119

937

Embed Size (px)

DESCRIPTION

 

Citation preview

Page 1: 937
Page 2: 937

١

2004

Page 3: 937

طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

Page 4: 937

٢

أغـادر مدينتي باتجـاه مطــارها تلسـعني نســمات الفجـر

األمـامي " الميكروبـاص " البـاردة التي تتسلل من فـراغ سـيارة

محـاطا ببعض من أهـلي و أهلها الذين أصروا على وداعنـا حتـى

.باب المطار

ويتحول المنظـر مـن ،ترتفع األيدي ملوحة حتى تختـلط الصور

تتـداخل فيهـا " بان " إلى أخرى ،أرتاح إلى تفاصيلها " كلوز " لقطة

!. فيضيع مني األهل و األحباب،وجوه كثيرة من البشر

فتجـري بـدموع ،عيناي حبلتـان و كنت أظن جفاف ضرعهما

و قلبي يتلوى ،تتفجر من أحجارها مثل شالالت تصب في واد منحدر

.ألمابين أضلعي

ود مفتشا و محاوال اللحاق بهم فيردني ضـابط الجوازات مـن أع

فأبصر وليدي نائما في ،جديد إلى حيث يجب أن أكون بصالة المغادرة

حجر زوجتي في انتظار نقلنا إلـى طـائرة مرفوعـة الذيلممسـوحة

فأعود أتأكد مـن ، فال أعرف ألي الشركات تعود ، ومجهلة ،التفاصيل

.بطاقة المغادرة

أو ، أو يتكسر جناحــاها ،منى اآلن لو تتعطل هذه الطائرة لكم أت

فأرد ليوم أو بضع يوم ،يسقط ذيلـها المخـتال في فضـاء المطـار

وأرى أمي كما ، فتصافح عيناي من جديـد شوارع مدينتي ،إلى داري

. !هي عادتها في شرفتها تنتظر ـ وأنا فتىـ عودتي

، هذا ،أكد أنني أنا هو و أت ،أتحسس كرسي بعد أن أجلست زوجتي

و المدونة بياناتـه على كل صحائـفي و ،ذلك المواطن المذكور اسمه

و اطمئن أنني ، فأعـود أتأكـد من وجـه ابـنيوزوجتي ،مستنداتـي

Page 5: 937

٣

ثـم ترتفـع ،فتجري الطـائرة ،مازلت ربهما الذي يقوم على أمورهما

عا من و ال ترضى إال باعتالئها ظهر السحاب الذي يفر سـري ،محلقة

إلى التحية مشـتتاشمله ) الذيل ( و يلوح لها من حولها فيجيبه ،أسفلها

فإذا ما استقرت على دربها جرت عربات األكل أمام ،ومفـرقا وحدته

. ؟ دجاج أم لحم :مضيفاتها وهن يسألن بعربية أعجمبة

متاعنا وزادنا اآلن في جوفهـا يمـأل حقيبتـين كبيـرتين انـتفخ

والباميـة ،تي توالي دس أكياس الملوخيـة الناشـفة وزوج ،كرشاهما

، وبصل وثـوم ، وعدس ، مع بعض فول ،المجففة المنظومة في عقودها

فتفوح منها رائحة بودرة البراغيـث ،فال ينغلقا إال بعد أن تنام عليهما

التي أضافتها إلى أشيائها وقت أن كانت تجهز نفسـها انتظـارا لمـن

اغيث الفراشواحتفظت حقيبتاهـا برائحـة فقاسمتنا البر ،سيطرق بابها

، ! فصحبتنا ونحن نودع بلدنا ميممين شطر قطر آخـر ،مبيدها العطنة

فتنقلنا طائرة الخطوط الداخلية إلى بلدة بعيدة تتعلق بأطراف ذيل ذلـك

القطر النائم على الخريطة مثل ضب صحراوي سمين أتى مـن أقلقـه

لى هيئـة براميلمألهـا فجاءت حفره ع ،فاندفع يجري على غير هدى

بمخلفاته ففاحت رائحتها تمأل الفضاء الفسيح المظلل لفضاء تلك المدينة

فكانت مثل ذيل يتمـدد باتسـاع مـن ،التي اتخذت من موقعها اسمها

.الجنوب إلى الشمال

وأنـا ،هل جاء أوان ستنشط فيه مواهب كانت كامنة في شخصيتي

فأرى يداي تسـبقاني إلـى ،أرافـق زوجتي حامال عنها ابني الوحيد

، أو أرجوهـا أن تتلطـف ، أو تمتد إلى المطبخ طاهية ،الفراش تنسقه

Page 6: 937

٤

،فتلطـف لغة الخطـاب بينناوهي تعنفني علـى اتســاخ مســكننا

! ؟وكيف أنـني أتكاسلفأهملت ما كان على أن أقوم به

فـأزعم ،هل جاء اليوم الذي أتلقى فيه أوامرها من قراءة نظراتها

نني بالفعل جدير باحتالل مواقعها التي ودعت هي كثيرا منها في واثقا أ

! ؟ وينتقل إلي بايحائها بعض منها هنا،بلدها

واتساع نفوذها بعضا من ، ثم أقبل تحت سطوة تأثيرها ،ربما أتردد

وكنـت أتعشـم أن أجـد ،حملها بعدما رفضتني كل جهات ذلك الذيل

ي أحدهم في مكتب اتصالهم ببلـدنا منذ أن جاملن ،عماليليق بقدري فيه

فوظيفة صحـفي ،وطلب مني تغيير وظيفتي المدونة في جواز سفري

من الوظائف

فغـادرتني ، فأجبته بعد جهاد إلى ما أراده لـي ،المحظور دخولها

فلما صدوني هنا لم أيأس وأنـا ،"بدون عمل " ، وتحولت إلى وظيفتي

فبالغـت ، فعاودواصدي ،عمل فعاودت باحثا وطالباأي ،أتناسى مؤهلي

فحـاربتني ، وغيرت من هيئتي ، فبدلت هندامي ، والتمويه ،في التخفف

.كل المهن باعتباري دخيال عليها

الحاصل على ليسانس " عبد النبي جمعه حسنين " إنني أنا ـ أنا ـ

وخبير الشـئون السياسـية ، بتقدير عام جيد جدا ، قسم التاريخ ،اآلداب

لى رئاسة مجلس إدارتها وتحريرها ذلك الذي حفـر بجريدتي التي يتو

وتنافس مع أقرانه فـي ،اسمه على رأسها مرة بالغائر وأخرى بالبارز

على هيئـاتهم " الطيف " فانسحب ،الدور األخرى في استعمال األلوان

فهل يمتد بي العمر ألحظـى بتشـريفه ،فبرزوا زاهين منذ كنت طالبا

Page 7: 937

٥

طف فيسمح لي بالعمل معهم بعد تقاعـدي وأن يتع ،حفل إحالتي للتقاعد

!؟ أو ـ بغير تفرغ ـ كاتبا،مستشارا

أما هذه الواقفة إلى جواري حاملة ابنها فهي زوجتـي المتعاقـدة

نبحـث عـن ، ودوائـر ، ومثلثات ،للعمل هنا بمؤهلها المنقوش بزوايا

، وهي تستقبلنا بسـواد ليلهـا ،سـيارة تقلنـا إلىداخل هذه البلدة الذيل

فلما أعيتنا ، فنتعرض لجشع سائقيها باحثين عن مأوى ،اختفاء نجومها و

الحيلة مع فنادقها القليلة تذكرنا نصيحة إحدى راكبات الطائرة بالتوجـه

إلى صندوق كونه بعض من أبناء قطرنا الـذين سـبقونا إلـى الـذيل

" جاوروا " فلما ، وطاب لهم االستظالل بظله الضعيف ، وقلدوه ،فهادنوه

وكانوا كرماء فـي تسـميتهم التـي ،وه مثل جمعية ترعى شئونهم أقام

فاعتصرت من )صندوق الزمالة العصري (أطلقوها عليه فكرسوه باسم

الواسـعة ،األلم وأنا أرى حجرتيه وقد افترشتا بحصير بالستيكي قديم

!. والضيقة للنساء،للرجال

، فتشـت عنهـا وسـطهن ، أعود إليها بما طلبت من ماء وغداء

، فدفعت بعشائها إلـى غيرهـا ،تشابهت علي النسوة بحللهن السوداء ف

ـا تيقنت أنها ليسـت هي زوجتي فشلت في انتزاعـه مـن بـين ولم

وتخلع عنــها ، فقـامت إليها زوجـتي تطـرحها أرضـا ،مخالبها

لم يكن بأيدينا :،!؟هل كان المنظر العـام بشعا .!قواطعـها وطواحنها

ـ، !حيلة أخرى ا أتممت االطمئنان على قرينتي اتجهت ناحية غرفة فلم

فوجدت أكثرهم يصدر شـخيراتهتز له الحقيبـة القائمة على ،الرجال

والباقـين يتصايحون في زحام وهمجية لم أرها قبالحتى أثناء ،رأسـه

Page 8: 937

٦

و إعفائيمن الخدمة نهائيالعدم حاجـة الوطــن إلـى ،تقدمي للتجنيد

.جتهم وزيادتي عن حا،خدماتي

**************فأطيح بها ،أشعل سيجارة يتأفف من دخـانها الواقفان إلى جواري

أو حتـى ، هل تصـور أحدكما :وأنا أوجه ـ متسائالـ كالمي إليهما

ألم يكن من الالئـق أن يسـتقبلنا ،! ؟ توقع أيـكما ما نحن عليه اآلن

ـ ،مندوب ك ويدبر لنا المبيت خصمامن مستحقات ستصـرف بعـد ذل

! ؟لزوجاتنا

فلما أعيــانا كالمنـا ، وما يجب أن يكون ، تحدثنا كثيرافيما كان

فلما تعبنا ،افترشنا األرض فصارت مالبسنا السابحة في عرقـنا بلونها

فبرق الليل فأبصرت صديقا كان يليـني بصف أثنـاء دراسـتنا ،وقفنا

ـ ، ناداني وهـو مندهش من تواجـدي في هذا المكان ،الثانوية ألني س

وأنه أتىمنــذ ،فأعدت عليه سؤاله بسؤالي، فأجابني بما كنت أتوقعه

وتم توزيعه هذا ،)الضب ( فجاب مملكة ،زمـن للعمـل هنـا مدرسا

ليكون في مـأمن مـن ،بناء على رغبته ) الذيـل ( العام على منطقة

علـى مـدارس القــرى ) الضـب ( هجوم المحليين من أبناء دولة

فهو اقترب مـن ،طرق المرصـوفة أو حتى المعبـدة والمـدن ذات ال

فلما هم بإعــادة سـؤاله ، وسكن الجـوف ، والمس األيادي ،الرأس

وكسـرت سـن ،أوضـحت له أنني أوقفـت الزمـن في ذاكــرتي

ورضيت رغمـاوكمـداأن آتي فـي إثـر ، وجففت محبرتي ،قلمـي

ـ ،زوجتي مرافقا ـديقي ولم يكـن لي أن أوافـق على السفر يـا ص

Page 9: 937

٧

وتأكدي من سـرعة حصـولي علـى ،العـزيز إال لثقـتي في نفسي

!. ويتوافق مع تخصصي،عمل يتناسب معطبيعتي

فلمحـت فيهمـا ،ضحـك صديقي بهدوء وهو يرخــي جفنيـه

أسفاأوحـى لي بمعنى تجاهلته قصـداوأنا أتحـدى نظرتـه بتأكيــد

بسخرية فعاود ابتسامة هادئـة تنضح ،ثقـتي في حصولي على عمـل

وبـدا أنـه يريـد أن ،قرأتهـا في عينيه مستفسرا عن زوجتي وابني

، وقوة تأثيره على المكــان ألقدميتـه ،يبرهن لنا عن مدى سطـوته

، وأصدر لمن تبقى من الرجــال أمراباإلخــالء ،فتطوع من نفسه

فأسعدني تصرفه الذي لـم ندفعــه إليـه ،وتسـليم غرفتهم للنسـاء

. ومناسبتها للنساء المثقالت بأبنائهن،تلكالتسـاع هذه عن

*********خطرت بباله فكرة طريفة ونحن نجتر ذكريات الصبا والدراسة في

قـام لالتفـاق ، ودون أن يستمع إلى ردنا قبوالأو رفضا ،ثانوية مدينتنا

مـع عامل المقهى على استئجار عدة كراسي تشبه األسرة لنبيت نحن

هي ليلة على آية " : وأضاف مهونا ،على زوجاتنا عليها بعد أن اطمأننا

!."حال ضاع بعض ليلها

واسـتحالة أن تلمنـا ،رضينا بما اتفق عليه لضيق غرفة الرجال

وكانـت عـودة ، وعدنا لنخبر زوجاتنا حتى اليقلقن ،جميعاتحت سقفها

وقاموا بطـردهن ،أليمة إذ أغار الرجال على النساء لما أحسوا الضيق

وتشـابك باأليـدي بـين ، وكادت تتصاعد معركة أطفأناها ،شر طردة

Page 10: 937

٨

والمتصدين للدفاع عن نسائهن ممـن كـانوا ،زعماء الحركة الذكورية

. أو ممن سبقونا،موجودين

فتأســفت لمـا ، والحـوار ال معنى له ،كانت األصـوات عالية

فهون صديق الدراسـة من األمر وهو يعرض علينـا ،آل إليه حالـنا

،مشغولة) الذيـل ( فإذا كانـت كل فنادق ،ديـدالم نكن نعلمه اقتراحاج

فعـثرنا عليـها بإيجـار يومي !فلن تنشغل أبداكل شققـها المفروشة

وانطلقنـا ،يفوق راتـبي في وطـني لمدة ثالثـة شـهور متصــلة

!.مسرعين إلحضار زوجـاتنا و حمل متـاعنا

، ومطـبخ ،يـاه ودورتـين للم ،احتـوت شقتنا على غرف أربـع

فاحتـل كل منـا ، وال أدري كيـف أقنعـنا رابعا ،وصـالة واسعـة

فقضـيت ،غرفته المكيفة فعمـلت كل األجهـزة إال جهـاز غرفتـي

وما ، ومتذكراما كنا فيه منذ قليـل ،ليلـتي سابحـافي العـرق مهونا

صـرنا إليه اآلن فكانت نعمـة الستر أكبر بكثير من رغبـة التكييف

!.تي بعد أن ارتحنا تمنيناهاال

٢ فهذا أمـر ال يهممادام سيؤدي إلى ،لتكن األيام لزجـة حتى حين

فإذا صادفنا الشقاء فنحن في جهاد مـن ، !الغاية التي من أجلها تغربنا

وجفـت ،أجل المال الذي جئنا في طلبه حالال بعد أن ضن علينا وطننا

ـ ،ضروعه في أفواهنا ا فلـم تعـد تفـي وتقزمـت رواتـب وظائفن

فغادرتنا أشياء كثيرة مفارقـة كنـا نحسـبها ،بأسـاسـيات احتياجاتنا

ضروريات إلى خانات الكماليات التي ال يحق لنا التفكيـر فيهـا فـي

Page 11: 937

٩

فرضينا مـن وجوهـه ،عصـر يخرج علينا كل يـوم بألف وجــه

أم أنهـا ؟ ولم نفكر هل هـو حـب ،الكثيرة بواحد ركنا إليه فاسترحنا

ولمـاذا اسـتمرأ هـو ، ؟ ولماذا نخشى تغييره ؟ كيف اخترناه ؟ األلفـة

ويسـكننا ، فقبض على رقابنا يذيقنا المـر ، وصبرنا عليه ،رضاءنا به

! ؟الهوان

، ربما تختلف ، ! ال أدري ؟ هل تختلف الصورة اآلن عن ذي قبل

لكن الذي أعلمه اآلن أنني بدأت جهادامنذ أن ارتحت إلـى ، !وربما ال

وهأنـذا قـد ، وفعلت كاآلخرين ،وأنست إلى تنحية قلمي ،تعطيل عقلي

قطعت أولى خطوات الطريق الذي البد أن أبلغ نهايته ألعود إلى بلدي

!. ويلبي حوائج أسرتي،بما يسترني أمام أذناب كثيرة طالت هاماتها

********* وبسرعة أنهينا معهن ،بكرنا في الذهاب بزوجاتنا إلى إدارة التعليم

إلى فحص طبـي يفـتش ، من تدوينلبيانات،جراءات المطلوبة جميع اإل

إلى مراجعة إدارة ،في أجسادنا نحن " الذيل " عن المالريا المتوطنة في

الجوازات لتسجيل أنفسنا كأجانب حتى وإن تطابقت عقائدناونطقنا بنفس

إلى استالمنا لمستحقات زوجاتنا المادية المنتظرات لنـا فـي !لسانهم

حتى عدنا فكانت زوجاتنا مثل سرب حط إلى ،داء بالخارج حللهن السو

!. ونحن نلفهم أو نليهمكفصيل من العقبان،األرض من الغربان

فهل ينسـم علينـا هـذا ، والحر الخانق ، والرطوبة ،هي اللزوجة

أقصد ناحيته فأفك رباط ضلفته ،؟الشباك هواء ال أدري من أين سيجلبه

التكييف في الغرف األخرى يلفحنـي فتتسرب إلى أذني أصوات أجهزة

Page 12: 937

١٠

فأغلقه حانقا وأنا أصفعه ألعنا صمته فتنطلق منه شرارة تؤكـد ،حرها

فيتدفق هواؤه المبرد يلف أركان الغرفة فأنشـرح ،لي أنه حي لم يمت

.فأرى رأسي المنكسة تتعالى متساوية برؤوس اآلخرين

مثلمـا ،افوا ولم اسأل فيما أض ، لم يكن لي دخل أبدا فيما أضيف

فإذا كان أهلي قد تـدخلوا بحكـم ، !لميكن لي رأي فيما دون من قبل

،واليتهم علي وأنا ما أزال في المهد رضيعا ال أفقه من كالمهم شـيئا

ويتوافق ،فبأي والية تدخل هؤالء فأضافوا إلى اسمي ما يتفق وعرفهم

يف يـا ك : فلما راجعتهم صاح القابض على دمامته،! ؟ مع هوى مللهم

وكيف تكون عبـدا لـم ال ، ؟ مشركاجاهل ترتضى بأن تعيش عمرك

.! ؟يمتاز عليك إال لكونه مرسال

، هل ما أراه واقعـا : وساءلت نفسي ،صدمني رده الذي لم أتوقعه

فأراد الشيطان أن ينغص علي جهادي فتمثـل ، ؟ أم أنني ما زلت نائما

! ؟لي في هذه الهيئة الدميمة يجادلني

تباطأت وأنا أتأكد من استيقاظي فعدت هادئـا بعـد أن احتويـت

ولطفت من غليان أوردتي فتصنعت ابتسامة قد تفك تأفع مالمح ،ثورتي

، !وجهه القاسية وأنا أبدأ كالمي إليه بطلبي منه أن يصلي على النبـي

أنتطق الكفر والشرك :فأنتفض الغول الساكن فيه وهو يصيح مزمجرا

.! ؟يا عدو اهللافي وجهي

ثم أضفت إليـه ، نعتني بالجهل : وأنا أواجهه ،ثقب غطاء المرجل

طير الغليـان ،! ؟ ثم تتمادى فتحكم على بأنني عدو اهللا ،الكفر والشرك

ألم تقرأ أيها األحمق في الكتاب :المضغوط كل الغطاء وأنا أصيح فيه

آمنوا صلوا عليـه يا أيها الذين ،إن اهللا ومالئكته يصلون على النبي "

Page 13: 937

١١

تـدخل عقـالء ؟ من منا الجاهل أيهـا المتحضـر ؟ ."وسلموا تسليما

، وهو يقسم مغلظا أنه معيدني إلى بلدي على أقرب طـائرة ،لإلصالح

وبرجولته إن كان يشعر بها فأقسم بحبسي مـن ، وبقسمه ،فاستهزأت به

فاستدعاني مدير الجوازات وهو يقلب صفحات ،اللحظة التي نطق فيها

فالعبودية هللا ، وبدا باشا ودودا وهو يطلب مني تقبل األمر ،دفتر إقامتي

وهناك أسماء مثل أسمك نضيف إليها حتى تسـتقيم والشـريعة ،وحده

! ؟ أتفهمني يا عبد رب النبي،الصحيحة

: فقلت له ،بدا لي اسمي الذي نطقه جديدا على وغريبا على أذني

أفال يمكن أن يكون هذا ،يال واختصارا بـ عبده تدل ينادونني في وطني

ضحك ملء شدقيه وهو يرمـي !هو أسمي هنا حتى ال أتوه من نفسي

إن هذا األمـر :بفنجان القهوة الخضراء داخل حلقة دفعة واحدة مهونا

فجواز سفرك ال سـلطان لنـا علـى ،سيقتصر على دفتر اإلقامة فقط

البديل الذي سيقوم مقـام جـواز وال نملك التعديإلال في دفترنا ،بياناته

فلن ينقص ، ودعها تسير ، فال تعقد األمور ،السفر طوال مدة إقامتك هنا

ونحـن ، وهي على كـل األحوال فتاوى المشـائخ ،ما فعلناه منك شيئا

!.مجبرون على االلتزام بها

فشـد علـى يـدي ،أقنعني منطق مدير الجوازات ورحابة صدره

وال أخفيك أنني ، ونلت منها شهادتي العليا ،دكم لقد تعلمت في بال :قائال

وأنتم ، وأدمنت ماءها ، فقد عشقت هواءها ،تقريبا في كل صيف أزورها

. !دائما متسامحونفال تكن مثل بدونا متحجرا

بعد أن كنا قد تآلفنا ) الذيل ( بعد ثالثة أيام أو أربعة غادرنا مدينة

وكل منا،مع جهامتها

Page 14: 937

١٢

به تفاصيل المدرسة التـي سـتعمل بهـا يمسـك بخطاب دونت

ورغـم " كل إلى جبل من جبال الذيل " الشقة" فتفرقنا شلة ،زوجته إليها

ذلك لم أشـأ أن أقطـع حـبال رأيتـه يصـل بـين المكـانين بحثـا

وتلوى في كل مرة قبل أطأه ،أبي أن يقبلني "الذيــل " لكن ،عن عمل

.رافعا إشـارات الرفضفي وجهي

٣ابينة السيارة رغم حداثتها رائحة أغنام معتقة تقلب زاد تفوح من ك

وتهدم من جدرانهافإذا انطلقت طارد شرد الصحارى المتـدفق ،المعدة

فيتدفق الهـواء ، فيشير إلينا السائق إلغالق الزجاج ،على مهل بقاياها

المبرد يلفنا بعد أن تكون أنوفنا قد تعودت الرائحة فـال نعـود نشـعر

ق عفيا مثل فتاة خرجت في كامل زينتها بانتظار خيالها بهايتمدد الطري

فتنهـب السـيارة ،فنجري على جسدها المتدفق قوة وحيوية مغتبطين

وكثبان الرمال حتى تبدت ،الجسد الرشيق وهي تطوي أعمدة اإلضاءة

لنا الجبال وأنا ذاهب مع السائق في حديث استكشافي فأعرف أن ببيتـه

وأنه طلق زوجته الثانية بعد أن أنجبت ،يبينياتاثنتين من الخادمات الفل

وأن الثالثة والتي له مهرها أحد أصحاب السـمو ،له من األبناء عشرة

وأنه ما خرج بسـيارته إال بعـد أن ،من األمراء ستضع له عما قريب

فاضطر للعمل بها حرجا ، وأصبح ما عنده ال يكفي ،غلت عليه المعيشة

نتسلم الجبل من جانب تدلى منـه مـدق .من معاودة سؤال أولي األمر

فتعلقـت بـه السـيارة ،ينحدر انحدارا شديدا فبدا مثلذيل أفعى متلويا

فلفتنـا ، فاستأسدعلينا بعضالته ،بأطرافها األربعة تحفر لعجالتها طريقا

Page 15: 937

١٣

،غاللة ترابية أغلقنا على أثرها نوافذها المزكومة بغبـارهيج نفوسـنا

فضا عله يفلح في نفـض سـيارتنا عـن والجبل يواصل ارتعاشه منت

وتواصل صراخها مشتدا وهي تكشـط ، فتوالى ارتعاشه ،جسدهالخشن

فلما ركبـت رأسـه ، فيعود يعفرها بمخزون أديمه ،من جلدة المتراخي

فأبصرنا ، وانفتحأمامنا الفضاء كاشفا عن بقايا جمال قديم ،فكت شفراته

ـ راء المرصوصـة علـى على المدى قمماعالية تتباهى بزينتها الخض

فتلوتالسيارة صعودا وهبوطـا باتجـاه تلـك ،مدرجات متناسقة بهيجة

! .الربى

،أنشرحت نفسي المنقبضة وأنا أنظر في وجه سائقنا فأجده محايدا

فأعود أتفحصه قبل أن أنطق بالسؤال فيؤكد ليحيـادهحتى و إن تـزين

،مشوط بالدهن بتاج من أفرع نباتات عطرية يتدلى من تحتها شعره الم

أو قامت ، وجوانب عينيه ،أو جعل الكحل األسود محددا ألطراف جفنيه

أو ،شعيرات خفيفة على استحياءفي مواقع اختارتها من صدغيه وذقنه

حتى وهو يرتضى أن تكون فانلة داخلية ضـاع بياضـها وغادرتهـا

فاطمأن ،زهوتها هي لباس خروجهعلى مالءة سرير تلف بعضه األسفل

فيبتسم وهو يرد على .أساله واثقا عن وظائف يمكن أن أعمل فيها وأنا

فلمـا تســلم ؟ أنت محـرم إذنلزوجته :بسؤال استنتجه هو بفطرته

اسـتوقفتني ؟ "تعرف تطلـيس " :تأميني على استنتاجه عـاد يسأل

" : فلما أحس عدم فهمي عاد يشـرح كالمهمفسـرا ،شدةمحليةمفرداته

أجبت على كل أسئلته بعـدم معرفتـي ، ؟ "طان يعني تعرف تطلس حي

فهز رأسه أسفاوهو ! . أو السباكة والكهرباء ، أو البناء ،ألعمال المحارة

Page 16: 937

١٤

هذه هي المهن التي من الممكن أن تجد فيها عمال هنا لـبعض :يقول

!! !الوقت

مثل قدم من تصورتهم في حواديت جدتي من الجان المتمثل علـى

المنحوتةعلى هيئة ساق غشـيمة تنتهـي بقـدم هيئة إنسان كانت قدمه

رفعهـا عـن دواسـة ،قصيرة مفرطحة األصابع مثل خـف قـاعود

فضغط مكابحها وهو يحرر عصـا ،الوقودفهدأت السيارة من سرعتها

تروسها فكفت من المسير وهي تركن بجانب بقعة فقيرة احتوت علـى

ة آمـرة وبلهج ، ومسجد ودكانين للبقالة ،تجمع سكني من خمسة بيوت

نادي علىشاب له مثلسيارته يسأله عن بلديات لنا أحضره هـو العـام

.الماضي ويسكن هذه البقعة

جبل األيتام على : فقال ، ؟ هل هذه هي منطقة جبال األيتام :سألته

وهذه هي حاضرته و مجموعة التالل المحيطـة ،بعد خطوات من هنا

! .رمعهأمرك وأفضل لك أن أسلمك إلي ابن بلد لك حتى تدب،به

أخبرنا الشاب لما استمع إلى حوارنا أنه زوج مـديرة المدرسـة

. وأنه لغياب بلدياتنا سيتولى هو أمرنا،المقصودة

وسائقنا يأبىتسليمنا إليـه ، هل أنت فلسطيني فرد باإليجاب :سألته

فدلنا الفلسطيني عليهبجبل ، !مصرا على ضرورة إيجاد بديات آخر لنا

ومنزل آخر ،سكن بيتا حديثا على تل مهجور إالمن منزله األيتام كان ي

فتطوع الجميـع إلنـزال حاجاتنـا ،عتيق يجاوره يشبه قالع المراقبة

.وانتظار عامل أسود يتولى رفعها إلى البيت الرابض على التل

فال نجد ،مضت أيام الضيافة متثاقلةونحن نبحث عن سكن مناسب

ونحـن ،يفنافنرتضيه على مضـض إال بدروم البيت الذي يسكنه مض

Page 17: 937

١٥

وانكشـافهلمراقبة ، وحمـامهالمنعزل ،حائرين بين غرفتيه المنفصلتين

حتى فوجئنا بالرصاص ،البدو من مزاغل بيوتهم على التالل المجاورة

الحي ينهمر باتجاه منزلنا عندما أشعل مضيفنا جهاز التسـجيل علـى

،هاز إلى نهايته فوصل بصوت الج ،"يسالتهامي " شريط مديـح للشيخ

. فانزعج أحدهمفأطلق عياراته محذرا،فرددت جميع جنباتالجبال مديحه

:قلت لصديقنا الفلسطينيبعد أنانتهينا من عشائنا الذي دعانـا إليـه

والجبـل ، ومنها جبل األيتـام ،أري اللون األخضر يكسو بعض الجبال

،ة هنا قليلة فأخبرني أن الزراع ،الشاهق الذي يليه المسمى بجبل القهر

وأن ما أراه من خضرة هو لشجرة القات التـي ،وتعتمد على األمطار

ولذلك فهم على اسـتعداد للعطـش حتـى ،التي يدمن مضغهاالبدو هنا

.والعناية بها مهما كلفهم ذلك من مال ومن جهد،ترتوي هي

، وندرة سقوطهمنذ سـنتين ، فتأسف لغيابه ،سألته عن أوان المطر

شاق في سبيل توفير مياه المنزل إذا تأخرت سـيارات وكم يكابدون الم

.السقاية التي تسيرها البلدية

" المراميـة " المعطر بأوراق " كاسات الشاي " تدفق كالمنا بتدفق

، وجنـين ، والقـدس ، وبيت لحـم ، والناصرة ، سألته عن غزة ،الزكية

حكيـه وبدا لنا أن عراكا هائال كالـذي ت ،فزمجرت السماء رعدا وبرقا

فال يكـف إال بانفتـاح ،أساطير اليونانيين القدامى يجري فوق رؤوسنا

تفوق مشاهدها في كل األفالم ،بوابات السماء فسالت األمطـار غزيرة

وكم كانت دهشتنا وكرات ،والخياالألمريكية" األكشن " وأفالم ،العربية

وتنقـر بإيقاعمتسارعأسـقف الغـرف ذات ،الثلج تجري أمام عيوننا

ومنشرحا وهو يوجه ، فيبتسم صديقنا الفلسطيني متعجبا ،لسقوفالزنكيةا

Page 18: 937

١٦

تحـدثتعن :خراطيم السقوف ناحية خزان في جوف األرض قائال بفرح

األمطار والثلوج وهاهي أمامك اآلن رغم أننا لسنا في موسم األمطـار

الليلة سـتكون عيـدا لكـل سـكان الجبـل :واصل واألمطار تغسله

! ا الغيث منذ فترة طويلةالمتعطشين لهذ

،بعث في جبل القهر الذي استفزني اسمه مثلمـا ادهشنياسـمجبلنا

وأنا أتأمـل ضـخامته ،رهبة مصحوبة برغبة في استكشافه و زيارته

وكثرة البيوت علـى قمتـه ، وكثافة الخضرة ،وجهامته وشدة ارتفاعه

!.والتي يسير السحاب في قوافلهدونها

أو علب ثقاب ،ينة األلوان مثل كراتين ورقية تبدت لنا منازلهالمتبا

فحكى لنا مضيفنا عن إحدى السودانيات وقد تأففـت ،منبسطة أو واقفة

وعـن أخـرى ،وهي قادمة للمرة األولى من جبلبدا لها قذرا بكراتينه

وصـارت ،ظنت وهي تراه ليـال أنه النجوم قد هبطـت على األرض

إذا ما ،والفكاهة، والسخرية ، والتندر ،هذه الرواية وسابقتها مادة للحكي

.اجتمعت جنسيات المتعاقدين في جلسة ودية

*********ولما كان جسم الجبل هـو حـائط ،تلظينا بركود الهواء في غرفتينا

، فقد امتزجـت روائـح األكـل بأنفاسـنا ،غرفتينا من الناحية البحرية

بخالصـة األولـى ، !فصارت للغرفتين رائحتان معتقتان ومتباينتـان

! والثانية بهواء نيء مزكوم بروائح الفراش وفضـالته ،روائح المطبخ

فهل كنا نسمح ألنفسنا بـالجلوس أمـام غرفتينـا المفتـوحتين علـى

!.؟الفضاء

Page 19: 937

١٧

التي هي المدرجات فـي ) الحيف ( تضل قدما زوجتي فتتوه بين

فعزمت على تغييـر ، وتشابهت عليها مدقات الصعود والهبوط ،لهجتنا

ن مهما كلفنا ذلك من مشقة مقبولة ومال معقول قبل أن ينتبهـون السك

. ونصير مادة للحكي والتندر في مجالس البدو والمقيمين،إلينا

وكان شهما يسكن أعالي ،تنامت الصداقة بيني وبين مضيفنا األول

وطننا من ناحية الساق الذي جف على عـوده فغادرتـه كـل زهـور

وكان مجيئه سـابق !نار منه إلى الري وتيبس فصار أقرب لل ،اللوتس

وبرفقته زوجته التي ضن عليه فرجهـا بمـن ،على مجيئنا بعام واحد

ورفض كل اغراءات ، لكنه تمسك بها وهي تتخطى معه األربعين ،يخلفه

ويحمل لواء أبيه ،عائلته لتزويجه من أخرى ربما تأتي لهم بما يشتهونه

.إذا ما اتحدت روحه باألبدية

فقد كان ،ا الفلسطيني ورغم أنه لم يكن قد تخطى الثالثين أما رفيقن

ينتظر وزوجته اكمال نصف الدستة من األبناء على موعد أجازه نصف

فأصرت علـى ،، فوضعتها قبل أن يحل موعد اإلجازة !.العام الدراسي

.المداومة في اليوم التالي حتى ال تطير اإلدارة من يدها

ورغـم سـوء ،ن حارس لمزرعة كان مسكننا الجديد أشبه بمسك

إال أنه امتاز بميزة اسـتراتيجية لقربـه الشـديد مـن ،وبدائيته،حاله

وعلمنا أن السودانية التي كانت تقطنهقـد ،وجوارنا لمديرتها ،المدرسة

للعالج من مرض خبيـث ألـم بهـا ) الضب ( انتقلت لعاصمة دولة

،جهـا وكتـب زو ، فكتبت ، واستنزفكل رصيد غربتها ،فأقضمضاجعها

فجاءتهاالموافقـة علـى اسـتكمال ،وكتب كل من تعاطف مع ظروفها

لكنهاتوفيـت قبـل أن ،العالج هناك على نفقة الحاكم كصدقة جاريـة

Page 20: 937

١٨

فغادر زوجها يلملم أشـياءهما ويطـوى ،تخضع ألولى جلسات العالج

وليعود فقيرا إلى وطنه كما تركه أول ،صفحة غربتيهمافي جبل األيتام

!.مرة إلى جوارها الحمام تتقدمه فسحة ،سكننا على غرفة يتيمة أحتوى م

ضيقة معتمة فبحثت عن المطبخ في الخالء فوافق وكالء األيتام علـى

تشييد مطبخمن الزنك المغطى بقماش المشمع حمايـة مـن األمطـار

وخيام الجنود فـي ،فارتضيناه مسكنا أشبه في نظامه بأبنية المعسكرات

.المجندين في غربتنا، وكنا أشبه ب..الصحراء

لماذا تبنـي :سألت أحدهم لما صار ذهابنا إلى الحمام ليال محرجا

ولماذا يبالغ البعض فيبعدها مسافة كبيرة ،الحمامات منفصلة عن الدور

فعلمت منه أنه ندرة الميـاه ،عن المسكن مهما كانت فخامة هذه الدور

الحصـول عليهـا ودفعتهم مشقتهم في ،ألزمت السكان باالقتصاد فيها

وتأخروصول سيارات السقاية التي يتكفل بها نظامهم إلى بنـاء ،قديما

بيوت الخالء بروائحها الكريهة بعيدة عـن مسـاكنهم مـا اسـتطاعوا

وكم كـانوا يلعنـون ،فاقتصدوا أيضا في نصيبهم من روائح فضالتهم

،المدنية التي أجبرتهم على تشييد حمامـات تقـيهم عيـون أقـرانهم

هاضما لفضالتهم ،حسرين على أيام ولت كانالجبل كله بيت خالء لهم مت

.القليلة

****************تملكني هاجس الثعابين واألفاعي فطلبت طـالء سـقف الغرفـة

بألواحه وعروقه الخشبية باللون األبيض ليسهل لي اكتشـاف الثعـابين

Page 21: 937

١٩

عقـاربو لما سـمعت عـن ال ،التي كنت واثقا أنها ستقصدنا في يوم ما

وأعداد من لم تجد محاوالت إسـعافهم ، واألفاعي التي تطير ،الثعابين

ومعطلين ،فماتوا بسموم عقارب وثعابين بدائية رأتهم دخالء على الجبل

فهل كان الطالء كافيا حتى يكشـف لـي مـؤامرات ،من حركة ذيله

!. ؟ ويفشى لي أسرار خطط تحركاتها،حشرات وهوام الصحراء

ليلتي األولى في منزل مضيفنا مرعوبا من القـرود ومثلما قضيت

التي شاهدت قبائلها وهي تعبر الطرق بين الجبال متوهما أنها ستهاجمنا

قضيت ليلتي في مسكننا مرعوبا ،من منور البيت المفتقد إلى ما يستره

عنـدما اسـتنجد بـه وبغيـره " سليمان اليتيم " من ثعبان أطار نصفه

لمرافق لشقيقته والساكن إلى جوارنا فصوب بندقيتـه السوداني اآلخر ا

فشـطرته ،اآلليةباتجاهه وهو يتمدد بجانب عرق خشبي فصار مثلـه

بينما تدلى النصف اآلخـر ، هرب النصف ذو الرأس ،الطلقات نصفين

وظل هكذا حتـى ،المحتوي على الذيل وأبى السقوط من سقف الحمام

،عودة رأسه لالنتقام قبل موتهـا وخشينا ،اليوم الذي غادرنا فيه الجبل

، وغادر فلسطيني آخر منزله ،فطلق السوداني السكن وشقيقته من ليلتها

.فخلتعلينا المنطقة أنا والفلسطيني زوج مديرة المدرسة

فإذا تمكن ،قلت إن النمل البد وأن يلحق بنصف الثعبان ذي الرأس

وأنـه إذا كـان ،منه مات الثعبان فجاء من أفتى بأن الثعـابين أزواج

فاحتطنـا ، والعكس في حالـة األنثى ،المغدورذكرا جاءت أنثاه لالنتقام

لألمروكم كانت فرحتنا ونحن نرى النصف ذا الرأس الهاربميتا يـنهش

وبالقرب منه شاهدت معركة حية بـين ،فيه النمل على مبعدةمن بيوتنا

ان العقرب ك ، ودبور عفي لم يلوثه هواء المدينة ،عقربأسود كبير الحجم

Page 22: 937

٢٠

ثم ال يفتأ يقترب من ، والدبور يناوره ،يتحرك في كل اتجاهشاهرا ذيله

طال أمد المعركـة ولـم ، فأيقنت أن الدبور البد وأن يقع ،جسده يلسعه

ومن عجب أنني لما عدت في اليوم ، فغادرت ساحتها ،أشأ التدخل فيها

ت أن الـذيل فأيقن ،!التالي رأيت العقرب صريعاوذيله ممددا إلى جانبه

وحتـى و إن ، ومهما كانت له من مهارة المناورة ،مهما أوتى من قوة

.تسلح بسم فمن الممكن هزيمته

٤ ووضع الثعبـان بنفسـه نهايـة ألخيلـة ،بموت الرأس استرحت

وأساطير الحكائين الذين يتوقون دائما ألسطرة أحاديثهم فيصدقون مـا

مكن أن يعود الوليـف أو هل كانمن الم . ! ويرهبون اآلخرين ،ينسجون

! ؟، ولماذا بدوا كمن على بينة من األمر فأكدوه! ؟ الوليفة كما حكوا

قلت مفسرا في ضوء رواياتهم التي لم يفارق صداها رأسـي لمـا

وإنه ما أتي إال ، ربما كان المغدور هو الوليف :تأخرت عودة الوليف

غـت ذاكرتـي ممـا وأفر ، !لالنتقام لمقتل وليفه الذي ربما غدر قبال

والعقـارب التـي ، والزواحف ،يتوهمون وأنا على حذري من الهوام

وتنبتها األمطار في األرض بعد أن تهبط بها مـن ،كانيقذف بها الجبل

فتتسلل إلى مخادعنا ونحن في تفتيش دائم عنها فـي ،القمم والمرتفعات

.فراشنا قبل أن نريحأجسادنا

سـودانية المهجـور أن األذنـاب أكد لي الذيل المعلق في منزل ال

لكنها لم تعطل يوما ، وربما تكون هامة الكتمال مظهر ما ،عرض زائل

وتبخـر ، وفناء ذيله ، وبمصرع العقرب ،!.حياة أي كائن إن هي زالت

Page 23: 937

٢١

سمه على يد دبور ال يملك من وسائل العقرب الفتاكة تولدت فـي روح

. ورغبة في هزيمة كل األعداء،مقاومة

********* وتتبدل مدقات الجبال حركة بعد موات بتوافد فتيـات ،بدأ الدراسة ت

متفاوتات فياألعمار واألطوال بأردية سوداء يتشبهن فيها بالكبريات من

وعلى النقيض كان الفتية والشباب بلباسهم المزهو ببياضه الذي ،أهلهن

وأغطية رؤوسهم الغالـب عليهـا األحمـر ،تضيئه أشعة الشمس نورا

، وأبيض ، فيتشكل الجبل مثل لوحة متباينة األلوان بين أخضر ،المتوهج

وكما أثار فـي !. بينما األزرق بصفائه تعكسه السماء ، وأحمر ،وأسود

ذلك المشهد شعورا بالبهجة والفرح فإنه سرعان ما أدخلنيفي مراحـل

وخروج زوجتي ، وضجر، ونقمة على تبدل وضعي ،إكتئابية بين سأم

فـدفعت ،ا أنا انكمش إلى الـداخل بانتظـار عودتهـا بينم ،إلى العمل

" و أبحث هنا وهناكفجبـت مدينـة ،بابنيإليها متعصبا وأنا أذهب عنها

وذاع اسـمي فـي ، وهبطت مناطق أخرى غيرها ،رغم بعدها " الذيل

ولم أعلل في البداية لماذا كان يقابل عند ذكره بابتسامة مـاكرة ،الجبل

واستطعت فك شفرة تلـك االبتسـامة ،حتى تكشف لي ما كنت أجهله

فاندهشت من ! ؟ الخبيثة عندما زفني الصبية وهم يعيرونني باسم والدي

فالمعايرة ال تكون إال باسم األم كما كنا نفعل مع أقراننا ونحن ،منطقهم

فأجابتني زوجتي وهي تدفع لي بدفتر يحتـوي علـى ،صغار في بلدنا

فرميـت ،رهن ينعتن باسم والدي فصعقت وأنا أرى أكث ،أسماء طالباتها

Page 24: 937

٢٢

فنـازلتني ،دفترها وأنا أسب أياما أتت بي إلى أماكن رضيت بكآبتهـا

.جهامتها تود لو تحسم المعركة مبكرة

إنهم :سألني البدوي مصوبا سهما وإن بدا أنه يخفف بكالمه عني

ثم ثنى بآخر أشد فتكا وهو ، ؟ يتعجبون في جبل األيتام لنسبتي إلى أمي

تمالكـت ، ؟ هل أنت مجهـول األب :تفهم بلهجة أقرب إلى التقرير يس

فسألته مستنكرا وأنـا أكـاد ،نفسي خشية االندفاع إلى مزالق األخطاء

ويذهب بكم خيالكم المنشط ، وما الذي جعلكم تظنون ذلك :أتفجر غيظا

؟ ومنطق ال تفقهونه،بالقات إلى أجواء ال تعرفونها

بحكمة يتصنعها فبدت لغته تفتقد إيقاعهـا أجابني وهو يحلي كالمه

، ويوجد بيننا في ! أسمك الثاني من أسماء النساء الشهيرة هنا :وأثرها

الجبل من ينسب إلى أمه لمجيئه إلى الدنيا مجهول األبوضرب لي مثال

،الذي ولدته أمه ولم تكن قد اقترنت برجل ) جبران فاطمة ( بمن يدعى

أبيض ، فشب قوي البنيان ، فنسب إليها ،ته وعجزت أمام أهلها في نسب

، أصفر الشعر على عكس مالمحنا التي تراها ، أخضر العينين ،البشرة

وخافت ،فتأكد آباؤنا أن فاطمة وطأها جندي من جنود الحامية العثمانية

وربما تغاضـى األقـدمون ،إن هي أرشدت عنه أن ينال األذى أهلها

وكـان مـن ،م قوة ال قبل لهم بهـا وقلة الحيلة أما ،إلحساسهم بالعجز

الممكن أن ينسى اسم األم لو أنه هجرنا مثل آخرين سكنوا المدينة لمـا

فرمـوا إلينـا بـبعض ،تدفق المال ففاض عن حاجـة ذوي الشـأن

الفيءفارتفعت رؤوس كانت حتى عهد قريب ال تسـتطيع أن تصـلب

.! وتولى صبابو القهوة رسم مستقبلنا، وزاحمنا عبيدنا،طولها

Page 25: 937

٢٣

أم ناقم علـى أولـي ،أنت ناقم على من تعدل شأنهم : قلت ساخرا

ويفكر ، رمقني بنظرة ذات داللة وهو يهدأ من حديثه ، ؟ األمر في بلدكم

، لماذا ترميني بهذا االتهام وأنا الذي جئت إليك :في كلماته فقال معاتبا

؟وأفكر اآلن في مخرج لك من أزمة اسمك المشكلة

فعاد ، ولم أشأ الرد ليموت سؤالي عند هذه النقطة ،تأنيت في الكالم

البد أن تغير اسم والدك وتعلن اسما جديدا :ناصحا وهو يهم بالمغادرة

! . ويزفك الصبية بما يزعجك،حتى ال تتعرض لمضايقة

******** أال يكفي ما أنـا فيـه !هاهي مشكـلة جديدة تضاف إلى مشاكلي

في بلدي غيرت وظيفتـي وقـدمت ، ؟ حتى يزفني الصبية معيرين هنا

" وفي ، ! وإن احتفظ لي بسمي مؤهلي ،إلى هنا بجواز ال يحمل وظيفة

نزلت على تهوين مدير الجوازات ووافقتعلى ما أضـافوه إلـى " الذيل

وهاهي ثقافتهم ، وال تهتز أركان أعرافهم ،أسمي حتى ال يحتج مشائخهم

ربمـا :سيت نفسي ساخرا وا !تدفعني بإلحاح نحو تغيير اسـم والدي

وتكون قمة المأساةإذا أضافوا في ،يتحتم على في الغد تغيير اسم جدي

!خانة النوع ما يخالف جنسي

قلـت ، ال تنـزعج :قال صديقي الفلسطيني وهو يهون من األمر

، لقد وضعت نفسي في الهوان منذ البداية وأنا هناك في بلـدي :بأسى

! .ي نفسيوهأنذا أحصد ثمار تفريطي ف

. !ال تكن هكذا متشائما! ؟ لماذا تأزم األمور : قال

Page 26: 937

٢٤

وبحثا عـن ، خرجت من بلدي مضطرا سعيا وراء الرزق : قلت

أو ، ولم آت إلـى هنـا ألجلـس فـي البيـت ،عمل ذي دخل أفضل

! .االنضمامإلى أمسيات المحارم العاطلين الذين لم أكن أتوقع حالهم قبال

ماذا أخذت منك يا بلدنا فال ننعم بدفئك وتطردنا :واصلتالعنا و يائسا

، لماذا ضننت علينا بخيرك وعريـت ؟ إلى من ينتقصون من قـدرك

فضنوا علينا حتى بالفتات الذي يقينا مذلـة ،جسدك للرائحين والغادين

؟السؤال

، وقامت مكانها قصور منفـرة بضـخامتها ،كيف تهدمت منازلنا

وصارت أخبارهم هـي مـادة ، كروشهم وسكنها من تدلت ،وغشامتها

؟ثقافتنا في كل المجالس وأدوات اإلعالم

احمد ربك أن لـك أهـال : أفاقني الفلسطيني وهو يهزني متأثرا

فـإذا ،ووطنا فأنا لكي أرى أهلي يا عزيزي تلزمني إجراءات كثيـرة

وعندما أفلح في الدخول يصادراإلسرائيليون ،أتممتها مرة تعقدت مرات

! ؟ وهل يمكننـا االعتـراض ، ؟ فهلنقوى على التفوه ،عظم حاجياتنا م

فـإذا أهلنـا فـي ،نتغاضى كثيرا حتى نقضي اإلجازة دون منغصات

انتبه إليـه ؟ أليس في ذلك حكمة ،… وإذا أبناؤنا في ازدياد ،تناقص

وللحكمـة آيـات ، من المؤكد أن لذلك حكمـة :وال أردفيواصل بيقين

وانظر أيضا بتأمل ،… ربما ! ؟ ان وقت تحقيقها وأوقاتللتحقق فهل ح

فإذا عجـزت أرحـام ،كيف نزداد نحن بينما هم في شهوة إلى التناسل

نسائهم جمعوا من على ملتهممن كل الجنسيات تحـت غطـاء دينـي

وأسطوري فهل استطاعوا رغم قوتهم أنيبدلوا مـن خريطـة التوزيـع

أو ، أو بقروا بطون نسـائنا ،مالسكاني حتى وإن أعملوا فينا آالت قتله

Page 27: 937

٢٥

وهم يحصدون أرواحا بريئة وقفت في وجه معـداتهم وآالت حـربهم

،مـن !بقطع أحجار أثارت فزعهم وغضبهم فضربوا على غير هـدى

من الذي غـرس فـيهم ، ؟ الذي زرعفي هؤالء الصغار إرادة التحدي

بذور الشجاعة التي افتقدها الكثيرون مـن ذويهـم وأقـاربهم فقـابلوا

، ؟ أليس في ذلك حكمة أيضـا ، ؟ غطرسة القوة بصدور مفتوحة بريئة

وقـوى البغـي ، والحجر هو أسـاس البنـاء ،أنهم يرمونهم باألحجار

فأي مقارنة تلك التي ، والنار من وسائل الفناء ،واالحتاللتحصدهم بالنار

. ؟تجري على أرض الرساالت

دون اسـتئذان وأطلت السياسة برأسـها فـدخلت ؟ تحدثنا كثيرا

واختلفنا حتى كاد الموقف يتأزم بيننا فردنا عاقل ، اتفقنا ،فصارت مادتنا

وال كـالم ،السياسة هنا ممنوعة :إلى صوابينا وهو يشدد علينا ناصحا

وربمـا ، والحديث في هذه األمور يقود إلى المخافر ،في أصول الحكم

المهن والوظـائف وأنا أتذكر ، فبلعنا كالمنا، !إلى السجن دون محاكمة

وكلهـا مهـن ،الممنوعة التي عددها علينا مندوب سفارتهم لدي بلدنا

وقبل أن تنفض الجلسة هبط علينا اسم ، واألمن ، والسياسة ،تتعلق بالفكر

، و اتساقه مع صالدة جبـالهم ،بدوي حسبناه هبط علينا وحيا لذكوريته

اسم أبيـك ،"!جمعان " :فنطقها في وجهى أحدهم مهلال ،وطول ألسنتهم

، قال يظل كما هو، فهـو فـي ! ؟ قلت وحسنين ،سيصبحجمعـــان

األصل حسنان لكنه كتب في صيغة تصريفيةقد تكون صيغةالنصب وقد

واألهم أن أحدا لم يعيرك به كما ، وهو على شاكلة جمعان ،تكون الجر

، ومن قبل أضافوا إلى اسمك كـي يسـتقيم ،عيروك باسم أبيك جمعة

! ويصير شرعيا: وهو يتمموضحك ساخرا

Page 28: 937

٢٦

*********صرفت نفسي عن التفكير في العمل إلى القراءةفي كتب قليلةغابت

عن أعين مفتشي بوابات مطاراتهم ورقابتهم الذين صادروا كـل زادي

واستسـلمت ،الثقافي إال تلك المجموعة التي خبأتها مالبس ابنيمصادفة

ستعد للسفر من بلدنا بأنني لما صفح به أحد أقارب زوجتي أذني ونحن ن

، فتحديتـه وقتهـا أمـام الجميـع !ربما لن أجد العمل في تلك الدولة

أردت فقـط أن أحيطـك : فقال مهونا ،مؤكدابثقة أنني لن أعدم وسيلة

وامتصـاص ،علما بأمر قد تتعرض له لتكون مستعدا لتقبل الصـدمة

ضـيقا هنـاك وتتبـدل أياما ،آثارها فال تنعكس عليك كآبـة وسـأما

!.وضجرا

وأحاول االسترشـاد ،هأنذا أيها الحكيم الريفي أعيشنبوءتكالنكراء

وتلوتها في وجهـي ،بنصائحك الغبراء والتي نقلتها عن تجارب سابقين

فهل كان ما ذكرتـه ،فصارت كالرؤى واألحالم التعيسةتتحققإذا ذكرت

قت في غربتي فتحق .لي خاضعا لنواميس تلك الرؤى واألحالم الحزينة

. وأعود بخفى حنين،هل تجدني سأستسلم

وتمر عيناي على السطور فـال تعيهـا وال ،تتشفر أمامي الكلمات

فإذا ما فهمت سطرا ضاعت منـي ، فأعود أقرأ ما قرأت ،تفهم معانيها

وبعيد عنها بعقلـي، فاسـتبدلت ،كل سطور الصفحة وأنا قابض عليها

ريع أفكار لم أجد متسعا من الوقت لهـا وقمت إلى مشا ،القراءة بالكتابة

وضاعمني إلهامي وأنـا ال أسـتطيع ، فغادرتني كل أفكاري ،في بلدي

فطويت صحفي متحسراعلى وقت كنـت أتمنـاه قـبال ،إضافة حرف

Page 29: 937

٢٧

فلما جاءني عافته نفسي المغتمة اكتئابا أدخلني مراحـل حالـة ،للكتابة

فعدت ،ن نفسيتي سكنا وتجعل لها م ،يأس أجاهد حتى ال تكتسب أرضا

!. ووزنها بميزان العقل الشارد عني،أفكر في رد األمور إلى نصابها

وهـى ، أمامنا متسع من الوقت حتى إجازة نصـف العـام :قلت

الفرصة الوحيدة التي يسمحوا لنا فيها بالسفر إلى بلدنا بشروط ماديـة

مادية ليسـت ورأيت أن الشروط ال ،احتفظت فيها إدارة التعليم بحقوقها

فما ينبغي رده عليهم مما صرف لنا هو نصف قيمة ،شروطا تعجيزية

ونـدبرها ، أما تذاكر السفر فتكون على حسـابنا ،بدل السكن والتأثيث

بمعرفتنا سواء أردناها برا أو بحرا أو جوا فإذا استمرت األمور حتـى

،موعد اإلجازة تسير على ما هي عليه أصبح سفرنا ضـرورة ملحـة

فإن األمور ستسير إلـى ، أما إذا عثرت على عمل مناسب ،وبال عودة

!. والعقل مرة أخرى، وعندها سأخضع الموضوع للتفكير،األحسن

تحديت تفكيري والنتائج الباهتـة ،قمت من يأسي أتحدى كل شيء

وتحديث ما تسرب إلى من ، تحديتقول قريبنا ونصيحته ،التي يصل إليها

وأصبحت على يقين من جديد أنني ال بد أن أحصل ،أجواء تثبط الهمم

بل وتوقعتـه عمـال مناسـبا ، ما هو هذا العمل ال أدري ، !على عمل

وعشت صراعا أجاهد يأسا أحـاط بـي وصـوب ،لميولي وخبراتي

وأنا أتمنى أن أتحول من الدفاع إلى الهجـوم ، فأبرزت دروعي ،سهامه

! في لحظة ستأتي مباغتة

سطينيمهونا وهو يرى استعجالي لعمل يراه مستحيال قال جارنا الفل

، وكل مدنيتهتنحصر في مستوصفه الطبـي ،في جبل كل أهله من البدو

، واألساس في مجيئكأال تعمل !إنها فرصة لك أن تكون هنا :ومدرستيه

Page 30: 937

٢٨

ولو دققت ، وما تتقاضاه زوجتك هو راتب لكليكما ،حسب تعليماتهم هنا

ينص على عدم التصريح لك بالعمل ولـو في جواز سفرك ستجد خاتما

هب نفسك ، ؟ ، فلماذا تقيم الدنيا وال تقعدها !بدون مقابل هكذا صراحة

وضعك يـا ، وربما أتي الغد بما ال تتوقعه ،في إجازة لالستجمام لفترة

: وكل المحارم هنا تقريبا ال يعملون ،أخي ال يختلف عن وضعاآلخرين

ال تنظر لي وال :في رأسه استدرك قائال وأداره ،فلما سمع قول نفسه

؟ فهي ثمرة عمل وجد سنوات !إلى سيارة الدفع الرباعي التي امتلكتها

وغير ذلك من مهـن ، وراعيا لألغنام ، وبناء ، فقد عملت حماال ،طويلة

وتعرفت هي على هنا لما تأففالناس فـي الجبـل مـن ،تعرفت عليها

إضافة إلى ما وفرناه من ، كد فيأيديهم أعمالهم عندما تدفقت األموالدون

فأنا لم أنظر ، إنك مخطئ فيما تقول : فقاطعته منزعجا ،راتب زوجتي

وكيـف عملـت أو ،إليك وال يعنيني امتالكك لسيارة أو حتـى دبابـة

أن ، ما يعنيني أيها الجار والصديق هـو العمـل :، واصلت !ادخرت

ابل ركوبي معك حتـى وأنت يا عزيزي تأخذ مني مق ،أعثر على عمل

فـال ، ولم تكن لي مصلحة في ذلك المشوار ،وإن كنت أنت الداعي لي

ودعوتك لنا على العشاء عندما نزلنا الجبل ألول مـرة ،جميل لك على

رددناها لك في نفس األسبوع تقريبا وزدناها بهدايا أحضـرناها مـن

وال أسـأل فأنا ال أرصدك ، وابعد التأويل من رأسك ، فاخلع الظن ،بلدنا

وليس من طبعي ،كيف أصبح لك سيارة ألنني لم أكن معك فيما مضى

.السؤال عما ال يعنيني

وكانا يعرفان ، فتوقف له ،في بقعة السوق " الشيبان " أشار له أحد

عن بناء يبني "الشيبة " وأنطلق بنا سائقنا سأله ، فلماأتم جلوسه ،بعضيهما

Page 31: 937

٢٩

ترا وحاجزا ألغنامه التي صارت له سورا حول حظائر منزلة ليكون سا

، فتأثرت تجارته لما تناقصـت أعـدادها ،هدفا لضباع الجبل و نموره

فتطوعت أنا ألقبض على أول فرصة عمل تلـوح ،وأعيتهحراستها ليال

وأخبرتهماأال يرهقا نفسيهما ألنني أنا هذا البناء الـذي سـيبحثان ،لي

!عنه

وضيقا مشوبا بدهشة وشـك تحير صديقي السائق وهو يكتم غيظا

وهو ينظر إلى بطرفه كاتماكالمـا ، وقرأت في عينيهضجرا ،مما يسمع

وسألني بعـد أن ، فلم يشأ أن يحرجني ،إن أطلقه لن يكون في صالحي

هل تستطيع بالفعل أن تعمل بناء :عاينا مكان البناء وعدنا إلى منزلينا

–ت تعمل بالصحافة في بلدك أنت كن : فعاد فيقول ، نعم :أجبته بثقة ؟ : قلـت ؟ فكيف اكتسبت مهارة صنعة البناء، ! وأخبرتني–كما تدعي

خبرتي اكتسبتها من بناء منزلنا عندما كنت أطيـل الوقـوف أمامـه،

، فخلع القلم من جيب جلبابه ، !ومشاهدته ورصد مراحل ارتفاعه بالبناء

مداميك " أن أشيد له وأخرج ورقة صغيرة من نوته بحافظته طالبا مني

فنظر بدهشة حذره إلى وهـو ، فنجحت فيما طلب مني ،على الورقة "

شكلك وهيئتك ال يوحيان إال بوظيفة سـهلة … أمرك عجيب :يقول

هيا طبق ما رسـمت علـى ، !ومرفهة وليس بمهنة شاقة كمهنة البناء

! مجموعة الطوب التي أمامك

قع في العمـل كبنـاء ربما كان الشك من نجاحي على أرض الوا

فأعاد على مسامعي نصحهمرارا ،مازال مسيطرا على صديقي السائق

وتكرارا موضحا أبعاد هذا التحدي الذي وضعت نفسي فيهوأفهمني أن

فحذاري من الخطـأ ، بل ويقبلون العوض ،الناس هنا ال ترحم مخطئ

Page 32: 937

٣٠

وإصـرارا فزادني تحذيره تحديا ،وإال ألزموك برد قيمة ما أتلفتوزيادة

وإمـا ال ، فإما أن أكون بناء ،على خوض التجربة مهما كانت أبعادها

! ؟أكون

********* وكان يبدو كمن ال يقيم ألي ،من جنسية سائقنا الجار " محرم " قال

، لما سألته عن سـر تكاسـله ، وبدا أيضا كمن يعتز ببطالته ،أمر وزنا

رغم قدومه في الفتـرة أو احترافه ألي مهنة ،وعدم انتظامه في عمل

،حيث كانـت الوظـائف "الطفرة "التي أطلق عليها البدو هنا اسم فترة

لما سألته لمـاذا ال ، ؟ والنقود ال محص ألعدادها ، والمهن وفيرة ،كثيرة

يمتلك سيارة مثل زميله الذي أتى معه في نفس العام من وطن شـتاته

وهـل :ال آخـر فقال مستنكرا وهو يجيب على سؤالي بسؤ ، ؟ مرافقا

أال تعلمـأن :ابتسم مستنكرا وهو يضيف معلال ! ؟ صدقته فيما يدعي

سيارته الجيب قد حصل عليها هدية من أحد مواطني الجبل كمكافأة له

. ؟"القات " على عمله معه في تهريب

، طوال األيام القليلة لي بالجبل لم ألحظ عليه مثل هذا األمر :قلت

ويجـب منـذ اآلن ،عمل في تهريب القات فهي كارثة فإذا كان بالفعل ي

!. والبعد عنه في السكن،تجنب الركوب معه

" القات" ال تقلق ألنه تائب اآلن عنتهريب :ضحك صاحبنا يطمئنني

،"المشط"فكل من كان يعمل معهم من األيتام غادروا مهاجرين إلى بلدة

وأصابهم من ،هناك" أمريكا"والتحقوا بالعمل في قاعدة عسكرية تديرها

القات " الرزق والمكاسب ما فاق بمراحل مكسبهم من العمل في تهريب

Page 33: 937

٣١

، هذا فضال عن األمان الـذي يحسـونه ،"الذيل"من الجبل إلى مدينة "

.والتمدين الذي يرفلون في مظاهره المتعددة والكثيرة

فلما أحس مني ترددا في تصـديق ،تعجبت من رواية هذا الرفيق

وستجد أن ثمن السيارة يفـوق ، بامكانك أن تحسبها :ال معلال ادعائه ق

فأيقنت أنـه ربمـا ،بكثير راتب زوجته لو ادخرته بالكامل منذ مجيئها

فهما أدرى ببعضهما منـي أنـا الوافـد ،يكون على صواب فيما يقول

.الجديد على رهطهم

*********فـي بقصص مهربيه إلى التفكير " القات"أعادني موضوع تهريب

ولماذا تم تحريمه بفتوى ، وإلى محاولة اعقال األمر ،ازدواجية المعايير

ولماذا تتركه السلطة ينمـو ،صريحة ال تعفي متعاطيه أو المتاجر فيه

وتالحق من يحملونـه ، ؟ هكذا مترعرعا يانع األوراق متحديا فتاواهم

هم أن ألـم يكن في االمكان منذ أن أفتى شيخ ،"األيتام"إلى خارج جبل

إن كانـت تريـد ، وتطهير الجبل من وبائه ،تسعى السلطة إلى اقتالعه

؟اإلصالح فعال

! ؟ الناس هنا ال والية للحكومة عليهم وإن خضعوا لها :قال قائل

ولـو ، الوالء هنا دائما لشيخ القبيلة :فلما لمح اندهاشي واصل مفسرا

ـ اموا مـن تـوهم كان شيخ شملهم قد أقنعته الفتوى ألطاعه الناس وق

والسلطة تتعامل مع الموضوع بحـرص ، لكن الشيخ لم يقتنع ،القتالعه

شديد خشية ثورة أهالي الجبل والجبال المجاورة ألنهم هددوا ذات مرة

أنهم عائدون إلى سلطة الدولة المجاورة التي كانوا يدينون بالوالء لهـا

Page 34: 937

٣٢

وانطلـق ،ت وكثر اللغط حـول القـا ،"المطوعين"قبال لما كثر توافد

، ويغلظون في خطبهم ،الوافدين يبثون نصائحهم " المطاوعة"الصبية من

فضج أهالي الجبل فرفعوا السالح مهـددين لمـا الكـت ألسنة الصبية

و ، وقللـت مـن شـأنهم ،تاريخهم" الضـب"من مطوعي منطقة قلب

، وبالنار في اآلخرة فداهمت الجبل قوات على عجل ،بالخزي في الدنيا

ت بترحيل هؤالء الشيوخ الصغار الذين عرضوا أطـراف دولـة وقام

، وذيلها النابه لفتنة هم في غنى عنها وعن نتائجها حتـى وإن "الضب"

، وأبقوا الوضع على ما هو عليـه ، !جاءت ايجابية في مدى اليعلمونه

ومن ،فمن تطوع من تلقاء نفسه القتالع أشجاره أو بعضها نال المكافأة

فاستغلها األهالي فرصة للتربح فأرشـدوا عـن ،و حر أبقى أشجاره فه

وجاءهم موظفوجهة اإلزالة يثبتون فـي دفـاترهم أن ،األشجار الميتة

ولذا ، وأن الناس قد بدأوا في االستجابة ،الفتوى الكريمة قد آتت ثمارها

.فالبد من مضاعفة مكافأة كل شجرة مقتلعة

********** ،المبـدد لسـكون المسـاء وصوته ،خرجت على ندائه المتالحق

فاستفسـرت ،فأخبرني مستعجال أن صاحب البقالة الحديثة يريدني اآلن

منه وأنا أكمل ارتداء ثوبي فقال إنه اختارني للعمل عنده بعدما اعتـذر

! له السوداني الذي كان قد سبقني إليه

فاستفسرت عن معنى ،"النيـد " تحتل البقالة منتصف بقعة يسمونها

وكان المكان بالفعل يشرف على عـدة ،الوا إنها تعني المطل الكلمة فق

وبه المسجد الجامع رغم صغر مساحته والـذي ، وأودية ، ووهاد ،تالل

Page 35: 937

٣٣

، والبقالتان ،يشبه في هيئته مجرد زاوية في طرف قرية فقيرة من قرانا

، فصار حاضرة لما عداه من أمـاكن أخـرى ،وبضعة بيوت متقاربة

وقضـاء ،الل المجاورة المرور به ذهابا وإيابا وكان ألهالي الجبل والت

حوائجهم من بقالتيه خاصة بعد صالة الجمعة التي كانت تمثل مناسـبة

.لقائهم واجتماعهم االسبوعي

وكانت فرصـة لـه ،شجع عرض صاحب البقالة صديقي السائق

ألنهـا حتـى وإن ،ليجدد اقناعه لي بالعدول عن العمل في مهنة البناء

، وتستدعي التنقل من مكـان إلـى آخـر ،ي مهنة غير دائمة أتقنتها فه

، والصـومال ،ويعمل فيها محترفون من أبناء جنسيات أخرى كـاليمن

! ومن شابههم، والباكستانيين، ناهيك عن الهنود،وأثيوبيا

برزت صورته من داخل الذاكرة تكبر شيئا فشـيئا حتـى مـألت

يعتذر لي بأدب جم عنـدما الكادر الرئيسي متقدمة على ما عداها وهو

فجاءني اعتـذاره ،ذهبت إليه بصحبة مضيفنا األول أسأله العمل عنده

،مقبوال ألنه يومها فقط كان قد أعطى موافقته لسوداني مرافق لعمتـه

فوقف في وجهي ، التتبقى إال البقالة األخرى رغم رداءة هيئتها :فقلت

وشـعر رأسـه ،هالتقليديةعلى هيئةصاحبها يسد علينا بابها بثياب " ذيل"

فأنهى إلينا األمـر ،المخدرة للثته " الشمة"الذي ينز دهنا برد أغبى من

باصقا لعاب فمه األصفر على األرض وهو يؤكـد أن ابنـه األكبـر

!!!.الشهر القادم الستيراد عامل من هناك" باكستان"سيسافر إلى

ـ !! ! ؟ استيراد عامل رص ضحكت مستهزأ يومها وأيقنـت أن ف

وجاءني في نفس يومـه ،العمل منعدمة تماما حتى جاء موضوع البناء

Page 36: 937

٣٤

فهل كانت مرحلة جديدة قـد أطلـت ،استدعاء صاحب البقالة الحديثة

! ؟لتعلن لي عن نفسها

Page 37: 937

٣٥

٥ ،"المطل " أو " النيـد " تحتل البقالة موضع القلب في مساحة هذا

لى هيئة حيوانـات فأبصر من مكاني كل الوهاد واألودية وقد تشكلت ع

وحكايات الزمن القديم وقد استغرقها ،ضخمة أشبه بحيوانات األساطير

فإذا طالعت ،النوم فال تستيقظ إال بنصف عين بينما تحكم إغالق األخرى

العال وجدت رؤوس الجبال تقوم منتصبة مثل أذناب كثيرة ترسم فـي

، فأطارد يأسا وغصـة تتسـلل إلـي ،عيني عالمات رفض الأحصيها

فأعود مثل قروي بسيط يرضى بالقضاء وأنا أتذكر ،وتعصف بتفكيري

وأقنع نفسي أنني في نعمة يحسدني ،حالي وتبدله من البطالة إلى العمل

أعواما فنـاموا إلـى جانـب " األيتام"عليها اآلخرون ممن أمضوا مع

. فاستسلموا لها مهزومين، وسدت عليهم سبل العمل أذنابها،حيواناتها

على عملي بكل عنفوان الشوق إلى عمل يبدل السكون حركة أقبلت

. وحياة بدائية تسير بإيقاع رتيب، هربا من بطالة وسأم وملل،وتفاعال

وإجابته إلى طلبـه فـي ،هل كان صاحب البقالة متأكدا من قبولي

فدفع إلي بأوراق كثيـرة بهـا إحصـاء ؟ العمل عنده إلى هذه الدرجة

؟ إجابته إلى طلبهرها غير منتظر أن يسمع مني وأسعاببضاعة بقالته

ثم وهو يرى أعداد ،نعم كان متأكدا منذ سعيت إليه بحثا عن عمل

أو لعب األوراق فـي ،المرافقين وال عمل لهم إال الجلوس في المنازل

أو وهو يراني مع جاري السـائق ،أمسيات المساء أمام دار من دورهم

. !خاليا من أي ارتباط

Page 38: 937

٣٦

العمل في البقالة من حالي فصرت غريبا في بيتي الذي كنـت بدل

والتي لم أصليها في جماعـة طـوال ،أغادره بعد صالة الفجر مباشرة

وخشية الحشـرات واألفـاعي علـى ،مدة مكوثي بالجبل لبعد المسجد

واختالف صيغة األذان الذي أضاف إليه ذلك البـدوي ،مدرجات الجبل

ت عنها وعن الحكمـة مـن اضـافتها صاحب المسجد كلمات لما سأل

وكانت كلماته المضافة ،فعلمت أنه مسلم على المذهب الشيعي اليزيدي

ولم أكن ألعود إلى منزلي أثنـاء ، والسعي إلى خيره ،تحث على العمل

فإذا ما أذنت العشاء غادرت البقالة إلى أسرتي ،النهار إال ساعة الغداء

!بانتظار بزوغ فجر يوم جديد

ز الصباح البكر بحركة بيع مناسبة لقدوم الطالب والطالبـات امتا

واأللبان بعدها تقل الحركة حتى تكاد تشـل ، والعصائر ،لشراء الحلوى

يقتلون أوقاتهم بتقضية مطالب بيوتهم " شيبان"إلى صالة الظهر إال من

أو أضفته أنا فـي دفتـر الـدين علـى ،سواء دفعوا مقابل ما ابتاعوه

ولم تخرج ، ويتشابهون جميعا فيها ،كانت طلباتهم مكررة و ،مديونياتهم

حليب مجفف ماركة ،أي البسكويت بالقشطة أي بالكريمة " البسكت"عن

لما " أنكر " ، وأضيف صنف ثالث هو حليب "وادي فاطمة "أو " نيـدو"

" ليبتـون " أو ،"ربيع " وشاي ،كثرت إعالناته في قناة مملكتهم الوحيدة

أو تبديل السطوانات ، وخضروات ، وفواكه ، وأرز ،قيقوسكر وأحيانا د

.الغاز

وتنـوع , واتسـاعها ،وامتازت البقالـة عـن قرينتهـا بكبرهـا

ونظافتها التي عملت علىإبرازها مقابل األخرى ربمـا , معروضاتها

فهـل , لتأكيد ما لمن رفضني وهو ينتظر استيراد عامل من باكسـتان

Page 39: 937

٣٧

ال أظن , ؟ جبل للشراء من بقالتنا كان لي فضل في اتجاه معظم أهل ال

أنه كان لي مثل هذا التأثير إال على بعض األجانب خصوصا من بنـي

ومعظمهم لم يكن يأتي إال يـوم الجمعـة لتقضـية ،جلدتي رغم قلتهم

! .مطالب بيته طوال األسبوع

ثم أضيف على هؤالء بنات المدرسة الـالئي قصدن الشراء منـي

فبهرتني " ينقص "ة صاحب البقالة األخرى الشيخ تحديدا بمن فيهم حفيد

وسـحنتها ، فعقدت مقارنة بـين ســحنة جـدها ،بجمالها الطفـولي

،المالئكية البيضاء فلم أوفق حتى في تقريب قسـمات إلـى قسـمات

وولـد فـي تهكمـا وددت لـو ،وأثارني غرابة االسم الذي تنادى به

الـدي وأجبرتنـي أصـرح به مثلما تهكموا هم من قبل على اسـم و

وسـالطة ألسـنة ،طقوسهم على تغييره أمامهم ألضع حدا الستهزائهم

.أبنائهم

مثلما ، وتعمدها السفور في حضوري ،بجرأتها" خشـرة "أدهشتني

تعجبت من إيثارها للبقالة التي أعمل فيها علـى بقالـة جـدها ألمهـا

ات تخلو وكيفية اختيارها ألوق ، وكم كنت أدهش من تصرفاتها ،المطلقة

فهل كانت تراقب ،فيها البقالة تماما من المشترين خاصة ساعة القيلولة

البقالة من مزغلسحري من شباك بيتها المجاور وهي تـأتي متحججـة

، ومبدلة في كل مرة لثيابها بألوانها البدوية ، وأشياء تافهة ،بشراء حلوى

ا والتي تبرز بعض مفاتنها وال تكشف عن شيءفتكشف لي عن شـعره

فتتصـنعإعادته فأنتبـه ، كأن غطاءه انزلق من تلقاء نفسه ،غير مبالية

وهي تحاول بين هذا وذاك فتتركه مكشوفا فأهرب من تهورهـا إلـى

خارج البقالة حتى جاء يوم دخلت فيه مرعوبة وتطلب مني أن أخبئهـا

Page 40: 937

٣٨

الذي رأته يخرج من بقالته لحظـة اتجاههـا إلـى "ينقص "خشية جدها

مفاجأة لي فأسرعت أنا من البقالة إلى عرض الطريـق وكانت ،بقالتي

كانت تختبـئ ، وعدت إليها بعد أن مر ،خشية فضيحة ال ذنب لي فيها

خلف كرسي وقد انقطعت الدماء عن وجهها الصبوح فطمأنتها فقامـت

.تجري إلى بيتها خشية مفاجآت ال تعلم عواقبها

مـن وهل كـان ،عن المجيء " خشرة"هل كان بإمكاني أن أكف

لم أشأ أن أفعل ذلـك ؟ حـقي أن أطلب منها االحتشام وتغطية وجهها

غيـر ، وأنا غريب أجنبي ،خشـية أن تتهمني بشيء إن أنا أحرجتـها

، وضيع النسب أمام جالفتهم وبداوتهم ، ومحاكمهم ،مصدق أمام عسسهم

! ال كما أريد، وتركت كل شيء يسير كما يراد له،فآثرت السالمة

فخلعن أغطية وجـوههن " خشرة " ات على شاكلة وتجرأت أخري

، وكانت أعمارهن متباينـة بـين الطفلـة ،غير متحرجات في وجودي

والشابة التي تعيش أولى ارهاصات المراهقة بكل عنفوانها رغم أنهـن

يدرسن جميعا بالمدرسة االبتدائية التي جمعت في صفوفها بين كبيرات

رحلة المراهقة التي يستعجلن مخطوبات وصغيرات يخطون بلهفة إلى م

لذتها وهيئتها تبرز لهن على أجساد زميالتهن في نفس الفصل من نفس

.المدرسة

" رى من بنـات شـيخ قبيلـة أجرأهن في هذه الفترة كانت الصغ

ثم أختها المخطوبة والتـي ،، وكان عمرها يناهز الثانية عشرة "األيتام

قهما فـي المدرسـة إال وكان ال يفر ،يزيد عمرها على السابعة عشرة

. أما الكبرى ففي الخامس، الصغرى في الرابع،صف دراسي واحد

Page 41: 937

٣٩

والكبرى تنتظرها بالخارج حتى فوجئـت ،تعودت دخول الصغرى

وبـأن أحـدا ال ،بها هي األخرى تدخل عندما تطمئن إلـى الطريـق

،أو الصـبيان الصـغار " الشيبان " يترصدها من المتطفلين الذكور من

كما لم تتحرجا في مـد أيـديهما إلـى ،فران بمجرد دخولهما وكانتا تس

سجائري والسحب منهافلما نصحتهما عواقب التـدخين أخبرتـاني أن

الذي " القات" أو ،التي اعتدنها " الشمة"السجائر ال تساوي شيئا قياسا إلى

.تدمنانه

هل البنـات هنـا : أساءل نفسي وأنا في يقين مما انتهيت إليه …

، هل يفتقدن إلى من يتفهمهن ويبحن له بعيدا عن ؟ ا عاطفيا يعشن فراغ

؟ ونصائح األقدمين التي التخفف عنهن من حملهن شيئا،رقابة الوالدين

وهي ترى العمال من كـل بقـاع ؟ ولمن تحكي ،لمن تبوح الفتاة

الدنيا قد أتوا يطلبون الرزق في أرضهن التي ال تنتج شيئا يوازي كـل

وكيف تحكي وهي ترى الكهرباء وقد بددت ليلهن !الوافدةتلك األعداد

، وعمرت حجرات منازل أهاليهن بأجهزة تجلب لهن مناقشـات ،البهيم

والرجـال , وألبسة تبرز مفاتن مـن يـرونهن ، ومسلسالت ،وأفالما

يدغدغن بكالمهم على الشاشة مشاعرهن المتقدة بالشمة أو المتسـلطنة

! ؟بمضغ القات

سواء في رعاية ، أمهاتهن دائمات السعي ويعشن الشقاء قديما كانت

أو جلب المياه من آبـار بعيـدة علـى ، أو في رعي األغنام ،المنزل

فهل كان لديهن الوقت ليفكرن في مثل تلك األشـياء التـي ،رؤوسهن

وهل وفد على الجبال غريـب إال جنـود الحاميـة ،تفكر فيها بناتهن

على بعض أبناء وبنات الجبـل ممـن العثمانية الذين تركوا مالمحهم

Page 42: 937

٤٠

أو وقعن عنوة تحت من جاءوا لفـرض نفـوذهم ،تمردن على واقعهن

.على تلك الجبال الفقيرة والنائية

ويصير الليل مالذا ألحالم جميلة لفتيات فـي ،تحلق األخيلة بعيدا

وبالجبال ، فإذا ما استيقظن اصطدمن باألودية وحيواناتها ،عمر الزهور

والتي يحرم فيها شيوخ ، وبأشرطة الكاسيت التي توزع عليهن ،وأذنابها

، وهن أساس كل البالء ، فهن عورة ،الزمن الجديد الحياة عليهن تحريما

وهن سبب شقاء بني آدم على ،وأمهن هي التي أخرجت آدم من الجنة

وكشفهن لوجوههن أمامي نوع مـن ، فهل كان تمرد بعضهن !األرض

ع الذي أحكم الشيوخ الوافـدون رسـم تفاصـيله التمرد على هذا الواق

وصار اآلخرون المعبئون في أشرطة الكاسيت هم أسواطهم التي يلهبن

. ويوأدون بها أحالمهن،بها أخيلتهن

********* وكنت مأتمنـا ،أنبهر صاحب البقالة بأدائي رغم سأمي وضجري

فـي مسجال ذلـك ، وكاآلخرين ابتاع من عندهمطالب بيتي ،على ماله

دفتر اليومية كدين خاص يسدد آخر الشهر من راتبي عنده رغم غـالء

وحسبت فـارق ،أشيائه بكثير عن أسواق الجملة التي كان يشتري منها

األسعار فوجدته يزيد على راتبي طوال الشهر إن أنا قضيت مطـالبي

فأعددت العدة لكف يدي !من سوق الجملة في القرية التي أسفل الجبل

. والعودة للتفكير في استثمار الوقت المهدربال عائد،لديهعن العمل

وكانت من الذكاء بحيث ،تدخل على فتاة كبيرة تختبئ في حجابها

،جعلتني ارتبك أمام طلباتها الكثيـرة مـا بـين المالبـس والحلـوى

Page 43: 937

٤١

وغافلتني في سـاعة يـد سـألتها عنهـا ، والساعات ،واإلكسسوارات

خارجة مضطربة أنهـا أعادتهـا إلـى فأجابتني وهي على باب البقالة

فلما تأكدت من اختفاء الساعة خرجت فـي ،مكانها في فاترينة العرض

فلم أعثر لهـا ، أو كأن الجبل قد ابتلعها ، لكنها كانت قد تبخرت ،أثرها

!.على أثر

فعلمـت أنهـا ، واسم أبيها،كانت وهى تشتري قد أخبرتني باسمها

الشهادة علـى " الشيبان " لبت من أحد فط ،ابنة المطوع الذي يصلي بنا

ثـم ،"المطوع " فقال لي إن من كانت بالبقالة ليست هي أبنه ،ما حدث

فهل تستطيع إقامـة ؟ وهب أن التي كانت هنا هي أبنته :صدمني بقوله

. ؟الدليل على ذلك

وتلك التمثيلية الهزلية من فتـاة أرادت أن ،اغاظني ذلك التصرف

فهـل كنـت ،كائها في سرقة ساعة رخيصـة تتذاكي على فحصرت ذ

؟.ألخفى ما حدث عن صاحب المال

فلما عدت بعد الغداء قابلني ،كتبت بأمانةما حدث في دفتر اليومية

؟ كيف سرقتك البنت اليوم : وهو يسأل،بضحكة عريضة

كل شيء سجلته في التقرير الذي دونته بما فيه ادعائها بأنها :قلت

ضحك أكثر وأكثر وهو يلح على أن أحكي له مـا فعاد ي ،أبنه المطوع

الساعة ستكون هنا بعـد ، ال تقلق : فلما حكيت قال هادئا ،حدث بلساني

! ؟ قليل

هل تأكـدت أنهـا ، ؟ وكيف ستكون الساعة هنا بعد قليل :قلت له

! ؟ بل وكيف، هل اعترفت، ؟بالفعل هي ابنة المطوع

Page 44: 937

٤٢

!أخـي "متعـب " هي أبنه إن من أربكتك وغافلتك وسرقتك :قال

وتركني مندهشا ثم عاد إلى بالساعة وهـو يضـعها أمـامي مبتسـما

! ؟ أليست هذه هي الساعة المختفية :بثقة

واندهشت أكثر من توصله بهذه السرعة إلـى ،اندهشت مما حدث

ثم عاد يطلـب ،السارقة وبكيفية إعادة الساعة دون ضجيج أو شوشرة

سره إلى ألن التصريح باسـم الفتـاة سـيجلب مني أال أخبر أحدا بما أ

.مشاكل تنال مني أنا

إلـى ،شككت في تلك التمثيلية الهزلية بأبطالها من صاحب البقالة

فأطل التفكير من رأسي وأنا أصل إلى نتيجة تؤكد لي أن ما ،ابنة أخيه

حدث في ذلك اليوم كان اختبارا ألمانتي على المال أمـام فتـاة ربمـا

فلما رأي عكس ما ظن تعـززت ،ها فال أفتن على نفسي اضعف أمام

ولم أكن قد طلبت منه االستمرار في العمل عنـده وهـو ،مكانتي عنده

يؤكد لي لما سألته عن الفائدة من ماكينة الحياكة الموضوعة في أحـد

أركان البقالة فأوضح أن الماكينة يعمل عليها الهندي الذي ذهـب فـي

، سأفرغه للحياكة . و إن عاد فال تقلق ، شهور إجازة منذ أكثر من ثالثة

! .وتقوم أنت بمباشرة البيع طوال مدة مكوثك معنا في الجبل

وال تتبدل طلباتهم سـواء ، والزبائن ال يتغيرون ،يسير العمل رتيبا

وحاولت كسر الملل واإليقـاع الرتيـب ،. أو عند الضحى ،أتوا صباحا

،ن كـانوا يقصـدون البقالـة الـذي " الشيبان"بحوارات ومسامرات مع

ويتسرب مـن ،ويركنون إليها لبعض من وقتهم الذي يضيع منهم هباء

أو مع الفلسطينيين الذين ال عمـل لهـم إال لعـب ،أعمارهم بال فائدة

أو تسفيه اآلخرين في أحاديثهم واالخـتالف فـي أمـور ال .األوراق

Page 45: 937

٤٣

ـ ،تستحق االختالف م علـى واألصوات العالية التي تخرق آذان من ه

أو مع المناظرين لي والمنتمـين ،"األيتام " الجوانب األخرى من جبل

لكنني اكتشفت أن الجميع يتكلم بحسـاب إذا مـال ،إلى نفس جنسيتي

فعدت أتضجر مـن جلوسـهم ،الحوار ناحية األمور الفكرية والسياسية

فلما كانت ، وجزءا من الليل ،حانقا على عمل يستغرق نهاري كله ،معي

لكنه استمر فـي ،ية الشهر فاتحت صاحب العمل برغبتي في تركه نها

فلما رأي إصراري على الرفض أتاني بصـديقي ،إقناعي باالستمرار

فلمــا أعياهمــا اإلقنــاع ســألني ، فــي محاولــة إلقنــاعي،الجــار

؟ وماذا ستفعل في البيت بعد أن تتـرك العمـل هنـا :معاتباومستهجنا

،لمثل عملك ومعظمهم من بني وطنك غيرك في شوق :واصل ناصحا

. !وكل يوم يقصدونني ولكنني فضلتك عليهم أجمعين

وأستطيع تـوفير معظمـه إن أنـا قضـيت ،قلت له الراتب قليل

كما أنني أريـد ، وإنني في حاجة ألن أقرأ ،!حوائجي من سوق الجملة

فرد مهونـا ،العودة لمشاريعي األدبية التي لم يتوافر لها وقت من قبل

أقرأ كمـا ، وهل منعتك من القراءة أو الكتابة وأنت بالمحل :ومشجعا

واكتب كما تشاءثم أراد أن يغريني بميزة البقاء معه عندما قـال ،تريد

ولك عندي عندما تنجز كتابا أن أسعى لك في طبعه في مدينة :مشجعا

أمـا ، فلي أصدقاء يمتلكون مكتبات كبرى ودورا للنشر هنـاك ،"الذيل"

واعتبارا من الشهر ،أدوات الكتابة من أوراق وأقالم فهي هدية مني لك

!.القادم سيزيد راتبك بمقدار الخمس

Page 46: 937

٤٤

ورغم تضرري ،وجدت نفسي محاصرا بإقناع مقبول من الطرفين

لكنني لـم ،الداخلي إال أنني أمام تمسكه الشديد بي اضطررت للموافقة

. عنده كتابة حرف واحدأستطع طوال الشهور الثالثة التي مكثتها

********* ومحاولة استكشاف المكان ،أسلمني الفكر الذي يالزمني إلى التأمل

شـغلتني ، ! فأرقنا أحيانا يعمينا فال نبصر جمال ما حولنـا ،من جديد

األبنية القديمة الموزعة على أرجاء المرتفعات والمنخفضـات بتأملهـا

وكيـف ،ين على البقالة عنها سألت المتردد ،ورغبة زيارتها ودراستها

ولماذا هجرت وكانت اإلجابات ال تشفي خيالي ورغبتـي فـي ،بنيت

!دخولها

فقال متعب الذي رافقنـي فـي ،يالها من قالع حصينة هكذا قلت

فلما صرت داخلهاأدركت اسـتحالة ، إنها منازل األقدمين ،رحلتي إليها

وانخفاض ، لضيقها أن تكون هذه بمثابة منازل ألسر لها قطعان وأبناء

!.طوابقها الداخلية فال تسمحلمن بداخلها بالوقوف منتصبا

أعدت السؤال على مرشدي الذي سرقتني من قبل أبنته ففـاجئني

محاوال صبغ اتهامه بذكاء استنتاجه ،باتهامه وهو يوجه كالمه إلى بثقة

اآلن وقد صورت منازلنا وأطلعت على أسرار عمارتنـا :وهو يقول

وأنك ما سجلت أشياءنا على ذاكرة ،إنني ال استبعد أن تكون جاسوسا ف

ثم أضاف وهو يتأسف ، !آلة تصويرك إال من أجل جهاز استخباراتكم

فربما قام طيرانكم الحربي بدك ، من يدري :لموافقته لي على صحبتي

وآثـاره مـا ،جبالنا كما فعلها قبال وهو يقذفنابقذائف لم تعرف الرحمة

Page 47: 937

٤٥

التي فر إليها بعض مـن كـان " الذيل"قائمة حتى اليوم في مدينة تزال

! . ويضرب من آووهم،يطاردهم فلحق بهم يضربهم

وتوصـمني بـأحقر ،أهكذا يا متعب تتهمني بتهمة عظيمة وكبيرة

!. ؟مهنة في التاريخالتجسس

أهكذا تصدمني فتعيدني إلى نقطة الصفر وأنا الـذي ظننـت أن

فأشعر بألفة رأيتها تتسرب إلى وتغمر ،لي يد صداقته الجبل قد بدأ يمد

؟ما حولي

أهكذا تعيدني مرة أخرى إلى ضيقي وأرقي وأنا الذي بدأت أرضي

!؟. مصالحا إياهومحاوال كسبه إلى صفي،بواقعي الجديد

كان ما رأيته وسجلته في ذاكرة آلة التصوير يدخـل فـي عـداد

ـ فلمـا تأملتهـا أدركـت أن ،ة عليها اآلثار العتيقة التي ينبغي المحافظ

!…أصحابها ليسوا همسكان الجبل

أحدهما أسطواني واألخر ،كانت األبنية بسيطة وتنقسم إلى طرازين

فإنها انقسمت إلى عدة ، ورغم أنها كانت مصمتة من الخارج ،مستطيل

طوابق داخلية وصلت في بعض األحيان إلى أربعة طوابق يلي بعضها

وكـان كـل ،صعود إلى أعالها من خالل درج داخلي ويتم ال ،البعض

وكان البناء يبدو من الخارج وهو ،طابق عبارة عن غرفة واحدة ضيقة

و لـزم ،يميل إلى الداخل كلما ارتفع ألعلى مثل أبنية المصرين القدماء

لمن يريد دخوله أن ينحني أيضا أمام قصر األبواب التي لم يزد أطولها

وال احتوت على كتابـات ،ن بتلك األبنية نقوش ولم تك ،عن متر واحد

هل بالفعـل : فعدت أساءل نفسي لما لم أجد إجابة من أحد ،تدل عليها

أم أنهـا كانـت قالعـا ، ؟ كانت هذه األبنية معدة للسكنى كما يدعون

Page 48: 937

٤٦

ونقاطا حصينة لحاميات وقوى عسكرية أخضعت هذا المكان قبال فلمـا

التي "ا لطفرة "ذه المباني لفترة سبقت فترة زالت قام األهالي باستغالل ه

فلما وجدوها مع تدفق األمـوال فـي أيـديهم ال تفـي ،يعيشونها اآلن

والقصور التي تلف رأس الجبل ،بحاجتهم هجروها إلى األبنية الحديثة

ومـن يكـون " جبران فاطمة "،وتذكرت "القهـر "المتاخم المسمي بـ

، ربما في زمـن األتـراك :ورمخمنا وأنا أنزل عينيعن هذه الد ، ؟ أبوه

أو األدارسة كان هناك من سـكن هـذه القـالع بغـرض الـدفاع أو

وربما أيضا ، وكان طبيعيا أن يحتك بتلك الحاميات األهالي ،االستطالع

استطاع بعضهم أن يطأ من نسائها حتى جاءت أم جبران فحملت ولـم

.وألهلهاتكن متزوجة فافتضح أمرها وجلبت العار لوليدها

Page 49: 937

٤٧

٦ فأعدت على مسـامعه ،فحوقل وضرب كفا بأخرى " الشيبة"انزعج

كيـف ذلـك :ذكر رقم راتبي الذي سألني عنه فارتفع صوته متسائال

نعم هذا هو كل راتبي : فقلت متأثرا ،وعاد إلى حوقلته وضرب كفيه ؟

فعاد يسـأل دون انتظـار !مقابل عملي طوال النهار وجانبا من الليل

! ؟هل جن ؟ذلك" قاسم " كيف فعل :بةإلجا

إنه وعدني بزيادة بمقدار الخمس مع الرتب الجديد :قلت له مهونا

هذا الشخص البـد مـن :فانتفض واقفا كمن لدغه عقرب وهو يقول

كيف يعطيـك كـل ! ؟ من المؤكد أنه مجنون وإال ما فعل ذلك ،عالجه

! وكيف سيزيدك؟،هذا الراتب

؟ ماذا تقصد بكالمك :مفاجأة ما سمعتهقلت وأنا مأخوذ ب

كان ينبغي عليه أن يعطيك فقط نصف ما ذكرت فـإذا بـك :قال

أال يدري هذا القاسم أنه بفعلته هذه يصـعب !تغمني بزيادة في الطريق

ويعطي بال حسـاب مقابـل ، ويغلي علينا أجور العمال ،علينا المعيشة

!؟عمل ال يتطلب جهدا

هدا وهو يأخذ نهاري كله وجزءا من الليل كيف ال يتطلب ج :قلت

ويغلبك لسـانك ، هال حكمت عقلك قبل أن تثور ؟ يا أيها الشيخ الطاعن

،فينطق بما في قلبك من غل وحقد وأنا الذي ظننتـك متألمـا لحـالي

ولمرتبي الضئيل الذي ال أدري كيف رأيته أنت كبيـرا حتـى تقتـرح

!. ؟نصفه فقط لي

Page 50: 937

٤٨

لجبل أن كل راتبي ال يوازي مصـاريف يـوم أال تدري يا حكيم ا

واحد من مصاريفكم على البسكويت والعصائر؟

فـإذا ، وهذه أموال فيء أفاءه اهللا علينا ، هذه حياتنا :قال لي مؤكدا

أحسنا إليكم أحسنا بمقدار فال نكون سفهاء في توزيـع رزق سـاقه اهللا

! وجعلنا مستخلفين فيه،إلينا

زوجتي يعادل راتبي مضروبا في ست مما يا هذا إن راتب :قلت

فهل كانت سلطاتكم سفيهة وهي تحدد لها هذا الراتب هـي ،ذكرت لك

! ؟وأمثالها حتى تثور أنت على راتبي الضعيف

بل وربما ، وبدا من رده أنه قد درس األمر ،قال شارحا وموضحا

ـ :تحدث فيه قبال ين السلطة أعزها اهللا عندما حـددت مكافـأة للمدرس

وليس ، أو كهبة تـدفع الحسـد ،والمدرسات فهي قد حددتها كزكاة عنها

، أي راتب هذا ومقدار ما تتقاضونه ال يتوازى مع !كراتب كما تظنون

يا أيها الغريب لو كان ما تتقاضاه زوجتـك ،! ؟ جهد ينبغي أن تبذلونه

والنخفض ،وغيرها بمثابة راتب عن عمل لهبط الرقم كثيرا عما ذكرت

! عن مقدار ما تتقاضاه أنتأيضا

فدفعته إلى خارج البقالة ، وعصبني بتعليالته ،أثارني الرجل بكالمه

متوعده إذا عاود المجيءفسار يهذي بكالم محلي ال أفهمه وإن فهمـت

! من نبراته أنه ربما يكون سبا في و فيمن أعمل عنده

اتهـا خال علي المكان فحاصرتني أرفف البقالـة بأدواتهـا ومعلب

وأسماء ماركاتها الخالية تقريبا من األسماء العربية فجلست أفكر فـي

ويصف مـا تتقاضـاه ، وكيف يستكثر علي راتبي ،منطق ذلك الرجل

؟ وكيف هداه تفكيره إلى مثل هذا التعليل، !زوجتي بأنه منحة أو هبة

Page 51: 937

٤٩

أم أنه فكر كـل ، هل ما صرح به هو وليد تفكيره :ساءلت نفسي

؟ بل وفي المنطقة كلها،بلمن في الج

مؤكد أنه رأي الجميع و إال ما كان قد أفاض بمثـل :عللت لذاتي

البـد ، وال صنف راتب السلطة على أنه هبة أو زكـاة ،هذا التفصيل

واألصـل أنهـم ، وفي الجذور دائما تظل األصول ،لكالمه من جذور

كـان هـذا يستكثرون مقابل ما يتقاضاه العاملون في بالدهم حتى ولو

! المقابل من غير جيوبهم

فانتبهت للكلمـة ، !أفقت على صبي يريد حلوى ويخاطبني يا ولد

فلما أعاد الكلمة ورن وقعها في أذني من جديد فار ، ؟ وسألته ماذا قال

الدم في رأسي فقمت إليه ممسكا بياقة جلبابه متعصبا حتى كاد يختنـق

، أنا ولـد يـا ابـن األفـاعي ، ؟ أنا ولد يا ابن الولد :أتساءل غاضبا

جديد مسرعا لتخليصه من " شيبة " فدخل علي ، ؟ والكالب ،والعقارب

" : والرجل يسأل مهـدئا ، بينما الصبي في فزع من تصرفي ،قبضتي

هـذا : قلت وأنا أفك يدي عن رقبتـه ، ؟ " أيش فيك يا شيخ ،أيش فيه

تم فيه بالناس حتى أتى جاء الزمان الذي استهزأ ،! ؟ الفسل ينعتني بالولد

فقـال ،!صبيانكم يقللون فيه من أقدار اآلخرين مـن الغربـاء عـنكم

رجل في مثـل سـني : قلت ؟ "و أيش فيه لما نعتك بالولد " :معاودا

يـا : قال الرجل مبتسما ، ؟ كيف يستقيم ذلك ،يصفه هذا الصبي بالولد

انك ، دعاء وأيضا ، و صيغة تمني ، هذه صفة !شيخ التكن ضيق األفق

فلقـب الولـد يعنـي ،إذا ناديتني بصفة الولد اآلن فإنني أكون مغتبطا

ولـيس ، ونحن نطلق على من نجهل اسمه لقب ولد تحية لـه ،الشباب

.!! !تقليال من شأنه أو تقزيما

Page 52: 937

٥٠

: إال أنني أضـفت ،فلم أدر وقتها بماذا أرد " الشيبة"ألجمني تعليل

فصفة ولـد نطلقهـا علـى ،الصحيحفي بالدنا العكس مما ذكرت هو

وينعت بها ضباط الشرطة عندنا كل المتهمين ،اآلخرين تقزيما وتهميشا

واحتلت الصـفحة ،مهما كان قدرهم فصارت سبة في جميع األوسـاط

أبرزهـا ،الرئيسية لمخيلتي مشاهد كثيرة استدعت من زحامها نفسـها

توصية ألحـد مشهد ضابط أمن الدولة عندما قصدته في أمر شفاعة و

،المقبوضين فهالني نعته ألحد زعماء األحزاب السياسية الوليدة بالولـد

.وهو يعطي تمام القبض عليه إلى رئيسه عبر جهاز الالسلكي

صرفت الفتى مطيب الخاطر وأنا أعلمه باسمي بدال من صـفة أو

" فـأوقعني ،لقب ال أحبه حتى وإن عنى عندهم غير ما يعنيه عنـدنا

فطلبت منه ،في مأزق وهو يطلب مني شيئا لم أستطع تفسيره " الشيبة

هب لي أمامة حـق " :تكرار اسم الشيء الذي يريد شراءه فعاد يقول

وبقيت األمامة ، أي أعطيني . هب لي … فسرت بادئة الكالم ،"!أتريك

؟ وماذا يكون األتريك ؟فماذا تكون األمامة، !التي هي حق األتريك

هذه هـي :هربائي يتدلى منسقف البقالة قائال أشار إلى مصباح ك

لـيس هـذا هـو : فأحضرت له مصباحا مماثال فعاد يقـول ،األمامة

قلت له إننـي ال أعـرف ، ! أريد واحدة صغيرة حق أتريك ،المطلوب

ودعوته للدخول للبحث بنفسه حتى أعطيـه ،األتريك الذي يتحدث عنه

فقبض عليه مبتهجا ،بالبطارية فامتدت يده إلى كشاف يعمل ،أنا أمامته

فعلمت أن الكشـاف هـو ، وأنا أريد أمامته ،وهويقول هذا هو األتريك

وكان البد أن أعود من ، وأن المصباح أو اللمبة هي األمامة ،المقصود

وكيف لهـا أن تـؤدي ،جديد إلى التفكير في مفارقات اللهجات المحلية

Page 53: 937

٥١

خالد بن الوليد لما طلـب وربما إلى مهالك مثلما فعل جنود ،إلى لبس

فلما ، فقاموا إلى األسرى فذبحوهم ،منهم تدفئة أسراه في ليلة برد قارس

وعلم أن كلمة تدفئة كانت تعني القتل ذبحـا فـي ،أصبح ساءه ما رأى

. فتأسف على ذلك أسفا عظيما،لهجة من أمرهم

*********من لهجاتهم كلمات وتعلمت ، وبدأت ألفة مع الجبل وسكانه ،تعاقبت األيام

،هـو صـنبور الميـاه " البربيش" و ،هو الشباك أو النافذة " المهلج" فـ ،جديدة

هـي " الشاص" و ،وليست ال " إم " وأداة التعريف هي ،هي األسماك " الحيتان"و

هي سيارة النقل الصغيرة " الوانيت" و ،سيارة نصف نقل تعمل بالدفع الرباعي

هي ماسورة عادم السيارة " الكنداسة " و ،قيادةهي كابينة ال " الغمارة " و ،العادية

هـو " الصـالون " و ،هي السيارة التي تحمل المياه " الوانيت" و ،"الشكمان"أو

هـو " البقـل "و،هو اللـب " الفسفس" و ،هو البطيخ " الحبحب" و ،السيارة الجيب

وهي ،هي وأغلى ما يمكن تقديمه للضيف من حلو الطعام " المرسى" و ،الفجل

إلـى ، وعسل النحل الجبلي ،مع الموز مطبوخا في السمن البلدي خليط الخبز

وكلها من أصناف اللحـوم التـي " الحنيد" و ،"المضبي" و ،"المندي " جانب

وعلمت أن الضب عزيز في أرضهم ،تطهى في حفر برميلية بباطن األرض

ولذا فهم يسعون إلى جلبه من مناطق أخرى بعيدة فلما اختفى من مالحقـتهم

،لصصوا عليه في جحوره فمد إليها الشباب عـوادم سـياراتهم الخربـة ت،له

وأن الجراد هـو ، ! فاستقبلوه بآالت ذبحهم ،فجرى إلى الخارج يطلب الهواء

!. ؟ تعود– كما يودون – فليت أيامه ، ! وزينة موائدهم،فاكهة أيامهم

Page 54: 937

٥٢

٧ وشدني حديثه معي فـي الشـعر ،ارتحت إليه لما تكرر حضوره

وتحملـت ،وروى رغما عن بداوته بعضا من ظمأ معرفتـي ،واألدب

النفاذة وغيرها من الزيوت األخرى التي كان " أبو فاس " رائحة زيوت

يحرص على دهان كامل جسده يوميا بها لتخرج من عظامه آالم البرد

الذي كان دائما مالزما له ومداهمه

نبطيـة ره ال وتال علي من أشعا ،حكى لي كثيرا من ذكريات صباه

القديمة والتي ما تزال تسود لغـة " الحميرية " البسيطة المتأثرة باللهجة

ولم يذهب في طلب العلم ، وقال إنه لم يفكر يوما أن يكو شاعرا ،الكالم

وقال إن الشعر أتـاه علـى ، !لفقر عائلته فشب أميا ال يميز الحروف

" فـي وادي حين غرة منه وهو في مقتبل عمره عندما سـار وحيـدا

فإذا بعجوز تستظل بشجرة ،يبحث عن أغنام أهله التي اختفت " الجنية

فلما صار في حضرتها ونظـر فـي ،تناديه باسمه ليرفع عليها حملها

فلما هم يكلمها إذا بهـا ، ثم رآها خالته ،عينيها الغائرتين رآها هي أمه

فإذا به فـي فارتبك أمام نظرات عينيها وبريقها الساحر ، !أمامه عمته

لكـن أناسـه ، تضاريسه هي بعض تضـاريس منطقتـه ،عالم جديد

. !مختلفون

، هنا سوق أهـل الجـان :أخذني إلى باب البقالة وهو يشير بيديه

أما تلك الجهة المقابلة فسـكانها ،وخلف تلك القمة مساكن الكفار منهم

وفوق هذا الجبل المقفر يقوم قصر منيـف تحيطـه ،يدينون بمثل ديننا

الحدائق والبساتين، وهو قصر مليكهم الذي يرجعون إليـه فـي كـل

Page 55: 937

٥٣

لكنني لم أر أحـدهم يأكـل ، وحادثتهم ، لقد عشت بينهم ،…أمورهم

وكنت الوحيد الذي يتناول طعاما عبارة عن طبـق مـن حليـب ،مثلنا

األغنام داومت تلك العجوز التيردت في أهلها شابة تفوق بجمالها كـل

. !ا على توفيره لي بكميات تفوق طاقتيمقاييسه التي أعرفه

ألم يدور في خلدك أنـك ؟ وكيف تأكدت أنهم من الجان :قلت له

أو ربما تكون قد خطفت من جانب قبيلة أخرى فعشت ،ربما كنت تحلم

! ؟بينهم وأنت تظن أنهم من الجان

، أنا أحكي لك ما حدث لي ،قال يا ولدي ال تهزأ مني فأنا ال أكذب

زمنه تحرك لساني بالشعر فسالت كلماته متدفقة كأعذب مـا والذي من

تكون الصور والخياالت كما شهد بذلك كل من استمع إلي وأنا مازلـت

وفـاخرت بـي ، فحسدني على طالقتي أقراني !فتى أميا لم أبلغ الحلم

.قبيلتي غيرها من القبائل هنا

؟ وكيف ردوك إلى أهلك مرة أخرى، كم مكثت :قلت له

لكنهـا لمـا رأت ، كانت تلك السيدة الطيبة ال تنوي إعادتي : قال

وددتك ابنا لي رغم بكائك :بكائي ونحيبي يتصاعد يوما بعد آخر قالت

وأمـك ال ، لكن أباك كاد يهلك بحثا عنك ،الذي ألم أنه سيتوقف يوما ما

تفتأ ترثيك وال ينقطع عويلها حتى كدت أصرعها لما تعالى صـراخها

لكنني ورغم افتقادي لالبن وعزمي على اتخاذك ابنـا لـي ،في أذني

، وسأترك لك من ذكراي آية تتذكرني بها !سأعيدك إليها معززا مكرما

وسيجري ،من اليوم ستكون فصيحا ،دائما كلما وقفت أمام رهطك منشدا

فأصبحت فوجدت ،الشعر على لسانك جريان الماء في الوادي المنحدر

نفسه الذي أخذتني منه فجريت باتجاه بيتنا وأنا ال أعلم نفسي في المكان

Page 56: 937

٥٤

فـأخبرتني ، وحسبت أن ما عشته كان حلما ،عدد أيام غيبتي عن أهلي

وسردت عليهم كـل ،أمي أنني باألمس فقط أكملت أربعين يوما متغيبا

فوقفت فيهم شـاعرا أنكـر ،تفاصيل غيبتي وهم ال يصدقون ما أروي

فلمـا اتتهيـت ، وال فكرت فيها ،لم أقصد نظمها عليهم تكذيبي بأبيات

طفت بخيالي وقولي على الفخر والحماسة والغـزل وبكـاء األطـالل

ومـن ، فخلعوا علي حللهم وهم يلقبوني بشاعر القبيلة ،وفراق األحباب

وصرت بلهجتنا شاعرهم الـذي ال ،يومها البعيد صار الشعر صديقي

.وره ومعانيه أحد وال يتغلب على فصاحته وص،يشق له غبار

وتمنيـت لـو رأتنـي ،األسطوري"الشيبة " انطلقت في عالم ذلك

واسـتفدت مـن ،فأخذتني إلى عالمها فعاشرتها وأنجبت منها " جنيته "

واستمع إلى ما ال يمكـن ، فأرى ما ال يراه اآلخرون ،قدراتها الخارقة

وأعـود فـي نفـس ، وأتنقل بسهولة بين أركان األرض ،ألحد سماعه

! ومالي

" قال صاحب المنزل الذي أسكنه لما قصصـت عليـه مـا رواه

ولمـاذا سـمي بهـذا ، ووادي الجنية ،وقصته مع عالم الجن " حـنين

فأحيانا كثيرة نسمع وقع ، إن هذا من األشياء العادية بالنسبة لنا :االسم

وداخل المساجد نشعر بدخولهم وانتظـامهم فـي صـفوف ،خطواتهم

وقـد ، ما تمثلوا لنا فرأيناهم رأى العين في أسواقنا بل وكثيرا ،الصالة

واحدا منهم فجـرى منـه " تهامة"حدث ذات مرة أن طارد أحد سكان

فتحـول ،فتتبعه عدوا إلى خارج البلدة مصرا على اللحاق به و إمساكه

اجتمعت على نهيقه حمير كثيرة بالرجل ،الجني إلى حمار أزعر الذيل

، ومن يومها أصبح غريب األطـوار ،منه مسهم المبطوح أرضا فتملك

Page 57: 937

٥٥

فـإذا ، راويا لمن حوله ما رآه ،متنزها في مساحات بين العقل والجنون

استرسل شكى آالم ضرب مبرح يتعرض له في اللحظة ذاتها فيتضرع

وأن يـدعوه لحالـه وال ،إليهم أن يكفوا عنه وهو يشير إلى الفضـاء

يراهم من قومه أن يتشفعوا له عند فإذا لم يجيبوه توسل إلى من ،يأذونه

! هؤالء الذين ال يرونهم

فلمـا طالـت ،منذ باح لي بحكاياته مع الجن " حـنين " غادرني

فلم أشـأ بعـد سـكوتهم أن أعـاود ،غيبته سألت عنه فلم يجيبني أحد

واعتبرته جنيا ظهر لي لفترة ثم انصرف إلى حال سبيله مـن ،السؤال

.تلقاء نفسه

Page 58: 937

٥٦

٨ ، !شقيقها ضحى يبلغني دعوة شيخ قبيلة األيتام على العشاء جاءني

وفتشت في صفحات ذاكرتي عن أحداث ،اندهشت من الدعوة وصاحبها

أو أشياء حدثت تحفز مثل هذا الشيخ الذي لم أره قبال أو حتـى ،مرت

. فلم أعثر على شيء،أحادثه على دعوتي وأسرتي للعشاء في منزله

األولـى تتبعهـا ،خلت علي البقالة ابنتـاه وبنهاية دوام المدارس د

فلما عدت إلى منزلـي ،الثانية على استحياء ينهين إلي ما قرره أبوهما

وقبـل ،للغداء فاتحتني زوجتي في أمـر الدعوة التي علمتها من ابنتيه

المغرب كانت سيارة الشيخ تأخذني من البقالة إلى المنـزل إلحضـار

إلى الكرسي الخلفي ونحن في طريقنا فغادرتني األبنة الكبرى ،زوجتي

! إلى منزلها

،استقبلني الشيخ باشا ومرحبا أمام منازله الحديث منهـا والبـدائي

بينما ،والمحتلة لسفح مرتفع جبلي بالكامل في الناحية الغربية من الجبل

.ذهبت بناته بزوجتي إلى باب الحريم

،أثـور في وجهه بالغ الشيخ وأنا في مجلسه ترحيبا بي حتى كدت

فهبط الشيخ عن كرسيه ،مرحبا" القات " فدخـل علينا ابنه بحزم مـن

إلى حيث القات وسط الغرفة يفرز األجود عن الجيد وهو يدعوني فـال

، فينبري وهو يواصل التهام األوراق الغضة معددا لـي مزايـاه ،أجيبه

قات رأيت إنك إن أجبتني إلى تخزين ال :وواصل مغريا وهو يستحثني

فشكرته رافضا فعاد يؤكد لي أن القات ال يؤثر ، !بالدك البعيدة من هنا

، ويجلو التفكير ، ويشعل الذكاء ، فهو ينشط الجسد ،بالسلب على مخزنه

Page 59: 937

٥٧

وأنه بمجرد أن ينتهي من التخزين يذهب إلى فراشه فيميز بـين ابنتـه

وال أريد ،بالوأمه وزوجتهفاعتذرت له مجددا وأخبرته أنني لم أتناوله ق

،أن أتناوله اآلن وال الحقا حتى وإن طويت لي األرض كمـا يـدعي

! ورأيت بالدي من مجلسه المعتم

،اعتذر لي الشيخ وهو يدعوني إلى العشاء بـأنهم سـبقونا إليـه

، وبضعة أرغفة بـاردة ،فأتاحوا لنا مجلسا على طبق من خضار مشكل

فضـحكت وأنـا ،بق سالطة وط ،مع قطعتين من لحم تائه بين الدهون

فعاودت النداء على ، وضحكت زوجتي التي انضمت إلي ،أعاين الطعام

وشكرت له على ما دعانا إليه من فضالت بيته التـي يعافهـا ،الشيخ

وعـادت زوجتـي إلـى ، فعدت من جديد إلى مجلس الرجال ،دجاجنا

الفارعـة " الكوكـاكوال "فرمى لي وهو يبصق في علبة ،حريمه وبناته

عضا من عصير القات الذي في فمه بموافقته على سكننا لديـه بنـاء ب

،فاندهشـت لمـا !وأنه لم يكن ليوافق إال لتوسط بناته لديه ،على رغبتنا

وقدرت له موافقته وأنا أنفي عن نفسي وعن زوجتي رغبتنا فـي ،قال

وال المسـافة فـي صـالحنا ، فال المكان يناسبنا الرتفاعه،السكن عنده

. !وال البيوتالمتاحة بمغرية حتى نترك من أجلها سكننا ،لبعدها

وأنهما ربمـا رأيتـا فـي ،أيقنت أن بنتيه هما اللتان تطوعتا بذلك

وأن ،حديثي معهما ما شجعهما على مفاتحة أبيهما فـي أمـر السـكن

فأطير فرحا وأنا أمتن إليه على فضله وتعطفه ،المفاجأة سوف تلجمني

. !وموفقته من أجل عيونهما

قالت زوجتي إنها فوجئت بالبنات يطلبن منها الضغط علي للموافقة

أنهما كادتا تقبالن قدميها حتى تعطيهم موافقتي في ،على السكن عندهم

Page 60: 937

٥٨

؟ فسألتها ألم تفاتحك إحداهما أو كلتاهما في الموضوع من قبل ،الصباح

فعرفـت أن البنـات يـردن جـارالهن يكسـر ملـل ،فأجابت بالنفي

فإذا بهـذا الجـار ،ويستطعن جميعارؤيته بال منغص أو حرج ،أيامهن

وظنن أنهن بـأنوثتهن ،وخططن له ،ورغبنه،يقطع عليهن ما فكرن فيه

فيهلل فرحا ويتيـه ، وأثرن فيه ،المختبئة في عباءاتهن قد لعبن برأسه

كوكاكوال " سعادة ووالدهن يرمي إليه بموافقته مع بصقة سمينة في علبة

وأنهن دفعناه لهجـرة ،د لي فتحي األردني قصته معهن وأعا ،فارغة"

الجبل والنزول إلى القرية القابضة على ساقه لما انتهزتا فرصا فكشفن

.!له عن مفاتنهما

**************** ومغـاالة هـذا ،هالني ما سمعته من أرقام مهور البنات في الجبل

وعلمت أن مهر ، وعلما لها ،الشيخ في مهور بناته باعتباره شيخا للقبيلة

ابنته المخطوبة يبلغ أربعمائة ألف من عملتهم الموازية في القيمة لعملتنا

وأن أخرى مازالت تعيش في كنفه رغم زواجها ،تقريبا في ذلك الزمن

وأنه أعمل ناموس القبائل وعرفها فال يزفها إليـه ،وإنجابها من زوجها

وتقـام ،ال وعندها تنحر الـذبائح في بيته إال بعد أن يوفي مهرها كام

ويكون فرحا وهي تزف وسط أبنائها الذين يكون بعضهم قـد ،الوالئم

! اقترب من مراحل المراهقة

وعرضـه ،لما حكيت له قصة دعوة شيخ القبيلة " قاسم " قال لي

ورفضك لعرضه هو إلهام ، حسنا فعلت لما رفضت :علي السكن عنده

فلما شـعر حـاجتي إلـى ، !قته لفقدت نفسك من اهللا ألنك لو كنت واف

Page 61: 937

٥٩

،"القـات " معروف عنه تهريب " يعرب " الشيخ :التوضيح عاد يقول

فسابقتها وكانت ،إنها الثانية خالل هذا العام ؟ هل رأيت سيارته الحديثة

من نفس الماركة والموديل لم تتحمل قسوته عليهـا، ومنـاورة قـوات

فكـان أن باعهـا ،قوتها وفخامتها المكافحة في الجبال والوديان رغم

والتي لم يمض على شرائها أكثـر ،مكهنة ليشتري الجديدة التي ركبتها

! هو تجارته" القات " ومآلها هو مآل سابقتها ما دام ،من شهرين

" القـات " لقد عرض علي أن أشاركه تخزين :قلت لصاحب البقالة

فأمنتـه ، ! لم تقبل وأنا واثق أنك : فقال لي قاسم ،مع من كان بمجلسه

وال أدري لمـاذا تلكـأت ،بـالء " القات" : فأردف قائال ،على استنتاجه

هل يصدق أحد يـا ؟ والعباد من شروره ،السلطات في تخليص البالد

عبده أن معظم الخضرة التي تكسو مدرجات الجبال هنـا هـي لتلـك

والبرسـيم الشجرة الملعونة التي يأتيها الناس كما تأتي البهائم الحشائش

وما هي صعوبة التخلص منه وأنتم تستندون علـى :فقلت متساءال ! ؟

وكلمتها نافـذة علـى ، وجبهة المشائخ هنا قوية ،فتوى كبير مشائخكم

! ؟الجميع

سـعت إلـى - أعزها اهللا – لكن السلطة ، لقد أفتوا :قال محزونا

لعبون معهـا وي ، ومن يومها والناس هنا يناورونها ،إقناع األهالي سلما

،لعبة القط والفأر، وهي تخشى تصعيد المشاكل هنا ألننا منطقة حدودية

وكنا حتى سنوات قليلة ماضية نتبع دويالت أخرى دانت بالوالء للنظام

والـذي آزرتمـوه ،السابق على النظام الجمهوري في الدولة المجاورة

! وتصاعدت مشاكلنا معكم بسببه،أنتم

Page 62: 937

٦٠

ي أن أقلع عن التدخين ألنه آفة أخرى من أشعلت سيجارة فتمنى ل

" القات" ولكن ألم تدخن أو تخزن ، فقلت له أتمنى ما تتمناه ،آفات الكيف

؟ أو أغريت بتخزينه،يوما

لكنني خزنت القـات مـرة ، أما التدخين فال تجربة لي معه :قال

وظللت ألكثر من ثالثة أيام مستيقظا ال يغمض لي جفن حتـى كلـت

فلم أبرح السرير إال بعـد أسـبوع كمـا ،نوم أهل الكهف قواي فنمت

.أخبروني

؟ أهو مؤثر حتى هذه الدرجة :قلت له

فهو كان يريـدك أن تقـع ، لقد نجيت من مكر الشيخ وأبنائه :قال

تحت تأثير هذا الوباء ليسهل لهالسيطرة عليك واقتيادك للعمل معه فـي

.ت أخرى ومن جنسيا،التهريب مثل آخرين من بني جلدتك

لم يكتف قاسم بما رواه لي ففجر مفاجأة في وجهي عندما أخبرني

وتبقى لـه ،دفع له من مهرها مائتي ألف " يعرب"أن خطيب ابنة الشيخ

فلما فشل في توفيرها من راتب وظيفته في البلدية الذي ،مثلها في ذمته

فاتحـه الشـيخ فـي ، والمعيشة، واألثاث،يدفع معظمه أقساطا للسيارة

، فأراد أن يختصر المشوار فوقع في أيدي قوات المكافحة ،العمل عنده

وإن كان صهره قـد اسـتطاع تخفيـف ،وما زال حتى اليوم محبوسا

. !سنوات السجن عليه عندما تم اللعب في أوراق وأحراز القضية

ولماذا تغالون في أرقام مهور بناتكم كل هذه المغاالة :سألته مشفقا

لك علىإقبال الشباب عندكم على إتيان الحالل رغم ثـراء لقد أثر ذ ،؟

فارتفعت نسبة العنوسة على الرغم من جمع بعضكم بين أكثر ،مجتمعكم

! ؟من زوجة

Page 63: 937

٦١

من يجمعون بين أكثر من زوجة قلة تعد على أصابع :رد شارحا

والمشكلة في الشباب الذين يعجزون عن دفع المهور وهم ،اليد الواحدة

! األغلبية

وأنتم كآبـاء ال تسـاعدون ، كيف تكون المشكلة في الشباب :لتق

؟معهم في حلها

لما تنبهنا إلى ذلك تحايل أهل الحل والعقد علـى الظـاهرة :قال

و ال تصبح ،فأقنعوا اآلباء بدخول أصهارهم على بناتهم وهن في كنفهم

عليه كاملة لزوجها وتزف إلى بيته إال بعد أن يوفي أباها مهرها المتفق

وإن كان قد خفـف مـن ، وهو كما ترى حل لم يعالج المشكلة ،كامال

لكن البعض من الشباب تحرج من هـذا ! وحرك مياه راكدة ،وطأتها

ولم يرض بذلك الحل فصرف نفسه المتقدة إلى أشـياء أخـرى ،األمر

وشاعت العالقات ، فكثر الزنى ،كان من بينها بالطبع ارتكاب المعاصي

! المثلية

،لكنني أعلم يا قاسم أن الحدود عنـدكم مطبقـة :ته مستوضحا سأل

فكيف يتجرأ أمثال هؤالء على ارتكاب تلك المعاصي التي يصل حدها

! ؟إلى القتل والرجم

وحتى يتم تطبيق الحـد علـى ، يا صديقي لكل أمر ثغرات :قال

، وطوال حياتي لم أسمع عن مواطن جلد ،عاص فهناك إجراءات تطول

ولألسف فإن معظـم الفاسـدين مـن ،تل رغم فساد الكثيرين أو آخر ق

!.المحصنين

؟ وأنت كيف تتصرف عندما تصل بناتك إلى سن الزواج :قلت

Page 64: 937

٦٢

، بكل صراحة ووضوح ال أستطيع مخالفة الناموس السـائد :قال

.لكن ربما خففت عنه بطريقة أو بأخرى

؟مخالفة كيف يتأتى هذا التخفيف وأنت ال تستطيع ال :فعدت أسأله

من الممكن تخفيض مدة حقي في الحصـول علـى :فقال مرتبكا

! راتبها من وظيفتها

أي يحصلون علـى رواتـب ...وهل يفعل ذلك أهل الجبل :قلت

؟بناتهن الموظفات

فراتب االبنة ألبيها حتـى ، نعم هذا عرف واتفاق ال ننقضه :قال

.باط متى شاء ويجوز له أن يحررها من هذا االرت،وهي كنف زوجها

وما الذي يجبر زوجة على العمل إذا كانت لـن :قلت له متعجبا

؟تستفيد من راتب وظيفتها

هناك أشياء كثيرة مـن الممكـن أن يضـعها أي والـد :قال لي

لذا فاالبنة على استعداد للتضحية ،كأحجار عثرة في طريق زواج ابنته

وافـق علـى فت ، وخروجها من صفوف العانسـات ،من أجل زواجها

والتنازل عن راتبها كله أو بعضـه ألبيهـا بمنتهـى السـماح ،العمل

!والرضا

ولن أحصل منه على رأي يرضـيني ،أحسست أن نقاشنا سيطول

فصـار ، ومن ذا الذي أري دعائمه ،فتساءلت عن هذا المنطق الغريب

أي نخوة : وعدت أساءل نفسي ،عرفا وسيفا مسلطا على رقاب اإلناث

، وأي عرف هـذا ؟ ـ وزواجا ،ي تدفع أبا للمتاجرة بابنته عمال تلك الت

وأعاقوا ما حلل اهللا ،وأي ناموس استنه الذكور هنا فاستباحوا أعراضا

.لعباده

Page 65: 937

٦٣

متفوقا على أهـل ،قال خطيب الجمعة وكان شيخا طاعنا في السن

وبمالمح تفصح عـن جمـال فـي .الجبل ببنية تشي بشباب كان عفيا

بما حسدته عليه النساء هنا قبل الرجال عندما أتي للتبضع من ر ،هيئته

البقالة فاستحسن الراحة والسكون لما شده الكالم وأثار فيه اهتماما على

قدر ثقافته التي لم تخرج من كلمات حفظناها عنه وهـو يتلوهـا كـل

ودعـا ،أسبوع من أوراق قديمة لخطب كررها من قبل مئات المرات

فلم يتنبـه إال ،طين قرأنا عن بعضهم في كتب التاريخ فيها لملوك وسال

كنا حتى وقت قريب نعتمد على :بعد أن أعاد أهل عشيرته لفت نظره

فجـادت ،وكان جبلنا مشهورا لـه بالخصـوبة ،أنفسنا في توفير غذائنا

لكننـا ،الزراعة على جنباته التي شيدها آباؤنا فيما مضي من األزمان

!حة أبداننا لما أتانا القمح من وراء البحر وص،فقدنا بركة رزقنا

! ؟ وكيف أتاكم القمح من وراء البحر :قلت له مستفسرا

عندما يأتيكم زادكم مـن وراء " األقدمون قالوها ناصحين : قال

وأصبح أمركم في أيدي غيركم حتى وإنـامتلكتم ،البحر فقدتم عزيمتكم

هل عاصرت :ه مستوضحا قلت ل !" وتبدل صخر جبالكم ذهبا ،المال

الذي أتي بك إلى هنـا : قال ؟تلك األيـام التي تحكي عنها يا شـيخنا

، وكثـر الـزرق ، تدفق المـال ،…أنت وغيرك هو ما تنبأ به آباؤنا

" وبدال من ، وركن الجميع إلى الدعة والراحة ،وفقدت المعاني أصالتها

قال عنه األقـدمون استشرى القات الذي " الحب " و " والزعر " الدخن

وأنت تسألني هل عاصرت ،إنه شجرة النار تهوي بصاحبها إلي سجين

وأجيبك بأن ما نحن فيه اآلن من تبدل في الحال ، ؟ تلك األيام الخوالي

فلم تمضإال سنوات قليلةعلى هذا العـز ،حديث حداثة قدومك لمنطقتنا

Page 66: 937

٦٤

يـاة بسـيطة وتعود الح ، ويعود للجبل سحره وبهاؤه ،الذي أتمنى زواله

هل تحن يا شـيخنا أليـام قحـط :تعجبت منه وأنا اسأله ! .كما كانت

لكنال يمكنـك أن ، قال ربما كان هناك بعض العسر فيما مضى ؟وعسر

!.تتخيل ما كنا ننعم به من بركة من كل أمورنا

ناولته أشياءه وهم يهم واقفا فسبقني سؤال نطق به لساني عن سر

تقصـد :كلما حضر فانتبه مستفسـرا " الك السري" شرائه لكل علب

هذا هو الزاد الذي رأيتـه مناسـبا :قال، نعم : قلت له ؟"البسكت"علب

! ؟.لمعدتي

*********

Page 67: 937

٦٥

٩ وال مالمح الوجوه الباهتة التـي ،لم تستطع صالدة صخور الجبال

ومعرفة ما تخبئهدون انتشار الفضيحة وهي تتوالى في ،تحار في فهمها

،ثالث احتلت كل واحدة منهن ركنا من أركـان المرتفعـات مستويات

وطرقعاتهـا ،وظنت الذيول القائمة على الحراسـة أنهـا بحركاتهـا

، ولكـن كيـف !المتالحقة في الهواء أنها مانعة الناس من المعرفـة

وكيف للحكايات أن تنتهي فـي هـذا الجيـب ، ؟ للفضيحة أن تختبئ

فـانطلق خيـالهم يحكـي ،حديثا والناس ال يوجد ما يشغلهم ،الضيق

والتلذذ بسير مارقات من حريمهم تمـردن ، والعفاريت ،قصص الجان

وأخريـات عاشـرن ، وعاشرن رجاال من كل األجناس ،على واقعهن

فهمـن ،قرودا وكالبا وفضحتهن حيواناتهن لما استبد بها الشوق إليهن

ل أن يكـف وعبثا حاو،على وجوههن لما أفتضحن حتى ابتلعهن الجبل

فقصدتهن وحوش ضارية تكسرت على أجسادها رصاصـاتهم ،شبقهن

.فكفوا واكتفوا بالحكايات

" مستوى الحكي األول جاء من زاويتنا حيـث اعتـادت زوجـة

المياه في منزلها عندما تطمئنه " وايت " سائق " حناش " استقبال" مفرح

لما عـاد أبنهـا ف ، فتفتح له ،وأغنامه" قاته" بانشغال زوجها مع أشجار

الصغير يطلب ماء ألبيه أهاله الذي يصرع أمه تحته نصـف عاريـة

متحفظـا علـى " حنـاش " فصرخ في أبيه فأتي بفأسه مقطعا ظهـر

.سروالها وسرواله وهو يسلمها إلى أهلها لينظروا في عارهم

Page 68: 937

٦٦

وكان المستوى الثاني ألخرى أغراها غرامها بالنكاح وهي ما تزال

ستقبال مدرس من بني جلدتهايأتيها فـي ثيـاب الحـريم عروسا إلى ا

فيقوم مقام زوجها الرقيب في قاعدة عسكرية بعيـدة تـديرها ،متخفيا

فشكت قريناتها في أمر تلك السيدة التـي ال تظهـر إال وزوج ،أمريكا

فوصل همسهن إليه فأتاها على غير العادة مفرعا فيهما ،العروس غائبا

ثم عاد إلى قاعدته دون ،لحة كثيرة كانت بداره دفعات متواصلة من أس

فشكلت جثة المدرس لغزا حار في ،أن يثبت عليه أحد أنه هو الذي قتل

.السلطة في المنطقة"عسس " وتعليل وجوده ،تفسيره

والثالثة كانت لفتاة اعتادت اصطياد عمال البناء الذين يعملون فـي

" ربشان " فوطئها ،ر أمها والذي سيدخل فيه على غي ،بيت أبيها الجديد

فلمـا ،البنغـالي "حفيظ " وكان أخـرهم ،الباكستاني" سميع " و ،اليمني

فحملها أبوهـا ، ووضحت آثار حملها سألوها فأشارت إليه ،علت بطنها

فقبضوا عليـه وعلمـوا أنه ،إلى المحكـمة الشرعية كي تتولى أمرها

. يوجب العرفقص رقبته،في بالده" محصن "

لمستوى األول استطاع رهط زوجة مفرح بنفوذهم إيجاد حـل في ا

فاستمالوا المشائخ والقضاة فضغطوا على مفرح لطالقهـا ،لفضيحتهم

فنجت رقبتها بسلطان ،وأخرسوا لسانه بنصف مليون للزواج من غيرها

! .أهلها

،وفي المستوى الثاني تربص أهل العروس بزوجها القاتل ففر منهم

س بوابل من أسلحتهمفرددت أناته السابحة في الفضاء فقابله أهل المدر

. وترنمت بها ترجيعا األودية األسنة،جنبات الجبال النائمة

Page 69: 937

٦٧

واحتشد في المستوى الثالث للبنغالي بنو جلدتـه فسـدوا أبـواب

وأنه عندما ولجهاوافق ، فأثبت لهم أنه لم يكن وحده الذي أتاها ،المحكمة

وأن ما فعله معها لم يمض عليه ، تكن بنتا بعد تهديدها فاكتشف أنها لم

! ؟ وتكور بطنها هكذا، فكيف تكون قد حملت منه،أكثر من أسبوعين

فاهتدت المحكمـة ،فهتف بنو جلدته يطلبون رأي العلم فيما تدعي

فعرضوا عليه أن ،إلى حل رأت فيه مخرجا من حرج أوقعت فيه نفسها

،ميع أبوها وهو يسبهم العنا وقبل أن ينطق ثار في وجه الج ،يتزوجها

كيف انحدر فكر القضاة ليطلبوا زواج أجير وضيع وغريب :ومتسائال

، فجاء الفرج للمقبوض من حيث لم يحتسب ، ؟ من ابنةالسادة واألشراف

فاكتفوا بجلده تعزيرا وهـم يرمـون إليـه بجـواز سـفره ممهـورا

! . وعدم السماحالحقا بدخوله ألرضهم،بخاتمالترحيل

********* وقلبتها المجالس على جميـع ،الكت األلسنة القصص الثالث كثيرا

وتقوى بسماعها األجانب المقيمون وهم يقبضون على الداعي ،وجوهها

" الجنيـة " إلى الفضيلة يضاجع بقرة خلف المسجد المطل على وادي

أثناء انشغال الناس بصالة العشاء فعال صياحهم فتجمع مـن بالـداخل

وأخرجسـالحه النـاري ،ستهجانهم فجرى أحدهم إلى سـيارته على ا

فظـن المقيمـون أنهـم ،ليصرع البقرة التيأفتيأحدهم بنجاسة لحمهـا

، وسوطه إلـى الصـالة ،استراحوا من ذلك الذي كان يسوقهم بصوته

وتسوقهم إلى المخافر بـتهم لـم ،ليفاجئوا بقوة من أمثاله تتحرش بهم

ي الكيد افتعل كبيرهـم مشـاجرة مـع فلما خـاب مسـعاهم ف ،يأتوها

Page 70: 937

٦٨

المتعاقد بالمعهد الديني فوجد نفسه مكـبال مـن "اللغة العربية " مدرس

وعبثا حـاول دفـع ، وساقوه متهما بسب األمير ،أعاله ألسفله بالحديد

وأنها أبدا لم تصدر عنه فتعاطف مع المطوع رقيـب ،التهمة عن نفسه

حاكم أمام أعلى محاكمهافأقسم بـاهللا لي" الذيل "المخفر فرحلوه إلى مدينة

وأنه يعيش في بالدهم منذ أكثر مـن ،ثالثا أنه لم يتلفظ بما أدعوه عليه

ولماذا يسـب ، فما الذي استجد ليجعله يسب أمير البالد ،عشر سنوات

،وهو الذي سعى إلى المخفر شاكيا من مضايقات هذا المطوع الكبيـر

! ؟ مخطئ أو مذنب جاءكم شاكيا فهل سمعتم أيها القضاة األفاضل عن

فأشار القاضي إلى الجنود ليعيدوه إلى محبسه مؤجال الحكم في القضية

.حتى موعدإجازة نصف العام

وعم أرجاء الجبـال ،يتصدر أحاديث المجالس " حنشان " عاد خبر

فسار إليه أهـل ،أنه تعافى من إصابته وأنه بدأ يتحدث ويعي ما حوله

وبضرورة أن يعقد عليهـا بعـد ، ما دفعوه لزوجها عشيقته يطلبون منه

وتهرب من الثاني وهو يعـرض ، فرضى بمطلبهم األول ،انتهاء عدتها

واستحالة قدرته على مضاجعة ،عليهم تقارير تؤكد لهم عجزه الجنسي

فأشار عليه زميله بـأن الحـل ، و أرقه الرقم المطلوب ،امرأة مستقبال

لتقسيط ثم باعها واسـتفاد بمقابلهـا بسيط لو اشترى سيارات جديدة با

ورحـب بـه صـاحب ، فوافقه على اقتراحه ،النقدي في حل مشكلته

وأخبره أنه سيكون البائع ،المجاورة للذيل " المشط " معرض في مدينة

وعلـى ، وأن األمر سيكون صـوريا ،والمشتري منه في الوقت نفسه

فكـان أن ،ارة مقابل أن يخسرعشرين ألفا من ثمن كل سي ،الورق فقط

وعـاد ،أشترى ست سيارات وخسرفيها مائة وعشرين في دقيقة واحدة

Page 71: 937

٦٩

فغافله نفر من أهل عشيقته فسلبوه ماله ،بالحصيلة في سيارة مستأجرة

وأهال التراب على رأسه ، فلطم خديه ،وهو نائم ينتظرالصباح لمقابلتهم

ومـا فعلـه بـه ،وهو في مجلسهم يخبرهم بما فعله من أجل ابنـتهم

واتهموه بأنـه افتعـل القصـة ،اللصوص وهو نائم فكذبوه في وجهه

وإال كان لهـم معـه شـأن ال ، وأمهلوه حتى نهاية األسبوع ،ليماطلهم

فحرص في المرة الجديدة أن يصطحب أحدهـم ليحمل عنـه ،يتوقعه

" وهو يسـب اليوم الذي أشـارت له فيه زوجة ،عناء حراسـة المبلغ

ولما عجز عن سداد أقساط اثنتي عشرة سيارة ،هاحتى أدمنإتيان " مفرح

وطال النزاع بينهما فاستفتي في األمر مفتـي ،شكاه صاحب المعرض

" الدولة فأفتاه بأنه ما فعله معه صاحب المعرض يدخل تحـت إطـار

ودفع بالفتوى الممهورة بخـاتم ،"أحل اهللا البيع وحرم الربا "وقد " الربا

!.اءته والقبض على المرابي تاجر السياراتالمفتي إلى القاضيفحكم ببر

Page 72: 937

٧٠

١٠مثلما غادرني في المرةالتي حكى لي فيها عن قصته مـع الجـن

دخل علي ظهيرة يوم ساطع ،وكيف عاد من عندهـم سالما يتلو الشعر

وراكن إلى ،الشمس منقطع من أناسه الذين انشغلوا بين مداوم في عمله

ت من كالمها أنه منذ غادرني فـي فحياني بأبيات فهم ،الراحة في بيته

المرة السابقة كان سائحا في وادي الجنية فتبدى له شخص لـه نفـس

فلما صار قبالته مسـتفهما ،مالمح وقسمات سكان الجبل فنـاداه باسمه

فرد عليـه وهـو ، ؟ أال تعرفني يا حنين :منه عما يريد كان أن سأله

:س كثيـرين بالجبـل يحدج فيه ويتفحص مالمحه المتشابهة مع أنـا

فهال سهلت أنت ،مالمحك أيها الشيخ أعرفها وإن كنت ال أعرف اسمك

فنطـق الشـخص ، ؟ علي االختبار فأخبرتني من تكون، وماذا تريـد

زنـان " أنا : فتردد صداه في أذني حنين ،بصوت آت من زمان بعيد

!أيها الحبيب" عافية

باسمه في وجهـي عندما نطق : قال حنين وهو يوجه كالمه لي

فانحنى صارخا فـي ، فنظر في عيني فارتميت على األرض ،ارتعشت

فإذا بي امتطي خلفه جوادا أشهبا يرتفع بنـا عـن ،أذني وهو يحملني

األرض فاردا جناحيه المزركشين بألوان مبهجة كثيرة حتى توقف بـي

أمام صخرة عتيقة في وادي الجنية فإذا بنقش عليها كأنه بـاب فأشـار

إليه وتلى من تعاويذه فاستحال النقش إلى باب خشبي عتيـق ومهيـب

فقبض على تـرددي وهـو ،ينفتح لنا محدثا صريرا اقشعر منه بدني

.يمسك بيدي يدفعني للدخول

Page 73: 937

٧١

يا عم حنين لقد مضت على مجيئك األول هنا أيـام :قلت مندهشا

ت تـأتيني وها أن ، ولم أفلح في اقتناص إجابة ممن سألتهم عنك ،بعيدة

لقد أخذتني إلى ،مرة أخرى بحكاية جديدة ال أعرف حتى اآلن تفاصيلها

هل هو جني جديد علـى ،حكايتك دون أن تخبرني من هو زنان عافية

شاكلة جنيتك األولى التي اختطفتك في صباك أتى ليأخذك إلى عالمـه

؟ وصورك الشعرية، وتحدث من خيالك،مرة أخرى لتطور من بالغتك

ولكن آباءنـا ، أما عن زنان فهو انسي لم أدرك زمانه :نقال حني

، إذ كان بارعا في أعمال السحر والكهانة ، وعن براعته ،حكوا لنا عنه

،وحكوا لنا أنه عندما أدركه الموت أتى الجن فحملـوه علـى سـريره

وما زال القبـر قائمـا ،وشيدوا له قبرا جعلوا فيه نوافذ ضيقة للتهوية

ة تل من تالل مواطن قبيلة آل شراحيل تستطيع أن تسأل حتى اآلن ناحي

وسترى جثمانه ممددا على سريره كمـا لـو ،عنه أو تزوره إن أردت

!كان في إغفاءة سيفيق منها متى صاح عليه أحد

وكيف اسـتحال ، وماذا عن الباب المرسوم على الصخر :قلت له

نه مع رفيقك الميت إلى الصورة التي رأيته عليها فانفتح أمامك فدلفت م

؟قبل أن تولد

، وتضحك في أعماقـك مـن روايتـي ، أنت تسخر مني :قال لي

وتحسب أن مسا أصابني جعلني أخرف فأحكي لك من خيـالي مـالم

!؟أراه

أنا ال أسخر منك ولكنني ال أصدق ما تقول إذ كيف لميـت :قلت

بيـاء بل ويصنع أمامه معجزات لم يـأت بمثلهـا األن ،أن يحادث حيا

؟والمرسلون

Page 74: 937

٧٢

. وإني لمغادرك اآلن، إذن لن احكي لك شيئا :قال

ورجوته بعـد ،تعلقت بثيابه وأنا أتأسف له عن زللي في الرد عليه

وفزع ، كنت في رهبة مما أرى :فعاد يقول ،أن جلس أن يكمل حكايته

كنت أدرك أن زنانا غادرنا قبل أن أولد فكيف له ،ممن أنا في صحبته

، وكيف له أن يحادثني وأحادثـه ،د في الصورة التي أراه عليها أن يعو

ويسخر من المخلوقات ماال رأته عيناي من قبل بما في ذلك المرة التي

!ذهبت وأنا صغير إلى عالم الجن

هل تلى الصـخرة عـالم ، أخبرني ماذا رأيت في الداخل :قلت له

؟عافية وهل كنت طوال تلك المدة في ضيافة زنان ،غير منظور

ما إن دخلنا حتى عادت الصخرة كما كانت واختفـى أثـر : قال

فانقبض قلبي وأنا أجري مهروال باتجاهها فوجدته يسد الطريق ،الباب

فربـت علـى ،أمامي فارتميت على قدمه متضرعا أن يتركني لحالي

فأبصـرت ، ويقطر حنانا ،كتفي وهو يستنهضني بصوت يفيض عذوبة

جانبيه ورود ورياحين أفضى بنا إلى قصر منيف يشع طريقا تقوم على

فواصلت السير معه ، وتتدفق الموسيقى العذبة من بين جنباته ،باألنوار

كانت نفس السيدة التي أخذتني فـي … فتفاجأت بها ،مأخوذا ومبهورا

صباي بنفس هيئتها الجميلة كما لو أنني لم أغادرها إال منـذ لحظـات

ولم أذق أطيب منـه ، وصبت لنا شرابا لم أعرفه ،ا فأدخلتنا مجلس ،قليلة

فأصبحنا ثالثتنا في بهو كبير مزدحم بـأجهزة كثيـرة يشـبه ،من قبل

فتحدث إلينـا ، وبعضها لم أكن رأيت شبيها له من قبل ،بعضها التلفاز

من داخلها صوت ما زال صداه يتردد في أذني حتى اآلن وهو يحذرني

،ودماء تراق بكل شبر من أرض العـرب ،من مغبة أيام صعبة قادمة

Page 75: 937

٧٣

ومن عجب أن األسود إن لـم ،وأن ضباعا كثيرة ستغزونا في أسراب

. وتتخلى لها طوعا عن كل زادها،تفسح لها ستفر من أمامها

وإن كانت إلهاما فمـن ، إن كانت هذه رؤيا فهي مفسرة :قلت له

.الممكن االستعداد للتصدي لها

ما ، ولم يكن كما تقول إلهاما ، لم تكن رؤيا يا ولدي ما رأيته :قال

فصرخت في الصوت الذي يـأتيني ،رأيته كان حقيقة فات أوان صدها

ما أقول قـد وقـع : فبهتني وهو يواصل ؟ استفهم منه كيف االحتراز

ال أشـفق :، ثم تهدج صوته حزنا أبكـاني .. وبعضه ستدركه ،بعضه

ثم ضـحك بسـخرية ، إليه عليكم من مصيركم الذي ارتضيتم االلتجاء

أنتم ذهبتم إلى النار بإرادتكم، والبد للنار من زاد فتحصـد :وهو يقول

وهذه ربما تكون جزءا من ضريبة التطهـر ،المتخاذلين منكم واألبرياء

، وغشـى أبصـاركم ، وخيم على عقولكم ،من الدنس الذي سكن قلوبكم

ا وهو ينطفـئ ثم عاد يضحك علي ، وهجرتكم البصيرة ،فغادركم البصر

فأحاطاني وهما يأخذاني إلى رجل حاسر الرأس ،داخل جهازه العجيب

لحيته تكاد تصل إلى قدميه فرمقني مشفقا وهو يقـول بصـوت ،أشيب

، وقسـت قلـوبهم ، تحالف أبنائي مع الشيطان فتبلبلت ألسنتهم :واهن

فوقف األخ عدوا ألخيه والشيطان يواصل إغراءه ويزين له الباطل حقا

!فال يميز

. أوضح أيها الشيخ الوقور :قلت له منتبها

، غادركم بأسكم وسكنتكم الهزيمة وأنتم مستذلون بحكـامكم :قال

، ! فحاصروكم وأنتم إليهم تستسـلمون ،فأطمعتم فيكم من كان يخشاكم

Page 76: 937

٧٤

وصار الدين تجارة ،وقام من بينكم من أفتى بالباطل وأنتم ال تستنكرون

.ر من الجهلة والمشعوذينالبعض ومالذا لكثي

؟ من أنت باهللا عليك أيها الشيخ :قلت له متلهفا

كل هذا ولم تدر :فرمقني بنظرة أسى وهو يتبخر من مكانه قائال

فأعـدت ، فعدت أسأل رفيقي فلـم يجيبـاني ، ؟ أيها األعمى من أكون

السؤال فطلبا مني أال أسأل عن شيء أو حدث مما أراه ما لم يحـدثاني

. فيههما

لما أحسست الجوع وجدت أمامي مائدة تحتوي على صنف طعـام

فتكونت أمامي أنثى لم أر ،واحد فتمنيت أصنافا أخرى من طعام أشتهيه

فوقفت أمامي بلباس يشف كل أسرارها وأجابتني ،من تفوق مفاتنها قبال

إلى ما تمنيت حتى أفقت فوجدت نفسي ملقى في وادي الجنية محتضنا

فنظـرت إلـى ، فقمت من فوري أنفض الدود عن مالبسي ،نةجيفة نت

، فناديت على زنان فلم يجيبني أحـد ،الصخرة فوجدتها كما هي بنقشها

،فأعدت النداء مرات ومرات فوجدت األحجار تقذفني من جانبي الوادي

فحاصـرتني الحيـات ،فجريت وأنا أنكفئ بين كل خطـوة وأخـرى

ه من القرآن حتى أنجاني اهللا من فتلوت في جهري ما أحفظ ،واألفاعي

. فأبصرت الطريق فعدت من توي،مأزقي

إن كان ما تحكيه صحيحا فتلزمني زيـارة ألرى :قلت له مندهشا

. وبابه المسحور، وصخرته،بعيني قبر زنان

سـيكون : قلـت ، حدد لي موعدا ألعود إليك فيه مصطحبا :قال

هو : فأكدت اختياره ،ا السبت إذن موعدن : قال ،معنا ثالث في زيارتنا

.السبت كما حددت

Page 77: 937

٧٥

١١قال قرينه وهو يبتسم متلذذا بتفاصيل قصه تسـعد ذاكرتـه وهـو

ألم يحكلك صديقك إبراهيم قصـة :جهاز نطقه " أيقونة " يستدعيها إلى

فانتبهت مضطربا وأنا أتذكر دعوة أبيهم لـي ! ؟ غرامهمع بنات الشيخ

وكيف أنني ألهمـت ،ن بدار من دياره وعرضه على السك ،على العشاء

وعدتأحمد فيسرى اهللا على نجاتي من دعوته لما علمته ،رفض عرضه

فأنشرح وهو يرمي ،فأجبته بالنفي ، فعاد يستحثني اإلجابة ،من قاسم عنه

برأسه إلى الوراءمحتال أحد الكراسي البالستيكية التـي يتكـون منهـا

عاش إبراهيم تفاصيل تلك القصـة لقد :مجلس البقالة وبدأ يحكي قائال

ويبدو ،مع األيتام " القات"طوال الفترة التي كان يعمل أثناءهافي تهريب

وجائزة لهم جميعاللترفيه عن أنفسهم بعد كل ،أنها كانت طقسا متكررا

فجرت على ألسنة مجالس ، وقد سربتها زوجته لزميالتها ،عملية تهريب

من المؤكـد أن تفاصـيل القصـة :البدو و المقيمينفانزعجت متسائال

وإال ما كان له أن يظـل ،والفضيحة لم تصل إلى مسامع الشيخ وبناته

فـأطلق صـاحبنا ضـحكة ،!هو وعائلته هنا وهو يرىالعيون تفضحه

أي شيختقصد أيهـا الرجـل :طويلة وهو يستفسر مني قائال بسخرية

الطيب؟

مـي بقدميـه إلـى فعاد يضحك وهو ير ! شيخ قبيلة األيتام :قلت

وهـم ، بنات الشيخ الذين أقصدهم ليسـوا بنـات :األمام ليوضح لي

:قلت مسـتفهما " الذيل " بالمناسبة ال يعيشون هنا وإنما يسكنون مدينة

وخير لك أن تحكي مرة واحدة وال تضعني ،ال أفهم ما تقول يا صديقي

Page 78: 937

٧٦

في اختبار ما دمت قد علمت أنني ال أعـرف عـن هـذا الموضـوع

،. أخبرتك من قبل أن إبراهيم كان يعمل مع األيتـام :فقال هادئا !يئاش

وأخبرتني أن سيارته هي مكافأتهم له على عمله معهـم فـي ،قلت نعم

" األيتـام " لكن ما لم أخبرك بـه قـبال أن ، فقال أحسنت .تهريب القات

" ومنها حفـالت ،وحفالتهم،اصطحبوا معهم إبراهيم إلى مجالس لهوهم

الذين كانوا يستأجرون أحـد قصـور األفـراح لتقـديم " لشيخ بنات ا

.استعراضاتهم قبل أن يختلي بهم عشاقهم مع ختام فقرات رقصهم

كان من الممكن أن يصطحبوهن إلى مكان أكثـر أمنـا : قلت له

!بدال من الذهاب إلى قصر األفراح والقبض عليهن متلبسات

ون إلى عالم النسوة إال من وال ينتم ،أخبرتك أنهم ليسوا بنات :قال

.حيث مظهرهم الذي يبدون عليه

،فتداعت إلى ذاكرتي قصص قديمة كنت قد سمعتها قبـل قـدومنا

وروايات مبتورة بعالقات مثلية حكى عنها الـبعض باختصـار هنـا

نعم هم رجـال مخنثـون أو شـواذ : قال ؟ أهم من الرجال :فسألته

ت يقيمونها ويتلذذون فيها بـإبراز ويجذبون إليهم الشواذ من خالل حفال

وتفوح منهم روائح ،مفاتنهم في ثياب النساء يرتدون أطقم النوم الساخنة

ويتحلون بالمكياج واإلكسسوارات الالزمة لمظهرهم ،العطور الصارخة

فصار حقيقـة يتلـذذون ،ليهربوا إلى خيال استنوه على أرض الواقع

.العيش فيها

حتى وإن أرد من خالل روايتـه أن ،حكيهلم يكن رفيقنا يبالغ في

ولم يكن لي أن أكذبه وأنا أتذكر فضيحة مدرسة ،يفسد عالقتي بإبراهيم

عندما دخل تلميذ من أبناء المتعاقدين المقيمين الحمـام فارتـد ،البنين

Page 79: 937

٧٧

مذعورا وهو يرى زميله الوطني يمارس اللواط مع قرين له فارتد إلى

فهب فيـه البـدوي مسـتهجنا ،لميذ ناصحا أبيه الذي ذهب إلى والد الت

والشـباب ، فالطالب شـباب ، وطالبا منه توفير نصائحه لنفسه ،تدخله

ثم ختم برأس الحكمة عندما أخبره أنهـم ،يأتون مثل هذه األفعال دائما

فبلع المقيم غيظه وهو يعـود إلـى ،كلهم كانوا في شبابهم مثل أبنائهم

! مغربا شطر دولتهالمدرسة يسحب أوراق ابنه منها

فوقفـت ،في ركن من المدق الترابي قابلتني وأنا متجه إلى البقالة

فوقفت هي األخرى تكشف لي عن جانـب ،أفسح لها طريقا حتى تمر

فارتبكت وأنا أتلفتيمنة ويسرة خشية أن يكون هنـاك مـن ،من وجهها

شرت فأ ، ثم ابتسمت وهي تدعوني للمرور ،يرصد هذه المقابلة القدرية

فجذب شوك الصبار عباءتها فانخلعت عنها فتخبطـت ،لها أن تمر هي

، وصممت أذني عن سـماع اسـتغاثتها ،رجلي وأنا أسرع مبتعدا عنها

! .ودعوتها لي لمساعدتها

ما لمحته من وجهها كان بعضا من تفاصيل رأيتها قـبال، بمتانـة

من تكون هذه وتساءلت ، وبياض بشرتها الناضجة ،قدهاوطولها الفارع

حتى أتيت البقالـة فتفاجئـت بشـبيهتها ؟ وكيف بدالي أنني أعرفها ؟

فأدركت أن من قابلتها هي أمها المطلقة والتي لم تتخط الثالثـين مـن

فأعطيتها ما طلبت من حلوى فتلكأت وهي تخبرني أن ال أحدا ،عمرها

أمهـا و ،لشراء بعض لوازم البقالـة " الذيل" فجدها قصد ،معها بالمنزل

خرجت تقصد زوجتي لتذاكر لها بعض الدروس ألنها تنـوي العـودة

وال تأتي ، فصرفتها وأنا أؤكد عليها أال تترك منزلها ،للدراسة المنزلية

فغافلتني وهي تمد يدها إلى علبة سـجائري ،بأفعال قد تنال من سمعتها

Page 80: 937

٧٨

وعلى الباب رمت لي بها بعد أن أخـذت منهـا ،وهي تسرع خارجة

وفي المساء قالت لي زوجتي إنامرأة طويلة دخلـت عليهـا ،! كفايتها

وظلت ، فقامت من توها وأغلقت على نفسها الباب ،وهي تناديها باسمها

وأنهـا أم لتلميـذة ، وبأنها فالنة ابنة فالن ،األخرى تستعطفها أن تفتح

وأنها ما أتت إال لمراجعة بعض الـدروس ، ! وأنها ليست جنية ،عندها

في بعض المسائل الحسابية لنيتها دخـول امتحـان السـنة وطلبا للفهم

فانصرفت عائدة ، وعبثا حاولت ولم تجيبها إلى رجائها زوجتي ،السادسة

.بكتبها

*********" رمى يمين الطالق علـى " الشيبة " أن " سليمان اليتيم " يخبرني

" ومـن تكـون ،"الشـيبة " من هو :فأستفهم منه !باألمس" العجوز

! فيخبرني أنهما والداه،! ؟"جوز الع

وأمـه كمـا روى ،أسأله كيف يحدث هذا وقد تخطى أبوه الثمانين

، فيخبرني أنهما اختلفا على الماعز واألغنـام ، ؟ تبلغ الرابعة والسبعين

، !فأبوه اتهمها بأنها جعلت من قطعانهـا األغنـام األولـى بالرعايـة

أغاظه ردها عليـه فرمـى فلما عاتبها ،فظهرت أغنامها على أغنامه

. !عليها اليمين

؟ وألمك أغنام أخرى، وهل ألبيك أغنام :قلت

لـه ماليتـه – كما هي عاداتنـا – وكل منهما ، نعم :قال مؤكدا

وهي كانت تتقاضى منه مقابال مقابل قيامها برعاية ،الخاصة والمستقلة

!أغنامه

Page 81: 937

٧٩

فقال ممتعضـا ، وعلى والدك أن يرد اليمين ، المسألة بسيطة :قلت

كيف تكون المسألة بسيطة وهذا هو الطالق الثالث لـه :ومتسائال يأسا

إن غرابة الوضع الذي أوقعنا فيه الشيبة هي التي دفعتني ألن أحكي ،؟

.لك

وماذا بيديك أنت لهمـا وقـد أصـبحا :قلت له مندهشا ومواسيا

إال عبـر وال يحق لهما االقتران مرة أخـرى ،محرمين على بعضهما

ثم يطلقها من ،الذي البد له حسب الشرع أن يدخل بها " المحلل " بوابة

وليس كما يفعل البعض من مأذوني ، ودون ضغط من أحد ،تلقاء نفسه

ثـم ، فيعقـدون علـى األوراق ،وطننا فيحتالون على األمر باألوراق

دون أن ، ثم يعودون فيعقدوا للطليقين من جديـد ،يطلقون على األوراق

! ؟ أو حتى رآها،يكون من ارتضى القيام بدور المحلل قد وطأها

كـل منهمـا فـي ، قمت في الصباح الباكر بالتفريق بينهما :قال

، ! وقمت بإقامة حائط يشطر الحظيرة حتى ال تختلط أغنامهمـا ،منزل

ثم ، وسيشكل هذا األمر عبئا علينا في رعايتهما معا :ثم واصل مهونا

ي أيضا كيف سنبدو ونحن نحرص على عدم التقائهمـا ال أدر :تساءل

!درءا لمشاكل قد تتوالد إذا التقيا

خير لك مادام األمر هكذا أن تبحـث لهـا عـن :قلت له مازحا

! ؟ ثم يطلقها حتى تصح مرة أخرى ألبيك،عريس يقبل الدخول بها

؟ وهل تراني أقبل بأن يدخل على أمي آخر غير أبي :قال موضحا

خير لك أن تسأل أمك فربما تكون في شوق للعـودة إلـى :تقل

!أبيك

Page 82: 937

٨٠

األحسن أن أسأل أبي إن كان يرضى بعودتها إليه من خالل :قال

!هذا الحل الوحيد أم ال

! ومؤكد أن من سيعترض هو أبوك، قد تقبل أمك :قلت مازحا

وبدا كمن يود أن يسر بهاجس مـازال يتـردد فـي ،قال موضحا

سيرضى كثيرون بأبي خطيبا للعذارى من نسائهم مادام :عنهاإلفصاح

وخير ألمي أن تنتظر القبر وهي تجتـر ذكرياتهـا مـع ،يمتلك المال

!!!! !أغنامها

Page 83: 937

٨١

١٢ إذ انضم إلينا زوج ابنة سليمان التي دخـل ،كنا ثالثة يقودنا حنين

وانجب منهـا ثالثـة ،عليها في بيت والدها بعدما تعثر في دفع مهرها

استنزفوا مع أهل أمهم معظم راتبـه كجنـدي متطـوع فـي شـرطة

.)الذيل (

أم تفضـلون أن تكـون ، هل تودون االبتداء بالصخرة :قال قائدنا

؟البداية من القبر

سيان االبتداء بأيهما إال إذا كان هناك ما يستدعي تقديم مكان :قلت

!على آخر

أ بزيارة القبر ألننا من مادام األمر هكذا ـ فإنني أرى أن نبد :قال

الممكن أن نجعله في طريق ذهابنا حتى إذا انتهينا من زيارة صـخرة

ألننا سنكون مجهدين مـن ،الباب عدنا من طريق مختصر مرة واحدة

. واألفاعي، والسباع،سير طويل في واد موحش تسكنه الشياطين

قلت له ونحن ندور حول القبر ونطيل النظر من مزاغله الضـيقة

لماذا تغاضـى :نرى رفات زنان وهو مدد كما دفنه الجن ألول مرة ل

شيوخكم ومطوعوكم على هذا القبر الذي يعتلي األرض متحـديا كـل

؟فتاواهم

لم يقم أحد باإلبالغ عنه من قبل رغم أنه كما ترى قبر غير :قال

هل هو خوف من اإلبالغ وعواقبه ؟ وال ندري السبب في ذلك ،شرعي

صدقني ال … هل هو سحر أعمى بصيرتنا ؟ سل زرع فينا هل هو ك ؟

!ندري؟

Page 84: 937

٨٢

كان من الممكن أن تعلم ذلك من صديقك زنان الذي :قلت ساخرا

من المؤكـد أنـه ،اصطفاك واستضافك في عالمه الذي حكيت لي عنه

!كان سيخبرك

. ربما لكن ذلك لم يخطر على بالي وأنا في حضرته :قال

له في ذاكرة آالت التصوير قام إلينـا ونحن ندور حول القبر نسج

فـرد عليـه حنـين ،بدوي يسكن بيتا فقيرا قريبا من المكان مستفسرا

فأخبرنا وتاريخ قـديم يتلكـأ ، وزاده زوج ابنة سليمان تعريفا ،موضحا

على لسانه الفصيح وإن ركن إلى لهجة محلية عبرها بنوه وأحفاده إلى

يك من لغات الهنـود والباكسـتانيين لهجة دولية جديدة تجمع كل الرك

والبنغاليين وغيرهم من الجنسيات األخرى أنه يستيقظ في ليال كثيـرة

ورأى ألسنة لهب وأدخنة تتصاعد من فتحات ،على أصوات انفجارات

قال إنه في البداية ظن أنه يحلم أو يخيل ،القبر الخال أمامنا من آثارها

شابا يعبر مراهقة شائهة زاد مـن فلما سأل ابنه وكان ،إليه لشيخوخته

آالمها وتباريحها ذلك األب الذي سبق والد سليمان في تجربة زواج من

،فتاة تصغر ابنه المراهق الذي يشاركه السكن فأمن على كالم الشـيبة

وزاد أنه خرج من غرفته وسار مرة ذات باتجاه القبر فأبصر نفسه في

!لفضاء ال يبصـر آخرهـا وجبهة قتال بامتداد ا ،ساحة حرب كبيرة

وطائرات أصم اختراقها لحاجز الصـوت طبلتـي ،فرأى مدافع تهدر

فارتمى من فرط خوفه وفزعه ، ورأى صواريخ تنطلق باتجاهها ،أذنيه

فلم يستيقظ من كبوته إال عندما لسعه عقرب في ظهر قدمه في ضحى

تمكن فجرى باتجاه عشيقته التي مصت له السم بفمها قبل أن ي ،يوم حار

.منه

Page 85: 937

٨٣

وانضم إلينا ابنه فلوحنا له وهو يستند علـى ،لوح لنا الشيبة عائدا

كتف فتاة علمنا أنها كانت رفيقة الصبا لولده الذي شـب معهـا حتـى

، وكان وقع زفافها على أبيـه أليمـا ،حجبت عنه على عادة أهل الجبل

فعاد إلى البيت وعادت هـي تسـري ،لكنه استطاع أن يفيق من كبوته

نه حتى ضبطهما الشيبة ذات مرة في مخدعه فهوى بعصـاه علـى ع

وال ، فال هو قادر على مجامعتها ، وقامت هي من تحته تلعنه ،ظهر ابنه

،هو راض بتركها تشبع شهوتها ممن تحبه وتراه قادرا علـى إتيانهـا

، وتغاضى عما رآه شريطة أال تكون على ذمتـه ،فنفى الشيبة فضيحته

وابنـه ، لقـد طلقها :فلما أبديت له اندهاشي قـال ،هكذا أخبرني حنين

فصـار الطـالق ،متمسك بها وهو يعلم أنه ال يجـوز لـه زواجهـا

! وعشيقة ابنه برضاه ومباركته،شفوياوظلت زوجته أمام الناس

كيف لك بكل تلك األسرار التي من الممكن أن تطير فيها :قلت له

؟هو حال ابنتهم وكيف ارتضى أهل الفتاة أن يكون هذا ،رقاب

أما أمها فقد تزوجت ، وهاجر من منطقتنا أخواها ، مات أبوها :قال

أما من أخبرني فهو الشيبة نفسه فقد حكـى ، ؟ فلمن تعود ،هي األخرى

فافتضـح ،لكل أهل الجبل موهما كل واحد أنه لم يبح بالسر ألحد قبله

د أن انتهينا من فقام ابنه أمام الجميع بع ،األمر وسار مادة لكل المجالس

إن الكبر ضرب رأس أبيه فصار يهذي بكالم :صالة أحد الجمع قائال

إذا كان والدي قد طلقها كما يدعي فعنـد : وقال للناس ،.ويتخيل أشياء

ولماذا لم ؟ وأين هي وثيقة طالقها ؟ هل رد عليها مؤخر صداقها ،من

وأن ،فة عفيفة وبكى أمام الناس وأقسم أنها شري ، ؟ يطردها خارج داره

، ولوالها لسار القمل عل قفاه في سرايا وكتائب ،آفة والده هي الهذيان

Page 86: 937

٨٤

فتعاطف الجميع معـه ،ولكانت عفونته قد فاحت فسدت خياشيم قاصديه

بل وانبرى منا مـن ،فغض الجميع طرفه ونحن نقنع أنفسنا بما يدعي

ض بـأن فأفتى البع ،عزز ما ادعاه الفتى حيث أنها لم تحمل حتى اآلن

لكنها ـ أيها المأل ـ لم تحمل ولم ،الفتى لو كان يضاجعها لحملت منه

.تشكو وهذا يؤكد ما ذهب إليه هذا الفتى الناحل المؤذى بأبيه

فلفتنا الجبال من كل ناحيـة ،طال سيرنا في وادي الجنية الموحش

، وقطعت علينـا الطريـق أحجـار وصـخور ،بارتفاعاتها وتبايناتها

وعبثا ، فلما صرنا قبالة الباب رفعت كاميراتي ،بين تطير وحاصرتنا ثعا

فأعدت المحاولة فخلعت الكاميرات من كتفي وألقيت ،حاولت التصوير

وعبثا حاولت لكن ، فلما رفعتها معاودا انطفأت إضاءتها ،على األرض

فالتفت إلى حنين فوجدت يدا طويلة تخرج من ،محاوالتي ذهبت سدى

تجاهها فوجدناه طائرا في الهواء حتى حط أمـام وسط الصخر تشده با

،الباب الذي رأيناه ينفتح أمامنا وينغلق خلفه فعادت الصخرة كما كانت

فاصطفت على جانبي الـوادي ،فانطلقنا مفزوعين ال نلوي على شيء

فاستحضرت كل ، غشيمي المالمح ،تماثيل حجرية ألناس بدائي األجساد

فيقاي فعدنا في اتجاه بيت الشيبة فأبصرنا اآليات واألدعية ومثلي فعل ر

وحـول المكـان انتشـرت ،بلدوزر البلدية يسوي قبر زنان باألرض

.مجموعة من أصحاب الذقون الطويلة

Page 87: 937

٨٥

١٣عندما أعلن كليب قيام جمهوريته في الطرف الجنوبـي الغربـي

كان أن أعلن من خالل محطته اإلذاعية التي لـم يسـمعها ،من الجبل

رحيبه بانضمام بقية األطراف إلى جمهوريته الوليدة والتي أحـد عن ت

حار في تسميتها فتراجع عن اسـم الجمهورية الكليبيـة الديمقراطيـة

فعـاد ،ليعلن اسما جديدا وهو ينتظـر وفود قبائل الجبـال المجـاورة

وأثبتـت ، !)االتحاد الديمقراطي للجنوب والشمال وتوابعهما (وأسماها

ضرها أنها استقبلت إرسال إذاعته التي حـرض فيهـا الشرطة في محا

وأعربـت ، واالنقالب على واقعهـم ،سكان باقي األطراف على الثورة

،عن دهشتها وهي تدون أن األجهزة المضبوطة كانت روسية الصـنع

وكيف وصلت هذه ،وتساءلت وهي تسعى للقبض عليه عن الذي أدخلها

جرأة على إلغاء النظام األميـري األجهزة على يد هذا المعتوه لتتملكه ال

وكيف لـم ، فلما سألته عن سر خروجه من السجن ،وإعالن الجمهورية

، ومتانة عالقاتها ، قال لي إنها سطوة قبيلته ، ؟ يمتد به المقام قدر تهمته

أو لقضى عمره كله خـاف ،ولوال ذلك ألعدموه بتهمة الخيانة العظمى

!األسوار مكبال بالحديد حتى يقضي نحبه

فهـل كانـت مـن حيـث المنعـة ،كنت أعلم أن قبيلتـه قويـة

فحثثته على توضيح ذلك ،! ؟ والجاهتسـتطيع أن تقف في وجـه دولة

لكننا " الضب " نحن في األساس لم نكن نتبع دولـة :اللبس فعاد وقال

، وارتضى آباؤنا بحكمها حيث ال ضرر وال ضـرار ،وقعنا في أسرها

فلما جـادت ،آباؤنا وهم ينتظرون ذلك الغيثووعدونا بالمساعدة فمات

Page 88: 937

٨٦

فلم نكف عـن ،األرض بمكنونها هنا وهناك أرسلوا إلينا بالهبات والمنح

،المطالبة وبأننا شركاء في الثروة فبدأوا على استحياء يمدوننا بالخدمات

فتضـجر ، ورفع الطلبات والمظـالم ،فتوليت عن الناس كتابة الشكاوى

فرأيت فـي ، فأعادوا القبض علي عدة مرات ،مني القائمون على األمن

فأرسلت بشكاوى ، وحقي في المواطنة ،ذلك انتهاكا لحريتي في التعبير

فلمـا ،جديدة أشكو فيها معاناتي إلى األمين العام لجامعة الدول العربية

،طال انتظاري لرده الذي لم يأت حتى اآلن أرسلت لمن هو أعلى منه

ولم أكن أدري أن مكاتباتي البد أن ، المتحدة فخاطبت األمين العام لألمم

فقضيت من عمـري أيامـا ، ويقرءوها ،تقع في أيدي العسس ليفتحوها

فصرت ، وربما أصابت تفكيري ،سوداء تركت أثرها على كامل هيئتي

ولم ، والجنون ، ووصمي بالشطط ،أقرأ في عيون الناس إشفاقا تهم علي

.أقرأ ما يخبئه لهم المستقبل و،يدر هؤالء أنني كنت أعمل لصالحهم

، وكثرة لقاءاته بي ،الدائم علي " كليب " تعجب اآلخرون من تردد

وحذرني بعضهم من مغبة استقباله أو االستماع إلـى آرائـه التـي ال

فلما أخبرتهم أنني ال أستطيع ،تحتوي إال على الغريب والتافه من الفكر

أو توقيـف لسـانه ،ره وال أقوى على مصادرة أفكا ،منعه من المجيء

فواجهت العسس بمثل ما واجهت به سابقيهم مؤكـدا أن ،بي –وشوا–

، فشهد شقيق قاسم بأنني أتعاون مع كليب ،األمر بأيديهم هم وليس بيدي

وأنني ما جئت من وطني إال ألتجسس عليهم معاونا لكليب في خطتـه

نذ اللحظة وأنه عرفني م ، ودعم مشروعه االنفصالي ،لقلب نظام الحكم

ولما تأكد من ذلك واجهني عندما رافقني بناء على طلبي فـي ،األولى

Page 89: 937

٨٧

وأنه أرجأ إبالغ األمن حتى ،جولة بالجبل بحجة تصوير األبنية القديمة

.يتأكد من ظنه وال يتهمني بال دليل

هاأنذا اليوم وقد وقعت في أيدي عسسـهم فـال أكـون إال ذلـك

الصور إلى دولته تمهيدا إلرسـال الجاسوس الذي يرسل بالمعلومات و

وتحميه متـى أعـاد إعـالن قيـام ، وتقويه ،قوات تعزز موقف كليب

بل سيمتد بها ،جمهوريته التي لن يقصرها هذه المرة على جبل األيتام

!.إلسقاطها"الذيـــل " والزحف إلى ،لتشمل الجبال كلها

!ال أصدق أن ما يجري أمامي وحولي وبخصوصي ينتمي للحقيقة

من ، وأضغاث أحالم مزعجة ،من المؤكد أنني تحت تأثير كابوس ثقيل

المؤكد أنني سأستيقظ من نومي فيتبخر ما تبقى في الذاكرة مع مشاغل

لكنني تأكدت من محبسي وأنا أرسف في أغالل تصل يدي ، !يوم جديد

فأرسلت في طلب من لهم التأثير فلم يصلني ،المكبلتين بقدمي المتعبتين

. أحدامنهم

وطمأنني زوجهـا ،دخلت علي زوجتي بصحبة مديرتها الفلسطينية

فلربمـا أراد اهللا أن ، وال تيأس ، إن بعد العسر يسرافال تبتأس :مواسيا

. فإن اهللا مع الصابرين، فال تضعف، أو يختبر إيمانك،يطهرك من ذنب

، تختلف ألسنتهم ،في السجن تعرفت على كثير من جنسيات عديدة

ولـم تخـل ،"الضـب " تشابهت معظم عقائدهم مع عقيدة دولة وإن

الزنازين من بعض الوطنيين من البدو الذين يحلو للسلطة أن تـتهمهم

. واإلتيان بأعمال الكهانة،بالدجل والشعوذة

ولم يأت ،قال لي رفيقنا الهندي عندما اطمئن لي إنه لم يرتكب ذنبا

عه بأن تجارته في المخـدرات لكن كفيله أقن ،بفعل يستحق عليه السجن

Page 90: 937

٨٨

مقابل بدل نقدي سخي يحوله ،تخصه إن داهمته قوات السلطة يوما ما

ويعادل عمله عنده ضعفي عمره على األرض ،إلى أهله بعد االعتراف

فوافقـه ، !لو ظل يعمل منذ لحطة ميالده وحتى مماته في سن السبعين

في قريته التي مسحها والفقر الذي يفتك بأهله وأبنائه ،تحت وطأة العوز

، فلما اطمأن إلى سجنه أخل باتفـاقه ، وقوضت معالمها الطبيعة ،السيل

وأن ،ولم يـدر أن الهنـدي أبلغ زمالءه و أهله بتفاصيل تلك الصـفقة

فأرشـدوا ،هناك من راقبه وهو يخفي تجارته في أماكن بديلة وبعيـدة

.ن األجانب المقيمينعنه فساقوه متلبسا قبل أن يكون قد اتفق مع آخر م

فقـال ؟ سألته لماذا هو هنا إذا كان الفاعل األصلي قد قبض عليه

ولم تصل بعد إلى القضاء ،إن أوراق القضية مازالت في أيد السلطات

!ليفصل فيها

امتأل الحجز بأعداد كبيرة من المقيمين المتهمين في حوادث السير

وعجـزوا عـن ، وحيوانات المرورية الذين داسوا فيها بسياراتهم بشرا

وعجز ذووهم والمتعاطفون معهم في إقناع أهالي الضـحايا ،دفع الدية

والتي ال يقدر علـى ، أو الرضا بقبول جزء من الدية المقررة ،بالتنازل

وغيرهم ممن تنتفخ جيـوبهم بـأموال ال ،دفعها إال أبناء البلد من البدو

.يأتوا مقابلها بعمل

لمتهمين قصة ذلك السائق المقيم الذي كانت أغرب قصص هؤالء ا

ولم تفلح مكابح السيارة وهي تزحف باتجاهه ،فاجأه جمل على الطريق

فماتت الزوجـة ، فارتمى جسده على صالونها يقوضه ،فضربت سيقانه

فلمـا ، وظل هو ينزف حتى جاء من أسعفه ،وهي تحتضن ابنها الوحيد

جأر بالشكوى وهو يسألهم ف ، !تعافى أتوا به تحت حراستهم ليدفع الدية

Page 91: 937

٨٩

، ! فصموا آذانهم ورموه في الحجز حتى الدفع ،عمن سيدفع دية أسرته

فأصـروا علـى ،وفشلت محاوالت يائسة مع أصحاب الجمل للتصالح

.حبسه فصار يسبهم ويتهمهم بالقسوة والجشع

،تذكرت ضابط الجوازات فأشرت لصديقي الفلسـطيني ليقصـده

.وبأنني في حاجة ماسة لمساعدتهوليخبره بما آل إليه حالي

، قل له عبد النبي أقصد عبد رب النبي ضاق بـه الحـال : قلت

وكيـف لـه ،ويعيش أسيرا على جرم لم يأتيهفي معركة لم يشـاهدها

فاستقبلني باشـا ؟ بالتخابر والتجسس على جبل كل مدنيته في مدرستيه

نا بالضـم قلت ينطقونها عنـد ؟ أنت مرة أخرى يا عبـد :وهو يقول

، فأجبتـه ، قال دعك من جدلك وأخبرني بخلفيات اتهامك ،فتكون عبـد

عقوبـة :هل تدري ما هي عقوبة التجسس، قلت : فعاد يسألني متأسيا

. هذه هي عقوبتها يا عبد : فأشار إلى رقبته وهو يقول، !قاسية

وأقسمت له بكـل ،انتفضت منزعجا نافيا عن نفسي ما اتهموني به

، التهمة قاسية : فعاد يقول ،ى إلى ذاكرتي واستطاع نطقه لساني ما تداع

لكن ومن حسن حظك أنهم لم يعثروا في بيتك إال على ،وعقابها الموت

أما مجموعة الكتب المضـبوطة ،كاميرا رخيصة اشتريتها أنت من هنا

وربمـا ،فال مالحظة عليها إال على واحد كتبه ممنوعة التـداول هنـا

اإلفراج عنك لبضعة أيام أخرى للتحقيق معك حـول يعطل هذا األمر

وسيعاقب بنفس االتهـام مـن ،الكيفية التي أدخلت بها هذا الكتاب هنا

، فهل تملك !كانوا على بوابات الدخول وفتشوك قبل الدخول إلى دولتنا

وتبرؤ بهـا مـن ختمـوا ،وسيلة تستطيعأن تدفع بها االتهام عن نفسك

! ؟بالدخول جوز سفرك

Page 92: 937

٩٠

ولـم ، مؤكدا أنني ما أتيت بالكتب إال للقراءة ،ت االستنجاد به أعد

، فهم قد صـادروا منـي مـا رأوه ،أكن أدر أن الكتب تراجع وتفتش

فهـل ،وصدقني عندما أؤكد لك أنني لم أعلم أن بالحقيبة كتبا أخـرى

، فعـاد !؟تعتقد أنني خبأتها منهم وهم الذين قاموا بفتح وتفتيش الحقيبة

من جهتي سأبذل قصارى جهدي لتعود إلى أسرتك التي :ليقوبهدوئه

. ليأنسوا بك وتهنأ بهم،تستظل اآلن بظل غير ظلك

Page 93: 937

٩١

١٤عندما ألقوه وسطنا اندفع كالثور الهائج ناحيـة صـينية الطعـام

فلما انتبه ، فانزوى معها يغترف األرز بيديه ،المنزوية في أحد األركان

وعلى اللحم ،قبض على األرز بيد لقطع اللحم خاف أن يشاركه أحدنا ف

باألخرى متمنيا أال يأتيه الشعور باالمتالء إال بنفاد الزاد الذي يخشـى

!.ندرته في الغد الذي ينتظره

لكنه كان في شك مما نقول ، وبأن الزاد له دوننا ،أشرنا له بالهدوء

وتباطأت طواحينه فتجشـأ ثـم ،فاستمر حتى انتفخ بطنه وتراخى فكاه

ثم عاد يتقلب حتى اسـتقر علـى جانبـه مسـتلما ،على ظهره ارتمى

.الحائطوراح في نوم عميق

قلت لنفسي ماداموا قد أتوا به فإن األمر سيطول وال أتوقع إفراجا

: فقال لما اسـتيقظ ،كما توقع الضابط مدير الجوازات في الغد القريب

عـا فقد كـدت أهلـك جو ،اعذروني إن كنت قد أتيت على األكل كله

فاختبأت مـنهم ،وعطشا عندما حاصروني في قمة تل مليء بالكهوف

فنجاني اهللا من ،متحمال وراضيا بأي مفاجأة قد تحدث لي داخل ظالمه

لكنني وقعت في قبضـتهم عنـدما ،وعضات األفاعي ،سموم العقارب

وتالشت أصواتهم فطللـت برأسـي ،ظننتهم غادروا لما خفت حركتهم

اص من كل ناحية وأنا أعزل حتـى مـن مـديتي حذرا فانهمر الرص

وأخرجت لهم يدي ليطمئنوا أننـي ،فحملت جلبابي وعلقته على عصا

فظلوا يقتربون على حذر متوقعين أن أفاجئهم بسـالح ال ،مستسلم لهم

يعلمونه فصرخت أنني أعزل إال من سروالي فرموني بقنابل اهتز لهـا

Page 94: 937

٩٢

وأنا أسبح في غـالالت ولم أدر شيئا ،الكهف فتساقطت بعض صخوره

فلما أفقت صرخت من األلم وأنـا أتحسـس جلـدي ،من دخان كثيف

وها أنتم ترونني اآلن كمـا أحكـي ، ودمائه المتخثرة ،بجروحه الغائرة

! فهل ادعيت غير الذي ترون؟،لكم

وبأنني أساعدك لقلب نظـام ، قبضوا علي بتهمة التجسس :قلت له

! ؟عون فهل كنت مساعدك فيما يد،الحكم

وربما أمكث أنا مـدة أكثـر منـك ، ستخرج أنت ، ال تقلق :قال

وقد سألوني عنك فأجبتهم أنه ال يربطني بـك غيـر ،باعتباري البطل

! واطمأن فال دليل عليك أو علي فيما اتهموك به واتهموني،البقالة

ويسـاق النـاس إلـى ،أبهذه السذاجة والسهولة تلفق الـتهم : قلت

؟السجون

، فأي كـالم يؤلونـه ،ن األفضل أال تحادثني في شيء هنا م :قال

فـال أنـت ، وأنا واثق أن حديثنا اآلن منقول لهم ،وأي معنى يفسرونه

وال أنا بقادر على تنفيذ شيء مما اتهموني به هـل رأيـت ،فعلت شيئا

إنني ال أملك من القوة ما ! ؟ شخصا وحيدا اعزال يخططلقلب نظام حكم

! فكيف لي فيما يدعون؟، القبيلةأقف به أمام شيخ

لم أكن :، فقاطعني موضحا ! ؟ لكنك فعلتها قبال كما حكيت :قلت

وكان فعلي من قبيل المزاح الذي استحال جـدا، لقـد ،جادا فيما فعلت

أردت لما سال المال في يدي أن آت بما لم يأتيهأحد قبلي فوقع في يدي

فأذعـت ،ه محطة بـث إذاعيـة ذلك النظام الصوتي الذي قالوا عنه إن

ثم خطرت ببالي فكرة إعالن الجمهورية مستلهما تراث ،مجموعة أغان

Page 95: 937

٩٣

محطة ما زال صوت مذيعها األشهر يتردد في أذنـي فأعلنتهـا مـن

! فوجدتهم فوق رأسي،غرفتيالمغلقة بإحكام علي

صدقني لم يكن األمر أكثر من مزاحلكنه تحول فجأة إلى كـابوس

إنني ،بطولة في ذلك ألنني صارحتهم منذ قبضوا علي وال أدعي ،ثقيل

فـإذا بـه يرسـل ،لم أكن أتخيل أن يصدر هذا الجهاز المعقد صوت

ولم يخبرني بذلك أحد من ،إشارات التقطتها أجهزتهم كما أخبروني هم

لكنهم صنعوا مني ذلـك الرجـل ، لم أكن زعيما أو ثائرا ،سكان الجبل

وتعهدات ممن ، عني بعد وساطات كثيرة فلما أفرجوا ،الذي تسمع عنه

، شكوت جبروتهم لديوان المظالم فلـم ينصـفني ،تدخلوا ألجلي عديدة

ثم واصلت مع منظمـات عـدة - العربي والدولي -فأرسلت لألمينين

فأعادوا اعتقالي مرات ومرات حتى ، فوقع ما أرسلته في أيديهم ،أخرى

ولم يكـن ليفـرج ، وكل أشكال اإلهانة ،تجرعت كل كؤوس المرارات

.عني في المرة األخيرة إال بعد تهديدات أرسلتها قبيلتي إليهم

؟ أية تهديدات تلك التي أجبرتهم :قلت

ألم أقل لك من قبل أننـا لـم ، يبدو أنك مصاب بداء النسيان :قال

لكننا أصبحنا بـين عشـية وضـحاها مـن ،"الضب " نكن نتبع دولة

نظام الحكم في الدولة المجاورة هـددنا وألنهم يخشون علينا ،رعاياها

والضن علـى ،مرات ومرات بأننا سنعود إليها إن استمروا في إهانتنا

.جبالنا بما أفاءه اهللا على الدولة من نعم كثيرة

*********

Page 96: 937

٩٤

وقفت أمام ضابط التحقيق أنفي عن نفسي اتهاماته الشـفوية لـي

،ا إثـارة البلبلـة والتخطيط معه ألعمال من شـأنه ،"كليب " بمساعدة

وأنني أعمـل ، وحث الناس على الثورة ضد نظام الدولة ،وزرع الفتنة

وأنهم يملكون الدليل على أنني أتبع جهاز مخابرات وطني إذ ،جاسوسا

كما أنهم عثروا أيضا ،عثروا في منزلي على صور ألهداف في الجبل

إلـى فكيف بها تصل ،على كتب ممنوعة الدخول إلى حواضر دولتهم

.باديتهم

يا طويل العمر ـ حدد لي األهداف االسـتراتيجية :قلت مستهجنا

في مجموعة الصور التي صادرتموها من منزلي الذي استبحتموه وأنا

،! ؟ غائب هنا في سجنكم مما يشكل اعتداء صارخا علي وعلى أسرتي

ونباتات لم يزرعهـا أحـد ،هل رأيتم في الصور غير بناياتكم القديمة

ولم يبذل أحد ،فاستنبتت نفسها بنفسها وتغذت على ما جادت به الطبيعة

،أنتم تعرفونه أكثر منـي " كليب " و ،من أهل الجبل جهده إال مع القات

فال هو بزعيم أو ثائر وال أنا مساعده أو مخطط له علـى اإلطالقأمـا

مون الكتب القليلة التي وجدتموها فهي من بقايا الكتب التي صادرها القائ

وهـي ، وأنا لم أرها إال بعد وصـولي ،على حراسة بوابات مطاراتكم

كلها تنتمي لألدب إال واحدا لمفكر وكاتب قـومي شـهير لـم أدر أن

ولو دريت لتخلصت من كل كتبي قبـل ،مؤلفاته على قائمة ممنوعاتكم

، لـيس خوفـا !.أن تمتد إليها أيديكموحتى ال أكون في مثل موقفي هذا

.عاد عن المشاكل التي حاولت تجنبها بشتى السبل و الوسائلولكن لالبت

Page 97: 937

٩٥

فأجبته أن الوظيفة مدونة في جـواز ،سألني عن وظيفتي في بلدي

جوز سفرك باعتراف دولتك يقول لنا إنـك بـال : فعاد يقول ،سفري

؟ فأين هي الوظيفة،عمل

لماذا ، ؟ هل كان لي أن أبقي على شيء حتى أنجو ويمتد بي المقام

وبأنني غيرت من وظيفتي حتـى يوافقـون علـى ،أخبره بما حدث ال

وبأنني رضيت بالهوان من أجل الفوز بدنانيرهم التـي أتلظـى ،قبولي

.اآلن بنارها قبل أن تقبض عليها يداي

! جئت مرافقا لزوجتي على أمل العمل هنا :قلت

! جئت طامعا في أموالنا :قال

؟ا للعمل والتكسب من كدنا كيف أكون طامعا وقد أتين :قلت

؟ وماذا عملت هنا :قال

رفضتني كل مصالحكم فرحبت بعرض قاسم صاحب البقالة :قلت

على الفور

وظلمتم أنتم أنفسكم لمـا أردتـم أن ، ظلمتكم دولتكم :قال ساخرا

وتحدي من بأيديهم األمر حيـث القـوة ،تلعبوا أدوارا أكبر من حجمكم

!والجاه

لماذا تأخذني إلى نقاشات عقيمة لن نتفق فيها علـى :قلت منتبها

فتفوح من كالمك روائـح ،رأي خصوصا وأنت شامت لسبب ال أعلمه

.التهكم والسخرية

ولكن أال يبدو لك أنكم أخطأتم ، شأنكم الخاص أنتم أدرى به :قال

؟لما عاديتم كل القوى فتحالف ضدكم الجميع

Page 98: 937

٩٦

، ؟ أم أن العداء فرض علينا ،ادينا هل نحن الذين ع :قلت مستفسرا

وهل مارسنا بطشـا ونهبـا فـي ،هل ذهبت جيوشنا لتغزو تلك الدول

وهجـم ، هب أنك كبدوي تجلس مع أهلك في خيمتك ،أناسهم وثرواتهم

؟ هل تجلس مصغرا خدك له ؟ فماذا أنت فاعل وقتها ،عليكم اللصوص

! هل تتنازل له عن شرفك؟ ؟هل تترك له مالك

! القياس مختلف :قال

كيف يكون القياس مختلفا وقد جثم االستعمار على صدورنا :قلت

فلما أثمر جهادنا وتحررنا من جبروته اسـتكثر علينـا ،عقودا طويلة

ماذا ، فعاد إلينا متحالفا ومعاديا ،الحرية التي ال يفتأ يتشدق بالدعوة إليها

هـل ؟ روض أن نسلم له هل ترى أنه كان من المف ؟ كان علينا أن نفعل

! ؟كان يجب علينا أن نركع في حضرته متأسفين وطالبين عفوه

! وأنتم الذين استسلمتم، أنتم الذين حاربتم :قال

من هذا الذي يقـول إننـا :ثار الدم في عروقي فانتفضت زاعقا

وال تعتقد أن ما يقرره حاكم ، إننا ما نزال نجاهد حتى اآلن ؟ استسلمنا

أقطار وطننا ودويالته يأتي معبرا عن نبض شعبه في كـل في أي من

، أال ترى أن كال منهم يموت على كرسيه الـذيلم يبرحـه ، !األحوال

! ؟الذي فصلهوعلى القانون

وله في العالم ما يشابهه باعتباره ، نظامنا يختلف عن نظامكم :قال

كم الحتفـاظ أما أنتم فما تفسـير ،أقدم نظم الحكم التي عرفتها البشرية

حكامكم بكراسيهم حتى الموت رغم أنهم لم يرثوا الحكم عن أحد مـن

! ؟آبائهم

Page 99: 937

٩٧

ونقاشات ليس هذا هـو ، إنك من جديد تجرني إلى أحاديث :قلت

وأنـا أرد ، فأنت تتحدث إلي مستقويا ببلدك وموقعـك ،وقتها أو مكانها

ة مـا وأخشى إن أبديت رأيي في مسأل ،عليك حذرا من موقعي عندكم

واعتبرتموه دليل إدانة ضدي لتهمة ما زلـتم ،سجلتموه علي إن خالفكم

!تبحثون لي عنها

؟ هل رأيت أحدا يسجل عليك ما تقول :قال

لكن ربما تسجلون لي ليكون صوتي دليال ،قلت ليس المهم أن أرى

أو يكون ما أقوله منقوال ،على ما يمكن أن يحاك لي من تهم ال أدريها

، ويحللـون ، ويسـجلون ،هزة ال أراها إلى آخـرين يسـمعون عبر أج

فأتعذب أنا بسـوء الفهـم ، وتوجهاتهم ،ويقرءون كالمي حسب أهوائهم

،الذي عانينا منه كثيرا عندما تبنينا قضايا وجدناها تمسكم قبل أن تمسنا

فلما ضن علينا وطننـا المثقـل ،فتطوعنا عن الجميع تؤازرنا حناجركم

أتينا نكـد ونعـرق فـي ،نتم مع أعدائنا ثمار نصرنا وجنيتم أ ،بديونه

فكيف كنتم سـتنظرون إلينـا لـو جئنـاكم ،أرضكم فإذا بكم تعيروننا

! ؟سائلين

لماذا تقلب علي آالما أعيشها وجئت أحاول دفنها :واصلت متألما

وإذا بكـم ، فإذا بكل جبالكم تقف في وجهي ذيوال رافضة ،في براريكم

لجبال قلوبكم فال تلين حتى وإن تفجر المـاء مـن تنحتون من صخر ا

!أعماقها

إن همنا واحد حتى وإن تباينـت ؟ لماذا كل من يتكلم يصير متهما

وهـل ؟ هل تظن أن نهر ثرواتكم سيدوم جريانه في أرضكم !الدخول

إنك لو عقلت لعلمت أننا شعب ؟ تعتقد أن ما أصابنا سيالزمنا أبد الدهر

Page 100: 937

٩٨

ينت لهجاتناوحاول البعض من أعدائنا ومن معهم من واحد حتى وإن تبا

ونكتوي بنفس نـار ، أنا وأنت نعيش نفس الهم ، !حكامنا تفريق وحدتنا

ويومهـا ، لكن أموال طفرتكم ألهتكم فأجلت سخطا أراه قد دنـا ،القهر

أقصـد ،سوف ينطق لسانك نفس لغتي بعد أن تتلظى بنفس نيران همي

!.همنا

هل ترانا قصـدنا نهجكـم :ي يوحي لي بها قال بلغة العارف الت

وبددنا أموالنا على مـا ال ، وقلبنا شعوبا على أنظمتها ،فناصرنا ثورات

! ؟طائل من ورائه

وأن منطقه أسكننا منطقـة ،كررت عليه أننا ال نتحدث نفس اللغة

نعم ناصـرنا : لكنني مع ذلك وجدتني أعود إليه موضحا ،عدم االلتقاء

لكننا أبدا لم نقلب شـعوبا ،اعدناهم يقدرون لنا جهودنا ومن س ،ثورات

نحن دعمنا ما اسـتطعنا حركـات ،على أنظمتها كما تدعي أنت اآلن

فتآمرت ضـدنا ، وربما جار ذلك على أشياء تخصنا نحن ،تحرر كثيرة

وبما لم نعلم ، ودعموا صنيعتهم بما علمنا ،القوى االستعمارية من جديد

وأتى مـن أسـدى مـنكم ، فجاء من نصح ،نتصرنافانتكسنا ثم عدنا وا

فاستهان ،ومنهمتفاوضنا فتم تحييدنا ونحن نمد أيدينا المنتصرة بالسالم

فحصد العدو المهـزوم ، فتسرع حكامنا ،بنا العدو لما وقفتم في وجهنا

وتعشم ، وتعشمتم أنتم ، وسرقوا الشهادة من أرواح مقاتلينا ،ثمار نصرنا

فاسـتدار ، والزعامة بعد تحييدنا ،ركز القيادة آخرون أنهم سيتبوءون م

!العدو منتشيا وهو يفتك هنا ويبطش هناك

، وكيف تصف لي الحكمة ، كيف تنتقد :هم أن يتكلم فقاطعته محتدا

وانطلقت مـن ،وبالدكم مليئة بقواعد ألمريكا من قبل أن تتفرد بالعالم

Page 101: 937

٩٩

ـ ،أرضكم جيوش غريبة آزرها معظم حكامنا ة القليلـة وارتضت البقي

فتم البطش بشعب وأرض حاكم ،الصمت وهي تتعامى تؤثر مصلحتها

ومن ، فلما وقع في شركهم انهالوا عليه مـن فوقـه ،أرعن ابتلع طعمهم

هل تستطيع أن تفسـر لـي فائـدة ، ! وعن شمائله ، وعن يمينه ،تحته

! ؟ترسانتكم العسكرية التي يأكل الصدأ منها كل عام

خل علـى توعـده مـدير الجـوازات فد ،صاح في وجهي مهددا

هل ما زلـت :فقال له ضابط التحقيق وهو يشير ناحيتي غيظا ،مبهوتا

تعتقد بعد كل ما سمعت أن هذا الشخص بريء يستحق اإلفـراج عنـه

ما : ثم عاد ينظر إلي شذرا وهو يؤكد حروف كالمه المتباطئة بثقة ،!؟

ت على ظني وشكي الذي فأفق ،قلته سمعته كل قياداتناوتم تسجيله عليك

وأيقنت أنني فقـدت ،"كليب" وترددت في مسامعي نصيحة ،نحيته جانبا

فابتسـم ، وأن مدة توقيفي ستطول قياسا إلى آرائي ،األمل في الخروج

:مدير الجوازات ابتسامة مبتسرة وهو يشير إلي بهدوء يائس مشـفقا

ن واإلهانـة لماذا تورط نفسك في كالم ال طائل من ورائـه إال السـج

.والتعذيب ثم الترحيل بخاتم الالعودة

لكنني لم ، من ناحية الترحيل فأهال به إذا كان هذا يرضيكم :قلت

وما ذكرته في كالمي مع ضابطكم هو ،ارتكب خطأ استحق عليه عقابا

وأنا لم أخطأ فـي أحـد حتـى ،رأيي الخاص الذي أبني عليه منهجي

ري بخاتم الالعودة إلى ما حسبتموه ويوصم جواز سف ،أجازى أو أحبس

!جنتكم على األرض

، كنت أتوقع اإلفراج عنك اليوم أو في الغد على أقصى تقدير :قال

فاسـتطاع هـذا ،لكنك لألسف لم تحفظ لسانك فتحتفظ بآرائك لنفسـك

Page 102: 937

١٠٠

فسجل عليـك أخطـاء ،الضابط الصغير أن يوقعك أيها الرجل المثقف

،قفك األمني في منطقة عمـل زوجتـك ودراسة مو ،أرجو بعد تحليلها

أو تغــادرنا ،وسـكنكم أال يكـون ضـدك فتعيش بيننـا في سـالم

.أنت وزوجتـك في هدوء

****************" من ابنـة الشـيخ " الشيبة " جاءني جاري يزف إلي خبر زواج

فتساءلت عن نصف قرن من الزمـان يفـرق بـين ،المطلقة" ينقص

وكيـف سـيكون ، ؟ لك الشيخ الطاعن في السن كيف رآها ذ ،عمريهما

وكيف ستنظر إليه وهـو ، ؟ تأثير تلك العقود عليه وهو يدخل مخدعها

! ؟يتخلى عن لباسه في مخدعها

بشبابها مازالت في نفس أعمار " ينقص" إن ابنة :عاودت مستفسرا

ويقنع نفسه ، فكيف لجد أن يعامل حفيدة ،أبناء سليمان اليتيم ابن الشيبة

! ؟نها زوجتهبأ

وتنتظر ردودا على ، لماذا تشغل نفسك بقضية منتهية :قال إبراهيم

هل رأيت الشيبة قـد شـذ ، ؟ أسئلة لموضوع محسوم منذ قرون بعيدة

أم أنه أتى بمثل ما تأتي به العادة والعـرف ،بفعلته عن ناموس المنطقة

اكلة مـن أم أنه سار على ش ، هل ابتدع الشيبة فعال يؤاخذ عليه ، ؟ هنا

! ؟شكلوا له ثقافته

لكنني لم أكن ألتوقع ،! الحق هو ما أعلمه وتعود أنت فتؤكده :قلت

أن يصل الفارق في السن بين زوج وزوجتـه إلى أكثر من خمسـين

Page 103: 937

١٠١

، ؟ ترى كيف يتعشم وكـم يتوقـع أن يعيـش إلى جوارهـا ، !عاما

! ؟وكم تحسب هي من عمر لزيجتها هذه التي ارتضتها

ومـثلهم فـي ، لقد أمهرها وهي الثيب ثالثمائة ألف :اريقال ج

ورمـى عليهـا بـألف ، وكساها وعائلتهـا بـالحرير ،مؤخر صداقها

!وخمسمائة جرام من الذهب النقي خالصا لها من دون أمها وأخواتها

وتعامل هو معهـم بهـذا ، وتعاملوا معه ، كانت صفقة إذن :قلت

.المنطق

طليقته الشمطاء أنه استطاع أن يعوضها ربما أراد أن يثبت ل :قال

ومـا ، وأنه كـرجل ما زال مرغـوبا ،بمن تتفوق عليها شبابا وجماال

!.زال قـادرا على اإلنجـاب حتى اليـوم الذي يغادر فيه الدنيا

فهل عقلـت إن سـارت األمـور فـي ، لقد تزوجته بعقلها :قلت

ومعها أهلها إلـى مـا أم أنها تنظر ، ؟ ناموسها أن أيامها معه معدودة

وأراهـم ،ستجنيه كحق شرعي في ثروته متى ودعها متواريا بالتراب

وال يتبقى إال خفيف ريح لتطيح ،يحسبون أن هذا اليوم قد يبست ورقته

.بها

وسيقصـدها ، ستكون هي في تلك األثنـاء هـي المطمـع :قال

!الكثيرون للفوز بها حتى وإن اشترطت عليهم تطليق زوجاتهم

؟ وما بال سليمان :لتق

ويكاد يمـوت كمـدا ، يتلوى ألما على ما آل إليه حال أبويه :قال

.كلما تذكر أن أباه قد أتى لهم بمن ستشاركهم الميراث

؟ والعجوز :قلت

Page 104: 937

١٠٢

وسافرت إلى ابنتها في مدينة المشط ، العجوز باعت غنماتها :قال

لتعيش معها

فكيف تفسر يا صـديقي ،يجمع يقولون إن المال يلم الشمل و :قلت

وكيف تعلل انفصالنا عـن أهالينـا ،العزيز حال عائلة سـليمان اليتيم

! ؟ من يا ترى الذي أطلق هذه المقولة العرجاء ؟وراء المال

! وبقدر جبروته نعيش شتاته، ويبسط نفوذا،يا صديقي المال يقوي

Page 105: 937

١٠٣

١٥ؤال إال فـي الحديث أو الرد على أي س " فلورس "رفض الفليبيني

،"الضـب " وجود مندوب من مكتب العملوممثل لسفارة بالده في دولة

وبعض من محليـة ،وقال بلغة ثالثة بها الكثير من اإلنجليزية والعربية

ونفـوذهم إال ، لن أترك هؤالء الذين أساءوا استخدام سلطاتهم :بدوية

لمـاذا فأنا ال أدري حتـى اآلن ، ويرد لي اعتباري ،بعد أن أنال حقي

! ؟ وما هو جرمي الذي ساقوني من أجله إلى هنا،حبست

ربما :قلت بإنجليزية بسيطة تركن إلى الركاكة في معظم األحيان

فهـل أتممـت اسـتعدادك ، وحبست على ذمتـه ،أتيت بفعل ال تدريه

؟لمواجهتهم

بتنفيذ بنـود العقـد لمـا " الكفيل " كل ما فعلته أنني طالبت :قال

ثم عاد وخفض من راتبي ما يوازي نصـفه ، اإلجازة حرمني من يوم

فوقفت في وجهه فاستدعى الشـرطة التـي ال أملـك تفسـيرا ،تقريبا

، وإبداعي السجن وأنا صاحب الحق على جرم ال أعرفه ،لموافقتها إياه

وكـل األمـور تسـير ،وهذا تجاوز آخر يضاف إلى جملة تجاوزاتهم

ولن أدعهم ينتصرون لبـاطلهم ،ا وقد أقمت الدنيا ولن أقعده ،لصالحي

. ! أو عدت إلى بالدي معززا مكرما،سواء بقيت هنا

فهل تعتقد أن القضاء ، كلك ثقة أنك ستنال حقك :قلت له مستفهما

؟منصفك

الحق يا صديقي حق في أي عرف قبل أن يكون واجبا فـي :قال

وهـم ، وأزعم أنني مقاتل من أجل هذا الحـق ، وفي أي كتاب ،أي ملة

Page 106: 937

١٠٤

لقـد : وواصـل مسـتطردا ،الذين ابتدءوا فعليهم تحمل تبعات أفعالهم

وغـدا ، وأرسلوا لسـفارتنا ،تحرك زمالئي فأرسلوا إلى مكتب العمل

ومصرا معي على تنفيذ بنود ،بالتحديد سيكون مندوب السارة هنا متابعا

م فإن فرطت أنا فلن يفرط هووإذا أبى ذلك الكفيل فسـيت ،العقد كما هي

!تطبيق الشرط الجزائي

؟ وهل تعتقد أنه سيوافقك على أي من األمرين :قلت مندهشا

! فالقانون هو القانون، سيضطر إلى الموافقة :قال

أرى أن توفيق أوضاعك معه ربما يكون مجديا أكثر :قلت ناصحا

واقتصادكم يعـيش ، ومستوى الدخل فيها منخفض ، فدولتكم فقيرة ،لك

فإن استطعت ،رتبك كما علمت منك كبير حتى بعد تخفيضه وم ، !أزمة

أو حتى تزيده إلى حد يرضيك ويقبله ذلـك الكفيـل ،أن تعيده كما كان

وخسارتك لمشـروع ،سيكون أكثر فائدة لك بدال من عودتك إلى بلدك

! ؟سفرك

، ؟ كيف تقول أنت ذلك : وممتعضا وهو يسألني ،نظر إلي مندهشا

،نازلت مرة سهل عليك قبـول تنـازالت أخـرى إنك يا صديقي لو ت

وهؤالء األقوام يسعون دائما ليكون كل شيء في صالحهم فقـط حتـى

وهؤالء اآلخرون دائما من ،ولو جاء هذا الصالح على حساب اآلخرين

لكنني أزعم أن جنسيتي تمتاز عليهم بأشياء ستعلمها عنـدما ،األجانب

!رتيتم حسم الموضوع لصالحي حتى وإن غاد

أكدت على زوجتي وصديقي الفلسطيني حشد األخوة من أبناء بلدي

،للتدخل في قضـيتي " الذيل " ومقابلة ممثلنا في دولة ،لمناشدة سفارتنا

،ومتابعة التحقيقات العقيمة معي لدرء االتهامات الخطيرة الموجهة لـي

Page 107: 937

١٠٥

،دنا إلى السفر لمقابلة ممثل بل ،فتجاوزوا البرقيات التي رأوها ال تصل

فرابطوا أمام الدار يصيحون على من بالداخل ،فرفض الحراس دخولهم

" الضب " فطوقتهم قوة من عساكر ،أن يخرج إليهم واحدا يستمع إليهم

فســاقوهم متهمــين بإثــارة ،بنــاء علــى اســتدعاء مــن بالــداخل

وإتـالف ، والتظاهر الممنوع ذكـره فـي الدسـتور ،الفوضىوالشغب

فض لها جسد الضب الرابض في شقوق أخاديـدهم، ممتلكات أميرية انت

وهي أفعالعقوبتها تصل إلى األشغال الشاقة المؤبدة متـى تـم إثبـات

. وتكييف أوراق التحقيق،التهمة

*********بجثته الضخمة التي تكاد تشق جلبابه الذي " السوداني " دخل علينا

:وسـاخرا فبادره أحد رفاق السجن مازحـا ،تتشابه مقدمته مع ظهره

فانساب لسان ا لسـوداني ؟ هل أنت قادم أم مغادر ": زول " أخبرنا يا

ويرفس ، وهو يشير بيديه ،بكالم قاس فسرناه على أنه سب في صاحبنا

بقدميه يريد قتله فقمنا مخلصين ونحن في دهشة من ثورته التي رأيناها

،قليـدي فلما هدأ برر لنا وهو يحكي قصة هذا الجلباب الت ،غير مبررة

أي يكون متطابقا ،وكيف قصد عند تفصيله أن تكون مقدمته مثل خلفيته

وكيـف ،من الوجهين وذلك ليسهل على صاحبه ارتداؤه على أي وجه

" المهـدي " أنه فصل في األساس ليكون لباس المجاهدين فـي ثـورة

وكيف حرص الحائك على عدم تضييع وقت المجاهدين عنـد ،وغيره

فعاد رفيقنا الساخر يضحك وهو يشير إليـه ، !ثوبالبحث عن وجه ال

فإذا أفـاق ؟ أم أنه الكسل والسكر ، هل كان الجهاد هو الدافع :متسائال

Page 108: 937

١٠٦

من أفاق دخل في جلبابه وهو متأكد من اعتداله فسار به وهو سابح في

، لكنني والحق يقال لم أقابل أحدا منكم حتى اآلن يمشي بظهره ،ملكوته

!ثانيأقصد بالوجه ال

ابتسم رفيقنا السوداني غيظا ونحن نرجوه أن يتقبل ما سمع علـى

وكـم ،أو شأن بلده ، وال يفسره على أنه انتقاص من شأنه ،سبيل المزاح

،كانت المفارقة عندما علمنا أن صاحبنا ضبط متلبسا وهو يعاقر الخمر

!فساقه العسكر مغيبا حتى أفاق هنا

*********فلسطيني أنه قد تم اإلفراج عن مجموعـة بنـي أخبرني إبراهيم ال

وقد استمع ،جلدتي الذين ذهبوا إلى دار ممثلنا في عاصمة دولة الضب

، ! بل والمجيء ، ووعدهم بالتدخل ،إليهم واحد من أعضاء دار التمثيل

وقال إبراهيم إنهم سيأتون لزيارتي بعد أن يرتـاحوا منتعـب السـجن

.فيرا للنفقاتومشقة السفر الذي فضلوه برا تو

،وقال إبراهيم إنه قام بتسجيل مقابل كل المشاوير التي قضاها لـي

وأقسم في وجهي مغلظا أنه لـن ،ومقابل األشياء التي أرادتها زوجتي

!!!! ! ومغادرة محبسي،يتقاضى مني مقابال إال بعد فك أسري

فـأجرك ، ال تقلق … فقلت له ال ، أصابني ما قاله بدهشة وغصة

وستحصل عليه سواء خرجت من هنا أو لم ،بالكامل يا صديقي محفوظ

!. وشكرا لك يا صديقي في كل األحوال،أخرج

Page 109: 937

١٠٧

ثم أعـود ،أسير في فراغ غرفة التوقيف دهورا فأعود إلى رفاقي

كنت أظنك يا صديقي العزيز تـأتيني :إلى خياله الماثل أمامي معاتبا

فـإذا بـك يصـدمني ،تي وحسبتك مؤازرا لي في محن ،محبة وتطوعا

!؟ ؟بطلب األجرة على زياراتك

، هل تدري أنني كنت متحيـرا :أشير إليه غير محرج من جمائله

وسهلت ، فاختصرت أنت الطريق ؟ كيف سأكافئك :وكثيرا ماتساءلت

! ؟ فهل تراني ممتنا لك وأنا أطلع على كشف حسابك،علي أمر تقديرك

وقال وهو على هيئة مدرس يشير ،شد أحدهم شعره لما علم تهمتي

بأصابعه التي يبسها الجيرإنك لو حصلت على البراءة فسـيكون هـذا

لكننا نرى أن قرائن ، ألن عقاب تهمتك يساوي حياتك ،ميالدا جديدا لك

في صالحك أيضا فال " كليب " وشهادة شريكك المدعو ،اتهامك ضعيفة

.تبتأس

:ح والبثور وهو يؤكد لي اتجه إلي كليب بسحنته المرصعة بالجرو

وربما يفرج عنا سويا إذا تـم مـا ،قلت لك ال تخف سيفرج عنك قبلي

!أريده

؟ وماذا تريد :قلت

وسـوف تتحـدث عنـه المنطقـة ، هذا شأن ال صلة لك به :قال

!! !كثيرا

فقال إن الذي سيحدث هو ،رجوته أال يأتي بفعل قد يعطل خروجنا

! ؟ انتظرت الغد القريب فهال،الذي سيعجل بخروجنا

Page 110: 937

١٠٨

١٦جاءتني زوجتي شبه منهارة وهي تنهي إلي ما طلبوه منهـا فـي

. وكان خيارا بين حلين لتكييف وضعها كمتعاقدة لديهم،إدارة التعليم

الخيار األول وهو األسهل هو إنهاء تعاقدها لعدم وجود محرم لهـا

وال يستقيم ،يرعى مصالحها كامرأة تعيش في مجتمع له أصول وتقاليد

لها أن تظل بال رجل تستند عليه منذ اتهـامي وتقييـد حريتـي فـي

.مخفرهم

واستقدام آخر من محارمها هـي ،والخيار الثاني هو تغيير المحرم

ليحل محلي فلما حاولت معهم أن يمهلوهـا حتـى انتهـاء التحقيقـات

ضغطوا عليها بخطاب رسمي أرتني إيـاه وإلـى جوارهـا جارتهـا

! وإلى الخلف منهما يحرسهما زوجها،يةالفلسطين

األفضل لك ولي إذا كان األمر قد وصل إلى هذا الحد هـو :قلت

بدال مـن هـذا ، والعودة إلى وطننا بسالم ،الموافقة على إنهاء تعاقدك

، وانطلقت تئد حتى أحالمنـا ، وتلك الغربة التي سكنت واقعنا ،الشتات

فـإذا ، الخير في العـودة ،آمنين وال حتى عشنا ،فال نحن حصدنا ماال

وإذا حكموا بغير ذلك لحقت بك إلى أرضـنا ،أدنت قضيت هنا قدري

!وبين أهلينا

فأنا لن أضـحي بفرصـة عمـري ، ال تسترسل :قالت منزعجة

والتي هي ثمرة وظيفتي إذا كان للعمل في بلدنا ، والتي تمنيتها ،الوحيدة

اني حتى تخرج أنت مـن كنت أظنك ستوافقني على الحل الث ،من ثمار

أو حتى أبي مـا دمـت ، من السهل جدا استقدام أخي أوعمي ،محبسك

Page 111: 937

١٠٩

سأخصص لهم جزءا من راتبي بخالف ما سيحصدنه إذا وفقـوا فـي

فتأتي أنت ، ! ومشكلتي هي أيهم أختار ، واعلم أن جميعهم موافق ،عمل

، وتصر على وئد حلمي وهو ما زال في مهده ،وتغلق الباب في وجهي

أتريد أن تكون لك القوامة حتـى وأنـت ، ؟ أنانية هذه التي تتملكك أي

! ؟داخل السجن

انزعجت وأنا أشتم من كالمها رائحة معان لم أحددها فأقبض على

وهي سنة اهللا في ، قوامتي عليك بحكم نوعي : فقلت غاضبا ،صحيحها

،ا وخلق له من نفسه زوجا ليسكن إليه ،أرضه منذ خلق آدم عليه السالم

،نحن هنا نواجه واقعـا أليمـا ،! ؟ فهل ترين غير ما يقضي به الشرع

نحن لسنا في محفـل ،! وكما يفسر نفسه لنا ،ونعيش ديننا الذي تعلمناه

من محافل جمعيات المرأة وغيرها من التنظيمات التـي تعيـد إثـارة

!؟ فهل ترين غير ما رأى لنا الدين،موضوعات محسومة

أال تـدرين ؟ فوهي في وجهي مثل هذا الكالم لماذا تأتين اآلن وتت

أنك ـ في هذه األرض ـ ما جئت إلي إال لضغطهم عليك باسم الـدين

وارتضوا تشدد البعض منهم في تنفيـذ ،الذي ربما يغالون في تفسيره

؟تعليماته

، ال تدخل بي في معارك كالمية ال تفيـد :وقفت في وجهي زاعقة

وسينتصر منطقي ، !كييف وضعي معها وأستطيع ت ،مصلحتي أراها أنا

!الذي سأدفع به وفق رؤيتي وحسن تقديري ووزني لألمور

أال تعلمين أنك ما زلت زوجتي وكلمتـي نافـذة :قلت لها مستنكرا

هـل تسـتطيعين أن ؟ عليك ألنك مسئوليتي حتى وأنا رهن التحقيـق

Page 112: 937

١١٠

هـل اسـتطعت السـفر إال بمـوفقتي ،تتخذي قرارا دون الجوع إلي

! وهو األمر الذي أوقعني في هذا الهوان،مرافقتي لكو

، وأكتوي دون ذنب لي اآلن بمـراره ، هوانك أنت صانعه : قالت

وتخيرت من تحادثهم وتفصـح لهـم عـن ،فلو كنت قد حفظت لسانك

وما كان ،آرائك ما كان هذا مصيرك دونا عن كل من أتى هنا أو هناك

.ء وراحة الباللي أن أقف هنا اآلن بدال من الهدو

وفي هيئتها ذيـال يلسـع ، تواصل فأرى لسانها وقد استحال ذنبا

المرأة تحررت منذ زمـن مـن ، ال تظنني ضعيفة :وجهي بعضالته

، وسأثبت لك أنني سأكون أقوى من كـل العوائـق ،ضعفها وخنوعها

!وسأنتصر عليها جميعا

ن ظلم قد وقع إنه إذا كان م ؟ وهل انتقص الدين من المرأة :قلت

وأظنـك تعلمـين ،عليها فهو ظلم من أهل مجتمعها وليس من عقيدتها

هناك من فسر وانتهى إلـى آراء ،آرائي مما كتبت في هذا الموضوع

فال تأخذينا أنت إلى ،هي آراء تعبر عن بيئته وثقافته والدين منها براء

سونية الذين وقضايا ال يتحدث فيها إال أذناب األندية الما ،نقاشات عقيمة

نشطوا في بالدنا فشغلونا بقضايا نادى بها مفكرونا من قبل لكن قـوى

فمرضت دعواتهم حتـى كـادت تمـوت ،الظالم وقفت لهم بالمرصاد

، فعزفت تلك األندية على نفس الوتيرة ولكن ألهـداف أخـرى ،بموتهم

أو الشـهادة، ، في اإلرث ،ألنها عندما زادت تدخلت في شئون العقيدة

،كانت العقيدة تنص صراحة على عدم المساواة في هذين األمرين فإذا

فكيف لنا أن نتبنى قضايا أو نشارك بآراء تمس آيات ربانية من صلب

كيف نقبل من هؤالء المتحررين وهم يطالبوننا بما يتنـاقض ؟ العقيدة

Page 113: 937

١١١

ومن ، يا زوجتي الفاضلة هذه عقيدتناوهذا هو ديننا ،مع صريح اآليات

!.س منارغب عنه فلي

ويزيل عنـا ، لكم أتمنى أن يبعث اهللا رجاال يحسنون تفسير النص

ويعيدون بتفتحهم إرساء إعمال العقل بديال عن هـؤالء ،وعنهم اللبس

أو تحدثوا فأعلنوا غير ما فقهوا مماألة وطمعا ،الذين تخبطوا فأربكونا

هم التـي وخطب ، فأحالوا حياتنا جحيما بكثرة فتاواهم ،في جاه أو سلطة

كيف يكون فـي ؟ فكيف لقلوبنا أن تتقبلها ،تقشعر عند سماعها األبدان

اختالفهم رحمة وهم الذين ال ينفكون يعودون فيبدلون قـولهم إذا مـا

وقصروا أمـر الـدين ، وعاشوا الكهنوت ،قبضوا على منصب أو جاه

فهل رأى أحدكم في الدين كهنوتا يقصر اإليمان على نفر ،على أنفسهم

ن اآلخرين؟دو

، عابرة من حقل إلـى آخـر ،قالت لما أفضت في الكالم والشرح

، لقد أفضت حتـى تضـجرت :وطاوية لجدال لن أصل فيه إلى يقين

لكنني عزمت على استقدام أحد من أهلي يكمل معي مشروع عمـري

!حتى تفك مما أنت فيه

اعلمي أنك متى شرعت في ذلك األمـر فلـن :قلت يائسا وناهيا

!وني زوجتيتك

أفقرتنا في ، أعود إلى فقر أفكارك ،قالت حررني من قيدك حتى ال

والتي ، وها أنت وقد جاءتني الفرصة التي تمنيتها ،بلدنا بكالمك العقيم

لكنني لن أسمح ،حسدني عليها زمالئي وزميالتي تحمل معاولك لهدمها

ي ثمار أو أن تحول بيني وبين جن ،لك بأن تقتل حلمي الذي بدأ يتحقق

! حتى وإن عشت حياتك كلها في السجن،غربتي

Page 114: 937

١١٢

وزلزلتني نيتها حتى كادت أعصابي تفلت منـي ،صدمتني آراؤها

حتى عدت متمالكا لـبعض ، فزفرت مرات ومرات ،فأقوم إليها مؤدبا

؟ وإن أحبتك إلى ما تطلبين فكيف سيكون حال ابننا :لساني فقلت لها

معي :قالت

فشرطي النفصالنا تنازلك لـي عـن ،ل معك ال أقبل أن يظ : قلت

قلت فليشهد ، فقالت أوافق على ما تشترط ، !حضانته متى فكوا أسري

فكتب الذي يتفـرج ،على ذلك جاري وزوجته بصيغة مكتوبةتظل معي

ستظل الورقة : فطوى الورقة وهو يقول ، ووقعت هي وزوجته ،ووقع

ري، والبد للورقة أن البد أن أتولى جميع أم : قلت ،معنا حتى تحررها

ألنني سأحررها كما تود في الحال شريطة أن تنفذوا ،تكون معي اآلن

! وتبر به هذه السيدة،شرطي

، أال ترى أن الشهادة هكذا علـى الورقـة ناقصـة :قالت ساخرة

؟ طبقا للدينوبحاجة لشهادة أخرى

ق فإذا تم تنفيذ االتفا ،قلت أرضى بها هكذا حيث ال صديق لي هنا

فلن تكون بيننا مشاكل

إذا كنت تريد شهودا من الذكور فمن الممكن أن آتيك باثنين :قالت

أو أكثر في الصباح

ومكافأتي لك على تعبك قبل أن تأتيه أن تذهبي عنـي اآلن :قلت

. أنت طالق، فأنت من اآلن لست على ذمتي،إلى غير رجعة

فنزلت ،قةتسمرت مشدوهة وهي تتفرس جمود مالمحي غير مصد

.عن وجهها مستديرا وأنا أسمع وقع رحيلهم

Page 115: 937

١١٣

١٧عندما دفعت إلى واحد من بني جلدتي بشكواي التي رويـت فيهـا

انتشارا " الضب" راجيا منه أن يدفع بها إلى أكبر صحف دولة ،مأساتي

وبـدأ ، لم أكن أتصور أن تقوم الدنيا بمجرد نشرها وال تقعـد ،وتأثيرا

أمير " الذيل " فعرفت أن لمنطقة ،في طلبي للتحقيق جهات كثيرة ترسل

وهبطعلي مـن ،يقف على رأس إدارة تتولى كل شئون البلدة وتوابعها

لدنه اثنان حاوال أثناء التحقيق أن يلفقا لي التهمة مضافا إليها اتهام جديد

لم يتمكنا من كتابته وهو تخطيهم في الشكوى إلى وسائل اإلعالم فـي

وسلوك مبتدع مـن ،رة الرأي العام على نحو غير مألوف محاولة إلثا

!جانب أحد المستقدمين

، وهددا ،حققا،لم يكن أمامي إال االستمرار والتمسك بحقي وشكواي

وهـل ؟ وهل ظلمت أحـدا منكمـا : فقلت ، !ثم طلبا مني أن أتنازل

يا هذان ما ! ؟ ثم تعودون إلى التنكيل بي ،أرسلت بمظلمتي ألتنازل عنها

! واهللا على ما أقول شهيد، ولم أنطق بغير الحق،أقوله هو الحق

إن قضـيتك :قال ضابط المباحث وهو يتحدث إلي بود مصـطنع

وقد استطعت أنت أيها األجنبي مـن خـالل ،أصبحت قضية رأي عام

وتفجـر ،نشر شكواك أن تساعدنا في وضع أيدينا على أشياء كثيـرة

فكيـف ،أن يجرؤ على االقتراب منها قضايا لم يكن ألحد من األهالي

فكيف اهتديت باهللا عليـك لكـي ،الحال وأنت غريب عن هذه األرض

وبمثل هذا الترتيب مؤيدا ما ذكرت باألسانيد ،تخط شكواك بهذا الشكل

! ؟والشهود

Page 116: 937

١١٤

هل كنت تعتقد أن مظلومالم ينصف مثلـي كـان يسـتطيع :قلت

، لم أكتب إال ما رأيته وعايشته إنني! ؟ التفكير في كيفية كتابة الشكوى

كتبته كآخر أمل لي فـي ، كتبته بكل كياني ،كتبته بألمي وبقلبي وعقلي

فالقـانون ، !بالدكم التي هددوني فيها أن الغريب عنها لم ولن ينتصر

!. وما عداكم فالقانون نفسه سيف مسلط على رقابهم،كما قالوا ألجلكم

إليك اآلن بسر فلـيس من الممكن وبكل صراحة ووضوح أن أسر

فقبل إرسالكم في طلبي إلى ، وأنا ال أنطق إال الحق ،لدي ما أخاف عليه

ومن جنسيات أخرى مـن ،هنا للتحقيق زارني البعض من بني جلدتي

ونصحني جميعهم بتوخي الحيطة والحذر ألن القانون هنا لم ،المتعاقدين

ـ ،ينتصر ألجنبي مقيم ي التحقيـق فكيف يكون الحال وأنا أشـكو جهت

وما أرادوا تلفيقه لـي ال ،والعدالة إليداعهما لي هنا دونما ذنب اقترفته

!يملكون عليه دليال

فقال لي الضابط ،وقعت أمام كل سطر من سطور محضر التحقيق

، ال تقلق كلها أيام وتغادر محبسـك :قبل أن يعيدني إلى من أحضرني

سأزف : وهو يقول مواصال ثم ابتسم ، !وتعود حرا في ربوعنا وطليقا

لقد أصدر أمير المنطقة قرارا بإيقاف ،لك بشرى ال يعلم أحد تفاصيلها

أما براءتك حتى ،مدير األمن عن العمل لتجاوزه في حقك هو وضباطه

والمسـألة ،من الكالم الذي جاء على لسانك والذي سجله عليك فمؤكدة

نك أن تمسـك عليـك ، لكن رجائي م !اآلن مسألة إجراءات ليس أكثر

. وال تبد رأيك في أشياء يصيبك األذى من ورائها،لسانك

لم أصدق نفسي وأنا أخرج من مبنى المباحث المهيب والمرعـب

لزائره مارا بعشرات من معصوبي األعين المكبلين بالسالسل الحديدية

Page 117: 937

١١٥

تم نقله " كليب " وعلمت أن ،معادا مرة أخرى إلى حجز مديرية األمن

بمعزل عني حتى ال نتفق علـى رأي واحـد إذا تركونـا معـا ليكون

وبـاإلفراج عـن السـوداني، ،وسعدت النتصار الفليبيني على كفيلـه

، والمشاكل البسـيطة ،ومجموعة أخرى من أصحاب القضايا الصغرى

ولم يتبق معي إال أصحاب قضايا القتل في حوادث السير وكلهـم مـن

في تحريرهم إال بعد دفـع الفديـة وفشل ذووهم ،األجانب الذين فشلوا

فارتميت على األرض وانتصـر سـلطان ،التي حاروا كيف يدبرونها

النوم على كل الهواجس والوساوس التي هاجمت رأسي حتى أيقظوني

على ذمة استدعاء عاجإللى مقر اإلمارة فأيقنت أن التهمة قـد ثبتـت

ق ،علي صاصـا ظالمـا وأنا اآلن مساق إلى إحدى ساحاتهم لينفذا في،

وكيـف احتلـت ،شردت طوال الطريق وأنا أتذكر وظيفتي في وطني

، كيف حال ابنـي !على اإلجراءات ألفوز بمرافقة زوجتي التي كانت

ماذا ستقول له أمـه عنـي ؟ الذي اشترطت تسلمه متى تم فك أسري

كيف حـال أهلـي ؟ عندما يكبر ويعقل األمور إذا نفذوا في قصاصهم

ماذا سيقولون ألمي وأبي وهما يستقبالن جثمـاني الـذي ؟ وعشيرتي

من سيقنع ابني أننـي ،سأصر على عودته إلى وطني ليذوب في ثراه

وأنني ما أتيت ، من سيؤكد له براءتي ، وحكم علي عدوانا ،أخذت ظلما

وأجـل ، وال رضيت الهوان إال أمال في غد أفضل من أجلـه ،مع أمه

؟اخوة له حلمنا بعددهم

سيقول لزمالئي وأصدقائي؟ ماذا فعلت يا رب ليكون هذا هـو من

ووسط ، أساق غريبا في أرض قاسية ، وتكون تلك هي خاتمتي ،جزائي

!أناس ناصبني بعضهم عداء ال أجد له مبررا؟

Page 118: 937

١١٦

" الـذيل " لم اصدق نفسي وهم يدخلونني مكتبا فخما يحتله أميـر

الغ االثنان في الترحيب فب ،وأمامه ضابط يحمل رتبة اللواء على كتفيه

وما أنهاه لي ضابط المباحث ،وزودني ببعض ثقة ،بي مما أثار دهشتي

بأن المسألة هي مسألة إجراءات وأنني مفرج عني وطد هذه الثقة اآلن

أنهى إلي األمير أن سمو وزير الداخلية نفسـه مهـتم .وأنا أرى ما أره

ورفع ،قيق فيها بنفسه ومن أجل هذا فقد أوفد سعادة اللواء للتح ،بقضيتي

الذيل " وظننت أنني مفارق ، فحدثتني نفسي بالسوء ،األمر إليه مباشرة

لكن ظني بددته أدوات اللواء ! ؟ حيث الوزير ووزارته " الضب " إلى "

ثم التوقيع علـى ، وأخذ أقوالي،التي أخرجها من حقيبته فبدأ في سؤالي

إن لم يشمله دفتر التحقيـق ما قلت حتى انتهى إلى سؤال بدا لي فارقا و

وسوء الفهم الذي حدث ، ماذا تريد منا تعويضا عن اللبس :عندما قال

فأعـاد علـي ، حسبته يمزح فسألته أن يكف عن سخريته واستهزائه ؟

إذا كلن األمر هكذا فـال : فقلت ،السؤال مؤكدا أنه ال يمزح وال يهزل

فأنت قد علمت كيـف ، و إعالن براءتي للجميع ،أريد إال اإلفراج عني

.ساقوني متهما

لكن إذا كنت تـرى ، بعد قليل سيكون لك ما تريد ، ال تتعجل :قال

أو لم يكن حكمنا يرضيك فمن الممكن أن نرسل بكامل ملـف ،تعويضا

وهذا اإلجراء سـيتم ،القضية إلى األحوال المدنية للنظر في تعويضك

على هذا األمر؟ فهل توافق ،بعد اإلفراج عنك فال تكن خائفا

فقـال إن ،شكرته على عرضه وأنا استحثه التعجيل باإلفراج عني

لكنه بيد معالي األمير مفوضا في ذلك األمر من ،أمر اإلفراج ليس بيده

أنـت مـن اآلن :سمو الوزير فنظرت إليه فنطقها قبل أن أطلبها قائال

Page 119: 937

١١٧

تك قد تزوجت لكن يؤسفني أن أخبرك أن طليق ،حرا في منطقتنا وطليقا

فجمع بينهـا وبـين ،من شخص آخر لعله واحد ممن كانوا يزورونك

!زوجته األخرى

وكان هذا شرطي عندما طلبت مني ،قلت ال أغادر إال وابني معي

وتذكرتي سفر ، فرمى إلي بالجواز ، وأبرزت له ورقة اتفاقنا ،أن أطلقها

طيع حتـى موعـد وتسـت ، وابنك هنا ، علمنا باتفاقكما :بالطائرة قائال

الطائرة أن تبدل من مالبسك بأخرى من حقيبتك التـي أرسـلت بهـا

وأدركت أنني ، فشكرته وأنا أتفحص صورتي في جواز سفري ،طليقتك

ثم وقعت عيناي علـى اسـمي كمـا !منذ شهور كثيرة لم أحلق ذقني

وأخرجت من جيب قميصي دفتـر ، فاستعدته ،اختاره لي من قبل أبي

!!!! !ه إياه وأنا اشكر لهم حسن ضيافتهمإقامتهم فناولت

********