميني يـا بنـت ر،و بتشتميني يا بنت المفج - ، فصعدت معه كحمـل خفيـف ؛جذبها من أسفل . .الشحات

وعاد يلقي بها ثانية على األرض فتعثـرت بالثريـد ورأت ا له ولم تتناول منه شـيئا طاجن األرز الذي صنعته خصيص

فأجهشت بالبكاء وقد عـزت عليهـا ؛يتناثر على الحصيرة .نفسها

.ك نعمة ربنا اهللا يلعنك ويلعن أبوك، حرام علي-

شعرت بركلة هائلة تكـاد تشـطر أوتـار بطنهـا صرخت بصوت عالي، مدت يدها إلى مركوبه وقذفت به في

وهي ال تكـف ، فانهال عليها يضربها بقسوة وعنف ؛وجههعن السباب، جذبها من شعر رأسها ومسح وجههـا بالثريـد

ثم قذف بها من القاعة إلـى صـحن ،نالملقى ببحراية الفر أغلق هو القاعـة . .الداخلي فسقطت على األرض تبكي الدار

لغضـب يفجـر امن الداخل بالرتاج، تمدد فوق الحصيرة و وعنـدما .تناهى إليه أنينها المكتوم وسبابها . .عروقه بالدماء

فتح الباب في الصباح وجدها جالسة القرفصاء بركن الـدار وقد سقط رأسها على ،وقد جمعت أطرافها من البرد القارص

.ال يزال وجهها يرتعشو ، في نوم عميقصدرها وهي تغط وعندما عاد في الليلة التالية وجد طعامه في داخـل

لكزهـا . . وهي تغط في النوم بجـوار الحـائط ؛قفة صغيرة فاستيقظت مرتعبة، قامت دون أن ؛ها الغطاء ا عن بقبضته جاذب ا وانتقلت إلى جانب الحـائط البعيـد، افترشـت تحدث صوت

.، ثم عادت لنومهاا وشدت آخر عليها قديمجواال ولم يمض على انتهاء الحصاد ثالثة أسـابيع حتـى

أصناف الطعـام الجـاف كانت تعد لزوجها صرة كبيرة بها

نة له تعينه على بلوغ القـاهرة، وعنـدما والخبز المقدد؛ مئو بل سقطت في بحر من ؛غاب عنها في طريقه لم تأسف عليه

. قد انزاح عن صدرها ثقيل، وكان حملالهدوء* * *

-٣- معـه حامال نتصف نوفمبر عاد زوجها أخيرا في م

أخذتهما منه بفـرح ، من النحاس ثوبين من القماش وخلخاال ت تتجمل له سارع .، وأمه تنظر إليهما في غيرة وحقد وجذل

بكيزان الـذرة مـع وتتزين وتتطيب بروائح رخيصة بادلتها عها أول الليل، وعندما أزف منتصـف م بقي .البائع المتجول

؛ الليل خرج ولم يعد حتى الصباح، بعدها داوم على عادتـه ن انتهى موسم الزراعة ، وما إ فأيقنت أنه لن يتغير منه شيئ

علـى الشتوي حتى كان ابنها الصـغير عبـد اهللا محمـوال أخـذت ترجـوه . .ذراعيها، ألحت أن يبقى من أجل وليدها

في التراب تقبل وتمرغ رأسها قدميهاعلى وهي تزحف باكية رحل في الصباح والشمس علـى ،اا عنه غاضب دفعه. .قدميه

ومن خلفـه ،مرمى البصر وعلى وجهه دالئل عزم وإصرار

تجري وهي تتعثر حاملة ابنها الصغير علـى "صديقة"كانت وكان قـد -سأ فلما أصابها الي ؛اا عالي صدرها يصرخ صراخ

وانحنـت - من الشـتائم لقت عليه سيال أط ابتعد مسافة كبيرة لم تمض ربع سـاعة .تقذفه بما تصل إليه يداها من حجارة

ا الفضاء والقلق، ا عن ناظريها مخلف حتى كان قد اختفى تمام تنبهت إلى طفلها وهو يبكي بكاء سقطت علـى األرض ا ف مر

ألقمت الصغير حلمة ثـديها وهـي ومكشرة األنياب مجهدة، كف عـن البكـاء .كان يمتص اللبن في شراهة و ،ر إليه تنظ

تستطع أن تمنع نفسها من ويداه وقدماه يجدفان في الهواء، لم :االبتسام

تأخـذوا وال ؛دودة. .علقة. . وهو تشبه بعض أن - مشوفتش من وراءكـم !؟..تعطوش، آني شفت في دنياي إيه

خذ يا خويا اللبن وانت عامـل . .ة إال الغلب والمصايب حاج تكبر وال ناخد منـك غيـر السـيئة بكرة .فار الجعان زي ال

.والضرب والمذلة* * *

-٤- لى القـاهرة وكعادتـه في هذا العام نزل المنصور إ

فأدخله في خدمة حمام قرب باب زويلة له عرج على صديق .طرف قصبة رضوان

الحمـام حـارس ولم يمض وقت طويل حتى رحل فاستقبل ا،يومي بارة احب الحمام ليعمل مكانه لقاء فاختاره ص

قد آن لها واعتقد أن األيام الهينة ،عمله الجديد المريح بفرح م دونما شيء حتى ثار لغط واضطراب؛ ومرت األيا .أن تهل

ففي صباح الجمعة أغلق أصحاب الحمامات أبوابهم وتجمعوا قرر على ن األغا ؛ إذ إ حمام اليهود بجوار جامع الكتخدا عند

في ا صغيرا جرس والنصارى أن يعلقوا هودأهل الذمة من الي كان الجميع في .المؤمن حتى يتبين للناس الكافر من ؛مرقابه

ل الذميون عدم الذهاب فقد كان المتوقع أن يفض ؛استياء بالغ .إلى الحمامات على الخروج بهذه الصورة

فقد ؛ دون أن يجتمعوا على شيء ولقد تحدثوا طويال فلما انفض أصحاب الحمامـات .م الدين أيديهم باس غل األغا

ونقيبه المعلـم "شرف الدين "وهم ينعون الدهر طاف شيخهم حيث اتفقـوا علـى أن ؛زكريا على أصحاب الحمامات ليال

ويقـدمونها ،ا قدره ثالثة عشر ألف نصف ضفة يجمعوا مبلغ فقد استغل . مزهوا كان مختاال فردة إلى أغا األنكشارية الذي

ولم يمض أسبوع على هذه .غرض ابتزاز الطرفين الحادثة ب الحادثة حتى قام صاحب حمام الوالي بطرد ثالثة عشر مـن

ـ ؛عماله ا علـى فوجد المنصور نفسه على حين غرة جالس ؛ا ينفق مما جمعه طيلة شهور مضـت قارعة الطريق متسكع

.حتى استطاع أن يحصل على عمل في درب النحاسينء عمله استيقظ الجميـع علـى وبعد ثالثة أيام من بد

صعد الناس إلى . صوت المدافع وهي تنطلق من قلعة الجبل فراحوا ؛األسطح وهم خائفون من نشوب حرب بين المماليك

يتنسمون األخبار، وعلى أعلى طابية بالقلعة أشار رجل حاد حدق األهالي فلمحـوا .؛ فإذا براية كبيرة معلقة هناك النظر

فكأن الذي نزل بهـم أنكـى مـن ؛ةالراية السوداء الضخم لقد حلـت . .حروب المماليك ورعب أشر من دوي مدافعهم

.بالقاهرة الريح الصفراء وامتلكها الطاعون* * *

وخلفهـا الجنازات المتفرقة تعبر المدينة إلى المقابر لمحت .ال يخفى على الناس الرعب الذي تحملهوالعويل،

ابور طويـل ولم يمض أسبوعان حتى كان هناك ط وهو يسـير اآلن ؛يتجمع خارج أسوار المدينة باتجاه المقابر

.على عجل دون صخب أو ضوضاءوفي أحياء القاهرة طاف المنادي ينـادي بوجـوب رحيل الفالحين إلى قراهم في ظرف ثالثة أيام وإال سـوف

وتعلق رؤوسـهم علـى أبـواب ،يسامون أشد ألوان العذاب لم يستجب لنداء الرحيل سوى عـدد العادة ك و .القاهرة السبع

.قليل وذات مساء اندفع جنود األغا إلى الدار التي يسكن

سألوا الجميع .؛ فانتشر الهلع والخوف بها المنصور بسياطهم فتقدم بها الـبعض فخلـوا ؛عن أوراقهم التي تثبت قاهريتهم

ودفعوا بهم أمام الجيـاد ، وانهالوا على الباقين بالسياط ،سبيله حيـث تجمـع ؛ إلى ميدان الرميلة الضربات راكضين تحت . حوائجهم اغتصبتن الذيالعراة من الفالحين اآلالف

أمضى الجميع الليلة في العراء والمنصـور يلعـن وفـي .هب كل ما ادخره وتردده في الرحيل بعد أن ن غباءه

نكشـارية اقوهم في موكب طويل يحفه جنـود اإل س الصباح حيث أقاموا حـواجز ؛أطراف شبرا ووالوجاقات إلى بوالق

وفـي أحـد .رهم ثم نودي بهم أن يعودوا إلـى ديـا ،كبيرةا إلى منوفالمراكب صعد المنصور عائد.

ف حتـى أغلقـت المدينـة أبوابهـا لم يكد يبلغ منو وارتفعت الراية السوداء ودوت المدافع القديمة الرابضة أمام

فتسكع من الخروج، في المدينة نع القانطون قلعة المديرية، وم ا عن عمل وهو يتعثر في قوافل الفئـران التـي تعبـر بحث

وفي أحد مخازن الغالل بالمدينـة عمـل . الطرقات مسرعة بأجر مضـاعف بعـد أن "حسان الدمياطي" لدى السيد حماال

.هرب العمال من المدينة عائدين إلى قراهم في الفجر جثـث خمـس ت أخرج ، وفي أحد األيام

؛ملة من األعيان وقد أفناهم الوباء عن بكرة أبيهم عائالت كا قد حاصر هذه "مصطفى إيداكش "فلم يبزغ الصبح حتى كان

ونهبها وأسكن فيهـا لقصور بفرسانه وحطم أبوابها ودخلها اأمراءه، بينما كان المحتسب يقـوم علـى حصـر تركـاتهم

فكان هذا إشـارة البـدء ؛وضمها إلى أمالك األغا وأعوانه . النهب والسلب في المدينةبأعمال

لم يمض شهر آخر حتى انتشر بالطرقات المتسولون وحولهم كانت ،بوجوه سوداء كالحة أرهقها الجوع المتواصل

وهكذا . تسير الكالب الضالة المتوحشة التي ذاقت طعم الجيفة وارتفعت في أكوام عالية بشـكل ،امتألت المدينة بالقاذورات ار الـدهماء جماعـات ، وس انفئركثيف وقد غطتها آالف ال

وحلقت فوقهم ، األتربة والدهون جماعات وقد غطت وجوههم من الذباب غمامة سحابات من الهواء الفاسد الموبوء تحوطهم

ا وتعايشوا مع الحشرات فـي وقد استكانوا جميع ،والبعوض . عجيبةألفة

ـ "السيد حسان "ضرب الطاعون بيت ا وأهلـه جميعمع المنصور الرجال في الشـونة الخلفيـة عندها ج . .فأفناهم

:وقال يحدثهما لقد علمتم بموت أصحاب المكان، وقد تركوا إرث -

. به قاضي المدينة والواليعلينا أن نبلغ من يذهب ليبلغهما؟-

صمت الجميع ونظروا إلى بعضـهم بعيـون تلمـع .ؤوسهموأفكار تموج في ر

: قال ؟ أتفكرون فيما أفكر-

: فاستطرد؛وسهمهز الجميع رؤ

ونقـوم ، وما خـف وزنـه ، نجمع الغالي والثمين - .بقسمته قسمة عادلة بيننا

:قال أحدهم ويدعى صالح ليس لها من وريث ، هي لقمة وقسمها الرحمن لنا - . ولن تنقص خزائن األغا،وال مطالب

:قال المنصور هيا إذن عجلوا وافتحوا الخزائن ومزقوا األسـرة -

. ونقبوا الجدران وأسرعوا فالوقت قصيروحطموا الصواناتلم يمض وقت طويل حتى كانوا قد جمعوا كل ما في

واندفع آخرون إلـى الشـون الدار في كومة كبيرة ضخمة، .وصوامع الغالل يحملون الحبوب والحنطة ونظر من كوتـه ،خرج صالح إلى الباب الخارجي

فوجد دبيب أقدام ذئاب بشرية جائعة مشـردة تتطلـع نحـو ..الدار

: لمحه أحدهم فصاح هل مات السيد حسان يا أخ؟- :وغت صالح واضطرب ب .. ليس بعد. . ليس بعد-

.جاوبه آخر. .نه حي يرزق إ- .دعه ينظر لنا. . أطال اهللا عمره- .لكنه نائم اآلن. . بالطبع بالطبع-

ا وهو يصيح بهم دخل صالح مسرع. فكيف نعبـر ريب لو أشرق علينا الصباح قتلنا ال -

.الطرقات والمدينة غاصة بالجياع والنهابين :قال المنصور

توابيت نجمع ة خمس اسمعوا إذن ما أراه، اصنعوا -أما جثث أهل الدار فلنواريهـا . ثمنه فيها ما خف حمله وغال

.التراب* * *

وحين ، وجد الدار غاصة بالرعاع وحين حضر األغا .ادروا المدينةفرغ منهم كان المنصور ورجاله قد غ

* * * تواترت األنباء عـن انتشـار الملثمـين، وفـوجئ

كاشف المديرية بعودة عسكره بخفـي "إيداكشمصطفى أغا "وقـد ،ت أهلها عن آخرهم بالطاعون ما حنين من سبعة دور المنـازل والـدور وا جدران ببعد أن نق سبقه إليها الملثمون

ـ "لشـيخ فجن جنونه ونـادى علـى ا ؛المجاورة " نهوريالس بـأن عقـاب "السـنهوري " فـأفتى بالحضور إلى مجلسه؛

.اللصوص هو إقامة الحد عليهمكان أتباع المنصور يتسللون بين الدهماء يتلمسـون

عدتهم لنهبها، أخبار الدور التي سوف تودع أصحابها فيعدوا كانوا قد صاروا يعانون األمرين من عامـة الشـعب الـذي

لذين كانوا يسارعون بقـدرة ومن المشردين ا ،ضربه الجوع ـ ا عـن قادر من كل صوب وفي أعداد غفيرة يتجمعون بحث

طعام أو شيء يقيم األود، يحومون حول الدار حومة النسور تيقنـوا مـن فإذا ؛ لنهش جسده يتهيأون ؛حول شخص يموت

وحتى يمنعوا الدهماء .ك قفزوا تحت جنح الظالم ينهبونها ذل ،م الخبز واللحـوم المطبوخـة كانوا يتركون له من متابعتهم

حيـث تـدور ؛ فينقض عليها المشردون ؛ومئات من البارات بينهم معارك شرسة طاحنة تنتهي إلى سحق بعضهم البعض

.باألقدام ا وفي إحدى هجمات عصابة المنصـور دخلـوا دار

فيهـا علـى قيـد ، وقد ذبح آخر من بقـي فوجدوها منهوبة ذلك أن ها صفر اليدين؛ ارة قاسية خرجوا من كانت غ . .الحياة

وأصبح على عصـابة ،المماليك كانوا قد سبقوهم هذه المرة عليـه ومـن لـم يقـض ،المنصور التعجيل بشن هجماتهم ـ أحدث هذا هرج . .الطاعون تولوا هم القضاء عليه ا ا ومرج

وانقلبت األوضاع في المدينة التي صـارت تحـت ،شديدينالـدور تهـاجم رحمة الهوس والجنون والطاعون، وأخذت

جهارا فتغصب وتنهب محتوياتها ويقتل أصحابهاا نهار. * * *

-٥- لى كتفها كانت تحمل على رحيل زوجها، وع عاممر يزحف "عبد اهللا " وعلى األرض كان "عبد الباري "ابنها الثاني

متسخ األطراف عاري المؤخرة يتناول بيده كل ما يجده فـي جـاء ؛ور كعادته كل عام من أن يعود المنص طريقه، وبدال

ا يلف الحياة حـولهم بيـأس قاتـل المـرأة الطاعون موحش وأغلق األثرياء دورهم وتحصنوا وطفليها دون عون أو سند،

يتقوتـون مـن مخـازن خلف األبواب هاربين من الموت، .غاللهم وغرف الكرار المكتظة

صرت أخرجت لتعمل في الحقول المهجورة بعد أن وانـدلعت . عليها وعلى طفليها في الطعام ركنتها على أن تقت

في أرجاء القرية نيران مجهولة تلتهم الدور التي مات أهلها، فزحفوا على الطرقات يضـربون ؛وعصف الجوع بالفقراء

وهي لصيقة بهـم تحـل ؛ا من المجاعة على غير هدي هرب .معهم أينما ينزلون

عادت صديقة ذات يوم أمضته بين القرى فوجـدت ا على األرض وفوقه كانت العجوز تنظر إليه في ددم م حميهاتضرب في المكـان، دفعـت ورائحة القبح والموت ،ذهول

لم تطق الرائحة فكممت نفسها بمنديل وسحبته . .اطفليها بعيد فوجدت العجـوز وعادت إلى صحن الدار ،إلى داخل القاعة

هوس وهي ال تـدري "صديقة"انتاب . تعاني سكرات الموت :صرخت تضم طفليها. ي فاعلةما ه

اهللا ينتقم منك مطـرح مـا . .أنت فين يا منصور "-واليـا يا شيخ أمانة لجل النبي ربنا ينتقم لل روح. .أنت قاعد "..عمل إيهوآني هاقعد هنا أ. اللي زيي

أسرعت تحل المفتـاح مـن . .تذكرت مفتاح الكرار واال ثم خطفت ج ،ضفيرة كنتها التي نظرت إليها نظرة أخيرة

وهي تمني نفسها بأنها تعبئه عن آخـره ،وجرت إلى الكرار كان الظالم ..اندفع هواء فاسد . .دفعت الباب . .بكل ما يؤكل اصطدمت قدماها بأجساد صغيرة حية تتسلق . .يسود المكان

ساقيها تراجعت فزعة، وقف شعر رأسها من الهول، تمالكت ـ رعة إلـى نفسها من السقوط وأغلقت الباب وهي تعود مس

.الخارج هاربة من الموتعبـد " تهرول في الطرقات وهي تجر "صديقة"ظلت

؛ حتى خلفت على اليد األخرى "عبد الباري " وتحمل ، بيد "اهللا مرفـأ سير إلى منوف متجهة شـطر غدت ت . القرية وراءها

لبحر الفرعوني تطلب السفر إلى القاهرة االمدينة الواقع على .ا من البحارة لم يقبـل أن يقلهـا دلكن أح . ا عن زوجها بحث

المدافع العتيقة تدوي فـي إلى منوف وأصوات جرت أذيالها ألفتها مغلقة وقد علقت عليها على أبوابها وحين وقفت .أذنيها

ـ . .رايات سود ا عـن دار كانت تود أن تدخل المدينـة بحث وهي على يقين من أنه الوحيد في هذه الهوجـة ؛السنهوري

.ن يساعدهاالذي يمكنه أ* * *

، لها بدخول المدينة و الحراس أن يسمحوا ظلت ترج السباب انهمرت فوق رأسها من أعلى البوابـة، لكن أصوات

وطوال الليل كـان .السور تبغي النوم ودة بجوار كدجلست م ،باب المدينة يفتح عن نعوش الموتى تحيط بهـا المشـاعل

إلـى محرقـة شاحبو الوجوه يلقون بالجثث ؛وحفارو القبور .يتصاعد عنها الدخان في أعمدة ترحل بعيداضخمة

أيام ثالثة وتحت أسوار المدينة ظلت صديقة طوال هـا حتـى ظنـت أن طفلي ؛ال تقتات سوى الكفـاف ها بليالي

وقد نشأ بينها وبين الحراس من عسـكر ال محالة، سيموتانفأخذوا يلقـون ليك صلة ما لبثت أن تحولت إلى مودة؛ المما

.ليها بقايا طعامهمإ إليها بدجاجة تفوح األيام ألقى أحدهم وفي مساء أحد

ـ ؛منها رائحة العفن وجسـدها ،بعها القـذرة افتناولتها بأص نصفها، وفـي الجوع، الكت نصفها وأبقت ش من فرط يرتع ن يشاهدو والحرس ، التالي جلست تشوي النصف اآلخر اليومـ فالت تهمتعليقـا سـمعت .في الضحك وهم غارقون هذا تفت

إلصـرار وهم يتعجبون فجاوبوها االبتسام تنحوهم وابتسم .الفالحين على البقاء أحياء

دار من دفـن المـوتى، صديقة بين العائدين تسللت فرفع رأسـه رآها. .وجوه الداخلين يتفحص الحارس بعينيه ؛ ثم نادى على الواقفين بالدخول ،ح البوابة بفت ألعلى متشاغال وقف حفارو القبور يجمعون وأمامها ،اسها جر فدخلت تجر نف

جثث الموتى المتناثرة في شوارع المدينة ويلقون بهـا فـوق عبـرت دروب المدينـة . عربات صغيرة تجرهـا الحميـر

وجماعات من الناس الشعث الحفاة العراة ،مسرعة في خوف ."السنهوري" حتى بلغت دار الشيخ ؛ في فضولينظرون إليها

مر .باب دون جدوى حتى كلت يدها أخذت تطرق ال ؛صغيرة رأس عبد أسود قبل أن يطل من كوة الوقت طويال

وتحلف بأغلظ فأخذت تبكي وهي تسأله عن الشيخ السنهوري :األيمان أنها قريبة له ومن بلده

بنت هانم زوجة سيد بنت خالـة حسـنية صديقة -ن وأنها تبحث ع ،ة المعزاوي، وأن حميها قد مات امرأة برك

.الشيخ يعلم طريقه زوجها الذي البد وأن وأشار إلى الساحة الخلفيـة فـدخلت ،فتح لها الباب

امرأة عجـوز حتى بلغت حجرة وقفت في وسطها ؛مسرعة

عـام المتصـاعدة، وسط قدور تفوح منها رائحـة الط تدور :فوجئت بها العجوز

؟"من تريدين" - :أجابت بصوت واهن

..البلدأبونا الشيخ، أنا قريبة من - ثم ،ة دارت المرأة حول نفسها وهي تزفر ساخط ، رفـة طبـيخ يدها إلى إناء فخاري ومألته بمغ تمد

التي انكفـأت علـى الطعـام ودفعت به إلى صديقة االطازج تلتهمه التهام.

أطلت من النافذة عجوز في السـتين مـن عمرهـا بينمـا ، فهرولت صاعدة إليها ؛صاحت في الجارية الحبشية

:لت صبية أمر الطعام فسألتها صديقةوت دي؟الولية مين - . امرأة سيدنا الشيخ- .دي قد أمك. .يا كبدي يا خويا. .؟.. هذه-

ة تمـد لهـا يـد وحين عادت العجوز قامت صـديق بعد مغيب الشمس بساعة سمعت حـوافر البغـال . المساعدة

ة على الطريق، أعقبتها طرقات قوية، أطل الحارس من الكو

الباحـة راكبـا فدخل السـنهوري ؛ هرول يفتح الباب هبرأس .ثة رجال يحملـون المشـاعل والسـيوف وخلفه ثال ،بغلته :ناحيته تجر طفليها وتصرخ" صديقة"فعت اند

.أنـا فـي عرضـك . .أبويا الحاج . . أبويا الشيخ -آنـي . .المنصور جوزي فاتني ورحل من سنة وال عـدش

أراضيه ومعاي العيال ماليش غيرك يا با الحاج، مش عارفه مالـت تقبـل يديـه بحميـة . .عايزين ياكلوا ارحمني يابـا

..وإصرارـ ا تطلع السنهوري نحو المرأة وعيناه تبرقـان حنق

فسقطت صديقة ؛اوهو يدفعها بقدميه بعيد ا، لكز بغلته بضوغ ..على مقعدتها وهو ينظر حوله والغضب يكاد يخنقه

وبكـاء طفليهـا قامت صديقة ثانية تتعلق بقدمـه :سنهوري وجد ما كان يفكر فيه فصرخكأن الو،يعلو

من هذه المرأة؟. .ولد يا حمد. . حمد- . جرى العبد وهو يلعن ضعف نفسه ويلعنها- . سيدي تقول قريبتكم-

مامته عن رأسـه وهـو يجـدف رفع السنهوري ع :كالمخبول

يا أعرج يـا خسـيس سـود اهللا . . يا حمد الكلب - ..أحد هنا يا مأفونوجهك ال تدخل

بها مسكواأ. . فهم الرجال طلب الشيخ فتقدموا نحوها :من إبطيها فصرخت

صديقة . . صديقة بنت هانم أخت الحاجة عيشة آني - آني صديقة مش عارفني يا بـوي ،بنت الشيخ أحمد الغمري

آني في عرضك في . .الشيخ، آني مرات المنصور أبو حجاج عليك ويفـتح وزي اهللا يرضى عايزة ج . .طولك يا عم الشيخ

.الدنيا في وشك ،ه مـن الغضـب ههاج الشيخ السنهوري واحمر وج

: الطاعونصرخ وكأنهاي يا أعرج الكلب يا أسـود دار من جعلك تدخلها - .ا في سوق النخاسة يا بوز الغراب غدبيعنكواهللا أل

م يريد أن يقول فكـرة جالـت انحنى العبد وهو يتلعث :بخاطره

.. ظننتك-وهو يشير لها لم يدعه يكملها، صاح لكن السنهوري

:المرتعة بيده الكثة

. . أخرجها من هنا-صـرخت . لرجالوجدت نفسها محمولة بين أيدي ا

:وولولت شـهر ثالثـين ؟ دي كرامة القرابة يا شيخ النحس -

هو اللي يفك كربـك ،أبوك الشيخ السنهوري وأنا أقول ،يومرة بنت حمارة، كنـت فكـراك كنت حما . .يا بت يا صديقة ..ت على كوم قش أتاريني وقع..جمل يا عم الشيخ :ا الرجال بعيدا وهي تسبهم دفعه

ني ماشية هـو آنـي آ ور، يا ابن المفج إيدك شيل - أيوه ما هو آني لـو جايـة . .أشحت أشحت واال جاية جاية

المنـدرة ومعاي زيارة وز وبط ولحم كان فتح شيخ الغبـرا . . يرميني في الشـارع يا بنت أخوي، طبعا الزم وقال تعالى

أروح فـين وأنـا . . الحاج دا احنا نص الليل، أروح فين يابا .غريبة في البلد ارحمني خلي ربنا يرحمك

؛ارجـا إلى الرجال بأن يلقوا بها خ أشار. لم يأبه بها :فصرخت

قــهــى حبآت ذا القروــكين المسو ــن ابو يجحمك كالم ربنا يا شيخ سنهوري، ارحمني اهللا ..السبيل

. يا محمد يا بن سالم يا بن فاطمة العرجةويدخلك جهنم، ؛كان الغيظ يقتلع عينيه وهي تناديه باسم أبيه وأمـه

.فدخل المندرة وهو يصفق الباب خلفه في غضبوجدت صديقة نفسها في قارعة الطريـق والظـالم

الها يصرخان وهـي تكـاد يخيم عليها، جلست حزينة وطف وأبوها وقريتها والمشايخ راحت تسب أمها . .تنشق من الغيظ

تكومت على .للكالب لتأكله زوجها الذي يرمي بلحمه وأخيراا بين ذراعيها وراحـت ى الخرائب وأخذت طفليه طرف إحد

رت بجسدها يتجمـد، دارت بعد منتصف الليل شع .في النوم انتفضت . .غط في النوم ثانية تململت وقبل أن ت . .حول نفسها

شمها وعيون المعة تبـرق فـي من الرعب، شعرت بأنف ت جهدت وهي ال تجد بين ذراعيهـا سـوى عبـد اهللا .الظالم

شعرت بحركـة . نظرت أمامها كانت النجوم تلمع في األفق قامت . . فاستدارت تقاوم الخوف الذي أمسك بتالبيبها ،خلفها

ـ ش مفزوعة فعلى بعد ثالثة أقدام ا مـن اهدت بأم عينها جمع. .الكالب الكاسرة المسحورة يتدافع حول جثة الصغير ينهشها

الفـزع فـي قلـب دوت صرختها تمزق سكون الليل وتلقي الوحوش المسعورة التي تراجعت عن جثة الصغير المهشمة

ا عليها فـوق ألقت بنفسها مغشي . .الرأس المنزوعة األطراف ومرت عربات الموتى من ،باحالجثة الهامدة حتى انبلج الص

.بأسمالهم الباليةأمامها وخلفها الناس وقفت إحدى العربات وانحنى رجـل ليلـتقط جثـة

ارتفعـت . الصغير ويقذف بها إلى العربة المكدسة بالجثـث ، بينما ظلت ضخمة تتعلق بالجثة فدفعهم بعصاه فأراتثالثة

بـة في ذهول، تتـابع العر ابعة على األرض تنظر صديقة ق وقبل أن تختفي في الدروب قامت صديقة تحمل .وهي ترحل

وسارعت خلف العربة دون أن تحـاول ،عبد اهللا بحركة آلية .اللحاق بها حتى اختفت وضاعت وسط األزقة

* * *

-٦- بعد يومين هـاجم فرسـان السـباهية دار الشـيخ

عن زوجة المنصور، خرج الشيخ لهم وقد السنهوري يبحثون

لم يجدوا أحدا ظهر المجن، ولما يا قد أدارت له حدس أن الدن :صرخ فيه كبيرهم

حضرة شيخ سنهوري، مصطفى أغا إيداكش يريد - .حضرتكم

ثلة الفرسـان ا بغلته على عجل تحوطه خرج ممتطي وعنـدما دخـل . الكتاب ويتمتم بآية الكرسي وهو يتلو آيات

بل ؛يةإيوان األغا كاشف المديرية لم يستطع أن ينحني بالتح .قط على األرض بعد أن خانته قدماهس

فين مجرم ولد حرم منصـور عكـروت شـيخ - ..سنهوري

: لهث قبل أن يجيبزعـق . .أقسم على كتاب اهللا طردتهـا . . طردتها -

.األغاأنت حمـار خسـيس . . أنت حمار شيخ سنهوري -

.احلق ذقنك يا ملعون . طيب له عايزها حضرتكم-. . طعم لولد عكروت زوجها نمن شا . .عايزها ليه -

.ليه يا شيخ المـآتم يجي يأخذها نقبض ع حنا نمسكها وهو ي إ

قوم يـا . .قوم. ن كالب صغيرين تنبح من شا دي حتى الكلبة ..مأفون، أريد زوجة لص كبير تكون عندي

:ستطرد والدم يندفع في وجهه غضبا اهوري يا شيخ الكالب واهللا وكمان واهللا خنزير سن - ..تعلم. . الدين في السرقة حكمأنت تعلم

.نعم يا موالنا - ؟. إيش يكون شيخ الغبرا- . قطع اليد-نا على عكروت شيخ سـنهوري حنا حكم إ. . حسنا -

ألنه سرق عشر أتواب ؛عضو جماعة الموروثات بقطع اليد وصندوق فضيات من قصر ،حرير من منزل حسن السلطان

ـ وأخذتم مائة و ،األمير سليمان الدشداش ا مـن خمسين كيس وألـف ،قصر السيد الورداني، وثمانية آالف قطعة فضـية

السـمرقندي، وستين قطعـة مـن السـجاد ،ائة بارة مخمس ومائـة جـواد ، النبوي الشريف وثالثمائة ذراع من المحمل

ومائـة ، وخمسة محاريث وعشرة نـوارج ،وبقرة وجاموسة ،ءة، شيخ سنهوري أنت نهبت بيوت أمرا لطفأس وعشرين ب

يا ملعون تسمع مـا . وأعيان ومخازن وحوانيت تجار المدينة . أقول

ندفع السنهوري يمرغ وجهه علـى األرض تحـت ا :قدمي األغا وهو يهتف

وكل مـا ،أنا عبدكم وملك إيمانكم . . اقتلني يا أغا - ..تأمر به مقدسات وأيم الرحمن مقدسات

: قال األغاال وإ، أنا عايز زوجة عكروت منصور في الحال -

قسمإليه بالخروجوأشار. .ا قطعنا إيدكا عظم . * * *

من قصر األغا وهو يدعو اهللا فـي خرج السنهوري وعاد إلى داره يتعثر ويدور بعينيـه .سره أن يميته الطاعون

ا وهو يرجو أن تنشق الطرقات واألزقـة عـن ا ويسار ينيم أحد وعندما بلغ الدار أرسل . ا نفسه ألنه طردها وجهها العن رية وسأله أن يلهب ظهر جواده وال يعـود إال قأتباعه إلى ال .وهي معه

وبعد أن كان قد ترك الصـالة ،نادى الغالم للوضوء ، انهمك في صالة ذليلة باكيـة ؛ المدينة منذ أن دخل الطاعون

أو يكشف ،ا ربه أن تنشق األرض عنها وأطال السجود داعي هـذه ؛ها أن تعود إليـه أو أن يهدي قلب ،له عالمة تدل عليها

.المرأة التي صارت حياته بيدها ألن ؛ وكل شيء بناه يهتـز ، بالخوف كان قلبه مثقال

ليس فقط . امرأة حمقاء يبحث الدرك عن زوجها طرقت بابه بل حياته ذاتها التي ارتفعت بها امـرأة أخـرى، ؛كل ما بناه

ا غرفة علوية بداره مدت إليه يـده عجوز محبوسة في امرأة ه من بين األتبـاع والخـدم وأخذت ،امنذ ثالثة وعشرين عام،

.ة األعيان والتجار وكبار المشايخورفعته إلى طبق شعور داهم بالذنب عصـر قلبـه ؛ زاد ما يثقل قلبه

ب بالقصب إلى حجرة زينـب قش قام في قميصه الم .اعصرـ فألفاهـا ؛االعادلية التي كانت تكبره بخمسة وعشـرين عام

سجادة الصالة وعلى رأسها غاللة بيضاء ممسكة تجلس على قبـل يـدها .؛ وهي تبتهل وتسبح بحمد اهللا في يدها بمسبحة

فمنـذ ثالثـة والطمأنينـة؛ فنظرت إليه نظرة ملؤها الهدوء وهو بعد في وعشرين سنة كانت زوجته في الثانية واألربعين

لم يحنث بالعهد الذي أخذته عليـه .السابعة عشرة من عمره كان أكثر ما يرعبهـا أن ال يدخل عليها امرأة أخرى؛ إذ بأن

وبـذا ؛ابهبيستمتع هو بشباب امرأة أخرى وتستمع امرأة بش .تبتعد المتعة عن كينونتها المسافرة نحو الشيخوخة المهلكـة

فليؤنسـها ؛وإذا كان من المحتوم أن تحرم من فتوة الحيـاة ؛سـواء واآلن صار كل شيء .شخص ما في الحرمان أيضا

.كل شيء ال يهم* * *

:لتقاالـنفس الواصـلة، ت على أمر تشتهيه ملقد عز -

آه .تاق إليه كل مخلص محتاج لعطف ربـه ويش في الحياة يـا سـيدي لو تعلم ماذا ادخر لك اهللا

.الشيخ ا للمرأة التي غيبت عنه تأوه السنهوري مخلص

إذلم يتعد بعد الخامسة والعشرين؛ شبق الذكورة وهو كان قد عاف شيخوختها بعد ثمانية أعوام من زواجها

..به المورد المشرق وبشرته التي تفوح من تأملت وجهه غاصت بعيني الثور اللتين تلمعان في .طزاجتها نعمة الحياة

.عينيه

:قالت والسكون يلف الحياة من حولهما نفسك وانظر باطنك تـرى نعمـة الخـالق تأمل -ه ريح طيب روضة للمشتاقين ودوحـة وكل ما في ،والملكوت . .السائلين

:اقترب منها وهمس. .رأته يبكي وينهنه .. لقد ظلمتك واهللا يعاقبني ..سامحيني واغفري لي -

.واسألي لي الرحمة العفو أسألك نها ه طمأنينة، كانت تود أن تقول له إ مألها ضعف

مدت يـدها .. ابتسمت تدعو له .هي التي غررت به وترقيه من ،خذ رأسه على فخذها وهي تتلو الفاتحة تأ

ا ورويـد .نس والشياطين عين الحاسدين وشرور اإل ا تسللت إليه سكينة تملكت روعهرويد.

* * * ا مات زوجها الشيخ شـاهين منذ ثالثة وعشرين عام

تزوجته وهي في العشرين . .إمامهموالشافعية البرماوي شيخ كـان . ثانية والستين من عمـره وكان قد بلغ ال ..من عمرها

ولـم ، فلم تذق معه طعم الهناءة ؛ايكبرها باثنين وأربعين عامفلما مات ورثت ماله وعبيده . . تحت وطأته قط يهتز جسدها

وتقدم لها عشرات األشراف واألعيان . .وأشرفت على زمامه فوجهها الخالي من ؛من التجار والمشايخ طامعين في ميراثها

وقامتها القصيرة لم تكن تشـجع ،دها الضامر وجس ،المالحةا على التقدم لها من أجل خاطرها وخـاطر وصـالها أحد. .

،مرادهم هو ثروة زوجهـا وتعلم أن ،كانت تعلم هذا وتحسه وليس إيقاد النار التي خبت في أحشائها من هجران الريـاح

.وانعدام البرق، وعصف السيولـ أمضت سنتين ى بغلتهـا وهي تدور في القاهرة عل

وأهـل اهللا نقاب بين األضرحة وزيارة المقابر تخفي وجهها ب ؛ ومطاردة الخطاب ومراسـيل طـالب الـزواج ،واألولياء

إمامـة وخاصة الشيخ يوسف المهدي الذي خلف زوجها في .د أن يخلفه في فراشه البارد أيضاوأرا ،الرواق

* * * لذي كان تلميذه وتابعه ا "البرماوي"عندما مات الشيخ

يتصل به بصلة قرابة بعيدة لم يتعد الخامسـة عشـرة مـن الضرورة أبقت زينب العادلية على محمد بن وبحكم. .عمره

وأوقفته على خدمتها وتلبية ،السنهوري سالم بن عبد الرحمن وإرسـاله إلـى ،أغراضها وشراء ما تريده مـن األسـواق

والتحدث مع شيخ العزبـة ،أراضي زوجها إلحضار المعلوم وهي تناديه تـارة ،لذا استقبلته بالحريم . .هاتفي شئون زراع

وهو ال يرفع عينيه نحوها قـط . . وتارة محمد ،بولدنا محمد جالس فعلو منزلتهـا وارتفـاع . .ا سيرها ا بين يديها أو متقدما بينه وبين أن يراها إال امـرأة فاضـلة صنع حاجز . .شأنها

كون سوى خـادم أو وهو ال يعدو أن ي. .وسيدة من األشراف وكلما رآها ال تحدث رجال . .وذليل. .عبد تابع أمين مخلص

إال من خلف ستار وال تنكشف عليه بوجهها الصـالح الـذي وال تمد كفها لتصـافح . .رآه هو بعينيه كلما استقبلته بالحريم

حتى ال ينتقل إليها ؛أقاربها وذويها إال وقد سترته بذيل ثوبها إال وقـد زادت ؛ من عمل الشيطان وال يصبها رجس ،دنس

..ا وإكبارفي عينيه إجالالمـنهم وبعد مرور عام على وفاة زوجها صار كل

فقد صـار لهـا ؛اا شديد ا من اآلخر قرب رة قريب شبحكم المعا وقد أصر الشيخ محمـد . .ا على كل شيء تريد قضاءه معين

عين يسـت وكان. .الصغير على أن يكون مثال األمانة الكاملة على قضاء حاجتها بخبث الفالح ودأبه وبكائه ورجائه عنـد

.واألمر المشايخ ورزالتهم عند السؤال وإلحاح. .الطلب

ـ فكان نادر الكالم صامت ؛أما في حضرتها ا ا حريص وأغدقت عليـه ا،فوضعت فيه ثقة واطمئنان . .على أسرارها وعطفت عليـه ،وجعلت طعامه من دارها . .المنح والعطايا

للسكنى بالدار المقابلة بعد سقيفة وأفردت له ،الكساء والثياب ب .وفاة زوجها

وقـد -وفي شتاء العام التالي لموت الشيخ البرماوي أصيبت السـيدة -هدأت حركة المارة في الطرقات المظلمة

حملهـا . .بوعكة جعلته يتقدم لمساعدتها على اعتالء بغلتهـا وهي ترتفـع مـن فلم تشعر بنفسها إال ؛بساعدي ريفي قوي

وهـو مـا ؛فوق األرض لتجلس على سرج بلغتها الثمـين .أدهشها

؛داومت في المرات التالية علـى االسـتعانة بقوتـه وقـد انتابهـا ،فكانت ترمي ثقلها بين يديه مثل طفلة صغيرة

وطوال الطريق كان يلهث وهو يجـري خلـف . .خدر لذيذ وحـين تحـين . .البغلة التي تحملها قادمة من صالة العشاء

كان كل جـزء مـن جسـده . .لحظة نزولها من فوق البغلة . .يشتعل

حدث ذلـك . .اوكان البد لهذه اللعبة أن تنكشف يوم. .ا دار أختها بـدرب النحاسـين عندما أمرته أن يأتي ألخذه

. .وعند عودتها أخذت تحاور نفسها عن وحدتها وظلم الدهر ع عليها للزواج وضغط الجمي . .في ثروتها . .وطمع األقربين . .هذا أكثر ما يعز علـى نفسـها ويعـذبها . .بأي رجل كان

يسـقط هذه المرة تركت جسدها على النزول وعندما ساعدها ابتعدت مرتعـدة وهـي . .ارتطم ردفها بإنسانه لوهلة . عليه

ودخلت على الفور،ا عنهاتدفعه بعيد . ا هذا ما كان يعترف به لنفسه طوال لقد ضبط متلبس

ولهذا . .لقد جرح عفاف امرأة طاهرة بأبشع ما يكون . .الليلظل طوال الليل في . .فإن عقابه يجب أن يكون بحجم جرمه

انتظار أن يفتح باب سقيفته عليه ويندفع عشرة مـن المـردة سوط مضـفر بكـرات حديـد وبيد كل منهم ،العبيد السود

ا ثم ينهالون عليه ضرب ،صغيرة فيعرونه من ثيابه ويصلبونه تخيل ثم ما لبث أن . .ا له على فعلته الشنعاء حتى الموت عقاب

وأن ،ها ما جـرى ألخي سيدته يحكي ما قد أرسلته أن رسوال أخاها والرسول قد انطلقا على عجل يشكون للباشا فعلة تابع

وأال تتلفظ بـه ،ال يقال أخته الزنديق الذي تصرف بما يجب أ

شا الذي أوقـظ مـن البا والبد أن . .دينةتاأللسنة الشريفة الم إذ كيف لخادم أن يدنس حرمة امرأة ؛ غاضب النوم اآلن ثائر

وسيدة هي زوج لشيخ من العلماء لم يبرد جسده فـي فاضلة مـن الخيالـة تنهـب األرض والبد وأن أورطة . .قبره بعد

وال شك أن العسكر يحفرون ،هابطة من القلعة إلى حيث يقيم ا سوف يخرج فـي الصـباح أن منادي و ،اآلن حفرة عظيمة

.يدعو الناس لرجم هذا المجرم الزنيم. .ا فانتفض مذعور ؛سمع حركة في الطريق وصخب

. .ا آخـر مر الوقت دون أن يسمع شـيئ . .ا على نفسه منكمشتمدد ثانية يصيخ السمع والنوم يأتي جفونه كخطرات الفكـر

تمنى لو أنه استيقظ في الصباح فوجد نفسـه فـي . .العابرة .ريتهق

ولم يأته أحد . .مرت عليه ليلة عسيرة وجاء الصباح فـأيقن ؛ وأرسلت تدعوه ،ومضى يوم تاله يوم . .ممن انتظر

وأرسلت الرسل إلى المشـايخ للحكـم . .أنها كانت تعد العدة ولن تشيع ما حدث في مجالس فهي امرأة فاضلة . .اعليه سر

..العامة والدهماء : سأل العبد

من عندها؟ - .. المهدي وآخرونسيدي -. . فأيقن أن هذا هو يومه األخير في هـذه الحيـاة

ا بالخارج واقف بقي. .هماتبعه وركبتاه ترتعش فرائص حتى أشارت له بأن يعد بغلتها كي تخـرج لزيـارة

. .سار خلفها والخجل يقتله . .لم يصدق نفسه . .أختهان ، وإ وقد شعر بمرور الغمـة . .ويلجم لسانه وكيانه

ا ال يلين بأال يعبث بحياته بعد قويعزما عزم كان قد .العصيبة. . وأال يفعل ما يعيد له هذه اللحظات،اآلن

لم يمض وقت طويل حتى غمـزت لـه وصـيفاتها فتح فمه دهشة وفكر إن كـان .ا يدها العجوز بأن يتقدم طالب

.الذي يحدث حقيقة أم حلم ووقـف فـي "يوسف المهـدي "ا دعاه الشيخ وعندم

سأله الشيخ بعد أن . . مستصغر الشأن ه العلية خجوال حضرت. .قدم له أطايب الفاكهة والنقل أن يعدل عـن هـذا الـزواج

فأجابه السنهوري. إياه بجارية شركسيةاواعد: والـزواج . .الزواج على سنة اهللا ورسوله . . سيدنا -

. بزوجة سيدي ليس بدعة

:صاح العجوز !! ليس بدعة-

.. من الغضبجفناه احمر وجهه واهتز : استطرد السنهوري

أليس هكذا يفعل أمراء المماليك واألعيـان . . نعم -وما تجري عليه عـادات الكبـار . .وهم أعلى طبقات البالد

ـ ا نسير نحن الصغار عليه ونعده سنة من سنن الحياة وقانونوإذا . . وبدعة للمحدثين ومفـاخرة ألوالد األصـول ،للعصر

فأنت سيدي وشيخ طريقتـي ؛ن أمركم كنت تمنعني فإني ره ومن أصول الحكمـة والمنطـق أن . .والطاعة علي واجبة

فإذا كنتم . . لي أحتذي خطوكم وأقلدكم فيما تفعلون إماماتكون .قد تقدمتم لها فمن حقي أن أفعل

غضب العجوز واستعان بالصبر على جرأة الشـاب :فقال. .تهوبجاح

- به ألحد لوال أنـك ا ما كنت أبوح اعلم يا بني سر حكم الرجال وفي منزلـة األبنـاء الـذين يوثـق بهـم في

لرغبة فاعلم أنني إنما أفعل هذا نزوال . .ويستودعون األسرار وتشهد بمـا ،شيخنا وموالنا الذي تطل روحه علينا من الجنة

ذلك أنه أوصاني قبل موته وهو ممسـك بيـدي . .أقوله اآلن لكل عالم مجتهد أفنى عمـره يا يوسف إمامة الشافعية . .هذه

لفضـل ا وأمر الوالية فيها يرجع ،في سبيل الصالح والفالح فهي أمانـة ؛أما الوالية على أهل بيتي . .اهللا سبحانه وتعالى

أمانة في عنقك أنت وليس ألحـد . .في عنقك يا شيخ يوسف .غيرك

أنهى العجوز حديثه منكس الرأس والعبرات تـداعب :عينه ثم استطرد

فحمـل الواليـة علـى . .ك اهللا فيك يا ولدي بار -وعذابه سالسـل مـن حديـد . .األرامل واليتامى حمل ثقيل

. بنفسك الطيبة عن التجربةفانأ. . بالنارمحميبعد مضي شهر على هذا اللقاء أشيع نبأ زواج محمد السنهوري بالسيدة زينب العادلية أرملة الشيخ البرماوي أمام

نه فـوجئ ؛ إذ إ قلب الشيخ المهدي فعصر الغضب . .الشافعيةكما فوجئ الجميع من أرباب الرواق والمجـاورين . .بالخبر

ـ بالشيخ الصغير قادم ا ا إلى الدرس بعد غيبة طويلـة ممتطي ى وقـد ارتـد إمبابة،ا من سوق بغلة عالية اشتراها خصيص

وعلى رأسه . .ا من الحرير الدمشقي الباهظ الثمن جبة وقفطان

وأمامه سار عبد أسود . .تباع الطريقة الشاذلية عمامة كبيرة أل .يصيح على المارة بإفساح الطريق لسيد الشباب

وقبل أن يحاول المهدي ضرب خصمه إرضاء لذاته ي األزهر أن الشيخ الصغير شاع ف . .ا لكرامته وهزيمته وثأر ومثلهم لخدمة األزهر ،ا على خدمة الرواق ثالثين فدان أوقف

ذبـح وذكـى ووزع العطايـا والهـدايا و. .الشريف عامة ما فعله هو الجعاالت التي قـدمها على أن أخطر . .والهبات فأكبروه ورفعوا من قدره وقـدموه ؛المشايخ وأفاضلهم لكبار

. .على أقرانه ومن هم أعلى منه مرتبة في العلم وأقل حـاال ا بيـنهم لـم يلبـث أن وطـده وفي النهاية أفسحوا له مكان

.سه وثبت به أقدامهالسنهوري لنف* * * ة علـى األرض وسـط ملقا مر وقت طويل وصديقة

ـ رائب وهي تقترب من المـوت اقترابـا حشرات الخ ا حثيث وبغريزة الحياة جمدت .بهيجةا ألوانوالرؤى تحوم في رأسها

فـإذا ؛وم من حولها تتشـممها في مكانها والكالب الضالة تح ها ظانة أنـه ابنهـا دي ضال كشفت له عن ث إليها جرو اقترب

عندما هبط الليل أيقنت أنها الليلـة . .االذي نهشته الكالب حي .األخيرة في حياتها

ها هو المـوت . .من بعيد لمحت هالة ضوئية قادمة ا عن هوة وقد كشف له،ا كما تراه اآلن قادم إليها ليأخذها بعيد

ثم مـا ،تناهى إليها دوى طبول وصياح . من الضوء األصفر أن الحت مئات المشاعل تقترب ويقترب معهـا دقـات لبثت

كان موكب سـيدي . .الصاجات وأصوات المنشدين الصاخبة ـ أبو خطاب يتقدم آتي تهم اا من بعيد يتقدمه خدمـه فـي عبائ

حـاملين األعـالم وهـم ، الملونة المزينة باألحزمة البيضاءسيدي " شفاعة ن األدعية واألناشيد واالبتهاالت يطلبون يرتلو لرفع ؛ لهم عند رسول اهللا "سيدي أحمد البدوي " و ،"و خطاب أب

وخلفه سار جمـع . .مر الركب أمامها دون أن تعيه . .الغمة لكنها شعرت بيد ؛كادت أن تنام . .والعامة كثيف من الدهماء ها هو الموت يصعد بها إلـى السـماء . .تحملها من األرض

جد اهللا والحياة تمضي عنها ولن ي . .فغمر وجهها أنس وراحة .ما يحاسبها عليه

* * *

عينيها وعادت تغلقها ثانية وهي فـي "صديقة"فتحت حيرة ولهفة تريد أن تعلم إن كان قد رسى بها جناح المـوت

كـل . . حيث العذاب ؛ أم النار ، حيث العيش المنعم ؛إلى الجنة كأجسـاد ما كانت تعود به من صحوتها هو رجال بأجسـاد

وقد ،ء ويطلون عليها بوجوه جهمة العمالقة يجلسون القرفصا ـ ا ساخن تفصدت أجسادهم عرق ا ا، ومن خلفهم كان هناك دوم

وبين حين وآخر كانت تلمـح رجـال . .حقل النيران الواسع ـ وعلى وج . . بالبياض ا يكلل الشيب رأسه مسربال عجوز ه ه

فتشعر باالضطراب وقد . .ارتسمت عالمات الحكمة والصفاء م الجاللـة لتغمرهـا الراحـة قوف أما آن لها أن تؤمر بالو

بها ليس لديها ما تؤاخذ عليه كي يلقى وال شك أنها . .والسالما لكثرة مشاغله إلـى ن رضوان سيدفع بها دفع إ. .إلى جهنم

والمعذبين فـي خلقها اهللا للفقراء جنة من الجنان السبع التي .األرض

. . ينتابهـا فتنـتفض مـذعورة مجهوال أن خوفا إال وكأن الكالب التي التهمـت ابنهـا ، بالجنون ناها تبرقان وعي

فـي على الصراط تصـرخ أمامها تركض وهي ،تطاردها إال بيد حانية خشـنة توضـع علـى فال تشعر ؛رعب وهلع

ويلقي فـي روعهـا بصـوت ،جبينها وفم يقترب من أذنيها رؤيـا ت صـديقة عاود عندما. خافت رخيم آيات اهللا البينات

ما بين الجنة والنـار أجابهـا حضرة اإللهية الوقوف أمام ال وأنها لـم تغـادر ،راه ليس سوى حلم عقلها الواعي بأن ما ت

عنهـا الرجـال وذهـب ، استيقظت ..بعد األرض بجسدها دوامـة ت فعـاد ؛ بالبياض والشيخ الملتحي المسربل العمالقة .. فبكت؛المشاعل تحترق على شفا ألسنة الظالم

: سمعت المرأة تقول وأكارم الوجوه سـبع ليـال الرجال والمشايخ ل ظ -

وهـم ،ة الفجر يقيمون الصالة من بعد أذان العشاء حتى صال .يمسكون بأعمدة الضريح ويهزونها ينادون السيد البدوي

اكشف لنا الغمة يا سيد أحمد يا بـدوي يـا طـاهر "المنبت يا شريف األبوين يا مبارك الشفاعة وقريب الحسـن

وغلت المياه في األنهار ،هتز الضريح وثار حتى ا ؛"والحسين. .يا ربي . .فصاح صوت الحق . .وارتجت وانقطعت األوتار

أوالدك في ظلم . .يا معين . .يا مبارك يا ولي . .يا رب العباد .ا مكينازلزل بأهل الفسق ودبر لهم أمر. .مقيم

أصاخت صديقة السمع وصوت المرأة يدخل سمعها ء المكان باألشباح التـي مـألت ا وخياالت مألت فضا صور

وعشرات األولياء القادمين بعمامـاتهم . .الضريح باألصوات وعنـدما فتحـت . . للعمل تحت واليتـه الخضراء والحمراء

عينيها رأت امرأة موردة الوجه في األربعين مـن عمرهـا تدعى خضرة الشعالنية تحمل بـين يـديها تجالس قريبة لها

عـن المـرأتين متشـاغال خرةعاري المـؤ . .ابنها عبد اهللا وزحف على ، وبكى رأى وجه أمه فأشار لها بقبضته ..باللعب

ا من المرأة التي تحملهأربع متخلص. لكنها غابت عن . .جاهدت صديقة كي تعود إلى ابنها

ف وقف سيدي أحمد البـدوي علـى رأس آال . .الوعي ثانية .المصلين الطالبين شفاعته غاضبا

وة حال ي من غفوتي وأقلق علي ي أيقظن الذ من ذا - .ومتين

:صاح خادم الضريحلغالبة يـا سـيدي يـا رعيتك ا . . أوالدك اليتامى -

الطاعون وخرب ديارهم فال يا بدوي طحنهم شفيعي يا أحمد ؛ وال أحد يرعى حرمة عشـيرة المسـلمين ،عنهم أحد يسأل

؛غاللهـم واستباحوا نساءهم ونهبـوا ،فأباح المماليك دورهم ورأته صديقة يمأل فضاء الجامع بغيهـب ، وماج وثار فهاج

وارتعد النـاس وهربـوا ، فارتج واهتزت أعمدته ؛األسرار :مسرعين فصاح فيهم السيد البدوي

مـا أضـعفه . . يا ستار يا أمين من ترك بيت اهللا -يا رب يا ستار يا واهب الحكم اكشـف لنـا . .وصغر شأنه

وصوب حدا الرئيسـة تعالوا يا إخوان من كل فج ..األسراركرم والـدين سـليلة وبنت أ . .الشريفة أخت الحسن والحسين

ألجل كلمة وقول وحكم ما له نقوض لنحاسب ؛النبي والعدنان األخيـار والفقـراء ونجـازي . .األشرار والكفرة والفجـار

وانقضت والعمـر لحكـة ومضـت، ساعة قضا . .واألبرارن السـاعة ويسـأله ساعتها ما يالقي ابن ادم إجابة لحين تأذ

ما يرحمـك مـن . .حافظت على عهدي أم خنته . .الرحمن .عذابي غير رضا الوالدين وخير عملته في دنيتك

ومكان في أرض مصر األمان رحل ةومن كل ناحي وفي حضرة السيدة زينب صاح . .كل ولي وشيخ له كرامات

أنا لوال الجاللة . .سيدي إبراهيم الدسوقي والغم راكبه شوالين . .مـة السـر ديـن لكدر و حضرة الملكين لهدمت لوح الق و

وهـدمت أصـل . .ورفعت سيف العدل وضربت بيه البـين الجالسـين استطرد جمع المنشـدين . .الغواية الفقر ويا الدين

ومعهـن النسـوة . .القرفصاء في حضرة بساحة دار قديمة وبينهن صديقة قد جلسن على مصطبة واسعة بصحن الـدار

:مع المنشدين قولهميتابعن اإلنشاد يا بنت حضرة نبينـا يـا سـيدة زينـب

يا أخت الشهيد اصعدي وتقدمي المجلـس

حضر أمامك للتو والسـاعة أشـرف مـا

الفرسان وأشجعصابك واندر ما في حقلك

ليضــربوا باســمك الفســق والعصــيان

أنا ألجـل الثالثـة اللـي فـي حضـرتك

انسميت وبسـمت باسـم النبـي العـدن

ــا طــه الرســول وشــفاعة محمــد نبين

الصفا والدار اللي اتحموا في اسمك وأهل

يا . .السيدة قالت يا بدوي لما صمت الجميع واستكان

عطلنـا . .يا قناوي يا كل من لنا جاء . .دسوقي يا أبو العباس ال تتركوا الكفار وال . كل مكتوب ومقدور ورفعنا سيف العدل

ن تنتهـي وما إ . . شر يزحف في الظالم وال. .ترأفوا بحالهم

وال . .الغمة وترفع األحكام يعود كل لمكانه ال يغادر األسوار . كنا رحمة الجبارضريح قبره ونعود كما

-٧- حول دار أكبـر تجـار المدينـة السـيد إسـماعيل

كان مئات الدهماء يتجمعون من كـل صـوب . .الجوهريدي أبـو خطـاب فقد خرج أولياء اهللا الصالحين سي . .وحدب

وسيدي أحمد أبو حديد أتباع سـيدي أحمـد البـدوي مـن ليرسلوا إلى أمة اإلسالم العالمة بأن الميعـاد قـد أضرحتهم

وكانت جنازة أبناء السيد الجوهري .اقترب والساعة قد دنت عـن أما هو فقد سبقهم راحـال . قد شيعت وحريمه وأتباعه

لى عجل من طنطـا وتال ذلك أقاربه الذين قدموا ع . .الحياة ليأمنوا على ميراثهم بعد موت الشيخ التعيس ؛وكفر مصيلحي

ولكنهم بعد أن دخلوا الدار أحياء أخذوا يخرجون منها جثـة بعد جثة وقد فضل كل منهم أن يشاهد موت غريمه على أن

ا بحياته من هذه الدار الموبوءةيرحل ناجي. ة تترقـب األخبـار وكلمـا حول القصر تحلق العام

ا يعبر األسوار أو خيال ظل ينبعث مـن الـداخل لمحوا طيف

مـن الخـوف وهـم وقف شعر رؤوسهم وطقطقت أسنانهم يشاهدون جند وفرسان سيدي أحمد البدوي وسيدي إبـراهيم

ثـم ،الدسوقي الصارم الحازم يفرغون الدار من كل شـيء في توزيع الغنائم بعد تقسيمها قسمة عادلـة حتـى يشرعون

ئع وعار على نصيبه في هدوء وصمت قبـل يحصل كل جا قدوم جند المماليك الذين لن يجدوا حينئذ سوى جدران طينية

.عاريةجلست صديقة القرفصاء ترتل مع الناس آيات مـن الكتاب الكريم وتدعوا اهللا في خشية وخشوع والدمع يسيل من

.عينيها أن تعثر على زوجها المفقودـ مع دوي سنابك الخيل يقتـرب ح س ا، ثـم دوت ثيث

صيحة عالية في الفضاء أعقبها طلق غدارات وصليل سيوف لقد كبس األغا بجنده على جنود أولياء . .فتصاعد دعاء الناس

.اهللااندفع العامة من كل مكان فاعتلوا األشجار واألسوار وهم يقذفون القصر بالحجارة والمشـاعل وقـد تصـاعدت

كر بالحصار وطلب وشعر باشي العس . . الدماء شهيتهم لسفك ذلك أن العامة ما كانوا ليتراجعوا عن التنكيـل بـه . الفرار

حتى لو كان السلطان عبد الحميد خان . .وقتله والتشنيع بجثته .األول خليفة رسول اهللا وأمير المؤمنين

ا بكل فاندفع يقذف بعشرين كيس ؛ةتفتق ذهنه عن حيل الحـرب فتـرك الجميـع . .ارة هنا وهناك بمنها خمسمائة .ا حول قطع النقودواندفعوا يتقاتلون جميع. .واقتحام الدار

. .يداكش على صوت البـارود استيقظ مصطفى أغا إ ا جـواده وهـو ينـادي وخرج برأسه العاري الضخم ممتطي

ا مـنهم والفرسان ظن فتصاعد االضطراب بين الجند ؛فرسانهوانطلقـوا . . على منـوف أطبقتبأن جنود إسماعيل بيك قد

فشاهدوا . .مسرعين حتى بلغت طالئعهم دار السيد الجوهري تراجـع المنصـور . .الملثمين قد تمترسوا علـى األبـواب

وأسرع يقتحم طريقه هو وعشـرين مـن . .ابعصابته منسحب قافزين من فوق األسوار فصوب علـيهم ،أتباعه إلى الخارج

،فسقط منهم اثنان وفر ثالثة إلى جنوب المدينـة . .المماليكفطاردتهم ثلة من الفرسان بينما اندفع الباقون يشـيعون فـي

ويجلونهم عن الدارا وتقتيالالعامة ذبح . فى أغا إيداكش في طصوعندما أصبح الصباح كان م

إلـى الـدار قه الملثمون هذه المرة أيضـا فقد سب ؛أوج حنقه

وأمام جمع غفير من العامـة . .فنهبوها وسلبوها قبل جنوده قام باشي العسكر بقطع يـد ثالثـين . .ر بالقوة جمعهم العسك

؛ ظهورهم بالسياط ألهب بالسيوف بعد أن وامرأة وطفال رجالكـان فرسـان . .فامتأل المكان بالصراخ واألنين والـذهول

. . وقد امتطوا جيادهم برشاقة المماليك قد أحاطوا بالمجرمين ثم دفعوا ،محمري الوجوه تنم أجسادهم عن الصحة والعافية

ا كـان بيـنهم مـن عشر شخص باثنيعلى أعواد المشانق .الملثمين

* * * في زقاق مجاور لضريح سيدي أبـو حديـد قـبض

حيـث ؛العسكر على صديقه فأرسلوها محمولة إلـى القلـق أودعت في زنزانة بجوار أحد رجال المنصور الذي تمكنـوا

وفي اليوم التالي وعلى مرأى من عيـون . من القبض عليه :ا ومعه كتخدا إيداكشا مائجدخل السنهوري هائج. .لالرجا

أال . . أال تراعون حرمة المسـلمين والمسـلمات -لى أشـرف هذا البلد الذي ينتسبون إ تراعون حرمة أشراف

وبـؤس واهللا لوال ما عليه الحال اآلن من خراب . .األنساب بني لطلبي وإن لم يج . .د بيك ارا أميركم م لنزلت مصر شاكي

على محمد باشا عزت والي البالد أشكو لـه عسـف لدخلت نادى الكتخدا على صديقه وهو يسترضي . .المماليك وظلمهم

:السنهوري سامحنا يا سيدي لم نكن نعلم أن لكم بهـا صـلة -

.قرابة أو تستحلون حرمة النساء يـا كتخـدا وقـد أزل -

..الرحمة يا إلهي سبحانك وحكمتك. .الطاعون أهلها والجوع. .السنهوري صديقه وابنها وهي غير مصـدقة أخذ

وبعد يـومين . .ا مبهور والرجل الذي يتبع زوجها ينظر إليها .أتاح رجال الدرك للرجل أن يهرب

حتى كان المنصور أبو حجـاج لم تمض خمسة أيام ومعه تابعـه صـالح تـاركين ،يتسلل عبر دار السنهوري

اه شونة الدار قفزا من السور واندفعا تج . .جواديهما بالخارج نظـر . .لمح نافذة مضاءة في حجرة خلفية منزوية . .الخلفية

دفـع . .منها فوجد زوجته نائمة وطفلها عبد اهللا في أحضانها الباب بكتفه وفجأة وجد نفسه بين خمسة من المماليك األشداء

لكـن . .احاول المنصور أن يستدير هارب . .حاملين المشاعل . . نحـوه اليك الذين انـدفعوا المكان انشق عن عشرات المم

وأخذ يتبادل الطعان معهم أوقع ثالثـة مـنهم . امتشق سيفه ال تكاثروا عليه حتى صـار أعـزال . .مضرجين في دمائهم

. .ا لم يفعـل فتح صدره لنصالهم لكن أحد . .حول له وال قوة وقبل أن تخرج رأسها مـن وفي الداخل سمعت صديقه جلبة

بها مـن يـديها إلـى خـارج النافذة دخل حمد العبد وجـذ أن زوجهـا تبعتـه مـذعورة وهـي ال تـدري . .اإلسطبلوفي الطريـق مـن . .تزاحموا عليه حتى أمسكوه . .بالخارجأنهـم . . إلى الباب الخارجي داهمته فكرة مرعبـة اإلسطبل

.يريدونه حيامن فرجة المشربية كان السنهوري يتابع ما يحـدث

بالجنـد نصور يسير مخفورا ا يشاهد الم ظل واقف . .في الفناء . . تصغيان إلى اللغات غير المفهومة التي يتبادلها الجند وأذناه

ـ ا دفعـه ألن فكر في أن يسارع اآلن بطرد المرأة لكن هاتفيقتنيها ال فلم . .بقرة حلوب صارت اآلن بال صاحب . .يتريث

وخطـف ،قميصهزرر ..لم ينتظر حتى الصباح . .ويمتلكها .ا إلى دار األغا يطلب الثمنرع وخرج مس،قفطانه

-٨- قرعت الطبول في المدينة الصـغيرة الواقعـة فـي

إلى أبواب األهالي من الرجال والشيوخ فخرج. .ب الدلتا جنو وتجمعـت النسـوة ،الدور وعلى بوابات الحواري واألزقة

وبـرزت . . على أسطح المنازل وأطلوا من النوافذ واألطفالت الفارغة يتحـدثون فـي همـس التجار من الحواني أعناق

ا يتقدمه صـبية يقرعـون وينصتون إلى منادي امتطى حمار علقت في رقابهم يقرأ أوامر األغا سنجق دار الكشوفية طبوال

يدعوهم للخـروج وأمير المديرية مصطفى أغا إيداكش الذي العكروت والشاطر السفروت المنصور أبـو لمشاهدة اللص

. . وأحل بالمدينة المحبوبة السـهاد ..الحجاج الذي أرق العباد وامـتهن السـلب والنهـب . .بعد أن أشاع بين الناس الفساد

فحلت عليه لعنـة . .والسطو على الدور وكشف كل مستور ولهذا سوف يصـير . .والي البالد وغضب أهل العلم والعباد

وخلف . أمثولة وقصة مذكورة لكل من تسول له نفسه السوء وهي تحيط الفرسان تسير نت شلة من كا بمائة ذراع المنادي

بعربة يجرها حماران وضع على ظهرها قفص خشبي بداخله رجل عادي ال يرتدي إال ما يخفي عورته يمسك بالقضـبان

الخشبية وهو ينظر حوله ويحدق في عيون النـاس بـذهول وعلى كل قيراط من جسده ظهرت آثار التعـذيب الوحشـي

رى تحمل سبعة من رفاقه وخلفه سارت عربة أخ ،الذي القاه ن إلـى قضـبانها وهـم مقيـدي . .جالسين في أرض العربة

ففقعت عيـون ؛م من التعذيب وقد شوهت أجساده . .ذاهلون كـان النـاس وحول مواقد النيران . .وقطعت أذرع وسيقان

مـن اآللـة ا وقد خيم على وجوههم الرعـب سميتحدثون ه . السوقفي ساحةة التي نصبت على منصبة عالية الجهنمي

إلـى درجـات المنصـة أبو حجاج بالمنصور دفع . جموع أهل الـبالد والقـرى المحيطـة تراه الخشبية حتى

أصـابه الـذهول، سـرح السلم وقد وصعد اصطكت ركبتاه تساءل الصامتة التي تحيط بساحة السوق، في الجموع بصره إن كان ما يجري يحدث في حياتـه الحقيقيـة التـي . .عقله

أم أنه نوع آخر مـن ،ا الجزء من أرض اهللا قضاها على هذ .حياة أخرى

* * * فتوى قاضي قضاة المدينة في الحكم على المنادي تال

بحكم األغا علي المنصور بن حجاج بإقامة السارق، وأعقبه

وقطع اليدين التي سرقت وشد الضرب مائة جلدة، : حد عليه ال تثمـر اللسان من الفم الذي حرض، وبتر الخصيتين حتى ال

بعمود ثم أن رجلين قاما إليه فأوثقا جسده . .افي األرض فساد ا بالسـياط، تصـاعد ضخم من الخشب، وانهاال عليه ضـرب

أن خفت صوته وتصاعد صـوت ، ثم ما لبث ا عالي صراخه ا السنهوري يعلو ويهدد وينذر حتى جلجل الساحة فهزها هز

اورجها رج: وضـعفت كم أيها الناس ما لكم وقد خفـت عقـول - ؛ثم ألبستموهم ثياب اللصـوص والشـطار قلقتم ...نفوسكم

ثم أنكم حللتم أمـوال ،فصرتم بذلك أقرب للنار من الشيطان ورفعتم عصا العصيان في وجـه أميـر ،المسلمين وأمالكهم

خان دالمؤمنين وخليفة رسول اهللا السلطان المعظم عبد الحمي رض بيده ضربة والذي إذا ما ضرب األ ؛مالك األنس والجن

. .فالحسرات الحسـرات . . واندكت ومالت وانهارتالنشقت ا خر المنصور مغشـي . .وكل ما هو آت آت . .والتوبة التوبة

. .فصاح السنهوري، دار السيد الجوهري يا سـنجق . .عليه .أدار الغول الكبير رأسه وحدث أبناءه أتدرون ماذا يطلب الشيخ؟

أم عظام؟. .لحم: صاحوا جميعا .بين. .بين -

ذلـك . .كل ما يطلبه أبونا الشيخ مجاب : قال كبيرهم . .أنه هو الذي يطبب لنا العيان ويكشف لنا عـن الحجـاب

ويغسل الميت الكحيان وبعد أن يسلقه وفي التوابـل يحمـره يطلب له الرحمة ولنا السلوان فنحن من دونه عميـان ومـن

.غيره تضيع هيبتنا وسط القطعانفـأقعى . .الء الماء عليه حتى أفـاق ألقى جالدان بد

مدا يدي المنصور على طول اللـوح . .ا على األرض راكعا رفع أحدهما السيف عالي . .الخشبي المنبسط وأوثقاهما بغلظة

ثم ، فطار الكفان كعصفورين في الفضاء ؛ثم هوى به في قوة ثم ،صرخ الحشد ودمدم . . على أرض الساحة الحجرية سقطا

لصمت ثانية وهم يشاهدون الجالدين يدفعون ما لبث أن خيم ا بهت الرجل وجحظت . .بساعدي المنصور في الزيت المغلي

أسر هذا مصطفى أغا . ا عليه للمرة الثانية وسقط مغشي عيناه : وقال..إيداكش فدق صدره جذال

. شيخ سنهوري دار الجوهري لك-

اه حتى تمكن منه ف أمسك جالد برأس المنصور وفغر من نقيراطا أخرجها وبيده ةالجزار أدخل شفرة حاد وبمهارة

بـه ألقـى ثم ،دق وكذب الذي طالما تشدق وحكى وص اللحم إيـداكش فقـال أسر هذا مصـطفى أغـا .للضباع الجائعة

.للسنهوري .فتوى. . فتوى يا موالنا-

إذا وضعت السمن علـى العسـل : أجابه السنهوري .سقط ريش العصفور وصعدت البقرة الشجر

.يخ سنهوري ش- السنهوري يخاطب الجموع وقد امتألت ذقنـه وقف

الذي . .نه بكى وبسمل وطلب الرحمة البن آدم ، ثم إ عبالدمومة وأشـربوا بأعنـاقهم نحـو فبكت العا ؛اشترى يومه بغده

تغطي عورتـه ودفعـه جذب أحدهم الخرقة التي . .المنصةمن ألسفل فسقط المنصور على ركبته فشدوه إلى أربعة أوتاد

جذبوه بالحبال من أربع فتجمـع قدميـه . .ساعديه وركبتيه ومرفقيه مع فتـدلت . .اا أسفل جسده دفع أحدهم ركبتيه خارج

ـ ا من الحرير ولف أخرج خيط . .خصيتاه ى ه حولهمـا وأعطتصاعد األلم في جسد . .ا في هدوء وقوة هجذب. .ا لزميله طرف

رق وجهه أز ... ولم يتركه بعد قط ثم أمسك بجسده المنصور واأللم يدق ،وجحظت عيناه وتلوى جسده في رعب ال يصدق

فـاهتز المكـان ؛ا اندفاع السـيل صارخ واندفع ،رأسه بقوة ا من تحسس الرجال رجولتهم خوف . .واهتزت رؤوس الجميع

،ونظروا ألطفالهم وتصاعد بكاء النسـوة وعـويلهم . .فقدها كـواه . .منـه ا عليه والدم ينسـال بينما خر المنصور مغشي

لقيا بـه حمله رجالن أ . . حيث الجرح محميأحدهم بالحديد ال وأشيع بعدها أنه سوف يحمل إلـى سـجن ،على ظهر عربة

.الوالي التركي في القاهرة* * *

سأل السنهوري صديقه حسن البقلي ليلـة أن شـيع .جثمان زوجته إلى مثواها األخير

.أم هي محض صدفة.. أفعالنا قصدية-نسان الظاهرة صدفة وباطنها مشيئة مـن نعمة اإل - .عند اهللا

حدق السنهوري بشراهة المحروم وقد امـتأل عينـاه بفخذي صديقه المدمجلين الناصعي البياض وهـو يحتضـن

طيفها بين حقويه طوال مرض امرأته وبإصرار ال يداخلـه :ملل أجاب فغايات المرء مقاصد وأما ما يحمل عليـه منهـا - .فمشيئة

-٩- الشتاء قد حل وبدأت البالد تعود تدريجيا إلـى كان

خـرج .. حياتها الطبيعية بعد أن أخذت تخفت لعنـة الوبـاء .الناس من دورهم يتلفتون يمنة ويسرة ومذعورين

وبشفاعة تجار المدينة وأعيان القرى والبالد الـذين سألوا سنجق المديرية أن يعود بما تبقى من المنصـور إلـى

وليظـل عبـرة ،ا بين الفالحين على فعلته ليظل شاهد .. أهلهعاد السنهوري بالبقايـا .. ومع عودته من مصر . لمن يعتبر

الـبالد الـذي بعطايا الباشا والي الحية من المنصور محمال ا مـن كـالره ا سنوي ورتب له تعيين .. خلع عليه فروة سمور

ثـم رتـب لـه .. لكفايته من اللحم والسمن واألرز والحطب ر وكـذا غـالل مـن األنبـا ،لة بدفتر الحرمين علوفة جزي

عندما يمر الشيخ وتبجيال واألعيان يهزون رؤوسهم احتراما

ا الجياد المطهمة والمالبس الفـاخرة السنهوري عليهم ممتطي، ا وعلى رأسه عمامة ضخمة منحرفة بشاش أبيض استحسـان

وهو الذي أوقف من الثروات الهائلـة التـي ؛لكرمه وجوده ، عليها من أصحاب الدور التي مات أهلها بالطاعون استولى

اومال الودائع التي تركها أصحابها عنده ورحلـوا أعشـار كما بنى وحيدة بالمدينة الوحيدة، لخدمة الجوامع واالستبالية ال

ه واألعظم من ذلـك إيـواؤ .. رآن ونسخه مدرسة لتحفيظ الق .للمنصور وإنفاقه عليه هو وزوجته وابنه

* * * الليلة التي عاد فيها من مصر مد المنصور يده وفي

ومدت هي ،المقطوعة يلمس نهديها المتماسكين كحبتي رمان .. يدها تلمس أثار الندبة التي بقيت مـن خصـيتي زوجهـا

ثـم غـط فـي نـوم ، عنها إلى الحائط البعيد اتخشب مبتعد ا بظهره إلى الحائط ومع خيوط الصباح وجدته مستند .. عميق

بكت وانهمـرت الـدموع مـن .. هه نظرة بائسة وعلى وج دفعها .. وأسندته على كتفها وتركا القاعة إلى الخالء .. عينيهاتابعته وهو يزحـف بمقعدتـه .. ا وذهب ليقضي حاجته جانب

أقشعر جسدها من أن يفقد توازنـه .. على التراب كي ينظفها

وشعور بالقرف ،غسلت له وجهه بالماء .. فيسقط على برازه زحف إلى ركن يتابعها منه بعينيه وهي تغدو .. ر عليها يسيط

؛ا تشعر بعينه تحيط بها في كل مكـان في المكان جيئة وذهاب ألن في هذا اللقاء الحـديث ؛وهي تتحاشى أن تلتقي أعينهما

.الوحيد الممكن بينهما فوضعت عليه اشتعل؛نفخت في رماد الكانون حتى .االقدور ومشت عاجزة أن تجمع أفكاره

* * * زينـب .. زوجة سـيدها الشـيخ أصاب ما تذكرت

كتلة مشـوهة .. العادلية بعدما أجلستها في الطشت النحاسي وقد تغضنت بشـرتها واسـود .. من اللحم الضامر العجوز

.جسدها كجلد النعال المهترئفلما استحمت جمعت مقدار قدح من حبـات القمـح

ة الطسـت وعندما حملت صـديق .. وأخذت تسبح بعدد حباته . ي هو أحق بذلك عزمت على أن تنظف زوجها الذ .. خارجة

:كانت ال تني تردد . الزم تنظف جسمك اللي أكله البق يا أبو عبد اهللا-

دفعته غاضبة وهي .. لكنه كان يجيبها بنظرة رفض :تصرخ في خنق

موت لو لم تنظف جسمك من شبر الجرب اللي ت ح -ظل يخفـي .. نظيفة.. ةأخلع هدومك لحد ما أجيب مي .. ليهع

وهي تسكب الماء الساخن علـى ،عورته بيديه المقطوعتين شعرت بالقشعريرة تسري في جسدها من رأسها إلى .. جسده

،لكنها سرعان ما تغلبت على نفورهـا منـه .. أخمص القدم واندفعت في همة ونشاط تنظفه مثلما ينظف سائس الخيـول

ـ .. جواده ف عـن اخـتالس وبوبؤ عينيها ال يستطيع التوقلمحـت .. كل منهما عن حذره يمضي الوقت تخلى .. النظر

بينما بقـى إنسـانه ،الندبة التي خلفها الجرح تنضح بالصديد قوي فشعر بالنـار .. الندبة ج مدت يدها بالزيوت تعال ..اا سليم

فلم تسـتطع أن ؛ومرت األيام واندمل الجرح وبرأ .. تحرقها فيهـا بعجـزه تخشب محملق ..تمنع نفسها أن تمد يدها إليها

تعلقا باألمل وظل كـل منهمـا ينتظـر .. لكنها كانت امرأته ا لكن شيئ ،المعجزة وقد أحاطت بهما نشوة صغيرة من الوهم

..لم يحدث : توقفت بغتة وهي تغمغم بقسوة تعلم أنه يسمعها

يا بخت أمـي .. حجاج ما عدتش منك نفع يا أبو -ماخدش إال .. ماني على العذاب اللي ر إيهني طيب آ .. األسودواسـتدارت . كان الشيخ أحمد أبو رزق أحسن لي .. حراميوال يد تخـدم .. ال لسان تتكلم بيه .. كان حقك تموت .. ناحيته

لو أعرف ليه .. وال إنسان تمد بيه عمرك .. وتطعم نفسك بيها .. شنقوك يا ابن أبو حجـاج .. ليه ما موتكش .. خلوك عايش

.دا أسود يوم في حياتي .. د البكى إيه يفي في.. أبكي.. بتبكيدي أول مرة أشـوفك .. اختنقت هي األخرى بالبكاء والعويل

.بتبكي فيها يا منصور : استطردت في إشفاق

بتخبي إيه هـو .. قوم يا خويه نشف جسمك .. قوم -قوم يا خوي أحمد ربنا طيـب لـو .. فيه حاجة عادت تتخبى

.. هللا ثمن شقاوتك وغلبك في أي وا .. أفهم حكمته في كده إيه؟ .طيب أدي اللي خدناه يا منصور.. عامل فتوة على المماليك

وفي األيام التالية حـل بوجههـا تجهـم وصـرامة زوجي يا سـيدي مـا .. وانتظار معلق لشيء ال تدرك كنهه ولسوف ينال الصابرون .. عدش منه خير إال فيما اختار اهللا

أجيب لك العشاء؟.. جزاء صبرهم

آخر الليل احضري كسرة خبز ولبن .. ني شبعان آ - ..كفاية

.. جر المشتعلة تحت قـدور الطعـام بجوار مواقد اآل ،أخرجت من الكانون قطعة من الغاب التي تركتهـا النـار

أخذت تعبث بها علـى سـطح .. وعلى سطحها ألوان جميلة حصـان وثـور وجمـل .. طازجة اترسم رسوم .. األرض

ا وبتلقائية رسمت للحصان قضـيب ..وأوزات تسبح في النهر ثم عـادت ترسـم للثـور .. نظرت للرسوم مفكرة .. طويال

.ا هي األخرىوالجمل قضبانيمكـن .. بالليـل ليـه طيب وهو عاوزني أجـي -

. ليه أل ربنا يكفينا شره..ل الجان معاهكوال حيأ.. جعان* * *

تحركت من فراشها مذعورة، حدقت لعندما هدأ اللي قامت تحس جسدها .. كان يتنفس بانتظام ... زوجها في وجه

.. ا بالشبق، صر باب القاعة وهي تغلقه وراءهـا ا مملوء خفيفكانت الدار ترقد تحت صمت الليل يقطعه نقيـق الضـفادع

ماذا لـو أنـه تـرك .. طرقت باب المندرة .. وعواء الكالب خافت مـن .. أتوقظه فيهب يلعنها .. اخلوته ويرقد اآلن نائم

ري فـي عينيـه جن العقاب الصارم الذي يحمله السـنهو سسـوف .. ما سألها إياه في الظهيـرة الصارمتين لو أنه نسي

داهمها شـعور قـاس .. يكتشف بقعة سوداء في قاع أفكارها ا آخر من أن يكـون رغبت في أن تعود لكن خوف ،بالخوف

ـ .. منتظرها جعلها تدفع الباب داخلـة ا كـان الفـراش خالي ..ء يخرج من خلوتهوبصيص ضو

ركعـت .. فتلمست طريقها إلى باب الخلوة الـواطئ هاجمتهـا .. تعبر على أربع وهي تدفع العشاء إلى الـداخل

رائحة البخور الذكية القوية فخف عنها توتر أعصابها أجالت كان اللهب .. البصر في الغرفة عبر الضباب الدخاني الكثيف

د ارتسـمت ظاللـه األرجواني في المواقد فوق الجمرات وق :سمعت صوته أمرا.. الشفقية على الجدران

. ادخلي-تقدمت ترتجف ال ترفع نظرها نحوه، شعرت بوجوه

..تعالي هنا.. تتراقص على الحائط هنا .. تمددي-

وأمامه .. مد كفه الضخم الناعم فأناخاها على جبينها ..نتراقص بصدرها نهدان عاليا

: تمتم بالفاتحة وأعاد سؤالك للسر المحجوب اللي انتفض وشق طيتأع -

ـ ار تهدمته وعفر رأسه بالتراب وصرخ اكشـف وراء األستالقي ستار فال تظن أن الذي تراه حقيقة يا ابن أدم هذا علم

بحث في بواطنها شياء ا ال تنخدع في ظاهر األ . القوي الجبار وأعلم أن ابنتنا واالسم صديقة واألم هانم عمرها كله نـدوب

والصبر ما له حـدود تـدفع مـا جنـاه ،ح ال يندمل وجروـ .. األقدمون ائون أبوها وأمها وجدودها فـي األصـل خط

بهـا عـنهم فانج.. عاصون، حاملو ذنوب تمأل بحور النار .. دق قلبها كجواد يركض دونما رحمـة .. كرامة للصالحين

شعرت بجسدها يخوض .. وكفه ال تزال تضغط على جبينها حتى صار كجبل تعلق من هو يزداد ثقال أسفل دون توقف و

.تحت كفه سألتهم أن يجيبوا لـك مطالبـك بكفالـة سـيدي -

قالوا طلبك مجاب بشرط كفارة .. الجيوشي وضمانة المهدي هذا بعمر اللي مات وعمر اللـي .. مائة جلدة كل جلدة بألف

م هيللحظة يجي ويحضر من الجان عشرة ف وفي التو وا .. حيهيا استغفري واطلبـي التوبـة .. ألحكامرئيس يشرف على ا

.. ا ريـان وتصيري نور .. وهبي لي نفسك تبيض صفحتك واا ثقيل وقد السيطرة على جسدهاسيطر على رأسها كابوس.

ضـحكات مرحـة .. امتألت الخلوة بأصوات غريبة وعشرات األيدي الطرية ،عشرات األنفاس تحيط بها .. خافتة

اولت أن تفتح عيناها فلـم ح.. تلمس كل أجزاء جسدها تكبسه وال تستطيع ،كانت تنزلق .. تستطع رغم محاوالتها المتكررة اندفع هواء بـارد يلفـح .. أن تمسك بشيء ويده تنزلق إليها

:همس في أذنيها.. جسدها .هبي لي نفسك فيحل لي وصالك -

فتحت عينيها بصعوبة بالغة لم تر من خلف جسـده السماء التي تقبع خلـف سوى ضوء النجوم الخافت يأتي من

وعلى حواف جسده اندلعت .. قبض عليها بين ذراعيه .. الكوة ..ألسنة اللهب األرجوانية

صـنعت .. تعبث به .. أمسكت بحفان من بقايا الطين قطعة واحـدة لجسـد .. ألبي زيد الهاللي ا صغير منه تمثاال

كـان زوجهـا .. قوي غليظ الساقين انفصال بشق سـطحي ا مـن ا ضخم صنعت لتمثالها قضيب .. نزواتهاالمنصور يتابع

غرست حبتـي ،الطين حدق به المنصور وتالقت نظراتهما

ا ا ملغوم فزحف المنصور مبتعد .. قمح زرعتها أسفل القضيب .بالقهر

دي الساخن المحمـي وفي المساء دفنت تمثالها الرما .في الفرن المشتعل

وفي الصباح أخذت التمثال المصنوع مـن الطـين ..وضعته في زريبة البهائم فـي مكـان أمـين و ،لمحروقا

هتفت سيدتها العجـوز بـأن تسـتحم .. ضمت تمثالها بقوة وتصاعد من جـوف ه، غطت ألسنة اللهب السهل كل ..أمامها

وعلى أفق اللهب .. األرض سعير وريح الهية تأكل كل حي ا تشـوبه بارد المالمح محايد .. كان وجه رضوان يحدق فيها

متدت مئات من رؤوس الشياطين تمد ذيولها تقبض ا.. غلظة.. وآالف األظافر تشدها إلى قـاع السـعير ،بها على قدميها

جموع غفيرة من البشر تجري وتـركض وتصـرخ دونمـا وخلفها ارتفع طرق سـنابك آالف .صوت في أسمالها البالية

.. الخيول المطهمة يقودها المماليك حتى كان يصـم أذنيهـا جسده من آالف القوارض الصغيرة التي كانت ا ب تشبثت خوف

التف بها يحتضنها شـعرت بخوفهـا .. تنهش دمها المسفوك .يضمحل استسلمت لنشوة حارة تذوقتها على مهل

* * * .. تنبهت.. بعدها توقف الطمث عن المجيء في أوانه أومـأت .. ظلت شهرين حتى برز نتوء صغير فـي بطنهـا

فرحلت تجر زوجها فـي . .للسنهوري فأشار عليها بالرحيل .ليلة مظلمة

الحظ المنصور البطن المتكور الذي تحمله زوجتـه وعندما تحولت الدهشة إلى سؤال غاضب .أمامها تتسول به

.أجابته بأنه هو والد الجنين الذي تحمله وأنه جاء اسـتجابة لـدعوتها ،نه تأخر في المجيء إ

الشـيخ وبركـة والـدنا ،ونزورها ألولياء اهللا الصـالحين وأصرت على أن يصدقها فأبقى علـى نظرتـه ،السنهوري ..الجامدة

واستيقظت ذات ليلة على النار تشتعل فـي خصـها خمنـت أنـه ...الصغير وهو بجانبها ينظر إلى النار بجمود

.فأبقت على ما حدث في صدرها.. الفاعل :وذات ليلة انفجرت فيه صارخة

نـي إيه آ وفيها.. للي في بطني موش لك ا.. أيوه -ظنك أظل طول عمري أوكلك وأشـربك وأحميـك .. عايزاه

.. ال. من الشحاتة وتسول اللقمة .. منين.. وأغسل لك هدمتك .. ليه.. أيوه أنت تسكت يا مسكين .. أل يا خويه أنا بنت أصل

.. عاجز ومحتاج لـدار تضـمك تما هو أن .. متعرفش ليه يتك تكـون أيوه يا ر .. فهمت.. ولقمة ذل تفطر وتتعشى بيها

..فهمتا ويلبسـنا ويشـربنا ويسـكن .. هو ده اللي هيوكلنـا

.الحريرها مفرودين فـي ينه بشرة وهي ترفع أصبع ماقتربت

ما يبقى فيك ق لك عينك كمان عشان فهمت وال أخذ .. وجهه .شيء ينفع تفتري بيه عليه

فاسـتدارت ؛ا وعلى وجهه استسـالم تراجع مذعور ..وهي تزوم.. بس هما المماليك سبوك كده ليـه لو أعرف ليه -

ليه ميريحونيش منك وال العذاب .. رمة ال فيها شفع وال نفع يا خوي امشي اطلـب .. حكمتك يا رب .. حمل ومقدر عليه .من ربنا الستر

* * *

مضى عام وشهران من خـروج صـديقة مـن دار كانت قد ولدت بدرية بعد سـبعة شـهور مـن .. السنهورياستيقظت صديقة وقد .. شمس أحد األيام قبل شروق .. رحيلها

ألبستها هي .. غسلت طفلتها التي تبلغ من العمر سبعة شهور ا رتقتهـا جيـد ،والمنصور أفضل ما لديها من ثياب قديمـة

.ويممت شطر منوفغامـت عـين .. على باب السنهوري الخلفي وقفت

حاول السير فمنعته وفمها يتـدفق .. فدفعته بعنف ؛المنصوروطوال اليوم ظلت صديقة تتحين .. ب والوعيد والتهديد بالسبا

فافتر .. قامت نحوه متهللة فلما وجدته مقبال . رؤية السنهوري ثم مدت يدها .. انحنت تقبل يده .. وجهه عن ابتسامة مقتضبة

فصاحت .. بكت ..له بالطفلة فوضع يده على رأسها يباركها :اهأم

بقـي أيوه مـا أنـت حقـك ت .. قدام أبوك تعيطي -ني بلغتك آ.. خذ يا أبونا ابنتك بدرية .. خذ.. ألصلك.. دلوعة

.ا ألعلىارتجف جفنه ثم تركها صاعد.. ووكيلي ربنا* * *

-١٠- على المشارف الجنوبية لمدينة منوف تطل السـاحة الخلفية لقصر السنهوري على مساحات واسعة من األراضي

م فيحيل المنطقـة يأتيها الفيضان النيلي كل عا . البور الواطئة إلى مستنقعات كبيرة من البرك واألوحـال والميـاه األسـنة

وعلى امتداد الخط الفاصل بـين الـدور . وجحافل البعوض .. الطينية وبين المستنقعات ارتفعت أشجار السـنط الشـوكية

أطلت من البوابة الخلفية لفناء القصر طفلـة صـغيرة فـي الواسعتين الشديدتي وقفت تراقب بعينيها . الثامنة من عمرها

في عمرها رفع السواد، والتي أخذت عمقهما من أبيها، طفال ذيل قميصه المصنوع من الكتان وراح يخوض مياه البركـة

ظنت أنه .. الضحلة حتى بلغت حافة سرواله الداخلي الطويل لكنها لم تحاول أن تحـذره .. قد يسقط فجأة في جرف غائر

ار السنط الضـخمة فـي وانتظرت بلوغه إحدى جذوع أشج ..انزلقت قدمه وغاص فجأة فانخلع قلبها. استطالع قلقاهتـز .. واد يا حامد ارجع يا ولـه .. حامد : هتف

لوهلة وهو يحسب بذهنه شكل أراضي المستنقع الجافة قبـل حدس أنه آخر انخفاض فـي األرض .. أن يغمرها الفيضان

اه ورمـى غامر بالقفز داخل المي . قبل جذع الشجرة القريب رفـع . ا بجذعها فلما أمسك به تـنفس الصـعداء بنفسه متعلق

لكنه لم يهـتم بـل ؛جسده ألعلى كانت مالبسه كلها قد ابتلت دعاهـا إلـى . استدار ناحيتها وعلى وجهه ابتسامة انتصار

المجيء ترددت والخوف ينازعها والرغبة تأكل قلبها في أن جة المادة اللز تتبعه حتى تحضر هي األخرى كمية كبيرة من

بر السل الحادة الصلبة التي يأخذها من لحاء أشجار السنط وإ ينتزعها من أغصانه كي يصنعها ومن القمح وأعواد الحطب

ا وخيـوال والطين المخلوط بالتبن عجالت وعربات وسهام ..ـ .. انتصر خوفها ا تابعته وهو يصعد فروع األشـجار مغيظ

. إياهالغ من العمر عشرة أعـوام نادى على أخيه محمد البا

التفت .. والذي وقف بسطح دارهم يصف حزم الحطب الجافة . حث عن مصدر الصوت حتى وجـده أخيـرا محمد حوله يب

لمح أخيه حامد ينادي عليه وهو متشبث بـاألطراف العليـا مـن ا وراح يصب عليه سـيال إلحدى األشجار فجن غضب

مـن عـش يضتينمد يده فأخذ ب .. الذعة كي يهبط الشتائم ال وببطء أخذ حامد أبو الفضل يهبط حتى بلـغ ميـاه .الغراب

ا إلـى الطفلـة الواقفـة فأخذ يخوضـها عائـد ؛المستنقعات ورأته يخفـي عنهـا ،تابعته بدرية وهو يبلغ البر .. بانتظاره

كأنها تعلم .. تجاهلته.. ا أن تلح في طلبها ا منتظر ائمه جيد نغ كومة مـن ديها الصغيرتين وفي برود أخذت تخلط بي .حيلته

سنة والعشب، مدت يديها إلى قطـع الطين الجاف بالمياه اآل وأخذت تصـنع ،الغاب التي أحضرها هو خصيصا أللعابهما

ثم جعلت منها جماال ،ا صغيرة عجالت ودور وكلما . ا وحميرشـعر .. ا وضعته يجف تحـت شـمس الخريـف أنهت شيئ

.. ء ال يمتلكهـا ألنها سوف تملك أشـيا ؛بالضعف والخوف أخرج حامد مقتنياته مغتم اا ووضـعها أمامهـا مستسـلم ..

بر السل بعجالت الطـين وأخذت تثبت إ.. فأخذتها على الفور ـ ان وأخذا يصنع،الجافة وأعواد الغاب ا عربـات طينيـة مع

.. صفت في طابور طويلةصغيرمالت الشمس نحو المغيب وداعب النسـيم الخـرق

ا الطفالن، وقد انهمكا فـي صـنع حيـاة البالية التي يرتديه ا لرغبات الطفلة اآلمرة وهـي صغيرة والطفل ينصاع سعيد ..تصب في أذنه الكالم المعسول

ني أعمل العربية وأنت تعمل الجمل أيوه يا حامد آ -فيهز . ني أركب الجمل وأنت تركب العربية آ. علشان نتجوز

لثمين الذي وعيناها تبحثان بحرص عن كنزه ا .. ارأسه طرب :وتقول" بيضتي الغراب"أخفاه

ـ أيو شوف باعمل جوز خيـول ي - . و العربيـة رج ك سايس الجل يسوق لك الخيل؟أعمل

آخـر راجلا وينهمك في صنع فيسقط رأسه مستسلم د أعياها قررت وق قد وطرفا عينيها ال يغيبان عن البيضتين و

. جـدار قام يصب اللعب بجوار ال . التفكير أن تأخذهما عنوة ا تخفي يدها خلـف كانت تقف بعيد . وعندما عاد شعر بالريبة

نظر إلى حيث وضـع البيضـتين فخمـن أنهـا .. ظهرهاا ينشب أظافره في وجههـا فأطلقـت اندفع غاضب .. سرقتهما

.صرخة عالية في الفضاء.. بنت منصور األكتـع يا.. آه يا بنت المفحور -

هـاتي البـيض يـا بنـت .. وصديقة الدرويشة .. كانا يصرخان وهي متشبثة بـالبيض .. كلبال

بكت ولمحت من خالل دموعها أخـاه األكبـر ا يجري نحوها فأيقنت أنها محمد أبو الفضل قادم

أمسكت بالبيضة وقذفتها بكل عزم في . الخاسرة. فتلون بزالل البـيض وصـفاره ؛وجه غريمها

تركها وهو يخفي وجهه من األلم ورائحة البيض ا وهـي وقفت بعيـد . طانة هذه وهو يسأل أي شي

فـانطلق ؛تكاد تنقلب على ظهرها من الضـحك أقبـل .. يبكي في عويل وصراخ مأل الفضـاء

محمد أبو الفضل غاضب ا ونفشـت ا فحدجته شذر وقبل أن ينقض عليها .. اريشها كقطة تواجه كلب

فاندفعت فـي ؛لمحت أمها تخرج من باب الدار فـي خلـف وانطلقت تجري إليها تخت ،الصراخ .قميصها

توقف الصبيان على مبعدة والكمد يكاد يقتلهمـا عليهما "صديقة"أمام سيل الشتائم القبيح الذي أطلقته

ا وهم يلقيـان بـالطوب علـى فتراجع الصبيان خوف وحامـد الصـغير يبكـي ،صديقة ويبادالنها الشتائم

بي محمد ماني متجوزك يـا وحياة الن . ويشهق ويقسم .كتع الحرامييا بنت منصور األ.. ربنت المفجو

شعر محمد بسذاجة أخيه فلكزه في جنبه يصرخ بـه اغاضب:

يا ابن الحمار دي بتضحك عليك يا أنت بتصدقها – امشي من قدامي وعلى اهللا أشوفك بتلعب . هبل يا ابن البغل أ

ساعة وأطل وجه بدرية من الباب لمحها حامد فعزم .. معاها. اتالقت نظراتهمـا سـريع .. ى لسانها أن ال يضع لسانه عل

ولطيلة دقائق كان يعلم أنها تقف خلفه تريـد .. أعطاها ظهره أن تحادثه لكنه آلى على نفسه أن يكون قوى الشـكيمة هـذه

هو أنـت علشـان بيضـة .. آه ياني .. عندما تنهدت .المرة لو كانت بيضـة فرخـة وال أمال .. غراب تعمل معاية كده

اب اهللا أغرق وال الغر اء نشإ.. إيه فيه كنت عملت بيضة وزة .. وال عدش حد يزعلـك تـاني علشان تستريح مني ياخدنيني طالعة الشجرة أجيب لك عشـر بيضـات مـش واهللا ال ..واحدة

لكن ناره لم ؛ا ألن يبادلها الحديث كانت يتحرق شوق لمـا رآهـا .. تكن قد انطفأت بعد وقلبه يحدثه بأنها كاذبـة

الراكدة بالفعل وقد رفعت ذيل ثوبها وبرز تخوض في المياه من ذيل سروالها الطويل المزركش ساقاها الرفيعتان كعصـا

ا صـعدا سـوي . وتبعها قام متثاقال .. وص الصفراء الجافة الب سبقها يمد يده إليها ومن فوق سطح ..شجرة السنط الضخمة

ا وهو يحلـف دارهم كان محمد أبو الفضل يكاد يموت غيظ وأن بدرية هذه ليسـت إال ،يمان أن أخاه هذا عبيط بأغلظ األ

وقد جعلت مـن أخيـه شيطانة صغيرة ابنة لشيطانة كبيرة، خادم وأمام بدرية مباشرة تمدد ثعبـان طولـه .. ا لها ا مطيع

ذراع صرخت في هلع وقدماها يهتزان من تحتها وقبـل أن قامت تجري إلى اليابسة . تماسك كانت قد سقطت من أعلى ت

موع تنهال من عينيها عبرت بوابة الفناء الخلفية باكيـة والدا دارت لم تجد أحد . تتصاعد من مالبسها المبتلة رائحة العطن

.. حول نفسها وهي تمسح دموعها والمخاط المنثال من أنفها عبرت سور بكاؤهـا ال ا إلى الفناء الداخلي للقصر و ا قصير

هـي تطعـم ها من داخل الزريبـة و يني يتصاعد سمعتها أم .أزواج الحمام وأفراخها من زلع علقت على حوائط الزريبة

فتغاضت عنها علها تصمت، لكن بدرية التي كانـت . ها دخلت السـالملك الخـارجي نعينا الثعبان ال زالتا تؤرقا

ألقت . فانطلقت تجري نحوه ؛شمت بأنفها رائحة طيب تعرفها سه وأجابها بنفسها إليه فاستقبلها بذراعين مفتوحين وسط مجل

وجهه الضخم األحمر وعيناه النفاذتان بفرح وسرور ورغـم :ا فقد أخفى ثورته وهو يدللها مدمدم؛أنه اكتشف بللها النجس

آه يـا بنـت .. نجسـتيني .. يا بنـت المركـوب - ..المركوب

حاول الشيخ عبد الرحمن أبو الفضل بـاش خـولي ا فأبعده اخه فتصاعد صر ؛ا عنه أراضي الشيخ أن يأخذها بعيد

:الشيخ السنهوري برفقإيه اللي فاضل بقـى يـا .. احنا اتنجسنا وخالص -

..عبد الرحمن : قال الرجل

.. الذبح يا سيدنا دول عيال عايزة- ..ال يا راجل العيال أحباب اهللا -

:فق استدار إليها وهو يهمس بر إيـه اللـي ،مالك يا بدر البدور .. مالك يا حلوة -

.مزعلك يا بت :بت من خالل دموعها وهي تشهق أجا

..حمدالحنش كان حياكلني أنا وأ -

ربـت .م وجهه هج ارتاع الباشا خولي على ابنه وت ا وهو السنهوري على جسدها الصغير وشعرها حاني

.. يقرأ الفاتحةضربت صدرها بكفها على .. طلت صديقة من الباب أ

حاولت أن تأخذها لكن بدريـة . جرأة ابنتها الملعونة ـ ؛ضت متعلقة بالشيخ رف ا فهمس السنهوري في أذنه

.ها المبتلة وتعودأن تذهب مع أمها كي تغير مالبس

انتصبت بدرية عارية وسط طشت نحاسـي كبيـر جففتها أمها وهـي تدمـدم . تستحم بالماء الساخن وهي تبكي

تصاعدت ضجة عاليـة خـارج الـدار فألبسـتها .. غاضبةكان المساء قد أزف . مالبسها على عجل وأسرعت إلى الباب

وأمامها وقف المنصور أشعث الشعر كـدر الوجـه متسـخ المالبس وقد نبت على وجهه شعر كث شديد الصالبة متسخ

وقد تجمع حولـه الصـبية يناكفونـه ويقذفونـه ،ببقايا فمه ة وهو عاجز عن مقاومتهم إال بأصوات غير مفهوم ؛بالطوب

أخذ يشكو لها .. وصرخات متقطعة تخرج من لسانه المقطوع فصـرخت فـي .. بأصوات خاشعة وهو على وشك البكـاء

فاختفى ؛األطفال بغضب وقد تجهم وجهها مثل لبؤة غضوب دفعته إلى الداخل وهـي .. األطفال في الدرب المظلم الطويل

تلعن ذاكرة القوم الضعيفة التي ال تعود إال في ليالي األفراح اعة المنصور الذي يتسامر فيها القوم عن شج . وأيام الحصاد

ا رجال السنجق دار وكاشف المديرية كي يطعـم تحدى يوم وعندما تسـتبد بهـم .نفسه ويطعم اآلخرين زمن الطاعون

الشجون يتحول المنصور في هذه الحكايات إلى شـيخ مـن أولياء اهللا الصالحين يأتمر بأمرهم وينفذ ما يشيرون عليه به

ـ ام الوبـاء ليـوزع وخاصة السيد البدوي الذي خرج معه أيا ومقدم عسكر للست وهو الذي كان جندي ؛الخبز على الفقراء

رئيسة الديوان السيدة زينب التي أمرته بأن يحـارب تحـت راية سيدي إبراهيم الدسوقي كي ينتقم من شـرور الكفـرة

وما هو عليه اآلن ليس إال حكمـة ال يعلمهـا إال ،واألشرار . اهللا

بـأن الشـيخ صـادومة د الشيوخ الكبار ويهمس أح المنصـور ابـن "ه بـأن المتصل بالجان واألرواح قد أخبرا

ويخرج عن ، قد أراد أن يخرج من المقدر والمكتوب "حجاج ويستخدم القوة اإللهية في قطع رقاب ،السر األعظم المستور

سـيفه باألمراء الظالمة وقادة الجند الكفرة والشيوخ المنافقين ويلقي به خارج البالد ويرحـب ، فيقضي على الظلم ؛البتار

وهو ما اهتاج له وثار أصـحاب . بالعدل ويقيم له التشريفات وإذا ارتفع الظلم وباد فما تصـير عليـه : الديوان الذين قالوا

حال الدنيا وأبناء العباد وماذا يصبح عليه حـال النبـي آدم شـكور لعـرق الشـيطان وروائـح وال ،الكفور بنعمة ربه

بقتله حتى ال يكشف عن سر مـن أسـرار فأمروا مؤخرته؟إال سيدي إبراهيم الدسوقي الذي انتفض وثار .. الدوحة العلية

يا عاشقين النبي صلوا عليه إن كنتم .. فانهز الجبل من قوته ابن آدم إيش يكون سوى إنـس . تريدون قتله نموت كلنا قبله إن كان .. ي فيه أمر ونه وأصحابمسكين واحنا له مرشدين

صلوا على المصطفى .. حنا له مشاركين أ في خطاه إ هو أخط فاكتفوا بأخذ عضو اللسان واعفوا عنه كرامة للنبي العدنان؛

وفي .. اا وال برهان في اإلنسان وكفه كمان حتى ال يملك سيف الليالي التي يغيب عنها القمر ويجهد الكبار رؤوسهم في حل

:لآلخريناأللغاز التي تحيط بهم يهمس أحدهم - ا فلماذا يأويـه الشـيخ ا حق إذا كان المنصور لص

.السنهوري هو وامرأته

فالسنهوري هو الـذي ؛ويجيب أكثرهم بهز الرؤوس فهو إنمـا .. أوقع بأسد الرجال وخادم سر أولياء اهللا القاهرين

.ا من عقاب اهللايكفر عن ذنبه الذي اقترفه خوفوفي ركن قصي من الدار وعلى ضوء مسرجة زيتية

ا يتنفس بال روح بينما تمدد عبد غيرة تمدد المنصور جسد صدخلت صـديقة تنظـر . اهللا وبدرية على قبة الفرن الداخلية

هزتها برفق فتحـت الطفلـة . البنتها وتحدق فيها في هدوء :دفعت إليها بتفاحة كبيرة وهي تهمس.. عينيها بتعب

ابتسـمت .. أبوك السنهوري قالي خذي دي لبدريه - ثـم غابـت ،هي تشعر بالتفاحة تندس في أحضانها الطفلة و

مالت صديقة عليها وقبلتها فـي حنـان ثـم .. ثانية في النوم وعندما خرجت وسط .استدارت إلى عبد اهللا تتأكد من غطائه

الظلمة الكابية كانت تعلم أن هناك ضـوء ا يسـري ا وحيـد .نه هذه الطفلة الصغيرةبداخلها إ

ا وتبعها قظت بدرية مبكر في صباح اليوم التالي استي ا من أخوها، غسال وجهيهما بمياه الجرة الباردة وتناوال كسر

حمال لوحي الصفيح .. ا من الجبن القريش أرغفة البتاو وقطعوقلمي البوص وفي منديلها المصنوع من الكتـان المنقـوش

هـا ألقت بالتحية إلـى أم .. م غذائها دست تفاحتها ومعها طعا يتها في دهشة تالحظها وهي تسرع جذلـة التي استدارت ناح

.بأقدامها الحافية إلى الكتاب وعبد اهللا يسبقهاوفـي . عبرا دروب القرية الصغيرة إلى أطرافهـا

يء صعدا درجتين عاليتين يإحدى الدور المبنية من الطوب الن كـوة ثم دلفا إلى مندرة كبيرة تنيرها حزمة ضوئية تأتي من

ـ ا باهت جدران الطينية لون بأعلى السقف فتشيع على ال اا كابي ..رجـاء ية والفتيات وارتفعـت الضوضـاء فـي أ تناثر الصب

فتدافع الجميع إلى البـاب ؛تصاعد الصراخ بالخارج . الكتابا واألخوان حامد كان الغبار يتصاعد عالي .. يخمنون ما يجري

ومحمد أبو الفضل يشتبكان في عراك مستميت مع صبي في سقط محمد تحته وقـد أمسـك بـه .ن عمره م ةالثانية عشر

ما حامد بين ،الصبي يعفر وجهه بالتراب وينهال عليه بقبضته قـذف .يحاول أن ينال منه يدور حولهما وفي يده حجر كبير

. بيده اليسـرى حاد الصبي عنه وأمسكه . حامد الحجر بشدة فصـار كالهمـا ؛ ودفعه إلى أسفل ،خرجذبه ناحيته هو اآل

لصبية في الضحك عدا بدرية التـي انـدفعت أسفله فانفجر ا نظر عبد المحسن إلـى .. غاضبة شرسة تدافع عن الصبيين

اابنة خالته بدرية غاضب . دفعها بعيد بحـث .اا فسقطت أرض :نظر إليه شذرا. ن أخيها عبد اهللاع

وإال أعفـر رأسـك . حوش أختك يا ابن صـديقة - ،ا الصـدام تراجع عبـد اهللا محتاشـي .. بالتراب أنت راخر

قام حامد ومحمد أحدهما يبكـي .. واستدار إلى بدرية يعنفها وقبل أن يبدأ .. في جبينهما واآلخر ثائر لبكاء أخيه يعده سبة

رجل في السبعين من . في العراك ثانية ظهر الشيخ أبو قنديل عمره أعجف يتوكأ على عصاه فسارع الصبية عائدين إلـى

كان محمد وحامد آخر . بهم وقد أمسك الخوف بتالبي ،الكتابألقى محمد أبو الفضل نظرة أخيـرة علـى . من دخل الكتاب

، وهو يتمنى من قلبه أن يكون عبد المحسن قد رحل ؛الطريق فـدخل .. ا خلف أحد أعمدة الدور البعيـدة لكنه وجده مختفي

ا بفرقلة مصنوعة مـن وقف محمد أبو الفضل ممسك . امغتم كما رسمه الشيخ لكونـه أكبـرهم ،ا على األطفال التيل عريف

بحثت بدرية عـن حامـد .. ا لكتاب اهللا ا وأحسنهم حفظ عمر، ا يملؤه الشك فانزاح عنها جانب ؛وسارعت بالجلوس إلى جانبه

نه تحتك به مثـل قطـة لكنها أبقت على قربها م ؛من ناحيتها :همس.. أليفة

. عايزة إيه يا بنت صديقة ابعدي عني-نـي حاكلـك وال يعنـي حامد هو آ ليه يا واد يا - .حاكلك

أهو ابعدي عني والسالم أحسن الشيخ أبو قنـديل - .يمدني بالفلكة

فتحت منديلها .. يوه هو أنت خواف كده ليه يا وله -ـ .. وهي تحاول أن تجعله يرى التفاحة ا وحـب نظر مغتاظ

ا ألن يرى ما تخفيه فـي منـديلها استطالع قهري يدفعه دفعرأى ثمـرة التفـاح . ا من غدرها ي يبتعد خوف وقلبه يحثه ك

بان له كـالرؤى .. فارتفع وجيب قلبه ؛حمراء ناضجة شهية شـم عبيرهـا القـوي .. ا عنه لماذا يلتصق بهذا الكائن رغم

:همس .. وال ال حاتعطيني حتة-

سـيد أبـو –وقبل أن تفعل نادى الشيخ أبو قنـديل .إسماعيل

يا سيدناأيوه.. اأجاب أحد األطفال مرتعب . عبـد العظـيم أبـو .. هنا يا ابن المركوب تعالي -

.أيوه يا سيدنا.. سعده

. أبو موسىخضرة.. جنبه يا ابن المفجور- .ني أهه يا سيدناآ.. : أجاب صوت رفيع

جنبهم يا بنت أم الرزق العرجاء جنبهم يـا روح - .أمك يا متعوسة يا بنت المتعوسة

.. عبد الحميد البقلي- ..أهوه يا سيدناني آ- .. تعالى يا ابن حسن البقلي أبوك من أهل النار-اقترب منهم فتراجعوا على الفور وهم يعلمـون

ولطالما ،ا ويعلم أماكنهم رغم عجزه عن يقين أنه يراهم جيد هبط على أحدهم بالعصا على حين غرة فترك على جسـده

أثراا غائر ..ا شجتأو رأس. قربوا .. ليه يا واد انت وهو وهيه بتبعدوا :صاح بهم

أمسك بكتف عبد الحميـد البقلـي .. هنا مجبتوش المعلوم ليه .وضغط على عظمة الترقوة بشدة فصرخ الصبي من األلم

أبوك .. عايز تحفظ القرآن بلوشي يا ابن مسعدة - تخـرج القرافـة وتلـم وأمك يفرحوا بيك لمـا

البذرةني هاعرف أربيكم وأذل طيب آ .. القرص .. يا واد يا محمدالفلكة.. للي جابتكما

لفور على ثالثة من الصبية الكبار؛ نادى محمد على ا ،، أخذ يؤدي المهمة المحفوظة بخفة وإتقـان "عبد اهللا "أحدهم

وانتشر الرعب والخوف ،وتوالى الضرب وتصاعد الصراخ ا ويشيع هدوء مظلم في أرجاء الكتاب والصمت يحل تدريجي

حيث تبدأ تـالوة القـرآن ؛لمذبحة الصباحية بطيء بانتهاء ا .وحفظه

تعاقب الصبية يستمعون ما يحفظونه وتتعاقب عليهم حتى جاء دور محمـد أبـو ،ا آخر ا والفرقلة حين العصا حين

من سورة البقرة كاملة غير منقوص فأخذ يتلو أجزاء ؛الفضلا رأسه في أو تشكيل والشيخ العجوز يتمتم هاز .. منها حرف

فلما انتهى كانت بدرية قد ألجمها الخـوف وهـي .تحساناستشاهد المذبحة الصباحية، تركت جوار حامد تاركـة معـه

وأخذت مثل ثعلبة البـراري تتحـرك مـن مكانهـا ،خوفهامتشاغلة باحتضار أقالم البوص العريضة لـتجلس بجـوار

فـانزاح ؛لكزته حتى تستريح في جلستها . محمد أبو الفضل لكن تفاحتها أفلتـت منهـا ؛يتوعدها بعقاب شديد ا وهو متأففاعفو.

رأى محمد أبو الفضل التفاحة المستديرة تتدحرج من ، ثـم ا قبل أن تخفيها في منديلها تركته يتأملها جيد .. حجرها

خـارج م وهو يلقنها ما تفقـده مـن ،عمجلست تسمع جزء .اآليات وأولها

فظهـر وجـه عبـد . اقام الشيخ في الضحى خارجالمحسن على الفور يتوعد األخوين ووقف محمد أبو الفضـل

وكان قد تغاضى عن ،ا على الصبية ال يستطيع الخروج عريفلحظـة مـن ذيلهـا إيذاء بدرية وهو يرى أخاه يشدها كـل

ا على تردده سارع محمد متغلب به ف منته يرجوها أن تعطيه ما تستدير فدفعت له بربع التفاحة وهي ؛يطلب نصيبه من التفاح

.إلى حامد غاضبةآنـي .. قسمه أنت وهو . منابك أخذه محمد أخوك

ـ .. مليش دعوة ا واستدارت تعطي أخاها عبد اهللا ربع .آخر ا واشتبكا في عـراك لـم قام حامد إلى أخيه باكي

أعطى محمـد . ينته إال بدخول الشيخ أبو قنديل ثانية بكاءه أخوه يكتم وأخذ ،ألخيه قطعة صغيرة من منابه

في استسالم ومقايضة بين ضياع حقه فـي التفـاح .وبين ما ينتظره إذا غضب عليه شيخ الكتاب

أطـل حامـد . انتصف النهار وحانت ساعة الرحيل عنهما في خطـف لمحا عبد المحسن متشاغال . وخلفه محمد

كانـت . فانطلقـا كالرمـاح ؛طعام كان يحمله بعض الصبية استدار إليها .ل األخوين بغ بدرية تضحك وعبد المحسن يتابع

اقترب منها ببطء كي يتيح لهـا ..وعلى وجهه رغبة االنتقام كان وجهها يشـع . فرصة الهرب لكنها لم تتحرك من مكانها

وعندما وقف كل منهما إزاء اآلخر كان ،بالبشاشة واإلشراق ا بقامته الطويلـة عبد المحسن البالغ من العمر اثنا عشر عام

بكتفيه ينظر مكشر الوجه فـي عتين ينحني قليال وساقيه الرفي حدقتي الطفلة القصيرة التي تبلغ قامتهـا وسـطه وعيناهـا

مـدت لـه لفافـة .. ثابتتان ال تهتزان مبقية على ابتسامتها .نه كل غضبهمطعامها تسلب

خد يا عبد المحسن داني أمي قالت لي .. خد.. خد - .خدي الحتة دي البن خالتك عبد المحسن

أبو الفضل عليـه د طيب أنت كنت بتساعدي وال - ؟..ليه

هي قوة وعافية وال همة في .. نت كنت هتموتهم ما ا .قوتك

قذف بالطعام في فمه وأبقى على غنيمتـه يتناولهـا :اوهز رأسه محذر.. على مهل . خليكي بعيديش دعوةك إنت مل-.. إياك تموتوا بعض . يا خوي انت حر انت وهمة -

.. آه ..اك تقرب مني وال من عبـد اهللا أخويـه لكن اسمع إي ..ال.. فهمت وال

كان قد ابتعد فلم يسمعها وإن استطاع أن يخمن مـن .استدار لها وأشاح بيده في ملل واستنكار وهو يردد. لهجتها

. أنت زي أمك مين اللي يقدر عليك-* * *

-١١- تراقصت أضواء القناديل الباهتة على بوابة القصـر

وعلى طول الطريق المواجهـة لمـدخل . ة الضخمة الحديديوعلـى . القصر أضيئت المشاعل حتى بوابة الدرب الكبيرة

الدور الطينية انعكست ظالل األشجار كأشباح مـن العـالم .اآلخر

ولهم فـرادى يفجاءوا على بغالهم وخ . تعدد الوافدون .السائسونو موجماعات يتقدمهم الخد

ة يسبقه عبدان يحمل ومن بعيد أطل ركب عظيم الهيئ ا يفسحان الطريق لعربـة السـنجق وسوط كل منهما مشعال جلس فتـى وعلى مقعد العربة األمامي .. هويعلنان عن قدوم

يمسك بمقود الجياد وخلفه عشرة . أشقر الوجه وسيم المالمح أغـات ية على جيادهم من بينهم عابد أغا من أمراء المصرل

كتخـدا السـنجق "يرفلالو محمد أغا " و ،مستحفظان المديرية هرول الجميع إلى أسفل أمام . والي المدينة "سليمان البواب "و

ا لتقبيـل يـد وتقدم كل منهم منحني ،المدخل األمامي للقصر :الرجل الكثة . تفضلوا على الرحب والسعة-

.من الذي سيشجي أسماعنا الليلة شيخ سنهوري . روضة فيحاء ودوحة غناء-ن ولكـن لـيك . ء شيخ سنهوري يعني شي هذا ال -

. ها هـا هـا .. وشبع المعدة قبل الطرب .. الطعام قبل الغناء

ضحك الجميع وهم يسلكون طريقهم إلى داخل القصر خلـف ، وأحـد في حين فك سائس عربة األغا . يداكش والسنهوري إ

وأرشده العبد إلى الحظيرة ، عن جواديها عبيده عريش العربة ، وقدم لـه ئب الضيوف وغلمانهم الخلفية التي جمع فيها ركا

على مدود كبير مليء بالتبن والدريس ربط أفضل األماكن و ثـم ،الفتى إيليا بتروفيتش الجوادين في أحد األوتاد القويـة

خرج من الحظيرة إلى ساحة كبيرة تجمع فيها العبيد والغلمان يمضون .. الذين صاحبوا أسيادهم حول راكية النار المشتعلة

.عب النرد وتدخين التمباك وشرب القهوة التركيةالوقت في لكانت بدرية ترفل في ثوب من الحرير الهندي يتكون

سروال وقميص وعباءة طرزت . من ثالث قطع وردية اللون وعلى رأسها وضـعت . بالرسوم الزخرفية القشيبة بالقصب

تسللت .. عمامة كبيرة سربلت بوشاح طويل يتدلى إلى أسفل التي أذادائها الجديد إلى مخدع صديقتها دنيا بدرية سعيدة برد

وأخذت تجوس فيـه . اشتراها السنهوري من أسواق البسفور إلى صـدرها استقبلتها الجارية فرحة وضمتها . بحرية وألفة

:وهي ترفعها إلى أعلى ..كيف دخلت أيتها الشيطانة -

.ضحكت بدرية جذلة ..أيعجبك ثوبك؟ جميل هو اآلن -

:وافقةهزت بدرية رأسها م

. أنت أنا أم من سنقوم على تزيينه أوال-.. دورة واسعة في الحجرة وهي تفكر أذاددارت دنيا

ماذا . صرخت.. تنبهت على بدرية وهي تعبث بأدوات زينتها ؟ حملتها بكلتا يديها من تحت إبطها وأجلستها إلـى ..تفعلين

دارت .. حشية على فراشها دفعت لها بقطـع مـن الحلـوى تدور في الغرفة وتنتقي مالبسها مـن أذادتتابع دنيا بعينيها

سحارة خشبية كبيرة وتنصت لحديث الجارية وهـي تنضـو .عنها مالبسها

سنجق دار الديار وحامي حمى .. من ضيوفنا الليلة -يب هو وامرأته األميرة شريفة المجنون الذي أص .. األمصار

وسليمان .. ينإبليس اللع بخبل من اهللا وأركبهما أسوأ شيطاينه حـامي التيـوس .. المدينة ولـص اللصـوص البواب والي

مماليك نصابين وعجـائز يبغـون سـلوى .. وأرازل القوم سوف نقـرأ لهـم .. لتعاستهم ومتعة أليامهم القصيرة الباقية

.آيات قرآنية قبل الغناء

. حتغني إيه- ..اد إعجابذا ماذا سأغني؟ صاحت دنيا آ-

:ادها فأنشدت سرحت بخاطرها وهاج فؤأحن إلى أرض الحجـاز وحـاجتي

حـو نجـد بنـافع وما نظري من ن متى يستريح القلب فإمـا محـاذر

ا إلى أرض بها أخضر ميسمي حنين قوم بـالفتى أهـل أرضـه وألطف

طـرف يقصـر خيام بنجد دونها ال أجل ال ولكنـي علـى ذاك أنظـر

ــزين وإ ــازح يتــ ح ــا ن ذكرموحلت بها عنـي عقـود التمـائم

ــادمدعــاوأ هم للمــرء حــق التق

. متى ستشاركينني الغناء والعزف على العود- . إني بقدر أغني-

.ضحكت الجارية وقالت بدر البدور فرحانةهيا وهات الراح يا .. غني لنا إذن .هتغني للشاطر حسن

.تصاعدت صوت حاد رفيع تشوبه رخامةيــا عتبــة العــز جــار لنــا جــاركــا ال تتركــي جــارك ــا دني ــة ي أمان

وأنا اللي حبـي فـي غيتـي جـارك وال أن تميلي عليه دي الشمس مقدارك

جذبتها وغمسـت ريشـة فـي . صاحت بها مشجعة وتعطر وجهها وكفيهـا . مكحلتها الخزفية تكحل عيني بدرية

فـامتأل المكـان بـالعطر ؛وعنقها بالمسك وروائح الياسمين

وهـي وعادت الطفلة تتابع الجارية الكردية .. الطيب الجميل برقت عينا بدرية وسـكنت .. تتنقل في أرجاء الغرفة عارية

ا وهي تحدق بالجسد العاري تشم عبقه تطبع أسراره في تمام المرآةتنظر عريها في . بينما كانت دنيا آذاد .. ذهنها بسرعة لة تحـدق فطا الخيزراني أمسكت في المرآة بال تقيس خصره

رية بغـنج ابتسمت الجا .. بحب استطالع شغوف في ظهرها .وقالت دون أن تلتفت إلى الخلف

. أال تغضي الطرف عنا يا قليلة الحياء- ثـم عـادت ،رفعت الطفلة وجهها إليها دونما إجابة

. دنيا آذاد ترتدي حلة السهر والغناء..تستطلع الجسد العاري* * *

حسن أمه حتى تأخـذ مـن خالتـه لم ينتظر عبد الم وسـط ثالثـة مـن نسـاء ينت منهمك اكانت.. عشاءه صديقة

سوداء تساعدهن أربعة فتيـات جلسـن أمـام الفالحين وأمة الكوانين يغذين نارها تحت القدور بالحطب، ورجالن أحدهما

ا بانهماك شديد علـى حطاب واآلخر مساعد له يقومون جميع ريشها كدجاجـة وبينهم نفشت صديقة .. طعام للوليمة إعداد ال . ك امرأة أو فتاة على حالهـا ولسانها السليط ال يتر ،غاضبة

وهي تشير إلى القصاب تحدد أجزاء العجل المـذبوح الـذي نظر عبد المحسن يمنـة . يجب تجهيز لحمه بطرائق مختلفة

ن اللحم ا من قدر امتأل عن آخره بقطع ضخمة م ويسرة مقتربا عـن القـدور بكلب ضخم أن يبتعد بعيد صاحت. المسلوق

وأمه بأنه يحافظ على ته صديقة لخبز الطازج حتى ينبه خال وا وهـي تعبـر فأشارت له صديقة . ن الكالب الضالة الطعام م

ساحة الدار إلى الخارج بأن يبقى يحرس القدور من القطـط وبقدرة وبقوة تحمل شديدة مد يده إلـى الحسـاء .. والكالب

طعة ضخمة من اللحم تزن نصف رطل وأخرج ق ،الذي يغلي التهبت يداه فسـقطتا . ا البخار مهتبعها بقطعتين يتصاعد من وأ

خبأهما فـي ،التقطهما بسرعة من التراب . منه على األرض تسلل إلى الفناء . ذيل جلبابه ومعهما رغيف من القمح الطازج

نفض عنهما التراب ثم غسلهما بالماء وقذف .. الخلفي للقصر .بهما داخل الرغيف

مصطفى أغـا " سائس عربة "إيليا بتروفيتش "انتحى في كان الوحيد بين الغلمان الذي يرتدي نعال . ا جانب "داكشإي

ا بسرواله الجميـل الفضـفاض وقميصـه فبدأ منفرد ؛قدميهر بزنـار مشـغول الواسع المزركش الذي جمع عند الخص

يتدلى من جانبه خنجر صنع مقبضه من الخشـب المحفـور نظـر إليـه ، وعلى رأسه طربوش كطربوش الدالة الجميل

أشار إليه كبيرهم بلهجـة أوالد .. في إكبار وحذر السائسون لوح .. الكن وجه إيليا كان جامد .. ا بينهم وأوسع له مكان ،البلد

وهو يحدق فـي وجـه شـديد ؛ا باإلشارة إليه الرجل مجتهد وجـه والبياض وعينين حادتي الغور يظللهما حاجب كثيف، إال أن . جميل تدلت على صفحة جبينه خصلة شقراء غزيرة

..ا وكأنه ال يرى شيئإيليا بدا* * *

لمح إيليا بتروفيتش عبد المحسن ينظر حولـه فـي وهـو ؛ا في مخزن الغالل المجـاور ثم انعطف مختفي ،ريبة

فاشرأب برأسـه ؛خمن أن الفتى لص . ا في جلبابه يخفي شيئ رآه . ليطل عليه من خالل طاقة الجدار الذي يتصل بالجـدار

ركن قصي وقد أخرج غنيمته بين يديـه ا القرفصاء في جالس وهو يتلوى مـن حرارتهـا ،وأخذ يقضمها ويلقيها إلى فمه

نظر إيليا إلى حيث كان ينظر عبد . وفكاه يعمالن في سرعة فوجد خمسة من الرجال قـد جلسـوا ؛المحسن دونما مباالة

كاد أن .ئرة وقد ران عليهم الصمت والتجهم القرفصاء في دا

فاشرأب بعنقه ؛ وأثار انتباهه ،ا هزه بشدة يئيتراجع لوال أن ش وقد تخلى عنه هدوءه وعيناه تخترقان الضوء تحـدقان فـي

،شعروا بوجود من يراقبهم .. الصلبان التي تدلت من أعناقهم فلـم ؛ وكان وجهه قد أشرق بسعادة ربانيـة ،والتقت عيونهم

نزل وقـد عـزم علـى أن .. يلمح التوتر البغيض الذي بهم يا يسوع ثبـت إيمـان .. ليهم وهو يهتف في نفسه يتعرف ع

يا يسـوع أهنـا . عبدك المخلص إيليا ونجه من ذالت نفسه ـ يا مخلص .. وبهذه األرض النجسة حلت حكمتك ا لقـد ا حقدلف إيليا إلى مخـزن . أعطيت حكمتك لكل األمم والشعوب ابتسم كاألبلـه .. قبالتهم الغالل وأخذ يقترب منهم حتى وقف

تجنب المساخر التـي منهم وقد نكس رأسه محاوال فود كال تمـتم المعلـم "..هذا المملوك الغـر " ..سوف يحلها عليهم

ة ألقرانه قبـل جرجس صاحب مدبغة الجلود الوحيدة بالمدين :أن يبلغهم المملوك

يـا .. يا يسوع يا مخلـص .. الحيطة الواطية إحنا -ـ كل .. كليل الشوك إ حامل ار من هب ودب حتى الغلمان صعلى أن الغضب بلغ به مداه عندما شاهد الفتـى .. بيننا يلعب

..يشير بأصبعه إلى الصلبان ويهم بلمسها

بالمدينـة صاح المعلم قسطندي راعي المسـيحيين :وهو ينهض بجثته الضخمة

أفندينا حضرة الباشا أمر بأن نعلق الصليب فـي -م وهز البقية رؤوسه . رقبة كل واحد منا حضرة باش جاويش

.وا عالمة الموافقةموتمت ، وتقدم خطوة أخـرى ، إيليا ما يقوله الرجل يفهم لم

علم جـرجس يريـد أن مب ال يومد يده يحاول أن يمسك بصل فتشبث به التاجر النصراني بيدين معروقتين ؛يرفعه عن عنقه

ولوال أن ابتسامة بلهاء كانت تطل مـن .كمن يتشبث بالحياة ماال يعرفه أحد بين ملوك األغا وجه الفتى لتطور األمر إلى

وأعيان النصارى الذين قدموا باتفـاق مـع ،كاشف المديرية وه السنهوري كي يسمح ويمهد لهم بمقابلة السنجق كي يحـدث

بأنه على كـل نصـراني أن في الفرمان الذي أصدره الباشا .ويعطوه أثمانهميبيع كل جارية أسلمت، وكل عبد مسلم

الرجـل وفكـر ،ور الفتى المعلم قسطندي ته خشيصاحب الجثة الضخمة والرأس (الذي بلغ الخامسة والخمسين

،اء الماهر فـي حرفتـه حاضر البديهة والبن ،األسمر الغليظ والذي يرسل في طلبه األمراء واألعيان من أقاصي الصعيد

فـي كامال والذي يعتمد عليه السنجق اعتمادا ،لبحري البالد )وتطهيرها وعمل سد أو تدعيم جسر ضبط المناسيب للترع

.. فليتمسك باألناة؛أنه إذا كان الفتى يريد أن يتلهى بهوفي اتقاء األذى حكمة مكنت الشعب المسيحي مـن

وألن الحياة ال تقول محمـد . أن يصمد في األوقات العصيبة ولكنها تقول قسطندي معلم ماهر أو ،مسلم وقسطندي مسيحي

نفس أفضل سالح في مواجهة وء ال وعدا ذلك فهد ،معلم فاشل ولذلك ثبت عينيه الواسعتين العميقتين فـي عينـي المظالم؛

ثم تجرأ ووضع يده على كتفه وبهدوء وبـطء ،الفتى بتأديب حدث الفتى وهو ينوي أن ؛نخفض لم يسمعه أحد موبصوت

.يعطيه صليبهخليفة عثمانلي، .. صدر أعظم .. حسن باشا سلطانيم

.ه، خليفة مسلم من شأن مسلمينوأشار إليه بعينيقال كل نصراني الزم يلبس زنط وزنار ويعلق فـي

باش أفندي مش ممكن نخلع صلبان حرة إحنا.. رقبته صليب ا وقد تراجع إيليا إلى الخلف باهت اللون يائس .. جاويش معظم

ارتد إلى الوراء لمسـافة .. عشش في عينيه الذعر والدهشة ا ناحيـة لدموع وهو يستدير عائد واغرورقت عيناه با ،كبيرة

وقبل أن يغادر .باب المتبن وهم يتابعونه في استغراب شديد .الباب استدار ناحيتهم فجأة ورسم على صدره عالمة الصلب

تجاوب الرجال الخمسة معه على الفور وسارع كل ردد المعلـم قسـطندي .. منهم يرسم عالمة الصليب بذهول

ا فـي البـاب على الفـور محـدق وإيليا ينسحب .. ا فاه فاغر :الخالي

.. باسم األب واالبن والروح القدس إله واحد آمين- : والرجال يهتفون

.. يا يسوع يا مريم يا بتول-وفي صباح اليوم التالي شاع بين المسـيحيين خبـر

ـ ؛المعجزة التي وقعت بين رجل الرب المبارك قسطندي ن ي بأن يتعـرض للمعلـم منكاريوس حينما حاول أحد المماليـك

ا قط ولم يترك للدنيا إال بنـات الذي لم ينجب صبيان (جرجس ولكن المعلم قسطندي . ")ماتليدا" و "مريم" و "تريزا" هن ؛ثالث

وراح يهمس في أذنه كلمة الـرب ،افلطأمسكه بيدي الرب مت ثم ركع ، وسقط منه سيفه ، فهدأ المملوك على الفور ؛وتراتيله

:الذي قال لهأمام المعلم قسطندي

اركع يا إنسان أمام الرب سيدك وال تركـع أمـام - . ثم رسم عليه عالمة الصليب،اإلنسان الذي هو مثلك

؛ فقد أما األمهات العجائز من أبناء الشعب المسيحي ا من أن عدد يؤون إلى فراش النوم ليال حكين ألطفالهن وهم

ب لمقابلـة خرجوا باسم الشـع المسيحيين المباركين كانوا قد لكن سليمان البواب والـي . ن معاملتهمكي يحس؛ دارالسنجق

رفع سيفه وهـو ؛ واللص قاتل األطفال ،المدينة الكافر الزنيم وعندما حاول أن يهبط به على السيدة ماري .. يرغي ويزيد

زوجة المعلم جرجس انتفض المعلم قسطندي ورفع صـليبه ي وهـو يـردد المبارك المرفوع بيد الرب في وجه البـاغ

:ويقولالرب يأخذ .. الرب يجيء بهم .. مي أبناءه ح الرب ي - . ليس أنت يا كافر يا روح إبليس.. وديعته

، ورسم باتجاهـه "يا يسوع يا مخلص : "وعندما قال وسقط سـيفه مـن ، شلت يدا سليمان البواب ؛إشارة الصليب

فرسم .. فارتمى يقبل قدم المعلم قسطندي حتى يفك قيده ؛يدها وخـرج مقهـور ، فتحركت يداه ثانية ؛يه عالمة الصليب عل

..ذليال

وبعد أن انتهى سـوق ، وفي القرى والنجوع البعيدة والقساوسـة والشمامسـة كان العجائز ؛السبت بمدينة منوف

الشعب عن المعجزة التي حدثت فـي منـوف يتحدثون بين ة ورعة من أبناء الشـعب المسـيحي عندما كانت جماعة تقي

في موكب عيد حد السـعف يتقـدمهم األب قسـطندي سيرت وخلفه سار األطفـال والنسـاء والشـيوخ ،مطران األبرشية

حاملين السـعف وأغصـان ،والعجائز في مالبسهم الجميلة خرج عليهم جمع كثيف من معسكر السلطان وفرقـة . النخيل

من فرسان الدالتية وجمع من العربـان شـاهرين سـيوفهم لخيولهم يريـدون سـبي الشـعب لعنان تاركين ا ،ورماحهم

وأسره؛ فإما أن يتركوا دين الرب يسوع، وإما أن يحل بهـم إيمانهم يأخذونهم إلى النيل فيغرقـونهم أو فمن قوي . العقاب

ا يضعونهم في مراكب تأخذهم إلى البحار البعيدة ليباعوا عبيد .في أسواق النخاسة

دي رفـع إال أن األب المبارك المبجل المطران قسطن وراح ،بيده اليمنى الصليب وبيده اليسرى الكتـاب المقـدس

وهبـت ، فحدث أن ثار غبار كثيـف ؛يهزه في وجه الكفار الذي وقف "ماري جرجس "رياح عاتية أثارتها خيول القديس

نـاء بـين أب على السحاب يشاهد الغبار وهو يصنع حـائال لـى حتى عبروا طريقهم إ الشعب المسكين وجنود السلطان؛

وهذه عظة الرب للذي ضعف إيمانـه وأغلـق . البر سالمين .قلبه

* * *

-١٢- على الباب الداخلي للردهة الكبيرة وقف الحاج عبـد

ا أكمامه يشـرف الرحمن أبو الفضل في ثوبه الداخلي مشمرحمل بنفسه صـينية يتوسـطها .. على إدخال صواني الطعام

هوري من خ السن ا للشي غزال صغير مشوي جيء به خصيص وقد أحيط بـالطيور وأزواج الحمـام لدى عربان الهوارية،

المشوي وتناثرت ديوك الرومي وذبائح البط واألوز حتى ال .يسأل السنجق عن شيء فال يجده

وا وحوقلوا وعلى بركة اهللا فما هي إال السـاعة لمبس عدا إيداكش الـذي كـان ال .. ا من الطعام حتى انتهوا جميع

بالحمام أم بالرومي أم ي األنواع يختتم طعامه؛ ا بأ يزال حائر . بفخذة الضأن أم الكبدة

:السيد البقلي على السنهوري هامسامال في هـذه أيديك يا سيدنا إن لم تأخذه لي حتى بين -

مـا غام وجه السـنهوري متجـاهال . الساعة فلن آخذه قط ء فمـه، إيداكش من طرف عينيه والطعام مـل نظر. يحدث :وقال

. إيش تريد بقلي أفندي-ا على قدم األغا يمسكها بكلتا يديه قلي ساقط باندفع ال

.ويقبلها :قال السنهوري متنحنحا

بقلي أفندي يريد موافقـة .. إذا بيتفضل سنجق دار -حضرتكم على صحة ونفاذ وصايته على عقد تركـة أخيـه

.وأوالده البناتا وقال بحذرنظر السنجق شذر:

.لى تركات شيخ سنهوري مين أوصاه ع- .شدار بارة سنجق ض أخوه الفقيد ح-

ا وتابع البقلي باكي: بشهادة سيدنا شيخ سنهوري وشهادة الشيخ أحمـد -

. وحسن أفندي الخلواقييالهوار

. هل كنتم موجودين شيخ سنهوري- . نعم حضرتكم-

:زام السنجقحلوان الدفتراية حسـن بقلـي ومـال .. هم.. هم - .األميرية

كل شيء تطلبوه حضـرة .. نافذة أوامر حضرتكم - .كل شيء.. أغا

.. كل شيء نصاب حسن بقلي- : وقال على الفور...اخضر وجه الرجل واصفر

وأنا وصـي .. أنا حد اهللا حضرتكم دي مال يتامى - .إذا هربت من العبد فين أروح من ربنا.. عليه أمام اهللا

..ها .. ها.. ها- :ا مزمجر ضحك األغا ثم قال

.ال اليتامى تسرقوه وتأكلوه والع حسن بقلي م- :قال السنهوري

وعشـر . إحنا نأخذ عشر التركه معلوم السـلطنة -.. وعشر ثالث معلوم مشهد أوليـاء اهللا . آخر معلوم الحلوان

فيكون حسـن بقلـي ؛أما الباقي ويصير سبعة أعشار التركة

ـ ا عليها ووصي أفندي أمين ين اهللا سـبحانه ا وحسابه بينـه وب .وتعالى

:صاح السنجقـ إحناشيخ سنهوري . ال. ال - ق علـى مـش نواف

.حنا نخاف وجه اهللا سنهوريإ. سرقات يتامى حرمات مبتين تلوى البقلي على األرض مثل ثعبان وأخذ يقبل نعل :األغا ووجهه ينقبض من الخوف والرجاء وهو يصرخ قائال

م شاهدون علـى اهللا وكيلي وأنت .. رحمة حضرتكم -ا ضاعت رقبتنا وحكمكم وقضاؤكم نافذ إذا أخذنا شيئ .. أفعالنا

.مقبول أغاتقلص وجه السنهوري وتعالـت ضـحكات األغـا

.تز طربا وسروراوجسده الضخم يهاعمـل حركـات .. ولـد حسـن بقلـي . ألعوبان -

.. ابكي حمار كبير ودموع تمساحات .. وشقلبظات وبهلوانات .تنجس حذاء بتاع حضرتناابعد أحسن .. قوم

:استدار إلى السنهوري يسألههـز . خ سـنهوري إيش رأي حضرتكم موالنا شي -

: عينيهالسنهوري رأسه مضيقا

لن يمر وقت طويل حتـى يـأتي .. حضرة أفندينا - ويأمر باسم المعين علـى تركـة أوالد ،حسن باشا القبودان

ـ . مرحوم ى وحسن بقلي صديق لكم ليش ما يصير أمين عل . من وصي غريب ال نعرفه وال أحد يعرفههذه التركة بدال

:ا وهو يرددهز إيداكش رأسه موافقحمـار . أحسـنتم .. أحسنتم حضرة شيخ سنهوري -

.. فين أوراق يا خنزيـر .. فين أوراق . هذا يأخذ تركات منهم سارع البقلي بإخراج رقعة أوراق كبيرة وهو في أشد حاالت

عن دواة وقلم وإيداكش يوقـع وهـو االرتباك وانشق المكان :يصيح

ووجه البقلي .. ولد حسين أين العرق أين الشراب - أن ال بالدم األحمر القاني وقلبـه يـدعو يبتسم ويتسع ويمتأل

.يموت السنجق دار قبل أن يوقع األوراق :التفت األغا إليه وهو يصرخ به

- أكالت ولد خرسيس جبانات صـب انغصتم علي . ن خمر من عند جنات سبحان رب السـماوات لي ولد حسي

فدفعه إلى جوفه دفعة واحدة ؛ا من العرق صب له إيليا كأس .. : ثم صاح بأعلى صوته،بلع ريقه

هـاتوا الموسـيقى .. فين الطرب فين األغنيـات - .الراقصات. والجواري

امال عليه السنهوري هامس: . طلب أخير حضرة أفندم بقي-

.ض الوجه فاستطرد السنهورينظر إليه األغا منقبهـد تن.. ننتهي منه حتى ال نكدر مزاج حضرتكم -

:األغا وقال معربا عن سعة صدره . إيش تريدون صديقنا العزيز شيخ سنهوري-- ا للنصـارى جـاء لتقبيـل أيـادي تستقبلون وفد

.حضرتكم العلية .صرخ إيداكش كأنما ركبته عفاريت العالم السفلي

.. أنتم زنيم كافر .. كم يا شيخ سنهوري لعنة اهللا علي - .أهذا وقت الطرب أم وقت شغالت فارغات.. شيخ زنديق

ابتسم السنهوري وغمز خفيه إلى عبد الرحمن أبـو الذي خرج للحظة وعاد وقد اندفع من خلفه المعلـم ؛الفضل

تـدافعوا وعلـى .. قسطندي والمعلم جرجس وبقية الرجـال وقف . وون بجانب الباب أسرعوا ينز . وجوههم خوف ورهبة

حتى عثر علـى ؛قسطندي لبرهة ينظر في وجوه الحاضرين

يديـه ؛ فجرى رافعـا مكان السجنق بالجهة البحرية للرواق وجسده الضخم يهتز وهو يصرخ وعلى وجهه ورسم فـزع

:ت عفتهاامرأة سرقالرحمـة .. الرحمـة سـيدنا .. العدل أفندينا العدل -

والعجم وأهالي البلقان واألتراك بالرعية يا سيد ملوك العرب .وأهالي الروم والتركمان

واسـتدار ،لم يستطع السنجق أن يستمر على غضبه ا غير قادر أن يخفـي رغبتـه فـي ناحية قسطندي مستسلم

وعندما عاد بوجهه ناحية المعلم قسـطندي كـان .. الضحكفعـاود . أن يقف مكانه فلم يقف يضحك وهو يشير إليه بيده

وهو يغمغـم .. وانطلق يقهقه بضحكات مدوية . ة ثاني ضحكهدي اندفع في عزم وإصـرار لكن قسطن .. لقسطندي أن يبتعد

:وهو يقولامسك .. أقبل يد حضرتكم الزم أقبل يد حضرتكم -

ابها والسنجق يسحبها غاضب. .كافر ولد قسطندي تلمسون يدينت إ- .واستدار يقبل كتفه.. أنا أقبل حضرتكم-

راجل مجنون عظمـة .. وهذه نجاسة هذا نجاسة -حمـار .. كـذاب كبيـر .. مش معقول بكاش كبير .. زرقاء .ابعد أحسن نجستموني.. كبير

ورب العرب وحياة النبي محمـد والمسـيح أبدا - واهللا يا موالنـا إنـي ،والقرآن واإلنجيل أنا ألسلم من بكره

كده والال أل يـا .. مسلم من زمان حتى اسأل شيخ سنهوري نا؟موال

فانـدفع المعلـم . ا على صمته ابتسم السنهوري مبقي :قسطندي قائال

.هو قالك أ– إني واهللا ما بقيت على ديني إال علشـان الغالبـة -

دول عايزين رحمتكم وعطفكم يـا شـيخ .. الصغيرين دول فانطلق السنجق يضحك ثانية حتى .. اإلسالم وخليفة المسلمين

سبغها عليه المعلم النصـراني كاد أن يختنق واأللقاب التي ي ما جاهل أحمق أو وتطربه وهو يقرر أن هذا المعلم إ تطريه

ر داهيـة وثعلـب وفي كلتا الحالتين فهو مكا .. شيطان زنيم :قال السنجق.. عجوز

أنتم بالذات إذا دخلـتم ديـن .. أنت ولد قسطندي -أنتم تدخل إسـالم أنـا . المسلمين أنا أخرج من دين اإلسالم

.أخرجوالح في وجه إيليا راحـة يغالبهـا . ضحك الجميع

وهو يرى ما يدور . االبتسام وهو يتخفف من عذابات ضميره وعندما مال المعلم قسطندي على .. أمامه بين الشماس واألغا

ـ إيليا وهو ال يخفي غمزته له طالب اا منه أن يصب له كأس .. ارفض إيليا منزعج .. ا فنظر قسطندي إلـى األغـا غاضـب

:صاحو-ا حضرة أفندم قول للخرسيس هذا يصب لي كأس..

ير قادر علـى التوقـف عـن غ قال إيداكش وهو :الضحك

فيـه لكـن خسـارة .. صب له ولد حسين صب - .معلهش قسطندي صديق عزيز علينا

تشمم قسطندي الكأس وهـو يرسـم علـى وجهـه ا ولذة عارمة وقالاستمتاع:

أتـذوق ولـم والمسيح الحي أنا لـم ، ورحمة أبي -عرق ملوكي ال تشربه حتى . .ا زي ده أشرب في حياتي عرق

. كاترين التي تعيش في بالد الموسكوبالقيصرةفشار كذاب كبيـر قسـطندي أنـت : صرخ السنجق

.تروح النار حدفا بعينيه بأن السـنجق غامز ي بالمباالة أجاب قسطند

:يشرب خمران مـن هو فيه أحس . أدي احنا نروح سوا . وماله -

.الصحبة الجميلة ديفضج الجميع بالضحك حتى كادوا أن يستلقوا علـى

.ظهورهم :صرخ األغا متوعدا

ا نهد حارة أقسم باهللا العظيم ثالث . أقسم باهللا العظيم - .النصارى فوق رؤوسهم إن ما سكت يا ولد

أجاب قسطندي بوجهه الضخم الـذي يشـبه ذكـر :وهو يطرق قدمه بكفه مباالة تذكر ا وبالالضفدع مطمئن

، أهو تسـتريحوا منـا .. هدها واهللا تهدها . ها. ها -أنـتم .. الكل يستريح . يستريحوا منا اوهم. نا أستريح منهم وا

واحنا ندخل الجنـة . تدخلون الجنة وتأخذون ثواب كبير فيهم .اللي جنبكم في طبقة شهداء الكنيسة

قوم من هنـا يـا .. هذا مجنون هذا مجنون واهللا - ..مار كافرح

ا هبط المعلم قسطندي برأسه إلـى األرض مبتسـميسمعه أحد سوى إيداكش صوت ال با شدقيه وهو يهمس فاغر

:والسنهوريدا حتـى .. ني مجنون إ.. واهللا العظيم أنت صادق -

كل ما أقول لها يا تريزا .. مراتي بتقول زي جناب حضرتكم م ووي.. عذراقومي نسوي الشغلة تستغفر وتجري تقعد قدام ال

يكونش فيه حد .. اهللا هو دي بقى يصح .. اتجننت.. ورا يوم حد وعظت يوم األ .. أنا دماغي ولع فيها النار .. كده وال كده

ومليته عرق ورحت خالطـه الشعب ورحت جايب قدح ذرة مع نبيذ الكنيسة وقعدت أشرب وأشرب وأشـرب لحـد مـا

.دماغي اسنطلت وزغللت عنيه رحت قايم لها .عيال ناموا يا تريزة ال- . ناموا يا مقدس- . األكل جاهز يا تريزا-

. جاهز يا مقدس- . يا تريزا طيب ياال تعالي-انغظت .. تحت العذرا اعدة وق وراحت جارية .. هه -

أنت فاكره ربنـا أيوة.. ت ماسكها من شعرها وجاررها رح ورحت بارك ..تعالي يا مرة .. غل من ده يا تريزا بيسوي ش

: وهي قاعدة تصرخعليهايا ليشع يـا مـري جـرجس .. ار يا موسى يا عذ -

وأنا أصرخ وأرد عليها جايلك يـا طـاهرة ..تعالولي جاي .جايلك

فـع الثالثة في ضحك متواصل والسنجق ر انخرط يده مستسلماا وهو يقول متحشرج: تريد أموت من .. قسطندي قولي أنت عايز إيه ولد - .خلصني. عايز إيه.. الضحك

.كوا لنا الذي نملكه يا سنجقرت ا- . تدفعون خمسة آالف ريال- . كثير أفندم- . جواري وعبيد بثمن التراب- . ألف ريال أفندم-

. خمسة آالف ريال قسطندي- ألف ريال واهللا العظيم ورب محمد وعيسـى مـا -

.نملك غيرهم أفندم . تبيع جواري وعبيد نصراني كافر- .نهم ونبيع العيال ونسوا-

:تدخل السنهوريويطلقـوا . حضرة أفندم ألف ونصف ألف ريـال -

.المسلمين منهم . موافق من شان خاطركم سنهوري- .ونطلق المسلمين منهم أفندم. ألف ريال أفندم-كيف مـا قـال شـيخ . خالص قسطندي خالص - .سنهوري

.ربنا يدخلكم جنات عدن أفندم.. حاضر أفندم-و يحيي األغـا بكلتـا يديـه قام المعلم قسطندي وه

متراجع ـ .. ربنا يكرمكم خليفة :اا بظهره مستطرد ل مـال يقب :فصاح به. يده

.أطربوناهيا سنهوري اسمعوا .. ابتعد ولد نجس-

وقسطندي يخرج وعلـى وجهـه صـرامة عمليـة .دلفوا خراجين. تحلق به أقرانه.. وكبرياء وثقة

:أجاب السنهوري . ثالثصفق بيديه. حاال حضرتكم-

* * * ذاذ في تالوة آيات من القـرآن الكـريم بدأت دنيا آ

فلما انتهـت عـاد . بصوتها الرخيم فصمت بها الحاضرون ثم خفت ثانية عندما بدأت تالعب بأصابعها الماهرة ،الصياح

سـمع .. أوتار العود وبدرية تجلس القرفصاء تحت أقـدامها المكـان، الحاضرون أغنيات تركية وموشحات أندلسية تمأل

. وانتشـر الضـجيج .. فلما انتهت قامت الراقصات للرقص .وراحت بدرية في نوم عميق

الفصل الثاني

-١- علـى -ظهرت طالئع الجيش النمسـاوي المجـري

األطراف الشمالية لسهوب نهر الدانوب الصـربية الواقعـة تحت قبة من الضوء ترسلها الشـمس -قرب الحدود الغربية

وعلى هضبة شاسعة ممتـدة تحـت .الموشكة على الغروب حـدق إيليـا .. السهل الواقع غرب جبل الكربات الجنوبيـة

وهو يمـأل عينيـه غيـر .. ا في خط األفق بتروفيتش مبهوت وكأنـه يـرى شارات واألعالم الزاهية واأللوان، مصدق بال

ا بحالـة مـن ا مصاب فوقف مصعوق ؛الرب ينزل من السماء العبـد -أجل فهـو بالـذات .. الذهول الشديد هتف يا يسوع ـ ذي يعمـل عنـد السـيد فـوك الصغير وراعي األغنام ال

يقف لـه شـعر رأس كـل ا جلال يشاهد حدث -برانكوفيتشفما . وال يهتز إيمانه قط ،مسيحي مؤمن يمتأل قلبه بنور الرب

راعي كنيسة القرية هو ما ظل األب نيقوال اآلنيحدث أمامه وانقشـاع ، حرية الوطن ا عن اقتراب به سر الصغيرة يبشر

في الوقت الذي كان هـو نفسـه ،عصور االحتالل المظلمة

االستطالع األولى تتقدم على ةلمح مفرز . ايمالئ األتراك علن الخيول يحدوها الكسل وقد برقـت و ،ا خلف فارس مهل فارس

وفكر أن عليـه . ذؤابات الرماح تحت أشعة الشمس الغاربة واجب نطلق اآلن وبأقصى سرعة ليبلـغ فالبد أن ي . اا ضروري

..قومه واألب نيقوال بما شاهده حقيقة ويصعب عليه تصديقهـ .. هتف بكلبه أن يبدأ بالرحيل نـبح نباح ا ا شـديد

دفعها إيليا على عجـل وانطلـق .. فرفعت األغنام رؤوسها ولوال خوفه من ضياع الوقت لتوقـف .. تجاه القرية مهروالن أن ما رآه منذ برهة ليس محـض ا إلى أعلى ليتأكد م عائدلـذا .. األمر الذي يغضب سيده فـوك برانكـوفيتش ؛خيال

وعندما دخل من بوابة القرية مع آخر ضوء ألشعة الشـمس وهو الذي زار مكة ؛ له يخلع قبعته لشيخ القرية ولم ينحن لم

أدخل إيليا األغنـام .. خيرات بالد العرب مرتين وعاد حامال السيد نادت عليه زوجة .. ة الدار الخلفية على عجل إلى حظير

:النحيلة صارخة به أن يعود ماذا حدث أيها الخنزير الصـغير سـوف تتعـب -

العذراء قدميها حتى يتوقف جسدك الذي يعبث به الشـيطان

ا بأطراف فاستدار لها بوجه شاحب ورسم مسرع .. عن النوم : عالمة الصليب على صدره وهو يهمسأصابعه

لقد اسـتجابت القديسـة .. المسيح يا سيدتي لينقذنا -ا واندفع مسرع .. نيقوال فأرسلت جنودها لنجدته لالبنكاترين

.إلى خارج الدارا بكف ونظرها في وضربت كف . هزت السيدة رأسها

سـتلقي صعدت والحنق يملؤها تشكوه لزوجها الم .. أثر إيليا :على أريكته .ال السـبب وأنت والقس نيقو . لمعتوه قد جن هذا ا -

:اعتدل الرجل معتل المزاج وصاح بها . ماذا جرى يا امرأة-- بقاء الفتى وحيد ا ا في الجبال يجعله يـرى أشـباح

منذ ثالثة .. وخياالت وسوف يقتله مرض القديسة كاترين هذا أشهر وكل القرية قد حل بها هذا الجنون الذي بثه فيهم األب

.. تى نسمع بدعة جديدة نه ما أن يأتي صباح ح ؛ حتى إ نيقوال: القيصرة كاترين ظهرت لألب نيقـوال فـي المنـام تقـول

العمة برانكو رأتها تهبط مـن ...".ن اهللا يمتحنكم اصبروا إ " وهذا المملوك التعيس يحلف ،السماء في عيد القديس بطرس

وقد هـبط ،"تيموسور"بأن السهل قد أضيء فجأة من ناحية ع األغنـام والماشـية إلـى واليوم دف .. الصليب من السماء

الحظيرة دون أن يسقيها وهو يرسم عالمة الصـليب علـى وكـأن الشـيطان يطـارد روحـه ؛صدره بوجهه الشاحب

ن القديسة كاترين وعندما زجرته تركني وهو يقول إ .. التعسةقال السيد فـوك الـذي وثـق . جنود ذيأرسلت مالئكة في

اطمئنانا في صالته بأعيان األتراك ومشايخهم جيد: سوف أحدث األب نيقوال كي يزوجه من زوركـا - . فيستريح من أوهام وتهيؤات سن البلوغ؛ابنة عمه

خ النار في موقدهم ا بكف وهي تنف ضربت ديبورا كف :الحجري الجديد

هل أصابك الخبل أنت اآلخر كي يخدعك طولـه - .وهو لم يتعد الحادية عشر بعد

فتاة هذا العام ونعقد وما العجب في أن نخطب له ال - عليه قرانها في عيد القديس بطرس بالعام القادم؟

. صرخت المرأة .نها ال تزال تتبول في الطرقات وزوركا إ-

ضحك الرجل ملء فيه وربت على كرشـه وأخـذ المصنوعة من الحرير ويفتـل يمسح كفه الضخمة بصديرتيه

:شواربه. . سوف تنضج كالنعجة الصغيرة في بيت زوجها -

ـ .. ثم ما يهم أيتها البلهاء ا عندما يتزوج إيليا لن يجـد مكان ألنه صار لديه كلبة تنتظره كل ؛يعيش فيه سوى سقيفة العنب

وإذا .. ا إذا عاد وفي يده قطعة خبز هزت له ذيلها طرب ..ليلةألـيس هـذا هـو .. عاد فارغ اليدين عقرته بنابها األزرق

ذا ذهـب مـن يرعـى إ.. أما اآلن فهو حر طليق .. الزواجاستطرد وهو يدوس على مخـارج األلفـاظ .. أغنامها؟ هه

ا بنفسه كفهيمسعيد: .. سوف أضطر ألن أجعلك أنت تخـرجين بهـا -

:تفضت زوجته كدجاجة مذعورة، وقالتان أنا لمـا تبقـى تيجـي القيصـرة نفسـها فـوك -هزت رأسها ألعلى وقامت تصفق علـى .. هه.. برانكوفيتش

.ورائهاباب الدار من كل الذين جلسوا على أبواب بيوتهم الحجرية هـزوا

قد حدث وهم يـرون إيليـا رؤوسهم موقنين بأن أمرا جلال

ينظر يمنة وال يسرة وقد حمل قبعته القديمة ال يسير مهروال في يده وهو يتمتم بحديث غير مفهوم باتجاه دار عثمان خجا

قليلة عن دار القس امتلوليتش شيخ القرية الذي ال يبعد أمتار ليا لم يتوقف عند باب شيخ القريـة؛ بـل على أن إي . نيقوال

حيـث طـرق البـاب ؛ إلى دار القسسارع غير ملتفت إليه أطلت عليـه امـرأة .. ا وهو منكس الرأس ا خفيف بعجلة طرق

:عجوز فسألها ؟ األب نيقوال موجود-

:فتى من حيث أتىقالت وهي ترجو أن يعود ال ء؟ أهناك شي- . أريده ألمر هام- هل مات أحد؟- . ال- .. نه في فراشه حسنا إ-

وانتظرت الخادمة أن يرحل لكن إيليـا وقـف فـي ا إلى دلف صاعد .. تنهدت مستسلمة وهي تفتح الباب . ..عناد

الغرفة العلوية فوجد القس البالغ من العمر سبعين عام ا ا جالس ..ادمة ساخطنظر إلى الخا.. وحوله أربعة من الشيوخ

نكس رأسه وقال بصـوت .. ضطراب شعر إيليا با :خافت

.. أريد أن أرى قداستكم على انفراد- فقام األب في نشاط أبناء العشرين وهو يلقي النكات

:اأخذ الصبي إلى حجرته وهتف به ساخط.. على من حوله . ماذا تريد وحق اإلله-

:قال الفتى وهو ال يصدق نفسه .نود القديسة لقد رأيت ج- أي قديسة هذه؟-

:تلعثم الصبي.. هذه القديسة التي تتحدث عنها أنت سـيادة األب -

.القديسة كاترين تني أتحدث عن قديسة اسمها كاترين؟ وهل رأي- القرية كلها ...-وأصابه االضطراب -.. ولكن. ال -

.تتحدث عن األمر حسنا وما األمر؟- . رأيتها-

:صرخ األب

وهي ال تغادر موسكوفا؟ رأيتها - .رأيت جيشها.. ال أقصد رأيتها هي-

ل اتسعت عينا القس وتحرك بؤبـؤا عينـه المشـتع :اقترب يسأله باهتمام.. كالجذوة

؟رأيت ماذا -ـ هناك شمل السهل رأيت فرسان - ا ا يحملون أعالم

.ذهبية، ويرتدون قبعات عاليةملونة وشرائط كل ما رأيـت قل : انحنى القس وهو يهمس باهتمام

.بالتفصيلا ه أنه رأى صـلبان ، وأضاف ل أعاد إيليا عليه ما رآه

.على األعالم :بهت القس

من الصلبان؟ت هل تحقق– . نعم- أواثق أنت؟- ..نني راع يا سيدي إ-

:عجب الشيخ

ن أكثر النـاس خيـاالت إ.. وماذا يعني أنك راع – ا هم الرعاةوأوهام.

وأنه كل ما رآه لم يكن حقيقة قط، ن استاء إيليا وبدا أ : بغضب حزينفرك وحرك ثم قال.. ورط نفسه . أقصد أنني أستطيع أن أرى يا سيدي- : رسم القس إشارة الصليب وهو يردد.. هه- .فليرحمنا اهللا.. فليرحمنا اهللا-

دار حول نفسه عدة مرات يفكر بعمق شديد وقد امتأل :صبيلباستغراق وتمعن حتى جاءه سؤال ا

سيدي ماذا أفعل؟- .ارحل أنت وعد إلى سقيفتك... ارحل -

وأن األب نيقوال لم يصدق ما .. شعر الفتى باإلحباط ؛ كان يتوقع أن يخرج القس على الفور إلـى الكنيسـة .. قاله

. الشعب إلى حمل السالح لطرد المحتلينحيث يدعو ا لكـن القـس يمم شطر الباب الخلفي للمطبخ خارج

:ناداها وعلى وجهه دالئل فعاد الفتى مسرع .. إيليا.. إيليا -

.االهتمام والطاعة

-ا بما رأيت إيليا هل أخبرت أحد. :أجاب الفتى في اهتمام وصدق

.. نكم أوليا سيدي قلت إ. ال. ال- :قاطعه القس

اسمع إذن سوف تذهب من فـورك إلـى داركـم -.. بما رأيت اد وال تخبر أح ،وتصعد السقيفة وتنام على الفور

:قال إيليا بخيبة أمل-ا فهمت يا سيدي لن أخبر أحد ..

فكـر .. لكنه تذكر أنه حدث ديبورا زوجة السيد فوك قـال .. لكن حماسه كان قـد فتـر ،أنه يجب أن يعود للقس

:لنفسه سوف أعترف له بكل شيء في اعتـراف األحـد -

.القادم بالكنيسة* * *

ت أمه ستافوبكا تنتظره فـي عندما بلغ إيليا داره كان ـ ..لهفة ا وعندما ظهر على أول الحارة تبدلت سحنتها تمام،

:ن واللهفة ليحل محلهما غضب مكتوموانقشع الحز .ستحق الجلد على أردافه عشرين جلدة ولد مثلك ي-

خلـع .. قرصته من ذراعه وهي تدفعه إلى الـداخل كانـت وبينمـا .. من فرو الماعز ةريته المصنوع يالفتى صد

أن ابنها الوحيد يأكـل تقدم له مسلوق الذرة والعصيدة فكرت رسمت إشارة الصليب .. نه لم يبق على شيء لها بنهم حتى إ

خرج إلى ساحة القرية وعندما عاد بعد .. وهي سعيدة تباركه يصرة قـد فتحـوا مضي ساعتين إذا بها تخبره أن جنود الق

:نفسهفدهش أشد االندهاش وتساءل في .. سطانبولإالمباركة القديسـة هل في استطاعة جنود القيصرة -

هم قبل غروب الشمس بساعة على أطـراف كاترين الذين رآ قريتهم أن يعبروا بلجراد والبلقان ويدخلوا عاصمة المسلمين

تذكر أنها قديسة والقديسات يصـنعن .. في أقل من ثلث ليلة تش ركبـه وعندما بلغ النبأ السيد فوك برانكوفي ..المعجزات

وأخذ يتقلب في فراشه كـالمحموم دون أن ،الهم مرة واحدة وفي .. وكلما طال به الوقت زادت حيرته ،يستقر على قرار

أن يخبر عثمان خجا متـوليتش حتـى آخر األمر عزم على فإذا جاءت القيصرة نفسـها ..ه لدى الجانبين لمن بذلك سبي يؤ

ى الكنيسة كل فهو مسيحي يذهب إل ا وعلى العين تحل؛ فمرحب األتـراك وإذا بقـي . ا عليها أحد وهو أكثر أبناء الشعب إنفاق

وضـمن مـودتهم ،فيكون قد أثبت لهـم والءه وصـداقته وفي هدأة النيل دفع بجسده الضخم داخل معطـف .. وعطفهم

. وسارع في الظالم إلى بيت الخجا،من جلد الماعز* * *

-٢- لقريـة لم يشرق الصباح حتى كان ما ظنـه أهـل ا

فعلى الشمال الشـرقي مـن ؛إشاعة قد تحقق وبانت شواهده ولم يأت . مدافع وتصاعد دخان شديد القرية سمعت أصوات ال

التركي المتراجعـة علـى جيشالمساء حتى ظهرت فلول ال .الجسر الحجري العتيق لنهر الدانوب وهم يصرخون بفظاظة

ـ راك وفي صباح اليوم التالي كان هناك ركب طويل من األتكانت عينا القس نيقوال تسـتطير . الفارين على طول الطريق

ا وهي تخفي الشماتة ج فرحا من خوف ،ا عن عيون األتراك يد وخاصة ، إلى التنكيل بهم المسئولةأن تدفعهم التصرفات غير

ـ ا فـي من أبناء جلدته الصربيين الذين تركوا ديـنهم طمعيدفعون ضريبة فتحسنت معيشتهم ولم يعودا ؛أغراض مادية

ا وصار في استطاعتهم أن ينالوا نصيب ،الذمة وال ضريبة الدم

فـي ،من التزام األراضي وملكيتها وإدارتها لصالح السلطان كل هذا كان قد .. حين كان المسيحيون يعملون فيها بالسخرة

واآلن جـاءت لحظـة التشـفي .. أثار حنقه على مر السنين .واالنتقام

لمسيحيون يتقدمهم أعيانهم عنـد وفي المساء تجمع ا ضخمة من شحم الخنزير النقي ااألب نيقوال الذي أوقد شموع

قلت للمفتخرين : "يقونة العذراء وحول الصليب ويسوع تحت أ ال ترفعوا إلى العـال . ا ولألشرار ال ترفعوا قرن ،ال تفتخروا

فربكم ال تتكلموا بعنق متصلب ألنه ال من المشرق وال مـن هـذا .. ال من برية الجبال ولكن اهللا هو القاضـي المغرب و

ا وخمرها مختمـرة ألن في يد الرب كأس ؛يضعه وهذا يرفعه لكن عكرها يمصـه ؛ا وهو يسكب منها ا ممزوج شراب مآلنة

."يشربه كل أشرار األرضاتقدت عينا إيليا وخيم عليه خشوع ورهبة عميقـين

عـذابات يتمنى لو أن روحه تقضي فداء لعذابات يسـوع و .إخوانه من المسيحيين

؛مرت سبعة أيام والتوتر مسيطر على أهل القريـة ا أجاد الطرفان إال أنه كان توتر ..المسيحيين منهم والمسلمين

.إخفاءه في الظالم وخلف األبواب المغلقة وموائـد العشـاء وحول مواقد النيران كـان كـل مـنهم يتنـاول األحاديـث

وما لبثت . تي به المستقبل المجهول المسموعة بالقلق لما قد يأ أن تسارعت األحداث عندما بدأ أثرياء األتـراك المسـلمين

ويحملـون خيـولهم وعربـاتهم ،يجمعون أغراضهم الثمنية أما فقراء المسلمين فلم يكـن هنـاك مـا .. ا للرحيل استعدادبل إن الرحيل سيلقي بهم إلى .. ه أو يخسرونه ببقائهم نيكسبو

ولقد حدث في اليوم العاشـر ومـع . جهولةدائرة غامضة م توارد األنباء بانسحاب الجيش التركي صفقات بيع هائلة بين أتراك عزموا على الرحيل وبين مسيحيين ومسلمين قـرروا

وقد بدا للجميع اآلن أن دخـول القـوات النمسـاوية . البقاء وتحـول الـدعاء . ا وشـيك الوقـوع المجرية صار أمـر

دون أن يخـل ، النمسا إمبراطورلثاني جوزيف ا لإلمبراطور وخاصة أنها أرثوذكسية مثـل أهـالي ؛هذا بقداسة القيصرة

ومـع . النمساوي اإلمبراطورالصرب وليست كاثوليكية مثل طلوع كل صباح كان الجميع يتبادلون التحايا ومعامالت البيع

.والشراء واألحاديث القديمة

وعندما صار القصف قريب لرعاة عن ا وتوقف ا ا جدوبعـد . أن يحزم أمره "عثمان خجا متوليتش " قرر ؛الخروج

ـ ؛منتصف الليل ا بعبـاءة سـوداء عبر طرقات القرية ملتحف . تخفي وجهه

فسارع في ا على الباب؛ ا خفيف سمع برانكوفيتش طرق عندما . مصباحه ومن خلفه زوجته هبوط السلم بمنامته حامال

. بشحمه ولحمه يقف أمامـه فتح الباب كان شيخ القرية نفسه شعر أن هناك ورطـة كبيـرة . أصيب برانكوفيتش بالدهشة

ـ ماذا لو طلب منه الخجا تأييـد . سيوقعه ماضيه فيها ا ا علنيا لألتراك وصريح، أو هجوم ا ا وسبللجيش الذي يقـف ا علني

رسم عالمة الصليب .. يا ربي .. على مبعدة أميال من القرية ا في األعذار التي يجب أن ه مفكر على صدره وقد شحب لون

.. وأغلظ األيمان التي سوف يحلف بها،يسوقها ويحكيهاـ دخل والرجل ا إلى البهو وأوقد النور، لكـن الخج

.. ا حتى ال يلحظ وجوده أحد طلب منه أن يجعل الضوء خافت فربما يطلب . هيملب برانكوفيتش في قد وهذا بالذات ما أوقع ق

:تراك على الغزاة وبني قومها لألمنه أن يكون عين ...ارحمينا أيتها العذراء البتول -

ئه له األيام؟ فوك برانكوفيتش من منا يعلم ما تخب -ا فـي وإال لما وضع الفأر جرس .. ال أحد :سههز رأ

ولما صنع األرنب البري لجحره تسـعة عنق القط، ويا أخـي فلـن ... وال أخطأ الغراب فحجل ،مداخل

د كنـت لنـا نعـم األخ ونعـم فق ؛أذكرك بالماضي وليس لـي سـواك .. وإن لي لديك خدمة .. الصديق

ملجأ أمين فهل تقضيها لي؟ثم .. . الملعون ينسل كالثعبان :نكوفيتش لنفسه ردد برا

:قال وعلى وجهه صدق شديدن لو طلبت رقبتـي اآل .. نعم .. نعم يا أخي عثمان -

فالصـديق للصـديق وقـت في التو واللحظة لقدمتها لـك؛ ..المكاره

ومال .. وأنت تعلم أن شقاء عمري .. أنوي الرحيل -ما بجنـود ؛ إ أوالدي هو اآلن رهن الضياع والسرقة والنهب

فهـل تقبـل أشـيائي ؛ أو بفرسـان السـلطان اإلمبراطور، .وممتلكاتي وديعة لديك

هشـة حتـى إن فغر برانكوفيتش فاه وقد صعقته الد : ظن أنه يرفض فقال لهالخجا

..ا فلست ألومكخائفإذا كنت - : هتف عقل برانكوفيتش

عة مرة واحدة حتى شميا عذراء مائة .. يا يسوع - ..ن الشمس مسلطة عليهيضيء المذبح وكأ

: قال وهو يمثل االضطراب .ما الذي تريد أن تودعه عندي.. متوليتش -

:قال الرجل باستسالم .أخشى سرقة الطريق.. كل ما أملك-

يريد أن يتأكد من قـول ا تش أذنه جيد فرانكوفي نظف :شيخ القرية ..أعني لو لم تستطع.. لو.. ولكن-

: قاطعه شيخ القرية . فيما لو لم أستطع العودة- ..لم أقصد.. عذرنيأ.. أعذرني-

وع تتساقط على هكذا ردد رانكوفيتش وهو يلمح الدم .. الحية الخج

:قال الخجا

- فظها لـي حتـى ا ما وسوف تح سوف أستقر يوم ..أعود آلخذها

:هتف برانكوفيتش وهل أكتب لكم رقعة بهذه األغراض؟-

بوهن وهو يعلم أنها ال قيمـة اصاح الخجا معترض :لها

.ني أثق بذمتك برانكوفيتشإ.. ال.. ال-لهـي إ: "وفيتش ناحية المذبح وركع يصلي قفز برانك

نـت خذ روحي وألقي بها في جهنم لو أنني خ .. أنت شاهدي أمانة أخي وصديق عمري عثمان خجا عندي أو مددت يدي

.."لدرهم من ماله أو متاعه ا خرج وهو مطمئن ا حتى إن الخج كان المشهد مؤثر

.أنه أحسن االختيار وفي الليلة التالية طرق الخجا باب برانكوفيتش وقد

وأوانـي . وجـواهر . وذهب. فضيات ؛حمل إليه كل متاعه .نعت له في أقصى بالد العالمالخزف والتحف التي ص

شاهد عثمان خجا صديقه وهو يحمل الصناديق كلها وكأنـه ؛دب وقلبـه ينخلـع اثر اآلخر إلى داخل سر ا إ واحد

كوفيتش بـاب السـرداب فلما أغلق بران .. يفارقها إلى األبد والتقـت .. هتـه ا وجد الخجا يقف فـي مواج واستدار خارج

.ات ترتعد ركبتاها تائه النظركان الخج.. نظراتهما فقـد كـان ؛وعبر برانكوفيتش الخجا وكأنه ال يراه

وخاصة متوليتش الـذي ؛ا ألحد يفكر أن هذا المال ليس ملك فاستدار إليه ودعاه في إصرار شديد كي يصعدا ؛تذكره فجأة

ا لشرب الراكياسوي. وحول الراكيا قبل الخجـا أن يكتـب لبرانكـوفيتش

حتى يـتمكن مـن ؛هوماشيتيه ا وهمية بداره وأراض صكوك وطمع قـادة الجـيش اإلمبراطوريةحفظها له من مصادرة

وقد وعده بـأن يبيعهـا لـه .. المجري المنتصر يالنمساو .. في بلجرادويرسل له ثمنها كامال

:الغمغم الخجا كسيف الب .ع العودة قطذا في حالة إذا انهزمنا ولم نستط ه -

ع برانكـوفيتش أن لـم يسـتط .. تبادل االثنان النظر ولم يظن الخجا أن .. "ا يا خجا ستعودون ستعودون حق : :يقول

وكالعفاريت عندما تطير في الفضا طار . صديقه يريد له ذلك ..والريشةالورق والحبر

نتظار في لم يستطع اال .. وقع الخجا الصكوك كالتائه فقد أصابته رعدة قاسـية علـى القرية حتى شروق الشمس؛

.باب داره وقبل آذان الفجر كانت هناك خمس عربات تجرهـا

ا باتجاه بلجرادالخيول تنهب الطريق نهب. شاع نبأ هروب شيخ القرية بين أبنائها كانتشار النار

إذ توالت وتتابعت بعد وكانت هذه إشارة الفزع؛ . يمفي الهش .ذلك أفواج الهاربين من المسلمين واألتراك

* * *

-٣- و أول مـن دخـل علـى فـوك كان إيليا ميلوك ه

فوجده فـي ؛ صينية اإلفطار برانكوفيتش هذا الصباح حامال ا مخفي توقف فوك . والصخب على غير العادة حالة من المرح

.فرحه عن الصبي هل علمت األخبار يا سيدي؟- .وقال. ارتوجس الرجل ش - . ليس بعد يا إيليا الطيب-

. الفجريقولون إن عثمان خجا ميتوليتش هرب قبل لى الصبي الذي ا ع قفز الرجل من فوق فراشه منقض

:ارتعد من المفاجأة تقول؟.. ماذا-

:قال الصبي بضيق كما أخبرتكم لقد ذهب األب المبجل نيقـوال إلـى -

ا والدار خاوية بابها الخارجي مفتوح ؛ فوجد داره هذا الصباح على إال من دجاجات شاردة اختطفتها العمة دونيا من الساحة

.الفور :صرخ فوك برانكوفيتش.. الدار اآلنإنهم يسرقون

..لماذا لم تخبرني من قبل يا ابن الملعونة -اصطدم عند الباب الخارجي بامرأتـه . خرج يجري

ا فلم يأبه بها وصرخ منادي كادت أن تنطرح أرضا؛ .. ديبورا .إيليا أن يتبعه

:ا وهي تزيح عن ردائها طين الطريقرددت ديبور .مسكين زوجي لقد ركبته الشياطين ثانية -

مـن أبنـاء حشد كبيـر هناك على باب الخجا كان .مسلمين ومسيحيين. .جميعهم يعرفهم.. القرية

وإنما عبر إلى الداخل كمـن ال لم يأبه لنظرات أحد؛ .تعوزه دعوة للدخول

فـي حـين ،استقبل المسيحيون قدومه في استحسان تصاعد الصراخ . ر شديد وتجهم استقبله أعيان المسلمين بنفو

أخرج فـوك صـك ملكيـة ..والصياح بين أعيان المسلمين األراضي وعقد شراء الدار والحظائر والبهائم وهو يلوح به

كاد األمر أن يتحول إلى معركـة بـين .. في وجوههم بشدة إال أن العقالء من المسلمين تـذكروا ...المسلمين والمسيحيين

والجميع وهو يقـف .. لها ما يبررها أن فعلة الخجا متوليتش تراجـع . أمام مستقبل غامض يكون في أشد الحاجة لآلخـر

.. كبار المسلمين وشوهدوا وهم يخرجون منكسي الـرؤوس .ا يكبحون جماح غضبهموتبعهم أقلهم شأن

ا في موكـب صـغير وسـط خرج المسلمون جميعوقبـل أن .. خجل وبين حزين بين متشف ؛صمت المسيحيين

ادر الموكب القصر استدار أحد المسلمين نصف دورة في يغ المؤخرة وأخذ خطوتين جانب جاره المسـيحي ا شطر ا ميمم ..

ميع يعرف اآلن ما سـوف كان الج .. امال عليه يحدثه همسن ممتلكات أثرياء المسلمين في القرية معروضة إذ إ .. يحدث

شـراء ولم يأت آخر النهار حتى كانت حمى البيع وال .. للبيع .قد بلغت أوجها

ـ ا وطوال ثالثة أيام توقف الرعاة عن الخروج خوف ال ..كل شيء يقع بينهما . من الحرب المستعرة بين الجيشين

من أن يستريح إيليا من وبدال. يفرق أحد بين مسلم ومسيحي جعله برانكوفيتش يدور حول نفسه مـن ؛عناء رعي األغنام

أحضر هـذا .. تنتهي كثرة مطالبه ورغباته التي صارت ال وهنا في المكان الذي . وغيروا موضع األثاث ..واشتري ذاك

.. كان يصلي فيه الخجا أقيموا صالة شكر للعذراء والـرب .اا صغيرا ابنوا مذبححسن

لم يهدأ إيليا إال عندما خلـت القريـة مـن أثريـاء فقـراؤهم بينما بقـي . النفوذ والسلطان منهم المسلمين وذوي

وكانت الليلة األخيرة عنـدما . لما يجري في حسرة ينظرون على عجل حاملين تسلل رجال الدرك مسرعين بالرحيل ليال

.أسلحتهم كان ا؛ إذ في الصباح وجد أهالي القرية أنفسهم أحرار

غدارتين ا إال من رجل عجوز يجلس حامال مخفر الدرك خالي كز القلق ال تجمع المئات من أبناء القرية أمام مر .. على بابه

يساندهم صمت العقالء خشـية ،ن على االقتراب منه يجرؤو أن القريـة ال وطوال اليوم بدا . التعجل في مثل هذه األمور

وضـرب األب نيقـوال . تعرف ما هي عليه حالتها الحقيقية ـ لخمة شديدة لم يكن يدري ماذا عليه أن يفعل روح ، وصار ي

. دلون الصراخ الكل حوله يزعق ويصرخ وهم يتبا..ويجيء ؛ الحارس من التعـب غفيا في الساعة الرابعة ظهر

وتبعـه وص المعروفين بالقرية إلى الداخل، فتسلل أحد اللص ظلوا يجوسون في طرقاته .. ثالثة آخرون والجميع يترقبونهم

ودهاليزه دون أن يصطدموا بإنسان وقبل أن يعودوا أدراجهم لقرية، وخاصة عندما كان المخفر قد امتأل عن آخره بأهالي ا

ـ ا جلس نيكو الشاب األمرد على مكتب قائـد المخفـر معطيأوامر بلهاء لجنوده بالقبض على األتراك والمسلمين وإيداعهم

.الزنازين السفلية وتبـادل ،وولوا عنه ظهورهم .. لم يأبه بأوامره أحد

.معه البعض القفشاتومن الكنيسة خرج موكب يجوب أطـراف القريـة

يشكرون الرب وهم يحملون الصـلبان والشـارات ودروبهاونادى جميع الرجال . يتقدمهم كورس الصبية لإلنشاد ،الملونة

بإخراج الصليب الضخم من قبو الكنيسة السفلي الذي اشتراه ـ أمير بلجراد خصيص اوات ا من أجلها قبل أن يحكمهـا آغ

على أعناق خمسة وتقدم الركب الصليب محموال ،نكشاريةاإل هـذه في. ر رجال يتقدمهم سارانو الحداد ونيكوال األمرد عش

ن انتهى األب نيقـوال مـن صـالة فما إ . الليلة لم تنم القرية الشكر الطويلة التي ألقاها على الشعب الذي امتأل بـه بهـو

ق به الميدان الحجري المواجه لهـا؛ الكنيسة الصغيرة وضا وخلع ،يقحتى بدأ كورس الصبية باإلنشاد وسط الصمت العم

واشتدت قبضات اآلباء واألمهات القوية على ،الرجال قبعاتهم .أكف األطفال الرقيقة تنقل لهم اإلحساس بجالل الموقف

وهلة وارتفع صوت اإلنشاد بقوة ال تتناسب وحرمة ولم تمض برهـة . ن جميع الواقفين داخلها ينشد إذ إ . الكنيسة

ـ صبح ما ا عندما أ حتى كانت العدوى قد انتقلت خارج لال يق ا عن ثلث أفراد الشعب في الميدان ينشـدون للـرب شـكر

.ا بما وهبه لهم من الحريةوعرفان ةصـدار لقد حاول إيليا منذ البدايـة أن تكـون لـه

وجهه . ولهذا زج فيه بكل األنغام الداخلية للموسيقى ؛اإلنشاد ن أمه أخذت تنظـر إليـه بعينـين ا حتى إ ا وشجن يهتز طرب

فكرت أن رجال يسوع المقربين مـن . وقلب طليق فخورتين لهذا السبب القوي فإن ابنهـا أنه وذكرت له . قلبه هم الرعاة

ا بالكنيسةخليق بأن يكون شماس . عندما بلغت هذا الجـزء مـن أفكارهـا ضـغطت

:جافة كتف زوركا الصغيرة وهي تهمسبأصابعها الطويلة ال . انظري إيليا ما أجمله-

:أجابت الصبية إن ثيابه في حاجة إلى أن ترتـق؛ . . نعم يا خالتي -

الحنـق .. ولباسه الداخلي متسـخ ،فسرواله يكشف عن فخذه الذي تصاعد من رأس األم في هذه اللحظة لهـذه العبـارات الصريحة المباشرة التي أطلقتها زوركا جعل األم تـرى أن

. وهذا هو األهم...للفتاة عينين عمليتين :قالت دون غضب

ا من عنـد جالسنتشـانين وف نشتري لكما أثواب س - .عليك أن تقومي على حياكتها.. تاجر القماش

فاجأبتها زوركا بالموافقة دون أن تتعب ذهنها بـأي .استفسار أو تساؤل

وعندما انتهى اإلنشـاد انطلـق الرجـال والشـباب ك للشراب وتوارى فقـراء اماجماعات جماعات إلى خمارة ي

وطوال الليل كانت .زلهم موصدين األواب المسلمين داخل منا جماعات الراقصين من فتية وفتيات يطوفون القريـة وهـم

.يرقصون على أنغام آلة الجوزال* * *

-٤- فقد ؛يوم الحرية الذي عاشته القرية لم يستمر طويال

هـا تتلحاستيقظت في الضحى بعد ليلة سكر وعربدة وقـد ا ؛ كان القرويين مدهوشين ..مؤخرة الجيش العثماني المتقهقر

نهم شاهدوا قريتهم وهي تغرق في بحر من جنود فرسان إذ إ . الغالظالسباهية ورجال المدفعية والدالة

واسـتداروا ،تمتم الشباب في سخط أمام األب نيقوال ء فقد نظروا إلى األمر نظـرة أخـرى؛ أما العقال . ا عنه بعيد

ـ .. حال يتراجعون فاألتراك على أي ؤخراتهم هـذه هـي مى مسلمي القرية كـان األمـر علـى دول. برائحتها الكريهة

وكبـر . ا لديهم بتحسـن األحـوال إذ كان األمل قوي ؛العكس

األمل عندما أشيع أن أمير البشناق وقائد االنكشارية عصمت عجل من اآلسـتانة لقيـادة خير الدين أغا قد قدم بنفسه على

الشعب على حـد األمر الذي ألهب حماس الجنود و الجيوش؛ .سواء

من قادة الفرسان الـذين كان عصمت خير الذين أغا وتدرجوا في مدارج القيادة ،لم يخوضوا معارك طيلة حياتهم

أمـا أهـم . آخر ما يكون صلتها بالعسكرية ؛ألسباب عديدة وقسوته البالغـة التـي ، فهي قرابته للصدر األعظم ؛صفاته

.تحدثت بها بالد الصرب والبوسنةتمض أيام قليلة حتى شوهد رجل بـدين أحمـر ولم

وربمـا . الوجه له شارب على طريقة أهالي شمال بلوخستان كان بـادي . أن هذه هي الصلة الوحيدة التي تربطه بماضيه

ا كشعلة يلقي األوامر فـي جميـع األنحـاء النشاط متوهج، .ويتحرك على جواده دون كلل

ا بـأن نفي عشية ظهوره أصدر خير الدين أغا فرما وأن يلتحق كل مسيحي بخدمـة ،ينتظم للقتال كل مسلم قادر

.الجيش العثماني

؛كان األمر ورطة للمسيحيين على وجه الخصـوص إذ كان يعني أنهم سوف يسخرون في إقامة التحصينات حول

وفي نقـل الـذخيرة والمـؤن ، وفي التالل المحيطة ،القرية .للجنود

طة ضـخمة مـن وما كادوا يفيقون حتى كانت أور الفرسان ورجال المدفعية تجوب القرية لجمع األخشاب مـن

، والحظـائر الخلفيـة ، ومخازن الدور ،على أسطح المنازل وكـل ،والمؤمن من القمح والشوفان وعلف الخيول والبغال

.محاصيل الفواكه من البساتين والحدائق المنزلية ا أن خير الدين أغـا انتـوى وفي المساء بدا واضح

وأنه لن يتركهـا إال جـرداء ،راغ القرية من كل ما تملك إف .عارية

كانت التحصينات األمامية لميسرة الجيش العثمـاني التي تتمركز حول القرية قد ابتلعت كل األخشاب المتـوفرة

ثم استكملت من ،باألسواق والباحات الخلفية للدور وسياجاتها ارت منازل حتى ص ؛أسقف الدور ذاتها واألبواب والشبابيك

– يستوي في ذلك المسلمون والمسـيحيون –القرية ودورها ..عارية

الذي مضـى دون أن يقـيم األب - في مساء األحد ألنه كان يدافع عن البقايا المتبقية ؛نيقوال القداس ويلقي عظته

لـى أن حيث دعاه إ تسلل رسول إلى سقيفة إيليا؛ -من داره في حجرة نـوم سـيده و .فيتشيصعد إلى غرفة سيده برانكو

ا وهو انتحى به القس جانب ...وجد األب نيقوال وسارنو الحداد :يهمس بنبرات بالغة الرجاء

..ابني هل تعلم لماذا سمي أبوك بميلوك.. إيليا- :اتطلع الفتى دهش

ففي يوم .. أسمتهجدتك التي .. ا يا بني الطيب حسن -القريـة حضار الطبيب مـن ميالده خرج جدك بتروفيتش إل

لقـد تـأخر .. وتركها تعاني آالم المخاض القاسية المجاورة، وعند انبالج الفجر خرج الرجـال يبحثـون عنـه .. اكثير ..

وبينما كانت النسوة يهنئن جدتك بقدوم وليدها وهي تضـحك جثـة دخل الرجال حـاملين صراخ المولود الجديد؛ سعيدة ب

تصـار ألنه حـاول اخ جدك صريعة بسيوف فرسان الدالة؛ . فعبر أحد البساتين التي يعسكرون بهاطريقه متعجال

؛ لكنها علمـت خبار الزوجة المسكينة خشي الجميع إ وكأنها صممت أن تأتي برجل ؛ عليها البأس الشديد أخيرا فبدا

ندما فكرنا ماذا نسميه قالت وع.. يعوضها عن ذلك الذي قتل :جدتك

..ميلوك.. ميلوك – ختارت اسم الشاب الذي دفـن لقد ا ..ا وفهمنا جميع

الذي غزا الصرب وشرد ؛خنجره في السلطان مراد .أهلها

ا هدفه من روايتهتطلع إيليا إلى وجه القس مستطلع. :قال األب والرذاذ يندفع من فمه

هل فهمت؟.. عليك دين لجدك- كان كل ..فكر إيليا باألمر الجلل الذي يحيق به اآلن

نو الحداد يحدقون فيه بنظـرات من السيد برانكوفيتش وسار ا فيها بصـورة هل األب في ورطة سيكون إيليا طرف .. نافذة .ما

:هز رأسه بتجهم وردد دون وعي . ماذا يريد سيدي؟-

واسـتدار ينظـر إلـى ،ارفع األب رأسه متـردد فالح وجهه فتنهد وعاد فأشاح عنه ال ؛برانكوفيتش كي يعاونه

:يحدث إيليا

د سارنو إلى الجنود الذين رأيتهم ا نريد أن ترش حسنفتح إيليا بؤبؤ عينه على اتساعه كقط يشـم .. منذ عشرة أيام :ز وقال في سرعة واثقة. شد من قامته..رائحة الخطر

هكـذا أجـاب بتصـميم .. أنا موافق .. أنا موافق - :ل إنه تساءلب.. صريح

هل توجد رسالة؟-وال بعـد قال األب نيق .. بقلقنظر الثالثة كل لآلخر

:تردد . نعم-

:قال إيليا ببساطةبـاب سوف أخرج مـن ال .. نخبئها بصوف الغنم -

ثم أدور دورة واسعة باتجاه الشرقي وأتحرك باتجاه الشرق، نو عند مذبح السيدة العـذراء را وس ؛ حيث ألتقي النهر شماال

ا مـن معسـكر ومن هناك سنكون قريبين جد ..حامية الرعاة .نجيوش القديسة كاتري

ا بغباءقال برانكوفيتش غاضب: . جوزيف يا غبياإلمبراطور جيش -

.ارفع إيليا عينه دهش

. هل تعرفان الطريق جيدا؟ سأل األب كليهما--ا جيد. سوف تخرج أنـت وسـارنو فـي .. هذا ما نأمله -

ا وهو ا جذبه برانكوفيتش جانب وقبل أن يقف إيليا عائد .. الفجرنبرة الرجاء في صوتها أن يخفييهمس مجتهد .

لو حدث وقبض .. يعني.. ايا بني الطيب إذ .. إيليا - ..عليك

:فاستطرد السيد.. رفع إيليا عينيه متسائال- لم بأن لي أو لألب نيقوال أنت تعرف يا بني لو ع

.. في األمر سوف نخوزقدخال

ا ذلك أشار مبرر: ويمرغـون أمثولة،ا ن وسيجعلون ، نحن كبار القرية -

..ي الترابأنف قريتنا ف

: هز رأسه وقال دون خجلكما أن الضرر سـوف . . إننا مهمان للشعب هنا -

. حاليصيبك على أي :قال إيليا بعزم

أجل يا سيدي ما أهميتي أنا أمـام أهميـة األب -لـن يعلـم أحـد .. المبجل والسيد برانكوفيتش

:ا وقال وقبل أن يخرج التفت إليهما مع..بشيء .جليصليا من أ -

اضطرب السيد برانكوفيتش من الغضـب وود لـو يرسم على وجهه لكنه تدارك وهو ؛يمطره بوابل من الشتائم

:مالمح الجد الشديد .اذهب رافقتك السالمة.. بالطبع.. بالطبع-

* * * ي سـاو كانت الرسالة موجهة إلى قائد الجـيش النم

المجري من مسيحي القرية يسألونه العون واإلسـراع إلـى .نجدتهم من جور األتراك

نو موقع السرية الرابعـة مـن كتيبـة رابلغ إيليا وس .اإلمبراطوريةالفرسان

ا ا عريف يقف وسط ثلة من الجنود مرتـدي ماستقبلهالشـارات . تفـه تـدلت وعلى ك . قبعة مزينة بالريش الملون

فلمـا ؛ يرسمان إشارة الصليب أسرعا نحوه راكعين . الذهبيةتأثر بعرض الصبي والحداد الذي وقـف فهم العريف القصة

وكان ،ا إلى المؤخرة أخذهما مع . ا ال يتحدث خلف إيليا صامت لم يسـتطيعا . ا لكثرتها المهولة إيليا يعبر خيام الجنود مندهش

لكن العريف قدمهما إلى رئـيس اإلمبراطور؛بالطبع مقابلة .اإلمبراطوريأركان لواء فرسان الحرس

؛سين من عمره برتبة كولونيـل في الخم كان ضابطا ا مبهور ، حاول إيليا أن يقبل يديه .يتميز بقحة وعصبية بالغة

ا في لكن الكولونيل دفعه متأفف ؛بالنياشين التي تزدان بها حلته ن البائسـين يرفع عويناته الطبية يحدق في الرسـول . غضب ويصـرخ ، وكل ساكني الدانوب ،ا األتراك والصربيين العن :فيهما

هذه حرب وليست نزهة أو رحلة لشراء األبقـار - وأشار ..ل فيها قرويون سذج وقس أحمق مخرف حتى يتدخ

ا لضياع وقتهإلى العريف مهدد. شد العريف من ياقتـه وهـو يلعـن ضـعفه أمـام

ـ ..الرسولين ا التحيـة تراجع ثالث خطوات منتظمـة مؤدي، ـ ا بهما إلى المقدمة ا مسرع واستدار منصرف ي ؛ وهـو يواس

إيليا الذي تبعهما منكس الـرأس نو طوال الليل متجاهال راس .ا لفشل مهمتهحزين

-٥- أصبحت القرية اآلن في خط الجبهة علـى مسـيرة

ومع الصباح الباكر انهال القصف المدفعي .الجيش العثماني :غمغم األب نيقوال.. كالمطر الغزيراإلمبراطوري

شـملت و.. لقد سألنا المسـاعدة ولـيس المـوت - واندفع المئات من الشيوخ ،االنفجارات كل شبر من األرض

إلى الجبال المحيطة، ولم يمنع هذا نازحينوالنساء واألطفال ،خير الدين أغا من جمع كل ما تصل إليه يده لخدمة الجيش

.ودفعهم إلى تعويض خسائره في الجنود بالجيش العثماني كل متكاسل مـن ساط رؤساء المئة

وكان على كل فرد مسلم أو مسيحي أن ،دون تمييز الفالحين كـان هـدف . يتقدم لحمل كل بندقية تسقط من جندي صريع

الجيش العثماني إعاقة تقدم الجيش النمسـاوي عنـد حـدود ؛القرية بأي ثمن لحين تنظيم المؤخرة ووصـول اإلمـدادات

وجعله يصـرخ أمـام مـذبح ،األمر الذي أثار األب نيقوال ؟؟.ان الرب قد قرر العذاب على شعبه المسكينالعذراء إذا ك

وشـوهد ،وتزايدت حمالت القبض على الهـاربين وفي مسـاء .جلدون في ساحة القرية الرئيسية الشباب وهم ي

بينها غالم فـي الثالثـة ،لقت أربع جثث لرجال اليوم نفسه ع عبر أهالي القرية المسيحيين البوابة وهـم . من عمره ةعشر

في حين وقـف .. الصليب على صدورهم يرسمون إشارات أهالي القرية من المسلمين ينظرون ناحية الجثث المعلقة وهم

وبعد ثمانية أيام . ا على الموتى األبرياء يقرأون الفاتحة ترحم ومطـاردة الجـيش ،قضتها القرية بين نار القذف العشوائي

، شب حريق ضخم في مخازن الغالل الميـري ؛العثماني لهم مخزون القمح والشوفان عن آخره، وجـن جنـون واحترق في هذه الليلة دخـل . ا في حين رقص البعض طرب ،األتراك

، وخلفه فرقة مـن عصمت أغا خير الدين القرية على جواده ومـن ، يلقون بالمشاعل على الـدور ، المرعبة فرسان الدالة

ورائهم فرسان الشفاسيه يستقبلون بسـيوفهم النـاجين مـن ـ كان.. الحرائق ـ ت مذبحة دفعتها القرية ثمن ا لحريـق ا غالي

.مخازن الغاللفي هذه الليلة بكى إيليا أمه وهو ملقى على زكائـب

الشوفان بكاءحاولت زوركا أن تسري عنه.. ا حار: . هل أنت حزين يا إيليا ميلوك-

:ف دموعه وهو يحاول أن يخفي شهيقهاعتدل يجف

.. تموتلم أرها قبل أن.. قتلوا أمي الليلة- ..كان يريد أن يفضي لها بالثقل الذي يسحق قلبه

.عاد يواصل البكاء ولم يهدأ طوال الليل* * *

اإلمبراطـوري في هذه المرة وقف كولونيل الحرس يصغي بانتباه إلى الراعي الصغير وصديقه الحداد الضـخم

.الجثة إلى أسفل اد وهو يقف متباعد الساقين ناظرا قال الحد

:قبعته بين أنامله المضطربةا بممسك .. مخزن الذخيرة على أن تقتحموا أوال-

:قال الكولونيلسـوف يشـيع هـذا .. ثم االقتحام المخزن أوال – يمكننا من استخدام عنصر المفاجأة ،ا بين صفوفهم اضطراب ..

ثم استطرد وهو يعلم بالمجازفة التـي تحـيط ،صمت لوهلة . هذه مسائل عسكرية..بالقرية في حالة فشل الهجوم :قال الحداد باضطراب

سـنباع .. فشل هجومكم ا لو ربسوف يمزقوننا إ – .في أسواق النخاسة

: ازداد تجهم وجهه . أعني سوف تسلخ جلودنا-

:خفيفهايحاول ت.. قال الكولونيل بقسوة الجندي أال يفعلون ذلك اآلن؟-

.خفض الحداد رأسه قال بصوت مستسلم خفيض . أجل-

:الكولونيل بحسم عقب كما قلت؟؟ما اسم.. ليس لديكم ما تخسرونه إذن–

ا لضعف ذاكرة الكولونيـل رفع الحداد رأسه متعجب ..سوف ينسى القرية هذا .. ينإنه يسأله عن اسمه للمرة العشر

:الرجل .سيرانو.. سيدي الكولونيل.. سيرانو–

فعـه ا يد قال وهو يضع يده على ظهر الحداد مواسيا خفيفدفعا المقابلةا إلى الخارج منهي:

وقبـل .. يإنها مسائل عسكرية يا صديق .. سيرانو - :أن يبتعد صاح الكولونيل

.. بلغا تحياتي إلى القس المحترم-ا قبعتهاستدار سيرانو رافع:

. سوف نفعل سيدي الكولونيل– * * *

الثانيـة المشـاة في مساء اليوم التالي تحركت كتيبتا وخلفهما لواء الخيالة الهنغاري وأورطة المدفعيـة ،سةوالساد

في الوقت الذي تسـلل ،الخامسة الملحقة عليها باتجاه القرية من البارود عبر المؤخرة ا طويال فيه ثالثة أشباح يمدون خيط

اإلمبراطـوري وعندما بلغت طالئع ميمنة الجـيش .التركيةأرسل .. القرية النهر توقفت أمام مخاضة أرشدهم إليها أبناء

الكولونيل مجموعة من االستطالع لحماية رأس الجسر على يرى فرسان االنكشـارية ، وقبع منتظرا الشاطئ اآلخر للنهر

يتحركون في سرعة عبر الطريـق الفاصـل بـين القريـة .والتالل

أصـاغ ..شعر أحد حراس المؤخرة بحركة خافتـة ا ح شـبح لم ..السمع وحدق النظر على ضوء القمر الشاحب

،يجري عبر أشجار البساتين التي تحيط بمخـازن الـذخيرة وقبل أن . وتوقف يعبئها ثانية ،أطلق غدارته في اتجاه الشبح

أثـار صـوت . ا بضربة خنجر من الخلف يفعل سقط صريعجـرى سـيرانو . البارود االضطراب بين حراس المؤخرة

ن كـا . وإيليا ومن خلفهما نيكو األمرد وسط الهرج والمـرج أطلـق . المكان قد امتأل عن آخره بالحرس وطلقات البارود

جفل إيليـا واسـتدار .. أحدهم النار على سيرانو فأرداه قتيال لكن نيكو أمسك به بشـدة يمنعـه ،ا له عائد . ا سـقطا سـوي

ولـم .يتدحرجان تحت طلقات البارود المنهمرة باتجاههمـا تـه تبع ،تمض لحظات حتى دوى انفجار هائل في الفضـاء

وعنـدما انكشـف .ا انفجارات أخرى أحالت الليل نهار ةثالث في رقعة مسـاحتها ثالثـة آالف الغبار كانت النيران تشتعل

.متر مربعجفل جواد الكولونيل وهو يندفع في الميـاه البـاردة

صـوب القريـة اإلمبراطـوري ا ميمنة الجيش للنهر متقدم ، .. العثماني وقلبه مخترقين المنطقة الفاصلة بين ميسرة الجيش

نشبت حرب سريعة انتهت ؛وفي التفاتة سريعة حول الميسرة وتحت وطأة المفاجأة انسحب الجيش العثمـاني . باستسالمها

بعد معركة امتدت أربع عشرة ساعة علـى عجـل باتجـاه بعد أن فقد تموينه وإمداداتـه التـي ظـل ،الجنوب الشرقي

ا لهجومـه هيدعصمت أغا خير الدين يجهزها منذ قدومه تم .الذي كان قد أوشك على القيام به

عصمت خير الدين ليلقي نظرة أخيرة عندما استدار ا في هزيمته دون حـرب تـذكر على القرية التي كانت سبب

أقسم أنه إذا شاء اهللا له بالعودة ثانية فلسـوف يرسـل كـل ا كيل إلى سوق النخاسة عبيـد أيما تن أبناءها بعد أن ينكل بهم

ال فرق في هذا بين مسيحيين خونـة أو مسـلمين ؛ألبدإلى ا .كسالى

* * * دخل الجيش النمساوي القرية فاستولى على كل مـا

وسارع فوك برانكوفيتش بدعوة ،تبقى لديها من طعام وعتاد خزائن شيخ القرية اإلمبراطوري لحفلة أخرج فيها كل القائد بعـض ؛اديه مه عثمان خجا متوليتش التي أودعها لدي النازح

.تحفه الثمينة له ولضباط أركانهـ فعين مختـار ؛ ولقد حصل على ما يريد ة،ا للقري

ولقد علـم خجـا . وحصل على عقد تموين الجيش بالشوفان ، متوليتش وهو بعد ال يزال في بلجراد بمصير خزائنه الثمينة

ل له أن طاقم الخزف الذي اشتراه من سلوفاكيا قدم هدية وقييبت بتلف شـديد فقد أص ؛ما سجادته السمرقندية أ ،للكولونيل

.باط مجرمين مخمورينأثناء مبارزة بين ض

فكان يعبر القرية مختاال ؛عومل إيليا معاملة األبطال وقد تعطف عليـه سـيده برانكـوفيتش ، صغير )١(كجندوق

فقد أهـداه قلنسـوة ؛أما األب نيقوال . بمالبس حسنة وسقيفة ـ ثمينة اشتراها من تيمور س ؛ا باإلبراشـية ور وعينه شماس

حتى حضر ؛ولم تمض شهور ثالثة . ا أمنية أمه التعسة محقق وقد جعل برانكـوفيتش ، حفل خطبة إيليا وزوركا القرية أهل

األمر الذي مأل إيليا بكبريـاء ؛مساحة هكتارين بائنة لزوركا جعلته يسير منتفخ األوداج ؛تحيطه هالة صغيرة من الغرور

. صغيرمثل أي مالكعلى أن عمر الحرية الذي عاشته القرية لـم يتعـد

ففي نفس العام استطاع الجـيش العثمـاني أن يفـك ؛السنة خلف الجـيش النمسـاوي كاإلعصارحصار بلجراد ويندفع

ـ ؛ الذي انسحب إلى تيمور سور ؛المجري زم أمـام حيث ه .العثمانيين هزيمة ساحقة

* * * يد الوثـاق مكبـل وهو مق لم يستطع إيليا بتروفيتش

يجمعه قيد حديدي بصبي في الرابعة عشـر مـن -األيدي

.هارب من العسف العثماني. قاطع طريق: جندوق)١(

عمره يدعى بافلي، وسط ثالثمائة من أبناء قريته يهرولـون أن يفكر وهو يعبر سهول -قافلة تغد السير إلى سراييفو في

نـه يـرى ا سفوح جبال األلب الدينارية في أ الدانوب صاعد كما كـان ،خر لحياته وعظامه آل األديم الذي تشكل منه لحمه التـي كانـت السـهب نفسـه -يجب أن تكون، وأن حياته والتي تنفس فيها عشيرته وأهلـه ؛والمجدولة بصخور األلب

سوف تتحول إلى شـيء تعجـز عـن -وملته وأبناء جلدته .صنعه كل شياطين األرض

المستقبل عبارة غامضة، ليس لها معنى أو وجود .. كل ما تبقى له وجه مذعور ينظر في ذهن إيليا المتعب، كان

ا إلـى وضربات السياط تحثه على الجري قفـز ،إلى األفق األمام كلما حاول أن يلتفت إلى الوراء كي يمسك بخط األفق المتباعد يحاول أن يستخرج من ثناياه قريته التي عصف بها

.ا انتقام عصمت خير الدينالجيش العثماني محقق فأشـعلوا فـي ؛ة كعاصـفة لقد اندفع فرسان السباهي

الرجال علـى ، واغتصبوا النساء وعلقوا رؤوس القرية النار فقد خوزق وحده رغم ؛أعواد المشانق، أما فوك برانكوفيتش

ق وسـي ..رجاء عثمان خجا متوليتش للسنجق بـالعفو عنـه

وكان كتخدا األغا يحث القافلة . الصبية ليباعوا لتجار الرقيق حتى بلغ بها أسوار بلجـراد ؛ألولىعلى السير طوال األيام ا

فلم يدخلوها وعسكروا على مشارفها، وفي الليل حضر تجار وتفرقوا في ، فاشتروا الصبية لقاء قطع النقود الذهبية ؛الرقيق

رحل األرض األربعة؛ الصباح جماعات جماعات إلى جهات ا إلى أما البقية فقد اتخذت طريقها بر .مائة منهم إلى سراييفو

.نبول ثم البصرةستاإماذا يحدث، سؤال كان يلح بشدة على ذهن إيليـا ..

أمسك الرعب بتالبيبه وقصـص الـذين خطفهـم . دودشالمالنخاسون وباعوهم إلى البلدان البعيدة وراء البحار تعود إلى ذاكرته مثل حكايات الجن والعفاريت الذين يسـمع بهـم وال

.اآلن يرى شياطينه الحقيقية.. يراهم - بمشهد الصغيرة زوركا الا مثق وجدانه مسحوق كان؛ ألن الطمث لم عاشرها بعد معاشرة األزواج قد التي لم يكن

ا بأيـدي ثالثـة مـن الـدالة وهي تجر جر -يكن قد جاءها كيف تأتى له أن يتركها حتى هـذه . يدفعونها إلى دار خربة . لو فعل لكان األمر أسهل عليهـا .. اللحظة دون أن يجامعها

ا أغباه لقد تأخر في أخذ حقوقه التي شرعتها لـه الكنيسـة م . ألنه تركها فريسة لهم؛الندم كان يقتله.. واغتصبها الغزاة

وعيناه التعيستان ،غص حلقة بمشاعر الذعة حارقة ؛ا بكل ما يمكن أن تمسك به من معـالم وطنـه تمسكان عبث

سهول الدانوب، غابات الصنوبر، بساتين الكـرز، أشـجار وأضواء القرى الضئيلة تلقي ،لفاكهة، جبال األلب الدينارية ا

ا ممتلئـة ، وتقـف نهـار بأشعتها الباهتة من على مبعدة ليال بالحيوية والحياة خلف الحقول التي تحرثها الثيران والخيـول

.والظهور المنحنية ألبناء بلدتهكانت األرض تختفي تحت أقدام القافلة لتحل محلهـا

تنتهي بالفعـل أراض.. غريبة أراض.. جديدة ا أراض دوم اآلن هـا هـي األرض .. بعد أن ظل امتدادها يغالب البصر

تصل حوافها إلى سطح البحر الذي التقى مع السماء عند خط وقد صـار البحـر ،داهمته قشعريرة خوف غريزية .. األفقدفعه النخاسون وسط اآلخرين تحـت المطـر .. اا موحش جني

كوخ خربة خارج مدينة أراجوزة التي تطل على إلى المنهمرا يأخذون فتدافعوا جميع ؛نخر البرد عظامهم .. درياتيكبحر األ

وقد بلغ بهم الجوع كـل ،الدفء من أجساد بعضهم البعض

مبلغ، باتوا ليلتهم على الطوى وفي الصـباح دفعـوا إلـيهم ..ا فانكبوا عليها يلتهمونها التهام؛بعصيدة الشوفان

لضحى حضر شخص ربعة ضخم الجثة وجهـه في ا من على رأسه تدلت قلنسـوة حمـراء . كوجه صائدي العبيد

.وفي فمه كان يدخن من غليون متآكل قديمحدق بعينيه الضيقتين في األجساد التي هدها الجوع

بضـاعة .. ا أسود وهـم يغمغـم تفل من فمه بصاق . والسفر.. بخلع أثمـالهم بإشارة من يده أمر النخاسون الصبية .. قذرة

ا وقف الجميع عرايا كما ولدتهم أمهاتهم، دار يفحصهم واحـد وقد خيم على الجميع فكرة مبهمة بأن هذا الرجل ،بعد اآلخر

المماليك أمراء.. باوبالط في أور .. مراكش.. يحدد مصيرهم أزاح المسـتقبل .. بالشـام والحجـاز أو إمـارة .. المصرية

والرجـل يغـرس ،قاع الـذاكرة ا إلى المجهول القرية بعيد أصابعه الحديدية في جلودهم وتحت أكتافهم يقيس عضـالت

ويمـد ، وينخس بيده أفخاذهم ، ويطرق صدورهم ،سواعدهم وهـو ؛أصابعه الضخمة الخشنة بغلظة وقسوة يشد أسـنانهم

وعندما انتهى كان إيليا يقف وسـط .يدفع كل منهم في اتجاه رحلوا فـي الصـباح . ةخمسة من الصبية وإحدى عشرة فتا

درياتيك إلى كب قديم متهالكة عبرت بهم بحر األ على متن مر ا في المدينة التي كانت تحرم حيث عرضوا للبيع سر ؛البندقية

ابيع المسيحيين عبيد. ا كـل منهمـا لآلخـر بقى إيليا ورفيقه بافلي مقيـد

والخوف يتملكهما من أن يفترقا فيواجه كل منهمـا مسـتقبله اوحيد.

وفي إحدى الليالي التي سبقت رحيلهم شـعر بـافلي ا فـي ا ينظـر محـدق قام مذعور .بشيء رطب يغزو ساقيه

ا فيه على ضـوء العتمة، مد يده الطليق يتحسس البلل محدق صرخ فزعا يبحث عن .. اا قاني كان دم .. شقوق الدار الخربة ظال متالزمين في رعب، ومـع .. ا معافى إيليا الذي قام سليم

أشعة الصباح األولى دوت صرخة من سقيفة الفتيات العلوية شـاهد .. شاهدا معها خيط الدم الرفيع المتساقط مـن أعلـى

لقد انتحرت إحدى .. الجميع النخاسون يلقون بجثة إلى البحر وقد تعاهـدا ، نظر إيليا وبافلي كل منهما إلى اآلخر ..الفتيات

.ات الفتاة صوابلقد فعل.. على التخلص من حياتهما القذرةمطار تهطـل بشـدة جهـة واأل ت القافلة ليال كتحر

بهما مع آخرين في جوف سفينة قذرة من سفن ألقي. الميناء

حيث شدوا بالسالسل إلى حلقات تدلت مـن جوانـب ؛العبيدكانت الرائحة العفنة للبراز والبول والقيء المغسول .. السفينة

وتحركت السفينة وقت قصير مضى . تفوح من باطن السفينة خارج الميناء وهي تمخر عباب بحر مجهول تئز وتئن تحت

وقلوب الصبية تدعو الرب يسوع ،ضربات الرياح واألمواج .أن يغرقها

في اليوم الثالث أطلق قبطان السفينة حمولتهـا إلـى فوقف المجلوبـون يحركـون ؛السطح تحت حراسة البحارة

غير قادرين على فتح أجسادهم المتصلبة كما أمرهم البحارة إيليا إلى بافلي وقـد نظر. رعيونهم أمام ضوء الشمس الباه

كـان .. ا جهة سور السفينة تحركا سوي .. فهم ما يدور بذهنه إذ اندفع ناحية السور وقبل أن يعتليه قفز إليه ؛إيليا هو البادئ

ا بمقـابض ثالثة من البحارة األشداء وانهالوا عليـه ضـرب .سيوفهم

ا، دونما أحد يهتم به رأى فلي يقف اآلن وحيد كان با وبهدوء تقدم وركبتاه ترتعشـان ،اطريقه إلى البحر مفتوح ..

..للحظة خلت كان يقف على السور الخشبي لسطح السـفينة بينما ظل القبطان وحده ة،توقف البحارة ينظرون نحوه بباله

يصرخ به في شراسة ذئب كاسر بأن يعود وإال سوف يسلخ .لدهله ج

:هز بافلي رأسه بهدوء بارد حزين وهو يقول .ا اآلن أنت ال تستطيع شيئ-

: وهمس له،نظر بافلي إلى إيليا – وأشار إلى .. سوف نلتقي هناك ،ا يا صديقي وداعنظر الفتى إلى البحر وعـاد .. ا فهز إيليا رأسه مؤكد السماء؛

أحد وقبل أن يتحرك ..يلقي على سطح السفينة بنظرة أخيرة تابعـه .. من البحارة نحوه قفز الفتى إلى البحر من شـاهق

ثم ما لبث أن توجـه ،كان ينظر إليهم وهو يغطس .. البحارة ولـم تمـض . كان يعـيش حيث بنظره إلى األفق الشمالي

.لحظات حتى ابتلعته األمواج واندفع ،انتشر الصخب والعصيان على ظهر السفينة

هم يـدفعونهم اط والعصي و يضربون المجلوبين بالسي التجار وحتـى بلـوغ . حيث كانوا من قبل ؛ا إلى الطابق السفلي دفع

مصر لم يخرج إيليا من جوف السفينة إال عندما رست فـي .اإلسكندريةميناء

* * *

الفصل الثالث

-١- الليلة التي وطئ فيها إيليا بتـروفيتش أرض سـيده

يشد وثـاق اا غامض الجديد ألول مرة كان الرعب فيها وحش الظالم والسكون وارتطام الغليون بمرسـى القلعـة .. روحه

المؤدي للبرج األوسط المائل جهة النهر كشيطان يميل عليه .. عذراء يا بتـول .. يا يسوع .. يريد اقتالع قلبه من صدره

أشياء تعلـق . أيها الروح القدس احرسي عبدك المسكين إيليا ر في أرض تدين إلله آخر ا أنها عديمة التأث بها وقد علم جيد

؛عشـة بقلبـه وطئ وطاء البر والر . ه عليه سيطرة ليس إلله إنها نهايـة رحلتـه .. ا لدى مملكة المجهول وهو يدخل خادم

ومأوى ومستقر جسده الميت الذي غادرته الروح يوم صـار وصفد بأغالل العبوديـة حتـى ،بضاعة بين أيدي النخاسين

..نهاية عمره بـه القارص ألقـي ١٧٨٠ن شتاء الليلة م في هذه

،ا القـش طوى جسده مفترش .. داخل حظيرة الماشية بإهمال

وعندما استيقظ كان إيـداكش فـوق . وركبتاه تالصقان ذقنه :وسيدته الجديدة ساخطة تحدث زوجها ،ارأسه مندهش

في جسد يرسلون لك طفال ، إنهم يضحكون عليك - ..غالم ما يزال يمص أصبعه

وقف على أقدامه وفرائصه ترتعدا قام مضطرب. ويحدث نفسه إن ، كان إيداكش يقيس كل بوصة فيه

كان ينفع جندي أو يلقى به إلى الطلبخانة ،ا للخيول ا أو سائس . : قالت ساخطة... منه فائدة قطا األميرة شريفة فلم ترأم

أو تخلص منـه فـي ،حمد الخليل الكلب أل أرسله - .سوق النخاسة

.. افقفهز رأسه موا الطباق وقال له وهو يستملح نادى رضوان أغا مقدم

:شكله-ا للجياد اجعله سائس.

وخرجت غاضبة وهي ،زفرت األميرة شريفة بغيظ فوجدت أمامهـا ؛ حتى أطلت ذات يوم ،ترمق إيليا في توعد

ا في حلة مزركشة زاهية األلوان حسن الطلعة واقف فتى جميال

ا رفع لها إيداكش يده مستسلم . .يسوس جواد سنجق المديرية :وقال لها بلغة لم يفهمها إيليا

، لن إسطبالتياألشقر أفضل من يسوس الخيول في فـدقت األرض بكعبيهـا .. أبيعه فخلي عن أوهامك

.. واستدارت غاضبةذات صباح فتح إيليا عينيه وهو ممـدد علـى

ليجد األميرة شريفة تقف اإلسطبالتفرشة القش في ، وفي يـدها سـوط رأسه تتأمله بعيون فاحصة فوق

لم يكد يقف مرتعد األوصال حتى استدارت .صغيروبعدها كان يرى عينيها ترقبانه تنفذان . عنه خارجة

نظرات ثلجية ال يدري كنهها فتهيء لـه ،إلى داخله ا من الرعب والهلعأحالم.

ذات صباح وضوء الشمس يطل على مهـل وهـو شعر بها خلفه مباشرة لكزتـه ؛سيدهمنكب على حافر جواد أشارت له أن .. ااستدار إليها خائف .. في كتفه بمقبض سوطها

له أنها ستنتقم لبقائـه، ستضـربه فقام خلفها وقد عن يتبعها؛ .اليوم تقتله.. تقتله.. بسياطها

تبعها وهو يرسم إشارة الصليب على صدره خـالل دخلت غرفة خلفيـة ..ردهات القصر السفلية المظلمة الباردة

غطى ..وجد نفسه أمام كائن أسود يحدق فيه بعينين باردتين .. كانت تفوح رائحة بخور نتن .. جسده بعقود الخرز الملون

وفي األركان رأى ثالث زنجيات هرمات وسط تـالل مـن وثالثة كـالب تنبـي ،المساحيق ورؤوس الكباش وعظامها

وبقيت ،منسحباتقامت الزنجيات .. نواجزها عن أنياب حادة ضـربته .. فلـم يفهـم ؛سيدته التي أخذت تشير إلى مالبسه

ا بمقبض سوطها ففهم أنها تريد أن يخلع فخلع قميصه منتظر لكنها أشارات إلى سرواله فنظر ،أن يبدأ أحد في نهش ظهره

إليها مرتعد ؛ا مـن الغوايـة ا وفهمت على الفور ما ظنه نوع عبـد خنزيـر كيـف ..فصرخت وهي تهوي عليه بسوطها

وهي تدور حولـه ،ا على نفسه ا منكمش وقف عاري .. تجرؤ؟وفـي .. ثم أطلقته ،وتحدق به وإلى ما بين حقويه دون خجل

ا لهاالظهيرة بلغه نبأ اعتزام األميرة خصيه وجعله طواشي. قرب الضحى والدموع الغزيـرة استيقظ إيليا متثاقال

حتى .. أم ال ان خصي لم يكن يدري إن كا .. تنسال من عينيه .. جاءه مقدم الطباق يحدثه لقد أنقذناك من تحت مدية الحبش

وتنهد بعمـق وهـو ،ا طويال أيضحك أم يبكي لقد أخذ شهيق وفي هذه الليلـة .. ينظر إلى مقدم الطباق نظرة شكر عميقة

أقام مذبح ا صغير وأخذ يصلي حتـى الصـباح ،اا أخفاه جيد لة األيام التالية كان األغا وزوجته وطي. ا أدعية مشوشة مردد

؛ أما عذابات إيليا فلم تتوقف . يتعاركان كل منهما يريده لنفسه يغمـزون لـه .. ن غلمان المماليك أخذوا يتحرشون بـه إذ إ

فكـان ؛يلكزون أردافه بمقـابض هـراواتهم .. بعيون وقحة ..ا على نفسهيتراجع عنهم منكمش

نوف عاد إيداكش بعد عام من قدوم إيليا بتروفيتش م ؛ إذ فوجدت األميرة شريفة ما تنفث به عن غضبها ؛لوساوسه

نه في صباح أحد األيام امتأل القصر بالعمال وعلى رأسـهم إت فلم ينته اليوم حتـى كانـت ردهـا ؛وقف المعلم قسطندي وهو مـا أعجـب األميـرة ؛ة بالرخام القصر الداخلية مكسو

؛ إذ ألميرة أن تجن لكن لم يمض أسبوع حتى كادت ا ..شريفة في صباح هذا ..نها وجدت واجهة القصر كلها في األرض إ

فقفز وسط المحاريـث ؛اليوم صرخت األميرة تدعو إيداكش اوالنوارج الخشبية وعشرات المناجل مختفي..

. قرب الضحى دخل المعلم قسطندي علـى حمـاره ..هتف المعلم قسطندي بصوته األجش

. ثانية وسعيدة صباح الخير أوال- .استدارت إليه كالملدوغة

ال صباح خيرات وال سعيدات نصراني جاي تعمل - .إيه ولد كبير

.مبارح جاي أهد اللي بنيناه إ- :انتفضت وقد ركبها عفاريتها

. ليه شيطان عفريت- :قال بال مباالة

. حضرة األغا عايز كده- أمان ربي أمان أغا حمـار ونصـراني نصـاب - ..وخنزير

:ارت صارخة استدأنت تقف هنـا أنـت .. م الطباق رضوان أغا مقد -

اليـوم جـدار .. احد ماسك كرباج كل و .. وتالميذ حيوانات ما أحد يغادر القلعة حتـى تنتهـي .. مشربيات تصنع .. يبنى

تمام رضوان أغا؟.. شغالت

.. تمام أفندم-خلص شغالت وأنـا داخـالت انـتقم مـن .. هيا -

العمال إلى عملها على فقام.. بيجسمع صفير الكرا .. اراتحم قـد أذن المغرب للمغيب كان رضوان أغـا وعندما .. الفور

أضاء الساحة بالمشاعل وعندما حـاول العمـال الخـروج فـانطلقوا عائـدين إلـى ؛صفرت الكرابيج فوق الـرؤوس

أطلت األميرة شريفة من المشربية فوجدت العمـل .. عملهم .ةفدخلت راضي.. يجري على قدم وساق

وهـي علـى ؛كان إيليا يحملق في غلمان المماليك فينظر إلـيهم بعجـب .. خيولها تفرقع بكرابيجها في الهواء

لمح عن بعد رأس مصطفى أغا وهي تطل من خلف .. وحسدأحد الكوات الصغيرة للقصر واأللم يعتصره لما يحدث فـي

.وجد الجدار ينتصب من جديد.. ولكنه دهش.. الفناءندي في الصباح بجسده الضخم على عندما دخل قسط

.. ا أمامه ثانية ا وقد رأى الحائط منتصب أوقفه مندهش .. حمارهصدق وهو يرسم عالمة الصـليب علـى فرك عينيه غير م

:سهرأ

نجنا مـن عبـث إبلـيس .. أبانا الذي في السماء - .وأعوانه أين أنا؟

.. وعندما تعثرت أقدامه في أجساد العمال المنهمكة . أخذ يصيح على أهل القصر حتى خرجـت لـه .. مرفهم األ

:شريفة هانم غاضبة ..نصراني كافر.. عايز إيه-

قال بصوته األجش وبطنـه الكبيـر يهتـز أمامـه وابتسامته الغاضبة ال تفارق وجهه الذي يشبه وجه ضـفدع

:عجوزـ .. اسمعي بقه شريفة هانم - وفيني أنا مش كل ماتش

ي دافع الجزية ومحـدش لـه نأيوه آ .. تقولي نصراني كافر ..وال حد يقولي تلت التالتة كام.. عندي حاجة

: فصرخت فيه .. اخرس حمار-

: قال وقد كشف رأسهأيـوه .. ني من أهل الكتـاب آ.. وكمان مش كافر -

أنت جاهلة .. لي المشايخ بتوعكم تى اسأ ح ،القرآن بيقول كده

سـورة حتى فيـه ؛ شريفة هانم أهل الكتاب إحنا ...بالقرآن .إيه قولك بقه.. اسمها مريم ومريم دي نصرانية

.. لـص .. نصراني.. أنت كافر .. أنت ولد خنزير - ..حرامي

وبحكمة بالغـة أعـاد السـيطرة .. بدأ يفقد أعصابه :قال.. عليها

ه وناسبنا ليه واتجـوز سـتنا مال النبي بتاعكم ج أ - ماريا؟

. دي جارية ولد-؛ هـي أوال .. مش مهم جارية وال مـش جاريـة -وتوقف ثم سألها .. نتسب لها من أم الجد أنا أ ثانيا؛.. نصرانية

نم لك صلة قرابة أنت شريفة ها .. فجأة والدهشة تلجم وجهها يبقى إحنا االثنين .. ني ليه قرابة بستنا ماريا وآ.. بسيدنا محمد

..قرايب يا أميرةواتسعت االبتسامة عن آخرها في الوجه الضـفدعي

فقد ارتسم ؛أما هي .. ا وذكاء ياها سخرية وتشفي تحمل في ثنا فعلى وجهها قناع من الغباء وأخذت تحدق به وال تدري كي

فالبـد أن ؛ وإن كانت هذه حقيقة .. تصبح قريبة لهذا المعتوه ..مكانتها ومكانة عائلتها البد وأن تهتز

: استطرد المعلم قسطنديلـص لوقتي نخ آني معدي د .. إحنا قرايب وعلشان -

ورفع أصابعه في ،وأشار إلى المباني .. لك أعمال في الحال :الهواء في ثقة

فين األغا؟أمال.. ثالثة أيام وكل شيء ينتهي- . نايم:قالت كالمسحورة

: قال إحناا طبع.. وضحك.. ميرةمعدش يدخل بناتنا يا أ -

قرايب غريب يدخل بينا ليه؟ماره وهو فقفز إلى ح ؛ا بل هزت رأسها نفي ؛لم تجب

ا لعمالهيصيح ملوح: ..ني نازل منوف وراجع آ-

ا إياها ملجمة بالدهشةا تاركوخرج مسرع. * * *

-٢- على طريق الكافور الممتد أمام برج القلعة الشـمالي

.. عبرت كوكبة صغيرة من الفرسان مسرعة باتجاه البوابـة وكان إيليـا .. رفع جواد األغا األمرد رأسه وصهل باتجاههم

وعندما عاد وجد ساحة القصر قـد .. يخوض به النهر يغسله أخليت بإيعاز من األغا مـن الغـالل والـدواجن والطيـور

وأغلق الطواشية أبواب الشونة وحظائر .. والماشية واألغنام مال يسقى الجياد من البئـر القريبـة .. واإلسطبالتالماشية

حة وهو يخشى أن يصطدم بأجسام الجنود الملقاة فـي السـا ر بيك الجين أحد خشداشية محمد والذين قدموا في صحبة عم

. األلفي تلميذ مراد بكبك فدخل ؛ لخدمة ضيف إيداكش الكبير وفي المساء دعي

معا ا هال منهم سمع اللعنات تن .. أواني الشراب حامال مهروال :قال عمر بيك الجين.. ، وسيده مهتاج منفعلعلى األتراك

وقت يلن يمض .. مصطفى أغا ماذا يفيد انفعاالت - اآلن نختفي مـن أمامـه، .. حيث أتي طويل حتى يرحل من

فنسحق ؛ندما يعود هو إلى األستانة نعود نحن إلى القاهرة وع ..أعوانه وتدول لنا البالد ثانية كما هي اآلن

:صراخ إيداكشوتفل من . تركي حمار .. لعنة اهللا على حسن باشا -

إلسالم محمد عليه السالم أنا أقوم آخذ ا باهللا ونبي ا قسم.. فمه.. بغـل .. يراقطع رأس حسن باشا خنز .. عسكر وأذهب له

. تركي ديوسوأعلقها على باب زويلة : تهدئة إيداكشقال الجين محاوال

حسن باشا صدر أعظم يأتي ومعه إسماعيل بيـك -حسن باشـا .. وحسن بيك جداوي وكلهم يبغي انتقام .. كتخدا

حسن باشا يبغي انتقام قديم للسلطنة من علـي . .يبغي انتقام بيك كبير ومحمد بيك أبو الذهب السـتقاللهم بـالبالد عـن

ـ .. السلطنة العثمانية ا تبغـي السـلطنة بعد ثالثة عشر عام.. هو أذل سلطنة واستقل بـالبالد . نتقام من علي بيك كبير اال

وإسماعيل بيك كتخدا وحسن بيك جداوي قدما بصحبة الوزير ا من أستاذ مراد بيـك بـاألكثر وأخيـه لتركي يبغيا انتقام ا

وصديقهما إبراهيم بيك بعد ثمـاني أعـوام مـن طردهمـا مقهورين من الديار المصرية علـى أيـدينا نحـن مماليـك

..المصرلية .كان إيداكش قد حار عقله عن الفهم..

:ومال على عمر الجين مر بيك ماذا قال أميرنا مراد بيك؟ أخي ع- :قال عمر بيك .. إيداكش أغا حضرتكم تعلمون هذا شخص مهـم -

موته يثير علينا غضب السـلطنة ونصـبح نحـن أمـراء وكراهيـة المصرلية المسلمون الموحدون بدين اهللا أشد هوال

.لدى السلطنة من الموسكوب الكفرةن موتـه يثيـر نعـم يـا صـديقي إ .. نعم.. نعم - . غباءهعونته ونعىندم إيداكش على ر.. هه..السلطنة

لقد استقر األمر بين أمراء المماليك على السـير - فنسيطر ؛خلف أميري البالد إبراهيم بيك ومراد بيك إلى قبلي

وحتى بالد السود فنمنع عنهم ،من هناك على قبلي من الجيزة ا فيها كر وفـر الغالل ونعمل شغالت موجهات ونثير حروب

ومعنا مشـايخ الـبالد ، وهربات وصوالت ومكائد ومصائب فاحنا إلسطنبولن حسن باشا وزير مهم يرحل ويعود حتى إ

جوزات وتصير لنا الـبالد انعود إلى القاهرة نطرد أمراء أر افتر وجه إيداكش وهو يتـذكر .ناألبديكما كانت منذ زمن

م عـودتهم إليهـا بعـد ولهم إلى قبلي أيام إسماعيل بيك ث نز :أخذ يصرخ.. طرده

شراب معتق وخمر مسـكر لسـيدك .. ولد حسين - .ا وقام إيداكش خارج.الجين بيك

كان إيليا قد شد انتباهه وجه عمر الجـين األبـيض عمـر تمطـى .. ، والشوارب السوداء الكثـة الناصع المدور

دهش إيليا للكميات الضخمة .. االجين وأخذ يعب الشراب عبـ ؛أن يتوقف دون التي شربها في نهم ا حتى انطـرح أرض، .. وكان الشراب قد فرغ

ا صـاح ا أجش ن صوت كخرج إيليا وقد أنهكه التعب ل :به

. الشراب يا خسيس- وصوت عمر بيك المخمور ،نزل إيليا يعدو إلى القبو

يمأل القصر صخب وعندما عاد إيليا كان البهو .. ا العرق ا طالبا بجذعـه كان عمر بيك متركز .. فتح الباب ودخل .. اصامت

رير وقد خلع عنه عدته الحربية وهو يدمـدم بلغـة على الس ا السمع لألغنية الصربية التي أرهف حواسه مصغي .. موحشة

:تصاعدت من فم الرجل

.غابت الشمس .فهي ال تسطع اآلن في وجهك

.ال الرب يعرفك وال شجرة السرو .وال قهوة أمك وأدعيتها الصباحية

.ارية فوق جبال األلب الدينالالهثةوال الخيول .غابت الشمس

.لم تعد حبيبتك تعرفك .غبتها الرقيقةوال الليل المشتعل بنار ر

.وهاوية الالنهائيات الموحشة. فأسقط في ظلمتك . مت إلى األبدألنك

* * * .قيصر الصرب كوالفيتش .فوق حصانه شباراتش .وحوله أربع بطارقة

.ا وعشرون وزيرمطارنةوتسع .ومع من سادة الصرب

.روحك التي تسكن بحر الوحشةال إ .للعالم السفلي

.وصراخ.. ظمأ.. جوعا يعبرون الدانوبجميع.

.طريق البشر السعداء إلى الرب .إال أنت

.ألنك مت إلى األبد* * *

.سوف يشرب الشيوخ الراكيا .وترقص الفتيات الصغيرات رقصة الكولو

.وتحمر وجوههن خجال .تيانعندما تعانق خصورهن سواعد الف .ولكنك أنت ككل أموات األرض

.ستكون قد نسيت .فال الرب يعرفك وال شجرة السرو

.وال الخيول الالهثة عبر جبال األلب الدينارية .وال قهوة أمك وأدعيتها الصباحية

.وال حبيبتك المشتعلة بنار رغبتها الرقيقة .فأسقط في ظلمتك

.وهاوية الالنهائيات الموحشة

.بدألنك مت إلى األ .غابت الشمس .غاب الشمس

.ال شهوتك إلى الموتإ هز الجـين رأسـه .. اعندما انتهى كانا يبكيان سوي

أصيب إيليا .. رفع رأسه فالتقت نظراته مع الصبي .. امستفيق :ويشهقبنوبة بكاء وأخذ يفهق

.. يا أمـي أين أنت .. أنت صربي .. صربي أنت -رتعـش وجـه عمـر ا. أريد أن ألحق بك .. يا أمي أين أنت

ا بنفسـه علـى وقبل أن ينطق اندفع إيليا ملقي .الجين للحظة اهتاج عمر الجين ودفعـه ..سمعه يهتف يا يسوع .. صدرهونظر ، عن البكاء بغتةفتوقف الصبي . ا عنه بقسوة بالغة بعيد

وكلما اقتـرب .. اإلى عمر الجين الذي قام وهو ينظر شذر يجعله يظن أنه .. أل توهماته هذا شيطان يم .. امنه امتأل رعب

وقبـل أن ينطـق .. يعبث به .. من وطنه البعيد يضحك عليه نظر .. سى نقطة سوداء كرأس الذباب بقاع كأ أشار الجين إل إزالتها بأسف عندما هـبط وسارع محاوال ،اإليها إيليا محدق

فـألقى بـه ؛على وجهه على حين غره كف ثقيل كالمطرقة

وقـام ينظـر ،دارت الدنيا برأسه . .عشرة أمتار إلى الخلف .. ل الخيـول ا إلى إسطب تراجع منسحب ..ا فال يرى شيئ ؛حوله

.ا في البكاءسقط على األرض غارقاستيقظ إيليا وهو في حالة اكتئاب شديدة من كوابيس

كان طـوال الليـل يعبـر .. وأحالم جعلته على شفا الجنون راوية مساحات من األراضي تعاقبت عليها مفـازات صـح

، والبرودة الثلجية ، وقد تناوبت جسده الحمى الالهبة ،وجليدية تطارده أفاعي ركب قرونها شياطين ،وأمواج الظالم العميقة

سـبح .. وتحيط بها عيون حمراء تبرق في الظـالم .. مردة ثم علق في الفضاء الالنهائي فـي بحـر ،على بحر من نار

ظهر لـه رأس وعلى حافة األفق البرونزي ،الظالم األصفر .. ا له بعذابات روحه تحدث إليه مفضي .. األب نيقوال العجوز

وتحـت أيقونـة .. وعندما استيقظ جرى إلى مذبحه الصغير اشتراهما بنقود السيد البقلي من تاجر نالعذراء والصليب الذي

أخذ يصلي وقد عد مداومته علـى تحمـل .. يهودي بمنوف سـيقاومهم .. جربـة العذابات في سبيل المخلص ابن الرب ت

، وجعلـوه يسـير علـى من الشوك بإكليلحتى ولو حملوه .الطريق الجلجثة

ي وهو يتلو في وركع يصل .. أضاء شموعه الرخيصة :خشوع آيات متداخلة

ويل لي ألني صرت كجني صـيف كخصاصـة - مستقيم بـين هناك وليس ، قد باد التقى من األرض ..القطاف ..ا يصطادون بعضهم بعض، جميعهم يكمنون للدماء؛الناس

ن إذ إ .. الرب يظهر لعبده .. وارتعد توقف إيليا بغتة فوجده يقف أمامه ؛رفع رأسه .. ا حط على مذبحه ضخم ظال

.. قام وركبتاه تصطكان من الخـوف .. ايتالعب بسيفه هازئ بجسـده الفـارغ "عمر الجين " ؛وقف كل منهما أمام األخر

ع يرف.. قامته صدر الفارس وإيليا الذي تبلغ ،الضخم الطويل نظر كل منهما إلـى . مرتعد األوصال ،العود مصفر الوجه

..اآلخر وأخذ يمر بنصـفه الحـاد ، رفع عمر الجين سيفه

قريب وبسرعة البرق شـق الفضـاء .ا من بطن الصبي ا جد شـعر .. بالسيف بضربه متعاكسة مرت لصق وجه الصـبي

رفع يديه ليحمـي وعندما.. إيليا بذؤابة النصل تحف بوجهه .وجهه كان الجين قد ضرب سرواله فسقط على األرض

ا إيليا استدار عمر الجين يضع سيفه في جرابه تارك وعيناه تشتعالن بنـار كراهيـة ومقـت ،ينتفض من المهانة

:جين يحدث نفسه بلغة صربية وهو يسمع ال؛شديدينأظـل .. قحبة هي أمك التي ولدتك .. ابن الملعونة -

تعالى يا ابن الداعرة التـي .عنك حتى تسرج جوادي أبحث .عاشرتها الكالب

صفر الهواء بمدراة الدريسة وهي تندفع في فضـاء . لتصطدم بالباباإلسطبل

:استدار عمر الجين ببطء وقال بصوت بارد.. يمكننا أن نتحدث اآلن أيها الصـربي الصـغير -

يريـدان الكلب السمين والقطة العـاهرة .. كان ينظر للسقف الكلب السمين يريـد خصـي الفـار .. خصي الفأر الصغير

فالذكور التـي تسـكن بيـت .. الصغير حتى يلعق مؤخرته والقطة العاهرة تريد خصي الفـأر .. السلطان رغبات خبيثة

أن ترى الرجـال طواشـية الصغير ألن نساء األمراء تحب لقد رأيت أن أحقق رغبات أصدقائي .ا لعذريتهنانتقام..

صرخ إيليا من األلـم .. بخصيتيه اجم عليه ممسك هقض على ساق الرجل يقرضها بأسنانه والجـين يضـحك وأ

:بوحشية- اسمعني أما أن تصبح فارس ا يلعـق ا أو طواشـي

أيهمـا ء وتلعب في مؤخرته أصـابع العسـكر؛ كفوف النسا :م ينبس الصبي فدفعه ناحية مذبحه ل؟تختار

.. دعنا نحدث عذراءك البتول-جـذب إيليـا .. رأى عمر الجين يركـع بخشـوع

أحنى رأسه وهو يتمتم بلغـة صـربية .. بخشونة إلى جانبه :، ورسم على صدره عالمة الصليبمكسرة

ما .. مال عليه .. سم األب واالبن والروح القدس ا ب - ..اسمك

ا قال إيليا هامس: .. إيليا بتروفيتش-

صليب مـرة فعاد برأسه ناحية المذبح ورسم إشارة ال :ثانية وأنشد قائال

أبانا الذي في السماء احفظ عبدك الصغير إيليـا - واعلم أنه كي يحافظ على ،وال تنساه .. بتروفيتش

ما وهبته إياه من ذكورة يعمر بها األرض مـن ا على عظمتك وكثـرة أجل أن تكون ذريته شاهد

، فإنه سوف يتركك ويدخل دين الكفـرة ؛عبيدك".. حسين األشقر "ا ن فصاعد ويصبح اسمه من اآل

،إن إيليا الصغير اعلم يـا رب سـوف يتعـذب يـا .. يا مبارك .. ولكنه يفعل ذلك من أجلك أنت

.. فانزل عليه السالم واشمله ببركتـك .. مخلص .. واعطه عالمة قبولك

ا مر بيده بسرعة على صدره ورأسـه راسـمسـاد .. وفعل إيليـا مثلـه .. عالمة الصليب بعجلة

ودارت مقلتا عمر الجين في عينيـه ،صمت قليال الا وفي حين بقى إيليا خافض .كاللص يبحث عن شيء

ا في أمان داخلي خلف الكتف العريضـة رأسه جالس ا بها من العالم الدنيوي واإللهي للصربي القديم محتمي

؛وقبل أن يقذف الجين برسم العـذراء ألسـفل ..امع اتصاعد خوار ثور فانتفض صائح:

ـ .. معجزة.. معجزة - بغت عليـك قم يا بني لقد اس ؟هل سمعت صـوتها .. هل سمعت صوتها .. العذراء بركتها

لكن عمل الجين لم يتـرك لـه .. رفع إيليا رأسه في تساؤل :وضع يده على كتفه وضغط عليه بشدة.. فرصة التفكير

قل اسمك لهـا .. أنت اآلن مسلم .. أنت اآلن مسلم - ..حتى ترضى عنك

:قال الصبي .. إيليا بتروفيتش- . لك األم المباركةأعطتهاسمك الذي .. ال.. ال-

:اقال دون اقتناع منكسر.. خفض الصبي رأسه .حسين األشقر.. حسين.. حسين-دعنـا نحطـم هـذه .. أحسنت يا فتى .. أحسنت - ..األوثان

ورسم بسرعة خاطفة إشـارة ، رفع الجين بيك يده دره وقبلـه فعـل حسـين األشـقر وص الصليب على رأسه

وغفلـة دس ،انهال الجين يحطم المذبح الصغير و.. امسرع :ثم عاد وأخرجه وهو يصيح.. مصحف صغير في الركام

..ارحمينا يا مباركة.. ارحمنا يا يسوع.. ارحمنا-إنـك .. مذهوال.. اكان الجين يمثل والفتى ينظر له مبهوت

ذ هذا القرآن واحفظه ألنـك خ.. إنك مبارك .. مبارك يا فتى

كي تشهدهم على معجزة .. ه أمام جمع غفير في القريب وستتلابن الرب يسوع الناصري والنبي .. العذارء واالبن المخلص .. وأخذ يردد الفاتحة .. اقرأ خلفي .. سيدنا محمد عليه السالم

: بكى إيليا وهو يرددىانتهفلما .أنت تضحك علي.. أنت تضحك علي-

؛ وانطلق الشرر مـن عينيـه ،لغضب بالجين اشتد ا ومال عليه بوجهه األحمر ،لمتهفأمسك به من خاصرته بقوة آ

ورأسه الضخم والرذاذ ينطلق من فمه الـذي يشـبه خطـام :الجمل

خـل عنـك .. اسمع أيها الجرو المختال الصغير - الحـرة واعلم أنك اآلن في بر مصـر ،إيمانك المزعوم هذا ويزيد جوهرة العـالم ، منذ خمسمائة عام التي يحكمها العبيد

ومرتع .. وأم الدنيا التي تعطي فخذيها لكل سائل .. المستباحةالسفهاء والفاسقين من أرباب السـيوف والتجـار والعلمـاء

هذا عيسى .. اعلم أنه ال فرق بين مسيحية وإسالم .. المنافقينهذا دين يدعو إلـى .. وذاك محمد خاتم المرسلين .. بن الرب

،هذا يمنع الزنـا والميسـر .. وذاك يدعو إلى الحق .. لحقا.. هذا به رهبان وذاك به متصوفة .. وذاك يمنع الزنا والميسر

فإذا أردت أن تكون ..وكالهما يمنع كل ملذات الدنيا المشتهاة تبكي دماءها المغتصبة عـن أن و وعذارء تستحي فتاة بتوال

ن تكون كذلك في فبوسعك أ ؛ا يسفك دماء اآلخرين تكون ذكروالفارق بين االثنـين هـو .. اإلسالم كما كنت في المسيحية

إلـى أما رجوعك .. الناس على دين ملوكهم .. حكمة القائلين ..ن الصرب اآلن في الجنةإذ إ.. الصرب فهذا دونه حياتك

أن يخلـص قال الفتى من بـين دموعـه محـاوال :ضميره

.عاني األب نيقوال ستغضب روحه التي تر-ا لك ولألب نيقوال تب.. وتفل من فمه بغلظة .. ا سحق -

ا مـن اسمع جيد .. وهل بقدرته أن يحميك من الخصي .. هذاعندما اختارت لنا .. نس القس نيقوال هذا األب عمر الجين وا

إنما ؛ مصائرنا بانتظار الموت ها نقضي في األقدار مصر مكان هنـا .. لحقيقيـين وهبت ما لم تهبه األرض الحقيقية ألبنائها ا

فـإن كـان .. ر العبيد سادة وأرباب سيف وكتاخدة فقط يصي أما أحرار .ا صاروا أمراء وملوك ؛ةمنهم سفاكون للدماء ودها

تجنـي ؛ارفع سوطك ووله أينما شـئت .. األرض فهم العبيد وسـيركع ،يحميك علماء الـبالد وتجارهـا .. كنوز األرض

واعلم أنك .. ا قاتال قم وأصبح مملوك .. أمامك ألوف الفالحين فلو أن أقـداره حملتـك ؛ واشكر نعمة الرب ،الست إال عبد

ا لشياطين البشـر بمكان آخر لكانت روحك اآلن وحياتك ملك فإننا فـي ؛وسارع بإجادة استخدام سيفك وسوطك .. الحقيقية

جهز نفسك للسفر سوف ترحل .. أرض يحكمها حثالة البشر ..معي في الصباح الباكر

:إيلياهمس إلى أين؟-

:نظر إليه الجين بامتعاض . حيث أجعل منك رجال؛ إلى كشوفية الشرقية-

..اباستدار تع.. فقةهز رأسه بالمواالتفت إليه فوجد علـى وجهـه .. ناداه عمر الجين

خر لوهلـة والصـمت وقف كل منهما قبالة اآل .. الجد سيماءيتان يتنـاثر وعيناه الـدمو بتؤدةقال عمر الجين .. يسودهما

:ا الشررمفوقهفـإن قطعـت رأس .. سأذبح لك أول فالح نلقـاه -

وفنـون ، تابعت معي رحلتي أعلمك ركوب الخيـل ؛الثاني ، وطعن الخناجر ، وأصول الكر والفر ،المبارزة والمصارعة

مـدافع وقـوة الرجـال ودهـاء وضرب البنادق وقصف ال .. فعلفإن لم ت.. وذبح النساء وعشق الغلمانالطواشية،

،شق بسيفه الهواء كـالبرق قـرب خصـيتي إيليـا ..واستدار دون أن ينبس ببنت شفة

* * *

-٣- كـب الفرسـان بلغ ر .. كانت الشمس في كبد السماء

ألقى الفتى إيليا بنظـرة .. الليان االثنى عشر مشارف سرس جفـل الجـواد .. كانت منوف قد اختفت خلفهم .. إلى الوراء

نادى الجين الصبي فلكز إيليا جواده . .فعاد ينظر إلى األمام برق النصـل الحـاد .. والفرسان تترك له فرجة بين خيولهم

لسيف الجين بك تحت حزمة األضواء السـاقطة مـن بـين :مام مكان ما باألسأله وهو ينظر إلى.. غصون األشجار

أين سيفك؟- . لم يعطني سيدي سيف-

قذف فارس بسـيف مـن .. له بسيف األقو.. هه -ا مـن تلقاه باضطراب على عدة مرات خوف ،الخلف إلى إيليا

.نصله الحاد-هذه ليست قطعة خشب.. ا يجب أن تكون حذر..

واستطرد بوجهه المتجهم وقد غمره اللون األسـود في كل .. ا أن الحرب مثل الحياة كالهما ال يفترقان تذكر دائم

،لفـرار مرة يهاجمك أحد ال تبحث عن النجاة بالمسـألة أو ا وعنـدما .. فإنه ال يأتي من يريـده ؛ولكن البحث عن الموت

بل انـس ؛ا عليك أن ال تدقق في مالمح وجهه تواجه خصم فتطـاردك .. تلك الوجوه حتى ال تتعلق إنسانيتها بـذاكرتك

وعندما ترفع سيفك تذكر كل الذين أحببتهم .. وجوه من قتلتهم .. الصـغيرة أختـك .. أمك.. وعاشرتهم في قريتك الصغيرة

ـ .. حبيبتك ا جارتك التي كانت ستصـبح زوجـة لـك وأمتذكر قطعان الغنم وحقول الشوفان والطيور التـي .. ألطفالك

تذكر المراعي الشاسعة وقمم الجبال الثلجيـة .. تسكن السماء تذكر كل مـا يجعلـك . الرب يباركها التي وقف على رأسها

الـوطن إنه العـودة ألرض .. ا في الموت للحاق به راغب ..فنحن المجلوبون الذين يقتل البرد أرواحنا في أرض الغربـة

وتظـل تهـيم فـي .. عندما نموت تحلق أرواحنا في السماء الفضاء حتى تجد المكان الذي ولدت فيه والمكان الذي دفنت

فتهـبط هنـاك لتسـتدفئ بـين عظـامهم أرواح آبائنا؛ فيه فك ال تبحـث وعندما ترفع سي .. وأرواحهم الساكنة المطمئنة

ووجه النخاس الـذي .. عن وجه غريمك بل تذكر وجه أمك وضع القيود حول معصميك وألقى بك فـي بـاطن السـفن

ومسـد .. وجس جلـدك وعضـالتك .. الملوثة ببراز العبيد تذكر المسيح الذي تخلى عنك .. أردافك وعراها لمن يشتريها

نـدما وع.. والعذارء التي تنام ملئ جفونها في نعيم السماوات ترى في وجه كل إنسان وجه النخاسين واللصوص والعسكر

، اغتصبوا أمك وشوهوا وجه أختك وجسدها الصـغير نالذي وأخذوا ينهشـون مـن ،وعلقوا الفتاة التي تحب من شعرها

حمـد ا.. عد أن أباحوا فخذيها الرقيقين ا صغيرة ب لحمها قطع ،االرب الذي ألقى بك في مكان تستطيع أن تحمل فيـه سـيف .. واضرب بكل ما في صدرك وسنين عبوديتك من كراهيـة

واعبد سيفك وبجله وقدسه .. اضرب بسيف العداوة والكراهية ألنـه ؛الموت، ودونك وإياه فقد ألقى به الرب الكلمة ؛قداسة

وسيظل ينـتقم مـن كـل الـذين ك،سوف ينطق بكل آالم

كان يلهث من الغضب وقد غامـت .. استباحوك حتى الموت ثم لكز جواده وهو يهـبط ،نظر إلى األمام .. يا في وجهه الدن

ومثله فعل إيليا وبقيـة ،ا فكب الجواد حثيث ؛برأسه إلى أسفل .االزدياد، وأخذت سرعتهم في الفرسان

على مبعدة كان هناك جمع من الفالحين عائدين من وكانـت ،السوق يتقدمهم ثالثة من الشبان في مقتبل العمـر

ثم شرع الجين سيفه وهو يصرخ .. اض نهب الجياد تنهب األر ..في غضب جنوني

. هجووووووم-.. رفع فالح رأسه وعلى عينه دهشة ذبابـة ضـئيلة

وارتكز الثـاني .. نظر خلفه يبحث عن شيء يريده الفرسان وأسقط الثالث مقـود .. ا رأسه بين ذراعيه على األرض مخفي

ية الرجال عل بق ومثله ف .. البهائم من يده وجرى عن الطريق قين بأقفاص الخضروات وأجولـة الغـالل والنسوة الالتي أل

وأمـام .. وقد انطلقن في ذعر في كل اتجاه ،ومشنات الخبز ـ ا إيليا بتروفيتش مباشرة كان سيف عمر الجين المشهر عالي

مال أ قوسا في نصف يشق الهواء قبالة الفالح األول منخفض فضاء في لحظـة مـن ا إلى ال لها الجين جسده ليعود مرتفع

ي أطاح بها لتـدور دورة س الفالح الت ، وقد سبقته رأ الزمن عيناها بالنظرة األخيرة علـى جمـال السـهل ألعلى تلقي

لوى عنه جـواده بشـدة .. األخضر قبل أن تموت إلى األبد وأمامه مباشرة كان صـدر جـواده ،ا باتجاه الجنوب مستدير ـ رفع سيفه ثم هبط نصـف دورة مطي .. يسبقه ا بسـاعدي ح

ا في الهواء كاشـفين طار.. خر الجالس القرفصاء الشاب اآل عاد السيف من االتجاه اآلخر .. عن وجه يتوسطه جرح غائر .. ا منتصف الرقبة إلى الحلـق ليطيح بالرأس من الخلف شاق كان جثة ملقاة والدماء تنزف .. بحث إيليا عن الثاني فلم يجده

فجرى كـالمجنون ؛ارةمن البطن الذي خرجت أحشاؤه بغز والجياد تصهل على قدميها الخلفيتين وكأنهـا ،في كل اتجاه

وجد نفسـه فـي جمـع .. ترقص في حلقة الموت الشيطانية انـدفع .. الفالحات الالتي تجمعـن كالـدجاجات المـذعورة

.. رأس فالح أو خصيتاك .. وصوت الجين يطارده .. نحوهمنون مـن النـار كان بركان مج .. ولم يكن بحاجة لهذا اآلن

رفع سيفه وراح يهوي بها .. في جوفه الغاضبة يدمدم مشتعال لكن ساعده الذي لم يقو بعـد كـان .. يمنة ويسرة كالمجنون

سـواعد .. ا أكثر بشاعة من تلـك المتمرسـة يترك جروح

وجروح غير نافذة غائرة مسـافة عـرض .. مدالةومعاصم ى جوانبهـا تناثرت عل ، مشوهة ا تاركة خلفها وجوه ،السيف

وعيون ، وأنوف مجدوعة، قطع من الجلد والعظام المكشوفة .. س فالح رأ.. رأس فالح .. صوت الجين يستحثه و.. فقعت

نظر خلفه فوجد الفرسان يعدون ..فظل يبحث عنها ال يجدها على خيولهم في سرعة متوسطة مخلفين وراءهم مذبحة من

الثالثـة وأمامه مباشرة كانت صبية فـي ،القتلى والمشوهين ورأسـها يناديـه بـأن ،عشرة تجري على الطريق الترابية

لمح عينيها تسأالنه .. ا على حين فجأة استدارت جانب .. يقطفه واحتمـت بجـذع ،قفزت خارج الطريق للحقول .. الرأفة بها

.اعبرها بسرعة ثم أوقف جواده قريب.. شجرة تين ضخمة جذب وعلى مبعدة ثالثين خطوة ،ا للخلف دار عائد

..قائمتيه الخلفيتين واستدار للخلف فارتفع على ؛مقود الجواد دفع جـواده .. كانت تقف مستندة بجذعها على جذع الشجرة

انحنى انحناءة بسـيطة .. ا سيفه وهو يصرخ في جنون شاهرأغمضـت الصـبية عينيهـا .. وهو ينظر في عيني الصبية

مستسلمة وكانت ركبتاها تصطكان وصوت الخيل الـراكض ـ دار سـيفه نصـف دورة .. ا بعنـف باتجاهها يرتفع مقترب

فجاء سيفه فـي الفـك فمـا ؛كانت قد هبطت قليال .. وهوىفقد طار لسانها وتعلق بسـيفه قطعـة .. قدرت أن تنطق بآه

بحث عن رأسها فوجـده ال يـزال علـى .. حشفية صغيرة بة الثالثـين خطـوة ارا وتراجع إلى ق انتفض غضب .. جسدها

فكشف ؛هذه المرة جاء السيف أوطى مما أراد .. يةواندفع ثان ا عظمة صغيرة ملتوية ألعلى تركت جرح .. عن جلد الكتفين

وفي المرة الثالثة كان الفرسان قد لحقوا به .. ا بالكتف غائر .. وأمامها وقف وهي ال تزال تنظـر ،وكان يتقدم دون سرعة

لرقبة من هذه المرة هبط بسيفه على ا ..مفتوحة العينين .. إليهمسافة ثالثة أقدام وجذعه يندفع خلف السيف فهشـم رأسـها

قبل .. ا بالجسد بواسطة قطعة من الجلد ا متعلق الذي سقط جانبأن يعاود الضربة الرابعة هوى سيف قوي فأطـاح بـالرأس

ابعيد.. كان سيف الجين بيك الذي غمغم بصوت مـوحش

:تعجب لشهوة الصبي الجامحة للقتلووجه شاحب ي ..لقد ماتت -

نظـر الجـين .. وابتعد وقد لحق به بقية الفرسـان ا بـال للصبي الواقف فوق جثة الفتاة الصغيرة الممزقة جسد

.. ا بغير نظام عاريرأس ملقى على األرض،إن كان يخفي كل هذه الشـهوة تحـت .. حدث نفسه

سمعه الفرسان ولم يعلق أحـدهم .. ثوب الرقة وجلد الوداعة ا يحـدق فـي ا على رأس الفتاة مهتاج إيليا واقف كان.. بكلمة

نادى عليه الفرسان .. ساقيها الرفيعتين المتباعدتين في فوضى لمـاذا .. كانوا يغدون السير خلـف قائـدهم .. فيمم شطرهم رفـع .. إنها لم تتعد الثالثة عشر من عمرهـا .. اختارها هي

:الجين رأسه ينظر لصنيعته وهو يدمدم .ماءاللعنة على الس -

* * *

-٤- ا وعمـر بيـك أمضى إيليا بتروفيتش بالشرقية زمن

.. الجين يشتد عليه في تدريبه على القتال بـأنواع األسـلحة أرسل األلفي ١٧٨٦ عام وفي أول يناير من .. وركوب الخيل

ا منه الخروج بألف من القواسة عمر الجين طالب إلى خشداشة

حملته التي خرج بها ومالقاة مراد بيك قرب منوف لاللتحاق ب وعندما بلغها لـم يتهيـأ .. من القاهرة لمطاردة قطاع الطرق

ن مراد كان قد عبرها باتجاه إذ إ .. إليليا مقابلة سيده إيداكش فلم يتوقف الجين بيك وتابع سيره حتى بلغ مخـيم ؛طملوها

ابن " ؛ فقدم له نفسه ووجد لديه من مشايخ األعراب ؛مراد بيك يلزمهم بإحضار أرسـالن ؛"مراد بيك " و "ابن حمد " و "حبيب

فذكرا له أن المذكورين قد هربا عندما سمعا بقدومه ؛والنجار . ففعلوا فأطلقهم؛ على مال؛ فلم يتركهم إالإلى طملوها

بلغها في المساء فوقـف .. واتجه خلفهم إلى طملوها الذين بلغو ثالثة آالف فـارس قـواس، هخارجها هو وأجناد فقدموا يتعثـرون فـي ؛تزميها ومشايخهاوأرسل في طلب مل

وأمام خيمة مراد بيـك اسـتقبلهم مماليكـه .. أذيال مالبسهم سقطوا على األرض أمام سيد البالد يرتعدون ..بضرب القفا

ا بعنان جواد سيده كان إيليا يقف بقرب المدخل ممسك .. اخوفرض باستعطاف ومذلة عمر الجين وهو يشاهدهم يقبلون األ

:لرحمةيطلبون ا . أرسالن حرفوشي ونجار حرفوشي- . ما تعرف فين واهللا وكيلك يا أمير-

تدافع السناجق ورؤساء األلوف إلـيهم يضـربونهم ومراد بيـك .. ويركلونهم باألقدام ،بالسياط ومقابض السيوف

:يردد . أرسالن حرفوش ونجار حرفوشي-

. فدفعوهما للخارج؛أشار مراد بيك بيده إيليا يرى سرايا الفرسـان وهـي وطوال الليل كان

،تنتشر حول القرية في الظالم تخطف كل من يخرج منهـا .وتدفعه إلى مركز للقلق أقيم على عجل

قـارص ١٧٨٦أتى هذا الصباح الباكر لشتاء عـام ومن القرية تصاعد صرير أبواب الـدور وخـواء ،البرودة

وانتشـرت فـي .. األبقار الخارجة للحقول وصياح الديكـة ى أطراف القرية شـد مـراد وعل.. فضاء زقزقة العصافير ال

وعندما أعطى أمره بـالهجوم كبكـت الخيـول بيك وطاقه، .. وأخذت سرايا القواسة أماكنها عند مداخل القرية ،وصهلت

لم يدرك أحد من األهالي ماذا يجري خفية إال عندما بـرزت لقد .. كواكب الفرسان على مشارف الدروب ومفارق الطرق

ف كل فالح ينظر إلى قريبة أو زميلة كتماثيل صنعت من توق ثم تسابق الجميع وكل منهم يدفع ابنته وامرأته ،الرخام لوهلة

فمع أول ؛لم يستغرق األمر ثواني .. وأبقاره إلى الداخل ثانية رأس أطيح بها من رؤوس الفالحين تصاعد الصـراخ مـن

حيم الموت وتدافع الجميع يهربون من ج ،جميع أنحاء القرية ولم تمض الساعة حتى كان الفرسان .. الذي أخذهم على غرة

فـي يعملون تقتيال نتشارهم في أنحاء القرية وبدأوا قد أتموا ا كل من يقابلهم من الرجال والنساء والعجـائز واألطفـال ال

ايستبقون أحد. .. وعلى مخارج القرية تدافع الفالحون يطلبون الفرار

ا ، واندفع هرب بالنجاةلبوابة الشرقية آمن وعندما بلغ بعضهم ا أوامـره أعطى عثمان أوغلي سرجهمة القواسة .. القريةمن

األصـوات تسبقهاانطلقت السهام في الفضاء تئز .. بالضربتسـاقط عشـرات الفالحـين . القصيرة لضربات النشـاب

وانـدفعوا ،توقف الفالحون عن الخروج .. بضربات القواسة كانـت .. ولون القفز ثانيـة دون جـدوى ناحية األسوار يحا

المذبحة قد قاربت على االنتهاء بخروج فرسـان الشفاسـية .بجموع من النساء والفتيات الصغيرات واألطفال

يسـوق .. جواده وخلفه أمـراءه .. امتطى مراد بيك .. أمامه شيخ القرية والملتزم كي يدلوه على منازل األعيـان

وهو ينظر آثار المذبحة ؛جرى إيليا خلف جواد عمر الجين تسحقها سنابك .. والجثث المشوهة المتناثرة في دروب القرية

فتـرك ؛ أعمال السلب والنهـب ا ببدء كان هذا إيذان .. الجياد واندفعوا ينقبون فـي الـدور مثـل بقيـة ،القواسة أماكنهم

ا غريبـة مـن وداخل القرية كان إيليا يسمع ألوان .. العسكرـ ن داخـل الـدور ومـن العليـات صرخات النساء تأتي م

صرخات فزعة مجدولة بمـوء القطـط والفـزع .. والمقاعد .اإلنساني المختلط بعواء العسكر وضحكاتهم

رأى على أحـد السـاللم .. ما الذي يجري بالداخل وجمع من الجنـود ،ساقين عاريتين المرأة ملقاة على ظهرها

لم الذي والفتاة تتلوى صارخة من األ -تسائل.. قد تحلق حولها كيف لساقيها أن تأخـذا -هرهاتصنعه حواف الساللم في ظ

-اخارج– ومن أحد الدور الجانبية اندفع .هذا الوضع الغريب كمـا ولـدتهم أمهـاتهم، تتـدلى خمسة من القواسه العراة؛

.. قضبانهم بين حقوبهم وهم يمسكون بامرأتين من شعورهن رجاء القرية كانت وفي أ .. نادوا عليه أن يتبعهم لكنه لم يفعل

والمواشي واألغنام ، والدور تنهب ،النساء والفتيات يغتصبن .. تخرج في صفوف طويلة إلى خارج القرية نحو الغيطـان

وقرب المغرب لم يتبق من نساء القريـة وفتياتهـا سـوى وفي الليل كان إيليـا .. خمسين امرأة شابة وفتاة أبقين للسبي .. ي كان يخلع مالبسـه يجلس في خيمة عمر بيك الجين الذ رفع رأسه فضـحك .. سمع إيليا صوت حركة داخل الخيمة

:الجين وهو يقول تبا لك ألم تنل نصيبك من النساء؟-

اهز إيليا رأسه نفي .. ..قام إلى الداخل.. بصق عمر الجين في ازدراء

نظر إيليا لفتاة صغيرة من الفالحات في العاشرة من :لطلق وهو يهتف في صمتى الهواء اخرج إل.. عمرها

..كيف يمكن لجسدها الصغير أن يتحمله - ومن بعد رأى مئات الجنود تندفع في ضجة عظيمة

لم .. إلى خارج القرية وهم يصيحون صيحات نكراء ولـم ،يتبين إيليا األمر إال عندما رأى النيران ترتفع

والنيران تلتهم ،تمض فترة حتى كانت السماء تشتعل في الصباح وعلى مشهد من أبناء . هاالقرية عن آخر

القرى المجاورة وملتزميها الذين جمعهم مراد بيـك ـ أخذت ال ون جراريف تجرف الدور واألراضي والش

وطوال اليوم وحتى عصر اليـوم .. وحظائر الماشية وفي نفس المكـان .. التالي كانت قد سوتها باألرض

كشـافته ، في حـين كـان ظل مراد بيك ثالثة أيام يهددون القرى بمصير .. ن اإلقليم لجبي الكلف يجوبو

فـإذا انتهـوا طلبـوا حـق .. طملوها إن لم يدفعوا وفي ظهيـرة .. وإذا استوفوا طلبوا المقرر ،طريقهم

قام مراد بيـك ؛اليوم الرابع عندما عاد آخر كشافية فنفخ في نوبـة .. دار حول نفسه دوره .. إلى جواده

حتـى كـان فلم تمض لحظات .. االستعداد للتحرك .الوطاق يتحرك باتجاه الشمال إلى الشـمال بمحـازاة كان إيليا يصعد مع التطريدة

فدخلوها مدينة خالية لـيس ؛ حتى بلغوا رشيد ؛البحر الغربي .. بعد أن هرب جميع أهلها أمـامهم ،بها أحد سوى األشباح

ـ علـى خشداشـة اإلسـكندرية توقبل مغادرة رشيد طرحيشية علـى أن يكـون حـق الجاوصاح أغا كتخدا .. فأخذها

ومائة ألف ،ا إلى والي البالد الف ريال مقرر طريقه خمسة آ فلما دخلها هرب التجار والنصارى إلى .. ريال إلى مراد بيك

فتقدم له قنصل الموسـقوب ؛ فشرع يهدم الكنائس ؛المراكب

رمـان ا عليه دفع المطلوب شرط أن يكون بموجب ف عارضـ لطان؛من الباشا يحاسب به الس ،ا فتراجع مراد بيـك مغتاظ

لى رشيدا إورجع عائد.. رأى .. عبرت جحافل الفرسان الطريـق السـاحلية

إيليا البحر الذي ال ينتهي حتى األفق ألول مرة منذ أن بيـع .. ا بالسالح شهق قلبه ووقف على الشاطئ مدجج .. في مصر

ا فوق األمواج والزغب يحـاول سابح.. أطلق العنان لبصره أراضيه وأهله .. حيث يقبع ماضيه ؛ن يخترق ما وراء األفق أ

؛كانت سرايا الجند تعبره واحدة خلـف أخـرى .. وعشيرته لـم .. اوهو ال يدري بها حتى غابت عن األفق وتركته وحيد

دق ..ا باتجاهه يسمع طرقات الجواد الذي يلهب الطريق عائد : استدار فوجد عمر الجين يحدق به..كتفه مؤخرة رمح

.. هيه أين ذهبت- :رأسههز إيليا

. ال شيء يا سيدي-وقبل أن .. صامتين باتجاه التطريدة اجواديهم كبكب

:يبلغاها تحدث إيليا .. سيدي-

. له عمر الجين السمع أصغىـ إن.. إن حياتي تدين لك بوجودها - ي مـدين لـك ننهـا إذ إ .. ك أفضل من أمـي التـي ولـدتني إن.. بوجودي

أما .. ة دون أن تعتد بما سيكون عليه مصيري أخرجتني للحيا لوى الجين عنق جـواده وزام .. أنت فقد خلقت هذا المصير

يتبـادالن نظـرات .. فصار كل منهما باتجاه اآلخر ؛امتوقف :غريبة

. قل الحمد هللا- فقطع عمر الجين هـذا السـيل ؛تقلص منخارا إيليا

يلكـز د ثلجي وهـو رقال بصوت با .. متبادل من النظرات ال : إلى األمامجواده قافزاهل تظن .. يجب أن تثبت أن تستحق هذا الشرف -

..اأن مجاورتك لنا تجعل منك مملوك عـن انوعيناه ال تتوقف .. س فانقلب إيليا تملؤه هواج

وكان رجال القواسه هم أول من تحرشوا به لمـا .. الزوغانا لعمر ابعن رئيسهم الذي كان ت إذ إ .. ا عن القتال وجدوه عاكف

الجين جذبه من كمه بشدة ونهره غاضب ا منـه قيـادة ا طالب .البغال التي تحمل عدة وأمتعة القواسة

رفض إيليا بشدة فحاول الرجال أن ينزعـوا عنـه فانهالوا عليـه ؛ فتمسك به وقبض عليه قبضة الموتى ؛سالحهوفي المساء غمز أحدهم بأنـه .. ا وهم يشبهونه بالنساء ضربالفـور نشب بينهما قتال علـى .. عمر الجين المفضل غالم

فتحول الجنود عن فكرة كونـه ؛خرج منه إيليا بجراح شديدة وهو الذي ؛ا وأخذوا يغمونه بعذريته بالضحك والسخرية شاذ

أو يتثاقل على امرأة مـن نسـاء ،لم يره أحد يضرب بسيف .الفالحات الثريات

* * * ـ ،بلغت التطريدة جمجيون لـيال رب الفرسـان وض

من الخروج أحد ا مانعين أن أي وطاقتهم حول القرية فور ..وطوال الليل كان األهالي يشاهدون أضواء المشاعل تهـبط

وقد أخذ الرعب منهم ،وتعلو مع كبكبة الجياد باتجاهات شتى خلع فالح في األربعين من عمره مالبسه ووقف .. كل مأخذ

خـذ يبتهـل إلـى اهللا وأا كما ولدته أمه وسط منزلـه، عاريوطوال الليـل خـرج .. ا غير مفهومة ويخرج ألفاظ ،بالدعاء

ا النذير ا بعصا على طبلة معلن ينادي الالئذين بجحورهم طارق .. بعقاب اهللا ينزله على عصاة خلقه الذين فجروا في األرض

سمعت ضربات الطبول لدى التطريدة قادمة من القرية تأتي ..د ينصتون ال يدرون ماذا تكون والجن،وتذهب مع الرياح

فقتلوا جميـع ؛وفي الصباح هاجم الفرسان جمجيون خمسـة ، وأطاح إيليا بسـيفه وهدموها عن آخرها ،من فيها وأطـاح ،ا طعنات نافذة وطعن ثالثة وعشرين جسد ،رؤوس

وفي دروب المدينة وقف رجل .. بعشرات األيدي واألطراف ا كما ولدته أمه يقرع الطبول عاريا بالنذير اإللهـي مبشر ..

ال يلتفت إليه .. وكانت الخيول المهاجمة تحيد عنه وال تقترب ا مستوحش الفرسان الذين رأوا في دقات طبوله نذير ا ينم ا بدائي

وفي عرية الكامـل إعـالن عـن .. عن جبروتهم وسلطانهم وعلـى طـول المسـافة بـين .. استسالم وخضوع مطلـق

مير مراد بيك يشيع الخـوف كان األ ؛جمجميون وكفر دسوق يتلــف جنــوده .. يخــرب القــرى والدســاكر.. والــدمار

وعلى نفس الطريق تبعهم رجل عـار دعـاه .المزروعاتاألهالي بالشيخ علي البكري المبارك كان الناجي الوحيد من

ـ ون؛ مذبحة جمجي تتخللهـا ةوهو يهذي بكلمات غير مفهوم الذي هو حي قيوم ال جبارعبارات النذير القاسية والتسبيح بال

الذي هو المدمر الغاضب على من عصـى وتكبـر، .. يقهر

ا ضارب الخطائين التاركين عبادته، السادرين في غيهم طمعكانت جماعات الفالحـين الـذين . ةصيفي الحياة الدنيا الرخ

أصابتهم نكبة تطريدة مراد بيك في وجـوم وشـعور طـاغ على ما صنعته أيديهم بالذنب وتأنيب الضمير والذات يتملكهم

ولقد فسر لهم مشايخ القرى وكبار الحكماء منهم .. من ذنوب أن اهللا ترك لهم هذا الولي كي يعلمهم أن المصائب والنكبات

عـن مشـيئتهم أو مشـيئة التي تنزلها بهم المماليك ليسـت مشـيئة أكبـر ؛ فما هم إال أداة في يد مشيئة أخرى ؛أمرائهمسمواألنسا من مشيئةا وعلو .

ذان لصالة الفجر كـبس قبل أن يشرع المؤذن في اآل استيقظ الفالحون فـزعين علـى .. العساكر على كفر دسوق

.. صوت طرقات حوافر الجياد وصيحات فرسان الشفاسـية األمير مراد إعصارخرجوا يستطلعون األمر ال يدركون أن

ا نحوهم كـي يـدمرهم، بيك قد تأتى له أن ينحني فجأة عائد ..فنيهم عن آخرهميو

هما يتناحية وشيخ القرية كل أفراد عائل جمع ملتزم ال مع ا من النسـاء واألطفـال ا البالغ عددهما ستة وسبعون فرد

ووضعوهم في دوار قديمة بنوا ،والشيوخ والصبية والرجال

الجنود حول هـذا دار .. ا وأخفوه جيد ءمداخله بالطوب الني ا أدخلهم إلى نقبوا جدار مدخال يلتمسون له الدار القديم دورة

داروا دورات عديـدة حـول ،ساحة جرن قديم يتوسطها قبر فانـدفعوا ؛ ثم ما لبثوا أن سمعوا ضـجة بالخـارج ،أنفسهم إال إيليا الذي وقف يهز رأسه الملقاة إلـى اإلمـام ،خارجين

نصف سقطة وهو ينفث زفير ا مـن منخاريـه كـذئب ا حارثمة أشخاص مختبئـون .. الوقوف ما أجبره على شيئ. يعدوغـاب ...شم الفضاء بمنخاريه، عبر المكان الـداخلي ... هنا

عبـر .. القصير الذي يحيط بالشاهد تردده وأخذ يدفع الشاهد سـقط .. وأخذ يدفع الشـاهد ،هدغالب ترد .. المكان الداخلي

فجاوبه من الداخل ثالث ؛ا طرقتين سيفه على األرض صانع .. طرقات

فجاوبه الطرق ة وأعاد الطرق بسيفه؛ ا بغت توقف إيلي فاتسعت عيناه وافتر وجهه عـن تكشـيرة ..من الداخل ثانية

ـ .. شعل النيران ثم أ .. غمر الشاهد بالزيت .. سعيدة ا ظل واقف.. تلفح وجهه بشدة و والنار تتصاعد تمسك بالبناء ال يتحرك،

ـ .. سمع صهيل جواده بالخارج ا يضـرب كان الجواد مهتاج امتطاه وعاد يقترب به من الفناء ..ه في األرض بشدة حافري

نسية تصعد إ وقف يتساءل إن كان للفالحين أرواح .. المشتعلأم أنهم حيوانـات تسـكن أرواحهـا .. إلى السماء بعد موتها

.. اندفعت النار كاإلعصار تقتلع الشاهد من أمامها .. األرض ا أشـباح رأي.. تصاعد الصراخ وأنين المحروقين يمأل البناء

وأياديهم ل تنظر إليه وهي تتلوى من األلم، من النساء واألطفا هـز رأسـه المنكسـرة إلـى .. تمتد نحوه تحاول أن تطوله

أوشكت السقيفة على .. طرق الجواد األرض بحافره .. األمامقفز قفزتين يمنة .. تراجع الجواد بعنف إلى الوراء .. االنهيارا إياه علـى لخارجية مسقط حتى خرج به إلى الباحة ا ؛ويسرة وقـف .. غشي على إيليا للحظات قبـل أن يفيـق .. األرض

من داخل البناء الحجري سـرب وفجأة انطلق ،نصف وقفة فتراجـع ؛طار فوقـه مباشـرة .. من الطيور الملونة صغيراستدار نحوها يتابعهـا .. ا على ظهره من هول المفاجأة ساقط

.بنظرة وهي تطير نحو الفضاء البعيد* * *

-٥- مع مطلع مارس من نفس العام دخـل مـراد بيـك

وكان مقدمها قد بلغ بـاب زويلـه ،ه المنهوبات قالقاهرة تسب ولم يمض شهران حتى شـاع فـي .. اوهو بعد لم يبلغ شبر

البالد أن األمير الكبير قد عزم على إصـالح حـال الـدلتا بب وامتنعت عنها المياه بس ،الشرقية بعد أن بارت األراضي

واستحسن .. يج منوف تحول المياه بفرع النيل الشرقي إلى خل :وقال لبطانته...الناس منه ذلك

والفالحون كـالحمير تأكـل ،هذه البالد ملك لنا -وتضرب بالعصا وتنهق وال تعي مـن أمرهـا

وعلينا تبعة البالد لوجه ،ونحن والة األمر .. اشيئسبقه كشافوه لجلـب الفـرد . اهللا ومبغاة رضاه

والتكليفات من األراضي المستفيدة بسد الخلـيج فلمـا بلغهـا كـان ؛ على حد سواء، والمضارة

ـ ،بصحبته الفواعلية والصناع ا بهـا وظل مقيم فوضـع بعـرض الخلـيج ؛يفعل ما يشار عليه

،خمسة مراكب مألها بالرمال واألتربة والحجارة والناس فـي ضـجة ،وأغرقها واحدة بعد واحدة

غرقـت وأ ،مياه على الجوانب ففاضت ال ؛عظيمةونظر الجميع إلـى الفـرع .. المناطق المجاورة

الشرقي فوجدوا المياه ترتفع به ألول مرة منـذ ، ومال الوجهاء علـى فهاج الجميع؛أعوام عديدة

وعلى وجهه ارتسـمت .. د بيك يقبلون ثيابه ارم ..ابتسامة عريضة

د عليه من لـدى كان الليل قد أزف والرسل تتواف ؛ البالد تطالبه بسرعة الحضور "قامقائم " إبراهيم بيك

ال وقـد سـد بحـر وهو مصر على أن ال يعـود إ .الفرعونية األعمى

وفي هذه الليلة استقبل مراد بيك علي كتخدا والمعلم ، وحسـن أفنـدي ،إبراهيم الجوهري وحسن كتخدا الجربان

، حيث علم بقدوم ططري من البـر ؛وشقبون أفندي الديوان ابجي من البحر يحمالن مكاتبات مـن األسـتانة تطلبـان وق

الغالل والصـرر ومرتبات الحرمين من ،الخزائن المكسرة وتوجه لهم اللوم بشدة على عـدم زيـارة للسنوات الماضية،

وقد أوثقت بكتاب مصطفى بيك أمير ،المدينة بالعام الماضي الحج الذي كتبه في حضور شريف مكة وأحمد باشا للسلطان

خبره بتقصير أمراء مصر في الوفاء بالعوائد والصرة لعام ي .١٧٨٥ولعام . ١٧٨٤

علم مراد بيك بقدوم مراكب بحريـة مـن لـدى وأوأن صدر الدولة العثمانية حسـن اإلسكندرية، السلطان إلى

باشا القبطان يجهز للمجيء إلى مصـر علـى رأس حملـة ـ فعزم على السفر صـباح .. لتأديب عصاتها اهرة ا إلـى الق

لمشاورته وتقرير ؛لمقابلة شريكه في حكم البالد إبراهيم بيك ..ما يعزمان عليه

فقام من فوره وهو منتفخ األوداج في ؛أشرق الصباح ـ .. ا إلى البر الشرقي صحبة أعوانه متجه ا وهناك اغـتم غم

وحول السد الذي ، فقد عادت المياه لما كانت عليه قبال ؛اشديد ا عـن الفرعونيـة مياه يجري بقوة مبتعد صنعوه كان تيار ال

ا بحيرة ضخمة واسعة ال تلبث أن تعود إلـى الخلـيج صانع وقبـل أن ..رته أن يبقى فأمر بالترحـال دلم يكن بمق .. ثانية

كان أحد المراكب التي ..يبعد مائة خطوة سمع ضجة عظيمة علـى جنـب أغرقت بالحجارة في سد الخليج يطقطق مائال

وتبعتـه ..ية إلى مجراها األول بالخليج وهلة ثانلتعود المياه وكأن الخليج يـرفض أن يرحـل ؛المراكب الثالثة األخرى

ا بضرحل األمير غا .. األمير دون أن يشاهد فشله أمام عينيه في حين تخلف عنه الجـين بيـك وحملـة ،باتجاه الجنوب

ومعهم إيليا الذي أصبح اآلن يكنـى مـن الجنـود ،القواسة.. فقد تحولوا باتجاه الشمال الشرقي ؛بحسين األشقر والعسكر

ا شطر وقرب محلة رملة األنجب تخلف إيليا عن الركب ميمم .قصر سيده القديم بمنوف

-٦- كان المطر ينهمر بشدة تحت سماء مكفهـرة تعـدو

وعلى السهل كانت الريـاح .. تحتها السحب الرمادية الداكنة ومن حافة النهر . راعيهاتكاد تخلع األبواب والنوافذ من مص

الصغير وحتى األفق امتد البساط األخضر لحقول البرسـيم لها األراضـي البـور خلتوعيدان القمح التي لم تنضج بعد ت

.. الشاسعة الجواد قبل أن يعبر القناة الصغيرة التي تسبق تروى

.. وقبل أن ينطلق جذب قائده العنان .. طريق أشجار الكافور حول نفسه دورة وهو يكاد أن يتزحلق من جفل الجواد ودار

نظـر قبل أن يقـف .. صهيله وسط السكون تردد.. األوحال

صابته لحظة توهج وهو يطـل فأ ؛األشقر إلى األبراج الثالثة . سار تحتها وهو ينظر إلـى أعلـى ..ا على منوف من خلفه

.. الفالحون القلعة تدافع نحوه الغلمان وحياه عندما دلف ساحة فـاهتز ا؛بحربة خشبية في كتفه األيسر متضاحك دفعه مراد

كاد أن يقع على ظهـره .. األشقر على جواده كبندول الساعة تضاحك الفرسان الصغار مماليك مصطفى ...لوال أنه تماسك

وتقدم نحوه حسن أوغلي يريد مبارزته بالسيف ،أغا إيداكش فتالفاه األشقر متراجع مـا إ.. ا على الصمود ا بمهارة ومصمم

ظال يتبادالن ضرب السيوف قرابة النصـف .. وإال فال اآلن .. واألشقر ملتزم بالدفاع،ساعة دون أن ينهزم أحد

قال إيداكش لزوجته األميرة شريفة التي وقفت تطل :سكرعلى الضجة التي تجمع حولها الع

- يخلع ثياب حرب هـذا .. ا هه يريد أن يكون فارس ..ويعود إلى حظيرات

ا لكـن هها الغضب تريد أن تقول شـيئ بان على وج قامة الفتى وعضالته وامتالكه ناصية القتـال أوقفهـا عـن

ـ ، فدخلت دون كلمة ؛القول .. ا ودخل إيداكش خلفهـا مندهشنه عندما أشرف الليل أرسـل على أن دهشته لم تتوقف؛ إذ إ

في طلبه فجاءه الخادم على عجل يخبره أن األشقر قائم على ..الصالة

،يداكش أن يستقلي على ظهره مـن الضـحك كاد إ عنـد . وقام يجري وكرشه الضخم يهتز أمامه والخادم خلفه

ا وتسلل حافي ،اباب الحظيرة أشار إلى الخادم أال يحدث صوت وأطل من الباب مثل جربوع كبير يستطلع ،في لباسه الداخلي

.. فوجده يصلي ويركع دون توقف؛ما يجري أمامه باهتماما فدخل مسـرع ؛عات فوجدها ست ركعات عد الرك ا صالة الفتىوهو يصيح مقاطع:

حبيبي أنـت تصـلي ركعـات .. غلط أشقر غلط -حبيبي صـالة العشـاء .. وأخذ يشرح له باهتمام بالغ .. كتير

والظهـر أربـع .. صالة المغرب ثالث .. أربع ركعات فقط ..الصبح ركعتان.. ركعات والعشاء أربع ركعات ثانية

:سين األشقر ببراءة أجاب حة عن موالنا محمد رسـول أنا أصلي ركعات السن -

..اهللا.. صدم إيداكش الذي ترك الصالة منذ زمـن بعيـد

: خيبته وهو يصيح بفرحدارى

أنت تصـلي .. عظيم حسين عظيم .. عظيم عظيم -وخرج .. ، وتدخل جنات عظيمات كتير تصير من الصالحين

وأخذ يدور في ، من الغيظ ي إلى امرأته وهو يكاد ينفجر رجيلكن دهشته كانت مضحكة عنـدما .. حجرته كفأر في مصيدة

ا تسلل عائـد .. وجد النور ال يزال مضاء في حجرة األشقر أ في مصحف جميل ا على مقعدته مربعا يقر فوجده جالس ؛إليه

كـاد أن .. ئة ويرتل اآليات القرآنية طاوضعه على منضدة و :ايغشى عليه وهو يقول مصعوق

لعنـة اهللا عليـك .. معقول مش.. أمان ربي أمان -في قلعتي وقصري وبجـوار .. لعنة اهللا عليك .. عمر الجين

قرأ ولد ا.. أنت ولد عظيم حسين .. دفع إليه وان.. حجرتي شيخ ا وأخذ يقرأ بلغة ففعل حسين مضطرب .. وأسمعنا آيات بينات

.. ركيكةا وهو يصرخفلما فعل قام إيداكش جري:

..يم فخيم واهللا فخيم عظ- قد كانو.. ا كثيرة أغلبها ممزق وعاد وهو يحمل كتب

وضـعها أمـام .. ن والعلماء سرقها أثناء تنقيبه لدور األعيا :األشقر

هـذه . خذ حسين ولد أنت الزم تقرأ الزم تـتعلم -مـد .. اقرأ وأسمعني . تفسير عويصة مصاحف شريفة وكتب

في شرح خفايـا األحبـاب األشقر يده إلى كتاب فهم األلباب سـعد .. عن ألف ليلة وليلـة ا منقوال كان كتاب .. البن دلهمي

إيداكش بالقصص التي تحكي مغامرات األمراء مـع الجـن :ا وعندما أزف الفجر قام إيداكش وهو يقول هامس،والسحرة

وتصـير ، أشـقر أفندي أنت اسمك يصير حسين - . حسين أفندممفهوم.. دفتر دار سنجق مصطفى أغا إيداكش

. مفهوم أفندم-ن تصحى بدري ألعمـال وكمان أنت تنام من شا -

مفهوم حسين أفندي؟.. أعمال مهمات.. جسام . مفهوم أفندم-

* * * الـذي -امتألت المندرة الخارجية لقصر السنهوري

بالمشـايخ -استولى عليه من السيد الجوهري أيام الطاعون لـذين افترشـوا البسـط وأعيان منوف وتجارها ا ،والعلماءوبالخارج تجمع .. واجتمعوا على الحشايا والوسائد ،والسجاد

وفي .. جمع كثيف من الفالحين والفالحات في ضجيج وفرح

والشـيخ ،مقدمة الصالة جلس إيداكش أغا في وقار وخشوع السنهوري مستأسد الوجه يتوسطهما األشقر يتلو القرآن مـن

واألعيان يرتفع من كـل مشايخ واستحسان ال ،مصحف أمامه :مكان

. بركة الشيخ السنهوري- فجعـل ل اهللا في قلب الفتى نور اإليمـان؛ لقد أنز -

..األبكم ينطق الحقا قال السنهوري معقب:

وهو قـادر أن ؛لقد خلق اهللا القرآن بلسان عربي - ..ةينشره في كل مكان من المعمور

ون قالوا نشهد إذا جاءك المنافق : قرأ األشقر إنك لرسول اهللا واهللا يعلم إنـك لرسـوله واهللا

ونلكاذب نافقينالم إن دشهنـة . يج مانهماتخذوا أيلونمعا كانوا يم اءس مبيل اهللا إنهن سوا عدفص.

:ا بعمقنفسه مفكري صرح األشقر ف أنا لست مسلم فمـن أكـون .. اا ولم أعد مسـيحي..

..منافق

لمح بطرف عينـه عينـا الشـيخ السـنهوري واألفواه تقبل يده الممدودة إليهم تنهل منها .. نالذئبتي

سـاطة أن السـنهوري فقدر بب ؛ومن مالبسه البركة .رجل منافق أيضا

الالتـي وسط جمع كثيف من الفالحين والفالحـات ملـوك م والصبية تقفز في كل األنحـاء تنظـر لل ،يزغردن

تتحـدث بقـدرة الخـالق و ،الصغير بإكبار وإعجاب بـالغ ومن شرفة المندرة الداخلية أطلت وجوه الصـبية .. وحكمته تطل على ما يحـدث "عبد المحسن " و "محمد" و "حامد"الثالثة وبين أجسادهم الصغيرة انحشر رأس بدريـة هـو ،بالداخل

..اآلخر يرى األعجوبة األعجمية وهي تتلو القرآن : صاح محمد أبو الفضل

:قال حامد.. لبلببو حديد بيقرا أي وحق سيدي أ- شوف يا ولد دا الشيخ محمد أبو قنديل هـو اللـي -

..علمه : فعارضته بدرية

أبويـا الحـاج ..شيخ أبو قنديل إيه يا روحـي - ..أيوه.. السنهوري

:فضل قال محمد أبو ال

. دي بركة الشيخ السنهوري– :ا فقاطعها عبد المحسن غاضبنظرت إليه موافقة؛

. شيطان ابن شيطانا واهللا د -خاصة بدرية التي أسرت ما ؛فنظر إليه الثالثة بحنق

.قاله في نفسها ودون أن تعقب بشيءوعندما حان . فهز رأسه غير مكترث ؛زامت بغضب

محمـد " و"حامد"إلى كل من ملء يدها أعطتتوزيع الحلوى ثم دفـع بيـد ، فدار دورة حول نفسه ؛ وتجاهلته ،"أبو الفضل

وهو يقهقه وجميـع ،حامد بضربة قوية أطاح بها في الفضاء كى حامد، ب.. األطفال يندفعون يتقاتلون على الحلوى بشراسة

ا وقد أخفى مـا يملكـه واحترز منه محمد أبو الفضل مهدد، انتهى بجرح مر بينهما إلى عراك دام انتهى األ ف ؛وشدد عليه

أمـا عبـد . ونزيف من أنف محمد ،غائر فوق حاجب حامد رأسه بحجر ملقـى ارتطامسوى ب بشيء ؛ فلم يص المحسن

جعله يدور حول نفسه وهو يحاول جهد طاقته ،على األرض .. ثم ما لبث أن انفجر في بكاء حار طويل،أن يخفي ألمه

ابة قصـر السـنهوري ارتفعت ضجة عالية أمام بو حيث بـدأت طالئـع ؛ا ببدء الجزء الثاني من االحتفال إيذان

موكب طويل تتقدمه جماعـات المنشـدين وهـي تعـزف ثم كاشف المديرية مصـطفى أغـا ،الموسيقى وتدق الطبول

والسـيد البقلـي ، وقاضي المدينة الشيخ السنهوري ،إيداكشحسـين سـار ؛وفي وسط الموكـب . عميد تجارها وأعيانها

األشقر ممتطي ا جواد لى رأسه العمامة الخضـراء ا وع ا مطهم وعلى أسطح الدور وقمم البوابات ومن الشـرفات .الضخمة كانت الزغاريد وصيحات اإلعجاب تنطلـق مـن ؛واألبواب

توقف وكلما عبر الموكب دار ثري؛ . مكدودةاألفواه المتعبة ال .ىحيث يخرج الخدم حاملين آنية الشربات والحلو

وعلى طول الطريق كانت عينـا األشـقر تضـيقان وهمـا . وهو يتذكر قول عمر بـك الجـين ؛اوتزدادان عمق

يعبران طنطا في مولد السيد البدوي وسط زحـام األهـالي ا ومهرجانات كثـار ا غفير وجمع اإذا رأيت مولد .. والفالحين

فـال .والعبونات يتقدمها أغاوات وبكوات ومشايخ ومجاذيب نك لو رفعت مقامه كما فعلت إذ إ .. ن تحت القبة شيخ تظن أ

فلن ترى سوى رفات لعظـام ؛ذات يوم وأنا بعد شاب أخرق

فالشيخ الحقيقي .. ا سوى نمل وديدان أو ال تجد شيئ ،متهالكةانظر حولك تجـده فـي صـندوق .. ستجده في مكان آخر

..النذورغـا والشـيخ كـان سـيده األ .. نظر األشقر حوله

شعر بضيق شـديد .. هني والسيد حسن البقلي يتقدمو السنهورنفث بمنخاريه وحرك رأسه كالمصروع يحـاول . في صدره وتدلى فكـه ،اشتد ضيق عينيه وعمقهما . على نفسه السيطرة

عبر رؤوس أسـياده إلـى رؤوس جمـوع . كذئب ضاري الفالحين الغفيرة التي تحيط بالركب وتضيق الخنـاق عليـه

كان يراها ر.. اطربا حان قطافهاؤوس. * * *

الفصل الرابع

-١- تولى محمد باشا يكـن منصـب ١٧٨٥في نوفمبر

فوجد المماليـك ينعمـون بهـا دون ؛والي الديار المصرية وعثمـان ، وكان كل من مصطفى بك السكندري ،العثمانيين

والجين بك يعيثون في ، وأحمد بك الكالرجي ،بك الشرقاوي ولم تمـض أربعـة .ابط وال ضابط ا دون ر قبلي البالد فساد

أشهر حتى عادت حملة مراد بك من شمال الدلتا وغربها بعد وأتلفـت المسـاحات ،أن أحرقت القرى والكفور والدسـاكر

وتركت خلفها المنوفية والبحيـرة ،الشاسعة من المزروعات وكأنها هوجمت بـالجراد ؛ جرداء وأراض ،اوالغربية دمار ..

ا إياها بـأن بة الدولة العثمانية محذر فشرع من فوره في مكات ما يجري في البالد المصرية هو إعداد لعصـيان كعصـيان

وأن المماليك وعلى رأسهم مراد بـك ،علي بك الكبير القديم وإبراهيم بك قد بدأوا بالفعل في جبايـة وسـرقة األمـوال

وتجهيز ،ا لجلب مزيد من المماليك واألجناد استعداد ؛الطائلة وعـدم ،وأن تأخير الخزائن المنكسـرة .. ط والذخيرة البقسما

لـيس إال بدايـة ؛دفع مرتبات الحرمين من الغالل والصرر وأن على الدولة العثمانية .. العصيان الذي لم يجهروا به بعد

.. فال تخسر كل شيء؛أن تضرب بيض األفعى قبل أن يفقسعرض المحضر الـذي كتبـه أميـر الحـج وكان

أمـام - وخطـه سه ووضع عليه ختمه مصطفى بك على نف ؛ وأحمد باشـا أميـر الشـام الشريف سرور، وشريف مكة،

فوا له ال بعوائد والذي تعلل فيه بأن األمراء المصريين لم يو أبلغ دليل لدى -ين متتاليين ال المدينة لعام و الحرمين وال جدة

..السلطنة على المخاطر التي أصبحت تتعرض لها في مصر :بات من السلطنة تقولجاءته المكاتوا بأن الوزير المعظم والوجه المكرم حسن اعلم إذ -

ـ ، فإياكم والعناد ؛باشا القبودان قادم ؛ا وإياكم وأن توقعوا حرب فقد بلغني أنه تعين مع حسن باشا ستة .فإنكم تخربون بالدكم

ـ و ومائة ،وستون ألف عسكري من جنس التتر ا عشرون ألف. ا من عسكر البلقان والمـورة عون ألف وثالثة وسب من الدالة،

ومائة ألـف ،وعلمت أن عساكر البر معها ثمانون ألف ثور .ا ومن المدافع ما يجره خمسين ثور،جاموسة لجر المدافع

أخذت المراكـب الحربيـة ١٩٨٦في أواخر يونيو يوليـو ٢ وفـي . محملة بالعسـاكر اإلسكندريةتتوارد على

يحث األمراء على د أغا رومي وصلت القاهرة مكاتبة على ي ودار ، فاجتمع األمراء في القلعة لدى الباشـا دفع المطلوبات؛

يه مراد بك على رسول السلطنة وعلـى حديث طويل اشتد ف : وذكره قائال..الباشا

ندفعه فنكون ..كم علينا إال الحساب يا باشا ليس ل – .أدينا ما علينا

حديث زميله فف من وكان إبراهيم بك يحاول أن يخ :الخشن دون جدوى

فحاسبونا علـى . ذن حتى نهاية رمضان أمهلونا إ - .كل ما هو في طرفنا نورده

:قال الباشا . فهل تكفوا عن الرعية وترفعوا عنهم المظالم - اسـمع أقـول لـك . وهل اشتكى الرعية يا باشا -

ـ اإلسكندريةرسلوا لكل من وصل إلى أ ث يرجعون مـن حيوهـذا .. ا وال ندفع شيئ ا وال صرة، نشهل حج وإال فال ؛أتوا

.آخر كالم

هذه أرض المسلمين وهي أمانة .. أتهددني يا أمير - وخليفة رسول اهللا السـلطان عبـد ،في عنق أمير المؤمنين . حيث تشاء وتنزل عساكره أينما تريد؛الحميد ترسي مراكبه

* * * بوع األول تـواترت األحـداث مسـرعة؛ وفي األس

؛ا تأكد قدوم حسن باشا القبودان قائد البحرية العثمانيـة فعندم فحاولوا توكيد حلفهـم مـع عـرب ؛أخذ األمراء يتخبطون

وقبـل أن . الهنادي بإرسال الجين بك ومصطفى السـلحدار ادي قد قابلوا أحمد باشـا يصل الرسل لرشيد كان عرب الهن

فتعاهـدوا منـه ضـد اإلسـكندرية؛ المقيم فـي والي جدة .يةالمصرل

صعد إبراهيم بك ومـراد بـك ١٧٨٦ يوليو ٧وفي صمت . ومعهم بقية األمراء ومشايخ البالد إلى ديوان القاعة

: وتولى إبراهيم بك الحديث في لين،مراد بكنكتـب عرضـحال . يا باشا كل ما تقوله حـق -

نذكر فيه توبتنا وإقالعنا ؛ أمراء ومشايخ ؛اجميع ، لرعيـة ورجوعنا عن مخالفة السلطان وظلـم ا

بل نقرر على أنفسنا تقدمة ونتعهد بدفع اللوازم،

ا إلى القبودان وزير السـلطنة من األمراء جميع، وتقدمة أخرى األول الدستور المكرم حسن باشا

..ا قدرها ثالثمائة وخمسون كيسألمير جدة أشار مراد بك إلى عثمان بك الشرقاوي إشـارة

ا ثم عاد ناشر ،ا فجرى هنا وهناك متعثر ؛ذات مغزى ا فقرأها مشـهد ؛عرضحاالت طلب الغفران والتوبة

عليها الشيخ البكري والشيخ السـادات والعروسـي ثم قدم األلفي بك . والدرديري والحريري والسنهوري

العرضحاالت التي كتبوها بإقرار مـا علـيهم مـن ،مدفوعات للدولة العثمانية والحرمين وجدة والمدينة

وقيل بعض ،ت كثيرة للعرضحاالت وعرضوا إنشاءا ..منها للشيخ الصاوي واألخرى للشيخ السنهوري

واتجه ، ركبتي الباشا وتصاغر مراد بك وركع مقبال : إياه الشفاعةسائال

، يا سلطانيم نحن في عرضك في تسكين هذا األمر - وننظم األحـوال ، ونرتب األمور ، ونقوم بما لدينا ،ودفعه عنا

.لقديمةعلى القوانين ا :فرد عليه الباشا

. ومن يضمنكم ويتكفل بكم- :صرح مراد

وضماني علـى .. أنا الضامن لذلك .. أنا سلطانيم – ..المشايخ واالختيارية

والباشا يكز علـى أسـنانه .. خ رؤوسهم و فهز الشي ا منهمغضب.

درة البحريـة (وفي نفس اليوم دخلت اإلسـكندرية تنها الوزير المعظـم للـبالد وعلى م ، سفينة القيادة )العثمانية

وعندما بلغت أخباره األمـراء .. العثمانية حسن باشا القبوان عزموا من فورهم على إرسال جماعة من العلماء والوجاقلية

وعشر بقـج ، ومائة قنطار سكر ، ومعهم مائة وزن بن ،إليه.. ا وأشياء أخرى كثيرة ا وعنبر وتفاصيل وعود ،ثياب هندية

جتمع المشايخ به فيكلمونـه ويسـتخبرون وكان هدفهم أن ي ويذكرون له ويضمنون امتثال األمـراء المصـريين ،هدمرا

ويذكرونـه ، وعدم مخالفتهم ورجوعهم عما سلف ،وطاعتهم وما تستوجبه الفتن والحرب من ضـرر ،ببؤس حال الرعية

ومن العجب أن هذه العبارة بالذات كانـت .وتلف يحيق بهم ..عبارة مراد بك

ن الركب لم يكد يبلغ شلقان حتى كانت األمور على أ وبعـد ، ففي خالل هذه األثناء ؛قد تطورت تطورات جسيمة

خـرج الجـين بـك ؛إعالن توبة األمراء إلى الوزير األول فخـرج .ومصطفى بك فحرقوا وردان والبالد التي تحيط بها

ير من الحفاة والعراة ظلوا سائرين حتى بلغـوا فمنها جمع غ يوليـو وهـم يستصـرخون ١٢ فدخلوها فـي ة؛اإلسكندري

، فاستقبلهم حسن باشـا القبـودان بنفسـه ؛بالشكوى والعذاب ورحل من فـوره .. وأصدر أمره برفع الخراج عنهم سنتين

.إلى رشيد* * *

-٢- كان موكب البغال الذي يحمل وفد المشايخ يتحـرك

ا في الطريق المضاءة بالمشاعل الزيتيـة والمحاطـة مسرع باش "مصطفى جريجي "شجار الباسقة المؤدية حتى قصر باأل

الذي غادرها إلى القاهرة ؛ وسردار رشيد "مراد بك "سراجين ؛اهرب ـ فنزل به القبودان الذي استقبلهم على الفـور مرح ا ب

وأمـر لهـم ،باإلجالل والترحيب ومظهر البشر والسـرور

ي وفي اليـوم التـال . ورتب لهم طعام السحور ،بمكان للنوم ا المكان وبدأهم بالقولجلس متصدر:

. إيش تريدون يا مشايخ- :فأجابه السادات

يا موالنا أرسلنا األمراء لحضرة جنابكم المعظـم - لقبول توبتهم وإعالمكم بنيتهم على الطاعة والقبول والرجوع

..عن األفعال التي تقدمت علـى القبودان رأسه وقد تصلب وجهه وبقـي رفع

نه انتهى فكـرر السادات كذلك على صمته وكأ ، وبقي صمته :الوزير قوله ثانية

إيش تريدون يا مشايخ مصر األفاضل يا مكـارم - .أهل البالد

قال العروسي وقد شعر أن الكالم بدأ على غير مـا :يرغب القبودان

– ا حال البالد قد ساءت ونخشى أن تـزداد سـوء ..بالفتن والحروب

.لتي قصمت ظهر البعير فكأن قولته هذه هي القشة ا :قال وهو يضحك بسخرية

جئتم يا أهل العلم تشفعون لجماعة من المماليـك – وقد كنت أظن أنكم قد جئتم تطلبون رفع المظالم عن ،الكفرة

. قرية فسد علمائهاتفبئس.. الرعية والفالحين الضعفاء :قال العروسي

وبيـوت .. يا موالنا رعية مصر قـوم ضـعاف – .ختلطة ببيوت الناساألمراء م

:فقالا فإن أول ما أوصاني بـه موالنـا ال تخشوا شيئ –

الرعية وديعة "إن لقد قال .. السلطان هم الرعية ؛ "اهللا عندي وأنا أستودعك ما أودعنيه اهللا تعالى

مـن رةشـا ر إلى كتخدا إسماعيل بإ وأشا( ولهذا وذلك بجعل حق ؛ أصدرت الفرمانات اآلتية ؛)يده

،ن ثالثون نصف فضـة ال غيـر طريق المعنيي أنصـاف ونصـف وقررنا أن مال الفدان سبعة

..نصفلـف لـم يسـتطع الشـيخ ندت آهة مـن الخ

.السنهوري الذي جلس في مؤخرة الوفد أن يخفيها : تمتم قائال

ورفـع . األصول حقـوقهم دومن أين يأخذ أوال - :صوته قائال

حسن باشا اللهم احفظ لنا دستور البالد اإلسالمية – الوجه المكرم الذي أنصف الفالح الذي يزيـده مـا

، فيفسد ويفسد محصوله ؛يفيض لديه من المال افتراء عله يا رب يدرك صنيعة القبـودان . ويترك الزراعة

فتمتم الجميع بالدعاء واللهج بالحمد والثناء علـى . له .الوزير

قطب القبودان قائد البحرية العثمانية ما بين حاجبيـه :هو يشد في ذقنه متسائالو

، كيف ترضون أن يملككـم مملوكـان كـافران – ا عليكم يسومونكم بالعذاب والظلم؟ لماذا لم وترضونهم حكام

.تجتمعوا عليهما وتخرجوهما من بينكم القـول سارع إسماعيل أفنـدي الخلـوقي مـتعجال

:والتبرير .ويد واحدة.. نهم عصبة شديدة البأس يا سلطانيم إ– :ا بعين من نارعتدل القبودان وحدق به غاضبا . تخوفني ببأسهم–

:استدرك الخلوقي . ألنهم بظلمهم أضعفوا الناس؛ أعني بذلك أنفسنا–

:فاستطرد القبودان ..بظلمهم وصمتكم أضعفوا الناس -

مد يده وبأصبعه رفع ياقة قفطان السادات المقصب :وقال

فحـار .. ادات من أين يتأتى لك كل هذا يا شيخ س -االرجل جواب.

:استطرد القبودان . تشاركونهم خير البالد وجبي األموال–

ا بشدة وهو يصرخ قائالهز السادات رأسه نفي: . استغفر اهللا يا سلطانيم–

:قالـ ا تأخذونه معكـم وتقرأو فإني أصدرت فرمان – ه ن

وأشار إلـى إسـماعيل أغـا . على المأل في الجامع األزهر فلما قرأه اصفر ..فتقدم بالفرمان إلى الشيخ العروسي ؛ كتخدا .فأمره أن يقرأه بصوت مسموع.. وجهه

: فقال الشيخ العروسي

صدر هذا الفرمـان الشـريف الواجـب القبـول - والدسـتور ،والتشريف من ديوان حضرة الـوزير المعظـم

وناصر المظلوم علي من ظلـم موالنـا ،المكرم عالي الهمم حسن باشا صاري عسكر الصـقر البحـري العزيز غازي ـ ؛ همايون روزمانجة المنصور حاال يادته السـنين أيـدت س

نعرفكم أنه بلغ حضرة موالنا السلطان : "وزادت رتبته العلية ما هـو واقـع بـالقطر – نصره اهللا –عبد الحميد الغازي

وأن سبب .. المصري من الجور والظلم للفقراء وكافة الناس ونعـين علـيهم ، ومراد بـك ، إبراهيم بك ؛هذا خائنا الدين

يساري عسكر علـيهم مـن حضـرة ،اعساكر منصوره بر وقد حررنا هـذا الفرمـان إلـى .موالنا السلطان نصره اهللا

فحين وصوله إلى كل ذي شأن ؛مشايخ البالد وأكابر العربان .. خالفـة والحذر ثم الحذر من الم ،فعليه العمل واالعتماد به

."وقد عرفناكمساد الوجوم لفترة بين المشايخ حتى جـرؤ الشـيخ

:ا الفرمان في جعبته فقال طاوي؛العروسي على الحديثهـذا أمـر ال .. سلطانيم العفو والمغفرة والسماح -

.يمكننا فعله في الوقت الحاضر

: وهو يهز رأسهفقبل عذره قائال تقولون هذا حسن باشا يجيء إلى رشيد ويهـوش - فإذا تبعنـاه ورحـل ؛ا إلى األستانة ل عائد ثم يرح ،تهويشاتهذا فعل الجبناء واللـذين .. وباء أمرنا بالخسران ،ساء حالنا

أشار ..يميلون مع من تميل .. يحبون مسك العصا من النصف إلى إسماعيل كتخدا الذي حمل مجموعـة مـن المكاتبـات

.أعطاها له : قال القبودان

وأنـا .هذه مكاتبات تسلم إلى محمد باشا يكـن –تيتم وقابلتم فإذا عدتم من حيث أ ؛أترك األمر لكم

بلسـانهم ومنفعـتهم من أرسـلوكم وتتحـدثون .." القبودان قادم:"؛ قولوا لهمومصلحتهم

استدار غاضب ا لهم ظهره ا معطي، ا لهـم ومشير .. فوقفوا حائرين ال يدرون ماذا يفعلوناف؛باالنصر قبـل مقبال أتكـه حاول السادات أن يتقدم كن إسـماعيل أغـا كتخـدا أشـار لهـم ل ،الرحيل

فخرجوا مهرولين بظهورهم يتعثر كل ؛باالنصراف .منهم في ثوب اآلخر

:قال الكتخدا للقبودان إنها الحرب إذن، هل سيسمح لكم الوقت بالبقـاء -

.. إنهم حية بسبعة أرواح.. حتى تتطهروا منهمومدها تحت قـدم ،وأخرج إسماعيل بك رقعة طويلة

:فقال له هازءا).. كانت تحتوي خريطة للبالد(الباشا هل تظنني أحارب هؤالء الصعاليك واللصـوص -

ثم أشاح بيده قائال. بأصول الحرب وشغالت كروفربين أتباع محمد بك . سوف نحارب الحية بأعدائها -

كتـب ، ا أبو الذهب وعلي بك الكبير خصومة وحرب وقتال " حسن بك الجـداوي " و "إسماعيل بك " للعلويين االالمكاتيب ح

أسوأ ما في .. فسوف نملكهما زمام البالد ؛طلبهما للحضور وا .سيصعب هذا األمر علينا.. األمر تحالف مشايخ البالد معهم

.. إلى النيل الغربيمة هل نشرع بدخوله الدونا- : هز رأسه يفكر ثم قال

. البر أنتظر وصول عابدي باشا بعساكر سوف-* * *

-٣- يوليو خرج األمير مراد بك وصحبه وأتباعه ٢١في

مصطفى بك ومحمد بك األلفي وحسين بك شفت وحجي بك وتبعـه األميـر ،وسليمان بك األغا وعثمان بك الشـرقاوي

أن يثنيه للمرة األخيـرة عـن الخـروج إبراهيم بك محاوال ؛ادان سـوي ومالقاة القبو ، والبقاء بالقاهرة ،للحرب في فرقة

خير اا أو شر، ا كان الصلح فإن كان خير، ا وإن كـان شـر، نزلوا إلى قبلي البالد في انتظار رحيل العسكر العثماني عن

.الديار : لكن مراد صرخ فيه للمرة العاشرة

. هذا جبن– :فقال إبراهيم بك

فإذا بقى هـذا ؛ عدتنا من العسكر معدودة محدودة – ... سر العسكر وتمـوت منـا المجاليـب القبودان وأخذنا نخ

ذي أراه أن نحتفظ واألمر ال ، علينا ضعفت شوكتنا حتى قضي .بذرهم كحبوب القمح في الصحراءبمماليكنا وال ن

:فصرخ به مراد بك

لقـد كبـر سـنكم .. أنتم تخافون عسكر عثماني -نسيتم أستاذ جليل .. وأرجف قلبكم أخي وصديقي إبراهيم بك

وفـتح ،هب الذي هزم الجـيش العثمـاني محمد بك أبو الذ أخي إن بقينا هنا وتضافرنا ظنوا أننا جبناء ضـعفاء .. الديار

.وما نحن بذلك :فقال له إبراهيم بك

.ال راجعف وق. األمر لك يا خوند-* * *

-٤- كان علي بك شركس من أتباع إسماعيل بك ينهـب

ـ ،ا لبلوغ منوف والسيطرة عليها األرض نهب لها قبل أن يص ؛حلفاؤه من العربان تحت قيادة شيخ العرب أحمد بن حبيـب

الذي عينه حسن باشا لغفارة البحرين والموارد مـن بـوالق عودة للمراسـيم القديمـة التـي ؛وحتى حدود دمياط ورشيد .رفعها عنهم علي بك الكبير

وكانت األنباء قد بلغت منوف بانكسار مراد بك أمام ا إلى القاهرة وعودته منهزم ،انيةالعساكر الرومية في الرحم

فخرج مصطفى إيادكش إلـى القـرى . بعد مناوشات عابرة المحيطة بمنوف يعمل بها نهب ؛اا وسلب ا للهرب إلـى استعداد

الشرقية أمام الجيش العثماني وحلفائه من جماعـة المماليـك .تالميذ علي بك الكبير

قـدم وطوال الليل شاهد الفالحون الحركة قائمة على فقـد رأى ، والمشاعل الموقدة وهي تتحرك؛ وساق في القلعة

مصطفى إيداكش ضرورة بناء السور المتهدم الـذي يحـيط والواصل بين األبراج الثالثة للدفاع عنهـا واألنبـاء ،بقلعته . فخرج يسابق الزمن ويجمع الفالحين.تسابقه

وكلما ترامت األنباء والشائعات بقدوم حسن باشا في .كان إيداكش يجن جنونهعسكره

الناس يدخل في صحبة وفي عصر أحد األيام شاهده .عابد أغا وأحمد أغا الورفلي ورضوان أغا قصر السنهوري

ا وعلـى وجهـه ولم يمض وقت طويل حتى شاهدوه خارج : استرضاءه والسنهوري يقول محاوال،سيماء غضب شديد

،حرب أيوه أنا أقول يا أغا الفالحون ليسوا أرباب -ن أصـدرت ا عن الدين إ وأكون خارج .. وليس لهم شأن بها

فتوى تحضهم على الخروج عن طاعة السلطان والحرب ضد

طاعة السلطان عبد الحميد .. أمير المؤمنين وخليفة رسول اهللا وتصير طاعـة حسـن باشـا . علينا واجبة وكذلك من وااله

..واجبة على المسلمينا فصرخ به غاضب:

. ومن فين تعرف شيخ سنهوري إيش تقول- وقرأت ، وسافرت رشيد ، أنا كنت في مصر يا أغا -

بنفسي فرمانات وخط الهمايوني شريف واجب تعظـيم مـن .أمير مؤمنين

:ا هذه المرة فقاطعه صارخشـيخ .. شـيخ حرامـي .. أنت تقول لي إسـالم -ونصاب تركـات سـنهوري .. سارق قصور وأيتام .. منصر أنـا .. أنت تضحك على ذقني .. رانييننصير النص .. خنزير

عارف تعمل نفسك ليس لك دخل؛ من شان تكسـب رضـا ويرفع عـنكم ،ن يعطيك أرزقيات حسن باشا خنزير، من شا

.. ويغدق عليكم مـنح وهـدايا وعطايـات ،أموال وغرامات شيخ نصاب يـدخل .. سنهوري خنزير ليأالعيب ما تخيل ع

.جهنم بالبلغات

ووقفت ،ني الدروب برؤوسهم أطلت األهالي من ساك إذ كان ؛وكان األطفال أشجع الجميع .. النسوة يحملن الرضع

..الركب يتعثر فيهم .:قال السنهوري

حرام عليـك .. اهللا يسامحكم .. اهللا يسامحكم يا أغا - ..تفتري على المؤمنين حرام

كـان .. كاد إيداكش أن يقع على ظهره من الضحك :يقول.. إلى الضحكينظر إلى السنهوري ثم يعود

شـيخ .. يقول مـؤمنين .. شيخ حرامي .. مؤمنين - ..يقول مؤمنين.. حرامي

: تدخل عابد أغاحسن باشا وزير معظم ما يبقى .. يا جماعة الخير -

هو ييجي من شأن يسـرق سـرقات .. في أراضي مصرية والحقيقة أنـتم .. وسكوبوينهب نهوبات ويعود إلى حرب الم

المشايخ واإلنكشارية .. يا أغا .. غضبواش ت ن إي لبعض من شا ر الزم تتصالحوا يبيص.. حوالنا عند رحيلنا هم ضمانة لنا وأل

..وترجعوا مثل اإلخوان : إيداكشصرخ

أنا أصير أخو فالح خرسـيس مرسـيس كلـب - .فطيس

أنا عارف يا عابد بك بـس .. اهللا يسامحكم يا أغا -شـا والـال هو مين حسن با .. اهللا يسامحه .. هو مش عارف

ولمـا ،مصر بيصير لها ألف عام يحكمها المماليـك .. غيرهبـس إزاي .. دخلها العثمانيون تركوها أمانة في يد األمـراء

ويحمل بنادق وسـيوف ويبنـي ،فالح يحارب جيش تركي ال يا .. ويمشي في خطوط ويركب خيول .. أسوار تحت النار

ته وهذا وهذه حرف ،الفالح له في مسك المنجل والفأس .. أغايعمل طول النهار وفي الليل يغلـق .. ال نزاع في هذا .. فنه

الباب على نفسه بالترباس وينام حامدا ربها وشاكر .. :ا مهتاجثم صرخ

م مجنون إذا كان اللي بيتكل .. اهللا جرى إيه يا عالم -انتم عساكر وتجيدون في القتال وهم . يستمع عاقل يبقى اللي

طاعـة أولـى إحنا.. يا رجالة عسكر اصطفوا مع بعضكم .. اللي قاعد في القلعة أقول له يا سـيدي .. األمر علينا واجبة

ا أطلع حداك حافي وزاحف على رجليـة ا وأن ،روح أقعد فيه ..من منوف لبر مصر

:ورفع السنهوري يده في الفضاء وصرخ قائال أنا غلطان يا عابد أغا؟. أنا غلطان-

ـ صرخ به إيداكش بأعلى صوته ا وهو يصـعد راكب :جواده

.. أنت حمار غشاش فالح عايز ضرب الكربـاج -ا يقال هذا وهو يلكز مؤخرة جواده بمقبض سوطه بعنف الو

فتـدحرج ؛صهل الجواد وارتفع بقوائمه .. مقوده إلى الخلف ضـحك .. األغا وسقط على مؤخرته بكل جسـده الضـخم

سارع الجميع ..قام وهو يكاد ينشق من الغيظ .. ااألطفال عالي ؛بما فيهم السنهوري وعابد أغا يحملونه مرة ثانية إلى جواده

دفع السـنهوري عنـه بغلظـة .. في محاولة لتالشي غضبه انهال على الجواد بالسوط مرتين قبل أن ينطلق به .. وغضبمتقدما إلى القلعةا أعوانه عائد.

كان الحديث الصاخب الذي دار بين سنجق المديرية ،لسنهوري قد انتقل بحذافيره على طـول المدينـة والشيخ ا

وطوال اليوم كان األهالي يصعدون إلى أسطح الدور ومآذن وقـد عقـدوا ،الجوامع يترقبون حسن باشا بفارغ الصـبر

كانت األنباء ترد مع القادمين .. رجاءهم في العدل على يديه

ي عمـارة بحريـة من النيل الشرقي عند قدوم حسن باشا ف وتحـدث ،ن مياهه فاضت على جوانبه لنيل حتى إ غص بها ا

وعليها ،األهالي عن سفن خرافية تبلغ مساحتها مساحة المدن وأصـبح جنـود ".. عشرة"مدافع يبلغ قطرها ما يتسع لبقرة

وهم يعيثون إيداكش يالقون مقاومة متزايدة عنيدة من األهالي ت تسمع تكبيرات وصيحات متنـاثرة مـن وبدئ. في المدينة

..جائهاأر وقرب الظهيرة سمع األشقر صخب ا وهو يعبر ا عظيم

ا من سورها القبلي ومعه ثالثـة مـن الفرسـان المدينة قادم .يجرون خلفهم عربة محملة بالحبوب

وكانـت ،ا بتكبيـرات كان الصخب يتزايد مصحوب ومن على أسطح الـدور ،وجوه األهالي تقابلهم في الدروب

تقدم كانـت مالمـح العـداء وكلما .مكشرة غاضبة صاخبة انطلقـت علـيهم ؛وقرب محلة السور .. تتزايد وتبرز العنة

وجفلت ،ج رأس أحد الفرسان ش. عشرات من قذائف األحجار ..الخيول التي أصابها الهياج

دار حسين األشقر حول نفسه وهو يدور برأسه بين هدد العن . اأسطح الدور المحيطة ال يرى أحد ا هـو ا صاخب

لم تمض لحظات حتى كانـت القـذائف .. ر وعاد للتقدم اآلخ فصرخ مـن ؛ أصابه حجر في جنبه ..الحجرية تنهال غزيرة

.اولم يكن في إمكان أحد من الفرسان أن يرى شيئ.. األلم فتوقف القذف وعـم ؛ أطلق أحدهم النار في الفضاء

،ا باتجـاه القلعـة لكز األشقر جواده مسرع ..المكان السكون حـاولوا .. عل رفاقه فتابعتهم القذائف غزيـرة قاتلـة ومثله ف

وأخذت جيادهم تعدو في سرعة الهبـة ، دون جدوى هاتقاءاكانـت .. قـذف ال يتوقـف وسط دروب المدينة الضيقة وال

وهـو ؛ واألشقر ينهب األرض كالمجنون نالوجوه تظهر اآل يقسم لنفسه أن يعود بالجنود ويزيل كافة الدور القائمة علـى

بـل سـوف أضـربها .. ال.. هذه الدروب اللعينـة جوانب .بالمدافع

.. وقرب القلعة كان الدرب ينحني انحنـاءة كاملـة كانوا مجموعة من الفالحين وقفوا حاملين الهروات ..لمحهم

أشرع .. لم يتوقف ولم يتوقف رفيقاه .. والنبابيت في انتظاره القتل اآلن يشرع ب .. وزادوا من سرعة الجياد ،الثالثة سيوفهم

ولسحق من تجرأ علـى ، عن حياته ألول مرة بهدف الدفاع ..هم المماليك أسياد البالد وأصحابها.. مقاومتهم

.. تقدمه االثنان كانا أكثر حنكة فـي قيـادة الخيـل أصيب جواد الفـارس األول بضـربة نبـوت فـي سـاقيه

وشق الثـاني رأس أحـد .. فجندل على أم رأسه ؛األماميتينواده تعثر فسقط وفوقه ثالثة مـن الفالحـين لكن ج ،الشطار

..ا بهيسترياصرخ صرخة مدوي.. يضربونه اندفع إيليا كالمجنون وقد أصابه الرعب وهو يـرى

شـق ؛كان أمامه اثنـان .. صرعى الفالحين نه يسقطا يرفيق وانهال الثاني على ظهره بضربة نبـوت ،رأس األول بسيفه

تمسـك والهسـتيريا .. قوية تحملها وهو ينطلق دون توقف دخلهـا .. قبل القلعة سمع طلقات رصاص متناثرة .. بتالبيبه

...وهو يلهثالكـل .. رأي ساحة القلعة تمتلئ بـالهرج والمـرج

وعلـى .. ا بعضهم ببعض يجري في جميع األنحاء مصطدم ا جسـده السور العلوي كان مصطفى أغا إيداكش يصعد جار

ا شه أمامه مرتـدي يهز كر الضخم ساللم البرج األوسط وهو بلـغ .. وخلفه عابد أغا ومصطفى أغا الورفلي ،عدة الحرب

ـ .. ا شيئ ش أعلى البرج فنظر بعينيه فلم ير إيداك ا صرخ طالبولما كان لديه منظـار .. فتساءل الجميع عما طلب .. منظاره

ومحلى بالجواهر خبأه فـي مكـان ثمين مصنوع من الذهب منظاره إلى البرج حامال عاد . فقد نزل يحضره بنفسه خفي؛ا وأسى على اسـتخدامه لهـذا ا وقلبه مغتم ينفطر حزن مغتاظ

ا عندما وضع المنظار على عينيه لم ير شيئ .. المنظار التحفة ثم أعاد النظر به وأخذ في ،اا العن فأخذ يعبث به ساخط ؛قط

.اا ويسارإدارته يمينـ تائم وفجأة توقف وقد أمسك لسانه عن السباب والش

ا علـى كان الهلـع واضـح .. القذرة التي كانت تخرج منه .. ال راد لهئاا وهو يرفع يده يرد شيصاح صارخ.. وجهه

اسـتدار وهـو .. ينصبون المـدافع .. إنهم.. إنهم - وقبل . وتسابق الجميع خلفه في اضطراب ،يسرع في الهبوط

بلوغه آخر سلمة كانت هناك قذيفة تنفجـر قـرب شـاطئ ا من الطـوب النـيء نظر إلى السور الذي بناه حديث .. النهر

جرى عابد أغا وهو يلقي .. باطمئنان من ستر جسده العاري األوامر بتجهيز المدفعية وتحويل مرماها من الشـمال إلـى

..الشرق : صرخ في أحمد أغا الورفلي

.. مدفعية يا أورفلي-

البن المجنـون هـذا أن يهـاجم مـن كيف تأتى - ..الشرق

..من أين تتوقع الهجوم و- .ا بيدهقال مشوح.. من الشمال.. من الشمال يا أغا- ..ا بهذا المكانحق اهللا يدري شيئ من ب-

* * *

-٥- ظل القصف المتبادل طوال النهار وقبـل غـروب

تـدعوه .. الشمس دفع شركس بك بمراكبه لتعبر الفرعونيـة فوجـه ؛رلهفة شديدة للسيطرة على المدينة قبل شروق النها

،غرق ثالثة مراكب للمهـاجمين .. ا كثيفة من المدفعية نيران وظل مركب رابع يتأرجح على صفحة النهر ،ورجع الباقون

وعندما غربت الشمس توقف القتـال إال مـن ،اجيئة وذهاب ونزل بعض ، وأخذ الجميع يجمعون جرحاهم ،طلقات متقطعة

ين تنـاثرت جنود إيداكش بقيادة الورفلي لنهب المـوتى الـذ وكانت الحرائق التي تناثرت اآلن .. جثثهم على صفحة النهر

وقبل العشاء عقد .. في المدينة قد حوصرت بواسطة األهالي

إيداكش مجلس وطلب عابد أغـا مـن السـنجق أن .. اا حربي ا من القلعة متجهين إلى يسارع بجمع الجنود واالنسحاب فور

:ا في كتخدادة صارخ فرفض إيداكش بش؛الشرقية أو القاهرة هذا عين الجبن لن أرحل من مكاني قبل أن ألحق -

.بهم شر هزيمةوران صمت قبل أن يعود عابـد أغـا .. بهت الجمع

:إلى القول .. على حضرتكم إذن أن تباغتوا بالهجوم-

ا رد إيداكش وهو يمسك ذقنه مفكر: خرج بعـد انتصـاف الليـل ت.. فكر فيه أهذا ما -

ثـم ،ا إلى كمشـوش فتعبر جنوب ومعك تجريدة؛ . وتعبر هناك النهر من مخاضـة قريبـة ،فيشا

وعندما يشرق الصباح تكون قـد تمكنـت مـن . شركس بكمجنبة

: قفز عابد أغا يقبل قدم إيداكش . ال تحرك منها إال وقدمي على قدمك يا سيدي– . لماذا حمار- . كيف تنقل مدفعية أفندم-

.تجرها الحمير.. هذا سؤال كتخدا خنزير-ال شك .. وهل يمكن أن نسير دون أن يكشفنا أحد -

أقول لك يا سيدي لماذا ال .. أن شركس يحاصر المدينة اآلن .. نعود إلى أقراننا وإخواننا بالقاهرة فنشتد بهم ويشتدون بنـا

..ونقوم على القبودان قومة رجل واحد فنسحقه :اصرخ حانق

ذقني بتذويقات تضحك على .. أنت جبان عابد أغا - .كالمات معسوالت

:قال الورفلي . أتقدم أنا سيدي الكاشف–

ـ ا إيـاه تهلل وجه األغا حين وجد ضالته وقام معانق :اهاتف

. إلى العمل-* * *

معت ضجة هائلة آتيـة قبل منتصف الليل مباشرة س فانطلق الجميع مذعورين وقد ظن كل مـنهم ؛من جهة النهر

ومن منتصـف ،جرى الجميع إلى الفناء . .أن القلعة انهارت علـى سفينة الرابعة تطل في بالده وقرت ال سكانكانالسور

تحركت يمنـة .. ساحة القلعة مخترقة السور الطيني بمقدمتها ثم تراجعت ثانيـة ، ثم ما لبثت أن تراجعت وتقدمت ،ويسرة

السور خلفها وقد انهـار كلـه تاركة ؛ولكن إلى أسفل النهر .كن لم يوكأن

* * * بعد منتصف الليل بقليل خرجت من البوابـة القبليـة

الـو بمنوف أورطة من خمسمائة عسكري بقيادة أحمد أغـا وفي المؤخرة سارت قافلة من البغال تجر ثالثة مدافع ،يرفل

جـدوا فـي السـير .. ومحملة بألواح ضخمة من األخشاب ن قـد ظل حسين األشقر الذي كا . .صامتين يلفهم الليل البهيم

حتـى بلغـت ؛ا يدفع البغال بقسوة نحو الجنوب جاويش رقي ثـم ،القافلة قرية كمشوش على مبعدة ثالثة أميال من منوف

في مكان يبعد على بـك ،ا باتجاه البحر األعمى انعطفت شرق .اشركس قرابة ثالث أميال شمال فيث

وأخـذ ،وضع األشقر مدافعه على ثالثـة أطـواف صمت وهم يخوضـون فـي الميـاه في هيسحبها هو وجنود

سحبوا في المياه العميقة .. الموحلة حتى بلغوا منتصف البحر دون ضوضاء حتى بلغوا البر الشرقي قبل الفجـر بقرابـة

كـان . مرت فترة طويلة دون أن ينقض عليهم أحد .. الساعة أرسل أحمد أغا الورفلي األشقر في صـحبة .. االشاطئ خالي

لمسافة ثالثة اذاة الشاطئ لالستطالع لشمال بمح فارسين إلى ا حيث برزت أضواء منـوف مـن الجانـب الغربـي ؛أميال

لـم .. وأضواء معسكر علي بك شركس من الجانب الشرقي ا خفية إشـارة إليـداكش أشعل األشقر نيران .. يكن هناك أحد ؛ فسارع بإرسال وكان ينتظرها بفارغ الصبر . بنجاح العبور

ا ليبلغـوا فارس نهبوا األرض نهب آخر وثالثمائة يدألف جن وعنـدما .. األرض التي عبر منها الورفلي بعد الفجر بقليـل

ـ عبروا ورفلي بجـوار الجانب اآلخر من النهـر أوقفهـم ال ..معسكره

ا قبالـة الجانـب كان إيداكش قد جمع عشرين مدفع وقد كشف السور المتهدم عن قلعته التي أصـبحت ،الشرقي

وكان ينوي صد أي هجـوم .. هاجمينلقمة سائغة في فم الم وعند شروق الشمس .. يأتي من هذه الجهة بأي وسيلة ممكنة

،شركسي حمم من قذائف المدفعيـة المعسكر الانهمرت على وكان إيـداكش ينتظـر هجـوم ،وتبادل المعسكران القصف

بقـى . انه بقى هناك ال يفعل شـيئ ؛ إذ إ الورفلي دون جدوى

في انتظار األمـر بـالتحرك ال عسكر الروفلي في أماكنهم فهم بعيدون اآلن عن المذبحة علـى ؛يشغلهم األمر في شيء

.. اوحتى الظهيرة كان الموقف بالنسبة لألشقر غامض .. األقل ،كان الورفلي قد تحرك وحده إلى األمام لمدة الساعة ثم عاد

اسـتقبلهم فـي .. اموربعه بعد قليل عدد من الفرسـان األ وت تسلل إلى .. إنها الخيانة ..فكر حسين األشقر . .اخيمته مرحبهناك كان الورفلي .. منوف وتلميذ أستاذه إيداكش خيمة والي

فعـادوا .. ليساومهم على تسليم إيداكش نفسه بمائة ألف ريا :قال كبيرهم.. رافضين

. ليس في منوف كلها هذا المبلغ- :فضحك الورفلي بمكر قائال

وهناك كنز األميرة ئعه، هناك أموال السنجق وودا - .الخفي

فلي باتجاه الشمال بصحبة بعد مضي ساعة ذهب الور خمن األشقر أن .. عاد بعد ساعة متجهم الوجه ..امورأحد األ

ـ اقترب منه مبتسم .. مفاوضات الخيانة لم تنجح بعد ا ا محييقـبض .. ا إياه مد يده إلى الورفلي فمد له الورفلي محيي .. إياه

ثم جذبه بغتة من فوق حصـانه فسـقط ، بعنف عليها األشقر

، فعالجه بقبضة خنجره على أم رأسه ؛الورفلي على األرض في الوقت الذي قفز فيه ثالثة من الفرسان يمسكون بالرومي

وقبل أن تغادر الشـمس الربـع .. شركس رالقادم من معسك ملقاةاألخير من السماء كانت رأس الورفلي والرجل الرومي

يرسـل لـه بالتحيـة ش ومعها رسالة من األشقر م إيداك أمالم يرفع إيداكش رأسـه ليحـدث .. والسالم ورؤوس الخونة

ن ضجة عظيمة كانت تأتي من أسوار القلعـة ؛ إذ إ الرسول .يحدوها تهليل وصياح

هاجم األشقر من فوره مجنبة علي بك شركس الذي . فانهار بعسكره وحدثت فيه مقتلة عظيمـة ؛داهمته المفاجأة

نه جمع بقية جنوده وانطلـق وكان إيداكش فاقد الصبر؛ إذ إ ا إلى البر الشـرقي نحو مخاضة قريبة تقع في الشمال عابر

فلم ينتصف نهـار اليـوم ؛كي يشارك في الغنائم واألسالب التالي حتى كان جيش علي بك شركس قـد انهـزم هزيمـة

.ساحقة بـك ثناء كان علي بك الملط تلميذ علي وفي هذا األ

شركس يسمع دوي المدافع وهو واقف قرب رملة األنجب في كان غير قادر .. لفرسان وقد أخذ به القلق كل مأخذ ألف من ا

على التحرك بقواته دون قوات العربان الرئيسية التي تأخرت وفي منتصف الليل الثانية بدأت طالئعها تظهر .. في المجيء

واحدة بـل حتى تكاملت في الصباح فلم يتركها ترتاح لحظة ..انطلق بها على الفور نحو منوف

* * *

-٦- عندما توقف الضرب تسلل ستة من األطفال خـارج

،عبروا سور الدينة من كوة صغيرة مغطاة باألعشاب .. الدار تسلقوا .وأسرعوا حيث كانت الضجة تأتي قرب شاطئ النهر تقدمهم .. إحدى أشجار الكافور العمالقة والرياح تتالعب بهم

أما حامد ومحمد فقد . د المحسن غير هياب وخلفه عبد اهللا عبتتابع األطفال من غصن لغصن .. تخلفا لمساعدة بدرية وقمر

وعلى قمتها جلسوا متباعدين يتابعون المقتلة العظيمة التـي ..تجري على الشاطئ اآلخر

كان الظن السائد في المدينة أن إيـداكش قـد دمـر ي أرسل له رأس الخونة معلقة وأن األشقر الذ ا،عسكر الباش

قد استطاع دحـر ؛على سرير من الجريد ورقي ليصبح أغا

ومن شمال المدينة لمـح عبـد المحسـن .. علي بك شركس صرحت بدرية تشير .. ا يتصاعد على البر الشرقي ا كثيف غبار

إلى سحابة أخرى باتجاه المدينة مباشـرة مـن علـى البـر : أبو الفضلوعلى حين غرة صاح محمد.. الغربي

.. عسكر الباشا-وعلـى البـر .. تتقدم الركب ببطء .. كانت البيارق

الشرقي احتمل العربان رأس الجسر الذي عبر منه إيـداكش حتـى ال يـتمكن عسـكره مـن ؛للسيطرة على المخاطبـة

وطوال الساعة شاهد األطفال العربان وهم يفنـون .. التراجعد من الخـوف رتعوكان حامد ي .. عسكر السنجق عن آخرهم

:وهو يوشك على البكاء .. أنا عايز أروح-

: فصرخ به عبد المحسن.. قالها وهو يفهق .. ما تروح يا ابن المحفور هو حد حاشك-

:هنبا بجقال معترف ..وبدأ في الهبوط.. أنا خايف يا ابن توحيده-

وانطلقـوا عائـدين إلـى ،تابعه الصبية على عجل تسـلل الصـبية الثالثـة .. البيـبهم المدينة والرعب يأخذ بت

وقبل أن ،والطفلتان من الباب الخلفي لحوش قصر السنهوري كانت العصا تنهال علـيهم مـن ؛يدلفوا إلى الباحة الداخلية

قفز الصبية وهم يصرخون مبتعـدين ومسـتعدين .. أمهاتهم :صرخت فيهم توحيدة.. دور المجاورةللهرب إلى ال

قف الخمسة تو. .محدش فيكم شاف عبد المحسن - ..نه لم يتبعهمإ... مبهوتين بأعلى السلم

: نظرت األم ملتاعة فين عبد المحسن يا والد؟ -

:ا وهو يشير إلى الخارجترددمقال محمد أبو الفضل اهللا .. أبـو الفضـل كالنـائم ردد محمد .. هناك -

.. يرحمهوصاحت النساء .. يديها ضربت توحيدة صدرها بكلتي

:في صوت واحد .. يا نهار أسود -

: واستطردت صديقة وبهانة.. وانطلقت المرأتان خلفهـم .. هو أنتم كنتم هناك -

.فاستدار الصبية على أعقابهم يلوذون بالفرار* * *

ا على أن يعود للبحـث بعد ساعة كان عبد اهللا مصر ورفـض ، وأيدته قمر وبدريـة ،عن ابن خالته عبد المحسن

وراءهما يخوفانهمـا حتـى ، وظال محمد أبو الفضل وحامد أخذهما محمد وجعلهما يسيران خلفه حتى أدخلهـم .. تقاعسا : وأمسك بهما وهو يصرخ بأعلى صوته،القصر

عايزين يجيبـوا .. أمسكي والدك يا خالة صديقة -كـان .. امسكي والدك عايزين يموتـوا .. الواد عبد المحسن

..االثنان يحاوالن التخلص منه دون جدوىقال عبد .. يا ابن الكلب مش رايح ورا حد سيبني -

: لكن محمد أبو الفضل ظل على هياجه..اهللايا خالـة .. أنا خلصت ضميري وربنا شاهد عليه -

.صديقة الحقي وحضـرت ،جرت النساء نحوه يمسـكن بـالطفلين

ومحمد أبو الفضل واقف ينظف ،ا علقة ساخنة مصديقة فلقنته :يده وهو يقول ألمه

.كان حامد ابنك مات.. امه كانوا ماتوا يي لوال دي- على رأسه تقرأ له الفاتحة كانت أمه تسبح له وتمسح

:وتدعو له

اهللا يجازيـك بنيتـك الطيبـة .. اهللا يهديك يا ابني -ـ .. ويعوضني فيه خير ا هـذا وعبد اهللا يقطع دعاءهـا العن

.المنافق الصغير* * *

ة قد عبد المحسن إلى األرض كان الصبي طعندما هب من أن يتبعهم صـوب وبدال ،ا من الغبار اختفوا تاركين أثر

فكر أنـه قـد .. دينة قرر أن يعود إليها من جهة الجنوب مال.. شيء ما سحري ينتظـره ..أحد ما .. يوجد أحد ما بالقلعة

.اشتد وجيب قلبه وهو يسمع صوت البارود ا لمسـافة مائـة خاض النهر الصغير ثم قفز سـابح

ثم انعطف ليصبح بمحاذاة السـور الشـرقي ،اوخمسين متر أخـذ يتشـبث ،وطئت قدماه األرض ثانيـة .. للقلعة المتهدم

وهو يعبر في طريقـه ،باألحجار والفجوات الصغيرة بالسور لم تكن المرة األولـى التـي .. ا حول القلعة إلى الجنوب ملتف

ا سـمع قصـف .. ايلف فيها حول المدينة من جهة القلعة سابح وفكر فـي ،داهمه ارتياع شديد .. ا بالمدافع يمأل الفضاء عنيف

.. أصابته رعدة .. اصطدم فجأة بجثة جندي مقتول ..أن يعود تمالك نفسه .. رفع رأسه ليرى القنابل تنفجر على البر الغربي

كانت األسوار خالية واألبـراج .. واستطاع أن يواصل سيره لسور أطل فـي ومن فرجة في ا .الثالثة ال يبدو أن بها أحد

مسح الفنـاء .. اساحة القلعة كما يطل فأر من جحره متوجس قفـز .. عزم على الدخول باسـتهانة .. اببصره فلم يجد أحد.. ا باألسوار قبل أن يصبح داخـل الفنـاء ثالث قفزات متعلق

مد يده فأمسـك .ا من كل ما له صلة بالحياة كان المكان خالي ثم رفع بصره ألعلـى ،ها قليال تالعب ب .. أحد البنادق الملقاة

ا فتوجه صاعد .. فشاهد الساللم المؤدية إلى األسوار واألبراج أخذ يشاهد سـير ؛ ومن أعلى مكان بالمدينة .البرج األوسط

..المعركة وعلى صفحة النهر شاهد عبد المحسن مئات الجثث

اردة فشعر أمسك بيده صلب أحد المدافع الب ..الطافية فارتعد ،الحظ فتيل المدفع أمامـه .. ن نفسه والخوف معا يمآل بالقوة

ـ قـرب .. اأمسك بالمشعل وقد بدا أنه قرر أن يختـار جانبفتح الصـبي عينـه .. المشعل جعله يالمس الفتيل ثم اشتعل

جيد ا عن المدفع خطوتين وهو يـرى النـار تلـتهم ا متراجعشعر بضـربة قويـة .. ثم انطلق انفجار يصم األذان ،الفتيلكاد المدفع .. ا بالجدار الخلفي للبرج ذفه إلى الخلف مصطدم تق

على نفسـه يحـاول أن قام متثاقال .. أن يسحقه عند ارتداده ا وسط قذائف المدفعية التي بدأت يرى أثر قذيفته فلم يجد شيئ ..تنهال عليه من كل مكان

لم تمض لحظات حتى خرجت األميرة شـريفة مـن ا،ا في الفناء فلم تجـد أحـد دارت برأسه .. مقرها مضطربة

:ت عليه بجزع رأت الغالم فناد،نظرت إلى أعلى بدهشة تعالى هنا إيش تعمل عندك؟.. حمار أنت ولد -

واستدار ينظر ،فاجأه صوتها فاضطرب من المفاجأة ـ صـاحت .. الممسـكة بـذيلها ةنحوها بتوجس هي والطفل

:متوعدة .تعالى أحسن تموتي.. انزل ولد-

:فقالت.. يتحرك لكنه لم إيـش .. إيش تشـوفي عنـدك .. قولي ولد فالح - ..تشوفي

:سار عبد المحسن ناحية النهر ثم عاد قائال . العربان..صاح.. مد يده ناحية الشمال.. ال شيء- .إيش تشوفي مجنون.. إيش تقولي-

.. كان صوت البنادق وطلقاتها المتفرقة تقطع الفضاء ة إلى الداخل وتقدمت تصـعد دفعت بفاطم ..ثارت مخاوفها

دارت .درجات ساللم األبراج مثنى مثنى حتى بلغـت قمتـه ؛ فوجـدت سـطح بنظرها في المكان الذي خالت فيه زوجها

مغطـى بجثـث العسـكر والجنـود ) ، والبـر المياه(المكانرأت قلة من الجنـود التـابعين .. أصابتها رعدة .. والخيول

وجمـع كبيـر مـن ،لعابد أغا يهربون باتجاه سرس الليان في حين كانت البقية الباقية من العربـان ،العربان يطاردهم

تسبح في النهر وهم يقلبون الجثث الطافية يسلبون ما بها من وبين حين وآخر كان أحـدهم .. مالبس وذهب ونقود وسالح

أمسـك الرعـب .. يطلق النار على جريح فيرديـه قتـيال ها امرأة وحيـدة بـين كانت تختنق وهي ترى نفس ..بتالبيبها

اسـتندت بيـدها .. يدي عسكر القبودان وحلفائه من العربان من المحتمـل .. ا من هذا كلهلم تفهم شيئ.. على كتف الصبي

أثـار ..أن يكون إيداكش في مكان ما وسط هـذه الجثـث .. انتباهها صوت ضربات شديدة قادمة من الشمال الغربـي

بأحد جذوع األشجار يضربون ؛ كان جنود الدالة نظرت هناك

سور المدينة المصنوع -الموضوعة على عجالت -الضخمة :صاحت..من األحجار

.. إنهم ليسوا-نها رأت بوابة القلعة التـي ؛ إذ إ ولم تستكمل كلماتها

قفـزت .. تركها الجنود للسلب في نشوة انتصارهم مفتوحـة ا وهي ترفع ذيل ثوبها من حولهـا تـدعو عبـد الساللم قفزجـرت .. وتنادي جواريها الالتي خرجن مسرعات المحسن

نحو الباب وأخذت هي والصبي يدفعان كل ضلفة بصـعوبة ا وهو مبتل قادم أن يغلقاه لمحا أحد تالميذ األغا وقبل .. بالغة

دخـاله علـى الفـور وقـاموا أ.. كان مراد .. منهكالثياب :صرخت به.. مسرعين بإغالق البوابة

أمـان .. إيش جرى . . إيش جرى ولد مراد خزبك - .. ربي أمان

:قال مراد بي ااصعد.. وهن ىواستطرد عل .. هزمنا موالتي -

.ألعلى كي أراقب القادمين :قال عبد المحسن

.وأصعد معه.. أنا أحمله-

تسلل القليل من عسكر .. غابت الشمس وتغلغل الليل وبعـد .. مصطفى أغا إيداكش الناجين عائدين إلـى القلعـة

وبعده وقرب ،ا وصل عابد أغا جريح ؛ بساعة منتصف الليل وفي الصباح بلـغ مجمـوعهم .. الفجر وصل حسين األشقر

علمت األميـرة .. مائة وخمسين عسكري بين متعب وجريح ـ بأن آخر من رأى زوجها حي ا بقطعـة مـن ا شاهده متعلق

أن السنهوري عندما وكانوا قد علموا أيضا .. ب الطافي الخشاكش سارع بفتح أبواب المدينة في جمـع تأكد من هزيمة إيد

من التجار واألعيان مرحبين بالحكام الجدد الـذين أباحوهـا يسلبون وينهبون كـل مـا ؛ فاندفع العربان والدالة لجنودهم

.. ومن اعترض قتلوه،يجدونه في طريقهمـ ومن خلف مشربية للدور العلوي كانت بدرية ت ل ط

حرائـق فـي أرجـاء ا عن صديقتها دنيا آذاد تشاهد ال رغم وجثث الفالحين القتلى والفتيـات والنسـوة الالتـي ،المدينة

.تجرين أمام العسكر وسط صرخات الفزع والهول* * *

على الباب الشمالي للقلعة برزت مفرزة من عسـكر على بك الملط يصحبها عدد من العربـان حـاولوا اقتحـام

فرحلوا ؛تقدما حامية منعتهم من ال لكن نيران ،البوابة الضخمة وحتى .. عائدين حتى ال تفوتهم أعمال السلب والنهب بالمدينة

بـك س للغروب لم يبرز أحد من جنـود علـي مالت الشم ،كان عابد أغا قد كرنك جنوده على كـوى البنـادق .. الملط

ونقل ثالثة مدافع على المصطبة الداخلية للسـور المواجهـة امراكب اسـتعداد ثم أرسل عشرة جنود للبحث عن .. للمدينة . فهربوا ولم يعد منهم أحد؛للهرب

وفي الليل قام عسكر القبـودان بالمحاولـة الثانيـة ا مـن فـوق و قفـز ..دينةلملالستيالء على القلعة من جهة ا

وألقـي بالزيـت .. ينهمر ثانيـة دفعاد البارو .. أسطح الدور فاشتعلت بها النيران ؛المشتعل على الدور الخشبية المجاورة

..ا النهار حتى كانت هذه الدور حطامم يأتولن تقدموا تحت قيادة شـيخهم أما طابور العربان الذي

فقد انطلقـت قـذائف ؛رون يحاولون اقتحام البوابة وهم يزأ ،المدافع عليهم لحظة بلوغهم مرماها، فأصيبوا بخسائر فادحة

وسقط الشيخ أحمد بن حبيب من علي جواده بعد أن طـارت ا وهو يقسم أن يقوم بنفسـه بسـلخ ا العن قام ساخط ف ؛عمامته

.جلود المدافعين

* * * سـمعت ؛وبينما كان الليل يقترب من هزيعه األخير

صرخ عابد أغا .. ضربات قوية أخذت تشتد ساعة بعد ساعة ا غيظهكاظما ألمه كاتم:

أو مركـب نريد قنجـة .. بدأوا أعمال التنقيب لقد - .للهرب

باح المكان بنـوره تسـلل عبـد قبل أن يشمل الص ومـع أول ضـوء .. ا دون أن يشعر به أحد المحسن خارج

للصباح قاد الملط هجوم وانهمر سـيل ،يا على القلعة ا ضار صـر فـي التهـدم، وأخـذ الق ،كثيف من القذائف المدفعية في حين قاد شيخ العربان أحمـد ،وانهارت واجهته الجانبية

على القلعـة مـن جهـة ابن حبيب ثالث محاوالت للهجوم ثم بذل محاولة رابعة للهجوم من جهة النهـر ،الشمال وفشل

ولما توارت الشمس للمغيب تـنفس .. فأصيب بخسائر فادحة وانتهى اليوم وامتألت ساحة القلعـة .. المحاصرون الصعداء .بجثث المدافعين عنها

وبدأت الضربات ،ساءت حالة عابد أغا ومراد خزبك لجدار الخارجي للقلعـة الـذي غ التنقيب ا بل.. تسمع بوضوح

وبـات سـقوط .. كه ثالثة أمتار من األحجار القوية مسيبلغ بقى األشقر غير قادر على تـرك المـدافعين .. االقلعة وشيك

ـ ،ا عن مركب يهربون فيهادون قيادة بحث ا ولكن بقاءهم أيضـ .. هذا ما همس به عابد أغـا .. كان مشكلة ا أن كـان خائف

تعلقت فاطمة .. الجنود إلى علي بك ملط لقاء حياتهم يسلمهم د أغا أن يستسلم هو واألميرة كي يحفظهـم اب فكر ع ..بأمها

؛ إذ إنه ما ا بهرب الجنود وكان هذا إيذان .. من شرور التنكيل ن أنتصف الليل حتى خلت القلعة على األميرة شريفة وابنتها إ

اختار البقاء و ، وحسين األشقر الذي رفض الرحيل ،وجواريها .. ومراد بك خزبك وعابد أغا الجريحان،مع زوجة سيده

ينجتهـا القلعة إال من األميرة شريفة وما عندما خوت وبضـعف امـرأة ال .. دعت األشقر على انفراد ؛الساحرات

حول لها وال قوة كشفت له عن مكان كنوز إيداكش وكنوزها :رددت.. المخبأة

ر واحـد دون أن لن يبقوا في القلعة علـى جـدا - ..ماذا أفعل.. ينقبوه

:بغتةسأل .. فكر طويال بها السري؟دا أخبريني عن سر -

. أسفل طباق المماليك- . وإذا اكتشفه أحد- . لن يكتشفه أحد-

.. نظرت إليه متطلعة : قال وبتثاقل

. سوف أنسف الطباق فوقه ولن يدركه أحد– جدار،ل عبد المحسن من فجوة في ال قرب الفجر أط

ا عن نفسـه صرخ معلن .. قفز إلى الداخل فاندفع بارود كثيف .. فقام إليه .. اوهو ينظر له دهش .. فتوقف األشقر عن الرماية

..أشار عبد المحسن في الظالماهتاج األشقر .. على مبعدة كانت تطفو قنجة صغيرة

.. وسقط يقبل كتف الغالم وهو يقول،من االنفعالأنقـذت حياتنـا يـا .. صـديقي أنقذت حياتنا يا - .. صديقي

:دخل به إلى الجميعهيا .. هيا بنا .. ولد فالح عظيم أحضر قنجة قوية -

..بنا :أصاب الشك عابد أغا؛ فردد

..هذه لعبة.. هذه لعبة- :جرت األميرة شريفة ناحية النهر

مـا يلعـب .. محال يا عابد أغا هذا ولد شـريف - ..فين قنجه ولد عظيم.. لعبات

. جنب السور يا ست هانم- :قال األشقر

. نحن نهرب عندما يدخلون– بلسان امرأة ال حول لهـا وال قالت األميرة متسائلة

:قوة كيف حسين أفندم؟-

* * * وطـوال الليـل ظـال .. جذب األشقر عبد المحسن

وعندما انتهيا تسلل .. يوزعان براميل البارود في أنحاء القلعة ا واألميرة شريفة تسب زوجها إيداكش حي الجميع إلى القنجة

.اأو ميتكان جنود علي بك ملط قد اقتحموا السور الخارجي

فتح األشقر باب القلعة وأشعل .. وشرعوا في هدم سور البناء وأطلق البارود فـي الفضـاء ،ا للعربان بالقدوم مشير مشعال

وقـد ،ا المهاجمين الذين يحاصرون القلعة من الشـمال منبه فانـدفع العربـان .. نوا أن المنقبين قد استولوا على القلعة ظ

.ليشاركوا في الغنائم واألسالب ا وخلفه هبط كان عبد المحسن قد هبط في المياه سابح

صوبها نحو أحـد براميـل البـارود ، أخرج بندقيته ،األشقر ناد فدوى في الفضاء انفجار رهيـب ضغط على الز ،البعيدة

ـ توالت بعده االنفجـارا ات االسـتغاثة والرعـب رخت وصوعلى صفحة النهر كانت ألسنة النيران المشـتعلة .. والسباب

ـ رفعـت .. اتنعكس فتضيء المركب الصغيرة المتجهة جنوب :األميرة شريفة رأسها باتجاه القلعة غمغمت

ما كنت أظن أن مشغالت إيداكش األحمـق بهـا - .حمتنا قلعته.. مصلحة

هـبط .. ا من األسـر وفي فيشا توقف الركب خوف واختبأ الجميع عـن ،األشقر وزوجة سيده وابنتها والجرحى

ثم أرسل عبد المحسن في اليوم الرابع أعين الناس ثالثة أيام، ا الحمايةإلى الشيخ السنهوري طالب.

وهي جالسة بجوار - بعد آذان المغرب شاهدت بدرية وقـد ال ابن خالتها عبد المحسن يتسلل داخ -المنقد هي وأمها

صـرخت .. لثم وجهه يحاول أن يداري وجهه عن األنظـار :فزعه

.. أمه- .. إيه يا بت-

. ظلت بدرية عاجزة عن الكالم :وقبل أن تكمل صاحت.. إيه ياب-عرفتـه مـن .. عبد المحسن واد يا عبد المحسن -

ضمته إلى صدرها .. فقامت تجري إليه ؛التفت إليها .. ظهره ..بشدة

وفي وسط الباحة رأت .. ى الصراخ خرجت أمه عل فانطلقت تبكي وتضـحك فـي آن واحـد ا يرزق؛ ابنها حي ، استقبل عبد .. تدعوا له .. تتحسسه.. تغمره بدموعها .. تضمه

.المحسن عواطفهم باستهانة بالغة.. لم يجبه أحـد .. اسكتي يا خالتي .. اسكتي يا أمه - :صرخ فيهمفين أبويا . حور اسكتي يا بنت المف .. اسكتي يا وليه -

الشيخ السنهوري؟

فتحول العناق إلى سباب متصل أطلقته عليـه أمـه .ا آخر وتهدئ من ثورتها حين،اتشاركها فيه خالته حين

:مر وقت طويل قبل أن يجيب أحد سؤاله : قالت صديقه

. في المندرة- :همس

لوحده؟- .. ال معاه السيد حسن البقلي-

:قال بلهجة آمره . خالتي بسرعة أنا عايزه بس في السر روحي يا-

:ب وهو يتابع خالتهنظروا إليه باستغرايعني هو .. فاهمة.. يعني متقوليش لحد إن أنا هنا -

..متقوليليوش السبب إال قدامي وأمام السنهوري أخرج عبد المحسن قـالدة ذهبيـة

:همس في أذن الشيخ وهو يعطيها له.. أخفاها في قبضته ..د الجماعةأنا جاي من عن -

وأخذه معه إلـى ، انقلب حال السنهوري على الفور .خلوته

ـ ا دون أن قرب الفجر تسلل عبد المحسن خارجغادر القصر وقد ترك أمه وخالته فـي .. يدري أحد

وبعد العشاء شاهدته بدرية يدخل متسـلال .. هم ثقيل ا وخلفه المملوك الذي شاهدته يخـتم هذه المرة أيض

وتبعتهمـا بعـد ،ي المندرة عند أبيها الشيخ القرآن ف ا يخفـي قليل امرأة شركسية تضع على رأسها خمار

حبشيات ظلـت ، وطفلة صغيرة وثالث جوار وجهها وقد امتألت ،تنظر نحوهم ونحو عبد المحسن بتعجب

إذ بدا أمامهـا تقدير تجاه عبد المحسن ألول مرة؛ بالألغـا كبار مـن أنـواع زوجـة ا يتدخل في أمور ال

.. والشيخ السنهوريومملوكه ا إلـى وكان عابد أغا قد استكمل رحلتـه سـر ومن هناك أرسل . حيث التحق بأمراء القبالي ؛المنيا

،األخبار بأن سيده مصطفى أغا إيداكش سليم معافى ويقيم مع أستاذه سيد البالد مراد بك الذي كـان قـد

بنـاء دفاعاتـه هرب على عجل ودون أن يستكمل ها في بوالق بغية صـد هجـوم ومتاريسه التي أقام ن ظهرت مقدمة مراكبـه ؛ إذ ما إحسن باشا القبودان

وضـج ، حتى زغردت النسـوة ،قرب ميناء بوالق ا وصاح الرجال وقاموا جميع ،الناس وصرخ الصبية

فكسروها ودمروا ؛قومة واحدة على مدافع مراد بك يضمر فأظهر مراد بك طلب الصلح وهو . تحصيناته .الهرب

ن أغسطس كان عسكر وطوال ليلة الثامن م وجمع المشايخ والوجاقـات ، بوالق القبودان ينزلون

وأنهم يتوبون ،يتوسلون في طلب الصلح عن األمراء وأثناء نظـر القبـودان فـي .ويعودون إلى الطاعة

رسائلهم جاءته األنباء أن أمراء المصـرلية هربـوا ؛لقبلي من خلـف جبـل المقطـم ا إلى الوجه ا جميع

، فأرسل خلفهم المراكب التي استولت على مـراكبهم عيل بك وحسن ا على عجل إلى إسم نه أنفذ رسال ثم إ

وإبـراهيم بـك ،عدوي مراد بك ( بك الجداوي بغزة يطلب منهما سرعة الحضور كي يضعهما )اللدودان

مـن األميـرين في مكان اإلمارة على البالد بـدال .الهاربين

جنـوده متقدما في اليوم التالي ركب إسماعيل كتخدا ؛ وهو فـي زي الـدالة، في مركب حافل في شوارع منوف

وعلى رأسه هيئة قليق من جلد ،ا عباءة مطرزة بالذهب مرتدي وبيده مخصرة لطيفة على هيئة حربة بطرفيها شعب ،السمور

، ومعه أحمد بن الحبيب شـيخ العربـان ،عليه رسم الجاللة ، وأكابر السناجق واألغـاوات ، وشركس بك ،ي بك ملط وعل

ام ور، وقد سار خلفه عساكره من األ وأعيان المدينة وتجارها يرتدون الطرابيش الملونة، وفي ؛والدالة والمماليك والعربان

اأيديهم مكاحل البنادق والقبانات وفتائلها موقدة، حتـى بلغـو :ون وأمامهم المنادين يناد،جامع سيدي أبو حديد

أمان واطمئنان حكم ما رسم حسن باشـا، وحكـم - .إبراهيم بك ومراد بك بطال

بطال أعمال العسـكر الشـائنة أمر كتخدا القبودان بإ ادى محمد أغا األرنئوطي وفي اليوم التالي ن . والمعاقبة عليها

ـ ي منوف الجديد أن والي ا أو سافر إلى بلده كل من كان فالحقواس ا بطاال ا أو سراج، جد بعد ثالثـة أيـام اسـتحق ومن و

.العقوبة

وفي اليوم الثالث نودي على طائفة النصارى بـأال وال يشـتروا ، وال يسـتخدموا المسـلمين ،يركبوا الـدواب شيء من هـذا باعـه أو ومن كان عنده ..الجواري والعبيد

الزنـار يهم أن يلزموا زيهم األصلي؛ من شد وكذا عل أعتقه، بك كتخدا القبودان أرسل مكاتبات سماعيلإكما أن . والزنوط

قاضي قضاة منوف للكشف يالسنهورعلى عجل إلى الشيخ على جميع ما أوقفه المعلم قسطندي على األديرة والكنـائس

.من أطيان ورزق وأمالكلى بيوت ك مكاتبات صارمة باألمر بالذهاب إ وتبع ذل

ـ دعوو وي ، وكتابة ما يجدونه من متروكاتهم ،األمراء فـي هنحمت قصـور مصـطفى فاقت . والختم عليه ،مكان من البيت

ونودي أن كـل مـن ،إيداكش وعابد أغا والورفلي وآخرين عنده وديعة أو شي من متاع األمراء الفارين وال يقـر بـه

؛ فلم يستجب أحد ؛ويظهره في ثالثة أيام قتل من غير معاودة ـ دلوه فجمع محمد أغا األرنؤطي الغفراء ومشايخ الحارات لي

على كل األماكن غير المسـكونة فـي حـارات وعطفـات وفتحها ونقبها ،فدخل كل دار غير مسكونة . ودروب المدينة

دار ة عشر ؛ فإذا به يكشف عن ثالث اا دار ا ملئـت عـن دار

، آخرها بالنهوبات والمسلوبات لمصـطفى إيـداكش وحـده ا لـم وعشرون دار ، ومثلها للورفلي ، دور لعابد أغا وخمس

ورحلت إلى ، وأخرجت الخبايا وختم عليها ،عرف أصحابها ي معت عشرات الجـواري ملـك وج ،القاهرة مصحوبة بالجند ـ ؛السنجق المهزوم وأتباعه ا إلـى فجمعهن وأرسـلهن أيض

.القاهرةوفي صباح اليوم التالي كبس محمد أغا على قصـر

سـرواله إليـه فـي بوغت الشيخ وخرج . الشيخ السنهوري :سأله ما الخبرالداخلي ي يا سيدنا معي فرمان من الدستور المكـرم حسـن -

.باشا يطلب زوجة إيداكش ومملوكه وابنتها قال السنهوري غاضب:

وأعطيتها األمـان، كيـف ، الناس استأمنت عندي -الـوراء ارتد األغا بجذعه إلى .. ا لألمانة تجعلون مني خائن

:اوقال هازئ وكلمـات ،العبونـات يا موالي ال داعي لشغالت - ، إيـداكش عنـدك ىنحن نعلم بأن ودائع مصطف .. فارغات

تسلم لي .. وبعض عبيده عندك ،وزوجته عندك وابنته عندك .ما جاء بالفرمان أو أسوي قصرك بالتراب

: بغضبهز السنهوري يده في وجه الوالي قائال . أنا ما أخاف- ومـا أنـا إال ، تخاف أو ما تخاف هذا ليس شأني -

..نفذ ألوامر القبودانم أما تراعون حرمة النساء؟-حضرتكم تدخلون وتشـاورون .. اسمع يا موالنا - أو ، وتجعلونها تفاضل بين محو القصر من الوجـود ،األميرة

.ذهابها معنا .واستدار داخال.. أنا هشوف-

بعد فترة قصيرة خرجـت األميـرة تتبعهـا ابنتهـا ـ ، وكل من في ال ومملوكها األشقر ى قصر يشـيعونها باألس

..."رب ارحم عزيز قـوم ذل : " ولسان حالهم يقول ،والترحمبـط ور ،ضعت األميرة وابنتها على حمـاره وو ،د وثاقهم ش

األشقر بالذيل عاري الرأس بعد أن أطاحوا بقلنسـوته وهـم ..يضربونه بالسياط

:طافوا بهم منوف وهم يصرخون

حكم مراد بك الحكم بما رسم حسن باشا القبودان و - .وإبراهيم بك وأعوانهم بطال

* * * وجدت األميرة شريفة نفسها حبيسة في أحد المبـاني

كانت معهـا زوجـة .. القذرة وسط مئات الجواري واإلماء أما زوجة مراد بـك .. إبراهيم بك وضرتها أم مرزوق بيك

لشرقاوي وكان هناك معها جواري عثمان بيك ا .. فقد اختفت وجـواري ،ها بيد القليونجيـة تيخرجت من ب ومحظيته التي أ

بالصليبة ، وأحيط بمنازل ضرب الميضاة أيوب بيك الصغير وكانت ، وكان فيها ودائع وأغالل ،وطبليون وحارة المغاربة

؛ روميـات، النساء فيها خليط غريب مـن أجنـاس العـالم سن ينـدبن ازيات، زنوج، بلقانيات وغاليات جل قوق قرويات،

.. من اللغاتحظهن بخليط غريب إذ كيـف ا؛ وكان الحنق قد بلغ األميرة شريفة مبلغ

وكانـت .. يحدث لها كل هذا وهي األميرة التركية الشـريفة تصرخ طوال الوقت طالبة المثول أمام حسن باشا القبـودان

لم يكن أحد يسـمع لصـراخها، .. و قريبها ال محالة الذي ه ف وكان بخار العرق يتصـاعد مـن األجسـاد لحـر صـي

ل والبراغيـث وانتشرت الحشرات القارضة والقم ،أغسطس وعلـى األرض ، الحك والهـرش على أجسادهن تسبب لهن

ورؤوسـهن بسياقهنكانت الفئران تنطلق بشراهة مصطدمة فكن يقمـن فزعـات والصـرخات ؛وأجسادهن أثناء نومهن

.العالية تتصاعد متقطعة في أرجاء المكانوقـد .. ري تتنـاقص والجـوا .. أمسك الهلع بخناقها

وأخرج ،علمت أن حسن باشا أحضر المطربازية واليسرجية الجواري بيض ونودي عليهن بالمزاد الذي أقيم فـي ،اا وسود

العثمانيـة - بأبخس األثمـان -وتقدم لشرائهن .. حوش البيت .والعسكر

-٧- ا المجلس والغيظ يأكله أكال جلس حسن باشا متصدر،

، والشيخ أحمد درديـر ،يخ السادات الش ؛وأمامه من المشايخ ومحمـد ، ومحمد الحريري ، والسنهوري ،والشيخ العروسي يطلبون اإلفـراج عـن نسـاء األمـراء .. باشا والي مصر

:وكان السادات قد ابتدأ القبودان بالحديث قائال. وأبنائهم

؛ لما ظنناه فيك من نا سررنا بقدومك إلى مصر إن -مـا ه نسن مقدمكم وأفعالكم أ ، وعلمنا من ح نصاف والعدل اإل

بيـع طان إلقامة الشريعة ومنع الظلـم؛ ال أرسلكم موالنا السل . ال يجوز وال يحل هذا الفعـل . والداألحرار واألمهات واأل

وأحضر أفندي ديوانـه ،ا عينا الباشا كالجمر مغتاظ تاشتعل :قائال

اكتب أسماء هؤالء حتى أرسـل إلـى السـلطان - ..وامرهوأخبره بمعارضتهم أل

: ثم التفت إليهم وقال والسلطان يرسل لكم خالفي ، أنا أسافر من عندكم -

ي كل يوم أقتل من عسـاكري نأال يكفيكم أن .. فتنظروا فعله وشفقة بعامة النـاس ، مراعاة للعدل ؛طائفة على أيسر شيء

م فعل العسـكر فـي لو كان قد قدم غيري لنظرت .. ائهموفقرواجـه غضـبة الجنـد لألمـراء إنما أ .. البيوت واألسواق

فإن لم أفعـل انطلقـوا علـى النـاس والبيـوت ؛وأتباعهم ..واألسواق

:قال السنهوري

وتعـوض الجند، بيع الجواري ألجل أن تشتريهم -وإنمـا ..بهم في االغتراب واجب ومصلحة بل وهي فضـيلة

فهذا ال يجيـزه شـرع وال ؛نحن شافعون في األحرار منهم .دين

ها رأسقال هاز: .ن يدفعن ما على أزواجهن للسلطان ويخلص-

:فقال الشيخ الحريري . النساء ضعيفات وينبغي الرأفة بهن-

:فصرخ الباشا من الغضب.. أنتم شركاء في الظلم وتشفعون له .. ال حول اهللا -

هؤالء الكفرة لهم سنين ينهبون البالد ويأكلون أموال السلطان لهم وتزينون لهم الهـرب وأنتم تشفعون ،والرعية والحرمين

بما ثقلت به أكتافهم من المال والذهب والمتاع مـن أمـوال أنا قادم من سلطنة .. الدولة والمسلمين دون خجل أو مواربة

واآلن قولوا لـي كيـف .. لتأديب كفار من أمراء المصرلية نحارب الموسكوب وأعداء الـدين متمكنـون مـن الـديار

..المصرية

وانتظروا أن يأمرهم .. خجال خ رؤوسهم وأطرق الشي ..باالنصراف

: قال الشيخ الدرديري . إنما نحن شافعون والواجب علينا قول الحق- : رأسه وعلى وجهه سيماء االحتقارعففرلقد خرج أزواجهن .. أنا أقول لكم الحق .. أي حق -

فإن دفعن ما علـى ؛ النساء دعلى خيولهم وتركوا األموال عن وإال أذقناهم مر العـذاب وبعنـاهم ؛لهنأزواجهن تركنا سبي

.على مصاطب اليسرجية* * *

أشرف صباح اليوم الرابع عشر على األميرة شريفة وكانت الجواري التي كانـت ، الباشاإسطبالت في ملقاةوهي

.. واليسـرجية تباع على األبواب بين يدي الدالة لدى األقباط وأصـابتها ،لهلع فحل بها الفزع وا ؛نودي عليها وعلى ابنتها

نوبة من الهيستيريا والصراخ وهي ال تتوقف عـن ترديـد :عبارة

كيف يعرف أنه .. أريد حضرة قبودان .. آخر كالم -أنا أميرة شريفة بنت باشـجاويش .. يبيع قريبته وابنة جلدته

..آخر كالم قبودان.. محملدارية تركي أصيل مش فالصواشـي فـدخل أودب ؛رفضت األميرة شريفة الخروج

يـديها علـى مـداود جدها تقبض بكلتا فو ؛اختياري الحرس وقد ، منكوشة الشعر ممزقة المالبس ا؛ جذبها خارج ..الخيول

فتحت عينيها بصعوبة غير .. امتأل جسدها بالقروح والقذارة فلما تعرفـت .. قادرة على أن تتعرف على الشيخ السنهوري

عليه قامت غاضبة بشموخ وهي تـرى إسـماعيل كتخـدا :تقدم السنهوري نحوها قائال.. بجواره

.. يا أميرة كل شيء على ما يـرام ئا ال تخشي شي - .سنرحل عائدين إلى منوف

:أطل حسن باشا وصرخ بالسنهوري أم من ودائـع ،شيخ سنهوري .. من مالك تفتديهن -

.مصطفى إيداكش لص هارب :قال السنهوري وقد أخذته المفاجأة

، للخير والي كرامة هللا وفعال وحق كتاب اهللا من أم - ..وحماية للحرائر

ا صرخ القبودان مهتاج: كاذب وحق كتاب اهللا كاذب شيخ جربـوع أنـتم -

ال ؛تفتدون نساء مراد بيك وإبراهيم بيك وتالميذهم المالعين ولكن مـن ، عن فالح أو مظلمة ا وال دفاع ،لورع أو شهامة

شـيطان يـا أغرب عن وجهي يا .. أجل منفعتكم الشخصية .ملعون ما تستطيع أن تضحك على ذقني

رفعت األميرة قبضتها في وجـه القبـودان وهـي :تصرخ

أرسلكم حضرة سلطانيم من أجل بهدلة تركيـات - .شريفات

دفعها إسماعيل كتخدا برفق إلى الخارج وعلى بـاب :القصر دقت األميرة كعبيها في األرض

ة مـن خطو ما أسير .. وولد أشقر حاال .. حبشيات - . كيف ما يكونوكل واحد فيهم يفتدى.. دونهم

،حار السنهوري في أمر نفسه وهو يلعنها في سـره ألقى بين يدي أودباشـي .. بعد أن جلبت عليه غضب الباشا

فأخرج له الحبشيات فوقفن بين يدي ،اختياري العسكر بكيس فاشترى كـل واحـدة .. اليسرجية فلم يقبل على شرائهن أحد

.. داهمته روائـح نتنـه .. ثم تبعه إلى سراديب القلعة ،بريال.. الملقـاة رطوبة الجدران وبول وإفرازات عشرات األجساد

ـ ا مـن كمم الشيخ السنهوري أنفه وهو يدور بالمشـعل قريبدفـع .. اوجوه الرجال المنهكة حتى وجد األشقر يرقد متهالك

ودفـع مـثلهم إلـى ،فيه عشرة أكياس كما قدر اليسـرجي ا في عربة تجرها ألقى بهم جميع .. باشي اختياري العسكر أود

ا مبـرز ،ا وانطلق ينهب الطريق نهب ،فتح باب القلعة .. الجياد .تصريح إسماعيل كتخدا لكل من يعترضه

ا منتفخة العربة أربعين رأس قرب الرميلة شاهد راكبو النخل وقـد شـوهتها دمن قتلى القبليين على سرير من جري

أشاحت األميـرة برأسـها .. أن مر عليها أسبوع الشمس بعد في حين أبقـت الحبشـيات .. وخبأت وجه ابنتها في صدرها

..النظر محدقات الرؤوس حتى عبرن جامع السلطان حسـن حيث ينتظرهم ؛أمر السنهوري الحوذي باإلسراع إلى بوالق

.مركب صغير سيقلهم إلى منوف* * *

الفصل الخامس

-١- فجأة في عـداد الرجـال بعـد أصبح عبد المحسن

ا بنبـوت ممسـك كان يسير مختـاال .. مغامرته بقلعة األغا لجوز ينظر من بعد إلـى الصـبية فـي مصنوع من شجر ا

رور واحتقار وهو اليني يذكر صـداقته القويـة بحسـين غخاصة محمد قته الوطيدة باألميرة شريفة هانم؛ وعال ،األشقر

ا يتمسح فـي حامد مخنث كان يرى .. أبو الفضل وأخوه حامد أما محمد أبو الفضل فإنه لن يكـون سـوى مقـرئ ،البنات

.. ا للشيخ السنهوريأو خادم، يعيش على صدقة المقابرلقمريـة وعندما يجتمع الصبية والفتيات في الليالي ا

كـان ، أو ما يشبهها من األلعـاب؛ "بات يا واد بات "ليلعبوا د عساكر علي بيـك يسهب في ذكر المعارك التي خاضها ض

وكيف صوب المدفع الذي قتل به .. الملط وعربان ابن حبيب وإال فليقل له أحد كيـف صـمدت ؛المئات في عرض البحر

فيحـار الجميـع .. القلعة يومين كاملين بعد هروب إيداكش ثم يحكي كيف أنه قتل ثالثة ذئاب كانوا يحرسـون .. اجواب

التي هي بنت ملك ،هاالقنجة التي هربت فيها األميرة وأتباع لكنـه .. وهو أمر كان يصعب على الصبية تصـديقه ؛الجان

؛ كان يصر وهو يحلف بأغلظ األيمان بأن هذه هي الحقيقـة : فإذا سألوه الدليل فكان يجيبهم

..هل لدى أحد دليل على وجود األسياد - ا أن يهمس أحـد األطفـال وكان من المنتظر دوم

مع األميرة شريفة هانم وابنتهـا ا منه أن يحكي قصته طالب .. وأن الحكايات المثيـرة سـوف ،هذا يعني أن الليل قد أوغل

لكن عبد المحسن يـرفض أن .. فيحل الصمت والترقب ؛تبدأ ألن في األمـر امـرأة يجـب أن ؛يحكي هذه القصة بالذات

، فربما تنتقل األخبار منهم إلـى أهـاليهم ،يؤتمن على سرها جها في قبلي فتحدث مشاكل من نوع وتصل األخبار إلى زو

.. وليس الصغار من أمثالهم،ما يعرفه الكبار البالغون فقط ويزداد تمنعه وتعنته كلما كشـف الـنهم والشـوق

إلى الحد الذي تبلغ فيه كثـرة ،واإلعجاب في عيون األطفال .؛ األمر الذي يدفعهم إلى االنصرافالتوسالت حد الملل

ن كيف فوجئت به األميرة ساعتها يروي عبد المحس وعن ابنتهـا األميـرة ،ا في القلعة يطلق المدافع عنها وحيد

قع أسيرة بين يدي علي بيك وقد كادت أن ت ،الصغيرة فاطمة وكيف أنها استقبلته في مخدعها وهي فـي قميصـها ،.الملط

الداخلي وظلت تضمه وتقبله وهي ال تتوقف عـن ذلـك إال ؛ا، وأنه وحده الذي أنقذها ر هارب لتلعن زوجها الذي تركها وف

ولوال أنـه .. وهي لذلك سوف تزوجه ابنتها الصغيرة فاطمة وهذا بالذات ماال يستطيع األطفال عنده إال االنفجار –صغير

ورغم ضحك األطفـال فإنـه .. ته هي لتزوج –في الضحك وال ،يستمر ويصر في كل مرة على هذا الجزء من روايتـه

بـل ضـحكهم بابتسـامة طيع إال أن يقا وال يست .. يغيره قط ن أي انفجار يحاول أن يقمع به ضحكهم لـن إذ إ .. متواطئة

..يجدي معه في هذه النقطة بالذات كان يبـرز ؛ وحتى ينتهي األمر على ما يرغب هو فيتلهـى بـه ؛قطعة ذهبية أو فضية أو خنجر بديع الصـنع

ويذهب األطفـال إلـى .. األطفال عن هذا الجزء من قصته لتصديق، والحلـم النوم واألرق يغالب نعاسهم بين الدهشة وا

. الوحيدةبمخدع زوجة األغا التي كانت ال تأبه بحكاياته هي بدرية التـي كانـت

أكثر أفراد الجماعة عناد ا لقصـته مـن ا ومعاداة له وتكـذيب

بل إنها قادت عليه حملة شـعواء سـاخرة تتهمـه ،أساسهاوقد أخذت هذا التعبيـر .. العقلبالكذب والتخريف وانحالل

عن أمها التي أجابتها به عندما حدثتها براوية عبد المحسـن :بقولها

عبد المحسن دا مصيره هيكون زي أبوك الحجاج - ،وهو ما كان يؤلمـه للغايـة .. أو ينحل عقله .. أبو منصور

ـ ؛وخاصة أن القصة حقيقية ا شـيء مـن وإن كان بها طبع .المبالغة

* * * شـعرت .. اظت بدرية هذا الصباح فلم تجد أحد استيق

تسللت إلى الفناء الـداخلي .. بحركة غريبة تجري في المكان عبرت الحرملك الداخلي وأسـفل .. فوجدت صناديق ضخمة

شـاحبة ، البنيـان ةالسلم فوجئت بطفلة صغيرة السن ضعيف وقفت الطفلتـان .. خلفها الوجه ينساب شعرها األشقر طويال

.تأمل األخرىكل منهما ت فتراجعت إلى ؛مدت بدرية يدها تمسك بقالدة فاطمة

داخلها مبقية في ،الخلف مذعورة وهي تضع إبهامها في فمها .على كمية هائلة من الصراخ

:من الداخل جاء صوت قويسـمعت فاطمـة .. هنـا تعالي.. فاطمة.. فاطمة -

استدارت تجري إلى حجـرة جانبيـة بـآخر ..صوت أمها : صاحت بها األميرة..الرواق

.يش تفعلين بالخارج إ- . ال شيء- . ابقي هنا وال تتحركي-

.رض أظافرهاووقفت تقفأجابتها بالصمت ذاذ بدرية وهي تضمها إلـى دنيا آ في الخارج جذبت

:ي أذنها مشيرة إلى األميرة شريفةصدرها وتهمس فوضـحكت . لقد حلت الغولة الكبيرة ضيفة بدارنا –

قذفتا بجسديهما إلى . درية إلى حجرتها الداخلية وهي تحمل ب ـ الفراش الوثير فتحرك بهمـا صـعود ا وكلتاهمـا ا وهبوط

.تضحكان.. فتعالى صراخها الضاحك ؛عضت دنيا آذاد بدرية

تمددت بالفراش على بطنها وهي تجـذب عودهـا المطعـم :هتف.. والعاج وبدأت تضرب أوتارهبالصدف

هتغني إيه؟-

فغنت دنيا آذاد وهـي .. فيها رافضة هزت بدرية كت .تنظر بطرف عينيها إلى الصبية وعلى وجهها تعبير ماجن

ــربه ــوم نش ــيص الق ــن مح مــة ــك منزل ــوى عيني ــي س ال أبغأو بريــــق فيــــك أرشــــفهـ اردي الجواب علـى مـن زاده كلف

أم هل من سبيل إلى تقبيـل عينيـك أم هل تجودي أنـا عضـة بخـديك

يك ثـدي تغميـز أو لمس بطنـك أو تكويرة الطرف في أجـدال سـاقيك

ثم عادت تعيد اللحـن وبدريـة تغنـي ،اا مع ضحكت :فلما انتهيا غنت دنيا آذاد ثانية وهي تضرب عودها.. معها

ــي ــدائر شــعرها لتظلن نشــرت غفكأنهــــا وكأنــــه وكــــأنني

حذر العيون مـن العيـون الرمـق صــبحان باتــا تحــت ليــل مطبــق

.. وألقت بـالعود واقفـة ،توقفت دنيا آذاد عن الغناء استدارت .. ااتجهت ناحية المشربية وهي تسرح ببصرها بعيد

:فجأة وقالت .. بدرية ما أجمل شيء في الوجود-

ا حارت الصبية جواب. لو أنني أجد من أحبه لقتلت نفسي تحـت .. الحب –

.. انظري إلي .. نظرة منه وما ساوت كل أموال الدنيا ،قدميه ..أنا ال شيء.. اآلنانظري إلي

اهتاجـت .. بكت دنيا آذاد وحارت الطفلة فيما تفعل وعندما تركتها إلى الخارج وعادت .. بحزن صديقتها انفعاال

إذ ليس ثمة من ؛اشردت هي األخرى بعيد ؛ تلعب مع أقرانها ا؛ فحامد ليس إال مطية ألغراضها، ومحمد أبـو يهيم بها حب

احب لسان بذيء ويـد وعبد المحسن ص الفضل ثقيل الظل، .طويلة

-٢- ابتعد عبد المحسن عن الصبية والصغار بعودة حسين األشقر من األسر الذي داوم الجلوس في الفناء الخـارجي أو

وعبد المحسن يعلمه لعبـة .. اعلى باب القصر ال يصنع شيئ ، ثم علمه السباعية ، فإذا تعلم الثالثية علمه الخماسية ،السيجة

،اجر الحمراء ويدورها جيد ن يقتني قطع اآل وكان عبد المحس ا ألول بادرة تبدو من األشقر رغبة في لعب ويضعها استعداد

ويتجمـع ، عندها يشرع في همة ونشاط في اللعـب ؛السيجة ويتدخل الجميـع ،العجائز حولهما وهما يتبادالن نقل الكالب

وخاصة من الشيخ ، غيظه يكظملصالح األشقر وعبد المحسن وعندما يصر األشقر على أن يعيـد .لرحمن أبو الفضل عبد ا

ا نصائح الشيوخ يكشر عبد المحسن عـن أنيابـه لعبة منفذ ال :قائال

.عجيبةواهللا دي .. بوا أنتم بقى طب ما تلع-فيضحكون في وجهه ضـحكاتهم الصـفراء وهـم

فإذا مل األشقر اللعب جمـع عبـد .يمسدون ذقونهم البيضاء حتـى ؛ة وجلس معه في وضع واضح المحسن الحصى بعناي

ويظـالن بالسـاعات .. يبين للجميع مدى عالقته بـالمملوك وال في .. وتصرخ عليه أمه أن يعود فال يسأل فيها ،عاطلين

خالته التي نصحته في شفقة أن يتجنب صحبة هذا المملـوك :محذرة إياه بقولها

..صحبة الشر مهلكة.. إنها مهلكة-ا وكان الشهر هاتور جالس حدث مرة أن كان األشقر

كانت السماء كثيفة السـحاب وقـال ..حدق ألعلى .. القبطي :ن والخدم الجالسين حوله في األرضللفالحي

.. مكتوب أن السماء تمطر ماء النهاردة- : ولم تمر نصف ساعة حتى أمطرت فصاح طربا

أنا مكشوف عني .. أنا قلت اليوم السماء تمطر ماء - .أنا مباركواهللا .. الحجاب

ولم يسع الفالحين إال أن يقبلوا صـاحب البركـات :ا إذ قال ساخر؛ إال عبد المحسن،الجديد

ـ - فضـج .. ا وهل تستطيع السماء أن تمطر دجاج :الجميع بالضحك وبوغت األشقر ثم قال

وماال ينكشف لي ال أقوله ، أنا أقول ما ينكشف لي - .يا بهيم

..اتحسان واسفهز الرجال رؤوسهم قبوال وألنه القى تفخيم من الفالحـين ا وتبجيال ا واحترام

:ار اآلمر الناهي على بوابة القصر فلقد ص؛يفوق ما يظنه ليش جاموس وليه بقرات تخرج عريانـات فـي -

ولد عبد المحسن ليش .. الزم تتغطى بحرامات صوف .. برديركب شيخ عبد الرحمن أبو الفضل حمارات؟ هو يأكلها من

..رهداا فيقول عبد المحسن غامز.

. ال يا أغا بيأكلها من مدود أبونا الشيخ السنهوري- عظيم من شأن هيك حمارات الزم تركب الشـيخ - .حا. حامن وتقوله؛عبد الرح

عبـد فيضج الجميع بالضحك بما فيهم أبناء الشـيخ :الرحمن أبو الفضل محمد وحامد؛ فيضحك محمد ويقول

.ألغا الصغير حاضر حاضر يا حضرة ا- :ويعود ثانية ليتساءل

ليش حطب كتير على سقف قصر شـيخ مبجـل - .حطب كثير يوقع سقوفات.. سنهوري

:ويقول الشيخ عبد الرحمنأهه السقف طول عمـره بيشـيل .. معلهش يا أغا -

.أصله سقف مبارك. وعمره ما خلى بيه،حطب سيدنا :اح األشقر مسرعويصي

عبد الرحمن لم ال بركات سـيدنا ولد .. نعم.. نعم - .لوالها لسقط السقف من زمن بعيد

حضرة شيخ عبد الرحمن ليش باش خولي تبيـع -غالل سيدنا في منوف أعطى حضرتنا أذونات وصكوك وأنا نبيع غالت في ساحل بوالق وإمبابة بمصر من شأن المبجل

.يأخذ فلوس كثيرات .فيهز أبو الفضل رأسه دون إجابة

ربي اهللا ونعم وكيلي أنـتم حرامـي كبيـر يشهد -.. هاء.. حرامي عظيم باش خولي عبد الرحمن أبو الفضالت

..أنا فاهم شغالت.. هاء.. هاء : ويضحك عبد الرحمن قائال

دانـي طيـب ،رة األغا الصغير ضحيا واهللا ابد - .وأمير بس أنت مش واخد بالك مني

نقـد احضر نرجيله واشتعل م .. ولد عبد المحسن -آه لو تعـرف بـاش .. ن نشرب فنجان قرفة جميالت من شا

.. تهلحش.. خولي أنا عملت إيه في أغاوات على بك شركس .. هـاء .. هاء.. خليته يقلع سرواله ويجري في البحر عريان

وفـارس همـام زي .. عقل كبير . أنا عقل كبير .. أنا.. هاء .عنتر تمامإيـه أخبـار .. آه منك عبـد المحسـن عفريـت -

.ولد عفريت.. احكي.. يماتحر أصلك ماشفتش حرم علي بيك ملط إمبارح كانت -

في السوق حدى أبونا الشيخ السيد حسن البقلي كشفت عـن فلقة قمر يـا واد يـا .. وجهها وهي بتلبس الكردان والحلق

.حسين

عبارة يا واد يا حسـين ويصر عبد المحسن على .. يع قولهـا يسـتط الـذي يسمعها الجميع أنه الوحيـد حتى

اويستطرد همس: أالقي نفسـي متجـوز واصحيياني لو أنام .. آه -

.. واحدة من نسوان البكوات اللي زي لهطـة القشـطة دول :ويضحك األشقر بسخرية

- ا طبع ..ا هتتجوز واحدة شركسية من حريمات طبعفي الجنة ولد عبد .. جميالت زي فلقة قمرات لكن في الجنة

لكن طول ما أنت حي علـى األرض . .لما تموت .. المحسن .. هاء.. هاء.. هاء.. مافيش غير نسوان قردات صغيرات

ورغبته فـي ،وتغضب بدرية عندما تعلم زهده فيها فتقول لرفيقاتها ساخطة وعلى وجهها .. الزواج من شركسية

:الالمباالةمن وشي إيه الحلو .. يغرق في النيلة ابن توحيدة -

كنها فــي قصــر إنشــاء اهللا حيســ.. حيتجــوزد المحسن التي تقع مشيرة إلى دار عب .. الحكورة

. لضحك فيضج الجميع بافي آخر الدرب؛

ا مـا قالتـه مه مردد وتصله تعليقاتهم ويشكوها أل له ابنتها عـنهم، وتحكي توحيدة لصديقة ما تقو ،عنه

وتغضب صديقة لغضب أختهـا غضـب اا شـديد .. حجر صغيرة وتصرخ بدرية وأذناها تعقصان بقطعة

؛ فتصرخ بدرية من وأمها تنبهها أال تشتم ابن خالتها :األلم وهي تقول

واهللا أنـا مـا .. كذاب ابن توحيدة هو اللي كذاب - .. هو أنا مالي.. جبت سيرته وال سيرة حد

نكاية في عبد المحسن اشتكى الشيخ عبد الرحمن أبو :الفضل الصبي لألميرة شريفة قائال

يتثاقل علـى سـيدي ) عبد المحسن ويقصد( إنه - .األغا الصغير ويعلمه أشياء بطالة مثل السيجة

:أنزلت رأسها مستفهمة أي أغا صغير؟– . سيدي حسين األشقر-ليش يظـن .. أغا لعنة اهللا عليك وعلى هذا الكلب -

وخرجت تنادي على األشـقر .. هذا الصعلوك أنه أغا صغير .كالمجنونة

على باب قصر سيدنا الشيخ كيف تجلس يا غراب -.. اقترب من شان تاخد عقـاب .. اقترب.. تعالى.. بطالةفي

:فاقترب محني الرأس وعيناه مشدودتان تتحركان بتثاقلأوامـر .. أمان أفندم أمان في عرض حضـرتكم -أنت عاوز حاجة أفندم.. اتنفيذ فور.

: أمسكت بأذنهيـد أنـا أر )وأخذت تلويها بشـدة ( تعالى حيوان -

.فاهم.. كيف فالح.. تشتغل في قصر سيدنا كيف الحيوانات .أفندم فاهم -.. تعمـل علوفـات .. تدخل زريبات تنظف بهائم -

فاهم؟ .أفندمفاهم -

لف حول نفسه عدة مرات قبل أن يدخل الزريبـة .. وشرع في عـزق بفأس،أمسك .. يحاول أن يفعل أي شيء

ـ لفـأس افتدافع األنفار يأخذون منه ؛ الزريبة .. ا عنـه تخفيفـ ،استدار يحمل الدريس من التبن للبهائم نفـران ه فأخذها عن

فجلس بمكـان ؛وفي النهاية لم يجد ما يفعله .. قبل أن يخرج

لكـن .. حتى مر اليوم وهو يظن أن شريفة هانم نسيت األمر ا لمقابلتهاأحد الخدم استدعاه صباح..

تخفـي مام نصف انحناء سألته وهي منحنية إلى األ :سوطها خلفها

ولد أشقر ماذا فعلتم في خدمة قصر موالنا شـيخ - سنهوري؟

:وقف وقد ألجمه القول وتلعثم .. أنا.. أفندم.. أنا– أنت ما فعلت شيء تريد تضحك على ذقني مملوك - .هلفوت

لم .. ضربه بمقبض سوطها توعلى غرة انهالت عليه يحمـي جلس على األرض القرفصـاء .. يتحرك من مكانه

ثم انقضت على ،ا وهي تنهال عليه ضرب ،رأسه ووجهه بيديه .ساعده فعضته عضة آلمته وأدهشته

وأخـذ يحمـل ،في هذه المرة دخل الزريبة وعزقها .. ولم يعفه هذا من الضرب بمقبض سوطها .. الجمال بالسباخ

وصار ال يفعل أكثر من جلوسـه علـى بـاب ،فأهمل عمله على المسـتنقع الكبيـر يحـادث الزريبة الخلفي الذي يطل

فإذا دعته ذهب من فوره .. الغلمان ويشاكس الصبية والفتيات .إليها وحكى لها قصة طويلة عن عمله الشاق

أخـذت الخيـول إلـى .. أفندم قمت صباح اليوم - وبعـدها ،الترعة وغسلتها وشربتها ولم تغرق مني واحـدة

ولـم ،أصلحت باب حظيرة سيدنا حتى ال يسرق وشـربتها باب حظيرة سيدنا حتـى وبعدها أصلحت ،تغرق مني واحدة . مش كويسة تيجي من المستنقعاتال يسرق ريحة

ا ما تختلق األعذار على أن زوجة األغا كانت كثير، ثم تنهال ،واألسباب الكفيلة التي توقعها إلى الهياج والغضب

ا بالخرزانة عليه ضرب، ا دون ولقد فهم أنها تضـربه ضـرب سواء اشـتغل أو لـم ؛ا كهذا ال فكاك عنه وأن ضرب ،قسوةكان يعود إلى مكانه الجديـد د كل علقة ينالها؛ وبع.. يشتغل

ثـم ال ،ابجوار بوابة الفناء الخلفية وهو يدمدم ويزوم غاضب يلبث أن يستعيد اللحظات الكثيرة التي تالمس فيها جسده مع

يقـف جسد سيدته وزوجة سيده فيمتلئ بأحاسيس غامضـة ويفور دمه وتلتهب النـار ،ا عن التفكير ا عاجز أمامها مبهوت

وكانت دنيا آذاد وبدرية يتلصصان علـى وقـائع .. في حلقه ،الضرب اليومية من خصاص نافذة جانبية فـي الحرملـك

ا من إحساس األلم وم من بين يدي سيدته خالي قوكان األشقر ي من ضربه يقوم ن تنتهي األميرة شريفة ، بل إنه ما إ الجسديا ابتسامة واسعةمبتسم.

* * *

الفصل السادس

-١- تواترت األنباء بهجوم الموسكوب علـى األطـراف

زحفهـم ، وبـدأ العثمانية اإلمبراطوريةالشمالية الشرقية من لغربي لبحـر بأمر القيصرة كاترين على بالد القرم والسهل ا

د الجـيش الساحرة العجوز تقو اإلمبراطورةن وقيل إ . قزوين دعـا وأن السلطان الغازي عبد الحميد خان األول قد ،بنفسها

د المسلمين لالعتكاف فـي الجوامـع، اء بال رجالمشايخ في أ ، للدعاء له بالنصر وزوال الغمة ؛بيوت أولياء اهللا الصالحين و

وتأكدت . د األموال لذلك وهزيمة جيوش المشركين، وأنه أفر الب حسـن باشـا القبـودان هذه األخبار بقدوم المكاتبات تط

األمـراء والمشـايخ فـدعا .. بسرعة العودة إلى األسـتانة ،كان قد مر على قدومه أكثر من عام و..لالجتماع في الديوان

؛ أو رشيد كما يقول الحكيم الجبرتي باإلسكندريةولو أنه مات وقبـة ا ولبنوا على قبره مزار ،اا وحزن لهلك عليه اإلقليم أسف

التبرك والزيارة بقصداوضريح .

ظلت الحرب مستعرة بين حسـن ؛وطوال هذا العام باشا القبودان وقائد جيوش البر عابدي باشا وحلفائه إسماعيل

وبين إبراهيم بيـك ومـراد بيـك ،بيك وحسن بيك الجداوي من المنيا ا متواصال أمراء القبالي الذين تراجعوا أمامه تراجع

شتد عليهم حتى ملكوا منهم وقوات عابدي باشا ت ،حتى أسوان ، تراجعت قوات إبراهيم بيك ومراد بيك إلى أبـريم .. أسوان

والجوع وقد ارتـدى وقد أصبحوا في أسوأ حال من العري فلمـا بلـغ بـأمراء ؛أغلب مماليكهم الزعابيط من الفالحين

أرسلوا مكاتبات إلى حسن باشا القبـودان ؛القبالي هذا الحال :جاء فيها

طبوننا بـالكفرة والمشـركين والظلمـة إنكم تخا "- وإسالمنا صـحيح ،وإننا بحمد اهللا تعالى موحدون .. والعصاة

ولسنا عصـاة ،وتكفير المؤمن كفر .. وحجينا بيت اهللا الحرام ا وال وما خرجنا من مصر عجـز ،وال مجرمين وال مخالفين

فإنـه أمرنـا ؛جبننا من الحرب، إال طاعة للسلطان ونائبـه ، ولم نرض بإشهار السالح في وجوهكم ،ل ذلك بالخروج ألج

فـانظروا مـاذا ؛وتركنا بيوتنا وحريمنا في عرض السلطان ،نهبتم أموالنا ولـم ننهـب أمـوالكم .. فعلتم بنساء المسلمين

وبعـتم أوالدنـا ،وهتكتم أعراضنا ولم نهتـك أعراضـكم ولـم نبـع أوالدكـم وأحـراركم ،وأحرارنا وأمهات أوالدنا

وما سمعنا بهـذا ، فمن الكافر ومن المؤمن ؛موأمهات أوالدك وما كفاكم هذا حتى أرسلتم خلفنـا ،الفعل وال في بالد الكفرة

وكم من .. تهددوننا بكثرتكم ،ا من بالد اهللا نالعساكر يخرجون وإن عساكر مصر أمرها .. فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اهللا

أليـام وا ،في الحرب والشجاعة مشهور في سـائر األقـاليم ولقد كان األولى لكم االجتهاد والهمة في خالص البالد .. بيننا

القـرم واستولوا عليها مثل بـالد ،التي غصبها منكم الكفار ".والودان وغير ذلك

وكانت نبوءة إبراهيم بيك عن القبودان قد آن لها أن ؛نه قد أرسل لعابدي باشا بالحضور على عجـل ؛ إذ إ تتحقق

اوي، ومعه عدد من أمراء المماليك من فترك حسن بيك الجد من العسـكر اتالميذ علي بيك الكبير وإسماعيل بيك وجانب ،

بعد أن رفض الوجاقلية البقاء لمساندة حسن بيـك الجـداوي نـذهب إلـى ":على رغبة عابدي باشا وإسماعيل بيك قائلين

". وبعد ذلك نأتي،مصر ونعدل حالنا

مراد ؛ إذ بدأ ن القوى ا بتغيير في ميزا وكان هذا إيذان وشرعا في العودة ،بيك وإبراهيم بيك في أخذ زمام المبادرة

ولم إسنا،ا إلى ود، ثم صع إلى أسوان فدخلوها في أسوأ حال ؛ إذ وقد بدأ حالهم في التحسن ،يمض شهر حتى دخلوا جرجا

ن الرسائل جاءتهم من القبودان باألمان وقبول التوبة إذا كان إ ،لى أن يحضر إبراهيم بيك ومراد بيـك ع ،دهم الصلح صمق

موالنا السـلطان ا من ا شافي ويأخذ لهما حضرة القبودان أمان ، أينما يوجدان في غير اإلقليم المصري ويوجد لهما مناصب

مـن مماليكهمـا شاءا وما ،هما وأوالدهما ياليتعيشان فيه بع حضروا فإن شاءا أ . ويكون لبقية األمراء األمان .. وأتباعهما

تا عين ، وإن شاء وكانوا في جملة عسكر السلطان ،لى مصر إ وإن أبوا فليستعدوا ،لهم أماكن من الجهات القبلية يقيمون بها

.للحرب والقتال* * *

؛في سبتمبر عقد الديوان الذي دعي إليه حسن باشـا ا وكان المجلس متوتر ،فحضره إسماعيل بيك وباقي األمراء

:بدأ الباشا قائال

والبـد مـن تشـهيل ،سافر بعيد األضـحى أنا م - .ويتش، وعلى الوجاقيلة دفع المال الالمطلوبات .قال الوجاقلية.. نريد مهلة يا باشا-صدقنا بخالص المظـالم وما ه من أين لنا ما ندفع - ولم يبق عنـدنا وال عنـد الملتـزمين وال عنـد ،والصيفي

المـال فندفعها لكم فـي ؛أعطونا الجامكية .. الفالحين شيء .الشتوي

:ا الباشافصرخ فيهم إسماعيل بيك متملقأنتم تعيشون في البالد مثـل الجـراد وفئـران -

لب منكم ما فإذا ط ؛الطاعون ال يتصدى لكم أحد م من مال للدولة تلكأتم ووضعتم أذنابكم بين كعلي

فإني أقسم أمام .. أفخاذكم مثل كالب الدور البليدة حتـى وأقول هـذا ،سلطانيم قائد بحرية السلطنة من تبقى عليه ن إ.. يبلغ كالمي مسامع السلطان

سلمته للباشا حتى يقطـع شيء ولو ألف درهم أل ..استقبل األمراء حديثه على مضض.. رأسه

ا بالقصر حضره وفي أواخر سبتمبر عمل ديوان وقـرأ علـى ،عابدي باشـا واألمـراء والمشـايخ

وفيها طلـب ،الحاضرين مراسيم حضرت من الدولة حسن باشا بالسفر لحركة الجهاد إلى الديار الرومية، ل

مـن واستولوا على ما بقي بعد أن زحف الموسكوب وفي الثاني العفو عن إبراهيم بيك ومراد .. بالد القرم

قيم إبراهيم بيك بقنا ومـراد على أن ي ،بيك من القتل سنا ال يبرح أحدهما المكان الذي حدد إلقامتـه بيك بإ .م عليهما دخول القاهرةويحر

وفي الخامس من أكتوبر ركب األمـراء وأسـرهم فلما تكاملوا عنده قـبض علـى ؛لوداع حسن باشا القبودان

نـة إلـى وأخـذهم معـه رهي ،الرهائن من أمراء القبـالي ..سطانبولإ

في السادس من أكتوبر سافر ": قال الحكيم الجبرتي مجيئـه إلـى ولم يحصل من ،حسن باشا القبودان من مصر

؛ ولم يبطل بدعة ولم يرفع مظلمة ،مصر وذهابه إال الضرر ذلك أن أمـراء المماليـك ؛بل تقررت به المظالم والحوادث

كانوا يفعلون مظالمهم مثل السرقة وهم يخـافون إشـاعتها وقـد تقـررت السـرقة والنهـب . وبلوغ أخبارهم السلطنة

لك بقدومه وه ، فخابت فيه اآلمال والظنون ؛بحضوره وذهابه

، وزادت المظـالم البهائم التي عليهـا مـدار نظـام العـالم ثم إن إسـماعيل ، ألنه كان عندما أتى قد أبطلها ؛)التحرير(

فجعلها مظلمة زائدة ، فأسماها بالتحرير ،عادتهان له إ بيك زي ، فصار يقبض من الـبالد ؛ يقال رفع المظالم والتحرير وبقي

منها المضـاف والبرانـي ؛خالف أموال الخراج عدة تفاريد لتحريـر ورفع المظالم وا ، والفرد المتعددة ،وعوائد الكشوفية

نه ترك البالد على فوهة بركان ثم إ .. ومال الجهات وغيرها والحرب الموقوفة يستعر دخانها بين العلوية من أتباع علـي

يحكمون القاهرة ويرأسهم إسماعيل بيك وحسـن (بيك الكبير .. غررة جهلة خـائرو العـزم والقـوى وهم )بيك الجداوي

ويرأسهم مـراد (والمحمديين من أتباع محمد بيك أبو الذهب ويتحكمـون فـي ، يحكمون قتلى الـبالد )بيك وإبراهيم بيك

شريرون ظالمون ال يتورعون عن ارتكاب ،الغالل واألنبار القبائح ينتظرون الوقت للوثوب على القاهرة وطرد العلويين

".منها

-٢- داية موسم جمع الغلة أصيب عبد المحسن بحالة مع ب

والحظ الجميع ابتعـاده عـن الصـبية ،من الملل واالكتئاب وخيم على عالقتـه ،وعزوفه عن اللعب والمشاكسة والعراك

ا ما يهجر أخويه الحظت أمه أنه كثير .. باألشقر فتور واضح ـ عبد الرحمن وعبد الحميد اللذان يكبرا ا ه ويعمـالن أنفـار ن

لقاء كسوة سـنوية وقـدر ،ميين لدى ملتزمي األراضي موس ويعيش كل منهمـا مـع زوجتـه ،معلوم من الغالل والذرة

.. وعياله في قاعة من القيعان الصغيرة التي تحتويها الـدار وبقلق شاهدته أمه وهو يجمع أقراص الجلة التي تسور بهـا

ـ سطح الدار العلوي ليبتني لنفسه مقعـد ـ .. اا متهالك ه قاومت بعد تفكير أيقنت أن انفصـاله بالعليـة وتبادال السباب طويال

سيقلل ازدحام ساحة الدار الصغيرة وكثرة المشادات واألحقاد ا وسـط وسيريحه هو من نومه محشور ،بين زوجات األبناء

وأشـار عليهـا ،أكداس النائمين من أطفال أخويـه وأمـه التسـكع فـي من الناصحون بأن هذا قد يبقيه في الدار بدال

وكانت أختاه المتزوجتـان فـي نـواحي .. صحبة المماليك ن ؛ إذ إ ا لحاجته إلـى الوحـدة متباعدة من المدينة أكثر تفهم

ا وهم جالسون حول صـحن خضرة األخت الكبرى قالت يوم :يتناولونه بحذر وروية) المش(ديم من الجبن الق

.. سـنة وتتجـوز .. اتحط شنبك يا عبد المحسن - ..وضحكت

: بسخريةوعلق عبد الرحمن قائال..نظر لها بعتاب .. يجوز بنت األغا-

نظـر لهـم .. منهم حتى الصغار .. فتعالى ضحكهم وتبادل هو وأخيه عبد الرحمن ،والحنق يملؤه ا بغضب جميع

ا إياها يحـاول وأمسك عبد الرحمن بيده جاذب .. نظرات حادة :أن يأتي به ناحيته

. زي البغل يا واد مالك بتحرن ليه-وبغتة جـذب .. ه بشدة وهو ينظر إليه بغل لكنه قاوم

أما .. كتم الجميع ضحكة .. هرهيده فكاد أن يوقع أخيه على ظ تفل .. ا دون أن يكمل عشاءه الفقير فقد قام واقف ؛لمحسنا عبد

:من فمه .. اتفوا على عيشتكم عيشة بهايم-

عـدا ،ا والصخب يالحقه بما فيهم أمه وانفلت خارج :خضرة التي قالت ألمها مهدئة

..الواد بلغ.. أيام وتفوت يا أمه - : قالت ستهم

بكرة يسافر ويجاور األزهر الشريف ويبقي شـيخ - ..قد الدنيا

: إخفاء غيرتهقال عبد الحميد محاوال.. بس شوف منين بقه تشتري له الجبة والقفطـان -

: األم بعتابت قال…ضحك الجميعوه قام الصبح سافر مصر وال هـو يعني أنتم شفت -

..يعني مسافر مصر : سألتها خضرة

مش أنت قلتي لخالتي صديقة تكلم سيدي الشـيخ - .السنهوريدي هي اللي قالت .. يا بنتي هو أنا قلت لها حاجة -

.هو يتم الختمة والباقي على اهللا وعلى خالتك.. لي :قال عبد الرحمن ألخواته البنات

شـيخ الموالـد .. لى شيخ الغفلة مستعجلين قوي ع - ..والمآتم

: صمت الجميع عدا ستهم التي قالت بعد فترة صمت

وال قـوت القى ال قوته أحسن من الفالحة محدش - .. عياله

:قالت خضرة .. لقمتنا مش القية الغموس- . واهللا على رأيك-

* * * ؛ في أحد غيطان السيد حسن البقلـي بدأ الحصاد ليال

وليس مثل النهار جافة حادة ،لعيدان ندية طرية حيث تكون ا لف على ساعده األيسـر .. ا غائرة تترك في األيادي جروح

وكفه خرقة ضخمة من الكتان البالي تتكسر عليهـا عيـدان . بينما يجمعها بساعده األيمن،القمح

تقطعه أغنيـات الحصـاد والنكـات بدأ الليل طويال لفجر جـاءت الصـواني وقرب ا .. الالذعة وسخريات الكبار

محملة بالفطير وأواني العسل األسود والثريد يتصاعد منـه .البخار

في هذا الصباح لم يعد إلى داره بل يمم وجهه شطر –مر بمخبئـه وأخـرج صـندوق نقـوده . بحر الفرعونية

ا حمل منـه دينـار ، التي جمعها من جثث العسكر -الصغير

وأعـاد الصـندوق ، وأخذ كبشة من البارات الفضية ،ابندقي وعندما بلغ بقعة صـغيرة ألحـد . مكانه ورحل إلى الجنوب

ا على بعد ثالثين خطوة من خص صغير الخلجان تمدد وحيد ثم ما لبـث أن أراح ،انبعث منه ضوء مصباح زيتي صغير

.جسده المنهمك من العمل طيلة الليل في نوم عميقبعد شروق الشمس قليل انبعثت الحركة من الخـص

كانت جدرانه الهشة مـن عيـدان .. ي أقيم لحياة الترحال الذ.. ويطل بواجهته علـى النهـر ،البوص وسقفه من الحطب

ا خرجت امرأة في الخامسة والعشرين من عمرها ترتدي نقاب نزلت إلـى النهـر .. ا أسود مشغول بالزخارف وثوبا عجري، ا كان به قطيـع مـن ا صغير ثم عبرت سياج ،ومألت جرة

امت على حلب ماعزها في إناء فخاري، فق ؛والخرفانالماعز ، باللعب ا خرج صغيران من العش وبدأ .وانكبت على عملها

ـ ،وتبعهما رجل غجري حمل عصاه ا شـطر ورحـل ميمم حانت منها التفاتة إلى رداء كان يتطاير على مبعدة .. منوف

، وعنـدما انتهـت لم يلتفت لـه .. من خلف األعشاب العالية سارت .. فع ماعزها إلى المراعي ا وبدأت في د فتحت سياجه

.. حانت منها التفاتة إلى الجسد النائم . الماعز بجوار الشاطئ .التمعت عيناها ببريق موحش

وحتى المغرب ظل ،ا كان جائع ،استيقظ قرب العصر

ا ينتظر مجيء المرأة التي التقى بها مـن عبد المحسن ممددكانت .. أفندي الخلواتي قبل أثناء دق األصلة في غيط محمد االحـورار، وجسـدها قد فتنته بعينيها الواسعتين الشـديدتي

الممتلئ القوي الفارع وهي تنحني أمام زوجهـا بالشـماريخ استمع للرجال عندما كانوا يجتمعون للغـذاء .. األصلة يدقان

:وهم يتحدثون عنها . أن يدفع لزوجها المعلوم عليه من يريد الوصال- ت؟ كيف عرف- . روح واسأل- .هه.. هعمل إيه.. وإذا قابلني جوزها ببارودته- .جري ابقه إ-

، على دينـاره الـذهبي وطوال سبعة أيام ظل قابضا وقد ربط البارات في كيس من الكتان بالمكان الذي جلس فيه

ال يدري ماذا يفعل سوى متابعتها، وهـي تبادلـه ،أول مرة

في أحد األيـام اسـتيقظ و .سريعة خالية من المعنى نظرات فوجد زوجها يقف على رأسه، جمد من الرعـب وتـوجس خيفة أن يضربه بالشمروخ الذي بيده ويهشم رأسـه، لكـن

. فقام يتحسس رأسه والخجل يغمره ؛األعرابي تركه ومضى دارت دورة .. في هذا اليوم تبعها طوال سيرها عبر المديرية

ـ و ، ثم توجهت إلى كمشوش ،واسعة عبر فيشا ا أوغلت غربكانت هنـاك .. إلى منطقة السدود جنوبي منوف بثالثة أميال

وتبقت فيها ،مساحات واسعة من األراضي التي تم حصادها قـرب .. أعشاب جافة انتشرت الماعز تلتهمها علـى مهـل

،الظهيرة جلست القرفصاء تحـت شـجرة تـوت ضـخمة اا أخرجت منه خبز أنزلت خرج .. وبجوارها حمارتها العجفاء

ا وصحن اشمسي ا باللبن المخضـوض من جبن الماعز ممزوجا منها حتى صار علـى بعـد تسلل مقترب .. وحفنة من التمر ولسـانه ال .. كان يقلب في رأسه ماذا يفعل .عشر خطوات

أخرج خرقة من سيالته وأخذ يلتهم كسرة .. يطاوعه بالحديث وأشـارت إليـه ،رفعت رأسها نحوه متجهمـة .. خبز جافة

أشارت .. فقام إليها على مهل . إشارات فهم منها أنها تدعوه ب

قالت بلهجة متسارعة وهي تنظر إليه .. إليه أن يجلس لألكل :بنظرات نافذة وكأنها تقيسه

.. جلس كل لقمةهيا ا.. تبي تدور كيف التيس- ؛ سوى أنها تشتمه وتدعوه إلى الطعـام ئالم يفهم شي

فلما انتهى .. ما يدعوها إليه ألنه لم يكن لديه ؛فشعر بالخجل :رمقته بنظرة فاحصة

إيش تبي؟-ا طرق برأسه في األرض وحار جواب.

هيا أغرب يـا .. هزت رأسها تطرده .. ما تعرف - .صغير ما تعاود يم العيش

جحظـت عينـاه .. أصابته إهانتها لـه .. اهتز بشدة ينار ماذا يفيـد الـد .. اا وتبكيت وداخلة يشتد عليه تعنيف ،حيرة .. لقد أعد هذا الدينار لهـا ..ثمة شيء يجب أن يفعله .. اآلن

ا لها وألقى به إليها ودار مولي ،أخرج من جيبه الدينار الذهبي ا أحـد شيعته بنظراتها هابط ،ءكان يسير ببط .. راحال ظهره

،دار حول دغل من البـوص واختفـى .. المستنقعات الجافة كان يفكر في .. تي أنهكته ا من رحلته ال جلس القرفصاء مجهد

واأليام السبعة التـي ضـاعت .. مشقة الحصاد طوال الليل

بعد هنيهة سمع خرخشـة وسـط .هذا ما حزن عليه .. هباءفكر .. ى خنجره الحاد قبض عل .. توتر للحظة .. دغل البوص .اللعنة..في أنه ذئبهكذا سمع صوتها (.. جنون الذي يدخل هنا م من ال -

..أال تخشى من الذئاب)...الكثيفوهي تدلف من البوص كانت تقف أمامه مباشرة وهـي تبتسـم ، نظر إليها

لجم لسانه ثانية ولم يستطع سوى أن .. بغمازتين كحبتي تفاح هبطت .. ، وأسقطه على األرض يخرج كيسه المليء بالبارات

بوجههـا اقتربت منـه .. ثو بجانبه وعلى وجهها ابتسامة تجتنهـدت يـا .. فاهتاج قلبه ؛السواد البدري وعيناها الشديدتي

كفاك تمضي الليالي ببابي ،خذي بالنقود حبيبي ما بك حاجة أل ت واستطرد..اقعود:

.. علك المست مرة من قبل-ا هز رأسه نفي..

: صرخت بغضب ..؟خرس إيش تكون أ-

ا مرة ثانية هز رأسه نفي.

خوفي لـو أن فعلـك .. نشهد اهللا أنك لست ساذج -لكن إيش بيد المرأة إذ بتجد شاب مثلك .. ن لسانك ساكن سكو

.ا ككلب أليفيقف ببابها صامت وأخذ رداءها الذي تلتف به ، زنارها اآلنكانت تخلع

. فرشته أسفلها..يسقط بجانبها .. تعالى-

.. فأقبل : قالت ساخطة

. فقام إلى الجوار يختفي؛ويلي أال تخلع قميصك - :فرددت ساخطة آه مثلـك .. حلت تكتها .. هذا الصبي ماذا أفعل ب -

..مثل الزعرور .. بلغ الذروة لحظة أن المسها

: كسيفة البال قالت هل تكتفي؟-

نها دفعته عـن صـدرها وهـي لكنه لم يكتف؛ إذ إ :تهمس

بل كانـت بعدها لم تشكه قط؛ .. لعن اهللا الوطاء -وقد انهمكا .اا والرجاء حين بالدعاء حين .. تبتهل له

ست .. كله شوق وعض ونشب أظافر في صراع : تصرخ أو تبكي أو تضحكمرات تسأله وهي

..ي؟ فال يكتفيهل تكتف - وجسـده ، وكانت الشمس قد بدأت تميل للغروب

ونشـب ،قد امتأل بالكدمات من جراء عضـها لـه ا إال عندما صرخت باكية لم يتركه .. أظافرها لظهره

:الغنماتنبي يا شيخ ما تخرب بحق ال ، بحق النبي العويلة -

ارتدى سرواله علـى .. فقام وهو يذكر قطيعها ؛علي . وقامت تتكئ على جنبها وظهرها الموجعين،عجل

ا يرقد في قاع وعندما خرجت من الدغل وجدت قطيع ..ا وطفليها يلعبان جانب،المستنقع الجاف

سمعته يصرخ في الفضاء الرحب وهو ، رأته يجري ا ساقيهيقفز قفزة عالية رافع:

ضـحكت .. اتسعت ابتسامتها .. هوووه.. يا أخي - ا فوق األعشاب وأشجار وازداد ضحكها وهو يعود إليها قافز

ـ ؛الشوك وشجيرات التين الشوكي ا وهو يهلـل فرحـا دافع ؛سارت خلفـه .. جهة منوف لماعز للتحرك شماال األغنام وا

همسـت .فاستدار ناحيتها فجأة وضمها بشوق وهـو يقبلهـا :سعادةب

.. صبي يحيا- : قالت له

يا كبدي إذ بعرفك هيك ما تركتك تنتظر كل هـذه - .األيام

:قبل أن يبلغا منوف صاحت به إيش اسمك يا صبي؟-

: قال مطأطأ الرأس .. أنا مش صبي-

: ضحكت إيش اسمك ياها الشاب؟.. وزعرزآه نطقت يا -

:أجاب مسرعا . عبد المحسن–

:مع أطراف شجاعته وقال ثم ج،مرت فترة صمت .. وأنت اسمك إيه-

. كانا قد اقتربا من المدينة إذا بتيجي لعنا يا هال .. زاهية ...فت أال تسأل آه خ -

.عاك رفاق بيرموا حلوانهم، وإذا بتيجي ومما بنريد نقودك وزوجك؟- ؟..بتيجي.. زوجي هذا يقاسمني عرضي-

:السعادةا بأعلى صوته الممتلئ بقال صارخ ..يا قمر.. يا زاهيةبكرة -

، وأن وكأنه بابتعاده عنها شعر بشجاعته تعود إليـه :باستطاعته أن يقول ما يريد

. بكره يا شمس الشموس يا صبح الندا-قالت وثغرها يفتر بابتسامة صبغت غمازتيها بلـون

:الشفق . إيه بستناك يا وش الخير-

* * * يصـحب معـه أول ما فكر فيه عبـد المحسـن أن

ـ .. األشقر ل اءومنذ الصباح الباكر كان كل من يمر عليه يتسا جمـع الرجـال يمشي الهوينا في خيالء محيي .. ماذا أصابه

.بتؤدة

.سالم عليكم يا أبي الحاج.. سالم عليكم- .اهللا تكون الحاجة بخيراء نش السالم عليكم إ- . بخير يا بني- .أنا في الخدمة.. عايز حاجة مش- . العفو يا بني-

يقابـل ،ا يفكـر وأمام األشقر جلس ال يتحرك ساهم شعر األشقر بشـرود .. أفعاله وسخريته مما حوله بال مباالة

: بلهاء فمال يسأله وهو ينتظر إجابة بلهاء ألسئلة؛صديقها إلى شقائه الذي يمضيه ملوح.. كيف لون العسل - ..في الحصاد

: قال بجفاء .اب بيعيش فيه الذب- . وأنت ما تأكل منه- .وال الواحد يقول ال.. باكل منه حا أقول أل- .. طيب كيف أخبار النساء.. آه-

:ا صديقةبرقت عينا عبد المحسن وقال مباغت .. تريد واحدة-

: ضحك األشقر

.ولكن كيف يا فالح.. نعم- .أنا بتكلم جد.. تريد مرة.. أنا بسألك-

:بهت األشقر إيش تقول؟ - :ا إياها به مستفزثم قال معرض.. زي ما سمعت- وال مرة؟.. راجل-

غامت عيناه تحـت ،ا على قدميه انتفض األشقر واقف وضرب صدره بيده وهو يقـول ،أمواج من الضباب الكثيف

:ا على العراكبتحد موشك ..راجل -

: قبض على خنجر وهو يضيق من عينيه . تريد تشوف-

إزاء رد فعـل األشـقر بهت عبد المحسـن لوهلـة :قال بتحد.. العنيف

تريد امرأة؟.. لم تجب على سؤالي- : أجاب األشقر وهو يخرج خنجره بعصاب حاد

وشق الفضا بنصـل .. نعم أريد امرأة كي أذبحها -ـ ...ولد عبد المحسن اعلم .. يلو كنت تبعث ب .. خنجره ح وف .سوف أذبحك... كاألفعى

:إليه وهو يمد كفيه قال عبد المحسن .. هات-

وقـد ،ا وصدره يعلو ويهبط مكتئب ،نظر األشقر إليه :شعر بعبد المحسن يطل على منطقة حياته المظلمة

. ماذا- .. هات المعلوم-

: دار برأسه يمنة ويسرة .. معلوم ماذا-

: قال عبد المحسن برعونة . هي بوابة من غير بواب- .. كم تريد-

.فكر بسرعة ..ا وبندقان ليوبندقان له بندقي لزوجها -

ثم ابتسم وأخذ ، ثم أخذ يهدأ قليال ، فغر األشقر دهشة : عبد المحسن بقبضته بقوة في كتفهفي الضحك وهو يلكز

ا بـاهللا كنـت قسم.. أنت بتضحك علي يا ملعون - ..أنوي ذبحك

: بنفس نبرة البرود فاستمر عبد المحسن قائال ..رأة كالبدررك من ام خمس دينارات وتقضي وط-

ثم ما لبث أن هدأ ثانيـة ، ضاقت عينا األشقر ثانية أمام برودة أعصاب عبد المحسن وعدم اكتراثـه بعصـبيته

:؛ فعاد يضحكوتصرفاته الخطرة .؟ من أين لي بخمسة دينارات بندقية-ا المكان من على م عبد المحسن مرة واحدة مغادر قا

: صاح بهمبعدة ..ل المطلوبعندما تحضر المعلوم تنا -

ا وهـو يخطـف عمـة أحـد وانطلق يجري قافز ، فألقى بالعمة في مكان آخـر ؛جرى الرجل خلفه .. المقرئين

واألشـقر ،فانشغل الرجل عن مطاردته بجمع عمامته وشاله .. يضحك من بعيد

عن األماكن التـي ا كامال غاب عبد المحسن أسبوع ألشقر الذي عصـف لم يأبه لغيابه أحد إال ا .. اعتاد ارتيادها

عصـاه علـى حامال ر مختاال يوعندما أقبل يس .. به الجنون

...ا يشكو غيبته تلقاه األشقر ضاحك ؛ عليها ذراعيها كتفه معلق واألشقر يدور حوله .. تحدثا في كل شيء إال عن عالم النساء

قرر عبـد .. كلمة دون جدوى ن ب ينتظر أن ينبس عبد المحس .ولهذا تجاهل األمر. .أن يثير غيرته.. المحسن

والمملوك ،الفالح بمعرفته .. كان الغالمان يتناطحان وفي اللحظة التي انفرد فيها األشقر بعبـد ،جبروتهوبسطوته

المحسن فوجئ عبد المحسن بصديقه يمسكه مـن خاصـرته :وقد أمسك في يديه األخرى نصل حادويجذبه بعنف

. أين كنت تذهب طوال هذه المدة؟- ،المحسن ثانية لشدة رد الفعل لدى المملوك بهت عبد

.ا عنه دفعه بعيد،وقوة غيرته : قال بحذر

. أنت تعلم– .هل أرسل خلفك البصاصين.. كيف لي أن أعلم- ؟.. وإيه شأنك يا أخي-

.. صفر النصل في الهواء قرب رقبة عبد المحسـن ... وخال أنه يقف أمام إنسان ال يعرفـه ،رمشت عيناه بقوة

األشقر قد أسقط رأسه بين كتفيـه وقـد مـدها لألمـام كان

فكر أنه يجب أال يخبـره .. وحاجبه يهتز بين فينة واألخرى ..بأمر زاهية

:قال بعصبية .. م المعلوم أوال قلت لك قد-

صاح األشقر وثورته قد بدأت تهدأ وقد أسـقط فـي :يده

من أين لي بالدنانير؟ - : عبد المحسن رأسه هز

..لقطعت رقبتي لو عرفت - : رفع عبد المحسن رأسه

. لنسرق– اصاح األشقر سعيد:

لنسرق من؟– :حار لفترة قبل أن يقف عبد المحسن .أنا حاتصرف.. تعالى معاي-

ا طرقات منوف وهـو يكـاد سار عبد المحسن عابرا االقتـراب مـن كان األشقر يجد السير متحاشي .. يعدو خلفه

وقرب شـارع .. أو أحد من العربان مماليك علي بيك الملط

وأمام باب حانوت السيد حسـن البـاقلي ، قليال السوق تمهل :اقال هامس.. استدار نحوه.. توقف حتى حاذاه األشقر

. شايف الينكرجي- أين؟- . اللي قاعد بحانوت السيد البقلي يقسم عليه دخله-

،كان عسكر علي بيك ملط قد انتشروا في الحوانيت ؛ل ذي حرفة إلى حرفته التي كان يحترفها في بلـده وذهب ك

ويرسم ركنه في ورقة أو أعلى بـاب ،فيخلع سالحه ويلعقه ، ا بالقوة لصـاحب الحـانوت من نفسه شريك جاعال ،الدكان

ـ م يقاسـمه فـي ويذهب حيث شاء أو يجلس حيث شـاء ث :دفن األشقر رأسه بين كتفيه استطرد عبد المحسن.. المكسب

والعسـكري ، أثقل حوانيت البلد دخال اخترت لك -اللي قاعد يقاسم السيد البقلي هو أغنى عساكر الحرف الذين

.يقاسمون أهل البلد مكاسبهم وعلى وجهه ابتسامة لزوجة تـنم ،رفع األشقر رأسه :قال.. عن الالمباالة وعشق الدماء

.. لماذا ال نأكل الرأس- : نفض عبد المحسن يديه ودفعه قائال

فاكر نفسك تقدر .. عايز تقوم الدنيا علينا وتقعدها -فوق لنفسك هذا الينكرجي .. تهرب بمال البقلي كده في السر

.لن يفتقده أحد :اهز األشقر رأسه موافق

- قتحم عبد بكل جرأة ا .. اسوف أضيف لك رصيدالمحسن حانوت البقلي، كان الينكرجي يحادثـه

..عوبة وكان البقلي يفهمه في ص،بلغة تركية : قال عبد المحسن

. سيدي مشي عايز ربنا يخلصك منه– :رفع البقلي يده إلى السماء

.. هـه .. ربنا يبعت له داهية تأخذه بالطبع يا بني – ليه؟

ا دون أن يلتفتأشار عبد المحسن خارج: نظـر .. ألن اهللا أرسل بالفعل داهية عايزة تأخذه –

..االبقلي ال يفهم شيئ :االمحسن هامس استطرد عبد

الواقف بالخارج هذا يقول أنه قتل أخيه وعـايز – .ا ادفع له شيئ، فإذا كان في ده منفعتك؛يذبحه

: صرخ البقليد يا عبد المحسن، امشي أحسـن اأي شيء يا و –

. لك األغاأبعت : قال عبد المحسن

ف ما تدفعـه نص.. سيد حسن بقلي هو عايز بس - ..لهذا الينكرجي عن شهر

:اتفيه مستطردهز ك ، امشي يا وله . حسبه مضبوطة، شهر واحد فقط -

.هو أنا ناقصك يا ابن المركوب : تراجع عبد المحسن وهو يقول للبقلي

. مصلحتكسيد بقلي، أنت حر، آني قصدي – في اليوم التالي غاب الينكرجي ولم يأت حانوت

البقلي، وفي الظهر مر عبد المحسن على الحـانوت . ا له بعينيه التحية على السيد البقلي غامز وهو يلقي ب

مر عبد المحسن .. لم يأت الينكرجي في اليوم الثالث :صاح عبد المحسن.. بصحبة األشقر

السالم عليك يا سيد حسن البقلي، أرجو أن تكون – .. غمتك زالت

انظر إليه البقلي حائر. وفي نهاية األسبوع دخل عبد المحسـن الحـانوت

ا إلى األشقروقال له مشير: ورأيي يا بوي الشـيخ، أعطيـه .. عايز معلومة –

. ما يفتكرش ويجي ياخده تاني بنفسهعلشان مضطربتان تنظـران إلـى هز البقلي رأسه وعيناه دفع إلـى عبـد المحسـن .. ابتسامة األشقر اللزجة

أخفـى نصـفها بمهـارة، وأعطـى .. بثالثين دينار ـ ...النصف الثاني إلى األشقر ل مـن وكان قد حص

ا كانـت على عشـرين بنـدقي الينكرجي بعد أن قتله ..معه

صاح عبد المحسن وهو يقذف باألكياس إلـى :الفضاء

وفجأة أمسك عبـد المحسـن . واآلن إلى النساء – .؛ فنظر إليه األشقروجذبه ناحيته.. بذراعه

: قال ...من غير سالح –

:فكرر عبد المحسن.. ضحك األشقر

.من غير سالح – :ا وهو يرددع األشقر يديه مستسلم فرف

. من غير سالح– بعد أن توقف عبـد المحسـن -ليلة كانا يتسلالن كل

إلى مركب شراعي ضخم يسـير فـي -عن الذهاب للعمل وعلى سطحه تتناوب الغوازي الرقص على أنغام ،الفرعونية

الحشيش ويضاجعن النسـاء فيظال يدخنان ؛الموسيقى والغناء رهما شرعا في اصطياد المماليك ما انتهت دناني فل. حتى الفجر

.خارج منوف ارتفعت ضـحكات عبـد ؛في إحدى ليالي مجنونهما

، وبجواره وقف المحسن وسط صياح النساء وصراخ إحداهن ا كما ولدته أمه ينتظر دوره وهو يضحك ضحكة شقر عاري األ

وامرأة في الخامسة والثالثـين تقـول .. هيء.. لزجة هيء :لهما

..الفضة أوال.. في المرة الماضيةئاتدفعا شيلم – :ه ناحيتها سار األشقر بعري

.. هيء.. هيء.. هيء.. ندفعسوف – :فصرخت

. دعني أسمع رنينها أوال- .ا عبد المحسنقاصد.. لماذا تركته هو-

: أشارت تغمز بعينيها إلى إحدى الفتيات .واهللا سأطلب الجرسجية.. نها تدفع عنهإ – .هيء هيء.. ندفع هيء هيء هيء سوف –

، وطـرق مع صوت الخيول بالخـارج س ساعةبعد ،)عبد المحسن واألشـقر (هما انتفض كال .. شديد على الباب

ـ ،مدا أيديهما يجذبان سرواليهم ا ويخطفان مالبسـهما خطف :ولواحظ تمسك بهما

.يا أوالد الكلب.. النقود -ن وهـو وتبعه عبد المحس ، دفعها األشقر عنه بقوة

يقفز من الشرفة في اللحظة التي دخل فيها ثالثة من ،صـرخت الفتيـات تخفـين عـريهن .. الجرسجية

وصوت البارود ينطلق من غـدارة أحـدهم باتجـاه ، يعدوان في اتجـاه جـواد األشـقر ادار.. الشرفة

وانطلقا رماحة فـي .. ا وهما يضحكان امتطياه سوي .الدروب الضيقة

؛ب البتعاد الفتـى عنهـا كانت زاهية تصاب بالغض :فكان يتطلع لها في مالحة

. منااي قلت له عنك لقتل واحدنلو أن – : فتضحك وتقول

.فاكرني بنت الملك حسان بن يزجد.. ليش – ، مرة سمعنا صراخ جاي من قمرته أنت عارفة، –

لقينـاه .. افيةدخلنا بالع .. نزلنا سطح المركب نط طـالع ، ولسـانها ة وعنيها ماسك في رقبة المرأ

شد قطعة حديـد .. قام علينا زي المجنون .. رهبمن جسم المركب وهاج واللعـاب يخـرج مـن

.. اجتمعنا عليه وقيدناه بالحبـال بالعافيـة .. فمهيا ربي أنـا دلوقـت .. وفي الصباح كان قد هدأ

جديـدة .. لما سألنا البنت وكانت ساذجة .. بخافه ..في الكار

: قالت .ني ما عملتش حاجةآ - : زاهيةت قال

بتقول جديدة في الكار؟–

قاومته فأطلقـت فيـه .. صديقك هذا سفاح .. نعم - .شهوة القتل

عندما علم محمد أبو الفضل أنه سوف يصاحب فرقة المنشدين في االحتفال الذي سيقيمه الشيخ السنهوري لكاشف المديرية علي بك الملط والحسيني بك القائم على جمع الفردة

أصابته حالـة نوفية؛عينه إسماعيل بك على الم والمال الذي لقد رأى في هذا عالمة على قرب النزول . من انعدام الوزن

،فكر أنـه ليجـود صـوته .. إلى مصر وااللتحاق باألزهر حتى ليجعل نساء أمراء البالد يتمايلن هـوى ؛ويجعله جميال

سرح بخياله وهو يرى األميرة شريفة تبكي هـي .. وصبابة يظفر من مآقيها لجمال صوته وحالوة اإلنشاد والدمع وابنتها

:تأتي إليه بشحمها ولحمها قائلةف.. خشية من اهللا يا شيخ محمد أبو الفضل ما أنت إال رجل فاضل –

ابن رجل فاضل، نحن نعرفك ونعرف ما فعله أبوك لنا مـن كل هـذا يعرفـه .. وأنت رجل يسر ابن يسر ،خدمات جليلة

ان وزهد فـي ملـذات الـدنيا قوى وإيم الجميع وأنت رجل ت مة عـل وجودهـا معـك لهذا فقط وهبتك ابنتي فاط الزائلة؛

وتكون ونكون من أهل ،ذها ويشفع لنا من عذابات الجحيم ينق

هم لو أن قدمه تزل فيسقط تأطل من فوق سقيف . الجنة والنعيم مكسور القدم مهشم الرأس، وتكون بدرية السبب فيجلـدونها

ويأخذونها للبيـع علـى تكيـة ،ل جسدها حتى تقطع أوصا وهبتك ابنتي : " شريفة قالت لي فيها لو أن األميرة .. المجاليب يملك أحـد أن ينجـو سيدتي األميرة هل :سأقول لها " فاطمة

حتى أتحمل ما ليس لي نفسه من عذاب الروح أمام بارئها، ببه طاقة، وأحمل وزر جارية ال شفيع لها يقوم القيامة سـوى

إنما هو ؛ليس لي حق الشفاعة .. وحبيبي رسول اهللا سيدي لنفسه أنصت. "..اذهبي سامحك اهللا .. حق المختار حبيب اهللا

أخـذت ابنتهـا "أما إذا أصرت، .. ا بالغته وترفعه مستحسنا وأهلكت جسدها ضرب ، ومنعت عنها الزاد والطعام وحبستها،

."هذا هو شرطي.. حتى ترتدي مسوح األتقياءاء افترش ضيوف الشيخ السنهوري الحشايا، في المس أطل محمـد . ويشربون المسكرات والقهوة ،يدخنون النرجيلة

عليه عالمة ا طويال فرأى درب ؛ من شرفة القصر ينبك الحسي ..الصليب

: مال على الشيخ السنهوري لمن هذه الدرب؟ –

: فقال .إنه درب النصارى –

ـ بصـوته؛ فمال على على بك الملط وهمس ع فرف :الملط صوته قائال

من عابدي باشا والـي عند الحسيني بك فرمان – ، وركوب الحميـر ،البالد بهدم حارات النصارى .. وارتداء الزعبوط والزنار

وظهر القلق على وجه ،تغضنت وجوه الجالسين إذا كان نصارى القـاهرة أنه فكر .. المعلم قسطندي

لدفعوا على حارتهم خمسـة وثالثـون ألـف ريـا كم يتعين علينا الدفع فـي مصالحة مع عابدي باشا؛

.يجب أن أبحث األمر مع اإلخوان.. منوفبعد تالوة آيات من الذكر الحكيم بدأت فرقة اإلنشـاد

.والمديح النبوي واستحسـن الحاضـرون ،وعندما بلغ الليل منتصفه

بين شارب والجلوسالوقت للراحة وبدا أن ،زاد دنيا آ صوتوبعد فترة انقضـت تصـاعد .. وقاضي حاجة وطالب طعام

،صوت أوتار العود تتالعب به أيدي هاويـة غيـر خبيـرة

ا يجري خلف السـتار ا بأن عبث ظن ؛تشاغل الحاضرون عنها ضئيل غير .. ا تصاعد كأنه قادم من بعيد لكن لحن .. الحاجب

مشتت التكوين ما لبـث أن تبـاين وتمـايز ،واضح المعالم .ا يصاحبه غناء جميلفا لطيوانساب رقيق

ــدري ــار بــ ــر األفكــ حيــمــن بغصــن البــان يــزري ــيدي لـــو كنـــت تـــدري ســـري ــاهللا أجــ ــأغتنم بــ فــ

ــيل ــد األصـ ــفا خـ ــي صـ فـــل ــين يميــ ــالتثني حــ بــصـــرت مـــن أجلـــك عليـــلواصـــطنع فعـــل الجميـــل

فلما انتهت بدرية من الغناء خـيم الصـمت علـى وارتسمت على وجه الشيخ السنهوري ابتسـامة ،الحاضرين

..عريضة يشوبها فخر بصوت ابنته . مال عليه البقلي يسأله

من هذا البلبل الصداح؟- . ابنتنا بدرية- وكم عمرها؟- الحادية حسن فيما نذكر أن عمرها لم يتعد يا سيد -

.كر فيهفت داعي لما وال.. عشر .إنني أفكر في الحالل.. وما عيب الذي أفكر فيه- !!أال تكفي.. زوجتان-

واهللا لو كان منظرها في جمال صوتها النتظرتها - وأخـذتها منـك علـى سـنة اهللا ،حتى يصير لها ما للنساء

.ورسولهقاطعه الغناء ثانية وجاء صوت .. ضحك السنهوري

ا شديد الصعوبةبدرية ليغني مقطع: ــا أثـــ ــحا مـ ــا أوضـ م مـ

ــا ــن لمحــ ــرم مــ ال جــ

ـ ــا أثــ ــا أورقـــا لمـ ممـــرم ــد جـ ــقا قـ ــد عشـ قـ

وقام السـنهوري ،ان الحضور إعجاب تصاعد استحسا دس محمد أبو الفضل رأسه .. ا يتبعه البقلي ليدخل عليها مهنئ

فوجد السنهوري يرفعها بـين يديـه ويقبلهـا ؛ا ليتأكد مغتاظسعيدوالبقلي من خلفه يصيحاا مبتسم ،:

واهللا ما أن يتم نضـج هـذه الحمامـة الوديعـة -واهللا ال .. سـت وكيلهـا اعطني كلمة يا سيدنا أل .. ألتزوجها

.أهذرهمست امـرأة .. شعر محمد أبو الفضل بغيرة شديدة

:فاستدار للبقلي قائال .. احدثته همس .. تدعو السنهوري بالباب . سأعود بعد قليل–

أخـرج .. قامت بدرية تسيل من عينيها خمرة نيليـة البقلي دينار الذي يشبه بوصة ا وهو يقيس عودها الرفيع ا ذهبي

:ة من أوراقهاعاري خذي يا صغيرة وقولي لي ابنة من أنت؟-

:قالت ووجها كحمل وديع بريء . بنت المنصور أبو حجاج-

:األكتع، لكنه حبس عبارتهكاد أن ينطق ..أنت ابنتنا إذن.. واهللا -كبس على وجهها .. ومال عليها ،مسك بها بسرعة أ

تراجعت مذعورة وهو يلتفت .. ةبشفتيه الغليظتين بقو .يا لك من فتاة.. وعقله يحدثهيمنة ويسرة،

وال تمنعـي عنـا األكتـع لنا إذن يا ابنـة غني – .. غناءك

.. تراجعت مذعورة واسـود وجههـا ،وخزها اللقب وعندما دخلت دنيا آزاد بـان .. خائفة.. جلست تغني ضائعة

زاد نيا آ فاندفعت إلى صدر د .. على الرجل اضطرابه وخرج .فال تجيب. .وهي تسألها ما بها

-٣- ،مثل كل عام دخل الحجاج مصر على حـين غفلـة

، وهم في أسوأ حال مـن العـري وبينهم السيد حسن البقلي وما زاد هذا العام عن األعوام األخـرى أن أميـر ،والجوع

الحج بعد أن دفع لكبار العربان عوائد سنتين حتى يسـمحوا ي على سنتين؛ ة المنورة وقسط الباق لهم بالذهاب لزيارة المدين

وخيـل لـه أن يكـون ،حجز عنده أربعة أشخاص رهـائن ، فكان أن تربص به العربان فـي الطريـق ؛وجوههم بالنار

كما ينقضون عليها في ،وانقضوا على قوافل الحج المصرية ، لكنهم في هذا العام لم يكتفوا بنهب أحمال التجـار عام؛ كل

ـ ، بل سـبى وأحمال أمير الحج أو أمتعتهم ان جميـع العرباستغاث الحجاج . بكل الرجال والعجائز النساء، ونزلوا تقتيال

ذهن في مصر فقالوا يأخ ؛بأمير الحج الشامي في أمر النساء فكان ؛هبت القافلة ثانية ن ؛س والقاهرة يووبين الس . على دنانير

ما أخذه العربان ستة آالف جمل محمـل بـالبن والقمـاش فكان ؛ضوا نساءهم في المزاد ثم إنهم عر ،والبهار والبضائع

فيجـدها ؛الرجل يسافر إلى بلبيس ليفتدي أمه وأخته أو ابنته

ثم يعـود ، فيدفع فيها المطلوب ؛عارية ليس عليها إال قميص .بها

وكان التجار قد حدثوا قبائل العبايدة في أجرة يحمون . فكان أن نهب القافلة عربان العبايدة أنفسهم؛بها القافلة

،كوا إلى إسماعيل بك شيخ البالد وأميرهـا فلما اشت : فإنه أظهر لهم الشماتة ووبخهم قائال؛وقائم المقام عليها

أنا أطلب مـن العربـان لشـيل .. أنتم ناس أكابر - وأنتم تطلبون منهم حمايـة أنفسـكم وأعراضـكم ،الذخيرة

فجزاكم ؛ وال تستأذنوا أحد ، وتعطلوا أشغال الدولة ،ومتاجركم .بما حل بكم

السيد حسن البقلي الذي كان قد نجا بأعجوبة من قال لرمـال ا رأسه فـي ا إذ سقط على بطنه دافن هجوم العربان؛

:كالميت حتى انتهت المذبحة أال نذهب لحج بيت اهللا الحرام؟- ومن منعك؟- .حجاج كل عام ما يحدث لل- وهل بيدي شيء؟-

منهم ثم أنتم تصالحونهم وال تأخذون ، إنهم يفعلون - .حقوقنا

أحارب القبليـين بقبلـي، والعربـان تظني وهل - .أنتم تساعدون القبليين، وأنا أعلم ذلك. بشرقي

لكن ال تأخذ ، من عرفت أنه يساعد القبليين حاسبه - .مظلوم بجريرة ظالم

ى الباب الخـارجي رفـع وعل.. وقام التجار ثائرين :اعمامته وألقى بها إلى األرض صارخالسيد باكير

لم يكن إسـماعيل ا من دين اإلسالم إذا أكون بريئ - فوافقـه على جزء من أموالنا ومال عيالنا، بك يوالي العبادية

.الجميع وقرروا الذهاب إلى والي البالد عابدي باشا وقـال إنـه ،نظر إليهم وعلى وجهه ابتسامة فاجرة

وتأتون ، تختلسون الكثير من المخزون والبضاعة مبلغني أنك ـ ؛ها عن غير جمرك وال عشور ب ا فوقع لكـم ذلـك قصاص

. ألني شريف وأنتم أكلتم حقي؛ببركة جدي وقام ،وانتفض آخر .. ضرب أحد التجار جبهته بيده

.إليه السيد باكير

يا موالنا الوزير جرت العادة أن التجار يفعلـون - . وعلى الحاكم التفتيش والفحص،ذلك ويقولون ما أمكنهم

كـان .. واهتز جسده كلـه ،الوالياهتزت شوارب ار برأسه فـي وجـوه أعوانـه ود ،ينتفض من الغل والغيظ

:وتابعيهانظروا هذا الفـالح كيـف يجـاوبني .. انظروا -

.ويشافهني ويرد على الكالم والخطابإذ لو أن كل .. كانت مصارحة السيد باكير قد أفزعته

مسـتور ما يحدث قيل فيه ما هو عليه من الحقيقة النكشف ال : استطرد وهو يقهقه من شدة الغضب.وبان الغائب

انظروا كيف أن مثل هذا العامي السوقي يرد علي -ما رأيت مثل أهل هذه البلدة وال أقـل مـنهم .. بهذا الجواب

.حياء :استطرد وأصابعه تهتز سلمت عيونه حتى ال يرفعها في وجه لوال خوفي من اهللا ل -

ولقطعت لسانه حتى أحمي المتأدبين ،ا منه من هم أحسن شأن من عدوان غير المتأدبين، ولقطعت قدميه حتى ال يخرج من

. هيا إلى الخارج قبل أن أفعل..حيث يقيم

* * * بعـد ا من بوالق دخل إسماعيل بك على الوالي قادم

-الذي قام على صنعه وتشـغيله بنفسـه -"شركفلك"أن شاهد القبودان بأن ركبه على بعد أن زاد على ما صنعه حسن باشا

جب به فلما رآه وأع ؛ كثيرة وسبك له جلال ،عجل يجرونه به ا، أعطى أوامره كبير خلال وأطلق منه العسكر المدافع أحدث وذلك على أن يبقى أحدهم ؛بعمل شركفلين على وجه السرعة

في حـين ينـزل لقلعة التي شرع في بنائها قرب طرة، في ا .ء القبلييناآلخر النهر لحرب أمرا

تزال تهتـز مـن الغضـب كانت يد عابدي باشا ال وبعد أن حضر إسماعيل بك شيخ البالد . بالدم ووجهه ممتلئ

التـي تقاطر بقية األمراء والمشايخ لسماع رسـائل القبليـة :أحضرها معه الشيخ أحمد يونس

ـ ، إنكم نسبتمونا لنقض العهد - ال أن الـنقض والح وذهابهم مع قبطان باشـا ،رهائنتنا ال جعل منكم بتسفير إخو

فلما حصـل ذلـك ، وما فعلتم في بيوتنا وحريمنا؛ إلى الروم فركبنا خلفهم نـردهم ؛ وزحفوا إلى بحري ،احتد البعض منا

والحقيقة .. فلم يمتثلوا فأقمنا معهم ؛ا للسالم اتقاء للحرب وطلب

وتتوجـب ،أننا ملزمون بعهدنا مع نائب السلطان ال نخالفـه .. وهذا.. اعتهعلينا ط

زفر عابدي باشا زفرة حارة ورفع يده في الهواء ال ا يفرج فعاونه إسماعيل بك صارخ ؛يستطيع الكالم كالمجنون :عما في صدر عابدي باشا

فهل يعقل ن على ذقوننا؛ واهللا هؤالء إنما يضحكو -أن يزحف مجنون إلى أسيوط فيأتي خلفه عاقل لرده فتكـون

شرع فأي شرع يسود؛ .. اقل مع المجنون لعالنتيجة أن يبقى ا !العقالء أم شرع المجانين؟

:قال عابدي باشا وقد استعاد هدوءهواهللا أنا أقول إنما نحن المجانين أن نسـمع فـي -

.كالم فارغ وأالعيب ال تخيل على عقل على أنه في ذات اللحظة دخل رسول آخـر مـن

وكان يحمـل رسـالة أخـرى قـالوا ،عند القبليين ، وأخـذنا قبليهـا ، تركنا لكم بحري البالد إننا-":يهاف

، ولكم ا حتى أسوان جنوب وحدود إمارتنا الجيزة شماال فإن قاتلتمونا علـى ؛ حتى البحر الكبير ما فوق طرة ،ن اكتفيتم عنا فلسنا واصلين إلـيكم ، وإ ذلك قاتلناكم

؛ ونعقد الصلح علـى ذلـك ،وال طالبين منكم مصر يخ االختيارية نتوافق معهم على فأرسلوا بعض المشا

." وهذا آخر كالم؛أمر يحسن السكون عليه : لعبادي باشافصرخ الشيخ أحمد يونس قائال

يا موالنا خالصة الكالم أنكم لو أعطيتموهم مـن - .اإلسكندرية ألسوان ما يرضيهم إال دخول مصر

:قال حسن بك الجداوي ؛لجـواب وننتظر ماذا يكـون ا ،م الدولة نرسل نعل -

. خرجنا إليهم وقاتلناهم؛فإن زحفوا قبل مجيء الجوابارفع عابدي باشا يده مقاطع:

..أنا جائني ططرى وبيده رسومات - فقـرأ المرسـوم ؛ أشار إلى إسماعيل كتخـدا أما الثاني فبسـبب ، وكان يطلب مشان ويدك ،األول

القبليين وجاء فيه إن كانوا مقيمون باألمـاكن التـي فال تتعرضـوا لهـم، ؛ لهم حسن باشا بالوالية عينها

خرجوا إلـيهم ؛ فـا وإن كانوا زحفوا وتعدوا ونقضوا أمـا .. وقاتلوهم، وإن احتجتم عساكر أرسـلنا لكـم

فقد كان مقرر عابدي باشا بالوالية ؛المرسوم الثالث

فقد كان بالوصية على ؛ا آخر، والمرسوم الرابع عام .األنبار والجامكيةالفقراء وإرسال غالل الحرمين و

:صاح إسماعيل باشا . فإننا نرسل في طلب العسكر–

:قال الشيخ العروسي بقرف واألولـى ، العسكر الروميـة مغـارم ومكـالف –

فينتهي األمر مـرة ؛استجالب خواطر الجند باإلحسان إليهم والذي نعطيه لألغراب أعطوه ألبنـاء البلـد أولـى ،واحدة .وأحسن

:ا من العروسيمغتاظقال عابدي باشا وأنا عندي فتوى من شيخ اإلسـالم بإسـالمبول – وكذلك أريد فتوى من علماء مصر بموجـب ذلـك ،بقتالهم

.فأخرج إليهم وأقاتلهم :قال السنهوري

. فهذا حق علينا يا حضرة سلطانيم– : وصاحفرفع إسماعيل بك يده على الفور

ن جماعة ، إ ية يا أسيادنا يا مشايخ يا أمراء ويا جاقل - وتركوا أماكنهم وزحفوا علـى ،القبليين نقضوا عهد السلطان

. فهل الواجب قتالهم ودفعهم؛البالد ، صيحات اإليجاب من أتباعه تانتشر لغط وتصاعد

.ونظر المشايخ بعضهم لبعض كفئران في مصيدةاقال الشيخ السادات والشيخ السنهوري مع:

. نعم– :فقال إسماعيل بك

يصـرف ؛ الحال قتال مخالفي السـلطان ن لزم إ – .على المقاتلين من المعسكر وخـزين السـلطان

: لألمراءوأشاح برأسه قائال . فكل منكم يقاتل عن نفسه؛ وليس هنا خزينة-

:ي قالالسخط على وجه حسن بك الجداوظهر فأما ما تقوله يا بك إنما يفـرق الشـمل ويجعلنـا -

؛ن البقاع لحين يتقدم المتقدمين ح للمترددي ، ويتي نقاتلهم فرادى بما يملـك، كل ؛ل الجماعة إلى الفرار ، وتؤو فينهزم الطرفين ، فإذا هاجمناهم يفرون حتى ولو بعد أسوان ؛وهم على وحدة

ويرسل مراد بك وإبـراهيم ،ويعودون مهاجمين إذا تركناهم

بك اليسرجية والدالئية لشـراء الجنـد ومجالبـة األمـراء وهم لن يهزمونا مواجهة، ولكن سـوف . .وإحضار العسكر

.يتركونا حتى نهزم نحن أنفسنا :قال إسماعيل بك بغضب

– أليس يتوجب بأن نضع فـردة . وبماذا تشير علي .على التجار

ثم هز رأسه موافقة،وجاوبتـه ،افحار الجداري جواب :دة قاطعها إسماعيل أفندي الحلوقيموافقات مترد

وقـد صـرنا ،ى نصرفه وأي شيء يبقى لدينا حت -ا بعد أن قضى حضرتكم علـى كـل كالشحاذين ال نملك شيئ

.نصف الفضة في خزينة تاجر :صرخ إسماعيل بك وهو غاضب

. تأدب يا إسماعيل أفندي– وهل تبقى لنا شيء حتـى نتـأدب بـه أو ثـوب - .لنتغطى به

: في هدوء وقالاتنحنح الباش أنت تكسـر ، هذا الكالم ال يناسب يا إسماعيل بك -

واألولى أن تقـول ،واألعيان بمثل هذا الكالم رالعكسقلوب

وإن شبعت ، إن جعت جعتم معي ؛أنا وأنتم شيء واحد .. لهم .اشبعوا معي

:رفع إسماعيل بك رأسه للوالي بتصاغر وقال .ينوأنتم تصوبون.. أخطأت.. واهللا يا باشاأخطأت -

فتقـدم إليـه ؛ا بالبكاء ثم إن الجميع فوجئ به منفجر .ا المرضمدعي.. ا بجنبه فبقى فيهم ممسك؛األمراء يواسونه

اقال بمسكنة تخفي إصرار: ال ؛ كما يقول أسيادنا المشايخ وأنا أوافقهم الـرأي –

والـرأي عنـدي ، من السلطة وال ماال انرسل نطلب عساكر د ل على كل بل ونجع ،وعندهم عمل تفريدة على القرى والمدن

.مائة وعشرين دينارا- أخرى ا أمواال وفرد .. ا لـم قال الخلواتي لكن أحد . وانكمش المشايخ عاجزين عن المحاجاة،يشايعه

ا في صباح اليوم التالي ذهب الشيخ العروسي بـاكر :ا ووزعه على المشايخ مكتوب وأعد سؤاال،إلى األزهرم فضلكم في جماعة أمراء وكشـاف دا.. ما قولكم -

، وحصل منهم الفساد واإلفسـاد ،وا على البالد المصرية بلتق ومنعوا زيارة النبي عليه ،ومنعوا خراج السلطان والحرمين

وأكلـوا حقـوقهم ،الصالة والسالم وقطعوا علوفات الفقراء أرسـل السـلطان يـأمرهم ..وجماكي المستحقين واألنبـار

الـبالد فعين عليهم عساكر وأخرجهم من ؛وينهاهم فلم ينتهوا ـ ،فلم ينتهوا وشـفقة ورأفـة ،ا للـدماء ثم إنه صالحهم حقن ،ا للفـتن تسكين ؛ منها ، وقرر لهم أماكن ال يخرجون بالرعيةورجع للجهـاد ، وأخذ منهم رهائن على ذلك ،ا للنزاع وقطع

فعنـد ذلـك .. في سبيل اإلسالم ومحاربة الكفرة المسـكوب ، إيقاع الفسـاد وسعوا في ،تحركوا ثانية وزحفوا على البالد

فهل يجوز لنائب السـلطان ؛ ونقضوا العهود ،وقطعوا الطرق دفعهم وقتالهم أم كيف الحال؟

فكتب المشايخ بجواز قتالهم حسب ما شـرع مفتـي بل يجب على كل ؛سالمبوليخ اإلسالم بإ الديار اإلسالمية ش

شـرط عـدم ":على أن تضاف الفقرة األخيرة مسلم المساعدة "ضررإزالة الضرر بال

ثم صعد بها الشيخ العروسي بصحبة مجموعة مـن :؛ فاستقبلهم هاشا باشا وقالالمشايخ إلى الباشا

؛نرسل إلى أمراء القبالي بمكاتبات نوضح لهم األمر .فإن رجعوا سكنت الفتنة وإن لم يرجعوا خرجنا لقتالهم

* * *

-٤- .. تهادى القارب وهو يقترب من مرسى مدينة المنيا

فوجد ثلة مـن الفرسـان ؛ا إلى الشاطئ وري ملي نظر السنه ولحظة أن وضع المركب مرساه وألقيت ،تتجمع عند الميناء

السقاالت شاع في المدينة نبأ وصول رسـول مـن الـوالي فلم يكد السنهوري يصل إلى . عابدي باشا إلى أمراء القبليين

البر محمال بأثقاله حتى واجهه فارس قوي الشكيمة يتطـاير ..نيه الشررمن عي

انتظر حتى امتطى السنهوري ظهـر جـواده فلمـا قفز جـواد .. شديدة حرك اعترض مسار الجواد في التفافة ت

سـقط .. ا على قائمتيه الخلفيتين واقف ، وبقي االسنهوري عاليقـام .. السنهوري على ظهره وسـط ضـحكات الفرسـان رفع .. السنهوري وقد رسم في عينيه صورة المسكنة والمذلة

..ا برقعة ملفوفةامته ممسكقأنا رسول سالم من عند موالنا الوالي .. أنا رسول -

..قادم ألجل مقابلة أبونا األكبر إبراهيم بك.. نائب السلطان

والذي كنى بعثمان (خطف عثمان بك كاشف رديس لـم (فتحها مقلوبـة .. الرقعة من يد السنهوري )بك الرديسي

ـ ،ة السنهوري وأشار ألتباعه ناحي ،)يكن يقرأ ا ثم لعنه مولي .ا إلى المدينة متجه،ظهره إياه

: صرخ السنهوري .. بس أعرف مين حضرتكم -

أمسكوا به بقوة وغلظـة، قيـده ،تدافع الفرسان .أحدهم من خلفه

فـين .. وما على الرسول إال البالغ .. أنا رسول – يا يومـك اللـي مـش فايـت يـا .. راح تاخدوني

آه .. وخطفت عمامته ،ى البكاء أوشك عل .. سنهوريفشعر بمهانـة . عاري الرأس سار . آه يا ابن الكلب

فانهـالوا علـى قفـاه ؛خذ يشتمهم ويسبهم بالغة؛ فأ دار حـول .. والركالت من فوق جيادهم بالصفعات

ربطوه ري من أين يتلقى الضربات، نفسه وهو ال يد ثم انطلقوا راكضين في صـياح ،بأحد سروج الخيل

.ا في جبته وقفطانه يجري خلفهم متعثروطرب وهو

دانا .. واهللا أنا معكم أنتم فاكريني مع إسماعيل بك -حتى مخبي حرم إيداكش وبنته عنـدي فـي بيتـي ووسـط

تضـايقوا شـيخ اكـد .. يا والد الكلـب .. يا كفره .. عيالي ..عجوز

ـ ا ركضوا ثالثمائة متر لهث فيها السـنهوري لهاثمـن .. ا من السـحل لى األرض خوف قاوم الوقوع ع .. اشديد

ا طريق جانبي أطل فارس معتدل القامة أبيض البشرة مشـرب وينضح وجهـه بـالقوة ، تظهر على وجهه الوسامة ،بحمرة

تهدلت خصالت شقراء مـن تحـت غطـاء . والبأس الشديد ـ . حدق في الغبار القادم .. رأسه روا عندما عبره الفرسان عب

وقبـل . .دوء منخفض الصوت عن احترام بالغ بسيرهم في ه :أن يختفوا صاح في الفرسان

.. هيه من هو– :التفت أحدهم

..أنه رسول الوالي.. إنه– :تجهمب صرخ محمد بك األلفي

.. توقفوا أيها الحمقى.. توقف– :نزل من فوق فرسه.. أسرع نحوه

. متى جاء– . اليوم–

: همس له . من أنتم–

: بالغ قال السنهوري في تعب . الشيخ السنهوري–

: هتفمـام رواق الشـيخ السـنهوري إ .. قم يا سـيدنا –

وخادم مشـهد بيـت اهللا بجـامع ،الشاذلية باألزهر الشريف وقاضي قضاة المنوفية وكاتب السلطنة ،السنهوري الغضبان

؟من فعل به هذا.. صرخ فيهم.. العثمانيةخته وانتفضوا لسماع صر ، تراجعوا لسماع األلقاب

:وقالوا . عثمان بك– عثمان بك من؟– . عثمان بك البرديسي- حضـرتكم تخبئـون .. هذا حمار خنزير .. اللعنة -

؟حرم إيداكش وابنته

: هز السنهوري رأسه وقال .. لقد أخبرتهم –

افصرخ األلفي غاضب: عقـول ؛نة اهللا على البرديسي وعلـى أجـداده لع -

. أين الرسـالة .. يلة الشيخ ا يا فض سامحن.. كعقول العصافير :أشار السنهوري نحوهم

. مع موالنا عثمان بك البرديسي- األمر على أستاذنا مـراد ألعرضواهللا .. اذهبوا -

.بك* * *

في المساء وبينما الشيخ السنهوري راقد على فراشه، ذراعاه بعد أن وجبر ،وقد امتأل جسده بالكدمات والرضوض

سمع ضوضاء عالية فـي الردهـة صابتهما بتمزق داخلي، إا بيضاء وجد رأس .. ففتح عينيه بتثاقل ؛الخارجية لدار األلفي

. وعينان مجنونتان تطالن عليه،شقت بحد السيف :صرخ مراد بك في تلميذه األلفي

أنا أريد أنتف لـه .وليش يظل رسول حيوان هنا -إسـماعيل .. ذقنه شعرة شعرة هو واللي أرسله

ولـد ألفـي . ان عندي فور حيوان يكو .. الكلب ..موش تضعوه تحت حمايتكم

لكن األلفي أجـاب أطل البرديسي بعينين متشفيتين، :بثقة

تنا أفندم إذا شئتم أشوي لكـم هو مش تحت حماي – أسـتاذنا .. تأكله قطعة محمرة وقطعـة نيئـة لحمة

.المعظممال مراد بك على السنهوري ثانية حتـى تالمـس

بشـعيرات ذقنـه وهو يمسك .. جههوبصق في و .. وجهيهما :يهزها ويشدها بقوة

نريد ندخل النار إحناسامحنا ما نريد ندخل جنات -عند ربنا من شان ما نشـوف جـنس مخلوقـات حيوانـات

أنتم خنازير مشايخ محروق أزهر تصدرون فتاوى .. أمثالكمبأن حظرتنا وحظرة أمراء مصريين كفرة ومارقين عن دين

نحن نشهد أن ال .. وجب الجهاد ضدنا نحن ويت ،إسالم حنيف كم يدفع لكم إسماعيل بـك .. إله إال اهللا وأن محمد رسول اهللا

.. قل لي.. وعابدي باشا

والشـيخ ، والكل يسترضيه ،كان يمسك بخناقه بشدة وكلمـا .. ا ومراد بك ال يرى شـيئ ،السنهوري يعتصره األلم

لفلسـفة وكأنـه عـين ا ،خرجت أفكاره كان يشتد في ثورته :والحكمة حتى ود لو يفتك بالسنهوري الجاهل

قل لي هل كفر السلطان علي بك كبير عندما أعلن -هل كفر سليم األول عنـدما دخـل .. ضم مصر وبالد الشام

هذه حروب حول أموال وعصبيات وأراضي وجدك .. مصرشيخ جحش وليست حروب جهاد من أجـل .. ونفقات عسكر

وتثيـرون ، تدعون بالجوامع لهالكنا مأنت.. نشر راية اإلسالم وتخرجون الفتاوى ألجل إسماعيل بك وعابدي ،العوام ضدنا

،باشا يأخذون فرد وحلوان ومـال يشـترون بـه األنبـار ويصنعون الشر كفلك ويقيمون المتاريس والقالع ويصنعون

.. كل هذا من أجـل الجهـاد المقـدس .. البقسماط والذخيرة ..مسلمقبلي مسلم ونحن .. لماذا

حتى لم يستطع أحد احمرت عيناه وامتألت بالجنون :االقتراب منه

على القاهرة من الصـباح البـاكر ألزحف واهللا - وأعلق كبارهم من ذقـونهم ،وأجلد كل المشايخ عشرين جلدة

وسوف .. عشرين ليلة حتى أعلمهم كيف يكون الدين الحنيف يد علـى سوف يغفر لي كل سيئاتي ويز .. يغفر لي ربي أنا

وربكـم .. ألني طهرت البالد من إفساد حضـرتكم ؛حسناتأنت يجي من شان يشوف وجهه من غير دقون كاذبات بعـد

ا وبدون أن يدري هو ذاته جذب خصـلة واندفع خارج . نتفها : فتأوه السنهوري ألما؛من ذقن السنهوري وهو خارج

: قال ربي الشيطان إن كان هؤالء المشايخ يدعون عباد - . هو وليس عبادتهم هم ألفي بك؛اهللا لعبادته . تمام أفندم- .ال شفاعة له.. سلمه لعثمان البرديسي- . حاضر أفندم-

لـوال أن .. ا لتعذيبه تلقفه البرديسي وهو يتوقف شوق األلفي نظر إلى البرديسي نظرة صـارمة حافلـة بالوعيـد

:والتهديد . ماذا ستفعلون به–

:خذ منه لعبته المفضلةيسي كطفل تؤصرخ البرد ا؟نيش تريد يا بك أنت تعدل ورا أبووإ -

ماذا ستفعل به؟ -

.لأفعل ما أشاء وحضرتكم ليس له دخ -

..حاضر أفندم - : قال األلفي بسخرية

برديسي باشا حاضر صدر .. بك ي حاضر برديس -لكن حضرتكم تسـمحون .. سلطانيم برديسي .. أعظم

،لـوط وتتكفلون بإرسال حصة أمـوال جرجـا ومنف .وتحضر مائة جمل أخذت من الهوارية

.صرخ البرديسيأنـا مـا .. أنت بتباكت في ألفي أفندم أنت تهددني -

.أخاف نبلغ أستاذنا ووالـدنا حضـرة واهللا أنت تدفع وإال - .مراد بك

.قال البرديسي باستعطاف واهللا ما أكذب ألفي ، واهللا ما معي شيء ألفي أفندم -

.أفندم

، ومـن ومعك كل شيء ،ب برديسي واهللا أن تكذ -ن هيك سوف تحافظون على شيخ سنهوري كما تحافظون شا

.على عيونكم برديسي حاضر أفندم أنا نعاقبه عقاب خفيف على إصـدار -

.فتوات بأننا كفرة أو هيك شغالتمال األلفي .. نظر األلفي إليه نظرة صارمة فصمت

:على السنهوري قائالسـيكون هنـا قبـل .. سأرسل في طلب إيداكش -

.غروب الشمس .هز السنهوري رأسه وفي عينيه دموع الرجاء

* * * في لباسه الداخلي وقف السنهوري في فنـاء القلـق

وبها حفنة من ،دفع أحد الجنود يده ناحيته . والجنود تحيط به :في استفزاز وهو يلكزه بمقبض سوطهسأله .. التراب

ما هذا؟-سـورة ينجيه وقـرأ يدعو ربه في سره أن صمت

: فلما انتهى أجاب بيأس؛الكرسي .فيلكزه ثانية.. تراب–

ما هذا؟– . بني تراب تراب يا -

:فيلكزه ثانية ما هذا يا أعمى؟-

: فيضج العسكر بالضحك.. أديــم األرض أي قشــرتها.. هــذا واهللا أديــم- .وإن شئت قلت طمي.. سطحها

: فقال؛ ضج الجنود بالضحكقل لي أنـت يـا .. أحمق ومغفل وجاهل إذن أنا -

.أخي :ا وهمس كمن يقول سر،مال عليه الجندي

. هذا سكر– :قال السنهوري يغالط نفسه

. هذا سكر– .بلعه كله إذن ا-

وأخذ يلتهمه وهو يعلم ، مأل السنهوري كفيه بالتراب ففضـل أن ؛ ولكن بقوة ونأنهم سوف يجعلونه يفعل ما يريد

ه أحدهم من ظهره فسـقط علـى األرض دفع.. يفعل بنفسه

، والسنهوري يتململ وأمسك برأسه وأخذ يمرغها في التراب والتراب يمـأل فمـه ،ا دون جدوى ا ويسار يمينويهز رأسه

، وأخذت مقاومته تتالشـى ، حتى كاد أن يختنق ؛ويبتلع منه سـمع .. ويدعو اهللا أن يرسل إيداكش ،وبدأ في تالوة الشهادة

؛ وصيحات غاضبة ،على باب القلق الخارجي ا متواصال طرق وقف إيداكش يصـرخ وأمامه.. قام وهو يتأوه .. خلي سبيه فأ

،أوشك الطرفان أن يتقـاتال .. في الجند وحوله ثلة من جنوده :والسنهوري ينظر إليداكش يرجوه

.. لحقنـي ا.. الحقني يـا أغـا .. ده أنا ح أموت – .. الرحمة يا رب .. الرحمة يا سيدي البك .. واندفع في البكاء .ق في بكاء شديدل وانط....يا سيدي يا بدوي

عندما بلغ نبأ وصول رسول من القاهرة إلى إبراهيم الـذي انطلـق ؛بمنفلوط أرسل من فوره رضوان الجواخدار

ا جواده من فوره إلنقاذ الرسول من جنـود مـراد بـك راكبا علـى عجـل ولما بلغ قصر مراد بك دخل مندفع ،وأتباعه

ه إبراهيم السناري كتخـدا مـراد استقبل.. يريد مجلس األمير :بك

أين مراد بك؟-

:قال السناري بلؤم بينما وجنده، خرج لسمالوط يحارب إسماعيل بك –

.أنتم تتوارون من منفلوط خلف همته وشجاعته :جاوبه رضوان الجواخدر باحتقار

– دعنـي أراه .. ا وانتصرتم فيها وهل حاربتم حرب .فور يا بربريعلى ال

ـ ، كان السناري أسود البشرة لئيم المظهـر ا مخاوي :قال يصطنع الصبر...للجان والسحرة

–ا انظر حولك إن وجدته أكون كاذب. :قال رضوان بسخرية

.سحابة أو حولته لقطفي لعلك أخفيته -ا الطيبةقال مصطنع:

-ال أستعمل قوتي إال ألجعله أسد ا يا خوندا هصور.

.اا إن نظرت إلى مرآتك السحرية أصير حجر فأن- :برقت عينا الساحر المشعوذ

الناس تضفي علينـا نحـن العـارفين بـالوراء – إنما هي قلوبهم .. والمتصلين بالجان قوى كبيرة ال قبل لنا بها

ا داخل ا ألنه يحتوي فأر ر البعض منهم فأر يالتي تحولهم فيص

تم إلى مرآتي لن تكونوا إال فإذا نظر .. ا ألنه كذا أو قط ،جلده وأنتم رضوان بك مشـهورون كـأبيكم ،ما عولتم قلبكم عليه

وهم الثالثة التي ال ،عرفة والشجاعة مإبراهيم بك بالحكمة وال .ينفع معها السحر وال سلطان له عليها

؛ أو تكشف عن أسراركم يا كتخدا؟ هه- إنما نريدكم راضـين عنـا متفهمـين لمقاصـدنا - .الخيرية

:نظر إليه رضوان بك وقال برنة احتقار . ومتى كان للسود مقاصد خيرية–

صمت إبراهيم السناري على الفور برهـة وبهتـت :، أشار تجاه الردهة وقال في برودمالمحه

. تفضلوا حضرتكم مراد بك في انتظاركم- ا على أريكة يأكل دخل رضوان القاعة فوجده متربع

ا ال وإنما نظر إليه شذر ؛لم يرد عليه ألقى إليه بالسالم ف . بنهم ..أشار فرفعت المائدة.. ضيقهيخفي

: قال بعصبية بالغة أحـوال ال األكبـر إبـراهيم أن هـذه أبلغ أخونا -

أن تركنا أسوان في عهـد الملعـون ذإننا نحارب من .. تطاق

وأنـتم ،كان يجب أن نتحالف مـع المسـكوب .. حسن باشا م بحوض به ماء فغسل يديـه دخل غال .. تسيرون من خلفي

.تبعه آخر براكية القهوة ونرجيلة : استطرد

وأنـتم ال ، إنا نخسر أجنادي وممالكي وأمـوالي -ا سوى مهاترات وكلمـات بارعـات وقصـص تفعلون شيئ

..وغيره.. مخبوالت ونصائح غبيات وشغالت صلح يا أمير، الحكمة في أن يعرف اإلنسان مـا يقـدر -

وعـرش سـلطنة هذه دولة عليـة .. ر عليه وما ال يقد عليه ترسل لنا حسن باشا قائد البحرية العثمانيـة ومـع . عثمانية

ديد ، وتوجه علينا من الشام كل رع جيش جبار عمارة بحرية بير إسـماعيل وينحاز له الخونة من أتباع علي بك الك ،جبان

ولهـذا ؛ي المعين لهما بأمارة بر مصر بك وحسن بك الجداو وفي ،مام حسن باشا كالجرذان حتى بلغنا أسوان نحن نهرب أ

كل مرة نطلب أمان حتى يصـاب حسـن باشـا بالضـعف فالدولة العلية في شغل ؛ ويذهب لمحاربة المسكوب ،والخذالن

فنحن نصعد إلـى بحـري .. عليها منا عنا بما هو أشد هوال .حتى نبلغ مصر ونطرد منها األشرار

: صاح به مراد بك بضجروألني عارف هذا الكـالم .. ف هذا الكالم أنا عار -

أمـا أنـتم ،فأنا هنا في المنيا والعسكر سبقوا إلى سـمالوط .تتلكأون في منفلوط

يا فندم الوالي وأتباعه يملكـون بحـري .. يا فندم - ونحن بأجنادنـا معـدودون ،البالد ويتمكنون من القادم الجي

لبهـار مـثلهم مثـل ا ،نأتي بالمجاليب من الـبالد البعيـدة فإذا خلص البن من خزنتكم يتعكـر ؛والقمح والذخيرة ،والبن

وإذا انتهـت الـذخيرة مـن مـدافعكم تهزمـون ،مزاجكمفتناقص عدد المماليـك يكسـر شـوكتنا ويفـل .. وتسلمون فهم مثل المزروعات ؛ وال يعود لنا مكان في البالد ،عزيمتنا

بهـم علـى قيـد حصدت يجب أن تبذر ثانية حتى نبقي إذا ونحافظ علـى عـدد ،فعلينا أن نقتصد في الحروب .. لحياةا

ونهجم ، ونختفي عند أول اشتباك ، نهرب وقت الشدة ؛العسكر ونصعد ، إذا هم أتوا الجوانيهبط إلى الصعيد نوقت الغفلة و

ويقل ، حتى يوهن عزمهم ؛إلى الصعيد البراني إذا هم ذهبوا حلفـاء فنقوم قومة واحدة نضـرب ؛مددهم من قبل السلطان وتعود لنـا ، فنملك مصر ثانية ؛ا علينا الوالي ونبقي عليه والي

يد ودميـاط؛ ونخرج إلى السويس واإلسكندرية ورش ،الدوائر نمأل خزائننا الخاوية بالـذهب ،التي هي متنفس ال غنى عنها

. ونعود نستجلب الجنود والمماليك،والفضة وكل نفيسان كان مراد بك يضيق بصره كلما اسـتمر رضـو

ا حتى كاد أن يغلـق ويمد رأسه منتبه ،الجواخدار في حديثه فلما انتهى استعاد توازنه ،ا على رأسه ا ويقع منقلب معينيه تما :وصرخ

ا فأنا أخسر مماليكي وتضعف قوتي وتـوهن إذ – وأنتم على ، ويقل معي األعوان والعتاد ،عزيمتي

..ما أنتم عليه كاملون تامون ال تنقصون فسقطت النرجيلة وانقلبت ؛ي ثورة غاضبة قفز ف

:راكية القهوة وهو يصرخخنزير ملعون سـناري واهللا ألقطعـن .. سناري -

.رقبتكم أيها الساحر األسود الملعونركع على ركبتيه.. ادخل جواخدار مراد بك مرتعب:

. أمركم أفندم– انتزعه ،سوطه المعلق على الحائط ىجرى بتثاقل إل

:اار عن ظهره مستسلمفكشف الجواخد

.ضرب اضرب أفندم ا– :افاندفع ورمى بسوطه صارخ

حـاال .. أيها الجاسوس الملعون .. تهلكون قواتي – :ا وعاد إلى رضوان بك متوعد...أقطع رقبتكم

فـإذا ؛واهللا ألرجعن بالعسكر إلى ما ورا منفلوط -، وإذا عاد إبراهيم بك إلى قنا عدت إلى جرجـا

سنا ، وإذا عاد إلى إ سنا إلى إ عاد إلى جرجا عدت وسوف نرى من يسبق الثاني ،عدت إلى أسوان

وأنا لن أتقدم إلى الحرب خطوة واحدة إال ،إليها .وراء إبراهيم بك

: قال السنار باضطراب ، ولكنه إذا سبقنا يأخذ الغالل ويجبـي األمـوال –

ويضـع علـى فالحـين ،ويستولي على مزروعات فال يبقى لنـا ؛حلوان وجامكية وأعيان وتجار فرد و

.ونحن خلفه إال األراضي الجرداء والخزائن الخاويةا إلـى ا إلى رضوان بك ويسـار نظر مراد بك يمين

. وقد اتقدت عيناه بالجنون الحائر،إبراهيم السناري . فأنا تضحكون على ذقني أنا تضحكون على ذقني-

ء البـرود قال رضوان الجواخدر وعلى وجهه سيما :الثقةو

األفضل أن يضع حضرتكم يده فـي يـد أخيـه - إبراهيم بك فتحاربان مع ا بيد ا يد، ا في يـد وتتقدمان معا يد،

ولنا المنيا ،ا، نحن لنا جرجا ولكم منفلوط وتتقاسمان البالد مع .ولكم أسيوط . أنا ما أترك جرجا وهي مخزن قمح البالد-

: قال رضوان بك؛ فأين رسول اسم غاللها نتفق نتق ..نتفق أفندم نتفق - الباشا؟

.أي رسول.. رسول- . الشيخ السنهوري-

:أشار بيده إلى إبراهيم السناري أين هو؟-

:قال إبراهيم السناري . في السجن أفندم-

:أجاب مراد بك بنفس النغمة في السجن أفندم وليش هو في السجن أفندم؟-

. هكذا فعل عثمان بك البرديسي أفندم- :ا جواخدار بصوت خافتتمر مراد بك مقلداس . وليش فعل عثمان بك البرديسي هيك أفندم- . ال أعرف أفندم-

:قال بصوت خافت منغم أنت حمار سناري كيف تكون كتخدا أمير الـبالد - ..وال تعرف

:ا منفجرا بأعلى صوته ثم انطلق صارخ .حمار أفندم.. أحضر شيخ سجين-

* * * رحل ،اعند إيداكش خمسة عشر يوم أقام السنهوري

؛ا واستقبله إبراهيم بك الكبير ومراد بك مع ،فيها إلى منفلوط حيث أخبرهم في جلسة خاصة أن مشايخ الـبالد وأعيانهـا وتجارها ينتظرون عودتهما ويرحبون بهما حتى يرحل عـن

أما عـن إصـدار .البالد شرور وبالء إسماعيل بك وأعوانه التي تقول بأن أمراء القبالي خرجوا عن شيخ األزهر للفتوى

وخرجـوا ،طاعة السلطان خليفة رسول اهللا وأمير المؤمنين إنما هو تنفيذ لحكم القوي علـى ؛عن اإلسالم والدين الحنيف

وإنما هم يرون أن أمراء المصريين القبالى أكثـر ،الضعيفا ومنفعة وحكمة وقدرة على سـوس الرعيـة والعبـاد قرب ..

أن عابدي باشا وإسـماعيل بـك أرسـال يطلبـان وأخبرهم والدولة العلية ترسل لهـم ،المساعدة والعساكر من السلطان

وتمنيهم بقرب وصـول المـدد ،بالوعود والكلمات المعسولة رم وهي عنهم مشغولة بحرب المسكوب واستعادة الق ؛والجند

أن إسماعيل بك أخذ يرسل وأخبرهم أيضا . ومدينة إسماعيل فإذا جاء عمـل .. من أعوانه لحدود البالد حقيواحد كل يوم

جاء حـامال ؛فشنك وأطلق المدافع على أنه رسول السلطان والخـروج ة التي تحض على حرب أمراء القبـالي، للرسال

والكل يعلم أن هذا ليس إال لعب وكـذب ،لدفعهم ومجاهدتهم وال رسـالة وال وأن السلطان لم يرسـل رسـوال ،في كذب .يحزنون

واتفقوا على أن يرسلوا مع السنهوري إلـى عابـدي ا برسـالة مصـحوب ،باشا الحلوان والمال والميري عن قبلي

:قالوا فيها-" ونقعـد ،ا فليكن كـامال إن يكن الباشا يريد صلح

ونقيم ثأرنـا فـي ، ونصير كلنا أخوة ،معهم بالبلد عند عيالنا

لم يرضـوا فإن . وعفا اهللا عما سلف ، ودمنا في دمهم ،ثأرهم ".والسالم.. بذلك فليستعد للقاء الحرب وهذا آخر كالم

كما اتفقوا على أن يرسلوا معه مكاتبات بنفس الكالم للمشايخ والجواقلية واألعيان وكبـار التجـار فـي مصـر

ة الرعية ورأفة بالعامة أنهم يسعون للصلح لمصلح نهم يخبرو وإن لم ان،ك.. ؛ فإن كان غرض إزالة الغمة عنهم والفقراء؛

يكن فليخرجوا لهم على ظهـور الخيـل كمـا هـي عـادة .المصريين في الحروب

* * * كانت هذه هي الليلة األخيرة للسنهوري فـي قبلـي

ا بعد أن أعد أمضاها عند إيداكش وقد عزم على السفر صباح وخلع عليـه حاجياتهو بالغالل ا محمال له إبراهيم بك مركب ،

ـ وحم ،مراد بك وكذلك فعل ، سمور فردة الوه خمسين مركب .محملة بالغالل خاصة بعابدي باشا

: اختلى إيداكش بالسنهوري وقال لهوفي آخر الليل .. يا موالنا لقد وصلت إلى قرار فيما حدثتني به-

وكان السنهوري قد أخبره أن األشقر هو الذي أنقـذ وأخبـره . تخبئة كنوزه كلهـا ى وساعدها عل ،األميرة شريفة

بماذا يشـير ؛ أن األميرة شريفة قد حملته رسالة مفادها ضاأي أم ، أو تقوم علـى بيعـه ، هل تقوم على قتله ،جهاوعليها ز

تخصيه حتى يصير لها طواشيا كما أرادت من قبل؟ا وتابع : واستطرد السنهوري قائال

نـك تريـد ي في هذا قد بلغتها شائعات تقول إ وه -المصونة الكريمة ذات الحسـب عتقه وتزويجه فاطمة ابنتنا

ـ ؛واألصل الشريف ـ وهو األمر الذي ترفضه رفض ا ا قاطعبل هي التـي ؛ولم يكن هناك شائعات من هذا النوع .. انهائي

وهي تعلم أنها بهذا تثير وساوسه وتدفعـه ،لفقتها ونقلتها إليه . حيث تريد هيإلى

:قال إيداكش للسنهوري- رجوك يـا أخـي أن أ.. ا لقد فكرت في األمر جيد

وإذا ،تخبرها أن األشقر إذا بعناه باح بسرنا للمشتري الجديد وإذا ، تفعل بي وبمالي ما تشـاء ؛ا لها هي خصيناه صار ملك

دفع وربما ت ، ما تشاء ، وتفعل بي أيضا قتلته صار الكنز ملكها ونحـن فـي حاجـة ،إنما أحوال البالد في هرج إلى قتلي؛

..لهمامللمخلصين من األعوان ا

ال لنفسه وكأنه يتأكد من أفكـاره عـن زوجتـه وق فـال ، منهم ابنتـي وزوجتـي ؛ صار السر بين ثالثة :فاطمة

.. وال تقدر ابنتي على أمها،تغويه زوجتيا وهو يقول للسنهوري رفع صوته ثاني:

، وأن أزوجه ابنتي فيصير صهري ، أرى أن أعتقه -حـن فيهـا اآلن لي وساعدي في وقت الشدة التي ن اوعضد،

فأنا أزوجه على سنة اهللا ورسوله سـيدنا ؛وأجعل منه كتخدا وال تنس أن األشقر .. محمد بن عبد اهللا عليه الصالة والسالم

واالمتثال لوليها ،يقرأ القرآن الكريم، والزوجة واجبها الطاعة حسـب .. دارفع يده مستطر .. أليس كذلك يا سيدنا .. زوجها

المحمدية التي هي آخر الملـل وسـنة الشرع الحنيف والملة .. العالمين

* * * شاع بين الخدم أن األميرة شريفة تنوي عتق مملوكها حسين األشقر وعقد قرانه على ابنتهـا فاطمـة بعـد سـفر

ولم يكن ألحد أن يتأكد مـن ،السنهوري إلى المنيا بأيام قليلة .صحة نبأ كهذا قبل وقوعه

.. لة إلى زوجته المقبلة لقد تحولت فاطمة بين يوم ولي وأصبح هذا الرباط الذي .. كان األمر بالنسبة له صدمة قوية

ولقد . ا على الفهم ا غامض سيربطهما في المستقبل القريب شيئ اأن يشم جلـده .. أراد مرة أن يتقرب منها إلى حد المالمسة

لكنه لمح األميرة تنظر نحوهما من خلـف ،الطري الصغير وفي ساعات الليـل الطويلـة .. على الفور فاختبأ.. المشربية

كان يحاول باستماتة أن يعيد مالمـح فاطمـة الباهتـة دون واألميرة شـريفة تراقـب كـل ، فيعود إلى مراقبتها ؛جدوى وكلما شعرت برغبة األشقر في االقتراب من ابنتهـا ،منهما

فتدور في المكان تلقي لألشقر بأوامرها ؛مألها فوران عنيف ما وهي تسب وتشخط وتمزق األغطيـة التـي تكلفه بشيء . وتستبد بالخدم دون توقف، وتقرض أظافرها،تحيط بها

ا من هذا كله حتـى وصـل أما فاطمة فلم تفهم شيئ وأعقب هذا ، ساعتها تأكدت اإلشاعة ؛الشيخ السنهوري منوف

هنا عرفت الطفلـة .. اختفاء العروس فلم تعد تغادر الحرملك ظلت تنتظره وترقبـه .. أ على حياتها ا ما سوف يطر أن أمر

.بخوف يختفي تحت قناع وجهها البارد

وفي حجرة الخزين سمعت بدرية إحدى النساء وهي وأنه لـن يأتيهـا قبـل ،تقسم بأن فاطمة لم يأتها الطمث بعد

.سنتين على األقل :في الليل سألت أمها على حين غرة

هو الطمث جه لألميرة فاطمة؟- :اشنفت أمها بانده

ال إزاي عرفت يا مقصوفة الرقبة؟- :، ثم قالت في ابتسامةلعنت صديقة النساء

واسـكتي .. وريا بنت المفج مش قبل سنتين .. ال - .بقى

وهو إيه يا أمه؟ - :جرقالت صديقة بض

.. هو إيه- :تنهدت صديقة

. الواحدة على وش جوازبيخلي هو اللي - .ز البارحروعتها الفكرة وأصابها إحساس بالعج

عجلت األميرة شريفة بعقد قران ابنتها الصغيرة على ـ ؛مملوكها ا فبعد عودة السنهوري مباشرة دعته ودعت جمع

أعلنت أنهـا و ،من األعيان ووالي المدينة من خلف الحجاب ، وأخرجت للسنهوري أعتقت مملوكها على مشهد من الجميع

ـ . فحفظه لحين نزوله مصر ؛ حرية األشقر صك ة وفـي ليل، ووزع الشربات وغنـت الخميس قام بنفسه على عقد القران

.زاد التي قامت على تزيين العروس الصغيرة بنفسهادنيا آ* * *

وفي الهزيع األخير من الليل شـاهد أحـد حـراس نادى .. الفسطاط ثالثة مراكب تقترب متسللة ناحية المتاريس

شاهد ، شعلة بطول الشاطئ جرى حامال ،عليها فلم يجبه أحد بجنود ألمراء القبليـين حـاملين البنـادق ا آخر محمال مركب

ءه يستعلم الخبر وكان زميله قد شاهده يجري فجا ،والسيوف :فصرخ بأعلى صوته

.. القبالي يعبرون النيل ويهجموون.. ووم هجو-ا نوبـة ه على جواده وهو يصرخ ضارب لفانطلق زمي

إذ لم تمض ؛وحدث من جراء ذلك زعجة عظيمة .. التحذيرساعة حتى خرج جميع األمراء على خيولهم إلى المتـاريس

، وقـام سلوا أتباعهم إلى كل صوب ينذرون رفـاقهم روقد أ ويخرجون الجنـود بالعتالت، يفتحون الدروب الوالي واألغا

وأمضت القاهرة ليلتها في كركبـة ،من بيوتهم إلى العرض ـ حاملـة ات عظيمة تجري بها الخيول فـي جميـع االتجاه

. وبين باحث عن فرقتـه ،محذربين .. الفرسان من كل نوع يعبـرون نن الوالي خطرت له فكرة فأرسـل المنـادي ثم إ

الدروب والطرقات والحارات يوقظون الناس على الطبـول وهم يدعون األلضاشات والجنود والعسكر للخـروج لـدفع

. ومنع دخولهم المدينة،هجوم القبليينهدأت القاهرة وبـردت القضـية فلما جاء آخر الليل

عندما اتضح أن بعض عسكر القبالي كانوا يتسللون عائـدين .إلى ديارهم بالقاهرة

؛ فقد أصدر ا للباشا وشيخ البلد ولما كان األمر مخزي ا بالقبض على باقي مماليك األمراء القبليين وأجنـادهم أمر،

ودفعوا بهم إلى المراكب عرايا ليس عليهم سوى قمـيص أو وبعضهم على رأسه طاقيـة أو طربـوش معمـم . صديري

وتقرر فيما بعـد القـبض علـى نسـائهم .بمحرمة أو منديل ،تهم وما تملكه النساء دهم وإسكانهم الوكائل وبيع متعلتقا وأوال

..وجمع ذلك جميعه وإنفاقه على العسكر

ولم يمض أسبوع على ما حدث في القـاهرة حتـى وقـبض ،ر السنهوري فاقتحم قص ؛هبط رضوان بك منوف

في . وجرد كل ممتلكاتها ،على األميرة شريفة وابنتها فاطمة ليلهما عند نقضيالذي كان فيه األشقر وعبد المحسن ي الوقت ا

ووجد .. وقرب الفجر بلغ عبد المحسن داره .. الشيخة لواحظ فلما دخل بوغت بأمـه وكـل أخواتـه ؛ بها الضوء مشتعال

عليه وقد ظنت أنها لن تراه بعد ألقت أمه بنفسها . مستيقظين.. وبالكاد استطاع أن يعرف ما جرى لألميرة شريفة .. اليوم

جذب نفسه من وسطهم بصعوبة بالغة وهم يسـدون عليـه ة الدار وأخذ يقفز مـن ؛ حتى إنه صعد لسقيف طريق الخروج

ا علـى وقبل قصر السنهوري بحارتين قفـز قفـز ،األسطحـ صديقه األشقر الذي كان يعتلي ا ظهره جواده ويهتـز طرب

ق أدار عبد المحسن وقبل أن ينط . بنشوى ما دخن من حشيش : قال األشقر..اأوقفه جانب.. مقود الجواد

..أريد أنا اآلخر.. أتريد العودة؟– : هتف عبد المحسن

قبض رضـوان بـك علـى ... ن تهرب يجب أ – اإلسـكندرية مغفورة إلى ، وأرسلت األميرة شريفة وزوجتك

..وهم ينتظرونك ومن آخر الحارة ا عينيه برعب تراجع األشقر فاتح ،

تختفـي فـي الظـالم قـرب مـدخل قصـر شاهد أشباحا : هتف.. ا تراجع مسرع..السنهوري ماذا أفعل؟- .استدار عائدا.. تهرب-

؛كان اثنان من العسكر قد شاهدا األشقر يعبر البوابة ي الدرب وعندما بلـغ ظل الجواد يركض ف .. فأغلقاها خلفه

وقـف الجنـديان يمسـكان .. نهايته لم يكن على ظهره أحد ..بالجواد وهم في دهشة : همس أحدهم

– ا فـي الطريـق ربما يكون قد سقط مخمـور .. ..لنتبعه

طعن األشقر .. ا على الجنديين من الخلف قفزا سوينطلقـا وا.. فتحا البوابة . وطعن عبد المحسن اآلخر .. أحدهما

ـ فد.. حتى بلغا السور .. يةثان هتـف .. اعه عبد المحسن دفع :األشقر

أين ستذهب بي؟–ا علـى ظال سائرين حتى بلغا خص . امش ساكت - ..الفرعونية

: هتف عبد المحسن بصوت خافتعبـد .. أنـا عبـد .. استيقظي.. زاهية.. زاهية – .. المحسن

.. فوجئت أمامها بشـبحين .. خرجت المرأة بعد ألي : إلى األشقرنظرت

أهذا هو؟ – : هتف األشقر..هز عبد المحسن رأسه

من هي؟– ألقى لهـا عبـد .. انريد جواد .. عايز تعرف ليه؟ -

.المحسن بخمس بندقيات .! ليس لدي إال جواد زوجي-

:هتفت . خذاه وسأدعي أنه سرق–

ااندفعا إليه سوي .. جـذب .. اامتطاه األشقر مسـرع وقبـل أن ،تفع الجواد على قائمتيه الخليفتين المقود ناحيته فار

ا استدار ناحية عبد المحسنيتقدم الجواد راكض: يجب أن تعود من فورك إلى المدينـة وإال دارت -

.حولك الشكوك :هز رأسه باإليجاب

. تصحبك السالمة- . تصحبك السالمة-

وعندما افترقا لم يشعر أي منهما بأنه خلـف وراءه خـر مرت حتى كان كل منهما قد نسى اآل دودةأيام مح . اشيئ

األشقر في معسكر القبليين بعـد أن .. جديدة ا في حياة منهمكوعبد المحسن الذي .. إيداكشبلغ جرجا؛ حيث سيده وأستاذه

. استعدادا لدخول األزهر الشريف؛أخذ يستعد لختمة القرآن

-٥- هجريـة ١٢٠٢وفي شهر رمضان المبارك من عام

لـم توقـد ؛ ميالدية ١٧٨٨ يوليو صف األول من الموافق الن

فقد منعها األمراء لالضطرابات التي ؛القناديل كما هي العادة .تسود البالدوعلى أبواب الدروب كان الصـبية واألطفـال -

يسهرون حول فوانيسـهم المضـيئة بالشـموع يتحدثون عـن إنشـاد ،بانتظار قدوم المسحراتي

والملـك ،المنشدين وقصص أبو زيـد الهاللـي فتيان تخلفا .. ال فاطمة حسان ويونس ومرعي وال

هما محمد أبو الفضل وعبد ؛عن اللعبة هذا العام اللذان جلسا في منـدرة لـدى الشـيخ ؛المحسن

السنهوري مع أتباعه يقومون على تالوة القرآن ..يختمونه عدة مراتو

؛ كان محمد أبو الفضل أكثر المتحمسـين لألمـر األمـر الـذي قوته يجوده ويرتله؛ انكب عليه بكل ف

ن حامد ، حتى إ دهش له حامد وبدرية وعبد اهللا وقمر شعر ألول مرة أن أخاه يبدو وكأنه يريد أن يصـير

ه لكي يحضر له نعلـه عليه وحده يأمره وينها رجال فأخوه ال ؛ مما جعل حامد يشتكي في سره ؛ومالبسه

عنـه يكتفي بإثارة غيرته الشديدة بكثرة حديث أبيـه

وفرحة أهـل ، وبكاء أمه الذي ال يتوقف ،ألصدقائهالدار بقرب سفره إلى مصر بعد أن أتم حفظ القرآن

سـفر وبقجـة ال ، وهم يجهـزون لـه زواد وختمه ويقيمون وليمة ضخمة يذبح بها عجل كامل ،المالبس

ويوزع الشربات وعصير الليمون والمياه المسـكرة بلـد ونسـائها والقرفة والحلويات على كل رجال ال

. بالتحاقه باألزهروأطفالها احتفاال أخيها وعلـو شـأنه أما قمر فكانت سعيدة ألن قيمة

ليس ألنه صـفعها عنـدما .. إال أنها كانت حزينة ،رفعة لها اقطعت عليه قرآنه يوم، ا وقام إليها يضربها بالمركوب طارد

ولكن ألن عبد المحسن هـو اآلخـر راحـل .. اإياها خارجوهكذا . ا هو اآلخر ورة األزهر بعد أن ختم القرآن حفظ لمجا

سوف تصبح منوف فارغة خاوية بعد رحيل أخيهـا وعبـد ا لذهاب ا متعجب كان مشدوه وعبد اهللا هو اآلخر ..المحسن معا

ولكن احترامه لمحمد ،كليهما محمد أبو الفضل وعبد المحسن كثـر ربما ألن مستقبله كشيخ كـان أ ؛أبو الفضل كان أكبر

ا من مستقبل عبد المحسنوضوح.

فقد كانت تستمع إلى ما سـوف يجـري ؛أما بدرية وها هـو ،لمحمد أبو الفضل الذي تستسيغه اآلن إلى حد ما

وعندما يكبر لن ،يرحل إلى مصر مرة واحدة ليجاور األزهر يكون فالح بل سوف يسير في طريق قـد ا؛ا ولن يمسك فأس وهو مـا لـم تكـن ؛خ السنهوري ا مثله مثل الشي تجعله يوم

لتصدقه حتى ولو كان محمد أبو الفضل حفظ القـرآن كلـه أما أن يرحل عبد المحسن .. وليس مرة واحدة ،عشر مرات

قبل رحيلـه؛ قد يهرب .. فهو أمر غير قابل للتصديق ؛اأيض فعبد المحسن ال يصلح إال ليكون لص اا أو نوتي، ا أو شـاطر

لكـن . جوب الطرقات أو جثة هامدة ا ي أو شحاذ ،من الشطار الذي جرى في رمضان المبارك جعلهـا ترضـخ ألشـياء

ن يقيم عبد الرحمن أبو الفضل فأ. يصعب عليها الرضوخ لها خولي أراضي الشيخ السنهوري وليمـة ضـخمة فـي باش

وما لذ وطاب من ،المندرة حفلت بكل أنواع اللحوم والدواجن وعـيش ، له اللعاب فطائر ومشهيات وخضار مطبوخ يسيل

يدعو لها كل كبـار المدينـة، وأن ،مصنوع من دقيق القمح ن أمها صديقة غرقت لشوشتها وهي تقوم على مساعدة حتى إ

ا بمساعدة طباخ بينما كانتا تقومان مع ،الحاجة بهانة أم محمد

فإنها أمـور يتعـين خصوصي أحضره الشيخ عبد الرحمن؛ نة أم محمد لـم يتوقـف ا أن بها القبول بمسبباتها وخصوص

فـي ن الطبيخ لم يستو لدمع عن االنهمار من عينيها حتى إ اوفـي أزقـة .. مياه البئر بقدر ما استوى في دموع عينيهـا

سار الرجال واألطفال ؛ وعلى طول الطريق ،ودروب الناحية ا بغلـة أبيـه وجبـة والمشايخ يزفون محمد أبو الفضل راكب

، وعلـى الحرير األبيضوقفطان جديد فوق قميص صنع من ، جميل مزخرف بزخارف ذهبية يحريررأسه عمامة بشال

وعلـى .وامتأل الفضاء بزغاريد النساء من فـوق األسـطح ورجال الشيخ عبـد الـرحمن أبـو الفضـل ،أبواب الدور

.. يوزعون الشربات والسكر والحلوى ومعهم عبد المحسـن ا وال نعـال دا جدي فرغم أنه لم يكن يرتدي قفطان ؛ويا للعجب ا ال يمتطي بغلـة وال وكان يسير على قدميه حافي وال السة،

كان يتقبل و ،ا إال أن األهالي كانوا يهنئونه أيض ،حتى حمارة ورزانة محمد الذي كـان لونـه تحياتهم بصخب يفوق هدوء

لفخامة واألبهة والعظمـة التـي وسط ا يبدو وجال ،امخطوف .صنعها له أبوه

* * *

شعرت أنـه . مد أبو الفضل فجأة أمام بدرية كبر مح ـ صار بعيد المنال ضخم اا يستوجب االحترام والتعظيم تمام

ست ثمة ضرورة لمناداتـه بـابن فلي ؛مثل الشيخ السنهوري . أو إلقاء القاذورات عليه، مثالبهانة

انتظـرت ؛ولما حاولت أن تتأكد من جدية شعورها قى فقـط المقربـون وتب ،حتى عاد الركب وانفض الجمهور

وكان محمد أبو الفضل في صحن الدار .. للشيخ عبد الرحمن راحت تحاول أن تلفت أنظاره بكل وسيلة فتزيل من . الداخلي

أمامه األطباق وتعيد وضعها وتحضر لـه الخبـز األبـيض وقطع اللحم الموضوعة فـي .. الساخن وبرام األرز المعمر

بل ال يراها ،الي وهو مخطوف اللون ال يب ؛صلصة الطماطم ولمـا رأت منـه هـذا .. النشغال فكره بالمستقبل المجهول

التجاهل سحبت من تحته حشية كانت قد أعطتها لهـا أمـه :ها فسقط على الحصيرة وهي تقول لهليجلس علي.. أبوي عبد الرحمن عايز الحشـايا للنـاس بـره -

.. اأوعى يا خوي وبكل ،اظهاا مما أغ األمر الذي جعله ينظر إليها شذر

هن،ا من المرق الساخن مليء بقطـع الـد برود حملت طبق

ا يسبها وقـد قام ثائر .. وقلبته على طرف جبته متعمدة التعثر :احتقن وجهه من الغيظ

.. القفطان ..ور كده يا بنت المفج آه يا بنت الكلب -ا فـي منفجـر المصطبةأمشي يا بنت المركوب وسقط على

.لة يومهما كتمه طيبكل البكاء ،جاءت أمهـا وأمـه تجريـان .. نظرت إليه بدهشة

وأمه تبكي وهو .. وحامد ينظر إليه بشماتة .. واسيانهوأخذا ي :حتى فاض بها الكيل فصرخت به.. يبكي

، يا محمد يا ابن يوه أنت أول المشايخ وال آخرهم – .. وقعوا على القفطـان من شوية مرقة .. زعالن ليه .. بهانة

مش هتشبع ال أنت وال قفطانـك طول عمرك اطمئن ما أنت دي نيلـة إيـه .. ال من القصر وال من الفتة وال من المرقة

..ديأن تتوقـف ع إال حتى أمه لم تستط . ضحك الجميع

:عن البكاء وتضحك مبتسمة . ينيلك يا بدرية واهللا ضحكتيني-

وزاده ضحك أمـه .. أما هو فلم يكن هناك ما يضحكه ا في قميصه الداخلي بعد أن خلع واندفع خارج ،ابالذات غيظ

..وهو يجز على أسنانهالقفطان ليجف، استدارت بدرية غاضبة تلعـن المشـايخ واللـذين

ع أن لكن بعد مضي وقت لم تسـتط . ة كذلك يريدون المشيخ تمنع نفسها من التفكير في العالم الواسع الضخم الذي سينتقل

بصعوبة استسلمت هي األخرى لعالم و ،إليه محمد عما قريب األمر الذي سيقلل مـن بهجـة ؛سيخلو من محمد أبو الفضل

لكـن .. فتذكرت أن عبد المحسن هو اآلخر راحـل ،األلعابفي ذلك الوقت كانـت .. اا وال فرح هذا لم يثر لديها ال حزن

تمر تتسلل من باب الفناء الخلفي وهي تحمل على رأسها في كبيرة مألتها بصنوف الطعام من اللحـوم مشقة بالغة صينية

سـارت عبـر دروب .. والخبز األبيض الطري والمحمـر طرقت الباب حتـى . . شطر دار عبد المحسن ميممةالمدينة

.نظرت إلى الصينية الصغيرة بدهشة.. خرجت لها توحيدةولم تكن أمها قد قالـت (أنا يا خالة أمي قالت لي -

وقوليلها بتقولك روحي لخالتك توحيدة )الها شيئ

دول شوية الـزوادة .. وك سفر عبد المحسن مبر .علشان سفريته الطويلة

:وهي تقول.. استقبلتها بدهشة مخلوطة بفرحة .. ربنا يخليك يا بنتي دا أنت ربنا بعتك من السماء -

:قالت الطفلة ببراءة والنبي يا خالتي؟؟– نت ظانـة أنا ك .. أيوة يا ضناي . ضنا أمك .. أيوة -

.أنه حيسافر ومعهوش اللضىفي نهاية عيد الفطر ودع محمد أبـاه وأمـه وأخـاه

وخاصة أمه التـي لـم ،ا حار بكاء والكل يبكي ،وأخته قمر قبلته على ..تتوقف عن البكاء قط وهي تتفحصه قطعة قطعة

وتوقفت حتى غاب عنها فصعدت تتابعه وهـو ،بوابة الدرب وخلفـه ،ا خلـف أبيـه اها سائر يعبر سور المدينة إلى مرس

.بغلتين محملتين بالزوادة وكانـت ،عند سور المدينة التقى عبد المحسن بمحمد ، وأخواتـه توحيدة أم عبد المحسن تبكي فراق ابنها الوشـيك

بصـل ا بال ا مملـوء وقفص ، تحملن زلعتي جبن حادقة البنات التي خرجت معهم كي تهـزر والعيش المقدد، وخالته صديقة

وقد تقدمه أخواه عبـد .. فرج عن نفسها تبكي لبكاء أختها وت ،وحرالرحمن وعبد الحميد حاملين مشنتين امتألتا بعيش المط

حيـت . ن دون جـدوى وعبد المحسن يجاهدهن كـي يعـد ،ن كل منهما األخرى، وتبادلت النسوة عبارات الشفقة األسرتا

كـب وبعد تحميـل المر ،وعند المرسى بدأ البكاء يشتد قليال . انفجر البكاء والعويل؛بأغراض الصبية القليلة

.. معاك عنوان أبوك الشيخ في مصر- ظل عبد الرحمن يسأل ابنه محمد هذا السؤال أكثر

: ومحمد يجيبه،من مائة مرة . معايا يا بابا– .خد بالك منه يا عبد المحسن دا أخوك -

: ويرد عبد المحسن .حاضر يابا الحاج –

وأختـه ،لى عبد المحسن وتبكـي تنظر إ وتوحيدة ثم ال تلبـث أن تبكـي ،خضرة تبتسم له فيبتسم لها

. فتأخذ خضره في البكاء والعويل؛ستهم.. صاح النوتي صيحته فرفعت المرساة وحلت الحبال

أخذت المركب في االبتعاد رويد ا عـن الشـاطئ ا رويـد ..

وعندما صار المركـب فـي .. ا عليها سقطت توحيدة مغشي ، وأطفـاال ونسـاء رجاال ؛لفرعونية كان الكل يبكي عرض ا

بينما جلس محمد أبو الفضل وعبد المحسـن ينظـران إلـى لمح عبد المحسن الـدموع .. فلما اختفى .. الشاطئ في وجوم :ذهب يربت على كتفه.. أبو الفضلتناسب من مآقي

.اهللا.. يا أخي بكره تتعود على الغربة-لواحد يعني فايت أهلـه ا.. يا عبد المحسن .. بس -

.كده مرة واحدةعـايز .. وال مرتين بقى يا محمـد .. مرة واحدة -

.مش عايزها ارجع ألمك بهانة.. كدهالعالمية تشد حيلك

الفصل األول

وبعد سبع سنوات من خـروج ١٧٩٥في مطلع عام عبد المحسن ومحمد أبو الفضل من منـوف إلـى األزهـر

ا على النيل باتجـاه أخذ مركب ضخم يهبط مسرع .. اسةللدر حيث كان عبد المحسن يختبئ من ؛ا خلفه أسوان الشمال تارك

حملة المطاردة القاسية التي شنها خلفه كل من صديقه القديم وأسـتاذه الشـيخ سين األشقر كاشف المنوفيـة الجديـد، ح

. وشيخ الطريقة الشاذلية،السنهوري نقيب اإلشراف قبض عليه بعد مطاردة استمرت لمدة عام جاب اآلن

ال يجـد ؛ا وهو يلوذ بالفرار وجنوب فيها البر المصري شماال وجبروت رجـل ،من يجرؤ على إيواءه من بطش المماليك

اللعنة إذا كان الزمن هو المـأوى المؤقـت .. الدين الصوفي وزاهية التـي .. مأوى األبدية الالنهائي .. لإلنسان من الموت

تقت به أيام فراره بمديرية الشرقية فالتقطته وصـعدت بـه اللكن أي شيء في المعمورة يبعد عـن .. إلى الصعيد األعلى

لقد وقع في يد أعوانهما بعد أن قتلـت .. يدي هذين الجبارين . وقتلها الجند بعد اغتصابها،زاهية زوجها الخائن

ا وها هو اآلن معلق علـى مقدمـة سـفينة، مقيـدووجهه شاخص في رعب إلـى أبـراج منـوف ،بالسالسل

والتي سيخوزق فـي ،المتهاوية التي بناها إيداكش ولم يكملها .أحد األيام القليلة القادمة على سفح إحداها أو ربما بأعالها

إذا كان هناك ثمة .. إذا كان ما يحدث حقيقة .. اللعنةكيف يمكن إلنسان .. حقيقة تحدث تحت شمس الصعيد الحارة

.. ونهر يضن على أهله بالمياه .. على أرض تكرهه أن يعيش ثم بصق بأقصى ،رفع عبد المحسن رأسه ودفعها إلى الخلف

حملـق .. عاد برأسه إلى الوراء ،ما عنده إلى مقدمة السفينة أدار رأسه دورة كاملة يحـدق .. في سماء الظهيرة الصافية

.. فيها بتثاقل.. ارها غمغم وشمس الجنوب تصليه ن ،بصق ثانية ..

انهار على األرض وسط .. ا لإلنسان كيف يكون السكون سجن ألواح الخشب والجرار المكسورة وبقايا من عشرات األشياء

ا برأسه على سطح المركـب الخشـبية وقـد ملقي ،المتناثرةكان سور المركـب .. امال جانب .. طفرت من عينيه الدموع

لو أنني لـم ..ا خلف تالل من الجبال واألشرعة خلفه مختفي غمغم، مـن .. أطل عليه وجه المنصور يبتسم بشماتة .. أولد

ا مقطوع سوف تصبح مثلي أكتع .. الذي تمنى وتحققت أمنيته ـ .. اللسان ضـحك المنصـور ضـحكة عاليـة . يامخص ..

:واستطرد صـديقك من يعـرف مـاذا يفعـل .. ربما أكثر –

ـ .. سوف تكون فرجة منوف .. هآ.. هآ.. وأستاذك الشيخ د لقشاهدتهم يعدون عروستك الجميلة تحـت البـرج الشـمالي

تالشـى وجـه .. لن تجد من يـواري جثتـك .. هه.. للقلعةا أحذية الجرسجية الذين سيالزمونه إلى منوف المنصور تارك

فاستدار بوجهـه ؛ركله أحدهم في رأسه بحذائه .. تسد عينيه :وهو يصرخ. إلى الجهة األخرى

واهللا أنـا أقتلـك فـي رسيس خ.. فالح.. خنزير – لوال أن أستاذنا حسين األشـقر ،تخلص من قذارتك البحر وأ

ثم يلقـي ،يأكلهاويشوي لحمكم .. ا حتى يتسلى بكم يريدك حي سوى سيقانهم وسـراويلهم يرى لم يكن .. بعظمكم إلى كالبه

أطلت .. تالقت نظراتهما .. اآلن مال أحدهم عليه .. المنفوخة

أما الجندي فكانت ،ت االستسالم من عيني عبد المحسن نظرا اعيناه تقدحان شرر ..

تسائل عبد المحسن وهو يرى جسـد .. ماذا يريد - مدوية ومقـبض صرخة ثم أطلق ،االمملوك يميل عليه مقترب

. سوط المملوك ينغرز في أحد جراحه التي لـم تلتـئم بعـد انهالوا عليه ضربا عليها بالسياط حتى سقط مغشي ..

* * * .. خذ.. ا بني ي-

هكذا سمع همسات قرب أذنيه وكأنها آتية من قـاع فـتح .. مثل األمس الذي لن يأت قط.. بئر عميق ال غور لها

ـ ا شاهد وجه ؛من خلف غمامة ضبابية .. عينيه ببطء ق عمي.. من تكـون .. ثم رائحة بشرته العتيقة التجاعيد يقترب منه،

وجهـي وإال فـاغرب عـن .. ا بك قابض األرواح، مرحب ..شـعر بالرطوبـة تغمـر شـفتيه .. عينيـه ثانيـة أغمض

بلل العجـوز .. فدفع لسانه يلحس كل قطرة ماء ؛المحروقتينكان وجه مالمح السـفينة .. ااآلن يراه جيد .. له شفتيه ثانية

العجوز يمأل سقف السماء ال يرى سـواه وسـوى الحافـة ـ .. األرجوانية الزرقاء لسماء بال حدود د رفع العجـوز جس

والتربـة ،لعـاريتين االفتى ألعلى اآلن يرى ضفتي النيـل ومنـازل ،الشراقي الحمراء تنتظر الفيضان منذ سبع سنوات

الفالحين الطينية المتناثرة بين أشجار النخيل والجميز والتوت .والصفصاف تتهادى من حوله تحت خيمة السماء في بطء

ـ ،رفع العجوز إناء الماء إلى شفتيه ى تجرعهـا الفت . ثم أخذ يدفع بالثريد إلى فمه،على عجل

: قال العجوز بتثاقل .. فتحت عليك أبواب جنهم.. إيه اللي عملته–

ارفع عبد المحسن عينين ملولتين وأدار رأسه مبتعد ..عنه

: غمغم العجوز .. معاك حق إيه يفيد أن تحكي –

وقبل أن ينتهي العجـوز مـن إطعامـه اللقمـة :بد المحسناألخيرة غمغم ع

إحنا فين دلوقت يا حاج؟ – :ا فيه ببالهة رفع العجوز إليه عينيه محدق

.. وعاد إلطعامه .. من شوية .. إسناعدينا .. إسنا –أزاح ألواح .. وبعد أن انتهى قام وهو ينظر إليه

ومال بيده يزيح بقايا الفخـار ،ا عنه الخشب بعيد .المكسور من على األرض الخشبية

!منوف؟ مستعجل على – .تنقلت حدقتا عبد المحسن بين العجوز والفضاء

بعد .. مكان ما قبضوا عليك .. حنوصل األقصر -تصاعد نداء الحـرس .. شوية قرب أذان العشاء

.. اهتز رأس العجوز..من المؤخرة

: صاح . جاي–

ثـم ،دفع جسد الفتى في عجلة شديدة ينظف المكان :أداره إلى الجهة األخرى

دول لـو قـدروا .. أقدر عليه يا بني هو ده اللي - ..يمددوك على الشوك

وأخـذ يـدير الحلقـة ، مد يده إلى رقبة الفتى ا ثم قام عائد ،د إليها كي يريح رأسه الحديدية التي ش

.. إلى المؤخرةلـن .. بناظريـه تابع عبد المحسن جسده القوي

استلقى علـى .. زفر زفرة .. أبلغ من العمر ما بلغت

ا بقيوده ينظر إلى السماء، تململ وهـو ره مشدود ظه والعـرق ،يشعر بجلده يحترق بقيظ الشمس الالهب

والرغبـة العارمـة ، والحشرات التي تلسعه ،المنثالتأكله في حك جلده في األمـاكن التـي ال يسـتطيع

ا ناظريـه عـن حدق في الفضـاء مبعـد .. بلوغهاذهنه عبر سرب من الحمام السماء، أوقف .. الشمس

اآلن كل شيء يجري .. ا عن السكينة عن العمل بحث القرى .. ةالسماء الصافية الزرق .. فوق مجرى النيل واألشرعة العالية للمراكب التـي ،واألشجار البعيدة

لمـاذا ال أبلـغ .. تصعد النهر تعبره كأشباح الموتى إذا كنت ولدت؟؟ هـذه الشـمس الحمـراء .. الموتتي ولكن أي األشياء أكثـر تؤكد حقيقة حيا .. تحرقنيعرف الحياة منذ ولدت ألم .. الحياة أم الموت .. حقيقة

يعـيش .. أعرف حقيقة واحدة .. ولم أبلغ الموت بعد اإلنسان تعب اللعنة يعـيش اإلنسـان .. اا ويموت تعب

معذب فكر في العذاب الذي ينتظـره .. اا ويموت معذب العـذاب هـو .. غمغم. على يد األشقر والسنهوري

الحقيقة األشد وضوحاا من الحياة والموت مع.

.. توسطت الشمس كبد السماء وتوقفت خلفه مباشرة فعل مرة فأغرورقـت .. كان يستطيع أن يراها لو رفع رأسه

وأصـيبتا بـالعمى ، عينـاه بالـدمع ، وأصيبت عيناه بالدمع ا إذا كان اهللا قد خلقك فلماذا ال يرعى صاح مغمغم .. المؤقت

وبدأ الحديـد ،كان الصهد قد بلغ مداه . ته التعسة إحدى حشرا تقلب بجسـده يحـاول أن يتالفـى .. الساخن يحرق رسغيه

.. دق سطح المركـب الخشـبي بقبضـته .. سخونة الخشب أنـا عملـت .. صرخ يا رب رحمتك .. فصلصلت السالسل

مـال عليـه .. أطل عليه رأس العجوز .. عايز أموت .. إيه .اءيمسح رأسه بخرقة مبللة بالم

..غرقني بيها.. عايز مية.. مش كفاية- صب على رأسه وجسده من إناء فخاري مربـوط

ثـم عـاد أسقطه في النهر ثانية، .. ن التيل بحبل مصنوع م ..لو أني.. صرخ يلعن النهر.. يسكبه عليه

: صاح العجوز ..ال تلعن النيل يا بني.. ال.. ال– .اكان غاضب.. أوهه-

ال يلعن الخيـر .. هل جننت .. احترس في كالمك - .بسبب الشرإحنا فيه سبع سنين مفـيش وهو فيه أشر من اللي - سبع سنين وهو مش مقصر .. الفالحين عند الغالبة نقطة مية

.حدى الوالي واألغوات بتشـرب مية.. أنت تعرف عنه إيه له له له له له -

وأنـت عقلـك .. المراكبية إحنالقمة عيش ورزق لنا .. منهاني آ. مال درست وأجزت العالمية إزاي أ.. عيفض.. غيرص

ما استفدتش من ...عارف إنك قعدت في األزهر أربع سنين إيه المـدن .. وبص حواليك .. خد أشرب .. السنين دي بحاجة وفها من شنإيه العماير والخاليق اللي ب .. يدي وإيه القرى د أنـا .. النيل بينبع من الجنة خـذ اشـرب ..كل أجناس الدنيا

بطيه رفعه من إ .. ح اعمل لك ضليلة .. حمى الشمس عارفعدل عبد .. ثانية تركه.. جسده حتى بلغ به ظل القمرة ا جاذب

.. المحسن من جسده وغط في نوم عميقـ .. كان الفحيح يحيط به . اوهو يرتعد من البرد خائف

اقتربت منه ألسنة النيران وعلى ذوائبهـا تتـراقص وجـوه عن أنياب حادة تقهقـه ت فكشف ؛ت أفواهها لسحنات بشعة فتح

ـ قام من نومه يصرخ مرتع . كالرعد تريد التهامه رفـع .. اب ا فاصطدمت برأس العجوز الذي كان ينحني عليه رأسه عالي

.. وهو يتحسس جبينه بيديه ويتلو آيات من القـرآن الكـريم .. صدمةتراجع العجوز من ال

:نظر عبد المحسن حوله بهلع ا فين؟أن.. أنا-

ا أمامه وقد أشعل النيران وخلفـه كان العجوز جالس وتصاعدت رائحة ن ضجيج الحرس وقد أسكرهم الشراب، كا

.الحشيش في الفضاء :قال العجوز

.. لم تتحرك.. مكانك– .. تمسك بي شياطين األرض السفلي-

...ظال صامتين لفتـرة .. ا هز العجوز رأسه صامت بصرها بغمغم عبد المحسن سارح:

وشياطين ،اطين األرض السفلى إيه الفرق بين شي - ..األرض العليا

وقطـع مـن ناشفة، خبز مد له العجوز يده بكسرة .أخذ يمضغها على مهل.. البصل

أخـاف .. ى نوبة الدفة الليلة قناوي أخذ مكاني عل -فتصدم المركب بالجسر أو بمركب وأنا ممسك بها؛ فوأن أغ جي أنا ، وآ ا فهو ما يزال شاب ؛مل ليال لهذا أتركه يع .. أخرى

إلى المقدمة أشعل النيران حتى تأخذ المراكب القادمـة مـن أخـذ . مأل العجوز غليونه بالدخان ثم أشعله . الشمال حذرها

ا خلفه جمـرة النيـران تصاعد الدخان تارك .. ا متوالية أنفاس فتنفس عبد المحسن الدخان .. دفع الغليون إلى فمه .. الصغيرةزفر الدخان من فمه وأخذ يتابع حلقاته وهي تضـيع . .بعمق

ا ليس بـه نسـمة ا والهواء ساكن كان الجو خانق .. في الظالم أسـند . وحرارة القيظ قابضة على الليـل ال تتركـه ،واحدة

. عبـد المحسـن قبالةالعجوز جزعه لسور المركب الواطئة د المحسن رفع عب .. ا شجية ا وأخذ يعزف عليه ألحان أخرج ناي

وأنغام ،رأسه إلى الوراء يتابع النجوم وهي تسبح في السماء ـ الناي توقـف .. نةيكتقطعها ضحكات الحرس تشده إلى الس .. تفل من فمه.. العجوز

ليلـة .. في ليلة من ليالي الصيف الحارة .. تعرف -نزل الجميـع .. كنا راميين المراسي قدام األقصر .. زي دي

لـو نمـت .. قلت لن لنفسي ح تعمل إيه .. وحدي وظليت أنا

تشاغلت .. لحظة لطلع ظهر المراكب اللصوص وبنات آوى اقرب الفجر كان سطح المـاء مملـوء .. بالعزف على الناي

؛رابكأ.. عذارى.. بعرائس النهر الالئي زفهن فرعون للنيل انكمشت ،كن يرقصن، وقفت ملجوم زي اللي نزل لي رعب

لحظة ااختفو.. وأقرأ القرآن يمكن يحترقوا على نفسي أبسمل متغطـي لحظات ولقيت سـور السـفينة . فتنفست الصعداء

عايزين يطلعوا ظهر ،بأيديهن وشعورهن ووجوههن الغرقى رحمـة .. مش عارف ليه فعلت ما فعلت بالـذات .. المركب

.. لطف اهللا بي وبعباده خالني آخذ النـاي وأعـزف .. ربناشعورهن ووجوههن تاني من سـور و أيديهنلحظة واختفت

.. من جديد على صفحة النهر وشرعن في الرقص ،المركبا مـع ر بدأت في التالشي حتى اختفين جميع حة الس ومع أشع

أنت ال تصدقني أنا شفتك تبصـق علـى .. أول ضوء للفجر أال تعرف؟ لقد ذكر بالقرآن.. االنهر ظهر .. أسه ناحية وأدار ر ،أشاح عبد المحسن عنه بقرف ..

تكدر وجه العجوز .. حيث كان القمر يبزغ على مهل ؛الشرقا لتفاهات الرجال وسأله بغضبمكشر:

قل لي عملت إيه علشان يعملوا .. هه.. عملت إيه - .فيك اللي بيعملوه

.. اا نظر إليه مندهشملم يجبه عبد المحسن إنهكـذا .. أنا أعرف أنت قتلت زوجـة السـنجق - ليه؟.. ليه قتلتها لي. بعينيه جهة القمرة ونظر ،يقولون

جه عبد المحسن وتحركت مقلتاه يمنة ويسرة تقلب و بنايه ملقيا إال أن العجوز ظل على إلحاحه .. يحاول الهروب

إلى األمام يتناثر من فمه الرذاذ ومائالا،جانب . د خافت تحرك عبد المحسن قبل أن يقول بصوت بار

:وهو يهز كفيه أمام الرجلخلـوا .. لم يأكلوهـا لقـد .. لقد أكل زبانيتها أمي -

جروش، طرف العجوز بعينيه وقد بوغت من ملحمها بالملح ال إال أنه عاد يميل بجسـده وقـد ،توقف لوهلة .. هول المفاجأة

.. وضع يده على ساقيهتملمـل عبـد .. وما شأن زوجة السنجق بزبانيتها -

.المحسن ثانية قبل أن ينطق ومسحت بدمهما ،حت بيديها طفلي أختي ذب.. هي -

بعـدها رمـت جثـثهم .. وجوه وأكف ساحراتها الحبشيات

نظر إلى الفتـى بإشـفاق .. اجع العجوز مرتعد اتر.. لكالبهاظـال .. ا فـي الفـراغ هز رأسه يمنة ويسرة محدق .. وهلة

ز نايـه ويعـود وقبل أن يلتقط العج .. صامتين لفترة طويلة والعجـوز يعـزف ،قت يمر متثـاقال كان الو .. للعزف ثانية

وعبد المحسن يتابع القمر وهـو يسـبح فـي .. ا شجية ألحان :ات والنجوم توقف العجوز عن العزفالسماء وسط المجر

كل شيء يجري في الـدنيا بقـانون .. هل تعرف -سـر هائـل وحكمـة . ما أحقر شأن اإلنسان فيه .. محسوب

يجري البـن آدم وكل شيء .. ربانية لو عرفها اإلنسان لهلك فقـال ؛كتبقال اهللا للقلم ا .. مقدر مكتوب على لوح مسطور

يـا رب ...القلم المشقوق الذي ينبع منه المداد ليوم القيامـة اكتب علمي في خلقي بما هو كائن إلى يوم : وماذا أكتب؟ قال

.. لقلم إن رحمتي سبقت غضـبي ا ؛ فكان أول ما كتبه القيامةلقـد خلـق اهللا .. ال شـيء أتعرف من نحن فـي أرض اهللا

عندما أراد اهللا خلق األرض أمر الرياح .. األرض من الرياح رياح الجنوب والشمال والصـبا والـديور، ؛ا أن تثور جميع

.. الرياح األربعة والرياح النكباء

؛فلما خلق اهللا األرض كانت طبقـة واحـدة ففتتهـا طبقـة وجعل بين كـل ،ا كما فعل اهللا بالسماء فصيرها سبع

ففتقناهمـا : فهذا قوله تعالى ؛وطبقة مسيرة خمسمائة عام يء حاء كل شيالم لنا منعجو، ثم سمى الطبقة األولى

فخرج منها الريح وسكانها يقال لهـم ؛ا والثانية بسيط ،اأديم والثالثة ، وطعامهم من لحومهم، وشرابهم من دمائهم ،الطمسنها أمم وجوههم كوجوه بني آدم وأفواههم كـأفواه وسكا ثقيال

وأرجلهم وآذانهـم كأرجـل ، وأيديهم كأيدي بني آدم ،الكالب وهو لهـم ، وعلى أجسادهم شعر كصوف الغنم ،وآذان البقر

، ونهارهم ليلنا ،ثياب ويقال إن ليلهم هو نهارنا نحن بني آدم الحلهـام لهم وسكانها أمم يقال ،اوالطبقة الرابعة تسمى بطيم

بل لهم أجنحـة كأجنحـة القطـا، ؛ليس لهم أعين وال أقدام وهـم ، وبها أمم يقال لهمه الخـش ،اوالخامسة وتسمى حبن

وبها ،كأمثال البغال لهم أذناب في كل ذنب نحو ثلثمائة ذراع والطبقـة .. ولهم أنياب كالجمال ،حيات كأمثال النخل الطوال

سود األبدان ؛م الحثوم ه بها أمم يقال ل ؛السادسة تسمى ماسكة لهم مخالب كمخالب السبع يقال إن اهللا يسلطهم على يـأجوج

والطبقـة السـابعة .. ومأجوج حين يخرجون للناس فتهلكهما

المـردة يسكن إبليس اللعين وجنوده مـن وهي الثرى حيث .الشياطين

: المحسن الذي لم يكن يصغي لكالمهقاطعه عبد ..يث نعيش اآلن ح-

:ز تلميحة الفتي رفض العجونحن نعيش في أطيب ثـرى .. له ..له .. له.. أي - .. األرض

.. كشر عبد المحسن، وبكراهية ومقت شديدين بصق :هتف

فقـد أخطـأوا فـي .. إذا كان اهللا قد لعن أرضنا - ..أما أنا فأعرف.. معرفتها

هي دي األرض .. ء المحيط أشار برأسه إلى الفضا :الملعونة

أنـا أعلـم أن .. أنت ال تعرف .. هأووو.. أووووه - لقد جعـل اهللا بـين ..مصيبتك جعلتك ال ترى إال مصيبتك

ا ال تبلغه إال البازات الشـهب ا لطيف السماء واألرض بحر.. فوق يعيش طير بعض رؤوسها كرؤوس الخيـل وذوائبهـا

ومالئكة نصف أبـدانهم .. لطوا، لها أجنحة كذوائب النساء

تب على أطرافهم أسماء أربعـة ك ،من ثلج ونصفها من نار قال كعب األحبـار .. ات والنيل حان وجيجان والفر ؛ سي أنهار

ن سيحان وجيحان والفـرات والنيـل كلهـا عنه إ اهللارضي والفرات ، فالنيل هو نهر العسل في الجنة ؛ضمن أنهار الجنة

، وجيجـان وسيحان هو نهر الماء ،هو نهر الخمر في الجنة ن عناصر هذه األنهار األربعة تجري وقال إ .. هو نهر اللبن

وتمر من تحت حجر مـن بيـت .. من تحت سدرة المنتهى .المقدس

النيل يخرج من قبة الزبرجد ويمر على أرض ينبت أحدهما يجري إلى ؛ فيفترق هناك نهران ؛فيها قضبان الذهب

بما فيـه مـن وقد استدلوا عليه ،أرض الهند ويسمى مهران فرعون مصر نقرواش الجبار ابن نتماسيح وضفادع ويقال إ النيل وعمل هناك تماثيل من نحاس مصرايم توجه إلى منبع

حتـى ال يخـرج ؛ جامعة للماء عدتها خمسة وثالثون تمثاال ليكون فيها الصـالح ألرض مصـر ،بمقاطع أذرع معلومة

وقيل لوال أن ماء النيل يمر في المـاء المـالح ،دون إفساد ؛ى من العسل وأبيض مـن اللـبن لشرب من مائه ما هو أحل

فلوال الليمون لوخم أهل مصـر مـن ؛ هللا في ذلك حكم لكن

لكن حموضة الليمون تمنـع الصـفراء ،حالوة النيل وماتوا ن فراعنة مصر القدامى مـن أمـروا ألحبار إ ويقول كعب ا

فساروا حتى انتهوا إلى ؛ا بالسير إلى حيث يجري النيل أقوام حتى ال يسـمع ؛ه له دوي وهدير ينزل من أعال ،جبل الماء

ا من القوم صعد إلـى أعلـى كما أن واحد ،صوت من جابه فلما وصل إلى أعاله صـفق بيـده ،الجبل لينظر ما رواءه

ن رجـال ، ثم إ يعلم أصحابه ما شأنه ، ثم مضى ولم وضحك ،خر صعد كي يرى ما وراء الجبل فكان له ما كان لصاحبه آ

صعد الثالـث وقـال ألصـحابه ف ؛ولم يعلم أصحابه ما شأنه اربطوني من وسطي بحبل فإذا ما وصلت إلى ما وصل إليه

فعلـوا .. بالحبل فـأعود فاجذبونيأصحابي وفعلت ما فعلوا ا وأراد أن ولما صار في أعلى الجبل صـفق بيـده ضـاحك

فلما وصل خرس لسانه ، فجذبه أصحابه فنزل عندهم ؛يمضي فرجع القوم ولم يعلمـوا ؛ وأقام ساعة ومات ،اولم يرد جواب

..غير ذلك من أخبار النيلا واستطردا عميق تنفس العجوز نفس:

إن اهللا تعالى سخر للنيل كـل .. بإذن اهللا ومشيئته - فعن عبـد ؛نهر على وجه األرض من المشرق إلى المغرب

اهللا بن عمر رضي اهللا عنه قال إذا أراد اهللا تعالى أن يجري أن يرجع إلى مصدره ومصداق هـذا نيل مصر أمر كل نهر

الخبر أن النيل مخالف لكل نهر على وجه األرض ألنه يزيد فصح أن ؛ وإذا نقص هو زادت هي ،إذا نقصت األنهار كلها

ـ جبل القمر أعلىفإذا انحدر من . يمتد بمياهها البحـر رعب ومادته ، ولونه أسود ، وهو البحر السابع لبحار العالم ؛الزفتي

فيصير النيـل ؛حيط كريه الرائحة رخيم الهواء من البحر الم فتبارك اهللا أحسـن ؛فوقه كالخيط األبيض على النول األسود

.الخالقين سبحان الذي أتقن كل شيءولقد بلغني أن رجال من سبط العيصي بن إسحق بن

ا من إبراهيم الخليل عليه السالم يقال له مصرانيم خرج هاربمصر فلما رأى نيلها تعجـب فدخل ؛بعض الملوك الجبابرة

وأن ، وأقسم أن ال يفارق ساحل النيل حتى يبلغ منتهـاه ،منهفسـار علـى .. يعرف من أين يخرج أو يموت قبل خروجه

فإذا هـو ؛ساحل النيل قرابة ثالثين سنة حتى بلغ جبل القمر فلما رآه سلم عليه وسأله من ،برجل قائم يصلي تحت شجرة

قـال .. فما مجيئك إلى هنا .. لخضرأنت فقال له أبو العباس ا فقال له العباس ستمر عليك حية ترى ؛في طلب معرفة الني

آخرها وال ترى أولها فال يهولنـك أمرهـا وهـي معاديـة كب على فار ؛إذا طلعت الشمس هوت إليها لتلقمها .. للشمس

نها تعبر بك جانب البحر الزفتي إلى البـر اآلخـر ظهرها فإ ، وبهـا جبـال من ذهـب اجد أرض فسر فهناك ست ؛للسماء

فبلـغ ؛ مضى مصرانيم فعل ما قالـه الخضـر وأشجار فلما ؛ ولها قشـر ،أرض الذهب فوجد بها شجرة تثمر مثل اللوز

فإذا كسره خرجت ورقة خضراء مطوية مكتوب عليها بقلـم وهـي كتابـة ؛القدرة اإللهية ال إله إال اهللا محمد رسول الل

وراق كبار على قـدر ورقـة واضحة جيدة وبها شجرة لها أ القلقاس مكتوب على كل ورقة بخط أخضر أشد من خضـرة

.الورقة ال إله إال اهللا محمد رسول اهللافإن مصرانيم لما بلغ أرض الذهب نظر إلى قبة من

فنظر إلى النيل وهو ينحدر مـن جـوف ؛الذهب ولها أبواب ؛ نهر يجري إلى جهة مـن األرض ..تلك القبة من كل باب

فلما أراد أن يمضـي ، سيحان وجيحان والفرات والنيل وهي؛ فقد انتهى أتاه ملك وقال له قف يا مصرانيم .. ما وراء القبة

فقال مصرانيم أريـد ؛اء ذلك إال الجنة روإليك علم النيل وما ؛فقال له الملك لن تستطيع دخولهـا اليـوم أن أنظر الجنة؛

لـى مـن فإذا هـو أح ؛فجلس على شاطئ النيل وشرب منه . وأبرد من الثلج،العسل وأبيض من اللبن

ن مصرانيم رأى الفلك الذي يدور بالشـمس ويقال إ ودار ،نه ركب الفلك ، وقيل إ والقمر والنجوم وهو يشبه الرحا

ن الملك أتـى مصـرانيم ، ثم إ نه لم يركبه ، وقيل إ الدنيا كلها أخضـر ؛بعنقود من العنب من الجنة هو على ثالثة ألـوان

وأحمر كالياقوت وأبيض كاللؤلؤ وقال له هذا من ،جدكالزبرن مصرانيم رجـع ، ثم إ حصرم الجنة وليس من طيب عنبها

وركب على تلك الحية لما هـوت ،من هناك إلى بر السماء فقذفت به إلى جانب البحر ؛إلى الشمس عند الغروب لتلتقمها

فأتى إلى الخضر عليه السالم ،الزفتي بالمكان الذي ذهب منه وحكى له ما جرى وقيل إن مصرانيم لم يأكل من أكل الدنيا

ـ ا دون طعـام ألنه أكل من ذلك العنب وعاش عشرين عام .ومات بعد ذلك

جعله اهللا نهر العسل في ،فالنيل أشرف أنهار األرض فأهل مصر مشربهم من ماء النيل مثلهم مثل النحـل ؛الجنة

فقد جعلهم اهللا وأما ملوكهم ،يعملون في دأب وفي كد ونظام فأهـل مصـر يعملـون وال ؛عليهم من األعاجم واألغراب

وملوك ، شغيالت النحل ا مثلهم مثل؛ يصيبون من عملهم ترف لـذي ا.. مصر األغراب ال يعملون ويترفون من عطايا النيل

وأعظم من هذا كلـه مـا ، وطنه إذا شرب منه الغريب نسي تحـت سـدرة جاءت به أخبار الشريعة أن منبعه من الجنة

.المنتهى :غمغم العجوز

ـ تا على م ا وهبوط عمري صعود لقد أمضيت - .. هن وهو ؛تغيرت المراكب والمدن والقرى واألشخاص والمماليك

هذا الذي تلعنه يا بني ليس سوى نهر السـماء فكيـف .. باق .. نلعباهللا ي

تحـرك العجـوز .. كانت النار تخبو وأظلم المكان خـذ دفع إلى النار بأعواد الحطب وأ . ناحيتها وكان قد انتهى

.. خذ تغفيلة قبل طلوع الشمس أ.. ينفخ به ولم يعد إلى مكانه :مسح أنفه وفمه

اسـتطرد .. ال شك أنك تريد أن تنام أنت اآلخر – ان كثيرة علشـان عـرائس النهـر أشعلت لك نير .. امتدارك

أشار إلى ..هأ.. هأ.. هأ.. خدكش أسير عند فرعون النهر متا :مرة السفينةق

تصبح على خير يا .. أغراب يتمتعون وال يعملون - ..بني

ألقى عليه بحرام قديم وقال البرد شديد سيشتد قرب ومضى فـي خفـوت ال ، قالها وهو يغطي له ظهره ..الفجر

..يسمع لقدميه حفيف . ردد عبد المحسن

:فكر في نفسه.. تصبح على خير يا حاج-جذب أطراف الحرام . مكال أعرف اس .. ما اسمه؟ -

ا للنوم ولعرائس النهربأطراف قدميه وهو يتمدد مستسلم.

-١- في الهزيع األخير من الليل توقف كل شـيء عـن الحركة عدا جسم المركب الذي أخـذت أخشـابه تئـز دون

صحا وكـأن جسـده ،تململ عبد المحسن من نومه .. توقفادم مـن قـاع ق تصاعد أنين متقطع باك .. ال كثيرة ينوء بأثق كـان .. أصـاخ السـمع .. .شعر بشيء غير عـادي . النهر

حدق في السـماء بخـوف .السكون يقطعه هذا األنين الباكي لكن رعدة وقشعريرة أصـابت .. قبل أن يعود إلى نومه ثانية

وأمامه انتصبت عـذراء ،شعر ببلل في أطرافه .. جسده كله تلمسـه .. مدت يدها تبكي .. ميتة تقطر من جسدها مياه النهر

صعد الـدم إلـى .. وتوقف قلبه عن النبض وتيبست عروقه كان كل شيء قد توقف عن .. رأسه ووقف شعره من الرعب

الحركة إال المركب الذي كان يسير في ثبات نحـو الشـمال وعلـى .. مثل تابوت ثقيل يسبح في النهر يقوده ملك الموت

أطراف المركب جلست عرائس النهر تبكـي تتسـاقط مـن وخلفهن انتصـب المـدخل ،ئلهن الشهباء قطرات الماء جدا

ا فوهته الضيقة وكأنه معبر فاتح.. القديم لمعبد رمسيس الثاني كان المعبد القديم يسير هو اآلخر .. األحياء إلى عالم الموتى

.أمام المركبد الـذي يتبـوؤه التمثـال هتف عبد المحسن بالمعب

:مسيس الثاني الضخمالحجري لر الرحمن الرحيم أعوذ باهللا من الشـيطان بسم اهللا -ا ألفنيت عمري في إزالـة لو أن اهللا كتب لي عمر .. الرجيم

حجارتك حجر أو حملتها إلى الموانئ القاصية عـن ،اا حجر .. فألقيتها متفرقات في باطن البحر؛المعمورة

ن العروس الخرساء سمع عبد المحس .. أال تعرفني -كان يفهـم .. ون أن يخرج عنها صوتتحدثه دإال من األنين

:استدارات إلى رفيقاتها باكية.. ما تقوله دون أن تنطق به يتقدمن ا نائحات وهن أجبن جميع .. نه ال يعرفني إ -

.نحوهـ .. نه ال يعرفها إ - ا دون أن كـان يسـمعهن جميع

.يصدر عنهن صوتهتـف دون .. ته قشعريرة ثلجيـة داهم.. اقتربن منه

:صوت ..نني أموتأ -

أمسكن برسغيه وقدميـه .. كن يحررنه اآلن حملنه دفعن به إلـى .. وهو ينظر إلى زاهية بدهشة

حاول أن .. كان يسبح باتجاه مدخل المعبد .. الفضاء.. ال أريد الدخول لقد لعنت هـذا المكـان .. يقول ال

عبرا مدخل المعبد إلى الشاطئ الغربي .. كانت معه واجهة -ثانية-نت تنتصب وأمامه كا ،الموحل للنهر

هتـف .. المعبد القرمزية بتماثيلها الفرعونية القديمة تدافعت أقدام الجواد تخوض .. أعوذ باهللا من األوثان

تعثر الجواد فجأة فأمسكت بـه زاهيـة .. المخاضة :اضحك هو اآلخر وهو يمسك بها صارخ.. ضاحكة

إيه اللي بيضحكك؟ - : أجابت في غنج

براء مش قادر تمسـك بمقـود أنت يا فارس الغ – .. يكفي أن أمسك بمقودك أنت–جواد

ضحكت ورنت ضحكتها في جذل دفنت نهـديها فشعر بخدر لذيـذ فعـاد إليهـا ؛العامرين في ظهره

وتعلقت به بشـدة .. ا من حدة التالصق بجذعه مزيد، .. على كتفه األيسراومالت برأسه

: سألها رايحين فين؟إحنا –

؛بناء ببطن الجبل يقع على مسيرة ساعة أشارت إلى :رمسيس الثانيحيث كان يبرز معبد

. إلى معبد المساخيط-حدق في األفق على طول السهل المنبسـط للـوادي

.بسفح الجبل حتى رآه :اصاح دهش

. هذا المكان الملعون-في األنحاء يجاوبها عواء بنـات ي كانت الرياح تعو

..أوى :دره صرصالتصقت به وهي تق

. خايف– لقد غمره شعور داخلي بأن .. كان يريد أن يقول نعم

:غمغم.. هز كتفيه.. ا ينتظرها مرعبهناك شيئ، لكن فرعون سخط اهللا فرعون الجبار لما عصاه -

. لينتقم من عباد اهللابقي :استطردت زاهية

خايف يا حبيبي؟- رايحين ليه؟إحنا - . مأوىالزم لنا.. هنضيع في الصحراء-أصـلك مبسـوطة قـوي محـدش . اسكتي بقى -

خلعت خمارها وألقته بـين .. لماذا تهزرين؟ ..بيطاردك زيي .. يديه

:صاح .. ماذا تفعلين-

كانت خلفه تخلع عنها مالبسـها قطعـة .. ضحكتضـم جسـد .. عندما بلغا فوهة المعبد كانت عارية .. قطعة

لها وهو يعبـر حم.. األعرابية التي جاوزت الواحد والثالثين .سبحا في فضائه وهما يتقابالن في نشوة.. بها مدخل المعبد

وحياتك لخليك أحسن من األشـقر والسـنهوري - ..ومن مراد بك كمان.. نفسه

: همسأنا مش عاوز حاجة غيـرك .. إزاي يا بت إزاي -

.أنت . وضحكت... ماني بين إيديك-

صار جسـداهما . سقطا على أرض المعبد الحجرية وهلة .. وكالهما يلهث في عمق وصمت شديدين ،تلة واحدة ك

طويلة كان يرى عينيها تتحوالن إلى بحر واسع تمتد أمواجه .. وجسده يسبح فيه بكل مـا يملـك ،عميقة تلتقي بخط األفق

وكان يقتـرب حيـث األلـوان .. يمسك به .. يريد أن يبلغه . .األرجوانية الشفقية، أمسك بالضوء األول هو اآلن صـاعد

لهث وهو .. صاعد في فرح جنوني وسط قوس قزح الذهبي ضـحكا .. وجاوبته اللهاث والضحك .. لهث بعنف .. يضحك

شـديد .. ا وهما يسبحان في نهـر شـديد االتسـاع ولهثا مع ا إليهـا السرعة قوي اإلصرار يأتي إليه من السماء بقوة دافع

غمغمت وهي تسقط .. تختنق ..كانت تختنق .. األبيض بزبده :هاويةمت

. أنت الوحيد اللي يقدر- صعد إلى الفضاء قافز لقد كانـت .. ا بقبضته ا ملوح

تابعته وهي تتذكر المرة األولى التي قفز فيها فـي .. ةدرزين كـان . ا بقبضته في وجه السماء بسـعادة فضاء الحقل ملوح

نحوه نظـرة ال زمنيـة المعبد يقف فوقه وآلهته تنظر وجه المـس نهـديه مـد يـده ي . في عريهما ما بثبات أبدي تتابعه

..بشغف : قالت

. استخبه فيه من مطاريدك- لقد صعدنا النيل من شماله إلـى جنوبـه وهمـه -

، ومش هيكل أبـدا واألشقر مكلش يوم عن مطاردتي ،وراناا إال لما يمسكنيومش هيستريح أبد.

.. هو مش صحبك- .. وهل للذئب صديق–

.ن مسدت رأسه وهي تقبله بجنوتش على ظهر األرض مخبأ يخفيك عـن لقلو م -

.عينيهم راح أخبيك في عيوني ...جذبتـه بـين ذراعيهـا .. ا نظر إليها متشكك

:غمغمت قبل أن يغطا في نوم عميق . حتى لو مقدرتش حنهرب منهم بالموت-

.. محسن من نومهقفز عبد ال.. قرب الفجر :هتف

.هناك صوت. صوت -قـام .. قظ كانت ثلة المماليك تحيط بـه وقبل أن يستي ا يضـحكون وكـان .. لكنهم تحلقـوا حولـه ، الهرب محاوال

ته وقبل أن اررفع غد .. بوجوههم الغليظة وشفاههم القوقازية :؛ فأطارههوى أحدهم بصفحة سيفه على معصمه.. اهيطلق

-ا يا ملعون يريدك األمير حي .. زاهية معه، ا معصم قفز يحاول اختراق الدائرة جاذب

ا ينظرون إليه بال كانوا ثالثة عشر فارس ؛لكنهم أطبقوا عليه .. ا ببدء الطعام وكان هذا إيذان ،ضربه أحدهم بقبضته . رحمة

تريد ذهـب .. ا عنك أهلكتنا بحث .. القد ركلوه وأشبعوه ضرب

خيـل لـه أن الشـخوص .. ضحكات.. ضحكات.. الفراعنةبـل .. ك هي األخرى المسخوطة في تماثيلها الحجرية تضح

قبـل أن وأمامه اغتصبت زاهية .. كان ضحكها هو األقوى .. ويبقر بطنها آخرينزع أحدهم نهديها بسيفه،

لعدت إلـيكم أيهـا الو كتب اهللا لي عمر .. اللعنة -ا وأنزلتكم حجـر ة الجبابرة التي سخطها اهللا حجارة، الفراعنغضبة اهللامكمال.. احجر ..

إذ كان ال يستطيع الحديث وهو ؛ فيه هذا آخر ما فكر ليرى مـن خلـف ضـباب عينيـه .. يخرج من باب المعبد

المتورمتين أورطة كاملة من فرسان السباهية تقف في خـط وانطلـق ،ربطوه إلى ذيل أحد الجياد .. طويل تحاصر المعبد

به أحدهم يسحله على أرض الصحراء وسط هتاف ثالثمائـة .حرب المجنونةفارس وهم يصرخون بصرخات ال

.. منوف.. إلى منوف.. إلى منوف-* * *

كانت أشعة الشمس تتسلل ببطء وقد تلونت السـماء ـ .. بضوء السحر الضبابي سـمع .. ااستيقظ عبد المحسن قلق

.. أمام السكينة الهائلة للكـون .. خافتا ضئيال صرير سالسله

ثـم ده المتصلبة بقدر ما تسمح قيوده، أخذ يثني أطراف جس ا للسكون الهادئ الذي سيذهب بعد قليـل تمدد ثانية مستسلم ..

-على صفحة السماء المضاءة بلون السحر األصـفر -تابع .. ة أمام الصـبح القـادم آخر نجوم الليل وهي تنزوي متباطئ

كان المركب يسير بثبات على صفحة النهر يسـمع صـوته وأشـباح .. ا شطر الشمال وهو يشق طريقه وسط الماء ميمم

وقـد ،األشجار والنخيل تعلو الضفتين الحمراوتين في خيالء ا من الحياةخلتا تمام ..

ـ .. في روعـة الوجـود كان يحملق مذهوال ىغأصكـأن .. السمع إلى اللحن الخافت الذي تعزفه ألوف العصافير

أدار رأسه إلى الشرق يرى الوهج .. الكون يشرع في الغناء س وخروج األحياء من األحمر المعلن عن قرب صعود الشم

عبرته األشباح الضخمة ألشرعة المراكـب التـي .. مكانها ،تصعد النهر تقطع تتابعات أشباح الفالحين الصغيرة ودوابهم

ا في الطرقات لتبدأ يوم عملها تكد سير . ا لطيور تمدد مستسلمتابعهـا وهـي تـدور دورة .. وهي تحق في الفضاء الحدأة

لم للسـكينة التـي تسـتدعي استس.. واسعة مشرعة جناحها

وغاص يغسل نفسه في لحن الصباح الذي تعزفه .. الذكريات .الطيور وخرير الماء

* * *

الفصل الثاني

في األيام األولى لدخول األزهر عقدت لجنة المشايخ ا هو ومحمـد ا قصي يذكر أنه انتحى ركن .. ا للمتقدمين امتحان

ن الممتحن هو الشيخ كانت تمألهما الرهبة رغم أ ؛أبو الفضل وفي جانب من الرواق تجمع عـدد كبيـر مـن . السنهوري

؛الصبية تتراوح أعمارهم بين الرابعـة عشـر والعشـرين ـ بعضهم كان منشغال ا بتالوة القرآن يقرؤه في سـره همس ،

والبقيـة يتبـادلون ،خر يتجاذب أطراف الحديث والبعض اآل يـل حتـى ولم يمض وقت طو ،النكات والشتائم والضحكات

كان أربعة منهم يتبادلون الضربات والركالت بعنف ولكـن .. بدون ضوضاء

وطفرت الدموع من عينيه ،بكى أحد الغلمان الصغار وكشر عبد المحسن بشراسـة ،فزاد خوف محمد أبو الفضل

؛جرى الغـالم يختبـئ خلفهمـا .. ا عن توتره الداخلي معبر وانكمـش ،لصبي ا ا متجاهال فتحرك محمد أبو الفضل مبتعد

لكـن عصـا ، على كتاب مختصر المعنى في النحـو امنكب

ضحك الغلمان وكـاد عبـد المحسـن أن .. أطارت عمامته وكتم محمد أبو الفضل غيظه قبل أن يخطف .. ايضحك أيض

ا وعلـى وجهـه المعتدي الكتاب من يده وهو يقول له مبتسم :مالمح الشر .. زعالن يا وله–

انهال الفتى بكفـه ؛أبو الفضل وقبل أن ينطق محمد جـرى عبـد .. ا ثم انفلت ضـاحك ،على وجه عبد المحسن

فعـاد يحـبس ؛ لكن أصـحابه منعـوه ،المحسن خلف الفتى و الفضـل دفع ألب .. أقبل أحد الصبية الكبار نحوهما .. غضبه :كتابه

.. للمذاكرةه محتاج– : ضحك وهو يهتف

.. بصاص- .ذعةتقاذفهما الصبية بالعبارات المق

ال خـايفين مـن االمتحـان و . تاعبين نفسكوا ليه - .نهم حينجحواأراهن إ.. بتضحك علينا أنت وهو

... مش بصاصينإحنا - : زام عبد المحسن

.ا ليهن طيب همه ه-ليخبرا شـيخهما عـن الطـالب األخيـار فينـا - .واألشرار حذاري يا رمضان هيبلغوا موالنا بسرقتك الجبنة -

. الشواموالخبز من رواقبلغته وهـو قذف الصبي المدعو رمضان المتحدث ب

:يباكته وكان ضخم الجثة وهيبلغوه يتمزيقك قرب السقايين لتصنع منها نعاال -

..لبلغتك المخرومة .قفز الصبي.. ضج الرواق بضحك الصبية

. أنا ألبس قبقاب- سقف زينب بنت خضرة وهل تصعد بالقبقاب ليال -

تصـاعد الضـحك .. يا لعين يا مصيلحي يا فاسق يا كاذب اقتـرب منهمـا أحمـد .. وتدافع الصبية يتعـاركون ،اعالي

.المصيلحي يهددهما بقبضته . لو عملها واحد منكم هكسر دماغه-

ا محمـد أبـو أطل وجه من خلف المصيلحي محدث :لفضلا

. بتدخل الحرملك- . حرملك موالنا الشيخ- .ا ورب العزةأبد.. آني-

.. لم يأبه به أحد.. . ابن الجاموسة بيدخل حرملك السنهوري-

ا سير الغواني واإلماء قام فتى يتمايل وهو يغني مقلد، خـر يـرقص ؛ فاهتاج الحاضـرون وقـام آ ويقلد رقصهن

وأخذ ،ا مؤخرة جلبابه كشف األول عن ساقيه رافع .بمواجهتهيهز إليته في وجه الفضل مخرجا كريهةا من مؤخرته ريح ..

جذب أحـدهم عمامـة أبـو .. ضج الرواق بالجنون :وجه عبد المحسن المكشر عن أنيابهالفضل متحاشين

؟..ما لفتش على واحدة يا ابن الكلب - :قال وهو يكاد يبكي

-ا واهللا أبد. .ورزي الت....نوك بيسم- . أخبرنا أيها الماكر قل لنا يا تعلب يا ابن التعلب-

:ء متوسالقال وهو على وشك البكا

حاشـا هللا أن .. نه شيخي ورزق أبي من خيـره إ - ..أفعل

: باغته أحدهمـ - هـل يقـدر عليهـا موالنـا .. ية ها والشركس .. إنها تنهب قوته.. بالكركو

:قال أحدهم.. لم ينبس بكلمة.. فضلصمت أبو ال .دي حورية من السما -

: بالفصحى هز حواجبه في وجه أبو الفضل قائالا علـى الشـباب نهارداعك يزرف الدمع أ بيضاء –

.الذي ولى وراح؛ وهـو يجـري ا في لهفة وشوق صاح أحدهم متحدث

:ليقف قبالته وكيف عرفت؟ -

:قال المتحدث في برود ..لقد رأيتها –

ا وما كاد أن ينتهي حتى كان هناك عشرون قدمنا توسعا ويد ا وركال ه ضرب ـ مب ا وهـو يضـحك رحاسعيد ..

.. توقف الجميع فجـأة .. خل خادم الشيخ السنهوري د ا قد جلسـوا فـي أمـاكنهم مرت لحظات طويلة كانوا جميع

دخل علـيهم الشـيخ .. كاألصنام ال يتحرك أحدهم قيد نملة .عبر الرواق إلى حجرة داخلية.. السنهوري

:سمع عبد المحسن أحدهم يقول .. ا الحاجب قروش أعطيت-

اهز الفتى رأسه نفي..ا قال الفتى همس: .. أنا أعطيته ثالثين قرشا إلصالح تكية الشـيخ –

.. قلتك إذا عجزت بنفسك عن شيء فاجعل المال .. الهدايا سبيلك.. العطايا

لكـن مـا ،وهو ما لم يفهمه عبد المحسن بدقة وعاه منذ اليوم األول أن السنهوري أجاز محمد أبـو

. فلم يستقبله أما هو ،الفضل من أول امتحان لهفاض بالكراهية لكل من أبو الفضل وشيخه الذي لـم

خـرج .. نه نسيه حتى إ .. حرمة خالته صديقة يراعإلى أزقة الغورية والحسين وحواريهما يعمل مكاري

يتابع الزحام والحركة والنساء ،وسقا وعامل حمامات ويترقـب ، ومعاصمهن المحملة بالذهب ،المحجبات

حتى استقر أخير ؛ المشربيات عيونهن تطل من خلف ثالثـة .. ا للنحاس حيث عمل مبيض ؛بدرب النحاسين

ـ ا أشهر مضت قبل أن يجيزه الشيخ الشرقاوي طالب بعد أن التحق مع جماعته يسهر الليـل ،في األزهر

ويقرأ األعشار عنـد ،في الذكر واإلنشاد والحضرة يا أبـا بكـري .. وينادي على المنادين،ختم المجلس

ولم يجيزه إال بعد ، يا حفني مدد يا شرقاوي مدد مدد وشـرح ،أن حفظ من مؤلفاته حاشيته على التحرير

ومختصـر ،المختصر في العقائد والفقه والتصـوف .."ال إله إال اهللا" ورسالة في ،الشمائل

لقد افترق عن محمد أبو الفضل الذي الزم الشـيخ ،صـره ، وأفرد له حجرة فـي حـدائق ق السنهوري

ولم يعد محمد أبو الفضل يظهر .. عله على خدمته وج إال خلف الشيخ أو متقدم ا علـى ا بغلته واقف ا له ساحب

فقـد ظهـرت ؛ولم يكن هذا بالشيء المهين . خدمتهاا يشاهد في األزهـر وأصبح دائم ،عليه آثار الترف

مرتديعمامة وجبة وقفطان.. ا كامالا زي.

النحاسـين وانتقـل فقد ترك ؛أما عبد المحسن لإلقامة في رواق الشرقاوية في حجرة يبلغ طولهـا

ستون قدم ويقيم بها ثمانية ،اا وعرضها عشرون قدم ـ .. ا من طالب األزهر عشر طالب ا كان المكان مكتظ

وبالقرب من مدخل الباب أقام ،بساكنيه وبأغراضهم يلفحه تيار الهواء البارد .. هو في مكان أفرده لنفسه

ا لباحة صـغيرة كان لصيق . لشتاء ينخر عظامه في ا اكتظت باألواني النحاسية والمشنات والقفف وأوانـي

امـتألت جميعهـا ،الفخار من مختلـف األحجـام بالمالبس والخبز الجاف والملح والبصـل وجـرار

وأمامه مباشرة يصطف ثمانية عشـر ،الجبن القديمة ا من القباقيب تفـوح منهـا رائحـة الـروث زوج وفوقها امتدت حبـال علقـت عليهـا ،لمراحيضوا

المالبس والقمصان والسـراويل الداخليـة القـذرة ؛على أن كل هذه األشياء لم تكن لتكفي .. والمغسولة

فقد زحفت إلى جسده جيوش من الحشرات التي تحيا لقد استقبله الجميع . .اعلى جسد اإلنسان والحيوان مع

،ميـاه القـذرة لقوا عليه وعلى مالبسـه ال بعداء وأ .وأشبعوه سخرية حتى توج هذا حفلة قبوله

ففي ظهيرة أحد األيام وكان الطلبة قد انتهوا من تحـرش بـه ؛ وبعد أن تناولوا طعام الغذاء ،الدرس

ثالثة من الصبية الكبار كانوا قد قرروا التيقن مـن وجذبـه ، أحدهم بنعله إلى حيث يرقد هدفع. ذكورته

ا إياه ج بشدة دافعـ . اانب ا هـذا قام عبد المحسن العنواشتبك الغالمان في عـراك .. هالذي أيقظه من نوم

في داخلهم أمر و ،بينهماتفريق تدخل الباقون لل .. قاس وبركـوا ،نهم أوقعوا عبد المحسن على األرض إذا إ ا فوقه جاذبين سرواله ألسفل وهـو يقـاومهم جميعوفجأة أخـذ .. ا بكل الشتائم القذرة ا العن ا ساب صارخ

ولـم .. كانوا ينتفون شعر عانتـه .. يصرخ من األلم قام .. يمض وقت طويل حتى استراح الصبية تاركينه

لكنه استطاع أن يكبح جمـاح ،وكله رغبة في البكاء ولم تمض ساعة حتى كان الغلمان ،نفسه من الغضب

وقـد ،ا يتضاربون ويتعاركون بقسوة والصبية جميع منهم في نتف عانة كـل صـبي أخذ األربعة الكبار

ا فـي آن لضحك والبكاء عالي افيتصاعد .. على حدة .واحد

يراقبهم وعيناه ال تتركان الصبي الـذي ظل منعزال وفي أذان العصر لم يكن هناك سوى هذا الصبي ،قام بالمهمة

وأخـذه تقدم نحوه متشـاغال .. من شلته وستة صبية آخرون القبقاب حتى شج رأس الفتى ا ب وانهال عليه ضرب ،على غرة

تى يبكي فلما أطل أصحابه صـاح فقام الف ؛االذي يكبره حجم :بهم

.الكثرة تغلب الشجاعة.. يا والد الكلب واحد واحد- فضربه بسـرعة ؛ وتقدم له أكبرهم ، الصبية حار أمر

وفي هذه المرة هاجموه ،وعنف في خصيته فسقط هو اآلخر خر اليـوم كـان عبـد ، وفي آ ها فقام الفتية للدفاع عن جميع

..المحسن في الرواق أحد الفتيان اللذين يهاب أمرهم

-٣- فقـام ؛شعر عبد المحسن بسيل المياه ينهمـر عليـه

ركله أحد الفرسان وهو يصرخ به. ا والبرودة تأكلهمنزعج: -ا ابتعد جانب.

وحوله كان المراكبية يعملون بنشاط في غسل ظهـر حسن جسده وهو يرجو أحد النوتيه أن رفع عبد الم .. المركب

يغسل أسفله حتى يريح جسده من الحشرات وأمالح العـرق .الذي تكلست على ظهره

.. قـوص اقتربت المركب متهادية من مرسى مدينة نظر .. زهى حللهم وهم يرمقون الجسر اصطف الحرس في أ

وعندما .. ا بالفرسان عبد المحسن ناحية الجسر فشاهده مكتظ وخلفه ثالثـة ،ركب مراسيها اندفع عمر بيك الجين ألقت الم

ا ومن خلفهم تقدم أحد المشايخ ببطء هابط ،من كبار عساكره ا التحية لالجـين تقدم كبير الجرسجية مقدم .. باتجاه المركب

:ابيك الذي عاجله صارخ أين مكاتبات عثمان بيك طبل؟- . األميري ها هي سيد-

فلما انتهى صاح ؛جلأخذها منه وراح يقرأها على ع :في كتخداه بالغالل التي ا صك )ا لكبير الجرسجية مشير( أعطه -

.ففعل الكتخدا.. من جرجا إلى منوفسيحملونها :واستطرد الجين

تنزلون بجرجا فتحملـون الغـالل كاملـة غيـر - فإذا علمت أن أحـدكم فعـل ، دون أن ينزل أحدكم ،منقوصة

.مفهوم باش جاويش؟.. قطعت رقبته :أجاب كبير الجرسجية بإخالص وحمية

. مفهوم أفندم- ؛ا نظر الجين جانب فوجد فتـى ؛ا بالسالسـل مقيـد

:كان الشيخ علي يقف على رأسه.. .فالتفت إليهحرامي النـذور وقاتـل .. هذا هو عكروت .. ها -

.األميرة شريفة . نعم أفندم-

فوجد الشيخ عليش أسـتاذه ؛نظر عبد المحسن أمامه ..زهر يقف فوق رأسه وهو يهز رأسه في شماتةباأل

:لمحسن يحاول القيام فمنعته قيوده همس عبد ا . موالنا الشيخ عليش-.. قلت لك ويامـا حـذرتك يـا عبـد المحسـن -ن ديل الكلب ما ينعدل لو علقـوا فيـه لك.. بغل ..واستطرد

.حجر

شيخ عليش ألم يبطل سيدنا عمر بن الخطاب فـي - السرقة؟عام الرمادة حد

ومؤذن الجامع الذي قتلته؟- ؛كان الجين بيك يقف بجوارهما ويستمع إلى حديثها

: الشيخ عليش يشتد على عبد المحسنمما جعل لم أفعل ألم يعترف لكم رضوان بأنه قاتله؟- .ولكن العجوز هتف لي باسمك - علـى مـن والتبعـة .. ألنه ما شفش حد غيري - .اعترف

هـل قتلهـا .. مرحومة شـريفة واألميرة ال .. ها - رضوان هي األخرى؟

..أنا اللي قتلتها.. أل - :ا رفع الشيخ عليش رأسه مندهش

وتعتـرف ، تنفي عنك تهمة قتل حتة راجل عجوز - .ملعون.. قارح.. دا أنت فاجر...قتل األميرة شريفةب

:نظر عبد المحسن إليه مساء وهو يغمغم لنفسه ..ا لن يفهم هذا الرجل شيئ

: قال

..دا موضوع تاني يا موالنا - :سأله.. حدجه عمر الجين بنظرة باردة

. كيف يكون قتل األميرة شريفة موضوع تاني-قال عبد المحسن بعينين مهمومتين ترجوان أن تجدا

:ا صاغيةآذانرة غولة ساح.. دي جن .. ماكنتش إنس يا بيك دي -

.. ت نخـاعهم ذبحت أوالد أختي وأكل ،بتذبح األطفال وتأكلهم وأحلف علـى الختمـة وإيمانـات ،واهللا العظيم . واهللا. واهللا

ألطفال اللي كانـت أنا شايف جماجم وعظام ا ،المسلمين كلها يا جماعة صـدقوني أنـا مـاقتلتش .. ينتجهابتأكلهم هي وما دا أنا رحمت حسين .. أنا قتلت غولة كبيرة .. األميرة شريفة

.. مستنية الوقت وتأكلـه دي كانت .. أنا رحمت األشقر ..أغا وضـرتها ، ومراد ابـن ضـرتها ،دي قتلت إيداكش جوزها

غير بقى ميات ، وحتى بنتها فاطمة ، وسليمان البواب ،زليخة .من األطفال اللي ذبحتهم

: تأوه الشيخ عليششوف ابن المركوب بيفتري على .. شوف.. شوف -

ـ .. حرمة الموتى ا اذكروا محاسن موتاكم يا شيخ يا عـالم ي

تحصل من العامـة والبهـائم ةزعجما بس كل فالح .. فقيهياال يا طلبة .. يا شيخ عليش وقف الدرس .. والحمير والعوام

واد يا عبد المحسن أنت أخذت العالمية؟.. ينالهانخرج ألاهز عبد المحسن رأسه إيجاب.

..سحبها منكواهللا ال.. حقاش متست-ا أشاح عبد المحسن رأسه بعيد:

خـالص .. مية إيه يا موالنا دا أنا أيام وأموت عال - . يهم السلخإيهبقه بعد الذبح

ا إلى البرقال الجين بيك عائد: بـاش .. قاتل النساء هـذا .. سارق نذور بيت اهللا -

.حرس .جرى الرجل إليه

هذا اللـص ط ع، وا وانشر فلقات ، أعمل عروسات - .ثالثون جلدات

* * * ثم مـا ،ت عينيه الدموع وغشي ،تصاعدت آهاته أوال

لمح األهـالي مـن .. لبث الصراخ أن دوى في أرجاء النهر على جسري النيل العارضتين الخشبيتين المتقاطعتين والجسد

مشـهد ضـئيل .. والجالد يضـرب بالسـياط ،الملقى فوقها وصراخ يتردد صداه في األنحاء وغول الخوف يكشر عـن

غسل .. ا عليه مغشي وسقط ،تالشت الصرخات .. للجميع أنيابه وهو يردد اليوم ،له النوتي العجوز جروحه بالزيت والمراهم

. وهذه الساعة نحس،يوم جمعةمضت ساعات فتح عبد المحسن فيها عينيـه وهـو

،وعند الظهر نودي لصـالة الجمعـة .. يتأوه في أنين خافت تعاقـب النوتيـة يغسـلون .. وتردد األذان في سماء الوادي

نظـر إلـيهم عبـد .. متجهين نحو المشرق أطرافهم للصالة يرى وجوههم أمامه فتنتقل السـكينة إليـه .. المحسن بتثاقل

وهم يسجدون هللا يسبحون ويلهجون بحمده فـي تبتـل ،منهميتحمم من النجاسـة، .. تمنى لو يقوم للصالة بينهم .. وإيمان

ا مرتـدي .. ينظف جسده ينعشه بالوضوء بمياه النيل البـاردة ثم ييمم وجهه شـطر ،جلباب أبيض ناصع .. ندهأنظف ما ع

ربه وقد خشعت جوارحه وامتأل باألمان وهو واقف بين يدي رفع عينيه إلى .. يعلم ما في قلبه وما انطوت عليه نفسه ،اهللا

ا وعاد إليهم غاضـب ، فتغضن وجهه ؛ة التي جلد عليها بالصلي ثم يقفون في ،كيف يصنعون صليبة .. ال يدري سر سكينتهم

صـعد .. بالذنب بين يدي اهللا دونما مشقة أو إحساس شوع خكيـف يسـتطيع .. ألم جسده كله إلى رأسـه الصداع حامال

كيف يتعاقب فعل الخير .. ااإلنسان أن يفعل الخير والشر مع ثم يقف بين يدي ربه بهـدوء وسـكينة ،والشر على اإلنسان

:ا بظلمه وإثمهملوث ..يا رب -

ـ مس اول أن يختـرق الحجـب ح بعينيه الفضاء يحتأوه مـن .. يرسل إليه عالمة عله يراه أو ؛واألستار

:األلم ؛ولكن هل كان نصبهم للعروسة فعل شر؟ بلـى –

ون أنها لجلدي وأنا بـريء لـم ألنهم كانوا يعلم ..ي قاضيدين

: هتف به هاتف .ولكنهم مأمورون - ".أنا عبد الوالي يا بيك"وتردد صدى عبارة ذا شرك؟أو ليس ه -

وكيـف يشـرك النـاس .. كيف يستقيم مثل هذا المنطق فتح .. وأي والي يعبدونه .. كانت الخواطر تترى عليه .. باهللا

رقيق األرض وعبيده المجلويين .. المماليك.. من الرعب فاهأيجعلون مـن .. نيا والمباعين في سوق النخاسة من شتات الد كـم بمثـل هـذه حكيف تسنى لنـا أن ن .. ا لك هؤالء شريك

ا ولمـاذا يقبـل بهـم علماؤنـا زم شفتيه غاضب .. األجناس.. يتعيشون من عطاياهم .. لماذا يتلفحون بغطائهم .. ومشايخنا

وكيف يصير الحر عبد استبداد بنـي أميـة .. اا والعبد حر، . أم لعنة وانتقام العبيد،وانحالل العباسيين

؛ شبح عليش أسـتاذه بـاألزهر اآلنكان يقف أمامه ، وعيناه تتقـدان ، ووجهه يتقلص ،يتحدث إليه يعنفه ويوبخه وخلفه كان عمـر الجـين يكبـر ،وفمه يتحدث دون صوت

شبح الشيخ علـيش .. ويستطيل شبحه يتصاغر أمامه ،ويكبرحسن بالوعيد ميتالشى وهو ال يني يتوقف عن اإلشارة لعبد ال

ـ .. والتهديد حتى تاه وانزوى في الفضاء و وعبد المحسن يغف وحلقـات الـدرس ،في نوم مقتطع يعود به إلى األيام األولى

.. الشريفرهبأزه

-٤- جرى خالع ا عـن ا نعليه خارج رواق الجامع متأخر

الدرس يتخبط وسط الجالسين في مجموعات متفرقـة حـول حتى رأى رفاقه المرسـي والمصـيلحي ومحمـد . معلميها

جلـس .. شيبقية في حلقة الشيخ عل ال المواردي يجلسون مع :خلفهم يستمع إليه ويصطنت

فقد سئل شيخ اإلسالم علم األعالم ناصر ؛أما بعد - رحمه اهللا بدعة أحمد بن عبد الحليم بن تيمية وقامع ال ،السنة

وصـلوا إن كثيرا من الرجال إذا ":عن القضاء والقدر فقال إلى القضاء والقدر أمسكوا إال أنا فإنى انفتحت في روزنـة؛

ـ فنازعت ا أقدار الحق بالحق للحق والرجل من يكون منازع .. ا لهللقدر ال من يكون موافق

قال بعض السلف هو الرجل تصيبه مصيبة فيعلم أنها ما أصاب مـن : من عند اهللا فيرضى ويسلم، قال تعالى

مصيبة في األرض وال في أنفسكم إال في كتاب مـن لكيال تأسـوا * ن نبرأها إن ذلك على اهللا يسير قبل أ

ـا آتـاكمـوا بمحال تفرو ا فاتكملى مع )وفـي . )١

احتج آدم وموسـى فقـال ": أنه قال الصحيحين عن النبي موسى أنت آدم الذي خلقك اهللا بيده ونفخ فيك مـن روحـه

فلماذا أخرجتنا . أسماء كل شيء وأسجد لك مالئكته، وعلمك ونفسك من الجنة؟ فقال آدم أنت موسى الذي اصـطفاك اهللا

ـ ؛برساالته وبكالمه ا علـي قبـل أن فهل وجدت هذا مكتوب ".قال فاحتج آدم بموسى. نعم: تخلق؟ قال

ـ ،وآدم عليه السالم لم يحتج على موسى بالقدر ا ظن ولو لوال عاق لم هذا ال يقوله مس أن المذنب يحتج بالقدر وأن

كان هذا عذر وكل ، وقوم نوح وقوم هود ،ا إلبليس ا لكان عذر ا ألجل الذنب فإن آدم قد تـاب آدم أيض ، وال موسى الم كافر

ولكن المه ألجـل المصـيبة التـي ،إلى ربه فاجتباه وهدى فلماذا أخرجتنا ونفسـك مـن .. ولهذا قال ..لحقتهم بالخطيئة

.ا علي قبل أن أخلقان مكتوب فأجاب آدم أن هذا ك؛الجنة ليـف؛ كولون من شهد اإلرادة سـقط عنـه الت وقد يق

شـهدوا الحقيقـة نفهؤالء يفرقون بين الخاصة والعامة الذي وأنه مريد ومـدبر ،الكونية فشهدوا أن اهللا خالق أفعال العباد

وبين من ،ا وقد يفرقون بين من يعلم هذا علم ،لجميع الكائنات يسقطون التكليف عمن يؤمن بذلك ويعلمـه فال ؛ايراه شهود

. أصـال ولكن يسقطونه عمن يشهد فال يرى لنفسه فعال ،فقط ا مـن التكليـف وهؤالء ال يجعلون الجبر وإثبات القدر مانع

.على هذا الوجهوقد وقع في هذا طوائف من المنتسبين إلى التحقيـق

وسبب ذلك أنه ضاق نطـاقهم عـن أن ،والمعرفة واإلسالم كمـا ضـاق نطـاق ،لعبد ال يؤمر بما يقدر عليه خالفـه ا

ثم المعتزلة أثبتت األمر والنهـي الشـرعيين دون . المعتزلة ،القضاء والقدر الذين هما إرادة اهللا وخلقـه ألفعـال العبـاد

ونفوا األمر والنهي في حـق ،وهؤالء أثبتوا القضاء والقدر ول هـؤالء وق .ا إذ لم يمكنهم نفي ذلك مطلق ؛من شهد القدر

.شر من قول المعتزلة وكفر صريحلمقـاالت ؛ فلم تكن هذه ا وأما المعتزلة من هذه األمة

ومعاداة ،ة اهللا ورسوله ، وهذه المقاالت هي محاد معروفة فيهم وكمـا قـال ، وتكذيب لرسـله ، ومشاقة له وصد عن سبيله

االعتصام بالسنة ":كان من مضى من سلفنا يقولون : الزهريأن السنة كما قال مالك رحمه اهللا مثل سفينة نوح وذلك ؛نجاة

وأما أهل الكفـر والبـدع ، ومن تخلف غرق من ركبها نجا .والشهوات فكل بحسبه

-٥- ا على ظهره يتابع النجوم تمدد عبد المحسن مستلقي ..

.يتذكر المرة األولى التي عرف فيها المنطقي عن قربشـعار كان المصيلحي يلقي في أذنه هو والمرسي بأ

لم يستطع أن يمنـع نفسـه .. الغزل في حضرة الشيخ عليش مما . بترها على الفور صرخةارتفع صوته في . عن الضحك

ونادى أطـول ،نظر في اتجاه الصوت :. أغاظ الشيخ عليش :الجالسين وكان محمد سليمان

من الملعون الذي ضحك؟- . ال أعرف واهللا يا موالنا- . من عقابهدالفواهللا عقابك ب.. ال تعرف- .. واهللا ال أعرف- .. تعال هنا.. واهللا لتضربن بالفلقة والفرقلة-

سـبقه ؛ وقبل أن يقول أنا ،انتظر عبد المحسن قليال وكان سليمان . كل من المصيلحي والمرسي يعترفون بصنعهم

الشـيخ ولـم يكـف .. بحيث أنه البد وأن رآهم ؛ا منهم بيقر وعندما انتهـى الـدرس كـان ..اعليش سوى عقابهم جميع

.األربعة يسيرون بعرج أقدامهم يتبادلون الضحكات والنكات

اقال المصيلحي غاضب: طيب مد سليمان كان كفاية .. هذا الشيخ ال يكتفي –

!!ويكتفي بنا!!.. أو يترك محمد سليمان!! عليه :اقال سليمان ضاحك

قيل زلق قاض في .. خ ال نكتفي المشاي طبعا نحن –.. هات يدك .. فتدافع الناس النتشاله قائلين ة؛برك

فصـاح . وهو ال يفعل .. هات يدك .. هات يدك بهم جحا ال تقولوا له هـات ألنـه لـم يتعـود

خذ يـا .. خذ.. ا يده وقال وتقدم منه ماد ،سماعها .. فمد القاضي يده وأمسك بها ونجا؛موالنا يدي

بد وقفوا استكمل ع ك األربعة وقبل أن يت حض :المحسن الحديث

جاء شخص لقاضي وقال له إن الكلـب احتـك -تهـده .. قـال القاضـي .. بحائط فكيف نطهره؟

فقال الرجل فهي الحائط التي .. وتبينه سبع مرات أما هـذه الحـائط .. فقال القاضي .. بيني وبينك

.فقليل الماء يطهرها

قـال .. ضحك األربعة وهم علـى بـاب الجـامع :المرسي

.لن نصعد الرواق.. اليوم- :استحسن الجميع الفكرة قال المصيلحي

. طب وشايف إيه؟– :نقال عبد المحس

وصـفق ، ننزل نروح الحسينية أو بوابة المتـولي - .. ليكن لهو وصفاءف.. اليوم لن نصعد الرواق.. نفسها محدث

:قاطعه المرسي . والنبي سيب الشعر كفاية علينا واحد–

:تحدث سليمان .عة الخير عندي رأي ثانييا جما –

: صاح الجميع . قول-

اقال غامز: ..نسهر على النيل.. نروح بوالق –

: فقال هاج الجميع بالموافقة؛

أخرج المرسـي مائـة . نا باراته كل واحد يوري – .ا والمصيلحي ديناربارة،

ا يـده وتراجع عبد المحسن خطوة إلى الخلف رافع: :رد بصوت كسيف واستط.أنا مفلس يا أخواتي -ما فمنعه الجميع من التحرك، إ .. رواقأنا طالع ال -

..افرفض عبد المحسن غاضب.. بك أوال : قال سليمان

ولي ،معي دينار ونصف، لك النصف دين عليك - .. وللسهرة نصف دينار،النصف

اقال عبد المحسن رافض: ..يمكن مقدرش أردهولك-

: فضربه سليمان على كتفه لم تفعـل سـأذهب بـك إلـى سوف ترده وإن -

..هيا بنا.. القاضي اندفعوا يعاكسون المارة ويتبادلون معهم القفشات

.. والنكات متجهين إلى بوالقومنذ ذلك اليوم ربطت بـين األربعـة صـداقة ..

أما المرسي .. ا لفالح من طمالي كان المصيلحي ابن .. وطيدة

ا فى أبوه هرب فكان يعيش في شما مع أمه وأخوته بعد أن اخت ـ .. ١٧٧٦من المماليك وطـاعون يمان لوكـان محمـد س

هاجر أبوه وخاله من جرجـا إلـى . االدفراوي أكثرهم يسر فكان خاله يحضر لـه ؛ وعمال بالتجارة والسفر اإلسكندرية،

شتى صنوف الكتب من كل البالد لمعرفته بولع ابـن أختـه .بالقراءة

* * * ظـالم صـرخ المن على ظهر المركب المبحرة في

:عبد المحسن ينادي صديقه .ا لك يا منطقي ما زلت مدين-

.. أطل شبح الشيخ محمد سليمان عبر بوابة الزمان :قال الشيخ

-نير نصف دينارعنقك ل غ أي. . بلى-

:ابتسم الشيخ . إنما أحمل أنا نير جميلك– . كيف والمرء يشعر بالعجز في حضورك-

تي التراب فحفظت حرمة ال تنسى أنك واريت جث - .هذا يكفيني وأنت حر اآلن.. الموتى

أتذكر يـوم عقـدنا .. ليس األمر على هذا النحو -العزم ونحن نمرح في حدائق بركة الفيل على أن تمزح أنت

،هز عبـد المحسـن رأسـه .. مع الشيخ المنيالوي بالدرس .أنت ال تدرك ماذا فعلت بي.. وانعقدت مالمحه

.. ماذا فعلت بيأنت ال تدرك.. وقـام إليـه عبـد ،ا نظر الشبح إلى أسفل مستطلع

ا القرفصاء وقد المحسن جالسرفع يده إلـى .. رت سالسلهصهمس بصـوت .. الخوف يمأل وجهه شبحه ترتعد فرائصه و

:عجوزلقـد وجدتـه .. لث المرفوع الثا.. الثالث المرفوع - .تحدثت معه.. العينرأيته رأي

-٦- درديري يؤم المصلين لصالة الظهـر وقف الشيخ ال

فلما ختم الصالة بقـي . ب واألهالي وعشرات الطال ،مشايخ

على حين تناثر الطالب فـي ،بعض المسلمين لصالة السنة .حلقات الدرس بجنبات الجامع

،تدافع األربعة يشقون حلقة الدرس للصفوف األولى وي دكـة ا انتهى باعتالء الشيخ المنيال ا خافت وأثار هذا عراك

فبسمل وحوقل واستعاذ باهللا من الشـيطان الـرجيم .. الدرس :وقال

والـذي صـنف فـي ؛ اليوم ندرس علم المنطق - وهو ثاني العلوم البرهانيـة ،المرتبة الثانية من تقسيم العلوم

والمنطقي ينظر في طريق الحد والرسم ،بعد علوم الرياضة يق القيـاس وينظر في طر ،في األشياء التي تدرك بالتصوير

دور المنطق على وي. نال بالتصديق والبرهان في العلوم التي ت ثم ، ثم بالقضايا ، ثم بالمركبات ، بالمفردات هذه القاعدة يبتدئ

.ب البرهان وهو نهاية علم المنطقل ثم مط،بالقياسوعلم المنطق هو الذي يبحث فـي صـحيح الفكـر

قـوع فـي ويضع القوانين التي تعصم الذهن من الو ،وفاسده فموضوعه الفكر اإلنسـاني مـن ناحيـة ؛الخطأ في األحكام

ويتم ذلك بالبحث في القوانين العقليـة التـي . صحته وفساده

ا لهذه القوانين كـان فما كان موافق . يتبعها اإلنسان في تفكيره ا وما كان مخالفصحيحاا كان فاسد ..

ويذهب الساوي إلى أن المنطق قانون صناعي عاصم .. ا لصواب الرأي عن الخطأ مميز،ن من الذلللذه

أي (والعلم الذي يطلب ليكون آلـة : "ويقول ابن سينا قد جرت العادة في هذه البلدان أن ) من الفنون اصناعة أو فن

: الغزالـي وسماه حجة اإلسالم اإلمـام .. يسمى علم المنطق فيتميـز العلـم ؛القانون الذي يميز صحيح الحد عن غيـره "

الميـزان أو المعيـار للعلـوم وكأنه ا،ي عما ليس يقيني اليقين فـدلوا ؛ا بإرجاعه إلى االشتقاق اللغوي وقد سمى منطق ."كلها

.بالمنطق على الكالم أو النطق ؛ولقد هاجم الفقهاء والمتكلمون المنطـق األرسـطي

ألنه يستند في أبحاثه في الوجـود والخلـق والنظـر إلـى وقضاياها ومعنى العقل والنفس الموجودات ونواحي األلوهية

ولهذا كـان .. والوحدانية على ما يخالف الشريعة اإلسالمية .المنطق تجريبي استقرائي عند الفقهاء والمتكلمين

ولسوف نبدأ بدراسـة المفـرد والمركـب والكلـي .والجزئي واسم الذات والمعنى

اتنحنح محمد سليمان مقاطع. يلتكم قوانين وهل سندرس هذا قبل أن تشرحوا فض -

.الفكر األساسية-ا حدق فيه المنيالوي غاضب: .. وإيه بقى هيه يا فاسق قوانين الفكر–

. انتشرت ضحكة خافتة وسط الطالب . أعني قانون ثبات الهوية- وما هو بقى يا منافق قانون ثبات الهوية؟-

.ضحك الطالب أكثر.. .أقصد يا موالنا قانون الهو - ؟..هو -

.ا وانتشرت الغمغماتالب ضحك اهتاج الطاصاح الشيخ المنيالوي غاضب:

هـو يـا ابـن . طب متقول من األول قانون الهو -العالم العالمـة والحبـر .. ثم إيش عرفك يا فالح .. المركوب !!الفهامة

. جاء ذكره في كتاب قرأته- .قالها محمد سليمان وهو يكتم ضحكه

:أدار الشيخ المنيالوي رأسهليس المهم ما تقرأه في . قعد يا سوفسطائي طيب ا – .. ر إلـى الطـالب واستدا.. جاز هنا وإنما المهم أن ت ؛داركم

قانون الهوية كما عرفه المسـلمون، أو "هو"وأما قانون الهو . في أصول المنطقوهو أحد قوانين ثالثة الزمةعنـه ويعبر ، فهو قانون الهوية ؛وأما القانون األول

هو ذات أو أن كل ما هو . أن كل ما هو هو أو . بأن أ هي أ وتصور الهويـة ،فحقيقة الشيء ال تتبدل وال تتغير .. ما هو

فنحن عندما نقول أن أ هي أ إنما . يتضمن تصور االختالف ) أ(وال ) أ(ال يمكـن أن تكـون ) أ(نعني في نفس الوقت أن

فسـليمان ينـافق . وذلك أن هذا رغم اختالف التغيرات عليه ـ . يأكل يجوع تكسر له رقبته يتمنطق ا حقيقي هو حقيقي دائم

وليست هنا أي ظـروف اوإن ما هو كاذب هو كاذب دائم ، .كاذبتجعل ما هو حقيقي

؛ فحـين وأما القانون الثاني هو قانون عدم التناقض فإننا ننفي عنه في نفس المعنى ؛ن سليمان هو سليمان نقول إ

وضوع واحد فـي من الممتنع حمل صفة وعدم حملها على م ن الحقيقـة ال فهذا القانون يقول إ . ونفس المعنى نفس الوقت

فإننـا ؛نه إذا أثبتنا لشيء صفة صادقة ، وقيل أيضا إ تتناقضإذا أثبتنا نقيضها إلى نفس الشيء في نفس الوقت فإننا نقع في

.التناقض ا تنحنح محمد سليمان فنظر إليه المنـيالوي مكشـر

: شيخهقال سائال. عن أنيابها فـي نفـس وظالم فهل يصح أن يكون اهللا عادال -

.الوقت :أجاب المنيالوي

. هللا القدرة على كل شيء– :أجاب سليمان

؛ال يأتي ظلمـا قـط . وإنما اهللا خير كل عدله كله - .وإنما أفعال العباد ترجع للعباد

:فلما انتهى غمغم المنيالوي لهذا قيل من تمنطق كفر– :اه في وجهه متوعدعصبورفع إ انتشرت ضحكة خافتة .. صمت وال تسألني ثانية ا –

.ا ال يحاول استثارتهمفنظر إليهم شذر.. بين الطالب : قال

قيل . فأما القانون الثالث فهو قانون الثالث المرفوع -وال وسط )أ(أو ال تكون ) أ(إما أن تكون ) أ(في تفسيره بأن

وسـط بـين اإلثبـات ا وجود عا قاط فهو ينفي نفي .بين ذلك وال ،ا وإما أن يكون كاذب ،اما أن يكون صادق فالحكم إ . والنفي

:وقيل في هذا المعنى . يمكن أن يكون هناك شيء وراء ذلك "..ال وسط بين نقيضين"

ن النقيضين إ: "وقال علماء المسلمين في نفس المعنى ضـين ال النقي نوقيل أيضا إ ".. اال يجتمعان وال يرتفعان مع

ا بل يلزم أن يكون أحدهما صادق . ان مع يمكن أن يكونا كاذبي انكما ال يكون . اواآلخر كاذب فهذا . ا بنفس المعنى صادقين مع

في حدود قيمـة جعلنا ال نقبل الحكم على قضية إال القانون ي فالنفس ال تستطيع أن تثبت قصـتين .. الصدق أو قيمة الكذب

هو بمثابة عدم النفس والهـو . ضفالحكم المتناق . متناقضتين . وإال ما كانت موجودة على الحقيقة،مقبول في األشياء

فالثالث المرفوع هو الصورة النهائية للقوانين الثالثة فهي نظرية ؛التي هي أساس المنطق ال تتطلب البرهنة عليها

وبدونها ال يتقدم العقل اإلنساني خطوة في البرهنـة ،بديهية .واالستدالل

** * .. نظر عبد المحسن إلى شبحه وهو يحدق به النظـر

.. تحدثت معه .. العين رأيرأيته . الثالث المرفوع لقد وجدته النقيضان الكاذبان اللذان ال يجتمعـان وال .. الثالث المرفوع

الوسط بين اإلثبـات والنفـي . المسلم الوثني .. ايرتفعان مع لتي هـي وليسـت الحر العبد الهوية ا .. اوالحكم الكاذب مع

خصمي وعدوي حسـين أغـا األشـقر .. عديم النفس .. هي .وأشباهه المماليك

ا وضـلفتي بوابـة الزمـان هز الشيخ رأسه متفهم يعقبهـا صـوت الرتـاج ،تصفقان عليه بشدة يهتز المكـان

وصوت الشيخ عليش ،فتح برأسه وصرير السالسل الصدئة ت فل باب االجتهاد ق.. باب االجتهاد لفق.. يتردد صداه بال نهاية

.قفل باب االجتهاد فـاآلن فوئد عقـل األمـة؛ .. وجيب صوت خافت

...مـوتى األحيـاء .. عديمي األنفس .. تحكمها المتناقضات .ويعبث بها الثالث المرفوع

* * *

-٧- رآه فـي .. امكن يشاهد محمد أبو الفضل إال لما لم ي

؛ قفة طعامه صرة هدومه و أحد األيام على باب الرواق حامال في القصـر عنـد ن السنهوري لم يكن يسمح له بالبقاء إذ إ

كان الطلبة الثمانية عشر جالسـين ...سفره إلى خارج الديار لم يجبه أحد التحية عندما ألقى محمد أبو الفضل ...القرفصاء

ألقى محمـد أبـو .. سوى عبد المحسن الذي ردها باقتضاب قام عبد المحسن وحتى ال يصاب بالحرج ،الفضل بأغراضه

ـ .. راحال ا فأخذ أبو الفضل يفسح لنفسه وسط األحذيـة مكانوفي آخر الليل وبعد عـذاب شـديد .. ا يسعه عند النوم ضيق

خلع أبو الفضل مالبسه ؛وجهد جهيد من الهرش وكتم الرغبة وأخذ ينظفها من البق والبراغيث وجيوش القمل التي امـتأل

لقاعة لكـز أحـدهم رفيقـه ومن آخر ا .. بها جسده ومالبسه وأمامه .. وانتقلت اللكزة خلف األخرى تصحبها ضحكة خافتة

انتصب الطلبة يسندون ظهورهم إلى الحائط وهم يحدقون فيه .بسخرية

:همس محمد سليمان بحقد هو برضه مش فالح زينا؟-

أما عشـيق الشركسـية .. فالحين والد كلب إحنا - .الزم يكون نضيف ومغسول

.فاحةالت زي - ..ضحك الجميع وتناقلوا العبث والنكت

. تفاحة- . محمد تفاحة-

ا وهو يصرخوقف المرسي قافز: .. ا منهوتابعه آخر مقترب. أحبك يا تفاحة- .حمد تفاحةم.. أموت فيك يا تفاحة-

ـ ؛ أما الثالث ا فقد وقف في منتصـف القاعـة فاتح :ذراعيه عن آخرها

وبي عند تفاحة سـر خفـي

ــه ــن ب ــهاد وأوه أرق الس

ا يديهواستطرد ضام: أموت ويحيا في الفؤاد عشـقها

أيا تفاحة ال تقلبي بي ظهر المجـن

نظر .. واهتزت الجدران من الهتاف ،صرخ الجميع جرى مرسي وسط انشغال .. محمد أبو الفضل إليهم بانكسار

بأوية، أخرج منها منديال ،الصبية بالهرج إلى قفة أبو الفضل ازداد جنـون .. وقام يراقص المصيلحي ،عصب به رأسه و

.. الفتية

االنزعاجالتفت عبد المحسن لمحمد أبو الفضل فرأى الشديد الذي يرتسم على وجهه وهو ينظر إلى المنديل علـى

بـالغ قام وهو يكاد يبكي وعلى وجهه رجاء ..رأس مرسي ..بطلب المنديل

: صرخ المرسي . يا مرة يا ابن المرة- .. ليس لي-

. ضحك الجميع .. ال دا بتاعك-

وهـو ؛دفعه المرسـي .. كان يمد يده يحاول أخذه . والرذاذ يتصاعد من فمه،يصرخ

. بتاع الشركسية--ا واهللا العظيم أبد. . أمال بتاع مين- ..كاد أن يبكي.. مش حاقول-

لمـن كان يخمن .. ا تغضن وجه عبد المحسن غضب :جذبه بشدة.. لمرسي أمسك برسغهى ا قام إل..المنديل

.. هات المنديل-

لكنه تراجع أمام الشرر الـذي ، قاوم المرسي لفترة ودفعه ،جذبه من فوق رأسه .. تصاعد من عيني عبد المحسن

.. في صدر أبو الفضل دون أن ينبس بكلمة

-٨- مس تميل للغروب عندما فوجئـت بدريـة كانت الش

غل صغيرة وهي عائـدة بالشيخ محمد يعترض طريقها من د فزعـت .. جرتها المملوءة بالمياه العذبة بمن بحر الفرعونية

لكنه لم يزد عن أن يقرئها السـالم ،وتراجعت للخلف حائرة ا في سيره وهو يهرول خجـال وهو خافض الرأس مستمر ..

، وزادت التحايا المتبادلة ،وفي األيام التالية زاد اعتراضه لها .. تكمن في جنباتها اللهفة واأللفةتشجعه ابتسامة واسعة

ولم تأبه بدريـه لسـخرية ،وكثر الهمس بين الفتيات ، وتعمدت أن بل سعدت وهي تهز كتفيها باستهتار ؛زميالتها

وعندما ظهر لها أقبلـت ، الجرار متأخرة عنهن تخرج لملء لما حاذتـه حياهـا .. عليه وكان قد أصابه اليأس لعدم إقبالها

لكنه ؛منه أن يتبعها سارت على مهل تنتظر .. لعرق يغمره وا تنظر إلى الوراء مبتسمة تشجعه أخذت..توقف وجمد كالحجر

ا لم تجـد أحـد .. وعندما عبرت الطريق الطويلة .. أن يتبعها فضربت األرض كهرة غاضبة وتابعت سيرها حتـى ؛خلفها

. وشعور حاد بخيبة األمـل يملؤهـا ،ضفة البحر الفرعوني غسـلت .. كان الوقت وقت التحاريق .. لبحرهبطت إلى قاع ا

ثم أخذت تحك بشـرة قـدميها حتـى ،جرتها ومألتها بالماء التفتت حولها تبحث عن أحد يساعدها على حمـل .. احمرتا

ثـم ،دم غاضـبة تدم جلست القرفصاء .. اجرتها فلم تجد أحد فغمرتهـا الميـاه ؛خطفتها بقوة بكلتا يديها من فوق األرض

لمحت رأسه يطل خلسة من وراء الجسـر .. وابتلت مالبسها .فابتسمت بانتصار

. .بدريـة .. همـس .. في طريق عودتها خرج إليها :رددت في وهن وداخلها يغلي سخرية

.فارتجف قلبه.. جاريتك ياسي محمد- ..تعالي أنا عايزك.. تعالي-

. أشار إلى أكمه بجوار الطريق .. أل يا سي محمد الناس تشوفنا.. أل- :ل باضطرابقا . محدش شايفنا-

..أل.. أل - : وقالت بصوت ممطوط

فجـرى ؛سارت متعجلـة .. ربنا شافينا أنا ماشية - .خلفها

.اسمعي أنا جايبلك هدية من مصر.. طيب.. طيب- :صرخت فرحة

. تسلم إيديك.. أنا- من قماش رخيص ا مطرز اوأخرج وشاح .. شوفي -

.دل عن ذلك لكنه ع،كان ينوي أن يعطيه ألمه :فتحت عيناها والفرحة تملؤها

.. خدي- .ألن أمي تضربني.. ألن- .. ال تخبريها-

:خطفته وهي تردد .. ربنا يخليك لنا يا سي محمد-

: فأمسك بمعصمها؛ شجعه أخذها للوشاح . تعالي يا بدرية عايز أقولك حاجة- .أل.. أل-

.أههقول أنا سمعاك .. والنبي علشان خاطر ربنا– .. أصلها كلمة سر-

: ضحكت بخبث .. هو فيه حد سامعنا؟-

: قال بصدق . هو أنت خايفة مني؟-

: أجابت مستسلمة وهي تتبعه.. أمشي بسـرعة عايزة.. . بس أمي حتستعوقني -

دار حولها .. تنزل جرتها أسندت جذعها إلى الشجرة دون أن قال بضعف.. ا ال يدري ماذا يقولحائر:

..ولك كلمتين وبدي تجاوبي كالمي أنا حاق- . تنهدت

: وقد جاشت عاطفتهحاد ببصره عنها وتنهد قائال.. البدر مملوك جمالك والـدجى أل أل كلي متيم تعالي فـي هـواك أل أل أنعم بقولة نعم واتـرك بقـى أل أل

.ونور جبينك في أستار الظـالم أل أل شرفت حسنك وملك الحسن لك وحدك

وبقيـت هـي ،ينظر بضعف العاشق ثم صمت وهو كانت هناك رأس .. نظرت أمامها . واقفة وقد شعرت بصدمة

..تطل عليهما

: المت نفسها وهي تقول هاربة . طيب ياسي محمد العوافي عليك-

كان ،عندما أصبحت في الطريق نظرت إلى الخلف .اح ساخط وهو يشو،حامد يوبخه أخوه األكبر ويعنفه :فاستقبلتها عابسة.. حكدخلت على أمها تض

؟ بتضحكي ليه يا بلوة- ثم هزت كتفيهـا ،أجابت ضاحكة وهي تنزل الجرة

:وهي تشوح يديها في الفضاء ومقلدة محمد أبو الفضل .. أل.. أل- .ي في قلبك تنضرب- بتقري الغيب يا أمه؟ يوه هو انت- . غيب إيه يا مايعة؟-ـ ..آه.. أصلي انضربت في قلبي بحـق - قطت وس

..على ظهرها : أمسكتها أمها من رسغها وهي تضحك

. قولي يا بت إيه اللي جرالك- .. الشيخ محمد-

.وضحكت ثانية

.يا مفعوصة.. محمد مين- .. محمد ابن الشيخ عبد الرحمن أبو الفضل-

: فتغير وجهها على الفور وهتفت أوعي تكون زعلتيه؟-

: ممطوط قالت بصوت . أنا أقدر- ل إيه؟ أما- . أحكيلك-

* * * ،عندما أذن العصر افترشت صديقة باب الدار الخلفي

عندما لمحته .. وجلست تتحين مرور الشيخ محمد أبو الفضل كان .. اتسعت ابتسامتها وقامت وهي تصر على دخوله الدار

يرتدي مالبس الشيخ السنهوري القديمة بعد أن أعاد حياكتها :دته صديقةنا.. فجاءت واسعة؛على مقاسه .الزم تتفضل.. يا سي محمد اتفضل- .السالم عليكم.. حاضر يا خالة-يا سالم على فمك اللي .. حضر لك الخير يا خوية -روح ربنا يحبب فيك خلقه وال يوريك مكـروه .. بينقط شهد

.. ويرزقك ببنت الحالل اللي تسعد قلبك يا محمد يا ابن بهانة ..اتعالى يا خوي

:شكره على الوشاح الذي أهداه لبدرية فدخل وهي ت . أمال إيه دي أختك ومن لحمك ودمك-

ولما قـام .. واطمأن قلبه بعد خوف ،عجب لمبالغتها وبدرية تقضي معه السـاعات ،وعاد.. ليرحل حلفته أن يعود

وأسرت صديقة البنتهـا .. الطوال تجالسه وتقوم على خدمته وتعطيه أخذ أتره طعة من قميصه أو منديله حتى ت بأن تقص ق

ال فكاك له منه إال بعقـد كي يصنع له عمال ؛ألحد المشايخ الباكر فلما نجحت بدرية رحلت صديقة في . قرانه على ابنتها

؛ أحد المشايخ في السيد البدوي إلى طنطا وعادت ومعها كتب الذي قال لها وهو يعد البارات العشر التي أعطتها له أن فعله

محمد بن عبد الرحمن أبو الفضـل ابـن وأنه كتب به ،أكيد . وهو لبدرية بنت صديقة بنت المنصور،بهانة

: قالت له .. ال تذكر اسم األب-

ا فنظر لها شذر لماذا؟ -

. فسكتت : فقال لها

.. هذا يتطلب عشرة بارات أخرى- : فأجابته

..ليس لدي سوى خمسة - خمسـة .. خمسة.. ا في غضب فهز رأسه مستسلم ..

كتابة العمل محمد بن بهانـة لبدريـة بنـت وأعاد ن مفعولـه ، وقال وهو يعد الخمسة قـروش إ صديقة .أكيد

ولما عادت ذهبت من فورها إلى دار الشـيخ عبـد ودست العمل في غفلة أهل الدار تحـت ،الرحمن أبو الفضل

:ا قالت عرض؛ ولما جالست أمه،عتبة البابـ - ة الفاضل ابن الفاضل الشيخ محمـد جـاب هدي

وإذا كان عايز يتجوزها وهي التي أحسـن الشـيخ ،لبدرية يروح يكلم أبونا ؛السنهوري تربيتها وتعليمها مكارم األخالق

ثم قامت وقد تركت بهانة خلفها في ثـورة . الشيخ السنهوري كيف تجرؤ بنت األكتع أن تكون للشيخ محمـد . من الغضب

ا حماره لم فلما دخل عليها زوجها راكب ؛المجاور في األزهر

ا وقام هو اآلخر ثائر .. تتركه يتناول عشاءه دون أن تحكي له من الغضب يشكي لمخدومه الشيخ السنهوري وهو واثق أنه

ا أن يعد بضـرب سيثور هو اآلخر لحماية تلميذه وليس بعيدلكن السنهوري قابل حديثـه .. بدرية وأمها المتعوسة بالفلكة

:اضاحك، وأنـا حمن بدرية دي بنتي أل أل يا شيخ عبد الر - وقال يزيد طمـع الشـيخ نـاظر ... ختار جوزها اللي حا ا :أمالكه

- ا لم يوجد مثله في منـوف سوف أجعل لها مهر .. ومـن ، ولهذا تبنيتها ؛هذه الطفلة المسكينة حرمت نعمة األب

.. ال خير له في ولده ال خير فيه :صاح الشيخ عبد الرحمن منفعال

.أجوزها للواد حامد.. اللقطة هي دي العروس - : ضحك الشيخ ضحكة طويلة

كيف أقدم .. ؟فالح كيف أساعده حامد .. وما يفيدها - لـه السـاقية أسوقأنزل .. ؟له يد المساعدة كي أساعد ابنتي

الزم يكون عالم أزهري .. ال.. ال.. واال أزامله في الطنبور له وأطلب.. أو مشهد ينظره ،أعطيه جامع يعطي فيه دروس

فيكون ؛ا على ضريح لولي وأجعله مؤتمن ،ا من األستانة راتب لرواق المنايغة اأو أجعله شيخ .. شيخ المولد وصندوق النذور

.ا مطاعاا وسلطانفيكون له أتباع وأعوان يصنعون له نفوذ إال أنـه ؛ا مما يقال كان العجوز يجهد ذهنه ليفهم شيئ

:فضل أن يمسك العصا من الوسط. تك وتالمذ ،موالنا حامد ومحمد والدك االثنين يا -

.. الكلمة كلمتكأيوة. في حضورك أنا مالي كلمة :ا أن يكون صريح واستطرد متعجال

لما نقرأ الفاتحة؟ وفيها إيه-دي .. متسـتعجلش .. متستعجلش يا عبد الرحمن - .لسة صغيرة

مـاذا لـو أن الشـيخ .. خطر للعجوز خاطر ألجمه وهي على الفراش البـارد ، صغيرة وجميلة ...نفسهيريدها ل .د للشيخ شبابه وتعيد للميت حياتهبهجة تر

هي يعني عمرها كام؟-ردد . لم يكن يدري ما عمرها بالضـبط . فكر الشيخ

:لنفسه

في حكم إبراهيم بيك ومراد ١٧٧٨ ولدت في عام - في ١٧٩١ونحن في أوائل عام . بيك بعد هرب إسماعيل بيك

وبعـدها هـرب ،إسماعيل بيك وحسن بيك الجـداوي حكم :صاح.. إبراهيم بيك ومراد بيك

-لسة صغيرة.. ا عمرها ثالثة عشر عام. ا قال العجوز متردد:

أمانة عليـك تقـدر .. وماله با أقول إيه يا موالنا -.. عقل الواحد مايفترقش عن عقل الحمار في حاجـة . جهلي .. هيء.. هيء

حمن؟ ليه يا عبد الر- بقول يعني يمكن الواحد اندفع زي الغشـيم فـي -

.شيء ماكنش الواجب يتكلم فيه .دا أصل الدين.. ليه هو الجواز حرام-ت لنفسي يـا واد يـا ل أنا أصلي خطر في عقلي ق -

عبد الرحمن يا حمار يا ابن الحمار يـا جاموسـة يـا ابـن مش يمكن موالنا الشيخ له غرض منها؟،جاموسة

: بعجبهوريقال السن .ني آ–

؟.. وليه أل- .بنت صغيرةال.. قول كالم عاقل-

اصاح العجوز غامز. نـتم ، وا يا سيدنا دانتم الخير والبركـة إيه صغيره -

نتم اللي موالنا السـلطان ، وا اللي كرمكم ربنا سبحانه وتعالى االعثماني اللي عمره ما تكلم عربي ذكر اسمكم أنتم خصيص،

وري رجل عظيم وعالم كشـف أمامـه سـر وقال شيخ سنه طيب .. لحق ذاته بالذات العلية ، وأ األسرار وستار المحجبات

هي بنت منصور األكتع تطول تغسـل رجلـيكم الطـاهرة .برموشها

:ا السنهوري مندفعصرخ يا مجنون يا ابن المجنون حد يتجـوز إيه جرى –

.. بنته نسبك وعلو دا كرم أخالقك .. يا موالنا إيه اهللا فيها - .وسمو دينك

:تراجع وهو يعض شفتيه . دي زي بنتي يا أخي–

وإن كان ، خالص ما دامت زي بنتك تبقى زوجتك - وأبوها مش قد كـده خليهـا ،يعني ملهاش نسب وال حسب

دي عودها زي الخيزران وحتـة .. جوازجاريتك مش الزم .عبةيلعلع في المناهدة والمال.. قرموط. بلطية

:لسنهوري صرخ به ا يا عبد الرحمن جاي تاخد بدرية لمحمد إيه جرى – ا يهـز جسـده قام متراجع .. قوم اهللا يلعنك .. قوم.. وال ليك .الضخم

.أنا قلت مصلحتك فوق كل مصلحة.. واهللاأبدا - .. اسمع-

. صرخ الشيخ السنهوري به فعاد أبو الفضل يجري .. أيوه يا موالنا-بدي باشا حايبيعوا مصـر إسماعيل بك وعا بكرة -

في المزاد، حضرت نفسك للسفر؟ .بالبارة أيوه يا موالنا -إسماعيل بك مش ح يجيبها البـر فـي .. خد بالك -

راضي االلتـزام باين عليه ح يرفع سعر أ .. مزاد السنة دي .. ويقلل أراضي الرزقة

إنشاء اهللا حيكون خير يا موالنا هو يقدر يقـرب - .ناحية عظمتكم

روح مـن .. اهللا ما حد عارف يا أبـو الفضـل و - .قدامي بقى لحسن أنت عكرت مزاجي

كن السنهوري ل ، أن يشرح فتح الرجل ذراعيه محاوال :العكر المزاج صرخ به

.اهللا.. روح غور عن وشي.. قلت لك روح بقة -ا يهز جسده الضخم فخرج الرجل جري. :شرستقبلته بهانة ووجهها يلمع بالبوعلى باب داره ا

.. هيه ضربها- . ضرب مين يا مرة–

: وصرخعيـال .. تعال.. واد يا ابن الكلب .. واد يا محمد –

..ما تجيب ألهليها إال المصايب . جاءه محمد على عجل

. تتجوز بدريه يا ولد- : صرخت األم

.. ال–

.. لم يستمع إليها :الت ق .ني مخدش بنت األكتع لمحمد ابني آ– .. ور المفج رد يا أخرس يا ابن .. ا مرة انتي مين ي -

.. تتجوز بدريه :واستدار المرأته

.. ة أمـه علشـان خاطرهـا ح بدرية اللي خد طر -اسمع يا فقي يا ابن .. نطول وإحنا.. طالب الوداد يا مفعوص

ويخلي منك بني .. الفقي الشيخ السنهوري ح يتوالها ويتوالك .نتكل على اهللا.. آدم

.. اللي تشوفه يابا-ا بفزع نظر حامد إليهم جميع..

: رد األب.. يا سالم على الطوع يـا والد .. اللي تشوفه يابا -

.روح قدامي جمل يرفصك* * *

، عندما دخلت بدريه بطعام الغداء للشيخ السنهوري ..ا دار بينه وبين الشيخ أبو الفضلكانت تعلم بأن حديث

: كان قد هدأ .فعوصةكبرت يا م.. أيوة.. أيوة- .. كبرت وبقيت وحشة- . وهل يتكاثر طالبوا الزواج على باب القبيحة-

:قالت وفي صوتها رنة حزن . إيهيعني ح يالقوا فيا.. من صغر عقلهم -

: وقالت بصوت ملول قالوا اتجوزت مين؛ .. بنت الغراب قالوا اتجوزت –

.غراب زي أبوها : ضحك بسرور وأشار لها أن تأتي

. ن أي شيء حدثني الشيخ أبو الفضل هل تعرفي ع - : بلهفة وهي تزيد في تجبيس أطرافهقالت

. قال إيه يابا الحاج- . جاءني اليوم يخطبك مني-

:قالت بلهفة . لمن–

:ضحك ثانية .. لمن يا سيدي لمن–

.. طلبك ألربعة- .إزاي.. أربعة.. هو لغز واال إيه- .. لحامدطلبك أوال.. أقولك-

:ضبصاحت بغ .. الفالح –

:استطرد . ثم طلبك لمحمد–

:فضحكت وقالت ؟ قلت له إيه- . استني لما تعرفي طلبك لمين تاني-

:كشرت غاضبة دا هزار مش جد؟- . طلبك لنفسه-

: صرخت .العجوز المخرف.. ورج ابن المف- .أمال لما تعرفي الرابع - مين تاني؟- .. أنا-

! أنت؟- . نظرت إليه حائرة

.. جنون كبرنا وزهد بنا العمـر قلت له يا م .. نعم - ..هل تعرفي ماذا قال.. دي زي بنتيبدرية

: قاطعته بشغف يا سيدي؟إيه قال - لو كنت مكانك لهجرت مراتي وعيـالي وأهلـي - .وأخذتها

: لكزته في ساقه غاضبةوالنبـي ألقـول مراتـه بهانـة .. الفاسق الماجن -

. لما تتجوزهحية.. ب البينأنا أرضى بغرا.. ميةالحرا طيب إنتي زعلتي عشان عجوز؟.. طيب-

: قالت مندفعةرمي نفسي في البحر وال يقرب طيب دانا أموت وا -

.مني :نفث نفثة حارة

بـس الراجـل .. صـغيرة أنت لسة .. معك حق - .مايعيبوش سنه يعيبه كيسه

لكنهـا .. كادت أن تندفع صارخة في وجهـه ثانيـة ـ ،قالت وهي ترفع حاجبيهـا .. ةتوقفت متدارك ر إلـى وتنظ

:األرض متشاغلة بتكبيس جنبه ،دانا أغسـل رجليـه بإيـدي .. هو لو واحد زيك -

، وأخليه ينام بين جفـوني ،وأبوس األرض اللي يمشي فوقها . وألم التراب اللي يمشي فوقه برموش عينيه

ضحك بهستيريا وهو ال يستطيع التوقـف .. ضحك :ليه مبهوتة في غضبنظرت إ.. الضحكعن

. أنت فاكرني بهزر- : قال وهو يقهقه من الضحك

ولـم وفاجرة، انتي زي ما بتقول النسوان قارحة - ..يعلمك أحد األدب

. واستمر يضحك : ابتسمت في غضب هزت كتفيها

هو ا، زي أبوي ما هو أنت متعشمة، أنا يعني كنت - ..أنا أقدر أقول لحد الكالم ده

وأشـار لهـا أن ،انقلب على بطنـه ضحك بسعادة .ظهرهتكبس

: انتقلت لمنتصف الفراش بخفة إحنا.. ال آني فاجر وال قارحة .. طبعا الحق يبان -

ح يقولوا سـيدنا وموالنـا .. اللي مش قد المقام األكتع،صاحب المقام العالي اتجوز بنت منصور

طيب دا أنا بعمل حاوي عشان أخـاوي الشـيخ آنـي دا .. يوه أنا أروح فين .. يبقى أنت ..محمد ..باحلم

: لكزته برفق وهي تستطرد بخبث أجيـب ندر عليا .. مش تالقي حد زيي .. وافقمت -

..لك عيل يشيل اسمك :تنهد وزفر زفرة طويلة وقال.. وضحكت.. ضحك

ومن يحمد الـدنيا لشـيء يسـره إذا أدبرت كانت على المرء حسرة

فسوف لعمري عن قريـب يلومهـا ا همومهـا ن أقبلت كانـت كثيـر وإ

هه آني .. حد يرد علي بالشعر هو أنا كل ما أكلم - عايز حاجة مني؟.. ماشية

. ناميروحي أنت.. أل- ؟ طيب ح تتغدى إيه بكرة-

.. غام وجهه وأظلمته سحابة سوداء .. مسافر أحضر بيع مصر في المزادكرة أنا ب-

ا ث غـد لنفسه وهو يعلم مشقة ما سوف يحـد د رد :بديوان القلعة

. ربنا يجعلها سفرية خير- :قالت

.. تروح وترجع بالسالمة.. سفرية خير- ، وفي الردهة أدارت رأسها ،عبرت الغرفة على مهل

جلست القرفصاء وهـي تكـتم ولما اطمأنت أن المكان خال أمسكت بطنها وقامت تجـري وهـي .. ضحكة طويلة قوية

وأمام الباحـة .. ف عن الضحك تتقلب على الجدران ال تتوق وجدت أمها أمامها مباشرة تضع العشب األخضـر ؛الخلفية

.. وتلقي بحب الذرة للدواجن،أمام عنزات ثالث :نظرت إليها صديقة وهي تحدق فيها ببرود

. مالك يا بت- .عايز يتجوزني.. تعالي يامه.. تعالي- .ارفة ما اني ع- . أل مانتيش عارفة-حد عايزك غيـر الشـيخ .. وفة الرقبة ليه يا مقص -

عرفش؟محمد وأنا ما

..موالنا يا أمه.. موالنا- . أجابت صديقة بسخرية

موالنا مين؟.. ؟ موالنا يا امه- . الشيخ السنهوري-

:قامت عنها وهي تدفعها في غضب . قوميقومي يا خايبة!! ..الشيخ السنهوري -

: وقالت تقلدها .. موالنا يا امه-

:درية مصطنعة الجدهتفت ب . آه واهللا العظيم فاكراني باكذب- .. ال يا حبيبتي.. أنت؟- .. قصدك بيهزر معاي-

دون أن تلتفـت وتركتها ، هزت أمها رأسها تسكتها وموقف أمها ، حولها عدة مرات ا رأسه أدارت بدرية .. حولها . ثم ما لبث أن انفجرت في الضحك مرة ثانية،يخنقها

عن أكوام الغلـة ر تبعد العصافير بحج قذفت صديقة :صاحت تنادي بدرية

.ا له قومي عبي القمح في القففي -

.ههناك أ ه آدي حامد جاي- .األهبلقالت بدرية برعونة حامد

.ا بت عيب دا هيبقى سلفك أخو جوزك ي- : ضحكت الفتاة بغنج

.. سلفي مين يا أمه هو أنا هاقعد معاه وال هشوفه - :امصمصت األم شفتيه

دار السبيل والال . .مال هتقعدي فين أ. ليها يا اختي - .في قصر األغا

: ردت بعناديـا .. هيء.. معاه سي محمد هيقعدني في مصر -

. من األرياف واللي في األريافرب توب عليه بقىجي عـدلك وأول ما يي .. يعني خالص تسيبي أمك -

.تجري بره زي القطط : قالت بكراهية

طب دنـا مـن .. ي في وش أبويه يعني أقعد وش - . فيه منهي بحسب لليوم اللي ربنا يتوب علياصغر

:قالت األم بحزن

اللي قدامك ده كان في زمانه سيد األكتع األخرس - . شوية ينوبك ثواب استحمليهالرجالة،

: ضربت بدرية صدرها بيدهالو حطوا عليه خمس فدادين ماني .. مستحيل .. أنا -

.انتي اقعدي معاه أهو جوزك.. معاه لحظةةمستني .. ليه يا بنتي هو مش أبوكي زي ما هو جوزي- .بيكرهني.. بيكرهني يا اما-

. تنهدت األم، وغاصت في الصمت قال حامد باقتضاب وهو يقفز من ظهر الحمارة إلى

:األرض .إزيك يا بدرية.. العواف يا خالة-

: وهي تصيح ببدرية، ردت صديقه تحيته . بت قومي حطي الحمارة يايا له - ثم ، من الغلة على ظهر الحمار ا جواال رفعا سوي

انحنـت أمامـه .. عاد يرفع فوق رأسها قفة كبيـرة -وهي تجلـس القرفصـاء -اها سوي ا ثم جذب ،برشاقة

.ألعلى رأسها في خطفة واحدة

ي تبتعد يقة ابنتها وه تابعت صد .. سارا إلى الطاحونة :في رضا واطمئنان

زي عفيـة .. سم النبي حارسها طالعـه ألبوهـا ا -، يا رب يا بدرية يا بنت صديقه يكون عدلك خيـر .. الجمل

.. هللاء انشاويجعل محمد ابن بهانة من نصيبك إ* * *

ـ ر يفي طريق عودتها سألت بدرية حامد وهـو يس .أمامها يقود الحمارة مطأطأ الرأس

إمتى سي محمد هيسافر؟- :ا فأجاب ساخط؛ق قلبه شعر باأللم يحز أعما

ء اهللا يـروح مـا نشـا إ.. ميسافر وقت ما يسافر - .يرجع

: وهي تخفي ابتسامة على وجهها، قالت تؤلمهكده يا حامد دا أخوك يا .. هللا أنا ء ا إنشا.. يا لهوي -

.. وله : أجاب مثل جحش صغير...زاد ألمه

..خوات آني ماليش إ- : قالت تجذبه للعبتها

أنت زعالن منه والال إيه؟ ليه يا حامد-ره واهللا ما عب .. دا إيه شيخ الغفلة ده .. زعل منه أ -

.أنا زعالن منك أنت يا بدرية.. عليبنأبوك هـو .. طب وأنا أعمل إيه .. يا قلبي يا خويا -

ش أنـا مـاقل .. شيخ أنا عايز بدرية لمحمد اللي قال ألبويه ال .. ماتزعلش مني اأبوه يا خوي .. أنا أعمل إيه .. مدعايزها لحا

.. هو أنا أقدر على زعلك،ازعل من خلق الدنيا كلها إال أناوانشرح قلبه وقد فـرج عنـه ،ابتسم بوله ألول مرة

.حديثهاا للوضع الراهن قال مستسلم:

إن محمـد أنت فاكرة .. ي يا بدرية دنا بحبك قو – ع الشيخ السنهوري بلغته كـل بيقل.. دا واد غشيم ،هايسعدك

.ةليل : تأوهت باستسالم

.. آه ياني - :ك مقود الحمار وتراجع إليها بعطفترهاتيهـا .. هاتيهـا .. ثقيلة عليكي يا بدريـة القفة -

..الحمار يشيلها وخلي عنك

:ريقها سارت في طمتـى إ.. أديني طول عمري باشيل .. ماني شيالها -

.. بقى من العيشة القرف اللي أنا عيشـاها ايا رب تتوب علي اصطدم .. من فوق رأسها أمسك بساعدها ومد يده ينزل القفة

ألقيا بالقفة .. فشعر بقشعريرة لذيذة تغزو جسده ؛مرفقه بنهدها ..على ظهر الحمار المسكين :لة تنهدت تنهيدة طوي

.. األرياف بقى من عيشة امتى يا رب تتوب علي إ - ..متى يا محمد تاخدني من هناإ

: وقال واسود وجهه، اضطرب بشدة .. ياخدك على فين– طيب دا أبويا الشيخ قـال بنفسـه؛ . . على مصر -

أبويـا .. الغورية يت في الفحامين والال الشيخ محمد يكري ب هوانـا وافقـت علـى ،ا ما تسيب قصري أبد الشيخ قال له نـت وهـي إ.. بنتي بدرية علشان تاخدها منـي جوازك من

.حتسكنوا في قصري : قال بحنق

وال عبـادي ،سكني في قصر مراد بيـك يعني حت - .. باشا

في منوف كل من هـب أبقىحامد عايزني ا يوه ي -دا الشيخ محمد لما يسافر مصـر وأبويـا .. اودب يتحكم في

يقـوم .. الشيخ يمسكه جامع السلطان حسن وال جامع الكيخيا وينعم عليـه ، قرش في السنة ٦٠السلطان ينعم عليه براتب

ي سمن وعسـل وغلـة إيش ؛عزت بجعاله الوالي محمد باشا .. من دهييشي من ده وإ وإيشوريال فضة،

.ا والغيرة تنهش قلبه سار حامد خلفها مغيظ : استطردت

هو بقه زي مانت عارف الشيخ محمد صوته زي – ..يقرأ القرآن في المعازي واألفراح.. صوت الكروان

ا إياها احتد مقاطع: . يلم الكحك والقرص ويخرج في الترب والقرافة- الشيخ محمد هيبقى خليفـة أبويـا .. ك تف من فم -

..الشيخ في الرواق : وصرخ في ثورة،ا فتح فمه دهش

قـش ، دا الزم الشيخ محمد الطري اللـي دقنـه -هيبقى نـديم موالنـا .. وبيصلي وهو نجس ولباسه متعاص

السلطان، طيب بقه واهللا وتاهللا ماني مخليه يحط قدمـه فـي طب يا بنت .. ني قتله ومخلله واهللا ال ..ر الكلب ابن الكلب الدا

..صديقةه بالخيزران بشدة ينفث فيه دفع الحمار وهو يضرب

:غضبهأهل .. حا يا لئيم يا ابن اللئيم .. حا يا حمار الكلب -

.والندل حكم فينا وشال وانحط.. الكرم والجود مالهم حظعت علـى وبعد ثواني وق .. ابتسمت ابتسامة ماكرة

.األرض باكية نظر حامد إلى الخلف وهو ينـوي أن ال يسـتدير

: ودون أن تنظر إليه هي األخرى صاحت.نحوها .كعبي التوى.. كعبي–

.. رفعت ثوبها فظهرت سمانة ساقيها البيضاءا وفي صوته رنة لوم وقسوة عاد مقترب:

. ووسطك سايب تستاهلي ماهو إنت أصلك مايعة-

ورفعت عيناها إليه فـي ، كأنثى ضعيفة استكانت له :مذلة

.وعادت تبكي.. اهللا يسامحك.. ني يا حامد آ- :ا عنه استطرد رغم، تواله ضعفه

ـ .. هو اللي يقول الحق يدخل الشق .. أيوه - و ما ه مكـانش سـتقيمة وم أصل أنت لو زي مخاليق ربنا عدلـة

.. وال اللي هيجرى،يجرالك اللي جرىا صاح وهو يمأل صوته رجولة ممسك ف أجابته بنهنهة؛

:بكاحلها .اسكتي هي رجلك انقطعت.. اسكتي بقه -

.. فصمتت على الفور مشبعة غرورة.. تأوه من األلم حرك كفي قدميها يمنة ويسرة وهي ت

لثقـة، فانبعث في داخله شـعور با لمح بطن فخذيها؛ وحـب ،وامتأل داخله بمشاعر عفيفة فياضة عذبـة

ت قبضت على كفه بقوة وهـي وعندما قام . عذري وخاصـة ، يلتصق به هفشعر بجسدها كل . تستند عليه

..نهدها األيسر : استمرت تنهنه

منك هللا يا أمـه .. وبختي المايل آه ياني يا حظي -لو كنـت .. ني الدنيا الوحشة دي ينت اللي جبت إ.. إنت السبب

يا رب خدني وخلصني بجاه سيدي أحمـد .. مت ما اتولدت .يدي إبراهيم الدسوقيالبدوي وس

:اا ساخطه قاطع . اللي جيباه لنفسكإنت ما هو -

: أجابت بصراحة مباشرة أذهلته يا حامد أنا واهللا زهقت .. طع نفسي حتتين ق يعني ه -

.. نتو االثنين خويا، خالص أنا هكون زوجة مخلصة لكم إ يا ..يرضيك دا

.. يسـة نظر إليها بعرفان شديد يراها طاهرة مثل قد :مسه

. دا انت مالك طاهر- : ضمها بقوة

. أنا بحبك يا بدرية– . وعاد يضمها ثانية

مثل بلطية صغيرة تتركه يرتشـف ؛ تلوت بين يديه علـى أبقـت وعلى وجهها ،ا راعشة لذيذة من جسدها أمواج

:دفعته برفق ضاحك.. منفصلة وحيدةابتسامة . دا انت بغل أوعى يا خويا،-

وزهـو ،ابتسامة رضاء مـاكر تركها وعلى وجهه كان الشيخ محمد أبو الفضـل ..، وعندما دخال داره وخيالءمة ادرآها ق . ا على المصطبة بصحن الدار ينتظر بدرية جالس وعندما رأته لـم تبتعـد .على بعد تستند على أخيه حامد من

بل أبقت على ساعده ترتكن عليه وعلى وجههـا ؛عن حامد .ادت من عرج قدمها المصابة وقد ز،اشتدت معالم األلم

* * *

الفصل الثالث

طوال يومين والقنجات الفاخرة القادمة من المديريات ومن المناطق القريبة تدخل ،و على ساحل بوالق رسالبعيدة ت

ويهبط منها كبار األمراء ،العربات والخيول المطهمة القاهرة ـ ،والسناجق وكبار األعيان والعربان والوجاقليـة ايخ والمش

ا من أنحاء البالد لحضور المزاد الذي سيعقد يتقاطرون جميع .في ديوان القلعة لبيع مصر

وفي الصباح الباكر ليوم المزاد توافـدت العربـات والخيول على باب القلعة ينزل منها األمراء من ذوي النفـوذ

وقـد ،والسلطان واألعيان من أثرياء البالد فرادى ومثنـى ـ . كثرهم مالمح الكآبـة ارتسمت على وجوه أ ا كـانوا جميع . الفكر بالساعات القليلة القادمةشاردي البال مشغولي

وفي قاعة جانبية جلس األمراء المتربعين على قمـة وقد ارتسمت ،ا آخر ا ويتشاجرون حين السلطان يتهامسون حين

على وجوههم عالمات الحنق والقلق المكبوت فـي انتظـار .مزاد وبدء ال،تقاطر األمراء

ا حديثه إلـى حسـن بـك قال إسماعيل بك موجه :الجداوي

واجبكم دفع الميري المتـأخرة علـى األراضـي - .المصرية

ا رد قاسم بك مندفع: وهل كفيت نفقة العسكر حتـى ترسـل الميـري - .للسلطان

:قال عابدي باشا بغضب.. هاج الجمع الجالسـ - ل ماذا يكون أوجب؟ نفقة بيت المسـلمين أم مأك

العسكر ونفقتهم؟؟ :قال إسماعيل بك بسخرية لقاسم بك

. هيا قل لنا ماذا يكفيك .. لن نأكل عليك نفقة الجند - :راعيه حول صدره وقال ببرودعقد قاسم بك ذ

. أما أنا فال يكفيني خمسون ألف ريال- :إسماعيل بك وامتأل الديوان بصوتهصرخ

السـلطان حنا نرسل لموالنا الزم إ .. فهذا ألمثالك - لماليـك أرسـل ونقـول لـه ،اللي في حرب مع المسكوب

.ية خزانتكم حتى تشبعلالمصر

ا يعبر عن غضب الجميعقاطعه علي بك غاضب: ى التجريـدة وأنا صرفت عل .. كيف تتحدث هكذا - وأنت مـن ، وشهلت أربع باشوات واألمراء واألجناد ،األولى قفة وما صادرت أحد في نصف،جملتهم

ا وقال لعلـي ا من مقعده مغتاظ عيل بك ثائر قام إسما :بك

وأنـا ، وافعل مـا تفعـل ،نالبلدانت كبير اعمل إ -، والذي جمعته مـن النـاس ،أعطيك المال الذي تحت يدي

.نت خذه اصرفه بمعرفتكوإ ومحمد أغـا البـارودي ،ا في غضب فانطلق خارج .يجري خلفه يسترضيه

وأخرج له ،مال إسماعيل بك على حسن بك الجداوي اثمانية عشر ألف ريال متنهد:

. هذه نفقات العسكر يا بك- كم؟– . ثمانية عشر ألف ريال-نحن في حرب يا بـك .. لماذا هل نحن في نزهة -

.وقطعت رقاب.. وهذه عساكر إن لم تجد نفوقات ثارت

:قال إسماعيل بك بتصاغرن وأنتم تعملو . هذا واهللا حاصل تقسيم أموال البالد -

ثم أشار لمحمـد كتخـدا . لحسن باشا القبودان أن هناك متبق وضمها إلى الثمانيـة عشـر ،فأحضر له ألفين من الرياالت

وقـال .. حسن بك إال بثالثين ألف ريال ؛ فلم يرض األخرىامغمغم:

. هذا جزاء سوء النفوقات- :تزت شوارب إسماعيل بك وتغضن وجههاه كيف يا بك؟- وهم ،لرعية واأللضاشات للحرب تتشددون على ا -

فلـن ؛ فإن أنتم أخذتموهم سخرة؛ اال يدركون في األمر شيئ فاألولى بذلك من أعطيتموهم نفقة؛ وإذا بالسخرة،يعمل أحد

ـ ؛هم أولى وأهم الوجاقـات ا فالنفقة للفرسـان المقـاتلين أم . فليس عليهم إال ترك البلد والقلعة؛واأللضاشات

:ا عليه هامس فلما خرج مال علي بكا عنا مـا لو أنه ظل بعيد . لن يقترب من أراضينا –

.نفعل له شيء :قال الجداوي وهو يشيح بيده

وهل سينفعنا ابتعاده إذا كانـت نتيجـة تشـدده – .عه انصراف األمراء والمشايخ عناموط

هل تظن يا بك؟- : عبر قاسم أغا عن تساؤله بغضب

للعيان ما أن وكل شيء واضح ،ماذا أظن .. أظن - ؛ا للديار العثمانية استدار حسن باشا القبودان عائد

حتى سارع إسماعيل بك باغتصاب كل شيء من .تحت يد من نحن في أشد الحاجة إليهم

وقف الشـيخ ؛في الردهة الموصلة إلى قاعة الديوان ا في أحد األركان ينتظر إشارة الشيخ محمد أبو الفضل منزوي

ومالمـح ،ع جمع المشـايخ واألعيـان وهو يتاب ،السنهوري .الكارثة تبدو على وجوههم

وهـو ؛ همس السنهوري في أذن الشيخ العروسـي ـ ا؛ فخـرج يشير على محمد أبو الفضل بأن ينتظـر خارج

:خافض الرأسنـي موالنا إن هم سألوا مـال زيـادة ال واهللا يا -

.. سايبها :قال العروسي

؟ وهل عادت تأتي لنا بنصف فضة– :ل البقليقا . األنفار هربت يا سيدنا–

:قال السنهوريميرفعش .. والفالح أمكر خلق اهللا ، بطون خاوية –

لكـن ، وإن ضربته بالسياط صرخ وبكـى ،عينه في عينك كسـول ولحـوح زي .. برضه ما تقدرش تاخد منه شـيء

ماغـه تضربه مهما تضربه اللـي فـي د .. الحمار العرجان .رفع إيديه وقعد يغنيشك؛ وإن دورت عنه و.. حيعمله

:قال السادات ..بيهربوا –

ا قال الصاوي مؤكد: سايبين لنا .. حدا عندي فالح و لم يتبق .. أيوه بيهربوا –

.النسوان نعمل بيهم إيه :قال السنهوري بعزم

واآلن حان الوقت كي نصـدر فرمـان يحـرم – ما الذي سيؤول .. اا شديد ويعاقبهم عقاب ،هروبهم

إليه أمر البالد عندما يأتي الوقت الذي ال تجد فيه فالح يزرع األرض؟

: غمغم السادات فمثـل ؛ اعتصم بالصبر ، تمهل يا شيخ سنهوري –

هذا اليوم الذي ال تجد فيه األرض من يفلحهـا لـن .يأتي قط

بينما الجموع تتكاثر بالديوان تجمع باألورقة حشـد ا مع أصحاب اإلقطاعـات هائل من رجال االلتزام الذين أتو

وكم سـيدفع السـنجق ؟كم سيدفع الباشا للسلطان .. للتشاورسأدفع أنا كي ترسوا وكم ستدفع أنت حتى أعرف كم ؟للباشا

علينا القرى؟ وقف السيد حسن ؛وأمام إسماعيل بك المتوسد أريكته

:لي في تصاغرالبق .. تريد أن تكون روزماني أفندي بقلي-

: في ضراعة ونهم هز البقلي رأسهوأشار بيده ناحية .. للباشا؟ هل تعرف كم أعطي -

سبعمائة وخمسين ألف .. عابدي باشا والي البالد لكنـه .. هذا ما تقرر به العادات القديمة .. مديني

ا على تسعمائة ألف مديني رواتـب يستولي أيض أما الميري المقـرر للمـال الشـتوي ،إنفاقات

ثمانون ألف ألـف فيبلغ ؛والصيفي على األطيان ، ألف مـديني ، وعلى الوظائف أحد عشر مديني

ورفع المظالم ،وأما الجمارك والمضاف والبراني فيبلغ إجمالي المال مائـة وعشـرون ؛والتحرير

دينـة لميخص إنفاقـات مكـة وا .. ألف مديني وأربعين ألف ،وحدهما ما يزيد على ثلث المبلغ

:وقال بقرف وهو يشيح بوجهه. ألف مديني وأشـار ..انظر هناك .. يسرقها العربان كل عام –

..إلى المشايخ ا نظر البقلي فوجد بعضهم ينظر إليه مسـتطلع ..

:ااستطرد إسماعيل بك وهو يهز يده قرف عليهم من الميري ألـف ألـف مـديني أنا أنفق –

.وحدهم :ناحية السيد البقليأشار العروسي

ماذا يريد صاحبك؟– :ا مدهوش قال السنهوري

. ال أعرف- :هز السادات رأسه

.. الروزمانية– :حدق السنهوري بدهشة

..آه.. الروزمانية– .. لقد سأله وهما قادمان لمن كل هذه الهدايا والتقادم

: تذكر أن حسن البقلي أشاح بوجهه قائال.. إذن هـي الروزمانيـة .. تجارة يا سيدنا تجارة –

حتى لو أهدى إسماعيل ؛ار كهذا كيف يستطيع أن يأخذها حم ..بك بأضعاف ما حمله من مراكب

:ا السيد حسن البقلي استطرد إسماعيل بك محدث لكن على الباشا أن يدفع ضريبة مال ألف ألـف –

وعلـى البكـوات وسـناجق ،وستمائة ألف مديني للسلطان أنت .. المديريات أن يدفعوا ألف ألف مديني ضرائب للسلطان

ن ألـف على الروزمان عليك أن تدفع ثالثي حصلت إذا مثال األوجاقات تدفع سبعمائة وخمسين .. امديني ضريبة مال سنوي

فيدفع وحده سـتمائة ألـف أما أمين العربخانة .. ألف مديني أنا أريد .. ان ألف مير األجناب يدفع أربعمائة وأربعي وأ ،مديني

مـن .. كي أوقف زحف القبالي هناك ةأن أبني قلعة عند طر هل تستطيع أنت؟.. أحصل على المالأين

.. هز البقلي رأسه بحماس : قال إسماعيل بك

.. لقد حاول المخبول حسن باشا القبـودان كيف؟ – وهز يده باحتقار وتغضنت مالمح وجهه كي يكسب قلـوب

ي فيبق ؛العامة والرعاع أن يعيد العادات القديمة للسلطان سليم صبح مال الفـدان سـبعة في ؛يريمن الضرائب فقط على الم

:ضحك.. ونصف نصف فضةء الفالحين مكـر اهللا هل تعرف هؤال .. لقد قلت له -

حتى يخفون عنا نحن أصحاب إنهم يسيرون عراة .. ال يفلهم .نهم لعنة األرض وشياطينهاال تراقبهم إ.. د ما يملكونالبال

.ا بحماس وكان البقلي يهز رأسه موافقدون .. ب السـياط دون دمعـه كيف يقبلون ضر –

رأفة بفـالح كيا خوند ال تأخذ .. نحن نقول لعسكرنا .. بكاءأمـا .. جرت العادة بأن نعامله أحقر من الـدواب .. مصري

على مـاذا .. ال يعرفه إال هو سبحانه وتعالى .. فالح فحد اهللا من أين نجهز .. اللعنة :لقد قلت لسلطانيم .. يجلس وماذا يخبئ

بالـدعاء فـي .. رب السـلطان المسـكوب الجند وكيف يحا لكن الجند في حاجة إلـى يمـك .. هذا جميل واهللا .. الجوامع

ونحـن كيـف نحـافظ علـى .. اتـب وذخيرة وبقساط ورو ..ال.. يجب أن نستحضر المجاليب )..اأشار حانق ..(رؤوسنا

وخردة والبراني ،وجوقاتالمضاف لزوم األ .. ال يا سلطانيم ا مـن لقد رفعت كثيـر .. والصيفي المالهي والمال الشتوي

ثم عادت في ضريبة رفع المظالم،االضرائب قديم . توقف ورفع رأسـه لللبقلـي ... كان يتحدث بانفعال

:وقالوكيـف أشـتري .. واآلن كيف أبني قلعة طـرة –

وأصـنع الجلـل ، وكيف أبني شركفلكات ،المراكيب الحربية ر إلى جمـع مـن وأشا..انظر إلى هؤالء األقباط .. مدافعلل

ا مكان األقباط كان منتحي هؤالء منذ ..ا بمواجهة المشايخ ا قصي واهللا وحـده -دخل اإلسالم هذه البالد وهم وحدهم يعرفـون

وبجوار كل كشاف تجد وكيال ، مساحة هذه البالد -يعلم لماذا الرحمة يا بك بحـق " : إذا اقتربت ناحيته صرخ ..ا يبكي قبطي

وهو ال يخجل أن يستحلفك بحق " عيسى بحق ،العذراء البتول فـي حـين أنهـم .. تفو.. وحق القرآن الكريم .. النبي محمد

كم .. كم يدخل جيوبهم من مال السلطان .. اهللا يعلم .. وحدهمكم يقتطعـون مـن مسـاحات .. يقتطعون من مال السلطان

هل استطعت لحظة أن تعرف ماذا يكتبون بلغتهم .. األراضي .القبطية اللعينة

ه مع كل والبقلي يحاول مقاطعت ،فتح ذراعيه متسائال .ولم يأبه له إسماعيل بككلمة يتحدث بها عن القبط،

: صاح .... سيدي–

؛وكان يبدو أن إسماعيل بك لن يتوقف عن الحـديث فقال رافعا له بطلب الحديثا صوته مشير: . سيدي هذا ما أريد قوله–

ا مستطرد ، أحد نه خفض صوته حتى ال يسمعه ثم إ :نمية على وجهههفي بطء، وابتسامة ج

.سوف أقدم لكم ما لم يستطع أحد أن يقدمه.. أنا-اقال إسماعيل بك ساخر:

أم مركب غالل؟.. ماذا؟ فرق بن– اقال البقلي دون أن يعير سخرية إسماعيل بك انتباه:

. أرض مصر–

اقال إسماعيل بك غاضب: .حد آخر وهل هي في يمين أ– .العفو ال أقصد ذلك.. ال.. ال-

ا مال عليه هامس: . سوف أعطيها لكم مرتين–

ـ ؛ ضاقت عينا إسماعيل بك ا فاستطرد البقلـي فاتحقام البالدا القرفصاء أمام قائمذراعيه جالس :

عندما تباع أراضي البالد في المزاد يتغيـر كـل - وما ،ألمير عمرو ما في يد األمير زيد يصير في يد ا .. شيء

يصير في يد أمـراء المصـريين ،في يد أمراء القبالي فعال ؟هل رأيت.. كل شيء يتلخبط.. ااسم

اتساءل البك ساخر: .. هذا يحدث كل عام وليس به جديد–

لي وهو يشير إلـى األرض وإلـى ضاقت عينا البق :نفسه

. هنا يكون دورنا- ..!! دوركم-

ـ .. الجديـد انـة نعم أنا أفندية الروزم - ا بعـد طبع عنـدما واستطرد قائال ،وأشار إلى ثالثة من األقباط . موافقتم

في فرمـان األرض سوف تعلنون أنتم على المأل نعيد مسح .. البالد قد زادت الضعفيمبارك أن أراض

وقد ،أعاد البيك رأسه إلى الوراء في حركة انفعالية :تطرد البقلي واس،برزت على وجهه مالمح الفكر العميق

يا بك أنها كلها ال تنس .. بفضل بركات أولياء اهللا – . وباستطاعته أن يضاعفها مرتين أو ثالثة،أرض السلطان

: هز كتفيه قائال ... إنها ملكه أليس كذلك-

أمير المؤمنين وخليفة المسلمين إن أراضي وبرغبةوبهذا فإن ما انتقل إلقطاع حسـن .. مصر صارت مضاعفة

يد حسين صار ضعف ما كان عليه بفضل بركة األولياء من فإذا سعد الناس بفضل مـا زاد فـي ؛وبركة مسيحيينا القبط

وأفتى المشايخ بأن هذا رضا مـن اهللا علـى شـعب .. يدهما على مـا تعين عليهم أن يدفعوا المال ضعف .. مصر المبارك

.هو يحتاج نصفه

، وقـال ثةنظر إلى األقباط الثال .. نزل البك رأسه أ :بصوت منخفض

ا وبيقين قـاطع قال البقلي مسرع . وهل يقدرون؟ - :لكل شك

.نها صنعتهم إ– :أنزل البك رأسه ثانية

.. هه.. هه – :ثم رفعها

.. هـيء .. هيء.. ثم أخذ في الضحك .. هه.. هه – نه أسقط يده تصاعد بشدة حتى إ .. كه في التصاعد ثم بدأ ضح

ليضعها على ركبة البقلي الـذي ،وهو مستغرق في الضحك وكذا ابتسم الجميـع وهـم ال ،فتر ثغره عن ابتسامة واسعة ا

ا سوى أن البك يضحكيدرون البتسامتهم سبب. : قال من خالل دموعه

.. مثله فـي حيـاتي لعين لم أر .. حرامي.. بقلي - فـإن ؛حتى ولو لم تكن لتستطيع أن تضاعف أراضي البالد

.يجد ما يفعله كهذا يجب أن عقال : والبقلي يحدثه بلهفة، ثم استغرق في الضحك ثانية

أهي لي إذن؟. أهي لي إذن؟– ..هي لك.. هي لك-

ا أن الوقت قد حان معلن وأشار إليه وهو يقف معتدال :لبدء المزاد.. اولكن ليس كثيـر .. وعقب.. ابتعد عني اآلن -

. بل التصق بظهريال؛.. ال ، الـبالد الكبير عابدي باشا والي ر الديوان تصد

وحسـن بـك الجـداوي ،وإسماعيل بك قائم مقامها .شريكه في الحكم

، تصـاعدت الضوضـاء ؛ بعد اكتمـال الحضـور وقف رضوان بـك ..وتواترت الحركة في األرجاء

الدفتردار خلف أحمد أفندي الصفائي والكـوريكجي وحولهمـا جلـس أفنـدي ،لطرح القرى في المزاد

ة المراجع لحسابات كل من أفنديـة الواليـات المقابل وأفنـدي تكـاليف نفقـة ،وحسابات الميري والغالل

دق نـاقوس .. السلطان ومصاريف المدن المقدسـة وأنصـتت ، فساد الصمت وتجمعت الرؤوس ؛صغير

..في ترقب

: صرخ أفندي المقابلة . كشوفية القليوبية-

، وحسين بك ، وقاسم بك ،تقدم إليها علي بك شركس ..وأنصت الجميع

: صاح أفندي المقابلة . مديني، وستمائة ألف ستة ألف ألف-

:صاح قاسم بك . أنا أدفع سبعة ألف ألف مديني–

:اعترض رضوان بك . لم يفتح المزاد بعد يا بك– وسـتمائة ألـف ، كشوفية القليوبية ستة ألف ألف -

، والمطلوب سـنة ونصـف كلفـة مديني عن المال الشتوي وأربعمائة ألف مديني حلوان عام طـرف ، امر السلطانية األو

، حرب أمراء القبالي ا ونصف كلفة ما وع ،حسن باشا القبودان فتصير الجملة تسعة عشـر ؛ومائة ألف مديني للمال الصيفي .ألف ألف وثلثمائة ألف مديني

، وانتشر الضجيج في أنحاء الـديوان ،ضجت القاعة :وتصاعدت الصيحات

؟ كيف باهللا--ا أنتم تأخذون اللحم والعظام مع. .لن يبقى فالح في بر مصر - . ليس لنا بهذا المال طاقة- . ربما سوف تزرعها المالئكة- . أو الشياطين--لقد تخلينا.. ا خراب أو أنكم تريدونها أرض.. .. تخلينا–

: صاح أفندي المقابلة ..فلم يجبه أحد.. اصمت.. اصمت.. اصمت -

.:له إسماعيل بك فصرخ بأعلى صوته نظر لكـن .. وأخذ الجرس يرن بتواصل .. فتح المزاد -

ا لم يسمعهأحد. :قال بسخرية.. وقف إسماعيل بك

أتتخلون عن ما يتوجب علـيكم إزاء السـلطان – .وتعصونه بالفرار : قال السنهوري

-ك النقودا لص لسنا نملك دار.

:قال إسماعيل بك رغت؟ وخزانتكم هل ف–

:قاطعه حسن بك الجداويلن تجد .. دع المزاد يستمر .. مالك وخزانة القوم –

.يامشتر؛ فصاح أفنـدي حتى ساد الصمت دق الجرس ثانية

:المقابلة من يشتري من يشتري؟-

..لم يجبه أحد ما لبثت أن تالشـت فـي ، حل نوع من الطمأنينة

ا إسـماعيل اللحظة التي وقف فيها محمد أغا البارودي كتخد :قال في هدوء.. بك

... أنا أدفع- ، واندفع من القاعة عشرات من عليـة ساد لغط شديد

:؛ حيث يقف عشرات الملتزمينالقوم إلى الردهات الخارجية هل تستطيعون دفع مال أربع سنوات؟- كيف؟-

فـي وقبل أن يطرح أفندي المقابلة بقية المـديريات :يالمزاد صرخ به حسن بك الجداو

كيف قدرتم المال إذن؟- :أفندي المقابلة فصاح

وعلى مـا جـرت بـه ، كما قرر السلطان سليم - .العادات القديمة والجديدة

.. هل جفت أقالمكم؟- :ا وقال قاطعه رضوان بك مهدئ

اشرح لهم أحمد أفندي الصفائي كيف تم حسـاب - .المال

:فتقدم أحمد أفندي قائال .. يا بك ليس في األمر لغز –

:فقاطعه رضوان بك . اشرح إذن– :فقال

، أصل الميري ا وثمانين مديني ، ثالثمائة ألف ألف – . ومائتي مديني أعمال تطهير الترعاوثالثون ألف

:فصرخ به قاسم أغا

وأي الترع هي التي ظهرت؟– :فقال أحمد أفندي

.وجاء به فرمان السلطان هذا ما جرت به العادة، - :تطرد واس

. اثنان وستون ألف مـديني تـذاكر جاويشـية و - و ، مـال الجهـات اوثالثمائة واثنان وثمانون ألف

٧٢٧ و ا كلفـة، ألف ٤٤ ، خدمة العسكر ا ألف ٢٣٥ .فهذا أصل المال الميري.. رفع المظالماألف

: صرخ حسن بك وماذا سيكون الفايظ من حق الملتزم؟–

اقال أحمد أفندي الصفائي مبتسم: ونصف ألـف ، يا بك تسعة ألف مديني ليس قليال -

وخمسة ألف ألف ونصـف ألـف ألـف ،ألف براني قديمة ستجد أن المبلغ خمسة عشر ألف ألف مديني عن عام ؛براني فيكون خاصة الملتزم سـتون ألـف ونصـف عـن ؛واحد

.القليوبية : صرخ قاسم بك

.أين تذهبون.. آه–

.. نه مال أربع سنين إ- ..اعد اللغط ثانيةوتص

: تدخل حسن بك الجداوي.. لقد فوجئ القوم .. سلطانيم عابدي باشا .. يا باشا -

لم ال نؤجل المزاد لمدة ساعة حتى يتشاور األمراء مع وكالء حساباتهم ومشايخ المراكز؟

:رفع عابدي باشا رأسه . الحق معك يا بيك–

ه لكن عابدي أشار بيـد ،حاول إسماعيل بك أن يتكلم : وصاح،إلسماعيل كتخدا

. نؤجل المزاد ويعقد بعد ساعة-ى الخارج في هرج ومرج شـديدين اندفع الجميع إل

وخاصـة أن ، يصبون اللعنات على رأس إسماعيل بك وهمكتخداه محمد أغا البارودي قد تقدم لشراء كـل األراضـي

.المطروحة للمزاد جرى السنهوري كالمجنون حتى وجد الشيخ عبـد

ا عنهم وبعيد ،امن أبو الفضل والمعلم إبراهيم جالسين مع الرح

ما لمحـه تابعـاه قامـا إليـه عند.. جلس محمد أبو الفضل :مسرعين

-ا؟ كم سندفع سنوي :؛ فأسرع يسبق أبيهحاول محمد أن يتخلق

.سبعمائة ألف ومائة - وقبل أن يكمل هوى السنهوري بكفـه الضـخمة

:على قفاه وهو يصرخ به.. امـش مـن قـدامي .. يا بن المركـوب يمشا-

فهمت؟.. قوامك والسنهوري خلفه ، جرى الشيخ محمد كذبابة تافهة

.. يتابعه بالصفعات والشتائم والركالتعاد يلهث إلى عبد الرحمن أبو الفضل ينظر إليـه

اشذر. قال الشيخ عبد الرحمن مرتبكا وقد ملكه حزن أشـد

:من حزن سيدهـ سبعمائة ألف - عـن فيشـا اومائة وستون براني

.وكمشوش وأراضي السدود :أمسك السنهوري برأسه

.دفع ألف ألف وثمانمائة ألف مديني علينا أن ن– هل نستطيع؟.. هل.. آهه -

كان ينظر إلى وكيله بتصاغر عندما جمـع المعلـم هـز رأسـه ا ب إبراهيم كل ما عنده من شجاعة وحكمة مكتفي

:خ عبد الرحمني فتبعه الش.بالنفي لو جمعنا فالحين القرى وبعناهم بعيالهم في المزاد -

..لما حصلنا عشر المبلغ والجميع يعودون لإليـوان وسـط ،ا شذر نظر إليه

هتف وقد اسـود وجهـه .. صيحات السخط والغضب البالغ ، وقـد ونضجت تجاعيد الكارثة على بشـرته ،كالطين العفن

:اهتزت قدماه من تحته ..وز النحس يا ب-

نـدي المقابلـة صـرخ أف .. كان المزاد قد بدأ ثانية :وكرر خلفه الكوريجي

فتح المزاد بعشرة ألف ألف وأربعمائة .. الشرقية -، عن أصل الميري وتطهير التـرع ،ألف مديني

وخدمة العسـكر ، في الجهات وتذاكر الجاويشية ويكون إجمـالي ، ورفع المظالم ،والقلعة القديمة

مس سنوات اثنين وخمسـون ألـف المطلوب لخ ..ألف مديني

: شهق الجميع والجرس يرن ألف ٦٦ من يشتري؟ من يشتري؟ خاص الملتزم –

.ألف مديني :وقف حسن بك الجداوي

. أنا أشتري– :قال السنهوري

..ال يشتري إال من يستطيع – وأفندي المقابلـة ،ا من علي بك الملط تقدم مقترب

:ية البحيرةيصيح على كشوف. ثمائة ألف مـديني وثال ، واحد وثمانون ألف ألف –

.تقدم إليها محمد أغا الباروديقال السنهوري لعلي بك الملط الذي عزم على شراء

:المنوفية . تخليت يا بك–

:قال له . لست وحدك يا موالنا–

وقد فقد أراضي االلتزام ،اواستدار السنهوري خارج ال يـراهم ،أسه يدور يتخبط فيمن حولـه ر.. التي كانت بيده

..وهم يبتعدون عنه مندهشين : ردد لنفسه

.. بال مال ، سوى أراضي الوسية والرزق لم يتبق - .اعشرون فدان

ظر إلـى المسـتقبل نفث من صدره بشدة وهو ين :بخوف شديد وردد

..سوف يأتي زمن صعب - فكر أن مشايخ جدد سيكون لهم شأن مع إسـماعيل

:ما هو فلن يكون له شأن بعد اآلن أ،بكبقى لي وقف أضرحة الشيخ عثمان والشيخ أبـو -

.حديد سوف يطرده المشـايخ .. لكن الخوف هزه بشدة

.سوف يلقونه للكالب.. الجدد عن كل شيء :بالخارج سمع النداء

فأصاغ السـمع وقـد لعـب .. لمنوفيةكشوفية ا –ن ألـف ن وثمـانو اثنا.. اصدره وقلبه األمل مع ب

.. ألف مديني.. دق رأسه بشدة وانقضت عليه المطـارق

تهاوى وهو يسمع خاصة الملتـزمين مـن ألفـائظ . )مائة ألف ألف مديني(والبراني القديم والجديد

: هتف ؟ كهذاامن يستطيع أن يجمع من الفالحين مبلغ -خرج يتخبط في الردهة وسط األمراء والبكـوات

اللذين وقفوا فـي ،ر األعيان والتجار واألغوات وكبا ،انتظار إعالن ضرائب الحرف والوظائف الميريـة

.. الساحة الخارجية واوقد اسودت وجوههم حتى بلغ نظر إليهـا ومـن خلفهـا .. كان الوقت في الظهيرة

المؤلفة مـن حـزم اآلالفصدمته .. ميدان الرميلة ب اإلشعاعات التي كانت تنعكس قادمة إليه مبهرة تخل

.اللبمئات الخيول التي تركها األمراء وكبار البالد فـي الساحة خارج األبواب بكنابيشها وسروجها وكساويها الفاخرة

وأعناقها المزينة بالحلي الذهبية والفضية والاللئ والجـواهر مشهد آيـة .. تتألأل تحت أشعة الشمس ؛والياقوت والزبرجد

بريقه األبصـار؛ هب األلباب وتخطف ذي.. من آيات الجمال غمغـم كالمشـدوه .. لكنه لم ير فيه إال معالم الكارثة القادمة

:في آالف الحزم الضوئية المتأللئةوهو يحملق .. أرى الطاعون على األبواب-

مسـتحفظان حبـل يقطع عليه محمد أغا البـارود .أفكاره

. أين تذهب حضرة سيدنا-ا بعصبية هز يده مشيح:

. ليس لي شيء هنا- : ابتسم كتخدا إسماعيل بك

أنا فـي .. أهذا كالم واهللا .. كل شيء يا سيدنا لكم -ن يقـول لكـم قت أرسلنا أبونا إسماعيل بك مـن شـا ها الو

.أرضكم وقراكم تبقى في حوزتكم كما هي :قال السنهوري باستخفاف

، أبونا إسماعيل بك يطلب مال خمس سنوات مقدم – .ثم يرسل حضرتكم يسترضيني

:اعليه أغا مستحفظان غامزمال سـنتان .. ثالث سـنوات .. ما تقدرون على دفعه – ..أنا أتولى تـأديبهم .. هل تخاف أال يدفع فالحوك .. ونصف

.رضوان بك يتولى تأديبهم أنتم تريدون منا حسـب مقـرراتكم ألـف ألـف -

.وثمانمائة مديني :اطعه أغا مستحفظان بلؤم واستنكارق وأنتم ال تنظرون ما ، نأخذ حضرتكم تتحدثون عما - هذه تكاليف الميري وخاصـة ..ئا فنحن ال نأخذ شي ؛تأخذونه

.ئاال تقل لي إننا نأخذ شي.. السلطان والقبودان : استطرد يغمز

.. أال تريدون منا أن نجهز لحرب أمراء القبـالي - . عندكمهيداكش وأهلنا؛ ألم تكن امرأة إقل يا موال

:قال السنهوري بضعف وهذا واجبنا حماية من ال ،ه عوائد أهل البالد هذ –

.طاقة له كالنساء واألطفال : واستطرد

–كمكانوا نساء أمراء القبالي أم نساء سواء.

:د أن يقول لـه كان يري ... يتوقف األغا عند ذلك لم ولكنـه ،"سنهوري لعبة إمساك العصا من النصف تلعبون يا "

ا عن ذلك قالعوض: مـا تأخذونـه أنـتم مقابـل مـا ا انظروا ل حسن -

لكن أال يقارب خمسـمائة ؛ال أعرف . ..تدفعون .ألف مديني للعاما فتح ذراعيه غاضب:

. ليس لك أن تغضب يا موالنا– :قال السنهوري بطمع

لكن من أين لي بأن أدفع ؛ نعم ليس لي أن أغضب - ألف ألف وسبعمائة ألف مديني؟

:قال األغا بهياج . كرباج. . كرباج موالنا-

ااستطرد غامز: . أنتم تجيدون استخدامه– كـل على وآخذ ما تقوله ف .. كي أدفع ما تريدون –

تبطي وكل ، وكل شيخ قرية ، وكل شيخ مدينة، ملتزم صغير كيـف .. أخذها من الفالحين مضاعفة خمـس مـرات أن ي

،يستطيع الفالح أن يفعل والترع غير مطهره ال تأتي بالمـاء أال تترفقون بهذا المسكين؟.. ص بهبوالفئران تتر

: ضحك أغا مستحفظانم فـالح كقلبكم ضعيف يا موالنا يصـعب علـي -

..خنزيرا في غضب رفع السنهوري يديه معترض:

كيف يـؤتى هـذا المـال؟ .. ا ما نقوله ليس هذ – إسماعيل بك اشتري األراضي ألنه باسـتطاعته أن

وأيم اهللا فوال أدري كي .. والها من الفالحين يجبي أم ألنه ربما ال يدفع مثل هـذا الميـري ؛وقد ال يجني

حضرة أغا إذا كان لديك فدان ينتج عشرة .. للسلطان فإن أقصى ما يمكـن أن تأخـذه مـن ؛أرادب قمح

ال يتبقى منها لزارع ،ضرائب هو عشرة أرادب قمح فـإذا .. األرض في العام التالي حبة قمـح واحـدة

به يجب على حضـرتكم افترضنا حدوث هذا وقبلنا كيف تستطيع أن تأخـذ مـن الفـدان ؛أن تجيبوني من القمح وقد أنـتج بالفعـل عشـرة اخمسين أردب .. هذه هي القضية.. أرادب فقط

:شيخ السنهوريضحك األغا وأمسك بساعد الال .. أنت غضبان كتير سـيدنا .. أمان ربي أمان -

خذ قريـة . . قريتين فقط تستطيع أن تدفع مال ثالث قرى خذ ا، هـو يريـد أبونا إسماعيل بك سوف يغضب جد .. واحدة

.رضاكم وأنتم تغضبونه .وهذا شيء.. ال وأيم اهللا هذا شيء-

ا قبل أن يقول فكر السنهوري ملي: فأغلب أراضيها بور ؛ سوف آخذ أراضي السدود –

.. وضرائبها أقل :نفرج وجه األغا عن ابتسامة واسعةا

ولكـن أراضـي هـذه .. موافق موافق يا سيدنا -ا بجانـب نني أنصحك بشراء كمشوش أيض المنطقة ال تغل إ .أراضي السدود

:رفع السنهوري يده بتخاذل . ال أستطيع يا أغا فاعذرني-والكـل -؛ فرضـاكم رضاكم هو مبتغانا يا موالنا -

.هو رضاء الرعية -يعلم

لكن كل هذا لم يكن ليمحو الحقيقة ،انتهى السنهوري .. كان قد بلغ بـاب الجبـل . لقد فقد أجود أراضيه .. لمفجعةا

وكأ علـى عصـا عبر ساحة الرميلة وميدان الرماية وهو يت :سأله المعلم إبراهيم

هل سـتبقى بالقـاهرة أم .. أين ستذهب يا موالنا - سترحل؟

.همس بتعب وإرهاق بالغين .. منوف-

* * *

الفصل الرابع

امـتألت الطرقـات أشرقت الشمس على القـاهرة و وانتشـرت ، والحوانيت تفـتح ،بالمارة الذاهبين إلى أعمالهم

الحركة في ردهات المجاورين، وأثنـاء خـروج الطـالب . ا من بعيد مع دوي الطبول قادم س ؛لالغتسال وتناول الفطور

كـان أحـد . موشك الوقوع في الردهات ،ا جلال بدا أن أمر االطالب يجري صائح:

.مون األهالي العسكر يهاج- لكنـه لـم ،حاول سليمان أن يستفسر عما يجـري

،ألقى كل منهم ما في يده واندفعوا خارج األروقـة .. يستطعولم يمـض وقـت .. قفزوا وطبول أهالي الحسينية تستنفرهم

طويل حتى امتألت الحارات واألزقة المحيطة باألزهر عـن ـ . آخرها بالجموع الهائلة ا وفي الطريق وقـف الجميـع مع

..يستطلعون األخبار كان إسماعيل بك قد فرض الضرائب الباهظة على

أغلبهـا ، ورسـا أصحاب الحرف بعد بيع البالد في المـزاد

وعنـدما .ا حوانيتهم معلنين اإلضـراب فأغلقوا جميع .. عليهأرسل الوالي أحمد أغا أعوانه لطلب أحمد سالم الجزار شيخ

ـ ؛الطائفة البيومية وأمسـكوا بأتبـاع ،ف ثارت جميع الطوائ وتسلق الثائرون أسـطح المنـازل ،االوالي وأشبعوهم ضرب ،

.وانطلقت النداءات لغلق األسواق والدكاكين وقد خيم ،تجمع أغلب الطالب للدرس حول مشايخهم

ا من بـاب الجـامع دخل الشيخ عليش متجهم . عليهم التوتر ا بعصا في يـده ينظـر فـي وجـوه ممسك ؛ووجهه متوعد

.ا يحاول أن يعرف المتغيبين عن الدرسرين شذرالحاض : هز رأسه

. نصفكم متغيب عن الحضور- ،همهم الطالب ينظر كل منهم إلى اآلخر في تواطؤ

:تحدث محمد المواردي.. ثم ران عليهم الصمت .. يا موالنا-

:ه الشيخفصاح ب ... اسكت يا ابن المركوب هو مين أذنـك تـتكلم -

.عشرين عصا.. تعالى : صاح الفتى والخوف يمأل عينيه

. لم أقصد يا سيدنا واهللا لم أقصد- يود ،ا تركبه العفاريت لكن الشيخ عليش كان غاضب

حتـى يشـفي ؛ بعد واحـد الو يأتي المتغيبون فيجلدهم واحد .ولهذا كان ينهال على المواردي دون شفقة أو رحمة. غليله

: ولما انتهى من ضربه بدأ درسه ..وم فدرسناأما الي -

؛ وقبل أن يكمل ظهر المصيلحي وعبد المحسـن افصاح بهما غاضب:

قعد هذا ، وا دخل الدرس ا.. ادخل يا ابن المركوب – . ومن لم يجبه ألقسمن باهللا لن يجاز؛درس االمتحان

فأفسح محمد أبو بحث عبد المحسن عن مكان خال؛ :سأله محمد.. ا بجوارهالفضل مكان جرى؟ إيه اللي- والـدروس هتبطـل فـي دي القيامة قايمة برة، - .الجامع

ا إلى درسهتنهد الشيخ عليش عائد: أعوذ باهللا من الشيطان الرجيم بسم اهللا الـرحمن –

أما اليوم فدرسنا هو تقسيم .. الرحيم والحمد هللا رب العالمين

وكنيته أبو حامد الغزالـي ،العلوم لمحمد بن محمد المطوس حجة اإلسـالم أسـتاذ المدرسـة ،ة وهادم البدعة حامي السن

التي أسسها وزير السالجقة نظام الملـك ،النظامية في بغداد وهو صاحب علم ترقية الـروح ؛في أخريات الدولة العباسية

والسمو بالذكر والخلق لـدرجات اليقـين ،والنفس اإلنسانية أي المعرفة الحقة التي طريقها الكشـف والـذوق ؛الحقيقي

،ها المؤمن بطريق المجاهدة والترقي الذاتي مـن جهـة يحل وهذا هو مضـمون ؛والعوذ والمدد الرباني من جهة أخرى

ويقسم حجة اإلسالم الشيخ . معنى التصوف في أبسط معانيه . علوم شرعية وعلوم عقلية : أبو حامد الغزالي العلوم قسمين أحدهما في األصول وهـو ؛أما العلم الشرعي فينقسم قسمين

علم التوحيد الذي ينظر في ذات اهللا تعالى وصفاته القديمـة وفي أحوال األنبياء واألئمـة مـن بعـدهم والذاتية، والفعلية

وينظر في أحوال الحياة والموت والقيامة البعـث . والصحابة وأهل النظر فـي هـذا ،والحشر والحساب ورؤية اهللا تعالى

ثم بأخبـار ،لقرآن بآيات اهللا تعالى من ا العلم يتمسكون أوال وأخـذوا ، ثم بالدالئل العقلية والبراهين القياسية ،الرسول

.بمقدمات القياس الجدلي من أصحاب المنطق الفلسفي

ثم عاد لحديثه دون أن ينتبه له ،اعتدل الشيخ وتنحنح إذ دخل من باب الجامع في زعجة عظيمـة ؛أحد من طالبه

باب الجامع في انصفق .. عشرات من الطالب وهم مهتاجون ،حتى تغلبوا عليهم .. م من الدخول هعنف يحاول البعض منع

.واندفعوا يثيرون الفوضى في األرجاءااستطرد الشيخ عليش غاضب:

ولحجة اإلسالم الشيخ أبو حامد الغزالي تقسيم آخر - .للعلوم في كتابه المنقذ من الضالل ال يختلف عما ذكر قبال

؛ فاسـتمر والصياح صوته ضاع وسط الضجة لكنا متزايدة من الطالب تتجمـع حـول وهو يرى أعداد معاندا،

.ويلوحون غاضبين يطالبونه بالتوقفحلقة درسه يصرخون : أضاف

... فيه السياسات واألخالق-عن بلغتها يبحث ثم توقف قائم :

عايزين إيه؟.. إيه يا ابن المركوب انت وهو-سا يريدون إبطال الدرصاحوا جميع.. : قال المرسي

. األهالي ثائرون بالخارج بسبب الضرائب المزادة-

.. وما بال العلم والدين بالضرائب المزادة-ا بعصاهنظر إليهم باحتقار ملوح:

.. لال انت وهو عودوا إلى أماكنكما ي– : كبح جماح ثورتهتحدث محمد سليمان محاوال

إنهـم آباؤنـا .. يا أستاذنا يا شيخنا الفاضل الكريم -فالتجار واألعيان مصـدر . وأخوتنا وإخواننا ومصدر عيشنا

أما صناع الطوائف وأصحاب الحـرف ولآلخرين،رزق لنا ن توقفوا ولم يجدوا قوت يـومهم ألصـاب ؛ إ هم أيدي العباد

ن جمهرة كبيرة من طـالب األزهـر وإ ..البالد ما يصيبهم تعـد أصـحاب الحـرف -مجاورين ومنتسـبين -الشريف

وإن ، فنحن مثلنا مـثلهم طائفـة ؛وطوائف الصناع أخوة لهم أمـا ، هذا في المبدأ واألسـاس ؛ارتقينا عنهم بالعلم الشريف

الواقع فهذه الجمهرة تعمل عندهم ومعهم يد ا للقـوت ا بيد طلب ولهذا توجب ، فهي تعرف آالمهم وعظائم مصائبهم ؛والرزق

أن تكون معهم قلب قولة الحق نحن طالب وتعين علينا ،اا وقالب .ومشايخ األزهر الشريف

ا فليغيـره من رأى منكم منكـر ": قال فعن النبي ؛ وهـذا فإن لم يسـتطع فبقلبـه ، فإن لم يستطع فبلسانه ؛بيده ".. ف اإليمانأضع

تغضن وجه الشيخ، تجمعت أعاصير الغضـب فـي ، نظـر ت يده يمنة ويسرة في حركات متشـنجة ودار ،جبينه

:، ومحمد سليمان يستطردريد أن يفجر غضبهإلى سليمان يخوتنا على هـذا؟ فهل من العقل والدين أن نرى إ -

..وهل من المنطق :ا وقاطعه الشيخ عليش صارخ

.من تمنطق كفر.. من تمنطق كفر - : واستطرد سليمان والشيخ يقاطعه بنفس العبارة

وهل من المنطق أن نرى قومنا وعشيرتنا وأهلنا – ونقف منهم فـي مقعـد ،يفتك بهم العسكر يهاجمهم و

المعتزل والمتفرج؟ ا يده وصراخه يـدوي فـي توقف الشيخ عليش رافع

:أرجاء الجامع . من تمنطق كفر–

تقدم المشايخ يدفعون جمهرة الطالب ناحيـة الشـيخ :ا يصرخوقام عبد المحسن واقف.. عليش

ا الشـيخ وقال مقلد .. ك ليه يا سيدنا بتناقض نفس - تمنطـق من..من تمنطق كفر " :الذي لم ينس له قط تقليده له

قايل في تقسيم العلوم عند حجة اإلسالم أبو وانت لسة ".. كفرحامد الغزالي أن المنطق يأتي في المرتبة األولى من العلـوم

.العقلية وضحك المشـايخ ،ضج الطالب في قهقهة صاخبة

.ق، وأصاب الشيخ عليش صمت مطبمعهم على استحياء :صاح به طالب مختفي

. طب كده متحطش منطق أيوة– غمر الشيخ العرق البارد وسط القهقهات الصـاخبة

تقـدم إلـيهم الشـيخ مصـطفى .. التي انفجر بها الطـالب ا منهم الهدوء والسكينةالمنيالوي طالب.

:سألهم ماذا تريدون؟-

: أجاب المصيلحي

كيف نجلس ..بطال الدرس ألجل إخوتنا وأهالينا إ - والعسكر يفعلـون بهـم ،هنا نتلقى زيد فاعل وعمرو مفعول

. ويضربونهم بالسياط والنبابيت، شائنةأفعاال : قال الشيخ المنيالوي

أنـا .بطال الدروس بالفتن والزعجـات وما شأن إ -نكم تخلـون ، وإ نبابيت وال يحزنون أر ولم ،آت من الخارج

،ين األهالي والمماليـك وتتخلون عن حيدته ب ،بهيبة األزهر والحفاظ على حيدته تؤهله لـدور الوسـاطة بـين األهـالي

.والمماليك ا شاهد عبد المحسن صديقه محمد سليمان يقفز معتلي

ضحك بعض الطالب .. إحدى الدكك بمؤخرة صحن الدرس .. المنطقـي سـيتحدث .. وجمد البعض يستمع وهم يتندرون

.هكذا كانوا يكنونه فالعلماء ورجال الدين وإن تحق؛ هذه المحايدة ال -

،أصابهم الغنى والثراء هم من جنس الفالحـين اضطرب . وليسوا من جنس المجلوبين والمماليك

واحمـرت وجـوه ،من في الصـحن جميعـه : ومحمد سليمان يستطرد..المشايخ

، وهي في قول آخر مهادنـة فالمحايدة إذن باطلة – ا فإذ ؛فالعلماء هم عقل األمة ونورها .. ةومساوم

مـن .. لم يضيئوا للفالح والصانع األمي الطريق ..سيفعل إذن؟ : يديه بسخرية استطرد رافعا

ال تبيعـوا أهـل . أم األتراك .. المماليك. المجلوبين – .. البالد من فالحين وأهالي الحرف كما باع يهوذا مسيحه

:صرخ أحد المشايخ .ا وال تقول شيئ تكثر من الكالم؟ ماذا يخبئ قولك–

: قال شيخ آخرم إذا كنا من وماذا يه . ماذا يريد ابن المركوب هذا -

جنس المماليك أم ال؟ا قال سليمان مقاطع:

ونحن نريد فتوى بجواز محاربـة . المحايدة باطلة - فإن وجدتم في هذا مشقة اجعلوها فتوى بمحاربـة ؛المماليك .ذا ظلموا فيجاز فيها مدافعة المماليك إ؛الظلم

األصوات حتى هز دويها صـحن الجـامع، تعالت :ه بقية المشايخوالشيخ عليش يصرخ وخلف

. إنها الفتنة... إنها الفتنة إذن-ـ ،جمع الشيخ المنيالوي جبته ا ركـن وتقـدم معتلي

توقف حتى خيم الصمت .. ا من الجميع السكوت الدرس طالبـ سليمان واق خر الصحن مباشرة بقي وأمامه في آ وعبـد ،اف

. يتبعه المرسي والمصيلحي،المحسن يخترق الجمع ناحيته : تنحنح الشيخ المنيالوي ثم قال

ونعوذ باهللا ، الحمد هللا نحمده ونستعين به ونستغفره - ،من يهده اهللا فال مضل له . من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا

وأشهد أن ال إلـه إال اهللا وحـده ال . ومن يضله فال هادي له وأشهد أن محمد عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين ،يك له شر

ا عليه وعلـى وكفى باهللا شهيد ،الحق ليظهره على الدين كله اآله تسليم ..

:ا الصمت فرفع يده طالبزام الطالب يقاطعونه؛ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر هـو الـذي –

وقولـه ، وهو من الدين ، وأرسل به رسله ،أنزل اهللا به كتبه مرهم بالمعروف وينهـاهم عـن يأ. تعالى في صفة نبينا

مـر فهو عليه السالم الذي أ ،هو بيان لكمال رسالته المنكر؛ وال يجـب . عن كل منكر اهللا على لسانه بكل معروف ونهى

بـل ؛عينهوف والنهي عن المنكر على كل أحد ب األمر بالمعر به كـل قـادر ؛ فيقوم والجهاد من تمام ذلك .هو على الكفاية فاألمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإتمامـه حسب قدرته،

.بالجهاد من أعظم المعروف الذي أمرنا بهومن النهي عن المنكر الذي أمرنا به إقامة الحـدود

- ويجب على أولـي األمـر ،على من خرج عن شريعة اهللا أن يقوموا علـى -ها ومشايخها وهم علماء كل طائفة وأمراؤ

؛هم عـن المنكـر نهم بـالمعروف وينهـو نويأمرو ،عامتهم وهـي ؛فيأمرونهم بما أمر اهللا ورسوله كشـرائع اإلسـالم

وحـج ، والصوم ، والصدقات ،الصلوات الخمس في مواقيتها مالئكته وكتبه ورسله واليـوم واإليمان باهللا و ،البيت الحرام

ومثل ما أمـر بـه اهللا ، واإليمان بالقدر شره وخيره ،خراآل ومثل إخالص الـدين ،من األمور الباطنة والظاهرة ورسوله

وأن يكون اهللا ورسوله أحب إليه مـن ، والتوكل على اهللا ،هللا ، والخشـية مـن عذابـه ، ورجاء الرحمة مـن اهللا ،سواهما

. والتسليم ألمر اهللا،والصبر لحكم اهللااع صـوت الشـيخ ضج الدرس وهاج الطالب وض

فتوقـف ؛ سطح المسجد ي الذي امتأل به المنيالوي وسط الدو

فحصل عليه بعد جهد جهيد ..ا يده يطلب الصمت ثانية رافع :فقال

أعظمـه ؛ ف أما المنكر الذي نهى اهللا عنه ورسوله -ـ ؛ وهو أن يدعو الشرك باهللا ا آخـر مع اهللا إله أو نبـي مـن ،وأحد المالئكة أوالقمر أكالشمس ، أو أحد الجـن ، أو رجل من الصالحين ،األنبياء فكل هذا وأشباهه من ؛يل هؤالء وقبورهم أو تماث

ومن المنكر الذي حرمه .ه اهللا رمالشرك الذي ح وقتل النفس ، أكل أموال الناس بالباطل اهللا أيضا

كـذلك قطيعـة . التي حرم اهللا قتلها بغير الحق والسرقة فـي المكيـال ،الرحم وعقوق الوالدين

وكـذلك العيـادات ،واإلثم والبغـي . والميزان، وغير عة التي لم يشرعها اهللا ورسوله المبتد ..ذلك

: ثم استمر قائال توقف وهلة،إذا كـان األمـر بـالمعروف ..األخوة المؤمنون -

والنهي عن المنكر مـن أعظـم الواجبـات أو

البد أن تكون المصلحة فيها راجحة . المستحبات .على المفسدة

: ورفع صوته قائال- واهللا ال يحب ،كتب ونزلت ال ،عثت الرسل إذ بهذا ب

كانت مفسدة األمر والنهي أعظم من مصـلحته فإن... الفسادـ ،لم يكن مما أمر اهللا به وفعـال ا وإن كان قـد تـرك واجب

وليس عليه ، إذ المؤمن عليه أن يتقي اهللا في عباد اهللا ا؛محرم يا أيها الذين آمنـوا : وهذا من معنى قوله تعالى . هداهم. م أنفسكم ال يضركم مـن ضـل إذا اهتـديتم عليك

المسلم بمـا يجـب ؛ فإذا قام واالهتداء إنما يتم بأداء الواجب ونسترشـد .... عليه من الواجبات لم يضره ضالل الضالل

) أي اآلية (سألت عنها : " أبي ثعلبة الحبشي بما جاء في حديث عـن انهـو ا بـالمعروف وا وربل ائتم : " فقال رسول اهللا

،ا ودنيا مؤثرة متبع وهوى اا مطاع حتى إذا رأيت شح ؛المنكر ؛ا ال يدان لـك بـه ورأيت أمر ،وإعجاب كل ذي رأي برأيه

من ورائـك أيـام فإن ؛ ودع عنك أمر العوام ،فعليك بنفسك للعامل فـيهن . الجمرعلى مثل قبض الصبر فيهن .. الصبر

وعن علي رضي . "ون مثل عمله يعمل مثل أجر خمسين رجال

ستكون بعدي فتن ال يستطيع ": أنه قال اهللا عنه عن النبي قلـت يـا رسـول اهللا . المؤمن فيها أن يغير بيده وال بلسانه

قلت يا رسول اهللا هل . ه بقلوبهم ن ينكرو :قال.. ؟.وكيف ذلك إال كما ينقص القطر مـن .. ال:ئا؟ قال ينقض ذلك إيمانهم شي

بالصبر ولهذا أمر النبي ...قت يا رسول اهللا صد "..الصفا: الصالة وقـال ونهى عن قتالهم ما أقاموا ،على جور األئمة

". وسلوا اهللا حقوقكمأدوا إليهم حقوقهم،" لهذا كان من أصول السنة والجماعة لزوم الجماعة، و

. وترك القتال في الفتنة،وترك قتال األئمة ...قول الشيخ توقف الجمع وقد جثم على صدورهم

:ا صوت سليمان ثانية أصاغوا السمعوعندما سمعوير المنكـر يكـون تـارة ي عرفت يا موالنا أن تغ -

؛ فأما القلب فيجب بكل حال؛ بالقلب وتارة باللسان وتارة باليد ومن ال يفعله فليس هو بمؤمن كما قال ،إذ ال ضرر في فعله

حديث ال في وق. )٢("وذلك أدنى أو أضعف اإليمان : "النبي يس وراء ذلك من اإليمـان ل: "صحيح رواه البخاري ومسلم

فهل تأمرون المماليك بالمعروف وتنهونهم عن .. "حبة خردل

.رواه الترمذي )٢(

أم تمدون لهـم يـد المصـلحة والصـداقة، . المنكر بالقلب .وتتبادلون واألمراء المنافع والمصالح

هاج الطالب هياج سـرور لا بين الغضـب وا ا شديد .. تصايحوا..لفترة طويلة

فاستطرد يتحدث ؛ توقف الشيخ سليمان حتى صمتوا يطر علـى جمهـرة وقد س ،في صوت قوي واضح النبرات

:المستمعين وحواسهممـن ميـت ":قيل البن مسعود رضي اهللا عنـه -

ا وال ينكر الذي ال يعرف معروف : فقال.. األحياء؟امنكر".

. فاشتد ضجيج وهياج الطالب على المشايخ ، أم هو ميت األحياء اليوم؟ الجاهل األمـي فمن –

الفالحـين وأربـاب الصـناعات العالم الفقيه؟ ، أم األئمة والعلماء؟والحرف

والشيخ المنيالوي ،اا بالغ هاج الطالب هذه المرة هياج .يسأل وقد ارتفع وجهه من شدة الغضب

من هو هذا الكافر؟ من هو؟ - : وصاح الشيخ عليش

واهللا لتأخـذها . ى بجواز قتال المماليـك تريد فتو – . فتوى بحل دمك...مني أنا يا ملعون

:صرح الشيخ أبو المعاطي الصاوي واهللا إنما أنت المفتون الموصوف فـي حـديث –

ـ تعـرض : "يحينححذيفة بن اليمان رضي اهللا عنه في الص وما أنتم إال دعـاة )٣(.. "الفتن على القلوب عرض الحصير

صمت يـا ا.. يا طالب الفتن يا عدو اإلسالم صمتا ...فتنة .شيطان يا لئيم

:أجابه محمد سليمان : قال أبو بكر الصديق رضي اهللا عنه في خطبته –

ـنكم مـرضال ي كمأنفس كملينوا عآم ا الذينها أيي تميتدل إذا اهض ، وإنكم تدعونها على غيـر موضـعها .

إن الناس إذا رأوا المنكر فلم :" قال ني سمعت رسول اهللا إو ولـك يـا ."يغيروه أوشك اهللا أن يعمهم اهللا بعقاب من عنده

.موالنا في عاد وثمود عبرة لقوم رأوا المنكر فلم ينتهوا عنه : قال بصوت جهوري...قفز المرسي بجوار سليمان

.رواه مسلم )٣(

إنما الرأي عندي يا أساتذتنا األفاضل أن فتـوى – إنما تقـوي ؛العلماء والمشايخ بجواز مجاهدة الظلم ومدافعته

وتـذهب ،قلوب العامة والضعفاء والفقراء من أبناء الـبالد فأعطونا الفتوى بجواز قتالهم تصنعون فـي ؛بقلوب المماليك

. خيراأبناء البالد :قاطعه الشيخ المنيالوي

قال أستاذ فاضل وعالم جليل قبلي أن رسـول اهللا - ونهى عن قتالهم ما أقاموا ،مر بالصبر على جور األئمة أ

أطيعوا ولو ولي علـيكم :" وقال ،وهم يقيمون الصالة . الصالةا وأقول جازم . عطاء فتوى في ذلك فال يجوز إ ".. عبد حبشي

وبكل وضوح وعلى عكس ما قال أهـل األهـواء والبـدع ن من أصول السـنة أقول إ .. اللة كالخوارج والمعتزلة والض

. وترك القتال في الفتنة، وترك قتال األئمة،زوم الجماعةلا حديثه للطالبصاح المصيلحي موجه:

ضرب بالسـياط فـي وت ،دهس بالخيول الناس ت – ، وليس بقدرة علمائنا أن يجتهدوا؟الحارات والدروب

.. غمغم المشايخ.. االجتهاد..االجتهاد -

، أس الـر مشـوش ؛ا الدكة دعقفز الشيخ عليش صا :يصرخ في هيستيريا

.. فل باب االجتهـاد موت اإلمام أحمد بن حنبل ق ب - .. فل باب االجتهادق.. فل باب االجتهادق

فلمـا انتهـى قـال ؛خيم على الصحن الصمت التام :الشيخ سليمان في صوت بارد

قفل بـاب االجتهـاد .. نعم يا شيخنا الفاضل نعم – .. عبيدحكم بال واآلن ت،د عقل األمةفوئ

ا إلى األبوابوعقب عبد المحسن شاخص: .إلى األبواب.. وحق أن يبلوها اهللا بالطاعون – : واستمر بأعلى صوته .إلى الخارج.. إلى الخارج–

.كثيفةاندفع الطالب من أبواب األزهر في جموع ا خلـف رأى عبد المحسن محمد أبو الفضل منزوي

قفطانه وهـو يسـأله كم من، جذبه أحد األعمدة يخفي وجهه :بعتاب غاضب

ألن تأتي؟– : رفع أبو الفضل رأسه إليه في خجل

ألمح بعينيـه ( ..أما أنا .. أنت حر يا عبد المحسن – ا علـى إتمـام للشيخ عليش الذي تربع في صدر الدكة مصر

. يخبر موالنا السنهوري)..درسها لـم وإذ ،إذا حضرت الدرس تخون زمـالءك -

فقـد ؛ وال يلومك أحد ليك شيئ تحضر ال يبقى ع .خرج الجميع

ـ ا نظر إلى األرض وهو يهز رأسـه رافض ..ود أن يبصـق .. احاول عبد المحسن أن يقول شـيئ

وكذا أصدقاؤه اللذين ، لكن قدسية المكان منعته ،عليه سار معهم يفكر فيمـا هـم .. م خارجين جذبوه معه

إقنـاع مقبلون عليه من أمور جسام ال يتساوى معها .. رعديد جبان

ا وكراهية ن مقت تابعه محمد أبو الفضل وعيناه مملوئتا ا أسودوغضب ..

:غمغم في حقدروح بحق .. عايز تحارب المماليك يا ابن توحيدة –

.. جاه النبي بارودة تأخذ روحك

، لم تمض دقائق حتى كان الشيخ عليش يؤم الـدرس ..أمامه سوى طالب واحدوليس

:اينظر إليه متهكم سأله وهو ما اسمك؟–

:أجاب أبو الفضل في تعب . محمد عبد الرحمن أبو الفضل يا موالنا–

:اغمغم ساخطدا حتـى . لفتى مقطوعة ساقيه أم من العميان؟ وا –

.العميان بره في الحارات بيحاربوا مع األهالي :خفض أبو الفضل رأسه وغمغم خجال

لشـيخ أبـو األنـوار أنا تابع سـيدنا وموالنـا ا – .السنهوري

:هز الشيخ عليش رأسه طيب اسـمع .. فهمت.. ا ابن المركوب؟ فهمت ي –

. واستمر الشيخ عليش في الدرس...بقه

-٢- وانتشر الرجـال ،على األسطح كانت الطبول تقرع

ته،بعد ساعتين أقبل الشيخ العروسي على بغل .. في األسواق ويدفعون بغلته ،في وجهه وطوال الطريق كان المارة يهتفون

وعندما بلـغ . وهو حائر يريد العودة وال يستطيع ؛إلى األمام فأمسـكوا بـه ؛ل أبواب األزهـر ـفهم بسبب قف الجامع عن فتجرأ آخر ي الهواء؛ جذب أحدهم نعليه وقذفهما ف .. غاضبين

..وحاول جذب عمامته جرى المرسي وعبد المحسن مع بعض المحاورين

وهـو ؛ ويدفعون الناس عنه ،ذه من وسط العامة يحاولون إنقا يا أوالد المركـوب .. ا بذراعيه في كل اتجاه يصرخ ضارب ..كيف تهزأون بشيخ عجوز مثلي؟؟ كان يهـز .. أنا ح أوريكم ن المشايخ؟ أي:ا ويناديرأسه متأثر

قـرب الظهيـرة . جذبه الطالب إلى رواق المنايفة الفيومي والشيخ دردير والشيخ ،توافد عليه الشيخ الشرقاوي

وفـي .جلسوا يفكرون في األمـر .. والشيخ محمد الصاوي ام ورر البن والبار ونصارى القبط واأل اجتماع كبير ضم تجا

والبطانـة ، وباعة القماش والقطن ، وشيخ المغاربة ،والشوام

والنحاسـين وتجـار ، والجواهرجيـة ،والمنجدين والصاغة السنهوري الذي وصل لتوه تحدث الجميع عدا الشيخ . الغالل

ا من الصعيد بعد مقابلتـه أمـراء القبـالي إلى القاهرة عائد، .واكتفى بالصمت والمشاهدة

عيل بـك إلى إسما كتب المشايخ واألعيان عرضحاال ن ومـا إ . حملها الشيخ الدردير يطلبون منه رفع أسباب ذلك؛

خرج من باب الجامع حتـى تـدافع إليـه العامـة يسـبونه ن يدفعون عنه ، والمجاوري ويتصايحون عليه ،أون به ويستهز حتى سـارع وما إن وصل إلى باب زويلة . بالعصيالناس

وأرسل إلى إسـماعيل بـك يخبـره ،باالختباء بجامع المؤيد كـان علـى سـبيل فأرسل له تذكرة تفيد بأن األمر ؛بالحال

، وأنه أعطى الناس األمن ودعـا من القادر القرض والسلفة .. ولن يطالبهم أحد بشيء،نفضاضالناس لال

لناس عندما علموا باألمر وقالوا إنها مخادعة تصايح ا ا سـيأخذوننا واحـد كي تطمئن قلوبنا؛ فعندما تسكن الهوجة

.واحدا من بوالق بأن القليونجية راألخباقرب العصر جاءت

، واختطفوا البضائع بدون ثمـن ،هاجموا أصحاب الحوانيت

مـن ، وأن أفـرادا على عمال السـواحل وانهالوا بالنبابيت تدافع مئات من الطالب واألهـالي .. األهالي قد سقطوا قتلى

وطوال الليل شوهدت أضواء المشاعل فـي ،باتجاه الساحل وفي الحـارات واألزقـة ،سماء الحسينية والوكالة الغورية

بينما استنفر الوالي عساكره على ،استلقى الناس حتى الصباح .البوابات

قبل الفجر تقاذف الظالم طلبة تقفز فـوق األسـوار ؛ المطلة علـى المينـاء الشاحبةومن المنعطفات . والبوابات

.. برزت رأس عبد المحسن قرب قليونجات إسـماعيل بـك ـ ،تبادل إشارة مع أشباح متناثرة ا باتجـاه ثـم هـبط زاحف

ا فوهـة غدارتـه ناحيـة أحـد رأسه مصوب رفع.. الساحلطلق البارود ثم قام يجري تكشفه أشعة الصباح أ.. القليونجات

ـ .. األولى ا فـي عسـكر القليونجيـة، تصاعد الصياح عالي واندفعوا يجرون في كل األنحاء يجمعـون أسـلحتهم وهـم

ولمسافة مائة متر عبرها في أنحاء ،اا عالي يصرخون صراخ ا لبـارود عسـكر ا جسده هدف ا إلى الحي تارك متعرجة متجه

وعندما توغـل القليونجيـة .. مطاردتهن تجمعوا ل البحر الذي بدأ البارود يحصدهم من فـوق ؛ا في األزقة والحواري كثير

.. ومن خلف النوافذ واألبواب جماعات جماعـات ،األسطحوبينما كان القليونجية يحاولون االنسحاب من المذبحة التـي

وقطعـوا ، كان المغاربة قد هاجموا المراكب ؛استدرجوا إليها . ورموا صواريها إلى النهر،بالهاح

* * * في مساء هذا اليوم طالب المجتمعـون فـي سـاحة

ال الفيـومي ق.. فرفض المشايخ بشدة ؛األزهر بعزل الوالي :لألعيان ومشايخ الحرف

.نا بما ال طاقة لنا بهن أنتم تطالبو- :وقال الشيخ األمير

كلهم نفـس ؛ وما الفرق بين بكتمر وباش بكتمر – .جينةالع

:وقال العروسي . اطلبوا غير هذا األمر–

وفي هذه الليلة انتحى السنهوري بالشيخ العروسـي اليوم تمر ثالثة أعـوام .. واستغرقا في حديث هامس ،اجانب ،١٧٨٧ام على رحيل حسن باشا القبودان في أكتـوبر مبالت

فلم يسـتقر وهو اآلن الصدر األعظم للسلطنة؛ ..وأشار بيده

إسماعيل بك وحسـن بـك ؛ ال به وال بصنائعه ؛الدحال الب ـ لقد غالي كل منهما في النهب والسلب . الجداوي ،ا ولم يكتفي

فهي تسير من سيء إلى ؛وعجزا عن إقرار األمن في البالد ، وال هما يشبعان من المال فيأمنا حال الرعية وثورتها ؛أسوأ

اهيم وال هما على وفاق فيصيران قوة كما هو الحال بين إبر ويستقر حال البالد وينصلح حـال ،انه فيهزما ؛بك ومراد بك

.. فيروق الحال للجميع .. الزراعة والتجارة وأصحاب الحرف :همس.. ا ما يريدتطلع إليه العروسي مستشف

. أراك قد حددت جانبك شيخ سنهوري- : رفع السنهوري حاجبيه

.. أنا أفعل .. إنما نحن نمسك العصا من المنتصف - ؟..أليس كذلك.. كل رجال العلم العاقلون يفعلون.. ت تفعلأن

أو يدخل معـه فـي ،لم يستطع العروسي أن يخالفه : فقال السنهوري..هز رأسه باإليجاب.. مجادلة عقيمة

مسك العصـا مـن المنتصـف، حسن أن ن ست فالم – إنه فن أخذ كل ...وإمساك العصا من المنتصف فن يا سيدنا

.يءممكن دون فقد كل ش

ا ا على شيء ال يفهمه جيد هز العروسي رأسه موافق :طالما ظل مجرد حكمة

؟.. وماذا ترى- اآلن يعاني الصديقان اللدودان إسماعيل بك وحسن -

وهناك قلـق العامـة .. بك من الشقاق والضعف فيما بينهما وفقد األمراء للدعم والتأييد مـن رجـال األزهـر ،وثورتهم

وإعادة بيع الـبالد .. قنا وامتيازاتنا بسبب هجومهم على حقو ، مع تزايـد قـوة أمـراء القبـالي ،ادون أن ننال منها شيئ

بل ا؛كل هذا يجعل قوتهم محدود . اوضغوطهم الحربية عليه .ربما معدومة

:رفع العروسي رأسه .. أفصح–

ا حاجبيه الكثيفينقال السنهوري ضام: ن وفي هـذه إنه باستطاعتنا اآل .. يا موالنا ل أقو –

فقبول إسـماعيل . اللحظة أن نؤيد طلب العامة بعزل الوالي وعـدم قبولـه .. وقوة لنا نحن المشايخ ،بك بعزله ضعف له

وزيادة في اإلضراب والقلق،اضعف له أيض .. :دمدم العروسي

دها فتنة مشتعلة؟ وهل تري– ؛أغمض السنهوري عينيه وقبـل أن يقـوم راحـال

:غمغم نحن عليه منذ أن ينتهي سوء الحال الذي ما أريد إن–

.قدوم حسن باشا القبودانفي الصباح ذهب وفد من المشايخ إلى إسماعيل بـك

؛ ا بأن الوالي يتبع حسن بك فأجاب معتذر ؛يطلب عزل الوالي :لجداوي الذي قال بقرففقال العروسي ل

ويعزل هو اآلخر األغا ، أنا أعزل الوالي التابع لي -، ويعزل عزل رضوان كتخدا المجنون من المقاطعة وي ،تابعه

مصطفى كاشف من طـرة، ويطـرد عسـكر القليونجيـة .اثم قام غاضب.. يواألرنؤط

طوال أسبوع دارت مناوشات متكررة وحـادة بـين وتبـادلوا الضـرب ،الوالي واألهالي الذين زاد تحرشهم به

؛ وكثر خروج العامة حتى رضخ كل منهما لألمـر ،بالنبابيتنـا ي وع ، وعزل الجداوي الـوالي ،فعزل إسماعيل بك األغا

.فين على مديريات خارج البالداشك

الفصل الخامس

كانت الشمس كرة حمـراء قانيـة تسـرع نحوهـا ظل إلى صفحة المياه تتالحق .. ا والنيل ينحني غرب ،المركب

حتى تبلغ القرص األحمر المعلـق ؛عليها األمواج بال نهاية وأمامـه تـدلي ،اغرورقت عيناه بالدموع .. األفقعلى حافة

.. ا من عنق الشـمس شبح صديقه الشيخ محمد سليمان مشنوق منفتحـة تفـوح ،ا كما تدلت أسفل بوابة بـاب النصـر تمام

رائحتها بفعل حرارة شـمس الصـيف الملتهبـة، وعينـاه ه مـرارة تان إلى الفراغ في تساؤل غاضـب تشـوب المفتوح .قد امتأل جسده بآثار التعذيب و، ومسحة حزن،وأسى

وتراجع إسماعيل بيك عن ،كانت األحداث قد هدأت إلى وذهب كل ،فهدأ الناس والعامة .. الضرائب التي فرضها

.حاله وفي األيام التالية أرسل شيخ البلد إسـماعيل بيـك

فيأخـذون ؛ يهاجمون الدور ليال ؛وقائم مقامها الوالي واألغا مـن المـال والفـرد، والنـاس بالالمطلوب الذي فرضه ق

مستسلمة عاجزة تشكو وال تقدر على أكثـر مـن الشـكوى .والدعاء إلى اهللا باالنتقام من السلطان ومن والة األمور

وخـرج ،وطوال األسبوع اختفى سليمان المنطقـي حتى ظهرت جثته معلقة على ؛ا عنه الطالب والمجاورين بحث

فالح جاء .. قرات الطبول والمنادي ينادي على ن ،باب النصر فحل عليه حكـم قاضـي .. سرق عنزة وجمل .. من جرجا وأمر موالنا إسماعيل بيك قائم مقام السلطنة بالموت ،القضاة .والعبرة لمن يعتبر.. ا وبالمقرعةشنق

:قال عبد المحسن لشبحه الذي مأل األفق أمامه إلى هذا المصير يا أعـز ق كيف يؤدي بك المنط – .ا وانهار باكي.األحباب

:ا المنطقي هازئابتسم له شبحخر منطق حتى يكون هذا وهل كان لديك أنت اآل – .مصيرك

:نظر إليه من خالل دموعه وأنت الذي دفعتنـي ،فأنت الذي تحدث به .. هيه -

فحـار .. لماذا قيل من تمنطق كفر .. لسؤال الشيخ المنيالوي نة ادعاها النحويون إنما هي ضغي " :ا فتقدمت أنت الشيخ جواب

فكأنك فتحت باب ؛"...ا به ا للمنطق وضيق على الفالسفة كره .. ونهر الكراهية. جهنم

لـم .. نهل بشوق من وجهه األسمر الحاد القسـمات فهو األقـدار تـدفع ؛أما ما أنا فيه .. يكن لدينا منطقي سواك

، فال يدري أين المفر من عذابات روحه ،اإلنسان في لجة اليم عسى أن ؛شد الهرب من الحياة بالموت من الدنيا باآلخرة فين

.. يجد المأوى وحسن المصيرإنما هي سمة من المنطق .. ليس ثمة قدر في هذا - .. اعتراف بالعقل.. تعلقت بها

وتالشى ،ا خلف األفق هسقطت الشمس واختفى قرص :حاول أن يذكره فصاح.. شبح المنطقي

.. أتاني الشيخ عليشلقد –ـ ل تارك لكن صديقه رح ان ا خلفه ضلفتي بوابـة الزم

)كانت تبلغ عنان السـماء (العمالقة تنغلقان بصرير موحش على أشـعة الشـمس النهاريـة شـاهد .. إلى السماء راحال

.. زخارفها ونقوشها وطالسمها السحرية رتاج يقفل بشدة ورنـين ضج في الفضاء صوت ..

سـمع ..سيهاجمه اآلن كان يعلم أن الظالم .. سالسل صدئة

ئد عقـل قفل باب االجتهاد فو " :ه يأتي من أعلى صوت صديق وحـق أن " : فكر عبد المحسن "..فاآلن تحكم بالعبيد .. األمة

."يبلوها اهللا بالطاعون* * *

لينا في الهزيع األخير من ت المراكب قرية البس عبروطوال الليل كان عبد المحسن يتابع أشباح الفالحـين .. الليل

ا لمجـيء وهم يعملون بدأب وعجلة في تقوية الجسور تحسب ومثلها فعـل كثيـر مـن ،لوحت له امرأة بيدها .. الفيضان

وعندما كان المركب يقترب مـن الجسـر .الصبية واألطفال فترتسم على ؛كان الفالحون يشاهدوه قيوده وسالسله بوضوح

أما النسوة فكـن يـرفعن ،وجوه الشيوخ نظرة حزن حكيمة يهن إلى السماء بالدعاء الحار له بالرحمة والسكينة علـى أيدوبصوت حازم كن يمنعن أطفالهن اللذين كانوا يقذفونه .. أمه

.. بالحجارة ويشيعونه بالشتائم واللعنات الضاحكةوطوال الضحى كانت مقدمة المركب تصير باتجـاه

. توقفت في الظهيرة عند ميناء جرجـا حتى ؛الشمال الغربي ضـربه وقبل أن يذهبوا للبر ،جرسجية من شد وثاقه تأكد ال

لـم ..يتبعه جنـوده ثم خرج ،هكبيرهم في وجهه بمقدمة حذائ

عثمان بك طبل شف جرجا تمض دقائق حتى هبط المركب كا منذ أربعة أعوام إلى مراد ١٧٩١الذي سلم القاهرة في عام

وت أستاذه وعدوهم اللدود إسماعيل بك مبك وإبراهيم بك بعد .. خلفه كان هناك جمع من التجـار والحمـالين .. لطاعونبا

.. ا بسـوطه هرول باتجاه عبد المحسن ووقف أمامه ممسـك فـي دفعه .. ا باستغراب ودهشة انحنى عليه يمعن النظر جيد

:كتفه بمقبض سوطه وهو يحدث نفسه ، أهذا من دوخ حسين بك األشقر طيلـة عـامين –

شـهد اهللا أن كليهمـا ن.. وأفتى فيه شيخ سنهوري بحل دمه ـ .. مجنون ـ ضربه بمقبض سوطه على وجهه تارك ا ا جرح .. انافذ

انت إيش جلبت على نفسك لص قاتل؟؟- ا في صـمت رفع عبد المحسن إليه رأسه متضرع ..

ليـه وقـد وانحنى ع،ضحك عثمان أبو طبل ضحكة مجنونة :رسم على وجهه فزع شيطاني

سـوف .. الشـيخ والسـنجق .. سوف يشويانك - لماذا ال يتخليان عنك لـي .. ها.. ايشويانك حي ..

.. فرك يديه كمن يستعد اللتهاب وليمـة عـامرة

ـ ـ كنت سأسلخ جلـدك قيراط كنـت .. اا قيراطكنت سأنتف شعر عانتـك شـعرة .. سأخوذقك

شعرة قبل أن أخذ بيضتك ألسحقهما مع خلطـة واهللا . وعظمة ديب أحمر ، وخصية ثعلب ،هندية

مسان بهـذه الوصـفة علـى لقد دخل سلطان تل ـ .. ا في ليلة واحدة أربعين بكر ن اهتاج الرجل م

ثـم ، دار حول نفسه دورة كاملة ..أفكاره الشبقة ا القرفصاء سقط جالس، ا فخذي عبـد مد يده فاتحأزاحـه .. فتدلى قضيبه من بين حقويه ؛المحسين .. وجاس فيهما في غلظة وعنفا بخصيته،ممسك

سن من األلم؛ فابتسم عثمان عبد المح صرخ :بك طبل

..ايجب أن يطعموك جيد.. إنهما ضعيفتان - : صرخ على الجرسجية – سيموت قبل أن يبلغ منوف ..ايجب أن يأكل جيد

ال .. هل خانـك .. سمعت أنه صديقك .. يا أغبياء األشقر هذا . .ا لرغبته شك أنك قتلت زوجته تنفيذ

قـل لـي .. هه.. ذمته خانك كي يبرئ .. خبيث

فرجع ؛ ا هز عبد المحسن رأسه نفي ؟جربوع كبير ا وهو يجأر عثمان بك أبو طبل إلى الخلف مندفع

:ا بالسياط وعاد ينهال عليه ضرب،بالصراخكيف تجـرؤ أن تقتـل األميـرة .. فالح خنزير -

شريفة التركية األصل الكريمة المحتـد سـليلة أمـان ربـي .. أمـان .. أمان.. الحسب والنسب

..أمان :صرخ علي الجرسجية هل تريدونه أن يموت قبل أن يأخذ حقـه مـن -

قبـل أن ... أشار إلى كبيـرهم .. وأنت.. العقاب ألعطيك رسالة إلى حسين تترك جرجا مر علي

..أنا أريد خصيتيه. .بك األشقر : صرخ ثانية

- ن جالد يقدر ا خنازير أغبياء من شا أطعموه جيديخصيه بالسكين .. على النار يقدر يشويه ،على تأديبه

.يخوزقه بسيخ محمي :نادى كبيرهم بغلظة

قولي حمار إذا خنزير لص حرامي صار ضعيف -.. يبه؛ كيف يقدر جالد على تأديبه وتهذ مكسور أو مات منكم

كمان أخبر أبونا وسيدنا الشيخ السنهوري أني ..فهمت حمار ا عنـد ا كي يكون سـمين وأطعمته جيد ،أمسكت له عصفورة

وليحـدث السـلطان ، فليدعو لنا بالبركة وحسن الختام ؛الذبح .. عنا

فشرع في العمل ؛صاح على رجل وقف على ميزان :حقبل أن يصعد إلى أعلى أشار إليه وهو يف.. على الفور سوف أجعلك أمثولة لبر مصر من قبلـي إلـى – ،أشار إلى كبير الجرسجية إشارة فهمها على الفور .. بحريال ساعتين كان نوتية المركب ينفذون ما أمرهم به كبير وطو

بينما اندفعت األجساد الهزيلة العارية للحمالين في ،الجرسجية وهم يحملـون جـواالت ،طابور طويل باتجاه قاع المركب

ا قاع النهر تحـت ا هابط ا رويد غاص المركب رويد .. الغاللركـب قـد قرب أذان العصر كانت نوتية الم .. ثقل الحمولة

شاهد .. انتهوا من تنفيذ مهمتهم التي كلفهم بها قائد الجرسجية ـ سـأل .. االنوتية باندهاش صاري المركب وهو يرتفع عالي

. فنهره قائد الجرسجية؛كبير النوتية إذا كان سينشر القالع

إذا كنا ذاهبين إلى القاهرة فكيف ننشر القالع يـا - ..غبي

إلـى الصـاري ا وهـو ينظـر غمغم الرجل حائر :المرفوع

لماذا رفعنا الصاري إذن؟-ا إلى عبد المحسنقال كبير الجرسجية مشير:

. سوف ننشر هذا– تدافع أربعة من الجرسجية بنشاط وفكوا قيوده مـن

دفعـوه .. نظر حوله ال يدري ما الذي ينتوون فعله .. أماكنهاا ناحية الصاري دفع ..ـ فع من األرض مخطوف ر ه ا ليجد نفسا من ذراعيه علـى قائمـة ا بمنتصف الصاري مصلوب معلق ، ثم تركوه ا بالحبال ربطوا ذراعيه وفخذيه وجسده جيد .. أفقيةارويد.. شـعر بـاأللم .. حمل على ذراعيه أخذ ثقل جسده ي

على عضالت ساعديه وكتفيه، ورأسه ال الطاغي يزداد ثقال .. ينهش جسـده ظل يكبح األلم الذي .. يجد ما يستند به عليه

ويعـودون ،أمامه كان يرى الحمالين يهبطون باطن المركب مـرة واحـدة شـاهدوه .. ال يجرؤون على رفع أعينهم إليه

عواصف .. فداهمتهم رياح ؛ا في مقدمة السفينة ا معلق مصلوب

ن رؤوسهم وهم يتلون آيات م اقشعريرة من الخوف ناءت به النـاس بوجـوههم قلة من على البر شاهدته .. القرآن الكريم

أدار رأسه بتثاقل .. السمراء المنخفضة والرعب يفتح أفواههم وقبـل أن ، ظل هكذا طويال.. إلى الضفة األخرى من النهر

ا إلى الضفة األخرى شاهد من خلف ضباب يدير رأسه عائد وكـأن ؛ من الفالحين يحملقون في صمت ا هائال الدموع حشد

قـد تجمعـت لمشـاهدة كانت جرجا .. على رؤوسهم الطير ؛ فاهتز الجمع، دوت في الفضاء صرخة ألم عالية . المصلوب

نظر إليهم نظرة أخيرة قبل أن . واغرورقت األعين بالدموع ا عليهتسقط رأسه إلى األمام مغشي ..

فـتح .. هز الفضاء صوت انفجـار عنيـف أيقظـه خلف غمام ملون كانت الشمس تهـبط فـي األفـق .. عينيه

رأى .. حدق النظر . نوا طاف به بقعتان سودا األرجواني وقد ي شـرق النهـر على كل من طابيتي المدينة الموجودتين ف

ـ .. نه الطاعون إ.. وغربه راية سوداء ثـم ،افتح عينيه رعب وتحته .. هكذا أموت قبل أن أبلغ منوف .. أغلقهما وهو يدمدم

وهم يدفعون الحمالين إلى ،شاهد الجرسجية يتحركون بجنون كانت المركب قـد قاربـت .. تحت ضربات السياط الخارج

رفع النوتية مرسى المركب دون أن يـأبهوا .. على االمتالء قائد المينـاء أسرع.. ا إلى النهر بالحمالين الذين تساقطوا قفز

:ينادي من فوق البر .. ن من المغادرةنوعو أنتم مم–

ـ فعال لوح له قائد الجرسجية فاعال ا بسـاعده قبيح .. ، ولـم تمـض نت المركب قد بدأت في التحـرك بالفعـل كا

وارتبـاك ؛ حتى ابتعدت عن الشاطئ فـي هوجـة لحظاتصرخ شـيخ بصـوت .. والرعب يأكل كل أفرادها ،وزعيق

ا كبير الجرسجيةجمهوري من الشاطئ منادي: قال كبير الجرسجية ...اسمع حديثي هذا .. يا رجل -

.بسخرية وهو يحث النوتية على اإلسراع .. أنا أسمع لك.. قل ما تشاء– سأل أسامة بن زيد ماذا سمعت من رسول اهللا في -

الطاعون رجس أرسـل "قال رسول اهللا .. الطاعون؟ فقال أو على من كان مـنكم فـإذا ،على طائفة من بني إسرائيل

وإذا وقع بأرض وأنـتم ، فال تدخلوا عليه ؛سمعتم به بأرض ".ا منهربها فال تخرجوا فرا

:صاح به قائد الجرسجية

ونحـن . فنحن إذا سمعنا به في أرض ال ندخلها – وطوال دقائق طويلة كان يشاهد الجرسـجية .. عنها راحلون

فيقفـز ؛يرمون الحمالين الذين تبقوا في المركب إلى النهـر بعضهم عائد ويسـقط الـذين ال يعرفـون ،اا إلى البر سابح

ولم تمض دقـائق حتـى غابـت ..النهرالسباحة غرقى في خيم الظالم على ضفتي النهر إال مـن .. رجا عن األنظار ج

وقد بدا بر مصر ،أضواء شاحبة قليلة تأتي متناثرة من بعيد ا إال من دوي المدافع الذي كان يأتي بانتظام من المـدن قفر

وعلى سطح المركب تجمع .. ا ظهور الطاعون معلن ،القريبة وقد انعكسـت ألسـنة ،ة حول النيران عدد صغير من النوتي

فبدوا كاألصنام التـي طواهـا ؛اللهب على وجوههم الشمعية كانوا يرفعون عيـونهم .. وتخلى الناس عن عبادتها ،الزمن

قطـع .. طـرقين ويعودون لينظروا إلى النار م .. اإليه خطف :النوتي العجوز الصمت

كما جاء الطاعون الكبيـر ، أيجيء هذا الطاعون - .. أربع سنواتمنذ

وهو ،تناهى إلى عبد المحسن صوت النوتي العجوز .يتحدث

- ا مـن لقد ظل إسماعيل بك ست سـنوات مؤيـد ال ؛ ووزيره حسـن بـك القبـودان ،السلطان العثماني نفسه

؛ هزيمته والقضاء عليه ك ومراد بك المردة يستطيع إبراهيم ب ؛ فكـان ١٧٩١حتى قضى عليه الطاعون الكبير فـي عـام

؛حصد من بر مصر خمسة آالف نفس في اليـوم الطاعون ي فدخل مراد ؛حتى مات به هو وأعوانه وأتباعه وقضى عليهم

. قاهرة دخول الفاتحينبك وإبراهيم بك ال :غمغم أحدهم

سبحانه جل شأنه الخالق الواهب الرحمن الـرحيم - .يا رب أعنا على ما ابتلينا به.. القادر على كل شيء :محسن بحزن كسيرغمغم عبد ال

لما دخل إبراهيم بك ؛لو أن إسماعيل بك لم يمت – ،شـراف ا لأل ولما أصبح السنهوري نقيب ،القاهرة

..ا للمنوفيةوال أصبح حسين األشقر سنجق جاءه صوت النوتي الذي كـان قـد جمـع ... تأوه

يرددون وراءه ال إله إال ، وهم النوتية في حلقة للذكر .. نجنا يا رسول اهللا.. أغثنا..اهللا محمد رسول اهللا

ا عليهتساءل عبد المحسن ورأسه يتهاوى مغشي:

ماذا أرى؟- كان اآلن يسبح في الظالم ال يقطع السكون سـوى

تناهـت .. دوي المدافع واألطراف السوداء لرايات الطاعون تقطعهـا صـيحات ،إليه أصوات خافتة رتيبة من على بعد

لم يكـن هنـاك ،نظر ألسفل .. خرساء وبكاء وعويل متقطع .. ال عجـوز .. ال نهـر .. مركبالأحد حول النار وال سطح

وأمامه فـي ،ا على ظهر الرياحكان يسبح في السماء منشور ومشـاعل متنـاثرة ، قلب الظلمة مفترشة األفق رأى أضواء

عندما أخـذت .. احدق مبهوت .. على اتساع جهد العين للنظر وشوارع تفـتح ،ى كالثعابين األضواء تتحدد عن دروب تتلو

، ودور تصطف كالمقـابر وقصـور تخبـو أفواهها للدروب فال يبقى منهـا سـوى ؛ها البهيجة لتذوب في الظالم أضواؤ

. يكتنفهم الموت من كل جانبأشباح تهرول لقوم

-٢- وقد خرج أهلهـا .. تحت الوباء انت القاهرة ترزح ك

وفي الدروب .. ا مؤلفة ال هم لهم سوى الطاعون والموت ألوف وخلفهـا الرجـال ،ا متراصـة كانت النعوش تتحرك صفوف

ال تحكمهم سـوى ،والنساء الشعث ال يدركون ما هم فاعلون وفي الظـالم كانـت غـالالت الضـوء .. آلية دفن الموتى

عسـكر .. الصفراء تكشف عن دوامات من الكتل البشـرية تكشف عن دوامـات بمئـات مـن ،ورجال يحفرون الحفر

ال والشباب والجواري والعبيد والعسكر المماليك مـن األطفومن بيوت األمراء والعامة كانت .. أفراد وسناجق وقليونجية

تخرج خلف النعوش بالعشرة والكتل المتراصـة ؛الجنازاتمن الناس تتزاحم في طوابير وتتقاتل على أبـواب الجوامـع

جد وفي داخل صحون المسا ،ا للمغاسل والعدد والحمالين طلب كان المصلون يصلون على النعـوش بالعشـرة ؛والمصليات .وفي الشوارع تساقط الناس موتى بالطاعون.. مرة واحدة

عن مفارق الطرقات والدروب تجمعت أعداد غفيرة من األهالي حول عدد من المشـايخ والقصـابين ممسـكين

ا في حلقة يتوسـطها ثـور قيـدت تحلقوا جميع ..بالسواطير يرددون خلـف المشـايخ ؛ في قيدين متباعدين سيقانه األربع ا لرد الطاعوناألدعية طلب: اللهم إني أسألك بأسمائك يا قوي يا مهـيمن يـا "-

يـا ذا .. يا اهللا األمان .. خلصنا من الوباء والطاعون .. قريب

يـا ذا الحجـة .. يا ذا الكرامـة الظـاهرة .. النعمة السابغة " ..يـا اهللا األمـان .. خلصنا من الوباء والطـاعون .. البالغة

.يرددها األهالي خلف المشايخيا غني .. مطعيا صمد ال ي .. يا حي ال يموت .. "-

يا اهللا ...خلصنا من الطاعون والوباء يا اهللا األمان .. رال يفتق يـا .. يا أعظم من كل عظـيم .. يا رحيم يا أقدم من كل قديم

اللهم ..ألمانيا اهللا ا .. ا من الطاعون أكرم من كل كريم خلصن أسألك بأسمائك الحسنى يا أول األولين وآخر اآلخرين يـا إنا

وخلصـنا مـن ، اعصمنا من جميع اآلفات ؛أرحم الراحمين وارفع عنا الوبـاء والـبالء برحمتـك يـا أرحـم ،البليات

اهللا على سيدنا محمد وعلى آلـه وصـحبه ، وصل الراحميناوسلم تسليم..".

؛ي تالوة سـورة اإلخـالص وقبل أن يبدأ المشايخ ف ؛يجذب الرجال الحبال التي تربط الثور في اتجاهين عكسيين

ويشرع واحد من كل جهة فـي ،فيقع على ركبتيه األماميتين ويندفع الـدم ..واحد خلف آخر .. ضرب الثور بساطور حاد وفي وسط بركة الدم يوزع على ،الغزير يتناثر على الجميع

ن من الطاعون حص حتى ي ؛اللحمالواقفين كل منهم قطعة من

حتـى أكـل النـاس ؛ والطاعون يشتد دون جدوى ،والبالءثم سقط إسماعيل بك قائم .. الحمير والكالب والقطط الضالة

فخرج في نعشه وحولـه أحفـاده ؛ا بالطاعون مقام البالد ميت ـ ؛ ومات األغا والوالي ،يدفنونه على عجل وهم يبكون ين فع

بك ثم نازع حسن بك الجداوي علي .. ا أيض منهما فماتا بدال .الدفتردار في اإلمارة

وجاء طرطري على عجل ومعه مرسوم مـن عنـد وجـه لكنه و ، للرحيل ؛ فاستعد من فوره السلطان بعزل الباشا

..اءمن األمر : هتف حسن بك الجداوي في وجهه

معـه هذا غير مناسب يقال إن الباشا أخذ مـاال - ..وهرب

:اغتاظه مب فأجا . فحاسبوه نيابة عني؛ عندكم الكتخداأبقي أنا -

:فقال له على بك الدفتردار .نت تبقى في القصر العيني للمحاسبة إ-

على -ان بك طبل الوالي واألغا يناديان وأرسل عثم ا مـن متـاع المراكب بأن كل من يحمل شيئ -الساحل والبر

مـن لنوتيـة د ا ر وط ، عليه الباشا ويرحل يستأهل ما يجري فصعد إلى القلعـة مـن ؛المراكب حتى حضر الباشا الجديد

؛لباشا المخلوع ا وعمل حساب ، وعقد ديوان المحاسبة ،فوره حضر وبيـده ؛ من الروم ولكن بشلي ،كيس ه مائتا يفطلع عل

مرسوم من السلطان يطلب محاسبة الباشا المخلوع ابتداء من الباشا المعـزول وحجزوا على ، فأرسلوا له ثانية ؛شهر توت

ونادوا علـى السـاحل مـرة ،وأخرجوا عزاله من المراكب .ثانية

أعطيت اإلمارة لتابع إسـماعيل وفي آخر الطاعون إبـراهيم بـك ، وكان أول ما واجهه ظهور "عثمان طبل " بك

فتحصـن بك ؛ فأرسل علي ومراد بك على مشارف القاهرة لبحـر من ا ا وحفر خندق ، وصالح بك تحصن بالجيزة بطرة،

... ونادى على الفالحين للحفر،إلى المتاريس دخل عمر مكـرم أفنـدي ؛١٧٩١ وفي آخر يونية

فاسـتقبله ؛ من إبراهيم بـك ومـراد بـك األسيوطي رسوال والتقى بشـيخ األزهـر ،االسنهوري وعدد من المشايخ سر

عبد الرحمن بك قد حضر مـن وأخبره أن ،الشيخ العروسي وصعد من خلف الجبل إلى قبلـي ،م عن طريق الشا األستانة

وسـألهم ، رسالة من السلطان بالعفو عن أمراء القبالي حامال ، فأخبروه بضعف األجنـاد وانكسـار شـوكتهم ؛ماذا يرون

وبلغوه برسالة إلى مراد بك وإبراهيم بـك بسـرعة القـدوم وقبـل أن .واألمراء في القاهرة على هذه الحال من الضعف

يرسلوا في طلب العسكر من كل الـبالد ف ؛يفيقوا من غفوتهم واألجناس ويحضروا اليسرجية والمماليك والمجاليب فتقـوى

.شوكتهم فتكون الطامة على العباد من أهل البالد :وقال السنهوري

– ا إن الباشا الجديد ال يعرف زيد وال ا، وال عبيـد وهـم ، وهو ليس وثيق الصلة بأي أمير ،يحمل ضغينة ألحد

.دعون للصلح والوئام سي)يخأي المشا(وفي اليوم التالي والقاهرة ال تزال مظلمة تتناثر فـي

اجتمعوا في ديوان القلعـة .أرجائها الجثث والجيفة واألوساخ وقرأ السيد عمر مكرم ،لدى الوالي الجديد محمد باشا عزت

:رسالة أمراء القبليين والصفح ،إننا في السابق طلبنا الصلح مع إخواننا "-

فأبى المرحوم إسماعيل بك ولم يطمـئن ؛عن األمور السابقة واآلن اشتقنا ، واألمور مرهونة بأوقاتها ، وكل شيء ،لطرفنا

وعزمنـا علـى ، وطالت علينا الغربـة ،إلى عيالنا وأوطاننا وبيدنا مرسوم من السلطان ،ا للصلح الحضور إلى مصر طلب

. اليـوم والماضـي ال يعـود ونحـن أوالد ،بالعفو والرضا هاكم أسيادنا المشايخ سدنة اإلسـالم ..وتقولون من يضمننا

."وعلماء الحق وحماة الدين الحنيف :التفت محمد باشا عزت إلى المشايخ

ما قولكم؟– :تقدم العروسي هز رأسه قائال

راء المصــريين إن الخــالف بيــنهم وبــين أمــ-فـإنكم تخرجـون فإذا كان األمر كذلك الموجودين هنا اآلن؛

؛ خلـف الحصـون ، وال تظلون لرجل هم رجال ونإليهم فتقاتل وإذا كان غير .. فهذا يهلك العباد ؛ب وال مغلوب حيث ال غال

فالحال على هذا ال ؛ذلك فنحن نترجى فيهم الشفاعة والصلح ؛ والواجب أن يأتي الوارد ويفرج عن الغالل واألموال ،يطاق

.فتزول الغمة وتروج الحال :دار الباشا إلى عمر مكرم وقالاست

وإرسـال المـال ، عليكم بالرجوع إلى مكـانكم – ذن لكـم إلى الدولـة بـاإل ونرسل نحن عرضحاال ،والغالل

؛ فإن األمراء الذين بمصر اآلن لم يدخلوها بسيوفهم ؛بالدخولفإذا حصـل الرضـا .. بل بأمر السلطان الذي أخرجكم منها

ـ ؛ومكم ودخولكم فال مانع من قد العالي عنكم؛ ا فـنحن جميع .. تحت األمر

* * * فتقـدم ؛عسكرت جيوش المتنازعين جنوب القـاهرة

وتمترس حسـن ،إبراهيم بك ومراد بك خيولهما إلى حلوان ومـن .. اشا عند طـرة بك الجداوي وعلي بك الدفتردار والب

ينزل مدافعه ؛ بك الدفتردار إبراهيم بك بعيد شاهد كشافو علي بنزوح إبراهيم م قائده ون على عجل يبلغ واتراجع ف ؛بالمراكب وقبل .. بك العودة إلى القاهرة ؛ فقرر علي ا إلى قبلي بك عائد

كـان صـالح وأحمـد بـك .. أن يجمع عساكره لالنسحاب ا باتجـاه طـرة المعسكران في العادلية ينبهان األرض نهب ..

والذي بوغت بهمـا ؛دخال خيمة أستاذهما حسن بك الجداوي وقبل أن يقرئه السـالم صـاح . ا في قلب خيمته واقففنهض :أحمد بك

.مون من وراء الجبل جهة العادلية القبالي يخر- : صرخ حسن بك فيهما

.أجاب أحمد بك... ماذا تقوالن- لقد شاهدنا محمد بك األلفي وعمر الجين يتحركان -

.قطم، ويعبران جبل المباتجاه سبيل عالم، وهو يصرخ ان مكانه قفز قفز حسن بك الجداوي م

:بهما .عودا إلى أماكنكما -

سم بك ومصـطفى الكاشـف يأمرهمـا ا ق ونادى .بالدعوة إلى انعقاد الديوان بالقلعة على الفور

شهد الطريق إلى القلعة تتابع الفرسان وهـي تـأتي على يمـين الباشـا ن حسن بك الجداوي جالسا كا ..مسرعة

بك الدفتري حضور تساءل علي ؛ فلما اكتمل ال بصدر الديوان :اساخط

ونحن ، لماذا دعوتم األمراء للحضور من المقدمة - .في حالة الحرب هذه

:فأجابه الجداوين عسكر القبـالي يتحـرك يا أمير لقد أخبرت بأ –

..باتجاه العادلية :ردار وقد نال به الغضب مبلغه وقف علي بك الدفت

.. ين من العادليـة مرة عائدين إلى قبلي ومرة قادم -

خبروني باهللا عليكم جن أم شياطين كي يكون القبـالي فـي ربما معهـم .. ا استطرد ساخر..ثالثة أماكن في لحظة واحدة

. أو أن مراد بك ينتعل حذاء عالء الـدين ،الشيخ أبو خطوة ا وقام يتحدث في ابتسم عثمان بك طبل وهو يمسد ذقنه ساخر

:تؤده المقطم والقـدوم مـن عود يا جماعة الخير إن ص -

وهؤالء القبليين أجناس مـن ،عنده هو مشقة ما بعدها مشقة ك فروا أمام حسن بك القبودان والمرحوم إسماعيل ب ؛الجبناء

فهم ال يأتون إال من عند حتى أسوان دونما جهد وال تجريدة؛ . والرأي عندي أن نظل حيث نكون.ناحلو

مقعده وقـد ا من فوق قام حسن بك الجداوي منتفض وصرخ في وجه عثمان بك وقالااستشاط غضب ،:

وبئس الرئاسة عندما تكون في ،بئس األمير أنت –خـذ واهللا ال أنام في داري حتى ال أؤ . غير أهلها

..ساق كالنعاج فأ؛في فراشي ومن بين الحريم :ا علي بك الدفتردار استدار محدث

عن ةكيف يعودون إلى قبلي وهم لم يتوقفوا لحظ - فهـم . وقـوة طلب القاهرة أيام كنا فـي منعـة

أو عبـر ؛ أكان هذا في طريـق طـرة قادمون فلست أطمع ؛فأنا أقوم وأحاربهم وحدي .. الجبل

وإذا انتصـرت ،في رحمتهم فإن مت لقيت ربي ؛ حتى أرسـلكم إلـى جهـنم عليهم عدت إليكم

.الحمراء غمغم علي بك .. ا فاعترضه الجميع استدار خارج :دفتردارال نحن لسنا في حاجة إلى من يـدفع فـي قلوبنـا –

.ونحن اتفقنا على محاربتهم.. الشجاعة :قاطعه عثمان طبل

قولوا لنا ماذا نفعـل وال .. أولسنا نحاربهم اآلن – ..داعي للهيجان والغضب

ا إلـى صـدر استدار حسن بك الجداوي عائـد :يع على يمين الباشا حتى صمت الجم ووقف،الديوان

عثمان الرأي عندي أن يذهب علي بك الدفتردار و - وسوف أبقى أنا وعسـكر ،بك طبل بعساكرهما إلى العادلية

.الباشا في طرة، واستطرد ا فمد يده غاضب ؛ تصاعد الصياح بالرفض

:وقد رفع صوتها إلى طرة استقبلتهم بجنودي وتحملـت إذا جاءو ف –

،سـكرت بالعادليـة فال يقول أحد أنا ع ؛عبء قتالهم وحدي ؛ أوهمنا حسن بك بقدومهم من العادلية ،وجاء البقالي من طرة

وإن جـاءوا .. وقوة ، وظل وحده على منعة فلم يصبه مكروه ..من العادلية يكون هناك من يدافع عنا ويزود

وإن كان الباشا قد رغـب هـو ، تعالى االستحسان :الاآلخر في النزول للعادلية قرب القلعة فاستطرد قائ

- ا إلظهار تأييدهم لنرسل إلى المشايخ بالخروج غد ولنرسل المنادين أمام الوالي واألغا ينادون على الرعية ،لنا

والعامة كافة بالخروج صباح الغد ليشـاهدوا المشـايخ فـي فيشاع عند الخصـوم والرعيـة أن ؛صحبة األمراء والباشا

.المشايخ معنا

من المشاعل تهبط وطوال الليل شوهدت أعداد هائلة ووسط ضوضاء شديدة وعلى طول الطريق إلـى .من القلعة

العادلية تجمعت أعداد هائلة من الجنود يجرون مدفع شركفلك الضخم الذي صنعه إسماعيل بك مع جملـة مـن المـدافع

.األصغر في جلبة هائلة ظلت حتى صباح اليوم التالي خرج المنـادون ينـادون علـى ؛وفي داخل القاهرة

فلم يجد أحد ال من الرعية وال ؛لرعية والعوام بالخروج كافة اـ من المشايخ ن الخـروج الشـيخ ، وكان أول العـازفين ع .السنهوري

قرب الضحى طرق باب قصر السـنهوري ثالثـة استقبلهم .. ودخلوا على السنهوري على عجل ،مينلثفرسان م

ا ال يدري أي طارق سوء يأتيه فـي هـذه السنهوري مبهوت وعندما كشف عثمان بـك طبـل تلميـذ .. وقات العصيبة األ

لم يتوقف ؛إسماعيل بك المصروع وقائد عساكره عن وجهه .عقله عن التفكير في المصائب القادمة

.. تفضلوا حضرة عثمان بك طبل-ا هو منفرد ؛ فتخلفا وبقي أشار عثمان بك إلى حراسيه

.بالشيخ

بـه دلف.. أنا أريدكم في شغالت سريات موالنا -أجلسـه وهـو يحدثـه .. السنهوري إلى اإليوان

:باهتمام بالغ . خير يا بك–

ضاقت عينا عثمان بك وهو يركزهما بشدة في عيني .الشيخ

: قال بصوت بارد وهو يمد له يده .ا بكتمان السرعطني عهد أ– . لك هذا يا بك-

بما سوف اال يخبر أحد فلما أقسم له الشيخ بعهد اهللا أ اقترب عثمان بك برأسه مـن رأس الشـيخ ؛ به البيك يحدثه

وتحدث بصوت خافت والسنهوري ،ا بيده وهو ال يزال ممسك .مخفض العينين ينظر ألسفل

اكفيني األمان عند إبـراهيم بـك .. موالنا الشيخ - . فإن فعلت أعطيتهم القاهرة من جهة العادلية؛ومراد بك

الشـك رفع السنهوري عينيه إلى عثمان بك يمـأله .. ا له أن يكون األمر كميناخوف

؟ أتخادعون رفاقكم؟ ولماذا يا بك-

:شعر السنهوري بيد الفارس تسحق يده.. وهل يهمكـم أمـر الجماعـة ، شيخ سنهوري –

واألمر مآله إلبـراهيم ،الجماعة على فرقة وخالف .. جميل فأنا أسلم لهم القاهرة دون إراقة دماء وقـذف ؛بك ومراد بك

خـوان ، مقابل أن أصـير مـع األ ع وشغالت فارغات مدافنأكل من خيراتهم وبقايـا .. إبراهيم بك ومراد بك المعظمان

من الشحاذة وبدال ،ونبقى في هذا البلد الجميل ، فتات مائدتهم أو مد اليد فـي أراضـي الحجـاز ،امورفي بالد الشام واأل

.. ليس مطمعي أكثر من كشوفية أو والية مديرية.الشريفة فلما انتهى جذب السنهوري يده واأللم يعصرها وهو

:ايهز رأسه موافقاعذرني كنت أخشى أن يكون .. فعلأ.. أفعل يا بك -

إلى رسل رسوال اآلن أ .. اعذرني يا رجل .. في األمر مكيدة فيأتيـك الخبـر قبـل آذان ؛إبراهيم بك على وجه السرعة

ي أن يصير قتـال أال تعلم أن المشايخ ال ترغب ف .. الظهيرةو خيـر فمن ال يرحب بما تفعله وه .. من أجل العوام والناس

.. والمشايخ والعامةللجميع أنتم وأمراء القبالي

كنـت .. شيخ حويط .. أنت سنهوري شيخ عفريت -.. تختبرنا قبل أن تقدم على خطأ يودي بك إلى هالك محتوم

.بي أحد سر غيااآلن اذهب حتى ال يحدس.. ها.. ها..هاء . كيف تعلمون إذن يا بك- أين ستصلون العصر؟- . في الجامع األزهر-

: قاطعه وهو يقوم. هنـاك نلتقـي .. اجعله في جامع السيدة عائشـة -

وانطلق ،ا على عجل وهو يعيد اللثام إلى وجهه أسرع خارج .على جواده وخلفه تابعاه

ـ عند آذان العصر جلس عثمـان بـك ط خلـف لبا فلما انتهى مال عليه مسلم ،ان يؤم الصالة السنهوري الذي ك :وهو يهمس قائال

ك األمان وكشوفية أعظم مديريات ن األميران يعطيا - .البالد وأغناها

:آخرهافتح عثمان بك طبل عينيه عن .. أي كشوفية شـيخ سـنهوري ولـك البشـارة - القليوبية؟

.جرجا.. ال-ا قام عثمان بك مبتهج.

.. هذا خير عظـيم .. لم أكن أتوقع .. لم أكن أتوقع - .واهللا هذا خير عظيم

* * * كانت الشمس في كبد السماء تلقي بحرارتها الالفحة

عبر العسكر الجبل وقد أنهكهم الحر .. على سفح جبل المقطم ـ ذ بهم اإلرهاق كل مأ الشديد وأخ ا خذ ال يجدون بالجبل مكان

القـاهرة وقرب الظهيرة شاهد المدافعون عن ،يستظلون فيه ثم مـا وقفت هنيهة، .. من الفرسان تطل من أعلى الجبل ثلة

ا قبل أن يطل حسين أغـا مر الوقت بطيئ .. لبثت أن اختفت هبطوا من الجبل بأقـدام .. األشقر يقود طليعة جيش مراد بك

نـادى علـي بـك الـدفتردار . أثقلها الجهاد والحر الالفـح :اطعه في عجلةلكن عثمان بيك طبل ق ،باالستعداد للهجوم

، على حين إذا هاجمتهم اآلن تتشاغل بهم وهم قلة - ؛ فيجيئون عـن طريـق طـرة، هم قد دبروا خدعة يكونون

فإذا كان غرضـهم ؛ورأيي أن نمتنع عن االشتباك بهم اآلن

أمـا اآلن فنقـف علـى ..حصارنا تراجعنا وكرنكنا بالقلعة .استعداد

كر القبليين وأمامه كان عسا ،وافق علي بك الدفتردار ؛ حتى اكتمل جمعهم ولم يشتبك الطرفان ؛في ازدياد متواصل

قـدوم اوإنما اتجه األشقر بجنوده باتجاه سبيل عالم منتظـر محمد بك األلفي مقدم عسكر مراد بك وأستاذه مصطفى أغـا

.إيداكش وكانـت ، كان القلق يسيطر على أوساط المـدافعين

رحين علـى األرض وسقط الجنود منط ،الخيول تدق األرض حاملين حرابهم وبنادقهم وغداراتهم وسيوفهم لحين نفخ النفير

عنـه لـدى فـا أن القلق لدى األمراء أشد عن وبدا. للحرب ثم إنها بـدأت فـي ، وكانت حلقة القلق تشتد وتشتد العسكر،

، ا أن العصر قـد أزف االنفراط لوهلة عندما قام الباشا معلن ولسان حاله يقـول إذا كانـت ولن تكون هناك حرب اليوم،

ختـار ؛ فلماذا أ حد أل غير مأهولة قادمة والنصر فيها الحربصرت ؛ فإذا خسر الجانب الذي أنا فيه اآلن ،ا عن جانب جانب

؛ وإنما أصعد إلى القلعـة .تحت رحمة إبراهيم بك ومراد بك نه اختفى اآلن أكون من غير الفريقين، ثم إ فإذا وقعت الحرب

فمـن ؛ وكان رحيل الباشا هو اإلشارة ،نعه أحد بجنوده ال يم لم يشعر .. الجبل ة حدثت جلبة يسيرة من خلف انثناءة الميسر فـإذا ؛اكان مصطفى الكاشف ينادي في جنوده سر .. بها أحد

وإذا هـم يتقـدمون بـالخطوة ،اصطفوا نهض مرة أخرى حيث قدم نفسه إلى أستاذه القديم ؛السريعة باتجاه سبيل عالم

.. بك األلفيمحمدلم يفهم أحد من معسكر المدافعين عن القاهرة مـاذا

المبـدول بـك إذا بمحمـد ، وعلى حين غرة يجري بالضبط يـه ا في نفس االتجـاه الـذي سـار ف ينفصل بأتباعه مكبكب

بك الدفتردار يتـابع صرخ علي .. مصطفى الكاشف من قبل .. قض العهد ا إياه بالخيانة ون متهم ،محمد بك المبدول بالشتائم

نـادى .. ثم توقف بغتة ،ركض علي بك بجياده في كل اتجاه على عساكره لقطع الطريق على محمد بك المبـدول لكـن ا عثمان بك طبل اندفع نحوه وهو يدعوه كي يتراجع صـارخ

.الخيانة.. إنها الخيانة.. وهو يشير إلى الميمنة ا وهو يرى قاسم بك نظر علي بك الدفتردار مشدوه

كانـت الصـحراء تـرى . ا نحو مراد بك بسبيل عالم متجهجواد عندما وقف حسن ا في اتجاه طرة، و ا ينهب الطريق نهب

، وعثمـان بـك طبـل بك الجداوي أمام علي بك الدفتردار :ااستقبله الدفتردار ساخط

-ةا وأنت بطر أتتركنا هنا أمامهم جميع!. ـ ولكنا والي لما كنت أنتم اآلن بالعادلية، ل - ا جميع

.. متجهين إلى قبلي وهم يـدخلون القـاهرة نهرب من طرة :واستطرد بحزم

نحن أبناء اليوم لنتعاهد ثالثتنـا علـى الوقـوف – نحن نتراجـع إلـى .. وال يزال األمر بيدنا ،أمامهم وصدهم

فنضرب عليهم مـن .. القاهرة ونغلق أبوابها ونكرنك بالقلعة اأعلى فنحصدهم حصد.

، الدفتردار وانبسـطت أسـاريره فاطمئن علي بك ؛وأقسم عثمان بك طبل أنه ليحارب القبالي معهـم أو وحـده

ولم ينفصل عنهم حتى . أو يلقى ربه ،حتى تأمن البالد شرهم .العشاء

وفي غالئل الظالم أشار أحد مسـاعدي الـدفتردار هو يرى ا و مشدوه الظلمة حدق علي بك في .. باتجاه الشرق

فـتح .. تتحرك باتجاه سبيل عالم ألجنادالكتلة الضخمة من ا

رسالة من حامال هشة وقبل أن ينطق جاءه أحد سناجقه فمه د ..عثمان بك طبل

: قال السنجقعثمان بك طبل يبلغك السالم ويقول لكم إذا شئتم -

.. وإن كرهتم فأرض اهللا واسعة،فاتبعوه ا عليـه شهق علي بك الدفتردار وسقط مغشـي،

ركب مع حسن بك الجداوي وصـناجقه وعندما أفاق نـادهم وخلفهم عساكرهم وأج ،وصالح بك وعلي بك

.. إلى قبليمن خلف القلعة على طريق طرةأصبحت القاهرة لمدة ساعة خالية من األجناد إال من

، وطوال الليل شوهدت المشـاعل تضـيء القـاهرة ،الباشااألزقـة والحـواري وقـد وطالئع أجناد المنتصرين تجوب

.. ا من أعمال السلب والنهبن في بيوتهم خوفاحتمى األهلووفي الصباح الباكر دخل القاهرة طابوران طـويالن

هم سار ركب طويـل مـن ف وخل ،من الدياصورات والغيالن ثم تقدم إبراهيم بك فشق ،الحمالن والجمال ظل حتى الظهيرة

،القاهرة ومعه سناجقه ومماليكه على ظهور الخيل ومترجلين ثـم .. حاملين السيوف والبنادق والغدرات ،والبسين الدروع

وسـليم ، وعلي أغـا ، وأحمد بك كالرجي ،تبعه سليمان بك فـي ؛ وقاسم بك الموسوكبي وكشافيهم وأغـواتهم ،وقائد أغا

فإنه دخل عن طريق الصـحراء ؛أما مراد بك .. عدة الحرب حيـث ؛ وصحبه عثمان بك اإلسـماعيلي ،ونزل إلى الرميلة

كان أول من نودي عليـه .. جمع المشايخ في انتظارهما كان فنزل له إبـراهيم بـك ؛ فتقدم في تؤدة؛ هو الشيخ السنهوري

أما مراد بـك فـامتنع . يده وانحنى مقبال ،عن ظهر جواده سنهوري قـد بلـغ الشـأن وكان قد علم أن ال ،لسوء صحته

إلى وعاد إبراهيم بك ..نه سلم على بقية المشايخ ثم إ . األكبر وصـعدوا ،جواده يتقدمه المشايخ ومعهم كشافيهم وأغواتهم

؛ا إلى القلعة جميع حيث أعلن لهما قائد ؛ا فوجدوا بابها مفتوح االقلعة بأن الباشا ينتظر قدومهم جميع.

-٣- تقدم الشيخ السنهوري إبراهيم بك وعدد من أتباعـه

رة ثم ما لبث أن دلف إلى حج ،ا حرملك قصره المقربين عابر فانكشف باب صـغير ؛ادفع حجر .. أشعل فيها مشعال ئةواط

وخلفه برز سرداب طويل ظلوا يسـيرون ،في أحد الجدران

حتى خرجوا فجأة فوجوا أنفسـهم فـي .. فيه لمسافة طويلة أشار السنهوري إلـى .. رة مقفرة تقع خارج سور القاهرة بمق

هبط .. ه فتقدم عدد من الرجال األشداء فقاموا على فتح ؛القبر ثم ما لبث أن ظهر وجهه ،السنهوري متجهم الوجه إلى أسفل

:هتف.. وعليه مالمح السرور .. هذه أمانتك يا بك كاملة غير منقوصة-

فهبطوا يساعدونه على ؛أشار إبراهيم بك إلى أتباعه ا وفي داخل المقبرة كان هناك سبعة عشر صـندوق .. الهبوطوطيلة الظهيرة .. هب والفضة بالجواهر والياقوت والذ مملوءا

كان إبراهيم بك يتأكد من كمال وديعته التي أودعهـا لـدى ات أمـام السنهوري قبل هروبه من القاهرة منذ سـت سـنو

نه خرج متهلل الوجه منفرج عسكر حسن باشا القبودان، ثم إ ..األسارير

: وقبل أن يصعد قال الشيخ السنهوري . الحلوان يا أمير-

لك مـا تريـد .. اك عينيه وقال منبسط فتح إبراهيم ب ..اطلب ما شئت

تراجع ال السنهوري على يد األمير يقبلها واألمير ي م :وهو يقول بتبجيل.. باحترام

التواضـع مـن .. العفو.. العفو يا سيدنا وموالنا - .شيمة أهل الكرم والجود

؟..أريد.. ووو. ود- أمرك؟- . المشهد الحسيني- .لبكري منذ زمن بعيد إنها في دار ا- ،لى االنتقام من السيد البكـري مراد بك يتوق إ إن -

..وأخاف أن يولي المشهد ألحد المشايخ غيري :ا هز إبراهيم رأسه موافق

لم يصن البكري ما أودعه مراد بـك لديـه كمـا - ..حفظتها أنت لي

ا صـدر كشر السنهوري وجهه وهو يقول مـوغر :األمير على السيد البكري

يا أمير أراد البكري أن يخطب ود حسـن باشـا -فجزاؤه جزاء خـائن .. دون أن يراعي حق األمانة ،القبودان

.العهد واألمانة

.. سيكون المشهد الحسيني لك-* * *

بعد انتهاء المصلين من صالة العشاء مـال الشـيخ االمهدي على الشيخ البكري الذي كان يصلي بجانبه هامس:

.ريدون زيارتكم بعد الصالة المشايخ ي– فقد كان يعيش أيامـه منـذ ؛يد البكري عينيه سفتح ال

:اد بك القاهرة في ذعر وقلق وترقبدخول مر . على الرحب والسعة–

فحضر الشيخ ؛وطوال الساعة كانوا يتقاطرون عليه وكان السنهوري ، والشرقاوي ، والصاوي ، واألمير ،العروسي

:مهدي الحديث قائال وبدأ الشيخ ال،آخر من جاء نعلم أنكم في كرب وغمـة نحن .. يا سيد يا بكري -

اتفق المشـايخ ؛وكي تفوت على مراد بك فرصة التنكيل بكم وأول ما ينوي أن يفعله مراد بك هو .. على أن يتكاتفوا معكم

والرأي أن تتنازل عنـه أنـت ،عزلكم عن المشهد الحسيني وقت يسير تنازل هـو فإذا مر ؛بنفسك إلى الشيخ السنهوري

وبهذا يحفظ حقكم وال يخرج المشهد ،لكم عن المشهد النفيس وكذا نفوت على األميـر .. لغيركم وأنتم أهل عز وأهل كرم

ا أن كل ما يتم االتفاق عليـه وليكن معلوم ،مراد بك انتقامه .إنما بموافقة األمير إبراهيم بك

ا عن نتهللت أسارير السيد البكري وقام من فوره معل ولم يخرج السنهوري من دار البكري إال وفي يـده ،موافقته

فلما حصل عليها واستولى على الدفاتر نكـث ؛وثيقة التنازل بل أخذ يخطط ويعـد ي؛ ولم يتنازل عن المشهد النفيس ،عهده

، والمشـهد الزينبـي ،العدة لالستيالء على المشهد الشافعي ودع فيها الخالئـق حيث ي ؛هااتوباقي األضرحة لكثرة إيراد

القرابين ؛ والفالحون من كل القرى واألنحاء ،من كل المدائن .والزوادات والنذور

ترفع ؛ فلما تم له ما أراد بموافقة األمير إبراهيم بك ،عن لبس التاج وحضور المحيا بـاألزهر ليلـة المعـراج

وحضور مجلس ورد الشاذلية الذي هـو رئيسـهم ومحـل ا بعمامة خضـراء صار يلبس قاووق وخلع العصابة و ،عزهم

عن التشبه بـالمتعممين مـن ، وامتناعا تشبها بأكابر األمراء .الفقهاء المقرئين

قبل أن يتهيأ العامة للصالة بالمسجد الحسيني سـمع المصلون ضجة وكبكبة عظيمة علـى دار مباشـر المشـهد

الذي كان من وجهـاء النـاس ؛الحسيني السيد محمد البدوي فخرج جميع المصـلين وبيـنهم كبـار . شى جانبهم الذين يخ

ا بالشـيخ وفوجئ الناس جميع .. المشايخ وتجمعوا جهة الدار السنهوري يقف وقد أحاطه العمالقة من طلبته ومن المتعممين

ا وهـم وقد حمل كل منهم نبوت ،من أشياعه في نصف دائرة :ن ويصيحون على السيد محمد البدوييصرخو

يا معتدي على أموال بيوت .. ديقيا زن .. يا كافر -اخرج أيهـا المسـتهزئ .. يا ظالم الفقراء والمحتاجين .. اهللا

.بأهل العلم والشريعة فاستقبله ؛خرج الرجل على عجل ال يدري ما األمر

.. الطلبة بالشتائم والسباب ا جرى الرجل إلـى الشـيخ السـنهوري مسـتفهم

امتضرع .. كـن السـنهوري ل.. ايحاول أن يقبل يده مستغفر سموع وهو مربـد ا وهو يستغفر اهللا بصوت م جذب يده بعيد

:الوجه غاضب السحنة ومـن ،ستغفر اهللا وأعوذ به من الشيطان الرجيم أ -

..كل نجس وسخ : وصرخ في وجه الرجل

.. أتريد أن تنجس يدي يا ابن المركوب-ا وقد ارتج سقط الرجل على ركبتيه أمام الشيخ هاتف

:رعليه األم . ما أذنبت بحق أحد يا سيدنا– حـق ن واهللا آلخذ .. وهل يعترف السارق بسرقته -

..الفقراء والغالبة ومريدي وجهه منكـ ا أشار إلى رجاله فأمسكوا بالرجل وأوقعـوه أرض

وعيناه تجوالن فـي ،فسقطت عمامته وتدحرج على األرض ا ال يدري ماذا حل به وما سـيحل وجوه القوم دهشة وفزع..

ودفعوا قدميه عاريتين ألعلى بعـد أن أوثقوهـا ،شدوا وثاقه وأمام الجمع الخفير من الناس وأمام أهله وحريمـه .. بالفلكة

انهال السنهوري على قدميه يضـربه بجريـدة ؛ورواد بيته :؛ وهو يرددمحمصة

إذا كان السيد البكري قد ترك يـدك فـي أمـوال - اعلم أن هذا العهـد قـد ف ؛االمسلمين تسرقانها وتنهباها سوي

وإن لـم ، وأن تأديبك واجب علي حتى تكف عن ذلك ،ولى ،دع يا شيخ المنصر ألخلعـن عنـك عمامتـك وجبتـك تتر

..وأضعك بالقلعة بين اللصوص والقتلة حتى تتأدب

: كان الرجل يصرخ .. بريء يا سيدنا واهللا العظيم بريء يا موالنا- :ثم ما لبث أن بكى والشيخ يصيح به واهللا ألزيدن في عذابك وعقابك .. تكذبني يا كافر -

حيث ال مفـر ؛رحمة بك من عذاب النار وجهنم .وال مهرب

، فلما انتهى من عقاب الرجل طرده من منزله وبدأ خطبـة ،ودخل يؤم المصلين بالجامع الحسيني

:الجمعة على المنبر قائالـ "- يطان بسم اهللا الرحمن الرحيم وأعوذ باهللا من الش

أما بعد فقد حكى عن أبـي .الرجيم وأستغفر اهللا وأتوب إليه مـا :"قال رسول اهللا .. ذر الغفاري رضي اهللا عنه أنه قال

من مؤمن إال وله كل يوم صحيفة جديدة فإذا طويت وفيهـا فيا أيها .. فأستغفر اهللا العظيم . "استغفار يكون بها نور يتألأل

وعليه ملكان موكالن مـن اهللا الناس ما من أحد في الدنيا إال .... تعالى يحفظانه

* * *

وظن الباقون أن ما ، كان لهذا الحدث دوي عظيم - وخبل مجنون لـن يلبـث أن ،حدث ليس إال زوبعة سلطان

لكنهم فوجئوا به في اليـوم التـالي يهـاجم ،يردعه زمالؤه تبـع المشـهد ، وأ عظماء السدنة ودورهم وصوامع غاللهـم

شهد الشافعي والزينبي والنفيسـي والجيوشـي الحسيني بالم نذور عن آخرها وهو يصرخ فأخذ صناديق ال ؛وزين العابدين

:في القوم سوف أوقف القليل الذي صادرته من الكثير لديكم -

لكسـوة ا وجزء ، منه للفقراء ا فأنذر جزء ؛على بيت المسلمين ي والباقي نرسله إلى جيش المسلمين ضريبة الجهاد ف ،الكعبة

ما هو بيـت مـال ولم يعرف أحد . حرب الكفرة المسكوب إال أنه ظل يراسل ويحاسب ويشـامخ علـى ،المسلمين هذا

وكان يكاتب فال يدفع ألرباب األقالم عوائـدهم ،أدنى شيء سب عليه منـذ عفي من كل مال ن نه أ ، ثم إ المقدرة في الدفاتر

البـدوي وبعد أن طرد السيد محمد . قدوم حسن باشا القبودان ثم ، هدمها من فوره ؛من داره واستولى عليها وأخذها لسكنه

.شرع في بنائها من جديد* * *

الفصل السادس

وأحكم ، عهد إسماعيل بك وحسن بك الجداوي قضيوفـي .. إبراهيم بك ومراد بك سلطانهما على الـبالد ثانيـة

منوف شاهد الفالحون على بك ملط يفر مع جنـوده باتجـاه ولم يمض يومان حتى دخلها سليمان البـواب كتخـدا ،الشام

ثم ،ومقدم عسكر كاشف المنوفية القديم مصطفى أغا إيداكش جاءت األميرة شريفة وابنتها فاطمة من سـجن اإلسـكندرية

وشاعت األنباء بقرب .. على مركبة مطهمة تجرها ستة جياد وتبودلـت .. اعودة مصطفى أغا إيداكش الذي قلـد سـنجق

ين أغا األشقر مملوكه في المنيـا؛ ل مصرع حسالقصص حو على أن .. ا عليه حيث أقام له أستاذه ضريح فخم وتركه باكي

اإلشاعات القوية بزواج األغا من ابنة كتخدا سليمان البـواب .قويت بشدة

مان البواب بأن يأخذ أشار الشيخ السنهوري على سلي نتهاء علي بك ملط الذي كان قد شارف على اال ألستاذه قصر

ودعـا ،من بنائه عدا األبراج العلوية لداخل القصر وأسواره

األميرة شريفة وابنتها لإلقامة في قصر السبيل الـذي كـان ا لرضوان بك والذي كان ملك ،ا لقصر علي بك ملط مواجه ..

ا علـى قـدم ومنذ الصباح الباكر شاهد الفالحون العمل قائمكبير مـن أعيـان وبعد قرابة أسبوعين خرج موكب .وساق

الشـيخ ميسـتقدمه هـا وكبـار مشـايخها وجهاؤالمديرية و نور الـدين لسيد حسن البقلي والشيخ عبد الحي السنهوري وا

حيـث وجـدوا ؛قاضي قضاة المدينة باتجاه بحر الفرعونية طـة مدفعيـة ا يتقدم أورطة تشريفة وأور سليمان البواب واقف

.على المرسي بانتظار وصول السنجق القديموقف األعيان والمشايخ يثرثرون بنوادر وفكاهـات

ومن حين ،طريفة حدثت في عهد األغا القديم كان هو بطلها غمغم .. إلى آخر كانوا يتطلعون إلى الجنوب بانتظار قدومه

:السيد حسن البقلي منسوبه وربمـا يعـوق يل في أوطى الصبر فالن – .المراكب

:قال السنهوري .ا يدفعهنه ال يجد تيار إنه يأتي على مهل أل-

عزة وافتخار العـالم نظر إليهم سليمان البواب وقال ب :وحده باألمور

أما أحماله فتأتي محملة ،ا قنجة خفيفة تي راكب أ سي - .على مراكب خلفه

قرب الظهيرة برزت من جنوب الخليج مقدمة قنجـة لمحوا فوهة المـدفع . فشخص الجميع بها بأبصارهم ؛كبيرة

تدافع الجميع نحو . المدجج بالسالح الواقف بجواره والمملوك وقبل أن يصبح على مبعدة ثالثمائة ذراع بـرزت ،المرسى

وهي تسـبح فـي ، واحدة بعد أخرى ؛ثالث مراكب ضخمة .المياه مثل أوزات سمينة

وقف السنجق على ظهر القنجـة بجسـده السـمين ؛ وقـد امـتأل وجهـه بالبشـر ،ا ذراعيه مهلال م فاتح خالض

ـ ،فتزاحموا وتدافعوا يلوحون له اف غ وقد مست بشاشـته ش .قلوبهم

؛ أشار سليمان البواب إلى قائـد أورطـة المدفعيـة .. حبة للقادم فانطلقت في الفضاء ثالثة مدافع على التوالي مر

دار حول نفسه .. إيداكش بحالة ذهول ومنذ أول طلقة أصيب :ثم ألقى نفسه على األرض وهو يصرخ ،غير مصدق

..انةخي -لى المدافع وخـالل لحظـات كـان اندفع جنوده إ

جانب القنجة قد تحول إلى ترسـانة مـن السـالح؛ ع جمع المستقبلين يلقون بأنفسهم علـى األرض ففتدا

وسقط بعضهم في الماء .. دافنين رؤوسهم في الطين وكادت أن تحدث مذبحة لوال أن ،ا الفرار سباحة طالب

لقنجة وهو يلعن فـي حسين األشقر صعد إلى ظهر ا وأمر عسكر .. سخط أالعيب سليمان البواب السخيفة

وعندما نظر إلى المرسى كـاد .. القليونجية بالتراجع وهو يرى الرؤوس والعمـائم ؛أن ينكفئ من الضحك

.قد اختلطت بالطين والوحل وتبللت اللحى.. قام إيداكش ثانية وقد عادت إليه ابتسامته الواسـعة

فشـرعت ؛ فتقـدم إيـداكش نـازال ؛مراسيألقى عسكره بال وتدافع نحوه القوم السنجقية، طلبخانة الطبول في عزف لحن سقطت دمعتان من عينـي .. يستقبلونه بالتبويس واألحضان ا أن يبقيهمـا حتـى يلحظهمـا السنهوري وهو يحاول جاهد

.. وقد فاض قلبه بجيشان العواطف لصديقه القديم،السنجق

ـ ،إلى الجميع دار األشقر ينظر ا إلـى ثم قفل راجع.. قفز إلى مركب الغالل حيث اختفى .. الجانب اآلخر للقنجة

هبط يسير على الساحل دون غرض وهو يمأل ناظريه مـن قادته قدماه دون أن يدري إلـى .. المكان الذي عاش فيه قبال

ثم توقف أمـام ،جاب بناظريه المنطقة .. مرسى القلعة القديم داهمه .. شعر وكأنها حية تنبض .. حدق بها .. ةاألبراج الثالث

وأصابه دوار وهو غير قادر على أن يرفع عينيـه ،الصداع .. عنها

ا إلـى المرسـى فأفاق عائد ؛عبر الجوار جرو يعدو وعلى الطريق الترابية الموصلة إلى منوف تحـرك ..الجديد

طابور طويل من العسكر متقدمين أستاذهم الذي ركب جواده وخلفهم سار خط طويل . تتبعه ثلة من الفرسان ،تقبليهبين مس

من العربات الخشبية أثارت دواليبها الضجيج والكركبة وهي ولـم ، تاركة سحابة ضخمة مـن الغبـار ،تصطك باألرض

فتـدافع ؛تمض الساعة حتى شاع وصول مراكـب الغـالل يصرخون ،الفقراء على طول الطريق ال يستر جلودهم شيء

. حتى قنطوا من رحمة اهللا؛حط الذي حل بهممن الجوع والق

فأصـيب األشـقر ؛ عجز الجنود عن حفظ النظـام أشار بيده فركض الفرسان بجيادهم يحرسون العامة .. بانفعال

تسـاقطت الجمـوع تحـت .. ويطلقون غداراتهم في الهواء .السنابك في هرج

تسمرت الجموع .. أشار األشقر ثانية فتوقف الفرسان لمح إيداكش آالف العيون التي .. من على بعد تحيط بالركب

وذاقت طعـم اللحـم ،أكلت أفواهها لحوم الحيوانات الضالة ار األشقر بيده ؛ فأش نادى علي األشقر وكرشه يهتز .. البشري

فحمل عشرة من الفرسان عشرة أكيـاس مـن .. إلى أعوانه والجموع ،حد الجهات أا إلى وانطلق كل منهم مسرع ،الغالل

فتدافع الجميع ؛ألقوا بالقمح على األرض ...من خلفهم تجري وعندما عاد الفرسان إلى الركب كانت هنـاك ،يتقاتلون نحوه

فع األشقر فتى قـوي العـود د.. عشرة مذابح يسيل فيها الدم ا وسطه مـن لحـاء محزم ، من الكتان ا مهلهال صيميرتدي ق د بر الجمـال كـا وعلى رأسه طاقية مصنوعة من و ،النخيل

.لفتى أن يتعثراا فـارع الطـول فوجد فارس ؛نظر بعد المحسن خلفه

، قوي الشكيمة مفتول السـاعدين ،أبيض الوجه أشقر الشعر

على وجهه ابتسـامة سـاخرة ،تجلس رأسه على رقبة ثور ومن عينيه ،ا عجوال يمتطي جواد ،لرجل ميت منذ زمن بعيد ،حسن في البداية لم يعرفه عبد الم .. انبعثت رياح ثلجية باردة

:كن األشقر لكزه ثانية بمقبض سوطهل .خضر شاربك لقد ا-

:ا صاح عبد المحسن ضاحك .. األشقر–

ه جواده ، لكن األشقر جذب عن حاول أن يندفع لعناقه وعلى وجهه ابتسامةا بصلفمتراجع ،..

:حسن بصوت منخفضم تحدث عبد ال . تغيرت– . وأنت كبرت عجل كبير-

:اتطرد وضحك مس . ولكل عجل أوان للذبح–

ا ثم ضحك واستدار مبتعد .. :عاد إليه فجأة

إيه أخبار النسوان؟-

أدار عبد المحسن ناظريه في اتجـاه الجمـوع مـن :عاد إلى األشقر ينظر في عينيه بعمق.. العرايا

.الم يترك الطاعون نسوان.. وهي فين النسوان؟؟– أن ثـم مـا لبـث .. ر لوهلة حتى فهم بوغت األشق .. وتدلى فكه األسفل كذئب يلهث،اتسعت ابتسامته الميتة

:ا منتفخ األوداجقال شامتفيه نسوان حتـى فـي .. فيه نسوان في كل أوان -

..زمن الطاعون مال بجذعه إلى أسفل وقد مألت ابتسـامة المـوت

:المشرقة كل وجهه .. منازل األثرياء واألعيان–

: وبصوت هامس ..وقصور المماليك –

وأنفاسه تلفـح وجـه عبـد .. ا وبصوت أشد همس :المحسن

.. وكذا قصور آبائنا المشايخ المباركين– :قال وهو يتحاشاه.. تراجع عبد المحسن إلى الخلف

-ل نسوانكم؟لكن أنا مالي وما.. ا عارف طبع

وعـاد بجذعـه ألعلـى ،ارفع األشقر حاجبيه مفكر تسامة غامضة وهو ينظر إلـى الجمـوع واستطرد باب .قليال

:المحتشدةأخبرهم أن يخلدوا لدورهم بعد .. هذه إذن نساؤكم –

.. فيه ناس تتحول ذئاب .. ضوء الشمس مباشرة ضحك .. ثم ضحك .. تنهش لحم البشر ليال .. هه

ابهستيريا وهو يستدير بجواده مبتعد .. والرعدة تسري فـي ،اوقف عبد المحسن مبهوت حمل أجولة .. اصطدم بأحد الحمالين فأفاق .. هأوصال

القمح من جوف المراكب ونزل بها إلـى العربـات .الواقفة أمام المرسى

جرى األشقر يشق الجمـوع المحتشـدة يضـربهم وأمامه مباشرة قفـزت امـرأة ،بالسياط يريد اللحاق بالركب

جفل الجواد وهو يشد مقوده .. وبيدها طفلة في الرابعة عشر :وعندما وقف رفع سوطه وانهال عليها ،بقوة

.. حيدي يا ملعونة عن طريقي– فين لكن المرأة بسرعة خاطفة شقت ثوب ابنتها نص

:كاشفة عن عورتها وهي تصرخ به

..اهللا يرضى عليك.. خذها لقاء أردب غلة -ه وانهال رفع سوط .. الفتاة تنظر إليه بغباء كانت

:عليها وهي تصرخ . كيلة... أردب طب نص–

نقل من المراكب إلى القلعـة فيما بعد كانت الغالل ت ، والجوعى حولها بـاآلالف ،تحت الحراسة المشددة للعسكر

فكانت ؛وكل ليلة كان العسكر يقتلون ما يزيد عن عشرة منهم وحـل ، في األرجاء ساد الوجوم .. هم تختفي قبل الصباح جثث

ـ وحدس أكثر الناس تشـاؤم ،الصمت تعد ا أن الـبعض يس وحفظـه لوقـت ،للمجاعة بتخليل اللحم البشـري وتمليحـه

.. الحاجة* * *

وقفت األميرة شريفة ؛على أعلى مكان بقصر السبيل حتى لمحـت فـي ..وابنتها فاطمة في انتظار قدوم زوجها دق .. صاحت ها هم .. األفق طابور العربات الخشبية الطويل

ست في جل. .زوجهاقلب األميرة وهي تحدق تحاول أن ترى لمحت زوجها يخطر بجثتـه .. المكان علها ترى امرأة معه

صعدت فاطمة بتثاقل إلى المكان الذي .. الضخمة على جواده

.. كان يجمعهما رجل واحد .. تالقت أعينهما .. تقف فيه أمها شعرت األميرة شـريفه بشـعور طـاغ .. توتر المكان فجأة

ــة لكــل شــيء ــو.. الســماء.. األرض.. بالملكي .. لالحق.. الرجـال .. المشايخ.. الحيوانات.. الفالحين.. المزروعات

نظرت في عينيها فلمحت فيهـا .. حتى روح ابنتها .. النساء :قالت بصوت بارد آمر.. تصاغر

.هيا نهبط.. ها هم– في أسفل القصر كان الخدم والفالحون يتزاحمون من

وطاقات صوامع الغالل وأسطح الدور وحظائر ،خلف النوافذ ..الماشية لرؤية سنجق المديرية

تنظـر إلـى ؛ تسللت بدرية من بين أرجل العامـة سـوف ؛اها هو األشقر قادم .. األميرة شريفة بحسد وغيرة

همست وهي تراه ينحنـي ..ينصبه السنجق أغا على منوف .األميرة شريفة.. أمام زوجة أستاذه

.. يا لتأدبه وحسن معشره- لكن شعور ؛ ليسـت سـوى حشـرة ا بأنهـا ا داهم

. فاستدارت غاضبة تدفع حامد عنها :زته بكوعها بقوة وعافية وهي تهتفلك

.إيه اللزقة دي.. كده ابعد عني أوعى-نزل إيـداكش مـن علـى .. جاءت اللحظة الحرجة

رفع رأسه إلى .. وخلفه سليمان البواب واألشقر ،جواده مهلال ـ ذراعيـه وهمـا ا زوجته األميرة شريفة وابنته فاطمة فاتح

نظرت شريفة .. فتقدمتا نحوه مسرعتين ؛ان في الشرفة تواقف فشـعرت بقلبهـا ؛إلى البواب وهو يبتسم بسخرية المـتمكن

ـ ؛تعتصره يد حديدية ا مـن الـبغض فنزت عصارته خليطوأثناء .. انحنت تقبل يد زوجها .. األزرق والكراهية السوداء

:قيامها رددت لنفسها .عاج إنه يستحق ذبح الن-

لكن عيناها التقت بعيني كانت تقصد سليمان البواب، وكانـت .. لماذا لم يمت في قلبي .. فكرت ..زوجها إيداكش

.. هذه المرة تعني إيداكش. .ا خلف زوجها بابتسـامته الميتـة كان األشقر واقف

،تداخل الجميع يحي كل منهم اآلخر . إليه نظرة قاسية نظرتيافة انفصلت المرأتان الصغيرة وعندما توجهوا إلى قاعة الض

، وعلى وجهها كآبة؛ نزلت فاطمة إلى دار السبيل .. والكبيرةأما األميـرة .. إنه حتى لم يرها .. ذلك أن زوجها لم يأبه بها

وقد رسمت على وجهها سـعادة ،شريفة فصعدت إلى أعلى .هزيلة مفتعلة

* * * صفت األميرة شريفة شعرها علـى طريقـة نسـاء

وضعت لها الماشطة عمامة مربوطـة بشاشـات .ةالقازوقلي وأمالتها علـى ، فجعلتها شبه الكعك ؛ملونة مسماة بالمدورات

ودلت منه خصـالت ، وعقصت شعرها األسود الفاحم ،جنبها وجعلتها تدهن جسدها بالطيب واللـبن ،على جبهتها وأذنيها

وقامت ، وكحلت لها عينيها بالكحل الدمشقي ،وعطر القرنفل وقد جمع ،ا من الحرير الهندي المقشب بالقصب قميصترتدي

أسفل نهديها بحزام من الخرز ملون تدلى طرفاه حتى فخذيها ولبسـت فوقـه حبـرة مـن ،فوق سروال من نفس القماش

. وجلست تنتظر صعود زوجها لتناول طعام العشاء،الصندل ؛فلما أذن المغرب وانتهى المصلون مـن صـالتهم

ينتظر معركة حامية الـوطيس لزواجـه ا صعد إليها متوجسا وهو يتذكر ابنه الصغير األميـر ابتسم لنفسه ساخر .. عليها .. مراد

رفة كانت تنتظره بابتسـامة واسـعة عندما دخل الغ خمن على الفور أنهـا تبغـي .. كاشفة عن نهديها الضامرين

؛ وقامت تخلع عنه ثيابـه ،حياها فردت بخير منها .. استمالته . وأظهر معالم اإلرهاق،وجهه ابتسامة السخريةفاتسعت في :قالت

. تعبتم من الطريق-–ا طويال كان سفر. .. فكنا كـالطيور مقصوصـة الجنـاح ؛ غبتم عنا -

أوالد المالعين كادوا يبيعونا ، ومثلوا بنا وعذبونا ،ا منا هزئو؛ لوال رحمة اهللا ودعاؤنا لكم بطـول افي سوق النخاسة رقيق

مدت يدها تخلع عنـه حـذاءه .. م لنا سالمين عودتكالعمر و .وأشارت إلى المائدة

أكل دون شهية وهي تلقمه الطعام بأصابعها وتسـقيه بريق ؛ فحملت له إ أنهى طعامه وقام يغتسل .. الشراب المسكر

ـ .. المياه الدافئة دون غضاضة ا بلل يديه وفمه وجلس معطي .ا ثم أراد القيام خارج،لها ظهره

:هتفت بولع أين تذهبون سيدي؟–

لكنهـا .. نحن نقوم للديوان من أجل أعمال البالد - .. قفزت بخفة الغزالن تمنعه

صفقت بيدها فدخلت الجواري حـامالت النرجيلـة ..والشراب

ردد في نفسه.. ا نظر ممتعض: .. بلهاء مهما تفعل-

:ا قاطع تفكيره صوته . تسهرون عندي الليلة يا سيدي- .ت كثيرات أعمال وشغال- . من أجل خاطري-

انادى طواشيه مستسلم: أغا وموالنا الشيخ السنهوري اذهب وأخبر سليم –

..أن لقاءنا بعد أذان العشاء فلما ؛ برق محياها وهي تلتصق به وتصب له العرق

:اعتدل مزاجه قالت بصوت عادي وابنهـا ، كيف حال ستي زليخة حرمكم المصون –

..األمير الصغير مراد

ونظـر لهـا فوجـد ، رفع حاجبيه الكثيفين دهشـة :خالص والطيبة ترتسمان على وجههااإل

.أيديكميقبلون .. بخير.. بخير- التي نقبل أقـدامكم وأقـدام مـن ابي أن رستغفر أ - .تحبون

اقال مبتهج: .أصيلة وابنة كريم.. كريمة– ورغبـاتكم عنـدي ، أنتم كل مسرتي وحياة قلبي -

.من عند ربي سبحانه وتعالىقرآن منزل . جميل هذا واهللا جميل-حباكم اهللا .. وإنما أنتم األعظمين وأبناء األكرمين -

..بابن من صلبكم وهذا نعمة لنا أجمعينـ وبصـحاف الشـراب ا، دفع إيداكش بثوبـه جانب

:، وصاح يجذب شريفة نحوهوالفاكهةم أنا واهللا نحبك .. تعالي حرمنا المحبوب .. شريفة –

ظهـري .. ادفعها بخفة وأدار لها ظهره متوجع .. ونشتاق لكم ..كبس لي ظهري حرمنا.. يوجعني

: قامت بخفة قائلة

..أفندم أمركم - نام على بطنه وهي تدلك ظهره وفخذيـه وأردافـه

.برخاوة وهو يئن ،بلطف : مالت عند رأسه وقالت بصوت لطيف

ر؟خة وسيدي مراد الصغي ومتى تحضر سيدتي زلي- ؛ فرددت سؤالها ثانية وقد عاد شكه،ا رفع رأسه مستغرب:

نبيلة المنبت .. متى تشرف منوف سيدتي كريمة المحتد - ..زليخة وسيدنا مراد

: قال وهو يحاول التحديس-ا بعد خمسة عشر يوم.

ى ما تملك مـن رنـة قالت وهي تمأل صوتها بأقص :األسى والمهانة

.. غرفتنا نفكر لو ننزل لها عن- : لمعت عيناه

ولم؟– وهذا يتسع لهم ولألميـر ، المكان الجديد للجديدات - .الصغير

:فكر برهة وتساءل

وأنت أين تذهبين؟– .نسكن الطابق السفلي ألسفل سوف -

ارفع جذعه منتصب: .ال واهللا ال يمكن.. ال– ، وأصابني الهـرم ، ال تغضب باهللا يا سيدي كبرنا -

لحين لشيء سوى خدمتكم وخدمة ابـنكم كـريم ولم نعد صا .األصل وأمه كريمة النسب

:ق وهو يرجو أن تغير ما عزمت عليهقال بصد .اأنت أمنا جميع.. ال واهللا– إن هذا يرضينا ويشـيع فـي قلوبنـا سـرورات -ا في الصباح الباكر سنقيم بالطـابق السـفلي غد.. وهناءات

.. بجوار ابنتنام الجنـاح ك فسوف نخلي ل ؛رغبتكم إذا كانت هذه - ولتنتقل كريمتنا فاطمة وزوجها األشقر إلـى قصـر ،السفلي

.دار السبيل .. نعم ما تقول حضرتكم-

.نظر إليها فوجدها تدمع . أتبكين يا أم القلب الطاهر-

.. ال لسنا نبكي-عليها يحتضـنها بسـاعديه ا وهو يميل قال ضاحك

:المترهلين وآخر من ،أرى في صباح يومي لتكوني أول من -

.أرى في مسائي :قالت والعبرات تخنقها

. ال نريد إال رضاكم– ا في هياجقام جالس:

يـا ولـد انـزل .. اسعدي.. تبسمي.. اضحكي – وأخبر أصحاب الشـأن مـن المشـايخ ،الديوان

ا واألعيان واألغوات أن البيك سوف يلقاهم غـددار إليها ثم است .. في ديوان المديرية عن الضحى

وأنا اآلن أبقى معك يا أميرة .. اوهو يرقص طرب ..قلبي

صـفقت .. مسحت دموعها وهي تضحك سعيدة ؛ فاستقبلتهن فدخلت المغنيات والراقصات والعازفات

:فرحة

. حلقـة قامـت تتوسـط ال .. أين كنتن يا جميالت – فكشـفت عـن سـاعديها ؛ا عنها عت بالحبرة بعيد دف

ثم أخذت تـرقص فـي غـنج .. وذراعيها ونهديها وفي الهزيع .. تهاوى من الطرب والخمر .. ومجون

،األخير من الليل حملته هي وجواريها إلى الفـراش وعندما أصبحت وحيدة خلعت مالبسها وهي تنظـر

برقت عيناها متوقدتين من نـار .. لنفسها في المرآة ،جلست مسهدة تنفخ من جوفهـا النيـران . الغضب

ا مرة بارتياح بعد أن مثلـت دور وهي تتنفس ألول تذكرت .. لكن راحتها لم تدم طويال ، نفسها لى ع ثقيال

.أن األشقر ينام اآلن في أحضان فاطمة بتـنقالت اح السبت بينما كان القصر مشغوال في صب

أرسل إيداكش المنادي يدعو تجار المدينة وأعيانهـا ؛واسعةبثمانية ريـاالت ا سعر األردب الذي كان قد باعه لهم محدد

ثم أحضر صالح أغا والي منوف الـذي كـان ،بخمسة فقط فعلقه في سوق المدينة من قدميه وهـو ؛ا لعلي بك ملط تابع

دون أن يدري سـبب غضـب كاشـف ،ا العفو يصرخ طالب ا ثم أحضر األشقر عصا وانهال بهـا ضـرب ،المديرية عليه

تقدم إليـه . . فلما تعب أنزله ؛على األغا العجوز أمام إيداكش ا سحنته وفح في أذنهإيداكش قالب: نحن راجل عجوز ما نمتلك الصبر ألنـه عنـد -

وأنـت راجـل عجـوز مسـتعجل .. العطارين ..الستقبال وجه ربك

: صاح العجوز متوسال ـ .. ال أفندم نحن بعد صغير – ا خمسة وستون عام

:اقال إيداكش منشرح.. فقط . هذا يكفيكم صالح أغا–

:ارجل مرتعدصرخ الفي الدنيا مسرات كثيرة فـي .. ما يكفينا .. ال أفندم -

..اآلخرة جهنم الحمراء أفندم : ضحك إيداكش

عطنـي أ.. إنا نضمن لكم جنات صـالح أغـات – .روحك أعطيك جنات صالح أغا

:ا قال الرجل ضاحك– يش إ.. فندمن حضرتكم أ كما تشاءو .. حاضر أفندم -

.فندمأتريد

وعلى وجهـه توعـد المماليـك اقترب منه إيداكش :الرهيب

تمام صالح أغا؟.. منوف باألمس فقط نحن وصلنا - . تمام أفندم-تمام .. منذ عامين واليا ون على المدينة مل وأنتم تع -

أفندم؟ . تمام أفندم– .. كل تاجر يخزن غالل .. كل واحد عنده حبة قمح -

.أفندم.. مسكرات خلف أقفال .. حضرتكم أفندم.. تمام أفندم-

وانـدفع دفع به فوق بغلة، .. األشقر فأنزله أشار إلى وفـي ، بعـد واحـد ايهاجم منازل التجار ومخازنهم واحـد

االظهيرة أعلن قائمة بتفريدة على التجار واألعيان جميع .. ألن إيداكش جعلها مضاعفة عليـه ؛ثار السيد البقلي

:وجههفي فصرخ إيداكش ؛وحده . على الروزمانة سيد بقلي؟ ألم تكن عامال-

ا فأجابه غاضب:

ملك من أجلها ولم أ لقد دفعت إلسماعيل بك كل ما - .أبق حتى أستعيد ما دفعت

... تضحك على دقني سيد بقلي أنت تدفع ضعف-لم يكـد .. وخرج البقلي من أمامه وهو يكاد يحترق

فسـمر ؛شقر يندفع خلفه البقلي يبلغ بوابة قصره حتى كان األ ثم جميع ،وحظائر ماشيته ومخازن غالله ، متاجره وحوانيته

فـدفعهم أمامـه ؛التجار الذين رفضوا الدفع متعللين بـالفقر وعلى األشجار التـي . وجمع غفير من الناس يسيرون خلفهم

نه عـاد وسـط ثم إ .. ا من آذانهم تحيط بمنوف سمرهم جميع اتهليل العامة وصياحهم طرب فشـق منـوف إلـى ؛ا وسرور

دخل عليـه الحرملـك .. قصر اليد البقلي فلم يجده بالمضيفة في إذ وجد األشقر ؛ حوله تف، ولم يستطع البقلي أن يتل اراكب

ـ .. حجرته يكاد يصعد فراشه بجواده ا جذبه وهو عـار ملقي وسحله على األرض حتى خرج به إلـى ،عليه خطاف حباله

تدفعـه الصـبية ،صه الداخلي الطريق عاري الرأس في قمي فسمره مـن أذنيـه بأحـد ؛ حتى بلغ سور منوف ؛واألطفالـ ؛األشجار ا حتـى فظل على هذا الوضع وهو يصرخ متألم

وكان المغرب قد أذن عندما حضر األشـقر .غابت الشمس

بصحبة الشيخ السنهوري الذي أخذ له من إيـداكش السـماح .والعفو

-٣- قر بقدميه بـاب مخدعـه في الهزيع األخير دفع األش

لـم يـر .. جلس على الفراش يخلع ثيابه . بقصر دار السبيل زوجته األميرة فاطمة وهي تتمدد كتلة صغيرة لم تتعد أربعة

تسـمر وهـو ..نهضت فزعة من نومها القلق .. اعشر عام ـ .. حاول التذكر ...هاهيرى وج ا تحرك نحوها يغنـي طرب

لضخم ابتسامة ماجنة وعلى ركن فكه الذئبي ا،ا فمهفاتح. رفـع غطـاء .. من أنت أيها الشيطان المـؤمن -

. وانحنى وهو ال يتمالك نفسه،رأسه : قال بصوت ثمل

..إذا كنت قد أتيت لتأخذ روحي فهي ليست معي – :ا واستطرد هامس، ضحك وأشار بيده نحو النافذة لن .. هي.. هيء.. أخذها آخرون من زمن بعيد –

اذهب إلى الـذين .. )اصطنع الجد (. .تجد لديك عمال .ا لم أجد لديه روح؛أرسلوك وأخبرهم

. وجودهاكمل خلع مالبسه وكأنه نسيواستدار يعندما عاد يتمدد في فراشه وجدها ال تزال جالسـة

..عليه لم تغادرها فيها وقد أضاف إلى ابتسـامته الماجنـة قال محدق

هاد ذهنه في حل لة إلج وأطلت من عينيه محاو ،دهشة الموتى :هذا المعضل

هل تريد أن تشـاركني الفـراش أيهـا الجنـي -لم يحـدث هـذا .. اأضاف مفكر .. أي ورطة هذه .. اللطيف

ن كلقد عاشر المماليك كل كائنات األرض ل .. لمملوك من قبل علي أن استفسر األمـر لـدى .. اا منهم لم يعاشر شيطان أحد

نيـة مـاذا كـان فكـر ثا .. وحده يعرف .. جينعمر بك ال ا عندما تواجهك معضـالت فكـر مـاذا قال دائم .. سيجيبك

..سأجيبك لو سألتني.. هره وجنبيـه انقلب على ظ .. أخذ يضحك بمجون

:واستدار يحدث زوجته ..لماذا ال نتعاشر إذن.. نا نحن شيطان-

، وأدار لها أشاح بكلتا يديه في وجهها .. بغتة توقف :ظهره وهو يغمغم

.ا اآلنلست مستعد.. ابتعدي عني.. اهي.. هيا- هل أنت ثمل -–ا استدار لها مستغرب. .. ال.. أنا.. هه- . أنت ال تعرفني– ؟ من تكوني إذن- . زوجتك– .. هذان زوجتي؟؟ بالطبع ستقولي-

:اتراجع متذكر.. قامت تضيء النور .لقد كبرت.. أهو أنت– .تذكرتني إذن -لقى بنفسه على حشايا بأرض أ.. أخفتنيأووه لقد –

، فقامت مبتعـدة عنـه ؛ وغط في النوم ،الغرفة ..ولكنها فجأة تعثرت

ا صاح متعثر: ماذا تفعلين؟ –

: قالت بصعوبة :ا سألها مندهش أخلع مالبسي؟–

؟لماذا - لم تستطع أن تجد رداا مناسب:

. كما تفعل الزوجاتخلعها وكفى؛ أ– كانـت تنتظـر هـذه . شل صمتت وكأن لسانها قد

ـ ا فيهمـا اللحظة كل يوم خالل العامين اللذين تركها هارب ..فلمـا . وعندما اقتربت هذه اللحظة امتألت بالخوف والتـوتر

خلعت عنها كل مالبسها نظرت إليها حائرة غير قادرة على سوف .. وهي تفكر في أمها ؛كان يغط في نوم عميق . النطق

.. مسـتجمعة كـل شـجاعتها هتفت.. تأخذه متى فشلت معه ـ لقامت تمثل المشهد الوحيد الـذي تع .. اآلن.. اآلن مـن هم

مثل األبقار والخيـول وإنـاث ةركعت على أربع .. الجنس :، ثم نادت عليه بصوت أصمالكالب

ألن تعاشرني؟– :م الفهمقام يلتفت إليها وقد استغلقت عليه معال

؟ جننت هل– ..دافهالم تجبه إال بهزة يسيرة من أر

ضـحك ،ا لغرابة أطـوار األنثـى هز رأسه متعجب :ة قصيرة واستند بجذعه على الجدارضحك

أهي أمك؟.. من علمك هذا- قالت وهي تلتفـت إليـه .. ضبا بغ هزت رأسها نفي

:برأسها . رأيت– ؟..هه.. ماذا رأيت- .يعتلي بقرة ثور - ..ها -

.. باشـرة وساعديه قبالتها م ، على ركبتيه يقعي قام :بصوت متواطئ واستطرد ،مسح منخاريه في أنفها

.تها الشريرة الصغيرة وماذا رأيت أيضا أي- :قالت وقد داخلها قليل من األمان

ــول– واألوز ، والمــاعز، رأيــت معاشــرة الخي . والحمير،والدواجن

تسـامة لى الوراء وقد عادت إليـه اب ا إ ضحك مبتعد :الموت الماجنة

..ر المماليك ال نلد ولكننا معش- : عاد إليها ثانية

.هوه ه ه.. نحن نبيض-

؟ هل رأيت معاشرة البغال- :؛ فأعاد سؤاله هزت رأسها باإليجاب

هل رأيت معاشرة البغال؟ - . نعم–

ويسـرة يمنـة قام يضحك بجنون وهو يهز رأسـه امردد:

أيتها الكاذبة والشـريرة .. أيتها الكاذبة الصغيرة – .الصغيرة

:إليه بتوجس وهو يعود إليها ثانيةنظرت - ا يعاشـر ناقـة هل رأيت أسد .. عاشـر ا ي ضـبع

يأخذها في أحضانه ويمسـدها ويضـمها ويضـع .. حمامة .منقارها الصغير الوديع بين أنيابه

قالت دون أن تعدل من وضعها وقد بان في صـوتها :خيبة األمل .. ماذا تقول–

داعـرة يطـل قال بصوت هادئ ضاحك كمربيـة :مجون من عيونها تشرح لطفل ما يخفى عليهال

-ا ذو قرنين أقول لك ذكر ذئب يعاشر ثور ..

:قالت في خوف كيف؟-

وابتسـامة المـوت ،ا يديـه وقف على ركبتيه فاتح بؤي عينيه إلى ، وقد ضم بؤ ا على وجهه الماجنة تزداد إشراق

: قال بجديه يشوبها خلل عقلي..الداخل .. ي نحن موت-

:أشار بيده إلى صدرهإذا خلعت جلدي وجدتي جثة ماتت منذ .. أنا ميت -

.خمسمائة عاما نفسه فـي وهم يغمغم محدث ،ا عنها ا مبتعد قام واقف

:مواجهة له وقد فقد التناسق البدنيالمرآة ال وهذه الجلود وهبت .. ا موتى نحن جميع .. أنا ميت -

استطاعت أن تؤسس منـذ لنا مع سيف الخالفة الجارية التي أول مملكـة .. للعبيـد .. مملكة للرقيـق لخمسمائة عام أو

ا وهو يهرش رأسه ينظر إلـى ردفيهـا كشر مفكر .. للموتىأنـا .. ا ميتـة وهي أيض .. أشار إليها .. العاريتين في المرآة

إيداكش وسليمان البواب واألميـرة وعثمـان .. وهي وأمها مجـرد .. ميرين الكبيـرين التنبرجي واأللفي والسناري واأل

نحبنا في جوف لقد قضي .. يحكمون مملكة من الموتى موتى وعندما أنزلونـا فـي ،مراكب العبيد وسط القذارة واألوساخ

وألبسوا ، نزعوا عنا جلودنا القديمة ؛المواني وعبرنا المكوس وهذا قائـد ، فهذا طواشي وذلك قليونجي ا؛ جديد ا منا جلد كال.. مينا أسـامي غريبـة وس ، وذاك طبلخانة ، وذاك أمير ،ألف

..مماليك.. مماليكت إليه وهو قرينه الواقف في المرآة ينص ا قال محدث

:يرفع يده إلى الفضاء.. افكـر مشـدوه .. يجب أن تكون لي مملكتـي -

سـهول مغطـاة .. هضاب مغطاة بالجليـد .. سفوح.. جبالـ .. بالعشب ترعى فوقها قطعان الماشية واألغنام .. و أردت ل

ا فـي القـالع والسـهوب الدوار محـدق هقد عاود واستطرد :جبال التي ظهرت ضبابية في المرآةوالوديان وقمم ال

..أبراج.. أبراج.. أبراج-الفضاء يحمي رأسـه مـن نـدف الـثلج في لوح

قـارس الـذي يـداهم ا جسده من البـرد ال ضام ،المتساقطة :السهوب الجليدية

مـات .. ى كسليمان الحكـيم نحن موت ن هل تعرفي -كتشف موته إال بعد أن نخـر لم ي .. لعام.. ا على عصاه واقف

، نحبنا منذ مئات السـنين ضينحن متنا وق ....السوس عصاه مثال السـنهوري هـم أ و،وسيف الخالفة يتدلى من خصورنا

نحترمها نقـدم .. لهذا نبجل عصينا .. العصا التي تخفي موتنا ألننا أشـباح ؛ وعصينا ترهبنا ،تبجيللها فروض االحترام وال

أشـباح شـياطين .. شيطانية باغية مدمرة تعصف بكل شيء ابات المكوسمت لنا عند بولتحيا تحت الجلود التي س..

قـال .. راشيف جلده مد قرينه يديه نحوه يتحسس ح رأسه يتحـول واألشقر يحدق قي قرينه يرى ،بصوت مبهور

:إلى رأس إيليا الصغير .. مسحور جلد -

حدق فـي .. وفي المرآة سبح وجه زوركا الصغيرة ا عن وكأنه يحدق في الفراغ بحث ،المرآه يتابع وجهها الشمعي

بالبكـاء رصرخ األشـقر يجـأ .. ع منذ زمن بعيد اشيء ض :ا على األرضساقط

..خذوه.. حتاجه قال إني أمن -

ا تسلل قرينه مـن سقط وحده على األرض باكيتسلل نحـوه يـتلمس .. ا فاصل الزمن قالمرآه مختر

. يشعر ببكائهه دون أن ينم عنه أن،حراشيفه بـين نهـديها رأسـه قامت إليه فاطمـة تأخـذ :قالت..مد قرينه يده يمسد شعرها.الصغيرين .. يا حبيبي تعالى–

جذبها برفـق فانصـاعت منسـحبة .. فجاءها إيليا ا مغشـي تاركة األشقر يسقط علـى األرض ،كطيف مالئكي

.. ويشعر بها ثقيلة ساخنة ،بعد لحظات قام يهز رأسه .. عليهرأى .. وجدها ممتلئة بالضباب .. نظر إلى المرآة كالمسحور وشـعرها ، تأخذه الزرقة الداكنة ،وجه زوركا الشمعي يمتقع

ـ ،يتساقط ا وراءه ثم ما لبث أن ذاب جلـدها األسـود مخلف . تتالشى في الضبابجمجمة

:ردد مذهوال معاشرة الموتى؟ هل رأيت-

:قالت فاطمة في حزن . أنا زوجتك–

:استدار لها

.. أنت ال تعرفين– :ه يحدث طفلة في الرابعة من عمرها واستطرد وكأن

ام لكننا ال نسـتطيع أن نلـد طفـال؛ نعبث مائة ع -نجذبهم إلى آبار .. همنمتص دماء .. فالنستطيع أن نأكل األط

.. وإذا أصررت..الطواحينالسواقي وأحجار ا قبل أن تعود إليه ابتسامة الموت الماجنة فكر كثير

:المتجهمة القرفصـاء نقعي؛ ليس أمامنا سوى طريقة واحدة -

..نق.. نق.. نق.. نق.. نصيحا ألن الموت عاد إلى وجهه ثانية كان فرح:

سار .. فابحثي عنها حيث الموت ؛ إذا أردت الحياة - والضباع تتبعها ، وهي خلفه منومة، بر كالمسحور باتجاه المقا

.صامتة تتشمم األرجاء عن كثبمـد يـده إليهـا .. وفي وسطها وقف .. دخال مقبرة

مـرغ كـل منهمـا .. فجاءته وعلى وجهها ابتسامة ؛يضمها وتصاعد ، وهي تسحق نهديها على صدره ،وجهه في األخر

، القريبة انصفقت األبواب .. في داخلها رحيق النشوة الساخنة

وبدأت األرض الطينية تهتز وتتحرك ،واندفع تيار بارد شديد ..ا مرير والرياح تعوي عواء،تحت قدميها

فـي دوى.. الضباع تقف بينهما في إخـاء اندفعت شيطاني وبكاء ممطوط لطفل صـغير فضاء المقبرة عواء .. . صوت حاد يناديهاوصمت إال من.. توقف كل شيء فجأة :خوف قالت دون

أين أنـت؟؟ هـل رحلـت؟؟ .. أين أنت يا سيدي - .. لكنها انتفضت برعب،وتطلعت إلى مدخل المقبرة

:صاحت من تكون؟–

ا في منتصـف أجابها غالم جميل الطلعة يقف عاري .ا بالبهجة وقد أضيء جسده كله بنور سحري مشع،المقبرة

. إيليا بتروفيتش- ي جاء بك إلى هنا؟ ما الذ- .. هو أنا–

ـ .. نظرت حولها كالتائهة ا كـان كـل شـيء مغلق .. ا على الفهممستوحش

:قالت وفي صوتها رنة الوحشة

..تعال.. أنت هو- كـان .. تقدمت نحوه وأخذته بين ذراعيهـا بنشـوة

.. فـي نشـوة عارمـة .. اقتربت شفتيها تلثمه ..ا كولد ساخنساك حاولت اإلم .. وبنشوتها تهرب ،شعرت بسخونته تتالشى

ا متعلق بقي.. دهمها الزمهرير .. ابها لكن البرودة حلت سريع وأمامها سقطت رأسـه ،وهو يصير جثة هامدة بين ذراعيها

تجهمت ببرود ؛جمجمة عظيمة تطل منها حفرتين من الظالم وسـقطت ،داهمها برود الموت لحظات .. ومالت عليها تقبلها

تجـاوب على أرض المقبرة جثتان وفي الفضاء الخـارجي ..عواء الضباع وأبناء آوى مع صرير الرياح

، عندما أفاقت كانت على فراشـها بـدار السـبيل وفي المرآة كانت تطل ،وبجوارها كان األشقر يغط في نومه

.عليها ثالثة وجوه للموت

-٣- أمضت األميرة شريفة بحجرتها في الطابق السـفلي

فسها تأكل في وحيدة تدور حول ن ، متواصلة وليال سبعة أيام وعندما أفرغت المراكب حمولتها . قماش أثوابها والغل يأكلها

علن في منوف أن كاشف المديرية مصطفى أغـا إيـداكش أسيقوم وزوجته بزيارة مشهد السيد أحمد البدوي لتقديم النذور

،اا بنصرته وعودته إلى منوف سالم عرفان ؛وإعطاء البشارة وخاصة بعد أن أعطاه اهللا ولد وهو في هذه أعجوبـة ؛اا ذكر

.وأمثولة العصر واألوان وقبل أفول شمس النهار كانت القنجة تغادر مرسـى

؛ودعها األعيان حتى غابت عن األنظار .. منوف إلى الشمال وفي ظالم الليل انعطفت القنجة عائدة تبغـي . فرحلوا عائدين

..القاهرة كان إيداكش قد خرج مع زوجتـه يريـد اسـتعادة

مكانها سوى األميـرة شـريفة نوزه وأمواله التي ال يعرف كوتحت مقـام شـيخ مجهـول أودع . حسين األشقر ومملوكه

. وبهذا أمن شر األشقر؛إيداكش كنوزه ثانية فلما انتهى شعر باالطمئنان يعود إليه ألول مرة منذ

غادر منوف سابح وشرع في .. ا من أمام علي بك ملط ا هرب .لزيارة المشهد البدوي كما أشاعالعودة إلى طنطا

لم يـر ؛عندما عبر القاهرة في صحبة ثلة من جنوده وقـرب . الخيول التي تتابعه على البر الشرقي للنهر عن بعد

هبط إليـه . ا للطعام وقضاء الحاجة قليوب رست القنجة طلب :صاح أحدهم.. العربانبعض

هل هذه قافلة مصطفى بك إيداكش؟- . نعم-

:ابيعرقال األ الشيخ حبيب الجهمـي يعـرض عليـه أشـياء –

فـإذا أراد أن يشـتري فبـرخص ؛ومنهوبات قافلة الحجاج ..التراب

لـم .. دق قلب األميرة شريفة وظهر عليها القلـق ألن ؛يخطر ببال إيداكش كيف علموا بوجوده فـي قليـوب

االحديث عن المنهوبات جعل وجهه يتهلل فرح .. ام نادى إيداكش على الشـيخ صعد خلفهم وقرب الخي

.. فأشاروا عليه أن يذهب إلى خيمـة بعيـدة ؛حبيب الجهمي ا،دلف الخيمة فلم يجد أحد ا بعشرة ولوهلة وجد نفسه محاصر

ضربه أحـدهم .. أمسكوا به وكتفوه .. من األعراب الملثمين وعلى ،ا الوعي فسقط على األرض فاقد ؛بنبوت على أم رأسه :صاحت. ريفةرأسه وقفت األميرة ش

حملوه في قنجـة .. أريده جثة هامدة ال روح فيها -ظلوا يجدفون حتى بلغوا منتصـف .. صعدت معه .. صغيرةأفاق وهـم .. وقبل أن يستعيد وعيه شدوا وثاق قدميه ،النيل

ا النجدة وهـو ال صرخ طالب .. يحملونه ويلقون به إلى النهر ،عندما صعد و ،غاص في المياه .. يدري حتى لماذا هو كذلك

وجه األميرة شـريفة ؛بالنبوت شاهد أحدهم وقبل أن يضربه .يحدق فيه بتشفي

أنا شريفة .. حتى ال تتزوج علي يا إيداكش الكلب - ..سليلة النسب الشريف

غاص إلى .. بصقت في وجهه والنبابيت تنهال عليه ؛ ثم صعد يفهق ،ا دوامة مختلطة بالدماء أسفل صانع رب فض

رب ثانية وثالثـة حتـى امتأل صدره بالمياه فض وقد.. ثانية .. غاب عن األنظار

أخرجت األميرة خمسة ؛عندما عاد القارب إلى البر واثنـين إلـى ، منها إلى شـيخهم ة فألقت بثالث ؛أكياس ذهبية

دفعت بها إلى منتصـف .. وعادت ثانية إلى القنجة .. الدليلتـى وجعلت تصـرخ ح ،شقت ثوبها ونكشت شعرها .. النهر

فحملتها علـى ؛عثرت بها أحد المراكب القادمة من الصعيد

،قنجة مجهولة هـاجمتهم أن حيث أعلنت حالتها إلى منوف؛ بينما كان إيداكش يهبط إلى مصر الستقبال امرأتـه الثانيـة

هاجمهم العربان م؛ا منه فلما وصلوا إلى الشاطئ هرب ؛وابنها ..سنجق المنوفيـة وقتلوا كل من في القنجة بما فيهم إيداكش

. فقد اختبأت في باطن القنجة فلم يرها أحد؛أما هي

الفصل السابع

سمعوا حركة ؛اأثناء ذهاب الفالحين إلى حقولهم فجر ؛كثيرة وزعجة عظيمة تأتي من ناحيـة قصـر السـنهوري

..فجدوا السير تجاه الجمع يحدوهم حب االستطالعمنتسـبين فوجئوا بعشرات من الطالب المتعممين ال

إلى مجاورين المنايفة يجتمعون على الفالحين يخطفون منهم خلفهـا نها عنـوة و و ويسـوق ،حميرهم وبهائمهم وجمـالهم ن والحجارة والمالط من مرسى أصحابها لحمل التراب والمؤ

يدفعون بعدد من ؛ إلى الجهة البحرية للقصر ةخليج الفرعوني الـدور الفالحين المقبوض عليهم للعمل سـخرة فـي هـدم

وهـم ؛ واقتالع بساتين كادت ثمارهـا أن تنضـج ةالمجاور :يصيحون . بركة من سيدنا وموالنا وتبرك من الطاهرين–

: فصاح الفالحون . وحقولنا–

. رد عليهم شيخ عمالق في األربعين

اعمل يا مؤمن بمقدار يوم يبارك اهللا فـي حقلـك - .مقدار عشرة أيام

الحات منوف يعملـون وقرب الظهيرة كان فالحو وف وفي اليـوم التـالي ،بالسخرة في توسعات قصر السنهوري

خـذت منهـا البغـال وأ ،هوجمت دور األعيان واألثريـاء وطوال الليل كان الطالب المنتسبون ينتشرون في .والجمال

فيتصـنتون ؛ا عن المواشي التي خبأها أصحابها المدينة بحث ا سمعوا حركة بالداخل فإذ ؛على أبواب الحظائر ومن فتحاتها

؛ بالـداخل ة أو الجحش ةنهق أحدهم مثل الحمار فتردد الحمار :ن األبواب ويكسرونها وهم يصيحونفيدقو

موالنا خير الدين شوكت كبير كتاب السلطنة قادم - وقد أقسم سيدنا الشيخ السـنهوري بـأن ،على ضيافة موالنا

. في قصر جديدا وينزله،يدخل منوف من باب جديدةبعد أيام قليلة الحظ الفالحون أن الطالب المتعممـين

وتفرقوا على نـواحي ،ا يرأس كل منها شيخ قد انقسموا فرق ويتحسسون األخبار عـن أمـاكن ،المدينة يأمرون وينهون

ا يبنـي فإذا بلغهم نبأ بأن شخص ؛المؤن والعدد وأحجار البناء

ـ هجموا مجتمعين فينهبـون ؛ا أو سقيفة أو حظيرة دار دد الع :والمؤن واألحجار وهم يصرخون

لبركة موالنا الشيخ المبجل والشريف المعظم أبي – .األنوار السنهوري

وعندما حاول المعلم قسطندي أن يستجديهم العذر كان جزاؤه علقة سـاخنة ؛لحين االنتهاء مما في يده

وهو يصـرخ فـي ؛قام على أثرها إلى والي المدينة :الطرقات قائال

أنا أعرفه بحـق المسـيح .. هذا سليمان البواب – . ما في غيره يأخذ حقي؛وسيدنا محمد

وعندما شرح المعلم قسطندي للوالي األمـر كـامال أليمان أنه كان ينوي السير معهم؛ ا أغلظ ا غير منقوص حالف

إال بعد أن انتهى من جـذب نفـس لم يرفع فمه من النرجيلة :من صياحهوكان قسطندي قد انتهى .. طويل

.. العدل.. العدل يا أفندينا– :أدار سليمان البواب وجهه قائال

..اصنع بشيخ عظيم ضرب نصرانيما تريد أن ت –

عاد ثانية يجذب أنفاس النرجيلة وهو يدير رأسـه ا عنه بعيد .. وخـارج .. اقام المعلم قسطندي مقهـور

نه عزم على السير إلى ، ثم إ اقصر األغا توقف كثير ويقوم على العمل ،قصر الشيخ السنهوري يسترضيه

.المطلوب منهـ اعتلى عبد المحسن سقف دارهم ينظر عج ا إلـى ب

نظر إلى مقام .. الفالحين وهم يعملون تحت سياط المجاورين . سيدي الغضبان المجاور لقصر السنهوري والذهول يمـأله

رة لعت واجهته المقامة على عش ا بعد أن خ كان قد صار عاري ا وزاويـة وجـدار ، باكيـة ةأعمدة من الرخام وإحدى عشر

وقد كانت نقوشها غاية في الجمـال ، من الجرانيت امصنوع وأدخلت الواجهة فـي واجهـة المضـيفة ،والبروز واإلتقان

.. الجديدة التي أصبحت تشرف على البستان الكبيرـ ر إلـى وطوال األيام التالية كان عبد المحسن ينظ

ن يقيمون بوابة ضخمة مقامة علـى رى البنائي الغرب وهو ي ا وكأن يـد ، وبانقباض شديد ،أعمدة من الرخام بسور القصر

الدور -والسخط يعقد لسانه - أخذ يشاهد ؛حديدية تعصر قلبه وتحـت سـياط ،تختفي واحدة بعد األخرى بأيدي الفالحين

ليحل محلها طريق مستقيم يصل بين بوابة القصر ؛المتعممينودارهم تقـع فـي .. اا ومرسى الفرعونية شرق ة غرب الجديد

وذات صباح سمع آالت التنقيب تقتلع جدار .. المسافة بينهما قاموا كالمجانين يجمعون ما .. القاعة التي تنام فيها أمه وأخته

كـان .. ويضعونه خلف الجـدار دون جـدوى ،يمكن جمعه ـ المجاورون خلفهم كسيل عارم يدفع أمامـه سـد اا متهاوي

اندفع المجاورون داخل الدار كالمجانين يصرخون .. اصغير وعنـدما شـاهدوا ،وينهالون عليهم بالسباب واللوم والتقريع

محاوالت األسرة إلنقاذ نفسها جن جنونهم وهم يأخذون عليهم ا يدفعونـه أخذوه من بقايا داره عاري .. جرأتهم في مقاومتهم

به ساحة السوق في حتى بلغوا ؛بقبضاتهم ويركلونه بأقدامهم حيث قـام ؛أوثق بالعروسة ، وفي ساحة السوق زفة عظيمة

ن ، وشرع آخر بجلده ثالثـي فظاظةبأحدهم بحلق شعر رأسه نعتا من إنقاذ حاجاتهم القليلـة بينما أمه وأخته اللتان م ،جلدة

ل أخذوه نزفلما أ . البائسة تبكيان حوله طوال يوم كامل وليلة وطوال الليل كانت الذئاب ،ن العراء إلى مكان خرب مفترشي

فـي .. تعوي حولهم ال ينقذهم منها سوى النـار المشـتعلة

وشرعوا يبنـون ،الصباح جمع كل منهم كومة من األحجار .ا من الطين واألحجارا صغيرعش

* * * أشرقت الشمس وعبد المحسن ممدد على حزمة مـن

ك القش يتابع من خصائص البوص أشعة الشمس وهي تتحر وحوله أخوته وأمه يطيبونـه باألعشـاب والمـراهم ،ببطء

..والشفقة خلعت منـديل رأسـها .. بقيت أمه تولول بهستيريا

وتدعو اهللا أن يصب نقمته على ،المهلهل وهي تصب لعناتها ثم راحت في بكاء وعويل طويل ،الشيخ السنهوري وعصابته

بعـد .. تطل من عينيه نظرات الالمباالة ؛يريموهو ساكن ال خرج ال يـدري .. الدنيا كلها عرض الحائط با أيام قام ضارب

ظـل .. هبط إلى السوق .. ماذا يريد وال أين ستكون وجهته التهمها .. مد يده يسرق حبة البطاطس .. يتسكع حتى الظهيرة

نيئة أمام أحد المقاهي وهو يتابع بعينيه األعيان وهم يرفلون .تهم نسائهمفي رياشهم الفاخرة في السوق وبصحب

فـي رجـل ربعـة .. لفالحين األثريـاء شاهد أحد ا يبدو أنه شيخ أحد القـرى أو النجـوع ؛الخمسين من عمره

.. بيع البـذور ؛ كانا يقفان أمام حانوت ل القريبة وخلفه زوجته شاهد المعدن األصفر وهو ينتقل من يد التاجر .. أخرج كيسه قوة قـاهرة وعندما رحال تسلل بفعل .. فارتجف ؛ليد الرجل وامرأته ، في أنحاء السوق يبيع ويشتري ثريدار ال .. يتبعهما

وتعود له ثانية وخلفهمـا كـان ،تتركه إلى حوانيت العطارة .عبد المحسن يسير بتكاسل في الظهيرة

رأى الرجل يرحب بثالثـة مـن األعيـان فخفـق قـرر أن ...به ابتهاج وارتياح اتنفس الصعداء وأص .. صدره

؛ ويسير مع زوجته ، ولكنه رآه يودع أصدقاءه ،ايرحل مبتعد .ه خلفهما ثانيةنفوجد قدميه تسوقا

قبل أذان العصر خرج الرجل من السوق على بغلته ل البغل والحمـار بـثالث م وقد ح ،وخلفه زوجته على أتان

عبرا أسوار المدينة .. زكائب مملوءة بما اشتراه طوال اليوم خمن عبـد المحسـن أن . الغربإلى البراري القاحلة باتجاه وبعد مسيرة نصف ..ظل يتابعه .. الرجل من طمالي القريبة

وعندما بلغه الرجل قفـز ،اساعة عبره عبد المحسن مسرع أخذ يكتم أنفاسـه ؛ من البوص كمة أ نحوه يلقيه أرضا، وعند انهال عليه عبد المحسن كالمجنون .. سقط الرجل على الفور

سمع المـرأة .. عبد المحسن حوله استدار. ..بعشرين طعنة ،جرى خلفها وهو يلهـث .. تصرخ فوق أتانها طالبة النجدة

فتضـرب ؛ في رعـب -يقترب منها وهو -وهي تنظر إليه ؛ حتى لحقهـا ودفعهـا ؛بطن أتانها بركابها في قوة وخوف

ا بعنقهـا سقط فوقها ممسـك .. فسقطت على األرض تتدحرج .. لى لسانها ميتةظل يضغط ويضغط حتى تد.. بين يديه

ا إلى زوجهـا فقلـب فـي عاد مسرع .. سلبها ذهبها وعشـر بنـدقيات ،ا بالـدراهم فوجده مليئ ؛صديريته وكيسه

، ثم عاد ثانية فخلع عنه ا وقام يجري فتش الرجل جيد .. ذهبية وغـذ ا إلى الجنوب اندفع صاعد .. صديريته وبلغته مالبسه و

. قف عند أرض السدود تو ؛ وقبل بهواش بثالثة أميال .السير ثـم قفـل ،ا خبأ فيها كنـزه عبر المستنقعات حتى وجد مكان

ا إلى منوف قبل أن تغلق أبوابهامسرع.

-٢- وطوال اليوم ..عادت الحركة في قصر إيداكش ثانية

كانت الخادمات تنقلن متاع األميرة شريفة من الطابق السفلي بنـة سـليمان ا أن تقيم فيه زليخـة ا العلوي الذي كان مقرر

بعد أن ألقت بمتاعها في األوحال وهـي ،البواب وابنها مراد رحوم مصطفى إيداكش ليس ، معلنة أن الم تلعنها وتلعن أمها

وأن مـا يقولـه ،له من ذرية سوى واحدة هي ابنتها فاطمة ..سليمان البواب محض ادعاء

رفع السنهوري رأسه وقال في حكمة ورصانة وهو :ا محذربإصبعهيشير

زواج إيداكش بك من ابنة سليمان البـواب كـان - وحملت منـه ابنهمـا ،عاشرها عامين .. وسط أمراء القبالي

.. مراد .هتفت بغضب وهي تضرب األرض بقدمها

كنا ..اللعنة على خنزير كبير ناكر الجميل .. اللعنة - .نعيش سجناء في قلعة اإلسكندرية وهو يلهو ويعبث بالنساء

:نة هتفت كالمجنوإيش تشير علـي؟ انـدفعت .. إيش أعمل يا أبونا –

ولما .. من روعها مد يده يهدئ .. بكلتا يديها تقبلها تمسك كفه بكت بقهر .. أطلقت لنفسها العنان ؛عرفت أنه اكتشف دموعها

.. المكلوم : في وقار حتى هدأتربت فوق رأسها

اآلخرون .. صغير عقبتك يا ابنتي في هذا الطفل ال - ، حتى زليخة ليس لها مثل ما لـك، هممكن استرضاؤ ضباع ي

إنه وريـث شـرعي ..اولكن الطفل الصغير غيرهم جميع .. .. والمالك الفعلي لكل ما يخص أباه

قامت تجأر وهي تجـري فـي ردهـات .. صرخت :القصر

. أريد األشقر– عندما أحضروه استقبلته بجفاء وهي تلعنه هو ووالي

توقف.. أبقته ...ا فاستدار خارج ؛شالمدينة وقائد عسكر إيداك إذا كان عليها أن تعتمـد أنه فكرت .. تحدق به دون أن تراه

صـاحت .. أفاقت.. هذا الشاب على رجل فليس أمامها سوى :اءفجبه في

؟ماذا تنتظر - :ا وقال في تباطؤ وهو يستدير خارج ،ا نظر مندهش . أمر موالتي–

ا على ين األشقر والي عندما بلغ سليمان البواب نبأ تعي كـان عـدد جنـوده ال .. مألته الهواجس والشكوك ؛المدينة

ا وهـم ينسـحبون فـي شوهدوا جميع ،يتجاوز مائتي جندي

لكـن اطمئنانهـا ، فاطمأنت األميـرة ،طابور خارج المدينة ا وعسكر على األطراف سرعان ما تالشى عندما استدار شرق

.الجنوبية للمدينةالي وجه سليمان البواب أورطـة في عصر اليوم الت

فقامت على احتالل بوابة منـوف القبليـة دون ؛من عسكره وفوجئ الفالحون العائدون من حقولهم بجنود البواب ،مقاومة وتحـرك .هم بالقوة ويسخرونهم في عمل المتـاريس نيجمعو

البواب بنفسه باتجاه القلعة القديمة بغرض السـيطرة عليهـا .مدد عثمان بك الطنبرجي لحين وصول ؛كرأس جسر

وسـارع ،وعلى أثر ذلك انتشرت زعجـة عظيمـة غلقت بوابات وأ ، ودخل الناس دورهم ،التجار بغلق حوانيتهم

.الدروب مع صوت البارود بشـدة فـي الجـزء وفي الليل سكان األشقر قد قام بهجوم مضاد عنـد . الجنوبي من المدينة

مان البـواب نفسـه ووجد سـلي ، فاحتلها عند الفجر ؛البوابةولو أن األشقر هاجمه لقضـي . القلعةا هو وجنوده ب محاصر واندفعوا ، لكنه لم يفعل بعد أن رفض العربان مساعدته ،عليه

. ينهبون المدينة بعد استعادة البوابة

ا بجلـده وتحت ستار الليل تسلل سليمان البواب ناجيجاه فبلغ معسكر جنوده وهم على وشك الهرب بات ؛وعساكرهأوقفهم وسارع يستعجل نجدة مـن عثمـان بـك .. الشرقية

كما أرسل في طلب ابنته زليخة وحفيده الصغير ،الطنبرجي ..األمير مراد

وطيلة أسبوع كامل هبط البـواب بعسـاكره علـى حتى ؛سرس الليان وكمشوش وفيشا ورملة األنجب وبهواش

فأهلك المزروعات وقتـل األهـالي واألطفـال ؛بلغ أشمون وجعل على كل قرية قردة ألف ، واغتصب النساء ،والعجائز

ث لحقت به ابنتـه وحفيـده فـي حي ؛ وتوقف في شما ،ريال فتوجه ثانية إلى منوف ؛ من خمسمائة فارس وجندي تجريدة

.حيث عسكر بجنوده على أطرافها دخل رسول سـليمان البـواب ؛ وفي منتصف الليل

ا عقـد طالب ؛سنهوريمنوف لمقابلة األميرة شريفة والشيخ ال حيث قرأ رسول البـواب ؛الديوان الذي عقد في اليوم التالي

ا باعتبار أراضي الكشوفية أراضي أموات يحل عليهـا إعالنا عـن وأنه حسب ما رسم عثمان بك الطنبرجي نائب ،الحلوان

تنقل أراضي إيداكش بـك الكبيـر إلـى ورثتـه ؛مراد بك

ألمر قاض قضاة منـوف ويقوم على الفصل في ا ،الشرعيينا ال رجعـة ويصير حكمه نافـذ . الشيخ عبد الحي نور الدين

:، ثم استطرد الرسولفيه فإن وافقتم تتركونا ندخل المدينـة أنـا وابنتـي -

ين من عساكرنا لعرض األمـر وإعـالن سوحفيدي في خم وإن رفضتم سيرنا علـى المدينـة عسـاكرنا ،الحكم الفصل

.. الباغي تدور الدوائر وعلى،فسويناها بالتراب.. قبل أن تعلن األميرة موافقتها ران الصمت طويال

:دعت األشقر للتداول قال لها ببطءإنها تأتي بأقدامها إلـى .. هذا أوان صيد الفريسة -

..اتركي األمر لي. يا أميرة.. شراك الصيد : قالت مؤكدة

ثالثتهم؟؟– :أجابها

.. نعم ثالثتهم– علـى .. الرسول وهي تقول بابتهـاج فخرجت إلى

وقبل أن يرحل الرسول خرج على األشـقر .الرحب والسعة

وسلمه رسالة من سليمان البـواب لمحتهـا ،في قصره خفية :يقول فيها.. األميرة فاطمة

إنمـا يجمعنـي .. ولدنا الهمام حسين أغا األشقر – ، ووفـاؤك لـه ويجمعك األمير المرحوم الذي أنت أدرى به

وأنا صديقه في مقام ، وفي مقام ولده ، فأنت ربيبه ك حق؛ علي فليجتمع االبن واألخ في خدمة األمير إيداكش الصغير ؛أخوهضع يدك في يدي يعطيك األمير .. ا إليداكش الكبير وحق وفاءحضر وقابلني الليلة في ، وإذا كنت في شك من أمري فا حقك .شما

مـوات ذاع في منوف أن الحكم في قضية بـالد األ ونـودي فـي ،سيتم اإلعالن عنه بعد صالة الجمعة القادمة

..األسواق باألمان جرت خلفـه ؛ قبل أن يرحل األشقر لمقابلة البواب

: فاطمة وكأنها تشك في وجهة زوجهااألميرة أين تذهب؟ - : الميتة وعينيه اللزجتينته أجاب بابتسام . للخارج–

:قالت بضيق

..أنت ذاهب إلى أمي – .ى ذلك ببرود نف

:برعونةقال ماذا أفعل عند أمك؟.. هب ألعدائهاأنا ذا –

. ال أعرف– استجمعت .. التردد والخجل وبان عليه ،تغير وجهها

:شجاعتها .نعم.. ع األميرةإذا استطعت ب - :ا وقف مدهوش ؟..هه –

. افعل– ا إياها خلفها تاركصاح وهو يدلف من الباب خارج.

للنساء عقول حادة تتوقف للدم .. هوه.. هوه.. هوه - .الساخن

-٣- دلف األشقر من بوابة شما وهـو يتشـمم الفضـاء

أقام ..تبع الحرس داخل قصر قديم .. ا الخيانة متوجس ؛كذئب ..ا حتى بلغ الردهة الخلفية المهدمةبه البواب حديث

فنظـر ؛ تقدم منه حارسان طلبا منه نـزع سـالحه ا ابتسامة ميتة تتوهج على أطرافهـا السـخرية تسمإليهما مب

.وعينان ساخنتان ثم ما لبث أن ، تقدمه أحد الحراس إلى حديقة داخلية وقف وحـده .. تركه وهو في دهشة أمام بناء حجري جميل

.. أشارت إليه فتبعها ؛لفترة خالها طويلة قبل أن تظهر جارية وسمع ، خياال دخلت به غرفة واسعة قسمتها ستارة لمح خلفها

ابكاء طفل فجمد الصنم مصغي. :جاءه صوت نسائي

أال تلقي السالم؟– :أجابها األشقر بقحة

قبل أن أعرف في حضرة من أكون؟– . سيدتك وابن سيدك األمير مراد-

ركع .. ا لمسافة أربع خطوات من الستارة تقدم منحني .على األرض

.العذر يا موالتي - . .هل يدهشك وجودي هنا -

.لم أكن أعتقد -

؟أتصدق ما تقوله شريفة عني -

.ال.. ال–

؟أكنت شاهدا على زواج سيدك -

. نعم–

هه اآلن أعلم لماذا تقف في صفها؟ -

:اقال مندهش أنا؟ لماذا يا موالتي؟؟– ..رغبتك في فرش سيدك -

: وهي تستطرد بصوت بارد، ضاقت عيناه تحـب أنت.. ءولك شهرة واسعة في شرب الدما –

..همتستمرئ دماء.. ضحاياك . لم ينبس ببنت شفة

ومع ذلك ترفع السالح في وجه ابن سيدك وولي – .وتتحالف مع هذه المرأة المجنونة.. نعمتك

:صاح يحاول اإلنكار ..أنا.. موالتي –

: قاطعتهتريد .. ال تجيب .. هه.. في أي صف تقف يا أغا -

.. هل أنت عبـد .. ك ضعفه أعطي.. كم أعطتك .. اذهب.. ماال أجب علي سؤالي يا أغا؟.. ل أنت حره

. حر يا سيدتي- حسـبما شـرع ، عليك أن تدافع عن ابن سـيدك -

.ا فأشتري حريتكأما إذا كنت ال تزال عبد.. اإلسالم الحنيف راحت المرأة الشابة تنهر ..حدثت جلبة خلف الستارة

ـ لكنه أفلت منه ؛ابنها مراد أن يكف عن العبث ا مـن ا زاحفلمح األشقر سـاعدها العـاجي وأسـاورها .. أسفل الستارة

..شعر بالغصة تمأل حلقه.. الذهبية فضـحت زليخـة ؛ حدق الطفل بالفارس الضـخم

:قالت للطفل.. أنثوية تشوبها خالعةضحكة .ر إليهانظ.. ها هو.. هل تريد أن ترى أباك -

ه وهي توج وتابعت استمر الطفل يحدق في األشقر، :حديثها إلى األشقر بنبرة حازمة

؟.... هل تريد أن تكون أباه– :غمغم قائال.. انحنى وهو ينظر إليه بتصاغر شديد

.ه إياين شرف عظيم تمنحي- :عقبت بسرعة

.عطنا إذن منوف أ– :ساد صمت طويل قبل أن يتساءل بوجه متجهم

يعلم األغا بما تقولينه؟ هل – .. انحن نفكر سوي.. نعم. .أبي -

:عقبت .افقط طبع.. فيما بعد سنفكر أنا وأنت–

اقال متردد: .. تعرفين– ضـحكت .. ابنة شريفة الزوجـة العـذراء .. نعم -

..ضحكة منخفضة أغاظته : استطردت

.ستكون جارية لي.. ال.. ال.. طلقها-

حدق في األرض بعينيـه السـاخنتين الحمـراوتين :يستشف ما وراء الستارةيحاول أن يبدو أن اهللا أعطى النسـاء .. ههووف.. هههووف -

. األشقر فتركه بدون عقل، لكنه نسي ماكرةعقوال.. انظر إليها مبهور .. ثم رفعت نقابها ،فتحت الستارة

.. حسد إيداكش وتسـاءل .. شعر بالسخونة تجري في عروقه كـالقمر، كانت جميلة بدريـة .. وزير نساء خبيث يا له من

جمعت زنارها حول وسطها وجعلت .. طويلة ممشوقة القوام ..الحرير يسقط على ردفيها

: قالت وهي تعيد الخمار تغطي وجهها . اجعلني عقلك–

:هز رأسه وهو ينفخ .سأفعل.. هووف.. هوووف–

-٤- في ظهيرة الجمعة كانت األميرة شريفة تـدور فـي

البواب وابنته زليخـة قصرها هائجة في انتظار ذبح سليمان وفي جامع الشيخ الغضبان كان الشيخ عبد .. واألمير الصغير

الحي نور الدين الذي عقد العزم على رفض وراثة مراد بك ، حسب ما أخبرته األميـرة شـريفة واألشـقر ؛دون إثبات

وحسب أعداد العسكر التي تقف علـى بـاب داره بانتظـار ا رأى البواب يـدخل اختلط عليه كل شيء فجأة عندم .الحكم

.. عليه وبصحبته األشقر وعساكرهما :نظر ناحية األشقر

.. هل تعني أن الوريث سيكون مراد– .؛ فنطق الشيخ حكمة بثباتا هز األشقر رأسه موافق

، مراد شرعية ألبيه مصطفى بك إيـداكش وراثة – ا علـى التـزام إيـداكش ويعين سليمان أغا البواب وصـي

.. ومملكاتهكـاد أن يغشـى .. عندما بلغت األنباء األميرة شريفة

.. األشقر.. دارت في القصر كالمجنونة وهي تصرخ .. عليهاالباب الخلفي وأمامها أسرعت تنوي الهرب من .. أين األشقر

نظرت إلى األشـقر بغـل .. األشقر والبواب .. اوجدتهما مع :مهااندفعت نحوه تقذفه بآنية زهور وجدتها أما.. شديد بكم اشتراك؟.. أنت معه خائن جبان–

:أجاب البواب يناكدها

حسب مـا رسـم .. ليس لدينا ما نشتري به أحد – .هل تنكرين عليه أن يخدم ابن أستاذه.. هه.. قاضي القضاة

:صاحت بغضب وهي تتمالك نفسها . خونة..لصوص.. سفلة –

:قال ببرود .بن ونحن اآلن نريد أموال األب واال–

:أجابت بغل –ال أملك درهم بارة.. اا واحد .. وأنا سأنقب جدران هذا القصر كلها حتى ينهـار -

.كله . أمامك القصر افعل به ما تريد-

: فمنعها البواب؛حاولت الخروج . غير مسموح يا أميرة–

عادت داخل الحرملك وقبل أن تدخل غرفتها تشير إلى نظرت إلى البواب وهي .. استدارت إليهما

:األشقرأنا األميرة شريفة .. هه.. أهذا هو أشجع الشجعان –

نتسـب إلـى ، التي أ ابنة شويكار ابنة أحمد قاووغلي

لكن ،ا كنت أنوي أن أجعله طواشي ..النسب الشريف غمزت .. المرحوم إيداكش لعنه اهللا نجاه من بين يدي

مـررت سـيف كفهـا .. بعينيها وهي تبتسم بجنون األخرى تشير إلـى قطـع باطن الكف كسكين على :الخصيتين

.. بلغوني حينما يصل أ- من؟-؟؟ ..ملك الجـان .. من غيره .. الشيخ السنهوري -

.وربي مجانين

-٥- .. المتقلب في نعمتك لخدمتك .. أنا الناشئ في دولتك "

وهنئ ، من نفسك ك فضال دهب لي وع .. الوضيع في رفعتك ـ . يلك إلى ذلك في الكرم واجعل م ،سائلك بحالوة نعمتك ا حث

تشهد لـك القلـوب .. على اصطفاء شكر الطالبين على بابك وتلهج األلسن بنهاية الحمـد والشـكر ،بحقائق الكرم والجود

..".ك وذاتك العليةتلرفع

بهذا المكتوب بدأ الشيخ السنهوري نقيب األشـراف ، وأحـد دعوته إلى خير الدين شوكت رئيس كتاب السـلطنة

ا بطلبه رفع مصحوب.. لحضور لقصره بمنوف دولة؛ ل كبار ال المال عن فيشا ورملة األنجب من حوزة االلتزام الذي يـدفع

، واعتبارها أراضي رزقـة بـال مـال، إلى الديوان كل عام ا مده بالمعونة إلعادة بناء وترميم قصر أجـداده وطلب أيض،

من الهدايا الفخمـة والـذهب وصحب ذلك بالغالي والنفيس ا مقبضه فض به فصين مـن العقيـق رات وخنجر هوالمجو

زاد التي كانـت قـد ، وزاد ذلك بإهدائه دنيا آ األحمر ولؤلؤة ، فتكورت وتـدملجت ونضـجت ؛بلغت الخامسة والعشرين

.وأصبحت امرأة تشتهيها األنفس ويهفو لها الوجدانوفـي .. فقبل خير الدين دعوته بكل رضا وسـرور

ب السلطاني العظيم الطريق الـذي اليوم الموعود عبر الموك تي انتشرت من ا تحت أقواس الزينات ال شقه السنهوري حديث ـ بوابتي المرسي اللتي ا مـن أجـل الكاتـب ن شيدتا خصيص

.السلطانيفي صدر اإليوان تصدر المجلس كـل مـن الشـيخ

وتقدم وجهاء الدولة واألعيان واألكـابر ،السنهوري وضيفه

كـال علـى -يذه محمد أبو الفضل والمشايخ وقد أخبرهم تلم ا إلـى مشير ، واألدب الوجاهة بمبلغ ما يكون عليه من -حدة

كبارهم .. ا إياهم طبقتين ومقسم ،نةلطأن هذه أوامر عظيم الس وتتابع الوجهاء واألعيان يتقدمهم كبارهم بنحو .. وأصاغرهم

: عبروا مدخل الديوان صاح كل منهمفإذا.. ذراعين ..احد يا موالي يا و-

: فيرد الشيخ السنهوري . يا موالي يا دائم يا علي يا حكيم-

فإذا بلـغ صـدر المجلـس بنحـو ؛ثم يعبر اإليوان .ا تقبيل يد السنهوري ومد يده طالب ،ذراعين حبا على ركبتيه

وخير الـدين .. فقد كانوا يكتفون بتقبيل ثيابه ؛اأما األقل شأن ؛ جالس ال ينبس اسم أمر ا ولم ير باشا شوكت الذي لم يقل شيئ

بمبلغ عظمة ببنت شفة محدق في الداخلين مستغرب مدهوش وعلى الجانب اآلخـر .. الشيخ السنهوري وسطوته وإمارته

ين بمدى ما بلغه الشيخ رهلس األعيان والتجار والمشايخ منب ج واتصال بذوي الشأن والسلطان ،السنهوري من جاه وعظمة

ـ ؛الخالفةفي الدولة العثمانية وأصحاب ا منـه فازدادوا خوف .. وبالغوا في تبجيله وتفخيمه،ورهبة

أشاع بينهم بـأن االحتفـال ؛ وقبل أن ينتهي الحفل بمولد األولياء واألمراء الحسين والسـيدة نفيسـة واإلمـام الشافعي والسيدة زينب وسيدي الغضبان سيكون خمسة عشر

ا ا وليس يوميوماق علـى وسوف ينادى في األسـو ،اواحد فظهـر ؛ وإشعال السراج والقناديـل ،الحوانيت بالسهر ليال

لما في ذلك من خير كثير ؛البشر والسعادة على وجوه التجار ا لصـالح أوقـاف وأخبرهم بأنه سيجعل مقابل هذا وقف .لهم

.. مشاهد األولياء وصناديق أموالهمفي اليوم التالي وقبل أن يرحل كاتب السلطنة خيـر

أعلنت األميرة شريفة على مشـهد منـه ؛ا شوكت الدين باش وعلى يد الشيخ السنهوري وسليمان أغا البواب وابنته زليخة

واستسـالمها ، بقبولها التحكـيم ؛ومراد وحسين أغا األشقر وعزمها على تسليم كنوز مصطفى إيداكش إلـى ،لقضاء اهللا

واقتسامها معـه ،سليمان البواب الوصي على الفتى الصغير ة حسب الترضية التي ارتآها كاتـب السـلطنة بـين مناصف

وأمام خير الدين شوكت ركعت زليخة .. زعينالطرفين المتنا وقـدمت ابنهـا ، وقبلت يديه االثنتين ،أمام الشيخ السنهوري

ثم رفعت ،الصغير إليه كي يباركه بقراءة الفاتحة على رأسه

فكشفت عن جمالهـا الهـادئ ؛ خمارها أمام الجالسين زليخةكادت .. مما أشعل نار الغيرة في قلب األميرة شريفة ؛النافروأمامها .. وهي تخمن ما سوف يحدث بعد لحظات تحترقأن

؛ إذ إن زليخة ما خمنته حدث بالفعل وعلى مرآى من عينها؛ ، بعد أن تقدمت للشيخ السنهوري راكعـة خفضـت رأسـها

عزمها على الزواج من األشقر وأعلنت والخجل على محياها .تلميذ زوجها ووصيفه

.قال السنهوري بوجه يخلو من كل معنى .زواج مبارك.. زواج مبارك-

-٦- : بالسنهوريمختليةهتفت شريفة دون صوت وهي

.مكنني منها.. مكنني منها.. سيتزوجا– :سنهوري وهو يستغفر اهللا في تواضع قال ال

-صبر ا استعيني بالصبر الجميلا يا ابنتي صبر. ..مكنني منها.. نني منها مك-

فلم يحرك ؛ ا من اللؤلؤ الثمين وضعت بين يديه عقد : وإنما كرر،اساكن

–ا يا ابنتي وليأمر اهللا بما يشاء صبر.. حيـث اسـتقبل إبـراهيم ا؛رحال إلى القاهرة سـر

وخلفهـا ،السناري كتخدا مراد بك امرأة تخفي وجهها بنقاب هم والمسـاحيق والقـرود جارية في حجرته المليئة بـالمرا

: شيطانيةابتسم الرجل ابتسامة.. والثعالب الصغيرة . ماذا تريد األميرة- هذه هدايانا العلية لشيخ المصريين وأمير الـبالد - .مراد بك

وماذا تريد األميرة؟- ومـال ، وهذه ألف ريال حلوان عن بالد األموات -

.لتزام المرحوم مصطفى بك إيداكشميري أراضي اال وماذا تريد األميرة؟– وأصحاب ، وهذه ألف ريال خاصة أسيادي الجان -

.الطرائق والتابعين وماذا تريد األميرة؟-من أجل خـاطر رضـاك .. وهذه جارية خاصتك - .وسرورك .فحت وعيناها تتسعان.. وماذا تريد األميرة-

ـ .. أراضي زوجي وأمواله - ا عشت عشـرين عامدت مـن أجلهـا أنـا ر وأنا التي ش ،اأزرع وأقلع وأبني فيه

باع في األسواق من كدت أ ،التركية األصل والشريفة النسب ..جي المرحوم ومن أجل زو،أجلها

: قال بعينين حمراوين . نريد إقطاع أشمون ثالثة أعوام- . من األميرا وأنا أريد فرمان، كما تقول حضرتكم-

.أخذ الرجل يمسد ذقنها لسـليمان بك الطنبرجي فرمان لقد أعطى عثمان –

..البواب وأنا نريد نقضه :الرجل تمسيد ذقنه وهو يفكر وقال أعاد

.. ولكن هناك عقبات تمنعنا يا أميرة- : صرخت بخوف

من؟– .. الوريث الحقيقي-

: ضحكت بشيطانية وأنا نشـوف شـغالت ، من فضيلتكم ا فرمان أعط - .أخريات

-٧- ـ بـالفالحين مـع نـدرة اكان سوق السـبت غاص

وعلى جانـب الطريـق وفـي ،المعروض وارتفاع األسعار ؛ تجمع عشرات مـن الخرائب والساحات المطلة على السوق

ن والكالب الضالة يقتاتون من بين أكـوام الجوعى والشحاذو وكانـت قـد كثـرت ..ا يسرقونه أو يتصيدون ثري ،الزبالةناء ذهابهم وعـودتهم ولهذا أحاط األثرياء أنفسهم أث ؛تعدياتهم

.من السوق باأللضاشات والشطار تنقـل ؛ وبين جماعات الجوعى والباعة والمشترين

عبد المحسن في األرجاء بخفة وحوله من على مبعدة تنـاثر ؛خمسة من رفاقه يمسحون السوق بأعين حـادة كالقصـور

..ا عن ضحيةبحثا فـي التقط عبد المحسن أحد فرسان السباهية غارق

فسقط الرجـل ؛دفعه بقوة .. ا في السوق شراب يسير مترنح ال ،وأحمـد مصـيلحي .. المرسي.. فتقدم ثالثة ،على األرض

.وصالح رفيق المنصور القديم . نحوه–

.. وأطـاح بصـالح ،الوك المرسي بعيد م فركل الم .. ازرق وجهه وهو يختنـق .. وأمسك برقبة المصيلحي بقوة

صـرخ .. خاصرة الرجل دفع عبد المحسن بسكين حادة في ظل ينزف حتى .. ثم سقط على الفتى ،الرجل صرخة واطئة

.. ركض جواد الفارس على غير هدى في قلب السوق .. مات :همسوا والغضب في عيونهم.. لجرأتهارتعد األصدقاء

.تلش إال واحد من فرسان السباهية ما تقيعيني - : صاح بهم

نت وله ا اجري يا .. مصيلحي يعني أسيبه يموت ال - .. وهو

:قال صالح ؟ على فين يا ابن المركوب–

:أجاب .. خذوه على الخرابة – وحملـه ،وضع صالح كتفي المملوك بين ذراعيه

.الثالثة اآلخرون من قدميهانا وركبتاه تصطكهتف المرسي مزمجر:

. دول جايين ناحيتنا–

:ردد صالح مـع ابنهـا دي األميرة زليخة .. امسك أعصابك –

بتلف بيه السوق عشان الكل محفة على األمير مراد محموال .يشوفه

. عيان.. ليه- .. عشان تعلن على المأل عودة اإلمارة له.. ال-

:قال صالح أعطيها شـاب عمـره ... أنام معاها ليلة واحدة –

.عشرين سنة مرة واحدة؟؟- . مرة واحدة-

:لكزه أحدهم من الخلف .. دودة مش ح تجيب منك إال–

: وصرخ عبد المحسن،ضحك الجميع بجفاف ..من هنا.. ياال يا وله–

وحملوا الجثة إلى ساحة دار ، دلفوا إلى حارة جانبية .مهجورة

* * *

وأمامها ،كان الخدم يحملون السيدة زليخة على محفة ومـن ، وعلى وجهها ابتسامة عطف واسعة ،طفلها الصغير

ومن خلفهمـا فارسـين يلقـون ،ا جواده خلفها األشقر راكب فيستقبلونها بالهتاف والترحيب وهـم ؛بالدراهم إلى الغوغاء

كانـت تنـزل ..خـر تلون على الدراهم وبين الحين واآل يتقا يدفعان إلى ؛تشير نحوه فيندفع إليها خادمان .. لشراء شيء ما

.. ويأخذون منه ما اشترته،التاجر المحظوظ نقودهخيمة غريبة الشكل كخيمـة عند جامع الهجين شاهدا

صاح عليها غجري في الخمسين من عمره يلوح . أمير تتري وعقد من اللؤلؤ الثمـين ،لها بثوب من الحرير الهندي في يد

غجرية شابة في الثالثين من ت وبجواره وقف ،في يده األخرى عمرها تقف أمام صندوق صغير به فتحة زجاجية تسع لوجه

..إنسان : نادت قائلة

ترى الشـام وبيـت المقـدس .. دوق الدنيا صن –.. األمـوي الجامع .. وبمباي ودمشق وإسطنبول

وبـالد .. الصـرب .. سبانياإ.. ب البندقية ومراك ،بالد المغرب والجزائر وسور الصين .. البوسنة

أشـارت األميـرة .. بدينار ذهبي .. وأفيال الهند نزلت وعلى وجهها السـعادة .. لخادمها بالوقوف

.. ذهبت إلـى الصـندوق .. طمأنينةوالحبور وال أخذت تصيح باإلعجاب بـين .. وضعت وجهها

واألشقر ،اا متحرك الفينة والفينة كلما رأت مشهد فلمـا .خلفها يريد أن يرى هو اآلخر ما تـراه

.. قامت جلس مكانها :صاحت الغجرية

. فدفعه لهـا غيـر راض .. دينار ذهبي يا سيدي – ا كان سعيد . ودمشق والهند عبرت أمامه مشاهد الشام

عندما بدأت مشـاهد هضـاب األناضـول والقـرم أصابه الـدوار وهـو يـرى البندقيـة .. والدانوب جبالها ؛ ثم رأى أراضي البوسنة والصرب ،ومراكبها نسـي .. قـال هـذه .. وهضابها العشبية ..وسهولهاقام من أمام الصـندوق .. كانت األراجوزة .. ااسمه .كالتائه

اسـتقبلتها المـرأة .. يرة الخيمة مبهـورة دخلت األم يعرضان عليها بضائع غريبـة اأخذ.. الشابة بانحناءة كبيرة

اوعقود ا، وحلي من الزمرد والعقيق ا وجواهر ثمينة وفصوص وزيت يطيـب ألوقـات السـحر ،سجاد طشقندي .. المبهر

ـ األشقر ر لمح.. والمالعبة ن غبة السيدة زليخة في عقـد م :صاح.. لى الرجلنظر إ.. اللؤلؤ

من أجل خاطر األميرة ثالثة و ، خمسة آالف دينار - .. آالف دينار ثـم اسـتدار ،جذب العقد بغلظة .. مد األشقر يده

:يقة مهذبة وضعه حول عنقها العاجيناحية األميرة وبطرهديـة .. أغلى من خاطر األميرة ئاليس هناك شي -

..الخطوبة مني : نظر للرجل نظرة ثاقبة

خلعت األميرة .. تأخذ ثمنه بحلول المساء سوف – ..العقد تعيده إلى الرجل

الحظت األميرة دون اهتمام الغجرية وهـي تمـد يـدها مد الطفل رأسـه ال .. تأخذه ليشاهد صندوق الدنيا ،للصغيرجذبت المرأة الحاجز الزجاجي من طـرف .. ا حوله يفقه شيئ

مه واألغا مـن تها أل كخفي وهي تحكي للطفل القصة التي ح ا ضخمة تبرز أمامـه فجـأة وهـي شاهد الطفل رأس .. قبل

وانقضت الحية بلمح البصـر ،ضحك وسكت لحظة .. تتلوى.. ا مـن األلـم لم يفهم الطفل ما يجري فصرخ باكي .. تعضه

فاندفع إلى حضنها وقبض األشقر علـى ؛استدارت إليه أمه لقـد . . والغجرية الشابة تضحك وهي تقـول ،اخنجره متحفز

.. ضمت عينيها تقلد نساء الصين .. أفزعه وجه امرأة صينية ا في سـرعة خاطفـة ألقمته شيئ .. وضعت كفها حول وجهه

،وضعت يدها على رأسـه .. ثم أخذت تالعبه ،فهدئ وسكن مـد .. اوأخذت تحركها في وجهه وهو يلوح عنهـا غاضـب

الغجري يده بالعقد في صندوقه المصنوع من المخمل وهـو فانفرجت أساريرها وذهب عنهـا ؛على أن تأخذه اآلن يصر

دعت الغجري ألن يحضر إلـى قصـرها لـيال .. انقباضها ثم قامت خارجة وهي تسأله أن يعرض ،ليعطيه األشقر ثمنه

.. ليأخذ ثمن العقدعليها غرائبه عندما يأتي ليال وقفـا ... للحظة مضت فوجئ الغجريان باألشقر داخـال

:ار إلى الصندوق صاح فيهماأش.. مهبوتين ..بكم هذا؟ -

: قالت المرأة . ليس للبيع–

:قال ؟كم تريد فيه.. أريده– ..إنه سبيل رزقنا.. ليس للبيع - .سيكون من أجلي للبيع -

فـدخال مـن فورهمـا فحمـال ؛أشار إلى رجلـين فـدفعها بعنـف ؛جرت المرأة إليه تحاول منعه .. الصندوق

قبل أن يراها أمامه تتكئ على مرفقها ،ا مرتين فسقطت أرضا في وجهها معقوفوقد أشهرت خنجر..

ألقى إليها بكيس .. هه.. ضحك األشقر من قاع فمه وخرج خلف زوجته ، ونظر إليهما بإهمال ،ابه عشرون دينار

ن إن رحال؛ حتـى شـاهد التجـار واألهلـو وما.. المقبلة .ن مسرعينالغجريان يجمعان حوائجهما على عجل ويرحلو

:قال أحدهم بحسدهز .. أرزاق ربنا مقسمها .. باعا اليوم بيعة طيبة –

.. التجار رؤوسهم عالمة على الموافقة والحسد ؛ فقد بلغا خارج منوف بسرعة بالغـة ؛أما الغجريان

دفع إليهما بصـرة .. حيث وجدا بانتظارهما جوادين ورجل . وفرا على جناح الريح الشرقية،ضخمة من الذهب

* * * دفع عبد المحسن ورفاقه الخمسة جثة الفارس إلـى

، حيث خلعوا عنـه مالبسـه وفتشـوا جيوبـه ؛باب جانبي جذب عبـد .. وانتزعوا منه ساعة فضية وثالثة خواتم ذهبية

دفعها ألعلى وأفرغهـا علـى ،المحسن حافظة جلدية كبيرة انـدفعوا .. فتساقطت عشرات الـدينارات الذهبيـة ؛األرضواجتمعوا لـدفن .. جلسوا يعدون غنيمتهم .. ا مهللين يجمعونه وصـيحات اعلى حين غرة سمعوا ضجة وصـراخ .. الجثة

وسط صهيل الخيل وضرب السنابك تتصـاعد مـن جهـة ..السوق

ا إلـى وعاد مندفع ،يستطلع األمر فترة خرج أحدهم ، قبل أن يصرخ وهو لهث فترة يجمع قواه المنهكة .. الداخل

:ممتقع الوجه وسليمان البـواب ، مات مراد ابن األغا إيداكش -

.ادمانإنهما ق.. ا عن غجريانواألشقر ينهبان السوق بحث كـان .. لكنهم تراجعوا على الفور ،اندفعوا من الباب

وقت .. اا بيت عسكر القلعة قادمين من أول الطريق يفتشونه بيت

طويل أمضوه في انتظار أن يـ ،قوا على المشـانق لع أن ل قب .يصرخ لهم عبد المحسن بفكرته

وخلفـه أربعـة مـن ،اندفع جواد إلى مدخل الدار ، فوجدوا أمامهم جثة ممددة مغطاة بخرقـة باليـة ؛العساكر

. وحوله فتية يبكون،وعلى رأسها جلس متعمم يرتل القرآن ، فحول نظريه إليه ؛وقف الفارس أمام الشيخ مباشرة

صرخ .. لقرآن في خشوع ل ا ثم عاد يرت ،ودق في عينيه بقوة :المملوك

.. من هو– : قال صالح وهو يبكي

..قتله الطاعون.. أبي رحمة اهللا عليه -تراجع بجواده منقـبض .. انتفض وجه الفارس : صاح فيهم..الوجه

.. هل رأيتم غجريين –

ـ .. لم يكمل حديثه ا ينظـرون إلـى كـانوا جميع ..األرض في لوعة وأسى يبكون

ا وهو يردد خرج راكض:

كيف لشـيخ .. فالح حمار .. اللعنة عليهم خنازير – .معهم يغامر بحياته بتالوة القرآن على الطاعون

اندفعوا ثانيـة ؛عندما تيقنوا من رحيل رجال الدرك كانت الشـوارع خاليـة مـن .. عبر الدرب محاولين الهرب

التفتوا يبحثون عـن ،سمعوا سنابك الخيل .. المارة والدهماء تدافعوا إلـى حجـرة .. تسللوا إلى جامع الغضبان …ىمأو .. فوجدوها خالية؛المقام

ال يذكر .. ترى من أول من فكر في صندوق النذور كان أمامهم وهم يحاولون االبتعاد عنـه .. اعبد المحسن جيد

فعلى المداخل كانت األبواب محاصرة فكـانوا ؛دون جدوى .يعودون إلى الضريح الخالي

وهم على هذه الحال وقبـل آذان الفجـر طيلة الليل ودون مجهـود .. قام رضوان بخلع قائمتي الصندوق ؛بساعة

.يذكر تحرر الصندوق :لمحسن وهو ينظر إلى صندوق النذور وهتف عبد ا

.دا مال نذور وغالبة.. كيف باهللا- :اآلخروندفعه

.. لنا أحسن ما يأخذه غيرنا–

اصـطدم عبـد على باب الضريح .. خرجوا ملثمين .. عجوز طاعن السن .. المحسن بحارسه الشيخ محمد علوي

:هتف العجوز غير مصدق.. نه لثامهسقط ع عبد المحسن؟؟ – :وخرج يصرخ . لصوص–

. ودفنه في خاصرته من الخلف ،اأخرج صالح سكين ا بالدماءسقط العجوز مضرج.

اردد عبد المحسن مهموم: .خ محمدسامحني يا شي.. ليه.. لتهليه قت –

: والعجوز يصرخ .. يا حرامي اإلسالم يا قاتل–

فانطلقوا فـارين ؛سمع الرجال أصوات ناس تقترب كان أول من اصطدم بجثة العجوز مشايخ .. بصندوق النذور

قبل أن يلفظ العجوز أنفاسه األخيـرة أسـر .. قدموا للصالة :العجوز للشيخ عليش

هـو .. هو الحرامـي .. بن توحيده ا عبد المحس – ونطق العجـوز الشـهادتين .. حرامي مال المسلمين .. القاتل

.اوسقط ميت* * *

الفصل الثامن

اندفعت بدرية تجري في ردهات الطـابق العلـوي .. دفعت الباب وهـي تلهـث .. باتجاه مخدع األميرة شريفة

وقفـت بالبـاب .. التفتت إليها األميرة شريفة وهي غاضـبة :صرخت بها شريفة.. بط من االنفعاليهوصدرها يعلو و

.كيف تجرؤين - .. موالتي -

.مات مراد ابن سيدي -

.انتفضت شريفة واقفة.. هه -

.. نبيقولوا في السوق إ -

إن ماذا؟ -

.إن األميرة شريفة قتلته -

.. قامت تدور حول نفسـها ..ونحن هنا .. نحن؟؟ - .من الموت أن أسابق الزمن حتى أنجو بنفسي واآلن علي

:بدرية رددت ..هتقتلك دي بتقول إنها –

: استطردت األميرة- ي لو نسوف يخوزقون .. ا ال لن يعجبهم موتي سريع

.. ن ينير لي طريق إنقـاذي من يستطيع أ ..وقعت في أيديهم ولكـن األغبيـاء ال ، ليس لدي سـوى طموحـاتهم .يا ربي

البد .. أنا أملك كل كنوز إيداكش .. يعرفون كيف يستخدمونها ..بق الزمن وإال ضعت إلى األبدأن أس

:ا فكرة كالبرق فصرخت من االنفعال خطرت له ..أنت صديقة ابنتي فاطمة.. ابنتي بدرية-

ــون ، ضــحكت ضــحكة مكتومــة يشــوبها الجن .:واستطردت وهي تتحدث في سرعة

.. قابليهـا .. فاطمـة اذهبي بسرعة إلـى ابنتـي -ـ وكما تطرأ ،ها في أي شيء يثحد.. شاغليها ى اإلنسـان عل

:فكرة قولي لها ...سـتقول لـك مـاذا .. هل عرفت يا مـوالتي -

.. نعـم ... تتزوج....سوف تتزوج ...مالها... األميرة شريفة لقـد ...كيـف عرفـت .. هل هذا معقول ... سليمان البواب

اشاهدته بعيناي التي سيأكلها الدود يطلب يد األميرة راكع.

ى األميـرة وهي تـر ؛ نظرت إليها بدرية كالصنم - ..شريفة تدير العالم وتحركه

زتها بعصبية تحـاول أن ه.. أمسكت األميرة بكتفها :تتحكم فيهاأما أنا فعلي أن أسرع .. ولكن عجلي ، كما تشائين -

..إلى قصر أبونا السنهوري أحتمي به منهم لكنهـا هبطـت ،ا لم تحاول هذه المرة أن تجمع شيئ

السور تطل على الـدروب الساللم مسرعة متجهة إلى فتحة وكـذا فعلـت ،غطت وجهها بخمار كثيف .. الخلفية لمنوف

إلـى -ن بظل الدور القديمـة تختبئا-ا وهرعتا مع ،وصيفتها .قصر الشيخ السنهوري

* * * رأت بدرية عسكر سليمان البواب ؛في طريق عودتها

دلفت . المؤدية إلى قصر الشيخ السنهوري يحيطون بالدروب وأخذت تقفز فوق األسطح تسابقهم ،ور المجاورة إلى أحد الد

فلما ؛كانت أمها تقف بالباب تبحث عنها .. إلى مدخل القصر كانت خيـل البـواب تلهـب .. رأتها نادت عليها أن تسرع

دلفت من درجـة .. عبرت بدرية الساحة راكضة .. الدروب

في باب القصر الخشبي الضخم المسـلح بعارضـات مـن .الحديد

:نهوري بلهفة أدهشتهاصرخ بها الس .. يا ابنة الكلبأين كنت –

هذه الشتائم في هزت كتفيها برعونة وهي لم تعهد :لغة الشيخ لها

. كنت أؤدي خدمة لألميرة– انهـال علـى .. وجدته يفقد أعصابه للمرة األولـى

:وجهها بصفعة مدوية وهو يصرخ بها.. بتدوري على موتة سـريعة .. ما دخلك باألميرة -

..هيا اغربي عن وجهين السـنهوري لم تتألم بدرية ولم تكـن حزينـة أل

. كان يهتم بحياتها إلى هذا الحدنكانت تتساءل إ.. ضربها أمامها مباشرة وجدت جثة رجل مصـلوب علـى

آثـار ت وعلى جلده ظهـر ، وقد شوه وجهه ،عروسة خشبية له بشفقة والقشعريرة تمأل جسـدها، نظرت .. الجلد الحارقة

..وجئت عندما لم تجد يديهف :أحد المتعممين من طلبة السنهوري قال لها

واحد من الذين سرقوا صـندوق نـذور سـيدي – .. كان رضوان.. الغضبان

م بهم كلهم؟ت هل أمسك- ولكن الشيخ السنهوري عـرفهم ، ليس بعد ... ال -

اواحدوقد أقسم أن يقبض عليهم ولو بلغوا الصينا، واحد .. الشيخ السنهوري؟ أين- .. أنا هنا تعال-

. تقدم البواب بجوادها رجالهصاح سليمان البواب متقدم:

.. هل يأوي فضيلتكم قتلة- : تجهم وجهه وضاقت عيناه

. قتلة أنا ال آوي- ؟ واألميرة شريفة أليست تختبئ عندهم- . وهل ثبت ضدها شيء-

:فكر البواب . ليس بعد- .يرهاوأنا مج.. هي إذن استجارت بي-

نظر إلى جنوده ..إن يدي طويلة .. هل تجيرها مني - .ينوي اقتحام القصر

: إليه السنهوري وتقابلت عيناهمانظرأنا الذي استعصى علي الوزير .. احذر ماذا ستفعل -

األعظم حسن باشا القبودان أن ينال من عندي ودائع إبراهيم جل يرعى األمانـة أنا ر .. بيك شيخ المصرلية وعدوه اللدود

..في وجه كل طغيان كانت حلقات المتعممين تزداد وتتجمع وهي تمسـك

:كرر ثانية.. بالنبابيت والعصي والسيوف وراء السنهوري واألميرة جعلت من نفسها ، أنا رجل يرعى األمانة -

كـان وجـه .. وإذا سولت لك نفسك أن تفعـل ،أمانة عندي وتتوارى فيه مالمـح ،همالبواب تتضاءل فيه الصالفة والتج

.كراهية مقيتة.. مالمح الكراهية وتحل فيه،القوى والبغي : استطرد السنهوري

فلن استمطر عليـك ؛ إذا سولت لك نفسك أن تفعل - ولكن من ، أو الدعاء عليك في الجوامع ،اللعنات من عند اهللا

أشوي لحمك ولن أستريح حتـى ترسـل لقلعة نفسها؛ سدنة ا .. بالسالسل والقيـود طلبك للذهاب إليها مكبال األستانة من ي

وما ، القضاة ي استحكم فيه قاض ؛لو كان لك حق .. هل فهمتم ؛رفع السـنهوري يـده .. ا طاعته يحكم به وجبت علينا جميع

ثم عاد إلى ا ينحني عليها يقبلها، فنزل سليمان البواب مسرع .ا حصاره عن القصر واستدار رافع،جواده

* * * جلسـت بدريـة ؛ناء الخلفي لقصر السنهوري في الف

القرفصاء تغسل األواني النحاسية الضـخمة وتجلـو عنهـا شعرت بعيون خفيـة .. األوساخ وبقايا الزنك برماد الكانون

.. أجالت النظر حولها مضـطربة .. تراقبها وتنفذ في عظامها إال أن الشـعور بأنهـا ؛ا فعكفت على عملها ثانية لم تجد أحد ..م يفارقهامراقبة ل

وفي شـرفة بالطـابق ، رفعت بصرها ألعلى بغتة أسـقطت .. رأت األميرة شريفة تحدق بها ؛األعلى للحرملك

ثبتـت عينيهـا علـى البـاب .. عينها في خوف على عجل وسرت في جسـدها ،أصابتها رعدة .. الموصل بين الفنائين

وظل يسـتقيم ،كان األمر في وضح النهار .. قشعريرة رعب نسائية فاخرة تبرز في أسفلها القدم اوأمامها رأت ثياب .فوقها

نظرت إلـى .. شعرت بيد تمسد رأسها .. المشقوقة للسلعوات

رفعت عينيها مرتعدة وقـد تهـاوت .. ا فوجدته مغلق ؛الباب. هل هبطت لها في الهواء من الطـابق الثـاني؟ .. مفاصلها

فحت .. يتماوج بين وجه األميرة ووجه السعلوات ارأت وجه :؛ ال تدري بدريةأو همستأخـذوا .. تعـالي .. تعالي.. هل أنت غاضبة مني -

أبعدوا ابنتـي عنـي .. لقد أبعدوها عني .. مني ابنتي فاطمة ـ .. القتلة ليس لهم قلب .. وحبسوني هنا م ب األ من يعرف قل أخبريني ماذا يجري هنا؟.. سوى أم مثلها

:تحدثت بدرية وهي تلهثن البواب سـوف تقول إ .. دة األميرة فاطمة سعي – .. ن الزواج بك أحسن وسـيلة ال البواب يقول إ .. يتزوج بك

.. ال.. ابنتي سعيدة ألنني سوف أبعد عـن زوجهـا -

.. ما أشد عقوق البنات على أمهـاتهم .. الفاجرة .. قولي.. قولي لي :وهي تداعب وجهها بأناملها المعروقتيناستطردت

.. تخافيوال .. يرةقولي يا ابنتي الصغ - :هتفت وهي تلهث

أحسن وسيلة للقضاء عليـك واالسـتيالء علـى - .. كنوزك

إن كنوزي .. دارت بغنج .. كنوزي.. هه كنوزي -.. أمـوالي .أي كنوز يعنون .. لى الفتاة بعهر مالت ع .. كثيرة

.أم مفاتنياستطردت وهي .. كانت بدرية تنظر إليها في رعب

:ترتعد ذا ال يرضـي األشـقر اطمة تقول إن ه موالتي ف -

يقول إن البواب قـد خدعـه .. )اتسع وجه شريفة باالبتسام ( .. وخانهم

:ضحكت شريفة بنزق ؟ وما حال زليخة-تبكـي زوجهـا .. أبوها حبسها في غرفة مظلمة -

تقول إنك قتلت زوجها مصطفى أغا إيداكش وابنهـا .. وابنها وهـو ال ، وأنك سوف تقتلين أبوها سـليمان البـواب ،مراد

..يستمع لصراخها وبكائها فتح الباب الموصل بين الفنائين فجأة وأطلـت منـه

:صيفة األميرة وهي تصيح في اهتمامو

سليمان أغا البواب واقف بالباب يريـد .. موالتي - .مقابلتك

:نع فيها الهدوءتحدث في رنة تصط.. له أنني ال أستطيع أن أظهر على الرجـا أخبري -

لو .. ا على موته أربعون يوم ولم يمض أنا امرأة مات زوجها .كان يريد أمرا عليه أن يقابل أبونا السنهوري

شعرت بدرية بعينيهـا تنجـذبان .. استدارت راحلة نظرت إلى قدميها فوجدت ..ا عنها إلى خطوات األميرة رغم

تجلـو وعادت ،هزت رأسها متعجبة .. إلنسقدمين عاديتين كان عليها آثار أقـدام ..لألرض حانت منها التفاتة .. األواني

قامت تجري تصطدم باألشياء إلى .. غريبة تشبه أقدام الماعز وقد شل لسانها مـن الرعـب حتـى ،دهليز القصر الداخلي

ففك لسانها وانطلقـت مـن فمهـا ؛اصطدمت بجسد ضخم ..صرخة مدوية

:وري في أحضانه وهو يهدئ من روعهاأخذها السنه كنت معها؟- . نعم-

وهو يقرأ على رأسها الفاتحة والصمدية إحـدى قال . مرةةعشر

ألم أمنعك من هذا؟- .تشبثت به وهي تفهق.. لم تستطع الحديث

-٢- بعد يوم مرعب أمضاه األشقر في عراك مع البواب

جرها بمقتل ابنها دون وزليخة التي ه ،لخطبته األميرة شريفة ر فـي وامرأته فاطمة التي كانت تـدو .. موتهمعرفة سبب

أمضـى ليلتـه لقصر تكنسه بيدها كمن أصابها خبل؛ أنحاء ا وكأنه يبحر في بحر من العمـاء علـى ،يحلم بأحالم مموهة

يقـاوم الشـياطين التـي .. الحد الفاصل بين الظالم والجحيم تجذبه عن خـط الصـراط إلـى ،أخذت تضيق على أنفاسه

وتناثر ، انفجرت عروقه ؛وقرب قوس قزح األصفر .. الجحيم وانطلق يسبح على الخط الفاصل بين بحـر الظلمـات ،دمه

.. وروحه تهوي في هاوية يشـتد صـقيعها .. ودائرة الشفق قام .. أدرك والبرودة تسري في أطرافه أن الهاوية هي حياته

يبحث عـن ، في قميص نومه وهو يرتعد من الحمى مهروال

وجـده ملقـى .. الغجريينصندوق الدنيا الذي اغتصبه من ا بـين حمله بين ذراعيه عـابر .. ل في غرفة الحرس بإهما حتى بلغ قاعة الشتاء المطلة على الحديقـة ؛هات القصر رد

دفع رأسه داخـل .. وضعه أمامه .. الخلفية لقصر دار السبيل شـمس، حمله إلى ضـوء ال .. الم ير شيئ .. فتحته الزجاجية

مد يـده فـي .. فرأى صورة ليس لها مالمح ؛وحاول ثانية حركه يمنة ويسـرة .. يحاول أن يضبطه دون جدوى هفتحات

وفي كل ،أخذ يعبث به بإنهاك شديد .. وفي جميع االتجاهات فال يرى سوى صورة ؛مرة يعود ينظر من الفتحة الزجاجية

؛ظل يحاول قرابة الساعة حتى أصابه غضب شديد .. ضبابيةودار في القاعـة .. فركله بقدمه ركلة قوية فسقط على ظهره

فكـر فـي .. يجب أن يفعله فسه وهو يجهد ذهنه فيما حول ن لكنه عاد ثانية إلى الصـندوق الملقـى ، السوق الخروج إلى

وعندما نظر شاهد أمامه صورة ،في هذه المرة قلبه .. أمامه وانكب في اهتمام ،اتهلل فرح .. للجامع األموي ومدينة دمشق

وجدته فـي ،فتحت زوجته الباب عليه .. يحدق في الصورة بجسـده قميصه الداخلي أشعث الرأس مفتوح الصدر مـائال

وكأنه غائب عـن ،على الصندوق ينظر من الفتحة الزجاجية .. الدنيا

:نادت عليه .؟ فلم يجبها سيدي ألن تتناول طعام اإلفطار-

مدت يدها تنبهـه فـي .. سؤالها فتقدمت نحوه تعيد قبضته وقبل أن ترفعها بوغتت بصيحة هائلة وهو يهز ،رفق

:أمام وجهه .. اغربي عن وجهي–

:تراجعت غاضبة وهي تصرخ فيه مش دفنت سـكينات فـي ظهـرك ، سألتك تأكل - ..خسيس أغا

احمرت عينيه بالـدم .. لم يجبها إال بصرخة أخرى فتراجعت خارجة فـي غضـب ؛تقلصت أصابع يده .. القانيعاد يلهث إلى صندوقه يحاول أن يحرك الصـورة .. خائفدار حولـه .. ودة داخله كما فعلت الغجرية دون جدوى الموج

يتحسس باهتمام بالغ يحاول أن يجد باب ا أو فتحـة ا صـغير ..يستطيع أن يدخل منها يده فيبحث عما يريد

دار حول نفسه وهـو .. قرب الظهيرة أصابه اليأس دار .. تصاعد البخار من منخاريـه ،يكاد ينفجر من الغضب

؛ح به في المـرآة رخ قبل أن يطو حول نفسه دورة وهو يص انتصـبت ؛وقبل أن يدرك ما حدث . ا مهشمة قطع تفتساقط

نظر إليها ببالهـة لفتـرة .. أمامه حية تزحف على األرض :حدثها.. أسه من هذا اللغز الغريبطويلة وهو يهرش ر

كيـف .. أقدمت من دمشق أم من أراضي الهنـد - أنـت .. وهل أنـت صـورة أم حقيقـة؟ ،حضرت إلى هنا

ن هذا ال يعنـي ولك ،رين على أرض الغرفة يتس.. تتحركينإذا .. التصاوير حقيقة أم مجـرد رسـوم هل هذه .. أنك حية

. نت حيـة كانت هذه البلدان قد انتقلت من أماكنها إلى هنا فأ ا ا أو نمر هندي أمامي أيضا فيال إذن جئت معهم وربما رأيت

غـرق ا من البندقية ي ربما نرى بحر .. ا أو باشا تركي أو قط .. التفت أمامه حول نفسها وسكنت تنظر إليـه .. القصر اآلن

أخذها .. تركها إلى لفافة ضخمة خرجت من أحشاء الصندوق حيث برزت مدينة البندقية العائمة على ؛بلهفة وفردها أمامه

سطنبول بمآذنهـا إ.. مراكبها التي شعر بانقباض لها .. البحر.. غابات الهند وراكبي الفيلة .. ة دمشق الشام وغوط .. العالية

.. ا عن صور بعينهـا كل هذه الصور مر بها على عجل بحث .. الصـرب .. بالد القرم .. عندما وجدها حملها أمامه كالمنوم

جـرى إلـى .. سبانياسهول إ .. الدانوب.. هنغاريا.. سنةالبومد عليها التصاوير وجلس كالصنم يحدق بها .. طاولة الردهة

مـرره علـى الـورق .. ثم أخرج خنجره ، يتحرك ساعة ال ا،ا الصور التي بهت أمامه المرسوم مخرج ا ببقيتها على وملقي

ا كالصـنم طوال يوم وليلة كاملة ظل األشقر جالس .. األرض أمامه ثم خـرج ؛ نظر سوى خادم العشاء لم يدخل عليه أحدا

لم يشعر به األشقر قدر ما شعرت به الحية التـي .. امرعوب شاهدها دون أن .. أخذت تزحف ناحيته تجذبها رائحة الشواء

.فلما انتهت نامت أمامه ملتفة حول نفسها.. يطرق له جفنا فاه بابتسامته الذئبيةنظر نحوها فاغر:

ربمـا .. اقترب منها برأسـه .. أنا ال أخاف منك -ماذا تفعل حية سـامة .. ي أكثر نأنت التي تخافين ـ .. مع روح هائمة لقـد .. ديقانبـل نحـن ص

إيـداكش استخدمتك األميرة شريفة في إزالة ابن فأزالت من أمامي أنا عدوها اللدود من الوجود؛

رفـع رأسـه فـي (..ا وبقى عـدو اآلخر عدو

لم يكن له في األمر .. البوابسليمان .. )الفضاء ، وكان الموت سيطوله دون أن يحلم بشيء شيئ،

ظة ما لـم لوال ابنته هذه التي فتحت أمامه في لح ..يكن ليحلم به طوال حياته

هـو يـرى سـهوال و. عاد إلى حالة الـذهول ي،ا ومراعي تمتد أمامه على أديمها العشـب وهضاب

وقمم صخرية ،وتحدها الحصون ذات األبراج العالية وأنهـار وجـداول ،عالية مكللة بـالثلوج البيضـاء

تحـيط بهـا ا وسـهوال ونهر يخترق وديان ،رقراقةحتـى .. طات وحدائق الفاكهة والكروم والقمـح غو

وطوال سـبعة أيـام .. أشرق عليه صباح يوم جديد شاهد الحرس ورجال القصر وزوجـة ؛وليالي كاملة

عاري الرأس ،ا في ريعان الشباب ا عمالق األغا شبح بقميص نومه المتسخ يجول بجنـون بـين الحديقـة

فـي شاهدوه يحفر .. وقاعة الشتاء لقصر دار السبيل وعنـدما حـاول .. الحديقة كومة هائلة من الطمـي

بعضهم أن يتقدم إليه لمساعدته أطلـق عليـه نـار وفـي الصـباح . ا وزبد فمه يتصاعد مهدد ،غدارته

وبعد يومين وجـدوه ،اختفى الطمي كله من الحديقة ويدخل قاعة ،ا يبحث عن عدة وأدوات غريبة خارج

وأدوات ،اشـاب وأخ ا صـغيرة أحجـار الشتاء حامال وبين الحين والحـين كـان . ومياه ،النجارة والحدادة

.. يخرج فجأة فيتحول القصر إلى جحيم من الرعـب وكلما حـاول أحـدهم أن ،صراخ وبارود وحرائق

كان ؛يدخل القاعة كي يخبره أن األميرة شريفة تطلبه وفي اليوم الخامس لم .يخرج ليجيبه بطلقات غدارته

سمع فقط كانت األصوات ت .ام واختفى تما ،يعد يظهر طرقات مكتومة وأصوات ولغة غيـر ..من الداخل وفي .. لغة قديمة لم يستطع أحد أن يفهمها .. مفهومة

اليوم السابع هدأت القاعة تمام سمع شـيء ا ولم يعد ين قد انتهى من خلق حلمه كا.. سوى الصمت المطبق

.. عهجضالذي أقض ما يغمغمافترش األرض متعب:

.. إال شهوتك إلى الموت..غاب كل شيء -* * *

-٣- ا على هذه القرى والمدائن ا أجعل منه ملك هبني ذكر

ا يحـارب هبنـي ذكـر .. وخليفة لعثمان األول وسليم الفاتح ها وأمراء ، ويحارب رؤساء ماليين الفئران التي تحتل الوادي

ـ هبني ذكر .. أنا التي تنتسب لنسل األشراف .. جندها ل ا أجع ، واألعراب الفرنجةا يخرج لقتال ملك.. ا على الوادي منه ملك

ا من العدم يجيء وإلى العـدم ا يورث ملكه وليس مملوك ملك .. يذهب

..فتح األشقر عينيه لم يدر من أين تأتي هواتفهـ .. ا إيداكش زليخة ذكر لماذا أعطى - ه لماذا لم يعط

انظر حبـات .. رلماذا أعطاني فتاة ال تساوي قالمة ظف .. لياللؤلؤ وفصوص العقيق والياقوت والمرجان والزمرد وقوالب

.. الذهب البراق .. اآلن يدرك من أين تأتيه هواتفه ..رفع رأسه ألعلى

كانت األميرة شريفة تسبح في فضاء قاعة الشـتاء بقـدمي ساحرة في الثامنة والثالثين من عمرها ترتدي غاللة .. عنوه

شعر بجـدران القاعـة .. لشمعي البارد رقيقة تبرز قوامها ا وعنـدما ضـحكت ،المعبأة بجذور العواصف تهتز وتتمايل

رفعـت .. جاوبها عواء الذئاب وبنات آوى وعواء الريـاح .. ثم اندفعت تختفي في أحد الشقوق،الحية رأسهاسوف نشتري .. من أجل ولدنا جمعت هذه الكنوز -، وننصـب والبارود ونجمع األجناد ونصنع الجلل ،المجلويين وأقيمـك علـى ، ونقتني القنجات المدرعة كفلكوشرالمدافع

؛ا على الـبالد رأس جيش يزحف إلى القلعة لننصب ابننا ملك سائرين ؛فإذا انتهينا يممنا وجوهنا شطر المقدس والشام وعكا

بك الكبير ومحمـد ى الطريق الذي سار فيه من قبل علي علي ترى بالدها أصـغر مـن ت، وكل الملوك ال بك أبو الذهب

.طموحاتهاتـدلى .. هز وجهه الذئبي .. اعتدل األشقر من رقدته

ثم ما لبـث أن ،لمعت عيناه بأضواء قوس قزح .. فكه ألسفل ا أزرق غاب في ضـباب شـديد ا وميض تالشى الضوء تارك

.االحمرار فغاصت عيناه ؛هبطت على صدره األملس تحتضنه

: يمسد شعرها الحالك السوادم وهوغمغ. في ابتسامة الموتى

ا اك بعيد مستحيا األ تبيض التماسيح وال تلدن وال - وال تهـاجر الطيـور فـي غيـر ،عن أنهارها .. وال تلد الحيوانات في األقفاص،مواسمها

؛ فاسـتطرد وقـد أمسكت به شريفة تستنهضه وعينـاه غائرتـان غـور ، وجهه كساء عظمي كسا

:لد الجثث المحنطةد أخضر جلده كج وق،الموتى ..أضحك إليه وأغضب فيه وحدي .. إن لي داخال –

.. حاجة إلى خصـاء ؟ الموتى ليسوا في نهل تعرفي يوم .. من أي شيء يخصون، وقد نزعت عنهم الحياة

ا بوابة منوف إلـى جئت من فوق مركب العبيد عابركنت أعلم أن موتي قد جرى منذ زمن .. قلعة إيداكش

قفـز ؛ن على ظهر مركب المجلوبين كنا اثني .. بعيدأحدنا إلى البحر ولم يجده الحراس وهو اآلن يعـيش

أما أنا فأعيش علـى ظهـر .. افي قاع البحر غريق صـباح دخـولي لهذا عندما أعلنـت .. ااألرض ميت

ن ؛ عجبـت إذ إ منوف من تحت األبراج بخصـيي األبراج التي كانت تنهض في مداخل المدينة الميتـة

إن كان لألحياء فيها ؛تعجب وحدثتها بتعجب حدثتني ب

وأنت عشرة أعوام والرغبة فـي خصـائي .. ذكورة .تنهش دمك

:صاحت بغضب .ما الذي تعرفه عما أريده.. أنا أريد.. أنت تريد– .ال أعرف سوى خصائي-.. أما اآلن فالبواب يريد أموالي .. نعم في الماضي -ـ أراضي الكشوفية دون أن يعط .. كنوزي أنـت ي شـيئا ين

.ه لييتستطيع أن تعط :يرا وضاقت عيناه واحمرتافكر كث

تتحرك باتجـاه ا وجيوش ، تتنفس حياء أنت تريدين أ -.. ونحـن مـوتى .. المدن تغزوها وتفتح قالعها الحصـينة

.. نق.. ضفادع.. نق.. نق.. نق.. مخلوقات ال تبيض وال تلد علـه هـو الذي نف .. ضحك ضحكة ثقيلة ثم توقف .. نق.. نقاألمـر .. أعطت زليخة إيداكش ذكـرا تسألين لماذا .. سفاد

كانت عينـاه .. ونحن لسنا كذلك .. بسيط ألنها من أبناء البالد .. غائمتين يتصاعد منها بخار كثيف أخذها إلى قاعة الشـتاء

وأنا أريد أن أعبـر ، تحكم ا تتنفس وملوك أنت تريدين أحياء اهل أصنع منهـا هضـاب هبيني مملكة فوق هذا الس .. موتي

هكذا تنشـب فـي .. ا وقالعا وأحراشا ووديان وسهوال وجباالألني فيهـا .. ألني فيها سأتخلص من موتي .. عروقي الحياة يعيش في مياهـه ا نهره وسمك ا يبيض بجوار سأصير تمساح

ا يلد في موطنه وحيوان،ا يهاجر في مواسمهوطير. .. فضـاء بنعومـة صعدت األميرة شريفة عنه إلى ال

:قالت وهي تدلف خارجة من النافذة وقد جمد وجههاا علـى وسأجعل منك سـنجق ، من البواب أنتهي –

.منوف تفعل فيها ما تريد ،بعد منتصف الليل تصاعد عـواء الـذئاب بشـدة

فـدخل النـاس دورهـم ؛وانطلقت العواصف في الخـراج ـ .. ومنازلهم مسرعين ر شاهدت فاطمة زوجها يغـادر القص.. ا إلى القلعة القديمـة بلطة في يده متجه تحت المطر حامال

وفـي ردهـات قصـر ،ظلت طوال الليل تدور في غرفتها لليل سـمعت عـواء وطوال ا . السبيل تنتظر زوجها الغائب

، المدينة وتصطاد الناس خـارج دورهـم الذئاب وهي تهاجم وفي الهزيع األخير من الليل تصاعد العـواء بعنـف حتـى

وشبح زوجها ،شعرت بأنوفها تحتك بالباب .. ب من بابها اقترأسـرعت .. يطل عليها من النافذة وسط خربشة حوافر صلبة

فال يرد أحـد ؛تغلق مزاليج األبواب وهي تنادي على الخدم ادت تنكمش فوق فراشها وهي تـرى ع ف .سوى عواء الرياح

وصـوت ، والجدران تهتز فوقها ،األبواب تهتز عليها بعنف يسـتريا صرخت في ه .. ا ينادي أن تفتح الباب بلطف زوجه وتضـرب مزقت مالبسها وشدت شعرها تنتزعـه . ورعب

فتح ويطل منه وجه شاهدت الباب ي .. بيدها وجهها وصدرها ثم وقعت على األرض ،فصرخت صرخة مدوية .. ذئب جائع

.ا عليها وسقطت مغشي،في نوبة صرع :لصباح دخلت عليها بدرية وهي تصرخ في ا

. سليمان البواب- ما به؟– .. قتل- كيف؟؟– ،الرأس متهشـمة .. وجدوا جثته في القلعة القديمة -

.. وفي رقبته نهش الديابة،والبطن مبقورة ببلطة :مطارق تدق رأسها وكأن ال، قامت األميرة فاطمة

.سيفتك بي االثنان.. الدور علي.. ين سيقتلون-

ـ وفـي .. ن المكـان قرب المساء اختفت األميرة مجدت معلقة تتدلى حيث و ؛الصباح تصاعد صراخ من الحمام

.من سقف الحمام منتحرة

-٤- .. من أين تأتي كل هذه األعداد الهائلة من الفئران ..

فتح عبد المحسن عينيه والعرق الغزير ينثال علـى بشـرة مد ناظريه إلى األمام يحاول الرؤية بصعوبة .. وجهه المقدد

شـاهد القـرى .. العرق المملح الذي يأكل عينيـه من خالل واألشجار تتناثر في الوادي تحد أطرافه في المدى قبة السماء

ا على الصاري كان المركب يندفع به فـوق مشدود. الصافية يشق الوادي بانسياب كحبة منـي ،النهر برتابة باتجاه منوف

نطفة حياة تخترق بحـر .. بقعة ضوء .. تندفع في رحم أنثى .ا بحر الظلماتشهاب يندفع في إصرار مخترق.. الموت

.. من أين تأتي كل هذه األعـداد مـن الفئـران .. شاهدها في البداية تطل في أعداد صغيرة من علـى سـور المركب قادمة سباحة من الشاطئ تصعد فوق الجبال المدالة

تجري هاربة من الضوء إلـى قـاع المركـب .. من جوانبه . حيث تختفي وسط جواالت الغالل؛المغمور بالظالل

.. تدافع.. بعد زمن وجيز كانت ترعى أمامه بالمئات فئران سوداء وليدة .. وقد تعددت أحجامها ،تتقاتل في شراسة

صـعد بعضـها إليـه .. وفئران بنية ضخمة ذات حراشيف .. تقضـم أطـراف أصـابعه .. القصيرة إغفاءتهيوقظه من

بغنج ملول على ذراعـه تموج .. تتراقص على كتفيه .. أذنيهـ ،وكتفيه ورأسه ة ثم ال تلبث أن تسكن فوقه في صمت معلق

محدقة إلى األمام تشاهد معه في كبرياء الجيوش ،من ذيولها التربة الحمراء الجافة المشـقوقة ،الغازية واستبداد الفاتحين

فأكلت المزروعات والحقول لضفتي الوادي بعد أن هاجمتها دت إلى األشجار والنخيل فلم ينتـه صع ثم.. أو تزر فلم تبق

وتـدلت ،الشتاء إال وكانت قد قضت على األخضر واليابس من مكانها ج وها هي اآلن تخر ،من األغصان كثمار ناضجة

كـان النـاس .. ال مطـر .. مطر... حاملة الطاعون للناس .. فيتساقطون كالموتى؛ينتظرون دون جدوى

ئلة من الفئـران؟ هذه األعداد الها ولكن من أين تأتي . وأين الرجل العجـوز؟ .. رحم موت ال ي ..جيوش ال تنتهي

حتى يمنع ؛ له سطح الصاري بالقار آخر مرة جاءه فيها طلى لكنه يراهـا لم تعد تصعد إليه تضايقه، .. فئرانعنه صعود ال

وقد تكـاثرت ،اآلن على سطح المركب قريبة منه تكاد تناله ري المتحـرك تتنـاثر الطحتى أصبحت اآلن كتلة من اللحم

تتـداخل ،الف العيون واألسنان البيضاء الحادة فيها وتتألأل آ ظل يحلم بها .. جميعها في نبضات وأمواج موجبة وال تنتهي

شعر بـأطراف جسـده تغـوص وسـط آالف .. ترتفع إليه كل خلية من جسده ارتعدت .. ارتعد.. القوارض واللحم البني

ن أن يغوص أكثر فأكثر في وهو ال يستطيع أن يمنع جسده م .. كتلة اللحم الفئرانية الطرية

لكنه لـم يلبـث أن ،ات المتوالية دغغبدا األمر كالد وعندما بلغت عنقـه .. جحيم من القسوة .. طاغ تحول إلى ألم

بحـر ، يتنفسـه كان اللحم القابض ينخر عظامه والهلع هواء رفع رأسه بأقصـى مـا .. يغوص فيه خشية أن يبلغ وجهه

.. زاهيـة ا يحبهم؛ أمه، أخته عائشة، ينادي أشخاص ،يستطيعكانت رأسه مفصولة عن جسده تسبح فوق تيار مـن ميـاه

أمسـك .. تقلبت أمامه وجوه أحبته وأحبهـا .. النهر الطازجة لكن هذا الوجه الـذي ، على صفحة الماء بوجه زاهية طويال

تحققت فيه كينونته ما لبث أن تالشى ليحـل محلـه وجـه ـ .. لم يشعر بالكراهية أو النفور .. بدرية ا ولكن كـان حزينته وشعور باالنتظار يتملكه كالمرة األخيرة عندما وعد ،اعاتب

فر لهـا لقد هرب وهو يغ .. أن تهرب معه وانتظرها ولم تأت .دون أن يعرف لماذا لم تأت

* * *

-٥- قفزت إلى الردهـة .. هبطت الساللم القليلة في عجلة

شعرت بقلبها يقفز في صدرها وكل شـيء فـي .. ةالداخلي وعلى باب غرفة الكـرار انتابهـا انفعـال ،جسدها ينتفض

لم تجد عبد المحسن بالغرفة التي اختبأ .. دلفت داخله .. شديدبداخلها عندهم من مطاردة السنهوري له بعد سرقته صندوق

.. اكان بابها الخارجي موارب .. نذور ضريح الشيخ الغضبان دارت بعينها في .. ت أنه خرج إلى المستنقعات المجاورة خمن

وتحت كومة القش كان ينبعث .. الغرفة تنظر أشياءه ومالبسه رفعتها مسـرعة فسـقط علـى .. بريق نصل من لفافة ملقاة

األرض خنجر معقوف صنع مقبضه مـن العـاج المـزدان

تـذكرت .. ا كريمة تها أحجار ظن.. بفصوص زجاجية ملونة علقته من .. قلبته بين يديها .. لقديم ورحلتها معه خص النهر ا

تعثـرت .. دارت حول نفسها سعيدة .. حزامه حول خصرها ندت عنها صرخة خـوف وهـي .. بشيء من الصلب البارد

وأمسكت بالغدارة بكلتـا .. تقف كالمسحورة تتحسس غدارته ا في زهو وخيالء تصـوبها إلـى يديها تسير بها جيئة وذهاب

نظرت إلى رزانة بالسقف ترى شمس الشتاء . .اءجميع األنح ا مصوبة غدارتها من رفعت يديها مع .تتوارى خلف السحاب

وإلى خيول السـحاب ،الكوة الجانبية إلى الطيور في السماء مسرعة نحو الجنوب،باوهي تنهب السماء نه .

عجبك؟؟-غادة في الرابعة عشر من عمرهـا .. استدارت إليه

ـ ،ب قامته الصلبة المديدة وهو يسد فتحة البا ا إال مـن عاري القوي المشعر قبل ها من صدره يمألت عين .. سرواله الكتاني :أن تجيبه بغنج

؟.. يعني ح تعطيه لي- :يث قميصه يرتديه وهو يحدثها بثقةدخل إلى ح

. نجيب لك واحد ذهب-

وعيناها تتألقان ال ترتفعـان ،ضحكت ضحكة ناعمة .اسها القوي بالغدارة إلى جسده وقد انتقل إحس،عن صدره

:؛ فانصاعت لهمد يده يأخذه منها كم قتلت به؟- اأجاب ثائر: .ني ما قتلتش حد آ- ؟والشيخ محمد علوان.. ح تكذب يا عبد المحسن-

. عن نفسناكنا بندافع.. آني مقتلتوش- . يعني قتلت--ا بس مش ظلم طبع. كـان .. تهم مش ظلم ليه هو قتل الناس على فرش -

.فيه إيه بينهم وبينك واحنا ،بياكلوا لحم الجاموس .. عندهم وما عندناش -

.مش القيين لحم الكالب والحمير . وصندوق النذور- .ثم إني مسرقتوش.. مال مسروق بيتسرق- خالتي؟ مين يا ابن أمال - . خالتيشي يا بنت مقول-

.. نظرت إليه بغضب- ..سنهوري كان يعرض بالشيخ ال

: صاحت مهتاجة حنقول ألغاز؟؟-

:أجابها بغضبالسلطان والمماليك .. ال ألغاز وال يحزنون .. أبدا –

المال وخراج األراضـي يأخذون.. وأئمة المشايخ ال يكفيهم ،كونا عريانين نأكل التراب تروالفرد والفايظ وما بيكفهمش بي

وفايض ،ال فايض الم ؛بيدوروا يسرقوا أي أمل أو حلم فايض بيفضـل عنـد اللي نه السناجق والمشايخ عارفين إ .. حالماأل

بيروح يطلبها من عنـد ولـي أو واآلمالالفالح من األحالم .. زرعوا في كل مقام صـندوق نـذور .. مقام شيخ مبارك

.. آمالنـا الصـعبة .. صندوق يبيعوا ويشتروا فيه أحالمنـا م حقـق عمرك شفتي مقا .. مال مسروق بيتسرق .. يسرقونا

وعمرك شفتي شـيخ مـن .. أحالم شاب أو أمل راجل فقير فقيـر أو .. القايمين على مشاهد األضرحة واألولياء جعـان

أصـحاب .. سـالطين .. أغنياء.. مش القي يلبس؟ بالعكس .جبروت

. يا سالم بتحلل لنفسك الحرام-.. السـرقة .. القتـل .. إيه مش محلـل النهـاردة - بعد أكـل القطـط إيه.. الجلودقلع العيون سلخ .. االغتصاب

..والكالب وجثث الحمير . كان يلهث وعروق رقبته تنتفخ من الغضب

:سألته غضبان؟؟– .. الغضب.. ؟ امتلكته حالة من الهياج ...غضبان -

الغضب هـو .. الغضب عمره ما بيتركني لحظة ..هو اللي بيدفعنا لالنتقام.. حياتنا

:ا توقف مستدرك .ي نزلك؟نت إيه الل إ–

جلسـت .. وذهبت إلى ركـن قصـي هزت كتفيها :معاندة

.. أنت زعالن؟- : ضحك

. أمك مش حيبسطها تجالسي مطرود- :افتر ثغرها عن ابتسامة واسعة

.. ني قاعدة مع ابن خالتي آ- :واستدركت

.. شوفمان جوزها كان حر ك - . المنصور- ؟..ماله.. استطردت غاضبة.. المنصور.. أيوة-

ق وجه عبد المحسن كأنه يرى أمامه الوجه الذي أشر الهاللي سـالمة، والزيـر سـالم، وشـيحة تخيله ألبو زيد :والظاهر بيبرس

مخاوي الجان .. المنصور كان أشجع رجال زمانه - عند األولياء محبوب عند سيدي حظوةصاحب .. والعفاريت

فـارس ، مقدم عند سيدي أحمـد البـدوي ،إبراهيم الدسوقي العرايـا .. يأخذ اللقمة في فمه قبل ما فم الغالبة يشبع ماكنش

ال من ما عرفوش أثواب الحرير الدمشقي والقماش المقصب إ ني فاكر أمي كانت تلبس منديل آ.. إيدين المنصور أبو حجاج

.. بسه ساعة العصاري حرير سمني مشغول بالترتر تغسله وتل .. لي لـي تقوم تقـو .. مه منين جبت المنديل ده أقول لها يا ا

.. األكتـع .. أقول لهـا .. اسكت يا واد دا من أبوك المنصور دا .. ننـي ياك تنقطع دراعاتك االت األكتع.. ترد علي بغضب

.. هم المماليك قطعوها من شوية .. ةيخسيد الرجالة أبو إيد س .. خافوا لحسن الناس تاخد على األكل واللبس يحسوا بفقرهم

ة يأكلوا فيهـا مصـارين خافوا لحسن يعلم الناس يقوموا قوم ، وله في بالدنا بيهم ربنا بال .. دول الطاعون يا ابني . .بطنهم

. ما أذنش يرفع البالء عنهاولسة.. مشيئته حكمة :اراتسعت عيناها انبها

. بتتكلم عن أبويا– - اطبع. وإزاي عرفت كل ده؟؟ - ..عم صالح -

- ....

صالح كان رفيق عـم المنصـور أبـو أيوه عم - .حجاج

. ومين كمان- . الشيخ المرسي- حرفوش؟- . في جماعتنامقوص، وأحسن أيوه- . شيخ حرفوش-

.. مادام فيه شيخ حرامي شـيخ ظـالم .. إيه وفيها - يبقى الزم يكون فيـه ؛م من المماليك أتباعه أجر شيخ متجبر .شيخ حرفوش

:قالت بغضب ساذج تقصد مين يا شيخ عبد المحسن؟-السنهوري يبقى الزم يكون فيـه مادام فيه الشيخ -

.. الشيخ رضوان المرسي والمصيلحي وغيره وغيره شيخ الغبرا؟.. مين الشيخ المصيلحي و-.. مغنـواتي .. بس مقوص الشيخ المصيلحي مش -ورطة مـن كمين أل لما بنهجم على قصر أو نعمل .. تعرفي لما يخرج ،لما نقطع أذن أو نجدع أنف واحد منهم .. العسكر.. الرعـب .. واحد ألول مرة ينزل عليه سهم الخـوف معانا

.يتجنن.. ويمكن يبول على نفسه أو يصاب بلوثة :سألته في شغف

. ليه-خـوف .. ي آدم بيركبه الخوف في اللحظة دي البن -نـي لـو إ .. أل نفسـه بيس.. خوف من المجهول .. من بكرة

دلوقت نايم في داري كنت ضمنت على األقـل أن الصـباح

؛ ألنه لي بكرة كنت ضمنت كل شيء حيجرى .. ييطلع عل حل يعني القبـو .. والسنة الجاية زي اللي راحت ،مبارحزي إ

.. سـجن؟ .. جسر المجهول باللي الواحد فيه أطيب من تعدية كل شيء يخلي اإلنسان يفقـد .. خوزقة.. ؟..سحل.. تعذيب؟

حياة .. يتمسك بالحياة .. قميص الشجاعة ويلبس عباية الجبن حكم الحياة بنلبسها يا نبلي .. الموت اللي بيهرب منه أسوأ من كده يا تبلى علينا وحياة الحرفوش ظالم وليل علشان .. جواها

بو زيد الهاللي وعنترة والظاهر الزم نالقي واحد فينا يغني أل وال ، علشان الفالح اللي عمره مـا مسـك بـارودة ،بيبرس

الزم .. مملـوك ، واللي عمره ما رفع رأسه فـي وش فيسضوء .. يكون هناك ضوء بعيد علشان ما يعبر مغارة الظالم

فالح سبقه ورفع سيفه في ..مسرجة في قلب الزمن .. خافت.. األكتـع المنصور .. ومسرجتنا هي المنصور ،وش جالديه .أبوك.. المخصي.. األخرس

، وصـدرها يعلـو ويهـبط ،كان يسبح في عينيهـا نحوه تقـبض بكلتـا تاندفع.. وأنفاسها تتالحق من االنفعال

:يديها على يديه

.. جي معاك يا عبد المحسن آني حا .. خذني معاك - .خذني معاك.. أمي عايزة تجوزني للسيد البقلي

؟؟..فين.. آني- .. آلخر الدنيا -

صعدت تدب فـي … وقبل أن تسمع رده ولت هاربة مما أثار العجب فـي ؛ والنعاس يمأل حواسها ،الدار بال هدف

ومألها بالهواجس ألشياء تجهل ما هي وتعرفهـا ،نفس أمها قامت إلى السنهوري تخبره برغبة البقلي فـي . في آن واحد

ضـحك .. وبدرية منكسة الرأس غاضـبة ،الزواج من ابنتها ـ ا الليلـة السنهوري وهو يخبرهم أن البقلي قد فاتحـه أيض

.الماضية :صاحت صديقة منفعلة

. وإيه اللي أنت شايفه يا سيدي- :أجاب بمكر وهو يمسد لحيته

وإيه اللي شايفاه أنت يا صديقة؟- ا ضربت فخذها بصفحة يدها وهي تشيح بوجهها بعيد

:عنه . الجوع بيحصد الناس زي فالح غشيم-

: استطردت من طرف خفي تستفزه . والبنت ملهاش ال حسب وال نسب وال حد يحميها-

ااحمر وجهه غاضب: صديقة؟ يعني عايزة إيه يا - . البنات ملهاش إال الستر-

:صرخت بدرية بميوعة .. مش حاتجوز حد.. مش حاتجوزه-

نـت عليـه ارتك.. قامت تجري ناحية السـنهوري :بجذعها تحتمي به من أمها

حاشـتغل خدامـة .. أنا حاعيش أخدم أبويا الشيخ - ، وأكبس جسـمك ،قاتكأغسل خل .. لك نعليك امسح .. عندك

. وأخذت تبكي..ز الغرابلكن ما تبعنيش لبو :قفزت عليها أمها تضربها بالمركوب

نـي آ.. بوز الغراب يا مايصة يا مايعة بتعيطي يا - جذبتها من شعرها تجرهـا علـى األرض بغـل .. حاربيك .حامرمط بيك األرض.. شديد

اصاح بها السنهوري غاضب:

بتضربي البنت في حرمتي .. جرى إيه يا صديقة -نـي إيه في محمد أبو الفضل آ وحنعمل ،طيبما تلمي نفسك

.أعطيت أبوه كلمة :صاحت صديقة بغضب

يا موالنـا السـيد .. لما يالقي يأكل يبقى ياخدها - ويخاف منك ويعمـل لـك حسـاب ،البقلي صاحبك وأخوك . فيهعايشة الخراب اللي وحيعوض البنت عن

عرت حتى إنها ش ؛لوهلة توقفت أمام تهجم السنهوري :قبل أن تنطق قاطعها. .بالخوف

..خالص أمال هي عايشة معايا ليه - وشـاع ، وعندما أشاح عنها بوجهـه اطمأنـت

وتابعته وهو يأخذ بيد بدرية سـائال ،بداخلها الهدوء . خلوته ودلف داخال،إياها أن تجهز له النصبة

فـي أحـد كيف وهناك رجل يختبـئ . لم تنم ليلتها لـت تتقلـب علـى فـراش ظ.. الدار الضخمة حجرات هذه

تخـتلط أحالمهـا ؛الحصير وهي تسبح في خياالت بهيجـة ويهاجم المارة وحراس المدن ،بسحر حرفوش يقاتل العسكر

.وينقب جدران دور األثرياء المتعجرفين

، واسـتيقظت مصـدعة الـرأس، نامت قبيل الفجر عبرت الباحة الداخليـة لـتمأل . غسلت رأسها بالمياه الباردة

ن عين بناها السنهوري عندما شحت الميـاه فـي الجرار م خلفهـا و وهي تـدلف ،لم تلحظ الحاجة مشكورة .. األراضي

عبد أسود يسوق عربة يجرها حمار محملة بالغالل والطعام .. واألقمشة

وكأنهـا ،عندما رأتها صديقة قادمة تنفست الصعداء ينتشـل ة يقترب كـي وهي ترى طوق النجا ،تحيا من جديد

تقدمت إلى العجوز بتصميم تستقبلها .. ن يم بال قرار ابنتها م ؛ مما جعل العجوز تؤمن بأن طلب سـيدها قـد بترحاب بالغ

فرأت العجوز وحولهـا ؛خرجت بدرية لصحن الدار .. قضيوفتور والمـرأة تسـرع نظرت إليها بكراهية .. هدايا البقلي

:نحوها بترحاب .. بعروستناأهال.. أهال.. أهال-

:ا بدرية ببرود قابلته فين العروسة دي؟– يا ما شـاء اهللا عليـك .. هو فيه حد غيرك .. أنت -

.وعلى أصلك

. منين بقى عندي أصل- ..نظرت إليها أمها بغضب

: قالت وهي ترى مناكفة ابنتها ليه يا بوز الغراب دانتي أصـلك أصـل الكـرم - .والشرف

وصـاحت ، وضمت حاجبيها ألعلى ،تغضن وجهها :اا وعيناها تطلقان شررفي أمه

.النشع رأسها في األكتع بنت منصور - :صاحت بها أمها تكبحها

يجيب عرق أبوك فيك ،خص عليك وعلى تربيتك إ - ..العار لبلد

: قالت في تكبريرضيك يا حاجـة .. بلد أيوه أهو أنا كده بقه أعر -

مشكورة عروسة تعر عريسك الشهبندر؟ا كبيـرة ي تنتظر حلوان ضحكت الحاجة مشكورة الت

..من البقلي إذا تم الزواج : قذفتها أمها ببلغة قديمة

. قومي يا بوز النحس-

ذهبت بدرية إلـى .. سمعوا باب الدار يطرق بلطف ا حديث السن يقـف وأمامها وجدت شاب ،الباب تفتحه ضاحكة

عندما وجدها أمامهحمر وجهه خجالا.. امتردد : .. شيخ محمد-

:بصوت عالحكت ض .لسه جايبين في سيرتك.. يك الخيرزيك دانت ف إ-

يده ا وقد عاودته الثقة في نفسه يحمل في دخل فرح :لفافة بداخلها عقد من الخرز

. يا ترى بالخير وال بالشر- :قاطعته األم بحدة

. ومنين حاييجي الخير وبوز النحس دي هنا- : التنكيتقال محاوال

نا نأخذ النحس ، إح تجيب النحس إذا كانت يا خالة - .. ونخلصك منه

يا أخي يـا .. عايز تأخذها .. مستعجل عليها قوي -ال تعليم المشـايخ ، وا هي دي تربية القوادم .. خدك عزرائيل ، واحمـر أصابه االضطراب ؛ إذ ولم تكمل .. وأبناء األصول

..وجهه

: فعقب أن تكون صديقة قد فهمته خطأ خشيدي هـاتنزف فـي .. خالة يا ني حاخدها كده هو آ -

.. بعد يعني أبويا وأبونا الشيخ،زفة ما شافتهاش منوف :قاطعته في غضب

يا أخي يزفها الطاعون هو ده وقته يا شيخ محمد - ..يا كبير يا عايق

لكنها كانت هي األخـرى ،ا نظر إلى بدرية مستنجد وكـأن مـا ،تنظر إلى أمها وإلى محمد وهي تضحك بحبور

..ضيهايجري ير : استطردت األم ساخطة

.ده ال وقت جواز وال هزار.. دلوقت قوم روح - : ثم استطردت وفي صوتها رنة إشفاق

، مش وقت قوم يا شيخ محمد ده وقت غم وحزن - واألرض الشـراقي لما تالقي شربة مية، .. فرح

.. ساعتها يكون أوان الكالم عن الجواز ؛تخضربنـي البنـات إذا كنت مستعجل على الجواز يا ا

الحواري مش القية حد يشـتريها بنصـف مالية ..بارة

. تركته خارجة تودع الحاجة مشكورة وقـد ألجمتـه ،اوقف محمد أبو الفضـل مصـعوق

لخلفـي أخذته بدرية من يده وجذبته ناحية الباب ا .. المفاجأة :تدفعه إلى الخارج

. أنت زعالن يا شيخ محمد- .. بس.. أل.. ني آ-طلعـت همهـا .. دي أمي أصلها تعبانـة يا شيخ -

مـين اللـي .. يوه أمال لو مكنش أنت حتسـحملها .. عليك .حيستحملها بس يا محمد

أيوه يا بدرية بس هو آني عملت حاجة؟- فتطايرت ؛شعر بيدها تضغط على كفه ضغطة خفيفة

.ه منذ لحظات وعاد إليه األمل والفرح الذي فقد،مخاوفه هـو أنـت .. ماوات بقى يوه يا سي محمد شغل ح -

التي تتيه به هوى ةنظر إلى الفتاة الصغير . يعني مش عارف إنها تتحدث بلهجـة .. وقد عادت لنفسه كل فرحتها ،اوغرام

انقض يلثم يـديها .. العارفات الالتي عرفن الزمن واألحداث .وهو يحشرج مهتاجابوله

. تسيبينيأوعي.. ني بحبكآ.. آني بحبك يا بدرية-

لمحـت السـة .. ت يديها ينهمر عليها بالقبالت تركلـم تأبـه بهـا .. وتأخذ في السـقوط ،العمامة ينفك طرفها

سحبت يـديها .. وارتسمت على وجهها ابتسامة واسعة سعيدة اعلى مهل وهي تدفعه خارج:

ا دا يا خوي .. أل.. أل.. أل.. يا لهوي يا شيخ محمد - .. منكزعالنةأنا .. يوه أنا زعالنة منك.. أمي تذبحني

؛ فعـاد يسـتغفرها كاد قلبه أن يتوقف عن الخفقـان ر منها على وقبل أن يستفس .. ل على وجهها طفح المل .. ذنوبه

:سر غضبها قالت في حزم يا شـيخ خالص بقى .. ماعدتش زعالنة .. أل.. أل -

.نت عملته تاني، بس ما عدتش تعمل اللي امحمدـ وطفر الدمع من ، سقط قلبه بين قدميه ا عينيه طالب

:للغفرانن أنا زعلتـك وال ينقطع دراعي إ .. يقطع لساني - .أي واهللا صدقيني.. دا أنا مركوب ليكي.. غضبتك

* * *

تلمست خطواتها في ؛عندما عادت للنوم بجوار أمها .. القاعة المظلمة على ضوء القمر القادم من كـوة السـقف

.. جسدهاشدت الغطاء المهلهل القديم تغطي :همست.. ت بها أمها مستيقظة تنهنهر شع

..بدرية يا بنتي.. بدرية- .. أجهشت الفتاة بالبكاء

؛استدارت صديقة تأخذ ابنتها في حضـنها بحنـان وأمها تمسـد ،فاندفعت الفتاة تبكي على صدر أمها العريض

، مـرة ةقرأت الفاتحة والصمدية إحدى عشر .. شعرها بلطف :لتي كانت تنهنه في هدوءالبنتها اوعندما انتهت قالت

لواحدة منا ستر، مش ديك جميـل يا بنتي الجواز ل - كـل مـا كـان الجواز بيت ننام فيه وجدار .. راخ الف يفرخ

والنهاردة النـاس عـادت .. عريض كل ما حمانا من الزمن وفـي ،وكل يوم تختفي نـاس مـن دورهـا .. تأكل بعضها

.الخرايب بتزيد العظام والجماجمد ودفنت بدرية جسدها في جس ،ايهما مع اقشعر جسد

:استطردت األم.. أمها تحتمي به

البقلي حيكون آخر الناس اللي تأكل لحـم النبـي - ..ينيآدم

وإنما راحت ، لم تنبس بدرية بعالمة اعتراض واحدة وبعد قرابة الساعة شعرت بها أمها ال تـزال .في نوم متقطع

ـ ؛تشهق من البكاء وهي نائمة د قـراءة الفاتحـة فأخذت تعي ..والصمدية وهي تمسد جبينها

فرأت نفسها تسبح فـي رواق ؛هاي فتحت بدرية عين ضـمها الشـيخ .. ودبيب لذيذ يسري في جسدها ،من النور

محمد بخجل وهي تستسلم للنشوى التي يبثهـا العنـاق فـي فأبعدته فتراجـع الشـيخ ؛ وشعرت بالناس تلوح لها ،الجسد

ساد الظالم وجسـدها يرتخـي .. بالا مكروب ال الشاب حزين ..وتمددت تغط في النوم

لم تلبث أن عادت تسبح ثانية في ذات الرواق الذي تزينه الزخارف الملونة حتى أفضى بها إلى بركة من النـور

،وجهه األشهب تلوح منـه الصـرامة .. األبيض يصعد ثانية وجسدها مشدود إليه تحس بثقله يصعد بها بين الفرح واأللـم

وفي الصباح عندما اسـتيقظت ،شعرت ببطنها ينخلع .. امع وفي سروالها بقعة كبيـرة ،أحست بالبلل الرطب بين ساقيها

ـ صاحت جزعة .. من الدم الفاسد ري إلـى أمهـا وهي تج :كشخص يرى حياته تفقد

.حموت.. أنا حموت يامه.. أمي شوفي- .. نه الطمث ال تجزعي إ-

-٦- عاد إلى ؛ الفراش الوثير عندما تمدد السنهوري على

والبقلي يفاتحه في الزواج من ،صدره ضيقه الذي تمكن منه وكـان ،اا مكشوف فاضح بدرية وهو يتغزل في جسدها غزال

ا على جمالها وخفتها وحـالوة كلما ألح البقلي في طلبها مثني كلما عصفت به الغيـرة ، ورعونة جسدها الخيزراني ،غنائها

لصمت وأفكاره تأخذه بخناقها اوأشاح عنه طالب. فهـش بيـده ؛فبرز له وجه إسماعيل بيـك .. غفي

افتراجع الشيخ مبتعد، ا ثم حل محله وجه إبراهيم بيك كبيـرمدور اا مبتسم. كان الوجه يعلو منحني ا عنـه بـذراع ا مرتفع

شـا وفي كمشـوش .. يهبه العطايا والمنح واألراضي والقرى اختفى وجـه إبـراهيم بيـك ثم.. وبهواش وأراضي السدود

وقـف .. وتحلل شبحه على مئات األفدنة الجيدة األراضـي

وما ،ا إياها سار مخترق .. ا هائال السنهوري على رأسها ضخم وظلـه ، كان يكبر ويلهث ويجـري .. لبث أن جرى وجرى

يكبر كبر وسار يسمع صوته فـي ، حتى غطى القرى ؛اا عتي ،شياء ومحـرك األمـراء مالك األ .. أنا السنهوري .. الفضاء

ويرسل له صاحب ، تنحني له سدة الوالية ،وصاحب المماليك أنا الذي يملك ومنه تأخـذ النـاس شـرفها .. السلطنة التحايا

.. أنا الذي يحمي الغزالن التائهة والظبيان الضعيفة .. وحسبهاجرى وجرى حتى سقط على األرض ال يستطيع التنفس، في

..دمت له القهوة حيث ق؛الصباح دخلت عليها صاح متعب:

. واهللا تعبت- :قالت ببشر ضاحك

. دانت صحتك زي الجمل يابا الحاج- . البقلي فيك إيه إلى مش عاجب- .. إيش يعجب الغزالن في الخرفان-

:ضحك بشدة.. ضحكيبقى كيفك وغرضك في محمد .. يعني مش عايزاه -

. عطينا ألبوه كلمةإحناأبو الفضل

: قالت بخبث فكرت ثم .. هو ابن عبد الرحمن مقامك يابا الحاج-

ضحك طرب قال يغيظها.. اا سعيد: ليه هو أنت بنت مراد بيـك واال إبـراهيم بيـك -

. فكريني إذا كنت ناسي :قالت دون خجل

لكن أنت فـي مقـام .. صحيح أنا مش من مقامك - .يفيض علينا مقامك وظلك.. اأبوي

.كبسينيطيب يا ملعونة .. طيب- :قفزت نحوه

. عيني يابا الحاج- :قالت بغنج

؟ نقدر نعصي لك أمر- والطبيعـة ،استدار ينظر إليها وهي تكبس له قدميه

ا تتناثر فوقـه نجـوم تدقه بأمواجها فتعكس على عينيه ظالم يشـاغلها ؛ ظل يقاوم وكأنه مقيد بثقل يشده إلى أسفل ..المعة

مألها .. تبتعد دونما سبب تقترب منه و .. ويؤخر ذهابها عنه شدت جذعها لإلمام وقـد امـتألت .. إحساس تجهل رائحته

زهو وعقلها يخمن بـأن العجـوز ،ا بتفاهة الشيوخ ا وإحساس مالت عليه تسحق نهديها .. لكأنها تبلغ عنان السماء .. يراودها

.. على جسده وهي تحضر صينية القهوة من الجانب اآلخر له لمحها تبتسـم بنـزق ابتسـامة ؛ عنه اوعندما استقامت بعيد

.انتصار قوية* * *

ا عندما استقبلت صديقة ابنتها كان الليل قد تأخر كثير، تحدثها فـي كبريـاء وزهـو ،وهي على حال غير الحال

:وعندما سألتهايا رب يكون كسـر لـك .. قالك إيه أبوك الشيخ -

.دماغك الناشفة اللي زي الحجر وخالكي تسمعي كالمي :بصوت بارد قاطعبتها أجا .اسمع كالمه.. اطبع.. كالمه.. هيء-

تلحظ رنة السخرية في قالت صديقة مندفعة دون أن :صوت ابنتها

دا البقلـي زيـن .. يعني خالص ريحتـي قلبـي - .. كل أميرة في البلد تتمناه.. الرجال

:أجابت بدرية في تحد

مش حتتجـوز البقلـي أروح األكتع بنت منصور - األكتـع بنـت .. وغني بغنـي .. عجوز بعجوز .. د ليه لبعي

..هتتجوز السنهوري نفسه : ضحكت األم لجهل ابنتها

ده أبـوك .. واال اتخبل عقلك دا أنت الزم اتجننتي - .. وصةيا مفع

صـرتها هزت بدرية كتفيها وهي تضع يديها في خا :تهز أردافها وتتحدث بسخرية

بيعمل إيه؟اكنت تعالي شوفي أبوي.. أبوي.. هيء- :نظرت لها صديقة بحب استطالع

يعني حيعمل إيه؟- :وهي تتمدد بجوار أمها.. استهزاءهزت كتفيها ب

وال حاجة يعني حيعمل إيه؟.. هيء. . هيء-* * *

-٧- شاع في القصر عزم السنهوري السفر إلى القـاهرة

دخلت عليه صـديقة .. اء اهللا لمحاسبة عماله على مشاهد أولي :غاضبة

. حتسافر من غير متقرر شيء من أمر ابنتك--ا أجابها متجهم: أنت مستعجلة على جوازها ليه؟-

:صاحت بغضبأنا اللـي .. ت يهمك إيه فيها ا وأن طبع.. مستعجلة -

ربنا يغفر لـي ويريحنـي مـن .. حمول الدنيا لوحدي شايلة .العذاب

. وليه كل ده- لكـن ،ب لوالك كنا طعام للكـال عارفة.. عارفة -

. عليها يا سيديقادرةاعمل إيه ما عدتش : قال بصوت بارد

.ستأتي معي للقاهرة.. خليها تجهز نفسها للسفر– ا مستسلمة تعبة سقطت يدها جانب:

اهللا ترميهـا فـي إنشاء ، خذها مطرح مانت عايز - .المهم خلصني منها.. البحر

. في طلبهاأرسلي.. هو ده اللي أنت عايزاه-تى اندفعت بدريـة صديقة ولم يمض وقت ح خرجت

:من الباب مش كده؟.. حاتخدني معاك مصر-

:قال وقد انفكت أساريره . نعم جهزي نفسك هنسافر بكره الصبح–

.. بـوس في آخر الليل قابلتها أمها بوجه غاضـب ع :حدقت فيها وهي تتأهب للنوم

لما تدوري فـي ، وخسرت جوازة فرحت بمصر - بيكي جاريـة مش حتالقي عبد أسود يرضى بالد المسلمين

.مش مراتهدهشت األم وهي تستمع البنتها تجيبها بضحكة عالية

:، لكزتها في خاصرتها وهي تدمدممليئة باالستهتار.. يلعن اليوم اللي جبتك فيـه اضحكي.. بتضحكي -

مصر رايحة. نفسه مش حيرضى يبص في وشك الكلب بكرة

".. جاتلم المتعوس على خايب الر ا.. "تقابلي محمد أبو الفضل ؟فكراه حينفعك

ية ألمها متغاضية عن إهانتهـا لهـا، استدارت بدر :حدثتها وعيناها تلمعان

بنتك ما تبصـش .. محمد مين وهباب مين يا أمه – وحياة ذقنـك دي .. مدت يدها لتمسك بذقن أمها .. التحت أبد

..الزم أخليه يتجوزني : شهقت صديقه بعجب

؟ ده يا بت اللي الزم يتجوزك هو مين- :قالت بدرية بغنج وهي ترقص

هيكون مين يعني؟.. هو فيه غيره- .ضحكت غير مصدقة.. خمنت صديقة قصد بدرية

: صاحت فيها بدريةهو عـايز جاريـة .. اه ليه فكراه واخدني مع أمال -

.ني بدرية بنت المنصورآ.. تخدمهـ .. لم تستطع األم أن تتوقف عن الضـحك رت نظ

:ها بغضبسألت.. بدرية إليها دهشة . بتضحكي على إيه-

: أجابتها األم بنزقاتجـوزي إن .. ختي زيادة الخير خيـرين ياال يا ا -

أمضت بدرية ليلتها وكأنهـا عثـرت علـى .. كنت تقدري شعرت بالخوف من الطاقة السـحرية .. مصباح عالء الدين

رأتهـا .. اهر ستسخره لخدمته التي فتحت لها عن مارد ال يق هي تهتز في نومها ضامة جسدها منكمشة على نفسها أمها و

،كانت تضم قبضـتها بشـدة .. انكماش الجنين في بطن أمه وجسدها كله يرتعد بالحمى حتى ال تهرب منها هـذه القـوة

.الهائلة التي اكتشفت وجودها.. هذا الحرفوش الصغير عبد المحسـن لأي ضآلة -

ا مـن ا في العراء مطـارد يدمن يرغب أن يعيش حياته طر عبـد .. أحمق مـن يعـاديهم .. فكرت.. المماليك والمشايخ

ـ أخبرته بأنها ستلحق به فـي أرض ال المحسن الذي ؛وددسسياط .. أعواد المشانق .. ليذهب إلى قدره .. ال.. حيث يختبئ لكنه لـن سوف ينتظرها قليال .غياهب الزنازين .. الجالدين

أيها ...صرخت في ذهنها . يموتينسى أو .. يلبث أن يرحل في ستين داهية من يرغب .. عبد المحسن .. العقل فيما تفكر

تـرويض الشـيخ .. أمامها صراع طويل .. من يرغب .. به .العجوز

ظلت صديقة تمسد رأسـها وهـي تقـرأ الفاتحـة وكلما أوغل الليل كلما استكانت في هدوء وهي .. والصمدية

المشـاعر التـي .. لليل الفائت ا نحو أحالم ا تندفع بثبات بعيدفكـرت لمـاذا ال تحـتفظ .. احتفظت بها من عبد المحسـن

قامت غاضبة من .. واللص الشاب .. العجوز الكهل .. بكليهما.. نظرت إلى نفسها في المرآة بجنـون .. نفسها ومن أفكارها

في الباحة الخارجيـة سـمعت .. سألت من عساي أن أكون جذوع أشجار الكافور ضربات البلطة وهي تضرب بقوة في

رفع رأسه .. نزلت إليه تشدها قوة شبابه ورجولته .. الضخمة وعندما اقترب منها وقد مزقه الهـوى ،كان ينتظرها .. إليها

يحاول أن يمسك بها ويضمها لصدره المشتاق انفلتت منه في .. رشاقة مصطنعة العفة والحياء

.حنتجوز وأكون لك.. لما أجيلك.. ت مش دلوق- ولكـن ، ثم عاد إلى عملـه، ر إليها غير مصدق نظ

وعندما استكانت ألحـالم .. عنف أحسته ...بعنف هذه المرة سوف يرحل .. ا ومن وعودها له فكت قيودها منه تمام ؛الليل

.. وسأرحل أنا إلى مصر مع العجوز المخـرف .. عما قريب . طلقت تجري على أطراف أمواج البحروان.. كل لقدره

-٨- س في عينيه والمركب تنثني مرة باتجاه غامت الشم

شعر بعينيه وقد طفـر منهـا . ومرة باتجاه الشرق ،الغرب ؛ عنف نفسه ،الصديد يصعب عليه أن يفتحها في وجه الشمس

فما بـالي أنـا .. كيف إلنسان أن يفتح عينه في وجه الشمس فلما انحنت ثانية عائدة باتجاه الشمال تنحت الشـمس .. أفعل

..عن وجههال .. كانت نـزوة ..ا منها تح عينيه لم يكن غاضب ف

ا لـك من كان يرضى أن يكون رفيق .. ابتسم.. تستحق الحب زاهية وحـدها هـي .. ا على صاريك هذا أيها األحمق معلقها هي بدريـة ثانيـة .. حال ا على أي لكن كان تعيس .. حبه

تجري مبتعدة على أطراف أمواج البحر، تصعد قمم الجبـال وتوغل في غالئل ، وتمسك بأعمدة الرياح الصاعدة ،الموحشة

نجمة تسعد .. الليل مرتفعة تتسلق السماء لتصير نجمة المعة .ا آخرا ويصيبها الملل حينبألعابها الجديدة حين

عندما تركته سابح ا مصلوب لم تعد ؛ا فوق النهر ا وحيد عادت إلـى قيودهـا .. تشعر بالقلق إذا ما كانت تحبه أم ال

.. لحظتها أيقنت أن ما أمسكت بـه هـو المجهـول .. نيةثا وهبطت في قبر الدهشة وهي تلمس قطرات ،أصابتها رعدة

،المياه والغبار التي تناثرت على أجـزاء جسـدها الصـغير وتحدق أمامها في أفق ال نهائي وبحر عميق ال يبحـر بـه

فقامت تدب بقدم علـى جـرف مـن ؛شعرت بوهن .. أحدري إلى الجسد الضخم الذي تجمع أمامها الصخور الحادة تج

ب الثلجي ألسنة النيران تحيط بوجه األبيض األشه ا هائال قوي .يده على الفالحينوقد بسط

ماء عجوز تجلس على ناصية الس صاحت بها ساحرة ، عت من العـدم نا ص أوهام إن ما تركته ليس إال .. واألرض

دي إليـه اصـع .. ن ما رأته رؤى للصالحين والصالحات وإ ودوسي على صخور الماء الحادة وسـل ،بقدميك المشقوقتين

، ظهور الفئـران ة، وامتطي واعبري جيوشه الثالث ،األشواك واسـتمعي بشـجن وهـوى لغنـاء ،وداعبي ذيول الغيالن

،ا في صحون الديناصورات شهي وقدمي نفسك أكال ،الضفادع ؛ملـك واسكبي دمك أضحية تصعدي إلى وجه اهللا تلمسيه بأنا

وتفضل الخـوف الـذي ،فالناس تهرب من الخوف بالخوف خـوف .. ورثته عن آبائها عن الخـوف الـذي ال تعرفـه

اصعدي إلى وجه .. االستعباد عن خوف االستكشاف والدهشة فـإذا ؛اهللا والمسيه بأناملك الصغيرة واسكبي دمك تضـحية

وإذا عجزت .. به خسرت روحك وكسبت عنه قوته امتزجت .عة من األشياء المعدومة إلى األشياء المعدومةرحلت ضائ

* * *

الفصل التاسع

انتشرت العسس في األسواق ينادون على أصـحاب ، وإيقاد المسارج والقناديـل الحوانيت والمالعيب بالسهر ليال

وفي .. اهللا عنه ىرض بمولد الحسين ليلة احتفاال ةرش ع خمسلسيد محمد بـدوي القصر الذي استولى عليه السنهوري من ا

واشتدت بـه ، أضيء القصر بالمشاعل ؛ناظر المشهد القديم وطوال الليل كانـت . يؤمه الناس من كل األجناس ،الحركة

الخالئق واألوباش والمجاذيب من شتى الطرائـق األحمديـة والسعدية والشيعية ومريدي السنهوري يسيرون في سيارات

ينـادون وجمعيات وطبول وزفة ومنـاور ومشـاعل وهـم ومشايخ طـرقهم ،ويتجاوبون بألفاظ منغومة غريبة مستهجنة

،يدعون للسنهوري بكلمات وعبارات تشمئز منهـا الطبـاع وقد جلس هـو علـى .. وجميعهم يسيرون أمام قصره قوافل

شرفة عالية يشاهد الجموع وهي تدعو له وحوله أمراء البالد اشا عزت وعلى رأسهم محمد ب ،وكبارها الذين كان قد دعاهم

والي البالد لحضور ليلة ختام المولد من داره ليروا سـطوته .وقوة سلطانه

وفي الصباح دخلت عليه بدرية تسأله الخروج للنزهة كان يقـف فـي وسـط .. ا فتراجعت مذعورة فنظر لها شذر وأمامـه ،ا بعصا من الجريد يصـرخ ممسك االمضيفة غاضب

ة التي استولى اصطف أعوانه من نظراء المشاهد واألضرح ونذور المشهد الحسيني والزينبـي إيراداتعليها بعد عودة

.. وهو يسبهم ويهينهم ويضـربهم بالعصـا ،ومشاهد أخرى ا بورقـة وبركن المضيفة رأت بدرية محمد أبو الفضل ممسك

وريشة وهو يرتعد كورقة في مهب الريح يكتب مـا يمليـه أمسك ثالثة من وقد.. عليه مواله من عائد النذور واألضحية

مشـهد أسـالف طلبة السنهوري بشيخ عجوز يعمل نـاظر :صرخ في وجهه.. شيخهم

وأنتم لم تنتهوا بعد تمويه لآلستانة، أنا أريد السفر - . وتوسيع الضريح،األعمدة بالذهب

: صاح الشيخ وهو يرتعد أرسل علم جرجس الجوهري أفندي الروزمانة الم -

مد باشا عـزت ا من وقف الوالي مح خمسين كيس

وال يريد أن يرسل ،على عمارة الزاوية الشاذلية وهـي ال تكفـي ؛ا أخرى لنا سوى خمسين كيس

مخادع الحريم وشرفاتها وال تحويطها بالزخارف ..والنقوش وال استجالب الرخام :نة ويسرة تحرك السنهوري كالمجنون يم

تضحك علـى .. تضحك على ذقني شيخ دويدار – ..عشرون جلدة.. إلى طالبهلتفت بغتةا.. ذقني

: أشار إلى أبو الفضل . عايز الجوهري النصراني-

:هتف العجوز- علم الجوهري ده هو الم .. ا يا سيدنا واهللا العظيم أبد

.طيب وأنا ذنبي إيهمسك الرجال بالعجوز يخلعون نعليـه ويرفعـون أ

والشيخ السنهوري قائم نازل بالجريـد وهـو ،قدميه ألعلى :هيصرخ فيروح .. خبرني بأنك في حاجة للمـال علشان ما ت -

.نت يا ابن المركوبإ

دخل المعلم الجوهري على وجـل وخـوف ينتظـر ،لحظة خروجه من عند نقيب األشراف الشـيخ السـنهوري

ـ ؛اعندما عبر الباب وجد عينيه تتقدان نـار ا فقـال متراجع :للخلف وهو يمد يده بكيس من النقود

اشا عزت لزاوية أسالفكم سوى لم يوقف محمد ب – وهذه الخمسون الباقية يـا ،ا وصلكم خمسون كيس ،مائة كيس

.. سيدنا :انتصب السنهوري في غضب

..أتحاسبنا - فسقط غطـاء ؛ ضربه على رأسه بزخمة من الجلد

:ا تدمع عيناه ووقف حائر،رأس الرجل شايب يا موالنا؟ تضرب–

:افعها متأفف فد؛ مال على يد السنهوري يقبلهاـ خمسو.. عايزه يا موالنا السنهوري اللي - ان كيس

.. أنا ذنبي إيـه يـا موالنـا .. وأنا أدفعها من عندي ،أخرى . وأنا أدفع اللي عايزه من مالي،خالص يقول دويدار

:صرخ . تمن وتحسن على أصحاب النسب الشريف–

عمـل طيب أ .. النا هوه ده اللي حصل واهللا يا مو - .. أنا عبد المأمور.. مر أنفذأأ.. إيه

.. بكى وهو يركع يلثم ثوب السنهوري ويقبل مداسه علـى نفسـه بال الشيخ محمد أبو الفضل .. كان الكل يرتعد

اله والعرق الغزير يركع أمام مو وهو يرى أفندي الروزمانة .وقام يجري يجفف نفسه وهو يقئينسال من وجهه،

* * * و جالس على طعام سنهوري وه في الظهيرة أخرج ال

من حق نحاسي صغير به خلطة صنعها أحد الدهاقين - الغذاء جرعة صغيرة -ا له من أصحاب العطارة والكيمياء خصيص

وأخـذ يأكـل طعـام ، ووضعها تحت لسانه ،كورها كالحية .قطع كبدة مهرية في السمن.. زوجان من الحمام.. ذاءالغ

تركه و ، محمد أبو الفضل كي يجهز له النصبة دعاوالخدم يهربون من أمامـه ،ا يدور في أرجاء القصر خارج

حتـى وجـدها ، ضيق الصدر سريع الغضب ؛وهو يتوعدهم أمامه خارجة من الحمام ترتدي قميص ا فوق سروالها ا حرير

تشاغلت عنـه تمشـط .. وجدته أمامها .. المزركش الطويل فوقف يدور حولها ال يدري ماذا يقول وهي تثبـت ؛شعرها

،تشاغل راحـال .. أصاب العجوز االرتباك .. ها في عينيه عين .وقبل أن يختفي من باب الردهة سألها أن تأتيه خلوته

د أبو الفضل يـرص أحجـار النرجيلـة، جلس محم كـان .. وأمامه جلست بدرية تكبس جسد الشيخ السـنهوري

أليست بدرية في .. ا عنه وهو ال يرى في األمر شيئ متشاغالا وكيف لشيخه بأن يتصرف تصـرف ،اله وشيخه مقام ابنة مو

أخذته الحماسة وهو يـرى نفسـه وزوجتـه .. اا معوج شائنـ .. المقبلة يقومان على خدمة الشيخ ن ا أ على أنه كـان متلهف

ولكن كيف تفعل .. له بنظرة أن ترنو .. تبادله بدريه الحديث .وهي تعرف كيف يجب أن تتأدب في حضرة الشيخ الكبير

: تحدث الشيخ السنهوري فجأةسمع بدرية .. اتجوزني–

كان كل ما جمعه مـن علـم . فوجئ الشيخ بسؤالها مجد ونفوذ ومعرفة ودهاء ومعامالت ودروس وبيع وشراء و

وطغيان قد تجمـع فـي فكـرة وسلطان وقوة وثروة وبغي ما الفرق فـي أن تكـون ابنتـك أو .. إنها جاريتي .. واحدةذا كنت أستطيع بيعها كي تـدفئ وإ ، كنت أملكها ا إذ ؛جاريتك

.. ألف بنـدقي .. ألف فضة .. اش رجل عجوز بمائة ريال فر

يملكهـا .. لماذا يستمتع بها رجل عجوز يضربها ويهجرهـا .. بثمن بخس مثل البقلي

يابا الحاج؟إيه قولك .. اتجوزني -خذ مني يا .. أعادت عليه السؤال فتابع خواطره

عطـي أ.. بنـدقي أجمل جارية بمائة شيخ سنهوري وأعطيها لقـاء نفسـها ، خمسين - أنا مالكها -لنفسي

املة غير منقوصة أمانة لوجـه اهللا؛ خمسين بندقي ك .بل علي أن أعطي النقود ألمها

وهي تبتعد عنه وقد دغدغت لـه كـل قالت غاضبة :واسهح

مش قد المقام؟؟.. اتجوزني- وبانت معالم الجنـون ،ضحك ضحكة منهكة متهتكة

.. فانفرجت أساريرها؛ينيهفي عـ وكأنـه فـي ا،كان محمد أبو الفضل يشاهدهما مع

ال يشعر ...حضرة شياطين يمتلئ أمامهما بالضآلة والخوف .بوجوده أحد . قولي زوجتك نفسي-

:مالت نحوه بلهفة عجول تأخذ كفه بين يديها

.. زوجتك نفسي-مد يـده إلـى .. فك أسار يده منها فتركتها بصعوبة

:ا به خمسين بندقي قائال وألقى في حجرها كيس،فل الحشيةأس-صداقك افعلي به ما شئتا خمسين بندقي .

.التمعت عيناها ورقص جسدها بفرح.. شاهدها محمد أبو الفضل تقترب من الشيخ تعانقـه

ا والعرق البارد يغمر وجههقام خارج .. وجنـون ،عاشت بدرية في بحر من اإلثـم تجهلـه

؛ وقد انعكس عليها هـذا بسـرعة بالغـة .ي يتزايد السنهوروشاع فـي منـوف .. فنضجت نضج امرأة ال تزال عذراء

.. زواج بدرية ابنة خادمة قصر السنهوري من سيدها ولم تكن ة،استقبلت صديقة األمر بعجب غير مصدق

الشيء الحقيقي .. لتصدق ألنها الوحيدة التي تعلم استحالة ذلك ا لحيته وقـد د أبو الفضل لمنوف مطلق الوحيد كان عودة محم

ا للمتصـوفة تدلت من عنقه ثالث سبحات طـوال مشـايع، األنـوار ة سيده ومواله الشيخ السـنهوري أبـو خدم معتزال

ـ .. السنهوري ا مـنكس كان يسير في حواري منـوف تائه

الناس فـي ومعتزال ،ا كالزهاد ويقضي الوقت مبتعد ،الرأس .أو جامع الشيخ أبو حديدمقعد علوي في دار أبيه

تجهز السـنهوري ١٧٩٣في منتصف مايو من عام فجاءه األمراء من كل صـوب بالتقـادم ؛للسفر إلى األستانة

والهدايا والمطالب يدخلون عليه في تبجيل واحترام يضـمون ويعقدون على ركبهم لتقبيـل ،أثوابهم إذا اقترب منه أحدهم

وجميعهم .. قفون على مبعدة أما الصغار منهم فكانوا ي .. يمينه.. تجـارة .. وشـاية .. اعفو.. يسأل حاجته من دار السلطنة

فكن ؛وكان قد خصص الصباح الستقبال األميرات .. منصب فيقبلـون يـده ،يدخلن عليه غاية في االحتـرام والتبجيـل

وكل واحدة تقول ذهبـت ألبونـا الشـيخ ،ويتباركون بثوبه وكانت مقاصد أكثرهم هـدايا ،قال لنا أبونا كذا .. السنهوري

وتحايا لنساء الوزراء وعظماء الدولة ودهـون وعطـارات ومجمع أهل الحرف والصناعة ،ومالبس من عاصمة الخالفة

.إسطنبول األلفي بيك؛ كان آخر لقاء له مع األمير إبراهيم بيك و

، وبين دولة السـلطنة ن غاية سفره تنقية األجواء بينهم إذ كا ،ا الخالفات والوشايات وأحاديث العصـاة والقضاء على بقاي

وطلب معهم محمد باشا عزت والـي الـبالد تقليـل مـال وإرسال المؤن واإلعانات من الغـالل ،المصالحة والحلوان

.للبالد التي طحنها الطاعون من مايو ركـب السـنهوري ةي ليلة الرابع عشر وف

حيث حملته إحدى السفن الضـخمة إلـى ؛غليونه إلى رشيد .ستانةاأل

-٢- كان يوم ا مشهود ربت فيه المدافع الفشنك طـول ا ض

وفي دروب وحواري مدينة منـوف سـار المنـادي . الوقتثـم .. ا على المديرية ينادي بإعالن حسين أغا األشقر سنجق

، ثم المشاة يتقدم األشقر المنادون ،دار موكب الوالية المدنية خي النفير وفرقـة عالم والرايات وناف ، ثم حملة األ نالراجلو ومشايخ الطرق الصوفية واألعيان وكبـار التجـار ،الطبالة

، فأورطـة الفرسـان ، ثم الطواشية والخصيان ،واألوجاقات قرة زادة أحمد المجنون أغا الطواشـية، وخلفه ركب أوغلي

ثم األميرة شريفة ترى زوجها من فوق هودج علـى جمـل ..يحيط بها العربان وفرسان السباهية

د قلعة إيداكش القديمة التي أعيد بنائها وارتفعت وعن وأطلق الجنود طلقـات البـارود ،فخ في األبواق ن ؛أبراجهاـ ابتهاج ا ا بمقدم السنجق الجديد الذي دخل أبواب القلعة راكب

وقد أحـاط بـه ،جواده فلم ينزل منه إال على سرير الوالية اء الجنـود مجلس المدينة من األعيان والتجار والمشايخ وأمر

الذي قرأ على الجميع الفرمان الذي أعلـن ؛وقاضي القضاة ا بعده قام األشقر معلن .. ا على منوف فيه الباشا األشقر سنجق

الجميع إلى دعا ثم ،ا على منوف أحمد المجنون والي قرة زادة وليمة عظيمة حوت أشهى المأكوالت والمشهيات وصـنوف

أثناء االحتفال .. اقصاتالخمر والحشيش وسط المغنيات والر عـن ا وجهه نظر األشقر فوجد المعلم قسطندي أمامه منفرج

:صاح به.. ابتسامة بلهاء واسعة فأنا أريدك بعـد ؛ واشرب ما تريد ، كل ما تشتهي -

.. قليل :قسطندي ببالغة وعيناه تتقدانأجاب

– حد في المديريـة يقـدر أي ا هو أنت واال طبع .. يا أغا؟؟ أنا عارف..يستغني عني

وضحك وهو ينكب علـى ديـك رومـي صـغير وضحكت الدائرة الصغيرة التي كانت تحيط .. تهمهللي .به

بعد أن انتهى من طعامـه وشـرابه وقـف بجثتـه وكان يحـادث ،ا أمام األغا الضخمة وسحنته المتجهمة صامت

:اطلعت رآه استدار إليه م..بعض األعيان هل انتهيت؟- . الحمد هللا- . إذن هيا-

والمعلـم ، دروب منـوف الضـيقة العربةاخترقت وأمام قصر .. األغا ةقسطندي ال يدري على وجه اليقين وجه

توقفت العربة فاستعاذ المعلم قسطندي باهللا والمسـيح ؛السبيلدخـال القصـر .. والقديس ماري جرجس هـازم الشـيطان

كانت الشائعات تحكي بأن روح فاطمـة تسـكن .. المهجور كما كانت تسبب الجنـون ،خرج منه لقتل األطفال القصر وت

.لألمهات الصبايا الصغيرات السنردهات وعلى ضوء المشـعل الـذي حملـه العبرا

ذباب أصفر وقطط .. ااألشقر كان المعلم قسطندي يرى عجب

وأجسـاد بشـرية بـرؤوس ،كالب صيد سـوداء .. وحشيةجمه ها.. كان يسير وهو يدور حول نفسه كالمخبول .. ثيران

تراجع إلـى الخلـف .. من قبالة قاعة الشتاء بحر من الذباب واألشـقر .. ا قبل أن يفيق ليجد نفسه في القاعة ذاتها مذعور

وفكـه المتـدلي ،ينظر له وعلى وجهه ابتسامة موته الذئبية .لألمام

ا وقد تصـاعد وجيـب قلبـه وقف قسطندي مرتعد، جورة منذ مائة ونسيج العنكبوت يمأل أرجاء القاعة وكأنها مه

..وفي وسطها كانت تقبع أحالم األشقر.. عام :ا المعلم قسطندي أشار األشقر إليها محدث

انظر أمامك بين منـوف وبهـواش ومسـتنقعات -هذه القـالع .. انظر هذه الوديان والسهول والجبال .. السدود

أريد أن أبني هذا في األراضي الواقعة ؛والحصون والطوابي .. أريد هذا السور الضخم يحيط بأرضي ،واشبين منوف وبه

وعشت أنـا ألـف ، صندوق الجواهر هذا أعطيتكفإذا فعلت .عام

وعينـاه ،افتح المعلم قسطندي فاه على آخره مشدوه تحدقان في عشرات األفاعي الصغيرة التي كانـت تخـرج

:وها من بيضها وتنتشر تمأل المكانلت . سيدي دا شيء مش في قدرة األنس-األنس .. سوف نجعلهم يعملون فقط .. من قال لك -

..مش أكثر من سبب لتنفيذ مشيئة :غمغم.. نظر قسطندي في بالهة

.ده عمل من صنع الشيطان.. مشيئة أي- : قال

.. سنحتاج آالف العمال - :ثم صاحتوقف بغتة عن اللهاث،

؟ أنا أرى النيل . ري هذه األراضي كيف يتسنى لك - .. توية تميل من قبلي لبحري مسيروي أراض

وهـو ،نظر األشقر إلى الفضاء بعينين حمـراويتين :ا كالمجنونا وصعوديهز رأسه إلى أسفل هبوط

قمم الجبـال ونكس وس ، سنجلب األمطار والسحاب - .. وستملؤها قطعان الماشية والدببة والوعول البرية،بالثلج

: وهو يشعر بأن روحه تتلوثقال المعلم قسطندي

..شيء زي السحر.. دا شيء ضد الطبيعة- : تحدث األشقر بجنون

وأشـباح الضـالين ، سوف نجلب األرواح الهائمة -سـنكون فنـارة .. التائهين عن العودة إلى مثواهم األخيـر

.لألرواح التي تعاني من صقيع األبدية الموحش* * *

المجنون قد نزل قرة زادة لم يشرق الصباح إال وكان ثـم .. فأعلن إغالق أبوابها وحصنها بنقاط قوية ؛دينةإلى الم

:أخذ هو وأتباعه يفتشونها قطعة قطعة وهو يصرخ قائال أمرني سيدي وموالي حسين أغا األشقر بتطهير –

ا المدينة من عصابات األشرار وجماعات األوغـاد تطهيـر والعـراة وإخالئهـا مـن المرضـى ،ا إلى األبد ناجز كامال

.لدخالء عليها من غير أهلهاوالجوعى وا المجنـون يطـارد كان قـرة زادة طوال أيام ثالثة

الووكل من ال يجد له هويـة . لصوص المدينة وحرافيشها ؛ به في سراديب سجن القلعة الرهيب يصلح للعمل كان يلقي

ويقسـم البـاقي ، ثم يعزل عنهم المرضى ،فيقسمهم ويزنهم

شب الجاف وبعـض هم بالع ؛ فيلقي ل جماعات حسب أوزانهم .البقول المغمورة بالماء

المنادين في القرى القريبة يدعون كل السنجقأرسل فتوافد على المدينة ؛قادر للعمل في المديرية لقاء أكله وشربه

ستقبلهم المعلم قسطندي هو وأعوانـه حين؛ في من الفال اآلالف، فيقسمهم لفرق للعمل تحـت شاحب الوجه مرتعد األوصال

المجنون قرة زادة وداخل سراديب القلعة كان .. انهمرة أعو إ وكلما جن الليـل ينتقـي .. ايطهر المدينة من أوغادها صباح

وتقطيع أوصـالهم ، ويقوم على ذبحهم كالنعاج ،أكثرهم سمنة ا صغيرة يلقي بها في قدور ضخمة تشتعل مـن تحتهـا قطع

ها قرب الظهيرة سـاخنة فـي فإذا ما نضجت أخرج ،النيرانانه وهم يقسمونها ثم يقوم بنفسه باإلشراف على أعو ئها،حسا

الحين الذين يعملـون فـي أرض على الف بالعدل والقسطاس بتوزيع الطعام كلمـا زاد وكلما قام قرة زادة .. األغا الجديدة

.عدد القائمين للعمل* * *

ا شارد كان المعلم قسطندي يسير وسط عماله صامت :ا وهو يغمغم مردد ؛حه تتآكل وكأن رو ،الذهن شاحب الوجه

كيف أخرج من هذه الورطة .. هذا عمل من صنع الشيطان –جبـال ووديـان .. هذا شيء ضد ما تعودنا عليه .. يا يسوع

بحيات وثعابين اللعنة سوف يمتلئ .. وغاباتوأنهار وجداول ما أصـنعه .. ويكون مأوى لجماعات الذئاب الوحشية ،كثيرة

وكر للغيالن وأكلة لحـوم .. تتكاثروكر لألفاعي تبيض فيه و حتى أعيش أنـا .. فأنا أفعل ما يأمرني به وأهده ثانية ؛البشر

؟؟..ولكن كيف.. وال يتكاثر هو* * *

ريزا امرأة المعلم قسطندي ترى حالة زوجها كانت ت وإذا .. يتمدد بجوارها وال يستطيع النـوم .. اا فشيئ تسوء شيئ

؛لكوابيس واألحالم المرعبـة ا تملؤه ا نام كان نومه مضطرب نهـا كانت الشائعات تقول إ .. ذه اللحوم؟ فمن أين تأتي كل ه

ا لم يكـن خيم الرعب على المدينة لكن أحد .. تأتي من القلعة وجثث الموتى من الجـوع تختفـي مـن الطرقـات ،لينطق

ومئات من جوعى القرى المجاورة تهاجر ،الخارجية للمدينة ريزا على صرخات ات ليلة استيقظت ت ذ.. عمل لتقتات إليها لل كان الشـيطان .. ا بجوارها محتقن الوجه كان ممدد .. زوجهاوقبل أن تمد .. ا النجدة ا بخناق روحه وهو يصرخ طالب ممسك

ا يجري في الغرفة يريد الخروج من انتفض واقف ؛يدها توقظه ،تعثر في آنية الـدار .. أمسكت به بكل قوتها توقظه .. الباب

وضعت حولـه أيقونـات .. ا عليه لى األرض مغشي وسقط ع وعنـدما .. وأوقدت الشـموع ،السيد المسيح والعذراء البتول

نهض كانت تبكي بجواره وهي تدعو الرب يسوع أن ينقـذ :التي ال تدري ما أصابهاروح زوجها وسيدها قسطندي

قلبـي بيقـوللي إنـك .. يا مقدس زور الكنيسة - ..حتالقي اللي بتدور عليه

:مغمغ .. اللي يدور عليه -دخـل باحـة .. ا وقام من فوره خارج ،نظر إليها

ألقى في صندوق النذور .. لم يكن بها أحد .. الكنيسة.. وأوقد الشموع لكل قديسي الكنيسـة ،بعشر بارات

وضع الشموع أمام اليد المسيح والسيدة العذراء وهو ثم ركـع أمـام ،يرسم عالمة الصليب على صدره

فلما انتهى شعر بالسكينة ،و جروح روحه الرب يشك ولما نام هذه الليلة جاءه السيد المسـيح .. تمأل نفسه

اقترب منه ثـم ضـربه علـى .. اعلى صليبه مقلوب :وجهه

. انظرني يا قسطندي- . أنت مقلوب يا سيدي-

:فضربه ضربة أشد من سابقتها . انظرني يا قسطندي-

:ه أمام الربادر على أن يكتم ضحكتقال وهو غير ق لماذا قدماك إلى أعلى ورأسك إلى أسفل كـزرع - .. البصل

ضحك ضـحكته .. ضحك حتى اهتز كرشه الضخم .. القديمة التي نساها منذ اليوم الذي زار فيه قصـر السـبيل

ن قصر السبيل ظهر له اآلن في أحالمه ؛ إذ إ داهمه برد شديد الحقـول إلـى وعشرات الغيالن والسلعوات تتسلل منه ليال

انكمش على .. سطح الدور تأكل األطفال والنساء والعجائز وأ إال أن المسيح ضـربه علـى ،نفسه يخفي رأسه من الرعب

وكأن صاعقة من السماء أصابته علـى أم ،رأسه بقوة بالغة ..رأسه

: صرخ من األلم والسيد المسيح يقول

. انظرني يا قسطندي- : غمغم

.نظرك اآلن يا سيدي إني أ-** *

بـار وأهـل يام يسأل األح ظل المعلم قسطندي ستة أ وفي اليوم السـابع . المعرفة والعجائز والحكماء تفسير حلمه

فلمـا ،طرقت أم عبد المحسن باب المعلم قسطندي تسأل عنه :أته السالم وهي تقول لهقابلته حيته وأقر

نـي مـش بني عبد المحسن حملني ليك رسالة آ ا - . زي ما هي والسلم لكن حاقولك،فاهماها

:يزاقالت لها تير .ألول وخدي نفسك يا أم عبد المحسن ادخلي ا- :ا ولما جلست قال المعلم متوجس، ففعلت .خير يا أم عبد المحسن.. قولي- .. الشيخ المرسي وعبد المحسن بيقولك- ؟.. الشيخ المرسي مين- .؟؟ من جماعة عبد المحسن يوه أنا عارفة- يه الشيخ المرسي؟؟ وبيقول إ-

.. السيد المسيح بيقولك- :به المعلم قسطندي وانتبهت تيريزاانت . قال إيه قولي يا أم عبد المحسن-أعوذ بـاهللا مـن الشـيطان .. استدركت.. بيقولك -بة لو اعملها مق يقولك إذا أمرك الشيطان بعمل حاجة ب.. الرجيم

..و.. و.. ترتد إليه، وظهـرت علـى رقز لمحته وقد تجهم وجهـه وا

.. وهو يرسم على صدره عالمة الصليب، الجدسيماء : قالت

.حاجة آني مش فاهمة.. يعني إيه بقى- :هز المعلم رأسه

لعبد المحسـن ني فهمت يا أم عبد المحسن قولي آ - .. فهمتنيآ.. والشيخ المرسي

طيب عبـد .. فهمت إيه ما تفهموني .. أنت فهمت - وأنت إيش دخلك يـا ،وز مجانين المحسن والشيخ المرسي ج

..معلم قسطنديا بلطف قام وهو يدفعها خارج:

ربنـا يتوالنـا .. مفيش حاجة يا أم عبد المحسـن - .ربنا يتوالنا برحمته.. برحمته

هـذا .. خرج المعلم قسطندي وهو يهتف في نفسـه .هذا تفسير الرؤيا.. تفسير الرؤيا

* * * ..ولكن كيف. .ا يأمرك به الشيطان افعل عكس م-

هكذا سار المعلم أشعث الشعر كالح الوجه تغطـي سـه وقـد امتـدت يحـدث نف ،ذقنه شعيرات حادة كالشوك

مام تكشف عن صدره الممتلـئ بشـعر صديريته القديمة لأل يلقي لعمالـه ؛ تحاول جاهدة أن تخفي بطنه الضخمة ،كثيف

فبنيت .. بأوامره ببناء سور األفعى الذي يحيط بأرض السحر أساسات األسوار واألبراج والقالع الثالثة من الطين والطوب

وفوقها صفت األحجار الجيرية الضـخمة بلحمـات ،النيء واألشقر يطير فوق جواده يشاهد سوره وهـو يمتـد ،طينية

ا باألبراج القوطية العالية وغرف ا بعد يوم مزدان ويطول يوم .وبوابات الحرس

ن األرض الطينيـة فون يجر الفالحوطوال عام كان ومن أراضي السـدود إلـى ،من جنوب منوف إلى كمشوش

..الشرقا رويد ..كانت األرض ترتفع مشكلة سهبين ؛ارويد

،ا ثالثـة وديـان ، يتخللهم متوازيين يموجان بعشرات التالل قلعة مشوهة مـن الـنمط توفي منتصف كل مسهب انتصب

ب شيدت في بناء حجري على أسـاس مـن الطـو ،القوطي .النيئ

* * *

-٣- دخلت بدرية على أمها بعد أن أرسـلت تحضـرها

وقـد عزمـت علـى ،عنوة من قصر السنهوري بالقـاهرة لكن .. حتى تخرس األلسنة ؛تزويجها بالبقلي شاءت أم لم تشأ

فكـرت أن .. خشت أن تعرفـه أ جلال وجه ابنتها حمل لها نب .عليها أن تنهي ما تريده

كورة تيجي تبلغ السيد البقلي للحاجة مش أبعت بكرة - .بموافقتنا على الجواز

: قالت لها بدرية في استهانة ..أنا أتجوزت.. روحك ليه يامه وتاعبة-

طها وقالت تباكتهـا وضعت صديقة ذراعيها في وس :وداخلها يرتعد

؟مين بقى يا مفعوصة.. اتجوزت؟؟- .الشيخ السنهوري.. أبونا-

:دفعتها صديقة تتحرش بها ؟..متى وازاي إ-

:هزت رأسها وقالت دون حماس . مش زي ما تظني- .ه باظن إي-هـزت .. لما يرجع .. عقد قران والمأذون .. يعني -

.هو بيقول كدة.. ظرات أمها الناريةكتفها بملل أمام نكان حديث بدرية من الجد بحيث أن األم لـم تكـن

:زعتأوهت في وجهها بج.. ما تقولهلتستطع إال أن تصدق ؟ عمل فيكي إيه-

:هزت بدرية كتفيها برعونة .وال حاجة.. يعني حيعمل إيه-

دخل عليكي؟- :أشاحت بيدها

.. هو فيه حيل.. دا راجل عجوز يامه- وقبضت على ،هوت صديقة بكفها على صدغ ابنتها

:ذف بها إلى األرضعنقها تق .وريا بنت المفج.. يا بنت الكلب-

ـ .. ضجردفعتها بدرية عنها ب ام وقفت كل منهمـا أم :األخرى كديكين يتعاركان في غل

يه؟غايرة مني ل.. عايزة مني إيه يا صديقة- .. أغير من مين يا شرموطة-

:نظرت لها بغل .ني مني آ- .ليه يا قحبة.. وليه-بالضـبط زي مـا .. عملت اللي مقدرتيش تعمليه -

لكنـي . .فكراني مـش حقـدر .. قولتيلي قبل ما أسافر معاه .قدرت

شقت ثوبهـا نصـفين .. تراجعت صديقة كالمذبوحة وتصدر عنها ،وهي تلطم وجهها بعنف وتعفر وجهها بالتراب

.أصوات ملتاعة :صاحت بها بدرية بضجر

؟.. زي الكالب بتعوي ليه يا ولية- ابنتها تكشـر فـي نظرت لها األم بذهول وهي ترى

:وجهها كجرو صغير .. تعرفي عايزة-

:ها بدرية بسخريةأجابت . أعرف أيوه يا اختي عايزة- . دا أبوك- . طبعا أبويا ما هو أبونا كلنا-

:ديقة على بطنها وهي تفح في وجههاضربت ص . بذرتك النجسة..ذرتك في بطني أبوك اللي حط ب-

:شهقت الفتاة ؟واألكتع طب...ياأبو.. إيه -

اهزت صديقة رأسها نفي..

قامت تدور حول .. المذبوحةت بدرية برأسها ك ففر ر.. جمدت مالمحها غيـر مصـدقة .. ومنوف تميد بها ،نفسها

:توجهت إلى أمها تجز على أسنانهادفعلـك إيـه .. بيها على إيه يكون فكرك لعبة بتلع -

..البقليأمسكت .. ت منها عازمة على أن تشتبك معها اقترب

: تهزها بقوة وهي تصرخ في هستيريابكتفيهاملعوب إيه .. وريني وشك .. يةشك يا ول وريني و -

.. كذبك يخيـل عليـه فاكرة.. ليه تفتري عليه .. بتلعبيهاللي اقتربت تصرخ . .ه مش حييجيي افاكر.. لما يجي ألقولهواهللا

مش حيرحمك حتى لـو اسـتغفرتيني حييجي و .. في وجهها ا يصح تفتري علي، إنما تستجري تفتري طبع.. وبست رجلي

نت حاضمن لك عيشـة ماشـفتيهاش فـي ني ك دا آ .. عليه.. خدم يخدمونك أنت واألكتع .. فرش وكسوة وخدمة .. حياتك

خدم يخدموك بعـد مـا خـدمت طـوب .. أبويا المنصور ..األرض

بقوة وهي جذبت رأسها .. أشاحت أمها بوجهها عنك :تدور حولها تصرخ في عنف

. ما بتبصيش في وشي ليه-ن تنخـر فيـه كانت الديـدا .. رفعت صديقة وجهها

:صرخت بدرية.. وسط نسيج العنكبوتوتجوب ؟.. وهو عارف-

.هزت صديقة رأسها مؤيدة :طبول الدنيا في رأسهادقت

.. ليه ليه بتعملوا في كدة-أنت قلت لي البقلي حيوكلك اللقمـة قلـت .. أنت -

قلتيلي البقلـي حيلبسـك .. لنفسي السنهوري حيوكلني اللحمة قلت .. سنهوري حيلبسني الذهب والفضة الهدمة قلت لنفسي ال

قلـت لنفسـي السـنهوري ،لي البقلي حيستتك على قصره ني مخترتش آ.. نة على الناس والخاليق واألمم حيخليني سلطا

نـي آ.. ليه في النشع ولما هو أبويا ليه سايبني أعيش ،غلط.. أحسن من األميرة شريفة .. أميرة.. كان حقي أعيش أميرة

يـا ).. السنهوري تقصد(يا ابن المفجور . .اختنقت العبرات ،عوت وعوت لسـاعات طويلـة .. صرخت.. والد الكالب

وعندما تحول عواؤها إلى أنين كان شعورها بالضآلة قد مأل وبينما كان جسدها يسكن األرض كانت تسير بروحها .. ذاتها

تبكي وتشتكي ابنة مجد وسلطان ضاعت منـذ .. إلى الظالم .. اذا اختار لها الزمن أن تكون ابنة سفاح لم ..لحظة ميالدها

تبكي الضآلة التي تتفجر ببركان الغضب والحقد والكراهيـة تبكي ابنـة الثـراء التـي عاشـت فـي الـروث .. والندم

تبكي ابنـة .. والمستنقعات وعلى فتات الموائد وأكوام الوسخ السلطان والنفوذ التي زفها األطفال صغيرة وقذفوها بالحجارة

ا على أب مشوه مخصي أكتع لم تكـن ونبذوها عقاب والطوبابنة القوة الغاشمة التي رفعت الخوف مـن سـنابك .. له ابنة

الخيل التي تحمل فوق ظهرها ظل رعب زواحـف العصـر وطوق النجاة الذي غرق بهـا اإلثمكانت تبكي ابنة .. القديم

كانت تئن وصـارت كـل أنـة . إلى أعماق العصر السحيقة دار الذهول الذي أخذت تنسجه حول نفسها مـن ا في ج حجر

ا بعد يوم ويوم ،كانت ال تتوقف عن األنين .. خيوط العنكبوت وعلـى .. ال تني كوة الضوء البعيدة أن تتضاءل وتتالشـى

وقلب أمهـا ينفطـر ،بطنها تمددت تعوي طوال شهر كامل العفاريـت ينا تأخذها إلى أصـحاب السـحر ومخـاوي حزن

نتها مسجى بين يديها تدور فيـه معركتهـا وجسد اب ،والجان والتهمت الغيالن ، بعد أن أوهن الطاعون شجاعتها ،األخيرة

بعد أن فقـدت كينونتهـا ،روحها المغامرة وحب البقاء فيها وعنـدما أغلـق .. ا بـال روح وتالشت إرادتها لتصبح جسد

حراس المدينة بوابتها الضخمة على سـاكنيها مـن غـيالن دركت لحظتها أنها تطلب الموتا أوفالحين مع ..

ساعتها أخذتها أمها للعربان كـي يطـردوا عنهـا ـ .. األرواح التي تسكن جسدها ن ظهرهـا كشف شـيخهم ع

جسدها باألسياخ المحمية حتى وطوال شهرين كان يقوم بكي وعنـدما . أخذت تستعيد الشعور والقدرة على الحركة ثانيـة

ترتـدي مالبسـها وعادت ،عادت مع أمها خلعت ثياب العز .. القديمة تدور في الدار صامتة كجثة تتحرك في األرجـاء

تحمل بيض الدجاج لتنساه .. تقوم بأعمال ال يربط بينها شيء وتشعل الكوانين بأقراص الجلة دون عيدان ،في مداود البهائم

فتميل فوق النار تحاول أن تنفخ الكوانين ،الحطب فال تشتعل وتجـري ،ا خصالت شـعرها حرقفيتطاير الشرر والوهج م

وكأنهـا تتمنـى أن ،دا عنهـا أمها تحاول إنقاذها فتدفعها بعي وما أن ينتهي أوان عمل الدار حتى ترحـل .. تلتهمها النيران

تحكـه .. عصر كل يوم إلى الحمام تغسل جسدها بال كلـل

وكأنهـا حجر الخفاف حتى تحمر بشرتها وتدمى، وتنظفه بال .هاترغب في التخلص من جلد

-٤- ولـم ، سقطت األمطار غزيرة ١٧٩٣في شتاء عام

يأتي مارس إال وكان قد كسى أرض السحر عشب أخضـر شـوهد . .اع المعلم قسطندي أول من غادرها فز كان.. جميل

وعندما عاد إلى داره كان يجري كالمجنون على غير هدى، قد عزم على السفر فور ا ا إلى بيت المقـدس للحـج تطهيـر

.لروحهما الفالحون وعمال األغا الذين ظلوا لمدة عـامين أ

رون و وهم يـد فقد فتحوا عينهم ذهوال ؛ا بشرية يأكلون لحومفي األنحاء زائغي األبصار كالكالب الضالة التـي أصـابها

وقد تاهت ، ال يكادون يقدرون على صلب أجسامهم ،الجربات وال أخ كيف م، ال يعلم أم أو أب أين ذهب أوالده ؛عقولهمال .. م في الهرب؟ متى بدأ أوله .. وإلى أي شيء ينتمي ،أخوه

نهم شرعوا جميعا في الفرار مخلفين منوف يتذكر أحد سوى أ قوافل .. ورائهم بأعداد هائلة وقوافل طويلة من الحفاة والعراة

امتألت بالمجاذيب والمتصوفة تسير على غير هدى يجـدون ن اعتراضهم وهـم المجنون ع ادة ز قرةالسير يعد أن توقف

ا مـن أن تتعقـبهم جحافـل خوف ؛اينظرون إلى الخلف هلع .الغيالن

* * * ت األميرة شريفة مـن شـرفة قصـرها مـع نظركـان .. حبشيات تشاهد ما يجري أمامها عجبـة ساحراتها ال

تكسـو ةجنوب المدينة قد تحول إلى قطعة هضبية مسـحور الصـنوبر وعلى سفوحها امتدت غابـات ،قممها كتل الجليد

ترى .. الوحشية وكتل الحجارة الصلدة تتخللها القالع القوطية فتعلم علم الظـن بـأن ؛األضواء تنبعث من أحدهم كل ليلة

ا هائمة تبيت ليلتها وحيدةهناك روح. وعلى شاطئ أحد المستنقعات وبينما كانـت بدريـة

لمحـت ؛منهمكة في غسيل األواني النحاسية قبالـة دارهـم عندما رفعـت رأسـها .. ا يدق األرض بحوافره أمامها فرس

وجدت حسين أغا األشقر ينظر إليها بعينيه المبتسمين ابتسامة عندما التقت نظراتهما ظل .. الموت وفكه المتدلي كفك الذئاب

وطيلة ثالثـة . ا وهو يفكر ثم رحل مبتعد ،ا نظره لثواني يمبق

ـ ل أشهر ظل األشقر يحوم حولها ويتابعها عن كثـب وبتمهـ .. وهو ال يني يفكر ا إذا عجزت شريفة أن تلـد لـي وريث

ذات مرة حـدق فيهـا بعينـي .. فستكون هذه الفتاة أم ولدي .. ومةأشار لها فقامت خلفه كالمن .. الموتى حتى أمسك بعينها

.. للداخل وانعطفـت تتبعـه وفي أحد صوامع الغلة انعطف وعندما وقف أمامها يخلع سرواله مدت يدها هـي األخـرى

.تحل تكتها وهي منكسة الرأس تحدق في األرضمع مجيء الربيع نما العشب على الوديان والسفوح،

لمحت شريفة راعي ا سـترة ا يخرج من قلعة الغرب مرتـديتصاعد غبار قادم .. ا من الكباش ويسوق أمامه قطيع ،صوفية

ا أشهب يقطع الطريق إليها فلما اقترب رأت جواد ،من ناحيته دخل من بوابة القصر وكأنه يعـرف طريقـه عبـر .. انهب

ا يحاول أن يمسك والكل ينظر إليه دهش ،الساحة إلى الحرملك .. إليـه تالطفـه فانصـاع لهـا قامت.. به دون أن يستطيع

:همست . هو أرسلك.. جئت من عنده -

امتطته فاندفع يطوي .. طأطأ الجواد األسود رأسه الغرب فـدخل السهب باتجاه الجنوب حتى بلغ قلعة

ا بخطـوات بوابتها وسيدته على ظهره يخبو راكضأت سـاحة القلعـة تمـوج نظرت حولها ر .. بطيئة

؛ساد بشرية برؤوس ذئـاب وأطفـال أج.. بالحركة وخيول لها سـيقان ، عقولها تقفز قفز القردة فصدت

ووجـوه مريبـة ،ماعز وكباش تقطر أنيابها دمـاء .. لها خلفهـا حمراء بثالثة عيون وقرون تطوي ذيو

بعضها تسوق أمامها عربات خشبية ممتلئة بـالغالل والبعض اآلخر يمسك فـي يـده مناجـل ،والحبوب

.وشوك وبذارات قمح وفئوس حادةقفزت من على .. وقف الجواد بها على ساللم القصر

كانـت .. دلفت إلى ردهات القصر الحجرية .. ظهر الحصان ربعة تعبر قاعـات تمتد أمامها طويلة تحيط بساحة مكشوفة

ا رأت جماعات من النساء والرجال يرقصـن سـوي .. القلعة ئب يعانق امرأة لها أقـدام الوعـول، برأس ذ ورجال ،الكوال

وجمع غفير من الغيالن يجتمع حـول مائـدة مـن لحـوم ـ .. األطفال ا وجلسـت تأكـل تقدمت إليهم فأفسحوا لها مكان

: بفرح وهي تصرخ في نفسهالآلخرين،وسطهم وتبتسم

همجيـة البربـر واسـتبداد ، سوف أعطى الليلة - .الرعاة

* * * وباتجاه الشرق نهب جواد أسود األرض وعلى ظهره

وجـدت .. عبرت بوابات قلعـة الشـرق .. بدرية كالمنومة وهـم ،ساحتها تموج بأجساد بشرية بال رؤوس تكد وتكـدح

وال يلبثـون فارغة إلى أرض يروونها بمياه ايحملون جرار ، أن يعيدوا نفس العمل في دأب دون توقف تحـت ضـربات

سـاللم القصـر نزلت بدرية علـى .. يحملها أحد سياط ال وفي الردهات شاهدت قاعات القلعة الداخلية تموج ،الخارجية

بغناء جماعات المجاذيب والمنجمين مجتمعين حول النيـران :هتفت

ة الليل.. عطى روح العبيد وعقلية الخصيان الليلة أ - .عطى استسالم الدهريين وعبدة الموتأ

* * * عند منتصف الليل وقف كل من المرأة والفتـاة فـي

شعرت كل منهما بحركة في .. مخدع قلعتي الغرب والشرق ا ناحل القوام لـه مديدريفة كان يقفوأمام األميرة ش . الجوار

أخذها ،وجه قمري لشاب في منتصف العقد الثالث من العمر تقلبت بين ذراعيه عارية .. ا إليها كنهر قطبي مندفعبين يديه

ظلت تسبح وتسبح في نشوى حتى بلغـت .. ككتلة من الجليد ا إال من أما بدرية فقد رأته عاري . أراضي السهوب الخضراء

وقـدماه تصـران كلمـا ، حول عنقه ة مشدود ةسلمسلقيود .. تحرك

:جذبته إليها وهي تهمس اس بتخاف منك؟؟ ليه الن أنت كدهاذالم -

:اقال بثقة هازئ . ومن يستطيع أن يراني على حقيقتي–

؟..ني عارفة آ- األمر حالما حتى أنت سوف تنسي .. ال أحد يعرف -

.ترحلين من هنالم يمض شهران حتى أعلن المنادي يتبعـه صـبي

وأتباع يلقون بالدراهم علـى األمـة يزفـون ،يقرع الطبول ا وستلد أميـر ،األميرة شريفة حامل البشرى ألهل منوف بأن

.عما قريب* * *

الفصل العاشر

جدت جثة المنصور قبالة فيشـا في حادث غريب و، ولم يستطع أحـد .. وقد طرحها البحر الفرعوني على شاطئه ..أن يفسر كيف صعدت الجثة ضد التيار

ن النهر يطرح جثته شمال المكـان قال العارفون إ المراكب ذات القالع هي فقـط التـي وأن ،الذي تغرق فيه

ـ ؛بمقدورها صعود النهر ا فإذا كان المنصور قد مـات غريق -اوهذا طبيعي لرجل ال يستطيع المشي كثيـر -قبالة منوف

فكيف إذن ؛فقد كان من الطبيعي أن تظهر جثته شمال منوف غمغم البعض متعجبـين .. ظهرت جنوبها وعند فيشا بالذات

؛ قاوم المماليك والطاعون ن رجال إ...ائلينلتفاهة السؤال والس في حـين .. ولو كان في أوج فيضانه يستطيع أن يقاوم النيل

ن آخرين غمغموا أن المنصور حين مـات أراد أن يغـادر إأراضي الكشوفية ففرد أشرعته وقالعه يريد أن يصعد إلـى

قد يكون زيارة السـيدة زينـب أو ؛القاهرة لغرض في نفسه بل إن األمـر قـد .. ا الحسين وال شك أنه فعل مجاورة سيدن

ا قـام علـى فطالما أن رجال صالح ،خرج عن هذه الصورة زيارة رئاسة األولياء الصالحين وعلى رأسهم السيدة زينـب

فال شك أنه بعد أن زار أهـل ؛بنت فاطمة بنت الرسول ا النهر ليزور السـيد البـدوي وسـيدي القاهرة عاد صاعد

ومن يقبل . ولما عاد فضل فيشا عن منوف ،قيإبراهيم الدسو خوة ، وإ أن يجاور في منوف أناس هم أبناء للشيطان والجان

.. سواء أحياء أو أموات؛السحرة الملعونين فأسرعت من فورهـا إلـى .. ا بلغ النبأ بدرية سريع

ـ انهمرا سوي .. أمها ا ا في بكاء ونحيب شديد ذكـرى وعرفان .ا قبل أوانهل جعله القدر عاجز مع رجاألمد،لعشرة طويلة رويد وبعد مرور أسبوع علـى ،دا خف البكاء ا روي

أصبح الشغل الشاغل لجماعـة مـن ؛دفنه في مقبرة بمنوف يحققون في رؤيا لشيخهم ظهرت لـه فـي ،دهماء المجاذيب

إن سيدي أحمـد البـدوي جـاءه . المنام يوم موت المنصور .. يكون الغضبان هـذا وتساءل من ،يخبره أن يقيم للغضبان

وعاد عليـه ،اوفي الليلة التالية جاءه سيدي أحمد البدوي ثاني يحاول أن ا يخشى غضبه ا خائف فقام مصعوق . ما قاله له ثانية

وفي الليلة التالية جاءه هـذه المـرة سـيدي .. يفسر الرؤية

ا وهو ينغزه ا متوعد سيفه البتار مهدد إبراهيم الدسوقي حامال :لبه ويقو

قم يا ابن المهمـين واختشـي ــداره ــبان بــ ودع الغضــــاتال ــام مقـ ــيفي قـ بســـه ــي نوم ــأخرت ف ــإذا ت ف

ــى ــات أوان الخشــ فـــ اا هادئـــينـــام نومــ

كـــل ذنـــيم مفتـــري ــد ــرة األبـ ــك عبـ جعلتـ

فقط هو الذي استخدم سيف اأخبرهم أحدهم أن واحد ا وهو المنصور سيدي إبراهيم الدسوقي منذ خمسة عشر عام

فبعـث يسـأل ؛قولي يكون قد مات منذ ثالثة أيام فإن صح وبلغه ،أعوانه في منوف فعلم بما جرى للمنصور من أحداث

فتأكدت األخبـار ؛نبأ سفره لزيارة األولياء وهو جثة غارقة فشرع في همة وحميـة .. وبان المخفي والمستور من األمور

كـي ال يفسـدوا ؛وفي كتمان وصمت حتى عـن األخيـار اء ضريح كبير ومقام فخم لسيدي وموالي أحمـد األحوال ببن

وجاءه اسميه األولين على اسـم سـيدي .. إبراهيم الغضبان ،أحمد البدوي والثاني على اسم سـيدي إبـراهيم الدسـوقي

وكنـي ،وسمي كذلك حتى ال يعبـث المماليـك بضـريحه ولم يمض عليـه ،بالغضبان ألنه عاش طيلة حياته بالغضب

ية جثته ودفنوها في الضريح الـذي أسبوع حتى نقل الصوف

ا وفـي القـرى فلما انتهوا شاع بين الفالحين سر ،أقاموه له فبنـت ؛ن سيدي إبراهيم الغضبان قد طار من قبره والكفور أ

له المسلمين من الجان ضريح ا بـأمر سـيدي أحمـد ا ومقام .البدوي وسيدي الدسوقي

ا وعندما ذهب البعض إلى قبر المنصور وجدوه خالي . إلى مثواه األخيرفأيقنوا أنه طار ليال

-٢- وأصـبح التغيـر فـي ،تباطأت المركب في المسير ا على صليبة سبح معلق . االطقس بين الشمال والجنوب واضح

لم يكن هـذا .. وسط فيض متالحق من رياح الشمال الباردة ن جسده المصلوب إذ إ .. من آالمه الجسدية والروحية ليخفف

ائلة تخطتا حد السواء إلى عالم من التشـوه ال وروحه المتس ـ .. رجعة فيه ن خاف أن يرفع رأسه ليواجه الشمس خوفه م

نهـا تهـيج قـروح جسـده إ.. لو تنطفئ إلى األبد .. العمى وكأن صديد القروح المتكلسـة ما باله صار ثقيال .. ووجهه

تشققات شـفتي .. ماء.. على وجهه قد صار بسمك قيراطين .. نظر إلى هرم سقارة المـدرج .. جة إلى ماء اللعينة في حا

ولمن كـانوا . وكيف كانت عبادتهم ،لمن هذه القبور الوثنية سارت المركب الهوينا تلتف في طريقهـا حـول .. يتعبدون

وهو شاخص ببصره إليه يشعره للمـرة ،الهرم بنعومة فائقة هؤالء اللذين عاشوا على النيل ألي .. األولى بطراوة الرياح

أو كـانوا يريـدون الصـعود إلـى . انعوه مدرج غرض ص فـي طـوال .. تاهللا إن اإلنسان القصير هذا لعجيب .. السماء

حياته لم يشعر عبد المحسن بما شعره في هذه اللحظة والتي ان هذه األراضي القديمـة ال كانطوت على احترام بسيط لس

يستند على أي شعور نحو هذه األشياء األعجوبة أو لصانعيها وسرعان ما غاب هذا الشعور في لجة من الظالم .. نتماءباال

،والبوابة الكونية تغلق عليه يرتج الفضاء بصـوت رتاجهـا وصرير سالسلها وهي تضيق عليه تجعل من الفضاء الكوني

ا عميقة الهاوية شديدة الضيق يصعب عليه والحياة الرحبة بئرـ ا فـي الفضـاء فيهلث مجدف ؛الحركة أو التنفس فيها ا مختنق

:يصرخ كيف يتسـنى للثلـوج أن ؟..يا منطقي أين أنت -

وتنتصـب الجبـال . تسقط علـى وادي النيـل والهضاب على سهل الدلتا وتخـتلط الصـخور

الضخمة بطميها األسمر واللسان األعجمي بلغـة ؟ مـن وبأي شرع يحكم العبيد األحرار ،القرآن

وكيـف نبتـت بذرتـه أين جاء هذا من أيـن؟ ، العـين رأيلقـد رأيتـه .. منطقي يا.. األولى

الثالث المرفوع عديم النفس تناقض .. تحدثت إليه .. الكـاذب الكـاذب .. الحقائق متناقض الحقائق

الثالـث .. المسـلم الـوثني .. الذي هو ليس بهو ابـن الـرق .. الوليد المرعب المشوه .. المرفوع

األرواح .. العبودية والسـلطان .. وحكم األجناس ..ح الوثنية التي قدمت لتحكم بالدناالهائمة األشبا

دق جدار بئره بعنف وهو يصرخ بـأعلى :صوته

؟كيف يتأتى أن يحكم الرقيق األحرار .. يا منطقي - يتأتى أن يحكم الثالث المرفـوع الـبالد باسـم فكي

المماليـك وآل عثمـان لسـدة من أوصل .. اإلسالم إرث معاويـة أم أن هذا ،و انتقام الموالي هأالخالفة؟

وإرث الذين قدموا له األسانيد الشرعية الغتصـاب ا برأسه إلى ا ملقي انطوى على نفسه ساخط .. الخالفة

كانت الفئران ترعى في حبور على سـطح .. أسفل .غط في نومه يحملها معه في أحالمه.. المركب

* * *

-٣- ،جاءت رياح الخماسين هذا العـام عنيفـة غاضـبة

ي أرض السدود التي تقع في الجنوب الغربي وامتأل الفضاء ف وأمامها اقتلعت الريـاح . لمدينة منوف بالغبار الشديد الوطأة

للحـرافيش والعكاريـت ئـا عشش البوص التي كانت مخب .. والتائهين والمشردين والشحاذين والقبط الفارين والهاربين

ظل عبد المحسـن ورفاقـه محصـورين ؛وطوال ثالثة أيام ن عومحملة بالرمال يريدون الفرار بأسرع ما يستطي بالرياح ال

قـرة منـوف للمطاردة التي سوف يشنها خلفهم والي ا تحسب بعد أن علمت منوف سرقتهم لصندوق نـذور ،جنونم ال زادة

ـ ؛ضريح الشيخ الغضبان ا مما جعل السنهوري يحترق غيظ ..ار دمهم جميعحتى إنه أهد

هبت مع الفجر و ، في صباح اليوم الرابع صفا الجو قام رضـوان يـتلمس .. نسمات الربيع األولى طرية رطبة

وبعد خمسين خطوة أصـابته ،ا إلحضار المياه طريقه خارج وطعنة خنجر نافذة سقط بعـدها ،ضربة قوية على أم رأسه

ا لحظات والتف حول جثته ثالثـون جـواد .. طريح األرض قفـز عبـد .. المجنـون تحمل على ظهرها رجال قرة زادة

المحسن خارج وباليـد ،ا سيفه بيـد ا من خص صغير شاهر ا تحـيط وجد نفسه وحيد .. محشو يريد الفرار غدارهاألخرى

ـ شـاهرين غـداراتهم ا،به دائرة كاملة مـن ثالثـين فارس .هموسيوف

: قال قرة زادة – فإن قاومتم ذنـبكم ؛ا حسين أغا األشقر يريدكم حي

اب سـتموت فـي كل فارس مص .. على جنبك ولد عكروت .مقابلة مرة

يد بالحبال ق.. ا من تسليم نفسه لم يجد عبد المحسن بدا خلف طابور وسيق راكض ،ديه بذيل أحد الجياد من عنقه وي

ا عليه للمرة األولىالفرسان الطويل مقبوض. ظـل يفكـر فـي .. اطوال ثالثة أميال عبرها الهث

.اووجه األشقر يطل عليه ضاحك. مصيره برعب

، غيـر مكتملـة ا طويال رأى سور .. نظر أمامه . . ..حد األراضي الجنوبية لمنوفأطرافه ت

:تساءل.. بوغت به عبد المحسن ا يحد وراءه إن كان لألسوار معنى؟ ماذ-

وقف الفرسان أمام بوابة قوطية قديمة يحدها برجان علـى هيئـة ) أنوك( ويعلوها شعار ،ويحيط بها خندق عميق

.صولجان تاجا ا صـغير فـأنزل جسـر ؛ الحـرس ادى قرة زادة ن .تحت البوابة على مزلجين خشبيين وف،للخندق

ا خلف موكب الفرسان، يصعد جباال ظل يجري مقيد وعلى األطراف يلمـح ،ا مغطاة بالعشب ويهبط وديان ،ثلجية ، وجـداول مملـوءة بالـدم ،ا مسكونة وكهوف ،رافا ترعى خ

لغ فوق سيقان ضـخمة فـي ا ضخمة تتحرك ببطء با وأشباح وهم ينهنهون بلغة غيـر ،حجم جذوع أشجار التوت العجوزة

.. نزل الفرسان عن خيـولهم .. أطلت قلعة الغرب .. مفهومة ؛دفعوه إلى درجات حجرية ودهاليز تمتد طويال .. فكوا وثاقه

وتشـيع فيـه ،ا ترشح من جدرانه مياه لزجـة حتى بلغ قبو ..اكسقط على األرض منه.. الرطوبة

ام البشرية المتناثرة فـي غمغم وهو يلمس بيده العظ :المكان

. أنتم تلقون بي في مقبرة- كم مر عليه من الزمان قبل أن يفـتح عليـه رلم يد

وجد .. الحرس باب الزنزانة الحديدي يصعدون به إلى أعلى ،نفسه في قاعة مستطيلة صنعت جـدرانها مـن الفسيفسـاء

وتحـيط ،اطع فيه األبيض واألسود وأرضيتها من الرخام يتق .بها عقود مدورة

ومن شرفة القاعـة امتـدت ،ادار في المكان متعجب وقرب سفوح الجبـال شـاهد ألسـنة .. أمامه أرض الغيالن

ا مـن قلعـة الشـرق النيران تنعكس من داخل الكهوف قريبوإلى الغرب امتـدت الغابـات .. تحيط بها المراعي الممتدة

لم تكن هذه األراضـي .. و يستدير داخال غمغم وه .. شاسعة .كأنها أرض الشيطان.. واألشياء موجودة قبال

إذ برز له فجأة وفـي ؛وكأنه استدعى الشيطان نفسه فكـه بابتسـامة ا يتدلى نفس اللحظة حسين أغا األشقر مكشر

:الموتى يأخذ بعناقه

عامل كيف ي ..لقد عنفتهم . صديقي.. عبد المحسن -صرخت فـيهم .. قبو الزنازين .. م هذه المعاملة صديقي القدي

واهللا هذه سفالة خنـازير ،عبد المحسن شيخ عظيم في القبو .. قل لي هل قتلت خادم الضريح.. تيوس

اتراجع عبد المحسن غاضب: .لم أقتله. ال- . من قتله إذن-

ا الحديثهز رأسه رافض. اهز األشقر هو اآلخر متفهم:

نحـن نعـرف مـن .. أصحابكم ال تريدون خيانة - .أما سارق الصندوق فهو رضوان...صالح.. قتله

ا نظر عبد المحسن إليه متوجس. . كيف عرفتهم حضرة جناب األغا-مكشـوف عنـي .. تذكر أنـا مبـارك .. ها.. ها - ..ها.. ها.. الحجاب

: استطرد بجدية

ا ا عصـر وغـد .. لص عكروت وقاتل اعترفـوا - قاضي المدينة شيخ عبد الحـي نـور اعترافهم أمام يعيدون .الدين

:ه المتقدتين وهو يمسك بكتفه بشدة مال عليه بعيني نحن ننقذ عنقكم من مشـنقة الشـيخ السـنهوري -

.صديقي عبد المحسنا، وهو يحاول التخلص مـن قال عبد المحسن مندهش

:يد األغا .تل باألمس رضوان ق-ثـين فيه ثال . لص عكروت اعترف قبل أن يموت -

.هيه.. شهود عدلرجال . من سيحاكم إذن-لم يقبض أوالد المتاعيس على أحـد .. صالح فقط -

.غيره :االرتياح يغمرهشعر عبد المحسن ب

. لن أحضر المحاكمة--ا خلف ستار سوف تشاهدها مختفي..

:أمسك بكلتا كتفيه... توقف األغا بغتة

كم أخي وصديقي أنتم هنا في قصركم وقصر أخـي -أمـا أنـا .. اطمئنوا كثيـر .. تأخذون راحتكم كيف ما شئتم

.والسالم.. تكمط عنكم تهم شيخ سنهوري وأثبت براءسأسق الحـاجبين اتابعه عبد المحسن وهو يختفـي عاقـد

غلبته الحيـرة وهـو يـذرع .. لكن لماذا؟ .. منكمش العينين االقاعة جيئة وذهاب.. ا ال يدري لشفقة األغا واهتمامه سـبب. .

أذن لصالة العصر يصاحبه صوت نفير النوبة التـي اعتـاد قـام .. ا لكل صـالة المماليك في الدولة األولى إطالقها ميقات

وطـوال .. يد القديمـة ا لظهور مثل هذه العوا للصالة متعجبا في غربة تعرجات في أرجاء المكان عابر العصر ظل يحوم

ف ذراع من الهضاب والجداول الصغيرة على مبعدة ثالثة آال مبنـى الركـاب .. خمةا من األبنية الض شاهد صفوف ..القلعةلخيـل واللجـم ا عن آخره بعـدد ا وجده مملوء دخله خانة؛

، الخيول تحوي المئات منها إسطبالت والكنابش والمراكيب، يعجـب دخلـه متسـلال وخلفهما شاهد مبنى السالح خانة؛

ناجر والطيـر من السيوف والخ الضخامته يجوس خالله ألوف وخلـف .. لسهام والمقـاليع والبالطي والرماح والدبابيس وا

ا يرى األشباح الضخمة الثقيلة ح خانة تسلل متخفي المبنى الس

ودبابـات علـى ،الحركة تعمل في بناء الضبور والكـبش ا وهو يقف أمام إحدى القالع المتحركة هتف مشدوه .. عجل

ينوي األشـقر فعلـه ماذا.. االتي يبلغ ارتفاعها ستون قدم .. شاهد ثالثة منهـا ؛ في األمكنة التي يختفي خلفها ومن فرجة

غمغم ليس لهذه القالع سـوى قلعـة .. تختفي وسط الغابات وهو يرى السور يخترق الوادي قرب ،اتوقف مبهوت .. الجبل

. بين الدلتا وأرض السحراألفق فاصال* * *

ره آنوكا د على بوابة القصر وأسوا طوال عودته شاه وقـد رسـم عليـه شـعار األشـقر ،ا في األحجار محفور

وجـد فـي ،عبر الدهاليز إلى حجرته .. )الصولجان والتاج (ا من فرو الغنم على أرض حجرية ا مصنوع ركن منها فراش

.. ا من شدة جوعه التهم طعامه التهام .. وآنية بها طعام ساخن ـ وعـاد يتمـدد منه ،قام فأغلق الشرفات الزجاجية ا علـى ك

قرب منتصف الليل شعر بنفسه .. غط في نوم عميق .. فراشهوقد قيدت يداه ،ا على طاولة خشبية يفوح منها نتن شديد ممد

أحس بمالبسـه تمـتص .. وقدميه بفعل كابوس مخيف تملكه حاول أن يرفع يديه .. البلل الرطب الذي يتناثر على المنضدة

صاح بأعلى ..وسوهو يعلم علم اليقين أنه تحت سيطرة كاب .. جايتعالوا ل .. أمه.. خرج من فمه صوت صوته دون أن ي

شـعر بـالملمس اللـزج .رأى وجوههم البشعة تميل عليه حجرهـا سن على وصوت السواطير التي ت ، تتحسه ألياديهم

وهو يدور معها حتى قذفتـه ، في أذنه البازلتي يتصاعد دويه لكنه لـم . .بوسي وعندما فتح عينيه قال هربت من كا ..ابعيد

ن األشباح ذات األجساد الضـخمة إذ إ .. يكن خارج كابوسه كانـت ؛البطيئة الحركة بأرجلها ذات الشعر األسود الكثيـف

.. تدور حوله اآلن ناجزة األنياب وذيولهـا تخـرج ،صرخ كالمجنون دون صـوت

.. غـيالن .. وسـاقيه لحيات من مؤخراتها تلتف على يديه كا .غيالن.. جايلتعالوا

وبكل عزمه بسمل وهو ينقلب على جانبـه األيمـن اسـتيقظ .. فانفك كابوسـه ؛يستعيذ باهللا من الشيطان الرجيم

وعندما جلس القرفصاء حدق لسـاعة فـي النوافـذ .. االهثاستجمع كل شجاعته عنـدما . المفتوحة التي تعبث بها الرياح

شاهد جهة الغرب عشرات الكهـوف المضـاءة .. قام ليغلقها ومواقد الحطب تدور حولهـا األشـباح الثقيلـة ،شاعلبالم

كان الفجر قد .. باغته صوت بوق النوبة .. المشوشة رؤوسها وأخذ في تالوة آية الكرسي قبـل ،دهش وازداد عجبه .. أطل

ا ا ضخم وهناك وجد جمع ،أن ينزل إلى الخانقاه لصالة الفجر .. ا في الصالةمن المتصوفة يتقدمهم األشقر مستغرق

* * * . في الضحى نودي على عبد المحسن فخرج متعجال

وخلفـه ا جواده المطهم بالذهب والياقوت وجد األشقر ممتطي ،. وجمع من مقدمي األلـوف ، ومراد أغا ، المجنون قرة زادة

:اصاح به باش .. أمضيتم ليلة طيبة-

: وأومأ عبد الحسن برأسه . نعم يا سيدي-.. رع في اللصـوص اليوم قبل أن نشهد حكم الش - . ننزل للعب

:أشار األشقر إلى أمير خور –ا قدموا لصديقي جواد..

وعلى ساحة واسعة األرجـاء ،ا كبكب الركب شرق ..لعب األغا ورجاله لعبة الكرة

ا يشعر بالسعادة نادى مهتاج: ..لعب معي صديقي خذ عصا وا–

ا قال عبد المحسن معتذر: .سك بعصا من قبللم أم.. عذرني يا بيك أ- . هيه تتهربون شيخ عبد المحسن- ..وأخشى الخطأ.. أنا فالح يا بيك-

:وأشار إلى جمع أمراء المماليك . المالمة فتتبعني– . فالح يجيد استخدام النبوت والسـيف والغـدارة -اوشيخ أيض..

: ضحكهل نسيتم سفينة الغـواني .. يا شيخ عبد المحسن -

لـم .. وس أمام بوابة قصر السـنهوري والجل ،وعشق النساء . يكن هناك فرق بين فالح ومملوك :اقال عبد المحسن مداهن

-من حضرتكم يا بيكا وتفضال كان تواضع . ا عن صرخ األغا باهتياج بالغ وقد تدلى فكه مكشر

:أنيابه

. أو وووو وو-نظر . خته عنيفة توقف على أثرها الجميع كانت صر . ممتقع الوجهإليه عبد المحسن

؛جئت بك هنـا .. ال نفاق .. ال نفاق عبد المحسن - .ألنك الوحيد الذي لم ينافقني

: أمسك بجبهته يعصرها.. أنتم فالحون تجيدون كل أشكال ودروب النفـاق -

.المسكنة.. الذل- ......

:هز األشقر رأسه قال ال يجوز الجمع بين فالح ومملوك إنما .. معكم حق -

.. مكان في قلبي أنت فقطلك :أشار إليه

..عد أنت. عد أنت- :ا إلى الساحةا إلى رفاق اللعب مندفع صرخ ملتف

.. هيا-

-٤- وصل األغا دار القضاء يتقدمه دوي أربـع طبـول

، ونفيـر أربـع ن مـن الكوسـات وعشرون نقارة وأربعو وأمامه مباشـرة .. األلوف وأمراء المئين ومقدمو.. زمارات

وفـي قدمـه ،ابة السلطانية المطرزة بالـذهب رفرفت العص رفرف جاليش أبـيض كبيـر بـه حيث كان األشقر ؛القلب

.. خصلة من الشعر القاضي عبد ؛ فأقام جيء بأعداد اللصوص والشطار

وعنـدما ،يـديهم ، وبتر السياف أ الحي نور الدين عليهم الحد واعتصر قلبـه ،جيء بصالح داهم عبد المحسن انقباض بالغ

وفي آخر الجمع وسط جمهور الحضور شـاهد ،ديدحزن ش ففطن إلى أن المرسي والمصـيلحي حيـان ؛رجلين ملثمين

. يرزقان فقال الشيخ عبـد ؛اعترف صالح بقتله خادم الضريح

:الحي ماذا أسر القتيل باسم عبد المحسن؟ فل - . ألنه آخر من رآه- فمن سرق صندوق النذور؟-

لك وثيقة شهود عدل أعقب ذ .. رضوان رحمه اهللا - . باعتراف رضوان بسرقته صندوق النذور

؛ فأخـذه فلما انتهوا أعلن القاضي حكمه بقتل صالح : المجنون قائالقرة زادة

. نحن ننفذ فيه حكم قضاء عالم- يجذب شعر عبد المحسن بصدره ينقبض وقرة زادة

كان الهرب يدور في رأسه .. ا في خشونة وغلظة صديقه مقيدناداه .. بأصبعه ناحيته فأحاطوا به هشقر أشار لفرسان لكن األ :قائال

- اواآلن يا صديقي أريد منكم أمر. ا علـى أال أستطيع الذهاب يوم .. أي شيء يا بيك - ..أن آتيك

: ضحك األغا وهو يمد له يده كي يركبهيا يا صديقي .. خير األمور ما عجل بها .. عنيبت ا -

..يا أخي اتبعنيقن من امتطاء عبد المحسـن جـواده أطلـق فلما تي

ا الركب فانطلق يعدو سابق؛ا خاصرة الجواداللجام الكز.

مـال األشـقر ؛ عندما نزلوا أمام بوابة قلعة الشرق : بابتسامة الموت الذئبيةعلى عبد المحسن قائال

وخاصـة .. يا صديقي .. ا التجوال خارج ال تحاول - .ا ألعلىوتركه صاعد.. في الليل

* * * يد عبد المحسن إلى حجرة باإليوان القبلـي بقلعـة ق

هذه المرة شاهد الكهوف .. الشرق، وأغلقت النوافذ بالمزاليج ـ .. المضاءة بالمشاعل قد أصبحت قريبة ا يغفـو نام ليلته قلق

وهو يجـري ،فيرى مئات الغيالن تطارده حتى تكاد تالمسه والجفاف يشتد به ،ا عن الماء على سطح من ألسنة اللهب بحث

إنها تأتي في .. وصوت يتابعه ،وتضيق عليه حرارة النيران وتقضي عليها ،تلك الغيالن تأتي وتكثر في الجفاف .. الجفاف

ا يصغي السمع عسى أن فيستيقظ مفزوع .. وتذهب بها المياه ا يقاسمه ويفتش النظر في المكان يشعر أن شخص ،ايسمع شيئ هذه المرة كان .. كوابيس المطاردة ثم يغفو فتعاوده .. الغرفة

وظهرت له صفحة النيل على حـد النظـر ،ا منه الماء قريب ، والغيالن تحدق به مـن كـل ،ا عن إدراكها لكنه كان عاجز

لكـن غـوال ، وأوسع خطاه وقفز ،شد من عزيمته .. جانب

أمسك به واحتضنه يضمه بشدة بساعدين في حجـم جـذوع ـ انتفض مذعور .. أشجار التين سـمع .. اا وجسده يدمي دم

ا النافـذة استدار مـا بوسـعه قـافز ؛اصطكاك النوافذ خلفه ا باتجاه الكهوف والرغبـة الملحـة جرى محاذر .. المفتوحة

فـت بـدمامات أتاه الصـوت الخا ؛تدعوه ألن يعرف ما بها دار حول الغابـة دورة واسـعة ..ا من ناحيتها الطبول قادم

كانت الدمدمات تسمع .. االختفاء ا الجبل حتى يتسنى له معتليبوضوح وقد تحولت للهجات ولغات وألسنة مبتورة ألشـتات

زحف فوق هضبة صـخرية يطـل .. من األجناس المختلفة ا منهم كـان يسـتطيع ن أي ا حتى إ كان قريب .. عليهم من عل

.كشفه بسهولة لو نظر إلى أعلىأعوذ باهللا من الشيطان .. الهول :هتف بصوت خافت

اهللا أكبر اهللا أكبر قل أعوذ .. جيم بسم اهللا الرحمن الرحيم الر .. برب الفلق من شر ما خلق

، غيالن بها سمات البشـر .. كان أمامه المئات منهم فصاروا على هيئة الغيالن يتحركون بـبطء وبشر تشوهوا؛

وقد امتألت بالجثث ،حول قدور ضخمة أوقدت تحتها النيران لقيت أكوام مـن مالبـس تشـبه وعلى األطراف أ .. البشرية

.. وأدوات يسـتخدمها المماليـك ،مالبس العسكر وسالحهم فرفـع إليـه الـبعض .. تساقط غبار وبقايا أحجار من تحته

ا يجري يسابق الريح وهـم فقام مذعور ؛شاهدوه.. أنظارهمبلغ قلعة .. يلوحون بقبضاتهم ناحيته مهددين قافزين كالقرود

ل أن يطوله أحدهم قفـز داخـال وقب ،الشرق وهم يطاردونه . القصر وقد أمسك الرعب بخناقه

أن يصل إلى غرفته دون جدوى، ظل يجري محاوال في متاهـة مـن وعندما بلغ به التعب مبلغه خمن أنه يجري

ا إلى أبواب مغلقة ال المربعات المتشابكة تنتهي أضالعها دوم رسـمت مرة واحدة اكتشف فيها أنها أبواب .. يستطيع فتحها

وأن الدهاليز التي دخلها ال تطل على ،ببراعة على الجدران .، وكأنه صيد وقع في شبكة الصيادسقط يلهث.. منافذ

مما ؛ الح وجه سليمان المنطقي يعبر فضاء الدهاليز :فغمغم له.. أشعره بالسكينة

كيـف تصـير األبـواب .. ي مجنون نأشعر بأن -أنـا وإذا كانت األبواب حـوائط فهـل .. حوائط

من يطرق األبواب يريد .. بالداخل أم في الخارج

فـإذا .. إذن أنا في الخـارج .. الدخول يا منطقي . فأنا هنا ولست هناكان هو ليس هو : كان عقله يجري

ولكنـه ، فهو لـيس بموجـود ؛ا هو ليس هو إذ -بـين .. موجود بين ماضيه وحاضـره .. موجود

فهو .. بين حياته وفقدان روحه .. ظاهره وباطنه الكـاذب .. الثالث المرفوع حامل المتناقضـات

ولـيس وهو هو .. فأنا هنا ولست هنا .. بوالكاذ .هو : تذكر

فماذا كـان حلمـك يـا .. انيط ولكن في دار الش – جعلـه ا فا إذا فعل الشـيطان شـيئ .. قسطندي تذكر

امقلوب .. ، وهـذه الحـوائط هذه الدهاليز قاعات .. قام يجري

كنت فإذا .. وبدأ وكأن كل شيء يتحرك ،كان ارتج الم .أبوابا يديه يدور حـول نفسـه عجرى راف .. أريد الخروج فألدخل

وأسرع لمنتصـف المكـان ، بلغ الدهليز األوسط .كالمخبول والجدران تتحرك تكشـف عـن ،اساد الهدوء تمام .. ووقف

إيوان دائري متسع صنعت حوائطه وأرضيته مـن الرخـام ،الية عقودها على أعمدة من الجرانيت تعلوه قبة ع ،والمرمر

وفي وسط اإليوان نافورة .. وازدانت نوافذها بالزجاج الملون وفي صدرها درج يفضي إلى كرسي العرش .. لطيفة مياهها

يعلـوه شـعار األشـقر ..المصنوع من الذهب واليـاقوت : وفي صدر اإليوان شاهد كتابة واضـحة ،الصولجان والتاج

."مجلس مشورة السلطنة"".. اإليوان الكبير" وثالثـين اوعلى داير اإليوان عد عبد المحسن واحد

.خشب الجوز المزخرف بالعاج والصدفمقعدا صنع من السلطان ": فأما على كرسي العرش قرأ عبد المحسن

المجاهد المظفر سيف المئيناألعظم والملك األشرف العادل سـلطان األرض الدنيا والدين صاحب القبلتين خادم الحرمين

ذات الطول والعرض ظل اهللا في األرض محيـي الخالفـة المعظمة قسيم أمير أمير المؤمنين الحسـين بـن مصـطفى

". إيداكش األشقرا فـاه ا برأسه فاتح ممسك جرى عبد المحسن مذهوال

وعلى ، قرأ على المقعد األول اسم أتابك العسكر ..من الدهشة ا كتبت علـى عة وعشرين اسم ثم قرأ أرب ،الثاني اسم الوزير

ثم قرأ علـى أربعـة ،ا ألمراء المئين أربعة وعشرين مقعد كراسي أخرى أسامي قضاة المذاهب األربعة عـدا مـذهب

وعلى الكرسي الواحد .ا عليه اسم أحد لم يكن مكتوب . المالكية ا وهو يقرأ اسـم صـاحب المقعـد والثالثين تراجع مبهور

بن العباس أحمد بن حسـين ابـن الخليفة محمد بن المتوكل (أبي علي بن األمير حسن بن الرشيد بـن المسترشـد بـن

).المستظهر الذي ينتسب إلى السفاح ما هذه الطالسم واألسرار؟.. ي مجنونن أشعر بأن-

اإليـوان ا خلف كرسي العرش يمتد أمامـه كان واقف يحيطها الضباب الملون ، بأصحابها يشعر بالمقاعد تكاد تمتلئ

دافع على هيئة موجات لطيفـة تتخللـه أضـواء مبعثـرة يت .. ما لبثت أن تمايزت وتحددت،وهمهمات خافتة : غمغم

ـ يوكيف .. ا متى كان األشقر سلطان - ـ ك ا ون محيي أهـو زهـو .. هذا الخليفة األضـحوكة وأين وجد .. للخالفة

أشعر .. للتمرد واالستقالل بالبالد ، أم تمهيد خيالء وسلطان وي على ننإ.. ا في المكان أخال بأني لست وحيد .. وني مجن نبأن

الموجـود .. المعلـن والخفـي .. حد المكشوف والمسـتور

ا والضـباب نظر أمامه مبهوت .. الحقيقة والكذب .. والمعدومفي الجهة اليسرى على هيئـة أربعـة .. الملون يتشكل قبالته

.. وتابكهم ووزيرهم كل علـى مقعـده ، مئين اأميروعشرين ، مشوشي الشـكل والهيئـة -رؤية زائغ البصر -راهم كان ي

.يتحدثون ويتشاورون ويتصايحون في جماعات فجبـي ،اق الجنـد زر فإن أهم ما نتحدث فيه هو أ - . والفرد أول ما يهتم به األمراء،األموال

نحن وزير سـلطان . إنما األمر على خالف ذلك -معظم نستعين بما جاء في الروك الحسـامي الـذي شـرعه

.السلطان الجين :قاطعه أحد أمراء المئين

ولما ال نستعين بالروك الناصري الـذي شـرعه -ـ ؛الناصر قالوون ا ففيه قسمت البالد أربعـة عشـر قيراط

.ألمراء المماليك وتسعة للسلطان :صاح األمراء مؤيدين

.على شريعة الناصر قالوون.. نعم.. نعم- :قهقه الشبح الجالس على مقعد األتابك

ال تسـتعجلوا أرزاقكـم وأرزاق .. يـا خونـدات -وال نقول اليوم على شريعة الناصر قالوون وكيف .. أجنادكم

وبيننا وعلى رؤوس أشـهادنا السـلطان العـادل األشـرف وتسقط تحت أقدامـه بشـارف ،ول له الدنيا ا تئ غد.. حسين

وعندها لن يقتسم خراج البالد بـين ،وأعالم الدولة العثمانية وإنمـا سـتكون ،مان وأرض الحجاز وأمراء المماليك آل عث

األمر على هذا الحـال .. ا كلها لنا األربعة والعشرين قيراط .يجعلكم غاية في االطمئنان والسعادة

:تصايح األمراء .نعم على شريعة العادل حسين.. نعم-

:وقال البعض . لزوم حصار عكاشوان فعلينا بناء أربعة - فقد مات ؛ ويزيد من ثمانية شوان ال يكفي عكا أقل -

. وتبعه محمد بك أبو الذهب،على أسوارها علي بك الكبير ، والضباب يتالشـى ، غمغم عبد المحسن كالمحسور

القاعـة األيسـر وتضيع معه الصور واألشباح من جانـب :وتبهت ويحل الصمت

، ويحلمـون ما لهـم يعـودون للسـنن القديمـة - . ن قتال أشباحهمنهم لعاجزون عإ.. بأمجادها

وعلى الجانب األيمن انتشر الضباب الملون تتخللـه وأخذ الضباب يتشكل فإذا بعشـرة ،همهمات عربية فصيحة

وجمع من القضاة والفقهاء يجلسون بـين يـدي ،من العربان .رجل ضعيف البنية قصير القامة يرتدي عمامة سوداء

ن هل هو اإلمام محمد بن أمير المؤمنين المتوكل ب -العباس أحمد أبي القبي ابن الرشـيد بـن المسترشـد بـن

المستظهر الذي ينتسب للسفاح؟ :أجاب العربان

.نعم - وشهد ذلك باالستفاضة عن القاضي نور الدين بن

وأقر هذا قاضـي القضـاة فحكـم .. حافظ الدمشقي وقام يبايعه الخالفة علـى كتـاب اهللا ،بصحة نسبه

روف والنهـي عـن وسنة رسول اهللا واألمر بـالمع المنكر والجهاد في سبيل اهللا وأخذ األمـوال بحقهـا

وبين يـدي الخليفـة وقـف . وصرفها في مستحقها .. القضاة األربعة يبايعون وتبعهم أمـراء المماليـك

أمـراء المئـين بمجلـس .. الوزير.. أتابك العسكر على سـنة موالنـا السـلطان " :؛ وكل يقول المشور

."وونالظاهر بيبرس والناصر قال، دار عبد المحسن حول نفسه يراهم ويسمع أصواتهم

تالشـت .. بينه وبيـنهم من الزجاج يقف حائال وكان حاجز األصوات رويد وتتبقـى ،ا ليحـل الصـمت الطويـل ا رويد .. وأفواههم تتحدث دون صوت،أشباحهم تتحرك

. نحن نعيد العادات القديمة-ـ ،داهمته قشعريرة ى مصـدر واستدار خلفه ينظر إل

عمامـة .. رأى األشقر يقف في لباس العباسـيين .. الصوت وجبة وسوداء من الحرير ودراعة بنفسـجية ،سوداء مذهبة

وقيد من الذهب وسيف كتب عليه اسم أمير المؤمنين ،وطوق :قر حديثهكرر األش.. بن الخطاب . نحن نعيد العادات والسنن القديمة- .أي عادات وسنن.. سيدي-ار عليها الناصر ، وس عها الظاهر بيبرس التي شر -لنا السـلطنة والملـك وعوائـد الـبالد ومالهـا .. قالوون

فنحن نقيمها ونعيدها .. وألبناء العباسيين الخالفة .. وخراجها . وما كانت عليه منذ العهد األول،لقريش

. وآل عثمان- فمن الذي شرعها لهم؟.. الخالفة مغتصبو- ومن الذي شرعها لكم؟-أال .. إنما نعيدها لمنبتها في قريش ولبيت آل النبي -

.نستأثر منك بالشكراصاح عبد المحسن غاضب:

أنا أدري ماذا فعل بيبرس بالخليفـة المستنصـر - وأرسـله ليقتلـه التتـار ،جهزه في ثالثمائة من الجند .. باهللا

أما الناصر فقد سجن المستنصر بـاهللا فـي أحـد .. بالعراقفلمـا .. ا به ال يبرحـه ا حبيس اثنين وثالثين عام أبراج القلعة

فسماه العامة بالمسـتعطي ؛مات وضع الواثق خليفة من بعده فليس من الدين أو ؛ال قريش بالخالفة ، ثم م لسفالته وشحاذته

وإنمـا ،السنة أن تكون الخالفة لبيت أو قبيلـة أو عنصـر تقي الورع ال . األصل أن تكون صورة يتوالها العادل األصلح

ولماذا ال تكون أنت الخليفة؟.. .الذي يخاف اهللا

مرت اح. شعر عبد المحسن بأنه قد أصاب منه مقتال قبض على سيفه وهو يرتعش . وامتألتا بالشرر ،عينا األشقر

وداخله ينـتفض كالقـابض علـى ،يحاول أن يكبح غضبه أعاد لوجهه ابتسامة الموت وعضـالت وجهـه ال .. الجمر

واتسعت ابتسـامة ،تدلى فكه الذئبي .. تعاشتتوقف عن االر :هز رأسه.. الموت

، يا صديقي نحن أسقطنا عنك تهمتي القتل والسرقة - وبقيت تهمـة اسـتعمال ،وأنقذناكم من براثن شيخ سنهوري

..وأمامكم منصبان.. مسروقالمال ال : وأشار نحو مقعد خلفه وقال

.. كاتم السر- :ن قضاة المذاهب وأشار ناحية المقعد الشاغر بي

. قاضي المالكية- .. أنا شافعي-

أخفى وميض عينيه وهـو . قالها وكأنه نائم مذهول :يفكر

أن يصـطنع خليفـة ير كيف لرقيق بيع واشـت - .قرشي

:قال األشقر- اختر لكم .. كلنا مسلمين .. ما الفرق .. ا لتكن مالكي

ا يكتب اسمكم عليهمقعد. ين في عيني عبد المحسـن نظر األشقر بعينيه الميتت

ا على ساعده قابض .. ـ . ا في غيبوبة كان سابح م سـمعه يغمغ :بصوت هامس يتذكر كهوف الغيالن

موتى تمسـك .. نعود لسنن قديمة ال تزر وال تزر - .. بموتى وقديم ال يقيم

كان األشقر يغرز أظـافره علـى سـاعده بقبضـة .عنـه اله حسن م وعبد ال ،انسال الدم وسط البخار .. كالحديد

ا التقت عيناهما سأله عبـد فلم ؛هزه األشقر بعنف حتى أفاق :المحسن

وأين نصيب أبناء البالد؟- :، وفي عينيه استغراب هز األشقر كتفيه

لكـم ...نعـم .. نعـم .. ألبناء البالد نصيب وهل - ..األزهر والقضاء والفتوى

:اذ صبر أشار ناحية المقعدين بنف .. سمك عليه اختر أحدهما ينقش ا -

وإن رفضت؟- وقـد ،ا والصمت يحول بينهمـا تصلب األشقر متوقف ..تغضن وجهه من الغضب : قال في اكتئاب

.. أطيعوا ولو ولي عليكم عبد حبشي-ألشقر متقـد الوجـه نظر عبد المحسن إلى عيني ا

:يتحدث في صرامة .. بعدأنت لم تول.. سيدي-

كان كـل شـيء .. ائا فشي تالشت قبضة األشقر شيئ .. الضباب القبة اإليـوان .. الخليفة.. المقاعد األمراء .. يغيب

..قلعة الشرق.. الدهاليز : وصوت األشقر يحدثه

مرة .. ألنك أنقذت روحي مرتين ؛ أعطيك روحك - .. ومرة على أبواب منوف،في قلعة إيداكش

.. هز عبد المحسن رأسه في صمتنفيك عن منـوف ولكني أ .. ليس لديك شيء علي -

وإال جعلت منك عبـرة لمـن ال ،ا وال تعد إليها فارحل بعيد واآلن أسرع بالهرب فإن لـم .. هل تذكر المنصور .. يعتبر

فسـأطلق خلفـك شـياطين ؛تغادر أرضي في نصف ساعة .الجحيم

* * *

الفصل الحادي عشر

بلغ عبد المحسن قرية البيشة مـع خيـوط ضـوء ى القريـة صـعد إلـى إحـدى وفي مرس .. الصباح األولى

ا من تمدد نائم .. المراكب الصاعدة إلى القاهرة قرب الضحى وعندما استيقظ كانت المركب ،شدة التعب على ظهر المركب

ا ا وسـمع صـوت ومن بعيد لمح غبار .. موشكة على الرحيل .ينادي باسمه

شاهد أخته تندفع نحـوه ال ... تطلع ناحية الصوت تصرخ أمـه وولـديها الصـغيرين، وهيتتوقف عن البكاء

وبصعوبة استطاع أن يسمع قصتها من خالل بكائها وعويلها ن إحدى جواري األميرة شريفة السود جـاءت ؛ إذ إ الشديدين

فذهبت معها هـي والطفـالن ،في طلب أمها لوالدة عاجلة وعندما ذهبـت تبحـث .. ولم تعد منذ ثالثة أيام ،الصغيران

لوال عجـوز جـذبتها ،يفتكوا بها وكادوا أن ،عنهم ضربوها وإال فإنها سترسـل إلـى أوغلـي ،ا تنصحها أن تهرب بعيد

حيـث ؛ أحمد المجنون والي المدينة قرة زادة األميرة شريفة .. تنال مصير أمها

قفز عبد المحسن إلى قمرة المركب بجميع أغراضه وهو يتخلص من أيدي المراكبيـة ،برا إلى ال كالمجنون عائد

.. معوا القصةالذين س قفز ملثمان على خـص ؛في الهزيع األخير من الليل

وهو يغط ؛ جلس فيه حارسان توسد أحدهما األرض ،صغير.. خر يدفئ نفسه من برد الشتاء ، بينما جلس اآل في نوم عميق

وقبـل أن ينطـق طعنـه ، فأدار رأسـه ؛شعر بحركة خلفه أسه فقد جزت ر ؛ أما الحارس اآلخر ا، فسقط صريع ؛أحدهما .. وهو نائم

فقفز السـور .. انطلق عواء ذئب صغير في الفضاء قـرة زادة اتخذوا طريقهم إلـى مخـدع ؛ستة من الملثمين

.. ونصل سيف حاد يجز في عنقـه ،اقام مذعور .. المجنون .. ا يقودهماهبط مرتعش.. إلى القبو

كانت رائحة حمض الخل والشمع ؛وعبر باب ضيقة فكشف الضوء عن شعل المرسي مشعال أ.. النتن تمأل المكان

دار عبـد المحسـن .. قبو مملتئ عن آخره بالقدور الضخمة .. دون أن يعثر على شيء،يبحث في األنحاء

: صرخ بقرة زادة أين هم؟-

:ا قال مرتعش من؟- ...... قتالك-

:صرخنشهد اهللا ورسوله أن يدي ما تلوثـت بـدم .. أنا -

ونصـلي األوقـات .. رف القـرآن أنا راجل مؤمن نع .. أحد .. الخمسة ونعطي الزكاة للمحتاجين والمحرومين

انظر الشيخ المرسي إليه شذر: . وتأكلون الناس جيفة-

وضرب بمقبض سيفه إحدى القدور فتمايلت يمنـة ثم سقطت على جانب تتدلى منها أذرع وأرجل آدمية ،ويسرة

.. لـيظ حولها تساقط سائل ملحـي غ و ،خضراء جف جلدها طال السكون من .. وطقطقت شعور رؤوسهم ،تهم رعدة باأص

.. ا إلى القدور يقبلونها إلـى أسـفل ثم اندفعوا جميع ،الرعب

سـيقان وأذرع وأفخـاذ .. كانت ممتلئة بقطع اللحم البشرية وصدور تتدلى من بعضها نهود جفت تبرز منهـا حلمـات

..أنثوية منتفخة : صاح المصيلحي

.يا نهار أسود.. أدمين يا وله دول مخللين البني -

جرى لباب خلفي فتحه ووقف لبرهـة ثـم سـقط وقفـوا .. اآلخرونوعندما تدافع نحوه .. ا عليه مغشي

وتراجع اثنان منهم يقيئون ويفرغون مـا ،في ذهول ..في جوفهم

دخل عبد المحسن وهو يرتعش في الوقـت الـذي ت أربـع وأمامه امتد ،ا يتسلل هارب قرة زادة كان فيه

وقد بية ترطب سطحها ببرك الدم المخثر، مناضد خش خرجـت تمددت فوقهـا جثـث عاريـة لضـحايا أ

كالب متوحشة حبست ةوألقيت إلى أربع .. أحشاؤهاوخلف المناضد كانت هناك كومة مـن .. في زنزانة شاهد عبد المحسن أمه جثة عجفاء مقطعة .. الضحايا

..األطراف فارغة البطن

فـألح علـيهم قـرة زادة؛ لهـرب فطن أحدهم حمل عبد المحسن أمه بـين .. باإلسراع في الهرب

ونهـر الـدموع ، بعد أن غطاها أحدهم بثوبه ،يديه ورفاقـه ،عبروا الردهة الخارجية .. ينسال من عينيه

ا للهربيدفعونه دفع.. .. تصاعدت أصوات الحرس قادمة من جهة القلـق

لوا خارج المدينة قفزوا السور تحت جنح الظالم وتسل اخترقوا أكمة طويلة من .. عائدين إلى أرض السدود

البوص حتى انكشف المكان عن هضبة تمتد لمساحة وفي وسطها امتد درب طويل كانوا يسمونه ،واسعة

وكرهم ا وبجوار بئر ماء عميقة بنو ،درب الوسطاني وبعدما دفن عبد المحسن أمه فقط انطلـق .الصغير

..م وهو يقسم على االنتقاميعوي في بكاء ألي قاموا على عجل بعد أن قرأوا آيات من الـذكر

ا من مطاردة قـرة وانطلقوا إلى طمالي خوف ،الحكيم .. زادة

كانـت المجاعـة .. في يوم السـوق .. نزلوا منوف عسكر كثير وأعداد صغيرة من .. تسيطر على حركة السوق

قـرة زادة وعلى فرس ضخم ظهـر ،بائعي الدريسة والتبن ، وحوله ثلة من الجند وهو يسوط هـذا وذاك ،يجوب السوق

ويعبـث بالسـلع الصـغيرة ،يحطم جواده األواني الفخارية .ل أصحابها أن يبيعوها لقاء الخبزوالمشنات التي يحاو

وطيلة الوقت ظل الرجال الملثمون يتابعونـه مـن وقبل المغرب بساعة وقف الـوالي . والوقت يمر ببطء ،بعيد

أما حانوت السيد البقلي الذي اجتمع حوله حشد ضـخم مـن الرجال والنساء واألطفال يتقاتلون على شراء كناسـة التـبن

بعد أن كان ثمنها ال يزيد عـن خمسـة ،بمائة نصف فضة ،ا فدفع البقلي الفالحين بعيـد قرة زادة؛ نزل .. أنصاف فضة

وخلفـه ا يستقبل والي المدينـة ا باش ا هاش وهو يخرج مندفع ؛ وهو يكظم غيظـه ،ثالث جواالت من القمح يحطها أعوانه

..فيأخذها أتباع األغا على داره عاد التزاحم ثانية عندما تقدم أحد الملثمـين وهـو

فانحنى عليـه قرة زادة؛ ا ضجة هائلة حتى بلغ يصيح صانع يقبل قدمه وهو يصيح به يرجوه أن يتوسط له لدى التـاجر

لكـن ، فأبعده األغا وأشاح عنه ؛القمح من كي يعطيه جواال وانحنى يقبل قدمـه ثانيـة يلـح ،المرسي أصر على طلبه

فقام إليه األغا يضربه فسـقط المرسـي ؛ويرجوه وهو يبكي ا إلى ركن وقد سقط منه عقد من اللؤلـؤ على األرض منتحي

ولكن بالقدر الذي جعل األغا يراه ،افجذبه المرسي مسرع. همس المرسي .. ا على العقد بقوة بض مد األغا يده قا

:قرة زادة بالبقليصاح .. القمح يا أغا .. كيلتي قمحأعطه -

:قال المرسي ..جوال من القمح -

: صاح األغا بالبقلي .. أربع كيالت من القمحااجعله -

لكن صرخة أخرى مـن ا نظر إليهما البقلي مندهش تـرك .. األغا جعلته يلقي بالقمح المطلوب للمرسي

واألغا ،ا على قدميه يقبلها مرسي العقد لألغا هابط ال :لكنه سمعه يقول. يتخلص منه بخشونة

- ا أجمل أنا أعطيه لهإذا أراد مواليا وسيدي عقد. : همس األغا بجشع شديد

..أين ولد -

ثم رحـل حـامال ، أشار المرسي إلى دار قريبة تحسس .. صغيرة تبعه األغا حتى دخل عطفة .قمحه

؛ فلما تأكد من أصالته قـام تى يتأكد من قيمته العقد ح وعندما بلغهـا شـاهد ،ا جوادهعلى قدميه تاركخلفه

تابعه يمشي في حارات .االمرسي وهو يتحرك بعيد ضيقة تساقطت على جانبيها األجساد المنهكة ألطفال

وقد تناثرت على جانبي الطرقات ،على وشك الموت طط التـي يعـيش أكوام عظام الحمير والكالب والق

.. الناس على أكلها منذ سبعة أسابيع خلت سقيفة وهو ينظر في الدرب بتواطـؤ، دخل المرسي

فوجئ .. أحمد المجنون قرة زادة وبعد فترة قصيرة دلف خلفه دار ..أمامه بالوجه الذي هاجمه على فراشه منذ أيـام قليلـة

الهرب إلى الطريقا محاوالحول نفسه عائد . ـ ،ا أمامه المحسن قافز أسرع عبد ا إيـاه إلـى جاذب

. أسفل : صرخ األغا

ولد عبد المحسن حسين أغا األشقر يبحث عنكم -.. لعدم تنفيذكم أوامره بأن ال تعودوا إلى منـوف

وأنا أهربكم إلى ،اسمع ولد أنتم تتركوني وشأني .خارج منوف

دفعـه .. كان عبد المحسن يموج بفورة الغضب واألغا يطلب النجدة وحـولهم ،اخإلى الخارج صار

.. تجمع جمع كثيف من الجوعى ا من جنده لن يسمعه هبط على وعندما أدرك أن أحد والجوعى يتقاتلون على مالبسه ،قدمي عبد المحسن يستعطفه

ا كمـا رياحتى صار ع .. يخلعونها عنه ويخطفونها في قسوة يجـري قام .. ابهت الجميع عندما وجدوه خصي .. ولدته أمه

ال والنساء والرجال الجوعى ويسدون كالمجنون يطارده األطف كانوا يطبقون الحركـة .. عليه الطرقات يخيم عليهم الصمت

رفع رأسه كـان أمامـه عبـد .. سقط على األرض .. حوله بلطة تنعكس أشعة الشـمس علـى شـفرتها المحسن حامال

: فاندفع نحوه يستعطفه يرجوه الرحمة؛الحادةإنها شريفة هـي .. حضرة عبد المحسن ليس أنا –

وأرسلتها لـي ،التي أحضرت أمكم المصونة وأخذت الطفلين .مقتولة

:صرخ عبد المحسن

شريفة من؟– :امستغرب.. قال الرجل

األميرة شريفة زوجة سنجق دار المديرية حسين – .أغا األشقر

فارتكن بظهره على جدار ؛ا ركله عبد المحسن بعيد وقـد زاد ،ا عن جثته الضخمة ولحمـه الطـري فقريب كاش

االخوف بياض بشرته الناصع احمرار. الكتف فجز ؛ ثم هوى بقوة ، رفع عبد المحسن بلطته

ثم ما لبـث ،اانسال الدم بطيئ ... األيسر بجوار العنق مباشرة وهو ،نظر المملوك ال يدري ماذا يحدث .. أن اندفع كالنافورة

عاد . كتفه األيمن بعنف لطته يجز يرى عبد المحسن يهبط بب ع عبد المحسن نفسه مـن أن نجهد جهيد م وب. الدم يندفع ثانية

ن موك.. ن يطيح برأسه تجيب لرجاء األغا واستعطافه له بأ يس ،أزاح عبد المحسن يده وهو يهبط ليطيح بساقيه ؛ يزيح جبال

..وتوقف ينظر إليهتحركان ويداه ت ،ا في بكرة من الدم الثخين كان غارق

ا إلى الخلف نظر تراجع عبد المحسن مبتعد .. في كل األنحاء كانوا ..وتر الذي يسود الجمع الصامت حوله فشاهد الت ؛حوله

أدار رأسـه .. يسألونه بعيونهم في نهم إن كان قد انتهى منه بصوت خفيض وهو يبتعد عن المكان قائال.اجانب :

.اورحل بعيد.. لحم أبيض-لي المدينة مئـات العيـون والنصـال لمح األغا وا

يحاول كل منها القتال على قطعة مـن ، تندفع نحوه ةالصغير . لحمه الشهي

:وية تأتي من خلفهمدسمع عبد المحسن صرخة .. أيها الملعون-

، وهو يسمع أخرى أخف منها ، أشاح بيده غير مهتم .ثم عادت لتصدر في تأوهات قصيرة وأنات ضعيفة تعبة

* * * أفول الشمس أحنى فتى في الحادية عشـر مـن قبل وغمرها بالتراب أمـام جمـع مـن فرسـان ،عمره رأسه

ا وجهـه وهـو يشـير ناحيـة درب صرخ الطم .. المماليكا وهو يثير بقيتهم تركهم جري .. إنهم يقتلون الوالي .. المكارين .. ثم اختفى

ولمدة نصف الساعة كانت طرقات ودروب منـوف ربات الخيول باتجـاه درب المكـارين تحت ض اتنهب نهب ..

ا على جواده هو ا وهو يخطف أسلحته قافز جرى األشقر الهث حتى خال الطرف الشرقي للمدينة والذي يقـع فيـه .. خراآل

لحظة أن . اقصر دار السبيل وقلعة إيداكش من المماليك تمام ؛ وعلى بقايا ضوئها األحمر الشـفقي ،غابت الشمس مباشرة

قفز الرجال .. ا ملثمة سوار القلعة عشرون رأس برزت على أ وانطلقوا يعدون متفـرقين فـي ،خرا بعد اآل الملثمون واحد .. طرقات القصر

ا عن وجهه كان عبد المحسن يجري كالمجنون كاشف يسوق أمامه جارية تدله على مخدع .. ال يحمل في يده شيء

كـاد أن يقتلعـه مـن . دفع باب المخدع بعنـف .. األميرةوفي قاعة النوم الكبيرة كانت األميـرة شـريفة .. صراعيهم

وسـاحراتها ،مستلقية على ظهرها وقد انتفخ بطنها بحملهـا الحبشيات الثالث يحطن بها بشعورهن المجعدة تفوح منهـا

.. وهن يغمسن أصابعهن بنخاع األطفال،رائحة عفنةاستقامت من فراشها رافعة جذعها تنظر إلى الوحش

.. مدت يدها دون وعي تحمي بطنهـا . ندفع تجاهها الهائج الم ا عن شيء يقتلها به في باحث ،دار عبد المحسن بعذاب مجنون

اللحظات التي دخلت فيها جارية حاملة مسرجة تضيء بهـا

وأوقده في لمح البصر مـن خطف مشعال .. مشاعل القصر قامـت .. واستدار ناحية فـراش األميـرة ،مسرجة الجارية

ـ .. تعثرت في ردائها .. ط من الفراش تحاول الهبو ا رأته قادم :صرخت باكية.. نحوها

..إنني.. إنني.. ال.. ال- وعلـى امتـداد ، كان المشعل قد سقط فوق الفراش

.. القاعة كان عبد المحسن يدور يشعلها بالنيران وهي تصرخ ..ال إنني.. ال -

.. كانت تريد أن تقول له إنني حامل سـألد صـبيا ـ .. ا على البالد منه ملك وسوف أجعل .. ا يـورث ملكـه ملك

لكنها لم .. ا في حصوله على الملك سيكون نسبه الشريف سبب وهي تراه وسـط النيـران يطـيح ،تنطق بأي كلمة من هذا

ـ .. برؤوس ساحراتها الثالث زحفـت .. اثم يتركهـا خارج.. لكنه أغلق الباب بمصراعيه مـن الخـارج ،تحاول الهرب ندما قفز من فوق األسوار كانت القلعة التي وع ،اجرى خارج

.. بناها إيداكش لتحقيق أحالم زوجته األميرة شريفة تتهـاوى .تنهار كأنها تموت معها

شف األشقر مـا يجـري تمر وقت طويل قبل أن يك ،وقرب الفجر تمكن األشقر من إطفـاء الحريـق .. المرأته

ظام كومة من الع .. وعندما دخل على زوجته وجدها متفحمة .السوداء خلف الباب

اكان جنون األشقر طاغي ..يضـحك .. ا بذاته مستبدا ال ينسى أنه قد استطاع يوم .ويبكي وهو يصر على أسنانه

في صباح اليوم التـالي .. أن يورث امرأة بذرة تعطيه أطفاال أنـه قـد دخـل أرض لمكان يع .. خرج خلف عبد المحسن

ن كان قد خرج منهـا لكن عبد المحس .. السحر التي صنعها مسرع ا إلى الشـمال ا وهو وأتباعه إلى أرض السدود صاعد ..ثانية

وقرب قويسنا افترق عبد المحسن عن رفاقه الـذين عبروا النهر الدمياطي باتجاه بلبيس متقدمين األشقر باتجـاه

أما .. يطاردهم كالمجنون -اكاره- واألشقر ،الشام بيوم وليلة إلى طنطا ليلتقي بزاهية في دمنهور فقد صعد ؛عبد المحسن

وبينما كان عبد المحسن يعبر القـاهرة .. عند عربان البحيرة ؛ا إلى الصعيد األعلى ا في زي أعرابي مع زاهية هابط مختفي

يبكي كطفل يريد ،كان األشقر يضرب أجنابه ووجهه ورأسه

اا مسـتهزء ا يهرب منه ساخر ا تافه ا صغير أن يمزق عفريت ا في الفضـاء بحنـق عواطـف الغضـب قيخرج زاع ف ؛به

.المهلكةا عـن انطلق يعدو كالمجنون في أرجاء البالد باحث

وبعد ثالثـة .. ر وسارق صندوق النذو ، قاتل زوجته ،غريمه مـنكس دخل منـوف لـيال .. خفي حنين أشهر عاد األشقر ب

علـى مـدخل أحـد .. الرأس يتقدم جنوده في طابور طويل ا فانتفض بعصبية مرعبة شـاهر ؛ عابرة الدروب سمع حركة

وهـو .. ا عنان جواده ناحية مصدر الحركة ومال جاذب ،سيفه :يصرخ

..اللص الملعون - ..ا قط شرساندفع خارج.. وقبل أن يندفع إليه

: فاندفع يطارده وهو يصرخالملعـون سـوف أحـرق .. إنه يتحول إلى قـط - ..روحك

يضـحك فـي واألشـقر .. واختفى القط في الظالم :اصارخ.. جنون

. شيطان يطارد شيطان-

-٢- في أواخر أكتوبر عـاد السـنهوري مـن الـديار العثمانية، فلم يجد بدرية في قصره ببركة الفيل، وبينما كـان

ا في استقبال الزائرين الذين قدموا لتحيته بعد عودتـه منهمكي عـين كان يتنسم ف ، والتباحث في شئونهم وأشغالهم؛ اسالم . إيماءة أو كلمة تنقذه من قلقهل قادم منهم وفي لسانه أيك

، ولكن أمها صديقة بعثت تقول لـه أرسل في طلبهما فلعب ، وأن هواها يأتي على الريف؛ إنها متعبة من جو مصر

وصار يؤجل عودته إلـى ،به القلق وأمسك الخوف بتالبيبه منوف رغم حاجته الماسة لالطمئنان علـى أطيانـه وحـال

ا عزم على السـفر إلـى وأخير. كثارال هاعة بها وشئون الزر وعندما دخل قصره لم يجد في استقباله ال بدرية وال ،منوف .صديقة

أمضى المساء في استقبال زائريه من أعيان منـوف وبعد صالة العشاء استقبل حسين أغـا .. وتجارها ومشايخها

ـ ـ األشقر سنجق المديرية الذي جـاءه حزين زاه الشـيخ ا فعالسنهوري وواساه في مصرع زوجته األميرة شريفة بيد عبد

فأقسم األشقر على يديه بأن يجعل مـن صـديقه .. المحسن .ا وعرضالقديم أمثولة تتحدث بها البالد طوال

: غمغم السنهوري .. إن لي فيه ثأرا فافعل به ما شئت–

طرق أتباعه من الخدم بـاب صـديقة في آخر الليل تقف علـى بـاب وفي الصباح وجدها .. لشيخحاملين هدايا ا

: ردد..خلوته كلبؤة مفترسة وأين هي؟ - .. وعايز منها إيه؟- .ا عايز أشوفه- .هيه.. ا مش هتشوفه- . دا أنا أبوها- .هيه محتاجة زوج.. ه مش محتاجة أب هي-

: نظرت إليه باشمئزاز .اتجوزها يا موالنا.. عرفت بقه بدرية حامل –

: غمغم وليه يا صديقة؟– .. واهللا أنا بتعجب لو معملتهاش-

: قال بصوت كالفحيح . بطلي تخريف يا بنت المركوب- . وحخرف ليه إذا كانت حامل في شهر- .. ومين هوه-

: استطرد بغضب وعيناه تشعان باالنتقام ..ابن الكلب محمد أبو الفضل وال مين -هم فـي مش مهم مين الم .. نظرت إليه في شماتة

في اللي سبها تتعشـم فـي .. اللي وصلها الحال ده .. سابت الدنيا كلهـا .. الجواز بيه وهو محرم عليها

وعبد المحسن ، وأخوه حامد ،الشيخ محمد أبو الفضل هبندر تجار منوف والسيد حسن البقلي ش ،ابن خالتها

مش اتعشمت بـاللي مـا ! طبعا.. وأفندي الروزمانة ؛ نها الزمان كله مـرتين وفي لحظة يخو .. فيش زيه

سرقت منها عمرها اللي .. لما تعرف أنك أبوها مرةنت قتلتهـا ا.. وسرقت منها حلمها اللي جاي .. فات

.مرتين :في بحر من العرق والخجل غمغم

سقطت على أقدامه تقبلها .. طلبك إيه يا صديقة؟ –وتوسالوهي تبكي رجاء ..

.اهللا يريحكوريحني وريحنا .. زوجها البقلي– ا وهو فـي وقام خارج ،افي صمت هز رأسه موافق

.عجلة من أمره خرج ركب صغير اقتصـر علـى ؛في يوم خريفي

النساء والعجائز يتقدمه هودج على جمل يحيط به جمع مـن وانطلقوا على عجل مـن .. أعيان منوف والشيخ السنهوري

س نزلت العرو .. قصر السنهوري إلى دار السيد حسن البقلي الصغيرة التي لم تبلغ بعد السادسة عشرة من الهودج تـدور

وقد هرع رجل في السادسة واألربعـين ،بعينيها تحت النقاب ا جبـة مـن القمـاش من عمره يتقدمه كرشه الضخم مرتدي

وعلـى رأسـه عمامـة ، وعباءة ثمينة من طشـقند ،الفاخرفي و.. خضراء يستقبلها بلهفة وقلق ال يخفيهما وجهه المتجهم

جلسـت بدريـة وبجوارهـا ؛الحجرة التي جهزت للعروس ماشطتها التي جلست القرفصاء تستجمع كل مهارتها للحظات

..الحرجة القادمة

ونساؤه الـثالث وبناتـه ،اخترق البقلي جمع النسوة أغلق البـاب .. وأخواته ينظرن ناحيته يتابعونه بوجه عبوس

رهـة حتـى لم تمض ب . وبقى الجميع في تحفز وقلق ،خلفه وبوسـطها ،خرجت الماشطة وقد رفعت خرقة بيضاء نظيفة

،خطفتها خالتها توحيـدة .. بقعة كبيرة من الدم األحمر القاني .. وانطلقت بها خارج الدار تحيط بها الزغاريـد واألغـاني

وكان أعالها زغاريد صديقة التي انغمسـت فـي الفرحـة .يقيوالحمس وكأن هذا الدم هو فض بكارة ابنتها الحق

اأنجبـت ولـد . بعد أشهر سبعة جاء بدرية المخاض ؛وعندما رآه أبوه على هـذه الشـاكلة .. أشقر الوجه جميال

والفرح يغمره، وبدرية تأتي له بأول مولود ذكر ،غمغم قائال :رغم زيجاته الثالث السابقة

.. إنه لجدته التركية - :ابتسمت صديقة وقالت

. ابن سبعة- :ا إليهرفعت بدرية ناظريه

حتسميه إيه يا حاج؟ - : غمغم

، رحم اهللا أخي رضوان مات ولم يترك لـه أثـر - .. وسيكون اسمه رضوان بمشيئة اهللا

أرسـل ؛في اليوم السابع لمـيالد الطفـل الصـغير وجاءت صـديقة لزيـارة ،ا من الذهب البنته السنهوري كيس

وتخفي ،ابنتها وكانت ترتدي المالبس البيضاء تغطي رأسها كانت قـد انتقلـت مـن قصـر .. وجهها خلف نقاب أبيض

السنهوري بعد زواج ابنتها إلى مقام زوجها المنصور تعيش وقد ،من عطايا وهبات ونذور الناس من الموسرين والبسطاء

.اا بعد أن خذلته حينذرت نفسها على خدمته ميت ولم يمض عام آخر حتى أنجبت بدرية للبقلي طفـال

ر البشرة واضح القسمات أسماه أبـوه عبـد أسم آخر جميال .القادر

* * *

الفصل الثاني عشر

عاود عبد المحسن األلم وهو مشدود على صـاري بعد أن تمددت الحبال التي تـربط المقعـدة التـي ،المركب

فكر وهو يبكي من شـدة األلـم .. صنعها له النوتي العجوز : من أوتار مفاصله وعموده الفقريالذي ينبعثأين .. ا أم مالك كنت إنسا.. أين أنت أيها العجوز -

يـا ة مـاء قطـر .. بحق جاه النبي تعالى.. أنتهل كان لك وجـود منـذ .. ماء.. قطرة.. رجلأم أنك أضغاث مخيلتي التي تموت اآلن ، البداية

..وحيدة في سهول الصمت حاد برأسه مغمض ا وهـج ا عينيـه متحاشـيشـعر ببلـل .. من القروح وقد انتفخ وجهه ،الشمس

؛مد لسانه يلعقه من العطـش .. ينثال من خده األيمن صديد الذي لعقه مـن فلسعه طعم المرارة الشديدة لل

ماذا يكون هذا الذي ال .. اله مستغرب تف.. قروح وجهه ا لألمـام يمسـح فتح عينيه نـاظر .. يستطيع رؤيته

شاهد الجسور التي أعدت السـتقبال .. ضفتي الوادي ورائحة الموت ،فيضان وقد اكتنفها السكون والفراغ ال

قبالته برز شراع سفينة تصـعد .. تنتشر في األرجاء وقـد ، تتناثر على سطحها جثـث مالحيهـا ،النهر

عوت معدته الخاويـة .. انتفخت بفعل حرارة الشمس ..رغبة في القيء

ومن بعيد برز على صفحة النهر حشد من المراكب فت بجوارهـا مباشـرة ثالثـة ح.. المشرعة قالعها

رأى .. رهمـأل نـاظ .. مراكب يسكنها شبح الموت ها تقفز فوقهـا الفئـران الجثث التي انفجرت أحشاؤ

.. لمحها تتحرك . وتنثال منها جداول الصديد األصفر لفحته رائحتهـا فلـم يسـتطع أن .. خمن أنها ديدان

ا ينطبق شعر بجدار معدته الخاوية تمام . يمسك نفسه كـاد .. ا بسائل أصفر إلى فمه ثم ينخلع دافع ،بداخله

وأنفاسه تختنق حتى ،حلقه كله أن ينخلع إلى الخارج ..شعر بأن روحه سوف تخرج هذه المرة

كـب كانت المر . . فجأة شعر بصدمة هزته بعنف تمايـل .. الرابعة قد اصـطدمت بمقدمـة المركـب

حتـى ؛ وأخذ صاريها جهة اليمين ،مصراع السفينة شعر بأنسـجة جسـده .. ن المركب ستقلب به خال بأ وهـو ؛ةمدويجأر من األلم وصرخ صرخة . تتمزق

يستدير مع المركب تلف حول نفسـها نصـف دورة ا عن مقدمـة المركـب التـي مبتعدة عشرين ذراع

وقبل أن تستقر أصابت مؤخرتها مقدمـة .. صدمتها ..المركب الخامسة

ات وعضالته تنخلـع مـع اهتـزاز ، جأر ثانية .. المركب المتوالية قبل أن تعود إلى اتجاهها القـديم

وانطلقوا يجرون على سطح ،تصاعد صراخ النوتية المركب في جميع االتجاهات قبل أن تسـتقر ثانيـة

عابرة دغل الموت الصاعد على ،مندفعة إلى الشمال .صفحة النهر

وفي مدى البصر لـم يكـن ،سارت المركب طويال ؛وادي وصفحة النهر سوى الجثث المنتفخة يقابله على ضفة ال

.حتى خال نفسه قد صار الوحيد الباقي والفئران

خر للعطـش أو الجـوع أو عما قليل سأموت أنا اآل في األنحاء تملؤها الملقاةلنفس السبب الذي تتساقط له الجثث

.. البثور واألورام وعلى ضفتيه لـم ،كان النيل ينقلب بالجثث المنتفخة

حتـى .. يع أن يفرق بين النساء والعجائز والرجال يكن يستط األطفال ال تستطيع أن تفرق بين جثـثهم وجثـث الكـالب

لماذا تعي .. هللا حكمه فيما يفعل .. اللعنة.. الطاعون.. الضالةاهـرب منهمـا .. الموت واأللم رفيقاك اآلن .. ما يحيط بك

.. اهرب منهما ومن شمس الصيف القائظة .. بالنوم.. بالموتأراد أن يحك جلده الذي تشقق من قلة المياه وأشعة الشـمس

ـ نضـح كان ي . الحارة حتى يطفر منه الدم ـ عرق اا مملح .... والملح يحيل تشققات جلده إلى جروح تتقد بالنـار .. اللعنة

، عينيه أغمض.. أو بالنوم .. اهرب من الشمس واأللم بالموت ..نه غفيح في بحر من األلم والحرارة حتى إوسب

حملت إليه رياح الشمال الرطبـة صـوت طرقـات وطوال الضحى ظلـت األصـوات تـروح .. ودقات متوالية

وقرب الظهيرة كان يسـبح .. ثم ما لبثت أن توقفت ،وتجيءدق منـتظم .. عاد الصوت مرة ثانيـة .. في بحر من العرق

عندما .. على الصفيح يصحبه صياح منغوم صعب عليه فهمه ت المركبة معه لمح على الضفة الغربية استدار النهر واستدار

للنهر عشرات الرايات والبيارق الحمراء والخضر ترفـرف أخذت تكبر وتتسع كلما اقتـرب ،في الفضاء صغيرة متناثرة

طابورين طويلين مـن .. ثم ما لبث أن رآهم بوضوح .. منها كل طابور منهم على مبعده ؛ الحفاة العراة يسيرون ينالفالح

يتقدمهم جمع من رؤسـائهم ،ذرع من اآلخر حوالي عشرة أ من المشايخ وحاملي األعالم الخضراء ونـافخي المزاميـر وحاملي الطبول والصاجات، ينشدون األناشيد ترانيم المـديح

. ويتبادلون مقاطع الدعاء واألناشيد،النبوي الشريف خيل إليه أنهـم .. ا كثيرة تلتفت باتجاهه شاهد وجوه

.. انتظر أن يتقدموا لفك أسره .. ل يملؤه شعر باألم .. شاهدوه وعنـد ،جرى أشخاص من مؤخرة الموكـب إلـى األمـام

وعلـى وجـوههم ،مشايخهم تدافعوا وهم يشـيرون نحـوه ،شاهدهم يتخاطبون وشيخهم في عصبية وزعيـق .. الوعيد

وقد تجمع حولهم مئات من العراة وهم يصرخون ويتبـادلون داهمـة .. نظرات متوعدة ثم يديرون إليه وجوههم ب ،الحديث

بنـى .. سلخت من الموكب أعـداد هائلـة ان.. خوف رهيب

،ضامرة من البشر عجفاء كأعواد الحطـب الجافـة الهشـة انطلقـوا .. ووجوه تشابهت مالمحها وجفت عيونها وضمرت

سـمعهم يطلقـون صـيحات .. ا باتجاه الشاطئ نحـوه جريبـدأ .. ه ويهزون قبضاتهم نحو ،االستنكار والسباب والشتائم

وتال العجائز آيات مـن ،بعضهم في قذفه بالحجارة والعصي حتى امتأل الشاطئ الساكن بأعداد ؛ ولم تمض لحظات ،القرآن

وكأنه سبب ،هائلة من العراة كانوا جميعهم يقذفونه بالحجارة خابت آماله والتهمه الخوف بـأن تجـنح المركـب .. بالئهمهم قفـز فـي النهـر ن بعض ؛ إذ إ لكنهم لم ينتظروا .. نحوهم

.. سباحة وتبعه العشرات هـم وقد تساوى أن يمثلوا ،بات ينتظر قدومهم نحوه

وعلـى البـر .. ليس ثمة فارق في المـوت .. به أو األشقر عـاد .. السير ثانية إلى القاهرة يغدوناستدار المشايخ وبدأوا

أطلق أحد الجرسجية بالمركب طلقة بارود .. اإلنشاد يتصاعد تلوى وسط بركة .. ا ما في النهر فأصاب شخص ؛من غدارته

توقـف .. من الدم األحمر أخذت تتسع على صـفحة النهـر والدهشة من المفاجأة يحـل محلهـا ،ا بغتة المهاجمون جميع

يحة انطلقت ص .. الخوف من هذا الموت المستحدث بالبارود :عالية في الفضاء

.ـه.. ارجع يا ووولـ - : ثم تتابعت ثانية

..لهارجع يا و -لـم يعـرف .. تدافع الجميع عائدين إلى البر ثانية

تصـاعد صـياح بعـض .. أحد منهم من الذي مات . تائهيننسوة ينادي بأسماء صبية أو أطفالال

ا إلى األمام تخفت معه أصـوات سار الموكب مبتعدا خلفه المرضى تارك ،المنشدين ودقات الطبول وقرع الصفيح

ـ وعى يتسـاقطون فـي األنحـاء والمكفوفين والعجزة والج.. حتى خفتت األصوات وتالشـت .. متناثرين بانتظار الموت

ا النهر وسط المركب يسير هابط ، وبقي وحل الصمت المطبق .. حتى ظهرت قلعة القاهرة من بعيد؛غابة الموت

كانت األعالم السوداء ترفـرف .. رفع رأسه نحوها ـ ،على أبراجها دافع التـي والدخان يتصاعد من فوهات الم

.تطلق طلقات فشنك بانتظام

قبل أن يوقظه صوت غناء وضحك أنثوي قليال غفياللعنة إذا .. كان الليل قد حل وساد الدنيا الظالم .. حاد منغوم

على سطح مركبة كانت تسـتند علـى .. كان هذا هو الموت . السور جثة ضخمة ألحد المماليك يحدق نحوه فـي ذهـول

لئة تحت قبة سماء الصيف الصافية وعلى ضوء النجوم المتأل .. ثم عاد السكون ثانية ،شاهد حركة صغيرة تنبعث من الجثة

وقبل أن .. ولكنه بقى ينظر إليها يشده ناحيتها رعب مجهول اللعنة إذا .. تتالشى هواجسه سرت رعدة باردة في كل جسده

.. كان المـوت يجـثم علـى السـفينة .. كان هذا هو الموت .. لصغيرة تتألأل من داخل الجسد المسجى وعشرات العيون ا

وتبعه آخر قبـل أن يعـود للجثـة ،مخقفز منه جربوع ض وعشـرات ،كانت كتلة اللحم تتسع أمامـه .. عشرات غيره

يحلـم غفـي . ا في سـرعة غريبـة الفئران الضخمة تنهشه .بالفئران أن تحكم الدنيا وكبيرها الجالس في األستانة

،م يلفها كمدن المـوتى كان الظال . تطلع إلى القاهرة ا ظـل سـائر . وقد ظهرت بيوتها الطينية والحجرية كالمقابر

اللعنة إذا كان .. تفل من فمه صديد وجهه .. بمحاذاتها طويال علت أصوات الموسـيقى .. عاد يتفل ثانية .. هذا هو الموت

.. السـمع أصاخ.. لعنة إذا كان هذا هو الموت ال.. اا فشيئ شيئخللـه تا ت ا بعيد وجاءه متقطع ،ألنثوي الحاد لقد عاد الضحك ا

كان النهر ينفرج في انحنـاءه أمـام .. أصوات دقات الطبول ى سـوره ا من مرسى القصر العيني، رأ وأصبح قريب ،المنيل

وعند التفاتة النهر شاهد ظـالل أضـواء .الحجري الضخم .. كثيرة وألسنة نيران المشاعل تتراقص فوق صفحة النهـر

وقد أصبح أمامه حقل ،ر أمامه عن أضواء باهرة انفجر النه عشرات المراكـب . مئات المشاعل والفوانيس .. من الضوء

دغل من المراكب علقـت علـى .. والقنجات والسفن الكبيرة ،صواريها وأطرافها وأسوارها مئات المشـاعل والفـوانيس

ومن داخلها تصـاعدت دقـات الطبـول وعـزف العـود وصـياح الرجـال ،ن تتـداخل عشرات األلحـا .. والمزمار

انفـتح .. من سور القصر العيني .. وضحكات النساء الخليعة خرج حارسان مدججان .. الباب الضخم المفضي إلى المرسي

واندفعت خلفهما عشرات الفتيات من بنـات ،وهلة.. بالسالحكانت الجماعة األولى من حملة .. جماعات جماعات .. الهوى

؛عـواد الطـرب الدمشـقية الدفوف والصاجات والطبول وأ وخلفهـن كانـت .. ا سريعة ا وهن يضربن ألحان اندفعن جري

ن الجماعة الثانية يسارعن الخطى في خالعة وهـن يتمـايل ، ثم يتوقفن ناظرات إلى الخلف للحظات ،يرقصن.. باألرداف

وعلى حافة المرسي الممتـد .ثم يعدن إلى السير في ميوعة مة مضـاءة بالمشـاعل داخل النيل رست مركب ضخ طويال

تخرج منها الرائحـة القويـة األخـاذة للشـواء ،والفوانيس وعلى سطحها وقف أمراء المماليـك واألعيـان ،والحشيش

شقت الفضـاء .. يستقبلون الفتيات وهم يضحكون مخمورين صرخات الموجة األولى من فتيات الهوى الالئـي صـعدن

جـاوب صـراخهن وسط هجوم الرجال الشـبقي .. المركبتحركت المركب .. ضحكات الرجال وقهقهاتهم الخشنة العالية

رسـت مركـب .. وبقية الفتيات ال تزال بالمرسـى ،مبتعدةفضـاء ، وامتأل فصعدت مجموعة أخرى من الفتيات ؛أخرى

ـ تتـابع دخـول المراكـب .. االنيل بالصراخ والضحك مع . من الفتياتوإبحارها حتى خال المرسى

عبـد المحسـن ومركبـه ابتسامة باهته علت وجه ، وهو يرى أسطح السفن تجري الهـوينى يخترق حقل النور وعازفـات وقد تناثرت عليها راقصـات ،على صفحة النهر

ا تتماوج متضاربة في نين ألحان ومغنيات يرقصن ويعزفن ويغ

فتاة في العشرين ترتدي بدلة .. لمحها تنظر إليه .. هواء النهر في غنج شبقي على صوت ترقص وتتمايل ..الرقص العارية

وإيقاعات الطبلة والرق العاليـة وهـي تضـرب ،آلة العود وثنية بطنها الكثيب وسط جمع ،بالصاجات كاشفة عن نهديها

من المماليك واألعيان وبنات الهوى الجالسين حـول راكيـة .. ويلعبون النرد ويـدخنون الحشـيش ،النار يشربون الخمر

.. بهما حمـرة كـالمرمر تشو انرأى فخذيها العاريين أبيض .. ارتفعت في حلقه موجه من المرارة

عندما رأته وكانت تنثني بجذعها إلى الخلف تمايلت نظر .. ثم ما لبثت أن توقفت وقد امتأل وجهها بالرعب ،ببطء

رأى القوم وجه .. الرجال مبهوتين إلى حيث أشارت مرتعدة ـ يء عبد المحسن ذو اللونين األسود واألحمـر المشـوه المل

يعبرهـا ،بالبثور يطل عليهم من السماء كوجه شيطان رجيم أخفتهمـا األورام التـي ،وهو ينظر إليهم من عينين ضيقتين

ظلوا يحملقـون .. انتفخت تحت لهيب أشعة الشمس الحارقة وكأن العدوى قد انتقلـت إلـى .. فيه مشدوهين وهو يعبرهم

ا كـان فكر إذ .. المراكب األخرى التي أخذت تفتح له طريق لم يكن يرى الجثث المتنـاثرة والتـي .. ا إلى هذا الحد يفمخ

وال اآلالف من رؤوس الفئران التـي ،تتدلى من سور مركبه عبـر عشـرات .. تطل وتقفز منها في النهر ناشرة الرعب

وعشرات العيون ترقب مـروره ،القنجات والسفن الصغيرة ت إال سفينة صغيرة حملت إليه الرياح ضـحكا .. في صمت

كانت النساء تضـحك فـي غـنج .. روادها ونكاتهم القذرة وترقص مع الرجال في فجور ومجون وقد عرت إحـداهن

وعلى السـطح كـان الرجـال والنسـاء .. ثدييها الممتلئتين شاهد أربعة من المماليك .. يتبادلون الهوى في خالعة وعرى

؛رأتـه إحـداهن .. ونساء تعـانق نسـاء .. ايعاشرون غلمان جرت إلى مؤخرة المركب تنظـره، .. ةإليه في شفق فأشارت

وهـو ،أخرج أحدهم له لسانه .. قام يطاردها رجالن عاريان ه ف الثاني له عن عورته وأمسك بقضيب وكش ،يضحك بجزل اسـتدار األول ناحيـة المـرأة يحتضـنها .. يهزه في وجهه

فعاد يهاجمها وجرى يمسك بها وقضيبه ل؛فابتعدت عنه بدال .. حقويهيتدلى بين

، وتصاعد الصياح وهـم اهتاج كل من في المركب فقـد ؛أما الرجـل الثـاني .. يشاهدون مطاردة الرجل للمرأة

فكشف عـن ؛ا خشن أزاح غطاء .. جرى إلى مقدمة المركب

وهـو ، في هياج شديد نزل إلى أسفل منفعال .. مدفع صغير صب البارود .. جلة المدفع عاد حامال .. يطلق السباب بعنف

؛ وعندما جرى يبحث عن نار ليشـعل الفتيـل ،ولقم المدفع شـق الفضـاء .. كانت مركب عبد المحسن تبتعد وتتوارى

.. صغير القذيفة قبل انفجارها في الماء* * *

بحار خمس ساعات متواصلة مالـت المركـب بعد إ ا تعبر فم الخليج الفرعوني متجهة صوب السد المتهالـك غرب

وهدمه الفيضان قبل أن ١٧٨٦، عام الذي بناه مراد بيك في .. يغادر المكان

وعلى سطحها برزت بقايـا ،بلغه صوت هدير المياه الدعامات الخشبية التي ثبت بها مراد بك المراكـب قبـل أن

.. يغرقها تحت ثقل الحجارةفي الثلث .. تابع مقدمة المركب تعبر الجسر المنهار

سفينة بالجسـر األخير اهتزت بشدة وصوت ارتطام قطاع ال تصاعد صوت حاد متصـل قبـل أن تتوقـف .يمأل الفضاء ا عن الحركةالمركب تمام.

:غمغم وقد بلغ به العطش مبلغه

وال أمـوت مـن ،اأموت من كثرة المياه غريق - ..العطش

بـين سـماء ا وهو معلق صليبة مر الوقت بطيئ وأرض تمتلـئ ،تلتهب بشـمس أغسـطس القـائظ

لمركب فوق مياه التحاريق الواطئة سكن ا .. بالفئرانال يرى عبد المحسن عالمة . ا بين جانبي النهر ساقط

على وجود األهالي سوى األصـوات التـي تـروح وتجيء تصاحبها دقات الطبـول والجسـور التـي

ا لقدوم الفيضانأقاموها استعداد .. جـاءه .. ، وقام على صـوتها والعطش يحرقه غفي،

ا ثم ما لبـث أن أصـبح أزيـز ، منامه ا في ا حاد ا بارد خافت ،ا في جسده عشرات المناشير الصلبة ال ينقطع مطلق متواصال

ا انتفض مذعورا مستيقظ .. تقطع لحمه وعظامه قطع صغيرة على صرير صوتها تنظر إليه من فوق الجثث المنتفخة التي

. ا يحيط بها سيالن ال ينقطـع مـن الصـديد ،نهشت أطرافه ،ا الدفة إليه جرى خلفه المئات منها ها صاعد وعندما تقدم أحد

..تدافع فوق بعضها البعضت

أصابته رعدة قاسية رفع أطراف أصابعه إلى أعلى كيف على هذا .. وقد بدأ يشعر بنوبة من نوبات الجنون تنتابه

غابت الشمس عن الوجود وحل ..االحال يصير اإلنسان إنسان . ثانيةفغفي.. ليل الصيف الحار

الهزيع األخير من الليل أيقظته نسمات الشـمال قبل فأفاق على ألسنة النيران التي ارتفعت أمامه ممتـدة ؛الباردة

ومـن ذؤابـات النيـران .. على طول خط المياه المتعـرج ا بين ضفتي النهـر تراقصت أشباح الغيالن تقفز جيئة وذهاب

تتصـايح .. تضـحك . تختفي بين ألسنة اللهب وتصعد منـه .شنيعة تصم أذنيهبأصوات

األولى ضحكت مقتربـة ؛اقتربت منه ثالث غوالت صرخ في .. من وجهه وهي تكشف عن نواجز وأنياب حادة

أما الثانية فتراقصت .. الفضاء صرخة مدوية ممتلئة بالخوف وتدفع بجسدها المشعر الثقيل برائحتـه العفنـة ،حوله تحرقه

وجهه ويفـتح فيزرق ؛إلى جسده فتكتم صرخته الغولة الثانية وأما الثالثة فتلـف .. انقتخمفاه عن آخره يوشك على الموت

وهو ؛ذيولها حوله حتى يتصلب عوده وتئز مفاصله وعظامه يصرخ طالب ك سم، والرعدة ت ا عليه ا الرحمة حتى يسقط مغشي

ثم أفاق وهـو غفي.. وعيدا من عينيها الممتلئتين بال خوف ،به ،كانت النيران قد تالشـت .. جيميستعيذ باهللا من الشيطان الر

توعلى ضفة النهر الشرقية انتصب قصـر منيـف تـألأل تابع أبراجـه .. أضواؤه الباهرة كنجوم ليالي الصيف الحارة

.. وهي تختفي في باطن السماء فشـعر ؛ومن داخل القصر تصاعد عزف الموسيقى

ومن شرفات القصر أطلت عليـه .. بالحياة تدب في عروقه ،نفك عنـه تفشعر بقيوده .. ناداها فدعته .. شبقة وجوه أنثوية

كـن يرقصـن .. هبط إلـيهن .. وبقوة تطير به في الفضاء ويتمايلن على األنغـام فـي سـراويلهن ،ويضربن الدفوف

فأخذهن ؛بحث عنها حتى وجدها .. ا له الحريرية تقدمن جميع ا وهي وسطهن جميع، ا يفـيض مـن وجسده يمتلئ صـاعد

قبل أن تتحول األميرة شريفة بين ذراعيه ،السعادة المتالحقة وأعضاؤها ،إلى جثة باردة يجلس على حطامها مالك الموت

تتفحم محترقة تتناثر من رأسها جدائل شعرها المتآكلة بألسنة .اا متفحم تاركة بين ساعدين جمجمة غائرة وجسد،النيران

رأى كل شيء يقتلع مـن حولـه بفعـل الفحـيح ا إلـى سـلعوات وهن يتحولن جميع ،ههنالمتصاعد من أفوا

وصـفيرهن ،مشعرات مشرعات النواجز معقوفات القـرون ،الجماعي الحاد يقتلع من أمامه األضواء والجدران والرياش

فال يبقى للقصر للمتأللئ سوى المـوت ؛وسط فيض من الدم وقبل أن يبلغ سـاحة ،ا يريد النجاة ظل يعدو الهث .والخراب

وشرعن في ،جية أوقعن به في جب عميق قصر الموت الخار االتهامه حي.

* * * كر رجل كان أول ما فتح عليه عينيه في الصباح البا

ومن .. شعره في ضفائر طويلة مضفر.. عار ذو لحية طويلة هب قذارتها ذال ت .. خلفه وقفت امرأة سمراء مكحولة العينين

لشـيخ ، وهي تأتي خلف رجلها ا ومالبسها المرتقة بمالحتها البكري، الناجي الوحيد من مذبحة مـراد بيـك بقريـة علي

كان يقف وسط جمع من . بأفعال قبيحة ١٧٨٦جمجيون عام .. هز عبد المحسن رأسه يحاول إدراك ما يراه .الحفاة العراة

ـ .. أضغاث أحالم أم حقيقة ا تشبث بالصاري وهو يرتعد خوف .من أن يسعوا إليه يلهون بقتله

كري إلى النهر وهـو يضـحك فـي أشار الشيخ الب .. بصخب وفـرح جنـوني اآلخرونتتبعه . هستريا وتشنج

ا بعقاب من ا متوعد وهو يخطب منذر ،وانحنوا يقبلون أياديه الجاحدين .. اهللا لعباده العاصين والملعونين والزنادقة والكفرة

؛انتشروا في حلقات الـذكر يـذكرون اهللا .. أنعمة اهللا عليهم .ا أناشيد المديح والذكرنشدوهو يتقدمهم م

.. شعر عبد المحسن بارتجاجة تـألم لهـا سـاعداه فظن بأتباع البكري ،ارتفعت مقدمة المركب ألعلى ثم ألسفل

اب السد وأخش ،فترة طويلة مضت .. ا للموت ينصبون له كمين قبل أن يدرك أن المركب ترتفع تحـت قـوة ،ز من حوله تئ

ها هو النهـر الـذي كـان .. .التيار المتنامي لفيضان النهر ينـبض مثـل وحـش .. كون يضيق في نومه ا في س رابض

.أسطوريتأرجحت المركب بين المقدمة والمؤخرة متجهة إلى

فصرخ من شـدة .. ااألمام، سقطت مقعدته وتدلى جسده معلق عادت المركب ثانية فشد يديه على .. األلم وعضالته تتمزق

،واؤه بغناء المنشـدين صليبه وهو يعوي كالمجنون يختلط ع وعلى طول ضفتي النهر كان الفالحون يتجمعون مـن كـل

يلحقـه .. يرتفع.. ناحية وصوب يشاهدون النهر وهو يفيض رأي رأى فيه المـوت ؛ مر ا طويال دهر.. هدير يصم األذان

قبل أن تتحرر المركب من سد مراد بـك المتهالـك ،العينـ ،غاصت مقدمتها في الماء ة، بعـدها دارت ثم صعدت ثاني

قبل أن تنـدفع بسـرعة ،المركب حول نفسها ثالث دورات .. متزايدة إلى األمام

اندفعت المركب تشـق الفرعونيـة ؛وطوال ساعات وهي ترتفع ألعلى ويرتفع فوق صاريها ليكشف الجسر لـه

.. تركض فوقها كالجيـاد الالهثـة ،عن الدلتا ومياه الفيضان .وتغسل عنها أدرانها.. هاتغمرها تروي عطشها تزيل أوساخ

.. العـون .. العـون .. ان يرى سحر وكلما صعد كا كانـت . وال يبوح لي أحد بسره المبهم، قابع في منوف موتي

تتحول إلى جزر ونقاط هندسية تمتد .. القرى والكفور تغرق ا بحر.. فتحيل الدلتا كنسق من المجرة الكونية ؛بينها الجسور

.. جوم في إبداع خالقمن السماء تتناثر فوقه النكان النهر يأتي من خلفـه .. نظر عبد المحسن خلفه

ا من السماء ومن الزمان القديم قادم .. ا يتقدم أمامه مسـيطر مع الزمان البعيد، وعند األفق ينحنـي على كل شيء راحال

ا إلى السماءصاعد ..

يأتي فـي .. ش إلى األبد ليراه يكشف عن سره من يع - .. فكل شيء يعود هـو هـو ؛سوي األشياء ويرتبها ميعاد، ي

اللهـم .. ويرحل ليعود من جديد ليفعل مثلما رغـب وشـاء . الجمالا، وهو يكشف عن بدءسحر يزيل سحر.. فاشهد

-٢- والشمس تغرب عـن المدينـة ،بلغ الفيضان منوف

وسقط الفالحون الذين تأخرت عودتهم مـن ،غلقت األبواب فأوتدافعوا يجرون بهائمهم وجمـالهم ،الحقول في حيص بيص

.ا عن المناطق المرتفعة التي تقيم الفيضانفي األرجاء بحثوفي داخل المدينة كان الجميع فـي هـرج ومـرج يرفعون حوائجهم وأغراضـهم يخزنونهـا علـى األسـطح

ويغلقون بوابات الدروب وأبواب دروبهـم ،والمقاعد العلوية الخشب والدككا بعروقونوافذها ويمترسونها جيد .

. ومنذ العشاء والمياه ترتفع حول األسـوار بثبـات وتنقب عن مناطق الضـعف فيهـا دون ،تتسلل من الثقوب

.توقف

وقف األشقر ينظر ؛من الشرفة القبلية لقصر الغرب ،إلى الفيضان وهو يربض على أسـوار أرضـه باسـتهانة ن وحوله أعوانه الذين اشتراهم من المجلويين الجـدد بعـد أ

قضى مصرع األميرة شريفة على أحالم الملك والفتوحـات .لديه

قبل منتصف الليل قرقعت أصوات هائلة قادمة مـن اختلج وجهـه .ا ناحية الصوت فاستدار األغا مرتعد ؛الشمال

الذي اندفع ،مرتين قبل أن ينظر إلى خشداشه أنور السلجوقي أغـا في حين صعد أحمد ،ا صهوة جواده إلى الخارج ممتطي

:البارودي إلى أعلى وعاد بعد قليل .إنها منوف.. حسين أفندم.. سيدي-

لقـد .. استطرد البارودي .. انفرجت أسارير األشقر اسـتدار األشـقر .. دمرت المياه أسوارها وهي تغرق اآلن

حيث شاهد المياه تندفع خالل طرقات ؛ البرج الشمالية اصاعد ء واألطفـال والكـالب دافعة أمامها الرجال والنسا ،المدينة

.الضالة والعربات واإلناث والبهائم إلى الطرقات :قال السلجوقي

نحن .. ا لتنم حضرتكم في هدوء سيدي حضرة أغ – .يحوط به سور عظيم.. صر متينفي ق

:ردد الجميعهـذا .. نعم سيدنا وموالنا سنجق دار أغـا .. نعم –

.. واهللا كالم صحيح وقول فصيحفصـاح الـورفلي .. تسـامة باهتـة ابتسم األشقر اب

:بحماسا حـول السـور اليوم أدفع بالرجال يحفرون خندق -

. فتتحول المياه إلى المناطق الواطئة بأرض السدود؛القبلي ..؟.. فإذا امتألت-

. تساءل السلجوقي :بشماتةا أجاب الورفلي ضاحك

.. نهدم الجسور الشرقية والغريبة ألرض السدود- ،ه حسم األشقر األمر لصالح الـورفلي من رأس بهزة بسه طرق وقبل أن يتمم خلع مال ،ا لحجرة نومه واستدار ذاهب

. يصيحونالعسكر أبوابه بشدة وهمفخرج إليهم .. المياه تندفع من فوق األسوار سيدي -

.. عاري الصدر

أين؟- .. من السور الجنوبي-

كانت المياه تنهمر مـن .. جرى األشقر إلى الشرفة وقبـل أن .. فوق األسوار الجنوبية والشرقية مثل الشـالالت

.ارتج الفضاء بصـوت السـور المـدمر .. د إليه رجاله عويوطوال دقائق كان األشقر يرى كتلة الميـاه الهائلـة تنـدفع

في البداية غمـرت كهـوف الشـرق .. بارتفاع هائل نحوه ثم مالت ناحية الغرب فأمسـكت ،ممسكة بالغيالن وأشباهها

وأمامها اقتلعت الميـاه غابـات .. سكر األغا وهم نائمون بع .شاهدها األشقر تطيح بها كأعشاب القش.. الجنوب

رأى األشقر قصر الشرق وكتلة الفيضـان تعصـف : ثم صاح أحدهموهلة.. نظر الجميع ناحيته مبهوتين.. به

.. الجميعأوقف. .نهرب حضرتكم - .إلى أين؟ إنها تحاصرنا من كل جهة –

:ااألشقر منزعج تساءل حتى الشمال؟–

:أجاب أنور أغا السلجوقي –رت حضرتكمم منوف د ..

..نصعد ألعلى -ــراج ــع يصــعدون األب ــدافع الجمي ــى ، ت واعتل

.بقية العسكر والرجال سطح القصر و،الجرسجية األولـى بقصـر ارتطمت كتلة المياه للموجـة

نـف، بالغة الع ؛ فارتجت كل جدرانه ارتجاجة الغرب وقد أخذت معها كل العساكر الذين احتموا ،ثم عبرته لكنهـا ، فلم تصـلها الميـاه ؛أما األبراج .. بسطحه

ثم توقفت والمياه تغمرها مـن ،تحركت للخلف قليال كل جانب، شد الباقون بسـواعدهم علـى شـرفات

. واحتضن البقية حوائط بها،األبراج : قال الورفلي

؛فل حضـرة أغـا شوية زمن وتهبط المياه ألس - ..فننجوا بمشيئة اهللا تعالى سيدنا

: صرخ األشقرابحثوا عن أخشاب واصنعوا أطـواف، أغبيـاء -

.. وعجلواأسرعوا.. مالعين ا أن يتحـرك أحـد نظر كل منهم حوله منتظـرأسـرعوا . فزعق فيهم األشـقر كـالمجنون .. نهمم

األبراج إلى داخل القصر الواقع أسفل ميـاه نيهبطو وطوال الليل ظـل المحاصـرون ،ضان الجارية الفي

يرفعون األخشاب والعـرائض .. يغوصون إلى أسفل . ثم يجمعونها بالحبال،واألثاث إلى أعلى

في الهزيع األخير من الليل هجم الفيضـان هجمتـه وعندما هبطـت الموجـة ،الثانية على األبراج يريد اقتالعها

اج وقـد تحركـت الثانية لكتلة المياه كانت قد تركت األبـر اأحجارها جانب ..

:اقرب الفجر أشار أحدهم صارخ . المياه تهبط -

.. جرى الجميع يشخصون بأبصارهم نحـو الميـاه كانت المياه تنحسر رويد وقفوا مشدودي األبصار إلى .اا رويد

وكأنهم ثلة مـن ، يشدون على أسلحتهم في توتر بالغ ،المياه وح االفرسان تكمن منتظرة هجوم اشي ا أسطوري فلمـا ا، مدمر

وتصايحوا ،بلغت المياه سطح القصر تنفس الجميع الصعداء ..ضاحكين وقد ذهب عنهم توترهم : وقهقه األشقر في جنون

ن نفسه وليس أمام إنه قصر بنيته ليصمد أمام الزم - . حفنة من مياه

: ردد الورفليوكيف ال وقد أحضرتم لـه .. نعم حضرتكم .. نعم - من الجبال، والصناع من الصـرب عاصـمة السـند الحجر .والهند

:ا ألسفلغمغم األشقر لنفسه وهو يسبق الجميع هابط ،ا من الهند وال من السـند له صناع ما أحضرت -

أقسـم .. إنما بناه قسطندي نصراني .. وال حتى من الصرب ،برب الشيطان لو حدث به انهيار كمـا انهـارت األسـوار

جسد هذا الحمار على باب من أبـواب لعلقت كل قطعة من .. منوف

والميـاه ،بلغو سطح القصر تاركين األطواف خلفهم وكـأن ،فاندفعوا اندفاعة فارس واحـد .. تنسحب من أمامهم

حتى بلغت المياه ارتفـاع قامـة ؛الفضاء يعوي بنوبة هجوم :فنادى األشقر

.. حضروا الجيادأ -

أحـدهم ولحظـة أن عـاد .. اندفعوا يبحثون عنها فانـدفع ؛طرقع المكان ثانية طرقعة فظـة .. بإحداها . إلى ظهر الجواد والطرقعات تتوالىقافزااألشقر

كانت المياه تجذب في عنف مداميك قسطندي الطينية التي بناها أسفل حوائط قصـر الشـيطان المصـنوعة مـن

.الحجارة كما أمره مسيحهعقبـه ثم أ لفضاء برقعة حائط اإليوان الكبير، ضج ا

ـ .. صوت دوي شديد لسقوط سقفه ا دفع األشقر بجواده قاطع وكتـل األخشـاب الضـخمة ،ساحة القصر الداخلية سباحة

ذين يحـاولون تتساقط من حوله تعترضه وتعترض رجاله ال :غمغم.. الفرار سباحة

لكنـي لـن .. أوليس هذا قبرك .. لن أموت هنا -.. مثـل قبـرك الن يجد مملوك قبر .. أموت فيه

هم يموتون في أرض مظلمـة تعـج بأشـباح كل بينما تموت أنت في أرض اقتطعتها من ،طريدة

.أرض ميالدك يعبر به ،ا جواده بشدة هز رأسه بطرد هواجسه الكز

:ة والخارجيةالممر الواصل بين ساحتي القصر الداخلي

ابعـدوا عنـي لـن .. بعـد لم يحن ميعاد الموت - .. بتني أرض ميالد جديدةسوف أ.. أموت

ا موجة عالية خلفه مباشرة سقط البرج األوسط صانعـ ؛ وألقت به إلى جـدار السـور ا،همن المياه أخذته مع ج فش

فوجده .. ا عن جواده ا ألعلى باحث لكنه تشبث به صاعد ،رأسه وكتل ، وجثث العسكر ،يتدافع بين دوامات األحجار المتساقطة

.. تنـاثرة وعشرات من قطع األثاث الم ،األخشاب والعربات جذبه ناحية سلم ..أسرع خلفه والدم ينثال من وجهه يمسك به

ا الساللم إلى سطح رفع الجواد ساقيه صاعد .. السور الداخلية عندما أطل ألسفل كانت المياه تبعد عشـرة .. السور الخلفي

ا قبـل أن يقفـز بـه إلـى عصب عيني جواده فزع .. أمتار .. الخالء

ا إلى ياه قبل أن يصعد ثاني ا في الم غاص الجواد عميق ا أمسك به وجذبه متجه .. كان األشقر يسبح بجواره .. السطح

.. إلى منوفأصـابته .. توقف ناظرا إلى الـوراء على تلة علية

كان النهر يربض على أرضه كوحش هائج يـدمر .. الرعدة .. كل قطعة فيها غير مبق منها على أثر

ي يتطلعون إلى ق إلى القلعة كان األهال يوطوال الطر يتسـاءلون وهـم ..السنجق وهو يمر أمامهم بعجب ودهشة

:يبسملون ويحوقلون ؟..ما الذي جرى له -

* * * في الليلة الماضية أطلت من بقايا جدار القلعة القديمة

،أجهدها السفر بعد طول عناء ومشقة .. مقدمة مركب متهالكة القلعة وعلى مسطاح سور .. واستقرت مرتكزة على جدرانها

ا من الداخلي سقط الجزء العلوي من صاري السفينة مكسور .. شدة االرتطام

لكنـه لـم يسـتطع .. تحرر عبد المحسن من قيوده وقرب .. ا عليه فسقط بجواره مغشي ؛المضي أبعد من صليبه

الظهيرة فتح عبد المحسن عينيه على وجه تغضنت مالمحـه .ين من عمرها في الخمس فبدا عجوز؛ الشيب رأسهىوغط

دفع األشقر الجثة المشوهة الوجه أمامه بركلة مـن قال وهو ينظـر إلـى الصـاري .. فدبت الحياة فيها ؛قدمه

هدمت جدران قلعة إيـداكش المكسور ومقدمة المركب التي :القديمة

؟..ولد جربوع.. من أنتم- وزحف يغسله مـن ،مسح عبد المحسن صديد وجهه

ا استدار نحوه لـم يعـرف فيـه وعندم ،برك المياه المحيطة ..غريمه األشقر

صاح فيه األشقر وهو يمرغ بقدميـه رأسـه فـي :التراب

.. قل لي من أنتم.. كيف دخلتم قلعتي- :همس عبد المحسن

. عابر سبيل– ا بـين جن جنون األشقر فأخذ يركله ويدفع به بعيـد

:البرك الموحلة .سبيلمالنا ومال أوالد ال.. اذهبوا عنا إذن-

لكنه سـقط علـى األرض ،وقف عبد المحسن مرة فاندفع األشقر خلفه بمزيـد مـن ؛ا وقد تيبست أطرافه متهالك

وعبد المحسن يتدحرج أمامه يحمي رأسـه بـين ،الركالتوعلى .. ثم سقط ثانية .. قام على أربع يحاول االبتعاد .. يديه

اا زحفها زحف بعد عشرين ذراع، ـ واألشقر ينظر حائر ين ا ب

السفينة وبينه يحاول أن يدرك العالقة بينهما وبين شبح يأتي .من الماضي البعيد يحاول اختراق ذاكرته

على باب القلعة استدار نحوه عبد المحسن وبينهمـا وقفت المشنقة التي أعدها األشقر له شامخة تتـدلى حبالهـا

.. بحديـدها المـدبب وبجوارها عروسة الخوزقة .. لمعقودةا من صـوت الميـاه نهما قبالة اآلخر وحيدين إال وقف كل م

.. خر على الفورفعرف كل منهما اآل ثم مال ينظـر إلـى ،تطلع عبد المحسن إلى المشنقة

لحظات طويلة مـا لبـث .. عروسته التي أعدها له خصمه . تاركا األشقر خلفهبعدها أن استدار راحال

كـرر .. ا صوتا لـم يكملـه فتح األشقر فاه مصدركـان .. لكنها توقفت كما توقفت المحاولة األولى .. ولةالمحا

:يريد أن ينادي ..ولد عبد المحسن.. ولد -بل سار فقط ناحية .. لكن كلمة لم تخرج من شفتيه

ا بأحـد أعمـدتها الخشـبية، وتوقف ممسك ،المشنقة .. وشخص ببصره إلى الفضاء

لعبـد ل ما عزم عليه من قتل وحرق وخوزقة كان ك .. لجنوده وعساكره .. للشيخ السنهوري .. لقسطنديالمحسن و

.. وكل من بنى طوبـة فـي قصـوره .. للفالحين، للصناع أراضيه قد تالشى في المسافة مـن الربـوة إلـى .. أسوارها البرج نظر ألبراج قلعة إيداكش القديمة تقدم صاعد .. القلعة

.. الشمالي ا أمامـه بـذهول بأعلى البرج جلس األشقر ناظر ..

وفي حـين بقـت .. ت الدلتا أمامه يغمرها النيل بفيضانه كانل على أسطحها وفي دروبها منوف جزيرة عائمة يلهو األطفا

. فقد انمحت آثار أرضه المسحورةبالمياه؛لحظتها والخوف يطبـق .. تذكر ليلة مجيئه السوداء

اآلن .. تطبـق عليـه ه ظن أن هذه األبراج أشباح على أنفاس .ا كانأحق.. يملكها

* * * ا بعـد في ذات الطريق المهدة التي التهمت داره يوم

ا ألجل زيارة كاتب السلطان خير أن شقها السنهوري خصيص غمغـم ..ازحف عبد المحسـن مبتعـد .. الدين شوكت بيك

:األشقر وهو يشاهده بتسائل

..ما قيمتها - وعلى امتداد الحقول المتراميـة األطـراف رأى

الفالحـين يخرجـون إلـى األشقر في عجب مئات ..الحقول وهم يغوصون في األوحال

:ا تسائل مندهش من أين جاءوا؟ - تابعهم وهم ينتشرون في األرجاء يتناثرون علـى

والنهـر .. رؤوس الجسور يصلحونها ويرممونهـا .كاستسالم الخلود لإلنسان.. مستسلم لهم في سكون

ـ نزل يجر قد . ىميه وقد ذهب عنه كل غضبه وتالش ال المعلم قسطندي الـذي ؛ يعد يرغب في االنتقام من أحد لم

وال مـن عبـد ،شيد قصوره وأسواره على مداميك الطـين المحسن الذي أحرق زوجته األميرة شريفة وجنينها الذي كان

ال في بناء أرض كأرض األجـداد .. اا ما ملك سيتوج يوم .... هوال في الموت في أرض تحن علي .. أرض كأرض ميالده

شخص بناظريه إلى حيث كانت .. فهذه األرض لم توجد قط راكـم ا أو ا ترك ولد ما رأيت وال سمعت أن مملوك .. أرضهاذكر،ا وإنما يعيش الجميع يومهم كأنهم يموتون غد ..

اللعنة عليك يا شريفة وعلى أحالمك لقد فاتني بسببها .الكثير

* * *

الفصل األخير

ربعة أعوام مـن الطـاعون م وبعد أ ١٧٩٨في عام جلس طفل في الرابعة من عمره يلهو بكرة صنعت ..األخير

من الخرق البالية وجمعت في شدة بحبائل التيل الرفيعة على . عبد القادر يا عبد القادر .. رأس غيط أبيه السيد حسن البقلي

فسـقطت فـي ؛ا بعيدإنه ألقى بالكرةلكن الطفل لم يسمعه إذ سمع عبد اهللا صراخ .. ذاهبة إلى طمالي منتصف الطريق ال

.. ابن أخته بدرية فخرج يستطلع األمرفي الخارج عبر عبد القادر القناة الصغيرة بصـعوبة

ثم صعد الجسـر إلـى الطريـق ،بعد أن خاض في وحلها .. ليحضر كرته

، فبـرزت مؤخرتـه العاريـة ؛انحنى الطفل ألسفل ا مبعدة خمسين ذراعا بها شاهد أمامه وعلى وعندما قام ممسك

تطلع إلى حللهم الزاهية األلـوان .. ثلة من الفرسان الغرباء وخوذهم النحاسية المصقولة المظللة بالريش الملـون تلمـع

.. تحت الشمس

بلغه فارسان هبطا إليه وهما يضحكان من كان أول . ويتحدثان بلغة عربية عن أهل البالد

.ها هو بطلنا.. ا فرانسو- :اديقه ساخررد عليه ص

.. فع الوحيد عن المدينةا المد- :ضحك فرانسوا

ه إذن بوجود مقاومـة لقـوات ي أخبر الجنرال دزي - .. الثورة الفرنسية

.. فهو يكاد يجن.. أخبره أنت- :اصرح بوكيه مندهش

.... دزيه-ا لمعركة على أسوار نه يتحرق شوق إ.. دزيه.. نعم -

.. كانأي م.. أشمون.. تال.. منوف :ا رأسه خلف رأس حصانهصاح بوكيه دافن

تراجـع فرانسـوا .. الطفل يحمل قنبلة .. احترس -هكذا.. ا عنان جواده إلى الخلفجاذب..

اختفـى عبـد اهللا ؛من خالل فرجة بين سيقان الذرة ا وفـي وجهـه نظـرة سـخط يريـد ف واق أختهيشاهد ابن

احيـة جذب سمعه صوت موسيقى عسكرية تأتي من ن ..كرته .الغرب

ا على وهناك عندما ينحني الطريق إلى الشمال هابط خفقت الرايـة . برزت طالئع القوات الفرنسية مرمى البصر؛ ا من خلـف األكمـة ا رويد وهي تصعد رويد ،المثلثة األلوان

ثم ما لبث أن ظهر الفارس الذي . التي يستدير عندها الطريق ؛ظال يسيران الهوينـا .. تبعه طابوران من الفرسان .. هاملحي

تنحى .. حتى بلغا المكان الذي وقف فيه عبد القادر والفارسين .. من البوص يتبول ، واختفى خلف أكمة فرانسوا عن الطريق

ولمدة طويلة عبرهما طابوران طويالن من .. وانتظره بوكيه ثـم صـفوف .. الفرسان يتبعهما سرية موسيقى اللواء الثالث

وخيـول المدفعيـة ،ها المثلثة األلوان المشاة المتراصة بقبعات وعبد اهللا يتابعهما حتـى .. يحيط بها رجالها ومطبخ الميدان

أفاق .. يشيعهم في ذهول .. ا فاه غابا قرب أسوار منوف فاغركان فرانسوا قد خرج من خلـف .. على صرخة عبد القادر

.. قبل أن يقفز إلى جواده جذب كرته من يده.. أكمة البوص :كيهصاح به بو

. كرتهأعطه –

. سأحتفظ بها-ـ ا فـي منتصـف ولزمن طويل ظل عبد القادر واقف

الطريق عيناه مغرورقتان بالدموع يتابع طابور اللواء الثالث وخالـه ،فرك عينيه بأصابعه .. ا نحو منوف وهو يختفي بعيد

:يحمله برفقهاعملك واحدة ثانية بدل اللي خادها الكافر ابـن –

علشـان خـالص .. ت اسـكت لوقود.. مفجورالنعرف نعدي من عسكر بونابرتة، وأسلمك إلدين

..أمك بدرية ،ا عبد القادر خلفـه اعتلى عبد اهللا حماره مردف

وأسرعا في دوره واسعة نحو الشمال ميممين شطر .منوف