287
1 ﺍﳌﻠﻞ ﻭﺍ ﻟﻨﺤﻞ- ﺍﻟﺸﻬﺮﺳﺘﺎﱐ ﺍﳌﻠﻞ ﻭﺍﻟﻨﺤﻞ ﺍﻟﺸﻬﺮﺳﺘﺎﱐTo PDF: www.al-mostafa.com

al milal wl nhl

Embed Size (px)

DESCRIPTION

here lies a lie of rawaiz

Citation preview

Page 1: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 1

امللل والنحل

الشهرستاين

To PDF: www.al-mostafa.com

Page 2: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 2

القسم األول

وممن له شبهة كتاب أرباب الديانات والملل من المسلمين وأهل الكتاب

نتكلم ههنا يف معىن الدين وامللة والشرعية واملنهاج واإلسالم واحلنيفية والسنة واجلماعة؛ فإا عبارات : وردت يف الترتيل، ولكل واحدة منها معىن خيصها، وحقيقة توافقها لغة واصطالحا، وقد بينا معىن الدين

كما : وقد يرد مبعىن اجلزاء؛ يقال" إلسالمإن الدين عند اهللا ا:" أنه الطاعة واالنقياد؛ وقد قال اهللا تعاىل؛ "ذلك الدين القيم:" تدين تدان أي كما تفعل جتازى، وقد يرد مبعىن احلساب يوم املعاد والتناد قال تعاىل

ورضيت لكم اإلسالم :" هو املسلم املطيع املقر باجلزاء واحلساب يوم التناد واملعاد؛ قال اهللا تعاىل: فاملتدينان نوع اإلنسان حمتاجا إىل اجتماع مع آخر من بين جنسه، يف إقامة معاشه، االستعداد ملعاده؛ وملا ك" دينا

وذلك االجتماع جيب أن يكون على شكل حيصل به التمانع والتعاون، حىت حيفظ بالتمانع ما هو له، الذي يوصل إىل والطريق اخلاص. امللة: وحيصل بالتعاون ما ليس له؛ فصورة االجتماع على هذه اهليئة هي

لكل جعلنا :" واالتفاق على تلك السنة هي اجلماعة؛ قال اهللا تعاىل. هذه اهليئة هو املنهاج الشرعة والسنةولن يتصور وضع امللة ، وشرع الشرعة إال بواضع شارع، يكون خمصوصا من " منكم شرعة ومنهاجا

س الدعوى، وقد تكون مالزمة، ورمبا عند اهللا بآيات تدل على صدقه؛ ورمبا تكون اآلية مضمنة يف نفإن امللة الكربى هي ملة إبراهيم اخلليل عليه السالم وهي احلنيفية اليت تقابل : مث اعلم. تكون متأخرة

".ملة أبيكم إبراهيم:" وسنذكر كيفية ذلك إن شاء اهللا تعاىل؛ قال اهللا تعاىل. الصبوة تقابل التضاد

واحلدود ". شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا:" م؛ قال اهللا تعاىلالشريعة ابتدأت من نوح عليه السالواألحكام ابتدأت من آدم وشيث وإدريس عليهم السالم وختمت الشرائع وامللل، والناهج والسنن

اليوم أكملت لكم دينكم وأمتمت :" مبحمد عليه السالم؛ قال اهللا تعاىل: بأكملها وأمتها حسنا ومجاال ".رضيت لكم اإلسالم ديناعليكم نعميت و

مث خص . خص آدم باألمساء؛ وخص نوح مبعاين تلك األمساء؛ وخص إبراهيم باجلمع بينهما: وقد قيل: باجلمع بينهما- صلوات اهللا عليهم أمجعني-موسى بالترتيل؛ وخص عيسى بالتأويل؛ وخص املصطفى

.على ملة أبيكم إبراهيم

لتقرير الثاين؛ حبيث يكون مصدقا كل واحد ما بني يديه من الشرائع مث كيفية التقرير األول، والتكميل با

Page 3: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 3

ال : فمن خاصية النبوة-املاضية، والسنن السالفة، تقديرا لألمر على اخللق وتوفيقا للدين على الفطرةإن اهللا عز وجل أسس دينه على مثال خلقه ليستدل خبلقه على دينه، : وقد قيل. يشاركهم فيها غريهم

. على خلقهوبدينه

الجزء األول

المسلمون

ما املبدأ، وما الوسط، وما : ونفرق ها هنا بينه وبني اإلميان، واإلحسان، ونبني. قد ذكرنا معىن اإلسالم باخلرب املعروف يف دعوة جربيل عليه السالم؛ حيث جاء على صورة أعرايب، وجلس حىت ألصق -الكمال

أن تشهد أن ال إله إال : "؟ فقال"ما اإلسالم! يا رسول اهللا:" م وقالركبته بركبة النيب صلى اهللا عليه وسلاهللا وأين رسول اهللا، وأن تقيم الصالة، وتؤيت الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وحيج البيت، إن استطعت

أن تعبد اهللا كأنك تراه؛ فإن مل تكن:" ؟ قال عليه السالم"ما اإلميان :" مث قال" صدقت :" قال" إليه سبيال

ما املسئول عنها بأعلم من :" ؟ قال عليه السالم"مىت الساعة :" مث قال". صدقت :" قال" تراه فهو يراكففرق ". هذا جربيل جاءكم يعلمكم أمر دينكم:" مث قام وخرج؛ فقال النيب صلى اهللا عليه وسلم". السائل

. اهرا؛ ويشترك فيه املؤمن واملنافقواإلسالم قد يرد مبعىن االستسالم ظ. يف التفريق بني اإلسالم واإلميان

.؛ ففرق الترتيل بينهما"مل تؤمنوا؛ ولكن قولوا أسلمنا: قل: قالت األعراب آمنا:" قال اهللا تعاىل

مث إذا كان اإلخالص معه؛ . فإذا كان اإلسالم مبعىن التسليم واالنقياد ظاهرا، موضع االشتراك؛ فهو املبدأبه ورسله واليوم اآلخر، ويقر عقدا بأن القدر خريه وشره من اهللا تعاىل؛ بأن يصدق باهللا ومالئكته وكت

مث إذا مجع بني اإلسالم . مبعىن أن ما أصابه مل يكن ليخطئه، وما أخطأه مل يكن ليصيبه؛ كان مؤمنا حقا: انمبدأ، واإلمي: فكان اإلسالم. والتصديق، وقرن ااهدة باملشاهدة، وصار غيبه شهادة؛ فهو الكمال

.الناجي، واهلالك: وعلى هذا مشل لفظ املسلمني. كماال: وسطا، واإلحسان

؛ حيمل قوله "بلى من أسلم وجهه هللا وهو حمسن:" وقد يرد اإلسالم وقرينه اإلحسان؛ قال اهللا تعاىل أسلم، إذ قال له ربه:" ، وقوله"إن الدين عند اهللا اإلسالم:" ، وقوله"ورضيت لكم اإلسالم دينا:" تعاىل

؛ وعلى هذا خص اإلسالم بالفرقة "فال متوتن إال وأنتم مسلمون:" ، وقوله"قال أسلمت لرب العاملني .واهللا أعلم. الناجية

.التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والسمع والعقل: أهل األصول املختلفون يف

Page 4: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 4

. ومعرفة الرسل بآيام وبيناممعرفة الباري تعاىل بوحدانيته وصفاته،: نتكلم ها هنا يف معىن األصول

ومن املعلوم أن الدين إذا كان . كل مسألة يتعني احلق فيها بني املتخاصمني فهي من األصول: وباجلملةمنقسما إىل معرفة وطاعة، واملعرفة أصل والطاعة فرع؛ فمن تكلم يف املعرفة والتوحيد كان أصوليا، ومن

هو موضوع علم : هو موضوع علم الكالم، والفروع: فاألصول. اتكلم يف الطاعة والشريعة كان فروعيوكل . كل ما هو معقول، ويتوصل إليه بالنظر واالستدالل؛ فهو من األصول: وقال بعض العقالء. الفقه

.ما هو مظنون، ويتوصل إليه بالقياس واالجتهاد؛ فهو من الفروع

ال قسيم هلن وواحد يف : اهللا تعاىل واحد يف ذاتهإن: وأما التوحيد؛ فقد قال أهل السنة ومجيع الصفاتية: إن اهللا تعاىل واحد يف ذاته: ال شريك له، وقال أهل العدل: ال نظري له، وواحد يف أفعاله: صفاته األزلية

وال قسيم له يف أفعاله؛ وحمال : ال شريك له، فال قدمي غري ذاته: ال قسمة وال صفة له، وواحد يف أفعاله . ومقدور بني قادرين؛ وذلك هو التوحيدوجود قدميني،

يفعل : وأما العدل؛ فعلى مذهب أهل السنة أن اهللا تعاىل عدل يف أفعاله مبعىن أنه متصرف يف ملكه وملكهوضع الشيء موضعه؛ وهو التصرف يف امللك على مقتضى املشيئة : ما يشاء وحيكم ما يريد؛ فالعدل

: وعلى مذهب أهل االعتزال. ر احلكم، وظلم يف التصرفوالعلم، والظلم بضده؛ فال يتصور منه جو

.ما يقتضيه العقل من احلكمة؛ وهو إصدار الفعل على وجه الصواب واملصلحة: العدل

الوعد والوعيد كالمه األزيل؛ وعد على ما أمر، وأوعد ما : وأما الوعد والوعيد؛ فقد قال أهل السنة وكل من هلك واستوجب العقاب فبوعيده؛ فال جيب عليه ى؛ فكل من جنا واستوجب الثواب فبوعده،

ال كالم يف األزل؛ وإمنا أمر وى ووعد وأوعد بكالم حمدث؛ : وقال أهل العدل. شيء من قضية العقلفمن جنا فبفعله استحق الثواب، ومن خسر فبفعله استوجب العقاب؛ والعقل من حيث احلكمة يقتضي

.ذلك

فالعقل ال حيسن . الواجبات كلها بالسمع، واملعارف كلها بالعقل: أهل السنةوأما السمع والعقل فقد قال وقال أهل . وال يقبح، وال يقتضى وال يوجب؛ والسمع ال يعرف ؛ أي ال يوجد املعرفة؛ بل يوجب

املعارف كلها معقولة بالعقل، واجبة بنظر العقل، وشكر املنعم واجب قبل ورود السمع، واحلسن : العدل .صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح: والقبح

وسنذكر مذهب كل طائفة مفصال، إن شاء اهللا . فهذه القواعد هي املسائل اليت تكلم فيها أهل األصول .ولكل علم موضوع ومسائل نذكرمها بأقصى اإلمكان، إن شاء اهللا تعاىل. تعاىل

متقابال نتقابل : املعتزلة والصفاتية: من الفريقان . من اجلربية والصفاتية واملختلطة منهم: املعتزلة، وغريهموهذا التضاد بني كل فريق . القدرية واجلربية؛ واملرجئة والوعيدية؛ والشيعة واخلوارج: التضاد، وكذلك

Page 5: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 5

وكتب صنفوها، ودولة عاونتهم، . مقالة على حياهلا: وفريق كان حاصال يف كل زمان؛ ولكل فرقة .وصولة طاوعتهم

الباب األول

لةالمعتز

وهم قد جعلوا لفظ القدرية مشتركا، . أصحاب العدل والتوحيد، ويلقبون بالقدرية والعدلية : ويسمونلفظ القدرية يطلق على من يقول بالقدر خريه وشره من اهللا تعاىل؛ إحترازا من وصمة اللقب؛ إذ : وقالوا

وكانت الصفاتية ". وس هذه األمةالقدرية جم:" كان من الذم به متفقا عليه؛ لقول النيب عليه السالمباالتفاق على أن اجلربية والقدرية متقابلتان تقابل التضاد؛ فكيف يطلق لفظ الضد على الضد؟ : تعارضهم

، واخلصومة يف القدر، وانقسام اخلري والشر "خصماء اهللا يف القدر: القدرية : " وقد قال النيب عليه السالميتصور على مذهب من يقول بالتسليم والتوكل، وإحالة األحوال كلها على ما فعل اهللا وفعل العبد لن

القول بأن اهللا تعاىل قدمي، : والذي يعم طائفة املعتزلة من االعتقاد. على القدر احملتوم، واحلكم احملكومهو عامل بذاته، قادر بذاته، حي بذاته، ال : والقدم أخص وصف ذاته ونفا الصفات القدمية أصال؛ فقالوا

هي صفات قدمية، ومعان قائمة به؛ ألنه لو شاركته الصفات يف القدم الذي هو : بعلم وقدرة وحياة واتفقوا على أن كالمه حمدث خملوق يف حمل، وهو حرف وصوت . أخص الوصف؛ لشاركته يف اإلهلية

لى أن واتفقوا ع. كتب أمثاله يف املصاحف حكايات عنه؛ فإن ما وجد يف حملل عرض قد فىن يف احلالليست معاين قائمة بذاته؛ لكن اختلفوا يف وجوه وجودها، وحمامل معانيها؛ : اإلرادة ، والسمع والبصر

: واتفقوا على نفي رؤية اهللا تعاىل باألبصار يف دار القرار، ونفى التشبيه عنه من كل وجه. كما سيأيت

..تأثرا؛ وأوجبوا تأويل اآليات املتشاة فيهومكانا، وصورة، وجسما، وحتيزا، وانتقاال، وزواال، وتغريا، و

.توحيدا: ومسوا هذا النمط

واتفقوا على أن العبد قادر خالق ألفعاله خريها وشرها، مستحق على ما يفعله ثوابا وعقابا يف الدار والرب تعاىل مرته أن يضاف إليه شر وظلم، وفعل هو كفر ومعصية؛ ألنه لو خلق الظلم كان . اآلخرة

واتفقوا على أنه اهللا تعاىل ال يفعل إال الصالح واخلري، وجيب من . املا، كما لو خلق العدل كان عادالظ ..وأما األصلح واللطف ففي وجوبه خالف عندهم . حيث احلكمة رعاية مصاحل العباد

.عدال: ومسوا هذا النمط

Page 6: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 6

ق الثواب والعوض؛ والتفضل معىن آخر استح: واتفقوا على أن املؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبةاستحق اخللود يف النار؛ لكن يكون عقابه أخف : وإذا خرج من غري توبة عن كبرية ارتكبها. وراء الثواب

.وعدا ووعيدا: ومسوا هذا النمط.. من عقاب الكفار

ب معرفتهما واجبة قبل ورود السمع، واحلسن والقبح جي: واتفقوا على أن أصول املعرفة، وشكر النعمةوورود التكاليف ألطاف للباري تعلى، أرسلها . بالعقل، واعتناق احلسن واجتناب القبيح واجب كذلك

ليهلك من هلك عن بينة، وحييا من حي عن " امتحانا، واختبارا؛: إىل العباد بتوسط األنبياء عليهم السالم . كما سيأيت عند كل طائفةنصا، واختبارا؛: واختلفوا يف اإلمامة، والقول فيها". بينة

.واآلن نذكر ما خيتص بطائفة طائفة من املقالة اليت متيزت ا عن أصحاا

الواصلية أصحاب أيب حذيفة واصل بن عطاء الغزال األلثغ، كان تلميذا للحسن البصري يقرأ عليه العلوم . غرب يف أيام أيب جعفر املنصوروبامل. األخبار، وكانا يف أيام عبد امللك بن مروان وهشام بن عبد امللك

القول بنفي صفات الباري تعاىل؛ : القاعدة األوىل: واعتزاهلم يدور على أربعة قواعد. الواصلية: ويقال هلموكانت هذه املقالة يف بدئها غري نضيجة، وكان واصل بن عطاء . من العلم، والقدرة، واإلرادة، واحلياةومن أثبت معىن :" فاق على استحالة وجود إهلني قدميني أزليني قاليشرع فيها على قول ظاهر، وهو االت

وإمنا شرعت أصحابه فيها بعد مطالعة كتب الفالسفة، وانتهى نظرهم ". وصفة قدمية، فقد أثبت إهلنياعتباران للذات : عاملا، قادرا؛ مث احلكم بأما صفتان ذاتيتان مها : فيها إىل رد مجيع الصفات إىل كونه

وميل أبو احلسني البصري إىل ردمها إىل صفة . مية؛ كما قال اجلبائي، أو حاالن؛ كما قال أبو هاشمالقدوكان السلف خيالفهم يف . واحدة؛ وهي العاملية، وذلك عني مذهب الفالسفة؛ وسنذكر تفصيل ذلك

.ذلك؛ إذ وجدوا الصفات مذكورة يف الكتاب والسنة

وقرر واصل . وغنما سلكوا يف ذلك مسلك معبد اجلهين وغيالن الدمشقي: القول بالقدر: القاعدة الثانيةبن عطاء هذه القاعدة أكثر مما كان يقرر قاعدة الصفات؛ فقال إن الباري تعاىل حكيم عادل، ال جيوز أن

يضاف إليه شر وال ظلم، وال جيوز أن يريد من العباد خالف ما يأمرن وحيتم عليهم شيئا مث جيازيهم العبد هو الفاعل للخري والشر، واإلميان والكفر، والطاعة واملعصية، وهو اازى على فعله؛ والرب عليه؛ ف

احلركات، والسكنات، واالعتمادات، والنظر، : وأفعال العباد حمصورة يف. تعاىل أقدره على ذلك كلهس من نفسه االقتدار ويستحيل أن خياطب العبد بالفعل وهو ال ميكنه أن يفعل، وال هو حي: والعلم؛ قال

ورأيت رسالة نسبت إىل . والفعل؛ ومن أنكره فقد أنكر الضرورة، واستدل بآيات على هذه الكلماتاحلسن البصري كتبها إىل عبد امللك بن مروان وقد سأله عن القول بالقدر واجلرب، فأجابه فيها مبا يوافق

Page 7: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 7

العقل؛ ولعلها لواصل ابن عطاء؛ فما كان مذهب القدرية؛ واستدل فيها بآيات من الكتاب، ودالئل من احلسن ممن خيالف السلف يف أن القدر خريه وشره من اهللا تعاىل؛ فإن هذه الكلمات كامع عليها

البالء والعافية، والشدة والرخاء، واملرض : أنه محل هذا اللفظ الوارد يف اخلرب على ! والعجب. عندهماخلري والشر واحلسن والقبيح، : ذلك من أفعال اهللا تعاىل؛ دونإىل غري .. والشفاء، واملوت واحلياة

.وكذلك أورده مجاعة من املعتزلة يف املقالة عن أصحام. الصادرين من اكتساب العباد

يا إمام : القول باملرتلة بني املرتلتني؛ والسبب فيه أنه دخل واحد على احلسن البصري فقال: القاعدة الثالثةيف زماننا مجاعة يكفرون أصحاب الكبائر، والكبرية عندهم كفر خيرج به عن امللة؛ لقد ظهرت ! الدين

وهم وعيدية اخلوارج، ومجاعة يرجئون أصحاب الكبائر، والكبرية عندهم ال تضر مع اإلميان، بل العمل على مذهبهم ليس ركنا من اإلميان، وال يضر مع اإلميان معصية، كما ال ينفع مع الكفر طاعة؛ وهم

مرجئة األمة، فكيف حتكم لنا يف ذلك اعتقادا؟ فتفكر احلسن يف ذلك، وقبل أن جييب قال واصل بن ال : ، صاحب الكبرية مؤمن مطلقا، وال كافر مطلقا؛ بل هو يف مرتلة بني املرتلتني: أنا ال أقول: عطاء

أجاب به على مجاعة من مؤمن، وال كافر؛ مث قام واعتزل إىل اسطوانة من اسطوانات املسجد يقرر ما : ووجه تقريره انه قال . معتزلة: اعتزل عنا واصل؛ فسمي هو وأصحابه: أصحاب احلسن؛ فقال احلسن

إن اإلميان عبارة عن خصال خري إذا اجتمعت مسى املرء مؤمنا؛ وهو اسم مدح، واالسم مل يستجمع افر مطلقا أيضا؛ ألن الشهادة وسائر خصال اخلري وال استحق اسم املدح؛ فال يسمى مؤمنا، وليس هو بك

أعمال اخلري موجودة فيه، ال وجه إلنكارها، لكنه إذا خرج من الدنيا على كبرية من غري توبة؛ فهو من فريق يف اجلنة، وفريق يف السعري لكنه خيفف عنه : أهل النار خالدا فيها؛ إذ ليس يف اآلخرة إال فريقان

وتابعه على ذلك عمرو بن عبيد بعد أن كان موافقا له يف . لكفارالعذاب، وتكون دركته فوق دركة ا .القدر وإنكار الصفات

إن أحدمها خمطئ بعينه، وكذلك : قوله يف الفريقني من أصحاب اجلمل وأ صحاب صفني: القاعدة الرابعةالعنني فاسق ال إن أحد الفريقني فاسق ال حمالة، كما أن أحد املت: قال. قوله يف عثمان، وقاتليه، وخاذليه

حمالة، لكن ال بعينه، وقد عرفت قوله يف الفاسق، وأقل درجات الفريقني أنه ال تقبل شهادما، كما ال تقبل شهادة املتالعنني؛ فلم جيوز قبول شهادة علي وطلحة والزبري على باقة بقل، وجوز أن يكون عثمان

ووافقه . لطريقة يف أعالم الصحابة، وأئمة العترةوهو رئيس املعتزلة ومبدأ ا! هذا قوله. وعلي على اخلطألو شهد رجالن من : عمرو بن عبيد على مذهبه، وزاد عليه يف تفسيق أحد الفريقني ال بعينه، بأن قال

مل تقبل شهادما؛ وفيه تفسيق الفريقني، : أحد الفريقني مثل علي ورجل من عسكره، أو طلحة والزبريوواصل مشهورا بالفضل . عمرو بن عبيد من رواة احلديث، معروفا بالزهدوكان . وكوما من أهل النار

Page 8: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 8

.واألدب عندهم

اهلذيلية

شيخ املعتزلة، ومقدم الطائفة، ومقرر الطريقة، واملناظر : أصحاب أيب اهلذيل محدان بن اهلذيل العالفخذ واصل بن عطاء عن أ: ويقال . عليها؛ أخذ االعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء

وإمنا انفرد عن . أخذه عن احلسن بن أيب احلسن البصري: أيب هاشم عبد اهللا بن حممد احلنفية، ويقالأن الباري تعاىل عامل بعلمه؛ وعلمه بذاته، قادر بقدرة؛ وقدرته ذاته، حي : األوىل: أصحابه بعشر قواعد

أن ذاته واحدة ال ثرة فيها بوجه، : سفة الذين اعتقدواوإما اقتبس هذا الرأي من الفال. حبياة؛ وحياته ذاتهوإمنا الصفات ليست وراء الذات معاين قائمة بذاته؛ بل هي ذاته، وترجع إىل أسلوب أو اللوازم كما

عامل بعلم هو ذاته؛ أن األول نفى : عامل بذاته ال بعلم، وبني قول القائل: والفرق بني قول القائل. سيأيتوإذ أثبت أبو اهلذيل هذه . إثبات ذات هو بعينه صفة، أو إثبات صفة هي بعينها ذاتالصفة، والثاين

.الصفات وجوها للذات فهي بعينها أقانيم النصارى، أو أحوال أيب هاشم

وهو أول من أحدث هذه املقالة، وتابعه . أنه أثبت إرادات ال حمل هلا؛ يكون الباري تعاىل مريدا ا: الثانية .خرونعليها املتأ

إن بعضه ال يف حمل وهو قوله كن وبعضه يف حمل كاألمر، والنهي، : قال يف كالم الباري تعاىل: الثالثة .وكأن أمر التكوين عنده غري أمر التكليف. واخلرب، واإلستخبار

قوله يف القدر مثل ما قاله أصحابه؛ إال أنه قد ري األوىل جربي اآلخرة؛ فإن مذهبه يف حركات : الرابعةأا كلها ضرورية، ال قدرة للعباد عليها، وكلها خملوقة للباري تعاىل؛ إذ كانت : هل اخللدين يف اآلخرةأ

.مكتسبة للعباد لكانوا مكلفني ا

قوله إن حركات أهل اخللدين تنقطع، وإم يصريون إىل سكون دائم مخودا، وجتتمع للذات قي : اخلامسةإذ : وهذا قريب من مذهب جهم. الم يف ذلك السكون ألهل النارذلك السكون ألهل اجلنة، وجتتمع اآل

أن : وإمنا التزم أبو اهلديل هذا املذهب؛ ألنه ملا ألزم يف مسألة حدوث العامل. حكم بفناء اجلنة والنارإين ال أقول حبركات : احلوادث اليت ال أول هلا كاحلوادث اليت ال آخر هلا؛ إذ كل واحدة ال تتناهى؛ قال

ناهى آخرا؛ كما ال أقول حبركات ال تتناهى أوال؛ بل يصريون إىل سكون دائم، وكأنه ظن أن ما ال تت .لزمه يف احلركة ال يلزمه يف السكون

إا عرض من األعراض غري السالمة والصحة، وفرق بني أفعال القلوب : قوله يف االستطاعة: السادسةوب منه مع عدم القدرة، فاالستطاعة معها يف حال وأفعال اجلوارح؛ فقال ال يصح وجود أفعال القل

وجوز ذلك يف أفعال اجلوارح، وقال بتقدمها؛ فيفعل ا يف احلال األوىل، وإن مل يوجد الفعل إال . الفعل

Page 9: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 9

مث ما تولد من فعل العبد فهو فعله، غري اللون والطعم . فحال يفعل غري حال فعل: يف احلالة الثانية؛ قالإن اهللا تعاىل : وقال يف اإلدراك والعلم احلادثني يف غريه عند إمساعه وتعليمه. عرف كيفيتهوالرائحة ما ال ي

.يبدعهما فيه، وليسا من أفعال العباد

إنه جيب عليه أن يعرف اهللا تعاىل بالدليل من غري خاطر، وإن : قوله يف املكلف قبل ورود السمع: السابعةويعلم أيضا حسن احلسن وقبح القبيح؛ فيجب عليه اإلقدام على قصر يف املعرفة استوجب العقوبة أبدا،

وقال أيضا بطاعات ال يراد ا اهللا . احلسن كالصدق والعدل، واإلعراض عن القبيح كالكذب واجلورتعاىل وال يقصد ا التقرب إليه؛ كالقصد إىل النظر األول، والنظر األول ؛ فإنه مل يعرف اهللا بعد، والفعل

إذا مل يعرف التعريض والتورية فيما أكره عليه فله أن يكذب ويكون وزره : ال يف املكرهعبادة وقإن الرجل إن مل يقتل مات يف ذلك الوقت، وال جيوز أن : قوله يف اآلجال واألرزاق: الثامنة. موضوعا عنه

املنتفع ا جيوز أن ما خلق اهللا تعاىل من األمور: أحدمها: واألرزاق على وجهني. يزاد يف العمر أو ينقص: إن أحدا أكل أو انتفع مبا مل خيلقه اهللا رزقا فقد أخطأ ملا فيه: يقال خلقها رزقا للعباد، فعلى هذا من قال

ما حكم اهللا به من هذه األرزاق للعباد فما أحل منها فهو : والثاين. أن يف األجسام ما مل خيلقه اهللا تعاىل . ليس مأمورا بتناولهرزقه، وما حرم فليس رزقا، أي

هي خلقه له، وخلقه للشيء : إرادة اهللا غري املراد؛ فإرادته ملا خلق: حكى الكعيب عنه أنه قال: التاسعة وقال إنه تعاىل مل يزل مسيعا بصريا مبعىن سيسمع . عنده غري الشيء؛ بل اخللق عنده قول ال يف حمل

سنا خالقا، رازقا، معاقبا، مواليا، معاديا، آمرا، ناهيا، مبعىن غفورا، رحيما، حم: وسيبصر، وكذلك مل يزل .أن ذلك سيكون منه

احلجة ال تقوم فيما غاب إال خبرب عشرين فيهم واحد من أهل اجلنة : حكى الكعيب عنه أنه قال : العاشرة وال يرتكبون الكبائر؛ معصومون، ال يكذبون،: أو أكثر، وال ختلو األرض عن مجاعة هم فيها أولياء اهللا

فهم احلجة ال التواتر؛ إذ جيوز أن يكذب مجاعة ممن ال حيصون عددا، إذا مل يكونوا أولياء اهللا ، ول يكن .فيهم واحد معصوم

وكان سنه مائة سنه، تويف يف أول . وصحب أبا اهلذيل أبو يعقوب الشحام واآلدمي؛ ومها على مقالته .ني ومائتنيخالفة املتوكل، سنة مخس وثالث

النظامية أصحاب إبراهيم بن سيار بن هانئ النظام قد طالع كثريا من كتب الفالسفة، وخلط كالمهم : أنه زاد على القول بالقدر خريه وشره منا قوله: األوىل مها: بكالم املعتزلة، وانفرد عن أصحابه مبسائل

هي مقدورة للباري تعاىل، خالفا إن اهللا تعاىل ال يوصف بالقدرة على الشرور واملعاصي، وليست

Page 10: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 10

أن القبح إذا : ومذهب النظام. ألصحابه؛ فإم قضوا بأنه غري قادر عليها، لكنه ال يفعلها؛ ألا قبيحةكان صفة للقبيح، وهو املانع من اإلضافة إليه فعال؛ ففي جتويزك وقوع القبيح منه قبح أيضا، فيجب أن

إمنا يقدر : وزاد أيضا على هذا اإلختباط فقال. ف بالقدرة على الظلميكون مانعا، ففاعل العدل ال يوصعلى فعل ما يعلم أن فيه صالحا لعباده، وال يقدر على أن يفعل بعباده يف الدنيا ما ليس يف صالحهم؛

ال يوصف الباري تعاىل بالقدرة على : هذا يف تعلق قدرته مبا يتعلق بأمور الدنيا، وأما أمور اآلخرة فقالإن : وقد ألزم عليه. أن يزيد يف عذاب أهل اجلنة، وال أن خيرج أحدا من أهل اجلنة وليس ذلك مقدورا له

من يتخري بني الفعل والترك، : يكون الباري تعاىل مطبوعا جمبورا على ما يفعله؛ فإن القادر على احلقيقةم يستحيل إن يفعله وإن يفعله وإن إن الذي ألزمتموين يف القدرة يلزمكم يف الفعل؛ فإن عندك: فأجاب

وإمنا أخذ هذه املقالة من قدماء الفالسفة؛ حيث قضوا بأن اجلواد ال جيوز أن . كان مقدورا؛ فال فرقيدخر شيئا ال يفعله، فما أبدعه وأوجده هو املقدور، ولو كان يف علمه تعاىل ومقدوره ما هو أحسن

.لفعله.. انظاما، وترتيبا، وصالح: وأكمل مما أبدعه

إن الباري تعاىل ليس موصوفا ا على احلقيقة، فإذا وصف ا شرعا يف أفعاله؛ : قوله يف اإلرادة: الثانيةأنه خالقها ومنشئها على حسب ما علم، وإذا وصف بكونه مريدا ألفعال العباد؛ فاملعىن به؛ : فاملراد بذلك

.يف اإلرادةوعنه أخذ الكعيب مذهبه . أنه آمر ا وناه عنها

إن أفعال العباد كلها حركات فحسب، والسكون حركة اعتماد، والعلوم واإلرادات : قوله : الثالثةحركات النفس؛ ز مل يرد ذه احلركة حركة النقلة، وإمنا احلركة عنده مبدأ تغري ما، كما قالت

.إىل أخواا.. من إثبات حركات يف الكيف، والكم، والوضع، واألين، واملىت،: الفالسفة

غري أنه . إن اإلنسان يف احلقيقة هو النفس والروح؛ والبدن آلتها وقالبها: وافقهم أيضا يف قوهلم: الرابعة إن الروح جسم لطيف مشابك للبدن مداخل : تقاصر عن إدراك مذهبهم، فمال إىل قول الطبيعيني منهم

: إن الروح هي اليت هلا : مسم واملينة يف اللنب؛ وقالللقالب بأجزائه مداخلة املائية يف الورد واهلنية يف الس

.قوة ، واستطاعة، وحياة ومشيئة؛ وهي مستطيعة بنفسها واالستطاعة قبل الفعل

إن كل ما جاوز حد القدرة من الفعل فهو من فعل اهللا تعاىل بإجياب : حكى الكعيب عنه أنه قال: اخلامسة، وخلقه خلقة إذا دفعته اندفع، وإذا بلغت قوة الدفع مبلغها عاد اخللقة أي إن اهللا تعاىل طبع احلجر طبعا

.وله يف اجلواهر وأحكامها خبط ومذهب خيالف املتكلمني والفالسفة. احلجر إىل مكانه طبعا

وأحدث القول بالطفرة ملا ألزم مشى منلة على . وافق الفالسفة يف نفي اجلزء الذي ال يتجزأ: السادسةتقطع : طرف أا قطعت ما ال يتناهى فكيف يقطع ما يتناهى ما ال يتناهى؟ قالصخرة من طرف إىل

Page 11: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 11

بعضها باملشي، وبعضها بالطفرة وشبه ذلك حببل شد على خشبة معترضة وسط البئر، طوله مخسون ذراعا، علق عليه معالق؛ فيجر به احلبل املتوسط؛ فإن الدلو يصل إىل رأس البئر، وقد قطع مائة ذراع،

طوله مخسون ذراعا، يف زمان واحد؛ وليس ذلك إال أن بعض القطع بالطفرة ومل يعلم أن الطفرة حببل قطع مسافة أيضا موازية ملسافة؛ فاإللزام ال يندفع عنه، وإمنا الرق بني املشي والطفرة يرجع إىل سرعة

.الزمان وبطئه

أن األلوان : بن احلكم يف قولهإن اجلواهر مؤلفة من أعراض اجتمعت، ووافق هشام : قال: السابعةوالطعوم والروائح أجسام، فتارة يقضي بكون األجسام أعراضا، وتارة يقضي بكون األعراض أجساما ال

.غري

معادن، ونباتا، : أن اهللا تعاىل خلق املوجودات دفعة واحدة على ما هي عليه اآلن: من مذهبه: الثامنةدم عليه السالم خلق أوالده؛ غري أن اهللا تعاىل أكمن بعضها يف بعض؛ وحيوانا، وإنسانا؛ ومل يتقدم خلق آ

وإمنا أخذ هذه املقالة من . فالتقدم والتأخر إمنا يقع يف ظهورها من مكامنها، دون حدوثها ووجودها إىل تقرير مذاهب الطبيعيني منهم دون - أبدا-وأكثر ميله. أصحاب الكمون والظهور من الفالسفة

.اإلهليني

إنه من حيث اإلخبار عن األمور املاضية واآلتية، ومن جهة صرف : قوله يف إعجاز القرآن: تاسعةالالدواعي عن املعارضة، ومنع العرب عن االهتمام به جربا وتعجيزا؛ حىت لو خالهم لكانوا قادرين على أن

.بالغة، وفصاحة، ونظما: يأتوا بسورة من مثله

ه ليس حبجة يف الشرع وكذلك القياس يف األحكام الشرعية، ال جيوز أن إن: قوله يف اإلمجاع: العاشرة .يكون حجة وإمنا احلجة يف قول اإلمام املعصوم

ال إمامة إال بالنص والتعيني ظاهرا : أوال: ميله إىل الرفض، ووقيعته يف كبار الصحابة؛ قال: احلادية عشرةى علي رضي اهللا عنه يف مواضع، وأظهره إظهارا مل أو مكشوفا، وقد نص النيب صلى اهللا عليه وسلم عل

ونسبه إىل الشك . يشتبه على اجلماعة، إال أن عمر كتم ذلك، وهو الذي توىل بيعة أيب بكر يوم السقيفةنعم قال : ألسنا على احلق؟ أليسوا على الباطل؟ قال: يوم احلديبية يف سؤاله الرسول عليه السالم حني قال

هذا شك وتردد يف الدين، ووجدان حرج يف النفس مما قضى : نية يف ديننا؟ قالفلم نعطي الد: عمرإن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حىت ألقت اجلنني من بطنها، وكان : وزاد يف الفرية ؛ فقال. وحكمتغريبه نصر : وقال. أحرقوا دارها مبن فيها؛ وما كان يف الدار غري علي وفاطمة واحلسن واحلسني: يصيح

كل ذلك .... بن حلجاج من املدينة إىل البصرة؛ وإبداعه التراويح؛ ويه عن متعة احلج؛ ومصادرته العمالمن رده احلكيم بن أمية إىل املدينة؛ وهو طريد : مث وقع يف أمري املؤمنني عثمان، وذكر أحداثه. أحداث

Page 12: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 12

، وتقليده الوليد بن عقبه الكوفة؛ رسول اهللا عليه السالم، ونفيه أبا ذر إىل الربذة؛ وهو صديق رسول اهللاوهو من أفسد الناس، ومعاوية الشام، وعبد اهللا بن عامر البصرة، وتزوجيه مروان بن احلكم ابنته؛ وهم

كل ... أفسدوا عليه أمره، وضربه عبد اهللا بن مسعود على إحضار املصحف، وعلى القول الذي شاقه بهأقول فيها برأيي، : عاب عليا وعبد اهللا بن مسعود لقوهلمامث زاد على خزيه ذلك؛ بأن . ذلك أحداثه

: السعيد من سعد يف بطن أمه، والشقي من شقي يف بطن أمه، ويف روايته: وكذب ابن مسعود يف روايته

إىل غري ذلك من الوقيعة الفاحشة يف ... انشقاق القمر، ويف تشبيهه اجلن بالزط وقد أنكر اجلن رأسا .نهم أمجعنيلصحابة، رضي اهللا ع

أنه إذا كان عاقال متمكنا من النظر جيب عليه حتصيل : قوله يف املفكر قبل ورود السمع: الثانية عشرةوقال بتحسني العقل وتقبيحه، يف مجيع ما يتصرف فيه من . معرفة الباري تعاىل، بالنظر واالستدالل

. بالكف ليصح االختيارال بد من خاطرين أحدمها يأمر باإلقدام، واآلخر: وقال. أفعاله

وزعم أن من خان يف مائة وتسعني درمها بالسرقة أو . قد تكلم يف مسائل العد والوعيد: الثالثة عشرةالظلم مل يفسق بذلك، حىت تبلغ خيانته نصاب الزكاة؛ وهو مائتا درهم فصاعدا، فحينئذ يفسق، وكذلك

ووافقه األسواري . ى األطفال، كالفضل على البهائمإن الفضل عل: يف سائر نصب الزكاة وقال يف املعادإن اهللا تعاىل ال يوصف بالقدرة على ما علم أنه ال يفعله، وال : يف مجيع ما ذهب إليه، وزاد عليه بأن قال

مع أن اإلنسان قادر على ذلك؛ ألن قدرة العبد صاحلة للضد ين، ومن املعلوم : على ما أخرب أنه ال يفعلهواخلطاب ال ينقطع عن أيب هلب؛ وإن أخرب . واقع يف املعلوم أنه سيوجد؛ دون الثاينأن أحد الضد ينوزاد عليه بأن . ووافقه أبو جعفر اإلسكايف وأصحابه من املعتزلة. سيصلى نارا ذات هلب: الرب تعاىل بأنه

وكذلك . ااننيإن اهللا تعاىل ال يقدر على ظلم العقالء؛ وإمنا يوصف بالقدرة على ظلم األطفال و: قاليف فساق : جعفر بن مبشر وجعفر بن حرب وافقاه وما زادا عليه؛ إال أن جعفر بن مبشر قال: اجلعفران

األمة من هو شر من الزنادقة واوس وزعم أن إمجاع الصحابة على حد شارب اخلمر كان خطأ؛ إذ .اسق منخلع عن اإلميانوزعم أن سارق احلبة الواحدة ف. النص والتوقيف: املعترب يف احلدود

من أصحاب النظام إال أم خالفوه يف الوعيد ويف : وكان حممد بن شبيب وأبو مشر وموسى بن عمرانوكان ابن مبشر . صاحب الكبرية ال خيرج من اإلميان مبجرد ارتكاب الكبرية: وقالوا: املرتلة بني الرتلتنيوسائر أصحابه . لنار بالفكر يعرف، قبل ورود السمعإن استحقاق العقاب، واخللود يف ا: يقول يف الوعيد

قال . الفضل احلدثي، وأمحد بن خابط: ومن أصحاب النظام. التخليد ال يعرف إال بالسمع: يقولونأحدمها قدمي؛ وهو الباري تعاىل، والثاين حمدث؛ وهو : إما كانا يزعمان أن للخلق خالقني: الرواندي

Page 13: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 13

وكذبه لكعيب يف رواية احلدثي خاصة حلسن ". ختلق من الطني كهيئة الطرياملسيح عليه السالم؛ لقوله إذ .اعتقاده فيه

كانا من : أصحاب امحد بن خابط وكذلك احلثية؛ أصحاب الفضل احلدثي: اخلابطية واحلدثية اخلابطيةإثبات : البدعة األوىل: أصحاب النظام، وطالعا كتب الفالسفة أيضا، وضما إىل مذهب النظام ثالث بدع

أن املسيح هو الذي : حكم من أحكام اإلهلية يف املسيح عليه السالم موافقة النصارى على اعتقادهموهو الذي يأيت ظلل ". وجاء ربك وامللك صفا صفا:" حياسب اخللق يف اآلخرة، وهو املراد بقوله تعاىل

إن اهللا تعاىل خلق : "النيب عليه السالموهو املراد بقول ". أو يأيت ربك:" من الغمام، وهو املعين بقوله تعاىلأن املسيح تدرع : وزعم أمحد بن خابط". يضع اجلبار قدمه يف النار:" وبقوله". آدم على صورة الرمحن

.باجلسد اجلسماين، وهو الكلمة القدمية املتجسدة؛ كما قالت النصارى

أصحاء، ساملني، عقالء، بالغني يف دار : هزعما أن اهللا تعاىل أبدع خلق: القول بالتناسخ: البدعة الثانيةسوى هذه الدار اليت هم فيها اليوم، وخلق فيهم معرفته والعلم به، وأسبغ عليهم نعمته، وال جيوز أن

عاقال؛ ناظرا؛ معتربا، وابتدأ هو بتكليف شكره؛ فأطاعه بعضهم يف مجيع ما : يكون أول ما خيلقه إال ذلك، وأطاعه بعضهم يف البعض دون البعض، فمن أطاعه يف الكل، أمرهم به، وعصاه بعضهم يف مجيع

أقره يف دار النعيم اليت أبدأهم فيها، ومن أطاعه يف البعض وعصاه يف البعض أخرجه إىل دار الدنيا؛ فألبسه على صور ... بالبأساء، والضراء، والشدة، والرخاء، واآلالم، واللذات: هذه األجسام الكثيفة؛ وابتاله

فة، من صمر الناس وسائر احليوانات، على قدر ذنوم؛ فمن كانت معصيته أقل، وطاعته أكثر، خمتلمث ال يزال . كانت صورته أحسن، وآالمه أقل؛ ومن كانت ذنوبه أكثر، كانت صورته أقبح، وآالمه أكثر

ة أمحد بن كرة بعد كرة، وصورة بعد أخرى مادامت يف زماما شيخ املعتزل: يكون احليوان يف الدنياأيوب بن مانوس، وهو أيضا من تالمذة النظام، وقال أيضا مثل ما قال أمحد بن خابط يف التناسخ وخلق

مىت صارت النوبة إىل البهيمية؛ ارتفعت التكاليف، ومىت صارت النوبة إىل : الربية دفعة واحدة؛ إال أنه قالومن مذهبهما أن الديار مخس؛ . وبتان عامل اجلزاءرتبة النبوة وامللك؛ ارتفعت التكاليف أيضا، وصارت الن

دار فوق هذه الدار ؛ ليس : والثانية. فيها أكل، وشرب، وبعال، وجنات، وأار: داران للثواب إحدامهادار العقاب : والثالثة. فيها أكل، وال شرب، وال بعال؛ بل مالذ روحانية، وروح، ورحيان؛ غري جسمانية

والرابعة دار االبتداء، اليت خلق . يس فيها ترتيب، بل هي على منط التساوياحملض؛ وهي نار جهنم، لدار االبتالء؛ وهي اليت كلف اخللق : واخلامسة. اخللق فيها قبل أن يهبطوا إىل دار الدنيا؛ وهي اجلنة األوىل

مكيال : ملكياالنوهذا التكوير والتكرير ال يزال يف الدنيا، حىت ميتلئ ا. فيها، بعد أن اجترحوا يف األوىل

Page 14: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 14

اخلري، ومكيال الشر؛ فإذا امتأل مكيال خلري، صار العمل كله طاعة، واملطيع خريا خالصا؛ فينقل إىل اجلنة، وإذا ". أعطوا األجري أجره قبل إن جيف عرقه: "ومل يلبث طرفة عني؛ فإن مطل الغىن ظلم؛ ويف احلديثريرا حمضا؛ فينقل إىل النار، ومل يلبث طرفة عني؛ امتأل مكيال الشر، صار العمل كله معصية والعاصي ش

محلهما كل ما ورد : البدعة الثالثة. فإذا جاء أجلهم اليستأخرون ساعة، وال يستفيدون: وذلك قوله تعاىلإنكم سترون ربكم يوم القيامة، كما ترون القمر :" من رؤية الباري تعاىل؛ مثل قوله عليه السالم: يف اخلرب

على رؤية العقل األول، الذي هو أول مبدع؛ وهو العقل الفعال، الذي " ال تضامون يف رؤيتهليلة البدر، أول ما خلق اهللا تعاىل العقل؛ :" منه تفيض الصور على املوجودات، وإياه على النيب عليه السالم بقوله

بك ! أحسن منكوعزيت وجاليل، ما خلقت خلقا: أقبل، فأقبل؛ مث قال له، أدبر، فأدبر؛ فقال: فقال لهأعز، وبك أذل، وبك أعطي، وبك أمنع؛ فهو الذي يظهر يوم القيامة، وترتفع احلجب بينه وبني الصور

وال يشبه إال مبدع . اليت فاضت منه؛ فريونه كمثل القمر ليلة البدر؛ فأما واهب العقل فال يرى البتةوما من دابة يف : حياهلا؛ لقوله تعاىلوقال ابن خابط إن كل نوع من أنواع احليوانات أمة على . مببدع

وإن من أمة :" األرض وال طائر يطري جبناحيه إال أمم أمثالكم؛ ويف كل أمة رسول من نوعه؛ لقوله تعاىلوهلما طريقة أخرى يف التناسخ؛ وكأما مزجا كالم التناسخية، والفالسفة، واملعتزلة . إال خال فيها نذير

.ببعضها البعض

وهو الذي أحدث القول بالتولد وأفرط . بشر بن املعتمر، كان من أفضل علماء املعتزلةالبشرية أصحابأنه زعم أن اللون، والطعم، والرائحة، ز اإلدراكات : األوىل منها: وانفرد عن أصحابه مبسائل ست. فيه

له، وإمنا أخذ جيوز أن حتصل متولدة من فعل العبد، إذا كانت أسباا من فع... من السمع، والرؤية: كلهاهذا من الطبيعيني؛ إال أم ال يفرقون بني املتولد واملباشر بالقدرة، ورمبا ال يثبتون القدرة على منهاج

.غري القدرة اليت يثبتها املتكلم: وقوة الفعل، وقوة االنفعال. املتكلمني

ال أقول يفعل : من اآلفات؛ وقالهي سالمة البنية، وصحة اجلوارح، وختليتها : إن االستطاعة: قوله: الثانية .اإلنسان يفعل، والفعل ال يكون إال يف الثانية: ا يف احلالة األوىل وال يف احلالة الثانية، لكين أقول

إن اهللا تعاىل قادر على تعذيب الطفل، ولو فعل ذلك كان ظاملا إياه؛ إال أنه ال يستحسن أن : قوله: الثالثةبالغا، عاقال، عاصيا مبعصية ارتكبها، مستحقا : لو فعل ذلك كان الطفل: يقال ذلك يف حقه؛ بل يقال .للعقاب؛ وهذا كالم متناقض

صفة ذات وصفة : فعل من أفعاله، وهي على وجهني: إرادة اهللا تعاىل: حكى الكعيب عنه أنه قال: الرابعة وجلميع الطاعات من عباده؛ فإنه أن اهللا تعاىل مل يزل مريدا جلميع أفعاله،: فأما صفة الذات؛ فهي: فعل

Page 15: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 15

وأما صفة الفعل؛ فإن أراد ا فعل نفسه يف . حكيم، وال جيوز أن يعلم احلكيم صالحا وخريا، وال يريدهحال إحداثه؛ فهي خلقه له، وهي قبل اخللق؛ ألن ما به يكون الشيء ال جيوز أن يكون معه، وإن أراد ا

.األمر به: فعل عباده؛ فهي

قال إن عند اهللا تعاىل لطفا لو أتى به، آلمن مجيع من يف األرض إميانا يستحقون عليه الثواب؛ : اخلامسةوال جيب . استحقاقهم لو آمنوا من غري وجوده، وأكثر منه؛ وليس على اهللا تعاىل أن يفعل ذلك بعباده

وفوقه أصلح، وإمنا عليه أن عليه رعاية األصلح؛ ألنه ال غاية ملا يقدر عليه من الصالح؛ فما من أصلح إالواملفكر قبل ورود السمع، يعلم الباري . ميكن العبد القدرة واالستطاعة ويزيح العلل بالدعوة والرسالة

تعاىل بالنظر واالستدالل وإذا كان خمتارا يف فعله فيستغين عن اخلاطرين؛ ألن اخلاطرين ال يكونان من قبل ان، واملفكر األول مل يتقدمه شيطان خيطر الشك بباله، ولو تقدم، اهللا تعاىل؛ وإمنا مها من قبل الشيط .فالكالم يف الشيطان كالكالم فيه

من تاب عن كبرية مث راجعها عاد استحقاقه العقوبة األوىل؛ فإنه قبل توبته بشرط أن ال : قال: السادسة .يعود

يف تدقيق القول بنفي الصفات، : املعمرية أصحاب معمر بن عباد السلمى، وهو من أعظم القدرية فرية: منها: وانفرد عن أصحابه مبسائل. ونفي القدر خريه وشره من اهللا تعاىل، والتكفري والتضليل على ذلك

إما طبعا : إن اهللا تعاىل مل خيلق شيئا غري األجسام؛ فأما األعراض فإا من اختراعات األجسام: أنه قالاحلرارة، والقمر التلوين؛ وإما اختيارا؛ كاحليوان حيدث احلركة، كالنار اليت حتدث اإلحراق، والشمس و

: ومن العجب أن حدوث اجلسم وفناءه عنده عرضان؛ فكيف يقول. والسكون، واالجتماع، واالفتراق

إا من فعل األجسام؟ وإذا مل حيدث الباري تعاىل عرضا فلم حيدث اجلسم وفناءه؟ فإن احلدوث عرض؛ : فإن قال. إما عرض، أو جسم: أن كالم الباري تعاىل: مث ألزم. هللا تعاىل فعل أصالفيلزمه أن ال يكون

أن ال يكون : هو عرض، فقد أحدثه الباري تعاىل؛ فإن املتكلم على أصله هو من فعل الكالم، أو ما يلزمهال يقوم إنه أحدثه يف حمل؛ فإن اجلسم : هللا تعاىل كالم هو عرض؛ وإن قال هو جسم؛ فقد أبطل قوله

باجلسم؛ فإذا مل يقل هو بإثبات األزلية، وال قال خبلق األعراض؛ فال يكون هللا تعاىل كالم يتكلم به على وإذا مل يكن له كالم مل يكن له آمرا ناهيا، وإذا مل يكن أمر وي مل تكن شريعة أصال؛ . مقتضى مذهبه

.فأدى واهبه إىل خزي عظيم

وقال كل عرض قام مبحل، فإمنا يقوم به ملعىن . ال تتناهى يف كل نوعإن األعراض : أنه قال: ومنهاوزاد على . أصحاب املعاين: وعن هذه املسألة هو وأصحابه. أوجب القيام؛ وذلك يؤدي إىل التسلسل

املثل، : احلركة إمنا خالفت السكون ال بذاا؛ بل مبعىن أوجب املخالفة؛ وكذلك مغايرة: ذلك؛ فقال

Page 16: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 16

.اد الضد الضد؛ كل ذلك عنده مبعىنومماثلته، وتض

األمر، : أن اإلرادة من اهللا تعاىل للشيء غري اهللا، وغري خلقه للشيء، وغري: ما حكى الكعيب عنه: ومنهامباشرة : ليس لإلنسان فعل سوى اإلرادة: وقال. واألخبار، واحلكم؛ فأشار إىل أمر جمهول ال يعرف

كلها .. من القيام، والقعود، واحلركة، والسكون؛ يف اخلري والشر: يةكانت ، أو توليدا؛ وأفعاله التكليفمستندة إىل إرادته، ال على طريق املباشرة، وال على طريق التوليد؛ وهذا عجب، غري أنه إمنا بناه على

عامل، قادر، خمتار، حكيم، : اإلنسان معىن أو جوهر غري اجلسد؛ وهو: وعنده. مذهبه يف حقيقة اإلنسانمبتحرك، وال ساكن، وال متكون، وال متمكن، وال يرى، وال ميس، وال حيس، وال جيس، وال حيل ليس

موضعا دون موضع، وال حيويه مكان، وال حيصره زمان؛ لكنه مدبر للجسد، وعالقته مع البدن عالقة مرا ما؛ هو وإمنا أخذ هذا القول من الفالسفة؛ حيث قضوا بإثبات النفس اإلنسانية أ. التدبري والتصرف. ال متحيز، وال متمكن؛ وأثبتوا من جنس ذلك موجودات عقلية، مثل العقول املفارقة: جوهر قائم بنفسه

مث ملا كان ميل معمر بن عباد إىل مذهب الفالسفة ميز بني أفعال النفس اليت مساها إنسانا، وبني القالب إنسان؛ ففعل اإلنسان هو إلرادة وما فعل النفس هو اإلرادة فحسب ، النفس: الذي هو جسده؛ فقال

. فهي من فعل اجلسد-من احلركات، والسكنات، واالعتمادات: سوى ذلك

بأن اهللا تعاىل قدمي ألن قدمي أخذ من قدم يقدم فهو قدمي؛ وهو فعل، : أنه كان ينكر القول: ومنها ووجود الباري تعاىل ليس هو يشعر بالتقادم الزماين،: وقال أيضا. أخذ منه ما قدم وما حدث: كقولك

وحكى جعفر بن حرب . اخللق غري املخلوق، واإلحداث غري احملدث: أنه قال: وحيكى عنه أيضا. زماينإن اهللا تعاىل حمال أن يعرف نفسه؛ ألنه يؤدي إىل أن ال يكون العامل واملعلوم واحدا، وحمال : عنه أنه قال

ولعل هذا النقل فيه خلل؛ . املوجود من حيث هو موجودحمال أن يقدر على : أن يعلم غريه؛ كما يقال .فإن عاقال ما، ال يتكلم مبثل هذا الكالم الغري املعقول

أنه ليس علم الباري تعاىل علما انفعاليا، أي : ملا كان الرجل مييل إىل الفالسفة؛ ومن مذهبهم! لعمريعلمه هو الذي أوجب الفعل، وإمنا يتعلق تابعا للمعلوم، بل علمه علم فعلي؛ فهو من حيث هو فاعل، و

عقال، : باملوجود حال حدوثه ال حمالة، وال جيوز تعلقه املعدوم على استمرار عدمه وانه علم وعقل وكونهيعلم نفسه؛ ألنه يؤدي إىل متايز بني العامل : ال يقال: وعاقال، ومعقوال، شيء واحد؛ فقال ابن عباد

فإما ال يصح النقل، وإما أن حيمل . نه يؤدي إىل كون علمه من غريه حيصلواملعلوم، وال يعلم غريه؛ أل .ولسنا من رجال ابن عباد فنطلب لكالمه وجها. على مثل هذا احململ

وقد تلمذ لبشر بن املعتمر، وأخذ . املزدارية أصحاب عيسى بن صبيح املكىن بايب موسى، امللقب باملرداد

Page 17: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 17

إن : قوله يف القدر: األوىل منها: وإمنا انفرد عن أصحابه مبسائل. عتزلةالعلم منه، وتزهد؛ ويسمى راهب امل .اهللا تعاىل يقدر على أن يكذب ويظلم، ولو كذب وظلم كان إهلا كاذبا وظاملا؛ تعاىل اهللا عن قوله

بأن جوز وقوع فعل واحد من فاعلني على سبيل : مثل قول أستاذه، وزاد عليه: والثانية قوله يف التولد .التولد

فصاحة، ونظما؛ وبالغة وهو الذي بالغ يف : إن الناس قادرون على فعل القرآن: والثالثة قوله يف القرآنوكفر أيضا من البس السلطان؛ وزعم أنه . القول خبلق القرآن، وكفر من قال بقدمه؛ بأنه قد أثبت قدميني

إنه يرى باألبصار، : ة هللا تعاىل، ومن قالإن أعمال العباد خملوق: ال يرث وال يورث، وكفر أيضا من قالوقد سأله إبراهيم بن السندي مرة عن . ال إله إال اهللا: هم كافرون يف قوهلم: وغال يف التكفري حىت قال

اجلنة اليت عرضها السموات واألرض، ال يدخلها : أهل األرض مجيعا، فكفرهم؛ فأقبل عليه إبراهيم وقالاجلعفران، وأبو زفر، وحممد بن : وقد تلمذ له أيضا. خزي، ومل حير جواباف! إال أنت، وثالثة وافقوك؟

. جعفر بن حرب األشج: أبو جعفر حممد ابن عبد اهللا اإلسكايف وعيسى ابن اهليثم: وصحب. سويد

إن اهللا تعاىل خلق القرآن يف اللوح احملفوظ، وال جيوز أن ينقل؛ إذ : وحكى الكعيب عن اجلعفرين أما قاالتحيل أن يكون الشيء الواحد يف مكانني يف حالة واحدة، وما نقرأه فهو حكاية عن املكتوب األول يس

.يف اللوح احملفوظ؛ وذلك فعلنا وخلقنا

.وهو الذي اختاره من األقوال املختلفة يف القرآن: قال

فاته قبل ورود إن العقل يوجب معرفة اهللا تعاىل جبميع أحكامه وص: وقاال يف حتسني العقل وتقبيحهعاقبه عقوبة دائمة؛ فأثبت التخليد واجبا : الشرع؛ وعليه أن يعلم أنه قصر، ومل يعرفه، ومل يشكره

.بالعقل

الثمامية أصحاب مثامة بن أشرس النمريي؛ كان جامعا بني سخافة الدين، وخالعة النفس؛ مع اعتقاده . بة، وهو يف حال حياته يف مرتلة بني املرتلتنيبأن الفاسق خيلد يف النار إذا مات على فسقه من غري تو

إن األفعال املتولدة ال فاعل هلا؛ إذ م ميكنها إضافتها إىل فاعل : قوله: منها: وانفرد عن أصحابه مبسائلومل . أسباا، حىت يلزمه أن يضيف الفعل إىل ميت؛ مثل ما إذا فعل السبب ومات ووجد املتولد بعده

املتولدات أفعال ال : فتحري فيه، وقال. تعاىل؛ ألنه يؤدي إىل فعل القبيح، وذلك حمالميكنه إضافتها إىل اهللا .فاعل هلا

إم يصريون يف القيامة : قوله يف الكفار واملشركني واوس واليهود والنصارى والزنادقة والدهرية: ومنها .ترابا؛ وكذلك قوله يف البهائم والطيور، وأطفال املؤمنني

Page 18: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 18

.االستطاعة هي السالمة وصحة اجلوارح، وختليتها من اآلفات؛ وهي قبل الفعل: ولهق: ومنها

.إن املعرفة متولدة من النظر وهو فعل ال فاعل له كسائر املتولدات: قوله: ومنها

مثل قول أصحابه؛ غري أنه زاد : قوله يف حتسني العقل وتقبيحه وإجياب املعرفة قبل ورود السمع: ومنهاإن املعارف كلها ضرورية وإن من مل : وقال. من الكفار من ال يعلم خالقه، وهو معذور: عليهم؛ فقال

.يضطر إىل معرفة اهللا سبحانه وتعاىل، فليس هو مأمورا ا، وإمنا خلق للعربة والسخرة؛ كسائر احليوان

الرواندي عنه أنه وحكى ابن . ال فعل لإلنسان إال اإلرادة، وماعداها فهو حدث ال حمدث له: قوله: ومنهامن اإلجياب بالذات ، دون : العامل فعل اهللا تعاىل بطباعه، ولعله أراد بذلك ما تريده الفالسفة: قال

وكان مثامة يف أيام املأمون ، وكان . الفالسفة من القول بقدم العامل؛ إذ املوجب ال ينفك عن املوجب .عنده مبكان

وكان ميتنع . الغته يف القدر أشد وأكثر من مبالغة أصحابهومب. اهلشامية أصحاب هشام بن عمرو الفوطي .من إطالق إضافات أفعال إىل الباري تعاىل، وإن ورد ا الترتيل

ما ألفت :" إن اهللا ال يؤلف بني قلوب املؤمنني بل هم املؤتلفون باختيارهم؛ وقد ورد يف الترتيل: منها قوله ".بني قلوم ولكن اهللا ألف بينهم

حبب إليكم اإلميان :" إن اهللا ال حيبب اإلميان إىل املؤمنني، وال يزينه يف قلوم؛ وقد قال تعاىل: ولهومنها ق أشد وأصعب؛ وقد ورد -الطبع واخلتم والسد، وأمثاهلا: ومبالغته يف نفي إضافات". وزينه يف قلوبكم

بل طبع اهللا عليهم : " وقال". ختم اهللا على قلوم وعلى مسعهم:" جبميعها الترتيل؛ قال اهللا تعاىلما يعتقده الرجل؟ ! وليت شعري". وجعلنا من بني أيديهم سدا ومن خلفهم سدا:" وقال". بكفرهم

أو إنكار ظواهرها من نسبتها إىل ! إنكار ألفاظ الترتيل، وكوا وحيا من اهللا تعاىل؟ فبكون تصرحيا بالكفر أصحابه؟ ومن بدعه يف الداللة على الباري تعاىل، الباري تعال، ووجوب تأويلها؟ وذلك عني مذهب

إن األعراض ال تدل على كونه خالقا، وال تصلح األعراض دالالت؛ بل األجسام تدل على كونه : قوله .وهذا أيضا عجب. خالقا

إا ال تنعقد يف أيام الفتنة واختالف الناس، وإمنا جيوز عقدها يف حال : ومن بدعه يف اإلمامة، قولهاإلمامة ال تنعقد إال بإمجاع األمة عن : وكذلك أبو بكر األصم من أصحابه كان يقول. االتفاق والسالمة

رضي اهللا عنه إذ كانت البيعة يف أيام الفتنة، من غري -وإمنا أراد بذلك الطعن يف إمامة علي. بكرة أبيهم .اتفاق من مجيع أصحابه؛ إذ بقى يف كل طرف طائفة على خالفة

أن اجلنة والنار ليستا خملوقتني اآلن؛ إذ ال فائدة يف وجودمها ومها مجيعا خاليتان ممن ينتفع : بدعهومن

Page 19: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 19

وكان يقول باملوافاة، وأن اإلميان هو الذي يوايف . ويتضرر ما، وبقيت هذه املسألة منه اعتقادا للمعتزلة مبا حيبط أعماله، ولو بكبرية مل يكن من أطاع اهللا مجيع عمره، وقد علم اهللا أنه يأيت: وقال. املوت

وصاحبه عباد من املعتزلة وكان ميتنع من إطالق القول بأن اهللا . مستحقا للوعد؛ وكذلك على العكسوقال النبوة جزاء على عمل، . كفر، وإنسان؛ واهللا تعاىل ال خيلق الكفر: تعاىل خلق الكافر؛ ألن الكافر

إن اهللا تعاىل مل يزل قائال، : أنه ال يقال: األشعري عن عباد أنه زعموحكى . وإا باقية ما بقيت الدنياإن األشياء قبل : وكان الفوطي يقول. وال يسمى متكلما: قاال. ووافقه اإلسكايف على ذلك. وال غري قائل

: وهلذا املعىن كان مينع القول. معدومة؛ وليست أشياء، وهي بعد أن تعدم عن وجود تسمى أشياء: كوا

وكان جيوز القتل : قال. بأن اهللا تعاىل قد كان مل يزل عاملا باألشياء قبل كوا؛ فإا ال تسمى أشياء .والغيلة على املخالفني ملذهبه، وأخذ أمواهلم غصبا وسرقة ؛ العتقاده كفرهم، واستباحة دمائهم وأمواهلم

ملعتزلة، واملصنفني هلم؛ وقد طالع كان من فضالء ا. اجلاحظية أصحاب عمرو بن حبر أيب عثمان اجلاحظوكان . كثريا من كتب الفالسفة، وخلط وروج كثري أمن مقاالم بعباراته البليغة، وحسن براعته اللطيفة

إن املعارف كلها ضرورية طباع، : قوله: منها: وانفرد عن أصحابه مبسائل. يف أيام املعتصم واملتوكليس للعبد كسب سوى اإلرادة وحتصل أفعاله منه طباعا؛ كما وليس شيء من ذلك من أفعال العباد، ول

إذا انتهى السهو عن : أنه أنكر أصل اإلرادة وكوا جنسا من األعراض؛ فقال: ونقل عنه أيضا. قال مثامةالفاعل، وكان عاملا مبا يفعله، فهو املريد على التحقيق، وأما اإلرادة املتعلقة بفعل الغري، فهو ميل النفس

وزاد على ذلك بإثبات الطبائع لألجسام، كما قال الطبيعيون من الفالسفة، وأثبت هلا أفعاال . ليهإقوله يف : وقال باستحالة عدم اجلواهر، فاألعراض تتبدل، واجلواهر ال جيوز أن تفىن ومنها. خمصوصة ا

البار جتذب أهلها إىل : يقولوكان. إم ال خيلدون فيها عذابا، بل يصريون إىل طبيعة النار: أهل النارمذهب الفالسفة يف نفي الصفات، ويف إثبات القدر خريه : ومذهبه. نفسها من غري أن يدخل أحد فيها

يوصف الباري تعاىل بأنه مريد، مبعىن أنه ال : وحكى الكعيب عنه أنه قال. مذهب املعتزلة: وشره من العبد .وز أن يغلب ويقهريصح عليه السهو يف أفعاله ، وال اجلهل وال جي

إن اخللق كلهم من العقالء عاملون بأن اهللا تعاىل خالقهم، وعارفون بأم حمتاجون إىل النيب؛ وهم : وقالومن . عامل بالتوحيد، وجاهل به؛ فاجلاهل معذور، والعامل حمجوج: مث هم صنفان. حمجوجون مبعرفتهم

سم وال صورة وال يرى باألبصار، وهو عدل ال جيوز انتحل دين اإلسالم؛ فإن اعتقد أن اهللا تعاىل ليس جبوإن مل ينظر يف شيء من ذلك . وال يريد املعاصي، وبعد االعتقاد واليقني أقر بذلك كله؛ فهو مسلم حقا

. كله، واعتقد أن اهللا تعاىل ربه، وان حممدا رسول اهللا؛ فهو مؤمن ال لوم عليه، وال تكليف عليه غري ذلك

إن للقرآن جسدا جيوز أن يقلب مرة رجال ومرة حيوانا؛ وهذا مثل ما : ي عنه أنه قالوحكى ابن الرواند

Page 20: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 20

وأنكر األعراض أصال، وأنكر صفات الباري . أن القرآن جسم خملوق: حيكى عن أيب بكر األصم أنه زعم منهم، ومذهب اجلاحظ هو بعينه مذهب الفالسفة؛ إال أن امليل منه ومن أصحابه إىل الطبيعيني. تعاىل

.أكثر من اإلهليني

اخلياطية والكعبية أصحاب أىب احلسني ابن أيب عمرو اخلياط أستاذ أيب القاسم بن حممد الكعيب، ومها من الشيء ما يعلم وخيرب : معتزلة بغداد على مذهب واحد، إال أن اخلياط غاىل يف إثبات املعدوم شيئا؛ وقال

يف العدم، وكذلك أطلق مجيع أمساء األجناس واألصناف، عنه، واجلوهر جوهر يف العدم، والعرض عرضالسواد سواد يف العدم؛ فلم يبق إال صفة الوجود أو الصفات اليت تلزم الوجود واحلدوث وأطلق : حىت قال

على املعدوم لفظ الثبوت وقال يف نفي الصفات عن الباري مثل ما قال أصحابه؛ وكذا القول يف القدر، : نفرد الكعيب عن أستاذه مبسائلوا. والسمع، والعقل

إن إرادة الباري تعاىل ليست صفة قائمة بذاته، وال هو مريد لذاته، وال إرادته حادثة يف حمل : قوله: منهامث إذا . عامل، قادر، غري مكره يف فعله، وال كاره: أو يف ال حمل؛ بل إذا أطلق عليه أنه مريد فمعناه أنه

وقوله يف كونه مسيعا بصريا راجع إىل . أنه آمر ا، راض عنها: ؛ فاملراد بههو مريد ألفعال عباده: قيلوقوله يف الرؤية، . عامل باملبصرات: عامل باملسموعات، وبصري مبعىن انه: ذلك أيضا؛ فهو مسيع مبعىن أنه

ت؛ وكونه يرى الباري تعاىل ذاته، ويرى املرئيا: نفيا، وإحالة؛ غري أن أصحابه قالوا: كقول أصحابه: يرى ذاته، ويرى املرئيات: معىن قولنا: وقد أنكر الكعيب ذلك؛ قال. مدركا لذلك زائد على كونه عاملا

.أنه عامل ا فقط

اجلبائية والبهشمية أصحاب أيب على حممد بن عبد الوهاب اجلبائي وابنه أيب هاشم عبد السالم ومها من ئل، وانفرد أحدمها عن صاحبه مبسائل أما املسائل اليت انفردا ا انفردا عن أصحاما مبسا. معتزلة البصرةأما أثبتا إرادات حادثة ال يف حمل؛ يكون الباري تعاىل ا موصوفا مريدا، : فمنها: عن أصحاما

وأخص أوصاف هذه . وتعظيما ال يف حمل؛ إذا أراد أن يعظم ذاته، وفناء ال يف حمل؛ إذا أراد أن يفين العاملوإثبات موجودات هي أعراض أو يف حكم . لصفات يرجع غليه؛ من حيث إنه تعاىل أيضا ال يف حملا

األعراض ال حمل هلا؛ كإثبات موجودات هي جواهر أو يف حكم اجلواهر ال مكان هلا، وذلك قريب من العقول مذهب الفالسفة؛ حيث أثبتوا عقال هو جوهر ال يف حمل وال يف مكان، وكذلك النفس الكلية و

.املفارقة

أصوات مقطعة، : أما حكما بكونه تعاىل متكلما بكالم خيلقه يف حمل، وحقيقة الكالم عندمها: ومنهاإال أن اجلبائي خالف أصحابه خصوصا . وحروف منظومة؛ واملتكلم من فعل الكالم ال من قام به الكالم

أن الذي : حمل القراءة؛ وذلك حني ألزمحيدث اهللا تعاىل عند قراءة كل قارئ كالما لنفسه يف: بقوله

Page 21: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 21

من إثبات أمر غري : يقرؤه القارئ ليس بكالم اهللا، واملسموع منه ليس من كالم اهللا؛ فالتزم هذا احملال .معقول وال مسموع، وهو إثبات كالمني يف حمل واحد

الفعل للعبد خلقا وإبداعا، نفي رؤية اهللا تعاىل يف باألبصار يف دار القرار، وعلى القول إثبات: واتفقا علىقدرة زائدة : وإضافة اخلري الشر والطاعة واملعصية إليه استقالال واستبدادا، وان االستطاعة قبل الفل؛ وهي

على سالمة البنية وصحة اجلوارح، وأثبتا البنية شرطا يف قيام املعاين اليت يشترط يف ثبوا احلياة، وأثبتا يعة النبوية إىل مقدرات األحكام ومؤقتات الطاعات اليت ال يتطرق إليها عقل وال شريعة عقلية؛ وردا الشر

يهتدي إليها فكر، ومبقتضى العقل واحلكمة جيب على احلكيم ثواب املطيع وعقاب العاصي؛ إال أن واإلميان عندمها اسم مدح؛ وهو عبارة عن خصال اخلري اليت إذا . التأقيت والتخليد فيه يعرف بالسمع

ال مؤمنا ؛ وال : مؤمنا، ومن ارتكب كبرية فهو يف احلال يسمى فاسقا: تمعت يف شخص مسي ااجواتفقا على أن اهللا تعاىل مل يدخر عن عباده شيئا مما . كافرا، وإن مل يتب ومات عليها؛ فهو خملد يف النار

: قادر، عامل، جواد، حكيم: نهعلم أنه إذا فعل م أتوا بالطاعة والتوبة؛ من الصالح واألصح واللطف؛ أل

وليس األصلح هو األلذ؛ بل . ال يضره اإلعطاء، وال ينقص من خزائنه املنح، وال يزيد يف ملكه االدخاركاحلجامة والفصد : األعود يف العاقبة، واألصوب يف العاجلة؛ وإن كان ذلك مؤملا ومكروها؛ وذلك: هو

والتكاليف كلها ألطاف، . على شيء هو أصلح مما فعله بعبدهإنه تعاىل يقدر : وشرب األدوية، وال يقال .كلها ألطاف... وبعثة األنبياء؛ وشرع الشرائع؛ ومتهيد األحكام؛ والتنبيه على الطريق األصوب

لذاته، .. الباري تعاىل عامل لذاته؛ قادر حي: أما يف صفات الباري تعاىل فقال اجلبائي: ومما ختالفا فيه: وعند أيب هاشم. علم أو حال توجب كونه عاملا: اته أي ال يقتضي كونه عاملا صفة هيومعىن قوله لذ

هو عامل لذاته مبعىن أنه ذو حالة هي صفة معلومة وراء كونه ذاتا موجودا، وإمنا تعلم الصفة على الذات ال هي على حيا : لة؛ أيال موجودة وال معدومة، وال معلومة وال جمهو: بانفرادها؛ فأثبت أحواال هي صفات

قال والعقل يدرك فرقا ضروريا بني معرفة الشيء مطلقا وبني معرفته . هلاال تعرف كذلك بل مع الذاتعلى صفة؛ فليس منم عرف الذات عرف كونه عاملا، وال من عرف اجلوهر عرف اجلوهر عرف كونه

يف قضية وافترقتا يف قضية، وال شك أن اإلنسان يدرك اشتراك املوجودات. متحيزا قابال للعرضوبالضرورة يعلم أن ما اشتركت فيه غري ما افترقت به، وهذه القضايا العقلية ال ينكرها عاقل، وهي ال ترجع إىل الذات وال إىل أعراض وراء الذات، فإنه يؤدي إىل قيام العرض بالعرض؛ فتعني بالضرورة أا

ونه ذاتا؛ أي املفهوم منها غري املفهوم من الذات؛ وكذلك أحوال فكون العامل عاملا حال هي صفة وراء كوخالفه والده وسائر . مث أثبت للباري تعاىل حالة أخرى أوجبت تلك األحوال... قادرا، حيا: كونه

Page 22: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 22

أليست : منكري األحوال يف ذلك، وردوا االشتراك واالفتراق إىل األلفاظ وأمساء األجناس؛ وقالواا أحواال، وتفترق يف خصائص؟ كذلك نقول يف الصفات؛ وإال فيؤدي إىل إثبات األحوال تشترك يف كو

بل هي راجعة إما إىل جمرد األلفاظ؛ إذ وضعت يف األصل على ... احلال للحال، ويفضي إىل التسلسلوجه يشترك فيها الكثري ال أن مفهومها معىن أو صفة ثابتة يف الذات على وجه يشمل أشياء ويشترك فيها

أو يرجع ذلك إىل وجوه واعتبارات عقلية، هي املفهومة من قضايا االشتراك . ثري؛ فإن ذلك مستحيلالككالنسب، واإلضافات، والقرب، والبعد، وغري ذلك؛ مما ال يعد صفات : واالفتراق، وتلك الوجوه

.وهذا هو اختيار أيب احلسن البصري وأيب احلسن األشعري. باالتفاق

مسألة أن املعدوم شيء، فمن يثبت كونه شيئا، كما نقلنا عن مجاعة من املعتزلة، : لةورتبوا على هذه املسأفال يبقى من صفات الثبوت إال كونه موجودا؛ فعلى ذلك ال يثبت للقدرة يف إجيادها أثرا ما سوى

حوال والوجود على مذهب نفاة األحوال ال يرجع إال إىل اللفظ ارد، وعلى مذهب مثبيت األ. الوجودهو حالة ال توصف بالوجود وال بالعدم، وهذا كما ترى من التناقض واالستحالة ومن نفاة األحوال من

أخص وصف الباري تعاىل هو القدم، واالشتراك : وعند اجلبائي. يثبته شيئا، وال يسميه بصفات األجناساك، االفتراق، والعموم االشتر: كيف ميكن إثباته! وليت شعري. يف األخص يوجب االشتراك يف األعم

حقيقة؛ وهو من نفاة األحوال؟ فأما على مذهب أيب هاشم فلعمري هو مطرد؛ غري أن -واخلصوص .القدم إذا حبث عن حقيقته رجع إىل نفي األولية؛ والنفي يستحيل أن يكون أخص وصف الباري

.أنه حي ال آفة به: معىن كونه مسيعا بصريا: واختلفا يف كونه مسيعا بصريا؛ فقال اجلبائي

أما ابنه فصار إىل أن كونه مسيعا حالة وكزنه بصريا حالة، وكونه بصريا حالة : وخالفه ابنه وسائر أصحابهمعناه : وقال غريه من أصحابه. القضيتني، واملفهومني، واملتعلقني، واألثرين: سوى كونه عاملا؛ الختالف

واختلفا أيضا يف بعض مسائل اللطف؛ فقال اجلبائي فيمن . اتكونه مدركا للمبصرات، مدركا للمسموعيعلم الباري تعاىل من حاله أنه لو آمن مع اللطف لكان ثوابه أقل لقلة مشقته، ولو أمن بال لطف لكان

إذ لو : ويسوى بينه وبني من املعلوم من حاله أنه ال يفعل الطاعة على كل وجه إال مع اللطف؛ ويقولوخيالفه أبو هاشم يف بعض . لطف لوجب أن يكون مستفسدا حاله، غري مزيح لعلتهكلفه مع عدم ال

واختلفا . حيسن منه تعاىل أن يكلفه اإلميان على أشق ال وجهني؛ بال لطف: املواضع يف هذه املسألة؛ قالهب وتفصيل مذ. جيوز ذلك ابتداء ألجل العوض واالعتبار مجيعا: يف فعل األمل للعوض؛ فقال اجلبائيجيوز التفضل مبثل األعواض؛ غري أنه تعاىل علم أنه : أحدمها أنه يقول: اجلبائي يف األعواض على وجهنيأنه إمنا حيسن ذلك؛ ألن العوض مستحق، والتفضل غري : والوجه الثاين. ال ينفعه عوض إال على أمل متقدم

Page 23: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 23

ل للمثاب يقترن بالنعيم، تعظيم وإجال: أحدمها: والثواب عندهم ينفصل عن التفضل بأمرين. مستحققدر زائد على التفضل؛ فلم جيب إذا إجراء العوض جمرى الثواب؛ ألنه ال يتميز عن التفضل : والثاين

. حيسن االبتداء مبثل العوض تفضال، والعوض منقطع غري دائم: وقال ابنه. بزيادة مقدار وال بزيادة صفة

تعاىل للمظلوم من الظامل بأعواض يتفضل ا عليه؛ إذا مل جيوز أن يقع االنتصاف من اهللا : وقال اجلبائي .يكن للظامل على اهللا عوض لشيء ضره به

ال : وقال اجلبائي وابنه. أن التفضل ال يقع به نتصاف؛ ألن التفضل ليس جيب عليه فعله: وزعم أبو هاشمفعل الواجب يف : كلفهمجيب على اهللا شيء لعباده يف الدنيا إذا مل يكلفهم عقال وشرعا؛ فأما إذا

عقوهلم، واجتناب القبائح، وخلق فيهم الشهوة للقبيح والنفور من احلسن، وركب فيهم األخالق الذميمة؛ فإنه جيب عليه عند هذا التكليف إكمال العقل، ونصب األدلة، والقدرة واالستطاعة، ويئة

.اآللة؛ حبيث يكون مزحيا لعللهم فيما أمرهم

أدعى األمور إىل فعل ما كلفهم به، وأزجر األشياء هلم عن فعل القبيح الذي : فعل موجيب عليه أن ي .اهم عنه وهلم يف مسائل هذا الباب خبط طويل

وأما كالم مجيع املعتزلة البغداديني يف النبوة واإلمامة فيخالف كالم البصريني؛ فإن مكن شيوخهم من مييل .وارجإىل الروافض، ومنهم من مييل إىل اخل

من : واجلبائي وأبو هاشم قد وافقا أهل السنة يف اإلمامة؛ غري أم ينكرون الكرامات أصال لألولياءكبائرها، وصغائرها، حىت منع : ويبالغون يف عصمة األنبياء عليهم السالم عن الذنوب. الصحابة، وغريهم

مثل القاضي عبد اجلبار وغريه انتهجوا واملتأخرون من املعتزلة . اجلبائي القصد إىل الذنب؛ إال على تأويلمنها نفي احلال، ومنها نفي : أدلة الشيوخ، واعترض على ذلك بالتزييف واإلبطال وافرد عنهم مبسائل

. عاملا، قادرا، مدركا: كلها إىل كون الباري تعاىل: املعدوم شيئا، ومنها نفي األلوان أعراضا، ومنها قوله

والرجل فلسفي املذهب؛ إال أنه . احلكم يف أن األشياء ال تعلم قبل كواوله ميل إىل مذهب هشام بن .روج كالمه على املعتزلة يف معرض الكالم فراج عليهم؛ لقلة معرفتهم مبسالك املذاهب

الباب الثاني

الجبرية

هي : الصةفاجلربية اخل: هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إىل الرب تعاىل، واجلربية أصناف: اجلربهي اليت تثبت للعبد قدرة غري : اليت ال تثبت للعبد فعال وال قدرة على الفعل أصال، واجلربية املتوسطة

Page 24: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 24

.مؤثرة أصال؛ فأما من أثبت للقدرة أثرا ما يف لفعل، ومسى ذلك كسبا؛ فليس جبربي

جربيا، ويلزمهم أن : ستقالالواملعتزلة يسمون من مل يثبت للقدرة احلادثة أثرا يف اإلبداع واإلحداث ا. جربيا؛ إذ مل يثبتوا للقدرة احلادثة فيها أثرا: يسموا من قال من أصحام بأن املتولدات أفعال ال فاعل هلا

. من الصفاتية: من اجلربية؛ وكذلك مجاعة الكالبية: واملصنفون يف املقاالت عدوا النجارية والضرارية

وحنن مسعنا إقرارهم على أصحام من النجارية والضرارية . تارة جربيةواألشعرية مسوهم تارة حشوية و .فعددناهم من اجلربية، ومل نسمع إقرارهم على غريهم فعددناهم من الصفاتية

اجلهمية

ظهرت بدعته بترمذ وقتله سامل بن أحوز املازين مبرو . أصحاب جهم بن صفوان، وهو من اجلربية اخلالصةال جيوز أن : منها قوله: وافق املعتزلة يف نفي الصفات األزلية، وزاد عليهم بأشياء: يةيف آخر ملك بين أم

حيا، عاملا؛ وأثبت : يوصف الباري تعاىل بصفة يوصف ا خلقه؛ ألن ذلك يقضي تشبيها؛ فنفى كونه .بالقدرة ، والفعل، واخللق: قادرا، فاعال، خالقا؛ ألنه ال يوصف شيء من خلقه: كونه

ال جيوز أن يعلم الشيء قبل خلقه؛ ألنه لو علم مث : منها إلثباته علوما حادثة للباري تعاىل ال يف حمل؛ قالوأفبقي علمه على ما كان أم مل يبق؟ فإن بقى فهو جهل؛ فإن العلم بأن سيوجد، غري العلم بأن قد ! خلق

هذا مذهب هشام بن احلكم كما تقرر؛ ووافق يف . وجد، وإن مل يبق فقد تغري؛ واملتغري خملوق ليس بقدميإما أن حيدث يف ذاته تعاىل؛ وذلك يؤدي إىل التغري يف ذاته؛ وأن : وإذا ثبت حدوث العلم فليس خيلو: قال

فتعني أنه ال ... يكون حمال للحوادث، وإما أ، حيدث يف حمل؛ فيكون احملل موصوفا به؛ ال الباري تعاىل . املوجودات املعلومةحمل له؛ فأثبت علوما حادثة بعدد

إن اإلنسان ال يقدر على شيء، وال يوصف باالستطاعة؛ وإمنا هو جمبور يف : ومنها قوله يف القدرة احلادثةال قدرة له، وال إرادة، وال اختيار، وإمنا خيلق اهللا تعاىل األفعال فيه على حسب ما خيلق يف سائر : أفعاله

أمثرت األشجار، وجرى : كما تنسب إىل اجلمادات؛ كما يقالاجلمادات، وتنسب إليه األفعال جمازا، ... املاء، وحترك احلجر، وطلعت الشمس وغربت، وتغيمت السماء وأمطرت، واهتزت األرض وأنبتت

وإذا ثبت اجلرب، فالتكليف أيضا : والثواب والعقاب جرب، كما أن األفعال كلها جرب؛ قال. إىل غري ذلكن حركات أهل اخللدين تنقطع، واجلنة والنار تفنيان بعد دخول أهلهما فيهما إ: ومنها قوله. كان جربا

وتلذذ أهل اجلنة بنعيمها وتأمل أهل النار حبميمها، إذ ال تتصور حركات ال تتناهى آخرا، كما ال تتصور يقة يف خالدين فيها على املبالغة والتأكيد، دون احلق: حركات حركات ال تتناهى أوال؛ ومحل قوله تعاىل

خالدين فيها مادامت :" خلد اهللا ملك فالن، واستشهد على االنقطاع بقوله تعاىل: التخليد؛ كما يقولواخللود والتأييد ال شرط . فاآلية اشتملت على شريطة واستثناء". السموات واألرض إال ما شاء ربك

Page 25: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 25

.فيه وال استثناء

جبحده؛ ألن العلم واملعرفة ال يزالن باجلحد؛ فهو من أتى باملعرفة مث جحد بلسانه مل يكفر: ومنها قوله. وال يتفاضل أهله فيه؛ فإميان األنبياء وإميان األمة على منط واحد؛ إذ املعارف ال تتفاضل: مؤمن، قال

وهو أيضا موافق للمعتزلة يف نفي . ونسبته إىل التعطيل احملض. وكان السلف كلهم من أشد الرادين عليه .ق الكالم، وإجياب املعارف بالعقل قبل ورود السمعالرؤية وإثبات خل

النجارية أصحاب احلسني بن حممد النجار وأكثر معتزلة الري وما حواليها على مذهبه، وهم وإن اختلفوا أصنافا، غال أم مل خيتلفوا يف املسائل اليت عددناها أصوال؛ وهم برغوثية وزعفرانية ومستدركة؛ وافقوا

من العلم، والقدرة، واإلرادة، واحلياة، والسمع، والبصر؛ ووافقوا الصفاتية يف : ي الصفاتاملعتزلة يف نف .خلق األعمال

هو مريد : الباري تعاىل مريد لنفسه، كما هو عامل لنفسه؛ فألزم عموم التعلق، فالتزم؛ وقال: قال النجارهو خالق : وقال. مستكره وال مغلوبمعىن كونه مريدا أنه غري: وقال أيضا. اخلري والشر، والنفع والضر

وأثبت تأثريا للقدرة احلادثة، ومسى . خريها وشرها، حسنها وقبيحها؛ والعبد مكتسب هلا: أعمال العبادوأما يف مسألة . ذلك كسبا؛ على حسب ما يثبته األشعري، ووافقه أيضا يف أن االستطاعة مع الفعل

جيوز أن حيول اهللا تعاىل القوة اليت يف : ر، وأحاهلا؛ غري أنه قالالرؤية؛ فأنكر رؤية اهللا تعاىل باألبصا . إىل العني، فيعرف اهللا تعاىل ا؛ فيكون ذلك رؤية- من املعرفة-القلب

إن كالم الباري تعاىل إذا قرئ فهو : منها قوله: وقال حبدوث الكالم؛ لكنه انفرد عن املعتزلة بأشياء كالم اهللا عريه ، وكل ما هو غريه ح : جب أن الزعفرانية قالتومن الع. عرض، وإذا كتب فهو جسم: إن القرآن خملوق؛ فهو كافر، ولعلهم أرادوا بذلك: كل من قال: فهو خملوق، ومع ذلك قالت

أن كالمه غريه وهو خملوق؛ لكن النيب صلى : واملستدركة منهم زعموا. االختالف؛ وإال فالتناقض ظاهر " م اهللا غري خملوقكال:" اهللا عليه وسلم قال

على هذا الترتيب : والسلف عن آخرهم أمجعوا على هذه العبارة؛ فوافقناهم، ومحلنا قوهلم غري خملوق أيوحكى . والنظم من احلروف واألصوات؛ بل هو خملوق غري هذه احلروف بعينها؛ وهذه حكاية عنها

جودا ال على معىن العلم والقدرة؛ وأزمة الباري تعاىل بكل مكان ذاتا ومو: الكعيب عن النجار أنه قال .حماالت على ذلك

.أنه جيب عليه حتصيل املعرفة بالنظر واالستدالل: وقال يف املفكر قبل ورود السمع مثل ما قالت املعتزلة

وقال يف اإلميان إنه عبارة عن التصديق ومن ارتكب كبرية ومات عليها من غري توبة عوقب على ذلك، .من النار؛ فليس من العدل التسوية بينه وبني الكفار يف اخللودوجيب أن خيرج

Page 26: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 26

وكلهم . متقاربون يف املذهب: وحممد بن عيسى امللقب بربغوث وبشر بن غياث املريسي واحلسني النجارخري وشر، وإميان وكفر، وطاعة : لكل ما علم أنه سيحدث من- مل يزل-أثبتوا كونه تعاىل مريدا

.تزلة يأبون ذلكوعامة املع. ومعصية

الباري تعاىل قادر، : يف التعطيل، وعلى أما قاال: الضرارية أصحاب ضرار بن عمرو وحفص الفرد واتفقاإن هذه املقالة : وأثبتا هللا سبحانه ماهية ال يعلمها إال هو؛ وقاال. على معىن أنه ليس جباهل وال عاجز

أنه يعلم نفسه شهادة، ال بدليل وال : أرادا بذلكحمكية عن أيب حنيفة رمحه اهللا ومجاعة من أصحابه، و. وأثبتا حاسة سادسة لإلنسان، يرى ا الباري تعاىل يوم الثواب يف اجلنة. خربن وحنن نعلمه بدليل وخرب

.أفعال العباد خملوقة للباري تعاىل حقيقة؛ والعبد مكتسبها حقيقة، وجوزا حصول فعل بني فاعلني: وقاال

قلب اهللا تعاىل األعراض أجساما، واالستطاعة والعجز بعض اجلسم وهو جسم وال حمالة؛ جيوز أن ي: وقاالاحلجة بعد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يف اإلمجاع فقط؛ فما ينقل عنه يف أحكام : وقاال. بنفي زمانني

بن مسعود ،ه كان ينكر حرف عبد اهللا : وحيكى عن ضرار. الدين من طريق أخبار اآلحاد؛ فغري مقبول .وحرف أيب بن كعب؛ ويقطع بأن اهللا تعاىل مل يرتله

إنه ال جيب عليه بعقله شيء حىت يأتيه الرسول؛ فيأمره وينهاه، وال : وقال يف املفكر قبل ورود السمعأن اإلمامة تصلح يف غري قريش حىت إذا اجتمع : وزعم ضرار أيضا. جيب على هللا تعاىل شيء حبكم العقل

واملعتزلة . دمنا النبطي إذ هو أقل عددا، وأضعف وسيلة، فيمكننا خلعه إذا خالف الشريعةقرشي ونبطي ق .وإن جوزوا اإلمامة يف غري قريش، إال أم ال جيوزون تقدمي النبطي على القرشي

الباب الثالث

الصفاتية

، والقدرة، واإلرادة، أعلم أن مجاعة كثرية من السلف كانوا يثبتون هللا تعاىل صفات أزلية من العلموالسمع، والبصر، والكالم، واجلالل، واإلكرام واجلود، واإلنعام، والعزة، والعظمة؛ وال يفرقون بني

: وكذلك يثبتون صفات خربية؛ مثل. صفات الذات، وصفات الفعل؛ بل يسوقون الكالم سوقا واحدا

: ات قد وردت يف الشرع، فنسميهاهذه الصف: اليدين، والوجه؛ وال يؤولون ذلك؛ إال أم يقولون

: صفاتية، واملعتزلة: ومل كانت املعتزلة ينفون الصفات والسلف يثبتون؛ مسى السلف. صفات خربية

معطلة؛ فبالغ بعض السلف يف إثبات الصفات إىل حد التشبيه بصفات احملدثات، واقتصر بعضهم على

Page 27: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 27

يه فرقتني؛ فمنهم من أوله على وجه حيتمل اللفظ صفات دلت األفعال عليها، وما ورد به اخلرب فافترقوا ففال يشبه . عرفنا مبقتضى العقل أن اهللا تعاىل ليس كمثله شيء: ذلك، ومنهم من توقف يف التأويل؛ وقال

شيئا من املخلوقات وال يشبهه شيء منها، وقطعنا بذلك؛ إال أنا ال نعرف معىن اللفظ الوارد فيه؛ مثل وجاء ربك إىل غري :" ومثل قوله" خلقت بيدي:" ومثل قوله" ى العرش استوىالرمحن عل:" قوله تعاىل

ال شريك : ولسنا مكلفني مبعرفة تفسري هذه اآليات وتأويلها، بل التكليف قد ورد باالعتقاد بأنه" ذلكمث إن مجاعة من املتأخرين زادوا على ما قاله السلف؛ . له، وليس كمثله شيء؛ وذلك قد أثبتناه يقينا

البد من إجرائها على ظاهرها، والقول بتفسريها كما وردت من غري تعرض للتأويل وال توقف يف : قالوافولقد كان التشبيه صرفا . الظاهر؛ فوقعوا يف التشبيه الصرف، وذلك على خالف ما أعتقده السلف

مث . كثرية تدل على ذلكخالصا يف اليهود، ال يف كلهم، بل يف القرائني منهم؛ إذ وجدوا يف التوراة ألفاظاأما الغلو؛ فتشبيه بعض أئمتهم باإلله تعاىل وتقدس، وأما : الشيعة يف هذه الشريعة وقعوا يف غلو وتقصري

وملا ظهرت املعتزلة واملتكلمون من السلف رجعت بعض الروافض . التقصري؛ فتشبيه الغلة بواحد من اخللقطت مجاعة من السلف إىل التفسري الظاهر؛ فوقعت يف عن الغلو والتقصري، ووقعت يف االعتزال، وخت

.التشبيه

مالك ابن أنس رضي اهللا عنهما؛ إذ : وأما السلف الذين مل يتعرضوا للتأويل، وال دفوا للتشبيه؛ فمنهمومثل أمحد بن حنبل رمحه . االستواء معلوم، والكيفية جمهولة، واإلميان به واجب، والسؤال عنه بدعة: قال .سفيان الثوري، وداود بن علي األصفهاين، ومن تابعهمو. اهللا

عبد اهللا بن سعيد الكاليب، وأيب العباس القالنسي، واحلارث بن أسد احملاسيب؛ : حىت انتهى الزمان إىلوهؤالء كانوا من مجلة السلف؛ إال أم باشروا علم الكالم، وأيدوا عقائد السلف حبجج كالمية وبراهني

حىت جرى بني أيب احلسن األشعري وبني أستاذه مناظرة يف ... هم ودرس بعضأصولية، وصنف بعضمسألة من مسائل الصالح واألصلح فتخاصما؛ واحاز األشعري إىل هذه الطائفة، فأيد مقالتهم مبناهج

وملا كانت املشبهة . وانتقلت مسة الصفاتية إىل االشعرية. كالمية، وصار ذلك مذهبا ألهل السنة واجلماعة .فرقتني من مجلة الصفاتية: من مثبيت الصفات؛ عددناهم: الكراميةو

األشعرية أصحاب أيب احلسن علي بن إمساعيل األشعري، املنتسب إىل أيب موسى األشعري رضي اهللا ومسعت من عجيب االتفاقات أن أبا موسى األشعري رضي اهللا عنه كان يقرر عني ما يقرر . عنهما

أين أجد : فقال عمرو: وقد جرت مناظرة بني عمرو بن العاص وبينه. هبهاألشعري أبو احلسن يف مذأو يقدر على شيئا مث يعذبين : أنا ذلك املتحاكم إليه، فقال عمرو: أحدا أحاكم إليه ريب؟ فقال أبو موسى

.ال يظلمك، فسكت عمرو ومل حير جوابا: ومل؟ قال: نعم، قال عمرو: عليه؟ قال

Page 28: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 28

من أي شيء ابتدأ، وكيف دار يف أطوار اخللقة طورا بعد طور : ان إذا فكر يف خلقتهاإلنس: قال األشعريأنه بذاته مل يكن ليدبر خلقته، وينقله من درجة إىل درجة، : حىت وصل إىل كمال اخللقة، وعرف يقينا

تصور حدوث صانعا، قادرا، عاملا، مريدا؛ إذ ال ي: علم بالضرورة أن له ... ويرقيه من نقص إىل كمالهذه األفعال احملكمة من طبع؛ لظهور آثار االختيار يف الفطرة، وتبني آثار اإلحكام واإلتقان يف اخللقة، فله

دلت ... عاملا، قادرا، مريدا: صفات دلت أفعاله عليها، ال ميكن جحدها؛ وكما دلت األفعال على كونه خيتلف شاهدا وغائبا، وأيضا ال معىن للعلم حقيقة إال العلم، والقدرة، واإلرادة؛ ألن وجه الداللة ال: على

أنه ذو علم، وال للقادر إال أنه ذو قدرة، وال للمريد أال أنه ذو إرادة؛ فيحصل بالعلم واإلحكام واإلتقان ، وحيصل بالقدرة الوقوع واحلدوث، وحيصل باإلرادة التخصيص بوقت دون وقت، وقدر دون قدر،

الصفات لن يتصور أن يوصف ا الذات إال وأن يكون الذات حيا حبياة ، وهذه . وشكل دون شكل بقيام -أنكم وافقتمونا: وألزم منكري الصفات إلزاما الحميص هلم عنه؛ وهو. للدليل الذي ذكرناه

ن إما أن يكون املفهومان من الصفتني واحدا، أو زائدا؛ فإن كا: على كونه عاملا قادرا؛ فال خيلو-الدليلواحدا، فيجب أن يعلم بقادريته، ويقدر بعامليته، ويكون من علم الذات مطلقا، علم كونه عاملا قادرا،

إما أن يرجع االختالف إىل جمرد اللفظ، أو إىل : وليس األمر كذلك؛ فعلم أن االعتبارين خمتلفان؛ فال خيلول يقضي باختالف مفهومني معقولني، ولو وبطل رجوعه إىل اللفظ ارد؛ فإن العق. احلال، أو إىل الصفة

وبطل رجوعه إىل احلال؛ فإن إثبات صفة ال توصف . قدر عدم األلفاظ رأسا ما ارتاب العقل فيما تصورهفتعني الرجوع إىل . الوجود والعدم، واإلثبات والنفي؛ وذلك حمال: بالوجود وال بالعدم إثبات واسطة بني

.مذهبه: صفة قائمة بالذات؛ وذلك

على أن القاضي أبا بكر الباقالين، من أصحاب األشعري، قد ردد قوله يف إثبات احلال ونفيها، وتقرر احلال الذي أثبته أبو هاشم : وقال. رأيه على اإلثبات، ومع ذلك أثبت الصفات معاين قائمة به؛ ال أحواال

.خصوصا إذا أثبت حالة أوجبت تلك الصفات: هو الذي نسميه صفة

عامل بعلم قادر بقدرة، حي حبياة، مريد بإرادة، متكلم بكالم، مسيع بسمع، : الباري تعاىل: احلسنقال أبو .بصري ببصر؛ وله يف البقاء اختالف رأي

. ال غريه: ال هو، وال: هي غريه، وال: هي هو، وال: وهذه الصفات أزلية قائمة بذاته تعاىل، ال يقال: قال

أنه قد قام الدليل على أنه تعاىل ملك، وامللك من : ، ومريد بإرادة قدميةوالدليل على أنه متكلم بكالم قدميإما أن يكون آمرا بأمر قدمي، أو بأمر حمدث؛ وإن كان حمدثا فال : له األمر والنهي، فهو آمر نله؛ فال خيلو

يؤدي إىل أن ويستحيل أن حيدثه يف ذاته؛ ألنه. إما أن حيدثه يف ذاته، أو يف حمل ، أو ال يف حمل: خيلو

Page 29: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 29

يكون حمال للحوادث؛ وذلك حمال، ويستحيل أن حيدثه يف حمل، ألنه يوجب أن يكون احملل به موصوفا، وكذلك التقسيم . قدمي، قائم به، صفة له: ويستحيل أن حيدثه ال يف حمل؛ الن ذلك غري معقول، فتعني أنه

املستحيل، واجلائز، والواجب، : املعلوماتوعلمه واحد؛ يتعلق جبميع: قال. يف الغدارة، والسمع، والبصروإرادته واحدة؛ تتعلق . وقدرته واحدة؛ تتعلق جبميع ما يصلح وجوده من اجلائزات. واملوجود، واملعدوم

أمر، وي، وخرب، واستخبار، ووعد، ووعيد؛ وهذه : وكالمه واحد هو. جبميع ما يقبل االختصاصواأللفاظ املذلة على لسان . إىل عدد يف نفس الكالم والعباراتالوجوه ترجع إىل اعتبارات يف كالمه، ال

. املالئكة إىل األنبياء عليهم السالم دالالت على الكالم األزيل، والداللة خملوقة حمدثة، واملدلول قدمي أزيل

ور كالفرق بني الذكر واملذكور؛ فالذكر حمدث، واملذك: والفرق بني القراءة واملقروء، والتالوة واملتلو .وخالف األشعري ذا التدقيق مجاعة من احلشوية؛ إذ أم قضوا بكون احلروف والكلمات قدمية. قدمي

معىن قائم بالنفس سوى العبارة، والعبارة داللة عليه من اإلنسان؛ فاملتكلم عنده : والكالم عند األشعريإما بااز، وإما باشتراك : سمى كالمامن قام بالكالم، وعند املعتزلة من فعل الكالم؛ غري أن العبارة ت

واحدة، قدمية، أزلية، متعلقة جبميع املرادات من أفعاله اخلاصة، وأفعال عباده؛ من : وإرادته: قال. اللفظأراد اجلميع خريها، وشرها، ونفعها، : حيث إا خملوقة له، ال من حيث أا مكتسبة هلم؛ فعن هذا قال

اد من العباد ما علم؛ وأمر القلم حىت كتب يف اللوح احملفوظ؛ فذلك وضرها؛ وكما أراد وعلم، أر .مقدور اجلنس، حمال الوقوع: وخالف املعلوم. حكمه، وقضاؤه، وقدره، الذي ال يتغري وال يتبدل

وتكليف ما ال يطاق جائز على مذهبه؛ للعلة اليت ذكرناها؛ وألن االستطاعة عنده عرض، والعرض ال حال التكليف ال يكون املكلف قط قادرا؛ ألن املكلف من يقدر على إحداث ما أمر ففي : يبقى زمانني

فأما أن جيوز ذلك يف حق من ال قدرة له أصال على الفعل فمحال، إذ اإلنسان جيد يف نفسه تفرقة . بهكات والتفرقة راجعة إىل أن احلر. ضرورية بني حركات الرعدة والرعشة، وبني حركات االختيار واإلرادةاملكتسب، هو املقدور بالقدرة : االختيارية حاصلة حتت القدرة، متوقفة على اختيار القادر فعن هذا قال

.احلاصلة، واحلاصل حتت القدرة احلادثة

ال تأثري للقدرة احلادثة يف اإلحداث؛ ألن جهة احلدوث قضية واحدة، ال ختتلف : مث على أصل أيب احلسن فلو أثرت يف قضية احلدوث، ألثرت يف حدوث كل حمدث؛ حىت تصلح بالنسبة إىل اجلوهر والعرض،

األلوان، والطعوم، والروائح؛ وتصلح إلحداث اجلواهر واألجسام؛ فيؤدي إىل جتويز وقوع : إلحداثغري أن اهللا تعاىل أجرى سنته بأن خيلق عقيب القدرة احلادثة، أو . السماء على األرض بالقدرة احلادثة

الفعل احلاصل؛ إذا أراده العبد، وجترد له، ويسمى هذا الفعل كسبا؛ فيكون خلقا من اهللا :حتتها، أو معها

Page 30: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 30

.حصوال حتت قدرته: إتباعا وإحداثا، وكسبا من العبد: تعاىل

الدليل قد قام على أن القدرة احلادثة ال : والقاضي أيب بكر الباقالين حتظى عن هذا القدر قليال؛ فقالن ليست تقتصر صفات الفعل أو وجوهه واعتباراته على جهة احلدوث فقط؛ بل ههنا تصلح لإلجياد؛ لك

متحيزا، قابال للعرض؛ ومن كون العرض، عرضا : وجوه أخر، هن وراء احلدوث؛ من كون اجلوهرفجهة كون الفعل حاصال بالقدرة : قال. وغري ذلك، وهذه أحوال عند مثبيت األحوال... ولونا، وسوادا

وإذا جاز على : قال. كسبا؛ وذلك هو أثر القدرة احلادثة: ويسمى ذلك. ثة أو حتتها نسبة خاصةاحلادهو احلدوث والوجود، أو يف وجه منن : أن يكون تأثري القدرة أو القادرية القدمية يف حال: أصل املعتزلة

ث، أو يف وجه من هو صفة للحاد: وجوه الفعل؛ فلم ال جيوز أن يكون تأثري القدرة احلادثة يف حالوجوه الفعل؛ وهو كون احلركة مثال على هيئة خمصوصة؟ وذلك أن املفهوم من احلركة مطلقا ومن

العرض مطلقا، غري املفهوم من القيام والقعود، ومها حالتان متمايزتان؛ فإن كل قيام حركة، وليس كل صلى؛ وصام، : أوجد، وبني قولنا: قولناأن اإلنسان يفرق فرقا ضروريا بني : ومن املعلوم. حركة قياماوكما ال جيوز أن يضاف إىل الباري تعاىل جهة ما يضاف إىل العبد، فكذلك ال جيوز أن . وقعد، وقام

هي احلالة : وأثرها. يضاف إىل العبد جهة ما يضاف إىل الباري تعاىل؛ فأثبت القاضي تأثري للقدرة احلادثةصلت من تعلق القدرة احلادثة بالفعل، وتلك اجلهة هي املعينة ألن اخلاصة؛ وهي جهة من جهات الفعل ح

تكون مقابلة بالثواب والعقاب؛ فإن الوجود من حيث هو وجود ال يستحق عليه ثواب وعقاب، خصوصا على أصل املعتزلة؛ فإن جهة احلسن والقبح هي اليت تقابل باجلزاء، واحلسن والقبح صفتان

فإذا جاز لكم إثبات : قال. جود من حيث هو موجود ليس حبسن وال قبيحذاتيتان مراء الوجود؛ فاملوهي حالة جمهولة؛ فبينا بقدر : ومن قال. هي متعلق القدرة احلادثة: جاز إثبات حالة. مها حالتان: صفتني

.اإلمكان جهتها، وعرفناها آي هي ومثلناها كيف هي

أما نفي هذه القدرة واالستطاعة؛ : هذا البيان قليال؛ قالمث أن إمام احلرمني أبا املعايل اجلويين ختطى عن فمما يأباه العقل واحلس، وأما إثبات قدرة ال أثر هلا بوجه؛ فهو كنفي القدرة أصال، وأما إثبات تأثري يف

فال بد إذا ... حالة ال يفعل؛ فهو كنفي التأثري خصوصا واألحوال على أصلهم ال توصف بالوجود والعدم فعل البدع إىل قدرته حقيقة، ال على وجه اإلحداث واخللق؛ فإن اخللق يشعر باستقالل إجياده من نسبة

من العدم، واإلنسان كما حيس من نفسه والقدرة يستند وجودها إىل سبب آخر؛ تكون نسبة القدرة إىل سبب حىت ينتهي إىل م... ذلك السبب كنسبة الفعل إىل القدرة، وكذلك يستند سبب إىل سبب آخر

اخلالق لألسباب ومسبباا، املستغين عن اإلطالق؛ فإن كل سبب مهما استغىن من وجه : األسباب؛ فهو

Page 31: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 31

وهذا الرأي إمنا أخذ من . حمتاج من وجه، والباري تعاىل هو الغين املطلق، الذي ال حاجة له وال فقرملسبب على أصله بالفعل وليس خيتص نسبة السبب إىل ا. احلكماء اإلهليني، وأبرزه يف معرض الكالم

بالطبع، وتأثري األجسام يف : وحينئذ يلزم القول. والقدرة؛ بل كل ما يوجد من احلوادث فذلك حكمهكيف ورأى احملققني . وليس ذلك مذهب اإلسالميني. األجسام إجيادا، وتأثري الطبائع يف الطبائع إحداثا

اجلسم ال جيوز أن يصدر عن جسم، وال عن قوة : لواأن اجلسم ال يؤثر فيب إجياد اجلسم؛ قا: من احلكماءما يف اجلسم؛ فإن اجلسم مركب من مادة وصورة، فلو أثر ألثر جبهتيه؛ أعين مبادته وصورته، واملادة هلا

طبيعة عدمية، فلو أثرت ألثرت مبشاركة العدم، والتايل حمال، فاملقدم إذا حمال فنقيضه حق؛ وهو أن .ال جيوز أن يؤثر يف جسم: سماجلسم، وقوة ما يف اجل

وختطى من هو أشد حتققا، وأغوص تفكريا عن اجلسم وقوة ما يف اجلسم إىل كل ما هو جائز بذاته؛ كل ما هو جائز بذاته ال جيوز أنن حيدث شيئا ما؛ فإنه لو أحدث ألحدث مبشاركة اجلواز، : فقال

ما، فلو أثر اجلواز مبشاركة العدم، ألدى إىل أن واجلواز له طبيعة عدمية، فلو خلى اجلائز وذاته كان عدفإذا ال موجد على احلقيقة إال واجب الوجود لذاته، وما سواه من . يؤثر العدم يف الوجود؛ وذلك حمال

أن مأخذ : ومن العجب. األسباب معدات لقبول الوجود، ال حمدثات حلقيقة اجلود؛ وهلذا شرح سنذكرههذا؛ ونعود ! ا كان ذه املثابة؛ فكيف ميكن إضافة الفعل إىل األسباب حقيقة؟كالم اإلمام أيب املعايل إذإذا كان اخلالق على احلقيقة هو : قال أبو احلسن علي بن إمساعيل األشعري. إىل كالم صاحب املقالة

وهذا هو: قال. القدرة على االختراع: الباري تعاىل، ال يشاركه يف اخللق غريه؛ فأخص وصفه تعاىل هو

كون يوجب متييزه عن : أخص وصفه هو: وقال األستاذ أبو اسحق اإلسفرايين. تفسري امسه تعاىل اهللاأن ما من موجود إال ويتميز عن غريه بأمر ما؛ وإال فيقتضي أن : نعلم يقينا: وقال بعضهم. األكوان كلها

ز عن سائر املوجودات تكون املوجودات كلها مشتركة متساوية، والباري تعاىل موجود، فيجب أن يتميهل جيوز أن : بأخص وصف، إال أن العقل ال ينتهي إىل معرفة ذلك األخص، ومل يرد به مسع؛ فنتوقف، مث

وهذا قريب من مذهب ضرار؛ غري أن ضرارا أطلق لفظ املاهية عليه . يدركه العقل؟ ففيه خالف أيضافإن املصحح : ل موجود يصح أن يرىأن ك: ومن مذهب األشعري. تعاىل؛ وهو من حيث العبارة منكر

للرؤية إمنا هو موجود والباري تعاىل موجود؛ فيصح أن يرى، وقد ورد السمع بأن املؤمنني يرونه يف وال جيوز : قال. إىل غري ذلك من اآليات واألخبار... وجوه يومئذ ناضرة إىل را: اآلخرة؛ قال اهللا تعاىل

وصورة، ومقابلة، واتصال شعاع، أو على سبيل انطباع؛ فإن جهة، ومكان،: أن تتعلق به الرؤية علىأنه علم خمصوص، ويعين باخلصوص؛ أنه متعلق : أحدمها: وله قوالن يف ماهية الرؤية. كل ذلك مستحيل

وأثبت أن . أنه إدراك وراء العلم؛ ال يقتضي تأثريا يف املدرك، وال تأثرا عنه: بالوجود دون العدم، والثاين

Page 32: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 32

بصر للباري تعاىل صفتان أزليتان؛ مها إدراكان وراء العلم، يتعلقان باملدركات اخلاصة بكل السمع والورد بذلك السمع فيجب اإلقرار به : وأثبت اليدين والوجه صفات خربية؛ فيقول. واحد بشرط الوجود

.كما ورد

ومذهبه يف الوعد . تأويلوصاغوه إىل طريقة السلف؛ من نرك التعرض للتأويل، وله قول أيضا يف جواز الاإلميان هو التصديق : قال. خمالف للمعتزلة من كل وجه: والوعيد، واألمساء واألحكام، والسمع والعقل

أقر بوحدانية اهللا تعاىل، : باجلنان، وأما القول باللسان، والعمل باألركان ففروعه، فمن صدق بالقلب؛ أي عند اهللا تعاىل بالقلب صح إميانه حىت لو مات عليه يف واعترف بالرسل تصديقا هلم فيما جاءوا به من

إذا خرج من : وصاحب الكبرية. احلال كان مؤمنا ناجيا، وال خيرج من اإلميان إال بإنكار شيء من ذلكإما أن يغفر له برمحته، وإما أن يشفع فيه النيب صلى اهللا : الدنيا من غري توبة يكون حكمه إىل اهللا تعاىل

وإما أن يعذبه مبقدار جرمه مث يدخله اجلنة برمحته، ". شفاعيت ألهل الكبائر من أميت:" إذ قالعليه وسلم؛باإلخراج من النار من كان يف قلبه مثقال ذرة : وال جيوز أن خيلد يف النار مع الكفار؛ ملا ورد به السمع

حبكم العقل؛ إذ هو املوجب، بأنه جيب على اهللا تعاىل قبول توبته: ولو تاب فال أقول: قال. من اإلميانوهو املالك يف . ورود السمع بقبول توبة التائبني، وإجابة دعوة املضطرين: فال جيب عليه شيء؛ بلى

خلقه، يفعل ما يشاء، وحيكم ما يريد، فلو أدخل اخلالئق بأمجعهم يف اجلنة مل يكن حيفا، ولو أدخلهم ال ميلكه املتصرف، أو وضع الشيء يف غري موضعه؛ وهو التصرف فيما: النار مل يكن جورا؛ إذ الظلم هو

والواجبات كلها مسعية، والعقل ال يوجب : قال. املالك املطلق، فال يتصور منه ظلم، وال ينسب إليه جور:" جتب؛ قال اهللا تعاىل: بالعقل حتصل، وبالسمع: شيئا وال يقتضي حتسينا و ال تقبيحا؛ فمعرفة اهللا تعاىل

شكر املنعم، وإثابة املطيع، وعقاب العاصي؛ جيب بالسمع : وكذلك". ذبني حىت نبعث رسوالوما كنا معوكل ما . ال الصالح، وال أصلح، وال اللطف: وال جيب على اهللا تعاىل شيء ما بالعقل. دون العقل

على وأصل التكليف مل يكن واجبا. يقتضيه العقل من جهة احلكمة املوجبة؛ فيقتضي نقيضه من وجه آخرثوابا، وعقابا؛ وقادر : وهو قادر على جمازاة العبيد. اهللا تعاىل؛ إذ مل يرجع إليه نفع، وال اندفع به عنه ضر

والثواب، والنعيم، واللطف؛ كله منه فضل، والعقاب، . تكرما، وتفضال: على اإلفضال عليهم ابتداءاث الرسل من القضايا اجلائزة ال الواجبة وإبع". ال يسأل عما يفعل وهم يسألون:" والعذاب،؛ كله عدل

وال املستحيلة؛ ولكن بعد االنبعاث تأييدهم باملعجزات وعصمتهم من املوبقات من مجلة الواجبات؛ إذ ال بد من طريق للمستمع يسلكه، ليعرف به صدق املدعي، وال بد من إزاحة العلل؛ فال يقع يف التكليف

.تناقض

Page 33: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 33

مقترن بالتحدي، سليم عن املعارضة، يترتل مرتلة التصديق بالقول، من فعل خارق للعادة،: واملعجزةوالكرامات لألولياء حق؛ وهو من . حيث القرينة؛ وهو منقسم إىل خرق املعتاد، وإىل إثبات غري املعتاد

.تصديق لألنبياء، وتأكيد للمعجزات: وجه

خلق القدرة على الطاعة، : ؛ والتوفيق عندهواإلميان والطاعة بتوفيق اهللا تعاىل، والكفر واملعصية خبذالنهتيسري أسباب اخلري هو التوفيق، وبضده : وعند بعض أصحابه. خلق القدرة على املعصية: واخلذالن عنده

القلم، واللوح، والعرش، والكرسي، : وما ورد به السمع من األخبار عن األمور الغائبة؛ مثل. اخلذالنوما ورد . ى ظاهرها، واإلميان ا كما جاءت؛ إذ ال استحالة يف إثبااواجلنة، والنار؛ فيجب إجراؤها عل

امليزان، : من األخبار عن األمور املستقبلة يف اآلخرة؛ مثل سؤال القرب، والثواب والعقاب فيه؛ ومثلحىت؛ جيب االعتراف ا، ... فريق يف اجلنة، وفريق يف السعري: واحلساب، والصراط، وانقسام الفريقني

.جراؤها على ظاهرها؛ إذ ال استحالة يف وجودهاوإ

البالغة، والنظم، والفصاحة؛ إذ خري العرب بني السيف وبني املعارضة، : والقرآن عنده معجز من حيثومن أصحابه من اعتقد أن اإلعجاز يف القرآن؛ من جهة . فاختاروا أشد القسمني اختيار عجز عن املقابلة

.ملعارضة، ومن جهة اإلخبار عن الغيبصرف الدواعي، وهو املنع من ا

اإلمامة تثبت باتفاق واالختيار، دون النص والتعيني؛ إذ لو كان مث نص ملا خفي، والدواعي تتوفر : وقالواتفقوا يف سقيفة بين ساعدة على أيب بكر رضي اهللا عنه، مث اتفقوا بعد تعيني أيب بكر على . على نقله

واتفقوا بعده على علي رضي اهللا . عد الشورى على عثمان رضي اهللا عنهعمر رضي اهللا عنه، واتفقوا ب .وهم مترتبون يف الفضل ترتبهم يف اإلمامة. عنه

إال أم رجعوا عن اخلطأ، والزبري من العشرة األوائل املبشرين : ال نقول يف عائشة وطلحة والزبري: وقال أما بغيا على اإلمام احلق؛ فقاتلهم علي مقاتلة إال: وال نقول يف حق معاوية وعمرو بن العاص. باجلنة

ولقد كان . وأما أهل النهران فهم الشراة املارقون على الدين؛ خبرب النيب صلى اهللا عليه وسلم. أهل البغي .علي رضي اهللا عنه على احلق يف مجيع أحواله؛ يدور احلق معه حيث دار

وا توغل املعتزلة يف علم الكالم وخمالفة السنة اليت املشبهة أعلم أن السلف من أصحاب احلديث ملا رأمجاعة من أمراء بين أمية على قوهلم بالقدر، ومجاعة من خلفاء : عهدوها من األئمة الراشدين، ونصرهم

حتريوا يف تقرير مذهب أهل السنة واجلماعة يف ... بين العباس؛ على قوهلم بنفي الصفات وخلق القرآن . احلكيم، وأخبار النيب األمني صلى اهللا عليه وسلمآيات الكتاب: متشاات

فأما أمحد بن حنبل وداود بن علي األصفهاين ومجاعة من أئمة السلف فجروا على منهاج السلف

Page 34: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 34

مالك بن أنس ومقاتل إ بن سليمان، وسلكوا طريق : املتقدمني عليهم من أصحاب احلديث؛ مثلالسنة وال نتعرض للتأويل؛ بعد أن نعلم قطعا أن اهللا عز وجل نؤمن مبا ورد به الكتاب و: السالمة؛ فقالوا

وكانوا حيترزون عن التشبيه . ال يشبه شيئا من املخلوقات، وأن كل ما متثل يف الوهم فإنه خالقه ومقدورهقلب : ، أو أشار بإصبعيه عند روايته"خلقت بيدي: :"من حرك يده عند قراءة له تعاىل: إىل غاية أن قالوا

إمنا توقفنا يف تفسري : وقالوا. وجب قطع يده، وقلع إصبعيه... من بني إصبعني من أصابع الرمحناملؤفأما اللذين يف قلوم زيغ :" املنع الوارد يف الترتيل يف قوله تعاىل: أحدمها: اآليات وتأويلها؛ ألمرين

اهللا، والراسخون يف العلم يقولون آمنا فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إال .؛ فنحن حنترز عن الزيغ"به كل من عند ربنا، وما يذكر إال أولو األلباب

أن التأويل أمر مظنون باالتفاق، والقول يف صفات الباري بالظن غري جائز، فرمبا أولنا اآلية على : والثاينآمنا : كل من عند ربنا: قال الراسخون يف العلمغري مراد الباري تعاىل فوقعنا يف الزيغ؛ بل نقول كما

بظاهره، وصدقنا بباطنه، ووكلنا علمه إىل اهللا تعاىل، ولسنا مكلفني مبعرفة ذلك؛ إذ ليس ذلك من شرائط اليد بالفارسية وال الوجه، وال االستواء، وال : واحتاط بعضهم أكثر احتياط؛ حىت مل يقرأ. اإلميان وأركانه

فهذا هو طريق . لفظا بلفظ: بل إن احتاج يف ذكرها إىل عبارة عرب عنها مبا ورد. لكما ورد من جنس ذ .السالمة، وليس هو من التشبيه يف شيء

اهلشاميني : غري أن مجاعة من الشيعة الغالية ومجاعة من أصحاب احلديث احلشوية صرحوا بالتشبيه؛ مثلمعبودهم على صورة؛ : ن احلشوية؛ قالوامضر، وكهمس، وجهم اهلخيمي وغريهم م: من الشيعة، ومثل

االنتقال، والرتول، والصعود، : وجيوز عليه . إما روحانية، وأما جسمانية: ذات أعضاء وأبعاض .واالستقرار، والتمكن

.فأما مشبهة الشيعة؛ فستأيت مقاالم، يف باب املغاالة

مضر، وكهمس، وأمحد : عنوأما مشبهة احلشوية؛ فحكى األشعري عن حممد بن عيسى، أنه حكىاملالمسة، واملصافحة، وأن املسلمني املخلصني يعانقونه يف الدنيا ز : أم أجازوا على رم: اهلجيمي

: وحكى الكعيب عن بعضهم. اآلخرة؛ إذا بلغوا يف الرياضة واالجتهاد إىل حد اإلخالص واالحتاد احملض

إعفوين : وحكى عن داود اجلواريب أنه قال. ويزورهمأنه كان جيوز الرؤية يف دار الدنيا، وأن يزوروه،جسم، وحلم، ودم؛ وله جوارح، : إن معبوده: وقال. عن الفرج واللحية واسألوين عما وراء ذلك

جسم ال كاألجسام، وحلم ال : يد، ورجل، ورأس، ولسان، وعينني، وأذنني؛ ومع ذلك: وأعضاء، من. ال يشبه شيئا من املخلوقات، وال يشبهه شيء: فات وهوكاللحوم، ودم ال كالدماء؛ وكذلك سائر الص

Page 35: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 35

أجوف من أعاله إىل صدره، مصمت ما سوى ذلك؛ وأن له وفرة سوداء وله : هو: وحكى عنه أنه قالالإلستواء، والوجه، واليدين، واجلنب، وايء، واإلتيان، : وأما ما ورد يف الترتيل من. شعر قطط

وكذلك ما . ا على ظاهرها، أعين ما يفهم عند اإلطالق على األجساموغري ذلك؛ فأجروه... والفوقيةوضع :" ، وقوله"خلق آدم على صورة الرمحن:" ورد يف األخبار من الصورة وغريها يف قوله عليه السالم

اجروها على ما .. إىل غري ذلك"... حىت وجدت برد أنامله على كتفي:" ، وقوله"يده أو كفه على كتفيوزادوا يف األخبار أكاذيب وضعوها ونسبوها إىل النيب عليه السالم، . ات األجساميتعارف يف صف

اشتكت عيناه فعادته املالئكة، وبكى : وأكثرها مقتبسة من اليهود؛ فإن التشبيه فيهم طباع، حىت قالوال على طوفان نوح حىت رمدت عيناه، وإن العرش ليئط من حتته كأطيط احلل اجلديد، وإنه ليفضل من ك

لقيين ريب؛ فصافحين، وكافحين، :" وروى املشبهة عن النيب عليه السالم أنه قال. جانب أربع أصابعإن احلروف : وزادوا على التشبيه قوهلم يف القرآن". ووضع يده بني كتفي حىت وجدت برد أناملهتدلوا بأخبار؛ منها ال يعقل كالم حبروف وال كلم، واس: واألصوات والرقوم املكتوبة قدمية أزلية؛ وقالوا

أن : ينادي اهللا تعاىل يوم القيامة بصوت يسمعه األولون واآلخرون ورووا: ما رووا عن النيب عليه السالموأمجعت السلف على أن القرآن كالم : قالوا. موسى عليه السالم كان يسمع كالم اهللا كجر السالسل نعرف من القرآن إال ما هو بني أظهرنا؛ فنبصره، اهللا غري خملوق، ومن قال هو خملوق فهو كافر باهللا، وال

أما املعتزلة؛ فوافقونا على أن هذا الذي يف أيدينا كالم : واملخالفون يف ذلك. ونسمعه، ونقرؤه، ونكتبهوأما األشعرية؛ فوافقونا على أن القرآن قدمي، . اهللا، وخالفونا يف القدم؛ وهم حمجوجون بإمجاع األمة

أن املشار غليه هو كالم : ي يف أيدينا كالم اهللا؛ وهم حمجوجون أيضا بإمجاع األمةوخالفونا يف أن الذال نبصرها، وال نكتبها، وال نقرؤها، وال : فأما إثبات كالم، هو صفة قائمة بذات الباري تعاىل. اهللا

على لسان أن ما بني الدفتني كالم اهللا، أنزله: فنحن نعتقد. نسمعها؛ فهو خمالفة اإلمجاع من كل وجهاملكتوب يف املصاحف، وهو املكتوب يف اللوح احملفوظ، وهو الذي يسمعه : جربيل عليه السالم؛ فهو

سالم قوال من رب :" املؤمنون يف اجلنة من الباري تعاىل بغري حجاب وال واسطة؛ وذلك معىن قوله تعاىل، ومناجاته من غري واسطة " رب العاملنييا موسى إين أنا اهللا:" ؛ وهو قوله تعاىل ملوسى عليه السالم"رحيم

". إين اصطفيتك على الناس برسااليت وبكالمي:" ، وقال"وكلم اهللا موسى تكليما:" حىت قال تعاىل

إن اهللا تعاىل كتب التوراة بيده، وخلق جنة عدن بيده، وخلق آدم :" وروى عن النيب علليه السالم أنه قالفنحن ال نريد : قالوا. أللواح من كل شيء موعظة وتفصيال لكل شيءوكتبنا له يف ا: ويف الترتيل". بيده

هو : ما بني الدفتني كالم هللا، قلنا: من أنفسنا شيئا، وال نتدارك بعقولنا أمرا مل يتعرض له السلف؛ قالوا، "وإن أحدا من املشركني استجارك فأجره حىت يسمع كالم اهللا:" كذلك؛ واستشهدوا عليه بقوله تعاىل

Page 36: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 36

إنه لقرآن كرمي، يف كتاب مكنون، ال ميسه إال :" وقال تعاىل. أنه ما مسع إال هذا الذي نقرؤه: من املعلومو ".املطهرون، ترتيل من رب العاملني

". إنا أنزلناه يف ليلة القدر:" وقال". يف صحف مكرمة، مرفوعة مطهرة، بأيدي سفرة، كرام بررة:" وقال

.إىل غري ذلك من اآليات"... القرآنشهر رمضان الذي أنزل فيه:" وقال

جيوز أن يظهر الباري تعاىل بصورة شخص، كما كان : ومن املشبهة من مال إىل مذهب احللولية؛ وقال" جربيل عليه السالم يرتل يف صورة أعرايب، وقد متثل ملرمي بشرا سويا، وعليه محل قول النيب عليه السالم

. كذا: شافهت اهللا تعاىل فقال يل: لتوراة عن موسى عليه السالمويف ا". رأيت ريب يف أحسن صورة

قد يكون جبزء، وقد يكون بكل؛ على ما سيأيت يف تفصيل : مث احللول. والغالة من الشيعة مذهبهم احللول .مذاهبهم إن شاء اهللا تعاىل

ممن يثبت الصفات، الكرامية أصحاب أيب عبد اهللا حممد بن كرام، وإمنا عددناه من الصفاتية؛ ألنه كانكيفية خروجه، وانتسابه إىل أهل السنة؛ فيما : وقد ذكرنا. غال أنه ينتهي فيها إىل التجسيم والتشبيه

.قدمناه ذكره

العابدية والتونية، والزرينية، واإلسحاقية، : وهم طوائف بلغ عددهم إىل اثنيت عشرة فرقة، وأصوهلا ستةواحدة منهم رأي؛ إال أنه ملا يصدر ذلك من علماء معتربين بل عن ولكل . اهليصمية: والواحدية، وأقرم

.سفهاء أغتام جاهلني مل نفردها مذهبا، وأوردنا مذهب صاحب املقالة، أشرنا إىل ما يتفرع منه

وأطلق عليه اسم . نص أبو عبد اهللا، على أن معبوده على العرش استقرارا، وعلى أنه جبهة فوق ذاتاإنه إحدى الذات، إحدى اجلوهر، وغناه مماس للعرش من : كتابه املسمى عذاب القرباجلوهر؛ فقال يف

إىل أنه تعاىل جبهة فوق، : وصار املتأخر ون منهم. امتأل العرش به: وقال بعضهم: وجوز. الصفحة العليار مشغوال إن بينه وبني العرش من البعد واملسافة لو قد: فقالت العابدية: مث اختلفوا. وأنه حماذ للعرش

إن ابنه وبني العرش بعدا ال يتناهى، وإنه مباين للعامل بينوية : وقال حممد بن اهليصم. باجلواهر التصلت به .وأطلق أكثرهم لفظ اجلسم عليه. ونفى التحيز واحملاذاة، وأثبت الفوقية واملباينة. أزلية

وبنوا على هذا أن . هو حد اجلسم عندهمأنه قائم بذاته؛ وهذا: نعين بكونه جسما: واملقاربون منهم قالواأن يكونا متجاورين أو متباينني؛ فقضى بعضهم بالتجاور مع العرش وحكم : من حكم القائلني بأنفسهما

كل موجودين فإما أن يكون أحدمها حبيث اآلخر كالعرض مع اجلوهر وإما : ورمبا قالوا. بعضهم بالتباين بعرض إذ هو قائم بنفسه؛ فيجب أن يكون جبهة من العامل، مث أن يكون جبهة منه، والباري تعاىل ليس

أعلى اجلهات وأشرفها جهة فوق؛ فقلنا هو جبهة فوق الذات حىت إذا رئي رئي من تلك اجلهة مث هلم

Page 37: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 37

اختالفات يف النهاية؛ فمن اسمة من أثبت النهاية له من ست جهات، ومنهم من أثبت النهاية له من وهلم يف معىن العظمة خالف؛ والعرش حتته وهو . هو عظيم: نكر النهاية له فقالجهة حتت، ومنهم من أ

معىن عظمته أنه يالقي مع وحدته من جهة : فوق كله على الوجه الذي هو فوق جزء منه، وقال بعضهمجواز : ومن مذهبهم مجيعا. واحدة أكثر من واحد؛ وهو يالقي مجيع أجزاء العرش ؛ وهو العلي العظيم

أن ما حيدث يف ذاته؛ فإمنا حيدث بقدرته، وما : ومن أصلهم. كثري من احلوادث بذات الباري تعاىلقيام ما باين ذاته من اجلواهر : حيدث مباينا لذاته؛ فغنما حيدث بقدرته من األقوال واإلرادات؛ ويعنون باحملدث

: ذلك بني اإلعدام واملعدومويفرقون بني اخللق واملخلوق، واإلجياد واملوجود واملوجد، وك. واألعراض

أن يف ذاته سبحانه حوادث كثرية؛ : وزعموا. إمنا يصري معدوما باإلعدام الواقع يف ذاته بالقدرة: فاملخلوقاإلخبار عن األمور املاضية واآلتية، والكتب املرتلة على الرسل عليهم السالم، والقصص، والوعد : مثل

هو : واإلجياد واإلعدام. واملبصرات فيما جيوز أن يسمع ويبصروالوعيد واألحكام؛ ز من ذلك املسمعات وإرادته لوجود ذلك الشيء؛ وقوله للشيء كن . كن للشيء الذي يريد كونه: القول باإلرادة؛ وذلك قوله

: صورتان

وذلك مشروط بالقول شرعا؛ إذ ورد يف: باإلرادة واإليثار؛ قال: وفشر حممد بن اهليصم اإلجياد واإلعدام

: إمنا أمره إذا أراد شيئا أن يقول له:" ؛ وقوله"إمنا قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون:" الترتيل

فقال : مث اختلفوا يف التفصيل. اخللق عبارة عن القول واإلرادة: وعلى قول األكثرين منهم". كن فيكوناد واحد يصلح ملوجودين إذا كانا من إجي: وقال بعضهم. لكل موجود إجياد، ولكل معدوم إعدام: بعضهم

لو افتقر كل موجود أو كل جنس إىل : وألزم بعضهم. جنس واحد، وإذا اختلف اجلنس تعدد اإلجيادتتعدد القدرة : وقال بعضهم أيضا. إجياد؛ فليفتقر كل إجياد إىل قدرة؛ فالتزم تعدد القدرة بتعدد اإلجياد

الكاف : تتعدد بعدد أجناس احلوادث اليت حتدث يف ذاته منبعدد أجناس احملدثات، وأكثرهم على أاومنهم من أثبت هللا تعاىل السمع والبصر أزال؛ والتسمعات والتبصرات . والنون، واإلرادة والسمع والتبصر

وقد أثبتوا هللا تعاىل مشيئة قدمية متعلقة بأصول احملدثات وباحلوادث اليت . هي إضافة املدركات إليهما .اته، وأثبتوا إرادات حادثة تتعلق بتفاصيل احلدثاتحتدث يف ذ

وأمجعوا على أن احلوادث ال توجب هللا تعاىل وصفا، وال هي صفات له؛ فتحدث يف ذاته هذه حلوادث قائال، وال مريدا، وال مسيعا، وال : األقوال، واإلرادات، والتسمعات، والتبصرات؛ وال يصري ا: من

قائل بقائليته، وخالق خبالقيته، ومريد : وإمنا هو . حمدثا، وال خالقا: هذه احلوادثبصريا؛ وال يصري خبلق .مبريديته؛ وذلك قدرته على هذه األشياء

أن احلوادث اليت حيدثها يف ذاته واجبة البقاء حىت يستحيل عدمها؛ إذ لو جاز عليها العدم : ومن أصلهم

Page 38: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 38

إما أن يقدر : هذه القضية أيضا؛ فلو قدر عدمها فال خيلولتعاقبت على ذاته احلوادث ولشارك اجلوهر يف وال جيوز أن يكون عدمها بالقدرة؛ ألنه يؤدي إىل ثبوت املعدوم . عدمها بالقدرة؛ أو بإعدام خيلقه يف ذاته

يف ذاته وشرط املوجود واملعدوم أن يكونا مباينني لذاته، ولو جاز وقوع معدوم يف ذاته بالقدرة من غري مث جيب طرد ذلك يف املوجد؛ حىت جيوز وقوع . عدام جلاز حصول سائر املعلومات بال قدرةواسطة إ

موجد حمدث يف ذاته؛ وذلك حمال عندهم، ولو فرض عدا معا باإلعدام جلاز تقدير عدم ذلك اإلعدام؛ ومن . فيتسلسل؛ فارتكبوا يف ثاين حال ثبوت اإلحداث بال فصل، وال اثر لإلحداث يف حال بقائه

أن ما حيدث يف ذاته من األمر فمنقسم إىل ك أمر التكوين؛ وهو فعل التكليف وى التكليف؛ : صلهمأهذا هو تفصيل مذاهبهم يف حمل ... وهي أفعال من حيث دلت على القدرة، وال يقع حتتها مفعوالت

.احلوادث

من احملال الفاحش إىل نوع وقد اجتهد ابن اهليصم يف إرمام مقالة أيب عبد اهللا يف كل مسالة؛ حىت ردها ومثل الفوقية؛ فإنه محلها . القائم بالذات: أراد باجلسم: مثل التجسيم؛ فإنه قال: يفهم فينا بني العقالء

: ومثل االستواء؛ فإنه. على العون، وأثبت البينوية غري املتناهية، وذلك اخلالء الذي أثبته بعض الفالسفة

غري مسألة حمل احلوادث؛ فإا مل تقبل الرمة، فالتزمها كما ... لذاتنفى ااورة واملماسة، والتمكن با .ذكرنا، وهي من أشنع احملاالت عقال

أن احلوادث تزيد على عدد احملدثات بكثري؛ فيكون يف ذاته أكثر من عدد احملدثات عوامل من : وعند القوم .احلوادث؛ وذلك حمال شنيع

عامل بعلم، قادر بقدرة، حي حبياة، شاء مبشيئة؛ : الباري تعاىل: هلمومما أمجعوا عليه من إثبات الصفات قو. ورمبا زادوا السمع والبصر كما أثبته األشعري. صفات قدمية، أزلية، قائمة بذاته: ومجيع هذه الصفات

. له يد ال كاأليدي، ووجه ال كالوجوه: صفات، قدمية، قائمة به؛ وقالوا: ورمبا زادوا الوجه واليدين

.وا جواز رؤيته من جهة فوق؛ دون سائر اجلهاتوأثبت

أن الذي أطلقه املشبهة على اهللا عز وجل من اهليئة والصورة، واجلوف، واالستدارة، : وزعم ابن اهليصمأنه خلق آدم بيده، : ال يشبه سائر ما أطلقه الكرامية من ... والوفرة، واملصافحة، واملعانقة، وحنو ذلك

وذلك أنا ال نعتقد من ذلك شيئا على معىن . ، وأنه جييء يوم القيامة حملاسبة اخللقوأنه استوى على عرشهمن جارحتني وعضوين؛ تفسريا لليدين؛ وال مطابقة للمكان واستقالل العرش بالرمحن؛ تفسريا : فاسد

طالق ما أطلقه لالستواء، وال ترددا يف األماكن اليت حتيط به؛ تفسريا للمجيء، وإمنا ذهبنا يف ذلك على إالقرآن فقط من غري تكييف وتشبيه، وما مل يرد به القرآن واخلرب فال نطلقه كما أطلقه سائر املشبهة

Page 39: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 39

.واسمة

وقال الباري تعاىل عامل يف األزل مبا سيكون على الوجه الذي يكون، وشاء لتنفيذ علمه يف معلوماته فال لذي خيلق بإرادة حادثة، وقائل لكل ما حيدث بقوله كن ينقلب علمه جهال، ومريد ملا خيلق يف الوقت ا

حنن نثبت القدر خريه وشره : وقال. حىت حيدث؛ وهو الفرق بني اإلحداث واحملدث، واخللق واملخلوقيف . أراد الكائنات كلها خريها وشرها؛ وخلق املوجودات كلها حسنها وقبيحها: من اهللا تعاىل، وأنه

مفعوال خملوقا للباري تعاىل؛ تلك الفائدة هي مورد التكليف واملورد هو إثبات فائدة زائدة على كونه .املقابل بالثواب والعقاب

واتفقوا على أن العقل حيسن ويقبح قبل الشرع، وجتب معرفة اهللا تعاىل بالعقل كما قالت املعتزلة؛ إال أم اإلميان هو اإلقرار باللسان : وقالوا. مل يثبتوا رعية الصلح ة األصلح واللطف عقال؛ كما قالت املعتزلة

وفرقوا بني تسمية املؤمن مؤمنا؛ فيما يرجع إىل أحكام . ودون سائر األعمال. فقط؛ دون التصديق بالقلبمؤمن يف الدنيا على احلقيقة، : الظاهر والتكليف، وفيما يرجع إىل أحكام اآلخرة واجلزاء؛ فاملنافق عندهم

إا تثبت بإمجاع األمة دون النص والتعيني؛ كما : وقالوا يف اإلمامة. خرةمستحق للعقاب األبدي يف اآلإثبات إمامة معاوية يف الشام : إال أم جوزوا عقد البيعة إلمامني يف قطرين، وغرضهم. قال أهل السنة

ورأوا . هباتفاق مجاعة من أصحابه، وإثبات أمري املؤمنني علي باملدينة والعراقيني باتفاق مجاعة من أصحابقتاال على طلب قتله عثمان رضي اهللا عنه، : تصويب معاوية فيما استبد به من األحكام الشرعية

ومذهبهم األصلي اام علي رضي اهللا عنه يف الصرب على ما جرى مع عثمان رضي . واستقالال ببيت املال .عرق نزع: اهللا عنه والسكوت عنه؛ وذلك

الباب الرابع

الخوارج

: كل من خرج على اإلمام احلق الذي اتفقت اجلماعة عليه يسمى: ج، واملرجئة، والوعيديةاخلوار

خارجيا؛ سواء كان اخلروج يف أيام الصحابة على األئمة الراشدين، أو كان بعدهم على التابعني .بإحسان؛ واألئمة يف كل زمان

خلوارج يف بعض املسائل اليت تتعلق صف آخر تكلموا يف اإلميان والعمل؛ إال أم وافقوا ا: واملرجئة .باإلمامة

بتكفري صاحب الكبرية، وختليده يف النار؛ فذكرنا مذاهبهم يف : داخلة يف اخلوارج وهم القائلون: واملعيدية

Page 40: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 40

.أثناء مذاهب اخلوارج

اعلم أن أول من خرج على أمري املؤمنني علي رضي اهللا عنه مجاعة ممن كان معه يف حرب صفني، األشعث ابن قيس الكندي، ومسعر بن فدكي التميمي، وزيد : روجا عليه ومروقا من الدينوأشدهم خ

أنا : حىت قال!... القوم يدعوننا إىل كتاب اهللا، وأنت تدعونا إىل السيف: بن حصني الطائي؛ حني قالوا: له، وأنتم تقولواكذب اهللا ورسو: انفروا إىل من يقول! انفروا إىل بقية األحزاب! أعلم مبا يف كتاب اهللا

لترجعن األشتر عن قتال املسلمني؛ وإال فعلنا بك مثل ما فعلنا بعثمان؛ فاضطر : صدق اهللا ورسوله قالواإىل رد األشتر بعد أن هزم اجلمع، وولوا مدبرين، وما بقي منهم إال شرذمة قليلة فيها حشاشة قوة؛ فامتثل

محلوه على التحكيم أوال، وكان يريد أن يبعث عبد أن اخلوارج: وكان من أمر احلكمني. األشتر أمرهاهللا بن عباس رضي اهللا عنه، فما رضي اخلوارج بذلك؛ وقالوا؛ هو منك، ومحلوه على بعث أبو موسى األشعري على أن حيكم بكتاب اهللا تعاىل، فجرى األمر على خالف ما رضي به؛ فلما مل يرض بذلك

وهم املارقون الذين اجتمعوا بالنهر . ؟ ال حكم غال هللا!ت الرجالمل حكم: خرجت اخلوارج عليه؛ وقالوا .وان

احملكمة واألزارقة، والنجدات، والبهسية، والعجاردة، والثعالبة، واإلباضية، : وكبار الفرق منهم .والصفرية؛ والباقون فروعهم

ل طاعة؛ وال القول بالتربي من عثمان وعلي رضي اهللا عنهما؛ ويقدمون ذلك على ك: وجيمعهميصححون املناكحات إال على ذلك، ويكفرون أصحاب الكبائر ويرون اخلروج على اإلمام إذا خالف

.حقا واجبا: السنة

احملكمة األوىل هم الذين خرجوا على أمري املؤمنني علي رضي اهللا عنه حني جرى أمر احملكمني، واجتمعوا ن الكواء، وعتاب بن األعور، وعبد اهللا بن وهب الراسي، عبد اهللا ب: حبروراء من ناحية الكوفة، ورأسهم

وكانوا . وعروة بن جرير، ويزيد ابن عاصم احملاريب، وحرقوص بن زهري البجلي املعروف بذي الثدية .يومئذ يف اثين عشر ألف رجل أهل صالة وصيام؛ أعين يوم النهر وان

جنب صالم، وصوم أحدكم يف جنب حتقر صالة أحدكم يف: وفيهم قال النيب صلى اهللا عليه وسلم .صيامهم؛ ولكن ال جياوز إميام ترقيهم

سيخرج من ضئضئ هذا الرجل قوم ميرقون على الدين؛ كما ميرق السهم : املارقة، الذين قال فيهم: فهم .من الرمية

أحدمها : ينوإمنا خروجهم يف الزمن األول على أمر. ذو الثدية: ذو اخلويصرة، وآخرهم: وهم الذين أوهلم

Page 41: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 41

بدعتهم يف اإلمامة؛ إذ جوزوا أن تكون اإلمامة يف غري قريش، وكل من نصبوه برأيهم وعاشر الناس على كان إماما؛ ومن خرج عليه جيب نصب القتال معه، وإن غري : ما مثلوا له من العدل واجتناب اجلور

عبدا، أو حرا، أو : ه فيجوز أن يكونوجوزوا أن ال يكون يف العامل إماما أصال، وإن احتيج إلي. السرية .نبطيا، أو قرشيا،

وقد كذبوا على . أخطأ علي يف التحكيم إذ حكم الرجال، وال حكم إال باهللا: أم قالوا: والبدعة الثانيةأحدمها يف التحكيم؛ أنه حكم الرجال، وليس ذلك صدقا؛ ألم هم : علي رضي اهللا عنه من وجهني

.التحكيمالذين محلوه على

أن حتكيم الرجال جائز؛ فإن القوم هم احلاكمون يف هذه املسألة، وهم رجال؛ وهلذا قال علي : والثاينوختطوا عن هذه التخطئة إىل التكفري ولعنوا عليا رضي اهللا عنه . كلمة حق أريد ا باطل: رضي اهللا عنه

واغتنم أمواهلم؛ وما سىب ذراريهم ونساؤهم، فقاتل الناكثني،: الناكثني، والقاسطني واملارقني: فيما قاتلمث رضي بالتحكيم، وقاتل مقاتلة املارقني؛ واغتنم ... وقتل مقاتلة من القاسطني؛ وما اغتنم ، وال سىب

وطعنوا يف . وطعنوا يف عثمان رضي اهللا عنه؛ لألحداث اليت عدوها عليه. أمواهلم، وسىب ذراريهم ...أصحاب اجلمل وأصحاب صفني

قاتلهم علي رضي اهللا عنه بالنهر وان مقاتلة شديدة، فما افلت منهم إال أقل من عشرة، وما قتل من فالسلمني إال أقل من عشرة؛ فازم اثنان منهم إىل عمان، واثنان إىل كرمان، واثنان إىل سجستان، واثنان

واضع منهم، وبقيت إىل وظهرت بدع اخلوارج يف هذه امل. إىل اجلزيرة، وواحد إىل تل مورون باليمنعبد : عبد اهللا بن وهب الراسي يف مرتل زيد بن حصني؛ بايعه: أول من بويع من اخلوارج باإلمامة. اليوم

وكان ميتنع عليهم حترجا، . اهللا بن الكواء، وعروة بن جرير، ويزيد ابن عاصم احملاريب، ومجاعة معهم به، وكان يوصف برأي وجندة؛ فتربأ من احلكمني، وممن ويستقبلهم ويومئ إىل غريه حترزا؛ فلم يقنعوا فال

إنه ترك حكم اهللا ، : وأكفروا أمري املؤمنني عليا رضي اهللا عنه وقالوا. رضي بقوهلما وصوب أمرمهااحلجاج : إن أول من تلفظ ذا رجل من بين سعد بن زيد بن مناة بن متيم يقال له: وقيل. وحكم الرجال

أحتكم يف دين : الربك، وهو الذي ضرب معاوية على إليته ملا مسع بذكر احلكمني وقالبن عبيد اهللا يلقب ب: ، فسموا!طعن واهللا فأنفذ: اهللا؟ ال حكم إال هللا، فلنحكم مبا حكم اهللا يف القرآن به؛ فسمعها رجل فقال

يد ا جور؛ إمنا وملا مسع أمري املؤمنني علي رضي اهللا عنه هذه الكلمة قال كلمة عدل أر. احملكمة؛ بذلك: إن أول سيف سل من سيوف اخلوارج سيف: ويقال. يقولون ال إمارة، والبد من إمارة بر أو فاجر

ما هذه الدنية يا أشعث؟ وما هذا : عروة بن أذينة؛ وذلك أنه أقبل على األشعث ابن قيس، فقال

Page 42: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 42

مويل، فضرب به عجز مث شهر السيف؛ واألشعث ! التحكيم؟ أشرط أحدكم أوثق من شرط اهللا تعاىل؟مشى هو وأصحابه إىل األشعث فسألوه : البغلة، فشبت البغلة، فنفرت اليمانية؛ فلما رأى ذلك األحنف

وعروة بن أذينة جنا بعد ذلك من حرب النهران وبقي إىل أيام معاوية، مث أتى إىل زياد بن . الصفح؛ ففعلهللا عنهما؛ فقال فيهما خريا، وسأله عن عثمان؛ أبيه ومعه موىل له؛ فسأله زياد عن أيب بكر وعمر رضي ا

كنت أوايل عثمان على أحواله يف خالفته ست سنني، مث تربأت منه بعد ذلك لألحداث اليت : فقالكنت أتواله إىل أن حكم : أحدثها؛ وشهد عليه بالكفر، وسأله عن أمري املؤمنني علي رضي اهللا عنه فقال

شهد عليه بالكفر، وسأله عن معاوية؛ فسبه سبا قبيحا، مث سأله عن احلكمني مث تربأت منه بعد ذلك؛ ومث دعا . أولك لريبة؛ وآخرك لدعوة؛ وأنت فيما بينهما عاص ربك، فأمر زياد بضرب عنقه: نفسه؛ فقال

ما أتيته بطعام : بل اختصر، فقال: أأطنب أم أختصر؟ فقال: صف يل أمره واصدقن فقال: مواله؛ فقال له .هذه معاملته واجتهاده، وذلك خبثه واعتقاده. ط، وال فرشت له فراشا بليل قطيف ار ق

نافع بن األزرق الذين خرجوا مع نافع من الصرة إىل األهواز؛ فغلبوا عليها، : األزارقة أصحاب أيب رشديها ذه فارس وكرمان؛ يف أيام عبد اهللا بن الزبري، وقتلوا عماله ف: وعلى كورها، وما وراءها من بلدان

عطية بن األسود احلنفي، وعبد اهللا بن ماخون وأخواه عثمان : وكان مع نافع من أمراء اخلوارج. النواحيوالزبري، وعمر ابن عمري العنربي، وقطري بن الفجاءة املازين، وعبيدة بن هالل اليشكري، وأخوه حمرز بن

يف ... به الكبري، وعبد ربه الصغريهالل، وصخر بن حبيب التيمي، وصاحل بن خمراق العبدي، وعبد رفأنفذ إليهم عبد اهللا بن احلرث بن نوفل . زهاء ثالثني ألف فارس؛ ممن يرى رأيهم، وينخرط يف سلكهم

فأخرج . مسلم بن عبيس بن كريز ابن حبيب؛ فقتله اخلوارج، وهزموا أصحابه: النوفلي بصاحب جيشهفأخرج إليهم حارثة بن بدر العتايب يف جيش . ميح فهزموهإليهم أيضا عثمان بن عبد اهللا ابن معمر التمي

فأخرج إليهم املهلب بن أيب . كثيف؛ فهزموه، وخشي أهل البصرة على أنفسهم وبلدهم من اخلوارجصفرة؛ فبقي يف حرب األزارقة تسع عشرة سنة إىل أن فرغ من أمرهم يف أيام احلجاج ومات نافع قبل

.أمري املؤمنني: يعوا بعده قطري بن الفجاءة املازنني ومسوهوقائع املهلب مع األزارقة، وبا

ومن الناس من :" إن اهللا أنزل يف شأنه: أنه أكفر عليا رضي اهللا عنه، وقال: إحدامها: وبدع األزارقة مثانيةعبد الرمحن بن : ؛ وصوب"يعجبك قوله يف احلياة الدنيا، ويشهد اهللا على ما يف قلبه وهو ألد اخلصام

".ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة اهللا:" إن اهللا تعاىل أنزل يف شأنه: لعنه اهللا وقالملجم

وقال عمران بن حطان وهو ك مفيت اخلوارج، وزاهدها، وشاعرها األكرب؛ يف ضربة ابن ملجم لعنه اهللا : لعلي رضي اهللا عنه

Page 43: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 43

إال ليبلغ من ذي العرش رضوانا اضربة من منيب ما أراد به يا

ايزان مالبرية عند اهللا أفى هبسأحألذكره يوما ف إني

عثمان وطلحة والزبري وعائشة وعبد اهللا بن عباس : وعلى هذه البدعة مضت األزارقة، وزادوا عليه تكفري .رضي اهللا عنهم؛ وسائر املسلمني معهم، وختليدهم يف النار مجيعا

أنه أكفر القعدة، وهو أول من أظهر الرباءة من القعدة عن القتال؛ وإن كان موافقا له على دينه، : والثانية .وأكفر من مل يهاجر غليه

.إباحته قتل األطفال املخالفني والنسوان منهم: والثالثة

قذف احملصنني إسقاطه الرجم عن الزاين؛ إذ ليس يف القرآن ذكره، وإسقاطه حد القذف عمن: والرابعة .من الرجال؛ مع وجوب احلد على قاذف احملصنات من النساء

.حكمه بأن أطفال املشركني يف النار مع آبائهم: واخلامسة

.أن التقية غري جائزة يف قول وال عمل: والسادسة

والكبائر . ثةجتويزه أن يبعث اهللا تعاىل نبيا يعلم أنه يكفر بعد نبوته، أو كان كافرا قبل البع: والسابعةاجتمعت األزارقة على أن من ارتكب كبرية من : والثامنة. إذا كانت مبثابة عنده؛ فهي كفر: والصغائر

الكبائر كفر كفر ملة؛ خرج به عن اإلسالم مجلة، ويكون خملدا يف النار مع سائر الكفار، واستدلوا بكفر عليه السالم فامتنع؛ وإال ، فهو عارف ما ارتكب إال كبرية حيث أمر بالسجود آلدم: إبليس؛ وقالوا

.بوحدانية اهللا تعاىل

عاصم، وكان من شأنه أنه خرج مع اليمامة مع : النجدات العذرية أصحاب جندة بن عامر احلنفي؛ وقيلأبو فديك، وعطية ابن األسود احلنفي يف الطائفة الذين خالفوا : عسكره يريد اللحوق باألزارقة؛ فاستقبله

بتكفري العقدة عنه، وسائر األحداث، والبدع؛ : زرق؛ فأخربوه مبا أحدثه نافع من اخلالفنافع بن األمث اختلفوا على جندة؛ فأكفره قوم منهم ألمور نقموها عليه؛ منها أنه . وبايعوا جندة، ومسوه أمري املؤمنني

إن : هم وقالوابعث ابنه مع جيش إىل أهل القطيف فقتلوا رجاهلم وسبوا نساءهم وقو موها على أنفسصارت قيمتهن يف حصصنا فذلك، وإال رددنا الفضل؛ ونكحوهن قبل القسمة، وأكلوا من الغنيمة قبل

مل نعلم أن ذلك ال يسعنا؛ : مل يسعمك ما فعلتم؟ قالوا: فلما رجعوا إىل جندة وأخربوه بذلك قال. القسمةاجلهاالت يف احلكم االجتهادي؛ واتلف أصحابه بذلك؛ فمنهم من وافقه، وعذر ب. فعذرهم جبهالتهم

معرفة اهللا تعاىل، ومعرفة رسله عليهم السالم، وحترمي دماء املسلمني يعنون : أحدمها: الدين أمران: وقالوا .فهذا واجب على اجلميع، واجلهل به ال يعذر فيه... موافقيهم، واإلقرار مبا جاء من عند اهللا مجلة

Page 44: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 44

ومن : قالوا. إىل أن تقوم عليهم احلجة يف احلالل واحلرام. فيهفالناس معذورون: ما سوى ذلك: والثاينجوز العذاب على اتهد املخطىء يف األحكام قبل قيام احلجة عليه؛ فهو كافر واستحل جندة بن عامر

وأصحاب احلدود من : قال. دماء أهل العبد والذمة وأمواهلم؛ يف حال التقية، وحكم بالرباءة ممن حرمهال اهللا تعاىل يعفو عنهم؛ ومن نظر نظرة أو كذب كذبة صغرية أو كبرية أصر عليها؛ فهو موافقيه لع

مشرك، ومن زىن، وشرب، وسرق؛ غري مصر عليه؛ فهو غري مشرك، وغلظ على الناس يف حد اخلمر .تغليظا شديدا

التوبة، فتركوا نقم عليه أصحابه فيه؛ فاستتابوه، فأظهر: وملا كاتب عبد امللك بن مروان وأعطاه الرضىأخطأنا، وما كان لنا أن نستتيب : وندمت طائفة على هذه االستتابة؛ وقالوا. النقمة عليه، والتعرض له

تب من توبتك؛ : أخطأنا من ذلك وأظهروه اخلطأ، وقالوا له: اإلمام، وما كان له أن يتوب باستتابتنا إياهمث برئ أبو فديك، . طية ووثب عليه أبو فديك فقتلهأبو فديك، وع: وفارقه. وإال نابذناك، فتاب من توبته

عمرو بن عبيد اهللا بن معمر من التميمي مع جيش إىل : وعطية من أيب فديك انفذ مروان بن عبد امللكالطوية، ومن : حرب أيب فديك؛ فحاربه أياما، فقتله وحلق عطية بأرض سجستان، ويقال ألصحابه

.لعجاردةعبد الكرمي بن عجرد زعيم ا: أصحابه

أن : وحكى الكعيب عن النجدات. العاذرية؛ ألم عذروا باجلهالت يف أحكام الفروع: وإمنا قيل للنجداتوأمجعت النجدات على أنه ال حاجة : قال. التقية جائزة يف القول والعمل كله؛ وإن كان يف قتل النفوسن هم رأوا أن ذلك ال يتم غال بإمام حيملهم للناس إىل إمام قط، وإمنا عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم؛ فإ

.عليه، فأقاموه جاز

عطوية؛ وفديكية، وبرئ كل واحد منهما عن صاحبه بعد قتل جندة، وصارت : مث افترقوا بعد جندة إىلوأهل سجستان وخراسان وكرمان وقهستان من اخلوارج على . الدار أليب فديك، إال من توىل جندة

.مذهب عطية

. دة بن عامر ونافع بن األزرق قد اجتمعا مبكة مع اخلوارج على ابن الزبري مث تفرقا عنهكان جن: وقيل

: وكان سبب اختالفهما أن نافعا قال. فصار نافع إىل البصرة، وجندة إىل اليمامة: واختلف نافع وجندة

ون الناس كخشية إذا فريق منهم خيش:" التقية ال حتل، والقعود عن القتال كفر؛ واحتج بقول اهللا تعاىلالتقية جائزة، : وخالفه جندة؛ وقال". يقاتلون يف سبيل اهللا وال خيافون لومة الئم:" ، وبقوله تعاىل"اهللا

وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم :" وبقوله تعاىل" إال أن تتقوا منهم تقاة:" واحتج بقول اهللا تعاىلوفضل اهللا ااهدين على القاعدين :" ضل؛ قال اهللا تعاىلالقعود جائز، واجلهاد إذا أمكنه أف: وقال": إميانه

Page 45: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 45

هذا يف أصحاب النيب صلى اهللا عليه وسلم حني كانوا مقهورين، وأما يف : وقال نافع". أجرا عظيما ".وقعد الذين كذبوا اهللا ورسوله:" غريهم مع اإلمكان فالقعود كفر؛ لقول اهللا تعاىل

بن جابر، وهو أحد بين سعد بن ضبيعة، وقد كان احلجاج طلبه أيام أيب بيهس اهليصم : البيهسية أصحابالوليد، فهرب إىل املدينة، فطلبه فيها عثمان بن حيان املزين فظفر به وحبسه؛ وكان يسامره إىل أن ورد

إبراهيم، وميمون؛ يف : وكفر أبو س. كتاب الوليد بأن يقطع يديه ورجليه مث يقتله؛ ففعل به ذلكأنه ال يسلم أحد حىت يقر مبعرفة اهللا تعاىل ومعرفة : وزعم. يف بيع األمة، وكذلك كفر الواقفيةاختالفهما

فمن . رسله ومعرفة ما جاء به النيب صلى اهللا عليه وسلم، والوالية ألولياء اهللا تعاىل، والرباءة من أعداء اهللامعرفته بعينه، وتفسريه، : يسعه إالما حرم اهللا، وجاء به الوعيد؛ فال: مجلة ما ورد به الشرع وحكم به

ومنه ما ينبغي أن يعرف بامسه، وال يضره أال يعرفه بتفسريه حىت يبتلي ؛ وجيب أن يقف . واالحتراز عنهإنا نقف فيمن واقف احلرام : وبرئ أبو س عن الواقفية؛ لقوهلم. عندما ال يعلم، وال يأيت بشيء إال بعلم

هو أن يعلم كل حق : كان من حقه أن يعلم ذلك، واإلميان: راما؟ قالوهو ال يعلم أحالال واقع أم حهو اإلقرار، : اإلميان: وحيكى عنه أنه قال. وباطل، وإن اإلميان هو العلم بالقلب دون القول والعمل

وعامة البيهسية على أن العلم واإلقرار والعمل كله إميان؛ . والعلم؛ وليس هو أحد األمرين دون اآلخرقل ال أجد فيما أوحى إىل حمرما على :" وم منهم إىل أنه ال حيرم سوى ما ورد يف قوله تعاىلوذهب ق

: العونية؛ وهم فرقتان: ؛ وما سوى ذلك، ومن البيهسية قوم يقال هلم"اآلية...طاعم يطعمه

جعوا إىل أمر بل نتوالهم؛ ألم ر: من رجع من دار اهلجرة إىل القعود برئنا منه، وفرقة تقول: فرقة تقولومن . الغائب منهم، والشاهد: والفرقتان اجتمعتا على أن اإلمام إذا كفر كفرت الرعية. كان حالال هلم

بتفسريها، : أن من شهد من املسلمني شهادة، أخذ: أصحاب التفسري؛ زعموا: البيهسية صنف يقال هلمإذا شهد الشهادتني، : مسلماإن الرجل يكون: قالوا: أصحاب السؤال: وصنف يقال هلم. وكيفيتها

وتربأ، وتوىل، وآمن مبا جاء من عند اهللا مجلة؛ وإن مل يعم فيسأل ما افترض اهللا عليه؛ وال يضره أن ال إن : يعلم حىت يبتلي به فيسأل، وإن واقع حراما مل يعلم حترميه فقد كفر، وقالوا يف األطفال بقول الثعلبية

إن اهللا تعاىل فوض : ووافقوا القدرية يف القدر؛ وقالوا. الكافرين كافرونأطفال املؤمنني مؤمنون، وأطفال إن واقع : وقال بعض البيهسية. فربئت منهم عامة البيهسية. إىل العباد؛ فليس هللا يف أعمال العباد مشيئة

. فورالرجل حراما مل حيكم بكفره حىت يرفع أمره إىل اإلمام الوايل، وحيده؛ وكل ما ليس فيه حد فهو مغ

: وقالت العونية. إن السكر إذا كان من شراب حالل؛ فال يؤاخذ صاحبه مبا قال فيه وفعل: وقال بعضهم

.من ترك الصالة، أو قذف احملصن: السكر كفر؛ وال يشهدون أنه كفر ما مل ينضم إليه كبرية أخرى

عن أصحابه، فخرج على أصحاب صاحل بن مسرح، ومل يبلغنا عنه أنه أحدث قوال متيز به : ومن اخلوارج

Page 46: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 46

احلارث بن عمرية أو األشعث بن عمرية اهلمذاين؛ أنفذه احلجاج لقتاله، : بشر بن مروان، فبعث إليه بشرفاستخلف مكانه شبيب بن يزيد بن نعيم الشيباين املكىن بأيب . فأصابت صاحلا جراحة، يف قصر جلوالء

ج أربعة وعشرين أمريا، كلهم أمراء الصحارى؛ وهو الذي غلب على الكوفة وقتل من جيش احلجاأن : وذكر اليمان. ذلك تقدير العزيز العليم: اجليوش؛ مث ازم إىل األهواز وغرق يف ر األهواز وهو يقول

أنه برئ منه : وحيكى عنه. مئجئة اخلوارج؛ ملا ذهبوا إليه من الوقف يف أمر صاحل: الشبيبية يسمونمن مذاهب البيهسية؛ إال أن شوكته، . ومذهب شبيب ما ذكرناه. سهوفارقه؛ مث خرج يدعي اإلمامة لنف

.مما مل يكن خلارج من اخلوارج... وقوته، ومقاماته مع املخالفني

.وقصته مذكورة يف التواريخ

إنه كان من أصحاب أيب : وافق النجدات يف بدعهم؛ وقيل. العجاردة أصحاب عبد الكرمي بن عجردجتب الربءة عن الطفل حىت يدعى إىل اإلسالم؛ وجيب دعاؤه إذا بلغ، : هبيهس، مث خالفه وتفرد بقول

وأطفال املشركني يف النار مع آبائهم، وال يرى املال فيئا حىت يقتل صاحبه، وهم يتولون القعدة؛ إذا أم ينكرون كون : عرفوهم بالديانة، ويرون اهلجرة فضيلة؛ ال فريضة، ويكفرون بالكبائر، وحيكى عنهم

وال جيوز أن تكون قصة العشق من : ة يوسف من القرآن؛ ويزعمون أا قصة من القصص؛ قالواسور .القرآن

افترقوا أصنافا، ولكل صنف مذهب على حياله؛ إال أم ملا كانوا من مجلة العجاردة : مث إن العجاردة الصلت، والصلت أصحاب عثمان بن أيب: الصلتية: أوردناهم على حكم التفصيل باجلدول والضلع؛ وهم

تفردوا عن العجاردة بأن الرجل إذا أسلم توليناه، وتربأنا من أطفاله؛ حىت يدركوا فيقبلوا . بن أيب الصلتليس ألطفال املشركني واملسلمني والية، وال عداوة؛ حىت : أم قالوا: وحيكى عن مجاعة منهم. اإلسالم

.يبلغوا فيدعوا إىل اإلسالم؛ فيقروا، أو ينكروا

بإثبات القدر خريه : كان من مجلة العجاردة؛ إال أنه تفرد عنهم. ميمون بن خالد: أصحاب: مليمونيةاوالقول بأن اهللا تعاىل . وإثبات االستطاعة قبل الفعل. خلقا، وإبداعا: وإثبات الفعل للعبد. وشره من العبد

الكرابيسي يف كتابه الذي حكى وذكر احلسني. يريد اخلري؛ دون الشر، وليس له مشيئة يف معاصي العباد: أن امليمونية جييزون نكاح بنات البنات، وبنات أوالد االخوة واألخوات؛ وقالوا: فيه مقاالت اخلوارج

وحكى . إن اهللا تعاىل حرم نكاح البنات، وبنات االخوة واألخوات؛ ومل حيرم نكاح بنات أوالد هؤالءوقالوا بوجوب قتال السلطان؛ . سورة يوسف من القرآنالكعيب واألشعري عن امليمونية إنكارها كون

إال إذا أعان عليه، أو طعن يف دين اخلوارج أو : وحده؛ ومن رضي حبكمه؛ فأما من أنكره، فال جيوز قتاله .صار دليال للسلطان وأطفال املشركني عندهم يف اجلنة

Page 47: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 47

إال يف أطفال خمالفيهم . بدعها: يف سائروافقوا امليمونية يف القدر و. محزة بن أدرك: أصحاب: احلمزية .هؤالء كلهم يف النار: واملشركني، فإم قالوا

وكان محزة من أصحاب احلسني بن الرقاد، الذي خرج بسجستان من أهل أوق، وخالفه خلف اخلارجي وجوز محزة إمامني، يف عصر. يف القول بالقدر، واستحقاق الرئاسة؛ فربئ كل واحد منهما عن صاحبه

.واحد؛ ما مل جتتمع الكلمة، ومل تقهر األعداء

خالفوا احلمزية يف القول بالقدر، . خلف اخلارجي؛ وهم من خوارج كرمان، ومكران: أصحاب: اخللفيةاحلمزية ناقضوا؛ : وأضافوا القدر خريه وشره إىل اهللا تعاىل، وسلكوا يف ذلك مذهب أهل السنة، وقالوا

وقضوا بأن . د على أفعال قدرها عليهم، أو على ما مل يفعلوه كان ظاملالو عذب اهللا العبا: حيث قالوا: األطرافية! وهذا من أعجب ما يعتقد من التناقض. أطفال املشركني يف النار، وال عمل هلم، وال ترك

غال أم عذروا أصحاب األطراف، يف ترك ما مل يعرفوه من . فرقة على مذهب محزة يف القول بالقدر: ورئيسهم. وأثبتوا واجبات عقلية؛ كما قالت القدرية. إذا أتوا مبا يعرف لزومه من طريق العقلالشريعة

.وخالفهم عبد اهللا السديورى وتربأ منهم. غالب بن شاذك، من سجستان

.وكان من أصحاب احلسني بن الرقاد، مث برئ منه. أصحاب حممد بن رزق: احملمدية: ومنهم

حممد، وكان مع ميمون من مجلة العجاردة؛ غال أنه برئ منه، حني أظهر شعيب بن : أصحاب: الشعيبيةقدرة، وإرادة؛ مسئول : مكتسب هلا: والعبد. إن اهللا تعاىل خالق أعمال العباد: قال شعيب. القول بالقدر

على : ووه. وال يكون شئ يف الوجود إال مبشيئة اهللا تعاىل. ثوابا، وعقابا: خريا وشرا؛ جمازى عليها: عنهاحكم األطفال، وحكم القعدة، ة الويل : بدع اخلوارج يف اإلمامة، والوعيد؛ وعلى بدع العجاردة يف

.والتربي

أخذوا بقول شعيب يف أن اهللا تعاىل خالق أعمال العباد، وال يكون يف . أصحاب حازم بن علي: احلازمية يتوىل العباد، على ما علم أم صائرون إليه يف إمنا: وقالوا باملوافاة، وأن اهللا تعاىل. سلطانه إال ما يشاء

وأنه سبحانه . آخر أمرهم من اإلميان؛ ويتربأ منهم على ما علم أم صائرون إليه يف آخر أمرهم من الكفر .مل يزل حمبا ألوليائه، مبغضا ألعدائه

ويصرحون بالرباءة يف . وحيكى عنهم أم يتوقفون يف أمر علي رضي اهللا عنه، وال يصرحون بالرباءة عنه .حق غريه

كان مع عبد الكرمي بن عجرد يدا واحدة، إىل أن اختلفا يف أمر . الثعالبة أصحاب ثعلبة بن عامر . صغارا، وكبارا؛ حىت نرى منهم إنكارا للحق، ورضا باجلور: إنا على واليتهم: األطفال؛ فقال ثعلبة

Page 48: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 48

ليس له حكم يف حال الطفولة، من والية، وعداوة؛ : أنه قالونقل عنه أيضا . فتربأت العجاردة من ثعلبةأخذ الزكاة من عبيدهم إذا : وكان يرى. حىت يدركوا، ويدعوا؛ فإن قبلوا فذاكن وإن أنكروا كفروا

.استغنوا وإعطاءهم منها إذا افتقروا

مجيع من كان أتوقف يف : وانفرد عنهم بأن قال. من مجلة الثعالبة. أخنس بن قيس: أصحاب: األخنسيةوحرموا االغتيال . يف دار التقية من أهل القبلة؛ إال من عرف منه إميان فأتواله عليه، أو كفر فتربأ منه

وال يبدأ أحد من أهل القبلة بالقتال، حىت يدعي إىل الدين؛ فإن امتنع قوتل؛ . والقتل، والسرقة يف السر: تزويج املسلمات، من مشركي قومهم: اوقيل إم جوزو. سور من عرفوه بعينه على خالف قوهلم

.وهم على أصول اخلوارج يف سائر املسائل. أصحاب الكبائر

خالف األخنس يف اخلطأ الذي وقع له . معبد بن عبد الرمحن، كان من مجلة الثعالبة: أصحاب: املعبديةغين ال أبرأ منه : وخالف ثعلبة فيما حكم من أخذ الزكاة من عبيدهم، وقال. تزويج املسلمات من مشرك

.وجوزوا أن تصري سهام الصدقة سهما واحدا، ويف حال التقية. بذلك، وال ادع اجتهادي يف خالفه

أن الثعالبة كانوا يوجبون فيما سقى : وأصلهم. رشيد الطوسي؛ ويقال هلم العشرية: أصحاب: الرشيديةفيه : ه العشر، وال جتوز الرباءة ممن قالأن في: باألار والقىن نصف العشر؛ فأخربهم زياد بن عبد الرمحن

.رشيد إن مل جتز الربءة منهم فإنا نعمل مبا عملوا؛ فافترقوا يف ذلك فرقتني: فقال. نصف العشر قبل هذا

اخلارج يف أيام أيب مسلم، وهو املعني له ولعلي بن الكرماين على . شيبان بن سلمة: أصحاب: الشيبانيةفلما قتل شيبان ذكر قوم توبته، فقالت . ثعالبة؛ فلما أعاما برئت منه اخلوارجنصر بن سيار، وكان من ال

قتل مسلما : ال تصح توبته؛ ألنه قتل املوافقني لنا يف املذهب، وأخذ أمواهلم، وال تقبل توبة من: الثعالبةنه قال أ: ومن مذهب شيبان. وأخذ ماله؛ إال بأن يقتص من نفسه، ويرد األموال؛ أو يوهب له ذلك

وينقل عن زياد ابن عبد الرمحن . باجلرب؛ ووافق جهم بن صفوان يف مذهبه إىل اجلرب، ونفى القدرة احلادثةإن اهللا تعاىل مل يعلم، حىت خلق لنفسه علما؛ وأن األشياء إمنا تصري معلومة له : أنه قال: الشيباين أيب خالد

: فوقعت عامة الشيبانية. وأكفره حني نصر الرجلنيونقل عنه أنه تربأ من شيبان، . عند حدوثها ووجودها

.عطية اجلرجاين، وأصحابه: والذي توىل شيبان، وقال بتوبته. جبرحان، ونسا، وأرمينية

تارك : مكرم بن عبد اهللا العجلي، كان من مجلة الثعالبة، وتفرد عنهم بأن قال: أصحاب: املكرميةوطرد هذا يف كل كبرية يرتكبها . أجل جهله باهللا تعاىلكافر؛ ال من أجل ترك الصالة ولكن من: الصالة

اإلنسان، وقال غنما يكفر جلهله باهللا تعاىل؛ وذلك أن العرف بوحدانية اهللا تعاىل؛ وأنه اطلع على سره وعالنيته، اازى على طاعته ومعصيته؛ أن يتصور منه؛ اإلقدام على املعصية، واالجتراء على اخلالفة؛ ما

Page 49: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 49

ال يزين الزاين حني :" هذه املعرفة، وال يبايل بالتكليف منه؛ وعن هذا قال النيب عليه السالممل يغفل عن "..يزين وهو مؤمن، وال يسرق السارق حني يسرق وهو مؤمن

بإميان املوافاة، واحلكم بأن اهللا تعاىل إمنا يتوىل عباده : وقالوا. وخالفوه الثعالبة يف هذا القول. اخلبوما هم صائرون إليه من موافاة املوت، ال على أعماهلم اليت هم فيها؛ فإن ذلك ليس مبوثوق ويعاديهم على

به إصرارا عليه؛ ما مل يصل املرء إىل آخر عمره، واية أجله؛ فحينئذ إن بقى على ما يعتقده فذلك هو ملعاداة على ما علم منه حكم املواالة وا: اإلميان؛ فنواليه، وإن مل يبق فنعاديه، وكذلك يف حق اهللا تعاىل

.وكلهم على هذا القول. حال املوافاة

من مل يعرف اهللا تعاىل جبميع أمسائه : كانوا يف األصل حازمية؛ إال أن املعلومية قالت: املعلومية واهوليةاالستطاعة مع الفعل، والفعل : وقالت. وصفاته فهو جاهل به، حىت يصري عاملا جبميع ذلك؛ فيكون مؤمنا

من علم بعض أمساء اهللا تعاىل وصفاته : وأما اهولية؛ فإم قالوا. خملوق للعبد؛ فربئت منهم احلازمية .إن أفعال العباد خملوقة هللا تعاىل: وقالت. وجهل بعضها؛ فقد عرفه تعاىل

من القول بأن نقطع على أنفسنا بأن من اعتقد اعتقادنا فهو: أبدعوا. حيىي بن أصدم: أصحاب: البدعيةأنا مؤمن إن شاء اهللا؛ فهو : إن شاء اهللا؛ فإن ذلك شك يف االعتقاد، ومن قال: أهل اجلنة، وال نقول

.فنحن من أهل اجلنة قطعا، من غري ذلك. شاك

عبد اهللا بن غباض؛ الذي خرج يف أيام مروان بن حممد، فوجه إليه عبد اهللا بن حممد : اإلباضية أصحابإن : قال. وقيل إن عبد اهللا بن حيىي اإلباضي كان رفيقا له يف مجيع أحواله وأقواله. بن عطية؛ فقاتله بتبالة

خمالفينا من أهل القبلة كفار غري مشركني، ومناكحتهم جائزة، وموارثتهم حالل، وغنيمة أمواهلم من نصب وحرام قتلهم وسبيهم يف السر غيلة؛ إال بعد. السالح والكراع عند احلرب حالل؛ وما سواه حرام

.القتال، وإقامة احلجة

إن دار خمالفيهم من أهل اإلسالم دار التوحيد؛ إال معسكر السلطان؛ فإنه دار بغي وأجازوا شهادة : وقالواأن : وحكى الكعيب عنهم. إم موحدون؛ ال مؤمنون: وقالوا يف مرتكيب الكبائر. خمالفيهم على أوليائهم

: خملوقة هللا تعاىل: وأفعال العباد. الفعل؛ ا حيصل الفعلاالستطاعة عرض من األعراض، وهي قبل

: أمري املؤمنني؛ وال أنفسهم: وال يسمون إمامهم. حقيقة، ال جمازا: إحداثا، وإبداعا؛ ومكتسبة للعبد

وامجعوا على أن من ارتكب كبرية من : قال. العامل يفىن كله إذا فين أهل التكليف: وقالوا. مهاجرينوتوقفوا يف أطفال املشركني؛ وجوزوا تعذيبهم على سبيل االنتقام، . كفر النعمة؛ ال كفر امللةالكبائر كفر

إم قالوا بطاعة ال يراد ا اهللا تعاىل؛ كما قال : وحكى الكعيب عنهم. وأجازوا أن يدخلوا اجلنة تفضال

Page 50: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 50

قني يف عهد رسول اهللا صلى اهللا إن املناف: أيسمى شركا، أم ال؟ قالوا: مث اختلفوا يف النفاق. أبو اهلذيلكل شئ أمر اهللا : وقالوا. عليه وسلم كانوا موحدين؛ إال أم ارتكبوا الكبائر؛ فكفروا بالكرب ال بالشرك

ال خيلق : وقالوا. عام ليس خباص؛ وقد أمر به املؤمن والكافر، وليس يف القرآن خبصوص: تعاىل به، فهوجيوز أن خيلق اهللا تعاىل : وقال قوم منهم. انيته، وال بد أن يدل به واحدااهللا تعاىل شيئا إال دليال على وحد

رسوال بال دليل، ويكلف العباد مبا يوحي غليه إظهار املعجزة؛ وال جيب على اهللا تعاىل ذلك، إىل أن خيلق وهم : ةاحلفصي: الثعالبة، والعجاردة: وهم مجاعة متفرقون يف مذاهبهم؛ تفرق... دليال، ويظهر معجزة

إن بني الشرك واإلميان خصلة واحدة، وهي معرفة : متيز عنهم بأنه قال. حفص بن أيب املقدام: أصحابرسول، أو كتاب، أو قيامه، أو جنة، أو نار؛ أو ارتكب : اهللا تعاىل وحده؛ فمن عرفهن مث كفر مبا سواه؛

.ن الشركفهو كافر؛ لكنه بريء م... من الزنا، والسرقة، وشرب اخلمر: الكبائر

يف قوله بالقدر على مذهب املعتزلة، ويف : خالف اإلباضية. احلارث اإلباضي: أصحاب: احلارثية .االستطاعة قبل الفعل، ويف إثبات طاعة ال يراد ا اهللا تعاىل

يزيد بن أنيسة؛ الذي قال بتويل احملكمة األوىل قبل األزارقة، وتربأ ممن بعدهم، : أصحاب: اليزيديةوزعم أن اهللا تعاىل سيبعث رسوال من العجم، ويرتل عليه كتابا؛ قد كتب يف . ؛ فإنه ال يتوالهماإلباضية

السماء، ويرتل عليه مجلة واحدة؛ ويترك شريعة املصطفى حممد عليه السالم ويكون على ملة الصابئة إن : وقال. دينهالكتاب بالنبوة، وإن مل يدخل يف: املذكورة يف القرآن؛ وليست هي الصائبة املوجودة

.وكل ذنب صغري أو كبري؛ فهو شرك. كفار مشركون: من موافقيه، وغريهم: أصحاب احلدود

أم مل : األزارقة، والنجدات، واإلباضية يف أمور منها: خالفوا. زياد بن صفر: الصفرية الزيادية أصحاب يسقطوا الرجم، ومل حيكموا بقتل يكفوا القعدة عن القتال؛ إذا كانوا موافقني يف الدين واالعتقاد، ومل

ما : وقالوا. التقية جائزة قي القول دون العمل: وقالوا. أطفال املشركون وتكفريهم وختليدهم يف الناركان من األعمال عليه حد واقع، فال يتعدى بأهله االسم الذي لزمه به احلد؛ كالزنا، والسرقة، والقذف؛

: وما كان من الكبائر مما ليس فيه حد، لعظم قدره؛ مثل. كافرا مشركا: فيسمى زانيا، سارقا، قاذفا؛ ال

أنه جيوز تزويج املسلمات : ونقل عن الضحاك منهم. ترك الصالة، والفرار من الزحف؛ فإنه يكفر بذلكورأى زياد ابن األصفر مجيع الصدقات سهما واحدا يف . من كفار قومهم يف دار التقية، دون دار العالنية

. لعلنا خرجنا من اإلميان عند اهللا! حنن مؤمنون عند أنفسنا، وال ندري: وحيكى عنه أنه قال. ل التقيةحا

كفر بإنكار : والكفر كفران. عبادة األوثان: طاعة الشيطان، وشرك هو: شرك هو: الشرك شركان: وقال، وبراءة من أهل اجلحود براءة من أهل احلدود سنة: والرباءة براءتان. النعمة، وكفر بإنكار الربوبية

.فريضة

Page 51: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 51

عكرمة، وأبو هارون العبدي، وأبو الشعثاء، : من املتقدمني: ولنختتم املذاهب بذكر تتمة رجال اخلوارج .وإمساعيل بن مسيع

بيهسي، وعبد اهللا بن يزيد؛ وحممد بن حرب، وحيىي بن : ثعليب؛ مث: اليمان بن رباب: ومن املتأخرين .إباضية... كامل

جهم بن : ومنهم أيضا. عمران بن حطان، وحبيب بن مرة صاحب الضحاك بن قيس: شعرائهمومن برغوث، وأبو احلسني كلثوم بن حبيب املهليب، : صفوان، وأبو مروان غيالن بن مسلم، وحممد بن عيسى

وأبو بكر حممد بن عبد اهللا بن شبيب البصري، وعلي بن حرملة، وصاحل قبة بن صبيح بن عمرو، ومويس

بن عمران البصري، وأبو عبد اهللا بن مسلمة، وأبو عبد الرمحن بن مسلمة والفضل بن عيسى الرقاشي وأبو زكريا حيىي بن أصفح، وأبو احلسني حممد بن مسلم الصاحلي، وأبو حممد عبد اهللا بن حممد بن احلسن

مد بن كرام، وكلثوم بن اخلالدي، وحممد بن صدقة، وأبو احلسني علي بن زيد اإلباضي، وأبو عبد اهللا حم .حبيب املرادي البصري

ال : والذين اعتزلوا إىل جانب؛ فلم يكونوا مع علي رضي اهللا عنه يف حروبه، وال مع خصومه؛ وقالواعبد اهللا بن عمر، وسعد بن أيب وقاص، وحممد بن : ندخل يف غمار الفتنة بني الصحابة رضي اهللا عنهم

. حارثة الكليب؛ موىل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلممسلمة األنصاري، وأسامة ابن زيد

انفروا :" كنت مع علي رضي اهللا عنه يف مجيع أحواله وحروبه حىت قال يوم صفني: وقال قيس بن حازم"... صدق اهللا ورسوله: كذب اهللا ورسوله؛ وأنتم تقولون: إىل بقية األحزاب، انفروا إىل من يقول

.فاعتزلت عنه: جلماعةفعرفت أي شيء كان يعتقد يف ا

الباب الخامس

المرجئة

. أمهله وأخره: ، أي"أرجه وأخاه: قالوا:" التأخري؛ كما يف قوله تعاىل: أحدمها مبعىن: اإلرجاء على معنيني

.إعطاء الرجاء: والثاين

. والعقدأما إطالق اسم املرجئة على اجلماعة باملعىن األول فصحيح؛ ألم كانوا يؤخرون العمل عن النية

. ال تضر مع اإلميان معصية، كما ال تنفع مع الكفر طاعة: وأما باملعىن الثاين فظاهر؛ فإم كانوا يقولون

من كونه : تأخري حكم صاحب الكبرية إىل يوم القيامة؛ فال يقضي عليه حبكم ما يف الدنيا: اإلرجاء: وقيل

Page 52: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 52

تأخري : اإلرجاء: وقيل. وعيدية؛ فرقتان متقابلتاناملرجئة، وال: فعلى هذا: من أهل اجلنة، أو من أهل النار. املرجئة، والشيعة؛ فرقتان متقابلتان: علي رضي اهللا عنه عن الدرجة األوىل إىل الرابعة؛ فعلى هذا

وكذلك الغيالنية أصحاب . ومرجئة اجلربية. ومرجئة القدرية. مرجئة اخلوارج: أصناف أربعة: واملرجئة .وحنن إمنا نعد مقاالت املرجئة اخلالصة منهم. دث القول بالقدر واإلرجاءغيالن الدمشقي؛ أول من أح

املعرفة باهللا، واخلضوع له، وترك : زعم أن اإلميان هو. يونس بن عون النمريي: اليونسية أصحاباالستكبار عليه، واحملبة بالقلب؛ فمن اجتمعت فيه هذه اخلصال فهو مؤمن وما سوى ذلك من الطاعة

ميان، وال يضر تركها حقيقة اإلميان، وال يعذب على ذلك؛ إذا كان اإلميان خالصا، واليقني فليس من اإل .صادقا

. أىب واستكرب وكان من الكافرين: وزعم أن إبليس كان عارفا باهللا وحده؛ غري انه كفر باستكباره عليه

الفه يف معصية، وغن صدرت مل خي: اخلضوع هللا، واحملبة له على خلوص ويقني: ومن متكن يف قلبه: قال: إمنا يدخل اجلنة بإخالصه وحمبته؛ ال بعمله وطاعته العبيدية. منه معصية؛ فال تضره بيقينه وإخالصه

مادون الشرك مغفور ال حمالة، وغن العبد إذا مات على : حكي عنه أنه قال. عبيد املكتئب: أصحاب: وحكى اليمان عن عبيد املكتئب وأصحابه. اتتوحيده ال يضره ما اقترف من اآلثام، واجترح من السيئ

إن علم اهللا تعاىل مل يزل شيئا غريه وغن كالمه مل يزل شيئا غريه؛ وكذلك دين اهللا مل يزل : ام قالواإن :" وزعم أن اهللا تعاىل عن قوهلم على صورة إنسان؛ ومحل عليه قوله صلى اهللا عليه وسلم. شيئا غريه

". الرمحناهللا خلق آدم على صورة

زعم أن اإلميان هو املعرفة باهللا تعاىل، وبرسله؛ واإلقرار مبا أنزل اهللا، . غسان الكويف: أصحاب: الغسانية: وزعم أن قائال لو قال. ال يزيد، وال ينقص: واإلميان. يف اجلملة، دون التفصيل... ومبا جاء به لرسول

هذه الشاة، أم غريها؟ كان : هل اخلرتير الذي حرمهأعلم أن اهللا تعاىل قد حرم أكل اخلرتير، وال أدري : أعلم أن اهللا تعاىل قد فرض احلج إىل الكعبة، غري أين ال أدري أين الكعبة؟ ولعله باهلند: لو قال. مؤمنا

أن أمثال هذه االعتقادات أمور وراء اإلميان، ال أنه كان شاكا يف هذه األمور؛ : ومقصودة... كان مؤمناإىل أي جهة هي؟ وأن الفرق بني اخلرتير والشاة : ال يستجيز من عقله أن يشك يف أن الكعبةفإن عاقال

.ظاهر

أن غسان كان حيكي عن حنيفة رمحه اهللا مثل مذهبه، ويعده من املرجئة؛ ولعله كذب ! ومن العجيبصحاب وعده كثري من أ. مرجئة السنة: كان يقال أليب حنيفة وأصحابه! لعمري... كذلك عليه

هو التصديق بالقلب، وهو ال : اإلميان: أنه ملا كان يقول: من مجلة املرجئة؛ ولعل السبب فيه: املقاالت

Page 53: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 53

والرجل مع خترجيه يف العمل كيف يفيت بترك . ظنوا أنه يؤخر العمل عن اإلميان: يزيد، وال ينقص مرجئا، وكذلك الوعيدية من :وله سبب آخر؛ واملعتزلة كانوا يلقبون كل من خالفهم يف القدر!. العمل؟

.واهللا أعلم. املعتزلة، واخلوارج: اخلوارج؛ فال يبعد أن اللقب إمنا لزمه من فريقي

املعرفة واإلقرار باهللا تعاىل، وبرسله : إن اإلميان هو: الذين زعموا. أيب ثوبان املرجئ: أصحاب: الثوبانيةوأخر . وما جاز يف العقل تركه فليس من اإلميانعليهم السالم، وبكل ما ال جيوز يف العقل أن يفعله؛

أيب مروان غيالن بن مروان الدمشقي، وأيب : ومن القائلني مبقالة أيب ثوبان هذا. العمل كله عن اإلميانوكان غيالن يقول . مشر، ومويس بن عمران، والفضل الرقاشي، وحممد بن شبيب، والعتايب، وصاحل قبة

إنه تصلح يف غري قريش، وكل من كان قائما بالكتاب والسنة : ويف اإلمامةبالقدر خريه وشره من العبد؛ والعجب أن األمة أمجعت على أا ال تصلح لغري . كان مستحقا هلا؛ وأا ال تثبت إال بإمجاع األمة

القدر، : فقد مجع غيالن خصاال ثالثا. منا أمري، ومنكم أمري: قريش؛ وذا دفعت األنصار عن قوهلم .إلرجاء، واحلروجوا

عفا عن كل مؤمن عاص هو : واجلماعة اليت عددناها اتفقوا على أن اهللا تعاىل لو عفا عن عاص يف القيامةومن العجب أم مل جيزموا القول . أخرج من هو يف مثل حاله: يف مثل حاله؛ وإن أخرج من النار واحدا

.لةبأن املؤمنني من أهل التوحيد خيرجون من النار ال حما

. أن املعصية ال تضر صاحب التوحيد واإلميان وأنه ال يدخل النار مؤمن: وحيكى عن مقاتل بن سليمان

أن املؤمن العاصي ربه يعذب يوم القيامة على الصراط وهو على منت جهنم؛ : والصحيح من الثقل عنه؛ ومثل ذلك باحلبة على يصيبه لفح النار وحرها وهليبها؛ فيتأمل بذلك على قدر معصيته، مث يدخل اجلنة

.املقالة املؤججة بالنار

إذا دخل أصحاب الكبائر النار؛ فإم سيخرجون عنها بعد أن : ونقل عن زياد بن غياث املريسي أه قال .يعذبوا بذنوم، وأما التخليد فيها فمحال؛ وليس بعدل

ن يكتب فيه الكتب يف احلسن بن حممد بن علي بن أيب طالب وكا: إن أول من قال باإلرجاء: وقيلغال أمه ما أخر العمل عن اإلميان، كما قالت املرجئة اليونسية، والعبيدية؛ لكنه حكم بأن . األمصار

.صاحب الكبرية ال يكفر؛ إذ الطاعات وترك املعاصي ليست من أصل اإلميان؛ حىت يزول اإلميان بزواهلا

ان هو ما عصم عن الكفر، وهو اسم خلصال إذا أيب املعاذ التومين، زعم أن اإلمي: أصحاب: التومينيةتركها التارك كفر؛ وكذلك لو ترك خصلة واحدة منها كفر، وال يقال للخصلة الواحدة منها إميان، وال

فاسق؛ : وكل معصية كبرية أو صغرية مل جيمع عليها املسلمون بأا كفر ال يقال لصاحبها. بعض إميانك اخلصال هي املعرفة، والتصديق، واحملبة، واإلخالص، واإلقرار وتل: وقال. فسق، وعصى: ولكن يقال

Page 54: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 54

. ومن ترك الصالة وصيام مستحال كفر؛ ومن تركهما على نية القضاء مل يكفر: قال. مبا جاء به الرسول

. االستخفاف، والعداوة، والبغض: ومن قتل نبيا أو لطمه كفر؛ ال من أجل القتل واللطم؛ ولكن من أجل

اإلميان هو التصديق بالقلب واللسان مجيعا، : ابن الرواندي، وبشر الريسي؛ قاال: ذهب ميلوإىل هذا املوالسجود للشمس والقمر والصنم ليس بكفر يف نفسه؛ ولكنه عالمة . والكفر هو اجلحود واإلنكار

.الكفر

الصاحلية

كلهم مجعوا بني : نوالصاحلي، وحممد بن شبيب، وأبو مشر، وغيال. صاحل بن عمر الصاحلي: أصحابوحنن وإن شرطنا أن نورد مذاهب املرجئة اخلالصة؛ إال أنه بدا لنا يف هؤالء؛ النفرادهم . القدر، واإلرجاء

اإلميان هو املعرفة باهللا تعاىل على اإلطالق، وهو أن للعامل صانعا : فأما الصاحلي؛ فقال. عن املرجئة بأشياءوقول القائل ثالث ثالثة ليس بكفر؛ لكنه ال يظهر غال : ق؛ قالفقط، والكفر هو اجلهل به على اإلطال

ويصح يف . أن معرفة اهللا تعاىل هي احملبة واخلضوع له؛ ويصح ذلك مع حجة الرسول: وزعم. من كافرمن ال يؤمن يب فليس مبؤمن :" العقل أن يؤمن باهللا، وال يؤمن برسله؛ غري أن الرسول عليه السالم قد قال

أن الصالة ليست بعبادة اهللا تعاىل، وأنه ال عبادة له إال اإلميان به؛ وهو معرفته، وهو : وزعم. "باهللا تعاىل .ال يزيد، وال ينقص: ال يزيد، وال ينقص، وكذلك الكفر خصلة واحدة: خصلة واحدة

ه بالقلب، أن اإلميان هو املعرفة باهللا عز وجل، واحملبة واخلضوع ل: وأما أبو مشر املرجئ القدري؛ فإنه زعمأنه واحد ليس كمثله شيء؛ ما مل تقم عليه حجة األنبياء عليهم السالم؛ فإذا قامت احلجة : واإلقرار به

. فاإلقرار م وتصديقم من اإلميان واملعرفة، واإلقرار مبا جاءوا به من عند اهللا غري داخل يف اإلميان األصلي

وشرط يف . ميان؛ فإذا اجتمعت كانت كلها إمياناوليست كل خصلة من خصال اإلميان إميانا وال بعض إالقدر خريه وشره من العبد؛ من غري أن يضاف إىل الباري تعاىل منه : خصال اإلميان معرفة العدل؛ يريد به

.شيء

املعرفة الثانية باهللا تعاىل، واحملبة : وأما غيالن بن مروان من القدرية املرجئة؛ فإنه زعم أن اإلميان هوفاملعرفة . واملعرفة األوىل فطرية ضرورية. له، واإلقرار مبا جاء به الرسول، ومبا جاء من عند اهللاواخلضوع

فطرية، وهي علمه بأن للعامل صانعا، ولنفسه خالقا، وهذه املعرفة ال تسمى إميانا؛ إمنا : على أصله نوعان .اإلميان هو املعرفة الثانية املكتسبة

احلسن بن حممد بن علي بن أيب طالب، وسعيد بن جبري، وطلق بن حبيب، تتمة رجال املرجئة كما نقلوعمرو مب مرة، وحمارب بن زياد، ومقاتل بن سليمان، وذر، وعمرو بن أيب سليمان، وأبو حنيفة، وأبو

Page 55: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 55

أئمة احلديث؛ مل يكفروا أصحاب الكبائر : وهؤالء كلهم... يوسف، وحممد بن احلسن، وقديد بن جعفر . حيكموا بتخليده يف النار؛ خالفا للخوارج والقدريةالكبرية، ومل

الباب السادس

الشيعة

نصا ووصية؛ إما : الذين شايعوا عليا رضي اهللا عنه على اخلصوص، وقالوا بإمامته وخالفته: الشيعة هم بتقية واعتقدوا أن اإلمامة ال خترج من أوالده؛ وإن خرجت فبظلم يكون من غريه، أو. جليا وإما خفيا

ليست اإلمامة قضية مصلحة تناط باختيار العامة وينتصب اإلمام بنصبهم؛ بل هي قضية : وقالوا. من عنده .أصولية، وهي ركن الدين؛ ال جيوز للرسل عليهم السالم إغفاله وإمهاله، وال تفويضه إىل العامة وإرساله

واألئمة وجوبا عن الكبائر والصغائر، وجيمعهم القول بوجوب التعيني والتنصيص، وثبوت عصمة األنبياء .قوال، وفعال، وعقدا؛ إال يف حال التقية: والقول بالتويل والتربي

: كالم، وخالف كثري؛ وعند كل تعدية، وتوقف: وهلم يف تعدية اإلمامة. وخيالفهم بعض الزيدية يف ذلك

.مقالة، ومذهب، وخبط

.ة وإمساعيليةكيسانية، وزيدية، وأمامية، وغال: وهم مخس فرق

.وبعضهم مييل يف األصول إىل االعتزال، وبعضهم إىل السنة، وبعضهم إىل التشبيه

: تلمذ للسيد: كيسان، موىل أمري املؤمنني علي بن أيب طالب كرم اهللا وجهه، وقيل: الكيسانية أصحاب

ه بالعلوم كلها، يعتقدون فيه اعتقادا فوق حده ودرجته؛ من إحاطت. حممد بن احلنيفة رضي اهللا عنه .واقتباسه من السيدين األسرار جبملتها من علم التأويل والباطن؛ وعلم اآلفاق واألنفس

وجيمعهم القول بأن الدين طاعة رجل؛ حىت محلهم ذلك على تأويل األركان الشرعية؛ من الصالة، ضايا الشرعية بعد على رجال؛ فحملهم بعضهم على ترك الق... و غري ذلك...والصيام، والزكاة، واحلج

الوصول إىل طاعة الرجل، ومحل بعضهم على ضعف االعتقاد بالقيامة، ومحل بعضهم على القول ال ميوت، وال جيوز أن : فمن مقتصر على واحد؛ معتقد أنه. بالتناسخ؛ واحللول؛ والرجعة بعد املوت

ري فيه، ومن مدع حكم متحسر عليه؛ متح: ميوت؛ حىت يرجع، ومن معد حقيقة اإلمامة على غريه؛ مث .اإلمامة؛ وليس هنا الشجرة

نعوذ باهللا من احلرية . ومن اعتقد أن الدين طاعة رجل وال رجل له؛ فال دين له. وكلهم حيارى متقطعون

Page 56: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 56

.أهدنا السبيل! رب. واحلور بعد الكور

قال . شيعيا وكيسانيااملختار بن عبيد الثقفي، كان خارجيا، مث صار زبرييا، مث صار: أصحاب: املختاريةبإمامة حممد بن احلنيفة بعد أمري املؤمنني علي رضي اهللا عنهما؛ وقيل ال؛ بل بعد احلسن واحلسني رضي

اهللا عنهما، وكان يدعو الناس إليه، وكان يظهر انه من رجاله ودعاته، ويذكر علوما مزخرفة بترهاته وملا وقف حممد . كر علوما مزخرفة بترهات ينوطها بهوكان يظهر أنه من رجاله ودعاته، ويذ. ينوطها به

تربأ منه، وأظهر ألصحابه أنه غنما ملس على اخللق ذلك، ليتمشى أمره، وجيتمع : بن احلنفية على ذلكعلما، ودعوة، والثاين : أحدمها انتسابه إىل حممد بن احلنفية: وإمنا انتظم له ما انتظم بأمرين. الناس عليه

سني بن علي رضي اهللا عنهما، واشتغاله ليال وارا بقتال الظلمة الذين اجتمعوا على قتل قيامه بثأر احلالبداء يف العلم، وهو أن : أنه جيوز البداء على اهللا تعاىل، والبداء له معان: فمن مذهب املختار. احلسني

، وهو أن يأمر بشيء مث يأمر يظهر له خالف ما علم، وال أظن عاقال يعتقد هذا االعتقاد، والبداء يف األمر. ومن مل جيوز النسخ ظن أن األوامر املختلفة يف األوقات املختلفة متناسخة. بشيء آخر بعده خبالف ذلك

إما بوحي يوحى : وإمنا صار املختار إىل اختيار القول بالبداء، بأنه كان يدعى علم ما حيدث من األحوالإذا وعد أصحابه بكون شيء وحدوث حادثة، فإن وافق كونه إليه، وإما برسالة من قبل اإلمام، فكان

وكان ال يفرق بني النسخ، . قد بدى لربكم: جعله دليال على صدق دعواه، وإن مل يوافق قال: قولهإن السيد حممد بن احلنفية تربأ : وقد قيل. جاز البداء يف األخبار: إذا جاز النسخ يف األحكام: والبداء، قال

أنه من دعاته، ورجاله، وتربأ من الضالالت اليت : وصل إليه أنه قد لبس على الناسمن املختار حنيأنه كان عنده كرسي قدمي قد : فمن خماريقه. التأويالت الفاسدة، واملخاريق املموهة: ابتدعها املختار؛ من

وجهه، وهو عندنا هذا من ذخائر أمري املؤمنني علي كرم اهللا : غشاه بالديباج وزينه بأنواع الزينة؛ وقالقاتلوا ولكم الظفر : مبرتلة التابوت لبين إسرائيل؛ وكان إذا حارب خصومه يضعه يف براح الصف ويقول

والنصرة، وهذا الكرسي حمله فيكم حمل التابوت يف بين إسرائيل، وفيه السكينة، والبقية؛ واملالئكة من : واألسجاع اليت ألفها أبرد تأليف. معروف: وحديث احلمامات البيض. فوقكم يرتلون مددا لكم

كثري العلم، غزير املعرفة، وقاد الفكر، : مشهورة وإمنا محله على االنتساب إىل حممد بن احلنيفة كانمصيب اخلاطر يف العواقب؛ قد أخربه أمري املؤمنني علي رضي اهللا عنه عن أحوال املالحم، وأطلعه على

إنه كان مستودعا علم اإلمامة حىت : وقد قيل. اخلمول على الشهرةفآثر: مدارج املعامل؛ وقد اختار العزلة .سلم األمانة إىل أهلها، وما فارق الدنيا إال وقد أقرها يف مستقرها

: من شيعته؛ قال كثري فيه: وكان السيد احلمريي، وكثري عزة الشاعر

Page 57: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 57

:واءأربعة س: الحق والة ريشن قأال أن األئمة م

األسباط، ليس بهم خفاء هم هينن بوالثالثة م ،علي

الءربه كغيبت :وسبط ران وبط اإليمسب :سبط

واءلالخيل يقدمه ال يقود ال يذوق الموت حتى: ز سبط

اءبرضوى، عنده عسل وم اانال يرى فيهم زم تغيب

رضوى؛ بني أسد ومنر حيفظانه، وعنده : أنه مل ميت، وأنه يف جبل: وكان السيد احلمريي أيضا يعتقد فيهوهذا . عينان نضاختان؛ جتريان مباء وعسل، وأنه يعود بعد الغيبة؛ فيمأل األرض عدال؛ كما ملئت جورا

: عض اجلماعة؛ حىت اعتقدوهوجرى ذلك يف ب. هو أول حكم بالغيبة والعودة بعد الغيبة حكم به الشيعة

.دينا، وركنا من أركان التشيع

: اهلامشية: مث اختلف الكيسانية بعد انتقال حممد بن احلنفيةيف سوق اإلمامة؛ وصار كل اختالف مذهبا

بانتقال حممد ابن احلنفية إىل رمحة اهللا ورضوانه؛ وانتقال : قالوا. أيب هاشم بن حممد بن احلنفية: أتباع. مناهج على الباطن: فإنه أفضى إليه أسرار العلوم؛ وأطلعه على: قالوا. امة منه إىل ابنه أيب هاشماإلم

إن لكل ظاهر باطنا، ولكل شخص روحا، ولكل ترتيل تأويالن ولكل مثال يف هذا العامل حقيقة يف : قالواالعلم الذي استأثر : نساين؛ وهوواملنتشر يف اآلفاق من احلكم واألسرار جمتمع يف الشخص اإل. ذلك العامل

وكل من اجتمع . حممد بن احلنفية؛ وهو أفضى ذلك السر إىل ابنه أيب هاشم: علي رضي اهللا عنه به ابنه .فيه هذا العلم؛ فهو اإلمام حقا

منصرفا من الشام بأرض -أم أبا هاشم مات: فرقة قالت: مخس فرق: واختلفت بعد أيب هاشم شيعتهإىل حممد بن علي بن عبد اهللا لن عباس، وأجرت يف أوالده الوصية، حىت صارت اخلالفة الشراة، وأوصى

وهلم يف اخلالفة حق؛ التصال النسب، وقد تويف رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم : قالوا. إىل بين العباس .وآله وعمه العباس أوىل بالوراثة

.احلسن بن علي ابن حممد بن احلنفية: إن اإلمامة بعد موت أيب هاشم البن أخيه: وفرقة قالت

احلسن؛ فاإلمامة : علي بن حممد، وعلي أوصى إىل أبنه: ال؛ بل إن أبا هاشم أوصى إىل أخيه: وفرقة قالت .ال خترج إىل غريهم: عندهم يف بين احلنفية

يب إن أبا هاشم أوصى إىل عبد اهللا بن عمرو بن حرب الكندي؛ وإن اإلمامة خرجت من أ: وفرقة قالتوالرجل ما كان يرجع إىل علم وديانة؛ فاطلع بعض . هاشم إىل عبد اهللا؛ وحتولت روح أيب هاشم إليه

القوم إىل خيانته، وكذبه؛ فأعرضوا عنه؛ وقالوا بإمامة عبد اهللا بن معاوية بن عبد اهللا بن جعفر بن أيب

Page 58: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 58

يف : ن الثواب والعقابأن األرواح تتناسخ من شخص إىل شخص، وإ: وكان من مذهب عبد اهللا. طالبوروح اهللا تناسخت حىت وصلت : قال. هذه األشخاص؛ إما أشخاص بين آدم، وإما أشخاص احليوانات

فعبده شيعته احلمقى، وكفروا بالقيامة؛ . وادعى اإلهلية، والنبوة معا؛ وأنه يعلم الغيب. إليه، وحلت فيه:" اب يف هذه األشخاص، وتأول قول اهللا تعاىلأن التناسخ يكون يف الدنيا، والثواب والعق: العتقادهم

على أن من وصل إىل " اآلية... ليس على الذين آمنوا وعملوا الصاحلات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا .ارتفع عنه احلرج يف مجيع ما يطعمن ووصل إىل الكمال والبالغ: اإلمام، وعرفه

إنه : اهللا خبرسان، وافترقت أصحابه؛ فمنهم من قالوهلك عبد . وعنه نشأتك احلزمية، واملزدكية بالعراق .بعد حي، مل ميت؛ ويرجع

الذين : ومنهم من قال بل مات وحتولت روحه إىل إسحاق بن زيد بن احلارث األنصاري؛ وهم احلارثية .يبيحون احملرمات، ويعيشون عيش من ال تكليف عليه

خالف شديد يف اإلمامة؛ فإن كل واحد : عليوبني أصحاب عبد اهللا بن معاوية، وبني أصحاب حممد بن .منهما يدعي الوصية من أيب هاشم إليه؛ ومل يثبت الوصية على قاعدة تعتمد

من الغالة القائلني : وهو. قالوا بانتقال اإلمامة من أيب هاشم إليه. بيان بن مسعان التميمي: أتباع: البيانيةفنه كان يعلم الغيب؛ : حل يف علي جزء إهلي، واحتد جبسده: لبإهلية أمري املؤمنني علي رضي اهللا عنه؛ قا

إذ أخرب عن آملاكم وصح اخلرب، وب كان حيارب الكفار؛ وله النصرة والظفر، وبه قلع باب خيرب؛ وعن واهللا ما قلعت باب خيرب بقوة جسدانية، وال حبركة غذائية؛ ولكن قلعته حبركة رمحانية : هذا قال

فالقوة امللكويت يف نفسه كاملصباح من املشكاة، والنور اإلهلي كالنور من . ضيئةملكوتية، بنور را مهل ينظرون إال أن يأتيهم :" ورمبا يظهر علي يف بعض األزمان؛ وقال يف تفسري قوله تعاىل: قال. املصباح

مث ادعى . مهأراد به عليا؛ فهو الذي يأيت يف الظل، والرعد صوته، والربق تبس": اهللا يف ظلل من الغمام، وخليفة؛ وذلك :أنه قد انتقل إليه اجلزء اإلهلي، بنوع من التناسخ؛ ولذلك استحق أن يكون إماما: بيان

عضوا : أن معبوده على صورة إنسان: وزعم. اجلزء هو الذي استحق به آدم عليه السالم سجود املالئكةومع هذا ". كل شيء هالك إال وجهه:" عاىليهلك كله إال وجهه؛ لقوله ت: وقال. فعضوا، وجزءا فجزءا

: اخلزي الفاحش كتب إىل حممد بن علي بن احلسني الباقر رضي اهللا عنهم، ودعاه إىل نفسه؛ ويف كتابه

أن يأكل الرسول : فأمر الباقر. أسلم تسلم، ويرتقي من سلم؛ فإنك ال تدري حيث جيعل اهللا النبوةوقد . عمر بن أيب عفيف: وكان اسم ذلك الرسول. القرطاسه الذي جاء به، فأكلهن فمات يف احل

اجتمعت طائفة على بيان بن مسعان؛ ودانوا به ومبذهبه؛ فقتله خالد ابن عبد اهللا القسري على ذلك؛

Page 59: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 59

.أحرقه والكويف املعروف باملعروف ابن سعيد بالنار معا: وقيل

نه حممد، مث إىل ابنه هاشم، مث إىل علي بن من علي، إىل اب: ساقوا اإلمامة. رزام بن رزم: أتباع: الرزاميةإبراهيم اإلمام، وهو : عبد اهللا ابن عباس بالوصية، مث ساقوها إىل حممد بن علي، وأوصى حممد إىل ابنه

: وهؤالء ظهروا خبرا سان يف أيام أيب مسلم؛ حىت قيل. أيب مسلم؛ الذي دعا إليه، وقال إمامته: صاحب

: له حظ اإلمامة، وادعوا: فقالوا: ذهب؛ ألم ساقوا اإلمامة إىل أيب مسلمإن أبا مسلم كان على هذا امل

وقالوا بتناسخ . أيده على بين أمية؛ حىت قتلهم عن بكرة أبيهم، وأصلهم: حلول روح اإلله فيه؛ وهلذا .األرواح

ه مبيضه ما واملقنع الذي ادعى اإلهلية لنفسه على خماريق أخرجها كان يف األول على هذا املذهب، وتابعومنهم . معرفة اإلمام فقط: الدين: صنف من اخلرمية؛ دانوا بترك الفرائض، وقالوا: وراء النهر؛ وهؤالء

معرفة اإلمام، وأداء األمانة ؛ ومن حصل له األمران، فقد وصل إىل الكمال، : الدين أمران: من قاللي بن عبد اهللا ابن عباس من أيب من ساق الغمامة إىل حممد بن ع: ومن هؤالء. وارتفع عنه التكليف

.وصية غليه، ال من طريق آخر: هاشم بن حممد بن احلنفية

وكان أبة مسلم صاحب الدولة على مذهب الكيسانية يف األول، واقتبس من دعام العلوم اليت اختصوا جعفر بن :ا، وأحس منهم أن هذه العلوم مستودعة فيهم؛ فكان يطلب املستقر فيه؛ فبعث إىل الصادق

أين قد أظهرت الكلمة، ودعوت الناس عن مواالة بين أمية إىل مواالة أهل البيت، : حممد رضي اهللا عنهماما أنت من رجايل، وال الزمان : فكتب إليه الصادق رضي اهللا عنه. فإن رغبت فيه، فال مزيد عليك

.لده أمر اخلالفةفحاد أبو مسلم إىل أيب العباس عبد اهللا ابن حممد السفاح، وق. زماين

ساقوا اإلمامة يف أوالد . زيد بن علي بن احلسني بن علي بن أيب طالب رضي اهللا عنهم: أتباع: الزيديةفاطمي، عامل، : فاطمة رضي اهللا عنها، ومل جيوزوا ثبوت اإلمامة يف غريهم؛ إال أم جوزوا أن يكون كل

الطاعة؛ سواء كان من أوالد احلسن، أو زاهد، شجاع، سخي، خرج باإلمامة أن يكون غماما واجب إمامة حممد وإبراهيم اإلمامني ابين عبد اهللا : وعن هذا؛ جوز قوم منهم. من أوالد احلسني رضي اهللا عنهما

خروج إمامني يف قطرين : بن احلسن بن احلسن اللذين خرجا غي أيام املنصور وقتال على ذلك؛ وجوزوا .حد منهما واجب الطاعةيستجمعان هذه اخلصال، ويكون كل وا

ملا كان مذهبه هذا املذهب أراد أن حيصل األصول والفروع حىت يتحلى بالعلم؛ فتلمذ يف -وزيد بن عليأن جده علي بن أيب : األصول لواصل بن عطاء الغزال األلثغ رأس املعتزلة ورئيسهم؛ مع اعتقاد واصل

صحاب اجلل وأهل الشام ما كان على يقني من طالب رضي اهللا عنه يف حروبه اليت جرت بينه وبني أ

Page 60: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 60

: فاقتبس منه االعتزال، وصارت أصحابه كلهم. الصواب؛ وأن أحد الفريقني كان على اخلطأ ال بعينه

كان علي بن أيب طالب رضي اهللا : جواز إمامة املفضول مع قيام األفضل؛ فقال: وكان من مذهبه. معتزلةمن تسكني : وضت إىل أيب بكر ملصلحة رأوها، وقاعدة دينية راعوهاعنه أفضل الصحابة، إال أن اخلالفة ف

كان قريبا، وسيف أمري : نائرة الفتنة، وتطيب قلوب العامة؛ فإن عهد احلروب اليت جرت يف أيام النبوةاملؤمنني على عن دماء املشركني من قريش وغريهم مل جيف بعد، والضغائن يف صدور القوم من طلب

فما كانت القلوب متيل إليه كل امليل وال تنقاد له الرقاب كل االنقياد؛ فكانت املصلحة .. .الثأر كما هيأن يكون القائم ذا الشأن من عرفوه باللني ، والؤدة، والتقدم بالسن، والسبق يف اإلسالم، والقرب من

يد األمر عمر بن أال ترى انه ملا أراد يف مرضه الذي مات فيه تقل. رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلملو : " حىت سكنهم أبو بكر بقوله... اخلطاب؛ لشدته، وصالبته، وغلظه يف الدين، وفظاظته على األعداء

وكذلك جيوز أن يكون املفضول إماما واألفضل قائم؛ " ... هلم : وليت عليهم خريهم: سألين ريب لقلت .فريجع إايه يف األحكام، وحيكم حبكمه يف القضايا

رفضوه حىت أتى قدره عليه؛ : ت شيعة الكوفة هذه املقالة منه، وعرفوا أنه ال يتربأ من الشيخنيوملا مسع .فسميت رافضة

من حيث كان يتلمذ : حممد بن علي مناظرات ال من هذا الوجه؛ بل: وجرت بينه وبني أخيه الباقروالقاسطني، واملارقني؛ ومن لواصل بن عطاء، ويقتبس العلم ممن جيوز اخلطأ على جده يف قتال الناكثني،

حيث يتكلم يف القدر على غري ما ذهب غليه أهل البيت؛ ومن حيث إنه كان يشترط اخلروج شرطا يف والدك ليس بإمام؛ فإنه مل خيرج قط، وال : على مقضى مذهبك: كون اإلمام إماما؛ حىت قال له يوما

.تعرض للخروج

بعده حيىي بن زيد، ومضى إىل خراسان، واجتمعت عليه مجاعة وملا قتل زيد بن علي وصلب قام باإلمامة وقد وصل إليه اخلرب من الصادق جعفر بن حممد بأنه يقتل كما قتل أبوه، ويصلب كما صلب . كثرية

وقد فوض األمر بعده إىل حممد وإبراهيم اإلمامني، وخرجا باملدينة، . أبوه؛ فجرى عليه األمر كما أخربوأخربهم الصادق جبميع ما مت عليهم، . صرة، واجتمع الناس عليهما، وقتال أيضاومضى إبراهيم إىل الب

أن آباءه رضي اهللا عنهم أخربوه بذلك كله؛ وأن بين أمية يتطاولن على الناس حىت لو طاولتهم : وعرفهموال جيوز أن خيرج واحد من أهل البيت حىت . اجلبال لطالوا عليها، وهم يستشعرون بغض أهل البيت

ابين حممد بن علي ابن عبد اهللا : أذن اهللا تعاىل بزوال ملكهم؛ وكان يشري إىل أيب العباس، وإىل أىب جعفريفزيد بن علي . إنا ال خنوض يف األمر حىت يتالعب به هذا وأوالده، وأشار إىل املنصور: وقال. بن العباس

وزجان خراسان؛ قتله أمريها، وحممد قتل بكناسة الكوفة؛ قتله هشام بن عبد امللك، وحيىي بن زيد قتل جب

Page 61: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 61

ومل ينتظم . أمر بقتلهما املنصور... اإلمام قتل باملدينة؛ قتله عيسى بن هامان؛ وإبراهيم اإلمام قتل بالبصرةناصر األطروش، فطلب مكانه؛ ليقتل، فاختفى، : أمر الزيدية بعد ذلك حىت ظهر خبراسان صاحبهم

واجلبل ومل يتحلوا بدين اإلسالم بعد؛ فدعا الناس دعوة إىل واعتزل األمر، وصار إىل بالد اليلم . اإلسالمعلى مذهب زيد بن عليح فدانوا بذلكن ونشئوا عليهن وبقيت الزيدية يف تلك البالد ظاهرين

وخالفوا بين أعمامهم من املوسوية يف مسائل . وكان خيرج واحد بعد واحد من األئمة ويلي أمرهم. دية بعد ذلك عن القول بإمامة املفضول، وطعنت يف الصحابة طعن اإلماميةاألصول، ومالت أكثر الزي

.على مذهب واحد: والصاحلية منهم والترية. جاروديةن وسليمانيةن وبترية: وهم أصناف ثالثة

أن النيب صلى اهللا عليه وسلم نص على علي : زياد بن أيب زيادز زعموا: أيب اجلارود: أصحاب: اجلاروديةوقد . والناس قصروا؛ حيث مل يتعرفوا بذلك. عنه بالوصف دون التسمية؛ وهو اإلمام بعدهرضي اهللا

.زيد بن علي؛ فإنه مل يعتقد هذا اإلعتقاد: خالف اجلارود يف هذه املقالة إمامة

.التوقف، والسوق: واختلفت اجلارودية يف

زين العابدين، مث إىل : ي ابن احلسنيفساق بعضهم اإلمامة من علي إىل احلسن، مث إىل احلسني مث إىل علحممد ابن عبد اهللا بن احلسن بن احلسن بن علي بن أيب طالب،و : زيد بن علي؛ مث منه إىل اإلمام: ابنه

وكان أبو حنيفة رمحه اهللا على بيعته، ومن مجلة شيعتح حىت رفع األمر إىل املنصور، فحبسه . قالوا بإمامته وقيل إنه إمنا بايع حممد ابن عبد اهللا اإلمام يف أيام املنصور، وملا قتل .حبس األبدن حىت مات يف احلبس

إنه : فمنهم من قال: اختلفوا: والذين قالوا بإمامة حممد بن عبد اهللا اإلمام. فتم عليه مأمت... حممد باملدينة حممد بن مل يقتل وهو بعد حي؛ وسيخرج فيمأل األرض عدال، ومنهم من أقر مبوته؛ وساق اإلمامة إىل

القاسم بن علي بن عمر بن علي ابن احلسني بن علي صاحب الطالقان، وقد أسر يف أيام املعتصم ومحل إليهح فحبسه يف داره حىت مات، ومنهم مكن قال بإمامة حيىي بن عمر صاحب الكوفة؛ فخرج ودعا

حىت . بن عبد اهللا بن طاهرالناس، واجتمع عليه خلق كثرين وقتل يف أيام املستعني، ومحل رأسه إىل حممد : قال فيه بعض العلوية

جئتك أستلينك في الكالم و قتلت أعز من ركب المطايا

امسفيما بيننا حد الح و اك إالقو عز علي أن أل

.حيىي بن عمر بن حيىي بن احلسني بن زيد بن علي: وهو

شيطان : وسرجوب. سرحوب؛ مساه بذاك أبو جعفر حممد بن علي الباقر: وأما أبو اجلارود فكان يسمى

Page 62: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 62

.تفسريا: أعمى يسكن البحر؛ قاله الباقر

وهم خمتلفون يف األحكام والسري؛ . فضيل الرسان، وأبو خالد الواسطي: ومن أصحاب أيب اجلارودهللا عنهما كعلم النيب صلى اهللا عليه وسلم؛ فيحصل أن علم ولد احلسن واحلسني رضي ا: فبعضهم يزعم

أن العلم مشترك فيهم ويف غريهم؛ وجائز أن : و بعضهم يزعم.فطرة، وضرورة: هلم العلم قبل التعلم .يؤخذ عنهم، وعن غريهم من العامة

قد إن اإلمامة شورى فيما بني اخللقن ويصح أن تنع: سليمان بن جرير، وكان يقول: السليمانية اصحاب .بعقد رجلني من خيار املسلمني، وإا تصح يف املفضول، مع وجود األفضل

إن األمة : ورمبا كان يقول. وأثبت إمامة أيب بكر وعمر رضي اهللا عتهما حقا باختيار األمة حقا اجتهادياخطأ : أخطأت يف البيعت هلما مع وجود علي رضي اهللا عنه خطأ ال يبلغ درجة الفسق، وذلك اخلطا

غري أنه طعن يف عثمان رضي اهللا عنهم بإقدامهم على قتال علي رضي اهللا عنه، مث إنه طعن يف . اجتهاديالقول : إحدامها: إن إئمة الرافضة قد وضعوا مقالتني لشيعتهم؛ مث ال يظهر أحد قط عليهم: الرافضة؛ فقال

... ال يكون االمر على ما أظهروهمث .. أنه سيكون هلم قوة وشوكة وظهورا: بالبداء؛ فإذا أظهروا قوال

.بدا اهللا تعاىل يف ذلك: قالوا

: إنه ليس حبق؛ وظهر هلم البطالن قالوا: التقية؛ فكل ما ارادوا تكلموا به؛ فإذا قيل هلم يف ذلك: والثانية

املعتزلة؛ قوم من : وتابعه على القول جبواز إمامة املفضول، مع قيام األفضل. تقية: تقية، وفعلناه: إمنا قلناهاإلمامة من : قالوا... جعفر بن مبشر، وجعفر بن حرب، وكثري النوى؛ وهو من أصحاب احلديث: منهم

: ليس حيتاج إليها ملعرفة اللع تعاىل وتوحيده؛ فإن ذلك حاصل بالعقل، لكنها حيتاج إليها: مصاحل الدين

، وحفظ البيضة، وإعالء الكلمة، ونصب إلقامة احلدود، والقضاء بني املتحاكمني، ووالية اليتامى واألياميالقتال مع أعداء الدين، وحىت يكون للمسلمني مجاعة، وال يكون األمر فوضى بني العامة؛ فال يشترط

أفضل األمة علما، وأقدمهم عهدا، وأسدهم رأيا وحكمة؛ إذا احلاجة تنسد بقيام : فيها أن يكون اإلمامأن يكون : مالت مجاعة من أهل السنة إىل ذلك؛ حىت جوزواو. املفضول، مع وجود الفاضل واألفضل

: اإلمام غري جمتهدن وال خبري مبواقع اإلجتهاد؛ ولكن جيب أن يكون معه من يكون من أهل اإلجتهاد

فرياجعه يف األحكام، ويستقي منه يف احلالل واحلرام؛ وجيب أن يكون يف اجلملة ذا راي متني، وبصر يف .احلوادث نافذ

.أصحاب احلسن بن صاحل بن حي:الصاحلية: ية والبتريةالصاحل

.أصحاب كثري النوى األبتر: والبترية

Page 63: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 63

أهو مؤمن، : وقوهلم يف اإلمامة كقول السليمانية؛ إال أم توقفوا يف أمر عثمان. ومها متفقان يف املذهبين يف اجلنة، وإذا رأينا إذا مسعنا األخبار الواردة يف حقه، وكونه من العشرة املشر: أم كافر؟ قالوا

من استهتاره بتربية بين أمية وبين مروان، واستبداده بأمور مل توافق سرية : األحداث اليت أحدثها .جيب أن حنكم بكفره؛ فتحرينا يف أمره، وتوقفنا يف حاهلن ووكلناه إىل أحكم احلاكمني: قلنا... الصحابة

للع عليه وسلم وأوالهم باإلمامة، لكنه سلم األمر هلم وأما علي؛ فهو أفضل الناس بعد رسول اللع صلى اإمامة : فنحن راضون مبا رضى، وهم الذين جوزوا. راضيا، وفوض إليهم األمر طائعا وترك حقه راغبا

.املفضول، وتأخري الفضل واالفضل؛ إذا كان األفضل راضيا بذلك

عاملا، زاهدا، شجاعا؛ فهو : هما وكانمن شهر سيفه من أوالد احلسن واحلسني رضي اللع عن: وقالواوهلم خبط عظيم يف إمامني وجدت فيهما هذه الشرائط، وشهرا . اإلمام؛ وشرط بعضهم صباحة الوجه

ينظر إىل األمنت رأيا، واألحزم أمرا، وإن تساويا تقابال؛ : ينظر إىل األفضل واألزهد، وإن تساويا: سيفهما: ولو كانا يف قطرين. الطلب جذعا، واإلمام مأموما، واألمري مأمورافينقلب األمر عليهم كال، ويعود

ولو أفىت أحدمها خبالف ما يفيت اآلخر كان . افرد كل واحد منهم بقطره؛ ويكون واجب الطاعة يف قومه .كل واحد منهما مصيبا؛ وإن أفىت باستحالل دم الغمام اآلخر

حذو : أما يف األصول؛ فريون راي املعتزلة: أي أو اجتهادوأكثرهم يف زماننا مقلدون؛ ال يرجعون إىل روأما يف الفروع؛ فهم على . القذة بالقذة؛ ويعظمون أئمة االعتزال أكثر من تعظيمهم أئمة أهل البيت

.مذهب أيب حنيفة، إال يف مسائل قليلة يوافقون فيها الشافعي رمحه اهللا والشيعة

ملنذر العبدي؛ لعنه جعفر ابن حممد الصادق رضي اهللا عنه، واحلسن زياد بن ا: أبو اجلارود: رجال الزيديةاحلسن بن علي بن احلسن بن زيد ابن عمر : بن صاحل بن حي، ومقاتل بن سليمانن والداعي ناصر احلق

احلسني بن زيد ابن حممد بن إمساعيل بن احلسن : بن احلسني بن علي، والداعي اآلخر صاحب طربستان .ن علي، وحممد بن نصربن زيد بن احلسن ب

نصا ظاهرا، وتعيينا صادقا، من غري : اإلمامية هم القائلون بإمامة علي رضي اهللا عنه بعد النيب عليه السالموما كان يف الدين واإلسالم أمر أهم من تعيني اإلمام؛ حىت : قالوا. تعريض بالوصف، بل إشارة إليه بالعني

لرفع اخلالف، وتقرير الوفاق؛ فال جيوز : من أمر األمة؛ فإنه إمنا بعثتكون مفارقته الدنيا على فراغ قلبيرى كل واحد منهم رأيا، ويسلك كل منهم طريقا، ال يوافقه يف ذلك : أن يفارق األمة ويتركهم مهال

وقد . غريه؛ بل جيب أن يعني شخصا هو املرجوع إليهن وينص على واحد هو املوثوق به واملعول عليه .تصرحيا: تعريضا؛ ويف مواضع: يا رضي اهللا عنه؛ يف مواضععني عل

أن بعث أبا بكر ليقرأ سورة براءة على الناس يف املشهد، وبعث بعده عليا؛ ليكون : أما تعريضاته؛ فمثل

Page 64: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 64

يبلغه رجل منك؛ أو : نزل على جربيل عليه السالم فقال: هو القارىء عليهمن واملبلغ عنه إليهم؛ وقالومثل أن كان يؤمر على أيب بكر وعمر غريمها مكن . مك؛ وهو يدل على تقدميه عليا عليهمن قو: قال

عمرو بن العاص يف بعث، وأسامة بن زيد يف بعث؛ وما أمر على : الصحابة يف البوثح وقد أمر عليهما .علي أحدا قط

ى ماله؟ فبايعته مجاعة، مث من الذي يبايعين عل: واما تصرحياته؛ فمثل ما جرى يف نأنأة اإلسالم؛ حني قالمن الذي يبايعين على روحه وهو وصي عنه يده غليه فبايعه على روحه ووىف بذلك؛ حىت كانت : قال

ما جرى يف كمال الغسالم، وانتظام احلال؛ فما بلغت : ز مثل. أنه أمر عليك ابنك: قريش تعري أبا طالب. الصالة جامعة: م أمر بالدوحات فقممن ونادوافلما وصل إىل غدير خ: رسالته، واهللا يعصمك من الناس

وال من وااله وعاد من : من كنت مواله فعلي مواله؛ اللهم:" مث قال عليه السالم، وهو على الرحال ".ثالثا: أال هل بلغت. عاداه، واصر من نصرهن واخذل من خذله، وأدر احلق معه حيث دار

أن هذا نص صرحيز : فا دعت اإلمامية

من كان النيب صلى اهللا عليه وسلم موىل له؟ وبأي معىن؟ فنطرد ذلك يف حق علي رضي اهللا : نظرفإنا ن! طوىب لك يا علي: وقد فهمت الصحابة من التولية ما فهمناه؛ حىت قال عمر حني استقبل عليا. عنه

مامة؛ فإن نص يف اإل" أقضاكم علي: " و قول النيب عليه السالم:قالوا. أصبحت موىل كل مؤمن ومؤمنةأقضى القضاة يف كل حادثة، واحلاكم على املتخاصمني يف كل واقعة؛ : اإلمامة ال معىن هلا إال أن يكون

: ؛ قالوا فأولوا األمر"أطيعوا اهللا وأطيعوا الرسول وأويل األمر منكم: " وهو معىن قول اهللا سبحانه وتعاىل

اصمت املهاجرون واألنصار؛ كان القاضي يف ذلك حىت ويف مسألة اخلالفة ملا خت. من إليه القضاء واحلكمأمري املؤمنني على دون غريه فإن النيب صلى اهللا عليه وسلم؛ كما حكم لكل واحد من الصحابة : هو

والقضاء يستدعي كل " أقضاكم على: " أفرضكم زيد، وأقرؤكم له؛ وهو قوله: بأخص وصف له؛ فقال .علم، وما ليس كل علم يستدعي القضاء

ظلما، : طعنا، وتكفريا؛ وأقله: إن اإلمامية ختطت عن هذه الدرجة إىل الوقيعة يف كبار الصحابةمث لقد رضي : " وقد شهدت نصوص القرالن على عدالتهمن والرضا عن مجلتهم؛ قال اهللا تعاىل. وعدوانا

وقال اهللا تعاىل على وكانوا إذ ذاك ألفا وأربعمائة، ... " اللع عن املؤمنني إذ يبايعونك حتت الشجرةوالسابقون األولون من املهاجرين : املهاجرين واألنصارن والذين اتبعوهم بإحسان رضي اهللا عنهم

لقد تاب اهللا على النيب واملهاجرين : واألنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي اهللا عنهم ورضوا عنه وقال اهللا الذين آمنوا منكم وعملوا الصاحلات وعد:" واألنصار الذين اتبعوه يف ساعة العسرة وقال تعاىل

ويف ذلك دليل على عظم قدرهم عند اللع "... ليستخلفنهم يف االرض؛ كما استخلف الذين من قبلهم

Page 65: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 65

كيف يستجري ذو دين الطعن ! فليت شعري. تعاىل، وكرامتهم ودرجتهم عند السول صلى اهللا عليه وسلمأبو بكر، وعمر، : عشرة من أصحايب يف اجلنة: يه السالموقد قال النيب عل! فيهم، ونسبة الكفر إليهم

وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبري، وسعد بن ايب وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرمحن ابن عوف، وأبو عبيدة بن اجلراح؛ إىل غري ذلك من األخبار الواردة يف حق كا واحد منهم على انفرادز وإن نقلت هنات

. فإن أكاذيب الروافض كثرية، وإحداث احملدثني كثريةمن بعضهم، فليتدبر النقل؛

احلسن، واحلسني، وعلي بن احلسني رضي اهللا عنهم على : مث إن اإلمامية مل يثبتوا يف تعيني األئمة بعدإن نيفا وسبعني فرقة من : رأي واحد؛ بل اختالفام أكثر من اختالفات الفرق كلها؛ حىت قال بعضهم

وهم متفقون يف . خلرب هو يف الشيعةخاصة؛ ومن عداهم فهم خارجون عن األمةالفرق املذكورة يف ااإلمامة، وسوقها إىل جعفر بن حممد الصادق رضي اهللا عنه، وخمتلفون يف املنصوص عليه بعده من أوالده،

: ومن ادعى منهم النص والتعيني. حممد، وغسحاق، وعبد اهللا، وموسى، وإمساعيل، وعلي: ستة: وقيل

ومنهم من . منهم من مات؛ ومل يعقب، ومنهم من مات؛ وأعقب: مث. وبد اهللا، وموسى، وإمساعيلحممد،ومنهم من قال بالسوق والتعدية؛ كما سيأيت ذكر اختالفام، عند . قال بالتوقف، واإلنتظار، والرجعة

ايات عن أئمتهم، ذكر طائفة طائفةز وكانوا يف األول على مذهب أئمتهم يف األصولن مث ملا اختلفت الروإمكا وعيدية؛ وإما تفضيلية، : اختارت كل فرقة منهم طريقة؛ فصارت اإلمامية بعضها: ومتتدى الزمان

.ومن ضل الطريق، وتاه؛ مل يبال اهللا به؛ يف أي واد هلك. أما مشبهةح وغما سلفية: وبعضها إخبارية

الباقرية واجلعفرية الواقفة

زين : قالوا بإمامتهما، وإمامة والدمها. ين العابدين وابنه جعفر الصادقحممد الباقر بن علي ز: أتباعوإمنا . إال أن منهم من توقف على واحد منهما وما ساق اإلمامة إىل أوالدمها؛ ومنهم من ساق. العابدين

فرقة، دون األصناف املتشيعة اليت نذكرها؛ ألن من الشيعة من توقف على الباقر، وقال : ميزنا هذهعته، كما توقف القئلون بإمامة أيب عبد اهللا جعفر بن حممد الصادق؛ وهو ذو علم غزير يف الدينن برج

يفيد : وأدب كامل يف احلكمة، وزهد بالغ يف الدنيا، وورع تام عن الشهوات؛ وقد أقام باملدينة مدةما تعرض لإلمامة : ا مدةالشيعة املنتمني إليه، ويفيض علىاملوالني له أسرار العلوم، مث دخل العراق وأقام

ومن غرق يف حبر املعرفة مل يطمع يف شط، ومن تعلى إىل ذروة . قط، وال نازع أحدا يف اخلالفة قط. من أنس باهللا توحش عن الناس، ومن استأنس بغري اهللا به الوسواس: وقيل... احلقيقة مل خيف من حط

ينتسب إىل أيب بكر الصديق رضي اهللا : نب األمينتسب إىل شجرة النبوة، ومن جا: وهو من جانب األبوقد تربأ عما كان ينسب إليه بعض الرافضة، ومحاقام؛ من القول بالغيبة، والرجعة، والبداء، . عنه

لكن الشيعة بعده افترقوا؛ وانتحل كل واحد منهم مذهبا، وأراد أن يروجه . والتناسخ، واحللول، والتشبيه

Page 66: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 66

.والسيد برىء من ذلكن ومن االعتزالن والقدر أيضا. ربطه بهعلى أصحابه؛ فنسبه إليه و

: إن اهللا تعاىل أراد بنا شيئا، وأراد منا شيئا؛ فما أراده بناك طواه عنا، وما أراده منا: " هذا قوله يف اإلرادة

ال : أمرينهو أمر بني: وهذا قوله يف القدر!. أظهره لنا؛ فما بالنا نشتغل مبا أراده بنا، عما أراده منا؟اللهم لك احلمد إن أطعتك، ولك احلجة إن عصيتك؛ ال صنع : وكان يقول يف الدعاء. جربن وال تفويض

.لني وال لغريي يف إحسان؛ وال حجة يل، وال لغريي يف إساءة

على أم منتسبون إىل : بل: فنذكر األصناف الذين اختلفوا فيه، ونعدهم؛ ال على أم من تفاصيل أشياعه .شجرن وفروع أوالده؛ ليعلم ذلكأصل

إن الصادق حي بعد، ولن : قالت. ناوسا: نسبوا إىل قرية: ناووس؛ وقيل: الناووسية اتباع رجل يقال لهلو رأيتم رأسي يدهده عليكم من : ميوت حىت يظهر؛ فيظهر أمره، وهو القائم املهدين ورووا عنه أنه قال

.السيفصاحبكمن صاحب : اجلبل فال تصدقوا؛ فإين

أن النووسية زعمت أن عليا باق، وستنشق األرض عنه قبل يوم القيامة؛ فيمأل : وحكى أبو حامد الزوزين .األرض عدال

عبد اهللا األفطح، وهو أخوه إمساعيل من أبيه وأمه، : األفطحية قالوا بانتقال اإلمامة من الصادق إىل ابنه .وكان أسن أوالد الصادقفاطمة بنت احلسني ابن احلسن بن علي، : وأمهما

اإلمام من جيلس جملسي؛ وهو الذي جلس جملسه، : وقال. اإلمامة يف أكرب أوالد اإلمام: زعموا أنه قالودفع . ال يغسله وال يصلى عليه وال يأخذ خامته وال يواريه إال اإلمام؛ وهو الذي توىل ذلك كله: واإلمام

ها إىل من يطلبها منه وان يتخذه إماما، وماتن ومل يعقب الصادق وديعة إىل بعض أصحابه، وأمره أن يدفع .ولدا ذكرا

وقد قال له . إن صاحبكم امسه اسم نبيكم: إن جعفرا قال: قالوا. حيىي بن أيب مشيط: الشميطية اتباع .ابنه حممد:إن ولد لك ولد، فسميته بامسي؛ فهو اإلمام؛ فاإلمام بعده: والداه رضوان اهللا عليهما

إمساعيل؛ نصا عليه باتفاق من أوالده؛ إال أم اختلفوا يف : إن اإلمام بعد جعفر: اعيلية الواقفة قالوااإلمسمل ميت؛ إال أنه أظهر موته تقية من خلفاء بين العباس؛ وأنه عقد حمضرا : فمنهم من قال: موته يف حال أبيه

، والنص ال يرجع قهقري؛ والفائدة يف موته صحيح: ومنهم من قال. وأشهد عليه عامل املنصور باملديوةوهؤالء . حممد ابن إمساعيل: فاإلمام بعد إمساعيل. النص بقاء اإلمامة يف أوالد املنصوص عليه؛ دون غريهم

.مث منهم من وقف على حممد ابن إمساعيل؛ وقال برجعته بعد غيبته. املباركية: يقال هلم

يف الظاهرين القائمني من بعدهم، وهم الباطنية؛ وسنذكر ومنهم من ساق اإلمامة يف املستورين منهم، مث. الوقف على إمساعيل بن جعفر، أو حممد بن إمساعيل: و إمنا مذهب هذه الفرقة.مذاهبهم على اإلنفراد

Page 67: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 67

الباطنية التعليمية اللذين هلم مقالة مفردة املوسوية واملفضلية : واألمساعيلية املشهورة يف الفرق منهم؛ هم

سابعكم : حدة قالت بإمامة موسى بن جعفر، نصا عليه باإلسم؛ حيث قال الصادق رضي اللع عنهفرقةوافمن ميت يف حال حياة أبيه؛ ومل يعقب، ومن خمتلف يف : أن أوالد الصادق على تفرق: قائمكم، وقيل

، وقام وكان موسى هو الذي توىل األمر... موته، ومن قائم بعد موته مدة يسرية، ومن ميت غري معقب .املفضل بن عمر، وزرارة بن أعني، وعمار الساباطي: رجعوا إليه، واجتمعوا عليه؛ مثل: بعد موت أبيه

حىت ... عد األيام فعدها من األحد: وروت املوسوية عن الصادق رضي اهللا عنه أنه قال لبعض أصحابهمن ال : نور الشهورسبت السبوت، ومشس الدهور، و: سبعة: بلغ السبت؛ فقال له كم عددت؟ فقال

إنه شبيه : وقال فيه أيضا. موسى الكاظم: يلهو وال يلعب؛ وهو سابعكم قائمكم هذا، وأشار إىل ولدهمحله هارون الرشيد من املدينة؛ فحبسه عند : مث إن موسى ملا خرج وأظهر اإلمامة. بعيسى عليه السالم

إن حيىي بن خالد بن : وقيل. شاهكعيسى بن جعفر، مث أشخصه إىل بغداد؛ فحبسه عند السندي بنواختلفت الشيعة . مث أخرج ودفن يف مقابر قريش ببغداد. برمك مسه يف رطب؛ فقتله وهو يف احلبس

ويقال هلم املطمورة مساهم بذلك علي ! ال ندري أمات أم مل ميت: فمنهم من توقف يف موته وقال: بعدهومنهم من . نهم من قطع مبوته؛ ويقال هلم القطيعةوم. ما أنتم إال كالب مطمورة: بن إمساعيل؛ فقال .إنه مل ميت، وسيخرج بعد الغيبة، ويقال هلم الواقفة: توقف عليه، وقال

قطعية، ساقوا اإلمامة بعده يف : اإلثنا عشرية إن الذين قطعوا مبوت موسى الكاظم بن جعفر الصادق ومسواحممد النقي : مث بعده. ي الرضي؛ ومشهده بطوسعل: اإلمام بعد موسى الكاظم ولده: أوالده؛ فقالوا

احلسن : وبعده. علي بن حممد النقي؛ ومشهده بقم: اجلواد أيضا؛ وهو يف مقابر قريش ببغداد مث بعدههذا هو . حممد القائم املنتظر؛ الذي هو بسر من رأى؛ وهو الثاين عشر: وبعده ابنه. العسكري الزكي

.طريق اإلثين عشرية يف زماننا

أن االختالفات اليت وقعت يف حال كل واحد من هؤالء اإلثين عشرية،و املنازعات اليت جرت بينهم إالفاعلم . وجب ذكرها؛ لئال يشذ عنا مذهب مل نذكره،و مقاغلة مل نوردها... وبني إخوم وبين أعمامهم

شك أوال : بعليومن قال. علي الرضي: أمحد بن موسى بن جعفر دون أخيه: أن الشيعة من قال بإمامةوثبت قوم على . يف حممد بن علي؛ إذ مات أبوه وهو صغري غري مستحق لإلمامة، وال علم عنده مبناهجها

علي بن : وقال قوم آخرونبإمامة. فقال قوم بإمامة موسى بن حممد: واختلفوا بعد موته أيضا. إمامته قوم بإمامة جعفر بن علي، وقال قوم فقال: واختلفوا بعد موته أيضا. هو العسكري: حممد؛ ويقولون

علي بن فالن الطاحن، : وكان هلم رئيس يقال له. بإمامة حممد بن علي، وقال قوم بإمامة احلسن بن عليقوى أسباب جعفر ابن علي، وأمال الناس إليه، وأعانه فارس بن حامت بن ماهويه؛ : وكان من أهل الكالم

Page 68: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 68

امتحنا احلسن، فلم جند عنده علما؛ ولقبوا من : قالوا. سكريوذلك أن عليا قد مات، وخلف احلسن العاحلمارية؛ وقوموا أمر جعفر بعد موت احلسن؛ واحتجوا بأن احلسن مات بال خلف؛ : قال بإمامة احلسن

وحاز جعفر مرياث احلسن، . فبطلت إمامته وألنه مل يعقب واإلمام ال ميوت إال ويكون له خلف وعقبوانكشف أمره عند السلطان، . أنه فعل ذلك من حبل يف جوار أبيه، وغريهم: هبعد دعاوى ادعاها علي

: وتشتت كلمة من قال بإمامة احلسن، وتفرقوا أصنافا كثرية؛ منهم. والرعية، وخواص الناس، وعوامهم

: مث قالوا بإمامة جعفر. احلسن بن علي بن فضال، وهو من أجل أصحام وفقهائهم؛ كثري الفقه واحلديث

مث . وقال قوم بإمامة علي بن جعفر، دون فاطمة السيدة. أخت جعفر: لي بن جعفر وفاطمة بنت عليبع .وغال بعضهم يف اإلمامة غلوا كأيب اخلطاب األسدي. اختلفوا بعد موت علي وفاطمة اختالفا كثريا

قاب مشهورة، ولكنا وأما الذين قالوا بإمامة احلسن؛ فافترقوا بعد موته إحدى عشرة فرقة، وليست هلم ألالقائم، وال جيوز أن ميوت وال ولد له : إن احلسن مل ميت، وهو: قالت: الفرقة األوىل: نذكر أقاويلهم

أن القائم له غيبتان؛ وهذه إحدى الغيبتني، : ظاهرا؛ ألن األرض ال ختلو من إمام، وقد ثبت عندنا .وسيظهر، ويعرف، مث يغيب غيبة أخرى

هو القيام بعد املوت، : حلسن مات، ولكنه حييا، وهو القئم؛ ألنا رأينا أن معىن القائمإن ا: قالت: الثانية .فنقطع مبوت احلسن وال نشك فيه، وال ولد له؛فيجب أن حييا بعد املرت

.إن احلسن قد مات، وأوصى إىل جعفر أخيه، ورجعت اإلمامة إىل جعفر: قالت: الثالثة

، واإلمام جعفر؛ وإنا كنا خمطئني يف االئتمام به؛ إذ مل يكن إماما،فلما إن احلسن قد مات: قالت: الرابعة .أن جعفر كان حمقا يف دعواه، واحلسن مبطال: مات وال عقب له تبينا

وكنا خمطئني يف القول به، وإن اإلمام كان حممد بن علي أخا احلسن : إن احلسن قد مات: قالت: اخلامسة: ر وإعالنه به؛ وعلمنا أن اجلحسن كان على مثل حاله إال أنه كان يتستروجعفر، وملا ظهر لنا فسق جعف

.عرفنا أما مل يكونا إمامني، فرجعنا إىل حممد، ووجدنا له عقبا؛ وعرفنا أنه كان هو اإلمام دون أخويه

لد أنه مات ومل يعقب؛ بل ولد له و: إن احلسن كان له ابن، وليس األمر على ما ذكروا: قالت: السادسةاإلمام، القائم، احلجة، : قبل وفاة أبيه بسنتني فاستتر خوفا من جعفر وغريه من األعداء؛ وامسه حممد؛ وهو

.املنتظر

إن له إبنا؛ ولكنه ولد بعد موته بثمانية أشهر، وقول من ادعى أنه مات وله ابن باطل؛ ال، : قالت: السابعة .ذلك لو كان مل خيف، وال جيوز مكابرة العيان

من احلبل يف سرية له؛ فثبت أن : صحت وفاة احلسن، وصح أن ال ولد له، وبطل ما ادعى: قالت: لثامنةا

Page 69: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 69

أن يرفع اهللا احلجة عن أهل األرض؛ ملعاصيهم، : اإلمام بعد احلسن غري موجود؛ وهو جائز يف املقوالتمبعث النيب صلى اهللا عليه فترة، وزمان ال إمام فيه، واألرض اليوم بال حجة؛ كما كانت الفترة قبل : وهي .وسلم

إن احلسن قد مات، وصح موته، وقد اختلف الناس هذه االختالفات، وال ندري كيف : قالت: التاسعةأن األرض ال : قبل موته؟ أو بعد موته؟ ؛ إال أنا نعلم يقينا: هو؟ وال نشك أنه قد ولد له ابن، وال ندري

.واله، ونتمسك به بامسه؛ حىت يظهر بصورتهاخللف الغائب؛ فنحن نت: ختلو من حجة، وهو

: نعلم أن احلسن قد مات، وال بد للناس من إمام؛ فال ختلو األرض من حجةن وال ندري: قالت: العاشرة

ال ندري على القطع : توقفت يف هذا التخابط، وقالت: فرقة: من ولده؟ أم من ولد غريه؟ احلادية عشرةفنحن من الواقفة : ويف كل موضع اختلفت الشيعة فيه. ونقول بإمامتهحقيقة احلال، لكنا نقطع يف الرضي

يف ذلك، إىل أن يظهر اهللا احلجة، ويظهر بصورته؛ فال يشك يف إمامته من أبصره، وال حيتاج إىل معجزة .اتباع الناس بأسرهم إياه، من غري منازعة، وال مدافعة: وكرامة وبينة؛ بل معجزته

.مث قطعوا على الكل بأسرهم: عشرة قطعوا على كل واحد واحدفهذه مجلة الفرق اإلحدى

إن خرج القائم وقد : الغيبة قد امتدت مائتني ونيفا ومخسني سنة؛ وصاحبنا قال: أم قالوا! ومن العجبطعن يف األربعني فليس بصاحبكم، ولسنا ندري كيف تنقضي مائتان ونيف ومخسون سنة يف أربعني

أليس اخلضر وإلياس عليهما السالم يعيشان : كيف تتصور؟ قالوا: عن مدة الغيبةوإذا سئل القوم!. سنة؟قيل . يف الدنيا من آال السنني؛ ال حيتاجان إىل طعام وشراب؟ فلم ال جيوز ذلك يف واحد من إهل البيت؟

مث اخلضر عليه السالم ليس مكلفا بضمان . ومع اختالفكم هذا؛ كيف يصح لكم دعوى الغيبة؟: هلمضامن، مكلفباهلداية والعدل؛ واجلماعة مكلفون باإلقتداء به واإلستنان بسنته، : اعة، واإلمام عندكممج

.ومن ال يرى كيف يقتدى به؟

.فلهذا؛ صارت اإلمامية متمسكني بالعدلية يف األصول؛ وباملشبهة يف الصفات؛ متحريين تائهني

أعاذنا . قتال، وتضليل: ني التضيلية والوعيديةوكذلك ب. سيف وتكفري: وبني اإلخباريو منهم والكالمية !.اهللا من احلرية

ال يسحيون؛ فيدعون فيه : أن القائلني بإمامة النتظر مع هذا اإلختالف العظيم الذي بينت! ومن العجبوقل اعملوا فسريى اهللا عملكم ورسوله واملؤمنون، :" عليه: أحكام اإللوهية، ويتأولون قوله تعاىل

هو اإلمام املنظر الذي يرد إليه علم الساعة؛ ويدعون فيه أنه : قالوا". عامل الغيب والشهادةوستردون إىل .إىل حتكمات باردة، وكلمات عن العقول شاردة. ال يغيب عنا، وسيخربنا بأحوالنا، حني حياسب اخللق

Page 70: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 70

وسيرت طرفي بين تلك المعالم طفت في تلك المعاهد كلها لقد

ادمن نذقن، أوقاعا س على ائرإال واضعا كف ح: أر فلم

املرتضى، واتىب، والشهيد، والسجاد، والباقر، والصادق، : أسامي األئمةاإلثين عشرية عند اإلمامية .والكاظم، والرضي، والتقي، والنقي، والزكي، واحلجة القائم املنتظر

الغالية

م حىت أخرجوهم من حدود اخلليقية، وحكموا فيهم بأحكام اإلهلية؛ هؤالء هم الذين غالوا يف حق أئمتهوإمنا . وهم على طريف الغلو والتقصري. فرمبا شبهوا واحدا من األئمة باإلله،و رمبا شبهوا اإلله باخللق

نشأت شبهام من مذاهب احللولية، ومذاهب التناسخية، ومذاهب اليهود والنصارى؛ إذ اليهود شبهت فسرت هذه الشبهات يف أذهان الشيعة الغالة؛ حىت . خللق، والنصارى شبهت اخللق باخلالقاخلالق با

وكان التشبيه باألصل والوضع يف الشيعةن وإمنا عادت إىل . حكمت بأحكام اإلهلية يف حق بعض األئمةن التشبيه بعض أهل الشنة بعد ذلك، ومتكن اإلعتزال فيهم؛ ملا رأوا أن ذلك أقرب إىل املعقول، وأبعد م

.واحللول

فيقال : وهلم ألقاب؛ وبكل بلد لقب. التشبيه، والبداء، والرجعة، والتناسخ: وبدع الغالة حمصورة يف أربعاحملمرة : الدقولية؛ ومبوضع: املزدكية والسنباذية، وبأذربيجان: اخلرمية والكوذية، وبالري: هلم بأصبهان

.املبيضة: ومبا وراء النهر

: أنت أنت يعين: السبائية أصحاب عبد اهللا بن سبأ؛ الذي قال لعلي كرم اهللا وجهه: وهم أحد عشر صنفا

أنه كان يهوديا فأسلم؛ وكان يف اليهودية يقول يف يوشع بن نون : زعموا. أنت اإلله؛ فنفاه إىل املدائنص بإمامة وهو أول من أظهر القول بالن. وصي موسى عليهما السالم مثل ما قال يف علي رضي اهللا عنه

.ومنه انشعبت أصناف الغالة. علي رضي اهللا عنه

زعم ان عليا حي مل ميت؛ ففيه اجلزء اإلهلي؛ وال جيوز أن يستويل عليه، وهو الذي جييء يف السحاب، . وأنه سيرتل إىل األرض بعد ذلك؛ فيمأل الرض عدال كما ملئت جورا: والرعد صوته، والربق تبسمه

ذه املقالة بعد انتقال علي رضي اهللا عنه، واجتمعت عليع مجاعة، وهو أول فرقة وإمنا أظهر ابن سبا ه: قال. قالت بالتوقف، والغيبة، والرجعة؛ وقالت بتناسخ اجلزء اإلهلي يف األئمة بعد علي رضي اهللا عنه

ل يف يد اهللا ماذا أقو: وهذا املعىن مما كان يعرفه فيه حني فقأ عني واحد باحلد يف احلرم ورفعت القصة إليه .فقأت عينا يف حرم اهللا؟ فأطلق عمر اسم اإلهلية عليه؛ ملا عرف منه ذلك

وطعن يف علي أيضا . الكاملية أصحاب أيب كاملز أكفر مجيع الصحابة بتركها بيعة علي رضي اهللا عنه

Page 71: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 71

. حقهوكان عليه أن خيرج ويظهر احلق، على أنه غال يف: بتركه طلب حقه، ومل يعذره يف القعود؛ قال

يف شخص يكون نبوة، ويف : اإلمامة نور يتناسخ من شخص ىل شخص، وذلك النور: وكان يقول .شخص يكون إمامة؛ ورمبا تتناسخ اإلمامة فتصري نبوةز وقال بتناسخ األرواح وقت املوت

ملة ولقد كان التناسخ مقالة لفرقة يف كل . التناسخن واحللول: والغالة على أصنافها كلهم متفقون علىأن اهللا تعاىل قائم بكل : ومذهبهم. اوس املزدكية، واهلند الربمهية، ومن الفالسفة، والصائبة: تلقوها من

وقد يكون . زمان، ناطق بكل لسان، ظاهر يف كل شخص من أشخاص البشر؛ وذلك مبعىن احللول كغشراقها على أما احللول جبزء؛ فهو كإشراق الشمس يف كوة؛ أو: احللول جبزء، وقد يكون بكل

النسخ، : ومراتب التناسخ أربع. البللور، أما احللول بكل؛ فهو كظهور ملك بشخص؛ أو شيطان حبيوانوأعلى . وسيأيت شرح ذلك عند ذكر فرقهم من اوس على التفصيل. واملسخ، والفسخ، والرسخ

وهذا أبو كامل كان يقول بالتناسخ . الشيطانية أو اجلنية: مرتبة امللكية أو النبوة، وأسفل الوراتب: املراتب .ظاهرا، من غري تفصيل مذهبهم

وكان يفضل عليا على النيب صلى . هو األسدي: العلباء بن ذراع الدوسي؛ وقال قوم: العلبائية أصحابوكان يقول بذم حممد صلى اهللا عليه . اهللا عليه وسلم، وزعم أنه الذي بعث حممدا؛ يعين عليا، ومساه إهلا

.الذمية: ويسمون هذه الفرقة. م، وزعم أنه بعث ليدعو إىل علي فدعا إىل نفسهوسل

.العينية: ومنهم من قال بإهليتهما مجيعا ويقدمون عليا يف أحكام إهلية، ويسموم

.امليمية: بإهليتهما مجيعا، ويفضلون حممدا يف اإلهلية ويسموم: ومنهم من قال

. حممد، وعلي، وفاطمة، واحلسن، واحلسني: أشخاص أصحاب الكساءومنههم من قال باإلهلية جلملة

وقالوا مخستهم شيءواحد، والروح حالة فيهم بالسوية، ال فضل لواحد منهم على اآلخر؛ وكرهوا أن توليت بعد اهللا يف : فاطم؛ بال هاء؛ ويف ذلك يقول بعض شعرائهم: فاطمة بالتأنيث؛ بل قالوا: يقولوا

.، وسبطية، وشيخل، وفاطمانبيا: الدين مخسة

املغريية

حممد النفس : ادعى أن اإلمامة بعد حممد بن علي بن احلسني يف. املغرية بن سعيد العجلي: أصحابوكان املغرية موىل خلالد . الزكية بن عبد اهللا ابن احلسن بن احلسن؛ اخلارج باملدينة، وزعم أنه حي مل ميت

مامة لنفسه بعد اإلمام حممد، وبعد ذلك ادعى النبوة لنفسه، واستحل بن عبد اهللا القسري، وادعى اإلإن اهللا : وزاد على ذلك قوله بالتشبيه؛ فقال. احملارم، وغال يف حق علي رضي اهللا عنه غلوا ال يعتقده عاقل

تعاىل صورة وجسم ذو أعضاء على مثال حروف اهلجاء؛ وصورته صورة رجل من نور، على رأسه تاج وزعم أن اهللا تعاىل ملا أراد خلق العامل تكلم باألسم األعظم، فطار، . وله قلب تنبع منه احلكمةمن نور،

Page 72: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 72

مث اطلع على أعمال . سبح اسم ربك األعلى، الذي خلق فسوى: وذلك قوله: فوقع على رأسه تاجا؛ قالا ماحل، واآلخر أحدمه: العباد وقد كتبها على كفه؛ فغضب من املعاصي، فعرق، فاجتمع من عرقه حبران

مث اطلع يف البحر النري، فأبصر ظله؛ فانتزع عني ظله؛ فخلق منها . عذب؛ واملاحل مظلم، والعذب نريالشمس والقمر؛ كله من البحرين؛ فخلق املؤمنون من البحر النري، وخلقالكفار من البحر املظلم وخلق

. م وظل علي؛ قبل خلق ظالل الكلظالل الناس أول ما خلق، وأول ما خلق هو ظل حممدج عليه السال

مث عرض على السموات واألرض واجلبال أن حيملن األمانة؛ وهي أن مينعن علي بن أيب طالب من اإلمامةن فأبني ذلك، مث عرض ذلك على الناس؛ فأمر عمر بن اخلطاب أبا بكر أن يتحمل منعه من ذلك،

فة له من بعده؛ فقبل منه، وأقدما على املنع وضمن له أن يعينه على الغدر به على شرط أن جيعل اخلالوزعم أنه نزل يف حق عمر :. ومحلها اإلنسان إنه طكان ظلوما جهوال:" متظاهرين؛ فذلك قوله تعاىل

".كمثل الشيطان إذ قال لإلنسان اكفر؛ فلما كفر قال إين بريء منك:" قولع تعاىل

حممد؛ : انتظاره ورجعته، ومنهم من قال بانتظار إمامةفمنهم من قال ب: وملا أن قتل املغرية اختلف أصحابهوقد قال املغرية بإمامة أي جعفر حممد بن علي رضي اللع عنهما؛ مث غال فيه . كما كان يقول بانتظاره

انتظروه؛ فإنه يرجع وجربيل وميكائيل : وقد قال املغرية ألصحابه . وقال بإهليته؛ فتربأ منه الباقر ولعنه .أنه حييي املوتى: لركن واملقام؛ وزعميبايعانه بني ا

أيب منصور العجلي، وهو الذي عزا بنفسه إىل أيب جعفر حممد بن علي الباقر يف : املنصورية أصحابانتقلت :األول، فلما تربأ منه الباقر وطرده زعم أنه هو اإلمام؛ ودعا الناس إىل نفسه، وملا تويف الباقر قال

جت مجاعة منهم بالكوفة يف بين كندة، حىت وقف يوسف بن عمر وخر. اإلمامة غلي وتظاهر بذلك .الثقفي وايل العراق يف أيام هشام بن عبد امللك علىقصته وخبث دعوته؛ فأخذه، وصلبه

الكسف : أن عليا رضي اهللا عنه هو الكسف الساقط من السماء، ورمبا قال: زعم أبو منصور العجليعم حني ادعى اإلمامة لنفسه أنه عرج به إىل السماء، ورأى معبوده، وز. الساقط من السماء هو اهللا تعاىل

أنزل فبلغ عين، مث أهبطه إىل األرض؛ فهو الكسف الساقط من ! يا بين: فمسح بيده راسه، وقال لهأن اجلنة رجل أمرنا مبواالته، : وزعم. أن الرسل ال تنقطع أبدا، والرسالة ال تنقطع: وزعم أيضا. السماء

وتأول احملرمات كلها على أمساء رجال . م الوقت؛ وأن النار رجل أمرنا مبعاداته وهو خصم اإلماموهو إماقتل : واستحل بأصحابه. وتأول الفرائض على أمساء رجال أمرنا مبواالم. أمرنا اهللا تعاىل مبعادام

هم من محل وإمنا مقصود. وهخم صنف من اخلرمية. خمالفيهم، وأخذ أمواهلم، واستحالل نسائهمهو أن من ظفر بذلك الرجل وعرفه؛ فقد سقط عنه التكليف، : الفرائض واحملرمات على أمساء رجال

إن أول ما خلق اهللا : ومما أبدعه العجلي أنه قال. وارتفع اخلطاب؛ إذ قد وصل إىل اجلنة، وبلغ الكمال

Page 73: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 73

.جههتعاىل هو عيسى ابن مرمي عليه السالم، مث علي بن أيب طالب كرم اهللا و

اخلطابية

ايب اخلطاب حممد بن أيب زينب األسدي األجدع موىل بين أسد، وهو الذي عزا نفسه إىل أيب : اصحابتربأ منه : عبد اهللا جعفر امب حممد الصادق رضي اهللا عنهن فلما وقف الصادق على غلوه الباطل يف حقه

يف التربي منهن واللعن إليه؛ فلما اعتزل ولعنه، وأمر أصحابه بالرباءة منه، وشدد القول يف ذلكن وبالغأن األئمة أنبياء مث آهلةن وقال بإهلية جعفر بن حممد وإهلية : زعم أبو اخلطاب. عنه ادعى اإلمامة لنفسه

واإلهلية نور يف النبوة، والنبوة نور يف اإلمانة، وال خيلو . ىبائه رضي اللع عنهم؛ وهم أبناء اهللا وأحباؤهثار واألنوارز وزعم أن جعفرا هو اإلله يف زمانه، وليس هو احملسوس الذي يرونه؛ ولكن العامل من هذه اآل

وملا توقف عيسى بن موسى صاحب املنصور . لبس تلك الصورة فرآه الناس فيها: ملا نزل إىل هذا العامل .قتله بسبخة الكوفة: عى خبث دعوته

معمر، ودانوا به؛ : م بعد أيب اخلطاب رجل يقال لهأن اإلما: فزعمت فرقة: وافترقت اخلطابية بعدة فرقاوزعموا أن الدنيا ال تفىن، وأن اجلنة هي اليت تصيب الناس من خري ونعمة . كما دانوا بأيب اخلطاب

اخلمر، والزنا، وسائر : واستحلوا. هي اليت تصيب الناس من شر ومشقة وبلية: وعافية، وأن النار .الفرئض وتسمى هذه الفرقة املعمريةودانوا بترك الصالة و. احملرمات

أن جعفرا هو اإلله؛ أي ظهر اإلله : وكان يزعم. بزيغ: أن اإلمام بعد أيب اخلطاب: وزعمت طائفةوما كان لنفس أن تؤمن :" أن كل مؤمن يوحى إليه من اهللا،و تأول قول اهللا تعاىل: وزعم. بصورته للخلق

أن من : وزعم". وأوحى ربك إىل النحل:" كذلك قوله تعاىلبوحي إليه من اهللا؛ و: أي" إال بإذن اهللا: إنه قد مات: أن اإلنسان إذل بلغ الكمال ال يقال له: و زعم.أصحابه من هو أقضل من جربيل وميكائيل

وادعوا كلهم معاينة أموام، وزعموا أم . رجع إىل امللكوت: ولكن الواحد منهم إذا بلغ النهاية، قيل .البزيغية: وتسمى هذه الطائفة. وعشيابكرة، ة: يروم

كما قالت الطائفة األوىل؛ إال : عمري بن بيان العجلي، وقالوا: أن اإلمام بعد أيب اخلطاب: وزعمت طائفةأم اعترفوا بأم ميوتون، وكانوا قد نصبوا خيمة بكناسة الكوفة جيتمعون فيها على عبادة الصادق رضي

وتسمى هذه . زيد بن عمر بن هبرية؛ فأخذ عمريا، فصلبه يف كناسة الكوفةاهللا عنهح فرفع خربهم إىل ي .العجليةن والعمريية أيضا: الطائفة

وكانوا يقولون بربوبية جعفر، دون نبوته، . أن اإلمام بعد أيب اخلطاب مفضل الصرييف: وزعمت طائفة .وتسمى هذه الفرقة املفضلية. ورسالته

حيارى، : حممد لصادق رضي اهللا عنه، وطردهم ولعنهم؛ فإن القوم كلهموتربأ من هؤالء لكهم جعفر بن

Page 74: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 74

.ضالون، جاهلون حبال األئمة تائهون

أمحد بن الكيال، وكان من دعاة واحد من أهل البيت بعد جعفر بن حممد الصادق؛ وأظنه : الكيالية أتباع .مناألئمة املستورين

اطلن وأبدع مقالة يف كل باب علمي؛ على قاعدة غري ولعله مسع كلمات علمية برأيه الفائل وفكره العتربءوا منه، ولعنوه : وملا وقفوا على بدعته. مسموعة وال معقولة، ورمبا عاند احلس يف بعض املواضع

صرف الدعوة إىل نفسه، وادعى : وملا عرف الكيال ذلك منهم. وأمروا شيعتهم مبنابذته وترك خمالطته .القائم ثانيااإلمامة أوال، مث ادعى أنه

عامل : أن كل من قدر اآلفاق على األنفس، وأمكنه أن يبني مناهج العاملني؛ أعين: وكان من مذهبهاإلمام، وأن كل من قرر الكل : كان هو... اآلفاق؛ وهو العامل العلوين وعامل األنفس؛ وهو العامل السفلي

ومل يوجد يف زمن : قال. القائم: كان هو...يف ذاته، وأمكنه أن يبني كل كلي يف شخصه املعني اجلزئي .القائم: أمحد الكيال؛ فكان هو: من األزمان أحد يقرر هذا التقرير إال

أنه هو اإلمام، مث القائم وبقيت من مقالته يف العامل : وإمنا قتله من انتمى إليه أوال؛ على بدعته ذلك .قالشرعا، وع: مزخرفة، مردودة: تصانيف عربية وأعجمية؛ كلها

وأثبت يف العامل األعلى مخسة . العامل األعلى، والعامل األدىن، والعامل اإلنساين: العوامل ثالثة: قال الكيالمكان األماكن، وهو مكان فارغ، ال يسكنه موجود، وال يدبره روحاين؛ مكان النفس : األول: أماكن

.مكان النفس اإلنسانية: انية، ودونهمكان النفس احليو: مكان النفس الناطقة، ودونه: األعلى، ودونه

: وأرادت النفس اإلنسانية الصعود إىل عامل النفس األعلى، فصعدتن وخرقت املكانني؛ اعين: قال

كلت، واحنسرت، وحتريت، وتعفننت : احليوانية، والناطقة؛ فلما قربت من الوصول إىل عامل النفس األعلى السفلي، ومضت عليها أكوار وأدوار؛و هي يف تلك احلالة من فأهبطت إىل العامل... واستحالت أجزاؤها

العفونة واالستحالة، مث ساحت عليها النفس األعلى وأفاضت عليها من أنوارهاجزءا؛ فحدثت التراكيب من املعادن، والنبات، واحليوان، واإلنسان؛ : السماوات، واألرض، واملركبات: يف هذا العامل، وحدثت

تارة سرورا، وتارة غما، وتارة فرحا، وتارة ترحا؛ وطوروا سالمة : ا التركيبووقعت يف باليا هذالقائم، ويردها إىل حال الكمال، وتنحل التراكيب، وتبطل : حىت يظهر... وعافية، وطورا بلية وحمنة

.أمحد الكيال: املتضادات؛ ويظهر الروحاين على اجلسماين؛ وما ذلك القائم إال

: ذاته بأضعف ما يتصور، وأوهى ما يقدر؛ وهو أن اسم أمحد مطابق للعوامل األربعةمث دل على تعيني

فاأللف من امسه يف مقابلة النفس األعلى، واحلاء؛ يف مقابلة النفس الناطقة، وامليم؛ يف مقابلة النفس

Page 75: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 75

مكان : ئط، وأماوالعوامل األربعة هي املبادىء والسا: قال. احليوانية، والدال؛ يف مقابلة النفس اإلنسانية .األماكن؛ فال وجود فيه البتة

فالسماء خالية؛ يف مقابلة مكان األماكن، : العامل السفلي اجلسماين؛ قال: مث أثبت يف مقابلة العوامل العلوية .وهذه األربعة يف مقابلة العوامل األربعة. ودوا النار، ودوا اهلواء، ودونه األرض، ودوا املاء

ان؛ يف مقابلة النار، والطائر؛ يف مقابلة اهلواء، واحليوان؛ يف مقابلة األرض، واحلوت؛ يف اإلنس: مث قال .فجعل مركز املاء أسفل املراكز، واحلوت أخس املركبات. مقابلة املاء؛ وكذلك ما يف معناه

الروحاين، : مث قابل العامل اإلنساين الذي هو أحد الثالثة وهو عامل األنفس مع آفاق العاملني األولنيإذ هو فارغ، ويف مقابلة : مكان األماكن: يف مقابلة: فالسمع: احلواس املركبة فيه مخس: واجلسماين؛ قال

.السماء

النفس األعلى من الروحاين، ويف مقابلة النار من اجلسماين، وفيه إنسان العني؛ ألن : يف مقابلة: والبصر .اإلنسان خمتص بالنار

.يتروح، ويتنشم: من الروحاين، واهلواء من اجلسماين؛ ألن الشم من اهلواءالناطق: يف مقابلة: والشم

احليواين من الروحاين، واألرض من اجلسمانني واحليوان خمتص باألرض؛ والطعم : يف مقابلة: والذوق .باحليوان

. س باحلوتاإلنساين من الروحاين، واملاء من اجلسماين؛ واحلوت خمتص باملاء، واللم: يف مقابلة: واللمس

.ورمبا عرب عن اللمس بالكتابة

أما يف مقابلة العامل العلوي : ألف، وحاء، وميم، ودال؛ وهو يف مقابلة العاملني: أمحد؛ هو: مث قال .الروحاين؛ فقد ذكرناه

وأما يف مقابلة العامل السفلي اجلسماين؛ فاأللف تدل على اإلنسان، واحلاء تدل على احليوان، وامليم على كاحليوان؛ ألنه معوج : كاإلنسان، واحلاء: ئر، والدال على احلوت؛ فاأللف من حيث استقامة القامةالطا

.تشبه ذنب احلوت: تشبه رأس الطائر، والدال: منكوس؛ وألن احلاء من إبتداء اسم احليوان، وامليم

مثل : لف، واليدانمثل األ: فالقامة: أمحد: إن الباري تعاىل إمنا خلق اإلنسان على شكل اسم: مث قال .مثل الدال: مثل امليم، والرجالن: احلاء، والبطن

والقائم قائد أهل الصرية، . إن األنبياء هم قادة أهل التقليد، وأهل التقليد عميان: مث من العجب أنه قالوأعجب من ! وأهل البصرية أولوا األلباب؛ وإمنا سحصلون البصائر مبقابلة؛ فكيف يرضى أن يعتقدها؟

تأويالته الفاسدة، ومقابالته بني الفرائض الشرعية واألحكام الدينية؛ وبني موجودات عاملي : كله هذاوكيف يصح له ذلك؛ وقد سبقه كثري من أهل العلم بتقرير ذلك؛ . واعاؤه أنه منفرد ا. اآلفاق واألنفس

Page 76: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 76

راط على نفسه، واجلنة على ال على الوجه املزيف الذي قرره الكيال؛ ومحله امليزان على العاملني، والص: وملا كانت أصول علمه ماذكرناه! الوصول إىل علمع من البصائر، والنار على الوصول إىل ما يضاده؟

هشام بن احلكم؛ صاحب املقالة يف : اهلشامني: اهلشامية أصحاب! فانظر كيف يكون حال الفروع؟ . التشبيهالتشبيه، وهشام بن سامل اجلواليقي؛ الذي نسج على منواله يف

منها : وكان هشام بن احلكم من متكلمي الشيعة، وجرت بينه وبني أيب هذيل مناظرات يف علم الكالم .يف التشبيه، ومنها يف تعلق علم الباري تعاىل

إن بني معبوده وبني األجسام تشاا ما، بوجه من الوجوه؛ ولوال : حكى ابن الرواندي عن هشام أنه قال .يهذلك ملا دلت عل

هو جسم ذو أبعاض له قددر من األقدار؛ ولكن ال يشبه شيئا من : وحكى الكعيب عنه أنه قال .املخلوقات، وال يشبهه شيء

سبعة أشبار بشرب نفسه، وأنه يف مكان خمصوص، وجهة خمصوصة، وأنه يتحرك؛ : هو: ونقل عنه أنه قالوحكى عنه أبو . لذات، غري متناه بالقدرةهو متناه با: وقال. وحركته فعله، وليست من مكان إىل مكان

إن اهللا تعاىل مماس لعرشه؛ ال يفضل منه شيء عن العرش، وال يفضل من العرش : عيسى الوراق أنه قال .شيء عنه

ال يقال : مل يزل الباري تعاىل عاملا؛ بنفسه، ويعلم األشياء بعد كوا؛ بعلم: ومن مذهب هشام؛ انه قال .هو هو، أو غريه، أو بعضه: مي؛ ألنه صفة، والصفة ال توصف؛ وال يقال فيهإنه حمدث، أو قد: فيه

ويريد األشياء، وإرادته : قال. وليس قوله يف القدرة واحلياة كقوله يف العلم؛ إال أنه ال يقول حبدوثهما جيوز إنه صفة الباري تعاىل؛ وال: وقال يف كالم الباري تعاىل. ليست هي عني اهللا؛ وال هي غريه: حركة

.هو خملوق، أو غري خملوق: أن يقال

األعراض ال تصلح ان تكون داللة على اهللا تعاىل؛ ألن منها ما يثبت استدالال؛ وما يستدل على : وقالكل ما ال يكون الفعل إال : االستطاعة: وقال. الباري تعاىل جيب أن يكون ضروري الوجود؛ ال استدالليا

.ت واملكانكاآلالت، واجلوارح، والوق: به

أعاله جموف، وأسفله مصمت، وهو نور ساطع يتألأل؛ : وقال هشام بن سامل إنه تعاىل على صورة إنسانهي نور أسود؛ لكنه ليس : وله حواس مخس، ويد، ورجل، وأنف، وأدذن، وعني، وفم، وله وفرة سوداء

أنه أجاز املعصية على :وقد نقل عنه. االستطاعة بعض املستطيع: وقال هشام بن سامل. بلحم وال دمويفرق بينهما بأن النيب يوحى إليه؛ فينبه على وجه اخلطأ؛ فيتوب منه، . األنبياء؛ مع قوله بعصمة األئمة

Page 77: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 77

.واإلمام ال يوحى إليه؛ فتجب عصمته

وهذا هشام بن احلكم . إنه إله واجب الطاعة: وغال هشام بن احلكم يف حق علي رضي اهللا عنه حىت قال األصول؛ ال جيوز أن يغفل عن إلزاماته على املعتزلة؛ فإن الرجل وراء ما يلزم به على صاحب عور يف

الباري تعاىل عامل بعلم، : إنك تقول: وذلك انه ألزم الغالف فقال... اخلصم، ودون ما يظهره من التشبيهاملا ال كالعاملني، فلم وعلمه ذاته؛ فيشارك احملدثات يف أنه عامل بعلم، ويباينها يف أن علمه ذاته؛ فيكون ع

إىل غري ذلك؟؟ ووافقه ... إنه جسم ال كاألجسام، وصورة ال كالصور، وله قدر ال كاألقدار: ال تقولقدرته، وحياته،و سائر صفاته؛ وإنه مل : زرارة بن أعني يف حدوث علم اللع تعاىل، وزاد عليه حبدوث

يا، وال مسيعا، وال بصريا، وال مريدا، وال عاملا، وال قادرا، وال ح: يكن قبل حدوث هذه الصفات .متكلما

وكان يقول بإمامة عبد اهللا بن جعفر؛ فلما فاوضه يف مسائل، ومل جيده ا مليا رجع إىل موسى بن جعفر هذا إمامي؛ وإنه كان قد التوى على : غنه مل يقل بإمامته، إال أنه أشار إىل املصحف؛ وقال: وقيل أيضا .ن جعفر بعض اإللتواءعبد اهللا ب

أن املعرفة ضرورية، وأنه ال يسع جهل األئمة؛ فإن معارفهم كلها فطرية ضرورية، : وحكى عن الزرارية .وكل ما يعرفه غريهم بالنظر فهو عندهم أويل ضروري، وفطريام ال يدركها غريهم

.الشيطانية أيضا: وهم: قحممد بن النعمان أيب جعفر األحول، امللقب بشيطان الطا: النعمانية أصحاب

.هو مؤمن الطاق: والشيعت تقول

وما . حممد بن علي بن احلسني رضي اهللا عنهم، وأفضى إليه أسرارا من أحواله وعلومه: وهو تلميذ الباقر .حيكى عنه يف التشبيه، فهو غري صحيح

.وافق هشام بن احلكم يف أن اهللا تعاىل ال يعلم شيئا حىت يكون: قيل

إن اهللا عامل يف نفسه، ليس جباهل؛ ولكنه إمنا يعلم األشياء إذا قدرها وأرادها، فأما : مد بن النعمانقال حممن قبل أن يقدرها ويريدها فمحال أن يعلمها، ال ألنه ليس بعامل؛ ولكن الشيء ال يكون شيئا حىت يقدره

.فعله تعاىل: اإلرادة، واإلرادة: وينشئه بالتقدير، والتقدير عنده

إن : قد ورد يف اخلرب: إن اهللا تعاىل نور على صورة إنسان رباين، ونفى أن يكون جسما، لكنه قال: وقال: وحيكى عن مقاتل بن سليمان. اهللا خلق آدم على صورته، وعلى صورة الرمحن؛ فال بد من تصديق اخلرب

ملصري؛ وغريمها من أصحاب داود اجلواريب، ونعيم بن محاد ا: وكذلك حيكى عن. مثل مقالته يف الصورةاعفوين عن الفرج واللحية، واسألوين : وحيكى عن داود أنه قال. أنه تعاىل ذو صورة وأعضاء: احلديث

Page 78: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 78

.عما وراء ذلك؛ فإن يف األخبار ما يثبت ذلك

أن : منها افعل ال تفعل؛ ويذكر فيها: وقد صنف ابن النعمان كتبأ مجة للشيعة؛ منها افعل مل فعلت، والعامة، : اخلوارج، الفرقة الثالثة عنده: القدرية، الفرقة الثانية عنده: الفرقة األوىل عنده: لفرق أربعةكبار ا

.الشيعة: الفرقة الرابعة عنده

.مث عني الشيعة بالنجاة يف اآلخرة من هذه الفرق

وجبان أما أمسكا عن الكالم يف اهللا؛ ورويا عمن ي: وذكر عن هشام بن سامل وحممد بن النعمانإذا بلغ الكالمإىل اهللا تعاىل فأمسكوا؛ : ؟ قال"وأن إىل ربك املنتهى:" أنه سئل عن قول اهللا تعاىل: تصديقه

.هذا نقل الوراق... فأمسكا عن القول يف اهللا، والتفكر فيه حىت ماتا

ئكة زعم أن املال. يونس بن عبد الرمحن القمي موىل آل يقطني: اليونسية أصحاب: ومن مجلة الشيعةأن املالئكة تئط أحيانا من وطأة عظمة اهللا : حتمل العرش، والعرش حيمل الرب تعاىل؛ إذ قد ورد يف اخلرب

.تعاىل على العرش

.وهو من مشبهة الشيعة؛ وقد صنف هلم كتبا يف ذلك

م؛ النصريية واإلسحاقية من مجلة غالة الشيعة، وهلم مجاعة ينصرون مذهبهم، ويذبون عن أصحاب مقاالظهور الروحاين باجلسد اجلسماين : قالوا.وبينهم خالف يف كيفية إطالق اإلهلية على األئمة من أهل البيت

أما يف جانب اخلري؛ فكظهور جربيل عليه السالم ببعض األشخاص، والتصور بصورة : أمر ال ينكره عاقلورة إنسان، حىت يعمل الشر وأما يف جانب الشر؛ فكظهور الشيطان بص. أعرايب، والتمثل بصورة البشر

.إن اهللا تعاىل ظهر بصورة أشخاص: فكذلكنقول... بصورته؛ وظهور اجلن بصورةبشر حىت يتكلم بلسانه

وملا مل يكن بعد رشول اهللا صلى اهللا عليه وسلم شخص أفضل من علي رضي اهللا عنه، وبعده أوالده سام، وأخذ بأيديهم؛ فعن هذا أطلقنا اسم املخصوصون، وهم خري الربية؛ فظهر احلق بصورم، ونطق بل

وإمنا أثبتنا هذا اإلختصاص لعلي رضي اهللا عنه دون غريه؛ ألنه كان خمصوصا بتأييد غلهي . اإلهلية عليهمأنا أحكم بالظاهر، واهللا :" قال النيب صلى اهللا عليه وسلم. من عند اهللا تعاىل، فيما يتعلق بباطن األسرار

ن هذا كان قتال املشركني إىل النيب صلى اهللا عليه وسلم؛ وقتال املنافقني إىل علي و ع".يتوىل السرائرلوال أن يقول : شبهه بعيسى بن مرمي عليه السالم؛ فقال صلى اهللا عليه وسلم: وعن هذا. رضي اهللا عنه

يف الرسالة؛ إذ ورمبا أثبتوا له شركة. لقلت فيك مقاال: الناس فيك ما قالوا يف عيسى بن مرمي عليه السالم". فيكم من يقاتل على تأويله؛ كما قاتلت على ترتيله؛ أال وهو خاصف النعل:" قال النيب عليه السالم

من أدل الدليل على أن فيه : فعلم التأويل، وقتال املنافقني، ومكاملة اجلن، وقلع باب خيرب ال بقوة جسدانية: إلله بصورته، وخلق بيديه، وأمر بلسانه؛ وعن هذا قالواوميون هو الذي ظهر ا. جزءا إهليا، وقوة ربانية

Page 79: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 79

كنا أظله على ميني العرش، فسبحنا، فسبحت املالئكة : قال. كان موجودا قبل خلق السموات واألرضهي حقيقته، وهي مشرقة بنور الرب تعاىل : بتسبيحنا؛ فتلك الظالل؛ وتلك الصور اليت تنىبء عن الظالل

: قال علي رضي اللع عنه: وعن هذا. ؛ سواء كانت يف هذا العاملن أو يف ذلك العاملإشراقا ال ينفصل عنها

. ال فرق بني النورين؛ إال أن أحدمها سابق، والثاين ال حق به تال له: أنا من أمحد كالضوء من الضوء يعين

.وهذا يدل على نوع من الشركة: قالوا

.اجلزء اإلهلي: أميل إىل تقرير: فالنصريية

.الشركة يف النبوة: أميل إىل تقرير: حاقيةواإلس

.ال نذكرها: وهلم اختالفات كثرية أخر

وقد أجنزت الفرق اإلسالمية، وما بقيت إال فرقة البطنية؛ وقد أوردهم أصحاب التصانيف يف كتب .قةهم قوم خيالفون اإلثنتني والسبعني فر: وباجلملة. إما خارجة عن الفرق، وإما داخلة فيها: املقاالت

فمنالزيدية أبو خالد الواسطي ومنصمور بن األسود، وهارون : رجال الشيعة ومصنفي كتبهم من احملدثني .جارودية.... بن سعد العجلي

ووكيع بن اجلراح، وحيىي بن آدم، وعبيد اهللا بن موسى، وعلي بن صاحل، والفضل بن دكني، وأبو .اإلمامو خرج حممد بن عجالن؛ مع حممد .بترية... حنيفة

إبراهني بن سعيد، وعباد بن عوام، ويزيد بن هارةون، والعالء ابن ؤاشد، وهشيم بن بشري، : وخرج .والعوام بن حوشب، ومستلم بن سعيد؛ مع إبراهيم اإلمامة

سامل بن أيب اجلعد، وسامل ابن أيب حفصة، وسلمة بن كهيل، وثوير : ومن اإلمامية وساءر أصناف الشيعةوحبيب بن أيب ثابت، وأبو املقدام، وشعبة، واألعمش، وجابر اجلعفي، وأبو عبد اهللا بن أيب فاختة،

اجلديل، وأبو غسحاق السبيعي، واملغرية، وطاووس، والشعيب، وعلقمة، وهبريةابن برمي، وحبة العرين، .واحلارث األعور

لشكال، والفضل بن هشام بن احلكم، وعلي بن منصور، ويونس ابن عبد الرمحن، وا: ومن مؤلفي كتبهمشاذان، واحلسني بن إشكاب، وحممد بن عبد الرمحن، وابن قبة، وأبو سهل النوخبيت، وأمحد بن حيىي

.أبو جعفر الطوسي: ومن املتأخرين. الرواندي

أن اإلمساعيلية امتازت عن املوسوية وعن اإلثين عشرية؛ بإثبات اإلمامة إلمساعيل بن : اإلمساعيلية قد ذكرنا .هو ابنه األكرب املنصوص عليه يف بدء األمرجعفر، و

مل يتزوج الصادق رضي اهللا عنه على أمه بواحدة من النساء، وال تسري جبارية؛ كسنة رسول اهللا : قالوا

Page 80: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 80

صلى اهللا عليه وسلم يف حق خدجية رضي اهللا عنها، وكسنة علي رضي اهللا عنه يف حق فاطمة رضي اهللا .عنها

انتقال : إنه مات، وإمنا فائدة النص عليه: فمنهم من قال: موته يف حال حياة أبيهاختالفام يف: وقد ذكرنااإلمامة منه إىل أوالده خاصة؛ كما نص موسى على هارون عليهما السلالم، مث مات هارون يف حال

بداء وإمنا فائدة النص انتقال اإلمامة منه إىل أوالده؛ فإن النص ال يرجع قهقرى، والقول بال. حياة أخيهحمال، وال ينص اإلمام على واحد من أوالده إال بعد السماع من آبائه؛ والتعيني ال جيوز على اإلام

.واجلهالة

منها : إنه مل ميت، ولكنه أظهر موته تقية عليه حىت ال يقصد بالقتل؛ وهلذا القول دالالت: ومنهم من قالالذي كان إمساعيل نائما عليه؛ ورفع املالءة؛ أن حممدا كان صغريا وهو أخوه ألمه مضى إىل السرير

إن أوالد : قال والده... عاش أخي، عاش أخي: فأبصره وقد فتح عينيه؛ فعاد إىل أبيه مفزعا، وقالقالوا ومنها السبب يف اإلشهاد على موته وكتب احملضر . الرسول عليه السالم كذا تكون حاهلم يف اآلخرة

أن إمساعيل بن جعفر رئي بالبصرة؛ : ملا رفع إىل املنصور: ى موته؛ وعن هذاعليه، ومل نعهد ميتا سجل علأن إمساعيل بن جعفر يف : بعث املنصور إىل الصادق: وقد مر على مقعد فدعا له، فربىء، بإذن اهللا تعاىل

.أنفذ السجل إليه، وعليه شهادة عاملة باملدينة: األحياء؛ وأنه رئي بالبصرة

حممد بن إمساعيل السا بع التام، وإمنا مت دور السبعة به، مث ابتدى منه باألئمة وبعد إمساعيل: قالوا .ويظهرون الدعاة جهرا. املستورين الذين كانوا يسريون يف البالد سرا

فإذا كان اإلمام . إما ظاهر مكشوف، وإما باطن مستور: ولن ختلو األرض قط من إمام حي قائم: قالوا .وإذا كان اإلمام مستورا؛ فال بد أن يكون حجته ودعاته ظاهرين. جته مستوراظاهرا؛ جاز أن يكون ح

كأيام األسبوع، والسموات السبع، والكواكب السبعة؛ : وقالواإ إن األمة تدور أحكامهم على سبعة سبعة .والنقباء تدور أحكامهم على إثين عشر

. عدد النقباء لألئمةوعن هذا وقعت الشبهة لإلمامية القطعية؛ حيث قرروا: قالوا

نصا بعد نص، على إمام : مث بعد األئمة املستورين كان ظهور املهدي باهللا، والقائم بأمر اهللا، وأوالدهم .بعد إمام

وكذلك من مات ومل يكن يف عنقه . مات ميتة جاهلية: أن من مات ومل يعرف إمام زمانه: ومن مذهبهم .بيعة إمام مات ميتة جاهلية

فتذكر مقاالم القدمية؛ ونذكر بعدها دعوة صاحب . كل زمانن ومقالة جديدة بكل لسانوهلم دعوة يف .الدعوة اجلديدة

Page 81: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 81

.لكل ظاهر باطنا؛ ولكل ترتيل تأويال: وأشهر ألقام الباطنية؛ وإمنا لزمهم هذا اللقب؛ حلطمهم ألن

نيةن والقرامطة، واملزدكية؛ الباط: فبالعراق يسمون: وهلم ألقاب كثرية سوى هذه على لسان قوم قومحنن إمساعيلية؛ ألنا متيزنا عن فرق الشيعة ذا االسم وهذا : وخبراسان التعليمية، وامللحدة وهم يقولون

.الشخص

فقالوا . مث إن الباطنية القدمية قد خلطوا كالمهم ببعض كالم الفالسفة، وصنفوا كتبهم على هذا املنهاج .هو موجود؛ وال ال موجود، وال عامل؛ وال جاهل، وال قادر، وال عاجز: قولإنا ال ن: يف الباري تعاىل

وكذلك يف مجيع الصفات؛ فإن اإلثبات احلقيقي يقتضي شركة بينه وبني سائر املوجودات يف اجله اليت ينن إله املتقابلني، وخالق املتخاصم: أطلقناها عليه، وذلك تشبيه؛ فلم ميكن احلكم باإلثبات املطلق؛ بل هو

ملا وهب العلم للعاملني؛ : ونقلوا يف هذا نصا عن حممد بن علي بن الباقر انه قال. واحلاكم بني املتضادينعاملن قادر؛ مبعىن أنه وهب العلم، : قو قادر؛ فهو: هو عاملن وملا وهب القدرة للقادرين؛ قيل: قيل

.لقدرةوالقدرة؛ ال مبعىن أنه قام به العلم والقدرةن أو وصف بالعلم وا

.إم نفاة الصفات حقيقة، معطلة الذات عن مجيع الصفات: فقيل فيهم

خلقه، : أمرهن وكلمتهن واحملدث: إنه ليس بقدمي وال حمدث؛ بل القدمي: وكذلك نقول يف القدم ...وفطرته

سبة ون. ألبدع باألمر العقل األول الذي هو تام بالفعلن مث بتوسطه أبدع النفس التاي الذي هو غري تامإما نسبة النطفة إىل متام اخللقة، والبيض إىل الطري؛ وإما نسبة الولد إىل الوالدن والنتيجة : النفس إىل العقل

وملا اشتاقت النفس إىل كمال العقل : قالوا. إىل املنتج؛ وإما نسبة الذكر إىل االنثى، والزوج إىل الزوجكة إىل آلة احلركة؛ فحدثت األفالك احتاجت إىل حركة من النقص إىل الكمال، واحتاجت احلر

من املعادن، والنبات، : السماوية، وحتركت حركة استقامة بتدبري النفس أيضا؛ فتركبت املركباتوكان من نوع اإلنسان متميزا عن سائر . واحليوان، واإلنسان؛ واتصلت النفوس اجلزئية باألبدان .ان عامله يف مقابلة العامل كلهاملوجودات باإلستعداد اخلاص لفيض تلك األنوار، وك

عقل مشخص هو كل، وحكمه : عقل، ونفس كلي؛ فوجب أن يكون يف هذا العامل: ويف العامل العلوياملتوجه إىل الكمال، أو حكم النطفة املتوجهة إىل ... الناطق: حكم الشخص الكامل البالغ، ويسمونه

.وهو الوصي. ساساأل: التمام، أو حكم األنثى املزدوجة بالذكر؛ ويسمونه

وكما حتركت األفالك والطبائع بتحريك النفس والعقلح كذلك حتركت النفوس واالشخاص : قالوابالشرائع بتحريك النيب، والوصي يف كل زمان دائرا على سبعة سبعة؛ حىت ينتهي إىل الدور األخري،

Page 82: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 82

.ويدخل زمان القيامةن وترتفع التكاليف، وتضمحل السنن والشرائع

بلوغها إىل درجة : هذه احلركات الفلكية، والسنن الشرعية؛ لتبلغ النفس إىل حال كماهلا؛ وكماهلاوإمنافتنحل تراكيب األفالك . العقل،و احتادها به، ووصوهلا إىل مرتبته فعالح وذلك هو القيامة الكربى

وتطوى السماء والعناصر واملركبات، وتنشق السماء، وتتناثر الكواكب، وتبدل األرض غري األرض، كطي السجل للكتاب املرقوم؛ وفيه حياسب اخللق، ويتميز اخلري عن الشر، واملطيع عن العاصني وتتصل

فمن وقت احلركة ىل وقت . جزئيات احلق بالنفس الكلي، وجزيئات الباطل بالشيطان املضل املبطل .هو الكمال: هو املبدأ؛ ومن وقت السكون إىل ما ال اية له: السكون

من بيع وإجارةن وهبة، ونكاح، وطالق، : ما من فريضة، وسنة، وحكم من األحكام الشرعية: قالوامثعددا يف مقابلة عدد، وحكما يف كطابقة حكم؛ فإن : إال وله وزان من العامل...وجراح، وقصاص، ودية

: احلروف والكلماتوكذلك التركيبات يف. الشرائع عوامل روحانية أمرية، والوامل شرائع جسمانية خلقية

: على وزان التركيبات يف الصور واألجسام؛ واحلروف املفردة نسبتها إىل املركبات من الكلمات

وزان يف العامل، وطبيعة خيصها، وتأثري من : ولكل حرف. كالبسائط اردة إىل املركبات من األجسام .حيث تلك اخلاصية يف النفوس

من الكلمات التعليمية غذاء للنفوس، كما صارت األغذية املستفادة من فعن هذا صارت العلوم املستفادة أن يكون غذاء كل موجود مما خلق منه؛ فعلى هذا : الطبائع اخللقية غذاء لالبدان؛ وقد قدر اهللا تعاىل

ذكر أعداد الكلمات واآليات، وأن التسمية مركبة من سبعة وإثين عشر، وأن التهليل : الوزن صاروا إىل من أربع كلمات يف إحدى الشهادتني، وثالث كلمات يف الشهادة الثانية، وسبع قطع يف األوىل، مركب

وكذلك يف كل آية أمكنهم . وست يف الثانية، وإثين عشر حرفا يف األوىل، وإثين عشر حرفا يف الثانيةبضدهز وهذه استخراج ذلك مما ال يعمل العاقل فكرته فيه إال ويعجز عن ذلك؛ خوفا من مقابلته

يعرف : ودعوا الناس إىل إمام يف كل زمان. املقابالت كانت طريقة أسالفهم؛ قد صنفوا فيها كتبا .موازنات هذه العلوم، ويهتدي إىل مدارج هذه األوضاع والرسوم

تنكبوا هذه الطريقة؛ حني أظهر احلسن بن حممد بن الصباح دعوته، : مث إن أصحاب الدعوة اجلديدة .إللزامات كلمته، واستظهر بالرجال، وحتصن بالقالعوقصر على ا

أملوت يف شهر شعبان سنة ثالث ومثانني وأربعمائة؛ وذلك بعد أن هاجر : وكان بدء صعوده على قلعة .إىل بالد إمامة وتلقى منه كيفية الدعوى ألبناء زمانه

ييز الفرقة الناجية عن سائر إمام صادق، قائم يف كل زمان؛ ومت: فعاد، ودعا الناس أول دعوة إىل تعيني

Page 83: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 83

: وإمنا تعود خالصة كالمه، بعد ترديد القول فيه. أن هلم إماما وليس لغريهم إمام: الفرق ذه النكتة وهي

.عودا على بدء بالعربية، والعجمية إىل هذا احلرف

، واجتنب الباطل، وال معاب على الناقل، واملوفق من اتبع احلق. وحنن ننقل ماكتبه بالعجمية إىل العربية .واهللا املوفق واملعني

للمفيت يف معرفت اللع : قال:األول: فنبدأ بالفصول األربعة، اليت ابتدأ ا دعوته؛ وكتبها عجمية، فعربتهاأعرف الباري تعاىل مبجرد العقل والنظر؛ من غري احتياج إىل تعليم معلم؛ : إما أن يقول: تعاىل أحد قولني

و من أفىت باألول؛ فليس له :يق إىل املعرفة مع العقل والنظر إال بتعليم معلم؛ قالال طر: وإما أن يقولاإلنكار على عقل غريه ونظره؛ فإنه مىت أنكر، فقد علم، واإلنكار تعليم، ودليل على أن املنكر عليه حمتاج

أن يقول من نفسه، والقسمان ضروريان؛ ألن اإلنسان إذا أفىت بفتوى، أو قال قوال؛ فإما: قال. إىل غريه .فإما أن يعتقده من نفسه، أو من غريه: أو من غريه؛ وكذلك إذا اعتقد عقدا

أنه إذا ثبت : وذكر يف الفصل الثاين. أصحاب الرأي والعقل: هذا هو الفصل األول؛ وهو كسر علىإنه : قالومن : قال. اإلحتياج إىل معلم؛ أفيصلح كل معلم على اإلطالق، أم ال بد من معلم صادق؟

يصلح كل معلم؛ ما ساغ له اإلنكار على معلم خصمه، وإذا أنكر فقد سلم أنه ال بد من معلم صادق .أصحاب احلديث: وهذا كسر على: قيل. معتمد

أنه إذا ثبت اإلحتياج إىل معلم صادق؛ أفال بد من معرفة املعلم أوال والظفر به، : وذكر يف الفصل الثالثز التعلم من كل معلم، من غري تعيني شخصه، وتبيني صدقه؟ والثاين رجوع إىل مث التعلم منه؟ أم جا

.وهو كسر على الشيعة. ومن لن ميكنه سلوك الطريق إال مبقدم ورفيق؛ فالرفيق مث الطريق. األول

حنن حنتاج يف معرفة الباري تعاىل إىل معلم صادق، : وذكر يف الفصل الرابع أن الناس فرقتان؛ فرقة قالتوقد تبني . وفرقة أخذت يف كل علم من معلم، وغري معلم. ب تعيينه وتشخيصه أوال مث التعلم منهوجي

أن احلق مع الفرقة األوىل، فرئيسهم جيب أن يكون رئيس احملقني؛ وإذ تبني ان الباطل : باملقدمات السابقة .مع الفرقة الثانية؛ فرؤساؤهم جيب أن يكونوا رؤساء املبطلني

لطريقة هي اليت عرفنا ا احملق باحلق معرفة جمملة، مث نعرف بعد ذلك احلق باحملق معرفة وهذه ا: قالباإلحتياج : وقال. اإلحتياج وباحملق احملتاج إليه: وإمنا عىن باحله ههما. مفصلة؛ حىت ال يلزم دوران املسائل

ب، أي واجب الوجود، وبه عرفنا اإلمام، وباإلمام عرفنا مقادير اإلحتياج؛ كما باجلواز عرفنا الوجو .والطريق إىل التوحيد كذلك، حذو القذة بالقذة: قال. عرفنا مقادير اجلواز يف اجلائزات

كسر، وإلزامن واستدالل : إما متهيدا، وإما كسرا على املذاهب؛ وأكثرها: مث ذكر فصوال يف تقرير مذهبه .باإلختالف على البطالن، وباإلتفاق على احلق

Page 84: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 84

الصغرين والكبري، يذكر أن يف العامل حقا، وباطالز مث يذكر أن عالمة احلق هي :ل احلق والباطلمنها فصوالتعليم مع اجلماعة، . وأن الوحدة مع التعليم، والكثرة مع الرأي. الوحدة، وعالمة الباطل هي الكثرة

.والرأي يف الفرق املختلفة، وهي مع رؤسائهم. واجلماعة مع اإلمام

والباطل، والتشابه بينهما من وجه، والتمايز بينهما من وجه، والتضاد يف الطرفني، والترتب وجعل احلقوإمنا أنشأت هذا امليزان من كلمة الشهادة، : قال.ميزانا يزن به مجيع ما يتكلم فيه... فيأحد الطرفني

. ئر املتضاداتوسا... اخلري والشر، والصدق والكذب: ووزن بذلك. وتركيبها منالنفي واإلثبات حق

التوحيد والنبوة معا؛ حىت :أن يرجع يف كل مقالة، وكلمة؛ إىل إثبات املعلم، وأن التوحيد هو: ونكتته .وهذا هو منتهى كالمه. النبوة واإلمامة معا؛ حىت تكون نبوة: يكون توحيدا، وأن النبوة هي

كيفية : كتب املتقدمة؛ إال من عرفوقد منع العوام عن اخلوض يف العلوم، وكذلك اخلواص عن مطالعة ال .احلال يف كل كتاب، ودرجة الرجال يف كل علم

ما : إهلنا إله العقول؛ أي: وأنتم تقولون: قال. إن إهلنا إله حممد: ومل يتعد بأصحابه يف اإلهليات عن قوله احد؛ أم و: ما تقول يف الباري تعاىل؟ وأنه هل هو: فإن قيل لواحد منهم. هدى غليه عقل كل عاقل

إله حممد وهو الذي أرسل رسوله : إن إهلي: مل جيب إال ذا القدر... كثري؟ عامل؛ أم ال؟ قادر؛ أم ال؟ .باهلدى ودين احلق؛ ليظهره على الدين كله، ولو كره املشركون؛ والرسول هو اهلادي إليه

إليك؟، أو نسمع هذا أفنحتاج: وكم قد ناظرت القوم على املقدمات املذكورة؛ فلم يتخطوا عن قوهلم .منك؟، أو نتعلم عنك؟؟

أين احملتاج إليه؟ وأي شيء يقرر يل يف اإلهيات؟ وماذا يرسم : وكم قد ساهلت القوم يف اإلحتياج؛ وقلتإذ املعلم ال يعىن لعينه وإمنا يعىن؛ ليعلم؛ وقد سددمت باب العلم، وفتحتم باب التسليم ... يل يف املقوالت؟

.ضى عاقل بأن يعتقد مذهبا على غري بصرية، وأن يسلك طريق من غري بينةوالتقليد؛ وليس ير

مبادىء الكالم حتكيمات، وعوقبها تسليمات؛ فال وربك ال يؤمنون حىت حيكموك فيما : وإن كانت .شجر بينهم؛ مث ال جيدوا يف أنفسهم حرجا مما قضيت، ويسلموا تسليما

الباب السابع

أهل الفروع

Page 85: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 85

.يف األحكام الشرعية واإلجتهادية: املختلفون

.ورمبا تعود إىل إثنني. الكتاب، والسنة، واإلمجاع، والقياس: اعلم أن أصول اإلجتهاد وأركانه أربعة

من إمجاع الصحابة رضي اهللا عنهم، وتلقوا أصالإلجتهاد : وإمنا تلقوا صحة هذه األركان؛ واحنصارهاإن العلم قد حصل بالتواتر أم إذا وقعت حادثة شرعية؛ من حالل، أو والقياس وجوزوا منهم أيضا؛ ف

فزعوا إىل اإلجتهاد، واتدؤا بكتاب اهللا تعاىل؛ فإن وجدوا فيه بصا أو ظاهرا؛ متسكوا به، وأجروا : حرام فزعوا إىل السنة؛ فإن روى هلم يف ذلك: حكمك احلادثة على مقتضاه؛ وإن مل جيدوا فيه نصا أو ظاهرا

فكانت أركان اإلجتهاد . فزعوا إىل اإلجتهاد: خرب أخذوا به، ونزلوا على حكمه؛ وإن مل جيدوا اخلرباألخذ مبقتضى إمجاعهم واتفاقهم، واجلرى : أربعة؛ إذ وجب علينا: اثنني، أو ثالثة؛ ولنا بعدهم: عندهم

.على مناهج اجتهادهم

رمبا كان إمجاعا مطلقا مل يصرح فيه اإلجتهاد؛ وعل ورمبا كان إمجاعهم على حادثة غجماعا اجتهاديا، و. فاإلمجاع حجة شرعية؛ إلمجاعهم على التمسك ل باإلمجاع على التمسك باإلمجاع: الوجهني مجيعا

ال جيتمعون على ضالل؛ وقد قال : أن الصحابة رضي اهللا عتهم، الذين هم األئمة الراشدون: وحنن نعلم .ال جتتمع أميت على ضاللة: النيب صلى اهللا عليع وسلم

قد اختصه؛ ألنا على القطع نعلم أن الصدر األول ال : ولكن اإلمجاع ال خيلو عن نص خفي أو جلىجيمعون على أمر إال عن تثبت، وتوقيف؛ فإما أن يكون ذلك النص فسي نس احلادثة اليت اتفقوا على

نص يف أن اإلمجاع حجة، وخمالفة اإلمجاع حكمها؛ من غري بيان ما يستند إليه حكمها، وإما أن يكون ال .بدعة

ال حمالة؛ وإال فيؤدي إىل إثبات األحكام املرسلة؛ ومستند : خفي أو جلي: مستند اإلمجاع نص: وباجلملةفرجعت األصول . اإلمجاع؛ وهو أيضا مستند إىل نص خمصوص يف جواز اإلجتهاد: اإلجتهاد والقياس هو

ني، ورمبا ترجع إىل واحد؛ وهو قول اهللا تعالىز األربعة يف احلقيقة إىل إثنت

مما اليقبل احلصر والعد؛ ونعلم : نعلم قطعا ويقينا أن احلوادث والوقائع يف العبادات والتصرفات: وباجلملةقطعا أيضا أنه مل يرد يف كل حادثة نص، وال يتصور ذلك أيضا؛ والنصوص إذا كانت متناهية، والوقائع

أن اإلجتهاد والقياس واجب اإلعتبار؛ حىت : علم قطعا... ؛ وال يتناهى ال يضبطه ما يتناهىغري متناهية .يكون بصدد كل حادثة إجتهاد

خارجا عن ضبط الشرع؛ فإن القياس املرسل شرع آخر، وإثبات : مث ال جيوز أن يكون اإلجتهاد مرسالفيجب على اتهد أن ال يعدل يف حكم من غري مستند وضع آخر، والشارع هو الواضع لألحكام؛

.اجتهاده عن هذه األركان

Page 86: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 86

معرفة قدر صاحل من اللغة؛ حبيث ميكنه فهم لغات العرب؛ والتمييز بني األلفاظ : وشرائط اإلجتهاد مخسةالوضعية واإلستعارية، والنص والظاهر، والعام واخلاص، واملطلق واملقيد، وامل واملفصل، وفحوى

الكالم، ومايدل على مفهومه باملطابقة، وما يدل بالتضمن، وما يدل باإلستتباع؛ فإن اخلطاب، ومفهوم .هذه املعرفة كاآللة اليت ا حيصل الشيء؛ ومن مل حيكم اآللة واألداة مل يصل إىل متام الصنعة

رئي من معرفة تفسري القرآن؛ خصوصا مايتعلق باإلحكام، وما ورد من األخبار يف معاين اآليات، وما: مثكيف سلكوا مناهجها؟ وأي معىن فهموا من مدارجها؟؛ ولو جهل تفسري سائر : الصحابة املعتربين

مل يضره ذلك يف اإلجتهاد؛ فإن من الصحابة من كان ال : اآليات اليت تتعلق باملواعظ والقصص قيلمبتوا، : فة األخبارمعر: مث . يدري تلك املواعظ، ومل يتعلم بعد مجيع القرآن؛ وكان من أهل اإلجتهاد

عدوهلا، وثقاا، ومطعوا، ومردودها؛ واإلحاطة بالوقائع : وأسانيدها؛ واإلحاطة بأحوال النقلة، والواة: مث الفرق بني. اخلاصة فيها، وما هو عام ورد يف حادثة خاصة، وما هو خاص عمم يف الكل حكمه

شذ عنه وجه من هذه الوجوه، وال خيتلط عليه الواجب، والندب، واإلباحة، اخلطر، والكراهة؛ حىت ال ي .باب بباب

معرفة مواقع إمجاع الصحابة، والتابعني، وتابع التابعني من السلف الصاحلني؛ حىت ال يقع اجتهاده يف : مث .خمالفة اإلمجاع

من طلب أصل أوال، مث طلب معىن خميل: التهدي إىل مواضع األقيسة، وكيفية النظر والتردد فيها: مث

.يستنبط منه؛ فيعلق احلكم عليه، أو شبه يغلب على الظن، فيلحق احلكم به

مخس شرائط، البد من مراعاا؛ حىت يكون اتهد جمتهدا واجب الغتباع والتقليد يف حق العامي، : فهذه .وإال؛ فكل حكم مل يستند إىل قياس واجتهاد مثل ما ذكرنا؛ فهو مرسل مهمل

ساغ له اإلجتهاد، ويكون احلكم الذي أدى إليه اجتهاده سائغا يف : د هذه املعارففإذا حصل اته: قالواوقد استفاض اخلرب عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه . الشرع، ووجب على العامي تقليده، واألخذ بفتواه

فبسنة رسول : فإن مل جتد؟ قال: بكتاب اهللا، قال: مب حتكم؟ قال! يا معاذ: ملا بعث معاذا إىل اليمن قالاحلمد هللا الذي وفق رسول : أجتهد برأيي؛ فقال النيب صلى اهللا عليه وسلم: اهللا، قال فإن مل جتد؟ قال

ملا بعثين رسول : وقد روى عن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب رضي اهللا عنه أنه قال. رسوله ملا يرضاهكيف أقضي بني الناس وأنا حدث السن؛ ! ل اهللايا رسو: اهللا صلى اهللا عليه وسلم قاضيا إىل اليمن، قلت

اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه ؛ فما : فضرب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بيده على صدري، وقال .شككت بعد ذلك يف قضاء بني اثنني

يف األصول والفروع : أحكام اتهدين

Page 87: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 87

فعامة أهل األصول على أن الناظر يف . مث اختلف أهل األصول يف تصويب اتهدين يف األصول والفروعجيب أن يكون متعني الغصابة؛ فاملصيب فيها واحد : املسائل األصولية، واألحكام العقلية اليقينية القطعية

بالنفي واإلثبات، على شرط : وال جيوز أن خيتلف املختلفان يف حكم عقلي حقيقة اإلختالف. بعينه ما يثبته اآلخر بعينه، من الوجه الذي يثبته،يف الوقت الذي يثبته إال التقابل املذكور؛ حبيث ينفي أحدمها

بني أهل األصول يف اإلسالم، أو : الصدق والكذب، واحلق والباطل؛ سواء كان اإلختالف: وأن يقتسماال حيتمل توارد الصدق : بني أهل اإلسالم وبني أهل امللل والنحل اخلارجة عن اإلسالم؛ فإن املختلف فيه

زيد يف هذه الدار يف هذه : وهو مثل قول أحد املخربين. كذب، والصواب واخلطإ عليه يف حالة واحدةوالأن أحد املخربين صادق،و اآلخر كاذب؛ ألن املخرب عنه ال حيتمل اجتماع : الساعة؛ فإنا نعلم قطعا

ملختلفان يف حكم عقلي قد خيتلف ا! احلالتني فيه معا؛ فيكون زيد يف الدار، وال يكون يف الدارز لعمرييف مسألة، ويكون حمل اإلختالف مشتركا، وشرط القضيتني نافذا؛ فحينئذ ميكن أن يصوب املتنازعتان؛

املختلفان يف مسالة : مثال ذلك: ويرتفع الرتاع بينهما برفع اإلشتراك، أو يعود الرتاع إىل أحد الطرفنيأن الكالم : هو خملوق، أراد به: إلثبات فغن الذي قالالكالم؛ ليسا يتواردان على معىن واحد بالنفي وا

ليس : والذي قال. وهذا خملوق: هو احلروف واألصوات يف اللسان، والرقوم والكلمات يف الكتابة؛ قالمبخلوق، مل يرد به احلروف والرقوم، وإمنا أراد به معىن آخر؛ فلم يتواردا بالتنازع يف اخللق على معىن

.واحد

اتصال شعاع باملرئي، وهو ال جيوز يف حق : الرؤية غنما هي: لة الرؤية فإن النايف قالوكذلك يف مسأفلم يتوارد النفي والغثبات على معىن واحد؛ أال إذا رجع الكالم إىل إثبات حقيقة الرؤية . الباري تعاىل

.نفيان وإثباتا: فيتفقان أوال على أا ما هي؟ مث يتكلمان

نفيا، وغثباتا؛ وإال فيمكن أن :م يرجعان إىل إثبات ماهية الكالم، مث يتكلمانوكذلك يف مسألة الكال .تصدق القضيتان

وقد صار أبو احلسن العنربي إىل أن كل جمتهد ناظر يف األصول مصيب؛ ألنه أدى ما كلف به من املبالغة وإمنا ذكر هذا يف . أصاب من وجهنفيا، وإثباتا؛ إال انه: يف تسديد النظر يف املنظور فيه، وإن كان متعينا

. اإلسالميني من الفرقن وأما اخلارجون عن امللة؛ فقد تقررت النصوص والغجماع على كفرهم، وخطئه

وكان سياق مذهبه يقتضي تصويب كل جمتهد على اإلطالق؛ إال أن النصوص واإلمجاع صدته عن .تصويب كل ناظر، وتصديق كل قائل

حكم : أهل األهواء، مع قطعهم بأن املصيب واحد بعينه؛ ألن التكفريولالصوليينك خالف يف تكفريمل : كفر وضلل خمالفه، ومن متسائل متألف: حكم عقلي؛ فمن مبالغ متعصب ملذهبه: شرعي، والتصويب

Page 88: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 88

قرن كل مذهب ومقالة واحد من أهل األهواء وامللل؛ كتقرين القدرية باوس، وتقرين : ومن كفر. يكفر .يهود، وتقرين الرافضة بالنصارى؛ وأجرى حكم هؤالء فيهم من املناكحةو أكل الذبيحةاملشبهة بال

واختلفوا يف اللعن على حسب . قضى بالتضليل، وحكم بأم هلكى يف اآلخرة: ومن تساهل؛ ومل يكفر .اختالفهم يف التكفري والتضليل

: عن تأول وإجتهاد، مسي: جهوكذلك من خرج على اإلمام احلق بغيا وعدوانا؛ فغن كان صدر خرو

إذا مل خيرج بالبغي عن اإلميان؛ مل يستوجب : هل يوجب اللعن؟؛ فعند أهل السنة: مث البغي. خمطئا: باغيا ...اللعن

: وإن كان صدر خروجه عن... يستحق اللعن حبكم فسقه؛ والفاسق خارج عن اإلميان: وعند املعتزلة

.اللعن باللسان، والقتل بالسيف والسنان: اع املسلمني؛ استحقالبغي، واحلسد، واملروق عن الدين فإمج

من احلالل واحلرام؛ ومواقع اإلختالف مظان : وأما اجلتهدون يف الفروع؛ فاختلفوا يف األحكام الشرعيةوإمنا يبتين ذلك على أصل؛ وهو أنا نبحث هل هللا . غلبات الظنون؛ حبيث ميكن تصويب كل جمتهد فيها

فمن األصوليني من صار إىل أن ال حكم هللا تعاىل يف الوقائع اتهد فيها . يف كل حادثة أم ال؟تعاىل حكم ما أدى إليه اجتهاد : من جواز، وحظر، وحالل، وحرام؛ وإمنا حكمه تعاىل: حكما بعينه قبل اإلجتهاد

وصا على مذهب اتهد؛ وأن هذا احلكم منوط ذا السبب، فما مل يوجد السبب مل يثبت احلكم، خصافعل، ال : إن اجلواز واحلظر ال يرجعان إىل صفات يف الذات؛ وإمنا هي راجعة إىل أقوال الشارع: من قال

.كل جمتهد مصيب يف احلكم: وعلى هذا املذهب. تفعل

من جواز، وحظر؛ بل : ومن األصوليني من صار إىل أن هللا تعاىل يف كل حادثة حكما بعينه؛ قبل اإلجتهادحتليل، وحترمي؛ وإمنا يرتاده اتهد بالطلب : كل حركة يتحرك ا اإلنسان حكم تكليف؛ منويف

واإلجتهاد؛ إذ الطلب ال بد له من مطلوب، واإلجتهاد جيب أن يكون من شيء إىل شيء، إذ الطلب ال يها؛ بد له من مطلوب، واإلجتهاد جيب بني النصوص والظاوهر والعمومات، وبني املسائل امع عل

فيطلب الرابطة املعنوية، أو التقريب من حيث األحكام والصور؛ حىت يثبت يف اتهد فيه مثل ما يلفيه يف فعلى هذا . كيف يصح منه الطلب على هذا الوجه؟: ولو مل يكن له مطلوب معني. املتفق عليه

نوع عذر؛ إذ مل يقصر املصيب واحد من اتهدين يف احلكم املطلوب؛ وإن كان الثاين معذورا:املذهبومن . هل يتعني املصيب، أم ال؟ فأكثرهم على أنه ال يتعني؛ فاملصيب واحد ال بعينه: يف اإلجتهادز مث

ينظر يف اتهد بعينه، خطأ ال يبلغ تضليل، واملتمسك باخلرب : األصوليني من فصل األمر فيه؛ فقالفلم يكن خمطئا بعينه؛ بل كل : فة النص ظاهرةوإن مل تكن خمال. الصحيح والنص الظاهر مصيب بعينه

Page 89: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 89

.واحد منهما مصي يف إجتهاده، وأحدمها مصيب يف احلكم ال بعينه

.هذه مجلة كافية يف أحكام اتهدين يف نوعي األصول، والفروع

.واملسالة مشكلة، والقضية معضلة

إذا : ات، ال من فروض األعيانحكم اإلجتهاد والتقليد واتهد واملقلد مث اإلجتهاد من فروض الكفايعصوا بتركه، وأشرفوا على : اشتغل بتتحصيله واحد سقط الفرض عن اجلميع، وإن قصر فيه أهل عصر

خطر عظيم؛ فإن األحكام الشرعية اإلجتهادية، إذاكانت مترتبة على اإلجتهاد، ترتب املسبب على .ذا من جمتهدفال بد إ. كانت األحكام عاطلة، واآلراء كلها فائلة: السبب

وإذا اجتهد اتهدان، وأدى اجتهاد كل واحد منهما إىل خالف ما أدى إليه اجتهاد اآلخر؛ فال جيوز وكذلك إذا اجتهد جمتهد واحد يف حادثة، وأدى اجتهاده إىل جواز أو خطر، مث . ألحدمها تقليد اآلخر

جتهاده األول؛ إذ جيوز أن يبدو له يف حدثت تلك احلادثة بعينها، يف وقت آخر؛ فال جيوز له أن يأخذ با .اإلجتهاد الثاين ما أغفله يف اإلجتهاد األول

هذا هو األصل؛ . مذهب من يسأله عنه: وأما العامي؛ فيجب عليه تقليد اتهد، وإمنا مذهبه فيما يسألهمي الشافعي إال مل جيوزوا أن يأخذ العامي احلنفي إال مبذهب أيب حنيفة، والعا: إال أن علماء الفريقني

يؤدي إىل خلط، وخبط؛ : مبذهب الشافعي؛ ألن احلكم بأن ال مذهب للعامي، وأن مذهبه مذهب املفيتاجتهد العامي فيهما، حىت خيتار األفضل واألروع، : وإذا كان جمتهدان يف بلد. فلهذا مل جيوزوا ذلك

اة على مقتضى فتواه ثبت احلكم وإذا أفىت املفيت على مذهبه، وحكم به قاض من القض. ويأخذ بفتواهمث . على املذاهب كلها؛ وكان القضاء إذا اتصل بالفتوى ألزم احلكم؛ كالقبض مثال إذا اتصل بالعقد

العامي بأي شيء يعرف أن اتهد قد وصل إىل حد اإلجتهاد؟ وكذلك اتهد نفسه مىت يعرف أنه .ففيه نظر... استكمل شرائط اإلجتهاد؟

: من مل جيوز القياس واإلجتهاد يف األحكام؛ وقال: داود األصفهاين، وغريه: الظاهر؛ مثلومن اصحاب

إن أول : األصول هي الكتاب، والسنة، واإلمجاع فقط؛ ومنع أن يكون القياس أصالمن األصول، وقالطلب حكم : ومل يدر أنه. من قاس إبليس، وظن أن القياس أمر خارج عن مضمون الكتاب والسنتة

لشرع، من مناهج الشرع؛ ومل تنضبط قط شريعة من الشرائع إال باقتران اإلجتهاد ا؛ ألن من ضرورة اكيف اجتهدوا، وكم : وقد رأينا الصحابة رضي اهللا عنهم. احلكم بأن اإلجتهاد معترب: اإلنتشار يف العامل

الكاللة؛ وذلك مما من توريث اإلخوة مع اجلد، وكيفية توريث:قاسوا؛ خصوصا يف مسائل املواريث .الخيفى على املتدبر ألحواهلم

Page 90: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 90

أصحاب : حمصورون يف صنفني؛ ال يعدوان إىل ثالث: أصناف اتهدين مث اتهدون من أئمة األمةأصحاب مالك بن أنس، وأصحاب : أهل احلجاز؛ هم: احلديث، وأصحاب الرأي أصحاب احلديث وهم

وري، وأصحاب أمحد بن حنبل، وأصحاب داود بن علي حممد بن إدريس الشافعي، وأصحاب سفيان الثبتحصيل األحاديث، ونقل األخبار، : أصحاب احلديث؛ ألن عنايتهم: وإمنا مسوا. بن حممد األصفهاين

خربا، أو أثرا؛ وقد قال : وبناء األحكام على النصوص؛ وال يرجعون إىل القياس اجللي واخلفي ما وجدودومن . ذلك اخلرب: ا، ووجدمت خرباعلى خالف مذهيب؛ فاعلموا أن مذهيبإذا وجدمت يل مذهب: الشافعيأبو إبراهيم إمساعيل ابن حيىي املزين، والربيع بن سليمان اجليزي، وحرملة بن حيىي التجييب، : أصحابه

والربيع ابن سليمان املرادي، وأبو يعقوب البويطي، واحلسن بن حممد بن الصباح الزعفرانني وحممد بن وهم ال يزيدون على اجتهاده اجتهادا؛ . اهللا بن عبد احلكم املصري، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكليبعبد

.توجيها؛ واستنباطا، ويصدرون عن رأيه مجلة؛ فال خيالفونه البتة: بل يتصرفون فيما نقل عنه

حممد بن : صحابهومن أ. أصحاب ايب حنيفة النعمان بن ثابت: أهل العراق؛ هم: وهم: أصحاب الرأيوإمنا ... احلسن، وأبو يوسف يعقوب ابن إبراهيم بن حممد القاضي، وأبو مطيع البلخي، وبشر املريسي

بتحصيل وجه القياس، واملعىن املستنبط من األحكام، وبناء : أصحاب الرأي؛ ألن أكثر عنايتهم: مسواعلمنا هذا رأي، : وقد قال أبو حنيفة. احلوادث عليها؛ ورمبا يقدمون القياس اجللي على آحاد األخبار

.وهو أحسن ما قدرنا عليه؛ فمن قدر على غري ذلك فله ما رأى، ولنا ما رأينا

: واملسائل اليت خالفوه فيها. وهؤالء رمبا يزيدون على إجتهاده غجتهادا، وخيالفونه يف احلكم الغجتهادي

.معروفة

ثرية يف الفروع، وهلم فيها تصانيف، وعليها إعلم أن بني الفريقني اختالفات ك: تفرقة وتذكرةوليس يلزم . ؛ وقد بلغت النهاية يف مناهج الظنون؛ حىت كأم؛ قد أشرفوا على القطع واليقني...مناظرات .تكفري، وال تضليل؛ بل كل جمتهد مصيب كما ذكرنا قبل هذا: من ذلك

الجزء الثاني

أهل الكتاب

وهم قد . بشريعة وأحكام، وحدود وأعالم: ريعة اإلسالمية؛ ممن يقولاخلارجون عن امللة احليفية، والش .إىل من له كتاب حمقق؛ مثل التوراة، والغنجيل؛ وعن هذا خياطبهم الترتيل بأقل الكتاب: انقسموا

اوس، واملانوية؛ فإن الصحف اليت أنزلت على إبراهيم عليه السالم قد : وإىل من له شبهة كتاب؛ مثل

Page 91: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 91

من أهل الكتاب؛ ولكن ال جيوز : لسماء؛ ألحداث أحدثها م حنو اليهود والنصارى؛ إذ همرفعت إىل ا .مناكحتهم، وال أكل ذبائحهم؛ فإن الكتاب قد رفع عنهم

.نقدم ذكر أهل الكتاب؛ لتقدمهم بالكتاب: فنحن

.ونؤخر ذكر من له شبهة كتاب

من ال يعرف : أهل الكتاب واألميون؛ واألمي: همالفرقتان املتقابلتان قبل املبعث : أهل الكتاب واألميون .الكتابة

.وكانت اليهود والنصارى باملدينة؛ واألميون مبكة

كانوا ينصرون دين األسباط، ويذهبون مذهب بين إسرائيل؛ واألميون كانوا ينصرون دين : وأهل الكتابإسرائيل ظاهرا، والنور املنحدر منه القبائل، ويذهبون مذهب بين إمساعيل وكان النور املنحدر منه إىل بين

وإظهار النبوة يف شخص . كان يستدل على النور الظاهر بظهور األشخاص... إىل بين غسماعيل خمفيا .شخص؛ ويستدل على النور املخفي بغبانة املناسك والعالمات وستر احلال يف األشخاص

بيت اهللا احلرام؛ الذي وضع للناس مبكة مباركا : يةبيت املقدس، وقبلة الفرقة الثان: وقبلة الفرقة األوىل وخصماء الفريق . رعاية املشاعر احلرام: ظواهر األحكام، وشريعة الثانية: وشريعة األوىل. وهدى للعاملني

.فتقابل الفريقان؛ وصح التقسيم ذين التقابلني. املشركون؛ مثل عبدة األصنام واألوثان: الثاين

واألمة اليهودية أكرب؛ ألن الشريعة كانت ملوسى . من كبار اهل الكتاب: تاناألمتاناليهود والنصارى وها .عليه السالم، ومجيع بين إسرائيل كانوا متعبدين بذلك، مكلفني بالتزام أحكام التوراة

: ال يتضمن أحكاما، وال يستبطن حالالو ال حراما؛ ولكنه: واإلجنيل النازل على املسيح عليه السالم

ز، وأمثال، ومواعظ، ومزاجر؛ وما سواها من الشرائع واألحكام فمحالة على التوراة، كما سنبني؛ رموأنه كان مامورا مبتابعة : فكانت اليهود هلذه القضية مل ينقادوا لعيسى بن مرمي عليه السالم، وادعوا عليه

تغيري السبت إىل : منها: اتموسى عليه السالم، وموافقة التوراة؛ فغري، وبدل؛ وعدوا عليه تلك التغيري .وغري ذلك... اخلتان، والغسل: تغيري أكل حلم اخلرتير، وكان حراما يف التوراة؛ ومنها: األحد؛ ومنها

قد بدلوا، ة حرفوا؛ وإال فعيسى عليه السالم كان مقررا ملا جاء به : واملسلموتن قد بينوا أن األمتنيم نبينا حممد نيب الرمحة صلوات اهللا عليهم أمجعني؛ وقد أمرهم موسى عليه السالم؛ وكالمها مبشران مبقد

وإمنا بىن أسالفهم احلصون والقالع بقرب املدينة؛ لنصرة رسول اهللا . أئمتهم وأنبياؤهم وكتام بذلكصلى اهللا عليه وسلم نيب آخر الزمان؛ فأمروهم مبهاجرة أوطام بالشام إىل تلك القالع والبقاع؛ حىت إذا

: هجروه، وتركوا نصره؛ وذلك قوله تعاىل: وأعلن احلق بفاران، وهاجر ىل دار هجرته يثربظهر،

Page 92: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 92

.وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا؛ فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، فلعنة اهللا على الكافرين

ت النصارى كل ليس: وإمنا اخلالف بني اليهود والنصارى ما كان يرتفع إال حبكمه؛إذ كانت اليهود تقولليست اليهود على شيء وهو يتلون الكتاب، وكان النيب صلى اهللا عليه : شيء ومانت النصارى تقول

لستم على شيء حىت تقيموا التوراة واإلجنيل، وما كان ميكنهم إقامتها إال بإقامة القرآن : وسلم يقول هلمضربت عليهم الذلة ... فروا بآيات اهللاحلكيم؛ وحبكم نيب احلمة رسول آخر الزمان؛ فلما أبوا ذلك، وك

.اآلية... واملسكنة وباءوا بغضب من اهللا ذلك بأم كانوا يكفرون بآيات اهللا

الباب األول

اليهود خاصة

إنا هدنا إليك أي رجعنا : أي رجع وتاب؛ وإمنا لزمهم هذا االسم؛ لقول موسى عليه السالم: هاد الرجل .وتضرعنا

أن ما كان يرتل : السالم، وكتام التوراة، وهو أول كتاب نزل من السماء؛ أعينأمة موسى عليه : وهمعلى إبراهيم وغري من األنبياء عليهم السالم؛ما كان يسمى كتابا، بل صحفا؛ وقد ورد يف اخلرب عن النيب

؛ "وراة بيده إن اهللا تعاىل خلق آدم بيده، وخلق جنة عدن بيده، وكتب الت:" صلى اهللا عليه وسلم،أنه قالفيذكر مبتدأ اخللق يف السفر : وقد اشتمل ذلك على أسفار. فأثبت هلا اختصاصا آخر سوى سائر الكتب

... يف سفر سفر... األحكام، واحلدود، واألحوال، والقصص، واملواعظ، واألذكار: األول؛ مث يذكر

األقسام العلمية والعملية؛ قال اهللا وأنزل عليه أيضا األلواح، على شبه خمتصر ما يف التوراة؛ تشتمل على: إشارة إىل متام القسم العلمي؛ وتفصيال لكل شيء": وكتبنا له يف األلواح من كل شيء موعظة :" تعاىل

.إشارة إىل متام القسم العلمي

وصيه وفتاه والقائم: و كان موسى عليه السالم قد أفضى بأسرار التوراة واأللواح ىل يوشع ابن نون:قالوا

باألمر من بعده؛ ليفضي ا إىل أوالد هارون؛ ألن األمر كان مشتركا بينه وبني أخيه هارون عليهما ، "وأشركه يف أمري:" السالم؛ إذ قال تعاىل حكاية عن موسى عليه السالم يف دعائه حني أوحى ليه أوال

ع بن نون وديعة؛ انتقات الصية إىل يوش: فلما مات هارون يف حال حياة موسى. وكان هو الةصيبعضها مستقر، وبغعضها : ابين هارون قرارا؛و ذلك أن الوضية واإلمامة: ليوصلها إىل شبري وشرب

.مستودع

Page 93: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 93

واليهود تدعي أن الشريعة ال تكون غال واحدة، وهي ابتدأت مبوسى عليه السالم ومتت به؛ فلم تكن قبله فال يكون بعد شريعة أصال : ا النسخ أصال؛ قالواوال جييزو. شريعة، إال حدود عقلية، وأحكام مصلحية

.ألن النسخ يف األوامر بداء وال جيوز البداء على اهللا تعاىل

جواز النسخ ومنعه، وعلى التشبيه ونفيه، والقول بالقدر؛ واجلربن وجتويز الرجعة؛ : و مسائلهم تدور على .واستحالتها

.أما النسخ؛ فكما ذكرنا

الصورة، واملشافهة، والتكليم جهرا، : وجدوا التوراة ملئت من املتشاات؛ مثلوأما التشبيه؛ فألم .وغري ذلك... والرتول على طور سينا انتقاال، واالستواء على العرش استقرارا، وجواز الرؤية فوقا

عتزلة فينا، وأما القول بالقدر؛ فهم خمتلفون فيه حسب اختالف الفريقني يف اإلسالم؛ فالربانيون منهم؛ كامل .والقراءون؛ كاربة واملشبهة

أحدمها حديث عزير عليه السالم؛ إذ أماته اهللا مائة عام مث : فإمنا وقع هلم من أمرين: وأما جواز الرجعة: بعثه، والثاين حديث هارون عليه السالم؛ إذ مات يف التيه، وقد نسبوا موسى إىل قتله بألواحه قالوا

إنه مات، : فمنهم من قال: واختلفوا يف حال موته. ا أميل إليه منهم إىل موسىحسده؛ ألن اليهود كانو .غاب، وسريجع: ومنهم من قال: وسريجع

واعلم أن التوراة قد اشتملت بأسرها على دالالت وآيات تدل على كون شريعة نبينا املصطفى عليه : إما حتريفا من حيث: وبدلوهحقا، وكون صاحب الشريعة صادقا؛ بله ما حروفوه وغريوه : السالم

.التفسري، والتأويل: وإما حتريفا من حيث. الكتابة، والصورة

ذكر غرباهيم عليه السالم ة ابنه إمساعيل، ودعاؤه يف حقه ويف حق ذريته، وإجابة الرب تعاىل : وأظهرهامم كلها، وسأبعث أين باركت على إمساعيل وأوالده، وجعلت فيهم اخلري كله، وسأظهرهم على األ: إياه

أجابه بامللك دون : واليهود معترفون ذا القضية، إال أم يقولون. فيهم رسوال منهم يتلو عليهم آيايت .النبوة والرسالة

فإن مل يكن بعدل أو حق، فكيف : أهو ملك بعدل وحق، أم ال؟: أن امللك الذي سلمتم: وقد ألزمتهموالده وه هو جور وظلم؟؛ وإن سلمتم العدل والصدق من حيث مين على إبراهيم عليه السالم مبلك يف أ

امللك، فامللك جيب أن يكون صادقا على اهللا تعاىل فيما يدعيه ويقوله، وكيف يكون الكاذب على اهللا غذ ال ظلم أشد من الكذب على اهللا تعاىل؛ ففي تكذيبه جتويره، ويف التجوير .تعاىل صاحب عدل وحق؟

أن األسباط من بين إسرائيل كانوا يراجعون : ومن العجب أن التوراة. خلف: ذلكرفع املنة بالنعمة؛ ووورد يف . القبائل من بين إمساعيل، ويعلمون أن يف ذلك الشعب علما لدنيا مل تشتمل التوراة عليه

Page 94: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 94

عقوب، آل ي: إل اهللا، وأهل اهللا؛ وأوالد إسرائيل: أن أوالد إمساعيل عليه السالم كانوا يسمون: التواريخ .كسر عظيم: وذلك... وآل موسى، وآل هارون

جبال بيت : جاء من طور سيناء، وظهر بساعري وعلن بفاران؛ وساعري: أن اهللا تعاىل: وقد ورد يف التوراةجبال مكة؛ اليت كانت مظهر املصطفى صلى اهللا : وفاران. املقدس؛ اليت كانت مظهر عيسى عليه السالم

.عليه وسلم

: الوحي، الترتيل، واملناجاة، والتاويل؛ على مراتب ثالث: رار اإلهلية، واألنوار الربانية يفوملا كانت األس

عن طلوع صبح : مبدأ، وسط، وكمال؛ وايء أشبه بالوسط، واإلعالن أشبه بالكمال؛ عربت التوراةبلوغ إىل بالظهور على ساعري، وعن ال: بايء من طور سيناء وعن طلوع الشمس: الشريعة والترتيل

إثبات نبوة املسيح عليه السالم، : ويف هذه الكلمات. باالستواء واإلعالن على فاران: درجة الكمال .واملصطفى حممد صلى اهللا عليه وسلم

النفس : ما جئت ألبطل التوراة، بل جئت ألكملها؛ قال صاحب التوراة: وقد قال املسيح يف اإلجنيل: نف، واألذن باألذن، والسن بالسن، واجلروح قصاص؛ وأنا أقولبالنفس، والعني بالعني، واألنف باأل

أما : والشريعة األخرية وردت باألمرين مجيعا. إذالطمك أخوك على خدك األمين فضع له خدك األيسروأن تعفوا :" واما العفو؛ ففي قوله تعاىل..." كتب عليكم القصاص يف القتلى:" القصاص؛ ففي قوله تعاىل

".أقرب للتقوى

أحكام السياسة الباطنة اخلاصة، ويف القرآن : أحكام السياسة الظاهرة العامة، ويف اإلجنيل: ففي التوراةوأن :" إشارة إىل حتقيق السياسة الظاهرة، وقوله تعاىل" ولكم يف القصاص حياة:" أحكام السياستني مجيعا

إشارة إىل حتقيق السياسة ": جلاهلنيخذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن ا:" وقوله" تعفوا أقرب للتقوى ".هو أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك:" الباطنة؛ وقد قال عليه السالم

يصدق ما عنده، ويكمله، ويرقيه من درجة إىل درجة؛ كيف يسوغ له : أن من رأى غريه! ومن العجبإما : أحكام عامة، وأحكام خاصة: التوراةويف. تكذيبه؟ والنسخ يف احلقيقة ليس إبطاال؛ بل هو تكميل

كذلك . إبطال، أو بداء: إنه: بأشخاص، وإما بأزمان؛ وإذا انتهى الزمان مل يبق ذلك ال حمالة، وال يقالمل ورد التكليف مبالزمة السبت، وهو يوم أي شخص من : وأما السبت فلو أن اليهود عرفوا. ها هنا

حق؛ وأا : أن الشريعة األخرية: األحوال؟ وجزئي أي زمان؟ عرفوااألشخاص؟ ويف مقابلة أية حالة من جاءت لتقرير السبت؛ بذلك؛ وبأن موسى عليه السالم بىن بيتا، وصور فيه صورا وأشخاصا، وبني مراتب

ولكن ملا فقدوا الباب باب حطة ومل ميكنهم التسور، على سنن . الصور، وأشار إىل تلك الرموز

Page 95: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 95

.ائهني، وتاهوا متحريين؛ فاختلفوا على إحدى وسبعني فرقةحتريوا ت: اللصوص

.واهللا املوفق. أشهرها وأظهرها عندهم، ونترك الباقي مهال: وحنن نذكر منها

خيالفون سائر اليهود يف السبت واألعياد، . عثمان بن داود؛راس اجلالوت: العنانية نسبوا إىل رجل يقال لهمك واجلراد، ويذحبون احليوان على القفا؛ ويصدقون عيسى عليه وينهون عن أكل الطري والظباء والس

إنه مل خيالف التوراة البتة؛ بل قررها، ودعا الناس إليها، وهو من : السالم يف مواعظه وإشاراته؛ ويقولون .بين إسرائيل املتعبدين بالتوراة، ومن املستجيبني ملسى عليه السالم؛ إال أم ال يقولون بنبوته ورسالته

أنه نيب مرسل، وليس من بين إسرائيل، وليس هو : إن عيسى عليه السالم مل يدع: ومن هؤالء من يقول. صاحب شريعة ناسخة لشريعة موسى عليه السالم؛ بل هو أولياء اهللا املخلصني العارفني بأحكام التوراة

مبدئه إىل كماله، وإمنا مجعه مجع أحواله من : وليس اإلجنيل كتابا غرتل عليه وحيا من اهللا تعاىل؛ بل هو .من أصحابه احلواريني فكيف يكون كتابا مرتال؟

كذبوه أوال؛ ومل يعرفوا بعد دعواه، وقتلوه آخرا؛ ومل يعلموا بعد حمله : و اليهود ظلموه؛ حيث:قالوانبوة، وال املسيح؛ ولكن مل ترد ال: وقد ورد يف التوراة ذكر املشيحا يف مواضع كثرية؛ وذلك هو. ومغزاه

وورد فارقليط وهو الرجل العامل، وكذلك ورد ذكره يف اإلجنيل؛ فوجب محله على ما . الشريعة الناسخة .وعلى من ادعى غري ذلك حتقيقه وحده. وجد

عابد : عوفيد ألوهيم، أي: إن امسه: إسحاق بن يعقوب األصفهاين؛ وقيل: العيسوية نسبوا إىل أيب عيسىمروان بن حممد احلمار؛ فأتبعه : ور، وابتدأ دعوته يف زمن ىخر ملوك بين أميةكان يف زمن املنص. اهللا

أنه ملا حورب خط على أصحابه خطا، بعود : بشر كثري من اليهود، وادعوا له آيات ومعجزات، وزعمواأقيموا يف هذا اخلطن فليس ينالكم عدو بسالح، فكان العدو حيملون عليهم، حىت إذا بلغوا : آس، وقال

ط رجعوا عنهم؛ خوفا من طلسم أو عزمية رمبا وضعها، مث إن أبا عيسى خرج من اخلط وحده على اخلفرسه فقاتل، وقتل من املسلمني كثريا، وذهب إىل أصحاب موسى بن عمران الذين هم وراء النهر الرمل؛

.قتل، وقتل أصحابه: إنه ملا حارب أصحاب املنصور بالري: وقيل. ليسمعهم كالم اهللا

أن للمسيح مخسة من الرسل يأتون قبله : وزعم. رسول املسيح املنتظر: أنه نيب، وأنه: زعم أبو عيسىأن اهللا تعاىل كلمه، وكلفه أن خيلص بين إسرائيل من أيدي األمم العاصني : وزعم. واحدا بعد واحدء املاضني، وإذ هو رسوله؛ أن املسيح افضل ولد آدم، وأنه أعلى مرتلة من األنبيا: و زعم.وامللوك الظاملني

أن الداعي هو : وكان يوجب تصديق املسيح، ويعظم دعوة الداعي، ويزعم أيضا. فهو أفضل الكل أيضا .املسيح

وأوجب . طرياكان، أو يمة:الذبائح كلها، وى عن أكل كل ذي روح على اإلطالق: وحرم يف كتابه

Page 96: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 96

وخالف اليهود يف كثري من أحكام الشريعة الكثرية . اعشر صلوات، وأمر أصحابه بإقامتها؛ وذكر أوقا .املذكورة يف التوراة

هي اليت مجعها ثالثون حربا لبعض ملوك الروم؛ حىت ال يتصرف فيها كل جاهل مبواضع : وتوراة الناس .أحكامها؛ واهللا املوفق

كان حيث على الزهد، . ذايهو: كان امسه: وقيل: يوذعان منن مهذان: املقاربة واليوذعانية نسبوا إىل: وكان يزعم أن للتوراة. تعظيم أمر الداعي: وتكثري الصالة؛ وينهى عن اللحوم واألنبذة، وفيما نقل عنه

وخالف بتأويالته عامة اليهود، وخالفهم يف التشبيه، ومال إىل القدر، . ظاهرا؛ وباطنا، وترتيال، وتأويال .ب والعقاب عليه، وشدد يف ذلكوأثبت الفعل حقيقة للعبد؛ وقدر الثوا

كان على مذهب يوذعان، غري أنه كان يوجب اخلروج على . موشكان: املوشكانية؛ أصحاب: ومنهم وذكر عن مجاعة من . قم: خمالفيه، ونصب القتال معهم؛ فخرج يف تسعة عشر رجال؛ فقتل بناحية

العرب وسائر الناس سوى اليهود؛ ألم أهل أم أثبتوا نبوة املصطفى حممد عليه السالم إىل : املوشكانيةأن اهللا تعاىل خاطب األنبياء عليهم السالم، بواسطة ملك اختاره، : وزعمت فرقة من املقاربة. ملة وكتاب

كل ما يف التوراة وسائر الكتب من وصف اهللا تعاىل، : وقدمه على مجيع اخلالئق واستخلفه عليهم؛ وقالواوإن الذي كلم موسى عليه : قالوا. فال جيوز أن يوصف اهللا تعاىل بوصففهو خرب عن ذلك امللك؛ وإال

ويتعاىل الرب تعاىل عن أن . هو ذلك امللك: هو ذلك امللك؛ والشجرة املذكورة يف التوراة: السالم تكليما اهللا من طلب الرؤية، وشافهت اهللا، وجاء اهللا،و طلع: ومحل مجيع ما ورد يف التوراة. يكلم بشرا تكليما

يف السحاب، وكتب التوراة بيده، واستوى على العرشس قرارا، وله صورة آدم، وشعر قطط،و وفرة إىل غري ... سوداء،و انه بكى على طوفان نوح حىت رمدت عيناه، وأنه ضحك اجلبار حىت بدت نواجذه

ه، ويلقي عليه امسه، وجيوز يف العادة أن يبعث ملكا روحانيا من مجلة خواص: قال. ذلك؛ على ذلك امللكهذا هو رسويل، ومكانه فيكم مكاين، وقوله قويل، وأمره أمري، وظهوره عليكم ظهوري؛ : ويقول

.كذلك يكون حال ذلك امللك

وقيل إن أرنوس حيث قال يف املسيح إنه هو اهللا، وإنه صفوة العامل أخذ قوله من هؤالء، وكانوا قبل .وتقشفأرنوس بأربعمائة سنة، وهم أصحاب زهد

قرر هلم هذا املذهب، وأعلمهم أن اآليات املتشاات يف : بنيامني النهاوندي: وقيل صاحب هذه املقالة هوالتوراة كلها مؤولة، وأنه تعاىل ال يوصف بأوصاف البشر، وال يشبه شيئا من املخلوقات، وال يبهه شيء

.لك املعظمذلك امل: منها؛ وأن املراد ذه الكلمات الواردة يف التوراة

Page 97: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 97

ايء، واإلتيان؛ على إتيان ملك من املالئكة؛ وهو كما قال تعاىل يف حق : وهذا كما حيمل يف القرآن؛ وإمنا النافخ جربيل "فنفخنا فيه روحنا :" ، ويف موضع آخر"فنفخنا فيها من روحنا :" مرمي عليها السالم

. زكياعليه السالم حني متثل هلا بشرا سويا؛ ليهب هلا غالما

جبال بيت املقدس؛ وقرى من اعمال مصر، ويتقشفون يف الطهارة أكثر من : السامرة هؤالء قوم يسكنونموسى، وهارون، ويوشع بن نون عليهم السالم؛ وأنكروا نبوة من : أثبتوا نبوة. تقشف سائر اليهود

واحد يأيت من بعد موسى، يصدق ما التوراة ما بشرت إال بنيب : بعدهم من األنبياء، إال نبيا واحدا؛ وقالوااأللفان، ادعى : وظهر يف السامرة رجل يقال له. بني يديه من التوراة، وحيكم حبكمها، وال خيالفها البتة

أنه : النبوة وزعم أنه هو الذي بشر به موسى عليه السالم، وأنه هو الكوكب الدري الذي ورد يف التوراةإىل : وافترقت السامرة. سيح عليه السالم بقريب من مائة سنةيضيء ضوء القمر؛ وكان ظهوره قبل امل

: والكوستانية معناها. الفرقة املتفرقة الكاذبة: والوستانية معناها. األلفانية، وإىل كوستانية: دوستانية؛ وهم

والدوستانية تزهم أن الثواب والعقاب يف. اجلماعة الصادقة؛ وهم يقرون باآلخرة والثواب، والعقاب فيها

.وبني الفريقني اختالف يف األحكام والشرائع. الدنيا

إن اهللا تعاىل أمر داود أن يبين بيت : قالوا. وقبلة السامرة جبل يقال له غريزمي بني بيت املقدس ونابلساملقدس جببل نابلس وهو الطور الذي كلم اهللا عليه موسى عليه السالم، فتحول داود إىل إيلياء وبىن البيت

. ولغتهم غري لغة اليهود. لف األمر، فظلم، والسامرة توجهوا إىل تلك القبلة دون سائر اليهودمثة، وخا

.أن التوراة كان بلسام؛ وهي قريبة من العربانية، فنقلت إىل السريانية: وزعموا

.هم الكبار، وانشعبت منهم الفرق إىل إحدى وسبعني فرقة: فهذه أربع فرق

إما يف تعيني ذلك : أن يف التوراة بشارة بواحد بعد موسى؛ وأ منا افتراقهم:وهم بأسرهم أمجعوا علىالواحد، أو يف الزيادة على ذلك الواحد، وذكر املشيحا وآثره ظاهر يف األسفار، وخرج واحد من آخر

واليهود على انتظاره؛ والسبت . متفق عليه: الكوكب املضيء الذي تشرق األرض بنوره أيضا: الزمان هو .وم ذلك الرجل؛ وهو يوم االستواء بعد اخللقي

وقد اجتمعت اليهود عن آخرهم على أن اهللا تعاىل ملا فرغ من خلق السموات واألرض استوى على إن ستة األيام اليت خلق : وقالت فرقة منهم. عرشه مستلقيا على قفاه واضعا إحدى رجليه على األخرى

تة آالف سنة؛ فإن يوما عند اهللا كألف سنة مما تعدون بالسري هي س: اهللا تعاىل فيها السموات واألرضمث إذا بلغ اخللق إىل . القمري ؛ وذلك هو ما مضى من لدن آدم عليه السالم إىل يومنا هذا، وبه يتم اخللق

Page 98: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 98

: ابتدأ األمر، ومن ابتداء األمر يكون االستواء على العرش، والفراغ من اخللق؛ وليس ذلك أمرا: النهاية

.ن،و مضى؛ بل هو يف املستقبل، إذا عددنا األيام باأللوفكا

الباب الثاني

النصارى

رسول اهللا، وكلمته عليه السالم؛ وهو املبعوث حقا بعد موسى : أمة املسيح عيسى بن مرمي: النصارىغحياء : وكانت له آيات ظاهرة، وبينات زاهرة، ودالئل باهرة؛ مثل. عليه السالم، املبشر به يف التوراة

حصوله من غري : وذلكآية كاملة على صدقه؛ :املوتى، وإبراء األكمة، واألبرص؛ ونفس وجوده وفطرتهومجيع األنبياء بالغ وحيهم أربعون سنة وقد أوحى اهللا . نطفة سابقا، ونطقه البني من غري تعليم سالف

ثالث سنني، وثالثة : و كانت مدة دعوته.إبالغا؛ عند الثالثني:إنطاقا؛ يف املهد، وأوحى إليه: تعاىل إليه: لف احلواريون وغريهم فيه، وإمنا اختالفام تعود إىل أمرينفلما رفع إىل السماء اخت. أشهر،و ثالثة أيام

كيفية صعوده؛ واتصاله باملالئكة؛ وتوحد : كيفية نزوله؛ واتصاله برمه؛ وجتسد الكلمة، والثاين: أحدمها .الكلمة

أشرق على :فمنهم من قال: أما األول؛ فإم قضوا بتجسد الكلمة؛و هلم يف كيفية االحتاد والتجسد كالمانطبع فيهم انطباع النقش يف الشمع، ومنهم : جسدي إشراق النور على اجلسم املشف،و منهم من قال

تدرع الالهوت بالناسوت، ومنهم من : ظهر به ظهورا الروحاين باجلسماين، ومنهم من قال: من قال: أقانيم ثالثة؛ قالواو أثبتوا هللا تعاىل .مازجت الكلمة جسد املسيح ممازجة اللنب املاء واملاء اللنب: قال

ثالثة : واحد باجلوهرية: القائم بالنفس، ال التحيز واحلجمية؛ فهو: الباري تعاىل جوهر واحد يعنون بهاألب، واالبن، وروح القدس؛ : كالوجود، واحلياة، والعلم؛ ومسوها: باألقنومية؛ ويعنون باألقانيم الصفات

.وإمنا العلم تدرع وجتسد دون سائر األقانيم

حسدا، وبغيا، وإنكارا لنبوته ودرجته؛ ولكن القتل ما : إنه قتل وصلب؛ قتله اليهود: قالوا يف الصعودو: وكمال الشخص اإلنساين يف ثالثة أشياء: قالوا. ورد على اجلزء الالهويت،و إمنا ورد على اجلزء الناسويت

فات الثالث، أو ببعضها، واملسيح عليه نبوة، وإمامة، وملكة؛ وغريه من األنبياء كانوا موصوفني ذه الصاالبن الوحيد؛ فال نظري له، وال قياس له إىل غريه من األنبياء؛و هو الذي : ألنه : السالم درجته فوق ذلك

.به غفرت ذلة آدم عليه السالم، وهو الذي حياسب اخللق

ل اإلسالم؛ ومنهم من يرتل قبل يوم القيامة؛ كما قال أه: فمنهم من يقول. وهلم يف الرتول اختالف

Page 99: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 99

وهو بعد أن قتل وصلب، نزل؛ ورأى شخصه مشعون الصفا، وكلمه، . ال زول له إال يوم احلساب: يقولمشعون الصفا؛ وهو أفضل احلواريني علماو :فكان وصيه. وأوصى إليه؛ مث فارق الدنيا، وصعد إىل السماء

له، وغري أوضاع كالمه، وخلطه بكالم زهدا، وأدبا؛غري ان فولوس شوش أمره، وصري نفسه شريكا .الفالسفة ووساوس خاطرة

أنكم تظنون أن مكان عيسى عليه السالم كمكان سائر : ورأيت رسالة فولوس اليت كتبها إىل اليونانينياألنبياء،و ليس كذلك؛ بل إنه مثله مثل ملكيزداق؛ وهو ملك السالم الذي كان إبراهيم عليه السالم

أن الرب :أنه نقل يف األناجيل: ومن العجب. ، وكان يبارك على إبراهيم وميسح رأسهيعطى إليه العشور !.انك أنت االبن الوحيد؛ ومن كان وحيدا كيف ميثل بواحد من البشر؟:تعاىل قال

مىت، ولوقا، ومرقس، : األجنيل؛ وهم: مث أن أربعة من احلواريني اجتمعوا ومجع كل واحد منهم مجعا مساهإين أرسلكم إىل األمم كما أرسلين أيب إليكم، فاذهبوا وادعوا األمم : وخامتة إجنيل مىت أنه قال.ويوحنا

.األب، واالبن، وروح القدس: باسم

على القدمي األزيل قد كانت الكلمة، وهو ذا الكلمة كانت عند اهللا، واهللا هو كان : وفاحتة إجنيل يوحنا .الكلمة، وكل كان بيده

وانشعبت . امللكانية والنسطورية، واليعقوبية: رى اثنتني وسبعني فرقة؛ وكبار فرقهم ثالثةمث افترقت النصا .على سائر الفرق... اإلليانية، والبليارسية، واملقدانوسية، والسبالية، والبوطنوسية، والبولية: منها

إن : قالوا. نيةو معظم الروم ملكا.ملكا، الذي ظهر بأرض الروم، والستوىل عليها: امللكانية أصحاب: أقنوم العلم، ويعنون بروح القدس: ويعنون بالكلمة: الكلمة احدت جبسد املسيح، وتدرعت بناسوته

إن الكلمة : فقال بعضهم: أقنوم احلياة؛ وال يسمون العلم قبل تدرعه ابنا، بل املسيح مع ما تدرع به ابن .ما زجت جسد املسيح؛ كما ميازج اخلمر أو املاء اللنب

بأن جوهر غري األقانيم، وذلك كاملوصوف والصفة؛ وعن هذا صرحوا بفثبات : حت امللكانيةوصرإن املسيح : وقالت امللكانية". إن اهللا ثالث ثالثة: لقد كفر الذين قالوا:" التثليث وأخرب عنهم القرآن

قتل والصلب وقع ناسوت كلي، ال جزئي؛ وهو قدمي أزلني وقد ولدت مرمي عليها السالم إهلا أزليا؛ والوأطلقوا لفظ األبوة والنبوة على اهللا عز وجل وعلى املسيح؛ ملا وجددوا يف . على الناسوت والالهوت معا

ولعل ذلك . إنك ابن اهللا حقا: إنك أنت االبن الوحيد؛ وحيث قال له مشعون الصفا: اإلجنيل؛ حيث قالأبناء اآلخرة؛ وقد قال املسيح : ولطالب الىخرةأبناء الدنيا،: من جماز اللغة؛ كما يقال لطالب الدنيا

أحبوا اعداءكم، وباركوا على العنيكم، وأحسنوا إىل مبغضيكم، : أنا أقول لكم: عليه السالم للحواريني

Page 100: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 100

وصلوا الجل من يؤذيكم؛ لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي يف السماء، الذي تشرق مشسه كما أن اباكم ظروا صدقاتكم، فال تعطوها قدام الناس؛ لترءوهم؛ فال يكون لكم اجر عند ان: وقال. الذي يف السماء تام

.أذهب إىل أيب وابيكم: وقال حني كان يصلب. ابيكم الذي يف السماء

البطارقةن واملطارنةن واألساقفة يف بلد : القدمي هو اللهن واملسيح هو خملوق؛ اجتمعت: وملا قال أريوساعتقادا، ودعوة؛ : ا ثالمثائة ومثانية رجال؛ واتفقوا على هذه الكلمةفسطنطينية مبحضر من ملكهم، وكانو

: مالك كل شيء، وصانع ما يرى وما ال يرى؛ وباالبن الواحد: اآلب: نؤمن باهللا الواحد: وذلك قوهلم

ابن اهللا الواحد، بكر اخلالئق كلها، الذي ولد من أبيه قبل العوامل كلها، وليس مبصنوع، : يسوع املسيحه حق من إله حق، من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوامل، وخلق كل شيء من أجلنان ومن أجل إل

نزل من السماء، وجتسد من روح القدس، وصار إنسانا، وحبل به، : ومن أجل خالصنا. معشر الناسلسماء، وولد من مرمي البتول، وقتل، وصلب أيام فيالطوسن ودفن، مث قام يف اليوم الثالث، وصعد إىل ا

ونؤمن بروح . وجلي عن ميني أبيه، وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بني األموات واألحياءلغفران اخلطايا، وجبماعةواحدة قدسية : القدس الواحد؛ روح احلق الذي خيرج من أبيه، ومبعمودية واحدة

.مسيحية جاثليقية، وبقيام أبداننا، وباحلياة الدائمة أبد الىبدين

ويف النصارى من قال حبشر . اإلتفاق األول على هذه الكلمات، وفيه إشارة ىل حشر األبدانهذا هوسرور، : غم، وحزن اجلهل؛ وعاقبة األخيار: االرواح دون األبدان؛ وقال إن عاقبة األشرار يف القيامة

تعاىل وعد نكاح، وأكل، وشربز وقاملار إسحاق منهم إن اهللا: وأنكروا أن يكون يف اجلنة. وفرح العلماملطيعني، وتوعد العاصني، وال جيوز أن خيلف الوعد؛ ألنه ال يليق بالكرمي، ولكن خيلف الوعيد؛ فال يعذب العصاة، ويرجع اخللق إىل سرور، وسعادة، ونعيم؛ وعمم يف الكل؛ إذ العقاب األبدي ال يليق

.باجلواد احلق تعاىل

النسطورية

وإضافته إليهم . يف زمان املأمون، وتصرف يف األناجيل حبكم رأيهنسطور احلكيم الذي ظهر: أصحابالوجود، والعلم، واحلياة؛ وهذه : إن اهللا تعاىل واحد، ذو أقانيم ثالثة: قال. إضافة املعتزلة إىل هذه الشريعة

ال على طريق : واحتدت الكلمة جبسد عيسى عليه السالم. األقانيم ليست زائدة على الذات، وال هي هواالمتزاج؛ كما قالت امللكانية، وال على طريق الظهور به؛ كما قالت اليعقوبية، ولكن؛ كإشراق الشمس

.يف كوة على بلورة، وكظهور النقش يف الشمع إذا طبع باخلامت

احوال أيب هاشم من املعتزلة؛ فإنه يثبت خواص خمتلفة لشيء : واشبه املذاهب مبذهب نسطور يف األقانيمأقنومني جوهرين؛ أي اصبني : ويعىن باحلياة، والعلم. بسيط، وواحد: جنسني؛ بل هوهو مركبا من

Page 101: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 101

موجودان : ويرجع منتهى كالمه إىل إثبات كونه تعاىل. مبدأين للعامل، مث فسر العلم بالنطق، والكلمةكونه جوهرا حيا، ناطقا؛ كما تقول الفالسفة يف حد اإلنسان، غال أن هذه املعاين تتغاير يف اإلنسان؛ ل

.مركبا، وهو جوهر بسيط غري مركب

وبعضهم يثبت هللا تعاىل صفات أخر، مبرتلة القدرة واإلرادة وحنومها؛ ومل جيعلوها أقانيم كما جعلوا احلياة .والعلم أقنومني

أن اسم اإلله ال: وزعم الباقون. حي، ناطق، إله: ومنهم من أطلق القول بأن كل واحد من األقانيم الثالثة

أن االبن مل يزل متولدا من األب، وإمناجتسد واحتد جبسد : وزعموا. يطلق على كل واحد من األقانيمجوهرانن : إله وإنسان احتدا؛ ومها: املسيح حني ولد؛ واحلدوث راجع إىل اجلسد والناسوت؛ فهو

اد قدم القدمي، وال إله تام، وإنسان تام؛ ومل يبطل االحت: جوهر قدمي ، وجوهر حمدث: أقنومان، طبيعتانورمبا بدلوا العبارة؛ فوضعوا مكان . مسيحا واحدا، طبيعة واحدة: حدوث احملدث؛ لكنهما صارا

.الشخص: الطبيعة، ومكان األقنوم:اجلوهر

إن القتل وقع على املسيح من : القتل، والصلب؛ فيخالف قول امللكانية واليعقوبية؛ قالوا: وأما قوهلم يف . من جهة الهوته؛ الن اإلله ال حتله اآلالمجهة ناسوته، ال

: إن اإلله واحد، وإن املسيح ابتدأ من مرمي عليها السالم، وإنه: وبوطينوس، وبولس الشمشاطي يقوالن

.عبد، صاحل، خملوق؛ إال أن اهللا تعاىل شرفه وكرمه لطاعته، ومساه ابنا على التبين، ال على الوالدة واالحتاد

إذا اجتهد : املصلني قالوا يف املسيح مثل ما قال نسطور؛ إال ام قالوا: يقال هلمومن النسطورية قومتصفى جوهره؛ : الرجل يف العبادة، وترك التغذي باللحم والدسم، ورفض الشهوات احليوانية والنفسانية

افية يف فال ختفى عليه خ: حىت يبلغ ملكوت السماوات، ويرى اهللا تعاىل جهرا وينكشف له ما يف الغيبخريه وشره من العبد؛ : ومن النسطورية مكن ينفي التشبيه، ويثبت القول بالقدر. األرض وال يف السماء

.كما قالت القدرية

ودما؛ . انقلبت الكلمة حلما: قالوا باألقانيم الثالثة كما ذكرنا؛ إال أم قالوا. يعقوب: اليعقوبية أصحاب .هو: سده، بل هوفصار اإلله هو املسيح، وهو الظاهر جب

إن املسيح : فمنهم من قال. لقد كفر الذين قالوا إن اهللا هو املسيح ابن مرمي: وعنهم أخربنا القرآن الكرمي .هو اهللا تعاىل

ظهر الالهوت بالناسوت؛ فصار ناسوت املسيح مظهر اجلوهر ال على طريق حلول جزء : ومنهم من قالظهر امللك : هو؛ وهذا كما يقال: ي يف حكم الصفة؛ بل صار هوفيه، وال على سبيل احتاد الكلمة اليت ه

فتمثل هلا : بصورة إنسان، أو ظهر الشيطان بصورة حيوان؛ وكما أخرب الترتيل عن جربيل عليه السالم

Page 102: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 102

.بشرا سويا

طبيعة : أقنوم واحد؛ إال أنه من جوهرين، ورمبا قالوا. أن املسيح جوهر واحد: وزعم أكثر اليعقوبيةة من طبيعتني؛ فجوهر اإلله القدمي، وجوهر اإلنسان احملدث تركبا تركيبا كما تركبت النفس واحد

اإلنسان صار إهلا، وال : والبدن؛ فصارا جوهرا واحدا، أقنوم واحدا؛ وهو إنسان كله، وإله كله؛ فيقال: فحمة نارا، وال يقالصارت ال: اإلله صار إنسانا؛ كالفحمة تطرح يف النار، فيقال: ينعكس؛ فال يقال

أن : وزعموا. مجرة: ال نار مطلقة، وال فحمة مطلقة؛ بل هي: صارت النار فحمة، وهي يف احلقيقةرمبا عربوا عن االحتاد باإلمتزاج، واألدراع، واحللول؛ كحلول . الكلمة احتدت باإلنسان اجلزئي، ال الكلي

.صورة اإلنسان يف املرآة الوة

يث كلهم على أن القدمي ال جيوز أن يتحد باحملدث؛ إال أن األقنوم الثاين الذي هو وأمجع أصحاب التثل .الكلمة احتدت دون سائر األقانيم

وأمجعوا كلهم على أن املسيح عليه السالم ولد من مرمي عليها السالم، وقتل، وصلب؛ مث اختلفوا يف مرمي هو اإلله؛ فامللكانية ملا اعتقدت أن املسيح إن الذي ولد من: كيفية ذلك؛ فقالت امللكانية واليعقوبية

. إن مرمي إنسان جزئي، واجلزئي ال يلد الكلي،و إمنا ولده األقنوم القدمي: ناسوت كلي أزيل؛ قالوا

إن مرمي ولدت : واليعقوبية ملا اعتقدت أن املسيح هو جوهر من جوهرينن وهو إهلن وهو املولود؛ قالوا .قوهلم علوا كبرياتعاىل اهللا عن ... إهلا

ولو وقع على : إنه وقع على اجلوهر الذي هو من جوهرين؛ قالوا: وكذلك قالوا يف القتل والصلب .أحدمها لبطل االحتاد

.قدمي من وجه، حمدث من وجه: أنانثبت وجهني للجوهر القدمي؛ فاملسيح: وزعم بعضهم

، لكنها مرت ا كاملاء بامليزاب؛ وما ظهر ا أن الكلمة مل تأخذ من مرمي شيئا: وزعم قوم من اليعقوبيةمن شخص املسيح يف األعني؛ فهو كاخليال، والصورة يف املرآة؛ وإال فما كان جسما متجسما كثيفا يف

وهم قوم . اإلليانية: وكذلك القتل والصلب إمنا وقع على اخليال واحلسبان؛ وهؤالء يقال هلم. احلقيقةأن الكلمة : وزعم بعضهم. وإمنا صلب اإلله من أجلنا؛ حىت خيلصنا: ية؛ قالوابالشام، واليمن، وأرمين

ن إحياء املوتى، وإبراء األكمة : كانت تداخل جسم املسيح عليه السالم أحيانا؛ فتصدر عنه اآليات .واألبرص؛ وتفارقه يف بعض األوقات؛ فترد عليه اآلالم يف بعض األوقات؛ فترد عليه اآلالم واألوجاع

أكلوا ألف سنة، : إذا صار الناس إىل امللكوت األعلى: منهم بليارس وأصحابه؛ حكى عنه أنه كان يقولولذة، وراحة، وسرور، وحبور؛ ال : وشربوان وناكحوا؛ مث صاروا إىل النعم اليت وعدهم آريوسح وكلها

Page 103: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 103

.أكل فيهان وال شرب، وال نكاح

وم واحد، له ثالث خواصن واحتد بكليته جبسد وزعم مقدانيوس أن اجلوهر القدمي جوهر واحد، أقن .عيسى بن مرمي عليهما السالم

على طريق االصطفاء؛ وهو خملوق : آبا، وأن املسيح كلمة اهللا وابنه: أن اهللا واحد، مساه: وزعم آريوساسطة أن هللا تعاىل روحاخملوقة أكرب منسائر األرواح، وأا و: وزعم. قبل خلق العامل، وهو خالق األشياء

جوهرا، لطيفا، روحانيا، خالصا، غري : وزعم أن املسيح ابتدأ. بني اآلب واالبن، تؤدي غليه الوحيمركب، وال ممزوج بشيء من الطبائع األربع؛ وإمنا تدرع بالطبائع األربع عند االحتاد باجلسم املأخوذ من

.اه يف املذهبوهذا آريوس قبل الفرق الثالث، فتربءوا منه؛ ملخالفتهم إي. مرمي

الجزء الثالث

من له شبهة كتاب

قد بينا كيفية حتقيق الكتاب، وميزنا بني حقيقةالكتاب وشبهة الكتاب، وأن الصحف اليت كانت إلبراهيم أما العلميات؛ فتقرير كيفية : مناهج علمية، ومسالك عملية: شبهة كتاب؛ وفيها: عليه السالم كانت

لوقات على سنة نظام وقوام حتصل منها حكمته األزلية، وتنفذ فيها مشيئته اخللق واإلبداع، وتسوية املخالسرمدية، مث تقرير التقدير واهلداية عليها؛ ليتقدركل نوع وصنف بقدره احملكوم واحملتوم، ويقبل هدايته

.السارية يف العامل بقدر استعداده املعلوم

سبح اسم ربك األعلى،الذي خلق فسوى، :" عاىلوالعلم كل العلم ال يعدو هذين النوعني؛ وذلك قوله ت؛ وخربا "الذي خلقين فهو يهدين :" ؛ وقال عز وجل خربا عن إبراهيم عليه السالم"والذي قدر فهذى

" .الذي أعطى كل شيء خلقه مث هدى :" عن موسى عليه السالم

العبادات، ورفض الشهوات فتزكية النفوس عن درن الشبهات، وذكر اهللا تعاىل؛ بإقامة: وأما العمليات: الدنيوية، وإيثار السعادات األخروية؛ ولن حيصل البلوغ إىل كمال املعاد إال بإقامة هذين الركنني؛ أعين

.الطهارة، والشهادة

قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه :" والعمل كل العمل ال يعدو هذين النوعني؛ وذلك قوله تعاىل ".، واآلخرة خري وأبقى فصلى،بل تؤثرون احلياة الدنيا

؛ فبني ان الذي اشتملت عليه "صحف إبراهيم وموسى:إن هذا لفي الصحف األوىل:" مث قال عز من قائل .هذا هو اإلعجاز احلقيقي: وباحلقيقة. هو الذي اشتملت عليه هذه السورة: الصحف

Page 104: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 104

اوس، وأصحاب اإلثنني، واملانوية وسائر فرقهم

لدين األكرب، وامللة العظمى؛ إذا كانت دعوةاألنبياء عليهم السالم بعد إبراهيم اخلليل ا: يقال هلا: اوسية... القوة، والشوكة، وامللك، والسيف: عليه السالم مل تكن يف العموم كالدعوة اخلليلية، ومل يثبت هلا من

يع من كان يف زمان مثل امللة احلنيفية؛ إذا كانت ملوك العجم كلها على ملة إبراهيم عليه السالم، ومج: موبذ موبذان يعين: كل واحد منهم من الرعايا يف البالد على أديان ملوكهم؛ وكان مللوكهم مرجع هو

أعلم العلماء، وأقدم احلكماء، يصدرون عن أمره، وال خيالفونه، وال يرجعون إالإىل رأيه، ويعظمونه .تعظيم السالطني خللفاء الوقت

كثرها يف بالد الشام وما وراءها من املغرب؛ وقلما سرى من ذلك إىل بالد وكانت دعوة بين إسرائيل أالصابئة : وكانت الفرق يف زمان إبراهيم اخلليل عليه السالم راجعة إىل صنفني إثنني أحدمها. العجم .احلنفاء: والثاين

إىل متوسط؛ : كامهيف معرفة اهللا تعاىل، ومعرفة طاعته، وأوامره، وأح: إنا حنتاج: فالصابئة كانت تقوللزكاء الروحانيات؛ وطهارا؛ وقرا من : لكن ذلك املتوسط جيب أن يكون روحانيا ال جسمانيا؛ وذلك

: يأكل مما نأكل، ويشرب مما نشرب؛ مياثلنا يف املادة والصورة؛ قالوا: رب األرباب، واجلسماين بشر مثلنا

.ولئن اطعمتم بشرا مثلكم إنكم إذا خلاسرون

يف : إنا حنتاج يف املعرفة والطاعة إىل متوسط من جنس البشر تكون درجته: كانت تقول: نفاءواحلمياثلنا من حيث البشرية، وميايزنا من حيث : فوق الروحانيات:الطهارة، والعصمة، والتأييدن واحلكمة

:" قوله تعاىلالروحانية؛ فيتلقى الوحي بطرف الروحانية، ويلقى إىل نوع اإلنسان بطرف البشرية؛ وذلك

هل كنت إال : قل سبحان ريب:" ، وقال عن ذكره"إمنا أنا بشر مثلكم يوحى إيل أمنا إهلكم إله واحد: قل .؟"بشرا رسوال

... مث ملا مل يتطرق للصابئة االقتصار على الروحانيات البحتة؛ والتقرب إليها بأعياا؛ والتلقي عنها بذواا

مفزعها : فصابئة النبط والفرس والروم. السيارات السبع، وبعض الثوابتوهي : فزعت مجاعة إىل هياكلهاو سنذكر مذاهبهم على التفصيل على قدر اإلمكان بتوفيق اهللا .مفزعها الثوابت: السيارات،و صابئة اهلند

والفرقة . ورمبا نزلوا عن اهلياكل إىل األشخاص اليت ال تسمع، وال تبصر، وال تغين عنهم شيئا. تعاىل .هم عبدة األصنام: هم عبدة الكواكب، والثانية: ألوىلا

احتج : وملا كان اخلليل عليه السالم مكلفا بكسر املذهبني على الفرقتني،و تقرير احلنيفية السمحة السهلةيا : كسرا من حيث القول، وكسرا من حيث الفعل فقال ألبيه آزر: قوال، وفعال: على عبدة األصنام

جعلهم جذاذا إال كبريا هلم، : حىت... اآليات.. ا ال يسمع وال يبصر وال يغين عنك شيئا؟ مل تعبد م! أبت

Page 105: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 105

وتلك :" ففرغ من ذلك كما قال اهللا تعاىل. وذلك إلزام من حيث الفعل، وإفحام من حيث الكسرهب ، وابتدإ بإبطال مذا"حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم

وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات :" كما قال تعاىل: عبدة الكواكب على صيغة املوافقةأي كما آتيناه احلجة كذلك نريه احملجة؛ فساق اإللزام على أصحاب اهلياكل مساق املوافقة ": واألرض

مل : م اخلليل عليه السالميف املبدأ، واملخالفة يف النهاية؛ ليكون اإللزام أبلغ، واإلفحام أقوى؛ وإال فإبراهيوسوق الكالم من . كاذبا: بل فعله كبريهم هذا: مشركا، كما مل يكن يف قوله: هذا ريب: يكن يف قوله

قرر احلنيفية اليت هي امللة : فلما أظهر احلجة وبني احملجة. جهة اإللزام، غري سوقه على جهة اإللتزاموكان االنبياء من أوالده كلهم يقررون احلنيفية؛ . يمالكربى، والشريعة العظمى، وذلك هو الدين الق

كان يف تقريرها قد بلغ النهاية القصوى، وأصحاب : وباخلصوص صاحب شرعنا حممد صلوات اهللا عليهنفي الشرك بكل موضع ذكر : ان التوحيد من أخص أركان احلنيفية؛ وهلذا! ومن العجب. املرمى وأصمى

.شركني، حنفاء اهللا غري مشركني بهحنيفا وما كان من امل: احلنيفية

اخلري؛ والشر، والنفع؛ : يقتسمان: مث إن التثنية اختصت باوس؛ حىت أثبتوا أصلني إثنني، مدبرين، قدميني. يزدان، وأهرمن: وبالفارسية. الظلمة: النور، واآلخر: يسمون أحدمها... والضر، والصالح؛ والفساد

بيان سبب : إحدامها: ئل اوس كلها تدور على قاعدتني إثنتنيومسا. وهلم يف ذلك تفصيل مذهباالمتزاج مبدأ، واخلالص : وجعلوا. بيان سبب خالص النور من الظلمة: امتزاج النور بالضلمة، والثانية

.معادا

الباب األول

المجوس

يكونا قدميني أزليني؛ بل أن األصلني ال جيوز أن : أثبتوا أصلني كما ذكرنا؛ إال أن اوس األصلية زعمواوالنور ال حيدث شرا ! أمن النور حدثت: مث هلم اختالف يف سبب حدوثها. النور ازيل، والظلمة حمدثة

وذا . وال شيء يشرك النور يف اإلحداث والقدم؟! جزئيا؛ فكيف حيدث أصل الشر؟، أم من شيء آخر .يظهر خبط اوس

: زروان الكبري، والنيب الثاين:كيومرث؛ ورمبا يقولون: شخاصاملبدأ األول من األ: وهؤالء يقولون

وقد . احلي الناطق: كيومرث هو آدم عليه السالم، وتفسري كيومرث هو: زردشت، والكيومرثية يقولون

Page 106: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 106

.وخيالفهم سائر أصحاب التواريخ. أن كيومرث هو آدم عليه السالم: ورد يف تواريخ اهلند والعجم

يزدان أزيل قدمي؛ : يزدان، وأهرمن؛ وقالوا: أثبتوا أصلني. كيومرث: األولالكيومرثية أصحاب املقدمأنه لو كان يل منازع : إن سبب خلق أهرمن أن يزدانن فكر يف نفسه: وأهرمن حمدث خملوق، وقالوا

كيف يكون؟، وهذه الفكرة كانت رديئة غري مناسبة لطبيعة النور؛ فحدث الظالم من هذه الفكرة، كان مطبوعا على الشر،و الفتنة، والفساد، والفسق، والضرر، واإلضرار؛ فخرج على أهرمن؛ و: ومسى

مث إن املالئكة توسطوا، .النور، وخالفه طبيعة وفعال، وجرت حماربة بني عسكر النور وعسكر الظلمةلنور؛ فصاحلوا؛ على أن يكون العامل السفلي خالصا ألهرمن سبعة آالف سنة،مث خيلى العامل ويسلمه إىل ا

: كيومرثن وحيوان يقال له: مث بدأ برجل يقال له. والذين كانوا يف الدنيا قبل الصلح أبادهم وأهلكهم

رجل يسمى ميشة، وامراة : ثور فقتلهما؛ فنبت من مسقط ذلك الرجل ريباس، وخرج من أصل ريباس .اناتاألنعام، وسائر احليو: ميشانة، ومها أبوا البشر، ونبت من مسقط الثور: امسها

أن النور خري الناس وهو أرواح بال أجساد بني أن يرفعهم عن مواضع أهرمن، وبني أن يلبسهم : وزعمواعلى أن تكون هلم النصرة من عند ... األجساد فيحاربون أهرمن؛ فاختاروا لبس األجساد، وحماربة أهرمن

.تكون القيامة: دهوعند الظفر به وإهالك جنو. النور، والظفر جبنود أهرمن، وحسن العاقبة

.سبب اخلالص: سبب االمتزاج، وهذا: فذاك

روحانية، نورانية، ربانية؛ ولكن الشخص األعظم : إن النور أبدع أشخاصا من نور؛ كلها: الزروانية قالوا .امسه زروان شك يف شيء من األشياء؛ فحدث أهرمن الشيطان من ذلك الشك

، فزمزم تسعة آالف وتسعمائة وتسعا وتسعني سنة؛ ليكون له ال؛ بل إن زروان الكبري قام: وقال بعضهملعل هذا العلم ليس بشيء فحدث أهرمن من ذلك اهلم : ابن فلم يكن؛ مث حدث نفسه، وفكر، وقال

الواحد، وحدث هرمز من ذلك العلم؛ فكانا مجيعا يف بطن واحد، وكان هرمز أقرب من باب اخلروج؛ .ن أمه، فخرج قبله وأخذ الدنيافاحتاالهرمن الشيطان حىت شق بط

أبغضه، ولعنه، : إنه ملا مثل بني يدي زروان فابصره ورأى ما فيه؛ من اخلبث، والشرارة، والفساد: وقيلوأما هرمز فبقى زمانا ال يد له عليه؛ وهو الذي اختذه قوم ربا . وطرده؛ فمضى واستوىل على الدنيا

.رة، والصالح، وحسن األخالقاخلري، والطها: وعبدوه؛ ملا وجدوا فيه من

إما فكرة رديئة، وإما عفونة رديئة؛ وذلك هو : أنه مل يزل كان مع اهللا شيء رديء: وزعم بعض الزروانية .الشرور، واآلفات، والفنت، واحملن: وزعموا؛ أن الدنيا كانت سليمة من. مصدر الشيطان

كان هو يف السماء، واألرض : وقال بعضهم. وكان مبعزل عن السماء، فاحتال حىت خرق السماء، وصعد

Page 107: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 107

خالية عنه؛ فاحتال حىت خرق السماء، ونزل إىل األرض جبنوده كلها؛ فهرب النور مبالئكته، واتبعه الشيطان حىت حاصره يف جنته، وحاربه ثالثة آالف سنة؛ ال يصل الشيطان إىل الرب تعاىل، مث توسط

وده يف قرار األرض تسعة آالف سنة؛ بالثالثة آالف اليت على أن يكون إبليس وجن: املالئكة، وتصاحلاورأى الرب تعاىل عن قوهلم الصالح يف احتمال املكروه من إبليس . قاتله فيها، مث خيرج إىل موضعه

الباليا، والفنت، واخلزايا، : فالناس يف. وجنوده، وأن ال ينقض الشرط حىت تنقضي املدة املضروبة للصلحأن ميكنه من أشياء يفعلها، : وشرط إبليس عليه. اء املدةن مث يعودون إىل النعيم األولإىل انقض... واحملن

أشهدا عليهما عدلني، ودفعا سيفهما إليهما، وقاال : فلما فرغا من الشرط. ويطلقه يف أفعال رديئة يباشرها .من نكث فاقتاله ذا السيف: هلما

هذا اإلعتقاد املضمحل الباطل؛ ولعله كان رمزا إىل ما ولست أظن عاقال يعتقد هذا الرأي الفائل، ويرىمل يسمح ذه الترهات عقله، ومل يسمع : ومن عرف اهللا سبحانه وتعاىل جبالله وكربيائه. يتصور يف العقل

.مثل هذه الترهات مسعه

جلو أن اوس زعمت أن إبليس كان مل يزل يف الظلمة وا: وأقب من هذا ما حكاه أبو حامد الزوزينخالء مبعزل عن سلطان اللهن مث مل يزل يزحف، ويقرب حبيله؛ حىت رأى النور؛ فوثب وثبة، فصار يف

سلطان اهللا يف النور، وأدخل معه هذه اآلفات والشرور، فخلق اهللا تعاىل هذا العامل شبكة له فوقع فيها، مل، مضرب يف احلبس، يرمى وصار متعلقا ا ال ميكنه الرجوع إىل سلطانه؛ فهو حمبوس يف هذا العا

باآلفات واحملن والفنت إىل خلق اهللا تعاىل؛ فمن أحياه اهللا رماه باملوت، ومن أصحه رماه بالسقم، ومن فإذا . سره رماه باحلزن، فال يزال كذلك إىل يوم القيامة؛ ويف كل يوم ينقص سلطانه حىت ال تبقى له قوة

فيطرحه يف اجلو؛ واجلو ... وزالت قوته،و اضمحلت قدرتهذهب سلطانه، ومخدت نريانه، : كانت القيامةمث جيمع اهللا تعاىل اهل األديان؛ فيحاسبهم، وجيازيهم على طاعة الشيطان . ظلمة ليس هلا حد وال منتهى

.إن النور كان وحده نورا حمضا، مث امنسخ بعضه فصار ظلمة: وأما املسخية؛ فقالت. وعصيانه

بأحكام ، وحالل، : وهم ال يقولون. بأصلني، وهلم ميل إىل التناسخ، واحللولقالوا : وكذلك اخلرمدينيةكان ... اإلباحية، واملزدكية، والزنادقة، والقرامطة: ولقد كان يف كل أمة من األمم قوم؛ مثل. وحرام

.تشويش ذلك الدين منهم، وفتنة الناس مقصورة عليهم

الذي ظهر يف زمان كشتاسب ابن هلراسب الزرداشتية أولئك هم أصحاب زرددشت ابن بورشب؛ .دغدوية: امللك؛ وأبوه كان من أذربيجان، وأمه من الري وامسها

. او هلم كيومرث، وكان أول من ملك األرض، وكان مقامه بإصطخر: أن هلم أنبياء وملوكا: زعموا

ظهرت الصابئة طهمورث؛ و: وبعده. أوشهنك بن فراوك، ونزل أرض اهلند، وكانت له دعوة مثة: وبعده

Page 108: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 108

مث بعده أنبياء وملوك؛ منهم منوجهر، ونزل بابل، وأقام . أخوه جم امللك: وبعده. يف أول سنة من ملكهحىت انتهى امللك إىل كشتاسب بن هلراسب، وظهر ... وزعموا أن موسى عليه السالم ظهر يف زمانه. ا

.يف زمانه زردشت احلكيم

ت ما يف الصحف األوىل والكتاب األعلى من ملكوته خلقا أن اهللا عز وجل خلق من وق: وزعمواروحانيا؛ فلما مضت ثالثة آالف سنة أنفذ مشيئته يف صورة من نور متألأل، على تركيب صورة اإلنسان ،و أحف به سبعني من املالئكة املكرمني وخلق الشمس ، والقمر، والكواكب، واالرض، وبين آدم؛ غري

مث جعل روح زردشت يف شجرة أنشأها يف أعلى عليني وأحف ا سبعني من .متحركة ثالثة آالف سنةاملالئكة املكرمني، وغرسها يف قلة جبل من جبال أذربيجان يعرف بامسويذخر، مث مازج شبح زردشت

نطفة، مث مضغة يف رحم أمه؛ فقصدها الشيطان وعريها، فسمعت : بلنب بقرة، فشربه أبو زردشت، فصارمث ملا ولد ضحكك ضحكة تبينها من حضر؛ فاحتالوا . سماء فيه داللة على برئها؛ فربئتأمه نداء من ال

على زردشت حىت وضعوه بني مدرجة البقر ومدرجة اخليل ومدرجة الذئب، فكان ينهض كل واحد . لقنبيا، ورسوال إىل اخل: ونشأ بعد ذلك إىل أن بلغ ثالثني سنة، فبعثه اهللا تعاىل. منهم حلمايته من جنسه

عبادةاهللا، والكفر بالشيطان، واألمر باملعروف، : وكان دينه. كشتاسب امللك، فأجابه إىل دينه: فدعا ...والنهي عن املنكر، واجتناب اخلبائث

النور والظلمة أصالن متضادان، وكذلك يزدان وأهرمن، ومها مبدأ موجودات العاملن وحصلت : وقالوالباري تعاىل خالق النور والظلمة . من التراكيب املختلفةالتراكيب من امتزاجهما، وحدثت الصور

ال شريك له، والضد، وال ند، وال جيوزأن ينسب إليه وجود الظلمة؛ كما قالت : ومبدعهما؛ وهو واحدإمنا حصلت من امتزاج النور : اخلري والشر، والصالح والفساد، والطهارة واخلبث: لكن. الزروانية

إىل أن يغلب النور الظلمة، ... يتقاومان، ويتغالبان: ومها. ا ملا كان وجود العاملوالظلمة؛ ولو مل ميتزجسبب اخلالص؛ والباري تعاىل : واخلري الشر؛ مث يتخلص اخلري إىل عامله، والشر ينحط إىل عامله؛ وذلك هو

وجود وجوده: ورمبا جعل النور أصال؛ وقال. هو الذي مزجهما وخلطهما؛ حلكمة رآها يف التراكيبحقيقي، وأما الظلمة فتبع، كالظل بالنسبة إىل الشخص؛ فإته يرى أنه موجود، وليس مبوجود حقيقة؛

فأبدع النور، وحصل الظالم تبعا؛ ألن من ضرورة الوجود التضاد، فوجوده ضروري، وواقع يف اخللق ال زند : أنزل عليه وهوإن ذلك: وله كتاب قد صنفه وقيل. بالقصد األول؛ كما ذكرنا يف الشخص والظل

وكما قسم . الروح، الشخص: الروحاين، واجلسماين؛ أو: مبنة وكييت؛ يعين: أوستا؛ يقسم العامل قسمنيالتقدير، والفعل؛ وكل : خبشش، وكنش؛ يريد به: غنما يف العامل ينقسم قسمني: اخللق إىل عاملني؛ يقول

Page 109: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 109

: حركات اإلنسان؛ فيقسمها ثالثة أقسام: هيمث يتكلم يف موارد التكليف، و. واحد مقدر على الثاين

اإلعتقاد، والقول، والعمل؛ وبالثالثة يتم التكليف؛ فإذا قصر :منش، وكويش، وكنش؛ يعين بذلكاإلنسان فيها خرج عن الدين والطاعة، وإذا جرى يف هذه احلركات على مقتضى األمر والشريعة فاز

.الفوز األكرب

دخول قوائم فرس كشتاسب يف بطنه، وكان زردشت يف : رية؛ منهاوتدعي الزردشتية له معجزات كثخذوا حشيشة وصفها : أنه مر على أعمى بالدينور فقال: ومنها. احلبس، فأطلقه؛ فانطلقت قوائم الفرس

.هلم واعصروا ماءها يف عينه، فإنه يبصر؛ ففعلوا؛ فأبصر األعمى

ومن اوس الزردشتية صنف !. جزات يف شيءوليس من املع. وهذا من مجلة معرفتهم خباصية احلشيشة: السيسانية، والبهافريدية؛ رئيس رجل يقال له سيسان من رستاق نيسابور، من ناحية يقال هلا: يقال هلم

كان زمزميا يف األصل؛ يعبد النريانح مث ترك ذلكن . خرج يف أيام أيب مسلم؛ صاحب الدولة. خوافو وضع هلم كتابا؛ وأمرهم فيه بإرسال الشعور؛ .ض عبادة النريانترك الزمزمة، ورف: ودعا اوس إىل

األمهات، والبنات ، واألخوات؛ وحرم عليهم اخلمر؛ وأمرهم باستقبال الشمس عند : وحرم عليهميتخذون الرباطات، ويتباذلون األموال، وال يأمكلون امليتة، وال يذحبون : السجود على ركبة واحدة، وهم

مث إن موبذ اوس رفعه إىل أيب مسلم، فقتله . وهم أعدى خلق اهللا للمجوس الزمازمة. احليوان حىت يهرمإنه صعد إىل السماء على برذون اصفر، وأنه سيرتل على : وقال أصحابه. على باب اجلامع بنيسابور .وهؤالء اقروا بنبوة زردشت، وعظموا امللوك الذين يعظمهم زردشت. الربذون؛ فينتقم من أعدائه

: سيظهر يف آخر الزمان رجل امسه أشيزريكا، ومعناه: ومما خرب به زردشت يف كتاب زند أوستا أنه قال

الرجل العامل، يزين العامل بالدين والعدل؛ مث يظهر يف زمانه بتيارهن فيوقع اآلفة يف أمره وملكه عشرين يت اجلور، ويرد السنن املغرية إىل سنة؛ مث يظهر بعد ذلك أشيزريكا عاالى أهل العامل، وحييي العدل، ومي

األمن، : أوضاعها األول، وتنقاد له امللوك، وتتيسر له األمور، وينصر الدين احلق، وحيصل يف زمانه .والدعة، وسكون الفنت، وزوال احملن

أن دين : مقالة زردشت يف املبادىء وقد نقل اجليهاين يف مقالة من املقاالت لزردشت يف املبادىءمن،و :أورمزد واملالئكة املتوسطون يف رساالته إليه: و الدعوة إىل دين مارسيان، وأن معبودهه: زردشت

. و قد رآهم زردشت، واستفاد منهم العلوم.أرديبهشت، وشهريورن وإ سفندارمز، وخرداد، ومرداد

كون ما الشيء الذي كان، وي: قال زردشت: أوهلما: وجرت مساءالت بينه وبني أورمزد من غري توسط .وهو اآلن موجود؟

Page 110: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 110

أنا، والدين، والكالم؛ أما الدين فعمل أورمزد وكالمه وإميانه؛ وأما الكالم فكالمهن والدين : قال اورمزدمن، وعلمه الدين، وخصه : وأول من أبدع من املالئكة. أفضل من الكالم؛ إذ العمل أفضل من القولمل مل ختلق : قال : السؤال الثاين. دىء على هذا الرأي ثالثةمبوضع النور مكانا، وأقنعه بذاته ذاتا؛ فاملبا

نصفه متناه، ونصفه غري متناه؛ فلو خلقتها : األشياء كلها يف زمان غري متناه؟ إذ قد جعلت الزمان نصفنيفإذا كان ال ميكن أن تفىن مث آفات األثيم : قال أورمزد. كان ال يستحيل شيء منها: يف زمان غري متناه

.إبليس

أما أنفس : خلقت مجيع هذا العامل من نفسي: قال أورمزد. مما ذا خلقت هذا العامل؟: قال: السؤال الثالثاالبرار فمن شعر رأسي، وأما السماء فمن أم رأسي، والظفر واملعاضد فمن جهيت، والشمس فمن عيين،

، واألرض فمن عصب والقمر فمن أنفي، والكواكب فمن لساين، وسروس وسائر املالئكة فمن أذين: قال زردشت. وأريت هذا الدين أوال كيومرث؛ فشعر به، وحفظه من غري تعلم وال مدارسة. رجلي

ألنك حتتاج أن تتعلم هذا : أورمزد: قال. فلماذا أريت هذا الدين كيومرث بالوهم، وألقيته إيل بالقول؟م، وهذا خري لك؛ ألين أقول وأنت الدين وتعلمه غريك، وكيومرث مل جيد من يقبله؛ فأمسك عن التكل

هل أريت هذا الدين أحدا قبلي : فقال زردشت ألورمزد. تسمع، وأنت تقول والناس يسمعون ويقبلون إذا : قال. أريت هذا الدين جم مخسني جنما خممسا؛ من أجل إنكاره الضحاك! بلى: غري كيومرث؟ قال

أفريدون، وكيكاوس، : لو مل أره ملا صار إليك، وقد أريته أيضا: كنت عاملا أنه ال يقبله؛ فلماذا أريته؟ قالألن فناء العفريت : خلقك العامل،و تروجيك الدين ألي شيء؟ قال: قالزردشت. وكيقباد، وكشتاسب

. األثيم ال ميكن إال خبلق العامل، وترويج الدين؛ ولو مل يتروج أمر الدين ملا أمكن أن تتروج أمور العامل

وغاظ ... دشت الدين من أورمز الوهاب؛ واستحكمه، وعمل به؛ وزمزم يف بيت أبيه عليهفلما إخذ زر: ذلك كون األثيم وأقلقه؛ إذ كان شريرا، ممتلئا موتا، وظلمة، وبالء، وحمنة؛ فدعا بشياطنه، وأمساؤهم

فعلم زردشت يرى ديوانياخ ديويهمان زوش، ونومر بفنارديو؛ وأمرهم مجيعا باملسري إىل زردشت وقتله،وجرت حماربات أخرى؛ . بذلك؛ فقرأ، وزموم، وأراق املاء على يد مارسيان؛ فازموا عنه مقهورين

وملا بلغ زردشت . أوستا، وتوارت الشياطني عن الناس: فهزمهم زردشت بإحدى وعشرين آية، من كتابهاكمل فيها معرفة شرائع دين مبلغ الكمال بأربعني سنة؛ ومتت له املخاطبات يف سبع عودات إىل أورمزد

أمره اهللا باملسري إىل كشتاسب امللك، وإظهار ذكر اهللا، وامسه؛فنفذ ألمر اهللا، ... اهللا وفرائضه وسسنهفورمباراى وبيويدست؛ فدعامها إىل دين اهللا، والكفر : ودعا ملكني كانا بذلك الصقعة يقال هلما

قوله، وأخذما العزة باإلمث؛ فجاءما ريح؛ فحملتهما بالشيطان، وفعل اخلري، واجتناب الشر؛ فلم يقبال

Page 111: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 111

من األرض، ووقفت ما يف اهلواء، واجتمع الناس ينظرون إليهما؛ فقشيهما الطري من كل ناحية، واتوا وملا بلغ كشتاسب لقي منه كل ما أنبأه أورمزد؛ من . على حلومهما، وسقطت عظامهما على األرض

أمر الفرس الذيدخلت قوائمه يف باطن بدنه؛ حىت مل ير أثرها يف جسده، احلبس والبالء؛ حىت حدث تلك آية من : واستبهم حاله على الناس، وحتريوا؛ وأخرجه كشتاسب من احلبس، وسأله احلال؛ فقال

آيات صدقى؛ الذي أخربين به إهلي وخالقي، وشارطهم على اإلميان به؛ إن هو دعا وأخرج قوائم الفرس، باسم اهللا؛ فخرجت قوائم الفرس كما كانت؛ فآمن به كشتاسب؛ وأمر جبمع علماء أهل وشرطوا، ودعا

ومما جاء به : بابل، وإيران شهر؛ وأمرهم مبحاورة زردشت؛فناظروه؛ فاعترفوا له بالفضيلةز قال:زمانه من وهو أسىن أسنه: أن إهله أورمزد مل يزل، ومل يزل معه شيء مساه: زردشت املصطفى من دين مارسيان

وهو . أستا أستاه وهو مظلم حوله: شيء مضيء حوله، وهو فوق؛ وأن إبليس مل يزل معه شيء مساهمن، مث أررديهشت، مث شهريور، مث اسفندارمز، مث خرداد، مث : وأول ما خلق اهللا من املالئكة. أسفلول شيء، وقال وخلق بعضهم من بعض؛ كما يؤخذ السراج من السراج من غري أن ينقص من األ. مرداد

وعلم أورمزد أن إبليس ستيتحرك من ظلمته؛ فأعلم . أنت ربنا وخالقنا: من ربكم وخالقكم؟ فقالوا: هلمبذلك املالئكة، وبدأ بإعداد ما يورطه، ويدفع شره وأذاه عن عامله، ويبطل إرادته؛ فخلق السماء يف مخسة

إىل سائر الكاهينازات ... ئر أهل الدنياظهور ضما: كاهينازاى شورم؛ ومهناه: وأربعني يوما، ومسى: املذكورات عندهم؛ وخلق األرض يف مخسة وأربعني يوما، وأول من ابتعثه أورمزد إىل األرض

وملا ان جاء وقت . كيومرث، وقد كان يستنشق النسيم ثالثة آالف سنة، مث أخرجه يف قامة ثالثة رجالمع يف اإلستيالء على أسىن أورمزد،و تصيريه مظلما، حتريك إبليس يف ظلمته، ارتفع، ورأى النور، وط

أمر اهللا األرض أن : ودخل السماء يكيد مث لكيومرث ثالثني سنة، وصارت نطفته ثالثة أقسام؛ قسم أمر سروس امللك أن : حتفظه، وقسم

السماء وأمر أورمزد بسد الثقوب اليت صعد منها إبليس؛ فبقي داخل . اختطفته الشياطني: حيفظه، وثلثمنقطعا عن أصله وقوته، فانتصب ملنابذة أورمزد، ورام الصعود إىل اجلنان؛ فدفعه عن ذلك قدر ثالثة

واتفق األمر بينهما على أن . آالف سنة، مث أعلمه أنه يسعى يف الباطل واخلسار، وبروم ما ال يقدر عليهف سنة مث يبطل، وحيتمل خلقه يبقى إبليس وجنوده يف قرار الضوء تسعة آالف سنة ويروى سبعة آال

من الفقر، والبالء، واملوت، وسائر اآلفات؛ : األذى يف هذه السنني، ويصربون عليه وعلى ما يناهلمأن : األول منها: واشترط إبليس لنفسه وشياطينه مثانية عشر شرطا. ليعوضهم منها احلياة الدائمة يف اجلنان

أن يصلت خلقه : أن يكون ممن خلقه على خلق اهللا، والثالث: تصري معيشة خلقه من خلق اهللا، والثاينأن يصري له السبيل ىل أن يأخذ : أن خيلط جوهر خلقه جبوهر خلق اهللا، واخلامس: على خلق اهللا، والرابع

Page 112: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 112

أن يصري له : أن يصري له من النور الذي يف خلق اهللا ما يريد، والسابع: الطني الذي يف خلق اهللا، والسادسأن يصري : ان يصري له من الرطوبة اليت يف خلق اهللا، والتاسع: اليت يف خلق اهللا حاجته، والثامنمن الرياح

أن يصري له من املودة واملصاهرة اليت يف خلق اهللا؛ ليخلط األشرار : له من النار اليت يف خلق اهللا، والعاشرهللا؛ ليعرف خلقه مسالك املنافع أن يصري له من العقل والبصر الذي يف خلق ا: باألخيار، واحلادي عشر

: ان يصري له من العدل الذي يف خلق اهللا؛ ليجعل لألشرار فيه نصيبا، والثالث عشر:واملضار، والثاين عشر

أن يصري له : أن ختفى على الناس معرفة عمل الصاحلني واألشرار إىل يوم القيامة واحلساب، والرابع عشررة واخلبث غاية الغىن والدرجات؛ ويصريهم عند الناس صاحلني، السبيل إىل أن يبلغ بأهل بيت الشرا

أن يصري له السبيل إىل أن يعمر من أهل الدنيا من أراد من خلقه ألف سنة؛ او ثالثة : واخلامس عشرىالف سنة؛ ويصريهم أغنياء أقوياء قادرين على ما يريدون؛ وأن يلهم الناس حىت يكونوا بإعطاء األشرار

أن يصري له السبيل إىل إفناء أهل بيت : طاء األخيار وأطيب نفسا، والسابع عشرأسخى منهم بإعحييي : أن ميلك امر من: الصاحلني؛ حىت ال يعرف منهم أحد بعد ثالمثائةو مخسن سنة، والثامن عشر

ما إىل فتمت البيعة، واقاما عليها، ودفعا سيفيه. األموات؛ ويبقى األخيار؛ وينفي األشرار إىل يوم القيامةأن جتري؛ ... الشمس، والقمر، والكواكب: وأمر اهللا تعاىل. عدلني؛ على أن يقتال من رجع عن شرطه

ان للعامل : ومما نص عليه زردشت. اليت جعلها عدة اإلنظارو اإلمهال... األيام، والشهور، واألعوام:ملعرفةمشاسبند؛ : وهذه القوة تسمى. كماالاقوة إهلية؛ هي املدبرة جلميع ما يف العامل، املنتهية مبادئها إىل

الفيض اإلهلي؛ : العقل الفعال؛ ومنه: املدبر األقرب، وعلى لسان الفالسفة: على لسان الصابئة: وهياملالئكة، وعلى لسان الشرع : األرواح الطيبة، وعلى لسان العرب: والعناية الربانية، وعلى لسان املانوية

آدم وحواء : منشاه ومنشاية؛ ويعين ما: وأثبت غريه. املالئكة والروح فيهاترتل : الروح: والكتاب اإلهلي .يف العامل اجلسماين، والعقل والنفس يف العامل الروحاين

الباب الثاني

الثنوية

يزعمون أن النور والظلمة أزليان قدميان؛ خبالف اوس؛ فإم . هم أصحاب اإلثنني األزليني: هؤالءيف اجلوهر؛ :بتساويهما يف القدم، واختالفهما: و هؤالء قالوا. الظالم، وذكرواسبب حدوثهحبدوث: قالوا

.والطبع؛ والفعل؛ واحليز؛ واملكان واألجناس؛ واالبدان واالرواح

Page 113: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 113

املانوية أصحاب ماين بن فاتك احلكيم، الذي ظهر يف زمان سابور بن أردشري، وقتله رام بن هرمز بن أحدث دينا بني اوسية والنصرانية،و كان يقول بنبوة . بن مرمي عليه السالمسابور وذلك بعد عيسى

حكى حممد بن هارون املعروف بأيب عيسى . املسيح عليه السالم، وال يقول بنبوة موسى عليه السالمأن العامل مصنوع مركب من : ان احلكيم ماين زعم: الوراق وكان يف األصل جموسيا عارفا مبذاهب القوم

أزليان مل يزاال؛ ولن يزاال، وأنكر وجود شيء إال من : أحدمهاا نور، واآلخر ظلمة؛ وأما: أصلني قدمينييف النفسن : قويني ، حساسني، دراكني، مسيعني، بصريين ومها مع ذلك: أصل قدمي، وزعم أما مل يزاال

وإمنا تتبني . الشخص والظلحتاذي : متحاذيان: ويف احليز. متضادان... والصورة، والفعل، والتدبريحسن، فاضل، كرمي، صاف، نقي، طيب الريح : النور جوهره: يف هذا اجلدول: جواهرمها، وأفعاهلما

.قبيح، ناقص، لئيم، كدر، خبيث، مننت الريح النور حسن املنظر: الظلمة جوهرها

.الظلمة قبيحة املنظر

.خرية، كرمية، حكيمة، نافعة، عاملة: النور نفسه

.شريرة، لئيمة، سفيهة، ضارة، جاهلة: ة نفسهاالظلم

.اخلري، والصالح، والنفع، والسرور، والترتيب، والنظام، واإلتفاق: النور فعله

.الشر، والفساد، والضر، والغم، والتشويش، والتتبري، واإلختالف: الظلمة فعلها

.بعضهم أنه جتنب الظلمةجهة فوق؛ وأكثرهم على أنه مرتفع من ناحية الشمال،و زعم : النور جهته

.جهة حتت؛ وأكثرهم على أا منحطة من ناحية اجلنوب، وزعم بعضهم أا جتنب النور: الظلمة جهتها

النار والنور، والريح، واملاء؛ : أربعة منها أبدان، واخلامس روحه فاألبدان هي: النور أجناسه مخسة .وروحها النسيم وهي تتحرك يف هذه األبدان

احلريق، والظلمة، والسموم، : فاألبدان هي. أربعة منها أبدان واخلامس روحها: ناسها مخسةالظلمة أج .والضباب؛ وروحها الدخان وتدعى اهلامة، وهي تتحرك يف هذه األبدان

له أرض : كون النور مل يزل على مثال هذا العامل: وقال بعضهم. النور صفاته حية، خرية، طاهرة، زكيةمل تزل لطيفة، على غري صورة األرض؛ وشعاعها كشعاع الشمس؛ ورائحتها أطيب : فأرض النور. وجو

أرض : ال شيء إال اجلسم واألجسام على ثالثة أنواع: وقال بعضهم. رائحة، وألواا ألوان قوس قزحوجسم آخر وهو . اجلو، وهو نفس النور: وهناك جسم آخر الطف منه وهو. أرض وهي مخسة: النور

ومل يزل يولد النور مالئكة، وآهلة، وأولياء، ال على سبيل املناكحة؛ بل : قال. النسيمألطف منه، وهو وجيمع . هو روحه: وملك ذلك العامل: قال. كما تتولد احلكمة من احلكيم، واملنطق الطيب من الناطق

الظلمة مل كون : و قال بعضهم.الظلمة صفاا ميتة، شريرة، جنسة، دنسة. اخلري، واحلمد، والنور: عامله

Page 114: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 114

مل تزل كثيفة، على غري صورة هذه األرض، بل : فأرض الظلمة. هلا ارض وجو: تزل على مثال هذا العاملال شيء إال : وقال بعضهم. هي أكثف وأصلب؛ ورائحتها كريهة أننت الروائح، وألواا ألوان السواد

وجسم آخر اظلم . هو اجلوأرض الظلمة؛ وجسم آخر أظلم منه و: واألجسام على ثالثة أنواع. اجلسمومل تزل تولد الظلمة شياطني وأراكنة وعفاريت، ال على سبيل ال : قال. منه وهو السموم، روح النور

روحه : وملك ذلك العامل هو: قال. على سبيل املناكحة؛ بل كما تتولد احلشرات من العفونات القذرة .الشر، والذميمة، والظلمة

إن النور والظالم امتزجا باخلبط : قال بعضهم: ملزاج وسببه، واخلالص وسببها: مث اختلفت املانوية يفإن سبب املزاج أن أبدان الظلمة تشاغلت عن روحها : وقال أكثرهم. واإلتفاق؛ ال بالقصد، واإلختيار

بعض التشاغلن فنظرت الروح، فرأت النور، فبعثت األبدان على ممازجة النور، فأجابتها إلسراعها إىل ر؛ فلما رأى ذلك ملك النور، وجه إليها ملكا من مالئكته يف مخسة أجناس من أجناسها اخلمسة؛ الش

فخالط الدخان النسيم؛ وإمنا احلياة والروح يف هذا العامل من : فاختلطت اخلمسة النورية باخلمسة الظالميةوالسموم الريح، والضباب النسيم؛ واهلالك واآلفات من الدخان،و خالط احلريق النار، والنور الظلمة،

مضرة؛ وشر؛ وفساد؛ فمن : منفعة؛ وخري؛ وبركة؛ فمن أجناس النور، ومافيه من: فما يف العامل من. املاءفلما رأى ملك النور هذا اإلمتزاج أمر ملكا من مالئكته؛ فخلق هذا العامل على هذه . أجناس الظلمة

ا سارت الشمس والقمر وسائر النجوم والكواكب؛ وإمن. اهليئة؛ لتخلص أجناس النور من أجناس الظلمةفالشمس تصطفي النور الذي امتزج بشياطني احلر، والقمر : الستصفاء أجزاء النور من أجزاء الظلمة

يصطفي النور الذي امتزج بشياطني الربد، والنسيم الذي يف األرض ال يزال يرتفع؛ ألن من شأا اء النور أبدا يف الصعود واالرتفاع، وأجزاء الظلمة أبدا يف الرتول االرتفاع إىل عاملها؛ وكذلك مجيع أجز

حىت تتخلص األجزاء من األجزاء، ويبطل االمتزاج، وتنحل التراكيب، ويصل كل إىل كله ... والتسفل .وعامله؛ وذلك هو القيامة واملعاد

ديس، والكالم الطيب، وأعمال التسبيح، والتق:ومما يعني يف التخليص، والتمييز، ورفع أجزاء النور: قالالرب؛ فترتفع بذلك األجزاء النورية يف عمود الصبح إىل فلك القمر؛ وال يزال القمر يقبل ذلك من أول الشهر إىل نصفه، فيمتلىء، فيصري بدرا، مث يؤدي إىل الشمس إىل آخر الشهر، وتدفع الشمس إىل نور

وال يزال يفعل ذلك، حىت ال . ىل النور األعلى اخلالصإىل أن يصل إ... فيسري ذلك يف العامل... فوقهايبقي من أجزاء النور شيء يف هذا العامل إال قدر يسري منعقد، التقدر الشمس والقمر على استصفائه؛ فعند ذلك يرتفع امللك الذي حيمل األرض، ويدع امللك الذي جيذب السماوات؛ فيسقط األعلى على

Page 115: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 115

م األعلى واألسفل، وال تزال تضطرم حىت يتحلل ما فيها من النور؛ األسفل، مث توقد نار حىت يضطرو ذكر احلكيم ماين يف باب األلف من اجلبلة، .ألفا وأربعمائة ومثانياو ستني سنة: وتكون مدة االضطرام

أن ملك عامل النور يف كل أرضه ال خيلو منه شيء، وأنه ظاهر باطن، وأنه ال اية : ويف أول الشابرقان ان : وذكر. إن ملك عامل النور يف سرة أرضه: و قال أيضا.؛ إال من حيث تناهى أرضه إىل أرض عدوهله

وقد . اخلري، والشر: احلرارة، والربودة، والرطوبة، واليبوسة، واملزاج احملدث هو: املزاج القدمي هو امتزاج. يوم والليلة، والدعاء إىل احلقالعشر يف األموال كلها، والصلوات األربع يف ال: فرض ماين على أصحابه

الكذب؛ والقتل؛ والسرقة، والزنا؛ والبخل؛ والسحر؛ وعبادة األوثان؛ وان يأيت على ذي روح ما : وتركآدم . ان أول من بعث اهللا تعاىل بالعلم، واحلكمة: واعتقاده يف الشرائع واألنبياء. يكره أن يؤتى إليه مبثله

مث بعث بالبددة ... نوحا بعده، مث إبراهيم بعده عليهم الصالة والسالمأبو البشر، مث بعث شيثا بعده، مثإىل أرض اهلند، وزردشت إىل أرض فارس، واملسيح كلمة اهللا وروحه إىل أرض الروم واملغرب؛ وبولس

أن : وزعم أبو سعيد املانوي؛ رئيس من رؤسائهم. بعد املسيح إليهم، مث يأيت خامت النبيني إىل أرض العربأحد عشر : لذي مضى من املزاج إىل الوقت الذي هو فيه وهو سنة إحدى وسبعني ومائتني من اهلجرة ا

اثنا عشر . وعلى مذهبه مدة املزاج. ثالمثائة سنة : ألفا وسبعمائة سنة؛ وأن الذي بقي إىل وقت اخلالصومخسمائة وهو غحدى وعشرون : الف سنة؛ فيكون قد بقي من املدة مخسون سنة يف زماننا هذا

!.فنحن يف آخر املزاج وبدء اخلالص؛ فغلى اخلالص الكلي، واحنالل التراكيب مخسون سنة.هجرية

املزدكية

وطلع . مزدك ومزدك هو الذي ظهر يف أيام قباذ والد أنوشروان؛ فدعا قباذ إىل مذهبه، فأجابه: اصحابأن قول املزدكية كقول كثري من : لوراقحكى ا. خزييه، وافترائه؛ فطلبه؛ فوجده؛ فقتله: أنوشروان على

إن النور يفعل بالقصد واالختيار، والظلمة تفعل : يف الكومني واألصلني؛ إال أن مزدك كان يقول: املانويةوإن املزاج كان على االتفاق . جاهل؛ أعمى: عامل؛ حساس، والظالم: والنور. على اخلبط واالتفاق

وكان مزدك ينهي الناس . اخلالص إمنا يقع باالتفاق دون االختيارواخلبط؛ ال بالقصد واالختيار، وكذلكالنساء، واألموال؛ أحل النساء، : املخالفة، واملباغضة، والقتال؛؛ وملا كان أكثر ذلك إمنا يقع بسبب: عن

انه أمر : وحكى عنه. املاء، والنار، والكأل: وأباح األموال، وجعل الناس شركة فيهما؛ كاشتراكهم يفاملاء واألرض، : ومذهبه يف االصول واألركان اا ثالثة. األنفس؛ ليخلصها من الشر ومزاج الظلمةبقتل

مدبر اخلرين ومدبر الشر؛ فما كان من صفوها فهو مدبر اخلري، وما : وملا اختلطت حدث عنها. والنارألعلى، على هيئة أن معبوده قاعد على كرسيه يف العامل ا: وروي عنه. كان من كدرها فهو مدبر الشر

قوة التمييز، والفهم، واحلفظ، والسرور؛ كان بني : قعود خسرو يف العامل األسفل، وبني يديه أربع قوى

Page 116: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 116

وتلك األربع يدبرون امر . موبذان، واهلربد األكرب، واألصهبدن والرامشكر: يدي خسرو أربعة أشخاصوهذه السبعة تدور يف . ودستور، وكوذكساالر، وبيشكار، وبالون، وكازران،: العامل بسبعة من وراءهم

خوانندهن ودهنده، وستاننده، وبرنده خور ننده، ودونده، وخيزنده، وكشنده، : إثين عشر روحانينيو كل إنسان اجتمعت له هذه القوى األربع، والسبع، .وزننده، وكنندهن وآبنده،و شونده، وباينده

وإن خسرو العامل األعلى إمنا يدبر : قال. رتفع عنه التكليفصار ربانيا يف العامل السفلي،و ا: واإلثنا عشرباحلروف اليت جمموعها االسم األعظم، ومن تصور من تلك احلروف شيئا انفتح له السر األكرب، ومن

: وهم فرق. يف مقابلة القوى األربع الروحانية: حرم ذلك بقي يف عمى اجلهل والنسيان والبالدة والغم

األهواز؛ وفارس؛ وشهرزور، : والكوذية بنواحي. مية، واملاهانية، واإلسبيد خامنكيةالكوذية، وابو مسل .سغدمسرقند، والشاش، وإيالق: واآلخر بنواحي

الديلصانية

يفعل الشر : يفعل اخلري قصدا واختيارا، والظالم: نورا، وظالما؛ فالنور: اثبتوا اصلني. أصحاب ديصانشر، وضرر، : خري، ونفع، وطيب، وحسن؛ فمن النور، وما كان من: منطبعا واضطرارا؛ فما كان حي، عامل، قادرن حساس، دراك، ومنه تكون احلركة : وزعموا أن النور. وننت، وقبح؛ فمن الظالم

ميت، جاهل، عاجز، مجام، موات، ال فعل له وال متييز؛ وزعموا أن الشر يقع منه طباعا : والظالم. واحلياةا أن النور جنس واحد؛ وكذلك الظالم جنس واحد، وأن ادراك النور ادراك متفق؛ فإن وخرقا وزعمو

مسيع، : شيء واحد؛ فسمعه هو بصره، وبصره هو حواسه؛ وإن ما قيل: مسعه وبصره وسائر حواسهأن اللون هو الطعم، وهو : وزعموا. بصري؛ الختالف التركيب؛ ال ألما يف نفسهما شيئان خمتلفان

وهو احملسة، وإمنا وجده لونا؛ ألن الظلم خالطته ضربا من املخالطة، ووجده طعما؛ ألا الرائحة،أن : وزعموا. خالطته خبالف ذلك الضرب، وكذلك القول يف لون الظلمة، وطعمها، ورائحتها، وحمستها

حة منه، وأن أن النور مل يزل يلقي الظلمة بأسفل صف: النور بياض كله، وأن الظالم سواد كله، وزعموافزعم بعضهم أن النور داخل : واختلفوا يف املزاج واخلالص. الظلمة مل تزل تلقاه بأعلى صفحة منها

الظلمة، والظلمة تلقاه خبشونة وغلظ؛ فتاذى ا، وأحب أن يرققها ويلينها، مث يتخلص منها؛ وليس ذلك وأسنانه خشنة؛ فاللني يف النور، الختالف جنسهما، ولكن كما أن املنشار جنسه حديد، وصفحته لينة،

واخلشونة يف الظلمة، ومها جنس واحد؛ فتلطف النور بلينه حىت يدخل تلك الفرج، فما أمكنه إال بتلك بل الظالم ملا احتال حىت : وقال بعضهم. اخلشونة، فال يتصور الوصول إىل كمال وجود إال بلني وخشونة

حىت يتخلص منه، ويدفعه عن نفسه، فاعتمد عليه، فلجج تشبثت بالنور من أسفل صفحته، فاجتهد النورفيه، وذلك مبرتلة اإلنسان الذي يريد اخلروج من وحل وقع فيه، فيعتمد على رجله ليخرج، فيزداد جلوجا

Page 117: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 117

إن النور إمنا دخل أجزاء : وقال بعضهم. ؛ فاحتاج النور إىل زمان ليعاجل التخلص منه والتفرد بعامله...فيهارا؛ ليصلحها؛ ويستخرج منها أجزاء صاحلة لعامله؛ فلما دخل تشبثت به زمانا، فصار يفعل الظالم اختي

. اجلور والقبيح اضطرارا ال اختيارا؛ ولو افرد يف عامل ما كان حيصل منه إال اخلري احملض، واحلسن البحت

.وفرق بني الفعل االضطراري، وبني الفعل االختياري

املرقيونية

: أحدمها النورن والثاين الظلمة،و أثبتوا أصال ثالثا هو: أثبتوا أصلني قدميني متضادين. يونمرق: أصحاب

إن اجلامع دون : وقالوا. املعدل اجلامع، وهو سبب املزاج؛ فإن املتنافرين املتضادين ال ميتزجان إال جبامعومنهم من يقول االمتزاج إمنا النور يف املرتبة وفوق الظلمة؛ وحصل من اإلجتماع واالمتزاج هذا العام

حصل بني الظلمة واملعدل؛ إذ هو أقرب منها، فامتزجت به؛ لتطيب به، وتلتذ مبالذه؛ فبعث النور إىل حتننا على املعدل اجلامع السليم الواقع يف شبكة الظالم : العامل املمتزج روحا مسيحية، وهو روح اهللا وابنه

أفلت، : ني؛ فمن اتبعه؛ فلم يالمس النساء، ومل يقرب الزهوماتالرجيم، حىت خيلصه من حبائل الشياطال جيوز عليه : وإمنا أثبتنا املعدل؛ ألن النور الذي هو اهللا تعاىل: قالوا. خسر، وهلك: وجنا؛ ومن خالفه

خمالطة الشياطني؛ وأيضا فإن الضدين يتنافران طبعا؛ ويتمانعان ذاتا ونفسا؛ فكيف جيوز اجتماعهما وهذا على . زاجهما؟؛ فال بد من معدل يكون مبرتلة دون النور، وفوق الظالم؛ فيقع االمتزاج منهوامت

وهو أيضا . خالف ما قالته املانوية؛ وإن كان ديصان أقدم، وإمنا أخذ ماين منه مذهبه، وخالفه يف املعدلحلاكم على اخلصمني، خالف ما قال زردشت؛ فإنه يثبت التضاد بني النور والظلمة، ويثبت املعدل كا

وهو اهللا عز وجل الذي ال ضد : ال جيوز أن يكون طبعه وجوهره من أحد الضدين: اجلامع بني املتضادينأن املعدل هو اإلنسان احلساس الدراك؛ إذ : وحكى حممد بن شبيب عن الديصانية أم زعموا. له وال ند

ملناكحةة وكل ما فيه منفعة لبدنه وروحه أم يرون ا: حكي عنهم. هو ليس بنور حمض، وال ظالم حمضأن النور والظلمة ال يزاال : وحكي عن قوم من الثنوية. حراما، وحيترزرن عن ذبح احليوان؛ ملا فيه من األمل

حيني؛ إال أن النور حساس عامل، والظالم جاهل أعمى؛ والنور يتحرك حركة مستوية مستقيمة، والظالم فبينا مها كذلك إذ هجم بعض هامات الظالم على حاشية من . وجةيتحرك حركة عجرفية خرقاء مع

حواشي النور، فابتلع النور منه قطعة على اجلهل، ال على القصد والعلم؛ مث إن النور األعظم دبر يف .اخلالص ؛ فبىن هذا العامل ليستخلص ما امتزج به من النور، وال ميكنه استخالصه إال ذا التدبري

: يامية، والتناسخية منهمالكينوية؛ والص

وإمنا حدثت . النار، واألرض، واملاء: حكي مجاعة من املتكلمني أن الكينوية زعموا أن األصول ثالثةخرية؛ نورانية، : والنار بطبعها: قالوا. املوجودات من هذه األصول دون األصلي، الذين أثبتهما الثنوية

Page 118: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 118

ذا العامل فمن النار، وما كان من شر فمن املاء، واألرض واملاء ضدها يف الطبع؛ فما كان من خري يف هال وجود إال ا، وال بقاء : علوية، نورانية، لطيفة: وهؤالء يتعصبون للنار شديدا؛ من حيث أا. متوسطة

فتركيب العامل من . واملاء خيالفها يف الطبع، فيخالفها يف الفعل، واألرض متوسطة بينهما. إال بإمدادهاأمسكوا عن طيبات الرزق، وجتردوا لعبادة اهللا، وتوجهوا يف عبادام إىل : والصيامية منهم. صولهذه األ

قالوا بتناسخ األرواح يف : والتناسخية منهم. النريان تعظيما هلا؛ وأمسكوا أيضا عن النكاح والذبائح: والدعة، والنصبالراحة، والتعب،: األجساد، واالنتقال من شخص إىل شخص؛ وما يلقي اإلنسان من

إما يف : واإلنسان أبدا يف أحد أمرين. فمرتب على ما أسلفه من قبل وهو يف بدن آخر؛ جزاء على ذلكواجلنة . فإما مكافئة على عمل قدمه، وإما عمل ينتظر املكافأة علية: وما هو فيه. فعل، وإما يف جزاء

دركة احلية؛ فال وجود أعلى من : ل السافلنيدرجة النبوة، وأسف: والنار يف هذه األبدان، وأعلى علينيالدرجة األعلى درجة املالئكة، : ومنهم من يقول. درجة الرسالة، وال وجود أسفل من دركة احلية

رجوع أجزاء : وخيالفون ذا املذهب سائر الثنوية؛ فإم يعنون بأيام اخلالص. واألسفل دركة الشياطنيوأما بيوت النريان . قاء أجزاء الظالم يف عامله اخلسيس الذميمالنور إىل عامله الشريف احلميد، وب

واختذ ن بيتا . بيت نار بطوس، وآخر مبدينة خبارى؛ هو بردسون: فأول بيت بناه أفريدون: للمجوسوهلم بيت نار آخر يف نواحي خبارى؛ يدعى قباذان؛ وبيت نار يسمى . كركوا: بسجستان؛ يدعى

وبيت نار يسمى كنكدز؛ . جرير: وآخر بقومس؛ يسمى. بناه كيخسروكويسة، بني فارس وأصبهان،وآخر بأرجان من فارس واختذه أرجان جد كشتاسب وهذه البيوت كات . بناه سياوش يف مشرق الصني

وأمر كشتاسب أن يكلب نارا كان . مث جدد زردشت بيت نار بنيسابور، وآخر بنسة. قبل زردشتزم، فنقلها إىل داراجبرد وتسمى أذرخرهو اوس يعظموا أكثر من يعظمها جم، فوجدها مبدينة خوار

إن انوشروان هو الذي نقلها : وكيخسرو ملا خرج إىل غزو أفراسياب؛ عظمها، وسجد هلا؛ ويقال. غريهابيت نار؛ : ويف بالد الروم على أبواب قسطنطينية. إىل كاريان؛ فتركوا بعضها ومحلوا بعضها إىل نسا

ابن أردشري؛ فلم يزل كذلك إىل أيام املهدي، وبيت نار بإستينيا؛ على قرب مدينة السالم اختذه سابورفكان هلم ثالثة أبيات ليست : وأما اليونانيون. بيوت نريان: وكذلك باهلند والصني. لبوران بنت كسرى

أا : ف علوي، ومنهاأا جوهر شري: واوس إمنا يعظمون النار ملعان فيها؛ منها: فيها نار؛ وقد ذكرناها. ظنهم أن التعظيم هلا ينجيهم يف املعاد من عذاب النار: ما أحرقت اخلليل إبراهيم عليه السالم، ومنها

.واهللا أعلم. قبلة هلمن ووسيلة، وإشارة: وباجلملة؛ هي

وبعد هذا شرح آهل األهواء والنحل واحلمد هللا وحده . هذا آخر تفصيل أرباب الديانات وامللل

Page 119: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 119

قسم الثاني ال

أهل األهواء والنحل

يقابلون أرباب الديانات تقابل : من الصابئة؛ والفالسفة؛ وآراء العرب يف اجلاهلية؛ وآراء اهلند وهؤالءمعطل : فمن. الفطرة السليمة؛ والعقل الكامل؛ والذهن الصايف: واعتمادهم على. التضاد؛ كما ذكرنا

ديه عقله ونظره إىل اعتقاد، وال يرشده فكره وذهنه إىل معاد؛ قد بطال؛ ال يرد عليه فكره براد، وال يهمن مطعم شهني ومنظر ي، وال عامل وراء : ألف احملسوس وركن إليه وظن أنه ال عامل سوى ما هو فيه

حمصل نوع حتصيل، قد ترقى : ومن. هم الطبيعيون الدهريون ال يثبتون معقوال: وهؤالء... هذا احملسوس وأثبت املعقول؛ لكنه ال يقول حبدود، وأحكام، وشريعة، وإسالم؛ ويظن أنه إذا حصل عن احملسوس،

وصل إىل الكمال املطلوب من جنسه؛ فتكون سعادته على قدر : املعقول، وأثبت للعامل مبدأ ومعاداوعقله هو املستبد بتحصيل هذه السعادة، ووضعه هو . إحاطته وعلمه، وشقاوته بقدر سفاهته وجهله

أمرر مصلحية : الشرائع وأصحاا: هم الفالسفة اإلهليون؛ قالوا: وهؤالء... ستعد لقبول تلك الشقاوةاملرجال هلم حكم عملية، : أمور وضعية، وأصحاب الشرائع: عامية، واحلدود واألحكام واحلالل واحلرام

د، وعمارة مصلحة للعبا: ورمبا يؤيدون من عند واهب الصور بإثبات أحكام، ووضع حالل وحراماملالئكة والعرش : للبالد، وما خيربون عنه من األمور الكائنة يف حال من أحوال عامل الروحانيني من

فإمنا هي أمور معقولة هلم؛ قد عربوا عنها بصورة خيالية جسمانية، وكذلك ... والكرسي واللوح والقلمار، وطور، ومثار يف اجلنة ؛ فترغيبات قصور، وأ: ما خيربون به من أحوال املعاد من اجلنة والنار؛ مثل

للعوام مبا مييل إليه طباعهم، وسالسل وأغالل، وخزي ونكال يف النار فترهيبات للعوام ؛ مبا يرتجر عنه وهذا أحسن ما يعتقدونه . طباعهم؛ وإال ففي العامل العلوي ال يتصور أشكال جسمانية، وصور جرمانية

: الذين أخذوا علومهم من مشكاة النبوة؛ وغنما أعين ؤالء: ين ميف األنبياء عليهم السالم؛ لست أع

دهرية، وحشيشية، وطبيعية، وإهليية؛ قد اغتروا حبكمهم واستقلوا بأهوائهم : الذين كانوا يف الزمن األولقوم يقولون حبدود وأحكام عقلية، ورمبا أخذوا أصوهلا وقوانينها من : مث يتلوهم، ويقرب منهم. وبدعهم

هم الصابئة األوىل؛ : وهؤالء... يد بالوحي؛ إال ام اقتصروا على األول منهم، وما نفذوا إىل اآلخرمؤشيث وإدريس عليهما السالم، ومل يقولوا بغريمها من األنبياء عليهم : الذين قالوا بعاذميون وهرمس؛ ومها

Page 120: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 120

. السوفسطائية: عقول؛ وهممن الناس من ال يقول مبحسوس وال م: السالم، والتقسيم الضابط أن نقول

ومنهم من يقول باحملسوس واملعقول، وال . الطبيعية: ومنهم من يقول باحملسوس، وال يقول باملعقول؛ وهمومنهم من يقول باحملسوس واملعقول واحلدود واألحكام، . الفالسفة الدهرية: يقول حبدود وأحكام؛ وهم

هم من يقول ذه كلها وبشريعة ما وإسالم، وال يقول ومن. الصابئة: وال يقول بالشريعة واإلسالم؛ وهمومنهم من يقول ذه كلها؛ . اوس، واليهود والنصارى: بشريعة نبينا حممد صلى اهللا عليه وسلم؛ وهم

وحنن قد فرغنا عمن يقول بالشرائع واألديان؛ فنتكلم اآلن فيمن ال يقول ا ويستبد . املسلمون: وهم .لتهمبرأيه وهواه؛ يف مقاب

الجزء األول

الصابئة

إذا مال وزاغ؛ فبحكم ميل : صبأ الرجل: ويف اللغة. قد ذكرنا فيما تقدم أن الصبوة يف مقابلة احلنيفيةإذا عشق صبأ الرجل : وقد يقال. الصابئة: قيل هلم.. هؤالء عن سنن احلق، وزيغهم عن ج األنبياء

وإمنا مدار مذهبهم على التعصب . هي االحنالل عن قيد الرجال: الصبوة: وهم يقولون. وهوىأن مذهبها هو : والصابئة تدعي. للروحانيني، كما أن مدار مذهب احلنفاء هو التعصب للبشر اجلسمانيني

ودعوة احلنفاء إىل فدعوة الصابئة إىل االكتساب،. أن مذهبها هو الفطرة: االكتساب، واحلنفاء تدعي .الفطرة

الباب األول

.أصحاب الروحانيات

والروح والروح متقاربان؛ . روحاين بالضم؛ من الروح، وروحاين بالفتح؛ من الروح: ويف العبارة لغتان .حالته اخلاصة به: جوهر، والروح: فكأن الروح

حكيما، مقدسا عن مسات أن للعامل صانعا، فاطرا، : مذهب أصحاب الروحانيات ومذهب هؤالءوالواجب علينا معرفة العجز عن الوصول إىل جالله؛ وإمنا يتقرب إليه باملتوسطات املقربني لديه؛ . احلدثان

.جوهرا، وفعال، وحالة: الروحانيونن املطهرون، املقدسون: وهم

نية، املرتهون عن احلركات فهم املقدسون عن املواد اجلسمانية، املربأ ونعن القوى اجلسدا: أما اجلوهر

Page 121: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 121

ال يعصون اهللا ما : املكانية والتغريات الزمانية؛ قد جبلوا على الطهارة، وفطروا على التقديس والتسبيحفنحن نتقرب إليهم، . وإمنا أرشدنا إليهم معلمنا األول عاذميون وهرمس. أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون

رب كل : وشفعاؤنا عند اهللا، وهو رب األرباب، وإله اآلهلةونتوكل عليهم، وهم أربابنا وآهلتنا، ووسائلناأن نطهر نفوسنا عن دنس الشهوات الطبيعية، وذب أخالقنا عن عالئق : فالواجب علينا. شيء، وملكه

بيننا وبني الروحانيات؛ فحينئذ نسأل حاجاتنا منهم، : القوى الشهوانية والغضبية؛ حىت حتصل مناسبة مايهم، ونصبو يف مجيع أمورنا إليهم؛ فيشفعون لنا إىل خالقنا وخالقهم، ورازقنا ونعرض أحوالنا عل

وهذا التطهري والتهذيب ليس حيصل غال باكتسابنا ورياضتنا وفطامنا أنفسنا عن دنيات . ورازقهمواالستمداد هو التضرع واالبتهال بالدعوات، وإقامة . الشهوات؛ باستمداد من جهة الروحانيات

ذل الزكوات، والصيام عن املطعومات واملشروبات، وتقريب القرابني والذبائح، وتبخري الصلوات، وبالبخورات، وتعزمي العزائم؛ فيحصل لنفوسنا استعداد واستمداد من غري واسطة، بل يكون حكمنا وحكم

اركوننا يف يش: واألنبياء أمثالنا يف النوع، وأشكالنا يف الصورة: قالوا. من يدعي الوحي على وترية واحدةأناس بشر مثلنا؛ فمن أين لنا : املادة، يأكلون مما نأكل، ويشربون مما نشرب، ويسامهوننا يف الصورة

وأما الفعل . مقالتهم. وألن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا خلاسرون: طاعتهم؟ وبأية مزية هلم لزمت متابعته؟، واإلجياد، وتصريف األمور من حال إىل حال، هم األسباب املتوسطون يف االختراع: الروحانيات: فقالوا

وتوجيه املخلوقات من مبدأ إىل كمال يستمدون القوة من احلضرة القديسة، ويفيضون الفيض على فمنها مدبرات الكراكب السبعة السيارة يف أفالكها، وهي هياكلها؛ فلكل روحاين . املوجودات السفلية

ىل ذلك اهليكل الذي اختص به؛ نسبة الروح إىل اجلسد، هيكل، ولكل هيكل فلك؛ ونسبة الروحاين إففعل . أمهات: آباء، والعناصر: أربابا، ورمبا يسموا: وكانوا يسمون اهلياكل. فهو ربه ومدبره ومديره

حتريكها على قدر خمصوص؛ ليحصل من حركاا انفعاالت يف الطبائع والعناصر؛ فيحصل : الروحانياتجات يف املركبات؛ فيتبعها قوى جسمانية، وتركب عليها نفوس روحانية؛ مثل من ذلك تركيبات وامتزا

مث قد تكون التأثريات كلية صادرة عن روحاين كلي، وقد تكون جزئية . أنواع النبات وأنواع احليوانومنها مدبرات اآلثار العلوية . صادرة عن روحاين جزئي؛ فمع جنس املطر ملك، ومع كل قطرة ملك

ومما يرتل من . األمطار، والثلوج، والربد، والرياح: مما يصعد من األرض فيرتل؛ مثل : اجلوالظاهرة يف ومما حيدث يف اجلو؛ من الرعد، والربق، والسحاب، والضباب، . الصواعق، والشهب: السماء؛ مثل

... واألخبرةالزالزل، واملياه،: ومما حيدث يف األرض؛ مثل. وقوس قزح ، وذوات األذناب، واهلالة، وارة

ومنها متوسطات القوى السارية يف مجيع املوجودات، ومدبرات اهلداية الشائعة يف مجيع . إىل غري ذلكفأحوال : وأما احلالة: قالوا. الكائنات؛ حىت ال نرى موجودا ما خاليا عن قوة وهداية إذا كان قابال هلما

Page 122: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 122

الراحة، والبهجة، والسرور يف جوار رب الروحانيات؛ من الروح، والرحيان، والنعمة، واللذة، و... التسبيح، والتقديس، والتهليل، والتمجيد، والتحميد: مث طعامهم وشرام. كيف خيفي؟... األرباب

وأم بذكر اهللا تعاىل وطاعته؛ فمن قائم، ومن راكع، ومن ساجد، ومن قاعد ال يريد تبديل حالته؛ ملا هو بصره ال يرفع، ومن ناظر ال يغمض، ومن ساكن ال يتحرك، ومن فيه من البهجة واللذة، ومن خاشع

. ال يعصون اهللا ما أمرهم... متحرك ال يسكن، ومن كرويب يف عامل القبض، ومن روحاين يف عامل البسط

.ويفعلون ما يؤمرون

مناظرات بني الصابئة واحلنفاء

. بني الروحاين احملض وبني البشرية النبويةوقد جري مناظرات وحماورات بني الصابئة واحلنفاء يف املفاضلة

قالت الصابئة الروحانيات : وفيها فوائد ال حتصى. وحنن أردنا أن نوردها على شكل سؤال وجوابال مادة؛ وال هيوىل، وهي كلها جوهر واحد؛ على صنف واحد وجواهرها : أبدعت إبداعا، ال من شيء

: ال يدركها احلس؛ وال يناهلا البصر، ومن غاية لطافتها: اأنوار حمضة ال ظالم فيها، وهي من شدة ضيائه

مركب من العناصر األربعة؛ مؤلف من مادة : ونوع اإلنسان. حيار فيها العقل، وال جيول فيها اخليالومن التضاد . اثنان منها مزدوجان، واثنان مكنها متضادان: وصورة، والعناصر متضادة ومزدوجة بطباعها

فما هو مبدع ال من شيء؛ ال يكون . رج، ومن االزدواج حيصل الفساد واملرجيصدر االختالف واهلكيف يكون : واملادة واهليوىل سنخ الشر، ومنبع الفساد؛ فاملركب منها ومن الصورة. كمخترع منشئ

: كيف يساوي النور؟ واحملتاج إىل االزدواج؛ واملضطر يف هوة االختالف: كمحض الصورة؟، والظالم

مب عرفتم معاشرة الصابئة وجود هذه : أجابت احلنفاء بأن قالت! درجة املستغين عنهما؟كيف يرقي إىلعرفنا وجودها، وتعرفنا أحواهلا من : قالوا. الروحانيات؛ واحلس ما دلكم عليه؛ والدليل ما أرشدكم إليه؟

فإن : لقد ناقضتم وضع مذهبكم: قالت احلنفاء. شيث، وإدريس عليهما السالم: عاذميون، وهرمسوعاد إنكاركم . غرضكم يف ترجيح الروحاين على اجلسماين نفي متوسط البشري؛ فصار نفيكم إثباتا

؟ بل وجانب الروحاين أمر !مث من الذي يسلم أن املبدع ال من شيء اشرف من املخترع من شيء. إقرارامن حيث الروح أحدمها نفسه وروحه، والثاين حسه وجسده؛ فهو : وجانب اجلسماين أمران. واحد

فساوى ... وفعلي. قويل: أمري وخلقي: مبدع بأمر اهللا تعاىل ومن حيث اجلسد خمترع خبلقه؛ ففيه أثرانبل كملت : الروحاين جبهة، وفضله جبهة؛ خصوصا إذا كانت جهته اخللقية ما نقصت اجلهة األخرى

وحاين ارد واجلسماين أنكم فاضلتم بني الر: أحدمها: وإمنا اخلطأ عرض لكم من وجهني. وطهرتواجلسماين والروحاين . لكن املفاضلة بني الروحاين ارد. ارد، فحكمتم بأن الفضل للروحاين، وصدقتم

فإنه بطرف ساواه، وبطرف سبقه، والفرض فيما إذا : اتمع؛ وال حيكم عاقل بأن الفضل للروحاين ارد

Page 123: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 123

كام التضاد واالزدواج؛ بل كان مستخدما هلا حبيث ال تنازعه مل يدنس باملادة ولوازمها، ومل تؤثر فيه أححصل التركيب، وعطلت : يف شيء يريده ويرضاه، بل صارت معينات له على الغرض الذي ألجله

وليت . الوحدة والبساطة؛ وذلك ختليص النفوس اليت تدنست باملادة ولوزمها، وصارت العالئق عوائقلشخص اجلميل؟، وكيف يزري اللفظ الرائق باملعىن املستقيم؟ ونعم ما ماذا يشني اللباس احلسن ا! شعري

: قيل

يلمديه جرداء يرت لفك المرء لم يدنس من اللؤم عرضه إذا

يلباء سنإلى حسن الث فليس وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها

ال، بل خاير بني املعىن ارد والعبارة : اختار املعىن؛ قيل له: هذا كمن خاير بني اللفظ ارد واملعىن اردأنكم : والوجه الثاين. واملعىن؛ حىت ال يشكل؛ إذ املعىن اللطيف يف العبارة الرشيقة، أشرف من املعىن ارد

يقع بصركم على أا كمال هو مكمل غريه؛ ما تصورمت من النبوة إال كماال ومتاما فحسب، وملما قولكم : وحنن نقول! ففاضلتم بني كمالني مطلقان وما حكمتم إال بالتساوي وترجيح جانب الروحاين

أيهما أفضل؟ قالت الصابئة نوع اإلنسان ليس : أحدمها كامل، والثاين كامل ومكمل عاملا: يف كمالنيا يرتعان إىل البهيمية والسبعية، وينازعان النفس اإلنسانية إىل خيلو من قويت الشهوة والغضب ،و مه

إىل غريمها من األخالق ... الكرب واحلسد: احلرص واألمل، ومن الغضبية: طباعها؛ فيثور من الشهويةصافية : فكيف مياثل من هذه صفته نوع املالئكة املطهرين عنهما وعن لوازمهما ولواحقهما. الذميمة

وازع احليوانية كلها، خالية طباعهم عن القواطع البشرية بأسرها؛ مل حيملهم الغضب أوضاعهم عن النعلى حب اجلاه، وال محلتهم الشهوة على حب املاء؛ بل طباعهم جمبولة على احملبة واملوافقة، وجواهرهم

فإن يف : علأجابت احلنفاء بأن هذه املغالطة مثل األوىل حذو النعل بالن! مفطورة على األلفة واالحتاد؟قوة : قوة الغضب؛ وقوة الشهوة، ونفس إنسانية هلا قوتان: نفس حيوانية هلا قوتان: طرف البشرية نفسني

وبتينك القوتني هلا أن جتمع ومتنع، واتني القوتني هلا أن تقسم األمور وتفصل . علمية؛ وقوة عملية: من العقائد: الذي هو كالبصر النافذ لهفيختار العقل. األحوال، مث تعرض األقسام واألحوال على العقل

اخلري دون الشر؛ وخيتار بقوته : الصدق دون الكذب، ومن األفعال: احلق دون الباطل، ومن األقوالالشدة، الشجاعة، واحلمية؛ دون الذلة، واجلنب، والنذالة؛ وخيتار ا أيضا : العملية من لوازم القوى الغضبية

فيكون من أشد ... لتآلف، والتودد، والبذاذة؛ دون الشرة، واملهانة، واخلساسةا: من لوازم القوة الشهويةوإذا بلغ هذا الكمال، . الناس محية على خصمه وعدوه، ومن أرحم الناس تذلال وتواضعا لوليه وصديقه

Page 124: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 124

عن فقد استخدم القوتني واستعملهما يف جانب اخلري، مث يترقى منه إىل إرشاد اخلالئق يف تزكية النفوسومن املعلوم أن كل نفس شريفة . العالئق، وإطالقها عن قيد الشهوة والغضب، وإبالغها إىل حد الكمال

عالية زكية هذه حاهلا؛ ال تكون كنفس ال تنازعها قوة أخرى على خالف طباعها، وحكم العنني العاجز ساكه عن قضاء الوطر مع يف امتناعه عن تنفيذ الشهوة؛ ال يكون كحكم املتصوم الزاهد املتورع يف إم

وليس . مجيل التصرف. خمتار، قادر، حسن االختيار: مضطر عاجز، والثاين: القدرة عليه؛ فإن األولفنفس النيب عليه السالم . الكمال والشرف يف فقدان القوتني؛ وإمنا الكمال كله يف استخدام القوتني

باستخدام القوتني : وفضلها وتقدمها. كةفطرة، ووضعا؛ وبذلك الوجه وقعت الشر: كنفوس الروحانيني .يف جانب اخلري والنظام؛ فلم تستعمله، وهو الكمال: اليت دوا؛ فلم تستخدمه، واستعماهلما

تصرفا، وتدبريا؛ ال : وإن قدر هلا أشخاص تتعلق ا. الروحانيات صور جمردة عن املواد: قالت الصابئةأو هياكل كما ذكرنا والفرض أا إذا كانت صورا جمردة كانت ممازجة؛ وال خمالطة؛ فأشخاصها نورانية

وأما . كاملة ال ناقصة؛ واملتوسط جيب أن يكون كامال حىت يكمل غريه: موجودات بالفعل ال بالقوة. إما مزاجية، وإما خارجة عن املزاج: املوجودات البشرية فصور يف مواد، وإن قدر هلا نفوس؛ فنفوسها

كانت صورا يف مواد، كانت موجودات بالقوة ال بالفعل، ناقصة ال كاملة، واملخرج من والفرض أا إذا القوة إىل الفعل جيب أن يكون أمرا بالفعل، وجيب أن يكون غري ذات ما حيتاج إىل اخلروج؛ فإن ما بالقوة

ج اجلسمانيات إىل والروحانيات هي احملتاج إليها حىت ختر. ال خيرج بذاته من القوة إىل الفعل؛ بل بغريه ! الفعل، واحملتاج إليه كيف يساوي احملتاج؟

وهو كون الروحانيات موجودات بالفعل غري مسلم على -أجابت احلنفاء هذا احلكم الذي ذكرمتوهوجود بالقوة، وحيتاج إىل ما : اإلطالق؛ ألن من الروحانيات ما يكون وجوده بالقوة، أو ما هو فيه

رجه من القوة إىل الفعل؛ فإن النفس هلا استعداد القبول من العقل عندكم، والعقل وجوده بالفعل؛ حىت خيله إعداد لكل شيء، وفيض على كل شيء، وأحدمها بالقوة واآلخر بالفعل؛ وهذا لضرورة الترتب يف

فقد املوجودات العلوية، فإن من مل يثبت الترتب فيها مل تتمشى له قاعدة عقلية أصال؛ وإذا ثبت الترتب ثبت الكمال يف جانب، والنقصان يف جانب؛ فليس كل روحاين كامال من كل وجه، وال كل جسماين

فمن اجلسمانيات أيضا ما وجوده كامل بالفعل، وسائر النفوس أيضا حمتاجة إليه، . ناقصا من كل وجهتمر له قاعدة عقلية وإن من مل يثبت الترتب مل تس. وذلك أيضا لضرورة الترتب يف املوجودات السفلية

أصال؛ وإذا ثبت الترتب، فقد ثبت الكمال يف جانب، والنقصان يف جانب، فليس كل جسماين ناقصا وإذا سلمتم لنا أن هذا العامل اجلسماين يف مقابلة ذلك العامل الروحانني وإمنا خيتلفان : قالت. من كل وجه

ك العامل وما يف ذلك العامل من الصور فهو مثل هذا من حيث أن ما يف هذا العامل من األعيان فهو آثار ذل

Page 125: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 125

العامل، والعاملان متقابالن كالشخص والظل؛ وإذا أثبتم يف ذلك العامل موجودا ما بالفعل كامال تاما؛ حىت فيجب أن تثبتوا يف هذا العامل أيضا موجودا ... وجودا، ووصوال إىل الكمال: تصدر عنه سائر املوجودات

وإمنا طريقنا : قالوا. تعلما، ووصوال إىل الكمال: ل كامال تاما؛ حىت تصدر عنه سائر املوجوداتما بالفعإىل التعصب للرجال ونيابة الرسل يف الصورة البشرية؛ طريقكم يف إثبات األرباب عندكم وهي

. ب األربابالروحانيات السماوية، وذلك احتياج كل مربوب إىل رب يدبره، مث احتياج األرباب إىل ر

ومن العجب أن عند الصابئة أكثر الروحانيات قابلة منفعلة، وإمنا الفاعل الكامل واحد؛ وعن هذا صار وجعلوا املالئكة الذين هم عباد الرمحان : بعضهم إىل أن املالئكة إناث، وقد اخرب الترتيل عنهم بذلك

.إناثا

... بل، حمتاج إىل خمرج خيرج ما فيه بالقوة إىل الفعلقا: وإذا كان الفاعل الكامل املطلق واحدا؛ فما سواه

النفوس البشرية كلها قابلة للوصول إىل الكمال بالعلم والعمل، : فكذلك نقول يف املوجودات السفليةوما هو خمرج الشيء من . فتحتاج إىل خمرج خيرج ما فيها بالقوة إىل الفعل، واملخرج هو النيب والرسول

ال خيرج غريه من : جيوز أن يكون أمرا بالقوة، حمتاجا؛ فإن مل يتحقق بالفعل وجوداالقوة إىل الفعل ال .القول إىل الفعل؛ فالبيض ال خيرج البيض من القوة إىل صورة الطري، بل الطري خيرج البيضة

: أن عند احلنفاء: وهي: وهذا اجلواب مياثل اجلواب األول من وجه وفيه فائدة أخرى من وجه آخر

كان متخيال موهوما، واحملسوس ال يكون : قول ال يكون معقوال حىت يثبت له مثال يف احملسوس؛ وإالاملعوإذا ثبتت هذه القاعدة؛ فمن أثبت . كان سرابا معدوما: حمسوسا حىت يثبت له مثال يف املعقول؛ وإال

ه إخراج املوجودات من القوة إىل وجوده بالفعل، وفعل: عاملا روحانيا، وأثبت فيه مدبرا كامال من جنسهالفعل بفيض الصور عليها على قدر االستحقاق، فيلزمه ضرورة أن يثبت عاملا جسمانيا، ويثبت فيه مدبرا

وجوده بالفعل، وفعله إخراج املوجودات من القوة إىل الفعل بفيض الصور عليها على : كامال من جنسهلعامل الروح األول على مذهب الصابئة، واملدبر يف هذا العامل ويسمى املدبر يف ذلك ا. قدر االستحقاق

مث يكون بني الرسول والروح مناسبة، ومالقاة عقلية؛ فيكون الروح األول . الرسول على مذهب احلنفاءويكون بني الرسول وسائر الشر مناسبة ومالقاة حسية؛ فيكون الرسول مؤديا، . مصدرا، والرسول مظهرا

.والبشر قابل

الشر، : وإذا حبثنا عن أسباب. اجلسمانيات مركبة من مادة وصورة، واملادة هلا طبيعة عدمية: قال الصابئةوالروحانيات غري مركبة . مل جند هلا سببا سوى املادة والعدم؛ ومها منبعا الشر: والفساد، والسفه، واجلهل

اخلري، : وإذا حبثنا عن أسباب. يةمن املادة والصورة، بل هي صور جمردة، والصورة هلا طبيعة وجودما فيه أصل اخلري أو : فنقول. مل جند هلا سببا سوى الصورة؛ وهي منبع اخلري: والصالح، واحلكمة، والعلم

Page 126: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 126

! ما هو أصل اخلري كيف مياثل ما فيه أصل الشر؟

هو سبب الصور كلها بأن ما ذكرمت يف املادة أا سبب الشر فغري مسلم؛ فإن من املواد ما: أجابت احلنفاءعند قوم، وذلك هو اهليوىل األوىل والعنصر األول؛ حىت صار كثري من قدماء الفالسفة إىل أن وجودها

مث إن سلم؛ يف املركب من املادة والصورة كاملركب من الوجوب واجلواز عندكم؛ فإن . قبل وجود العقلاىل إال وجوده جائز بذاته واجب بغريه، اجلواز له طبيعة عدمية، وما من وجود سوى وجود الباري تع

.فيجب أن يالزمه أصل الشر

وإن سلم لكم أيضا تلك املقدمة؛ فعندنا صور النفوس البشرية وخصوصا صور النفوس النبوية : قالواكانت موجودة قبل وجود املواد، وهي املبادئ األوىل حىت صار كثري من احلكماء إىل إثبات أناس

يسبحون حبمد : ور اردة اليت كانت موجودة قبل العقل كالظالل حول العرشسرمديني، وهي الصتشبثت : رم، وكانت هي أصل اخلري ومبدأ الوجود؛ ولكن ملا ألبست الصور البشرية لباس املادة

بالطبيعة، وصارت املادة شبكة هلا؛ فساح عليها الواهب األول فبعث إليها واحدا من عامله، وألبسه لباس ادة؛ ليخلص الصور عن الشبكة، ال ليكون هو املتشبث ا، املنغمس فيها، املتوسخ بأوضارها، املتدنس امل

.وإىل هذا املعىن أشار حكماء اهلند رمزا باحلمامة املطوقة، واحلمامات الواقعة يف الشبكة. بآثارها

مل ننج من : نفصل القول فيهاأبدا تشنعون علينا باملادة ولوازمها، وما مل! معاشر الصابئة: مث قالواالنفوس البشرية وخصوصا النبوية من حيث أا نفوس، فهي مفارقة للمادة، مشاركة : فنقول. تشنيعكم

إما مشاركة يف النوع؛ حبيث يكون التمييز باألعراض واألمور العرضية، وأما : لتلك النفوس الروحانيةاتية، مث زادت على تلك النفوس باقتراا باجلسد أو مشاركة يف اجلنس؛ حبيث يكون الفصل باألمور الذ

واجلسد مل ينتقص منها؛ بل كملت هي لوازم اجلسد، وكملت ا؛ حيث استفادت من األمور . باملادةوالروحانيات فقدت هذه . من العوم اجلزئية، واألعمال اخللقية: اجلسدانية ما جتسدت ا يف ذلك العامل

خريا ال شر فيه، وصالحا ال فساد معه، ونظاما ال فسخ : ران؛ فكان االقتراناألبدان لفقدان هذا االقت .فكيف يلزمنا ما ذكرمتوه؟... له

ظلمانية، سفلية، كثيفة؛ فكيف : نورانية، علوية، لطيفة؛ واجلسمانيات: الروحانيات: قالت الصابئةفعامل . مراكزها، وحماهلا؟يتساويان واالعتبار يف الشرف والفضيلة بذوات األشياء، وصفاا، و

العاملان . السفل لغاية الكثافة والظلمة: العل لغاية النور واللطافة، وعامل اجلسمانيات: الروحانيات .والصفتان متقابلتان، والفضيلة للنور ال للظلمة. متقابالن، والكمال للعلوي ال للسفلي

أن : انيات كلها نورانية، وال نساعدكم ثانياعلى أن الروح: لسنا نوافقكم أوال: قالوا: أجابت احلنفاءوعلينا بيان هذه املقدمات . أن االعتبار يف الشرف بذوات األشياء: الشرف للعلو، وال نساهلكم أصال

Page 127: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 127

حكمتم على الروحانيات حكم التساوي، وما اعتربمت : فقالوا: أما األوىل: الثالث؛ فإن فيها فوائد كثريةا كانت املوجودات كلها روحانيها وجسمانيها على قضية التضاد والترتب، فيها التضاد والترتب، وإذ

الروحاين هو ما ليس جبسماين؛ فقد أدخل جواهر : وذلك أن من قال! فلما أغفلتم احلكمني ههنا؟الشياطني واألبالسة واألراكنة يف مجلة الروحانيات، وكذلك من أثبت اجلن أثبتها روحانية ال جسمانية؛

ومن قال الروحاين هو املخلوق روحا، فمن األرواح ما . ن من هو مسلم، ومنها من هو ظاملمث من اجلهو خري، ومنها ما هو شرير، واألرواح اخلبيثة أضداد األرواح الطيبة؛ فال بد إذن من إثبات تضاد بني

.أا كلها نورانية: فلم نسلم دعواكم. اجلنسني، وتنافر بني الطرفني

فمن كان : هو احلاصل بأمر الباري تعاىل الباقي على مقتضى أمره: شر احلنفاء الروحوعندنا معا! بلىكانت الروحانية فيه أكثر، والروح عليه أغلب؛ ومن كان : ألمره تعاىل أطوع، وبرساالت رسله أصدق

.كانت الشيطنة عليه أغلب: ألمره تعاىل أنكر، وبشرائعه أكذب

.حاين أبلغ يف الروحانية، من ذوات األنبياء والرسل عليهم السالمهذه قاعدتنا يف الروحانيات، فال رو

سافل رتبة، : إن عنيتم به علو اجلهة فال شرف فيه؛ فكم من عال جهة: إن الشرف للعلو: وأما قولكم .عال على األشياء كلها رتبة، وفضيلة، وذاتا، وطبيعة: وعلما، وذاتا، وطبيعة؛ وكم من سافل جهة

إن االعتبار يف الشرف بذوات األشياء، وصفاا، وحماهلا، ومراكزها؛ فليس حبق، وهو : موأما قولكمذهب اللعني األول؛ حيث نظر إىل ذاته، وذات آدم عليه السالم، ففضل ذاته؛ إذ هي خملوقة من النار،

.وهي علوية نورانية، على ذات آدم وهو خملوق من الطني، وهو سفلي ظلمائي

فهو : فمن كان أقبل ألمره، وأطوع حلكمه، وأرضى بقدره: باألمر، وقبوله: بار يف الشرفبل عندنا االعتفأمر الباري تعاىل هو الذي يعطي . فهو أبعد، وأخس، وأخبث: أشرف؛ ومن كان على خالف ذلك

زي، الروح من أمر ريب؛ وبالروح حييا اإلنسان احلياة احلقيقية، وباحلياة يستعد للعقل الغري: قل : الروحفال روح له، وال حياة له، وال : ومن مل يقبل أمر الباري تعاىل. وبالعقل يكتسب الفضائل وجيتنب الرذائل

.عقل له، وال فضيلة له، وال شرف عنده

أما العلم فال ينكر إحاطتهم . العلم، والعمل: الروحانيات فضلت اجلسمانيات بقويت: قالت الصابئةعلى مستقبل األحوال اجلارية عليه؛ وألن علومها كلية، وعلوم مبغيبات األمور عنا، وإطالعها

اجلسمانيات جزئية؛ وعلومهم فعلية، وعلوم اجلسمانيات انفعالية؛ وعلومهم فطرية، وعلوم اجلسمانيات .حتقق هلا الشرف على اجلسمانيات: فمن هذه الوجوه... كسبية

يسبحون الليل والنهار ال يفترقون : هم على الطاعةوأما العمل فال ينكر أيضا عكوفهم على العبادة، ودوام

Page 128: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 128

فتحقق هلا الشرف أيضا ذا الطرف، وكان . ال يلحقهم كالل وال سآمة، وال يرهقهم مالل وال ندامة .أمر اجلسمانيات باخلالف من ذلك

اء عليهم التسوية بني الطرفني، وإثبات زيادة يف جانب األنبي: أحدمها: عن هذا جبوابني: أجابت احلنفاء .والثاين؛ بيان ثبوت الشرف يف غري العلم والعمل. السالم

علوم األنبياء عليهم السالم كلية وجزئية، وفعلية وانفعالية، وفطرية وكسبية؛ فمن : فإم قالوا: أما األول فطرة ودفعة واحدة،: حيث تالحظ عقوهلم عامل الغيب منصرفة عن عامل الشهادة حتصل هلم العلوم الكلية

اكتسابا باحلواس على ترتيب وتدريج؛ فكما أن : مث إذا الحظوا عامل الشهادة حصلت هلم العلوم اجلزئيةلإلنسان علوما نظرية هي املعقوالت، وعلوما حاصلة باحلواس عن احملسوسات؛ فعامل املعقوالت بالنسبة

رية هلم، ونظريام ال نصل إليها قط؛ إىل األنبياء كعامل احملسوسات بالنسبة إىل سائر الناس؛ فنظرياتنا فطفأمزجه األنبياء عليهم السالم . جوارح احلواس: بل وحمسوساتنا مكتسبة هلم، ولنا بكواسب اجلوارح

ولو وقع حجاب يف بعض األوقات . أمزجة نفسانية، ونفوسهم نفوس عقلية، وعقوهلم عقول أمرية فطريةقول وتصفي هذه األذهان والنفوس؛ وإال فدرجام وراء ما فذاك ملوافقتنا ومشاركتنا؛ كي تزكي هذه الع

.يقدر

من العجب أم ال يعجبون ذه العلوم؛ بل ويؤثرون التسليم على البصرية، : وأما الثاين؛ فإم قالواوما أدرى ما ... والعجز على القدرة، والتربؤ من احلول والقوة على االستقالل، والفطرة على االكتساب

ويعلمون أن املالئكة والروحانيات بأسرها وإن . وال بكم على إمنا ما أوتيته على علم عندييفعل به مطرح : علمت إىل غاية قوة نظرها وإدراكها ما أحاطت مبا أحاط به علم الباري تعاىل؛ بل لكل منهم

نتهى وإم إىل احلد الذي ا... نظر، ومسرح فكر، وجمال العقل، ومنتهى أمل ، ومطار وهم وخيالنظرهم إليه مستبصرون، ومن ذلك احلد إىل ما وراءه ما ال يتناهى مسلمون مصدقون، وإمنا كماهلم يف

التسليم ملا ال يعلمون، والتصديق ملا جيهلون؛ وحنن نسبح حبمدك ونقدس لك ليس كمال حاهلم؛ بل .سبحانك ال علم لنا إال ما علمتنا هو الكمال

.الكمال والشرف يف العلم والعمل ال يف التسليم والتوكل؟فمن أين لكم معاشر الصابئة أن

بداية أقدام السالني من : وإذا كانت غاية العلوم هذه الدرجة؛ فجعلت اية أقدام املالئكة والروحانينيقل ال يعلم من يف السموات واألرض الغيب إال اهللا، فعامل الروحانيات بالنسبة إليهم : األنبياء واملرسلني

واهللا . وبالنسبة إلينا غيب، وعامل البشر اجلسمانيات بالنسبة إلينا شهادة، وبالنسبة إليهم غيبشهادة، .هو الذي يعلم السر وأخفى: تعاىل

Page 129: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 129

من علم أنه ال يعلم؛ فقد أحاط بكل العلم، ومن اعترف بالعجز عن أداء الشكر؛ فقد أدى : قالت احلنفاءم قوة تصريف األجسام، وتقليب األجرام، والقوة اليت هلم هل: قالت الصابئة الروحانيات. كل الشكر

ليست من جنس القوى املزاجية حىت يعرض هلا كالل ولغوب فتنحسر، ولكن القوى الروحانية باخلواص اجلسمانية أشبه، وإنك لترى اخلامة اللطيفة من النبات يف بدء منوها تفتق احلجر، وتشق الصخر؛ وما ذاك

. ملا بلغت إىل هذا املنتهى: ضت عليها من القوة السماوية، ولو كانت هي قوى مزاجيةإال لقوة نباتية فا

فالروحانيات هي اليت تتصرف يف األجسام تقليبا وتصريفا ال يثقلهم محل الثقيل، وال يستخفهم حتريك ال فالرياح ب بتحريكها، والسحاب يعرض ويزول بتصريفها، وكذلك الزالزل تقع يف اجلب: اخلفيف

فإا تستند يف اآلخرة إىل أسباب من . وكل هذه وإن استندت إىل أسباب جزئية... بسبب من جهتها .عدمي الوجود يف اجلسمانيات: ومثل هذه القوة. جهتها

قوى معدنية، وقوى : فإن القوى تنقسم إىل. تفصيل القوى وجتنيسها: منا يقتبس: وقالوا: أجابت احلنفاءجممع : واإلنسان. وقوى إنسانية، وقوى ملكية، وقوى روحانية، وقوى نبوية ربانيةنباتية، وقوى حيوانية،

.تفضلها بقوى ربانية ومعان إهلية: القوى جبملتها، واإلنسانية النبوية

تركيب البشرية النبوية؛ وترتيب : وجه تركيب اإلنسان ووجه ترتيب القوى فيه، مث نذكر: فنذكر أوال .الروحاين منهما؛ واجلسماين، وإليك االختيار: ني الوضعنيالقوى فيها، مث خناير ب

: التراب، واملاء، واهلواء، والنار؛ اليت هلا الطبائع األربعة: أما شخص اإلنسان فمركب من األركان األربعة

تنمو؛ وتتغذى؛ : نفس نباتية: إحداها : اليبوسة، والرطوبة، واحلرارة، والربودة، مث مركب فيه نفوس ثالثةا مييز؛ ويفكر؛ : نفس إنسانية: حتس؛ وتتحرك باإلرادة، والثالثة: نفس حيوانية: ولد املثل، والثانيةوت

من األركان وطباعها؛ وبقاءها ا؛ واستمدادها منها، ووجود : ووجود النفس األوىل. ويعرب عما يفكرمن العقول : جود النفس الثالثةمن األفالك وحركاا؛ وبقاؤها ا؛ واستمدادها منها، وو: النفس الثانية

مث إن النباتية تطلب الغذاء طبعا، واحليوانية . البحتة والروحانيات الصرفة؛ وبقاؤها ا؛ واستمدادها منهاالكبد، : ولكل نفس منها حمل؛ فمحل النباتية. تطلب الغذاء حسا، واإلنسانية تطلب الغذاء اختيارا وعقال

: وحمل احليوانية. عن هذا جعل فيه عروق دقاق ينفذ فيها الغذاء إىل األطرافومنه مبدأ النمو والنشوء؛ و

القلب، ومنه مبدأ تدبري احلس واحلركة؛ وعن هذا فتح منه عروق إىل الدماغ، فيصعد إىل الدماغ من : وحمل اإلنسانية تصريفا وتدبريا. حرارته ما يعدل تلك الربودة ويرتل منه من آثاره ما يدبر به احلركة

الدماغ؛ ومنه مبدأ الفكر، والتعبري عن الفكر؛ وعن هذا فتحت إليه أبواب احلواس مما يلي هذا العامل، املعدة اليت متد : وههنا ثالثة أعضاء ممدات ال بد منها. وفتحت إليه أبواب املشاعر مما يلي ذلك العامل

التركيب : فإن. ليت متد الدماغ باحلرارةالكبد بالغذاء، والرئة اليت متد القلب بترويح اهلواء، والعروق ا

Page 130: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 130

اإلنساين أشرف التراكيب؛ فهو جممع آثار الكونني والعاملني؛ فكل ما هو يف العامل منتشر ففيه جمتمع، وكل ما هو فيه من خواص االجتماع فليس للعامل البتة؛ ألن لالجتماع والتركيب خاصية ال توجد يف

حالة السكر واخلل، وحال السكنجبني، وكذلك احلكم يف كل واعترب فيه. حال االفتراق واالحنالل .مزاج

.هذا وجه تركيب البدن، وترتيب القوى اخلاصة به

وأما وجه اتصال النفس به، وترتيب القوى اخلاصة ا مما يلي هذا العامل، ومما يلي ذلك العامل؛ فاعلم أن حترك الشخص باإلرادة؛ ال : واحلافظة للمزاجاحملركة؛ واملدركة؛: النفس اإلنسانية جوهر هو أصل القوى

يف جهات ميله الطبيعي، وتتصرف يف أجزائه؛ مث يف مجلته، وحتفظ مزاجه عن االحنالل، وتدرك باملشاعر وهي احلواس اخلمسة؛ فبالقوة الباصرة تدرك األلوان واألشكال، وبالقوة السامعة تدرك : املركوزة فيه

شامة تدرك الروائح، وبالقوة الذائقة تدرك املطعومات، وبالقوة الالمسة األصوات والكلمات، وبالقوة التدرك امللموسات وله فروع من قوى منبثة يف أعضاء البدن؛ حىت إذا أحس بشيء من أعضائه، أو ختيل،

ألفى العالقة اليت بينه وبني تلك الفروع هيئة فيه، حىت يفعل؛ وله ... أو توهم، أو اشتهى، أو غضب .قوة حتريكإدراك و

: مث املثال. متمثال، مرتسما يف ذات املدرك، غري مباين له: أما اإلدراك فهو أن يكون مثال حقيقة املدرك

قد يكون مثال صورة الشيء، وقد يرتسم يف القوة الباصرة وقد غشيته غواش غريبة عن ماهيته، لو أزيلت معينة، لو توهم بدهلا غريها مل يؤثر يف ... وكمأين، وكيف، ووضع، : عنه مل تؤثر يف كنه ماهيته؛ مثل

ال : ماهية ذلك املدرك؛ واحلس يناله من حيث هو مغمور يف هذه العوارض اليت تلحقه بسبب املادة .جيردها عنه، وال يناله إال بعالقة وضعية بني حسه ومادته

ق عنها، لكنه جيرده عن تلك مث اخليال الباطن يتخيله مع تلك العوارض اليت ال يقدر على جتريده املطلالعوائق الوضعية اليت تعلق ا احلس، فهو يتمثل صورة مع غيبوبة حاملها، وعنده مثال العوارض، ال نفس

العوارض، مث الفكر العقلي جيرده عن تلك العوارض؛ فيعرض ماهيته وحقيقته على العقل، فريتسم فيه .ه معقوالمثال حقيقته؛ حىت كأنه عمل باحملسوس عمال جعل

وأما ما هو بريء يف ذاته عن الشوائب املادية مرته عن العوارض الغريبة؛ فهو معقول لذاته، ليس حيتاج إىل عمل يعمل فيه؛ فيعقله ما من شأنه أن يعقله؛ فال مثال له يتمثل يف العقل، وال ماهية له فيجرد له، وال

.عليه ويرشدنا إليهوصول إليه باإلحاطة والفطرة؛ إال أن الربهان يدلنا

وكثريا ما يالحظ العقل اإلنساين عامل العقل الفعال فريتسم فيه من الصور اردة املعقولة ارتساما بريئا عن

Page 131: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 131

العوائق املادية والعوارض الغريبة، فيبتدر اخليال إىل متثله، فيمثله يف صورة خيالية مما يناسب عامل احلس، ملثال، فيبصره كأنه يراه معاينا مشاهدا يناجيه ويشاهده، حىت كأن العقل فينحدر إىل احلس املشترك ذلك ا

عمل باملعقول عمال جعله حمسوسا؛ وذلك إمنا يكون عند اشتغال احلواس كلها عن أشغاهلا، وسكون .ويف اليقظة لألبرار. يف النوم جلماعة: املشاعر عن حركاا

ومن أين لغريه مثله؟؟ ونعود إىل ترتيب القوى وتعيني !! يا عجبا كل العجب من تركيب على هذا النمطاحلس : فاألوىل منها: حماهلا؛ أما القوى املتعلقة بالبدن اليت ذكرناها آالت ومشاعر للجوهر اإلنساين

املشترك املعروف ببنطاسيا الذي هو جممع احلواس، ومورد احملسوسات، وآلتها الروح املصبوب يف مبادئ .ما يف مقدم الدماغعصب احلس؛ ال سي

وآلتها الروح املصبوب يف البطن واملقدم من الدماغ؛ ال سيما يف اجلانب . اخليال واملصورة: والثانية .األخري

الوهم الذي هو لكثري من احليوان، وهو ما به تدرك الشاة معىن يف الذئب فتنفر منه، وبه تدرك : والثالثة .لته الدماغ كله؛ لكن األخص منه به هو التجويف األوسطمعىن يف النوع فتنفر إليه وتزدوج به؛ وآ

املفكرة وهي قوة هلا أن تركب وتفصل ما يليها من الصور املأخوذة عن احلس املشترك واملعاين : والرابعةالومهية املدركة بالوهم؛ فتارة جتمع، وتارة تفصل، وتارة تالحظ العقل فتعرض عليه، وتارة تالحظ احلس

لطاا يف اجلزء األول من وسط الدماغ، وكأا قوة ما للوهم؛ وتتوسط بني الوهم فتأخذ منه؛ وس .والعقل

احلسية، والومهية، واخليالية دون العقلية : القوة احلافظة وهي اليت كاخلزانة هلذه املدركات: واخلامسة جسم؛ وآلتها الصرفة ؛ فإن املعقول البحت ال يرتسم يف جسم وال يف قوة يف جسم، واحلافظة قوة يف

.الروح املصبوب يف أول البطن املؤخر من الدماغ

القوة الذاكرة، وهي اليت تستعرض ما يف اخلزانة على جانب العقل أو على اخليال والوهم؛ : والسادسة .وآلتها الروح املصبوب يف آخر البطن املؤخر من الدماغ

: حيل يف قوة جسمانية وقوة جسدانية، حىت يقالوأما املعقول الصرف املربأ عن الشوائب املادية؛ فال

ينقسم بانقسامها، ويتحقق هلا وضع ومثال؛ وهلذا مل تكن القوة احلافظة، خزانة هلا، بل املصدر األول الذي أفاض عليها تلك الصورة ار خازنا هلا؛ فحيثما طالعته النفس اإلنسانية بقوا العقلية املناسبة لواهب

ناسبة، فاضت منه عليها تلك الصور املستحفظة له؛ حىت كأنه ذكرها بعدما نسيت، الصور نوعا من املوغريزة النفس الصافية ترتع إىل جانب القدس يف تذكار األمور الغائبة عن . ووجدها بعدما ضلت عنه

Page 132: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 132

ا واذكر ربك إذ:" حضرة العقل نزاعا طبيعيا، فتستحضر ما غاب عنها؛ وهلذا السر أخرب الكتاب اإلهليحىت صار كثري من احلكماء إىل أن العلوم "....نسيت، وقل عسى أن يهديين ريب ألقرب من هذا رشدا

كلها تذكار؛ وذلك أن النفوس كانت يف البدء األول يف عامل التذكار مث هبطت إىل عامل النسيان ى تنفع وذكر فإن الذكر:: فاحتاجت إىل مذكرات ملا قد نسيت، معيدات إىل ما كانت قد ابتدأت

.، وذكرهم بأيام اهللا"املؤمنني

فمن قواها ما هلا : قوى عقلية، ال جسمانية؛ وكماالت نفسانية روحانية، ال جسدانية: مث للنفس اإلنسانيةحبسب حاجتها إىل تدبري البدن، وهي القوة اليت ختتص باسم العقل العملي؛ وذلك أن تستنبط الواجب

واها ما هلا حبسب حاجتها إىل تكميل جوهرها عقال بالفعل، وإمنا ومن ق. فيما جيب أن يفعل وال يفعلخيرج من القوة إىل الفعل مبخرج غري ذاا ال حمالة، فيجب أن يكون هلا قوة استعدادية تسمى عقال

فأول خروج هلا إىل الفعل حصول . هيوالنيا؛ حىت يقبل من غريها ما به خيرجها من االستعداد إىل الكمالإما : ى من واهب الصور حيصل هلا عند استحضار املعقوالت األول؛ فيتهيأ ا الكتساب الثواينقوة أخر

بالفكر أو احلدس، فيتدرج قليال قليال إىل أن حيصل هلا ما قدر هلا من املعقوالت، ولكل نفس استعداد إىل ويقتصر على قوته املركوزة حد ما ال يتعداه؛ ولكل عقل حد ما ال يتخطاه، فيبلغ إىل كماله املقدر له،

.وجود التضاد بني النفوس والعقول، ووجوب الترتب فيها: وال يتبني ههنا... فيه

: األنبياء واملرسلون الذين اطلعوا على املوجودات كلها: وإمنا يعرف مقادير العقول ومراتب النفوس

فعرفوا مقاديرها ... علوياا وسفليااروحانياا وجسمانياا، معقوالا وحمسوساا، كلياا وجزئياا، .وعينوا موازينها ومعايريها

وكل ما ذكرناه من القوى اإلنسانية فهي حاصلة هلم، مركبة فيهم، منصرفة كلها عن جانب الغرور إىل جانب القدس، مستدمية الشروق بنور احلق فيها؛ حىت كأن كل قوة من القوى اجلسدانية والنفسانية ملك

جممع آثار العاملني : بل وجمموع جسده ونفسه. موكل حبفظ ما وجه إليه، واستتمام ما رشح له: روحاينما حصل له من فائدة التركيب والترتيب كما بينا : أحدمها: من الروحانيات واجلسمانيات، وزيادة أمرين

. ومناجاة، وإكراماوحيان وإهاما،: ما أشرق عليه من األنوار القدسية: والثاين. من مثال السكر واخلل

فأين للروحاين هذه الدرجة الرفيعة، واملقام احملمود، والكمال املوجود؟ بل ومن أين للروحانيات كلها هذا التركيب الذي خص نوع اإلنسان به؟ وما تعلقوا به من القوة البالغة على حتريك األجسام،

ومن . ت لضده مثله مل يتضمن شرفافليس يقتضي شرفا؛ فإن ما يثبت لشيء ويثب: وتصريف األجراماملعلوم أن اجلن والشياطني قد ثبت هلم من القوة البالغة والقدرة الشاملة ما يعجز كثري من املوجودات عن

وإمنا الشرف يف استعمال كل قوة فيما خلقت له، وأمرت . ذلك؛ وليس ذلك مما يوجب شرفا وكماال

Page 133: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 133

.به، وقدرت عليه

متوجهة إىل اخلري، مقصورة على نظام العامل، . ات هلا اختيارات صادرة من األمرقالت الصابئة الروحانيوقوام الكل؛ ال يشوا البتة شائبة الشر، وشائبة الفساد؛ خبالف اختيار البشر؛ فإنه متردد بني طريف اخلري

ساد، إذا فوضع اختيارهم كان يرتع إىل جانب الشر والف: والشر لوال رمحة اهللا يف حق البعض؛ وإالوأما الروحانيات فال ينازع اختيارهم إال . كانت الشهوة والغضب املركوزتان فيهم جيرام إىل جانبهما

كل اختيار هذا حاله ال يتعذر عليه ما !: التوجه إىل وجه اهللا تعاىل، وطلب رضاه، وامتثال أمره؛ فال جرم .وجد املراد، وحصل املختار: خيتاره، فكما أراد، واختار

.كل اختيار ذلك حاله تعذر عليه ما خيتاره؛ فال يوجد املراد، وال حيصل املختارو

.أحدمها نيابة عن جنس البشر، والثاين نيابة عن األنبياء عليهم السالم: أجابت احلنفاء جبوابني

ه كان يف وضع: اختيار الروحانيات إذا كان مقصورا على أحد الطرفني، حمصورا: فنقول: أما األولواختيار البشر تردد بني طريف اخلري والشر؛ فمن جانب يرى آيات الرمحن، . جمبورا، وال شرف يف اجلرب

ومن طرف يسمع وساوس الشيطان؛ فتميل به تارة دعوة احلق إىل امتثال األمر، ومتيل به طورا داعية ختار من غري جرب وإكراه طاعته، الشهوة إىل أتباع اهلوى؛ فإذا أقر طوعا وطبعا بوحدانية اهللا تعاىل، وا

صار هذا : وصري اختياره املتردد بني الطرفني جمبورا حتت أمره تعاىل باختيار من جهته من غري إجبارجربا؛ : كسبا ، املمنوع عما ال جيب: كاملكره فعله... االختيار أفضل وأشرف من االختيار ابور فطرة

ى؛ كيف ميدح عليه؟ وإمنا املدح كل املدح ملن زين له املشتهى؛ ومن ال شهوة له؛ فال مييل إىل املشته .فتبني أن اختيار البشر أفضل من اختيار الروحانيات...فنهى النفس عن اهلوى

فنقول إن اختيار األنبياء عليهم السالم مع ما أنه ليس من جنس اختيار البشر من وجه؛ فهو : وأما الثاينصالح الذي به نظام العامل وقوام الكل، صادر عن األمر، صائر إىل األمر، متوجه إىل اخلري، مقصور على ال

ال يتطرق إىل اختيارهم ميل إىل الفساد، بل ودرجتهم فوق ما يبتدر إىل األوهام؛ فإن العايل ال يريد أمرا ذلك ألجل سافل من حيث هو سافل بل إمنا خيتار ما خيتار لنظام كلي، وأمر أعلى من اجلزئي، مث يتضمنحصول نظام يف اجلزئي تبعا ال مقصودا، وهذا االختيار واإلرادة على جهة سنة اهللا تعاىل يف اختياره

إمنا اختار : ومشيئته للكائنات؛ ألن مشيئته تعاىل كلية متعلقة بنظام الكل، غري معللة بعلة، حىت ال يقال تعاىل، بل ال يريد إال كما علم؛ وذلك وال علة لصنعه: هذا لكذا، وإمنا فعل هذا لكذا؛ فلكل شيء علة

أيضا ليس بتعليل؛ لكنه بيان أن إرادته أعلى من أن تتعلق بشيء لعلة دوا؛ وإال لكان ذلك الشيء حامال . وخالق العلل واملعلوالت ال يكون حمموال على شيء؛ فاختياره ال يكون معلال بشيء. له على ما يريد

Page 134: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 134

جهته ينوب عن اختياره، كما أن أمره ينوب عن أمره؛ فيسلك سبل ربه واختيار الرسول املبعوث من فمن أين . ذلال، مث خيرج من قضية اختياره نظام حال وقوام أمر خمتلف ألوانه، فيه شفاء للناس

وكل ما يذكرونه؛ فموهوم، وكل ما ! للروحانيات هذه املرتلة؟ وكيف يصلون إىل هذه الدرجة؟ كيفمن كمال علمهم، وقدرم، : بل وكل ما حيكى عن الروحانيات. مشاهدة، وعيان:يذكره النيب؛ فمحقق

وإال فأي دليل أرشدنا . ونفوذ اختيارهم، واستطاعتهم؛ فإمنا أخربنا بذلك األنبياء واملرسلون عليهم السالمإىل ذلك وحنن مل نشاهدهم، ومل نستدل بفعل من أفعاهلم على صفام وأحواهلم؟؟ قالت الصابئة

الروحانيون متخصصون باهلياكل العلوية؛ مثل زحل، واملشتري، واملريخ، والشمس، والزهرة، وعطارد، والقمر؛ وهذه السيارات كاألبدان واألشخاص بالنسبة إليها، وكل ما حيدث من املوجودات، ويعرض من

ت من احلوادث؛ فكلها مسببات هذه األسباب، وآثار هذه العلويات، فيفيض على هذه العلوياالروحانيات تصريفات وحتريكات إىل جهات اخلري والنظام، وحيصل من حركاا واتصاالا تركيبات

فهم األسباب األول، والكل مسبباا، ... وتأليفات يف هذا العامل، وحيدث يف املركبات أحوال ومناسباتص كيف مياثل غري واملسبب ال يساوي السبب واجلسمانيون متشخصون باألشخاص السفلية، واملتشخ

.املتشخص؟

وإمنا جيب على األشخاص يف أفعاهلم وحركام اقتفاء آثار الروحانيات يف أفعاهلا وحركاا؛ حىت يراعى وتنجيما، . زمانا، ومكانا، وجوهرا، وهيئة، ولباسا، وخبورا، وتعزميا: أحوال اهلياكل وحركات أفالكها

تقربا إىل اهليكل تقربا إىل الروحاين اخلاص به؛ فيكون : يكونخاصة بكل هيكل؛ ف... ودعاء، وحاجة .تقربا إىل رب األرباب ومسبب األسباب؛ حىت يقضي حاجته، ويتم مسألته

.وسيأيت تفصيل ما أمجلوه من أمر اهلياكل عند ذكر أصحاا إن شاء اهللا تعاىل

الصرفة إىل نيابة هياكلها، وتركتم مذهب نزلتم عن نيابة الروحانيات : اآلن: أجابت احلنفاء بأن قالواهياكل الربانيني؛ غري أنكم أثبتم لكل : أشخاص الروحانيني، واألشخاص: الصبوة الصرفة؛ فإن اهلياكل

.روحاين هيكال خاصا، له فعل خاص ال يشاركه فيه غريه

يف : الروحاين منهم: وحنن نثبت أشخاصا رسال كراما، تقع أوضاعهم وأشخاصهم يف مقابلة كل الكونيف مقابلة حركات مجيع : يف مقابلة اهلياكل منها، وحركام: مقابلة الروحاين منها، واألشخاص منهم

موزونة مبيزان : الكواكب واألفالك، وشرائعهم مراعاة حركات استندت إىل تأييد إهلي، ووحي مساويط، ليست مستخرجة باآلراء املظلمة، وال العدل، مقدرة على مقادير الكتاب األول؛ ليقوم الناس بالقس

.توافقتا: تطابقتا، وإن وافقتها باحملسوسات: إن طابقتها على املعقوالت: مستنبطة بالظنون الكاذبة

Page 135: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 135

أن الدين اإلهلي هو املوجود األول، والكائنات تقدرت عليه؛ وأن املناهج التقديرية : كيف وحنن ندعيوهللا تعاىل سنتان يف خلقه وأمره، والسنة . سنن الطبيعية توجهت إليهاهي األقدم؛ مث املسالك اخللقية وال

ولن جتد لسنة اهللا : األمرية اقدم وأسبق من السنة اخللقية؛ وقد أطلع خواص عباده من البشر على السنتني .هذا من جهة األمر: هذا من جهة اخللق، ولن جتد لسنة اهللا تبديال: حتويال

واألمر . متوسطون يف تقرير سنة اخللق: متوسطون يف تقرير سنة األمر، واملالئكة: فاألنبياء عليهم السالم. أفضل من املالئكة: أشرف من اخللق؛ فمتوسط األمر أشرف من متوسط اخللق؛ فاألنبياء عليهم السالم

حيث صارت الروحانيات األمرية متوسطات يف اخللق، وصارت األشخاص اخللقية : وهذا عجبإن الشرف والكمال يف التركيب ال يف البساطة، واليد للجسمائي ال : ؛ ليعلم...األمرمتوسطني يف

للروحاين، والتوجه إىل التراب أوىل من التوجه إىل السماء، والسجود آلدم عليه السالم أفضل من التسبيح .والتحميد والتقديس

، وام هم اآلخرون وجودا، السابقون أن الكمال يف إثبات الرجال؛ ال يف تعيني اهلياكل والظالل: وليعلموأن املخلوق بيديه ال يكون كاملكون . فضال، وأن آخر العمل أول الفكرة، وأن الفطرة ملن له احلجة

".كن، فكان: فو عزيت وجاليل، ال أجعل من خلقته بيدي، كمن قلت له:" حبرفيه؛ قال عز وجل

واملبادئ أشرف ذاتا، وأسبق . معاد األرواح: هامبادئ املوجودات وعامل: قالت الصابئة الروحانياتوكذلك عاملها؛ عامل، املعاد؛ . وجودا، وأعلى رتبة ودرجة من سائر املوجودات اليت حصلت بتوسطها

فاملبدأ منها، واملعاد إليها، واملصدر عنها، واملرجع إليها خبالف . واملعاد كمال؛ فعاملها عامل الكمالن األرواح إمنا نزلت من عاملها حىت اتصلت باألبدان، فتوسخت بأوضار وأيضا؛ فإ. اجلسمانيات

باألخالق الزكية، واألعمال املرضية؛ حىت انفصال عتها، فصعدت إىل عاملها : األجسام، مث تطهرت عنهافعرف أم أصحاب الكمال، ال أشخاص . والرتول هو النشأة األوىل، والصعود هو النشأة اآلخرة. األول

.الرجال

الروحانيات؟ وأي برهان أقمتم؟؛ وقد : أن املبادئ هي: من أين تسلمتم هذا التسليم: أجابت احلنفاء قالواأنه : اجلسمانيات، على اختالف منهم يف األول منها: إن املبادئ هي: نقل عن كثري من قدماء احلكماء

أنه إنسان، أو : الف آخرأنه مركب، أو بسيط؟ واخت: نار، أو هواء، أو ماء، أو أرض؟ واختالف آخر .حىت صارت مجاعة إىل إثبات أناس سرمديني.. غريه؟؛

إن اآلخر وجودا من حيث : أم كانوا كالظالل حول العرش، ومنهم من يقول: مث منهم من يقولخرج أن أول : وعليه. هو األول وجودا من حيث الروح يف ذلك العامل: الشخص يف هذا العامل

د عليه السالم؛ فإذا كان شخصه هو اآلخر من مجلة األشخاص النبوية، فروحه هو املوجودات نور حمم

Page 136: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 136

األول من مجلة األرواح الربانية، وإمنا حضر هذا العامل ليخلص األرواح املدنسة باألوضار الطبيعية، ة وهو فهو النعمة وهو النعيم، وهو الرمح. فيعيدها إىل مبدئها؛ وإذا كان هو املبدأ، فهو املعاد أيضا

.الرحيم

وحنن إذا أثبتنا إن الكمال يف التركيب، ال يف البساطة والتحليل؛ فيجب أن يكون املعاد باألشخاص : قالواغري أن الفرق بني املبدأ واملعاد هو أن األرواح . واألجساد، ال بالنفوس واألرواح؛ واملعاد كمال ال حمالة

غالبة، وأحواهلا ظاهرة للحس؛ واألجساد يف املعاد مغمورة يف املبدأ مستورة باألجساد، وأحكام األجسادفلو كانت األجساد تبطل رأسا، : باألرواح، وأحكام النفوس غالبة، وأحواهلا ظاهرة للعقل؛ وإال

ما كان االتصال باألبدان والعمل باملشاركة فائدة؛ : وتضمحل أصال، وتعود األرواح إىل مبدئها األولأن النفوس اإلنسانية يف : ومن الدليل القاطع على ذلك. والعقاب على فعل العبادولبطل تقدير الثواب

أا : حال اتصاهلا بالبدن اكتسبت أخالقا نفسانية صارت هيئات متمكنة فيها متكن امللكات، حىت قيلصلت وتلك اهليئات إمنا ح. نزلت مرتلة الفصول الالزمة اليت متيزها عن غريها، ولوالها لبطل التمييز

مبشاركات من القوى اجلسمانية، حبيث لن يتصور وجودها إال مع تلك املشاركة، وتلك القوى لن تتصور إال يف أجسام مزاجية، فإذا كانت النفوس لن تتصور إال معها وهي املعينة املخصصة وتلك لن

.تتصور إال مع األجسام؛ فال بد من حشر األجسام، واملعاد باألجسام

طريقنا يف التوسل إىل حضرة القدس ظاهر، وشرعنا معقول؛ فإن قدماءنا من الزمان األول : قالت الصابئةجوهرا : ملا أرادوا الوسيلة عملوا أشخاصا يف مقابلة اهلياكل العلوية على نسب وإضافات؛ راعوا فيهاختتمان : ياتوصورة، وعلى أوقات وأحوال وهيئات؛ أوجبوا على من يتقرب ا إىل ما يقابلها من العلو

. ولباسا، وتبخرا، ودعاء، وتعزميا؛ فتقربوا إىل الروحانيات، فتقربوا إىل رب األرباب ومسبب األسباب

وحنن تلقينا . ال خيتلف باألمصار واملدن، وال ينتسخ باألدوار واألكوار: وهو طريق متبع، وشرع ممهد .مبدأه من عاذميون وهرمس العظيمني؛ فعكفنا على ذلك دائمني

وأنتم معاشر احلنفاء تعصبتم للرجال، وقلتم بأن الوحي والرسالة يرتلوا عليهم من عند اهللا تعاىل بواسطة، فما الوحي أوال؟ وهل جيوز أن يكلم اهللا بشرا؟ وهل يكون كالمه من جنس كالمنا؟ . أو بغري واسطة

؟ وما معىن تصوره بصورة ابصورته أم بصورة البشر: وكيف يرتل ملك من السماء وهو ليس جبسماينمث ما لربهان أوال على جواز انبعاث . أفيخلع صورته ويلبس لباسا آخر، أم يتبدل وضعه وحقيقته؟: الغري

أفنأخذ مبجرد دعواه، أم ال بد من دليل خارق : الرسل يف صورة البشر؟ وما دليل كل مدع منهم؟مث . واص األجسام؟ أم من فعل الباري تعاىل؟أفهو من خواص النفوس؟ أم من خ: للعادة؟ وإن أظهر ذلك

Page 137: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 137

. أفهو كالم الباري تعاىل، وكيف يتصور يف حقه كالم؟ أم هو كالم الروحاين؟: ما الكتاب الذي جاء به

مث هذه احلدود واألحكام أكثرها غري معقولة، فكيف يسمح عقل اإلنسان بقبول أمر ال يعقله؟ وكيف ولو شاء اهللا ألنزل مالئكة ما مسعنا ذا " ن يريد أن يتفضل عليه؟ تطاوعه نفسه بتقليد شخصه مثله؟ أبأ

".يف آبائنا األولني

تعرضا إلبطال : أحدمها اإللزام: أجابت احلنفاء بأن املتكلمني منا يكفوننا جواب هذا الفصل بطريقتني .تعرضا إلثبات مذهبنا: والثاين احلجة. مذهبنا

. مذهبكم؛ حيث قلتم بتوسط عاذميون وهرمس، وأخذمت طريقتكم منهماإنكم ناقضتم: أما اإللزام؛ فقالوا

.ومن أثبت املتوسط يف إنكار املتوسط؛ فقد تناقض كالمه، وختلف مرامه

بأنكم معاشر الصابئة أيضا متوسطون، حيتاج إليكم يف التزام مذهبكم؛ إذ من املعلوم : وزادوا هذا تقريراأما العلم . من علم، وعمل: طريقتكم، وال يقف على صنعتكمأن كل من دب ودرج منكم ليس يعرف

وأما العمل فصنعة األشخاص . فاإلحاطة حبركات الكواكب واألفالك، وكيفية تصرف الروحانيات فيهاحييط بذلك علما، ويتيسر له : يف مقابلة اهلياكل على النسب بل قوم خمصوصون أو واحد يف كل زمان

.عاملا من جنس البشر، وقد ناقض آخر كالمكم أولهعمال؛ فقد أثبتم متوسطا

.إما الشرك يف أفعال الباري تعاىل، وإما الشرك يف أوامره: وزادوا هذا تقريرا آخر بإلزام الشرك عليهم

اإلبداع اخلاص بالرب تعاىل هو : أما الشرك يف األفعال فهو إثبات تأثريات اهلياكل واألفالك؛ فإن عندهمحانيات مث تفويض أمور العامل العلوي إليها، والفعل اخلاص بالروحانيات هو حتريك اهلياكل اختراع الرو

الفاعل، واملادة، واآللة، : مث تفويض أمور العامل السفلي إليها؛ كمن يبين معملة، وينصب أركانا للعمل منهلياكل أرباب، واألصنام فهؤالء اعتقدوا أن الروحانيات آهلة، وا. والصورة، ويفوض العمل إىل التالمذة

أنكم تكلفتم كل التكلف : فألزم أصحاب األصنام. يف مقابلة اهلياكل باختاذ وتصنع من كسبهم وفعلهمحياة فيه، ومسع، وبصر، : حىت توقعوا حجرا مجادا يف مقابلة هيكل، وما بلغت صنعتكم إىل إحداث

ضركم؛ أف لكم وملا تعبدون من دون اهللا، أفتعبدون من دون اهللا ما ال ينفعكم وال ي:" ونطق، وكالمأفضل منها وأشرف؟ أو ليست : ؟ أو ليست النسب أوضاعكم الفطرية، وأشخاصكم العقلية"أفال تعقلون

أتعبدون ما : " أشرف وأكمل مما راعيتموها يف صنعكم؟: النسب واإلضافات النجومية املرعية يف خلقكمإما جلب : ستم حتتاجون إىل املتوسط املعمول لقضاء حاجة؟أو ل!. تنحتون، واهللا خلقكم وما تعملون؟

نفع، أو دفع ضر؟؛ فهذا العامل الصانع أقدر؛ إذ فيه من القوة العلمية والعملية ما يستعمل به اهلياكل وهلذا اإللزام تفطن ! العلوية ويستخدم األشخاص الروحانية؛ فهال ادعى لنفسه ما يثبت بفعله من مجاد؟

Page 138: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 138

حيث ادعى اإلهلية والربوبية لنفسه وكان يف األصل على مذهب الصابئة فصبا عن ذلك اللعني فرعون أنا ربكم األعلى، ما علمت لكم من إله غريي؛ إذ رأى يف نفسه قوة االستعمال : ودعا إىل نفسه، فقال

ياهامان ابن يل صرحا لعلي أبلغ: واالستخدام، واستظهر بوزيره هامان، وكان صاحب الصنعة؛ فقال

وكان يريد أن يبين صرحا مثل الرصد فيبلغ به إىل . األسباب أسباب السموات، فأطلع إىل إله موسىحركات األفالك والكواكب، وكيفية تركيبها، وهيئآا، وكمية أدوارها وأكوارها؛ فلرمبا يطلع على سر

اعتزاز : ولكن! والبصرية؟ومن أين له هذه القوة ... التقدير يف الصنعة، ومآل األمر يف اخللقة والفطرةبنوع فطنة وكياسة يف جبلته، واغترار بضرب إمهال يف مهله؛ فما متت هلم الصنعة حىت أغرقوا فأدخلوا

.نارا

فحدث بعده السامري وقد نسج على منواله يف الصنعة، حىت أخذ قبضة من أثر الروحاين، وأراد أن يرقى ؛ فاخرج هلم عجال جسدا له خوار، وما أمكنه أن حيدث الشخص اجلمادي عن درجته إىل درجة احليواين

أمل يروا أنه ال يكلمهم وال يهديهم سبيال؟ فاحنسر : فيه ما هو أخص أوصاف املتوسط من الكالم واهلداية .لنحرقنه، مث لننسفنه يف اليم نسفا: حىت كان من األمر ما كان، وقيل... يف الطريق

أغرق فرعون فأدخل النار؛ مكافئة على دعوة اإلهلية لنفسه، وأحرق : حيث!! ويا عجبا من هذا السرقلنا : وما كان للنار واملاء على احلنفاء يد لالستيالء. العجل مث نسف يف اليم؛ مكافئة على إثبات اإلهلية له

.... يا نار كوين بردا وسالما على إبراهيم؛ فألقيه يف اليم وال ختايف وال حتزين إنا رادوه إليك

.هذه مراتب الشرك يف الفعل، واخللق

دعوى : أما إهلان أرضيان كاآلهلة السماوية الروحانية: منرود، وفرعون: ويشبه أن يكون دعوى اللعيننياإلهلية من حيث األمر ال من حيث الفعل، واخللق؛ وإال ففي زمان كل واحد منهما من هو أكرب منه سنا،

وهذا هو . ظهر من دعوامها أن األمر كله هلما، فقد ادعيا اإلهلية لنفسهافلما ... وأقدم يف الوجود عليهالشرك الذي ألزمه املتكلم على الصابئ؛ فإنه ملا ادعى أنه أثبت يف األشخاص ما يقضي به حاجة اخللق،

فقد عاد بالتقدير إىل صنعته، وو قف بالتدبري على معاملته؛ فكان األمر بأن هذا الفعل واجب اإلقدام عليه، وهذا واجب اإلحجام عنه أمرا يف مقابلة أمر الباري تعاىل، واملتوسط فيه متوسط األمر؛ وكان

.شركا؛ إذ مل يرتل اهللا به سلطانا، وال أقام عليه حجة وبرهانا

مل تبلغ قوة البشر قط إىل مراعاا؟ وال : كيف، وما يتمسك به من األحكام مرتبة على هيئات فلكية الفلك كله يتغري حلظة فلحظة بتغري جزء من أجزاءه تغري الوضع واهليئة؛ حبيث مل يكن على تلك يشك أن

ومىت يقف احلاكم على تغريات األوضاع حىت تكون . اهليئة فيما سبق، وال يرجع إىل تلك فيما يستقبل

Page 139: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 139

ومن !... ية؟وإذا مل تستقم الصنعة فكيف تكون احلاجة مقض! صنعته يف األشخاص واألصنام مستقيمة؟ .رفع احلاجة إىل من ال ترفع احلوائج إليه فقد أشرك كل الشرك

فإقامة احلجة على إثبات املذهني وملتكلمي احلنفاء فيه مسلكان أحدمها أن يسلك : وأما الطريق الثاينت أن يسلك الطريق صعودا من حاجا: الطريق نزوال من أمر الباري تعاىل إىل سد حاجات اخللق، والثاين

.اخللق إىل إثبات أمر الباري تعاىل؛ مث خترج اإلشكاالت عليهما

خالق اخلالئق، ورازق العباد وأنه : قد قامت احلجة على أن الباري تعاىل: أما األول؛ فقال املتكلم احلنيفأمر، وتصريف؛ وذلك أن حركات : واملالك هو أن يكون له على عباده. املالك الذي له امللك وامللك

قد انقسمت إىل اختيارية، وغري اختيارية؛ فما كان منها باختيار من جهتهم، فيجب أن يكون له العبادأن ليس كل أحد يعرف حكم الباري تعاىل، وأمره؛ فال بد إذن من : ومن املعلوم. تصريف، وتقدير: فيها

، حىت واحد يستأثره بتعريف حكمه وأمره يف عباده، وذلك الواحد جيب أن يكون من جنس البشريعرفهم أحكامه وأوامره؛ وجيب أن يكون خمصوصا من عند اهللا عز وجل بآيات خلقية هي حركات

تصريفية وتقديرية، جيريها اهللا على يده عند التحدي مبا يدعيه؛ تدل تلك اآليات على صدقه، نازلة مرتلة س جيب الوقوف على كل ثن إذا ثبت صدقه وجب أتباعه يف مجيع ما يقول ويفعل، ولي. التصديق بالقول

.ما يأمر به وينهى عنه؛ إذ ليس كل علم تبلغ إليه قوة البشر

باحلق يف األفكار، والصدق يف األقوال، : مث الوحي من عند العزيز ميد حركاته الفكرية، والقولية، والعمليةاملعىن فبطرف مياثل البشر؛ وهو طرف الصورة، وبطرف يوحى إليه؛ وهو طرف . واخلري يف األفعال

؟ فبطرف يشابه نوع اإلنسان، وبطرف مياثل نوع "هل كنت بشرا رسوال! قل سبحان ريب:" واحلقيقةمزاجا؛ واستعدادا، وملكيته : املالئكة، ومبجموعهما يفضل النوعني؛ حىت تكون بشريته فوق بشرية النوع

ية، وال يزيغ وال يطغى بطرف قبوال؛ وأداء، فال يضل وال يغوي بطرف البشر: فوق ملكية النوع اآلخرغري أنه " وما أمرنا إال بواحدة:" ال كثرة فيه، وال انقسام له: الروحانية؛ فيقرر أن أمر الباري تعاىل واحد

.يلبس تارة عبارة العربية، وتارة عبارة العربية، واملصدر يكون واحدا، واملظهر متعددا

كلمح بالبصر؛ فيتصور يف : ر إليه دفعة واحدة، بال زمانإلقاء الشيء بسرعة، فيلقى الروح األم: والوحيغما بعبارة قد اقترنت : نفسه الصافية صورة امللقى، كما يتمثل يف املرآة الوة صورة املقابل؛ فيعرب عنهوهذا كله بطرفه ... بنفس التصور، وذلك هو آيات الكتب؛ أو بعبارة نفسه، وذلك هو أخبار النبوة

.الروحاين

مثل امللك الروحاين له مبثال صورة البشر متثل املعىن الواحد بالعبارات املختلفة، أو متثل الصورة وقد يتالواحدة يف املرايا املتعددة، أو الظالل املتكثرة للشخص الواحد؛ فيكامله مكاملة حسية، ويشاهده مشاهدة

Page 140: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 140

حىت يقومه : نه التأييد والعصمةوإن انقطع الوحي عنه مل ينقطع ع. ويكون ذلك بطرفه اجلسماين... عينية .يف أفكاره، ويسدده يف أقواله، ويوفقه يف أفعاله

وال تستبعدوا معاشر الصابئة تلقي الوحي على الوجه املذكور، ونزول امللك على النسق املعقود؛ وعندكم يتصور فإذا تصور صعود البشر؛ فلم ال. أن هرمس العظيم صعد إىل العامل الروحاين، فاخنرط يف سلكهم

: فاحلنيفية. بزلل امللك؟، وإذا حتقق أنه خلع لباس البشرية؛ فلم ال جيوز أن يلبس امللك لباس البشرية؟

مث ال يتطرق . إثبات الكمال يف خلع كل لباس: والصبوة. إثبات الكمال يف هذا اللباس، أعين لباس الناسولقد قال هلم راس احلنفاء . األوثان ثانياذلك هلم حىت يثبتوا لباس اهلياكل أوال، مث لباس األشخاص و

غين وجهت وجهي للذي فطر السموات . إين بريء مما تشركون: متربئا عن اهلياكل واألشخاص .واألرض حنيفا وما أنا من املشركني

ملا كان نوع: وأما الثاين؛ فهو الصعود من حاجة الناس إىل إثبات أمر الباري تعاىل؛ قال املتكلم احلنيف

وذلك االجتماع لن يتحقق إال حبدود وأحكام يف حركاته . اإلنسان حمتاجا إىل اجتماع على نظامومعامالته، يقف كل منهم عند حده املقدر له ال يتعداه؛ وجب أن يكون بني الناس شرع يفرضه شارع

والفرقة، وحيصل به أحكام اهللا تعاىل يف احلركات، وحدوده يف املعامالت؛ فريتفع به االختالف : يبني فيهوهذا االحتياج ملا كان الزما لنوع اإلنسان ضرورة، جيب أن يكون احملتاج إليه قائما . االجتماع واأللفة

الغين والفقري، واملعطي والسائل، وامللك والرعية؛ فإن الناس لو : ضرورة؛ حبيث تكون نسبته إليه نسبةمث ال يبقى ذلك . انوا كلهم رعايا مل تكن رعية أصالكانوا كلهم ملوكا مل يكن ملك أصال؛ كما لو ك

الشخص ببقاء الزمان وعمره ال يساوي عمر العامل؛ فينوب منابه علماء أمته، ويرث علمه أمناء شريعته؛ . والعلم بالتوارث؛ وليست النبوة بالتوارث. فتبقى سنته ومنهاجه، ويضيء على الربية مدى الدهر سراجه

.بياء، والعلماء ورثة األنبياءوالشريعة تركة األن

احليوان الناطق : قال الصابئة الناس متماثلة يف حقيقة اإلنسانية والبشرية، ويشملهم حد واحد، وهووالنفوس والعقول متساوية يف اجلوهرية؛ فحد النفس باملعىن الذي يشترك فيه اإلنسان واحليوان . املائت

أنه : بالقوة، وباملعىن الذي يشترك فيه اإلنسان وامللكأنه كمال جسم طبيعي آيل ذي حياة: والنباتجوهر غري جسم هو كمال اجلسم حمرك له باالختيار عن مبدأ نطقي أي عقلي بالفعل أو بالقوة؛ فالذي

وأما العقل فقوة أو هيئة هلذه . بالفعل هو خاصة النفس امللكية، والذي بالقوة هو فصل النفس اإلنسانيةل ماهيات األشياء جمردة عن املواد، والناس يف ذلك على استواء من القدم؛ وإمنا النفس مستعدة لقبو

أحدمها اضطراري؛ وذلك من حيث املزاج املستعد لقبول النفس؛ : االختالف يرجع إىل أحد أمرين

Page 141: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 141

والثاين اختياري؛ وذلك من حيث االجتهاد املؤثر يف رفع احلجب املادية، وتصقيل النفس عن الصدأة تساوت األقدام، وتشات : حىت لو بلغ االجتهاد إىل غاية الكمال... ة الرتسام الصور املعقولةاملانع

.األحكام؛ فال يتفضل بشر على بشر بالنبوة، وال يتحكم أحد على أحد باإلستتباع

بيننا يف أجابت احلنفاء بأن التماثل والتشابه يف الصور البشرية واإلنسانية مسلم ال مرية فيه؛ وإمنا التنازعالنفوس والعقول على التضاد والترتب، وعلينا بيان ذلك، على مساق : النفس والعقل قائم؛ فإن عندنا

هو كمال اجلسم، حمرك له باالختيار؛ : إن النفس جوهر، غري جسم: فقولكم: حدودكم، ومذاق أصولناياة بالقوة؛ إذا أطلق وذلك إذا أطلق النفس على اإلنسان وامللك، وهو كمال جسم كبيعي آيل ذي ح

على اإلنسان واحليوان؛ فقد جعلتم لفظ النفس من األمساء املشتركة، وميزمت بني النفس احليواين، والنفس النفس النبوي حىت يتميز عن امللكي، كما متيز : اإلنساين، والنفس امللكي؛ فهل زدمت فيه قسما ثالثا وهو

لنطقي لإلنسان بالقوة، واملبدأ العقلي للملك بالفعل، فقد تغايرا املبدأ ا: امللكي عن اإلنساين؟ فإن عندكممن هذا الوجه؛ ومن حيث إن املوت الطبيعي يطرأ على اإلنسان وال يطرأ على امللك، وذلك متييز آخر؛

وأما الكمال الذي تعرضتم له، فإمنا يكون كماال للجسم إذا . فليكن يف النفس النبوي مثل هذا الترتبار احملرك حممودا؛ فأما إذا كان اختياره مذموما من كل وجه صار الكمال نقصانا؛ وحينئذ يقع كان اختي

التضاد بني النفس اخلرية والنفس الشريرة، حىت تكون إحدامها يف جانب امللكية، والثانية يف جانب والفعل اختالف الشيطانية؛ فيحصل التضاد املذكور، كما حصل الترتب املذكور؛ فإن االختالف بالقوة

.اختالف بالتضاد؛ فبطل التماثل: بالترتب، واالختالف بالكمال والنقص واخلري والشر

وال تظنن أن االختالف بني النفسني اخلرية والشريرة اختالف بالعوارض؛ فإن االختالف بني النفس بالنوع؛ وكيف ال يكون امللكية والشيطانية بالنوع، كما أن االختالف بني النفس اإلنسانية وامللكية

وهو أن اخلري غريزة : واالختالف ههنا بالقوة والفعل، واالختالف مث باخلري والشر؟ وهذا لسر! كذلكفعل اخلري، وفعل : لست أقول. هي هيئة متمكنة يف النفس بأصل الفطرة، وكذلك الشر طبيعة غريزية

نا نفسا حمركة للبدن اختيارا حنو اخلري عن مبدأ فتحقق أن هه. الشر؛ فإن الغريزة غري الفعل املترتب عليهاإما بالقوة أو بالفعل، وهو كمال للجسم وليس جبسم، وههنا نفسا حمركة للبدن اختيارا حنو الشر : عقلي

وال ينبون طبعك عن أمثال ما . إما بالقوة أو بالفعل، وهو نقص للجسم وليس جبسم: عن مبدأ نطقي، فإمنا يغترفه من حبر، وليس ينحته من صخر؛ فلرمبا ال يساعدك على أن يورد عليك املتكلم احلنيف

اإلنسان نوع األنواع، وأن االختالف فيه يقع يف العوارض واللوازم؛ بل يثبت يف النفوس اإلنسانية اختالفا فكما أن االختالف بالقوة. جوهريا، فيفصل بعضها على بعض بالفصول الذاتية، ال باللوازم العرضية

Page 142: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 142

اختالف جوهري، أوجب اختالف النوع والنوع؛ وإن مشلهما اسم : والفعل يف النفس اإلنسانية وامللكيةكذلك نقول يف نفس هلا قوة علم خاص، وقوة عمل ... النفس الناطقة؛ والفصل الذايت هو القوة والفعل

وأما ما ذكره .خاص، وقوة خري، وقوة شر؛ وكمال مطلق، هو أصل اخلري؛ ونقص مطلق، هو أصل الشرأنه قوة أو هيئة للنفس مستعدة لقبول ماهيات األشياء جمردة عن املواد؛ : املتكلم الصايب من حد العقل

فأين العقل . فغري شامل جلميع العقول عنده، وال عند احلنيف؛ بل هو تعرض للعقل اهليوالين فقطوأين العقل العملي؟ . ة ما هي كليةأنه قوة للنفس تقبل ماهيات األمور الكلية من جه: النظري؟ وحده

. أنه قوة للنفس هي مبدأ لتحريك القوة الشوقية إىل ما خيتار من اجلزئيات، ألجل غاية مظنونة: وحده

وأين العقل بالفعل؟ وهو . وأين العقل بامللكة؟ وهو استكمال القوة اهليوالنية، حىت تصري قريبة من الفعلوأين العقل . عقولة، حىت مىت ما شاء عقلها وأحضرها بالفعلاستكمال النفس بصورة ما أو صورة م

وأين العقول . مرتسمة يف النفس على سبيل احلصول من خارج. املستفاد؟ وهو ماهية جمردة عن املادةوأين العقل الفعال؟؛ فإنه من جهة ما هو عقل؛ فإنه جوهر . ماهيات جمردة عن املادة: املفارقة؟ فإا

جمردة يف ذاا ال بتجريد غريها عن املادة وعن عالئق املادة، وهي ماهية كل موجود؛ صوري، ذاته ماهية ومن جهة ما هو فعال؛ فإنه جوهر بالصفة املذكورة، من شأنه أن خيرج العقل اهليوالين من القوة إىل

وال خالف أن هذه العقول قد اختلفت . فقد تعرض لنوع واحد من العقول. الفعل بإشراقه عليه؟من أي عقل تعد عقلك أوال؟ وهل : فأخربين أيها املتكلم احلكيم . دودها، وتباينت فصوهلا كما مسعتح

تساوت األقدام يف العقول؟ حىت يكون عقلك بالفعل واإلفادة كعقل غريك بالقوة : ترضى أن يقال لكليه الفكر براده، ال يرد ع: واالستعداد؟ بل واستعداد عقلك لقبول املعقوالت كاستعداد عقل غيب غوي

وال ينفك اخليال عن عقله، كما ال ينفك احلس عن خياله؟؛ وإذا كانت األقدام متساوية، فما هذا الترتب يف األقسام؟؛ وإذا أثبت ترتبا يف العقول، فبالضرورة أن ترتقي يف الصعود إىل درجة االستقالل واإلفادة،

هل يف نوعه ما هو عدمي االستعداد أصال حىت يشبه : مث. وترتل يف اهلبوط إىل درجة االستعداد واالستفادةأن يكون عقال، وليس عقال؟ وما النوع الذي تثبته للشياطني؟؛ أو هو من عداد ما ذكرنا، أم خارج عن

ذلك ؟؛ فإنك إذا ذكرت حد امللك، وأنه جوهر بسيط ذو حياة ونطق عقلي، غري مائت، هو واسطة بني . أن منه ما هو عقلي، ومنه ما هو نفسي: السماوية واألرضية؛ وعددت أقسامهالباري تعاىل واألجسام

فيلزمك من حيث التضاد، أ، تذكر حد الشيطان على الضد مما ذكرته من حد ... ومنه ما هو حسي؛ ويلزمك من حيث الترتب، أن تذكر حد اإلنسان على الضد مما ذكرته من ...امللك، وتعد أقسامه أيضا

ما هو مع : ما هو حمسوس فقط؛ ومنه: تعد أقسامه وأنواعه كذلك؛ حىت يكون من اإلنسانحد امللك وفمن عقل عمل من حس، ومن حس . كونه حمسوسا روحاين، نفساين، عقلي؛ وذلك هو درجة النبوة

Page 143: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 143

دع ... عمل من عقل، ومن نفس مزاجي، ومن مزاج نفسي، ومن روح جسماين، ومن جسم روحاين ال عنك كالم لعامة، و

.ظنن هذه طامة.تظنن هذه طامة

بإبطال تساوي العقول والنفوس، وإثبات الترتب والتضاد فيهما؛ وال شك : قالت الصابئة لقد حصرمتوناما رتبة األنبياء بالنسبة إىل نوع اإلنسان؟ وما رتبتهم : أن من سلم الترتب فقد لزمه اإلتباع؛ فأخربونا

الروحانيات : فإن عندنا. ملوجودات؟ مث ما رتبة النيب عند الباري تعاىل؟باإلضافة إىل امللك واجلن وسائر ا: أعلى مرتبة من مجيع املوجودات، وهم املقربون يف احلضرة اإلهلية، واملكرمون لديه؛ ونراكم تارة تقولون

.إن الروحاين يتعلم من النيب: إن النيب يتعلم من الروحاين، ونراكم تارة تقولون

بأن الكالم يف املراتب صعب، ومن مل يصل إىل رتبة من املراتب كيف ميكنه أن يستويف أجابت احلنفاء رتبتنا بالنسبة إىل من هو دوننا يف اجلنس من احليوان، فكما أنا : لكنا نعرف أن رتبته بالنسبة إلينا. بياا؟

ئقها، ومنافعها، يعرفون خواص األشياء وحقا: نعرف أسامي املوجودات وال يعرفها احليوان؛ كذلك هم .وحنن ال نعرفها... ومضارها، ووجوه املصاحل يف احلركات، وحدودها، وأقسامها

وكما أن نوع اإلنسان ملك احليوان بالتسخري، فاألنبياء عليهم السالم ملوك الناس بالتدبري، وكما أن ت ال ميكنها أن حركات الناس معجزات احليوان، كذلك حركات األنبياء معجزات الناس؛ ألن احليوانا

تبلغ إىل احلركات الفكرية حىت متيز احلق من الباطل، وال أن تبلغ إىل احلركات القولية حىت متيز الصدق من الكذب، وال أن تبلغ إىل احلركات الفعلية حىت متيز اخلري من الشر؛ فال التمييز العقلي هلا بالوجود، وال

نبياء؛ الن منتهى فكرهم ال غاية له، وحركات وكذلك حركات األ. مثل هذه احلركات هلا بالفعليل مع اهللا وقت ال يسعين فيه ملك : أفكارهم يف جمايل القدس مما تعجز عنها قوة البشر؛ حىت يسلم هلم

مقرب وال نيب مرسل، وكذلك حركام القولية والفعلية ال تبلغ إىل غاية انتظامها وجرياا على سنن .الفطرة حركة كل البشر

يف الرتبة العليا، والدرجة األوىل من درجات املوجودات كلها؛ فقد أحاطوا علما مبا أطلعهم الرب وهم علمه الشديد : تعاىل على ذلك دون غريهم من املالئكة والروحانيني؛ ففي األول تكون حاله حال التعلم

بأمسائهم حني كان األمر أنبأهم : حاله حال التعليم، وذلك يف حق آدم عليه السالم: القوي، ويف األخري .على بدء الظهور والكشف؛ فانظر؛ كيف تكون احلال يف اية الظهور

إن عباد : قل إن كان للرمحن ولد فأنا أول العابدين، قولوا: وأما إضافتهم جناب القدس؛ فالعبودية اخلاصة ورسوله؛ ال جرم كان عبده: أحق األمساء هلم، وأخص األحوال م. مربوبون، وقولوا يف فضلنا ما شئتم

إله : إله موسى وهرون: إله إمساعيل وإسحاق: إله إبراهيم: أخص التعريفات جلالله تعاىل بأشخاصهم

Page 144: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 144

: فكما أن من العبودية ما هو عام اإلضافة، ومنها ما هو خاص اإلضافة. إله حممد عليهم السالم: عيسى

منه ما له عموم رب العاملني : عباد باخلصوصيةكذلك التعريف إىل اخللق باإلهلية والربوبية، والتجلي لل .ومنه ما له خصوص رب موسى وهارون

.ويف الفصول اليت جرت بني الفريقني فوائد ال حتصى. فهذه اية مذهيب الصابئة واحلنفاء

أكاد أخفيها؛ فعدلت عنها إىل ذكر حكم : نريد منليها، ويف القلم خفايا: وكان يف اخلاطر بعد زوايالعظيم ألعلى أنه من مجلة فرق الصابئة؛ حاشاه؛ بل على أن حكمه مما تدل على تقرير مذهب هرمس ا

احلنفاء، يف إثبات الكمال يف األشخاص البشرية، وإجياب القول بإتباع النواميس اإلهلية؛ على خالف .مذاهب الصابئة

هو : األنبياء الكبار،؛ ويقالحكم هرمس العظيم احملمودة آثاره، املرضية أقواله وأفعاله، الذي يعد منوهو الذي وضع أسامي الربوج والكواكب السيارة، ورتبها يف بيوا، وأثبت . إدريس النيب عليه السالم

الشرف والوبال، واألوج واحلضيض، واملناظر بالتثليث والتسديس والتربيع، واملقابلة واملقارنة، : هلا وتقوميها، وأما األحكام املنسوبة إىل هذه االتصاالت، فغري تعديل الكواكب،: والرجعة واالستقامة؛ وبني .مربهن عليها عند اجلميع

وللهند وللعرب طريقة أخرى يف األحكام؛ أخذوها من خواص الكواكب ال من طبائعها، ورتبوها على .الثوابت؛ ال على السيارات

.شيث وإدريس عليهما السالم: إن عاذميون وهرمس مها: ويقال

الباري تعاىل، والعقل، والنفس، واملكان، : لفالسفة عن عاذميون أنه قال املبادئ األول مخسةونقلت ا : ومن حكم هرمس. ومل ينقل هذا عن هرمس. واخلالء؛ وبعدها وجود املركبات

تعظيم : أول ما جيب على املرء الفاضل بطباعه، احملمود بسنخه، املرضي يف عادته، املرجو يف عاقبته: قوله عز وجل، وشكره على معرفته؛ وبعد ذلك؛ فللناموس عليه حق الطاعة له؛ واالعتراف مبرتلته، اهللا

وللسلطان عليه حق املناصحة واالنقياد، ولنفسه عليه حق االجتهاد؛ والدأب يف فتح باب السعادة، يبق عليه إال فإذا أحكم هذه األسس مل . وخللصائه عليه حق التحلي هلم بالود؛ والتسارع إليهم بالبذل

انظروا معاشر الصابئة كيف عظم أمر الرسالة؛ . كف األذى عن العامة، وحسن املعاشرة، وسهولة اخللقومل يذكر ههنا تعظيم الروحانيات، وال . حىت قرن طاعة الرسول الذي عرب عنه بالناموس مبعرفة اهللا تعاىل

بأن يكون : الناس يف اإلنسان؟ قالمباذا حيسن رأي: وسئل. تعرض هلا؛ وإن كانت هي من الواجبات .لقاؤه هلم لقاء مجيلا، ومعاملته إياهم معاملة حسنة

.ومدة اإلخوان أن ال تكون لرجاء منفعة، أو لدفع مضرة؛ ولكن لصالح فيه، وطباع له: وقال

Page 145: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 145

حل، افضل ما يف اإلنسان من اخلري العقل، وأجدر األشياء أن ال يندم عليه صاحبه، العمل الصا: وقال .وأضل ما حيتاج إليه يف تدبري األمور االجتهاد، وأظلم الظلمات اجلهل، وأوثق اإلسار احلرص

.الصدق يف الغضب، واجلود يف العسرة، والعفو عند املقدرة: من أفضل الرب ثالثة: وقال

.من مل يعرف عيب نفسه؛ فال قدر لنفسه عنده: وقال

ال ينبغي للعاقل أن : وقال. قل منطقه له، واجلاهل منطقه عليهأن العا: الفصل بني العاقل واجلاهل: وقالالسلطان، والعلماء، واإلخوان؛ فإن من استخف بالسلطان أفسد عليه عيشه، ومن : يستخف بثالثة أقوام

..استخف بالعلماء أفسد عليه دينه، ومن استخف باإلخوان أفسد عليه مروءته

املرء حقيق له أن يطلب احلكمة ويثبتها يف نفسه : وقال. االستخفاف باملوت أحد فضائل النفس: وقالأوال؛ بان ال جيزع من املصائب اليت تعم األخيار، وال يأخذه الكرب فيما يبلغه من الشرف، وال يعري أحدا

مبا هو فيه، وال يغريه الغىن والسلطان، وأن يعدل بني نيته وقوله حىت ال يتفاوت، وتكون سنته ما ال عيب .ودينه ما ال خيتلف فيه، وحجته ما ال ينتقضفيه،

أنفع األمور للناس القناعة والرضى، وأضرها الشره والسخط؛ وإمنا يكون كل السرور بالقناعة ر، : وقال .وكل احلزن بالشره والسخط

جل أن أصل الضالل واهللكة ألهله أن يعد ما يف العامل من اخلري من عطية اهللا عز و: وحيكى عنه فيما كتبهومواهبه؛ وال يعد ما فيه من الشر والفساد من عمل الشيطان ومكايده، ومن افترى على أخيه فرية مل

أن جيعله سببا للشرور : خيلص من تبعتها حىت جيازى ا؛ فكيف خيلص من أعظم الفرية على اهللا عز وجل .وهو معدن اخلري؟

ملن جرى وصول اخلري إليه وعلى يديه، والويل ملن اخلري والشر أصالن إىل أهلمها ال حمالة؛ فطوىب : وقال .جرى وصول الشر إليه وعلى يديه

أحدمها حمبة املرء نفسه يف أمر معاده، وذيبه إياها يف : اإلخاء الدائم الذي ال يقطعه شيء اثنان: وقال الدنيا العلم الصحيح والعمل الصاحل؛ واآلخر مودته ألخيه يف دين احلق؛ فإن ذلك مصاحب أخاه يف

.حبسده، ويف اآلخرة بروحه

الغضب سلطان الفظاظة، واحلرص سلطان الفاقة؛ ومها منشئا كل سيئة، ومفسدا كل جسد، : وقال .ومهلكا كل روح

كل شيء يطاق تغيريه إال الطباع، وكل شيء يقدر على إصالحه غري اخللق السوء، وكل شيء : وقال .يستطاع دفعه إال القضاء

.مق للنفس مبرتلة اجلوع والعطش للبدن؛ ألن هذين خالء النفس، وهذين خالء البدناجلهل واحل: وقال

Page 146: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 146

. أمحد األشياء عند أهل السماء واألرض لسان صادق ناطق بالعدل واحلكمة واحلق يف اجلماعة: وقال

.أدحض الناس حجة من شهد على نفسه بدحوض حجته: وقال

األذى فدينه دين اهللا عز وجل؛ وخصمه شاهد له بفلج من كان دينه السالمة والرمحة والكف عن: وقالاحلجة، ومن كان دينه اإلهالك والفظاظة واألذى فدينه دين الشيطان؛ وهو بدحوض حجته شاهد على

.نفسه

ال : وقال. قدح يف امللك، وإفشاء للسر، والتعرض للحرمة: امللوك حتتمل األشياء كلها إال ثالثة: وقال .إذا ملك بغى: إذا شبع طغى، وال كاجلاهل: إذا جاع ضغا وال كالعبد: لصيبتكن أيها اإلنسان كا

ال تشريون على عدو وال صديق إال بالنصيحة؛ فأما الصديق فتقضي بذلك من واجبه حقه، وأما : وقال .العدو فإنه إذا عرف نصيحتك إياه هابك وحسدك، وإن صح عقله استحى منك وراجعك

ود السماحة عند العسرة، وعلى غريزة الورع الصدق عند الشرة، وعلى غريزة يدل على غريزة اجل: وقال .احللم العفو عند الغضب

حقيق بأن يكون على مثل ذلك : من سره مودة الناس له، ومعونتهم إياه، وحسن القول منهم فيه: وقال .هلم

إال أن يكون له ثالثة : بال يستطيع أحد أن حيوز اخلري واحلكمة، وال أن خيلص نفسه من املعاي: وقالكل إنسان موكل : وقال. وزير، وويل، وصديق؛ فوزيره عقله، ووليه عفته، وصديقه عمله الصاحل: أشياء

بإصالح قدر باع من األرض؛ فإنه إذا أصلح قدر ذلك الباع صلحت له أموره كلها، وإذا أضاعه أضاع .اجلميع؛ وقدر ذلك نفسه

من افضل : وقال. ال تكمل عفته، وال بكمال العلم من ال يكمل عقلهال ميدح بكمال العقل من : وقال .أن يبدلوا العدو صديقا، واجلاهل عاملا، والفاجر برا: أعمال العلماء ثالثة أشياء

.الصاحل من خريه خري لكل أحد، ومن يعد خري كل أحد لنفسه خريا: وقال

ميحق الظلم، وال بطيب ما مل يدفع الننت، وال بصدق ليس حبكمة ما مل يعاد اجلهل، وال بنور ما مل: وقال .ما مل يدحض الكذب، وال بصاحل ما مل خيالف الطاحل

الباب الثاني

أصحاب الهياكل واألشخاص

Page 147: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 147

.ونذكرها ههنا تفصيال. وقد أدرجنا مقالتهم املناظرات مجلة. وهؤالء من فرق الصابئة

أصحاب اهلياكل أعلم أن أصحاب الروحانيات ملا عرفوا أن ال بد لإلنسان من متوسط، وال بد للمتوسط فزعوا إىل اهلياكل اليت هي السيارات السبع؛ ... من أن يرى؛ فيتوجه إليه، ويتقرب به، ويستفاد منه

ا، وثالثا اتصاالا ومنازهلا، وثانيا مطالعها ومغارا على أشكال املوافقة واملخالفة مرتبة فتعرفوا أوال بيوعلى طبائعها، ورابعا تقسيم األيام والليايل والساعات عليها، وخامسا تقدير الصور واألشخاص واألقاليم

.واألمصار عليها

يوم السبت، وراعوا فيه ساعته : فعملوا اخلواتيم، وتعلموا العزائم والدعوات، وعينوا ليوم زحل مثالموا خبامتة املعمول على صورته وهيئته وصنعته، ولبسوا اللباس اخلاص به، وتبخروا ببخوره األوىل وختت

من أفعاله وآثاره : احلاجة اليت تستدعي من زحل: اخلاص، ودعوا بدعواته اخلاصة به، وسألوا حاجتهم منهص باملشتري وكذلك رفع احلاجة اليت ختت. اخلاصة به؛ فكان يقضي حاجتهم، وحيصل يف األكثر مرامهم

وكانوا . وكذلك سائر احلاجات إىل الكواكب. يف يومه وساعته ومجيع اإلضافات اليت ذكرنا إليهإله اآلهلة، ورب : ومنهم من جعل الشمس. أربابا آهلة، واهللا تعاىل هو رب األرباب، وإله اآلهلة: يسموايتقربون إىل الروحانيات تقربا إىل الباري وكانوا يتقربون إىل اهلياكل تقربا إىل الروحانيات، و. األرباب

تعاىل؛ العتقادهم بأن اهليام أبدان الروحانيات، ونسبتها إىل الروحانيات نسبة أجسادنا إىل أرواحنا، فهم تدبريا ، وتصريفا، وحتريكا؛ كما نتصرف : األحياء الناطقون حبياة الروحانيات، وهي تتصرف يف أبداا

مث استخرجوا من عجائب احليل . ن من تقرب إىل شخص فقد تقرب إىل روحهوالشك أ. يف أبدانناوهذه الطلسمات املذكورة يف الكتب؛ . املرتبة على عمل الكواكب ما كان يقضي منهم العجب

.كلها من علومهم... والسحر، والكهانة، والتنجيم، والتعزمي، واخلواتيم، والصور

أصحاب األشخاص

إذا كان ال بد من متوسط يتوسل به، وشفيع يتشفع إليه؛ والروحانيات : فقالواوأما أصحاب األشخاص مل يتحقق التقرب إليها : وإن كانت هي الوسائل، لكنا إذا مل نرها باألبصار، ومل خناطبها باأللسن

ولكن اهلياكل قد ترى يف وقت، وال ترى يف وقت؛ ألن هلا طلوعا وأفوال، وظهورا بالليل . ياكلهافال بد لنا من صور وأشخاص موجودة قائمة ... خفاء بالنهار؛ فلم يصف لنا التقرب ا، والتوجه إليهاو

منصوبة نصب أعيننا؛ نعكف عليها، ونتوسل ا إىل اهلياكل؛ فنتقرب ا إىل الروحانيات، ونتقرب ذوا أصناما أشخاصا على مثال فاخت. ليقربونا إىل اهللا زلفى: بالروحانيات إىل اهللا سبحانه وتعاىل؛ فنعبدهم

كل شخص يف مقابلة هيكل، وراعوا يف ذلك جوهر اهليكل؛ اعين اجلوهر اخلاص به، من : اهلياكل السبعةالزمان، والوقت، : احلديد وغريه، وصوروه بصورته على اهليئة اليت تصدر أفعاله عنه، وراعوا يف ذلك

Page 148: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 148

لنجومية؛ من اتصال حممود يؤثر يف جناح املطالب اليت والساعة، والدرجة، والدقيقة، ومجيع اإلضافات افتقربوا إليه يف يومه وساعته، وتبخروا بالبخور اخلاص به، وختتموا خبامته، ولبسوا لباسه، . تستدعي منه

إنه كان يقضي حوائجهم بعد رعاية : وتضرعوا بدعائه، وعزموا بعزائمه، وسألوا حاجتهم منه؛ فيقولون: فأصحاب اهلياكل. أم عبدة الكواكب واألوثان: ك هو الذي أخرب الترتيل عنهموذل. اإلضافات كلها

وأصحاب األشخاص هم عبدة األوثان؛ إذ مسوها آهلة . هم عبدة الكواكب؛ إذ قالوا بإهليتها كما شرحنا .هؤالء شفعاؤنا عند اهللا: يف مقابلة اآلهلة السماوية، وقالوا

ياكل وأصحاب األشخاص، وكسره مذاهبهما وقد ناظر اخلليل عليه مناظرات إبراهيم اخلليل ألصحاب اهل .السالم هؤالء الفريقني

وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع :" فابتدأ بكسر مذاهب أصحاب األشخاص وذلك قوله تعاىلحتون أتعبدون ما تن:" أن كسرهم قوال بقوله: ، وتلك احلجة"درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم

وملا كان أبوه آزر هو أعلم القوم بعمل األشخاص واألصنام، ورعاية " ! واهللا خلقكم وما تعملونكان أكثر احلجج : اإلضافات النجومية فيها حق الرعاية؛ وهلذا كانوا يشترون منه األصنام ال من غريه

آهلة؟ إين أراك وقومك يف أتتخذ أصناما: معه، وأقوى اإللزامات عليه؛ إذ قال عليه السالم ألبيه آزرمل تعبد ما ال يسمع وال يبصر وال يغين عنك شيئا؟؛ ألنك جهدت كل ! يا أبت: ضالل مبني، وقال

اجلهد، واستعملت كل العلم حىت عملت أصناما يف مقابلة األجرام السماوية، فما بلفت قوتك العلمية وأنت بفطرتك وخلقتك أشرف . ، وتضر وتنفعوالعملية إىل أن حتدث فيها مسعا وبصرا، وأن تغين عنك

مسيعا، بصريا، نافعا، ضارا؛ واآلثار السماوية فيك أظهر منها يف هذا املتخذ : درجة منها؛ ألنك خلقتال تعبد الشيطان إن الشيطان كان ! يا أبت!: إذ صار املصنوع! تكلفا واملعمول تصنعا، فياهلا من حرية

يا : مث دعاه إىل احليفية احلقة؛ قال... أخاف أن ميسك عذاب من الرمحنإين! با أبت: للرمحن عصياأراغب أنت عن آهليت يا : قال... إين قد جاءين من العلم ما مل يأتك، فاتبعين أهدك صراطا سويا! أبت

فعدل عليه السالم عن القول إىل الكسر لألصنام بالفعل، فجعلهم. فلم تقبل حجته القوية!... إبراهيم؟

بل فعله كبريهم هذا، فاسألوهم إن كانوا : قال.. من فعل هذا بآهلتنا؟: جذاذا غال كبريا هلم؛ فقالواإنكم أنتم الظاملون، مث نكثوا عن رؤوسهم، لقد علمت ما هؤالء : ينطقون، فرجعوا إىل أنفسهم فقالوا

ل؛ حيث أحال الفعل فافحمهم بالفعل؛ حيث أحال الفعل على كبريهم، كما أفحمهم بالقو. ينطقونمث عدل إىل كسر مذاهب . وكل ذلك على طريق اإللزام عليهم؛ وإال فما كان اخلليل كاذبا قط. منهم

وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات : أصحاب اهلياكل؛ وكما أراه اهللا تعاىل احلجة على قومه، قال

Page 149: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 149

تشريفا له على الروحانيات : نيواألرض، وليكون من املوقنني فأطلعه على ملكوت الكونني والعاملأن الكمال يف الرجال؛ فأقبل على : وترجيحا ملذهب احلنفاء على مذهب الصابئة، وتقريرا. وهياكلها

هذا ريب، على ميزان إلزامه على : فلما جن عليه الليل رأى كوكبا، قال: إبطال مذهب أصحاب اهلياكلا كان اخلليل عليه السالم كاذبا يف هذا القول، وال بل فعله كبريهم هذا؛ وإال فم: أصحاب األصنام

مث استدل باألفول الزرال، والتغري، واالنتقال على أنه ال يصلح أن يكون ربا . مشركا يف تلك اإلشارةو ربا قدميا، وإهلا أزليا؛ ول: هذا لو اعتقدمتوه... إهلا؛ فإن اإلله القدمي ال يتغري، وإذا تغري احتاج إىل مغري

وعن هذا . واسطة، وقبلة، وشفيعا، ووسيلة؛ فإن األفول الزوال خيرجه أيضا عن حد الكمال: اعتقدمتوهما استدل عليه بالطلوع وإن كان الطلوع أقرب إىل احلدوث من األفول؛ فإم إمنا انتقلوا إىل عمل

حتريهم؛ فاستدل عليهم مبا األشخاص ملا عراهم من التحري باألفول، فأتاهم اخلليل عليه السالم من حيثألن مل : هذا ريب، فلما أفل قال: مث ملا رأى القمر بازغا قال. اعترفوا بصحته، وذلك أبلغ يف االحتجاج

ألن مل يهدين ريب ألكون : يهدين ريب ألكون منت القوم الضالني؛ فيا عجبا مما ال يعرف ربا كيف يقولغاية التوحيد، واية املعرفة؛ والواصل إىل الغاية : لرب تعاىلرؤية اهلداية من ا!.. من القوم الضالني؟

!.والنهاية، كيف يكون يف مدارج البداية؟

دع هذا كله خلف قاف، وارجع بنا إىل ما هو شاف كاف؛ فإن املوافقة يف العبارة على طريق اإللزام هذا ريب هذا : مس بازغة قالمن أبلغ احلجج، وأوضح املناهج؛ وعن هذا قال ملا رأى الش: على اخلصم

الذي يقتبسون منه األنوار، ويقبلون منه : أكرب؛ العتقاد القوم أن الشمس ملك الفلك، وهو رب األربابيا قوم إين بريء مما تشركون إين وجهت وجهي للذي فطر السموات واألرض : اآلثار؛ فلما أفلت قال

أبطل مذهب الصابئة، وبني أن الفطرة هي احلنيفية، قرر مذهب احلنفاء، و. حنيفا، وما أنا من املشركنيوأن الطهارة فيها، وأن الشهادة بالتوحيد مقصورة عليها وأن النجاة واخلالص متعلقة ا، وأن الشرائع واألحكام مشارع ومناهج إليها، وأن األنبياء والرسل مبعوثون لتقريرها وتقديرها، وأن الفاحتة واخلامتة

الدين القيم، والصراط املستقيم، واملنهج الواضح، : ذلك... نوطة بتحصيلها وحتريرهاواملبدأ والكمال مفأقم وجهك للدين حنيفا فطرة اهللا :" واملسلك الالئح؛ قال اهللا تعاىل لنبيه املصطفى صلى اهللا عليه سلم

ون، منيبني إليه واتقوه اليت فطر الناس عليها ال تبديل خللق اهللا؛ ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ال يعلممن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب مبا لديهم : وأقيموا الصالة وال تكونوا من املشركني

".فرحون

Page 150: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 150

الباب الثالث

الحرنانية

أما واحد؛ ففي الذات،، : إن الصانع املعبود واحد وكثري: وهم مجاعة من الصابئة مقاالت احلرنانية قالوا أما كثري؛ فألنه يتكثر باألشخاص يف رأي العني، وهي املدبرات السبعة و . ل، واألزلواألول، واألص

اخلرية، العاملة، الفاضلة؛ فإنه يظهر ا، ويتشخص بأشخاصها، وال تبطل وحدته يف : واألشخاص األرضيةذا العامل؛ وهم هو أبدع الفلك ومجيع ما فيه من األجرام والكواكب، وجعلها مدبرات ه: وقالوا. ذاته

واآلباء أحياء ناطقون، يؤدون اآلثار إىل العناصر؛ فتقبلها . اآلباء، والعناصر أمهات، واملركبات مواليدمث من املواليد قد يتفق شخص مركب من صفوها دون . العناصر يف أرحامها، فيحصل من ذلك املواليد

مث أن طبيعة الكل حتدث يف كل . العاملكدرها وحيصل له مزاج كامل االستعداد؛ فيتشخص اإلله به يف زوجني : إقليم من األقاليم املسكونة على رأس كل سنة وثالثني ألف سنة وأربعمائة ومخس وعشرين سنة

مث . من كل نوع من أجناس احليوانات، ذكرا أو أنثى، من اإلنسان وغريه؛ فيبقى ذلك النوع تلك املدةمن : نسلها، وتوالدها؛ فيبتدأ دور آخر؛ وحيدث قرن آخر: عإذا انقضى الدور بتمامه انقطعت األنوا

وهذه هي القيامة املوعودة على لسان األنبياء : قالوا. وكذلك أبد الدهر... اإلنسان، واحليوان، والنباتوال يتصور إحياء املوتى، وبعث من . وما يهلكنا إال الدهر: عليهم السالم؛ وإال فال دار سوى هذه الدار

وهم . أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم خمرجون؟ هيهات هيهات ملا توعدون: أيعدكم: يف القبور .الذين أخرب الترتيل عنهم ذه املقالة

فإن التناسخ هو أن تتكرر . نشأة التناسخ واحللول منهم وإمنا نشأ أصل التناسخ واحللول من هؤالء القوموالثواب والعقاب يف هذه . وحيدث يف كل دور مثلما حدث يف األولاألكوار واألدوار إىل ما ال اية له، واألعمال اليت حنن فيها إمنا هي أجزية على أعمال سلفت منا يف . الدار؛ ال يف دار أخرى ال عمل فيها

هي مرتبة على أعمال الرب اليت سلفت منا : األدوار املاضية؛ فالراحة، والسرور، والفرح، والدعة اليت جندهاهي مرتبة على أعمال الفجور اليت : األدوار املاضية؛ والغم، واحلزن، والضنك، والكلفة اليت جندهايف

وكذا يكون يف اآلخر؛ واالنصرام من كل وجه غري متصور يف . وكذلك كان يف األول. سبقت مناحبلول جزء وأما احللول فهو التشخص الذي ذكرناه، ورمبا يكون ذلك حبلول ذاته، ورمبا يكون . احلكيم

إمنا تشخص باهلياكل السماوية كلها، هو واحد؛ : ورمبا قالوا. من ذاته؛ على قدر استعداد مزاج الشخصفكأن اهلياكل السبعة أعضاؤه السبعة، وكأن . وإمنا يظهر فعله يف واحد بقدر آثاره فيه، وتشخصه به

بأعيننا، ويسمع بآذاننا، ويقبض ويبسط فيها يظهر؛ فينطق بلساننا، ويبصر : اعضاءنا السبعة هياكله السبعة

Page 151: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 151

.بأيدينا، وجييء ويذهب بأرجلنا، ويفعل جبوارحنا

مزاعم احلرنانية

الشرور، والقبائح، واألقذار، واخلنافس، واحليات، : أن اهللا تعاىل أجل من أن خيلق: وزعموا واجتماعات سعادة؛ وحنوسة،: بل هي كلها واقعة ضرورة عن اتصاالت الكواكب.... والعقارب

سعد، وخري، وصفو؛ فهو املقصود من الفطرة؛ فينسب إىل : فما كان من.. صفوة؛ وكدورة: العناصرإما : حنوسة، وشر، وكدر؛ فهو الواقع ضرورة؛ فال ينسب إليه؛ بل هي: وما كان من. الباري تعاىل

.اتفاقيات؛ وضروريات، وإما مستندة إىل أصل الشرور؛ واالتصال املذموم

.أربعة من األنبياء: انية ينسبون مقالتهم إىل عاذميون، وهرمس، وأعيانا، وأواذىواحلر

: وزعموا أن أواذى حرم عليهم. ومنهم من ينتسب إىل سولون جد أفالطون ألمه، ويزعم أنه كان نبيا

.البصل، والكراث، والباقلي

غتسلون من اجلنابة ومن مس أعمال الصابئة كلهم، وهياكلهم والصابئون كلهم يصلون ثالث صلوات، وي .امليت، وحرموا أكل اجلزور، واخلرتير، والكلب، ومن الطري كل ما له خملب، واحلمام

.عن السكر يف الشراب، وعن اإلختتان: ووا

.وأمروا بالتزويج بويل وشهود، وال جيوزون الطالق إال حبكم حاكم، وال جيمعون بني إمرأتني

: ابئة على أمساء اجلواهر العقلية الروحانية، وأشكال الكواكب السماوية؛ فمنهاوأما اهلياكل اليت بناها الص

مدورات . هيكل العقل، وهيكل السياسة، وهيكال لصورة، وهيكل النفس: هيكل العلة األوىل؛ ودوا .الشكل

مربع، : مربع مستطيل، وهيكل الشمس: مثلث، وهيكل املريخ: مسدس، وهيكل املشتري: وهيكل زحل: مثلث يف جوفه مربع مستطيل، وهيكل القمر: مثلث يف جوف مربع، وهيكل عطارد: كل الزهرةوهي

.مثمن

الجزء الثاني

الفالسفة

.حمبة احلكمة: الفلسفة باليونانية

.حمب احلكمة: احلكمة؛ أي هو: فيال وسوفا؛ وفيال هو احملب، وسوفا: والفيلسوف هو

لقولية، وهي العقلية أيضا؛ فهي كل ما يعقله العاقل باحلد، وما أما احلكمة ا: قولية، وفعلية: واحلكمة

Page 152: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 152

.فيعرب عنه ما... وبالربهان، وما جيري جمراه؛ مثل االستقراء... جيري جمراه؛ مثل الرسم

.فكل ما يفعله احلكيم لغاية كمالية: وأما احلكمة الفعلية

ال لغاية دون ذاته وإال فيكون الغاية والكمال هو الغاية، والكمال؛ فال يفعل فع: فاألويل األزيل ملا كان هوفاحلكمة يف فعله وقعت تبعا لكمال ذاته؛ وذلك هو الكمال املطلق . احلامل، واألول حممول؛ وذلك حمال

.يف احلكمة، ويف فعل غريه من املتوسطات وقعت مقصودا للكمال املطلوب؛ وكذلك يف أفعالنا

مة القولية العقلية اختالفا ال حيصى كثرة؛ واملتأخرون منهم خالفوا األوائل مث إن الفالسفة اختلفوا يف احلكوكانت مسائل األولني حمصورة يف الطبيعيات، واإلهليات؛ وذلك هو الكالم يف الباري . يف أكثر املسائل

.تعاىل، والعامل؛ مث زادوا فيها الرياضيات

فالعلم الذي يطلب فيه ماهيات . م كيف، وعلم كمعلم ما، وعل: العلم ينقسم إىل ثالثة أقسام: وقالوااألشياء هو العلم اإلهلي، والعلم الذي يطلب فيه كيفيات األشياء هو العلم الطبيعي، والعلم الذي يطلب

. فيه كميات األشياء هو العلم الرياضي؛ سواء كانت الكميات جمردة عن املادة، أو كانت خمالطة بعد

علم املنطق، ومساه تعليمات؛ وإمنا هو جرده من كالم القدماء؛ : كيمفأحدث بعدهم أرسطوطاليس احلاملوضوع : ورمبا عدها آهلة العلوم؛ ال من مجلة العلوم؛ فقال. وإال فلم ختل احلكمة عن قوانني املنطق قط

.البحث عن أحوال الوجود من حيث هو وجود: يف العلم اإلهلي؛ هو الوجود املطلق؛ ومسائله

.البحث عن أحوال اجلسم من حيث هو جسم: العلم الطبيعي؛ هو اجلسم؛ ومسئلهواملوضوع يف

الكمية من حيث إا جمردة عن املادة؛ : واملوضوع يف العلم الرياضي؛ هو األبعاد واملقادير؛ وباجلملة .البحث عن أحوال الكمية من حيث هي كمية: ومسائله

ذهن اإلنسان من حيث يتأدى ا إىل غريها من العلوم؛ واملوضوع يف العلم املنطقي؛ هو املعاين اليت يف .البحث عن أحوال تلك املعاين من حيث هي كذلك: ومسائله

وملا كانت السعادة هي املطلوبة لذاا، وإمنا يكدح اإلنسان لنيلها، والوصول إليها، وهي : قالت الفالسفةعملي، : م فقط؛ فانقسمت احلكمة إىل قسمنيال تنال باحلكمة؛ فاحلكمة تطلب إما ليعمل ا، وإما لتعل

.وعلمي

فالقسم العملي هو عمل اخلري، . مث منهم من قدم العملي على العلمي، ومنهم من أخر؛ كما سيأيتوهذان القسمان مما يوصل إليه بالعقل الكامل، والرأي الراجح؛ غري : قالوا. والقسم العلمي هو علم احلق

واألنبياء عليهم السالم أيدوا بإمداد روحانية تقريرا للقسم . عملي منه بغريه أكثرأن االستعانة يف القسم الفغاية احلكيم هو أن يتجلى لعقله كل الكون؛ ويتشبه باإلله احلق . العلمي؛ ولطرف ما من القسم العملي

Page 153: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 153

العامة حىت وغاية النيب أن يتجلى له نظام الكون؛ فيقدر على ذلك مصاحل . تعاىل وتقدس بغاية اإلمكانفكل ما . يبقى نظام العامل، وتنظيم مصاحل العباد؛ وذلك ال يتأتى إال بترغيب، وترهيب، وتشكيل، وختييل

مقدر على ما ذكرناه عند الفالسفة، إال من أخذ علمه من مشكاة : ورد به أصحاب الشرائع وامللل .ل درجتهمالنبوة؛ فإنه رمبا بلغ إىل حد التعظيم هلم، وحسن االعتقاد يف كما

.ال يقولون بالنبوات أصال: فمن الفالسفة حكماء اهلند من الربامهة

فلتات الطبع، وخطرات الفكر؛ ورمبا : حكماء العرب، وهم شرذمة قليلون؛ ألن أكثر حكمهم: ومنهم .قالوا بالنبوات

خرين منهم؛ حكماء الروم، وهم منقسمون إىل القدماء؛ الذين هم أساطني احلكمة، وإىل املتأ: ومنهماملشاءون، وأصحاب الرواق، وأصحاب أرسطوطاليس؛ وإىل فالسفة اإلسالم؛ الذين هم حكماء : وهم

.إما من امللة القدمية؛ وإما من سائر امللل: العجم؛ وإال كانت متلقاة من النبوات

.غري أن الصابئة كانوا خيلطون احلكمة بالصبوة

روم، واليونانيني، على الترتيب الذي نقل يف كتبهم، ونعقب من ال: فنحن نذكر مذاهب احلكماء القدماء .ذلك بذكر سائر احلكماء إن شاء اهللا تعاىل

.فإن األصل يف الفلسفة واملبدأ يف احلكمة للروم، وغريهم كالعيال هلم

الباب األول

الحكماء السبعة

.الذين هم أساطني احلكمة؛ من امللطية، وساميا، وأثينية؛ وهي بالدهم

تاليس امللطي، وأنكساغورس، وأنكسيمانس، وانبادقليس، وفيثاغورس، وسقراط، : وأما أمساؤهم؛ فهي .وأفالطون

.فلوطرخيس، وبقراط، ودميقريطيس، والشعراء، والنساك: وتبعهم مجاعة من احلكماء؛ مثل

نات؛ كيف هي؟ وإمنا يدور كالمهم يف الفلسفة على ذكر وحدانية الباري تعاىل، وإحاطته علما بالكائورمبا . ما هو؟ ومىت هو؟: ما هي؟ وكم هي؟ وأن املعاد: ويف اإلبداع، وتكوين العامل، وأن املبادئ األول

.تكلموا يف الباري تعاىل بنوع حركة وسكون

وقد أغفل املتأخرون من فالسفة اإلسالم ذكرهم، وذكر مقاالم رأسا؛ إال نكتة شاذة نادرة، رمبا اعترت .هم وأفكارهم، أشاروا إليها تزييفاعلى أبصار

Page 154: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 154

يف املطالعة، واملناظرة بني كالم األوائل : وحنن تتبعناها نقال، وتعقبناها نقدا، وألقينا زمام االختيار إليك .واألواخر

إن للعامل مبدعا، ال تدرك صفته العقول من جهة : قال. رأي تاليس وهو أول من تفلسف يف ملطيةأفاعيله، : من جهة آثاره، وهو الذي ال يعرف امسه فضال عن هويته؛ إال من حنوهويته؛ وإمنا يدرك

.؛ فلسنا ندرك له امسا من حنو ذاته؛ بل من حنو ذاتنا...وإبداعه، وتكزينه األشياء

هو أن البدع كان وال شيء مبدع، فأبدع الذي أبدع وال صورة له : إن القول الذي ال مراد له: مث قالجهة، وجهة؛ حىت : ت؛ ألن قبل اإلبداع إمنا هو فقط، وإذا كان هو فقط فليس يقال حينئذعنده يف الذا

.والوحدة اخلالصة تنايف هذين الوجهني. يكون هو، وصورة، أو حيث؛ حىت يكون هو، وذو صورة

تأييس ما ليس بأيسي، وإذا كان هو مؤيس اآليسيات والتأييس ال من شيء متقادم فمؤيس : واإلبداع هوشياء ال حيتاج إىل أن يكون عنده صورة األيسي بااليسية؛ وإال فقد لزمه إن كانت الصورة عنده أن األ

: وأيضا. يكون منفردا عن الصورة اليت عنده؛ فيكون هو وصورة، وقد بينا أنه قبل اإلبداع إمنا هو فقط

ن كانت مطابقة فلتتعدد فإ. أكانت مطابقة للموجود اخلارج؟ أم غري مطابقة؟: فلو كانت الصورة عندهالصور بعدد املوجودات؛ ولتكن كلياا مطابقة للكليات، وجزئياا مطابقة للجزئيات؛ ولتغيري بتغريها

وإن مل تطابق املوجود اخلارج . ، وكل ذلك حمال؛ ألنه ينايف الوحدة اخلالصة....كما تكثرت بتكثرها .فليست إذا صورة عنه؛ بل إمنا هي شيء آخر

لكنه أبدع العنصر الذي فيه صور املوجودات واملعلومات كلها؛ فانبعث من كل صورة موجود يف : قال .العامل على املثال الذي يف العنصر األول، فمحل الصور ومنبع املوجودات كلها هو ذات العنصر

.وما من موجود يف العامل العقلي والعامل احلسي إال ويف ذات العنصر صورة له ومثال عنه

ومن كمال ذات األول احلق أنه أبدع مثل هذا العنصر؛ فما يتصوره العامة يف ذاته تعاىل أن فيها : القالصور يعين صور املعلومات فهو مبدعه؛ ويتعاىل األول احلق بوحدانيته وهويته عن أن يوصف مبا يوصف

بل لكل صورة، ومنه أبدع املاء قا: ومن العجب أنه نقل عنه أن املبدع األول هو املاء؛ قال. به مبدعهمن السماء، واألرض، وما بينهما، وهو علة كل مبدع، وعلة كل مركب من العنصر : اجلواهر كلها

فذكر أن من مجود املاء تكونت األرض، ومن إحالله تكون اهلواء، ومن صفوة اهلواء تكونت . اجلسمايناصل من األثري تكونت الكواكب؛ فدارت النار، ومن الدخان واألخبرة تكونت السماء، ومن االشتعال احلواملاء ذكر واألرض أنثى ومها : قال. حول املركز دوران املسبب على سببه بالشوق احلاصل فيها إليه

.يكونان سفال، والنار ذكر واهلواء أنثى ومها يكونان علوا

Page 155: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 155

صر اجلسمانيات إن هذا العنصر الذي هو أول وهو آخر أي هو املبدأ وهو الكمال هو عن: وكان يقولمث إن هذا العنصر له صفو وكدر؛ فما كان من صفوه فإنه . واجلرميات؛ ال أنه عنصر الروحانيات البسيطة

واجلرم كثيف ظاهر، . فاجلرم يدثر، واجلسم ال يدثر. يكون جسما، وما كان من كدره فإنه يكون جرمارم، ويكون اجلسم اللطيف ظاهرا، واجلرم ويف النشأة الثانية يظهر اجلسم ويدثر اجل. واجلسم لطيف باطن

.الكثيف دائرا

إن فوق السماء عوامل مبدعة ال يقدر املنطق أن يصف تلك األنوار، وال يقدر العقل أن يقف : وكان يقولعلى إدراك ذلك احلسن والبهاء، وهي مبدعة من عنصر ال يدرك غوره، وال يبصر نوره، واملنطق والنفس

نه؛ وهو الدهر احملصن من حنو آخره، ال من حنو أوله؛ وإليه تشتاق العقول واألنفس؛ والطبيعة حتته ودو .وهو الذي مسيناه الدميومة، والسرمد، والبقاء؛ يف حد النشأة الثانية

املاء هو املبدع األول، أي هو مبدأ التركيبات اجلسمانية، ال املبدأ : فظهر ذه اإلشارات أنه إمنا أراد بقوله املوجودات العلوية؛ لكنه ملا اعتقد أن العنصر األول هو قابل كل صورة أي منبع الصور كلها األول يف

فأثبت يف العامل اجلسماين له مثاال يوازيه يف قبول الصور كلها، ومل جيد عنصرا على هذا النهج مثل املاء، . واألرضيةفجعله املبدع األول يف املركبات، وأنشأ منه األجسام واألجرام السماوية

ويف التوراة يف السفر األول منها أن مبدأ اخللق هو جوهر خلقه اهللا تعاىل، مث نظر إليه نظر اهليبة، فذابت أجزاؤه، فصارت ماء، مث ثار من املاء خبار مثل الدخان، فخلق منه السموات، وظهر على وجه املاء زبد

أن تاليس امللطي إمنا تلقى مذهبه من هذه وك. مثل زبد البحر، فخلق منه األرض مث أرساها باجلبال .املشكاة النبوية

والذي أثبته من العنصر األول الذي هو منبع الصور شديد الشبه باللوح احملفوظ املذكور يف الكتب .اإلهلية؛ إذ فيه مجيع أحكام املعلومات، وصور مجيع املوجودات، واخلرب عن الكائنات

.وكان عرشه على املاء: شبه باملاء الذي عليه العرشواملاء على القول الثاين شديد ال

رأي انكساغورس وهو أيضا من أهل ملطية، رأي يف الوحدانية مثل ما رأى تاليس وخالفه يف املبدأ قال إن مبدأ املوجودات هو جسم أول متشابه األجزاء، وهي أجزاء لطيفة ال يدركها احلس، وال . األول

ون كله العلوي منه والسفلي؛ ألن املركبات مسبوقة بالبسائط، واملختلفات يناهلا العقل، منها كون الكأليست املركبات كلها إمنا امتزجت وتركبت من العناصر؛ وهي بسائط . أيضا مسبوقة باملتشاات

متشاة األجزاء؟ وأليس احليوان والنبات وكل ما يغتذي فإمنا يغتذي من أجزاء متشاة أو غري متشاة، مع يف املعدة فتصري متشاة، مث جتري يف العروق والشرايني، فتستحيل أجزاء خمتلفة مثل الدم واللحم فتجت

.والعظم؟

Page 156: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 156

غري أنه خالفهم يف قوله إن . إنه العقل الفعال: وحكي عنه أيضا أنه وافق سائر احلكماء يف املبدأ األول واحلركة له تعاىل، ونبني اصطالحهم وسنشرح القول يف السكون. األول احلق تعاىل ساكن غري متحرك

.يف ذلك

إن أصل األشياء جسم واحد موضوع الكل؛ ال اية له، ومل يبني ما : وحكى فرفوريوس عنه أنه قالومنه خترج مجيع األجسام والقوة اجلسمانية : ذلك اجلسم أهو من العناصر؟ أم خارج عن ذلك؟ قال

.واألنواع واألصناف

لكمون والظهور، حيث قدر األشياء كلها كامنة يف اجلسم األول؛ وإمنا الوجود وهو أول من قال باظهورها من ذلك اجلسم نوعا وصنفا ومقدارا وشكال وتكاثفا وختلخال؛ كما تظهر السنبلة من احلبة

من الواحدة، والنخلة الباسقة من النواة الصغرية، واإلنسان الكامل الصورة من النطفة املهينة، والطريوإمنا اإلبداع واحد، ومل . البيض؛ فكل ذلك ظهور عن كمون، وفعل عن قوة، وصورة عن استعداد مادة

.يكن بشيء آخر سوى ذلك اجلسم األول

كانت األشياء ساكنة، مث إن العقل رتبها ترتيبا على أحسن نظام، فوضعها مواضعها : وحكي عنه انه قالتحرك، ومن ساكن، ومن مستقيم يف احلركة، ومن دائر، ومن من عال ومن سافل ومن متوسط، مث من م

وهذه كلها ذا الترتيب مظهرات ملا . أفالك متحركة على الدوام، ومن عناصر متحركة على االستقامة. املرتب هو الباري تعاىل: وحيكى عنه أن املرتب هو الطبيعة، ورمبا يقول. يف اجلسم األول من املوجودات

وإذا كانت . األول عنده ذلك اجلسم؛ فمقتضى مذهبه أن يكون املعاد إىل ذلك اجلسموإذا كان املبدأ وذلك قريب من مذهب من . النشأة األوىل هي الظهور؛ فيقتضي أن تكون النشأة الثانية هي الكمون

اء، يقول باهليوىل األوىل اليت حدثت فيها الصور؛ إال أنه أثبت جسما غري متناه بالفعل هو متشابه األجزوقد رد عليه احلكماء املتأخرون يف إثباته جسما مطلقا مل يعني . وأصحاب اهليوىل ال يثبتون جسما بالفعل

له صورة مساوية أو عنصرية، ويف نفيه النهاية عنه، ويف قوله بالكمون والظهور، ويف بيانه سبب الترتيب أهل ملطية، ومقاربان يف إثبات العنصر األول وإمنا عقبت مذهبهم برأي تاليس؛ ألما من . وتعيينه املرتب

أن اجلسم الذي : وحكى أرسطوطاليس عنه. والصور فيه متمثلة، واجلسم األول واملوجودات فيه كاملة .قال وأومأ إىل أن الكثرة جاءت من قبل الباري تعاىل وتقدس. تكون منه األشياء غري قابل للكثرة

رأي أنكسيمانس

: إن الباري تعاىل أزيل ال أول له وال آخر: قال. وف باحلكمة، املذكور باخلري عندهموهو امللطيني املعر

هو املدرك من خلقه أنه هو فقط، وأنه ال هوية تشبهه، وكل هوية مبدعة : هو مبدأ األشياء وال بدء له

Page 157: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 157

ت وكل مبدع ظهر. هو الواحد ليس كواحد األعداد؛ ألن واحد األعداد يتكثر، وهو ال يتكثر: منهوال جيوز يف : قال. صورته يف حد اإلبداع فقد كانت صورته يف علمه األول، والصور عنده بال اية

إمنا أبدع أشياء ال : إنه أبدع ما يف علمه، وإما أن نقول: الباري تعاىل إال أحد قولني، إما أن نقولأزليته، وليس تتكثر ذاته بتكثر وإن قلنا أبدع ما يف علمه فالصور أزلية ب. يعلمها؛ وهذا من قول املستشنع

أبدع بوحدانيته صورة العنصر، مث صورة العقل انبعثت عنها ببدعة : قال. املعلومات، وال تتغري بتغريهافرتب العنصر يف العقل ألوان الصور على قدر ما فيها من طبقات األنوار وأصناف اآلثار، . الباري تعاىل

احدة؛ كما حتدث الصور يف املرآة الصقيلة بال زمان وال وصارت تلك الطبقات صورا كثرية دفعة وترتيب بعض على بعض، غري أن اهليوىل ال حتتمل القبول دفعة واحدة إال بترتيب وزمان؛ فحدثت تلك

ومل يزل األمر كذلك يف العامل بعد العامل على قدر طبقات تلك العوامل؛ حىت . الصور فيها على الترتيبهليوىل، وقلت اهليوىل، وصارت منها هذه الصورة الرذلة الكثيفة، اليت مل تقبل نفسا قلت أنوار الصور يف ا

. وكل ما هو على قبول حياة وحس فهو يعد يف آثار تلك األنوار. روحانية، وال نفسا حيوانية، وال نباتية

وثفلها؛ ونسبتها إن هذا العامل، يدثر، ويدخله الفساد والعدم؛ من أجل أنه سفل تلك العوامل: وكان يقولوإمنا ثبات هذا العامل بقدر ما فيه من قليل نور ذلك العامل، : قال. إليه نسبة اللب إىل القشر، والقشر يرمى

وإال ملا ثبت طرفة عني، ويبقي ثباته إىل أن يصفي العقل جزءه املمتزج به، وإىل أن تصفي النفس جزءها فسدت وبقيت مظلمة قد عدمت ذلك . اء هذا العاملفإذا صفي اجلزءان عنه دثرت أجز. املختلط فيه

القليل من النور فيها، وبقيت األنفس الدنسة اخلبيثة يف هذه الظلمة بال نور وال سرور، وال روح وال ونقل عنه أيضا أن أول األوائل من املبدعات هو اهلواء، ومنه تكون مجيع ما . راحة، وال سكون وال سلوة

ما كون من صفو اهلواء احملض لطيف روحاين ال يدثر : قال. رام العلوية والسفليةتكون يف العامل من األجوال يدخل عليه الفساد وليقبل الدنس واخلبث، وما كون من كدر اهلواء كثيف جسماين يدثر ويدخله

فما فوق اهلواء من العوامل فهو من صفوه؛ وذلك عامل الروحانيات، وما . الفساد ويقبل الدنس واخلبثن اهلواء من العوامل فهو من كدره؛ وذلك من عامل اجلسمانيات؛ وهو كثري األوساخ واألوار، يتشبث دو

به من سكن إليه فيمنعه من أن يرتفع علوا، ويتخلص منه من مل يسكن إليه فيصعد إىل عامل كثري اللطافة، ما جعل العنصر أول األوائل ولعله جعل اهلواء أول األوائل ملوجودات العامل اجلسماين، ك. دائم السرور

وهو قد أثبت . وهو على مثال مذهب تاليس إذ أثبت العنصر واملاء يف مقابلته. ملوجودات العامل الروحاينالعنصر واهلواء يف مقابلته، ونزل العنصر مرتلة القلم األول، والعقل مرتلة اللوح القابل لنقش الصور،

.ضا من مشكاة النبوة اقتبس، وبعبارات القوم التبسوهو أي. ورتب املوجودات على ذلك الترتيب

رأي انبادقليس

Page 158: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 158

وكان يف زمن داود النيب . وهو من الكبار عند اجلماعة، دقيق النظر يف العلوم، رقيق احلال يف األعمالعليه السالم، مضى إليه وتلقى منه العلم، واختلف إىل لقمان احلكيم، واقتبس منه احلكمة، مث عاد إىل

إن الباري تعاىل مل تزل هويته فقط، وهو العلم احملض، وهو اإلرادة احملضة، وهو اجلود : قال. ونان وأفاديهذه : والعزة، والقدرة والعدل واخلري واحلق؛ ال أن هناك قوى مسماة ذه األمساء، بل هي، هو، وهو

يء البسيط الذي هو أول فأبدع الش. مبدع فقط ال أنه أبدع من شيء، وال أن شيئا كان معه. كلهامث كثر األشياء املبسوطة من ذلك املبدع البسيط الواحد األول، مث . البسائط املعقول، وهو العنصر األول

العقلي، والفكري، والومهي؛ أي مبدع : وهو مبدع الشيء والالشيء. كون املركبات من املبسوطاتإن الباري تعاىل أبدع الصور ال بنوع إرادة : وقال. املعقولة واخليالية واحلسية: املتضادات واملتقابالت

فإذا كان املبدع إمنا أبدع الصور بنوع أنه علة هلا؛ . مستأنفة، بل بنوع أنه علة فقط وه العلم واإلرادةفالعلة وال معلول؛ وإال فاملعلول مع العلة معية بالذات، فإن جاز أن يقال إن معلوال مع العلة؛ فاملعلول

و غري العلة، وأن يكون املعلول ليس أويل بكونه معلوال من العلة، وال العلة بكوا علة أويل حينئذ ليس همن املعلول؛ فاملعلول إذا حتت العلة وبعدها، والعلة علة العلل كلها، أي علة كل معلول حتتها؛ فال حمالة

فاملعلول األول هو . علة واملعلولأن املعلول مل يكن مع العلة جبهة من اجلهات البتة، وإال فقد بطل اسم الالعنصر، واملعلول الثاين هو بتوسطه العقل، والثالث بتوسطهما النفس، وهذه بسائط ومتوسطات، وما

وذكر أن املنطق ال يعرب عما عند العقل ألن العقل أكرب من املنطق من أجل أنه بسيط . بعدها مركباتفليس للمنطق إذا أن يصف الباري . د فيجمع املتجزئآتواملنطق مركب، واملنطق يتجزأ والعقل يتحد وحي

فإذا كان هو والشيء؛ . تعاىل إال صفة واحدة، وذلك أنه هو وال شيء من هذه العوامل بسيط وال مركبالعنصر األول بسيط من حنو ذات العقل الذي هو : مث قال أنبادقليس. فقد كان الشيء والالشيء مبدعني

لقا أي واحدا حبتا من حنو ذات العلة، فال معلول إال وهو مركب تركيبا عقليا دونه وليس هو بسيطا مطأو حسيا ، فالعنصر يف ذاته مركب من احملبة والغلبة، وعنهما أبدعت اجلواهر البسيطة الروحانية،

وجودات، واجلواهر املركبة اجلسمانية؛ فصارت احملبة والغلبة صفتني أو صورتني للعنصر، مبدأين جلميع املفانطبعت الروحانيات كلها على احملبة اخلالصة، واجلسمانيات كلها على الغلبة، واملركبات منهما على

طبيعيت احملبة والغلبة، واالزدواج والتضاد؛ ومبقدارمها يف املركبات تعرف مقادير الروحانيات يف بنوع وصنفا بصنف، واختلفت وهلذا املعىن ائتلفت املزدوجات بعضها ببعض نوعا: قال. اجلسمانيات

.املتضادات فتنافر بعضها عن بعض نوعا عن نوع وصنفا عن صنف

فما كان فيها من االئتالف واحملبة فمن الروحانيات، وما كان فيها من االختالف والغلبة فمن .اجلسمانيات، وقد جيتمعان يف نفس واحدة بإضافتني خمتلفتني

Page 159: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 159

. والزهرة، والغلبة إىل زحل واملريخ؛ فكأما تشخصتا بالسعدين والنحسنيورمبا أضاف احملبة إىل املشتري

إن النفس النامية قشر للنفس البهيمية احليوانية، والنفس احليوانية قشر : ولكالم أنبادقليس مساق آخر، قال ورمبا يعرب .للنفس املنطقية، واملنطقية قشر للعقلية، وكل ما هو أسفل فهو قشر ملا هو أعلى، واألعلى لبه

عن القشر واللب باجلسد والروح، فيجعل النفس النامية جسدا للنفس احليوانية، وهذه روحا هلا، وعلى .ذلك حىت ينتهي إىل العقل

ملا صور العنصر األول يف العقل ما عنده من الصور املعقولة الروحانية، وصور العقل يف النفس ما : وقالالكلية يف الطبيعة الكلية ما استفادت من العقل؛ فحصلت قشور يف صورت النفس : استفاد من العنصر

فلما نظر العقل إليها وأبصر األرواح . الطبيعة ال تشبهها، وال هي شبيهة بالعقل الروحاين اللطيفساح عليها من الصور احلسنة الشريفة البهية وهي صور النفوس املشاكلة : واللبوب يف األجسام والقشور

ة اللطيفة الروحانية للصور العقلي

حىت يدبرها ويتصرف فيها بالتمييز بني القشور واللبوب، فيصعد باللبوب إىل عاملها، فكانت النفوس اجلزئية أجزاء للنفس الكلية كأجزاء الشمس املشرقة على منافذ البيت، والطبيعة الكلية معلولة للنفس،

.وفرق بني اجلزء وبني الطبيعة؛ فاجلزء غري املعلول

وخاصية النفس الكلية احملبة؛ ألا ملا نظرت إىل العقل وحسنه وائه أحبته حب وامق عاشق : مث قال .ملعشوقه، فطلبت االحتاد به وحتركت حنوه

وخاصية الطبيعة الكلية العذبة؛ ألا ملا توحدت مل يكن هلا نظر وبصر تدرك ما النفس والعقل أما يف بسائطها فمتضادات األركان، وأما يف مركباا : دةوتعشقهما، بل انبجست منها قوى متضا

والطبيعية متردت عليها؛ لبعدها من العلة بكوا . فمتضادات القوى املزاجية والطبيعية والنباتية واحليوانيةمن : معلولة عن كلياا، وطاوعتها األجزاء النفسانية مغترة بعاملها الغرار الغدار، فركنت إىل لذات حسية

ونسيت ما قد طبعت عليه من ذلك البهاء ... طعم مري، ومشرب هين، وملبس طرى، ومنكح شهىمواحلسن والكمال الروحاين النفساين العقلي، فلما رأت النفس الكلية متردها واغترارها أهبطت إليها جزءا

لنفوس املغترة من أجزائها، هو أزكى وألطف وأشرف من هاتني النفسني البهيمية، والنباتية ومن تلك اما، فيكسر النفسني عن متردمها، وحيبب إىل النفوس املغترة عاملها، ويذكرها مبا نسيت، ويعلمها ما

وذلك اجلزء الشريف هو النيب املبعوث يف . جهلت، ويطهرها مما تدنست فيه، ويزكيها عما تنجست بهية احملبة والغلبة؛ فيتألف بعض كل دور من األدوار، فيجري على سنن العقل والعنصر األول من رعا

فتارة يدعو باللسان من جهة احملبة . ويشدد على بعضها بالقهر والغلبة. النفوس باحلكمة واملوعظة احلسنةلطفا، وتارة يدعو بالسيف من جهة الغلبة عنفا، فيخلص النفوس اجلزئية الشريفةالىت اغترت بتمويهات

Page 160: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 160

ورمبا يكسو النفسني السافلتني كسوة النفس . ل، والتسيل الزائل الفائلالنفسني املزاجيتني عن التمويه الباطالشريفة، فتنقلب الصفة الشهوية إىل احملبة، فتغلب حمبة اخلري واحلق والصدق، وتنقلب الصفة الغضبية إىل

، الغلبة فتغلب الشر والباطل والكذب؛ فتصعد النفس اجلزئية الشريفة إىل عامل الروحانيني ما مجيعاإذا كانت الدولة واجلد : وقد قيل. فتكونان جسدا هلا يف ذلك العامل، كما كانتا جسدا هلا يف هذا العامل

.ألحد أحبه أشكاله؛ فيغلب مبحبتهم له أضداده

العامل مركب من األسطقسات األربعة؛ فانه ليس وراءها شئ ابسط :ومما نقل عن أنبادقليس أنه قال اهلواء ال يستحيل : وأبطل الكون واالستحالة والنمو، وقال. ة بعضها يف بعضمنها، وان األشياء كامن

وإمنا التركب يف . نارا، وال املاء هواء، ولكن ذلك بتكاثف وختلخل وبكمون وظهور، وتركب وحتللتعاىل انه تكلم يف الباري : ومما نقل عنه أيضا. املركبات باحملبة يكون، والتحلل يف املتحلالت بالغلبة يكون

أنه متحرك بنوع سكون؛ ألن العقل والعنصر متحركان بنوع سكون، وهو : بنوع حركة وسكون، فقالوشايعه على هذا الرأي فيثاغورس . مبدعهما، وال حمالة أن املبدع أكرب؛ ألنه علة كل متحرك وساكن

صاروا إىل أنه تعاىل وأما زينون األكرب ودميقريط والشاعريون ف. إىل أفالطون... ومن بعده من احلكماءهو ساكن ال يتحرك؛ ألن احلركة ال تكون إال : متحرك، وقد سبق النقل عن أن كسا غورس أنه قال

إن تلك احلركة فوق هذه احلركة، كما أن ذلك السكون فوق هذا : إال أن يقولوا: حمدثة، مث قال .السكون

مكان، وال باحلركة التغيري واالستحالة، وهؤالء ما عنوا باحلركة والسكون النقلة عن مكان واللبث يف .وال بالسكون ثبات اجلوهر والدوام على حالة واحدة؛ فإن األزلية والقدم تنايف هذه املعاين كلها

فأما احلركة والسكون يف ! ومن حيترز ذلك االحتراز عن التكثر، فكيف جيازف هذه اازفة يف التغيري؟هو : الفعل واالنفعال؛ وذلك أن العقل ملا كان موجودا كامال بالفعل قالواالعقل والنفس، فإمنا عنوا ما

هي : ساكن واحد مستغن عن حركة يصري ا فاعال، والنفس ملا كانت ناقصة متوجهة إىل الكمال قالواالعقل ساكن بنوع حركة، أي هو يف ذاته كامل بالفعل، فاعل : مث قالوا. متحركة طالبة درجة العقل

والفعل نوع حركة يف سكون؛ والكمال نوع سكون يف حركة، أي هو . النفس من القوة إىل الفعلخيرج . فعلى هذا املعىن جيوز على قضية مذهبهم إضافة احلركة والسكون إىل الباري تعاىل. كامل ومكمل غريه

ستقر يف ومن العجب أن مثل هذا االختالف قد وجد يف أرباب امللل؛ حىت صار بعض إىل أنه تعاىل ممكان، ومستو على مكان؛ وذلك إشارة إىل السكون، وصار بعض إىل أنه جييء ويذهب ويرتل ويصعد؛

ومما . وذلك عبارة عن احلركة، إىل أنه حيمل على معىن صحيح الئق جبناب القدس، حقيق حبالل احلق

Page 161: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 161

دناه من النفوس اليت تشبثت يبقى هذا العامل على الوجه الذي عه: نقل عن أنبادقليس يف أمر املعاد أنه قالبالطبائع، واألرواح اليت تعلقت بالشباك حىت تستغيث يف آخر األمر إىل النفس الكلية اليت هي كلها، فتتضرع النفس إىل العقل، ويتضرع العقل إىل الباري تعاىل، فيسيح الباري تعاىل على العقل، ويسيح

ل نورها؛ فتستضئء األنفس اجلزئية، وتشرق األرض العقل على النفس، وتسيح النفس على هذا العامل بك: بنور را، حىت تعاين اجلزئيات كلياا، فتتخلص من الشبكة، فتتصل بكلياا، وتستقر يف عاملها

.ومن مل جيعل اهللا له نورا فما له من نور: مسرورة، حمبورة

قد . ابن داود عليهما السالموكان يف زمان سليمان النيب. رأي فيثاغورس ابن منسارخس من أهل سامياأنه شاهد : يدعى. وهو احلكيم الفاضل، ذو الرأي املتني، والعقل الرصني. أخذ احلكمة من معدن النبوة

: العوامل العلوية حبسه وحدسه، وبلغ يف الرياضة إىل أن مسع حفيف الفلك، ووصل إىل مقام امللك، وقال

.ت شيئا أى من صورها وهيئااما مسعت شيئا قط ألذ من حركاا، وال رأي

إن الباري تعاىل واحد ال كاآلحاد، وال يدخل يف العدد، وال يدرك من جهة العقل : قال. قوله يف اإلهلياتوال من جهة النفس؛ فال الفكر العقلي يدركه، وال املنطق النفسي يصفه، فهو فوق الصفات الروحانية،

وكل عامل من العوامل يدركه بقدر اآلثار اليت . ثاره وصنائعه وأفعالهغري مدرك من حنو ذاته، وإمنا يدرك بآتظهر يف صنعته، فينعته ويصفه بذلك القدر الذي خيصه من صنعته؛ فاملوجودات يف العامل الروحاين قد خصت بآثار خاصة روحانية فتنعنه من حيث تلك اآلثار، واملوجودات يف العامل اجلسماين قد خصت

وال نشك أن هداية احليوان مقدرة على اآلثار اليت . مانية فتنعته من حيث تلك اآلثاربآثار خاصة جسفكل يصفه من حنو ذاته، . جبل احليوان عليها، وهداية اإلنسان مقدرة على اآلثار اليت فطر اإلنسان عليها

.ويقدسه عن خصائص صفاته

وحدة اإلحاطة بكل : وحدة الباري تعاىل: يالوحدة تنقسم إىل وحدة غري مستفادة من الغري، وه: مث قالوحدة تصدر عنها اآلحاد يف املوجودات والكثرة فيها، وإىل وحدة : وحدة احلكم على كل شيء: شيء

الوحدة على اإلطالق تنقسم إىل وحدة قبل : ورمبا يقولون. مستفادة من الغري، وذلك وحدة املخلوقاتفالوحدة اليت هي قبل . وقبل الزمان، ووحدة مع الزمانالدهر، ووحدة مع الدهر، ووحدة بعد الدهر

الدهر هي وحدة الباري تعاىل، والوحدة اليت هي مع الدهر هي وحدة العقل األول، والوحدة اليت هي . بعد الدهر وقبل الزمان هي وحدة النفس، والوحدة اليت هي مع الزمان هي وحدة العناصر واملركبات

. الوحدة تنقسم إىل وحدة بالذات، وإىل وحدة بالعرض: ى فيقولورمبا يقسم الوحدة قسمة أخر

فالوحدة بالذات يئست إال للمبدع للكل الذي منه تصدر الوجدانيات يف العدد واملعدود، والوحدة

Page 162: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 162

: بالعرض تنقسم إىل ما هو مبدأ العدد وليس داخال يف العدد، وإىل ما هو مبدأ للعدد وهو داخل فيه

عقل الفعال؛ ألنه ال يدخل يف العدد واملعدود، والثاين ينقسم إىل ما يدخل فيه كاجلزء فاألول كالواحدية للله؛ فإن االثنني إمنا هو مركب من واحدين، وكذلك كل عدد فهو مركب من آحاد ال حمالة، وحيثما

ء فيه؛ ارتقى العدد إىل أكثر نزلت نسبة الوحدة إليه إىل أقل، وإىل ما يدخل فيه كالالزم له ال كاجلزوذلك ألن كل عدد أو معدود لن خيلو قط عن وحدة تالزمه؛ فإن االثنني والثالثة يف كوما أثنني وثالثة

إما يف اجلنس، أو يف النوع، أو يف الشخص؛ : واحدة، وكذلك املعدودات من املركبات والبسائط واحدة املعني مثل زيد يف أنه ذلك كاجلوهر يف أنه جوهر على اإلطالق، واإلنسان يف أنه إنسان، والشخص

وهذه وحدة مستفادة من وحدة الباري . الشخص بعينه واحد؛ فلم تنفك الوحدة من املوجودات قطوإمنا شرف كل موجود بغلبة الوحدة فيه، . تعاىل تلزم املوجودات كلها، وإن كانت يف ذواا متكثرة

.فكل ما هو أبعد من الكثرة فهو أشرف وأكمل

اغورس رأيا يف العدد واملعدود قد خالف فيه مجيع احلكماء قبله، وخالفه فيه من بعده، وهو أنه مث إن لفيث: وقال. جرد العدد عن املعدود جتريد الصورة عن املادة، وتصوره موجودا حمققا، وجرد الصورة، وحتققها

الواحد، وله اختالف فأول العدد هو. مبدأ املوجودات هو العدد، وهو أول مبدع أبدعه الباري تعاىلرأي يف أنه هل يدخل يف العدد أم ال كما سبق، وميله األكثر إىل أنه ال يدخل يف العدد؛ فيبتدئ العدد

ويقولون هو منقسم إىل زوج وفرد، فالعدد البسيط األول اثنان، والزوج البسيط األول أربعة؛ . من اثنني فإنه لو انقسم لكان إىل واحدين، وكان الواحد داخال وهو املنقسم مبتساويني، ومل جيعل االثنني زوجا؛

والفرد البسيط . يف العدد، وحنن ابتدأنا يف العدد من اثنني، والزوج قسم من أقسامه؛ فكيف يكون نفسه؟وتتم القسمة بذلك، وما وراءه فهو قسمة القسمة؛ فاألربعة هي اية العدد، وهي : األول ثالثة، قال

. الين هي أصل الكالم: ال؛ وحق الرباعية اليت هي تدبر أنفسنا: يقسم بالرباعيةالكمال، وعن هذا كان

ويسمي اخلمسة عددا دائرا؛ فإا . زوج الفرد، وزوج الزوج، وزوج الزوج والفرد: وما وراء ذلك فهووية ويسمي الستة عددا تاما؛ فإن أجزائها مسا. إذا ضربتها يف نفسها أبدا عادت اخلمسة من الرأس

مركبة من : والثمانية مبتدأة. والسبعة عددا كامال؛ فإا جمموع الزوج والفرد؛ وهي اية أخرى. جلملتهاوالعشرة من جمموع العدد من الواحد إىل األربعة؛ . والتسعة من ثالثة أفراد؛ وهي اية أخرى. زوجني

أحد : مث يعود إىل الواحد فيقول. شرةأربعة، وسبعة، وتسعة، وع: فللعدد أربع ايات. وهي اية أخرىفاخلمسة على مذهب من ال يرى الواحد : والتركيبات فيما وراء األربعة على أحناء ستة. عشر ويعد

. داخال يف العدد فهي مركبة من عدد وفرد، وعلى مذهب من يرى ذلك فهي مركبة من فرد وزوجني

Page 163: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 163

. ج، وعلى الثاين فمركبة من ثالثة أزواجوكذلك الستة على األول فمركبة من فردين أو عدد وزو

والثمانية على . والسبعة على األول فمركبة من فرد وزوج، وعلى الثاين فمركبة من فرد وثالثة أزواج والتسعة على األول فمركبة من ثالثة . األول فمركبة من زوجني، وعلى الثاين فمركبة من أربعة أزواج

والعشرة على األول فمركبة من عدد وزوجني أو زوج . وأربعة أزواجأفراد، وعلى الثاين فمركبة من فرد مث األعداد األخرى . وفردين، وعلى الثاين فما حيسب من الواحد إىل األربعة؛ وهو النهاية والكمال

مث إنه ركب العدد على املعدود؛ واملقدار على . وهذه هي أصول املوجودات: قال. فقياسها هذا القياس: املعدود الذي فيه اثنينية وهو أصل املعدودات ومبدؤها هو العقل باعتبار أن فيه اعتبارين: املقدور؛ فقال

اعتبارا من حيث ذاته وأنه ممكن الوجود بذاته، واعتباره من حيث مبدعه وأنه واجب الوجود به، فقابله واملعدود الذي فيه أربعة . ثالثاواملعدود الذي فيه ثالثية هو النفس؛ إذ زاد على االعتبارين اعتبارا. االثنان

ومث النهاية؛ أعين اية املبادئ، وما بعدها املركبات؛ فما من موجود . هو الطبيعة؛ إذ زاد على الثالثة رابعامركب إال وفيه من العناصر والنفس والعقل شئ إما عني أو أثر، حىت ينتهي إىل السبعة فيقدر املعدودات

رة، ويعد العقل والنفوس التسعة بأفالكها اليت هي أبداا وعقوهلا املفارقة على ذلك وينتهي إىل العشالباري : وباجلملة إمنا يتعرف حال املوجودات من العدد واملقادير األول، ويقول. كاجلوهر وتسعة أعراض

لف؛ تعاىل عامل جبميع املعلومات على طريق اإلحاطة باألسباب اليت هي األعداد املقادير، وهي ال ختتكما قال أنكسيمانسو يسميه اهليويل -املقابل للواحد هو العنصر األول: ورمبا يقول. فعلمه ال خيتلف

تصدر عنه كل كثرة، : واحد، كل: األويل؛ وذلك هو الواحد املستفادال الواحد الذي هو كاالحادو هووذكر إن العنصر انفراد . قررناوتستفيد الكثرة منه الوحدة اليت تالزم املوجودات، وال تفارقها البتة؛ كما

بوحدته مث أفاضها على املوجودات؛ فال يوجد موجود إال وفيه من وحدته حظ على قدر استعداده، مث وعلى ذلك آثار املبادئ يف . من هداية العقل حظ على قدر قبوله، مث من قوة النفس حظ على قدر يئته

ل مزاج ال يعرى عن اعتدال ما، وكل اعتدال عن املركبات؛ فإن كل مركب ال خيلو عن مزاج ما، وكفإذا بلغ . إما طبيعي إيل هو مبدأ احلركة، وإما عن كمال نفساين هو مبدأ احلس: كمال أو قوة كمال

املزاج اإلنساين إىل حد

.أفاض عليه العنصر وحدته، والعقل هدايته، والنفس نطقه وحكمته: قبول هذا الكمال

فصارت طائفة . تأليفات اهلندسية مرتبة على املعادالت العددية عددناها أيضا من املبادئوملا كانت ال: قالمن الفيثاغوريني إىل أن املبادئ هي التأليفات اهلندسية على مناسبات عددية؛ وهلذا صارت املتحركات

إىل مث تعد من ذلك. السماوية ذات حركات متناسبة حلنية هي أشرف احلركات، وألطف التأليفات

Page 164: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 164

األقوال، حىت صارت طائفة منهم إىل أن املبادئ هي احلروف واحلدود اردة عن املادة، وأوقعوا األلف على أي لسان ! ولست أدري. إىل غري ذلك من املقابالت... يف مقابلة الواحد، والباء يف مقابلة االثنني

أي وجه من التركيب؟؛ فإن ولغة قدروها؟؛ فإن األلسن خيتلف باختالف األمصار واملدن، أو علىفالبسائط من احلروف خمتلف فيها، واملركبات كذلك، وال كذلك العدد؛ فإنه ال . التركيبات أيضا خمتلفة

وصارت مجاعة منهم إىل أن مبدأ اجلسم هو األبعاد الثالثة، واجلسم مركب عنها، وأوقعوا . خيتلف أصال. الثنني، والسطح يف مقابلة الثالثة، واجلسم يف مقابلة األربعةالنقطة يف مقابلة الواحد، واخلط يف مقابلة ا

أن الطبائع : ومما ينقل عن فيثاغورس. وراعوا هذه املقابالت يف تراكيب األجسام، وتضاعيف األعداد. مث ركب فيه العدد على املعدود. العقل، والعلم، والرأي، واحلواس: أربعة، والنفوس اليت فينا أيضا أربعة

وأمثل ما حيمل عليه هذا القول أن : قال الرئيس أبو علي احلسني بن سينا. حاين على اجلسماينوالروكون الشيء واحدا، غري كونه موجودا أو إنسانا، وهو يف ذاته أقدم منهما؛ فاحليوان الواحد ال : يقال

: جوده؛ فإذا هوحيصل واحدا إال وقد تقدمه معىن الوحدة الذي صارا به واحدا، ولواله مل يصح و

األول، وهذه صورة العقل؛ فالعقل جيب أن يكون الواحد من هذه اجلهة، والعلم دون : األبسط: األشرفذلك يف الرتبة؛ ألنه بالعقل ومن العقل، فهو كاالثنني الذي يفتقر إىل الواحد ويصدر منه، وكذلك العلم

أن السطح لكونه ذا ثالث : دد املصمتومعىن الظن والرأي عدد السطح ، واحلس ع. يؤول إىل العقلجهات هو طبيعة الظن الذي هو أعم من العلم مرتبة؛ وذلك ألن العلم يتعلق مبعوم معني، والظن والرأي

ومما نقل عن . ينجذب إىل الشيء ونقيضه، واحلس أعم من الظن، فهو املصمت أي اجلسم له أربع جهاتويذكر أن األعداد الروحانية غري منقطعة ، . لبسيطة الروحانيةأن العامل إمنا ألف من اللحوم ا: فيثاغورس

فمنه عامل هو سرور : وعد عوامل كثرية. بل أعداد متحدة تتجزأ من حنو العقل، وال تتجزأ من حنو احلواسومنطقها ليس مثل منطق . حمض يف أصل اإلبداع وابتهاج وروح يف وضع الفطرة، ومنه عامل هو دونه

. فإن املنطق قد يكون باللحون الروحانية البسيطة، وقد يكون باللحون الروحانية املركبةالعوامل العالية؛

ومن اللحون ما هو بعد ناقص يف التركيب؛ ألن املنطق بعد مل . واألول يكون سرورها دائما غري منقطعامل فهو دون وكل ع. خيرج إىل العقل، فال يكون السرور بغاية الكمال؛ ألن اللحن ليس بغاية االتفاق

واألخري ثقل العوامل وثفلها وسفلها؛ ولذلك مل . األول بالرتبة، وتتفاضل العوامل باحلسن والبهاء والرتبةجيتمع كل االجتماع، ومل تتحد الصورة باملادة كل االحتاد، وجاز على كل جزء منه االنفكاك عن اجلزء

النور وجد فيه نوع ثبات، ولوال ذلك مل يثبت اآلخر؛ إال أن فيه نورا قليال من النور األول؛ فلذلكوذكر أن اإلنسان حبكم . جسم النفس والعقل احلامل هلما يف هذا العامل: طرف عني، وذلك النور القليل

الفطرة واقع يف مقابلة العامل كله، وهو عامل صغري، والعامل إنسان كبري؛ ولذلك صار حظه من النفس

Page 165: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 165

نفسه وذيب أخالقه وتزكية أحواله أمكنه أن يصل إىل معرفة العامل والعقل أوفر، فمن أحسن تقومي وكيفية تأليفه، ومن ضيع نفسه ومل يقم مبصاحلها من التهذيب والتقومي خرج من عداد العدد واملعدود،

النفس اإلنسانية تأليفات عددية أو : ورمبا يقول. واحنل عن رباط القدر واملقدور، وصار ضياعا مهال وهلذا ناسبت النفس مناسبات األحلان، والتذت بسماعها وطاشت، وتوجدت باستماعها حلنية؛

ولقد كانت قبل اتصاهلا باألبدان قد أبدعت من تلك التأليفات العددية األوىل، مث اتصلت . وجاشت: باألبدان، فإن كانت التهذيبات اخللقية على تناسب الفطرة، وجتردت النفوس عن املناسبات اخلارجة

تصلت بعاملها، واخنرطت يف سلكها على هيئة أمجل وأكمل من األول؛ فإن التأليفات األوىل قد كانت ا ناقصة من وجه حيث كانت بالقوة، وبالرياضة وااهدة يف

والشرائع اليت وردت مبقادير : قال. هذا العامل بلغت إىل حد الكمال خارجة من حد القوة إىل حد الفعل. هي إليقاع هذه املناسبات يف مقابلة تلك التأليفات الروحانية... وسائر العباداتالصلوات والزكوات

ليس يف العامل سوى التأليف، واألجسام واألعراض : ورمبا يبالغ يف تقرير التأليف حىت يكاد يقول تقدير التأليف على املؤلف! نعم! ويعسر كل العسر تقرير ذلك. تأليفات، والنفوس والعقول تأليفات

متابعني لفيثاغورس : وكان خرينوس وزينون الشاعر. والتقدير على املقدر أمر يهتدي إليه ويعول عليهالباري تعاىل أبدع النفس والعقل دفعة واحدة، مث أبدع مجيع : إال أما قاال. على رأيه يف املبدع واملبدع

وذكرا . جيوز عليهما الدثور والفناءوال . أبدعهما ال ميوتان: ما حتتهما بتوسطهما، ويف بدء ما أبدعهماصارت يف العامل األعلى إىل مسكنها الذي يشاكلها : أن النفس إذا كانت طاهرة زكية من كل دنس

وجيانسها؛ وكان اجلسم الذي هو من النار واهلواء جسمها يف ذلك العامل مهذبا من كل ثقل وكدر، فأما فىن؛ ألنه غري مشاكل للجسم السماوي؛ ألن اجلسم اجلرم الذي من املاء واألرض فإن ذلك يدثر وي

فاجلسم يف هذا العامل مستبطن يف اجلرم؛ ألنه أشد روحانية، وهذا . السماوي لطيف ال وزن له وال يلمسفكل ما هو مركب واألجزاء النارية واهلوائية عليه أغلب . العامل ال يشاكل اجلسم، بل اجلرم يشاكله

. هو مركب واألجزاء املائية واألرضية عليه أغلب كانت اجلرمية أغلبكانت اجلسمية أغلب، وكل ما

فالنفس يف ذلك العامل حتشر يف بدن جسماين ال جرماين . وهذا العامل عامل اجلرم، وذلك العامل عامل اجلسم مل :وقيل لفيثاغورس. دائما، ال جيوز عليه الفناء والدثور، ولذته تكون دائمة ال متلها الطباع والنفوس

وأكثر اللذات . ألنه يبلغ العلة اليت من أجلها كان، فإذا بلغها سكنت حركته: قمت بإبطال العامل؟؛ قالالتسبيح والتقديس غذاء الروحانيني وغذاء كل موجود : العلوية هي التأليفات اللحنية، وذلك كما يقال

إن مبدأ : الفيثاغوريني وقاالوأما هرياقليطس وأباسيس فقد كانا من . هو مما خلق منه ذلك املوجوداملوجودات هو النار، فما تكاثف منها وحتجر فهو األرض، وما حتلل من األرض بالنار صار ماء، وما

Page 166: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 166

فالنار مبدأ، وبعدها . ختلخل من املاء بالنار صار هواء، وما ختلخل من اهلواء حبرارة النار صار ناراوالنار هي املبدأ وإليها املنتهي، فمنها التكون وإليها . الناراالرض، وبعدها املاء، وبعدها اهلواء، وبعدها

وأما أبيقورس الذي تفلسف يف أيام دميقريطيس، فكان يرى أن مبادىء املوجودات أجسام تدرك . الفسادعقال، وهي كانت تتحرك من اخلالء يف اخلالء، وزعم أن اخلالء ال اية له، وكذلك األجسام ال اية

الشكل، : ودميقريطيس كان يرى أن هلا شيئني. الشكل، والعظم، والثقل: ن هلا ثالثة أشياءهلا؛ إال أوذكر أن تلك األجسام ال تتجزأ، أي ال تنفعل وال تتكثر، وهي معقولة أو متومهة غري . والعظم فقط

عامل حمسوسة، فاصطكت تلك األجزاء يف حركاا اضطرارا واتفاقا، فحصل من اصطكاكها صور هذا الأم قالوا باالتفاق؛ فلم : وذلك هو الذي حيكي عنهم. وأشكاهلا، وحتركت على أحناء من جهات التحرك

وهؤالء قد أثبتوا الصانع، وأثبتوا سبب حركات . يثبتوا هلا صانعا أوجب االصطكاك، وأوجد هذه الصور .امل باالتفاق واخلبطوأما اصطكاكها فقد قالوا فيها باالتفاق؛ فلزمهم حصول الع. تلك اجلواهر

فلنكس ويعرف مبرزنوش قد دخل فارس ودعا الناس : يدعى أحدمها: وكان لفيثاغورس تلميذان رشيدانقالنوس دخل اهلند، ودعا الناس : ويدعى اآلخر. إىل حكمة قيثاغورس، وأضاف حكمته إىل جموسية القوم

إال أن اوس كما يقال أخذوا جسمانية .إىل حكمة فيثاغورس أيضا، وأضاف حكمته إىل برمهية القوم .قوله، واهلند أخذوا روحانية قوله

إين عانيت هذه العوامل العلوية باحلس بعد الرياضة البالغة، : قال: ومما أخرب عنه فيثاغورس وأوصى بها هلا من وارتفعت عن عامل الطبائع إىل عامل النفس وعامل العقل، فنظرت إىل ما فيها من الصور اردة، وم

.احلسن والبهاء والنور، ومسعت ما هلا من اللحون الشريفة واألصوات الشجية الروحانية

إن ما يف هذا العامل يشتمل على مقدار يسري من احلسن؛ لكونه معلول الطبيعة، وما فوقه من العوامل : وقالكن املنطق وصف ما أى وأشرف وأحسن، إىل أن يصل الوصف إىل عامل النفس والعقل فيقف، فال مي

فليكن حرصكم واجتهادكم على االتصال بذلك العامل؛ حىت . فيها من الشرف والكرم واحلسن والبهاءحسن كله، : يكون بقاؤكم ودوامكم طويال بعد ما نالكم من الفساد والدثور وتصريون إىل عامل هو

.ري منقطعةويكون سروركم لذتكم دائمة غ... واء كله، وسرور كله، وعز وحق كله

وإذا كان البدن مفتقرا يف . من كانت الوسائط بينه وبني مواله أكثر فهو يف رتبة العبودية أنقص: وقالمصاحله إىل تدبري الطبيعة، وكانت الطبيعة مفتقرة يف تأدية أفعاهلا إىل تدبري النفس، وكانت النفس مفتقرة

فباحلري أن يكون ....! لعقل فاتح إال اهلداية اإلهليةيف اختيارها األفضل إىل إرشاد العقل؛ ومل يكن فوق ااملستعني بصريح العقل يف كافة املصارف مشهودا له بفطنة االكتفاء مبواله، وأن يكون التابع لشهوة

Page 167: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 167

.بعيدا من مواله، ناقصا يف رتبته... البدن، املنقاد لدواعي الطبيعة، املوايت هلوى النفس

وكان قد اقتبس احلكمة . من أهل أثينية: سقوس احلكيم، الفاضل، الزاهدرأي سقراط سقراط بن سفر نيمن فيثاغورس وأرساالوس، واقتصر من أصنافها على اإلهليات واألخالقيات، واشتغل بالزهد ورياضة

وى الرؤساء . النفس وذيب األخالق، وأعرض عن مالذ الدنيا، واعتزل إىل اجلبل، وأقام يف غاربهيف زمانه عن الشرك وعبادة األوثان؛ فثورا عليه الغاغة وأجلأوا ملوكهم إىل قتله؛ فحبسه الذين كانوا

.وقضيته معروفة. امللك، مث سقاه السم

وإذا رجعنا إىل حقيقة الوصف، . إن الباري تعاىل مل يزل هوية فقط؛ وهو جوهر فقط: قال سقراط ووصفه، وحقيقته، وتسميته، وإدراكه؛ ألن احلقائق وجدنا املنطق والعقل قاصرين عن إكتناه: والقول فيه

كلها من تلقاء جوهره، فهو املدرك حقا، والواصف لكل شيء وصفا، واملسمى لكل موجود امسا؛ فنرجع فنصفه من جهة آثاره ! فكيف يقدر املسمى أن يسميه امسا، وكيف يقدر احملاط أن حييط به وصفا؟

أا ليست من األمساء الواقعة على اجلوهر املخربة عن حقيقته وذلك مثل وأفعاله، وهي أمساء وصفات؛ إالإله أي واضع كل شيء، وخالق أي مقدر كل شيء، وعزيز أي ممتنع أن يضام، وحكيم أي حمكم : قولنا

بال اية، ... إن علمه، وقدرته، وجوده، وحكمته: وقال. وكذلك سائر الصفات... أفعاله على النظامإا بال اية وال غاية، : إنك تقول: فألزم عليه. لعقل أن يصفها، ولو وصفها لكانت متناهيةوال يبلغ ا

إمنا تناهيها حبسب احتمال القوابل، ال حبسب القدرة واحلكمة : ؛ فقال!وقد نرى املوجودات متناهيةيف الواهب؛ بل واجلود، وملا كانت املادة مل حتتمل صورا بال اية، فتناهت الصور ال من جهة خبل

ذاتا، وصورة، وحيزا، ومكانا؛ إال أا : وعن هذا اقتضت احلكمة اإلهلية أا وإن تناهت. لقصور يف املادةال تتناهى زمانا يف آخرها إال من حنو أوهلا، وإن مل يتصور بقاء شخص؛ فاقتضت احلكمة استبقاء

الشخص ببقاء النوع، ويستبقي النوع بتجدد األشخاص ببقاء األنواع، وذلك بتجدد أمثاهلا؛ ليستحفظ أن : مث إن من مذهب سقراط. األشخاص، فال تبلغ القدرة إىل حد النهاية، وال احلكمة تقف على غاية

تندرج : العلم، والقدرة، واجلود، واحلكمة: حيا، قيوما؛ ألن: أخص ما يوصف به الباري تعاىل هو كونهتندرج : والبقاء، والسرمد، والدوام، وحفظ النظام يف العامل. للكلحتت كونه حيا؛ واحلياة صفة جامعة

هو حي ناطق من جوهره أي من ذاته، : ورمبا يقول. حتت كونه قيوما، والقيومية صفة جامعة للكلوحياتنا ونطقنا ال من جوهرنا؛ وهلذا يتطرق إىل حياتنا ونطقنا العدم والدثور والفساد، وال يتطرق إىل

العلة : أصول األشياء ثالثة وهي: وحكى فلوطرخيس يف املبادئ أنه قال. ه تعاىل وتقدسحياته ونطقالفاعلة، والعنصر، والصورة؛ فاهللا تعاىل هو الفاعل، والعنصر هو املوضوع األول للكون والفساد،

Page 168: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 168

؛ من الطبيعة أمة للنفس، والنفس أمة للعقل، والعقل أمة للمبدع األول: وقال. والصورة جوهر ال جسماملبدع ال غاية له وال اية؛ وما ليس له اية : وقال. أجل أن أول مبدع أبدعه املبدع األول صورة العقل

الالاية يف سائر املوجودات لو حتققت لكان هلا صورة واقعة ووضع : وقال. ليس له شخص وصورةت بال اية، واملبدع األول صار متناهيا؛ فاملوجودات ليس: وترتيب، وما حتقق له صورة ووضع وترتيب

ليس بذي اية؛ ليس على أنه ذاهب يف اجلهات بال اية، كما يتخيله اخليال والوهم، بل ال يرتقي إليه اخليال حىت يصفه بنهاية وال اية، فال اية له من جهة العقل؛ إذ ليس حيده، وال من جهة احلس؛ فليس

ومن . تعاىل وتقدس: صورة خيالية وجودية حسية أو عقليةفهو ليس له اية؛ فليس له شخص و. حيدهإما : أن النفوس اإلنسانية كانت موجودة قبل وجود األبدان على حنو من أحناء الوجود: مذهب سقراط

متصلة بكلها، وإما متمايزة بذواا وخواصها؛ فاتصلت باألبدان استكماال واستدامة، واألبدان قوالبها أنه يريد : وعن هذا وكان خيوف بامللك الذي حبسه. ان ،و ترجع النفوس إىل كليتهاوآالا، فتبطل األبد

إن سقراط يف حب، وامللك ال يقدر إال على كسر احلب، فاحلب يكسر، ويرجع املاء إىل : قتله قال .البحر

كمة قبل أن احل: ومما اختلف فيه فيثاغورس وسقراط. ولسقراط أقاويل يف مسائل احلكمة العلمية والعمليةاحلق، أم احلق قبل احلكمة؟ وأوضح القول فيه بأن احلق أعم من احلكمة؛ إال أنه قد يكون جليا، وقد

احلق مبسوط يف العامل، : وأما احلكمة فهي أخص من احلق؛ إال أا ال تكون إال جلية؛ فإذا. يكون خفياملبسوط يف العامل؛ واحلق ما به الشيء، مشتمل على احلكمة املستفيضة يف العامل، واحلكمة موضحة للحق ا

.واحلكمة ما ألجله الشيء

وحنن نوردها مرسلة . ولسقراط أيضا الغاز ورموز ألقاها إىل تلميذه أرسجانس؛ وجلها يف كتاب فاذنعندما فتشت عن علة احلياة ألفيت املوت، وعندما وجدت املوت ألفيت احلياة : منها قوله: معقودةاسكت عن الضوضاء اليت يف اهلواء، وتكلم بالليايل؛ حيث ال تكون أعشاش اخلفافيش، : اومنه. الدائمة

وأسدد اخلمس الكوي؛ ليضيء مسكن العلة، وأمال الوعاء طيبا، وأفرغ احلوض املثلث من القالل الفارغة، وأحبس على باب الكالم، وأمسك مع احلضرة اللجام الرخو لئال تغضب؛ فترى نظام

ال تؤكل األسود الذئب، وال جتاوز امليزان، وال تسوطن النار بالسكني وال جتلس على الكواكب، واملكيال، وال تشم التفاحة، وأمت احلي حتيي مبوته؛ وكن قاتله بالسكني املزينة لوالديه، واحذر األسود ذا

اة أمت امليت؛ األربع، ومن جهة العلة كن أرنبا، وعند املوت ال تكن منلة، وعندما تذكر دوران احليلتكون ذاكرا، وكن صديق مفضض؛ وال تكن صديق شرطي، وال تكن مع أصدقائك قوسا، وال تنعس

Page 169: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 169

على أبواب أعدائك، واثبت على ينبوع واحد متكئا على ميينك، وينبغي أن تعلم أنه ليس زمان من تنام هلا نوم املستغرق، األزمنة يفقد فيه زمان الربيع، وافحص عن ثالث سبل؛ فإذا مل جتدها فارض بأن

واضرب األترجة بالرمانة، واقتل العقرب بالصوم، وإن أحببت أن تكون ملكا؛ فكن محار وحش، وليست السبعة بأكمل من الواحد، وباإلثين عشر اقنت اثين عشر، وازرع باألسود واحصد باألبيض، وال

ت موجود؛ ذلك لك يف أربعة وعشرين تسلنب اإلكليل؛ وال تكه، وال تقفن راضيا بعدمك للخري وأنمكانا، وإن سألك سائل أن تعطيه من هذا الغذاء فميزه، وإن كان مستحقا للغذاء املريء فأعطه وإن

.احتاج إىل غذاء ميينك فاصنعه؛ ألن اللون الذي يطلب كذلك من كمال الغذاء فهو للبالغني

.يكفي من تأجج النار نورها: وقال

ين لك أن هذا املشار إليه واحد؟ فقال إين ألعلم أن الواحد باإلطالق غري حمتاج إىل من أ: وقال له رجل: وقال. الثاين؛ فمىت فرضته قرينا للواحد كنت كواضع ما ال حيتاج غليه البتة إىل جانب ما ال بد منه البتة

ان الغم واهلم؛ للقلب آفت: وقال. اإلنسان له مرتبة واحدة من جهة حده، وثالث مراتب من جهة هيئتهاحلكمة إذا أقبلت خدمت الشهوات العقول، وإذا : وقال. فالغم يعرض منه النوم، واهلم يعرض منه السهر

.أدبرت حدمت العقول الشهوات

.ال تكرهوا أوالدكم على آثاركم؛ فإم خملوقون لزمان غري زمانكم: وقال

.ومنوت لنحيا. لنموتينبغي أن تغتم باحلياة، وتفرح باملوت؛ ألنا حنيا : وقال

قلوب املغرقني يف املعرفة باحلقائق منابر املالئكة، وبطون املتلذذين بالشهوات قبور احليوانات : وقال .اهلالكة

.وباآلخر فناؤها. فباألول بقاؤها: والثاين األجل. للحياة حدان أحدمها األمل: وقال

.ركة مفردة وحركات خمتلفةالنفس الناطقة جوهر بسيط ذو سبع قوى يتحرك ا ح: وقال

فأما حركتها املفردة فإذا حتركت حنو ذاا وحنو العقل، وأما حركاا املختلفة فإذا حتركت حنو احلواس بيت بأنطاكية على جبلها؛ وكانوا : أحدمها: واليونانيون بنوا ثالثة أبيات على طوالع مقبولة. اخلمس

بيت كانت فيه أصنام : الثاين من مجلة األهرام اليت مبصرو. يعظمونه، ويقربون القرابني فيه، وقد خرببيت املقدس الذي بناه داود وأمته سليمان عليهما : والثالث. تعبد؛ وهي اليت اهم سقراط عن عبادا

إن الضحاك بناه؛ وقد عظمه اليونانيون : إن سليمان هو الذي بناه، واوس يقولون: السالم، ويقال .ياهتعظيم أهل الكتاب إ

من أثينية، وهو آخر املتقدمني األوائل : رأي أفالطون اإلهلي أفالطون بن أرسطن بن أرسطوقليسولد يف زمان أردشري بن دارا يف سنة ست عشرة من ملكه، ويف . األساطني، معروف بالتوحيد واحلكمة

Page 170: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 170

قام : م وماتسنة ست وعشرين من ملكه كان حدثا متعلما يتلمذ لسقراط، وملا اغتيل سقراط بالس .مقامه، وجلس على كرسيه

غريب أثينية وغريب الناطس؛ وضم إليه العلوم الطبيعية : وقد أخذ العلم من سقراط وطيماوس والغريبني: أنه قال...وحكى عنه قوم ممن شاهده وتلمذ له مثل أرسطو طاليس وطيماوس وثاوفرسطيس. والرياضية

جبا بذاته، عاملا جبميع معلوماته على نعت األسباب الكلية، كان قي إن للعامل حمدثا، مبدعا، أزليا، وااألزل ومل يكن يف الوجود رسم وال طلل؛ إال مثاال عند الباري تعاىل، رمبا يعرب عنه باهليوىل، ورمبا يعرب

.عنه بالعنصر؛ ولعله يشري إىل صور املعلومات يف علمه تعاىل

نفس الكلية؛ وقد انبعثت عن العقل انبعاث الصورة يف املرآة، فأبدع العقل األول، وبتوسطه ال: قال .وبتوسطهما العنصر

أنه أدرج الزمان : وحيكى عنه. أن اهليوىل اليت هي موضوع الصور احلسية غري ذلك العنصر: وحيكى عنهمثاال غري مشخص يف العامل : يف املبادئ ؛ وهو الدهر وأثبت لكل موجود مشخص يف العامل احلسي

فاملبادئ األول بسائط، واملثل مبسوطات، واألشخاص . املثل األفالطونية: عقلي؛ ويسمى ذلكالمركبات؛ فاإلنسان املركب احملسوس جزئي ذلك اإلنسان املبسوط املعقول، وكذلك كل نوع من

.احليوان والنبات واملعادن

بد لكل أثر من مؤثر يشاه نوعا واملوجودات يف هذا العامل آثار املوجودات يف ذلك العامل، وال : وقالوملا كان العقل اإلنساين من ذلك العامل أدرك من احملسوس مثاال منتزعا من املادة : قال. من املشاة

ولوال ذلك . معقوال، يطابق املثال الذي يف عامل العقل بكليته، ويطابق املوجود الذي يف عامل احلس جبزئيته .ابقا مقابال من خارج؛ فما يكون مدركا لشيء يوافق إدراكه حقيقة املدركملا كان ملا يدركه العقل مط

عامل العقل وفيه املثل العقلية والصور الروحانية، وعامل احلس وفيه األشخاص احلسية : والعامل عاملان: وقالألشخاص، والصور اجلسمانية؛ كاملرآة الوة اليت تنطبع فيها صور احملسوسات فإن الصور فيها مثل ا

: وكذلك العنصر يف ذلك العامل مرآة جلميع صور هذا العامل يتمثل فيه مجيع الصور كلها؛ غري أن الفرق

أن املنطبع يف املرآة ة احلسية صور خيالية يرى أا موجودة تتحرك حبركة الشخص وليس يف احلقيقة ة بالفعل حترك األشخاص وال كذلك، وأن املتمثل يف املرآة العقلية صور حقيقية روحانية هي موجود

تتحرك؛ فنسبة األشخاص إليها كنسبة الصور يف املرآة إىل األشخاص؛ فلها الوجود الدائم، وهلا الثبات وإمنا كانت هذه الصور موجودة كلية : قال. القائم، وهي تتمايز يف حقائقها متايز األشخاص يف ذواا

إلبداع فقد كانت صورته يف علم األول احلق، دائمة باقية؛ ألن كل مبدع ظهرت صورته يف حد ا

Page 171: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 171

والصور عنده بال اية؛ ولو مل تكن الصور معه يف أزليته يف علمه مل تكن لتبقى، ولو مل تكن دائمة بدوامها لكانت تدثر بدثور اهليوىل، ولو كانت تدثر مع دثور اهليوىل ملا كانت على رجاء وال خوف؛

رجاء وخوف استدل به على بقائها، وإمنا تبقى إذا كانت هلا صور ولكن ملا صارت الصور احلسية على .عقلية يف ذلك العامل ترجو اللحوق ا وختاف التخلف عنها

وإذا اتفقت العقالء على أن هناك حسا وحمسوسا، وعقال ومعقوال، وشاهدنا باحلس مجيع : قالنشاهد بالعقل مجيع املعقوالت، وهي احملسوسات، وهي حمدودة وحمصورة بالزمان واملكان؛ فيجب أن

.غري حمدودة وحمصورة بالزمان واملكان، فتكون مثال عقلية

إنا جند النفس تدرك أمور البسائط واملركبات، : قال! ومما يثبته أفالطون موجودات حمققة ذا التقسيمن املوضوع، وهي ومن املركبات أنواعها وأشخاصها، ومن البسائط ما هي هيوالنية وهي اليت تعرى ع

.النقطة، واخلط، والسطح، واجلسم التعليمي: رسوم اجلزئيات مثل

احلركة، والزمان ، واملكان، : وهذه األشياء أشياء موجودة بذواا؛ وكذلك توابع اجلسم مفردة مثل: قالري حوامل واألشكال؛ فإنا نلحظها بأذهاننا بسائط مرة ومركبة مرة أخرى، وهلا حقائق يف ذواا من غ

والعقل يدرك . الوجود، والوحدة، واجلوهر: ما ليست هي هيوالنية مثل: ومن البسائط. وال موضوعاتعامل العقل وفيه املثل العقلية اليت تطابقها األشخاص احلسية، : القسمني مجيعا متطابقني عاملني متقابلني

فأعيان ذلك العامل آثار يف هذا العامل، وأعيان . ةوعامل احلس وفيه املتمثالت احلسية اليت تطابقها املثل العقليومجاعة املشائني . هذا العامل آثار يف ذلك العامل؛ وعليه وضع الفطرة والتقدير، وهلذا الفصل شرح وتقرير

هو معىن يف العقل موجود يف : وأرسطوطاليس ال خيالفونه يف إثبات هذا املعىن الكلي؛ إال أم يقولون حيث هو كلي ال وجود له يف اخلارج عن الذهن؛ إذ ال يتصور أن يكون شيء واحد الذهن؛ والكلي من

.ينطبق على زيد وعلى عمرو وهو يف نفسه واحد

ذلك املعىن الذي أثبته يف العقل جيب أن يكون له شيء يطابقه يف اخلارج فينطبق عليه؛ : وأفالطون يقولإذ تصور وجوده ال يف موضوع، وهو متقدم على وذلك هو املثال الذي يف العقل، وهو جوهر ال عرض؛

وتلك املثل هي مبادئ املوجودات . األشخاص اجلزئية تقدم العقل على احلس؛ وهو تقدم ذايت وشريف معا .منها بدأت، وإليها تعود: احلسية

كانت موجودة : ويتفرع على ذلك أن النفوس اإلنسانية اليت هي متصلة باألبدان اتصال تدبري وتصرف قبل وجود األبدان، وكان هلا حنو من أحناء الوجود العقلي، ومتايز بعضها عن بعض متايز الصور اردة عن

أن النفوس : وخالفه يف ذلك تلميذه أرسطوطاليس ومن بعده من احلكماء؛ وقالوا. املادة بعضها عن بعض

Page 172: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 172

أنه رمبا مييل إىل وقد رأيت يف كالم أرسطوطاليس كما ستأيت حكايته. حدثت مع حدوث األبدان .يف كون النفوس موجودة قبل وجود األبدان؛ إال أن نقل املتأخرين ما قدمنا ذكره: مذهب أفالطون

إن أفالطون حييل وجود حوادث ال أول هلا؛ ألنك إذا قلت حادث، فقد : وخالفه أيضا يف حدوث العاملوأن صورها ال بد وأن : قال. لكلأثبت سبق األزلية لكل واحد، وما ثبت لكل واحد جيب أن يثبت ل

فأثبت عنصرا قبل وجودها، فظن بعض العقالء أنه . تكون حادثة؛ لكن الكالم يف هيوالها وعنصرهاحكم عليه باألزلية والقدم، وهو إذ أثبت واجب الوجود لذاته، وأطلق لفظ اإلبداع على العنصر؛ فقد

ب الوجود كسائر املبادئ اليت ليست زمانية، وال أخرجه عن األزلية بذاته، بل يكون وجوده بوجود واجفالبسائط حدوثها إبداعي غري زماين، واملركبات حدوثها بوسائط . وجودها وال حدوثها حدوث زماين

.البسائط حدوث زماين

ما الشيء الذي ال حدوث له؟ : وحيكى عنه يف سؤاله عن طيماوس. إن العامل ال يفسد فسادا كليا: وقالوإمنا يعىن باألول . احلادث وليس بباق؟ وما الشيء املوجود بالفعل وهو أبدأ حبال واحدة؟وما الشيء

وبالثالث وجود . وجود الباري تعاىل، وبالثاين وجود الكائنات الفاسدات اليت ال تثبت على حالة واحدةلشيء املوجود وال كون ما الشيء الكائن وال وجود له؟ وما ا: ومن أسئلته. املبادئ والبسائط اليت ال تتغري

وإمنا يعىن باألول احلركة املكانية والزمان؛ ألنه مل يؤهله السم الوجود، ويعىن بالثاين اجلواهر العقلية . له؟ .اليت هي فوق الزمان واحلركة والطبيعة وحق هلا اسم الوجود؛ إذ هلا السرمد والبقاء والدهر

حرك حركة مشوهة مضطربة غري ذات نظام، وإن الباري إن األسطقسات مل تزل تت: وحيكى عنه أنه قالإنه عىن ا : ورمبا عربة عن األسطقسات باألجزاء اللطيفة، وقيل. تعاىل نظمها ورتبها فكان هذا العامل

ورأيت يف راموز . اهليوىل األزلية العارية عن الصور حىت اتصلت الصور واألشكال ا فترتبت وانتظمتس كانت يف عامل الذكر مغتبطة مبتهجة بعاملها وما فيه من الروح والبهجة والسرور، إن النفو: له أنه قال

فأهبطت إىل هذا العامل حىت تدرك اجلزئيات، وتستفيد ما ليس هلا بذاا بواسطة القوى احلسية، فسقطت وحكى رياشها قبل اهلبوط، فهبطت حىت يستوي ريشها وتطري إىل عاملها بأجنحة مستفادة من هذا العامل

. اجلوهر، واالتفاق، واالختالف، واحلركة، والسكون: أنه أثبت املبادئ مخسة أجناس: ارسطوطاليس عنه

أما اجلوهر؛ فنعين به الوجود، وأما االتفاق؛ فألن األشياء متفقة بأا من اهللا تعاىل، : مث فسر كالمه فقالوذلك . ن لكل شيء من األشياء فعال خاصاوأما االختالف؛ فألا خمتلفة يف صورها، وأما احلركة؛ فأل

: قال. نوع من احلركة؛ ال حركة النقلة، وإذا حترك حنو الفعل؛ وفعل؛ فله سكون بعد ذلك ال حمالة

إنه قوة روحانية : وأثبت البخت أيضا مبدأ سادسا وهو نطق عقلي وناموس لطبيعة الكل؛ وقال جرجيس

Page 173: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 173

وزعم . أنه نظام لعلل األشياء ولألشياء املعلولة: وزعم الرواقيونجدا؛: مدبرة للكل؛ وبعض الناس يسميهإن يف العامل طبيعة عامة : وقال أفالطون. املشتري، والطبيعة، والبخت: أن علل األشياء ثالثة: بعضهم

مبدأ احلركة والسكون يف : جتمع الكل، ويف كل واحد من املركبات طبيعة خاصة؛ وحد الطبيعة بأاي مبدأ التغري، وهي قوة سارية يف املوجودات كلها تكون السكنات واحلركات ا؛ فطبيعة األشياء؛ أ

حكي . واحملرك األول جيب أن يكون ساكنا؛ وإال تسلسل القول فيه إىل ما ال اية له. الكل حمركة الكليف حداثته إىل أن أفالطون كان خيتلف : أرسطو طاليس يف مقالة األلف الكربى من كتاب ما بعد الطبيعة

. أن مجيع األشياء احملسوسة فاسدة، وأن العلم ال حييط ا: أقراطيلوس؛ فكتب عنه ما روى عن هرقليطس

مث اختلف بعده إىل سقراط وكان مذهبه طلب احلدود دون النظر يف طبائع احملسوسات وغريها، فظن للمحسوسات؛ ألا إمنا تقع على أفالطون أن نظر سقراط يف غري األشياء احملسوسة؛ ألن احلدود ليست

مسى أفالطون األشياء الكلية صورا؛ ألا : فعند ذلك. واألنواع. األجناس: أشياء دائمة كلية، أعين. كانت الصور رسوما ومثاالت هلا: إذا. واحدة، ورأى أن احملسوسات ال تكون إال مبشاركة الصور

وأفالطون ظن أنه . ، ال باعتبار احملسوس وغري احملسوسوإمنا وضع سقراط احلدود مطلقا. متقدمة عليهاإن األشياء اليت ال ينبغي : وقال أفالطون يف كتاب النواميس. وضعها لغري احملسوسات؛ فأثبتها مثال عامة

أن اهللا تعاىل إمنا يعرف بالسلب؛ : وذكر. أن له صانعا، وأن صانعه يعلم أفعاله: لإلنسان أن جيهلها؛ منهاأنه أبدع العامل من ال نظام إىل نظام، وأن كل مركب فهو إىل االحنالل، وأنه . شبيه له وال مثالهال : أي

.لن يسبق العامل زمان، ومل يبدع عن شيء

هل مها عبارتان : اختالف األوائل يف اإلبداع واملبدع واإلرادة مث إن األوائل اختلفوا يف اإلبداع واملبدعإا املراد، أم املريد؟ : بة إىل املبدع ونسبة إىل املبدع؟ وكذلك يف اإلرادةعن معرب واحد؟ أم لإلبداع نس

خلق، أم خملوقة، أم صفة يف : إا: اخللق، واملخلوق، واإلرادة: على حسب اختالف متكلمي اإلسالم يفلك إن اإلرادة ليست هي غري املراد، وال غري املريد، وكذ: قال انكساغورس مبذهب فلوطرخيس. اخلالق؟

مرة تكون مستبطنة يف املريد، ومرة : فاإلرادة. الفعل؛ ألما ال صورة هلما ذاتية، وإمنا يقومان بغريمهاإن صورة : وأما أفالطون وأرسطوطاليس فال يقبالن هذا القول، وقاال. ظاهرة يف املراد؛ وكذلك الفعل

للشيء هو املؤثر، وأثره يف الشيء، اإلرادة وصورة الفعل قائمتان، ومها أبسط من صورة املراد، كالقاطعواملقطوع هو املؤثر فيه القابل لألثر واملؤثر فيه هو األثر ، وهو حمال؛ فصورة املبدع فاعلة، وصورة املبدع

. صورة، وأثر؛ فصورته من جهة املبدع: فللفعل. مفعولة، وصورة اإلبداع متوسطة بني الفاعل واملفعول

من جهة املبدع يف حق الباري تعاىل ليست زائدة على ذاته حىت يقال والصورة. وأثره من جهة املبدع .صورة إرادة، وصورة باري مفترقتان؛ بل هي حقيقة واحدة

Page 174: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 174

إن اإلرادة تكون بال توسط : وأما برمنيدس األصغر؛ فإنه أجاز قوهلم يف اإلرادة، ومل جيزه يف الفعل، وقاللفعل فيكون بتوسط منه، وليس ما هو بال توسط كالذي وأما ا. فأجاز ما وصفوه: من الباري تعاىل

تاليس : وأما األولون مثل. يكون بتوسط؛ بل الفعل قط لن يتحقق إال بتوسط اإلرادة، وال ينعكسوفسروا هذا؛ بأن . وأبندقليس؛ فقد قالوا اإلرادة من جهة املبدع هي املبدع، ومن جهة املبدع هي املبدع

وال جيوز أن يقال إا من جهة الصورة . املبدع، ومن جهة األثر هي املبدعاإلرادة من جهة الصورة هي هي املبدع؛ ألن صورة اإلرادة عند املبدع قبل أن يبدع؛ فغري جائز أن تكون ذات صورة الشيء الفاعل

ويف . ومذهب أفالطون وأرسطوطاليس هذا بعينه. هي املفعول، بل من جهة أثر ذات الصورة هي املفعول . انغالقالفصل

الباب الثاني

الحكماء األصول

احلكماء األصول الذين هم من القدماء؛ إال أنا مل جند هلم رأيا يف املسائل املذكورة غري حكم مرسلة .عملية أوردناها؛ لئال تشذ مذاهبهم عن القسمة، وال خيلو الكتاب عن تلك الفوائد

م على وزن وقافية، وال الوزن والقافية ركن يف وليس شعره. فمنهم الشعراء؛ الذين يستدلون بشعرهممث قد يكون الوزن والقافية . الشعر عندهم؛ بل الركن يف الشعر عندهم إيراد املقدمات املخيلة فحسب

فإن كانت املقدمة اليت نوردها يف القياس الشعري خميلة فقط متحض القياس شعريا، . معينني يف التخيليقينيا تركبت املقدمة من معينني شعري وإقناعي، وإن كان الضميم إليه قوال وإن انضم إليها قول إقناعي

.يقينيا تركبت املقدمة من شعري وبرهاين

ومنهم النساك؛ ونسكهم وعبادم عقلية ال شرعية، ويقتصر ذلك على ذيب النفس عن األخالق .الذميمة، وسياسة املدينة الفاضلة اليت هي اجلنة اإلنسانية

املبدع؛ واإلبداع، وأنه عامل، وأن أول ما : ا وجدنا لبعضهم رأيا يف بعض املسائل املذكورة؛ أعينورمبوصاحب الرأي املوافق لألوائل املذكورين . أبدعه ماذا؟ وأن املبادئ كم هي؟ وأن املعاد كيف يكون؟

.مبدأ آخرنبتدئ م، وجنعل فلوطرخيس . أوردنا امسه، وذكرنا مقالته؛ وإن كانت كاملكروه

مث سار إىل ملطية . تفلسف مبصر. ونسبت إليه احملكمة. رأي فلوطرخيس قيل إنه أول من شهر بالفلسفة .وقد يعد من األساطني. وأقام ا

Page 175: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 175

وكل مبدع ظهرت . إن الباري تعاىل مل يزل باألزلية اليت هي أزلية األزليات، وهو مبدع فقط: قالفالصور عنده بال اية؛ أي . عنده؛ أي كانت معلومة لهصورته يف حد اإلبداع فقد كانت صورته

ولو مل تكن الصور عنده ومعه ملا كان إبداع، وال بقاء للمبدع، ولو مل تكن : قال. املعلومات بال ايةباقية دائمة لكانت تدثر بدثور اهليوىل، ولو كان ذلك كذلك الرتفع الرجاء واخلوف؛ ولكن ملا كانت

وال : قال. كان ذلك دليال على أن الصور أزلية يف علمه تعاىل: ، وهلا الرجاء واخلوفالصور باقية دائمةالباري تعاىل ال يعلم شيئا البتة؛ وهذا من احملال الشنيع، وأما : إما أن يقال: وجه إال القول بأحد األقوال

: وإما أن يقاليعلم بعض الصور دون بعض؛ وهذا من النقص الذي ال يليق بكمال اجلالل،: أن يقال

.يعلم مجيع الصور واملعلومات؛ وهذا هو الرأي الصحيح

إن أصل املركبات هو املاء؛ فإنه إذا ختلخل صافيا وجد نارا، وإذا ختلخل وفيه بعض الثقل صار : مث قال .هواء، وإذا تكاثف تكاثفا مبسوطا بالغا صار أرضا

ا انتظمت بالبخت وجوهر البخت هو نطق عقلي وحكى فلوطرخيس أن هريقليطس زعم أن األشياء إمن .واهللا سبحانه وتعاىل أعلم. ينفذ يف اجلوهر الكلي

رأي أكسنوفانس

إن املبدع األول هو آنية أزلية دائمة دميومة القدم؛ التدرك بنوع صفة منطقية وال عقلية؛ : كان يقولإن صور ما يف هذا العامل املبدعة : امبدع كل صفة وكل نعت نطقي وعقلي، فإذا كان هذا هكذا؛ فقولن

حمال؛ ألن العقل مبدع، واملبدع مسبوق باملبدع، ... مل تكن عنده، أو كانت، أو كيف أبدع؟ ومل أبدع؟إن املبدع أبدع كيفما : بل نقول. واملسبوق ال يدرك السابق أبدا، فال جيوز أن يصف املسبوق السابق

هو وال شيء بسيطا وال مركبا معه، : وهذه الكلمة أعىن: قال.أحب وكيفما شاء؛ فهو هو وال شيء معهأزلية الصورة واهليوىل، : وهو جممع كل ما نطلبه من العلم؛ ألنك إذا قلت وال شيء معه، فقد نفيت عنه

ومن قال أن الصور أزلية مع آنيته فليس هو . وكل مبدع من صورة وهيوىل، وكل مبدع من صورة فقط كثرية، فليس هو مبدع للصور؛ بل كل صورة إمنا أظهرت ذاا، فعند إظهارها ذاا فقط، بل هو وأشياء .وهذه أشنع ما يكون من القول... ظهرت هذه العوامل

ليست أوائل البتة، وال معقول قبل احملسوس حبال، فال مثل بدعة األشياء : وكان تريز والقادميون يقوالنل ظهر، فال يزال خيرجه من القوة إىل الفعل حىت يوجد، مثل الذي يفرخ من ذاته بال حدث وال فع

والعامل دائم ال يزول وال يفىن؛ فإن املبدع ال جيوز أن . فيكمل، فنحسه وندركه؛ وليس شيء معقول البتة .يفعل فعال يدثر إال وهو داثر مع دثور فعله، وذلك حمال

إن املبدع األول كان يف علمه : ن يقولكا. من أهل قنطس: رأي زينون األكرب زينون األكرب ابن ماوس

Page 176: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 176

صورة إبداع كل جوهر، وصورة دثور كل جوهر؛ فإن علمه غري متناه، والصور اليت فيه من حيث اإلبداع غري متناهية، وكذلك صور الدثور غري متناهية، فالعوامل تتجدد يف كل حني ويف كل دهر؛ فما

باحلواس والعقل، وما كان غري مشاكل لنا مل ندركه كان منها مشاكال لنا أدركنا حدود وجوده ودثورهأما بقاؤمها فبتجدد صورها، وأما دثورها : إن املوجودات باقية دائرة: إال أنه ذكر وجه التجدد؛ فقال

.وذكر أن الدثور قد يلزم الصورة واهليوىل معا. فبدثور الصورة األوىل عند جتدد األخرى

كواكب تستمد القوة من جوهر السماء؛ فإذا تغريت السماء تغريت إن الشمس والقمر وال: وقال أيضابقاؤها، ودثورها يف علم الباري تعاىل، والعلم يقتضي بقاءها دائما : مث هذه الصور كلها. النجوم أيضا

والباري تعاىل قادر على أن يفين العوامل . وكذلك احلكمة تقتضي ذلك؛ ألن بقاءها على هذه احلال أفضل .وهذا الرأي و وقد مال إليه احلكماء املنطقيون اجلدليون؛ دون اإلهليني. ا إن أراديوما م

وحكى فلوطرخيس أن زينون كان يزعم أن األصول هي اهللا عز وجل والعنصر فقط؛ فاهللا هو العلة .الفاعلة، والعنصر هو املنفعل

.دان باألدويةأكثروا من اإلخوان؛ فإن بقاء اإلخوان كما أن شفاء األب: قال: حكمه

ما يلهفك على ! يا فىت: رأى زينون فىت على شاطئ البحر حمزونا يتلهف على الدنيا؛ فقال له: وقيلالدنيا؟ لو كنت يف غاية الغىن وأنت راكب جلة البحر قد انكسرت السفينة وأشرفت على الغرق كانت

لكا على الدنيا وأحاط بك من لو كنت م: نعم، قال: غاية مطلوبك النجاة وتفوت كل ما يف يدك؟ قالفأنت الغين، وأنت امللك : نعم، قال: كان مرادك النجاة من يده وتفوت كل ملكك؟ قال: يريد قتلك

.اآلن؛ فتسلى الفىت

: أي امللوك أفضل: وقيل له. كن مبا تأيت من اخلري مسرورا، ومبا جتتنب من الشر حمبورا: وقال لتلميذه

.من ملك غضبه وشهوته: لفرس ؟قالملك اليونانيني ،أم ملك ا

.هو ذا أموت قليال قليال على مهل: ما حالك؟ قال: وسئل عد أن هرم

.من يؤذيه ننت جيفيت: قال. من يدفنك؟! إذا مت: وقيل له

.الفلك حتت تدبريه: وقال. الغضب واحلسد، وأبلغ منهما الغم: ما لذي يهرم؟ قال: وسئل

ال : وقال. ك على؛ إمنا ولدت ولدا ميوت، وما ولدت ولدا ال ميوتما ذهب ذل: ونعى إليه ابنه فقالملا قلت خف موت النفس، : فقيل له. ختف موت البدن، ولكن جيب عليك أن ختاف موت النفس

إذا انتقلت النفس الناطقة من حد النطق إىل حد البهيمية وإن كان : والنفس الناطقة عندك ال متوت؟ فقال .ماتت من العيش العقليجوهرها ال يبطل فقد

.أعط احلق من نفسك؛ فإن احلق خيصمك إن مل تعطه حقه: وقال

Page 177: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 177

حمبة املال وتد الشر؛ ألن سائر اآلفات تتعلق ا، وحمبة الشرف وتد العيوب؛ ألن سائر العيوب : وقال .متعلقة ا

.أحسن جماورة النعم فتنعم ا، وال تسيء ا فتسيء بك: وقال

وقيل له وكان ال يقيت إال . ركت الدنيا اهلارب منها جرحته، وإذا أدركها الطالب هلا قتلتهإذا أد: وقال .وهل حيب امللك من هو أغىن منه؟: إن امللك يبغضك فقال: قوت يومه

.بالشرور: بأي شيء خيالف الناس يف هذا الزمان البهائم؟ فقال: وسئل

رواية للسجزي إال خادما للجد، والفرق بينهما ظاهر؛ وما رأينا العقل قط إال خادما للجهل؛ ويف: قالاستخدمه اجلهل، وإذا كان ما قسم لإلنسان من : فإن الطبيعة ولوازمها إذا كانت مستولية على العقل

كان اجلد مستخدما للعقل، ويعظم جد اإلنسان ما يعقل، وليس يعظم : اخلري والشر فوق تدبريه العقليأصم، أخرس، ال : واجلد. خيف على صاحب اجلد ما مل خيف على صاحب العقل! العقل ما جيد؛ وهلذا

وهذا اللفظ . يفقه، وال ينقه؛ وإمنا هو ريح ب، وبرق يلمع، ونار تلوح، وصحو يعرض، وحلم ميتعأوىل؛ فإنه عمم احلكم فقال ما رأينا العقل قط، وقد يعرض للعقل أن يرى وال يستخدمه اجلهل، وذلك

رأسها راس فرس، وعنقها عنق ثور، وصدرها : يف اجلرادة خلقة سبعة جبابرة: وقال زينون. هو األكثرهكذا . صدر أسد، وجناحها جناح نسر، ورجالها رجال مجل، وبطنها بطن عقرب، وذنبها ذنب حية

.ذكره زينون

ط؛ بل إنه ليس هو العنصر فقط، وال العقل فق: رأي دميقريطيس وشيعته كان يقول يف املبدع األولأوائل املوجودات كلها، ومنها أبدعت األشياء البسيطة كلها دفعة : األخالط األربعة، وهي االسطقسات

مث إن العامل جبملته . واحدة، وأما املركبة فإا كونت دائمة داثرة؛ إال أن دميومتها بنوع، ودثورها بنوعلى؛ كما أن عناصر هذه األشياء متصلة باق غري داثر؛ ألنه ذكر أن هذا العامل متصل بذلك العامل األع

والعناصر وإن كانت تدثر يف الظاهر، فإن صفوها من الروح البسيط الذي . بلطيف أرواحها الساكنة فيهافيها؛ فإذا كان كذلك فليس يدثر إال من جهة احلواس، فأما من حنو العقل فإنه ليس يدثر، فال يدثر هذا

إن : وإمنا شنع عليه احلكماء من جهة قوله. تصل بالعوامل البسيطةالعامل إذا كان صفوها فيه، وصفوه مأول مبدع هو العناصر، وبعدها أبدعت البسائط الروحانية؛ فهو يرتقي من األسفل إىل األعلى، ومن

.األكدر إىل األصفى

إن املبدع : ومن شيعته فليوخوس؛ إال أنه خالفه يف املبدع األول، وقال بقول سائر احلكماء؛ غري أنه قال .األول هو مبدع الصورة فقط دون اهليوىل؛ فإا مل تزل مع املبدع

Page 178: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 178

ملا قبلت الصور، وملا تغريت منحال إىل حال، وملا :إن اهليوىل لو كانت أزلية قدمية : فأنكروا عليه وقالواأي يف نفسه وهذا الرأي مما كان يعزى إىل أفالطون اإلهلي، والر. قبلت فعل غريها؛ إذ األزيل ال يتغري

ومما نقل عن دميقريطيس وزينون األكرب وفيثاغورث أم كانوا . مزيف، والعزوة إليه غري صحيحةوقد أشرنا إىل املذهبني، وبينما املراد . إن الباري تعاىل متحرك حبركة فوق هذه احلركة الزمانية: يقولون

. كل فريق على صاحبهونزيده شرحا من احتجاج. بإضافة احلركة والسكون إىل اهللا تعاىل

إن احلركة ال تكون أبدا إال ضد السكون، واحلركة ال تكون إال بنوع زمان إما : قال أصحاب السكونماض وإما مستقبل، واحلركة ال تكون إال مكانية إما منتقلة وإما مستوية؛ ومن املستوية تكون احلركة

، فلو كان الباري تعاىل متحركا؛ لكان داخال يف املستقيمة، واحلركة املعوجة؛ واملكانية تكون مع الزمان .الدهر والزمان

إن حركته أعلى من مجيع ما ذكرمتوه، وهو مبدع الدهر واملكان، وإبداعه ذلك هو : قال أصحاب احلركة .واهللا أعلم. يعىن باحلركة

رأي فالسفة أقادميا

من جوهرين متفقني يف مجيع اجلهات، إن كل مركب ينحل، وال جيوز أن يكون مركبا : كانوا يقولونوإال فليس مبركب؛ فإذا كان هذا هكذا، فال حمالة أنه إذا احنل املركب رحل كل جوهر فاتصل باألصل

الذي كان منه؛ فما كان منها بسيطا روحانيا حلق بعامله الروحاين البسيط، والعامل الروحاين باق غري طيف فإذا مل يبق من اللطافة شيء احتد باللطيف األول املتحد داثر؛ ويرجع حىت يصل إىل ألطف من كل ل

به، فيكونان متحدين إىل األبد، وإذا احتدت األواخر باألوائل، وكان األول هو أول مبدع ليس بينه وبني . مبدعه جوهر آخر متوسط، فال حمالة أن ذلك املبدع األول متعلق بنور مبدعه؛ فيبقى خالدا دهر الدهور

مشائي أقادميا وأما : صل أيضا قد نقل عنهم وهو يتعلق باملعاد، ال باملبدأ وهؤالء يسمونوهذا الفأهل لوقيون وكان أفالطون يلقن احلكمة ماشيا؛ تعظيما هلا، وتابعه على ذلك . املشاءون املطلق، فهم

.وأصحاب الرواق هم أهل املظال. املشائني: ويسمى هو وأصحابه. أرسطوطاليس؛

تعليم كليس؛ وهو الروحاين الذي ال يدرك بالبصر ولكن بالفكر اللطيف، : الطون تعليماتوكان ألف .واهللا املوفق للصواب. وتعليم كأيس؛ وهو اهليوالنيات

إن الباري تعاىل هو النور احلق الذي ال يدرك من جهة عقولنا ألا : رأي هرقل احلكيم كان يقول .سم اهللا حقا، وهو اسم اهللا باليونانية حقاأبدعت من ذلك النور األول احلق؛ وهو ا

.وهذا االسم عندهم شريف جدا . إا تدل عليه، إنه مبدع الكل

ووافق يف . إن بدء اخللق، وأول شيء أبدع، والذي هو أول هلذه العوامل؛ هو احملبة، واملنازعة: وكان يقول

Page 179: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 179

.والغلبةاألول الذي أبدع هو احملبة : هذا الرأي أنبادقليس حيث قال

السماء كرة متحركة من ذاا، واألرض مستديرة ساكنة جامدة بذاا؛ ة الشمس حللت : وقال هرقلكل ما فيها من الرطوبة، فاجتمعت فيها، فصار البحر؛ والذي حجرت الشمس ونفذت فيه حىت مل تذر

شمس أكثر، ومل ترتع عنه احلصى، واحلجارة، واجلبل؛ وما مل تنفذ فيه ال: فيه شيئا من الرطوبة صار منه .الرطوبة كلها، فهو التراب

وكان يقول إن السماء يف النشأة األخرى تصري بال كواكب؛ ألن الكواكب بط سفال حىت حتيط باألرض وتلتهب، فيصري متصال ببعضها البعض، حىت تكون كالدائرة وحول األرض؛ وإمنا يهبط منها ما

عد منها ما كان نورا حمصنا؛ فتبقى النفوس الشريرة الدنسة اخلبيثة يف كان من أجزائها نارا حمصنة، ويصهذا العامل الذي أحاط به النار إىل األبد يف عقاب السرمد، وتصعد النفوس الشريفة اخلالصة الطيبة إىل

ن الصور احلسان لذات البصر، واألحلا: وهناك. العامل الذي متحض نورا واء وحسنا يف ثواب السرمدجواهر، شريفة، : الشجية لذات السمع؛ وألا أبدعت بال توسط مادة وتركب اسطقسات فهي

إن الباري تعاىل ميسح تلك األنفس يف كل دهر مسحة، فيتجلى هلا حىت تنظر : وقال. روحانية، نورانية تزال فال. إىل نوره احملض اخلارج من جوهره احلق؛ فحينئذ يشتد عشقها، وشوقها، ونورها، وجمدها

.كذلك دائما إىل األبد

اخلالء، والصورة؛ أما اخلالء فمكان فارغ، : قال؛ املبادئ اثنان. رأي أبيقورس خالف األوائل يف األوائلوأما الصورة فهي فوق املكان واخلالء، ومنها أبدعت املوجودات وكل ما كون منها فإنه ينحل إليها،

.فمنها املبدأ، وإليها املعاد

الكل يفسد؛ وليس بعد الفراق حساب وال قضاء وال مكافئة وال جزاء، بل كلها تضمحل : ورمبا يقولواحلاالت اليت ترد على األنفس يف هذا العامل كلها . واإلنسان كاحليوان مرسل مهمل يف هذا العامل. وتدثر

ح، وإن فعلت شرا من تلقائها على قدر حركاا وأفاعيلها؛ فإن فعلت خريا وحسنا فريد عليها سرور الفروإمنا سرور كل نفس باألنفس األخرى، وكذا حزا مع األنفس . وقبيحا فريد عليها حزن وترح

.بقدر ما يظهر هلا من أفاعيل... األخرى

وتبعه مجاعة من التناسخية على هذا الرأي حكم سولون الشاعر وكان عند الفالسفة من األنبياء العظام .عوا على تقدميه والقول بفضائلهبعد هرمس وقبل سقراط، وأمج

.تزود من اخلري وأنت مقبل، خري لك من أن تتزود منه وأنت مدبر: قال سولون لتلميذه

.من فعل خريا فليتجنب ما خالفه؛ وإال دعي شريرا: وقال

.حق، وقضاء؛ فمن أسلف فليقض، ومن قضى فقد وىف: إن أمور الدنيا: وقال

Page 180: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 180

وء فادفعها عن نفسك، وال ترجع بالالئمة على غريك؛ لكن ما رأيك إذا عرضت عليك فكرة س: وقال .مبا أحدث عليك

إن فعل اجلاهل يف خطابه أن يذم غريه، وفعل طالب األدب أن يذم نفسه، وفعل األديب أن ال يذم : وقال .نفسه وال غريه

ا أن األرباح ال تكون إال كم: فال تغتم؛ بل قل... إذا انكب الدن وأريق الشراب، وانكسر اإلناء: وقالفيما يباع ويشترى، كذلك اخلسرانات ال تكون إال يف املوجودات، فانفي الغم واخلسارة عنك؛ فإن لكل

.مثنا، وليس جييء باان

احلياء؛ ألن احلياء يدل على العقل واخلوف يدل على : احلياء، أم اخلوف؟ قال: أميا أمحد يف الصبا: وسئل .املقة والشهوة

.قال البنه دع املزاح؛ فإن املزاح لقاح الضغائنو

.أي األمرين فعلت ندمت عليه: هل ترى أن أتزوج، أم أدع؟ قال: وسأله رجل؛ فقال

.أن يعرف عيب نفسه، وأن ميسك عما ال يتكلم به: أي شيء أصعب على اإلنسان؟ قال: وسئل

.لسانكألن تعثر برجلك خري من أن تعثر ب: ورأى رجال عثر؛ فقال له

.الرتاهة عن املساوئ: ما الكرم؟ فقال: وسئل

.التمسك بأمر اهللا تعاىل: ما احلياة؟ فقال: وسئل

.النوم موتة خفيفة، واملوت نومة طويلة: ما النوم؟ فقال: وسئل

.ومن اإلخوان أقدمهم. ليكن اختارك من األشياء حديثها: وقال

.ا ما قلته بلسانكأنفع العلم ما أصابته الفكرة، وأقله نفع: وقال

حسن الشكل يف صغره، وعفيفا عند إدراكه، وعدال يف شبابه، وذا رأي يف : ينبغي أن يكون املرء: وقال .كهلولته، وحافظا للستر عند الفناء؛ حىت ال تلحقه الندامة

.هينبغي للشاب أن يستعد لشيخوخته مثل ما يستعد اإلنسان للشتاء من الربد الذي يهجم علي: وقال

.احفظ األمانة حتفظك، وصنها حىت تصان! يا بين: وقال

.جوعوا إىل احلكمة، واعطشوا إىل عبادة اهللا تعاىل؛ قبل أن يأتيكم املانع منهما: وقال

ال تكرموا اجلاهل فيستخف بكم، وال تتصلوا باألشرار فتعدوا فيهم، وال تعتمدوا الغىن إن : وقال لتالمذتهملوا أمر أنفسكم يف أيامكم ولياليكم، وال تستخفوا باملساكني يف مجيع كنتم تالمذة الصدق، وال

.أوقاتكم

Page 181: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 181

أما عامل العقل فدار ثبات وثواب، : وكتب إليه بعض احلكماء يستوصفه أمر عاملي العقل واحلس؛ فقال .وأما عامل احلس فدار بوار وغرور

.لمعرفيت بأن علمي قلي: ما فضل علمك على علم غريك؟ قال: وسئل

صديق حيب صديقه غائبا كمحبته : أخالق حممودة وجدا يف الناس؛ إال أا إمنا توجد يف قليل: وقالحاضرا، وكرمي يكرم الفقراء كما يكرم األغنياء، ومقر بعيوبه إذا ذكرت، وذاكر يوم نعيمه يف يوم بؤسه

.اوآمر باملعروف دائم. ويوم بؤسه يف يوم نعيمه، وحافظ لسانه عند غضبه

. حكم أومريوس الشاعر وهو من الكبار القدماء، الذي جيريه أفالطون وأرسطوطاليس يف أعلى املراتب

ويستدل بشعره؛ ملا كان جيمع فيه إتقان املعرفة، ومتانة احلكمة، وجودة الرأي، وجزالة اللفظ؛ فمن ذلك ا يف كثرة الرؤساء من االختالف ال خري يف كثرة الرؤساء، وهذه كلمة وجيزة حتتها معان شريفة، مل: قوله

الذي يأيت على حكمة الرئاسة باإلبطال، ويستدل ا أيضا يف التوحيد؛ ملا يف كثرة اآلهلة من املخالفات لو كان أهل بلد كلهم رؤساء؛ ملا كان رئيس البتة، : ويف احلكمة. اليت تكر على حقيقة اإلهلية باإلفساد .انت رعية البتةولو كان أهل بلد كلهم رعية؛ ملا ك

إذ كان ميكنهم اإلقتداء باهللا تعاىل فيدعون ذلك اإلقتداء ! إين ألعجب من الناس: ومن حكمه قالذا : لعل هذا إمنا يكون ألم قد رأوا أم ميوتون كما متوت البهائم؟، فقال له: ؛ قال له تلميذه!بالبهائم

بسون بدنا ميتا وال حيسبون أن يف ذلك البدن من قبل أم حيسون بأم ال! السبب يكثر تعجيب منهم .نفسا غري ميتة

.آثر املوت على احلياة... من يعلم أن احلياة لنا مستعبدة، واملوت معتق مطلق: وقال

طبيعي، وجترييب؛ ومها مثل املاء واألرض، وكما أن النار تذيب كل صامت وختلصه : وقال العقل حنوانومن مل يكن هلذين . العقل يذيب األمور وخيلصها ويفصلها ويعدها للعملومتكن من العمل فيه؛ كذلك

.النحوين فيه موضع فإن خري أموره له قصر العمر

إن اإلنسان اخلري أفضل من مجيع ما على األرض، واإلنسان الشرير أخس وأوضع من مجيع ما على : وقال .األرض

.هن، واقهر شهوتك؛ فإن الفقري من احنط إىل شهواتهفتمت: تعز، وال تكن معجبا: تنبل، واحلم: لن: وقال

.الدنيا دار جتارة، والويل ملن تزود عنها اخلسارة: وقال

الزيادة والنقصان يف الطبائع األربع، وما يجه األحزان؛ فشفاء الزائد : األمراض ثالثة أشياء: وقال .احلكماء واإلخوانوالناقص يف الطبائع األدوية، وشفاء ما يجه األحزان كالم

Page 182: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 182

العمى خري من اجلهل؛ ألن أصعب ما خياف من العمى التهور يف بئر ينهد منه احلسد، واجلبل يتوقع : وقال .منه هالك األبد

.مقدمة احملمودات احلياء، ومقدمة املذمومات القحة: وقال

يا ليته هلك التضاد : إن أومريوس الشاعر ملا رأى تضاد املوجودات دون فلك القمر قال: وقال إيرقليطسمن هذا العامل، ومن الناس، والسادة؛ يعين النجوم، واختالف طبائعها؛ وأراد بذلك أن يبطل التضاد

.واالختالف حىت يكون هذا العامل املتحرك املنتقل داخال يف العامل الساكن الدائم الباقي

.ا طبيعة هذا العاملأن رام يعين الريح واقع الزهرة؛ فتولدت من بينهم: ومن مذهبه

إن الزهرة علة التوحد واالجتماع، ورام علة التفرق واالختالف، والتوحد ضد التفرق؛ فلذلك : وقال .تركب، وتنقص، وتوحد، وتفرق: صارت الطبيعة ضدا

.هذه حكمه... احلظ شيء أظهره العقل بوساطة العلم، فلما قابل النفس عشقته بالعنصر: وقال

إن األدب لإلنسان ذخر ال . ينبغي لإلنسان أن يفهم األمور اإلنسانية: قال: عاره؛ فمنهاوأما مقطعات أشإن كنت ميتا فال حتقر عداوة من ال . إن أمور العامل تعلمك العلم. ارفع من عمرك ما حيزنك. يسلبإن . إنسانأنك: اذكر نفسك أبدا. إن الزمان يبني احلق وينريه. كل ما ميتاز يف وقته يفرح به. ميوت

اطلب رضاء كل . إذا نالتك مضرة فاعلم أنك كنت أهلها. كنت إنسانا فافهم كيف تضبط غضبكإن األرض تلد كل شيء مث . إن الضحك يف غري وقته هو ابن عم البكاء. أحد؛ إلرضار نفسك فقط

.إن الرأي من اجلبان جبان. تسترده

إن كنت ميتا؛ فال تذهب مذهب . ال تكن متهوراكن حسن اجلرأة و. انتقم من األعداء نقمة ال تضركإن الطبيعة كونت األشياء بإرادة الرب . إن أردت أن حتيا فال تعمل عمال يوجب املوت. من ال ميوت

إن مساعدة األشرار يف . آمن باهللا؛ فإنه يوفقك يف أمورك. من ال يفعل شيئا يف الشر فهو إهلي. تعاىلإذا أراد اهللا . اعرف اهللا، واعقل األمور اإلنسانية. لوب من قاتل اهللا والبختإن املغ. أفعاهلم كفر باهللا

إن لفيف . إن قوام السنة بالرئيس. إن العقل الذي يناطق اهللا لشريف. خالصك عربت البحر على البادية: رأي ان. إن السنة توجب كرامة الوالدين مثل كرامة اإلله. الناس وإن كانت هلم قوة فليس هلم عقل

إذا حضر . إن الكالم يف غري وقته يفسد العمر كله. إن األب هو من ريب ال من ولد. والديك آهلة لكليكن فرحك مبا . إن اليد تغسل اليد، واإلصبع اإلصبع. إن سنن الطبيعة ال تتعلم. البخت متت األمور

.خر لغريه املالتدخره لنفسك دون ما تدخره لغريك؛ يعين باملدخر لنفسه العلم واحلكمة، واملد

.عنقود االلتذاذ، وعنقود الشكر، وعنقود الشيم: الكرم حيمل ثالثة عناقيد: وقال

.خري أمور العامل احلسي أوساطها، وخري أمور العامل العقل أفضلها

Page 183: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 183

وتاليس كان بعده بثالمثائة . إن وجود الشعر يف أمة يونان كان قبل الفلسفة؛ وإمنا أبدعه أومريوس: وقيليف سنة تسعمائة وإحدى ومخسني من وفاة موسى عليه السالم، : وأول فيلسوف كان منهم. سنةواثنتني

وهذا ما أخرب به كورفس يف كتابه؛ وذكر فورفوريوس أن تاليس ظهر يف سنة ثالث وعشرين ومائة من .ملك خبتنصر

ته يف الطب وكان أكثر حكم. الذي قال بفضله األوائل واألواخر. حكم بقراط بقراط واضع الطبوشهرته به، فبلغ خربه إىل من ابن اسفنديار بن كشتاسب؛ فكتب إىل فيالطس ملك قوه وهو بلد من

بلد اليونانيني يأمر بتوجيه بقراط إليه، وأمر له بقناطري من الذهب، فأىب ذلك، وتأىب عن اخلروج إليه ضنا وأوساط الناس؛ وقد شرط أن يأخذ من وكان ال يأخذ على املعاجلة أجرة من الفقراء . بوطنه وقومه

.من ذهب... وإكليال، أو سوارا. طوقا: االغنياء أحد ثالثة أشياء

األمن مع : أي العيش خري؟ قال: وقيل له. استهينوا باملوت؛ فإن مرارته يف خوفه: فمن حكمه إن قال .الفقر، خري من الغىن مع اخلوف

.لكن حتفظها آراء الرجال وتدبري احلكماءاحليطان والربوج ال حتفظ املدن، و: وقال

.يداوي كل عليل بعقاقري أرضه؛ فإن الطبيعة متطلعة إىل هوائها، ونازعة إىل غذائها: وقال

طال ... من كثر نومه، والنت طبيعته، ونديت جلدته: خذوا جامع العلم مين: وملا حضرته الوفاة قال .عمره

.ثار من النافعاإلقالل من الضار خري من اإلك: وقال

.لو خلق اإلنسان من طبيعة واحدة ملا مرض؛ ألنه مل يكن هناك شيء يضادها فيمرض: وقال

صرنا اثنني، وانفرد : أنا، والعلة، وأنت؛ فإن أعنتين عليها بالقبول ملا تسمع مين: ودخل على عليل فقال له .العلة، فقينا عليها؛ واالثنان إذا اجتمعا على واحد غلباه

مثل ذلك مثل البيت ؛أكثر ما يكون : ما بال اإلنسان أثور ما يكون بدنه إذا شرب الدواء؟؛ قال:وسئل .غبارا إذا كنس

أنه عشق جارية من حظايا أبيه فنهك بدنه واشتدت علته، فأحضر بقراط فجس : وحديث ابن امللكلك ويطرب، فاستخرب نبضه، ونظر إىل تفسرته، فلم ير أثر علة؛ فذكراه حديث العشق، فرآه يهش لذ

مر رئيس : بقراط للملك: ما خرج قط من الدار، فقال: احلال من حاضنته فلم يكن عندها خرب، وقالتأخرج علي النساء، فخرجن، وبقراط واضع إصبعه على نبض : اخلصيان بطاعيت، فأمره بذلك، فقال

راط أا املعينة هلواه؛ فصار وطار قلبه، وحار طبعه، فعلم بق. الفىت؛ فلما خرجت احلظية اضطرب عرقه

Page 184: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 184

هو : ومن ذاك؟ قال: ابن امللك قد عشق من الوصول إليها صعب، قال امللك: وقال له. بقراط إىل امللكهل رأيت أحدا كلف أحدا : وقال: انزل عنها ولك عنها بدل؛ فتحازن بقراط ووجم: حيب حليليت؛ قال

مرين مبفارقة حليليت؛ ومفارقتها مفارقة روحي؟، قال طالق امرأته؛ وال سيما امللك يف عدله ونصفته يأإين أوثر ولدي عليك، وأعوضك من هو احسن منها؛ فامتنع، حىت بلغ األمر إىل التهديد بالسيف، : امللك

إن امللك ال يسمى عدال حىت ينتصف من نفسه ما ينتصف من غريه، أرأيت لو كانت : قال بقراطونزل عنها البنه، وبرئ الفىت من مرضه ! عقلك أمت من معرفتك! قراطيا ب: قال! العشيقة حظية امللك؟

مل يثقل : وقيل لبقراط. إياك أن تأكل إال ما تستمرئ، وأما ماال تستمرئ فإنه يأكلك: وقال بقراط. ذلكأحدمها خفيف رافع، واآلخر ثقيل واضع؛ فلما انصرف أحدمها وهو : ألنه كان اثنني: امليت؟ قال

ما يف الرأس بالغرغرة، : اجلسد يعاجل مجلة على مخسة أضرب: وقال. ، ثقل الثقيل الواضعاخلفيف الرافعوما يف املعدة بالقيء، وما يف البدن بإسهال البطن، وما بني اجللدين بالعرق، وما يف العمق وداخل العروق

.بإرسال الدم

دة وسلطانه يف الصدر، والسوداء بيتها وقال الصفراء بيتها املرارة وسلطاا يف الكبد، والبلغم بيته املع .الطحال، وسلطاا يف القلب، والدم بيته القلب وسلطانه يف الرأس

ليكن أفضل وسيلتك إىل الناس حمبتك هلم، والتفقد ألمورهم، ومعرفة حاهلم، واصطناع : وقال لتلميذ له .املعروف إليهم

طويلة، والوقت ضيق، والزمان جديد، والتجربة العمر قصري، والصناعة : وحيكى عن بقراط قوله املعروف .خطر، والقضاء عسر

فاطلبوا يف القسم األول العقل الفاضل واعملوا يف : اقسموا الليل والنهار ثالثة أقسام: وقال لتالميذهالقسم الثاين مبا أحرزمت من ذلك العقل، مث عاملوا يف القسم الثالث من ال عقل له؛ وازموا من الشر ما

.تطعتماس

هو مين طبعا، ومن : إن ابنك هو منك فأدبه؛ فقال هلا: وكان له ابن ال يقبل األدب؛ فقالت له امرأته .غريي نفسا؛ فما أصنع به؟

.قصدا... ما كان كثريا فهو مضاد للطبيعة؛ فلتكن األطعمة، واألشربة، والنوم، واجلماع، والتعب: وقال

.لغاية كان أشد خطراإن صحة البدن إذا كانت يف ا: وقال

.إن الطب هو حفظ الصحة مبا يوافق األصحاء، ودفع املرض مبا يضاده: وقال

فليس من شيعيت؛ ... من سقى السم من األطباء، وألقى اجلنني، ومنع احلمل، واجترأ على املريض: وقال .وكتبه معروفة كثريا يف الطب. وله أميان معروفة على هذه الشرائط

Page 185: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 185

إا القوة اليت تدبر اجلسم من اإلنسان، فتصوره من النطفة إىل متام اخللقة؛ خدمة للنفس : يعةوقال يف الطب: وهلا ثالث قوى. يف إمتام هيكلها، وال تزال هي املدبرة له غذاء من الثدي وبعده مما به قوامه من األغذية

.كة، واهلاضمة، والدافعةاجلاذبة، واملاس: وخيدم الثالث أربع قوى. املولدة، واملربية، واحلافظة

حكم دميقريطيس وهو من احلكماء املعتربين يف زمان من بن اسفنديار، وهو وبقراط كانا يف زمان وكان أرسطوطاليس . واحد قبل أفالطون، وله آراء يف الفلسفة؛ وخصوصا يف مبادئ الكون والفساد

.يؤثر قوله على قول أستاذه أفالطون اإلهلي؛ وما أنصف

إن اجلمال الظاهر يشبه به املصورون باألصباغ، ولكن اجلمال الباطن ال يشبه به إال من : ل دميقريطيسقا .هو له باحلقيقة، وهو خمترعه ومنشئه

.ليس ينبغي أن تعد نفسك من الناس ما دام الغيظ يفسد رأيك، ويتبع شهوتك: وقال

عزم وملكهم؛ ومنا أن الكري ميتحن به ليس ينبغي أن ميتحن الناس يف وقت ذلتهم بل يف وقت: وقال .الذهب، كذلك امللك ميتحن به اإلنسان؛ فيتبني خريه وشره

ينبغي أن تأخذ يف العلوم بعد أن تنفي عن نفسك العيوب، وتعودها الفضائل؛ فإنك إن مل تفعل : وقال .هذا مل تنتفع بشيء من العلوم

.من أعطاه علمه ونصيحته فقد وهب له نفسهمن أعطى أخاه املال فقد أعطاه خزائنه، و: وقال

ال ينبغي أن تعد النفع الذي فيه الضرر العظيم نفعا، وال الضرر الذي فيه النفع العظيم ضررا، وال : وقال .احلياة اليت ال حتمد أن تعد حياة

.مثل من قنع باالسم، كمثل من قنع عن الطعام بالرائحة: وقال

.ل منصفعامل معاند خري من جاه: وقال

السفه، والعبث، : مثرة الغرة التواين، ومثرة التواين الشقاء، ومثرة الشقاء ظهور البطالة، ومثرة البطالة: وقال .والندامة، واحلزن

.جيب على اإلنسان أن يطهر قلبه من املكر واخلديعة؛ كما يطهر بدنه من أنواع اخلبث: وقال

.طأك غداال تطمع أحدا أن يطأ عقبك اليوم؛ في: وقال

.ال تكن حلوا جدا لئال تبلع، وال مرا جدا لئال تلفظ: وقال

.ذنب الكلب يكسب له الطعام، وفمه يكسب له الضرب: وقال

صوره أو ال حىت : جصص بيتك فاصوره، قال: وقال. وكان بأثينية نقاش غري حاذق، فأتى دميقريطيس .أجصصه

Page 186: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 186

. يعمل؛ كمثل دواء مع سقيم وهو ال يداوي بهمثل العلم مع من ال يقبل وإن قبل ال: وقال

ال تتكلم؛ فوضع يده على شفتيه، : ال تسمع؛ فسد أذنيه، قيل له: ال تنظر؛ فغمض عينيه، قيل له: وقيل لهأن البواطن ال تندرج حتت االختيار؛ فأشار إىل ضرورة : وإمنا أراد به... ال أقدر: ال تعلم؛ قال: قيل له

.السر، واختيار الظاهر

وملا كان اإلنسان مضطر احلدوث كان معزول الوالية عن قلبه، وهو بقلبه أكرب منه بسائر جوارحه؛ وهلذا الكالم شرح آخر؛ وهو أنه . فلهذا مل يستطع أن يتصرف يف أصله؛ الستحالة أن يكون الفاعل أصله

وإذا حصل لن يتصور نسيانه أراد التمييز بني العقل واحلس؛ فإن اإلدراك العقلي ال يتصور االنفكاك عنه، وهذا يدل على أن العقل ليس من جنس احلس، وال . باالختيار واإلعراض عنه؛ خبالف اإلدراك احلسي

.النفس من حيز البدن

أحدمها انفعال نقيصة، والثاين انفعال تكامل، وهو : إن االختيار يف اإلنسان مركب من افعالني: وقد قيلم الطبيعة واملزاج، واآلخر ضعيف فيه إال إذا وصل إليه مدد من جهة العقل إىل االنفعال األول أميل حبك

والتمييز والنطق؛ فمىت وقف هذا املدد من القوة االختيارية كانت الغلبة لالنفعال اآلخر، ولوال تركب ار؛ االختيار عن هذين االنفعالني أو انقسامه إىل هذين الوجهني؛ لتأتى لإلنسان مجيع ما يقصده باالختي

.بال مهلة وال ترجح، وال هنية وال تريح، وال استشارة وال استخارة

واهللا سبحانه . مل أجد أحدا أبه له وال عثر عليه، أو حكم به وأومأ إليه: وهذا الرأي الذي رآه هذا احلكيم .وتعاىل أعلم

حا للخاطر، ملقحا حكم أوقليدس وهو أول من تكلم يف الرياضيات وأفرده علما نافعا يف العلوم، منق .وكتابه معروف بامسه؛ وكذلك حكمته. للفكر

اخلط هندسة : فمن ذلك قوله. وقد وجدنا له حكما متفرقة؛ فأوردناها على سوق مرامنا، وطرد كالمنا .روحانية ظهرت بآلة جسمانية

و جهدا يف أن وأنا ال آل: إين ال آلو جهدا يف أن أفقدك حياتك، قال أوقليدس: وقال له رجل يتهدده .أفقدك غضبك

كل أمر تصرفنا فيه وكانت النفس الناطقة هي املقدرة له فهو داخل يف األفعال اإلنسانية، وما مل : وقال .تقدره النفس الناطقة فهو داخل يف األفعال البهيمية

متا إىل من أراد أن يكون حمبوبه حمبوبك وافقك على ما حتب؛ فإذا اتفقتما على حمبوب واحد صر: وقال .االتفاق

.إفزع إىل ما يشبه الرأي العام التدبريي العقلي، وام ما سواه: وقال

Page 187: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 187

.كل ما أستطيع خلعه ومل يضطر إىل لزومه املرء فلم اإلقامة على مكروهه؟: وقال

.أحدمها يستطاع خلعه واملصري إىل غريه، واآلخر منهما غري سائغ يف الرأي: األمور جنسان: وقال

إن كانت الكائنات من املضطرة فما االهتمام باملضطر إذ ال بد منه؟ وإن كانت غري مضطرة فلم : وقالالصواب إذا كان عاما كان أفضل؛ ألن اخلاص يقع بالتحري وتلقاء : اهلم فيما جيوز االنتقال عنه؟ وقال

.أمر ما

إىل اإلقامة عليه شيء فإن إذا مل يضطرك: العمل على اإلنصاف ترك اإلقامة على املكروه؛ وقال: وقال .أقمت رجعت بالالئمة عليك

.احلزم هو العمل على أن ال تثق باألمور اليت يف اإلمكان عسرها ويسرها: وقال

كل فائت وجدت يف األمور منه عوضا أو أمكنك اكتساب مثله؛ فما األسف على فوته؟ وإن مل : وقال .ا ال سبيل إىل مثله واإلمكان يف دعهيكن منه عوض وال يصاب له مثل؛ فما األسف على م

ألقى منها ما منه بد واقتصر على ما ال بد منه، : ملا علم العاقل أنه ال ثقة بشيء من أمر الدنيا: وقالإذا كان األمر متكنا فيه التصرف فوقع حبال ما حتب فاعتده : وعمل فيما يوثق به بأبلغ ما قدر عليه، وقال

. ه فال حتزن؛ فإنك قد كنت عجلت فيه على غري ثقة بوقوعه على ما حتبرحا، وإن وقع حبال ما تكر

مل أر أحدا إال ذاما للدنيا وأمورها إذ هي على ما هي من التغري والتنقل، فاملستكثر منها يلحقه أن : وقالل مما يكون أشد اتصاال مبا يذم؛ وإمنا يذم اإلنسان ما يكره، واملستقل منها مستقل مما يكره، وإذا أستق

أسوأ الناس حاال من ال يثق بأحد لسوء ظنه، وال يثق به أحد : وقال. يكره كان ذلك أقرب إىل ما حيب .لسوء فعله

.اجلشع بني شرين؛ فاإلعدام خيرجه إىل السفه، واجلدة خترجه إىل األشر: وقال

.ال تعن أخاك على أخيك يف خصومة؛ فإما يصطلحان عن قليل وتكتسب املذمة: وقال

حكم بطلميوس وهو صاحب اسطى الذي تكلم يف هيئات الفلك، واخرج علم اهلندسة من القوة إىل .الفعل

.ما أحسن اإلنسان أن يصرب عما اشتهى، وأحسن منه أن ال يشتهي إال ما ينبغي: فمن حكمه أنه قال

.احلليم الذي إذا صدق صرب؛ ال الذي إذا قذف كظم: وقال

.يسأل أشبه بامللوك ممن يستغين بغريه ويسألملن يغين الناس و: وقال

.الن يستغين اإلنسان عن امللك أكرم له من أن يستغين به: وقال

.موضع احلكمة من قلوب اجلهال؛ كموقع الذهب واجلوهر من ظهر احلمار: وقال

Page 188: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 188

ا أم ومسع مجاعة من أصحابه وهم حول سرادقه يقعون فيه ويثلبونه، فهز رحما كان بني يديه؛ ليعلمو .مبسمع منهم، وأن يتباعدوا عن قيد رمح، مث يقولوا ما أحبوا

ال يستنبط إال بالدءوب، والتعب، والكد، والنصب؛ مث جيب : العلم من موطنه كالذهب يف معدنه: وقال .ختليصه بالفكر، كما خيلص الذهب بالنار

يف الشهور أقوى، وداللة املشتري وداللة الشمس والزهرة . داللة القمر يف األيام أقوى: وقال بطلميوس .وزحل يف السنني أقوى

حنن كائنون يف الزمن الذي يأيت بعد؛ وهذا رمز إىل املعاد؛ إذ الكون والوجود : ومما ينقل عنه أنه قال .ذلك الكون، والوجود يف ذلك العامل: احلقيقي

واحد حمض، : ىل املبدع األولإن الباري تعا: حكم أهل املظال ومنهم خروسيبس وزينون وقوهلما اخلالصهو، إن فقط؛ أبدع العقل والنفس دفعة واحدة، مث أبدع مجيع ما حتتهما بتوسطهما؛ ويف بدء ما

.أبدعهما، أبدعهما جوهرين ال جيوز عليهما الدثور والفناء

الذي جرم من النار واهلواء، وجرم من املاء واألرض؛ فالنفس متحدة باجلرم : أن للنفس جرمني: وذكروامن النار واهلواء، واجلرم الذي من النار واهلواء متحد باجلرم الذي من املاء واألرض، والنفس تظهر أفاعيلها يف ذلك اجلرم، وذلك اجلرم ليس له طول وال عرض، وال قدر مكاين؛ وباصطالحنا مسيناه

وملا ... احلسن، والبهاءالنور، و: جسما؛ وأفاعيل النفس فيه نرية ية، ومن اجلسم إىل اجلرم ينحدر .ظهرت أفاعيل النفس عندنا مبتوسطني؛ كانت أظلم، ومل يكن هلا نور شديد

أن النفس إذا كانت طاهرة زكية استخصت األجزاء النارية واهلوائية، وهي جسمها؛ : وذكروا .درواستصحبت يف ذلك العامل جسما روحانيا، نورانيا، علويا، طاهرا، مهذبا من كل ثقل وك

وأما اجلرم الذي من املاء واألرض فيدثر ويفىن؛ ألنه غري مشاكل للجسم السماوي؛ ألن ذلك اجلسم خفيف، لطيف، ال وزن له، وال يلمس؛ وإمنا يدرك من البصر فقط، كما تدرك األشياء الروحانية من

إبداع الباري العقل؛ فألطف ما يدرك احلس البصري من اجلواهر هي النفسانية، وألطف ما يدرك من .تعاىل اآلثار اليت عند العقل

وذكروا أن النفس ما هي مستطيعة، ما خالها الباري تعاىل أن تفعل؛ وإذا ربطها فليست مبستطيعة، كاحليوان الذي إذا خاله مدبره أعين اإلنسان كان مستطيعا يف كل ما دعي إليه؛ وحترك إليه، وإذا ربطه

.يعامل يقدر حينئذ أن يكون مستط

أن دنس النفس وأوساخ اجلسد إمنا تكون الزمة لإلنسان من جهة األجزاء، وأمات التطهري : وذكروا

Page 189: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 189

والتهذيب فمن جهة الكل؛ ألنه إذا انفصلت النفس الكلية إىل النفس اجلزئية والعقل اجلزئي من العقل م من حيز املاء غلظت، وصارت من حيز اجلرم؛ ألا كلما سفلت احتدت باجلرم، واجلر: الكلي

واألرض، ومها ثقيالن يذهبان سفال؛ وكلما اتصلت النفس اجلزئية بالنفس الكلية، والعقل اجلزئي بالعقل .ذهبت علوا؛ ألا تتحد باجلسم، واجلسم من حيز النار واهلواء، وكالمها لطيفان، يذهبان علوا: الكلي

واجتماع هذين اجلرمني يوجب االحتاد شيئا . وهذان اجلرمان مركبان، وكل واحد منهما من جوهرينواحدا عند احلس البصري، فأما عند احلواس الباطنة، وعند العقل فليست شيئا واحدا، فاجلسم يف هذا العامل مستبطن يف اجلرم؛ ألنه أشد روحانية؛ وألن هذا العامل ليس مشاكال له، وال جمانسا له، واجلرم

فصار جلرم أظهر من اجلسم انسة هذا العامل وتركيبه، وصار اجلسم مشاكل وجمانس هلذا العامل؛فإما يف ذلك العامل فاجلسم ظاهر على . مستبطنا يف اجلرم؛ ألن هذا العامل غري مشاكل له، وغري جمانس له

عامل اجلسم؛ ألنه جمانس، ومشاكل له، ويكون لطيف اجلرم الذي هو من لطيف : اجلرم؛ ألن ذلك العاملاء واألرض املشاكل جلوهر النار واهلواء مستبطنا يف اجلسم؛ كما كان اجلسم مستبطنا يف هذا العامل يف امل

فإذا كان هذا فيما ذكروا هكذا كان ذلك اجلسم باقيا دائما، ال جيوز عليه الدثور، وال الفناء؛ . اجلرم: ونقلوا عن أفالطون أستاذهم. واحلبورولذته دائمة، ال متلها النفوس وال العقول، وال ينفد ذلك السرور

اية كل متناه؛ وإمنا صار الواحد ال اية له؛ ألنه ال بدء له، ال أنه ال : ملا كان الواحد ال بدء له؛ صار .بدء هلألنه ال اية له

مل يفعل قبيحا، فيجمع بني: ينبغي للمرء أن ينظر كل يوم إىل وجهه يف املرآة؛ فإن كان قبيحا: وقال

.مل يشنه بقبيح: قبيحني؛ وإن كان حسنا

إما مؤخرا يف نفسه قدمه حظه، أو مقدما يف نفسه آخره دهره؛ : إنك لن جتد الناس إال أحد رجلني: وقال .فارضى مبا أنت فيه اختيارا؛ وإال رضيت اضطرارا

الباب الثالث

متأخر وحكماء اليونان

خالفوهم يف الرأي؛ مثل أرسطو طاليس ومن تابعه على رأيه؛ وهم احلكماء الذين تلوهم يف الزمان، ووغريهم؛ وكلهم على رأى أرسطو ... اإلسكندر الرومي، والشيخ اليوناين، وديوجانس الكليب: مثل

.طاليس يف املسائل اليت تفرد ا عن القدماء

وحنصرها . لفهم املتأخرونمن املسائل اليت شرع فيها األوائل؛ وخا: وحنن نذكر من آرائه ما يتعلق بغرضنا

Page 190: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 190

.وباهللا التوفيق. يف ست عشرة مسألة

وهو املقدم املشهور، واملعلم األول، واحلكيم . رأى أرسطو طاليس بن نبقو ماخوس من أهل أسطاخراوكان مولده يف أول سنة من ملك أردشري بن دارا، فلما أتت عليه سبع عشرة سنة . عندهم... املطلق

وإمنا مسوه املعلم األول؛ ألنه واضع . ب أفالطون فمكث عنده نيفا وعشرين سنةأسلمه أبوه إىل املؤدالتعاليم املنطقية وخمرجها من القوة إىل الفعل؛ وحكمه حكم واضع النحو، وواضع العروض فإن نسبة

أنه مل وهو واضع، ال مبعىن. املنطق إىل املعاين اليت يف الذهن كنسبة النحو إىل الكالم، والعروض إىل الشعرتكن املعاين مقومة باملنطق قبله فقومها؛ بل مبعىن أنه جرد آلته عن املادة فقومها تقريبا إىل أذهان املتعلمني؛

إال أنه أمجل القول . حىت يكون كامليزان عندهم، يرجعون إليه عند اشتباه الصواب باخلطأ، واحلق بالباطلوكتبه يف . وله حق السبق، وفضيلة التمهيد. شارحنيفيه إمجال املمهدين، وفصله املتأخرون تفصيل ال

وحنن اخترنا يف نقل مذهبه شرح . الطبيعيات، واإلهليات، واألخالق؛ معروفة، وهلا شروح كثريةثامسطيوس الذي اعتمده مقدم املتأخرين ورئيسهم أبو علي بن سينا، وأوردنا نكتا من كالمه يف

سائل على نقل املتأخرين؛ إذ مل خيالفوه يف رأي، وال نازعوه يف حكم؛ اإلهليات، وأحلنا باقي مقاالته يف امل .بل هم كاملقلدين له، املتهالكني عليه، وليس األمر على ما مالت ظنوم إليه

: قال يف كتاب أولوجيا من حرف الالم. يف إثبات واجب الوجود الذي هو احملرك األول: املسألة األوىل

إنا وجدنا املتحركات على : قال. اثنان طبيعيان، وواحد غري متحرك: ثة أضربإن اجلوهر يقال على ثالاختالف جهاا ة أوضاعها، وال بد لكل متحرك من حمرك، فإما أن يكون احملرك متحركا، فيتسلسل

وال جيوز أن يكون فيه معىن ما بالقوة؛ فإنه . القول فيه، وال يتحصل؛ وإال فيستند إىل حمرك غري متحركتاج إىل شئ آخر خيرجه من القوة إىل الفعل؛ إذ هو ال يتحرك من ذاته من القوة إىل الفعل، فالفعل إذا حي

وكل جائز وجوده ففي طبيعته معىن ما بالقوة، وهو . أقدم من القوة، وما بالفعل أقدم على ما بالقوة،رك؛ فواجب الوجود اإلمكان واجلواز فيحتاج إىل واجب به جيب، وكذلك كل متحرك فيحتاج إىل حم

وجائز . ذات وجودها غري مستفاد من وجود غريه، وكل موجود فوجوده مستفاد عنه بالفعل: بذاتهالوجود له يف نفسه وذاته اإلمكان، وذلك إذا أخذته بال شرط، وإذا أخذته بشرط علته فله الوجوب،

.وإذا أخذته بشرط ال علية فله االمتناع

أخذ أرسطو طاليس يوضح أن املبدأ األول واحد من حيث إن العامل . ب الوجوديف أن واج: املسألة الثانيةإن الكثرة بعد االتفاق يف احلد ليست إال يف كثرة العنصر، وأما ما هو باآلنية األوىل فليس : واحد، ويقول

أي باالسم ال خيالط القوة، فإذا احملرك األول واحد بالكلمة والعدد،. له عنصر؛ ألنه متام، قائم بالفعل

Page 191: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 191

وأخذ من نصر مذهبه يوضح . هذا نقل ثامسطيوس. فمحرك العامل واحد؛ ألن العامل واحد: قال. والذاتولو كان كثريا حلمل واجب الوجود عليه : أن املبدأ األول واحد من حيث إنه واجب الوجود لذاته؛ قال

؛ فتتركب ذاته من جنس وفصل، وعلى غريه بالتواطؤ؛ فيشملها جنسا، وينفصل أحدمها عن اآلخر نوعاوألنه لو مل يكن هو بعينه . فتسبق أجزاء املركب على املركب سبقا بالذات، فال يكون واجبا بذاته

واجب الوجود لذاته ال لشيء عنه بل ألمر خارج عنه واجب بذاته لكان واجب الوجود بذلك األمر .خلف: هذا... اخلارج؛ فلم يكن واجبا بذاته

. عقل لذاته، وعاقل ومعقول لذاته؛ عقل من غريه، أو مل يعقل: الثالثة يف أن واجب الوجود لذاتهاملسألة

وأما أنه عاقل لذاته؛ . أما أنه عقل؛ فألنه جمرد عن املادة، مرته عن اللوازم املادية، فال حتتجب ذاته عن ذاتهاألول يعقل ذاته، : قال. ه بذاته أو بغريهوأما أنه معقول لذاته؛ فألنه غري حمجوب عن ذات. فألنه جمرد لذاته

مث من ذاته يعقل كل شيء، فهو يعقل العامل العقلي دفعة واحدة، من غري احتياج إىل انتقال وتردد من معقول إىل معقول؛ وأنه ليس يعقل األشياء على أا أمور خارجة عنه فيعقلها منها كحالنا عند

بسبب وجود األشياء املعقولة، حىت يكون : نه عاقال وعقالاحملسوسات بل يعقلها من ذاته؛ وليس كووليس لألول شيء يكمله، . وجودها قد جعله عقال، بل األمر بالعكس؛ أي عقله لألشياء جعلها موجودة

وأيضا فإنه لو كان يعقل األشياء . فهو الكامل لذاته، املكمل لغريه؛ فال يستفيد وجوده من وجود كماالأن : كان وجودها متقدما على وجوده، ويكون جوهره يف نفسه، ويف قوامه، ويف طباعهمن األشياء؛ ل

يقبل معقوالت األشياء من األشياء؛ فيكون يف طباعه ما هو بالقوة من حيث يكمل مبا هو خارج عنه، لوال ما هو خارج عنه مل يكن له ذلك املعىن، وكان فيه عدمها؛ فيكون الذي له يف طباع : حىت يقال

نفسه وباعتبار نفسه من غري إضافة إىل غريه أن يكون عادما للمعقوالت، ومن شأنه أن يكون له ذلك؛ .فيكون باعتبار نفسه خمالطا لإلمكان والقوة

وإذ فرضنا أنه مل يزل وال يزال موجودا بالفعل، فيجب أن يكون له من ذاته األمر األكمل األفضل ال من .غريه

عقل ما يلزمها لذاا بالفعل، وعقل كونه مبدأ، وعقل كل ما يصدر عنه على :وإذا عقل ذاته: قال .ترتيب الصدور عنه؛ وإال فلم يعقل ذاته بكنهها

فيكون حاله ! وإن كان ليس يعقل بالفعل، فما الشيء الكرمي الذي له وهو الكون الناقص كماله؟: قال األشياء متقدمة عليه بتقدم ما يقبله ذاته، وإن كحال النائم، وإن كان يعقل األشياء من األشياء فتكون

.كان يعقل األشياء من ذاته فهو املرام واملطلب

Page 192: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 192

إن كان جوهره العقل وأن : وقد يعرب عن هذا الغرض بعبارة أخرى تؤدي قريبا من هذا املعىن، فيقولذاته غري مضاف إىل ما ذاته، أو غريه؛ فإن كان يعقل شيئا آخر فما هو يف حد . يعقل؛ فإما أن يعقل

يعقله؟، وهل هلذا املعترب بنفسه فضل وجالل مناسب ألن يعقل؛ بأن يكون بعض األحوال أن يعقل له .أفضل من أن ال يعقل؟ أو بأن ال يعقل يكون له أفضل من أن يعقل؟

ث هو وهو أن يكون يعقل الشيء اآلخر، افضل من الذي له يف ذاته من حي: فإنه ال ميكن القسم اآلخر .وهذا حمال. يف ذاته شيء يلزمه أن يعقل، فيكون فضله وكماله بغريه

.املسألة الرابعة يف أن واجب الوجود ال يعتريه تغري وتأثر من غريه؛ بأن يبدع أو يعقل

سواء كان التغري : الباري تعاىل عظيم الرتبة جدا غري حمتاج إىل غريه، وال متغري بسبب من غريه: قالوإمنا ال جيوز له أن يتغري . كان تغريا بأن ذاته تقبل من غريه أثرا وإن كان دائما يف الزمانزمانيا، أو

كيفما كان؛ ألن انتقاله إمنا يكون إىل الشر ال إىل اخلري؛ ألن كل رتبة غري رتبته فهي دون رتبته، وكل صا إن كانت بعدية شيء يناله ويوصف به فهو دون نفسه، وال يكون أيضا مناسبا للحركة، خصو

.إىل الشيء الذي هو شر: إن التغري: وهذا معىن قوله. زمانية

وأجاب . أنه إذا كان األول يعقل أبدا ذاته؛ فإنه يتعب، ويكل، ويتغري، ويتأثر: وقد ألزم على كالمهيتعب من ثامسطيوس عن هذا بأنه إمنا ال يتعب؛ ألنه يعقل ذاته، وكما ال يتعب من أن حيب ذاته فإنه ال

.أن يعقل ذاته

أو لذاته جيب؛ بل ألنه ليس مضادا . ليست العلة أنه لذاته يعقل: قال أبو احلسني بن عبد اهللا بن سينالشيء يف اجلوهر العاقل؛ فإن التعب هو أذى يعرض لسبب خروج عن الطبيعة؛ وإمنا يكون ذلك إذا

الشىء املالئم اللذيذ احملض الذي ليس فيه كانت احلركات اليت تتواىل مضادت ملطلوب الطبيعة، فأما .منافاة بوجه فلم جيب أن يكون تكرره متعبا

املسألة اخلامسة يف أن واجب الوجود حي بذاته باق بذاته، أي كامل يف أن يكون بالفعل مدركا لكل .شيء، نافذ األمر يف كل شيء

يك خسيس، وأما هناك فاملشار إليه بلفظ إن احلياة اليت عندنا يقترن ا من إدراك خسيس، وحتر: وقالهو كون العقل التام بالفعل الذي يتعقل من ذاته كل شيء، وهو باق الدهر أزيل؛ فهو حي بذاته، : احلياة

.وإمنا ترجع مجيع صفاته إىل ما ذكرنا؛ من غري تكثر، وال تغري يف ذاته. عامل بذاته. باق بذاته

.الواحد إال واحداملسألة السادسة يف أنه ال يصدر عن

الصادر األول هو العقل الفعال؛ ألن احلركات إذا كانت كثرية، ولكل متحرك؛ فيجب أن يكون : قالعدد احملركات حبسب عدد املتحركات، فلو كانت احملركات واملتحركات تنسب إليه ال على ترتيب أول

Page 193: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 193

وقد . متحرك متحرك، فتكثر بذاتهوثان، بل مجلة واحدة؛ لتكثرت جهات ذاته بالنسبة إىل حمرك حمرك، وأقمنا الربهان على أنه واحد من كل وجه، فلن يصدر عن الواحد من كل وجه إال واحد وهو العقل

وله يف ذاته وباعتبار ذاته إمكان الوجود، وباعتبار علته وجوب الوجود؛ فتتكثر ذاته ال من جهة . الفعال .سباب، فتتكثر املسببات، والكل ينسب إليهعلته، فيصدر عنه شيئان؛ مث يزيد التكثر يف األ

إذا كان عدد املتحركات مرتبا على عدد احملركات؛ فتكون : قال. املسألة السابعة يف عدد املفارقاتأول، وثان؛ فلكل كرة متحركة حمرك مفارق غري متناهي القوة حيرك : اجلواهر املفارقة كثرية، على ترتيب

حمرك آخر مزاول للحركة؛ فيكون صورة للجرم السماوي؛ فاألول عقل كما حيرك املشتهي واملعشوق، ومفارق، والثاين نفس مزاول؛ فاحملركات املفارقة حترك على أا مشتهاة معشوقة، واحملركات املزاولة حترك

وذلك شيء مل يكن ظاهرا يف . مث يطلب عدد احملركات من عدد حركات األكر. على أا مشتهية عاشقة .إمنا ظهر بعدزمانه؛ و

تسعة منها مدبرات النفوس التسعة املزاولة، : واألكر تسع؛ ملا دل الرصد عليها؛ فالعقول املفارقة عشرة .وواحد هو العقل الفعال

اللذة يف احملسوسات هو الشعور باملالئم، ويف : قال أرسطوطاليس. املسألة الثامنة يف أن األول مبتهج بذاتهفاألول مغتبط بذاته، ملتذ ا؛ ألنه يعقل ذاته . كمال الواصل إليه من حيث يشعر بهاملعقوالت الشعور بال

جة، : بل جيب أن يسمي ذلك. على كمال حقيقتها وشرفها، وإن جل عن أن ينسب إليه لذة انفعاليةكيف وحنن نلتذ بإدراك احلق؛ وحنن مصروفون عنه، مردودون يف قضاء حاجات خارجة . وعالء، واء

يناسب حقيقتنا اليت حنن ا ناس؛ وذلك لضعف عقولنا، وقصورنا يف املعقوالت، وانغماسنا يف عماالطبيعة البدنية؛ لكنا نتوصل على سبيل االختالس فيظهر لنا اتصال باحلق األول، فيكون كسعادة عجيبة

كننا أن نشيم تلك البارقة يف زمان قليل جدا، وهذه احلال له أبدا، وهو لنا غري ممكن؛ ألنا مذنبون، وال مي .اإلهلية إال خطفه وخلسة

.املسألة التاسعة يف صدور نظام الكل، وتربيته عنه

وقد بينا القول يف . اثنان طبيعيان، وواحد غري متحرك: قد بينا أن اجلوهر يقال على ثالثة أضرب: قال، أو العنصر والصورة، ومها مبدأ اهليوىل والصورة: الواحد غري املتحرك، وأما االثنان الطبيعيان فهما

فاهليوىل جوهر قابل للصورة، والصورة . وأما العدم فيعد من املبادئ بالعرض ال بالذات. األجسام الطبيعيةمعىن ما يقترن باجلوهر فيصري به نوعا؛ كاجلزء املقوم له ال كالعرض احلال فيه، والعدم ما يقابل الصورة؛

والعدم املطلق مقابل للصورة . تكن فيجب أن يكون يف اهليوىل عدم الصورةفإنا مىت تومهنا أن الصورة مل

Page 194: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 194

.املطلقة، والعدم اخلاص مقابل للصورة اخلاصة

وأول الصورة اليت تسبق إىل اهليوىل هي األبعاد الثالثة فتصري جرما ذا طول وعرض وعمق؛ وهي : قالت األربع اليت هي احلرارة والربودة الفاعلتان، مث تلحقها الكيفيا. اهليوىل الثانية، وليست بذات كيفية

والرطوبة واليبوسة املنفعلتان؛ فتصري األركان واألسطقسات األربعة اليت هي النار، واهلواء، واملاء مث تتكون منها املركبات اليت تلحقها األعراض والكون، والفساد، ويكون . واألرض؛ وهي اهليوىل الثالثة

.بعضها هيوىل بعض

وإمنا رتبنا هذا الترتيب يف العقل والوهم خاصة دون احلس؛ وذلك أن اهليوىل عندنا مل تكن معراة : قالعن الصورة قط، فلم نقدر يف الوجود جوهرا مطلقا قابال لألبعاد مث حلقته األبعاد، وال جسما عاريا عن

.سط يف الوهم والعقلهذه الكيفيات مث عرض له ذلك؛ وإمنا هو عند نظرنا هو أقدم بالطبع، وأب

مث أثبت طبيعة خامسة وراء هذه الطبائع ال تقبل الكون والفساد، وال يطرأ عليها االستحالة والتغري، وهي وليس يعين باخلامسة طبيعة من جنس هذه الطبائع؛ بل معىن ذلك أن طبائعها خارجة عن . طبيعة السماء

ولكل . طبيعة خاصة، ويتحرك حبركة خاصةمث هي كلها على تركيبات خيتص كل تركيب خاص ب. هذهواملتحركات أحياء ناطقون، واحليوانية والناطقية هلا مبعىن آخر، وإمنا . متحرك حمرك مزاول، وحمرك مفارق

فترتيب العامل كله علوية وسفلية على نظام واحد، وصار . حيمل ذلك عليها وعلى اإلنسان باالشتراكوترتيب . ملبدأ األول على أحسن ترتيب وأحكم قوام، متوجها إىل اخلريحمفوظا بعناية ا: النظام يف الكل

املوجودات كلها يف طباع الكل على موع نوع ليس على ترتيب املساواة؛ فليس حال السباع كحال .الطري، وال حاهلا كحال النبات، وال حال النبات كحال احليوان

ض حبيث ال ينسب بعضها إىل بعض، بل هناك مع وليس مع هذا التفاوت منقطعا بعضها عن بع: قالاالختالف اتصال وإضافة جامعة للكل، جتمع الكل إىل األصل األول الذي هو املبدأ لفيض اجلود والنظام

وترتيب الطباع يف الكل كترتيب املزل : قال. يف الوجود؛ على ما ميكن يف طباع الكل أن يترتب عنهلعبيد، والبهائم، والسباع؛ فقد مجعهم صاحب املرتل، ورتب لكل الواحد من األرباب، واألحرار، وا

ليس قد أطلق هلم أن يعملوا ما شاءوا وأحبوا؛ فإن ذلك . واحد منهم مكانا خاصا، وقدر له عمال خاصا: فهم وإن اختلفوا يف مراتبهم، وانفصل بعضهم عن بعض بأشكاهلم وصورهم. يؤدي إىل تشويش النظام

دأ واحد، صادرون عن رأيه وأمره، مصرفون حتت حكمه وقدره؛ فكذلك جتري احلال يف منتسبون إىل مبالعامل؛ بأن يكون هناك أجزاء أول مفردة متقدمة هلا أفعال خمصوصة؛ مثل السماوات، وحمركاا،

ط وأجزاء مركبة متأخرة جتري أكثر أمورها على االتفاق املخلو. ومدبراا، وما قبلها منن العقل الفعال

Page 195: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 195

.مث ينسب الكل إىل عناية الباري جلت عظمته. بالطبع واإلرادة واجلرب املمزوج باالختيار

.املسألة العاشرة يف أن النظام يف الكل متوجه إىل اخلري، والشر واقع يف القدر بالعرض

سافل ملا اقتضت احلكمة اإلهلية نظام العامل على أحسن إحكام وإتقان؛ ال إلرادة وقصد أمر يف ال: قالإمنا أبدع العقل مثاللغرض يف السافل؛ حىت يفيض مثال على السافل فيضا، بل ألمر أعلى من : حىت يقال

ذلك، وهو أن ذاته أبدع ما أبدع لذاته ال لعلة وال لغرض؛ فوجدت املوجودات كاللوازم واللواحق، مث . إىل رأس واحدتوجهت إىل خلري؛ ألا صادرة عن أصل اخلري، وكان املصري يف كل حال

مث رمبا يقع شر وفساد من مصادمات يف األسباب السافلة دون العالية اليت كلها خري؛ مثل املطر الذي مل خيلق إال خريا ونظاما للعامل، فيتفق أن خيرب به بيت عجوز؛ فإن وقع كان ذلك واقعا بالعرض ال

ة أن ال يوجد خري كلي؟؛ فإن فقدان املطر بالذات، أو بأن ال يقع شر جزئي يف العامل ال تقتضي احلكمواقع يف : أصال شر كلي، وختريب بيت عجوز شر جزئي، والعامل للنظام الكلي ال اجلزئي؛ فالشر إذا

.القدر بالعرض

إن اهليوىل قد لبست الصور على درجات ومراتب، وإمنا يكون لكل درجة ما حتتمله يف نفسها : وقالفالدرجة األوىل احتماهلا على حنو . على إمساك عن بعض، وإفاضة على بعضدون أن يكون يف الفيض األ

والذي عندنا من العناصر دون اجلميع؛ ألن كل ماهية من ماهيات هذه . أفضل، والثانية دون ذلكاألشياء إمنا حتتمل ما تستطيع أن تلبس من الفيض على النحو الذي هيئت له، ولذلك تقع العاهات

. بدان؛ ملا يلزم من ضرورة املادة الناقصة اليت ال تقبل الصورة على كماهلا األول والثاينوالتشويهات يف األ

إنا مل جنز األمور على هذا املنهاج أجلأتنا الضرورة إىل أن نقع يف حماالت فيها من قبلنا كالثنوية : قال .وغريهم

.املسألة احلادية عشرة يف كون احلركات سرمدية، وأن احلوادث مل تزل

والفعل ليس مسبوقا بعدم، . إن صدور الفعل عن احلق األول إمنا يتأخر ال بزمان، بل حبسب الذات: قالولكن القدماء ملا أرادوا أن يعربوا عن العلية افتقروا إىل ذكر القبيلة . بل هو مسبوق بذات الفاعل فقط

تدرب فأومهت عبارام أن فعل وكانت القبيلة يف اللفظ تتناول الزمان وكذلك يف املعىن عند من مل يوحنن أثبتنا أن احلركات حتتاج إىل حمرك غري : قال. األول احلق فعل زماين، وأن تقدمه تقدم زماين

.متحرك

إما ان تكون مل تزل، أو تكون قد حدثت بعد أن مل تكن؛ وقد كان احملرك : احلركات ال ختلو: مث نقولنعه مانع من أن تكون عنه، وال حدث حادث يف حال ما أحدثها هلا موجودا بالفعل، قادرا، ليس ميا

Page 196: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 196

وال . كان مجيع ما حيدث إمنا حيدث عنه، وليس شيء غريه يعوقه أو يرغبه: فرغبه ومحله على الفعل؛ إذاقد كان ال يقدر أن يكون عنه مقدور فقدر، أو مل يرد فأراد، أو مل يعلم فعلم؛ فإن ذلك : ميكن أن يقال

إنه منعه مانع يلزم : وإن قلنا. ستحالة، ويوجب أن يكون شيئا آخر غريه هو الذي أحالهكله يوجب االكل : وباجلملة. أن يكون السبب املانع أقوى، واالستحالة والتغري عن املانع حركة أخرى استدعت حمركا

ئي خاص سبب ينسب إليه احلادث يف زمان حدوثه بعد جوازه يف زمان قبله وبعده فإن ذلك السبب جزأوجب حدوث تلك احلادثة اليت مل تكن قبل ذلك؛ وإال فاإلرادة الكلية، والقدرة الشاملة، والعلم الواسع

ليس خيتص بزمان دون زمان، بل نسبته إىل األزمان كلها نسبة واحدة؛ فال بد لكل حادث من : العام .ستحالةسبب حادث، ويتعاىل عنه الواحد احلق الذي ال جيوز عليه التغيري واال

تبني أن احملرك سرمدي، واحلركات : وإذا كان ال بد من حمرك للمحركات، ومن حامل للحركات: قال: إن حامل احلركة وهو اجلسم مل حيدث، لكنه حترك عن سكون: فإن قيل. سرمدية؛ فاملتحركات سرمدية

جلسم حدث؛ فقد إن ذلك ا: فإن قلنا. وجب أن يعثر على السبب الذي يغري من السكون إىل احلركة: أن احلركة، واملتحرك، والزمان الذي هو عاد للحركة: فقد بان. تقدم حدوث اجلسم حدوث احلركة

.أزلية سرمدية

واحلركات إما مستقيمة وإما مستديرة، واالتصال ال يكون إال للمستديرة؛ ألن املستقيم ينقطع، واالتصال بأزيل، والزمان متصل؛ ألنه ال ميكن أن يكون قطعا أمر ضروري لألشياء األزلية؛ فإن الذي يسكن ليس

مبتورة، فيجب من ذلك أن تكون هي أزلية، فيجب أن يكون حمرك هذه احلركة املستديرة أيضا أزليا؛ إذ ال يكون ما هو أخس علة ملا هو أفضل، وال فائدة يف حمركات ساكنة غري حمركة كالصور األفالطونية؛

.طبيعة بال فعل فتكون متعطلة غري قادرة أن حتيل وحتركفال ينبغي أن يضع هذه ال

.املسألة الثانية عشرة يف كيفية تركب العناصر

. كل موجود ففعله مثل طبيعته، فما كانت طبيعته بسيطة؛ ففعله بسيط: حكى فرفوريوس عنه أنه قال

. الوجود؛ فإنه موجودواهللا تعاىل واحد بسيط؛ ففعل اهللا تعاىل واحد بسيط، وكذلك فعله االجتالب إىل

لكن اجلوهر ملا كان وجوده باحلركة كان بقاؤه أيضا باحلركة؛ وذلك أنه ليس للجوهر أن يكون موجودا إما أن تكون : وكل حركة تكون. من ذاته مبرتلة الوجود األول احلق، لكن من التشبه بذلك األول احلق

ون متناهية، واجلوهر يتحرك يف األقطار الثالثة اليت مستقيمة، أو مستديرة؛ فاحلركة املستقيمة جيب أن تكوبقي عليه . على خطوط مستقيمة، حركة متناهية، فيصري بذلك جسما: الطول، والعرض، والعمق: هي

أن يتحرك باالستدارة على اجلهة اليت ميكن فيها حركة بال اية، وال يسكن يف وقت من األوقات، إال أنه : عه حركة على االستدارة؛ وذلك أن الدائر حيتاج إىل شيء ساكن يف وسط منهليس ميكن أن يتحرك بأمج

Page 197: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 197

.كالنقطة؛ فانقسم اجلوهر، فمتحرك بعضه على االستدارة وهو الفلك، وسكن بعضه يف الوسط

وكل جسم يتحرك فيماس جسما ساكنا ويف طبيعته قبول التأثري منه أحدث سخونة فيه، وإذا : قالواجلسم الذي يلي النار يبعد عن . ف؛ فكانت طبيعة النار تلي الفلك املتحركلطف، واحنل، وخ: سخن

الفلك ويتحرك حبركة النار؛ فتكون حركته أقل، فال يتحرك بأمجعه لكن جزء منه، فيسخن دون سخونة واجلسم الذي يلي اهلواء ال يتحرك لبعده عن احملرك له، فهو بارد لسكونه، ورطب . النار، وهو اهلواء

واجلسم الذي يف الوسط فإنه بعد يف الغاية عن . ورة اهلواء احلار الرطب؛ ولذلك احنل قليال؛ وهو املاءا .الفلك، ومل يستفد من حركته شيئا، وال قبل منه تأثريا، فيبس وبرد؛ وهو األرض

ي يتولد عنها أجسام مركبة، وه: وختتلط. وإذا كانت هذه األجسام تقبل التأثري بعضها عن بعضمث خيتص بكل نوع طبيعة خاصة . املعادن، والنبات، واحليوان، واإلنسان: املركبات احملسوسات، اليت هي

.تقبل فيضا خاصا على ما قدر الباري جلت قدرته

.املسألة الثالثة عشرة يف اآلثار العلوية

أدخنة نارية : دمهاأح: الذي يتصاعد من األجسام السفلية إىل اجلو ينقسم قسمني: قال أرسطوطاليس .بإسخان الشمس وغريها

أخبرة مائية؛ فتصعد إىل اجلو وقد صحبتها أجزاء أرضية، فتتكاثف، وجتتمع بسبب ريح أو غريها، : والثاينفتصري ضبابا أو سحابا، فتصادفها برودة، فتعصر ماء، وثلجا، وبردا؛ فترتل إىل مركز املاء، وذلك

بعض؛ فكما أن املاء يستحيل هواء فيصعد، كذلك اهلواء يستحيل ماء الستحالة األركان بعضها عن مث الرياح واألدخنة إذا احتقنت يف خالل السحاب واندفعت مرة مسع هلا صوت وهو الرعد، . فيرتل

وقد يكون من األدخنة ما تكون اهلنية، على . ويلمع من اصطكاكها وشدة صدمتها ضياء وهو الربق: ومنها ما حيترق يف اهلواء، فيتحجر، فيرتل. يصري شهابا ثاقبا، وهي الشهبمادا أغلب، فيشتعل، ف

من املشتعالت ما يبقى فيه . ومنها ما حيترق نارا، فيدفعها دافع، فيرتل صاعقة. حديدا، أو حجرا؛ ورمبا كان عريضا. االشتعال؛ ووقف حتت كوكب، ودارت به النار الدائرة بدوران الفلك، فكان ذنبا له

فرئي كأنه حلية كوكب، ورمبا وقع صقيل الظاهر من السحاب صور الريات وأضواؤها، كما يقع على املرائي واجلدران الصقيلة؛ فريى ذلك على أحوال خمتلفة، حبسب اختالف بعدها من النري وقرا،

من هذه وذكر أسباب كل واحد . هالة، وقوس قزح، ومشوس، وشهب، وارة: وصفائها وكدورا؛ يف .يف كتابه املعروف باآلثار العلوية والسماء والعامل وغريمها

.املسألة الرابعة عشرة يف النفس اإلنسانية الناطقة، واتصاهلا بالبدن

Page 198: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 198

منها االستدالل على وجودها : النفس اإلنسانية ليست حبسم وال قوة يف جسم، وله يف إثباا مآخذ: قال .تدالل عليها بالتصورات العلميةباحلركات االختيارية، ومنها االس

ال نشك أن احليوان يتحرك إىل جهات خمتلفة حركة اختيارية؛ إذ لو كانت حركاته : أما األول فقالعلم أن : لتحركت إىل جهة واحدة ال ختتلف البتة، فلما حتركت إىل جهات متضادة: طبيعية أو قسريةه كاحليوان، إال أنه يتحرك ملصاحل عقلية يراها يف عاقبة واإلنسان مع أنه خمتار يف حركات. حركاته اختيارية

واحليوان . كل أمر، فال تصدر عنه حركاته إال إىل غرض وكمال، وهو يف معرفته يف عاقبة كل حالليست حركاته بطبعه على هذا النهج؛ فيجب أن يتميز اإلنسان بنفس خاص؛ كما متيز احليوان عن سائر

.املوجودات بنفس خاص

إنا ال نشك أنا نعقل ونتصور أمرا معقوال صرفا؛ مثل املتصور من : الثاين وهو املعول عليه قالوأما اإلنسان أنه إنسان كلي يعم مجيع أشخاص النوع، وحمل هذا املعقول جوهر ليس حبسم وال قوة يف جسم

منه ال ينقسم، أو أو صورة جلسم؛ فإنه إن كان جسما فإما أن يكون حمل الصورة املعقولة منه طرفا وبطل أن يكون طرفا منه غري منقسم؛ فإنه لو كان كذلك لكان احملل كالنقطة اليت ال متيز . مجلته املنقسمة

هلا يف الوضع عن اخلط؛ فإن الطرف اية اخلط، والنهاية ال يكون هلا اية أخرى، وإال تسلسل القول فيجب . وإن كل حمل املعقول من اجلسم شيئا ينقسم. فيه؛ فتكون النقط متشافعة ولكل اية، وذلك حمال

أن ينقسم املعقول بانقسام حمله، ومن املعقوالت ما ال ينقسم البتة؛ فإن ما ينقسم جيب أن يكون شيئا واإلنسانية الكلية املتصورة يف الذهن ليست كشكل قابل للقطع، وال كمقدار قابل . كالشكل واملقدار

.ليست جبسم، وال قوة يف جسم، وال صورة يف جسمفتبني أن النفس . للفصل

.املسألة اخلامسة عشرة يف وجه اتصاهلا بالبدن، ووقت اتصاهلا

إذا حتقق أا ليست جبسم مل تتصل بالبدن اتصال انطباع فيه، وال حلول فيه؛ بل اتصلت به اتصال : قال ألا لو كانت موجودة قبل وجود :وإمنا حدثت مع حدوث البدن ال قبله وال بعده؛ قال. تدبري وتصرف

وبطل األول؛ فإن املتكثر إما أن يكون باملاهية والصورة، . األبدان لكانت متكثرة بذواا، وإما متحدةوإما أن تكون متكثرة من جهة . وقد فرضناها متفقة يف النوع ال اختالف فيها؛ فال تكثر فيها وال متايز

وهذا حمال أيضا؛ فإنا إذا فرضناها قبل البدن ماهية . باألمكنة واألزمنةالنسبة إىل العنصر واملادة املتكثرةجمردة ال نسبة هلا إىل مادة دون مادة، وهي من حيث إا ماهية ال اختالف فيها، وأن األشياء اليت ذواا

بينها معان تتكثر تنوعاا باحلوامل، والقوابل، واملنفعالت عنها؛ وإذا كانت جمردة فمحال أن يكون .مغايرة وكاثرة

Page 199: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 199

ولعمري إا تبقى بعد البدن متكثرة؛ فإن األنفس قد وجد كل منها ذاتا منفردة باختالف موادها اليت كانت، وباختالف أزمنة حدوثها، وباختالف هيئات وملكات حصلت عند االتصال بالبدن؛ فهي

: قية بعد مفارقة البدن بعوارض معينة لهحادثة مع حدوث البدن، تصريه نوعا كسائر الفصول الذاتية؛ وبا

.وفارق قدماءه. فارق أستاذه: وذا الدليل. مل توجد تلك العوارض قبل اتصاهلا بالبدن

فحمل . وقد وجد يف أثناء كالمه ما يدل على أنه يعتقد أن النفس كانت موجودة قبل وجود األبدانلصور املوجودة بالقوة يف واهب الصور؛ كما بعض مفسري كالمه قوله ذلك على أنه أراد به الفيض وا

إن النار موجودة يف احلجر والشجر، أو اإلنسان موجود يف النطفة، والنخلة موجودة يف النواة، : يقالومنهم من أجراه على ظاهره وحكم بالتمييز بني النفوس باخلواص اليت هلا، . والضياء موجود يف الشمس

النوع : ية مل يشاركها فيها غريها، فليست متفقة بالنوع؛ أعيناختصت كل نفس إنسانية خباص: وقالومنهم من حكم بالتمييز بالعوارض اليت هي مهيأة حنوها، وكما أا تتمايز بعد االتصال بالبدن . األخري

كذلك تتمايز بأا ستكون متمايزة باألبدان، والصنائع، واألفعال، واستعداد : بأا كانت متميزة يف املادة . نفس لصنعة خاصة، أو علم خاص؛ فتنهض هذه فصوال ذاتية أو عوارض الزمة لوجودهاكل

.املسألة السادسة عشرة يف بقائها بعد البدن، وسعادا يف العامل العقلي

إن النفوس اإلنسانية إذا استكملت قويت العلم والعمل تشبهت باإلله سبحانه وتعاىل، وو صلت إىل : قال التشبه بقدر الطاقة يكون إما حبسب االستعداد، وإما حبسب االجتهاد، فإذا فارق البدن كماهلا؛ وإمنا هذا

وليس كل لذة فهي . ويتم له التذاذ واالبتهاج. اتصل بالروحانيني، واخنرط يف سلك املالئكة املقربنيملتذ سآمة، جسمانية؛ فإن تلك اللذات نفسانية عقلية، وهذه اللذة اجلسمانية تنتهي إىل حد، ويعرض لل

: إن تعدى عن احلد احملدود؛ خبالف اللذات العقلية؛ فإا حيثما ازدادت... وكالل، وضعف، وقصور

.إليها... ازداد الشوق، واحلرص، والعشق

ومل حيقق املعاد إال لألنفس، ومل يثبت . وكذلك القول يف اآلالم النفسانية؛ فإا تقع بالضد مما ذكرنا . إحالال هلذا الرباط احملسوس من العامل، وال إبطاال لنظامه؛ كما ذكره القدماءحشرا، وال نشرا، وال

فهذه نكت كالمه استخرجناها من مواضع خمتلفة، وأكثرها من شرح ثامسيطيوس وكالم الشيخ أيب على .بن سينا الذي يتعصب له، وينصر مذهبه، وال يقول من القدماء إال به

وحنن اآلن ننقل كلمات حكمية . ذكر فالسفة اإلسالم إن شاء اهللا تعاىلوسنذكر طريقة ابن سينا عند ألصحاب أرسطوطاليس ومن نسج على منواله بعده، دون اآلراء العلمية؛ إذ ال خالف بينهم يف اآلراء

.والعقائد

ووجدت كلمات وفصوال للحكيم أرسطوطاليس من كتب متفرقة، فنقلتها على الوجه الذي وجدت،

Page 200: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 200

منها يف : بعضها ما يدل على أن رأيه على خالف ما نقله ثامسيطيوس واعتمده ابن سيناوإن كان يفاألشياء احملمولة، أعين الصور املتضادة فليس يكون أحدمها من صاحبه، بل جيب أن : حدوث العامل؛ قال

جب أن يكون وإذا دثر معىن و. يكون بعد صاحبه، قيتعاقبان على املادة؛ فقد بان أن الصورة تدثر وتبطلفقد صح أن الكون حادث ال من . يدل على أن جائيا جاء به: له بدء؛ ألن الدثور غاية، وهو أحد اجلنبني

شيء، وأن احلامل هلا غري ممتنع الذات من قبوهلا، ومحله إياها وهي ذات بدء وغاية يدل على أن حواملها ء له وال غاية؛ ألن الدثور آخر، واآلخر ذو بدء وغاية، وأنه حادث ال من شيء، ويدل على حمدث ال بد

ما كان له أول، فلو كانت اجلواهر والصور مل يزاال فغري جائز استحالتهما؛ ألن االستحالة دثور الصورة .اليت ا كان شيء

وخروج الشيء من حد إىل حد ومن حال إىل حال يوجب دثور الكيفية، وتردد املستحيل يف الكون ه، وحدوث أحواله يدل على ابتدائه، وابتداء جزئه يدل على بدء كله، وواجب والفساد يدل على دثور

إن قبل بعض ما يف العامل الكون والفساد أن يكون كل العامل قابال له، وكان له بدء يقبل الفساد وآخر .يستحيل إىل كون؛ فالبدء والغاية يدالن على مبدع

كان مل يزل والشيء غريه مث أحدث العامل فلم أحدثه؟ إذا : وقد سأل بعض الدهرية أرسطوطاليس وقالمل غري جائزة عليه؛ ألن مل تقتضي علة والعلة حممولة فيما هي علة له من معل فوقه، وال علة : فقال له

فيجب أن : فوقه؛ وليس مبركب فتحمل ذاته العلل؛ فلم عنه منتفية، فإمنا فعل ما فعل؛ ألنه جواد، فقيلمعىن مل يزل أن ال أول، وفعل يقتضي أوال، واجتماع ما ال أول له وذو أول : ؟ قاليكون فاعال مل يزل

نعم، قيل فإذا أبطله بطل اجلود؟، : فهل يبطل هذا العامل؟، قال: يف القول والذات حمال متناقص، قيل له ويعزى هذا مت كالمه.سيبطله ليصوغه الصيغة اليت ال حتتمل الفساد ألن هذه الصيغة حتتمل الفساد: قال

.الفصل إىل سقراطيس قاله لبقراطيس؛ وهو بكالم املاء أشبه

ما خلط بعض ذوات اجلنس ببعض، : احلار: ومما نقل عن أرسطوطاليس حتديده العناصر األربعة؛ قالما مجع بني ذوات اجلنس وغري ذوات اجلنس؛ ألن : البارد: وقال. وفرق بني بعض ذوات اجلنس من بعض

.اشتملت على األجناس املختلفة من املاء والنبات وغريمها: دت املاء حىت يصري جليداالربودة إذا مج

اليسري اإلحنصار من : العسري االحنصار من ذاته اليسري االحنصار من ذات غريه، واليابس: والرطب: قال. على االنفعالذاته العسري االحنصار من ذات غريه؛ واحلدان األوالن يدالن على الفعل، واآلخران يدالن

أن : وعن بعضهم. أن مبادئ األشياء هي العناصر األربعة: ونقل أرسطوطاليس عن مجاعة من الفالسفةوقد أثبت قوم من النصارى تلك الظلمة . املبدأ األول هو ظلمة وهاوية، وفسره بفضاء، وخالء، وعماية

Page 201: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 201

.الظلمة اخلارجة: ومسوها

من الناس من يكون طبعه مهيأ لشيء ال : أن أفالطون قال:ومما خالف أرسطو طاليس أستاذه أفالطونوكان أفالطون يعتقد أن النفوس اإلنسانية . إذا كان الطبع سليما صلح لكل شيء: يتعداه؛ فخالفه وقال

أنواع يتهيأ كلل نوع لشيء ما ال يتعداه، وأرسطوطاليس يعتقد أن النفوس اإلنسانية نوع واحد، وإذا يأ .واهللا املوفق. أ له كل النوعي: صنف لشيء

. حكم اإلسكندر الرومي وهو ذو القرنني امللك، وليس هو املذكور يف القرآن؛ بل هو ابن فيلبوس امللك

سلمه أبوه إىل أرسطوطاليس احلكيم املقيم مبدينة . وكان مولده يف السنة الثالثة عشرة من ملك دارا األكربنه احلكمة واألدب حىت بلغ أحسن املبالغ، ونال من الفلسفة ما مل إينياس، فاقام عنده مخس سنني يتعلم م

ينله سائر تالميذه، فاسترده والده حني استشعر من نفسه علة خاف منها، فلما وصل إليه جدد العهد له، .وأقبل عليه، واستولت عليه العلة؛ فتويف منها، واستقل اإلسكندر بأعباء امللك

حبيث : يف املكتب إن أفضي إليك هذا األمر يوما ما فأين تضعين؟ قالفمن حكمه أنه سأله معلمه وهو .تضعك طاعتك يف ذلك الوقت

ألن أيب كان سبب حيايت الفانية، ومؤديب هو : قال! إنك تعظم مؤد بك أكثر تعظيمك والدك: وقيل لهألن : ويف روايةألن أيب كان سبب حيايت، ومؤديب سبب جتويد حيايت؛: سبب حيايت الباقية؛ ويف رواية

ألن : لو قيل يل هذا لقلت: وقال أبو زكريا الصيمري. أيب كان سبب كوين ومؤديب كان سبب نطقيأيب كان قضى وطرا بالطبيعة اليت اختلفت بالكون والفساد، ومؤديب أفادين العقل الذي به انطلقت إىل ما

.ليس فيه كون وال فساد

واهللا ما أعد هذا اليوم من أيام عمري يف : اجة، فقال ألصحابهوجلس اإلسكندر يوما فلم يسأله أحد حومل أيها امللك؟ : ومل أيها امللك؟ قال؛ ألن امللك هذا اليوم من أيام عمري يف ملكي، قيل: ملكي، قيل

قال؛ ألن امللك ال يوجد التلذذ به إال باجلود على السائل، وإغاثة امللهوف، ومكافأة احملسن؛ وإال بإنالة .اغب، وإسعاف الطالبالر

بدار ال حدة فيه، وريث ال غفلة : امجع يف سياستك بني... وكتب إليه أرسطوطاليس يف كالم طويلمعه، وامزج كل شكل بشكله حىت يزداد قوة وعزة عن ضده حىت يتميز لك بصورته، وصن وعدك عن

بد احلق حر، وليكن وكدك اخللف؛ فإنه شني، وشب وعيدك بالعفو؛ فإنه زين، وكن عبدا للحق؛ فإن عوأظهر ألهلك أنك منهم، وال . اإلحسان إىل مجيع اخللق؛ ومن اإلحسان وضع اإلساءة يف موضعها

.صحابك أنك م، ولرعيتك أنك هلم

ال سجود لغري بارئ الكل؛ بل حيق له : وتشاور احلكماء يف أن يسجدوا له إجالال وتعظيما، فقال

Page 202: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 202

.ضائلالسجود على من كساه جة الف

ال تنحط : دعه: وأغلظ له رجل من أهل أثينية فقام إليه بعض قواده ليقابله بالواجب، فقال له اإلسكندر .إىل دناءته، ولكن ارفعه إىل شرفك

: إن روشنك امرأتك: وقيل له. من كنت حتب احلياة ألجله؛ فال تستعظم املوت بسببه: وقال اإلسكندر

غلب اإلسكندر دارا : أكره أن يقال: قال! لنساء؛ فلو قربتها إىل نفسكبنت دارا امللك، وهي من أمجل ا .وغلبت روشنك اإلسكندر

.من الواجب على أهل احلكمة أن يسرعوا إىل قبول اعتذار املذنبني، وأن يبطئوا عن العقوبة: وقال

.سلطان العقل على باطن العاقل أشد حتكما من سلطان السيف على ظاهر األمحق: وقال

.ليس املوت بأمل للنفس؛ بل للجسد: الوق

.الذي يريد أن ينظر إىل أفعال اهللا عز وجل جمردة؛ فليعف عن الشهوات: وقال

.إن نظم مجيع ما يف األرض شبيهة بالنظم السماوي؛ ألا أمثال له حبق: وقال

.العقل ال يأمل يف طلب معرفة األشياء؛ بل اجلسد يأمل ويسأم: وقال

. املرآة يرى رسم الوجه؛ ويف أقاويل احلكماء يرى رسم النفسالنظر يف: وقال

قلة االسترسال إىل الدنيا أسلم، واالتكال على القدر أروح، وعند : ووجدت يف عضده صحيفة فيها .حسن الظن تقر العني، وال ينفع مما هو واقع التوقي

وىل الشخصية لصورا، وانفعاهلا ملا ما ألطف قبول هذه اهلي: إنه أخذ يوما تفاحة فقال: وقال بعضهم عنهمن تركيب بسيط، وبسط مركب، حسب متثيل النفس هلا؛ : تؤثر الطبيعة فيها من األوضاع الروحانية

وألطف منها قبول هذه النفس اإلنسانية : ولو قيل. كل ذلك دليل على إبداع مبدع الكل وإله الكلمن تركيب بسيط، وبسط : ية فيها من العلوم الروحانيةلصورا العقلية، وانفعاهلا ملا تؤثر النفس الكل

.مركب حسب متثيل العقل هلا؛ وكل ذلك دليل على إبداع مبدع الكل وإله الكل

: ليست هذه عطية ملك، فقال الكليب: وسأله أطوسايس الكلي أن يعطيه ثالث حبال فقال اإلسكندر

.وال هذه مسألة كليب: أعطين مائة رطل من الذهب، فقال

كنا عند شرب املنجم إذا وصل إلينا اإلسكندر امللك، فأقامنا يف جوف الليل، وأدخلنا بستانا : وقال بعضهممن تعاطى علم ما فوقه، : له؛ لريينا النجوم، فجعل شرب يشري إليها بيده ويسري حىت سقط يف بئر، فقال

.بلى جبهل ما حتته

.عرفناه أطلنا يومه وأطرنا نومهوقال السعيد من ال يعرفنا وال نعرفه؛ ألنا إذا

Page 203: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 203

وقال استقلل كثري ما تعطى، واستكثر قليل ما تأخذ؛ فإن قرة عني الكرمي فيما يعطي، ومسرة اللئيم فيما .وال جتعل الشحيح أمينا، وال الكذاب صفيا فإنه ال عفة مع شح، وال أمانة مع كذب. يأخذ

.بتحصني األسرار: حالة الرأيبإحالة الرأي، وإ: باحلزم، واحلزم: الظفر: وقال

وضعوه يف تابوت من ذهب ومحلوه إىل اإلسكندرية، وكان قد عاش : وملا تويف اإلسكندر برومية املدائن .اثنتني وثالثني سنة، وملك اثنيت عشرة سنة وندب مجاعة من احلكماء لندبته

من خريه ما كان مقبال، فمن أقبل من شره ما كان مدبرا، وأدبر: هذا يوم عظيم العربة: فقال بليموس .كان باكيا على من زال ملكه؛ فليبكه

.خرجنا إىل الدنيا جاهلني، وأقمنا فيها غافلني، وفارقناها كارهني: وقال ميالطوس

ما كنت إال ظل سحاب اضمحل ملا أظل، فما حتس مللكك أثرا، ! يا عظيم الشأن: وقال زينون األصغر .وال نعرف له خريا

مجعت ما خذلك، وتوليت ما توىل عنك؛ فلزمتك أوزاره، ! أيها الساعي املغتصب: الطون الثاينوقال أف .وعاد على غريك مهنئوه ومثاره

!.أال تتعجبون ممن مل يعظنا اختيارا، حىت وعظنا بنفسه اضطرارا: وقال فوطس

وم نقدر على القول؛ قد كنا ب األمس نقدر على االستماع وال نقدر على القول، والي: وقال مسطورس .فهل نقدر على االستماع؟

.انظروا إىل حلم النائم كيف انقضى، وإىل ظل الغمام كيف اجنلى؟: وقال ثاون

.كم قد أمات هذا الشخص لئال ميوت فمات، فكيف مل يدفع عن نفسه باملوت؟: وقال سوس

.طوى األرض العريضة فلم يقنع حىت طوى منها يف ذراعني: وقال حكيم

.غري سفره هذا... ما سافر اإلسكندر سفرا بال أعوان، وال آلة وال عدة: ل آخروقا

.ما ارغبنا فيما فارقت، وأغفلنا عما عاينت: وقال آخر

.مل يؤدينا بكالمه كما أدبنا بسكوته: وقال آخر

.من يرى هذا الشخص فليتق، وليعلم أن الديون هكذا قضاؤها: وقال آخر

.س طلعته علينا حياة، واليوم النظر إليه سقيمقد كان باألم: وقال آخر

.قد كان يسأل عما قبله، وال يسال عما بعده: وقال آخر

.من شدة حرصه على االرتفاع احنط كله: وقال آخر

.اآلن تضطرب األقاليم؛ ألن مسكنها قد سكن: وقال آخر

Page 204: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 204

.، واهللا تعاىل يبقى وال يفىناآلن وقت االنصراف؛ ألن األشخاص يتوجهون من دار إىل دار: وقال آخر

حكم ديوجانس الكليب وكان حكيما فاضال متقشفا، ال يقتين شيئا، وال يأوي إىل مرتل، وكأنه من ليس اهللا تعاىل علة الشرور، بل اهللا : قال. قدرية الفالسفة ملا يوجد يف مدارج كالمه من امليل إىل القدر

جعلها بني خلقه، فمن كسبها ومتسك ا ناهلا؛ ألنه ال ... العقلتعاىل علة اخلريات والفضائل، واجلود، و .يدرك اخلريات إال ا

بأفعال اخلريات، وإنك لتقدر أيها امللك أن : بأي شيء يكتسب الثواب؟ قال: وسأله اإلسكندر يوما فقال .تكتسب يف يوم واحد ما ال تقدر الرعية أن تكسبه يف دهرها

.ما عفتم؛ يعين احلكمة: ما غذاؤك؟، قال:وسأله عصبة من أهل اجلهل

الغضب، : أربابكم؛ يعين: كم عبد لك؟ قال: قالوا. ما استطبتم؛ يعين اجلهل: فما عفت؟ قال: قالوامل أملك اخللقة الذميمة : قال! ما أقبح صورتك: وقالوا له يوما. والشهوة، واألخالق الرديئة الناشئة منهما

لقة احلسنة فتحمدوا عليها، وأما ما صار يف ملكي وأتى عليه تدبريي فقد وال ملكتم اخل. فأالم عليها .استكملت تزيينه وحتسينه بغاية الطوق وقاصية اجلهد؛ واستكملتم شني ما يف ملككم

وجالء العقل . أما التزيني فعمارة الذهن باحلكمة: فما الذي يف امللك من التزيني والتهجني؟ قال: قالواهوة بالعفاف، وردع الغضب باحللم، وقطع احلرص بالقنوع، وإماتة احلسد بالزهد، باألدب، وقمع الش

وتذليل املرح بالسكون، ورياضة النفس حىت تصري مطية قد ارتاضت فتصرفت حيث صرفها فارسها يف تعطيل الذهن من احلكمة، وتوسيخ العقل بضياع األدب، : ومن التهجني. طلب العليات، وهجر الدنيات

.لشهوة بأتباع اهلوى، وإضرام الغضب باالنتقام، وإمداد احلرص بالطلبوإثارة ا

.عليك بتقدمي األكل، وعلينا باستعمال العدل: استكثر منه؛ فقال: وقدم إليه رجل طعاما وقال له

وقال زمام العافية بيد البالء، ورأس السالمة حتت جناح العطب، وباب األمن مستور باخلوف؛ فال تكون .ن هذه الثالث غري متوقع لضدهايف حال م

أما غضب اإلنسانية فقد أغضبه، وأما غضب البهيمة فقد تركته؛ لترك : مالك ال تغضب؟ قال: وقيل له .الشهوة البهيمة

إن الذي منعك من املصري إلينا هو الذي : قل له: واستدعاه امللك اإلسكندر يوما إىل جملسه؛ فقال للرسول .منعك استغناؤك عين بسلطانك، ومنعين استغنائي عنك بقناعيتمنعنا من املصري إليك؛

منظر الرجال بعد املخرب، وخمرب النساء بعد املنظر؛ : وعابته امرأة يونانية بقبح الوجه ودمامة الصورة؛ فقال .فخجلت، وتابت

فما خلويف : بل خري، قال: أنت خري أم شرير؟ قال: ما ختافين؟ قال: ووقف عليها اإلسكندر يوما فقال له

Page 205: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 205

.من اخلري معىن؛ بل جيب على رجاؤه

وكان ألهل مدينة من بالد اليونان صاحب جيش جبان، وطبيب مل يعاجل أدا إال قتله؛ فظهر عليهم عدو، .اجعلوا طبيبكم صاحب لقاء العدو، واجعلوا صاحب جيشكم طبيب: ففزعوا إليه؛ فقال

. حيا بعد موتك؛ لئال تكون مليتتك ميتة ثانيةاعلم أنك ميت ال حمالة، فاجتهد أن تكون: وقال

وقال كما أن األجسام تعظم يف العني يف اليوم الضباب؛ كذلك تعظم الذنوب عند اإلنسان يف حال .الغضب

.هو اختيار صادف نفسا فارغة: وسئل عن العشق؟ فقال

إن أخربتين إىل أين : لغالمتعلم من أين جتيء هذه النار؟ فقال له ا: ورأى غالما معه سراج، فقال له .تذهب، أخربتك من أين جتيء؛ فأعياه وأفحمه، بعد أن مل يكن يقوى عليه أحد

.دع الشر يغسله الشر: على هذا املعىن جرى املثل: ورأى امرأة قد محلها املاء، فقال

.نار على نار، وحامل شر من حممول: ورأى امرأة حتمل نارا، فقال

. ملعب، مل خترج لترى، ولكن لتريورأى امرأة متزينة يف

.هو ذا الثعبان يستقرض من األفاعي مسا: على هذا جرى املثل: ورأى نساء يتشاورن، فقال

.يسقي هذا السهم مسا؛ لريمى به يوما ما: ورأى جارية تتعلم الكتابة، فقال

.لو كنت تدركني املوت ملا كنت ضاحكة أبدا: ورأى امرأة ضاحكة، فقال

قد آمنت بالفقر؛ فليكن غناك اقتناء ! أيها امللك: لالسكندر يوما وكان يقربه ويدنيه ويأنس بكالمهوقال .احلمد، وابتغاء اد

حكم الشيخ اليوناين

إن أمك رءوم لكنها فقرية رعناء، وإن أباك حلدث لكنه جواد مقدر؛ يعين : منها قوله. وله رموز وأمثالورة وبالرءوم انقيادها، وبالفقر احتياجها إىل الصورة، وبالرعونة قلة ثباا على ما باألم اهليوىل وباألب الص

أي النقص ال يعتريها : أي هي مشرقة لك مبالبسة اهليوىل، وأما جودها: حتصل عليه، وأما حداثة الصورةوهذا ما فسر به رمزه ... من قبل ذاا؛ فإا جواد، لكن من قبل قبول اهليوىل؛ فإا إمنا تقبل على تقديرها

ومحل األم على اهليوىل صحيح مطابق للمعىن، وليس محل األب على الصورة بذلك الوضوح؛ بل . ولغزه: لك نسبان: وقال. أظهر... محله على العقل الفعال اجلواد، الواهب للصور على قدر استعدادات القوابل

أوضع، فانتسب يف ظاهرك وباطنك أنت بأحدمها أشرف، وباآلخر. نسب إىل أبيك، ونسب إىل أمكإىل من أنت به أشرف، وتربأ يف ظاهرك وباطنك ممن أنت فيه أوضع؛ فإن الولد الفسل حيب أمه أكثر مما

.حيب أباه، وذلك دليل وذلك دليل على دخل العرق وفساد احملتد

Page 206: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 206

.اهليوىل والصورة، أو البدن والنفس، أو اهليوىل والعقل الفعال: أراد بذلك: قيل

أحدمها حمق واآلخر مبطل، فاحذر أن تقضي بينهما : قد ارتفع إليك خصمان منك يتنازعان فيك: وقال .أحدمها العقل، والثاين الطبيعة: واخلصمان. بغري احلق فتهلك أنت

كما أن البدن اخلايل من النفس يفوح منه ننت اجليفة، كذلك النفس اخلالية من األدب حيس نقصها : وقال .ألفعالبالكالم وا

وقال أبو سليمان السجزي مفهوم هذا اإلطالق أن كل . الغائب املطلوب يف طي الشاهد احلاضر: وقال .ما هو عندنا باحلس ها هنا فهو بالعقل لنا هناك

إال أن الذي عندنا ظل ذاك؛ وألن من شاء الظل أنه كما يريك الشيء الذي هو ظله مرة فاضال عما هو عرض احلسبان والتوهم وصارا مزامحني لليقني ... هو به، ومرة على قدرهعليه، ومرة قالصا عما

والتحقيق؛ فينبغي أن تكون عنايتنا بطلب البقاء األبدي، والوجود السرمدي أمت، وأظهر، وأبقى، وأبلغ؛ .ما كان الغائب طي الشاهد، وبتصفح هذا الشاهد، يصح ذلك الغائب: فباحلق

جوهر كرمي شريف، يشبه دائرة قد دارت على مركزها، غري أا دائرة ال النفس : وقال الشيخ اليوناينبعد هلا، ومركزها هو العقل، وكذلك العقل هو كدائرة قد استدارت على مركزها، وهو اخلري األول

غري أن النفس والعقل وإن كانا دائرتني؛ لكن دائرة العقل ال تتحرك أبدا؛ بل هي ساكنة ذاتية، . احملضعلى أن دائرة . ركزها؛ وأما دائرة النفس فإا تتحرك على مركزها وهو العقل حركة االستكمالشبيهة مب

العقل وإن كانت دائرة شبيهة مبركزها لكنها تتحرك حركة االشتياق؛ ألا تشتاق إىل مركزها وهو اخلري تحرك ذه احلركة الذاتية وأما دائرة العامل السفلى فإا تدور حول النفس وإليها تشتاق، وإمنا ت. األول

شوقا إىل النفس كشوق النفس إىل العقل، وشوفق العقل إىل اخلري احملض األول؛ وألن دائرة هذا العامل جرم، واجلرم يشتاق إىل الشيء اخلارج منه، وحيرص على أن يصري إليه فيعانقه، فلذلك يتحرك اجلرم

قه، فلذلك يتحرك اجلرم األقصى الشريف حركة األقصى الشريف حركة مستديرة؛ أن يصري إليه فيعانليس للمبدع : وقال. مستديرة؛ ألنه يطلب النفس من مجيع النواحي ليناهلا فيستريح إليها، ويسكن عندها

األول صورة وال حلية مثل صور األشياء العالية، وال مثل صور األشياء السافلة، وال له قوة مثل قواها؛ .وقوة؛ ألنه مبدعها بتوسط العقللكنه فوق كل صورة، وحلية،

املبدع احلق ليس شيئا من األشياء، وهو مجيع األشياء؛ ألن األشياء منه، وقد صدق األفاضل : وقال. مالك األشياء كلها هو األشياء كلها إذ هو علة كوا بآنيته فقط ، وعلة شوقها إليه: األوائل يف قوهلم

ا أبدعه، وال يشبه شيئا منه، ولو كان كذلك ملا كان علة وهو خالف األشياء كلها وليس فيه شئ مم .األشياء كلها، وإذا كان العقل واحدا من األشياء فليس فيه عقل، وال صورة، وال حلية

Page 207: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 207

ال بصفة من الصفات، وإمنا وصفناه ... أبدع األشياء بآنيته فقط، وبآنيته يعلمها، وحيفظها، ويدبرها .ا، وأنه الذي جعلها يف الصور؛ فهو مبدعهاباحلسنات والفضائل؛ ألنه علته

وإمنا تفاضلت اجلواهر العالية العقلية؛ الختالف قبوهلا من النور األول جل وعز؛ فلذلك صارت : قالفمنها ما هو أول يف املرتبة، ومنها ما هو ثان، ومنها ما هو ثالث، ؛ فاختلفت األشياء : ذوات مراتب شىت

ملواضع واألماكن، وكذلك احلواس ختتلف بأماكنها على أن القوى احلاسة فإا باملراتب والفصول، ال با .مما ال يفترق مبفارقة اآللة

املبدع ليس مبتناه، ال كأنه جثة بسيطة، وإمنا عظم جوهره بالقوة والقدرة ال بالكمية واملقدار فليس : وقالشتاقه الصور العالية والسافلة، وإمنا لألول صورة وال حلية، وال شكل؛ فلذلك صار حمبوبا معشوقا ت

وهو قدمي، دائم على . اشتاقت إليه صور مجيع األشياء؛ ألنه أبدعها وكساها من وجوده حلية الوجودحاله ال يتغري، والعاشق حيرص على أن يصري إليه ويكون معه، وللمعشوق األول عشاق كثريون، وقد

. شيء؛ ألنه ثابت، قائم بذاته، ال يتحركيفيض عليهم كلهم من نوره من غري أن ينقص منه

وأما املنطق اجلزئي؛ فإنه ال يعرف الشيء إال معرفة جزئية، وشوق العقل األول إىل املبدع األول أشد من شوق سائر األشياء؛ ألن األشياء كلها حتته، وإذا اشتاق إليه العقل مل يقل للعقل مل صرت مشتاقا إىل

.األول؛ إذ العشق ال علة له

إن األول هو املبدع احلق، وهو الذي ال : وأما املنطق الذي خيتص بالنفس قيفحص عن ذلك ويقولصورة له، وهو مبدع الصور؛ فالصور كلها حتتاج إليه، وتشتاق إليه؛ وذلك أن كل صورة تطلب

.مصورها ة حتن إليه

أن ينال علل كوا، ومل كانت ال يقدر أحد . إن الفاعل األول أبدع األشياء كلها بغاية احلكمة: وقالعلى احلال اليت هي اآلن عليها؟ وال أن يعرفها كنه معرفتها، ومل صارت األرض يف الوسط، ومل كانت

إن الباري صريها كذلك وإمنا كانت بغاية احلكمة : مستديرة ومل تكن مستطيلة وال منحرفة؟ إال أن يقول .الواسعة لكل حكمة

. ، ال بآنيته فقط بل يفصل فيه؛ فلذلك يكون فعله ال بغاية الثقافة واإلحكاموكل فاعل يفعل بروية وفكرة

والفاعل األول ال حيتاج يف إبداع األشياء إىل روية وفكر؛ وذلك أنه ينال العلل بال قياس، بل يبدع إمنا : لكو سائر ما أشبه ذ...والعلل، والربهان، والعلم، والقنوع. األشياء ويعلم عللها قبل الروية والفكر

!.كانت أجزاء وهو الذي أبدعها، وكيف يستعني ا، وهي مل تكن بعد؟

حكم ثاوفرسطيس كان هذا الرجل من كبار تالمذة أرسطوطاليس وكبار أصحابه، واستخلفه على

Page 208: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 208

وله كتب الشروح . كرسي حكمته بعد وفاته، وكانت املتفلسفة يف عهده ختتلف إليه، وتقتبس منهاإلهلية ال تتحرك، ومعناه : فمما يؤثر عنه أنه قال. املعتربة؛ وباخلصوص يف املوسيقاتالكثرية، والتصانيف .ال يف الذات، وال سنة األفعال: ال تتغري وال تتبدل

السماء مسكن الكواكب، واألرض مسكن الناس على أم مثل وشبه ملا يف السماء؛ فهم اآلباء : وقال: وقال. س هلا أنفس نباتية؛ فلذلك ال تقبل الزيادة وال النقصانواملدبرون، وهلم نفوس وعقول مميزة لي

الغناء فضيلة يف املنطق أشكلت على النفس وقصرت عن تبيني كنهها فأبرزا حلونا، وأثارت ا شجونا، .وأضمرت يف عرضها فنونا وفتونا

ول واملشروب شيء كما أن لذة املأك. الغناء شئ خيص النفس دون اجلسد فيشغلها عن مصاحلها: وقال .خيص اجلسم دون النفس

.إن النفوس إىل اللحون إذا كانت حمجبة أشد إصغاء منها إىل ما قد تبني هلا، وظهر معناه عندها: وقال

أحدمها مطبوع، واآلخر مسموع؛ فاملطبوع منه كاألرض، واملسموع منه كالبذر : إن العقل حنوان: وقالل دون أن يرد عليه العقل املسموع، فينبهه من نومه، ويطلقه من واملاء، فال خيلص للعقل املطبوع عم

.وثاقه، ويقلقه من مكانه؛ كما يستخرج البذر واملاء ما يف قعر األرض

احلكمة غىن النفس، واملال غىن البدن، وطلب غىن النفس أوىل؛ ألا إذا غنيت بقيت، والبدن إذا : وقال . حمدودغين فىن، وغىن النفس ممدود، وغىن البدن

.ينبغي للعاقل أن يداري الزمان مداراة رجل ال يسبح يف املاء اجلاري إذا وقع: وقال

وقال ال يغبطن بسلطان من غري عدل، وال بغىن من غري حسن تدبري، وال ببالغة من غري صدق منطق، .وال جبود يف غري إصابة موضع، وال بأدب من غري أصالة رأي، وال حبسن عمل يف غري حينه

شبه برقلس يف قدم العامل

إمنا شهر بعد : إن القول يف قدم العامل وأزلية احلركات بعد إثبات الصانع، والقول بالعلة األوىلأرسطوطاليس؛ ألنه خالف القدماء صرحيا، وأبدع هذه املقالة على قياسات ظنها حجة وبرهانا؛ فنسج

مثل األسكندر اإلفروديسي وثامسطيوس على منواله من كان من تالمذته وصرحوا القول فيه، .وفورفوريوس

وصنف فورقلس املنتسب إىل أفالطونفي هذه املسألة كتابا وأورد فيه هذه الشبه، وإال فالقدماء إمنا أبدوا .فيه ما نقلناه سالفا

فيلزم أن إن الباري تعاىل جواد بذاته، وعلة وجود العامل جوده، وجوده قدمي مل يزل؛: قال: الشبهة األوىلوال جيوز أن يكون مرة جوادا ومرة غري جواد؛ فإنه يوجب التغري : قال. يكون وجود العامل قدميا مل يزل

Page 209: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 209

وال مانع من فيض جوده؛ إذ لو كان مانع ملا كان من ذاته بل من : قال. يف ذاته، فهو جواد لذاته، مل يزل . من شيءغريه، وليس لواجب الوجود لذاته حامل على شيء، وال مانع

ليس خيلو الصانع من أن يكون مل يزل صانعا بالفعل، أو مل يزل صانعا بالقوة؛ أي : قال: الشبهة الثانية .يقدر أن يفعل، وال يفعل

فإن كان األول فاملصنوع معلول مل يزل، وإن كان الثاين فما بالقوة ال خيرج إىل الفعل إال مبخرج، وخمرج ذات الشيء؛ فيجب أن يكون له خمرج من خارج يؤثر فيه؛ وذلك ينايف الشيء من القوة إىل الفعل غري

.كونه صانعا مطلقا ال يتغري وال يتأثر

كل علة ال جيوز عليها التحرك واالستحالة فإمنا تكون علة من جهة ذاا ال من جهة : قال: الشبهة الثالثةها من جهة ذاا؛ وإذا كانت ذاا مل تزل االنتقال من غري فعل إىل فعل، وكل علة من جهة ذاا فمعلوم

.فمعلومها مل يزل

إن الزمان ال يكون موجودا إال مع الفلك وال الفلك إال مع الزمان؛ ألن الزمان هو : قال: الشبهة الرابعةمث ال جيوز أن يقال مىت وقبل إال حني يكون الزمان، ومىت وقبل أبدى، فالزمان . العاد حلركات الفلك

.ركات الفلك أبدية، فالفلك أبدىأبدى فح

إن العامل حسن النظام كامل القوام، وصانعه جواد خري، وال ينقض اجليد احلسن : قال: الشبهة اخلامسةإال شرير، وصانعه ليس بشرير، وليس يقدر على نقضه غريه، فليس ينتقض أبدا، وما ال ينتقض أبدا كان

.سرمدا

لكائن ال يفسد إال بشيء غريب يعرض له، ومل يكن شيء غريب عن ملا كان ا: قال: الشبهة السادسةثبت أنه ال يفسد، وما ال يتطرق إليه الفساد ال يتطرق إليه : العامل خارجا منه جيوز أن يعرض فيفسد .الكون واحلدوث؛ فأن كل كائن فاسد

تتكون، وال تفسد، وإمنا تتغري، إن األشياء اليت هي يف املكان الطبيعي ال تتغري، وال : قال: الشبهة السابعةوتتكون، وتفسد إذا كانت يف أماكن غريبة فتتجاذب إىل أماكنها، كالنار اليت يف أجسادنا حتاول االنفصال إىل مركزها، فينحل الرباط، فيفسد؛ إذ الكون والفساد إمنا يتطرق إىل املركبات، ال إىل

.لة واحدة، وما هو حبال واحدة فهو أزيلولكنها هي حبا. البسائط اليت هي أركان يف أماكنها

العقل والنفس واألفالك تتحرك على االستدارة والطبائع تتحرك إما عن الوسط، وإما : قال: الشبهة الثامنةإىل الوسط على االستقامة؛ وإذا كان كذلك كان التفاسد يف العناصر إمنا هو لتضاد حركاا، واحلركة

وكليات العناصر إمنا تتحرك على استدارة وإن كانت : قال. يها فسادالدورية ال ضد هلا؛ فلم يقع فاألجزاء منها تتحرك على االستقامة، فالفلك وكليات العناصر ال تفسد، وإذا مل جيز أن يفسد العامل مل جيز

Page 210: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 210

.أن يتكون

وهذه الشبهات هي اليت ميكن أن يقال عليها؛ فتنقص، ويف كل واحدة منها نوع مغالطة، وأكثرها

شبهات أرسطوطاليس، وهذه، وتقريرات أيب علي ابن سينا؛ : وقد أقرت هلا كتابا أوردت فيه. حتكمات .فليطلب ذلك. ونقضتها على قوانني منطقية

: إنه كان يناطق الناس منطقني: ومن املتعصبني لربقلس من مهد له عذرا يف ذكر هذه الشبهات، وقال

.ركبأحدمها روحاين بسيط ، واآلخر جسماين م

وكان أهل زمانه الذين يناطقونه جسمانيني، وإمنا دعاه إىل ذكر هذه األقوال مقاومتهم إياه، فخرج من طريق احلكمة والفلسفة من هذه اجلهة؛ ألن من الواجب على احلكيم أن يظهر العلم على طرق كثرية،

ال جيد على قوله مسلخا، يتصرف فيها كل ناظر حبسب نظره، ويستفيد منها حبسب فكره واستعداده، فوال يصيب مقاال وال مطعنا؛ ألن برقلس ملا كان يقول بدهر هذا العامل وإنه باق ال يدثر وضع كتابا يف

هذا املعىن، فطالعه من مل يعرف طريقته، ففهموا منه جسمانية قوله دون روحانيته، فنقضوه على مذهب .الدهرية

عوامل بعضها ببعض، وحدثت القوى الواصلة فيها، وحدثت ملا اتصلت ال: ويف هذا الكتاب يقولحدثت قشور، واستنبطت لبوب؛ فالقشور داثرة ، واللبوب قائمة دائمة ال جيوز : املركبات من العناصر

عامل الصفوة واللب، وعامل الكدورة : الفساد عليها؛ ألا بسيطة وحيدة القوى، فانقسم العامل إىل عاملنيمل يكن بينهما فرق، : ه ببعض، وكان آخر هذا العامل من بدء ذلك العامل، فمن وجهوالقشر؛ فاتصل بعض

دثرت القشور، وزالت الكدرة وكيف : فلم يكن هذا العامل داثرا إذ كان متصال مبا ليس يدثر، ومن وجهن هذا فإ: وأيضا! تكون القشور غري داثرة وال مضمحلة؟ وما مل تزل القشور باقية كانت اللبوب خافية

العامل مركب والعامل األعلى بسيط، وكل مركب ينحل حىت يرجع إىل البسيط الذي تركب منه ، وكل هذا الذي نقل عنه هو املنقول عن : قال الذي يذب عن برقلس. بسيط باق دائما غري مضمحل وال متغري

يقف على مرامه؛ للعلة اليت إما أنه مل: مثله، بل الذي أضاف إليه هذا القول األول ال خيلو من أحد أمرينذكرنا فيما سلف، وإما ألنه كان حمسودا عند أهل زمانه؛ لكونه بسيط الفكر، واسع النظر، ساير القوى؛

إن األوائل منها تكونت العوامل، : وكانوا أولئك أصحاب أوهام وخياالت؛ فإنه يقول يف موضع من كتابهدهر، ماسكة له؛ إال أا من أول، ال يوصف بصفة، وال وهي باقية ال تدثر وال تضمحل، وهي الزمة ال

يدرك بنعت ونطق؛ ألن صور األشياء كلها منه وحتته، وهي الغاية واملنتهى اليت ليس فوقها جوهر هو . أعظم منها؛ إال األول الواحد، وهو األحد الذي قوته أخرجت هذه األوائل، وقدرته أبدعت هذه املبادئ

Page 211: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 211

حيتاج إىل أن يعرف ذاته؛ ألنه حق حقا بال حق، وكل حق حقا فهو حتته إمنا هو إن احلق ال: وقال أيضاحق حقا إذ حققه املوجب له احلق، فاحلق هو اجلوهر املمد للطباع احلياة والبقاء، وهو أفاد هذا العامل

إن هذا : لبدءا وبقاء بعد دثور قشوره، وزكي البسيط الباطن من الدنس الذي كان فيه قد علق فيه وقاالعامل إذا اضمحلت قشوره وذهب دنسه وصار بسيطا روحانيا بقي مبا فيه من اجلواهر الصافية النورانية

يف حد املراتب الروحانية، مثل العوامل العلوية اليت بال اية، وكان هذا واحدا منها؛ وبقي جوهر كل قشر ون األنفس الطاهرة اليت ال تلبس القشور ودنس وخبث، ويكون له أهل يلبسه؛ ألنه غري جائز أن تك

واألدناس، مع األنفس الكثرية القشور يف عامل واحد؛ وإمنا يذهب من هذا العامل ما ليس من جهة املتوسطات الروحانية، وما كان القشر والدنس عليه أغلب؛ فأما ما كان من الباري تعاىل، بال متوسط،

وإمنا يدخل القشر على الشيء من غري املتوسطات، : قال. لفإنه ال يضمح: أو كان من متوسط بال قشرفيدخل عليه بالعرض ال بالذات، وذلك إذا كثرت املتوسطات، وبعد الشيء عن اإلبداع األول؛ ألنه

كان أنور، وأقل قشورا ودنسا، وكلما قلت القشور والدنس كانت : حيثما قلت املتوسطات يف الشيء .ىاجلواهر أصفى، واألشياء أبق

... أجناسها، وأنواعها، وأشخاصها: إن الباري تعاىل عامل باألشياء كلها: ومما ينقل عن برقلس أنه قال

يعلم أجناسها وأنواعها دون أخاصها الكائنة الفاسدة؛ فإن علمه : وخالف بذلك أرسطوطاليس؛ فإنه قال .يتعلق بالكليات دون اجلزئيات كما ذكرنا

لن يتوهم حدوث العامل إال بعد أن يتوهم أنه مل يكن؛ فأبدعه الباري : امل قولهومما ينقل عنه يف قدم العإما أن الباري مل يكن قادرا : ويف احلالة اليت مل يكن ال خيلو من حاالت ثالث. تعاىل يف احلالة اليت مل يكن

؛ ألنه مريد، مل يزل فصار قادرا، وذلك حمال ألنه قادر مل يزل؛ وإما أنه مل يرد فأراد، وذلك حمال أيضافإذا . وإما أنه مل تقتض احلكمة وجوده وذلك حمال أيضا؛ ألن الوجود أشرف من العدم على اإلطالق

تشاا يف الصفة اخلاصة، وهي القدم على أصل املتكلم؛ وكان القدم بالذات : بطلت هذه اجلهات الثالث .واهللا املوفق. له دون غريه، وإن كانا معا يف الوجود

أي ثامسطيوس وهو الشارح لكالم احلكيم أرسطوطاليس؛ وإمنا يعتمد شرحه إذ كان أهدى القوم إىل رإشارته ورموزه، وهو على رأي أرسطوطاليس يف مجيع ما ذكرنا من إثبات العلة األوىل، واختار من

ني العدم املطلق الصورة، واهليويل، والعدم؛ وفرق ب: إن املبادئ ثالثة: املذاهب يف املبادئ قول من قالوالعدم اخلاص، فإن عدم صورة بعينها عن مادة تقبلها مثل عدم السيفية عن احلديد ليس كعدم السيفية

.عن الصوف؛ فإن هذه املادة ال تقبل هذه الصورة أصال

Page 212: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 212

إن األفالك حصلت من العناصر األربعة ال أن العناصر حصلت من األفالك ففيها نارية، وهوائية، : وقالة، وأرضية؛ إال أن الغالب على األفالك هو النارية، كما أن الغالب على املركبات السفلية هو ومائي

والكواكب نريان مشتعلة حصلت تراكيبها على وجه ال يتطرق إليها االحنالل؛ ألا ال تقبل . األرضية .ا ذكرناوالفرق يرجع إىل م... الكون، والفساد، والتغري، واالستحالة؛ وإال فالطبائع واحدة

: ونقل ثامسطيوس عن أرسطوطاليس وثاون وأفالطون وثاوفرسطيس وفرفوريوس وفلوطرخيس وهو رأيه

أن يف العامل أمجع طبيعة واحدة عامة، وكل نوع من أنواع النبات واحليوان خمتص بطبيعة خاصة؛ وحدوا ول من ذواا، وهي علة احلركة الطبيعة العامة بأا مبدأ احلركات يف األشياء والسكون فيها على األمر األ

أن الطبيعة هي اليت تدبر األشياء كلها يف العامل : وزعموا. يف املتحركات، وعلة السكون يف الساكناتحيوانه، ونباته، ومواته تدبريا طبيعيا، وليست هي حية، وال قادرة، وال خمتارة؛ ولكن ال تفعل إال حكمة

.موصوابا، وعلى نظم صحيح وترتيب حمك

إن الطبيعة تفعل ما تفعل من احلكمة والصواب وإن : قال أرسطوطاليس يف مقالة الالم: قال ثامسطيوس: وقال أيضا. مل تكن حيوانا؛ ألا أهلمت من سبب هو أكرم منها، وأوما إىل أن السبب هو اهللا عز وجل

زئيتها؛ يعين الفلك والنريات، طبيعة هي مستعلية على الكون والفساد بكليتها وج: إن الطبيعة طبيعتان .وطبيعة يلحق جزئياا الكون والفساد ال كلياا؛ يريد باجلزئيات األشخاص، وبالكليات األسطقسات

وافق . وكالمه أمنت، ومقالته أرصن. رأي اإلسكندر األفروديسي وهو من كبار احلكماء رأيا وعلمااج على أن الباري تعاىل عامل باألشياء كلها كلياا أرسطوطاليس يف مجيع آرائه، وزاد عليه يف االحتج

وجزئياا على نسق واحد، وهو عامل مبا كان ومبا سيكون، وال يتغري علمه بتغري املعلوم، وال يتكثر .بتكثره

كل كوكب ذو نفس وطبع وحركة من جهة نفسه وطبعه، وال يقبل التحريك من : ومما انفرد به أن قالملا كان : وقال. إمنا يتحرك بطبعه واختياره إال أن حركاته ال ختتلف أبدا؛ ألا دوريةغريه أصال؛ بل

الفلك حميطا مبا دونه، وكان الزمان جاريا عليه؛ ألن الزمان هو العاد للحركات أو هو عدد احلركات، لفلك ويكون؛ فلم مل جيز أن يفسد ا... وملا مل يكن حييط بالفلك شئ آخر، وال كان الزمان جاريا عليه

إن : وقال يف كتابه يف النفس. يكن قابال للكون والفساد، وما مل يقبل الكون والفساد كان قدميا أزلياللطبيعة لطف وقوة، وإن أفعاهلا تفوق يف : وقال. وإن الطبيعة ال تتقبل الصناعة. الصناعة تتقبل الطبيعة

ال فعل للنفس : وقال يف ذلك الكتاب. الصناعاتالرباعة واللطف كل أعجوبة يتلطف فيها بصناعة مندون مشاركة البدن حىت التصور بالعقل؛ فإنه مشترك بينهما، وأومأ إىل أنه ال يبقى للنفس بعد مفارقتها

Page 213: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 213

الذي يبقى مع النفس من : وخالف بذلك أستاذه أرسطوطاليس؛ فإنه قال. قوة أصال؛ حىت القوة العقليةلقوة العقلية فقط، ولذاا يف ذلك العامل مقصورة على اللذات العقلية فقط؛ إذ ال مجيع ماهلا من القوة هي ا

واملتأخرون يثبتون بقاءها على هيئات أخالقية استفادا من مشاركة . قوة هلا دون ذلك فتحس وتلتذ ا .البدن؛ لتستعد ا لقبول هيئات ملكية يف ذلك العامل

سطوطاليس يف مجيع ما ذهب إليه، وهو الشارح لكالم أرسطو رأي فرفوريوس وهو أيضا على رأي أرويدعى أن الذي حيكى . أيضا؛ وإمنا يعتمد شرحه إذ كان أهدى القوم إىل إشاراته ومجيع ما ذهب إليه

وأما ما قذف به أفالطون : قال يف رسالته إىل أبانوا: عن أفالطون من القول حبدوث العامل غري صحيحعامل ابتداء زمانيا فدعوى كاذبة، وذلك أن أفالطون ليس يرى أن للعامل ابتداء عندكم من أنه يضع لل

إن : وقد أرى أن املتوهم عليه يف قوله. زمانيا لكن ابتداء على جهة العلة، ويزعم أن علة كونه ابتداؤهأنه ال وقد أخطأ وغلط؛ وذلك ... العامل خملوق، وإنه حدث ال من شئ، وإنه خرج من ال نظام إىل نظام

يصح دائما أن كل عدم أقدم من الوجود فيما علة وجود شئ آخر غريه، وال كل سوء نظام أقدم من أن اخلالق أظهر العامل من العدم إىل الوجود وإن وجد أنه مل يكن من ذاته، : وإمنا يعين أفالطون. النظام

هي كبرية وصغرية، ومها يف إا قابل للصور و: وقال يف اهليوىل: قال. لكن سبب وجوده من اخلالقاهليوىل ال صورة هلا؛ فقد : املوضوع واحلد واحد ومل يبني العدم، كما ذكره أرسطو طاليس إال أنه قال

إن املركبات كلها إمنا تتكون بالصور على سبيل التغري، وتفسد : وقال. علم أن عدم الصورة يف اهليوىل .خبلو الصور عنها

أن كل جسم إما ساكن وإما : ل الثالثة اليت هي اهليوىل والصورة والعدمأن من األصو: وزعم فرفوريوسمتحرك، وههنا شيء يكون ما يتكون، وحيرك األجسام، وكل ما كان واحدا بسيطا ففعله واحد بسيط،

وكل ما كان كثريا مركبا فأفعاله كثرية مركبة، وكل موجود ففعله مثل طبيعته؛ ففعل اهللا بذاته فعل وكل ما كان موجودا فله فعل من األفعال مطابق : قال. يط وباقي أفعاله يفعلها مبتوسط مركبواحد بس

لطبيعته، وملا كان الباري تعاىل موجودا ففعله اخلاص هو اإلجتالب إىل الوجود، ففعل فعال واحدا وحرك عدوما ميكن أن يوجد، كان املفعول م: مث إما يقال. حركة واحدة وهو اإلجتالب إىل شبهة؛ يعين الوجود

مل يكن : وإما أن يقال. وذلك هو طبيعة اهليوىل بعينها، فيجب أن يسبق الوجود طبيعة ما قابلة للوجودمعدوما ما ميكن أن يوجد بل أوجده عن ال شيء وأبدع وجوده من غري توهم شيء سبقه، وهو ما يقوله

.املوحدون

ونه جوهرا وقع باحلركة فوجب أن يكون بقاؤه جوهرا فأول فعل فعله هو اجلوهر، إال أن ك: قال

Page 214: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 214

وكل . باحلركة؛ وذلك أنه ليس للجوهر أن يكون بذاته مبرتلة الوجود األول لكن من التشبه بذلك األولوملا . حركة تكون فإما أن تكون على خط مستقيم وإما على االستدارة، فتحرك اجلوهر اتني احلركتني

ة وجب أن يتحرك اجلوهر يف مجيع اجلهات اليت ميكن فيها احلركة؛ فيتحرك كان وجود اجلوهر باحلركالطول، والعرض، والعمق؛ : مجيع اجلوهر يف مجيع اجلهات حركة مستقيمة على مجيع اخلطوط وهي ثالثة

إال أنه مل يكن له أن يتحرك على هذه اخلطوط بال اية؛ إذ ليس ميكن فيما هو بالفعل أن يكون بال اية؛ وبقي . فتحرك اجلوهر يف هذه األقطار الثالثة حركة متناهية على خطوط مستقيمة، وصار بذلك جسما

عليه أن يتحرك باالستدارة على اجلهة اليت ميكن فيها أن يتحرك بأمجعه حركة على االستدارة؛ ألن الدائر ستدارة وسكن بعضه حيتاج إىل شيء ساكن يف وسط منه، فعند ذلك انقسم اجلوهر فتحرك بعضه على اال

وكل جسم يتحرك فيماس جسما ساكنا يف طبيعته فبول التأثري منه حركه معه، وإذا : قال. يف الوسطواجلسم الذي يلي النار يبعد . ؛ فكانت النار تلي الفلك...حركه سخن وإذا سخن لطف، واحنل، وخف

بأمجعه لكن جزء منه، فيسخن دون عن الفلك ويتحرك حبركة النار فتكون حركته أقل، فال يتحرك لذلك واجلسم الذي يلي اهلواء ال يتحرك لبعده عن احملرك؛ فهو بارد لسكونه . ؛ وهو اهلواء ...سخونة النار

وأما اجلسم الذي يلي املاء يف . ؛ وهو املاء ...وحار حرارة يسرية مبجاورته اهلواء؛ ولذلك احنل قليال؛ ...سكن وبرد: ومل يستفد من حركته شيئا وال قبل منه تأثرياالوسط؛ فألنه بعد يف الغاية عن الفلك

.وهذه هي األرض

؛ وهذه هي ...وإذا كانت هذه األجسام تقبل التأثري بعضها من بعض اختلطت وتولد عنها أجسام مركبة .األجسام احملسوسة

التفاق واخلبط؛ بل ال الطبيعة تفعل بغري فكر وال عقل وال إرادة، ولكنها ليست تفعل بالبخت وا: وقالتفعل إال ماله نظم وترتيب وحكمة، وقد تفعل شيئا من أجل شيء؛ كما تفعل الرب لغذاء اإلنسان ويئ

.أعضائه ملا يصلح له

أحدها العنصر، والثاين الصورة، : وقد قسم فرفوريوس مقالة أرسطو طاليس يف الطبيعة مخسة أقساملرابع احلركة اجلاذبة يف الشيء مبرتلة حركة النار الكائنة املوجودة فيها والثالث اتمع منهما كاإلنسان، وا

مث اختلفوا . إىل فوق، واخلامس الطبيعة العامة للكل؛ ألن اجلزئيات ال يتحقق وجودها إال عن كل يشملها على والدليل: فمن احلكماء من صار إىل أا فوق الكل، وقال آخرون إا دون الفلك؛ قالوا: يف مركزها

وجودها أفعاهلا وقواها املنبثة يف العامل املوجبة للحركات واألفعال؛ كذهاب النار واهلواء إىل فوق، وذهاب املاء واألرض إىل حتت؛ فعلم يقينا أنه لوال قوى فيها أوجبت تلك احلركات وكانت مبدأ هلا مل

. النمو والنشوءتوجد فيها؛ وكذلك ما يوجد يف النبات واحليوان من قوة الغذاء وقوة

Page 215: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 215

الباب الرابع

المتأخرون من فالسفة اإلسالم

وأيب سليمان . وأيب الفرج املفسر. وحيىي النحوي. وحنني بن أسحاق. يعقوب بن إسحاق الكندي: مثلوأيب متام يوسف بن . وأيب بكر ثابت بن قرة احلراين. وأيب سليمان حممد ابن معشر املقدسي. السجزي

. وأيب حمارب احلسن بن سهل ابن حمارب القمي. وأيب زيد أمحد بن سهل البلخي. حممد النيسابوري

وعيسى . وأيب حامد أمحد بن حممد اإلسفزاري. وطلحة بن حممد النسفي. وأمحد بن الطيب السرخسي. وأيب زكريا حيىي بن عدي الصيمري. وأيب علي أمحد ابن حممد بن مسكويه. بن علي بن عيسى الوزير

.وغريهم... وأيب نصر حممد بن حممد بن طرخان الفارايب. حممد ابن يوسف العامريوأيب احلسن

وإمنا عالمة القوم أبو علي احلسني بن عبد اهللا بن سينا، قد سلكوا كلهم طريقة أرسطوطاليس يف مجيع ما ريقة ابن وملا كانت ط. ذهب إليه وانفرد به؛ سوى كلمات يسرية رمبا رأوا فيها رأي أفالطون واملتقدمني

اخترت نقل طريقته من كتبه على إجياز واختصار؛ : سينا أدق عند اجلماعة، ونظره يف احلقائق أغوص وأعرضت عن نقل طرق الباقني ابن سينا كالمه يف املنطق . عيون كالمه، ومتون مرامه: كأا

التصور فهو العلم األول، أما . العلم إما تصور، وإما تصديق: قال أبو علي احلسني بن عبد اهللا بن سيناوأما . وهو أن تدرك أمرا ساذجا من غري أن حتكم عليه بنفي أو إثبات؛ مثل تصورنا ماهية اإلنسان

وكل . التصديق فهو أن تدرك أمرا وأمكنك أن حتكم عليه بنفي أو إثبات؛ مثل تصديقنا بأن للكل مبدأور املكتسب إمنا يستحصل باحلد وما جيري فالتص. واحد من القسمني منه أوىل، ومنه ما هو مكتسب

جمراه، والتصديق املكتسب إمنا يستحصل بالقياس وما جيري جمراه؛ فاحلد والقياس آلتان ما حتصل وكل واحد منهما منه ما هو حقيقي، ومنه ما هو . املعلومات اليت مل تكن حاصلة فتصري معلومة بالرؤية

والفطرة اإلنسانية غري كافية يف . ومنه ما هو باطل مشتبه باحلقيقيدون احلقيقي ولكنه نافع منفعة حبسبه،التمييز بني هذه األصناف إال أن تكون مؤيدة من عند اهللا عز وجل؛ فال بد إذا للناظر من آلة قانونية

.تعصمه مراعاا عن أن يضل يف فكره؛ وذلك هو الغرض من املنطق

ن معان معقولة بتأليف حمدود، فيكون هلا مادة منها ألفت مث إن كل واحد من احلد والقياس فمؤلف مفاملنطق هو . وصورة ا التأليف، والفساد قد يعرض من إحدى اجلهتني وقد يعرض من جهتيهما معا

من أي املواد والصور يكون احلد الصحيح والقياس السديد الذي يوقع يقينا، ومن أيها ما : الذي نعرف بهاليقني، ومن أيها ما يوقع ظنا غالبا، ومن أيها ما يوقع مغالطة وجهال؛ وهذه فائدة يوقع عقدا شبيها ب

مث ملا كانت املخاطبات النظرية بألفاظ مسموعة، واألفكار العقلية بأقوال عقلية؛ فتلك املعاين اليت . املنطق

Page 216: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 216

املعاين مسائل علم ومعرفة أحوال تلك. يف الذهن من حيث يتأدى ا إىل غريها كانت موضوعات املنطقوكان املنطق بالنسبة إىل املعقوالت على مثال النحو بالنسبة إىل الكالم، والعروض إىل الشعر؛ . املنطق

.فوجب على املنطقي أن يتكلم يف األلفاظ أيضا من حيث تدل على املعاين

وهو ينقسم . والثالث بااللتزامأحدها باملطابقة، والثاين بالتضمن، : واللفظ يدل على املعىن من ثالثة أوجهإىل مفرد، ومركب؛ فاملفرد ما يدل على معىن وجزء من أجزائه ال يدل على جزء من أجزاء ذلك املعىن

أي حني هو جزء له، واملركب هو الذي يدل على معىن وله أجزاء منها يلتئم مسموعه؛ ومن : بالذاتوجزئي؛ والكلي هو الذي يدل على كثريون مبعىن . واملفرد ينقسم إىل كلي. معانيها يلتئم معىن اجلملة

مث الكلي . واحد متفق؛ وال مينع نفس مفهومه عن الشركة فيه، واجلزئي هو ما مينع نفس مفهومه ذلكينقسم إىل ذايت، وعرضي؛ والذايت هو الذي يقوم ماهية ما يقال عليه ، والعرضى؛ هو الذي ال يقوم

مث الذايت . وجود والوهم، أو مفارقا بني الوجود، أو غري بني الوجود لهماهية؛ سواء كان غري مفارق يف الينقسم إىل ما هو مقول يف جواب ما هو؟ وهو اللفظ املفرد الذي يتضمن مجيع املعاين الذاتية اليت يقوم

وإىل ما هو مقول يف جواب . الشيء ا، وفرق بني املقول يف جواب ما هو وبني الداخل يف جواب ما هووأما العرضى . ي شئ هو؟ وهو الذي يدل على معىن تتميز به أشياء مشتركة يف معىن واحد متيزا ذاتياأ

وفرق بني العرضى . فقد يكون مالزما يف الوجود والوهم وبه يقع متييز أيضا ال ذاتيا، وقد يكون مفارقانس، والنوع، والفصل، اجل: وأما رسوم األلفاظ اخلمسة اليت هي. والعرض الذي هو قسيم اجلوهر

فاجلنس يرسم بأنه املقول على كثريين خمتلفني باحلقائق الذاتية يف جواب ما : واخلاصة، والعرض العاموالنوع يرسم بأنه املقول على كثريين خمتلفني بالعدد يف جواب ما هو؟ إذا كان نوع األنواع؛ وإذا . هو؟

ني يف جواب ما هو؟ ويقال عليه قول آخر يف جواب ما كان نوعا متوسطا فهو املقول على كثريين خمتلفوينتهى اإلرتقاء إىل جنس ال جنس فوقه، وإن قدر فوق اجلنس أمر أعم منه فيكون ... هو بالشركة؟

العموم بالتشكيك؛ والرتول إىل نوع ال نوع حتته، وإن قدر دون النوع صنف أخص فيكون اخلصوص . بأنه أي شيء هو؟: ذايت الذي يقال به على نوع حتت جنسهويرسم الفصل بأنه الكلي ال. بالعوارض

ويرسم العرض . وترسم اخلاصة بأا هي الكلي الدال على نوع واحد يف جواب أي شيء هو، ال بالذاتالعام بأنه الكلي املفرد الغري الذايت، ويشترك يف معناه كثريون، ووقوع العرض على هذا وعلى الذي هو

الشيء إما عني موجودة، وإما صورة مأخوذة عنه يف : يف املركبات. عنيني خمتلفنيقسيم اجلوهر وقوع مبوإما لفظة تدل على الصورة اليت يف الذهن، وأما كتابة دالة على . الذهن؛ وال خيتلفان يف النواحي واألمم

تلك الصورة فالكتابة دالة على اللفظ، واللفظ دال على الصورة يف الذهن، و. اللفظ؛ وخيتلفان يف األمم

Page 217: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 217

فاالسم لفظ مفرد يدل على . إما اسم، وإما كلمة، وإما أداة: مبادئ القول. دالة على األعيان املوجودةمعىن من غري أن يدل على زمان وجود ذلك املعىن، والكلمة لفظ مفرد يدل على معىن وعلى الزمان الذي

ل على معىن يصح أن يوضع أو حيمل بعد فيه ذلك املعىن موضوع ما غري معني، واألداة لفظ مفرد إمنا يدووجوه . أن يقترن باسم أو كلمة، وإذا ركبت اللفظ تركيبا يؤدي إىل معىن فحينئذ يسمى قوال

التركيبات خمتلفة؛ وإمنا حيتاج املنطقي إىل تركيب خاص؛ وهو أن يكون حبيث يتطرق إليه التصديق حبيث يتبعه حكم صدق أو كذب، واحلملية كل قول فيه نسبة بني شيئني: فالقضية هي. والتكذيب

كل قضية فيها النسبة املذكورة بني شيئني ليس يف كل منهما هذه النسبة بني شيئني فيهما هذه : منها هي اليت توجب أو تسلب لزوم قضية ألخرى من : النسبة من حيث هي مفصلة ، واملتصلة من الشرطية

واإلجياب . ب أو تسلب عناد قضية ألخرى من القضايا الشرطيةما توج: القضايا الشرطية، واملنفصلة منهاهو إيقاع هذه النسبة وإجيادها؛ ويف احلملية هو احلكم بوجود حممول ملوضوع، والسلب هو رفع هذه

واحملمول هو احملكوم به، واملوضوع . النسبة الوجودية؛ ويف احلملية هو احلكم بال وجود حممول ملوضوعاملخصوصة قضية محلية موضوعها شيء جزئي، واملهملة قضية محلية موضوعها كلي و. هو احملكوم عليه

ولكن مل يبني أن احلكم يف كله أو يف بعضه؛ والبد أنه يف البعض وشك يف أنه يف الكل فحكمه حكم اجلزئي، واحملصورة هي اليت موضوعها كلي واحلكم عليه مبني أنه يف كله أو بعضه؛ وقد تكون موجبة

والقضيتان . والسور هو اللفظ الذي يدل على مقدار احلصر؛ ككل، وال واحد، وبعض، وال كل.وسالبة املتقابلتان مها

يف املعىن، واإلضافة، والقوة، والفعل، : اللتان ختتلفان بالسلب واإلجياب وموضوعهما وحمموهلما واحدبني قضيتني يف اإلجياب والسلب تقابال والتناقض هو التقابل . واجلزء، والكل، واملكان، والزمان، والشرط

والقضية البسيطة . جيب عنه لذاته أن يقتسما الصدق والكذب؛ وجيب أن يراعى فيه الشرائط املذكورةزيد : هي اليت موضوعها وحمموهلا اسم حمصل، واملعدولة هي اليت موضوعها أو حمموهلا غري حمصل؛ كقولنا

ا أخس املتقابلني؛ أي دل على عدم شيء من شأنه أن يكون هو غري بصري، والعدمية هي اليت حمموهلومادة القضايا هي حالة للمحمول بالقياس إىل . زيد جائر: للشيء، أو لنوعه، أو جلنسه؛ مثل قولنا

املوضوع جيب ا ال حمالة أن يكون له دائما يف كل وقت يف إجياب أو سلب؛ أو غري دائم له يف إجياب واجب ويدل على دوام الوجود، وممتنع ويدل على دوام العدم، : ايا ثالثوجهات القض. وال سلب

أن اجلهة لفظة مصرح ا تدل على : والفرق بني اجلهة واملادة. وممكن ويدل على ال دوام وجود وال عدم أحد هذه املعاين، واملادة حالة للقضية يف ذاا غري مصرح ا؛ ورمبا ختالفا؛ كقولك زيد ميكن أن يكون

الشيء : أحدمها ما ليس مبمتنع، وعلى هذا: واملمكن يطلق على معنني. حيوانا، فاملادة واجبة واجلهة ممكنة

Page 218: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 218

إما ممكن وإما ممتنع وهو املمكن العامي؛ والثاين ما ليس بضروري يف احلالتني أعين الوجود والعدم وعلى مث إن الواجب واملمتنع بينهما غاية . الشيء إما واجب وإما ممتنع وإما ممكن، وهو املمكن اخلاصي: هذا

اخلالف؛ مع إتفاقهما يف معىن الضرورة؛ فإن الواجب هو ضروري الوجود حبيث لو قدر عدمه لزم منه حمال، واملمتنع ضروري العدم حبيث لو قدر وجوده لزم منه حمال، واملمكن اخلاصي هو ما ليس بضروري

األول أن يكون احلمل دائما : تة تشترك كلها يف الدوامواحلمل الضروري على أوجه س. الوجود والعدممل يزل وال يزال، والثاين أن يكون احلمل دائما ما دامت ذات املوضوع موجودة مل تفسد؛ وهذان مها املستعمالن واملرادان إذا قيل إجياب أو سلب ضروري، والثالث أن يكون احلمل دائما ما دامت ذات

اليت جعلت موضوعة معها، والرابع أن يكون احلمل موجودا وليس له ضرورة املوضوع موصوفة بالصفة بال هذا الشرط، واخلامس أن تكون الضرورة وقتا ما معينا البد منه، والسادس أن تكون الضرورة وقتا ما

أن ال ممتنع: مث إن ذوات اجلهة قد تتالزم طردا وعكسا وقد ال تتالزم؛ فواجب أن يوجد يلزمه. غري معني. وقس عليه سائر الطبقات... يوجد، وليس ميكن باملعىن العامي أن ال يوجد؛ ونقائض هذه متعاكسة

أي كل : كل ب أ بالضرورة: وكل قضية فإما ضرورية، وإما ممكنة، وإما مطلقة؛ فالضرورية مثل قولنا ذاته موجودة يوصف واحد مما يوصف بأنه ب، دائما، أو غري دائم؛ فذلك الشيء دائما ما دامت عني

أحدمها أا اليت : واملطلقة فيها رأيان. واملمكنة هي اليت حكمها من إجياب أو سلب غري ضروري. بأنه أمل يذكر فيها جهة ضرورة للحكم أو إمكان للحكم بل أطلق إطالقا، والثاين ما يكون احلكم فيها

املوضوع موصوفا مبا وصف به، أو ما دام احملمول موجودا ال دائما بل وقتا ما، وذلك الوقت إما ما دام وأما العكس فهو تصيري . حمكموما به، أو يف وقت معني ضروري، أو يف وقت ضروري غري معني

املوضوع حمموال واحملمول موضوعا مع بقاء السلب واإلجياب حبالة والصدق والكذب حبالة، والسالبة اجلزئية فال تنعكس، واملوجبة الكلية تنعكس موجبة جزئية، الكلية تنعكس مثل نفسها، وأما السالبة

.واملوجبة اجلزئية تنعكس مثل نفسها

جعلت : قول يوجب شيئا لشيء أو يسلب شيئا عن شيء: املقدمة: يف القياس ومبادئه وأشكاله ونتائجة مؤلف من أقوال إذا هو قول: والقياس. ما تنحل إليه املقدمة من جهة ما هي مقدمة: واحلد. جزء قياس

وضعت لزم عنها بذاا قول آخر غريها اضطرارا؛ وإذا كان بينا لزومه يسمى قياسا كامال، وإذا احتاج والقياس ينقسم إىل اقتراين واستثنائي، واالقتراين أن يكون ما يلزمه ليس هو وال . إىل بيان فهو غري كامل

. ائي أن يكون ما يلزمه هو أو نقيضه مقوال فيه بالفعلنقيضه مقوال فيه بالفعل بوجه ما، واالستثن

واالقتراين إمنا يكون عن مقدمتني يشتركان يف حد ويفترقان يف حدين؛ فتكون احلدود ثالثة؛ ومن شأن

Page 219: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 219

املشترك فيه أن يزول عن الوسط ويربط ما بني احلدين اآلخرين؛ فيكون ذلك هو الالزم ويسمى نتيجة، ط، والباقيان طرفني، والذي يريد أن يصري حممول الالزم يسمى الطرف األكرب، فاملكرر يسمي حدا أوس

والذي يريد أن يكون موضوع الالزم يسمى الطرف األصغر، واملقدمة اليت فيها الطرف األكرب تسمى الكربى، واليت فيها الطرف األصغر تسمى الصغرى، وتأليف الصغرى والكربى يسمى قرينة، وهيئة

ى شكال، والقرينة اليت يلزم عنها لذاا قول آخر تسمى قياسا، والالزم ما دام مل يلزم بعد بل االقتران تسمواحلد األوسط إن كان حمموال يف مقدمة . يساق إليه القياس يسمى مطلوبا، وإذا لزم يسمى نتيجة

شكال ثانيا، وإن وموضوعا يف األخرى يسمى ذلك االقتران شكال أوال، وإن كان حمموال فيهما يسمىوتشترك األشكال كلها يف أنه ال قياس عن جزئيتني، وتشترك ما . كان موضوعا فيهما يسمى شكال ثالثا

والنتيجة تتبع . خال الكائنة عن املمكنات يف أنه ال قياس عن سالبتني، وال عن صغرى سالبة كرباها جزئيةوشريطة . ول أن تكون كرباه كلية وصغراه موجبةوشريطة الشكل األ. أخس املقدمتني يف الكم والكيف

الشكل الثاين أن تكون الكربى فيه كلية وإحدى املقدمتني خمالفة لألخرى يف الكيف؛ وال ينتج إذا كانت املقدمتان ممكنتني أو مطلقتني اإلطالق الذي ال ينعكس على نفسه كلتيهما، وشريطة الشكل الثالث أن

وأما . ولريجع يف املختلطات إىل تصانيفه. د من كلية يف كل شكلتكون الصغرى موجبة، مث ال بالقياسات الشرطية بقضاياها؛ فاعلم أن اإلجياب والسلب ليس خيتص باحلمليات، بل ويف االتصال

واالنفصال؛ فإنه كما أن الداللة على وجود احلمل إجياب يف احلمل، كذلك الداللة على وجود االتصال لداللة على وجود االنفصال إجياب يف املنفصل؛ وكذلك السلب، وكل سلب فهو إجياب يف املتصل، وا. وقد تكون القضايا كثرية واملقدمة واحدة. وكذلك جيري فيهما احلصر واإلمهال. إبطال اإلجياب ورفعه

واالقتران من املتصالت أن جيعل مقدم أحدمها تايل اآلخر؛ فيشتركان يف التايل، أو يشتركان يف املقدم؛

وكذلك على قياس األشكال احلملية ،و الشرائط فيها واحدة، والنتيجة شرطية حتصل من اجتماع املقدم واالقترانيات من املنفصالت فال تكون يف جزء تام بل تكون يف جزء غري . والتايل اللذين مها كالطرفني واألخرى وضع أو رفع واالستثنائية مؤلفة من مقدمتني إحدامها شرطية،. تام، وهو جزء تال أو مقدم

واملستثناة من قياس فيه شرطية متصلة . ألحد جزأيها؛ وال جيوز أن تكون محلية وشرطية؛ وتسمى املستثناةإن كان االستثناء من املقدم فيجب أن يكون عني املقدم لينتج عني التايل، وإن كان من التايل فيجب أن

وأما إذا كانت الشرطية . ملقدم وعني التايل ال ينتج شيئايكون نقيضه لينتج نقيض املقدم، واستثناء نقيض امنفصلة فإن كانت ذات جزئني فقط موجبتني فأيهما استثنيت عينه أنتج نقيض الباقي، وأيهما استثنيت

نقيضه أنتج عني الباقي

أن نتائج وأما القياسات املركبة فهي ما إذا حللت أفرادها كان ما ينتج كل واحد منها شيئا آخر؛ إال

Page 220: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 220

بعضها مقدمات لبعض، وكل نتيجة فإا تستتبع عكسها، وعكس نقيضها، وجزاها، وعكس جزئها؛ إن كان هلا عكس، واملقدمات الصادقة تنتج نتيجة صادقة، وال ينعكس؛ فقد تنتج املقدمات الكاذبة نتيجة

نية؛ وإمنا ميكن إذا كانت أن تأخذ النتيجة وعكس إحدى املقدمتني فتنتج املقدمة الثا: والدور. صادقةهو أن تأخذ مقابل النتيجة بالضد أو النقيض : وعكس القياس. احلدود يف املقدمات متعاكسة متساوية

هو الذي : وقياس اخللف. احتياال يف اجلدل: وتضيفه إىل إحدى املقدمتني فينتج مقابل النتيجة األخرى. احلقيقة مركبا من قياس اقتراين وقياس استثنائييبني فيه املطلوب من جهة تكذيب نقيضه، فيكون هو ب

هو أن جيعل املطلوب نفسه مقدمة يف قياس يراد فيه إنتاجه، ورمبا تكون : واملصادرة على املطلوب األولهو حكم : واالستقراء. يف قياس واحد، ورمبا تبني يف قياسات، وحيثما كان أبعد كان من القبول أقرب

هو احلكم على : والتمثيل. يف جزئيات ذلك الكلي؛ إما كلها وإما أكثرهاعلى كلي لوجود ذلك احلكمشيء معني لوجود ذلك احلكم يف شيء آخر معني أو أشياء؛ على أن ذلك احلكم كلي على املتشابه فيه؛

وحكم . فيكون احملكوم عليه هو املطلوب، واملنقول منه احلكم هو املثال، واملعىن املتشابه فيه هو اجلامعقياس إضماري : والدليل. مقدمة حممودة كلية يف أن كذا كائن أو غري كائن وصواب أم خطأ: لرأيا

والقياس . حده األوسط شيء إذا وجد لألصغر تبعه وجود شيء آخر لألصغر دائما كيف كان ذلك التبع: ائط الربهانيف مقدمات القياس من جهة ذواا، وشر. الفراسي شبيه بالدليل من وجه وبالتمثيل من وجه

احملسوسات هي أمور أوقع التصديق ا احلس، واربات هي أمور أوقع التصديق ا احلس بشركة من القياس، واملقبوالت آراء أوقع التصديق ا قول من يوثق بصدقه فيما يقول؛ إما ألمر مساوي خيتص به؛ أو

الوهم التابعة للحس، والذائعات آراء لرأي وفكر قوي متيز به، والومهيات آراء أوجب اعتقادها قوة مشهورة حممودة أوجب التصديق ا شهادة الكل، واملظنونات آراء يقع التصديق ا ال على الثبات بل

خيطر إمكان نقضها بالبال، ولكن الذهن يكون إليها أميل، واملتخيالت هي مقدمات ليست تقال ليصدق سبيل احملاكات، واألوليات هي قضايا حتدث يف اإلنسان من ا؛ بل لتخيل شيئا على أنه شيء آخر على

.جهة قوته العقلية من غري سبب أوجب التصديق ا، والربهان قياس مؤلف من يقينيات إلنتاج يقيين

.إما أوليات وما مجع منها؛ وإما جتربيات؛ وإما حمسوسات: واليقينيات

هو : وبرهان اإلن. لنتيجة يف الوجود والذهن مجيعاهو الذي يعطيك علة اجتماع طريف يف ا: وبرهان اللمهل مطلقا؛ هو تعرف : الذي يعطيك علة اجتماع طريف النتيجة عند الذهن والتصديق به واملطالب أربعة

: ما. حال الشيء يف الوجود أو العدم مطلقا، وهل مقيدا؛ وهو تعرف وجود الشيء على حال ما أو ليس

ب االسم؛ أي ما املراد باسم كذا؟ وهذا يتقدم كل مطلب، وإما حبسب يعرف التصور؛ وهو إما حبسيعرف العلة جبواب : مل. الذات؛ أي ما الشيء يف وجوده؟ وهو يعرف حقيقة الذات؛ ويتقدمه اهلل املطلق

Page 221: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 221

وإما أي فهو بالقوة داخل يف اهلل املقيد وإمنا . هل؛ وهو إما علة التصديق فقط؛ وإما علة نفس الوجود: واألمور اليت يلتئم منها أمر الرباهني ثالثة. لتمييز إما بالصفات الذاتية، وإما باخلواصيطلب ا

فاملوضوعات يربهن فيها، واملسائل يربهن عليها، واملقدمات يربهن ا؛ . موضوعات، ومسائل، ومقدمات وقد تكون وجيب أن تكون صادقة يقينية ذاتية؛ وتنتهي إىل مقدمات أولية مقولة على الكل، كلية؛

ضرورية إال على األمور املتغرية اليت هي يف األكثر على حكم ما؛ فتكون أكثرية، وتكون علال لوجود أحدمها أن يكون احملمول مأخوذا يف حد : النتيجة؛ فتكون مناسبة احلمل الذايت يقال على وجهني

.املوضوع، والثاين أن يكون املوضوع مأخوذا يف حد احملمول

أحدمها أن التصديق ا حاصل يف أول العقل، والثاين من جهة أن اإلجياب : ألولية على وجهنياملقدمة ا .والسلب ال يقال على ما هو أعم من املوضوع قوال كليا

املوضوعات هي اليت توضع يف العلوم فيربهن على . املناسب هو أن ال تكون املقدمات فيه من علم غريبوالربهان يعطي . ل هي القضايا اخلاصة بعلم علم؛ املشكوك فيها املطلوب برهاااملسائ. أعراضها الذاتية

حكم اليقني الدائم، وليس يف شيء من الفاسدات عقد دائم؛ فال برهان عليها، وال برهان أيضا على احلد إما : لوألنه ال بد حينئذ من حد أوسط مساو للطرفني؛ ألن احلد واحملدود متساويان، وذلك األوسط ال خي

فأما احلد اآلخر فإن السؤال يف اكتسابه ثابت، فإن . أن يكون حدا آخر، أو يكون رمسا، أو خاصةاكتسب حبد ثالث فاألمر ذاهب إىل غري اية، وإن اكتسب باحلد األول فذلك دور، وإن اكتسب بوجه

ء واحد حدان تامان على آخر غري الربهان فلم ال يكتسب به هذا احلد؟ على أنه ال جيوز أن يكون لشيما سنوضح بعد، وإن كانت الواسطة غري حد فكيف صار ما ليس حبد أعرف وجودا للمحدود من األمر الذايت املقوم له وهو احلد؟ وأيضا فإن احلد ال يكتسب بالقسمة؛ فإن القسمة تضع أقساما، وال حتمل من

ون للقسمة فيه مدخل؛ وأما استثناء نقيض قسم األقسام شيئا بعينه إال أن يوضع وضعا من غري أن يكلكن ليس : ليبقى القسم الداخل يف احلد؛ فهو إبانة الشيء مبا هو مثله أو أخفى منه؛ فإنك إذا قلت

مل تكن أخذت يف االستثناء شيئا أعرف من النتيجة، وأيضا فإن احلد ال : اإلنسان غري ناطق؛ فهو إذا ناطقكل حمدود ضد؛ وال أيضا حد أحد الضدين أوىل بذلك من حد الضد يكتسب من حد الضد فليس ل

اآلخر، واالستقراء ال يفيد علما كليا فكيف يفيد احلد؟ لكن احلد يقتنص بالتركيب؛ وذلك بأن تعمد إىل األشخاص اليت ال تنقسم، وتنظر من أي جنس هي من العشرة فتأخذ مجيع احملوالت املقومة هلا اليت يف

وجتمع العدة منها بعد أن تعرف أيها األول، وأيها الثاين؛ فإذا مجعنا هذه احملوالت ووجدنا ذلك اجلنسأحدمها املساواة يف احلمل، والثاين املساواة يف املعىن؛ : منها شيئا مساويا للمحدود من وجهني فهو احلد

Page 222: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 222

يز الذات يكون قد أخل وهو أن يكون داال على كمال حقيقة ذاته ال يشذ منه شيء، فإن كثريا ما ميببعض األجناس أو ببعض الفصول؛ فيكون مساويا يف احلمل وال يكون مساويا يف املعىن، وبالعكس، وال

يلتفت يف احلد إىل أن يكون وجيزا؛ بل ينبغي أن تضع اجلنس القريب فيه بامسه أو حبده، مث تأيت جبميع .تركت بعض الذاتالفصول الذاتية؛ فإنك إذا تركت بعض الفصول فقد

عنوان للذات وبيان هلا؛ فيجب أن يقوم يف النفس صورة معقولة مساوية للصورة املوجودة : واحلدبتمامها، فحينئذ يعرض أن يتميز أيضا احملدود، وال حد يف احلقيقة ملا ال وجود له وإمنا ذلك قول يشرح

احلد خصوصا إذا كانت بالذاتيات، وال جيوز قول دال على املاهية، والقسمة معينة يف: االسم؛ فاحلد إذا .تعريف الشيء مبا هو أخفى منه، وال مبا هو مثله يف اجلالء واخلفاء، وال مبا ال يعرف الشيء إال به

هو ما وجود ذاته ليس يف موضوع أي يف حمل قريب قد قام بنفسه دونه : اجلوهر: يف األجناس العشرة .بالفعل ال بتقوميه

ي يقبل لذاته املساواة والال مساواة والتجزؤ؛ وهو إما أن يكون متصال إذ يوجد ألجزائه هو الذ: الكمبالقوة حد مشترك تتالقى عنده وتتحد به كالنقطة للخط، وإما أن يكون منفصال ال يوجد ألجزائه ذلك

ضع هو الذي ال بالقوة وال بالفعل كالعدد، واملتصل قد يكون ذا وضع، وقد يكون عدمي الوضع؛ وذو الوأنه أين هو من اآلخر؟؛ فمن ذلك ما : يوجد ألجزائه اتصال وثبات وإمكان أن يشار إىل كل واحد منها

يقبل القسمة يف جهة واحدة وهو اخلط، ومنه ما يقبل يف جهتني متقاطعتني على قوائم وهو الشطح، ومنه ضا ذو وضع؛ ألنه الشطح الباطن واملكان أي. ما يقبل يف ثالث جهات قائم بعضها على بعض وهو اجلسم

من احلاوي، وأما الزمان فهو مقدار للحركة إال أنه ليس من وضع، إذ ال توجد أجزاؤه معا وإن كان له .اتصال؛ إذ ماضيه ومستقبله يتحدان بطرف اآلن، وأما العدد فهو باحلقيقة الكم املنفصل

وده بالقياس إىل شيء آخر وليس له وجود غريه؛ اإلضافة؛ وهي املعىن الذي وج: ومن املقوالت العشرةوأما الكيف؛ فهو كل هيئة . مثل األبوة بالقياس إىل النبوة؛ ال كاألب فإن له وجودا خيصه كاإلنسانية

قارة يف جسم ال يوجب اعتبار وجودها فيه نسبة للجسم إىل خارج، وال نسبة واقعة يف أجزائه وال وهو إما أن يكون خمتصا بالكم من جهة ما هو كم؛ . ثل البياض والسوادجلملته اعتبارا يكون ذا جزء؛ م

.كالتربيع بالسطح، واالستقامة باخلط، والفردية بالعدد؛ وإما أن ال يكون خمتصا به

إما أن يكون حمسوسا تنفعل عنه احلواس ويوجد بانفعال املمتزجات؛ فالراسخ منه مثل : وغري املختص بهالعسل يسمى كيفيات انفعاليات، وسريع الزوال منه وإن كان كيفية باحلقيقة فال صفرة الذهب وحالوة

فإما أن يكون استعدادات إمنا تتصور يف النفس بالقياس إىل : يسمى كيفية ومنه ما ال يكون حمسوسا

Page 223: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 223

كماالت؛ فإن كل استعداد للمقاومة وإباء لالنفعال مسي قوة طبيعية؛ كاملصحاحية والصالبة، وإن كان وإما أن تكون يف أنفسها . ال قوة طبيعية؛ مثل املمراضية واللني: استعدادا لسرعة اإلذعان واالنفعال مسي

كماالت ال يتصور أا استعدادت لكمالت أخرى وتكون مع ذلك غري حمسوسة بذاا، فما كان ثابتا غضب احلليم ومرض منها يسمى ملكة؛ مثل العلم والصحة، وما كان سريع الزوال مسي حاال؛ مثل

وفرق بني الصحة واملصحاحية؛ فإن املصحاح قد ال يكون صحيحا، واملمراض قد يكون . املصحاح .صحيحا

ككون زيد يف السوق، ومىت وهو : األين وهو كون اجلوهر يف مكانه الذي يكون فيه: ومن مجلة العشرة والوضع وهو كون اجلسم حبيث يكون كون اجلوهر يف زمانه الذي ميون فيه؛ مثل كون هذا األمر أمس،

ألجزائه بعضها إىل بعض نسبة يف االحنراف واملوازاة واجلهات وأجزاء املكان إن كان يف مكان؛ مثل : القيام والقعود؛ وهو يف املعىن غري الوضع املذكور يف باب الكم، وامللك ولست أحصله، ويشبه أن يكون

له؛ مثل التلبس والتسلح، والفعل وهو نسبة اجلوهر إىل أمر كون اجلوهر يف جوهر يشمله وينتقل بانتقاموجود منه يف غريه غري قار الذات بل ال يزال يتجدد ويتصرم؛ كالتسخني والتربيد، واالنفعال وهو نسبة

.اجلوهر إىل حالة فيه ذه الصفة؛ مثال لتقطع والتسخن

للكرسي، ويقال علة للمادة وما حيتاج أن يكون يقال علة للفاعل ومبدأ احلركة؛ مثل النجار : والعلل أربعحىت تكون ماهية الشيء؛ مثل اخلشب، ويقال علة للصورة يف كل شيء يكون؛ فإنه ما مل تقترن الصورة

وكل واحدة من . باملادة مل يتكون، ويقال علة للغاية والشيء الذي حنوه وألجله الشيء؛ مثل الكن للبيتوالعلل . بالقوة أو بالفعل، وإما بالذات وإما بالعرض، وإما خاصة أو عامةهذه إما قريبة أو بعيدة، وإما

وأما العلتان الفاعلية . األربع قد تقع حدودا وسطى يف الرباهني؛ إلنتاج قضايا حمموالا أعراض ذاتية والقابلية فال جيب من وضعهما وضع املعلول وإنتاجه ما مل يقترن بذلك ما يدل على صريورما علة

.واهللا املوفق. بالفعل

. رأى يف شيء أنه كذا وميكن أن ال يكون كذا: احلق أنه: الظن: يف تفسري ألفاظ حيتاج إليها املنطقي

اعتقاد بأن الشيء كذا وأنه ال ميكن أن ال يكون كذا بواسطة توجبه، والشيء كذلك يف ذاته، : والعلمتقاد بأن الشيء كذا وأنه ال ميكن أن ال يكون كذا طبعا اع: والعقل. وقد يقال علم لتصور املاهية بتحديد

قوة : والذكاء. قوة للنفس معدة حنو اكتساب العلم: وألذه. بال واسطة؛ كاعتقاد املبادئ األوىل للحدواحلدس حركة النفس إىل إصابة احلد األوسط إذا وضع املطلوب، أو إصابة احلد األكرب . استعداد حلدس

إمنا يدرك اجلزئيات : واحلس. باجلملة سرعة انتقال الذهن من معلوم إىل جمهولإذا أصيب األوسط؛ و

Page 224: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 224

حيفظان ما يؤديه احلس على شخصيته؛ أما اخليال فيحفظ الصورة، وأما : والذكر واخليال. الشخصيةحركة : والفكر. الذكر فيحفظ املعىن املأخوذ، وإذا تكرر احلس صار ذكرا، وإذا تكرر الذكر كان جتربة

ملكة نفسانية تصدر عنها أفعال إرادية بغري : والصناعة. ن اإلنسان حنو املبادئ؛ ليصري منها إىل املطالبذهأما يف جانب العلم : خروج النفس اإلنساين إىل كماله املمكن يف جزأي العلم والعمل: واحلكمة. روية

جانب العمل فأن يكون قد فأن يكون متصورا للموجودات كما هي ومصدقا للقضايا كما هي، وأما يف والفكر العقلي ينال الكليات جمردة، واحلس واخليال . حصل له اخللق الذي يسمى العدالة وامللكة الفاضلة

التصور : ولكل واحد من هذه املعاين معونة يف صواحبها يف قسمي. على العقل، مث العقل يفعل التمييز .والتصديق

يف موضوع : املسألة األوىل منها: ختتص ذا العلم يف عشر مسائليف اإلهليات جيب أن حنصر املسائل اليت .هذا العلم، ومجلة ما يتظر فيه، والتنبيه على الوجود وأقسامه

إن لكل علم موضوعا ينظر فيه فيبحث عن أحواله، وموضوع العلم اإلهلي هو الوجود املطلق ولو أحقه ومجلة ما . إىل حيث تبتدئ منه سائر العلوم، وفيه بيان مبادئهااليت له بذاته ومبادئه، وينتهي يف التفصيل الواحد والكثري ولواحقهما، والعلة واملعلول، والقدمي : ينظر فيه هذا العلم هو أقسام الوجود وهي

ويشبه أن يكون انقسام الوجود إىل : واحلادث، والتام والناقص، والفعل والقوة، وحتقيق املقوالت العشروالوجود يشمل . قساما بالفصول، وانقسامه إىل الوحدة والكثرة وأخواما انقساما باألعراضاملقوالت ان

الكل مشوال بالتشكيك ال بالتواطؤ وهلذا مل يصلح أن يكون جنسا؛ فإنه يف بعضها أوىل وأول ، ويف ؛ ألنه مبدأ أول بعضها ال أوىل وال أول، وهو أشهر من أن حيد أو يرسم، وال ميكن أن يشرح بغري االسم

وينقسم نوعا من القسمة إىل واجب . لكل شئ؛ فال شرح له، بل صورته تقوم يف النفس بال توسط شئبذاته وممكن بذاته، والواجب بذاته ما إذا اعترب ذاته فقط وجب وجوده، واملمكن بذاته ما إذا اعترب لذاته

إذا عرض على القسمني عرضا محليا الواحد مث . مل جيب وجوده وإذا فرض غري موجود مل يلزم منه حمالوالكثري كان الواحد أوىل بالواجب، والكثري أوىل باجلائز؛ وكذلك العلة واملعلول، والقدمي واحلادث،

كان أحسن األمساء أوىل بالواجب بذاته؛ وملا مل تتطرق ... والتام والناقص، والفعل والقوة، والغىن والفقرطرق إليه التقسيم؛ بل توجه إىل املمكن بذاته فانقسم إىل جوهر وعرض، وقد إليه الكثرة بوجه مل يتت

وأما نسبة أحدمها إىل اآلخر فهو أن اجلوهر حمل مستغن يف قوامه عن احلال فيه، . عرفنامها برمسيهماوالعرض حال فيه غري مستغن يف قوامه عنه، فكل ذات مل تكن يف موضوع وال قوامها به فهو جوهر،

وقد يكون الشيء يف احملل ويكون مع ذلك جوهرا ال يف . قوامها يف موضوع فهو عرضوكل ذات

Page 225: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 225

موضوع إذا كان احملل القريب الذي هو فيه متقوما به وليس متقوما بذاته مث مقوما له ، ونسميه صورة؛ حمل إما أن ال يكون يف : وكل جوهر ليس يف موضوع فال خيلو. وهذا هو الفرق بينهما وبني العرض

فإن كان يف حمل ذه الصفة فإنا نسميه . أصال، أو يكون يف حمل ال يستغىن يف القوام عنه ذلك احمللصورة مادية، وإن مل يكن يف حمل أصال فإما أن يكون حمال بنفسه ال تركيب فيه؛ أوال يكون، فإن كان

با مثل أجسامنا املركبة من مادة ومن حمال بنفسه فإنا نسميه اهليوىل املطلقة، وإن يكن فإما أن يكون مركإما أن يكون له تعلق ما باألجسام؛ أو مل : وما ليس مبركب فال خيلو. صورة جسمية؛ وإما أن ال يكون

وأما أقسام العرض فقد ذكرناها، . يكن له تعلق، فما له تعلق نسميه نفسا، وما ليس له تعلق فنسميه عقال .وحصرها بالقسمة الضرورية متعذر

يف حتقيق اجلوهر اجلسماين وما يتركب منه، وأن املادة اجلسمانية ال تتعرى عن الصورة، : املسألة الثانيةاعلم أن اجلسم ليس جسما بأن فيه أبعادا ثالثة بالفعل؛ . وأن الصورة متقدمة على املادة يف مرتبة الوجود

ت تعلم أن الكرة ال قطع فيها بالفعل، فإنه ليس جيب أن يكون يف كل جسم نقط أو خطوط بالفعل؛ وأنبل اجلسم إمنا هو جسم ألنه حبيث يصلح أن يفرض فيه أبعاد ثالثة كل واحد . والنقط واخلطوط قطوع

منها قائم على اآلخر، وال ميكن أن تكون فوق ثالثة؛ فالذي يفرض فيه أوال هو الطول، والقائم عليه وأما األبعاد . هو العمق؛ وهذا املعىن منه هو صورة اجلسميةالعرض، والقائم عليهما يف احلد املشترك

احملدودة اليت تقع فيه فليست صورة له بل هي من باب الكم، وهي لواحق ال مقومات، وال جيب أن يثبت شيء منها له؛ بل مع كل تشكيل يتجدد عليه يبطل كل بعد متحدد كان فيه، ورمبا اتفق يف بعض

ال تفارق مالزمة أشكاهلا؛ وكما أن الشكل الحق فكذلك ما يتحدد األجسام أن تكون الزمة لهبالشكل، وكما أن الشكل ال يدخل يف حتديد جسميته فكذلك األبعاد املتحددة؛ فالصورة اجلسمية مث . موضوعة لصناعة الطبيعيني أو داخله فيها، واألبعاد املتحددة موضوعة لصناعة التعامليني أو داخلة فيها

ومن املعلوم أن قابل . سمية طبيعة وراء االتصال يلزمها االتصال، وهي بعينها قابلة لالنفصالالصورة اجلاالتصال واالنفصال أمر وراء االتصال واالنفصال؛ فإن القابل يبقى بطريان أحدمها، واالتصال ال يبقى

يعرض هلا االنفصال وظاهر أن هنا جوهرا غري الصورة اجلسمية هو اهليوىل الذي . بعد طريان االنفصالواالتصال معا، وهي تقارن الصورة اجلسمية؛ فهي اليت تقبل االحتاد بالصورة اجلسمية فتصري جسما

واملادة ال جيوز أن تفارق الصورة اجلسمية وتقوم موجودة . واحدا مبا يقومها، وذلك هو اهليوىل أو املادةرناها جمردة ال وضع هلا وال حيز وال أا تقبل أنا لو قد: أحدمها: والدليل عليه من وجهني: بالفعل

فإما أن تكون صادقتها دفعة؛ أعين املقدار : االنقسام؛ فإن هذه كلها صور، مث قدرنا أن الصورة صادقتها

Page 226: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 226

فإن حل فيها دفعة . احملصل حيل فيها دفعة ال على تدريج، أو حترك إليها املقدار واالتصال على تدريج يكون قد صادفها حيث انضاف إليها؛ فيكون ال حمالة صادفها وهو يف احليز الذي ففي اتصال املقدار ا

وال جيوز أن يكون التحيز . وهذا خلف... هو فيه؛ فيكون ذلك اجلوهر متحيزا وقد فرض غري متحيز البتةار قد حصل له دفعة واحدة مع قبول املقدار؛ وألن املقدار يوافيه يف حيز خمصوص، وإن حل فيها املقد

واالتصال على انبساط وتدريج وكل ما من شأنه أن ينبسط فله جهات وما له جهات فهو ذو وضع، فتعني أن املادة لن تتعرى عن . وهذا خلف... فيكون ذلك اجلوهر ذا وضع وقد فرض غري ذي وضع البتة

وجودا خاصا أنا لو قدرنا للمادة: والدليل الثاين. الصورة قط، وأن الفصل بينهما فصل بالعقل فقطمتقوما غري ذي كم وال جزء باعتبار نفسه، مث يعرض عليه الكم فيكون ما هو متقوم بأنه ال جزء له وال كم يعرض أن يبطل عنه ما يتقوم به بالفعل لو رود عارض عليه؛ فيكون حينئذ للمادة صورة عارضة ا

بالفعل؛ فيكون بني األمرين شيء تكون واحدة بالقوة والفعل، وصورة أخرى ا تكون غري واحدة . مشترك هو القابل لألمرين من شأنه أن يصري مرة ليس يف قوته أن ينقسم، ومرة يف قوته أن ينقسم

ولنفرض اآلن أن هذا اجلوهر قد صار بالفعل أثنني، مث صارا شيئا واحدا بأن خلعا صورة األثنينية؛ فال فهما اثنان ال واحد، وإن احتدا وأحدمها معدوم واآلخر أما إن احتدا وكل واحد منهما موجود : خيلو

موجود فاملعدوم كيف يتحد باملوجود؟ وإن عدما مجيعا باالحتاد وحدث شيء واحد ثالث فهما غري متحدين بل فاسدان وبينهما وبني الثالث مادة مشتركة، وكالمنا يف نفس املادة ال يف شيء ذي مادة؛

إن الصورة : وال جيوز أن يقال. رقة للصورة، وإا إمنا تقوم بالفعل بالصورةفاملادة اجلسمية ال توجد مفابنفسها موجودة بالقوة وإمنا تصري بالفعل باملادة؛ ألن جوهر الصورة هو الفعل، وما بالقوة حمله املادة؛

وكيف يتصور والصورة وإن كانت ال تفارق اهليوىل فليست تقوم باهليوىل بل بالعلة املفيدة إياها للهيوىل،أن تقوم الصورة باهليوىل وقد أثبت أا علتها؛ والعلة ال تتقوم باملعلول، وفرق بني الذي يتقوم به الشيء

وبني الذي ال يفارقه؛ فإن املعلول ال يفارق العلة وليس علة

وأول . صورةفما يقوم الصورة أمر مباين هلا مفيد الوجود، وما يقوم اهليوىل أمر مالق هلا وهو ال. هلااملوجودات يف استحقاق الوجود اجلوهر املفارق الغري اسم الذي يعطي صورة اجلسم وصورة كل موجود، مث الصورة، مث اجلسم، مث اهليوىل؛ وهي وإن كانت سببا للجسم فإا ليست بسبب يعطي

د الصورة فيه اليت الوجود بل سبب يقبل الوجود، فإنه حمل لنيل الوجود، وللجسم وجودها وزيادة وجومث العرض أوىل بالوجود؛ فإن أوىل األشياء بالوجود هو اجلوهر مث األعراض، ويف . هي أكمل منها

.األعراض ترتيب يف الوجود أيضا

Page 227: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 227

يف أقسام العلل، وأحواهلا، ويف القوة والفعل، ويف إثبات الكيفيات يف الكمية، وإن : املسألة الثالثةاملبدأ، : وقد بينا يف املنطق أن العلل أربع، وحتقيق وجودها ههنا أن نقول. هرالكيفيات أعراض ال جوا

والعلة يقال لكل ما يكون قد استتم له وجوده يف نفسه مث حصل منه وجود شيء آخر ونقوم به، مث ال إما أن يكون جزءا ليس جيب عن : إما أن يكون كاجلزء ملا هو معلول له؛ وهذا على وجهني: خيلو ذلك

صوله بالفعل أن يكون ما هو معلول له موجودا بالفعل وهذا هو العنصر؛ ومثاله اخلشب للسرير فإنك حتتوهم اخلشب موجودا وال يلزم من وجوده وحده أن حيصل السرير بالفعل، بل املعلول موجود فيه

الصورة؛ ومثاله وإما أن يكون جزءا جيب عن حصوله بالفعل وجود املعلول له بالفعل وهذا هو . بالقوةفإما أن يكون مباينا أو مالقيا لذات : وإن مل يكن كاجلزء ملا هو معلول له. الشكل والتأليف للسرير

فإما أن ينعت به املعلول، وإما أن ينعت باملعلول؛ وهذان مها يف حكم الصورة : املعلول؛ واملالقى وليس الوجود ألجله وهو الفاعل، وإما أن ال فإما أن يكون الذي منه الوجود: وإن كان مباينا. واهليوىل

والغاية تتأخر يف حصول الوجود وتتقدم سائر لعلل يف . يكون منه الوجود بل ألجله الوجود وهو الغايةالسببية، وفرق بني السببية والوجود يف األعيان؛ فإن املعىن له وجود يف األعيان، ووجود يف النفس، وأمر

رك هو السببية، والغاية مبا هي سبب فإا تتقدم وهي علة العلل يف أا علل، مشترك؛ وذلك األمر املشتكان الفاعل متأخرا يف . ومبا هي موجودة يف األعيان قد تتأخر وإذا مل تكن العلة الفاعلية هي بعينها الغاية

ول يف كل شيء ويشبه أن يكون احلاصل عند التمييز هو أن الفاعل األول واحملرك األ. السببية عن الغايةهو الغاية، وإن كانت العلة الفاعلية هي الغاية بعينها استغىن عن حتريك الغاية؛ فكان نفس ما هو فاعل

، ...وأما سائر العلل؛ فإن الفاعل والقابل قد يتقدمان املعلول بالزمان. نفس ما هو حمرك من غري توسطوقد . رف؛ ألن القابل أبدا مستفيد، والفاعل مفيدوأما الصورة فال تتقدم بالزمان البتة بل بالرتبة والش

وقد تكون علة قريبة، وقد تكون علة بعيدة، وقد . وقد تكون بالعرض. تكون العلة علة للشيء بالذاتتكون علة لوجود الشيء فقط، وقد تكون علة لوجوده، ولدوام وجوده؛ فإنه إمنا حيتاج إىل الفاعل

السابق ويف حال عدمه؛ فيكون املوجد الذي هو موجد للوجود لوجوده ويف حال وجوده، ال لعدمه واملوجود هو الذي يوصف بأنه موجد، فكما أنه يف حال ما هو موجود يوصف بأنه موجد كذلك احلال

وأما القوة والفعل؛ فالقوة تقال ملبدأ . يف كل حال فكل موجد حمتاج إىل موجد مقيم لوجوده لواله لعدم إنه آخر، وهو إما يف املنفعل وهي القوة االنفعالية، وإما يف الفاعل وهي القوة التغري يف آخر من حيث

وقوة املنفعل قد تكون حمدودة حنو شيء واحد كقوة املاء على قبول الشكل دون قوة احلفظ، ويف : الفعليةلفاعل قد الشمع قوة عليهما مجيعا، ويف اهليوىل األوىل قوة اجلميع ولكن بتوسط شيء دون شيء، وقوة ا

تكون حمدودة حنو شيء واحد؛ كقوة النار على اإلحراق فقط، وقد تكون على أشياء كثرية كقوة

Page 228: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 228

املختارين، وقد يكون يف الشيء قوة على شيء ولكن بتوسط شيء دون شيء، والقوة الفعلية احملدودة إذا فيه األضداد؛ وهذه القت القوة املنفعلة حصل منها الفعل ضرورة، وليس كذلك يف غريها مما يستوي

القوة ليست هي اليت يقابلها ملا بالفعل؛ فإن هذه تبقى موجودة عندما يفعل، والثانية إمنا تكون موجودة وكل جسم صدر عنه فعل ليس بالعرض وال بالقسر فإنه يفعل بقوة ما فيه، أما الذي . مع عدم الفعل

إما أن يصدر عن ذاته مبا هو ذاته، أو عن : خيلوباإلرادة واالختيار فظاهر، وأما الذي ليس باالختيار فالقوة يف ذاته، أو عن شيء مباين؛ فغن صدر عن ذاته مبا هو جسم فيجب أن تشاركه سائر األجسام، وإذا متيز عنها بصدور ذلك الفعل عنه فلمعىن يف ذاته زائد على اجلسمية؛ وإن صدر عن شيء مباين فال خيلو

جسم؛ فإن كان جسما فالفعل عنه بقسر ال حمالة وقد فرض بال قسر؛ هذا إما أن يكون جسما أو غري وإن مل يكن جسما؛ فتأثر اجلسم عن ذلك املفارق غما أن يكون لكونه جسما أو لقوة فيه؛ وال . خلف

جيوز أن يكون بكونه جسما وقد أبطلناه، فتعني أنه لقوة فيه هي مبدأ صدور ذلك الفعل عنه وذلك هو يه القوة الطبيعية، وهي اليت تصدر عنها األفاعيل الذي نسم

اجلسمانية من التحيزات إىل أماكنها والتشكيالت الطبيعية، وإذا خليت وطباعها مل جيز أن حيدث منها .زوايا خمتلفة بل وال زاوية فيجب أن تكون كرة؛ وإذا صح وجود الكرة صح وجود الدائرة

.أخر، والقدمي واحلادث، وإثبات املادة لكل متكونيف املتقدم واملت: املسألة الرابعة

التقدم قد يقال بالطبع؛ وهو أن يوجد الشيء وليس اآلخر مبوجود وال يوجد اآلخر إال وهو موجود كالواحد واالثنني، وقد يقال بالزمان كتقدم األب على االبن، ويقال بالرتبة وهو األقرب إىل املبدأ الذي

ول أن يكون أقرب إىل اإلمام، ويقال بالكمال والشرف كتقدم العامل على عني كاملتقدم يف الصف األاجلاهل، ويقال بالعلية ألن للعلة استحقاقا للوجود قبل املعلول ومها مبا مها ذاتان ليس يلزم فيهما خاصية

د من التقدم والتأخر وال خاصية املعية؛ ولكن مبا متضايفان وعلة ومعلول وإن أحدمها مل يستفد الوجووإذا رفعت العلة . اآلخر واآلخر استفاد الوجود منه؛ فال حمالة كان املفيد متقدما واملستفيد متأخرا بالذات

ارتفع املعلول ال حمالة، وليس إذا ارتفع املعلول ارتفعت بارتفاعه العلة؛ بل إن صح فقد كانت العلة يء إذا كان كما يكون حمدثا حبسب الزمان واعلم بأن الش. ارتفعت أوىل بعلة أخرى حىت ارتفع املعلول

كذلك قد يكون حمدثا حبسب الذات؛ فإن الشيء إذا كان له يف ذاته أن ال جيب له وجود بل هو باعتبار والذي بالذات جيب وجوده قبل الذي من غري الذات؛ ... ذاته ممكن الوجود مستحق للعدم لوال علته

أي : س مت عن العلة، وثانيا أنه أيس فيكون كل معلول حمدثافيكون لكل معلول يف ذاته أوال أنه ليمستفيدا الوجود من غريه، وإن كان مثال يف مجيع الزمان موجودا مستفيدا لذلك الوجود عن موجد فهو

حمدث؛ ألن وجوده من بعد ال وجوده بعدية بالذات، وليس حدوثه إمنا هو آن من الزمان فقط بل هو

Page 229: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 229

ه، وال ميكن أن يكون حادثا بعد ما مل يكن يف زمانه إال وقد تقدمت املادة؛ فإنه قبل حمدث يف الدهر كلوجوده ممكن الوجود، وإمكان الوجود إما أن يكون معىن معدوما أو معىن موجودا، وحمال أن يكون

مع وجوده؛ واحد، وهو قد سبقه اإلمكان، والقبل املعدوم موجود : معدوما؛ فإن املعدوم قبل واملعدوم معفهو إذا معىن موجود؛ وكل معىن موجود فإما قائم ال يف موضوع أو قائم يف موضوع، وكل ما هو قائم ال يف موضوع فله وجود خاص ال جيب أن يكون به مضافا، وإمكان الوجود إمنا هو وا ه وباإلضافة إىل

نسميه قوة الوجود، ونسمي وحنن . ما هو إمكان وجود له؛ فهو إذا معىن يف موضوع وعارض ملوضوعكل حادث فقد : فإذا. حامل قوة الوجود الذي فيه قوة وجود الشيء موضوعا وهيوىل ومادة وغري ذلك

.تقدمته املادة، كما تقدمه الزمان

.يف الكلي، والواحد، ولواحقهما: املسالة اخلامسة

شيء، ومبا هو واحد أو كثري خاص أو عام املعىن الكلي مبا هو طبيعة ومعىن كاإلنسان مبا هو إنسان : قالشيء آخر؛ بل هذه املعاين عوارض تلزمه ال من حيث هو إنسان بل من حيث هو يف الذهن أو يف

وإذا قد عرفت ذلك، فقد يقال كلي لإلنسانية بال شرط، وهو ذا االعتبار موجود بالفعل يف . اخلارجوقد يقال كلي . احد بالذات، وال على أنه كثرياألشياء، وهو حممول على كل واحد؛ ال على أنه و

فبني ظاهر أن . لإلنسانية بشرط أا مقولة على كثريين، وهو ذا االعتبار ليس موجودا بالفعل يف األشياءاإلنسان الذي اكتنفته األعراض املشخصة مل تكتنفه أعراض شخص آخر حىت يكون ذلك بعينه يف

الوجود؛ بل الكلي العام بالفعل إمنا هو يف العقل، وهو الصورة اليت شخص زيد وعمرو، فال كلي عام يف مث الواحد يقال ملا هو منقسم من اجلهة اليت قيل له . يف العقل كنقش واحد تنطبق عليه صورة وصورة

منها أنه واحد، ومنه ما ال ينقسم يف اجلنس، ومنه ما ال ينقسم يف النوع، ومنه ما ال ينقسم بالعرض العام ومنه ما ال ينقسم يف . لغراب والقار يف السود، ومنه ما ال ينقسم باملناسبة كنسبة العقل إىل النفسكا

إما أن يكون فيه كثرة بالفعل فيكون واحدا بالتركيب : والواحد بالعدد. العدد، ومنه ما ال ينقسم يف احلدتصال، وإن مل يكن فيه ذلك فهو واالجتماع، وإما أن ال يكون ولكن فيه كثرة بالقوة فيكون واحدا باال

والكثري يكون على اإلطالق وهو العدد الذي بازاء الواحد كما ذكرنا، . الواحد بالعدد على اإلطالقفاملشاه وهي : وأما لواحق الواحد. والكثري باإلضافة هو الذي يترتب بإزائه القليل؛ فأقل العدد اثنان

يف الكمية، واانسة احتاد يف اجلنس، واملشاكلة احتاد يف النوع، احتاد يف الكيفية، واملساواة وهي احتاد واملوازاة احتاد يف وضع األجزاء، واملطابقة احتاد يف األطراف، واللهو هو حال بني اثنني جعال اثنني يف

.الوضع يصري ا بينهما احتاد بنوع ما؛ ويقابل كل واحد منهما من باب الكثري مقابل

Page 230: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 230

يف تعريف واجب الوجود بذاته، وأنه ال يكون بذاته وبغريه معا، وانه ال كثرة يف ذاته :املسألة السادسةبوجه، وإنه خري حمض وحق حمض، وأنه واحد من وجوه شىت وال جيوز أن يكون اثنان واجيب الوجود

.ويف إثبات واجب الوجود بذاته

ناه أنه ليس فيه ضرورة ال يف وجوده واجب الوجود معناه أنه ضروري الوجود، وممكن الوجود مع: قالوالقسم األول هو الذي وجوده . مث إن واجب الوجود قد يكون بذاته، وقد ال يكون بذاته. وال يف عدمه

لذاته ال لشيء آخر، والثاين هو الذي وجوده لشيء آخر أي شيء كان؛ ولوضع ذلك الشيء صار ولكن عند وضع أثنني واثنني، وال جيوز أن يكون واجب الوجود؛ مثل األربعة واجبة الوجود ال بذاا

إما أن يبقى وجوب وجوده، : شيء واحد واجب الوجود بذاته وبغريه معا؛ فإنه إن رفع ذلك الغري مل خيلأو مل يبق؛ فإن بقي فال يكون واجبا بغريه، وإن مل يبق فال يكون واجبا بذاته، فكل ما هو واجب الوجود

د بذاته؛ فإن وجوب وجوده تابع لنسبة ما وهي اعتبار غري اعتبار نفس ذات بغريه فهو ممكن الوجوإما أن يكون مقتضيا لوجوب الوجود وقد أبطلناه، وإما أن يكون مقتضيا : الشيء؛ فاعتبار الذات وحدها

وذلك . المتناع الوجود وما امتنع بذاته مل يوجد بغريه، وإما أن يكون مقتضيا إلمكان الوجود وهو الباقيإمنا جيب وجوده بغريه؛ ألنه إن مل جيب كان بعد ممكن الوجود مل يترجح وجوده على عدمه؛ وال يكون

مث واجب الوجود بذاته ال . جتددت حالة؛ فالسؤال عنها كذلك: بني هذه احلالة واألوىل فرق؛ فإن قيلأجزاء حد؛ سواء كانت ال أجزاء كمية، وال : جيوز لذاته مبادئ جتتمع، فيتقوم منها واجب الوجود

يدل كل واحد : كاملادة والصورة، أو كانت على وجه آخر بأن تكون أجزاء القول الشارح ملعىن امسهمنها على شيء هو يف الوجود غري اآلخر بذاته؛ وذلك ألن كل ما هذا صفته فذات كل جزء منه ليس

من الكل؛ فتكون العلة املوجبة هو ذات اآلخر وال ذات اتمع، وقد وضح أن األجزاء بالذات أقدمإن الكل : وليس ميكننا أن نقول. للوجود علة لألجزاء مث للكل؛ وال يكون شيء منها بواجب الوجود

أقدم بالذات من األجزاء فهو إما متأخر وإما معا؛ فقد اتضح أن واجب الوجود ليس حبسم، وال مادة يف صورة معقولة، وال صورة معقولة يف مادة معقولة؛ جسم، وال صورة يف جسم، وال مادة معقولة لقبول

ال يف الكم، وال يف املبادئ، وال يف القول؛ فهو واجب الوجود يف مجيع جهاته؛ إذ هو : وال قسمة لهوأيضا فإن قدر أن يكون واجبا من جهة ممكنا من جهة كان إمكانه . واحد من كل وجه فال جهة وجهة

الوجود بذاته مطلقا؛ فينبغي أن يتفطن من هذا ألن واجب الوجود ال متعلقا بواجب، فلم يكن واجبيتأخر عن وجوده وجود له منتظر؛ بل كل ما هو ممكن له فهو واجب له؛ فال له إرادة منتظرة؛ وال علم

واخلري . منتظر، وال طبيعة، وال صفة من الصفات اليت تكون لذاته منتظرة، وهو خري حمض، وكمال حمض

Page 231: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 231

و ما يتشوقه كل شيء ويتم به وجود كل شيء، والشر ال ذات له؛ بل هو إما عدم جوهر، أو باجلملة هعدم صالح حال للجوهر؛ فالوجود خريية، وكمال الوجود كمال اخلريية، والوجود الذي ال يقارنه

عدم؛ ال عدم جوهر وال عدم حال للجوهر، بل هو دائم بالفعل؛ فهو خري حمض، واملمكن بذاته ليس ا حمضا ألن ذاته حتتمل العدم، وواجب الوجود هو حق حمض؛ ألن حقيقة كل شيء خصوصية خري

.وجوده الذي يثبت له؛ فال أحق إذا من واجب الوجود

وقد يقال حق أيضا ملا يكون االعتقاد بوجوده صادقا؛ فال أحق ذه الصفة مما يكون االعتقاد بوجوده وهو واحد حمض؛ ألنه ال جيوز أن يكون نوع . وامه لذاته ال لغريهصادقا، ومع صدقه دائما، ومع د

إما أن تقتضيه ذات نوعه، أو ال تقتضيه ذات نوعه بل : واجب الوجود لغري ذاته؛ ألن وجود نوعه له بعينهتقتضيه علة؛ فإن كان وجود نوعه مقتضى ذات نوعه مل يوجد إال له؛ وإن كان لعلة فهو معلول؛ فهو إذا

وحدانيته، وواحد من جهة متامية وجوده، وواحد من جهة أن حده له، وواحد من جهة أنه ال تام يفينقسم إال بالكم وال باملبادئ املقومة له وال بأجزاء احلد، وواحد من جهة أن لكل شيء وحدة حمضة وا

له؛ فال جيوز كمال حقيقته الذاتية، وواحد من جهة أن مرتبته من الوجود وهو وجوب الوجود ليس إال إذا أن يكون أميان كل واحد منهما واجب الوجود بذاته، فيكون وجوب الوجود مشتركا فيه على أن

بل وال تظن . يكون جنسا أو عارضا ويقع الفصل بشيء آخر؛ إذ يلزم التركيب يف ذات كل واحد منهمانسني اللذين حيتاجان إىل فصل وفصل أنه موجود وله ماهية وراء الوجود كطبيعة احليوان واللون مثال اجل

حىت يتقررا يف وجودمها؛ ألن تلك الطبائع معلولة، وإمنا حيتاجان ال يف نفس احليوانية واللونية املشتركة بل فوجوب الوجود هو املاهية، وهو مكان احليوانية اليت ال حتتاج إىل فصل يف أن يكون : وههنا. يف الوجود

وال تظن أن واجيب الوجود ال يشتركان يف شيء ما؛ كيف ومها . داحيوانا بل يف أن يكون موجويشتركان يف وجوب الوجود، ويشتركان يف الرباءة عن املوضوع فإن كان واجب الوجود يقال عليهما باالشتراك فكالمنا ليس يف منع كثرة اللفظ واالسم، بل يف معىن واحد من معاين ذلك االسم؛ وإن كان

وكيف يكون عموم . معنا عام عموم الزم أو عموم جنس؛ وقد بينا استحالة هذابالتباطؤ فقد حصل وجوب الوجود لشيئني على سبيل اللوازم اليت تعرض من خارج واللوازم معلولة؟ وإما إثبات واجب

كل مجلة من حيث أا : الوجود فليس ميكن إال بربهان إن، وهو االستدالل املمكن على الواجب، فنقولإما أن تكون واجبة : ء كانت متناهية أو غري متناهية إذا كانت مركبة من ممكنات فإا ال ختلومجلة سوا

بذاا، أو ممكنة بذاا؛ فإن كانت واجبة الوجود بذاا، وكل واحد منها ممكن الوجود يكون واجب تاجة يف الوجود وإن كانت ممكنة الوجود بذاا، فاجلملة حم. الوجود يتقوم ببمكنات الوجود؛ هذا خلف

Page 232: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 232

إىل مفيد للوجود؛ فإما أن يكون املفيد خارجا عنها أو داخال فيها؛ فإن كان داخال فيها فيكون واحدا فتعني أن املفيد جيب أن يكون . منها واجب الوجود وكائن كل واحد منها ممكن الوجود، هذا خلف

.خارجا عنها؛ وذلك هو املطلوب

ب الوجود عقل وعاقل ومعقول، وأنه يعقل ذاته واألشياء، وصفاته اإلجيابية يف أن واج: املسألة السابعة .والسلبية ال توجب كثرة يف ذاته، وكيفية صدور األفعال عنه

العقل يقال على كل جمرد عن املادة، وإذا كان جمردا بذاته عن املادة فهو عقل لذاته، واجب الوجود : قال .تهجمرد بذاته عن املادة؛ فهو عقل لذا

ومبا يعترب له أن هويته جمردة لذاته؛ فهو معقول لذاته، ومبا يعترب له أن ذاته له هوية جمردة؛ فهو عاقل لذاته، وكونه عاقال ومعقوال ال يوجب أن يكون اثنني يف الذات، وال اثنني يف االعتبار؛ فإنه ليس حتصيل األمرين

ته له؛ وههنا تقدمي وتأخري يف ترتيب املعاين يف عقولنا، والغرض إال أنه له ماهية جمردة، وأنه ماهية جمردة ذاوكذلك عقلنا لذاتنا هو نفس الذات، وإذا عقلنا شيئا فلسنا نعقل أن نعقل بعقل . احملصل هو شيء واحد

مث ملا مل يكن مجال واء فوق مجال واء ملاهية عقلية صرفة وخريية . آخر؛ ألن ذلك يؤدي إىل التسلسلبريئة عن املواد وأحناء النقص واحدة من كل جهة ومل يسلم ذلك بكنهه إال لواجب الوجود ؛ فهو حمضة

اجلمال احملض والبهاء احملض، وكل مجال واء ومالئم وخري فهو حمبوب معشوق؛ وكلما كان اإلدراك أشد وأكثر؛ فهو أشد اكتناها واملدرك أمجل ذاتا فحب القوة املدركة له وعشقها له والتذاذها به كان

. أفضل مدرك بأفضل إدراك ألفضل مدرك، وهو عاشق لذاته ومعشوق لذاته؛ عشق من غريه أو مل يعشق

وأنت تعلم أن إدراك العقل للمعقول أقوى من إدراك احلس للمحسوس؛ ألن العقل إمنا يدرك األمر الباقي ؛ فاللذة اليت لنا بأن نعقل فوق ويتحد به ويصري هو هو، ويدركه بكنهه ال بظاهره، وال كذلك احلس

اللذة اليت لنا بأن حنس، لكنه قد يعرض أن تكون القوة الدراكة ال تستلذ باملالئم لعوارض كاملرور يستمر واعلم أن واجب الوجود ايس جيوز أن يعقل األشياء من األشياء؛ وإال فذاته إما متقومة . العسل لعارض

حمال، بل كما أنه مبدأ كل وجود فيعقل من ذاته ما هو مبدأ له، مبا يعقل أو عارض هلا أن يعقل وذلك واملوجودات الكائنة الفسدة بأنواعها أوال وبتوسط ذلك . وهو مبدأ للموجودات التامة بأعياا

بأشخاصها، وال جيوز أن يكون عاقال هلذه املتغريات مع تغريها حىت يكون تارة يعقل منها أا موجودة ارة يعقل منها أا معدومة غري موجودة، ولكل واحد من األمرين صورة عقلية على غري معدومة، وت

حدة، وال واحد من الصورتني يبقى مع الثانية فيكون واجب الوجود متغري الذات؛ بل واجب الوجود إمنا يعقل كل شيء على حنو فعلي كلي، ومع ذلك فال يعزب عنه شيء شخصي؛ فال يعزب عنه مثقال ذرة

Page 233: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 233

وأما كيفية ذلك؛ فألنه إذا عقل ذاته، وعقل أنه مبدأ كل موجود عقل أوائل . سموات وال يف األرضيف الوال شيء من األشياء يوجد إال وقد صار من جهة ما واجبا بسببه؛ فتكون . املوجودات وما يتولد عنها

اب ومطابقاا؛ فيعلم فاألول يعلم األسب. األسباب مبصادماا تتأذى إىل أن يوجد عنها األمور اجلزئيةضرورة ما تتأذى إليه، وما بينها من األزمنة، وما هلا من العادات؛ فيكون مدركا لألمور اجلزئية من حيث

هي كلية، أعين من حيث هلا صفات؛ وإن ختصصت ا شخصا فباإلضافة إىل زمان متشخص أو حال فس مدركة من الكل هو سبب لوجود الكل وكونه يعقل ذاته ونظام اخلري املوجود يف الكل ون. متشخصة

ومبدأ له وإبداع وإجياد، وال يستبعد هذا؛ فإن الصورة املعقولة اليت حتدث فينا تصري سببا للصورة املوجودة الصناعية؛ ولو كانت بنفس وجودها كافية ألن تتكون منها الصورة الصناعية دون آالت

والقدرة، وهو العقل املقتضى لوجوده؛ فواجب الوجود وأسباب لكان املعقول عندنا هو بعينه اإلرادةال : لكن القدرة اليت له هي كون ذاته عاقلة للكل عقال هو مبدأ الكل... ليس إرادته وقدرته مغايرة لعلمه

مأخوذا عن الكل، ومبدأ بذاته ال متوقفا على غرض وذلك هو اإلرادة، وهو جواد بذاته، وذلك هو بعينه وعلمه؛ فالصفات منها ما هو ذه الصفة أي أنه موجود مع هذه األضافة، ومنها ما له هذا قدرته وإرادته

الوجود مع سلب؛ فمن مل يتحاش عن إطالق لفظ اجلوهر مل يعن به إال هذا الوجود مع سلب الكون يف وهو واحد، أي مسلوب عنه القسمة بالكم أو القول؛ أو مسلوب عنه الشريك، وهو عقل . موضوع

قل ومعقول، أي مسلوب عنه جواز خمالطة املادة وعالئقها مع اعتبار إضافة ما، وهو أول، أي وعامسلوب عنه احلدوث مع إضافة وجوده إىل الكل، وهو مريد، أي واجب الوجود مع عقليته أي سلب

: لذاتهاملادة عنه مبدأ لنظام اخلري كله، وهو جواد، أي هو ذه الصفة بزيادة سلب أي ال ينحو غرضا

وذلك ال يوجب تكثرا يف : فصفاته إما إضافية حمضة، وإما سلبية حمضة، وإما مؤلفة من إضافة وسلب وإذا عرفت انه واجب الوجود وأنه مبدأ لكل موجود فما جيوز عنه جيب أن : قال. ذاته

انب يوجد؛ وذلك ألن اجلائز أن يوجد وأن ال يوجد إذا ختصص بالوجود منه احتاج إىل مرجح جلالوجود، واملرجح إذا كان على احلال اليت كان عليها قبل الترجيح ومل يعرض البتة شيء فيه وال مباين عنه يقتضي الترجيح يف هذا الوقت دون وقت قبله أو بعده وكان األمر على ما كان عليه مل يكن مرجحا؛ إذا

إما أن : رض له شيء، وذلك ال خيلوكان التعطل عن الفعل والفعل عنده مبثابة واحدة، فال بد وأن يعيعرض يف ذاته وذلك يوجب التغيري وقد قدمنا أن واجب الوجود ال يتغري وال يتكثر، وإما أن يعرض

والعقل الصريح الذي مل يكذب : قال. مباينا عن ذاته والكالم يف ذلك املباين كالكالم يف سائر األفعالجهاا واحدة، وهي كما كانت، وكان ال يوجد عنها يشهد أن الذات الواحدة إذا كانت من مجيع

شيء فيما قبل، وهي اآلن كذلك؛ فاآلن ال يوجد عنها شيء، فإذا صار اآلن يوجد عنها شيء فقد

Page 234: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 234

من قصد، أو إرادة، أو طبع، أو قدرة، أو متكن، أو غرض؛ وألن املمكن أن يوجد : حدث أمر ال حمالةترجح له أن يوجد إال بسبب؛ وإذا كانت هذا الذات موجودة وال وأن ال يوجد ال خيرج إىل الفعل وال ي

ترجح وال جيب عنها الترجح مث رجح فال بد من حادث موجب للترجيح يف هذه الذات؛ وإال كانت نسبتها إىل ذلك املمكن على ما كانت قبل، ومل حتدث هلا نسبة أخرى؛ فيكون األمر حبالة، ويكون

، وإذا حدثت هلا نسبة فقد حدث أمر وال بد من أن حيدث يف ذاته أو مباينا اإلمكان إمكانا صرفا حبالهوباجلملة فإنا نطلب النسبة املوقعة لوجود كل حادث يف ذاته أو مباين . عن ذاته؛ وقد بينا استحالة ذلك

ته، عن ذاته وال نسبة أصال؛ فيلزم أن ال حيدث شيء أصال وقد حدث؛ فعلم أنه إمنا حدث بإجياب من ذاوأنه سبقه ال بزمان ووقت وال تقدير زمان بل سبقا ذاتيا من حيث إنه هو الواجب لذاته، وكل ممكن

ال ... فاملمكن مسبوق بالواجب فقط، واملبدع مسبوق باملبدع فقط. بذاته فهو حمتاج إىل الواجب لذاته .بالزمان

ترتيب وجود العقول والنفوس واألجرام يف أن الواحد ال يصدر عنه إال واحد، ويف: املسألة الثامنة. العلوية، وأن احملرك القريب للسماويات نفس، واملبدأ األبعد عقل، وحال تكون األسطقسات عن العلل

إذا صح أن واجب الوجود بذاته واحد من مجيع جهاته فال جيوز أن يصدر عنه إال واحد، ولو لزم عنه معا فإمنا يلزمان عن جهتني خمتلفتني يف ذاته، ولو كانت اجلهتان شيئان متباينان بالذات واحلقيقة لزوما

الزمتني لذاته فالسؤال يف لزومهما ثابت حىت يكونا من ذاته فتكون ذاته منقسمة باملعىن، وقد منعناه وبينا أن فساده؛ فتبني أن أول املوجودات عن األول واحد بالعدد، وذاته وماهيته وحدة ال ما يف مادة، وقد بينا

وأنت تعلم أن يف املوجودات أجساما وكل جسم ممكن الوجود يف حيز . كل ذات ال يف مادة فهي عقلنفسي وأنه جيب بغريه، وعلمت أنه ال سبيل إىل أن يكون عن األول بغري واسطة؛ وعلمت أن الواسطة

فاملعلول . فيها ضرورةواحدة؛ فباحلري أن تكون عنها املبدعات الثانية والثالثة وغريها؛ بسبب إثنينية األول ممكن الوجود بذاته وواجب الوجود باألول، ووجوب وجوده بأنه عقل وهو يعقل ذاته ويعقل

األول ضرورة، وليست هذه الكثرة له من األول فإن إمكان وجوده له بذاته ال بسبب األول، بل له من زمة لوجوب وجوده عن األول، وهذه األول وجوب وجوده مث كثرة أنه يعقل األول ويعقل ذاته كثرة ال

كثرة إضافية ليست يف أول وجوده وداخلة يف مبدأ قوامه، ولوال هذه الكثرة لكان ال ميكن أن يوجد منها فالعقل األول يلزم عنه مبا . إال وحدة، وال كان يتسلسل الوجود من وحدات فقط؛ فما كان يوجد جسم

وجود صورة الفلك وكماله وهي النفس، وبطبيعة إمكان يعقل األول وجود عقل حتته، ومبا يعقل ذاتهالوجود اخلاصية له املندرجة فيما يعقله لذاته وجود جرمية الفلك األعلى املندرجة يف مجلة ذات الفلك

Page 235: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 235

فيما يعقل األول يلزم عنه عقل، ومبا خيتص بذاته على جهتيه . األعلى بنوعه وهو األمر املشارك للقوةكما أن إمكان الوجود : يها أعين املادة والصورة واملادة بتوسط الصورة أو مبشاركتهاالكثرة األوىل جبزأ

إال أن ... وكذلك احلال يف عقل عقل وفلك فلك. خيرج إىل الفعل بالعقل الذي حياذي صورة الفلك .ينتهي إىل العقل الفعال الذي يدبر أنفسنا

يكون حتت كل مفارق مفارق، فإنه إن لزم كثرة وليس جيب أن يذهب هذا املعىن إىل غري النهاية حىتعن العقول فبسبب املعاين اليت فيها من الكثرة، وقولنا هذا ليس ينعكس حىت يكون كل عقل فيه هذه . الكثرة؛ فتلزم كثرته هذه املعلوالت، وال هذه العقول متفقة األنواع حىت يكون مقتضى معانيها متفقا

ة فوق العدد الذي يف املعلول األول، فليس جيوز أن يكون مبدؤها واحدا هو ومن املعلوم أن األفالك كثرياملعلول األول، وال أيضا جيوز أن يكون كل جرم متقدم منها علة للتأخر ؛ ألن اجلرم مبا هو جرم مركب

دأ واملادة هلا طبيعة عدمية، والعدم ليس مب. من مادة وصورة، فلو كان علة جلرم لكان مبشاركة املادةللوجود؛ فال جيوز أن يكون جرم مبدأ للوجود؛ فال جيوز أن يكون جرم مبدأ جلرم، وال جيوز أن يكون مبدؤها قوة نفسانية هي صورة اجلرم وكماله؛ إذ كل نفس لكل فلك فهي كماله وصورته ليس جوهرا

بوساطة أجسامها مفارقا وإال كان عقال، وأنفس األفالك إمنا تصدر عنها أفعاهلا يف أجسام أخرى وقد بينا أن اجلسم من حيث هو جسم ال يكون مبدأ جلسم، وال يكون متوسطا بني نفس . ومشاركتها

ولو أن نفسا كانت مبدأ لنفس بغري توسط اجلسم فلها انفراد قوام من دون اجلسم، وليست . ونفسة على اجلسم يف املرتبة النفس الفلكية كذلك، فال تفعل شيئا، وال تفعل حسما؛ فإن النفس متقدم

فتعني أن لألفالك مبادئ غري جرمانية وغري صور لألجرام؛ واجلميع مشترك يف مبدأ واحد وهو . والكمالوخيتص كل فلك مببدأ خاص فيه، ويلزم دائما عقل من عقل . الذي نسميه املعلول األول والعقل ارد

ي بالفلك األخري، ويقف حيث ميكن أن حتدث حىت تتكون األفالك بأجرامها ونفوسها وعقوهلا وينتهفكل عقل هو أعلى يف املرتبة؛ فإنه املعين فيه، . اجلواهر العقلية منقسمة متكثرة بالعدد؛ لتكثر األسبابومبا يعقل ذاته جيب عنه فلك بنفسه؛ فأما جرم . وهو أنه مبا يعقل األول جيب عنه وجود عقل آخر دونه

. وأما نفس الفلك فمن حيث إنه يعقل ذاته الواجب بغريه. ته املمكن لذاتهالفلك فمن حيث إنه يعقل بذا

واملادة بنفسها ال . ويستبقي اجلرم بتوسط النفس الفلكية؛ فإن كل صورة فهي علة لكون مادا بالفعلوإذا استوفت الكرات السماوية عددها لزم بعدها وجود . قوام هلا، كما أن اإلمكان نفسه ال وجود له

طقسات، وملا كانت األجسام األسطقسية كائنة فاسدة وجب أن يكون مبادئها متغرية؛ فال يكون ما األسهو عقل حمض وحده سببا لوجودها، وملا كانت هلا مادة مشتركة وصور خمتلفة فيها وجب أن يكون

Page 236: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 236

يف أحوال اختالف صورها مما تعني فيه اختلف يف أحوال األفالك، واتفاق مادا مما تعني فيه اتفاق األفالك؛ فاألفالك ملا اتفقت يف طبيعة اقتضاء احلركة املستديرة كما تبني كان مقتضاها وجود املادة، وملا

مث إن العقول املفارقة بل آخرها . اختلفت يف أنواع احلركات كان مقتضاها يؤ املادة للصور املختلفة شئ فيه رسم صور العامل األسفل من جهة الذي يلينا هو الذي يفيض عنه مبشاركة احلركات السماوية

االنفعال، كما أن يف ذلك العقل رسم الصور على جهة الفعل، مث يفيض منه الصور فيها بالتخصيص مبشاركة األجرام السماوية، فيكون إذا خصص هذا الشيء تأثري من التأثريات السماوية بال واسطة جسم

فاض عن هذا املفارق : ه بعد العام الذي كان يف جوهرهعنصري؛ أو بواسطة جتعله على استعداد خاص بوأنت تعلم أن الواحد ال خيصص الواحد من حيث كل واحد . وارتسمت يف تلك املادة. صورة خاصة

هو : واملعد. منهما واحد بأمر دون أمر يكون له إال أن يكون هناك خمصصات خمتلفة، وهي معدات املادةما تصري مناسبته لشيء بعينه أويل من مناسبته لشيء آخر، ويكون هذا الذي حيدث منه يف املستعد أمر

ولو كانت املادة على التهيؤ األول . اإلعداد مرجحا لوجود ما هو أويل منه من األوائل الواهبة للصورواألشبه أن يقال إن املادة اليت : قال. تشات نسبتها إىل الصندين فال جيب أن خيتص بصورة دون صورة

أو عن عدة منحصرة يف أربع، . إما عن أربعة أجرام: بالشركة يفيض عليها من األجرام السماويةحتدثأو عن جرم واحد تكون له نسب خمتلفة انقساما من األسباب منحصرة يف أربع؛ فتحدث منها العناصر

قيل املطلق فميله إىل األربعة، وانقسمت باخلفة والثقل؛ فما هو اخلفيف املطلق فميله إىل الفوق، وما هو الث .األسفل، وما هو اخلفيف والثقيل باإلضافة فبينهما

وأما وجود . وأما وجود املركبات من العناصر فبتوسط احلركات السماوية، وسنذكر أقسامها وتوابعها واملعلول األول. األنفس اإلنسانية اليت حتدث مع حدوث األبدان وال تفسد؛ فإا كثرية مع وحدة النوع

الواحد بالذات فيه معان متكثرة ا تصدر عنه العقول والنفوس كما ذكرنا، وال جيوز أن تكون تلك املعاين كثرية متفقة النوع واحلقائق حىت تصدر عنها كثرة متفقة النوع؛ فإنه يلزم أن تكون فيه مادة

شيئا غري ما يقتضيه يشترك فيها، وصور تتخالف وتتكثر؛ بل فيه معان خمتلفة احلقائق يقتضي كل معىنفالنفوس األرضية كائنة عن املعلول األول . اآلخر يف النوع، فلم يلزم كل واحد منهما ما يلزم اآلخر

ونبتدئ . بتوسط علة أو علل أخرى وأسباب من األمزجة واملواد؛ وهي غاية ما ينتهي إليها يف اإلبداعركة ال تكون طبيعية للجسم واجلسم على حالته أعلم أن احل: القول يف احلركات، وأسباا، ولوازمها

الطبيعية، وكل حركة بالطبع فلحالة مفارقة للطبع غري طبيعية؛ إذ لو كان شيء من احلركات مقتضي طبيعة الشيء ملا كان باطل الذات مع بقاء الطبيعة، بل احلركة إمنا تقتضيها الطبيعة لوجود حال غري

Page 237: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 237

والعلة يف . م، وإما يف املكان، وإما يف الوضع، وإما يف مقولة أخرىطبيعية إما يف الكيف، وإما يف الكجتدد حركة بعد حركة جتدد احلال الغري الطبيعية، وتقدير البعد عن الغاية؛ فإذا كان األمر كذلك مل تكن

حركة مستديرة عن طبيعة، وإال كانت عن حال غري طبيعية إىل حال طبيعية إذا وصلت إليها سكنت، أن يكون فيها بعينها قصد إىل تلك احلالة الغري الطبيعية؛ ألن الطبيعة ليست تفعل باختيار بل على ومل جيز

إما عن أين غري طبيعي، أو : سبيل التسخري؛ فإن كانت الطبيعة حترك على االستدارة فهي حترك ال حمالة بعينه قصدا طبيعيا وضع غري طبيعي هربا طبيعيا عنه، وكل هرب طبيعي عن شيء فمحال أن يكون هو

واحلركة املستديرة ليست رب عن شيء إال وتقصده فليست إذا طبيعية، إال أا قد تكون بالطبع؛ . إليهإن احلركة معىن : ونقول. وإن مل تكن قوة طبيعية كانت شيئا بالطبع، وإمنا حترك بتوسط امليل الذي فيه

وال جيوز أ يكون عن معىن ثابت البتة . ثبات لهمتجدد السبب، وكل شطر منه خمتص بسبب؛ فإنه الوحده؛ ولو كان فيجب أن يلحقه ضرب من تبدل األحوال؛ فالثابت من جهة ما هو ثابت ال يكون عنه

إال ثابت، فاإلرادة العقلية الواحدة ال توجب البتة حركة؛ فإا جمردة عن مجيع أصناف التغري، والقوة ، وال يفرض فيها االنتقال من معقول إىل معقول إال مشاركا للتخيل واحلس؛ العقلية حاضرة املعقول دائما

واحلركة املستديرة مبدؤها القريب نفس يف الفلك تتحد تصوراا . فال بد للحركة من مبدأ قريبوإراداا؛ وهي كمال جسم الفلك وصورته؛ ولو كانت قائمة بنفسها من كل وجه لكانت عقال حمضا

ينتقل وال خيالط ما بالقوة، بل نسبتها إىل الفلك نسبة النفس احليوانية اليت لنا إلينا؛ إال أن هلا ال يتغري والوباجلملة أوهامها أو ما يشبه األوهام صادقة؛ وختيالا أو ما يشبه . أن اعقل بوجه ما تعقال مشوبا باملادة

ري مادي أصال، وإمنا تتحرك عن قوة غري التخيالت حقيقية؛ كالفعل العقلي فينا، واحملرك األول هلا غمتناهية؛ والقوة اليت للنفس متناهية لكنها مبا تعقل األول فيسيح عليها نوره دائما صارت قوا غري

واألجرام السماوية ملا مل يبق يف جوهرها أمر ما . متناهية؛ فكانت احلركات املستديرة أيضا غري متناهيةا تركبت صورا يف مادا على وجه ال يقبل التحليل، ولكن عرض هلا يف بالقوة أعين يف كمها وكيفه

وضعها وأينها ما بالقوة؛ إذ ليس شيء من أجزاء مدار فلك أو كوكب أويل ألن يكون مالقيا له أو جلزئه والتشبه باخلري األقصى يوجب البقاء . من جزء آخر، فمىت كان يف جزء بالفعل فهو يف جزء آخر بالقوة

أكمل كمال، ومل يكن هذا ممكنا للجرم السماوي بالعدد؛ فحفظ بالنوع والتعاقب، فصارت احلركة علىحافظة ملا يكون من هذا الكمال، ومبدؤها الشوق إىل التشبه باخلري األقصى يف البقاء على الكمال، ومبدأ

ر عنه احلركات فنفس الشوق إىل التشبه باألول من حيث هو بالفعل تصد. الشوق هو ما يعقل منهالفلكية صدور الشيء عن التصور املرجب له، وإن كان غري مقصود يف ذاته بالقصد األول؛ ألن ذلك تصور ملا بالفعل، فيحدث عنه طلب ملا بالفعل وال ميكن ملا بالشخص فيكون بالتعاقب، مث يتبع ذلك

Page 238: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 238

التصور تصورات جزئية على سبيل االنبعاث إىل

. ع تلك التصورات احلرمات املنتقل ا يف األوضاع، وهي كأا عبادة ملكية أو فلكيةاملقصود األول، وتتب

وليس من شرط احلركة اإلرادية أن تكون مقصودة يف نفسها؛ بل إذا كانت القوة الشوقية تشتاق حنو أمر ة على حنو يسيح منها تأثري تتحرك له األعضاء، فتارة تتحرك على النحو الذي يوصل به إىل الغرض، وتار

آخر متشابه، وإذا بلغ االلتذاذ بتعقل املبدأ األول ومبا يدرك منه على حنو عقلي أو نفساين شغل ذلك عن فقد . كل شيء؛ ولكن ينبعث منه ما هو أدون منه يف املرتبة وهو الشوق إىل األشبه به بقدر اإلمكان

ة غري متناهية؛ ومتيزت عندك كل عرفت أن الفلك متحرك بطبعه، ومتحرك بالنفس، ومتحرك بقوة عقليحركة عن صاحبتها؛ وعرفت أن احملرك األول جلملة السماء واحد، ولكل كرة من كرات السماء حمرك

فأول املفارقات اخلاصة حمرك الكرة األوىل؛ وهي على قول من . قريب خيصه، ومتشوق معشوق خيصهعنها حميطة ا ير مكوكبة، وبعد ذلك تقدم بطليموس كرة الثوابت، وعلى قول بطليموس كرة خارجة

حمرك الكرة اليت تلي األوىل، ولكل واحدة مبدأ خاص، وللكل مبدأ؛ فلذلك تشترك األفالك يف دوام وال جيوز أن يكون شيء منها ألجل الكائنات السافلة ال قصد حركة، وال قصد . احلركة ويف االستدارة

عل البتة ألجلها؛ وذلك أن كل قصد فيكون من أجل جهة حركة وال تقدير سرعة وبطء بل وال قصد فاملقصود، ويكون أنقص وجودا من املقصود؛ ألن كل ما ألجله شيء آخر فهو أمت وجودا من اآلخر، وال

جيوز أن يستفاد الوجود األكمل من الشيء األخس فال يكون البتة إىل معلول قصد صادق وإال كان أكمل؛ وإمنا يقصد بالواجب شيء يكون القصد مهيئا له ومفيد القصد معطيا ومفيدا لوجود ما هو

. وجوده شيء آخر، وكل قصد ليس عبثا فإنه يفيد كماال ما لقاصد؛ لو مل يقصد مل يكن ذلك الكمال

وحمال أن يكون املعلول املستكمل وجوده بالعلة يفيد العلة كماال مل يكن؛ فالعايل إذا ال يريد أمرا ألجل . وإمنا يريده ملا هو أعلى منه؛ وهو التشبه باألول بقدر اإلمكانالسافل،

وال جيوز أن يكون الغرض تشبها جبسم من األجسام السماوية وإن كان تشبه السافل بالعايل؛ إذ لو كان وال . كذلك لكانت احلركة من نوع حركة ذلك اجلسم، ومل يكن خمالفا له أو أسرع يف كثري من الواضع

. ن يكون الغرض شيئا يوصل إليه باحلركة؛ بل شيئا مباسنا غري جواهر األفالك من موادها وأنفسهاجيوز أ

وبقي أن يكون لكل واحد من األفالك شوق تشبه جبوهر عقلي مفارق خيصه؛ وختتلف احلركات وأفعاهلا العلة األوىل متشوق وتكون. وأحواهلا اختالفها الذي هلا ألجل ذلك، وإن كنا ال نعرف كيفيتها وكميتها

إن للكل حمركا واحدا معشوقا، ولكل كرة حمركا خيصها : اجلميع باالشتراك؛ وهذا نعىن قول القدماءومعشوقا خيصها؛ فيكون إذا لكل فلك نفس حمركة تعقل اخلري، وهلا بسبب اجلسم ختيل أي تصور

Page 239: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 239

قصد األول حىت تنتهي آلة حركات الفلك للجزئيات وإرادة هلا؛ مث يلزمها حركات ما دوا لزوما بالويلزم احلركات السماوية حركات العناصر على مثال تناسب . الذي يلينا، ومدبرها العقل الفعال

حركات األفالك، وتعد تلك احلركات موادها لقبول الفيض من العقل الفعال، فيعطيها صورها على قدر .ركات ولوازمها، وستعلم بواقيها يف الطبيعياتفقد تبني لك أسباب احل. استعداداا، كما قررنا

.يف العناية األزلية، وبيان دخول الشر يف القضاء: املسألة التاسعة

العناية هي كون األول عاملا لذاته مبا عليه الوجود من نظام، وعلة لذاته للخري والكمال حبسب : قالاخلري على الوجه األبلغ يف اإلمكان؛ فيفيض منه ما اإلمكان، وراضيا به على النحو املذكور؛ فيعقل نظام

يعثله نظاما وخريا على الوجه األبلغ الذي يعقله فيضانا على أمت تأدية إىل النظام حبسب اإلمكان، فهذا هو واخلري يدخل يف القضاء اإلهلي دخوال بالذات ال بالعرض، والشر بالعكس منه وهو على . معىن العناية

شر ملثل النقص الذي هو اجلهل والضعف والتشويه يف اخللقة، ويقال شر ملثل األمل والغم، فيقال : وجوهويقال شر ملثل الشرك والظلم والرياء، وباجلملة الشر بالذات هو العدم، وال كل عدم، بل عدم مقتضى

ل عن والشر بالعرض هو املعدم واحلابس للكما. طباع الشيء من الكماالت الثابتة لنوعه وطبيعته. مستحقه، والشر بالذات ليس بأمر حاصل إال أن خيرب عن لفظه، ولو كان له حصول ما لكان الشر العام

. وهذا الشر يقابله الوجود على كماله األقصى بأن يكون بالفعل، وليس فيه ما بالقوة أصال فال يلحقه شر

فيلحقها ألمر . لقوة؛ وذلك ألجل املادةوأما الشر بالعرض فله وجود ما؛ وإمنا يلحق ما يف طباعه أمر ما باهيئة من اهليئات املانعة الستعدادها اخلاص للكمال الذي توجهت : يعرض هلا يف نفسها؛ وأول وجودها

إليه، فتجعلها أردأ مزاجا وأعصى جوهرا لقبول التخطيط والتشكيل والتقومي، فتشوهت اخللقة وانتقصت إما : وأما األمر الطارئ من خارج فأحد شيئني. ن املنفعل مل يقبلالبنية؛ ال ألن الفاعل قد حرم، بل أل

وقوع سحب كثرية وتركمها، وإظالل جبال : مثال األول. مانع للمكمل، وإما مضاد ماحق للكمالحبس الربد للنبات املصيب لكماله يف وقته : ومثال الثاين. شاهقة متنع تأثري الشمس يف الثمار على الكمال

: ويقال شر لألفعال املذمومة، ويقال شر ملبادئها من األخالق؛ مثال األول. ستعداد اخلاصحىت يفسد اال

ويقال شر لآلالم والغموم، ويقال شر لنقصان كل شيء عن . احلقد واحلسد: الظلم والرياء، ومثال اآلينفإما متتنع أن األمور إذا تومهت موجودة : فنقول. والضابط لكله إما عدم وجود، وإما عدم كمال. كماله

تكون إال خريا على اإلطالق، أو شرا على اإلطالق، أو خريا من وجه وشرا من وجه؛ وهذا القسم إما أما اخلري املطلق الذي ال شر فيه فقد وجد يف الطباع . أن يتساوى اخلري والشر، أو الغالب فيه أحدمها

فبقي ما الغالب . يه أو املساوي فال وجود له أصالواخللقة، وأما الشر املطلق الذي ال خري فيه أو الغالب ف

Page 240: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 240

يف وجوده اخلري وليس خيلو عن شر، واألحرى به أن يوجد؛ فإن ال كونه أعظم شرا من كونه، فواجب وأيضا؛ فلو . أن يفيض وجوده من حيث يقيض منه الوجود؛ لئال يفوت اخلري الكلي لوجود الشر اجلزئي

امتنع وجود أسبابه اليت تؤدي إىل الشر بالعرض، وكان فيه أعظم خلل امتنع وجود ذلك القدر من الشريف نظام اخلري الكلي، بل وإن مل نلتفت إىل ذلك وصرينا التفاتنا إىل ما ينقسم إليه اإلمكان يف الوجود من أصناف املوجودات املختلفة يف أحواهلا؛ فكان الوجود املربأ من الشر من كل وجه قد حصل، وبقي منط

ن الوجود إمنا يكون على سبيل أن ال يوجد إليه ويتبعه ضرر وشر، مثل النار؛ فإن الكون إمنا يتم بأن ميكون فيه نار ولن يتصور حصوهلا إال على وجه حترق وتسخن، ومل يكن بد من املصادمات احلادثة أن

نار، فأما الدائم؛ تصادف النار ثوب فقري ناسك فيحترق، واألمر الدائم واألكثري حصول اخلري من الفألن أنواعا كثرية ال تستحفظ على لدوام إال بوجود النار، وأما األكثر؛ فالن أكثر األشخاص واألنواع يف كنف السالمة من االحتراق، فما كان حيسن أن تترك املنافع األكثرية والدائمة ألعراض شرية أقلية؛

إن اهللا تعاىل : أولية على الوجه الذي يصلح أن يقالفأريدت اخلريات الكائنة عن مثل هذا األشياء إرادة يريد األشياء، ويريد الشر أيضا على الوجه الذي بالعرض؛ فاخلري مقتضى بالذات والشر مقتضى بالعرض،

الطبيعية : السماوية واألرضية: واحلاصل أن الكل إمنا رتبت فيه القوى الفعالة واملنفعلة. وكل بقدري إىل النظام الكلي مع استحالة أن تكون هي على ما هي عليه وال تؤدي إىل والنفسانية؛ حبيث يؤد

صورة اعتقاد رديء أو كفر : شرور، فيلزم من أحوال العامل بعضها بالقياس إىل بعض أن حيدث يف نفسصورة قبيحة مشوهة، ولو مل يكن كذلك مل يكن النظام الكلي يثبت، فلم : أو شر آخر، وحيدث يف بدن

يلتفت إىل اللوازم يعبأ ومل

خلقت هؤالء للجنة وال أبايل؛ وخلقت هؤالء للنار وال أبايل وكل : وقيل. الفاسدة اليت تعرض بالضرورة .ميسر ملا خلق له

.يف املعاد، وإثبات سعادات دائمة للنفوس، وإشارة إىل النبوة، وكيفية الوحي واإلهلام: املسألة العاشرة

أن لكل قوة نفسانية لذة وخريا خيصها، وأذى وشرا : األصل األول: ال ثالثةولنقدم على اخلوض فيها أصوخيصها؛ وحيثما كان املدرك أشد إدراكا وأفضل ذاتا واملدرك أكمل وجودا وأشرف ذاتا وأدوم ثباتا؛

.فاللذة أبلغ وأوفر

درك لذيذ، ولكن ال يتصور أنه قد يكون اخلروج إىل الفعل يف كمال ما؛ حبيث يعلم أن امل: األصل الثاينكيفيته وال يشعر به فلم يشتق إليه ومل يفزع حنوه؛ فيكون حال املدرك حال األصم واألعمى امللتذين

.برطوبة اللحن ومالحة الوجه من غري شعور وتصور وإدراك

فتكرهه أن الكمال واألمر املالئم قد يتيسر للقوة الدراكة، وهناك مانع أو شاغل للنفس: األصل الثالث

Page 241: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 241

وتؤثر ضده، أو تكون القوة ممنوة بضد ما هو كماهلا فال حتس به كاملريض واملرور، فإذا زال العائق عاد .إىل واجبه يف طبعه؛ فصدقت شهوته، واشتهت طبيعته، وحصل له كمال اللذة

سما فيها صورة إن النفس الناطقة كماهلا اخلاص ا أن تصري عاملا عقليا مرت: فنقول بعد متهيد األصولوسالكا . الكل، والنظام املعقول يف الكل، واخلري الفائض من واهب الصور على الكل؛ مبتدئا من املبدأ

إىل اجلواهر الشريفة الروحانية املطلقة، مث الروحانية املتعلقة نوعا ما باألبدان، مث األجسام العلوية يئآا ها هيئة الوجود كله؛ فتصري عاملا معقوال موازيا للعامل وقواها، مث تستمر كذلك حىت تستويف يف نفس

املوجود كله مشاهدا ملا هو احلسن املطلق واخلري والبهاء واحلق ، ومتحدا به، ومنتقشا مبثاله، ومنخرطا يف سلكه، وصائرا من جوهره؛ وهذا الكمال ال يقاس بسائر الكماالت وجودا ودواما ولذة وسعادة؛ بل

ة أعلى من اللذات احلسية، وأعلى من الكماالت اجلسمانية، بل ال مناسبة بينهما يف الشرف هذه اللذواخللق ملكة . وهذه السعادة ال تتم له إال بإصالح اجلزء العملي من النفس، وذيب األخالق. والكمال

لقتني تصدر ا عن النفس أفعال ما بسهولة من غري تقدم روية، وذلك باستعمال التوسط بني اخلاملضادتني؛ ال بأن يفعل أفعال التوسط بل بأن حيصل ملكة التوسط بني اخللقتني املضادتني؛ فيحصل يف

ومعلوم أن ملكيت اإلفراط والتفريط مها . القوى احليوانية هيئة اإلذعان، ويف القوى الناطقة هيئة االستعالءاطقة هيئة إذعانية قد رسخت فيها من من مقتضيات القوى احليوانية؛ فإذا قويت حدثت يف النفس النوأما ملكة التوسط فهي من مقتضيات . شأا أن جتعلها قوية العالقة مع البدن، شديدة االنصراف إليه

مث للنفوس مراتب يف اكتساب . الناطقة؛ فإذا قويت قطعت العالقة من البدن، فسعدت السعادة الكربىتقصري فيهما، فكم ينبغي أن حيصل عند نفس اإلنسان من تصور هاتني القوتني؛ أعين العلمية والعملية وال

وأي تصور . املعقوالت، والتخلق باألخالق احلسنة حىت جياوز احلد الذي يف مثله يقع يف الشقاوة األبديةفليس ميكنين أن أنص : وخلق يوجب له الشقاء املؤبد؟ وأي تصور وخلق يوجب له الشقاء املؤقت؟ قال

فدع عنك الكتابة لست منها ولو سودت وجهك باملداد : ب، وليته سكت عنه، وقد قيلعليه إال بالتقريوأطن أن ذلك أن يتصور نفس اإلنسان املبادئ املفارقة تصورا حقيقيا ويصدق ا تصديقا يقينا : قال

اليت ال لوجودها عنده بالربهان، ويعرف العلل الغائية لألمور الواقعة يف احلركات الكلية دون اجلزئيةتتناهى، ويتقرر عنده هيئة الكل ونسب أجزائه بعضها إىل بعض والنظام اآلخذ من املبدأ األول إىل أقصى

املوجودات الواقعة يف ترتيبه، ويتصور العناية وكيفيتها، ويتحقق أن الذات املتقدمة للكل أي وجود ري بوجه؛ وكيف ترتيب نسب وأا كيف تعرف حىت ال يلحقها تكثر وتغ: خيصها وأية وحدة ختصها

وكلما ازداد استبصارا ازداد للسعادة استعدادا؛ وكأنه ليس يتربأ اإلنسان عن هذا العامل . املوجودات إليها

Page 242: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 242

وعالئقه إال أن يكون قد أكد العالقة مع ذلك العامل، فصار له شوق وعشق إىل ما هناك يصده عن قوى الساذجة ساذجيتها واستقرت فيها هيئات صحيحة مث إن النفوس وال. االلتفات إىل ما خلفه مجلة

إقناعية وملكات حسنة خلقية سعدت حبسب ما اكتسبت، أما إذا كان األمر بالضد من ذلك أو حصلت أوائل امللكة العلمية وحصل هلا شوق قد تبع رأيا مكتسبا إىل كمال حاهلا فصدها عن ذلك عائق مضاد

إما مقصرون يف السعي لتحصيل الكمال اإلنساين وإما معاندون فقد يبقى الشقاء األبدي ؛ وهؤالءوالنفوس البله أدىن من اخلالص من . متعصبون آلراء فاسدة مضادة لآلراء احلقيقية، واجلاحدون أسوأ حاال

فطانة بتراء، لكن النفوس إذا فارقت وقد رسخ فيها حنو من االعتقاد يف العاقبة على مثل ما خياطب به مل يكن هلم معىن جاذب إىل اجلهة اليت فوقهم ال كمال فتسعد تلك السعادة، وال عدم كمال العامة، و

فتشقى تلك الشقاوة، بل مجيع هيئآم النفسانية متوجهة إىل األسفل، منجذبة إىل األجسام، والبد هلا من تخيلة؛ فتشاهد ما قيل فالبد هلا من أجرام مساوية تقوم ا القوة امل: قال. ختيل، والبد للتخيل من أجسام

هلا يف الدنيا من أحوال القرب والبعث واخلريات األخروية، وتكون األنفس الرديئة أيضا تشاهد العقاب املصور هلم يف الدنيا وتقاسيه؛ فإن الصورة اخليالية ليست تضعف عن احلسية بل تزداد تأثريا؛ كما تشاهد

وأما األنفس املقدسة فإا تبعد عن . اس إىل األنفس اخلسيسةيف املنام، وهذه هي السعادة والشقاوة بالقي مثل هذه األحوال وتتصل لكماهلا

بالذات وتنغمس يف اللذة احلقيقية، ولو كان بقي فيها أثر من ذلك اعتقادي أو خلقي تأذت به وختلفت نبوة؛ إذ يف قواه النفسانية والدرجة األعلى فيما ذكرناه ملن له ال: قال. عن درجة عليني إىل أن ينفسخ عنها

خصائص ثالث نذكرها يف الطبيعيات فيها يسمع كالم اهللا تعاىل، ويرى مالئكته املقربني؛ وقد حتولت وكما أن الكائنات ابتدأت من األشرف فاألشرف حىت ترقت يف الصعود إىل العقل . على صور يراها

النفوس ابتدأت من األخس حىت بلغت النفس األول، ونزلت يف االحنطاط إىل املادة وهي األخس؛ كذلك ومن املعلوم أن نوع اإلنسان حمتاج إىل اجتماع ومشاركة يف ضروريات . الناطقة وترقت إىل درجة النبوة

حاجاته، مكتفيا بآخر من نوعه، يكون ذلك اآلخر أيضا مكتفيا به؛ وال تتم تلك الشركة إال مبعاملة وال . واحد منهما عن مهم لو تواله بنفسه الزدحم على الواحد كثريومعاوضة جيريان بينهما، يفرغ كل

بد يف املعامل من سنة وعدل، وال بد من سان ومعدل، وال بد من أن يكون حبيث خياطب الناس ويلزمهم وال جيوز أن يترك الناس وآراءهم يف ذلك فيختلفون، ويرى كل . السنة؛ فال بد من أن يكون إنسانا

له عدال وما عليه ظلما؛ فاحلاجة إىل هذا اإلنسان يف أن يبقى نوع اإلنسان أشد من احلاجة واحد منهم ما فال جيوز أن تكون العناية األوىل تقتضي أمثال تلك املنافع وال . إىل إنبات الشعر على األشفار واحلاجبني

لم تلك وال يعلم هذا، وال وال جيوز أن يكون املبدأ األول واملالئكة بعده يع. تقتضي هذه اليت هي أسها

Page 243: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 243

أن يكون ما يعلمه يف نظام األمر املمكن وجوده الضروري حصوله لتمهيد نظام اخلري ال يوجد، بل كيف فال بد إذا من نيب هو إنسان !. جيوز أن ال يوجد وما هو متعلق بوجوده ومبين على وجوده موجود؟

يدعوهم إىل التوحيد ومينعهم من : ربه تعاىلمتميز من بني سائر الناس بآيات تدل على أا من عند الشرك، ويسن هلم الشرائع واألحكام، وحيثهم على مكارم األخالق، وينهاهم عن التباغض والتحاسد، ويرغبهم يف اآلخرة وثواا، ويضرب هلم للسعادة والشقاوة أمثاال تسكن إليها نفوسهم؛ وأما احلق فال

وهو أن ذلك شيء ال عني رأته، وال أذن مسعته، مث تكريره عليهم العبادات يلوح هلم منه إال أمرا جممال، واملذكرات إما حركات، وإما إعدام حركات تفضي إىل . ليحصل هلم بعده تذكر املعبود بالتكرير

حركات؛ فاحلركات كالصلوات وما يف معناها، وأعدام احلركات كالصيام وحنوه، وإن مل يكن هلم هذه وينفعهم ذلك أيضا يف املعاد منفعة . ا مجيع ما دعاهم إليه مع انقراض قرن أو قرننياملذكرات تناسو

عظيمة؛ فإن السعادة يف اآلخرة بترتيه النفس عن األخالق الرديئة وامللكات الفاسدة فيتقرر هلا بذلك هيئة االلتفات إىل جهة االنزعاج عن البدن، وحتصل هلا ملكة التسلط عليه، فال تنفعل عنه، وتستفيد منه ملكة

احلق، واإلعراض عن الباطل، وتصري شديدة االستعداد للتخلص إىل السعادة بعد املفارقة البدنية؛ وهذه األفعال لو فعلها فاعل ومل يعتقد أا فريضة من عند اهللا تعاىل؛ وكان مع اعتقاده ذلك يلزمه يف كل فعل

فوز من هذا الزكاء حبظ؛ فكيف إذا استعملها من يعلم أن يتذكر اهللا، ويعرض عن غريه لكان جديرا بأن يأن النيب من عند اهللا تعاىل، وبإرسال اهللا تعاىل، وواجب يف احلكمة اإلهلية إرساله، وأن مجيع ما سنه فإمنا

هو ما وجب من عند اهللا أن يسنه؛ وأنه متميز عن سائر الناس خبصائص بالغة، وواجب الطاعة بآيات أن اهللا : لكنك حتدس مما سلف آنفا. وسيأيت شرح ذلك يف الطبيعيات!. صدقه؟ومعجزات دلت على

تعاىل كيف رتب النظام يف املوجودات؟ وكيف سخر اهليوىل مطيعة للنفوس بإزالة صورة وإثبات صورة، وحيثما كانت النفوس اإلنسانية أشد مناسبة للنفوس الفلكية بل وللعقل الفعال كان تأثريها يف اهليوىل

شد وأغرب، وقد تصفو النفس صفاء شديدا الستعداد ما لالتصال بالعقول املفارقة فيفيض عليها من أ. العلوم ما ال يصل بالتقليب واإلحالة من حال إىل حال، وبالقوة الثانية خيرب عن غيب ويكلمه ملك

.إهلاما: وحيا، وما لألولياء: فيكون ما لألنبياء عليهم السالم

.دأ القول يف الطبيعيات املنقولة عن الشيخ الرئيس أيب على ابن سيناوها حنن نبت

إن للعلم الطبيعي موضوعا ينظر فيه ويف لواحقه كسائر العلوم، : يف الطبيعيات قال أبو علي ابن سينااألجسام املوجودة مبا هي واقعة يف التغري؛ ومبا هي موصوفة بأحناء احلركات والسكونات، : وموضوعه

بادئ هذا العلم كمثل تركب األجسام عن املادة والصورة؛ والقول يف حقيقتهما؛ ونسبة كل واحد وأما م

Page 244: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 244

والذي خيتص من ذلك التركب بالعلم الطبيعي هو أن . فقد ذكرناها يف العلم اإلهلي... منهما إىل الثاينر؛ وإما خمتلفتها كبدن تعلم أن األجسام الطبيعية منها أجسام مركبة من أجسام إما متشاة الصور كالسري

واألجسام املركبة هلا أجزاء موجودة بالفعل متناهية؛ وهي تلك األجسام . اإلنسان، ومنها أجسام مفردةاملفردة اليت منها تركبت، وأما األجسام املفردة فليس هلا يف احلال جزء بالفعل ويف قوا أن تتجزأ أجزاء

زؤ إما بتفريق االتصال، وإما باختصاص العرض ببعض منه، والتج. غري متناهية كل منها أصغر من اآلخرومن أثبت اجلسم : قال. وإما بالتوهم؛ وإذا مل يكن أحد هذه الثالثة فاجلسم املفرد ال جزء له بالفعل

مركبا من أجزاء ال تتجزأ بالفعل؛ فبطالنه ألن كل جزء مس جزءا فقد شغله باملس، وكل ما شغل شيئا ع فراغا عن شغله جلهة أو ال يدع؛ فإن ترك فراغا فقد جتزأ املمسوس، وإن مل يترك باملس فإما أن يد

وكذلك يف كل جزء . هذا خلف... فراغا فال يتأتى أن مياسه آخر غري املماس األول وقد ماسه آخرمن تركيب املربعات منها؛ ملساواة األقطار واألضالع، ومن جهة . موضوع على جزأين متصل وغريه

.حمال وجوده: دالئل على أن اجلزء الذي ال يتجزأ البتة... تات الظل والشمسمسام

.وحنصرها يف ست مقاالت. فنتكلم بعد هذه املقدمة يف مسائل هذا العلم

املقالة األوىل يف لواحق األجسام الطبيعية؛ مثل احلركة، والسكون، والزمان، واملكان، واخلالء، والتناهي، .اللتحام، واالتصال، والتتايلواجلهات، والتماس، وا

فتقال على تبدل حال قارة يف اجلسم يسريا على سبيل االجتاه حنو شيء والوصول إليه هو : أما احلركةبالقوة أو بالفعل؛ فيجب أن تكون احلركة مفارقة احلال، وجيب أن يقبل احلال التنقص والتزيد ويكون

ثل السواد والبياض واحلرارة والربودة والرطوبة واليبوسة والطول باقيا غري متشابه احلال يف نفسه، وذلك موالقصر والقرب والبعد وكرب احلجم وصغره؛ فاجلسم إذا كان يف مكان فتحرك فقد حصل فيه كمال وفعل أول يتوصل به إىل كمال وفعل ثان هو الوصول؛ فهو يف املكان األول بالفعل ويف املكان الثاين

مال أول ملا بالقوة من جهة ما هو بالقوة، وال يكون وجودها إال يف زمان بني القوة ك: بالقوة؛ فاحلركةاحملصنة والفعل احملض، وليست من األمور اليت حتصل بالفعل حصوال قارا مستكمال، وقد ظهر أا يف كل

وكون . هرال شيء من احلركات يف اجلو: أمر يقبل التنقص والتزيد وليس شيء من جبواهر كذلك؛ فإذاوأما الكمية؛ فألا تقبل التزيد والتنقص فخليق أن . اجلوهر وفساده ليس حبركة بل هو أمر يكون دفعة

وأما الكيفية؛ فما يقبل منها التنقص والتزيد . ميون فيها حركة؛ كالنمو والذبول والتخلخل والتكاثفدا عارض ملقولة من البواقي يف قبول وأما املضاف؛ فأب. واالشتداد كالتبيض والتسود فيوجد فيه احلركة

وأما األين، فإن وجود احلركة فيه . التنقص والتزيد، فإذا أضيفت إليه حركة فذلك باحلقيقة لتلك املقولة

Page 245: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 245

وأما مىت؛ فإن وجوده للجسم بتوسط احلركة، فكيف يكون فيه احلركة؟ ولو كان . ظاهر وهو النقلةن فيه حركة على رأينا خاصة كحركة اجلسم املستدير على وأما الوضع؛ فإ. ذلك لكان ملىت مىت آخر

ولو قدر ذلك يف احلركة املكانية . نفسه؛ إذ لو توهم املكان املطيف به معدوما ملا امتنع كونه متحركاوالوضع يقبل التنقص واالشتداد، . اجلرم األقصى الذي ليس وراءه جسم: المتنع؛ ومثاله يف املوجودات

. وأما امللك؛ فإن تبدل احلال فيه تبدل أوال يف األين؛ فإذا احلركة فيه بالعرض. سانصب وأنك: فيقال

وأما أن يفعل؛ فتبدل احلال فيه بالقوة أو العزمية أو اآللة؛ فكانت احلركة يف قوة الفاعل أو عزميته أو آلته قارة وليس شيء من على أن احلركة إن كانت خروجا عن هيئة فهي عن هيئة. أوال، ويف الفعل بالعرض

يف الكم، والكيف، واألين، والوضع؛ وهو كون الشيء حبيث : ال حركة بالذات إال: األفعال كذلك؛ فإذا .ال جيوز أن يكون على ما هو عليه من أينه وكمه وكيفه ووضعه قبل ذلك وال بعده

ما وميكن أن يرسم، هو عدم هذه الصورة يف ما من شأنه أن توجد فيه، وهذا العدم له معىن: والسكونوفرق بني عدم القرنني يف اإلنسان وهو السلب املطلق عقدا وقوال وبني عدم املشي له؛ فهو حالة مقابلة

للمشي توجد عند ارتفاع علة املشي، وله وجود ما بنحو من األحناء وله علة بنحو، واملشي علة بالعرض .لذلك العدم؛ فالعدم معلول بالعرض موجود بالعرض

مث اعلم أن كل حركة توجد يف اجلسم فإمنا توجد لعلة حمركة؛ إذ لو حترك بذاته ومبا هو جسم لكان كل إما أن يكون : جسم متحركا فيجب أن يكون احملرك معىن زائدا على هيوىل اجلسمية وصورا، وال خيلو

لتحريكه من معىن يف اجلسم قابل ذلك املعىن يف اجلسم، وإما أن ال يكون؛ فإن كان احملرك مفارقا فال بدمث املتحرك ملعىن يف ذاته يسمى متحركا بذاته، وذلك إما أن تكون العلة املوجودة . جلهة التحريك والتغيري

فيه يصح عنها أن حترك تارة وال حترك أخرى فيسمى متحركا باالختيار، وإما أن ال يصح فيسمى أن يتحرك وهو على حالته الطبيعية؛ ألن كل ما اقتضاه طبيعة واملتحرك بالطبع ال جيوز. متحركا بالطبع

وكل حركة تتعني يف اجلسم فإا ميكن أن . الشيء لذاته ليس ميكن أن يفارقه إال والطبيعة قد فسدتتفارق والطبيعة مل تبطل، لكن الطبيعة إمنا تقتضي احلركة للعود إىل حالتها الطبيعية؛ فإذا عادت ارتفع

وهذه . كة وامتنع أن يتحرك؛ فيكون مقدار احلركة على مقدار البعد من احلالة الطبيعيةاملوجب للحراحلركة ينبغي أن تكون مستقيمة إن كانت يف املكان؛ ألا ال تكون إال مليل طبيعي، وكل ميل طبيعي

تديرة فعلى أقرب مسافة، وكل ما هو على أقرب املسافة فهو على خط مستقيم؛ فاحلركة املكانية املسليست طبيعية، وال احلركة الوضعية؛ فإن كل حركة طبيعية فإا هلرب عن حالة غري طبيعية، وال جيوز أن يكون فيه قصد طبيعي بالعود إىل ما فارقه باهلرب إذ ال اختيار هلا، وقد حتقق العود؛ فهي إذا غري طبيعية؛

Page 246: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 246

وأما احلركات . رجع إىل الطبع أو االختيارفهي إذا عن اختيار وإرادة، ولو كانت عن قسر فال بد أن توهي قد . يف أنفسها فيتطرق غليها الشدة والضعف؛ فيتطرق إليها الشرعة والبطء ال بتخلل سكنات

تكون واحدة باجلنس إذا وقعت يف مقولة واحدة أو يف جنس واحد من األجناس اليت حتت تلك املقولة، جهة مفروضة عن جهة واحدة إىل جهة واحدة يف نوع وقد تكون واحدة بالنوع وذلك إذا كانت ذات

واحد ويف زمان مساو؛ مثل تبييض ما يتبيض، وقد تكون واحدة بالشخص وذلك إذا كانت عن متحرك . واحلركات املتفقة يف النوع ال تتضاد. واحد بالشخص يف زمان واحد ووحدا بوجود االتصال فيها

وز أن يقال لبعضها أسرع من بعض أو أبطأ أو مساو، واألسرع هو وأما تطابق احلركات فيعين ا اليت جيوقد يكون . الذي يقطع شيئا مساويا ملا يقطعه اآلخر يف زمان اقصر وضده األبطأ، واملساوي معلوم

وأما تضاد احلركات فإن الضدين مها اللذين . التطابق بالقوة، وقد يكون بالفعل، وقد يكون بالتخيلا ذاتان يستحيل أن جيتمعا فيه وبينهما غاية اخلالف؛ فتضاد احلركات ليس بتضاد موضوعهما واحد ومه

األطراف واجلهات، فعلى هذا ال تضاد بني احلركة املستقيمة واحلركة املستديرة املكانية؛ ألما ال املكانية يتضادان يف اجلهات، بل املستديرة ال جهة فيها بالفعل؛ ألا متصل واحد، فالتضاد يف احلركات

وأما التقابل بني احلركة والسكون فهو . املستقيمة يتصور؛ فاهلابطة ضد الصاعدة، واملتيامنة ضد املتياسرةتقابل العدم وامللكة، وقد بينا أن ليس كل عدم هو السكون؛ بل هو عدم ما من شأنه أن يتحرك، وخيتص

قابل إمنا يقابل احلركة عنه ال احلركة إليه؛ بل والسكون يف املكان امل. ذلك باملكان الذي تتأتى فيه احلركة .رمبا كان هذا السكون استكماالا

كل حركة تفرض يف مسافة على مقدار من : وإذا عرفت ما ذكرناه سهل عليك معرفة الزمان بأن تقولامها ومل السرعة وأخرى معها على مقدارها وابتدأتا معا، فإما يقطعان املسافة معا؛ وإن ابتدأت إحد

وإن ابتدأ معه بطيء . تبتدئ األخرى ولكن تركتا احلركة معا؛ فإن إحدامها تقطع دون ما تقطعه األوىلواتفقا يف األخذ والترك وجد البطيء قد قطع أقل والسريع أكثر، وكان بني أخذ السريع األول وتركه

ذ السريع الثاين وتركه إمكان أقل إمكان قطع مسافة معينة بسرعة معينة وأقل منها ببطء معني؛ وبني أخيكون هذا اإلمكان طابق جزءا من األول ومل يطابق جزءا مقتضيا وكان ... من ذلك بتلك السرعة املعينة

من شأن هذا اإلمكان التقضي؛ ألنه لو ثبت للحركات حبال واحدة لكانت تقطع املتفقات يف السرعة أي وملا كان إمكان أقل من إمكان؛ فوجد يف هذا اإلمكان زيادة وقت ابتدأت وتركت مسافة واحدة بعينها،

وكل ما طابق . ونقصان يتعينان، فكان ذا مقدار مطابق للحركة؛ فإذا ههنا مقدار للحركات مطابق هلامث هو ال بد وأن يكون يف . الزمان: احلركات فهو متصل، ويقتضي االتصال جتدده؛ وهو الذي نسمبه

Page 247: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 247

وإذا قدرت وقوع حركتني خمتلقتني يف العدم كان هناك . فهو مقدار احلركةمادة، ومادته احلركة؛ وقد سبق أن اإلمكان واملقدار ال يتصور إال يف موضوع؛ فليس . إمكانان خمتلفان، بل مقداران خمتلفان

الزمان حمدثا حدوثا زمانيا حبيث يسبقه زمان؛ ألن كالمنا يف ذلك الزمان بعينه؛ وإمنا حدوثه حدوث وكذلك ما يتعلق به الزمان ويطابقه، فالزمان متصل يتهيأ أن ينقسم بالتوهم؛ . بداع ال يسبقه إال مبدعهإ

فإذا قسم ثبتت منه آنات وانقسم إىل املاضي واملستقبل؛ وكوما فيه ككون أقسام العدد يف العدد، والدهر هو احمليط . العددوكون اآلن فيه كالوحدة يف العدد، وكون املتحركات فيه ككون املعدودات يف

.وأقسام الزمان ما فصل منه بالتوهم؛ كالساعات واأليام، والشهور، واألعوام. بالزمان

واألول هو . لشيء يعتمد عليه اجلسم: لشيء يكون حميطا باجلسم، ويقال: وأما املكان؛ فيقال مكانساو له، وليس هو شيئا يف الذي يتكلم فيه الطبيعي؛ وهو حاو للمتمكن مفارق له عند احلركة وم

املتمكن، وكل هيوىل وصورة فهو منن املتمكن؛ فليس إذا املكان إذا يوىل وصورة؛ وال األبعاد اليت يدعى أا جمردة عن املادة قائمة مبكان اجلسم املتمكن؛ ال مع امتناع خلوها كما يراه قوم، وال مع جواز

إن فرض خالء خال، فليس هو ال شيئا حمضا، بل : في اخلالءونقول يف ن. خلوها كما يظنه مثبتو اخلالء. هو ذات ما له كم؛ ألن كل خالء يفرض فقد يوجد خالء آخر أقل منه أو اكثر، ويقبل التجزؤ يف ذاته

وكل كم فإما متصل وإما . واملعدوم والال شيء ليس يوجد هكذا، فليس اخلالء ال شيء، فهو ذو كمدمي احلد املشترك بني أجزائه، وقد تقرر يف اخلالء حد مشترك، فهو إذا متصل منفصل؛ واملنفصل لذاته ع

األجزاء منحازها يف جهات؛ فهو إذا كم ذو وضع، قابل لألبعاد الثالثة؛ كاجلسم الذي يطابقه، وكأنه ضع اخلالء املقدر إما أن يكون موضوعا لذلك املقدار، أو يكون الو: فنقول. جسم تعليمي مفارق للمادة

كان اخلالء وحده بال مقدار : واملقدار جزأين من اخلالء؛ واألول باطل؛ فإنه إذا رفع املقدار يف التوهم .بنفسه ال ملقدار حله، وإن كان اخلالء جمموع مادة ومقدار فاخلالء إذا جسم فهو مالء

بينا واخلالء ال مادة وأيضا؛ فإن كل شيء يقبل االتصال واالنفصال فهو ذو مادة مشتركة قابلة هلما كما إن التمانع حمسوس بني اجلسمني، وليس التمانع من حيث : له؛ فال جيوز عليه االنفصال واالتصال ونقول

املادة؛ ألن املادة من حيث إا مادة ال احنياز هلا عن األجزاء، وإمنا ينحاز اجلسم عن اجلسم ألجل صورة وأيضا؛ فإن بعدا لو دخل فإما أن يكونا . قاومة والتنحيالبعد؛ فطباع األبعاد تأىب التداخل، وتوجب امل

أو وجد . وإن عدما مجيعا. مجيعا؛ فهما أزيد من الواحد، وكل ما هو عظيم، وهو أزيد، فهو أعظم .جسم يف خالء، فيكون بعدا يف بعد، وهو حمال: فإذا قيل. أحدمها وعدم اآلخر؛ فليس مداخلة

إن كل موجود الذات ذا وضع وترتيب فهو متناه؛ إذ لو كان غري : ن اجلسمونقول يف نفي الالاية ع

Page 248: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 248

فإن كل غري متناه من طرف . متناه فإما أن يكون غري متناه من األطراف كلها أو غري متناه من طرفأمكن أن يفصل منه من الطرف املتناهي جزء بالتوهم، قيوجد ذلك املقدار مع ذلك اجلزء شيئا على

يكونا حبيث ميتدان معا متطابقني يف االمتداد فيكون الزائد والناقص متساويني وهذا حمال، حدة، إما أنوإما أن ال ميتد بل يقصر عنه فيكون متناهيا والفصل أيضا كان متناهيا فيكون اموع متناهيا فاألصل

تتالقى عليه األجزاء وميون وأما إذا كان غري متناه من مجيع األطراف فال يبعد أن يفرض ذا مقطع . متناهوذا يتأتى الربهان على أن العدد . طرفا واية، ويكون الكالم يف األجزاء واجلزأين كالكالم يف األول

املترتب الذات املوجود بالفعل متناه، وأن ما ال يتناهى ذا الوجه هو الذي إذا وجد وفرض أنه حيتمل وأما إذا كانت أجزاؤه ال تتناهى وليست معا وكانت يف املاضي . زيادة ونقصانا وجب أن يلزم ذلك حمال

واملستقبل فغري ممتنع وجودها واحدا قبل آخر أو بعده الحقا، أو كانت ذات عدد مرتب يف الوضع وال الطبع فال مانع عن وجوده معا، وذلك أن ما ال يترتب له يف الوضع أو الطبع فلن حيتمل االنطباق؛ وما ال

معا فهو فيه أبعد، ونقول يف إثبات التناهي يف القوى اجلسمانية ونفي التناهي عن القوى غري وجود لهاألشياء اليت ميتنع فيها وجود غري املتناهي بالفعل فليس ميتنع فيها من مجيع الوجوه، فإن : قال: اجلسمانية

ليت خترج إىل الفعل؛ بل مبعىن أن العدد ال يتناهى أي بالقوة وكذلك احلركات ال تتناهى بالقوة ال القوة اواعلم أن القوى ختتلف يف الزيادة والنقصان بالنسبة إىل . األعداد يتأتى أن تتزايد فال تقف عند اية أخرية

شدة ظهور الفعل عنها، أو إىل عدة ما يظهر عنها، أو إىل مدة بقاء الفعل؛ وبينها فرقان بعيدان؛ فإن جل وكل قوة حركت أشد فمدة حركتها أقصر وعدة . يكون ناقصا بنوع املدةما يكون زائدا بنوع الشدة

حركتها أكثر، وال جيوز أن تكون قوة غري متناهية حبسب اعتبار الشدة؛ ألن ما يظهر من األحوال القابلة بل فهو إما أن يقل الزيادة على ما ظهر فيكون متناهيا جيوز عليه زيادة يف آخره، وإما أن ال يق: هلا ال خيلو

.النهاية يف الشدة؛ فكل قوة جسمانية متجزئة ومتناهية

وأما الكالم يف اجلهات؛ فمن املعلوم أنا لو فرضنا خالء فقط أو أبعادا أو جسما غري متناه فال ميكن أن يكون للجهات املختلفة بالنوع وجود البتة فال يكون فوق وسفل، وميني ويسار، وقدام وخلف؛ فاجلهات

ولذاا اختصاص . ور يف أجسام متناهية، فتكون اجلهات أيضا متناهية، ولذلك يتحقق إليها إشارةإمنا تتصوإذا كانت األجسام كرية فيكون حتدد اجلهات على سبيل احمليط واحملاط، . وانفراد عن جهة أخرى

طرفني؛ ألن اإلحاطة وإذا كان اجلسم احملدد حميطا كفى لتحديد ال. والتضاد فيها على سبيل املركز واحمليطوأما إن فرض حماطا مل . تثبت املركز، فتثبت غاية البعد منه وغاية القرب من غري حاجة إىل جسم آخر

تتحدد به وحده اجلهات؛ ألن القرب يتحدد به، والبعد منه يتحدد جبسم آخر؛ إذ ال خالء، وذلك ينتهي ركة ال يتأخر عنها وجود اجلهات ألمكنتها وجيب أن تكون األجسام املستقيمة احل. ال حمالة إىل حميط

Page 249: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 249

وحركاا، بل اجلهات حتصل حبركاا؛ فيجب أن يكون اجلسم الذي تتحدد اجلهات إليه جسما متقدما عليه، وتكون إحدى اجلهات بالطبع وسائر اجلهات ال تكون واجبة يف األجسام مبا هي أجسام، بل مبا

الذي إليه احلركة االختيارية، واليمني الذي منه مبدأ القوة، والفوق هي حيوانات؛ فتتميز فيها جهة القدام إما بقياس فوق العامل؛ والسفل حمدودان بطريف البعد الذي األوىل أن يسمى طوال، واليمني واليسار مبا

.األوىل أن يسمى عرضا، والقدام واخللف مبا األوىل أن يسمى عمقا

.ية وغري الطبيعية لألجساماملقالة الثانية يف األمور الطبيع

إما أن : من املعلوم أن األجسام تنقسم إىل بسيطة ومركبة، وأن لكل جسم حيزا ما ضرورة؛ فال خيلووبطل . يكون كل حيز له طبيعيا، أو منافيا لطبيعته، أو ال طبيعيا وال منافيا، أو بعضه طبيعيا وبعضه منافيا

نه يلوم منه أن يكون مفارقة كل مكان له خارجا عن طبعه أو التوجه إىل أن يكون كل حيز له طبيعيا؛ ألوبطل أن يكون كل حيز منافيا لطبعه؛ ألنه . كل مكان له مالئما لطبعه، وليس األمر كذلك؛ فهو خلف

يلزم منه أن ال يسكن جسم البتة بالطبع وال يتحرك أيضا، وكيف يسكن أو يتحرك بالطبع وكل مكان وبطل أن يكون كل مكان ال طبيعيا وال منافيا؛ ألنا إذا اعتربنا اجلسم على حالته وقد . عه؟مناف لطب

ارتفع عنه القواسر والعوارض فحينئذ ال بد له من حيز خيتص به ويتحيز إليه وذلك هو حيزه الطبيعي، فال . ضها غري طبيعيألن بعض األحياز له طبيعي، وبع: وتعني القسم الرابع. يزول عنه إال بقسر قاسر

إن لكل جسم شكال ما بالضرورة لتناهي حدوده، وكل شكل فإما طبيعي له : وكذلك نقول يف الشكلأو بقسر قاسر، وإذا ارتفعت القواسر يف التوهم واعتربت اجلسم من حيث هو جسم وكان يف نفسه

حد متشابه، فال ميكن أن يفعل متشابه األجزاء فال بد أن يكون شكله كريا؛ ألن فعل الطبيعة يف املادة وايف جزء زاوية ويف جزء خطا مستقيما أو منحنيا، فينبغي أن يتشابه األجزاء، فيجب أن يكون الشكل

. فاألجسام السماوية كلها كرية. وأما املركبات فقد تكون أشكاهلا غري كرية الختالف أجزائها. كريا

ي وجهتها واحدة، فال يتصور أرضا، يف وسطني يف وإذا تشات أجزاؤها وقواها كان حيزها الطبيععاملني، وال ناران يف أفقني، بل ال يتصور عاملان؛ ألنه قد ثبت أن العامل بأسره كري الشكل؛ فلو قدر

كريان أحدمها جبنب اآلخر كان بينهما خالء وال يتصالن إال جبزء واحد ال ينقسم؛ وقد تقدم استحالة املعلوم أن كل جسم اعترب ذاته من غري عارض بل من حيث هو جسم يف حيز وأما احلركة؛ فمن . اخلالء

فهو إما أن يكون متحركا وإما أن يكون ساكنا، وذلك ما نعنيه باحلركة الطبيعية والسكون الطبيعي، إن كان اجلسم بسيطا كانت أجزاؤه متشاة، وأجزاء ما يالقيه وأجزاء مكانه كذلك، فلم يكن : فنقول

جزاء أوىل بأن خيتص بعض أجزاء املكان من بعض؛ فلم جيب أن يكون شيء منها له طبيعيا، فال بعض األ

Page 250: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 250

ميتنع أن يكون على غري ذلك الوضع، بل يف طباعه أن يزول عن ذلك الوضع أو األين بالقوة، وكل جسم له وإما ألجزائه ال ميل له يف طبعه فال يقبل احلركة عن سبب خارج فبالضرورة يف طباعه حركة ما إما لك

صح أن كل قابل حتريك ففيه مبدأ ميل، مث ال خيلو : حىت يكون متحركا يف الوضع حبركة األجزاء، وإذاواألجسام السماوية ال تقبل احلركة املستقيمة كما سبق؛ . إما أن يكون على االستقامة أو على االستدارة

.ىل مبادئهافهي متحركة على االستدارة، وقد بينا استناد حركاا إ

إن األجسام السماوية ليست موادها مشتركة بل هي خمتلفة بالطبع، كما أن : وأما الكيف فنقول أوالصورها خمتلفة، ومادة الواحدة منها ال يصلح أن تتصور بصورة األخرى؛ ولو أمكن ذلك كذلك لقبلت

الف طبائع العناصر؛ فإن مادا فلها طبيعة خامسة خمتلفة بالنوع، خب. احلركة املستقيمة، وهو حمالمشتركة وصورها خمتلفة، وهي تنقسم إىل حار يابس كالنار، وإىل حار رطب كاهلواء، وإىل بارد رطب

كاملاء، وإىل بارد يابس كاألرض؛ وهذه أعراض فيها ال صور، ويقبل االستحالة بعضها إىل بعض، ويقبل وأما الكيفيات؛ فاحلرارة والربودة فاعلتان؛ فاحلار هو . يةالنمو والذبول، ويقبل اآلثار من األجسام السماو

الذي يغري جسما آخر بالتحليل واخللخلة حبيث يأمل احلاس منه، والبارد هو الذي يغري جسما بالتعقيد وأما الرطوبة واليبوسة فمنفعلتان؛ فالرطب هو سهل القبول للتفريق . والتكثيف حبيث يأمل احلاس منه

فبسائط األجسام املركبة ختتلف وتتمايز ذه . يل والدفع، واليابس هو عسر القبول لذلكواجلمع والتشكوليست هذه صورا مقومة لألجسام؛ لكنها . القوى األربع، وال يوجد شيئا منها عدميا لواحدة من هذه

، كما أا إذا تركت وطباعها ومل مينعها مانع من خارج ظهر منها يف أجرامها حر أو برد ورطوبة ويبسإذا تركت وطباعها ومل مينعها مانع ظهر منها إما سكون أو ميل وحركة، فلذلك قيل قوة طبيعية، وقيل

فعرفت األحياز الطبيعية، واألشكال الطبيعية، واحلركات . النار حارة بالطبع، والسماء متحركة بالطبعإن العناصر : بأي وجه؛ فنقول بعد ذلكوعرفت أن إطالق الطبيعية عليها. الطبيعية، والكيفيات الطبيعية

قابلة لالستحالة والتغري وبينها مادة مشتركة، واالعتبار يف ذلك باملشاهدة؛ فإنا نرى املاء العذب انعقد . حجرا جلمد واحلجر يكلس فيعود رمادا، ويرام باحليلة حىت يصري ماء، فاملادة مشتركة بني املاء واألرض

دفعة فيستحيل أكثره أو كله ماء وبردا وثلجا، ونضع اجلمد يف كوز صفر ونشاهد هواء صحوا يغلظ فنجد من املاء اتمع على سطحه كالقطر وال ميكن أن يكون ذلك بالرشح؛ ألنه رمبا كان ذلك حيث ال مياسه اجلمد وكان فوق مكانه مث ال جند مثله إذا كان حارا والكوز مملوءا، وجيتمع مثل ذلك داخل الكوز

حيث ال مياسه اجلمد، وقد يدفن القدح يف مجد حمفور حفرا مهندما ويسد رأسه عليه فيجتمع فيه ماء كثري، وإن وضع يف املاء احلار الذي يغلي مدة واستد رأسه مل جيتمع شيء؛ وليس ذلك إال ألن اهلواء

Page 251: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 251

يل اهلواء نارا، وهو ما وقد يستح. اخلارج أو الداخل قد استحال ماء؛ فبني املاء واهلواء مادة مشتركةنشاهد من آالت حاقنة مع حتريك شديد على صورة املنافخ، فيكون ذلك اهلواء حبيث يشتعل يف اخلشب وغريه، وليس ذلك على طريق االجنذاب؛ ألن النار ال تتحرك إال على سبيل االستقامة إىل العلو، وال على

ب من النار الكامنة ما له ذلك القدر الذي يف طريق الكمون؛ إذ من املستحيل أن يكون يف ذلك اخلشاجلمرة وال حيترق، والكمون أمجع هلا، واملنتشر أضعف تأثريا من اتمع؛ فتعني أنه هواء اشتعل نارا؛ فبني

إن العناصر قابلة للكرب والصغر والتكاثف والتخلخل، فيصري جسم : ونقول. النار واهلواء مادة مشتركة زيادة من خارج، ويصري أصغر من غري نقصان؛ فبني الكبري والصغري مادة أكرب من جسم من غري

وقد نشاهد ذلك . مشتركة؛ إذ قد حتقق أن املقدار عرض يف اهليوىل، والكرب والصغر أعراض يف الكمياتإذا أغلي املاء انتفخ وختلخل، واخلمر ينتفخ يف الدن حىت يتصعد عند الغليان، وكذلك القمقمة الصياحة،

هي إذا كانت مسدودة الرأس مملوءة باملاء وأوقدت النار حتتها انكسرت وتصدعت، وال سبب له إال أن وإن النار طلبت جهة الفوق : املاء صار أكثر مما كان، وال جائز من املاء وال خالء فيه؟ وال جائز أن يقال

اإلناء صلبا خفيفا كان رفعه بطبعها؛ فإنه كان ينبغي أن ترفع اإلناء وتطريه ال أن تكسره، وإذا كان أسهل من كسره؛ فتعني أن السبب انبساط املاء يف مجيع اجلوانب ودفعه سطح اإلناء إىل اجلوانب فيتفتق

إن العناصر قابلة : ونقول. املوضع الذي كان أضعف، وله أمثلة أخرى تدل على أن املقدار يزيد وينقصضج الفواكه ومد البحار وأظهرها الضوء واحلرارة بواسطة غما آثار حمسوسة مثل ن: للتأثريات السماوية

الضوء والتحريك إىل فوق بتوسط احلرارة؛ والشمس ليست حبارة وال متحركة إىل فوق، وإمنا تأثرياا معدات للمادة يف قبول الصورة من واهب

األفيون أقوى مما يربد الصور، وقد يكون للقوى الفلكية تأثريات خارجة من العنصريات؛ وإال فكيف يربد املاء واجلزء البارد فيه مغلوب بالتركيب مع األضداد؟ وكيف يفعل ضوء الشمس يف عيون العشي والنبات

فتبني أن العناصر كيف قبلت االستحالة والتغري . بأدىن تسخني ما ال تفعله النار بتسخني يكون فوقه؟ .وتبني ما هلا بالعنصر واجلوهر. والتأثري

إن العناصر األربعة عساها أن ال توجد كلياا : قال ابن سينا. لة الثالثة يف املركبات واآلثار العلويةاملقاصرفة بل يكون فيها اختالط، ويشبه أن تكون النار أبسطها يف موضعها مث األرض، أما النار فألن ما

كليتها بأسرها كالقليل، وعسى خيالطها يستحيل إليها لقوا، وأما األرض فألن نفوذ قوى ما حييط ا يفالطبقة األوىل القريبة من : أن يكون باطنها القريب من املركز يقرب من البساطة، مث األرض على طبقاتوالسبب يف أن املاء غري . املركز، والثانة الطني، والثالثة بعضها ماء وبعضها طني جففته الشمس وهو الرب

Page 252: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 252

صل وهدة واملاء يستحيل أرضا فتحصل ربوة، واألرض صلب حميط باألرض أن األرض تنقلب ماء فتحوأما اهلواء فهو أربع . وليس بسيال كاملاء واهلواء حىت ينصب بعض أجزائه إىل بعض ويتشكل باالستدارة

طبقة تلي األرض فيها مائية من البخارات وحرارة ألن األرض تقبل الضوء من الشمس فتحمي : طبقاتامرها، وطبقة ال ختلو عن رطوبة خبارية ولكن أقل حرارة، وطبقة هي هواء فتتعدى احلرارة إىل ما جي

صرف صاف، وطبقة دخانية ألن األدخنة ترتفع إىل اهلواء وتقصد مركز النار فتكون كاملنتشر يف السطح ف وأما النار فإا طبقة واحدة وال ضوء هلا بل هي كاهلواء املش. األعلى من اهلواء إىل أن تتصعد فتحترق

مث فوق النار األجرام . الذي ال لون له، وإن رئي لون للنار فهي مبا خيالطها من الدخان صارت ذات لونوالفلك وإن مل يكن . العالية الفلكية؛ والعناصر بطبقاا طوعها والكائنات الفاسدات تتولد من تأثرياا

دة بقوى تفيض منه إليها، ونشاهد هذا من حارا وال باردا فإنه ينبعث منه يف األجرام السفلية حرارة وبروإحراق شعاعه املنعكس على املرائي، ولو كان سبب اإلحراق حرارة الشمس دون شعاعه لكان كل ما

هو أقرب إىل العلو أسخن، بل سبب اإلحراق التفاف الشعاع الشمسي املسخن ملا يلتف به فيسخن والبخار أقل مسافة وأثار شيئا . األجسام املائية األرضيةاهلواء؛ فالفلك إذا هيج بإسخانه احلرارة خبر من والبخار أقل مسافة يف صعوده من الدخان؛ ألن املاء إذا . بني الغبار والدخان من األجسام املائية األرضية

واألجزاء األرضية إذا سخنت ولطفت كانت حارة يابسة، واحلار الرطب أقرب . سخن كان حارا رطباوالبخار ال جياوز مركز اهلواء بل إذا واىف منقطع . اء، واحلار اليابس أقرب إىل طبيعة النارإىل طبيعة اهلو

تاثري الشعاع برد وكثف، والدخان يتعدى حيز اهلواء حىت يوايف ختوم النار، وإذا احتبستا فيهما حدثت تعال فرئي كأنه كوكب فالدخان إذا واىف حيز النار اشتغل، وإذا اشتعل فرمبا سعى فيه االش. كائنات أخر

يقذف به، ورمبا احترق وثبت فيه االحتراق فرئيت العالمات اهلائلة احلمر والسود، ز رمبا كان غليظا ممتدا وثبت فيه االشتعال ووقف حتت كوكب ودارت به النار بدوران الفلك وكان ذنبا له، ورمبا كان

برد اهلواء للتعاقب املذكور فانضغطت مشتعلة، عريضا فرئي كأنه حلية كوكب، ورمبا محيت األدخنة يف وإن بقي شيء من الدخان يف تضاعيف الغيم وبرد صار رحيا وسط الغيم يتحرك عنه بشدة حيصل منه

صوت يسمى الرعد، وإن نارا مضيئة تسمى الربق، وإن كان املشتعل كثيفا ثقيال حمرقا اندفع مبصادمات ة؛ ولكنها نار لطيفة تنفذ يف الثياب واألشياء الرخوة وتنصدم الغيم إىل جهة األرض فيسمى صاعق

باألشياء الصلبة كالذهب واحلديد فيذيبه حىت يذيب الذهب يف الكيس وال حيرق الكيس؛ ويذيب ذهب وال خيلو برق عن رعد ألما مجيعا عن احلركة؛ ولكن البصر أحد، فقد يرى . املراكب وال حيرق السري

.وت الرعد إىل السمع، وقد يرى متقدما ويسمع متأخراالربق وال ينتهي ص

Page 253: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 253

وأما البخار الصاعد فمنه ما يلطف ويرتفع جدا ويتراكم ويكثر مدده يف أقصى اهلواء عند منقطع الشعاع فيربد فيكثف فيقطر فيكون املتكاثف منه سحابا؛ والقاطر مطرا، ومنه ما يقصر لثقله عن االرتفاع بل يربد

يرتل كما لو يوافيه برد الليل سريعا قبل أن يتركم سحابا؛ وهذا هو الطل، ورمبا مجد البخار سريعا واملتراكم يف األعايل أعين السحاب فرتل وكان ثلجا، ورمبا مجد البخار غري املتراكم يف األعايل أعين مادة

بردا؛ وإمنا يكون مجوده يف الطل فرتل وكان صقيعا، ورمبا مجد البخار بعدما استحال قطرات ماء فكان الشتاء وقد فارق السحاب ويف الربيع وهو داخل السحاب؛ وذلك إذا سخن خارجه فبطنت الربودة إىل

داخله فتكاثف داخله واستحال ماء وأمجده شدة الربودة، ورمبا تكاثف يف اهلواء نفسه لشدة الربد لظاهر من السحاب صور النريات وأضواؤها مث رمبا وقع على صقيل ا. فاستحال سحابا واستحال مطرا

كما يقع يف املرائي واجلدران الثقيلة فريى ذلك على أحوال خمتلفة حبسب اختالف بعدها من النري وقرا وبعدها من املرئي وصفائها وكدورا واستوائها ورعشتها وكثريها وقلتها؛ فريى هالة وقوس قزح

البصر عن الرش املطيف بالنري إىل النري حيث يكون الغمام فاهلالة حتدث على انعكاس . ومشوس وشهباملتوسط ال خيفي النري؛ فريى دائرة كأا منطقة حمورها اخلط الواصل بني الناظر وبني النري، وما يف داخلها ينفذ عن البصر إىل النري، ونوره الغالب على أجزاء الرش جيعله كأنه غري موجود، وكأن الغيم هناك هواء

وأما القوس فإن الغمامة يكون يف خالف جهة النري، فتنعكس الزوايا عن الرش إىل النري ال بني . شفافالناظر والنري بل الناظر أقرب إىل النري منه إىل املرآة فتقع الدائرة اليت هي كاملنطقة أبعد من الناظر إىل النري؛

ى بسيط األفق وهو احملور، فيجب أن فإن كانت الشمس على األفق كان اخلط املار بالناظر والنري عليكون سطح األفق يقسم املنطقة بنصفني؛ فريى القوس نصف دائرة، فإن ارتفعت الشمس اخنفض اخلط

املذكور فصار الظاهر يف املنطقة املوهومة أقل من نصف دائرة، وأما حتصيل األلوان على اجلهة الشافية فإنه فصارت ضبابا، ورمبا اندفعت بعد التطلف إىل أسفل والسحب رمبا تفرقت وذابت. مل يستنب بعد

فصارت رياحا، ورمبا هاجت الرياح الندفاع بعضها من جانب إىل جهة، ورمبا هاجت النبساط اهلواء بالتخلخل عند جهة واندفاعه إىل أخرى؛ وأكثر ما يهيج الربد الدخان املتصعد اتمع الكثري ونزوله فإن

ورمبا عطفها مقاومة احلركة الدورية اليت تتبع اهلواء العايل فانعطفت رياحا، مبادئ الرياح فوقانية، وأما األخبرة داخل األرض فتميل إىل جهة فتربد فتستحيل ماء فيصعد باملد . والسموم ما كان منها حمترقا

فيخرج عيونا، وإن مل تدعها السخونة تربد وكثرت وغلظت فلم تنفذ يف جماري مستحصفة فاجتمعت

واندفعت مرة فزلزلت األرض فخسفت، وقد حتدث الزلزلة من تساقط أعايل وهدة يف باطن األرض فيموج ا اهلواء احملتقن، وإذا احتبست األخبرة يف باطن اجلبال والكهوف فيتولد منها اجلواهر إذا وصل

فمن . املوادإليها من سخونة الشمس وتأثري الكواكب حظ؛ وذلك حبسب اختالف املواضع واألزمان و

Page 254: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 254

اجلواهر ما هو قابل لإلذابة والطرق كالذهب والفضة وميون قبل أن يصلب زئبقا ونفطا؛ وانطراقها حلياة وقد تتكون من عناصر أكوان أيضا بسبب . ومنها ما ال يقبل ذلك. رطوبتها ولعصياا اجلمود التام

ن املعادن، فيحصل يف املركب قوة عادية وقوة القوى الفلكية إذا امتزجت العناصر امتزاجا أكثر اعتداال م .نامية وقوة مولدة؛ وهذه القوى متمايزة خبصائصها

.يف النفوس وقواها: املقالة الرابعة

: اعلم أن النفس كجنس واحد ينقسم إىل ثالثة أقسام

ذاء جسم من وهي الكمال األول جلسم طبيعي آيل من جهة ما يتولد ويربو ويغتذي، والغ: أحدها النباتيةوالثاين . ويزيد فيه مقدار ما يتحلل أو أكثر أو أقل: شأنه أن يتشبه بطبيعة اجلسم الذي قيل إنه غذاؤه

. وهي الكمال األول جلسم طبيعي آيل من جهة ما يدرك اجلزئيات ويتحرك باإلرادة: النفس احليوانية

جهة ما يفعل األفعال الكائنة وهي الكمال األول جلسم طبيعي آيل من: والثالث النفس اإلنسانية: وللنفس النباتية قوى ثالث وهي. باالختيار الفكري واالستنباط بالرأي ومن جهة ما يدرك األمور الكلية

وهي القوة اليت حتيل جسما آخر إىل مشاكلة اجلسم الذي هي فيه فتلصقه به بدل ما يتحلل : القوة الغاذيةيف اجلسم الذي هي فيه باجلسم املتشبه به زيادة يف أقطاره طوال وهي قوة تزيد : عنه، والقوة املنمية

وهي اليت تأخذ من اجلسم الذي : وعرضا وعمقا بقدر الواجب؛ ليبلغ به كماله يف النشوء، والقوة املولدةهي فيه جزءا هو شبيه له بالقوة فتفعل فيه باستمداد أجسام أخرى تتشابه به من التخليق والتمزيج ما

.فللنفس النباتية ثالث قوى. شبيها به بالفعليصري

وللنفس احليوانية قوتان حمركة ومدركة، واحملركة على قسمني إما حمركة بأا باعثة، وإما حمركة بأا وهي القوة اليت إذا ارتسمت يف التخيل بعد صورة مطلوبة أو . هي القوة الرتوعية الشوقية: والباعثة. فاعلة

شعبة تسمى شهوانية، وهي قوة : القوة اليت تدركها على التحريك، وهلا شعبتانمهروب عنها محلت تبعث على حتريك يقرب من األشياء املتخيلة ضرورة أو نافعة طلبا للذة، وشعبة تسمى غضبية وهي قوة

ا فاعلة؛ وأما القوة احملركة على أ. تبعث على حتريك تدفع به الشيء املتخيل ضارا أو مفسدا طلبا للغلبةفهي قوة تنبعث يف األعصاب والعضالت ومن شأا أن تشنج العضالت فتجذب األوتار والرباطات إىل

.جهة املبدأ أو ترخيها أو متددها طوال فتصري األوتار والرباطات إىل خالف جهة املبدأ

: و الثمانيةأحدمها قوة تدرك من خارج، وهي احلواس اخلمس، أ: وأما القوة املدركة فتنقسم قسمني

فمنها البصر؛ وهي قوة مرتبة يف العصبة اوفة تدرك صورة ما ينطبع يف الرطوبة اجلليدية من أشباح ومنها السمع؛ . األجسام ذوات اللون املتأدية يف األجسام الشفافة بالفعل إىل سطوح األجسام الصقلية

يتألدى إليه بتموج اهلواء املنضغط وهي قوة مرتبة يف العصب املتفرق يف سطح الصماخ تدرك صورة ما

Page 255: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 255

بني قارع ومقروع مقاوم له انضغاضا بعنف حيدث منه متوج فاعل للصوت يتادى إىل اهلواء احملصور ومنها . الراكد يف جتويف الصماخ، وميوجه بشكل نفسه، ومتاس أمواج تلك احلركة العصبة؛ فيسمع

تتني حبلميت الثدي تدرك ما يؤدي إليه اهلواء الشم؛ وهي قوة مرتبة يف زائديت مقدم الدماغ الشبيهومنها الذوق؛ وهي . املستنشق من الرائحة املخالطة لبخار الريح، واملنطبع باالستحالة من جرم ذي رائحة

قوة مرتبة يف العصب املفروش على جرم اللسان تدرك الطعوم املتحللة من األجسام املماسة املخالطة ومنها اللمس؛ وهي قوة منبثة يف جلد البدن كله وحلمه فاشية فيه؛ . فتحيلهللرطوبة اللعابية اليت فيه

واألعصاب تدرك ما متاسه وتؤثر فيه باملضادة وتغريه يف املزاج أو اهليئة، ويشبه أن تكون هذه القوة ال البارد، الواحدة حاكمة يف التضاد الذي بني احلار و: نوعا بل جنسا ألربع قوى منبثة معا يف اجللد كله

والثانية حاكمة يف التضاد الذي بني الصلب واللني، والثالثة حاكمة يف التضاد الذي بني الرطب واليابس، والرابعة حاكمة يف التضاد الذي بني اخلشن واألملس؛ إال أن اجتماعها معا يف آلة واحدة يوهم تأحدها

.ا فتدركها القوة احلاسةواحملسوسات كلها تتأدى إىل آالت احلس فتنطبع فيه. يف الذات

قوى تدرك يف باطن؛ فمنها ما يدرك صور احملسوسات، ومنها ما يدرك معاين : والقسم الثاينوالفرق بني القسمني يف أن الصورة هو الشيء الذي تدركه النفس الناطقة واحلس الظاهر . احملسوسات

أو املعىن فهو الشيء . شاة صورة الذئبمعا ولكن احلس يدركه أوال ويؤديه إىل النفس؛ مثل إدراك الالذي تدركه النفس من احملسوس من غري أن يدركه احلس أوال؛ مثل إدراك الشاة املعىن املضاد يف الذئب

. ومن املدركات الباطنة ما يدرك ويفعل، ومنها ما يدرك وال يفعل. املوجب خلوفها إياه وهرا عنه

هو أن تركب الصور واملعاين املدركة بعضها مع بعض؛ وتفصل أن الفعل فيها : والفرق بني القسمنيبعضها عن بعض؛ فيكونه إدراك وفعل أيضا فيما أدرك، واإلدراك ال مع الفعل هو أن تكون الصورة أو

ومن املدركات الباطنة ما يدرك أوال . املىن ترتسم يف القوة فقط من غري أن يكون هلا فعل وتصرف فيهأن اإلدراك األول هو أن يكون حصول الصورة على حنو ما : يا، والفرق بني القسمنيومنها ما يدرك ثان

من احلصول قد وقع للشيء من نفسه، واإلدراك الثاين هو أن يكون حصوهلا من جهة شيء آخر أدى .إليها

ويف األول مث من القوى الباطنة املدركة احليوانية قوة بنطاسية وهو احلس املشترك وهي قوة مرتبة يف التجمث اخليال واملصورة؛ وهي . من مقدم الدماغ تقبل بذاا مجيع الصور املنطبعة يف احلواس اخلمس متأديه إليه

قوة مرتبة يف آخر التجويف املقدم من الدماغ حتفظ ما قله احلس املشترك من احلواس، ويبقى فيها بعد لنفس احليوانية، وتسمى مفكرة بالقياس إىل والقوة اليت تسمى متخيلة بالقياس إىل ا. غيبة احملسوسات

Page 256: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 256

النفس اإلنسانية؛ فهي قوة مرتبة يف التجويف األوسط من الدماغ عند الدودة من شأا أن تركب بعض مث إن القوة الومهية وهي قوة مرتبة يف . ما يف اخليال مع بعض، وتفصل بعضه عن بعض حبسب االختيار

ك املعاين غري احملسوسة املوجودة يف احملسوسات اجلزئية؛ كالقوة اية التجويف األوسط من الدماغ تدرمث القوة احلافظة الذاكرة؛ وهي قوة مرتبة يف . احلاكمة بأن الذئب مهروب عنه وأن الولد معطوف عليه

ونسبة . التجويف املؤخر من الدماغ حتفظ ما تدركه القوة الومهية من املعاين غري احملسوسة يف احملسوساتفهذه مخس . ظة إىل الومهية كنسبة اخليال إىل احلس املشترك؛ إال أن ذلك يف املعاين وهذا يف الصوراحلاف

.قوى احليوانية

وأما النفس الناطقة لإلنسان فتنقسم قواها أيضا إىل قوة عاملة وقو عاملة، وكل واحد من القوتني يسمى إلنسان إىل األفاعيل اجلزئية اخلاصة بالرؤية على فالعاملة قوة هي مبدأ حمرك لبدن ا. عقال باشتراك االسم

مقتضى آراء ختصها إصالحية، وهلا اعتبار بالقياس إىل القوة احليوانية الرتوعية، واعتبار بالقياس إىل القوة وقياسها إىل الرتوعية أن حتدث عنها فيها هيئات . احليوانية املتخيلة واملتومهة، واعتبار بالقياس إىل نفسها

وقياسها إىل املتخيلة . إلنسان تتهيأ ا لسرعة فعل وانفعال؛ مثل اخلجل واحلياء والضحك والبكاءختص ا. واملتومهة هو أن تستعملها يف استنباط التدابري يف األمور الكائنة والفاسدة، واستنباط الصناعات اإلنسانية

الذائعة املشهورة؛ مثل إن الكذب قبيح وقياسها إىل نفسها أن فيما بينها وبني العقل النظري تتولد اآلراء وهذه القوة هي اليت جيب أن تتسلط على سائر قوى البدن على حسب ما توجبه أحكام . والصدق حسن

القوة العاقلة حىت ال تنفعل عنه البتة بل ينفعل عنها؛ فال حيدث فيها عن البدن هيئات انقيادية مستفادة من القا رذيلة، بل حتدث يف القوى البدنية هيئات انقيادية هلا وتكون األمور الطبيعية، وهي اليت تسمى أخ

وأما القوة العاملة النظرية؛ فهي قوة من شأا أن تنطبع بالصور الكلية اردة عن املادة؛ . متسلطة عليها عالئق فإن كانت جمردة بذاا فذاك، وإن مل تكن فإا تسريها جمردة بتجريدها إياها حىت ال يبقى فيها من

مث هلا إىل هذه الصور نسب؛ وذلك أن الشيء الذي من شأنه أن يقبل شيئا قد يكون بالقوة . املادة شيء .قابال هلا، وقد يكون بالفعل

قوة مطلقة هيوالنية؛ وهو االستعداد املطلق من غري فعل ما كقوة الطفل على : والقوة على ثالثة أوجهمع فعل ما كقوة الطفل بعد ما تعلم بسائط احلروف، وقوة تسمى الكتابة، وقوة ممكنة؛ وهو استعداد

.ملكة؛ وهي قوة هلذا االستعداد إذا مت باآللة ويكون له أن يفعل مىت شاء بال حاجة إىل اكتساب

فالقوة النظرية قد تكون نسبتها إىل الصور نسبة االستعداد املطلق؛ وتسمى عقال هيوالنيا، وإذا حصل قوالت األوىل اليت يتوصل ا إىل املعقوالت الثانية تسمى عقال بالفعل، وإذا حصلت فيها فيها من املع

Page 257: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 257

املعقوالت الثانية املكتسبة وصارت حمزونة له بالفعل مىت شاء طالعها؛ فإن كانت حاضرة عنده بالفعل نساين ويتشبه تسمى عقال مستفادا، وإذا كانت خمزونة تسمى عقال بامللكة، وههنا ينتهي النوع اإل

وللناس مراتب يف هذا االستعداد؛ فقد يكون عقل شديد االستعداد حىت ال . باملبادئ األوىل للوجود كلهحيتاج يف أن يتصل بالعقل الفعال إىل كثري شيء من ختريج وتعليم، حىت كأنه يعرف كل شيء من نفسه

مان واحد، وإما دفعات يف أزمنة شىت؛ إما دفعة يف ز: ال تقليدا بل بترتيب يشتمل على حدود وسطى فيهأو ما حيتاج إليه يف . وهي القوة القدسية اليت تناسب روح القدس فيفيض عليها منه مجيع املعقوالت

فالدرجة العليا منها النبوة فرمبا يفيض عليها وعلى املتخيلة من روح القدس معقول . تكميل القوة العمليةلمات مسموعة؛ فيعرب عن الصورة مبلك يف صورة رجل، وعن الكالم حتاكيه املتخيلة بأمثلة حمسوسة وك

.بوحي يف صورة عبارة

وأن إدراكها قد يكون بآالت . املقالة اخلامسة يف أن النفس اإلنسانية جوهر ليس جبسم وال قائم جبسمقية بعد فناء وأا واحدة وقواها كثرية، وأا حادثة مع حدوث البدن وبا. وقد يكون بذاا بغري آالت

أما الربهان على أن النفس ليست جبسم هو أنا حنس من ذواتنا إدراكا معقوال جمردا عن املواد . البدنوعوارضها؛ أعين الكم واألين والوضع؛ إما ألن املدرك لذاته جمرد كالعلم بالوحدة والعلم بالوجود

فيجب أن ينظر يف ذات هذه الصورة اردة . مطلقا، وإما الن العقل جرده عن العوارض كاإلنسان مطلقاكيف هي جتردها؟ أبالقياس إىل الشيء املأخوذ عنه؟ أم بالقياس إىل جمرد اآلخذ؟ وال شك أا بالقياس إىل

املأخوذ عنه ليست جمردة؛ فبقي أا جمردة من الوضع واألين عند وجودها يف العقل، واجلسم ذو وضع وهذه الطريقة أقوى الطرق؛ فإن الشيء املعقول الواحد . ا له وضع وأينوأين، وما ال وضع له ال حيل مإما أن يكون له نسبة إىل بعض األجزاء دون البعض فيحل يف جهة دون : الذات املتجرد عن املادة ال خيلو

كون جهة حىت يكون متيامنا أو متياسرا بالنسبة إىل احملل، أو تكونه نسبته إىل الكل نسبة واحدة، أو ال يهلا نسبة إليه وال له إىل مجيع األجزاء؛ فإن ارتفعت النسبة من كل وجه ارتفع احللول يف مجلة اجلسم أو يف

. جزء من أجزائه، وإن حتققت النسبة صار الشيء املعقول ذا وضع وقد وضع غري ذي وضع؛ هذا خلف

زئية منقسمة، ولكل جزء منها نسبة وبه يتبني أن الصورة املنطبعة يف املادة ال تكون إال أشباحا ألمور جوأيضا فإن الشيء املتكثر يف أجزاء احلد له من جهة التمام وحدة هو ا . بالفعل أو بالقوة إىل جزء منها

وأيضا من شأن القوة الناطقة أن تعقل . ال ينقسم، فتلك الوحدة مبا هي وحدة كيف ترتسم يف منقسم؟اهية بالقوة وليس واحد أوىل من اآلخر؛ وقد صح لنا أن الشيء الذي بالفعل واحدا من املعقوالت غري متن

ومن الدليل القاطع . يقوى على أمور غري متناهية بالقوة ال جيوز أن يكون حمله جسما وال قوة يف جسم

Page 258: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 258

أن اجلسم منقسم بالقوة بالضرورة، وما الينقسم ال حيل املنقسم، : على أن حمل املعقوالت ليس جبسمأما أن اجلسم منقسم فقد دللنا عليه، وأما أن املعقول ارد ال : غري منقسم، فال حيل املنقسمواملعقول

إما أن يبطل : ينقسم فقد فرغنا عنه، وأما أن ال ينقسم ال حيل منقسما؛ فإنا لو قسمنا احملل، فال خيلوا كان حاال يف كله وهذا إما أن يبقى حاال يف بعضه كم: احلال فيه وهذا كذب، أو ال يبطل؛ وال خيلو

. حمال فإنه جيب أن يكون حكم البعض حكم الكل، وإما أن ينقسم بانقسام حمله، وقد فرض فري منقسم

إما أن كون أجزاؤه متشاة كالشكل املعقول أو العدد، وليس كل : مث لو فرض انقسام احلال فيه ال خيلووأظهر من ذلك أنه ليس ميكن أن . ال عقلية صرفةصورة معقولة بشكل، أو تكون الصورة املعقولة خيالية

إن كل واحد من اجلزأين هو بعينه الكل يف املعىن، وإن كانت غري متشاني مثل أجزاء احلد من : يقالمنها أن كل جزء من اجلسم يقبل القسمة أيضا؛ فيجب أن تكون : اجلنس والفصل فيلزم منه حمالت

وأيضا؛ فإنه إن وقع اجلنس يف جانب والفصل يف جانب وهو . باطلاألجناس والفصول غري متناهية وهذاليس كل معقول ميكن أن يقسم : وأيضا. حمال، مث ليس أحد اجلزءان أوىل بقبول اجلنس منه بقبول الفصل

إىل معقوالت ابسط؛ فإن ههنا معقوالت هي ابسط املعقوالت ومبادئ للتركيب يف سائر املعقوالت فتبني ذه . فصول وال انقسام يف الكم وال يف املعىن؛ فال يتوهم فيها أجزاء مشاةوليس هلا أجناس وال

جوهر معقول، عالقته مع البدن ال : اجلملة أن حمل املعقوالت ليس جبسم، وال قوة يف جسم؛ فهو إذاباطنة عالقة حلول وال عالقة انطباع بل عالقة التدبري والتصرف، وعالقته من جهة العلم احلواس ال

وله فعل خاص يستغين . املذكورة، وعالقته من جهة العمل القوى احليوانية املذكورة؛ فيتصرف يف البدنبه عن البدن وقواه؛ فإن من شأن هذا اجلوهر أن يعقل ذاته، ويعقل أنه عقل ذاته، وليس بينه وبني ذاته

وما يقدر آلة من قلب أو . صورته فيهآلة، وال بينه وبني آلته آلة؛ فإن إدراك الشيء ال يكون إال حبصولإما أن تكون صورته بعينها حاصلة للعقل حاضرة، وإما أن تكون صورة غريها بالعدد : دماغ ال خيل

حاصلة أبدا، فيجب أن يكون إدراك العقل هلا حاصال أبدا، وليس األمر كذلك؛ فإنه تارة يعقل وتارة يعرض عن اإلدراك، واألعراض عن

وباطل أن تكون الصور غري اآللة بالعدد؛ فإا إما أن حتل يف نفس القوة من غري مشاركة . حمالاحلاضر اجلسم فيدل ذلك على أا قائمة بنفسها وليست يف اجلسم، وإما مبشاركة اجلسم حىت ال تكون هذه

ورتني متماثلتني يف الصورة املغايرة يف نفس القوة العقلية ويف اجلسم الذي هو اآللة، فيؤدي إىل اجتماع صواملغايرة بني أشياء تدخل يف حد واحد إما الختالف املواد أو الختالف ما بني . جسم واحد، وهو حمال

وال . الكلي واجلزئي وليس هذان الوجهان؛ فثبت أنه ال حيرز أن يدرك املدرك آلة هي آلته يف اإلدراكته؛ وهلذا فإن القوى الداركة بانطباع الصور يف خيتص ذلك وكذلك اخليال ال يتخيل ذاته وال فعله وال آل

Page 259: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 259

اآلالت يعرض هلا الكالل من إدامة العمل، واألمور القوية والشاقة اإلدراك توهنها ورمبا تفسدها؛ . كالضوء الشديد للبصر، والرعد القوي للسمع، وكذلك عند إدراك القوي ال يقوى على إدراك الضعيف

فإن إدامتها للتعقل وتصورها األمور األقوى يكسبها قوة وسهولة قبول، واألمر يف القوة العقلية بالعكس؛ .وإن عرض هلا كالل ومالل فالستعانة العقل باخليال

على أن القوى احليوانية رمبا تعني النفس الناطقة يف أشياء منها أن يورد عليها احلس جزئيات األمور ت املفردة عن اجلزئيات على سبيل جتريد ملعانيها عن انتزاع النفس الكليا: أحدها: فيحدث هلا أمور أربعة

املادة وعالئقها ولواحقها، ومراعاة املشترك فيه واملتباين به والذايت وجوده والعرضي؛ فيحدث للنفس من ذلك مبادئ بني هذه الكليات املفردة على مثل سلب وإجياب، فما كان التأليف منها بسلب وإجياب ذاتيا

حتصيل املقدمات التجريبية : والثالث. ه، وما كان ليس كذلك تركته إىل يصادف الواسطةبينا بنفسه أخذتبأن يوجد باحلس حممول الزم احلكم ملوضوع أو تال الزم ملقدم، فيحصل له اعتقاد مستفاد من حس

دن لتحصيل فالنفس اإلنسانية تستعني بالب. األخبار اليت يقع ا التصديق لشدة التواتر: والرابع. وقياس ماهذه املبادئ للتصور والتصديق، وأما إذا استكملت النفس وقويت فإا تنفرد بأفاعيلها على اإلطالق،

.وتكون القوى احلسية واخليالية وغريها صارفة هلا عن فعلها، ورمبا تصري الوسائط واألسباب عوائق

فقة يف النوع واملعىن؛ فإن وجدت قبل والدليل أن النفس اإلنسانية حادثة مع حدوث البدن أا مت: قالفإما أن تكون متكثرة الذوات أو تكون ذاتا واحدة، وحمال أن تكون متكثرة الذوات؛ فإن تكثرها : البدن

إما أن يكون من جهة املاهية والصورة، وأما أن يكون من جهة النسبة إىل العنصر واملادة، وبطل األول نوع، واملاهية ال تقبل اختالفا ذاتيا؛ وبطل الثاين ألن البدن والعنصر ألن صورا واحدة وهي متفقة يف ال

فإما : وحمال أن تكون واحدة الذات؛ ألنه إذا حصل بدنان حصلت فيهما نفسان: قال. فرض غري موجودأن يكونا قسمي تلك النفس الواحدة وهو حمال؛ ألن ما ليس له عظم وحجم ال يكون منقسما، وإما أن

فس الواحدة بالعدد يف بدنني، وهذا ال حيتاج إىل كثري تكلف يف إبطاله؛ فقد صح أن النفس تكون النحتدث كلما حدث البدن الصاحل الستعماهلا إياه، ويكون البدن احلادث مملكتها وآلتها، ويكون يف هيئة

ستعماله جوهر النفس احلادثة مع بدن ما ذلك البدن الذي استحقه نزاع طبيعي إىل االشتغال به واوأما بعد . واالهتمام بأحواله، واالجنذاب إليه خيصها ويصرفها عن كل األجسام غريه بالطبع إال بواسطته

وأما بعد مفارقة البدن وباختالف . مفارقة البدن فإن األنفس قد وجد كل واحد منها ذاتا إال بواسطتهنت وباختالف أزمنة حدوثها واختالف أزمنة حدوثها واختالف هيئاا منفردة باختالف موادها اليت كا

وأا ال متوت مبوت البدن؛ ألن كل شيء يفسد . هيئاا اليت حبسب أبداا املختلفة ال حمالة بأحواهلا

Page 260: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 260

فإما أن يكون تعلقه به تعلق املكافئ يف الوجود، وكل : بفساد شيء آخر فهو متعلق به نوعا من التعلقؤثر املكافأة يف الوجود يف فساد أحدمها بفساد الثاين؛ ألنه أمر واحد منهما جوهر قائم بنفسه، فال ت

وإما أن يكون تعلقه به تعلق املتأخر يف الوجود، فالبدن . إضايف، وفساد أحدمها يبطل اإلضافة ال الذاتفال جيوز أن يكون علة فاعلية؛ فإن اجلسم مبا هو جسم ال يفعل شيئا إال بقواه، : علة النفس، والعلل أربع

والقوى اجلسمانية إما أعراض أو صور مادية؛ فمحال أن يفيد أمر قائم باملادة وجود ذات قائمة بنفسها وال جيوز أن يكون . ال يف مادة وال جيوز أن يكون علة قابلية؛ فقد بينا أن النفس ليست منطبقة يف البدن

النفس بالبدن ليس تعلقا على انه فإذا تعلق : علة صورية إن كمالية؛ فإن األوىل أن يكون األمر بالعكسنعم البدن واملزاج علة بالعرض للنفس؛ فإنه إذا حدث بدن يصلح أن يكون آلة للنفس . علة ذاتية هلا

ومملكة هلا أحدثت العلل املفارقة النفس اجلزئية؛ فإن إحداثها بال سبب خيصص إحداث واحد دون واحد كائن بعد ما مل يكن يستدعي أن يتقدمه مادة يكون فيها مينع عن وقوع الكثرة فيها بالعدد، وألن كل

وألنه لو كان جيوز أن تكون النفس اجلزئية حتدث ومل حتدث هلا . يؤ قبوله أو يؤ نسبته إليه كما تبنيآلة ا تستكمل وتفعل لكانت معطلة الوجود وال شئ معطل يف الطبيعة، ولكن إذا حدث التهيؤ

وليس إذا وجب حدوث شئ من حدوث . من العلل املفارقة شئ هو النفسواالستعداد يف اآللة حدثوأما القسم الثالث مما ذكرناه وهو أن تعلق النفس باجلسم تعلق املتقدم؛ . شئ وجب أن يبطل مع بطالنه

فاملتقدم إن كان بالزمان فيستحيل أن يتعلق وجوده به وقد تقدمه يف الزمان، وإن كان بالذات فليس تأخر يوجب عدم املتقدم؛ على أن فساد البدن بأمر خيصه من تغري املزاج والتركيب وليس فرض عدم امل

.فبطالن البدن ال يقتضي بطالن النفس: ذلك مما يتعلق بالنفس

إن سببا آخر ال يفسد النفس أيضا، بل هي يف ذاا ال تقبل الفساد؛ الن كل شئ من شأنه أن : ويقولأن يفسد، وقبل الفساد فيه فعل أن يبقى، وحمال أن يكون من جهة واحدة يف شئ يفسد بأمر ما ففيه قوة

واحد قوة أن يفسد وفعل أن يبقى؛ فإن يؤه للفساد شئ وفعله للبقاء شئ آخر؛ فاألشياء املركبة جيوز أن أن كل : ومن الدليل على ذلك أيضا. جيتمع فيها األمران لوجهني، أما البسيطة فال جيوز أن جيتمعا فيها

ألن بقاءه ليس بواجب ضروري، وإذا مل يكن واجبا : شئ يبقى وله قوة أن يفسد فله قوة أن يبقى أيضايكون له يف جوهره قوة أن يبقى وفعل أن يبقى؛ فيكون فعل : كان ممكنا، واإلمكان هو طبيعة القوة، فإذا

لبقاء أمر مشترك البقاء له كالصورة، وقوة أن يبقى منه أمرا يعرض للشيء الذي له قوة على البقاء، وفعل افقد بان أن كل . البقاء له كاملادة؛ فيكون مركبا من مادة وصورة، وقد فرضناه واحدا فردا؛ هذا خلف

أمر بسيط فغري مركب فيه قوة أن يبقى وفعل أن يبقى بل ليس فيه قوة أن يعدم باعتبار ذاته؛ والفساد ال

Page 261: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 261

إذا تقرر أن البدن إذا يأ واستعد استحق من واهب الصور نفسا تدبره، وال و. يتطرق إال إىل املركباتخيتص هذا ببدن دون بدن، بل كل بدن حكمه كذلك، فإذا استحق النفس وقارنته يف الوجود فال جيوز

.أن تتعلق به نفس أخرى؛ ألنه يؤدي إىل أن يكون لبدن واحد نفسان وهو حمال؛ فالتناسخ إذا باطل

. السادسة يف وجه خروج العقل النظري من القوة إىل الفعلاملقالة

وأحوال خاصة بالنفس اإلنسانية من الرؤيا الصادقة والكاذبة، وإدراكها علم الغيب، ومشاهدا صورا ال .وجود هلا من خارج تلك الوجوه، ومعىن النبوة واملعجزات وخصائصها اليت تتميز ا عن املخاريق

نا أن النفس اإلنسانية هلا قوة هيوالنية؛ أي استعداد لقبول املعقوالت بالفعل، وكل ما أما األول؛ فقد بيخرج من القوة إىل الفعل فالبد له من سبب خيرجه إىل الفعل، وذلك السبب جيب أن يكون موجودا

رج هو فإما أن يتسلسل، أو ينتهي إىل خم: بالفعل، فإنه لو كان موجودا بالقوة الحتاج إىل خمرج آخرموجود بالفعل ال قوة فيه؛ فال جيوز أن يكون ذلك جسما ألن اجلسم مركب من مادة وصورة، واملادة

وإمنا مسى فعاال بإزاء كون العقول اهليوالنية . أمر بالقوة، فهو إذا جوهر جمرد عن املادة وهو العقل الفعالفعله بالعقول والنفوس، بل وكل صورة وليس خيتص . وقد سبق إثباته يف اإلهليات من وجه آخر. منفعلة

وأعلم أن اجلسم وقوة . حتدث يف العامل فإمنا هي من فيضه العام؛ فيعطي كل قابل ما استعد له من الصوريف اجلسم ال يوجد شيئا؛ فإن اجلسم مركب من مادة وصورة واملادة طبيعتها عدمية؛ فلو أثر اجلسم ألثر

هوا رد عن املادة وعن كل قوة؛ : فالفعل الفعال.ال يؤثر يف الوجود مبشاركة املادة وهي عدم ،و العدم والنوم غرور القوى . وأما الثاين من األحوال اخلاصة بالنفس؛ فالنوم، والرؤيا. فهو بالفعل من كل وجه

الظاهرة يف أعماق البدن، واحنناس األرواح من الظاهر إىل الباطن، ونعين باألرواح ههنا أجساما لطيفة

مركبة من خبار األخالط اليت منبعها القلب، وهي مراكب القوى النفسانية واحليوانية؛ وهلذا إذا وقعت سدة يف جماريها من األعصاب املؤدية للحس بطل احلس وحصل الصرع والسكتة، فإذا ركدت احلواس

ا تورد احلواس ورقدت بسبب بقيت النفس فارغة عن شغل احلواس؛ ألا ال تزال مشغولة بالتفكري فيمعليها، فإذا وجدت فرصة الفراغ وارتفع عنها املانع واستعدت لالتصال باجلواهر الروحانية الشريفة

العقلية اليت فيها نقشت املوجودات كلها، فانطبع يف النفس ما يف تلك اجلواهر من صور األشياء، ال سيما فإن . كانطباع صورة يف مرآة من مرآةما يناسب أغراض الرائي، ويكون انطباع تلك الصور يف النفس

كانت الصور جزئية ووقعت يف النفس يف املصورة وحفظتها احلافظة على وجهها من غري تصرف املتخيلة صدقت الرؤيا؛ وال حتتاج إىل تعبري، وإن وقعت يف املتخيلة حاكت ما يناسبها من الصور احملسوسة؛ وهذه

تصرفات اخليال مضبوطة واختلفت باختالف األشخاص واألحوال حتتاج إىل تعبري وتأويل، وملا مل تكن اختلف التعبري، وإذا حتركت املتخيلة منصرفة عن عامل العقل إىل عامل احلس واختلطت تصرفاا كانت

Page 262: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 262

الرؤيا أضغاث أحالم؛ ال تعبري هلا، وكذلك لو غلبت على املزاج إحدى الكيفيات األربع رأى يف املنام .أحواال خمتلطة

إن بعض النفوس يقوى قوة ال تشغله احلواس وال متنعه، بل . وأما الثالث؛ يف إدراك علم الغيب يف اليقظةيتسع بقوته للنظر إىل عامل العقل واحلس مجيعا، فيطلع إىل عامل الغيب فيظهر له بعض األمور مثل الربق

وإن وقع يف املخيلة، واشتغلت . صرحيااخلاطف، وبقي املتصور املدرك يف احلافظة بعينه وكان ذلك وحيا .بطبيعة احملاكاة كان ذلك مفتقرا إىل التأويل

وأما الرابع؛ يف مشاهدة النفس صورا حمسوسة ال وجود هلا؛ وذلك أن النفس تدرك األمور الغائبة إدراكا تخيلة وحتاكيه بصورة قويا، فيبقى عني ما أدركته يف احلفظ ، وقد تقبله قبوال ضعيفا فتستويل عليه امل

.حمسوسة واستتبعت احلس املشترك، وانطبعت الصورة يف احلس املشترك سراية إليه من املتصورة واملتخيلة

هو وقوع صورة يف احلس املشترك، فسواء وقع فيه من خارج بواسطة البصر أو وقع فيه أمر : واإلبصار من قوة النفس وقوة آالت اإلدراك، ومنه ما من داخل بواسطة اخليال كان ذلك حمسوسا؛ فمنه ما يكون

.يكون من ضعف النفس واآلالت

.فاملعجزات والكرامات: وأما اخلامس

يف قوة النفس وجوهرها ليؤثر يف هيويل العامل بإزالة : خاصية: خصائص املعجزات والكرامات ثالث: قالة املفارقة، مطيعة لقواها السارية يف صورة وإبعاد صورة؛ وذلك أن اهليويل منقادة لتأثري النفوس الشريف

فتفعل فعلها، وتقوى على ما . العامل، وقد تبلغ نفس إنسانية يف الشرف إىل حد يناسب تلك النفوس. قويت هي؛ فتزيل جبال عن مكانه وتذيب جوهرا فيستحيل ماء، وجتمد جسما سائال فيستحيل حجرا

اج إىل الشمس؛ فكما أن الشمس تؤثر يف األشياء تسخينا ونسبة هذه النفس إىل تلك النفوس كنسبة السروأنت تعلم أن للنفس تأثريات جزئية يف البدن؛ فإنه إذا حدث يف . باإلضاءة، كذلك السراج يؤثر بقدره

حدثت يف أوعية : النفس صورة الغلبة والغضب محى املزاج وأمحر الوجه، وإذا حدثت صورة مشتهاة فيهاواملؤثر ههنا جمرد التصور ... يجة للريح؛ حىت متتلئ به عروق آلة الوقاع، فتستعد لهاملىن حرارة مبخرة مه

.ال غري

أن تصفو النفس صفاء يكون شديد االستعداد لالتصال بالعقل الفعال حىت يفيض عليها : واخلاصية الثانية أكثر أحواهلا عن العلوم؛ فإنا قد ذكرنا حال القوة القدسية اليت حتصل لبعض النفوس حىت تستغين يف

.يكاد زيتها يضئ ولو مل متسه نار، نور على نور: التفكر والتعلم فالشريف البالغ منها

واخلاصية الثالثة للقوة املتخيلة؛ بأن تقوى النفس، وتتصل يف اليقظة بعامل الغيب كما سبق، وحتتكي

Page 263: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 263

وتسمع، فتكون الصورة احملاكية املتخيلة ما أدركته النفس بصورة مجيلة وأصوات منظومة فترى يف اليقظةللجوهر الشريف صورة عجيبة يف غاية احلسن وهو امللك الذي يراه النيب، وتكون املعارف اليت تتصل

بالنفس من اتصاهلا باجلواهر الشريفة تتمثل بالكالم احلسن املنظوم الواقع يف احلس املشترك؛ فيكون .مسموعا

ويف . أا تتمايز خبواص، وختتلف أفاعيلها اختالفات عجيبةوالنفوس وإن اتفقت يف النوع إال: قال .الطبيعة أسرار، والتصاالت العلويات بالسفليات عجائب

.وجل جنات احلق عن أن يكون شريعة لكل وارد، وأن يرد عليه إال واحد بعد واحد

عنه فليتهم نفسه؛ وبعد؛ فإن ما يشتمل عليه هذا الفن ضحكة للمغفل، عربة للمحصل، فمن مسعه فامشأز .وكل ميسر ملا خلق له. فإا ال تناسبه

.متت الطبيعيات حبمد اهللا

الجزء الثالث

آراء العرب في الجاهلية

أن العرب واهلند يتقاربان على مذهب واحد : قد ذكرنا يف صدر هذا الكتاب: بني العرب وغريهمقاربة بني األمتني مقصورة على اعتبار خواص وأمجلنا القول فيه؛ حيث كانت املقاربة بني الفريقني وامل

وأن الروم والعجم يتقاربان على . األشياء واحلكم بأحكام املاهيات، والغالب عليهم الفطرة والطبعمذهب واحد؛ حيث كانت املقاربة مقصورة على اعتبار كيفيات األشياء واحلكم بأحكام الطبائع،

.والغالب عليهم االكتساب واجلهد

.ذكر أقاويل العرب يف اجلاهلية، ونعقبها بذكر أقاويل اهلند وا خنتم الكتابواآلن ن

وقبل أن نشرع يف ذكر مذاهبهمم نريد أن نذكر حكم البيت العتيق، حرسه اهللا : حكم البيت العتيق ما تعاىل، ونصل بذلك حكم البوت املبنية يف العامل؛ فإن منها ما بين على الدين احلق قبلة للناس، ومنها

إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا :" وقد ورد يف الترتيل. بين على الرأي الباطل فتنة للناس ".وهدى للعاملني

.وقد اختلفت الروايات يف أول من بناه

إن آدم عليه السالم ملا أهبط إىل األرض وقع إىل سرنديب من أرض اهلند، وكان يتردد يف األرض : قيل

Page 264: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 264

فقدان زوجته ووجدان توبته؛ حىت واىف حواء جببل الرمحة من عرفات وعرفها، وصار إىل متحريا بني أرض مكة، ودعا وتضرع إىل اهللا تعاىل حىت يأذن له يف بناء بيت يكون قبلة لصالته ومطافا لعبادته، كما

زل اهللا تعاىل كان قد عهد يف السماء من البيت املعمور الذي هو مطاف املالئكة ومزار الروحانيني؛ فأن .عليه مثال ذلك البيت على شكل سرداق من نور، فوضعه مكان البيت، فكان يتوجه إليه ويطوف به

توىل وصية شيث عليه السالم بناء البيت من احلجر والطني على الشكل املذكور حذو القذة : مث ملا تويف غيض املاء وقضى األمر، وانتهت مث ملا خرب ذلك بطوفان نوح عليه السالم، وامتد الزمان حىت. بالقذة

النبوة إىل إبراهيم اخلليل عليه السالم ومحله هاجر أم إمساعيل ابنه إىل املوضع املبارك، ووالدة إمساعيل عليه وإذ :" السالم هناك ونشوئه وتربيته مثة، وعود إبراهيم إليه واجتماعه به يف بناء البيت؛ وذلك قوله تعاىل

فرفعا قواعد البيت على مقتضى إشارة الوحي مرعيا بينها مجيع " من البيت وإمساعيليرفع إبراهيم القواعد املناسبات اليت بينها وبني الشرع األخري، وتقبل اهللا تعاىل ذلك منهما، وبقي الشرف والتعظيم إىل زماننا

.فاختلفت آراء العرب يف ذلك. داللة على حسن القبول: وإىل يوم القيامة

يه األصنام عمرو بن حلي بن غالوثة بن عمرو بن عامر ملا سار قومه إىل مكة، واستوىل وأول من وضع ف: مث صار إىل مدينة البلقاء بالشام فرأى هناك قوما يعبدون األصنام فسأهلم عنها، فقالوا. على أمر البيت

ونستسقي ا نستنصر ا فننصر،: هذه أرباب اختذناها على شكل اهلياكل العلوية واألشخاص البشريةفأعجبه ذلك، وطلب منهم صنما من أصنامهم، فدفعوا إليه هبل فسار ... فنسقي، ونستشفى ا فنشفى

فدعا الناس إىل تعظيمها، . به إىل مكة ووضعه يف الكعبة، وكان معه أساف ونائلة على شكل زوجنيور ذي األكتاف، إىل أن أظهر اهللا والتقرب إليها، والتوسل ا إىل اهللا تعاىل، وكان ذلك يف أول ملك شاب

إن بيت اهللا احلرام إمنا هو بيت زحل بناه : تعاىل اإلسالم، فأخرجت وأبطلت؛ وذا يعرف كذب من قالالباين األول على طوالع معلومة واتصاالت مقبولة، ومساه بيت زحل املعىن اقترن الدوام به بقاء والتعظيم

طول العمر أكثر مما يدل عليه سائر الكواكب، وهذا خطأ؛ ألن الباين له لقاء؛ ألن زحل يدل على البقاء و .األول كان مستندا إىل الوحي على يدي أصحاب الوحي

وقد ذكرنا . مث إعلم أن البيوت تنقسم إىل بيوت األصنام، وإىل بيوت النريان: البيوت املتخذة للعبادةس، فأما بيوت األصنام اليت كانت للعرب واهلند فهي املواضع اليت كانت بيوت النريان مث يف مقاالت او

فمنها ما كانت فيه أصنام فحولت إىل . البيوت السبعة املعروفة املشهورة، املبنية على السبع الكواكبولقد كان بني أصحاب األصنام وبني أصحاب النريان خمالفات كثرية، واألمر . النريان، ومنها ما مل حتول

فمنها بيت فارس على . ن كل من استوىل وقهر غري البيت إىل مشاعر مذهبه ودينهدول فيما بينهم، وكارأس جبل بأصفهان على ثالثة فراسخ كانت فيه أصنام إىل أن أخرجها كشتاسب امللك ملا متجس وجعله

Page 265: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 265

ومنها بيت سدوسان من . بيت نار ومنها البيت الذي مبولتان من أرض اهلند؛ فيه أصنام مل تغري ومل تبدلواهلند يأتون البيتني يف أوقات من السنة حجا وقصدا . أرض اهلند أيضا؛ وفيه أصنام كبرية كثرية العجب

. ومنه النوار الذي بناه منوجهر مبدينة بلخ على اسم القمر؛ فلما ظهر اإلسالم خربه أهل بلخ. إليهما

زهرة وخربه عثمان بن عفان رضي ومنها بيت غمدان الذي مبدينة صنعاء اليمن بناه الضحاك على اسم الومنها بيت كاوسان بناه كاووس امللك بناء عجيبا على اسم الشمس مبدينة فرغانة وخربه . اهللا عنه .املعتصم

.فمنهم معطلة، ومنهم حمصلة نوع حتصيل: واعلم أن العرب أصناف شىت: أصناف العرب يف اجلاهلية

الباب األول

معطلة العرب

اخلالق، والبعث، واإلعادة : وهم أصناف منكرو

فصنف منهم أنكروا اخلالق ولبعث واإلعادة، وقالوا بالطبع احمليي، والدهر املفين، وهم الذين أخرب عنهم ؛ إشارة إىل الطبائع احملسوسة يف العامل "منوت، وحنيا: ما هي إال حياتنا الدنيا: وقالوا:" القرآن ايد

وما يهلكنا :" على تركبها وحتللها؛ فاجلامع هو الطبع، وامللك هو الدهرالسفلي، وقصرا للحياة واملوت فاستدل عليهم بضرورات فكرية وآيات فطرية يف ". إال الدهر، وما هلم بذلك من علم، إن هم إال يظنون

أو مل ينظروا " ؟ "أو مل يتفكروا بصاحبهم من جنة؛ إن هو إال نذير مبني:" كمآية وكم سورة؛ فقال تعاىلقل أئنكم لتكفرون :" ؟ وقال"أو مل ينظروا إىل ما خلق اهللا:" ؟ وقال" ملكوت السموات واألرضيف

؛ فأثبت الداللة "يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم:" ؟ وقال"بالذي خلق األرض يف يومني .الضرورية من اخللق على اخلالق، وأنه قادر على الكمال ابتداء وإعادة

إلعادة وصنف منهم أقروا باخلالق وابتداء اخللق واإلبداع، وأنكروا البعث واإلعادة، البعث، وا: منكرو؛ "من حييي العظام وهي رميم؟: وضرب لنا مثال ونسي خلقه؛ قال:" وهم الذين أخرب عنهم القرآن

أول قل حيييها الذي أنشأها :" فاستدل عليهم بالنشأة األوىل؛ إذ اعترفوا باخللق األول، فقال عز وجل !".افعيينا باخللق األول؟ بل هم يف لبس من خلق جديد:" وقال" مرة

عباد األصنام وصنف منهم أقروا باخلالق وابتداء اخللق ونوع من اإلعادة، وأنكروا الرسل، : منكرو الرسل، وقربوا وعبدوا األصنام؛ وزعموا أم شفعاؤهم عند اهللا يف الدار اآلخرة، وحجوا إليها، وحنروا هلا اهلدايا

وأحلوا، وحرموا، وهم الدمهاء من العرب، إال شرذمة منهم ... املقربني، وتقربوا إليها باملناسك واملشاعر

Page 266: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 266

... ؟"ما هلذا الرسول يأكل الطعام، وميشي يف األسواق: وقالوا:" نذكرهم؛ وهم الذين أخرب عنهم الترتيل

!.إن تتبعون إال رجال مسحورا:" إىل قوله

وما أرسلنا قبلك من املرسلني إال إم :" بأن املرسلني كلهم كانوا كذلك؛ قال اهللا تعاىلفاستدل عليهم ".ليأكلون الطعام، وميشون يف األسواق

بعث : إحدامها إنكار البعث: شبهات العرب وشبهات العرب كانت مقصورة على هاتني الشبهتني .بعث الرسل: األجسام، والثانية جحد البعث

أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا ملبعوثون، أو آباؤنا األولون؟ إىل أمثاهلا من اآليات، :" الوافعلى األوىل ق : وعربوا عن ذلك يف أشعارهم؛ فقال بعضهم

حديث خرافة يا أم عمرو ر؟شثم موت ثم ن حياة

: ولبعضهم يف مرثية أهل بدر من املشركني

امالشيزي تكلل بالسن من دريب ببالقليب قل فماذا

!و كيف حياة أصداء، وهام ابأن سنيح: يخبرنا الرسول

إذا مات اإلنسان أو قتل اجتمع دم الدماغ وأجزاء بنيته؛ فانتصب : ومن العرب من يعتقد التناسخ؛ فيقولال : أنكر عليهم الرسول عليه السالم فقال: وعن هذا. طريا هامة، فريجع إىل رأس القرب كل مائة سنة

.هامة وال عدوى، وال صفر

صلى اهللا عليه وسلم يف الصورة البشرية أشد، وأما الشبهة الثانية؛ فكان إنكارهم لبعث لرسولوما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم اهلدى :" وأخرب الترتيل عنهم بقوله تعاىل. وإصرارهم على ذلك أبلغ

فمن كان يعترف باملالئكة كان يريد أن يأيت "... أبشر يهدوننا؟" أبعث اهللا بشرا رسوال؟ : إال أن قالواالشفيع والوسيلة لنا : لوال أنزل عليه ملك ومن كان ال يعترف م كان يقول: واملك من السماء؛ وقال

.إىل اهللا تعاىل هم األصنام املنصوبة؛ إما األمر والشريعة من اهللا تعاىل إلينا فهو املنكر

وكان ود . فيعبدون األصنام اليت هي وسائل ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا: أصنام العرب وميوهلمب وهو بدومة اجلندل، وسواع هلذي وكانوا حيجون إليه وينحرون له، ويغوث لذحج ولقبائل من لكل

وكانت الالت لثقيف بالطائف، والعزي لقريش . اليمن، ويعوق هلمدان، ونسر لذي الكالع بأرض محري وكان وهبل أعظم األصنام عندهم؛. ومجيع بين كنانة وقوم من بين سليم، ومناة لألوس واخلزرج وغسان

على ظهر الطعبة، وأساف ونائلة على الصفا واملروة وضعهما عمر بن حلي وكان يذبح عليهما جناة أساف بن عمرو، ونائلة بنت سهل تعاسقا ففجرا الكعبة، : أما كانا من جرهم: الكعبة، وزعموا

Page 267: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 267

.ال بل كانا صنمني جاء ما عمرو بن حلي فوضعهما على الصفا: فمسخا حجرين، وقيل

: وكان لبين ملكان من كنانة صنم يقال له سعد وهو الذي يقول فيه قائلهم

دعسعد، فال نحن من س فشتتنا انلمع شإلى سعد ليجم أتينا

من األرض ال يدعو لغي ة ال رشد وفةنترة بسعد إال صخ وهل

: قالت:وكانت العرب إذا لبت وهللت

لبيك الشريك لك يكاللهم لب لبيك

وما ملك تملكه شريك هو لك إال

ومن العرب من كان مييل إىل اليهودية، ومنهم من كان مييل إىل النصرانية ومنهم من كان يصبو إىل الصابئة؛ ويعتقد يف األنواء اعتقاد املنجمني يف السيارات حىت ال يتحرك وال يسكن وال يسافر وال يقيم إال

الئكة فيعبدهم؛ بل كانوا يعبدون مطرنا بنوء كذا، ومنهم من كان يصبوا إىل امل: بنوء من األنواء؛ ويقول .تعاىل اهللا عن ذلك علوا كبريا... اجلن؛ ويتعقدون فيهم أم بنات اهللا

الباب الثاني

المحصلة من العرب علومهم

أحدها علم األنساب والتواريخ واألديان، : إعلم أن العرب يف اجلاهلية كانت على ثالثة أنواع من العلوم؛ خصوصا معرفة أنساب أجداد النيب عليه الصالة والسالم، واإلطالع على ذلك ويعدونه نوعا شريفا

النور الوارد من صلب إبراهيم، إىل إمساعيل عليهما الصالة، وتواصله يف ذريته إىل أن ظهر بعض الظهور .شيبة احلمد؛ وسجد له الفيل األعظم؛ وعليه قصة أصحاب الفيل: سيد الوادي: يف أسارير عبد املطلب

.دفع اهللا تعاىل شر أبرهة وأرسل عليهم طريا أبابيل: وبربكة ذلك النور

.رأى تلك الرؤيا يف تعريف موضع زمزم ووجدان الغزالة والسيوف اليت دفنتها جرهم: وبربكة ذلك النور

أهلم عبد املطلب النذر الذي نذر يف ذبح العاشر من أوالده؛ وبه افتخر النيب عليه: وبربكة ذلك النور

أراد بالذبيح األول إمساعيل عليه السالم؛ وهو أول من احندر : أنا ابن الذبيحني: الصالة والسالم حني قالإليه النور فاختفى، وبالذبيح الثاين عبد اهللا بن عبد املطلب؛ وهو آخر من احندر إليه النور فظهر كل

.الظهور

وحيثهم على مكارم األخالق، . لم والبغيكان عبد املطلب يأمر أوالده بترك الظ: وبربكة ذلك النور

Page 268: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 268

.وينهاهم عن دنيات األمور

كان قد سلم إليه النظر يف حكومات العرب واحلكم بني املتخاصمني؛ فكان يوضع له : وبربكة ذلك النور .وسادة عند امللتزم فيستند إىل الكعبة وينظر يف حكومات القوم

ربا حيفظه ويذب عنه وفيه قال وقد صعد إىل جبل أين إن هلذا البيت: قال ألبرهة: وبربكة ذلك النور : قبيس

كاللفامنع ح حله عهم إن المرء يمن ال

و محالهم عدوا محالك مهيبيغلبن صل ال

كدا لا بم فأمر إن كنت تاركهم وكعبتنا

إنه لن خيرج من الدنيا ظلوم حىت ينتقم اهللا منه وتصيبه عقوبة؛ : كان يقول يف وصاياه: وبربكة ذلك النورواهللا إن : إىل أن هلك رجل ظلوم حتف أنفه مل تصبه عقوبة، فقيل عبد املطلب يف ذلك، ففكر، وقال

.تهوراء هذه الدار دار جيزي فيها احملسن بإحسانه، ويعاقب فيها املسيء بإساء

: أنه كان يضرب بالقداح على ابنه عبد اهللا ويقول: ومما يدل على إثباته املبدأ واملعاد

و أنت ربي المبدىء والمعيد ودرب أنت الملك المحم يا

أن أهل مكة ملا اصام ذلك : من عندك الطارف والتليد ومما يدل على معرفته حبال الرسالة وشرف النبوةاجلدب العظيم وأمسك السحاب عنهم سنتني أمر أبا طالب ابنه أن حيضر املصطفى حممدا صلى اهللا عليه

يا : السماء، وقالوسلم، فأحضره وهو رضيع يف قماط فوضعه على يديه، واستقبل الكعبة ورماه إىلحبق هذا الغالم اسقنا غيثا مغيثا دائما هطال فلم : وكان يقول.... حبق هذا الغالم ورماه ثانيا، وثالثا! رب

وأنشد أبو طالب ذلك . يلبث ساعة أن طبق السحاب وجه السماء وأمطر؛ حىت خافوا على املسجد : الشعر الالمي الذي منه

ثمال اليتامى عصمة لألرامل بوجههيستسقي الغمام وأبيض

عنده في نعمة وفواضل فهم يطيف به الهالك من آل هاشم

للما نطاعن دونه ونناض و كذبتم ورب البيت نبزي محمدا

نذهل عن أبنائنا والحالئل ز ال نسلمه حتى نصرع حوله و

: قصيدة منها: وقال العباس بن عبد املطلب يف النيب عليه الصالة والسالم

ورقمستودع حين يخصف ال من قبلها طبت في الظالل وفي

Page 269: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 269

قلغة وال عأنت وال مض رشال ب: الدهبطت الب ثم

رقغه الألجم نسرا وأمهل دين وقنطفة تركب السف بل

قبدا طمضى عالم ب إذا مى رحب إلمن صل تنقل

قطعلياء تحتها الن خندف ياحتوى بيتك المهيمن ف حتى

قوضاءت بورك األف رض ت األو أنت لما ظهرت أشرق

رقنخت: وسبل الرشاد النور يياء وففي ذلك الض فنحن

وأما النوع الثاين من العلوم؛ فهو علم الرؤيا، وكان أبو بكر رضي اهللا عنه ممن يعرب الرؤيا يف اجلاهلية .ويصيب، فريجعون إليه، ويستخربون عنه

وأما النوع الثالث؛ فهو علم األنواء، وذلك مما يتواله الكهنة والقافة منهم؛ وعن هذا قال النيب صلى اهللا ".طرنا بنوء كذا؛ فقد كفر مبا أنزل على حممدم: من قال:" عليه وسلم

وكانت هلم سنن وشرائع قد . معتقدام وم العرب من كان يؤمن باهللا واليوم اآلخر، وينتظر النبوة .ذكرناها؛ ألا نوع حتصيل

زيد بن ...فممن كان يعرف النور الظاهر، والنسب الطاهر، ويعتقد الدين احلنيفي، وينتظر املقدم النبويأيها الناس هلموا إيل؛ فإنه مل يبق على دين إبراهيم : رو بن نفيل؛ كان يسند ظهره إىل الكعبة، ويقولعم

: ومسع أمية بن أيب الصلت يوما ينشد. أحد غريي

زور: يفةندين الح إال كل دين يوم القيامة عند اهللا

: وقال زيد أيضا. صدقت: فقال له

يوم الحساب إذا ما يجمع البشر يةك واقتكون لنفس من فلن

كال ورب : قس بن ساعدة اإليادي قال يف مواعظه: وممن كان يعتقد التوحيد ويؤمن بيوم احلساب : وقال أيضا. ليعودون ما باد، ولئن ذهب ليعودن يوما! الكعبة

دبمولود وال وال ليس كال بل هو اهللا إله واحد

داآب غمو إليه ال دىوأب ادأع

: وأنشد يف معىن اإلعادة

رقم خزهمن بقايا ب عليهم يا باكي الموت واألموات في جدث

قعصينبه من نوماته ال كما مهفإن لهم يوما يصاح ب دعهم؛

Page 270: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 270

وامضى ثم هذابعد ذا خلق خلق مهاليجيئوا بحال غير ح حتى

الجديد ومنها األزرق الخلق منها مهيابعراة ومنهم في ث منهم

: عامر بن الظرب العدواين وكان من شعراء العرب وخطبائهم، وله وصية طويلة يقول يف آخرها: ومنهم

ين ما رايت شيئا قط خلق نفسه، وال رأيت موضوعا إال مصنوعا، وال جاثيا إال ذاهبا، ولو كان مييت حىت يرجع امليت : وما حىت؟ قال: إين أرى أمورا شىت، وحىت؛ قيل له: مث قال. الناس الداء ألحياهم الدواء

ويل؛ إا : نه ذاهبني، وقالحيا، ويعود ال شيء شيئا؛ ولذلك خلقت السموات واألرض؛ فتولوا ع !.نصيحة، لو كان من يقبلها؟

: وكان عامر قد حرم اخلمر على نفسه فيمن حرمها؛ وقال فيها

الت قاقإن أدعها فإني م و اهأشرب الخمر أشربها للذت إن

يالال رأتني إال من مدى ع و ام أرهات لاللذاذة والقين لوال

الموم والقبعقول ال ذهابه ي يدهيس فا لى مللفت سآله

يبالفتى ذي النجدة الحال مزرية نال إحا بالقوم أضغان تورث

حتى يفرق ترب األرض أوصالي اهرباسقيها وأش: باهللا أقسمت

قيس بن عاصم التميمي، وصفوان ابن أمية بن حمرث الكناين : وممن كان قد حرم اخلمر يف اجلاهليةوقال االسلوم اليايل وقد حرم اخلمر والزنا على . وعفيف بن معدي كرب الكندي وقالوا فيها أشعارا

: نفسه

و السلم أبقى في األمور وأعرف قومي بعد طول مضاضة سالمت

المومسات؛ وترك ذلك أشرف و شرب الراح وهي أثيرة وتركت

يفعل ذو الحجى المتعفف وكذاك ارمكيم تعنه يا أم وعففت

عبد لطاخبة بن ثعلب ابن وبرة من قضاعة؛ وقال : وممن كان يؤمن باخلالق تعاىل، وخبلق آدم عليه السالم : فيه

مصعغريق قد تشبث بال دعاء هلت أهيا ربي بما أن وأدعوك

و ذو الطول لم تعجل بسخط ولم تلد هلير كخاهل الحمد وال ألنك

لم ير عبد منك في صالح وجم و ياانالذي لم يحيه الدهر ث وأنت

Page 271: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 271

خلق الناس في أكثم العدم تبدأت ذيد الوأنت القديم األول الماج

إلى ظلمة من صلب آدم في ظلم مةالذي أحللتني غيب ظل وأنت

: من هؤالء النابغة الذبياين؛ آمن بيوم احلساب؛ فقال

قويم؛ فما يرجون غير العواقب مهه، ودينذات اإلل :فعلتهم

.اجلزاء باألعمال: وأراد بذلك

لوال أن تسبين : ز من هؤالء زهري بن أيب سلمى املزين وكان مير بالعصاة وقد أورقت بعد يبس فيقولالعرب آلمنت أن الذي أحياك بعد يبس سيحيي العظام وهي رميم مث آمن بعد ذلك، وقال يف قصيدته

: وهي من السبعيات... اليت أوهلا؛ أمن أم أوىف دمنة مل تكلم

مقليوم حساب، أو يعجل فين اب فيدخريؤخر، فيوضع في كت

: ومنهم عالف بن شهاب التيمي كان يؤمن باهللا تعاىل وبيوم احلساب، وفيه قال

التمنه خطة المق فأخذت ولقد شهدت الخصم يوم رفاعة

الحساب بأحسن األعمال يوم دهبأن اهللا جاز ع وعلمت

ادفنوا معي راحليت حىت أحشر عليها، فإن مل تفعلوا : وكان بعض العرب إذا حضره املوت يقول لولده : قال جريبة بن األشيم األسدي يف اجلاهلية وقد حضره املوت؛ يوصي ابنه سعدا... حشرت على رجلي

إن أخا الوصاة األقرب أوصيك ينإنن فكسعد إما أهل يا

الحشر يصرع لليدين وينكب في الر راجثتتركن أباك يع ال

وبابغ المطية؛ إنه هو أص و حالأباك على بعير ص واحمل

في الحشر أركبها إذا قيل اركبوا يةطت ملي مما ترك ولعل

: وقال عمرو بن زيد بن املتمين يوصي ابنه عند موته

القبر راحلة برحل قاتر في ينزودني إذا فارقت !ابني

متساوقين معا لحشر الحاشر أركبها إذا قيل اظعنوا للبعث

ربين مدفع أو عاث فالخلق رائهال يوافيه على عش من

وكانوا يربطون الناقة معكوسة الرأس إىل مؤخرها مما يلي ظهرها أو مما يلي كأكلها وبطنها، ويأخذون بلية، واخليط : ولية فيشدون وسطها، ويقلدوا عنق الناقة ويتركوا حىت متوت عند القرب، ويسمون الناقة

.ناقها الوالياكالباليا يف أع: وقال بعضهم يشبه رجاال يف بلية. ولية: الذي تشد به

Page 272: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 272

كانت العرب يف جاهليتها : سننهم اليت وافقهم القرآن عليها وبعض عادام قال حممد بن السائب الكليب .كانوا ال ينكحون األمهات، وال البنات، وال اخلاالت، وال العمات. حترم أشياء نزل القرآن بتحرميها

لف على امرأة أبيه؛ وكانوا يسمون من فعل وكان أقبح ما يصنعون أن جيمع الرجل بني األختني، أو خيتاوس بن حجر التميمي يعري قوما من بين قيس بن ثعلبة تناوبوا على امرأة أبيهم ثالثة؛ : ذلك الضرين؛ قال

: واحدا بعد آخر

فليزن سكلكم ألبيه ض و رةكنفيكم غير م والفارسية

مشي الزرافة في آباطها الحجف افكيهة وامشوا حول قبته نيكوا

وكان أول من مجع بني األختني من قريش أبو أحيحة سعيد بن العاص مجع بني هند وصفية ابنيت املغرية .بن عبد اهللا بن عمرو بن خمزوم

وكان الرجل من العرب إذا مات عن املرأة أو طلقها، قام أكرب بنيه، فإن كان له فيها حاجة طرح : قالوكانوا خيطبون املرأة إىل : ، وإن مل يكن له فيها حاجة تزوجها بعض أخوته مبهر جديد قالثوبه عليها

.أبيها أو إىل أخيه أو عمها أو بعض بين عمها

وكان خيطب الكفء إىل الكفء؛ فإن كان أحدمها أشرف من اآلخر يف النسب رغب له يف املال، وإن أنعموا صباحا، مث يقول حنن : قول اخلاطب إذا أتاهمكان هجينا خطب إىل هجني فزوجه هجينة مثله، وي

أكفاؤكم ونظراؤكم؛ فإن زوجتمونا فقد أصبنا رغبة وأصبتموها وكنا لصهركم حامدين، وإن رددمتونا إذا محلت إليه : لعلة نعرفها رجعنا عاذرين؛ فإن كان قريب القرابة من قومه قال هلا أبوها أو أخوها

أحسين خلقك، وأكرمي زوجك، ... جعل اهللا منك عددا، وعزا، وحلباأيسرت، وأذكرت، وال أنثت؛ .وليكن طيبك املاء

أحسين ... ال أيسرت ز ال أذكرت؛ فإنك تدنني البعداء، وتلدين األعداء: وإذا زوجت يف غربة قال هلا .ءوليكن طيبك املا... خلقك، وحتبيب إىل امحائك؛ فإن هلم عينا ناظرة إليك وأذنا سامعة

أول من طلق ثالثا على التفرقة : وكانوا يطلقون ثالثا على التفرقة؛ قال عبد اهللا بن عباس رضي اهللا عنهماوكان العرب يفعلون ذلك؛ فيطلقها واحدة وهو أحق الناس ا، حىت . إمساعيل بن إبراهيم عليهما السالم

ون بن قيس حني تزوج امرأة فرغب ميم: انقطع السبيل عنها، ومنه قول األعشى: إذا استوىف الثالث : قومها عنه، فآتاه قومها، فهددوه بالضرب أو يطلقها

كذاك أمور الناس غاد وطارقة قةالجارتي بيني فإنك ط أيا

Page 273: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 273

: تنه؛ فقال: قالوا

و أن ال ترى لي فوق رأسك بارقة اصوبيني؛ فإن البين خير من الع

: ثلث؛ فقال:قالوا

و موموقة قد كنت فينا، ووامقة حصان الفرج غير ذميمة وبيني

رجل خيطب فيتزوج، وامرأة يكون هلا خليل خيتلف : قال وكان أمر اجلاهلية يف نكاح النساء على أربعهو لفالن؛ فيتزوجها بعد هذا، وامرأة خيتلف إليها النفر وكلهم يواقعها يف طهر : إليها؛ فإن ولدت قالت

خيتلف إليها الكثري : إذا ولدت ألزمت الولد أحدهم؛ وهذه تدعى املقسمة، وامرأة ذات رايةواحد؛ ف .وكلهم يواقعها؛ فإذا ولدت مجعوا هلا القافة فيلحقون الولد بشبيهه

ويطوفون ... وكم بالقيان من حمل وحمرم: وكانوا حيجون البيت ويعتمرون، وحيرمون؛ قال زهري: قال : ن باحلجر، ويسعون بني الصفا واملروة؛ قال أبو طالببالبيت سبعا، وميسحو

ما فيهما من صورة وتخايل و وأشواط بين المروتين إلى الصفا

إال شريك هو لك، متلكه وما ملك، ويقفون : وكانوا يلبون، إال أن بعضهم كان يشرك يف تلبيته؛ يف قوله : املواقف كلها؛ قال العدوي

و موقف ذي الحجيج على الآللي ريشت قجذي حبال فأقسم

إال طي ... وكانوا يهدون اهلدايا، ويرمون اجلمار، وحيرمون األشهر احلرم؛ فال يغزون وال يقاتلون فيهافإم كانوا ال حيجون، وال يعتمرون، وال حيرمون األشهر احلرم : وخثعم وبعض بين احلارث بن كعب

.وال البلد احلرام

عام الفجار ألا كانت يف األشهر احلرم حيث ال : وإمنا مست قريش احلرب اليت كانت بينها وبني غريها .حرب الفجار: قد فجرنا؛ فلذلك مسوها: تقاتل؛ فلما قاتلوا فيها قالوا

: وكانوا يكرهون الظلم يف احلرم؛ وقالت امرأة منهم تنهي ابنها عن الظلم

يرالصغير وال الكب ال كةمال تظلم ب !ابني

رورأطراف الش يلق كةممن يظلم ب !ابني

ورظالمها يب فوجدت اهتربقد ج !ابني

و الوحش تامن في ثبير ايرهن طأم !لبني

ومنهم من كان ينسىء الشهور، وكانوا يكبسون يف كل عامني شهرا، ويف كل ثالثة أعوام شهرا؛ وكانوا إذا حجوا يف شهر من السنة مل خيطئوا أن جيعلوا يوم التروية، ويوم عرفة، ويوم النحر؛ كهيئة ذلك يف

Page 274: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 274

ين؛ فال يبيعون يف يوم شهر ذي احلجة؛ حىت يكون يوم النحر اليوم العاشر من ذلك الشهر، ويقيمون مب ".إمنا النسيء زيادة يف الكفر:" عرفة، وال يف أيام مىن، وفيهم أنزلت

.وكانوا إذا ذحبوا لألصنام لطخوها بدماء اهلدايا؛ يلتمسون بذلك الزيادة يف أمواهلم

: وكان فصي بن كالب ينهى عن عبادة غري اهللا من األصنام؛ وهو القائل

ورت األمأدين إذا تقسم ف ربدا أم ألواح اأب

يفعل الرجل البصير كذلك تركت الالت والعزي جميعا

ال صنمي بني غنم أزور و االعزي أدين وال أبنتيه فال

وقيل هي لزيد بن عمرو بن نفيل؛ فلقي يف ذلك من قريش شرا، حىت أخرجوه عن احلرم؛ فكان ال يدخله .إال ليال

إنكم قد : قال! وما ذاك: أطيعوين ترشدوا، قالوا: وقال القلمس بن أمية الناين خيطب للعرب بفناء مكةتفرقتم بآهلة شىت، وإين ألعلم ما اهللا راض به، وإن اهللا رب هذه اآلهلة، وإنه ليجب عنه طائفة، وزعمت

.أنه على دين بين متيم

هم؛ قال األفوه األودي وكانوا يغتسلون من اجلنابة، ويغسلون موتا: قال

ذرقلت ينجيني الشقاق وال الح فما رري غنا أنعلالني واعلم أال

مفاصل أوصالي وقد شخص البصر دتي إذا بيابقلت يجديني ث وما

فيالك من غسل سيتبعه غبر بماء بارد يغسلونني وجاءوا

إذا مات الرجل محل على سريره، مث : وكانوا يكفنون موتاهم، ويصلون عليهم؛ وكانت صالم: قالوقال رجل من . عليك رمحة اهللا وبركاته: يقوم وليه فيذكر حماسنه كلها، ويثىن عليه، مث يدفن، مث يقول

: كلب يف اجلاهلية إلبن ابن له

ي صالتيمكثر لك ف فإني إن هلكت وكنت حيا أعمرو

حياتي إن حييت وفي مماتي وأجعل نصف مالي البن سام

وكانوا يداومون على طهارات الفطرة اليت ابلي ا غرباهيم عليه السالم، وهي الكلمات العشر؛ : قالفاملضمضة، واالستنشاق، وقص : فأما اللوايت يف الرأس. مخس يف الرأس، ومخس يف اجلسد: فإن

ف اإلبط، وحلق فاالستنجاء، وتقليم األظافر، ونت: وأما اللوايت يف اجلسد. الشارب، والفرق، والسواك .فلما جاء اإلسالم قررها سنة من السنن. العانة، واخلتان

Page 275: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 275

.وكانوا يقطعون يد السارق اليمىن إذا سق

.وكانت ملوك اليمن وملوك احلرية يصلبون الرجل إذا قطع الطريق

: قال حامت الطائي... وكانوا يوفون بالعهود، ويكرمون اجلار، ويكرمون الضيف

فأقسمت ال ارسو وال اتعذر مهربي، وربي أله إلههم

: وقال أيضا

كأن لم يسق جحش بعير وال حمر وةاس أسكان في البرايا الن لقد

ركد بابع: مكان فيهم بكل مهربين بأناسا موقن وكانوا

الجزء الرابع

آراء الهند

فمنهم الربامهة؛ وهم . قد ذكرنا أن اهلند أمة كبرية، وملة عظيمة، وآراؤهم خمتلفة: ميول اهلند وفرقهماملنكرون للنبوات أصال، ومنهم من مييل إىل الدهر، ومنهم من مييل إىل مذهب الثنوية؛ ويقول مبلة إبراهيم

روحانيات؛ ومن قائل باهلياكل؛ ومن فمن قائل بال: وأكثرهم على مذهب الصابئة ومناهجها. عليه السالمقائل باألصنام؛ إال أم خمتلفون يف شكل اهلياكل اليت ابتدعوها؛ وكيفية أشكال وضعوها، ومنهم حكماء

.علما، وعمال: على طريق اليونانيني

فمن كانت طريقته على منهاج الدهرية والثنوية والصابئة فقد أغنانا حكاية مذاهبهم قبل عن حكاية الربامهة، وأصحاب الروحانيات، وأصحاب : هبه، ومن انفرد عنهم مبقالة ورأي فهم مخس فرقمذ

.وحنن نذكر مقاالت هؤالء كما قد وجدنا يف كتبهم املشهورة. اهلياكل، وعبدة األصنام، واحلكماء

الباب األول

البراهمة

ال نتسام إىل إبراهيم عليه السالم من الناس من يظن أم مسوا برامهة: انتساب الربامهة وما جيمعهموذلك خطأ؛ فإن هؤالء القوم هم املخصوصون بنفي النبوات أصال ورأسا فكيف يقولون بإبراهيم عليه السالم؟ والقوم الذين اعتقدوا نبوة إبراهيم عليه السالم من أهل اهلند فهم الثنوية منهم القائلون بالنور

وهؤالء الربامهة إمنا انتسبوا إىل رجل منهم يقال . وقد ذكرنا مذاهبهموالظلمة على رأي أصحاب االثنني

Page 276: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 276

إن الذي : منها أن قال. له براهم، وقد مهد هلم نفي النبوات أصال وقرر استحالة ذلك يف العقول بوجوه إما أن يكون معقوال وإما أن ال يكون معقوال؛ فإن كان معقوال: يأيت به الرسول مل خيل من أحد أمرين

فقد كفانا العقل التام بإدراكه والوصول إليه، فأي حاجة لنا إىل الرسول؟ وإن مل يكن معقوال فال يكون قد : ومنها أن قال. مقبوال؛ إذ قبول ما ليس مبعقول خروج عن حد اإلنسانية، ودخول يف حرمي اهليمية

تدل عليه عقوهلم، وقد دلت الدالئل دل العقل على أن اهللا تعاىل حكيم واحلكيم ال يتعبد اخللق إال مبا العقلية على أن للعامل صانعا عاملا قادرا حكيما؛ وأنه أنعم على عباده نعما توجب الشكر، فننظر يف آيات

وإذا عرفناه وشكرنا له استوجبنا ثوابه، وإذا أنكرناه وكفرنا به ... خلقه بعقولنا ونشكره بآالئه علينافإنه إن كان يأمرنا مبا ذكرناه من املعرفة والشكر فقد استغنينا ! نا نتبع بشرا مثلنااستوجبنا عقابه، فما بال

قد دل : ومنها أن قال. عنه بعقولنا، وإن كان يأمرنا مبا خيالف ذلك كان قوله دليال ظاهرا على كذبهقد وردت أصحاب العقل على أن للعامل صانعا حكيما؛ واحلكيم ال يتعبد اخللق مبا يقبح يف عقوهلم، و

من التوجه إىل بيت خمصوص يف العبادة والطواف حوله، والسعي : الشرائع مبستقبحات من حيث العقلورمي اجلمار واإلحرام والتلبية وتقبيل احلجر األصم، وكذلك ذبح احليوان، وحترمي ما ميكن أن يكون

. مور خمالفة لقضايا العقولوغري ذلك، وكل هذه األ... غذاء لإلنسان، وحتليل ما ينقص من بنيته

والنفس، والعقل؛ يأكل مما تأكل، ويشرب مما تشرب؛ حىت تكون بالنسبة إليه كجماد يتصرف فيك رفعا ووضعا، أو كحيوان يصرفك أماما وخلفا، أو كعبد يتقدم إليك أمرا ويا؛ فأي متيز له عليك؟ وأية

ه؟ فإن اغتررمت مبجرد قوله فال متييز لقول على فضيلة أوجبت استخدامك؟ وما دليله على صدق دعواقول، وإن حسرمت حبجته ومعجزته فعندنا من خصائص اجلواهر واألجسام ما ال حيصى كثرة، ومن

إن حنن إال بشر مثلكم، ولكن اهللا مين : املخربين عن مغيبات األمور من ساوى خربه؛ قالت هلم رسلهمحالك : ن للعامل صانعا وخالقا، وحكيما؛ فاعترفوا بأنه آمر، وناهعلى من يشاء من عباده فإذا اعترفتم بأ

وليس كل عقل إنساين على . حكم، وأمر... على خلقه، وله يف مجيع ما نأيت ونذر، ونعمل ونفكراستعداد ما يعقل عنه أمره، وال كل نفس بشرى مبثابة من يقبل عنه حكمه؛ بل أوجبت منته ترتيبا يف

واقتضت قسمته أن يرفع بعضهم فوق بعض درجات؛ ليتخذ بعضهم بعضا سخريا، العقول والنفوس،ورمحة ربك خري مما جيمعون؛ فرمحة اهللا الكربى هي النبوة والرسالة، وذلك خري مما جيمعون بعقوهلم

فمنهم أصحاب البددة، ومنهم أصحاب الفكرة، ومنهم أصحاب : مث إن الربامهة تفرقوا أصنافا. املختالة .تناسخال

أصحاب البددة

ال يولد، وال ينكح، وال يطعم، وال يشرب، وال يهرم، وال : شخص يف هذا العامل: ومعىن البد عندهم

Page 277: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 277

وأول بد ظهر يف العامل امسه شاكمني وتفسريه السيد الشريف؛ ومن وقت ظهوره إىل وقت اهلجرة . ميوتية ومعناه اإلنسان الطالب سبيل احلق وإمنا يصل مرتبة البوديسع: قالوا ودون مرتبة البد. مخسة آالف سنة

وباالمتناع والتخلي عن الدنيا، . إىل تلك املرتبة بالصرب والعطية، وبالرغبة فيما جيب أن يرغب فيهوالرمحة على مجيع اخللق، وباالجتناب عن الذنوب . والعزوف عن شهواا ولذاا، والعفة عن حمارمها

تحالل أموال الناس؛ والزنا؛ والكذب؛ والنميمة؛ والبذاء؛ والشتم؛ قتل كل ذي روح؛ واس: العشرةإحداها اجلود والكرم؛ : وشناعة األلقاب؛ والسفه؛ واجلحد جلزاء اآلخرة، وباستكمال عشرة خصال

والثانية العفو عن املسيء ودفع الغضب باحللم؛ والثالثة التعفف عن الشهوات الدنيوية؛ والرابعة الفكرة يف إىل ذلك العامل الدائم الوجود من هذا العامل الفائي؛ اخلامسة رياضة العقل بالعلم واألدب وكثرة التخلص

النظر إىل عواقب األمور؛ والسادسة القوة على تصريف النفس يف طلب العلييات؛ والسابعة لني القول ى اختيار نفسه؛ وطيب الكالم مع كل أحد؛ والثامنة حسن املعاشرة مع اإلخوان بإيثار اختيارهم عل

والتاسعة اإلعراض عن اخللق بالكلية والتوجه إىل احلق بالكلية؛ والعاشرة بذل الروح شوقا إىل احلق .ووصوال إىل جناب احلق

أن البددة أتوهم على عدد اهلياكل من ر الكنك وأعطوهم العلوم، وظهروا هلم يف أجناس : وزعمواومل يكن بينهم : قالوا. بيوت امللوك لشرف جواهرهموأشخاص شىت، ومل يكونوا يظهرون إال يف

وإمنا اختص ظهور البددة . اختالف يف ما ذكر عنهم من ازلية العامل، وقوهلم يف اجلزاء على ما ذكرنابأرض اهلند لكثرة ما فيها من خصائص التربة واإلقليم، ومن فيها من أهل الرياضة واالجتهاد وليس يشبه

.ن صدقوا يف ذلك إال باخلضر الذي يثبته أهل اإلسالمالبد على ما وصفوه إ

وللهند طريقة . أصحاب الفكرة والوهم وهؤالء أعلم منهم بالفلك والنجوم وأحكامها املنسوبة إليهمختالف طريقة منجمي الروم والعجم؛ وذلك أم حيكمون أكثر األحكام باتصاالت الثوابت دون

ص الكواكب دون طبائعها، ويعدون زحل السعد األكرب؛ وذلك السيارات، وينشئون األحكام عن خصائوكذلك . لرفعة مكانه، وعظم جرمه، وهو الذي يعطي العطايا الكلية من السعادة، واجلزئية من النحوسةوكذلك . سائر الكواكب هلا طبائع وخواص؛ فالروم حيكمون من الطبائع، واهلند حيكمون من اخلواص

وهؤالء أصحاب الفكرة . األدوية دون طبائعها، والروم ختالفهم يف ذلكطبهم؛ فإم يعتربون خواصهو املتوسط بني احملسوس واملعقول؛ فالصور من احملسوسات ترد عليه، : يعظمون الفكر، ويقولون

فيجتهدون كل اجلهد حىت يصرفوا . واحلقائق من املعقوالت ترد عليه أيضا؛ فهو مورد العلمني من العاملنيلفكر عن احملسوسات بالرياضات البليغة، واالجتهادات اهدة حىت إذا جترد الفكر عن هذا العامل الوهم وا

جتلى له ذلك العامل؛ فرمبا خيرب عن مغيبات األحوال، ورمبا يقوى على حبس األمطار، ورمبا يوقع الوهم

Page 278: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 278

ريف األجسام والتصرف على رجل حي فيقتله يف احلال وال يستعبد ذلك؛ فإن للوهم أثرا عجيبا يف تصأليس االحتالم يف النوم تصرف الوهم يف اجلسم؟ أليست إصابة العني تصرف الوهم يف : يف النفوس

الشخص؟ أليس الرجل ميشي على جدار مرتفع فيسقط يف احلال وال يأخذ من عرض املسافة يف خطواته .سوى ما أخذه على األرض املستوية؟

جيبة؛ وهلذا كانت اهلند تغمض عينها أياما ألال يشتغل الفكر والوهم والوهم إذا جترد عمل أعماال عباحملسوسات، ومع التجرد إذا اقترن به وهم آخر اشتركا يف العمل خصوصا إذا كانا متفقني غاية

االتفاق؛ وهلذا كانت عادم إذا دمههم أمر أن جيتمع أربعون رجال من املهذبني املخلصني املتفقني على حد يف اإلصابة؛ فيتجلى هلم املهم الذي يهضمهم محله، ويندفع عنهم البالء امللم الذي يكادهم رأي وا

حلق الرؤوس واللحي، وتعرية األجسام ما : وسنتهم. املصفدين باحلديد: ومنهم البكر نتينية يعين. ثقلهعلم وشدة الوهم خال العورة، وتصفيد البدن من أوساطهم إىل صدورهم؛ ألال تنشق بطوم من كثرة ال

وغلبة الفكر، ولعلهم رأوا يف احلديد خاصية تناسب األوهام؛ وإال فاحلديد كيف مينع انشقاق البطن؟ وكثرة العلم كيف توجب ذلك؟ أصحاب التناسخ

وما من ملة من امللل إال وللتناسخ فيها قدم راسخ وإمنا ختتلف طرقهم يف . وقد ذكرنا مذاهب التناسخيةفأما تناسخية اهلند فأشد اعتقادا لذلك؛ ملا عاينوا من طري يظهر يف وقت معلوم، فيقع على . تقرير ذلك

شجرة معلومة، فيبيض ويفرخ، مث إذا مت نوعه بفراخه حك مبنقاره وخمالبه فتربق منه نار تلتهب، فيحترق ظهوره اخنلق من الطري، ويسيل منه دهن جيتمع يف أصل الشجرة يف مغارة، مث إذا حال احلول وحان وقت

قالوا فما مثل الدنيا وأهلها يف األدوار . هذا الدهن مثله طري فيطري ويقع على الشجرة وهو أبدا كذلك .واألكوار إال كذلك

وإذا كانت حركات األفالك دورية فال حمالة يصل رأس الفرجار إىل ما بدأ ودار دورة ثانية على : قالوااد الدور األول؛ إذ ال اختالف بني الدورين حىت يتصور اختالف بني أفاد ال حمالة ما أف: اخلط األول

األثرين فإن املؤثرات عادت كما بدأت، والنجوم واألفالك دارت على املركز األول وما اختلفت أبعادها واتصاالا ومناظراا ومناسباا بوجه؛ فيجب أن ال ختتلف املتأثرات الباديات منها بوجه؛ وهذا هو

كم هي من السنني؟ وأكثرهم على أا : وهلم اختالفات يف الدورة الكربى. األدوار واألكوارتناسخ وإمنا يعتربون يف تلك األدوار سري . ثالثون ألف سنة، وبعضهم على أا ثالمثائة ألف سنة وستني ألف سنة

ح، وأن الكواكب فيه إن الفلك مركب من املاء والنار والري: وعند اهلند أكثرهم. الثوابت ال السيارات .نارية هوائية؛ فلم تعدم املوجودات العلوية إال العنصر األرضي فحسب

Page 279: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 279

الباب الثاني

أصحاب الروحانيات

ومن أهل اهلند مجاعة أثبتوا متوسطات روحانية، يأتوم بالرسالة من عند اهللا يف صورة البشر من غري .م الشرائع، ويبني هلم احلدودكتاب؛ فيأمرهم بأشياء، وينهاهم عن أشياء، ويسن هل

.األكل، والشرب، والبعال: وإمنا يعرفون صدقه بترتهه عن حطام الدنيا واستغنائه عن

أن رسوهلم ملك روحاين نزل من السماء على صورة بشر، فأمرهم بتعظيم النار وأن : الباسنوية زعموالقتل والذبح إال ما كان للنار، وسن هلم إن يتقربوا إليها بالعطر والطيب واألدهان والذبائح، واهم عن ا

يتوشحوا خبيط يعقدونه من مناكبهم األيامن إىل حتت مشائلهم، واهم أيضا عن الكذب وشرب اخلمر؛ .وأن ال يأكلوا من أطعمة غري ملتهم وال من ذبائحهم، وأباح هلم الزنا لئال ينقطع النسل

ء والرقص، وأمرهم بتعظيم البقرة والسجود هلا حيث رأوها؛ وأمرهم أن يتخذوا باملعازف والتبخري والغنا .وأن يفزعوا يف التوبة إىل التمسح ا، وأمرهم أن ال جيوزوا ر كنك

أن رسوهلم ملك روحاين على صورة بشر وامسه باهود أتاهم وهو راكب على ثور، : الباهودية زعمواومتقلد من ذلك بقالدة، وبإحدى يديه قحف . على رأسه إكليل مكلل بعظام املوتى من عظام الرؤوس

.إنسان، وباألخرى مزراق ذو ثالث شعب

يأمرهم بعبادة اخلالق عز وجل وبعبادته معه، وأن يتخذوا على مثاله صنما يعبدونه، وأن ال يعافوا شيئا، عظام الناس وأن تكون األشياء كلها يف طريقة واحدة؛ ألا مجيعا صنع اخلالق عز وجل، وأن يتخذوا من

وحرم عليهم . قالئد يتقلدوا وأكاليل يضعوا على رؤوسهم، وأن ميسحوا أجسادهم ورؤوسهم بالرماد .الذبائح والنكاح، ومجع األموال، وأمرهم برفض الدنيا، وال معاش هلم فيها إال من الصدقة

بالرماد، على رأسه الكابلية زعموا أن رسوهلم ملك روحاين يقال له شب أتاهم يف صورة بشر متمسحقلنسوة من لبود أمحر طوهلا ثالثة أشبار، خميط عليها صفائح من قحف الناس، متقلد قالدة من أعظم ما

فأمرهم أن . وهو عريان... يكون، متمنطق من ذلك مبنطقة، متسور منها بسوار، متخلخل منها خبلخال .يتزينوا بزينة ويتزيوا بزيه، وسن هلم شرائع وحدودا

ادونية البه

إن ادون كان ملكا عظيما أتانا يف صورة إنسان عظيم، وكان له أخوان قتاله؛ وعمال من جلدته : قالوا. هذا رمز، وإال فحال إنسان ال تبلغ إىل هذه الدرجة: األرض، ومن عظامه اجلبال، ومن دمه البحار وقيل

ى وجهه، وقد قسم الشعر على جوانب وصورة ادون راكب على دابة، كثري شعر الرأس، قد أسبله عل

Page 280: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 280

وسن هلم أن . وأمرهم أن يفعلوا ذلك. وأسبله كذلك على نواحي الرأس قفا ووجها. رأسه قسمة مستويةال يشربوا اخلمر، وإذا رأوا امرأة هربوا منها، وأن حيجوا إىل جبل يدعى جور عن وعليه بيت عظيم فيه

املفتاح إال بأيديهم فال يدخلون إال بإذم، وإذا فتحوا الباب ولذلك البيت سدنة ال يكون . صورة ادونسدوا أفواههم حىت ال تصل أنفاسهم إىل الصنم؛ من حجهم مل يدخلوا العمران يف طريقهم، ومل ينظروا

.ومل يصلوا إىل أحد بسوء وضرر؛ من قول وفعل. إىل حمرم

الباب الثالث

عبدة الكواكب

ومذهبهم يف . الشمس، والقمر: ادة الكواكب إال فرقتان توجهتا إىل النريينومل ينقل للهند مذهب يف عب .ذلك مذهب الصابئة يف توجههم إىل اهلياكل السماوية دون قصر الربوبية واإلهلية عليها

أن الشمس ملك من املالئكة، وهلا نفس وعقل، ومنها نور الكواكب : الدينيكيتية زعموا: عبدة الشمسون املوجودات السفلية، وهي ملك الفلك؛ فتستحق التعظيم، والسجود، والتبخري، وضياء العامل وتك

عباد الشمس ومن سنتهم أن اختذوا هلا صنما على لون النار، : والدعاء؛ وهؤالء يسمون الدينتكيتية أين ثالث فيأتون البيت ويصلو. وله بيت خاص قد بنوه بامسه، ووقفوا عليه ضياعا وقريانا، وله سدنة وقوام

.كرات، ويأتيه أصحاب العلل واألمراض فيصومون له ويصلون ويدعون ويستشفون به

أن القمر ملك من املالئكة يستحق التعظيم والعبادة، وإليه تدبري هذا : اجلندريكينية زعموا: عبدة القمر، وبزيادته ونقصانه العامل السفلي واألمور اجلزئية فيه، ومنه نضج األشياء املتكونة وإيصاهلا إىل كماهلا

تعرف األزمان والساعات، وهو تلو الشمس وقرينها ومنها نوره وبالنظر إليها تكون زيادته ونقصانه؛ ومن سنتهم أن اخذوا له صنما على شكل عجل جيره . عباد القمر: وهؤالء يسمون اجلندريكينية أي

يصوموا النصف من كل شهر وال ومن دينهم أن يسجدوا له ويعبدوه، وأن. أربعة، وبيد الصنم جوهريفطروا حىت يطلع القمر، مث يأتون صنمه بالطعام والشراب واللنب مث يرغبون إليه، وينظرون إىل القمر،

ويسألونه حوائجهم، فإذا استهل الشهر علوا السطوح وأوقدوا الدخن ودعوا عند رؤيته ورغبوا إليه، مث ويف . ح والسرور، ومل ينظروا غليه إال على وجوه حسنةنزلوا عن السطوح إىل الطعام والشراب والفر

.نصف الشهر إذا فرغوا من اإلفطار اخذوا يف الرقص واللعب باملعازف بني يدي الصنم والقمر

الباب الرابع

عبدة األصنام

Page 281: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 281

اعلم أن األصناف اليت ذكرناها مذاهبهم يرجعون آخر األمر إىل عبادة األصنام؛ إذ كان ال يستمر هلم ينظرون إليه، ويعكفون عليه؛ وعن هذا اختذت أصحاب الروحانيات : ريقة إال بشخص حاضرط

وضع األصنام حيث ما قدروه إمنا هو على معبو : وباجلملة. والكواكب أصناما زعموا أا على صوراأن : علم قطعاغائب حىت يكون الصنم املعمول على صورته وشكله وهيأته نائبا منابه وقائما مقامه؛ وإال فن

عاقال ما ال ينحت جسما بيده ويصوره صورة، مث يعتقد أنه إهله وخالقه، وإله الكل وخالق الكل؛ إذ كان .وجوده مسبوقا بوجود صانعه، وشكله حيدث بصنعة ناحته

لكن القوم ملا عكفوا على التوجه إليها، وربطوا حوائجهم ا من غري إذن وحجة وبرهان وسلطان من اهللا

ما : وعن هذا كانوا يقولون. كان عكوفهم ذلك عبادة، وطلبهم احلوائج منها إثبات إهلية هلا... تعاىلنعبدهم إال ليقربونا إىل اهللا زلفى؛ فلو كانوا مقتصرين على صورها يف اعتقاد الربوبية واإلهلية ملا تعدوا

.عنها إىل رب األرباب

املها كالية

ربع أيد، كثري شعر الرأس سبطها؛ وبإحدى يديه ثعبان عظيم فاغر فاه، هلم صنم يدعى مها كال له أوباألخرى عصا، وبالثالثة رأس إنسان، وباليد الرابعة قد دفعها؛ ويف أذنيه حيتان كالقرطني، وعلى جسده

أنه : يزعمون. ثعبانان عظيمان قد التفا عليه، وعلى رأسه إكليل من عظام القحف، وعليه من ذلك قالدةيت يستحق العبادة لعظمة قدره، واستجماعه اخلصال احملمودة احملبوبة واملذمومة من اإلعطاء، واملنع، عفر

.واإلحسان، واإلساءة؛ وأنه املفزع هلم يف حاجام

وهلم . يسجدون له، ويطوفون به: وله بيوت عظام بأرض اهلند ينتاا أهل ملته يف كل يوم ثالث مراتنم عظيم على صورة هذا الصنم؛ يأتونه من كل موضع، ويسجدون له هناك، موضع يقال له اختر فيه ص

ومنهم من يأتيه . زوجين فالنه، وأعطين كذا: حىت إن الرجل يقول له فيما يسأل. ويطلبون حاجات الدنيا .يتضرع إليه، ويسأله احلاجة؛ حىت إنه رمبا ينفق: فيقيم عنده األيام والليايل وال يذوق شيئا

.ية من سنتهم أن يتخذوا ألنفسهم صنما يعبدونه، ويقربون له اهلداياالربكسهيك

أن ينظروا إىل باسق الشجر وملتفه، مثل الشجر الذي يكون يف اجلبال فيلتمسون : وموضع متعبدهم لهمث يأخذون ذلك الصنم، فيأتون شجرة . منها أحسنها وأطوهلا، فيجعلون ذلك املوضع موضع متعبدهم

لشجر فينقبون فيها موضعا، فريكبونه فيها؛ فيكون سجودهم وطوافهم حنو تلك عظيمة من ذلك ا .الشجرة

وهلم عيد يف . أن يتخذوا صنما على صورة امرأة، وفوق رأسه تاج، وله أيد كثرية: الدهكينية من سننهمم عريشا يوم من أيام السنة، عند استواء الليل والنهار ودخول الشمس امليزان؛ فيتخذون يف ذلك اليو

Page 282: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 282

عظيما بني يدي ذلك الصنم، ويقربون إليه القرابني من الغنم وغريها، وال يذحبوا، ولكن يضربون ويقتلون من أصابوا من الناس قربانا بالغيلة حىت ينقضي عيدهم، وهم مسيئون . أعناقها بني يديه بالسيوف

.عند عامة اهلند بسبب الغيلة

أن املاء ملك ومعه مالئكة، وأنه أصل كل شيء، وبه كل والدة ومنو، أي عباد املاء يزعمون : اجللهكية .وما من عمل يف الدنيا إال وهو حمتاج إىل املاء... ونشوء، ويقاء، وطهارة، وعمارة

فإذا أراد الرجل عبادته جترد وستر عورته مث دخل املاء إىل وسطه، فيقيم ساعة أو ساعتني أو أكثر، ويأخذ وإذا أراد االنصراف . ني فيقطعها صغارا ويلقي فيه بعضها بعد بعض وهو يسبح ويقرأما أمكنه من الرياح

.مث سجد وانصرف... خارجا... رأسه، ووجهه، وسائر جسده: حرك املاء بيده، مث أخذ منه فنقط به

، أن النار أعظم العناصر جرما، وأوسعها حيزا، وأعالها مكانا: أي عباد النار زعموا: األكنواطريةواالحتياج إليها أكثر من االحتياج إىل . وأشرفها جوهرا، وأنورها ضياء وإشراقا، وألطفها جسما وكيانا

.إال مبمازجتها: سائر الطبائع، وال كون يف العامل إال ا، وال حياة، وال منو، وال انعقاد

فيه، مث ال يدعون طعاما لذيذا، وال وغنما عبادم هلا أن حيفروا أخدودا مربعا يف األرض، ويؤججو النار إال طرحوه فيها؛ تقربا إليها، وتربكا ... شرابا لطيفا، وال ثوبا فاخرا، وال عطرا فائحا، وال جوهرا نفيسا

وعلى هذا . وحرموا إلقاء النفوس فيها، وإحراق األبدان ا؛ خالفا جلماعة أخرى من زهاد اهلند. ا .يعظمون النار جلوهرها تعظيما بالغا، ويقدموا على املوجودات كلها: اهلند وعطائهااملذهب أكثر ملوك

ومنهم زهاد وعباد جيلسون حول النار صائمني يسدون منافسهم؛ حىت ال يصل إليها من أنفاسهم نفس .صدر عن صدر حمروم

سد، واحلقد، واللجاج، احلث على األخالق احلسنة، واملنع من أضدادها؛ وهي الكذب، واحل: وسنتهم .والبغي، واحلرص، والبطر؛ فإذا جترد اإلنسان عنها قرب من النار، وتقرب إليها

الباب الخامس

حكماء الهند

كان لفيثاغورس احلكيم اليوناين تلميذ يدعى قالنوس قد تلقى احلكمة منه، : انتقال احلكمة إىل اهلند .، وأشاع فيها مذهب فيثاغورسوتلمذ له، مث صار إىل مدينة من مدائن اهلند

انتشار حكمة فيثاغورس يف اهلند

قد أخذ من . وكان برمخنني رجال جيد الذهن، نافذ البصرية، صائب الفكر، راغبا يف معرفة العوامل العلوية

Page 283: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 283

فلما تويف قالنوس ترأس برمخنني على اهلند كلهم، . قالنوس احلكيم حكمته، واستفاد منه علمه وصنعتهأي امرئ هذب نفسه، وأسرع اخلروج : الناس يف تلطيف األبدان، وتذهيب األنفس، وكان يقولفرغب

ظهر له كل شىء، وعاين كل غائب، وقدر على كل . ،.عن هذا العامل الدنس، وطهر بدنه من أوساخهما ج هلم فل. متعذر، وكان حمبورا، مسرورا، ملتذا، عاشقا، ال ميل وال يكل ، وال ميسه نصب وال لغوب

إن ترك لذات هذا : وكان يقول أيضا. اجتهدوا اجتهادا شديدا: الطريق، واحتج عليهم باحلجج املقنعة. العامل هو الذي يلحقكم بذلك العامل حىت تتصلوا به، وتنخرطوا يف سلكه، وختلدوا يف لذاته ونعيمه

.فدرس أهل اهلند هذا القول ورسخ يف عقوهلم

عد برمخينن مث تويف عنهم برمخنني وقد جتسم القول يف عقوهلم؛ لشدة احلرص والعجلة افتراق أهل اهلند بإن التناسل يف هذا العامل هو اخلطأ الذي ال خطأ : فرقة قالت: فافترقوا فرقتني.. يف اللحاق بذلك العامل،

ي إليه من الطعام أبني منه؛ إذ هو نتيجة اللذة اجلسدانية، ومثرة النطفة الشهوانية؛ فهو حرام، وما يؤدفهو حرام ... اللذيذ، والشراب الصايف، وكل ما يهيج الشهوة واللذة احليوانية، وينشط القوة البهيمية

ومنهم من كان ال يرى ذلك القليل أيضا؛ . أيضا؛ فاكتفوا بالقليل من الغذاء على قدر ما تثبت به أبدامرأى عمره قد تنفس ألقى بنفسه يف النار؛ تزكية لنفسه، ومنهم من إذا . ليكون حلاقه بالعامل األعلى أسرعومنهم من جيمع مالذ الدنيا من الطعام والشراب والكسوة فيمثلها . وتطهريا لبدنه، وختليصا لروحه

نصب عينيه؛ لكي يراها البصر وتتحرك نفسه البهيمية إليها فتشتاقها وتشتهيها، فيمنع نفسه عنها بقوة . حىت يذبل البدن، وتضعف النفس، وتفارق البدن؛ لضعف الرباط الذي كان يربطها به... النفس املنطقية

وسائر اللذات بالقدر الذي هو ... التناسل، والطعام، والشراب: وأما الفريق اآلخر؛ فإم كانوا يرون .من يتعدى عن الطريق، ويطلب الزيادة: وقليل منهم. حالال: طريق احلق

كان قوم من الفريقني سلكوا مذهب فيثاغورس من احلكمة والعلم، فتلطفوا حىت الفيثاغوريون اهلنود وصاروا يظهرون على ما يف أنفس أصحام من اخلري والشر، وخيربون بذلك، فيزيدهم ذلك حرصا على

أنه : ومذهبهم يف الباري تعاىل. رياضة الفكر، وقهر النفس األمارة بالسوء، واللحوق مبا حلق به أصحاميستمر به لئال يراه إال من استأهل رؤيته واستحقها، كالذي يلبس يف : ور حمض، إال أنه البس جسدا مان

. هذا العامل جلد حيوان؛ فإذا خلعه نظر إليه من وقع بصره عليه، وإذا مل يلبسه مل يقدر أحد من النظر إليه

ة حىت منعها عن مالذها فهو الناجي أم كالسبايا يف هذا العامل؛ فإن من حارب النفس الشهوي: ويزعمونوالذي يريد أن حيارب هذا أمجع فإمنا يقدر . من دنيات العامل السفلى، ومن مل مينعها بقي أسريا يف بدا

.على حماربتها بنفي التجرب، والعجب، وتسكني الشهوة، واحلرص، والبعد عما يدل عليها ويوصل إليها

سكندر إىل تلك الديار وأراد حماربتهم، صعب عليه افتتاح مدينة اإلسكندر وحكماء اهلند وملا وصل اإل

Page 284: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 284

أحد الفريقني وهم اللذين كانوا يرون استعمال اللذات يف هذا العامل بقدر القصد الذي ال خيرج إىل فساد البدن فجهد حىت افتتحها، وقتل منهم مجاعة من أهل احلكمة، فكانوا يرون جثث قتالهم مطروحة كأا

ك الصافية النقية اليت يف املاء الصايف؛ فلما رأوا ذلك ندموا على فعلهم ذلك م، وأمسكوا جثث السمأن ال خري يف اختاذ النساء والرغبة يف النسل وال يف شئ من : والفريق الثاين وهم الذين زعموا. عن الباقني

مالبسة العلم، وتعظيم كتبوا إىل اإلسكندر كتابا مدحوه فيه على حب احلكمة و-الشهوات اجلسدانيةأهل الرأي والعقل، والتمسوا منه حكيما يناظرهم، فنفذ إليهم واحدا من احلكماء فنضلوه بالنظر،

إذا كانت : فقالوا. وفضلوه بالعمل؛ فانصرف اإلسكندر عنهم، ووصلهم جبوائز سنية، وهداية كرميةسناها على ما جيب لباسها، واتصلت بنا غاية احلكمة تفعل بامللوك هذا الفعل يف هذا العامل، فكيف إذا لب

.ومناظرام مذكورة يف كتب أرسطوطاليس! االتصال؟

سجودهم للشمس، ودعاؤهم عند شروقها

ما أحسنك من نور، وما أاك، وما : إذا نظروا إىل الشمس قد أشرقت سجدوا هلا، وقالوا: ومن سنتهمفإن كنت أنت النور األول الذي ال نور فوقك فلك اد . كأنورك، ال تقدر األبصار أن تلتذ بالنظر إلي

وإن كان . وإياك نطلب، وإليك نسعى؛ لندرك السكن بقربك، وننظر إىل إبداعك األعلى. والتسبيحفوقك وأعلى منك نور آخر أنت معلول له، فهذا التسبيح وهذا اد له؛ وإمنا سعينا وتركنا مجيع لذات

وإذا كان املعلول ذا البهاء واجلالل؛ فكيف . ، ونلحق بعاملك، ونتصل بساكنكهذا العامل؛ لنصري مثلكفحق لكل طالب أن يهجر مجيع اللذات؛ فيظفر باجلوار !. يكون اء العلة، وجالهلا، وجمدها، وكماهلا؟

.بقربه، ويدخل يف غمار جنده وحزبه

قلته على ما وجدته؛ فمن صادف فيه رجاء، ودعاء هذا ما وجدته من مقاالت أهل العامل، ون: اخلتام بفضله حاله ، وسدد أقواله وأفعاله، وهو حسبنا ونعم -أصلح اهللا عز وجل: خلال يف النقل فأصلحه

.الوكيل

حممد املصطفى، وآله الطيبني الطاهرين، وصحابته : وصلواته على سيد املرسلني. واحلمد هللا رب العاملني .األكرمني، وسلم تسليما كثريا

Page 285: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 285

الفهرس

2......................................................................................القسم األول

2............................أرباب الديانات وامللل من املسلمني وأهل الكتاب وممن له شبهة كتاب

3...................................................................................اجلزء األول

3......................................................................................املسلمون

5...............................................................................الباب األول

5....................................................................................املعتزلة

23.............................................................................الباب الثاين

23..................................................................................اجلربية

26............................................................................الباب الثالث

26.................................................................................الصفاتية

39.............................................................................الباب الرابع

39.................................................................................اخلوارج

51...........................................................................الباب اخلامس

51..................................................................................املرجئة

55..........................................................................الباب السادس

55..................................................................................الشيعة

84............................................................................الباب السابع

84.............................................................................أهل الفروع

90..................................................................................اجلزء الثاين

90................................................................................أهل الكتاب

92.............................................................................الباب األول

92............................................................................اليهود خاصة

98.............................................................................الباب الثاين

98................................................................................النصارى

Page 286: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 286

103................................................................................اجلزء الثالث

103.........................................................................من له شبهة كتاب

105............................................................................الباب األول

105.................................................................................اوس

112............................................................................الباب الثاين

112..................................................................................الثنوية

119....................................................................................القسم الثاين

119............................................................................أهل األهواء والنحل

120................................................................................اجلزء األول

120.....................................................................................الصابئة

120............................................................................الباب األول

120...................................................................أصحاب الروحانيات

146............................................................................الباب الثاين

146...........................................................أصحاب اهلياكل واألشخاص

150...........................................................................الباب الثالث

150................................................................................احلرنانية

151.................................................................................اجلزء الثاين

151...................................................................................الفالسفة

153............................................................................الباب األول

153.........................................................................احلكماء السبعة

174............................................................................الباب الثاين

174.......................................................................احلكماء األصول

189...........................................................................الباب الثالث

189.................................................................متأخر وحكماء اليونان

215............................................................................الباب الرابع

215..........................................................املتأخرون من فالسفة اإلسالم

263................................................................................اجلزء الثالث

Page 287: al milal wl nhl

الشهرستاين-لنحلامللل وا 287

263.....................................................................آراء العرب يف اجلاهلية

265............................................................................الباب األول

265..........................................................................معطلة العرب

267............................................................................الباب الثاين

267.............................................................احملصلة من العرب علومهم

275................................................................................اجلزء الرابع

275...................................................................................آراء اهلند

275............................................................................الباب األول

275.................................................................................الربامهة

279............................................................................الباب الثاين

279...................................................................أصحاب الروحانيات

280...........................................................................الباب الثالث

280........................................................................عبدة الكواكب

280............................................................................الباب الرابع

280...........................................................................عبدة األصنام

282..........................................................................الباب اخلامس

282...........................................................................حكماء اهلند

285........................................................................................الفهرس

To PDF: www.al-mostafa.com