378

836

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: 836
Page 2: 836

بركاتالزيني

Page 3: 836

طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

Page 4: 836

الغيطانيجمال

هـ ٩٢٢رجب م ١٥١٧أغسطس إلى سبتمبر

من مشـاهدات الرحالـة البنـدقي " ٣ " مقتطف (

فياسكونتي جانتي، الذي زار القاهرة أكثر من مرة في القرن . بالعالم ه السادس عشر الميالدي أثناء طواف

خالل شهر … تسجل هذه المشاهدات أحوال القاهرة ). هـ ٩٢٢ ميالدية، الموافق رجب ١٥١٧ أغسطس

Page 5: 836

تضطرب أحوال الديار المصرية هذه األيام، وجـه القاهرة غريب عني، ليس ما عرفته في رحالتـي السـابقة،

وجه ى أعرف لغة البالد ولهجاتها، أر ، أحاديث الناس تغيرت المدينة مريض ـ ا ى يوشك على البكاء، امرأة مـذعورة تخش

ـ آ اغتصابها ه خر الليل، حتى السماء نحيلة زرقاء، صفاؤها ب الهنـد ى كدر، مغطاة بضباب قادم من بالد بعيدة، أذكر قـر

الصغيرة إذ يدركها الوباء، يثقل هواؤها بالرطوبـة، الليلـة، تنتظر البيوت أمر قد يأتي غدا أو بعد غد، أصغي إلى وقـع ا

ـ ، أطـل مـن أى حوافر تصطدم بحجارة الطريق، تبعد، تن مشربية البيت محاذر م يلـف أن يراني أحد، أطل والظـال ا

مئذنة جامع السلطان الغوري الجديـد، لـم ى البيوت، ال أر سنوات على بنائه، لم أره عندما جئت هنا آخر مـرة ض تم

ى قبل رحيلي الطويل إلى الشرق، سمعت باستعدادات تجـر ، لبنائه، تشييد القبة الضخمة المواجهة له، أطل برأسي قلـيال

، إذ أخاف انفتاق الظالم عـن وجـوه درك قسـاة القلـوب يجدونني أفرنجي الموت بـال محاكمـة، ال إلى ، يدفعون بي ا

لن تتاح الفرصة !! استجواب، ال سؤال، من أنا، من أين جئت " كرتبـاي " ألخبرهم، ألقنعهم، إنني أعرف الـوالي األميـر

Page 6: 836

نني أصغيت مرتين إلى متولي حسـبة إ معرفة شخصية، بل ، إنـه صـاحب مناصـب ى القاهرة، الزيني بركات بن موس

عديدة أيض ومسئول عن حفظ األمن والنظام، لـو رآنـي ا ، رآه مرة واحدة، ا عابر ا وجه ى فسيتذكرني، أعرف أنه ال ينس

على رؤيته لصاحبه عشرة أعوام، على أيـة ى حتى لو مض الليلة، بالتأكيد لن أنجو من العسـس، المنسـر، ى حال سأبق

توارت، المماليك، بيوت المدينة كلها مغلقة، مرعوشة تود لو تهفو إلى األمان المرجو، شموع بيتي مطفأة، أخشى تراقص الضوء في أحداق العيون المتلصصة، قبيل العصر مشيت من الحسينية، في صدري نفس الحنين الذي يجيئني كلما نزلـت

بلد إلى ، كلما عدت ا مدينة زرتها من قبل، أقضي أيام قبـل ا إلـى أسـفل، ى عل أ اتصالي بمعارفي من أهلها، أجوبها من

اليوم ى أر . عرفهم، أرثي الذين ذهبوا أ وراء أخبار من ى أسع سـأل نفسي، أين كنـت أ الذي فارق فيه الواحد منهم دنيانا،

البعض صدفة، أفـتح ذراعـي ى عندئذ؟؟ في أي مدينة؟؟ ألق مله، أ على عادة أهل البالد، أقبل كتفه ويقبل كتفي، أتراجع ألت

ا أنه لم يتغير إن كان متقـدم حتضنه من جديد، أذكر أعود أل يغمغـم بحمـد هللا . ن الصحة تطل مـن عينيـه إ في السن،

Page 7: 836

مضـي، أ ة ليصحبني إلى داره ف ظ مغل ا ويشكره، يحلف أيمان نجلس في غرفة الضيافة، تفتح نوافذها المزخرفة على حديقة صغيرة بها ريحان وفل، تتوسطها نافورة صغيرة أرضـيتها

يل، ال تطلق النافورة مياهها إال مرصعة بالرخام الملون الجم عند مجيء ضيف، لكن اليوم طال تجوالي، لم ألق واحد من ا

ا ، ربما تغيروا، سمعت من العامة أن كثيـر ى أصحابي القدام من أعيان الناس، والمشايخ، نقلوا الثمين الغالي مـن ثيـابهم وحوائجهم إلى األماكن البعيدة المجهولة، رحلوا عيالهم إلـى

، ى اف، هجروا بيوتهم وسكنوا المزارات وفساقي المـوت األري سمعت بكثرة اإلشاعات، كل إنسان يقول ما يحلـو لـه، أي شخص يدخل فيما يعنيه ومـاال يعنيـه، وطالـب الـبعض بضرورة تدخل األمير طومانبـاي نائـب الغيبـة إلسـكات األلسنة، قال البعض هذا مستحيل فانقطاع األخبار معنـاه أن

ع، صـاح الـبعض، ق ال نجرؤ على التفكير فيه و ا فظيع ا حدث ماال نجرؤ على الظن به؟ ال يمكـن، جـيش وهل يقع فعال

السلطان من فرسان اإلسالم وحماته، كل فارس منهم مقـوم بألف من العثمانلية وكما غلبهم األشرف قايتباي فالبـد مـن هزيمتهم على يد الغوري، يقول آخر، إذ صح هذا فلماذا لـم

Page 8: 836

حة من األخبار المفرحة، لـم تـدق البشـائر، وال تصل رائ لم يقع، لم يحـدث، حتـى ا الطبلخاناه، كيف تصدق أن شيئ

األمور هنا مضطربة، في المقهى عدل رجل وضع عمامته، أحدكم الزيني بركات بن موسـي منـذ أول ى سأل، هل رأ

أمس؟ نزل صمت معبق بحذر، أسندت وعاء الفخار الساخن، للزيني بركات ى من الحلبة، ما الذي جر لم أشرب إال رشفة

إلـى بن موسى؟ إذا لم يجر، فأي إشاعات تتردد حوله؟ نظر صاحب السؤال، خمنت أنه ربما يعمل فـي خدمـة جـامع، يتاجر في الكتب القديمة، ربما طالـب يـدرس العلـم فـي األزهر، لهجته، أسلوبه، يوحيان بمهنة من هذه، كلما رأيـت

نفسي، أي مهنة يعمل؟ في أي مكـان ل أ ال أعرفه، أس رجال الحجاز، طال سكوته، قـال ى أقام؟ الصين، الهند، أو صحار

بـل … لم نره منذ ثالثة أيام، قال آخر أحد الحضور، فعال خمسة، كل منهم يقطب جبهته، يحاول التذكر، حتى أنا قلـت

لم أر الزيني خالل األيام التي قضـيتها هنـا، لنفسي، فعال ، ولـو مـرة واحـدة، تـدق ا هل القاهرة يومي الزيني يراه أ

الطبلخاناه أمامه، يمشي السعاة في ركابـه، الزينـي دائـم التفتيش على أسعار البضائع، يتعقب أوكار الفسـاد، مشـي

Page 9: 836

الناس في الطرقات، له قواعد ال بد من مراعاتها، االلتـزام يمنع النساء من ارتداء أزياء معينة، ربما مـنعهن ا بها، أحيان

ن الخروج إلى الطرقات لتزايد عبث المماليك فـي بعـض مـ آ الفترات، خر زياراتي لمصر، رأيت الزيني بركـات قوي ا

عفي ال أدري كيف صارت به الحال؟ ثالث سنوات تغيـر ا ، ، رأيت الزيني ينزل بنفسه، يناقش باعة الحلوى، ا اإلنسان حق

ـ طويال ا واألجبان، والبيض، يقف وقت ات مع الفالحـات بائع الدجاج واألوز واألرانب والبط، يسعر األصـناف بنفسـه، يجرس المخالفين في المدينة، أعرف رضاء النـاس عنـه، حبهم له، أذكر ما كتبته عنه بعد لقائي األول به، رأيت رجاال

كثيرين، بربرا وهنودا وإيطاليين وحكام مـن بـالد الغـال ا ريق عينيه، والحبشة وأقصى شمال الدنيا، لكنني لم أر مثل ب

لمعانهما، خالل الحديث تضيقان، حدقتي قط في سواد ليلـي، خلقتا لتنفذا في ضباب البالد الشمالية، في ظالمها، عبر اه عين

الوجه والمالمح، إنما ينفذ إلى قـاع ى صمتها المطبق، ال ير ضلوع الصدر، يكشف المخبأ مـن اآلمـال، إلى الجمجمة،

براق، إغماضة عينيه فيها حقيقة المشاعر، في مالمحه ذكاء الرهبـة، ث رقة وطيبة تدني الروح منه، في نفس الوقت تبع

Page 10: 836

سألني عن بالد رحلت إليها، كيف أقمت فيها؟؟ كيف تعاملت مع أهلها؟؟ حرية النساء في بالد الفرنجة؟؟ استفسـر عـن العدل في الرعية، وطرق البريد في الهنـد، وذكـر أسـماء

من دمشق، قلت إنني لم أذهب مشايخ في جدة ومكة، وأعيان إلى جدة لكنني زرت مكة، وأقمت في دمشق، كتب لي أسماء

ـ وعدته بالسؤال عن أصحابها، وقتها سمعت حادثـة طري ة ف فصل فيها الزيني بنفسه، حدث أن أرسلت جاريـة روميـة

ل إنها لم تتجاوز الخامسة عشـرة، ي بيضاء إليه تستغيث به، ق كبير السـن، يعمـل فـي اشتراها من سوق الجواري رجل

استقطار ماء الورد، ضخم الجثة، نهم، كثير األكـل، كثيـر النكاح، ومنذ شرائه الجارية الرومية البكر الحسناء، تفرغ لها

تمام هجر معمله، لم يعد يخرج من بيته، ال يمضـي إلـى ا ، الصالة، بل يأتيها كابن العشرين في أوقات متعددة ومختلفـة

وأظنـه تشـنيع مـن – ، حتى زعموا من النهار ومن الليل أن صواتها يعلو خـارج البيـت، فيسـمعه المـارة – العامة

بوضوح، يبدأ حاد يسمع جري أقـدام، يسـود صـمت ال ا ، يستمر كثير حتى يعود بعد قليل من جديد، شهد الجيران بهذا ا

ورقوا لها، تساءلوا فيما بينهم متى تنام البنت إذ أن صوتها ال

Page 11: 836

، قالها الرجال بحسد، لم ترتفع عيونهم عن ا نهار وال يهدأ ليال باب البيت الذي لم يفتح أسبوع وصـار الشـباب كـامال ا ،

يرقبون المشربيات، وإذا تعلو صرخات البنت، يتضـاحكون ويتغامزون، ويشد بعضهم شعر بعض، وقال سـقاء يحمـل

إنـه سـمع – استدعاه الزيني إلى الشهادة – الماء إلى البيت اخ الجارية في الحرملك، قال إنه رآها مرة تطـل بأذنيه صر

من نافذة المشربية المطلة على فناء البيت الداخلي، منفوشـة الشعر، خرج يهز رأسه متعجب المهم إنها عنـدما ى مما رأ ا ،

ـ استغاثت بالزيني بركات، أرسلت له خادم ا صـغير قـام ا ، . الزيني لفوره، شاور العلماء في األمر

شيخهم بصحة ما ينوي الزينـي ى فت تباحث معهم، وأ اسمه العطـار – القيام به، هنا توجه الزيني إلى بيت الرجل

، ا س البيت، هاج الرجل وصار يزعق غاضب ب ك – فيما أذكر ما للمحتسب وما للناس في بيوتهم، قبض عليه الزيني، أمـر

نهم روعوا لمنظره، وأقسم شيخ إ ببطحه أرضا، كشفوه فقيل كهذا في حياته من قبل، قال الزينـي، ا ير شيئ الحنفية أنه لم

ـ البنت تصغرك بأربعين سنة، أليس حرام أن تؤذيهـا ا … وبهذا أيض إعتاقها، وفعال ؟ ضربه خمسين عصا، ثم أمره ب ا ،

Page 12: 836

أعتقها الرجل مرغم صيب أ ، لكنه لم ينس ما فعله الزيني به، ا بحسرة كبيرة على فراقه البنت، بدأ يظهر في الحارات زائغ

العينين، ممزق الثياب، ريقه يسيل، يبحث عن شيء مجهول يرفض اإلفصاح ا ضائع، ال يذكرها باسمها، إنما ينادي شيئ

عنه، كلما ظهر في مكان صاح عليه العامة، ضربوه علـى موضع عورته، ضحكوا وسخروا منه، بينما تـدور عينـاه، تبحثان عن األمر العزيز المفتقد، وسمعت ممن أثق بـه، أن

الشيخ العطار هذا لم يقرب امرأة في حياته قبل البنـت، لـم يتزوج، طوال حياته، يعول أمه وأخوته، وعنـدما تزوجـت

، بدأ يقتصد ثمن هذه الجاريـة ا شقيقاته أصبح وحيد ى صغر لمدة أعوام عديدة، جارية معينة رسم صورتها وهيئتها فـي

لملبن، ذهنه بعناية، بيضاء كطبق الفضة، نهداها كرتان من ا لهما ملمس الحرير، حلم بها سنوات حتى عثر عليها، لم تطل

فرحته بها، أخذوها منه، انتزعوها انتزاع فيا فرحة ما تمت ا ، كما يقول عامة مصر، اختلف الناس حول تصرف الزينـي بركات، أكد جمع منهم صحة ما قام به، خاصـة أن البنـت

خـر، آ فريق ى أرسلت تستغيث به القترابها من الهالك، ورأ من الخلق ال يأمن ا خص أمور الناس، وأن أحد أ أنه تدخل في

Page 13: 836

أو عياله بعد اآلن، خاصة بعد تردد إشاعة كبيـرة على بيته بركات، إنما اسـتطاع الزينـي تنفي استغاثة البنت بالزيني

ـ معرفة األمر بفضل طرق عجيبة تمكنه من اال ى طـالع علـ ل ي أدق ما يجري في البيوت والزوايا، ق أيض أن العطـار ا

، وتساءل الرجال هل توجد امرأة تكـره ا مظلوم وليس عنيف لعـوب وكرهتـه، هيئة رجل كهيئة العطار، البنـت فعـال

استغاثت بالزيني بركات لتهرب منه لسبب خفي عندها، وبقي شعور خفي بالرهبة في أعمـاق النـاس، تعجبـوا لمهـارة

التـي تخـص المحتسب، قدرته على النفاذ إلى أدق األمور البيوت، وهذا ما لم يتفق لغيره قط، قيل بوجود فرقة خاصـة

من أشداء البصاصين تتبعه شخصي ال يعرف من رجالهـا ا ، أين يعيشون، كيف يعملون، هذا أمر خفي ال يدري ، مخلوق

به إنسان، وهذه ال عالقة لها بفرقة بصاصي السلطنة التـي ة العطار بعد يرأسها رجل عتي معروف، المهم، سمعت حادث

وقوعها بسنة، رأيته بعيني وهو يلف الحواري، يقـف بـين الحين والحين، يزعق في الفراغ منهاال بالسـباب والشـتائم

على شخص ال يذكر اسمه أبد نـه يصـنع تماثيـل إ ، وقيل ا صغيرة من الورق يحرقها يوميا قبل نومـه، ويتلـو عليهـا

Page 14: 836

ما كـان، حتى كان من أمره ه تعاويذ خاصة، وظل على حال ذكره في حينه، أعود إلى الرجال في دكـان الشـاي، ن وما س

عن السر في اختفاء الزيني؟؟ تعجب كل مـنهم تساءلوا فعال كيف فاته األمر، اختفاء الزيني حدث غير عادي، أنها األيام

فيها اإلنسان نفسه، ألـم يـذكر أحـد ى المضطربة التي ينس ضية أن أوان الريح المشايخ الصالحين في خطبة الجمعة الما

القيامة ستكنس كل شيء، ريح يرسلها اهللا عز التي تهب قبل وجل، يمانية ألين من الحرير وأطيب من نفحة المسـك فـال

تدع أحد أو ق في قلبه مثقال ذرة من اإليمان بوجود الخـال ا ، ى ، واألخ عن أخيه، ويبق ه تبعد األب عن بني ، الحق أو العدل

ون دينا أو ديانة، وهم شـرار خلـق الناس مائة عام ال يعرف الرجال في المسـجد، ى اهللا، وعلى هؤالء تقوم الساعة، تباك

وصار كل منهم يعانق صاحبه، وعندما خرج الـبعض إلـى الخالء، خيل إليهم أنهم يشمون رائحة طيبـة، فيهـا نفحـة المسك، جهروا وأعلنوا، زمن الهـالك آت ال ريـب فيـه،

هذه األيام، ينسى فيهـا المـرء فزعوا، هلعوا، وهكذا، فمثل أمورا جسام ن يمضي يوم بأكملـه، ال أ ال يتكرر حدوثها، ك ا

Page 15: 836

يظهر الزيني بركات بن موسى في طرقـات القـاهرة، وال : كما ظننت– ينتبه أحد، قال الطالب األزهري

أعرف أن الزيني اختفي في مكان ال يعلمه إال القالئـل -جد ا …

- سكت ليوحي، أو ليبدوا واحد قـال . من هـؤالء القلـة ا : الحضور

أين يا سعيد؟ -

تباع إلى بالد مصر يستنفر مشايخ العربـان إنه يرسل األ - … إلرسال رجالهم إلى القاهرة

اتسعت آذانهم، رأيت الزيني بعيني عقلي، يجلـس فـي - مكان خفي، تنبئه األيام بأحداث جسام، نـواب يـدخلون

البعيـدة البالد، والمعاقـل ى ويخرجون، يرسلهم إلى شت … للعربان في الصحراء

: تساءل أحدهم -

البالد بال محتسب والدنيا في حرب؟؟ ى كيف تبق -

عندما كان الزيني يسافر لمدة أسبوع، بمجرد أن يخطـو - خارج القاهرة ترتفع األسعار، يفعل كل إنسان ما يحلـو

اآلن؟ ى له، فما بالك وقد اختف

Page 16: 836

: قال سعيد -

- أبد هم رغم ابتعـاده عين الزيني ترقب الناس كل … ا … … وال تنسوا الشهاب زكريا

أخرس، خوف موغل فـي ء صمتوا، في العيون رجا طابور من سجناء ى األعماق، في الطريق على مهل أليم مض

الفالحين مربوطين من أعناقهم بسالسل حديدية، يبدو أنهـم متجهون إلى سجن من السجون، أخرج طفل لسـانه مـرات

يغادر الفالحون عالمنا بعد قليل، عديدة، دق طبل بعيد، ربما مشيت قربهم، عيونهم زائغة، يتمنون لو احتووا كل ما يمـر بهم، نفس ما رأيته في طنجة، طابور رجال يعبرون أسـوار المدينة البيضاء مشدودين إلى بعضهم البعض برباط الهـالك

هذا الرجل المسـوق إلـى . األبدي، في العيون نفس النظرة الجزيرة الصغيرة بالمحيط الهندي، يرجو من اإلعدام في تلك

أن يلحقه طائر رخ فيطير بـه، . الناس إعادة النظر في أمره نفسه، أن يعلم الناس أنه بعد خطوات، ى العينان تقوالن المعن

بعد مسافة زمنية معينة، لن يفتح عينيه أبـد تضـيع منـه ا ، أن أجهل هذا، لكن ، المعالم واألشياء، ربما أموت بعد لحظة

أعلم بمفارقتي الدنيا في لحظة معينة، هذا مـا . عرف تماما أ

Page 17: 836

نظرة الخروج إلى عالم آخـر . يطبع الوجوه بنفس ما رأيته ى نجهله، ما من منقذ، ما من منج، ما من معجزة مأمولة، أر

الرجال الماضين إلى الموت، أذكر خروجي من بلد إلى بلد، وا من البندقية، رحيلي الدائم، أذكر من سبقوني، ورجال خرج

مبتدئين رحلة ربما امتدت ثالثين عام ربما مات اإلنسـان ا ، في بلد يبعد آالف الفراسخ، مشيت وفي نفسي خوف، كل ما

أراه يجسد رعب ح عـن فص ، القاهرة مسوقة إلى مصير ال ي ا ، باألمس نـزل ا مشيت حذر . نفسه، القاهرة منفية عن بيوتها

ـ ى خـان الخليلـي وكـادوا المماليك من القلعة، توجهوا إل ورومي تعنـي – روميا ا ضبطوا تاجر . خره آ يحرقونه عن

يراسل ابن عثمان بأحوال . يجمع األخبار – التركي العثمانلي الخلق، عندما أمسكوه كاد العامة يمزقونه، غيـر أن بعـض

. البصاصين التابعين لزكريا بن راضي كبيرهم ونائب الزيني وحه حتى يتم استجوابه ويظهـر بقوا على ر أ تحفظوا عليه، و

زمالؤه اآلخرون، وسمعت من يقول بإعدام الوالي كرتبـاي وارتج الناس عندما سرت . ب القلعة سرا، ولم يتأيد هذا ج في

القاهرة قادم من الشام، جاء عبر إلى أقاويل بوصول رسول دروب التيه في الصحراء، طلع إلى القلعة واجتمـع بنائـب

Page 18: 836

مفزعة، مؤداها أن جيش السـلطان ا خبار الغيبة، ونقل إليه أ : هزم في مكان قرب حلب، ولم تعرف التفاصـيل، يقولـون

أمتع اللحظات التي يذكرها الرحالة فيما بعد، لحظات تتغيـر فيها األمور واألحوال، معاينة وقوع األحداث الكبيرة، رصد

ثارها على الوجوه والبيوت والمدن، أقول بعد سنوات، بعـد آ بداية حرب، وقوع طاعون، شـهدت بعينـي مـا مشاهدتي

، ما حدث، عند الغروب تابعت الطريق، أيـد ضـخمة ى جر قوية تسحب الناس وتلقيهم داخل البيوت، أشم هواء لم أعرفه

ـ أ بالهند عندما فاج " حيدر أباد " إال في ى ها وبـاء عفـي أفن وأهلك، بقيت محاصر بطاعون جلف سنة كاملة، أولد فـي ا

ـ ى دة، أر كل يوم مرات ع معصـوب ال القـاهرة اآلن رج العينين، مطروح ا فوق ظهره، ينتظر قـدر ـ ا خفي أشـعر ا ،

بأنفاس الرجال داخـل البيـوت، تتقـارب رءوسـهم اآلن، يتهامسون اآلن، يتهامسون بما سمعوه من أخبار، النـداءات مجهولة، الوقت يمضي وال يمضي، ال يمكني الطلوع إلـى

ع النجوم، ربما يقترب الفجـر، الطابق األعلى ألرقب مواض غير أنني حتى اآلن لم أسمع ديكا واحد يصيح ا .

Page 19: 836

ق األول ادالسر لعلي بن أبي الجود وبداية ظهور ىما جر

الزيني بركات بن موسى ) هـ ٩١٢شوال (

Page 20: 836

: أول النهار وفيه تغرق البيوت في نعاس طري، تتأخر الشـمس

لباطنيـة، الجماليـة، في الوصول إلى حواري الحسـينية، ا واضحة من فوق أسوار وأبراج قلعـة ى والعطوف، بينما تر

الجبل، جماعة المماليك التي تخترق شارع حدرة البقرة لـم ي الرماح ا يخرجوا من القلعة، خرجوا من بيت األمير قاني ب

أمير الخيل السلطانية، عبروا الخليج، نزلوا على مهل إلـى ي وجه النهار المقبل، السقاءون باب اللوق، أشرعوا سيوفهم ف

الذين قابلوهم قرب باب اللوق، أول من يستيقظ في المدينـة، يحملون الماء من النيل إلى البيوت، يجهلون مقصد الفرسان،

خيولهم دوامات ترابية صغيرة، تسرع خطـوات ر تنثر حواف اللون، يخفت همس السقائين، الجمال مثقلة بقرب المياه البنية

في مياه أذهانهم انطباع خفيف كأثر ضربة المجداف يبقى في ترعة هادئة، ينسل المماليك أول النهار، تبدو البيوت، أيام ما

بعد عيد الفطر، دائم يركب الخمول هذه األيام التي تعقـب ا . األعياد

***

Page 21: 836

بن أبي الجود، ال يصحو إال بعد مضي ثـالث ي عل ساعات من النهار، دائم ا ينام متأخر د عودته كل ليلة من ، بع ا

نوابه، يراجع معهم ما تم من أعمال خالل اليوم يء القلعة، يج المقتضي، قرب الفجر يصرفهم، يخلو إلى نفسه مقدار ساعة، ثم يمضي إلى إحدى زوجاته األربـع، أو جواريـه السـبع

والستين، منذ شهر اكتمل عددهن سبع وستين، بعد مجـيء ا بن أبي الجود ال يخطئ ي واحدة حبشية، وأخرى رومية، عل

خر ليلتـه، يخطرهـا قبـل آ ختارها لقضاء ا إلى من ه طريق مجيئه بساعات وعندما يدخل إليها ينفذ إلى أنفه عطر، رائحة

، كل درجة يعلوها فـوق السـاللم أنثى ثياب ممتزجة بعبير ا فشيئ ا القصيرة، التي تنتهي بها هذه الطرقات، فجأة تبعده شيئ

إلـى ه ضـاف أ ستمع إليه، ما ا لراحل، ما عن ضجيج النهار ا سجالته ودفاتره، ما بلغه من شائعات، أحاديث تتردد عنه هو بالذات، ما يردده األمراء والعوام على السواء، الليلة عنـدما

امرأته الثالثة، بدأت تخلع عنه ثيابه، " سالمة " دخل إلى حجرة عباءة زركش سوداء حفـت بالقصـب والـذهب، عمامتـه

الكبيرة الملتفة بشاش لونه أبيض، مثلها ال يرتـديها الصفراء إال األمراء مقدمو األلوف، سمح لعلي بن أبي الجود بارتدائها

Page 22: 836

منذ سنة، ينحني بها أمام السلطان، يجالس األعيان، يشق بها " لم تخلق العمائم الكبار ألي إنسـان " في المواكب، ومعروف

المقـام ال يجرؤ أي شخص على لبسها في حضرة من لـه ورفعة الشأن، منظر العمامة فوق رأسه يوغر قلوب الحساد،

بن أبي الجود ال يبـالي، ي يحرك الدسيسة، عل . يوقظ النميمة ف، ل ل بها، وتحسسها، وإبرازها، وإمالتها إلى الخ ا يتعمد التجو

إلى األمراء الكبار، حذره ه قدام، بالذات في أوقات حديث ى وإل يختال بعمامته في حضرتهم، بعض األصحاب، أال يزهو أو

لكنه ال يعنيه أمرهم، يحرص جد على معرفة كالمهم عنـه، ا تعليقاتهم عليه، وإذا ما وجد فيها ما يستحق نقله إلى السلطان طلع لفوره إلى القلعة، يضيف ويبدل في الكالم، بحيث يغير

ما فعل، بل يتجاهر به، ي خاطر السلطان على قائله، وال يخف السلطان إليه، كيف ربـت ى الحديث، كيف أصغ ويفيض في

بن أبي ي كتفه وعطف عليه، الليلة، فيما يبدو أخطأ نواب عل الجود، لم يذكروا له وقوع أي حدث غير عادي، فيما بعـد، زعم البعض أنهم عرفوا ما دار، بالذات في بيت األمير قاني بأي أمير الخيل السلطانية، ولمـح العامـة، بـل أوضـحوا

ـ وصرحوا بـن أبـي ي إلى زكريا بن راضي أحد نواب عل

Page 23: 836

الجود، وكبير بصاصي السلطنة، أنه لم ينقل ما يعلمـه إلـى بزوجته ا ملتصق ا بن أبي الجود، هذا ما جعله ينام راضي ي عل

الثالثة سالمة، سالمة أيقظتها حركة غيـر معهـودة، أقـدام تسرع، أبواب تفتح، صـيحات بعـض الحـريم الخافتـة،

إلى هنا متسلخة، غيـر واضـحة، تخـتلط األصوات تصل وتضيع معالمها، ساقية ترفع مياها، تدور وتصـر أخشـابها

ر القديمة، أمطار تلمس أرضا جافة، قارب يتـأرجح، حـواف تعدو، تعدو، ماذا يجري بالضبط، إيقاظه قبل األوان صعب،

تسـقط، يصـرخ يتقلب، أوان " ي سيدي عل " " ي سيدي عل " تتسابق دقات قلبها، تصـغي، وقـع تسقط كتلة خشب، ، طفل

أمر، ما هو؟ ال تدري، فجأة، يتدفق دمها مذعور في عروق ا إصغائه، جفاف ، أرجفها رعب، لم تشعر باستيقاظه المفاجئ

ريقه، أما الباب فدفعته قدم محاطة بحذاء فرسـان المماليـك . الجلدي األسود، الذي يغطي قصبة الساق ويلم السروال

*** ـ من بوابة األ ي الرمـاح أميـر الخيـل ا مير قاني ب

السلطانية، خرج مناد غليظ الصوت، يعرفـه النـاس، فـي خر من بيته القريـب مـن قصـر آ اللحظة نفسها خرج مناد

Page 24: 836

األمير قوصون الدوادار، قرب حارة بيرجوان، يتجـه إلـى عطوف، إلى الحسينية، إلى حارة الروم الجوانيـة، هـواء ال

ات طبل وأصوات منـادين خفيف عذب يحمل إلى اآلذان دق آخرين، نداءات توقظ النيام، تفك تالمـس الجفـون، عمـال الحمامات يخرجون، عمال المستوقدات المجاورة، باعة لبن، باعة فول، يتوقفون، تصغي اآلذان، النساء يصحن مناديـات بعضهم البعض، بائعة بليلة تزعق في حارة الميضـة التـي

تنادي المرأة على البليلة، إنما فتحت بوابتها منذ قليل، فجأة ال تنقل الخبر بصوتها المرتفع، الرءوس تطـل مـن األبـواب الصغيرة في الحجرات الصغيرة داخل الربـوع الضـخمة، أطفال صغار، أطراف جالليبهم بين أسنانهم، يسعون إلى أين

زغرودة في الهـواء أطلقتهـا ت بالضبط؟ ال أحد يدري، تلو ، جاوبتها أخرى، ثـم ا لمرتفعة جد الطيقان ا ى حد إ ة من أ امر

الجوديـة، ، زغاريد، نساء حافيات خرجن مـن العطـوف السكرية، يحملن أطفالهن فوق أكتافهن، يصـفقن، يـواجهن

. النهار الجديد بفرحة وليدة

Page 25: 836

: سعيد الجهيني من داخل رواق الصعايدة في جامع األزهر، يصغي

وية تطـل ضجة الخلق، نافذة الرواق العل إلى سعيد الجهيني على مدخل الباطنية، تتدافع األصوات إليه، أخير أمسكوا … ا

بن أبي الجود، رسموا عليه، باألمس قبيل المغيب رأت ي عل الجموع موكبه، مجرس فوق حمار أزعر، ال ذيل له، الناس ا

الفرصـة ى تسد الشارع كالجراد المنتشر، في القلوب غل رأ ا هاهو ذا يمتطي حصان فانفجر، سعيد يراه اآلن بعيني عقله،

عليه كنبوش مذهب، يمر أمام بيوت المشـايخ أو األمـراء، تتقدمه طبول قوية تفوق في ضجتها طبلخاناه تدق أمـام أي

، يحفـه حرسـه أمير، هاهو ذا يمشي في الطرقات مترجال األشداء، عندما أقنع السلطان بفرض ضريبة علـى الملـح،

بـن ي عل . عز وجوده لحق الضرر بالمسلمين، ملح الطعام أ ع عينيه في وجهه، رف أبي الجود يمشي ال يجرؤ إنسان على

عمامته تذهل األبصار، لم تمض ساعات، هـاهو ذا يركـب حمار خر بهدلة، يلطمه الصغير والكبيـر، آ بالمقلوب مبهدل ا

، كلهم خرجوا، فـي ا ه، الرواق خال تمام ي النساء يبصقن عل وم في أركان الحجـرة الهواء رائحة رطوبة، وخبز جاف مك

Page 26: 836

المستطيلة الطويلة قاتمة الجدران، أدخل قدميه فـي النعـل القديم، ال بد من طلوعه إلى مواله الشيخ أبي السعود، يمضي إليه في كوم الجارح، يتبادل معه الحديث، يصغي إلى رأيـه

ي ومـا حـدث، صـحن الجـامع الكبيـر يشـغ ى فيما جر إلى مواله أبي ه من مضي ، البد بالمجاورين وطلبة العلم، فعال

السعود، لكنه اآلن يجلس بجوار العمـود الرخـامي الكبيـر القريب من باب زاوية العميان، يمس األرض الصلبة بعـود

ا به األيام بحذر، ال يخفـي أبـد يء قش، سعيد يرقب ما تج فرحته بزوال هذا الظل الثقيل، لكن ماذا تأتي به األيام؟؟ بل

األمر بفتنة بين األمـراء ى ربما انته ماذا يخبئ اليوم نفسه؟ تروح فيها رقاب، تسيل دماء أبرياء ال حول لهم وال شـأن، تغلق أبواب وطيقان، تشعل حرائق في البيوت، تهدم مساجد

ـ ى وزوايا، من يدري؟ ربما جاء من هو أعت ؟ هنـا ى وأقس بـن ي صم، نفض يديه، عزل عل ق ن ا ضرب سعيد عود القش ف

العباد، ضج الناس وهـاجوا، سـعيد أبي الجود فيه رحمة ب يسمع اآلن ما قاله أحد المجاورين هنا منذ ثالثة شهور، مال عليه عمرو بن العدوي، أخبره بما يضمره، ضاق بما يأتيـه

بن أبي الجود في حق الخلق، المظالم المستجدة في كل ي عل

Page 27: 836

يوم، عمرو يعلم تمام ما يفعله الظالم، يخلـو إلـى نفسـه ا ليلة، يفكر في طرق جديدة للمظالم، يختلـق ساعتين في كل

ـ ا فنون ى جديدة لتعذيب ضحاياه، بل قيل بين الناس أنه أوص بالبحث عـن – عليه سخط اهللا وغضبه – زكريا بن راضي

طرق جديدة إلنطاق الضحايا والمساجين، أساليب ال يحلم بها إنه قبض على امرأة حامل، فقيرة ال ظهر و قال عمر . إنسان

ربها بين يديه بالمقارع، أحرق أطرافهـا بـالقطران لها، ض حتى رمت ما في رحمها ولدا ذكرا في ستة شهور، لم يكتف

بن أبي الجود بهذا بل شنقها عند باب زويلة، لماذا، هل ي عل تدري يا سعيد لماذا؟ ألن رجال زكريا ضبطوها تبيع قفة بها

عمرو ثمار العجور، وكما تعلم فهو يحتكر بيع العجور، مال هامس ارتجف سعيد، نظر في عتمة المغيب إلى " نويت قتله " ا

إلى ، أطرق وعاود النظر قه عيني صاحبه البراقتين، جف ري في تلك الليلة " سأقتله ألريح الخلق منه " صاحبه، كرر عمرو

عينها بصق الشيخ أبو السعود ومضمض فمه بمـاء عـذب، في أنحاء سعيد إلى صمت وديع يترقرق كماء الورد ى أصغ

ي الزاوية، حمد الشيخ ربه إلصغاء سعيد إلى عمرو بن العدو . ا صامت

Page 28: 836

". تجنبه يا موالنا؟ أ هل " ال، لم أقصد هذا، إنما الحذر واجب، من يريد قتل "

". … نيته ن إنسان كعلي بن أبي الجود ال يعل في الرواق راح سعيد يرقب صاحبه، ساعة الـدرس

في تصرفاته على ما يؤكـد ينظر إليه خلسة، يحاول العثور تلميحات الشيخ أبي السعود، إذ يتحدث إليه، ينتقي ألفاظـه ال يتطرق إلى نقد أمير أو كبير، يراه سعيد متجها إلـى البيـت القائم قرب المقطم، يخلو إلى زكريا بن راضـي، ال، لـيس زكريا نفسه، إنما أحد نوابه، طالب علم فقير مثله ال يجـالس

عد لذكره النفوس، عمرو ينقل ما قيل، تجيء زكريا الذي ترت األيام التالية برجال غرباء، يسألون خفية عن سعيد، يتبعـه بعض المستصنعين لزكريا، يجهلهم لكنهم يعرفونه، يرصدون خطوات قدميه، الحارات التي يطؤها، ضـحكاته، لحظـات

وبهجته، في لحظة معينة، لحظة يجيئون ه شقائه الخفي، فرح بة، رعد أول الشتاء يفاجئ أهل مدينة آمنة، يمـد فيها كمصي

يساق إلـى سـجن . ا واحد ا أحدهم يده، يلمس كتفه، يلفظ لفظ زكريا بن راضي، ينوعون له العذاب تنويع يلقونـه فـي ا ،

ـ ى سجن كبير، العرقانة، الجب، المقشرة، تنسل أيامـه، ينس

Page 29: 836

ـ ى خبره، يفن ذكره، يضيع أثره، سعيد يبدو مهموم يسـمع ا ق عبد، قطع يد سارق، إشهار امـرأة ضـبطت تسـرق بشن إذا وجـدوا اليسـرى ى تقطع يدها اليسرى، أو اليمن . ا رغيف

مقطوعة من قبل، يضطرب قلبه كفرخ صغير ابتل ريشـه، لماذا يحدث هذا كله، لماذا؟؟ تعلو األسـئلة وتنـزل كعصـا نقرزان، حلقات غليظة في سلسلة حديدية ساخنة تلهب منـه

تجفف ماء الحياة، يود لو يزعق مـن . النخاع العصب، تسل فوق مئذنة األشرف قايتباي باألزهر، يوقظ بيـوت العامـة

أسوار قلعـة الجبـل، ه خز عيني و الفقراء، منازل األمراء، ت ال رجعة فيه، يسب كل ظـالم ذانا طويال أ يرفع يديه، يطلق

ـ ى ير . أثيم بجـوار بـاب ا بعينيه زكريا بن راضي مخوزق ا ، راجف ا يد ال يود أن يمضي بين الناس إال زاعق الوزير، سع

محذر من أمور تأتي، في كوم الجارح يهدئـه الشـيخ أبـو ا السعود، الصالح، الطيب المنجب، النجيب، العارف باألصول والفروع، دار ولف الدنيا، أقام زمنا بالحجاز واليمن، عرف

رس، لغة الهند، ولهجة األحباش، عالج أمور المسلمين في فا بعينه مياه المحيط األعظم عند ى وناقش علماء األناضول، رأ

ا سعيد إليه، تغيب عنه لحظة دائم ي حدود الدنيا الغربية، يصغ

Page 30: 836

يتوهمها، لحظة يضع فيها أحد المستصنعين البصاصين يـده . صفين من أسنان صفراء ا فوق كتفه يضحك كاشف

" ا تسمح معان " ال : وك في الحديد بن أبي الجود نفسه مشك ي اآلن، عل

تعرف البهجة طريقها إليه، بعد ذهابه إلى مواله سيمضي إلى نه إ الشيخ ريحان، يبادله الحديث، حتما سيقول الشيخ ريحان،

ـ ى علم الخبر قبل أيام، ربما تماد ومال على أذنـه هامس ا : ، سـعيد ته ي لم يتحركا إال بعـد استشـار ا قوصون وقاني ب

ما تبدو سـماح ابنـة الشـيخ سيداري ابتسامة، وينتظر، رب ريحان، عسى أن يسمع ضحكتها، حفيف ثوبها، ربما تـدخل على أبيها فتداري وجهها، لكن الشيخ ريحان يدعوها، سـعيد

ليس غريب وهو ابن جهينة، ولو تـأخر مـيالده سـنوات ا ، وقتا في اللهو، في اللعب، ربما أسعده الحـظ بقـدر ا ألمضي

يته، يأكل منـه، يـرتعش معقول، يشم رائحة طعام هي طاه قلبه، ترفرف روحه، يعود إلى الرواق، يخلو إلى نفسه طوال الليل، يقتات اللحظة، يعيشها ألف مرة، اآلن تثور ضجة بين المجاورين، يؤكد أحدهم استحالة مجيء إنسان يشغل وظائف

بن أبي الجود كلها، وكالة بيت المـال، التحـدث عـن ي عل

Page 31: 836

جانـب إلـى وهي أجل وظائفه، جهات الشرقية، ثم الحسبة ـ مهمته األصلية التي لم يعد يمارسها تقريب فـي أعوامـه ا

األخيرة، بشمقدار السلطان، كان يحمل نعل السـلطان فـي أوقات الصالة، وظيفة ليست غريبة عليه، من قبـل عمـل

بشمقدار صغير لألمير طومنباي، وعندما عال نجمه وبرق، ا البشمقدارية مع أنها األصل، سطع فأله، وبلغ سعده، تبرأ من

" من إذن؟؟ " … لكنها لن تخرج عمن نعرفهم … األسماء كثيرة

… قشتمر … ططق … طغلق … األمير ملماي " … عد غنماتك يا جحا … آه " مسـتحيل أن يشـغل أميـر واحـد كـل … لكن " " … الوظائف فهل يطرده … من مدة والتدبير عمال إلزالة علي "

" يستبد باألمر كله؟؟ السلطان ليأتي آخر من القادم؟؟ … من إذن

كل يحاول النفاذ إلى ما يجيء به الغيب، تدبر أمور، في القلعة يدور همس فوق الحشايا، في الحجـرات المغلقـة

بن أبي الجـود ينتظـر ي داخل بيوت األمراء، والقضاة، عل

Page 32: 836

ـ ى في قبو مظلم نتن الرائحة، ير ال مكب أيامه وهمـا، حلم ا . " ربما جاءنا من ال يخطر ببالنا قط " ر ضاع، اندث يا جحـا عـد … لك قلت … عد أغنامك يا جحا " ." أغنامك

لن يطول األمر، ليس معقوال بقـاء . الدروس معطلة هذه الوظائف شاغرة، أشعة الشمس الراحلة تفـرش صـحن الجامع، خبز الجراية مرصوص منذ الصباح يجـف لـيحفظ

، ي عمرو بن العدو ى سعيد ير زمنا، طنين الحديث ال ينتهي، حائمة ضلت طريقها إلى جحرها، من حلقة إلى أخرى ة نحل

يغضب وقت الغضب، . يتنقل، يصغي، يشارك في األحاديث يفرح لحظات الفرح، يلقي رأيا يبدو عارض قيـل صـدفة، ا ،

لكنه يدفع الحديث في اتجاه تشتهيه سفن زكريا، ال يقترب من ـ الشوام والطلبة األفغان، أو المغاربة، ال يهمه أمرهم، دائم ا

بعيدون عما يجري، في المساء ينقل عمرو مـا يـراه ومـا من يمضي؟؟ من يصغي إلى يسمعه، لكن هذا المساء بالذات،

ـ آذان ى إليه، يبتسم سعيد إذ يجول السؤال بذهنـه، هـل تبق زكريا وعيونه مفتوحة كالعادة؟؟ هل يجد الوقت ليصـغي؟؟

يفكر اآلن فيما يجب عمله بعـد ذهـاب هو أو نوابه؟؟ ربما

Page 33: 836

ا هو الذي أقـره كبيـر ي بن أبي الجود، عل ي ولي نعمته عل لبصاصي السلطنة ونائب له، لمن يمضي الليلة عمـرو بـن ا

؟؟ سعيد يقرض شفته السفلي، كيف يعذب عمرو يوم ي العدو القيامة؟؟ ربما أطاح رقبته بكلمة، يسفك حياة أسرة بوريقـة،

قلب أب عجوز ينتظر عودة ابنه الفقيه ليـؤم يقطع األمل من المصلين في القرية، آه لو يمضي سعيد اآلن، يمسـكه مـن عنقه، ينفذ إلى أعماقه المكنونة، بنظرة حادة كسكين تغوص بين لوحي كتف، صمت في صحن المسجد، سعيد اآلن حذر، كلماته تخرج بحساب، فراش عمرو وكيس جرايته ال يبعدان

ر ثالثة مجاورين يتمددون فيما بينهما، لو تقلب عنه إال بمقدا في الليل، لو خرج يتوضأ قبيل الفجر، عيناه تقعان عليـه ال محالة، ربما يخطئ مواله، لكن معاذ اهللا، ال يظـن السـوء

، رائحة الحصير القديم، الرحبة خارج بإنسان، يستدير متمهال المسجد تفيض بالمارة، حمير مربوطة إلى جـدار قريـب، صوت المنادي ال يمل تكرار الخبر، إمساك الظالم الطـاغي

، علـى ه أبي الجود، الحوطة على موجود ن ب ي المستجير، عل حواصله وأمواله، على حريمه وجواريه، ترسيمه في جـب

القلعة حتى يتكشف أمره، امرأة تلقي درهم إلـى المنـادي، ا

Page 34: 836

ـ إلى حالوة البشارة والنقوط، بهجة تمتد ة روح سعيد، بطيئ سماح، آه لـو تصـبحه ى كسريان ماء في شقوق ضيقة، ير

، ال يعـرف ا وقـع أقـدامه ع اآلن، ترقب الناس معه، يسـم ، لكنه يثق عند جلوسه إلى الشيخ ريحان أنها ى صاحب الخط

هي، وهي بالذات، فرحة الناس تدفئه، لو فاض درهم عـن ينحل خيط مر انعقد في لعابـه مـن . حاجته ألعطاه للمنادي

، من داخل الباطنية خرج صبيان يعملون ا ذوب متالشي قبل، ي في مصبغة خضر شيخ الصباغين، صبغوا وجوهم بـأحمر

؟ . وأخضر، يرقصون، يغنون … يا حسود . إحزن . إحزن

بن أبي الجود ي شالوا عل***

Page 35: 836

)مرسوم شريف ( بسم اهللا الرحمن الرحيم

إلى الخي ونعدة يأم نكملتكن مو وفرعبـالم ونرـأمير و وينهون عن المنكر

لـى اإلثـمنوا عـاوال تعى والتقـوو لى البـرنوا عاوتعو والعدوان

: أما بعد الحمد هللا الذي هدانا إلى كشف أشرارنا، واالهتـداء

من والنظام في إلى خيارنا، لما فيه راحة العباد واستقرار األ البالد، فمن بعد ترسيمنا على الباغي بن أبي الجود، وإقامتنا دونه الحدود، رأينا ملء وظائفه ومراتبه، وحتى نحفظ العدل، ونطلب منه المزيد، فكل منا عليه رقيب عتيد، رأينا توزيـع هذه الوظائف على أرباب المعرفة والعلوم، واألمر بهذا حمل

ثقل على الرقاب، وبدأنا بوظيفة الحسبة وزعه األكف ت إن لم ت ألنها تمس أحوال الناس ومعاشهم، وال يمكن تركها شاغرة،

طالع على أحوال الناس، ومعرفة أي الخلـق مـنهم وبعد اال . يريحهم ويجنبهم الصعاب

Page 36: 836

وبعد قراءة التواريخ الماضـية، واسـتيحاء العبـر، يـر وبعـد طـول تفك . والوصول إلى حقيقة المبتدأ والخبر

. وتدبير قررنا

يتولى بركات بن موسى، حسبة القاهرة، لما تبين لنا بعد ما قدمناه، ما فيه من فضل وعفة، وأمانة وعلـو همـة، وقوة وصرامة، ووفور هيبة، وعدم محاباة أهل الدنيا وأرباب الجاه، ومراعاة الدين، كما أنه ال يفرق في الحق بين الرفيـع

يقرن باسـمه بقيـة " الزيني " بلقب والحقير، لهذا أنعمنا عليه وقد أوصيناه بالنظر في المكاييل والموازين، والتحذير . عمره

من الغش في طعام أو شراب، وأن يتعـرف األسـعار، وأن يستعلم ويستقصي األخبار، ما يتردد على أفواه الناس، فـي كل درب أو حارة، كل بيت أو سوق، بدون علم أهلـه، وأن

يعين له نواب ظرون أمور المسلمين، بشـرط أن يكونـوا ين ا أمناء مؤمنين، وأال يمكن أحد من العطارين، من بيع غرائب ا

العقاقير، وأن يمنع المتحيلين على أكل أموال الناس بالباطل، وأن يتصدى لألمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمنع عن الفسق، والنظر في أمر فقراء المكاتب، والعالمات والمغنيات

Page 37: 836

من النساء، وال يمكن منهم أحد ستنيب عليهم إال مـن ي ، وال ا ثرت صيانته، وأن يكونوا من أهـل العفـة آ عرفت أمانته، و

واألمانة والنزاهة ممن بعدوا عن المطامع، ونأوا عن السوء، ، وابتغاء مرضاته، فال ى وأن يقصد بقوله وفعله وجه اهللا تعال

عليه، أو رضاءهم يبالي باحتسابه بغض الناس له، وسخطهم عنه، وأن يكون مواظب على سـنن الرسـول، مـن قـص ا

الشارب، ونتف األبط، وحلق العانة، وتقليم األظافر، ونظافة الثياب والتعطر بالمسك، هذا ما رأيناه، وبه أمرنـا، وسـالم

ى على أشرف الخلق، سيد المرسلين، محمد بن عبد اهللا، صل . اهللا عليه وسلم

"قلعة الجيل" من شوالثا

*** زكريا بن راضي

في أي وقت أو مكان، هل حال أمر بينه وبين فهم ما يجري، النفاذ إلى األحداث، الصـغير منهـا والكبيـر، اآلن

يـره، أول ح بالذات يحاول تلمس األسباب، ما يجـري اآلن ي الليل، نزل إلى السجن الصغير المدفون تحت البيت، تقدمـه

Page 38: 836

، مـرات ا إلى السجن إال نـادر المشاعلي مبروك، ال يذهبان فوق الممر المعتم الضيق، فـي نهايـة تجـاويف ا قليلة خط

تضـيق الفجـوة . صغيرة في الجدران الرطبة المبللة اللزجة حناء ظهره عند الوقوف إ بقامة اإلنسان، السجين يضطر إلى

حتى ال يصطدم رأسه بالسقف غير المستوي، ال يمكنه تلفت لضيق المكـان، وبسـبب ا وم متمدد أو تقلب، أو قعود، أو ن

المياه التي يرشها مبروك األخرس عدة مرات كـل نهـار، يحافظ على منسوب ارتفاعها فوق األرضية اللزجة المبللـة،

في الطرف اآلخر للبيت، ى زكريا ال يلقي المحابيس هنا، يبق مبروك، يفك قيود المحبوس المطلوب، يعصب عينيـه يء يج

قصيرة في ضلوعه، في النهاية يقـف بمنديل، يدفعه بحربة السكون بال خدش فيتزايد رعب السجين، ال ى أمام زكريا، يبق

يدري من أين تجيئه الضربة، وبعد لحظات تطول أو تقصر يمد زكريا فجأة يده، يلمس كتف السجين، غالب مـا يلمسـها ا

برفق، على مهل، بتأن، كثيـرون لـم يحتملـوا المفاجـأة للينة كبطن األفعى، يسقطون مغشيا عليهم، والمباغتة الخفية ا

ترفع العصابة عن العينين، في البداية تترقرق ابتسامة هادئة، نار قرب انطفاؤها، يمضي وقت، ترتفع صـرخات زعيـق

Page 39: 836

وآالم، تصر عجالت الساقية التي تبدأ في رفع الميـاه مـن يأمر زكريا بقرع الطبلخاناه، خاصة في ا البئر العميقة، أحيان

يل، في السكون الغويط، يسمع من بعيد، يـدرك القالئـل اللجد أشد المقربين إلى زكريا والعاملين معه، يـدركون مـا ا ،

يحويه قرع الطبلخاناه اآلتي من سفح المقطـم، الليلـة يمـر زكريا بنفسه في السجن المعتم الرطب، قبل ذهـاب النهـار

م طلب من مبروك إخالء التجاويف من كافة السجناء، جمعه هم، زكريـا اك ال يدري أحد بوجودهم، لم يصدر مرسوم بإمس ال يدري ما تحمله الساعات اآلتية، ال يأمن أبد مهما استقرت ا

األحوال، عندما يرى الكل رسوخ األمن وعمق جذوره فـي جوف الزمن، ال يخطئ زكريا تقدير أضيق الثغرات، وأتفـه

ـ ي االحتماالت، من يدر لطان ؟؟ ربما أرسل أميـر إلـى الس يخبره بأمر المحابيس هنا، منهم من نسيه زكريا لطول المدة،

ـ ربما جاء مماليك الغوري، الجلبـان أو القرا ة، تسـلقوا نص مسـكوه، أ األسوار، نفذوا من األبواب، الممرات والحجـب،

بهدلوه، ثم يفتشون السجن، سوف يبحثون عن شعبان، شعبان بان غـالم لم يدر به مخلوق، شـع ى بعينه، من شهور اختف

. السلطان المقرب، المفضل على غيره، جليسه فـي خلواتـه

Page 40: 836

في نفس مكان األمير ا في سهراته، يقعد إلى يمينه دائم ه أنيس الدوادار، وأمير السالح وأمير أخور وكبار رجـال السـيف

قمر، هالل فضة مولود، شـفتاه حبتـا ة والكتاب، شعبان فلق ين من حرير، يده ياقوت، عينا هر، فمه مسك وطيب، خده أل

في طراوة العجين، ال يتجاوز العشرين، عندما قرر زكريـا اختطافه لم يأمره أحد بذلك، لم يوزه أمير، لم يدفعه وزيـر، أي مخلوق، قرر أن يصل إلى جوهر الصلة بـين شـعبان والغوري، سؤال محير ألهب مرقده، أحرق ما بين جفنيـه،

لى النساء؟؟ أمـر يؤثرهم ع ل هل يهوي السلطان الغلمان، ه كهذا ال يغيب عن زكريا أبد إذن ال بد من الوصـول إلـى ا ،

الحقيقة، خاصة والقرائن تؤيد ما يحوم من ظنون، منذ توليه أمور السلطنة لم يسمع أنـه أزال بكـارة أو أضـاف إلـى

مشترياته جديد فيما عدا عشر جوار وصلن إليه هدية مـن ا ، لى القاهرة مـن شـهور، ملك البندقية عندما أرسل قاصده إ

زكريا يعرفهن، لديه أسماؤهن، أوصافهن ويعلم من مصادره أن السلطان لم يقربهن، وأنهن يتقلبن متحرقـات، ولـوال أن الرجال المسموح بدخولهم إليهن طواشية ألتين من الفعال ما

تتندر به أجيال وركبان، أيض لم يتزوج الغوري إال اثنتـين، ا

Page 41: 836

السلطان وشعبان؟؟ ولن يجيب عـن إذن هل توجد صلة بين راح مبروك يرقب مرات طلوعه . السؤال إال شعبان بشخصه

ونزوله ثالثة شهور كاملة، حتى ألم بعاداته، حفـظ المواقـع ، عدد البيوت على جانبيه، ه التي يتردد عليها، انحناءات طريق

مواقع الخالء فيه، وفي لحظة معينة خلت السماء من القمـر، وم، كمن عدد من الرجال الملثمين على جانبي من ضوء النج

المدق الرملي الموصل إلى أول طريق القلعة، وفـي الليلـة نفسها وصل مقر زكريا، تأمل شفتيه، تعجب من خلقته، مـن رقته، مد يده وتحسس نعومة بشرته، استرسال شعره، دهش

رهافة لسانه أمثل هذا يخلـق . لنصاعة أسنانه، طيب رائحته خلع ثياب الغالم قطعة قطعـة، الولـد ال . لرجال بين جنس ا

مـال فجـأة . يدري، غائب عن وعيه، صرف زكريا رجاله وقع القبلة بعد صحوه أحسن، وفعال . وقبل الغالم، قال لنفسه

، أبـدي ى في الصباح تورد الوجه المليح ورد سقاه الند ى رأ لم يفصح عـن و تحدث إليه . ا واثق ا الغالم هادئ ى كربا، ورأ

م يكشف قصده، استمع إلى وصـف بـالد ل ه مباشرة غرض لم يتجاوز العشرين، شعبان ا رآها شعبان، تساءل بعدها، أحق

الصين، زار فارس، ورقص في جبال األناضول، عالم ى رأ

Page 42: 836

أهالي الجبال فـي بـالد : بلغة الفرنجة، يتقن لهجات البربر ـ ى مت ؟ المغرب، كيف ألم بكل هذا ن أ اتسع العمر القصير، ك

خبر الدنيا وأمسك باطن أسرارها، الثغر ا ريا يجالس شيخ زك العذب ينشد أرق الشعر وأعذبه، خالصة الحكم والمقـوالت،

ستمع إلى هذا؟؟ كيف ال يسأل عما يراد به، لحظـات ا ى مت عديـدة للغـالم، ى عديدة أيقن فيها زكريا بوجود أسماء أخر

ـ ى شعبان واحد منها، ثالثة شهور مضت كـاد زكريـا ينس الهدف األصلي، يضل عن الوصول إلى حقيقـة مـا بـين السلطان وبين شعبان، في البداية حام ودار، أنكر شعبان، في ثنايا األحاديث والكالم يلقي زكريا بخبيث السـؤال، يبـدي

، مرت األيام، وصبر زكريا ينفذ كحبات الرمال الغالم تجاهال القبـو، من بين األصابع، في ليلة ضاق به األمر، نزل إلـى

انسحاب الـدم مـن ى أوثق الغالم، عراه، قبله في شفتيه، رأ الوجه المليح، من أذنيه، تحسس العنق الناعم األملـس، زام

شعبان وعض يد زكريا، طرحه أرض أفسد األرض البكر، ا ، عبر مضايق مجهولة لم ينفذ منها إنسان، وقف عند حافة لـم

را غـادره كـد يطلع عليها ذكر، لم ينظر في وجه الغـالم، ، لماذا؟؟ ال يدري، ليس السـبب فشـله فـي ا حزين ا متضايق

Page 43: 836

ى الوصول إلى حقيقة العالقة، بعد ثالثة أيام نزل القبـو، رأ وجها بدلته قسوة تقاس بعشرات األعوام، في البدء ظـن أن الغالم أبدل، أين مالحة الوجه، روقان أول العمر، ناداه، لـم

زهاء الشباب، انكسر غصن ، زال ا يجب شعبان، لم يفه حرف الوردة، نسي الغالم بالدا زارها، قرى رآها، ثلوجا بيضـاء تفنن في الحديث عنها، أي لغز يحير زكريا، غـادر القبـو

مسرع عاد إليه مرات خلسة، روعه ما رآه وأفزعه، نحـل ا ، ، لو امتد الوقت، لو في الزمن فسحة، متسع، ى الغالم وكاد يفن

ما حدث، يضـع يـده علـى بـدايات ربما توصل إلى سر األشياء، ربما توصل إلى حقيقة األمر بين السلطان وغالمـه شعبان، لكنه الليلة محسور، الغيظ يهريه، لألسف، يقرر خنق شعبان ودفنه حيا، بنفسه راقب الخنق، مبروك وحـده قـام بالعملية، ضربات معوله الصماء عالقة في أذن زكريا، الليل

، لكـن، ا قاتما مخيف ا يكسبها رنين ى رحيل الفت وغرابة األمر و ال بد من تنفيذ ما أمر به، ربما جاءوا واختطفوا شعبان حيا، يطلعون به إلى السلطان، يا موالنا هـذا غالمـك الحبيـب

ي وجدناه عند زكريا بن راضي كبير البصاصين، ونائب عل بن أبي الجود، يا موالنا خانك زكريا فاختطف أحب النـاس

Page 44: 836

نهـي أولـه أ فسق في أقرب الخلق منك، بدله وغيره، . يك إل ، كـدت تظهـر ا خره، كبير بصاصيك الذي جئت به يوم آ و

ضعفك أمامه، طلبت منه بقلب كليم، أن يطلق رجاله، عيونه، هنا ال بد من … عن شعبان، حبيبه وصفيه، زكريا هذا ا بحث

هالك عظيم، فناء أكيد، لن يوسط، لن يخوزق، الشنق وقتئذ أمنية صعبة، أما السم الزعاف ا ، الموت خنق ى نعمة ال ترتج

ال ينالها أمثاله، سيأمر السلطان بشيه حيا علـى نـار ة فجن قيل مجـرد – بطيئة، من قبل شوى ثالثة رجال على السفود لـم ينتظـر – القول إنهم شوهدوا في صحبة الغالم مـرات

ة من ليستقصي، من هم؟؟ من أي جنس؟؟ ما الذي يجمع ثالث العامة بشعبان، زكريا نفسه ال يعلم، لم يخبره الغالم عـنهم،

سبب اجتماعهم به، عموم إذا مرت األمور بسالم، الليلـة، ا ، غد تباع من عتاة البصاصـين أو بعد غد، فسيطلق بعض األ ا

وأشهدهم بأسا وقدرة على االختفاء ليحاولوا الوصـول إلـى علومات عن الغالم، أصل هؤالء الثالثة، جمع ما تيسر من م

من يدري؟؟ ربما عرف عنه وهو ميت ما لم يعرفـه قبـل موته، ربما كشف األمر عن أمور ال تخطر ببـال عاقـل، النيران ال تهب إال من مستصغر الشرر، فعال، لـيس مـن

Page 45: 836

األمان بقاء شعبان حيا، وغيره من المسـاجين، أي شـخص لنسـب، أو هنا، حتى حقير الهيئة، مبتور األصل فاقد ا ى يبق

مجهول الهوية من صغار المنسر والحرامية، سـيعلو شـأنه وقتئذ، يطلق العامة والخاصة التشنيعات المهولة، يحطون في حقه كل قبيح، زكريا يحبس خلق اهللا، زكريا لديه سجن تحت بيته، ترى كم من األرواح أزهق؟؟ أي الطـرق سـلك فـي

ن، األمـراء، تعذيب أجساد خلقها اهللا، وقتها يقوم الكـارهو أوالد الناس، مساتير الناس، مشايخ الطرق، طلبـة األزهـر والمجاورون، سيرون في المحابيس، كل من أمسكهم زكريـا

مساكين، أرواحهم بريئة، لم تجن ذنب لم يتآمر أصحابها، لم ا ، يسرق بعضهم، لم يقل سباب في طريق عام ضـد أميـر أو ا

ل المشعل من مبروك، كبير، اآلن، يفتش السجن بنفسه، يتناو ينبش تجاويف السجن بعينيه، عطن ونتن يتصاعد إلى أنفـه، العفن لزج، لكن صبرا، ما قام به يدفع بالرضا إلى روحـه،

ليـالي ت نـا لتخل التجاويف من اآلهـات والتأوهـات واأل معدودات، لن تتردد أسئلة المتحشرجين إذ يسـأل بعضـهم

األسـباب التـي البعض عن أسمائهم، عن قراهم وبالدهـم، ى المحابيس تعجـب، رأ ى جاءوا من أجلها، زكريا عندما رأ

Page 46: 836

وجوها ال يذكر أصحابها، كأنهم جاءوا بدون علمه، نسـيهم طمأن زكريا، يخـرج ا لتعاقب السنين وكثرة المشاغل، اآلن،

المقطم، يمكنـه أن يخلـو ى إلى الهواء الطري اآلتي من أعل إلى نفسه، مبروك يدرك تمام ده أستاذه، يبتعد مندمجا ي ما ير ا

بالظالم، يتحسس زكريا مقبض خنجـره القصـير مسـموم النصل، يقطع الفناء المتسع بخطوات ثابتة، لعباءته حفيـف، ضحكة ناعمة كخيط حرير، كشرنقة فراشـة، تجـيء مـن أعلى، بعضهن يتسامرون في الحرملك، لن يخلو الليلة إلـى

في جـدار، يغلقـه، ا ابنه يس، يدفع جزء ى أي منهم، لن ير ـ ى يطلع ساللم ضيقة تؤدي إلى أعل الـديوان ى طوابـق مبن

البيت، الناظر من بعيد، حاد البصر، يمكنـه ى المجاور لمبن رؤية نقطة ضوء تتسرب اآلن من ثقوب المشربية، لكن مهما أوتي المرء من دهاء، مهما انكشف عنه الحجاب، ال يمكنـه

أبد زكريا ال يجيء إليه إال تخمين ما يضمه الطابق العلوي ا ، أوقات االضطراب، تقلقل األمور، تغير األحـوال السـريع المصحوب بارتجاف الزمان، انهيار القوائم، تحلل األسباب، قبل بداية العمل يتكئ إلى حشية لينة تحجز عن ظهره برودة الجدار المكسو برخام أحمر ملون بأسود، يغمض عينيه، مـا

Page 47: 836

اآلن أشد حدة من اللحظـة التـي ؟؟ حيرته ى الذي جر ى معن جاءه فيها الخبر، حوله تشهق الجدران تسند طوابق خشـبية

مقسمة إلى مربعات وخانات، كل منها يضم عدد من الدفاتر، ا تختلف ألوانها وأحجامها، هنا تتلخص الديار المصرية، دائم ا ة لد يقول زكريا ألعوانه المقربين، عندما أود الذهاب إلى أي ب

بتعد عن بيتي، أجيء إلى هنا، لكل بلدة قسـم، أ ر ال في مص كل قرية، أي كوم أو عزبة، أي إقطاع في بر مصـر مـن

أوصـاف المكـان، مـا ي أدناها إلى أقصاها، كل دفتر يحو اشتهر به، ثم أهم األشخاص فيه، كافة ما يتوافر عنهم، القسم

حاراتها وخططها وجوامعها، رجالها ي الخاص بالقاهرة يحو وخها ونساءها وغلمانها وجواريها وبيوت الخطـأ فيهـا وشي

وشرطتها وعسسها وفقهاءها وحماماتها وأسواقها وخاناتهـا وطوائفها ومغنياتها ومالهيهـا، وأسـماء األروام المقيمـين والقادمين والراحلين واألفرنج العابرين، ومن يتصـل بهـم ويتردد عليهم من المصريين، كل أمر كبير أو صغير هنـا، أما األمراء وأعيان الناس ومشاهير الخلق فكل ما يتعلق بهم،

تهم، مشاربهم وأهواؤهم، ما مر بهم من أفراح ا أمزجتهم وعاد وأتراح كله هنا، يقول زكريا متباهي هذا القسم في الـديوان ا ،

Page 48: 836

مفخرة للسلطان وغرة في جبين السلطنة المصرية، لم يحدث ص مصـري أو قط أن أعد شيء كهذا في تاريخ أي بصـا

أفرنجي، وبإذن اهللا العليم القريب سيجيء يوم يصـبح لكـل إنسان قسم خاص به، يلخصه منذ آهة الميالد حتى رعشـة الموت، اآلن، يبحث بين الدفاتر، بالضبط هذا ما يريده، دفتر أحمر مجلد بقماش، هنا يرقد المباشرون وأرباب الوظـائف

يتضمن مـن خره ملحق آ أصحاب الطوائف الصغيرة، وفي يظن وصولهم إلى مناصب يوم نوعيتها، ال يذكر مـا دون ا ،

عن بركات بن موسى، شهاب الحلبي ناظر الديوان أضـاف اسمه منذ عامين تقريب طـالع ، لم يطلب زكريا صـفحته لال ا

عليها، ال يدري هل أضاف شهاب الحلبي معلومات جديـدة لـوال عنه؟؟ اآلن يتأخر الوقت، الليل يوغل حتى العظـام،

سرية األمر ألرسل في طلب شهاب الحلبي ليجمع كـل مـا تناثر من معلومات حول الزيني، لكن لكي يرسل إليه، البـد من اجتياز حارات مسكوكة ودروب مغلقة ويتجنب عسـس وعيون زكريا نفسه، ربما يثير استدعاء شهاب اآلن ظنـون البعض، ال داعي لحضوره، ال داعي، زكريا يضيق، بوغت

الن الخبر، لم يستبق كافة رجاله في الديوان، ولم ينفذ ما بإع

Page 49: 836

اقترحه منذ فترة بخصوص تيسير سبل االتصال بينه وبـين نوابه ورجاله وأعوانه، البد من مراعاة هذا بسرعة وتنفيـذه من الغد، لوال حرصه على معرفة كل ما يضـمه الـديوان،

ن، ال يـدع طريقة ترتيب الدفاتر والتقارير واألوراق لتاه اآل أحد ا من نوابه يستأثر بأمر ما حتى لو كـان صـغير تافـه ا

الشأن، ال بد من إلمامـه بكـل ظـروف العمـل، طرقـه ومصاعبه، حتى ال يلعب به أحد رجاله، يخدعه، لكـن مـا

شهاب الحلبي بالذات، شـهاب الحلبـي ال إلى أحوجه اآلن يكلف روحه عناء البحث، لديه ذاكرة عجيبة، يعـرف آالف

ولو مرت سنون، ا أبد ا أمر ى األشخاص، ما يخصهم، ال ينس يذكر ما تبودل من أوراق وتقارير، ما أضيف من معلومات وسطور، في أي سنة من السنين، اآلن يقلب الدفتر، يمسـك بالشريط الملون الذي يفصل الصفحات عن بعضها، حـرف األلف ال يعنيه، غير مهم، ربما مات بعض أصـحاب هـذه

ء، بعضهم يجب نقله إلى دفاتر طبقات أخرى لتغيـر األسما هذا، أحمد بن عمـر خـادم ال أوضاعهم، أو اختاللها، آه مث

للمسجد يقرأ فيه الحـديث ا سويدان، أصبح إمام ي مسجد سيد والقرآن ويؤم المصلين، تزوج امرأة حبشية، يشاع عنه هواه

Page 50: 836

ـ ل بالحبشيات، مع هذا مازال لقبه واسمه في طائفة الخدام، ك حريمه هنا، واحدة فالحة من أوسيم، أم أوالده، منهم طالـب أزهري، ال يجب تنبيه شهاب الحلبي، ربما قيل وما أهميـة هذا؟؟ أبدا، أبدا، كل شاردة وواردة يجب تقييدها، رصـدها

البـاء، حـرف . ربما جاء منها ما ال يدري مخلوق، ها هي صـى الباء، بالضبط بركات، بن موسى، أعلى الصـفحة، أق

الركن األيسر كلمة واحدة، حروف خمسة ال غيـر، المـداد . أسود، الخط رفيع

*** ": بركات "

لو نظر جاهل إلى الورقة لظن خلوها من أي حرف عدا االسم وما الذي يعنيه لفظ واحد فـي صـفحة بيضـاء، ناصعة تلمع تحت ضوء الشموع المعلقة إلى الجدران المبطنة

لمزدحمة بالدفاتر، زكريا يمسح بالخشب والرخام والرفوف ا ا الورقة بقالب صغير شفاف ال يعرف تركيبه إال قلـة، شـيئ

تبدو مالمح الحروف، تنكشف الكلمـات، يـد خفيـة ا فشيئ تخطها، زكريا يمر بالقالب مرات، نفخ الهواء حولـه، فقـط

القـدير، ي أربعة سطور، أربعة سطور فقط، يستعيذ باهللا العل

Page 51: 836

ألسرار، عالم الغيوب ما لهذا الرجل ال ملهم البشر، كاشف ا يأتي من ناحيته إال الحيرة؟؟ كل ما خطـه شـهاب الحلبـي

طـالع علـى بركات بن موسى، له مقدرة اال ( أربعة سطور . ) ا النجوم، أمه اسمها عنق

زكريا يطبق الدفتر، أي شخص من سفلة الخلق، من ن مقلـي، أو ب غانية، أي بائع ج طلبة األزهر المشاغبين، أي

سنبوسك، ال يقل المكتوب بخصوصه عن نصف ورقة، وهذا اإلنسان يساوي سطورا أربعة يتيمة، يغمض عينيـه، ليـل

ساكت ال يكشف سرا وال خبر يعرف أن القـوم يسـهرون ا ، اآلن، يهمسون، يحطون آراءهم في المحتسب الجديد، ومـا

ك فيه البصاص ما قيـل يوم يدر يء ينتظرونه منه، أه لو يج لوال ثقة . بعد آالف القرى والبالد، ال يبعد أمر على اهللا ى عل

زكريا فيما نقل إليه بعد الغروب ما صدقه اآلن، أكثـر مـن مصدر، أكثر من بصاص، كل بصاص يجهل اآلخر، نقلـوا

بركات بن موسى لحصوله علـى منصـب ي إليه أخبار سع ي، طلوعـه إليـه، ا اني ب الحسبة، ذهابه اليومي إلى األمير ق

بقاءه عنده، حديثه إليه، ثم ثالثة آالف دينار كاملة سلمها إلى ي ليلة الثامن والعشرين من رمضان المعظـم ا األمير قاني ب

Page 52: 836

ثالثة آالف دينار يشتري بها بركـات منصـب . بعد العشاء ، ظن وأيقـن ا الحسبة، زكريا ينفخ اآلن من فمه هواء ساخن

وصول الحسبة حتم لى األمير طغاز، أصابعه تقبض علـى إ ا حافتي الدفتر، هاهو أول الليل يسمع ما يحيره، مـا يجعلـه

يعقل هذا؟ من أي طينة ل لماذا؟؟ لكن ه " يكرهه ا ينطق لفظ خلق بركات هذا، هل جاء المسيح الدجال متنكر هل نفذ إلى ا ،

العالم ولم يدر به زكريا، كيف، كيف؟ بعد إصدار المرسـوم ي، الشريف، بعد الثناء على بركات بن موسى، بعـد السلطان

اة، بعد دفع بركات ثالثـة ي نعام عليه بلقب الزيني مدى الح اإل آالف دينار ليشتري المنصب، بعد طواف المنـادي نهـار ا

بأكمله، بعد هذا كله يطلع من بيته في بركة الرطلي، يشـق دروب ـ ة جانبي ا ، ال دق كوسـات، بـال ه ، ال طلبخانـاه تتقدم

ضجيج، أول ركوب له، يطلع متخفي على القلعة، ينبطح أمام ا األمراء جميع ال شـك فـي ملوحـة ية ، يبكي، دموع حقيق ا ،

حتـى اآلن، ال يء طعمها، ينطق ما يجعل زكريا يروح ويج يمضي لرؤية ابنه الوحيد، أي من حريمه، يثقل الليل فوقـه،

اسـتمرار بن أبي الجود، ال يهمـه اآلن ي ال يعنيه إعدام عل أسفل الخلـق مكانـه، كـل همـه ة الغوري أو خلعه وتولي

Page 53: 836

من الزيني بركات بن موسى، ى الوصول إلى تفسير لما جر في القلعة، وأمام من؟ أمام الدولة كلها، ما لو سمعه إنسـان

لضرب األكف عجب في ساقه خدر، طـابور نمـل شة وده ا ، يدفع تحت جلده، يعقد يديه وراء ظهره، ربما لم ي رفيع يسر

ثالثة آالف، لكن أبدا، ال أحد برفقة زكريا اآلن، يهز رأسـه المتخصصين ه بقوة، أبدا، أبدا، يثق من صحة عيون بصاصي

دخول ألف دينار إلى خـزائن ا ي، يعلم تمام ا في أمور قاني ب ي يوم استالمه البرطيل من بركات بن موسى، ا األمير قاني ب

األلفان المتبقيـان ا م جهة أخرى، أ ة لم تصله إيرادات من أي من الثالثة آالف فطلعا إلى القلعة، آه لو يتخذ السلطان رأيـا

ى الليلة الستقر زكريا، لكنه أمر الزيني باالنصراف حتى ير زكريا يمسك الدفتر، يفتح الصفحة مـن . من أمره ما يكون

. جديد : بركات

تولى زكريا بنفسه أمـر بركـات بـن ي من الليلة س يضيف شهاب الحلبي ما يروق له من معلومات إلى موسى، ل ، يميـل ، ال تشـفي غلـيال ا األربعة التي ال تبل ريق ه سطور

زكريا إلى دوالب صغير يتناول منه دفتر ا مجلـد بحريـر ا

Page 54: 836

أخضر، الليل حوله أخرس معصوب العينين، يخرج من جيبه ة أوراق، ما وصله من القلعة، كل مـا دار فـي قاعـة ف لفا

ة، بركات بن موسى قبل رخامها، بللها بدمعـه، لـم البيساري كل … يحدث هذا في تاريخ سلطان من السالطين، منذ اآلن

ما يمس هذا الزيني من قريب أو بعيد سيقرؤه بنفسه، ينقلـه مره كلما جاءت الفرصة وسنحت، مـن أ هو، عيناه ستتوليان بستارة صغيرة، يتنـاول وعـاء مـن ى تجويف ضيق مغط

. رفيع السن في إناء ملون ا قلما خشبي فخار، يغمس ":ىالصفحة األول"

هـ٩١٢عاشر شوال عام في حضور جمـع عظـيم، . على مرأى من األمراء

طلب الزيني بركات بصوت خدشه التأثر، أن يعفيه مواله من الحسبة يا موالي والية " وظيفة الحسبة، قال بصوت مرتجف

أن أجـد فـي يؤتمن صاحبها على أحوال العباد، وحاشا هللا نفسي القدرة على هذا، أنا عبد فقير ال أطيق وصايتي علـى

عن أمور ا انقضاء عمري في أمن وسالم، بعيد ى إنسان، أتمن الحكم والحكام، ما أريده رقدة آمنة، ال يقلقنـي فيهـا سـب

". إنسان، أو سخط مظلوم غفلت عنه ولم أنصفه من ظالمه؟

Page 55: 836

:كوم الجارح دوء البيت لم يخدشه صـوت عددهم كثير، غير أن ه

عال، فوق حشية قديمة مغطاة ببقايا سجادة لم يفـن الـزمن زهاء ألوانها، يجلس موالنا الشـيخ أبـو السـعود، يطيـل اإلصغاء، يعرفهم كلهم، بعضهم حفظ القرآن علي يديه عندما

لعمود رخامي في مسجد سيدي ا مجاور ا قضي من عمره زمن ل اإلمبابي، يـدرس الفقـه سويدان، أو مسجد سيدي إسماعي

واألصول، يفسر المتن، يشرح األحاديث واآليات البينـات، يقص التواريخ، هاهم يوغلون في سـني العمـر األخيـرة، يعرف اإلنسان عند مروره بها إنه لن يعيش أكثر مما عاش،

ـ ا أكبر شيوخ الطوائف سن ومقام الحـدادون، القصـابون، ا ، مشايخ حارات، أعيان وأوالد المرخمون، البناءون، الشعراء،

بالبلح المجفف المغسول، يء ناس، يجيء سعيد بطبق كبير مل يسنده أمامهم، يميل الشيخ رضوان كبير الفحـامين وأكثـر

الموجودين تقدم لـن يقنعـه إال … لن يقنعـه " في العمر ا " … أنت

الكلمات معلقة في فراغ البيت، ينسـل هـدوء ى تبق يطير على علو شـاهق، فـي عذب رقراق كسرب عصافير

Page 56: 836

اللحظات نفسها تختنق طرقات الحارة بزحام كبيـر، تمـوت األصوات كلها خارج جدران البيت، تنفذ رائحة ال تنتمي إلى جنس نبات أو عطر معروف، ائتالف الريحان بماء الـورد المحفوف بروح السوسن، يتمهل كل منهم في تفكيره، يغمـق

ورهبة، ا يمأل الصدور خشوع الهواء، يميل إلى لون الرماد، حبات المسبحة، اصطدامها يسمع بوضـوح، إيقـاع ج تتدحر

تفكير الشيخ أبو السعود، يقلب ما يسمعه، مـا يـراه فـوق . الوجوه

ـ … لم نسمع برجل مثله " إال ى ونحـن مـا نرض " … به

ابتسامة خفيفة، ذرات نور تنفذ من ثقـوب مشـربية . ضيقة العيون، خاطفة كبرق بين غمام

". عرفتموه؟؟ أ " … ة يقول الشيخ القصبي شيخ حارة زويل

" … رفضه للمنصب خير تعريف به يا موالنا " ، ليدع الضـيوف يتحـدثون، أول ا سعيد ال يقول لفظ

الليل في مجيئه المعتاد إلى الشيخ، تحدث إليه بألفـاظ أكثـر عدد خر النهار ال يزوره إال سـعيد آ مما قاله جميع هؤالء، ا

Page 57: 836

المريدون فـي الصـباح، يء اء دروس األزهر، يج بعد انته يقرأون القرآن واألحاديث، بعضهم ينظف أركان البيت، يقدم إلى الشيخ غذاءه من اللبن الرائب والخبز السـاخن الطـري

. واحد منهم فيها رضا إلى مالهم كلمة من الشيخ آ أقصى سعيد ال يتحرج أمام مـواله مـن إبـداء ضـيق أو

يح أو التلميح به بين الجموع فـي التصر ى غضب، ما يخش فيـه ى قه األزهر، يقوله هنا، حتـى لـو رأ رو األسواق أو أ

جرأة، ينظر إليه موالنا، عيناه تنفذان بسرعة عبـر أسـوار روحه، ال يمكن لسعيد أو أي إنسان من الحاضـرين تحديـد

ثار عشرات السنين، ربما تجـاوز آ عمر الشيخ، في التجاعيد امة يحويان صالبة جذوع النخيل، يكـره المائة، الصوت والق

االنطواء، يعرف سعيد أي وجد يبهجـه إذ يسـمع صـوت الرعد، يقول، هذا حس الدنيا، صـوت الكـون، ال يفهمـه ويفسره إال العليم الرحيم، لم يره إنسان لحظات إصغائه إلى صوت الرعد، فرحته بنزول النقطة، أول دمعة تنـزل مـن

سنة يسمع الرعد في الرواق، في السماء كل شتاء، سعيد كل المقهى، في الطريق، في لحظات تساؤله الغامض، عما تفعله

سماح في لحظة بعينها؟ يتوقف، يعلم تمام أن الشيخ يصغي، ا

Page 58: 836

يقف في منتصف الفناء تمام تبرق عيناه بفرحة ال تمت إلى ا ، خر، يناجي األولياء، يذكر آ هذا الزمن، تمرح روحه في كون

ـ ى جر باألسى ما ل آ ى من أحوال في كـربالء، يتـرحم عل البيت الذين ال يتسرب إليهم البلـى والفنـاء، أول همسـات

ها عاري الرأس بال عمامـة، ممـدود الكفـين، ا المطر يتلق ـ … اآلن أسـود ا توغل برودة، ينفذ الليل إلى السـماء واثق

. الجبين، يميل الشيخ البهجوري كبير المرخمين أيا كان مقامه أو ا متعمم ن رجال لم يحدث يا موالنا أ "

رتبته، عرض عليه منصب ورفض، الناس كلهم، المجاورون وأصحاب الطوائف، منذ سماعهم الخبر وال اسم على لسانهم

". الزيني بركات … إال الزيني بركات ". ر يا ولدي؟ ب ومن نشر الخ "

الشتاء ساهي الوجه، بارد النظرات، عفي البـرودة، جاهزة عند أي واحد مـن الحاضـرين، ال حقيقة، ال إجابة

يدري سعيد كيف تسرب الخبر من البيسارية في القلعة، ربما ربما بعض المماليك، كل واحد مـن المتحلقـين . خدم القلعة

حول الشيخ سمع الخبر بصيغة تختلف، العامة في الحسـينية يؤكدون، لم يخفض الزيني رأس لـم يحـن هامـة أمـام ا ،

Page 59: 836

أو يهب، قال أمام األمراء أجمعـين، ال السلطان، لم يرتجف أقبل الحسبة ألنني ال أريد رؤية الظلم وأسـكت عنـه، أمـا الناس في الجودرية وحارة الروم الجوانية والباطنيـة فنفـوا

طلوعه إلى القلعة نفي ا تام نه أرسل إلـى السـلطان إ ، قالوا ا مكتوب يعتذر فيه بأدب وحسم عن والية الحسبة، ألن الزمن ا

دب فيه الفساد وكثر ظلم العباد، وصار الخير والعـدل فـي أبعد واد، هذا يخالف طبيعته، ينافي شخصـيته، المسـئولية كبيرة ولن يساعده مخلوق، بل سيطلب منه السلطان فـرض

الزيني بركات بن موسى لـن . مكوس جديدة علي المسلمين يقبل هذا أبد وقيل في بوالق، والحمامات العامـة، خاصـة ا ،

نه وقف أمام السـلطان كزينـة الرجـال، إ حمامات النساء، ـ وأشجع ما يكون عليه الفرسان، دفعه في صدره دفع هينـا ا

حازم وهذا لم يقع من قبل، ولم يفعلـه أي إنسـان، قـال ا ، ستأمرني بظلم الرعية وأنا لن أنفذ هذا ألني أخـاف نسـبة

، كيف أقابل خالقي يوم الحساب؟؟ ي الظلم إل ياموالنا، ال ندري كيف تسرب الخبر لكن الحق " -

صـفاء، ا مثل هذه األمور ال يطول احتجابها، عينا الشيخ نبع من يصلح إذن للمنصب غيره، من ينشر العدل بين النـاس

Page 60: 836

إال رجل مثله؟ يخشى اهللا ليس تصنع إنمـا يجهـر ا أو زيف ا ، ـ ى بهذا أمام السلطان نفسه، وعلى مرأ ى ومسـمع مـن أعت

نهم رأوه إ قال البعض . ، وأقواهم شوكة ا س أ شدهم ب األمراء وأ ي ولم يطلع حتى اآلن، السـلطان ا يدخل قصر األمير قاني ب

اآلن الجـامع ى نفسه لم يصل إلى حل قـاطع، سـعيد يـر األزهر، عمرو بن العدوى ينتقل بين الطلبـة والمحـاورين، يخرج إلى المقاهي القريبة، دكاكين الحلوى والمشبك، يتسمع

لناس، ما يدور بينهم، آه لو اقترب سـعيد مـن هـذا رأي ا الزيني، لم يره قط في حياته، كلما ظن خلـو الـزمن مـن

الجرأة، تنفي األيام انعدام المروءة، دائم ـ يصغي الشيخ أ ا و ب ما من . السعود إليه، رواياته لما يجري في المدينة من فظائع

رجل شنق وراح على نفسه ظلم إال وسعيد يحفـظ اسـمه ا ، يخوزق فالح لسرقته ثمرة خيار، توسط امرأة لعنت مملوكـا

سعيد إلـى يء اختطف ابنتها البكر، في اليوم نفسه يج ا فاسق مواله، يذكر الضحية، يتساءل ملوم ا مقهور كيف يجـري ا ،

هذا؟ كيف يمضي اإلنسان بأرخص األثمان ال دية له، ال قوم ف ابتسامة كعبير يطلبون أثره، تترقرق الشفتان الرقيقتان بطي

يهمس، ألطف بنا يا موالنا فيما جـرت بـه ا النعناع، أحيان

Page 61: 836

حدقتا عينيه انطبع فيهما المهول مـن األمـور، … المقادير الطواف عبر بالد اهللا، وصـوله أطـراف الـدنيا، عبـوره

تضـرب صحارى ال حرث فيها وال نسل، اعتالؤه جبـاال رة فـي ربـوع قممها في شاهق السماء، نزوله إلى قرى فقي

الشام، صحراء الحجاز، نجد، حضر موت، وديـان الـيمن، يتساقط البرد من سـماء ا سعيد لم ير في حياته الجليد، أحيان

القاهرة، ال يحدث هذا إال نادر يطرقع كالحجارة لكنه غير ا ، يتجمد ا الجليد، في الساحات البيضاء الشاسعة التي تشع دخان

النفـوس، ة لخوف في قرار في الفراغ، يمتد صمت يرعش ا الفراغ والزمن بال بداية، بال نهاية، يقول موالنا، عندما يبدو

، ى خر، بال آفاق، ال نهائي، غير محسوس، ال يفن آ العالم بال كالجبال، حيث اليابسة حلم ما ا يعلو موجه ا بحار ى عندما رأ زال بعيد هنا تتجمع قوى غريبة في أعماقه، ا ووهما ضنين ا ، يحة في وجه الالنهائي، الالمحدود، زعقة تبلغ جبال يطلق ص

… قاف، تحدث الزلزلة، تجمد المحيط ". موجود … اهللا حي … حي "

أصحابه كثيرون، يطلقون الصيحة نفسها في أمـاكن عدة، يلقاهم مرة واحدة في كل عام إذ يصـل إلـى البيـت

Page 62: 836

مـن الحرام، يتبادلون الوجد، يتناقلون ما رأوه، ما قاموا به اإلسالم، التذكير بأهـل البيـت، بطـراوة دم اية أجل نشر ر

الحسين الذي لم تجففه أزمنة وعصور، في الكعبة يرثون من لم يجئ، من ذهب إلى أبد ال يدركه حي، بعد الحج، انتهـاء الطواف واللقاء، يولي كل منهم مقصده ناحية جهة من جهات

مكـان واحـد، األرض ال يتمدد الجسد ليلتين متعاقبتين فوق ممدودة تعبر الزمن، تلين اليابسة منذ أعوام جاء " اهللا موجود "

الشيخ أبو السعود، رجع إلى بلدته التي المس رأسه أرضها، ، يعيش فـي كـوم يء مصر، من وقتها ال يروح، ال يج إلى

ة الجارح، يفد إليه الدراويش الطوافون، أرباب الطرق، في أي ع طارق أو قاصـد إال بعـد ساعة من ليل أو نهار، ال يرج

رؤيته الشيخ واإلفضاء إليه بمن جاء من أجله، أوقات الصالة يقطع تأمالته، عبـوره ا حائل وحيد يمنع الحديث إليه، أحيان

سحيقة البعد، يصغي إلى صاحب حاجة، يشير عليـه ا أزمان إما تلميح إ و ا ما تصريح يود سعيد لـو يشـارك ى ، مرة أخر ا

لو جاءه الليلة عمرو بن العدوى، يسأله عن المشايخ أحاديثهم رأيه، يحاول التحرش بفكره، هنا يزعق سعيد، لـن يرهـب

ى يرفع عنه، لن يخش ا أو تقرير أذنا تتسمع، ى عينا، لن يخش

Page 63: 836

زكريا بن راضي نفسه الذي يكفي اسمه وصيته لبث الرعب … في أوصال البالد كلها

: ي يقول الشيخ القصب لم يولوا علينا الزيني فـال خيـر واهللا يا موالنا إن "

" … فينا : يقول شيخ الفحامين

ال أعرفـه يـا … أنا واهللا لم أسمع به في حياتي " " … خوان ولم أره إ

… يميل موالنا إلى األمام، يكف الشيخ القصبي وكيف اختاره السلطان وهو ال ينتمي إلى أصـحاب

مجهول للناس؟؟ … الوظائف الكبيرة . يثير به أسئلة يلقي الشيخ سؤاال

ربما غفل عمن يعرفهم من … ما أدرانا يا موالنا " " … الزيني بركات إلى وهداه اهللا … أشرار وفجرة

أنت يا موالنـا … لن يقنعه بوالية الحسبة إال أنت " " … والبركة فيك

يميل الشيخ أبو السعود هامس ا … ". اللهم ول علينا خيارنا وال تول علينا شرارنا "

Page 64: 836

: عاشر شوال … بعاء األر عندما سمعت بذهاب الزيني بركـات إلـى الجـامع األزهر، ليخطب في الخلق، قلت واهللا ال تفوتني رؤية وجهه

أبد ظننت أنني الوحيد، وعندما ذهبت لم أجد لقدمي مكانـا ا ، من أين جاء هؤالء؟؟ … قلت لنفسي … وكأنه يوم الحشر

حسن من يميل الصفدي بائع العطور في الحمزاوي، أ يستقطر الزيت من السوسن، يلخص ويركز روح السوسـن،

. يبسط يده فوق صدره … أنا شفته

… إليه ينظرون … على الصالح سالم يا … يا سالم على التقوى "

ابن رجل، مثله لم يخلـق كل ما قاله ال يصدر إال عن رجل .." لينحني أمام جبروت أو سلطان : محمود اللبان يسأل

نـه أسـمر إ سمعتهم يقولون … قصير أهو أسمر " " اللون، كبير اللحية؟؟

" أبد وجهه كأي وجه منا ا … " : يضحك المعلم مرشدي

Page 65: 836

… تك أنت ق أقصد أنه يشبه خل … فأل اهللا وال فألك " " … تك العكرة ق خل

يعود جاد ا : … رأيته يركب بغلة المحتسب في الطريق فلم أحكم "

" … ألزهر أهو قصير أم طويل؟ لم أره فوق منبر ا هنا يقول عمرو بن العدوى، وحبات مسبحته تتـدافع

… بسرعة " … قلت إن الروح ال تكرهه يا معلم " " … أي واهللا يا شيخ عمرو "

جاء صبي المعلم الصفدي يحمل صينية مثقلة بأكواب الخروب، يمسك عمرو كوز الفخار بأصابعه، تتسرب رائحة

شرب التمر ي صفد المشروب إلى برودة الهواء، من عادات ال هذا : هندي، والخروب والليمون في قرارة أيام الشتاء، يقول

يفتح دروب القلب، يشرح الصدر، شـفتا عمـرو تتمتمـان بأدعية قبيل شربه، تظل نظراته فـوق الوجـوه لحظـات، تتراجع بسرعة منطوية تحت جفنيه المسدلين، ال يتكلم كثيرا

به، كل آرائهـم ي ، مع أمثالهم ال يخشى هفوة تش ي إنما يصغ على ألسنتهم بدون حرج، ال يضطر إلى إلقاء جملـة يء تج

Page 66: 836

تبدو عارضة، مستترة، الغرض منها توجيـه الحـديث فـي طريق بعينه، برودة الخروب تنفذ إلى أطراف جسمه، مـر

النهار صعب ليلة أمس لم ينم الخلق، الـدكاكين لـم تغلـق ا ، قوا بيوتهم، دقوا لحظة، أصحابها يجلسون أمامها، األمراء أغل

وقتا أطول من المعتاد بعد العشاء حتـى ارتجـت ه الطبلخانا األخبار وتروح كمـوج البحـر الكبيـر يء المدينة، بينما تج

" الزيني نزل مـن القلعـة " يلمس صخر اليابسة ثم يرتد عنه الزيني … ا ، أبد " قاعة الدهيشة بالقلعة إلى الزيني يطلع اآلن "

ي، في الفجر طارت األخبـار، ا ني ب لم يغادر بيت األمير قا أرسل الشيخ أبو السعود في طلب الزيني بركـات، مجـاور أزهري من مجاوري األزهر الشبان سعى إليه، صحبه إلـى

الزيني بركات بالشيخ أبو السعود، ى كوم الجارح، حيث اختل عمرو لم يهدأ، لن تفوته شاردة أو واردة، ال تمر عليه نظرة

ها، ضحكة غريبـة اإليقـاع ال بـد أن إال يدرك ى ذات معن يرصدها، أي نكتة يقولها واحد من الخبثاء، هؤالء الـذين ال هم لهم وال شاغل في مثل هذه األحـوال إال القعـاد علـى أرضية األسبلة، وأمـام دكـاكين المشـبك، والسنبوسـك،

يعلم أنه ليس بمفرده، هناك من و يضحكون، يسخرون، عمر

Page 67: 836

، يرفع عنه التقارير إلـى ا هو أيض يرقب الخلق معه، يرقبه مقدم بصاصي القاهرة، عندما أخبره المقدم نفسه بهذا تقلـب

على جمر، تساءل كثير من هم؟؟ حاول االستدالل على … ا ثر صرف الفكرة، لكنها آ واحد منهم، ظن الظنون لم يستطع ف

تغيب، تحوم دوم لو رفع أحدهم حادثة وقعت على مرأى من ا غ عنها، هنا يتعرض للمساءلة، يتهم بالغفلـة، عمرو، ولم يبل

مجاملته البعض على حساب اآلخر، ليس أمينا فيما ينقله، ما نتم أ يسمعه، يزعق مقدم البصاصين، يستدعيه، يقابله بنفسه،

ال تعرفون ما أالقيه بسبب غفلتكم، السلطان ينزعج انزعاج ا شديد ى واحد من ، ال ينام ليلة بأكملها لمجرد واقعة مرت عل ا

رجاله، ألستم عيونه، ألستم آذانه؟؟ إذا عميت عين طرشـت أذن، كيف يعرف أحوال الخلق إذن؟؟كيف يعدل في الرعية، حادثة صغيرة تمر عليك تبدو لعيني المهمل غير ذات أهمية

ري، ال تعلم ما يتسبب من ورائها؟ في زمن سالف د لكنك ال ت ليه بعض الكبار، هل مر ع آ الذكر، السلطان األشرف قايتباي ت

كبيـر ، مروا كأنما يخافون عيـون السـلطان آ تدري كيف ت البصاصين وقتئذ بلغ حدا من الدقة والقدرة على استبصـار األمور ما جعله يكشف كل مخامرة أو مؤامرة على السلطان،

Page 68: 836

فـوق كيف استمر السلطان قايتباي، كيف عاش زمنا طويال ، يقظتهم، همتهم، ه صي عرشه، ثالثون سنة كاملة، بمهارة بصا

لجأ األمراء إلى حيلة جديدة، يخرج الواحد منهم إلى خـارج القاهرة، كأنه يتمشى، يستنشق الهواء عند بركة الرطلي، في بوالق، بين أشجار األزبكية، في نفس الوقت، وقـت متفـق عليه من قبل، يبدأ األمير المشي من اتجاه الطريق المقابـل،

به، يزعق عليه، يصيحان كأنهما لـم يلمح الواحد منهما صاح ا يريا بعضهما البعض منذ زمن طويـل، ويتبـادالن حـديث

موجز ا مختصر ا سريع ا جد يتفقان فيه على عظائم األمـور، ا ثم يفترقان، من يخامره الظن، من يشك هنا؟؟ من تراود عقله

فكرة أو شك؟؟ ى أدن واد ولكن األمر لم يمر عند الشهاب جعفر بن عبد الج

صاصين في تاريخ الملـوك منصب كبير الب ى من تول ى أذك ، ال يفوقه إال الشهاب زكريا بن راضـي، أدرك والسالطين

هكـذا … المرحوم جعفر بواسطة عجـوز تبلـغ الثمـانين ظاهرها، لكنها في الحقيقة امرأة لم تتجاوز األربعين، جعفـر أول من استحدث ضم العجائز إلى البصاصـين وتعلـيمهن

سـبلة، اذة ثم جلوسهن في الطرقات العامة، بجـوار األ الشح

Page 69: 836

بجوار المقابر، أمام البيوت يطلبن حسنة أو صدقة، لكـنهن أدركت هذه البصاصـة … يرصدن الشاردة والواردة، المهم

ما يتم كل يومين أمامها، طريقة اللقاء بين األميـرين، كـل ـ " … لم أرك منذ زمن : " ح عليه ي اآلخر فيص ى منهما يلق ل قي

وعلم هذا عند ربي كاشف الغيوب، إن المـرأة البصاصـة أدركت األمور كلها عن طريق أذنيها، من هذه . كانت عمياء

مرون، كبسهم الشهاب جعفر في آ الواقعة الصغيرة كشف المت شـرف الليلة السابقة على شروعهم في الركـوب علـى األ

قرأوا التواريخ يا نـاس، أنـتم عيـون ا اهللا، ه قايتباي، رحم العدل، أنتم العدل نفسه، كيف تهملون، كيف تـدعون أمـر ا

". كيف؟؟ … يفوتكم … قام المعلم الصفدي

" … جرت األمور كما نشتهي … نحمدك يا رب " … يبحث الشيخ القصبي عن عصاه

نغطس فـي المـاء … الليلة في الحمام إن شاء اهللا ـ ا المحتسـب الجديـد أطهـار ى الساخن، نتطهر حتـى نلق

… عند مروره علينا … ا برار أ : محمود اللبان

Page 70: 836

" وطرد الرطوبة … أنت تبغي استرداد عافيتك " ، يميل الليل بسواده، ى تترقرق الضحكات، تهتز اللح

… ا النهار المولي، يودعون بعضهم بعض ي يحو " … عندي شوق إلى المغطس … ربما جئت " " … كبساتي يا شيخ عمرو م المغطس وال "

، ترتعش أصابع يديـه ا سريع ا يضحك عمرو ضحك القاهرة، تحدث إليـه ي مرة واحدة، أصغي إلى مقدم بصاص

معنفا عندما فاته نقل حوار دار بين ثالثـة مـن مهـاجري الشوام، من لحظتها أدرك أنه تحت رقيب عنيد، أحد هـؤالء المعلم الصفدي، اللبان، ربما الشيخ القصبي نفسه، ما عليـه،

ـ اءل أيهـم يراق لن يشغل عقله بهم، لماذا يتس ه؟؟ سـيدعوه ب المقدم، يسأله، لماذا فكر في الوقت الفالني بمن يراقبه؟؟ لـن

ـ يشغل نفسه بهذا، يا سالم، تتغير األحـوال دائم وتتغيـر ا ، معاملة المقدم، عندما أرسلوا إليه أول مرة، مشي بعدها فـي

المقدم صالحه، كم مـن ى الطرقات واالرتياح يغزوه، أطر أخبره أنه يعرف حاله كله، يعرف أنـه ال أزهريين فسدوا،

جراية األزهر، ال يصله درهم من بلدته، بـل ى يعيش إال عل العجوز، يومها ه سلها إلى أم ير هو في أشد الحاجة إلى دراهم

Page 71: 836

ولم يذكره ا أحيان و أخبره المقدم باسم أمه وهو أمر ينساه عمر مخلوق، ليس هذا فقط، بل أخبره المقدم عن عمرهـا، هـي

فسها ال تدري في أي عام جاءت إلى الـدنيا، ارتـج علـى ن ، كيف يضربها زوجها الذي اقترنت به بعـد ، أصغى و عمر

وفاة والد عمرو؟؟ تعيش اآلن في تكعيبه بوص، لو جرفتهـا ، ا وبرد ا ، ربما تموت عري ا مياه النيل أو األمطار لماتت غرق

سيوفيه عمرو تغيب عنه أخبار أمه بالشهور، قال المقدم أنه بأحوالها كل أسبوع مرة، ليطمـئن، يمكـن موافاتـه بـأدق

أخبارها يومي لكنه ال يرغب أن يشغل باله، أخبره المقـدم ا ، بعدد المرات التي قرأ فيها القرآن، كل صباح، في عز البرد، يذهب إلى بيت كبير من التجار، يتلو اآليات البينات، يرسـل

م وفـول مـدمس مـلء به قطعة جبن حالو ا إليه الرجل طبق . ن الماعز، ونصف درهم ب قبضة اليد، وكوز من ل

تالوة القرآن يا عمرو في بيوت األعيان ال تليـق " بمجاور أزهري، إنها صناعة الفقهاء العمي، أنا شخصـي ال ا

صـدقني يـا … ا رتاح إلى هذا، يقلقني جد أ أرضاها لك، ال وم عمرو يضايقني وأنت طالب أزهري، ربما أصبحت في ي

ربمـا … ما، وهذا يصح بإذن الواحد األحد الفرد الصـمد

Page 72: 836

صرت قاضي ا كبير تفصل في أمور هؤالء الذين يرسـلون ا ، لك لبن الماعز والفول المدمس لتفطر، لتسد جوعك، بإذن اهللا

سوف نساعدك نحـن فـي أن تصـبح قاضـي رئـيس … ا له هيبة ومكانة، إنما دعنـا فـي حالـك ا شخص … ديوان ـ … ال … ل ترتاح إلى هذا ه … اآلن … ى ال أظنك ترض

ال تخـف عنـي . لك ا الال يا عمرو اعتبرني أنا شقيق … ال أمر ا … حتى مشاكلك الخاصة، الخاصة جد بح لي بهـا … ا

ثق بـي … ثق بي … أنا وحدي أساعدك في حلها … وأنا . أرجوك

بجوار عمود الرخام الثالث من يمين الجدار القـديم تحتـه ا ل األزهريون إن ثمة طلسما مـدفون في األزهر، يقو

ـ ا يمنع العصافير والثعابين والعفاريت من الجامع، قعد أوقات طويلة، يناجي أمه العجوز، أمه تقلع جذور الفجل والبطاطـا من غيطان بنها، والبالد المجاورة، توقـد األفـران، تنقـل الحطب، تحزم البوص، تحش النجيل، لم تعرف راحـة، لـم

نيها ليلة على هناء شحيح، من مدة عرف بسـفر تغمض عي شيخ زاوية العميان إلى بنها، جهز زوادته وبغلتـه وعـزم أمره، عمرو وقتها ال يملك درهما، الشيخ سيمضي إلى البلدة

Page 73: 836

أمه، سيعرف الناس، وتعلم أمه بمجيء رجل فيها التي تعيش من مصر، من األزهر بالذات، ابنها لم يرسل معه حتى حفنة

أسود تلف فيه جسمها عاما كامال، ربما تظنه ا أو قماش سكر ميتا، دهسته خيل المماليك، راح في وباء، ليلة بطولها لم ينم عمرو، يضيق به الحال، حجر هائل كجبل المقطـم يزحـف

إليه وئيد أصحابه في الرواق، يجلس إلى الواحـد ى دار عل ا منهم، يخوض في أحاديث قريبـة وبعيـدة، يضـحك مـع

صوته، تخونه ج ضاحكين، إذ يهم بالسؤال، ينعقد لسانه، يرت ال الحروف واأللفاظ، يقول هذا ال يصح، سأمضي إلى آخـر،

يلف، لكنه يجلـس فينعقـد يدور لن يعبر صحن المسجد، لن هته، يختلط عليه األمر، تخونه األلفاظ، تشنق ب العرق فوق ج

آلن يـذكره ا المعاني على لسانه يدهمه الخجل، هذا الوقـت بمرارة وحزن كعفار يهب من الجبل يعكر يوما صافيا، لـم

من المعلمين أو أصحاب المتاجر أو رواد ا واحد يعرف وقتئذ الحمامات الذين يجلس إليهم اآلن، يتسمع ما يقولون وينقلـه،

، لم يجرؤ على اقتراض دراهم يرسل ا ، حيي وقتها كان خجوال جاف، في النهـار، بها حاجة أمه، حمل جرايته من الخبز ال

يقف المجاورون أمام األزهر يبيعون جراياتهم، أو يستبدلون

Page 74: 836

بها الغموس، خرج إلى الطرقات بعيد عن الجامع، بادله أحد ا المارة رغيفين بقطعة جبن قديمة، في المغربلين والصنادقية،

رية وسوق الشرابشيين د لي الجو ا والعطارين، والفحامين، وأه ليبة والمتسكعين عند بـاب الـوزير، والمارة في شارع الص

وكلما اقتـرب الليـل " على اهللا " كلهم هزوا رءوسهم، قالوا منـه، ا جبل الحجر أكثر قرب ى يزحف سواده إلى القلب، ير

تعثر الهواء في صدره وكبا، فوق حجر قديم قـرب جـامع ـ ا ، الحاكم عقد ساقيه، رفع يده نساب صوته عالي باآليـات ا

عيني أمه فتوشـك ى رد ونفذ إلى حشاه، ير البينات، نزل الب بما يشتعل فيهما من هم، اقترب النهـار، يء عظامه أن تض

سمع صرير أبواب الحارات تفتح، طلعت الشمس وفي يديه ا ، أحد عشر درهم ألقاها إليه مارة مجهولون، لم يروا وجهه، ا ،

، وحالوة معقودة، وفي زاويـة ا سكر ى لم يعرفهم هو، اشتر … شق فؤاده نصل ثقيل العميان

" … الشيخ سافر في الفجر يا عمرو " : هاهو مقدم البصاصين في القاهرة

" … ال أرضاه لك … ال أقبل هذا لك … عمرو "

Page 75: 836

، أه يهز عمرو رأسـه، لكـل أول ا رقيق ا في البدء بد آخر، خجله من مخالفة الخلق، أين هو؟؟ ابتعاده عن الناس،

ى المقدم، بعد الهفوة األول ؟؟ ما يخشاه اآلن، غضب ى أين ذو عفا عنه، الثانية من يدري ماذا يجري؟؟ ينفصل الرأس عـن

ـ الجسم، ما أسهل األمر، ربما قتلوه بقية عمره حي يصـير ا ، فضيحة متحركة، تشير إليه األصابع، يطرده المشايخ، الحمد هللا فحتى اآلن لم توجه إليه نظرة، لم يقل له أحد كلمـة ذات

النهار يولى، لحظات نـزول الليـل يحلـو ، هاهو ذا ى معن الكالم، تكثر الفضفضة، أمام دكاكين باعة الحلوى، الترزية، في زاوية سيدي الحلوجي جماعة من قصر الشوق يسهرون بعد صالة العشاء، يفسرون اآليات، األحالم التي طالعتهم في المنام، ال ينفذ غريب إليهم، لكن مجيء عمرو المتكرر إلـى

، أداؤه الصالة، تأدبه عند إصغائه إليهم، طول صمته، الزاوية ما يقولونـه مـن آراء، ى هزة رأسه ال تنقطع بالموافقة عل

يطالعهم بمظهر تلميذ يحرص على االسـتفادة مـن رجـال خبروا الحياة، ألموا بالعلوم، األيام قربته منهم، لو تغيب لليلة

يسألون عنه، المقدم يثني عليه دائم لنجاحـه فـي ، يشيد به ا النفاذ إلى هؤالء، حديثهم خافت على غير عادتهم توشك أذناه

Page 76: 836

على سماع جديد، يخرج عن مألوف ما يرفعه، ربمـا يبلـغ السلطان، يقترب عمرو من المقدم أكثر، يبدي رضاءه يثنـي

قائـه، تقـاريره ل عليه، منذ فترة لم يره عمرو، يضن عليه ب ل غضب عليه، هل ، ه و يتسلمها نائبه الحبشي، يتساءل عمر

يدبر له أمر ؟؟ هاهو ذا المعلم حليم الدين يمط شفتيه ا : " … واهللا يا مشايخ فرحة الناس ال تأخذني "

: و يتمتم عمر " … ي واهللا أ … أي واهللا " أو يضـر، األيام علمتني الحذر، لم نر منه ما يسر "

" … فلم هذه البهجة كلها، ثم … تنظر إليه العيون

" … ال يعجبني ما أتاه اليوم " : بسرعة تخرج كلمات عمرو

" لماذا يا شيخ حليم الدين؟؟ " في سـؤاله مـا يريـب، ا لماذا التسرع؟؟ هل بد : آه

أحدهم على وشك أن يسأل نفـس السـؤال، المفـروض أال يوجهه هو، مازالت عنده خفة، لو الجمع كبير لسجلت عليـه

أدراه؟؟ زلة من أحد الذين يعرفونه وال يعرفهم هو، لكن، من

Page 77: 836

شفتاه ه ربما تتصنت الجدران، ربما يرقبه أحد، يقرأ ما تنطق بدون الحاجة إلـى سـماع حسـه، يعلـم بوجـود هـؤالء

لدينا طرق ال تخطر : " ألم يقل مقدم البصاصين : البصاصين على بال إنسي أو جني نعرف بها الحقيقة، حتى لو همس بها

ـ : آه " المرء وراء جبل قاف ذر، بهـدوء ال بد من التزام الح … ليرقب رد الفعل بينهم

Page 78: 836

:األربعاء عاشر شوال: أول الليلأخير ـ هاهو ذا مبروك، يحمل لفا ا ة أوراق، طـال ف

ترقب زكريا لوصولها، في الصباح سلمه مبـروك تقريـر ا القاهرة، يحوي حركـة الزينـي بصاصي ، أعده مقدم عاجال

بيتـه أول الفجـر بصـحبة طالـب بركات، كيف انتقل من السعود زمنـا ي هري إلى كوم الجارح، قضي مع الشيخ أب أز

خرج بعده من البيت، ومع أول مجيء الشمس إلى الحواري والدروب، طاف مناد جديد لم يسمعه الناس من قبل، قيل إنه أحد خدم الزيني، نقل إلى أهل المدينة ما عزم عليه الزينـي

نه بركات، من ذهاب إلى األزهر الشريف، عنده كالم سـيعل على الخلق، مناد جديد ال علم لزكريا به، صحيح مـن حـق المحتسب إطالق مناد خاص من عنده، ينقـل إلـى النـاس رغباته وأحكامه، هذا ما تنص عليه األصول، لكـن الواقـع يكذب هذا، يلغيه، جرت العادة منذ عصر الشهاب جعفر كبير بصاصي األشرف قايتباي أن يتبع جميـع المنـادين لكبيـر

صايين، ترسل إليه نصوص النداءات، طريقة نشر الحادثة الب ن كبير البصاصـين إ أو الخبر قد ينتج عنها أمور جسام، بل

ينبه بضرورة تحمس المنادين عند نقل خبر بعينه أو تصـنع

Page 79: 836

الحزن والفتور لحظات نشره، كلها عوامل تؤثر في الخلـق، هناك مناطق وخطط في المدينـة يجـب أال يطـوف بهـا

دون، كيف يظهر مناد ال يعرفه زكريا؟؟ كيف ال يراجع المنا نص ما يقوله؟؟ ثم إن الزيني بركات لم يحتسب بعد، كيـف يعطي لنفسه الحق في مخاطبة الناس بال رقيب، بال وسيط؟؟ هكذا يبدأ أيامه بإخالل األمور، يعبث بالنظـام، فـي بدايـة

ـ ا النهار كان زكريا مرهق عـن ا د ، الليلة السابقة قضاها بعي حريمه، عن وسيلة الجارية الصغيرة، لم يمض عليها أكثـر من أربعة أيام في بيته، حاول النفاذ عبر األيام، أي أحـداث مقبلة؟؟ هذا الزيني ال يثير اطمئنانا، منذ سماعه باسـمه، وال يجيء من ناحيته إال عجائب األمور، قبيل الفجر أرسل إلـى

ثالثة مطالـب مفصـلة، مقدم بصاصي القاهرة يأمره بإعداد جمع أقصى ما يمكن من معلومات وبيانـات عـن الزينـي

، استنفار كافة بصاصي ا بأول، ثاني بركات وإرسالها إليه أوال القاهرة، لتلتفت عيونهم إلى كل صغيرة وكبيرة خالل تجمـع الناس، إصغاؤهم إلى ما يقوله الزيني، المطلب الثالـث، أن

رسل إليه في مقـره إلـى أربعـة يرتفع عدد التقارير التي ت وعشرين تقرير بواقع تقرير كل ساعة، على غير المعتاد، ا ،

Page 80: 836

وهو إرسال تقرير في أوقات الصالة الخمـس، ثـم تقريـر إن ما طرد مفصل بعد العشاء يتضمن أحوال القرى والبالد،

بقايا النوم من عيني زكريا، ما جعله يأكل بسرعة، ال يفكـر ، ما جعلـه يهمـل ا نة الستة عشر ربيع في وسيلة الشامية اب

ـ بالسـكر، ى تهذيب لحيته، ال يشرب الحليب الطازج المحل ؤله الملح، ما الذي ينويه الزيني بركات؟؟ ما الذي سيقوله ا تس

للعامة، بأي لسان يتحدث؟؟ هل هناك سابقة لمـا سـيفعله؟؟ أبد زكريا يعرف األحداث والتواريخ القريبة والبعيـدة لـم ا ،

محتسب في جمع من الناس قط، بل لـم يسـبقه أي يتحدث أمير، كبيرا أو صغير تحدث العظـيم إلـى . في هذه الفعلة ا

العامة مباشرة يفقده هيبته، يضيع مهابـة الحكـم والحكـام، يتطاول العامة على الكبار، إذا كان ناظر الحسبة يتكلم إليهم،

ا؟؟ أول فلماذا ال يفعل مثله األمراء؟؟ ألم ينبهه أحد إلى هـذ النهار دخل زكريا إلى قاعة الثياب البديلة، غرفـة طويلـة، ضيقة، تحوي كل ما يخطر على بال مـن ثيـاب، عمـائم

ال يرتديها إال مقدم األلـوف، سـالريات، ى سلطانية، وأخر معاطف فرو، سراويل شامية، جالليـب بدويـة، فرجيـات لمشايخ األزهر، قفاطين، جالليب رخيصة لبـائعي حلـوى،

Page 81: 836

قـى انت ، زارين، وتجار فاكهة، زكريا يعرف مقصده هنا وج جبة بيضاء متسخة، عمامة خضراء صغيرة ملفوفـة بشـال أحمر، أمسك عصا من سعف النخيل، خرج من الباب الخلفي

تباع سيدي مرزوق، تلميذ سـيدي أحمـد أ من ا للبيت درويش ، يتوقف بين الحـين والحـين، يطلـق البدوي، مشى متمهال

مشى على مهل … اهللا حي مدد … اهللا حي … صيحة قوية، يسافر معه، ا دائم . يتبعه جبران األخرس، أحد رجاله األشداء

يحميه من غوائل الطريق، ما تخبئة النفوس من حقـد ربمـا إيجاد الطريق إلى قلبه، برغم تجسد في خنجر ينسل محاوال

ه رف همه وحيرته، ابتهج كعادته إذ يلقي نفسه بين الناس، ال يع به أقرب المقـربين، مقـدم البصاصـين ى أحد، حتى لو التق

نفسه، لن يتبينه، أي واحد من هؤالء في متناول يده، ألـيس هو عيون السلطان وأذانه؟؟ آالف الرجال والنساء واألطفـال يتبعونه، ال يعرف بعضـهم الـبعض، ينقلـون الهمسـات ا والحركات من البيوت والربوع، من كل شبر في المدينة، إذ

إليه بواسطتهم، لكنـه ى شهيق إنسان عن البقية عرفه، نم ذ ش مثل هـذه رأى ، لم يحدث أن عندما دخل األزهر ارتاع فعال

الجموع، انتابه غم، كيف يسكت السلطان، أيـدرون العاقبـة

Page 82: 836

البد من تنبيـه . من تجمع كل هؤالء؟؟ ما يجري خطأ فظيع إلـى ى أد الكبار والسلطان نفسه، السكوت على األمر ربمـا

استفحاله، انتشاره، هذا ما ال يسمح به أبد هذه سابقة تنـذر ا ، بعواقب ال يعرفها الجهالء هاهو ذا زكريا اآلن يفرد اللفافـة

تقارير مقدم بصاصي القاهرة، جمع … التي أتاه بها مبروك فيها وأوجز وأوضح خالصة ما تلقاه من عيـون وأرصـاد

… طوال اليوم لقديم وقـف، المسـجد يفـيض فوق منبر األزهر ا "

بالخلق من كل لون وصنف زعقوا فارتجت األعمدة، وكادت ن كل قوة ستعجز عن إسـكاتهم، لكـن أ وك ا المآذن تميل، بد

يده عادية، أصابعه ( ، مفرودة األصابع ى الزيني رفع يده اليمن ـ ) خمس ا ، وكأن قوة سحرية تسيل منه، طاف الصـمت مغلق

نه أوتي مقدرة على جعل الخلـق أفواه الناس، قيل فيما بعد أ صـوته ى يصمتون، ولو أراد أن يذرفوا الدموع لفعل، سـر

: ، قال ما معناه ا بين الناس هادئ أنه لم يكن يقبل الحسبة قط، لـوال إطالعـه ) أوال (

األمراء على ما ترتضيه روحه لراحة العباد، ولوال الشـيخ

Page 83: 836

أبـو العارف باألصول والفروع، الزاهد الناسـك ولـي اهللا السعود لما قبل أبد ا …

ما " " ما نريد إال أنت " هنا عال زعيق الناس، رددوا (ـ إلى " ينفع إال أنت ى غير هذا من النداءات التي تؤدي المعن

نفسه، وإن اختلفت الجمل واأللفاظ، عادت يده تهتـز بتـؤده ). صغوا أ فاستكان العامة و

) ثاني ا ظلـم ربه إذ ى أنه ال يخشى إال اهللا، كيف يلق ) ا مخلوق من قبل أحد نوابه وهو اليدري؟ هذا ماال يطيقـه وال

، من هنا، لو وقع ظلم على إنسان، فقير أو ا مكنه سماعه أبد ي غني، ناء أو دان، فعليه بالتوجه إلى نائبه إن لم يقتص مـن

. ظالمه بعد شرح قضيته وظهور العدل فيها ن، لن يمكث في القاهرة، إنما سيلف الـوجهي ) ا ثالث (

فقد أضيفت إليه اليوم فقط نظارة حسـبة الجيـزة، سـيدور ظاهر ا أحيان ا ومتخفي حينا آخر، يطلع على أحوال الناس، أما ا

بيته في القاهرة، فمفتوح أطراف الليل وأناء النهار لكـل ذي حاجة، ال حاجب بينه وبين الناس، صغيرهم أو كبيرهم، على

ر فليقتص منـه علـى هم، لو ظلم أحد من البش تب اختالف مرا … من الجميع ى مرأ

Page 84: 836

:)، وهذا خطيرا رابع ( في كل حارة، ودرب وقريـة، وبلـدة وإقطـاع، "

ستكون له عيون يرصدون ويتعسسون المظالم أينمـا تقـع، ". يبلغونه بها ) بعد خروجه من األزهر، شق طريقه راكب بغلـة ا

أثار هـذا رضـاء ( عالية بسرج متواضع، وكنبوش عادي اسـتمر ) نظروا، كيف العدل والحكـام؟ ا نه، قالوا، الناس ع

موكبه حتى وصل سوق الشرابشيين، قابلته المغنيات بالرقص ودق الشبابة والدفوف، وانطلقت له الزغاريد من الطيقـان،

ثالثة من نوابه الجدد الذين لـم يطلـع علـى ى بين يديه مش ، أحـدهم يحمـل ) جار البحث عن أصولهم ( وجوههم إنسان

، والثالث يلوح بمصـحف ا نج ، وص ا خر يحمل ميزان آ ، و ا سيفـ عبـد ى كبير يلثمه بين الحين والحين، خلف الموكـب مش العظيم الصيرفي، أما الزيني فراح يهز رأسه هـز ـ ا ا خفيف

… وعلى وجهه خشوع وتقوى :ىلفتة أول

أجمع رجالنا على وجود طالب أزهري، بقي طـوال ، بالكشف ا متحمس ا ، بد الركب على مقربة من الزيني بركات

Page 85: 836

عنه، اتضح أنه هو الذي صحبه من بيته إلى زاوية الشـيخ " سعيد الجهيني " السعود في كوم الجارح، واسمه ي أب

:لفتة ثانية عند اقتراب الموكب من جامع الحاكم، قبيل عبـوره باب الفتوح حيث يمكن لعيني العابر رؤيـة أسـوار سـجن

رأة سمينة، متقدمة فـي المقشرة، ومدخله العلوي، ظهرت ام العمر، ترتدي السواد، تتشح بطرحة قديمة، شـقت لنفسـها

حتى وقفت أما بغلة الزيني، زعقت زعقـة عظيمـة، ا طريق حتى حظيت بانتباه الخلق، طلع عليها طلـوع ال يهتـف إال

وعنـدما تنبـه العامـة . لئيم يابن اللئيمة يا … بكلمة واحدة وجـار الكشـف عنهـا، هجموا عليها، ذابت كفص الملح،

وتحري حقيقتها، من هي وما أصلها؟ :لفتة لثالثة

أطلقنا أحد البصاصين المهرة في أثر الزيني لرسـم صورة دقيقة وافية لمالمحه، سننقلها إلـيكم فـور إتمامهـا

. إلطالعكم عليها، وإجراء الالزم من فحوص اآلن يطل زكريا من طاقة المشربية، الشتاء يتـدثر

ارد، نور يلمع في الناحية المقابلة، تسهر وسيلة، بليل أسود ب

Page 86: 836

فجأة، الليلة لن يحتوى نهديها، لم يـر مثلهمـا ه مجيئ ى تخش طوال عمره، صالبة وليونة رقة وقسوة، خوف ونشوة، إقبال وانفالت، اقتراب وابتعاد، كرتا عجين أملس طـوع راحتـي

لم تلمسها يد بشر، هكذا يشـترط علـى ا نهود ى يديه، يهو ارف شيخ دكة الرقيق، عارف أحد عيونه وأخلصها، عندما ع

جاءته وسيلة فرح بها فرح ا عظيم أنها قدمت ، استوثق أوال ا من بالد الروم، ربما دسها عليه أمير ابتغـاء غـرض فعال

في محيطات لم يطأهـا ا معها مبحر ى خفي، قضى ليلته األول قرق فـي إنس وال جان، يرقب األلم األول اللذيذ، رعشة تتر

عينين واسعتين، فكر في تجنب العمل أيام ليرقبها، يرتشف ا رحيق العمر األول، جاء هذا الزيني فجأة، أقصاه عن اآلهـة

ع على مثيلها، طل رعشة، هاهو ذا يواجه سابقة لم ي ال وحالوة عليه بالحذر، والثبات، سيذكر فيما بعد أنه تصـرف بعقـل،

، اء فيستنيرون ويهتـدون بحزم، ما يقوم به اآلن سيراه الخلف منذ قليل أرسل في طلب شهاب الحلبـي، سيحضـر القلـم والحبر الذي يجف بعد مدة بعينها، مدة تكفي لوصول الرسالة إلى مقصدها، وقراءتها، ثم يجف المـداد، يتالشـي، تعـود الورقة بيضاء بعد يومين تضيع الورقة نفسها، تطير كبخـار

Page 87: 836

من السلطان فرج بن ضاعته شمس قوية، حدث في ز أ صباح برقوق، أن أطاحت رسالة برأس كبير البصاصـين، اآلن ال يمكن لمناد أن يواجه زكريا بكلمة واحدة مدونة، تناقش فـي

مع كبير بصاصي دولة الشـاه إسـماعيل هذا األمر طويال الصوفي، قال الرجل وهو من عتـاة البصاصـين، يحسـن

موضوع شفاهة، بالبصاص الذهاب بنفسه إلى األمراء ونقل ال خالفه زكريا، الحديث ال يروح من الذهن، ربما شهد عليـك

لو وجد نوع من ي ، لكن ما الرأ ك الناس فأطاحوا ب من جمع لم يقـل ، المداد يختفي ويتالشى بعد بلوغ المراد من الرسالة

على هذا المداد، هـذه لكبير بصاصي الشاه أنه حصل فعال هولة، كبير بصاصي الشاه وسيلة ينفرد بها وال يفرط فيها بس

الطرق، الزمن الذي يجيء بمثـل هـذا أنكر وجود مثل هذه األمير إلى ، لكن الليلة ستصل رسائل منه، ا زال نائي ا المداد م

ي، وقوصون، وطومنباي، وكافة كبار الدولة، ا ك، وقاني ب قنب سيشير إلى ما أتاه الزيني من أمور منكرة تخـالف أصـول

ائفه هو خاصة بعد إشارة الزيني إلى الحسبة، تتعدى على وظ خر للبصاصـين، آ ا تباعه، هل سيحدث نظام أ إطالق عيونه و

ه، ربما يعلم اللئيم ين في أوردة زكريا وشراي ا الدم يتدفق مغتاظ

Page 88: 836

جات في الهند ال يكتفـي بنظـام واحـد ا ما يتبعه أحد المهر يتبع كال منهم فرقة خاصـة . للبصاصين بل لديه ثالثة نواب

. بصاصين من ال وهكذا يضمن استقرار الوضع أال ينفـرد بصـاص واحد باألمور، وهذا الترتيب يعجب زكريا فيه دهـاء مـن

ر في السفر إلى الهند ليطلع عليه، أو يرسل أحد ك المهراجا، ف نوابه المقربين لنقل تفاصيله، لكن مجرد سفر نائبـه سـيثير

ر الترتيب المتبع، ينقله إلى السلطان خب ى الشكوك، ربما ترام إلى السلطنة، هنا يضيع زكريا، ال ينفرد بالرأي، بالمشورة، لكن كيف يحصل الزيني على هذه المعلومات؟؟ زكريا يملؤه غيظ، حتى اآلن لم تصله معلومات كافية عن الزيني، ربمـا يالقي مقدم البصاصين صعوبة في جمع ما يلزم، ربما يغفل

، البد من معرفة عـادات الزينـي، الغبي عن أهمية الطلب ساعات نومه، نسائه، إلى أي البالد سافر، كم لغـة يجيـد، عاداته في الفراش، ال بد من استقصاء أمر المـرأة البدنيـة والقبض عليها مهما كلف األمر، وأيضا الشاب األزهـري، يبدو أنه مقرب إلى أبي السعود، هذا يلزم لـه شـأن آخـر،

، يمسـك ا يقف في منتصف الغرفة تمام سيوليه عناية، اآلن،

Page 89: 836

وعاء مملوء بالسكر، يحب شـربه ى بالحليب الساخن المحل ا كثير بعد صحوه، أول الليل، يقول، أواجه نهاري بالحليـب ا ،

ختمه به، إنه ليس شرها كاآلخرين، أ الدسم وليكن ما يكون ثم ـ األمير قنبك يجرع على الريـق سـطال مترع بخالصـة ا

تنبئ التقارير أن باسـتطاعته أن يضـاجع مخاصي الديوك، منهن ويرويهـا، وال نساءه األربع في ليلة واحدة، يشبع كال

يمل وال يكل، مع تجاوزه األربعين، من يدري، ربما يفضل خاطب سـي الكوب الصباحي اآلن، تبرق في ذهنه خـاطرة،

الزيني بركات رأس صحيح، المفروض أن يبدأ المحتسـب ا ، بار أن كبير البصاصين نائبه، لكن زكريـا الصلة معه، باعت

سيبادر بجس النبض، الليونة مطلوبة اآلن، على ورق عادي، بمداد عادي، سيأمر شهاب الحلبي بكتابة رسالة إليه الليلـة،

. في نفس الوقت تمضي الخطابات األخرى إلى األمراء " ا من آ جعل هذا البلد ا اللهم "

حسبة الشريفة ناظر ال ى إلى الزيني بركات بن موس ال اهللا وحده ال شريك لـه، إ نبدأ بأن نشهد أن ال إله

شهادة نقيمها في كل حكم، وتحاور سيوفنا جاحديها فتـنهض ونشهد أن محمـد ،كمبالحجة عليهم وهم ب عبـده ورسـوله ا

Page 90: 836

أشرف من ائتمر بالعدل واإلحسان، وأعدل أمر أمته بالوزن ـ ى اهللا عليه وسلم وعل ى بالقسط، صل ه وصـحبه الـذين آل

احتسبوا في سبيل اهللا جل عنائهم، وسلم تسـليم ا كثيـر ا … … وبعد

طالعك علـى ا ليك بالمراسلة، وأردنا إ أعلم أننا بدأنا ما تحويه المكاتبة، ابتغاء أمن العباد، فـي سـائر النـواحي والبالد، ألنكم لن تطلعوا على خافي األمور، إال بما نطلقـه

ولن تصغوا إلى ما يدور من تافـه بين المسلمين من عيون، الهمسات ذات الغرض الخطير، بين األميـر والحقيـر، إال باستنادكم إلى جهتنا، واالستعانة بنا، فهذا ما سار عليه نظام السلطنة منذ أن وعينا وأدركنا، وجرت العادة أال يتولى هـذه األمور التي تدرأ الصغائر والكبائر من الشرور، إال نيابتنـا

ي يخدمها آالف الخالئق ممن ال حصر لهم وال عد، وهـم الت علـى راحـة ا في خدمة السلطان ورجاله ال ينامون، وحفاظ

الرعية يسعون، يكدون ويشقون، من هنـا رأينـا اإلشـارة عليكم، وإعالمكم بما يجب أن يتم من جانبكم، وهو ضرورة إرسال مطلب مفصل إلينا، كل ليلة، نطلع منه على ما تم من

خالفات ضبطتموها، حتى نعرف من ارتكبوها، فندرجهم في م

Page 91: 836

زمرة األشقياء ونحمي األتقياء واألولياء، كما نرجو االستعانة بمن يتبعوننا من منادين، لمراجعتنا ما يقولون، ما يوجهونـه إلى العامة وينقلون، فهذا األمر الذي يبدو لكم تافهـا حقيـر ا

ير، يمكننا شرحها لكم تترتب عليه عواقب منها الضار والخط عند أول لقاء بيننا ألننا نهدف إلى ما فيه سالمنا، وللعلم، فهذا ما درجت عليه النظم والرسوم، منذ وقت غير معلوم، ومـا نقوم به من زمن، وما سنؤديه إذا امتدت بنا فسـحة األجـل وليست هذه نظما من اختراعنا إنمـا أصـول درج عليهـا

. أجدادنا ولكم سالمنا

هجرية٩١٢شر شوال عا كبير بصاصي السلطنة الشهاب األعظم زكريا بن راضي

Page 92: 836

بعض مما وجهه كبير البصاصين " الشهاب األعظم "

زكريا بن راضي إلى السلطان واألمراء وإذا أوضحت هذه المخالفات، سـأعدد، غيـر … "

: أنني على سبيل االختصار أوجز فأقول ، يحـدث أن ا س لها سابقة أبـد ألول مرة، ولي : أوال

ـ ا كبير ليهم، يخطـب ا يجمع عامة مصر كلهم، أسافلهم وأع فيهم، مهيجا جوارحهم، وال يعلم إال اهللا أي جمرة نار كـان ممكنا أن تنطلق في البلد، فتقيد وال تنطفئ، لـوال اسـتنفار

. رجالي، ومحافظتهم على األمن واألرواحثاني حـد، لـم أراجـع إطالقه منادين ال يعرفهم أ : ا

النداءات، لم أرتبها ولم أطلقها الوجهة المقصـودة، ولسـت … بحاجة إلى سرد دالالت هذا األمر الخطير

إذعانه، تلويحه بقرب قيامه بإنشاء فرقة خاصة : ا ثالث من البصاصين تتبعه، يشرف عليها بنفسه، وتأكد لي هذا بعد

ترصـد طالعي على مكاتبات نوابي التي ال تخطئ، والتي ا حياة الزيني منذ نشأته حتى اآلن، كل ما يدور عنه، وقصدي من هذا سالمة األحوال، وال يسعني إال التنبيه بمـا يصـبح

Page 93: 836

عليه الحال لو أن كل موظف، كبيرا كان أو صغير أنشأ له ا ، فرقة من البصاصين، يوجهها كيفمـا شـاء بـال رقيـب أو

سلطان، وأنا لن أسمح أبد ـ ا فأنـا … ه بهذا، وسـأحول دون . ورجالي فقط عينا السلطان وأذناه

رابع فـتح ت تفيد التقارير أن العامة بدأت عيـونهم ت : ا على األمراء، كل منهم يقول لماذا ال ينزلـون أو يخطبـون فينا، أم هم أقل شأنا من الرجل الطيـب الزينـي بركـات؟؟ وبعد، فال أطلب منكم إال تبصر األمور، وإال سارت بعكـس

ا نبتغي، واضطرب النظام وضاع األمن، وراح ما نهدف وم . السالم

وأشهد اهللا ربي، كاشف الغيوب، علـى صـحة مـا . أقول

" هجرية٩١٢عاشر شوال " "كبير بصاصي السلطنة "

الشهاب زكريا بن راضي

Page 94: 836

لكن ماذا ستأتي به األيام؟ بل ماذا يخبئ اليوم نفسه؟

السرادق الثاني

بركات، وثبات أمره، وطلوع سعده، واتساع يشروق نجم الزين حظه

Page 95: 836

نداء يا أهالي مصر

أمر موالنا السلطان بتسليم المجرم ابن المجرم

بن أبي الجود ي عل إلى ناظر الحسبة الشريفة الزيني بركات بن موسى

ليتولى أمره ويأخذ حقوق الناس منه

ويذيقه ما أذاق لعباد اهللا الفقراء ولياء المساكين األ

يا أهالي مصر يا أهالي مصر

كل من وقعت عليه مظلمة كل من سلبت منه حاجة

كل من راح ماله بالباطل بن أبي الجود ي بسبب عل

عليه التوجه إلى باب

Page 96: 836

الزيني بركات بن موسى ناظر حسبة القاهرة، والوجه القبلي

ليرد عليه حقه وماله … لي مصر ا يا أه

… يا أهالي مصر

Page 97: 836

:د الجهينيسعي طال به حب هذا البيت وأهله، حجارتـه، أخشـاب مشربياته، نقوش جدرانه، الضوء في فراغه، قاعـة تـالوة

السقف، قرب منتصف الجـدران ة القرآن في رمضان، عالي نوافذ ضيقة، يطل من ورائها الحريم، يستمعن إلـى اآليـات

ه، البينات، آمنات عيون الغرباء، من إحدى النوافذ تطل، ترقب تتأمله، عيناه تحتويان قطع الرخام الصغيرة الملونة ترصـع أرضية النافورة التي تتوسط حديقة البيت الصغيرة، الحشـايا الوثيرة التي تحول بين صالبة الجدران ورقة بدنها، سـماح تطأ الممرات بقدميها عندما يخلو البيت من الـزوار، راحـة

ـ اء، لحظـات خفيفة في صدر سعيد، ال يعد هنا مـن الغربـ يء إصغائه إلى الشيخ ريحان، يراها بعيني قلبه، تروح وتج

في إحدى الغرف، تنظر من نافذة، تضـطجع إلـى حشـية، وسادة، منذ سبعة شهور، ثالث أيام عيد الفطر جاءت، مـال

راحة يـدها ى رأسه، مثقل بحيرة، بخجل، باضطراب، احتو ليلـة الصغيرة الدقيقة، رعشات األمل في قلوب المنتظـرين ه مـن آ السابع والعشرين من رمضان، همسات نهار وليـد،

ذوبان الوجد، ال يراها جسد ـ ا ، ا ونهدين، ونحرا وجيدا وعنق

Page 98: 836

هي إلى الروح أقرب، طيف خيال، وشوشة ال تمس، سوسنة ال تقطف، عينا مالح فيهما حيرة، في الطريق يرى الحريم،

ثيـابهن، متشحات، سافرات بال براقع يجردهن في عقله من قطعة قطعة، تستند أمامه بظهرها إلى حشية ليست مكسـوة بحرير، كلما جرد الواحدة منهن، عاد يكسوها، برفق، بأناة، بأصابع ترعشها نار الرغبة يسحبها، يبدو لحـم الـذراعين، تكور النهدين، ثم انبساط لحم البطن، يتوه عندئذ بنظراته في

يقصـده أصـحابه " نـس أ " الفراغ، يروح بخياله إلى بيـت بين أصابعهم، يقـال ا ن الذين يجري المال ميسور و المجاور

شـيات ب خرهـا بح آ نه يحوى قاعة فسـيحة تمتلـئ علـى إ نه توجد هنديات، في العام الماضـي جـاءه إ وروميات، قيل

مال بعد نسخة كتاب في المنطق ألحد مشايخ الصـعيد، ألـح ا ، هـز ، عصر أصـابعه " أنس " أصحابه في الذهاب إلى بيت

رأسه مرات، رفض، ال يدري ما الذي دفعه إلى الـرفض؟؟ يعرفه الطلبة المجاورون، أهالي الربـوع والحـارات فـي

الباطنية طيب يسرع إلى نجدة من تضيق بـه ا ، متدين ا ، رقيق ا ، األحوال، يسعى لتخليص امرأة مـن يـدي مملـوك يبغـي

اختطافها، يزعق منادي ا الطلبة، األزهريين، مهيج لرجـال، ا ا

Page 99: 836

يلتفون حول المملوك، يقول عامة الناس، لو أوتي سعيد قـوة قرقماس المصارع لما جرؤ المملوك، يقول عامة الناس، لـو أوتي سعيد قوة قرقماس المصارع لما جرؤ مملـوك علـى اختطاف قشرة حبة فول من سلة تحملها طفلة، لكن اهللا خلقه

ه القديمـة ضئيل الحجم، كثير األمراض، إذ يرقد فوق حشيت بالرواق، يتوافد إليه الناس على اختالف أصـنافهم يسـألون

دفعه دراهم ليمتلـك " نس أ " عنه، ماذا لو عرفوا ارتياده بيت … ة بعض الوقت أ امر

" … ال يتعارض هذا مع ذاك يا سعيد " الخاطر والفكرة، تحوم سماح من بعيد في عقله، ي ينف

سره الدفين الذي أقام عليه أرصاد ا أرصاد، ال يمكنـه دونه ا رؤيتها بعيني عقله عارية، أو تقف في حمام، كل ما ترتديـه

بقاب خشبي عال يمنع عن باطن قدميها الماء القذر، سـماح ق ، ن خالصة نساء األرض أجمعين، منها تفرعن، عنهـا أخـذ

إليها يعدن، في المستقبل البعيد ال يراها إال معه، ينظران معا ، منذ أيام ا في حديقة، يسافران بلد من طاقة مشربية، يمشيان

. ا وسالم ا ينبع دفئ ا يشتد البرد، في البرد يرى سماح موطن " … هيا بنا إلى الغرفة العلوية "

Page 100: 836

طلع سلم البيت الداخلي، كان ألنفاسها أثر تعلق في ا الهواء، تجسد إلى أبد، خاف أن يسمع الشيخ ريحـان دقـات

ه، يتربع الشيخ فوق ارتجاج أمره واضطراب لون ى قلبه، ير ، تقرقر النرجيلـة، ا وسادة خضراء كبيرة، ينفث الدخان هادئ

… ، مال عليه سعيد ة قام نصف قوم " شتاء العام لم نر منه برد بعد ا … " " ليس بارد لكنه في الرواق ال … كالسنين الماضية ا

" … يطاق تتوهج الحجرات، يسقط شيء ما في البيـت، ربمـا

، الليل هنا ناعم فيه هدوء البيت، وأمـن وعاء، علبة تمسكها … عائلي

لوال … كاد مماليك طشتمر يطفشون في الناس اليوم … خروجنا من األزهر والوقوف بينهم وبين الناس

… لم أسمع بهذا فأنا لم أخرج طوال النهار … ياه " … طشتمر " مماليك من؟؟ ل تقو

مـا … اليكه ال بأس بهم م وم ا كان هادئ … غريب " " الذي غيره؟؟

Page 101: 836

" أبد ـ كان األ … ا مير خاير بك حط في حقـه كالم ا " … اعتقاله ي وأشيع أن السلطان ينو … عند السلطان

… طول عمره طشـتمر متهـور … يا سالم … " " … ال يسمع الكالم أبدا … متهور

هنا يصمت سعيد، يبدو األمر مسلي لكنـه يبـرره، ا ، ال ا لد سماح، دائم يبحث فيه عن فضيلة ما ألنه صادر عن وا

ا ومؤكـد اسم أمير، موظف عظيم إال يسـارع قـائال يء يج يؤكد سعيد ما يقوله الرجل ا بوجود رابطة قوية بينهما، أحيان

بسؤال أو استفسار، كان يقول منذ متى تعرف طشـتمر يـا ـ عمي؟؟ هنا يتراجع الشيخ ريحان إلى الوراء، يزعق منادي ا

طشتمر ربيتـه … يا سالم " الخادم ليحضر جمرات للنرجيلة ـ … أنا على يدي ا كان يجئ هنا عندي وقت أن كـان مملوك

، سعيد " ى ، عرفته قبل زواجه بخوند زينب امرأته األول ا ضعيف تدعى امرأة طشتمر خوند زينب، أو ال؟؟ إنما ا ال يعرف أحق

ال " … أظن طشتمر واألمير ملكتمر السـاقي مـن : " يقول ملكتمر هو … ملكتمر " يسارع قائال يدعه الشيخ يتمم كالمه،

سحق عند اختالفي معه فـي إ نصفتي على موسى بن أ الذي استدعاني ملكتمر فـي منتصـف … بعض أمور بيت المال

Page 102: 836

الليل تمام أي واهللا منتصف الليل، طلعت إليه فـي القلعـة ا ، نفسها، أنا ذهبت إلى القلعة مرات ومرات هذا لم يتفق ألحـد

يدي، أي واهللا ملكتمر قبل يـدي فأنـا غيري، المهم أنه قبل ، لهـذا سـيلغي ا تقي ا إنه يعرفني صالح … أكبر منه سنا قال

، وأذكر أنه ربـت بيـده علـى ا سحق تمام إ أمر موسى بن بالضبط يا سـعيد يـا ولـدي … فأمسكت ذراعه … كتفي

" … أمسكت بذراعه وعندما جاء الزيني بركات بنفسه تفـرق مماليـك " إلـى ض علـى أربعـة مـنهم وأرسـلهم بل قب … طشتمر ". المقشرة

كـان المفـروض أن … آه … بركات … الزيني " " … أزوره منذ يومين

" الزيني بركات أرسل إليك يا عمي؟؟ " ياه، تسرع سعيد بالسؤال، في كل مرة يسكت، لماذا

اآلن لماذا اآلن بالذات؟؟ كان المفروض أن أزوره لوال … الزيني صاحبي "

" … قواك اهللا " ال تساعدني صحتي التي

Page 103: 836

ي أمثاله كانوا ال يدخلون عل … أي زيني يا ولدي " هل الناس … أال قل لي … بصعوبة، يسعون في ركابي إال

" راضية عنه؟؟ " جد ا … " … فهو عادل وأهم ما فيه أنـه عاقـل … أعرفه "

" خر أخباره؟؟ آ ، ما ا جد عاقل " … المنادين التابعين لزكريا ى لم نعد نر " … ال حول وال قوة إال باهللا … زكريا بن راضي "

" … ربما سمعنا … أخفض حسك يا ولدي اآلن، تنسال مرارة في حلق سعيد، أي طالب مجاور ال يجرؤ على لعنه، سعيد يلعنه في سره، يعرف امتداد ظلـه بين األروقة والحجرات، على محراب المسجد، تحت حصير

، يقول عنـه الشـيخ أبـو الجوامع، غرف النوم في البيوت السعود، هذا من عالمات الساعة، البد من بقائه فوق الـدنيا

مضـاعفة، وقتهـا ا إلبليس حتى يتعذب الخلق أضعاف ممثال السعود، ربما يقـول هـذا ي تضايق سعيد من كالم الشيخ أب

الشيخ أن ة لعجزه عن اإلمساك بزكريا بن راضي، باستطاع ين زكريا ليمسكه، لم يره أحد، إنسان، لكن أ ه يفعل، ال يحاج

Page 104: 836

يقال إنه يقيم في أكثر من مكـان، ال يـدري أحـد عمـره الحقيقي، يعرف الناس مقره األصلي، بعيد تحت جبل المقطم ا

حيث يتهامس البعض بسماعهم صـرخات بشـر يجلـدون، ، تحرق أطرافهم، يخوزقون، لكن هل يقيم زكريا هناك فعـال

ن وجهـه لـم يـره إ مغاير، يقول إنه ينام كل ليلة في مكان إنسان حتى الشيخ أبو السعود، مرة ضاق سعيد بنفسه حتـى

ـ بعد اختفاء ثالثة مجاورين نوبيين، دائم يعيشـون معـا، ا يقرأون في مصحف واحد، يأكلون في قصعة واحدة، ينامون

بعينـه، هكـذا ا تظنهم شخص ف ملتصقين ببعضهم حتى تراهم ي مجاور أو طالـب، أحـد تعودوا، بين الحين واآلخر، يختف

ا ، يترك ذهابه خوف ا العامة من السوق، ال يدري أحد عنه شيئ وعكارة في النفوس، من يدري، ربما جاء الدور على هذا أو

ذاك غد عند اقتراب األثر الذي أحدثه االختفاء من الزوال، ا ، يضيع إنسان من جديد، ترتجف القلوب، سعيد لم يطق نفسـه

األرض والنجوم ا لو زعق محرض ى ن، تمن عند ذهاب النوبيي والقمر والكواكب، يوقظ األحاسيس في الجماد، يومها قطـع

الطريق جري ـ " إلى كوم الجارح، أصغى إليه الشيخ قال ا ا أحق يتحدثون ا هكذا سمعت، سعيد ال يدري، دائم … سبوا زكريا

Page 105: 836

لغتهم الغريبة، لغة ال يفهمها أحد، كيف وصل األمـر إلـى السعود خاتم ي الشيخ أب ى ذن، كيف؟ يقول العامة، لد زكريا إ

عليه رسم سيدنا سليمان، يمكنه فك طالسم الجان وتسخيرهم ألغراض اإلنسان، يمكن للشيخ أن يحمل زكريا بن راضـي

، لو شـرع فـي العـودة ا ق الواق، ال يرجع أبد ا إلى جبال و فسيقطع المسافة في ألف ألف سنة، سعيد لم يقل هذا للشـيخ، يعرف غضبه وهياجه إذ تنسب إليه الخوارق، فـي المسـاء خجل من روحه، كل أمر يطلب تحقيقه من الشيخ، تال سعيد

". وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " " ابق لتأكل معنا "

مذاق طعام بيتي، مرق تشرب منه سـماح إلى يحن في الليلة نفسها، ملعقة ربما المست شـفتيها، لكـن زكريـا

يطيق بقاءه في مكان واحد، الشيخ ريحان لم يلح، يؤرقه، ال دس سعيد قدميه في نعليه، يعبر الممـرات الصـغيرة فـي

يهم برفع عينيه، لو أنها تنظر اآلن، لو يراها . الحديقة بمفرده فوق مـآذن الـدنيا، مقدار ساعة، يقضي واهللا عمره متنقال

ه، ما يتقلب فـي صـدر ا باسمها في وجه السماء، معلن ا زاعق زاده عيناها، آه لو تصـغي ، يعبر البالد كما اجتازها مواله

Page 106: 836

ل، أياديهما في التيار، ي ه لو يركبان في زورق عبر الن آ إليه، تنثر رذاذا أبيض، يراها في مدينة لم تعـرف الطـواعين ال يموت اإلنسان فجأة في عرض الطريق، ال يتوجـع امـرؤ

المقشـرة، ال ال يساق الفقراء إلى الجب، إلـى ، لخطف ابنته تقضي أعمار في سجن العرقانة، ال تنزع يد من جسم ألنهـا

، سماح تطل على طريق لم يجس فيـه أحـد، ة سرقت خيار يحتضنها بذراعه، يضحكان، تمضغ لبانا جاءها من العجـم،

في الرواق، تجيئه سـماح، ه في عزلته الليلية، بعد نوم صحب دة في قيظ همسة دفء يجود بها برد ضنين، رعشة ريح بار

يذكر لون شعرها، لكنها أمـل صيف عفي يخنق األنفاس، ال اة من دهر بأكمله، هاهي ذي الحواري تثقل عليه، جمال النج

مثقلة بالدريس، إلى أين؟ أي مكان يحتويه؟ يمكن الذهاب إلى الحمزاوي، العطارين، يخجـل مـن المجاملـة والتحيـات،

حتى الصباح، فراغ ق البقاء في الرواق ي يعرفونه، اآلن ال يط وتناول العشاء، لكنه أكل مرتين فـي أسـبوع ى خانق لو بق

واحد، يجب أال يثقل عليه، ربما أصبح موضوع حديث بينها ، هل يذهب إلى وبين أمها، مجرد تخيله ما يقال يرجفه خجال

يشرب الحلبة المطحونة المخلوطة بالسمسـم " حمزة " دكان

Page 107: 836

، يستقصي حـديث الهمـوم، والحليب، يبادل الخلق أحاديثهم يمتلئ بعد العشاء، بمدخني الحشيش، ربمـا " حمزة " دكان

قال الناس، انظروا تلميذ أبي السعود ينسطل ليعـرف كيـف يصلي الفجر، إلى أين إذن، يجب استقراره في مكـان، لـو تكرر مروره في نقطة معينة بالطريق يرصده البصاصـون،

اسمه يوما ما، يريد يصل اسمه إلى زكريا، يوقن من وصول تأجيل هذا الوقت إلى حدث يستحق طلوع اسمه هناك، مـن يدري؟ ربما مئات الصفحات عنه أمام زكريا؟ هـل يغفـل

رجاله عن سعيد، عموم زكريا ال يمأل كل شيء كالعـادة، ا هذا ما يحسه سعيد، لم يخبره أحد، لم يطلعه كبير على سره،

دراك، ألول مرة يطوف إنما هو واقع أقرب إلى الوعي واإل منادون في طرقات القاهرة ال يتبعون زكريا، قلة فقط يعلمون بتبعية كافة المنادين لنقيب البصاصين، بل إن الشعراء فـي

اني والطرب، أصحاب فنون الـرقص، غ المقاهي وأرباب الم خر إلى نقابـة آ الحواة، وعاظ المساجد، يخضعون بشكل أو ب

حقيقة مرور منادين يرتـدون البصاصين، من هنا يعي سعيد محالة بالقصـب، زي ه أخضر حواف ا أزرق وقميص سرواال

جديد يعلن تبعيتهم لناظر الحسبة نفسه، لم يكتف الزيني بهذا،

Page 108: 836

إنما رتب مرورهم، أول النهار، بعد الغداء، قبيل المغـرب، قبيل العشاء، ينطلقون بال حرس، كل مـا بأيـديهم عصـا

صغيرة، ينقلون إلى النـاس مـا قصيرة، يقرعون بها طبلة استجده الزيني من أمور، يحرضون الناس على كشف كـل غشاش لئيم، عندما استمع سعيد إلى هذا النداء بالذات تـردد في قبوله وانتابه شك، لو تاجر كبير، قريب لوزير أو أمير،

لآلخرين، لـم ى قريب الزيني نفسه؟؟ هل يجري عليه ما جر ، بعد النداء بأيام ثالثة، ا عجيب ا أمر ا يحدث هذا ولو حدث لبد

يرتـدي الثيـاب د سمع سعيد ضجة، تجمع الناس حول منـا ا مر؟؟ ترزي من ناحية المغربلين، ليس خياط الجديدة، ما األ

صغير الشأن، يفصل الفرجيات والقفاطين لألمراء، ألربـاب تجاوز األربعين لكن اهللا ابتاله بداء مكـين، وأثنـاء ، الدولة في سوق الخيامية، أعجبه غالم صغير، قال للغالم مـا ه مشي

اسمك يا شاطر؟ قال اسمي كمال، قال تعال آخذك إلـى أبيـك فـي الجامع ألنه ينتظرك هناك وسأشتري لك سنبوسك، غيـر أن اللعين ساقه إلى خرابة قديمة وراء الجـامع األزرق، مـال

لـى عليه، لم يحتمله الغالم فانفزر من ثالث جهات، وذهب إ

Page 109: 836

، أمر ا في دمه، طلع الرجل إلى الزيني باكي ا أبيه يصيح غارق الزيني بإحضار الترزي، سأل الغالم، أهذا هو الرجل؟ فأومأ

الطفل باكي زعق الرجل، الولد كذاب، فضربه الزيني على ا ، أمر بشهره على حمار فـي . األطفال ال يكذبون : وجهه، قال

يكون مـن أمـره مـا ، حتى ة القاهرة كلها، وسجنه بالعرقان يحدث ى يكون، طلع إلى الزيني بعض المشايخ قالوا، ما جر

كل يوم، مالوا في كالمهم، لم يصرحوا، إنما لمحوا، الرجـل … يعرف بعض األمراء ممن يترددون عليه، وهؤالء ربمـا

، نتـر فـيهم، أمـر ا ربما، قيل إن الزيني قام واقف … يعني ى زماني أبدا، أنا ما أخش بإخراجهم، قال لن تحدث فاحشة في

نـه إ إال هو، أشار بإصبعه إلى السماء، قيل بـين العامـة، ضربهم على أكتافهم بمقرعة مقبضها عـاجي، مزخـرف،

ذهب، زعق كيف تلقون ربكم يوم القيامة؟ سعيد خشي على ب بن أبي الجود الـذي تسـلمه منـذ ي الزيني، خاصة أن عل

عشرين يوم ا لم يعلن المنادي خبر ، ـ ا ن اكتشـافه المـال ع المخبأ، ما يهم السلطان المال، ربما وجد زكريـا الفرصـة ليوغر صدر السلطان، عندئذ يقيل الزينـي مـن الحسـبة، الوقيعة الدائرة اآلن بين طشتمر وخاير بك ربما غطت بعض

Page 110: 836

ما هذا؟ أيقلق سعيد من أجل الزيني،؟ أيتمني … الوقت، لكن ود ليفشي سر المخبأ من سعيد وقوع العذاب بعلي بن أبي الج

بن أبي الجود، ي ثرواته، أيرجو العذاب إلنسان ما؟ حتى عل منه؟ كم؟ ثم ألن يوقع به اهللا ى ما عان ى عان ا طبعا، وكم إنسان

عذاب يوم القيامة، ال ينكر سعيد قرب الزيني من ى أشد وأنك ا السعود، كـان ي روحه، عندما اقترب إلبالغه طلب الشيخ أب

ثيابـه ، عمامته صغيرة . خرج إليه الزيني ملثما ، الوقت ليال صامتين، ينظر إليه سعيد ا مشي . ة ف عادية شأن فقراء المتصو

اله في خ بعيدة ل ى رائحة ثيابه تدفع إليه ذكر . من طرف خفي . قرية نزة، الصوف الممتزج بعرق الرجولة، رغبة راودتـه

مع رجل يذكره كل لسان فـي ي لو يراه بعض أصحابه يمش في أي المالمح يكمن اإلباء؟ القدرة علـى . رة اليوم كله القاه

رفض منصب كبير؟ كل من صدر مرسوم بتوليه وظيفة من بقوا فـي بيـوتهم . بن أبي الجود انتابته فرحة ي وظائف عل

أما بركات بن موسـى المرشـح ألخطـر . يتلقون المهنئين يندر الرفض في زمن بخيل بكل ما يحلم به . رفض . وظيفة

لفتة " أمرني أال أرجع إال معك " بعد سكوت قال سعيد المرء، . ربما يفكر في أمور خطيـرة . خجل سعيد . منه وهزة رأس

Page 111: 836

، وتتابعـت ا له أمـر ي موالنا ال يمكنني أن أعص " فجأة قال كيـف . أخبره سعيد بأمره كيف جاء من البلدة . أسئلة الزيني

بقـاؤه بمواله، تردده عليه، رفقته له، أخذه العلم عنه، ى التق عنده طوال وقته، اآلن يذكر أسئلة الزيني، ثم صمته المفاجئ ال يدري سعيد ما يجري بينهما، أمره الشيخ بـالعودة إلـى

فيمـا عـدا . األزهر من يومها لم يقترب سعيد من الزينـي ال . بين الخلـق ا منفرد ى لكنه مش . موكب عودته من األزهر

لمنادين طـاف خر ا آ . يدري الزيني بوجوده، ال يصغي إليه في األسبوعين األولين . منذ ساعتين، ال يدري ما قاله للناس

بمرور . يتجمع الناس بقصد الفرجة واالستماع إلى ما يقولون يقـف . األيام خف زحامهم، أما األطفال فال يفـارقونهم اآلن

سعيد فجأة يبدو أنه اقترب من حارة قصر الشـوق، رجـل يمضي مسرع أي حيـرة . ف؟ تجمـد أليس هو؟ لماذا توق . ا

وذا معتدال . ونحيال ا ال يذكر طول القامة يذكره ممتلئ . انتابته هو . إنما هذا الماشي هناك . ال تثبت صورته في الذهن . حدبة

يمضي طريق إلى حـارة . اجتاز حارة بيت المال . هو بعينه لكـن . ى اختف . آخر إلى مسجد الشهيد الحسين . بيت القاضي

Page 112: 836

لى روحه؟ وإذا كان هـو الزينـي كيف يأمن ع . أين الحرس هل عرفه؟ … هل رآه . بنفسه

***

Page 113: 836

نداء يا أهالي مصر

بالمعروف وننهي عن المنكر ي نوص … اليوم

خرج السلطان إلى الريدانية وكله عافية . بدأ لعب الكرة

أمده اهللا بالصحة والقوة يا أهالي مصر

مازالت الوحشة والقطيعة مستمرة األمير خاير بك بين األمير طشتمر و

… فانتبهوا … وكل منهم مترصد لآلخر … يا أهالي مصر

العطار صابر بن الحمزاوي غش في الميزان وباع الحلبة مخلوطة بالتراب الناعم غش المغات، ودس السقنقور الهندي

وعنده منه الكثير، حتى يغلو ثمنه ألنه الوحيد تاجر السقنقور

… الزيني بركات بن موسى ى رأ

Page 114: 836

ناظر حسبة القاهرة، والوجه القبلي منفذ تعاليم الشريعة، وحافظ حقوق الناس

وخادم السلطان بتغريمه مائة دينار

والحوطة على مخزونه من السقنقور وتوزيعه على سائر العطارين

لينتفع به المخاليق، وتسعيره بثالثة دراهم للواحد واهللا منتقم من كل غشاش لئيم

إتعظوا … لي مصر ا يا أه

… يا أهالي مصر ***

Page 115: 836

:زكريا بن راضي هـ٩١٢صباح الثالثاء سابع ذي القعدة

يخلو إلى نفسه تمام يداعبـه، رقـة إذ يتأمل طفال ا ، العمر األول، ريش العصافير وسخونة جلدها الرهيف، لـو

إلى األبد، يحرك اليدين كما يشاء، يضحك اإلنسان طفال ى يبق ، يبكي فتهرع نفس حانية تجفـف في كل اتجاه، يحبو، يعبث

الدمعات، األوهام والمخاوف ال تتخذ من قلبه الصغير خانـا الدنيا بعيني الدهشة والتسـاؤل، محـال هجـرة ى أبديا، ير

زكريا عبر الزمان قاصد يوقن أنـه لـن ا أحيان . بداية سنينه ا يمر بمثله أبد أصـعب الظـروف . ال يذكر يدا ملست عليه . ا

يجيئـه . يس . ابنه األول واألخير حتى اآلن تمنعه من رؤية ملفوفا في قماط قطيفة سوداء مطرز بذهب، يحملـه، أمـه

ابتسامته . كم مرة أرضعته . زينب ترقبهما، تحكي أخبار يس ن عينيـه تبحثـان أ إذ يستيقظ ك . الهادئة عندما راح في نومه

يس هو . تطيل الحديث . تعثره في الحروف . عن الغالي أبيه وتعلـو علـى بقيـة حريمـه ى إلى الرجل تتباه ما يقربها أما هي فولدت له يـس تتجاهـل . لم ينجب منهن . وجواريه

أمـه . ذهب بعـد شـهور . أحمد الذي جاء منذ أربع سنوات

Page 116: 836

مجهولة ال يعرفها أحد، لسعة . الحبشية ال تزال تقيم في البيت حزن حارقة تغشي قلب زكريا بين الحين والحين، لم تطفئها

أشد الظروف فظاعة لم تعطله عـن . خفف حدتها ت . السنون خر الليـل بـرغم آ لحظات يمضي فيها إلى يس ربما يوقظه

من شهور أمسكوا في خـان . يالعبه يناغشه . تحذيرات أمه الخليلي تاجر نه يكاتب ابن عثمان بأخبار الدولة إ روميا قيل ا

. تعصـير أكعابـه . راقب عقابه بنفسه . أمسكه رجال زكريا ومبروك قائم على تعذيبه بهمة . ظهره بنار هادئة حرق جلد

نزل الصمت كالجثـة علـى بقيـة . عالية، بإخالص وتفان وهم يصغون إلى صـرخات الرجـل . المحابيس في حفرهم

التي ال تنفذ إلى الفراغ الخارجي أبد يعـرف زكريـا أي . ا ما يقع في أرواحهم من رعـب وآالم عنـد . رعب يتملكهم

آخر يجهلون منه االسم حتى، أكثر مما سماعهم أوجاع إنسان انتزعت أسنان الواحد منهم بكماشة محماة، خاصـة حـديثي العهد منهم بالحبس، من يدري، ربما جرى عليهم ما يجـري على المكنوب الرومي، طال صمته، لم ير زكريا إال تقلـص وجهه، جحوظ عينيه وتضخم أنفه، تدلي فكه، لكنه لـم يفـه

ريا، ما كاده، تأكده من وجـود شـركاء ، ما أغاظ زك ا حرف

Page 117: 836

للرجل، بعد مرور نهار بأكمله، أمسك زكريا بسـيخ رفيـع طويل كاإلبرة محمي ببطء، على مهل راح يدفعه في بطـن الرومي، حول سترته، زكريا يختنق بدخان اللحم المحتـرق، خرج، نفذ الهواء من أنفه كما يتجرع الماء، عبر الفناء إلـى

هل : السلم المؤدي إلى غرفة زينب، سأل جناح حريمه، طلع أريد رؤيته، بالتأكيد غمرتها خيبة : نعم، قال … ت أ نام؟ أوم

تأمل قضاء الليل معه، بقاءه عندها حتى الصباح، لـن ، أمل يكتمل تظاهرها على بقية الحريم إال بنجاحها فـي اسـتبقائه

نـائم منـذ … الليلة كلها، طلب رؤية يس مرة أخرى، قالت أنا لم أقـل ا يا سيدي، قال بصوت أجوف أرعشها خوف فترة مشيت أمامه، بـين الحشـايا رق وجـه الطفـل … ه صحي

مغمض العينين، قمر بين غمام، بشرة تفاحة ملساء، ا ستدير م قماش حريري يشف عن مالمحه، قرب الشمعدان منه، تمايل

الضوء، بقي مقدار ا من الزمان، يرحل وجه الرومي مبتعد ا ، هل أخلع القفطان يا سيدي؟ اعتدل فجـأة، لـم : المرأة قالت

إلى الباب، تقارير اليوم لم يراجعهـا، ى ينظر إليها إنما مض ثمة ما يجب رفعه إلى السلطان بخصوص الرومي، أسرعت

. خيبة أمل ال تخجل من التواري في صوتها ، خلفه

Page 118: 836

اآلن، ينزل زكريا السلم الطويل إلى حوش البيـت، لى صدره، وشيش سعف النخل، أشجار غريبة ينفذ الريحان إ

أرسلها إليه كبار البصاصين في الهند، في اليمن، في الحبشة، ـ ى في ركن الحديقة األيمن، زهور صـفراء قليلـة، ال ينس

إحداها، همسة تجسدت زهـرة، رقيقـة صـفراء، حوافهـا ن، به ثالث ذرات من لـون أخضـر قا بنفسجية، قلبها أحمر

مامه، شهد إطاللها على العالم أمام عينيـه، قاتم، رآها تنفتح أ يذكر المنظر متعجب في الحديقة أقفـاص صـغيرة تضـم ا ،

عصافير غريبة الخلقة، صياح بعضها غريب، اآلن ال همس عصافير طليقة، أخبره علماء الطير أنها ى لها، في الشتاء ير

من بعيد، من بالد ليلها ستة شـهور ونهارهـا سـتة يء تج منها، زكريـا احال ق ع الشتاء يجيء الصيف شهور، تذهب م

فيـه أول العصـافير فـي حديقتـه، ى يؤرخ اليوم الذي ير يتساءل، أهذه العصفورة بعينها هي التي جاءت فـي العـام المنقضي، كم تعيش إذا لم تغتلها يد صـياد؟ تمـوت موتـا

طبيعي أمثل هذه المخلوقات يموت؟ فكر في إطالق المنادين ا ، بالكف عن صيد العصافير لكنه تراجع، ربمـا ليأمروا الناس

ظن بعض األمراء الظنون، ربما قوبل أمره باستخفاف، هل

Page 119: 836

خلت دنيا زكريا من المشاغل تماما حتى يأمر بـالكف عـن صيد الطيور، في األيام األخيرة يكثر من تأمـل عصـافير

يزحم صدره، ا وقلق ا حبيسة األقفاص، مداعبة يس، لكن ضيق لوال الطيور ويس، الخروج بين الحين والحـين يضيق عليه،

، سفره إلى إقطاعه في سرياقوس ربما طق له عـرق ا في خ مت نـه يو من الغضب، لكن صبرا، مثل هذه الظروف تتطلـب ل

وبأس لم يصله رد الزيني، حتى شك في وصول الخطـاب، ا ، لكنه استوثق من وصوله بين يدي الزيني نفسه، تعـب جـد ا

الرسالة، ما من بصاص واحد يتبعـه حتى تأكد من وصول يعمل في بيت الزيني، ومقدم بصاصي القاهرة لم يهتم بـدفع بصاص إلى بيت الزيني من قبل، فلم يكن به شأن يـذكر ال حس يسمع، وعد بإدخال عين إلى البيت، حتى خدم الزيني لم

يعرف واحد منهم، كأنه أحضرهم من بلد غير البلد، بينمـا ا طالق عيونه في إثر هذه المرأة التي طلعـت صل المقدم إ ا و

إذن هي … يا لئيم … موكب الزيني، زعقت في وجهه أمام اإليقاع بها إلى كشف المستور من سـيرة ى تعرفه، ربما أد

، الزيني، قال المقدم في أول تقاريره، هي امرأة بـال أهـل سكان بين السيارج وشارع أمير الجيوش وبـاب الشـعرية،

Page 120: 836

منذ صغرهم، ال يعرف بيت لها، قيل ا نها أحيان يعرفونها، يرو نها تنام في أحواش الموتى خارج باب النصر، واسـمها أم إ

ولـيس لهـا بنـت " مسكة " سهير، وقال آخرون بل اسمها اسمها سهير، وحدث أن شتمت الزيني في شـارع الصـليبة

ـ ن األرض أ مرتين، وفي شارع المعز ولكنها لـم تظهـر ك وقيل في تقرير بصاص موثوق به مكـين، انشقت، ابتلعتها،

، معصوب ا يجلس بجوار سبيل بشتاك دائم ا عجوز أن رجال هذه المرأة تذهب إلى الزيني بركات بن : العينين، حدث فقال

موسى، تعانقه، يتبادالن البكاء، تحتضن رأسه بـين يـديها، يه بأرق األلفاظ، ثم تخبره باألمور المقبلة القادمة وكل ما ج تنا مـن ا عدد ي نها تخاو إ دث له وما يدبر ضده، قال العجوز يح

ها بصادق النبوءات، أما من هي، فال ون ت أ الجان يخدمونها، وي تخلو إلى الزيني، ال يعلم، لماذا زعقت ى يعرف العجوز، مت

في وجهه أمام الخلق، فهذا ما لن يطلع عليه مخلوق، وألمـح نـي وعـالم العجوز إلى احتمال قيام صالت خفية بـين الزي

الجن، الزيني تجاهل الخطاب، كأنه لم يقرأه، لم يطلع عليه، شهاب الحلبي سأل منذ أيام، هل وصل رد من الزيني، زعق

تسأل عن رد خطاب كلفتـك ى في وجهه، ثار، منذ مت ا زكري

Page 121: 836

بكتابته؟ أهذا ما علمته لكم؟ أتعرفون مـا عاقبـة الثرثـرة طها يجب أن تنساها، الكاذبة؟ عاقبة الفضول، الكلمة التي تخ

ى ارتعب شهاب الحلبي، أشد ما يخشاه غضب زكريا، األده من وراء السؤال، ربما ارتاب، هنا ال ا من ذلك، لو ظن شيئ

يدري شهاب الحلبي ما قد يفعل به، عمله الطويل ال يغفر له زلة مقصودة أو غير مقصودة، دائما، يردد زكريا علـى ة أي

صين العثماني الذي وصل إلى مسمعه قصة نائب كبير البصا مراتب دولة البصاصة في دولة ابن عثمان ثم اكتشـف ى أعل

أمره بعد العديد من السنين، لم يكن إال بصاص وثيق الصلة ا بدولة الشاه إسماعيل الصوفي، ألد أعداء الخنكـار، شـهاب

الحلبي حريص دائم على حركاته وسكناته، ليس هـو فقـط ا ديوان البصاصين، زكريـا تعجـب إنما أي إنسان يعمل في

لحدة غضبه، لكن تأخر الزيني يضايقه، سؤال شهاب الحلبي ، لكـن الزينـي ا ، كل يوم يقول، ربما أجاب الليلة، غد ه نغز ، األمير الجمدار هز رأسه، قـال، السـلطان ه في غي ى تماد

يوافق الزيني على كل كبيرة وصغيرة، الزيني يطلـع إلـى به مقدار ساعة، ال يطلع إنسان على السلطان كل ليلة، يخلو

لم يعرفها أحد أسـالفه، ا ما يدور بينهما، زكريا يواجه ظروف

Page 122: 836

سمه في هذه الخلوات، ربما تدبر له المالعيـب، ا ربما يرد عاوده انزعاج ليلة وصول تقرير يؤكد استمرار الزيني فـي

هـو و - إقامة فرقة بصاصين خاصة به، األمير منكلي بغا لمح في لقائه مع الزيني إلـى أن أ – من زكريا قريب الصلة

األصول تقضي بوجود فرقة بصاصين واحدة في السـلطنة كلها، وأن يتبع زكريا بن راضي المحتسب كما هـو متبـع،

طمئن إال لرجالي، أن توجـد أ لكن الزيني هز رأسه، قال ال فرقة بصاصين أخرى، فهذا ما يقلق زكريا، ربما تسرب أحد

لى ديوان السر، أصدر أوامر مشددة إلـى مقـدم إ . إلى بيته إلى مقدم بصاصي الوجه القبلي، الوجـه . بصاصي القاهرة

البحري، مقدم البصاصين ببالد النوبة، أن يرصدوا ما يقيمه من هم، أين، كيـف . الزيني، أن يتعقبوا أفراد الفرقة الجديدة

. ال تزال التقارير بخصوص هذا الموضوع باهتـة . يعملون ال بد من حسم . ال بد من العمل في تأن، لكن بال توان ا م عمو

أمر الزيني وإال أصبح تاريخ البصاصين كله مهدد ى استدع . ا كبير الشعراء والمغنين في مصـر، إبـراهيم بـن السـكر والليمون، إبراهيم من أخلص مستصـنعيه، يشـرف علـى

المنشدين في الموالد . الشعراء في المقاهي، وأصحاب الربابة

Page 123: 836

واألذكار، كافـة مـا يقولونـه مـن المواليـا والـدوبيت واألراجوزات والسير، كل ما ينشد ال بد أن يقره إبراهيم بن السكر والليمون، يحذف منه ما قد يراه مخال بأصول الديانة

كبير أو أمير من أمراء يه واألخالق، ما فيه من تعريض بوج من كل أسبوع، الدولة، إبراهيم يجيء إلى زكريا يوم الثالثاء

يحكي له أخبار المغنين والمنشدين، أحوالهم وما يدور بينهم، ما يشرع فيه من أمور تخصه هـو أو . وما ينتويه كل منهم

ال يخطـر . يسخر زكريا في سـره . والطرب ى تتعلق بالمغن . هذا ببال الزيني، يستمع الناس إلى الشعراء فـي المقـاهي

. ثا عن كتاب النيل يرون سيف بن ذي يزن ينبش األرض بح يتابعون أخبار البرامكة مـع ، ترتعش القلوب حبا لذات الهمة

سليمان وكيـف . أبو زيد ودياب والزناتي خليفة . بني العباس ال . استشهاد الحبيب النجيب فـي كـربالء . تحكم في الجان

ـ يـربط كـل أربـاب المغـاني ا يدري إنسان أن ثمة خيط خـال . إلى بعض والمنشدين والقصاصين في مصر بعضهم

سكر والليمون طلب منه إعداد حكاية ال زكريا إلى إبراهيم بن عن رجل ال أصل له وال فصـل نـزل . على الربابة ى ترو

أنه سينشر العدل بين الناس وطلـب ى فادع . عليه الجاه فجأة

Page 124: 836

دكـان " ، " النضـي " أن ينشدها الليلة أربعة منشدين في دكان أبـو " بالفسطاط، ودكان " يونس " بالحسينية، ودكان " البهجوي في بوالق، الدكان األول والثاني من أكبـر دكـاكين " الغيط

همـا مـن د يل والنراجيل فـي مصـر وروا ب الحلبة والجنز الحال، ويبدأ شرب الكيف فيها بعد العشـاء، أمـا ي ميسور

الثالث والرابع فشأنهما ضئيل وروادهما من أسـافل القـوم، الحكاية في عشرة دكاكين، جلهم من الفعلة، بعد يومين تنشر

في أحياء مختلفة من القاهرة، نعم بعد أسبوع لتصبح حـديث الناس ويمكن االستعانة بالبصاصين المندسين بـين البشـر لشرح وتفسير ما تتضمنه الحكاية لو تاه مغزاها عن البلهاء،

سكر والليمون بيت زكريا، قام، نزل إلى ال غادر إبراهيم بن ، يفكر بسرعة، تتدافع إلى ذهنه ا أكثر نشاط الحديقة، إنه اآلن

المواضيع، يضرب راحته ، الخواطر، يذكر عشرات األسماء بقبضة يده، يميل ليشرب جرعة من ماء الـورد المخفـف،

، تولد ا ه تمام ح يفاجأ بخواطر لم يحلم بورودها قط، ينسى رو مشاريع ال يمضي وقت طويل حتى تتحقـق، إنـه ال يغفـل

ما يخص المشروع، كافة ظروفه وأحوالـه، ى التفاصيل، أدن بعد انصراف إبراهيم بلحظات، في غمرة نشاطه طلع إلـى

Page 125: 836

غرفة امرأته زينب، احتضن يس، رفعه، حمله فوق كتفـه، أمامه على أربع، قلد أصوات الشاه والحمار، كاد يرمي ا حب

روحه في الفراغ مرح ونشوة عندما علت ضـحكات يـس، ا رقرة نرجيلة نشوى، دخانها نعناع، ضحكات صغيرة كأنها ق

وريحان وبلسان، فجأة أسنده إلى يدي أمه، نـزل مسـرع ا ، فارق ولده، لم تندهش زينب، تعودت منه كل غريب، أرسل

" بـابن كيفـه " في طلب المعلم عوض المعروف بين العامة إلدمانه الحشيش وطول لسانه وحبه الشديد للنكـاح، جـاء،

وله زكريا، فهو من مستصـنعيه، ، ينتظر ما يق ا وقف صامت زكريا سروره زائد عن الحد، هل يدرك الزيني أن رجـاال كهؤالء رهن إشارتي، يتبعونني؟ ربما بدوا في نظره تافهين

" ابن كيفـه " ال شأن لهم، لكن ما أعظم خدماتهم، جاء المعلم ضخما عريض عنـدما ا مرتجف ا ، صوته كالنعير، مع هذا بد ا ،

ـ ، حار الرجـل، أ يه، احتضنه مقبال رآه زكريا هجم عل رد ي القبلة أم يقف ساكتا في حضرة كبير بصاصي السلطنة، تردد لحظات أدرك بعدها أنه لو رد التحية اآلن لبدت باردة، أخذه

أسـفل ى زكريا، مشيا إلى مقعد رخامي تحت نخلة عالية كس جذوعها بألواح رقيقة من نحاس أصفر براق، سأل زكريـا

Page 126: 836

لم، وحال حريمه، هل تصالح علـى امرأتـه عن أوالد المع بيت أمها أم إلى الثانية التي أغضبها منذ أربعة أيام وهجرته

مازالت الفرقة بينهما، قال بسرعة، أنه سمع بعزم المعلم على طالقها، هدأ صوته، تراجع برأسه، أال يوجد عندك حل غير

، الطالق يا معلم؟ أنت تعرف، أبغض الحالل عند اهللا الطالق لـم . لكنك لو أصررت فال يمكنني اإلشارة عليك بأمر آخر

يخف المعلم دهشته وخوفه أيض زكريا يعلـم كـل كبيـرة . ا ـ . وصغيرة . ا ك اح غرق في خجل عندما مال عليه زكريا ض

م أنت ال تعطيها حقها كما ل يا مع . بيني وبينك الحق عليك أنت ال يـا … زوجتك الصغيرة األخيرة أخذت وقتك كله . يجب آخر مرة ذهبت … العدل مطلوب هنا . ال بد من العدل . معلم

متى؟ أخبرك أنا، منذ شهرين وأسـبوع، … آه … إليها متي أنت رجل تفهم الدنيا وتزنها على طرف أصـبعك، وتلقـي

ـ . تعاظم خجل الرجـل ! العيب عليها انقلـب نعيـره همس ا معك حق، معك حق، فجأة قال . وحشرجة تبدو منهما كلمتان

فـرد . غمز بعينه . أتمني إتمامها ا مهمة صغيرة جد : ا زكريـ أصابعه، يثنيها واحدا وراء اآلخر كلما ذكر أمرا أو مطلب ا ،

يضيق المعلم عينيه، يصغي، تروح التفاتة منه هنا أو هناك،

Page 127: 836

صوت زكريا هادئ، كأنه يطرق أي باب للحديث، قد تهـيج هجتـه روحه بألف سبب وسبب، لكنه إذ يبدأ الحديث تصبح ل

خطر األحداث أ حتى لو تناول " صباح الخير " منبسطة كلفظة وأكثرها تعقيد ما يريده اآلن مجموعـة أقـوال وشـائعات ا ،

المعلم، ى وأحاديث معينة، تنتقل بين الناس بخفة ويسر، أصغ على لسان الخلق إال ما ا لك علي أال أجعل حديث ة بسيط " قال نهمـا إلـى بي لو خرج ما جـرى " تضيق عينا زكريا " تريد

اشـتمني " … في مقاطعته ا يسرع المعلم جريئ " … مخلوق المهم " أعرف … أعرف " بسط زكريا يده " … وال تقل هذا

، ضرب المعلم صدره " أال تظهر القصد في حكايتك ورواياتك تعجبني يا " ضحك زكريا " … بن كيفه يعرف شغله ا " براحته

جعة نفسـك فـي وال تنس مرا " : قال بعد لحظة " زينة الرجال أي موضوع؟ ثم تدارك أمره عندما : تساءل المعلم " الموضوع

أي واهللا سـأعمل " االبتسامة الجانبية على شفتي زكريا ى رأ أعـرف أن أبغـض الحـالل عنـد اهللا … عقلي يا شهاب

يضيق عينيه … يهز زكريا رأسه، يقطب جبينه … " الطالق لقماش بشيء ذهب إليها بقطعة من ا ا " ن األمر مفروغ منه أ وك

يؤمن المعلم على كالم " النساء عقولهن كاألطفال . من الحلوى

Page 128: 836

يتبعه مبـروك إلـى خـارج . ا ينحني محيي . يتراجع . زكريا كلما صادف باب . بالسالم ا صوته العالي يجيء ملقي . الحديقة

في جدار أو نبتة زرع يلقي عليـه السـالم، اآلن ا أو شرخ ا ب حصى الطرقات بريق يتضح مذاق الشتاء في النهار، يكس

الطيور حبيسة األقفـاص ال . النبات الغريب . ا هينا لينا خفيف أما اآلن فـي . في الليل تخرس . تكف عن أحاديثها الغامضة

أعـدها . يدخل إلى غرفته في الطـابق األول . النهار فتبوح في الحشايا الوثيرة المحشـوة ي رطوبة خفية تسر . للمقابالت

تلتصـق . ن يخلو إلـى روحـه هنـا يحلو له أ . بريش ناعم حركـة . النباتات الخضراء الخصبة بالمشربية من الخـارج

النبات كل ما يسمع هنا، السـقف عـال منقـوش بالفضـة بجواره طبق " سرواني الفارسي خ ال " والذهب، ونقوش أبدعها

يجيئـه . مـرة واحـدة . نحاس، يقرعه بيد قصيرة من الجلد كأنه يقف الوقـت ا ور لو همس سيده باسمه يجيء ف " مبروك "

كله منتظر لحظات اضطجاعه إلى الوسادة عنـدما تـدور ا كم عدد التقارير التي تكتب اآلن لتـدفع إليـه . األسئلة بعقله

ملخصة في ورقة واحدة؟ ربما يموت إنسان في هذه اللحظة . حلت لحظة غيرهـا . ه انقضت آ . هذه اللحظة بالذات . بعينها

Page 129: 836

ن، أي أفكار في ذهن الزينـي مات، كم إنسان يذكر اسمه اآل بأي ا ماذا سيصبح بعد ثالثين عام . اآلن، اآلن تلد امرأة طفال

فـزع تنبـئ ة أرض يموت؟ ربما يطلق ربان مركب صرخ ـ ة بالمصير المحتوم في قرار ا البحر الشرقي الكبيـر، أحيان

كم . يحاول النفاذ بعيني عقله إلى أحشاء الظالم . والليل مسدل . خر آ ة في المدينة اآلن؟ أعداد ال أول لها وال يعلو امرأ رجال

لحظات كهذه يدرك فيها أنه مهما نفذت بصيرته فسوف تظل يعرف بصاصوه كم من . زمان يء لو يج . أمور ممتنعة عليه

الرجال يضاجعون حريمهم، أي أطفـال سيسـكنون أرحـام لـو . أي طفل منهم سيولد ويكبر، يثير فتنا وقالقل ، أمهاتهم

منع الرجال من إتيانهم المـرأة التـي سـتحمل عرف هذا ل . قبل أن تنبت له جذور . هكذا يجتز الشر من جذوره . الطفل

لو أوتي فرعون مصر بصاص ا عظيم نفذ إلى حقيقة الطفـل ا . الذي ألقته أمه في النهر لما عرفت الدنيا نبـي اهللا موسـى

يثق زكريا مـن مجـيء . ولنجا فرعون وجنوده من الغرق بصاصوه ما يدور في بر الشام وهـم جلـوس زمان يعرف هل تشبه ما استعان به . إذا قارن أساليبه الحالية . فوق المقطم

شرف قايتباي منذ ثالثين بصاص األ . بصاص الدولة األيوبية

Page 130: 836

زمان بمجرد . أمر على حاله ى عاما فقط؟ الدنيا تتغير؟ ال يبق إمساكهم مذنب اآلن . ربما زهقت روحه . يوسعونه ضربا ا …

خر مطلب، تبدل عليه اآلالم آ موت المذنب … ال يحدث هذا لو غشي عليه فهناك من األساليب ما تجعلـه . وهو واع حي

أمـور كهـذه . ا كأنه صحا من نوم عميق أكثر نشاط . يفيق بـن أبـي ي يجهلها الزيني، وإال أين نتيجة تعذيبه لسلفه عل

ـ . الجود؟ تسلمه منادوه منذ شهر تخراج لم يعلن منـادوه اس ن إ قيـل بـين النـاس . درهم واحد منه أو تقريره بأي ذنب

تهامس بعض األمراء . الزيني يجهل طرق تعذيب المحابيس مير يلبغا بن أبي الجود، قال األ ي عن حقيقة ما أشيع حول عل

الجاشنكير، إذا ما شنع العامة والسوقة على كبير في الدولـة فهل نصدق ما يقال؟ ال يصح هذا أبد لـم . اهله الزينـي تج . ا

فيلـذق عاقبـة مكـروه تجاهـل آالف . يرد على رسـالته ويشـط . يسمع بهم ويـرى . البصاصين وهم أطراف جسمه

ا ، ملك ن ملكي حامال ي ن كل إنسان يمش أ الفكر بزكريا إذ يذكر ، واآلخر يدون السـيئات ى يرصد الحسنات فوق الكتف اليمن

نكير في القبر، فوق اليسرى، ال يكفي هذا، إنما ينتظر ناكر و يسأالن، يستقصيان ويستفسران، ينتزعان الحقيقـة بضـرب

Page 131: 836

كم عدد . الميت بهراوات مالئكية ال يعرف أبشع من قسوتها تبـاع لنـاكر أ الناس في الدنيا؟ لكل إنسان ملكان، هل يوجد

ونكير، لو دفن رجالن في وقت واحد، فكيف يسـتجوبانهما؟ ـ ناكر ونكير . كيف يسأالن في وقت واحد هما د ال يمكن تواج

، ى في كل قبر، الموجود في الدنيا كلها هو اهللا سبحانه وتعـال يطيل زكريا التأمل، نظام عظيم وترتيب أروع، هكذا تمسك الدنيا كلها فال تفلت حسنة وال سيئة، يوما ما سيخلو إلى نفسه

ويضع مطلب مجيئه ى بما يرجوه للبصاصين، ما يتمن مفصال ا سحرية تكشف ما يفكر فيـه اإلنسـان، من أساليب، وسائل

ـ ى أخرى تعيد زمنا انقض برمته لمواجهة إنسان ينكـر ذنب ا اقترفه، اآلن يقوم زكريا، يقطع الحجرة جيئة وذهاب يقـيس ا ، ـ طولها بخطواته، أربع عشرة خطوة يمشيها متمهال ا مطرق

تهاجمه الخواطر فجأة، يد خشنة تقبض قلبه، هاهو ذا الزيني ء، حتى اآلن لم يخط زكريا خطـوة واحـدة لهـدم يبدأ العدا

الزيني وإيذائه، اآلن مضت فترة ظن فيها استسالم زكريـا، السلطان في مساندة الزيني؟ هنـا ى هنا يبدأ العمل، ولو تماد

تضيق عينا زكريا، تسرع خطواته، يصبح طـول الحجـرة عشر خطوات، من الذي ساند الملك المؤيد شـيخ الحمـوي

Page 132: 836

دست الملك من؟ الزيني ال يعرف، السـلطان ى إل عندما جاء ال يدري، من الذي دفع به إلى كرسي السلطنة بعـد سـجنه

في خزانة شمائل، في السجن أقسم لو أنه خـرج طويال ا زمن ليهدمن الخزانة البشعة ويقيم مكانهـا مسـجد تتحـدث بـه ا

تفخـر ا قام مسجد أ خرج، هدم خزانة شمائل، األجيال، وفعال هل يعلم المصلون فيه والفقهاء من الذي ن رة اآلن، لك به القاه

ساند الملك المؤيد؟ من السبب في بناء المسجد؟ كتب التاريخ ال تذكر هذا، إنما األمر محفوظ في ديوان البصاصين، كبير

عن يـدي ا ليس بعيد نة البصاصين هو السبب، كرسي السلط يقر بما ، لو طال العمر بشعبان حتى ه زكريا، من هنا يزحزح

بينه وبين الغوري، لكن الضرورة أوجبت قتله، كان قمـر ا ، لكن البد لألقمار أن تغرب وتمضي، اليوم سيرسل زكريا في إحضار المشرف على أبراج الحمام الزاجل، نظـام دقيـق استحدثه يتفاخر به على البصاصـين فـي أنحـاء الـدول واإلمارات، كل حمامة تعرف أي الطرق تسـلك، ال تطيـر

فيه إنسان، فوق قافلة في الصحراء، إنمـا تعبـر ت فوق بي الخراب إلى أهدافها ولو طال بها الـزمن، اليـوم سـتطير األسراب، ليعلم المباشرون وأصحاب اإلقطاعـات ومشـايخ

Page 133: 836

البالد، حتى العامة من الناس الذين خدعوا في الزينـي، أي على أمة اإلسالم فـي مصـر ى خطأ أتاه السلطان عندما ول

ل ال يعرف له أصل وال فصل، لم يره أحد يصلي جماعة رج في يوم جمعة، يظهر العدل، وال يعرف أحد ما فـي عقلـه،

بن أبي الجود، ومن يـدري؟ ي أبطأ في استخراج أموال عل ـ الخلـق، ة ربما شاركه خفية من قبل أن يعرفه أحد في أذي

ستطير األسراب إلى بيت األمير طغلـق شـادي العمـائر، معروف بين الناس بفول مقشر، فتنة واحـدة بـين وبشتاك ال

طشتمر وخاير بك ال تكفي، سيعلم طغلق أن بشـتاك فـول مقشر يحط من شأن المسجد الجديد الذي بناه للسـلطان فـي

يعرف بشتاك أن طغلـق نفسه في الوقت . سوق الشرابشيين مراء بشتاك في التشـبه بـاأل إلى يضحك عليه، يقلده ويلمح

يقول عنه، هـذا رجـل محـدث . ن السلطان المقربين جدا م خطواته تسرع سينتفخ فـم طغلـق . نعمة، اآلن يبتسم زكريا

يرمي زبد خـر اآل يسلط كل منهما مماليكه علـى . أبيض ا . يكثـر . البضاعة من األسواق تضطرب أحوال الناس، ترفع

أبكـار يقوم عدد من أشداء البصاصين بخطف عـدة . النهب ا عن الرواح والمجـيء يمضـي وغلمان، اآلن يتوقف زكري

Page 134: 836

النهار وادع ما أحب الشـتاء . يكاد يسمع سريانه في الفراغ ا مـرة . خبط الطبـق النحـاس . أمسك المطرقة الجلدية . إليه

. واحدة لها رنين

Page 135: 836

مساء الثالثاء سابع ذي القعدة نداء

يا أهالي مصر نوصي بالمعروف وننهي عن المنكر

نعبد ونسجد ونحمد لئيم متجبر من أذل كل

يا أهالي مصر لكم ى البشر

يأمر موالنا السلطان بيان ى طالعه على أوف ا بعد

رفعه الزيني بركات بن موسى ناظر حسبة القاهرة والوجه القبلي

وشرح فيه حقيقة األحوال وما يمس العباد من الرعية الفقيرة

تلغى الضريبة على الملح وتطلق يد التعامل فيه

كان حكرا على القلة القليلة من بعد أن يا أهالي مصر

Page 136: 836

يأمر موالنا السلطان طلعه الزيني بركات على حقيقة الحال ا بعد أن

برفع احتكار األمير طغلق للخيار الشنبر وسائر أنواع الخضار

ن يبيعه الفالحون في األسواق بال وسيط أ و حتى تنحط األثمان ومن يضبط حارس ا أو مملوك ا

القراصنة أو الجلبان من يتقاضى ضريبة على حمولة خيار أو خضار

عند أي باب من أبواب القاهرة يشنق بال معاودة

Page 137: 836

من نداء طاف به المشاعلية مساء نفس الثالثاء، سابع : ذي القعدة

يأمر موالنا السلطان بعد أن أطلعه الزيني بركات بن موسى

حسبة القاهرة والوجه القبلي ي متول ى األحوال عل

أال يمشي مملوك ملثم بعد المغرب في الطرقات ا وأال يدخل مملوك بسالحه الحارات

بعد العشاء***

من نداء غير عادي شهره رجـال الزينـي مسـاء الثالثاء، سابع ذي القعدة، بين الناس الذين نزلـوا الطرقـات

: يسمعون بفرحة ما ينشر وما يقال طالع على رأي الشريعة بعد اال

واستشارة أهالي الرأي والمشورة ى وانقض ى والبحث فيما مض

يأمر الزيني بركات بن موسى متولي حسبة القاهرة والوجه القبلي

Page 138: 836

بإبطال عادة نعي الموتى بدق الطارات ومن ضبطت تدق طار على ميت ا

تشهر بغير معاودة *** : نداء أعقب السابق مباشرة

خصص الزيني بركات بن موسى لي حسبة القاهرة والوجه القبلي متو

باب من أبوابه لتلقي المظالم

كل من وقع عليه ظلم … من أي كبير أو صغير

فليتوجه إلى الزيني بركات السترداد ما ضاع من حقه

عنوان رسالة، وصلت إلى دار زكريا بن راضـي، (

): مع رسول خاص، من رجال الزيني تونيالزالتين وو * و طور سينين وهـذا البلـد * األمين

Page 139: 836

ونائب الحسبة الشريفة . إلى كبير بصاصي مصر الشهاب زكريا بن راضي له السالم

*** نداء في ليلة الثالثاء، نفس الوقت الذي وصلت فيـه

: الرسالة إلى زكريا من اآلن فصاعدا

ستعلق فوانيس كبيرة تضيء بالشحم هندسها وسواها

مير طغلق شادي العمائر األ بعد استماعه إلى رأي الزيني بركات متولي حسبة القاهرة والوجه القبلي

على كل باب حارة تحت كل منزل وقصر

أمام كافة الوكالت ستعلق الفوانيس الجديدة

وسيقوم رجال الزيني بإضاءتها كل ليلة وبمعرفتهم

منة آ حتى تنام القاهرة

Page 140: 836

اح من مكانه وحذار أن ينزع مصب وإال جوزي وعوقب أصحاب المكان

يا أهالي مصر لن يكلفكم األمر درهما فتعاونوا مع ناظر الحسبة الشريفة

يا أهالي مصر يا أهالي مصر

***** يأمر موالنا السلطان باستمرار زكريا بـن راضـي نائبا للمحتسب كما كان في كافة وظائفه ويقرن اسمه بلقـب

". الشهاب " الي مصر يا أه

يا أهالي مصر اهتموا اعتنوا بالفوانيس الجديدة

ألوامر ناظر الحسبة ا ومن يضبط مخالف … شنق بغير معاودة

*** من عمرو بن عدوي

إلى مقدم بصاصي القاهرة

Page 141: 836

ى تقرير في وصف ما دار وما جر بين العامة والناس ليلة الثالثاء

… سابع ذي القعدة والقضاة، والمطلعون ، لدواوين وكتبة ا ، أجمع العجائز

خالل األزمان الغابرة أن مـا شـهدته ى على حقيقة ما جر لم . القاهرة ليلة الثالثاء سابع ذي القعدة لم يحدث من قبل قط

سمعت هذا بأذني مـن مجـاوري . خر آ يعرف مثيله في بلد . وعجائز زاوية الحلوجي وتجار الغورية والباطنية . األزهر

. ن أمام باب المـزينين وزاويـة العميـان والحالقين الجالسي كـل . إذ لم يحدث طواف المنادين من قبـل . بجامع األزهر أو ا وفي كل مرة ينقلـون أمـر . يتقدمهم طبل . نصف ساعة

خبر ا جديد ولكثرة ما قالوه من نداءات لم يكـرر . إلى الناس ا نداء واحد قط مع أن العادة جرت من قبل أن يـردد النـداء

إال في حالة وقوع ا خمس مرات يومي كامال ا سبوع السلطاني أ حدث مهول، رأيت الزحام عظيم خرجت الباطنية برجالها . ا

ونسائها أجمعين، النساء يطلقن زغاريد وأيد تلوح وحنـاجر تزعق، وتفاوت كالم الناس، وحتى ال أطيل وأكرر، أجمل ما

: سمعت كما يلي

Page 142: 836

لرابع، للزيني كثر الدعاء بعد النداءين األول وا : أوال بركات، وكثر الكالم الطيب من سائر األفواه، خاصة النساء

" أدام اهللا أيام الزيني " ويصحن . اللواتي رحن يهتفن ويهرجن وأجمعن على معرفة الزيني بمـا يقـرص أبـدان النـاس

وأرواحهم من مواجعهم ألنه ليس متعالي ـ ا وال متغرب إنمـا ا ، ذكر المظـالم، يـأنف يعرف أحوال الخلق، ويقشعر جسمه ل

تعذيب اإلنسان، ويركـع الصـلوات فـي أوقاتهـا، قـال وهو بائع هريسة متجول، اسمه شـمس الرمضـاني، ( الرجل

ويسكن أول ربع في حارة الـروم الجوانيـة عمـره فـوق الزيني ينزل ى األربعين، لحيته بيضاء، أعرف مكانه أنه ير

متخفي ـ ع في النهار والليل يتسم ا س مـا أحوال النـاس، يج ن اهللا أرسله في هذا الزمان نصيرا للفقراء، وقال أ يؤلمهم، و

في بيت الزيني بركات يقول أن سيده يبكي ا نه يعرف خادم إ أن الليل يرخي سـدوله علـى ا قبل نومه لعلمه تمام طويال بسبب هذا، يطلب من ا مظلومين، الزيني يتعذب كثير ى حزان

ال يمكنه إزالة كل ما يقـع اهللا السماح في الدنيا واآلخرة ألنه من مظالم، وأشيع بعد النداء الرابع طلوع الزيني بركات إلى

أنـت " السلطان وخلوه به فترة طويلة، قال فيهـا للسـلطان

Page 143: 836

يوم القيامـة وسـوف ى مسئول عن هذه الرعية أمام اهللا تعال تحاسب أنت وأحاسب أنا على كل ذنب ارتكـب علمنـاه أو

السلطان طويال ى من جبروته، أصغ جهلناه، أين نروح يومها إليه، كان حديث الزيني مشفوع بآيـات قرآنيـة وأحاديـث ا

قـال ( نبوية، ونصوص من متن ال يجيدها إال أفقه العلمـاء نه يحفظ القرآن كله وله شرح مخطوط لم يطلع عليه إ التجار

، تحدث الزيني عن األمير شاربك، واحتكاره للملح فـي ) أحد ا ه الوحيد الذي يتجر فيه، إذا ضبط إنسـان بر مصر كله، وأن

، نـى يعاقبه بقطع ذراعـه اليم ا يبيع بنصف درهم ملح ا غلبان إذا ى قطعت من قبل أو ساقه اليمن ى إذا كانت اليمن ى واليسر

، أو يحضـر ى سبق قطع الذراعين، واليسرى إذا سبقتها اليمن ابن المخالف أو أخاه أو أمه أو أباه إذا وجد بـال أطـراف، ـ ا احتكار شاربك للملح جعله يزيد في سعره كما يشاء، أحيان

يعتدل مزاجه فينزل بالثمن إلى الحضيض، إذا شط مزاجـه وغضب شهر المناداة برفع السعر، هذا ال يضر إال بالرعية

الناس ال يجهرون عندئذ إال بالدعاء على : نفسها، قال الزيني ه، قال الزينـي السلطان نفسه وإظهار النقمة عليه والغيظ من

األمر أدهى وأفدح خطرا بالنسبة للخيار، ألن األمير طغلـق

Page 144: 836

حرج على أحد المتاجرة فيه أو بيعه أو شرائه إال عن طريق نوابه، وأكد التجار أن الزيني أجرى الدمع من عيني السلطان حتى أطلق السلطان يده فيما يشاء، بشرط أال تنخفض ماليـة

البالد درهما واحد طنة أحوج ما تكون للفلـوس هـذه ، السل ا الزيني مقدرة على ى األيام بعد انقطاع عديد من الموارد، أبد

بعد نشره النداءات تعالت الشتائم ضـد األميـر . تحقيق هذا طغلق ولو طالته األيدي لقطعته حتتا، كما جهر البعض بهذا، لعن العامة أجداد األمير شاربك وكثر الدعاء عليه، وحـدث

للمنـادين إظهـارا لفـرحتهم ا الفقراء نقوط أن رمي بعض . وبهجتهم

ثاني سمعت بأذني ثالثة رجال يتحدثون في قهـوة : ا أحدهم أعرفه واسمه فتوح اإلسكندراني من سكان ) " النضي (

باب الشعرية، عنده معصرة زيوت، وله من العمـر خمسـة وخمسون عام ا يقولون كالم ، فتـوح ى خر، إذ أبد آ له طعم ا

راني شكا وريبة في نداءات الزيني، قال فتوح، األمر اإلسكند لن يستمر على ما هو عليه، السلطان لن يسـمح باسـتمرار

يتفـق مـع ا إال إذا احتوى األمر غرض … األمور هكذا، إال مصالحه وبذل جهد في إقناع الحضور أكثر من إشارة يديه، ا

Page 145: 836

استخراج ما في رأسه ولم يخـرج ه محاوال كش بادرت إلى ن خر صاح رجل اسمه آ عن هذا، وفي مقهى ه ديثه مع صحب ح

حد أ كان ى ومت … ا أبو غزالة في مصبغة بحارة الميضة، حق " الحكام يظهر العدل؟

قرب سوق التربيعة حيث يكثر تـردد النسـاء : ا ثالث ى على محالت التجار الشوام هناك، تساءل الرجل عن مغـز

ى؟ أجمعـت على المـوت ا منع النساء من دق الطارات حزن آراؤهم على حق الزيني بصفته محتسب في منع هذه البدعة، ا

لكن األمر األخطر من هذا، األكثـر فداحـة، مـا يخـص الفوانيس، قال عبد الحميد رئيس طائفة السقائين في القـاهرة

قال هذه بدعة ما يصح نشرها ) ومجلسه عند هؤالء التجار ( ي نفـس الموضـوع في أمة اإلسالم، وقال أحد المجاورين ف

يريد الزيني ) اسمه جاد اهللا، صعيدي يسكن رواق الصعايدة ( إدخال بدعة جديدة تنسب إليه، قال آخر ربما أخذت البدعـة البركة من الناس، كثر الحديث عن تعليق المصـابيح، قـال آخرون، ربما منع هذا هجوم المنسر في الليل، وأجيب على

لمنسر؟ يعني إذا قصـد هذا بسؤال، هل يمنع الضوء هجوم ا المنسر أو المماليك الهجوم على حارة من الحـواري فهـل

Page 146: 836

يمنعهم هذا؟ سيكسرون المصابيح وينفذون ما بأغراضـهم، قال اليهود مادمنا لن ندفع درهما ال بـأس، وقـال بعـض المشايخ، لم يظهر من الزيني إال الخير فال بد مـن احتـواء

المنادين مـن الطـواف نفع، وبعد انتهاء ى األمر الجديد عل خرج رجال الزيني طلعوا فوق ساللم خشبية يدقون المسامير الكبار في الجدران، يربطون إليها الفوانيس، ثـم يشـعلونها

… " هيـه " وعند انبعاث الضوء منها يهلل الجميع ويزعقون الفوانيس، الفوانيس " هيه عاشت الفوانيس " دامت الفوانيس،

… ه الليلة بسبب ذلك ولم تنم القاهرة في هذرابع أثناء دخولي جامع األزهر عند الفجر، رأيت : ا

ذكرته مـرات مـن ( طالب العلم األزهري، سعيد الجهيني يجلس بين جمع من الطلبة، كان يكثر من هز قبضته، ) قبل

على وجهه غيظ، وعدم رضاء وكمد وحقد دفـين، وكلهـم يشـير إلـى مصغون إليه، ألقيت السالم، وروعت إذ وجدته

أمر لم يتردد على ألسنة الناس قط، لم أسمعه من مخلـوق، مـا جـاء فـي النـداء الخـاص ى سعيد الجهيني يعلق عل

ـ بالفوانيس بإقرار الشهاب األعظم زكريا بن راضـي نائب ا : للمحتسب، تركز كالمه في اآلتي

Page 147: 836

وقوع قهر على الزيني بركات بن موسى من ناحية - ١ . للحسبة ا قراره نائب الشهاب وأعوانه حتى يتم إ

إنه عليم بالزيني بركات وتأكده عن عدم رضائه عن - ٢ . القرار

كل ما أذيع من نداءات متتالية الغرض منـه شـغل - ٣ الخلق عن أخطر ما في األمر وهو إقرار الشـهاب

. األعظم وإعطاء الشرعية لوظائفه

: قال بالحرف الواحد الجمل التالية - ٤

" بدأت األمور تضطرب " " يئ س فأل ا هذ " " اللهم نجنا واسترنا "

ال يكف عن التنقل بين المجاورين ه وحتى كتابتي هذ يجهر بنيته في الطلوع على شيخه أبي السعود، شـارحا لـه

الحال، طالب تدخله في األمر، وهو مستمر في سب الشـهاب ا . األعظم بأنتن األلفاظ، وأقبحها

خامس خطب بعض الوعاظ، وحطـوا فـي حـق : ا فوق منابر المساجد، وسـخر الشـعراء فـي الفوانيس، من

المقاهي من األمر الجديد، وألفوا شعر قالوا فيه ا :

Page 148: 836

… " لحق يا متعوس، وإال علقوا لك فانوس إ "

Page 149: 836

نداء هـ ٩١٢ الجمعة، عاشر ذي الحجة،

يا أهالي مصر نأمر المعروف وننهي عن المنكر

لسلطان اليوم، قابل ا قاصد ملك الحبشة

وقاصد ملك البنادقة نعم على كل منهما بخلعة أ

بفرو سمور . كاميلية محمل يا أهالي مصر

وقعت قطعية مفاجئة بين األمير بشتاك فول مقشر واألمير طغلق شادي العمائر ألن البشتاك شنع على المئذنة

الجديدة في جامع السلطان قال، بها بعض الميل

***

Page 150: 836

:سعيد الجهيني تغيـب . هذا زمان الحيرة وسيادة الشك وفناء اليقين

ه لو هج في بيداء ال أول لهـا وال آ . رغبة ى التفاصيل، تطغ جسمه، ربما ى ينحل شعره يبل . خر، ال عرض لها وال طول آ

ما كساه السحاب، مـا تقنـع . ما هجره . عرف ما غاب عنه شق ال أمـل عمره، يذوب وجده في ع ى بالضباب، كيف يفن

شعوره بوجودها في بيت ال يطرقه كل أسبوع … فيه، زاده رؤيتها، تطلع الشمس مـن الشـرق، ى إال مرتين، إنما يتمن

عن الثانية، عن الثالثة؟ ى تنزل الغرب، كم تبعد السماء األول هل تقاس المسافة بالطول أم الزمن؟ كم تبعد النجـوم عـن

ا من السـقوط، وأي سالسل ضخمة تربطها، تمنعه . األرض وهذه النجوم التي تهوي أهي أرواح شريرة مطـرودة مـن

تضيع فال تصل األرض وال . الجنة؟ تبدو لحظات في العتمة كحلـم ى تستقر في سماء، حتى ذيول اللهب التي تسحبها تمح

اليابسة؟ كيف يمتلئ النيـل ى البحار عل ى ثقيل، كيف ال تطغ يني بركات هـل ويفيض ثم ينحسر من جديد؟ عندما ولد الز

؟ ا سيصـبح محتسـب ا المحفوظ؟ يوم ه بما كتب في لوح ى در ، كيف، كيف، كيف يقبل استمرار ا سمه زكري ا سينتظره رجل

Page 151: 836

زكريا بن راضي نائب البصاصـين، ى عت أ له، يحيط الحسبة ب ا أكثرهم مقدرة في بث الرعب والخوف، في حجارة المباني،

ذن المساجد، في آ وم في الطيقان، الزوايا، فوق وسائد النوم، بيـت إلـى أرضية محراب الصالة، هل ضل عندما ذهـب

الزيني ليصحبه إلى كوم الجارح، لكنه مازال يعلن، من لـه مظلمة فليطلع عنده، ويومي يتردد على بابه كـل صـاحب ا

شكوى، الناس ال يقصدون إال هو، عطل أبـواب األمـراء القضـاء الجمع بـين ي والقضاة، حتى أشيع أن الزيني ينو

والحسبة، ورد الزيني على هذا بركوبه بغلته وتوجـه إلـى جامع األزهر لصالة الجمعة، خطب في الناس نافي كل مـا ا

يتردد عنه، قال إن الحسبة تقتضي منه وعي ويقظـة، فهـل ا يتحمل عبء الجمع بينها وبين مهام أخرى، هلل الناس لـه،

ا غضـب ى ني وأبد نتر فيهم الزي . كبروا، حاولوا تقبيل عباءته الشـهاب ى ، لحظتها أطبق الهم على ضلوع سعيد، رأ ا وغيظ

األعظم زكريا بن راضي، أول نواب الزيني، يمشي وراءه، ، يتشح بعباءة زركش صفراء وعمامة عادية بـال عالمـات

حمراء فقط تتوسط رباط الشاش المحيط بها، شكا إلى ة ياقوت منصـور، منصور صاحبه وزميله في الرواق همـه، قلـق

Page 152: 836

عيه، البد من صن األروقة تشغي من جديد برجال زكريا، بمست التزام الحذر في الكالم، سعيد ال يجهلهـم، يسـمع خطـاهم

إليه نظرات عمـرو ذ الخفية وراءه، انساللهم من الهواء، تنف ، أشيع أنـه ا ، عمرو اشتري عباءة جديدة ومركوب ي بن العدو

ا اللحم، والخضار له ي يشتر " نس أ " ة في بيت أ يذهب إلى امر لو يجالسه بقلب صاف، ما الذي يدفعه د والسنبوسك، سعيد يو

هة وهمسة إلى زكريا؟ لكن كيف يصـل بـه آ إلى رفع كل : بزكريا، قال ا الفكر إلى هذا؟ صاحبه منصور لم يظهر ضيق

الزيني ال يتحكم في األمور كلها، هو جديد على المنصـب، تحيل تجاهلـه ومـن ورجل مثل زكريا ال يستهان به، ومس

ربما هذه خبطة واعية من الزيني، حتى لو عـزل … يدري زكريا فهو خطر كامن كالحفرة المموهة، يمسـك بأسـرار السلطنة واألمراء فهـل يصـطدم بـه الزينـي أم يضـمه

كـل ى ، أي أمور أصـح، رأ ا لم يقل سعيد حرف … ويحتويه ويا، عليـه ملت ا ال حيدة عنه، طريق ا أمر في الدنيا يسلك طريق

ـ . ضباب، دخان كثيف ركنـا فـي مقهـى ي منصور ينتح الدخان فوق حجر الجوزة، يغـرق ي يمد يده، يسو " النضي "

ـ في لب الدخان، خالصة النجاة من األحزان، حبيبته النائ ة ي

Page 153: 836

تدنو، يفتح ذراعيه، يحتويها، تتقرب إليه، تجثو عند قدميـه، ى يهاجر إلى أرض واق الواق، يغزو جـزر النسـاء، يـر

ـ ه وزكريا تابع . الزيني رسوال منزال األمـن، ي األمين، يحم يقصى البالء، يدفع الفتنة، منصور يقول قبل هجرته إلى دنيا

سنين ي النسيان، ال أمر يعنيني فلماذا أشغل نفسي، كتبت عل أسلك . أعيشها في الدنيا، والدنيا فانية، فألنهل من ينبوع اللذة

تشـنج لحظـة، أ لعقـل، ف طريق السالمة، وال أكون خفيف ا تقلص لحظات، يدعو سعيد إلى رفقته فهو يشعر بالوحـدة أ و

لحظة هجرته إلى عالم الغيب األزرق حيث الحور والولدان، الطرقات تضيئها " النضي " يضيق سعيد، يمضي خارج دكان

الفوانيس، حتى اآلن لم يحسم أمر الفوانيس، فتنة توشك على ع تعليق الفوانيس أم ضده؟ ال ندالع بسبب الفوانيس، أهو م اال

يدري، لم يطلع إلى مواله منذ أربعة أيام، آه لو يرحل إلـى إلـى الصعيد، يرمي عن كتفيه ما ناءتا به منذ سنوات مجيئه

لو يمضي إلى جامع الحسين، يشد عمـره إلـى آه األزهر، الباب األخضر، ال يفارق الحبيب، يتلـو األذكـار وينـاجي

إلى سماح، ينزع خمارها، يضمها كنزا ه لو يمضي آ الشهيد، غالي وطلسما وشعرا لم ينشد مثله وجنة ضائعة، لكنها سراب ا

Page 154: 836

ـ د ظامئ ال يدري ما يفعل، سماح مسخت النساء كلهن فلم يع إال هي، ما عداها أرض خراب، األمان في بعـدها عنهـا، تحرقه الرغبة ليالي، يتقد فراشه في الرواق بنيران هادئة ال

دخول الرجال، " نس أ " اول معرفة ما يجرى في بيت تخبو، يح انتقاؤهم ما يريدون، ال يعرف الرجل اسم من ينام معها، قال منصور، في أول مرة سألت البنت عن اسـمها، فضـحكت مني، قالت راوية وعرفت أنه ليس اسمها، آه لو ذهب إلـى

نس، أال يستطيع؟ سماح ال تتجرد من ثيابها في مخيلته أ بيت أبد ال يجرؤ على رؤيتها مضطجعة في وضع مثير، أحلـم ا ،

هي؟ ال يذكر لون عينيها، مذاق نظراتها، مالمح وجهها التي تجعلها سماح، وليست إنسانة أخرى، من أعوام كان سـعيد صفحة بيضاء لم يجر فوقها المداد، لم يخدشـها سـن قلـم، تمتلئ الدنيا أمامـه بـالحروف، اآلن، عالمـات التعجـب

هام، ألف سؤال حائر بال هداية، الدنيا كلها سـؤال ال واالستف ت أ خر، باق مخلد فـي مخطـوط عتيـق تهـر آ أول له وال

. كل الحواف، كشطت حروفه آ ، مت ه أوراق

Page 155: 836

"قسم خاص " مما قيل بشأن واقعة الفوانيس " نتف " به

جزء من خطية الجمعة التي ألقيت مـن فـوق - ١ ـ، وهذا الجزء قالـه ه ٩٠٩ خر ذي القعدة آ منابر المساجد،

. الوعاظ كلهم على اختالف مذاهبهم اهللا عليـه ى ، يقول رسول اهللا صـل ر يا أهل مص "

وسلم، ال يستحي العالم إذا سئل عما ال يعلم أن يقول ال أعلم، أمام البيوت والـدكاكين نقول هذا لمن أحلوا تعليق الفوانيس،

م القول يدعون العلم بالتواريخ واألحداث التي جرت وينقصه بما سيجيء هنا ندخلهم في زمرة الكافرين، قالوا سبق لعديـد من األمم أن علق حكامها الفوانيس في شوارعها، فهل ذكروا

على هدى الفـوانيس؟ ي بعينه؟ أهل كان رسولنا يمش لنا مثال وفي رحلتي الصيف والشتاء إلى الشام واليمن هـل أضـيء

، نقولها بال حرج . ة بفوانيس صنعها بشر، نقولها عالي ه طريق نقولها ورقابنا على أيدينا لهؤالء الذين يدعون العلم بـالحكم

واألصـول . التاريخية، واألحاديث النبوية، والمتون الخفيـة ال ، المرعية، وهم جهالء يخفون جهلهم، نقولهـا وال نهـاب

نخاف، ال نخشى، يا أهل مصر لم يحدث تعليق الفوانيس من

Page 156: 836

الكريم بغض البصر عـن عـورات لقد أمرنا رسولنا . قبل ، ليال ا ونهار الخلق، والفوانيس تكشف عوراتنا، خلق اهللا ليال

مظلم ا ونهار ، ا مضيئ ا خلق الليل ستار ، ا ولباس فهل نـزيح ا ، الستار؟ هل نكشف الغطاء الذي أمدنا اهللا به؟ هـل نتطـاول ونبدد سواد الليل من كل شبر في المدينة؟ هذا كفر ال نقبلـه،

ذا خروج عن الحد ال نرضاه، ولوال اقتناع الكل منا بسالمة ه نه يقصد ما يقصد، لكنه منذ استالمه إ نية الزيني بركات لقلنا

ال ما هـو خيـر، ولـن تحـول إ أمور الحسبة لم يبدر منه الفوانيس ثقتنا عنه، لن تشككنا فيه، يا أهل مصر توجهوا إلى

بيت الزيني بركات بن موسى أفراد ـ ا ات، زرافـات وجماع ووحدانا، قوموا إليه إلى بيته طالبوه بمنع الفوانيس التي تهتك

ليـه إ السر، وتشجع النساء على الخروج بعد العشاء، قوموا ضارعين متشددين، راجين حازمين، ال يرجعنكم لين حديثه عما انتويتموه، ال تغيبوا عن مقصدكم، الفـوانيس عالمـات

رج عما رسمه الباري عز خر الزمان، من عالمات دنيا تخ آ إلى الزيني بهذا، ى وجل، طالبوا سلطاننا بتوسيط كل من أوح

ه من تسود فيـه آ ، برجمه، هؤالء الجهالء دعاة العلم، ه بحرق

Page 157: 836

الفوانيس اللهم قنا شره، اللهم أبعدنا عنه، اللهم ال تمد أجلنـا . حتى نراه بكاء الناس فـي الجوامـع، وزعـق ى وهنا تعال (

) هدم الفوانيس، اللهم اسحق الفوانيس ا بعضهم، اللهم

Page 158: 836

:فتوى قاضي قضاة مصر " الفوانيس تذهب بالبركة من بين الناس "

*** هـ ٩١٣ أول محرم

:ا قاضي الحنفية يقول رأيا مخالف ر المسالك في الليـل ي وتن . الفوانيس تطرد الشياطين

للغرباء، وتمنع مماليك األمراء والمنسر من الهجوم في الليل . لى الخلق األبرياء ع

*** :قاضي القضاة بالديار المصرية

خرج أحد كبار العلماء عن الحد، خالف األصول، " " صف الفوانيس إلى الفروع، بانحيازه ى ونف

*** "عة لاألمراء الكبار يطلعون إلى الق"

موالنا السلطان، تسبب تعليـق الفـوانيس بجميـع " نزول بعـد العشـاء الحارات في تشجيع حريم العامة على ال

والتجول في الطرقات، والسهر أمام الربوع واألسواق وهـذا " خاير بك " " وخادش للحياء . مخالف للحشمة

Page 159: 836

*** العيال الصـغار ال يرجعـون إلـى بيـوتهم اآلن " إنما يبقون في الشوارع ساعات ينشدون ويغنون، … مبكرين بادلون قبيح يقلسون ويرجمون مماليكنا بالحجارة، ويت ا وأحيان

" األلفاظ "قوصون "

*** مثل هذا األمر ال يبتدعه إال إنسـان يبغـي نشـر "

" والفجور … الفتنة "طغلق "

إنارة المدينة، وسهر األهالي على ضوء الفـوانيس " ". أمر جارح للهيئة، ومهين للسلطنة

"قنبك " الزيني يرسل رجاله أول الليل، يطلعون فوق الساللم

يـا م ينيروا الفوانيس وينظفوها، كما يقـول، لكـنه الخشبية ل موالنا ويا أمراء، ال يقومون إال بالتجسـس علـى الخلـق،

" وعلينا، يهتكون حياة الناس داخل بيوتهم "طشتمر "

Page 160: 836

*** " … هذا تمام … هذا حق "

"كافة األمراء " ***

":قاضي القضاة عبد البر " حـدث مـن سجل قاضي الحنفية سابقة خطيرة لم ت "

". وهذا حدث مهول … ال … قبل، خالف رأينا، قال ***

Page 161: 836

:رواق الصعايدة أبدى بعض المجاورين استحسانا لرأي قاضي القضاة عبد البر بن الشحنة، قالوا إن رجال مثله ال يمكن أن يشـغل روحه بالفوانيس إال إذا عظمت أهمية األمر ليس كما يتهيـأ

مر، أشار إلى الطرقـات للبعض، قال سعيد، تبالغون في األ الكبيرة في مدينة القاهرة، وإضاءة دكاكينها طوال الليل، هنا

: قال أحد المجاورين كالم غير صحيح، الدكاكين تغلق بعـد العشـاء وال ينتصف الليل إال والكل في بيته نيام، عال صـوت سـعيد، أيكره أحدكم إضاءة الحوارى والبيوت حتى يأمن الناس على

العتمـة حتـى يعبـث ى ما يريده األمراء أن تبق أرواحهم؟ … ي مماليكهم كما يريدون، عال صوت عمرو بـن العـدو

أنت يـا " بالضبط ما يقوله سعيد صحيح، قال مجاور شامي سعيد تخالف دائم ا " قال مهتاج ال أخالف إال ما أراه خطـأ، ا ،

تساءل مجاور نوبي، وهل يخطئ قاضـي القضـاة؟ مـال خالفه الرأي ما الداعي لبدعة الفوانيس؟ منصور إلى سعيد، ي

ال يوجد من أمور الناس ما هو أهم منهـا وأجـدر بعنايـة أ الزيني واهتمامه؟ ثم بصراحة يا سعيد هذه البدعة ال تزيـد

Page 162: 836

األمر إال فساد أطرق سعيد، من يدري، ربما تضمنت بدعة ا ، الفوانيس أغرض تغيب عن عينيه هـو، تسـاءل المجـاور ا

اس تقيم الدنيا وتقعدها، لكن هل جـرؤ كبيـر أو الشامي، الن صغير على إزالة الفانوس المعلق أمام داره، صاح مجـاور

سـخر " بالضـبط " قال عمرو " يهابون الزيني " من منفلوط منصور، أيخشاه أتابك العساكر نفسه؟ قرص سـعيد طـرف

من إنهاك أرواحكم أرقبـوا شفته العليا، آه لو يقول لهم، بدال ا أحق … ه زكريا، كيف فرض نفسه على الزيني، لكن ما يفعل

فرض نفسه، من يدري، ربما جاء المنصب برضاء الزيني، … قال عمرو بن العدوي ولكن الحكاية ليست حكاية فوانيس

أبد ا … " ***

هتف الخلق في الجوامع والطرقات لعن اهللا الفوانيس

لعن اهللا الفوانيس

Page 163: 836

هينيجسعيد ال من قبل، سعى إليه، بعد الفجر صحبه إلى الشيخ أبي السعود، ها هو ذا البيت، البوابة مفتوحة، لم يزد الزيني فـي بنائه، من حقه كناظر للحسبة االنتقال إلى بيت أكبـر، لكنـه يبقي هنا، أمام البيت يقف رجـل نـوبي يرتـدي القمـيص

عه الزيني األخضر ذا الياقة واألكمام الصفراء، أمر جديد ابتد س واحد، ا بالنسبة لنوابه ورجاله في الطرقات التابعين له، لب

في الناحية األخرى يقف خلق كثيرون، يمتد الصف بهم حتى يخرج من الباب اآلخر للبيت المطل على الطريق الخلفـي،

: هل تبغي مقابلة الزيني بنفسه؟ أكد سعيد، نعم : تساءل النوبي لمظالم خافتـة بـرغم وات أصحاب ا ص غاب الرجل عنه، أ

عددهم الكبير، إذ يلتقي بالزيني يفتح له قلبـه، سـيقول لـه على احتمال ما تتعرض لـه، عنـدما مشـى ى أعانك المول

بجواره في هذه الليلة البعيدة، لم يقل الزيني كالم ا كثير لـم ا ، في تفاصيل، لو رآه اآلن ينقطع الحديث بينهما، سعيد ض يخ

ى قلبه، الزيني يذكر كافة ما يضايقه، يقول له ما مهد الشك إل ما يتطلبه منصب الحسبة، ما يجنبه من كالم النـاس، عـاد

نزل الزيني من البيت أول النهار، ربما رجع " الرجل النوبي

Page 164: 836

وكأن سعيد توقف فجأة بعد جـري، تسـاءل أال " بعد العصر تعرف أين؟ قال النوبي، للزيني جوالتـه التـي ال يعرفهـا

على الناس، لكنني أعرف مهمة واحدة مـن إنسان، ليطمئن كما تعرف هناك وقيعة بين مماليك طشـتمر … مهامه اليوم

وخاير بك، ناحية حارة الجوانية، انتهزوا فرصـة الخنـاق والزينـي قصـد الحـارة … ونهبوا عدة دكاكين في الخط

إلحصاء المال المنهوب وما لحق الناس من أضرار، ورفـع متى جرى هذا؟ قـال … تساءل سعيد األمر إلى السلطان، و

النوبي معجب طوال الليل، كيف حدث ما حدث وسعيد لـم ا ، يصله خبر، ربما لبقائه في الدرس حتى الظهيرة، لكـن ألـم يصبح الصلح وشيكا بين طشتمر وخاير بك؟ هـز النـوبي رأسه، أبدا، بعد أن اتفقا على ضرورة التخلص من الفوانيس

، ا ر بك، ال اتفق مـع طشـتمر أبـد كبقية األمراء، قال خاي أيحقرني واهللا ألقلبنهـا … صاح … وعندما بلغ طشتمر هذا

فالحـون وجـوهم معفـرة، . فجأة علت ضجة . فوق رأسه سـعيد ى عيونهم تطير هنا وهناك ال تستقر على حـال، رأ

في قريته البعيدة، رءوسهم ضـخمة، رقـابهم ا صغار أطفاال لطريق، عيـونهم أوطـان نحيلة كالعيدان، يمضغون تراب ا

Page 165: 836

للذباب، وجد نفسه يحمد اهللا ألنه لم يخلق فالح فـي ى يشـق ا الغيط، في رفع الماء من الترعة إلى القنوات، تفرض عليـه األتاوات، يجلده الكشاف، يسعى إلى المدينة ليجهر بالشكوى،

حتى ى ال يرجع إلى عياله أبدا، لم يقطع ما يفكر فيه إنما تماد ؟ سأله البواب النوبي بعد ا لي لو خلقت فالح تساءل، كيف حا

أكد " لحظات صمت؟ لكن ما الذي تقصده من مقابلة الزيني؟ أن نائب الزيني الموجود حالي يمكنه اإلصغاء إلى ما يقوله، ا

سعيد ال يشي " قال سعيد، الزيني يعرفني البد من مقابلته هو بن سـيد بأحد لكن أمامه أدلة وقرائن تثبت أن برهان الدين

ومكـامير . الناس، تاجر الفول صاحب عدة مراكب في النيل في منية ابن خصيب، برهان منذ مدة يشـتري الفـول مـن الفالحين ويخزنه عنده، أنشأ من الصوامع ما يفوق الحصـر

يبرطل على عـدد . حل أثر النبي بمصر القديمة ا والعد في س ي مـن من كبار األمراء ليفوز في نهاية األمر بإقرار شـرع

السلطان يقضي باحتكاره الفول، هذا يعيد بلية قديمـة يعمـل الزيني على إنهائها وهي احتكار فرد بعينه أو مجموعة ناس لصنف معين من الخضار أو البقول أو البضائع، فمـا بالـك

ن واألمر يهم الخلق أجمعين، ماذا لو طلعت في دماغ برهـا

Page 166: 836

ق حتـى يعـز الدين بن سيد الناس؟ يمنع الفول عن األسـوا لم يحاول تاجر ، لم يسمع لها مثيل وجوده، والحق إنها حادثة

الزينـي، بيع الفول في مصر، لـن يسـكت من قبل احتكار ؟ أم ينبغي التأكد مـن عـدل األمر فعال ه أيقلق : تساءل سعيد

الزيني؟ الحق إنه ال يدري اآلن، يعبر طريق أمير الجيوش، تشكله حلال وأبـاريق، ر، م المطارق تنهال فوق النحاس األح

مكاري ربط حماره إلى وتد بالطريق قعد بجـواره يمضـغ رأس فجلة وخبز ها هو ذا دكان حمزة بن العيد الصـغير ا ،

يرتاح إلى الجلوس فيه ال يعرفه مخلوق هنا، يخلو إلى روحه تمام يا نهار … أهال … أهال " ، حتى منصور صاحبه يبتعد ا ده برفع يده، بسط راحتـه ترحيب دافئ من حمزة، ير " الفل

يشعر بـدوار ى فوق صدره، طلب جوزة، في األنفاس األول خفيف لطيف مع خلو الكرسي من الحشيشة، يرتاح إليه، مـا

حوجه إلى تأمل ما راح وما استجد، اسـتعادة مـا سـيقوله أ به في المساء، أما رؤيته سماح بعيني ى للزيني بركات لو التق

… جلس هنا خر، إذ ي آ عقله، فلها مذاق ***

Page 167: 836

مرسوم سلطاني الشيخ سعيد بن السكيت عن منصبه كقاض ى يقص "

" لمذهب الحنفية***

" السلطان إلى من قاضي قضاة مصر " لحق، وأعليت كلمـة اإلسـالم، أقصـيت ا حميت "

المارقين، أبقاك اهللا حامي للديار ا … " ***

مرسوم سلطاني ا ، وكأنه ا علق منها ويزال م … تبطل عادة الفوانيس " " لم تكن

*** من أمراء الديار المصرية وأكابرها

" ما قمتم به حق، ما أثبتموه عدل لعن اهللا الفوانيس " سعيد الجهيني

" … اك ني إحك عن د " يحار من أين يبدأ؟؟

Page 168: 836

… مات الشيخ البلقيني عالم الحديث في األزهـر " مات عن ثالثة وتسعين عام ا ال يبدي الشيخ جزع إنما يهتز ا ،

… لينا ا رأسه هزا خفيف " … يرحمه ويرحمنا أجمعين " " … زكريا والزيني على اتفاق " " … أعرف هذا "

… يبدي سعيد دهشته بعد سماعي الخبر، فكرت … الزيني جاءني أمس "

وشـرح ي أن أرسل إليه ألعرف حقيقة األمر، لكنه دخل عل … األمر

الستفسـار، إنمـا عوده مواله أال يطيل السؤال أو ا … يصغي إلى ما يقال، يستنتج ويحاول الفهم

" … كل شيء يحيرني … موالنا " ابتسامة تقطر صفاء

" كل شيء؟؟ " موالنا أنا صحبت الزيني إلى دارك، مشيت أمامـه "

ي ركبدار، بشرت به، تحمست له، أنا اآلن أشك أ في موكبه ك مض إليه أنقل ما سمعته، فيه، أتضرر منه، من شهر قلت فأل

Page 169: 836

ما استوثقت منه، عن رجل يقال له برهان الدين بـن سـيد برهان الدين؟؟ … الناس

برهان هذا شـرع فـي احتكـار … نعم يا موالنا " الفول، عرفت أساليبه، مكاميره، عرفت أن سعر الفول سيشط في األسواق، عندما جلست إلى الزيني، بعـد مـرات عـدة

مـا يثـار حـول ي دون جدوى، شكا إل ترددت فيها عليه ب الفوانيس، قال إن األمراء غرروا بالناس، ضـحكوا علـيهم حتى أثاروهم ضد الفوانيس مما جعل السلطان يلغيها، تحدث

عن موضوع الفوانيس، قال إنه كان يرجو الكثير من طويال نيته في رفع الكثير من المظالم، تحدث ى وراء الفوانيس، أبد الحسبة، ما يجره عليه، تصور يا موالنا، عن ضيقه بمنصب

شكا من قلة المال بين يديه، ألنه قبل الحسبة كان يسافر إلى بعض البالد يتاجر في أصناف بعينها، يشرف علـى أرض

من ه قليلة عنده في دمياط لكنه أهمل األرض والرزق، ومرتب الديوان خمسون دينارا ال يكفي المظـاهر التـي يسـتلزمها

بة، حتى لو أبطل هذه المظاهر فـال بـد مـن منصب الحس ارتدائه أزياء معينة كلما طلع إلى السلطان وهذا يكلفه كثير ا ،

أدق أموره حكاها لي، واهللا يـا موالنـا ، ا لم يخف عني شيئ

Page 170: 836

وجت نفسي قريب ا جد منه حتى كـدت أصـرح لـه بمـا ا ـ ، يزعجني لماذا قبل استمرار زكريا بن راضـي نائب لـه؟ ا أقول له ما يفعله زكريا بالناس، لم تتغير عوائدهم، تمنيت لو

يمألون األزهر، فهل يقبل؟ كدت واهللا يا موالنا لكنني لم أفه هز رأسـه … ، قلت له ما جئت من أجله فعال ا أبد ا أبد ا حرف

ورصد حركاتـه، وعنـدما سأكلف نائبي بمراقبته … وقال من سيقيم تصور يا موالنا . جزاءه ى يثبت صحة ما يفعله يلق

زكريا بـن … العدل، من سيمنع برهان الدين بن سيد الناس لكنني قلت في دمـاغي ربمـا يحـاول الزينـي … راضي

استخدام زكريا لما فيه خير للناس، رحـت أرقـب برهـان الدين، لكنه استمر على حاله، طلعت إلى الزيني مرة ثانيـة،

ياط الذي وذكر حادثة الخ . ا قال مثل هذه األمور تستغرق وقت عاقبة العتدائه على غالم صغير برغم شفاعة أكبر األمـراء له عند السلطان، ال أدري يا موالنا ما الذي يقصده الزينـي؟

حتى اآلن لم يهز أصبع في وجهه برهان الدين، هـل أنـدم ا ، من ناحية أخرى توجعني المظـالم، ا أمامه يوم ي على سير

لماذا ي ير من األزهر أمه التـي جلد الفالحون وينكر عالم كب كيـف ! ألنها فالحة … لماذا … جاءت من األرياف تزوره

Page 171: 836

أصدق يا موالنا أن الناس خلقوا متساوين؟ كيف، وما حـدث ويحدث وما سيحدث ينكر هذا ويكذبه، كيف، أود لو تقـدمت الخلق أجمعين وانتزعنا كل ظلم وفساد، لـيس فـي الـديار

ها، لكن أعمارنا ستضـيع المصرية وحدها، إنما في الدنيا كل تصور يـا موالنـا، إننـي … وتمضي ولن نقدر على هذا

، أتسـاءل عمـا ي عمرو بن العدو ى أخاف، أخاف عندما أر ـ سيكتبه في أوراقه عني، ما يجعلهم يلقون بـي يوم فـي ا

المقشرة، في العرقانة، أو الجب، لكن ماذا يفعلونه بي، ربما ي ورزقـي، يسـدون قطعوا دراستي باألزهر، يمنعون راتب ما قيمة هذا كله، إذا … أبواب الوظائف في وجهي، فليفعلوا

رفعت الظلم عن إنسان، ما قيمته؟ لكنني أجد نفسي من جديد رتجف لو سـمعت أ الحرمان والسجن والقيد والعذاب، ى أخش

ى أنا الذي يعـذبني مـرأ … باسم زكريا، تصور يا موالنا … أحمـد اهللا … ى أتمن الذباب على عيون العيال في بلدنا،

أعاني قسوة ا أحمده، ألنه لم يخلقني فالح … موالنا ا ي تصور أعذرني ألنني وضعت أثقـالي ي العيش وظلم الكشاف، موال

لكن ما حيلتي والزمان يلجمني ويكسر فكـي … كلها عندك … ويخرس البوح في صدري

Page 172: 836

، في البداية ألوانه خادعة تـزداد ا الليل يمضي صامت ، حتى يغرق الكون في سـواد، ا النهار قتامة وعمق مع ضياع

تضيع أصوات العباد، تدور أصابع الشـيخ حـول بعضـها البعض، سعيد يخشى الليل، ال يلقاه في الرواق أبـد يـرى ا ،

نهاية الضوء في الطرقات، بعد إطراقه تدور عيناه في الفناء راسخ رسوخ جذع النخلة المروية بالسنين، مرتفـع . الصغير

الشيخ ساكت يشير سعيد . األرض يتوسط الفناء لم يلحظه من " … لم أره من قبل " … إلى كومة التراب، بروز األرض . بأي سؤال يكسر الصمت

من أجلهـا … حتاج إلى خلوة أ من حين إلى آخر " ـ حفرت لنفسي هذا السرداب، حفرته لجسدي أودعه فيه كل ا م

… حارت الروح وأعجزها الزمان ضيقة تؤدي إلى سرداب الخلوة، بمفرده هذه الفتحة ال

من األرض، داخله يخف من أثقاله، مـن ا انتزع لنفسه مكان أحماله، تحلق الروح إلى واد يمكن فيه الوصول إلى الحقائق األولوية، يدق أبواب الكون، يفصح عن خباياه، فيبصر القلب

… ويرى ما يرى ***

Page 173: 836

نداء … يا أهالي مصر

عن المنكر نأمر بالمعروف وننهي انكشف المستور

ظهر المقبور بن أبي الجود ي بانت فضيحة عل

الليلة قبيل المغرب سيقرأ الفقهاء في الجوامع

فيها ما تشاءون وثيقة تلقون متص الظالم ا لتروا، كيف

دماء المسلمين فحق عليه عقاب مبين

***

Page 174: 836

إلنسـان مهمـا ى نقف ضد تعذيب البدن، فال نرض . يحرق عضو في جسمه أو ينعل كالفرس كان، أن

ق الثالثادالسر وأوله بن أبي الجوديوقائع حبس عل

Page 175: 836

بسم اهللا الرحمن الرحيم وبسط األرض، ورفع . سبحان الذي كشف كل غطاء

طال به الترقب، ا نتوجه إلى أمة اإلسالم، نكشف أمر ، السماء ر، تفاصيل هذا كمـا ب ليكون عبره لمن اعتبر، الحي ومن غ

منذ عام، أمر موالنا السلطان بالترسيم على المـدعو … يلي بن أبي الجود، وتسليمه إلى متولي الحسـبة الشـريفة ي عل

وذلك لعقابه، وكشف المخفي وراء أبوابـه، ومنـذ البدايـة أضمرنا الصبر حتى النهاية، ألننا نقف ضد تعذيب البدن فال

و إلنسان مهما كان، أن يحرق عضو في جسـمه، أ ى نرض بـن ي ينعل كالفرس، وهذا سبب المدة الفاصلة بين تسلمنا عل

أبي الجود، وكشف أمره، كشفنا من أمواله ما يعجـز عـن تصديقه إنسان، وكل هذا امتص من دماء المسلمين، وإلـيكم

. ما وضعنا يدنا عليه بلغ دخله اليوم مـن أمالكـه وأطيانـه وضـماناته

وحماياته تتمة ألف دينار يومي ت تركته علـى مائـة واشتمل ا وخمسين ألف دينار ذهب ـ ا ة ووجد عنده يـاقوت أحمـر، زن

الفص رطل ونصف، وستة صناديق فيهـا جـواهر، ومـن الماس وعين الهر مائة قطعة، وعلى ذهب مقـدار قنطـار،

Page 176: 836

وطاسات وأباريق فضة نحو ستة قناطير، ومائة قنطار بفرو ، وأربعمائة قفطان بغيـر فـرو، وسـروج ذهـب، سنجاب

خمسون فرسا ومائة بغـل، رون سرجا، وجد لديه أيضا عش ومائة جمل، ومن الغنم والجواري والمماليك شـيء كثيـر، ووجد عنده في المرحاض شبه فسقية، كشف عنها فإذا بهـا

مملوءة ذهب ووجد لديه من القمح والفول والشعير مائة ألف ا ، أردب، ووجد عنده سبعون مركب سارحة في النيل ا .

ين يخفي ثراءه ويبذل الكثير حتى ال يشـعر كان اللع به أحد من الناس لكن صبرنا وطول دأبنا أوصلنا إلـى مـا

خباه وأخفاه، وسيتم طلوعنا بماله غد فـوق بغـال، محموال ا حيث تضم هذه األموال إلى خزانة موالنا السلطان، في وقت نحن في أشد الحاجة إلى المال، لتحرك أعدائنا علينا، ومـن

نكم الفرجة فلينتظر في تمام الساعة الرابعـة عربـي شاء م بن أبـي الجـود ي سيعرض عليكم عل ا ، أيض ى وقت الضح

… وال تعذيب ى لم يلحقه أذ ى وسترونه سليما معاف تم الحوطة على ثالثين جارية، ومائة وعشرين عبد ا ،

… وأربعين خصيا خصاهم اللعين بيده يا أمة المسلمين

Page 177: 836

يا أهالي مصر أبلغونا حال وقـوعكم علـى أي . ليكم برجاء أتوجه إ

أن يجـوع ا قبل أبد ن إنسان يكتنز المال من دم المسلمين، ال مهما عال قدر مكتنـز الـذهب : الخلق، وتستمتع قلة، أبلغونا

… والفضة والبغال والعبيد والجواري أخذنا لكم الحق منه ***

Page 178: 836

بسم اهللا الرحمن الرحيم جعل هذا البلد آمنا االلهم

بن أبي الجـود، مرفوعـة إلـى ي قائع تعذيب عل و الشهاب زكريا بن راضي كبير بصاصـي مصـر، ونائـب

. الحسبة الشريفة، من مقدم البصاصين في القاهرة***

بناء على ما أشرتم به، ونوهتم إليه قامت فرقة مـن لعلي بـن ى أشداء بصاصينا بتنقيب األحوال وإظهار ما جر

سوار منيعة، وعقبـات كبيـرة، أبي الجود، وقد نفذنا عبر أ لنجتلي سر األشياء، وبعد جهد جهيد استطعنا ضم واحد مـن

لكننا لم نعتمد عليه وحده، فهو أول رجل . العاملين مع الزيني ، ى ينضم إلينا من ناحية الزيني، استوثقنا من مصـادر أخـر

تعرفون بعضها، واآلخر نحتفظ به حتى ننقله إليكم شـفاهة، … أما بعد

دم وجود سجن في بيت الزيني الكائن ببركـة ثبت ع الرطلي فهذا البيت ضيق وال يتسع لوجود سـجن بـه، وأي

إلى بيـت " علي " صراخ فيه يمكن سماعه من قريب، لقد نقل قصي قريب من حلوان وهذا البناء تحيطه خضرة كثيفـة، ال

Page 179: 836

ملكية الزيني، من شيده وبنـاه وجـار إلى انتقل ى نعرف مت تحته سجن يضم أربع عشرة زنزانة، ليست يقع … بحث هذا

ج، الواحدة منها حجرة مستطيلة طولها ار الد ى زنازين بالمعن ثالث خطوات بقدمي رجل بالغ، ارتفاعها أزيد مـن قامـة رجل عادية بشبر ونصف، عرضها ال يمكن اإلنسان من فرد

ى ذراعيه، يتوسط سقفها فتحة صغيرة تؤدي إلى الخارج تر مـن ا ة فضية، لكن الفتحة ال تظهـر أبـد منها السماء قطع

الخارج، فوق الباب من الداخل مصباح يضيء بنفس طريقة الفوانيس، هذا المصباح يواجه اإلنسان أينما استدار أو حاول الهرب، حتى لو نام تحت الباب مباشرة، ولـو أدار ظهـره

، يحـدث ا الضوء ليال ونهار ز فحتما يجدها في مواجهته، يئ ال يدركه الداخل مباشرة لكنه ينقلب إلى زئير في ا وشا خفيف

األذنين بعد فترة، ويبرز من الجدران لوح خشـبي قصـير … يتناول فوقه المحبوس طعامه

السجان القائم على أمور المحابيس هنا، شاب ملـيح الوجه، رقيق العبارة، جميل الصورة، وهذا يخالف كـل مـا

إذا احتجت " به بأدب خاط " علي " اتبع من قبل، ابتسم في وجه أمر وعنـدما أقـول " اطرق هذا الباب بقبضتك مرة واحدة ا ،

Page 180: 836

أنت منذ اآلن واحد، طوال " واحد " سمك إنما قل ا من؟ فال تقل لكنه ء حديثه لم تفارق شفتيه االبتسامة، حديثه في ظاهره رجا

أدركه رعب " ي عل " أمر في جوهره، نظافة المكان لم تطمئن خفي، ليس حاد يماثل غرابة المكان، هـدوءه، البـاب ، إنما ا

المفاجئ، ربما انطبقت عليه الجـدران، ه يوحي باحتمال فتح تتغير االبتسامة، عندما جاءه الطعام تعجـب للغايـة وضـع

أمامه أرز طبق ملوخية، قطعة لحم وبرتقالة، وهـذا مفلفال ا ، لم يسبق حدوثه في تاريخ الحبوس، لكن البد من توضيح أمر

بن أبي الجود، أو غيره من المحابيس الذين ساقهم ي هنا، عل حظهم إلى هذا السجن، لم يشعر بالشبع أبـد إنمـا يعـيش ا ،

جوع ا خفي ا األكل في مظهره أكثر من كاف، يحدث شـبع ، ا مباشر لكنه ال يقضي على جوع خفي مستور يأكل نخـاع ا ،

. الغطاء الدفينـ ا بن أبي الجود ثالثة وتسعين يوم ي بقي عل م يـر ل

إذا دق الباب في أي زمان، يجيئـه . خاللها إال وجه عثمان مبتسم ا كأنه ال ينام وال يفارق المكان أبد ـ ا ى ، كأنه يعرف مت

بـن أبـي ي ينوى دق الباب فينتظر، وبمضي الزمن بدأ عل الجود يخشى االبتسامة والعينين الهادئتين حتى صار يـزوغ

Page 181: 836

من صاحبهما، وربما وجد نفسه محصور لبول، يكاد يطق، با ا . دق الباب ى لكنه يأب

استعاد حياته لحظة بلحظة مرات، اختلط عليه الليـل شائها بال مالمح، يعرف وجـود ا له الزمن جسم ا والنهار، بد

يسمع عثمان يسأل مـن؟ ثـم تسـير ا خرين بجواره، دائم آ خطواته حتى يتوقف عند باب قريب، فشل تمام في اإلصغاء ا

ـ . يس اآلخرين إلى أصوات المحاب لـو ى بـدأ يفكـر؟؟ تمن يحرقونه، حتى العالم يروح من عقله، ومثل المصباح يمزق لحمه ويجفف دمه، وفي لحظة بلغ فيها درجة مـن الضـيق

… العظيم دخل عليه الزيني بركات بنفسه قال بصوت خال من افتعال المودة

" … أنا الزيني بركات " ، لم يـره مـن ا بن أبي الجود متعجب ي تطلع إليه عل

: قبل، وما ننقله هنا، قاله الزيني بالتقريب يا علي، لم نفعل بك مكروها، لم نضـايقك ى كما تر

طائل، أنـت داهيـة فـي ل نا أعرف حيازتك لما أ في بدنك، طريقة إخفائه، أخبرني عنه وكما تعلم أنا لن أضع منه درهما

Page 182: 836

في جيبي، كله سيذهب إلى خزانة السـلطنة، أمـا حريمـك . لك فأنا أضمن معيشتهما وعيا

" أين األموال؟ " بن أبي الجود رأسه ي هز عل

" أتنكر؟ " … ا أكد النفي، قام الزيني واقف

" من ذنبك يء اللهم إني بر " عصـب . بعد زمن لم يعرف مقداره، دخل عثمـان

بن أبي الجـواد بقماشـة مبللـة، لحظـة طـال ي عيني عل ارق هـذا المكـان انتظارها، ال يدري ما سيفعل به، لكنه يف

، تركه عثمـان ا هذا يكفي، نزل درجات، عبر أبواب ، الغريب الوقت ا تهيب الجلوس، خط ه ارتعدت مفاصل . في قاعة خالء

دب الخدر إلـى . ارتعشت أطرافه . كالخيل إذ تحتضر ثقيال فجأة هوت يد قوية صـفعته فـوق . ظهره، جسمه كله يهتز

عنقه، أطارت شرر ا ونجوم غ عتيم أحاطـه، زرقاء في فرا ا ثالث صفعات صنعت حزام وهنـا تبـدأ . حول قفاه ا ساخن ا . بن أبي الجود ي الوقائع الفعلية لتعذيب جسد عل

Page 183: 836

:اليوم األول وفيه دهنوا باطن قدميه بماء وملح، أحضروا عنـزة صغيرة سوداء في رأسها بياض راحت تلعق المـاء المـالح

يصرخ، ثم على مهل، التوت شفتاه، ارتجفت ضلوعه، صار حتى غشي عليه، سكبوا على وجهـه ا ينقلب صراخه ضحك

ماء بارد ا . ؟ " أين أموال المسلمين "

. ولم يجب :اليوم الثاني

من الثابت الذي ال يدع فسـحة للشـك أن الزينـي : بركات لم يفارق الغرفة المجاورة للحجرة التي يـتم فيهـا

ـ وفي أول النهار أخذه الغيظ، " استخراج الحقيقة ي لثبات عل ابن أبي الجود، دخل بنفسه، راح يمد أصبع يـده الوسـطي

بن أبي الجود، في نفس الوقـت ي بحركة ثابتة في صدر عل أمسك أحد رجاله بإبريق ماء رفعه، بدأ نزول المـاء قطـرة قطرة، بفاصل زمني معلوم، لـم يمـض وقـت طويـل إال انتفضت رقبته، ارتعش جسده كأنه على وشك االنقصاف إلى

Page 184: 836

قسمين، صرخ صرخة هائلة خارجة من الحشا، هنا زعـق ". أموال المسلمين يا علي " فيه الزيني … ولم يجب

:عصر اليوم التالي من المحابيس المنسيين، نزعوا عـن ا حضروا فالح أ

نظر ا " بن أبي الجود، قال الزيني ي ثيابه تماما، نظروا إلى عل سـاخنتين أظهـروا حـدوتين " سأفعل بك كما أفعل بالرجل

خونتهما، بدأ يدقهما في كعـب الفـالح س لونهما أحمر لشدة ، وكلما حـاول ي المذعور، نفذ صراخ الفالح إلى ضلوع عل … قفاه ى إغالق عينه يصفعه عثمان بقطعة جلد عل

:الرابع والخامس: اليومان ذبح ثالثة من الفالحين المنسيين، أسندت رقابهم إلى

ـ بن أبي الجود والزيني ي صدر عل يدخل ويخـرج محموم ا ال يجيب أحد، يضرب الحجـر " ألم يقر بعد؟ " مغتاظا يسأل

… بيديه

Page 185: 836

:اليوم السابع عندما أحضروا خليل، أصغر أبناء على بـن أبـي

اتسعت عينـا : الجود بدا غائبا تائها، لكن عندما صرخ خليل … أبيه ولم يسمع صيحات ولده

:تعليق بن أبـي ي عل هذا بعض ما وصلنا من وقائع تعذيب

عدم إقراره بمكـان – وهذا محير – لكن الثابت فعال . الجود المال، إذن من أين عرف الزيني مقدار ومكان األموال التي

أنه بعد مدة معينة، وبعـد ا العجيب أيض . نشرها على الناس كشـف " تنوع أساليب العذاب الجديدة التي يسميها الزينـي

معافى، التغيير الوحيـد بن أبي الجود ي أصبح عل " الحقيقة في خط مستقيم كـاألعمى أصاب عينيه، أصبح ال ينظر إال

لكنه مبصر، إذا ناداه أحد ال يجيب، إنما ينحني ويدلدل لسانه . كالكلب ولم نفسر بعد ما حاق به

)مقدم بصاصي القاهرة (

Page 186: 836

نداء يا أهالي مصر

نأمر بالمعروف وننهي عن المنكر أمر موالنا السلطان

بن أبي الجود ي بإعدام عل ضربا باألكف

سيرقص طوال الطريق كما ترقص النساء

أضربوه أضربوه كلما كف

فمن شاء الفرجة والقصاص من عدو اهللا

عليه الخروج بعد صالة العصر يا أهالي مصر

Page 187: 836

هـ٩١٤رجب " ب " مقتطف

ويتضــمن بعــض مشــاهدات الرحالــة البنــدقي، الذي كان يعبر القاهرة وقتئذ ألول مـرة، فياسكونتي جانتي

وكان قادم ا من بالد الزنج والسودان، قاصد ركوب البحـر، ا عائد إلى بالده بعد تجوال طويل ا

*** ، خرجت من الخان، والحق أنني وجدت الزحام ثقيال

النساء يختلطن بالرجال، الصبية الصغار يحاولون التسلل بين ي الطريق وقـف رجـال أشـداء األقدام للنظر، وعلى جانب

اقات صفراء، عرفت مـن ي مدرعون يرتدون مالبس زرقاء ب علي مترجمي أن الموكب خرج فعال من بيت الزيني بركات محتسب القاهرة وقف عند مدرسة ابن الزمن، عـرج علـى

إلى شبرا، استمر حتى عبر قنـاطر أبـي ى جزيرة النيل، أت وطلع من قنظرة الحاجب، دخل من بـاب الشـعرية، المنجا

أمام دكان يبيـع ) سوق كبير ( كنت أقف عند بين الصورين، أصباغ المالبس، انتشر قلق بين الناس تـدافعت المناكـب،

، يسـمونه هنـا طـويال ا صرخ طفل، أطلقت امرأة صـوت

Page 188: 836

زغرودة، بدأت تباشير الموكب، عدة خيول مسـرجة، كلهـا ، يتوقفـون عة خيول يدق راكبوها طبال ثم مرت أرب . بيضاء

ليعلن رجل قصير لم أسمع أقوى من صوته قط، وأخبرنـي بن أبي ي مترجمي أنه يطلب من الناس أن يضربوا عل ي عل

الجود كلما كف عن الرقص، حتى يسقط ميتـا، والموضـع من الزينـي، والحـق، هـذا ا الذي سيسقط فيه سينال بقشيش

ـ أغرب طريق إلى الموت رأيته أ ي و سمعت به، أخبرني علأيض أمر السلطان بتعيين ة أنه يزف إلى الناس بشرى حسن ا ،

لى جانب منصبه، وقبل الزينـي إ الزيني بركات واليا للقاهرة المنصب حرص على راحة الخلق، ومـن أراد االعتـراض ا

على واليته للقاهرة فعليه إبداء رأيه بعد صالة الجمعة فـي ومنصب الوالي يشبه حـاكم ) زهر األ ( أكبر مساجد العاصمة

اإلقليم عندنا، أما الحسبة فال مثيل لها فـي بالدنـا إذ أنـه منصب يجمع بين السلطة الدينية والمدنية، ويـتلخص فـي ضمان الخير، وطرد الشر، والحقيقة لم أصدق ما أخبرني به علي، فيما يتعلق بحض الرعية على الذهاب إلـى األزهـر

سمع به، أ يد لم أره قط، سابق لزماننا لم إلبداء رأيهم، هذا تقل على الرغم من سعة تجوالي، سمعت اسم الزيني يتردد كثير ا

Page 189: 836

يبدو أنه شخص خارق للعادة، وسأحرص تمام على لقائـه، ا المنادي طرق أذني وقع طبل، الجمع كأنه إنسان ى عندما انته

واحد، تزايد الصياح، تلويح األيدي، دفعـت النـاس حتـى ن عربة مسطحة صغيرة العجالت يجرهـا بغـالن اقتربت م

فوقها رجل متوسط القامة يقف فـي غيـر ثبـات محلـوق الحاجبين واللحية، كحلت عيناه كالنساء، تناثرت بقع حمـراء على وجنتيه، فوق رأسه طرطور مثلث متعدد األلوان له زر

، إنه يهز وسـطه هـزا ى طويل، يهتز كلما مال الرجل وتثن ، يستمر الطبل، يميـل بمنتصـف جسـمه غير منسق ا عنيف

األعلى إلى الوراء، يرعش صدره إرعاشا قوي يعتدل فجـأة ا يبرز مؤخرته إلى الوراء، طوال هذا الوقـت تمتـد أيـدي العامة، تصفعه، تضربه، يدفع أحدهم عصـا قصـيرة بـين

ى لسانه، يتفـان ى ، فوق جبينه يتساقط عرق غزير، يتدل ه ليتي إ إذا سقط ميتا سينال مـن حولـه . ه وضرب ه الناس في صفع

يحاول رجال الزيني منع األيدي التي تحمـل ا الحالوة، عبث عصيا ومراكيب من الوصول إليه، ابتعدت العربة ذابت فـي الزحام الكثيف، ابتلعت لعابي، وجه الرجل الشائه المـذعور،

… جسمه، يسد الفراغ، والحق أنني فزعت

Page 190: 836

نداء أمر موالنا السلطان

بتسليم األمير كرتباي لي القاهرة القديم ا و

إلى ناظر الحسبة الشريفة ووالي القاهرة

الزيني بركات بن موسي هار ما نهبه اللعين ظ لمعاقبته، وإ

من أموال المسلمين

Page 191: 836

:زكريا بن راضي يظن زكريا بن راضي أن لقاءه بالزيني تم في الليلة

يزعجه أحد إال بـدافع نفسها، ساعات الليل األخيرة عادة ال تحدثه عن بالدها، مـا " وسيلة " ى إل ى أمر جسيم، ليلتها أصغ

يحب اإلصغاء إليه، عادات الناس هنـاك، ألـوان الطعـام، يسألها كيف لم يفض تاجر الرقيق بكارتها منـذ اختطافهـا؟

نه طمع فيها، كل من إ تها األسئلة الغريبة أال تخجل قالت د عو مد زكريا يده، لمس . حلب هنا ها طمع فيها، وحدث قرب آ ر

لـم تـدركها " شفتيها بأطراف أصابعه، حدثيني عن حلـب فجـأة . الحيرة اعتادت منه االنتقال من موضوع إلى آخـر

بدأت تسترجع المدينة، الطرق المؤدية إليها، رجال البريد في المباني الصغيرة القائمة وحدها وسط الخالء، عيون فالحات

القافلة، إسراعهن بإغالق بيوتهن، تـذكر الشام المتطلعة إلى ترحيب الحراس بالقافلة، مسرور التاجر يعرفهم كلهم، يـدفع

لهم مجعوال معينا من الذهب، ال يتعرضون لـه أبـد بـل ا ، يتولون حراسته إلى الطريق، زكريا يمسـك كوبـا مضـلع

الحواف، ال يشرب الخمر أبد ن يهجـر أ ، ال يحب لوعيـه ا ، حدث منذ مائتي عام أن أضاعت الخمر العالم لحظة واحدة

Page 192: 836

واحد من أعظم البصاصين الذين عرفتهم مصر، في زمـن ا أدمن ابن الكازاروني الخمر، صار يقول في . الظاهر بيبرس

ما يعرفه عن أحـوال النـاس مجالسه الخاصة والعامة كل والدولة، تسبب هذا في فضيحته ثم قطع رقبته، كان قد ابتدع

نوع ا جديد الخمور، قيل، مجرد رائحتها تجلب لإلنسـان من ا سكر ا عظيم وعرفـت بـالخمر . ، نسبت فيمـا بعـد إليـه ا

– فيما بعـد – أمر السلطان الناصر بن قالوون . الكازرونيةـ زكريـا يع . بإبطالها وإراقة ما تجمع منها في الـدنان ق ش

عصير الفاكهة، استحضر جهاز من بالد تلمسـان يعصـر ا في البذور، يرشف عصير العنب، يمد يده أقسى أنواعها، يص

تستمر في حـديثها، ا إلى جيد وسيلة يمر عليه مرا هينا لطيف ترتعش الحروف، فجأة بينما تطلع يده وتنزل تقترب أصابعه من صوان أذنيها، تخرج أنفاسه ساخنة فوق مؤخرة عنقهـا، قشعريرة بدنها تنتقل إليه، يتابع اختالج ركني فمهـا، فجـأة

تشهق، ، إذنها الصغيرة في فمه، يرضع اللحم القاسي يحتوي أطراف جسدها تحيط ثدييها بيديها تغمـض عينيهـا د تتباع

فجأة بضربة واحدة، يمزق الثـوب ال يفـك ، تروح إلى بعيد إزاره، إنما يمزقه يصغي إلى تقطع القمـاش، تـنكمش لـه

Page 193: 836

بدأ حركة من عينيها تجسـد صـغر ت العالم الطري، بدايات تح الزهرة، صبية تطرق أول العمر تدهش إذ تقـف السن، تف

؟ في اللحظـة، عند حدود الدنيا، أمثل هذه المتعة توجد فعال هذه اللحظة تمام جاءه شهاب الحلبي طرق درع النحـاس ا ،

أرسل الزيني بركـات " ، نزل إليه ى المعلق في الدرقاعة السفل أومـأ " يطلب من زكريا الحضور بسرعة ألمر جلل ا مبعوث رداء شيخ أزهري، ى خزانة ثيابه انتق إلى ريا برأسه، طلع زك

منذ إقراره نائب كـل صـلتهما ي للحسبة لم يرسل إليه الزين ا ، تقرير يومي يرسله زكريا إلى الزيني، طبعا تقرير يعد بشكل خاص، مرات قليلة أرسل الزيني يسأل عن أمور ذكر أنهـا

هـة هـذا عامة، جاوب عليها زكريا وهو يضمر تعجبه لتفا أسماء الجواري اللواتي اشتراهن األمير بشتاك المطلب، مثال

هـ مقدار الخمر الذي يشربه األمير قوصون ٩٠٧ في عام الطعام التي ف كل ليلة، اسم والدة بائع مخلل بالحسينية، أصنا

يفضلها قاضي القضاة عبد البر، أو عدد أمتار الثياب الالزمة وجة طشتمر، كم مملوكـا لعمل عباءة زركش لخوند زينب ز

له ست أصابع في كلتا يديه وعددهم في األبراج، زكريا قابل ، تدارك رأيـه بسـرعة ليسـتبعد السـخرية ب هذا باستغرا

Page 194: 836

ا م واالستهزاء، مثل الزيني ال يطلبها إال ألمور جسام، عنـد كة الرطلي، أدرك ندرته، كـل منـا بر به أول مرة في ى التق

بسرعة، عند االقتراب من بيته اآلخر، نزل السلم ى خلق ليلق تحدث إليه بهدوء، الشيء يمثل مفاجـأة ي لن يظهر دهشته، س

بالنسبة لزكريا، بل سيوحي إليه أنه خمن نية الزينـي فـي استدعائه، طلع إلى الفناء الواسع، ألوراق الشـجر حفيـف

مسموع، ما ألذ الرجوع إلى وسيلة، لم يرتو منها تمام دار ا ، ه حتى لـو يز مبروك، مبروك الوحيد الذي يم عن ا بعينه باحث

في زي الجان، يبدو للغرباء أخرس لكنه يتحدث قليال ى اختفجد ا ، أحيان ا يعنف زكريا ويلومه لوم ا قاسي زكريا يقبل هذا ا ،

أيـن " ويصغي إليه، وينفذ ما يقوله مبروك، سأل زكريـا، ا لم أرجـع إذ " تقدمه مبروك، همس زكريا " رسول الزيني؟

حتى ظهر اليوم التالي فقل لمقدم القاهرة أن يهتدي بما يقوله حجـرة إلى مفهوم؟ دخل زكريا … شهاب الدين كاتم السر

بالشهاب األعظم الجلوس بالديوان، قام رجل بدوي ملثم، أهال الوجه الملثم، الحـزام العـريض إلى نظر زكريا " … زكريا

ءه، هذه المرصع بفصوص معدنية بارزة، زكريا يتفحص ردا الزيني بنفسه، دخل ى األمور الصغيرة، تبدد دهشته عندما رأ

Page 195: 836

بـدون لـف أو دوران، : الزيني مباشرة في غرضـه قـال ـ ى أين أخف … باختصار شديد أريد أن أعرف بالضبط ي عل أصبعين من يده إلى بن أبي الجود أمواله؟ أسند زكريا جبهته

عق طـائر ز " عرف أ ال " اليمني، باختصار كعناوين البطائق غريب الحس في السماء، الليل يشيخ، قام الزيني مرة واحدة،

أنت يا زكريا تعرف تماما أين " على مهل اقترب من زكريا عنك شيء ولو ى بن أبي الجود، أنت ال يخف ي موجودات عل

خفي لما خاطرت بسمعتي وأقررتك نائبا للحسبة، أنت تعرف ود إنما ألنـك بن أبي الج ي ليس ألنك شغلت منصب نائب عل

ى مـن تـول ى زكريا، أتفهمني، ألنك زكريا بن راضي أعت لم يرد زكريا، ليقل الزيني ما " منصب كبير بصاصي مصر

يريد، أمر دفين يوشك اإلفصاح عن نفسه، الضـوء خافـت غامض مرعوش، يوشك على توهج لكن يدا قوية تحبسـه،

أنت تعرف " توشك على إلغائه، قال الزيني بركات بن موسى اآلن بعـد " عرف أنا قبر شعبان أ مكان أمواله يا صاحبي كما

خر الليل لم تبرد حرارة ما آ مضي زمن على مجيء الزيني قرره زكريا بعد انصراف الزيني، ربما امتد الـزمن سـنين

، ا ، يراه مجسد ا البد أن يتم، يتحقق يوم ه طويلة، لكن ما قرر

Page 196: 836

تحقيـق أي قوة استطاعت في أي زمن كبير البصاصين من غرض أضمره، لن يمنعه إنس وال جان، وال ألف طلسم، أبدا

أيام العزلة التي فرضها على نفسه في اليوم التـالي ى لن ينس لزيارة الزيني، أمر بأال تدخل إليه تقارير، طلب من مبروك أال يريه مالمح أي إنسان، الطعام مضـغه بضـيق عنـدما

ه رجاله مهنئين، عزلته، جاء ى اضطر إلى تناوله، عندما أنه لكنهم ارتدوا عنه خائبين، قابلهم بوجوم وضيق، سر في نفسه عندما أخبره شهاب الحلبي باستعداد كبير أطبـاء السـلطان للمجيء إليه طوال أيام عزلته في األسـبوع األول، التـالي

الزيني بركات جاء، فـي " لمجيء الزيني، دخل مبروك قال برقائق ى خلة ضخمة مغط الفناء وقف، يتحسس بعصاه جذع ن

أفضل لو جلسنا في الشمس، بيتي فـي بركـة " نحاس، قال الزينـي ينكـت األرض بعصـاه " الرطلي ال تدخله الشمس

يـده اليمنـي، أرجـو أن إلـى الرفيعة، زكريا يسند جبهته زكريا يهز رأسـه، جـاء … تسمعني، أن يتسع صدرك لي

دوية، أفكار كثيرة الزيني بثيابه العادية، ال يرتدي المالبس الب تدور في عقلي، لكنها لن تتم إال بعرضها عليك، أرجوك أن تخطئني إذا بدا لك هذا، أنت أكبر مني علما وتجربـة بمـا

Page 197: 836

إلـى ى ضح في ألفاظه، ارتياح خفي يتسر ا سأقول، التردد و زكريا، أردت أن أفضي إليـك بمـا أوده وأرغبـه لنظـام

ألمـر بـالمعروف البصاصين، هل يمكن إلنسان أن يتخيل ا في كـل ى ة مخلصة تر ي والنهي عن المنكر بدون عيون قو

… قال زكريا بسرعة، عندك رجالـك … مكان ما أراه أنا نفض رأسه بسرعة، سرور في صـوته، ربمـا السـتجابة

لكنك يا زكريـا . الحديث، أعرف إنك ستقول هذا إلى زكريا دنيا تهول من أمر رجالي، أليس من األفضل لإلنسان رؤية ال

من عين واحدة، صحيح، ستقول ومعـك الحـق بعينين بدال ولكـن لـو . كله، لدينا آالف العيون، صحيح، ال أعتـرض

وجدت مجموعة أخرى لها نظام مخالف، طريقة ثانيـة، أال يصبح هذا مفيد أعذرني ألننا ال نلتقي بمـا فيـه … ، أوال ا

الكفاية مشاغلي كثيرة جد ر بالعدل يق ا يا زكريا، تصور إنسان ا بين الناس في مثل هذا الزمان، أنت تعلم ما ينويه ابن عثمان ومهما طال الزمن فالحرب واقعة ال محالة، مهما طـال يـا شهاب، لقد أخبرت موالنا بهذا، وأقولها لك صريحة، بل إن ثقتي بك تدفعني إلى التصريح بما هو أكثر من هذا، المشرق

مماليك في مصـر، إمـا ال يحتمل دولة بني عثمان ودولة ال

Page 198: 836

خر ال تتصـنع آ ى نحن وإما هم، ال تندهش يا زكريا أو بمعن مني بهذا، من يعطس في القسـطنطينية ى الدهشة، أنت أدر

تسمعه أنت هنا، كل حركة هناك أنت تعرفهـا، وبـإذن اهللا سوف يتغلب عليهم، ببركة البيت الذي يحميه موالنا، فكمـا

، نـنظم أمورنـا ا نا كثير ئ ، األحوال صعبة، البد من لقا ى تر معا، ما ينقله رجالي سأقدمه لك ملخصا كـل يـوم، عنـدك تجربة مهولة، عندك أدق نظام في الدنيا السـتخدام الحمـام الزاجل والبريد، وأنا وأنت نشهر سيف العدالة، أنا وأنت نقيم الميزان صحيحا ال يميل وال يخل، ما أريده يـا زكريـا أن

دل بين الناس كل الناس ال بد أن تعرف يصبح رجالنا أداة الع إلـى كف الزيني فجأة عن الكالم، بقي زكريا نـاظرا " هذا

، وكان الزيني لـم " وبعد؟؟ … آه " األرض، قال بعد لحظات حتى ال أعطلك جئت إليك بأوراق " يتوقف قط، قال بسرعة

عند الباب شـد … " فيها ما أتخيله، أرجوك إبداء الرأي فيها أي وقـت … يا، أدعوك إلى الغـداء عنـدي على يد زكر

اتسـعت .." البيـت إال نـادرا ال أفارق " تختار؟ قال زكريا زكريا إذن قال .." سوف أمد لك مائدة حافلة " ، ابتسامة الزيني

سأرسل لك ونلتقي قريب الحديقة ليرجئ التفكير فيما إلى ، عاد ا

Page 199: 836

إلى فاذ قاله حتى الليل، بعد قراءة هذه األوراق، ال بد من الن باطن كل حرف، األمر ليس هزال، ما قدره منذ هذه الليلـة،

في عقله، لكن الحقيقة الزيني رجل لم يعـرف ا يزداد رسوخ يفكر زكريا، بضرورة مجيئه بعد هذا الزمـان ا مثيل، أحيان

بسنوات، ال يدري مقدارها تمام ولكن أليق به العيش فـي ا ، ودهـا، ال يـدركها زمان بعيد، يلقي فيه أدوات يحلـم بوج

ـ ، لعجزه، وعجز زمانه عن تجسيدها هذا الزيني جاءه أيض ا من العصر الغامض النائي الذي يود العيش فيـه، مثلـه ال يستهان به، مع مجيء الليل أدرك زكريا خاطر مزعج عنـد

ة وظيفة لم يشرع فيها س ممار إلى زيارة الزيني الخفية، يعود من قديم، تقريب مقدم بصاصـي القـاهرة، منذ توليه منصب ا

قبيل ارتقائه إلى منصب كبير البصاصين، الليلة يرتـد إلـى زمن بعيد تعقب فيه الخلق بنفسه، كان يتخفى في ثياب أرباب المهن والطوائف، وقتها استحدث طريقة جديدة فـي اقتفـاء األثر، تعقب اإلنسان بالسير أمامه، وهذا ال يقوم به إال عتاة

، العمل بصاصا من أصغر الدرجات أ بتد البصاصين، زكريا ا لم يسبقه أحد في هذا، الليلة يرهف حواسـه التـي خدمتـه

، لكن أين؟ هنا في بيت، كيف عـرف ا بصاصا صغيرا مبتدئ

Page 200: 836

الزيني أمر المملوك شعبان؟ كعادته عندما يـتفحص أمـر ا محيرا، يمسك قلما ويرسم قلما ويرسـم أشـكاال وخطوطـا

ظاهرها، لكنها تساعده، تركز فكره، لها في ى ودوائر، ال معن من رافقه عند ذبح المساجين ودفن شعبان؟

… مبروك لن ينفي عنك الشك، ال يعلو مخلـوق عنـده علـى

الشك، أبد يوضع مبروك في الدرجة األولى حتى يثبـت … ا عكس ما يظنه، ثم، من يفترض أنه تابعهما، أو راقبهما خالل

تماما، لكن ليحصر المترددين الدفن؟ في هذه الليلة خال البيت . على البيت

شهاب الدين الحلبي - . مقدم بصاصي القاهرة -

. رجال الديوان، وكلهم معرفون لديه ربما نفذ أحدهم، استطاع رؤيتهما بطريقة ما، لم تتضـح

مصـيبة، حتى اآلن، نقل ما رآه إلى الزيني، هذه فعـال كيف يطل الغريب عبر األسوار، البد من مراجعـة مـا

كتب عن رجاله واحـد ا واحـد أصـولهم، أحـوالهم، ا ، أمزجتهم، أفكارهم، ثم يضيق الحلقات، يمـد الخطـوط،

Page 201: 836

يضع الدوائر، حتى تضيق الحلقة حول عنق بعينه، ثـم . ينتقل إلى معارفه وأقاربه خارج رجال الديوان

الحريم- نساؤه األربع ) أ ( الجواري ) ب (

ى دأ بأقدمهن، حكمت، أول منهن، ليب كال ى من الليلة، سير حريمه، هجرها منذ وقت، ولم يزرها، الليلة يبـدأ بهـا، وعندما يشم عبير المسك، يرشف عصير العنب، يأكـل

بالسمن وماء الورد، تخرج األسئلة منـه ى الدجاج المسق تائهة بال قصد، الباقيات لكل منهن وقـت يلـي الليلـة،

ي ءته قبيل تـول لكنها طفلة ال تكاد، جا " وسيلة " الجواري، الزيني بأسابيع، من يدري، لن يخرج أحد عـن دائـرة

لى حيلة جديدة يجهلها إ احتمال لجوء الزيني ى الشك، يبق زكريا، هذا ما سيحاول الوصول إليه، ال بد من ذهابـه

، الزيني يقترح عليه بحث الوسائل " بركة الرطلي " إلى لضـيق والخبايا يريد معرفة طرقه، ال يغيب عن زكريا ا

الذي جاءه، صحيح أنه يأخذ حذره من جميع الناس بمـا فيهم أقربهم إليه، العاملون في بيته، حريمه، فليأت الذين

Page 202: 836

يشهرون به، الذين يعلنونه، ليروا أي هـم يعانيـه، أي متاعب تحل به؟ خط عدة دوائر، منذ اآلن سيكون كـل واحد في بيته عينا على اآلخـر، كـل امـرأة سـترقب

لرجال، يـذكر بعـض التـواريخ الخاصـة األخرى، ا أحد أحفـاد كبيـرهم – بالبصاصين، تمكن ملك المغول

استطاع أن ينفذ إلـى بصاصـي بغـداد، – جنكيز خان منصب نائب كبير بصاصي دولة ى عتل ا إنسان واحد فقط

الخالفة العباسية، وهكذا وقف على أسرار الخالفة كلها، احوا بغداد وهـم راسل بها المغول زمنا طويال، حتى اجت

على علم بأية أرض يخطون فوقها، وكان ما كان، قـام زكريا تحن روحه إلى التجوال في المدينة والليل مطبـق فوقها لكنه لن يخرج أبدا، عندما يتبين له اإلنسان الـذي أبلغ الزيني بما تم، يتخيله اآلن، الغل يعتمل في بئر قلبه،

ـ ى ير ينوعها لصـاحب بعيني عقله ألوان العذاب التي س تلك الفعلة، أي طريقة مستحدثة ال تخطر ببال جـن وال أنس يختارها إلنهاء حياته، أي طريقة، أما مـا قـرره بخصوص الزيني بركات بن موسى فلن يتراجع فيه حتى

. عمره كله ى لو أفن

Page 203: 836

بسم اهللا الرحمن الرحيم ادع إلى سبيل ربك بالحكمة وا : قال تعالي عظةولم

الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل تدينهبالم لمأع وهبيله ون سع

ما أقدمه إليكم ليس إال مجموعة خواطر وأفكار تراءت " تم صالحيتها أرجو أن نعمل معـا علـى ي لنا، إذا ما رأ

ها، حتى يستقيم العدل ويستقر ولن نبالي في هذا إال قرار إ مرضاة رب العالمين، وكما تعرفون فإن أشرف الخلـق

ـ ( ( عليه الصالة والسالم، قال اهللا بسـخط ى من أرض النـاس بسـخط اهللا ى الناس كفاه اهللا شرهم، ومن أرض

– ى تعال – وكله اهللا إليهم، ومن أحسن فيما بينه وبين اهللا ومن أصلح سـريرته، ، ما بينه وبين الناس أحسن اهللا في

خرتـه كفـاه اهللا شـر أصلح اهللا عالنيته، ومن عمل آل . وبعد )) دنياه

إقرار األمن والعدل فـي – أنا وأنت – كان أساس عملنا ربوع السلطنة، وسأقصـر حـديثي اآلن علـى دائـرة

القاهرة والوجه البحـري الـذي أضـافه ( اختصاصي أما فيمـا يخـص ) ا ي أخير السلطان على نظارة حسبت

Page 204: 836

مر أنت عليم به، خبير فيه، وال أقـر أ ربوع الشام، فهذا قامـة إ عليه، وحتى يستقر العدل في بر مصر ال بد من

أسس قوية، ودعائم متينة، وكما هو معروف لدينا، فهذه وظيفة مكروهة عند الناس، فمن سـبقك لـم يظهـر إال

وجودها ي، حتى غاب عن الخلق ضرورة حش جانبها الو نيا بدونها، من هنا فالبد من وصـولنا د وعدم استمرار ال

إلى لحظة يصبح فيها كل بصاص محبوب مـن مـبجال ا والدين، وسيتم هذا بوسـائل عـدة الجميع، رجال الدنيا

سنناقشها معا، لكن ما يهمنـي اآلن تقسـيم الجماعـات عمل خاللها، وتحديد أهمية كـل منهـا، ن والفئات التي س

. لتركيز على بعضها دون اآلخر وضرورة ا وجعلنا بعضـكم فـوق بعـض ( تنقسم مصر إلى فئات

) درجات السلطان واألمراء الكبار - ١ المماليك واألمراء الصغار - ٢

أوالد الناس، المتعممون، والفقهاء أرباب الطوائـف - ٣ . والحرف، التجار

العامة من الناس - ٤

Page 205: 836

، يجب النفاذ إلى خباياهـا، عـن ى بالنسبة للفئة األول ريق بصاصين متخصصين على درجة عالية من الرفعـة ط

واإللمام بالعلوم والقدرة على المناقشة ومعرفة تقاليد هذه الفئة وعلومهم، وغرضنا هنا حماية موالنا السـلطان واألمـراء

أن يكون البصاصون المخصصـون للتوغـل ى الكبار، وأر ) ا خالف المتبع حالي ى عل ( داخلهم من نفس الفئة

واألمراء الصغار وتخصهم فرقة تتبعك وتقـوم المماليك بعملها خير قيام

ال بد من التركيز عليهـا، واالهتمـام بهـا : الفئة الثالثة اهتماما كبيرا فلهم تأثير عظيم على الفئات القريبة منهم،

العامـة ( أو السفلية ) األمراء واألكابر ( الجماعات العلوية ). واألوباش

رو الفتن، ربما حركوا بعـض عامة الناس وهم دائما مثي المتعممين والفقهاء في ظروف عدة، وأجدني مضـطرا

. إلى تقسيمهم

طلبة األزهر والكتاتيب، وهؤالء البد مـن تتـبعهم ) أ ( باستمرار، وإثارة بعض الفتن من حين إلـى حـين لكشف من ضل ومال إلى جانب إثارة الفتنة والغـم،

Page 206: 836

ن و ر وتحريض األوباش على سادتهم، هؤالء ال يجز إنمـا ، من بين الناس فربما أثار هذا سخط العامـة

يعاملون بطرق مختلفة وأساليب متنوعة سنتفق عليها . معا

نه إ ، بالنسبة للعامة فهؤالء قطيع يتجه كيفما توجهه ) ب ( بحر زاخر طوع الريح، وحش بال عقـل تسوسـه فيطيعك، واألعمار في هذه الفئة ال قيمة لها، فكلمـا

يمة الحياة، وذهب عنـاء ضاقت سبل العيش، قلت ق الحرص عليها ومن هنا فال بأس من اختفاء بعضهم

ها أحـد، وهـذا رف آخر، بطريقة ال يع إلى من حين . يرهب الباقين

عداد كشوف تضم أسماء جميع إ أرجو مساعدتي في العاملين في الحرف والمهن والصناعات والتجـارة، كشـف

خمـون خر بـه البنـاءون والمر آ أسماء القصاصين و ي يحوــدفجية، ــادون، والص ــون، والعق ــباغون، والنقاش والص

. وغيرهم . والنساجون، وباعة الحلوى والمشبك، والشربتلية ال بد من حصر المواليد الذين يجيئون إلى الدنيا وكل

ال يبلغ عنه إلى نائبي في المنطقة التي يقـيم أب ينجب طفال

Page 207: 836

في البداية شنق عدد منهم ي بها يعاقب بالجلد، وبإذن اهللا أنو عداد القادمين، مـن أ حتى يرتدع الباقي وهكذا يمكننا معرفة

سيخلفوننا في دنيانا، ندرجهم في كشوف، نتتبعهم في نموهم، تلقيهم التعليم، سواء أكان التعليم دينيا أو دنيويا، في طائفة أو

حربي بالنسبة ألوالد األمراء والمماليك، تقدم عنهم التقـارير ا ها، بحيث نعرف ميولهم وأهـواءهم ومكـامن كل فترة بعين

جالنـا، وهـذا آ الخطر فيهم، حتى إذا ولينا عن الدنيا، حانت األمر ال يعلمه إال اهللا، تركنا لمن يأتي بعدنا سـجال نافعـا

جامع وما رأيناه في زماننا، وبالنسبة لهـذا لكل ما عركناه ا ، األمر قررت شهر النداء به والعمـل بـه بعـد أن وافقنـي

. السلطان عليه أري ونحن مقبلون على عصر كله محـن، وفـتن،

ونظر لتعدد الطوائف واألجناس في بر مصر، أن تعد بطائق ا صغيرة من الجلد، يحملهـا الصـغير والكبيـر والبصـير والضرير، يوضح في كل بطاقة رقم معين هو ما يقابل الرقم

المدرج، بالكشف أيض لجهـة المهنة التي يزاولها الشخص، ا ا المقيم بها، تختم هذه البطائق بخاتمين أحدهما من عند نـائبي في منطقة اإلقامة، واآلخر من مقدم البصاصين فـي نفـس

Page 208: 836

المكان، ومن ضبط بدون بطاقة جلد، عوقب معاقبة شـديدة، وعند وفاة اإلنسان تقوم أسرته بتسليم بطاقتـه إلـى مقـدم

ألحيـاء، البصاصين لترفع إلى الديوان فيشطب اسمه مـن ا . الحريم ى وينقل إلى كشوف األموات وال يستثن

في المدة المنقضية على واليتي للحسـبة، الحظـت طلوع حكايات بين الحين والحين تنتقل بين الناس الغـرض

منها التشهير بأحد كبار رجال السلطنة، ومني شخصي وهذا ا ، ـ ا أمر تتفق معي على ضرورة مقاومته وإزالة أسبابه حفاظ

، ا بسـيط يبة األمراء، والرجال األكابر، وأضرب مثال على ه عندما أردت إنارة القاهرة بالفوانيس، تردد كالم كثير حـول الموضوع واعتبر واقعة عظيمة أدرجت في كتب التـاريخ، مما اضطرني إلى الرجوع عن أمر انتويته، وشـرعت فـي البدء فيه، هذا لم يغضبني قط ربما أخطأت الوقت، لكن مـا

ني وأوجعني هذه الحكايات التي تـرددت علـى ألسـنة لم آ الظن بـاختالق هـذه إلى يحبونني، مما دفع بي م العامة، وه

الحكايات والنوادر، وأنت كنائب للحسبة ونائب لي في جميع وما يلحـق بـي ) ا قررت هذا أخير ( ما أتواله من مناصب

اليوم، يلحق بك غد أنـك ى ، ومما يمسني يمسك، لهـذا أر ا

Page 209: 836

حيد القادر على مقاومة وإخفاء هذه النـوادر والحكايـات الو ، فال مستحيل يحول بينك وبين ا قبل عذر أ حال ظهورها ولن

. ما تريده قبل مني السالم، وأدعو معك أن يجعـل اهللا هـذا ا و . البلد آمنا

)متولي حسبة الديار المصرية ( لي القاهرةاو

الزيني بركات بن موسى

Page 210: 836

يعمرو بن العدو دعه يغيب عن عينيه، إذا بعد عنه، عرف أخباره ال ي

بينهم ثم يسـأل عنـه ا اورين، يجلس هادئ ج من أصحابه الم ألم يـر " ا بلهجة يعرف اآلن كيف يلونها تمام ا عارض سؤاال

، " خرج منـذ الصـباح " يقول أحدهم " أحدكم سعيد الجهيني؟ سعيد تعود الجلوس في مقهى قريب من جـامع " خر آ يجيب منذ أيام خرج " يسكت " سعيد ابن حالل " قول عمرو ي " قالوون

نائيات يمسك فيهـا بجلبـاب ا أيام ى عمرو إلى الطرقات ير الحقول لينتزعا البطاطا، رائحة الضباب لـم إلى ا أمه، خرج

تفارق أنفه رائحة الخبيز ساعة الظهيـرة، البـوص، وهـج مع األوالد عند مجـيء نائـب المحتسـب، ه األفران، جري

حريم المذعورة من الطيقان الضيقة، خوف يضـم ت ال ا نظرـ القلوب، عند سوق النحاسين يشم دخان المسـتوقد الم اور ج

. لحمام قالوون تسوى فيه قدور الفول المدمس يرفع حمزة بـن العيـد الصـغير … صباح الخير

منذ ثالثة أسـابيع يمـر " … بالقمر أهال … أهال " … يده يومي حليب، يدفع درهما كامال على حمزة، يشرب القرفة بال ا من نصف درهم، في أحد األيام تغيب عن المجيء فـي بدال

Page 211: 836

اليوم التالي أبدى حمزة جزع أال يكون لحقه مكـروه ى ، تمن ا ثم دعا له بطول الستر، عمرو يجيء هنا في أوقات معينـة، يعرف من تتبعه ألخبار سعيد، مواعيد حضوره، قال مقـدم

هى حمزة، أمر جديد لم تبلـغ تردد سعيد إلى مق : البصاصين عنه إال أنت ثم قضاؤه وقتا في تدخين المعسل هذه عالمـة جديدة ثم ما الذي دفعه إلى اختيار هذا المقهى بالذات، تلـك أمور ال بد من إيضاحها، في البداية حامت حولـه الظنـون ربما يتخذ الدكان مكانا للقاءات مريبة، لكن الرقابة الصـابرة

ال يتحدث إلـى ا ت أنه يقضي الوقت كله منفرد المحكمة، أثبت أحد فيما عدا حمزة بن العيد الصغير، حامت الظنون حـول

الحلبة، أو ه األلفاظ المتبادلة بينهما، لكن ثبت أنها ال تعدو طلب تحية، أو تبادل المودة، وكلها ألفاظ ال تخـرج عـن حـديث

طريقـة ا ن تميزت بود زائد، أيض إ زبون وصاحب مقهى، و ة ال تدعو للريبة، ال يقرن طلبه بأية إشارات خفية ب طلبه للحل

ة تغيب عن اللبيب ين أو رموز سرية، ربما تضمنت معاني دف ى الفطن، أما المحير فهو موضوع تفكيره خالل جلوسه بالمقه

مقدار ساعة أو ساعتين، في مرة أخرى قال مقدم البصاصين ـ " عمـرو " ي ال بد من وجودك على مقربة من سعيد الجهين

Page 212: 836

يعرفه، ينام في الرواق بالقرب منه، عالم بطبائعه، بلحظـات بته، وما يصـاحبها مـن عالمـات أو آ سروره، ولحظات ك

انقباضات وجه، من هنا يمكن لعمرو لو راقبه جيـد تتبـع ا اختالجات وجهه، ارتعاشات عينيه وحركـات يديـه، ربمـا

مرو توصلوا إلى شيء، لكن ال بد من الحذر، بحيث يجلس ع كيـف " في مكان ال يمكن لسعيد أن يلحظه، تساءل عمـرو

هنـا فـرد مقـدم " يمكن هذا والمقهى ضيق على صاحبه؟ ، به رسـم للمقهـى ومـا ا عريض ا البصاصين بين يديه ورق

في الجدار، أشار إلى ة احتوى عليه من أوان، ومقاعد منحوت الفحم والحلبة والسـحلب، ة فجوة في الحائط قريبة من نصب

وسعيد ال يدخل إنما يبقي في الخارج، تستطيع " نا ستجلس ه " بدون أن يراك، لكن يجب إال يأتي جلوسك هنا ه رصد حركات

ذهب إلى حمزة بن العيـد الصـغير، ا مرة واحدة من اليوم، عامله بمودة، أجزل له العطاء، كوب الحلبة عنده ثمنه نصف

ـ … ، هل تحب الحلبة؟ ياه درهم، أعطه درهما كامال يت نس عشقك للقرفة بالحليب، الثمن واحد، عموم ستأخذ مصاريفك ا

كاملة أول كل أسبوع، من اليوم ستذهب إلى الـدكان لمـدة ، بعد صالة المغرب فـي أي وقـت بعـد ا وم ي خمسة عشر

Page 213: 836

العشاء يمكنك أن تجلس في أي مكان تشاء، سعيد ال يأتي في هذه األوقات، في اليوم السادس عشر أذهـب مبكـر إلـى ا

الدكان، أطلب إلى حمزة بن العيد الصغير أن يبقيك جالسـا ابق وال تتحرك، أظهر الحزن، وعدم … في هذه الفجوة، هنا

سيجلس هنا، هل تـرى؟ … الرغبة في الكالم سيجيء سعيد ومن مكانك ستراه تمام هـل … ، لن يتمكن مـن رؤيتـك ا

سـخط الـدكان . لدقة التفاصيل ا عمرو تعجب ى فهمتني؟ أبد توكل على " بهذا الحجم فوق الورق، قال المقدم ى سخ ليبق وم

هز عمرو رأسـه " ؟ ا هل تحتاج نقود … اسمع … بركة اهللا ما أخبـار " بقيت يده معلقة بين يدي المقدم، " خيرك يغرقني "

كأن فصا مر الطعم ذاب في ريقه، ال يعرف لهـا " الوالدة؟ يعـرف خبر، عندما رجع شيخ زاوية العميان، أسرع إليـه،

من البلد، ربما أرغفة بتاو، قـدر ا إنها البد سترسل إليه شيئ بالمش والجبنة القديمة تصل به الـزمن الـذي قطـع ليء م

المسافة بينهم، عمرو لن ينسى أبد لـم " صوت الرجل قال ا نها لم تمت، منذ مدة بدأت إ أعثر لها على أثر، قالوا في البلدة

مـن ى ذرها بقلة ما تبق تتحدث عن مجيء هاتف في المنام أن عمرها، البد من رؤية عمرو ولدها، وحتى ال تشـغله عـن

Page 214: 836

طلب العلم قالت لصاحبتها سكينة الدودة التي تصنع أوانـي الفخار، الدودة هي التي تلقت عمرو عند والدته، فوق كـوم

إلى دودة أنا سأسافر يا " ه برسيم أخضر قطعت حبل خالص رحت مصر بعيدة وأنت ما " قالت الدودة " كبدي ى مصر ألر لكنها أصرت، قالت لكل رجل في البلدة والنسـاء، " إليها أبدا

لهم عـن ولـدها ي حتى األطفال، توقفهم في الطرقات وتحك ويصبحوا ا لهم أن يكبرو ى عمرو، ضرورة رحيلها إليه وتتمن

أعطتها الدودة زوادة أكل، في يوم صحت قلم تجـد أم . مثله يطان البطاطا، وملقة البطيخ، لـم عمرو، داروا عليها في غ

يعثروا لها على أثر، ولم يذكرها أحد، بعد وقـت قليـل لـم يحتجها أحد يوما، إنما هي التي احتاجت الناس دائم تعجب ا ،

غامت عينا " ظننت إنها جاءت إليك " شيخ زاوية العميان قال أمه فوق طريق مترب مهجـور يصـل بـين ى عمرو، رأ

ر، غابات نخيل، ينزل عليها الليل ال قريتين، تقطعه ترع، حف ما تدفئ به معدتها، تسـأل القـادمين والـذاهبين عـن ى تلق

يوقن عمرو بقربها منـه، ربمـا ا الطريق إلى مصر، أحيان يلتقي بها فجأة، هل سيعرفها ربما غيرتها المسـافة، ربمـا ضعف بصرها فال يمكنها رؤيته، ثالث سنوات لم يسمع لها

Page 215: 836

تعاش هدبيها، هو تغير، تجيء لحظات يلوم حسا، لم يلحظ ار ال … نفسه لوما عظيما كيف انقطع عنها ثالثة أعوام، كيف

، جرح غرس نفسه في كليته في قلبه لكن مـاذا ى فائدة ترج يحدث لو مرت في الطريق أمامه، أثناء مراقبته لسعيد، هـل

يقوم منتفض نفسه، يعانقها، يدرك سعيد ما يحاك له، ا ، كاشف ا م مقدم البصاصين بإفساد ما تم تدبيره، عمرو ليس بمفرده يعل

ترقبه، ربما ى في المقهى، يعرف هذا تماما، هناك عين أخر حمزة ابن العيد الصغير نفسه، ربما غيره، شـخص واحـد ينفي عنه الشك هو سعيد الجهيني نفسه، ومن يدري، ربمـا

يتعرض الختيار رهيب تمهيد لتصعيده في سلم البصاصين، ا ، قال هذه حالة أصعب من المـوت ا واضح ا المقدم تأثر ى أبد

. نه سيوصي النواب في سائر البالد بإبالغه عنها إ نفسه، قال ا تغييـر ى البد من كشف أمرها، في لقائـه مـع المقـدم رأ

حديثه، معاملتـه، لهجتـه ة ال تخطئه عين في طريق ا ملحوظ أرق، يبدي اهتمام ا زائد خاصة، ال يهـدد عن الحد بشئونه ال ا منه بعـد اللقـاء، اآلن ا أكثر قرب و عمر . كالعادة، هذا أفضل

في الفجوة، تعلم من المقدم أال يمل وال يزهق ا يجلس منكمش من مرور الزمن، ربما دفعته الظروف إلى النظر من خالل

Page 216: 836

ثقب مشربية يوم يرقب وصول إنسان بعينـه قـد ال كامال ا ، إال روحـه، بـالفجوة يال يجيء، عليه أال يدع للضـيق سـب

رطوبة، وفي القلب حنين إلى عجوز ال يعرف مكانها، إلـى أي أرض تمضي، بأي أرض تموت، لكن الحنين يجـب أن يتوارى، اآلن يعمل، يسعى من أجل عيشه، لم يقربه حمـزة كما رجاه، جاء ثالثة من مشايخ الكتاتيب التي تحفظ القـرآن

تضـايق … سموع للصبية، أحدهم يرشف السحلب بصوت م عمرو، ترحم أكبرهم سنا على أيام زمان عندما كان الصبية يسعون بأرواحهم إلى حفظ القرآن وتالوته، لكن الزمن مـا عاد الزمن، الصبي ابن العاشرة يجلس أمامك وكأنـه قاعـد على فرخ جمر، ما يصدق الحصة تخلص حتى يهـج، قـال

هـذه " ثالث ، قال " … أعوذ باهللا منها … والشقاوة " أحدهم مـا الـذي " تساءل عمرو بينه وبين نفسه " عالمات الساعة

لينتبه، صحيح أنه هنا من أجـل " يقصده بعالمات الساعة؟ سعيد، لكن البد من اإلصغاء إلى ما يجـري، ربمـا طلـع بحديث له قيمته، ربما وقع مصادفة على ما لن يقـع عليـه

ال أعجـب لـو … أي واهللا " قال أكبرهم . بالترتيب والتدبير أقصرهم قامـة - ، قال الثالث " أخبرني أحد عن بغلة أنجبت

Page 217: 836

لو حملت بغلة وأنجبت لكان هـذا … نستعيذ باهللا يا موالنا " ومـا " قال غليظ الصـوت، " عالمة على انتهاء عمر الدنيا

عمرو، حديث طريف لكن لـه ى أصغ " ك أنها ال تنتهي ا أدرـ بأي سيم يتخاطب العجائز؟؟، ليفت … ى مغز ح آذنيه تمام ا ،

البصـاص " عندما قابل مقدم البصاصين أول مرة قال لـه، ، يحفظ وينقل، ى ذنين وعينين، يسمع وير أ المكين عبارة عن

، عشنا وشفنا بدعا لها العجب، يعنـي " حتى في ساعات نومه اآلن ال يقدر إنسان على الحركة من بيته إلـى الجـامع إال

لـم " ال قصير القامـة ، ق " واهللا عجيب … بقطعة الجلد هذه أي الكتاتيـب و ه لـو يعـرف عمـر آ " نسمع بهذا من قبل

يديرون؟؟ سيسأل حمزة عنهم آخر النهار أو غـد حتـى ال ا يثير ريبته، وحتى يثبت التزامه بقواعد البصاصة الصحيحة،

إلى وصول رجلين و نتبه عمر ا لو صح أن حمزة عين ترقبه، ى يا تر " وهو يسأل؟ من التجار، دخل أولهما، أشيب الشعر

قال الثاني، " ل خلع السلطان عمامته الخفيفة، ولبس الكبيرة ه " لو تم هذا فمعناه شفاؤه من مرضه لكن البشائر لم تدق بهذا "

تساءل عمرو، من أي حي هما؟؟ في الناحية األخرى أكبـر ، التاجر " ومن عالمات الساعة ظهور المسيخ الدجال " الشيوخ

Page 218: 836

العامـة الكبيـرة وقابـل ى تأكد أنه ارتد أنا م " أشيب الشعر واهللا أشعر أن المسيخ " يقول ثاني المشايخ " األمير طومانباي

الدجال يسعى بيننا، يدق قلب عمرو، هذا خطيـر، التـاجر العمامة الكبيـرة، ى أن السلطان ارتد ا صدق أبد أ ال : الصغير

الشـيخ أشـيب " أين البشـائر؟؟ … فأين البشائر آه … وإال التاجر " أي واهللا ينقصنا طلوع الشمس من المغرب " ، الشعر ربما، دخل رجـل … ستبعد هذا أ أنا ال … ا عموم " الصغير

رفيع أسمر حول رأسه عمامة صغيرة زرقاء نصراني مـن أهل الذمة، حمزة بن العيد الصغير حدث عمـرو عنـه، ال

يتحدث كثير كل ة انتظار الكالم منه كنزول المطر في بؤون ا ، يجيء أربع مرات، مرة بعد طلوع الشمس بمجرد فـتح يوم

الدكان، وفي الضحى، ثم العصر، وقبيـل إغـالق الـدكان، يضحك المشايخ، هل فاته شيء؟ أشيب الشعر يقـول … آه

يضحكون، البـد " سيمد اهللا في أجلي حتى أشمت في زمني " أن يتذكر الجملة جيد اشـترينا األردب " ، التـاجر الصـغير ا

تغيـر موضـوع " … اضطررنا إلى هـذا بدينار ونصف حديثهما، النصراني في كل مرة يشرب كوبا من اليانسون بال سكر، يدخن كرسيين من الدخان، ال يدخن تبغ الدكان، إنمـا

Page 219: 836

يحمل معه كيس ا جلدي بالتبغ األصفر الجيد، لـه ا مليئ ا متشقق ا رائحة ال مثيل لها ال يعرف حمزة من أين يحضره؟ يتنـاول

ال ينقص وال يزيد، يطلـب مـن حمـزة رص ا معين ا ر مقدا الكرسي، يتابعه بدقة، يبدأ التدخين، ينفث الدخان مـن أنفـه

كأنه يتألم أو يعاني وجع يشـكو ، يحرك رأسه يمينا وشماال ا ، شكوى صامتة إلى الشيشة، يحدثها عن ظلم فادح حـل بـه،

الفحـم، يضـغطه، ي قرب انتهاء الكرسي، ينظر إليه، يسو أال س يط الحجر بيديه، يميل عليه، ينفخ بفمه، رجاء أخـر يح

… أي واهللا " تنتهي أنفاس الدخان، يقول الشيخ قصير القامة قسـم أ … لكنني لم أصدقه قط " ، يرد أشيب الشعر " أي واهللا

ما يعرفه عنه، ى حمزة حك " يمان المغلظة لكنني لم أصدقه األ زوجة عنـده يسكن في وكالة الفراخ، قرب خان الخليلي، ال

مرة رآه حمزة يبكي، يبكي بدموع تنسـال مـن . وال أوالد ، من أيـن و عينيه سهلة لينة بال مانع، بال نشيج، تساءل عمر

يأتي بالتبغ؟؟ ما الذي يجعله مهموم ؟؟ كأنـه يتحـدث إلـى ا سـعيد … رجال اختفوا عن العيون كلها إال عينيه هـو، آه

به إليه، لـم يـذكر يجلس أمام الدكان، حضور مفاجئ لم ينت رؤيته المفاجئة، هذا أمر يحسب عليه، يقعـد فـوق الدكـة،

Page 220: 836

أطرق، عمرو يحاول تهدئة دقات قلبه، حقا ال يزال الشـوط بعيد لكـن ى مهما ير ى حتى يصل إلى حد الكمال، أن ير ا ،

مشاعره ال تتغير، ال تتبدل، هذه درجة راقية ال يصل إليهـا إلى يلة ينفذ بها اإلنسان إال كل بصاص مكين، آه لو هناك ح

ما يدور في عقل اآلخر، لعرف البصاصون داللـة رعشـة سريعة، تراجع ة العين، أي الخواطر دفعت األنف إلى اختالج

. حتى ألصق ظهره بجدران الدكان و عمر

Page 221: 836

نداء يا أهالي مصر

نأمر بالمعروف، وننهي عن المنكر انكشف المستور منذ ستة شهور كات بن موسى تسلم الزيني بر

ناظر الحسبة الشريفة ووالي القاهرة

تسلم األمير ماماي الصغير ه وبعد أن قرره، احتاط على موجود

وظهر لديه ما قيمته تسعون ألف دينار

وهذا يزيد عما طلبه السلطان بعشرين ألف دينار

وقد سلمت األموال، جميعها إلى بيت المال

يا أهالي مصر ات بن موسى أمر الزيني برك

Page 222: 836

ناظر الحسبة الشريفة ووالي القاهرة

بفرض ضريبة على بيوت الخطأ ومنع تردد من هم دون العشرين عليها

حفاظا على الخلق، والشريعة يا أهالي مصر

بعد يومين، يسافر الزيني إلى جهات دمياط، والدقهلية

لكشف أمورها ودفع العربان عنها

بها وإقرار النظام وسوف يقوم بأعماله في غيبته

عبد العظيم الصيرفي صراف الحسبة

ونائبها لشئون األموال حالها ى عل ى وجميع األمور ستبق وسيعاقب المخالف

يا أهالي مصر

Page 223: 836

تعهد الزيني بركات بن موسى ناظر الحسبة الشريفة

ووالي القاهرة إلى موالنا السلطان

لساقي أمير عشرة باستالم األمير بكتمر ا واستخراج أموال المسلمين منه

ويقدرها الزيني بخمسين ألف دينار خالصة غير ما يظهر

… من المخبأ ***

Page 224: 836

:عاجل إلى مقدم بصاصي القاهرة

في يوم االثنين، في الصباح، حيـث خـرج الخلـق يحتفلون بشم النسيم، يمارسون اللهو والفرجة، رأيت سـعيد

ل تواريت عنه، لم يكـن بمفـرده، إنمـا الجهيني، وفي الحا تصحبه امرأتان، إحداهما كبيرة السن، اقتفيت خطواتهم، من

حدائق بوالق، وهناك لحق بهما شيخ معمـم إلى باب الخلق اسمه ريحان البيروني، أعلم بتردد سعيد على بيتـه، وبـدا

مولهـا، – وأنا أقطع الشك باليقين، والتردد بالثبات – سعيد الشـيخ البيرونـي، ة حتى أذنيه في عشق ابن ا رق مدلها، غا

وعرفت من أصحابي المجاورين أنه كثيرا ما يلفـظ باسـم أثناء نومه وسماح هي ابنة الشيخ وقد أمضيا اليـوم " سماح "

كله في حدائق بوالق، انفرد سعيد بها مرتين، حدثها وحدثته، . وسوف أتابع ما يستجد

……عمرو

Page 225: 836

نداء مصر يا أهالي

يعلن عبد العظيم الصيرفي صراف الحسبة

إن كل شيء على حاله واألسعار كما قرر الزيني

وأي تاجر يتالعب دمه مباح

حتى يرجع الزيني من غيبته ***

نداء يا أهالي القاهرة

أمر عبد العظيم الصيرفي بشنق بائع بيض على باب دكانه

ألنه زاد سعر البيض ***

نداء يا أهالي القاهرة

Page 226: 836

أمر عبد العظيم الصيرفي بقطع ألسنة ثالثة شبان

بطوا يشيعون البلبلة ض*** نداء

يا أهالي القاهرة أمر عبد العظيم الصيرفي

بتسليم ثالثة مغاربة إلى الشهاب األعظم زكريا

النائب األول للحسبة، ولوالي القاهرة بعد ثبوت اتصالهم بابن عثمان

*** ء ندا

يا أهالي القاهرة يأمر عبد العظيم الصيرفي بأن يفتح كل إنسان أذنيه

ويدل على من شك في أمره بوجود صلة له مع ابن عثمان

Page 227: 836

وله مكافأة يا أهالي القاهرة

غد ا … يتوجه الشهاب األعظم زكريا

إلى جامع شيخون ليؤم الصالة

ويخطب في المؤمنين ن والجامع مفتوح أمام الراغبي***

Page 228: 836

بسم اهللا الرحمن الرحيم جعل هذا البلد آمنا االلهم

" ديوان سر الشهاب زكريا بن راضي " نبذة مرسلة بالحمام الزاجل

إلى الزيني بركات بن موسى متولي حسبة القـاهرة . إلى دمياط . والديار المصرية، ووالي القاهرة

من هو الشيخ ريحان البيروني؟؟-١ د محمد األسيوطي بن عامر هو الشيخ ريحان بن زي

بن إبراهيم، أما البيروني فلقب لصق بالشـيخ، د الفاضل أحم إلـى ى منذ أن درس علوم المنطق على يدي شيخ ضرير أت

هـ جاء من بالد الشـاه ٨٠٥ الجامع العتيق في أواخر عام إسماعيل الصوفي، اسمه الشيخ البيروني ولم يكن شيعي أو ا ،

منتمي طوائف الرافضة، إنما هـو سـني إلى أي طائفة من ا ـ ٨٨٣ متعمق، عاش بمصر ولم يتزوج حتى مات عام . هـ

. دفن بالقرافة الشرقية مع العلماء الصالحين عمل الشيخ ريحان كاتبا صغيرا بديوان سر قاضـي القضاة، وفي هذه المدة قام بصياغة الحجج والفتـاوى التـي

هـذا تصدر عن قاضي القضاة، وأتقن عمله، كما أتاح لـه

Page 229: 836

فرصة مشاهدة األمراء وكبار رجال السلطنة عن قرب، ومن قبل لم يرهم إال في المواكب، وعندما كان يلمحهم يتسـاءل ويروح عقله إلى بعيد، هل يضحك هـؤالء األكـابر كبقيـة الناس، هل يتبادلون النكات، والقفشات، هل يداعب الواحـد

عن ا ءل كثير منهم صاحبه، يناديه بألفاظ األلفة والمودة، تسا ى طريقة أكلهم وكيف يقدم لهم الطعام، يغمض عينيـه، يـر

نفسه مقرب إلى أمير كبير، وقريب من مجلس السلطان نفسه، ا ، وهذا دلـت لكنه ال يدري ما يقوله لهم، بل من الثابت فعال

فـي – نه تساءل إلى أحـد أصـحابه إ عليه شواهد وقرائن، ـ ٨٧٥ هـ و ٨٦٣ الفترة ما بين عامي عما إذا كـان - ه

أتابك العساكر وقتئذ، يبول ويفعل ا بغ شخص مثل األمير تمر كبقية الناس؟؟ بل قال لصاحبه، كيف يتعرى السلطان ويلفـح

ة من حريمه، يسيل أ الفراغ مؤخرته الضخمة عندما يعلو امر شهوة ورغبـة، ه ريقه، يغمض عينيه وترتعش أطراف حنك

ا كبيرة، تستحق مؤلف ا مور واعتبر البيروني مثل هذه األسئلة أ ضخم ـ ى ، تمن ا دلهم ا لو نفذ إلى األكابر العظام، صـاحبهم ب

ـ ن فيه، ما يح لو الرأي في الزمان، ما يأم نفسـه ى ون، رأ لم يجلس إلى أتابك العسكر، يدخنان سويا بعد عشـاء هنـيء،

Page 230: 836

يميل عليه األتابك، يسر إليه بسر ال يعلمه إال هو، أو األمير تتعلـق ا ي، يقص عليه حكاية خاصة جـد الجوكندار المحمد

لى أحد من النـاس، إ بالسلطان، ثم يطلب منه أال يفضي بها ألن السلطان لو عرف بتسربها ألطاح برقبة من حكاها ومن سمعها، ال يتخيل مدى سروره وفرحته وعظمة بهجته عندما

فـي شـارع ي إليه أسرار لم يسمعها غيره، أن يمش ى ض ف ت ون تحت باب الفتوح، حوله الخلق، باعة الصليبة، سوق الليم

أمـا . ومشترون، في عقولهم مشاغل الدنيا الصغيرة والتافهة دماغه هو فيعج باألسرار، وعندما يجلس بأحـد الـدكاكين،

نفسـه وقـد ى يشرب الحلبة أو السحلب المخلوط باللبن، ير الليل كله في قصر أمير كبير، لم ينم، لم يأخذ راحتـه ى قض

نوم، يضطر مع هذا إلى الـذهاب إلـى ديـوان وحقه في ال المكاتبات، يصوغ الفتاوى والحجج، هنـا، يشـعر بعينيـه

، بل يتثاءب عدة مرات ينظر إلى المحيطـين مجهدتين فعال به، يلحظون كسله وتراخيه، لو سألوه فسيوضح لهـم فـور ا

طوال الليل يجالس األمراء، ينادم الكبار العظام، فيعذرونـه، ظات راحته فيسعون إليه، يطلبـون منـه رفـع ينتهزون لح

Page 231: 836

أمرهم إلى ذوي الشأن الذين يعرفهم، يرجونه في الوسـاطة وقضاء شئونهم، فهو طيب القلب ال يرد محتاج عن بابه ا .

تتكاثر عنده الفتاوى التي يعمل في صياغتها، يضيق على الشيخ عبد بطلبات عبد البر أن يسرع، يرى نفسه داخال

ضاة، يقف أمامه، عبد البر تأخذه الدهشة، مـا البر قاضي الق الذي غير حال مستخدمه، نظراته جامدة، عامته كبيرة، عطر وطيب يفوحان منه، بهدوء يميل عليه الشيخ ريحان يطلـب منه ببساطة أال يتعجله، حسه منخفض، ال بل مرتفـع، أبـد ا

األفضل أن يكون منخفض ألفاظه بليغة، سيقول لعبـد ا واثق ا ، نه مـن خاصـة األميـر إ بر أنه يطيل السهر مع األمراء، ال

بكتمر، ونديم منطاش، ومستودع سر األمير طومانباي نفسه، إال على كتفه، سيفزع عبد البر، أ بغا فال يتوك أما األمير تمر

تغشاه رهبة، يخشى على نفسه، يأمر الشيخ ريحان بأن يعمل على مهله أال يتعجل أبد هواه، لـيس ، أن يحل ويربط على ا

بعيد أن يأمر السلطان بخلع القاضي عبد البر، فيسعى عبـد ا البر إلى الشيخ ريحان ليرجوه أن يشفع له عند السلطان حتى

يرده قاضي ا .

Page 232: 836

الشيخ ريحـان هـ، وعمر ٨٧٦ حدث حوالي عام " حوالي خمس وعشرين سنة، أن عرف الطريـق مـع أحـد

ب الفسطاط، هنـاك قر " ة ز بنة الخبي ا سنية " بيت إلى أصحابه ها من الطريق وعلمتهـا عمـل ت لتقط ا قدمت له صبية فالحة

التي ينام فيها الشيخ ى الفاحشة، والثابت فعال إنها المرة األول نـه يشـغل إ ريحان مع امرأة في حياته، في أول مقابلة، قال

ـ ، سـألته ا وظيفة خطيرة، وظيفة وثيقة الصلة بـاألمير أقبغ أقرب النـاس إلـى السـلطان، " الصبية من هو أقبغا؟ فقال

يا خـراب " فضربت البنت صدرها الجامد الناهض وشهقت ة ضم شفتيه حذرها من البوح بهذا السر إلـى صـاحب " أسود

وظيفته السـرية، تمنعـه مـن . البيت، رقبتها ستطير عندئذ الظهور عالنية مع الحريم، أو السعي إليهن، وامرأة أي أمير

يوقن أن الكثيرات منهن يرغبنه أو كبير في متناول يده، بل فعال، لكنه ال يستطيع، وظيفته السرية تحوشه عن هذا، وقبل الوظيفة هناك ضميره ذاته، أثناء حديثه توقف مـرات، هـز

إياها من البوح بما يقول إلى نفسـها ا محذر ى يده اليمن ع أصب حتى، خافت الصبية، صدقت ما قاله، خاصة أنـه أعطاهـا

. تندر تناوله من أي واحد يخلو بها ا محترم ا بقشيش

Page 233: 836

في كل يومي اثنين وخميس يمضي الشيخ ريحـان " إلى الفسطاط، ومرة وجد الصبية متغيبة، رفض مضـاجعة

، عـاد ليجـد ة أخرى برغم تحايل المعلمة سنية ابنة الخبيـز الصبية متزينة في انتظاره، عندما تجرد مـن ثيابـه، تمـدد

خافـت الصـبية، … ياه … بجوارها خبط جبهته بيده، قال مالك؟ أجاب، نسيت أمرا مهوال كلفني به األميـر منطـاش، يسكت لحظات، مجرد سماعها هذه األسماء، طريقته البسيطة

في ت واهللا أخطأ وتخاف، يتأسف قائال ى في النطق بها، تخش حقه، منطاش كريم معي جد ا جد ، تصوري، ويراعي حقـي ا

رني، عـذ به، لكنه يجـب أن ي التفاتا، ال أهتم ه لكنني ال أعير ويـنفخ بفمـه، … مشاغلي ال تحصى، أي واهللا ال تحصى

يضرب ركبته بقبضته، الصبية ال تعرف ما تقوله، وعنـدما ال عليـك يـا " تأخذها الحيرة تزحف إليه تلتصق به تقـول

ا مرة ثانية يتمدد جوارهـا راضـي " حبيبي ما تغتم يا حبيبي تتسع عيناهـا، " أما ولد … يا سالم على طومانباي " يضحك

إليه، يذكر اسمه بال س يحكي عن األمير الدوادار كأقرب النا سهر معي " فيقول " ماله يا حبيبي؟؟ " تفخيم أو تعظيم، تسأله

، ا أما حكايات غريبة غريبة جـد … يا سالم … طوال الليل

Page 234: 836

لكنني ال أعرف كيف جـرى هـذا، " يصمت لحظات، يقول لمة ثديها األيسر، يمر على حوافـه ح ى وفي مرة تلق " كيف؟

سـنية : بشفتيه، عادته المفضلة، قالت الصبية وجسدها يختلج كـان – من متولي الحسبة ا وعسر ا بنة الخبيرة تعاني ضيق ا

قرر عليها زيـادة فـي – بن أبي الجود ي في هذا الوقت عل الضريبة، وتمنت لو أن الشيخ ريحـان تحـدث إلـى أحـد

كابر العظام، هنا انتفض الشيخ ريحـان أصحابه المقربين األ عاري أنـت مجنونـة " ، وعرق الغضب يطق من جبينه، ا …

ـ ا ضاعت رقبتنا اآلن، هل قلت شيئ ك يا مجنونة مما أقوله ل البنة الخبيزة، ارتعش جلدها وقفقفت، أقسمت بحياته عندها،

ل البيت، برحمة أبيها الذي لم تره قط إنما الصـحيح أنهـا آ ب هي ال تعرف من األكابر غيره، وبكت بين يديه، فكرت فيه،

حتى هدأت ثورته، وخفت حدته، فقال أنا ال أمانع ولو كـان ال يمسني، لكنني ماذا أقـول ألي أميـر مـن األمر معقوال

… بنـة الخبيـزة ال ا أصحابي؟ هل أقول له إنني أريد إنصاف ا م عنـد … بنـة الخبيـزة؟؟ آه ا سيسألون، وما الذي عرفك ب

. األمر بالعظام األكابر أصحابي ال بد أن توزن األمور يتعلق

Page 235: 836

ـ وبقي الشيخ ريحـان مبل " … أال تؤخذ كما هي ل ب الخبيزة ينظر إليها، يحاول تلمـس ة الخاطر، عندما يقابل ابن

أي داللة على معرفتها بما يقوله، يخشى مفاجأتـه بسـؤال األكابر، ويفلت لسانها بحديث أمـام ى ترجوه فيه التوسط لد

مترددين عليها، يفهم منه شيء عن أحاديثه المستمرة إلـى ال الصبية، عرف منها شخصيات بعض المترددين هنا، موظفين في دواوين األمراء عند المحتسب، مشايخ، بعض األمـراء

. الصغار يجيئون خفية حدث في هذه الفترة أن استدعاه القاضي عبد البـر،

ربمـا وصـلت وعندما مضي إليه دارت في رأسه الدوائر، … أخبار أحاديثه إلى عبد البر، يجازيـه القاضـي مـرتين

لذهابه إلى بيت من بيـوت الخطـأ، الثانيـة لكثـرة ى األول تخريفه، راح يجهز ما سيقوله، سيرجو القاضي العفو عنـه بسبب التردد على البيت فاأللسن ال ترحم، لكن ماذا يقول عن

، قابله عبد البـر يات حول األمراء كا األحاديث، واختالق الح مرحب ابتسم في وجهه، طيب خاطره، وهذا مـا ال يحـدث ا ، أبد ا فعبد البر عبوس دائم ، فظ اللسان، غليظ القلب، أخبـره ا ،

بمجيء األمير سالمش الجمدار المختص بإلباس السلطان، إذ

Page 236: 836

ظهره، يفرد ذراعيه فيقـوم سـالمش يقف السلطان ويوليه سويه، وهذا منصـب ال يصـل بإدخالهما في كم الرداء، ثم ي

إليه إال صاحب ثقة عظيمة توفر االطمئنان للسلطان، بحيـث يدير ظهره إليه، ويسلمه نفسه، قال القاضي عبد البر، األمير

سالمش طلب منه شخص به، ليحرر مكاتباته، وبحث ا موثوق ا القاضي عبد البر كثيرا فلم يجد أخلص من الشـيخ ريحـان،

عليه أن يبحث عن عـروس صـالحة لكن حتى يتم األمر، يتزوجها، فاألمير سالمش ال يقبل عزبا في قصـره، وقـال

". يا شيخ ريحان ا ثم إنك لست صغير " القاضي عبد البر قام الشيخ ريحان وقبل القاضي عبد البر، مشي فـي

الطرقات يرقص فرح ـ ا وطرب ا أخيـر ، سـيرى األمـراء ا ى ار الدولة، تمن والضيوف، يحرر المكاتبات، يطلع على أسر

لو قال هذا للصبية لكنها ستتعجب، أال يخبرها دائم بقربـه ا ! والتصاقه باألمراء واألكابر؟

مضى في أفخر ثيابه وقتئـذ إلـى قصـر األميـر ي سالمش، بالغ كثيرا في إظهار عالمات األدب واللياقة ليوح

أنه خدم طوال عمره في بيوت أكابر، انتظر مقابلة األمير، لم به، قال لنفسه ربما انشغل األمير بشيء عنه، وعنـدما يلتق

Page 237: 836

" تزوجت منذ أسبوعين " سأله نائب األمير عن زواجه أخبره إلى أحد أقاربه واسمه المعلم محمود بن ى كان قد مض وفعال

سالمة، أحد تجار العدس في أثر النبي يمتلك ثالثة مراكـب القلـل سارحة في النيل تنقل له المحصول من الصعيد، غير

المعلم محمـود ى ثن أ المهم ) هـ ٩٠٩ مات عام ( واألزيار على الشيخ ريحان حافظ كتاب اهللا وحارس البخاري، وبعـد

بنة المعلم في داره بالفسطاط حتى يبحـث ا أسبوع دخل على زواج ابنتي رئيس " له عن بيت يستقر به وصار المعلم يقول

" عند األمير الجمدار اتخذ الشيخ ريحان حجـرة في قصر األمير سالمش

منعزل عن بناء القصر األصـلي، حجـرة ى صغيرة في مبن ، ثاني وثالث يوم لـم يقـف ا ونهار مظلمة تضاء بقنديل ليال

الشيخ بين يدي األمير، كذا األسبوع األول، والثاني والشـهر . عدم مثوله بين يدي األمير قط األول والثابت فعال

ن سالمة يسأله عـن عندما يلتقي به المعلم محمود ب … واهللا " صحة األمير الجمدار وأحواله، يهز يـده، يقـول

صحا مـن نومـه … صحته باألمس كانت على غير العادة بقية ى فقض يئ ل س أ وهذا عنده ف … ترف ى فوجد عينه اليمن

Page 238: 836

يومه مغتم ا … " يبدي المعلم جزع يزعق بصوته ليسـمعه ا ، ألم يقصـده : " ءل زمالؤه التجار يتحدث عن أمير كبير، يتسا

هنـا " … وجاءه وفصد دمـه " يقول الشيخ ريحان " الطبيب؟ من زوج ابنته أن يبلغ – بصوت عال – يطلب المعلم محمود

األمير، أن يخبره بدعواته الصالحات مـن أجـل إلى سالمة ا بصوت عال أيض – شفائه، فيهز الشيخ ريحان رأسه ويجيبه

اهللا حملني سـالما و … سأقول له " فهو يعرف قصد المعلم ". أي واهللا … خاصا إليك كثير األميـر " ما يجيء إلى المعلم، يزعق من بعيد ا

يشرق وجه المعلم، يبـرم " … سالمش يهديك سالم اإلسالم األمير أبلغه ى واهللا عندما تر " شاربه، يتخلل لحيته بأصابعه،

". سالمي بدأ هذا القول يؤلم الشيخ ريحان ويورثه حسرة، لـم

ر سالمش بعينيه، حتى نائبه لم يلتق به إال مـرة واحـدة، يـ مـع أحـد ا عندما تسلم وظيفته، كل المكاتبات تجيئه يومي

الطواشية، والثابت فعال أنه لم ير األمير قط حتـى عنـدما هـ بعد ثالث ٩٠٢ أنجبها عام " ( سماح " ى أنجب ابنته األول

قوعـه سنوات من زواجه لم ينجب بعدها، وهذا أمر يتكرر و

Page 239: 836

بل أرسل إليه األمير سالمش مع نائبـه ) بين قلة من الرجال بالضبط عشرة دنانير أشرفية وقماش أطلس، ( دنانير وكسوة

). وقميص زركش لطفلة صغيرة غضـب ) هــ ٩٠٤ ( بعد مجيء سماح بعـامين

عنـدما – وهذه واقعة معروفة – موالنا على األمير سالمش ى سلطانية الكبيرة مما أد لم يحكم لف الشاش حول العمامة ال

قصاد الحبشة مما إلى إلى فكه لحظة جلوس موالنا السلطان أوقعه في حيرة، وتسبب في حصول كسفة للسلطان مما جعله

وضربه حتـى ا سالمش وحقق معه، وبطحه أرض ي يستدع كاد يهلك لظنه أن واقعة عدم إحكام لف الشاش أمر مـدبر،

ـ وأمر بإلقائه في المقشرة، وال يز ال سالمش محبوس حتـى ا اآلن بعد مضي ما يقرب من عشرين عام على الحادثة ا .

– يشاء حظ الشيخ ريحان، أن األمير سالمش أرسل األمير طغلـق ليحـرر مكاتيـب إلى – قبل حدوث واقعته

وأثناء تواجد الشيخ ريحـان عنـده، . صادرة إلى بالد اليمن ـ ع ء وقعت حادثة الشاش، هنا عرض عليه طغلق البقـا ه، د ن

الشيخ ريحان بالحال، وتزايد سـروره، التصـاله ى وارتضـ ه مباشرة بطغلق، وخروجه مع إلـى ى أكثر من مرة وأفض

Page 240: 836

المعلم محمود وبعض خاصته أن بعض أصحابه من األمراء والكبار أسروا إليه بما سـيحدث مـع سـالمش ونصـحوه ـ باالبتعاد عنه، وتوسطوا له عند طغلق الذي لم يكـن غريب ا

وعند ركوبه مع طغلق يحاول االقتـراب ، ، فأخذه عنده عليه أن يراه أحد ممـن ا منه، ويجول بنظراته في الطرقات متمين

يعرفهم، وهو ممتط بغلة بسرج عال في موكب طغلق، وهذه . مرتبة قل أن يدنو منها إنسان

منذ سنوات جاء من بلدة جهينة، شاب صعيدي يمت قام في بيته فترة من الزمان، إلى الشيخ ريحان بقرابة بعيدة، أ

حتى التحق برواق الصعايدة، ولألمانة فال نقطع بخلوه إلـى بنة الشيخ ريحان خاصة أنها وقت وصوله لم تتجاوز ا سماح

. سن العاشرة لما هو تحت بصرنا وسمعنا حتى اآلن ال يمكننا ا طبق

تحديد التاريخ الذي بدأت محبتها تدب في قلبه، ولكـن بعـد وأحاديثه معها يوم شم النسيم في حدائق ه يقة مشيت تحليل طر

بوالق ثبت عشقه لها واأليام ال تزيده إال وجدا وصبابة مـع أنه ال يراها إال نادر ا جد وهذا نثق به ( ا .(

Page 241: 836

الثابت أيض جهل الشيخ بما يكنه سعيد البنته، وجار ا اآلن لم تفاصيل أدق تصل بنا إلى لب الحقيقـة وجوهرهـا

. الخفي ديوان سر كبير البصاصين ونائب المحتسب(

لي القاهرةونائب وا " ختم "

) زكريا بن راضي ( حد تجار العدس فـي أثـر

النبي يمتلك صثالثة مراكب

Page 242: 836

نداء يا أهالي القاهرة

يعلن عبد العظيم الصيرفي عن قرب وصول

الزيني بركات بن موسى سبة الديار المصرية ح ي متول القاهرة ي ووال

بعد عودته من بالد الصعيد أصحاب الدكاكين ى فعل

والمغنيين وأصحاب الربابة، والرقاصين

الخروج لمقابلته عند دخوله من الجيزة

ظهر يوم الثالثاء بعد غد ومن تخلف، وقع عليه عقاب شديد

***

Page 243: 836

كوم الجارح عيني الساعي، خر فيآمسافات ال أول لها وال

والمسافر على قدميه، زاده عشق الذات العليا، وجد يشده إلى العبر، يرثي المبتدأ والخبر، أقاصي األرض يعبرها متأمال

ما أوجع أحزان القلب في بيوت خراب، في بالد عامرة نسى أهلها األول واآلخر، ما أعذب وقفة المالح عند رأس قارب

ه بحر، المركب يميل ليعتدل، مفرود القلوع، الكون بحر، كليعتدل ليميل، يزعق المالح زعقة نابعة من فص الحنجرة، أعمق األصوات، خالصة اآلمال، ونهاية اآلالم، صرخة مالح في وجه خالء ال بر له، وال يابسة تبدو، ال يذكر الشيخ أين غالب الدوار، أحاط فمه بيديه، ومن شرايين القلب، من

صة سر الكبد، من لوعة المشتاق إلى حدقتي العين، من خالخر اآلفاق، من سني العمر من بئر القلب الدفين، من آ

عذابات وجد قديم، من بقايا عشق يتيم، صاح زعقة واحدة، ألغت الحشا، خففت حمل البدن، والح سر الباطن، وكادت الحقيقة األولية أن تفصح عن نفسها، وسوست النجوم، وألقت

السماء دمعا ضنينا …نجني … أين أنت … يا أحد … يا واحد

Page 244: 836

…نجني بالدنيا ال تعنيه هال يذكر اسم البحر، عند طواف

ر كبيرة، ال عرض باديا لها وال امعرفة أسماء البالد، الدطول، وتعليل النفس بالوصول إثم عظيم، ال هذا العام، وال

ر ، في زعقته طرح السؤال، عبىالعام الذي يليه يحمل البشرالبحار السبعة، األراضي السبع، تجاوز قاف، واق الواق،

ده ج بعيني وىجزائر النساء، ونفذ عبر بطن الحوت، ير، غاية األمل، صوته الضعيف المخزون سمع ى المنتهةسدر

هناك، آه لو حوله بحر اآلن، آه لو يقف فوق الصاري الكبير ن م، تتجسد صرخته في الهواء حبال طويالا يزعق ملتاع

هيام ووجد لكنها اآلن همسة، حيرة مقطرة، استغاثة نجاة بال ى فارتما يهمس بها طائر ضعيف الجناحين، هاجر وحيد

رفقة، لحظات كثيرة رآها في حياته ظن الخالص وشيكا وما صار، لكن األحداث قيفصله عن الحقيقة األولية، خطوات

لوح ، تا تميل فتعكر صفو الرؤية، تخدش حياء النفس، عبث األنوار اإللهية في زمان كهذا، محال أن يرق الجسد حتى

العالم مال ى أيامه البعيدة، عندما رأىيخف، يشف، اآلن يرلحجر األسود، داعب النمور الوحشية، مص ابخده على

Page 245: 836

رشفة رطوبة تنزع حراشيف العطش عن ا الزلط متلمس لى برابرة غزاة يحلون لحم اإلنسان، آه لوإ ه، حديثهحلق

يودع الثبات إلى الحركة، يترك الركود إلى ديمومة ال تنتهي، طوال عمره لم تلجئه األحداث إلى الخلوة الطويلة وهاهي ذي سنوات قليلة في موطنه تدفعه إلى حفر سرداب حفره بأصابعه، فيه يغمض عينيه عن رؤية السجن، يسد أذنيه عن

دنيا أصوات البشر، في أول العمر يكشف اإلنسان عوج الخره، عندما يبدو كل شيء على آفيحاول تقويمها، لكن في

حاله، وال أمل في تحول، في انقالب، حتى أوالده ال يدركهم، ظهر سعيد الباكي، يراه واحدا منهم، لم ير تعندما يرب الحق تزوج في خوارزم، لم ى، في أول خطا أحدهم شاب

ه أثرا، ال وراءا يكمل العام، إنما رحل في وجه الجبل مخلف بشرق الصين، في قرية ينة؟ في مديدري، هل جاء الدنيا أوال

فوق جبل شاهق العلو في الهند، في جزيرة صغيرة في ى وأنثا أربعون نفسا ذكر هالمحيط الشرقي الكبير، كل ساكني

إلى صدره، ال يعرف تعدادهم لكن هلم يضم واحدا من بني أنه عالم بأحوالهم هم، بأي أرض مر عنده ثقة،بقلبه خفق بح

أحدهم ىيعرفون بأي أرض هو، فالعالم كله واحد، ربما رأ

Page 246: 836

في أسواق فارس المزدحمة، في ميناء البصرة، في ربوع كازخستان ال يعرفهم ويعرفهم، لوال أن الدمع جف وهجر

، ا البكاء، أول مرة يراه باكي ا قي من زمن لشارك سعيد آالمصقة، تأتي مع بعضها، ذوه، أمور السوء توائم متالآطفل

البصاصون ال يخفون أنفسهم اآلن عند اقتفاء أثره، منهم من مثل هذا يتزوج أ"يصيح بصوت عال بعد االقتراب منه

، ا يلتف برأسه مفزوع " سماح" ينتهك اسمهاا يسمع هاتف " بقمر؟الكون كله يصغي، أربع مرات أرسل مقدم البصاصين

ا بن راضي، اآلن أمام يطلبه، أوامره ال ترد، أما زكريالمصلين بجامع شيخون، يقرأ الفاتحة بصوت عال، الناس

، ومن القلعة، رأس الدولة، نخاعها ا ، تيمن ا تقبل يده تبرك األمين، تسرح البطائق إلى بالد ابن عثمان، عرف ما يجري في السر، ما من همسة أو كلمة تقال، إال ويرسلها خاير بك

بن عثمان، وليلة اس القاضي إلى وجان بردي الغزالي ويونزواج سماح، طاف سعيد، طير لم يكتمل ذبحه، كل هؤالء األكابر جاءوا إلى حفل العرس، العريس ابن أمير كبير ترك الخدمة ومات منذ عامين، شاب وأمامه مستقبل، أحاطوا الشيخ ريحان، الدنيا ال تسعه من الفرحة، يتمازحون معه،

Page 247: 836

ات يمد مدة حافلة لعشاء الفرح، أما يتباسطون، والزيني برك سيد الناس، فهو محتكر الفول الوحيد في نبرهان الدين ب

قيل له، وهل تأثر سعر الفول، لم يزد ا مصر، إذا سأل إنسان طفافة من درهم، ما من سؤال صعب إال ورده المقنع جاهز عند الزيني، وتبدو األمور معقولة، وما اإلنسان إال خالصة

كن يحدث أن تتركز خالصة الزمان في شخص زمانه، ل خالصة ىبعينه، يجمع الحسنات والسيئات، الشيخ ير

العكارة، عندما بث أشجانه للشيخ الزاهد العابد بهاء الحق ، في كل ليلة ا لم يتوقف بعد، ومازال طوافا عظيم ( علوان

يذكر اسم اهللا كل ليلة في موضع مختلف بين آخرين، قال الشيخ بهاء الحق كلما ظن نفسه ) السكون عند موته

ما فكر في ا تخفف من األحمال واألثقال، يرى الوهم، كثير من عمره في السرداب، لكنه ىاعتزال الكون، قضاء ما تبق

يلوم روحه، كيف يحوم األذى في أرض هي أول ما المست لقضاء وقت ما قبل الخالص األبدي، ا ختارها راضي ارأسه، كالحروف، ا ما يراه بسيط ، محال،ا ن مآ البلد ىأن ير

، هز الشيخ بهاء الحق لمشروعا كاألنفاس، في حقيقته محا .رأسه

Page 248: 836

ي ثيابك، وأنا في طوافي، نت فأ… كلنا نحترق " لكن إن مالت الروح عما رماه بها الزمان فقل علينا

".…السالم ***

Page 249: 836

السرادق الرابع وفيه يدبر الزيني والشهاب زكريا

!ى شتا أمور

Page 250: 836

:زكريا بن راضي سرح البريد بالبطائق والرسائل، إلى بالد المغـرب، وصاحب فاس، وملك الحبشـة، وأميـر البندقيـة، والهنـد، والصين، فيما عدا دولة ابن عثمان، األمور اآلن ال تسـمح لكبير البصاصين هناك بالمجيء إلى القاهرة ليحضر اجتماع ا

كبير ن العتاة في هـذه الـبالد، إذ يضم كافة كبار البصاصي ا يجتمع شملهم هنا، يتدارسون األمور والواجبات، يتبادلون ما جرى لكل منهم، ستتحدث كتب التاريخ عن هذا االجتمـاع،

سيذكر في سطر، ما يدور به، سيظل خفي ا مسـتور لكـن ا ، ثاره ستعم العالمين، ال يعلم أخبار االجتماع في مصـر إال آ

ضي، والزيني بركات بن موسي، صاحب اثنان، زكريا بن را الفكرة، ألول مرة يحدث أمر كهذا، لم يخف زكريا فرحتـه،

كـل ة الزيني ألمح إلى أنه سيتعرف عند جلوسه إليهم، طريق منهم، وأسلوبه، طبع لن يقول أي واحد مـنهم عمـا يتبعـه ا

ويطبقه، على زكريا استكشاف خباياهم بما يروق لـه مـن العداء بين الديار المصرية وصـاحب طرق، حتى إذا ما دب

أي مملكة منهم، يجد زكريا نفسه عليما بأدق أسرار الـبالد التي يعمل فيها، مطلع بصاصيها، مما يتيح لـه ة على طريق ا

Page 251: 836

أدق األمور، وهو بمجلسه هنا، بالقـاهرة، عنـدما إلى النفاذ سمع زكريا أفكار الزيني تساءل، من أين له هذه الخواطر؟؟

منـذ عـامين … قصيرة، هل تعـرف ة ال بعد إطراق لكنه ق أن أجمع كبار البصاصين في العالم، لكـن . انتويت تنفيذ هذا

ـ المشاغل ألهتني، خبط الزيني ركبة زكريا، طبع أمـر … ا كهذا لن يفوتك أبد اآلن يطوف الزيني بـالد الصـعيد، … ا

ينزل كل قرية في جمع من رجاله األشداء ونوابـه حـامال الزيني اآلن يحتسب على الديار المصـرية . والصنج الميزان

كلها، يقيم العدل فيها، أخبار جوالته تصله يوما بيوم، نجـح في ضم رجلين من رجال الزيني، لكنه لم يعثر على مخلوق واحد من بصاصي الحسبة، بعد جولة الزيني في الصـعيد، سيسافر إلى دمياط، من شهور تعهد للسلطان بدفع مبلغ معين من المال، عن دمياط والمنصورة، ال يذكر زكريـا مقـداره

، بعد التعهد توجه عدد ر اآلن، إنما في حدود ثالثين ألف دينا لى الزيني، قالوا فيما بينهم، لو نجـح الزينـي إ من األمراء

: ألظهر لنا السلطان عين الغضب وقـال ا وجمع الثالثين ألف لوا الزيني، أبدوا أنظروا إلى ذمم المسلمين وكيف تكون؟؟ قاب

إشفاقهم عليه، دمياط والمنصورة ال تدر أكثر مـن عشـرة

Page 252: 836

أالف دينار سنوي العـام ولـم يـدفع ى ، كيف الحال لو انته ا الزيني مال السلطان، ثم ما الذي يدخل جيبه؟ هـل يرهـق روحه؟ يطارد الفالحين عندما يسافر، ويصـرف، ويشـنق

أقتل ولن أشـنق أي لن أرواحا، مقابل ماذا؟ رد الزيني قائال إنسان ألنه تأخر في دفع ما عليه، إنما سأعذر كل مخلـوق

، قال أعانني اهللا على جمـع " سكت لحظات " ناءت به الحال، مال السلطان وإذا كانت دمياط لم تدر في جميـع العصـور أكثر من عشرة آالف دينار، فسأصلح أمورهـا، واسـتخرج

ء من عنده وهـم فـي خرج األمرا " منها ما لن يتخيله إنسان مـا ى أرسل زكريا خفية إلى كل منهم، لن ينس " غيظ عظيم قرره يوم ما قط، ألمح إليهم بنية خبيثة يضـمرها الزينـي ا

نكوا عليه في الحديث، ا ضدهم، هاجوا وطلعوا إلى السلطان، أبدوا تعصب ضد الزيني، لكن السلطان خاطبهم بكالم يابس، ا

إنسان يبغي العدل، حاربتموه، نتم هكذا إذا ما ظهر أ … قال ولما زادوا عن حدهم قام الغوري هائج العمامة، قال ى ، رم ا :

نتم خربة بورا، الخزائن خاوية أ واهللا أخلع نفسي وتسلموها " وابن عثمان متحرش بنا، العامة ال يهدأون، وتجار الفرنجـة

دمياط، خسرنا دخلنـا، إلى وا يعبرون من اإلسكندرية د ا ع ما

Page 253: 836

يظهر إنسان يتفنن في جلب المـال، نقـف ضـده، وعندما ، زكريـا ا وال كافر ا ونمانعه، واهللا هذا كالم ال يرضي مؤمن

ـ مـن دميـاط ا نفسه حار، كيف يجمع الزينـي ثالثـين ألف والمنصورة، في الليلة نفسها قرر أن يمد مقدم البصاصـين بدمياط برجال أكفاء يرصدون أساليب الزيني، وما يسـتحدثه

ع، في الشهور األخيرة، ال ينكر زكريا إعجابه الخفـي من بد قدر الناس حق قدرهم، مهما ي بخطط الزيني وتدبيره، زكريا

بلغ كرهه لبعضهم، كبير البصاصين في بالد ابـن عثمـان مثال، عدوه األول اآلن، لم يره قط، لكن عنده أوصافه كلها،

ذ ومزاجه، درجة عشقة للغلمان والنساء، قدرته علـى اتخـا القرارات فيما يتعلق بالمصائر، في ديوان السر دفتر كامـل

عنه، كان زكريا صاحبه دهر مع أنه لم يره، زكريـا طويال ا يراه بصاصا من أعظم البصاصين قدرة، منذ عـامين أنشـأ فرقة خاصة، بعضهم يتحدث بلسان العثمانية، كأنهم ولدوا في

اخـتص القسطنطينية نفسها، قسمهم إلى فروع، مـنهم مـن خر تخصص فـي آ بتاريخ أبناء عثمان وأمزجتهم وأحوالهم،

أمور الجيش العثمانلي وما يستجده من أسلحة، زكريا يقـدر تماما كبير بصاصي الدولة العثمانية خاصة بعد ثبوت أمـر

Page 254: 836

قاطع كحد السيف وهو اتصال عدد من أمراء المماليك بدولة ، ا شديد ا زعاج ابن عثمان، زكريا عندما علم باألمر انزعج ان

ليس لوجود مماليك يتصلون بابن عثمان، هذا طبيعي، سـهل اكتشافه، وإن لم يستطع كبير البصاصين العثمانليين هذا فـال يستحق منصبه، زكريا انزعج لرتبهم، منهم مثال خاير بـك، وهو من أشد األمراء قربا إلى السلطان، زكريـا لـم يبلـغ

فك رسـائل األميـر ب أمر السلطان، البد من جمع أدلة أكثر، خاير بك لكنه لم يعثر على إشارة، إذن توجد طريقة خفيـة تغيب عن بصاصيه حتى اآلن يراسل بها العثمانلية، األدلـة ـ ا كلها شفوية، حتى بعد توافر األدلة القاطعة، سـيبقيها زمن

فوق رأس خـاير ا لحظة يشهرها سيف يء تحت يده، ربما تج السلطان بـال أدلـة ملموسـة لـن بك إذا بدرت منه بادرة،

يصدق، خاير بك تقرب جد منه بل أعطـاه واليـة حلـب ا القريبة جد من ابن عثمان لكن ال بـد أن يعلمـوا، زكريـا ا

مـن … العقـل ة يعرف ويسكت، ثمة فكرة بعيدة في قرار ، زكريـا ا واحد منهم كرسي ى يدري ربما دارت األمور واعتل

ره ما وصلوا إليه من خيانة ، يك ه يكره طفو الخاطرة إلى وعي ت عظـامهم، ب أستاذهم، والبلد الذي رضعوا خيره حتى صـل

Page 255: 836

ليأكله ابن عثمان، هذا جـرم ا جاهز ا يقدمون ما فيه مطبوخ يعلم به زكريا، قليلة المعلومات التي تثير في نفسه شـعور ا

دخول واحد من أمراء ابن عثمـان ى بعينه، طالما تمن ا معين به، يجزل له العطاء لكنه بينـه وبـين في خدمته، سيرحب

نفسه سيحتقره، لكن حتى اآلن، يتفوق عليه كبير البصاصين العثمانليين في هذا، ضم من عنده أكثر من أمير، وزكريا لم

يضم أميرا واحد مشابها لخاير بك وغيره، عندما وصل إليه ا ما يفيد باجتماع األمراء الباغضين للزينـي، تسـاءل عمـا

إليه بتأن ى هل يلتقون مع زكريا فيما قدره، ما يسع يريدون، عظيم، لكن الخالص من الزيني ال يتحقق بضربة خنجر، وال سائل يدس في طعامه، وال فرسان يقطعون عليه الطريق في

الصعيد، أو فوق مدق زراعي بدمياط، أبد ى ، الزيني تحـد ا أمـر ، عمره، ما أسهل أن يتخلص منه الزيني بنفس الطريقة

ن تمنعه احتياطات زكريا عندما قرر القضاء على الزيني لم ل يقصد ذبحه، قتله، إنما الخالص منه وهو حي يرزق، يأكـل وجباته ويضاجع نساءه، يقتله لكن يبقي على حياته في الوقت

نفسه، هذا أشق وربما استنفذ عمر لكن الخلق ال يعـاملون ا ، بمثله، زكريـا كلهم هكذا، رجل مثل الزيني ال يجود الزمان

Page 256: 836

يزن قدره تمام يدرس أساليبه ويأخذ ما يخدمه منها، حتـى ا ، لو استعملت هذه األساليب ضده هـو، راح زكريـا يرقـب األمراء، أطلق البصاصين في ركـاب كـل مـنهم، كيـف سيتخلصون من الزيني، اآلذان تنقل إليه أحاديـث القاعـات

يق األمـراء المغلقة، العجائز يسعين إليه باألخبار، تزايد ض عندما تسلم الزيني األمير أردمر الصغير، تعهد باسـتخراج

مائة ألف دينار ذهبا خالص منه، فيما بينهم قالوا، لو تركنـاه ا يفعل ما يشاء لدار علينا واحد ا واحد ننفضح فـي عيـون . ا

. وتـذهب حـرمتهم . العامة، وتنزل هيبة المماليك في مصر إلى ا خرج متخفي . ليل التالي أيقن زكريا بخطورة الحال في ال

إلى وقتها كان الزيني يستعد لبدء رحلته الثانية . بركة الرطلي كيـف قـرر . تلكأت خطواته . عند باب الفتوح . بالد الصعيد

يمضي إلى الزيني يحذره من القتل؟ يقترح عليـه ا هذا؟ أحق يبث حولـه . تغيير أماكن نومه كل ليلة في بيت يحدده زكريا

في الوقت الذي يرصـد فيـه حركـات . رصاد العيون واأل مـا ألحقـه الزينـي بـه مـن ى ال ينس . األمراء وسكناتهم

هذه طريقة ا هل ضعف أمامه أليست فرصته؟ أبد . مضايقاتـ بكيه العامـة ت سريعة الخالص إذا ما ذبحـه األمـراء فس

Page 257: 836

سيخطو بينهم ميتا أكثر من خطـوه حيـا . ويتحسرون عليه . في زمن الناصر بن قالوون ا يبغ عندما قام األمير ط . يرزق ضـايق . بالعدل وصار ينصر الفقيـر علـى الغنـي ى وناد

لم يخف األمر . دسوا له السم البطيء . األمراء مضايقة شديدة شـقوا الثيـاب . لطموا الخدود . ا بكوه بكاء مر . على العامة

لـو طيبغـا . صاروا يقولون في كل صغيرة وكبيـرة . زمنا قام كبير البصاصين في ذلك الوقت حتى عندما . موجود بيننا

ازداد العامـة . بتكليف العلماء لوضع كتيب ورسائل تذم فيه به صنعوا له بالليق من الحلوى، تباع في الموالد وال ا تمسك

تزال بالليق طيبغا ترص في دكاكين الحلوى كلما أقيم مولـد أو سيدي إسماعيل اإلمبابي أو سيدي الليـث . لسيدنا الحسين

خر لكن األمراء أغبياء مناكيد ال يدركون هـذا، آ ولي أو أي هل ألحق الزيني ضرر بأحدهم كما ألحق بزكريا؟ زكريا ال ا

في أبدا ليلة تجمع األدلة القاطعة حول أمر طال تردده ى ينس ليلتها دخـل عليهـا القاعـة . قبوله، رفضه االقتناع بصحته

ضـوء مبهدل الثياب، وعندما واجهها فـي . مكروش النفس النهار الخائن المتسلل من ثقوب المشربية، أيقن صـحة مـا تردد في االقتناع به، عرف أنه خدع، هذا شعور لم يطأه من

Page 258: 836

قبل، حتى عندما بدأ بصاصا صغير ينقل كافة األخبار، كل ا األدلة لم تقنعه لكن نظرة عينيها في تلك اللحظة أنهت التردد،

الكازروني عندما ذبحت الشك، وتذكر بصاص مصر األعظم أمسك بأحد أمراء الظاهر بيبرس، وفصل أعضاء عن جسمه

بذكره، أطال عذابه حتى لفظ األمير روحه في خمسة ا مبتدئ وأربعين يوم بدأ بحلق شعره الناعم المتسلل كالحقـد فـي ا ،

عروقه، شوه الوجه، حتى ال يرق القلب لتضـاريس العمـر داره على مهـل، لـم البكر، أدخل سن خنجره المحمي فيها أ

تتحمل فخمدت أنفاسها بعد ليلة واحدة، حزن عفي أوغل في قلبه، والحزن إذ يعرف الطريق إلى قلب رجل مثله عالمـة

م نفسه إذ تسرع بقتلها، لكنهـا لـم ضعف غير مستحبة، ال تحتمل قط، بالغ في تعذيبها كان البد أن يعرف منهـا، أيـن

ها إلى صفوفه، أدخلها نفذ إليها الزيني، واستطاع ضم ى ومت بيت زكريا قبل توليه الحسبة بأسابيع، كان ال بد أن يعـرف منها أية أدلة على جماعة البصاصين التابعة للزينـي، قـال

ما محكمة البناء بحيـث ال إ مقدم القاهرة، جماعة الزيني هذه ، أو غير موجودة بالمرة، زكريا يثق من ا يمكن النفاذ إليها أبد

تسرع في ؟ فعال " وسيلة " أي الناس تنتمي ى فإل وجودها، وإال

Page 259: 836

ذبحها، هل يوجد آخرون في البيت يسهلون اتصالها بالزيني، كيف كانت تنقل المعلومات إلى الزيني، ال بد من رصد أهل البيت، مراجعة المرات التي خرجت فيها وسـيلة، محاولـة التعرف على دكاكين القماش والعطور التي قصدتها، مع أي

" وسيلة " ة تحدثت؟ أمور كلها سيتابعها زكريا بنفسه، أمر الباع سيصير نـادرة لبصاصـي . يجب أال يشيع، سبة في تاريخه

ه البد أنها أخبرت الزيني بطريقـة نومـه آ ة المقبلة، ن األزم معها، فشعريرة سرت في ظهره، كان الزيني ثالثهما في كل

يدريـه، خلوة، عيناه الالمعتان تتأمالن مؤخرته العارية، من ربما واحدة من حريمه اآلن على اتصال بالزيني، كلما خطر

بأحد ى يتراجع عنهن، هل ألحق الزيني أذ . له هذا ال يقربهن به، مع هذا يطرق بابه ليخبـره بمـا دار بـين مثلما ألحق

األمراء ليحميه، عندما يقدم على حمايته يسن نصـال خفيـا، الزينـي بـذراعين نصل ال ينثني، إلى قلب الزيني، قابلـه

مفتوحين، بدأ الحديث عـن أمـور تحـدث فـي األزهـر، ن كثيرون يجهرون بكالم في حـق السـلطان، بـل و مجاور

سأرسل " يتحرشون بسمعة زكريا والزيني نفسه، قال الزيني لك أسماء المجاورين المشاغبين، وبهذه المناسبة مـا آخـر

Page 260: 836

ـ ( قال زكريا . اسمه … أخبار هذا الولد ) ي سـعيد الجهين ال تفوتنـا " ابتسـم زكريـا " … تمام … تمام " صاح الزيني

به من نفسه، بعد زواج حبيبتـه كـان ى حركاته، نحن أدر ، قلنا إنه سيلقي نفسه في النيل، أو يشـرب فصـا ا جد ا حزينسام ثم بدأ يكثر من الخلوة إلى نفسه فـي مقهـى حمـزة، ا ، زكريـا قـال " منصور؟ " : الزيني . يجلس معه واحد ا أحيان

كثر تعقال أ منصور الركايبي، عندي معلومات كافية عنه، إنه " أشـار الزينـي بيـده " … من صاحبه، ويجيء منه الخيـر

إدمان الدخان " قال زكريا " لنرجع إلى الولد سعيد … المهم " القهوة، وبعـد … والمشروب الجديد الذي وصلنا من اليمن

بنـة ا ة زواج حبيبته بشهور بدأ يتـردد علـى بيـت سـني وال ندري السر فـي . يروح هناك كل يوم ثالثاء … الخبيزة

أكثـر مـن إطـالق " مال الزيني وأسند ذقنه إلى يده، " هذا رجالك في أثره بحيث ال يكون الهدف رصد حركتـه، إنمـا

فعلنا ما " هز زكريا رأسه " … إشعاره أن هناك من يرصدها باسم سـماح أمرت رجالي باقتفاء أثره ثم النداء … هو أكثر

… عال … عال " ضحك الزيني " … بصوت عال، كاد يجن تزايد " … يدي قبلة الشفاه " ابتسم زكريا، " وأخبار الصالة؟

Page 261: 836

فـي ة ال بد أن تحتل مكان … ضحك الزيني، اسمع يا زكريا قلوبهم أكبر، غد مـن رجالـك ركب حصانك، دع رجـال ا ا

ـ وك، يرتدي مالبس فالح، وآخر من رجالك في مالبس ممل ليضرب الثاني األول ضربا فظيعا، وطبع يتصادف عبـور ا

قبض على المملوك، ا أنصف الفالح و ، موكبك هنا ترجل أنت قلوب الخلق، وعندما يصل إلى أكثر من أشباه هذا يحببك اهللا

البصاصون يجدون ألول مرة في تاريخ اإلنسـان بصاصـا ه، هذا عظيما ال يتقن عمله فحسب إنما يحبه الخلق ويحترمون

سكت زكريا، الفكرة . يساعدنا في نشر العدالة وإقامة الميزان ما جاء من أجله، هـل يـدرك الزينـي ى أعجبته، كاد ينس

. ثر شغله بالحديث، هل يؤجل الحديث عن األمراء آ غرضه ف وإذا جهل الزيني قصة مجيئه سيضطرب ويحار، ويتسـاءل

نـه ، غيـر أ ى عن السبب في مجيء زكريا، تأخذه ظنون شت قال فجأة بعد لحظات صمت أثقلها ضوء خافت من شمعدان

الزيني، بعد يـومين، ى أصغ " … وحيد، أنت يا زيني ستقتل له وجه الزينـي، ى عندما تجول زكريا في حديقة بيته، تراء

دموع التأثر فـي عناقه لزكريا، لمح فعال . ثم قيامه المفاجئ في " ا زكريا مثلي ال يمكنه العيش بدونك ي " ركني عينيه، قال

Page 262: 836

البيت الحظ زكريا ميال خفي إلى الزيني، خاصة بعد قبـول ا الزيني الذهاب إلى المواضع التي حددها زكريا، ونومه تحت

االستسالم أو . حمايته، لكن، هل يصفو قلبه تجاه الزيني، أبدا الرجوع عن القرار القديم مذبحة يعدها زكريا لنفسه، حتـى

ه القديم، بدأ في اسـتنبات بـذور يؤكد لنفسه ثباته على قرار أبو الخير " مشروع قديم مدفون في عقله، أرسل في استدعاء

ـ " المرافع ى أبو الخير بصاص قديم عمـل زمنـا فـي أقص الصعيد، منذ أيام وصل القاهرة، يقول متباهيا، فـي حيـاتي

نهـا أ حد قط أ خربت عشرات البيوت هدمت عائالت ما ظن حول إنسان فال بـد أن يطرحـه ستهدم، إذا حام أبو الخير

أرضا، خاصة إذا وصل إلى علمه استقرار أمر هذا اإلنسان أو فرحته بعياله وامرأته، يهوى إحالة الفرح حزنا، والسرور

قهر غالق البيوت وإفساد سـعادة إ مذلة، دءوب في ى ، والغن ا الناس وفرحتهم، يرقص طربا لحظة طالق امـرأة، زكريـا

حدبته، ينظر إلى تقوس ظهره، عيناه ، يتأمل وجهه المسحوب ، من لحظة إلى أخرى يدفع أبو الخير ا لى فوق دائم إ تنظران

، يتساءل عما سيحدث ا الهواء إلى أنفه بقوة، كأنه يعاني ضيق … في اللحظات التالية

Page 263: 836

نداء …يا أهالي القاهرة

نأمر بالمعروف وننهي عن المنكر ينهي إليكم

الزيني بركات بن موسى متولي حسبة الديار المصرية

القاهرة يووال والمتحدث عن الوجه البحري كله

إنه سيخطب يوم الجمعة ويكشف للخلق في أركان األرض

حقيقة الحال، وسر ما قيل وما يقال طالع على الحقيقة فإذا شئتم اال

فاذهبوا إلى الجامع األزهر يوم الجمعة …بعد الصالة

Page 264: 836

هـ٩٢٠: ذو القعدة " حـ" مقتطف

من مشاهدات الرحالة البندقي، فياسكونتي جانتي، هـ وأقام بها ثم ٩١٧الذي وصل القاهرة للمرة الثانية عام

رحل إلى الشام وبالد الحجاز، ثم عاد إلى القاهرة، وأقام بها، وفي هذه المرة كان قد تعلم لغة أهل البالد، فلم يعد بحاجة

.إلى مترجم عربي***

رتد مالبس تاجر تركي، خاصة أن األهالي ألم " والشرطة يتعقبون كل عثماني ربما أمسكوه، يسلمونه في أحسن األحوال إلى كبير بصاصي الدولة ليعاقبه عقابا

، ليقر أي معلومات كلف بجمعها وإرسالها إلى ابن ا مرير الكالب ىدفع بها أذأقصيرة عثمان، نزلت ممسكا عصا

تواجد األهالي ا لي، من النادر جد عني، رأيت المدينة تغخاصة النساء بعد العشاء في طرقات المدن الشرقية خاصة القاهرة التي يشرف على نظامها رجل قوي، متمسك بالدين وفروضه، له هيبة عظيمة عند الناس، وهو محور هذا الغليان، ال أقصد الزيني بركات، لم يعمر رجل مثله في

Page 265: 836

سريعة التقلب، وهناك من يتولى وظيفته مع أن األوضاع هنامنصبا في المساء ليخلع في الصباح، رأيت المشاعل معلقة

يجلس بجوار جدار قديم، ا أمام الدكاكين فقط، رأيت عجوز كأنه بروز حجري . ا أراه في الليل والنهار، ال يرعش طرف

نني رأيته في زيارتي السابقة، ال أعلى هيئة إنسان وأذكر يفك قبضته ى يأكل، متى أرقبه، أعرف متيتغير، بودي لو

عن العصا، امرأة بدينة أمام قفص كبير، فوقه البقدونس والجرجير، رجل يبيع حلوى لذيذة الطعم من الدقيق والسمن والسكر، يحبها أهل الشرق، اسمها بسبوسة، اشتهر في القاهرة عدد من الباعة يتقنون صناعتها أذكر منهم رجال

قبل المغرب يخرج من بيته إلى ناحية ،ورقصير القامة، أع، يتوافد إليه الناس ا حارة ال يسكنها إال العطارون، يقف جامد

ونساء، ال يزعق أحدهم، إذا عال صوت رجل وأطفاالرجااليطلب اإلسراع لتلبية طلبه، هنا ينظر إليه ويشير إشارة

حتى لو ا ، وال يمكن أن يبيع له أبد "…مش ا" واحدة موجزة تردد عليه مرات، وعندما يقطع البسبوسة، يمد يده بسكينة قصيرة سالحها عريض مثلث، حركات يده مرسومة محددة، كأنه يشكل الذهب، ينحت المرمر، تخلو الصينية إال من فتات

Page 266: 836

حلو متناثر يلمع فوق طبقة رقيقة من السمن كاألشعة في الصفراء، بالسكين يجمع الفتات، يلمه إلى حافة الصينية،

اللحظة التي ينتهي من تجميعه، يجيء رجل عجوز طويل . معصوب العينين

يمشي منسرب ال حس له، يحمل طفـال ا صـغير ال ا يبكي، يعطيه البائع الفتات ملفوفة في ورقة صـغيرة، يضـم الحامل الخشبي المثلث تحت أبطه ينصرف، أحببت الوقوف

قريب ب إليـه بعـد، منه، أراقب يديه، وجهه الجامد، لم أذه ا محالت األكل كلها مفتوحة، تسـمع وأنـت تسـير أمامهـا

السـمك . اصطدام األطباق واألوعية، تتصاعد روائح الطعام المقلي، الفراخ المحشوة بالبصل، السنبوسك، وهو نوع رقيق

في السـمن ى تقل . يشكل في مثلثات محشوة باللحمة . العجينـ دور وتتجـه حتى يحمر العجين، من بعيد ترتفع أصوات، ت . يصـفقون . جماعة نجارين يركبون عربات تجرها الدواب

ابن … ابن موسى " يرددون في إيقاع منتظم . يكبرون مهللين خـر ترتفـع آ ن إلـى آ من . لم أميز بقية ما يقولون " موسى

. صيحات هادرة عن جماعة تبتعد كلماتهم شائهة مضـطربة ين في ابن موسى ال يأتي مرت " : تغيب فجأة سمعت من يقول

Page 267: 836

لو جاءهم من يصلح أمرهم البـد أن " خر آ رد " زمن واحد العجيب أنني سـمعت بـاألمس رجـال " يخلقوا فيه العيوب

عجوز ظهـور " يقول عند دكان عطور قديم في الحمزاوي ا أنا أعـرف … ابن موسى عالمة من عالمات خراب الدنيا

لكن الحضور نظروا إليـه، سـكتوا " بدان عنه ما يقشعر األ كأنهم يدفعون عن . ابن موسى على تسابقوا في الثناء . ة لحظ

أي أمر . ينفون استماعهم إلى العجوز . مكتوما ى أرواحهم أذ ـ . محير هذا لم أر مثله في أي البالد النـاس تحـب شخص ا

بعينه، كل لسان يحمد سيرته يثني عليه، في الوقـت نفسـه شعور ال يبين في األرواح والجماد رهبة . شيء خفي ي يسر

خفية من الزيني، ال تبدو على وجه بشر إنما تـرى بعيـون هذا أمر حيرني فعال وأربكني، سمعت طبل المنـادي، . خفية

المدينة ساهرة، لـم . إذن سيخطب ابن موسى في الناس غدا أر فارسا مملوكيا واحدا، عرفت من خادمي أن ضررهم بلغ ة حدا فظيعا ال يحتمل، منذ عام كامل الخروج بعـد العاشـر

مغامرة، أهالي الحارات يغلقون أبوابها ويعينون مـنهم مـن يجلس وراءها، وعندما تزايد األذى، طلع ابن موسـى إلـى

الدنيا ستخرب إذا اسـتمر : " السلطان وشفع في الناس، قال

Page 268: 836

" الحال على ما هو عليه، من خطف نسـاء وذبـح أبريـاء واستجاب السلطان لرجاء الزيني وأمر بمنع المماليـك مـن

مغادرة ثكناتهم العسكرية والنزول بعـد العشـاء إال بـإذن خاص، أمر بمنع أي مملوك من ارتداء لثام حول وجهه، لـم أعاصر هذه الفترة في مصر، لكن أخبرني خادمي باستمرار الدعاء ثالثة أيام فوق منابر الجوامع للزيني بركـات، ولـم

نـع يحدث هذا ألي إنسان من قبله، حتى أمر ابن موسـى بم أخبرني خادمي بذبح ثالثة شبان في هذه الفترة بسـبب . هذا

هم عندما قال الشبان مـا ي ذمهم ابن موسى، ذبحهم العامة بأيد يفعله الزيني مشكوك فيه، هو الذي أثار المماليك، حتى يطلع إلى السلطان ويشفع في الخلـق، وعنـدما يمنـع السـلطان

إلى رجعت . له مماليكه، ينادي ابن موسى بالكف عن الدعاء بال شك هناك أمان يعيش بين الناس . بيتي وفي رأسي دوار

لم تفارقني ضجة الناس، لهوهم في اليوم التالي قمت . وادعا من نومي مبكر لـو فـرض . دخول الجـامع ي صعب عل . ا

ما مـن أجنبـي خاصـة . وأمسكوني فسأطلب عون الزيني . منهـا الفرنجة يدخل مصر إال ويسجل اسمه والناحية القادم

لو سـألني عمـا . ى هذا نظام جديد لم يتبع في زيارتي األول

Page 269: 836

. برغبتي في رؤية الـدنيا . أفعله في المسجد سأخبره بطوافي لم أره إال . البد من لقائي به هذه المرة . ابن موسى سيفهمني

في موكبه يوم مشيه في موكب إعدام سلفه بأغرب طريقـة . يفـوتني سـماعه قلت لن . الرقص حتى الموت . قتل رأيتها

يرتدون مالبس زرقاء ياقاتها لمحت رجاال . فألدخل المسجد عددهم يرقبون حركاتهم، يزداد ، يقفون بين المصلين . صفراء

وحتى آمن على نفسـي ، كلما اقتربوا من الصفوف األمامية ألحدهم لم أخطئ في القيام والركوع، أعرف ا جلست مالصق

معابد والعادات التـي ال الصالة هنا أهون من قرى الهند وال دوائر تتسع، تتسع بعد إلقاء . تنتهي، بين الناس سرت همهمة

حجر في مياه ساكنة، تعلقت العيون بالمنبر الخشبي، وفـوق الساللم الخشبية طلع حاكم القاهرة، محتسب الديار المصرية، الزيني بركات بن موسى، أصغيت مرهفـا، حديثـه عـامي

ول على حد علمـي، اضـطررت اللهجة، وهذا يخالف األص بدأ لينا ثـم . إلى إحاطة أذني حينا بيدي حتى أسمع ما يقول

عال، سمعت مجيء الزيني إلى وظيفته، حرصه على إقامـة العدل، وإقامة العدل في العالم أمر محبوب للبعض، مكـروه

ينهب األموال ويكدس . آلخرين، كانت الفرصة مفتوحة أمامه

Page 270: 836

لون، وكمـا يفعـل و كما فعل األ . ان اللؤلؤ والمرج . اليواقيت وها هو ذا ) يقصد اهللا ( خوفا منه وحده ى لكنه أب . اآلخرون

وقال إنه تعهد بتقديم المال عن . ال يمتلك أكثر مما يقيم أوده وتمكن من استخراج أضعاف األمـوال التـي . جهات معينة

لـم . تدرها هذه الجهات عادة ولم يشك إنسـان أو يتضـرر يصادر فالح ا فقير لم يتسبب في خروج بعضـهم . يعمل بها ا

عن بالده، وضع حدا لهجمات العربان على بيوت الفالحين، هذا ما تم في الريف، أما الضرائب هنا فهـل شـكا منهـا

العديد من الضرائب، وهنا تمهل صـوت ى مخلوق؟ لقد ألغ الزيني، استمع الناس إلى سر من أسرار السلطنة ال يجـرؤ

كان السلطان ينوي فرض ضريبة جديـدة . مخلوق على قوله ، لقـد ) حمـاك اهللا … وهنا عال صياح الناس، حماك اهللا (

شاءت رحمة السلطان وعدله أن يستجيب لشفاعة ابن موسى، وما قيمـة ) حماك اهللا … حماك اهللا ( فيلغي ما عزم عليه،

الشفاعة إذا لم تجد صدر ا رحيم كصدر السـلطان يتقبلهـا، ا الزيني من القلعة، نزوله يوم سبت وسفره إلـى وبعد نزول

هنا توقف الحـديث وبـدأ ( الصعيد لالطمئنان على األحوال هياج بين الناس، الحظـت ى ، سر ) التأثر في لهجة الزيني

Page 271: 836

صدور أصوات من مكان قصي في المسجد، أمـا الرجـال المرتدون المالبس الزرقاء فبدأوا يقتربـون مـن بعضـهم

، لكن ليقفوا في مواضع غيـر أمـاكنهم البعض، ثم يتفرقون الظهيرة، ظهيرة السبت طلع إلـى القلعـة هـذا ى األولي ف

الرجل، سامحه اهللا أبو الخير المرافع، أبو الخير الذي خرب ـ ا في عام واحد ثالث م أبـا ذ وثالثين أسرة، ابن موسـى ال ي

الخير، إنما يذكر وقائع مدعومة بدالئل ال تقبل الشك، الـذين باء آ فيشهدون على ى يوتهم أحياء يرزقون، أما اليتام خربت ب

رحلوا قبل األوان، من أخبره بهذه التفاصيل، من أوضح لـه حقيقة أبي الخير المرافع؟ إنه نائبه المخلص األمـين، نائبـه

أشار بيده إلى ( الذي يغار على العدل كما يغار على أهل بيته عنـاق أنه زكريا بن راضـي، وتطاولـت أ ) أول الصفوف

ـ ( الناس ليلمحوا زكريا لكنهم لم يستطيعوا فزعقوا اهللا ى أبق اقترب الرجال ذوو األردية الزرقاء ) اهللا زكريا ى أبق . زكريا

، عال صـوت ابـن ي من ركن المسجد، يبدو أن شغبا يجر ى أبو الخير المرافع افتر . موسى، رأيته يضرب صدره بيده

ألف دينـار مـن عليه، تعهد أمام السلطان باستخراج ستين زعـق ( الزيني بركات، بعد أن يتسلمه ويجري عليه العذاب

Page 272: 836

ـ … الخير ا لعن اهللا أب … الناس لكـن ) الخيـر ا لعن اهللا أب هل يـدري . السلطان بما أوتي من قوة بصيرة ونفاذ سريرة

خير المرافع ال ي أمر بزج أب … أوال . ما قاله السلطان س النا أنني ال أدري ما يمتلـك في القيد الحديدي، قال له هل تظن

عندما انعقد مجلـس . سأحكي لك حادثة بسيطة . ابن موسى أي حامـل ( تأسف األمير ماماي الطبـردار . السمر الليلي

وقال، حتى اليوم كنت أظن ابن موسى واحدا ) الطبر والفأس من األثرياء والمال عنده كاللولب يديره كيفمـا شـاء لكنـه

ـ وكان مضطربا زائغ ال . جاءني عينين طلـب منـي قرض ا تأسف السـلطان ثانيـة . تساءل السلطان عن قيمته … قيمته

: قال السلطان . أي واهللا خمسة دنانير … وقال خمسة دنانير هل تظن شخص يرسل في طلب قرض كهذا تستطيع إخراج ا

ابـن … آه . ثم لماذا ستون ألف دينـار . آالف الدنانير منه لم يأخذ منهـا . الدنانير الف آ ائني آالف ز موسى أدخل إلى خ

درهما لنفسه وعندي عيوني التـي تخبرنـي بكـل كبيـرة هنا علت همهمات من أقصـى المسـجد، ( وصغيرة في بيته

ـ فوق المنبر وقف ) وسرت همسات بين الناس ن موسـى اب . رأسه مطرق، يداه تضامن طرف عباءته السوداء … ا صامت

Page 273: 836

فـوق وصاح الناس مطالبين بعضهم بالسكوت، رأيت الناس سطح المسجد المطل على الصحن الداخلي يروحون ويجيئون ثم ظهر ثالثة رجال يلبسون المالبس الزرقاء يدفعون الرجال

أيقنت جمال المنظـر لـو . الذين يختلسون النظر إلى أعلى صعدت فوق المئذنة الجديدة التي بناها السلطان الحالي هنـا،

جامعة الجديـد وس والمنبثقة من ء تشبه مئذنة ذات األربع ر . هذه المئذنة أدمنت النظر إليهـا . في أول سوق الشرابشيين

. يتساقط فوق روحي وهج رخامها الملون . المرور من تحتها عصور سحيقة أراها في الصباح أعود إليها وغبار العصـر

أجلس في دكان مشروبات قريب . يغطيها فألقي منظرا جديدا ؤسها األربع في الليل ء من األزهر، أرقبها تغوص بقمتها، بر

ع إليها من رج أ . أخشى عليها من ضياع . حتى تندمج بظالمه أعذروني " لم يتحدث ابن موسى إال بعد هدوء الضجة . جديد

أنـتم . " إذا رويت لكم فيما رويـت بعـض أسـرار بيتـي … يا أخوتي … أخوتي

هل سرقت واحد منكم؟؟ ا ) … تسد الفراغ … ت الحناجر آلف ت (

… حاشا هللا

Page 274: 836

هل أتيت فاحشة؟؟ … ال

هل ظلمت واحدا منكم؟؟ علت، رأيت ابن موسى يشـير . وتداخلت األصوات

مـن ا الناس تقدم رجل قصير يرتدي قميص دأ بيديه، عندما ه نفسي محاوال سماع الرجل، لم أستطع، عندما ت الجلد، أجهد

رفع ابن موسى يده كان هذا الرجل يشكو ظلما وقع عليـه، قربة من الماء فهو ه ألنه كان يمشى حامال أحد رجالي ضرب

سقاء وسط الطريق وهذا يعرض ثياب المارة للبلل، وتساقط الماء فوق األرض يغطيها بالطين، وهذا يخـالف األصـول التي وضعها المحتسب بالنسبة للسقائين، ومع هذا ال بد مـن رد حق السقاء، اعتداء رجل من رجال ابن موسى علـى أي

لن يقبلـه المحتسـب . ير شرعي، مرفوض إنسان بضرب غ أبد ا .

بعد الصالة تعال عندي، أخبرني عن المكان الـذي " وسأحضر أمامك رجالي كلهم المتواجدين فيـه، . مشيت فيه

". وال بد من رد حقك إليك

Page 275: 836

وفي لحظة بعينها، قبل تهليل الناس، انطلقت صيحة من أقصى المسجد، انطلقت في هفوة صمت، تخللت حـديث

… ني الزي " … كذاب "

هنا لم يصدق ابن موسى، صوت نشاز، لـم أخـف تعجبي، الحق أنني لم أر مثل الرجل طوال سني عمري التي قضيتها راحال عبر البالد، تزايد إعجابي بابن موسى، عندما ا عاد إلى إطراقته، ال يتكلم إال إذا ساد هدوء، لمحـت ضـيق

خفي ا حل به، طبع فاقة، ربما وصل البد أن يضيق بهذه الص ا أعداؤه ليفسدوا عليه حديثه إلى الناس، مرة ثانية أشار بيـده

المخلص األمين الشهاب زكريا بـن ه إلى الصف األول، تابع هو الذي قبض بنفسـه ) دام زكريا … دام زكريا ( راضي الخير المرافع تسلمه وحبسه، ال ألنه طلع وترافـع ي على أب

العفو عنه يكفيه معرفـة في حق الزيني، ابن موسى فكر في السلطان بالحق وأهله، لكن الشهاب األعظم سيذيقه مـا أذاق

لن يتراجع عما يراه عـدال، . اآلخرين، ابن موسى لن ينثني ـ ت أعـداؤه بمـا أ السلطان معه، وقلوب الناس تحميـه، فلي

أن يمضي إليه صاحب المظلمة وإذا . كل ما يرجوه . يشاءون

Page 276: 836

بل أي قصاص يقـع عليـه كـأي ق سي ف . ا ثبت أنه ظلم مخلوق علت ضجة من نفس المكان الـذي انطلقـت منـه ( مخلوق . بدأ ابن موسى في نزول درجات المنبر الخشـبي ) الصيحة

قـواك اهللا . زكريا . الزيني . اهللا أكبر . اهللا أكبر " صاح البعض ، دق بعض الدراويش كئوسـا نحاسـية وضـاعت " وحماك

. أخف بهجتـي لم . األصوات التي علت تشوش على الزيني … البد من لقائي به قبل سفري . وازداد إصراري

Page 277: 836

نداء يا أهالي القاهرة

نوصي بالمعروف وننهي عن المنكر اليوم نبشركم

بقلع السلطان الصوف األسود ه اللباس األبيض ئ وارتدا

مع دخول الحر يا أهالي القاهرة

أمر الشهاب األعظم، زكريا بن راضي ار المصرية نائب محتسب الدي

نائب والي القاهرة شنق أبي الخير المرافع ب

جثته ثالثة أيام ى وسوف تبق عبرة لمن اعتبر

ودرسا لمن جاء ومن غبر يا أهالي القاهرة

ممنوع على دكاكين المشروبات، والحلوى السهر بعد العشاء

Page 278: 836

ا ومن ضبط مخالف عوقب بخمسين جلدة

يا أهالي مصر جاءت األخبار بوقوع معركة

بين فرساننا األشاوس ورجال ابن عثمان وقتل فرسان سلطاننا

أربعين فارسا عثمانيا وهذا أول دم يسيل

فانتبهوا يا أهالي مصر يا أهالي مصر

Page 279: 836

ءندا يا أهالي مصر

نأمر بالمعروف وننهي عن المنكر أمر من موالنا السلطان

بتعيين الزيني بركات بن موسى للذودخاناه ناظرا

ونائبا للدوادار الكبير األمير طومانباي

والتنبيه ه فلزم التنوي يا أهالي مصر

من سمع أحدكم بعض أعداء الدين والملة يقع بالكالم في حق السلطان

أو حق واحد من األكابر فعليه بإبالغ األمر إلى نائب الحسبة

الشهاب زكريا بن راضي ة وله الجزاء، والمكافأ ومن سمع وسكت

Page 280: 836

قطع دابره بغير معاودة فاعلموا … وعوا

Page 281: 836

سعيد الجهيني في القلب جراح صعبة االندمال، النفس غابة أسـنة وحراب مرشوقة ال تنتزع، ال سد يوقف األسـى المنثـال،

والمفرد، التاء المفتوحـة ى األول واآلخر، يضيع المثن ي يذو حبة، أمـا األمـاني نهاية النهاية، موت اآلمال وليد فراق األ

، في أول العمر يهتف خاطر خفي دفين، جبينـك لـم ى فتنأ إلـى تدركه الغضون، صدى وسوسات النجوم، يشد األرض

. مهال . لكن صبرا . ى قلوب الخلق تنهج بالمر والبلو . السماء لن يستقر األمـر علـى . بعد سنوات ستجيء األيام السعيدة

وربيعا فتيا . ا مقبلة أيام ى أول العمر يغمض عينيه فير . ه حال ال يدركهم خوف من . يخرج الخلق بمأمن من عبث المماليك

أو كبسة مفاجئة من بصاصين يسعون في أثر . هجوم المنسر ال . أول من يخفق لها القلب . ال يحب اإلنسان مرتين . إنسان ال تنتزعـه مـن الصـدر . ال تصرع خفقاته . ضرباته ى تنف

في . به أفراخه الصغار ى يله . وتسلمه إلى منقار طير جارح . أطفال صغار ال تعرف لغاتهم لفظ الخوزقة ى الزمان المرتج

في الوجوه صفاء اعتاد رؤيته فـي وجـه . وباء . قطع رقبة يقول لنفسـه . لن يطول انتظار هذا . السعود ي مواله الشيخ أب

Page 282: 836

وتمضـي األيـام . خمس سنوات ال غير … خمس سنوات نون الخمس؟ ربمـا بعـد ألم تمض الس . يسأل ملتاعا . أى وتن أن يصبح له سكن . حتى أمنيته العذبة . مس أخرى، أبد أبدا خ

حتى . دورة مياه ال يشاركه فيها أحد . مستقل يغلق ضبة بابه جئنا إلى الـدنيا : يقول منصور صاحبه . هذا صعب ومحال

وسنمضي عنها فنحن لسنا بمعمرين وسنترك آخرين يأملون عيد لماذا نخدع أرواحنا؟ لمـاذا يا س . في قدوم األيام السعيدة

بعـد . ا إمر ا يا سعيد إنما نأتي شيئ . نصدم رءوسنا بالصخر . خمس ثم خمس أخرى األصابع تنثني ال تالحق ما يمضـي

عبث الجـان . عطن الدنيا أبدي . وسبع وعشرون سنة مضت . الظلم كنيران المجوس ال ينطفئ . بالخلق ال ينتهي

*** فـي . ان ال يعرفه اآلن الطريق إلى بيت الشيخ ريح

قـال . ضبة المفتاح تلـغ فـي قلبـه . األيام الضائعة انغلق تمضي ا أحيان . في الزمان دواء عظيم اسمه النسيان : منصور

. يهتف بالـه المكـدود . أيام معدودات تخف فيها حدة األسى سري لكن في لحظة بعينها أي وقـت مـن ي هاهو ذا الدواء

ي جلسته الصباحية المعتادة عند ربما ف . أوقات النهار أو الليل

Page 283: 836

في . ة ب في رشفة معينة من كوز الحل . حمزة بن العيد الصغير فجأة يحط عليه ثقـل . صحن الجامع عند إصغائه إلى الدرس

أوردة قلبه يندفق منها دم معتم يظلم الـروح، يـذكر ، عظيمـ يهب وا . المه جامحة آ لحظة بعينها تنفر ا مـا العمـر إال قف

ى مـا العمـر إال ذكـر . النفس ي تكو . ة حلقات نحاس محمي ترى في أي األفالك منقـذه؟ أي . تزمله . طويلة أليمة تدثره

أو تنبئـه . ى العوالم األرضية تخفيه؟ أي النجوم تخفف البلو أي قمقم يغوص فيه هربا من . ي بها قبل مجيئها من بعد قص

يفتحه . تي ال يفتح إال في الزمن السعيد اآل . من دنياه . عصره . يخرج منه روحا وصـفاء . ا بسيط فيخرج منه شعاع صياد

. يؤويه الصياد، تضمهما األبدية . والحب الضائع . يهبه الحياة أما زمانه هذا فال يقبـل مـا . ال يضل الطريق إال من أحب

. ابنها القتيـل ى ال يجفف دمعة أم عل . يجود به القلب الحنون ـ . ال يحيي موات األمـل ، ال يبدد الهجر راح ال يجفـف الج

يصـيح . يقول سعيد سـتأتي األيـام السـعيدة . ا أبد . الطرية متى؟ لماذا نصدم رءوسنا بالصخر العنيد؟ يا سعيد . منصور

. ى حتى لو أتانا الحبيـب المصـطف . ى ال شفاعة للخلق ترج من بعد أن ملئت ظلمـا . وحاول ملء األرض عدال وسالما

Page 284: 836

وجور لـو . ر يا سعيد أنا مقطوع األمل من المهدي المنتظ . ا لو ظهر لو جاء من الكعبة يشـهر سـيفه . قام ناطق الزمان

سيحرمه دخول الديار سيقبض . سيتصدى له زكريا . الذهبي الحقيقة . الحقيقة الوحيدة في الدنيا . عليه ويرميه في المقشرة

ال بـل . واألخيرة هي المقشرة ومـا عـداها باطـل ى األول ا سعيد كثير ي غ آه يص . بنة الخبيزة ا ة والشهاب والزيني وسني

يلفها يقلبها ويعدل حروفها، منـذ . إلى منصور يتأمل كلماته السواد يلـف المدينـة ال ى أيام طلع إلى المئذنة الجديدة، رأ

حس في العلو الشاهق، الفراغ بحر بال قـرار، خـال مـن ، أول الخلق في الـدنيا، ا نفسه وحيد ى المحار واألصداف، رأ

ـ يء ه، تج نفسه ينتزع ضلعا من ضلوع ى رأ ه سـماح، حلق ضاق بلعابه، وأنفاسه، أرسل ألما كالصـهد، شـفت روحـه وخفت، تحررت من أسر الجسد، علـت، جناحاهـا دمـوع

خفيـا غيـر ا صافية، نجوم األعالي خرساء، تقـول حـديث منطوق، ال يسمعه مخلوق، آه، أليس على حق؟ إذن لماذا ال

ف كش ، ين يتجسد دعاؤه صاعقة منزلة، تزلزل األرض زلزالها قفاطين مالئكية ظاهرها الخير وباطنهـا ب تحفون ل الزبانية الم

األذى، سداها الشر ولحمتها الضرر، يؤمون الصالة، يعتلون

Page 285: 836

بعيني عقله ى ، كطلوع النهار، رأ ا المنابر، أرسل دمعا صادق سماح الرقيقة، التي تساءل يوما، أحقا تمضغ وتأكل، وتـأتي

ماما، يخور فوقها لوطي عاري ما يأتيه البشر؟ رآها عارية ت ويجول في أرض كانت حرامـا، يحـرق ل المؤخرة، يصو

عشبها، يجتز التين والزيتون، يحصد غلتها، يطفئ وهجهـا، تذكر يد سماح، يدها الصغيرة، رقيقة كهمسة، كبيـت شـعر

تقنت صياغته، احتواها في يومه اليتيم الناسك، عند خروجه أ اليد الرقيقة ال بد أن تتحسـس معهم للنزهة، شم النسيم، هذه

الظهر الخشن المنحني فوق النبع الغزير، أما الشيخ ريحـان فال حديث له إال عن زيارة العظماء األكابر، ليلـة العـرس همس إليه األمير سودون، ضحك الشيخ ريحان، جاءه بعدها الزيني بركات، يسأله عما قال األمير سودون، ضحك الشيخ

عفنـي ا " وبسط راحته فوق صدره ة متواضعة ريحان ضحك زيني من البوح بما قاله، ال أبوح بمـا اسـتوثقني عليـه، يا

التي يميل فيها ى ضحك الزيني، قال، أتعرف أنها المرة األول األمير سودون على إنسان ويهمس إليه بسر، طـاش عقـل الشيخ ريحان، طغت عليه الفرحة، ابنته زوجة لنجـل أميـر

بر، آه، ا دماء األمراء والعظماء واألك قديم، في عروقه تجري

Page 286: 836

من اجتالب هوام األفكار؟ أي نفس خربـة، ى ترج ة أي فائد معطبة يضمها بين ضلوعه، أهذه روح لم تعـش إال سـبعة

. وعشرين***

ال يبالغون في إخفاء أنفسـهم، يجهـرون بـالظهور كثيرون يروحـون . أمامه، يعبرون الطريق أمام دكان حمزة

اتهم الخفية ال يخطئها إنسان، ربما ظهروا ويجيئون، لكن سم ، نظرة ى فجأة، ربما في هيئة عجوز فالح فقير يمشي الهوين

بحقيقته، تقول من هو؟ ما الذي دفعه ي خاطفة من عينيه، تش إلى المرور من هذا المكان بالذات؟ ربما امرأة شابة، ربمـا عجوز بلغت من العمر قصيا، األطفال حتى أطفال ال حصر

وال عد يخدمون الشهاب، يفسد االبن على أبيه، ال يصدق لهم إال شهادة الطفل، من هو دون الخمس السنوات، وهذا أمـر مستجد لم يعهده أحد من قبل، سعيد ال يمشي مـع صـاحبه

د عي منصور، سيقتفون أثره، يجهدون أنفسهم في النفاذ إليه، س يعلم تماما، حركاته ترصد، أنفاسه تحصى، يتحدث كثير في ا

ربما فسروا حديثه أضافوا إليه مـا لـم ، الرواق في المسجد يقصده، الغريب أنه سمع بعض المجاورين يسـبون األميـر

Page 287: 836

طشتمر جهار ربما من البصاصين : قال . ا . لكنه سمع مجاور ا شامي من أهالي حلب يقسم بصحيح البخـاري، أن األميـر ا

ه بأحوال خاير بك يراسل السلطان العثماني في الباطن يخبر . ينقـل إليـه الصـغيرة والكبيـرة . الخلق في الشام ومصر

أي بـالء . يرة ح في العيون . ى وارتفعت األصابع تتخلل اللح قادم أي مصائب تحوم؟ ما أدهش سعيد ليس اتصال خاير بك

أمر قريب ممن ال أهل . ربما فكر في واقعة كهذه . بالعثمانية أي . بهـا الكـالم لكن ما روعه اللهجة التي قيل . له وال يد

نفسـه حامـل ى في وقت طويل رأ . الخواطر ترقب عقولهم إذا . حتى منصـور صـاحبه . الثقل الفادح ال أحد يعينه عليه

أتـاهم . ى به وزمالئه قال ال فائدة منهم ترج حا سئل عن أص المماليك على غفلة فعملوا فيهم ما أحالهم إلى طواشـية لـم

. ينجبـون خصـيانا طواشية . يعرف مثلهم على مر األزمان معلمهـم بصـاص . يعمرون بطون النساء لكنهم بال ألسـنة

اآلن يسمعهم يجهرون بما يتردد . ومربيتهم سنية ابنة الخبيزة ما الذي جرى؟ هل أدركته الشـيخوخة . هو في التصريح به

إلى وجدانه إلـى لسـانه . الموسى إلى فؤاده فر هل يمتد مش رسـل ، ار تـدور األخب ، يروح بين حلقاتهم ويجيء يصغي

Page 288: 836

انتهـك . بهـدلهم ، السلطان يعودون من بالد ابـن عثمـان حرمتهم، حلق شعر كبيرهم األميـر مغلبـاي وشـكه فـي

. الزناجير، كاد يقتله لوال شفاعة بعض عقالء العثمانلية فيـه . عة ل قصاد ملك الحبشة يطلعون الق . الحرب أمر ال جدال فيه

بـردي الغزالـي جان . الناس يتفرجون عليهم لغرابة هيئتهم يسافر إلى نواحي الشرقية يلعب بالسيف في رقاب الفالحين، يقتل اآلالف حتى تسد الترع بالجثث، موت رجل عجوز كان

فريد صنف ال يعوض، لم ى في صنع البسبوسة، بموته اختف ا الزيني بركات ينوي الخطبة في النـاس، . ط سره إلنسان ع ي

الخير ي طلوع أب هل تعرفون ربما كان بعض األمراء وراء . المرافع إلى السلطان وطعنه في الزيني

*** عبير الوضوء والحصـير . الجامع يفيض بالمصلين

القديم، يطلع الزيني المنبر، لحظة بعينها تجيء فتغيـر كـل خروجـه ى شيء إلى مسار مخالف، فوق المنبر الخشبي ير

إدراكه نهاية فرحته، يـوم كامـل . مع سماح يوم شم النسيم يراه اآلن معطال مـن األمـل، ث إليها، لم تغب شمسه، تحد

ليلة أن تضج في أذنيه الكلمات، يصغى إلى أصوات العرس،

Page 289: 836

بل هام . ذبح ذبحا ولم يفتده جبريل عليه السالم، لم يبكه قلبه ، تقدم له جرعة ماء، عندما ا الدنيا ثقبا ضيق ى كاألبرص، ير

اء، أجتـز حالوا بينه وبين الجري، سفكت دماؤه فوق صحر البوح من صدره، الزيني يتحدث من فوق المنبر، ابن سـيد

، الشفاه تتسابق فـي تقبيـل ى الناس يتجر في الفول كما يهو زكريا، لمس طرف عباءته، الرجال أمام الـدكاكين يهـزون رءوسهم، يضيقون عيونهم، يا سالم هل رأت القاهرة رجـال

الزمان ببصاص مثله، أنظروا إلى ورعه، إلى تقواه، لن يأتي ، هـل ة كهذا، الزيني يخطب الناس، في صوته لين ومسـكن

تسعى في زواج سماح، لماذا حضر العرس، بأي غـرض؟ أين المرأة العجوز التي تطلع بين الناس تصيح بكلمتين فقـط في وجهه، منذ مدة طويلة لم يرها أحد، لـم يسـمع عنهـا

إنها تـذهب مخلوق، ربما قتلها، ربما نفاها عن الدنيا، قالوا إليه في المساء ويبكي بين يديها أمام باب بيته، وإنها تخبـره

وما سيجري، بما سيأتي به الزمن، لكنها الوحيـدة ى بما جر التي تصرخ فيه، سعيد سمعها بأذنيه في أول موكـب، منـذ

ـ رون أ سنوات عندما رقص طربا، مال فرحـا، النـاس يج ، فليقل سعيد مـا ) زكريا … دام زكريا ، حماك اهللا ( بالدعاء

Page 290: 836

قالته هي، كتفاه تنوءان بحمل هم عظـيم، الحجـارة تثقـل نيران الرمال، ه صدره، لكنه ال يرقد في هجير مكة، ال تلسع

ال يهتف كبالل، كعمار بن ياسر، أحد، أحد، مصر ال يلـين كزرد الحديد وعنف السالسل، أحد أحد، قلها وأطلق صـيحة

، ما الذي بقي ليحـرص ) عاش زكريا دمت يا زيني ( الشهادة عليه، زمن إمامه الزيني وشيخه زكريا، سدنته البصاصون،

، ليطرد كهولة ما قبـل األوان، ي كاتم سره عمرو بن العدو . ليسترد شباب العمر، ليرفع المشفر الحامي عن اللسان

" كاذب " لحظة هينة طنت في أذنيه، ذوو األرديـة الزرقـاء

ء، نفذ السهم، وتجمدت اليد والياقات الصفراء، زرقاء، صفرا . في الهواء، فوق المنبر

" كاذب " ال يخاف الهجير، لتغرقه نظرات االستياء، السقائين، الحدادين، المرخمين، البنائين، الفحامين، النجارين، الخبازين، البصاصين، ليزحفوا إليه، هم ال يعلمون، تتـدحرج حجـارة

ين يديه، ولـو، لـو الصخر والجبل، ال يهم، لو ذبحوا ابنه ب

Page 291: 836

ولو سبقه . تين ف منعوا الماء عنه، لو أخذوا الرأس وعبثوا بالش . الحسين إلى احتمال شرف العذاب

" … " أنت تكذب " أصـوات . محير . عجيب . ربما . أهو الصدى؟؟ أبدا

أخرى حز الخوف فيها لكنها تنطق معه فـي حـس موحـد … شهيد

." أنت تكذب " ." أنت تكذب "

***

Page 292: 836

صي القاهرةمقدم بصا لكنـه يعـرف مـا . اآلن ال يرى ما يقوم به رجاله

. لكثرة ما قرأ عنـه . وجه سعيد ويعرفه تماما لم ير . يجري يعلم أمور يود لـو أسـرع . تخصه ال يدري بها سعيد نفسه ا

عـن صـمته هنـا ا الوجه الذي قرأ كثير . الوقت حتى يراه تا ما الذي يجعل وجهه صام . طافت به ة سيعرف كل اختالج

ى هوايته القديمة رؤية اللحظات األول . ا ال يتحدث كثير . دائما عند الباب الخارجي سيقدم . في وجه إنسان أحيط عمره بقيود

أي تـأثير . يشربه معصوب العينـين . إليه نصف كوب ماء يجب أن تكـون الخطـوة : يحدثه هذا؟ يقول الشهاب األعظم

. صال بين عهـدين التي يعبر فيها اإلنسان عتبة أبوابنا حدا فا عندهم ينقسم العمر الواحد قسمين بحيث يخرج اإلنسان مـن

". هنا يحمل نفس االسم لكنه في حقيقة األمر شخص آخر كوم الجارح

جذع دومة قديم عتيد يحاط بسياج من حديد، مدينـة ، بغداد اإلسالم تلتف حول منصـة عاليـة ا وثنية ترجم ناسك

الحالج، الرجال والنساء فوقها المنصور، الحسين بن منصور يرمونه باألوحال، اللسان الشهيد ال يكف، أنا الحق، أنا الحق،

Page 293: 836

بالجلد المرصع بفصـوص ى تعلو اليد الغليظة، ساعدها مغط الحديد يهوى السوط فوق الجسـد النحيـل، أدرك صـاحبه األحوال والفروع، كلت يد الجالد من الضرب، قطع ذراعي

فوق شفتي العابد الزاهد، تـوحي الحسين ورجليه، االبتسامة وجهه ملطخ بـدم ذراعيـه المتـدفق ال . بالظاهر والباطن

يتوقف، ال يكف، إنما يندفق من سخاء مبين، مـال المشـفر الحامي ليجتز اللسان، في الليل انتثر رماد البدن المحـروق

سان، تجمعـت بغـداد، ا أما الرأس فنفي إلى خر ، فوق دجلة ، ما الزمان هنا إال امتـداد هـذه أغرفت الحسين بن منصور

األيام الثقيلة النائية، ظل لزج ال يروح أبد الخير مسـكوب ا ، أي إلـى أي األرجاء يـأوي، ى إل والشر باغ والعهر طاغ،

السبل يلجأ؟ حيرة غير متوقعة، غير مرجـوة فـي نهايـة قاع روحه، أضاعوه، أصوات المدينة المطاف، سعيد أرجف

إحاطـة الـروح بجـدران إلى ى غيبة، تتباعد، ما أحوجه إل استرجاع األيام البعيدة، ليدرك سر االبتسـامة إلى الصمت،

الجماد، بينما اليدان مذبوحتان والرجالن، يحاول لم الرمـاد، يسأل الروح، أي سر، انصرف منصور تطارده أشباح الزمن

. منصور يرتعش، يرتجف، ربما جاء ليلتمس األمان . الخائن

Page 294: 836

في قفاه عينان ال يراهمـا مخلـوق، تكـبالن لكن أي أمان، موالنـا " ، منصور نقل ما يقوله الناس ه رؤيته، تحددان طريق

ـ ا ه لـو آ " ؟ ى ختار الزيني وثبت أركانه، فأي شفيع له يرتج ى يطلق صيحة الخالص ويمضي، لكن إلى أين؟ حتما سـيلق

المسيخ الدجال، إلى أين؟ إلى السرداب الذي حفره بأظفـاره، أعده بـاغ . قط في كمين متقن س … ية المطاف؟؟ آه أهذه نها . بعناية

مقتطف من مذكرات الرحالة اإليطالي فياسكونتي جانتي

هـ٩٢٢ م ١٥١٧- فيما يبدو، قدر لي أن أشاهد خالل هـذه الرحلـة

كبيرة، بعد وصولي من ا الديار المصرية، أحداث إلى – الثالثة ـ ة، عرفـت خـروج بالد السودان بأيام ثالثة، نزلت المدين

سلطان الديار العثمانية، سـمعت ة السلطان إلى الشام لمحارب ن القاهرة إ المؤذنين يدعون لسلطان البالد بالنصر، وقيل لي

ارتجت رجا مهوال يوم السبت، وتحسرت فعال لوصولي بعد خروج موكب السلطان على رأس جيشه قاصدا الشام، وحتى

مانة فإنني أنقل عن ال يفوت أهل بالدي وصف الموكب، ولأل

Page 295: 836

وهو مـن أهـل العلـم . ياس إ صديقي الشيخ محمد أحمد بن المعروفين في القاهرة وصاحب تاريخ طويل عـن الـديار

تيحت لي فسحة وقت أعرف بـه أهـل أ المصرية، أتمني لو خـروج – بـرغم كبـر سـنة – ياس إ وطني، وحضر ابن ه، وسمح لي بنقل مـا كتـب، يقـول آ السلطان ودون ما ر

… ياس إ بي، ابن صاح أقبل السلطان األشرف أبو النصـر قانصـوه … (

الغوري، وكان الخليفة قدامه بنحو عشرين خطـوة، وكـان السلطان راكبا على فرس أشقر عال، بسرج ذهب وكنبـوش وهو البس عباءة بعلبكية بيضاء مطرزة بالذهب على حرير أسود عريض قيل فيه خمسمائة مثقال ذهب بنادقة، وكان ذلك

اليوم غاية في األبهة والعظمة، فإنه كان حسن الهيئة، تمـأل في المواكب، ثم أقبل السنجق السـلطاني، منه العيون، مبجال

وخلفه مقدم المماليك سنبل العثمانلي وصـحبته السـلحدارية بالشاش والقماش، فدخل من باب زويلة، وشق القاهرة فـي

لـك اليـوم، ذلك الموكب الحافل، فارتجت له القاهرة فـي ذ . وارتفعت له األصوات بالدعاء من العوام الذين خرجوا كلهم

ا وبدت وجوههم مرعوشة تأثر . ولم يبق منهم إنسان في بيته

Page 296: 836

وانطلقت له النساء بالزغاريد من الطيقان، فاسـتمر . وانفعاالـ في ذلك الركب حتى خرج من باب النصـر وكـان يوم ا

مشهود ا . ناه، فيها مال وذهب وفي أعقاب ذلك نزل حوايج خا

عن ا ن ضمنها من الذهب ألف ألف دينار خارج إ وفضة قيل الخزائن من األموال التي جمعها من أوائل رغ المعادن وقد ف

حواصل ا وفرغ أيض . سلطنته إلى أن خرج في هذه التجريدة الت آ و . وأخذ ما فيها من التحف والهدايا . خرها آ الذخيرة عن

مـن . بها من ذخائر الملوك السالفة السالح الفاخرة مما كان وغير ذلك من . وكنابيش زركش . سرج ذهب وبلور وعقيق

فنزل جماعة من كتـاب الخزانـة صـحبة . التحف الملوكية . وجماعة من الخزندارية وهم بالشاش والقماش ه الحوايج خانا

قيل إن جميـع فكانت تلك الحوايج محملة على خمسين جمال وفي يـوم األحـد . ري بقلعة حلب هذه األموال أودعها الغو

سادس عشر أرسل السلطان مناديا للعسكر في القاهرة بـأن عشرين ربيع اآلخر السلطان يرحل من الريدانية يوم الجمعة

فال يتأخر أحد من العسـكر الـذين ) طبقا للتقويم اإلسالمي ( عينوا للسفر، وال يحتج أحد بحجة أو عذر، فلما أقام السلطان

Page 297: 836

عين السلطان بعض القضاة واألعيان ليتولـوا في الوطاق، و المناصب وأحوال الناس خالل سـفره، فاسـتقر بالقاضـي محمود بن أجا في كتابة السر، والقاضي عالء الـدين بـن اإلمام في نظارة الخاص، والقاضي شهاب الدين أحمـد بـن

الجيعان مستوفي لديوان اإلنشاء الشريف، والقاضي الزينـي ا ـ ا ناظر بركات بن موسى كعادته للحسـبة الشـريفة، ووالي ا

ت إلـى ف عن جميع أنحاء مصـر، وأضـي ا للقاهرة ومتحدث . مناصبه الجليلة استدارية الذخيرة

Page 298: 836

وتوافد كبار البصاصين من أركان المعمـورة إلـى . قلب العالم وبستان الكون . القاهرة

السرادق الخامس ا جعل هذا البلد آمن االلهم " ال يطلع عليه مخلوق ي سر

هـ ٩٢٢ األول ىالقاهرة جماد

Page 299: 836

ماع كبار البصاصين في تجا بمناسبة ؛رسالة أعدت(أنحاء األرض وأركان الدنيا األربعة في القاهرة أم الدنيا ؛ وبستان الكون، لتدارس األحوال؛ والنظر في األساليب

ها ؛ ولتبادل المعرفة والفوائد أعد نتبعة، وما يستجد مالمفي ديوان بصاص السلطنة المملوكية؛ وتاله الشهاب األعظم

)زكريا بن راضي عفا اهللا عنه، وعرفه طرقه؛ ومسالكه

Page 300: 836

بسم اهللا الرحمن الرحيم ن ربك لبالمرصاد إ : قال تعالي وأن اهللا عالم : قال تعالي وبالغي ما يلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد : قال تعالي

)صدق اهللا العظيم ( مـن كـان :(( وقال رسول اهللا صلي اهللا عليه وسلم

يؤمن باهللا واليوم اآلخر، فليقل خير أو ليصمت ا ، (( الكـالم " : وقال عمرو بن العاص رضي اهللا عنـه

" منه قتل وإن أقللت منه نفع كالدواء، إن أكثرت ": أما بعد "

وهذا . فلم يحدث أن اجتمع كبارنا في أركان الدنيا قط حدث جلل وعظيم، إذا كشفت عنه األزمان المقبلـة فحتمـا

ننا حملنا عبئا أ فيه من الدروس والعبر ما يعرفون منه ى ستلق وحمال فادحا، وأننا عانينا، وقاسينا، وضحينا بالكثير من ثقيال

نا ئ نه، وما نهدف من وراء لقا أ ، جل ش ى أجل إرضاء اهللا تعال نـا ن هذا، إال استحداث طرق جديدة، وسبل غير معروفة، تعي

لـب إلـى على مهامنا الصعبة، وهذا يساعدنا في الوصول … الحقيقة، وسوف يسهل األمر لمن يجيء بعدنا

Page 301: 836

… واهللا المعين وضع نشاء بحكم عملنا، وما يتعلق به، أن يحيطنا "

غريب، وهذا يتطلب من البصاص الكبير المهيمن على أمور أو الدولة بأكملها، حتى البصاص الصغير الذي يتعقب رجال

امرأة، أو ينقل كل ما قيل في مجلس أن يكون صاحب فطنة وذكاء، عليه إيجاد أساليب ال تمكنه من العيش بـين النـاس

، كيـف ا ذا صعب ه ا ربما بد ، ا منا، إنما البد من عيشه محبوب آ س لرجل قدر عليه بحكم مهنته أن ينفذ إلى حيـاة النـا ى يتأت

؟ كيف يقصـده ا أن يكون محبوب – وهذا مكروه – وخباياهم … ا هام ا أمر الخلق ليحل لهم أمورهم؟ لكن لنلحظ أوال

إقامة العـدل – بال لف أو دوران – مهمة البصاص ن كل أمر إ وحيث بين الناس، ولكن بأسلوب ال يتقبله الناس،

و في الدنيا ال يتفق عليه اثنان، مثال ، هذه القاعة التي نجلس فيها، البعيدة عن أصـوات الدنيا، وضجيج أهلها، ال نراها جميعا في هيئة واحدة، مـثال

هنا، وكبير بصاصي ا قف كبير بصاصي الهند األعظم يراني وا دان اليمن يراني من الجانب األيسر، أما كبير بصاصي السو

خر بصورة مغايرة، حتى التراجمة آ المبجل فيراني من مكان

Page 302: 836

يرونني بهيئات مختلفة وينقلون إلى حضراتكم حديثي لـيس بنفس األلفاظ، إنما المعني، ومن هنا تصبح لي أكثـر مـن صورة، والحقيقة أن وضعي واحد ال يتغير، وحديثي يتغيـر

ا نـراه م … على ألسنة التراجمة لكن معناه كما هو، وهكذا . نحن عدال يراه اآلخرون ظلما وجرما

البصاص ال يعمل من أجل نفسه أبد الغرض األول ا ، ، ثم يأتي السلطان بعد هذا، ى واألخير، إرضاؤه سبحانه وتعال

باهللا، بربه، مسلما ا ثم أركان الدولة، وما دام البصاص مؤمن كان أو مسيحي أو بوذيا، ويؤمن بمواله، فإنه يعمل جهـده ا ،

. كله علي تثبيت قواعدها، ورفع األذى عنها ما من عاقل يزعم وجود إنسان محبوب مـن كافـة قومه، لم يخلق هذا قط، ألم يكن خاتم المرسلين وسيد البشـر مضطهدا من قومه، ألم يرمه اليهود بالحجارة من فوق أسوار

ـ . وسال دمه . لهب الهجير باطن قدميه أ الطائف ف مروا آ ألم يت وتأكل واحدة منهم كبد عمـه حمـزة ه لم يحاربو على قتله؟ أ

ة، ومن قبل أن يثقلوا رأس المسيح عليه السالم بالشـوك، ئ ني ودقوا المسامير في جسده وصلبوه، أما سيدنا يوسف فأخوته هم الذين ألقوه في البئر وحزوا نفس أبيه يعقوب، حتى البوذا

Page 303: 836

ء وهـذا حـال األوليـا . األعظم امتألت حياته بآالم ومواجع الصالحين، والشهداء والقديسين وخالصة هذه العبر إنه مـا من إنسان يجتمع الخاصة على حبه، بما فيهم مـن خـوارق واختالفات، وبالتالي فإن حاكم أي بلدة من بلدان اهللا، البد أن يصبح مكروها من جانب آخر، والحاكم األمثل من نجح في

بد مـن وجـود ترغيب األغلبية فيه، وتقليل أعدائه، إذن، ال أعداء يتربصون ويكيدون، ويتحينون الفرصة لالنقضـاض، وهؤالء إما من الخارج، أي مخالفين للجنس، أو الملة، وفـي هذه الحالة البد من االلتفاف حول الحاكم، ومهنة البصـاص هنا مقدسة، وال يختلف في هذا اثنان، وإما أعداء في الداخل

. ، وبين عامة الناس وهؤالء يوجدون بين األمراء والصفوة الدرس العظيم المستفاد من التواريخ، أنه في حاالت اندالع الفتنة فالبد من حياد البصاص، البصاص يعمل للعدل وحده، ورمز العدل هو كرسي السلطنة، كرسـي السـلطنة

. ذاته أو جماعات من العامة على . مر بعض الصفوة آ إذا ت

حب الكرسي، هـذا الكرسي، فال بد من إبالغ األمر إلى صا ـ مرة، أو آ واجب، لكن لنفترض وصول بعض الصـفوة المت

Page 304: 836

قد وصلوا إلى تقاليد ) رض األخير نادر الحدوث ف ال ( العامة التملك والسيطرة، ما هو موقف البصاص هنا؟؟ نقول ما دام البعض انتزع المقاليد من صاحب الكرسي األصلي، وتمكـن

ف األول، كيـف من اعتالئه فليس هذا إال داللة على ضـع . يمكنه إقرار العدل إذا كان ال يمكنه حماية روحه

ربما ثار سؤال، هل يبقي الجديد على القـديم؟ هنـا يمكن للحفاظ على المكانة وضع شروط معينة، يتوقف تنفيذها على مهارة البصاص وقدرته، مهارته في النفاذ إلى جـوهر

بوجـود المكنون وخبايا كل إنسان، وما دام اإلنسان يشـعر تراه بقية العيون وأذن تسمع منه ما لـم ال منه ما ى عين تر

تسمعه بقية اآلذان، فإنه يخشى هذا الجانب، ويضع له ألـف حساب، لقد ذكر لنا كبير بصاصي دولة المغرب المعظم أنه

- وقتئذ – حدث منذ مائتي عام أن تعصب كبير البصاصين ة تزيد عن الحـد للحاكم الموجود، بالغ في إخالصه له مبالغ

حتى اكتسب عداء األمراء والعلماء كلهم، وعندما نجح أحدهم في إزاحة الحاكم، وتولى مكانه لم يأخذ كبيـر البصاصـين

انب الحياد، إنما جهر بالعداء لألمراء حتى بعد تيقنه مـن ج قتل الحاكم، وهذا عين الغباء، تسبب في إيذاء جمـع كبيـر

Page 305: 836

مت ومراقبة العامة، حتى ال حوله، التصرف األمثل هنا، الص يحشروا أرواحهم فيما يدور من صراع، فينحازوا إلى جانب

و ذاك نضع لهم آالف االعتبارات، وسيتحدث كل منـا أ هذا عنهم في جلسة أخرى، وعندما تستقر األمور يبدأ ممارسـة عمله، وإقامة ميزان العدالة، وربما عدنا من هذه النقطة إلى

ـ نقطة أخرى ابتدأنا ف يها، كيف يكون البصاص محبوب مـن ا . الناس، برغم كراهية الخلق لمهامه، لعمله

من الناس؟ا كيف يكون البصاص محبوب من خصائص البصاص األعظم، البصاص الصفوة، قدرته الفائقة على اكتساب قـدرات الخلـق كلهـم، طبيعـة البصاص تقضي عليه التداخل والتعامل مع جميع الناس، مع

ن األجناس، آالف البشر المختلفون في طبـائعهم عدد كبير م ونزعاتهم، ال يوجد شبيه لآلخر، والبصاص الحق، البصاص المكين، هو من استطاع جمع خصال البشر أجمعـين وهـذا

، لكنه سهل علينا يسير، يجب علـى صعب، ربما يبدو محاال ا البصاص أن يكون فحاما عندما يتحدث إلى الفحامين، عطار

عنـد ا سـاخط . لعطارة عند حديثه إلى العطارين نابغا في ا عندما يـأتنس بالحشاشـين، ا استماعه إلى الساخطين، حشاش

Page 306: 836

ـ ت ا عندما يسلك طريق الخاطئين، مستغفر ا خاطئ ائب عنـدما ا يجب عليه أن ينتقل . مع الراضين ا راضي . يسجد بين التائبين

عراب عن الحب في غمضة عـين بين إظهار الكراهية واإل البد أن يتقن لهجة األغنيـاء، . بد أن يقنع في كل الحالين وال

متواضع حتـى إذا . سفيها محببا إلى السفهاء . يخالط الفقراء ا . إلى قلوبهن وعقولهن الناقصـة ه جالس النساء عرف طريق

ومن أهم مـا نقـيس بـه . هذا ما نراه في البصاص المكين . هو اتساع علومه ومعارفه عن األشـخاص . مهارة بصاص

تقن الفنون، أ و . جمع األصول . كلما تبحر البصاص في العلم ا طبع . كان أكثر قدرة على النفاذ إلى أحوال الدنيا وأسرارها

من هنا قلنا بعـدم ضـرورة . هذا يستحيل على كل بصاص إلمام البصاص بالعلوم كالمتبحر فيها، إنما عليه اإللمام بفكرة

، فكرة خاصة عامة ليست سطحية، عن كل تاريخ وعلم وفن الطابع، جليلة المظهر، من أجل هذا قمـت بإعـداد منـاهج خاصة في سائر العلوم التي فكر فيها اإلنسان، ندرسها فـي مدارسنا، لكي يستوعبها رجالي فتنمو قدراتهم، وال تعجبوا يا

من تملكون سـر الكـون إذا ا إخواني البصاصين العظماء، ي ه مجادلة أمـتن أخبرتكم عن بصاص شاب من رجالي يمكن

Page 307: 836

العلماء في أشد ما يمسهم من اختصاصات بدون فكرة سابقة عما يناقشه، وطريقته تعتمد على الذكاء الحاد الوقاد، وأخـذه لبعض الكلمات واألفكار من المتحدث، ثم تحويرهـا بشـكل خاص والنطق بها على أنها أفكاره هو، ولو شئتم أحضـره

ي التي أنوي إنجازهـا إليكم وأتركه لمناقشتكم، ومن أغراض قبل رحيلي عن الدنيا، الوصول بكل بصاص عنـدي، إلـى

. يفوق هذا الشاب ى مستو إلى جانب ما ذكرناه، نطبق طريقة أخرى في النفـاذ

طالع على إلى خبايا الدنيا، للوصول على جوهر الحقيقة، اال األسرار األولية، خصصت لكل طبقـة وجماعـة، أفـرادا

تهم، وتقاليدهم، وسائر ما يخصهم، بصاصين، يتشربون عادا وكالمي هذا منصب على البصاص األصـلي، إنمـا هنـاك

وأقصد به البصاص ) المستصنع ( جانب آخر، هو البصاص إذا أردت جمع معلومات ى المنضم إلينا من نفس البيئة، بمعن

من اللف ، بدال ي ضم واحد منهم إل ب معينة عن النحاسين قمت غريب البد من وقت حتى يصبح والدوران، وإرسال شخص

واحدا منهم، المهم مراعاة السرية التامة بالنسـبة للبصـاص متقنا، بحيث تطوع قدراته لعملنا، ا المستصنع وتمرينه تمرين

Page 308: 836

وبالنسبة للمستصنعين يجب اختيارهم من بين أكثـر النـاس أمانة وثقة واستقامة، إذا نجح البصاص األعظم في ضم مثل

عظيم، أخبرنا كبير بصاصي بـالد الصـين هذا، فإنه نجاح ، واألعيان، صفه العظيمة أنه نجح في ضم أكابر العلماء إلى

والكهنة خدمة البوذا األعظم يعملون معه، يسعون إلى ركابه، من أمثال هؤالء مقاومة ورفضـا لظـنهم ى وطبيعي أن نلق

مهامنا وعدم اتساقها مع الشرف واألمانة، لكنني أقول ة ضع علـى البصـاص ى نه ما من إنسان في الدنيا يستعص واثقا أ لنمسك ظروف كل إنسان وحياته، وننفذ من خاللهـا . المكين

بشرط أن يـتم . ه على ما يمكننا من تطويع وتليين جامد فكر إنسـان . وعندي اآلن مثال حي . هذا كله بهدوء؟ ودون قسوة

هو في أوهج فترات العمر نعد له من سنوات، وسوف أقـوم عنـدما . كتابة رسالة مفصلة للعملية التي نجريها عليه يوما ب

بـل أوقـن أنـه . أصل إلى غايتي التي وضعتها منذ البداية . سيشارك في كتابة جزء من الرسالة، يكشف ما جـرى لـه

وال هم له إال . وما حدث، بعد أن كان ال يطيق سماع اسمي وهنا البد من تحيـة وسـالم . تهييج العامة على أولي األمر

ا إلى زميلنا األعظم بصاص مملكة الفرنج الغربيـة م أوجهه

Page 309: 836

لقـد . على نجاحه العظيم في ضم أطفال المملكة إلى صفوفه ـ نطـق م زرع روح البص في عقولهم وأطفالهم منـذ تعلمه

. فال يسمع الطفل كلمة من أبيه أو أمـه إال ونقلهـا . الكلمات كـذا وه . وشهادتهم ال تكذب أبدا . وأصدق الخلق هم األطفال

لتوصلنا إلـى . لو نجح كل واحد منا كما نجح زميلنا األعظم وهـذا أمـر . تحويل البشر أجمعين بعد سنين إلى بصاصين

ولزميلنا األعظم الحق فـي . جليل يتطابق مع كل ملة ودين االحتفاظ بأسرار طريقته التي حولت األطفال إلى بصاصـين

ـ نين فهذا لم يتوصل إليه في غمضة عين ولكن بعد جهـد س لكننا نرجو االستفادة منه واسـمحوا لـي أن أبـدي . وسنين

لنجعل غايتنا وهادينا في دنيانا . وبأحواله . إعجابي الفائق به إن مـا نبغـي . وهدفنا تحويل البشر أجمعين إلى بصاصين

. وهذا شاق وفظيع . برهان الحق . الوصول إليه، سر الحقيقة . فما أكثر الطرق إليه

لحقيقة األولية؟؟كيف نصل إلى معرفة ا وعند خروجكم من . تلوه اآلن تسمعونه حضراتكم أ ما

واستعاد ما قلته هـل . واحد منكم بصاحبه ى القاعة، إذا اختل . بـالقطع ال . نفس األلفاظ التي قلتها أنا . سيقوله بنفس اللهجة

Page 310: 836

فال يمكننـا . أو صحبة أو رحلة . وعندما نذكر مجلسا . محال إنما نحكيه في عبارات ال تقرب . استرجاع ما مررنا به تماما

ا بالضبط؟ وعندما أتسلم شخص ى ال تقوله كما جر . ما حدث كيف أعرف الحقيقة ، سينكر في البداية . مهتما بتهييج العامة

فزماننا ال نسأل فيـه . إذن؟ يمكنني ببساطة ذبح أي مخلوق ال يطالبنا بديـة، لكننـي . ال يحاسبنا أحد . عن مصير إنسان

أو غشوما، أنا أحاول الوصول إلـى الحقيقـة، لست جالدا، ربمـا . وعندما تتكشف، ستفصح عن أمور أخرى أعلم وأدق

أمر ى تندثر لو أزهقنا روح قائلها منذ البداية، ومعرفة ما جر صعب، الزمن الماضي ليس موجود في مكان وزمان معين ا

ـ ى ستيعد ما جـر أ يمكنني الذهاب إليه ف أو السـنة س ، األم نلقاها في صورة موجودات، إنما نلقاها هنا، فـي الماضية ال

أذهاننا، فيما يصيبنا من تحوالت وتغيرات، ولكي أصل فعال الحقيقة األولية، البد أن يلفظها اإلنسان نفسه، تلفظ بالقلب إلى

ولكـي . والعقل، باإلقناع والصدق وتؤكدها األدلة والقـرائن اه مناسـبا مـن يلفظ اإلنسان الحقيقة يحق لي استخدام ما أر

كافة ألوان األساليب التي تؤدي بنطق اإلنسان بالحقيقة، ومن هنا فكل ما يقوم به رجالنا من مهام وما يطبقونه من وسـائل

Page 311: 836

ذكـر هنـا أ في سبيل كشف الحقيقة أحلته الشرائع كلهـا، و باالحترام رسالة كبير بصاصي مملكة البرتغـال األفرنجيـة

اإلنسان بالحقيقة، والحق أن المتضمنة لوسائل جديدة إلنطاق جميعها أمور مستحدثة في مجالنا، أضافت إلينا أبعادا طالمـا تمنيناها وطال اشتياقنا إليها، وهنا، اسمحوا لي ذكر ما نتبعه

. هنا، من تطويع الظروف نفسها لخدمة رسالتنا كيفية تطويع الظروف؟؟

نبدأ بمتابعة اإلنسان في حياته، وليس في سـجوننا، ذ إليه من ثغرات ضعفه، نفسح هذه الثغـرات، نقـوض وننف

األسس واألبنية، وكما ذكرت، سهل جدا قتل ألف إنسان، لكن ليس هذا مهما، ما يهمني تغيير ما في المخ والقلـب، وهـذا صعب، وللصعاب دائما نتصدى، إذا ثبت لنا شذوذ شـخص عن الخلق، إذا ثبت أنه يهيج الناس، يفـتح عيـونهم علـى

من الترسيم عليـه، ورميـه فـي المقشـرة، ، فبدال الكبراء والمقشرة يا سادتي العظام من أبشع سـجون الـدنيا، وأنـا

شخصي أتفاخر به، وأدعوكم إلى زيارة وجولة تطلعون فيها ا على ما أعددناه للمساجين به ولن نخفي عنكم أمر نعود إلى ا ،

ـ م حديثنا فأقول، نبدأ بدراسة حياة الشخص، أرقب ظروفه، ث

Page 312: 836

أصب مائي على نار الهياج فأخفف لسـعتها، وفـي لحظـة نفخها فاجتز حرارتها من قلب الرماد، أمـد سـكين أ بعينها

الزمن إلى عقله فأنزع منه ما يجعله شاذا عن بقية الخلـق، حتى ال ألقاهم جميعا منطوين يوما تحت كلماتـه، يرجمـون

، أو يهـاجمون ا أميرا، أو يحرقون قصرا، أو ينهبون سـوق ى موكب السلطان، وكما قلت ما من إنسان في الدنيا يستعص

أمره على التغيير والتبديل، يا أصحاب العظمة، يـا كاشـفي الحقيقة، هذا ما نعيه هنا، ونؤصله عندنا، ما من مخلوق يظل

متفتحة، ما من شـجرة تظـل ى على حاله، ما من زهرة تبق طائر يعلـو سامقة، ما من امرأة تدوم شابة إلى األبد، ما من

بال حد، ما من نشوة تحيا أبدا، الشمس تشرق لتغيب، النهار فـي العيـون ى يطلع ليشيخ ثم يعتصره الليل، والقمر ال يبق

، النهر يبدأ لينتهي، والغيث بعد حين ينقطع، والمسافة مكتمال مهما طالت تقصر وتنتهي، سادتي ممسكي سر العالم، ما من

، نحـن ا ن وحده لـيس سـبب إنسان قط يبقي كما هو، والزم ه ندعمه، إذا وجدنا في نفس المرء ثغرة خوف برغم اشـتهار

بالشجاعة، أحوم من بعيد كطائر محلق على ارتفاع شـاهق، ة عندنا، ال أنقض غارزا منقاري ومخالبي، إنما أ كطائر الحد

Page 313: 836

حتـى ى أدور، أنزل إلى ارتفاع معين، ثم أطير مرة أخـر ، وشهابا ثاقبـا، كلمـح ا اطف ختفي، وأعاود النزول سهما خ أ

نقض، كخاطرة عابرة، هنا تنتهي مرحلـة، أ البرق، كصاعقة سادتي العظام، ما من إنسان فـي الـدنيا إال وتبدأ أخرى، يا

وفي ميدان نفسه حفر وجراح، ثغرات وقالع ضعيفة متهاوية يقع على عانقي واجب النفاذ منها، مرة أنفـذ علـى مهـل،

متحسب لي صوت وال أنفاس وال فحيح، فجأة متسلال ال يسمع ا أبث رماحي السـامة أشـهر . أبذر منجنيقي، أنصب مواقعي

أحيل البناء . أهدم . أحرق . سيوفي ثم أهجم مرة واحدة، أطوق أنقاضا والعمار خراب ا واألمان يأسا واآلمال فشال مـذبوح ا .

والميناء الصالح لرسو السفن أجعله غير صالح إليواء ورقة كان في صرح الشجاعة نقطة خوف أحولها إلـى شجر، إذا

ما، أحيلـه ة في قرارة القلب حب مخلوق لو بركة ثم محيط، إلى كراهية ال تحد أجعله بغضا، لو وجد بين الحبيب ومبتغاة

أقيم . عقبات يأمل هدمها، أجعل منها مستحيال ال يمكن تخطيه س أحفر الخنادق وأبث كمائني فأصيب النف . الحدود والحواجز

أبث في الروح عكـارة . طرية حتى بعد الممات ى بجراح تبق ـ آ إذا سخط اإلنسان لفقره بذرت له . ال تروق أبدا ى مال الغن

Page 314: 836

والجاه، أذيقه نتفا من حياة الرخاء يتعود عليها، حينئذ أحيلـه مسخا في عيون الخلق ال يقدر على العودة إلـى قومـه وال

من بتره حيا أحوله يمكنه حتى التطلع إلى األمام، وهكذا بدال وهو يمشي على نفس قدميه ويحرك ذراعيه ويتحدث بلسانه يناديه الناس باسمه لكنه في الحقيقة شخص آخر وإنسان ثان

ـ ى ال عالقة له بالوليد الذي انزلق يوما من رحم األم أو الفت اليافع الذي اختال وزها بين أقرانه، حتـى رجولتـه أقلبهـا

رب واللحية، ال أحلقهما ال أثقب أذنيه أنوثة، أضيع معالم الشا علـى ى كل ما فيه يبق . ال أبتر عضوه . وأعلق فيهما األقراط

، يثير الناس هنا سيفكر لكن كما أريد أنا . ى لكنه ال يبق ه حال هذا مـا . وليس كما يحب ويشتهي أيضا، لكن كما أهدف أنا

أتمه في الحياة نفسها، وإذا انتقلنا إلى الفتـرة التـي يمكـن لإلنسان قضاؤها في السجن، هنا أسمح لنفسي مخالفة زميلي كبير بصاصي البرتغال األعظم في بعض مـا ذكـره فـي رسالته، كان تركيزه كله على ألوان العذاب البدني، أبدا عندنا اآلن النموذج الذي أشرت إليه، ما الذي نفعله معـه؟ علـى

يضـحك سبيل المثال نفتح الباب عليه فجأة في آخر الليـل، رجلنا في وجهه ضحكة معينة، ضحكة مدروسة يسأله بلهجة

Page 315: 836

هل تريد خدمة، نقدم له " كاللحم البارد الذي تجلط عليه السمن ماء عـادي جـدا … ربع كوب ماء معين يوم في ميعاد ل ك

لكن وقعه عليه أفظع من كي األصابع، دبرنا موقعا بحيـث ها وجدا وهياما أجبرناه على رؤية حبيبته السابقة التي هام في

يخـور فوقهـا … وأنشأ فيها القصائد، رآها عارية تمامـا خر وكانـت تـأتي مـن آ زوجها وليس أي إنسان . زوجها

لحظة الضرب أو . الحركات ما جعل شعر رأسه يشيب فعال إنما مـا يـؤلم . التعذيب نفسها ال تؤلم يا ممسكي سر الكون

. انتظار اإلنسان لهذه اللحظة بعينها ب شخص، ما الذي ينتظره أكثر من هـذا؟ عند تعذي

لكن المهم أن يعيش في انتظار دائم هذه اللحظـة، اللحظـة لماذا لم يحدث، ما مغزى كوب المـاء ى المقبلة سيحدث، تر

هل تغير طعمه؟ طعمه فعال متغير، ربما وضعوا فيه سـائال ينسيني زماني ومكاني ربما أرادوا إفقادي رجولتي ا أو عقار

سادتي العظام، لقد أجرينا تجربـة منـذ . نني ببطء ربما يقتلو فترة وجيزة تقدر بأيام على إنسان عصبنا عينيه المسنا رقبته ـ ا بحز الموسى حزا خفيفا بحيث لم تحدث به إال جرحا طفيف

جدا لكننا أمسكنا بأنبوبة رفيعة تصل بقربة صغيرة بها مـاء

Page 316: 836

ـ . دافئ ن صارت القطرات تنزل منسالة ونقول لـه، قـل أي أموالك ونوقف الدم، توهم فعال أن رقبته تنزف دما غزيـر ا ،

قال لنا كل ما نريده، بل أكثر، دلنا على أمير صاحبه اشتهر بظلمه ونهبه لألموال، صار يزعق، أوقفوا الدم أوقفوا الـدم، ونحن نحدث أصواتا نوهمه أننا نحاول فعال إيقاف الدم، لقـد

نزف دما، لكنـه تـوهم مات الرجل بعد لحظات، مع أنه لم ي ننـي إ . وأن شرايينه جفت وخلـت ومـات . الماء الدافئ دما

أعصب عيني السجين، يمشي دائما متوقعا ضـربة مفاجئـة وفـي ليلـة . عنه ا ، أين؟ هذا ما يتساءل دائم ى تأتيه لكن مت

هذا نظـام جديـد ( معينة أدخل على زنزانته الضيقة النظيفة عليه أحد رجالي على أدخل ) للسجون ونضعه في سرية تامة

وال تمضي ساعات إال ويـدب الشـجار بينهمـا . أنه سجين يتشاجرون على أتفه األمور هذا ما أجريته على الشاب الذي حدثتكم عنه، أمرت رجلي بااللتصاق به أثناء نومـه، قـام مفزوعا ظنا منه بنية أضمرها الرجل ليزنقه ثم يناله غصبا،

بطنها بشوك فيصـبح المـوت وهكذا أحيل الحياة إلى جهنم أ . ومتعة بعيدة المنال ى أمال مرتج

Page 317: 836

رجاء أثارنا المطلب الطريف الذي قدمه كبيـر بصاصـي دولة كاجورا الفتية الخاص بما يوده لمهامنا فـي األزمـان المقبلة، وأرجو السماح لي بإضافات بسيطة إلى أفكاره، كما

وم ت مالحق خاصة جدا حول عدة مشاكل تواجهها سأق د أعد وأقول . بتوزيعها عليكم كل منها مترجم إلى لغات حضراتكم . اليـوم متمنيا ال يوجد أمر على اهللا ببعيد، ما نراه مستحيال

ى وغدا بالنسبة لنا دون حد، إنني أر ، يدخل باب الممكن غدا يوما يجيء فيمكن للبصاص األعظم أن يرصـد حيـاة كـل

ر فحسب، إنما إنسان منذ لحظة ميالده حتى مماته ليس الظاه ما يبطنه من خواطر، ما يراه من أحالم، بهذا نرصـد كـل

بمـا شيء منذ مولده نعرف أهواءه ومشاربه بحيـث نتنبـأ سيفعله في العام العشرين من عمره مثال، فنستطيع منعـه أو

وإذا ما سئل إنسان عن الحقيقة األولية فأنكرهـا دعمه قبلها ن الزمن فيواجه بـه يمكن للبصاص استعادة الموقف كامال م

، يوما يجيء فيمكن للبصاص معرفة الهمسات ى إن أنكر، أر إذا ما جـرى . ته أ مر ا اآلهات، تأوهات الجماع بين الرجل و

حديث بين رجلين فوق قارب يجري في النيل أدركـه هنـا،

Page 318: 836

ـ ويمكنني التدخل في الحديث عند الوقت المناسب وتوجي . ه ه إلنسان لتسأل عمـا يوما تنزع فيه األعضاء من جسم ا ى أر

يوما تطلق فيه علي النـاس ى فعلته، فال يمكنها اإلنكار، أر هذا رقم . أرقام معينة، فيحدد البصاص ألهل كل حارة أرقاما

. بحيث ال يحمل شخصان رقمين متشابهين ) ٢ ( هذا رقم ) ١ ( وهذا أمر ناقشته بتوسع وإفاضة في أحـد مالحقـي التـي

بدال من تعدد . ر الخلق ستوزع عليكم وهذا يساعدنا في حص . ا ه أسمائهم وتشابه

) وبعد ( فما ذكرته أخيرا أخيلة تراودنا، لكن عنـدما يصـير األمر حقيقة، فسوف يقول بصاصو األزمان المقبلة أنظروا،

. كان أسالفنا أبعد نظرا وأشد عزما " ه وعليكم سالم اهللا وأمان "

"كبير بصاصي الديار المصرية " زكريا بن راضي

Page 319: 836

)١( ذيل

مطلب في كيفية إعداد طعام المساجين وطرق .نومهم وأفضل اللحظات الالزمة إلقالق راحتهم

ال يطلع عليه إال كبير البصاصين بعينه

قام بالترجمة ديوان الترجمة بالمقر الرئيسي لبصاصي القاهرة

م١٥١٧ - هـ ٩٢٢

Page 320: 836

)٢( ذيل

من بدال،سمطلب في الوسائل المقترحة لترقيم النا األسماء، ونص فتاوى شرعية تبيح هذا في سائر األديان

ال يطلع عليه إال كبير البصاصين

قام بالترجمة ديوان الترجمة بالمقر الرئيسي لبصاصي القاهرة

م١٥١٧ - هـ ٩٢٢

Page 321: 836

)٣( ذيل

كيفية الرقابة على الرقابة أي كيف يرصد مطلب في … آخر ا بصاص بصاص

يح لكبار البصاصين دون غيرهم حظر وأب

قام بالترجمة ديوان الترجمة محتسب الديار المصرية مقر ب

هـ ٩٢٢

Page 322: 836

)٤( ذيل

غير وه مطلب في كيفية إقناع الناس بوجود ما موجود

حظر وأبيح لكبار البصاصين دون غيرهم

قام بالترجمة ديوان الترجمة بمقر محتسب الديار المصرية

هـ ٩٢٢

Page 323: 836

كوم الجارح الوقت ذاته من كل عام، البيت يفتح للمريدين، طالب

ـ ى الحق الجوابين الساعين حبا في أهل البيت، بعضـهم التق لياس إ م، لم يفن ولم يمت، النبي س عليه السال ا لي إ فعال بالنبي

شرب من نبع الحياة فما عاد الموت يقربه، عاش الشيخ أبـو السعود على أمل اللقاء به، التزود من حكمته، االستماع إلى

الشيخ الكرماني حكي له ماال يتطرق . ندثرت ا قصص أجيال جتاز في أول الشباب بالد فارس، حيـث ا إليه الشك، عندما

ما النور والظالم، والتهبت نيران المجوس، عند عبد القوم يو ، أبيض اللحيـة، والشـارب اض برجل يلبس البي ى البحر التق

وشعر الرأس، يمشي فتيا عفيا كأنه ابـن عشـرين، الشـيخ الكرماني كان على وشك النزول في قـارب ليعبـر البحـر الكبير، سلم عليه الشيخ، من عينيه ينسال بهاء غريب، حذره

" الدردور عمال ومن ركبـه هلـك " لبحر، قال من ركوب ا ودواب هذا البحر ال ترحم من يلقي به حظه العـاثر إليهـا،

الشيخ األشيب، ذهب الرجل، ى رجع الشيخ الكرماني، واختف به وحذره، ى من التق . وبرق الخاطر في عقل الشيخ الكرماني

هو، هو بعينه، سيدنا الخضر عليه السالم، فيما بعد عـرف

Page 324: 836

القارب، انتابته حسرة، كيف لم يبق معه، كيف لم يقتف هالك ثالثة شهور يستقطر حسرة ال تنبـت ى خطواته، بعد أن قض

أمال، عزم فتوكل، بدأ طوافه، عسى أن يلتقي به، يصـحبه، سيدنا الخضر مرتين، مع هذا لـم ى لكن محال، المرء ال ير

لم يضع منه الرجاء، الشيخ أبو السعود لم ير سيدنا الخضر و خز النفس و لياس، في السرداب ترق األحزان، ت إ يشهد النبي

التي يحيـا كنصل سيف حاد، النبيان الخالدان هجرا األرض الكثير ولم يرهما، ارتعش قلبه بمنظر الموتى في فيها، رأى

ولم يبـق، ى غزوة بربرية، مدن خيم عليها وباء حصد وأفن يموتـون بـال عندئذ يطرق باله سؤال الحيرة األبدي، لماذا

ثمن؟ لماذا جاء اإلنسان وعاش وعرف األلم واألمل، إذا كان ؟ في السرداب سمع ثقة أهل مصر فيـه، . هكذا ا ذهابه بسيط

سمع ما أتاه الزيني من رفع بعض األسعار، من القبض على ، ا ارتقاءه في المناصب مبرر معقول، أال يقول دائم . أشخاص

السـعود الجـارحي لمـا مامي الشيخ أبو إ لوال ثقة موالي و بوقوف الزيني خطيبا في أهالي هم ر ب قبلت، أحد المريدين أخ

السعود يدعو لهم ليال ا الصعيد القصي، أخبرهم بأن الشيخ أب ونهار أنه يأتمن على األرض والناس، إنه يوصيه بالعـدل ا ،

Page 325: 836

والخير وما هو إال منفذ لتعاليم مواله، بعد فناء عمر طويـل س المعاصـر لكافـة ا لي إ لو جاءه النبي . يجيء من يستبيحه لم تغـص . لم تعرف زمنك . أنت المحق . األزمنة فسيقول له وال الخضر عليـه . لياس إ لكن ال النبي . فيه لتعرف كوامنه

السالم سيرشدانه، في السرداب خيل له أن الهـاتف صـاح ، وال يجيء إال للصالحين، إما ى عليه، والهاتف يسمع وال ير

يطـرق القلـب ى ، أو الئما، أي أس ا ا منجي مرشدا أو محذر : الوجيع المحسور، كيف ينفذ بصره إلى الحقيقـة، يقولـون

لـق باسـمه نسـوا خ مواله باركه أول سنة لكن لم يهتف ال لكل ما يجري، آه لو يصل إلى شـجرة ا وأصبح موقفه عنوان

الحقيقة، حدثه النساك الزاهدون عنها، من أكـل ثمارهـا ال ، لو وصل إلى الحقيقة كل أمر مهما لف ا بد يعرف الضالل أ

طيفها، جاءه درويش ى ، لم يصل إلى الشجرة، لن ير ى والتو عجوز صعيدي بحبات التمر، سطل اللبن، أكل وشرب، يميل

عليه هامس ال . ، موالنا في الباب رجـل اسـمه الـدمراوي ا . حجاب بيني وبين الخلق فيما يبدو ميسور الحال . جاء الدمراوي

على قدمي يا موالي ا ساعي جئت

Page 326: 836

من أي البالد أنت؟ منفلوط يا موالي

رحيل السـلطان إلـى د إلى منفلوط سافر الزيني بع ء فـي البـد … الشام، جمع أهل الناحية كبيرهم وصغيرهم

الغدر الذي يطل من . عن كل شيء عن حقيقة األخبار ى حك قال فيما قال إنه موقن من تحرك ابـن عثمـان . ابن عثمان

، لكن جند السلطان وفرسان اإلسـالم سـيتولون ر يأخذ مص ل وصعب أخذ بالد تضم . مصر محمية بأولياء اهللا : قال . أمره

سيدنا الحسين وسيدي أحمد البدوي وسـيدي عبـد الـرحيم وسيدي الفولي والقطـب القـوي سـيدي إبـراهيم . القناوي

وموالي د الدسوقي وسيدي الرفاعي واألولياء أصحاب األوتا . الكرامات النورانية أبو السعود صاحب

أجرى الدمع من عيون الخلق، يا موالنا، ثم قـال إن خزانة السلطان في أمس الحاجة إلى دارهم، ورجاهم تقبل ما سيقول، جمع ضرائب عام واحد مقدما غير السنة التي نحـن فيها، ولما كان الحال صعبا، والدنيا متشطحة مـع النـاس،

ا ليهم بلين الكالم، قال من يملك شيئ عولوا، فتحدث إ ا ضجوا و ليبيعه، حاش عنهم أذى األمراء والمماليك ولو تركهم لجاءوا

Page 327: 836

بسيوفهم، وباعوا أوالدهم وبناتهم كما تباع الماشـية، وهـذا ليس غريب حدث من قبل مرات ومـرات، وبـين الكلمـة ا ،

واألخرى يذكر وصية مواله الشيخ أبي السعود له، فصارت بكي الدمراوي، يولي ، الي، آه سامحني يا موالي الناس يا مو

سيدنا الخضر عليه السالم وجهه بعيدا، يزعق المريدون تعلو بعد أن صرف الناس، استبقاني مع أربعـة مـن . " الهمهمات

لي البلدة أخبرنا بأمور عديدة عن أموالنا فعجبنا فيما بعد، ا أهـ ا ثم قال إنه سيفرض على كل منا مبلغ . كيف وصلته دره ق

ألف دينار، قال البد من الدفع، العجيب يا موالنـا، ضـياع اللين في حديثه، نتر في وجوهنا، أظهر القسوة قال إنه يمهلنا

. فتخرب بيوتنا … شهرا، ولو تأخرنا سيدعو علينا مواله اآلن . السماء مقطبة الجبين ى ورأ . ف الدمراوي صر

كر السلطان يرجع الفالحون إلى ديار الطين، اآلن يوقد عسا النيران في سهول حلب، اآلن يتوه مالحـون فـي البحـار الغربية، يجيء سيدنا الخضر يرشدهم إلـى السـالمة، اآلن يضيع صواب الضالين في الصحراء، ينزل الليـل صـخرا

س، وفي لحظة معينة مـن ا لي إ وحجارة، ال يدركهم إال النبي في مكان . الليل لم يعرفها أي إنسان حتى أشد األولياء ورعا

Page 328: 836

ـ إ تطرقه دابة، يجتمع سيدنا الخضر وسيدنا مجهول ال س ا لي جوج، حتى ال يكسروا السد، أ جوج وم أ ليلقيا نظرة على بالد ي

هل نفذ بعض . خاطر يضيق به صدر الشيخ . ويغرقوا العالم جوج إلى دنيانا، وتنكروا فـي هيئـة البشـر؟ سـيهجر أ الي

. خال البيت من مجيء سعيد . السرداب حينا " … يا فرج "

ال يعرف الطريق إليه إال مرة كل . جاء المريد الشيخ رتد شـال ا مض إلى الزيني بركات، ا . سنة، في ميعاد بعينه

ال … عمامتك األحمر، ناد عليه، قل له أن يأتي عندي الليلة . تدعه يغب

Page 329: 836

هـ٩٢٢ شعبان ١٥الجمعة ديوان سر مقدم بصاصي القاهرة

اجل وهام ع م ظالشهاب األع إلى تقرير مرفوع

زكريا بن راضي، كبير بصاصي السلطنة في الجزء األخير من هذه الليلة، توجه الزيني بركات

بن موسى، استدار الذخيرة ومتولي حسبة الديار المصـرية، ا لي القاهرة، والمتحدث عن الوجهين القبلي والبحري إلـى ا و

ـ كوم الجارح، بعد استدعاء ا ي ح السـعود الجـار ي لشيخ أب العارف باهللا، وعندما دخل إليه أجلسه بين يديه، مال الزيني

… عليه، لكن الشيخ لم يراع هذا، ونتر في وجهه، يا كلـب لماذا تظلم المسلمين؟ لماذا تنهب أموالهم، وتقول كالما تنسبه

الزيني دهشة حاول االنصراف، لكن الشيخ قام، ى أبد … ي إل أمـره بخلـع … ) درويش اسمه فـرج ( ه يدي أحد مر ى ناد

عباءة الزيني عنه، تجمع حوله الدراويش أحاطوا به، أمـر الشيخ فضرب رأس الزيني بالنعال حتى كاد يهلك، ثم أمـر

… بشك الزيني في الحديد، ثم أرسل إلـى األميـر عـالن

Page 330: 836

طلع شاور نائـب السـلطان األميـر ا : وقال له … وأيقظه ي المسـلمين، ذ لمه أن هذا الكلب يؤ طومانباي في أمره، وأع

وفي الحال طلع األمير عالن الدوادار الكبيـر إلـى نائـب ، وقال األمير طومانباي ى السلطنة، وأيقظه، وأخبره بما جر

ليفعل الشيخ أبو السعود ما يبدو له، وحتى ساعة كتابة هـذا، مازال الزيني بركات بن موسى محتجز ـ ا ي عند الشـيخ أب

بقوا األمـر سـرا يومـا أو ا " : الشيخ لمريديه وقال . السعود يومين حتى استخرج منه ما نهبه من أمـوال الغالبـة، ثـم

ره على حمار، ونخلص الدنيا منه، وحتى اآلن ال يعلـم ه نش العامة بما يجري، وإن تساءل البعض عـن عـدم ركـوب الزيني لصالة الفجر كعادته، ومن ناحيتنا، بادرنـا فأرسـلنا

ـ العيون واألرصا ى د في كل فج، وخاصة كوم الجارح، ونم إلى علمنا، أن دراويش الشيخ ومريديه، وكافة أرباب الطرق الصوفية، والفقراء في بر مصر سيعلنون الخبـر ويهيجـون

. الخلق ىعليكم أمان اهللا تعال

)مقدم بصاصي القاهرة (

Page 331: 836

هـ ٩٢٢ شعبان ١٥الجمعة ديوان سر نائب الشهاب األعظم

ختص بأحوال ابن عثمان وأموره زكريا، الم مصيبة كبيرة

بعد تضارب األخبار، وكثرة القيل والقال، ورد إلينا، ، فبادرنا بإرسال األخبار إلـيكم، ى منذ لحظات حقيقة ما جر

ونأسف لعدم تمكننا من الحضور بأنفسنا النشغالنا باستقصاء الحقائق، لقد وقعت كاينة عظيمة، طمت وعمت، وتفاصيلها،

دهمته عسكر سليم العثمانلي يوم األحـد ي السلطان الغور أن وكـان ) و هو يوم نحـس مسـتمر ( خامس وعشرين رجب

صالة الصبح، ثم ركب وتوجه إلـى تـل ى السلطان قد صل وقيل هناك قبر داود عليه السـالم فركـب السـلطان . ر ا الف

وصار يرتب العساكر بنفسه، فكان أميـر المـؤمنين علـى عون مصحفا في أكياس حريـر صـفراء ميمنته، وحوله أرب

مـام، وس جماعة أشراف، وفيهم مصحف بخـط اإل ء على ر عثمان بن عفان رضي اهللا عنه، وحوله أيض جماعـة مـن ا

الفقراء، هم خليفة السيد البدوي، ومعه أعالم حمر، والسـادة األشراف القادرية، ومعهم أعالم خضر، وخليفة سيدي أحمد

Page 332: 836

ي والشيخ عفيف الدين خادم السيدة الرفاعي ومعه أعالم خليفت نفيسة رضي اهللا عنها، بأعالم سود، وكان ميمنـة العسـكر

. سيباي نائب الشام، وعلى الميسرة خاير بك نائب الحلب قيل أول من برز إلى القتال األتابكي سودون، وملك األمراء سيباي نائب الشام والمماليك القراصنة دون الجلبان،

دا ومعهم جماعة من النواب، فهزموا عسكر فقاتلوا قتاال شدي ابن عثمان وكسروهم كسرة مهولة، وأخـذوا مـنهم سـبعة صناجق وأخذوا المكاحل التي على العجل ورماة البندق، فهم

وقتل من عسكره فوق . ابن عثمان بالهروب أو بطلب األمن ، العشرة آالف إنسان، كانت النصـرة لعسـكر مصـر أوال

بلغ المماليك القراصنة أن السلطان قـال . ليت لو تم ذلك ويا لمماليكه الجلبان ال تقاتلوا أو خلوا المماليك القراصنة تقاتـل

وبينما هم على . وحدها فلما بلغهم ذلك ثنوا عزمهم عن القتال وقتل ملـك . ذلك وإذا باألتابكي سودون قد قتل في المعركة

. معسكر األمراء سيباي نائب الشام، فانهزم من الميمنة من ال ن خاير بك نائب حلب انهزم وهرب فكسـر الميسـرة، إ ثم

ا علـى س وأشيع بين الناس أن خاير بك نائب حلب كان موال ـ ا تحت الصنجق في ن قف السلطان الذي ظل وا ر قليـل مـن ف

Page 333: 836

المماليك صار يصيح في العسكر، يا أغـوات هـذا وقـت رضاكم، فلم يسمع له أحد قوال وصاروا ي المروءة قاتلوا وعل

فالتفـت إلـى الفقـراء . بعد شيء ا تسحبون من حوله شيئ ي بالنصر ى دعوا إلى اهللا تعال ا : والمشايخ الذين حوله وقال لهم

. وصار ما يجد له من معـين وال ناصـر . فهذا وقت دعاكم فانطلق في قلبه جمرة نار ال تنطفئ وكان ذلك اليـوم شـديد

علـى ى غضب من اهللا تعـال ا كان نهار . كثيف الغبار . الحر ولما تحقق السلطان من الهزيمة نزل عليه في . عسكر مصر

ه تو أ حنكه فطلب ماء ف ى وأرخ . فأبطل شقته . الحال خلط فالج ى بماء في طاسة ذهب شربه ومشى خطوتين وانقلب من عل

وخرجت روحه، ومات . فأقام نحو درجة . فرسه إلى األرض . مر دم أح ه وطلع من حلق . وقيل فقعت مرارته . من شدة قهره

ن األرض انشـقت أ فك . ولم يعلم له خبر . ولم يعثر على أثر . وابتلعته في الحال

ولم تستغرق هذه الواقعة إال من طلوع الشمس إلـى تحـول . ى الحال على أمر قدره اهللا تعال ى وانته . بعد الظهر

. ابن عثمان عن مرج دابق إلى حلب فملكها من غير مـانع سلحته التي خرج بهـا على مال السلطان وتحفه وأ ى واستول

Page 334: 836

نسـأل اهللا أن . في الشام ى هذا ملخص ما جر . من بر مصر يقينا شر ما يجيء من أحوال، وسوف نرسل ما يرد إلينا أوال

. بأول عليكم أمان اهللا تعالي

نائب الشهاب األعظم المختص بأحوال ابن عثمان وأموره

Page 335: 836

يعمرو بن العدو

تضـح؟ أو لماذا أرسل إليه؟؟ هل انكشف أمـره واف شـاعات واضـطراب انكسار العسكر واقترابـه وكثـرة اإل

، األحوال، حتى بيت ابنة الخبيزة ال يستطيع المضـي إليـه ال إ في الرواق ضاع، ال يجمعه ى شحت يده بعد امتالء، المأو

ثم يمضي إلى غيره . بيت واحد من أهالي البلدة ليلة أو ليلتين ف ما سـيقوله مقـدم لتقابله العيون بالنظرات نفسها، ال يعر

نبه إلى أمره مـع كـل هـذه ت بصاصي القاهرة؟ لكن هل ي المشاغل واألمور المضطربة؟ ال يدري، اآلن يعبر حـارات

حتى من حرصـوا . العطوف، يخاف لو رآه أحد المجاورين . على صحبته يوما خوفا وخشية

جهروا له بالعداء هذه الليلة وجد نفسه ضائع فيهـا ا ق كل من ينام بجواره بالقرب منه، زمالؤه خارج الروا ه قابل

في حلقة الدرس، شوام ومغاربة وأفغان وقفوا يرقبـون مـا يجري، حزمة ثيابه ربطوها تحت قدميه، قال الشيخ حمـزة أكبر من في الرواق سنا وأقدمهم في طلب العلم وتحصـيله،

مض عنا يا شيخ عمرو، ال ترنا وجهك، يد حجرية هـوت ا

Page 336: 836

يهم، أتعرفون إلى من تتكلمون، إلى مـن فوقه، كاد يزعق ف يجلس أمـام مقـدم … نفسه ى زعقون؟ في هذه اللحظة رأ ت

التجار، إلى المجاورين، إلى بصاصي القاهرة، كان إذا جلس يزهو إذ يسترجع حديث المقدم إليه، يأسف ألنـه ال يمكنـه

إنسـان، باسـتطاعته ى التصريح بذلك، زهو داخله كلما رأ ـ إلى إرسال أي شخص ا المقشرة، هل نسوا هذا، لكـن عرق

غزير يـا شـيخ ى انبثق من جلده، بلل ثيابه، ما الذي جـر ا حمزة، وأطلقت العيـون شـرر صـاح الشـيخ صـالح ا ،

ت بيوت الناس، تقـدم ب مش يخرب بيتك كما خر ا : الصعيدي آذيتنـا " ، منعه الشيخ حمزة ه الحق، خلع مركوب ء الشيخ بها

ذنـب الشـيخ " ، " نا وحركاتنا وعددت أنفاسنا ونقلت سكنات ، مـا ا يوم لم يعمل له حساب " سعيد، والشيخ مبروك في رقبتك

له، يذهبون إلى شيخ الجامع يوقعون في أمره كل ى الذي جر ما لم يجرؤوا على قوله من قبل، يأمره بطرده من الـرواق ومن حلقات الدراسة، من األزهر، بفضحه، نظر إلى مـدخل

إلى أنفاسـهم، ي ، ألن يصغ ا بة الباب أبد الرواق ألن يجتاز عت إلى هلوسات أحالمهم، ما الذي سيكتبه إذن في تقـاريره؟ آه، لن يرحمه الرجل، فشل ولم يتقن إخفاء نفسه، وهذا يسـاوي

Page 337: 836

الموت بالنسبة للبصاص، إلى أين يمضي؟ تطل عليـه أيـام بعيدة طاف فيها بالبيوت، يستجدي الدراهم بتالوة القرآن، لن

أيـن؟ أيعـود إلى على دخول بيت منها، بقجة ثيابه، يجرؤـ التـي ال ه إليهم، يطلب الصفح والسماح، يحكي لهم عن أم

يعرف مقرها اآلن، سنوات مرت على خروجها، ال يعـرف الطريق إليها، لم تهتد إليه، ربما تصل إلى الرواق، ال تلقـاه اآلن، تسعى حول المسجد كسيحة عمياء كسيرة الفؤاد، لـو

ي لهم عنها ربما رقوا له، أدرك أنه نسـي وجـه أمـه، حك صورتها، لو قابلها فلن يعرفها، لو تعيش فهي ميتة في قلبـه

هاربا، الطرق عليها كمدة، كـأن ى منذ سنين، حمل ثيابه ول تراب القـاهرة، النـاس ى الدم المسفوح في مرج دابق غط احة، أما جرحه فنافذ حتـى ن جروحهم طرية، في كل بيت م

بل لعن في سره . خاع، سب الشيخ حمزة، لعن المجاورين الن البصاصين، من يدري، ربما كشفوا أمره لغرض في عقولهم،

أشـرف علـى . ربما أشاع مقدم البصاصين بالقاهرة حقيقته فضيحته، مرة سمع الشيخ حمـزة يسـب كبيـر بصاصـي

ـ ى السلطنة، أهمل ولم يرفع ما حدث، أهو الكسل؟ اآلن يتمن رتعش، توقف مكانه، سـمع ا خ حمزة بموقفه، لو عرف الشي

Page 338: 836

صرخة غامضة غريبة طالعة من أحشاء العطـوف، ربمـا واحد، فما أكثر الـرءوس س يذبح إنسان، ال قيمة لذهاب رأ

التي راحت في مرج دابق، لو أمسكوه اآلن في هذه الساعة الرجم مصير هين . لظنوه يجس األحوال، يراسل ابن عثمان

كريا نفسه، ربما يدبر له مقـدم بصاصـي عندئذ، لن ينقذه ز القاهرة ملعوب ليتخلص منه تماما يمسكه بعض البصاصـين ا

بصاص البن عثمان، إذن فليسرع، كـل " اآلن يزعقون عليه الخبيزة، لم يضاجع لطيفة ة شيء يولي، كأنه لم يذهب إلى ابن

الحلوة، كأنه لم يستمع إلى هيفاء اللذيذة، لم يدرس العلم، لـم الحديث، آه لو بقي في البلدة بجوار أمه، يعمل فالحـا، يحفظ

عنده زوجة وأطفال، تصر البوابة عند فتحها صرير ثقـيال ا رتجـف، ا ضبتها الضخمة توجعه، نفس الممر، عبره مرات،

هل سيخطو فوقه راجع الليلة؟؟ ال يعرف ما سيفعل به، فـي ا . حجرات البيت طالعه نائب مقدم بصاصي القاهرة ى أول

" جلس ا " نفسـه بعـين ى لم يالمس ظهره مسند المقعـد، رأ . الرجل، أدرك نحول بدنه، اصفرار وجهه

" وفضحتنا … فضحت نفسك "

Page 339: 836

انعقد لسانه ما الذي سيفعل به؟؟ عندما وصـل إليـه الرسول في الفسطاط، أعد كالما كثير يقوله، كل ما يرجـوه ا

ا ويغسـل ينظف الحشـاي ا ، يمكنه العمل خادم ى تدبير المأو األواني، ألم يبذل الجهد كله في خدمته، هل خاب تقرير واحد أعده من قبل، ألم يتسبب في كشف أمر عشرات المهيجـين، اآلن ال يجد كلمة واحدة فوق ما فكر فيه، قام نائـب مقـدم

لو قال لـه ى بصاصي القاهرة، الحظ عمرو أنه متعب، تمن … الكالم لو بادله عادي " ال تتعب نفسك … استرح "

… " سوف تسبب لنا متاعب " قلب عمرو حمامة ابتل ريشها، يلمس ما تقرر فـي

ومجيئه ه أمره، من خالل كلمات الرجل وحركاته، أثناء مشي … ى براحة يده اليسر ى في الحجرة، ضرب قبضة يده اليمن

" عندنا وقتا حتى يبت في أمرك ى ستبق " ؟؟ " هنا "

اف حولـه خيـال عمرو ظالم الليل أبديا، ط ى ورأ لو اقترب مـن النائـب ى هائم، ال يدري أين صاحبته وتمن

صحتك علـى غيـر عادتهـا، " اهتم بنفسك " وهمس برقة " … رعاك اهللا يا عمرو وأبقاك " … فيجاوبه النائب، قائال

Page 340: 836

:سعيد الجهيني بخرقه ممزقة قديمة، أقبل حمزة بن العيد الصـغير،

لك وحشـة يـا شـيخ " … ينظف الموضع المعتاد من الدكة " هانت عليك العشرة … سنتان وأكثر … سعيد

ضيق سعيد عينيه، تعب البصر وامتنع عـن تمييـز القريب من األشياء، أيصدق حمزة في قوله؟؟ أو يتظـاهر؟؟ أحقا يجهل ما جرى؟؟ ألم يبلغه األمر؟؟ وإذا تجاهل فالبد من غرض خفي يستحق تظاهره؟ ألم يسمع صدفة حديثا تبادلـه

عض المجاورين المترددين على دكانه، حمزة يدعك يديـه ب ، هل أوصوه ى بعضهما البعض، في الترحيب حرارة ال تخف

إلـى بافتعالها؟؟ أيصدر عن نظراته ما يدفع الريبة والشـك قلبه؟؟

" … غيبته لم تطل يا ريس حمزة " خر آ في كلمات قليلة رد، ليفهم حمزة أو أي بصاص

يقف قريب في الدكان، في أي مكان ال يراه، أنه منه، يختبئ ا ال يبدي الشكوى مما حدث، سعيد عليم بمراقبتهم لـه، فـي

فوق مساحة أرض بذاتها، فراغ محـدد يقـف . مكان بعينه إنسان يرصد كلماته، الناس الذين يلقاهم، العبارات المتبادلـة

Page 341: 836

بينهم، كل ما يقوله، يرفع ويوضع تحت تحليل عميق، ال يمر ال وأدركوه، ومهما مضت السنون، حتـى ولـو إ خفي ى معن

بقي في عمره يوم واحد، يمسكونه، يحاسبونه حساب ا عسـير ا وهم قادرون على إذاقته في يوم ما ال يذوقه إنسان في مائـة عام من آالم ومواجع، يبـذلون جهـدا لتصـحيح مسـاره وتقويمه، أال يضرب األب أوالده؟ يقسـو علـيهم؟ يرقـب

ء يورث القلب حسرة، دفقة دم، تعيد إليه وقع الطرقات، الشتا ـ ه أقدام مقبلة في طرقات طويلة ال نهاية لهـا، وجـوه ترمق

، ا وعيون تنفذ إلى نسيج أحالمه، أرهقهم كثير . بهدوء، ببرود ، أخبروه بألفاظه التائهة القليلة التي يطلقهـا فاهتموا به طويال

خبره بهـا، عادة أثناء نومه في الرواق، زمان أحد أصحابه أ كثيرون يتحدثون وهم نيام، ألفاظهم مبهمة، أما هو فال ينطق

" غـدا " " األمـس " ، " خر اآل " ، " األول " ال لفظا أو لفظين إ سألوه عن معاني الكلمات شهرا بأكمله، " المفرد " ، " ى المثن "

في كل مرة يقسم أنه ال يدري، رحموه وصدقوه، ترفقوا بـه رات استعادوا أحاديث تبادلها مـع وصدقوه، ترفقوا به، في م

آخرين على فترات متباعدة في حياته، توالت عليه األسـئلة حول مغزى الكلمات توضح الشـروح، توضـح الفـروق،

Page 342: 836

تضاهي الحروف حروف الجر، وعالمات االستفهام طالسـم تسد أبواب في نفسه، فكوها مع ظنه الدائم باسـتحالة هـذا، ا

ضيق الثقوب، أغلقـوا طاقـات، نفذوا من أ . أزالوا أرصادها ه إلى نفسه فجـأة، كيـف تب ردموا ممرات وساحات، اآلن ين

يفكر فيما فعلوه به، ربما أدركوه وعرفوا مـا يفكـر فيـه، يفهمون أنه يحاول تشويه أعمالهم، أنه ينسب إليهم فظائع لـم تحدث نعم لم تحدث، لم تحدث، أال يوجد عقـار مـا يمنـع

، اآلن تتدافع إليه أصداء ا مور بعينه اإلنسان من التفكير في أ دميون يتألمون، حناجر تعجز عن تفريغ آ صرخات مجهولة،

طاقات األلم، ركود الهواء فـي الحفـر المغلقـة، ملمـس السالسل، يهز رأسه، ينفي الخواطر، يبيد األفكار، ما مر به

. أحالم ثقيلة، فعال أحالم " … ستر ل كتب لنا ا ا هم ل ال … بالصالة على النبي "

االبتسامة على وجه حمزة بن العيد الصغير، كانـت كلماته تبدو طيبة، الود المنسال من عينيـه، اآلن ال يـدري

سماح ألف ألف ى القصد والهدف، في نفس هذا الموضوع رأ مرة، ذكراها تدفق الدم من األوردة والشرايين، سماح كيـف

أحبها يوم من ؟ كيف عاني ما عاناه؟ لفظ االسم بصوت عال ا

Page 343: 836

ما يسقط النجوم األعـالي، مـا يهـوي ى الطاقة، سمع ورأ ظن أنها ال تمس، . بالنفس من شموخها، أدرك العطن جوهره

ـ . دب الخراب إلى وجه مليح، بـارت األرض الوبـاء ى أفن ظن يوما أنه سيعبر المحيطات ويمشي عبـر الربـع . أماال

واق الواق، إلى يعلو جبال قاف ويمضي . الخراب من العالم يرسو في جزر ال يسكنها أحد، يأكل الحديد ويشرب النـار،

كيف أحبهـا يومـا، ال . ه اآلن يتساءل؟ كيف ب فقط لو تصح أين تسكن؟ في القاهرة أم رحلت إلى األرياف . يدري أين هي

البد أنها أنجبت طفال يقـول . مع الراحلين في األيام األخيرة ـ الم وجههـا لزوجها يا أبي، يقول لها يا أمي، ال بـد أن مع

تغيرت، يدها غلظت، كأنه يذكر شخصا غريبا عنـه يعـيش وراء المحيط، عرفه يوما غير أن عكارة في قرارة الـروح،

ال يدري ما الذي دفع إليـه اآلن . نقطة عنبر أسود ال تروح سـنين لـم ى رجل عرفته القاهرة كلها منذ أعوام قض ى ذكرـ ى وعندما اشتر . امرأة ب يقر لعمـر فـي ا ى بماله الذي أفن

. اقتنائه جاريه حلوة صغيرة، لكنها بعد أيام اسـتغاثت منـه طـاش . استعانت عليه بالزيني، الزيني خلصها من الرجـل

عقله وراح يدور الشوارع في عينيه حيرة ولهفة وقـع بـه

Page 344: 836

ة مغروسة في قلبه لـم يعرفهـا، ب ، ياه كانت سماح حر ل خب ه لم يتزوجها، الحمد هللا أن . وأراق الدمع من أجلها، يقول اآلن

أما هو فلـم . ، قصه عليه ى له ما جر ى خر حك آ كأن شخصا يعرفه، قرب كوز الحلبة، الطعم مغاير في الحلق، هل نسـي

… الحلبة عندهم لجاءوه بها ى المذاق؟ لو اشته " اللهم استرنا واحمنا يا كريم "

الوجه الخفي، الصـد ى في البداية أقبل عليه، لكن أس ه، حفر رفيعة طويلة حولهما، كأنه قام الذي ال يبين في عيني

فـورا مـن ى من النوم توا، كأنه يعاني حزنا فادحا، أو انته حـاجزا يقـوم ى بكاء طويل، حمزة بن العيد الصغير، يـر

. بينهما " … أنستنا يا شيخ سعيد "

نه يمشي على الرصـيف المحـيط إ في الجو غليان، م، ال نظـره ي بصحن المسجد المكشوف من وراء األعمـدة،

يقرب حلقات المناقشة إال وقت الدرس، حتى وقتئـذ ينـأى العيون ى بنفسه، لن يدع فرصة للظن أن يهمس ألحدهم، ير

تبرق والعشرات يخرجون إلى ظاهر القاهرة، يشيلون أحمال

Page 345: 836

التراب، يحفرون للمدافع التي اجتهد السلطان طومانباي فـي . صنعها، رذاذ الحديث ينفذ إلى أذنيه

طومانباي وقابلهم فـي الصـالحية وهـم لو خرج " واآلن . حوا يا مشـايخ ا استر م متعبون وال طعام عندهم لكنه

" … يسعون إلى الريدانية ــا أر " ــن ى أن ــف م ــاي ويلت ــرج طومانب أن يخ

لكـن أن يحفـر فـي . ويباغتهم عند بلبـيس … الصحراء " … ه با الريدانية وينتظرهم هنا فهذا ما ال تحمد عق

" ء بهذا لغرض في أرواحهم ربما أقنعه األمرا " " هل شك واحد منا في خاير بك من قبل؟ "

" في الجو رائحة نتنة يا مشايخ " . ا ال يعنـي شـيئ س إذا سأله أحد جاوبـه بهـزة رأ

. ابتسامته موجزة تبتر الحديث يعرف أن أصحابه رقـوا لـه له، ال يهمه ما يقولون، يرجو أال يثيـرون ى يختمون ما جر

تقال وتضيع في الهواء ال تغني عنـدهم، بالحديث كل كلمة يقطع الممر الطويل المبلط برخام قديم، يـداه وراء ظهـره،

. يروح ويجيء، فيه خوف غامض من الخروج إلى الفـراغ في خط مستقيم سيختل ميزانه، يسقط مرفـوع ى كأنه لو مش

Page 346: 836

عين مرجوف الوجه، يطلب نجدة لن تصل أبدا، وغوثا را الذمنقطع ا ومدد ، أمل فيه لو أكثر من التجوال لرأتـه ألـف ال ا

ألف عين، كل عينين إلنسان واحد، لو أنه حدد الناس الـذين يمضي بينهم، في الليل إذ يوشك شيخ الرواق علـى إغـالق الباب، يقوم من مرقده تتتابع أنفاسه بسـرعة، يكـاد ينطـق رجاء مكتوما في صدره، أال يغلق الباب، كأنه لن يفتح أبدا،

ال بعد دوار رأسه، انكتام نفسه، ضياع حسـه، إ يه النوم ال يأت … عليه ى ال ينام نوما، إنما يغش

" … في الجيزة خمسون ألفا من العربان " المجاورون يروحون ويجيئون، ثمة جدد فيهم أصغر

كما يسميها بينـه وبـين " سنا، جاءوا بعد ذهابه في الرحلة، مـا يجـري اآلن صلبة كالبندقة، لو أن ة كتل ه في حلق " نفسه عامين؟ كأنهما عشرات السنين، زمن . منذ عامين فقط ى جر

قائم بذاته، هل سيقف هكذا؟ يتجنب االقتراب مـن حلقـات المناقشة، ما يدفع طعما مرا إلى دمه، ما يحيره، كيف يسمع اآلن باقتراب جيوش ابـن عثمـان، تكـاد تالمـس أرض

ت سيوفهم في الريدانية، خيولهم تدوس الديار المصرية، طاح

Page 347: 836

رقاب أهالي الشرقية وبلبيس، ربما اجتاحوا في طريقهم بلدة، . قرية، سماح لجأت إليها مع زوجها

العـرض . استباحوا عرضها في صحن جامع قـديم الذي لم يهتك في خياله يوما ورآه متمرغـا تحـت سـليل األمراء في لحظات قهر، سعيد يتقلب فوق حصير شائك، ما

الترحال بينه وبين زمـن ترعشـه فيـه ى أبعد المسافة وأنا مظلمة بسيطة، ضرب إنسان في عرض الطريق، تتكـاثف

ض ف الحيرة والحسرة، كيف ال يحركه ما يجري من أمور؟ انت القريب والبعيد، الحريم يهـتفن بالـدعاء . الشامي والمغربي

ه لطومانباي، حتى العيال الصغار، ربما يخشى أن يفهم حماس ا هر بالدعاء ربما تضايقوا يريدونه هادئ لو زعق، لو ج . خطأ إذا هتف لطومانباي من يدريه أن الـدعاء سيسـمع . وادعا

نساء الجمالية الفقيرات في العطـوف الجوانيـة ى بنصه؟ رأ والروم والباطنية يقفن أمام مشهد السيدة نفيسـة حسـيرات، تعلو أصواتهن بنصرة طومانباي، ورفعة جند مصر عسـكر

خل المسجد رءوس معممة، يقيمون الصـالة ا اإلسالم، في د في غير أوقاتها يقرأون البخاري، شبان صغار عاب علـيهم

وترددهم في مواجهة جـور األمـراء، اآلن . يوما انقطاعهم

Page 348: 836

مهم فعال؟ لكنـه أحقا ال . يبدون همة ال يدري من أين جاءتهم ال يخطئ الوجوه المنكسرة، معالم الغربة يراها، حتـى فـي

. ري أبنية الحوا لحظة الغروب تجسد الموت، األسى رقراق، عبثـا صفاء النفس، اآلذان حزين يدفع بالعمر مائة سـنة، يعمـق

ـ ن أ الغربة لمن ال بيت له وال زوجة وال أمـل يرتجـي، ك الريف البعيد محي من المكان والزمان، األشرعة ال تهـدي القوارب إلى بر األمان، تمضي امرأة تلتف في حرير أصفر،

الخيال لم يعد قادرا على تجريد الثياب، لو جاءت بلقيس حتى لن تهتز حتى . لو رقصت أمامه في حجرة مغلقة نائية . نفسها

. جذور شعيرات رأسه صـبع طفل ضئيل، صغير الجسم، دامع العينين، اإل

حيرة أول العمر يبحث عن أبيه، يبحث عن أمه، ال . في الفم أثـارت خوفـا قة فـي عينيـه ز يدري سعيد، الطولة المخو

غامض إلى توقف يرقب الطفل، انتبه . ، في قلبه شفقة تنسال ا بأي كالم يفسر وقفته المفاجئـة أمـام . خطورة ما أقدم عليه

. فوق حشية قديمة ا د نفسه ممد ى طفل صغير يبكي رأ . الطفل نساء يلطمن الخدود، آه لو يرثي اإلنسـان . أطفال يصيحون

Page 349: 836

ات من كل فـج عميـق، لـو حيا، ألقام النعي وجاءته النداب كهـذا . يقضي دامع العينـين . يصلب نفسه علي باب زويلة

. الصنم الواقف في جزيرة لم يرها أبدا وسط البحر المحـيط السـوق . كلما اقترب منه إنسان يلقي الدمع هاطال من عينيه

. كأنها أوردة القلب الخالي . الحركة خفت من الطرقات . خال قدماه رفيعتـان . يتوسط الطريق الطفل الباكي . التفت وراءه . كقلم البسط

منـه تجسـد أول ة تنوءان بحمل جسمه، كل اهتزاز بعيني عقلـه امـرأة ى العمر الشقي ال يعرف أن يمضي؟ رأ

وقعت بين القفف في سوق الليمون انتابها خلط فالج ارتمـت . ما مـن فمهـا ي تطفطف ر . على ظهرها ال تدري ما حولها

ـ . س سريان الحياة منـه زحف إلى ثديها طفل يتلم ى رأ ى مت انتابه غم؟ ى مت . المنظر

. يقينا علم بخروجـه . أخبار ى بحرص عظيم استقص في الرواق خطر له أن ينسرب تحت الظالم، يطلـع عليـه،

ـ انق لكن هذا أسهل الطرق النكشاف أمره، كلما يـوم، ى ض ربما لـن . ى يطلع فيه إلى كوم الجارح، أدرك أن المسافة تنأ

صحن البيت، لن يتنسم هواءه المبلل بماء الـورد، تطأ قدماه

Page 350: 836

منذ أعوام لم يخطر بباله قط، لم يكن يقبل أي تصور ليـوم كهذا، لم يطلع إلى كوم الجارح، لكنه في حذر راح يستقصي أحوال مواله، عرف أن األمراء عندما عرضوا السلطنة على

ـ إ طومانباي تمنع ورفض، لم يجدوا أمـامهم ا ال الشـيخ أب عود ليقنع طومانباي بتولي السلطنة، سعيد يـراه بوجهـه الس

تدخله إلى جانب الزيني ى ال ينس . ربما أخذه التردد . الصافي أبدا لم يخـب رجـاؤه، ا ثم خيبة رجائه ومسعاه، أبد . بركات

بعد عودته من الرحلة طلب منه رجل أتاه دائما هناك، جالسه كالمعتاد ولو أياما طويلة، طلب منه الذهاب إلى دكان حمزة

لو تساءل الناس عن سر اختفائـه . جاءت سيرة الزيني أمامه إن الزيني في مكان قريب، يعـد ) رجاه الرجل بأدب ( يقول

العدة ويجمع المال والسالح، ولم يمانع سعيد، وأي مأخذ في إنه يرسل " هذا، تساءل الناس في الدكان عن غيبة الزيني قال

ر مشـايخ العربـان إلرسـال تباع إلى بالد مصر، يستنف األ يذكر يوما شخصا أفرنجيا بدا مصـغيا " رجالهم إلى القاهرة

لكل ما يقال، استراب في أمره، بعـد أيـام عـرف النـاس في الحقيقة، الشيخ أبو السعود نفسه قبض على الزيني ورماه

خالف أمرا أتـاه مـواله، لكنـه . بيته، خجل سعيد من نفسه

Page 351: 836

رجاه بأدب، مطلب بسيط، لـم ن الرجل إ معذور لم يدر، ثم يخطئ فيه، أرسل الشيخ إلى األمراء أال يخونوا موالهم وأال

بـن يغدروا وال يخامروا عليه وأن يساندوه فـي تصـديه ال عثمان العازم على أخذ مصر، يعرف سعيد أن كثيـرا مـن المريدين، قدموا من كافة القرى واألنحاء، يلفون رءوسـهم

أحمد البدوي ارتداها يومـا، بشيالن حمراء وخضراء سيدي مد يده فأحضر األسرى من بالد الكفر، الشيخ أبـو السـعود

الخالء يحمل المقاطف مع العسـكر، حتـى إلى يخرج يوميا الخلق لما رأوا ما بيديه من نشاط ال يناسب أبدا لحيته ى تباك

البيضاء وشيبته، كبر العامة وهللوا، لو رآه مواله فسيسامحه، إلى رؤيته لكنه ال يدري رد الفعل هكذا أطلقوه يحرقه الشوق

. وتركوه ال يحددون له مسارا يطلب سعيد كوز الحلبة المعتاد، يطحنها حمزة اآلن، يضيف إليها البندق المبشور، ولو طلب الزبون يحمرها فـي

حلوا شهيا ألذ من أكل الفول النابت في ا السمن تصبح إفطار ان، العسكر يعبرون الطريق، ية العمي او مطعم المراغي أمام ز

شيء ثقيل يقع في مكان قريب، لم يبدأ سعيد شرب الحلبـة، . صاحب وجه غريب يقترب منه، لم يره أبدا

Page 352: 836

" شيخ سعيد؟ " " أيوه " " … لو سمحت معي لحظات "

الريح صائب، أيبدأ رحلة من جديد، أيعدو؟ إلى أين؟ إلى أين؟

" أبد لـيس . مقدم بصاصـي القـاهرة يطلبـك … ا لكنني أشفق عليك، أعرف رقتك وما . المفروض أن أقول لك … يمكن أن يطوف بك … يطل حمزة

لم تشرب الحلبة يا شيخ سعيد، لم تشرب الحلبة، ال " … حول وال قوة إال باهللا

Page 353: 836

نداء يا أهالي مصر يا أهالي مصر يا ساكني مصر

الجهاد الجهاد الجهاد

" وما النصر إال من عند اهللا "

Page 354: 836

زكريا بن راضي لم يتوقف لحظة واحدة من المقطم إلى بركة الرطل،

الناس يسرعون إلى غير هدف، في الصباح . الحواري مغلقة الباكر، انطلقت إشاعة في المدينة كالنار في العشب الجـاف، أقسم البعض أنهم رأوا جيوش ابن عثمان تجيء من ناحيـة

ارتعـب النـاس، الفسطاط، تفاجئ طومانباي من الخلـف، ارتجفت قلوبهم، ال أحد يصحب زكريا غير مبروك، يمشـي

مجاور له، العتمة في الضـوء، زعيـق الجنـد العـابرين ا خفيا، يدرك أنه يعـايش اآلن ا يجسدون في نفس زكريا شيئ

ا، مـن قبـل ال تتكرر إال مرات في عمر الدني ا جسام ا أحداث جماعة واحدة، أمـا خر، لكنهم أفراد يتغير السلطان، يجيء آ

اآلن فالجماعة نفسها مهددة، آخرون غرباء ال يوقفهم أحـد، يرثي لطومانباي، يعرف أي وضع صعب يالقيـه، عكـارة

إلى روح زكريا، هو الوحيد في مصـر العـالم ي تشاؤم تأو بحقيقة ما سيجيء، ال يستريح إلى وقفة جان بردي الغزالـي

بن عثمان وباء جاء ا . بجوار طومانباي، وعنده أدلة وشواهد في غير ميعاده، وباء ال عالقة له بانخفاض ماء النيل، شـر مسلط، عسكره همج، يعرف زكريا، أحوالهم بهائم ال نظـام

Page 355: 836

، يهرب من إدراك نتيجة يراها محدقـة، ى لهم، أسرع الخط هذا الزيني الذي نفذ إلى . هذا ما سيناقشه مع الزيني بعد قليل

ا حول وأبدل ما أبدل، عنـدما عمره، فكره وروحه، فحول م الزيني أدركته دهشة بل مسه خـوف، سـنوات ى قبض عل

في زمن هيج عليه مصر كلها عنـد . طويلة يكيد فيها للزيني أبدا أن الزيني دفع إلى بيتـه ا ه شيئ ي واقعة الفوانيس، لن ينس

بوسيلة الرومية، الزيني أيض تسبب في قتلهـا، أن يـواري ا القبر، منذ شهور أدرك أن الزيني لم جسدها البلوري وحشة

ينشئ نظاما خاصا به يجس األخبار واألحـوال، لـم يتبعـه بصاص واحد، إنما هم رجال المحتسب العـاديون، سـنين

خر آ طويلة وزكريا يجهد نفسه، يبذل طاقات ال أول لها وال لم يستطع رجاله، . لكي يعثر على بصاص واحد يتبع الزيني

عمل لهـم ألـف . الزيني في التخفي أيقن من براعة رجال حساب وحساب ـ ا ى ، أدرك زكريا أنه خدع خدعة عميقة، تمن

زكريا لو وجد نظام بصاصين فعال يتبع الزيني، وأال يـدرك نظاما فـي الهـواء ى اعة أطلقها الزيني، بن ش أن األمر كله إ

زكريا مرارة الخديعة أيامـا لكنـه ى أوجده ولم يوجده، عان ابا خفيا للزيني، فعال أن يوجـد زكريـا أضمر في نفسه إعج

Page 356: 836

بمفرده في زمن واحد أمر ال طعم له، كل منهمـا مخلـوق لصاحبه وجود الزيني أفاد زكريا، حببه إلى قلوب الخلق بعد كره ومقت، زكريا طور أساليبه وطرقه حتى يواجـه مكـر

، غير الفائدة المباشرة التي أبداها الزيني فـي ه الزيني وخداع مواقف، أفكاره الصالحة من أجل تطوير أعمـال عديد من ال

البصاصين، يبتسم زكريا، الزيني الذي عرض عليه كل مـا قدمه على أساس أنه بعض الطرق المتبعة في نظامـه هـو الخاص بمراقبة الخلق، أي إنسان في مصر يعلـم بوجـود جماعتين، جماعة بصاصين تتبع زكريا وجماعة تتبع الزيني،

الزيني، لكن األوضاع ستجد فيما لو، لو ه هذا كله وهم أشاع جتاح وباء العثمانلية مصر؟ هذا ما سيناقشـه زكريـا مـع ا

الزيني، بيته في المقطم ال يحوي ورقة، اآلن شهاب الحلبـي وديوانه وكل ما يحويه في المقر السرى للزينـي بحلـوان،

أيض الدفاتر والجداول التي أدرج فيها اسم كل مخلوق يـدب ا زمان عندما . مصر حتما سيحتاجها في األيام القادمة على بر

بن أبي الجود وتولى الزيني األمر راح يـوزع ي أمسكوا عل أوراقه، قتل معشوق السلطان وغالمه، حتى اآلن لم يصـل إلى سر العالقة المكتومة، مات الغالم، مات السلطان، فكـم

Page 357: 836

راره يبدو الزمن بعيدا، سنوات طويلة في كل يوم منها يؤكد ق باإلجهاز على الزيني، فرص عديدة سنحت له، عندما أرسل الشيخ أبو السعود وأحضر الزيني وبهدله، ليلتها عندما بلغـه األمر، قص شعر رأسه، ال بد من حزم سريع، هذا أمـر ال هزل فيه، هاهو الزيني بين يدي رجل صالح تقي كلمتـه ال

كريا استنفار ز ة ترد عند األمراء، الكبير والصغير، باستطاع أعوانه من كل فج عميق يثير الناس على الزينـي، وينشـر الفضائح عليهم، يمكنه إرسال قوائم طويلة بـاألموال التـي يكتنزها الزيني، الدر والحجر البلخش واليواقيت والفيـروز وأكوام الذهب، رسالة موجزة تقول لموالنا هذه هي المواضع

ة اعتصرته، في تـواريخ التي كدس فيها الزيني أمواله، حير طائفة اإلسماعيلية قرأ مرة، الفداوي المرسل لقتل عظـيم أو كبير تواجهه في مهمته لحظات، لحظات يجب الحسم فيهـا، ليس مهما صحة القرار أو خطؤه، المهم هو اتخـاذ قـرار، ربما أضاع التردد حياة الفداوي نفسه، المهم اتخاذ القرار في

كريا، في الليلة نفسها قرر، الزينـي ذاته، درس قديم طالعه ز يجب أال يروح هدر أرسل في طلب إبراهيم بـن السـكر ا ،

ذانه وعيونه المنبثـة فـي آ والليمون، المعلم ابن كيفه استنفر

Page 358: 836

أنحاء األرض، بذكاء عظيم، بكافة الطرق عليهم التحدث إلى العامة عن عدل الزيني وتقواه وصالحه، تذكير العامة بمـا

ثم ينطلقون إلى ما فعله الشيخ أبو السعود الجارحي، تاه لهم، أ صحيح، الشيخ ولي من أولياء اهللا وفيه بركـة، ولكـن مـا للمشايخ وأمور السلطنة؟ ما للنساك وأمور الدنيا؟ لو انشغلوا بأمور الدنانير لضلوا سواء السبيل، وعندما شرع الشيخ أبـو

ه فـي السعود في تجريس الزيني بركات على حماره، شهر الطرقات راكبا بالمقلوب قرر األمير عالن الدودار الكبيـر، شنقه على باب بيت قريبـه محتكـر الفـول فـي مصـر،

إلى طومانباي يشـير بالفسطاط، أرسل زكريا مكتوبا عاجال فيه إلى مال جسيم لدي الزيني وال بد مـن رد المـال إلـى

لحاجة خزانة السلطنة، لو شنق لضاع المال، والبالد في أشد ا السرية معلقة معه نطاق إليه، ثم هناك أمور هامة تدخل تحت

وموته يعني التسبب في أضرار كثيرة تمس األمراء والعامة والسلطنة ذاتها، خاصة في هذه األوقات العصيبة مع الرسالة

قـالل نفسها أرسل خطابا صغيرا يطلب فيه من طومانباي اإل حتـى ال تضـيع من عدد مرات نزوله وظهوره بين الناس

هيبته من بين العامة، وال يتعودوا رؤيته، يعلم زكريا تمامـا

Page 359: 836

أن الزيني يفضل الشنق على إنقاذ زكريا له، أمثال الزينـي ، عندما أعيد إلى بيت الشيخ ة نف إ يتقبلون ما أقدم عليه زكريا ب

السعود، ورجعوا في شنقه ارتاح زكريا، مـن يـدري؟ ي أب ابه لن ينقذه إال الزيني، زمان ربما يتعرض زكريا لموقف مش

مضطرب ال يؤمن فيه المرء على روحه وال عياله خاصـة ل زكريا، اآلن يقترب من بركة الرطـل، ث من كان وضعه م

من الطبيعي لم ينزل إلى المدينة، لم يتجول فـي أسـواقها، جتاحها ا يرسلون إليه التقارير باستمرار، حتى من البالد التي

ى ، لم يتصور أنه سـير ا به راح شهيد ابن عثمان، بعض نوا الخراب هكذا بين الخلق، المآذن حروف تجمدت في الهواء، ابنه يس وحريمه في أقصى الصعيد، يعاوده نفس اإلحساس، يعيش في زمن يشهد أحداثا كبيرة يندر وقوعها، بيت الزيني يبدو أخيرا، بعد قليل يصغي إليه، ثاني لقاء بينهما منذ خروج

ياه، ألم يكن غبيا عندما فكـر آالف المـرات فـي الزيني، الخالص منه، ابتسامة خفية علي شفتيه، لكنه أحقا فكر فـي

؟؟ ا هذا؟ أحق

Page 360: 836

نداء نداء

يا أهالي مصر ينهي إليكم الخنكار العظيم

فاسمعوا ق عنده مملوكا شن أ من خب نق على أموال مملوك ش ى من دار

فاسمعوا وعوا نداء نداء

يا أهالي مصر يا أهالي مصر

من دل على مكان طومانباي له ألف دينار

من أحضره حيا أو ميتا له ألف دينار

من حامي الحرمين، والبحار

Page 361: 836

سليم شاه، الخنكار العظيم

نداء نداء

يا أهالي مصر يا أهالي مصر

منكم ى من رأ ود الجارحي الشيخ أبا السع من لمح منكم

من دراويش ا درويش الشيخ أبي السعود

الذين يثيرون الفتنة ويهاجمون العسكر

ليحضره إلى وطاق جند الخنكار وله الجزاء العظيم له الجزاء العظيم

Page 362: 836

نداء نداء

يا أهالي مصر يا أهالي مصر

منكم جواري ونساء المماليك ى أخف ن م اودة شنق بغير مع

نداء نداء

يا أهالي مصر يا أهالي مصر

ال يخرج أحدكم بعد المغيب ال يرتدي أحد لثاما

ومن ضبط شنق يا أهالي مصر يا أهالي مصر

استكينوا استكينوا

Page 363: 836

ومن خالف شنق

Page 364: 836

السرادق السادس كوم الجارح

Page 365: 836

سعيد الجهيني يضـغط ضـلوع . ال ينجو منها إنسـان ة للقبر ضم

، ويشتت ى المؤمن والكافر، يمحو األول واآلخر، يفرق المثن الجمع، يساوي الظاهر بالباطن، تعرف كل نفس مـا أتـت، وتتحدث األعضاء عما ارتكبت، أي ذنب جنـت؟ ويعـرف

. ينقـبض قلبـه . إلى الوعر، إلى كوم الجارح ه سعيد طريق مستقر النبال والرماح، لم يخطئه هدف في ساحة المعـارك

مواله، لحظة ال قبلها وال ى ن ومنذ رجوعه يود لو رأ والطعا بعدها، يسمع لهجته، يعرف أي األفكار تدور في عقل مواله

الزمان الذي ال يعرف فيه االبن ى حوله هو، شخصه هو، أت ـ ا ره وقوف و أباه، يسأل األخ عن أخيه فينكره حتى لو جا ى ، أت

ـ اس اليوم الذي ترمي فيه كل ذات حمل حملها، وتـرى الن في الهواء خمدة، أهـي القارعـة، ، ى وما هم بسكار ى سكار

، أهو الدخان الـذي ة وما أدراك ما القارعة، في الهواء زمت بكار علـى يظهر قبل قيام الساعة؟ الجند الغرباء يفتضون األ

فوقها مرات ومرات، ى باب جامع المؤيد، عند القبة التي انحن . وع خلع حذاءه، ودخل المسجد العتيد يمأله خش

Page 366: 836

ما الذي بقي إذن؟؟ ربما ظهر المسيح الدجال، ينزل يطلع من حواري الحسينية، يخرج على النـاس . من المقطم

فجأة من الخليج، من النيل قبل ميعاد الوفـاء، مـن جزيـرة الروضة، من الهرم األكبر، يركب دابته التي تجـس أخبـار

مـا الدنيا له، يطول الليل، يصحو القوم فـال يلقـون إال ظال مستمرا عتيما، أول خيوط الضوء تدير العقـول، هـا هـي الشمس تطلع من الغرب، ليس قرصا من ذهب، إنما فطيـرة

هر أيها السفياني، ليـنفخ ظ رخوة سوداء، ما الذي بقي إذن؟ أ في الصور، النفخة األولـي، والثانيـة، والثالثـة، تقـبض

الـوخز فـي . الخراب، أربعون ألف سنة يء األرواح، ويج األيام، لكن أي أمر يخشاه، والروح فته در، أي مرض خل الص

إذن؟؟ ي ساحة خرائب، البيوت ال تأمن ساكنيها، ما الذي بق نعرف يا سعيد إنك تتمني رؤية موالك، هذا من حقك

. ا يا سالم يا أخي من علمني حرفا صرت له عبـد … طبعا أي اسـم … أنت نطقت باسمه مرات أثناء نومك، يا شعالن

ويناه زمنا؟ آ عيد في نومه عندما ردده س " … لم يذكر غير ه … الشيخ أبو السعود "

Page 367: 836

ذهب إليه، ال تخـف، بـالعكس نحـن ا … أرأيت " ، نريدك أن ا نريدك أن تعاود سيرتك معه كالزمن األول تمام

. تصبح محل ثقته … بـك ا رتم على قدميه، ا ذهب إليه، ا ال تنفره منك،

. بك فعال ا ه بعد عودتك، قل له منعوني، سيسألك، أين غبت عن

لكنني ضربت اآلن بمنعهم عرض الحـائط وجئتـك، ألعـن مـا … أجدادنا، استمطر الخراب علينا، قل ما تريد يا سعيد

. تشاء، ال بد أن تحيي ثقته بك . أنت ابنه الذي لم ينجب وأنجبه* * *

دار حول باب الوزير، مشهد السيدة فاطمة النبويـة، يق، هذه البيوت لم يرها من زمن، وهـج قدماه تقطعان الطر

مالمسة يد ، اآلمال، رغبة الطواف، الجري، االندفاع، الحب بعد غروب شتوي عتيق، أبدا، لم يطـف يء حنون، طعام هن

ـ ة به شيء من هذا، أخيل مخوزقـة، ذكريـات باليـة ة قديم كحصيرة عتيقة داستها آالف األحذية، إلى الممرات الطويلـة

دميين، أتعـرف هـذا؟ آ ى الجدران، رأ ذهب، حفر صغيرة ب

Page 368: 836

كان أمير ا كبير ا عظيم جليل الشأن، له في الحبوس أربعـة ا وثالثون عاما، يبول مكانه، يأكل مكانه، نسي اسـمه، فعـال

األلفاظ والحـروف وحركـات الصـوت ي نسي اسمه، نس ضمت سجينا صبيا، ال يعرف الضوء، ى وسكناته، حفرة أخر ق أزرق كعيون القطط في السـواد بري ه وال طعمه، في عيني

العقيم، عمره عشرون، كلها قضاها هنا، ربما بدا خروجـه إلى الدنيا كذهابك أنت إلى السجن، بين حجارة الصخر تذوي

، تغرب، بين حجارة الصخر، أو في الحجرات ى األعمال، تفن الضيقة النظيفة المخيفة، يتمدد صاحبه منصـور اآلن، فمـا

الذي بقي إذن؟* **

ما نريده االسـتفادة مـن عظاتـه . ما نطلبه منك " . آراءه في الناس . أن نعرف ثمين القول الذي يردده . وحكمه

منذ دخول الخنكار تعـرف أن . ما ينويه بالنسبة لطومانباي من هم؟ إلى . لكن هناك مريدين يمضون إليه . بقاءه في البيت

في أثر أين يذهبون؟ هناك من يزعم بنية الشيخ على الخروج لكن هل تصدق هذا أنت؟ هل يـدخل عقلـك أن . طومانباي يمكنه ، السعود، الشيخ الطيب الصالح، الورع التقي ا الشيخ أب

Page 369: 836

إذا كانت هـذه . الناس به ى حمل سيف وذبح رقبة؟ أنت أدر ال لشيء لنسـتفيد منـه . فهذا تغير البد أن نعلمه . نيته فعال

الهجـوم؟ والكـر كيف يتحمل العمر الكبير الحرب و . ونفيد أنت بهذا تنقل تعاليمـه . ال تخبره عما نريد … والفر؟ طبعا

. بقيت مسألة ثانية . وحكمه إلى الخلق كلهم عن طريقنا هنـا . أحلي العمر قضاه هنـا . البيت هادئ مستكين

بأي عينين . يخطو عتبة البيت . غناه عذبا . رتل عمره ترتيال . العين بأي المعاني المتبقية في حدقتي . يواجهه

. نـا إليـك أ وإال فلماذا لج . نعرف إنك قادر على هذا أنـت . أنت منا . يا سعيد أنت قريب منا . نحن نطلب معونتك

. بتاعنا … أنت بتاعنا … ا ن أنت م

يـا شـعالن … اقتـرب . تعال . أما المسألة الثانية " ن ما سأقوله سر عظيم لن يسمعه أخرج لحظات أل … أخرج

" … إال سعيد وحده عما فعله ابن ى ت وال أي مسلم مؤمن يرض طبعا أن "

عثمان بنا، من هنا عزم الزيني بركات، وبالمناسـبة، فهـو يهديك السالم، ويعتذر لك، بـوده لـو رآك، لكـن عيـون

Page 370: 836

، المهم، عزم الزيني وتوكل علـى العثمانلية تندس حول بيته جماعة من . اهللا، أن ينشئ جماعة تعمل في السر ال في العلن

تهـدم . يد المجاهد أمثالك، تقلق راحة الخنكـار الشباب الشد تقـدم إلينـا أسـماء ن أركان الخيانة، ما نطلبه منك يسير، أ

الشباب القادر، الذي ال يتردد بالتضحية بذاته، بنفسه، قدم لنا سنعرف كيف نقـنعهم . األسماء، ونحن سنعرف طريقنا إليهم

. تفهمني أ ونضمهم إلى صفوف الجهاد، ني؟ تفهم أ : يا سعيد

ما الذي أطلبه؟ … ي طيب كرر عل أهكذا عاد يتطلع حوله، هنا جثا أمام مـواله، هـذه األرض ابتلت بماء غسل فيه التمر، هنا لفظ باسمها، ال حس في البيت، السرداب مهدوم، أين راح مواله؟ ما الـذي بقـي

ه لو يراه لمحة، سيقول كل شيء، يبوح الخفي، ينثـر آ إذن؟ الـدنيا، ى لو يراه لمحة، بعدها تفن ى يشف العطن، يفتح جرحه ل

ى يعرف أن لفظة ود، ونظرة صفاء ستقابله، يسـمع المـول كوابيسه، يبني ما تقوض، لم يخطر بباله أبدا أنه سيأتي إلـى

هنا يوم وال يلقاه، ما الذي بقي إذن لـو رآه لبـاح بالقـديم ا مـواله، ى والجديد، آه، ال فرصة للرجوع، بعيني عقله يـر

Page 371: 836

ل مواله؟ يراه ساعيا في األرياف يستنفر الخلـق، مـن أمازا ذهب مواله، ما الذي بقي إذن؟؟ . ديه إليه ه يدله، من ي

Page 372: 836

السرادق السابع

سعيد الجهيني بوني وهدموا حصوني طآه، أع

Page 373: 836

خارج السرادق

مقتطف أخير من مذكرات الرحالة البندقي هـ٩٢٣فياسكونتي جانتي

Page 374: 836

ى في ترحالي الطويل، لم أر مدينة مكسورة كمـا أر الطرقات، في الهواء إلى اآلن، بعد انقطاعي غامرت ونزلت

حوم الموت بارد ـ ا دورون فـي ال يرد، رجال ابن عثمان، ي ون البيوت، ال قيمة للجدران، األبواب ملغـاة بس الطرقات، يك

في هذا الزمن، األمان مفقود، وال فائدة مـن أي توسـل أو رجاء، ال يثق اإلنسان أبد يه، في حـارة ل من طلوع النهار ع ا

ضيقة رأيت امرأة مذبوحة، مقلوعة النهدين، تلفت حـولي، عاط طفل لم أدر ابـن البالط المضلع والتراب، في بيت ناء

من هو؟ عند سبيل مياه قرب باب زويلة رأيت بشرا انتزعت حياتهم بطريقة شيطانية، إدخال سيخ محمي في الضلوع، ينفذ

، سؤال أبله ى حيث يخرج من الجهة المقابلة، لسان أحدهم مدل ما جرى؟ ى معلق، لماذا جر

العيون برقوق عطن، لم يهدأ المنادون طوال الليـل هار، اللهاث يشتد وراء طومانباي سلطان البالد المختفي، والن

خاصة بعد ظهوره المفاجئ في جامع شيخون، والتفاف الخلق حوله، ثم هجومه على ابن عثمان في بوالق، سـمعت أنـه بمجرد ظهوره في أي مكان يلتف حوله القوم وكأنهم يعرفون

رجـال ( ميعاده، سمعت أن جماعات كبيرة من الـدراويش

Page 375: 836

انضموا إليه، راحوا يغيرون على جنود العثمانليـة، ) دين ال الذين يتطرفون في مشيهم إلى حـارات نائيـة، أو طرقـات بعيدة، يقتلون منهم ما استطاعوا، أثار هذا الفزع بين الغزاة،

والمشي جماعات، صباح اليوم طلعت . طولبوا بالتزام الحذر دينـة، كـأن كئيبا فوق الم ا فوق السطح رأيت األسى شفيف

البيوت نفسها أسالت دمعا، رأيت وجه صديقي الشيخ محمـد أحمد بن إياس قبل دخول العثمانلية بيوم واحد، في تقاطيعـه

رقدت نبوءة بالهزيمة المقبلة، كان منكسر لم أره من ليلتها، ا ، سمعت ممن أثق به أن طومانباي ظهر في الصعيد وأنه جمع

قيل أن وليا من أوليـاء اهللا المسلحين حوله، و ن آالف العربا كان يقيم في القاهرة، هجر بيته وانطلق إلى الريف ) قديس (

يقيد فيه نارا حامية يستنفر الشعب، وأخبرني محدثي أن عمر هذا القديس يقدر بمائة عام، بل أزيد، وأنه أوتـي شـجاعة عظيمة، وقال محدثي أنه شرب من نبع الحياة، ومن شـرب

نطلق فـي ا يموت أبدا وال يهزم قط وفعال من نبع الحياة ال أثره مئات من الشبان الصغار، والرجال والنساء ومعظمهم لم يشاهده مرة واحدة أثناء إقامته في القاهرة، وأخبرني محدثي

، يقـال لـه ا رهيب ا يطوي معه بيرق ) القديس ( أن هذا الولي

Page 376: 836

نشره تهب أمة مصر من أدناها إلـى ى البيرق النبوي، ومت ـ قصاها، فتضع السيف في رقاب الغـزاة، وال تر أ د حتـى ت

تفنيهم؟ أبديت الشك لمحدثي وسألته، لماذا لـم ينشـر هـذا البيرق اآلن؟ قال واثقا إن هذا ال يتم إال بـأمر مـن عنـده،

محدثي وهـو شـيخ مـن مشـايخ ى وأشار إلى السماء، بك مصر كنانة اهللا مـن " جاء في الكتب القديمة : األزهر، قال

اليوم فقط نودي في الناس باألمـان " دها بسوء قصمه اهللا أرا قلت ألنزل استقصي األخبار، أدركت مخاطرتي فـالغزاة ال

صاحبي الشيخ ت أمان لهم يعلنون األمان وينقضونه وجدت بي سـمعت ظهـور . لم يدلني أحد إليه : ريحان مهدما محروقا

الرجل الذي تحدثت عنه كثير ـ . في رحلتي الثانيـة ا ي الزين نه يحاول لم الشبان لمجاهدة ابن إ بركات، قال بعض المشايخ

خاصة بعـد : شكا في مقصد الزيني ى عثمان لكن أحدهم أبد ـ ا طلوعه إلى القلعة مرات عديدة وجلوسه مع خاير بك أوقات

ى أبـد ) سبق أن تحدثت عنه ( طويلة، وعلمت أن خاير بك لزينـي فعندما دخل الغزاة مصر، كان ا : رضاءه على الزيني

في بيته مغضوبا عليه من طومانباي السلطان السابق، وكان مجردا من كل وظائفه، ينوب عنه في أهمهـا أحـد نوابـه

Page 377: 836

السابقين شخص اسمه عبد العظيم الصيرفي، لم ينقض اليوم إال وتحقق ما سمعت من أخبار قبيل العصر سمعت المنادي

تطي كل يدق طبال، وقفت منتظرا رأيت ثالثة جياد سوداء يم منها فارس يحمل في يده ميزانا وصنجا وعلما رسـم عليـه

ال، وخلفهم جواد أبـيض ركبـه و ل شعار المحتسب؛ سيفا مس الزيني بركات بن موسى، ووراءه ركب شخص بـدين لـم " ، فه؛ الطريق خال، الخراب الخفي سـاع فـي الفـراغ عر أ

الدكاكين كلها مغلقة، حول الموكب الصغير فاحـت رائحـة طلع مارة قالئل، أصغوا إلـى دقـات الطبـل هـزوا نتن؛ ت

حاذاني الركب ورأيت الزينـي يضـع ، وسهم؛ لم يتوقفوا ء ر لثاما حول وجهه؛ ال أذكر مالمحه فلم التـق بـه إال مـرة

: واحدة؛ البد أن أسعى إليه؛ صاح المنادي يأمر خاير بك بتعيين الزيني بركـات بـن موسـى

محتسب أو مظلمة عليه بالتوجه للقاهرة ؛ وكل من له شكوى ا إليه، ثم يتوقف المنادي لحظة ويتلو أمر من الزيني نفسـه، ا

ينادي موضحا العملة العثمانية الجديدة حلت محـل ، أصغيت العملة المملوكية القديمة؛ تابعت الركب المتجه ناحيـة بـاب

Page 378: 836

؛ وابتعد النداء الخافت في خـواء ى ختف ا ى الفتوح عند المنحن . شاحب

انيجمال الغيط ١٩٧١ – ١٩٧٠الجمالية