الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية

وزارة التعليـم العالـي والبحث العلمـــي

جامعة الجزائر

كلية اآلداب واللغـــــات

قسم اللغة العربية وآدابـــها

البنية الموضوعاتية ي عوالم نجمة لكاتب ياسينف

أطروحة دكتوراه دولة في األدب العربي

:إعداد الطالب

محمد السعيد عبدلي

م2003هـ ـ 1424

الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وزارة التعليـم العالـي والبحث العلمـــي

جامعة الجزائر كلية اآلداب واللغـــــات

قسم اللغة العربية وآدابـــها

البنية الموضوعاتية

في عوالم نجمة لكاتب ياسين

أطروحة دكتوراه دولة في األدب العربي الدكتور : تحت إشراف: إعداد الطالب

محمد السعيد عبدلي أحمد منور

:لجنة المناقشة ـــــــــــــــــ رئيسا : الدكتور

ـــــــــــــــــ مقرر: الدكتور

ا ـــــــــــــــــ عضوا: الدكتور

ـــــــــــــــــ عضوا: الدكتور

ـــــــــــــــــ عضوا: الدكتور

ـــــــــــــــــ عضوا: الدكتور

م2003هـ ـ 1424

1

بســــم اهللا الرحمـن الرحيـم

مقدمة

تعود بداية اكتشافي الحقيقي ألدب كاتب ياسين وإعجابي به إلى منتصف

لما قرأت له رواية نجمة التي نشرت بالجزائر في هذه , ثمانينيات القرن الماضي

:ةوأستطيع إرجاع ذلك اإلعجاب إلى األسباب اآلتي. المرحلة مترجمة إلى اللغة العربية

بعد عدة قراءات من ت بها هذه الرواية حين تمكنيالمتعة الفنية الفريدة التي أمدتنـ 1

.بناء تصور واضح عن فضاءاتها وشخصياتها وأحداثها

سواء تعلق األمر باألحداث , عالم هذه الرواية عالما يحاصره االغترابيبدا ل ـ 2

خمسةفعال شخصيات الرواية ال أهاالتي تجسد التي تجري في الزمن السردي للرواية،

؛ أم عبر الماضي القريب ونجمة, ومراد, واالخضر, ومصطفى, رشيد :بالخصوص

أم بالزمن التاريخي القريب بذلك جيل اآلباء؛المتصل بعائالت هذه الشخصيات، ونعني

البعيد بداية من عهد هاستعمار الفرنسي، أم بتاريخالمتعلق بوضع الجزائر منذ اال

ن كل تلك األحداث عالكاهنة وسقوط األندلس، والعواقب السلبية المترتبة يوغرطة و

.ه ومستقبلهرعلى الوطن بماضيه وحاض

ن كل ما قرأناه من األدب الروائي متميز البنية السردية لهذه الرواية ـ 3

عتمادها على تقنية اذلك تعدد األصوات السردية في الرواية، و وأهم .الجزائري

على الدائرية في تعاقب قيام هذه البنية الفنية ياغة الحدث الواحد، والتواتر في ص

.األحداث وترتيبها

ا جعلني أختار هذه الرواية في بداية التسعينيات لتكون موضوع هذه الرسالة كل هذ

فكانت لذلك تسير في , "رواية نجمة وموضوع االغتراب"التي كانت تحمل عنوان

التي تولدت منها " الموضوعاتية"وليس في " االغتراب"بدايتها نحو البحث في موضوع

وأثناء تقدمي في البحث خطوات أخذت أكتشف شيئا فشيئا المنهج . أعمال كاتب ياسين

وكان كتاب حميد . الموضوعاتي الذي لم تكن لدي عنه في البداية أية فكرة واضحة

تاب عبد الكريم وك" النقد الموضوعاتي"وكتاب سعيد علوش " سحر الموضوع"لحمداني

هي الكتب التي أخذت منها " دراسة في شعر السياب: الموضوعية البنيوية"حسن

2

ولكن تلك المعلومات لم تكن كافية إلقامة , معلوماتي األولى عن المنهج الموضوعاتي

بل هي في بعض األحيان تدفع الباحث لالنصراف عن هذا المنهج , البحث على أساسها

. وض الذي عرضته بهوالزهد فيه بسبب الغم

ومما يكشف عن عدم إلمامها الجيد بما يتعلق بهذا المنهج تركيزها على جان بيار

ريشار ونسبها كل الفضل إليه في تطويره برغم طابع العمومية الذي تتصف به آراؤه

ولكن. النقدية وعدم تحديده لإلجراءات النقدية التي كان يستعملها في أعماله التطبيقية

وهو يكمن على األقل في قائمة المراجع التي , لهذه الكتب برغم ذلك فضل ال ينكر

وبالخصوص ما ذكرته , كانت تحيل القارئ عليها مما جعلني أعود إلى مجموعة منها

وعند اطالعي على أعمال . من كتب جورج بولي وجان بيار ريشار وجان بول ويبر

وغيرهم وقفت على حقيقة المنهج هؤالء ـ وبالخصوص أعمال جان بول وبير ـ

الموضوعاتي وتعرفت على قدراته الكبيرة على اكتشاف أدبية النص والتعرف على

.عبقرية المؤلف

أمام هذا الواقع الجديد وجدنا من الضروري والمفيد تغيير موضوع هذه الرسالة

ياسين وتوسيعه ليشمل التعريف بالمنهج الموضوعاتي ودراسة جميع أعمال كاتب

وهذا حتى نعمق فهم القارئ العربي بالخصوص بهذا المنهج , دراسة موضوعاتية

ونتمكن من االستفادة من إمكانات هذا المنهج الكبيرة والفعالة , ونصحح تصوره له

وبعد . الكتشاف جمالية أعمال كاتب ياسين ونتعرف على عبقريته الفنية المتميزة

البنية "ا األمر معه أصبحت الرسالة تحمل عنوان استشارة األستاذ المشرف ومناقشة هذ

ومن هنا رأينا ضرورة تخصيص جزء ". الموضوعاتية في عوالم نجمة لكاتب ياسين

. وهو الجزء الذي تضمنه الباب األول, من البحث للجانب النظري لشرح هذا المنهج

لباب شمل ا, بابين وخمسة فصول هكذا جاء موضوع هذه الرسالة مقسما إلى

وشمل الباب الثاني الموسوم , فصلين نظريين" المنهج الموضوعاتي"األول الموسوم بـ

. ثالثة فصول تطبيقية" البنية الموضوعاتية"بـ

بتحديد " بين الموضوع والموضوعاتية" قمنا في الفصل األول الذي يحمل عنوان

ثم كشفنا عن , افأبرزنا اختالفهم, مصطلحي الموضوع والموضوعاتية بالخصوص

3

وبعد ذلك تحدثنا عن أهم الجهود التي . عالقة المنهج الموضوعاتي بالفلسفة الظاهراتية

. وجان بيار ريشار من أجل تطويره, جورج بولي: بذلها ناقدان من نقاده وهما

" المنهج الموضوعاتي ومجال اشتغاله" وفي الفصل الثاني الذي يحمل عنوان

بحث في هذا المنهج فحددنا إجراءاته عند جان بول ويبر من خالل الوقوف عند عمقنا ال

ومن خالل تتبعنا لهذه اإلجراءات , دراسته التطبيقية ألعمال األديب الفرنسي استاندال

وبعد ذلك حاولنا ". ميادين الموضوعاتية"وبالخصوص في كتابه , في مؤلفاته األخرى

لكونه المنطلق العام " التأويل"فتحدثنا عن , ذا المنهجاإلحاطة بالمجال الذي يعمل فيه ه

بصفتها محطة هامة في النص األدبي " العنونة"ثم تحدثنا عن , لصناعة القراءة األدبية

وبعد هذا . يمكن للدراسة الموضوعاتية أن تستغلها الكتشاف موضوعاتية النص

نا عن رفض هذا المنهج وفي األخير تحدث, أوضحنا عالقة هذا المنهج بالتحليل النفسي

فعمله , ادعاء القدرة على اكتشاف أدبية النصوص دون غيره من مناهج النقد األدبي

نسبي ولذا فهو ال يلغيها وإنما يقف إلى جانبها لتقديم إسهاماته الخاصة وفق نظرة

. متميزة

فقد " عناصر الموضوعاتية" أما الفصل األول من الباب الثاني الذي يحمل عنوان

وهذه الموضوعاتية هي , حددنا فيه الموضوعاتية التي تولدت منها أعمال كاتب ياسين

وقد تطلب منا الوصول إلى تحديد هذه . التي وردت في رواية نجمة" جريمة الناظور"

فتبين لنا أنها , الموضوعاتية القيام بالبحث عن عالقة الكاتب باألدب العربي القديم

. عالقة قوية

, "البنية الموضوعاتية في رواية نجمة"جاء الفصل الثاني من هذا الباب بعنوان و

وتتبعنا فيه مختلف مستويات التعديالت الموضوعاتية التي كونت العالم الفني لهذه

مما , وقد توصلنا إلى تحديد مجموعة كبيرة من التعديالت في هذه الرواية. الرواية

.جعل هذا الفصل يستقل بدراستها

" البنية الموضوعاتية في عوالم نجمة" وقمنا في الفصل الثالث الذي يحمل عنوان

" العقاب"وقصيدة " دائرة االنتقام"مجموعة مسرحيات : وهي, بدراسة بقية أعمال الكاتب

وأخيرا , "الرجل ذو النعل المطاطي"و, "المضلع النجمي"ثم , التي وردت ضمنه

.نا في هذا الترتيب على تسلسل تواريخ نشر هذه األعمالوقد اعتمد". األعمال المتفرقة"

4

وفي خاتمة هذه الدراسة قمنا بحصر أهم النتائج التي توصلنا إليها خالل

فوجدناها تتجمع في خمس نقاط تبين تسلسل عناصر البحث وارتباطها , مسيرتها

طلحات التي وفي النهاية حاولنا وضع فهرس للمص. بالهدف الذي سعينا إلى تحقيقه

. ثم قائمة بالمصادر والمراجع التي استعنا بها إلعدادها, وردت في الدراسة

وقد ذكرنا قبل اآلن أننا تتبعنا في هذه الدراسة المنهج الموضوعاتي الكتشاف

أدبية أعمال كاتب ياسين وعبقريته المتميزة القتناعنا بإمكانات هذا المنهج الكبيرة

تقوم ثقتنا في المنهج الموضوعاتي لدراسة النص األدبي واكتشاف عبقرية و. والفعالة

مؤلفه على اإلنجازات النقدية التطبيقية الكثيرة والمتنوعة والدقيقة والممتعة في الوقت

منهم , فهي كثيرة بالنظر إلى الكم الهائل من الدراسات النقدية التي أنجزها رواده. نفسه

فكتب . وجان بول ويبر, جان بيار ريشار, جورج بولي, غاستون باشالر, بالخصوص

, 1938 في عام "التحليل النفسي للنار: "منها, باشالر مثال ال تقل عن سبعة كتب

وقد ترجمت . 1961في عام " شاعرية أحالم اليقظة", 1957في عام " شاعرية الفضاء"

: منها, ة كتبفال تقل عن ست, أما كتب جورج بولي. أغلب كتبه إلى اللغة العربية

. 1980في عام " الفضاء البروستي"و, 1949في عام " دراسات حول الزمن اإلنساني"

في عام " األدب واإلحساس: "منها, فال يقل عددها عن عشرة, أما كتب جان بيار ريشار

وهو في " صفحات ومشاهد"و, 1961في عام " عالم ماالرمي التخيلي", 1954

.1984في عام ,جزئين

القصة : ا عن تنوع هذه الكتب فيتمثل في توزعها على مختلف األجناس األدبية أم

الجهود المبذولة , يضاف إلى هذا التراكم النقدي في مجال التطبيق. والرواية والشعر

كما يتمثل هذا . تحقيقا للدقة والفعالية, وتطوير إجراءاته, في مجال التنظير لهذا المنهج

ار الفكري أو الفلسفي العام الذي يوجه هؤالء الدارسين من التنوع أيضا في تعدد اإلط

. النقاد الموضوعاتيين إلنجاز بحوثهم

وريشار وبولي على الفلسفة الظاهراتية التي , فبينما يتأسس النقد عند باشالر

فإن دراسات جان بول ويبر قد استفادت , HUSSERL .E يتزعمها إدموند هوسرل

كما اهتمت اهتماما واضحا , ون حول الزمن ووحدة الكونمن أفكار هنري برغس

.بطفولة الكاتب باعتبارها المرحلة التي تكونت فيها العناصر األساسية للموضوعاتية

5

يمكن , "نواة" أما الدقة التي نعنيها فتتمثل في انطالق الدراسات الموضوعاتية من

أو من أي , عنصر محدد منهاأو من, أن تكون مشهدا مركبا من عدة صور أو أحداث

فتعمل الدراسة على الكشف عن . عنصر آخر من العناصر التي تكون عالم النص

وتقوم بعد ذلك , العناصر الخفية لتلك النواة التي تمثل موضوعاتية النص وتحديدها

وهو عمل يتطلب جهدا . بتتبع تحوالت هذه الموضوعاتية أو تعديالتها عبر كامل النص

.ة متناهية وصبرا متواصالكبيرا ودق

فهي ليست سوى المتعة الناتجة عن القراءة أو الدراسة لما تتوصل , وأما المتعة

لما تتمكن من , إلى اكتشاف دقة النظام الذي يقوم عليه عالم النص؛ وبتعبير آخر

) Gérard Genette" (جيرار جونات"وربما هذا كله ما جعل . اكتشاف أدبية النص

ال : (( فيقول, ويعتبر نفسه ثمرة من ثمراته الطيبة, ى المنهج الموضوعاتييثني عل

شيء في الحقل األدبي تعلمت منه أكثر مما تعلمت من الدراسات التي أنجزها النقد

وهو تطوير قد يبدو اآلن قد , وانطالقا منها رحت أبحث عن تطوير النقد, الموضوعاتي

ائما أن النقد الموضوعاتي هو الذي علمنا كيف لكن يبقى د, أدار ظهره لنقطة انطالقه

لكننا لم نكن نقرأ النصوص قراءة , ألننا قبله كنا ربما ننجز أشياء مهمة, نقرأ

)1(.))حقيقية

وبرغم أهمية اإلمكانات التي يوفرها المنهج الموضوعاتي لدراسة النص األدبي

قد األدبي في البالد العربية لم يلتفت واستكشاف بنياته الجمالية ودالالته الفكرية فإن الن

:إلى أمرين, ويعود سبب هذا الوضع في نظرنا, إليه بالشكل الصحيح وبالقدر الكافي

الكالسيكية في البالد )2("الموضوعية" األمر األول هو تجذر الممارسات النقدية

ال العربية منذ عشرات السنين؛ حيث حضرت في تلك الدراسات مضامين األعم

التي وحدها تميز النص األدبي من بقية النصوص العلمية , وغابت منها أدبيتها, األدبية

.والمعرفية بشكل عام, بشكل خاص

1-Gérard Genette «discussion» in. « Les chemins actuels de la critique». Ouvrage collectif, Serisy-La Salle. Paris 1968 , P.210.

انظر الفصل األول من هذه . ا من الموضوع؛ ولها داللة تختلف عن داللة الموضوعاتية الموضوعية هن 2-

.الدراسة

6

وبالدراسات , فهو الجهل الذي يكاد أن يكون تاما بهذا المنهج, أما األمر الثاني

والفلسفية بشكل عام أو وفق توجهاته الفكرية, التطبيقية التي تم إنجازها وفق إجراءاته

التي تم في البلدان الغربية؛ وذلك بسبب غياب ترجمة نماذج من األعمال النقدية

برغم أن كتاب , إنجازها وفق إجراءات هذا المنهج أو وفق توجهاته الفكرية العامة

إلى اللغة العربية منذ عدة " غالب هلسا" لغاستون باشالر قد نقله "جماليات الفضاء"

كانت طبعته الخامسة , وأعيد طبعه عدة مرات, "جماليات المكان" عنوان سنوات تحت

.في سنة ألفين

وقد يعود سبب عدم توظيف ما جاء في هذا الكتاب المهم توظيفا سليما وفعاال في

البالد العربية إلى كونه ال يحمل أية إشارة إلى عالقة محتواه بالمنهج الموضوعاتي؛ ال

مما رسخ في األذهان أن الكتاب هو دراسة . وال في متنه الرئيسي, ثفي مقدماته الثال

.ألنواع المكان وتفاصيله

الذي يصرح في المقدمة الثالثة , مترجمه نفسه, ولعل أول من وقع في هذا الفهم

, ويثير هذا الكتاب: (( بقوله" إتيان غالسون"التي وضعها للكتاب بعد مقدمتي المؤلف و

ثم يعطي )3(.))فكرة دراسة جماليات المكان العربي, ر عندي على األقلأو هو قد أثا

.وهو دراسة األطالل في الشعر العربي, مثاال يأمل أن يجسد به هذه الفكرة

والتي , وهو أن كتب باشالر الكثيرة, ولعل سببا آخر يضاف إلى هذه األسباب

في إطار الفلسفة الظاهراتية التي لم يتم تناولها, ترجم عدد منها إلى اللغة العربية

وهي الفلسفة التي اتخذ باشالر منها قاعدة لتفكيره وممارساته . تزعمها إدموند هوسرل

النقدية التي مهد بها الطريق لتأسيس المنهج الموضوعاتي وتطويره على أيدي جان

.بيار ريشار وجان بول ويبر بالخصوص

تتأخر في البالد , المنهج وبخصوصياته إن هذه األسباب جعلت الوعي بهذا

حيث بدأت محاوالت التعرف عليه وفهم , العربية إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي

, الطبعة الخامسة, ترجمة غالب هلسا, »جماليات المكان«مقدمة ضمن كتاب غاستون باشالر , غالب هلسا- 3

.08 ص,2000 بيروت, المؤسسة الجامعية

7

وقد تمكن كل من سعيد علوش . توجهاته وإجراءاته تظهر في سوريا وفي المغرب

النقد "وحميد لحمداني من حصر جملة منها والتعريف بها؛ األول في كتابه

".سحر الموضوع"والثاني في كتابه , "تيالموضوعا

: الموضوعية البنيوية" وهكذا نجد في الكتابين تناوال لكتاب عبد الكريم حسن

وهذا الكتاب في األصل رسالة دكتوراه تمت مناقشتها بفرنسا ". دراسة في شعر السياب

ير أعدتها وتناوال الكتابان أيضا رسالة ماجست. 1983 ونشرت في عام 1980في عام

؛ وكذا رسالة ماجستير "القلق في قصص جي دي موبسان"وهي بعنوان , "كيتي سالم"

موضوعاتية القدر في روايات "تحمل عنوان " عبد الفتاح كيليطو"أخرى أعدها

".مورياك

اشتمل كتاب سعيد علوش على جملة من النصوص المترجمة , زيادة إلى هذا

مع . وبالخصوص منهم جان بيار ريشار, في نظره, لبعض النقاد الموضوعاتيين

اإلشارة إلى أن تلك الترجمات لم تتم بكيفية تمكن القارئ من اإلمساك بمقاصد

مما سييسر ـ لو توفر ذلك ـ االستفادة منها بالقدر الذي كانت تصبو إلى , أصحابها

.تحقيقه مجهودات المترجم بطبيعة الحال

األول لعبد الكريم حسن : صدور ثالثة كتب أخرى, نضيف إلى هذين الكتابين

, وتضمن مادة متنوعة وغنية, 1988وقد صدر في عام ". المنهج الموضوعاتي"بعنوان

إذ قدم فيه , تعتبر بحق مرجعا مهما لكل قارئ بالعربية يهتم بالمنهج الموضوعاتي

ا باشالر والنقاد واستقى منه, صورة عن منابع الفلسفة الظاهراتية التي تزعمها هوسرل

ثم أتبع المؤلف ذلك بنصوص كثيرة . الموضوعاتيون عموما أصول هذا المنهج

أبرز فيها مفاهيم المنهج وتوجهاته حسب ما استقرت عند , توزعت على فصول الكتاب

وفي اللقاءات العلمية , جان بيار ريشار وأعلن عنها في إصداراته النقدية العديدة

. والمحاضرات والحوارات الصحفية واإلذاعيةمنها الندوات, المختلفة

فقد ضمن عبد الكريم حسن كتابه نماذج من النصوص , إلى جانب كل هذا

التطبيقية لجان بيار ريشار؛ فجاء الكتاب بفضل ذلك عبارة عن ترجمة لمجهودات هذا

ها مع إغنائ, مما جعل مهمة المؤلف تكاد تنحصر في ترتيب المادة وعرضها, الناقد

.بالشروح والتعليقات توزعت على متن الكتاب وهوامشه

8

وقد ". المنهج الموضوعاتي" أما الكتاب الثاني فهو من تأليف محمد عزام بعنوان

والكتاب ليس له في . صدر في نهاية القرن الماضي عن اتحاد الكتاب العرب بسوريا

.هإال عنوان, حقيقة األمر أية عالقة بالمنهج الموضوعاتي

وتناول فيه , "الحكاية والتأويل" والكتاب الثالث هو لعبد المفتاح كيليطو بعنوان

فقام بتحليلها وكشف النظام الداخلي , مجموعة نصوص من التراث األدبي العربي

وهو نظام ينطلق أو يتمحور حول حدث أو صورة أو معنى . المنسجم الذي تقوم عليه

ولكنه إذا حاول , ه الدراسات بكثير من المتعة واإلعجابويتابع القارئ هذ. معين واحد

أو على أي إجراء واضح , أن يتعرف على المنهج الذي بنى عليه الناقد تحليالته األدبية

وهكذا بدت تلك . فإنه ال يعثر على أية إشارة إلى ذلك, يكون سار عليه إلنجازها

.ت محددةالقراءات حرة ال يضبطها نظام معين وال تسعى إلى غايا

, أما عن كيفية تعامل الدراسات الجامعية مع المنهج الموضوعاتي, هذا عن الكتب

دراسة : البنيوية الموضوعية"فتهمنا منها رسالة دكتوراه عبد الكريم حسن الموسومة بـ

: قصص األطفال في الجزائر" ورسالة ماجستير لمسعودة لعريط ,"في شعر السياب

.)4("دراسة موضوعاتية

اعتمد عبد الكريم حسن في دراسته على اإلحصاء الكتشاف الموضوع الرئيسي

بحيث يكون الموضوع الرئيسي ـ حسبه ـ , والموضوعات الفرعية في شعر السياب

هو الموضوع الذي تتردد مفرداته في النص أكثر من تردد مفردات الموضوعات

ت الفرعية للموضوع الرئيسي؛ وهذا وتشكل هذه األخيرة بعد ذلك الموضوعا, األخرى

إن تحديدنا للموضوع يعتمد على قاعدته اللغوية في العمل : (( ما يوضحه في قوله

فالموضوع هو . وليس على دراسة هذا العمل األدبي أو تحليله, األدبي الذي ندرسه

وبما أن الموضوعات )5(.))مجموعة المفردات التي تنتمي إلى عائلة لغوية واحدة

فهو يضيف هذا التوضيح للتمييز , لف عند عبد الكريم حسن بين رئيسية وفرعيةتخت

والموضوع الرئيسي هو الموضوع الذي تتردد مفردات عائلته اللغوية : (( بينها قائال

. في شكل كتاب في سوريا بلغنا أن هذه الرسالة قد تكون صدرت - 4بيروت , المؤسسة الجامعية,الطبعة األولى, »دراسة في شعر السياب: البنيوية الموضوعية« عبد الكريم حسن- 5

.32ص, 1983

9

الموضوع الرئيسي هو الذي ]و[... بشكل يفوق مفردات العائالت اللغوية األخرى

)6()).يفرز بقية الموضوعات ويولدها بشكل آلي

فهو إجراء تنقصه , أما اعتماد المؤلف على اإلحصاء لتحديد الموضوع الرئيسي

وكان هذا اإلجراء قد , الفعالية بسبب عدم ثبات داللة اللفظ من موقع في النص إلى آخر

ولكنه تفطن إلى عجزه على تحديد الجذر , استهوى جان بيار ريشار قبله وانجذب إليه

هو , فتكوين معجم للترداد: ((وذلك حين قوله, الرئيسية للنصالرئيسي أو النواة

, إال أن هذا المعنى يتنوع في الحقيقة, افتراض لثبات داللة الكلمات من مثال إلى آخر

حسب أفق المعاني التي تحيط به وتعضده وتجعله , ويتعدل من تلقاء ذاته في نفس اآلن

, لذي تحدثه المعاني في بعضها بعضا و يؤكد روالن بارت هذا التأثر ا)7(.))موجودا

القيمة المتبادلة , هنا على رقعة المربعات, واللغة نظام يشبه لعبة الشطرنج: (( فيقول

كل عبارة ال ترتدي , وفي اللغة أيضا. لقطع الشطرنج محصورة بوظيفتها على الرقعة

) 8(.))قيمتها الخالصة إال في معارضتها لسائر العبارات

ا التوضيح من بارت الذي يتفق مع ما ورد في كالم ريشار حول مسألة تأثير وهذ

يعطي الحق لتحفظ ريشار من فعالية عملية , ضاالمعاني المتجاورة في بعضها بع

ومن ثم تحديد موضوعه , اإلحصاء لتحديد المعنى الغالب في نص من النصوص

إال أنها ال , قدمه اإلحصائياتوعلى الرغم من أنه ال جدال فيما ت: (( فيقول, األساسي

) 9(.))يمكن أن تقود إلى حقائق نهائية

حسب , وهكذا جاءت دراسة عبد الكريم حسن لشعر السياب دراسة للموضوع

وليست بحثا موضوعاتيا حسب ما مارسه ريشار وغيره من النقاد , منهجية خاصة

رف به عبد الكريم حسن نفسه الموضوعاتيين في أعمالهم النقدية الكثيرة؛ وهذا ما يعت

.34ص, نفسه - 6

النقد «ضمن كتابه , ترجمة سعيد علوش, »ي العالم التخيلي لماالرم«مقدمة كتابه, جان بيار ريشار- 7

.131ص , .)ت.د(المغرب , مطبعة بابل, »الموضوعاتيالطبعة , »النقد البنيوي الحديث بين لبنان وأروبا«حوار أجراه معه فؤاد أبو منصور ضمنه كتابه , روالن بارت- 8

.288ص, 1985بيروت, دار الجيل, األولى .35 ص» ...الموضوعية البنيوية«من كتاب ض, ذكره عبد الكريم حسن- 9

10

فقد تخيرنا االستمرار في العمل حتى استقام لدينا منهج في البحث : (( حين يقول

ونحن ال نشير إلى ذلك إال لكي نؤكد أننا لم نتلمس خطى منهج محدد ... العلمي

)10(.))سلفا

د وقد سارت رسالة مسعودة لعريط في الطريق نفسها التي سارت فيها دراسة عب

العتمادها على اإلحصاء لتحديد , فكان مصير هذه كمصير تلك, الكريم حسن السابقة

استكشافا ووصفا : فجاءت كسابقتها, "الفرعية"والموضوعات " الرئيسية"الموضوعات

حسب ما , بدل البحث عن النواة أو الجذر الذي تولد منه النص, "للموضوع"وتحليال

ون ذلك هو األساس الذي تقوم عليه الدراسات التي لك, يدعو إليه المنهج الموضوعاتي

تعتمد عليه؛ وهذا برغم أن المقدمة النظرية للرسالة توحي من حين إلى آخر بإمكانية

.تفادي هذا االنحراف في المنهج

والنتيجة المشتركة التي اجتمعت حولها الرسالتان أنهما جاءتا حديثا عن

إذ لم يحضر هذا إال في , هما البحث الموضوعاتيوغاب من, وتحليال له" الموضوع"

بعض النوايا المعلنة؛ مع اإلشارة إلى أن اعتماد الرسالة الثانية على الرسالة األولى كان

)11(.وقد تمت اإلشارة إليه بوضوح في مواضع منها, اعتمادا واضحا

مقاالت إلى جانب هذه الكتب والرسائل فقد صدرت في البالد العربية بعض ال

حاول فيها أصحابها تتبع ,اختلفت في عمقها وفي شموليتها, النقدية حول الموضوعاتية

:نذكر منها, وكذا مفاهيمه وإجراءاته, المصادر الفكرية التي قام عليها هذا المنهج

)12(".الموضوع من منظور النقد الموضوعاتي"ـ ميشال كولو 1

)13(".ة للنص األدبيالقراءة الموضوعاتي" الطاهر رواينية ـ2

.31ص, » ...الموضوعية البنيوية« عبد الكريم حسن - 10رسالة ماجستير؛ مخطوطة بجامعة , » دراسة موضوعاتية: قصص األطفال في الجزائر« مسعودة لعريط - 11

لتقاء هذه الرسالة بكتاب عبد وكمثال على ا. 1997 -1996جامعة عنابة , قسم اللغة العربية وآدابها , مولود معمريعلى غرار ما , حيث تؤكد على ارتباط الموضوعاتية بالبنيوية50انظر الصفحة : الكريم حسن وسيرها على منواله

حيث 64وانظر الصفحة . وليس ذلك بالموضوعاتية. الذي فتح الطريق بذلك أمام غيره,ذهب إليه عبد الكريم حسنوهي طريقة ال تختلف عن تلك التي , ديد الموضوع الرئيسي والموضوعات الفرعيةتشرح الطريقة التي اتبعتها لتح

. نادى بها عبد الكريم حسن في كتابهوقد نشرت مجلة اآلداب األجنبية التي تصدر . 1997دمشق , 18العدد , مجلة المدى, ترجمة محمد آيت لعميم- 12

. هذه الدراسة بترجمة غسان السيد وفي السنة نفسها 93عن اتحاد الكتاب العرب في عددها . 1997الجزائر , 11العدد , مجلة اللغة واألدب- 13

11

)14(".النقد الموضوعاتي"ـ محمد عزام 3

فسأذكر منها اثنتين لهما , أما عن الصعوبات التي واجهتني إلنجاز هذه الدراسة

األولى تتمثل : عالقة واضحة بغياب تصور واضح عن هذا المنهج في البالد العربية

بها المصادر التي اعتمدت عليها إلى في القيام بالترجمة من اللغة الفرنسية التي كتبت

فهي مهمة صعبة كانت تتطلب مني األمانة العلمية العمل عدة ساعات , اللغة العربية

فأقوم بالبحث عن داللتها وأنا أقلبها في عدة وجوه وأصبها في عدة , لترجمة فقرة واحدة

كما , اللغتينمستعينا بجملة من القواميس ب, صيغ حتى أعثر لها عن صيغة أرتاح إليها

كنت أعرض بعض الحاالت التي أشعر أنني غير موفق فيها على بعض األصدقاء

.فكنت أجد من الجميع العون المرجو, والزمالء وبالخصوص أستاذي أحمد منور

أما الصعوبة الثانية فتمثلت في ضرورة امتالك المنهج الموضوعاتي والسيطرة

في البالد العربية فقد تطلب منا األمر بذل جهد وأمام غياب تصور واضح عنه , عليه

متواصل تمثل في القيام بجمع األعمال النظرية والتطبيقية التي تتعلق به واالطالع

عليها واستيعابها قبل القيام بترجمة ما يتعلق منها مباشرة بالمنهج وبإجراءاته إلى اللغة

.قبل الشروع في تحليل أعمال كاتب ياسين, العربية

بعد هذه الوقفة التي استعرضت فيها الخطة التي سارت عليها هذه الرسالة

وقيامي قبل هذا بتتبع مالمح حضور المنهج , والصعوبات التي واجهتني إلعدادها

بتقديم شكري أختم هذه المقدمة , الموضوعاتي في الساحة النقدية في البالد العربية

لقبوله اإلشراف على أحمد منورم الدكتور الصادق وتقديري الكبير ألستاذي المحتر

هذه الدراسة وتخصيص جهده الكبير وعلمه النافع لمتابعة تفاصيل نموها حتى وصلت

كما أقدم شكري الجزيل لكل الذين أعانوني على إنجاز هذا . إلى ما هي عليه اآلن

نا عليه فأرجو من اهللا أن يجازي, العمل المتواضع الذي أردت به خدمة البحث العلمي

.إنه سميع مجيب, خير الجزاء

.2001دمشق , اتحاد الكتاب العرب, 356العدد , مجلة الموقف األدبي - 14

12

الباب األول المنهج الموضوعاتي

الفصل األول

بين الموضوع والموضوعاتية

13

حدود واضحة في الساحة النقدية العربية تميزه " الموضوعاتية"ليس لمصطلح

ان لمفهوم فكثيرا ما يتم التعامل معهما على أساس أنهما مصطلح, من الموضوع

وقد أدى هذا التداخل بين مفهومي المصطلحين إلى تضييق مجال االطالع في . واحد

العالم العربي على المنهج الموضوعاتي وعلى ما تم إنجازه من دراسات أدبية في

على الرغم من بعض المجهودات المنعزلة التي تم بذلها في هذا , الغرب بفضله

ها في مقدمة هذا البحث؛ ولذا نجد أنفسنا في هذا والتي تمت اإلشارة إلي, الميدان

,والغرض, الموضوع: المستوى من الدراسة مطالبين بتحديد المفاهيم اآلتية

وبعد هذا نبين عالقة المنهج الموضوعاتي بالفلسفة الظاهراتية لما . والموضوعاتية

:لهذه الفلسفة من تأثير واضح عليه

:الفرنسيةأ ـ الموضوع في المعاجم العربية و

: ـ المعاجم العربية1

تناولت المعاجم العربية القديمة منها والحديثة مصطلح الموضوع بالشرح

.ومن المعاجم الغربية تارة أخرى, مستفيدة من بعضها بعض تارة, والتحديد

الذي له اتصال قوله هذا" وضع"تحت مادة البن منظور" لسان العرب" جاء في

وأنشد , وضعا وموضوعا, يضعه, وضعه, ضد الرفع: الوضع, وضع: (( بسياق بحثنا

ما أضمره ولم يتكلم : عنى بالموضوع, "موضوع جودك ومرفوعه: "ثعلب بيتين فيهما

)15(.))ما أظهره وتكلم به: والمرفوع, به

فهو يرى فيه جانبين إذا كان ثعلب في الشعر المشار إليه يتكلم عن جود ممدوحه

. واآلخر مضمر ال يعلمه سوى الخاصة واألقربون, أحدهما معروف ويتداوله الناس

فذلك في رأينا يحمل داللة " وضع"وإذ يذكر ابن منظور هذا األمر في بداية تناوله لمادة

ولوال خشيتنا من الوقوع في . هامة كونه يربط بين هذه المادة واألدب ربطا قويا

فيكون معنى األدب ,بمجال األدب" وضع"يخص ابن منظور مفهوم مادة : لقلناالمبالغة

.401ص, دار صادر بيروت, "وضع"مادة , الجزء الثامن, "لسان العرب" ابن منظور - 15

14

وقد تم التعبير عنه بـ , فرع ظاهري مباشر: بذلك متفرعا إلى فرعين, أو موضوعه

".الموضوع"وهو ما عبر عنه بـ , وفرع خفي ومضمر, "المرفوع"

فهي معاني , عن هذا وإذا تأملنا بدورنا معاني النص األدبي نجدها ال تخرج

أي لما تكون ناقلة لرسالة , مباشرة سطحية تعبر عنها لغة النص في استعماالتها العادية

هو مفهوم يحمل معان جمالية , كونه رسالة أدبية, ثم إن النص. من مخاطب نحو متلق

ولذا فهو يتطلب من القارئ امتالك كفاءة , عميقة تميزه من النصوص المعرفية والعلمية

وينتمي التحليل . ق عالية تمكنه من التوصل إلى تلك المعاني الجمالية وخلقهاتل

.الموضوعاتي إلى هذا النوع الثاني من القراءة التي تقوم باستكشاف المعاني وبنائها

تواضع : (( قوله, ومن المعاني التي ذكرها ابن منظور أيضا تحت هذه المادة

ووضع , وأوضعته في األمر إذا وافقته فيه على شيء, اتفقوا عليه: القوم على الشيء

أن تواضع : والمواضعة. المناظرة في األمر: والمواضعة. أثبته فيه: الشيء في المكان

تشترك هذه المعاني في داللتها على نتاج فكري )16(.))صاحبك أمرا تناظره فيه

. توصلت إليه عدة أطراف بعد نقاش جرى بينها

وتلتقي القواميس الحديثة العربية منها والفرنسية حول هذه المعاني في تعريفاتها

حسب ما , وتحتل فيها قسما متميزا من الشروح التي تعطيها لهذه المادة, للموضوع

.سنرى

نحاول أن نحصر ما ورد فيه من معاني مادة , وقبل أن نترك لسان العرب

فنرى أن الموضوع هو المعنى الذي يحافظ على , ناالتي تدخل في سياق بحث" وضع"

, وهذه في رأينا صفة المعنى األدبي األساسية. أهميته بإبقائه مضمرا غير مصرح به

كما أن هذه الميزة . وإنما يطلب منه أن يبنيه ويصنعه, فهو ال يقدم نفسه جاهزا للقارئ

يلتقون عند نقاط منه , قراءتضع المعنى األدبي في محل مناظرة ومناقشة دائمتين بين ال

والذي ركزت عليه , وهذا ما يعبر عنه القسم الثاني من التعريف. ويختلفون عند أخرى

)17(.والمواضعة, أوضعته, تواضع: األلفاظ

.401ص, لسان العرب- 16ضع يوضع و: وقال قوم, وضعك الشيء وضعته أضعه وضعا, والوضع: "البن دريد" جمهرة اللغة " جاء في- 17

": وضع"للفيروزأبادي تحت مادة " القاموس المحيط"وجاء في ."وشاة واضع إذا ولدت, وامرأة واضع إذا ألقت قناعهاأطلعك على : وهلم أواضعك الرأي. ي األمرالموافقة ف:المواضعة. حطه: يضعه وضعا وموضعا وموضوعا, وضعه"

15

بعد هذا ننتقل إلى المعاجم العربية الحديثة لنتفحص المعاني التي جمعتها حول

نا؛ فنجد فيها تطويرا واضحا يتمثل في الجهد هذه المادة ونستخرج منها ما يهم دراست

مع توسيع مجال األمثلة المعطاة , الواضح المبذول لبلوغ الدقة المطلوبة من جهة

.وتنوعها لإلحاطة بالتفاصيل من جهة ثانية

, مصدر واسم مفعول: الموضوع: (( لبطرس البستاني" محيط المحيط" جاء في

منها , الشيء الذي عين للداللة على المعنى: نهام, ويطلق في الصطالح على معان

هو ما يبحث فيه عن عوارضه : وموضوع العلم. الشيء المشار إليه إشارة حسية

فإنه يبحث فيه عن أحواله من حيث الصحة , كبطن اإلنسان لعلم الطب, الذاتية

فإنه يبحث فيه عن أحوالها من حيث اإلعراب , وكالكلمات لعلم النحو. والمرض

وموضوع الوعظ عند الوعاظ هو اآلية أو المادة التي يبنون عليها . لبناءوا

)18(.))الوعظ

نخرج من هذا التعريف الذي يقدمه بطرس البستاني للموضوع من معاني

حسب ما رأينا عند , المناظرة والنقاش وتبادل اآلراء بين أطراف حول أمر من األمور

تنحصر بالخصوص في , "الموضوع"مصطلح إلى نوع آخر من معاني , ابن منظور

مما يجعل هذا التعريف يأتي , من طب ولغة ودين, البحث العلمي بمجاالته المتنوعة

توضيحا وتنويعا , بشكل زاد للمادة األصلية موضوع الشرح, توسيعا للتعريف السابق

. للمعاني التي تدخل في مجالها

ناولها هذا التعريف هي مجاالت تكون وينبغي مالحظة أن مجاالت العلم التي ت

عملية الكتابة فيها عنصرا أساسيا ومميزا على خالف ما هو األمر في المعاني التي

أسندت إلى الموضوع في التعريف األول التي هي معاني يتم تحققها عن طريق

.المشافهة والجدل المباشرين بين أطراف الحوار

, "وضع"ود وردت جملة من المعاني حول مادة لجبران مسع" الرائد" وفي معجم

, يمكن اعتبارها تلخيصا محكما لما جاء حول المادة في لسان العرب ومحيط المحيط

, 95ص) ت.د(بغداد , مكتبة المثنى, الجزء الثالث, "جمهرة اللغة"ابن دريد انظر ."رأيي وتطلعني على رأيك

.94ص) ت.د(بيروت , دار العلم للجميع, الجزء الثالث, "القاموس المحيط"والفيروزأتادي .974ص, 1993مطابع تيبو براس , ة لبنان ناشرونمكتب, "محيط المحيط" بطرس البستاني - 18

16

, فهذه المعاني تشمل الموضوع الذي يدور حوله الحديث بين المتحاورين من جهة

: حيث جاء فيه, وهو مركز اهتمام الباحث العلمي من جهة ثانية" الموضوع"ومعنى

المادة التي يبني عليها الكاتب أو الخطيب أو : موضوعات, مواضيع. ج: الموضوع((

يمكن أن نجمع هذه )19(.))المادة التي يبحث العلم عن عوارضها. المحدث كالمه

الموضوع هو المادة التي : المعاني التي وردت في هذا التعريف في التعبير اآلتي

. الكتابة بغرض التفحص والتقصييشتغل عليها الفكر عن طريق الكالم أو

تعريفا للموضوع ال يختلف كثيرا عن " المعجم األدبي" ويقدم جبور عبد النور في

وفي هذا . مضمون ما يجول في خاطرنا وليس هو ذاتنا: ((التعريفات السابقة فيقول

شيء وليس بالضرورة على , أو صورة, أو عاطفة, المعنى يدل الموضوع على إحساس

. مستقل عن الفكرة التي تكون في ذهننا عنه, ما له وجود في ذاته. موجود في العالم

: ومن ذلك قولنا, المادة التي يجري عليها البحث شفويا أو خطيا: موضوع الكالم

)20(.))موضوع المحاضرة, موضوع النقاش, موضوع الرواية

, فيقدم شروحا عامة" مفصلمعجم عبد النور ال" أما في معجمه العربي الفرنسي

سواء كان عن طريق المشافهة أم الكتابة؛ دون أن , يدخل فيها كل ما يعكس نتاجا فكريا

, يرى التباسا في جعل مصطلح موضوع في مقابل خمسة مصطلحات باللغة الفرنسية

:فيقول

.Sujet, Objet, Question, Thème, Matière : موضوع ((

.contenu d’un livre : موضوع كتاب

)point de discussion((.)21: موضوع المناقشة

ويقابل أيضا المصطلحات األربعة , thème: فالموضوع في الحالة األولى يقابل

وهذه المصطلحات األربعة برغم . ,matière, question, objet sujet:األخرى

, ا يقابلها من مصطلحاتإال أنه يوجد في اللغة العربية م, عالقتها القوية بالموضوع

في مقابل " موضوع"أما جعله . وذات, شيء, مسألة, مادة: وهي على التوالي

.781ص, 1992بيروت , دار العلم للماليين, الطبعة السابعة,"معجم لغوي عصري: الرائد" جبران مسعود - 19 .272ص, 1979دار العلم للماليين , الطبعة األولى, "المعجم األدبي" جبور عبد النور - 20

, .)ت.د(بيروت , دار العلم للماليين, الجزء الثاني, "عربي فرنسي: المفصلمعجم عبد النور" جبور عبد النور - 21 .1835ص

17

» contenu « موضوع كتاب: " في قوله:contenu d´un livre " هو تقابل غير

لكون الموضوع أشمل وأعم من كلمة مضمون التي تقابل كلمة , دقيق أيضا

» contenu«تشترك كتابات كثيرة في موضوع واحد في الفرنسية؛ إذ يمكن أن

ولكنها ستختلف في مضمونها؛ وكمثال على ذلك اختالف مضامين كتابات الطلبة أو

»point«مقابل " موضوع"أما جعله . حول موضوع واحد في العلوم اإلنسانية, غيرهم

مة فهي ترج, "point de discussion: موضوع المناقشة: "عند قوله, في الحالة الثالثة

: موضوع المناقشة: "فيكون, »sujet«مع مصطلح , تتقابل بصورة أفضل في رأينا

sujet de discussion" ,موضوع المناقشة: "بدال من :point de discussion" , مع

, كثيرا ما يرد أيضا في الكتابات العربية»le point«, النقطة"اإلشارة إلى أن مفهوم

. ناصر تكون موضوعا ماوهو يعني عنصرا محددا من جملة ع

قاموس مصطلحات التحليل السيميائي " ويفضل رشيد بن مالك في معجمه

»Thématique«المعرب عن المصطلح الفرنسي " تيمي"استعمال مصطلح " للنصوص

في "Thématiqueتيمي "يستعمل : (( فيقول, »Thematic«اإلنجليزي والمصطلح

لمضمون الداللي للنص؛ يعني الموضوع الذي يتطرق له بعض األحيان للداللة على ا

فهذا التعريف في رأينا ال يساهم في حل مشكلة المصطلح بقدر ما يزيدها )22(.))الكاتب

ذلك ألن مصطلح تيمي ال يعبر عن كم مفهومي واحد ومحدد عند , إبهاما وتعقيدا

.ج"و" A.J.Greimasغريماس .ج .أ"فهو عند , السيميائيين أنفسهم

ريمون تروسون "يحمل مفهوما قريبا جدا من المفهوم الذي يعطيه " J.Courtesكورتاس

Raymond Trousson " الغرض"لمصطلح" ,)Motif( , حيث يكون مفهوم الموضوع

بجانب مفهوم الغرض ما هو إال تجسيد أدبي واحد من جملة تجسيدات كثيرة ال حصر

ث مفصل عن هذه المسألة فيما سيتبع وعلى كل حال سيأتي حدي) 23(.لها للغرض نفسه

.من البحث

عند رشيد بن مالك هو نفسه ) Thématique" (تيمي"يبدو إذن أن مفهوم الـ

عند غيره من السيميائيين وغير السيميائيين؛ وهذه إشكالية ) Thème(مفهوم الموضوع

.237ص, 2000الجزائر, دار الحكمة, "قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص" رشيد بن مالك - 2223- Voir, A. G. Greimas, J.Courtes « Sémiotique, dictionnaire raisonné de la théorie du langage », tome2, Hachette , Paris1986, P.236-237.

18

إلى التعريب بدل أما اإلشكالية الثانية فهي لجوؤه. أولى يفرزها تعريف رشيد بن مالك

لهما في العربية ما يقابلهما Thématiqueو, Thème ذلك ألن مصطلحي , الترجمة

وإن كانت هذه الترجمة تواجهها . الموضوع والموضوعاتية: من مصطلحات وهما

بعض االعتراضات المتمثلة في عجزها عن تقديم حل إلشكالية وجوب التمييز بين

بسبب كون الموضوع يقوم ,,Objet, Motif, Thème, Sujet: المصطلحات الفرنسية

والتوضيح الممكن حول . في كثير من الحاالت كمقابل لجميع هذه المصطلحات المختلفة

هذا االعتراض هو أن أغلب هذه المصطلحات لها ما يقابلها في اللغة العربية كما

مصطلح وThèmeفي مقابل " تيم"ثم إن استعمال رشيد بن مالك لمصطلح . سنرى

وإنما أضاف إلى اللغة , لم يحل بهما هذه المشكلةThématiqueفي مقابل " تيمي"

العربية المثقلة اليوم بالمصطلحات الغامضة والعقيمة مصطلحين آخرين لم نجد في

)24 (.الشروح التي وضعها لهما ما يمكننا من اإلقرار بأهميتهما

: ـ المعاجم الفرنسية2

وراحت تتبع , Le thèmeالقواميس الفرنسية بمصطلح الموضوع اهتمت

.تطوراته بداية من جذوره األولى في الحضارة الالتينية ثم اليونانية

" موضوع"أن " المعجم التاريخي للغة الفرنسية: لوروبير"جاء في قاموس , وهكذا

thème ,تيما"من كلمة , ينحدر من الالتينية thèma "ر إليها بدورها من التي تنحد

والتي تدل على الشيء , "tithènaiتيتيني : وضع"وهي مشتقة من الفعل , اليونانية

, جذر كلمة, صدقة, مبلغ من المال: ومن هنا أصبحت الكلمة تدل على, الذي نضعه

وفي مدارس القرون . وفي األخير على موضوع خطبة, موقع النجوم عند الوالدة

فجاء في معجم , في جملة أخرى من المعاجم العربية الحديثة" وضع"وردت بعض هذه المعاني تحت مادة - 24

ثم كرر هذا ." المادة التي يبني عليها الخطيب أو الواعظ كالمه: الموضوع: "لعبد اهللا البستاني قوله" الوافي"وكذا المادة موضوع البحث , وهو تعريف قد أسقط منه المناظرة أو الحديث, "البستان"ىحرفيا في معجمه لمعن

يدخل " المتكلم"فكلمة ." المادة التي يبني عليها المتكلم أو الكاتب كالمه: الموضوع": "المعجم الوسيط"وجاء في. العلميوكل من يشتغل بالكتابة , كاتب أصناف العلماء واألدباءويدخل تحت كلمة ال. تحتها الخطيب والواعظ والمتناظرون

مكتبة , "معجم الوفي"عبد اهللا البستاني : انظر على النوالي. للتعبير عن المادة التي يشتغل عليها فكره. 1234ص, 1992مكتبة لبنان, الطبعة األولى" معجم لغوي مطول: البستان"عبد اهللا البستاني . 708ص,1990لبنان

.مصر, مجمع اللغة العربية, دار العودة, "وضع"مادة , الجزء األول, "المعجم الوسيط"المؤلفين جماعة من

19

االقتراح الذي يتم تناوله من أجل , مة تعني الشيء المدروسالوسطى أصبحت هذه الكل

)25(.تطويره

: حول هذه المادة" معجم اللغة الفرنسية: روبير الصغير" وجاء في قاموس

, كلمة يونانية، تعني ما هو مقترح, thèmaتيما : في الالتينية, Thèmeالموضوع ((

موضوع خطاب، . تعليمي أو أدبيفي مؤلف, اقتراح نقوم بتطويره في خطاب, فكرة

, المعنى الذي يكون موضوع حديث شخص ما, الفكرة. لكل كاتب موضوعاته الخاصة

)26(.))إنه ذلك الذي تنصب عليه الممارسة الفكرية أو العلمية, أو مركز انشغاالته

: حيث ورد فيه" معجم اللغة الفرنسية"ونجد أهم عناصر هذا التعريف في

, االقتراح الذي نتناوله من أجل الدراسة في مؤلف, المادة, الذات: Thèmeموضوع ((

أو هو األمر الذي يكون , إنه األمر الذي يخضع لممارسة فكرية لشخص ما. في خطاب

)27(.))أهم انشغاالته

, تيما: كلمة التينية: thème, موضوع": (( معجم كييي الموسوعة"وجاء في

thèma :28(.))أو توضيحه, البرهنة عليه, قتراح تتم دراستها, مادة, ذات(

حيث , وأورد قاموس الروس تعريفات للموضوع متطابقة في كثير من مواضعها

وتعني : thèma, تيما: كلمة يونانية: thème, موضوع": (( الروس الصغير"نجد في

أو يتم تنظيم عمل . مؤلف, يتم التفكير فيهما إلنتاج خطاب, فكرة, ذات. ما هو مقترح

وإلى هذا التعريف نفسه ذهب معجم الروس ) 29(.))موضوع مناقشة. حولها

.)30(الموسوعي

وفي األخير يمكن أن نجمع أهم ما ورد في تعريفات المعاجم الفرنسية السابقة

:في النقاط اآلتية" thème ,موضوع"لمصطلح

.thèma, تيما: ـ أصل المصطلح يوناني التيني1

. الشيء الذي نضعه: الذي يعني" وضع " المصطلح مشتق من الفعل ـ2

25- Voir, Le Robert: dictionnaire historique de la langue française, Paris 1992, P.2114. 26 - Petit Rober: dictionnaire de la langue française, Paris 1992, P.1957. 27 - Dictionnaire de la langue française , Paris 1993, P.1262. 28- Dictionnaire Encyclopédique, Quillet, Paris, Edition 1979, P.6867. 29 - Le Petit Larousse, Paris 1998, P.1006. 30 - Voir, Dictionnaire Encyclopédique Larousse, Volume 1, Paris 1994, P.1006.

20

ـ يدل المصطلح على الفكرة أو االقتراح الذي يتم تناوله من أجل تحليله وتطويره 3

.أو في مؤلف تعليمي أو أدبي ,في خطبة أو نقاش

أما النتيجة التي نخلص إليها من مجموع تعريفات الموضوع التي وردت في

هي أن هذه المعاجم تعود , جموع القواميس العربية والفرنسية السابقة على السواءم

ويقف الفعل , "رفع " الذي يقف في مقابل الفعل " وضع"بأصل المصطلح إلى الفعل

: إذ وردت في هذه المعاجم األفعال والتعابير اآلتية, كمرادف له في اللغة العربية" حط "

: وضعه(( و ))أثبته فيه: وضع الشيء في المكان(( و) )ضد الرفع : الوضع, وضع((

الشيء ((و)) Poser, وضع: (( وأيضا, ))خالف رفعه, أثبته: وضع الشيء(( و)) حطه

.))ce que ľ on pose, الذي نضعه

راحت هذه المعاجم تعرض , بعد الكشف عن المعنى األصلي لهذا المصطلح

اكتسبها خالل تطوره في الزمن والمكان حسب مجاالت والتي , المعاني التي قامت عليه

لتتوصل إلى أن الموضوع هو كل أمر يملك قدرة على , المعرفة التي يتحرك فيها

للكشف عن تفاصيله وعن , جعل الفكر يتخذه مادة يشتغل حولها بغرض التحليل

, الذي ينتمي إليهوعالقة كل ذلك بالمجال , العالقات القائمة بين تلك التفاصيل فيما بينها

, أو أدبيا؛ وسواء كان هذا العمل الفكري حديثا أم كتابة, علميا, سياسيا, سواء كان فلسفيا

ومن هنا نخلص إلى أن . أو غير ذلك من مجاالت المعرفة الواسعة, فرديا أم جماعيا

.سواء عن طريق الكالم أم الكتابة, الموضوع هو المادة التي يشتغل عليها الفكر عموما

: ـ الكشف عن الموضوع3

بعد هذا التحديد لمفهوم الموضوع الذي استخلصناه من مجموعة من المعاجم

وهو كيف يمكن التوصل إلى تحديد موضوع , يواجهنا أمر آخر مهم, العربية والفرنسية

النص؟

النص سواء كان ذلك, ينبغي أن نشير إلى أن كل نص يقوم مبدئيا على موضوع

ولكن إذا كان من مستلزمات النص العلمي أن يحصر موضوعه ويقوم . علميا أم أدبيا

مع , وتوظيف مصطلحات خاصة لتحديده, بتوضيحه بفضل اتباع منهجية معينة لبنائه

ضرورة انتماء تلك المصطلحات إلى فرع علمي معين؛ فإن الوضع يختلف مع النص

هو , واقع الحياة بقدر ما يأخذه من عالم خاص األدبي الذي ال يأخذ موضوعه من مادة

21

وبسبب هذه الخصوصية التي تميز موضوع . العالم الذي يخلقه الفنان بخياله وبلغته

فإنه ال يمكن التعامل معه بالمقاييس التي يتم التعامل بها مع , األدب ومصدره

حسبما , أي مع الموضوعات التي تشكل مادة الفكر, موضوعات يشكل الواقع مرجعها

فهذا الموضوع , ولكن هذا الوضع ال ينفي وجود موضوع للنص األدبي.وضحناه أعاله

موجود تعبر عنه اللغة وهي في مستوى تأديتها لوظيفتها الخطابية المباشرة التي تتجسد

وعند هذا الحد يتوقف . من خالل تأديتها لمحتوى رسالة تنتقل من مرسل إلى متلق

ليفتح بابا واسعا , نقله للموضوع أو للمعنى بين مرسل ومتلقالنص األدبي عن وظيفة

على عالم جمالي ال يرتبط بالواقع إال بمقدار حاجته إليه لتحقيق جماليته العميقة

.والمتجددة

فالحديث عن موضوع النص األدبي ينبغي أن يفهم أن المقصود منه هو مضمون

إنه مجموع المعاني . لعادي بين مرسل ومتلقالخطاب الذي تنقله اللغة في استعمالها ا

وليس تحديد الموضوع الذي . التي تنقلها اللغة وهي في مستوى تأدية وظيفتها المعجمية

ألنه حتى هذه , تعبر عنه اللغة في هذا المستوى باألمر الذي يمكن تحقيقه بنجاح تام

اغة ما على أنها المعبرة ذلك ألن تحديد أية صي, المهمة ال يكون التوفيق فيها إال نسبيا

من جملة , ما هي في الحقيقة إال تعبير عن موضوع واحد مقترح, عن موضوع النص

وذلك راجع إلى كون النص األدبي , عدة موضوعات أخرى غيره يمكن اقتراحها

مؤلفا كتاب " جورج يول"و" جوليان براون"وفي هذا الصدد كتب . مفتوح لعدة قراءات

إنه إلغراض عملية ال يوجد شيء يسمى تعبيرا واحدا صحيحا ": ((تحليل الخطاب"

ستكون هناك دائما مجموعة من اإلمكانات , عن موضوع أي مقطع من مقاطع الخطاب

فإن الموضوع ال يمكن أن يكون , وكما قال تايلر. نستطيع بها أن نعبر عن الموضوع

جانب التأكيد الذي يحمله إلى )31(.))إال إعادة صياغة واحدة ممكنة لسلسلة من األقوال

, جامعة الملك سعود, ترجمة لطفي الزليطني و منير التريكي, "تحليل الخطاب"يول . براون و ج. ب. ج - 31

وحتى نقف على الصعوبة التي تالزم كل محاولة لتحديد موضوع أي خطاب نستعرض .91ص, 1997الرياض :حيث جاء فيه, هذين المثالين اللذين أوردهما المؤلفان في كتابهما المذكور

" نيوفي"ومعه حصيلته من دعابات " تورنتو"ما كان يثير االهتمام أن رتشارد الصغير رجع من مدرسته في ـ 1"التي تماثل في مضمونها ـ مضمونها الحقيقي ـ تلك الدعابات حول اإليرلنديين التي كان ابني يرويها عند عودته

. إلى البيت من المدارس في أدنبره ."لكن أهم شيء في هذا النظام هو مقدار الضغط الذي يسلطه على الالعبين اآلخرين, وكذلك هو يستطيع ـ2

22

, هذا الحديث على الحركية التي يتميز بها الموضوع في النصوص الخطابية عموما

فهي في النصوص األدبية تكون أكثر جالء؛ مما يجعل محاوالت تحديده هي محاوالت

. مؤقتة؛ إذ هي معرضة دائما للتبديل والتطوير والتعديل

على , ت مقترحهما لتحديد موضوع الخطاب يستند المؤلفان لتوضيح إجراءا

ما يتم : (( فهو في رأيهما, تتمثل األولى في تحديد مفهومهما للموضوع: ركيزتين

أما الثانية فهي تتمثل في فكرة تفضيل البحث عن نقطة )32(.))التعبير عنه أثناء المحادثة

دعوتهما على وهكذا جاءت ". ماهية الموضوع"بدل البحث عن " االنتقال في الموضوع"

, "ماهية الموضوع"إنه بدال من توخي الطريق الصعب ومحاولة تحديد : الصورة اآلتية

أي أنه ال بد ". انتقال في الموضوع"فإن األجدر بنا أن نركز على وصف ما ندرك أنه

من وجود نقطة معينة بين مقطعين خطابيين متجاورين ندرك حدسيا أن لهما

االنتقال عندها من موضوع معين إلى الذي يليه معلما ويكون , مختلفين" موضوعين"

نكون بذلك قد اكتشفنا , فإذا استطعنا تحديد عالمة هذا االنتقال الموضوعي. بعالمة ما

لكل منها قاعدة بنيوية لتقسيم مقاطع خطابية طويلة إلى سلسلة من الوحدات الصغرى

لخطاب على مبدأ أننا لو ويقوم هذا الضرب من المقاربات لتحليل ا. موضوع مستقل

أخرى ـ فلن استطعنا التعرف على حدود تلك الوحدات ـ حيث تنتهي وحدة وتبدأ

يتحول , ونتيجة لذلك. نكون بحاجة إلى مواصفات مسبقة تحدد موضوع تلك الوحدات

)33(.))عبء التحليل إلى البحث عن العالقات الشكلية لالنتقال الموضوعي في الخطاب

يقة المقترحة لتحديد موضوعات النص باالعتماد على اكتشاف حدود فهذه الطر

فهي ال تملك من , إن كانت طريقة مقبولة ومغرية من الوجهة النظرية, مقاطعه المختلفة

األدوات التي تمكنها من االنتقال إلى المستوى العملي إال الحدس؛ من هنا فهي منفتحة

ائج متنوعة تعيدنا إلى نقطة البداية التي على األحكام الذاتية التي تترتب عنها نت

مدرسته في "أم " ريتشارد الصغير"فما الموضوع في المثال األول؟ أهو: " ثم يعلق المؤلفان على هذا بقولهما

الالعبون "؟ أم "هذا النظام"؟ أم " هو"ال الثاني التي يرويها؟ وهل الموضوع في المث" نيوفي"دعابات " ؟ أو"تورنتو =االستعانة بالسياقين ضرورة ؟ وأمام صعوبة اختيار إجابتين من جملة هذه اإلجابات الممكنة يرى الباحثان"اآلخرون

.قبل محاولة القيام بتحديد موضوع كل واحد منهما, الداخلي و الخارجي اللذين ورد فيهما كل نص من النصين= .100 و 99:ظر الصفحاينان

.86ص, "تحليل الخطاب"يول. براون و ج.ب. ج- 32 .115ص, نفسه- 33

23

يجد المحلل نفسه : (( وهي التي يعبر عنها المؤلفان أيضا بقولهما, تناولناها قبل اآلن

في الغالب مضطرا إلى االعتماد على مفاهيم حدسية لتحديد نهاية جزء معين من

بالرجوع إلى مثل هذا النوع من القرارات هو ما يتخذ عادة... المحادثة وبداية آخر

" المال"كأن يتوقف أطراف المحادثة عن الحديث عن , مفهومنا الحدسي للموضوع

وهكذا يمكن اعتبار مقطع من محادثة وحدة من نوع ". الجنس"لينتقلوا إلى الحديث عن

.ألنه يتناول موضوعا معينا, ما

مكننا من وت , يتضح إذن أن مفهوم الموضوع هو طريقة يستسيغها حدسنا اللغوي

ومن , "ما"شيء " عن"حديثا , وصف ذلك المبدأ الجامع الذي يجعل من مقطع خطابي ما

ذلك أننا نجد اعتمادا مستمرا على هذا المفهوم , شيء آخر" عن"المقطع الموالي حديثا

)34(.))في ما ظهر من الدراسات في مجال تحليل الخطاب

, ص الخطاب يعبر عن موضوع ما وبرغم هذا اإللحاح على كون مقطع ما من ن

مع تدعيم كل هذا بالقول إنه الطريقة التي , وبأن مقطعا غيره يعبر عن موضوع آخر

فهذا الكالم المحكم والمقبول على مستوى , تتبعها باستمرار دراسات تحليل الخطاب

د والتي نعو, النظري ال ينبغي أن ينسينا هذه الحقيقة التي أقرها المؤلفان في كتابهما

إنه ألغراض عملية ال يوجد شيء يسمى : (( و المتمثلة في قولهما, الستحضارها ثانية

ستكون هناك دائما . تعبيرا واحدا صحيحا عن موضوع أي مقطع من مقاطع الخطاب

)35(.))مجموعة من اإلمكانات نستطيع بها أن نعبر عن الموضوع

لموضوعات التي يتناولها الناس في فإذا كان األمر بهذه الصعوبة الكبيرة لتحديد ا

تحليل "أحاديثهم مع بعضهم بعضا حسب ما رأينا شيئا من ذلك فيما جاء في كتاب

لكونه , فإن هذه الصعوبة تعتبر من خصائص الخطاب األدبي, السابق الذكر" الخطاب

ا إال من فال تستمد دالالته, نصا جماليا تكاد اللغة فيه أن تفقد معانيها المعجمية الثابتة

متجاوزة بذلك حالة ثبات معانيها المعجمية إلى خلق معان , النص الذي تساهم في بنائه

جديدة؛ ومن هنا تضعف عالقتها بالمرجعية الخارجية التي تقاس عليها معاني خطاب

الذي يحرص دائما على أن تكون عالقته , أو الخطاب العلمي عموما, المتحاورين

.85ص, "تحليل الخطاب"يول . براون و ج. ب. ج - 34 .91ص, نفسه - 35

24

حتى يحقق دقة التبليغ التي تبقي على استمرار التواصل بالمرجعية الخارجية قوية

" ميشال كولو"وهذا ما يجعل التعريف اآلتي الذي أعطاه . وصحته بين المرسل والمتلقي

يعالجها نص أو " مادة"يعد الموضوع تقليديا : (( يقول, للموضوع يجد أهميته هنا

ن تعريفه إذن بصورة يمك, ]كذا[وتأخذ عالقته معها شكل عالقة تخارجية , خطاب

الموضوع من وجهة نظر .مستقلة عن العمل بحسب المراجع الخارجية عنه

)36(.))الموضوعاتية هو مجموع المعاني التي يعطيها عمل ما لهذه المراجع

ومع ذلك فإن أمر تحديد الموضوع تبقى دائما عملية صعبة ونسبية حسب ما

الموضوع " فالقاعدة المتبعة في تحديد ": (( خطابتحليل ال"يؤكد على ذلك مؤلفا كتاب

هي أكثر المصطلحات استعماال في " موضوع"بل الواقع أن كلمة , قلما تأتي صريحة"

)37(.))وأقلها وضوحا,مجال تحليل الخطاب

نحاول القيام فيما يأتي , "قلة الوضوح"وحتى ال نبقي مفهوم الموضوع في مستوى

الذي كثيرا ما يقع االلتباس بينه وبين " Motifالغرض "مفهوم بتحديد ,ثمن البح

.يصل أحيانا إلى عدم التمييز بينهما أصال, مفهوم الموضوع

: ) Le motif (ب ـ مفهوم الغرض

(Le motif )والغرض (Le thème) تعد مسألة التمييز بين مفهومي الموضوع

عناية كبيرة في دراساته التي " ون تروسون ريم" إحدى المسائل الرئيسية التي أوالها

وهو العلم الذي يعتبر فرعا ,)La thématologie" (علم الموضوعات"أنجزها حول

دراسة : "وقد برزت تلك العناية بالخصوص في كتابيه. من فروع األدب المقارن

". موضوعات وأساطير" و " مشكلة في األدب: الموضوعات

واالختالف , ستعرض آراءه حول مصطلحي الموضوع والغرض وقبل أن ن

.نتوقف بداية عند المفاهيم التي أعطتها معاجم اللغة لمصطلح الغرض, الموجود بينهما

, 93العدد, مجلة اآلداب األجنبية, ترجمة غسان السيد, "الموضوع من منظور النقد الموضوعاتي" ميشال كولو - 36 .37ص, 1997شق دم

.85ص, "تحليل الخطاب"يول . براون و ج . ب . ج - 37

25

: والجمع, الغرض شعبة في الوادي أكبر من الهجيج: (( جاء في لسان العرب

هو : والغرض. هاوزهادها صغار, أصابنا مطر أسال زهاد الغرضان: يقال. غرضان

)38(.))أغراض: والجمع, الهدف الذي ينصب فيرمى فيه

األول هو المعنى العام الذي يقدمه لنا : يمكن أن نستنتج من هذا التعريف مفهومين

. منخفض ما" مركز"نحو , الذي يعني سبيال معينة يسيل فيها ماء المطر, "الوادي"لفظ

الغاية التي تشكل بدورها مركزا توجه نحوه الرميات أما المفهوم الثاني فهو الهدف أو

صانعة مسارا شبيها، في جوهره، بمسار الوادي , التي تنطلق من نقطة أو نقاط معينة

وهو بذلك مفهوم ال يختلف في جوهره عن . الذي تشكله المياه في جريانها نحو مصبها

. المفهوم األول

:Motifالدافع ": (( يخي للغة الفرنسية المعجم التار: معجم روبير" وجاء في

. سبب التحرك. ما يدفع إلى الحركة. تعني الحركة: Motivusموتيفوس , كلمة التينية

. وغير ذلك, رسم, موسيقى, على عمل, الموضوع الذي يسيطر على مؤلف: في الفنون

)39(.))حافز, تحفيز

كون تفس, ريف بتعريف ابن منظورإذا حاولنا تسجيل نقطة من نقاط التقاء هذا التع

وهذا المعنى . التي تكون باالنتقال من نقطة إلى أخرى"الحركة "اشتراكهما في معنى

.كان محددا في التعريف األول وبقي عاما في التعريف الثاني

الدافع: (( حول هذا المصطلح المعاني اآلتية" معجم اللغة الفرنسية" ونجد في

motif :الحافز . أسباب الرفض. يحدد أو يشرح حدوث فعل أو سلوك ماالسبب الذي

Motivation : مجموع العوامل الواعية وغير الواعية التي تحدد فعال أو سلوكا

)40(.))ما

وإذا . يركز هذا التعريف بالخصوص على السبب الذي يقف وراء إنجاز فعل معين

نجده يتجسد بفضل الحركة التي تكون حاولنا أن نتصور كيفية حدوث هذا اإلنجاز فإننا

أو من وضع إلى , أو من حالة إلى أخرى,عن طريق االنتقال من نقطة إلى أخرى

.الجزء السابع, "غرض"مادة , لسان العرب- 38

39 - Le Robert :dictionnaire historique de la langue française, Paris 1992, P. 1278. 40 - Dictionnaire de la langue française , Paris 1993, P.853.

26

وهذه صورة تشترك في جوهرها مع ما استخلصناه أعاله من تعريف ابن منظور . آخر

: هو, فمفهوم الغرض والدافع والحافز في هذه التعريفات الثالثة. وتعريف معجم روبير

.بإنجاز أمر ما, بسلوك, يدفع إلى القيام بعملما

الروس "لهذا المصطلح تعريفا مشتركا في كل من " معجم الروس" وأورد

سبب ذو صفة : Motifالحافز : (( جاء فيه" المعجم الموسوعي: الروس "و" الصغير

ية جمالية بن, موضوع: في الفنون. إلى اإلتيان بمبادرة ما, عقلية يدفع إلى فعل شيء ما

يلتقي هذا التعريف للمصطلح كما نرى، مع التعريفات )41(.))تتكرر في أغلب األعمال

الثالثة السابقة، كونه يحمل مثلها معنى السبب الذي يحرك اإلنسان أو يدفعه للقيام

.بإنجاز فعل يحقق االنتقال من حالة معينة إلى حالة أخرى جديدة

ب الموجود بين المعاني التي تعطيها القواميس العربية من هنا يتبين لنا التقار

فإذا كان مفهوم . والمعاني التي تعطيها القواميس الفرنسية لمفهومي الموضوع والغرض

ما "ألنه يدل على , الموضوع هو مفهوم يرتبط أكثر بمجال اإلنتاج الفكري واإلبداعي

يشمل المجال الفكري وغيره فإن مفهوم الغرض , "يعبر عنه الكالم أو يكتب من أجله

وهذا الفعل قد ؛"ما يدفع إلى القيام بالفعل"من مجاالت الحياة األخرى؛ لكونه يدل على

وغيرها من األعمال والسلوكات الكثيرة التي يؤديها , بدنيا, إبداعيا, يكون إنجازا علميا

, اجا فكريا أو شعوريافي كونهما إنت: أما العالقة بينهما فتتمثل أوال. اإلنسان في الحياة

يكون استجابة واعية أو غير (Le thème)إن الموضوع : ثانيا. واعيا أو غير واع

هذا على . أي أن الموضوع يتأخر عن الغرض ويكون نتيجة له, واعية للغرض

). Motif" (الغرض"مستوى ما تقدمه القواميس اللغوية السابقة لمفهوم

ن فإننا نستنتج من كالمه أنه ال يتوقف عند هذا الحد وإذا عدنا إلى ريمون تروسو

إذ لم يعد الغرض دافعا أو حافزا يحث الفكر , من معاني الغرض وعالقته بالموضوع

تصدر عنه مجموعة مفتوحة من " منبعا"وإنما يصير , "الموضوع"والشعور على إنتاج

يسمح لها بتشكيل يكون الغرض صانعا أللوانها ولخصائصها العامة؛ مما, الموضوعات

.التي تنتظم بدورها في مجموعات معينة, صنف معين بين موضوعات األدب

41 - Le Petit Larousse, (Grand Format), 1998 , P.672. Et , Larousse dictionnaire encyclopédique, 1994, P.676.

27

فالحب أو الغزل هو غرض من أغراض األدب الهامة والمعروفة؛ وكل نص

ونعتبر موضوع هذا , أدبي يتناول هذا الغرض يكون تجسيدا أدبيا خاصا لهذا الغرض

ومن هنا نخلص إلى . تم بناؤه بناء فنيا خاصا، وقد"الحب"النص األدبي هو موضوع

وحيث أن . إن الموضوع هو التجسيد األدبي الخاص للغرض: القول في هذا السياق

فإن كل مجموعة من , النص ال يكون إبداعا أدبيا إال إذا حقق خصوصيته الجمالية

فهي تشترك في , ويكون موضوعها هو الحب, النصوص تحقق هذا الشرط الجمالي

ويبقى الغرض مفهوما عاما ال يرتبط بمجال . تمائها إلى غرض الحب أو الغزلان

يبقى , فالحب مثال. دون المجاالت الفكرية واإلبداعية األخرى, فكري أو إبداعي محدد

والبيولوجية؛ كما يكون , والنفسية, مفهوما عاما يمكن أن تتناوله الدراسة االجتماعية

يمكن أن تكون موضوعا للدراسة , "غرض"رب والح. أيضا موضوعا للنص األدبي

, وهكذا. والفلسفية؛ وموضوعا كذلك للنص األدبي, و االجتماعية, السياسية والتاريخية

فموضوع أي نص أو غرضه يحددهما المجال الفكري واإلبداعي الذي ينتمي إليه هذا

. النص نفسه

م عالقته بالموضوع ينطلق ريمون تروسون في محاولة تحديد مفهوم الغرض ث

فيشير إلى التداخل الكبير الذي يعاني منه )42())موضوع أم أغراض؟: ((من السؤال

إذ كثيرا ما يعامالن على أساس أنهما يدالن , المصطلحان في الساحة الثقافية والفنية

وإذا كان هذا التداخل المفروض على المفهومين ال يشكل عقبة كبيرة . على مفهوم واحد

كدراسة السيرة الذاتية , ذات الطابع العام والشمولي, بعض األعمال الفكريةإلنجاز

حيث تهدف , فإن األمر يختلف عندما يتم إنجاز دراسة في مجال علمي خاص, مثال

. الدراسة في هذه الحالة إلى تحقيق الدقة العلمية الالزمة

الدراسات متى تم فيها وعن النتائج السلبية التي تترتب في هذا النوع الثاني من

إن : (( يقول ريمون تروسون, تجاهل االختالف الموجود بين مفهومي المصطلحين

وعدم دقة مؤسفة لما يكون القصد من , هذا الوضع يمكن أن يؤدي إلى حدوث غموض

من هنا تبدو أمامه ضرورة وضع تعريفين )43(.))البحث هو تناول أحدهما دون اآلخر

42 - Raymond Trousson « Les études de thèmes: un problème de littérature comparée »; Lettre Moderne, Paris 1963, P.11. 43 - Ibid, P.12.

28

أو مفهوم واسع , إنه كل بساط قاعدي: (( فيقول عن الغرض, لحينلتحديد داللة المصط

بحيث لم , أو تعيين حالة قاعدية غير خاصة. كالثورة مثال, يسعى إلى تعيين موقف ما

موقف الرجل أو سلوكه بين امرأتين؛ أو , يتم بعد تشخيص الفواعل فيها؛ من ذلك مثال

فنحن هنا أمام حاالت . لمرأة المنبوذةأو بين أب وابنه؛ أو حالة ا, الصراع بين أخوين

مثل , وحتى أمام نماذج واضحة, ومواقف معروفة مسبقا, محددة في خطوطها العامة

)44(.))ولكن كل هذه الحاالت تبقى في مستوى المفاهيم العامة." مغري النساء"الثائر، و

تعبير بو. إنه التعبير الخاص والمتفرد عن الغرض: (( فيقول, أما عن تعريفه للموضوع

)45(.))هو االنتقال من العام إلى الخاص, آخر

بعد هذين التعريفين المحددين لمصطلحي الغرض والموضوع، تصبح مسألة

معرفة المادة التي يشتغل عليها األدب أمرا ممكنا عند ريمون تروسون؛ فما دام

ددا بنصه؛ مفهوما خاصا ومح" الموضوع"و, مفهوما عاما، واسعا وشامال" الغرض"

والنص األدبي إبداعا متفردا تحققت فيه خصوصية جمالية تميزه من غيره من

. فقد أصبح واضحا أن الغرض هو المادة الخام التي يشتغل عليها األدب, النصوص

نستخلص من تعريفاتنا للغرض وللموضوع أن مادة : (( وهكذا يقول ريمون تروسون

ويقول موضحا عالقة كل من )46()).األدب ليست الموضوع وإنما هي الغرض

الغرض عنصر غير : (( المفهومين ببعضهما بعضا، من خالل عالقتهما بالنص األدبي

, محققا بذلك أدبيته, أما الموضوع فهو يجسد الغرض ويميزه. ولكنه مادة األدب, أدبي

سه ألن الموضوع ال يحقق وجوده إال انطالقا من اللحظة التي يعبر الغرض فيها عن نف

)47(.))من خالل عمل أدبي

ليس من المستبعد أن يكون هذا التوضيح قد فتح مجاال لظهور تساؤالت حول ما

مادامت ,إذا كان من الممكن ظهور مجموعة من النصوص ذات موضوعات متعددة

جميعا تصدر عن غرض واحد فقط؟ اإلجابة عن هذا التساؤل تقدمها لنا النصوص

فالقصائد التي تناولت غرض الخمرة في . ويؤكدها ريمون تروسون ثانيا, األدبية أوال

44 - Raymond Trousson, « Thèmes et mythes: questions de mythodes » ; Editions de ľ université de Bruxelles, 1981, P.22 45 - Ibid P.22-23 46 - Raymond Trousson « Thèmes et mythes: ...», P.24. 47 - Ibid, P.25.

29

ولكن كل قصيدة تتناول موضوعها من , تعد بالعشرات في ديوانه, شعر أبي نواس مثال

, مما يجعلها تختلف عن بقية القصائد، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى, زاوية خاصة بها

أما تأكيد ريمون . غرض الخمرةفكل تلك القصائد تصدر عن غرض شعري واحد هو

تستمر الموضوعات التي يجمعها غرض : (( تروسون لهذه الحقيقة فقد عبر عنها بقوله

حتى وإن كانوا , واحد في تحقيق اختالفات عن بعضها بعضا عند مجموعة من الكتاب

وبعد )48(.))يعيشون في عصر واحد وينتمون إلى حضارة واحدة ومذهب فكري واحد

ن هذا االختالف أمر ثابت حتى بين الموضوعات التي ينتجها كاتب واحد أن يوضح أ

إن من يزعم أننا يمكن الذهاب بعيدا فنقوم : (( يخلص إلى القول, داخل الغرض نفسه

هو كمن يزعم أن جميع اللوحات التي , بإذابة عدة موضوعات في مرجل واحد فقط

)49(.))ع واحديغلب عليها اللون األزرق هي لوحات تشترك في موضو

هكذا يوضح ريمون تروسون االختالف الجوهري القائم بين مفهوم الغرض

مع ضرورة االنتباه إلى , و يؤكد على أهمية التمييز بين المفهومين, ومفهوم الموضوع

وإنما , أن الغرض الواحد ال يترتب عنه أبدا تطابق بين الموضوعات التي تتفرع عنه

.ه شخصيته المتميزة التي بفضلها يحقق جوهره كإبداع متفردلكل موضوع نص أدبي ل

من اإلشارة إلى أن ريمون تروسون قد استفاد في بناء آرائه , والبد في األخير

من بعض األعمال التي حاول , "الموضوع"و" الغرض"المتطورة هذه، عن مصطلحي

ر العالقة القائمة بينهما؛ فيها أصحابها تحديد الفروق الموجودة بين المصطلحين وإظها

". موضوعات وأساطير: "وهذا حسب ما يشير هو نفسه إليه في إحاالت كثيرة من كتابه

يتحدث فيه عن 50(Littrés), "ليتري"من ذلك هذا الكالم الذي يثبته للعالم اللغوي

وأن , يسيطر في كامل األغنية الغرض هو جملة من المقطع الذي(( :الموسيقى قائال

والمؤهل ألن يكون محل إنجاز عدة , وع هو الغرض المحدد بقدر كافالموض

)51(.))تعديالت

48 - Raymond Trousson « Thèmes et mythes: ...», p.28. 49- Ibid; p.28

Dictionnaire de la langue"سية تحت عنوان هو مؤلف أحد أشهر القواميس باللغة الفرن) 1881-1801( ليتري- 50française (وهو أحد تالمذة الفيلسوف الوضعي أوغيست كونت .

51 - Ibid; p.129.

30

من هنا يبدو لنا أن العمل الهام الذي أنجزه ريمون تروسون الرامي إلى توضيح

, الحدود الفاصلة بين مصطلحي الغرض والموضوع، مع تحديد العالقة القائمة بينهما

هو عمل تعود محاوالت القيام بإنجازه , ل وتفصيل لهبحيث أن الثاني هو توسيع لألو

إلى وقت متقدم، ذلك بسبب ما تمت مالحظته من سهولة وقوع الدارسين في الخلط بين

المصطلحين الذي قد يؤدي إلى التقليل من أهمية جهودهم الرامية إلى إنجاز دراسات

. تتوفر على الدقة والوضوح

: ) ThématiqueLa(ج ـ الموضوعاتية

يختلف مفهوم الموضوعاتية عن مفهومي الموضوع و الغرض اللذين قمنا بتحديد

مما سمح لنا أيضا , اعتمادا على مجموعة من المعاجم العربية والفرنسية, معانيهما

وهو األمر الذي سيساعدنا على تحديد مصطلح , بإظهار عالقتهما ببعضهما

, سياسية, فبينما يعبر الموضوع عن فكرة اجتماعية. ماوعالقتها به" الموضوعاتية"

ضمن إطار , والتي تقوم شخصيات فنية بتجسيدها في المجال األدبي, أو غيرها, فلسفية

مما يجعل التوصل إلى تصور تلك الفكرة أو األفكار بصفتها , زماني ومكاني معين

أمرا ممكنا؛ نجد , "ب "ونهاية هي النقطة, "أ"هي النقطة , معاني متجانسة لها بداية

تفتقد إلى هذه الحدود الواضحة التي تمكن من , الموضوعاتية على عكس الموضوع

ذلك ألن . تصنيفها في مجال معين من مجاالت الحياة الفكرية أو االجتماعية

الموضوعاتية هي العنصر الذي ينطلق منه التجسيد األدبي لموضوع النص أو

عاتية صانعة هذا التجسيد في النص األدبي عبر حيث تستمر الموضو, لموضوعاته

متخذة دور الخلية أو النواة التي تنقسم , أو تنويعاتها الكثيرة) Modulations(تعديالتها

لتخرج الكائن الحي، ثم تستمر في النمو والتطور صانعة أقسامه وتفاصيله وكيانه

. النهائي

بل كثيرا ما تحيا في جميع أعمال , فالموضوعاتية تعيش في كامل النص األدبي

ببنيات فنية متنوعة و موضوعات مختلفة؛ ذلك ألنه مادامت تصدر عن , الكاتب الواحد

كقوة وعمق عالقات الدم , فهي ترتبط فيما بينها بعالقات فنية قوية وعميقة, مؤلف واحد

بأنهم ومن هنا ندرك مدى صدق كثير من األدباء لما يصرحون. التي تربط بين اإلخوة

31

فهم ال يكتبون في نهاية األمر سوى عمل , مهما تعددت أعمالهم اإلبداعية وتنوعت

. إبداعي واحد

التي كنا , "وضع"هو مادة " الموضوعاتية" برغم كون المصدر اللغوي لمصطلح

م هذا المصطلح مختلف فإن مفهو, توقفنا قبل اآلن عند معانيها في مجموعة من المعاجم

ويبدأ هذا االختالف من اختالف مفهوم . عن معاني هذه المادة األصلية التي يرتبط بها

ومفهوم ذلك الموضوع نفسه في نص , من الموضوعات في النص األدبي, موضوع ما

فيتعامل مع , ومن هنا يجب على النقد األدبي أن يعي هذا االختالف. آخر غير أدبي

" جان بيار ريشار"وقد نبه . ب ما تقتضيه طبيعة النص األدبيالمصطلحين بحس

(Jean-Pierre Richard) إلى أن الموضوع في النص األدبي ال يستمد قيمته من ذاته

ومتخذا , وإنما من النص الذي يشكله ويبنيه ويصنعه؛ إذ يقول موضحا هذه المسألة

إن (( : مثاال عنها) Mallarmé Stéphane()52" (ستيفان ماالرمي"األعمال األدبية لـ

كما يمكن أن تدرس , الموضوعات أو الصور يمكن أن توجد خارج عمل محدد

فما يهمنا ليس أن نعرف كيف ومن , ولكن هذه الدراسات ليست قيد بحثنا اآلن... بذاتها

ولكن ما أردناه هنا . وال ما كانت تعنيه قبل أن يمتلكها, أين جاء ماالرمي بهذه الصور

أن نبحث عن , نبحث عن المعنى الذي أخذته هذه الموضوعات عند ماالرميهو أن

فإذا استثنينا بعض الحاالت . القيمة الخاصة التي اكتسبتها في التقائها ببعضها بعض

وإنما بترتيب وتنظيم هذا , نجد أن فرادة التجربة اإلبداعية ال ترتبط بمحتواها, الخاصة

)53(.))المحتوى

خطورة االنحراف الذي تقع فيه بعض الدراسات األدبية التي تتخذ من هنا تبدو

إذ تجد نفسها تضع النص األدبي على قدم , مضامين األعمال األدبية موضوعات للبحث

متناسية هكذا خصوصياته التي تميزه , المساواة مع النصوص الثقافية والفكرية األخرى

وقيمته حسب اختالف طبيعة من تلك النصوص؛ ومن ثم اختالف مفهوم الموضوع

هل : ((أيضا بقوله" غريماس"وهذا ما يوضحه . أو تعبر عنه, النصوص التي تتناوله

).1898-1842(عاش في النصف الثاني من القرن التاسع عشر, ستيفان ماالرمي شاعر فرنسي مشهور- 52, 1996دمشق, شراع للدراسات والنشر والتوزيع, لثانية؛ الطبعة ا"المنهج الموضوعاتي"عبد الكريم حسن , انظر- 53 .74-75ص

32

يمكن أن نميز من وجهة نظر المحتوى قصيدة أو رواية أو نصا أدبيا عن كتاب في

فبحوثنا في علم الداللة تثبت أنه ال يمكن أن نحدد األدب . السياسة أو الفلسفة؟ كال

)54(.))خصوصية محتواهبتحديد

إن االعتراف بالعجز عن التوصل إلى اكتشاف جمالية النص األدبي عن طريق

هو البداية للتأسيس لمنهج نقدي , أو محتواه حسب تعبير غريماس, تحديد موضوعه

وهذا المنهج ـ في رأينا ـ هو المنهج الذي يقوم باستكشاف موضوعاتية , سوي وفعال

مما , ن هذه الموضوعاتية هي الخلية التي كونت العالم الجمالي للنصأل, النص األدبي

يجعل اكتشاف تعديالتها عبر النص هو اكتشاف للبناء الذي سلكه النص في نموه

.من بداية تكونه إلى مرحلة استوائه واكتماله, المستمر

مال من انطالقا من أع, بمحاولة لتعريف المنهج الموضوعاتي" رامان سلدن" قام

؛ إال أن الطابع الشامل والعام للتعريف الذي قدمه "مدرسة جينيف"يطلق عليهم نقاد

وغير قادر على تمكين القارئ من بناء تصور واضح ودقيق حول هذا , جعله غير فعال

, نقاد جينيف أو نقاد الوعي أو المدخل الوجودي ـ األنطولوجي: (( المنهج؛ وهذا بقوله

في , وألبير بيجوين بوليه, ت على النقد الذي كتبه ميشيل ريمونكلها تسميات أطلق

في المرحلة , و هيلز ميلر, وجان ستاروبنسكي, وجان بيار ريشار, المرحلة األولى

بحثا عن قراءة للتجربة الداخلية التي , وهي مدرسة ترفض النزعة الشكلية. الثانية

تحاد الوجداني بين النقاد ينطوي عليها النص والتي ال تنكشف إال من خالل اال

أو , وذلك كله بحثا عن ما يسمى تجربة المؤلف التي يوصلها النص, والالشعور النصي

) 55(.))الوعي الفاعل للكاتب لحظة الخلق

وإذا استثنينا اسم جان بيار ريشار من بين أسماء النقاد الموضوعاتيين الذين تناولهم

اتهم النقدية الموضوعاتية هي إنجازات متواضعة أمام هذا التعريف فإننا نرى أن إنجاز

, )Georges Poulet" (جورج بولي" :ومنهم, ما أنجزه النقاد الموضوعاتيون اآلخرون

Gaston" (غاسطون باشالر"و, )Jean-Paul Weber" (جان بول ويبر"و

.13ص, ..."الموضوعية البنيوية"عبد الكريم حسن , انظر- 54القاهرة , دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع, ؛ ترجمة جابر عصفور"النظرية األدبية المعاصرة" رامان سلدن- 55 .170ص, هامش, .)ت.د(

33

Bachelard( . أما على مستوى التوجيهات الفكرية التي تشكل قاعدة يستمد منها

فقد اكتفى هذا التعريف منها بذكر التوجه النفسي , المنهج الموضوعاتي إجراءاته العملية

التي ال تنكشف إال : (( فقط حين رأى أن هذا المنهج يقوم بالبحث عن تجربة المؤلف

وهذا التوجه هو الذي )). من خالل االتحاد الوجداني بين النقاد والالشعور النصي

بصفة خاصة؛ وتلتقي ) Charles Mauron" (مورونشارل "سارت عليه أعمال

ريشار وجورج بولى، فاألول يرى ضرورة حلول .ب.عنده أيضا دعوة كل من ج

أما الثاني فمن خالل ما يوليه من أهمية اللتحام الناقد بالنص , الناقد في النص المنقود

من ثم و, حتى يتمكن من إدراك طبيعة وعي مؤلف النص بعنصري الزمان والمكان

.وعيه بالعالم الذي يعيش فيه

يبقى ذلك التوجه النفسي الذي نجده عند بعض النقاد , ولكن مع هذا

الموضوعاتيين مجرد توجه عام وثانوي يشكل الحدود التي يلتقي عندها المنهجان

ريشار بمصطلح . ب. وينفصالن عن بعضهما بعضا في الوقت نفسه؛ وهذا ما يحدده ج

فأغلب النقاد , أما النقد األدبي القائم على التحليل النفسي. كما سنرى,"الحلولية"

دون أن ينكروا أهمية استفادة المناهج , الموضوعاتيين يؤكدون على اختالف المنهجين

.النقدية من بعضها بعض

وعلى , اهتماما كافيا في معاجم اللغة والنقد" الموضوعاتية " لم يلق مصطلح

عرف مصطلحا الموضوع والغرض قدرا هاما من البحث والدرس , العكس من ذلك

هو حداثة , في رأينا, والسبب الذي يقف وراء هذا النقص. حسب ما مر بنا, والتعريف

. ومن ثم حداثة الداللة التي اكتسبها, المنهج الموضوعاتي نفسه في الساحة النقدية

, متفحصة في معاجم اللغة ومعاجم النقد األدبي تجعلنا نتأكد من قلة هذا االهتمامفنظرة

إذ ال تذهب هذه المعاجم في أحسن الحاالت إلى أبعد من اإلشارة إلى كون

ثم تقف عند هذا الناقد دون أن تتعداه . ريشار. ب. الموضوعاتية منهجا نقديا يتزعمه ج

.يين إال نادراإلى ذكر غيره من النقاد الموضوعات

الدراسة , نقد موضوعاتي: موضوعاتية": (( قاموس الروس الموسوعي" جاء في

قاموس "وورد في )56(.))النقدية للموضوعات الثابتة في عمل أدبي أو عند كاتب 56 - Larousse dictionnaire encyclopédique; Volume1, P.1006.

34

وتعني ما ينتظم , المضوعاتية صفة للموضوع: (( التعربف اآلتي" الروس الصغير

يرمي عن طريق , هو طريقة للقراءة النقدية, اتيالنقد الموضوع. حول الموضوع

إلى التعرف على انسجام العالم , دراسة الثوابت الموضوعاتية ومحاورة بعض الجزئيات

روبير الصغير للغة قاموس" أما )57(.))وعلى االنشغال العميق للكاتب, الخيالي الفني

ب؛ تعني النقد الموضوعاتية؛ في األد: (( فورد فيه التعريف اآلتي" الفرنسية

وهي منحدرة , الموضوعاتي الذي يرتبط بحضور موضوعات ثابتة في العمل األدبي

)58(.))من تجارب الطفولة

,نالحظ أن هذه التعريفات في جملتها ال تقدم صورة دقيقة عن مفهوم الموضوعاتية

مييزها وبسبب عدم ت, أو النقد الموضوعاتي؛ ذلك بسبب ميلها الشديد نحو االختصار

كما هو الحال في التعريف , بوضوح أيضا بين مفهوم الموضوع ومفهوم الموضوعاتية

" الذي جاء في قاموس الروس الموسوعي الذي يقدم النقد الموضوعاتي على أنه

أم " ثابتة"فدراسة الموضوعات سواء كانت ". الدراسة النقدية للموضوعات الثابتة

موضوعاتي؛ كما أن الموضوعاتية في النقد ليست هي مهمة النقد ال, "متغيرة"

ثم إن ما . الموضوعاتي ليست أبدا صفة للموضوع حسب ما ذهب إليه الروس الصغير

ليس تعريفا , "يرمي إلى دراسة الثوابت الموضوعاتية"جاء فيه من أن هذا النقد

ة؛ بقدر ما هو إشارة إلى وجود ثوابت ومتغيرات في الموضوعاتي, للموضوعاتية نفسها

ألن المعروف عن الموضوعاتية أنها تدخل على نفسها , وهذا بدوره مفهوم غير دقيق

, الواحد بعد اآلخر, تمكنها من بناء مشاهد النص) Modulations(باستمرار تعديالت

.حتى يكتمل البناء باكتمال النص

وتصلح بعض هذه المالحظات أيضا لما جاء في قاموس روبير الصغير للغة

. فرنسية الذي يربط بين النقد الموضوعاتي والموضوعات الثابتة في النص األدبيال

فهذا الجزء من التعريف الذي ورد فيه يعني بكل وضوح أن النقد الموضوعاتي يقوم

بدراسة الموضوعات؛ وهو مفهوم قد ذكرنا قبل اآلن أنه يصرف الدراسة الموضوعاتية

57- Le Petit Larousse, (Grand Format P.1006 58 -Petit Rober: dictionnaire de la langue française , P.1957.

35

ثم تتبع , وضوعاتية النص من خالل تحديدهاالذي هو دراسة م, عن مجالها الحقيقي

. تعديالتها المستمرة والمتنوعة عبر النص

هو أهم تعريف " معجم آداب اللغة الفرنسية" ولعل التعريف الطويل الذي ورد في

ما بين الدراسات التقليدية لتاريخ : (( إذ جاء فيه, تقدمه المعاجم الفرنسية للموضوعاتية

واإلنتاج؛ , اإلنسان, أي البيئة, على السلسلة المنطقية في البحثاألدب التي تركز

والتيارات الشكالنية أوالبنيوية المهتمة بالنصوص المتميزة الستخراج القوانين التي

تحتل الصدارة في بناء األعمال؛ بين هذين االتجاهين يقف النقد الموضوعاتي ليفتح

, العالقات الشكلية والداللية في اآلن نفسهو, األفكار, الصور: طريقا ثالثا يدرس فيه

والتي يعتقد أنها أساسية لفهم تلك , أو مجموعة من النصوص, التي تتكرر في نص ما

ويكون الموضوع في هذا ". موضوعات"ولهذا السبب سميت . النصوص أو شرحها

أو المصدر األول الذي تتوالد منه خطوط ومالمح متعددة, النقد كالخلية األصلية

, ولكن التعرف على أضوائها وألوانها, تبدو متباينة ومتباعدة عن بعضها, ومتنوعة

)59(.))يسمح بالكشف عن أصلها العائلي المشترك الذي تستمد منه جميعا وجودها

للنقد " معجم آداب اللغة الفرنسية" تعود أهمية هذا التعريف الذي وضعه

حسب ما سنرى عند , ت التي يعطيها له روادهإلى كونه يتفق مع التعريفا, الموضوعاتي

.دراسة جهود بعضهم بغاية التأسيس لهذا المنهج وتحديد إجراءاته وتطويرها

يتضح من جملة هذه التعريفات المتنوعة المصادر أن الموضوعاتية هي سلسلة

, صالتعديالت والتحوالت التي تصنعها نواة النص مشكلة تفاصيل المشاهد الفنية للن

والتي يكون مجموعها في األخير عالم النص الجمالي؛ وهذه النواة يمكن أن تكون

فهي , فإذا أخذنا الشجرة كمثال على ذلك. أو غير ذلك, صوتا, كلمة, حدثا, مشهدا

, األوراق, األغصان, الجذع, الجذور: تتكون من األقسام اآلتية, بمظهرها الشمولي

ومن حيث , م تبدو مختلفة عن بعضها من حيث الشكلوالثمار؛ وهذه األقسا, األزهار

مظهر المادة التي تكون هذه األقسام؛ ولكن هذا االختالف مع ذلك ينبع من مصدر

هو جزء جوهري , بل إن كل جزء من هذه األقسام التي تبدو مختلفة عن بعضها, واحد

ت الشجرة التي أعط" الصغيرة"والذي هو النواة الواحدة , في تكوين هذا المصدر 59 - Dictionnaire des littératures de la langue française ; Vol. P-Z, Bordas, Paris1984 , P.2297.

36

تدخل عليها تعديالت , فالنواة فيه واحدة, وكذلك األمر في النص األدبي". الكبيرة "

باستمرار تجعل كل مشهد يبدو مختلفا عن غيره من المشاهد األخرى التي تدخل في

التي هي المشهد األصلي للنص؛ وذلك , ويبدو أيضا مختلفا عن النواة, تكوين النص

وتبقى , تشترك مع بعضها ومع النواة في خصائص معينةبرغم أن جميع التعديالت

هذه الخصائص المشتركة هي . جميعها محافظة على تلك الخصائص على امتداد النص

والتي سيتم تناولها في , "القرابة السرية"ريشار مصطلح . ب. التي يطلق عليها ج

. مكانها من البحث

:د ـ الموضوعاتية والظاهراتية

La)" الظاهراتية" يأخذ المنهج الموضوعاتي منبعه الفكري من الفلسفة

Phénoménologie) 1939(إيدموند هوسرل " التي تزعمها الفيلسوف األلماني-

1858( Edmond Husserl ."

وتقوم الفلسفة الظاهراتية بالبحث في مشكلة وعي اإلنسان بنفسه وبالعالم المحيط

ا كانت الفلسفة الديكارتية تجد الحل لمشكلة الوعي باالنطالق من وعي اإلنسان فبينم. به

, أنا أفكر: " حسب مبدأ ديكارت, حتى يصل بعد ذلك إلى تحقيق وعيه بالعالم, بنفسه

أن الوعي هو "راحت الفلسفة الظاهراتية تقلب هذه المعادلة لتؤكد , "إذن أنا موجود

أن وعي اإلنسان بنفسه يمر أوال عن طريق وعيه ومعنى هذا". دائما وعي بشيء ما

أن هذه الفكرة الفلسفية هي أكبر (Paul Ricoeur)" بول ريكور"وقد اعتبر . بالعالم

) 60(.نتيجة تحققها الفلسفة الظاهراتية

هوسرل أخذ هذا المبدأ الفكري الذي تقوم . ويبدو حسب عبد الكريم حسن أن إ

: وهو مبدأ عبر عنه بالصيغة, Brantanoبرانتانو " عن أستاذه ة الظاهراتيةفعليه الفلس

Toute conscience: ((في مقابل الصيغة الفرنسية" كل وعي هو وعي بشيء ما"

est conscience de quelque chose(( )61( . ويرى رامان سلدن أن جذر كلمة

تعبر عن اتجاه ثم هي , الفينومينولوجيا تعود إلى معنى ظهور األشياء في اليونانية

60 - Voir, Paul Ricoeur « Narrativité Phénoménologique et Herméneutique »; in , Encyclopédie Philosophique Universelle, Tome1, 2eme édition, P.U.F, P.68.

..38ص, » المنهج الموضوعاتي «عبد الكريم حسن , انظر- 61

37

ذلك ألن المعنى ليس , فلسفي حديث يؤكد على الدور المركزي للقارئ لتحديد المعنى

)62(.وإنما يتحدد بقارئه, محددا بذاته ومستقال عن القارئ

حريصا على ربط مفهوم الفلسفة الظاهراتية بعملية التلقي , ويبدو رامان سلدن هنا

من مجتمع ومؤلف , لية اإلبداع والمتفاعلة معهالتي تختزل األطراف الفاعلة في عم

وهذا يجعلنا نرى أن فهم رامان سلدن . النص والقارئ: في طرفين فقط هما, وقارئ

رامان ( والقارئ ) الفلسفة الظاهراتية(النص : للفلسفة الظاهراتية يقوم بدوره على ثنائية

لظاهراتية عما ورد وقد تجلت مظاهر االختزال هذه عنده في اختالف فهمه ل). سلدن

وعند رواد المنهج الموضوعاتي أيضا؛ وقد , عنها من تعريفات في المعاجم الفلسفية

وهو الكشف , يعود سبب هذا االختالف إلى تأثر رؤيته بمجال البحث الذي وردت فيه

وتتبع تطوراتها حتى زماننا هذا؛ بينما يتم تناول مفهوم , عن مصادر النظرية األدبية

ظاهراتية في المعاجم الفلسفية بمعزل عن أي سياق فكري غير سياق البحث الفلسفة ال

. الفلسفي ذاته

أما النقاد الموضوعاتيون فهم يستثمرون هذا المبدأ الفلسفي الظاهراتي من أجل

.توصلهم إلى اكتشاف جمالية النص األدبي, عملية وفعالة, بناء أدوات نقدية

مصطلح " معجم المصطلحات الفلسفية" الحلو في فقد عرف عبدو, وهكذا

, تعريفا مختصرا بحكم ازدواجية لغة المعجم) Phénoménologie" (فينومينولوجيا"

: phénoménologie, فينومينولوجيا: (( قائال, إذ هو نقل من الفرنسية إلى العربية

لف دالالت هذه وتخت. دراسة الظواهر كما تبدو لنا في الزمان والمكان. علم الظواهر

)63(.))الدراسة وأغراضها باختالف الباحثين

" موسوعة الفلسفة" ويحمل تعريف عبد الرحمان بدوي لهذا المصطلح في كتابه

برغم خلوه من اإلشارة إلى عالقته بالتراث الفكري , قدرا مهما من العمق والشمولية

أول من استعمل )H. Lambert " (لومبارت. ه.ج"كان : (( اليوناني حيث جاء فيه

صار يطلق . 1807ثم تاله أمانويل كانت ثم هيجل في عام , 1764هذا اللفظ في سنة

.169-170ص, » النظرية األدبية المعاصرة « انظر رامان سلدن- 62مكتبة , المركز التربوي للبحوث واإلنماء, ؛ الطبعة األولى» معجم المصطلحات الفلسفية « عبدو الحلو-63

.127ص, 1994لبنان

38

والفكرة العامة التي ... في بداية القرن العشرين على مذهب في الفلسفة أسسه هوسرل

أي الرجوع إلى الوقائع . الرجوع إلى األشياء نفسها: "يقوم عليها مذهب الظاهريات هي

ومذهب الظاهريات منهج أكثر منه ... محضة دون التأثر باألحكام السابقة المتعلقة بهاال

في سبيل ذلك يستقرئ كل . في الشعور" رؤية الماهية "وهذا المنهج يقوم على , مذهب

ابتغاء أن يستخلص منها هذه الماهية التي يسعى إلى , المعاني التي ترتبط بمفهوم ما

: ج لتحقيق ذلك على خطوتين معياريتينويقوم هذا المنه. رؤيتها

.ـ التخلص من األحكام السابقة1

ـ االتجاه إلى العيان المباشر بوصفه الوسيلة الوحيدة القادرة على إدراك الواقع في 2

)64(.))كل صفائه المحض

التخلص من األحكام "كرة ويمكن اإلشارة إلى ما يحمله هذا التعريف من تكرار لف

صعوبة االهتداء إلى رأي المؤلف في , ؛ ويمكن أن نضيف إلى هذا التكرار"السابقة

فهل يعتبرها مذهبا أم منهجا؟ فهو لما يتحدث عنها يستعمل مصطلح , الظاهراتية

ولما يحاول أن يميز بين المذهب والمنهج يراها أقرب إلى المنهج منها إلى , مذهب

في تعريفه للظاهراتية ) Gérard Durozoi(جيرار دوروزوا "لتقي بهذا مع في, المذهب

. دراسة وصفية لمجموعة من الظواهر, تعني الظاهراتية في مفهومها العام: (( بقوله

من أجل التأسيس لفلسفة , حركة فلسفية دشنها هوسرل, وتعني في الفلسفة المعاصرة

ومن أجل هذا يجب الرجوع . صة ومحددةفعالة قادرة بدورها على التأسيس لعلوم خا

فهوسرل لم , وعلى كل حال... بهدف القبض على المعاني" األشياء نفسها"دائما إلى

)65(.))وإنما أراد فقط وصف ما نستطيع مشاهدته باتباع طريقة معينة, يرد بناء نظام

" اهدهطريقة معينة لوصف ما نش"عن الظاهراتية باعتبارها " دوروزوا" فحديث

. حسب التعبير الذي استعمله في تعريفه" نظاما"هو رفض العتبار هذه الفلسفة مذهبا أو

على مفهوم هوسرل نفسه للوظيفة التي , ويستند هذا التعريف والذي قبله في الحقيقة

, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, الطبعة األولى, ؛ الجزء الثاني » الفلسفةموسوعة « عبد الرحمان بدوي - 64

.61ص, 1984بيروت65 - Gérard Durozoi – André Roussel « Dictionnaire de Philosophie »; , 2eme édition, Nathan 1990, P.253.

39

إنني أحاول : (( حسب ما يوضحه بقوله, ينبغي للظاهراتية أن تؤديها في حياة اإلنسان

)66(.))أحاول فقط أن أرى وأن أصف ما أرى. أكون ملقنا لمذهبأن ال, أن أوجه

وليس يهمنا في هذه الدراسة األدبية أن نختار موقعا نعتبر فيه الظاهراتية مذهبا

فذلك يتطلب بحثا متميزا ال تتوفر مادته في ساحة النقد األدبي؛ وإنما , أم نعتبرها منهجا

ولكي تتجلى لنا . نهج الموضوعاتي بهذه الفلسفةهو عالقة الم, الذي يهمنا الكشف عنه

نتابع تناولنا لجملة التعريفات التي سبق وأن رأينا بعضها حتى , هذه العالقة بوضوح

.اآلن

إن كل إدراك إدراك : (( لجورج طرابيشي قوله" معجم الفالسفة" جاء في

وإن للوعي , ظاهرةوكل فكر تسديد للنظر إلى, وكل وعي هو وعي بشيء ما, لمدرك

تلكم هي . قصدية تطابقها في الوجود معقولية تعطي هذا الوجود معنى بالنسبة إلى الفكر

بصورة ( وكانت هذه الفكرة تشير قبله ". الفينومينولوجيا" المبادئ التي يسميها هوسرل

إلى ذلك الجزء من الفلسفة الذي يدرس الكيفية التي يتجلى بها ) رئيسية لدى هيجل

)67(.))واقع في الوعيال

, ويبدو لنا أن هذا التعريف قد اشتمل على أهم مبدأ تقوم عليه الفلسفة الظاهراتية

أي ال وجود لوعي خارج موضوع يتجسد من , "كل وعي هو وعي بشيء ما"وهو أن

, وهذا يعني أيضا أن كيفية وعي اإلنسان باألشياء هي التي تحدد وعيه بنفسه, خالله

وتعود أهمية هذه النتيجة إلى كونها تمكن الدارس . يضا طبيعة هذا الوعيوتحدد أ

عالم الجمالي الاألدبي من استكشاف موضوعاتية النص وتعديالتها المتنوعة التي كونت

ومن ثم التوصل إلى معرفة طبيعة وعي الكاتب بالعالم؛ ذلك ألن , المتخيل لهذا النص

: حسب تعبير هوسرل أعاله, "يرى "النص األدبي ليس سوى وصف الكاتب لما

وهو المعنى الذي تضمنه أيضا تعريف )). أحاول فقط أن أرى وأن أصف ما أرى((

مع ضرورة , .))الكيفية التي يتجلى بها الوقع في الوعي: (( جورج طرابيشي في قوله

. أن يستخلص الواقع في األدب من العالم المتخيل الذي يصنعه النص

ذلك ألن اإلنسان هو الذي , تؤكد الظاهراتية على أن وجود الشيء يسبق معناه

.40؛ ص» المنهج الموضوعاتي « نقال عن عبد الكريم حسن- 66 657.ص, 1987بيروت, دار الطليعة للطباعة والنشر, ؛ الطبعة األولى» معجم الفالسفة «ورج طرابيشي ج- 67

40

وليس مفهوم الظهور هنا محصورا في ما . يعطي للشيء معناه بعد أن يظهر له ويدركه

وإنما يتسع إلى قدرات اإلنسان التي تحقق له االتصال بأشياء العالم من , تراه العين فقط

أنه لكي نتمكن من ) Martin Heidgger" (ارتن هيدجرم"حوله؛ وفي هذا الصدد يرى

وبعد ذلك , "معطى"يشترط أوال أن يكون ذلك الكائن , إضفاء معنى على كائن ما

هيدجر هو األشياء التي . موالكائن المعطى في نظر . نستطيع أن نتساءل عن معناه

ن نميز بين الشيء وهنا ينبغي أ)68(.تبدو لنا أنها تنتمي إلى حياتنا الظاهرة والمعيشة

وبين ظهور هذا الشيء في وعينا؛ فظهور الشيء في وعينا هو حالة من ,كذات مستقلة

بينما الشيء , ألن ظهوره لنا يتغير بتغير المكان والزمان, حاالت وعينا بهذا الشيء

يبقى واحدا غير متعدد؛ ومعنى هذا أن الوعي بالشيء الواحد هو وعي متحرك

هي موضوعاتية واحدة بينما تختلف , موضوعاتية نص أدبي ماوهكذا نجد . ومتعدد

ومن ثم أشكال تجسيد هذا الوعي في النص , صور تجليها في وعي الكاتب

)69(.اإلبداعي

: لهوفيقدم عبد الكريم حسن شرحا عنه بق, وأما عن كيفية ظهور الواقع في الوعي

ولكنه يتعدى ذلك إلى ما , الثلجإن األبيض ليس وقفا على لون, وعلى سبيل المثال((

وكل لغة تأتي لتعبر عن . كالسوسن والقطن وأوراق الكتاب, يصعب حصره من المواد

إن هذه المفردات وتلك المواد ليست إال مظاهر . هذا اللون بالمفردات الخاصة بها

وما تبحث عنه الظاهراتية هو الوصول إلى . يتجلى بها جوهر واحد هو األبيض

)70(.))عبر المظاهرالجواهر

هذه بعض المفاهيم الهامة التي تضعها الفلسفة الظاهراتية بين أيدي النقاد

حتى يتخذوا منها مركزا صلبا يقيمون عليه منهجهم و يطورون أدواته , الموضوعاتيين

ويوفر المرونة التي يفرضها التعامل مع , بشكل يحقق الفعالية العلمية, وإجراءاته

.صوص األدبيةخصوصية الن

68 -Voir, Charles Kounkou « Ľ Ego et la conscience: contribution à ľinterprétation de la transcendance de ľEgo de Sartre » ; in, Revue « Les Etudes Philosophique », Avril-Juin 1998, Paris, P.182. 69 -Voir, Charles Kounkou « Ľ Ego et la conscience: .. », P.182

.41؛ ص» المنمهج الموضوعاتي « عبد الكريم حسن - 70

41

تبدو استفادة النقاد الموضوعاتيين من الفلسفة الظاهراتية جلية من خالل المبدأ

. والمتمثل في إقرارهم بتأخر الوعي عن موضوعه, الرئيسي الذي أسسوا عليه منهجهم

هو نتيجة توالدت من , باعتباره وعيا, وهذا يعني في مجال اإلبداع األدبي أن النص

كل وعي هو دائما وعي بشيء "وهو ما سبق تلخيصه في فكرة , ودقيقموضوع محدد

أما الوعي فهو وعي الكاتب بهذه . ؛ وهذا الشيء في مجال األدب هو الموضوعاتية"ما

وبهذا تتضح مهمة النقد الموضوعاتي التي . الموضوعاتية وقد جسدها نصا إبداعيا

, بهدف استكشاف موضوعاتيته, فنياتتمثل في القيام بتحليل النص األدبي باعتباره وعيا

يمكننا أن : (( وفي هذا الصدد يقول جورج بولي". شيء ما"أي ما سبق التعبير عنه بـ

بعد أن , نتساءل أيضا حول ما إذا كانت مهمة النقد محصورة في الكشف عن الوعي

أليس من الممكن إذن العثور عند . صرنا نعتقد اآلن أن الوعي هو الوعي بشيء ما

على هذا الشيء الذي كان موضوع الفكرة؟ ال ينبغي للنقد أن , نطلق الفعل األدبيم

وإنما يجب عليه عبر هذه الفكرة أن يصعد منتقال من , يكتفي بالتفكير في فكرة ما

)71(.))حتى يبلغ اإلحساس, صورة إلى صورة

أي , هو ذلك اإلحساس األول بالموضوع, ما يقصده جورج بولي باإلحساس هنا

فيكون التوصل إلى اكتشاف هذا ". شيء ما ":ذلك الذي اصطلح على تسميته بـ

وتلك هي , اإلحساس األول هو اكتشاف للصورة األولى للموضوع أي نواته

الموضوعاتية؛ وعند ذلك يمكن للناقد أن يقوم بتتبع التعديالت المتنوعة التي تتخذها

التفرعات المستمرة لصور تعديالتها عبر, الموضوعاتية في النص وهي تقوم ببنائه

.انطالقا من صورتها األولى

تدخل دعوة جورج بولي إلى وضع النقد األدبي في مساره الصحيح عن طريق

أو ما , وهي الكشف عن موضوعاتية النص اإلبداعي, جعله أمام مهمة محددة وواضحة

توجه فكري واسع تصب وهذا كله ضمن , "الشيء الذي كان موضوع الفكرة"سماه هو

". وعي اإلنسان بالعالم"جهود المشتغلين به في البحث في موضوع مركزي هام هو

إلى االهتمام " أدب وإحساس"ريشار . ب. يتطرق جورج بولي في مقدمة كتاب ج

, في مجال الفلسفة واإلبداع األدبي "وعي اإلنسان بالعالم"الكبير الذي حظي به موضوع 71 -Introduction de Georges Poulet « Jean-Pierre Richard; Littérature et sensation » ; Seuil 1954-1970, P.10.

42

فيذكر , كشف عن العالقة القوية القائمة بين الفلسفة الظاهراتية والنقد الموضوعاتيمما ي

راح تحت اسم التجسيد يقدم وصفا لحالة ) Gabriel Marcel" (غابريال مارسال"أن

فهو وعي ) J. P. Sartre" (جان بول سارتر"أما الوعي عند , الكائن المرتبط بجسمه

فالوعي عنده ) Jean Wahl" (جان واهل"وأما , األنا بشيء آخر غير األنا نفسها

إلى أن من بين , يصدر دائما من شيء ويتجه نحو شيء آخر؛ ليخلص في األخير

ال توجد فلسفة أكثر خصبا من فلسفة غاسطون , الفلسفات التي فتحت مجاال للنقد

راب؛ والت, الهواء, النار, الماء: بفضل قانون العناصر األربعة الذي وضعته, باشالر

وهي العناصر األساسية التي تدخل في تركيب أشياء الطبيعة فتدركها الحواس ويعيها

ريشار نفسه قد استفاد كثيرا من هذه المصادر . ب. ومن هنا يؤكد أن ج. الفكر

)72(.وقد كان أمينا في تطبيقها, "أدب وإحساس"الفكرية والفلسفية لتأليف كتابه

باشالر عليه إلعداد . ريشار بفضل بحوث غ. ب. ة جنعثر على إشاد, وبالفعل

لقد حاولت بالنسبة : (( حيث قال) Poésie et profondeur" (الشعر واألعماق"كتابه

أن أعثر عندهم على الدافع ]وفرلين, ريمبو, بودلير, نرفال[ لهؤالء الشعراء األربعة

لقد سعيت إلى القبض . ذلك المشروع الذي يسيطر على مغامراتهم. األساسي وأصفه

إنه : حيث يكشف عن وجوده المتواضع والصريح, على هذا المشروع في أول مستوياته

إنه المستوى الذي تولدت فيه , وبتعبير آخر. مستوى اإلحساس النقي والشعور الخام

) 73(.))ومن هنا يبدو فضل بحوث غاسطون باشالر في إعداد هذا الكتاب... الصور

ريشار يقصد هنا اإلمساك بالبدايات األولى لتشكل الوعي بالعالم .ب.ومن الواضح أن ج

وهو الوعي الذي تتجلى من خالله عناصر الطبيعة األربعة , وبالذات عند هؤالء األدباء

.ذلك ألن الوعي هو دائما وعي بشيء ما, باشالر. التي تحدث عنها غ

اء في كالم جورج بولي فإلى جانب ما يحمله هذا االعتراف من تأكيد على ما ج

ريشار لبلورة منهجه النقدي . ب. باشالر على ج. أعاله من فضل كتابات غ

فهو يحمل كذلك تحديدا واضحا للهدف الذي يعمل هذا المنهج من أجل , الموضوعاتي

إال , تحقيقه عند تحليل النصوص األدبية؛ وإن كان قد عبر عن ذلك بمصطلحات مختلفة

72 - Voir, Introduction de Georges Poulet « Jean-Pierre Richard; Littérature et sensation », P.11. 73 - Jean-Pierre Richard « Poésie et Profondeur »; éditions du Seuil 1955, P.10.

43

". إنه المستوى الذي تولد فيه الصورة : " نهاية حديثه بعبارةأنه استطاع تلخيصه في

هي الصورة األولى التي توالدت منها مجموعات الصور التي , والصورة المقصودة هنا

الذي يسبق " شيء ما"إنها ذلك الـ . إنها موضوعاتية النص. تكون النص بجملته

.فيسبق أيضا تكون النص اإلبداعي, الوعي

ريشار منطلق وعي األنا . ب. عند ج" المستوى الذي تولد فيه الصورة" يشكل

إذ ال . بموضوعها؛ بمعنى أن الصورة هنا هي التعبير األول للوعي عن موضوعه

ولما كانت . يمكن للوعي أن ينجز هذه الصورة قبل أن يتم ربط عالقته بالموضوع

والتي ليست , رة األصليةالصور الالحقة المشكلة للنص ذات اتصال عضوي بهذه الصو

ريشار حريصا على . ب.نجد ج, سوى تطوير وتعديل مستمر لهذه الصورة األولى

ألن ذلك يسمح باكتشاف جمالية النص , جعلها مركزا للدراسة النقدية الموضوعاتية

ويسمح أيضا بمعرفة طريقة إدراك المؤلف للعالم حول؛ ولتوضيح كل هذا , ودقة بنائه

شديد الحرص على أن يكون فهمي وتعاطفي موجهين إلى لحظة لقد كنت: " يقول

حيث يتأسس انطالقا من , لحظة والدة العمل من السكون الذي يسبقه ثم يحمله, اإلبداع

فيبني كيانه عن طريق , اللحظة التي يدرك الكاتب فيها ذاته ويلمسها. تجربة إنسانية

حظة التي يأخذ العالم فيها معناه من إنها الل, وفي األخير. االتصال الفيزيائي بإبداعه

إنها بكل تأكيد لحظة . من الحديث الذي يعرض المشاكل ويحلها ماديا, الفعل الذي يصفه

وال , نعرف اآلن أن كل وعي هو وعي بشيء ما؛ وأن اإلنسان لم يعد طبيعة. فريدة

التي تربطه إننا نعرف أن اإلنسان يتحدد بطبيعة العالقة . وال سجنا وال جوهرا, جزيرة

)74(."باألشياء وبالناس وبنفسه

ريشار إال تعبيرا عن كيفية إدراك المؤلف للعالم . ب. ليس النص إذن في نظر ج

, ووعيه به؛ ولما كان فهمنا لكيفية حدوث هذا الوعي ال يمكن أن يتحقق دفعة واحدة

الصورة األولى فإنه تبرز أمامنا ضرورة القيام بالتحليل الموضوعاتي لبلوغ مصدر

. شكلت في النهاية النص بجملته, التي كانت األصل الذي دخلت عليه تعديالت مستمرة

ومن هنا يؤكد ريشار األهمية الكبيرة التي يوليها الموضوعاتيون الكتشاف هذه الصورة

: فيقول, ألنها وحدها تمكن الدارس من بناء تحليل منسجم ومتماسك, الموضوعاتية

74 -Jean-Pierre Richard « Poésie… », P.09.

44

يشددون بأكبر قدر ممكن على مستويي اإلحساس الخام ) موضوعاتيونال(الجذريون ((

" استاندال" ريشار في أبطال . ب. ويجد ج)75 (.))والصورة في مراحل تشكلها األول

)Stendhal()76( ما يدعم به موقفه من كون الوعي عند اإلنسان مسبوقا دائما بظهور

إذ , إنما يخضع للنمو والتطوروأنه ال يتحقق جملة واحدة و, األشياء موضوع الوعي

وهذا . ويتدرج في طريق التعديالت المستمرة, يولد صغيرا ثم يندفع في حركة النمو

, تقدم عوالم متقنة البناء ومنسجمة العناصر, ما يتجسد عند األديب في نصوص إبداعية

, وال إحساس خاص, ال فكرة بديهية, كل شيء يبدأ باإلحساس: (( ريشار. ب. يقول ج

إن بطل استاندال . وال وعي أسبق للوجود عند اإلنسان يمكنه من الهجوم على األشياء

مثله مثل اإلنسان عند بداية , يقف في وجه العالم مجردا من كل معرفة ومن كل وسيلة

ليس له من , وعار, لقد تلقى استاندال من القرن الثالث عشر صورة بطل طاهر. الخليقة

)77(.)) تجربته التي تكونه شيئا فشيئامصدر الكتساب المعرفة إال

حيث نجد في , "باشالر. غ"من مؤلفات " ريشار" وكما سبق أن ذكرنا عن استفادة

تلك الكتابات رصيدا فكريا ونقديا غنيا ليس من الصعب مالحظة امتداده في الكتابات

هج الموضوعاتي ومن ثم اعتبارها مصدرا فكريا هاما يستند عليه المن, "لريشار"النقدية

, هو من أهم كتب باشالر النقدية" جماليات المكان" ولعل كتاب. إجراءاتهبفضلها ويعزز

ولذلك سنكتفي باستعراض بعض ما , والقادرة على إعطائنا صورة واضحة عن آرائه

.ورد فيه

اهتم غاسطون باشالر في كتابه جماليات المكان بدراسة الصورة الشعرية بصفتها

ليصل إلى أن , ة فردية مكتفية بذاتها ومستقلة عن غيرها من الصور الشعريةظاهر

أو , أو طبيعتها, الصورة الشعرية ال تخضع ألي سبب مباشر يجعلنا نتوقع ظهورها

فهي تظهر في خيال الفنان ظهورا مفاجئا تنقطع معه كل عالقة مباشرة . مالمحها

هذه الوالدة إلى أي مقياس زمني بماضيه وبمحيطه الخارجي؛ وهذا يعني عدم خضوع

, كما هو الشأن مع أنواع الوالدات األخرى التي تخضع لسببية واضحة, يحدد تاريخها

.193 ص» ...النقد البنيوي الحديث « فؤاد أبو منصورضمن كتاب حوار , جان بيار ريشار- 75 ".األحمر واألسود"من أبرز أعماله , كاتب فرنسي مشهور). 1842-1783) (هنري بايل( استاندال - 76

77 - Jean-Pierre Richard; « Littérature et Sensation »; P.20.

45

)78(.))الصورة الشعرية هي بروز متوثب ومفاجئ على سطح النفس: (( ولهذا يقول

: ولذا يضيف قائال, إنها ابنة لحظتها, بدون تاريخ محدد وواضح, فالصورة في رأيه

أو على األقل ليس له تاريخ , لى فلسفة الشعر أن تعترف أن الشعر ال تاريخ لهع((

)79(.))حيث يمكننا متابعة الصورة الشعرية في حالة إعدادها وصدورها, قريب

لسبب , فهو يدرك صعوبة تقبل اآلراء له, لما يقول غاسطون باشالر هذا الكالم

ثل ذلك في إحالتها في حاالت كثيرة على واضح تتضمنه الصورة الشعرية نفسها؛ ويتم

أو بآماله وباستشرافاته , واقع خارجي مرتبط بحياة المبدع نفسه وبمحيطه الخارجي

, المستقبلية؛ ولهذا يضيف باشالر التوضيح اآلتي الذي يقدم فيه ما يزيل حيرة السؤال

د ماهية ال يعني سوى التعبير عن عجزنا على تحدي" غياب األسباب"ألن القول بـ

وفي غياب هذه المعطيات يبقى , الصورة األدبية وطبيعتها ومالمحها وزمانها ومكانها

حين : ((يقول باشالر إذن, تفسير ظهور الصورة بكونها خاضعة للمفاجأة أمرا قائما

غير أن األسباب التي .فإننا بذلك ندلي بقول خطير, نقول إن الصورة مستقلة عن السببية

فس والمحللون النفسيون ال تستطيع تفسير كلية الطبيعة غير المتوقعة يوردها علماء الن

)80(.))للصورة الشعرية الجديدة

, إن اللجوء إلى إبعاد السببية وقبول المفاجأة كحل يفسر ظهور الصورة الشعرية

هو إبعاد للدور المباشر للعقل في اإلعداد لهذه الصورة وتحكمه في نشوء عناصرها

وهذا الوضع يفسح المجال أمام النقاد لتكون دراساتهم للصورة تنطلق من . اوانتظامه

وفي هذا التقاء بما تدعو إليه الفلسفة الظاهراتية من أن . مرحلة حدوث الوعي بها

إليضاح مسألة الصورة الشعرية : (( يقول باشالر, "الوعي هو دائما وعي بشيء ما"

وهذا يعني دراسة ظاهرية الصورة الشعرية . يالفلسفيا علينا أن نلجأ إلى ظاهراتية الخ

ثم يضيف )81(.))حين تنتقل إلى الوعي كنتاج مباشر للقلب والروح والوجود اإلنساني

وأن الصورة أسبق إلى , مؤكدا أن دور العقل في صناعة الصورة هو دور محدود

, الصورةوحتى نحدد بدقة كيف يمكن أن تكون ظاهراتية : (( فيقول, الوجود من الوعي

.17؛ ص» جماليات المكان « غاستون باشالر - 78 .17ص, نفسه- 79 .18ص, » جماليات المكان « غاستون باشالر - 80 .18ص, نفسه- 81

46

علينا أن نقول إن الشعر هو ظاهراتية الروح أكثر من , وكون الصورة تسبق الفكرة

يدعو باشالر هنا إلى دراسة الصورة بعد أن صارت )82(.))كونه ظاهراتية العقل

ألن هذه النشأة مصدرها , دون محاولة تتبع نشأتها األولى, مالمحها محددة في الخيال

. ي مناطق تبقى بعيدة وممتنعة عن إمكانات الدراسة األدبيةوه, القلب والروح والوجدان

هكذا تتضح لنا في األخير بعض العناصر الهامة للقاعدة الفكرية الظاهراتية التي

تشكل المصدر األول الذي يستقي منه النقاد الموضوعاتيون أفكارهم وإجراءات

جورج "إلى أعمال , قدية والفلسفيةبداية من كتابات غاسطون باشالر الن, منهاجهم النقدي

. النقدية" جان بول ويبر"و" جان بيار ريشار"و" بولي

:ـ المنهج الموضوعاتي ه

سنقوم فيما سيتبع من هذا الفصل بتحديد مفهوم النقد الموضوعاتي وتوضيح

. وج, ريشار. ب. ج, بولي. ج: معتمدين على أعمال ثالثة من رواده وهم, إجراءاته

:ويبر. ب

: )Georges Poulet( ـ جورج بولي1

وإنما كان يقدم بعض اآلراء , بولي كثيرا بالتنظير لمنهج نقدي محدد. لم يهتم ج

وقادت جل , النقدية انطالقا من بحثه المتواصل عن قضية أساسية شغلت فكره باستمرار

الل وعيه بالزمان وهي قضية الكشف عن وعي األديب بذاته من خ, مجهوداته النقدية

. والمكان

حيث , يتجلى االنشغال الكبير لجورج بولي بقضية الوعي في كتاباته الكثيرة

وكأنه يرمي من وراء ذلك إلى تصحيح , جعلها المحور األساسي الذي تدور حولها

مفهوم وعي اإلنسان بذاته من خالل جعله يكون إدراكا سليما بعنصري الزمان

وبعالقة هذه الذات بالعالم , وهما العنصران الضروريان لتكوين الوعي بالذات. والمكان

.الذي تعيش فيه

.20ص, نفسه- 82

47

, )Henri Bergson()83" (هنري برغسون"بولي في فلسفة . وقد وجد ج

عونا ال يقل أهمية عن ذلك الذي أمدته به , وبالخصوص ما تعلق منها بمفهوم الزمن

حاثه في الوجهة التي تمكنه من المساهمة في تقديم الرأي لدفع أب, الفلسفة الظاهراتية

"الفضاء البروستي"وفي هذا الصدد ينقل في كتاب . حول القضية الفكرية التي تشغله

إذ يرى أننا نرتب حاالت , حديثا لبرغسون حول فهم اإلنسان لطبيعة عالقته بالزمن

نحن ال نصل إلى ذلك عن و, وعينا بطريقة تمكننا من إدراكها الواحدة بعد األخرى

, ولكن بجعل الواحدة منها إلى جانب األخرى, طريق وضعها الواحدة داخل األخرى

هذا نقد خطير جدا توجهه : ((ثم يعلق قائال, )84(إننا نضع الزمن في الفضاء, وباختصار

وسبب ذلك أن العقل راح يلغي الديمومة الواقعية لوجودنا ليقيم . البرغسونية للعقل

نوعا من الفضاء العقلي حيث تتتابع فيه مقاطع الزمن من دون أن مكانها

ومن هنا يالحظ جورج بولي أن أدب مارسيل بروست الذي يقوم ) 85(.))تتداخل أبدا

, هو أدب شديد التوافق مع الحقيقة التي أقرها برغسون أعاله, بدراسته في هذا الكتاب

فإن , دد ورفض تحويل الزمن إلى فضاءإذا كان الفكر البرغسوني قد ن: ((فيضيف

لما , وإنما يتبناه ويدفع به إلى أقصى حد ممكن, بروست ال ينسجم مع هذا الموقف فقط

)86 (.))يجعل منه أحد مبادئ فنه

" الفضاء البروستي" اكتفى جورج بولي في المقدمة القصيرة التي ضمنها كتابه

بشرط أن يكون , المكان لبناء وعي سليم بالذاتبالحديث عن أهمية عنصري الزمان و

, الوعي بهذين العنصرين وعيا صحيحا أيضا؛ مستندا على آراء برغسون لتأكيد رأيه

إلى مجال الكشف عن األدوات النقدية التي استخدمها في التحليل , ولم يتجاوز هذا

ه لموقف من انسجامه وتبني" مارسل بروست"ليصل إلى الحكم الذي أثبته حول أدب

وسبب عدم اهتمامه . برغسون حول كيفية تعامل الوعي مع عنصري الزمان والمكان

إلى انشغاله الكلي بالبحث في قضية الوعي وعالقته بالزمن , كما ذكرنا, بهذا قد يعود

فالتوصل إلى بناء وعي . والمكان؛ ذلك ألن هذه القضية هي قضية الحياة نفسها

" لمادة والذاكرة"ا"من مؤلفاته , فيلسوف فرنسي Henri Bergson ( 1941- (1859 هنري برغسون- 83

.(1907)" التطور الخالق"و (1896)84 -Voir, Georges Poulet « Ľ Espace Proustien »; Gallimard, Paris 1963, P.09. 85 - -Ibid ; p.09. 86 -Ibid; P.10.

48

أن تشعر بأنك : ((ولهذا يقول, عور بحياة صحيحةهو التوصل إلى تحقيق ش, صحيح

ولهذا يرى أن حياتنا )87(.))األنا نفسه" يكون"يعني أنك تشعر في كل لحظة من , حي

, وهذا يعطي الحق, تبدأ من اللحظة التي نعي فيها ذاتنا في إطار زماني ومكاني محدد

قية البد أنها تعود لغاسطون باشالر الذي يرى أن كل موضوعاتية أدبية حقي, في نظره

فكل حقيقة موضوعاتية , الحق مع باشالر: ((فيقول, جذورها إلى تجربة أصيلة للفنان

يبدو لي أن تاريخ والدتنا الحقيقية ال يبدأ إال من . هي مرتبطة بتجربة أصيلة, مهمة

ونبدأ في اللحظة نفسها بتحديد موقع هذه الذات, اللحظة التي يتحقق فيها إدراكنا بذاتنا

في إطار محدد للزمان والمكان والعدد والعالقات التي تربط بين كل العناصر التي

)88(.))تحيط بنا

إذ ستشكل المصدر , ولحظة الوالدة الحقيقية هي لحظة خطيرة في حياة الفنان

لكون مرحلة اإلبداع , الخام األساسي لموضوعاتية أو موضوعاتيات إبداعاته الالحقة

في صورة تعديالت موسعة لتلك الموضوعاتيات التي رسخت في ترجمة وتجسيدا

, من خالل الوعي بالعالم المحيط بهذه الذات, الذاكرة في بداية تشكل الوعي بالذات

منذ تشكل اللحظة األولى : (( بعنصريه األساسين الزمان والمكان؛ وحول هذا يضيف

ستقبال برغم أن تلك فهو يحمل بداخله الموضوعات التي ستسيطر عليه م, للوعي

)89(.))الموضوعات في هذه المرحلة تكون في حالة مادة خام ومركزة

فهي ليست أكثر من القيام , وبهذا تتضح مهمة الناقد وتتحدد في رأي جورج يولي

بتحليل النصوص اإلبداعية بهدف اكتشاف تلك الموضوعات التي خزنتها الذاكرة مادة

الناقد مدفوع إلى التساؤل : (( ولى؛ وهذا ما يوضحه بقولهخاما منذ لحظات الوعي األ

حول ما إذا لم يكن األمر كله يعود في األدب إلى اختيار يربط الفكر على الدوام

فإن واجب الناقد يصبح , فإذا كان األمر على هذه الحال. بمجموعة محددة من المشاهد

ل الكاتب حتى يكشف عن وهو أن يقوم بتتبع هذه المشاهد في أعما, حينئذ واضحا

وتارة , مجسدة تارة في امرأة, كل العوالم الخيالية, انطالقا منه, مصدرها الذي تفتحت

87 - Georges Poulet « Etude sur le Temps Humaine »; Tome1, éditions Plon , Paris1972, P.21. 88 - Georges Poulet « Trois Essais de Mythologie Romantique »; José Corti 1966, P.09. 89 - -Ibid ; P.10.

49

حسب ما , بولي وفيا لهذه الدعوة. وقد كان ج )90(.))وثالثة في سجن, أخرى في نبتة

" مارسيل بروست"ومنها ما كتبه عن رواية , تكشف لنا عنه كتاباته النقدية العديدة

على , التي أعجب بها ألن بطلها شديد الحرص بالفعل" حث عن الزمن الضائعالب"

كما أنه بنفس الدرجة من الحرص يبحث عن موقعه في , البحث عن زمانه الضائع

من خالل ألفاظ العنوان الذي تحمله رواية : (( كما يبدو في قوله, العالم الذي يحيط به

كائن يقوم بمحاوالت القبض على . ضائعتبدو أنها بالفعل بحث عن الزمن ال, بروست

قبل أن يستشهد بهذه العبارة )91(.))يبذل كل قواه للعثور على ماضيه البعيد. ماضيه

التي جاءت على لسان بطل الرواية الذي يكشف فيها عن رغبته في معرفة المكان الذي

ضي فهذا البحث عن الما. )92(.))أرغب في معرفة أين كنت: (( يوجد به حين يقول

بعنصريه الزمن والمكان هو الذي يمكن البطل ـ عند تحقيق وعيه بهما ـ من تحقيق

نرى إذن بوضوح أنه : (( يولي يخلص إلى القول. وهذا ما يجعل ج. وعيه بذاته نفسها

يفرض العمل , ونكاد نقول أيضا منذ المكان األول للحكاية, منذ اللحظة األولى

وإنما هو بحث عن المكان , الزمن الضائع فقطالبروستي نفسه بكونه ليس بحثا عن

)93(.))الضائع أيضا

وكانت قضية الوعي أيضا هي التي قادت خطوات جورج بولي النقدية في كتابه

؛ وقد عمل "بودلير وريمبو"وهو كتاب خصصه للشاعرين الفرنسيين , "الشعر المتفجر"

ارهما من خالل الكشف عن في الكتاب على إبراز االختالفات الموجودة بين أشع

فهو مختلف عن , اختالف حياتهما؛ إذ مادام شعر كل منهما انعكاسا لوعي صاحبه

لكون , وهكذا يتأكد عند جورج بولي تحكم الوعي في تحديد طبيعة اإلبداع. اآلخر

.اإلبداع ليس سوى التجسيد الجمالي للوعي

وتمثل ذلك في نظرة , لة ويقدم المؤلف مثاال في دراسته يوضح هذه المسأ

فخلص من خالل مقارنة أقامها بين . إلى ذكريات الطفولة" مارسيل بروست"و" بودلير"

إن الذكريات المهمة عند بروست ليست : (( إلى القول, األديبين حول هذا الموضوع

90 - -Ibid , P.11. 91 - Georges Poulet « Ľ espace Proustien » ; P.11. 92 - Georges Poulet « Ľ espace Proustien» ; P.19. 93 - Ibid; P.19.

50

وإنما هي تلك التي تأتينا ]التي نستطيع إحضارها متى شئنا[تلك الذكريات اإلرادية

ذلك ألن الذكريات اإلرادية , يكون إلرادتنا أي دخل في إحضارها إلى وعينادون أن

وعلى خالف . مما يجعلها غير فعالة وغير صالحة لالستعمال, تفتقر إلى القوة والحيوية

ألن ما يحتاج , فالذكرى غير اإلرادية ال قيمة لها عنده, هذا كلية هو موقف بودلير

ويستطيع استعمالها كلما , تبقى باستمرار في متناولهالشاعر إليه هي تلك الذكرى التي

)94(.))رغب في ذلك

وفي مجال البحث عن دور الوعي في تحديد طبيعة النص األدبي لكونه تجسيدا

". ثالث دراسات في الميثولوجيا الرومانسية " لوعي المؤلف يندرج أيضا كتابه األخير

أو عدة مؤلفين؛ فيبين , اول عليها مؤلف واحدفهو يتناول فيه موضوعاتيات معنية تد

. كيف يختلف هؤالء المؤلفون في تناولهم الفني لتلك الموضوعاتيات نفسها

وفي القسم الثاني منه تعلق , "نرفال" ففي القسم األول من الكتاب تعلق األمر بـ

ن تداولوا في وفي القسم الثالث تناول مجموعة من المؤلفين الذي, "نرفال وغوتيي"بـ

) األشياء(للمكان " التضخيم"على موضوعاتية ,كل بطريقة فنية خاصة, أعمالهم

هذه بعض اإلشارات السريعة إلى جملة من النتائج التي تضمنها هذا الكتاب . وللزمان

لكونهما , ويمكن أن نضيف إليها االهتمام الواضح بعنصري الزمان والمكان, األخير

الزمن : (( وفي هذا يقول, يقوم عليها وعي اإلنسان لذاتهيشكالن القاعدة التي

)95(.))هما المبدآن األساسيان المجسدان للواقع, والفضاء

بولي لم يهتم بوضع أسس واضحة ومحددة . نخلص في األخير إلى القول إن ج

لمحور إذ اكتفى فقط بتحديد ا, لمنهج نقدي يعتمده في دراساته النقدية كما سبق أن أشرنا

وهذا المحور يتشكل من عنصرين أساسيين يتحكمان , الذي تدور حوله تلك الدراسات

أما النصوص األدبية فهي التجسيد الفني . الزمان والمكان: وهما, في تشكيل الوعي

ولذا فالغاية من تحليل النصوص األدبية هي العودة . لوعي المؤلف بهذين العنصرين

وهذا يتطلب , أحداثه إلى أصل تشكل الوعي عند الفنانبالعناصر التي تشكل مشاهده و

وتحديد , من الدارس كفاءة نقدية هامة تمكنه من اكتشاف العالقات القائمة بين المشاهد

94- Georges Poulet « La poésie éclatée: Baudlaire et Rimbaud »; 1ere éd., P.U.F, 1980, P.37-38. 95 - Georges Poulet « Trois Essais…»; P.148.

51

ومن ثم اكتشاف هذه , التعديالت التي دخلت على الموضوعاتية األساسية للنص

.ص بجملتهالموضوعاتية التي شكلت النواة أو الخلية التي تولد منها الن

:)Pierre Richard-Jean( ـ جان بيار ريشار 2

. نبحث في األول مفهوم ج: نحب أن نتناول ما يهمنا في هذا المقام في قسمين

وفي الثاني ما يقترحه من أدوات وإجراءات إلنجاز دراسات , ريشار للوضوعاتية. ب

: أدبية وفق هذا المنهج

:أ ـ مفهوم الموضوعاتية

نظرا , ريشار بوضوح بين مفهوم الموضوعاتية ومفهوم الموضوع. ب. يميز ج

وحتى يؤكد أيضا على , للغموض الذي قد يسببه التشابه الكبير بين المصطلحين

مما يستوجب اختالفا في طريقة التعامل معهما وفي , االختالف الكبير الموجود بينهما

يجب التفريق في قاموس النقد الجذري بين : ((وهكذا نجده يقول, وسائل دراستهما

الفكرة الرئيسية هي كل عنصر لغوي يعود بإلحاح في األثر . الفكرة الرئيسية والجذر

أما الجذر فإنه يختلف عن الفكرة . إنها متعلقة بمفردات اللغة ومصطلحاتها. األدبي

الفروق أكثر ولتوضيح هذه) 96(.))الرئيسية ومجموعة التماعاتها ورموزها وجزئياتها

واآلخر عن أدب , "غارسيا لوركا"أحدهما عن أدب الشاعر اإلسباني , يقدم مثالين

وباستطاعة , فكرة رئيسية عند لوركا" الحشرة((": فيقول, "ألفرد دوفيني"الشاعر الفرنسي

ويرسم حدود " المفردة"الناقد أن يضع جدوال بالنصوص التي تشتمل على هذه

, الشرنقة, الحرير: مثل, الجذر فهو التنويعات الضمنية لهاأما. مضمونها وداللتها

فكرة رئيسية عند " الطير"و. ورموز المواسم والعطاء والزمن المتجدد والمتآكل, الطبيعة

تشكل جذورا لوحدة , والنازف, الهائم, مثل اإلنسان العاشق, لكن مشتقاتها, ألفرد دوفيني

)97(.)) الشاعرداللية تشير إلى عقدة أوديبية تتحكم في

.189 ص» ...النقد البنيوي الحديث «فؤاد أبو منصور , حوار , جان بيار ريشار- 96 .189ص, نفسه- 97

52

نالحظ من هذين المثالين كيف يجعل ريشار من عملية اإلحصاء إجراء أساسيا

وهو إجراء سنعود إلى الحديث عنه لنرى مدى , لتحديد الفكرة الرئيسية في النص

. صالحيته في نظر ريشار لتحديد الموضوعاتية

فهو , لضمنية للفكرة الرئيسية أما قوله إن الموضوعاتية أو الجذر هي التنويعات ا

مما , كالم يوحي بوجود عالقة قوية وتقارب كبير بين الموضوعاتية والفكرة الرئيسية

هو , يجعل تحذيره في بداية التعريف من وجوب التفريق بين المفهومين الختالفهما

ولتفادي كل هذا تبرز أمامنا ضرورة عدم . تحذير ينقصه الوضوح ويفتقد إلى الجدية

مع أهمية األخذ بما يحمله , كتفاء بهذا التعريف للموضوعاتية ولعالقتها بالموضوعاال

. من مبدأ االختالف القائم بين المصطلحين

فإن جان بيار ريشار نفسه ال يخفي الصعوبة الكبيرة التي , وفي حقيقة األمر

ال يجد أي و, تواجه الباحث في سعيه إلى وضع تعريف دقيق لمصطلح الموضوعاتية

وقد يعود سبب هذه الصعوبة إلى الطابع التجريدي الذي . حرج في االعتراف بذلك

أولى ":((العالم التخيلي لماالرمي"يميز مجاالت العلوم اإلنسانية؛ فيقول في مقدمة كتابه

فما هو . والذي يتأسس عليه عملنا بكامله, هذه المشاكل المفهوم الموضوعاتي ذاته

فكيف يثبت محيطه؟ ... ال وجود لما هو أكثر انفالتا وإبهاما منهالموضوعاتي إذن؟

)98())وكيف نستخلص جوهره؟

هي نفسها , ولكن هذه الصعوبات التي ال يجد ريشار أي حرج في االعتراف بها

وهي التي تؤكد , التي تقوم من جهة أخرى بدور الحافز الذي يدفع الدارس إلى البحث

هكذا نراه على امتداد حياته النقدية حريصا على التوصل إلى أهمية البحث أيضا؛ و

ليخرج بمجموعة من التعريفات , وأكملها, صناعة أدق التعريفات الممكنة للموضوعاتية

اختلف تركيزه عليها من تعريف إلى , المهمة تمحورت حول جملة من العناصر الثابتة

بالتوقف عند ثالثة نصوص منها ويمكن أن نكتفي .بغية تعميق مفهومها و تطويره, آخر

, نرى أنها تجمع كل العناصر التي لها أهمية في توضيح وتحديد مفهومه للموضوعاتية

إذ , كما أنها تبين التطور الذي حدث عنده حول هذا المصطلح على امتداد حياته النقدية

.130ص...؛ ترجمة سعيد علوش» العالم التخيلي لماالرمي"مقدمة , جان يسار ريشار- 98

53

ل وقد ورد التعريف األو. يفصل بين صدور التعريف األول والثالث ربع قرن بأكمله

ويعود , 1961 الذي نال به شهادة الدكتوراه في عام" العالم التخيلي لماالرمي"في كتابه

أما الثالث فقد جاء ضمن حوار صحفي أجراه , 1974الثاني إلى حوار أدلى به في عام

الصادر في " النقد البنيوي الحديث بين لبنان وأوربا"معه فؤاد أبو منصور وألحقه بكتابه

:ذه نصوص التعريفات الثالثةوه. 1985عام

أو , أو ديناميكية داخلية, الموضوع مبدأ تنظيمي محسوس (( : التعريف األول

والنقطة المهمة في هذا المبدأ تكمن في . شيء ثابت يسمح لعالم حوله بالتشكل واالمتداد

والذي يراد الكشف عنه تحت أستار, في ذلك التطابق الخفي, تلك القرابة السرية

. )99(.))عديدة

وحدة حسية أو عالئقية , الموضوع وحدة من وحدات المعنى: (( التعريف الثاني

, كما أنها مشهود لها بأنها تسمح. مشهود لها بخصوصيتها عند كاتب ما, أو زمنية

ببسط العالم , انطالقا منها وبنوع من التوسع الشبكي أو الخيطي أو المنطقي أو الجدلي

)100(.))الكاتبالخاص لهذا

ألنها , وأفضل استعمال كلمة جذر, الموضوع أو الجذر : (( التعريف الثالث

من حيث أن التفرعات الموضوعاتية تنبثق , اللمعة أو الخلية الرحمية األولى للموضوع

يعني في قاموسنا النقدي , تجاوزي, أو وفقا لنسق تصادمي, من الجذر بطريقة توالدية

يظهر بصورة شعورية أوال شعورية في نص أو في مجموعة من حادثا أو موقفا

األدوات النقدية تتغاير وفق الزمن الذي تستجلى لحظاته اللغوية . النصوص األدبية

لكن الجذر في مختلف األحوال يبقى مرادفا للمركب أو العقدة في قاموس . والفكرية

, شعوريا في أغلب األحيانألنه يبقى ال, كما مارسه شارل مورون, التحليل الفرويدي

من هنا . ألن جذوره ضاربة في عهود الطفولة األولى, وغامضا حتى على الكاتب

) 101(.))غير قابلة لالختزال أو التبسيط" عقدة جذور"أو" جذور"أعتقد بوجود

دق من تلك وقد رأينا أن هذه الترجمة أ.46-47 ص» ...المنهج الموضوعاتي « نقال عن عبد الكريم حسن - 99

.التي أنجزها سعيد علوش لمقدمة الكتاب .48ص, نفسه- 100 .188ص, » ...النقد الينيوي الحديث «فؤاد أبو منصور , حوار , جان بيار ريشار- 101

54

يحمل كل تعريف من هذه التعريفات الثالثة عناصر أساسية يرتكز عليها مفهوم

. دون أن يحدث ذلك مع بعضها اآلخر, وقد تكرر بعضها في جميعها, ةالموضوعاتي

بينما , ونالحظ أن هذه التعريفات الثالثة قد احتفظت ببعض المصطلحات وكررتها

: مصطلحاتحسب ما يبدو في ال, استبدلت بعضها اآلخر مع االحتفاظ بدالالتها المتقاربة

؛ فهي تشترك في التعبير عن معنى البداية "الخلية", "اللمعة", "الجذر", "وحدة", "مبدأ"

وظهرت في . وهكذا مع بقية المصطلحات األخرى, واألصل واألساس والمنطلق

, التعريف األخير مصطلحات وتعابير جديدة لم ترد في كل من التعريفين األوليين

؛ وهي "عقدة"و, "الرحمية", "مرحلة الطفولة", "عورالالش: "وهذه المصطلحات هي

مصطلحات تجعل هذا التعريف يقترب من مجال علم النفس الفرويدي؛ ولهذا يمكن

اعتبار هذه المصطلحات من اإلضافات الهامة التي تسجل التطور الذي حققه جان بيار

دون أن يعني , ريشار للمنهج الموضوعاتي في نهاية ثالثة عقود من العمل المتواصل

كما فعل , هذا أن جان بيار ريشار أصبح من أنصار التوجه بهذا المنهج وجهة نفسية

.ولكن هذه مسألة سنعود إلى توضيحها في نهاية هذا الفصل. شارل مورون

قد يكون من المهم التذكير بأن هذه التعريفات الثالثة تقدم ما نراه يشمل تعريفات

نرى أن , ة و توضيحاته المتكررة للموضوعاتية؛ إلى جانب هذاجان بيار ريشار الكثير

, هذه المصطلحات تحتاج إلى مزيد من التوضيح و التبسيط الذي أواله له المؤلف نفسه

حتى نقف على ما يحملها من دالالت تزيد من فعالية تناولها واستخدامها إلنجاز

هذه المصطلحات مستقل بعضها ولكن إذا كان تناول . الدراسات النقدية الموضوعاتية

سيمكن الدارس من اإلحاطة , ومستقلة عن سياقها من جهة ثانية, عن بعض من جهة

فإنه ينبغي التنبيه إلى التقارب الكبير الموجود بين دالالت بعض هذه , بها للتحكم فيها

مما يجعل عزلها عن بعضها أمر فيه بعض التعسف حيث سيكون , المصطلحات

و لهذا يبقى هذا , صطلح الواحد متداخال مع الحديث عن مصطلح آخرالحديث عن الم

ولعل أهم هذه المصطلحات التي تحتاج منا ,العزل مؤقتا يخضع إلى متطلبات الدراسة

اعتمادا بالدرجة األولى على آراء ريشار , إلى وقفة لتسليط مزيد من الضوء عليها

:والقرابة السرية, رعالتف, اإلحساس, النواة: هي, وكتاباته النقدية

:) Le noyau (ـ النواة1

55

يبدو أن جان بيار ريشار مازال يشكو بعض التردد للحسم في اختيار المصطلح

, فهو يظهر في كل مرة بمصطلح أو مصطلحات, للداللة على مفهوم الموضوعاتية

يع تلك وإن كانت جم, يجعلها إلى جانب مصطلحات أخرى يكون قد استعملها سابقا

إال أن استعماله للموضوع , المصطلحات تدل في الحقيقة على ما يرمي إليه من دالالت

هو أمر , "الموضوع أو الجذر: "في قوله في أول التعريف الثالث, كمرادف للجذر مثال

بين دالالت قد يسبب بعض االرتباك في ذهن القارئ حول هذا اإلدماج الذي وقـع

نا تأكيد ريشار على ضرورة التفريق بين مفهوم الموضوعاتية المصطلحين بعد أن مر ب

وبعد أن اتضحت لنا هذه الفروق أيضا عندما تناولنا تعريفات , ومفهوم الفكرة الرئيسية

.مصطلحات الموضوع والغرض والموضوعاتية في أول هذا الفصل

نت يستعمل ريشار إذن إلى جانب مصطلح النواة مصطلحات أخرى كثيرة تضم

دينامكية , مبدأ, الموضوع: ويمكن حصرها حسب اآلتي, التعريفات السابقة جملة منها

, الخلية الرحمية األولى, اللمعة, الجذر, وحدة من وحدات المعنى, شيء ثابت, داخلية

وهي كما نرى ال تقل في مجموعها عن أحد عشر مصطلحا كلها . والعقدة, المركب

. عمل األدبيأساس ومصدر ال: تحوم حول معنى

ونرى أن هذه المصطلحات ال تتضمن بينها مصطلح الموضوعاتية إال مرة واحدة

إن التفرعات الموضوعاتية تنبثق من ((: حين جاءت صفة لمصطلح التفرعات في قوله

يمكن لنا أن نعيد كتابة هذه العبارة , وبما أنه قد جعل الجذر مرادفا للموضوع.)) الجذر

إن : (( كما يمكن القول.)) إن التفرعات الجذرية تنبثق من الجذر: (( يةبالصورة اآلت

وفي كل مرة يبقى مصطلح , ))الموضوعاتية تنبثق من الموضوع التفرعات

ولكن هذا كله . الموضوعاتية غائبا والغموض قائما والمعنى مشتتا بين عدة مصطلحات

أبدا المجال النقدي الذي ال يمكن أن ينسينا أن جان بيار ريشار لم يغب عن ذهنه

إذ سواء لم يستعمل هنا مصطلح الموضوعاتية أم أنه لم يتجاوز في , يشتغل فيه

. فهو يدرك تماما أنه يعمل في مجال النقد الموضوعاتي, استعماله له مستوى الصفة

وهنا نستحضر قوله الذي أثبتناه في أول هذا الفصل والذي يعترف فيه بصعوبة المجال

والذي , أولى هذه المشاكل المفهوم الموضوعاتي ذاته: (( حين قال, غل فيهالذي يشت

فما هو الموضوعاتي إذن؟ ال وجود لما هو أكثر انفالتا . يتأسس عليه عملنا بكامله

56

أو قوله في ) 102())فكيف يثبت محيطه؟ وكيف نستخلص جوهره؟... وإبهاما منه

وعاتية هي بحث عن المعنى في الموض: (( محاضرة ألقاها في جامعة ديجون بفرنسا

ثم قوله في سياق التعريف الثالث الذي أوردناه له حيث فضل )103(.))كل االتجاهات

الجذريون ال ينفون العالقة بين علم النفس والنقد : ((استعمال مصطلح الجذر

ولعل هذا التجريب الذي يقوم به ريشار لجملة من المصطلحات يقف )104(.))ألدبي

, ساس بإمكانية حدوث االلتباس بين مفهوم الموضوع والموضوعاتيةوراءه ذلك اإلح

مما يجعل محاولة القيام باجتنابه أمرا مقبوال في انتظار تحقيق االنتشار الواسع لهذا

وأول . ألن ذلك وحده كفيل بتثبيت المفاهيم وإزالة التخوف من وقوع االلتباس, المنهج

لى مصطلح الموضوعاتية مع االستعانة بتلك خطوة لتحقيق ذلك في نظرنا هو اإلبقاء ع

من . المصطلحات السابقة لتقريب مدلول هذا المصطلح وإغنائه أيضا بمدلوالت جديدة

فهي تتميز بقدرة كبيرة على , ذلك مصطلح النواة التي صدرنا بها هذا الجزء من البحث

اة هو وما نقوله عن النو. تقديم صورة ملموسة وواضحة عن مفهوم الموضوعاتية

.صالح أيضا عن الخلية

حاملة , يعني عنده أنها كائن حي, إن اعتبار ريشار للموضوعاتية نواة أو خلية

وقادرة على التفاعل والنمو والتحول عبر تفرعات وتعديالت لبناء عالم النص , للحياة

ة والخليةلتصير نصا أدبيا كما تصير النواة نبت, أو نقول بتعبير أكثر مباشرة, وتشكيله

)105 (.إنسانا أو حيوانا

فهذا يستحضر إلى األذهان , أما اعتبار الموضوعاتية أو النواة أو الجذر مبدأ

وهذا يفتح إمكانية ظهور . مفهوم المركز أو المحور الرئيسي الذي تشكله النواة األصلية

ثم , ة المركزيةيكون في البداية تنويعا أو تعديال للنوا, واحد أو أكثر, مركز ثانوي

يصبح بعد ذلك مصدرا بدوره لظهور تعديالت أخرى تؤدي دورها في بناء النص

حيث يتفرع الواحد منها عن األصل ليصير , كما يحدث تماما مع فروع الشجرة, بكامله

.130ص, ؛ ترجمة سعيد علوش"العالم التخيلي لماالرمي"مقدمة , جان بيار ريشار- 102 .37 ص» ...يةالموضوعية البنيو « ذكره عبد الكريم حسن - 103 .195 ص» ...النقد الينيوي الحديث «فؤاد أبو منصور , حوار , جان بيار ريشار- 104 . نفكر هنا في النطفة بالخصوص- 105

57

وهكذا تستمر السلسلة في االمتداد صانعة عالم . أصال لفرع جديد, فيما بعد, بدوره

. النص الخيالي بجملته

:)Sensation( ـ اإلحساس 2

إنها مفهوم . يبعدها عن مجال المفاهيم المجردة, كون الموضوعاتية وحدة حسية

, ومعنى هذا أنها جزء من العالم الظاهري, يتجسد من خالل أشياء الواقع المحسوس

وتسجل .)) الموضوع وحدة حسية: (( حسب ما ورد في التعريف الثاني أعاله

لموضوعاتية والدتها األولى لما تتجسد في صورة محسوسة حسب التفكير الظاهراتي ا

الجذريون يشددون بأكبر : (( فهو يقول, الذي يستمد منه ريشار السند لمفاهيمه النقدية

من هنا . والصورة في مراحل تشكلها األول, قدر ممكن على مستويي اإلحساس الخام

والمشاهد والمواد واألصوات ومجموعة الصفات نمعن في تسجيل األضواء والعطور

بهدف إعادة , ثم نربط هذه الموضوعات بعضها ببعض. أو الماهيات التي يثيرها النص

)106()). اإلنسان-بناء أو تأسيس سيرة معينة قام بها األديب

مرحلة خروجها من العدم , هذه هي اللحظة التي رأت والدة الموضوعاتية

هي التي , لحظة الخلق الفيزيائي هذه للموضوعاتي. عي ككيان حسيوتشكلها في الو

, فهما وتعاطفا, لقد حاولت أن أركز جهودي : ((يأمل ريشار توضيح طبيعتها في قوله

اللحظة التي يولد فيها العمل األدبي , على تلك اللحظة األولى في عملية الخلق األدبي

, تأسس فيها انطالقا من تجربة إنسانيةاللحظة التي ي. من الصمت الذي يسبقه ويحمله

ويبني نفسه بنفسه في احتكاكه , يالمس نفسه, اللحظة التي يلمح المبدع فيها نفسه

باللغة التي , اللحظة التي يأخذ العالم فيها معنى بالفعل الذي يصفه. الفيزيائي بإبداعه

)107(.))بالطبعوهذه اللحظة ليست إال لحظة وحيدة . تقلد وتحمل المشاكل بشكل مادي

وتستمد جهود جان بيار ريشار سندها الفكري في محاوالت القبض على اللحظة

كمرحلة أولى للتوصل إلى تحديدها في النص , التي تم فيها خلق الموضوعاتية

من الفلسفة الظاهراتية التي فتح لها غاستون باشالر الباب إلى مجال , واإلمساك بها

" جماليات المكان"فلقد سبق أن تحدث في كتابه . لكثيرة والمهمةالنقد األدبي ببحوثه ا

.193 ص » ...النقد الينيوي الحديث «فؤاد أبو منصور ,حوار , جان بيار ريشار- 106 .64 ص» ...الموضوعية البنيوية « ذكره عبد الكريم حسن - 107

58

وهي عملية ال يمكن تفسيرها أو , عن لحظة والدة الصورة الشعرية في ذهن األديب

وإن كان , والتي أنتجتها كذلك, القبض على الدوافع المباشرة والقريبة التي تقف وراءها

: إذ يقول, والدتها أمر ممكنالحديث عن األسباب أو الظروف البعيدة عن لحظة

فنجد مجموعة , نستطيع بالطبع أن نتذكر وسائل تحليل نفسية تحدد شخصية الشاعر((

ولكن . من الضغوط ـ وقبل كل شيء القمع ـ التي خضع لها الشاعر خالل حياته

واشتعال الوجود في الخيال ال نجد تفسيرا لها , الصورة المفاجئة, الفعل الشعري ذاته

)108(.)) التحليل النفسيبوسائل

وأمام هذا العجز على إيجاد حل ملموس للغز والدة الصورة الشعرية لكونها

ال يبقى أمام باشالر سوى االكتفاء بالحل " بروزا متوثبا ومفاجئا على سطح النفس"

الفلسفي في إطار ما تقدمه الفلسفة الظاهراتية من إمكانات فكرية تسمح ببناء تصور

, لوالدة الصورة الشعرية التي هي النواة المفجرة لموضوعاتية نص أدبي ماملموس

إليضاح مسألة الصورة الشعرية فلسفيا علينا أن نلجأ إلى ظاهراتية : (( فيتابع قائال

وهذا يعني دراسة ظاهرية الصورة الشعرية حين تنتقل إلى الوعي كنتائج . الخيال

)109(.)) وهي مدركة في حقيقة هذا الوجود,مباشر للقلب والروح والوجود اإلنساني

في , ولكون هذا المنبع روحيا فال سبيل. وهذا يؤكد المنبع الروحي للصورة الشعرية

ولذا يوضح , إلى دراستها وفك أسرارها انطالقا من مرحلتها الروحية هذه, رأي باشالر

إذ لها صفة , ال تحتاج إلى دراسة أكاديمية, إن الصورة الشعرية ببساطتها: (( قائال

الشاعر من خالل جدة صوره هو دوما أصل . فهي في تعبيرها لغة فتية, الوعي الساذج

وكون الصورة تسبق , وحتى نحدد بدقة كيف يمكن أن تكون ظاهراتية الصورة. اللغة

علينا أن نقول إن الشعر هو ظاهراتية الروح أكثر من كونه ظاهراتية , الفكر

)110(.))العقل

مرحلة المباشرة المتقدمة عن والدة الصورة هي مرحلة روحية غامضة وكون ال

بعد أن , وجب توجيه الدراسة إلى فهم الصورة بعد والدتها, ال يمكن اإلمساك بها

.18؛ ص» جماليات المكان «استون باشالر غ- 108 .18ص, نفسه- 109 .20ص, نفسه- 110

59

تنمو وتتوسع في النص عبر تنويعات , صارت جزءا حيا من الوجود الملموس

لكتابة قصيدة : (( في قولهوهذا ما يؤكد عليه باشالر, وتعديالت تربط بينها قرابة سرية

أما بالنسبة , يكون العقل مرغما على وضع مشاريع أولية لها, مكتملة وجيدة البناء

كل ما تحتاجه الصورة هو ومضة , لصورة شعرية بسيطة فال يوجد مشروع سابق لها

إن العقل كما يذكر باشالر هنا يكون قادرا على وضع المشاريع )111(.))من الروح

ولكنه تحكم غير , وهو الجانب الذي يتحكم فيه الوعي بنسبة هامة, ص األدبياألولية للن

ألنه إلى جانب هذا النظام الخاضع مباشرة للوعي يوجد أيضا , كاف لخلق النص األدبي

وهو مجال النظام الخاضع للقرابة السرية القائمة بين عناصر النص , ما هو أهم

يربط بين أجزائه وتفاصيله بعالقات دقيقة إنه النظام الخفي الذي. وأجزائه البسيطة

.وخفية

:)articulationĽ(التمفصل ـ 3

هل التفرع هو نفسه التمفصل عند جان بيار ريشار؟ ثم نحاول : حين نتساءل

ذلك ألنه برغم تأكيده الواضح على أهمية . فإننا ال نعثر عليها, البحث عن اإلجابة عنده

يكفي من المعلومات لتكوين مفهوم محدد عنه وتصور واضح فهو ال يقدم ما , التمفصل

مما يبقي األمر في ذهن القارئ غامضا؛ وهذا يحد من فعالية , عن صفاته وخصائصه

. االستعانة بهذا المفهوم إلنجاز دراسات موضوعاتية

: قائال, ريشار قيمة الموضوعاتية بمدى قدرتها على التمفصل.ب. حين يربط ج

)112(.))وقدرته على التمفصل, تتحدد من خالل إلحاحه, قيمة أي موضوع إذنإن((...

وال يقدم أي مثال تطبيقي يساعد على إدراك هذه , فهو ال يضيف أي تحديد نظري

ويبقى األمر . التي يحتلها التمفصل في النقد الموضوعاتي, في نظره, األهمية الكبيرة

وال يشرح فيه وظيفة التمفصل ودوره في حتى عندما يقدم تعريفا مط, على حالته هذه

من ذلك هذا القول الذي تضمنته إحدى محاضراته التي ألقاها . صناعة النص األدبي

إن مبدأ الدراسة الموضوعاتية هو مبدأ : ((حيث جاء فيها, حول النقد الموضوعاتي

وعلى ...فالمعنى يتفكك في اتجاه معنى آخر... االستمرارية؛ مبدأ التمفصل المستمر

.21ص, نفسه- 111 .52؛ ص» المنهج الموضوعاتي «ذكره عبد الكريم حسن - 112

60

إنه يعني هنا اإلمكانية الثابتة لتبديل وحدة , الرغم من أن التفكك يحمل معنى سلبيا

, وخيبة األمل في هذا األسر, تحمل من القدرة على أسر المعنى, بمجموعة من الوحدات

فالمعنى ال يمكن أن يكتمل ألنه منفتح دوما على . ألن المعنى يفلت منا على الدوام

وبهذا يأخذ التفكك معنى إيجابيا يتمثل في قدرة المعنى على أن . وجوه أخرى للموضوع

إلى جانب تأكيده في هذا الحديث على أهمية التمفصل )113(.))يصنع نفسه باستمرار

" التفكك"فهو يضعنا أيضا أمام مصطلح آخر جديد هو , وضرورة استمراره في النص

تزداد داللة التمفصل غموضا وبهذا , الذي يبدو من حديثه أنه يضعه كمرادف للتمفصل

وربما النتيجة . أو عمومية في الوقت الذي يحتاج األمر مزيدا من التبسيط والتوضيح

هي أن جان بيار ريشار ال يميز بين , إليها بعد هذين التعريفين التي يمكن االطمئنان

.وإنما يعنيان عنده مفهوما واحدا, مصطلحي التمفصل والتفرع

ريشار مصطلحا . ب.خرى لتحديد هذه المفاهيم المتقاربة يستعمل ج وفي محاولة أ

إن الجذر يتفرع ويتوالد ضمن : ((فيقول, "التوالد"وهو , آخر يحتاج بدوره إلى تحديد

حيث , "التجويق الموسيقي األوركسترالي"هذا التوالد يشبه . أشكال وتعابير متعددة

تتآلف وتتواكب لتعطي إيقاعا , متعددةالميلوديا الرئيسية هي حصيلة نقرات منفردة و

والنص في لعبته اللغوية واألسلوبية والفكرية حصيلة توالدات على . أوركستراليا واحدا

وهكذا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام مفاهيم تغلب )114(.))مستوى مقومات الكتابة األولية

ر الذي يسمح عليها الشمولية والتجريدية يصعب اإلمساك بدالالتها وتحديدها بالقد

. ومن ثم دراستها, باكتشاف مثيالتها في النص األدبي والتعرف عليها

إن النتيجة التي يمكن االطمئنان إليها بعد هذه التعريفات هي أن جان بيار ريشار

ال يقدم للقارئ ما يمكنه من التعرف بوضوح على مجموعة من المصطلحات التي

والتمييز بينها؛ , لية إجراءات المنهج الموضوعاتييحاول بها تحقيق زيادة في فعا

والتمفصل يشرح به التفكك؛ والسبب يعود ربما إلى كون هذه , فالتفرع يوضح التوالد

مما لم يحل دون استعانته بهذا المصطلح لشرح ذاك , المصطلحات متقاربة جدا

بين يدي فحدت من فعاليتها , وهذا أدى إلى حدوث تداخل بين دالالتها, وتوضيحه

.81ص, » المنهج الموضوعاتي « عبد الكريم حسن - 113 .189 ص» ...النقد الينيوي الحديث «فؤاد أبو منصور , حوار, جان بيار ريشار- 114

61

كان البد لحل هذه اإلشكالية أن نستعين بما قدمه ناقد آخر من , وهكذا. الدارس األدبي

" جان بول ويبر"وهو , توضيحات نظرية وتطبيقية في مجال الدراسات الموضوعاتية

. والذي سنتوقف عنده بدوره فيما سيتبع من البحث

: ) La parenté secrète ( ـ القرابة السرية4

هذا عنصر آخر من جملة العناصر التي يقوم عليها مفهوم الموضوعاتية عند

العالم "وقد ذكره في سياق تعريفه للموضوعاتية في مقدمة كتابه , ريشار. ب. ج

هذه القرابة : ((...قائال, وهو مفهوم ينسبه إلى ماالرمي نفسه". التخيلي لماالرمي

وكان ماالرمي قد استعمل هذا المصطلح ـ )115(.))السرية التي يتكلم عنها ماالرمي

فما هو الجذر؟ إنه تجميع : (( حسب ريشار ـ في محاولته تعريف الموضوعاتية بقوله

بغاية التعرف فيها على قرابة سرية نحصل من خاللها على ... حروف وصوامت

وهو تعريف يجد فيه ريشار سندا قويا )116(.))موضوعاتي أكثر إيجازا وأكثر دوارا

ويمكننا تبني هذا التعريف بتطبيقه على حقول : (( فيقول, ء تعريفه للموضوعاتيةلبنا

وخطاطة , ويصبح الموضوعاتي بذلك المبدأ الملموس للتنظيم, غير الحقول الفيلولوجية

القرابة "يكون أساسه هذه , أو موضوعا ثابتا ينزع إلى أن يتكون وينتشر حوله عالم

)117(.))راميالتي يتكلم عنها ماال" السرية

ويحتل مفهوم القرابة السرية بين جميع العناصر السابقة التي يقوم عليها مفهوم

, الموضوعاتية موقعا متميزا بفضل دورها الهام في تشكيل الموضوعاتية نفسها

فتجعلها تقوم كوحدة متماسكة , والمتمثل في االلتحام الذي تصنعه بين تلك العناصر

ريشار على األهمية الكبيرة . ب. وقد شدد ج. هوم نقدي متميزومنسجمة تعبر عن مف

... الموضوع مبدأ تنظيمي محسوس : ((إذ يقول, "القرابة السرية"التي تنفرد بها

.131ص, ؛ ترجمة سعيد علوش» العالم التخيلي لماالرمي"مقدمة , جان بيار ريشار- 115 131ص, نفسه- 116 .131 نفسه؛ ص- 117

62

, في ذلك التطابق الخفي, والنقطة المهمة في هذا المبدأ تكمن في تلك القرابة السرية

)118(.))والذي يراد الكشف عنه تحت أستار عديدة

في النص على اكتشاف العالقات التي تربط " القرابة السرية" ويقوم الكشف عن

وبتعبير آخر اكتشاف , بين التعديالت التي تلحق بالنواة أو تمفصالتها وتفرعاتها

العالقات الخفية التي تربط بين مجموعة التعديالت التي حصلت في كل تفرع من

يتم الكشف عن العالقات الخفية التي توصل وبالمثل, تفرعات النواة المركزية من جهة

للوصول في النهاية إلى , بين التعديالت التي توالدت عن النواة المركزية نفسها أيضا

ذلك ألن قوة العمل األدبي وأصالته , اكتشاف النظام الكلي للموضوعاتية في شموليتها

مباشر ومعناه وليس على مضمونه الفكري ال, تقوم على دقة نظامه الداخلي الخفي

إن أصالة وعمق التجربة ال يستمدان من : ((السطحي، حسب ما يؤكده ريشار في قوله

)119(.))بأكثر ما يستمدان من تنظيم المضمون, مضمونها الخاص

ويخضع البحث عن القرابة السرية في النص إلى فكرة تبدو بديهية ومقبولة جدا

كرة في ارتباط تجارب اإلنسان بعضها ببعض عن وتتمثل هذه الف, من الناحية النظرية

تأثر التجربة الجديدة بتجارب , أو بتعبير آخر, طريق تأثر الواحدة منها باألخرى

اإلنسان السابقة؛ مما يجعل الحياة نفسها مجموعة من التجارب المتصلة ببعضها بعضا

األدبي عالم خيالي وبما أن النص . بفضل عالقة التأثر والتأثير التي توصل فيما بينها

فهذا النص بدوره يتكون من تجارب فنية تتصل فيما بينها , يعكس وعي الفنان بالحياة

ألن هذه القرابة التي , "القرابة السرية " ريشار بـ . ر .بعالقات هي ما يعبر عنها ج

ا ألنه, على سطح العمل, في الغالب, ال تبدو, أو التعديالت هنا, توحد بين تلك التجارب

وهذا يجعل الكشف عنها , "الخفية"أو " السرية "فتصلح لها صفة , تعمل في أعماق النص

ال يمكن أن يوجد انفصال بين : ((يقول ريشار. يتطلب مجهودا كبيرا وصبرا متواصال

, بالحياة الحسية, بالذكرى, سواء تعلق األمر بالحب, التجارب المتنوعة لإلنسان الواحد

.46-47 ص» ...المنهج الموضوعاتي « ذكره عبد الكريم حسن - 118 .136؛ ص» …العالم التخيلي"مقدمة , جان بيار ريشار- 119

63

فالمجاالت التي تبدو أكثر انفصاال عن بعضها بعضا تحتوي بداخلها .أم بالحياة الفكرية

)120(.))األشكال نفسها

ولتوضيح طبيعة هذه القرابة السرية نستعين بالنموذج األدبي الذي وصف فيه جان

فحلمنا بطيران طائر للداللة .. .: ((بيار ريشار طبيعة العالم التخيلي لماالرمي قائال

فتخيلنا للسماء كسقف نصدم , ال يمتلك شيئا في حد ذاته على األصل, يعلى فعل شاعر

وإذا كان الزجاج قبرا , ولكن إذا كسر الطائر زجاجا. به ال يقتضي إبداعا لنشاط خاص

خاصة إذا ما تساقط ريش , وعليه وحده, فسنقف على عالم ماالرمي. أو سقفا أو صفحة

لكي يتحول إلى ورود مورقات وإلى نجوم الطائر وتسبب في اهتزاز أوتار القيثارة

حيث يمزق الطائر رغوة الشفافية الجوية وهو يتمزق فيها، وإلى تفجر هذه , متساقطة

وإلى ألف قطرة ماء تتحرك بدورها ضمن مسقط , الشفافية لتصبح نشيدا لطائر الماء

ي هذا يتضح ف)121(.))وإلى لعبة نرد, وإلى تفجر ماس أو نجوم, وإلى ورود يانعة, ما

المثال الدور الخفي واألساسي الذي تضطلع به القرابة السرية لتشكيل عالم النص

ثم تتفرع إلى , وهي وحدة ينطلق تشكلها من نواة, وتنظيمه وخلق وحدته الموضوعاتية

فيتسع , شبكة من التعديالت تجمع بينها عالقة تماثل تجعل المعنى يتوالد ويتناسل

فقطعة الزجاج في . النص ال يحتوي شيئا آخر سواهويتعمق حتى يصبح وكأن عالم

وسقف البيت , وهذا القبر في انغالقه يشبه سقف البيت, تسطحها تشبه غطاء القبر

متى كانت هذه , الحتوائه حياة ساكنيه يشبه صفحة الكتاب التي سجلت عليها حياة الناس

بقية النص نرى أوجه وبتأمل. أو جزءا من رواية أدبية مثال, الصفحة وثيقة تاريخية

له , في اهتزازه, فالريش المتساقط من الطير: القرابة السرية التي تربط بين عناصره

بجمال أوراق , بجماله وتناثره في الجو, وله عالقة أخرى, عالقة باهتزاز أوتار القيثارة

له عالقة وأخيرا , ثم له عالقة بالنجوم في تأللئها وتناثرها, الورد وبتناثرها عند السقوط

وفي تناثر رغوتها كتناثر ريش هذه , بأمواج البحر في امتدادها وتحركها كاألجنحة

وبتوصل الدراسة الموضوعاتية إلى الكشف عن هذه القرابة السرية التي . األجنحة

تضع التعديالت في عالقات متماسكة مع بعضها بعضا تظهر الوحدة الموضوعاتية

120- Jean-Pierre Richard « Littérature et sensation »; P.13.

.136؛ ص» …العالم التخيلي«مقدمة , جان بيار ريشار- 121

64

تأمال عميقا وبحثا ئيتطلب دائما من القار ا االكتشافالتي يقوم عليها النص؛ ولكن هذ

.متواصال وصبرا مستمرا

, ريشار. ر. يوضح هذا النموذج طبيعة القراءة الموضوعاتية التي يمارسها ج

ثم القيام بتتبعها عبر تعديالتها التي تتجلى , وهي قراءة تبدأ بتحديد موضوعاتية النص

أما القرابة السرية فهي تلك . النص وتقدمه حتى اكتمالهمحققة نمو , فيها في كل مرة

, التعديالت التي تصنعها الموضوعاتية األصلية لتتجلى في صور أو مشاهد تبدو جديدة

. ولكن التحليل يظهر عالقتها العضوية بالموضوعاتية األصلية وببعضها بعضا أيضا

تناولها جان بيار ريشار في هذه هي جملة المبادئ أو العناصر األساسية التي

والتي يسعى هذا المنهج النقدي إلى استكشافها وتتبع , تحديداته لمفهوم الموضوعاتية

تطوراتها وتعديالتها في النص األدبي؛ وقد قمنا فيما سبق من البحث بعرض هذه

ريشار بفضلها تحديد مفهوم مصطلح . ب. العناصر في سياق التعريفات التي حاول ج

ثم قمنا بعزلها إلظهار دالالتها معتمدين أساسا على ما ضمنها صاحبها , عاتيةالموضو

سواء في , نفسه من دالالت في مختلف دراساته الكثيرة في مجال النقد الموضوعاتي

, مع العلم أن عدد تلك الدراسات ليس قليال, جانبه النظري أم في جانبه التطبيقي

. وامتدادها عبر الزمن ليس قصيرا

:ـ أدوات المنهجب

نقوم , ريشار وطبيعتها. ب. بعد التوصل إلى تحديد مفهوم الموضوعاتية عند ج

بتناول األدوات اإلجرائية التي يقترحها لقيام النقد الموضوعاتي باقتحام عوالم النصوص

عوالم وهي , األدبية لإلمساك بالموضوعاتية وتتبع تعديالتها التي تصنع تلك العوالم الفنية

يتطلب اقتحامها امتالك جملة من اإلجراءات العملية تكون قادرة على استكشاف نظامها

وبغرض االستجابة لهذه الضرورة بذل جان بيار ريشار جهودا كبيرة ومهمة . الدقيق

كانت نتيجتها وضع قاعدة مفهومية لجملة من األدوات النقدية الرامية إلى االنتقال من

مجال الفعالية التي تجسدها الدراسات التطبيقية عبر تحديد المجال النظري إلى

حسب , موضوعاتية النص والكشف عن تعديالتها المكونة لعالمه الفني المنسجم والمتماسك

من جمع كل , أن نتمكن في عملية واحدة: ريشار مشيرا إلى النص الشعري. ب. تعبير ج

نبين كيف أن هذه القصيدة تولد من يعني أننا, المعنى في حجمه الشامل لقصيدة جميلة

65

من اتصال , من اضطرابات اإلحساس, من تعديالت الصور, تضاريس األلفاظ

: هذا استجالء ألهم تلك األدوات)122(.األفكار

: )mmanenceĽi (ـ الحلولية 1

ريشار في مقابل مفهوم اإلحالة؛ فبينما يجعل . ب. يقف مفهوم الحلولية عند ج

فهو يبعد عن طريق هذه الدراسات , شرطا لقيام الدراسات الموضوعاتية" يةالحلول"

ويعود سبب . ألنها تجعل النقد الموضوعاتي ينحرف عن غايته ويبتعد عنها" اإلحالة "

ظهور هذه اإلشكالية في الدراسات األدبية إلى كون النص يظهر داخل محيط اجتماعي

تأثرا بحياته وبالمحيط االجتماعي الذي نشأ مما يجعل النص م, هو محيط المؤلف, معين

وهذا . أو حضارية بشكل عام, من ثقافية وسياسة واقتصادية, بجوانبه المتعددة, فيه

يفسر ظهور النقد النفسي والنقد االجتماعي التاريخي؛ فيحاول النقد النفسي قراءة النص

أما , ة في الالشعورالدفين" عقده"األدبي عن طريق البحث في حياة الفنان الستكشاف

وقد أدى هذا . النقد االجتماعي فهو يحاول قراءة النص في إطار المجتمع الذي أنتج فيه

, الخروج عن النص إلى تحوله إلى وسيلة لمحاولة فهم الفنان واستكشاف أعماقه النفسية

ثم اتخاذ موقف من , لمعرفة المجتمع وفهم نظامه السياسي واالقتصادي الذي يحكمه أو

أما النقد الموضوعاتي فهو مثل النقد البنوي يرفض اإلحالة . ل ذلك في أغلب األحيانك

. سواء تعلق األمر بحياة المؤلف أم بالمجتمع الذي يعيش فيه, إلى خارج النص األدبي

وبالمقابل يطالب بالتعامل مع النص فقط باعتباره كائنا حيا مكتمال بذاته ومستقال عن

مر إلى حد العزل الكلي للعمل األدبي عن المجتمع وعن دون أن يصل األ, غيره

اللذين يعترف , الستحالة إنكار وجود عالقة واضحة بين المؤلف والمجتمع, صاحبه

إن النقد الموضوعاتي يضع هذه الظروف : (( ريشار بدورهما في إنشاء النص قائال

122 -Voir, Jean-Pierre Richard « Onze études sur la poésie moderne » ; éd. du Seuil 1964, P.11.

66

إذ إنه , ف في إنتاج النصفأنا على اقتناع بتأثير هذه الظرو. ولكنه ال ينفيها, بين قوسين

ولكن قبل أن نقوم بالربط بين , من البديهي أن يكون النص نتاجا تاريخيا إيديولوجيا

وفي ضوء ذلك يمكن . يجب أن نقوم بالبناء الكامل لكل هذه المستويات, مستوى وآخر

)123(.))للقراءة الموضوعاتية أن تكون ضمن إطار قصديتها واستقالليتها وتالحمها

ريشار حول االعتراف . ب. وتلتقي آراء النقاد الموضوعاتيين مع رأي ج

مع التنبيه , بوجود عالقة بين النص والظروف الخارجية التي تم إنتاجه في إطارها

أيضا إلى أن اإلقرار بهذه الحقيقة ال ينبغي أن يتحول إلى مبرر يدفع الدارس إلى

كلما زاد بروز تلك الظروف في الدراسة إذ, االنشغال بها بدال من االنشغال بالنص

العمل ): (( Jean Starobinski"(جان استاروبانسكي"حسب قول , اختفى النص منها

األدبي يختفي بقدر ما يسعى الناقد إلى االنكباب على جمع المزيد من األحداث التي

)124(.))تبدو له أن لها عالقة بالعمل

القة النص بمؤلفه يذكرنا بمواقف روالن ريشار عن ع. ب. ولما يتحدث ج

في دعوة ملحة إلى اعتبار النص عالما مغلقا على , بارت المشهورة حول موت المؤلف

مما يستوجب من القارئ أن يتناوله من الداخل لبناء , نفسه ال يحيل إلى شيء خارجه

يؤدي قراءة مستقلة وبعيدة عن تأثيرات المجتمع وصاحب النص؛ وهذا يجعل القارئ

. ب. يقول ج؛دور مؤلف وليس دور مستهلك للنص كما كان يفعل القارئ التقليدي

وهذا ما يدفعنا إلى اإلشادة بالقدرة . فالكاتب يوجد خارج العمل المنقود: (( ريشار

ولكن )125(.))قدرة العمل على أن يخلق خالقه أكثر مما يخلقه خالقه, التدشينية للكلمة

, اسم الذي يقدمه ريشار هنا عن موقع الكاتب من عمله األدبيهذا التحديد الواضح والح

لما , لم يبقنا في منأى عن الغموض الذي أدخله ريشار نفسه حول حقيقة هذا الموقع

مؤكدا أن المكان الحقيقي الذي يوجد به الكاتب هو " قالشعر والعم"يتساءل في كتابه

ما تتضمنها أشعاره أكثر مما تحملها أعتقد أن حقيقة شاعر : ((فيقول, عمله األدبي نفسه

.113؛ ص» المنهج الموضوعاتي « ذكره عبد الكريم حسن - 123

124 -Jean Starobinski « Le Regard critique » ; in, Roger Fayolle « La critique littéraire » ; Coll. U Armand Colin, 2eme éd. Paris1964, P.361.

.113؛ ص» المنهج الموضوعاتي « ذكره عبد الكريم حسن - 125

67

العالم التخيلى " ثم يكرر هذه الفكرة في مقدمة كتابه )126(.))أحاديثه عن الشعر

وفي أوفر حقيقته إذا لم يوجد في المجموع , أين يوجد الكاتب حقا: (( قائال" لماالرمي

)127(.))وفيه يتوجب البحث عنه بادئ ذي بدء, الملموس لكتبه؟ ففيه يتذوق ويبدع

والتي يبدو , ليس من سبيل أمامنا إلبعاد هذا التضارب في آراء ريشار هذه

إال بأمرين , "خارج النص"و" داخل النص: "األديب فيها يحتل موقعين متناقضين هما

أولهما أن ريشار يميز بين األديب كإنسان يعيش في الواقع بين الناس بشخصيته : اثنين

فالكتاب يوجد خارج العمل : "ذا المعنى هو ما يعبر عنه قولهوه, التي تميزه من عمله

أما . ولذا ال سبيل إلى محاولة الوصول إلى معرفته عن طريق تحليل أدبه." المنقود

فينبغي دراسة النص الكتشاف حقيقة أصالته اإلبداعية وموهبته , األديب كإنسان ينتج فنا

قدرة أو قيمة يمكن أن تكون بديال , لةفي هذه الحا, الفنية؛ وليس ألحاديثه عن األدب

وهكذا نتوصل إلى التمييز بين . عن تلك التي يتوصل التحليل إلى اكتشافها في نصوصه

فهو ما تسجله هذه اآلراء من , أما األمر الثاني. ما كان يبدوا تناقضا في آراء ريشار

أو حقيقة , اتبإن الك: (( حيث يعود تاريخ قوله, تطور حدث في الفكر النقدي لريشار

إن الكاتب : (( أما قوله, إلى الخمسينيات وبداية الستينيات, ))الشاعر توجد في أدبه

أدلى به في إحدى , فهي نظرة جديدة إلى الموضوع, ))يوجد خارج العمل المنقود

يدعمه ويقويه عند روالن بارت وهو رأي يجد ما, الندوات في منتصف السبعينات

ت المؤلف كما هو معروف؛ وبهذا يحتفظ قول ريشار هذا بالخصوص الذي يقول بمو

ومن هنا كانت دعوته دائما إلى أن , بكامل قوته كرأي حاسم وفاصل في الموضوع

إن : (( وإليه يعود, وفيه يتحرك, منه ينطلق, يجعل الناقد النص األدبي مركز اهتمامه

ال يجتنب " ضوعاتيةمو"فالنقد األكثر . على نص ما أن يقرأ من الداخل حتى يستوعب

إلى قطع الصلة كلية " الحلول في النص"دون أن يؤدي هذا ) 128(.))هذه الضرورة

ألن ذلك ليس أمرا ممكنا إال بقدر معين؛ بل , من مجتمع ومؤلف, بالظروف الخارجية

تكون االستعانة بهذه الظروف في بعض المرات مفيدة لبناء قراءة مقنعة بانسجامها

برغم كونها ال تنبثق داخل , ند إلى مرجعية قابلة نسبيا لالختبارلكونها تست, وعمقها 126-- Jean-Pierre Richard « Poésie et Profondeur » ; P.10.

.129؛ ص» …التخيليالعالم «مقدمة ,ريشار. ب. ج- 127 .142ص, » …العالم التخيلي«مقدمة ,ريشار. ب. ج- 128

68

, وعلى الرغم من أننا ال ننفي هذه العوامل الخارجية: (( النص األدبي كما يقول ريشار

تنبثق إننا نضعها ـ على هذا المستوى الذي نضع فيه منهجنا ـ بين قوسين ألنها ال

)129(.))من داخل النص األدبي

يعتبر , المجتمع والمؤلف: ب إغراء اإلحالة على العالم الخارجي بقسميه إن تجن

إذ , أول خطوة ضرورية يخطوها الناقد نحو تحقيق القراءة الموضوعاتية للنص األدبي

يمكنه ذلك من الحلول فيه ليقوم بتفكيك أجزائه وتفحص دقائقه حتى يحدد موضوعاتيته

على غرار هذا التشبيه الذي ينسبه جان بيار , ليوتعديالتها المشكلة لعالمه الفني الجما

يشبه بيك دو ال : (( حين يقول)130("بيك دو ال ميراندول "ريشار للفيلسوف اإليطالي

فنمزق وحدته إلى , ميراندول األدب بالسلم الذي ننزل تارة على أدراجه بقوة خارقة

بطاقة كطاقة ونبعثرها كجسد أوزيريس وتارة نصعد تلك األدراج, شظايا متعددة

ويرى ريشار )131(.))في وحدة جديدة, أعضاء أوزيريس, هذه الشظايا فوبوس فنجمع

والتي وحدها تمكن الدارس , أن الشرط الذي يجب أن يتوفر لتحقيق هذه الحلولية التامة

هو القدرة على التعاطف مع النص واإلعجاب , وإعادة البناء" التمزيق"من إجراء عملية

.به

قق التعاطف مع النص إمكانية االلتحام به واالستماع إلى نبضاته وهمساته يح

ثم للقبض عليها من أجل بناء تصور واضح ودقيق لموضوعاتيته التي شكلت , الدقيقة

وتعديالتها المستمرة التي صنعت بناءه الكلي المنظم والمنسجم؛ وفي هذا , نواة انبثاقه

ذه الطريقة من أن تتوفر فيه بعض الخصوصيات ال بد لمن يتوخى انتهاج ه: (( يقول

فالمعنى ال . ومن هذه الخصوصيات القدرة على التعاطف مع العمل األدبي. المتوازية

ولكنه البد لهذا التعاطف أن يبقى . يمكن تنشيطه إال إذا تمثله الناقد وعاشه من جديد

قى هذا التعاطف وأن يب)132(.))ألن ذلك وحده يلجم هذيان اإلسقاط الذاتي, منضبطا

يرسم , بل يجب أن يبقى خاضعا ألدوات منهج معين, يعني أن ال يكون مطلقا, منضبطا

.114؛ ص» المنهج الموضوعاتي « ذكره عبد الكريم حسن - 129تميز بالدفاع , وهو مفكر إيطالي)1463- 1494( عاش في الفترة )Pic de la Mirandole(بيك دو ال ميراندول - 130

)انظر معجم الروس.(سانيعن قضايا فلسفية ودينية ذات طابع إن131- Jean-Pierre Richard « Onze études sur la poésie moderne » ; P.08.

.117؛ ص» المنهج الموضوعاتي « ذكره عبد الكريم حسن - 132

69

, حتى ال يسقط النقد في االنطباعية والذاتية المطلقتين, له اتجاهاته ويحدد له غاياته

.فال يمكن تتبع خطواته وال حصر نتائجه, فتختفي سبيله وتتمزق غايته و تتشظى

ريشار من جهة أخرى أن النقد األدبي ال ينبغي أن يمارس وفق أدوات ويرى

ألن ذلك يؤدي إلى معاملة , يتقيد بها الناقد تقيدا صارما فال يحيد عنها أبدا, منهج معين

النص األدبي بصفته مادة طبيعية محايدة فيحرمها من جانبها اإلبداعي الذي يصنع

ولكن لما كان النص األدبي ظاهرة ". لذة النص "أو ما يسميه بارت, المتعة عند القارئ

إنسانية تعبر عن أفكار مؤلفها ومشاعره؛ ما وعاه منها وما لم يعه؛ وجب عندئذ التعامل

مع أدوات المنهج النقدي تعامال مرنا يسمح باستغالل الفعالية التي تتوفر عليها لتفكيك

ومن جهة أخرى فتح , م لعالمهالكتشاف البناء المنظ, النص وتصنيف عناصره وتحليلها

فتنشأ حميمية خاصة , مجال للعاطفة أو الذاتية حتى يتحقق التحام الناقد بالنص المنقود

يكون دورها دفع عملية النقد إلى األمام وتنشيطها باستمرار حتى ال تصاب , بينهما

بالملل والوهن فتعجز عن استنطاق تفاصيل النص وبناء تصور واضح عن عوالمه

.نسجمةالم

يؤكد ريشار أن المناهج غير , وبعد ثالثين سنة من الدراسة األدبية المتواصلة

بعد هذه , مما جعل اقتناعه, كافية وحدها لمواجهة العوالم المركبة للنصوص األدبية

بشرط , يزداد بأهمية الدور الذي يمكن للذاتية أن تؤديه في العملية النقدية, المدة الطويلة

الذي يشكل استمرار األساس أو القاعدة , للجوء إليها بعد استيعاب كامل للمنهجأن يتم ا

فيكون دور االنطباعية ـ كما قلنا ـ مكمال لدور المنهج . التي تقوم عليها الدراسة

ومنشطا له؛ يقول في هذا الصدد مشيرا إلى التغير المنهجي الذي حدث في كتابه

يختصر " قراءات مجهرية"كتابي األخير : (( لسابقةمقارنة بكتاباته ا" قراءات مجهرية "

لكنه يتجاوزها , المحاوالت التي قمت بها منذ ثالثين عاما حتى اليوم في مجال النقد

النقد أوال وأخيرا ممارسة انطباعية في ضوء منهج . نحو المزيد من االنطباعية الذاتية

وأعتقد أن . لعملية األدبيةخاص يعتمده الناقد وسيلة إللقاء المزيد من الضوء على ا

أما نهاية الطريق فهي . بداية الطريق النقدية هي انصياع للمناهج والتقنيات الصارمة

فقد . روالن بارت مثال واضح على ذلك. عودة إلى الذاتية وممارسة النطباعية حرة

ار على غرار حو, "لذة النص"إلى , انتقل من البنوية والشكلية إلى لعبة حب مع الكلمات

70

العشق هو : "من هنا قوله الشهير. العشاق وطريقة ابتكارهم لألشياء األكثر ابتذاال

)133(."))ابتكار المعاني الجديدة

يبدو من هذا التوضيح الذي يعطي فيه ريشار أهمية أساسية لدور االنطباعية في

إليها أن هذه االنطباعية المقصودة هي تلك التي يفضي , عملية النقد الموضوعاتي

وليست انطباعية مستقلة عن المنهج وواردة عليه من خارجه؛ , المنهج النقدي نفسه

بمعنى أنها انطباعية يتم التوصل إليها تدريجيا مع تقدم التجربة النقدية وتراكمها عبر

. لتصبح بدورها تشكل مرحلة أخيرة تصل إليها الممارسة النقدية, السنين عند ناقد ما

" قراءات مصغرة"لى نوعية الدراسات النقدية التي تضمنها كتابه وهذا ما نالحظه ع

وتقدمها في , فهي دراسات تتحكم االنطباعية في سيرها في النص وتحركها فيه. بجزأيه

عوالمه والغوص فيها؛ ولكنها في الوقت نفسه تنطلق من موضوعاتية محددة وتسير في

ثم فهي دراسات تقود خطوتها اتجاه اكتشاف تعديالتها المتنوعة عبر النص؛ ومن

وهي , وتسعى إلى تحقيق الغايات التي قام من أجلها, إجراءات النقد الموضوعاتي

.اكتشاف موضوعاتية النص وتتبع تعديالتها وتحوالتها المشكلة لعالم النص الجمالي

مثاال لتأكيد صواب نظرته إلى أهمية دور " روالن بارت" ولما يتخذ ريشار

عية في الممارسة النقدية يكون قد وضع يده على مثال موفق يمكن ذكره في هذا االنطبا

ذلك ألن روالن بارت نفسه يؤكد على الدور الهام الذي ينبغي أن تضطلع به , المجال

االنطباعية في الممارسة النقدية؛ بل يذهب إلى أبعد من ذلك لما يؤكد أن النقد ال يمكن

ما أدى به إلى جعلها مقياسا للتمييز بين نقاد األدب من وهذا, أن يقوم بدون انطباعية

: مثل, وأظن أن النقاد المعاصرين: (( إذ يقول, وعلماء اللغة من جهة ثانية, جهة

وفيليب , وجوليا كريستيفا, وجان بيار ريشار, وموريس بالنشو, شارل مورون

هم , ريمونومارسيل , وجورج بوليه, وجان بول سارتر, وأندري ورمسر, سولرس

نقع على حضورهم داخل نسيج الرواية أو المسرحية أو القصة التي , أدباء مبدعون

وأنا أنتمي طبعا . فهم علماء لغة, أما بروب وتودوروف وبريمون وغريماس. يتناولونها

.152 ص» ...النقد الينيوي الحديث «فؤاد أبو منصور , حوار, جان بيار ريشار- 133

71

وأنزع نزوعا نقضيا لتخطي المفاهيم التي أعالجها في كتاباتي . إلى الصنف األول

)134(.))حث المتنامي واالكتشاف المستمرتحت مظلة الب, السابقة

ولسنا نرمي بتقديم هذه اآلراء لبارت حول أهمية دور االنطباعية إلنجاز

إلى مناقشاتها إلظهار مدى انطباقها على كل واحد من هؤالء , الدراسات النقدية

, حثفهذا يبعدنا عن مجال هذا الب, ثم نتخذ موقفا من كل ذلك, الدارسين الذين ذكرهم

وإنما نريد أن نشير إلى التوافق الكبير الموجود بين آراء ريشار السابقة حول دور

حيث تبدو األهمية الكبيرة التي تحتلها , وآراء بارت حول الموضوع نفسه, العاطفة

مع مالحظة ورود اسم ريشار في كالم بارت ضمن أسماء المجموعة األولى , عندهما

انب تأكيده على انتمائه هو نفسه إلى تلك المجموعة؛ وهو إلى ج, من النقاد الذين ذكرهم

األمر الذي رأيناه مع ريشار الذي اتخذ من بارت مثاله النموذجي للتأكيد على أهمية

أما عن جعل ريشار لموقع العاطفة في آخر مرحلة زمنية من . العاطفة في النقد األدبي

مع , عين والتي يصل إليها ناقد مامراحل سير الممارسات النقدية القائمة على منهج م

إذ يرى أن مرحلة , فهو استنتاج يقره بارت نفسه, اتخاذ بارت كمثال أيضا على ذلك

الذي ينتقل فيه من مرحلة العالم الملتزم بالعمل في موضوعه المحدد وفق " النقد الحر"

د مرحلة النق: وهما, هي مرحلة مسبوقة بمرحلتين على األقل, منهج علمي صارم

وهذا توافق واضح ثان يتحقق بين . ثم مرحلة النقد البنيوي والسيميولوجي, االجتماعي

: يقول بارت, ما يذهب إليه بارت وريشار

:بوسعنا تقسيم مجمل إنتاجي النقدي إلى ثالث مراحل رئيسية ((

.ياوقد شرحت فيه مفاهيم فكرية جديدة في كتاب ميثولوج, ـ مرحلة النقد االجتماعي1

)1973(" لذة النص"و" ز/س"ثم السيميولوجي في محاوالت , ـ مرحلة النقد البنيوي2

أجزاء من مقال " و)1975(" بارت بقلم روالن بارت"في كتاب , ـ مرحلة النقد الحر3

وليس البقاء في مرتبة , كد إرادتي في الوصول إلى مرحلة األديبحيث أؤ, "عاشق

وفي هذه الفترة ركزت كل اهتمامي خارج إطار األدب . المنظر والعالم اللغوي

286.؛ ص» …النقد البنيوي الحديث «أبو منصور حوار ضمن كتاب فؤاد , روالن بارت- 134

72

أعبر منه إلى الزمن , ووضعت كتابة إبداعية هي أشبه بالممر المفتوح. المباشر

)135(.))االجتماعي والفلسفي والوجودي

, يرى ريشار وبارت أن التقيد بصرامة المناهج ال تصنع ناقدا متذوقاهكذا إذن

ولكن في الوقت نفسه البد من المرور بهذه المرحلة األساسية التي هي عند ريشار

قبل االنتقال , اكتشاف موضوعاتية النص ومتابعة تعديالتها المشكلة لعالمه الفني الجميل

حسب " النقد الحر " أو مرحلة , تعبير ريشارحسب " النقد االنطباعي الحر"إلى مرحلة

وهي مرحلة تلعب فيها الذاتية دورا أساسيا؛ ولكن دون أن يعني هذا , تسمية بارت

. غياب األدوات المنهجية المنظمة للعمل النقدي والموجهة له نحو غايته

في العملية التي يؤكد فيها على دور العاطفة" بارت" بهذه الوقفة الصريحة لـ

لم يعد جان بيار ريشار يقف وحده للدعوة إلى التخلي عن الصرامة المنهجية , النقدية

بغية خلق , وفسح المجال أمام االنطباعية أو الذاتية لتلعب دورها المنشط للعملية النقدية

ن حتى يتمكن من تحقيق الدقة العلمية والمتعة اإلبداعية في آ, االلتحام بين الناقد والنص

.واحد

؛ ال ينبغي في هذا "النقد الحر" إن بارت الذي تحول إلى ممارسة ما أسماه بـ

ميشلي "إذ صدر له كتاب بعنوان , المقام أن ننسى أنه مارس أيضا النقد الموضوعاتي

لقد انتهى . للحديث عن الموضوعاتية" ز/س"كما خصص صفحات في كتابه , "بقلمه

دية الطويلة إلى الموقف الذي انتهى إليه ريشار حول دور بارت بعد هذه التجربة النق

.مع تنوعه عند بارت, وذلك برغم اختالف مسارهما النقدي, العاطفة في النقد

وإن ناقدة مشهورة أخرى لم نعرف عنها أنها مارست النقد الموضوعاتي مثل

ان من ضرورة ريشار وبارت قد وصلت إلى القناعة نفسها التي وصل إليها الناقد

التخلي عن صرامة المناهج لصالح ما يمكن أن تؤديه االنطباعية من دور هام للعملية

التي تلح على أن يكون ) Julia Kristéva ("جوليا كريستيفا"تلك هي الباحثة . النقدية

ألن الذهاب في العلمية إلى حدودها القصوى يفضي إلى , الناقد حامال لصفة المبدع

ومعرجة على التجربة النقدية , ذ تقول منطلقة من تجربتها الخاصةإ, طريق مسدود

.287ص, » …النقد البنيوي الحديث «حوار ضمن كتاب فؤاد أبو منصور , روالن بارت- 135

73

, اللغوية الصارمة" البرمجة "نالحظ أن في كتبي األولى نزعة إلى: (( الغنية لبارت

في البداية كانت لي مواصفات , "حكم الرعب"األمر الذي ال يالزم كتابي األخير مثال

الذهاب في العلمية . ير صارمة ال تقبل الجدلالعالم الذي يغربل اآلثار األدبية وفق معاي

السيميلوجيا التي أنادي بها تقوم . ]كذا[إلى حدودها القصوى يفضي إلى الحائط المسدود

. على استقراء عالمات األثر العلمي أو الفلسفي وربطها بالنظام االجتماعي والسياسي

ه من النفاذ إلى عمق هنا يكتسب الباحث صفة المبدع الذي يتمتع بمعرفة شاملة تمكن

نستخرج من هذا الكالم بعض المواقف التي تنسجم مع )136(.))وجذور الظاهرة اللغوية

حكم "من ذلك إعالن كريستيفا عن تخليها في كتابها , السياق الذي يسير فيه بحثنا

والتي قد , عن الصرامة العلمية التي كانت تشكل نهج وغايات بحوثها السابقة" الرعب

العالم الذي "كما طبعها هذا النهج بطابع , "طريق مسدود"تزامها بها إلى أوصلها ال

وهي صفة أصبحت تزهد ." يغربل اآلثار األدبية وفق معايير صارمة ال تقبل الجدل

ألن المبدع هو األقدر على , "المبدع"فيها لصالح صفة أجدر بالباحث األدبي وهي صفة

." النفاد إلى عمق وجذور الظاهرة اللغويةالمعرفة الشاملة التي تمكنه من" امتالك

أو إضافة وسائل أخرى , تغيير وسائل العمل" المبدع"إلى " العالم"ويعني االنتقال من

فال يمكن , ومادامت هذه الوسائل هي وسائل فكرية بالدرجة األولى. إلى وسائله

و االنتقال فيكون التغيير أ, لصاحبها أن يتخلى عنها كما يتخلى عن قميص حين نزعه

وهو ما تشير إليه كريستيفا إلحداث , من هذا إلى ذاك يتم بإضافة عنصر العاطفة

ولما تريد . التعديل في الدراسات النقدية بما يتماشى مع طبيعة النصوص األدبية

فهي تنظر بعين الرضى " الناقد المبدع"إلى " الناقد العالم"كريستيفا هذا االنتقال من

فتلتقي نظرتها هذه بالنظرة نفسها , ققه روالن بارت في هذا المجالواإلعجاب إلى ما ح

التي تم تناولها قبل اآلن عند جان بيار ريشار الذي رأى أن بارت أصبح يمارس نقدا

ثمة فروق : (( تقول كريستيفا في هذا الموضوع. هو عبارة عن لعبة حب مع الكلمات

وعة مراحل نقدية انتهت بالمقاربات اجتاز بارت مجم. جوهرية بيني وبين روالن بارت

.346؛ ص» …النقد البنيوي الحديث «حوار ضمن كتاب فؤاد أبو منصور , جوليا كريستيفا- 136

74

" مقاطع من خطاب عاشق"في . الحرة التي تزاوج بين النقد الصارم واللغة الشعرية

)137(.))يجتهد في الوصول إلى مرحلة األديب وتخطي مرحلة العالم اللغوي والمحلل

ستيفا جان بيار ريشار وروالن بارت وجوليا كري: هكذا تجتمع آراء النقاد الثالثة

في , وهذا يتم, حول ضرورة انتهاج أسلوب مرن في التعامل مع النصوص األدبية

سواء تعلق , بالتخلي عن التطبيق الصارم ألدوات أي من منهج من المناهج, نظرهم

األمر بالمنهج الموضوعاتي عند جان بيار ريشار أم بالمنهج البنيوي والسيميولوجي

فسح المجال الطباعية الناقد لتلعب دورها المتمثل في عند بارت وجوليا كريستيفا؛ ليتم

مما يؤدي إلى تنشيط العملية النقدية نفسها ودفعها إلى , تحقيق التحام الباحث مع النص

وصوال في األخير , أبعد عنصر يتكون منه عالم النص الجمالي الستنطاق دالالته الفنية

نتظامه؛ وهو أمر يبدأ في النقد إلى اكتشاف انسجام عناصر هذا العالم الجمالي وا

. الموضوعاتي باكتشاف موضوعاتية النص ثم القيام بتتبع تعديالتها وتحوالتها المستمرة

ونحب أن نختم هذا البحث حول أهمية تعاطف الناقد مع النص المنقود بالرجوع

النقدية والفكرية الطريق أمام النقد الموضوعاتي إلى غاسطون باشالر الذي مهد بأعماله

لقد وجد باشالر في أعمال جان بيار ريشار النقدية . لمعرفة رأيه حول الموضوع

فرصة مهمة للحديث عن أهمية دور العاطفة في الدراسات األدبية حيث الحظ أنه لم

بالدرجة يتناول نصوص دراسته للشاعرين بودلير وفرلين في كتابه الشعر والعمق

مما أثر على النتائج التي توصل إليها في , نفسها من االندفاع والحماس وااللتحام

مما جعله يستنتج أن اإلعجاب بالنص هو , وحتى على سير الدراسة نفسها, الدراسة

كل قارئ يعيد : (( حسبما يوضح في قوله, الشرط المطلوب لتحقيق قراءة منسجمة

في مجموعة مقاالت جان بيار ريشار . صفحاته تخصهقراءة عمل أدبي يحبه يعلم أن

ولكن , هناك دراسة عن بودلير وأخرى عن فيرلين" الشعر والعمق"الممتازة المعنونة

هناك فارق كبير في النبرة ". يخصنا"كما يقول , ألن شعره, الكاتب يؤكد على بودلير

وهذه هي , هراتي كامالفعلى عكس بودلير ال يثير فيرلين اهتمامنا الظا. بين المقالين

الحال في قراءات معينة حيث يتولد تعاطف عميق مع التعبير ذاته فنشعر أننا

.347 نفسه؛ ص- 137

75

إنه " :على النحو التالي" تيتان"أحد شخصياته في" جان بول ريشتر"يصف ". مستفيدون"

وعلى ." كأنه هو موضوع هذه المدائح, يقرأ المدائح التي قيلت في الرجال العظام بمتعة

علينا أن نستطيع إبداء . فإن االنسجام مع القراءة ال ينفصل عن اإلعجاب,أية حال

ولكن الدافع المخلص الصغير نحو اإلعجاب ضروري دائما لتلقي األثر , إعجابنا

)138()).الظاهراتي للصورة الشعرية

الشك أن التعاطف كما تأكد مع كل من ريشار وبارت وكريستيفا وأخيرا مع

مال حاسما يمكن الناقد الموضوعاتي من االلتحام بالنص واالندماج باشالر يشكل عا

بعالمه الفني ويدفعه نحو اكتشاف الموضوعاتية التي شكلت النواة التي انبثق منها عالمه

ليتابع نموه نحو اكتماله بفضل التعديالت التي يدخلها في كل مرة على , الخيالي الجمالي

صالتها التي تفرعت بدورها منتجة تعديالتها أو على تمف, الموضوعاتية األصلية

. ليصل الناقد في النهاية إلى اإلحاطة ببنية النص, الخاصة

:حرية المدخل ـ 2

يعد اكتشاف موضوعاتية النص في النقد الموضوعاتي خطوة حاسمة النطالق

وبلوغ كما يعد ذلك شرطا أساسا لتحقيق النجاح , الدراسة وتقدمها في عوالم النص

إذ بدون اكتشاف الموضوعاتية فإن النص يبقى مغلقا على كل محاولة ترمي , النتائج

ولذا يجد الدارس نفسه يتساءل عن أفضل السبل التي . إلى تفكيكه وإعادة بناء وحدته

توصله إلى مكان الموضوعاتية في النص حتى يتم له اكتشافها وتحديد عناصرها ومن

وهنا ال يقدم المنهج الموضوعاتي للدارس كل العون . التهاثم الشروع في متابعة تعدي

ذلك ألن النص األدبي , إذ يكتفي بإسناد هذه المسؤولية إلى الناقد نفسه, الذي يتوقعه منه

ال توجد فيه نقطة معينة يجبر المنهج الموضوعاتي الدارس لكي ينطلق منها لبناء

اه مناسبا للدخول إلى النص والتقدم ولذا فهو حر في اختيار الموقع الذي ير, دراسته

نحو أعماقه الستكشاف أسرار بنائه؛ ذلك ألن تقدم الدراسة نحو هذه األعماق هو وحده

وهذا يؤدي بطبيعة . القادر على تقديم الحكم على صواب اختيار ذلك المدخل أو خطئه

ألن ما يراه , الحال إلى اختالف اختيار الدارسين لموقع انطالق دراساتهم للنص الواحد

..24-25؛ ص» جماليات المكان « غاستون باشالر - 138

76

ال يكون , ناقد مدخال صالحا يوصله إلى بناء دراسة منسجمة وعميقة ومتماسكة

: يقول جان بيار ريشار, بالضرورة المدخل األفضل في نظر غيره إلنجاز دراسته

. فإنه ال وجود في القراءة الموضوعاتية لنقطة بدء ونقطة وصول, وفي الخالصة((

. مما يضفي عليها شيئا من السحر, عاتية مدخل حرفالمدخل إلى حقل القراءة الموضو

فإن , وعندما يكتب أحد النقاد الموضوعاتيين في مقدمة دراسته أنه سيبدأ من نقطة ما

ال بداية يلزمه بها منطق حقيقي للموضوع , هذه البداية ستكون بداية كتابته هو

عن مواصفات ويذهب روالن بارت أيضا في هذا االتجاه لما يتحدث)139(.))المدروس

االستهالكي الذي ال يملك القدرة على االنفتاح " النص القرائي"في مقابل " النص الكتابي"

بينما ال يمكن تحديد العدد الهائل من القراءات التي , إال لقراءات محدودة العدد والتنوع

لكونه يتميز بخصائص عديدة أهمها أنه يسمح , يسمح النص الكتابي باالنفتاح عليها

كل منها ال يقل أهمية ومركزية من المداخل األخرى التي , لدخول إليه من عدة مداخلبا

وليس بنية , هذا النص المثالي عبارة عن مجرة من الدوال: (( يقول بارت, يسمح بها

دون أن نزعم في , إذ ندخل إليه من عدة مداخل, إنه نص ليس له بداية. من المدلوالت

)140(.))ه الرئيسييقين أن واحدا منها هو مدخل

هي مواصفات لنص " النص الكتابي" إذا كانت المواصفات التي يقدمها بارت لهذا

, نظري ال نملك بعد المعطيات الكافية للتمييز بينه وبين غيره من النصوص في الواقع

التي يوفرها للناقد هي مسألة هامة وكافية لتدل على غناه " حرية المدخل"فإن مسألة

. ومنها المنهج الموضوعاتي, وانفتاحه على مختلف التيارات والمناهج النقديةالداللي

كما أن هذه المواصفات تحمل أيضا الشرط األساسي الذي ينبغي أن يتوفر عليه النص

وهذا الشرط هو وجوب توفره على موضوعاتية , األدبي حتى يكون نصا إبداعيا جيدا

. تشكل النواة التي يتولد منها النص

وبطبيعة الحال سيؤدي االختالف في تحديد مدخل الدراسات الموضوعاتية حول

وهذا إغناء للنص وللنقد الموضوعاتي . النص الواحد إلى إنجاز دراسات مختلفة أيضا

. في الوقت نفسه

.185-186؛ ص» المنهج الموضوعاتي « ذكره عبد الكريم حسن - 139

140 -Roland Barthes « S/Z » ; éd. du Seuil 1970, P.11.

77

إن الموقع األصلح للدخول إلى النص ليس في حقيقة األمر سوى ما يعتقد الدارس

فيقع , ويحدث أن يخطئ الدارس في تقديراته. تية المركزية لهذا النصأنه الموضوعا

اختياره على عنصر ما في النص أو مشهد من مشاهده فيعتبره موضوعاتية النص

ولكنه سيكتشف بعد حين أن هذا االختيار عاجز , ويشرع في متابعة تعديالتها, المركزية

ومشاهده ال تنسجم مع هذه وأن كثيرا من أحداثه, على متابعة تقدمه في النص

وعليه أن يبحث عن , مما يعني له أنه لم يحسن االختيار, الموضوعاتية المقترحة

وتحقق نتائج أفضل مما حققته الدراسة , موضوعاتية أخرى يدخل منها إلى النص

فيكون , وقد يقبل النص أكثر من موضوعاتية واحدة. باختيارها للموضوعاتية السابقة

تلك الموضوعاتيات والتفاضل فيما بينها موقوفا على نوعية الدراسات التفاوت بين

. المنجزة بناء على كل واحدة منها

ويرى عبد الكريم حسن أن قيام ريشار بفتح مجال اختيار نقطة الدخول إلى نص

ما أمام الدارسين هو أمر يعرض الدراسات األدبية التي تقوم عليه إلى خطر التفتت

ألن النص في األصل , ئية؛ ولتجنب هذا ينبغي سد باب االختيار أمام الدارسينواالنتقا

وما عدا ذلك , ال يملك إال مدخال واحدا صحيحا يؤدي إلى اكتشاف البنية الحقيقية للنص

وهو األمر , فهو ال يؤدي سوى إلى اختالق بنية مزيفة يتوهم الناقد أنها البنية الحقيقية

, وقوع فيه أثناء إعداده لرسالته حول شعر السيابالذي حرص على اجتناب ال

؛ وحول هذا يقول مقارنا "دراسة في شعر السياب: الموضوعية البنيوية: "الموسومة بـ

إن شبكة : (( بين ما يدعو إليه ريشار من حرية المدخل وبين ما طبقه هو في رسالته

ينما هي في منهج ريشار ب, العالقات الموضوعية في منهجنا شبكة مستقرة ثابتة ونهائية

إن شبكة العالقات في . متغيرة بتغير النافذة التي يدخل منها الناقد إلى الكون اإلبداعي

بينما هي في الموضوعية يمكن إن تأخذ أي , الموضوعية البنيوية تأخذ شكال معينا

. فالتزحلق في الموضوعية يمكن أن يكون من أي موضوع إلى أي موضوع, شكل

حيث الناقد مهدد بانتقاء , إن موضوعية ريشار يمكن أن تقود إلى خطر االنتقائيةولذا ف

78

وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى . موضوعاته أكثر مما تفرض هذه الموضوعات عليه

)141(.))اختالق بنية العمل اإلبداعي المدروس بدال من اكتشافها

" موضوعيته البنيوية "ين يبدو أن عبد الكريم حسن لما أقام هذه المقارنة ب

, يجنب الدارس الوقوع في االنتقائية" منهجه"ريشار ليصدر حكمه بأن " موضوعاتية"و

لم يكن يميز بعد بين , تفتح موضوعاتية ريشار المجال واسعا أمام هذا االنحراف بينما

, الذي أقام عليه دراسته وجعله محورها الرئيسي الذي تدور عليه" الموضوع"

ولما , إذ لوال ذلك لما أصدر هذا الحكم, التي بدا له أنه يقوم بدراستها" وعاتيةالموض"و

.الموضوعاتية به الناقد" تهدد"الذي " خطر االنتقائية"أبدى كل هذا التخوف من

إن ما أنجزه عبد الكريم حسن في رسالته حول السياب هي دراسة حول

ء هي حاجة قوية وشديدة لكونه إجراء ومن ثم كانت حاجته إلى اإلحصا, "الموضوع"

علميا يمكن من تحديد الموضوعات الرئيسية والفرعية في قصائد السياب؛ وقد أدى هذا

كما سنرى في , وإن لم يسلم من بعض االنتقادات, اإلجراء دوره كامال في هذه الدراسة

ما مختلفتان فه, "للموضوعية"التي جعلها مساوية " الموضوعاتية"أما . مكانه من البحث

.حسب ما رأينا في أول هذا البحث

:)Microlectures( ـ القراءة المجهرية 3

هذا إجراء آخر من اإلجراءات األساسية التي يقوم عليها المنهج الموضوعاتي

وهو يعني عنده ". قراءات مجهرية"وقد جعله عنوانا لكتابه األخير , ريشار. ب. عند ج

قد يكون , ي بالتركيز على جزء أو أجزاء صغيرة في النص األدبيقيام التحليل األدب

مما , أو غير ذلك, حدثا, مشهدا, فقرة, جملة, كلمة, حرفا, فاصلة, نقطة: هذا الجزء

, وهو عمل يدخل في صميم مفهوم الموضوعاتية. يدخل في تكوين عالم النص وبنائه

حتى , فينمو بفضل التعديالت, بيالتي هي النواة المركزية التي ينبثق منها النص األد

. يكتمل عالما خياليا جميال

وهذه القراءة المجهرية لم يهتد ريشار إلى أهميتها الكبيرة ولفعاليتها الستكشاف

بداية من حرفه األول إلى , التفاصيل الفنية الدقيقة التي يقوم عليها بناء النص األدبي

.186؛ ص» المنهج الموضوعاتي « عبد الكريم حسن - 141

79

إذ كان قبل هذا الكتاب , بشكل خاص" اءات مجهرية قر" إال في كتابه األخير , نهايته

بل كان . سواء كان النص قصيدة أم قصة أم رواية, يوزع اهتمامه على كامل النص

أو حتى أنه كان يخصص الكتاب , يتجاوز ذلك في أحيان كثيرة ليشمل إنتاج األديب كله

عمال الناقد وكان يرى ذلك من ألزم أ, الواحد إلى دراسة إنتاج أديبين أو أكثر

ولقد بدا لنا النقد على غرار الدرب التي : ((حسب ما يبدو في قوله, الموضوعاتي

وفي تقدمه , فهو يتقدم بين المشاهد. ال على غرار المحطة أو النظر, تذرعها الخطى

أو خشية السقوط في , وخشية السقوط في الالمعنى. يفتح األبعاد ويفرشها ويطويها

أن يعدد , ليه أن يتقدم باستمرار؛ أن يعدد زوايا الرؤيةيتوجب ع, حرفية النص

فإن النقد ال يتجنب السقوط إال , وكالجبليين في بعض المعابر الوعرة. اللقطات

)142(.))ففي سكونه يسقط في التكرار أو المجانية. باستمرار اندفاعته

قد بدأت تظهر ولكن يمكن أن نسجل أن بداية هذا الوعي بأهمية القراءة المجهرية

حيث أورد في افتتاحيته 1974في عام "بروست وعالم اإلحساس " عنده بظهور كتابه

مفادها " مارسيل بروست"لـ " البحث عن الزمن الضائع"عبارة هامة اقتطفها من رواية

األهمية الكبيرة التي يكتسيها التركيز على الجملة في النص األدبي الستكشاف وظيفتها

)143(.بسبب ما تتميز به من عمق وكثافة وانتظام وانغالق على الذات, الجمالية فيه

, في النص" الصغير"وعلى أهمية , ويستمر في مقدمة الكتاب مؤكدا على أهمية الجزء

: في قوله, ن العنصرينيمستندا في ذلك على إلحاح بروست ثانية على أهمية هذ

ضمن النغمات األساسية التي فهي تت, برغم تفردها كلحن, أبسط رغبة من رغباتنا((

أال يوجهنا : (( ثم يعلق ريشار على كالم بروست بقوله) 144(.))يقوم عليها بناء حياتنا

إلى ) La fugitive" (الهاربة"بروست بهذه الكلمات القليلة المأخوذة من الهاربة من

)145())إحدى الطرق لقراءته؟

سوى ضرورة , حسب ريشار, ن إن القراءة التي يدعو إليها بروست ليست إذ

يقوم على األشياء " بناء حياتنا"ذلك ألن , التركيز على الجزء الصغير في النص األدبي

.114؛ ص» المنهج الموضوعي « ذكره عبد الكريم حسن - 142

143 -Voir, Jean-Pierre Richard « Proust et le monde sensible » ; éd. du Seuil 1974, P.05. 144 - Ibid. P.07. 145 - Ibid, P.07.

80

وهنا يلتقي ريشار ببروست حول فكرة الشيء الصغير التي هي عند ريشار . الصغيرة

.النواة المركزية التي ينطلق منها النص لصناعة تشكالته ونموه, نفسها" الموضوعاتية"

و , "الواسعة والكلية"وهذه النواة ال يمكن اكتشافها عن طريق ممارسة القراءات

وإنما بالتوقف , "لتجنب السقوط على غرار متسلقي الجبال"المندفعة إلى األمام باستمرار

.والقيام بتأملها وتفحصها, عند األجزاء والتفاصيل

يركز على األجزاء وإن كانت ممارسات ريشار للنقد الموضوعاتي الذي

برغم وعيه " بروست وعالم اإلحساس"والتفاصيل لم تتضح بشكل جلي في كتابه

فإن هذا النوع من القراءات المتطورة والمتميزة سيكون ,بأهميتها وبضرورتها وفعاليتها

وألن ريشار كان مدركا الختالف هذه .بجزئيه" القراءات المجهرية" موضوع كتابه

اته السابقة ومتطورة عنها فقد ضمن كل جزء من جزئي الكتاب القراءات عن كتاب

, مقدمة هامة شرح في كل منهما جانبا من هذا التطور الذي وقع في قراءاته األدبية

وأهمية انتقاله من ممارسة القراءات النقدية الشمولية إلى القراءات الصغيرة أو

: قوله متسائال ثم موضحاومما جاء في مقدمة الجزء األول . المجهرية كما سماها

وقراءات الصغير في الوقت . إنها القراءات الصغيرة" القراءات المجهرية؟"ماذا تعني ((

من حيث إحداث تعديل في دراجات , ومن هنا فهي تختلف عن قراءاتنا السابقة. نفسه

ويتمثل هذا التعديل في قيام الدراسة على وحدات أقل اتساعا من سابقاتها . السلم

فهي تعتمد على . إنها على عكس ذلك تماما, إن القراءة لم تعد جريا وال تحليقا... ربكثي

فتقوم بتضييق , في بذرة النص, إنها قراءة تثق في الجزء. وإطالة النظر, اإللحاح

ثم يتساءل بإعجاب كبير عن أهمية الصغير )146(.))مساحة تربتها حتى تقبض عليها

أما المقصود . المرات أكثر نفاسة من غيرهفيرى أن الصغير في بعض , ونفاسته

أو تعداد تنوعه أو , فهو عنصر من النص ال يمكن حصر مجاله فيه,عنده "بالصغير"

, الخوذة, خد الفتاة: فهو كل األشياء التي تدخل في مجال الحواس, معرفة طبيعته

, يشم, يسمع, إنه بشكل عام كل ما يرى ,الصوت ,الكلمة ,الصورة, المشهد, النجمة

)147(.إنه النهاية والمطلق. يخترق أو يخترق, يفرز, يؤكل, يلمس

146 - Jean-Pierre Richard « Microlectures » ; Cérés éditions, Tunis 1997, P.05. 147 - Voir, ibid ; P.07.

81

القراءات " ويرى جان بيار ريشار أنه كان عليه للتوصل إلى تحقيق هذه

سمعا (أن يلتزم بالتأمل في كل جزء من أجزاء النص المدروس , وإنجازها" المصغرة

ثم تتبع نظام تحوالته , والمختلفةعبر جميع مستوياته التعبيرية الممكنة ) وفحصا وشما

واندفاعاته التوسعية التي تجعله يبدو وكأنه يعيد صناعة نفسه باستمرار تحت , المتالحقة

)148(.العين القارئة

هو جوهر الدراسة , والتركيز عليه إذن, نطالق من الجزء الصغيرالإن ا

بحيث تتمحور , ديالموضوعاتية في هذه المرحلة من مسار جان بيار ريشار النق

الذي ينبغي أن يكون قصيرا حتى يمكن , ثم يتم تتبع مساره عبر النص, الجهود حوله

عنوان لنص نثري أو شعر , مقطع أو بيت شعري, كلمة, جملة, فقرة: به اإلحاطة

كتلك التي كان ." جريا وال تحليقا"يتكون من كلمة أو أكثر؛ ذلك ألن القراءة لم تعد

حين كان النقد عنده اندفاعا مستمرا إلى , المرحلة النقدية السابقةيمارسها ريشار في

.حسب تعبيره, األمام كما يفعل متسلقو الجبال لتجنب السقوط

خطوة هامة أخرى " القراءات المجهرية" ويخطو ريشار في الكتاب الثاني من

لتلقي تجعل من التصور الكلي للنص ولمحيطه ولبنيته الخارجية أحد مقومات ا

حيث يشمل التحليل في هذه المرحلة عناصر جديدة لم يتم , الموضوعاتي للنص األدبي

سواء في جانبها النظري أم في , إدراجها في مسار مراحل النقد الموضوعاتي السابقة

هذا الجديد يتمثل هنا في التشكيل المكاني والزماني للنص المدروس . جانبها التطبيقي

أو الصغير , ره من وجوب حصر القراءة الموضوعاتية في الجزءإضافة إلى ما تم إقرا

قراءات "يقول جان بيار ريشار في مقدمة الكتاب الثاني . من النصوص القصيرة مبدئيا

تخضع هذه المجموعة من النصوص : صفحات مناظر ": ((صفحات مناظر: مجهرية

ا أن نقدم فيها قراءة تقوم لقد حاولن. إلى رغبة مضاعفة, مثل سابقاتها, النقدية المتنوعة

مما يجعلها تتجسد في ( على قاعدة هي في الوقت نفسه القاعدة الشفوية لألعمال األدبية

حيث يظهر من خاللها , العاطفية, الموضوعاتية, وهي أيضا القاعدة الشكلية, )صفحات

نضيف إلى هذا أن الصفحات بجملة ). مما يجعلها تنتظم في مناظر (عالم متميز

والمناظر بفضل , يمكن أن تشكل مناظر, من تضاريس الكتابة أو منحنياتها, ناتهامكو

148 - Voir, ibid ; P.10.

82

أن تقرأ بصفتها , يمكن بدورها أن تفهم, ونظامها السري, ومنطقها, تجسيداتها الحسية

)149(.))صفحات

هذا الكالم يذكرنا بإحدى مقوالته الهامة التي ينبه فيها إلى كون إن

فهي يمكن , ا مكان معين في النص بحيث يتم البحث عنها هناكالموضوعاتية ليس له

وفي أي جزء من أجزائه أو تفاصيله؛ ولذا فمن الحذر , أن توجد في أي موضع منه

وكذا كل ما يحيط به , ومن الفطنة أال يهمل الدارس كل ما يدخل في تشكيل عالم النص

La,كل االتجاهاتالموضوعاتية هي البحث عن المعنى في (( :إذ يقول, أيضا

Thématique est une recherche du sens dans tout les sens. .(()150(

وهي أن الناقد وحده , وربما هذه القناعة أيضا هي التي نبهته إلى حقيقة أخرى

وهو ما تناولناه بصفته , يملك حق اختيار المدخل الذي ينطلق منه إلى تحليل النص

حرية " إجراءات المنهج الموضوعاتي عند جان بيار ريشار أال وهو اإلجراء الثاني من

."المدخل

ليس إدراك ما للجزء الصغير في النص من أهمية جوهرية في عملية التحليل

األدبي هو أمر ينفرد به جان بيار ريشار وإن انفرد في معرفة الكيفية الصحيحة

فهو , هج محدد هو المنهج الموضوعاتيللتعامل معه في إطار يحتكم إلى إجراءات من

الذي استهوته الصورة الشعرية بجملتها فأقام " غاستون باشالر"مسبوق إلى ذلك بأستاذه

مستندا أساسا على مفاهيم الفلسفة , النقدية والفلسفية في آن, عليها دراساته الكثيرة

غوص إلى أعماق الظاهرة ومستلهما إنجازاتها الفكرية لدفع العملية النقدية لل, الظاهراتية

األدبية المتمثلة بالخصوص في المشاهد الفنية الدقيقة التي تنجزها وترسمها في ذهن

. المتلقي

في " الصغير" وجد باشالر أيضا في الكتابات األدبية نفسها ما زاد من ثقته بأهمية

ذلك , عليه الستكشاف جماليتهالنص األدبي ورفع من قناعته بضرورة تمحور التحليل

ألن النص يحقق جماليته ـ كما بدا في النصوص التي توقف عندها باشالر ـ حين

يتمكن من اختراق السطح الظاهر من الحياة ويتجاوزه إلى القبض على التفاصيل الخفية

149 - Jean-Pierre Richard « Pages Paysages: microlectures2 »; éd. du Seuil 1984, P.07.

.37؛ ص» …الموضوعية البنيوية « ذكره عبد الكريم حسن- 150

83

ويكشف باشالر عن مدى إعجابه باألديب الذي يجعل غاية النص األدبي . فيها وإجالئها

كثيرا ما يدخلنا ((: فيقول, محاولة اإلمساك على التفاصيل الصغيرة و الدقيقةهي

: فكتب" رينيه غاي كادو"انفعل ... الشاعر إلى عالم من األصوات المستحيلة

." تستطيع سماع ثرثرة األزهار على اللوحة "

ن المستحيل كما أنه م, حتى تلك التي نرسمها, ذلك ألن كل األزهار تتكلم وتغني

. أن تنطوي وتنعزل عن اآلخرين حين ترسم زهرة أو عصفورا

:كتب شاعر آخر يقول

سرها كان يصغي لألزهار "

" وهي تخلع ألوانها

:فإن كلود فيجيه يصغي للعشب وهو ينمو, ومثل شعراء كثيرين

أسمع "

شجرة الجوز الفتية

" تنمو خضراء

ألنها تدين بوجودها , حقيقة تعبيرية, على األقل, صورا كهذه يجب اعتبارهاإن

بما في ذلك الواقع , وهذا الوجود سيتضاءل إذا نسبناه إلى الواقع, كلية للتعبير الشعري

)151(.))النفسي

ليست الكتابة األدبية إذن سوى العمل من أجل القبض على التفاصيل الخفية في

, حركة, لونا, ف على الصغير والدقيق فيها؛ وهذا يمكن أن يكون صوتاوالكش, األشياء

وهذا اإلنجاز الفني ال يتحقق . أو نظاما معينا يربط بين مكونات عالم النص الجمالي

.فتقوم القراءة الموضوعاتية بإجالئه والكشف عنه, سوى في النص الجيد

أنه كان يتحدث عن األشياء ال يغيب عنا فيما عرضه باشالر من نماذج شعرية

فيقوم بإظهارها عن طريق تجسيدها في , الدقيقة التي ال ينتبه إلى وجودها إال الفنان

وهذه القدرة الفنية الكبيرة على اإلمساك بالصغير والخفي من األشياء هي , مشاهد فنية

من ذلك ما ذكره . وغيرها, من شعر ونثر ورسم, قدرة تشترك فيها جميع الفنون

.165-166؛ ص» جماليات المكان « غاستون باشالر- 151

84

عندما حول تيوفيل جوتييه انطباعه وهو : (( بقوله" تيوفيل جوتييه"شالر أيضا عن با

سمعت , أصبح سمعي حادا للغاية: "إذ كتب يقول, يدخن الحشيش إلى شكل شعري

جاءتني بموجات . أصوات األخضر واألحمر واألزرق واألصفر, أصوات األلوان

ذي يبالغ؟ لم يكن باستطاعة الحشيش هل هو الحشيش أم الشاعر ال. "... متمايزة للغاية

ونحن القراء الذين اكتسبنا معرفتنا باالنطباعات . وحده أن يبالغ بهذا القدر من الجودة

لن نستطيع سماع األلوان وهي ترتعش لو , التي يخلفها الحشيش وكالة من خالل القراءة

في رواية ولقد عثرنا)152(.))أو نبالغ في اإلصغاء, لم يعلمنا الشاعر كيف نصغي

لكاتب ياسين على مشهد فني دقيق مماثل لهذه المشاهد التي ذكرها باشالر " نجمة"

وهو بجبال , أحد شخصيات الرواية, وهو قوله على لسان رشيد, لهؤالء الفنانين

كان النهر الذي . استطالت ذراعي اليسرى كثيرا : ((الناظور رفقة نجمة وسي مختار

كنت أسمع الحشرات . حصى يطفو بين األرض والسماءنزلنا بجانبه مرتفعا فوق ال

وكنت . بل كنت أخال أني أسمع سريان النسغ في هدأة الليل, تشق لها طريقا في الغابة

فكانت , وأشجارا تولد في أعماق األرض, أخال ـ أكثر من ذلك ـ أنهرا جديدة تتفتق

)153(.))تحملني على أن أرهف السمع في متعة األرق

راق العالم الظاهر والمباشر نحو اكتشاف العالقات الخفية التي تنظمه إن اخت

كما أنه جوهر القراءة , وتخلق انسجامه الداخلي هو جوهر الكتابة األدبية أوال

ثم , الموضوعاتية التي تقع عليها مهمة اكتشاف النواة التي انبثق منها هذا العالم األدبي

وهذا كله ال يمكن تحقيقه . ديالت المتتابعة لهذه النواةالقيام بمتابعة نموه وسيره عبر التع

القيام , وبمعنى آخر, والصغير في النص, إال بجعل العمل النقدي يتمحور حول الجزء

. بالقراءة المجهرية للنص

لقد أدرك جان بيار ريشار أن القراءة المجهرية ليست سوى إحدى الخطوات

ذلك ألن هذه القراءة هي قراءة , تي للنص األدبياألساسية إلقامة النقد الموضوعا

إذ البد أن تتلو هذه المرحلة مرحلة أخرى يتم , بالدرجة األولى, "تفجيرية"أو " تفكيكية"

ذلك ألن الموضوعاتية في , من أجل بناء قراءة موحدة, فيها تركيب األجزاء الصغيرة

.166ص, » جماليات المكان « غاستون باشالر- 152 .148ص, .)ت.د(الجزائر, ديوان المطبوعات الجامعية, ؛ ترجمة محمد قوبعة» نجمة « كاتب ياسين - 153

85

مع في وحدة متماسكة فهي تتج, برغم التعديالت التي نتجت عنها, نهاية األمر

حسب ما وضح , بفضل العالقات التي تنسجها القرابة السرية فيما بينها, ومنسجمة

حول عالقة الناقد " بيك دو ال ميراندول"ريشار ذلك بفضل المثال الذي استمده من

)154(.بالنص األدبي

القراءة هذه الوحدة التي تتم إعادة تركيبها وصنعها من جديد بعد القيام بإنجاز

ألنها تكشف عن مدى انسجام , المصغرة للنص هي خطوة أساسية في كل قراءة

كما أنها الوحيدة القادرة على , الخطوات السابقة التي تم إنجازها خالل القراءة المجهرية

كشف أي خلل يكون قد وقع فيها أو نقص يكون قد لحق عنصرا من عناصرها السابقة

وبهذا تلتقي القراءة . ل وإتمام النقص أو تعديل االنحراففيمكن بفضل هذا تدارك الخل

حسب ما , الموضوعاتية للنصوص األدبية مع أحد المبادئ األساسية للعلوم التجريبية

من الخطأ االعتقاد أن تطور علم من العلوم (( ": ستيفان ستراسر"يستنتج من قول

دراسة التفاصيل أمر إن . يتوقف فقط على الدراسة الدقيقة والواعية للتفاصيل

, ولكن بفضل التحكم المعرفي في مجموع العناصر المكونة لمجال البحث, ضروري

عن القوانين األساسية " ألبير إنشتاين"ولقد تحدث . يتحقق فيه تطور نحو فهم شامل

هذه القوانين ال يمكن التوصل . والتي تمكننا من استكشاف صورة العالم, األكثر عمومية

)155 (.)) طريق غير طريق الحدس القائم على الشعور العميقإليها عن أي

في إطار تناوله للفلسفة " ستيفان ستراسر" وكما نرى في هذا الكالم الذي أدرجه

الظاهرية حول ضرورة عدم االكتفاء بدراسة األجزاء الصغيرة من الموضوع الكلي

ب إدراج األجزاء ضمن الوحدة فإنه يج, وتحليلها منعزلة عن بعضها الستخراج النتائج

الشاملة للموضوع ليتم بعد ذلك إقرار القوانين والنتائج المتوصل إليها؛ فالمنهج

وإنما يلتقي مع هذا الكالم أيضا , الموضوعاتي ال يلتقي مع هذه الضرورة العلمية فقط

)156(.حول األهمية الكبيرة للدور الذي يلعبه اإلحساس والشعور في أي عمل علمي

.هذا الفصلمن 130 انظر هامش - 154

155 -Sthephan Strasser « Phénoménologie et science de ľ homme »; Publication université de Louvain, Paris 1967, P.187.

كان هذا الجانب من الجوانب الذي ترتكز عليه الدراسة الموضوعاتية قد سبق لنا تناوله تحت عنصر أو - 156ص التركيز على العاطفة في العملية النقدية ودفعها تجاه أعماق النص الستكشاف حيث تم بالخصو, "الحلولية"إجراء

.بنيته الخفية التي ترتكز على موضوعاتية قد انبثق منها عالم النص

86

:)La répétition( ـ التكرار 4

يقوم إجراء التكرار في المنهج الموضوعاتي على اعتبار الوحدات النصية التي

يتم تواترها في النص ذات أهمية كبيرة ودور فعال لتوجيه الدارس نحو موضوعاتية

ميع ولذا فهو مطالب بتتبع ج, مما يساعده على تتبع تعديالتها المنتشرة فيه, النص

ثم القيام بعملية تحليلها الستكشاف تركيبتها اللغوية وداللتها , أنواعه وتحديد مواقعها

في تعريف دقيق ومبسط للتكرار أن تكرار ) G. Deleuze" (جيل دولوز"ويرى . الفنية

نعتبر أن وحدة : ((فيقول, وحدة ما من وحدات النص يبدأ عند ورودها فيه للمرة الثانية

ارها عندما نسجل أثناء القراءة أنها قد تم ذكرها مرة ثانية على األقل في ما قد وقع تكر

)157(.))مسار النص

دراسة في شعر : الموضوعية البنيوية" ويفضل عبد الكريم حسن في كتابه

ويرى ذلك مزية , "العد"أو " التكرار"استعمال مصطلح اإلحصاء بدل مصطلح " السياب

ريشار في كتاباته العديدة فلم يذكره إال مرة . ب. تجنبه جتوفرت عليها دراسته بينما

ريشار يدرك جيدا ما : (( فيقول, لبساطته وسهولة استخدامه" العد"واحدة مفضال عليه

, فهي ال تلزم بشيء" العد"وأما كلمة ... من متطلبات قاسية" اإلحصاء"تلزمه به كلمة

عات الكثيرة الورود في العمل وحسبها أنها تعطي انطباعا أوليا بأهمية الموضو

)158(.))األدبي

وقد ترتب على هذا االختالف بين المصطلحين أن عبد الكريم حسن قد اختار

مما جعله يرى في هذا االختيار خطوة , اإلحصاء كإجراء أساسي إلعداد دراسته

حا إضافية نوعية تقوم حجة على توفر الدقة الالزمة في العمل النقدي؛ فيقول موض

نقطة البدء هي تكنيس األعمال الشعرية الكاملة : (( خطوات استعماله لهذا اإلجراء

وبعد . فاإلحصاء يجب أن يشمل األغلبية الساحقة للمفردات إن لم يكن كلها. إحصائيا

... thème principal هذه العملية اإلحصائية يتحدد لدينا الموضوع الرئيسي

بشكل يفوق تتردد مفردات عائلته اللغويةالموضوع الرئيسي هو الموضوع الذي

au niveau هذا على المستوى الشكلي البحت. مفردات العائالت اللغوية األخرى

.195ص, 1991؛ إفريقيا الشرق » الحكاية والمتخيل « ذكره فريد الزاهي - 157 .184؛ ص» المنهج الموضوعي « عبد الكريم حسن - 158

87

purement formel .فإن الموضوع الرئيسي هو الذي , فأما على المستوى البنيوي

ن ومن هنا يصل إلى تحديد الفرق بي )159(.))يفرز بقية الموضوعات ويولدها بشكل آلي

, فيراه في نقطة البدء هذه بالذات, منهجه والمنهج الموضوعاتي لجان بيار ريشار

: فيقول, والمتمثلة في قيام منهجه على اإلحصاء وغياب هذا اإلجراء عند ريشار

ففي حين ينطلق تعريفنا للموضوع من , والفرق بين المنهجين هنا فرق في نقطة البدء((

وبعد هذا يعود إلى تأكيد )160(.))ند ريشار منحى آخريأخذ التعريف ع, قاعدته اللغوية

: فيقول, "العائلة اللغوية"تعريفه السابق للموضوع القائم دائما على إحصاء مفردات

فالموضوع الرئيسي في منهجنا هو الموضوع الذي تتفوق مفردات عائلته اللغوية ـ ((

وهذا يعني أنه ما من . من الناحية العددية ـ على مفردات العائالت اللغوية األخرى

بينما يمكن لالنطباع , دور مطلقا لالنطباع الشخصي في تحديد الموضوع الرئيسي

)161(.))الشخصي أن يلعب الدور الكبير في موضوعاتية ريشار

إن هذا االطمئنان الكبير الذي يبديه عبد الكريم تجاه منهجه في مقابل الشكوك

هي نفسها , فتقلل من مصداقيته ومن الثقة في فعاليتهالتي يراها تحوم على منهج ريشار

الشكوك التي يتعرض لها منهجه مادام أن نقطة ضعف كل من عملية العد أو اإلحصاء

ذلك أن إحصاء مفردات نص أدبي ما أو عدها لجعلها مقدمات تبنى , هي النقطة نفسها

قر وثابت ال يتأثر أن معنى المفردة مست, يفترض في الحالتين, عليها نتائج معينة

ألن داللة المفردة , وهذه مقدمة غير سليمة. بالسياق وال يتغير بتغير النصوص

موضحا هذه الحقيقة اللغوية " روالن بارت"مشروطة بسياق النص الذي ترد فيه؛ يقول

القيمة المتبادلة , هنا على رقعة المربعات, واللغة نظام يشبه لعبة الشطرنج: (( الهامة

كل عبارة ال ترتدي , في اللغة أيضا, طرنج محصورة بوظيفتها على الرقعةلقطع الش

)162(.))قيمتها الخالصة إال في معارضتها لسائر العبارات

" غريماس" وهذه الحقيقة التي تتميز بها اللغة األدبية بشكل خاص هي التي بنى

لتحديد الموضوعات عليها نقده للطريقة اإلحصائية التي اعتمدها عبد الكريم حسن

.33-34ص, » …الموضوعية البنيوية «بد الكريم حسن ع- 159 .184؛ ص» المنهج الموضوعي « عبد الكريم حسن - 160 .185ص, نفسه- 161 .288ص, » ...النقد البنيوي الحديث «أبو منصور , "حوار" روالن بارت - 162

88

بحيث الحظ أن قيمة اإلحصاء ال تتعدى مستوى , الرئيسية والفرعية في شعر السياب

كما أن تفوق عائلة لغوية ما على بقية العائالت األخرى , إعطاء االنطباع بعلمية البحث

عدم , ليس دليال على كون تلك العائلة تعبر عن الموضوع الرئيسي؛ ومن أسباب ذلك

وهذا بعض ذلك , ومن ثقافة إلى أخرى, ت الكلمات من سياق إلى آخرثبات دالال

إن الطريق : ((االعتراض الذي وجهه غريماس بصفته عضوا في لجنة مناقشة الرسالة

... وإنما طريق الموضوعاتية المعجمية, التي سلكتها ليست طريق الموضوعية األدبية

نه يؤسفني أن أقول إنه انطباع ولك, فاإلحصاء الذي قمت به يعطي انطباعا بالعلمية

فعلى أي شيء يبرهن الورود الكثير لكلمة حب على سبيل المثال؟ وإذا كان . وحسب

يمكن القيام باإلحصاء من أجل القول إن الكلمات األكثر ورودا هي الكلمات األكثر

,ونأخذ مفردات اللغة الفرنسية على سبيل المثال. فتلك فرضية لم يبرهن عليها, أهمية

وإذا فإنه يتوجب استبعاد كافة الكلمات , فنجد أن األدوات والحروف هي األكثر ورودا

ومن جهة أخرى فإن تواتر , هذا من جهة, غير النافعة من أجل غربلة الكلمات المليئة

)163(.))في الشعر ربما عاد إلى تواتر هذه الكلمة في الحياة" الحب"كلمة

س أن ما كان يبدو يقينا علميا في عملية نرى إذن من خالل آراء غريما

مثل نتائجه كمثل , اإلحصاء عند عبد الكريم حسن يصبح مجرد انطباع بالعلمية فقط

مع فارق جوهري بين , النتائج التي يمكن تحقيقها عن طريق العد الذي يقول به ريشار

ن يثق أن ريشار لم يك, موقف ريشار من العد وموقف عبد الكريم حسن من اإلحصاء

ثقة كافية في النتائج التي يمكن أن نحصل عليها عن طريق العد أو اإلحصاء الذي

نمارسه على أي عنصر من عناصر النص األدبي؛ وهذا يعود أساسا إلى إدراكه أن

يؤثر فيها , وإنما هي متحركة, داللة أي عنصر من عناصر النص هي داللة غير ثابتة

ن من هذه المقاطع الثالثة التي أوردها عبد حسب ما يتبي, سياق النص بالخصوص

:الكريم حسن لريشار

إال أنها ال يمكن أن تقود , أ ـ وعلى الرغم من أنه ال جدال فيما تقدمه اإلحصائيات((

.إلى حقائق نهائية

.15ص, » ...الموضوعية البنيوية « ذكره عبد الكريم حسن - 163

89

.ب ـ فالموضوع يتعدى الكلمة بشموليته وامتداده

للتواتر في العمل لفظي , وذلك أن بناء معجم, ج ـ ومن ثم تنهض صعوبة أخرى

)164(.))يفرض أن معنى الكلمات يبقى ثابتا من موقع إلى آخر, األدبي

تكشف هذه اآلراء عن وعي ريشار بنسبية النتائج التي يمكن أن تمدنا بها عملية

ولذا ينبغي أال نطمئن , إحصاء أو عد كلمات النص األدبي بهدف تحديد موضوعاتيته

. بحذرإليها فنتعامل مع نتائجها

" منهج ريشار"و" منهجه" أما سبب لجوء عبد الكريم حسن إلى إجراء مقارنات بين

, فبينما يقيم هو دراسته حول موضوع النص, فقد يعود إلى عدم تمييزه بين المنهجين

الذي يتطلب اعتمادا واضحا على دور اإلحصائيات بسبب ارتباط الدراسة بمجال

التي يمكن أن , ار يبحث عن موضوعاتية النص األدبياألفكار؛ فإن جان بيار ريش

فيكون دور اإلحصاء أو العد , حسب ما مر بنا, تكون أي عنصر من عناصر النص

ولكن يبقى هذا الحكم أيضا , فيها أقل أهمية وفعالية عما هو عليه في الحالة األولى

, مشهدا, جملة, التي قد تكون كلمة, حكما نسبيا خاضعا لطبيعة الموضوعاتية نفسها

ولذا فما يصح مع موضوعاتية معينة ويكون فعاال لتحديدها وتتبع . أو غيرها, حدثا

ولهذا السبب , تعديالتها قد ال يكون بنفس الدرجة من األهمية مع موضوعاتية أخرى

ولعل ما وقع فيه عبد الكريم من عدم تمييز بين . يبقى حق التقدير بيد الدارس فقط

هو الذي دفعه , العمل األدبي ودراسة موضوعاتية النص األدبيدراسة الموضوع في

فجاءت دراسة للموضوع وليس , إلى اعتماد اإلحصاء كإجراء أساسي في الدراسة

)165(.للموضوعاتية

.35ص, نفسه- 164: قصص األطفال في الجزائر"عند إعدادها رسالة ماجستير بعنوان " مسعودة لعريط"رر هذا األمر مع تك - 165

محقا لما اعتمد على اإلحصاء أثناء إعداده لدراسة حول " سام عمار"وعلى عكس هذا فقد كان ". دراسة موضوعاتية

موضوع "ذ البداية وهو تحديد حيث كان هدف دراسته واضحا من, "ملكة التعلم"نص ابن خلدون المعروف بـ

, اللسان, ملكة:إذ أوصله إلى اكتشاف أن أربع كلمات في النص وهي, فمكنه اإلحصاء من تحقيق غايته, "النص

7تعليم ,مرات 10 صناعة , مرات8اللسان , مرة 18ملكة: قد تكررت عددا من المرات حسب األتي, وتعليم, صناعة

من الممكن إجراء : "مما جعله يخلص إلى القول. رة واحدة في عنوان النصزيادة على ورود كل منها م ,مرات

, انظر." فالكلمات المشبعة بالمعنى األكثر تكرارا يمكن اعتبارها الكلمات المفتاحية للنص. كشف تكراري للكلمات

90

وإذا كان ريشار لم يستعمل مصطلح اإلحصاء إال مرة واحدة حسب ما ذهب إليه

: من ذلك, للداللة على المفهوم نفسهفإنه قد استعمل مصطلحات أخرى, عبد الكريم

وهي كلها مصطلحات يرمي بها إلى تنبيه الدارس , التواتر, الترداد, التكرار

الموضوعاتي إلى األهمية الكبيرة التي يمكن أن يمدنا بها تكرار عناصر محددة في

من أجل التوصل إلى اكتشاف الموضوعاتية التي انبثق منها لينمو بفضل, النص األدبي

.التعديالت حتى اكتمل نصا فنيا متميزا

يذكر ريشار أن فكرة الترداد أو التكرار هي فكرة أخذها عن عالم الداللة

فالموضوعاتية الكبرى (( :وذلك في قوله) Pierre Guiraud" (بيار كيرو"الفرنسي

هي تلك , مهاوالتي عليها تقديم مفتاح انتظا, تلك التي تكون المعمار الخفي, لعمل ما

والتي يعثر عليها حسب تردادها الظاهر , الموضوعاتية التي توجد مغلقة في الغالب

من هنا نجدنا منقادين إلى البحث . فالترداد هنا كما في غيره يشير إلى الهوس. استثنائيا

نقوم بدراسة ... والصور المفصلة والموضوعات الموضوعاتية ,عن الكلمات المفاتيح

)166(.))ئية على غرار تلك التي قام بها في فرنسا بيير كيروتردادات إحصا

زيادة على ما يحمله كالم ريشار من إعجاب بما تقدمه فكرة تتبع التواترات

فهو , الواردة في النص التي استمدها من بيار كيرو من مساعدة للباحث إلنجاز دراسته

فلما . ذلك هو الهوس, التواتريضمنها أيضا إشارة إلى السبب النفسي الذي يقف وراء

ولكن ليس الترداد , فنحن نوافقه على ذلك, ))إن الترداد يشير إلى الهوس: (( يقول

فقد يتناول الترداد موضوعا آخر تمويها , معبرا بالضرورة عن موضوع الهوس

وبالتالي تكون , ما دام التعبير عن الهوس مصدره الالشعور, لموضوع الهوس الحقيقي

ات التي يسببها الهوس مساعدة الستكشاف موضوعاتية النص وليس لفهم طبيعة الترداد

.وهذا ما يتجنبه النقد الموضوعاتي, أي جوانب من نفسيته, هوس الفنان

لم يكن جان بيار ريشار من الذين يثقون كثيرا في اإلمكانيات التي يمكن للتواتر أن

ا أن دالالت الوحدات النصية المتواترة يقدمها للدارس الموضوعاتي ألنه أدرك مبكر

, المجلد التاسع عشر, ة؛ المجلة العربية للتربي»استخدام تقنية تحليل المضمون في تدريس اللغة العربية «سام عمار .83ص, 1999يونيو, المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم, العدد األول

.131 ص, » …العالم التخيلي «مقدمة ,جان بيار ريشار -166

91

وبالتالي , ليست ثابتة من سياق نص إلى آخر حسب ما رأينا مع بارت وغريماس أيضا

: يقول ريشار. ال يعطي نتائج دقيقة, فإن قيام الدارس بعد هذه التواترات برغم أهميتها

أن تقودنا , ا نعتقدفيم, فإن هذه الدراسات لن تستطيع, وعلى الرغم من أهميتها القارة((

: وتبرز صعوبة أخرى... ألن الموضوعاتي يتجاوز الكلمة غالبا, إلى حقائق نهائية

إال أن هذا , هو افتراض لثبات داللة الكلمات من مثال إلى آخر, فتكوين معجم للترداد

حسب أفق المعاني , ويتعدل من تلقاء ذاته في نفس الوقت, المعنى يتنوع في الحقيقة

إذ , فاللغات كما نعرف اآلن هي وقائع تتشكل. ط به وتعضده وتجعله موجوداالتي تحي

التي , أن العنصر فيها أقل أهمية من البعد الذي يفصله عن باقي العناصر األخرى

)167(.))بفضل هذه االختالفات الكيفية أو المستوياتية, تترابط في أشكال مستقلة

"يوري لوتمان"وجيرار جينات و" دولوزجيل" وتذهب أراء الدارسين من أمثال

)Y. Lotman (فهؤالء يرون مثله أن , في اتجاه أراء جان بيار ريشار, حول التكرار

إذ كل تكرار يحدث , معاني الوحدات المكررة في النص األدبي هي معان غير ثابتة

ة لوحدة من وحدات النص يكون مخالفا في وجه أو أكثر من وجوهه الداللية عن بقي

مما يعني أن التكرار ال يعني أبدا حدوث التطابق بين دالالت الوحدة , الدالالت األخرى

: يقول جيل دولوز, المكررة في موقع ما من النص مع دالالتها في موقع آخر منه

فهو ليس هوية . إنه ال يكمن في إعادة إنتاج المطابق, التكرار ليس مشابهة قصوى((

وهذا الوضع ينطبق في طبيعة الحال )168(.))دلة للتشابهوال معا ,)le même(للمماثل

وهذا ما يجعل القبض على جميع دالالته , على التكرار الذي يرد في النصوص األدبية

مما جعل جيل دولوز ينظر إليه على أنه رمز , أمرا يفلت من قبضة الدارس على الدوام

إلى استكشاف جميع زوايا حقله وهذا يبعده عن السيطرة الكاملة للناقد الذي يسعى , أدبي

)169(.الداللي

وإنما هو , أما جيرار جينات فيؤكد أن الحدث الروائي ليس قادرا على الوقوع فقط

والتكرار عنده ال يعني أبدا , أي أن يتكرر, قادر أيضا على أن يعيد إنتاج نفسه

.131ص, » …العالم التخيلي «مقدمة , جان بيار ريشار- 167 .39؛ ص» الحكاية والمتخيل «ذكره فريد الزاهي - 168 .86ص, نفسه- 169

92

, ق الشمسحسب ما رأينا أيضا مع دولوز؛ ويضرب لذلك مثاال عن شرو, المطابقة

إذ ال يظهر لنا من هذا , فهي إذ تشرق كل يوم فإنها ليست هي نفسها تماما في كل األيام

بينما تختفي العناصر أو , والصباح, تشرق, الشمس: التكرار إال عناصره األساسية

ويرى )170(.مما ينفي التطابق بين شروق وآخر, التفاصيل الدقيقة التي تصنع االختالف

لما تتكرر في النص الفني فإن دالالتها ال ترافقها , أن وحدة ما, رهيورى لوتمان بدو

وذلك يعود إلى أن التكرار لما يحدث في النص , خالل هذا التكرار إال بشكل نسبي

, وفي سياق مغاير له أيضا, يكون في كل مرة في وضع بنائي مختلف عن وضع سابق

مما , تلك التي اكتسبها من قبلفيكتسب من هذه الوضعية الجديدة دالالت أخرى غير

)171(.يجعل التكرار الكلي للمعنى في نص فني أمرا غير وارد

برغم كل هذه الصعوبات التي تواجه عملية عد التكرارات أو التواترات التي ترد

فتحد نسبيا من قدرة هذا اإلجراء على تحديد موضوعاتية النص , في النصوص األدبية

إال أن هذا اإلجراء يبقى أهم اإلجراءات التي يقوم عليها , لمستمرة فيهوتتبع تعديالتها ا

المنهج الموضوعاتي لما يمتلكه من قدرة على اإلقناع بسبب ارتباط مجال نشاطه بالفكر

من مجال , حيث يمكنه ذلك من نقل العناصر أو أحداث العمل األدبي التي تكررت فيه

وهكذا . ري محسوس هو مجال العد والحسابالعاطفة والخيال لتناولها في مجال فك

الذي , يفرض العد نفسه في المنهج الموضوعاتي ويصنع بذلك عالقة بعلم األسلوبية

يشكل العد فيه أحد األدوات الهامة لتتبع التكرارات أو التواترات النصية ودراستها؛

التكرار ا الدور الهام الذي يؤديهمحدد) Georges Molinié" (جورج موليني"يقول

يعتبر التكرار األداة األساسية الوحيدة التي تمكن وحدات : (( في مجال علم األسلوبية

)172(.))النص من اإلعالن عن نفسها وتحديد مواقعها فيه

وإذا حاولنا أن نتحدث عن الموضوعاتية في إطار هذا المعنى الذي يعطيه

ية تعلن عن نفسها في النص بفضل فإننا نرى أن الموضوعات, موليني ألهمية التكرار

فالتعديالت هي الموضوعاتية , تكرار نفسها في مشاهد التعديالت التي تصنعها فيه

أن التكرار يتجاوز في الموضوعاتية مستوى وهذا يعني .نفسها في حاالت التكرار 170 - Voir, Gérard Genette « Figures 111 »; éd. du Seuil 1972, P.145.

.107ص, 1996الجزائر , 8العدد, ؛ مجلة اللغة واألدب»تحليل الخطاب الشعري «نور الدين السد , انظر- 171172 -Georges Molinié « La stylistique » ; 1ere éd., P.U.F 1993, P.194.

93

مفردات اللغة وجملها وفقراتها ليهتم بمتابعة تردادات مشاهد النص التي تصنعها

وعاتية بتعديالتها المستمرة لصناعة عالم النص الخيالي بجملته؛ وهكذا الموض

, فالموضوعاتية تلتقي مع األسلوبية حول العمل بمبدأ تتبع التواترات المختلفة في النص

والتي هي في النقد الموضوعاتي القيام , ثم يفترقان حول الغاية المرجوة من وراء ذلك

جماليته عن طريق اكتشاف موضوعاتيته ومتابعة بتحليل النص األدبي للوقوف على

.تعديالتها عبر عالم النص

هذه إذن جملة اإلجراءات الهامة التي يقوم عليها المنهج الموضوعاتي عند جان

بيار ريشار الذي حاول إيصال مفاهيمه وإجراءاته إلى القراء والدارسين سواء عن

, نقدية التطبيقية على النصوص األدبية الكثيرةأم عن طريق الممارسة ال, طريق التنظير

. بجزئيه" القراءات المجهرية"إلى كتابه " األدب واإلحساس"والتي بدأها بكتابه

واألسئلة التي تواجهنا بعد أن قمنا بتحديد مفهوم هذا المنهج وأدواته عند جان

وضوعاتي استكمل هي هل كان هذا الناقد مطمئنا إلى أن المنهج الم, بيار ريشار

أدواته؟ وهل كان واثقا من فعاليته لتحليل النصوص األدبية؟ وإلى أي حد كان ذلك؟

إن اإلجابة عن هذه األسئلة ستظهر في الفصل الثاني عند القيام بالخصوص

باستعراض مفهوم هذا المنهج وأدواته اإلجرائية عند جان بول ويبر الذي تمكن من

. توى عال من النضج والدقة والوضوحالوصول به إلى مس

94

الفصل الثاني

المنهج الموضوعاتي ومجال اشتغاله

95

نتابع في هذا الفصل تعميق البحث في المنهج الموضوعاتي من خالل تحديد

ونتحدث أيضا , ل والعنونةثم ننتقل إلى الحديث عن التأوي, إجراءاته عند جان بول ويبر

وفي األخير نتطرق إلى كون القراءة , عن عالقة هذا المنهج بالتحليل النفسي

.الموضوعاتية قراءة جزئية وال تلغي غيرها من القراءات

: جان بول ويبرـ 1

تطورا )Jean-Paul Weber ("ويبرجان بول " حقق المنهج الموضوعاتي على يد

. ونضجا متقدما بسبب ما يوليه هذا الباحث من عناية كبيرة لتطوير أدواته النقديةمهما

96

وفي هذا الصدد يذكر أحد الدارسين أن ويبر قد استطاع أن يؤدي دوره في

وذلك في الجدال الحاد الذي أثير حول هذا المنهج , الدفاع عن أهمية النقد الموضوعاتي

لبنيوية والسيميائية من فرض وجودهما في الساحة النقدية الجديدة التي بعد أن تمكنت ا

هذا في الوقت الذي , كانت الموضوعاتية قد سيطرت عليها بفرنسا خالل الستينات

)173(.رفض فيه النقاد الموضوعاتيون المعروفون المشاركة في هذا الجدال األدبي

في أعماله النقدية الموضوعاتية كان ويبر حريصا على تحقيق الدقة والوضوح

Genèse de ľ oeuvre)"تكوين العمل الشعري"بداية من كتابه , تنظيرا وتطبيقا

poétique) البنيات الموضوعاتية لألثر : استاندال"إلى كتابه , 1961الذي صدر عام

) Stendhal: les structures thématiques de ľoeuvre et du destin"(وللقدر

ومما يدلنا على هذا الحرص ـ زيادة على ما لمسناه بأنفسنا .1969 عامالذي صدر

نا لما وقع بين أيدينا من كتبه ـ هذا التوضيح الذي أورده في نهاية كتابه طالععند ا

مرحلة التحليل , نحن اليوم قد انتقلنا إلى المرحلة الثانية: (( عن استاندال قائال

ولذا فمن , مرحلة التحديد والدقة, ألعماقالموضوعاتي الذي يتجه نحو استكشاف ا

تنتمي إلى , وليس لشاعر, الضروري التأكيد على أن الدراسة اآلتية المخصصة لروائي

كما يمكن أن . مرحلة التحليل الموضوعاتي المحدد والدقيق, هذه المرحلة الجديدة

نكشف من اآلن أن المرحلة الثالثة المقبلة ستكون خاصة بتحليل األنظمة

وستتضح لنا هذه المزايا التي تحققت للمنهج الموضوعاتي على يد جان )174(.))لفلسفيةا

:بول ويبر من خالل وقوفنا على المجهودات التي قدمها في هذا الميدان

: أ ـ المرجعية الفكرية للموضوعاتية

لتحديد موقع جان بول ويبر في ) Otis Fellows" (أوتيس فالوس"في محاولة

الموضوعاتي يالحظ أوال أن كال من جورج بولي وجان بيار ريشار يصدران في النقد

في حين قام غاستون باشالر بوضع أسس , نقدهما الموضوعاتي من الفلسفة الظاهراتية

, التراب, الماء, النار: التوجهات النقدية الجديدة القائمة على العناصر المادية األربعة

والزمن , بولي أن يصنع توجها شكليا بديال عنها يشمل الدائرةوالتي استطاع , والهواء

.160ص, » النقد الموضوعاتي « ه؛ ترجمة سعيد علوش ضمن كتاب»النقد الموضوعاتي«بيتر كريل , انظر- 173174 -Jean-Paul Weber « Stendhal: les structures thématique de ľ œuvre et du destin » ; Société d´édition d´enseignement superieur, Paris 1969, P.575.

97

والمكان؛ أما ويبر فقد استطاع بدوره أن ينفلت من تأثيرات التيارات الفكرية والنقدية

التحليل و والماركسية, القوية التي تسيطر على الساحة النقدية كالوجودية والظاهراتية

ضوعاتي الذي يمارسه ويبر يمثل مجهودا النفسي التقليدي؛ وهذا جعل التحليل المو

ومن هنا يؤكد فالوس على أصالة التوجه )175(.حقيقيا لكسر كل أطر المفاهيم السائدة

إننا نرى ما حملته أعمال (( :الجديد الذي صنعه ويبر للنقد الموضوعاتي فيضيف قائال

ال فبفضل عدم ارتباط هذه األعمال ال بالوجودية و. جان بول ويبر من جديد

فهي ال تخشى أبدا من الوقوع في نتائج , بالظاهراتية وال بالتحليل النفسي التقليدي

)176(.))معروفة مسبقا

ويبدو أن أول خطوة خطاها ويبر نحو توجيه النقد الموضوعات في وجهة غير

ار والتي سار فيها باشالر وبولي وريش, الوجهة الظاهراتية المشكلة للوعي عند الفنان

وبمعنى . وعي الفنان وكيفية تشكله بفضل اتصاله بالطبيعة, هي ترك هذا الوعي جانبا

, إبعاد حركته النقدية عن مؤثرات الفلسفة الظاهراتية والنفسية بشكل خاص, آخر

إال تلك التي وجد فيها سندا لفكرة الواحدية أو النواة أو , وبالتيارات الفكرية بوجه عام

وهنا . احدة التي ينطلق منها تكون أي شيء مادي في هذا الكونالخلية أو الذرة الو

) اإلنسان(يلتقي بطبيعة الحال مع فكرة الجذر أو النواة التي ينشأ منها وعي الفنان

مع فارق جوهري يتمثل في أن ويبر ال يبحث في كيفية تشكل أو نشوء , بالكون وبنفسه

هذه النواة أو الخلية وقد اكتمل تشكلها وإنما هو يأخذ, هذه النواة في مرحلتها األولى

بعيدا عن تناول قضية نشوء , وتكونها؛ فيقوم بتتبع تعديالتها المستمرة في العمل األدبي

. عبر وعيه بالعلم المحيط به, الوعي عند الفنان وتشكله

وجد ويبر في الفكر الفلسفي وفي البحوث العلمية سندا قويا لتدعيم فكرته القائلة

هنري "بأن النص األدبي قائم على موضوعاتية واحدة أو نواة واحدة؛ من ذلك فلسفة

وكذا أبحاث العلوم , القائلة بأن النظام الفلسفي كله يعود إلى مصدر واحد" برغسون

أما . الطبيعية التي تثبت أن التكوين البيولوجي للكائن الحي يقوم على خلية واحدة

175 - Voir, Otis Fellows, « Préface » de, Jean-Paul Weber « Stendhal:… », P.10,11. 176 - Ibid, P.14.

98

ائية فهي تذهب إلى أبعد من ذلك لما تكشف أن نظام الكون األبحاث الكيميائية والفيزي

.وهو نظام الذرة, كله قائم على جزء منته في الصغر

وهو بصدد , "ميادين الموضوعاتية" ولقد تناول ويبر جملة هذه األفكار في كتابه

, االتي تقوم عليها نصوص الكاتب فيرفضونه" الواحدية"الرد على المندهشين من فكرة

نذكر قبل كل شيء بالمحاضرة القيمة لبرغسون حيث حاول فيها الفيلسوف : (( فيقول

إلى , واحدة" صورة وسطية"إلى " نقطة واحدة"إرجاع كل تعقيدات نظام فلسفي إلى

إلى درجة أن الفيلسوف لم يتمكن أبدا , بسيط إلى حد عجيب, بالغ البساطة, شيء بسيط

التي , "الصورة الوسيطية" فعال مسافة فاصلة كبيرة بين أتوجد. من اإلمساك به وتسميته

والتي ال يمكن أن , التي نقول بها نحن" الذكرى الموضوعاتية"و, يتحدث عنها برغسون

ينتقل , بعد هذه الحجة التي يستحضرها من آراء برغسون)177())يسمح لنا بتجاوزها؟

دة في الرؤية عند كل الذي يراه يؤكد بدوره على وجود وح) Goethe " (غوته"إلى

وحيوية؛ , أن العبقرية قوة أوليةهذا يعني في نظر ويبرو, كاتب تجعل منه كائنا واحدا

وهذا يتطلب إدراك هذه الواحدية . وأنها شيء منفرد يجعل من الفرد كائنا واحدا

أما عن استناده على مجال العلوم الطبيعية بغرض توضيح فكرته )178(.والكشف عنها

إن التركيبة المعقدة التي يقوم عليها تكوين الكائن : (( فيقول, من األذهانقريبها تو

في قاعدة واحدة , هي بالدرجة األولى محتواة بشكل عجيب في خلية واحدة, الحي

وال , إننا نأخذ أمثلتنا من الواقع الحي... قادرة على تنظيم مسارات وراثية بالغة التعقيد

ذلك حتى نجتنب انتقادات عالم , م النسبية الحديثةنذكر الذرة بصفتها مصدر العلو

)179(.))الرياضيات والميكانيكا

من هنا نرى ويبر يتعجب بدوره كيف ال تبدو فكرة الوحدة الموضوعاتية في

ماداموا يعرفون أنها األساس الذي يقوم عليه وجود ,األدب عادية ومقبولة عند البعض

أليس ظاهرا بشكل كاف أن إرجاع أعمال شاعر : (( فيقول, أشياء الحياة والكون عموما

يختلف عن فهذا العمل ال, ما إلى وحدة موضوعاتية ال يعد أمرا معزوال وال غريبا

177 - Jean-Paul Weber « Domaines Thématiques » ; éd. Gallimard 1963, P.27. 178 -Voir, ibid, P.28. 179 - Jean-Paul Weber «Domaines Thématiques »; P.29.

99

أو نظام , القيام بمثله عند إرجاع كل تصرفات أو كل بنية كائن حي إلى خلية واحدة

)180(.))ثابت

ل ويبر أن يسلكه بالمنهج الموضوعاتي هكذا تتضح لنا طبيعة التوجه الذي يحاو

قاعدة جديدة , جد سندها في الفلسفة البرغسونيةتحين راح يتخذ من النتائج العلمية التي

لهذا المنهج؛ مبعدا إياه بذلك عن أفكار الفلسفة الظاهراتية التي اتخذ منها باشالر وبولي

لوعي المؤلف , دا للوعيلما نظروا إلى األدب بصفته تجسي, وريشار مصدرا أساسيا له

ولكن هذا االختالف في المنطلق الفكري بين . بذاته من خالل وعيه بالعالم المحيط به

وإنما كان مدعما للمبدأ الذي , التوجهين لم يؤد إلى حدوث شرخ في النقد الموضوعاتي

يقوم عليه والمتمثل في السعي إلى الكشف على الموضوعاتية التي تشكل النواة التي

ثم الشروع في تتبع التعديالت التي شكلتها لصناعة النص األدبي , بثق النص منهاين

. بكامله

:ب ـ مفهوم الموضوعاتية

مفهوم الموضوعاتية عند جان بول ويبر يختلف عن مفهومه عند جان بيار ريشار

أما ويبر , هومبسبب ما رأينا من انطالق ريشار من الفلسفة الظاهراتية لتشكيل هذا المف

.فهو يبني مفهومه على أساس فكرته حول الوحدة التي رأيناها سابقا

إذا كان مصدر النص األدبي هو الفنان فإن الموضوعاتية التي انبثق منها يكون

هذا األمر أكثر ونكشف وحتى نوضح. وبالتحديد مرحلة طفولته, مصدرها الفنان أيضا

نقول إن هذا المصدر , ي الذي رأيناه عند رواده سابقاعن ارتباطه بالوعي الظاهرات

الطفولي لتلك الوحدة الموضوعاتية ما هو في حقيقة األمر إال تشكيل لرد فعل داخلي

وبما أن ويبر غير منجذب إلى . مصدره العالم الخارجي" شيء ما" خاص بالفنان عن

بذاته وبالعالم هذه التعقيدات التي يفرضها البحث في قضية تشكل وعي اإلنسان

, نراه يكتفي بتناول هذه الموضوعاتية في مرحلة اكتمالها في وعي المؤلف, الخارجي

األثر الذي تتركه ذكرى الطفولة في , نعني بالموضوع: (( فيقول محددا مفهومه لها

هذه . وغيرهم, والفيلسوف, والعالم, وإذا عممنا فنقول في ذاكرة الفنان, ذاكرة الكاتب

180 - Ibid; P.29.

100

إن ما يتم بعيدا . ال تتم دائما بغير وعي من الكاتب, و الذكرى المضوعاتيةأ, الذكرى

)181(.))عن وعيه هي عالقة تلك الذكرى الموضوعاتية بالعمل

لما نقوم بإجراء مقارنة بسيطة أولية بين هذا التعريف وتعريفات ريشار التي

خصوص بين هذا التعريف و بال, مرت بنا يتبين لنا التقارب الكبير الذي يجمع بينهما

حيث يتمحور التعريفان حول حادث يكون قد وقع في مرحلة , والتعاريف الثالث لريشار

فاختزنته الذاكرة ليصبح فيما بعد محورا , والفنان عند ريشار, طفولة الكاتب عند ويبر

وقد يجعلنا هذا الحضور القوي لمرحلة الطفولة. تنبثق منه جميع كتاباته وتتمحور حوله

ولكن األمر على , في التعريفين نشعر أننا أمام النقد القائم على التحليل النفسي الفرويدي

كما سنرى ذلك في , ألن الكاتبين يرفضان إقامة أية صلة بهذا المنهج, غير ذلك تماما

.مكانه من هذا البحث

ءته في وقد يبدو تعريف ويبر هذا ال يحمل من اإلشارات الكافية التي تسمح بقرا

كما هو الشأن في تعريف , دون غيرها, إطار تخصيص الحديث عن موضوعاتية أدبية

وهو , ولذا فهو في حاجة إلى تعريف آخر يحقق هذا التعيين والتحديد الالزمين, ريشار

كل أفاق العمل األدبي ـ في : (( ما أفادنا به في كتابه حول استندال الذي جاء فيه

الذي هو بدوره أثر واع أو , هو الموضوع, قها إلى منبع واحداعتقادنا ـ تعود في منطل

. يكون قد أحدث صدمة نفسية أو تأثيرا عميقا في طفولة الفنان, غير واع لحادث مميز

فهو موجود عبر , سواء كان تحت رموز متنوعة أو تعديالت, هذا الموضوع في نظرنا

هذا التعريف بعض العناصر يحدد )182(.))نسبة كبيرة من األعمال اإلبداعية للفنان

يدخل فيها العمل األدبي , الهامة التي بقيت في التعريف السابق عبارة عن مفاهيم عامة

وهي عناصر يمكن جمعها في التعبير . وغيره من األعمال الفكرية والعلمية األخرى

يعود منطلق األعمال األدبية لكاتب ما إلى منبع واحد صنعه : البسيط والمختصر اآلتي

.في نفسيته حادث مميز كان قد تعرض له في مرحلة طفولته

أن هذا التحديد الصارم " ميادين الموضوعاتية" ولكن ويبر يخبرنا في كتابه

وإنما وقفت في وجهة , للموضوعاتية لم يلق في الساحة النقدية القبول واالستحسان فقط

181 - Jean-Paul Weber « Domaines Thématiques » , P.09. 182 - J.P. Weber «Stendhal... » P.23.

101

يفتقر إلى التوضيح المقنع حول لكونه , عدة آراء معارضة ومشككة في واقعيته وفعاليته

وجود منبع واحد فقط تنطلق منه كل أعمال األديب؛ فأدى ذلك الموقف إلى خلق نقاش

علمي أثمر مزيدا من التوسع في الموضوع والتدقيق في تفاصيله والتعميق في مفاهيمه

كاشفا يقول ويبر . مما أغنى المنهج الموضوعاتي أوال والساحة النقدية ثانيا, وتطويرها

عن جوانب من ذلك الحوار العلمي الذي أثار حسبه ضجة في الساحة النقدية

إن الضجة التي أثيرت حول دراستنا جعلتنا نخلص إلى أن فكرة واحدة : (( واإلعالمية

. منها ما هو مؤيد لها ومنها ما هو معارض, من تلك الدراسة قد أفرزت مواقف حادة

موضوع واحد فقط؟ لماذا ال يوجد في العمل األدبي لماذا. إنها فكرة واحدية الموضوع

إن الذكرى : موضوعات كثيرة؟ إن إجابتنا على هذا كانت حسب التوضيح اآلتي

الواحدة من مرحلة الطفولة تكاد أن تكون كافية دائما لتقديم إضاءة موضوعاتية ألهم

بالرفض بحجة ولكن هذا التوضيح يمكن أن يقابل . قسط من العمل الشعري أو الروائي

فمن يدري أنه ال , عدم امتالكنا قدرا كافيا من المعلومات الخاصة بمرحلة طفولة األدباء

يوجد موضوعات أخرى أكثر أهمية في منطقة الذكريات األولى لمرحلة الطفولة لو تم

.تحقيق االطالع الدقيق عليها

ألعماله التي تم الكشف فإن الدراسة الشاملة لطفولة استاندال و, من هذا المنطق

تبدو أنها ذات أهمية قصوى لكونها تسمح , فيها أنها تقوم على موضوعاتية واحدة فقط

)183(.))بتقديم إجابة قطعية وملموسة ألصحاب حجة تعدد الموضوعات المحتملة

تبدو قناعة ويبر الكبيرة في قدرة منهجه على تقديم , من خالل هذا النص الطويل

وهذا بفضل وضوح رؤيته , المقنعة على األسئلة الصعبة التي تثار في وجههاإلجابات

وفعالية أدواته التي تمكنه من الغوص في أعماق األعمال اإلبداعية الكتشاف منبع

انطالقها الوحيد لتمارس تعديالتها المستمرة لتبدع بانسجامها وتماسكها عالم النص

.الجميل

ة التي يقدمها ويبر للمعارضين لمنهجه والمشككين في هذا جانب أول من اإلجاب

, وهي إجابة استندت بالدرجة األولى على مفهوم فكرة الواحدية التي ينادي بها, فعاليته

وعلى النتائج الدقيقة والقوية التي تمكن من تحقيقها بفضل عمله التطبيقي الواسع الذي 183 - Ibid , P.24.

102

حيث تمكن من بناء قراءة متماسكة . الامتد ليشمل جميع أطراف العالم اإلبداعي الستاند

".العضة"ومنسجمة ألعماله اإلبداعية بإرجاعها إلى منبع واحد هو

أما الجانب الثاني لإلجابة فقد بناه بالخصوص على ما أدلى به بعض المبدعين

وما قدموه من إشارات حول سيطرة ظاهرة من الظواهر على , أنفسهم من تصريحات

وبحث , مما خلق رغبة الستكشاف السر الكامن وراء ذلك, اإلبداعيةعوالم أعمالهم

وفي هذا الصدد يحدثنا ويبر في كتابه . دوره في تشكيل البناء الفني لتلك األعمال

نفسه هو الذي وجهه إلى اكتشاف " جوليان غراك"ميادين الموضوعاتية أن

ه المؤلف عن الدراسات لما حدث1956وقد كان ذلك في عام , الموضوعاتية في أعماله

والتي تهدف إلى إرجاع أعمال مجموعة من الكتاب إلى ,النقدية التي هو بصدد إنجازها

Edgard Allan)"إدغار آالن بو"الموضوعاتيات التي تقوم عليها؛ ومن بينها أعمال

Poe)قد أخبره في تلك " جوليان غراك"ويذكر أيضا أن . بالخصوص" فيكتور هوجو" و

إلى وحدة " أندري بروتون"أنه هو نفسه قد حاول إرجاع كل أعمال المناسبة

فاروش "فإننا نستطيع أن نعثر في , موضوعاتية؛ مضيفا أنه فيما يخص أعماله الشعرية

على إشارات دقيقة حول هذا (Farouche à quatre feuilles)" بأربعة أوراق

وضوعاتي الذي تلعبه ويذكر ويبر كمثال عن ذلك وعي غراك بالدور الم.الموضوع

في أعماله وأن فكتور هوجو (Ile-de-France)" ليل دو فرانس"عملية إبحار سفينة

يمكن أن تصبح رؤية كبيرة ورائعة عند الشاعر صورة بسيطة أيضا كان على علم بأن

كما يمكن أن نعثر عند الشاعر لوركا على اعترافات من هذا النوع , لما يبلغ رشده

د هذا إلى أن جميع هذه االعترافات كان لها تأثير كبير عليه لتشجيعه كذلك؛ ليخلص بع

هذا النوع من الشهادات التي يقدمها " ميشال كولو" ويؤكد )184(.للمضي في أبحاثه

المبدعون حول كون إبداعاتهم أو جزء منها على األقل تسيطر على عوالمها

بل . لة بناء أية قراءة حولهامما يتطلب أخذ ذلك بعين االعتبار عند محاو, موضوعاتية

هم الذين , بفضل شهادتهم تلك, إلى أبعد من ذلك لما جعل المبدعين" ميشال كولو"يذهب

الكتاب المعاصرون هم الذين فتحوا : (( إذ يقول, فتحوا الطريق أمام النقد الموضوعاتي

ألحمر فبروست هو أول من أشار إلى سيطرة اللون ا, الطريق أمام النقد الموضوعاتي

184 -Voir, J.P.Weber « Domaines Thématiques » ; P.09-16.

103

وأعلن , وبين أن ذلك يفترض إعادة تقويم المعنى العام لهذا العمل, "سيلفي"وحدته في

جوليان غراك أن عالمه الروائي الخاص يقوم على بعض الرغبات واألشياء المادية

)185(.))المنظمة في شكل الزمة

ن أفواه هذه الشهادات المستمدة من الواقع األدبي وم في مجموعة من يجد ويبر

بداعية ترجع في مجملها أو إلوالتي يؤكدون فيها أن أعمالهم ا, بعض المبدعين الكبار

منها خرجت إلى الوجود وحول , إلى موضوعاتية واحدة, في قسم منها على األقل

قاعدة قوية أخرى يقف عليها منهجه الموضوعاتي ليصد ما , محورها تشكلت عوالمها

وهذا إلى جانب . رمي به من سطحية أو انطباعية مطلقةيوجه إليه من انتقادات وما ي

وكذا األعمال التطبيقية التي قام , كل من فكرة الواحدية التي اتخذ منها منطلقه الفكري

, غوغول, إدغار آالن بو: نذكر منهم, بإنجازها حول نصوص أدبية رفيعة لكبار األدباء

.استاندال وغيرهم, نرفال

:ج ـ تعدد الموضوعاتيات

من فيرى من خاللها إلى تلك الذكرى, "الواحدية"إذا كان ويبر ينطلق من فكرة

الطفولة التي تشكل الخلية التي تنبثق منها أعمال الفنان حسب ما جاء في ذكريات

فإنه قد فتح في هذا التعريف كذلك بابا , التعريف الثاني الذي أوردناه له في مكانه

وذلك , غير الذكرى الطفولية الواحدة, نابع أخرى للعمل األدبيالحتمال وجود منبع أو م

موجود عبر نسبة كبيرة من األعمال اإلبداعية ) الموضوع(فهو : (( حين أضاف قائال

.))للفنان

هو أنه قد وجد نفسه أمام , إن ما سمح لهذا االحتمال أن يرد على ذهن ويبر

حال أن يعيد العمل اإلبداعي كله إلى منبع حاالت كثيرة صعب األمر فيها عليه أو است

. مما دفعه إلى البحث عن منبع آخر أو أكثر يمكنه من إنجاز تحليل النص, واحد فقط

أما بعضها األخر فهي , وهكذا استنتج أن بعض األعمال اإلبداعية تملك منبعا واحدا

أنه في بعض ينبغي أن نشير في البداية إلى: (( تملك منبعين أو أكثر؛ فنراه يقول

كما هو , بل من المستحيل إرجاع كل شيء إلى الوحدة, الحاالت يكون من الصعب

, 18العدد, مجلة المدى, ؛ ترجمة محمد آيت لعميم»الموضوع من منظور النقد الموضوعاتي« ميشال كولو - 185

.36ص, 1997دمشق

104

حيث نجد عندهما تعددا في , وبالخصوص عند نرفال, األمر عند غوغول

)186(.))الموضوعات

وهذا يعني عنده أن قسما من نص ما أو من نصوص كاتب معين يمكن إرجاعها

معينة بينما تستعصي األقسام أو األجزاء المتبقية على عند التحليل إلى موضوعاتية

مما يتطلب البحث عن موضوعاتية أو موضوعاتيات أخرى تمكن من إنجاز , ذلك

ويعطي مثاال عن ذلك بما جرى له أثناء محاولته قراءة أعمال . قراءة تتمحور حولها

يل على أساس هذه فلم يتمكن متابعة التحل, "الثدي"بودلير بإرجاعها إلى موضوعاتية

فاضطر إلى التوقف ثم القيام بتوجيه اهتمامه , الموضوعاتية بعد أن سار به شوط معينا

فاستقام له التحليل حيث , "العائد من القبر"هي موضوعاتية , إلى موضوعاتية أخرى

وقد حدث األمر . استطاع أن يعيد أكبر قسم من إنتاجه الشعري إلى هذه الموضوعاتية

قيامه بتحليل أعمال كلوديل على أساس موضوعاتية الشجرة ولكن نفسه أثناء

ألحت بقوة (Sein Doux-Amer)" ثدي ناعم ـ مر " ومنها , موضوعاتيات أخرى

مما دفعه إلى اللجوء إليها وإدخالها ضمن التحليل ,على حضورها في أعمال كلوديل

انت النتيجة أن استقام فك, بصفتها موضوعاتية انبثقت منها مجموعة هامة من أعماله

)187(.التحليل

وانطالقا من هذه النتائج التي أكدتها أعماله التطبيقية راح ويبر يبين مدى سطحية

منها مثال تلك التي ترى أن أي شيء يمكن أن , بعض االنتقادات التي وجهت للمنهج

كيف : ((فيوضح قائال, يكون صالحا ألن يتخذ كموضوع نحلل على أساسه أي نص

يمكن أن يحتج علينا بأن أي شيء يمكن أن يكون صالحا لتحيل أي نص في حين أن

, التي اقترحناها عن غير ترو" الثدي"دراستنا ألعمال بودلير على أساس موضوعاتية

وأن موضوعاتية . قد كشفت لنا بسرعة أنها ليس كافية إلقامة الدراسة على أساسها

)188(.)) سوى جزء صغير من أعمال كلوديلالشجرة أيضا لم تمكننا من دراسة

وعدم جدية اآلراء التي تنفي وجود الصرامة ية ولما يكشف ويبر عن سطح

, "ألي شيء ليفسر أي نص"العلمية في المنهج الموضوعاتي بكونه ـ حسبها ـ يسمح

186 -J.P. Weber « Domaines Thématiques » ; P.26. 187 -Voir, ibid, P.17. 188 - J.P. Weber « Domaines Thématiques », P.22.

105

ال ينسى أمرا مهما قد يكون حاضرا في ذهن أصحاب هذه اآلراء المقللة من شأن

وهو إمكانية وجود عدة موضوعاتيات للنص الواحد أو لمجموعة نصوص , المنهج

بل يتمنى فقط أن تكشف , فيوضح أن هذا أمر وارد جدا وال يخشاه, كاتب معين

ألننا , ألنه ال يقلل أبدا من قيمة المنهج بل بالعكس فهو يخدمه, الدراسات عنه فتؤكده

:سنجد أنفسنا آنذاك أمام الحاالت اآلتية

ما أن تتوصل هذه الدراسات إلى تحليل جزء فقط من العمل المدروس فتكون ـ إ 1

.حينئذ مكملة للدراسة أو الدراسات السابقة عنها

ـ وإما أن تتوصل إلى إرجاع كل العمل أو األعمال المدروسة إلى موضوعاتية 2

.وهذا أمر وارد, يدل أن هذا العمل يملك موضوعاتيتين مهمتين مما, واحدة

إذا تبين أن الموضوعاتية المقترحة قادرة على تحليل مزيد من النصوص ـ 3

فإن هذا يدل إما , على عكس عجز الموضوعاتية السابقة عن ذلك, والتفاصيل والبنيات

وفي . أو أنها لم تبلغ نهايتها, على أن الدراسة المنجزة سابقا قد تم إنجازها بكيفية رديئة

وإنما هو أيضا وبالدرجة , جانب خصوم المنهج فقطكال الحالتين فإن الصواب ليس من

)189(.وهذا حين يحدث فسيكون في محل الرضى واالستحسان, نفسها في جانب المنهج

وبرغم كل هذه االحتماالت حول وجود عدة موضوعات في نص واحدا وفي

ود فهو في النهاية يرجح دائما وج, هنا" ربوي" مجموعة كاتب معين والتي يفترضها

موضوعاتية رئيسية واحدة فقط تنبثق منها كل النصوص؛ أما ما يبدو للدارس أنها

موضوعاتيات أخرى للنص فهي ليست في حقيقة األمر سوى تعديالت لتلك

ولهذا , منها تفرعت وإليها يعود انبثاقها ووجودها في النص, الموضوعاتية األساسية

مع وجود ذكريات , الرئيسي في العملالموضوعاتية األساسية توضح القسم : (( يقول

وقد ازدادت قناعة ويبر بهذا المبدأ ترسيخا )190(.))أقل أهمية توضح جوانبه الثانوية

بفضل دراسته حول استاندال التي كشف فيها أن أعمال هذا الروائي الكبير تقوم على

كما , هالتي تعود إلى حادث وقع له أيام طفولت" العضة "موضوعاتية واحدة فقط وهي

.سيتضح ذلك فيما سيتبع من البحث

189 - Ibid; P.22. 190-Voir, J.P. Weber « Domaines Thématiques », p.27.

106

يحصرها في الحدث المميز الذي إذا كان ويبر في تعريفاته السابقة للموضوعاتية

يفسح المجال واسعا أمام تنوع هذه فهو, يترك أثرا في ذاكرة الفنان في مرحلة طفولته

فالتنوع في هذا .األحداث وأمام طبيعتها أيضا؛ إذ ال يمكن حصرها أو تحديد نوعها

ألعمال " موضوعاتية "ويمكن ألي حدث أن يصير , المجال ـ في رأيه ـ غير محدود

, ما هي الموضوعات؟ مع تجذر الموضوعات في تربة الطفولة: " يقول ويبر, الفنان

فالموضوعاتية هي . فهي قادرة دائما على اتخاذ أقصى ما يمكن من األشكال المتنوعة

إدغار آالن "وعند , )Alfred de Vigny" (ألفريد دو فينيي" عند كالساعة, "شيء"تارة

ونكتشف عند غوغول ليس شيئا واحدا فقط وإنما شيئين . وإن كان بشكل مخالف, "وب

Le portail(والباب القوطي ) La coupole russe(القبة الروسية: على األقل

gothique( ,وهما يجسدان , يولوجيةوتجمع بينهما في حقيقة األمر وحدة هندسية وإيد

وفي بعض الحاالت تكون الموضوعاتية أسطورة . مشهدا طفوليا شبيها باألنف والوجه

وكما هو األمر , "قلعة الفئران"أسطورة : كما هو الشأن عند هوجو, تتجسد في صورة

باألم "بشأن الحكايات الخاصة ) Gérard de Nerval" (نرفالجيرار دو "أيضا عند

. لتي تم استحضار مالمحها عن طريق صورة تحمل عنوان التواضعوا, "المتوفاة

تصب في , وتكون الموضوعاتية في بعض الحاالت مجموعة من الذكريات المنسجمة

" ستيفان ماالرمي"كما هو الحال عند , مظهر وظيفي يرتبط بمرحلة الطفولة

Mallarmé) (Stéphane , باصطياد حيث ترتبط عنده مجموعة من الذكريات المتعلقة

" لوتريامون"وهو أيضا عند . بالعصفور الميت الملقى على األرض,العصافير

)Lautréamont( مجموعة من الذكريات واألفكار والمشاعر المتمحورة حول ما أسماه

)Mal d´Aurore.()191" (م الفجرأل"

يتركه في وما" الحدث المميز"بهذه األمثلة المتعددة يوضح لنا ويبر أنواع ما يسميه

وهي أمثلة كما قلنا . ذاكرة الطفل الفنان من أثر ينعكس فيما بعد في أعماله اإلبداعية

.تنحصر فقط في ما يمكن أن يعتبر حدثا قابال ألن يعايشه الفنان في مرحلة الطفولة

إنها أحداث تخرج عن الحصر والتحديد إال فيما يتعلق بالجانب الزمني الذي تنتمي إليه

.وهو زمن الطفولة, الفنانمن حياة

191 - J.P. Weber « Domaines Thématiques »; P.10-11.

107

:)Les modulations( ـ التعديالت 2

تتشكل بنية النص األدبي من التعديالت التي تولدها الموضوعاتية باستمرار؛ فهي

, تقوم في البداية بدور النواة التي ينبثق منها النص ثم تشرع في صناعة مشاهد تماثلها

لتكون بنية عالم النص بأحداثه وشخصياته وأزمنته فتتابع بفضل ذلك امتدادها وتوسعها

نعني بالتعديالت كل تماثل بالموضوع؛ : (( يعرف ويبر التعديالت بقوله. وأمكنته

فالقرية الدائرية مثال في قصة . صورة رمزية التعديل هو الموضوع في, وبتعبير آخر

ترمز أو تعدل , ن بو إلدغار آال(Le diable dans le beffroi)" الشيطان في البفروا"

فالقرية الدائرية إذن . الساعةاتيةالميناء الدائري لموضوع, بمنازلها الستين المتشابهة

: وإذا عممنا نقول( إننا نعتقد أن أعمال كاتب ما في جملتها تقريبا . هي تعديل أو شبه

تمثل ميدانا لتعديالت الموضوع ) ومشاعر كل إنسان تقريبا جميع أفكار وأعمال

يمكن تأويلها إلى كونها مجموعة من التعديالت التي لحقت , وبتعبير آخر, مفضلال

)192(.))بالموضوعاتية

ليس النص اإلبداعي بكامله إذن سوى التعديالت أو التحوالت التي تدخلها

فتبدو هذه التعديالت مختلفة في مظهرها عن ,الموضوعاتية األساسية على نفسها

فهي تشترك في , بل أكثر من ذلك. متقاربة في جوهرها و لكنها ,بعضها بعض

ألنها تعود إلى أصل واحد هو الموضوعاتية , العناصر التي تكون بنيتها الداخلية

تأتي التعديالت على المستوى الشكلي متنوعة إلى أقصى : (( األساسية يقول ويبر

ى المستوى هذا التنوع واالختالف الظاهري يقابله توحد واشتراك عل)193(.))حد

ألن التعديالت جميعا تعود بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى أصل واحد هو , الداخلي

يقول . الموضوعاتية األساسية التي انبثق منها النص أو مجموعة نصوص كاتب ما

ثم يصبح هذا الشبه , كل موضوع يمكن أن يتنوع أو يتعدل حسب شبه مفضل: (( ويبر

ن آخر من التعديالت غير المباشرة في عالقتها مع نفسه موضوعا لتشكيل ميدا

)194(.))الموضوع األساسي األول

192 - Ibid, P.09- 10. 193 - J.P. Weber « Domaines Thématiques », P.12. 194 - Ibid, P.11.

108

تمكن الموضوعاتية الواحدة بفضل العمل الديناميكي المستمر للتعديالت توهكذا

حسب تأكيد . أو اإلنسان بشكل عام, مدى حياة الفنان بخاصة أن تعيد إنتاج نفسها على

تتعارض أبدا مع أقصى ما يمكن أن تبلغه ضوعاتية الإن الوحدة المو: (( ويبر

ذلك ألن التعديالت سواء تمت في ميدان )195(.))عددا وتنوعا, التعديالت التي تسمح بها

" حياته"يجسد بها الماضي فهي تمثل الوسيلة التي, اإلبداع أم في ميدان الحياة المعيشية

ينتقل عن طريق التعديالت ليعيش أي أن ماضي الفنان أو اإلنسان عموما. في الحاضر

فالماضي يحيا بفضل التعديالت التي تمكن من صنعها في , وبتعبير آخر أيضا, الحاضر

ذلك ألن هذا الماضي الذي تجسد في موضوعاتية معينة هو تلك الذكرى , الحاضر

وأما عن فكرة حياة . حسب ما حدثنا ويبر عن ذلك, الطفولية التي صنعها حادث مميز

لماذا يعيش الماضي عن طريق : (( اضي في الحاضر عن طريق التعديالت فيقولالم

التي يحدثها في نفسه؟ أليس الوعي موضوعاتي من " التعديالت"التحوالت الرمزية أو

الطفولة ليست فقط خزان الماء الذي يسقي حقول الراشد حيث ... البداية إلى النهاية؟

ينبغي علينا الكشف عن مخططه , عمل فنيولكن ربما هي بدورها , تنضج سعادتنا

)196(.))ومؤلفه, وتوجهاته

ويعود في كتابه عن استاندال إلى هذه المسألة ليؤكد عليها ويوضح دورها في

لقد الحظنا أن الموضوعاتية تبدأ : (( فيقول, حياة الفنان العادية واإلبداعية على السواء

ثم في مرحلة , وتستمر خالل كامل هذه المرحلة,بالتحديد منذ الذكريات األولى للطفولة

وإلى جانب كل . كما أنها مسؤولة عن التعديالت التي تتم في العمل الروائي, المراهقة

مساهمة بذلك , هذا يمتد دورها إلى تحديد طبيعة رغبات الروائي وميوله وأفكاره أيضا

هذه األحكام ولما يكشف ويبر من خالل )197(.))في تشكيل وجوده وتحديد مصدره

الذي تلعبه الموضوعاتية وتعديالتها في انبثاق العمل األساسيالدقيقة عن الدور

ودورها أيضا في رسم مسار حياة الفنان نفسه وتحديد , اإلبداعي وتشكيل بنائه الفني

فهو يستند في ذلك إلى النتائج التي أوصلته إليها تطبيقاته إلجراءات المنهج , مصيره

منهم بالخصوص , لى كثير من األعمال اإلبداعية لعدد هام من المبدعينالموضوعاتي ع

195- Ibid; P.29. 196 -J.P. Weber « La psychologie de ľ art » ; 3 eme éd., P.U.F, Paris 1965, P.137. 197 -J.P. . Weber « Stendhal.. »; P. 24-25.

109

: توصل فيه إلى جملة من النتائج يقول عنها, استندال الذي خصص ألعماله كتابا كامال

هذه الذكرى عبرت عن , لقد سيطرت ذكرى الطفولة على استندال وعلى رواياته((

لمتشابهة من طرف إلى آخر من ا" التعديالت"ظهوراتها عن طريق آالف األوجه و

وكل هذه التعديالت تعود في النهاية إلى موضوعاتية واحدة ومركزية هي . العمل

هي , من المؤكد أن موضوعاتية العضة: (( ثم يضيف)198(.))موضوعاتية العضة

وكذا على وجوده هو , الموضوعاتية الوحيدة التي تسيطر على جميع أعمال استندال

منذ الطفولة , وبشكل سريع, ينا أن هذا الموضوعاتية قد اكتسبتولكننا رأ, بالذات

ليصبح كل منهما بدوره مصدرا مستقال نسبيا لظهور , امتدادين أو تعديلين أوليين

موضوع السكين :ونقصد بالتعديلين األوليين. (médiateurs)تعديالت أخرى وسيطة

إن وجود ... الموتوموضوع العامل المجروح الصاعد نحو , الساقط في الشارع

الوسيطية بين التعديالت الفعلية والموضوعاتية المركزية والوحيدة ياتالموضوعات

يمكن أن ال تكون ... هو بحد ذاته يدل أن البنية الموضوعاتية للعمل األدبي, للعضة

ولكن يمكن , عبارة عن جذع تتفرع عنه أعداد النهائية من األغصان أو التعديالت فقط

ولكن , حيث يتدلى جمع من الفروع المتشابكة حتى تالمس األرض, "ابةغ"أن تكون

)199(.))برغم كل ذلك االتساع والتشابك فهي تكون في األخير نبتة واحدة وكيانا متفردا

أن يالحظ أن التعديالت التي تلحق " الموضوعاتيةينمياد" تمكن ويبر في كتابه

ال تأتي على وجه واحد فقط وإنما تأتي , نصالموضوعاتية أو تنتجها لصناعة عالم ال

:يوضحها حسب اآلتي, يمكن اختصارها في ثالثة أصناف, على عدة أوجه

حيث : (faciés à paillettes thématiques) ـ أوجه ذات تقسيمات موضوعاتية 1

.تكون التعديالت هنا حاضرة بشكل متفرق

, حيث يعدل كل عمل أدبي: (faciés panoramique) ـ تعديالت مركبة المناظر2

. ما هو أساسي في موضوعه بطريقته الخاصة

198 - Ibid, P. 575. 199 - J.P. . Weber « Stendhal.. », P. 576-577.

110

وهذه : (faciés à horizons successifs) ـ التعديالت ذات اآلفاق المتتابعة3

حيث تقف إلى جانب عدة ظهورات مختلفة " غراك"التعديالت نجدها مثال في روايات

)200(.السفر بحرا, بناء السفن, البحر: مجموعة من اآلفاق, للموضوع نفسه

مستواه النظري إلى , لم يتجاوز ويبر بهذا التصنيف الذي يقدمه هنا للتعديالت

بحيث ال نعثر لها , مستوى التطبيقات التي تناول فيها عدة نصوص في هذا الكتاب

على حضور واضح يكشف عن إمكانية االستفادة منها في تحليل النصوص وفق المنهج

ذ لم يحضر في الجانب التطبيقي سوى تلك اإلشارات العابرة إلى إ, الموضوعاتي

Genèse de ľŒuvre) "تكوين العمل الشعري"نصوص تناولها في كتاب سابق هو

poétique) , وهو ما قد تنبه له ويبر نفسه حيث عاد إلى هذا التصنيف في كتابه حول

فع أنواع التعديالت في هذا حيث ر, استاندال وتناوله بكيفية أكثر دقة ووضوحا وشمولية

مع تقديم أمثلة واضحة عن كل , الكتاب إلى أربعة مستويات بدال من ثالثة أصناف هنا

. منها؛ وزيادة إلى ذلك فقد سار عليها عند قيامه بتحليل أعمال استاندال

أطلق ويبر في كتابه حول أعمال استاندال على كل مستوى من المستويات

وانتهى بها إلى الدرجة , بدأها بالدرجة صفر, "درجة"بعة للتعديالت مصطلح األر

: وقد شرح هذه المساويات حسب اآلتي؛الثالثة

fréquence)" اإلحصائي" ـ أحد هذه المستويات األولى هو مستوى التواتر 1

statistique) :ير التي كتلك األلفاظ والتعاب( آفاق داللية, مجموعة سيميائية ,تواتر كلمة

للموضوعاتية هذا المستوى هو مستوى الدرجة صفر). ترتبط بالعصفور عند ماالرمي

(degré zéro du thème) .

, واالستعارات, ـ بدرجة أكثر تعقيدا من المستوى السابق نجد مستوى الصور2

. حيث تتجلى الذكريات الموضوعاتية, وااللتقاءات غير المتوقعة أو الخاصة للكلمات

degré un (ou premier) du المستوى من التعديالت هو مستوى الدرجة األولىهذا

thème.

200 -Voir, J.P. Weber « Domaines Thématiques »; P.12-13.

111

ويتم الكشف , ـ بعد هذا يأتي مستوى أعقد من السابقين هو مستوى الحاالت الجزئية3

إنه مستوى الدرجة الثانية للتعديالت , عنها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة

" الشيطان في البفروا: "وكمثال عنها. degré deux (ou second)الموضوعاتية

حيث أن الشكل الدائري للقرية القائمة على ستين منزال تسمح لنا , إلدغار آالن بو

.بسهولة فك رموزها على أنها تعديل لميناء الساعة

مستوى ,مستوى الشخصيات : ـ بعد هذه المستويات توجد المستويات الشاملة4

le)" عفريت الشبه"ـ كمثال على هذا أن الداللة الكلية لو, األحداث الكلية أو األلغاز

démon de ľanalogie)ويمكن أن نطلق . عند ماالرمي هي مأتم العصافير الميتة

degré trois (ou ,على سلسلة هذه المستويات المعدلة الدرجة الثالثة للتعديالت

troisième) du thème .)201(

تشمل جميع يديد أربعة مستويات للتعديالت وههكذا إذن يتمكن ويبر من تح

ثم تمتد في مستوى الدرجة , واألحداث, الشخصيات, المشاهد, الكلمات: مكونات النص

أي النص كوحدة كاملة يمكن أن يجسد بمعناه , الثالثة إلى وحدة النص في تكونه الشامل

عفريت "بر عن داللة كما هو األمر بالمثال الذي قدمه وي, أو ببنيته موضوعاتية النص

.لماالرمي" الشبه

ولتقديم صورة أوضح حول ما يقصده ويبر بالموضوعاتية األساسية وتعديالتها

نرى أن نعود إلى التطبيقات التي أجراها حول مختلف أعمال , المتنوعة في النص

ثير من لتوفر تلك التطبيقات على ك, استاندال في الكتاب الذي أنجزه حول تلك األعمال

مما يجعلها تقف منفردة ومتميزة في مجال , العمق والدقة والوضوح والجمالية أيضا

.النقد األدبي القائم على المنهج الموضوعاتي

يرى ويبر أن أعمال استاندال تقوم على , ففيما يتعلق بالموضوعاتية األساسية

منتشرة في أعماله إذ نجد هذه الموضوعاتية ) la morsure(" العضة"موضوعاتية

فهو , أما مصدر هذه العضة الموضوعاتية, العديدة تحت تحويالت أو تعديالت متنوعة

فرانسوا "زوجة ابن عمه " بيسون دي غالوند"ذلك التشويه الذي أحدثه في خد السيدة

201 -Voir, J.P. Weber « Stendhal... »; P.141-142.

112

, وهو طفل صغير ال يتجاوز السنة الثالثة من عمره, لما ألحت عليه, "بيسون دي غالوند

فاستجاب لذلك بغضب ـ وقد أثاره اللون األحمر على خدها ـ , على خدهاليقبلها

.فعضها بشدة بدل تقبيلها فأحدث جرحا على خدها وبقعة زرقاء تشوه وجهها

" حياة هنري بروالر" وقد جاء ذكر هذه الحادثة الموضوعاتية في مؤلف استاندال

)Vie de Henry Brulard (اوي وهو يستعيد ذكريات حيث جاء على لسان الر

أول ذكرياتي تتمثل في تلك العضة التي أحدثتها على خد أو جبهة ابنة : (( طفولته

فهي امرأة في الخامسة , إنها حاضرة في ذاكرتي, عمتي السيدة بيسون دي غالوند

يبدو أن اللون األحمر هو . وقد طغى اللون األحمر على زينتها, والعشرين من عمرها

كانت " قبلني يا هنري."فكان خدها في متناولي, كانت جالسة وسط المرج , نيالذي أثار

إنني الزلت أرى . فعضضتها بشدة, فغضبت, ولكنني لم أكن أرغب في ذلك. تقول لي

ولم يكفوا عن العودة , ولكن من غير شك ألنهم في الحال أخذوا يجرمونني, المشهد

.باستمرار في أحاديثهم إلى تلك الواقعة

ى غطم) la porte de bonne" (باب دو بون" كان ذلك المرج الذي يطلق عليه اسم

وصفتني ) Seraphie" (سيرافي"عمتي ... التي كنت أصنع منها باقة, باألزهار

)202(.))و قالت إن مزاجي رهيب, بالوحش

هذه هي الحادثة بكل عناصرها التي يرى ويبر أنها كانت الموضوعاتية أو النواة

وذلك بفضل تعديالتها المتنوعة التي , التي انبثقت منها البنية الفنية لعالم استاندال األدبي

وهي كما نرى قد تكونت في مرحلة . استطاعت أن تخلقها أو تصنعها باستمرار

مع كل ما , سنرى بعد قليل أن هذه الذكرى األولى: (( الطفولة المتقدمة إذ يقول ويبر

ستصير موضوعاتية أساسية لكثير من , ون شك من ندم أيضاو بد, أحاط بها من قمع

)203(.))كما سيكون لها أيضا صدى في باقي أعماله, كتابات استاندال

وأهم مشهد تم تعديله عن هذه الحادثة والذي سيصبح موضوعاتية فرعية ستصدر

, "لسكينموضوعاتية ا"هي ذلك المشهد الذي يطلق عليه ويبر , عنها بدورها التعديالت

وقد , "حياة هنري بروالر"وهي موضوعاتية عناصرها الفنية المكونة لها من رواية

202 - J.P. . Weber « Stendhal... »; P.29. 203 - J.P. . Weber « Stendhal... », P.29-30.

113

جاءت تابعة لسياق استرجاع الراوي لذكرى حادثة العضة التي كونت الموضوعاتية

لقد قطفت : (( يتابع الراوي سرد حكاية حياته فيقول, األساسية ألعمال استاندال

وعند العودة إلى "... باب دو البون"دائما فوق بقعة , )joncs(مجموعة من األعشاب

البيت حيث توجد به نافذة في الطابق األول تطل على الشارع الكبير عند زاوية ساحة

أخذت أصنع حديقة بتقطيع تلك األعشاب قطعا بطول األصبعين التي كنت , "غرينات"

يدي سكين المطبخ الذي ففلت من . الشرفة على امتداد ساقية مياه األمطار فيأرتبها

كنت أستعمله في هذه اللعبة من علو عشرة أقدام وسقط في الشارع قرب سيدة هي

ال تضاهيها . إنها سيدة شريرة. أو على هذه السيدة بالذات, (Chenevaz)" شينيفاز"

عمتي سيرافي قالت إنني كنت أريد أن أقتل السيدة ... في ذلك أية امرأة في المدينة

" غانيون"وبخني جدي الممتاز السيد . مزاج رهيبصاحبوكذا اعتبروني , شينيفاز

(M.Gagnon) , تي الكبرى الممتازة ذات المزاج اإلسباني المتعالي اآلنسةوحتى عم

وكان عمري . كنت ثائرا. وبختني كذلك(Elisabeth Gagnon)" إلزابات غانيون"

)204(.))سن الخامسةوعلى أبعد تقدير لم أكن تجاوزت , حوالي أربع سنوات

يرى ويبر أن هذا النص يكشف عن أول تعديل فني أساسي ينبثق عن

وهو تعديل اشتمل على جميع العناصر البارزة التي تقوم عليها . موضوعاتية العضة

يقول ويبر معلقا على هذا . من شخصيات ومكان وأحداث, الموضوعاتية األساسية

السكين الساقط يكون استاندال قد عدل ـ وبدون بحادثة: (( الموضوعاتي" التطابق"

لكي يتضح هذا التعديل الذي و )205(.))وعي منه ـ موضوع العضة في وسط الحقل

يقترح ويبر إجراء المقارنة , من حادثة العضة" السكين الساقط"يسجل انبثاق حادثة

: اآلتية بين العناصر المشكلة لبنيتي الحادثتين قائال

األمر فعال إلى الدهشة إذا قلنا إنه توجد وجوه شبه كثيرة بين بنيتي أيدعو ((

:الذكريين األوليين لبايل؟ فلنقم إذن بترقيم أوجه الشبه هذه زيادة في الدقة

. ـ الحدثان في األصل هما اعتداء1

. عتدائينال ـ الضحية هي امرأة في كل من ا2

204 - Ibid , P.30. 205 - J.P. Weber « Stendhal... », P.31.

114

. المفاجآت كبيرة, ـ الحدثان غير مبررين في الحالتين3

هذه : "قطف أزهار وجمعها في الذكرى األولى! ـ السابقة في الحالتين هي باقة4

إنها زهرة صغيرة وجميلة كنت , البقعة من باب دو البون مغطاة بأزهار المارغريت

دائما فوق بقعة , قطفت مجموعة من األعشاب: "؟ وفي الحالة الثانية"أصنع منها باقة

". باب دو بون

واقعي وحاضر في الحادثة األولى؟ : ـ إطار الحدث كان حقال في كال الحالتين5

في , بفضل األعشاب التي تم إحضارها من ذلك الحقل بالذات, مصنوع في شكل حديقة

.بداية االعتداء الثاني

كأن تكون , االعتداء األول يكون قد ترك بدون شك عالمة في وجه المرأة الشابة ـ6

, المتمثل في السكين الساقط على المرأة, في االعتداء الثاني.. بقعة زرقاءهذه العالمة

فكان يمكن للسكين أن يجرحها ." أو على هذه السيدة بالذات, قرب سيدة هي شنيفاز"

ففي الحالتين يوجد احتمال إحداث عالمة , وهكذا, أو على األقل يخدشها, بسهولة

.)خدش أو بقعة زرقاء, حقيقية أو مفترضة(

وردود فعل , لظهور تعليقات جارحةفي كل مرة ـ وفي األخير كان االعتداءان سببا 7

)206(.))عدائية تجاه الراوي

بعد هذه المقارنة بين العناصر المكونة للمشهدين أو للموضوعاتيتين والتي يتجلى

شيء كل: (( يخلص ويبر إلى القول, منها تشابه يكاد أن يصل بهما إلى حدود التطابق

كل شيء جرى وكأن , جرى بكيفية حسنة وكأن العضة هي نفسها موضوع السكين

)207(.))يتم في مرحلة الطفولة للعضة" تعديل"السكين كان أول

وقد , هذا إذن عن أول تعديل فني كامل وواضح ينبثق عن موضوعاتية العضة

ت القوية التي تربط مع إبرازه للصال, استطاع ويبر تتبع مجراه والقبض على عناصره

.كل عنصر من أحد المشهدين بالعنصر الذي يقابله في المشهد اآلخر

ألنه يرى أن النظام الموضوعاتي مازال لم , ولكن ويبر ال يتوقف عند هذا الحد

حيث ظهر له وجود مشهد ثالث هو , يكتمل بعد عند استاندال وهو في سن الخامسة

206 - Ibid, P.31-32. 207 - J.P. . Weber « Stendhal... », P.32.

115

: ومن ثم فهو تعديل للعضة أيضا؛ إذ يقول, "ن الساقطالسكي" تعديل للمشهد الثاني

وبرغم بلوغ استاندال السن الخامسة فإن النظام الموضوعاتي مازال لم يكتمل عنده ((

والتي بفضل تماثل بنيتها تبدو وكأنها إحدى أقدم وأهم , ذكرى ثالثة, هي بالطبع فها, بعد

ويمكن أن نعرض هذه .)208(.))ومن ثم لموضوع العضة, تعديل لموضوع السكين

أعتقد : (( مها ويبر في نصوصها األصلية مترجمة حسب اآلتيدالموضوعاتية التي يق

la)"يوم القرميد" كان يتعشى في بيته (M.ľabbé Chélan) "السيد آبي شالن"أن

journée des tuiles)إنه عامل . في هذا اليوم رأيت أول دم تسيله الثورة الفرنسية

في (baïonnette)جرح حتى الموت بطعنة حربة , "س"بائس (chapelier) قبعات

أما أنا فكنت منفردا عند , كان أفراد عائلتي قد تركوا العشاء قبل نهايته... أسفل الظهر

, أو باألحرى عند نافذة إحدى الغرف المطلة على الشارع الكبير, نافذة غرفة األكل

إنني , إنني ثائرة: " م وتصرخ بكل قواهافرأيت امرأة عجوزا تحمل بيدها حذاءها القدي

!" ثائرة

عامل . كنت مازلت أفكر في المرأة العجوز حتى شد نظري مشهد مأساوي

يتقدم بصعوبة يسنده رجالن قد , حسب ما يقال, قبعات جرح في ظهره بطعنة من حربة

. الدماءقميصه وسرواله كانا ملطخين ب, كان شبه عار, وضع يدا على كتف كل منهما

كان ... فالجرح الذي يخرج منه الدم بغزارة كان في أسفل الظهر, الزلت أرى المشهد

"بيريي"يدفع إلى المشي بصعوبة ليلتحق بغرفته التي تقع في الطابق السادس من دار

(Perier) ,وعند وصوله مات .

ذلك المنظر ي كانا ينهرانني ويبعدانني عن نافذة غرفة جدي حتى ال أشاهداوالد

هذه النافذة تقع في طابق أول منخفض . ولكنني كنت أعود إلى المكان دائما, المرعب

المضاءة " بيريي"فكان منظر هذا البائس يبدو لي عند جميع أدراج طوابق دار . جدا

. )209(.))بواسطة نوافذ كبيرة مطلة على الساحة

ا يوضح ويبر موضوعاتية حرى هذا الحادث يعدل حسب مأل هذا المشهد أو با

أي حادثة , ومن ثم فهو يعدل الموضوعاتية األساسية أيضا, سقوط السكين من النافذة

208 -Ibi, P.32. 209 - J.P. Weber « Stendhal... », P.32-33.

116

, "العامل الصاعد نحو الموت"ويتبين ذلك من خالل تفكيك هذا المشهد الثالث . العضة

". السكين الساقط"ثم إجراء مقابلة بينه وبين عناصر مشهد , إلى عناصره األساسية

, الشارع الكبير, العامل المجروح, الحربة: ويبر عناصر هذا المشهد حسب اآلتيويحدد

وأما عن عالقتها ). النهر(التوبيخ , الموت, العلو, الطابق األول, النافذة, ساحة غرينات

: فنفضل إبرازها عن طريق االستعانة بالجدول اآلتي" السكين الساقط"بعناصر مشهد

مشهد السكين الساقط مشهد العامل الصاعد نحو الموت

ـ الحربـــة1

ـ العامل المجروح2

ـ الشارع الكبير3

ـ ساحة غرينات 4

ـ النافذة5

ـ الطابق األول 6

ـ العلو 7

ـ المرأة التي تصرخ 8

ـ موت العامل 9

)لتوبيخا( ـ النهر 10

ـ سكين المطبخ1

ـ سقوط السكين قرب السيدة أو عليها 2

ـ الشارع الكبير 3

ـ ساحة غرينات 4

ـ النافذة 5

ـ الطابق األول 6

ـ على علو عشرة أقدام 7

ـ السيدة شينيفاز 8

ـ قالت إنني كنت أريد أن أقتل السيدة 9

ـ التوبيخ 10

عند هذا الحد الذي يكشف عن العناصر األساسية المشكلة لكل من يمكن أن نتوقف

, فهي عناصر يقوم عليها بناء المشهدين, المشهدين؛ بحيث نرى تكرارها الواضح بينهما

, "العضة"هو تعديل للمشهد األساسي " السكين الساقط"وبما أننا قد رأينا بأن مشهد

هو تعديل كذلك المشهد " عد نحو الموتالعامل الصا"فالنتيجة إذن أن المشهد الثالث

مع , وبهذا نصل إلى أن الشاهد الثالثة تقوم على العناصر نفسها, "العضة"األساسي

117

بعض التعديالت والتحويالت الطفيفة التي يتطلبها فن التعديالت حتى يمكن تجنب

.حدوث التطابق بين تعديل وآخر

عدلين نقف فيه على الجمالية الفنية التي ويقدم ويبر تحليال لعناصر المشهدين الم

في التاريخ " يوم القرميد"من ذلك أن , تصنعها التعديالت الموضوعاتية في النص

حيث عرف هذا اليوم صعود أفراد الشعب إلى سطوح 1788 جوان 7الفرنسي هو يوم

ي في وهذا يعن, تخاذها سالحا يرمون به أفراد قوات السلطةالالمنازل وقلع قرميدها

عالقته بمشاهد الرواية المعنية هنا أن قطع هذا القرميد تتحول في أيدي أفراد الشعب

ومن ثم فهي تلتقي بعنصر , إلى أسلحة قادرة على إحداث جروح أو حتى القتل نفسه

وهذا يعني أن القرميد هو , السكين الذي سقط من النافذة قرب السيدة شينيفاز أو عليها

السيدة المارة : لعامل المجروح فهو يعدل ثالثة أطراف على األقلأما ا. تعديل للسكين

. وأفراد الشعب الذين يرمون القرميد, والطفل الذي أسقط السكين من النافذة, في الشارع

, ففيما يتعلق بتعديله للسيدة فيتمثل في تلقيه طعنة بالحربة في الظهر أدت إلى موته

ة لو أصابها السكين عند سقوطه من النافذة وهذا أمر كان من الممكن أن يحدث للسيد

بينما لم , أو يجرحها على األقل؛ فظهرت هكذا أضرار هذا الحادث على العامل, فيقتلها

فتركتها عند حدود التصور , تبلغ الرواية بهذا الحادث هذا المستوى في حالة السيدة

: فقد تم في اتجاهينأما تعديله للطفل الذي أسقط السكين من النافذة . واالحتمال فقط

فهو , األول أنه طعن العتباره من المتمردين الذين يرمون على الجنود قطع القرميد

, بهذا الفعل مثل الطفل الذي يرمي السكين على السيدة المارة في الشارع هذا من جهة

وهو ما لم يقع ". جريمة"ومن جهة ثانية فهو يعدله لكونه تلقى العقاب على ما قام به من

. إذ توقف عقابه عند مستوى التوبيخ وإبعاده من النافذة, طفل بهذا المستوى المتقدملل

إذ , يذهب بعيدا في إسقاط العقاب على الطفل الذي جسده العامل, فهذا المشهد إذن

وما يزيد . أي السكين, وهي الحربة, عوقب بالوسيلة نفسها التي ارتكبت الجريمة بها

أي إلى األعلى حيث , هو صعود العامل إلى غرفتهمن توضيح هذا التعديل أكثر

والعامل هنا يحمل الموت ويجسده وبالتالي فهو يحمله . المستوى الذي يوجد به الطفل

" المعتدي"وبهذا يصبح الطفل , إلى الطفل كنتيجة تترتب عن السكين الساقط من النافذة

118

هنا نصل إلى موضوع تعديل و. معدال بضحيته السيدة شينيفاز المرأة التي كاد أن يقتلها

.العامل للمرأة

إنها تلك العجوز التي رآها الطفل تحمل حذاءها , المرأة حاضرة في هذا المشهد

سقوط "وهو تعديل للصراخ الذي سكتت عنه الرواية في مشهد , القديم بيدها وتصرخ

, فاز إمرأة شريرةواكتفت فقط بالتلميح إلى ما يؤكده وهو ذكرها بأن السيدة شين" السكين

إذ من الطبيعي أن يصدر من السيدة شينيفاز , فتركت للقارئ مهمة االهتداء إليه بنفسه

فكونها امرأة شريرة . سواء أصابها السكين أم سقط قربها فقط, رد فعل حول الحادث

, وبطريقة أكثر قوة من الصراخ, يجعل احتمال رد فعلها على الحادث احتماال واردا

وهذا جعل , أما هي فشريرة, هو عادة سالح العاجزين على إحداث الشرألن الصراخ

. الحديث عن الصراخ يأتي في هذا المشهد مقرونا بالحديث عن امرأة عجوز

فذلك يتمثل في الجرح الذي يحمله , أما عن تعديل العامل المجروح للسيدة شينيفاز

ك الجرح الذي يحدثه السكين فهو جرح يعدل ذل. في ظهره وقد أحدثته طعنة حربة

ثم إن . الساقط من النافذة على السيدة شينيفاز والذي يراد منه قتلها حسب عمة الطفل

وإنما تجسده كذلك األطراف األخرى التي , هذا التعديل ال تجسده هذه الطعنة فقط

, الشارع: منها عناصر المكان الذي يصنع إطار هذه الطعنة, تشارك في صناعة المشهد

وأنهما شخصيتان شريرتان , النافذة؛ ثم كون العامل والسيدة شينيفاز من المارة, لساحةا

والعامل شرير في , في نظر المعتدي على كل منهما؛ فالمرأة شريرة في نظر الطفل

)210(.نظر الجندي الذي طعنه في الظهر بحربة بندقيته

سبب صراخ المرأة وينبغي أن نالحظ أيضا أن الرواية ال تكشف عن, هذا

ومن جهة أخرى ال تشير إلى أي رد فعل يكون قد صدر من , العجوز هذا من جهة

وليس , العامل المطعون؛ وكان باألحرى أن يصدر هذا الصراخ منه بسبب آالم الطعنة

من المرأة التي كما قلنا ال تذكر الرواية سبب صراخها؛ وبهذا يزداد التقاء شخصية

هي التي تتلقى الطعنة وهي التي , أة حتى تصبحا شخصية واحدةالعامل بشخصية المر

تصرخ من شدة األلم والرغبة القوية في الثورة واالنتقام على ما أصابها من طعنة

. غادرة في الظهر 210 -Voir, J.P. Weber « Stendhal... », P.34-36.

119

وهكذا تتضح األدوار الفنية التي تقوم بها التعديالت حتى تحقق الموضوعاتية

ال يرمكن أن يتم عن , وهذا كله حسب ويبر. ها في النص وامتدادها فيهاألساسية توسع

أو أن يعبر عن الالمعنى؛ فهو يتم على هذه الصورة وعلى هذا النظام , طريق الصدفة

هذه العالقات العديدة : ((الدقيق ألنه ضروري وحيوي لبناء معمارية النص األدبي

وتارة , وتارة عن طريق متعاكس, اشروالدقيقة التي تربط بين الذكريين عن طريق مب

أو الكائنات في اتصال مع , أو الحركات, حيث تجعل األشياء, أخرى بطريقة متبادلة

والتي هي في األخير متطابقة تماما مع أبسط القوانين الخاصة بمرحلة , بعضها بعض

ل أو إلى كونها وليدة فع, الطفولة؛ ال يمكن أن تفسر بإرجاعها إلى الصدفة وحدها

إذا كان موضوع السكين وكذا موضوع العامل يحتالن مكانا , وفي الحقيقة. تعسفي

وألنهما بذلك , فألنهما يعضدان ويسندان بعضهما بعضا, مفضال بين ذكريات استاندال

وألن هذا النظام في األصل ما هو إال ذكرى , يشكالن نظاما منسجما وشديد التماسك

إن موضوع , وبتعبير أكثر دقة يمكن أن نقول أيضا, واحدة تم تعديلها بكيفيات متنوعة

. العامل هو تعديل تمت معايشته على طريقة معاكسة ومتبادلة لموضوع السكين الساقط

فإنه يترتب , ولما كنا قد رأينا أن موضوع السكين ما هو إال تعديل لموضوع العضة

قد تكونت في ]تاندالاس [)Beyle(على ذلك أنه بداية من السنة السادسة من عمر بايل

)211(.))والعامل, السكين, العضة: ذاكرته مجموعة موضوعاتية ثالثية هي

ويذكر ويبر أن النظام الموضوعاتي عند استاندال قبل أن يصل إلى مرحلة

كان قد مر , والعامل, السكين, العضة: استقراره على هذه الموضوعاتيات الثالث

ويتمثل دورها في تشكيل ". ما قبل الموضوعاتية"لة بمرحلة أخرى يطلق عليها مرح

األجزاء األولى الممهدة لظهور المشهد الموضوعاتي الكامل في مراحل الحقة؛ و يتعلق

األمر في حدثين أليمين كان قد تعرض لهما في طفولته األولى قبل وقوع حادثة العضة

. التي أصبحت تشكل الموضوعاتية األساسية ألعماله اإلبداعية

أن الجد , "حياة هنري بروالر" وتتمثل الحادثة األولى حسب ما جاء في رواية

ذلك ألنه كان . روى لهنري يوما أنه لما كان طفال تعرض لرفس قوي من طرف بغل

فكان رد فعل البغل أن رفسه بقوة برجليه , يلكزه بأداة حادة صنعها بفضل سكين

211 -J.P. Weber « Stendhal... », P.37.

120

والعالقة هنا بين هذه الحادثة وحادثة سقوط السكين . الخلفيتين مسقطا إياه على األرض

ما صنعه بالسكين , حضور السكين في الحادثتين: يمكن تخليصها في العناصر اآلتية

األداة الحادة التي يلكز بها البغل هنا تؤدي إلى , هنا هو نفسه تقريبا ما صنعه هناك

دثه سقوط السكين على وهو األمر نفسه الذي أحدثه أو كان سيح, إحداث جروح وآالم

".شينيفاز"السيدة

إنه لما كان طفال صغيرا حدث , أما الحادثة الثانية فيرويها الجد أيضا عن هنري

له وأن سقط يوما على حافة كرسي فتكسر له سنان أماميان؛ فكان لهذه الحادثة األليمة

كانتقام ال شعوري فهي تبدو , عالقة بالعضة الموضوعاتية األساسية لنصوص استاندال

. على جرح الفم وانكسار السنين األماميين إثر السقوط على حافة الكرسي

هذان الحادثان إذن ـ بفضل سندهما وعضدهما لبعضهما بعض ـ هما اللذان

, العضة: صارا فيما بعد يشكالن المجموعة الموضوعاتية الرئيسية لنصوص استاندال

)212(.والعامل, السكين

ذا إذن هو مفهوم التعديالت الموضوعاتية حسب ما يوضحه ويبر استنادا إلى ه

موضوعاتية العضة والتعديالت التي انبثقت منها لتشكيل البنية الموضوعاتية التي يقوم

وإذا كانت الموضوعاتية عنده . عليها المعمار الفني ألعمال استندال اإلبداعية

" العضة"لسكين الساقط المعدل عن موضوعاتية ثالثية بعد أن أصبح مشهد ا

وأصبح أيضا مشهد العامل الصاعد نحو الموت موضوعاتية , موضوعاتية أدبية بدوره

فأمر التعديالت ال يتوقف عند , برغم كونه في األصل تعديال لموضوعاتية السكين, ثالثة

هذا الحد إذ ستصبح كل موضوعاتية من الموضوعاتيات الثالثية مصدرا النبثاق

موعة ال حد لها من التعديالت؛ مع اإلشارة إلى أنه في بعض األحيان يمكن إرجاع مج

مجموعة من عناصر تعديل ما إلى الموضوعاتية األصلية وتارة أخرى ال يمكن إرجاع

ومعنى هذا أن التعديل يكون . إال عنصر أو عنصرين فقط إلى الموضوعاتية األصلية

اآلخر فال يكون إال جزئيا حسب ما رأينا مع كامال في بعض الحاالت أما في بعضها

ألنه , وهذا في حد ذاته عامل إيجابي وفعال. المستويات األربع للتعديالت الموضوعاتية

يسمح للموضوعاتية األساسية بتحقيق انتشار واسع في كامل عوالم النصوص اإلبداعية 212 -Voir, Ibid , P.41-42, Note 20.

121

لنصوص عبر التعديالت ولندرك أكثر هذا االندفاع المستمر للموضوعاتية في ا. للمؤلف

الكلية أو الجزئية نستعرض بعض األمثلة األخرى التي توقف عندها ويبر خالل تحليله

. لنصوص استاندال على أساس موضوعاتيات العضة والسكين والعامل

من ذلك المشهد الروائي الذي تصعد إحدى الشخصيات إلى أعلى شجرة لنزع

فتنقل إلى البيت لتموت , بب لها ذلك جروحا وآالمافيس, وتقع على األرض, األوراق

ألن األمر , "العامل الصاعد نحو الموت"فهذا المشهد يعدل موضوعاتية . بعدها بقليل

ليقوم هؤالء , هنا كالصعود هناك إلى سطوح المنازل لقلع القرميد ورميها على الجنود

) 213(.بطعن العامل فيحمل إلى غرفته ليموت عند الوصول

)Le rouge et le noir" (األحمر واألسود" أما عنوان رواية استاندال الشهيرة

وللون الذي أصبح , لخد الفتاة األحمر) من الدرجة األولى(فهو بدوره تعديل فني جزئي

من حيث الداللة العامة للرواية , أما دالالت هذا العنوان. عليه الخد بعد حدوث العضة

فهو يدل على الوطن الحي الذي تجري الدماء فيه حمراء ) عديالتأي الدرجة الثالثة للت(

وأما اللون األسود فهو رمز للعار الذي ألحقته , كما تجري في الجسم الحي والقوي

. بفرنسا) " Les Bourbons" (البوربون" أسرة

التي لم , )Le rose et le vert" (الوردي واألخضر" كما أن عنوان روايته

لكون اللون الوردي , فهو أيضا تعديل من الدرجة األولى لموضوعاتية العضة, يكملها

أما األخضر فهو اللون الذي تسببه العضة على هذا الخد , هو لون خد الفتاة المتورد

)214(.المتورد نفسه

: ـ مفهوم النقد الموضوعاتي3

يبقى أن نتساءل حول , وتعديالتها بعد الذي سبق تناوله حول مفهوم الموضوعاتية

أو , اإلجراءات التي ينبغي توظيفها الستكشافها وتتبع تعديالتها المختلفة عبر النص

كيف نتوصل إلى اكتشاف البنية الموضوعاتية لنص أو لمجموعة نصوص , بتعبير آخر

مؤلف ما؟ إن اإلجابة عن هذا السؤال تعني أيضا تحديد مفهوم النقد الموضوعاتي

وإذا كنا قد عرفنا إجابات كل من جورج بولي . الكشف عن إجراءاته وأدواته العمليةو

213 -Voir, J. P.Weber « Stendhal... », P.62. 214 -Voir, J. P.Weber « Stendhal... », P.281-301.

122

فيبقى أن نعرف رأي جان بول , وجان بيار ريشار على التوالي حول هذا الموضوع

.ويبر كذلك

التحليل "إننا نقصد بـ : (( يقول ويبر معرفا النقد الموضوعاتي

المسار الذي يأخذه البحث الكتشاف (Ľanalyse thémathique)"الموضوعاتي

وكذا الكشف عن التجليات التي تتخذها هذه الموضوعاتية في جميع , الموضوعاتية

, إن القيام بالتحليل الموضوعاتي للعمل األدبي يعني إذن. تفرعاتها في العمل األدبي

كيف مع إبراز , التوصل إلى تجميع هذا العمل حول حادث ما يعود إلى مرحلة الطفولة

)215(.))ينتشر هذا الحادث في النصوص األخرى للكاتب

, "الموضوعاتية" تقوم الخطوة األولى في النقد الوضوعاتي إذن في اكتشاف

أما . في أعمال استاندال حسب ما مر بنا" العضة"ويمكن أن نمثل لهذا بموضوعاتية

, هذه الموضوعاتيةهذه الموضوعاتية فهي تبدأ بأول تعديل ينبثق عن " تجليات"عن

العامل الصاعد نحو "وبموضوعاتية " السكين الساقط"والتي نمثل لها هنا بموضوعاتية

أي , التعديل األول". العضة"بحيث أن كل واحد منهما تعديل لموضوعاتية , "الموت

فكانت ..." العامل"السكين كان تعديال مباشرا للموضوعاتية األساسية؛ أما موضوعاتية

ثم أصبحت هذه ". السكين "لكونها تعديال مباشرا لموضوعاتية , ر مباشر لهاتعديال غي

الموضوعاتيات الثالثة مصادر أو نوى لظهور تعديالت أخرى ال حد لها في نصوص

. استاندال

ذلك ألن عالم هذه , تلعب موضوعاتية العضة دورا أساسيا في أعمال استاندال

ولما كانت األعمال . ه الموضوعاتية؛ فهي تصدر منهااألعمال يتشكل أساسا وفق هذ

فهي تكشف بذلك عن وعيه بالحياة ومن , اإلبداعية صورة تجسد نظرة الفنان إلى الحياة

ألن الفنان موجود في عمله؛ أي أن وعيه بذاته وبالعالم تجسدهما , ثم عن وعيه بنفسه

فأين يوجد الكاتب : (( الوليس أي شيء آخر حسب تعبير ريشار متسائ, أعماله الفنية

, وفي أوفر حقيقته إذا لم يوجد في المجموع الملموس لكتبه؟ ففيه يتذوق ويبدع, حقا

وإذا أخذنا استاندال مثاال عن هذا بناء ) 216(.))وفيه يتوجب البحث عنه بادئ ذي بدء

215 -Ibid; P.23.

.129ص؛ »... العالم التخيلي «مقدمة , جان بيار ريشار- 216

123

نرى أن وعي بالعالم, على نتائج الدراسة التي توصل إليها ويبر في كتابه حول أعماله

وبذاته يتشكل من خالل موضوعاتية العضة، ومعنى هذا أن هذه الموضوعاتية تجسد

عبر تعديالتها الالمحدودة ـ والتي تقدم أعماله الفنية صورة عنها ـ وعيه بالعالم

: هذا ما نراه ينسجم تمام مع قول ويبر في التعريف السابق للنقد الموضوعاتي. وبنفسه

مع إبراز . مل حول حدث ما يعود إلى مرحلة الطفولةالتوصل إلى تجميع هذا الع((

وقد بين ويبر أن أعمال ." كيف ينتشر هذا الحادث في النصوص األخرى للكاتب

, وهي حادث واحد يعود إلى مرحلة الطفولة, استاندال تتجمع حول موضوعاتية العضة

ومن هنا نفهم .إذ أصبح هذا الحادث منذ تلك المرحلة هو المتحكم في نظرته إلى الحياة

أيضا مغزى أن يجعل ويبر افتتاحية كتابه حول استاندال تقوم على ثالثة أقوال ملخصها

وفيما يأتي . ألن مصيره قد تحدد في مرحلة الطفولة, أن الرجل ما هو إال طفل كبير

حياة هنري "أخذها ويبر من رواية , ترجمة ألحد تلك األقوال وهي الستاندال نفسه

)217(.))وأنا في سن الثانية والخمسين كما كنت تماما في العاشرة. ": ((..بروالر

فيرى , وأما عن الخطوات التي ينبغي للدارس اتباعها للكشف عن الموضوعاتية

:ويبر أنها تقوم على المزاوجة بين التقنيات األربعة اآلتية

رنتها فيما بعد ثم مقا, ـ البحث في عالم الطفولة عن الذكريات الواضحة والدقيقة1((

.باألعمال المختلفة للمؤلف

. ـ البحث عن النصوص البسيطة التي تحمل دالالت رمزية أولية لموضوع ما 2

ثم , واألسلوبية للمؤلف) اللغوية( اللسانية (hantises) ـ الكشف عن اإللحاحات 3

السعي إلى إرجاع هذه اإللحاحات إلى ذكرى من ذكريات الطفولة التي تم التعرف

.أو ما تزال بعد في مستوى االفتراض , عليها من قبل

ـ وفي النهاية يجب القيام بمسح شامل للعمل ـ أو األعمال ـ في محاولة إلرجاعه 4

)218(.))إلى الموضوعاتية المقترحة, إن أمكن, كله

هذه هي اإلجراءات التي ترتكز عليها مسيرة الناقد الموضوعاتي في قيامه

موضوعاتية التي انبثق منها نص من نصوص مؤلف ما أو جميع بالبحث عن ال

217 -J.P. Weber « Stendhal... »; P.21 . 218 -J. P.Weber « Domaines thématiques »; P.18.

124

وقد لخصها ويبر في أربعة عناصر تنطلق من اعتبار الموضوعاتية ذكرى , نصوصه

من ذكريات مرحلة الطفولة مما يتطلب من الناقد التعرف في البداية على مرحلة طفولة

لنص موضوع الدراسة األديب ويسجل ما يبدو له مهما من تلك الذكريات حتى يقرأ ا

ويفضل ويبر أن تكون النصوص التي ينطلق منها البحث عن , في ضوئها

ونفهم أن المقصود من هذا أنها تكون نصوصا ". بسيطة"الموضوعاتية هي نصوص

مما يسمح بالقيام , قصيرة يمكن احتواء عالمها الخيالي والسيطرة عل بنائها الجمالي

لمشاهد واألحداث والشخصيات والمقارنة بينها للوصول بعمليات التفكيك والتركيب بين ا

, في النهاية إلى ترجيح عنصر ما على أنه يشكل الموضوعاتية التي انبثق منها النص

. وبعد ذلك يتم االنتقال إلى نصوص أخرى أطول وأوسع فضاء وأعقد بناء

يمكن أن هو الدور الذي, ويتناول ويبر في العنصر الثالث مفتاحا مهما آخر

, يقدمه الجانب اللغوي واألسلوبي للناقد للوصول إلى تحديد موضوعاتية النص

والتي كنا قد تناولناها عند , والمقصود بذلك هي اإللحاحات اللغوية واألسلوبية في النص

ريشار تحت مصطلح التواترات أو التكرارات التي ترد في النص . ب. الحديث عن ج

وتبقى . ار قد ذهب إلى حد اعتبارها دليال على الهوسوكان ريش, بجميع أنواعها

المشكلة التي تحد من فعالية االعتماد على التكرار هي عدم ثبات داللته من موقع إلى

ولكن مع ذلك يبقى للتكرار , آخر في النص كما سبق أن رأينا عند دراسة هذا اإلجراء

تية النص سواء كان هذا دور مهم يساعد كثيرا على التواصل إلى اكتشاف موضوعا

.على مستوى الكلمة أم الجملة أم المشهد األدبي

ذلك , أما اإلجراء الرابع فهو اإلجراء الذي يسمح باختبار مدى صواب االكتشاف

ألن الموضوعاتية األساسية هي تلك الموضوعاتية التي تمكن الناقد من إعادة تجميع كل

أو كما عبر عنها ويبر في , وضوعاتية واحدةأطراف العمل ـ أو األعمال ـ حول م

وكنا ذكرنا . حول حادث واحد يعود إلى مرحلة الطفولة, تعريفه للنقد الموضوعاتي

حيث , الذي يرد بإلحاح في أعمال بودلير" الثدي"اعتراف ويبر بسوء اختياره لعنصر

عماله والتي كان يعتقد أن هذا العنصر سيقوده إلى اكتشاف االموضوعاتية األساسية أل

ولكن تبين له مع تقدم البحث أن أجزاء كثيرة من أعمال , كان يتصور أنها الرضاعة

فتخلى عنها لصالح , األديب ترفض االنسجام والتجميع حول موضوعاتية الرضاعة

125

حيث مكنته هذه , موضوعاتية أخرى اكتشفها فيما بعد وهي موضوعاتية العائد من القبر

تقدم في البحث والوصول به إلى مستويات عجز عن بلوغها الموضوعاتية من تحقيق

)219(.بالموضوعاتية السابقة

جد ويبر نفسه أمام ضرورة تقديم فكرة عن المقياس الذي يمكن الدارس ي وهنا

أو ما يقع من حكم بين هذين , الموضوعاتي من الحكم على نجاح عمله النقدي أو فشله

دو لنا أن التحليل الموضوعاتي يمكن اعتباره ناجحا لما يب: (( فيقول موضحا, الحدين

تكون الموضوعاتية التي يقترحها هذا التحليل كافية من جهة أولى لتأويل جميع العمل

لما يكون هذا الموضوع يعود في أصله إلى ذكرى من ذكريات , ومن جهة ثانية. تقريبا

)220(.))طفولة المؤلف

سبة نجاح العمل بمدى قدرته على تجميع أجزاء النص ن جهتنا نرى أن ربط نم و

وعناصره حول الموضوعاتية المقترحة كاف وحده للحكم على العمل النقدي بالنجاح أو

دون ضرورة تقديم ما يؤكد أن تلك الموضوعاتية المقترحة تعود إلى حادث , الفشل

موضوعاتيا ألن المطلوب هو تحليل النص تحليال, متميز عاشه المؤلف في طفولته

ويبقى . يتمكن الناقد بفضله الكشف عن موضوعاتيته األساسية وعن تعديالتها المتنوعة

دور اطالع الناقد على مرحلة طفولة األديب ـ متى توفر له ذلك ـ هو دور مساعد

.وليس شرطا لقيام الدراسة الموضوعاتية للنص, على اكتشاف الموضوعاتية

: ـ منطلق النقد الموضوعاتي4

جعل ويبر من قدرة الموضوعاتية المقترحة من الناقد على تأويل كل العمل

: حين قال, شرطا أساسيا العتبار الدراسة الموضوعاتية حول ذلك العمل ناجحة, تقريبا

يبدو لنا أن التحليل الموضوعاتي يمكن اعتباره ناجحا لما يكون الموضوع الذي ((

لما , ومن جهة ثانية. من جهة أولى لتأويل جميع العمل تقريبايقترحه هذا التحليل كاف

ومن )221(.))يكون هذا الموضوع يعود في أصله إلى ذكرى من ذكريات طفولة المؤلف

هنا يبدو أن القوة الفاعلة والمحركة للعمل النقدي الموضوعاتي في رأي ويبر هي

. ائما بتبريرهاوهو مطالب د, والتأويل هو قدرة تصدر من الناقد. ويلأالت 219 -Voir, J. P. Weber « Domaines thématiques », P.17. 220 - Ibid, P.18. 221 -J.P. Weber «Domaines thématiques» ; P.18.

126

وما توصل ويبر . فالتأويل إذن حسب ويبر هو القوة المحركة للنقد الموضوعاتي

التي انبثقت منها أعمال استاندال إال نتيجة " العضة"نفسه إلى اكتشاف موضوعاتية

بحادث فني , لقيامه بتأويل حدث واقعي ـ حسب رأيه ـ مر به المؤلف في طفولته

والتي يتم في , ليستمر التأويل بعد ذلك بتتبع التعديالت المتنوعة, النصيماثله من عالم

وتبرير العالقات , كل مرة إيجاد عناصر المشابهة التي تربط الواحدة منها باألخرى

للوصول , المقترحة التي تربط تلك التعديالت بالموضوعاتية األساسية أو ببعضها بعض

ية الموضوعية التي يقوم عليها العالم الفني في النهاية إلى بناء تصور شامل للبن

.لنصوص المؤلف

:أ ـ التأويل

على عمليات التأويل؛ وهي تشترك في هذا مع , تقوم الدراسة الموضوعاتية إذا

ويشمل التأويل . غيرها من الدراسات األدبية األخرى التي تعتمد بدورها على التأويل

من عنوانه إلى آخر كلمة : دخل في تكوين النصفي الدراسات الموضوعاتية كل شيء ي

مادام ليس شرطا أبدا أن يكون أول النص , من أوله إلى آخره: أو نقول بشكل عام, فيه

ال يجوز أن نستبق طبيعة هذا الخلق , أو آخره كلمة؛ إذ مادام النص األدبي خلقا جديدا

.وال شكله وال حدوده

لتعديالت التي تبدو عليها للذي يعطي حق الوجود وإذا كان التأويل عند ويبر هو ا

فيمكن ذلك الناقد من تتبع انتشارها فيه ليصل في النهاية إلى , الموضوعاتية في النص

وتقود أعماله في كل ذلك أوجه التشابه التي تصل تعديال , تجميعها حول منبعها األصلي

أن يتحول إلى فوضى بآخر؛ فإن للتأويل من جهة أخرى ضوابط تنظمه وتحميه من

وكل فكرة , وكل كالم يمكن أن يقال حول أية فكرة, تصبح فيه كل األفكار متساوية

النص هو : (( بحيث يصلح معه قول تودوروف الساخر, قابلة ألن يقال حولها أي كالم

)222(.))نزهة يقوم فيها المؤلف بوضع الكلمات ليأتي القراء بالمعنى

المركز , الطبعة األولى, ؛ ترجمة سعيد بن كراد» التفكيكيةالتأويل بين السيميائيات و « ذكره أمبرتو إيكو- 222

.22ص, 2000بيروت , الثقافي العربي

127

توضيح هذه الضوابط التي تبقى مجرد أفكار واجتهادات وسنسعى فيما يأتي إلى

, لم تصل بعد إلى صناعة تصور دقيق يؤطر التأويل ويحدد منطلقاته ومجاالته وأدواته

.ولكن مع ذلك فهي تسمح بإدراك أهميته األساسية والحيوية في صناعة أية قراءة أدبية

فعل , تأويل حلم, فسر, أولفعل : التأويل: (( جاء في قاموس هاشيت الموسوعة

إعطاء تعريف . تأويل األحالم. ما هو غامض, وضح, فسر: أول. إعطاء معنى لشيء

)223(.))تأويل مقاصد شخص ما. إعطاء معنى أو آخر لشيء. لشيء ما

تعني في األصل تأويل ): الهيرمينوطيقا( التأويل": (( قاموس الفلسفة" وجاء في

)224(.))التأويل ذا الصبغة العلمية لكل نص صعب, كل عاموبش, النصوص التوراتية

يتعلق : Hérméneutiqueالتأويلية ": (( معجم المصطلحات الفلسفية" وجاء في

بتفسير النصوص الفلسفية والدينية على نحو تستخرج فيه الداللة المجازية من الداللة

)225(.))الحقيقية

اموس الروس الصغير لمصطلح التأويل في وتصب الدالالت التي يعطيها ق

: حيث جاء فيه, ديني وفلسفي: اتجاهين

.علم النقد وتأويل نصوص التوراة: ـ الدراسات الدينية في المسيحية1(( )226 (.))نظرية تأويل العالمات على أساس كونها رموزا لثقافة ما: ـ في الفلسفة2

,)le problème du sens" (مشكلة المعنى" على التأويل أما بول ريكور فيطلق

من إمكانية التعبير عن , بما تحمله النصوص أو عبارة من النصذلك ألن التأويل يهتم

زيادة إلى المعنى الذي تعبر عنه بشكل مباشر إنه حسب تعبير , معنى آخر غير مباشر

, شيء آخرفهو في الوقت نفسه يدل عن , في الوقت الذي يدل فيه عن شيء: (( ريكور

أما عن أصل التأويل فهو )227(.))ولكن دون أن يتوقف عن الداللة عن الشيء األول

يرى أيضا أنه وليد الدراسات والبحوث والنقاشات التي دارت حول النصوص

223 -Hachette dictionnaire encyclopédique ; 1997, P.973. 224 -Gérard Durozoi -André Roussel « Dictionnaire de philosophie »; P.115.

.75؛ ص» ةمعجم المصطلحات الفلسفي « عبدو الحلو- 225226 -Petit Larousse (Grand format); Bordas 1998 Monréal, P.508. 227 -Paul Ricoeur « Narrativité phénoménologique et herméneutique »; P.66.

128

أما عن أهمية التأويل فهو ينظر إليها على أنها األساس الذي يقوم عليه فهمنا . يةتالتورا

لتأكيد هذه األهمية ـ على رأي الفيلسوف األلماني ـ مرتكزا ,ألي نص من النصوص

التأويل هو المحور الذي يرتكز رى أن الذي ي) Wilhelm Dilthey" (ويلهالم ديلتي"

)228(.عليه فن الفهم

أن التأويل يأتي لتقديم مسار معين للفهم يمثل " بيار غروتزار" ومن جهته يرى

لتناصية العديدة المؤثرة في الكاتب وفي خاضعة للعالقات ا, نظرة خاصة وشخصية

)229(.ناقده

أن التأويل هو الوسيلة الضرورية التي تمكن الدارس من " أوتيس فالوس" ويرى

ومن ثم القدرة على تحليل النصوص األدبية وإعطائها , فك رموز الحضارات اإلنسانية

رموز للمعاني ويرى أن كل الحضارات هي قبل كل شيء. الدالالت الالئقة بها

, وهذا ينطبق على األدب الذي هو من أهم العناصر المكونة للثقافات, والمقاصد الخفية

ومن هنا يأتي الدور المهم الذي يقوم به النقد الموضوعاتي ضمن المدرسة الفرنسية

وإعطائها التأويالت , بفضل قدرته على اكتشاف رموز األعمال األدبية, للنقد الجديد

)230(.لالئقةالداللية ا

وهذا الدور األساسي الذي يلعبه التأويل في عملية فهم الحياة وإعطائها معنى ما

فالفهم وتأويل النصوص ليسا : (( هو الذي يؤكد عليه هانز جورج غادمير في قوله

ولكنهما يتعلقان أساسا بالتجربة الشاملة التي يكونها اإلنسان عن , حكرا على العلم

وليس النص األدبي في نظر النقد الموضوعاتي سوى انعكاسا خاصا )231()).العالم

. بتلقي الفنان للعالم الذي يعيش فيه

ومن خالل : (( وجاء في دراسة لعبد المالك مرتاض حول موضوع التأويل

:النقول التي آتينا بها من أمهات كتب اللغة ومعاجمها يمكن أن نستنبط

228 -Voir, ibid, P.66. 229 -Voir, Pierre Grotzer « La vision du monde et la lecture du texte dans ľ œuvre de Marcel Raymond »; colloque de Cartigny, Librairie José Corti 1979, P.216. 230 -Voir, J. P. Weber «Stendhal... » P.07.

؛ المؤسسة الوطنية للفنون »قراءات في الفكر الغربي المعاصر: من النسق إلى الذات«ذكره عمر مهيبل - 231

. 138ص, 2002الجزائر , المطبعية

129

أي من األصل األول الذي , أي من الرجوع, جاء من األول ـ إن اشتقاق التأويل1

. يمكن العود واإلمالة إليه

ـ ثم جاء التأول والتأويل من باب التوسع في الذهاب إلى أصل الشيء األول كل 2

)232(.))مذهب بشروط مخصوصة

إن هذا التحديد لمعنى التأويل ينسجم تماما مع الغاية التي يسعى النقد

وهي ـ كما سبق وأن رأينا ـ تحديد الموضوعاتية , عاتي إلى تحقيقهاالموضو

التي انبثقت عن ثم القيام بتتبع واستكشاف التعديالت, األساسية التي انبثق منها النص

وهذا كما قلنا شبيه بمعنى التأويل من باب أن . هذه الموضوعاتية بهدف تجميعها حولها

شاف مشاهد فنية يمكن إرجاعها إلى األصل عمل الناقد أو المؤول يسعى إلى استك

. حيث منبعها الذي انبثقت منه, األول

وقيام القراءة الموضوعاتية على التأويل يجد تبريره حسب ويبر في كون الحقيقة

إنها حقيقة تقوم على , األدبية تختلف عن الحقيقة العلمية الرياضية أو الفيزيائية

وتدفع حركته في النص , ي تسمح بقيام النقد الموضوعاتيفالمشابهة هي الت, المشابهة

فإذا عدنا مثال إلى موضوعاتية العضة التي انبثق منها أدب استاندال . األدبي إلى األمام

, "السكين الساقط"فإن االنتقال من حادثة العضة إلى حادثة , حسب ما رأينا مع ويبر

انتقال سمح به التأويل بفضل هو " العامل الصاعد نحو الموت"ومن هذه إلى حدث

والتأويل أيضا هو الذي يسمح باعتبار كل . وجود مشابهة بين هذه األحداث الثالثة

مشهد من المشاهد المعدلة عن كل من هذه المشاهد الثالثة ـ والتي هي مشاهد كثيرة

إذ تشكل في مجموعها عوالم استاندال األدبية ـ مشهدا يعود إلى إحدى تلك , جدا

والتي , حسب درجة قربها منها وبعدها عن األخرى, وعاتيات األصلية الثالثالموض

, والتأويل أيضا. وهي العضة, "األم"تعود جميعا في النهاية إلى الموضوعاتية األساسية

, "آالن بو إدغار"هو الذي يسمح باعتبار القرية الدائرية تعديال عن إطار الساعة عند

. شهدينوذلك لوجود شبه كبير بين الم

يونيوـ , العدد األول, 29المجلد, ؛ مجلة عالم الفكر» التأويلية بين المقدس والمدنس « ك مرتاض عبد المال- 232

.271ص, 2000الكويت, سبتمبر

130

ولتوضيح أهمية المشابهة التي تسمح بتأويل المشاهد الفنية الستكشاف

ومن أجل رفع كل لبس قد يستغل , الموضوعاتية وتعديالتها المتعددة في النص األدبي

للتقليل من أهمية النقد الموضوعاتي باعتباره يقوم على اكتشاف حقائق مخالفة للواقع

ميادين "يبر يخصص للمشابهة وقفة هامة في كتابه نرى و, وللحقائق العلمية

لما يتحجج علينا بالقول إن القمر في قصيدة من قصائد : (( ، فيقول"الموضوعاتية

، ال يمكنه أن يكون تعديال للشمس، ألن القمر والشمس )Orientales" (المشرقيات"

اعي ال توجد أية وشعر الرأس االصطن" قناع السجين"كائنان مختلفان تماما؛ أو أن بين

ألن هذا التمييز بين األشياء , فهذه الحجج صحيحة فقط من وجهة نظر خاصة. عالقة

إن مواجهتنا بمثل هذه . المذكورة ال قيمة له إال في مجال العلوم الرياضية أو الفيزيائية

الحجج يكشف عن تجاهل بكون طبيعة الالشعور الخالق عند الشاعر أو الكاتب أو حتى

.مائم ال يشتغل بنفس الكيفية التي يشتغل بها التفكير البرهاني للعالعند الن

وأن القناع ليس هو الشعر , إننا نعرف جيدا أن القمر ليس هو الشمس

وتصنيف القناع والشعر , ولكن الشيء يمنع من اتخاذ الشمس قمرا, االصطناعي

, كما هو الشأن هنا, وبالخصوص في بعض الحاالت, االصطناعي في صنف الغطاءات

.ويغطي الشعر االصطناعي رأس صياد, حيث يغطي القناع رأس سجين

ولكن مع . كيف يشتغل الالوعي؟ إننا ال نعرف عن ذلك الشيء الكثير, ونتساءل

ذلك نملك من المعرفة عنه ما يمكننا أن نؤكد بأن مبدأ اشتغاله ليس هو مطابقة األشياء

وإال كيف يمكننا أن نقول إن القرية الدائرية . بعضها لبعضوإنما هو مشابهة, لذاتها

و لهذا كله يبدو لنا بأن االعتراضات القائمة ... تعدل إطار الساعة عند إدغار آالن بو؟

هي اعتراضات يجب , تجاهنا حول عدم قيام نقدنا على مبدأ التطابق الذاتي للمشاهد

)233(.))نص منطق المشابهة بين المشاهدإبعادها لصالح الدالئل التي يوفرها لنا في ال

:من هذه التعريفات بالخالصة اآلتيةفي األخير ويمكن أن نخرج

. ـ يعود مصطلح التأويل إلى أصول دينية وفلسفية1

233-J. .P. Weber «Domaines thématiques»; P.25 - 26.

131

ـ التأويل هو االنتقال من المعنى الظاهر والمباشر للنص إلى آخر تساعد على 2

حكمه الجيد في السياق العام الذي ورد فيه النص وت, إدراكه واإلمساك به ثقافة المؤول

.موضوع التأويل

.هو القدرة على إنتاج نص انطالقا من نص سابق عليه. ـ التأويل هو الفهم3

. ـ التأويل هو عمل الفكر المؤدي إلى الفهم4

ومن بينها النصوص , ـ التأويل هو القدرة على فك الرموز الحضارية والثقافية5

. األدبية

شكاالت إ تضعنا هذه الخالصة التي استقيناها من جملة التعريفات السابقة أمام عدة

جزئية نرى من الضروري التوقف عندها وتقديم التوضيحات الالزمة عنها حتى يستقيم

كما تتحدد أيضا , ومن ثم تتحدد عالقته بالنصوص موضوع الدراسة, مفهومنا للتأويل

عالقة التأويل : هي إشكاالت يمكن جمعها في محورينو. آفاق مجاالت استخدامه

:وعالقة التأويل بثقافة المؤول, بالنص المدروس

: ـ التأويل والنص1

تتفق التعريفات السابقة على أن التأويل يكون مسبوقا دائما بنص من النصوص

يم قراءة أو وهو من ثم يسعى إلى تقد, وأدب, وفلسفة, دين: الثقافية بمختلف مجاالتها

, هذا الفهم مع تميزه وخصوصيته ليس مطلقا في حريته وتفرده. فهم خاص لذلك للنص

أي النص موضوع , بل يجب أن يبقى دائما محافظا على عالقته بالنص األصلي

أي إلى نص يقدم مضمونا , ذلك ألن التأويل ال يمكن أن يتحول إلى نص جديد. التأويل

ألن ذلك إن تحقق سيجعل نص , ا يقدمه النص األصليأو عالما إبداعيا مخالفا لم

ولذا . فتسقط عنه حينذاك صفة التأويل لنص سابق, التأويل نصا موازيا للنص األول

ولكن إذا كان هذا . يشترط في النص المؤول أن يكون متداخال مع النص المؤول

ل ما هو إال تكرار فهل يعني أن التأوي, التداخل بين النصين شرطا ألية عملية تأويل

ألفكار النص األصلي بعد وضعها في صياغة جديدة؟ يجيبنا أمبرتو إيكو عن هذا

132

هو شرح كيف أن هذه الكلمات تحيل في ذاتها على , معناه, إن تأويل نص: (( بقوله

)234(.))وليس على أشياء أخرى, أشياء مختلفة

انطالقا من ذلك االرتباط فيعمل القارئ , يربط إيكو التأويل إذا بالنص ذاته

دون السماح لهذا التأويل , بالنص الكتشاف تنوع معنى النص األصلي وتعدده وثرائه

بالخروج عن النص لتزويده بأشياء أخرى ال تنتمي إليه فيتحول إلى وسيلة للتصديق

إن النص ليس مجرد : (( على معان يريدها المؤول ويرغب فيها حسب قول إيكو

بل هو موضوع يقوم التأويل ببنائه ضمن , للتصديق على تأويل ماأداة تستعمل

حركة دائرية تقود إلى التصديق على هذا التأويل من خالل ما تتم صياغته باعتباره

وهذا ما يؤكد عليه روالن بارت أيضا لما يوضح أن )235(.))نتيجة لهذه الحركة

نما هو إبراز واكتشاف التأويل ليس اإلتيان بأفكار جديدة خارج النص األصلي وإ

أن نقوم بتأويل : (( إذ يقول, لعدد المعاني التي يتضمنها النص موضوع التأويل

إذ هو , وإنما األمر على عكس ذلك تماما, ال يعني أننا سنعطي له معنى ما, نص

.)236(.))يعني أننا نقوم باكتشاف تعددية المعنى التي يمتلكها

والتي يعمل , ص الواحد التي يتحدث عنها بارت هنا وفكرة تعددية المعنى في الن

هي فكرة تقود بارت إلى اعتبار الموضوعاتية بفضل , التأويل على اكتشافها وإبرازها

هي أوضح مثال يجسد فكرة أو عملية , التعديالت التي تنبثق عنها لصنع بنية النص

والتي تجتمع كلها حول ,ذلك ألن التعديالت الالمحدودة التي تكون بنية النص, التأويل

انطلقت من الموضوعاتية , الموضوعاتية األساسية هي نفسها عمليات تأويل متتابعة

إلى نهاية , األساسية ليصبح كل تعديل بعد ذلك هو عملية تأويل لتعديل سابق عنه وهكذا

ومن هنا نرى أن النقد الموضوعاتي هو. عملية التأويل أو العملية النقدية الموضوعاتية

التي اتخذتها الموضوعاتية ) التعديالت(في األساس عملية اكتشاف التأويالت اإلبداعية

, إن المعنى يتوسع ويتقدم في الوقت نفسه: (( يقول بارت, األساسية لبناء عالم النص

وإنما على العكس من ذلك ينبغي وصفه انطالقا من , ولذا ال ينبغي القيام بتحليله

.22ص, » التأويل بين السيميائيات والتفكيكية « أمبرتو إيكو - 234

.78ص, نفسه- 235236 -R. Barthes « S/Z » ; P.11.

133

إن غاية . ومن الكلمة المحورية التي يسعى إلى بلوغها, غويةتوسعاته واشتقاقاته الل

إن . وليس تحليل المفردات, السيميائية ينبغي أن تكون هي اإلحاطة بالمعاني وحصرها

.إنها الموضوعاتية. هذه السيميائية التوسعية موجودة

تتبع إلى , إن الموضوعاتية هي الخروج من مجال المعاني التي تقدمها القواميس

ومن . إنها القيام بتتبع سير المعنى في تحوالته وتوسعاته. بعض سالسل المترادفات

جهة أخرى يجب العودة باستمرار إلى محطات االنطالق األولى من أجل القيام

مرتبطة )237(ذلك ألن مردودية السيم, بانطالقات أخرى جديدة لبض األشكال الثابتة

)238(.))بمدى تكراره في النص

إذ يعتبر , يربط بارت من خالل هذا الحديث بين السيميائية والموضوعاتية

يقوم على تتبع سير , أي صنفا من الدالالت, الموضوعاتية أيضا نوعا من السيميائية

هي نفسها التعديالت التي حدثنا عنها جان بول , المعنى أو تقدمه في النص عبر مشاهد

. ويبر فيما سبق من البحث

ليس , نتاج معان أخرى انطالقا من المعنى األصليإن هذا السير للمعنى بفضل إ

وإنما هو تحقيق وصناعة . وال هو إحضارا لمعان أخرى خارجة عنه, تكرارا لألصل

والذي هو موضوع التأويل حسب ما وضح بارت في قوله , مستمرة لتعددية المعنى

وضوعاتي ما هو إال تأويل متواصل فالنص األدبي إذن حسب رؤية النقد الم. السابق

وهو تأويل يتجسد عبر التعديالت المستمرة , للموضوعاتية األساسية عبر كامل النص

والالمحدودة للموضوعاتية األساسية التي انبثق منها النص؛ وما مهمة النقد

الموضوعاتي إذن إال القيام باكتشاف تلك التعديالت وإرجاعها إلى أصلها المشترك

أو مجموعة , أال وهو الموضوعاتية األساسية التي انبثق منها كامل النص, يدوالوح

. أعمال كاتب ما

ثم عدم تعارض هذا التحليل , ويعتبر انسجام أجزاء التأويل فيما بينها داخليا

خارجيا مع عالم النص موضوع التأويل هو االختبار الدقيق على سالمة التأويل وقوته

إنه الوحدة المعنوية الصغرى التي ال يمكن أن تتحقق إال خارج : بقوله" semeالسيم " يعرف رشيد بن مالك - 237

. Seme-مادة السيم, قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص: انظر." إطار وحدة أشمل منها238 - R. Barthes « S/Z »; P.90.

134

رأيناه في موضع سابق من هذا البحث كيف تخلى جان بول ويبر على وقد. وعمقه

الذي كان يأمل أن يوصله إلى موضوعاتية الرضاعة في أعمال بودلير " الثدي"عنصر

لما اكتشف أن نصوصا كثيرة من أعماله ترفض أن ترجع إلى هذه الموضوعاتية

كما , منسجمة فيما بينيهاوترفض التجمع حولها ذلك ألن التعديالت كانت تبدو له غير

فتركها ويبر لصالح موضوعاتية , أن نصوصا كثيرة كانت تنفر عنها فال تنسجم معها

وأن , بعد أن تبين له فيما بعد أنها تحقق انسجام التعديالت فيما بينها" العائد من القبر"

م ولما كان االنسجا. أغلبية النصوص كانت تتوافق مع هذه الموضوعاتية وتنسج معها

هو قوام النص اإلبداعي فال يبقى أمام المؤول في حالة وصول تحليله إلى موقف

. إال أن يعيد النظر في عمله كما فعل ويبر مع نصوص بودلير, متناقض أو مضطرب

, يكشف عنه النص المؤول نفسه, أن انسجام التأويل أو عدمه" أمبرتو إيكو" ويرى

بحيث أن كل داللة تعطى لجزء , إلقرار ذلك أو عدمهفهو وحدة يملك السلطة الكاملة

مما يعود بنا إلى قضية التعديالت , منه ينبغي أن يؤكدها الجزء الموالي من النص نفسه

و . التي تنبثق الواحدة منها من الموضوعاتية ثم تصبح مصدرا لظهور تعديالت أخرى

يعا إلى المصدر بفضل المشابهة لبعضها بعض يتوصل التأويل إلى إرجاعها جم

األساسي األول؛ وهذا ال يتحقق إال إذا كانت تلك التعديالت المقترحة تثبت حقيقة انبثاق

يقول إيكو حول هذه الفكرة التي يعود بها إلى الفيلسوف سانت , بعضها من بعض

كيف يمكن الوصول إلى حدس خاص بقصدية النص؟ إن السبيل الوحيد : (( أوغستين

إن . إخضاع هذه القصدية لسلطة النص باعتباره كال منسجماللوصول إلى ذلك هو

يجب , كل تأويل يعطى لجزئية نصية ما :إنها تعود إلى أوغستين. هذه الفكرة قديمة جدا

وبهذا المعنى فإن . وإال فإن هذا التأويل ال قيمة له, أن يثبته جزء آخر من النص نفسه

وبغير ذلك ال يمكن التحكم , مسيرات القارئاالنسجام الداخلي للنص هو الرقيب على

) 239(.))في مصيرها

وليست القصدية التي يعنيها إيكو سوى تلك القراءة المثالية التي يسعى القارئ

ولكن يتضح بعد كل قراءة أن تلك القراءة لم , إلى اإلمساك بها عن طريق التأويل

.79ص, » أويل بين السيميائيات والتفكيكيةالت « أمبرتو إيكو - 239

135

ت عديدة لنص أدبي واحد؛ وهي قراءات تبدو وهذا يؤدي إلى ظهور قراءا ,تتحقق بعد

ألن معنى النص ال يتوقف عن التوسع , مختلفة ولكنها في الحقيقة يكمل بعضها بعضا

إن حالة عدم الرضى عن النتائج التي . واالمتداد أمام المحاوالت التأويلية المتواصلة

فهو , يل نفسهيفضي إليها التأويل هي حالة تصاحب الدارس أيضا أثناء عملية التأو

ألنه يجد نفسه , وتعبير على آخر, وفكرة على فكرة, مدعو لتفضيل كلمة على أخرى

في كل خطوة من خطوات عمله التأويلي للنص أن تلك األفكار التي ترد على ذهنه

حول النص هي أفكار صالحة ألن تكون ضمن التأويل مادام النص ذاته يتسع لها

ضمانا لسير , بد أن يختار ما يراه أنسب وأدق من غيرهاولكنه في األخير ال . ويقبلها

, فإن معرفة ما يود النص قوله, ومن منظور النص(( :يقول إيكو. التأويل والنسجامه

معناه االنتصار لموقف يكون منسجما بالنظر إلى القراءات المتتالية التي سيتم

)240(.))إنجازها

يقة والحاسمة في سير عملية التأويل ويتناول بارت أيضا هذه الوضعية الدق

أن تقرأ يعني أنك تصارع من أجل صنع األسماء : (( فيشرحها قائال, وتحديد مصيره

ولكن هذا . ولذلك فإن القراءة هي تحقيق تحويل سيميائي لجمل النص. وخلق المعنى

ن عدة بي, إنه يتسم بالتردد في االختيار بين عدة أسماء, التحويل ليس نهائيا ومطلقا

إحدى هذه اإلرادات القوية " يملك )Sarrasine)241فإذا قيل لنا مثال إن سارازين . معان

أم , التهور, العزيمة, فما الذي ينبغي قراءته هنا؟ اإلرادة." التي ال تعترف بالحواجز أبدا

هكذا يجد القارئ نفسه منجذبا للقيام بنوع من االنزالق نحو عدة خيارات ... غير ذلك؟

هذا التوسع ... أمامه مرادفات كل منها تضيف لألخرى تفاصيل وعناصر جديدةتضعها

) 242(.))هو نفسه حركة المعنى

هذه الوضعية الصعبة التي يتوقف عليها مصير التأويل وقيمته األدبية والعلمية

أو عبارة عن عبارة , تخاذ قرار يرجح أهمية كلمة عن أخرىاليس لها من مخرج إال ب

مقدرا في كل األحوال أن ذلك االختيار هو األكثر انسجاما , أو فكرة عن فكرة, نيةثا

.134ص, نفسه- 240 .(S/Z) » ز/س «قام بارت يدراستها في كتابه, بطل قصة لبالزاك تحمل هذا العنوان Sarrasine ساراسين - 241

242 - R. Barthes S/Z »; p.90, 91.

136

في انتظار أن يثبت ذلك الجزء الموالي من , وتوافقا مع انسجام النص المدروس نفسه

, النص وصوال في األخير إلى إثبات النص في جملته النسجام عملية التأويل بكاملها

ومن األمثلة . نهاية سلطة تقدير ذلك حسب أمبرتو إيكوذلك ألن النص وحده يملك في ال

عن التأويل غير المنسجم مع النص هذه القصة التي يرويها أمبرتو إيكو عن صديقين

وربما أكثرها عبثا هو , إن أفصح مثال على ذلك: (( فيقول, دعيا إلى حفل استقبال

فقد أعجب , طراف الحديثفي حفل استقبال كان هناك صديقان يتجاذبان أ: المثال التالي

, خاصة بالطابع الرفيع, األول بالبوفيه وبالخدمات ولطافة المستقبلين وجمال النساء

إن األمر يتعلق . فأجاب الثاني إنه لم يذهب إلى المراحيض. المقصود مالبس النساء

فنحن نضحك من موقف الصديق الثاني الذي رأى في الكلمة الفرنسية وهي , بفكاهة

أي , وليس ما يريده الصديق األول, ددة المعاني ـ ما يحيل على المراحيضكلمة متع

قد يكون مفهوم النص الذي أظهر خطأ تأويل الصديق الثاني )243(.))المالبس واألناقة

ليمتد إلى لحظة تلقيهما دعوة حضور حفل , يتجاوز ما تلفظ به الصديق األول من كالم

نص يتشكل شيئا فشيئا إلى أن أبدى الصديق إذ منذ تلك اللحظة أصبح ال, االستقبال

وخاصة الطابع , والخدمات ولطافة المستقبلين وجمال النساء, األول إعجابه بالبوفيه

من استعداد للمجيء إلى الحفل ومن معايشة نفسية لهذا , فكل هذه العناصر, الرفيع

المذكورة، ثم ما أبداه الصديق األول من إعجاب بالعناصر, الحفل قبل الوصول إليه

صديقه تأويال مفاجئا وغريبا ومضحكا، ألنه ال " نص"كلها تجعل تأويل الثاني لـ

.ينسجم مع النص، ولذلك فهو غير مقبول

ويقدم لنا إيكو مثاال آخر يبين فيه بعض العناصر أو المفاهيم التي ينبغي أخذها

، وهي مفاهيم يؤدي "نص التأويل"من النص األصلي والمحافظة عليها أثناء بناء

التخلي عنها إلى ابتعاد التأويل عن النص المؤول وإلى عدم انسجامه معه، ومن ثم

.إلى فشله

والمثال المقصود هو قصة، تدور أحداثها حول عبد وسلة تين؛ فقد أرسل سيد

وحدث . عبده بسلة تين إلى أحد أصدقائه، وأرفق معه رسالة تبين عدد حبات التين

.75؛ ص» التأويل بين السيميائيات والتفكيكية « أمبرتو إيكو - 243

137

لعبد وهو في الطريق بالسلة والرسالة، تشهى التين فأكل جزءا منه، وبعد أن ا

فأنكر العبد التهمة، واتهم العبد . وصوله اتهمه الصديق بأنه أكل جزءا من التين

.بدوره الورقة بالكذب وشهادة الزور

وبعد مرور وقت عن الحادثة، أعاد السيد إرسال العبد ثانية إلى الصديق

إال أن العبد كرر مع التين ما فعله في المرة , ن التين وورقة تبين عددهابحمولة م

مع احتياطه من الورقة إذ وضع عليها حجرا كبيرا قبل أن يشرع في أكل , األولى

ولكنه لما وصل اتهمه , وهو يعتقد أن ذلك ال يسمح للورقة بإفشاء سره, التين

, مرة وهو متعجب بألوهية الورقةفاعترف العبد هذه ال. الصديق بأكل نصف الحمولة

.وتعهد أن يكون وفيا في المستقبل

تأتي , يأخذ أمبرتو إيكو في استعراض جملة من الفرضيات, وعند هذا الحد

وهي , ويخرج من عنده لينفذ ما أمره به, بعد أن يسلم السيد السلة والورقة للعبد, زمانيا

:فرضيات يمكن تلخيصها حسب اآلتي

.فيقتل ويستبدل به شخص آخر, اعتداء على العبد في الطريقـ حدوث 1

.ـ استبدال كمية التين بأخرى 2

.ـ الشخص الجديد ال يعرف لمن سيسلم التين 3

.ـ تسلم السلة لشخص آخر غير صديق السيد 4

. ـ هذا الشخص ال يعرف أحدا يمكن أن يرسل إليه التين5

التين التي بالسلة أقل من العدد المدون في ـ يرى الشخص الثاني أن عدد حبات 6

.الورقة

ورميت في البحر ليلتقطها , ووضعت الورقة في زجاجة, ـ قتل العبد وأكل التين 7

أين حبات التين؟: فيكون رد فعله بعد قراءة الورقة, شخص بعد سنوات

ن المحتمل فم, أو اجتماعي, أو بالغي, ـ يمكن أن تقع الرسالة بين أيدي عالم لساني 8

أن يتوصل هذا القارئ الحاذق إلى قناعة مفادها أن النص أحال في لحظة ما على تين

. وأيضا على عبد وعلى شخص ستسلم إليه السلة, وعلى مرسل فعلي, ما

138

وبعد هذه المجموعة الواسعة من االفتراضات حول مصير العبد والسلة والرسالة

بيد أن , إن هذا النص قد فقد اآلن أية سلطة مرجعية( : (يخلص إيكو إلى النتيجة اآلتية

ولعدد هائل من , اإلرسالية ستظل نصا قابال ألن يستعمل مع عدد هائل من السالل

)244(.))أو مع وحيد القرن, ولكنه لن يستعمل أبدا مع حبات التفاح, كميات التين

ت أو االحتماالت لقد بين إيكو من خالل هذه المجموعة المفترضة من التأويال

الحدود التي ينبغي على التأويل أال , الممكنة التي قد تسير القصة في وجهة من وجهاتها

كأن يقال , وإال أصبح في حالة تنافر وتعارض مع النص موضوع التأويل, يتخطاها

فهذا . مثال حسب إيكو إن الورقة في القصة السابقة تشير إلى تفاح أو إلى وحيد القرن

ومن هنا نستنتج أن النص األدبي . ال يتسع له انسجام النص وال يتوافق معهالتأويل

.يتوفر دائما على عناصر ال تقبل أن يحدث التأويل فيها أي تبديل

وإذا أخذنا القصة السابقة مثاال لتوضيح ما ال يقبل منها للتبديل حسب ما خلص

صور لنص الرسالة التي أرسلت مع نجد أنفسنا في البداية ملزمين ببناء ت, إليه إيكو

: فيكون التصور حسب النص اآلتي, اعتمادا على ما روي لنا من أحداث القصة, العبد

ولذا فها أنا أبعث من يحمل إليك منه , إنني أعرف حبك الكبير للتين, صديقي العزيز((

.))فأرجو أن تقبلها مني, ثمانين حبة

ولغيرها أيضا؛ ولكنه غير , التي ذكرها إيكو فهذا النص مفتوح لكل التأويالت

كما أشار , كالتفاح أو وحيد القرن مثال, قابل ألن تستبدل حبات التين بغيرها من األشياء

أما العناصر األخرى . ألن مدار القصة يقوم على هذا العنصر األساسي, إيكو إلى ذلك

من السلة والعبد من النص فهي عناصر مساعدة أو رافدة لهذا العنصر؛ إذ أن كال

والصديق هي عناصر تقوم بدور صناعة المحيط والقنوات المؤدية إلى إنجاز عنصر

ومن ثم إلى بناء , أي إلى بناء تفاصيل المحيط الذي يصنع فيه هذا العنصر, "التين"

.النص كله

وإنما هو يخضع لشرط , وهكذا فالتأويل ليس عملية فوضوية أو مطلقة الحرية

.الذي يعتمد بدوره على ثقافة المؤول نفسه, ه مع انسجام النصتوافق

.47-44ص, » التأويل بين السيميائيات والتفكيكية « أمبرتو إيكو ,نظرا - 244

139

: ـ التأويل والقارئ2

ولذا فإن اختالف التأويالت التي تنجز حول نص ما , إن النص عمل منجز ومنته

وبما أن ثقافة المؤول ليست , يكون مرده اختالف ثقافة المؤولين من واحد إلى آخر

فسيترتب عن ذلك أن تأويل نص معين ال , تحركة ومتغيرةثابتة ومستقرة وإنما هي م

وإنما يكون كذلك حتى عند المؤول الواحد نفسه , يكون مختلفا من مؤول إلى آخر فقط

وأمام هذه الوضعية يجد المؤول . متى أعاد التجربة مع نص سبق له أن تناوله من قبل

مع ضرورة أن , األحكامنفسه ملزما باتخاذ الحذر والحيطة بعدم التسرع في إطالق

هي قراءة مفتوحة لوجهات , يضع في الحسبان أن القراءة التي تنجز اليوم حول نص ما

ألن هذه القراءات جميعا وليدة تجارب , نظر أخرى قد تكشف عن نقصها ونسبيتها

. مختلفة وثقافات متنوعة

تقوم عليه توضيحات مهمة حول مسألة التأويل الذي " ستيفان ستراسر" ويقدم

كل : (( إذ يقول, ستضاءة بها في مجال التأويل األدبييمكن اال. الحياة الفكرية عموما

, نعرفه بفضل مداركنا الذهنية" شيء ما" وهذا الـ , "دائما على شيء ما تأويل يتأسس

نعتقد على كل حال أننا نعرفه معرفة يقينية إلى درجة أننا . وبفضل الذكريات والتجارب

لق من هذه النقطة المؤكدة لمعارفنا نستطيع أن نغامر بقفزة في مجال لما ننط

, وهذا معناه أننا قد ميزنا بين الوقائع التي تأكدت لنا معرفتها, االفتراضات واالحتماالت

هذا يؤكد ب )245(.))وبين تلك التي ما تزال في مستوى توقعاتنا أو إحساسنا بها فقط

يستند دائما على معرفة مسبقة نكون قد امتلكناها ستراسر أن التأويل لشيء مجهول عنا

ال " شيء"وهذا يعني أيضا أن ما يحتاج منا إلى تأويل هو , قبل القيام بمهمة التأويل

: أو أن معرفتنا له ليست معرفة يقينية مؤكدة؛ أو كما عبر عن ذلك ستراسر, نعرفه بعد

وهكذا يصبح التأويل هو .)) ما تزال في مستوى توقعاتنا أو إحساسنا بها فقط((

.أو هو استعمال ما نعرفه لفهم ما ال نعرفه, االنطالق من المعلوم إلى المجهول

, ومن خالل هذا التوضيح تبدو لنا عالقة التأويل بالفلسفة الظاهراتية عند ستراسر

كل إدراك"يذكرنا بما رأيناه من اعتبار الظاهراتية أن , "شيء ما"فهو لما يتحدث عن

245 -Stephan Strasser « Phénoménologie et science de ľ homme » ; P.180.

140

الذي " شيء ما" ولذا فالظاهراتية ترى أن الذات تتخذ من هذا الـ , "هو إدراك لشيء ما

.تم إدراكه منطلقا لتحقيق إدراك نفسها

. ورأينا كيف يعتبر ستراسر التأويل مغامرة في مجال االفتراضات واالحتماالت

على النص ولكن هذه االحتماالت أو االفتراضات ليست فوضوية أو تعسفية تفرض

وتتوافق مع انسجامه في , وإنما هي افتراضات تعتبر مقبولة مبدئيا من النص, فرضا

ثم النص بأكمله عند االنتهاء من عملية , انتظار أن تؤكدها أجزاء النص مع تقدم التأويل

.التأويل

وتلك التي , ويرى ستراسر أن الفرق كبير بين المعرفة التي تكون نتيجة للمعانية

شخص يعتدي على شخص , فالحالة األولى يدخل ضمنها مثال. كون نتيجة للتأويلت

وتتمثل في إصدار حكم على تصرف , أما الحالة الثانية فهي أقل وضوحا من هذه, آخر

مستندا إلصدار ذلك الحكم , يصدر من شخص تجاه شخص آخر بأنه تصرف عنيف

فحكمي : ((الجوهري بين الموقفينإذ يقول موضحا هذا الفرق . على عملية التأويل فقط

فأنا أقارن بين , أما في الحالة الثانية, بوقوع االعتداء في الحالة األولى هو حكم تلقائي

وفي النهاية أصل إلى . آخذا بعين االعتبار الظروف المحيطة بالمشهد, عدة تجارب

ضمن إال إذا أولته بأنه يدخل, الخالصة التي تكون شاملة لكل خصوصيات السلوك

: إنني على وعي أن هذا التأويل الذي خلصت إليه متأثر بكوني. التوجهات العدوانية

هذا السبب وحده كاف ليجعل التجارب والمعارف التي . وغيرها, رجال, بالغا, أوربيا

إنني غير قادر على التخلص كلية . استندت إليها في تأويلي للمشهد جزئية وغير كافية

. من هذه التأثيرات

ومن ثم فأنا مستعد دائما , ولهذا فأنا أبدي رأيي كمفهوم مؤقت حول المشهد

)246(.))لمراجعة تأويلي في ضوء ما يستجد من معطيات

إن ما يجعل نتائج التأويل أو القراءة التي يصنعها التأويل هي قراءة نسبية وغير

أو نقول أنتجتها , رفة نسبيةهو كون هذه القراءة قائمة على مع, في نظر ستراسر, كاملة

يعني أنه ينتمي إلى , ورجال, بالغا, ذلك ألن كون صاحبها أوربيا, وسائل معرفية نسبية

246 -Stephan Strasser « Phénoménologie et science de ľ homme » ; p.180.

141

وكونه , حضارة أوربية لها خصوصياتها التي تميزها عن باقي الحضارات األخرى

أما كونه , بالغا يجعل تفكيره في مستوى يختلف عن مستوى من لم يبلغ بعد هذه السن

بحكم تنوع االستعدادات , فهذا يعني أيضا اختالف تجاربه عن تجارب النساءرجال

وبما أن القارئ الواحد ال يستطيع أن . البدنية والنفسية التي يتوفر عليها كل جنس منهما

أي في وقت قراءة النص والقيام بعملية , يكون في وقت واحد في جميع هذه الحاالت

الستنادها على , ي بالضرورة نتيجة غير كافية وناقصةفإن نتيجة التأويل تأت, تأويله

معارف جزئية ومحدودة؛ وهذا الوضع كاف ليجعل القارئ متفتحا على تقبل القراءات

.فتكمل هكذا بعضها بعضا, ألن القراءات تسد عجز بعضها بعض, األخرى

, ارئ ويقدم ستراسر شرحا لكيفية والدة االفتراضات واالحتماالت في ذهن الق

بمعنى لماذا تولد فرضية معينة في ذهن القارئ وال تولد فرضية أخرى غيرها؟ أو

وليس غيرها؟ واإلجابة التي يقدمها هي أيضا تطوير , لماذا ولدت هذه الفرضية بالذات

إذ يرى أن عملية وضع فرضية ما ليست عملية , التي سبق ذكرها" شيء ما"لفكرة الـ

عملية توجهها خلفية معرفية محددة يتمكن الباحث بفضلها من وإنما هي , تنبئية عشوائية

)247(.تحديد اختياره لفرضية معينة من بين جملة من الفرضيات الممكنة والمتاحة له

وهكذا يتضح أن الفرضية التي يتحرك بفضلها التأويل في النص هي وليدة معرفة

فهذه المعرفة السابقة ال يمكن إال , " ماشيء"سبق ستراسر وأن عبر عنها بعبارة , مسبقة

أن تلد فرضية معينة يمكن التأكد من مدى توافقها مع انسجام النص بفضل تقدم التأويل

وتثبيت كل جزء من تلك األجزاء , في النص بانتقاله من جزء منه إلى جزء آخر

عديالت وهذا هو الشأن مع الت. للفرضيات التي يتم افتراضها في كل منها أو نفيها

فهي تولد في مستوى الفرضيات ليتم بعد ذلك اختبار صحتها بمدى , الموضوعاتية

.توافقها وانسجامها مع الموضوعاتية األساسية المقترحة للنص

شيء "أو ما عبر عنه ستراسر بـ , إن ارتكاز عملية التأويل على ثقافة القارئ

إيكو يعتبر التأويل نتاجا لتفاعل فأمبرتو, هو أمر يؤكده أكثر من باحث أيضا, "ما

وأن طبيعة هذا التفاعل يتحكم فيها كل من النص وثقافة , يحدث بين القارئ والنص

247 - Ibid ; p.181-183

142

المؤول؛ مما يجعل عملية التأويل تخرج بفضل ذلك من إطار مقصدية المؤلف

.وسيطرته

علق سواء ت, وبما أن أحد طرفي عملية التفاعل هذه هو طرف متغير على الدوام

األمر بجميع القراء المحتملين للنص أم تعلق بالقارئ الواحد فقط ـ متى احتفظنا

باحتمال قيامه بقراءة واحدة أو بعدة قراءات للنص نفسه مستقبال ـ فإن نتائج هذا

بمعنى أن التأويالت التي يتم إنتاجها تكون مختلفة , التفاعل تكون مختلفة في كل مرة

ينبثق من التفاعل ) األدبي( إن التأويل االستعاري : (( وعن بعضها بعض؛ يقول إيك

ولكن نتيجة هذا التأويل تفرضها طبيعة النص وطبيعة اإلطار العام , بين المؤول والنص

وفي جميع الحاالت فإن هذه النتيجة ال عالقة لها . للمعارف الموسوعية لثقافة ما

شريطة أن . لفوظ نظرة استعاريةفبإمكان المؤول أن ينظر إلى أي م. بقصدية المتكلم

والموسوعة هنا هي ثقافة المجتمع في صورتها )248(.))تسعفه في ذلك الموسوعة

أي تلك العناصر الثقافية التي يشاركه فيها , الواسعة والعامة التي ينتمي إليها المؤول

والتي بفضلها يتميز هذا المجتمع عن غيره من , أفراد المجتمع الذي ينتمي إليه

, ثقافة المؤول الخاصة به, ثم نضيف إلى هذه العناصر الثقافية المشتركة. جتمعاتالم

.التي تميزه من غيره من أفراد المجتمع

ويضرب إيكو مثاال يوضح به الحدود المقبولة التي يمكن أن يذهب إليها التأويل

التي يتم في أو, أو الحضارة التي يشتغل في داخلها, متى كانت تسنده ثقافة المجتمع

ولهذا سيكون من : (( إطارها ذلك التأويل أو التفاعل بين المؤول والنص؛ إذ يتابع قائال

كما لو أنه يرتكب من " جان يأكل تفاحته كل صباح: "الجائز أن نؤول الجملة اآلتية

)249(.))خطيئة آدم كل صباح, جديد

ي إطار ثقافة الفرد الواحد فيخرج بالتأويل من عملية إنجازه ف" رامان سلدن" أما

حيث يصبح التأويل فعال اجتماعيا ينجزه أفراد , إلى إطار أوسع هو المجتمع بأسره

فيضفون قيما ودالالت معينة على موضوعات الحياة , المجتمع في إطار ثقافتهم الخاصة

.160؛ ص» ن السيميائيات والتفكيكيةالتأويل بي « أمبرتو إيكو - 248 .160 ص,» التأويل بين السيميائيات والتفكيكية « أمبرتو إيكو - 249

143

ولكن رامان. وفق ما اكتسبوه من ثقافة أسرية واجتماعية خالل مراحل حياتهم المتعددة

بسبب , وإنما هي قيم متحركة, سلدن يالحظ أن هذه القيم ليست قيما ثابتة ومستقرة

مثله في ذلك كمثل ثقافة الفرد الواحد التي , التغيرات التي تلحق ثقافة المجتمع نفسه

مما يجعل القراءة التي تتم اليوم حول نص معين ستكون , ترفض الثبات والتوقف

له في المستقبل بسبب عدم ثبات الرصيد الثقافي المنجز مختلفة عن القراءة التي ستتناو

.لكل قراءة من يوم إلى آخر

ويقدم رامان سلدن مثاال لتوضيح دور ثقافة المجتمع في إضفاء قيم معينة على

ببعض اآلثار أو الوسائل التقليدية القديمة التي كانت تؤدي , موضوعات الحياة وأشيائها

ثم أصبحت بعد مرور السنين , أعدت خصيصا لتأديتهافي زمانها وظائف معينة

وبهذا يخرج , والقرون تؤدي وظائف أخرى غير تلك التي كانت تؤديها في األصل

رامان سلدن من إطار التأويل الخاص بالنص األدبي إلى إطار أوسع هو إطار الحياة

به على طبيعة حيث تصبح هذه الحياة نفسها نصا هائال ومعقدا تقوم عالقتنا, بكاملها

إن إضفاء شرف : (( وحول هذا كله يقول رامان سلدن, إدراكنا له وتأويلنا لهذا اإلدراك

ال ينفصل في آخر المطاف عن , هو فعل اجتماعي, القيمة الفنية على موضوع أو نتاج

, "رفيعة"أو ثقافة " جاد"كذلك فإن ما يختاره الناس على أنه فن ... اإليديولوجيات السائدة

فموسيقى الجاز التي كانت فيما مضى . ما هو أمر خاضع ـ بالمثل ـ للقيم المتغيرةإن

برغم أن أصولها االجتماعية , قد أصبحت فنا جادا, محصورة في المواخير والحانات

من هذا المنظور ال يعود الفن واألدب من . مازالت تثير الخالف حول تقييمها" الدنيا"

)250(.))بل كالهما دائما تعريفات جديدةبل يق, قبيل الحقائق السرمدية

وهذا التركيز من سلدن على دور ثقافة المجتمع في إضفاء القيم على أشياء

نظرا لشموليته لكل , وإن كان ال يبدو أن له عالقة مباشرة بالتأويل األدبي, الحياة

ى أساس فهو بالمقابل يكشف أن عالقة اإلنسان بالحياة تتحدد عل, موضوعات الحياة

وليس األدب بعد ذلك إال شيئا من األشياء , قدرته على إدراك أشيائها وكيفية تأويله لها

والحضاري اللذين صنعتهما , الطبيعي: الالمحدودة العدد التي تمأل هذه الحياة بنوعيها

.43 ص؛» النظرية األدبية المعاصرة « رامان سلدن - 250

144

, وربما يكون األدب أرقى هذه األشياء الحضارية التي صنعها اإلنسان. يد اإلنسان نفسه

من , مكن من خالل دراسته وتحليله الوقوف على حقيقة إدراك اإلنسان لنفسهوالذي ي

خالل إدراكه للحياة المحيطة به؛ وال يمكن أن يصل المحلل إلى اإلمساك بهذه الحقيقة

إال من خالل إتقانه لفن التأويل وتحكمه في خلق االنسجام بين عناصره وأجزائه على

ومن هنا تبدو قيمة األسباب التي . لم النص األدبيمنوال االنسجام الذي يقوم عليه عا

يعتبر التأويل كفاءة عقلية وهدفا كبيرا تسعى إليه الدراسات " روبرت شولز"جعلت

إنني معني بتأويل النصوص : (( إذ يقول, اإلنسانية وعلى رأسها الدراسات األدبية

والتأويل ـ . العقليةبل كجانب من جوانب الدراسات, ليس فقط كفاية قي ذاتها, األدبية

. أو القراءة بمعناها الواسع ـ هو أحد األهداف الكبيرة المتوخاة من الدراسة اإلنسانوية

وقراءة النصوص األدبية هو أحد أفضل المناهج ـ وربما أفضلها على اإلطالق ـ

)251(.))لتطوير المهارات التأويلية عند الطالب

القارئ في عملية التفاعل مع النص اإلبداعي ويبدو الدور الكبير الذي يقوم به

لما يسند إليه مهمة إنشاء القصة , شولز. الجديد عند ر" النص التأويلي"إلنتاج

أي بدون التأويالت التي , اإلبداعية؛ إذ يرى أن القصة ال وجود لها بدون القارئ

ة والالمحدودة؛ والتي بفضلها يكشف الستار عن دالالته الكثيف, ينجزها بتفاعله مع النص

. والنص ليس الحكي. الكلمات التي على الصفحة ليست القصة: (( شولز. يقول ر

وهي مهارة , القصة ينشئها القارئ من الكلمات التي على الصفحة بعملية استداللية

. إذ ال وجود للقصة بدونه. ودور القارئ فيها هو بمعنى ما إبداعي. يمكن تطويرها

نين االستدالل التي تضع حدودا لشرعية إنشاء القارئ ولكنه أيضا مشروط بقوا

)252(.))للقصة

إذ يرى أن , شولز حول هذه المسألة. مع ر) Todorov" (تودوروف" ويتفق

, قراءات عديدة لقصة واحدة تؤدي إلى إنتاج عدد من القصص مساو لعدد تلك القراءات

الناتجة عن تلك القراءات مع دون أن يؤدي ذلك إلى تطابق أية قصة من تلك القصص

المؤسسة العربية للدراسات , الطبعة األولى, ؛ ترجمة سعيد الغانمي» السيمياء والتأويل « روبرت شولز - 251

.18-17ص, 1994ت ييرو, والنشر .118ص, » السيمياء والتأويل « روبرت شولز - 252

145

. ال يتطابق أي تأويل من تلك التأويالت مع أي تأويل منها, أو بمعنى آخر, قصة أخرى

كما أنه تابع من جهة أخرى , مما يؤكد أن التأويل يخضع دائما لثقافة القارئ الخاصة

ت إلى نوعية األدوات المنهجية المستخدمة؛ يقول تودوروف متسائال ومجيبا في الوق

كيف نعرف ما يجري أثناء القراءة وبالحدس؟ وإذا تطلعنا إلى تأكيد انطباع : (( نفسه

ومع ذلك لن تتطابق , فإننا نلجأ إلى القصص التي يمدنا بها اآلخرون عن قراءاتهم, ما

فكيف يمكن شرح هذه التعددية؟ إن هذه القصص ال , قصتان تستندان إلى النص نفسه

كنها تصف العالم المتحول تماما كما هو قائم في نفسية كل ول, تصف عالم الكتاب نفسه

)253(.))فرد

, لما نبحث عن أسباب تنوع واختالف النصوص التي تنتجها تأويالت متعددة

فإننا نعثر عن اإلجابة في اختالف التأويالت نفسها الختالف , انطالقا من نص واحد

وهذه العوامل توجد عند . وع التأويلالعوامل التي يقوم عليها تناولها للنص موض

وفي حالته النفسية , وفي قدراته الفكرية, إذ تتمثل في ثقافته, المؤول وليس خارجه

هذه العوامل . كما تعود بالخصوص إلى األدوات المنهجية التي يشتغل بها. والوجدانية

, لنصمجتمعة هي المسؤولة على تحديد طبيعة التفاعل الذي يحدث بين القارئ وا

إذ بدونه , فالتفاعل بين المؤول والنص أمر ضروري. والذي ينتج عنه النص المؤول

.ويستحيل بالتالي إنتاج النص القرائي الجديد, سيمتنع التأويل

يرى نفسه ملزما بتطبيق , فالقارئ الذي ينطلق من منهج معين لقراءة نص ما

فلوال . من كفاءة القارئ الخاصةيستمد وجوده وفعاليته , منهجه وفق منظور خاص به

حدوث تفاعل خاص لهذه الكفاءة ـ التي تختلف من قارئ إلى آخر ـ مع النص

وهكذا .لتطابقت القراءات لما تستخدم منهجا واحدا معينا لدراسة نص واحد معين أيضا

نرى أن االلتقاء بين المؤول والنص سيكون التقاء منسجما ومنتجا لما تجد البنية

بمعنى لما يكون بين , ية والثقافية للنص اإلبداعي امتدادا لها عند القارئ وتقبالالجمال

وهذا ما كان جان بيار ريشار , الطرفين عناصر جذب تمكن من تحقيق التفاعل بينهما

".التعاطف مع النص"قد أطلق عليه

,1991دمشق, دار الذاكرة, الطبعة األولى, ؛ ترجمة محمد منذر عياشي»مفهوم األدب « تزفيتان تودوروف - 253

.26ص

146

والتي , هشولز ال يبين لنا طبيعة قوانين االستدالل التي ذكرها أعال. إذا كان ر

فإن أمبرتو إيكو يكتفي , تتحكم ـ حسب رأيه ـ في عمل المؤول وتعطيه شرعيته

بعدم جعل نتائج التأويالت المختلفة في مستوى , عند الحديث عن هذه المسألة, أيضا

ألنه في نظره يبقى أن هناك تأويال أفضل من جميع التأويالت , واحد من األهمية

وال , "التأويل المفضل"ن للقارئ أن يصل إلى تحقيق هذا الباقية؛ دون أن يبين كيف يمك

حسب ما يبدو في , كيف يمكننا أن نميزه بين مجموعة من التأويالت حين تتوفر عندنا

والتعرف عليه , ينبغي التأكيد أن لكل نص مدلول مفضل باإلمكان عزله: (( قوله

)254(.))باعتباره كذلك دونما التباس

ولز وإيكو لم يكشفا عن األدوات التي تمكننا من تحقيق هذا وإذا كان كل من ش

فإن جان بول ويبر , وال كيف يمكن التعرف عليه وتحديده, النوع من التأويل المميز

بالمقابل قد كشف عن طبيعة الموضوعاتية األساسية للنص األدبي حين قال بأنها تلك

بحيث )255(.ريبا إلى منبع واحدأو كل أعماله تق, التي تمكننا من إرجاع عمل كاتب ما

تكون المفاضلة بين موضوعاتيتين أو أكثر ـ في حلة توصل العمل النقدي إلى اكتشاف

أكثر من موضوعاتية ولحدة ـ قائمة على أساس أية موضوعاتية من بين تلك

, أو من نصوص الكاتب, الموضوعاتيات المقترحة تحقق إرجاع أعلى نسبة من النص

إن كون عملية التأويل مهارة في نظر شولز يترتب عنها أيضا أن . إلى منبع واحد

ومعنى هذا أن . إنجازها يتحقق وتتحدد طبيعته على أساس نوعية ثقافة المؤول نفسها

تناول جماعة من النقاد لنص إبداعي واحد ستتحدد طبيعة النصوص المنتجة عن ذلك

ثم على األدوات , ها هؤالء النقادأساسا على الثقافة العامة المشتركة التي ينتمي إلي

باإلضافة إلى الثقافة الخاصة , المنهجية التي يستعملها كل واحد منهم في عملية التأويل

والقدرات الفكرية المميزة لكل واحد منهم أيضا؛ مما يجعل قيام ناقدين بدراسة نص

ن يشتركان في حتى وإن كان الناقدا, واحد ال يمكن أن يؤدي إلى إنتاج نصين متطابقين

. مادامت ثقافتهما الخاصة أو الذاتية مختلفة, الثقافة العامة واستعماال منهجا نقديا واحدا

وإنما هي , وهذا يحدث حتى عند الفرد الواحد ألن ثقافته بشكل عام هي ثقافة غير ثابتة

.79؛ ص» التأويل بين السيميائيات والتفكيكية « أمبرتو إيكو - 254 .بحثمن هذا ال 220 انظر الهامش رقم- 255

147

وهذا معناه أيضا تطور كفاءة الناقد التي تحدث عنها , خاضعة دائما للتغير والتطور

مما يؤدي إلى إنتاج نصوص مختلفة و متباينة بدورها بناء على التطور الذي , شولز

.يحدث في الكفاءة المؤولة للنص

وقد تنبه بعض األدباء إلى الدور الكبير واألساسي الذي يؤديه القارئ تجاه

ال " يريبول فال"حتى أن , أعمالهم اإلبداعية من ناحية تقييمها وتحديد أهميتها الجمالية

فهو , فيوكل كل الحق في ذلك إلى القارئ, يرى لنفسه أي حق في تحديد معنى إشعاره

ألشعاري المعنى الذي تحمل " فيقول, وجودتها أو رداءتها, وحده الذي يحدد معناها

الذي تكون مهمته الحكم على , ومن هنا ربما تبرز أهمية القارئ الثاني)256(."عليه

وذلك انطالقا من النص نفسه ومن التأويل معا حتى يتمكن , تأويل القارئ األول للنص

فلهذا . وتوافقها مع انسجام النص, من تبيان مدى انسجام عناصر القراءة التأويلية

, القارئ الثاني فقط يعود الحق في التمييز بين التأويالت المختلفة والتفضيل فيما بينها

. واحد وتأويله حسب ثقافتهم وكفاءاتهممادام أن لجميع القراء الحق في قراءة النص ال

فإن اختالفها سيظهر , فإذا كانت تلك التأويالت تقوم على أدوات المنهج الموضوعاتي

ومن ثم يبرز دور . حول تحديد الموضوعاتية األساسية وتعديالتها في النص, ربما

.ؤولةالقارئ الثاني لوضع الترتيب الالزم و التفاضل المطلوب بين تلك النصوص الم

فتوصل إلى تحديد , وقد قام تودروف بالتمييز بين أنواع القراءات أو التأويالت

القراءة المؤهلة الكتشاف النظام الدقيق الذي يقوم عليه بناء النص األدبي من بين ثالثة

وهي التي ينشغل , "القراءة اإلسقاطية: (( "أنواع من القراءات أو التأويالت حسب اآلتي

وهي التي يعيش فيها , "القراءة التعليقية"قارئ بالمؤلف و قضايا المجتمع؛ وفيها ال

وهي التي , "القراءة الجمالية"القارئ داخل النص معلقا عليه على مدار القراءة؛ وأخيرا

وهذه القراءة هي التي تنظر إلى العمل األدبي بوصفه نظاما , "القراءة حقا"يسميها

)257(.))الل اكتشاف العالقات بين األجزاءينبغي أن يكتشف تكونيه من خ

.67ص, 1985تونس , ؛ سراس للنشر» في مناهج الدراسات األدبية « ذكره حسين الواد- 256 .45 ص,.)ت.د(القاهرة , ؛ دار غريب للطباعة» فن القص في النظرية والتطبيق « ذكرته نبيلة إبراهيم - 257

148

ونعتقد أن القراءة الموضوعاتية هي قراءة تنتمي إلى النوع الثالث من هذه

وإنما , ذلك ألنها ليست ال إسقاطية وال تعليقية, القراءات التي يتحدث عنها تودوروف

عاتية واحدة تسعى إلى اكتشاف نظام العمل اإلبداعي الذي يقوم في نظرها على موضو

وهذه القراءة . أساسية تفرعت عنها تعديالت عديدة فكونت في مجملها معمارية النص

تقوم ببناء نفسها كلما تقدمت في , الموضوعاتية والجمالية حسب تعبير تودوروف

وهكذا مع , وهذا بتعديل الحق, اكتشاف العالقات التي تصل كل تعديل بتعديل سابق

والذي يعود في جملته ليجتمع في , العمل التأويلي للنصبقية التعديالت حتى آخر

. األخير حول الموضوعاتية األساسية

:ب ـ دراسة العنوان

ليس هدف هذه الوقفة عند العنوان أن نقوم بدراسته بصفته موضوعا قائما بذاته؛

مسندين كل هذا , فنأتي موضحين أنواعه ووظائفه ودوره لخلق أدبية النص األدبي

ألن هذا يتطلب , وقياسه على ما قامت الدراسات النقدية من التوصل إليه في هذا الشأن

باإلضافة إلى أنه قد يؤدي إلى , منا مجهودا قد يبعدنا عن موضوعنا ويصرفا عنه

ولهذا كله نجد أنفسنا ملزمين بتناول . إظهار بحثنا بمظهر البحث المتعدد الموضوعات

مع الحرص على , سمح بإظهار أهميته في النص األدبيموضع العنونة بالقدر الذي ي

أن يكون ذلك في حدود إبراز عالقته بالنقد الموضوعاتي وبنصوص عوالم نجمة لـ

كوننا سنحتاج في القسم التطبيقي من البحث إلى االستضاءة بما سيأتي , "كاتب ياسين"

.من الحديث عن هذا الموضوع

) éspace Proustien’L ("الفضاء البروستي" جورج بولي دراسته استهل

A)" البحث عن الزمن الضائع"الشهيرة " مارسيل بروست"بالتوقف عند عنوان رواية

la recherche du temps perdu) سبب ما الحظه من عالقة عضوية تربط بين

. ومتواصل بالزمنعنوان هذه الرواية وما يقوم عليه عالمها الفني من اهتمام مركز

ولذا يبدو , فبطل الرواية شخصية ضاع منها زمانها ومن ثم تاريخها ومرجعيتها الذاتية

ولما كانت كل . هذا البطل ضائعا بسبب جهله كل شيء عن الحياة وحتى عن نفسه

فإن , معرفة ال تتم داخل الزمن وحده وإنما تشترط حضور عامل رئيسي ثان هو المكان

149

وهكذا يكون افتقاد كل من الزمن . د شغله أيضا البحث عن المكانبطل الرواية ق

. والمكان يعني افتقاد المعرفة بالعالم وبالذات

" البحث عن الزمن الضائع" ويقودنا هذا االستنتاج أو االكتشاف الذي تقدمه رواية

القضية والذي يعكس الهم الثقيل الذي يحمله بطل الرواية إلى التعرف مرة أخرى على

والتي يراها مركز انشغال , النقدية والفكرية التي تشغل ذهن جورج بولي على الدوام

بذاته من خالل وعيه بالعالم الذي يحيط ) اإلنسان(وهي وعي المبدع , األعمال اإلبداعية

فرواية مارسيل بروست ـ في نظر جورج بولي ـ هي رواية تصنع عالما فنيا . به

حيث يسعى اإلنسان فيها إلى إدراك نفسه , أو فكرة ظاهراتيةخياليا يرتكز على محور

.الزمان والمكان: وهما, عن طريق إدراكه لعنصري الكون األساسيين

ي ألفاظ ف(( : التوضيح اآلتي" الفضاء البروستي" يقدم جورج بولي في كتابه

عن الزمن البحث"العنوان نفسه الذي تحمله ندرك أن رواية بروست تقوم حقيقة بـ

فيجهد نفسه للعثور على وجوده , كائن ينشغل بمحاولة القبض على ماضيه". الضائع

وبعد هذه النتيجة األولى يقوم بولي بتطوير عنوان الرواية وتوسيعه )258(.))القديم

وما يبرر إضافة عنصر . أال وهو المكان, ليشمل العنصر األساسي الناقص في المعادلة

ان في نظر بولي هو انشغال بطل الرواية نفسه بالبحث عن المكان إلى عنصر الزم

وال , هيفالبطل ال يعرف ماض. المكان بنفس القوة التي ينشغل بها في بحثه عن الزمان

راغبا في : (( يعرف المكان الذي يوجد به أيضا؛ وهذا ما يتضح من قول البطل نفسه

نرى إذن بوضوح : (( قوله فيعلق بولي على كالم البطل هذا ب)259(.))معرفة أين كنت

طلق منه نبداية من أول مكان ي: بل نكاد أن نقول أيضا, كيف أنه منذ اللحظة األولى

وإنما أيضا عن , يفرض العمل البروستي نفسه ليس فقط بكونه بحثا عن الزمن, الحكي

الفضاء " من هنا يتضح لنا كذلك مغزى اختيار جورج بولي )260(.))الفضاء الضائع

. عنوانا لدراسته"البروستي

ن من آثارها اك, من عنوان رواية بروست إفادة واضحة, أفاد جورج بولي إذن

أي على الشطر , أنها ساعدته على تأسيس موضوع دراسته على البحث في الفضاء

258 -G.Poulet « Ľéspace Proustien »; P.11. 259 - G.Poulet « Ľéspace Proustien »; P.19. 260 -Ibid; P.19.

150

إذ الحظ أن الحديث عن الزمن في , الثاني األساسي الذي سكت عنه عنوان الرواية

وقد تأكدت له صحة . قيام به إال مقرونا بالحديث عن المكانالعمل األدبي ال يمكن ال

هذه الفرضية لما يكشف بطل الرواية نفسه عن انشغاله باسترجاع المكان الماضي

ليصل بفضل , إلى جانب اهتمامه بإزالة الستار عن ماضيه الزمني الشخصي, وتحديده

وفق المبدأ الفكري الذي , هومن ثم تحقيق إدراكه لذات, ذلك إلى تحديد موقعه من الوجود

. حسب ما مر بنا, تشتغل عليه الفلسفة الظاهراتية

فقد جاءت في لسان العرب حول , لغة واصطالحا" عنوان" أما عن داللة كلمة

:لعالقتها الواضحة بموضوعنا, عدة معان نذكر منها المعاني اآلتية" عنن"و "عنا"مادتي

":عنن"أ ـ مادة

.ظهر أمامك: عن الشيء يعن عننا وعنوانا: ـ الظهور 1

.كلما استدللت بشيء تظهره على غيره فهو عنوان له: ـ االستدالل2

. أي عرضته وصرفته إليه, عننت الكتاب لكذا: ـ عنونة الكتاب3

":عنا"ب ـ مادة

.أظهرته: وعنت األرض بالنبات. ظهر: عنا النبت يعنو: ـ الظهور1

)261(.سمة الكتاب: والعنوان, سم أو السمة ـ الو2

أو تخصيص الشيء بعالمة تدل , فمعاني الظهور واالستدالل والتعيين والوسم

هي جميعا تدخل ضمن وظائف العنوان أو تشملها مجاالته , عليه وتميزه من غيره

. الواسعة

د المعاصرين؛ وقد تمكن أحد الباحثين من تتبع وظائف العنوان عند بعض النقا

: هما, والقيام باستعراضها بعد تصنيفها إلى صنفين

: وتدخل ضمنها الوظائف اآلتية, الوظائف ذات طبيعة معرفية موضوعية

ويرى أن هذه الوظيفة األخيرة تهدف إلى تفكيك . والميتالغوية, التواصلية, المرجعية

ويلها مستخدما لذلك المعجم الشفرة اللغوية من طرف المرسل بغية وصف الرسالة وتأ

. أو القواعد اللغوية والنحوية المشتركة بينه وبين المرسل إليه

.15ج, مادة عنا. 13ج , لسان العرب؛ مادة عنن, انظر- 261

151

وتدخل , فهي وظائف ذات طبيعة ذاتية, أما الصنف الثاني من وظائف العنوان

والبصرية؛ وتهدف هذه الوظائف , الجمالية, التأثيرية, االنفعالية: ضمنها الوظائف اآلتية

كل ما يقع تحت البصر من ألوان وأشكال وخطوط للوصول إلى اكتشاف إلى تفسير

وميدانها هو الفضاء البصري بشكل عام . المشابهة القائمة بين العالمات البصرية

)262(.والطباعي منه بشكل خاص

أن العنوان يلعب دور الوسيط بين النص , يتضح من خالل هذه الوظائف وغيرها

ومن هنا , فهو مسؤول على إنشاء العالقة بين النص والقارئ,وبتعبير آخر, والقارئ

بعد أن اتضحت وظيفته , تبدو ضرورة تحديد عالقته بالنص والوظيفة التي يؤديها فيه

. أو وظائفه تجاه القارئ

-Trans ينتمي العنوان إلى ما أصبح يعرف عند السيميائين بالتعاليات النصية

Textualité ار جونات ـ تعني كل النصوص التي يتفاعل معها حسب جيرـ وهي

سواء تضمنها بداخله بشكل مباشر أم , النص اإلبداعي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة

.ضمني

والتي تتفرع إلى خمسة أنماط , ويدخل عنوان النص ضمن مجال هذه التعاليات

الميتاناص , Paratexteالمناص أو النص الموازي , Intertextualitéالتناص: هي

ومعمارية , hypertexteالنص الالحق, métatexte) ما وراء النص(

وينتمي العنوان إلى العناصر التي تكون النص الموازي . architexteالنص

Paratexte ,أما الداخلي فهو البنيات النصية التي سبق , داخلي وخارجي: وهو نوعان

النص اإلبداعي مع محافظتها فيه زمان وجودها زمان إدراجها أو تضمينها في

أما الخارجي فهو نوعان . حيث تبدو وكأنها تجاوره مما يسهل االهتداء إليها, باستقاللها

والتي يشملها إياه مؤلف , النوع األول هو كل النصوص المحيطة بالنص المبدع, أيضا

كلمات , لذيولا, التقديم, العناوين الفرعية الداخلية, العنوان األساسي: ومنها ,واحد

الهوامش والتعليقات وتوقيعات , الكلمات على ظهر الغالف, الغالف, الصورة, الناشر

, العدد الثالث, المجلد الخامس والعشرون, ؛ مجلة عالم الفكر» السيميوطيقا والعنونة « وياجميل حمد, انظر- 262

.101ص, الكويت, 1997 مارس-يناير

152

أما النوع الثاني من النصوص الموازية الخارجية )263(.المؤلف وكتابته الخطية األصلية

, المراسالت, الشهادات, التعليقات, القراءات النقدية: فتدخل ضمنها النصوص اآلتية

)264(.والمذكرات, االستجوابات

ويقوم سعيد يقطين باقتراح مصطلح آخر مكان مصطلح التعاليات النصية الذي

وهذا المصطلح يبدو أكثر حركية وإيحاء من سابقه , "التفاعل النصي"وضعه جينات هو

ألنه يتسع بسهولة ليشمل مفهوم جميع العالقات المتشعبة التي تربط اإلبداع القائم

ألنه " التفاعل النصي" نؤثر استعمال : (( فيقول, ئبة والمجاورة والداخليةبالنصوص الغا

-Trans) مقابل في التي هي " التعاليات النصية"ونفضله على , أعم من التناص

Textualité)فبما أن النص ينتج ضمن بنية . عند جنيت لدالالتها اإليحائية البعيدة

وبمختلف , ا تحويال أو تضمينا أو خرقاويتفاعل معه, فهو يتعالق بها, نصية سابقة

وعلينا من خالل التحليل أن نبحث في أنواع هذه . األشكال التي تتم بها هذه التفاعالت

)265(.))وفي أشكال اشتغالها داخل النص, التفاعالت

ومن جهتنا نرى أنه برغم ما يتوفر عليه هذا المصطلح من حركية فهو ال يعبر

والنصوص , اعل ذاتها التي تحدث بين النص اإلبداعي من جهةإال عن عملية التف

الموازية له من جهة ثانية؛ ويبقى عاجزا عن الداللة على النصوص الموازية التي هي

وبسبب هذا ال يمكن لهذا المصطلح أن . أساس عملية التفاعل إلى جانب النص اإلبداعي

.اتيحل مكان مصطلح التعاليات النصية الذي استعمله جين

أما البحث عن التفاعالت النصية فهو يتم ـ حسب سعيد يقطين ـ وفق الخطوات

فنجد أننا , نقسم النص إلى بنيات نصية, إلنجاز تحليل دقيق للتفاعل النصي: (( اآلتية

لغة وشخصيات ": عالم النص"وهو الذي يتصل بـ " بنية النص"أمام قسم منها نسميه

إن المتفاعالت النصية هي البنيات ". بنية المتفاعل النصي"يه وقسم آخر نسم... وأحداثا

وتصبح جزءا منها ضمن عملية " بنية النص"النصية أيا كان نوعها التي تستوعبها

, 1989بيروت, المركز الثقافي العربي, طبعة األولى؛ ال» انفتاح النص الروائي « سعيد يقطين, انظر- 263

.111 - 96ص .104 -102ص ؛» السيميوطيقا والعنونة « جميل حمداوي, انظر- 264 .98؛ ص» ئياانفتاح النص الرو « سعيد يقطين- 265

153

أي أن التفاعل النصي يتم بين طرفين نصيين محددين حسب )266(."))التفاعل النصي"

عيه الداخلي والخارجي والمناص بفر, بنية النص المبدع من جهة كطرف أول: اآلتي

.كطرف ثان

إن انتماء العنوان إلى مجموعة النصوص الموازية للنص اإلبداعي جعل جيرار

يمتلك , مثله مثل المقدمات أو النصوص النقدية, جونات يعتبره جنسا أدبيا قائما بذاته

ما يتميز ولعل أهم . كل المقومات التكوينية التي تميزه من غيره من النصوص الموازية

به العنوان هو تركيبته المعقدة نفسها التي ما زالت تجعله مفتوحا على المزيد من

من ذلك اعتراف جونات بعجزه على وضع تحديد له أو حصره , التعريفات والتنظيرات

داخل تعريف واضح وشامل يسمح من ثم بالتوصل إلى وضع اإلجراءات الالزمة

ل أكبر صعوبة تواجه هذا المسعى في نظر جينات هي ولع. لتحليله وفك بنيته المنغلقة

وإنما هو في أغلب الحاالت يقدم نفسه في , كون العنوان ليس عنصرا حقيقيا محددا

)267(.شكل مجموعة شبه مركبة

وهذا يعني في نظرنا أن العنوان ـ برغم قلة عناصره ـ هو منفذ نلج منه إلى

وهكذا . يكون ذا صلة وثيقة بموضوعاتية النصألنه يفترض فيه أن, عالم إبداعي معقد

ال تبدو أهمية العنوان للناقد وال قيمته الجمالية إال من خالل وضعه في إطار النص

ذلك ألن اشتراك عملين أدبيين أو أكثر في العنوان الواحد ال , اإلبداعي الذي ينتمي إليه

وال حتى متشابهة , تقاربةيجعل هذه النصوص وال عناوينها متطابقة في أدبيتها وال م

مما يعني أن العنوان إذا عزل عن النص الذي يعينه أو ينتمي إليه يكون . بالضرورة

. ومن ثم فهو ال يحمل أية داللة فنية, مفتوحا على كل الدالالت

حين يدعو إلى ضرورة ربط أحد الباحثين وهذه الحقيقة هي التي يؤكد عليها

إن القراءة الفاحصة : ((الذي هو النص الذي ينتمي إليه قائالداللة العنوان بسياقه

ربما , واالستقراء الداخلي للوظائف التي يؤديها في الشعر, للعنوان بوصفه بنية مختزلة

بل البد أحيانا من العودة إلى , وحسم مغزاه, ال تمكننا بسهولة من فهم داللة العنوان

.99-98ص, نفسه- 266 . 106-105؛ ص» السيميوطيقا والعنونة «جميل حمداوي , انظر- 267

154

لالقتراب من فك , أو الحوار معه, مناقشتهأو, قراءة النص األكبر ومحاولة مفاوضته

ومفاوضته في ضوء ما تحصل , والعودة إلى العنوان من ثم لمساءلته هو اآلخر, شفرته

وهو أن العنوان مكثف ويفتقر إلى , والسبب في ذلك واضح. لنا من معرفة النص

سعا من ويجعله يمتلك فضاء وا, وهذا االفتقار إلى السياق يمنحه دالئل كثيرة, سياق

)268(.))إن لم نقل يستحيل حصرها, التي يصعب , الدالالت

ما يشد االنتباه في هذا الحديث هو التأكيد على استحالة حصر دالالت العنوان

ذلك ألن دالالته ينبغي أن تصنع داخل إطار النص , بمعزل عن النص الذي ينتمي إليه

, شبهها بمعاني الكلمات في بطون المعاجمأما بعيدا عنه فدالالته يمكن أن ن, الذي يعينه

إذ هي ال تحيا إال داخل النص الذي تشارك في , "ميتة "فهي معان ثابتة ومستقرة و

أما سياق العنوان فهو النص الذي ينتمي إليه . وفي إطار السياق الذي ترد فيه, بنائه

.ويقوم بتعيينه

أما عن أهمية , ل جزءا منه هذا عن موقع العنوان من النص الذي يحدده ويشك

دراسته فتتمثل في قدرته على األخذ بيد الباحث لمساعدته على الكشف عن موضوعاتية

وربما لجميع , ألنه يفترض فيه أن يكون حامال لعنصر أو لجملة من عناصرها, النص

تبدو أهمية , هكذا إذن. وذلك متوقف على طبيعة موضوعاتية النص نفسها, عناصرها

فهي توجه جاد للوصول إلى اكتشاف النواة األساسية التي انبثق , دراسة العنوانالقيام ب

. ومن ثم التعديالت التي تفرعت عنها لتشكيل بنية النص وعالمه الفني, منها عالم النص

فهو يتطلب ,أن القيام بتحليل الشعر المعاصر ليس أمرا هينا" محمد مفتاح" يرى

وأول , من الدارس امتالك ثقافة نقدية واسعة تمكنه من بناء استراتيجية نقدية فعالة

خطوة تقوم هذه االستراتيجية بتنفيذها ـ في رأيه ـ كمدخل لتحليل النص هي الظفر

وبعد القيام بإنجاز هذه الخطوة الهامة يتقدم الناقد تجاه النص )269(.بمغزى العنوان

يقع الهجوم على القصيدة , وبتعبير محمد مفتاح, أسهل موقع يراه فيهويدخل إليه من

وذلك اعتمادا على ما أوحى العنوان , أي األكثر وضوحا, من الموقع األكثر ضعفا فيه

.43 ص,2001عمان , وزارة الثقافة األردنية, ؛ الطبعة األولى» السيمياء والعنونة « بسام قطوس - 268 .59ص, 1987بيروت, المركز الثقافي العربي, ؛ الطبعة األولى» دينامية النص «محمد مفتاح , انظر- 269

155

وبعد هذا يصل محمد مفتاح إلى إدراك أن العنوان هو المحور الذي يتولد )270(.به للناقد

إن العنوان يقدم لنا معونة : (( فيقول, ا جميالليشكل عالما فني, منه النص وينمو حوله

إذ هو المحور الذي يتوالد ويتنامى , كبرى لضبط انسجام النص وفهم ما غمض منه

فهو ـ إن صحت المشابهة ـ بمثابة , وهو الذي يحدد هوية القصيدة, ويعيد إنتاج نفسه

ير إلى اعتبار ثم يصل مفتاح في األخ)271(.))واألساس الذي تبنى عليه, الرأس للجسد

ألحمد " القدس"فيقول في سياق حديثه عن قصيدة , العنوان النواة التي ينبثق منها النص

أو , القدس األسيرة: فعنوان القصيدة التي بين أيدينا يحتمل أكثر من توقع: (( المجاطي

)272(.))والنواة األولى هي التي قلبها الشاعر وولد منها قصيدته. القدس المحررة

مفتاح قبل هذا الحديث عن العنوان النواة حديث آخر قريب جدا من فكرة ولمحمد

التعديالت التي يعمل المنهج الموضوعاتي على اكتشافها وإرجاعها إلى الموضوعاتية

إننا نميل إلى اآلراء التي تدعي أن أية قصيدة عبارة عن تقليب : (( وهو قوله, األساسية

ن النموذج جملة أو كلمة مذكورة أو وقد يكو, نموذج لغوي في صور مختلفة

) 273(.))مضمرة

, والمالحظ هنا أنه ال يحدد لنا أصحاب هذه اآلراء وال المنهج الذي تنتمي إليه

ولكن ال نستبعد أن يكون قد استقاها من المنهج الموضوعاتي لتطابقها مع فكرة

ويتضح ذلك جليا لما , هجالتعديالت التي عرفناها فيما سبق من حديث عن هذا المن

إذ نجد أنهما يكونان نصا واحدا , نضع حديثه هنا إلى جوار حديثه السابق عن العنوان

حسب الصورة , عن الموضوعاتية األساسية وتعديالتها المتتابعة في النص" يتحدث"

, النواة األولى التي قلبها الشاعر وولد منها قصيدته] هو[فعنوان القصيدة : (( اآلتية

ألننا نميل إلى اآلراء التي تدعي أن أية قصيدة عبارة عن تقليب نموذج لغوي ] ذلك[

وهذا كما .)) وقد يكون النموذج جملة أو كلمة مذكورة أو مضمرة, في صور مختلفة

ذكرنا هو نفسه الذي يذهب إليه المنهج الموضوعاتي الذي يعتبر النص األدبي عالما

.60ص, نفسه, انظر- 270

.72 ص,نفسه - 271 .72ص, » دينامية النص « محمد مفتاح - 272 .72 ص, نفسه- 273

156

. وتشكل من تعديالتها المتتابعة حتى اكتمل بناؤه, فنيا انبثق من موضوعاتية أساسية

وسواء تم إنجاز تلك التعديالت بكامل عناصر الموضوعاتية أم ببعضها أم بواحد منها

.فقط

Léo" (ليو هويك: " وينقل جميل حمداوي عن مجموعة من الدارسين منهم

Hoek(كلود دوشيه" و) "Claude Ducher (جان ريكاردو"و) "Jean Ricardou (

قولهم بفكرة النواة التي يتوالد منها النص األدبي؛ فيرى ليو هويك أن العنوان بنية

فإذا كان النص هو المولود فالعنوان هو المولد الفعلي , رحمية تولد معظم دالالت النص

أو هو , ويعتبر كلود دوشيه العنوان هو مولد النص. لتشابكاته الفنية وألبعاده الفكرية

أما جان ريكاردو . لى األقل دور الحافز الرئيسي المفضي إلى هذه الوالدةيلعب ع

)274(.فيكتفي بمالحظة وجود عالقة إنسالية بين العنوان والنص ينتج عنها تشكل النص

إنه النواة المتحركة : (( وينقل جميل حمداوي عن شعيب حليفي قوله عن العنوان

فهي تأتي كتساؤل يجيب عنه النص إجابة .. .التي خاط المؤلف عليها نسيج النص

)275(.))كإمكانية اإلضافة والتأويل, مؤقتة للمتلقي

العنوان , العنوان نواة متحركة: ويمكن أن نميز في هذا الحديث العناصر اآلتية

.النص إجابة خاطها المؤلف على النواة, تساؤل يجيب عنه النص

د شعيب حليفي فهو أمر يتفق مع ما يقول به فكون العنوان نواة متحركة عن

التي جاءت في كالمه بالتعديالت " الحركة"وذلك لما نقوم بمقابلة , المنهج الموضوعاتي

وهنا تلتقي الفكرتان ويستمر , لتكوين النص وبنائه, التي تقوم بها الموضوعاتية النواة

, تضمنه ذلك الحديثهذا االلتقاء قويا بينهما مع العنصر األساسي الثاني الذي

ألن اإلجابة هي فعال وليدة , "النواة تساؤال يجيب عنه النص"والمقصود به اعتبار

فهو المولد والنص هو المولود؛ ثم إن اإلجابة هي الحديث عن موضوع , السؤال

.أو أن اإلجابة هي صياغة جديدة إيجابية للسؤال, من هذا ننتقل إلى تلك, السؤال

. 107 -106؛ ص»السيميوطيقا والعنونة«وي اجميل حمد, انظر - 274 .109ص, نفسه- 275

157

, والمنهج الموضوعاتي من جهة ثانية, لتقاء بين كالم حليفي من جهة ولكن هذا اال

يصاب بانقطاع عند العنصر الثالث منه الذي يعتبر النص فيه إجابة خاطها المؤلف

ال تلده وال , على النواة؛ ألن الكالم هنا يعني أن النواة أصبحت شيئا مستقال عن النص

عليها " يخيط"ير بذلك وسيلة في يد المؤلف لتص, مما يفقدها أهميتها الحيوية, تصنعه

وهذا يناقض ما ورد في العنصرين السابقين من الكالم أين كانت النواة . نسيج النص

.تتصف بالحركة والحيوية والقدرة على التأسيس لبناء عالم النص وجماليته

هو ما يفيد أن صاحبه يعتبر أن العنوان " الحكاية والمتخيل" ونجد في كتاب

يبدو : ((إذ يقول, وحوله يتم بناء عالمه وإنجاز أدبيته, منه ينطلق تكوينه, مصدر النص

فنرى أن هذا الكالم يصب )276(.))وكأن النص يتكون ويتشكل من العنوان وحوله

بدوره في مجال مفاهيم المنهج الموضوعاتي حول النواة األساسية التي ينبثق منها

.النص اإلبداعي

ثم تناول , ذا التوضيح الذي انطلق من بحث موقع العنوان من النص وبعد ه

حيث تبين لنا أن العنوان , وظيفته تجاه النص بعد أن أشرنا إلى وظائفه تجاه المتلقي

ومن ثم يكون , ينتمي من جهة إلى مجال النصوص الموازية للنص الذي يسميه ويعينه

ة التي ولدت النص أو عنصرا من ومن جهة ثانية فهو النوا, هو المدخل إلى النص

فما النص إال الصورة النهائية التي كونتها النواة الموضوعاتية من . عناصر تلك النواة

وقد يكون العنوان هو نفسه موضوعاتية النص أو تعديال من , خالل تعديالتها المستمرة

. أنواع تعديالتها

ن العنوان والنص عالقات ساكنة وفي األخير تبقى جميع هذه العالقات القائمة بي

وخرصاء عاجزة عن الكشف عن نفسها أو اإلعالن عن وجودها حتى يتوفر لها القارئ

وهذا القارئ , الذي يحول سكونها إلى حركة وخرصها إلى فصاحة وعجزها إلى قوة

إذ يفترض فيه أن يمتلك إلى جانب الذكاء الحاد واإلحساس , هو القارئ المثالي طبعا

ثقافة واسعة وقدرة فائقة على إنجاز عمليات التأويل المنسجمة , والذوق السليمالمرهف

هذا ما نريد أن ننهي به حديثنا , وخارجيا مع عالم النص المنسجم, مع نفسها, داخليا

.39؛ ص» الحكاية والمتخيل « فريد الزاهي- 276

158

أما خالصته فنفضل أن تكون بهذا الحديث الذي يقدمه روبرت شولز , حول العنوان

: قائال, والقارئ, النص, العنوان: األطراف الثالثةحول العالقة العضوية التي تشد بين

وليس في وسع العنوان والنص الشعري , إن العنوان وحده لن يؤلف النص الشعري((

العنوان والنص فإنه سيستحث على " القارئ"وإذا أعطي . معا أن يخلقا قصيدة بمفردهما

حة له ال توفر له أكثر من غير أن الممكنات المتا, لن يكون مجبرا بالطبع, خلق القصيدة

) 277(.))هذا

: ـ مجال النقد الموضوعاتي5

يبدو من حديثنا السابق عن التأويل والعنونة أن التأويل هو المحرك األساسي

ألن هذه العملية ال يمكن تحريكها ودفعها إلى األمام إلنتاج , لعملية النقد الموضوعاتي

به تخلق , رنا التأويل هو منطلق القراءة الموضوعاتيةوبناء على هذا اعتب. المعنى بدونه

وكذلك تنطلق القراءة . وفي الوقت نفسه تحقق للنص وجوده, المعنى وتحقق ذاتها

وهذا االنطالق يقوم على افتراض أن العنوان هو , الموضوعاتية من عنوان النص

أو عناصرها وهذا يعني أن الموضوعاتية , أو هو إحدى تعديالتها,موضوعاتية النص

ويمكن أن نمثل لهذا بموضوعاتية العضة التي انبثقت . تدور في فلك العنوان ومتعلقة به

حيث وردت هذه الموضوعاتية بوضوح وألول مرة في روايته , منها أعمال استنادال

فعنوان الرواية كما نرى ال يمثل موضوعاتية نصوص استاندال ". حياة هنري بروالر"

بينما لما ننتقل إلى عناوين روايات . أي بحياة شخصية هنري بروالر, ولكنها متعلقة به

استاندال األخرى نجدها معبرة بوضوح عن موضوعاتية العضة حسب ما رأينا ذلك في

األحمر "لما استعرضنا جانبا من تحليل جان بول ويبر لعنواني روايتي , هذا الفصل

". الوردي واألخضر"و" واألسود

وسيشمل , "مجال النقد الموضوعاتي"تبع من هذا الفصل فسنبحث فيه أما فيما سي

من هذا البحث هو غرضناو). النسبية(والجزئية , التحليل النفسي: موضوعين هما

إذ وقع في بعض , توضيح عالقة النقد الموضوعاتي بالنقد القائم على التحليل النفسي

ن بيار ريشار وجان بول ويبر كما حسب ما يالحظ ذلك جا, األذهان عدم التمييز بينهما

.73؛ ص» السيمياء والتأويل «روبرت شولز - 277

159

هذا من جهة؛ ومن جهة ثانية نريد أن نكشف هنا عن رفض المنهج , سنرى

كأن يعتبر النقاد الموضوعاتيون غيره من المناهج , الموضوعاتي احتكار الساحة النقدية

. النقدية أقل فعالية لتحليل النصوص األدبية

الموضوعاتي هو الكشف عن أصالة هذا وهكذا سيكون الحديث عن مجال النقد

المنهج من خالل اختالفه عن المناهج النقدية األخرى واستقالله عنها؛ فإذا حدث أن

التقى بها في نقطة ما أو إجراء معين فإن هذا االلتقاء سيكون التقاء استيعاب وهضم

ه حاالت وهذ. يؤدي إلى إغناء المنهج دون إضعاف تمايزه عن غيره واالستقالله عنها

حسب ما , ال يخفيها رواد الموضوعاتية وال يرون أي إحراج في االعتراف بوجودها

فإننا سنبين من , "الجزئية"أما العنصر الثاني من هذا المجال وهو . سنرى ذلك في مكانه

خالله الحدود القصوى التي يطمح هذا المنهج إلى بلوغها في عملية تحليل النص

ألن هذا المنهج يعتبر كل قراءة ينجزها حول نص , بالنسبيةوهي حدود تتميز, األدبي

هي قراءة واحدة ممكنة ضمن مجموعة واسعة من القراءات األخرى الممكنة , أدبي ما

". بمجال النقد الموضوعاتي"وبهذا تتضح الخطوط العامة لما نقصده . حول النص نفسه

: وهذا اآلن توضيح للعنصرين األخيرين من هذا المجال

:أ ـ التحليل النفسي

يعتبر المؤلف في نظر التحليل النفسي نصا تتم قراءته من خالل تحليل عمله

أما إذا سبق . وبهذا تصبح الغاية من تحليل النص هي التوصل إلى فهم صاحبه, األدبي

إلى فسيتحول النص في هذه الحالة , للناقد أن كون لنفسه صورة ما عن صاحب النص

ومن جهة . وسيلة لتأكيد عناصر تلك الصورة وتعميقها وتوسيعها إلى عناصر أخرى

أخرى تكون عناصر تلك الصورة الحاضرة مسبقا في ذهن الناقد عبارة عن إجراءات

ومن هنا تكون درجة نجاح التحليل متناسبة مع ما . يستضيء بها لقراءة النص

مع العلم أن . ي تربط حياة المؤلف بنصهسيتوصل إليه من إبراز لمستوى العالقة الت

أشهرها , حياة المؤلف تم اختصارها في التحليل النفسي إلى مجموعة من العقد النفسية

. وليس هذا شأن المنهج الموضوعاتي حسب ما رأينا. عقد أوديب والنرجسية

راه إذا كان من حق األدب أن يأخذ من حياة صاحبه أو من الواقع عموما كل ما ي

العمل ): (( Jean Rousset" (جان روسي"مناسبا لبناء عالمه الجمالي حسب قول

160

أنواع العناصر له القدرة على استخدام كل ,األدبي مبدئيا هو بحث واستكشاف وتنظيم

وهو يفعل ذلك دائما حسب حاجاته وحياته . وفي الذكريات ,الموجودة في الواقع

أبدا بتقديم أي تبرير على قيامه بتكسيره لنظام فهو أيضا ليس مطالبا )278(.))الخاصة

يسأل عن عدم مطابقة عالمه بل بالعكس فهو ال. أشياء هذا الواقع أو تشويه تكوينه

ألنه في هذه الحالة يتوقف عن كونه إبداعا ليصبح , وإنما يسأل حين يطابقه, للواقع

ومن ثم عن الشروط التي , وهنا يتخلى عن أدبيته و تفرده. تكرارا و تقليدا أو تقريرا

في باشالر وقد وجد غاستون. تصنع وجوده المتميز ضمن األشياء التي تصنع الواقع

ما يوضح به هذه " البحث عن الزمن الضائع"موقف إحدى شخصيات رواية بروست

إن الرسامين المعاصرين : (( النظرة المتقدمة إلى طبيعة عالقة الفن بالواقع حيث يقول

لقد قال بروست في . تبرون الصور الفنية كبديل بسيط للواقع المعاينلم يعودوا يع

إنها ـ أي " ألستير"عن الزهور التي ترسمها " البحث عن الزمن الضائع"روايته

)279(.))وكأنه عالم بستنة ماهر, فصيلة جديدة أغنى بها الرسام عائلة الزهور"الزهورـ

حياة أية شخصية أدبية هي حياة جديدة وقياسا على هذا نعتبرمن هنا أيضا يصح اعتبار

ومن ثم ال يمكن أن تكون حياة ". خالق ماهر"ومؤلفها هو , "عائلة الحيوات"ضمن

ألن حياة المؤلف هي حياة , المؤلف عنصرا ضروريا أو الزما لتحليل النص األدبي

وأن هذا النص تمأل عالمه الفني وتصنعه حياة , تعيش خارج عالم النص األدبي

لوسيان "يقول , أو هي ليست سوى شخصيات من ورق, ات فنية خياليةشخصي

ليست السيرة الذاتية للكاتب عنصرا أساسيا : (( (Lucien Goldmann)" غولدمان

إذ بقدر . هذا العمل" لفهم"فمعرفة أفكاره وتوجهاته ليست عامال أساسيا , العمل" لشرح"

ثم )280()).وعلى أن يفهم بذاته, حياةبقدر ما يكون قادرا على ال, ما يكون العمل مهما

يضيف موضحا أن اللجوء إلى معرفة حياة الكاتب واالستعانة بها لفهم عمله هو دليل

278 - Jean Rousset « La critique comme recherche des structures »; in , Roger Fayolle « La critique littéraire », P.363.

.30؛ ص» جماليات المكان «غاستون باشالر - 279280 -Lucien Goldmann « Comment comprendre la fonction de ľ individu dans la création littéraire »; in, Roger Fayolle « La critique littéraire », P.353.

161

ليس في حاجة إلى , ذلك ألن العمل الجيد حسب رأيه, واضح على ضعف هذا العمل

)281(.فجودته و قوته وحدهما يحققان له ذلك, استحضار السيرة الذاتية لمؤلفه حتى يفهم

نه إوالذي يقول عنه , فيفضل الحديث عن النقد النفسي" شارل مورون" أما

تقوم األولى بالبحث في أعمال : طريقة لتحليل النصوص األدبية تشمل أربع عمليات

وبعد هذا تأتي العملية الثانية . المؤلف على الخطوط الملحة فيها والتي تشكل بنيتها

أما العملية الثالثة فتقوم بالتأويالت . معاتها وتكوينهالتقوم بدراسة الموضوعات وتج

الالزمة في ضوء التحليل النفسي الذي يؤدي إلى بناء تصور عن الشخصية الالوعية

أما العملية الرابعة فتتمثل في مقارنة النتائج التي أفرزتها العملية الثالثة . للمؤلف

دامت صورة الشخصية الالوعية هي والتي يجب أن تؤكدها ما, بالسيرة الذاتية للكاتب

وبعد استعراض هذه العمليات األربعة التي يقوم عليها النقد )282(.اإلنسان والكاتب نفسه

تأتي مرحلة , بعد االنتهاء من تحليل الموضوعات الملحة: (( النفسي يخلص إلىالقول

أو على , وهي مرحلة يجب أن تؤكد السيرة الذاتية للكاتب نتائجها, التأويل الضروري

)283(.))األقل ال تتناقض معها

تقترب طريقة النقد األدبي التي يقدمها شارل مورون هنا بالخطوط العريضة التي

. وبالخصوص في جانبها الذي تركز فيه على النص, يقوم عليها المنهج الموضوعاتي

يام بمقارنة وبعد ذلك ترى ضرورة الق, بحيث تجعل التحليل يقوم على تناول النص أوال

النتائج المحصل عليها بحياة المؤلف للتأكد من سالمة التحليل وصحة نتائجه؛ ومعنى

أو أن حياة المؤلف تصبح , هذا أن التحليل ال يتخذ النص وسيلة لقراءة حياة المؤلف

إن تدخل حياة المؤلف . إجراء لقراءة النص كما هو األمر في التحليل النفسي الفرويدي

تحليل األدبي عند شارل مورون هو تدخل متأخر عن عملية التحليل األدبي في عملية ال

عند هذه , ودوره هو تأكيد صحة التأويل من عدمه, إنه يأتي في مرحلة تالية له, نفسها

. أما عملية التحليل نفسها فال دخل لهذه الحياة فيها. النقطة يبدأ وعندها ينتهي

281 -Voir, ibid; P.354. 282 -Voir, Charles Mauron « La psychologie et sa méthode »; in, Roger Fayolle « La critique littéraire », P.358, 359. 283 - Charles Mauron « La psychologie et sa méthode », P.359.

162

, د شارل مورون ضمن نقد التحليل النفسي وفي ضوء هذا ال يمكن إدراج نق

الذي يعتبره منغمسا في دائرة التحليل " أوتيس فالوس"حسب ما يذهب إلى ذلك

وإن كان ـ في رأيه ـ ال يدخر أي جهد للسير بهذا النقد في اتجاه ,الفرويدية الضيقة

ع م ,وإنما هو نقد له صلة بالنقد الموضوعاتي لألسباب التي ذكرناها )284(.جديد

المالحظة أن هذا الصلة تبقى في مستوى الخطوط العريضة للمنهج الموضوعاتي

.حسب ما يتضح من آرائه السابقة

أما غاسطون باشالر فيقف من الدارسين الذين يحاولون استغالل أدوات التحليل

ذلك ألن هذا التوجه , النفسي لدراسة النصوص األدبية موقف فيه شيء من السخرية

بل ينحرف به إلى مجال آخر غير , ي في نظره يبعد كثيرا بين الناقد وموضوعهالنقد

ثم إن هذه الدراسة . إنه مجال دراسة شخصية المؤلف بدال من أدبه, مجال األدب تماما

, نفسها ال يمكنها أن تقدم شيئا ذا أهمية عن شخصية المؤلف ألنها ليست مؤهلة لذلك

سواء كان هذا , هو بعيد عنها, شخصية الكاتبزيادة على كونها تدرس موضوعا أي

ولهذا يرى أن النقد الذي يستخدم أدوات التحليل النفسي . البعد هو بعد مكاني أم زماني

وهو لما , هو نقد يترك النص لينصرف عنه إلى البحث في حياة المؤلف وتحليل نفسيته

سعيا من وراء ذلك , يفعل ذلك يكون كمن يقوم بتحليل السماد الذي تتغذى منه الزهرة

وليس األمر على هذه الحال مع النقد )285(.إلى دراسة الزهرة نفسها وتفسير جمالها

الموضوعاتي الذي تعتبر الحلولية في النص المنقود وإبعاده عن ظروف إنتاجه من

ذلك ألن األدبية التي تصنعها الموضوعاتية األساسية ,الشروط األساسية التي يقوم عليها

وليس , بل هي النص نفسه, ديالتها هي أدبية موجودة في النص وليس خارجهبفضل تع

. التحليل إال عمال يهدف إلى الكشف عنها

ومن الطريف أن يقيم باشالر رفضه للنقد القائم على التحليل النفسي وسخريته

أحد أبرز تالميذ" غوسطاف يونع"أال وهو , منه على آراء رائد من رواد علم النفس

فرويد الذي يؤكد أن التحليل النفسي ال يقدم أي عون مهم للنقد األدبي وإنما األمر على

إلى مؤلفه الذي , فهو يصرف الناقد عن موضوعه الذي هو النص األدبي, عكس ذلك

284 -Voir, « Préface » de Otis Fellows ; J. P. Weber ; « Stendhal… » P.10.

.27؛ ص» جماليات المكان « استون باشالرغ, انظر- 285

163

والتي هي في الحقيقة , يصبح في نظره رقما مرضيا يعاني من مشكالت نفسية

يستطيع بالطبع المحلل : (( باشالر بقولهمشكالت إنسانية عامة؛ وهذا ما يوضحه

ولكنه بسبب بقائه المؤقت ـ أي المحلل , النفسي أن يدرس الشخصية اإلنسانية للشاعر

فهو غير معد لدراسة الصور الشعرية في واقعها , ـ في منطقة االنفعاالت الحادة

إصدار بمواصلة اتباع عادات : وقد قال عالم النفسي يونغ هذا بكل وضوح, المتوهج

فإن االهتمام ينصرف عن العمل الفني ويضيع في "الحكم الكامنة في التحليل النفسي

فيصبح الشاعر حالة , بالبحث في السوابق واألحداث القديمة, فوضى متاهة علم النفس

وهكذا فإن . يحمل رقما في سايكولوجية الجنس المرضية, مثاال توضيحيا ,مرضية

يبعد بالفن عن غرضه ويحوله إلى منطقة المشكالت التحليل النفسي للعمل الفني

كما أنها ليست ذات , ومثل هذه المشكالت ال تقتصر على الفنان وحده, اإلنسانية العامة

) 286(.")) أهمية بالنسبة لفنه

وعجزه عن البقاء في , ولما يتحدث باشالر عن نقائص التحليل النفسي لألدب

انجذابه المستمر إلى حياة المؤلف التي هو مأسور رحاب الموضوع الذي يدرسه بسبب

فهو يفعل ذلك بمقابلته بالناقد الظاهراتي الذي يرى نفسه ـ وهو على , بها على الدوام

كما يمثله أيضا رواد المنهج المضوعاتي لتبنيهم لقاعدة فكرية ذات , حق ـ أنه يمثله

. حسب ما مر بنا, أسس ظاهراتية

حدد لحظة والدة الصورة الشعرية بأنها لحظة سعادة يعيشها فهو لما ي, وهكذا

يرى أن هذه الفكرة غير مقبولة من المحلل النفسي الذي يعتبر أن السعادة التي ,الشاعر

وبالتالي , تبدو في حديث الشاعر هي نتيجة لحالة شقاء يعيشها في عالمه الداخلي

ومن هنا ينتج , ي يعانيها الشاعرفالسعادة الظاهرة هي مجرد تعويض لحالة شقاء داخل

لينصرف عنه إلى مؤلفه , انحراف المحلل النفسي عن موضوعه الذي هو النص األدبي

, فيبحث في حياته وفي نفسيته فيدخل بذلك إلى ميدان أخر مختلف تماما عن ميدانه

ر وهذا عكس ما هو عليه األم, زيادة على أنه ليس مؤهال للقيام به وال مطالبا به أيضا

فكالهما ال ينظر إلى سعادة الفنان على أنها . عند الناقد الظاهراتي والموضوعاتي أيضا

.28ص, نفسه- 286

164

حالة مزيفة تخفي وراءها حقيقة مغايرة لها تماما هي الشقاء؛ كما أنهما يتقيدان بالنص

تأتي بعد عملية التحليل , اإلبداعي وال تهمهما حياة المؤلف إال في حدود ضيقة جدا

وقد ال يعطي لها حتى هذا الدور الثانوي متى كانت هذه الحياة مجهولة لتأكيد نتائجها؛

أو صعب إيجاد عالقة بين محطة من محطاتها وبين , تفاصيلها عند الدارس

وعلى قوة النتائج التي , فحينئذ ال يعتمد التحليل على النص, الموضوعاتية المقترحة

يقول باشالر إذن في رده عن . ستوصل إليها لتحقيق التوافق مع انسجام النص المدرو

ويصر , المحلل النفسي الذي يرفض النظر إلى حديث الفنان على أنه تعبير عن سعادته

, الظاهراتي ال يذهب إلى هذا الحد: (( على أنه منظر سطحي يخفي وراءه شقاءه

وهو ال يحتاج إلى , وكلمة الشاعر تخاطبه, والكلمة تنطق, فبالنسبة إليه الصورة قائمة

هناءة , المرور عبر معاناة الشاعر ليستوعب هناءة الحديث الذي يقدمه له الشاعر

. إن التسامي في الشعر يعلو فوق سايكولوجية الروح الشقية. تسيطر على المأساة ذاتها

إن الشعر يمتلك هناءته الخالصة مهما كان حجم . وذلك ألنها حقيقة ال يمكن إنكارها

) 287(.))المأساة التي يصورها

ويتناول جان بيار ريشار عالقة المنهج الموضوعاتي بالتحليل النفسي بلهجة

متزنة تغيب فيها روح السخرية واالنفعال التي طبعت جانبا من آراء باشالر السابقة في

مما سيؤدي عند , وإن كان يتفق معه حول اختالف مجال عمل كل منهما, الموضوع

النص األدبي إلى انحراف النقد عن موضوعه استخدام التحليل النفسي لدراسة

وميدانا , والنتيجة أن النص يصبح وسيلة لدراسة المؤلف. لينصرف إلى المؤلف

دون أن يجني , الستقبال أفكار وأحكام مسبقة متعلقة بحياة المؤلف وبنفسيته وتبريرها

يقول الناقد األدبي مقابل ذلك أية فائدة تسمح بالكشف عن أدبية النص؛ وفي هذا

أنا ال أرفض طريقة دراسة المكونات النفسية للشعراء مثال من خالل : (( ريشار

لكن أسيء استعماله من جهة النقد , هذا المنهج سليم من جهة علم النفس. كتاباتهم

إن تفسير العمل األدبي في ضوء الظروف النفسية .األدبي بشكل قد فقد معه كل فائدة

بل يشتت الجمالية الفنية التي تؤسسه , من استيعابنا لهالواعية ـ الالوعية ال يزيد

.27ص, » جماليات المكان « غاستون باشالر- 287

165

وإلى تعقيدات المواقف , ثمة عناصر بارزة في النص مردها إلى طفولة. كنص

, لكنها ال تستطيع أن تحول األثر األدبي بكليته إلى بلورة جمالية لعقد نفسية. الماضية

)288(.))تكون مرضية في أغلب األحيان

شار بوجود عالقة بين النص األدبي ومرحلة طفولة المؤلف ومع اعتراف ري

فإنه يبقى حذرا حول تحديد كيفية اشتغال هذه المرحلة , وبماضيه بشكل عام, بخاصة

ومن هنا . الماضية في ذهن الفنان على مستوى وعيه والوعيه إلنتاج العمل اإلبداعي

قائمة بين الطرفين لنرفع لم يعد كافيا اليوم أن نتوصل إلى اكتشاف هذه العالقة ال

ذلك ألن هذه العالقة , أصواتنا بأننا حققنا انتصارا نقديا أو قراءة معمقة للنص األدبي

بكل بساطة ليست هي أدبية النص؛ إنها عامل اشتغل إلى جانب عوامل أخرى وأدى

وإذا كان المنهج. ولكن كيفية اشتغاله تبقى دون تفسير. دوره إلى جانبها إلنتاج النص

فريشار وغيره من النقاد الموضوعاتيين ال , الموضوعاتي ال يملك اليوم تفسيرا عن ذلك

وهو الذي صرف أصحابه نظرهم عن النص , يعتقدون أن التحليل النفسي مؤهل لذلك

:وذلك في قوله, "فرسان الفشل"مما جعل ريشار يخلص إلى أنهم , األدبي نحو مؤلفه

يرا يقع فيه أتباع طريقة التحليل النفسي عندما يؤكدون منهجيا كب نعتقد أن ثمة خطأ((

من . أن طفولة الكاتب ومقومات ماضيه الكئيبة أو الضاحكة ميدان خصب للتخمين

, المسلم به اليوم أن عناصر العمل الكتابي تنطوي على قدر كبير من الحياة الالشعورية

رفة اآللية العميقة للعمليات لكن إذا سلمنا بمع. وأحيانا الالشعور أهم بكثير من غيره

وإذا أخذنا بعين االعتبار ما . فإن إحاطتنا بها تبقى جزئية وعرضة للفرضيات, الذهنية

سيكولوجية العقل " ويونغ عن غوطة قي كتابه , نشره فرويد عن ليونرد دو فنشي

)289(."))فرسان الفشل" فإنه يمكننا عندئذ أن نصف المحللين بـ " الباطن

دون أن يقطع عالقته به , ذا يسلك ريشار مسلكا نقديا مخالفا للتحليل النفسي وهك

وبالخصوص منها المنهج البنيوي , أو بغيره من التوجهات النقدية والمناهج العلمية

والذي كان إلى وقت قريب يركز على , والسيميائي الذي ينتهجه جيرار جينات وغيره

قبل أن يكتشف , ية بعيدا عن المؤثرات الخارجيةالنص فقط بغاية استكشاف بنيته الداخل

.195ص, »...النقد البنيوي الحديث « فؤاد أبو منصور ,حوار ,جان بيار ريشار - 288 .195ص, »...النقد البنيوي الحديث «فؤاد أبو منصور , حوار ,جان بيار ريشار - 289

166

وإنما هو منفتح على العالم , أن النص ليس عالما مغلقا على ذاته وعلى بنيته الداخلية

وقد صنف جينات هذا المحيط الخارجي الذي يتعالق به النص اإلبداعي . الذي يحيط به

. التعالي النصي و ,والميتاناص, التناص: منها, إلى أصناف

وقد استطاع ريشار أن يهتدي بفضل حسه النقدي الرفيع إلى أن االنغالق في

ذلك ألن النص األدبي هو أكبر من جميع , منهج واحد هو سلوك غير علمي وقاتل

مما يفرض على الناقد االستعانة عليه بكل ما , ومتجاوز ألدواتها باستمرار, المناهج

نحن نتجنب التحليل : (( لنقدية؛ ولهذا نجده يقوليبدو فعاال من أدوات مختلف المناهج ا

" غيتو"وحتى النقد الجذري ليس, ونحاذر النقد التاريخي االجتماعي, النفسي الفرويدي

إننا نستعين بكل هذه المحاوالت العلمية اللتقاط النبض األساسي للنص الذي . مقفال

الذي نحى منحى إيحائيا دون أن نندمج فيه على طريقة جورج بولي , نعتبره واقعا حيا

إننا نقوم بقراءة متأنية للنص على طريقة جيرار جينات الذي حاول تخطي . في نقده

وإنه استطرادا يعبر , المسلمة القائلة بأن األثر األدبي محدد بصورة جوهرية بمؤلفه

وفي مقابل قناعة ريشار بعجز التحليل النفسي عن اكتشاف أدبية النص أو ) 290(.))عنه

" الموضوعاتية األساسية"والذي يقصد به " النبض األساسي للنص"طلق عليه هنا ما ي

فهو يحاول أن يفتح للتحليل , التي انبثق منها النص بفضل التعديالت التي طرأت عليها

النفسي مجاال جديدا يصب في مجال عالقة القارئ بالنص األدبي ودوره في إنتاج

يمكنه أن يساعد على اإلحاطة المسبقة بطبيعة المعنى؛ بحيث يرى أن التحليل النفسي

وهذا كله يمكن أن , ومن ثم إمكانية التنبؤ بنتائج هذا التفاعل, تفاعل القارئ بالنص

الجذريون ال ينفون العالقة : (( ولذا نجده يقول, يستغله المؤلف في عملياته اإلبداعية

التأثيرات التي تمارسها ومن الضروري أن تنحصر في . بين علم النفس والنقد األدبي

إن )291(.))وليس فقط على شرح شخصية الكاتب من خاللها, الكتابة على نفسية القارئ

هذا التفاعل الذي يحدث بين القارئ والنص هو تفاعل يمكن لعلم النفس أن يساعد على

وهذا متى عرف النقد , اإلحاطة به واإلمساك على عناصره وفق منهج علمي دقيق

والتي هي القارئ كما , يحة التي ينبغي أن توجه إليه معطيات علم النفسالوجهة الصح

.197ص, »...النقد البنيوي الحديث «فؤاد أبو منصور , حوار ,ان بيار ريشار ج- 290 .195ص, نفسه- 291

167

ذلك ألن النص األدبي له مناهج , ذكر ريشار وليس النص اإلبداعي أو المؤلف نفسه

, أما المؤلف فهو قبل كل شيء إنسان سوي, خاصة لدراسته ومنها المنهج الموضوعاتي

هنا يجدد ريشار دعوته إلى عدم وليس حالة مرضية تتطلب الفحص والعالج؛ ومن

وإنما ينبغي أن توجه نحو , توجيه أدوات علم النفس تجاه المؤلف أو نصه اإلبداعي

ألن هذا هو المجال الذي , القارئ لمعرفة طبيعة التفاعل الذي سيحدث بينه وبين النص

يمكن لعلم النفس أن يقدم فيه خدمات هامة في مجال البحث عن العالقات التي تربط

باستطاعة الناقد : (( وهكذا يقول ريشار, القارئ, النص, المؤلف: بين األطراف الثالث

أن يستلهم من علم النفس منهجا دقيقا يمكنه من اإلحاطة المسبقة باالنفعاالت التي

)292(.))يثيرها النص في نفس القارئ

عنه على لم يعتمد جان بول ويبر لإلعالن عن رفضه للتحليل النفسي وابتعاده

وال على , أسلوب السخرية الذي طبع جانبا من آراء باشالر السابقة حول هذا الموضوع

التركيز على انحراف هذا التحليل عن النص األدبي لينصرف عنه إلى مؤلفه حسب ما

والتي , وإنما سار نحو ذلك باالنطالق من آراء بعض النقاد المختلفة, وضح ريشار ذلك

فبينما يلومه بعضهم عن عجزه على تطوير أدواته , بعضجاءت معاكسة لبعضها

يلومه , النقدية وبقائه متمسكا بأدوات ومفاهيم التحليل النفسي التي تجاوزها الزمن

فيرد ويبر . البعض اآلخر عن انصرافه عن هذه األدوات ولم يعد يستعين بها بقدر كاف

مكن ألحد أن يتهمنا بأن أعمالنا إننا نعتقد بكل صدق بأنه ال ي: (( على الفريقين بقوله

ذلك ألننا نرفض ما تقوم به الفرويدية لما , النقدية تنتمي إلى التحليل النفسي الفرويدي

ترجع كل التوترات العاطفية والصراعات النفسية إلى عقدة واحدة هي ـ حسبها ـ

إن هذه النظرة. عقدة أوديب وما يالزمها من عقد أخرى كالخصي والعجز الجنسي

االختزالية المتمثلة في العقد النفسية والتي يجعلها التحليل النفسي محورا يشد إليها

أدت إلى انحصار الدراسات , األعمال اإلبداعية ومؤلفيها ليحاول بناء تحاليله النقدية

وتشابه نتائجها التي كثيرا ما تأتي حديثا عن المؤلف , النقدية وتقاربها من بعضها بعض

إننا ال نستطيع هنا إال تكرار ما سبق أن قلناه في . و نصوصه اإلبداعيةبدال من نصه أ

.196ص, نفسه- 292

168

أماكن أخرى؛ وهو أن الدراسات النقدية القائمة على التحليل النفسي الفرويدي ال تعطي

بعيدة جدا عن بلوغ أصالة العمل , لبقاء تلك الدراسات من جهة, إال نتائج مخيبة لألمل

عاجزة عن استكشاف شخصية المؤلف التي , أخرىكما أنها من جهة, األدبي وعمقه

)293(.))تعتقد أنها قد أصبحت في متناولها

وحتى يقدم ويبر صورة عن هذا العجز عن استكشاف أعماق العمل األدبي دون

االضطرار إلى التعويض عنه باالنغالق داخل طوق العقد النفسية وجعلها معبرة عن

يرى مثال أن كافكا ال يمكن أن يتم تفسيره , ة النصالمؤلف أكثر من توظيفها لمواجه

ذلك أن هذا النوع من . عن طريق عقدة أوديب وما يرافقها من كره لألب وصراع معه

,)Le pont" (الجسر: "والتي منها, التحليل بقي عاجزا عن تأويل أعماله اإلبداعية

خذنا عمله المسرحيوإذا أ). Nos soldats " (جنودنا"و ,) Ľexamen " (متحاناال"و

فما هو التفسير أو الجواب الذي , يءكنموذج للتدقيق في المسألة بعض الش "القصر"

ولماذا كان , )arpenteur" (ماسح أراضي"يقدمه التحليل النفسي حول كون البطل

الشديدة للنجاح وليكون له ) K" (ك"ماذا تعني رغبة , قسما(Klamm)" كالم"مكتب

يلفها الغموض , ل هذه األسئلة حول هذه التفاصيل تبقى بدون جواب؟ ك"كالم"لقاء مع

بينما لم . في إطار الدراسات النفسية التقليدية" القصر"والفراغ إذا حاولنا القيام بتأويل

تبق هذه األسئلة بدون جواب لما أبعدناها عن عقدة أوديب ودرسناها وفق موضوعاتية

. (le collège)المدرسة

فلماذا : ذا تركنا أعمال كافكا جانبا وانتقلنا إلى غيره فإن األمر نفسه سيواجهنا وإ

مثال لم ينتبه التحليل النفسي إلى أن أعمال إدغار آالن بو تجتمع حول مصدر واحد هو

بينما , غامضة ومستعصية على التحليل النفسي" غوغول"الساعة؟ و لماذا بقيت أعمال

أنف "لمنهج الموضوعاتي تبين أنها تنبثق من نواة واحدة هي لما درسناها وفق مفاهيم ا

؟"من بصل

وبعد هذه المقارنة بين النتائج التي تم تحقيقها عند دراسة هذه األعمال اإلبداعية

يخلص , بعد أن عجز التحليل النفسي عن ذلك حسب ويبر, وفق المنهج الموضوعاتي

, ساس إلى انطالق هذا النقد من خارج النصإلى أن عجز التحليل النفسي مرده في األ 293- J.P. Weber « Domaines thématiques »; P.19

169

وهذا عكس ؛ثم القيام بتأويل النصوص على أساسها, بعقد جاهزة وغريبة ومرجعية

النقد القائم على المنهج الموضوعاتي الذي يقدم للدارس إمكانات بناء تصور خاص بكل

)294(.كاتب دون أن يكون في حاجة لتحقيق ذلك سوى الحاجة إلى أعماله اإلبداعية

, باشالر: يتبين لنا خالل هذه اآلراء التي استعرضناها لرواد المنهج الموضوعاتي

حرص هؤالء الدارسين على التمييز بين منهجهم ومنهج , وويبر, ريشار, مورون

هو حرص يمكن اختصار أسبابه في سبب واحد هو قلة حذر بعض و .التحليل النفسي

ين يعبرون الحدود الفاصلة بين المنهجين فينتقلون من النقاد ـ الذين أشاروا إليهم ـ ح

هذا إلى ذاك وكأنهم يتحركون داخل إطار نقدي واحد فال يغيرون من مفاهيمهم وال من

المصطلحات النقدية المستعملة مما ينتج عند متلقي خطاباتهم في أغلب األحيان ردودا

ة المسلمات وفتح األذهان مما يدعو إلى مراجع. وتأويالت تفاجئهم وتهز معلوماتهم

وربما يعود عذر عدم تمييز . على حقائق لم يبق هناك مجال لتجاوزها أو حتى لتجاهلها

أما إحالة التحليل النفسي , هؤالء بين المنهجين إلى إحالة كل منهما إلى طفولة األديب

األديب إلى هذه الطفولة فهو أمر مرتبط بنشوء العقد النفسية في هذه المرحلة من حياة

أو اإلنسان عموما حسب أتباع هذا المنهج؛ وأما في المنهج الموضوعاتي فيعود هذا إلى

أمثال قول ويبر أن أصل الموضوعاتية يعود إلى حدث مميز عاشه األديب في مرحلة

فيمكن إلحاقها أو تصنيفها , طفولته؛ ولكن الموضوعاتيين ال يعتبرون هذا الحدث عقدة

هذا من جهة؛ ومن ,التي يتحدث عنها التحليل النفسي الفرويديتحت عقدة من العقد

جسرا ينتقل منه " الحادث الموضوعاتية"جهة أخرى ال يتخذ المنهج الموضوعاتي هذا

إلى الحديث عن األديب وكأنه إنسان مريض يعاني مشاكل نفسية ترتكز حول عقدة ما

اعتبار هذه المسألة منطلق ويمكن . أو مجموعة من العقد تجسدها النصوص اإلبداعية

فبينما عرف المنهج الموضوعاتي كيف يميز بين النص . أوجه االختالف بين المنهجين

بل راح في أحيان كثيرة يجعل النص األدبي , راح التحليل النفسي يمزج بينهما, ومؤلفه

. معبرا نحو مؤلفه الذي أصبح في نظر هذا النقد نصا بديال

فالتمييز قائم وجوهري بين المنهجين؛ لكن هذا ال يعني في , ذا وانطالقا من كل ه

, فنظرا إلى أن النص األدبي كائن حي ومعقد, النهاية االنتصار لهذا المنهج دون اآلخر

294- Voir, J.P. Weber « Domaines thématiques »; P.19-21.

170

فالنقد يبقى دائما في حاجة إلى االستعانة بجميع المناهج واالستضاءة بالنتائج التي

حاوالت المتتابعة للقبض على جمالية تحققها حتى يواصل مغامراته المستمرة والم

وبهذا يتجدد , ولكنه يصر على المالحقة, النص التي ال تفتأ تفلت من بين يديه

.فيكتسب شرعية اعتباره إبداعا, باستمرار

:ب ـ الجزئية

تبين في حديثنا السابق عن عالقة النقد الموضوعاتي بالتحليل النفسي الوجه

حيث رأينا من خالل ذلك أن لهذا النقد , مجاالت النقد الموضوعاتياألول من المقصود ب

دون أن يعني ذلك غيابا كليا , مجاال متميزا ومستقال عن مجال التحليل النفسي ومفاهيمه

وإن , فهما يشتركان مثال في االهتمام بمرحلة طفولة المؤلف, للتشابه أو لنقاط االتقاء

يمكن أن يؤدي إلى غلق باب االستعانة عند وهذا كله ال. كان ذلك لغايات مختلفة

أو بالنتائج التي تتوصل , الحاجة بأدوات هذا المنهج وغيره من المناهج النقدية األخرى

ويبقى بعد هذا أن نتناول العنصر .الستغاللها في عملية القراءة الموضوعاتية ,إليها

". الجزئية"وهو , الثاني الذي يشمله مجال الموضوعاتية

يكفي لرسم صورة عن مفهوم الجزئية أن نشير إلى ما هو سائد اليوم في الساحة

وذلك منذ أن أعلن روالن بارت عن , النقدية حول مفهوم القراءة ودور القارئ فيها

: وقوله أيضا .))مولد القارئ يجب أن يؤدي ثمنه بموت المؤلف": (( وفاة المؤلف"

ترتب عن ذلك إبعاد مفهوم المعنى الواحد الذي ف) 295(.))الكتابة تدمير لكل صوت((

. وحلول مفهوم انفتاح النص أمام القراءات المتعددة مكانه, قصده المؤلف في النص

فهي في الوقت نفسه قراءات , وبما أن هذه القراءات المتعددة هي قراءات صحيحة

يعني هذا بالطبع أنها ومن ثم فهي جميعا قراءات جزئية ونسبية؛ دون أن, ناقصة أيضا

ألنها من هذه الناحية يمكن , متساوية من حيث الجودة والصحة أو الرداءة والنقص

)296(.تصنيفها إلى ثالثة أصناف حسب ما فعل تودوروف

.60ص, 1991؛ إفريقيا الشرق»تلذة النص أو مغامرة الكتابة عند بار « عمر أوكان- 295 .من هذا البحث 257الهامش , انظر- 296

171

وبالرغم من أن الكثير مما جاء في هذا البحث يؤكد أن القراءة الموضوعاتية هي

ه القراءات التي تحدث عنها تودوروف إال أن قراءة تنتمي إلى الصنف الثالث من هذ

هي قراءات , ومن بينها القراءة الموضوعاتية, ذلك ال يمنع أن تكون القراءات الجمالية

بمعنى أن القراءة الواحدة للنص الواحد مهما بلغت من الدقة والشمولية تبقى , جزئية

أو قالت , بلغت الكمالألنها ال يمكن أن تطمح إلى كونها قد , قراءة جزئية أو نسبية

ولذلك ال يمكن أن تلغي غيرها من , الكلمة النهائية في النص موضوع الدراسة

الدراسات للنص نفسه سواء تم إنجاز تلك الدراسات األخرى وفق المنهج الموضوعاتي

ومن , وهكذا فالمنهج الموضوعاتي يعترف بنسبية فعاليته. أم وفق مناهج نقدية مخالفة

إنه منهج ال ينسب إلى نفسه القدرة على امتالك الحقيقة . لنتائج التي يحققهاثم بنسبية ا

, وهو أن الحقيقة األدبية هي حقيقة ليست ثابتة وكاملة, لسبب يبدو بديهيا ربما, المطلقة

. وهو غير ثابت بدوره, بل هي حقيقة تتكون باستمرار ألنها مرتبطة بالقارئ

اعتباره أن " جان بول ويبر" البحث قد ذكرنا لـ وكنا في موضع سابق من هذا

أحد شروط التحليل الناجح هو أن نتمكن من تجميع كل العمل األدبي تقريبا حول

مع االعتراف بإمكانية تجميع النص أو مجموعة نصوص , الموضوعاتية المقترحة

وفي هذا إشارة واضحة إلى وعي )297(. كاتب ما حول أكثر من موضوعاتية واحدة

ومن ثم حاجة كل منها إلى قراءات أخرى تضيء لها زوايا في , يبر بجزئية كل قراءةو

.أو حتى كونها عاجزة على اقتحامها, أو اهتمامها, النص لم يمتد إليها شعاعها

وذلك مهما بلغت من , ومع تلك اإلشارة الواضحة من ويبر إلى جزئية كل قراءة

ئقه؛ وسواء تم إنجازها وفق المنهج أعماق النص وشملت من تفاصيله ودقا

فإن جان بيار ريشار يبقى هو الناقد الوحيد , الموضوعاتي أم وفق غيره من المناهج

الشعر "بدءا من كتابه , الذي أعطى لهذه المسألة اهتماما واضحا تكرر في عدة أعماله

به إلى حوار أجراه معه فؤاد أبو منصور ونشره ضمن كتا1955في عام " واألعماق

وهكذا فقد أدرك ريشار مبكرا . 1985في عام" النقد البنيوي الحديث بين لبنان وأوروبا"

ولذا فكل قراءة تنجز , بأن النص األدبي هو أكبر من كل قراءة وأوسع منها وأعمق

وكذا القسم الخاص بالحديث عن المنهج الموضوعاتي عند جان بول , من هذا البحث 221الهامش ارقم , انظر- 297

.ويبر في هذا الفصل األول

172

أو بتعبير آخر هي جزء , حول نص ما تبقى قراءة ممكنة ضمن مجموعة من القراءات

برغم الجهود التي بذلناها إلعداد هذه : (( قائالضمن وحدة مفتوحة حسب ما يوضح

كل قراءة ليست سوى سيرا في . القراءة فهي غير قادرة على اإلمساك بحقيقة مطلقة

العمل األدبي الرائع هو في . وتبقى في النص دائما سبل أخرى مفتوحة, سبيل ممكنة

يمكن قطعه في جميع إنه ذلك الذي . حقيقته عمل مفتوح لكل القراءات ولكل االحتماالت

)298(.))االتجاهات

بطبيعته على إنتاج عدة قراءات اويبدو النص األدبي في نظر ريشار مساعد

ذلك ألنه في بعض مراحل تشكله أو تكونه يفلت حتى من سيطرة وعي المؤلف , مختلفة

من سر وكأنه بذلك يساهم في صنع نفسه؛ وهذا ما يجعله يحافظ دائما على جانب , نفسه

ومن مظاهر هذا السر أن كل , بما فيهم المؤلف نفسه, تكونه وبنائه على جميع القراء

قراءة من القراءات العديدة تبدو لها بعض زوايا النص مظلمة وغير منسجمة مع بقية

إن التجانس ال يمكن : (( مما جعل ريشار يقول, أطراف النص وعناصره التي تكونه

ويبقى , "المحل األبعد"فالموضوع يبقى في , بكليتهأن يغطي الموضوع المدروس

ففي مرحلة من الخلق يتحدى العمل . متعذرا حصر أي كاتب كبير في شبكة أحالمه

والوحدة الحية . أو هو ينسى هذه الخطوط, األدبي الخطوط التي اختار أن يتشكل وفقها

ولكنها ال يمكن , سهاإنها يمكن أن تشير إلى نف. التي يهدف إليها النقد تفلت من يديه

) 299(.))اإلمساك بها

يحاول عبد الكريم حسن تقديم صورة , وعن هذه الوحدة التي تفلت من يدي النقاد

إن ريشار في فهمه للمعنى ينطلق من : (( فيقول, على سلوك جان بيار ريشار تجاهها

لمعنى يفلت منه على فا, ولكنه ما يلبث أن يعترف بإخفاق محاولته. إمكانية أسر المعنى

مما يجعل من متابعة سريانه غاية بحد , وهو ال يفلت إال ليظهر في معنى جديد, الدوام

إن حديث ريشار عن الوحدة الحية هو حديث ال يقصد به المعنى الذي ) 300(.))ذاتها

298 -J. P. Richard « Poésie et profondeur »; P.10.

وقد بدا لنا أكثر انسجاما ووضوحا من الترجمة . 89؛ ص»المنهج الموضوعاتي « حسن ذكره عبد الكريم- 299

انظر . »النقد الموضوعاتي «التي أوردها له سعيد علوش ضمن ترجمته لمقدمة العالم التخيلي لماالرمي في كتابه

.المذكور من الكتاب 143الصفحة .29ص, »المنهج الموضوعاتي « عبد الكريم حسن - 300

173

وإنما يقصد الموضوعاتية األساسية التي ينبثق منها , جاء في حديث عبد الكريم حسن

ا المعنى فهو يندرج ضمن مفهوم الموضوع الذي بحثه عبد الكريم حسن في أم. النص

وبرغم هذا االختالف تبقى صفة االنفالت تالزم كال من . كتابه عن شعر السياب

مع فارق جوهري هو أن الذي يفلت على الدوام , الموضوعاتية والمعنى على السواء

ملة بها مادامت تمتد إلى جميع إذ ال يمكن اإلحاطة الشا, عند ريشار هو التعديالت

.بسيطها ومركبها, صغيرها وكبيرها, عناصر النص األدبي

غير أن ريشار ال يحصر أسباب عجز القراءات األدبية على اإلحاطة الشاملة

بالنص األدبي في كون النص يفلت في بعض مراحل تكوينه من سيطرة وعي المؤلف

فهذه التجربة ال يمكن , وهو تجربة المؤلف نفسهاوإنما يضيف إليها سببا آخر , عليه

إنها شيء ال يتكرر؛ , أبدا أن تعايش مرة ثانية سواء من صاحبها نفسه أو من الناقد

ذلك ألن بقاء هذه الدراسة . ومن هنا مجيء القراءة أو الدراسة ناقصة وجزئية أو نسبية

اساته السلبية حتما على تكون له انعك, على مسافة ما من معايشة التجربة في كليتها

: ولذا يقول ريشار عن النقد ونتائجه الجزئية. فتطبعها بالجزئية أو النسبية, نتائجها

بل مجموعة , إنه ليس أرشيفا للنظريات والقواعد. النقد قائم على مزاج الذي يمارسه((

ليست ممكنة " الصميمية"غير أن هذه . وسائل وتقنيات للدخول إلى صميم الكتابة

وثمة نقاد . ألن عملية إعادة اإلحساس الذي عاناه األديب مستحيلة, دودها القصوىبح

والجذريون يسعون إلى إدراك ذات . ينطلقون من اإلحساس األساسي لبناء ذاتية جديدة

)301(.))وجعلها تلعب من جديد داخل النص دورها كذات خالقة, معينة أو فعالية محددة

ية لعجزها عن بهذا الكالم من إقرار بجزئية كل قراءة أد زيادة على ما يحمله

إعادة اإلحساس الذي عاناه األديب (( لحدودها القصوى ذلك ألن " صميم الكتابة"بلوغ

فهو يكشف عن الكيفية التي يلجأ إليها النقد الموضوعاتي لبناء قراءاته , ))مستحيلة

, ذات معينة أو فعالية محددة (( إذ يجتهد في كل قراءة الكتشاف, الخاصة للنص األدبي

والمقصود من هذا هو قيام , ))وجعلها تلعب من جديد داخل النص دورها كذات خالقة

ثم متابعة مسيرة بناء النص وتشكيل , النقد باكتشاف الموضوعاتية األساسية للنص أوال

.197ص, »...النقد البنيوي الحديث «فؤاد أبو منصور , حوار ,جان بيار ريشار - 301

174

صميمية بلوغ"وبما أن إمكانية . أدبيته من خالل التعديالت المستمرة التي تنبثق عنها

هي إمكانية مستبعدة فسيترتب عن هذا غياب تطابق القراءات لعدم وجود حقيقة " الكتابة

وهكذا . واحدة معينة في النص يمكن لقراءة واحدة أو لمجموعة من القراءات بلوغها

فستكون جميع القراءات هي قراءات جزئية ونسبية ال يمكن ألية واحدة منها ادعاء

مما يجعل الحقيقة حينئذ موزعة بين جميع القراءات؛ , ك الحقيقةبلوغ الكمال أو امتال

وهذا يعني أن القراءات التي تتم حول نص واحد هي قراءات تكمل بعضها بعض مهما

الجذريون يعرفون أن : (( ولهذا يقول ريشار, كانت طبيعة المناهج التي قامت عليها

ال أن يحلوه مكان , كاملوهم يريدون إدماج الجزء في نظام نقدي , نقدهم جزئي

)302(.))المناهج األخرى

ولتقريب مفهوم الجزئية هذا من األذهان يقوم ريشار بتشبيه عمل الناقد بعمل

في األسطورة اليونانية التي كانت تستيقظ في الليل لفك ما ) Pénélope" (بينلوب"

فسها في انتظار عودة نسجته في النهار حتى ال يكتمل نسيجها فال تجد ما تلهي به ن

مع فارق بين بينلوب والناقد هو أن هذا األخير ليس في حاجة إلى , زوجها من الحرب

القيام بنقض القراءات التي يقوم بإنجازها في كل مرة ما دامت الدراسات الالحقة كفيلة

وبتعبير ماالرمي المجازي : (( يقول ريشار موصال كالمه بكالم ماالرمي, بالقيام بذلك

فهو يشبه بينلوب التي ليست , يمكننا القول إن النقد ال مهمة له غير نسج لوحة ال منتهية

مادام التقدم في القراءة يوما بعد يوم هو , في حاجة إال االستيقاظ ليال لفك نسيج يومها

من خالل النسيج وتحطيم المنسوج كلما , ما يكشف ويضع االكتشافات موضع تساؤل

فكل ناقد ... يمكن للنقد اليوم إال أن يكون جزئيا وافتراضيا ومؤقتافال . تقدمنا في ذلك

)303(.))وعمل منعزل ومتنام ال يرى حده, إال وهو كاتب يعمل في حقول موزعة

ويبدو أن مسألة الجزئية أو النسبية قد امتدت اليوم إلى مختلف مجاالت العلم

دبية أو الفنية عموما؛ ويكفي أن نذكر فلم تعد تقتصر على مجال القراءات األ, والمعرفة

. بأشهر مثال حول هذه المسألة وهو نظرية النسبية في مجال العلوم الفيزيائية ألنشتاين

198ص, نفسه- 302 .143 ص,» النقد الموضوعاتي « سعيد علوش, » ... العالم التخيلي«مقدمة , جان بيار ريشار- 303

175

حديثا ) CHarles S. Pierce ()304("تشارلز ساندرس بيرس" ويذكر أمبرتو إيكو لـ

و ه, عن مبدأ السياقية يعتبر فيه أن كل حكم نصدره حول موضوع أو موقف معين

قد يكون : (( إذ يقول, حكم جزئي حول ذلك الموضوع وال يغطي إال جانبا واحدا منه

إال أن هذا . ومن خالل خصائص بعينها, شيء صحيحا داخل حدود كون خطابي ما

إن كل . اإلثبات ال يستنفذ مجموعة التحديدات األخرى غير المتناهية لهذا الموضوع

)305(.))حكم هو حكم جزئي

ذلك باعتبار أن األدباء ال ,لتأليف األدبي نفسه يقوم على مفهوم الجزئية بل إن ا

تخرج أعمالهم من إطار التوسيع المستمر لعمل واحد يشعرون أنهم قد فشلوا في كل

ولهذا فهم يعيدون الكرة على , كتاباتهم في السيطرة عليه والقبض على جميع مكوناته

لهم بعد كل عمل فني ينجزونه أنهم لم يقولوا ولكن يتبين, أمل تحقيق النجاح المأمول

. وكأن الموضوع يتجدد أمامهم بعد كل عمل ينجزونه حوله, كل ما كان ينبغي قوله

وقد تمكن جان بيار ريشار من القبض على هذه الحركة المتواصلة لألدب التي

: متناقضات األدبمن هنا إحدى : (( تمكنه من تحقيق نفسه وتجاوزها باستمرار بقوله

إال , أو أنه ال يعرف ذلك لكي ينساه في الحين. ولكنه ال يعرف عما يبحث, إنه بحث

ويعتبر كاتب ياسين هذه الميزة ضرورية وإيجابية )306(.))في اللحظة التي يتم اكتشافه

فيتساءلون , ولذا فهو يرى أنه يجب على جميع الفنانين أن يسكنهم الشك, في األدب

وهل ذهبوا فيما كتبوه , كانوا فعال قاموا بعملهم اإلبداعي على أحسن وجهحول ما إذا

ن الفنان لما يشرع في الكتابة ال يمكن أن يخرج كل ما ذلك أل. إلى أبعد نقطة ممكنة

عائدا إلى نقطة االنطالق , ولهذا يقوم بالكتابة من جديد. بداخله من مشاعر وأفكار

ولكن , ستعيده في النهاية إلى نقطة االنطالق نفسهاوالتي, لتجريب دفقة إبداعية أخرى

) 307(.من طريق غير الطريق السابقة

المدرسة فيلسوف أمريكي وصاحب االتجاه السيميوطيقي في ) 1914ـ ـ1838( تشارلز ساندرس بيرس - 304

.األمريكية .131؛ ص»التأويل بين السيميائية والتفكيكية « أمبرتو إيكو- 305

306 -J.P. Richard « Onze études sur la poésie moderne » ; P.09. 307 -Voir, Hafid Gafaïti « Kateb Yacine, un homme, une oeuvre, un pays » (Entretien) ; Coll. Voix Multiples, Laphomic, Alger 1986, P.22-24.

176

176

الباب الثاني

البنية الموضوعاتية

الفصل األول

عناصرالموضوعاتية

177

يرى جيرار جونات أن مهمة النقد هي الكشف عن شاعرية النص في حالته

أو باألحرى يتجاوزه النقد , وهذا التحديد لمهمة النقد تتجاوزه هذه الدراسة)1(.االنفرادية

. اتي الذي تعمل هذه الدراسة وفق إجراءاتهالموضوع

وحتى تنسجم هذه الدراسة مع مهمة النقد الموضوعاتي التي تتجاوز المهمة التي

ينبغي إعادة تحديد هذه المهمة بشكل أوسع وأشمل لتصبح حسب , أسندها جونات للنقد

ي حاالتها مهمة النقد هي الكشف عن شاعرية نصوص كاتب ما ف: (( الصيغة اآلتية

وما يدفع إلى هذا التحديد الموسع هو طبيعة الموضوعاتية األساسية نفسها .)) االنفرادية

نسبة هامة منها على أو إلى, التي تتجاوز النص الواحد لمؤلف ما إلى جميع نصوصه

التي بين , األقل؛ حسب ما رأينا في دراسة جان بول ويبر ألعمال استنادال بالخصوص

وحسب ما سنرى أيضا مع أعمال كاتب ياسين , "العضة"ن موضوعاتية أنها تنبثق م

.التي تنبثق بدورها من موضوعاتية واحدة

يتفق رواد النقد الموضوعاتي الثالثة الذين توقفنا عندهم في الفصلين السابقين

فقد عرفت هذه . على أن تشكل الموضوعاتية األساسية للكاتب يعود إلى مرحلة طفولته

رحلة في نظرهم حدثا متميزا أصبحت له مكانة متميزة في وعي المؤلف وفي الم

ثم يتحول هذا الحدث عنده إلى موضوعاتية أساسية تنبثق منها نصوصه , الوعيه

)2(.األدبية

هذا يعني عند هؤالء النقاد أن الموضوعاتية األساسية صورة فنية لحدث واقعي

ر يدعو إلى أهمية االطالع على السيرة الذاتية للكاتب وانطالقا من هذا راح ويب. حقيقي

دراسات في «؛ ترجمة محمد خير البقاعي ضمن كتابه » األدب على األدب, طروس «جيرار جونات , انظر- 1

.124,125ص, 1998حلب ـ سوريا , مركز اإلنماء الحضاري, لطبعة األولى؛ ا» النص والتناصية .جورج بولي وجان بيار ريشار وجان بول ويبر: نقصد بالخصوص - 2

178

ألن ذلك سيساعدنا على اإلمساك على الموضوعاتية ,الذي نسعى إلى دراسة أدبه

األساسية إلبداعه؛ قبل أن يالحظ أنه من الصعب التوصل إلى االختيار المناسب من

ا تمكنا مثال من تمييز فإذ. بين جملة من األحداث التي تبدو لنا مهمة في طفولة الكاتب

فما هو الحدث الذي تحول من بينها إلى موضوعاتية إبداعية؟ , عشرة أحداث أو أكثر

أمام هذا الوضع يدعو ويبر إلى التحلي بالصبر ومتابعة البحث في النصوص حتى

)3(.عاتية أساسيةالوصول إلى تمييز الحدث الذي تشكل فنيا إلى موضو

نرمي من هذه الوقفة عند أهمية مرحلة الطفولة في نظر ويبر وغيره الكتشاف

المسألة األولى هي أن مرحلة الطفولة ليست في :إلى توضيح مسألتين ,الموضوعاتية

. التي استعرضنا تحديدا لها في بداية هذا الفصل ,نظرنا جزءا أساسيا من المهمة النقدية

هذا ال يعني أننا نستهين بما يمكن أن تقدمه حياة األديب للناقد من مساعدة هامة ولكن

ولهذا الغرض . الكتشاف الموضوعاتية متى كان االطالع على تلك الحياة أمرا ممكنا

سنحاول االستفادة مما وقع بين أيدينا من معلومات حول طفولة كاتب ياسين الكتشاف

. موضوعاتية أعماله اإلبداعية

فإن استعانة جان بول ويبر بطفولة الكاتب للوصول إلى , أما المسألة الثانية

هو فتح للمجال أمام النقد الموضوعاتي لالستعانة على النص , اكتشاف الموضوعاتية

؛ والذي تندرج تحته كل الخطابات )Paratexte(بأحد النصوص الموازية أو المناص

, والمراسالت, االستجوابات: ومنها, ه صراحةالموجودة خارج النص والمتعلقة ب

إلى جانب السيرة الذاتية )4(.والدراسات النقدية, والتعليقات, والحوارات, والشهادات

.متى كانت في متناول الدارس, للمؤلف التي بين ويبر أهميتها

فقد تطلب منا اكتشاف الموضوعاتية التي قامت , وبالنسبة ألعمال كاتب ياسين

بل البد من تجاوزه إلى البحث , ليها أن ال نكتفي بالتوقف عند مستوى النص الفوقيع

) Transcendance" التعالي النصي للنص"وهو مستوى , في مستوى أشمل منه وأعمق

)Textuelle du texte التعاليات "والذي يختصر في مصطلح

). Transtextualité"(النصية

3 -Voir, J.P. Weber « Domaines thématiques » ; P.13.

.102ص, » السيميوطيقا والعنونة « جميل حمداوي, انظر- 4

179

, تي تكون موضوع الشاعرية في نظر جيرار جونات والتعاليات النصية هي ال

أو التعالي , )Transtextualité(إن موضوع الشاعرية هو التعددية النصية : (( فهو يقول

الذي كنت عرفته من قبل تعريفا ) Transcendance Textuelle du texte(النصي للنص

)5(."))نصوص أخرى مع إنه كل ما يضع النص في عالقة ظاهرة أو خفية: "كليا فقلت

فقد تطلب منا الكشف عن موضوعاتية , واستنادا إلى مفهوم التعاليات النصية

:وجريمة الناظور, الدائرة: أعمال كاتب ياسين أن نقوم بدراسة العنصرين اآلتيين

:أ ـ الدائرة

أو مفهوم الدائرية هو عنصر أساسي ضمن جملة العناصر , الدائريالشكل

ولقد بلغ دوره في انبثاق هذه . ونة للموضوعاتية األساسية في أعمال كاتب ياسينالمك

إلى درجة أن أغلب الدراسات , األعمال وتشكيل بنائها الفني وقيامه مستوى واضحا جدا

بل توصلت بعض , التي تناولت أعماله تنبهت إلى حضوره القوي فيها وأشارت إليه

ثم . لمشاهد الفنية تنتظم وفق المظهر الدائريتلك الدراسات إلى مالحظة أن بعض ا

توقفت تلك الدراسات عند هذا الحد ولم تتجاوزه إلى البحث عن هذه الدائرية وتتبع

مشاهدها الفنية في مختلف أعمال الكاتب لتبيان هل هي عنصر فني منفرد تشتغل في

تكامل إلى جانب أم أنها عنصر يدخل في تكوين مشهد م, األعمال الفنية بكيفية مستقلة

وتعمل ضمن وحدة مركبة مرة , عناصر أخرى؟ وهل هي تعمل بصورة مستقلة مرة

هل تدخل الدائرة كعنصر إلى جانب عناصر أخرى في بناء المشهد , أخرى ؟ وأخيرا

أم تتعدى ذلك إلى مستوى تنظيم البناء الفني للسرد؟ , الفني فقط

اإلجابة عن , عناصر الموضوعاتية نحاول في هذا الفصل المحدد بالكشف عن

: من خالل البحث في المجاالت اآلتية, هذه األسئلة

عالقة كاتب ياسين باألدب ـ 2. عالقة عنصر الدائرة باألدب العربي القديمـ 1

.توضيحات كاتب ياسينـ 4. نتائج الدراسات النقديةـ 3. العربي القديم

: ـ مفهوم الدائرية في األدب العربي1

.125؛ ص» دب على األدباأل, طروس « جيرار جونات- 5

180

في مجال البحث عن , يندرج البحث في عالقة مفهوم الدائرة باألدب العربي القديم

نبحث عن عالقة نصوص كاتب , وبمعنى آخر, التعاليات النصية لنصوص كاتب ياسين

. ياسين بنصوص الشعر الجاهلي

ها الذي أصدروا به رواية نجمة إلحاحا شديدا على أن" التنبيه" يلح الناشرون في

رواية متميزة وأنها منتوج فعل شعري معبر عن والدة جديدة يؤسس بها مؤلفها ألدب

حتى وإن كان يستعير منه لغته الستعمالها كوسيلة , أصيل يختلف عن األدب الفرنسي

ولهذا السبب ال يمكن قراءتها , وهكذا جاءت نجمة رواية عربية في عمقها. تعبير

وإذا . ائها إلى تقاليد الكتابة العربية والتفكير العربيوفهمها إال بوضعها في إطار انتم

, كان البناء السردي في رواية نجمة يذكر ببعض التجارب السردية الغربية ويحيل عليها

السرد الذي قامت أن فالصحيح أيضا هو , مثال )Faulkner" ( فولكنير"من ذلك أعمال

سان العربي المتميز في مواجهة ألنه انعكاس لموقف اإلن, عليه نجمة هو سرد متميز

بينما يتحرك الفكر العربي في , فالفكر األوربي يحكمه الزمن الخطي المتحرك. الزمن

حيث يؤدي كل خروج عن الخط المستقيم لحركة الزمن بالمفهوم األوربي , زمن دائري

فيجتمع في اللحظة الحاضرة كل من الماضي , إلى العودة إلى نقطة االنطالق

أي أن الحاضر هو الزمن األبدي لكونه يوحد بين الماضي والمستقبل في . لوالمستقب

وهكذا جاءت نجمة تعبيرا عن وطن محدد ومتفرد في . لحظة واحدة هي لحظة الحاضر

إلى درجة أنه لو قمنا بإعطاء أسماء أخرى لشخصياتها غير , هو الجزائر, خصائصه

فإن القارئ الواعي , غير تلك التي ترتديهاأو إذا ألبسناها ثيابا أخرى , تلك التي تحملها

فرشيد أو سي مختار ال يمكن أن يكونا سوى . سيكتشف فيها اإلنسان العربي المتنكر

كما أنهما بدورها , جزائريين ألن العالم الفني الذي بناه الروائي حولهما سينهار بدونهما

)6(.سيموتان إذا أخرجا من هذا العالم

ز عالم على تمي" التنبيه"في إلعطاء فكرة عن إلحاح أصحاب نعتقد أن هذا يك

رواية نجمة وتفرد بنيتها السردية عما هو معروف وسائد في الساحة األدبية السردية

ويتمثل السبب الذي أنتج هذا االختالف الواضح ـ حسب الناشرين ـ إلى أن . األوربية

. ا مكنها من تحقيق تفردها الفنينجمة استندت على المفهوم العربي الدائري للزمن مم

6 -Voir, «Avertissement» des éditeurs » ; in, Kateb Yacine « Nedjma »; éd. du Seuil ; Paris1956, P.5-6.

181

نا إلى تناول هذه العقلية العربية التي و إن مسار البحث الذي حددناه أعاله يدع

والتي اشتغل كاتب ياسين عن وعي أو غير وعي على , تتعامل مع الزمن تعامال دائريا

. أساسها لينتج رواية نجمة

ه المسألة فإننا نرى الناشرين أنفسهم ففيما يخص وعي الكاتب أو عدم وعيه بهذ

حين راحوا يتساءلون عما إذا كانت , قد أشاروا في حديثهم إلى جزء من الجواب

الجزائر عبارة عن مقاطعة إدارية تابعة لفرنسا؟ ثم يجيبون بأن كاتب ياسين يرفض

هذا وقد جاءت رواية نجمة لتجسد , هذه التبعية لفرنسا من الوجهة األدبية على األقل

بفضل قيام بنيتها السردية على الدائرية تماشيا مع المفهوم , التميز بين الحضارتين

)7(.الدائري العربي للزمن

ثار " محمد عزيز لحبابي" أن الناقد المغربي )Jean Déjeux" (جان ديجو"ويذكر

مفهوم إذ راح يقول إن هذا ال, ضد هذا الفهم الذي نسب للمسلمين حول مفهومهم للزمن

تماما مع المفاهيم ضيتناق(( الذي تم استنباطه من رواية نجمة هو مفهوم للزمن

هذا ما دفع ديجو إلى القيام بمحاولة البحث عن موقف )8()).اإلسالمية المتعلقة بالزمن

من قيام رواية نجمة على بنية فنية دائرية " التنبيه" توفيقي بين ما كشف عنه أصحاب

وبين موقف الرافضين لهذه , طبيعة وعي الفكر العربي لمفهوم الزمنتعود منابعها إلى

وتمثل هذا الموقف في الدعوة إلى وجوب التمييز بين حركية الفكر . الفكرية" الحقيقة"

ثم . وبين التناول األدبي البسيط لهذه المفاهيم من جهة ثانية, ومفهوم التاريخ من جهة

ظائف التي تؤديها لتناقل األدب والثقافة بين يحاول تبيان أسباب هذه الدائرية والو

. األجيال؛ فيرى أن طريقة الدوائر المركزية هذه موجودة هنا وهناك في التوراة أيضا

أو إلى تنظيم أو , وتفسير هذا يمكن أن يكون راجعا إلى نوع من األسلوب الشفهي

الوظائف غير مما يجعل هذه األسباب أو. ترتيب خاص لتسهيل عملية الرواية والحفظ

)9(.عاكسة للمفهوم الذي نعطيه للزمن

7 - Voir, «Avertissement» des éditeurs; P.6. 8 -Cité par, Jean déjeux « Littérature maghrébine de langue française » ; 2eme éd., éditions Naaman Sherbrooke, Québec, Canada 1978, P.223. 9 - Voir, ibid; P.223.

182

الهادف إلى التوفيق بين الطرفين يبدو مفعوله ظرفيا من ديجو ولكن هذا الموقف

ومحدودا حين نضعه إلى جانب اعترافه الواضح هو أيضا بوجود زمن دائري في شعر

من " التنبيه"ا جاء في وال يجد ما يصف به هذه الدائرية إال استحضار م, كاتب ياسين

حيث تبدو الفكرة تنزلق على مسار لولبي ال ينتهي : ((... توضيح لهذه المسألة فيقول

وذلك بعدما أقر في موضع سابق أن الدائرة أو باألحرى اللولبية هي )10(.))أبدا

)11(.الصورة األساسية عند كاتب ياسين

لمفهوم الشكل الدائري توظيفا فنيا ونرى من جهتنا أن مسألة توظيف كاتب ياسين

كما , في أعماله اإلبداعية هو أمر يؤكده كثير من الدارسين ألدبه ويؤكده هو نفسه

أما عن مصدر . سيتضح مع تقدم هذا البحث؛ إلى جانب اآلراء السابقة التي عرضناها

دائرية في فقد عرضنا أيضا الرأي القائل بأن مصدر ال, وكيف انتقلت إليه, الدائريةههذ

أعماله هو الفكر العربي الذي يقوم إدراكه للزمن على مفهوم الدائرية حيث يجتمع

وهذا أيضا أمر ال , الزمن الماضي والزمن المستقبل في لحظة الحاضر ويذوبان فيها

: بل نجد أنفسنا نميل إلى تثبيته ألسباب ثالثة على األقل, يمكن لنا نفيه

السائدة والراسخة في الفكر الديني عامة؛ وما الخلود إال األول هو فكرة الخلود

إذ ال يوجد مع الخلود ال الزمن الماضي وال الزمن . انتفاء التقسيم الخطي للزمن

. فهما يذوبان في الزمن الحاضر, المستقبل

فال , فهو أننا إذا كنا نقول بتميز الحضارات من بعضها بعضا, أما السبب الثاني

وفي . ن يكون هذا التميز جوهريا إال إذا تم حول مسائل جوهرية في الحياةيمكن أ

مادامت الحياة ال يمكن , نظرنا ال يوجد ما هو أكثر جوهرية في الحياة من الزمن نفسه

فالبد إذن أن يكون ما يميز بين الحضارة العربية اإلسالمية والحضارة . تصورها بدونه

. أي إلى الزمن , الحياةاألوربية هو نظرة كل منهما إلى

أما السبب الثالث واألخير فهو إقامة كاتب ياسين نفسه ألعماله اإلبداعية على هذه

.والتي وصلت إليه انطالقا من الشعر الجاهلي حسب ما سنرى, الدائرية

10 - Voir, Jean déjeux « Littérature maghrébine de langue française » ; P.223, Et Ľ «Avertissement» des éditeurs ; p.6. 11 - Voir, ibid , P.220.

183

هل قام الشعر الجاهلي نفسه على : وهكذا نجد أنفسنا في مواجهة األسئلة اآلتية

هل وظف الشعر الجاهلي مفهوم الدائرة إلقامة بنيته الفنية؟ وإذا كان : رية؟ أو نقولالدائ

فكيف انتقل ذلك إلى كاتب ياسين؟ , الجواب بنعم

واحد يربط الشعراء العرب عبر " حقل ثقافي" يحدثنا جاك بيرك عن وجود

هذا الحقل منسجم و. وذلك برغم تنوع محيطهم االجتماعي والطبيعي, أجيالهم المتعاقبة

وأن مؤثراته على الشعراء تؤدي إلى خلق النتائج الفنية نفسها على امتداد , إلى حد كبير

)12(.وعلى اتساع فضاءاتهم التي يقيمون بها, أزمنتهم التي يعيشون فيها

هذا الحقل الثقافي الفني إذن هو المسؤول حسب جاك بيرك عن تشابه أشعار

وقد كشفت له أبحاثه وقراءاته أنه ما . هلية بالخصوص وأدبهم بشكل عامالعرب الجا

تزال آثار هذا التشابه ماثلة إلى اليوم بشكل جلي في الشعر الشعبي في كل من شمال

حيث تتضمن بعض القصائد مقاطع كاملة من , شبه الجزيرة العربية وجنوب تونس

مما يعني أن هؤالء المتأخرين .ميونمع العلم أن أصحابها شعراء أ, القصائد الجاهلية

وهذا يدعم فرضية وجود حقل . ينظمون أشعارهم ضمن دائرة الشعر العربي القديم

ثقافي فني مشترك يشمل فضاء الوطن العربي كله وتمتد جذوره الزمنية من العصر

ومن العناصر التي يمكن أن تدعم هذه الفرضية أيضا هي . الجاهلي إلى الوقت الحاضر

فهذه . العربي يجدها إلى اليوم في األشعار القديمةئ متعة الفنية التي ال يزال القارال

والتي يدخل , المتعة تدل على بقاء الذوق الشعري القديم مستمرا حتى األجيال الحاضرة

مما يجعل إبداعاتهم تتأثر بدورها بهذا الذوق الذي يعملون على , ضمنها المبدعون أيضا

)13(.سواء كان ذلك بوعي منهم أم بغير وعي, ا في الوجدان الفنيإنتاجه إلبقائه حي

يذكر جاك بيرك بعض أهم الموضوعات التي يتكرر حضورها من قصيدة

إذ يفتتح . ونزول المطر, الصيد, الناقة, المرأة, األطالل: جاهلية إلى أخرى وهي

نتقل إلى الحديث عن وبعدها ي, بوصف األطالل والتغزل بالحبيبة, الشاعر القصيدة

وهذه الموضوعات ال تشكل بطبيعة الحال إال . ثم يصف الصيد ونزول المطر, ناقته

12 -Voir, Jacques Berque « Langages arabes au présent » ; éd. Gallimard, Paris 1982, P.140. 13 -Voir, ibid; P.141.

184

نماذج من الموضوعات التي شملها الحقل الثقافي الفني الواحد الذي يستقي منه الشعراء

. العرب منذ الجاهلية إلى الوقت الحاضر موضوعات أعمالهم اإلبداعية

وهي ال تزيد عنده عن , قد قام بتتبع موضوعات الشعر الجاهلي وكان أحمد أمين

الموضوع الذي (( مجموعة الموضوعات التي اختصرها بيرك في خمسة إال بما سماه

". المطر"؛ ولكنها بالمقابل تنقص عنها بموضوع )14())القصيدة ) الشاعر(من أجله أنشأ

. الجاهلي منه موضوعاته ستةوبهذا تصبح مكونات الحقل الفني الذي يستقي الشاعر

وكان ابن قتيبة قد انتبه في وقت مبكر إلى أن الشعراء الجاهليين يقيمون

وهي ليست على العموم . أشعارهم على جملة من الموضوعات يكادون ال يحيدون عنها

وصف رحلة , البكاء على األطالل: سوى تلك التي ذكرها كل من بيرك وأحمد أمين

)15(.والمديح, وصف رحلة الشاعر إلى الممدوح, لغزلا, الظعائن

لم تعد مهمة , بعدما تحددت عناصر الحقل الفني للشعر الجاهلي بهذه الصورة

الشاعر الجاهلي هي البحث عن موضوعات أخرى جديدة أو خلق عوالم فنية متميزة

ية تقوم على تحقيق وإنما صارت مهمته الفن, من الموضوعات والعوالم المعروفة

أو بتعبير آخر خلق تعديالت جديدة . تعديالت جديدة داخل هذه الدائرة الفنية المغلقة

وبهذا نقترب من فكرة النقد . بعناصر الحقل الفني أو في عناصره هي بالذات

الموضوعاتي الذي يقوم بتحديد الموضوعاتية األساسية للنص ثم يتتبع تعديالتها المشكلة

فني؛ إذ ليس الحقل الفني للشعر العربي القديم إال المقابل الفني للموضوعاتية لبنائه ال

وليس تناول عناصر هذا الحقل وتوظيفها بطريقة فنية إبداعية , األساسية في النص

معينة إال عمال يتقابل مع التعديالت الفنية التي يصنعها األديب بالموضوعاتية األساسية

وبهذا ال تختلف قصائد الشعر العربي . عة نصوصهفي النص الواحد أو في مجمو

وإنما تختلف في . القديم في منطلقاتها أو في مادتها األولية ألن حقلها الثقافي واحد

طريقة توظيف عناصر الحقل الفني المشترك التي وقع االختيار عليها لبناء كل قصيدة

شتراك في الموضوعات وقد أطلق جاك بيرك على هذا اال. منها بناء إبداعيا متميزا

.97ـ 96ص, 1989الجزائر, موفم للنشر, ؛ سلسلة األنيس» فجر اإلسالم «أحمد أمين, انظر- 14, 1984 بيروت,دار إحياء العلوم, ؛ الطبعة األولى» الشعر والشعراء «عبد اهللا بن مسلم , ابن قتيبة, انظر- 15 .32 ـ 31ص

185

" تمارين اإلعادة " وعلى اختالف نتائجه الفنية اسم , التي يلتقي حولها الشعراء القدامى

أعتقد أن جميع الشعراء العرب لم تكن غايتهم القصوى أن يقولوا ألول مرة : (( فقال

فية ذلك ألنهم يعلمون أن تفوق هؤالء يعود إلى كونهم يكررون بكي, ما لم يقله سابقوهم

فقد أصبح موضوع , ولما كان التكرار يقوم على التذكر... جديدة ما قاله األولون

وهكذا فقد اعتبر الخلق الشعري منذ الشعراء ... موضوعا متميزا للشعر" الذكرى"

:ومن هنا ندرك مغزى هذا البيت الشعري لعنترة. األوائل هو إنجاز تمارين اإلعادة

ن متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم هل غادر الشعراء م

:أما زهير فيذكر هذا األمر في شعره بوضوح ال مثيل له قائال...

ما أرانا نقول إال معارا أو معادا من قولنا مكرورا

هي في , إن هذا الكشف الصريح عن هذه العودة المستمرة إلى أشعار األولين

)16(.))األمر قضية متسلطة على الشعور الجماعيحقيقة

وال يفوت جاك بيرك أن يالحظ أيضا أن األشعار العربية القديمة ال تستمد من

وإنما تستمد من الحقل نفسه تناغماتها الصوتية , حقل الفني الواحد موضوعاتها فقطال

: (( وفي هذا يقول, رتيبهابل وحتى الحيز المكاني الذي يصنعه انتظام األبيات وت, كذلك

إن قسما من القيمة الشعرية يستمد وجوده أساسا من هذا التناغم الصوتي المشترك بين

وفي الحدود . وأيضا من الموضوعات الواحدة, ومن الصور الفنية نفسها, القصائد

وهذا أمر يمكن التأكد منه عند تفحص . حتى من األبيات الشعرية المشتركة, القصوى

)17(.))شعار عبر القرونهذه األ

إن تمارين اإلعادة هذه التي يتحدث عنها بيرك والتي تقوم على عودة الشاعر

عناصر التشكيل الموسيقي التي تكون الحقل الفني إلى المتأخر إلى تلك الموضوعات و

ال هي عودة, للشعر حسب ما حددتها أشعار األولين لتكرارها واتخاذها مادة لقصائده

وإنما متعالقة بها الشتراكها معها في حقل , تنتج آثارا فنية مطابقة لتلك اآلثار السابقة

وهو تعالق يبدو وكأنه تعديل فني تم إنجازه على بعض عناصر , الموضوعات الفنية

باعتبار هذا الحقل نواة مركبة من جميع الموضوعات التي , ذلك الحقل الفني المشترك

16 -J. Berque « Langages arabes au présent »; P.140-141. 17 -Voir, ibid, P.140.

186

والغزل , والتي منها الوقوف على األطالل, قتيبة بالخصوصوردت في حديث ابن

وغيرها حسب ما مر بنا؛ وباعتبار أيضا القصائد التي تستمد عناصر بنائها الفني من

. هذا الحقل النواة هي تعديالت فنية له

, وقد سبق أن رأينا أن التعديالت ليست من جهة تكرارا للموضوعاتية األساسية

ست أيضا تكرارا لبعضها بعضا؛ ومن هنا فإذا كانت الموضوعاتية األساسية كما أنها لي

عند أديب ما لها من القدرة والطاقة الحية الهائلة على توليد أعداد ال محدودة من

حيث يبدو أن كل أثر إبداعي جديد هو , التعديالت قد تستمر على طول حياته اإلبداعية

دون أن يتطابق مع واحد منها أو يكرره لكونه , بقةنوع من التعديل ألثره أو آثاره السا

فاألمر مثل هذا أيضا مع األشعار القديمة الشتراكها في الحقل , امتدادا له وتوسيعا

دون أن يلغي ذلك تمييزها واختالفها عن بعضها , فهي أشعار تعدل سابقاتها. الفني

في جميع القصائد وكمثال عن هذا يرى جاك بيرك أن وصف الناقة الذي نجده. بعضا

وهذا يكشف عن حقيقة هامة هي أن . هو مختلف دائما عن بعضه بعضا, القديمة تقريبا

الشاعر الجاهلي ال ينتظر منه الجمهور التقليدي تجديدا في الموضوعات وإنما خلق

)18(.االختالف والتنوع في الموضوعات الشعرية الثابتة

االنفتاح على عدد ال نهائي من القصائد الشعرية على الفنيإن طاقة هذا الحقل

يعني أن الشعر العربي عاجز عن استنفاذ طاقة العطاء والتوليد التي يتوفر عليها هذا

وهكذا تستمر القصائد في حركة دائرية . الحقل الذي تستمد منه قصائده عناصرها الفنية

إال لكي تنطلق , تبلغ نهايتهاإذ ال تتوقف حركة الواحدة وهي , ال تنتهي حول هذا الحقل

قصيدة أخرى في حركة دائرية حول المحور نفسه أو الحقل نفسه؛ فتستمر الحركة

. ومن ثم حول بعضها بعضا أيضا, ويستمر الدوران وتشكيل الدوائر حول الحقل النواة

كما تأتي متعالقة ببعضها , وهكذا تأتي النصوص متعالقة بالحقل الفني الواحد

لكونها دارت جميعا حول الحقل نفسه دورانا , دون أن تطابق أو تكرر بعضها, ضاأي

. متماثال

18 - Voir, J. Berque « Langages arabes au présent »; P.140.

187

وقد جعل اشتراك الشعراء في توظيف موضوعات الحقل الفني القديم إلنتاج

جاك بيرك يذهب كما رأينا قبل اآلن إلى القول بأن , قصائد مختلفة ومتميزة من بعضها

جديد الموضوعات وإنما خلق االختالف والتنوع الفني في المطلوب من الشاعر ليس ت

, وهذا أدى في رأيه إلى غياب الوحدة العضوية في القصيدة الجاهلية. هذه الموضوعات

ما دامت هذه ال , تماما عن القصيدة" الوحدة"فقد أدى إلى إبعاد فكرة , بل أكثر من ذلك

ال ينتظر منه الجمهور , بيركحسب , إن الشاعر الجاهلي. تملك نهاية تتوقف عندها

وإنما خلق االختالف والتنوع في الموضوعات , التقليدي تجديدا في الموضوعات

وهذا يفسر ربما لماذا كون العدد الكبير من القصائد التي لها منطلق . الشعرية الثابتة

أي على الفراغ الذي ستخرج منه , وهو الوقوف على األطالل, واحد وضروري

ال تنتهي إلى , بالمقابل, هي قصائد, تنطلق من وصف المرأة والتغزل بهاالقصيدة؛ أو

وحدة "فالقصيدة الجاهلية ليست فقط بدون . إنها مفتوحة على ما ال نهاية. شيء

)19(.ولكنها أيضا قصيدة ال تنتهي أبدا , كما يعيب النقد المعاصر عليها ذلك, "عضوية

هو حكم لم تفرزه , "وحدة عضوية"ة بأنها ال تملك إن الحكم على القصيدة الجاهلي

الدراسة الداخلية للشعر الجاهلي؛ أي تلك الدراسة التي تحل بداخله فتتناول حروفه

وباختصار كل عنصر فيه مهما بدا . وكلماته وجمله وصوره وأحداثه وشخصياته

ننا لم نعد نفهم ثم إ. إذ لو تمت هذه الدراسة لتغير هذا الحكم تماما, صغيرا أو كبيرا

أي عناصره ليست , ثم هو ال يملك وحدة, كيف يكون الكالم شعرا أو أدبا بشكل عام

نسجام؟ أما المتماسكة ومنسجمة؟ هذا إذا كان القصد بالوحدة العضوية هو التماسك وا

بناء األحكام على غير القراءات الداخلية والدقيقة التي تحل في النص فهي قراءات ال

أن تنتج أحكاما كالحكم السابق الذي يكاد ال يرى في األدب إال كونه وعاء يمكنها إال

. يتضمن أفكارا

بعد أن أكد على امتالكها , أما اعتبار بيرك للقصائد الجاهلية أنها بدون نهايات

وهي بكاء , لبدايات معينة وحتى ضرورية تكاد جميعا أن تشترك في االنطالق منها

ذلك ألن بداية القصيدة التي هي , فهو رأي ال نشاركه فيه, بالمرأةاألطالل والتغزل

19- Voir, J. Berque « Langages arabes au présent », P.149.

188

مما يجعل القصيدة تتحرك على مسار . هي نفسها نهايتها, كما ذكر, البكاء على األطالل

. لتعود إليها وقد اكتمل بناؤها, دائري بحيث تنطلق من نقطة محددة وضرورية

طالل فهي تنطلق من الفراغ كما ذكر وتوضيح ذلك أن القصيدة لما تنطلق من األ

أي بداية نشأتها وتكونها الذي يأخذ في , وهي بذلك تعلن عن ميالدها, بيرك ذلك أعاله

وهو االكتمال الذي يتم عند النقطة التي تفصل . النمو ويستمر فيه حتى تبلغ اكتمالها

, تلك في بدايتهابينها وبين الطلل؛ حيث تتوقف عند تلك النقطة حتى ال تدخل نهايتها

كما تكون أيضا قد أكملت شكال دائريا يكون صنعه مسار , وبهذا تكمل تكونها أو بناءها

.تكونها نفسه

هو النظام , إن هذا النظام الذي تتبعه القصيدة في نشأتها وفي نموها نحو اكتمالها

ة تبدأ هي أيضا من ذلك أن هذه الحيا. نفسه الذي تقوم عليه حياة القبيلة في الجاهلية

لحظات االستعداد للرحلة ثم االنطالق فيها نحو مكان آخر يتوفر على شروط الحياة ـ

وأهمها الماء ـ فتنزل لإلقامة به زمانا تنتهي مدته عند زوال شروط الحياة التي كان

رحلة : فتكرر التجربة السابقة, يمتلكها؛ وعندئذ تشرع القبيلة في االستعداد لرحلة أخرى

تنفتح ثم تنغلق في شكل دوائر , وهكذا تستمر الحياة. ثم رحلة فإقامة أخرى, فإقامة

تبدأ الرحلة باألطالل . يتشكل بعضها فوق بعض على مدى مئات وآالف السنين

والفراغ الذي تتركه القبيلة وراءها هربا من الموت والفناء نحو مكان آخر يوفر لها

فتتركه كما تركت , ذ كسابقه يستسلم لعناصر الفناءفتقيم به إلى حين يأخ, شروط الحياة

. سابقه لتبدأ الرحلة من جديد؛ وبهذا تنغلق دائرة من دوائر الحياة لتنفتح أخرى جديدة

.وعلى هذا النسق تستمر الحياة

, فهي تبدأ نشأتها بالبكاء على األطالل, حسب ما رأينا, وهكذا شأن القصيدة أيضا

وتنتهي لما تجد نفسها , الغزل والناقة والرحلة والصيد والمديحثم تنمو مع موضوعات

قد بلغت النقطة التي تفصلها عن األطالل؛ ثم تنطلق قصيدة أخرى جديدة على الخط

كما استأنفت القبيلة حياتها برحلة , تستمد موضوعاتها من الحقل الفني المعروف, نفسه

لتنفتح دائرة أخرى بالهروب من , لوهكذا تنغلق الدائرة التي بدأت باألطال. جديدة

وكيف أن حركتها , وهكذا يتضح لنا كيف ترتبط حياة القصيدة بحياة القبيلة. األطالل

.تبدأ باألطالل وتنتهي عند األطالل: هي حركة دائرية مثل حركة القبيلة أيضا

189

ملك ولكنها ال ت, ليست القصيدة الجاهلية إذن قصيدة ذات بداية محددة وضرورية

هي البكاء على األطالل وبنهاية , نهاية كما ذهب جاك بيرك؛ وإنما هي قصيدة ببداية

وهي تماثل بذلك . بعد أن أكملت دورتها الفنية, هي الحد الفاصل بينها وبين األطالل

, التي تنطلق المرحلة الجديدة من حياتها بمغادرة األطالل, حياة القبيلة الجاهلية نفسها

ثم تنتهي , تجاه مكان آخر يوفر لها أسباب االستمرار في الحياة, راغرمز الموت والف

, هذه المرحلة عند قرار القبيلة بترك المكان إلى مكان غيره يتوفر على عناصر العيش

وبذلك تنغلق الدائرة . بعد أن تحول مكان إقامتها إلى مكان يهدد بالفناء واالنقراض

إذ ستنغلق لتبدأ دائرة , ير سابقتها نفسهستعرف هي أيضا مص, وتنفتح دائرة جديدة

وتتتابع الدوائر الواحدة , وهكذا تتوالد القصائد من الحقل الفني المشترك فتتشابه. ثالثة

.وتستمر الحياة, بعد األخرى

لقد دفعت فكرة الحقل الفني الذي يستمد منه الشعراء القدماء عناصر إنشاء وبناء

تأثيره في الساحة األدبية العربية إلى اليوم بجاك بيرك والذي مازال يؤدي, قصائدهم

إلى التساؤل حول إمكانيات وجود نص أدبي قديم سبق إلى تجميع عناصر هذا الحقل

ليصبح بعد ذلك هو النص القاعدي الذي يستقي األدب العربي منه عناصر , وتحديدها

ت أم بجانب البناء سواء تعلق األمر بجانب الموضوعا, تكوينه على امتداد عصوره

)géno-texte()20" (تكوينية النص"هل يمكن أن نفترض وجود : (( إذ يقول, الفني

وهي تعلن عن نفسها باالنبثاق والظهور , حاضرة باستمرار في كافة العالم العربي

بينما يعود طابعها التوليدي إلى المجموعة العربية , المستقل عند هذا الشاعر أو ذاك

)21())مكان والزمان؟على امتداد ال

رك عن إمكانية وجود تكوينية النص في المجال األدبي ي كان تساؤل جاك ب

منها تلك التي تتعلق بوجود , العربي مسبوقا في الحقيقة بتقديم بعض الحقائق التي تؤكده

والتي ال تزال إلى , أشعار شعبية في كل من شمال الجزيرة العربية وصحراء تونس

أما عن استمرار تأثير هذا . في بنائها الفني على عناصر الحقل الفني القديموقتنا تستند

وكانت جوليا كريستيفا أول , géno-texteستخدمها أحمد منور لمصطلح هي الترجمة التي ا »تكوينية النص« - 20

رسالة , »أزمة الهوية في الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية «انظر أحمد منور. من استخدمه وطوره . 255ـ 254ص, 2000دكتوراه مخطوطة بجامعة الجزائر

21 -J. Berque « Langages arabes au présent »; P.141.

190

فهو تأثير قوي وواضح , الحقل الفني في العصور التي تلت العصر الجاهلي مباشرة

فقد بقي الشعر العباسي مثال . ال يحتاج في هذا المقام إال إلى إشارة تذكر به, ومعروف

البكاء : الفني القديم بموضوعاته وبتشكيله الفنيمحافظا بوضوح على عناصر الحقل

والمديح؛ مع اإلبقاء على , وصف الرحلة في الصحراء, التغزل بالمرأة, على األطالل

وقد اشتغل داخل هذا الحقل الفني . التشكيلين المكاني والزماني للقصيدة الجاهلية أيضا

)22(.ؤالء هو أبو نواسوأشتهر ه, حتى من كان من الشعراء يعيب على غيره فعل ذلك

أن الصلة لم تنقطع أبدا بين مرحلة تشكل الحقل الفني القديم في , ومن هنا نرى

.أغلب عناصره وبين المراحل التي أعقبتها وصوال إلى الحاضر

المعلنة أو الخفية , وإذا حاولنا مرة أخرى الرجوع لتأمل هذه الحاجة الضرورية

أو الحقل الفني األول الذي , والمستمرة للشعراء إلى المنبع األولإلى العودة المتواصلة

فإن ما ينبغي , بغرض إيجاد تفسيرات إضافية لهذه الدوائر, تشكل منذ العصر الجاهلي

فعله في البداية هو أال نهتم في هذا المجال إال بالعناصر أو الظواهر التي تكتسي طابع

. تى ننسجم مع عنصر األطالل الذي سبق ذكرهح, الخصوصية للبيئة الطبيعية العربية

من ذلك حياة , إلى جانب هذا سنبعد من طريقنا العناصر التي لها طابع الشمولية

سواء تعلق األمر بحياة اإلنسان , الكائنات عامة؛ فهي تبدأ من الشيء وتعود إلى الشيء

علق بحساب أيام ومما له طابع الشمولية أيضا ما يت. أم تعلق بحياة الحيوان والنبات

. األسبوع والشهر والسنة واليوم نفسه؛ فكلها تحمل معنى الدائرية

فالشمس لها حضور قوي في حياة العرب , وينبغي أن نستثني هنا الشمس والقمر

ألن بيئتهم الصحراوية ذات السماء الصافية على مدار السنة تقريبا تجعلها أكثر ظهورا

كن أن ندرك على أساس هذا دور القمر أيضا في تشكيل ويم. عندهم عما عند غيرهم

أي من , تأتي من الشيء, فوالدة القصيدة كوالدة القمر. مفهوم الدائرة في ذهن العربي

كما يكتمل القمر , ثم تأخذ في النمو بيتا بعد بيت حتى تكتمل فيحتفي بها القوم, األطالل

:له هنا المطلع الطللي اآلتي نذكر- 22 لقد طال في رسم الديار بكائي وقد طال تردادي بها وعنائـي

كأني مريغ في الديار طريـدة أراها أمامي مرة وورائـــي واستولى علي عزائيعن الدار فلما بدا لي اليأس عديت ناقتي

يــ وال ينكرن طول ثوائعلي كالبــه ال تهر حان إلى بيت .402ص, .)ت.د(بيروت, دار الكتاب العربي, ؛ تحقيق عبد المجيد الغزالي»الديوان «أبو نواس , انظر

191

لنمو القمر عن طريق مروره بمراحل كما قد يكون. في دائرة منيرة فيشد إليه االنتباه

ما يفسر كون العناصر التي تشكل الحقل الفني هي أيضا تكاد أن تكون , محددة وثابتة

.ومديح, رحلة, غزل, طلل: ثابتة

وإذا تركنا عالم الفضاء والظواهر الفلكية ودورها في تشكيل مفهوم الدائرة في

فلعل يكون , لم النبات على ندرته وقلة تنوعهوتناولنا ما يحيط به من عا, ذهن العربي

ولكون معارفنا في هذا . له هو أيضا دور ما في تشكيل مفهوم الدائرة في األذهان

فقد أفدنا مما ذكره عبد , المجال ـ وفي مجال علوم الفلك أيضا ـ معارف محدودة

ما وبخاصة, بعالم الصحراء وأسرارها)23(الرحمان منيف من معارف محمد الباهي

: فمما كتبه محمد الباهي عن الصحراء العربية ونباتها قوله. تعلق من ذلك بعالم نباتها

البد من التنبه والتنبيه , قبل أن نشرع في وصف استراتيجية النباتات في الصحراء((

إن ... وصحراء الشمال اإلفريقي جزء منها, إلى الوحدة العميقة للصحراء العربية

ي إلى نبتة واحدة أو لنوع واحد قد ال تختمر دائما دفعة واحدة بعض البذور التي تنتم

واعتبر العلماء أن التنوع في ردود أفعال البذور إزاء ... بعد سقوط األمطار مباشرة

هو ضرب من التكيف مع البيئة يسمح للبذور الطبيعة العشوائية لألمطار الصحراوية

ي في توزع الحظوظ والمخاطر تجنبا وبالتال, بأن ترتب تخمرها وفقا لتتابع األمطار

, وهناك نباتات صحراوية تتفتح صماماتها ومصاريعها إذا ما مسها الماء... لفناء النوع

أيضا توجد نباتات . خالل اللحظات المناسبة, فتلقي بذورها إلى األرض في صمت

وهي تملك في , صحراوية تنتهي رؤوس بذورها بثالث مسكات ذات شكل خيطي رفيع

بحركة لولبية , ا تكوينا منقاريا صغيرا يتيح لها إمكانية التغلغل داخل التربةقمته

)24(.))والحال أنها تدور حول نفسها ثم تنغرس في األرض, حلزونية

يكشف محمد الباهي في هذا النص بعض طرق التكيف التي تلجأ إليها بعض

تهددها به طبيعة الصحراء النباتات حتى تحافظ على وجودها فال تتعرض للفناء الذي

وقانون التكيف في الحقيقة يفرض نفسه على جميع الكائنات سواء منها النباتية . القاسية

).1996-1930(مثقف وصحفي موريتاني ) محمد فال أباه( محمد الباهي - 23, 1997بيروت, المركز الثقافي العربي, ؛ الطبعة األولى»عروة الزمان الباهي « منيف ذكره عبد الرحمان- 24 .72, 71, 69ص

192

وسواء كانت هذه الكائنات تعيش في الصحراء كما هو . أم الحيوانية أم البشرية أيضا

فر فيها أم كانت تعيش في مناطق أخرى يتو, شأن النباتات التي أشار إليها محمد الباهي

ولهذا نقول إنه إذا كانت بعض النباتات . عنصر الماء بكميات معتدلة أو زائدة

الصحراوية تتكيف بالطرق التي ذكرها محمد الباهي للحفاظ على نوعها ولتجنب

, فإن اإلنسان الصحراوي كذلك يحافظ على وجوده عن طريق التكيف, مخاطر الفناء

وهي مأوى ذو شكل . لسهولة حملها ونصبهاوالذي من أنواعه اتخاذ الخيمة كمأوى

.ويتم الخروج منها من النقطة نفسها, دائري يتم الدخول إليها من نقطة معينة

فتتمثل في الشكل الدائري وفي تسمية السطر فيها , أما عالقة القصيدة بهذا

, صرفينحوي والوتام البناء الوالبيت الشعري كما نعرف يكون كامل المعنى . بالبيت

ومن هنا يمكن أن نرى في مجموعة أبيات القصيدة الواحدة صورة لمجموعة خيم

. القبيلة الواحدة

مفهوم الشكل الدائري الستقطاب أنواع التكيف في حياة " اختيار" وقد يكون

اإلنسان العربي هو اختيار جاء بسبب ما يتميز به هذا المفهوم من قدرات على تحقيق

من ذلك انفتاحه على معنى االحتواء واالحتماء؛ فهو يجمع , المطلوب والفعالالتكيف

وقد تجسد هذا في مجال . ويحفظ ويحمي من العدو الخارجي ومن الضياع ومن النسيان

الشعر في الحقل الفني الذي يجمع بداخله عناصر التشكيل المكاني والزماني إلى جانب

.جملة من الموضوعات

يبقى أن نعرف إذا كانت أعمال كاتب ياسين األدبية تنتمي أم ال إلى هذا بعد هذا

والذي أطلقت عليه جوليا كريستيفا , الحقل الفني العربي الذي تحدث عنه جاك بيرك

وبعد أن رأينا في مجال هذا البحث أن أبرز ).géno-texte" (تكوينية النص"مصطلح

ته فإن البحث سيتجه إلى معرفة ما إذا كانت ما يميز هذا الحقل الفني العربي هو دائري

وعلى عناصر معينة أخرى من عناصر , نصوص كاتب ياسين تتوفر على هذه الدائرية

هذا الحقل الفني؟

إن اإلجابة عن هذه التساؤالت ستؤدي إلى توضيح عالقة نصوص كاتب ياسين

. انبثاق هذه النصوصكما ستؤدي إلى تحديد دور الدائرة في, بالحقل الفني العربي

193

أم أنها عنصر , وبمعنى آخر سيتم التعرف عما إذا كانت الدائرة موضوعاتية أساسية

من مجموعة عناصر محددة تتكون منها الموضوعاتية األساسية؟

: ـ عالقة ياسين باألدب العربي2

ألولى سنتناول عالقة كاتب ياسين باألدب العربي من خالل البحث عن المصادر ا

:ثم من خالل الكشف عن عالقة نصوصه بالحقل الثقافي العربي, لثقافته

:أ ـ تشكل الوعي بالعالم وبالذات

, يمكن اعتبار عالقة كاتب ياسين باألدب واللغة العربية عالقة قوية, منذ البداية

ثقافته وبخاصة أبوه الذي جمع إلى جانب , ذلك ألنه نشأ في أسرة مثقفة ثقافة عربية

. العربية ثقافة فرنسية أهلته لكي يشغل منصب وكيل في المحاكم الشرعية اإلسالمية

وعمره 1941 أحد أصدقاء ياسين الذي تعرف عليه في عام" عبد الحميد بن الزين"يقول

إذ لم يكن , مزدوج اللغة والثقافة, إن األب كان رجل أدب وثقافة: ست عشرة سنة

كما كان على معرفة بأشعار امرئ , سيكي منه والرومانسييجهل األدب الفرنسي الكال

ومطلع على كتابات , وعلى دراية بآراء أبي حامد الغزالي, القيس وأبي نواس

)25(.المنفلوطي ومعجب بشجاعة أم عصمة أم ابن الزبير

وأن أخاه , ويؤكد جان ديجو أن األب كان رجال مزدوج الثقافة العربية والفرنسية

وكان يشتغل موظفا ساميا في , كان مثقفا ثقافة عربية وفرنسية) عم ياسين(العزيز عبد

وله ديوان شعر نشر في عام , للحكومة العامة بالجزائر" الشؤون اإلسالمية"قطاع

وأن أخواله كانوا أيضا , وهو أب مصطفى كاتب رجل المسرح المعروف, 1947

ثم إلى المدرسة الحكومية لينتقل بعد ذلك , ةوأنه تم إدخاله إلى المدرسة القرآني, شعراء

وغير هذه من المعلومات التي تدور حول حياته وثقافة . إلى مرحلة التعليم الثانوي

وأن كل الدالئل كانت تشير للعارفين أنه , وعن حبه لألدب واللغة العربية, عائلته

أعمامه وأخواله وأديبا مثل أبيه وأمه و, سيصير في المستقبل كاتبا باللغة العربية

وكان , ويذكر أحمد منور أيضا أن كاتب ياسين تأثر بالجو الثقافي لعائلته)26(.وأجداده

25 -Voir, Abdelhamid Benzine « Ľenfant de Bougâa »; in, « Yacine »; Ouvrage collectif, Alger républicain-El adib, Alger 1991, P.14-15. 26 -Voir, Jean Déjeux « Littérature maghrébine de la langue française » ; P.211.

194

هذا الجو ذا تقاليد شعرية إذ كان كل من والده وأمه وجده يقرضون الشعر باللهجة

)27(.العامية ويتبارون فيه فيما بينهم

إننا سنجد أغلبها مبثوثا في ولكن إذا تساءلنا عن مصادر هذه المعلومات ف

فهل يعني هذا أن الكتاب الذين . وبالتحديد في صفحاته السبع األخيرة, "المضلع النجمي"

سيرة ذاتية " المضلع النجمي"ثبتوا هذه المعلومات وغيرها في دراساتهم اعتبروا

للمؤلف فأخذوا منه هذه المعلومات الهامة عن حياته وهم مطمئنون إلى صحة ما

فهل يمكن , ذوا؟ وإذا اعتبرنا هذا األمر سليما في هذه الصفحات األخيرة من الكتابأخ

مع أن الكتاب يحيل بوضوح كبير وصراحة تامة إلى , أن نعممه على صفحاته الباقية

وإلى عوالم فنية أخرى , عالم رواية نجمة بشخصياته وأحداثه وفضاءاته من جهة

على احتوائه على ما ال يقل عن ثماني عشرة غيرها للمؤلف من جهة ثانية؛ زيادة

إذ , وهو ما يعادل عشر عدد صفحات الكتاب؟ وليس هذا فقط, صفحة من األشعار

يحتوي على مشاهد مسرحية طويلة تمتد في أحد مواضعه إلى حوالي عشر

)28(.صفحات

كن أن فهل يسمح لنا هذا كله بأن نعتبر هذا األثر الفني المتميز سيرة ذاتية يم

نستمد منها الشواهد إلسناد حوادث واقعية أو قضايا عقلية بحتة؟ ولكن ليس الدارسون

فللمضلع النجمي نفسه نصيب من المسؤولية في , وحدهم مسؤولون على هذه الحالة

حدوث هذا االنزالق من عالم الخيال إلى عالم الواقع بفضل ما يتميز به من قوة

والمزج , عالم الواقع وعالم الفن: الفاصلة بين العالميناإلغراء بالحقيقة وكسر الحدود

بينهما؛ بمثل قوته على المزج بين السرد القصصي واإليقاع الشعري والمشهد

.المسرحي

أمام هذه الصعوبة التي يجدها الدارسون للتمييز بين الجانب الواقعي والجانب

د في استناد بعض الدارسين ـ والذي تجس, اإلبداعي في بعض مقاطع المضلع النجمي

برغم ذلك ـ عليه لتسليط األضواء على جوانب من حياة كاتب ياسين وعلى محيطه

" عبد الحميد بن الزين"العائلي؛ ال يبقى لنا إال االعتماد على ما سبق ذكره من شهادة

.253؛ ص» ...أزمة الهوية « أحمد منور, انظر- 27

28 -Voir, Kateb Yacine « Le polygone étoilé »; éd. du Seuil 1966-1994, P.119-128.

195

نضيف إليه ما أدلى به كاتب ياسين نفسه من أحاديث في , وما أكده من ذلك جان ديجو

لما يحمله من قيمة تخدم هذا الموضوع , ومن حوارات في المجالت والصف, لندواتا

.فتزيده عمقا وجالء

بأنه ال يفكر في تعلم اللغة " حفيظ قفيطي" يذكر كاتب ياسين في حوار أجراه معه

". اللغة المحلية الجزائرية"وأن جهوده يوجهها بالمقابل إلى توظيف , العربية الفصحى

, يالحظ في الحوار نفسه أن اللغة العربية الفصحى تمتلك أدبا قديما قائما بذاتهولكنه

)29(.وهو جيد وينبغي لإلنسان التعرف عليه

ندرك من هذا الحديث الصريح أن كاتب ياسين الذي لم تستمله اللغة العربية

ها بطريقة غير مباشرة قد استمالته إلي, فيقرؤها ويكتبها, الفصحى إليها بطريقة مباشرة

كيف تم له االطالع أما.أي على الشعر الجاهلي ,من خالل االطالع على أدبها القديم

إال ما يمكن أن , على هذا الشعر ليصفه بالجيد؟ فإننا ال نملك إجابة دقيقة على هذا

ومن ثم من خالل عالقته بأبيه وباألجواء , نستضيء به من معرفة أبيه للشعر القديم

فتكون تلك األشعار القديمة قد . رية واألدبية التي كانت تحيط به بين أفراد عائلتهالشع

ثم يكون قد عمقها , اتخذت طريقها إليه في هذه المرحلة المتقدمة من عمره فتأثر بها

إلى جانب الدراسات التي تم , فيما بعد من خالل قراءة ما ترجم منها إلى اللغة الفرنسية

. شعر باللغة الفرنسية نفسهاإنجازها حول هذا ال

وما يرجح هذه الفرضية هو أن المؤلف نفسه يؤمن بخطورة مرحلة الطفولة في

من ذلك ما ورد في حديث أدلى به لمجلة , تحديد شخصية اإلنسان ورسم مسار حياته

والذي اعتبر فيه أن الرجل ما هو إال 1967 في عام )Jeune Afrique" (جون أفريك"

الرجل : (( طفل الكبير الذي تحددت نظرته إلى الحياة منذ مراحل الطفولة األولىذلك ال

. لقد تحددت نظرتنا إلى األشياء في إطار اللغة العربية الشفوية. طفل أردنا أم أبينا

أعبر باللغة الفرنسية عن .أي بالجزائر , المهم أن اللغة هي حبل سرة ثان يربطنا بأمنا

, ولكنني أملك جذوري العربية واألمازيغية, باللغة الفرنسيةأكتب . شيء ليس فرنسيا

أال يعني هذا أن نظرة ياسين إلى الحياة قد تحددت في )30(.))وهي جذور مازالت حية

29 -Voir, Hafid Gafaïti « Kateb Yacine… » ( entretien) , P.55-57. 30 -J. Déjeux « Littérature maghrébine de la langue française »; P.226.

196

إطار اللغة العربية التي كانت ـ بما تحمله من أدب وتراث ـ تشكل ثقافة أبيه وثقافة

العائلة بشكل عام حسب ما تقدم؟

ين نربط هذا الكالم بنوعية ثقافة األب وأفراد العائلة عموما تتضح لنا ولكننا ح

, والتي يشتغل في حقلها, أكثر طبيعة هذه الثقافة التي رسخت في ذهن كاتب ياسين

وهو , ويرى األمور من خاللها أيضا؛ وبخاصة ما تعلق منها بالشعر وباألدب عموما

ونقصد بذلك , نب األخرى في هذه الثقافةالجانب الذي هو في حاجة إليه أكثر من الجوا

. الشعر الجاهلي طبعا

إن هذه األهمية الواضحة التي تأخذها مرحلة الطفولة عند كاتب ياسين لتشكيل

تلتقي بقوة مع ما تذهب إليه الفلسفة , وعي اإلنسان بالعالم الذي يحيط به وبذاته

كما تلتقي . ومن ثم بذاته, اإلنسان بالعالمالظاهراتية عند تحديدها لمرحلة تشكيل وعي

أيضا مع األهمية نفسها التي يعطيها رواد المنهج الموضوعاتي عموما وجان بول ويبر

حيث يرى فيها المرحلة التي تتشكل فيها , بالخصوص لهذه المرحلة من حياة الفنان

منها جميع عناصر الموضوعاتية وتتحدد بكونها الموضوعاتية األساسية التي تنبثق

بل ذهب بعيدا حين جعل هذه الموضوعاتية وسيلة الختبار صحة . أعمال األديب تقريبا

التحليل من عدمه وقال إن التحليل يجب أن تؤكده هذه الموضوعاتية التي يعود تكوينها

ومن هنا يمكن أن نقول إن كاتب ياسين يعي العالم عن طريق )31(.إلى مرحلة الطفولة

الذي يقوم كما , وبتخصيص أكثر من خالل األدب العربي القديم, ثقافتهااللغة العربية و

رأينا على حقل فني محدد تتجمع عناصره الفنية في شكل دائري؛ مما يجعل هذا الشكل

الدائري نفسه يقف كنظام تتوزع هذه العناصر على محيطه في كل العمليات اإلبداعية

وكانت الدائرة عنصرا , مة قصيدة دائريةولما كانت القصيدة القدي. الشعرية تقريبا

فهي تعكس طبيعة وعيه بالعالم وبذاته في , موضوعاتيا أساسيا في إبداع كاتب ياسين

على اعتبار أن إبداع أي أديب ما هو إال تنظيم خاص يعكس وجهة نظره , هذا العالم

)32(.المتميزة إلى العالم حسب جيرار جونات

:ب ـ الوعي واإلبداع

31 - Voir, J. P. Weber « Domaines thématiques », P.18. 32 - Voir,Gérard Genette «discussion» in. « Les chemins actuels de la critique »; P.211.

197

وتتأكد عالقة كاتب ياسين أيضا بالثقافة العربية عموما وبالشعر الجاهلي

وذلك عن , خصوصا من خالل تحرك أعماله في مجال الحقل الفني العربي القديم

أو بعض مشاهدها على األقل في , طريق حضور موضوعات هذا الحقل في أعماله

:والسرد؛ حسب ما سنرى, والمسرح, الشعر: مختلف األجناس األدبية التي كتب فيها

: ـ النص الشعري1

ينبغي أن نذكر هنا بطبيعة الحقيقة األدبية التي سبق أن تناولناها عند الحديث عن

حيث استعرضنا مفهومه للحقيقة األدبية التي , المنهج الموضوعاتي عند جان بول ويبر

لتي يتطابق فيها االسم على وليست هي الحقيقة الرياضية ا, هي حقيقة التماثل والتشابه

بينما الحقيقة . أي إنها حقيقة ال تقبل زيادة أو نقصانا. مسماه والرمز على مرموزه

أي أن المشهد األدبي يستحضر إلى الذهن , األدبية تقوم على المشابهة واالستحضار

على هذا األساس نجد في شعر كاتب ياسين حضورا واضحا لكثير . المشهد الذي يماثله

البكاء على : العناصر التي تدخل في بناء العالم الفني للقصيدة الجاهلية وهيمن

باإلضافة إلى . والجمال, القافلة, الصحراء, الرحلة, الفراق, المقدمة الغزلية, األطالل

.استحضار صريح للقصيدة الجاهلية نفسها من خالل سطور شعرية

Nedjma ou le poème ou le), "نجمة أو القصيدة أو السكين" في قصيدة

couteau)والتي اعتبرها هو نفسه أنها تشكل 1948 لتي نشرها كاتب ياسين في سنة ا

: جد سطرها الثالث يعبر عن هذا المعنىن )33(,ألعماله ) matrice( النص الرحم

)34(.))هي التي كان ينبغي يا نجمة المحافظة عليها, إنها تلك القصيدة العربية((

قصيدة هذه التي ينبغي المحافظة عليها إن لم تكن القصيدة الجاهلية بالذات؟ أية

إن هذا البيت الشعري ال يحتاج منا في الحقيقة مجهودا تأويليا كبيرا مادام هو نفسه قد

وإذا كان كاتب ياسين يعتبر كما ذكرنا هذه القصيدة األساس . لزم الوضوح والمباشرة

ال يبقى إال أن نتساءل إذا كان قد حافظ على القصيدة ف, الذي يرتكز عليه إبداعه

وتأسيس هذه األعمال عليها , الجاهلية من خالل توظيف عناصر حقلها الفني في أعماله

إلبقائها حية خالدة؟

33 -Voir, Jacqueline Arnaud, Kateb Yacine «Ľoeuvre en fragments »; Ed. Sindbad, Paris 1986 ; P.434. 34 -Voir, ibid ; P.70.

198

وجاءت في القصيدة نفسها هذه المعاني أيضا التي تستحضر إلى أذهاننا أجواء

عداد الشاعر للرحيل وراء محبوبته للحاق بها وسط القصيدة الجاهلية لما تعبر عن است

:القافلة واالبتعاد عن موقع األطالل

... شاعر يتخلى عن المدينة متبوعا بكلب ((

. لقد سرت مع األسوار حتى أنسى المساجد

... ابتسمت نجمة وأدخلت الفواكه في صدرها

... امه نجمة أمسكت حصاني من لج

,البدو يراقبوننا. الرمال قد غطتها آثارنا الممتلئة بالذهب: قلت لنجمة

صرخاتهم

... تقتل كلماتنا

! القافلة قد ابتعدت والمرحلة األخيرة ستكون نحو الشمال, نجمة

)35(.))كأحد األجدادفجهزت جمال قويا , نجمة شدت اللجام

نعتقد أن مثل هذا الشعر ليس بعيدا أبدا عن أجواء القصيدة الجاهلية حيث الناقة

القوية والمرأة الجميلة والصحراء الشاسعة والرحلة الشاقة التي يعترض سبيلها األعداء

.وقطاع الطرق

التي نشرت في )Keblout et Nedjma( "كبلوت ونجمة" وجاءت في مطلع قصيدة

:المعاني اآلتية 1951عام

نجمة في كل خريف تعيد الظهور ((

ولكن ليس بدون أن تسلبني

)36( دموعي وخنجري

)37()) نجمة في كل خريف تختفي

35 -Voi, Kateb Yacine, «Ľoeuvre en fragments », P.71-72

. وردت الكلمة بالعربية في األصل):mon khandjar ( خنجري - 3637 - Voir, ibid, P.81.

199

لحقيقة األدبية التي ليست الحقيقة في علوم الرياضيات نذكر مرة أخرى بطبيعة ا

أي شيء يعيد ظهوره في كل خريف فيأخذ دموع الشاعر : ومن هنا نقول, أو الفيزياء

وخنجره ثم يختفي في كل خريف؟ قبل تقديم اإلجابة ينبغي أن ننتبه إلى عنوان القصيدة

ة الجاهلية فال يمكن أن يكون فإذا قرأنا هذه القصيدة في إطار القصيد". كبلوت ونجمة"

وأن نجمة ما هي إال المرأة المتغزل بها في مقدمة , كبلوت إال الشاعر الجاهلي نفسه

ولكن هل ينسجم هذا التأويل مع مطلع . القصيدة بعد أن رحل أهلها ورحلت معهم

القصيدة؟

مطلع مازال ليس مستبعدا أن ينسجم هذا التأويل مع مطلع القصيدة مادام أن هذا ال

الدخول إلى اإلجابة . حسب ما سبق, لم تقدم عليه أية إجابة بعد أن صيرناه إلى سؤال

يكون عن طريق اعتبار الخريف صورة تشبه الطلل لكون كل منهما يحمل معنى توقف

وعند هذا نترك الكالم عن الخريف . ليحل مكانها السكون والموت, الحياة وغيابها

, حتى نتمكن من قراءة العناصر المتبقية في ضوئه, يماثلهونتحدث عن الطلل ألنه

فنرى أن حضور الشروط أو العناصر الطبيعية التي تحول مكان إقامة القبيلة إلى

فإذا جاء وقت الرحيل البد , أطالل يدفع بالقبيلة إلى التفكير في الرحيل واالستعداد له

فيكون من ثم هذا , قبيلتهافراد ع أللحبيبة من الظهور ثم االختفاء في الهودج لترحل م

ومن ثم , الظهور المشروط بالمغادرة فعال أو حدثا يسلب الشاعر دموعه رمز ضعفه

مفضال إبقاءها في البيت بلفظها )38(,تسلب قوته ورجولته التي رمز لها بلفظة الخنجر

" ي في كل خريف تختف" و" تعيد الظهور في كل خريف " أما في قوله . العربي الفصيح

. فهو تعبير عن تكرار ظهور الحبيبة عند كل رحيل واختفائها أيضا عند كل رحيل

, فاكتمال شروط تحول المكان إلى طلل يكون سببا لظهور الحبيبة والختفائها أيضا

.أي عند تحول مكان كل إقامة إلى طلل, لتتكرر العملية عند كل خريف

مما يجعلهما قريبتين من , في حرفين" رجل"و" خنجر"يلفت انتباهنا في هذا السياق من الحديث اشتراك لفظتا - 38

ولجان بيار ريشار وجان بول ويبر عدة قراءات نقدية تقوم على أساس . بعضهما في النطق وفي المعنى كذلك .للثاني..." استاندال" لألول و" قراءات مصغرة"انظر. الحروف المشتركة بين الكلمات

200

هو مطلع تم بناؤه على أساس شبيه " كبلوت ونجمة" نرى إذن أن مطلع قصيدة

وفقا لما هو عليه األمر في القصيدة الجاهلية , بالمقدمة الغزلية أو البكاء على األطالل

.بشكل عام

وفي مكان آخر من القصيدة نفسها يظهر الشاعر تعلقه بالقصيدة الجاهلية من

:خالل هذا البيت الذي يمكن ترجمة معانيه حسب هذا التعبير

)39(.))صمت آبائي الشعراء ((

فيكون , لهذه القصيدة" الطللية" وهي معاني يمكن قراءتها في سياق المقدمة

لكونه ينظم الشعر مثلهم فيستمد منهم , المعنيون بهؤالء األباء هم الشعراء الجاهليون

لمرأة؛ وقد نظام القصيدة التي يفتتحها هو أيضا بالوقوف على األطالل والتغزل با

يضيف بعد ذلك وصف الرحلة وما تتضمنه من حديث عن القافلة عموما ثم الحديث

والمخاطر الكثيرة الطبيعية والبشرية التي تهدد , عن رمال الصحراء وصعوبة عبورها

مع االنتباه إلى أن هذا , "نجمة أو القصيدة أو السكين"المسافر بها كما رأينا في قصيدة

هو سياق ال يمكن أيضا أن , ح العتبار هؤالء اآلباء الشعراء جاهليينالسياق الذي ينفت

ولكن هؤالء , نعزل عنه آباء الشاعر المباشرين لكونهم أيضا شعراء حسب ما تقدم

. يمكن اعتبارهم بدورهم امتدادا للقدماء بسبب تواصلهم المستمر مع الشعر القديم

وردت )Ľoeil qui rajeunit ľâme /1 ( " 1/العين التي تشب الروح"وفي قصيدة

)40(:في أحد مقاطعها هذه المعاني

سالم أيها الباب المغلق ((

غالف كتاب آخر

...................

صفحات الكتاب الممزق

) 41(:هذا البيت الخامس" المضلع النجمي"سه في ثم أضيف لهذا المقطع نف

))نجمة نجمة افتحي بابك أو نافذتك ((

39 -Voir, Kateb Yacine « Ľoeuvre en fragments », P.81. 40 -Voir,Ibid;P.102. 41 -Voir, Kateb Yacine « Le polygone étoilé » ; P.146.

201

ثم , 1964 القصيدة أنها نشرت في عامفي تعريفها بهذه " جاكلين أرنو" وتذكر

وكانت . قصيدة أخرى تحمل العنوان نفسه) عدلها إلى(رجع الشاعر إليها وبنى عليها

كتاب اللغة " في برنامج إذاعي بفرنسا يحمل اسم 1965 القصيدة قد قدمت في عام هذه

وهو , وكان البرنامج يبدأ بالبيت األول الذي ذكرناه". كاتب ياسين :الفرنسية األجانب

)42(".سالم أيها الباب المغلق"

ر وهذه البداية ال تختلف ـ كما هو ظاهر ـ عن االفتتاحية الطللية في الشع

وليس . )43("حي الديار"أو" انعم صباحا أيها الطلل"التي كثيرا ما ابتدأت بعبارة , الجاهلي

وقد كانت الدار . الباب في شعر ياسين إال مدخل الدار التي تدخل منها الحبيبة وتخرج

غالف : (( ومن هنا قول ياسين, الطلل موضوعا يتكرر في مطالع القصائد الجاهلية

منه يتم الدخول إلى عالمه , الغالف إال الوجه الظاهر للكتابوليس)). كتاب آخر

ولما . وتفاصيله وأعماقه كما يتم الدخول إلى عالم القصيدة الجاهلية من مقدمتها الطللية

كان الطلل يعبر عن حالة الفراغ والخراب والسكون الذي حل بالمكان بعد حالة عمران

دوره عن معاني الموت والفوضى والسكون كان الكتاب الممزق يعبر ب, ونظام ونشاط

أما البيت الخامس فهو ال يزيد في هذا المقام إال . الذي أصاب بناءه ونظامه وحياته

تأكيد هذه المعاني التي ذكرناها من عالقة هذا المقطع الشعري بالمقدمة الغزلية في

المقطع مكانه ليأخذ هذا , وذلك حين ربط بكل وضوح بين الدار ونجمة, الشعر الجاهلي

حيث تكون صفحات الكتاب , كامال ضمن المقدمات الطللية الغزلية في الشعر القديم

الممزقة التي تتالعب بها الرياح هنا هي المقابل لصفحة الطلل الذي رحل عنه األحبة

أو عمرته بعض الحيوانات , هناك فسكنته الرياح وعمره الفراغ والوحشة والسكون

)44(: ألرآم كما هو الحال في معلقة زهيرالعين وا البرية مثل

بها العين واألرآم يمشين خلفة وأطالؤها ينهضن من كل مجثم

42-Voir, « Introduction » de Jacqueline Arnaud « Kateb Yacine… »; P.435.

: يقول زهير- 43 فلما عرفت الدار قلت لربعها أال انعم صباحا أيها الربع واسلم

: ويقول عنترة حييت من طلل تقادم عهـده أقوى وأقفر بعد أم الهيثـــم

, دار األفاق الجديدة, الطبعة الثالثة, ؛ تحقيق فخر الدين قباوة »شرح القصائد العشر «الخطيب التبريزي , انظر . على التوالي266و, 166ص, 1979بيروت

.164ص, نفسه- 44

202

, والثعبان, والنحلة, الفراشة: أما في قصيدة كاتب ياسين هذه فإننا نجد في مقدمتها

ومن هذا . )45("سقط في النسيان"والكتاب , "الورشة معطلة"وهي مخلوقات ميتة ألن

االختالف يتضح أن وجهة كاتب ياسين في هذا التوظيف الالشعوري لعالم القصيدة

الجاهلية هي وجهة جديدة وخاصة ومتميزة لخلق متميز أملته ظروف حياة متميزة

.1962تخضع لموقفه من الوضع الجديد الذي أفرزه واقع استقالل الجزائر في عام

بدت , عن عالقة أشعار كاتب ياسين بالشعر الجاهلي من خالل ما سبق من حديث

:لنا هذه العالقة عالقة قوية تجسدت في الجانبين اآلتيين

ـ توظيف القصيدة الجاهلية بصفتها موضوعا أو كيانا محددا في المكان والزمان 1

وبالتحديد في مجال األدب العربي , مثلها مثل أي موضوع يشغل حيزا في الوجود

.القديم

وهو ما , توظيف العناصر البارزة واألساسية التي تحدد تميز القصيدة الجاهلية ـ2

حسب افتراض , تناولناه تحت مصطلح الحقل الفني أو تكوينية النص لألدب العربي

, الطلل: منها, جاك بيرك الذي انطلقنا منه فكشفنا عن حضوره في شعر كاتب ياسين

مع المالحظة أن . ومخاطر السفر, اءالصحر, الحصان, الرحلة, التغزل بالمرأة

. موضوع الطلل وموضوع الغزل كان لهما حضور قوي وجلي

ألن هذا الشعر يستند , ومن هذا تتأكد لدينا البنية الدائرية في شعر كاتب ياسين

طالل بحيث أن القصيدة القديمة تتخذ األ, على الحقل الفني القديم الذي يتميز بالدائرية

نقطة النطالقها لتنتهي بعد ذلك عند النقطة التي تفصلها عن االلتقاء بالنقطة التي

فنحن في , وهكذا. أي األطالل؛ ثم يتكرر األمر مع القصيدة الموالية, انطلقت منها

حيث , وضع يشبه سباق العدائين في ألعاب القوى الذين يدورون في محيط الملعب

. ها نقطة نهاية الدورة السابقةتكون بداية كل دورة هي نفس

: ـ النص المسرحي2

قدم محمد االخضر معقال في دراسة حول أدب كاتب ياسين عدة شواهد يبين فيها

بل كشف في أماكن من هذه الدراسة أن أدب كاتب . ارتباط هذا األدب بالشعر الجاهلي

45- Voir, Kateb Yacine « Ľoeuvre en fragments »;P.102

203

تفادته إلنجاز بحثه من ولم يخف اس. ياسين يتأسس على الحقل الفني للشعر الجاهلي

النتائج التي توصل إليها جاك بيرك في دراسته حول الحقل الفني للشعر العربي القديم

)46(.التي توقفنا عندها قبل اآلن

ومن مشاهد األدب المسرحي لياسين التي وجد الباحث معقال ما يقابلها في الشعر

أحد شخصياتها , يظهر فيها االخضرالتي" الجثة المطوقة"افتتاحية مسرحية , الجاهلي

بعد أن شارك في , بين مجموعة من الجرحى والقتلى, ساقطا وجروحه تنزف, األساسية

وهو مشهد يتم نقل تفاصيله عن . مظاهرة إلى جانب هؤالء ضد المحتلين الفرنسيين

: يمكن تلخيص بعض ما ورد فيه حسب اآلتي, طريق حوار داخلي لالخضر

إنه شارع في الجزائر أو في قسنطينة أو في سطيف أو في , الوندال هنا شارع

إذا أصابني المدفع فإن بقائي سيستمر هنا كضياء ... قالمة أو تونس أو الدار البيضاء

السبيل الوحيدة التي أرغب أن أسلم . نجمتي" نجمة"هنا شارع ...الكواكب لتمجيد اآلثار

) 47(.فيها روحي

خضر معقال أن هذا المشهد المسرحي قائم على المقدمة الطللية يرى محمد اال

رك قد أوردها يوالتي أورد منها ترجمة لثالثة أبيات كان جاك ب, لمعلقة طرفة بن العبد

: واألبيات المعنية هي)48(.ناقال إياها من مصدر آخر أشار إليه, أيضا في دراسته

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد لخولة أطالل ببـرقـة ثهـمـــد

وقوفا بها صحبي علي مطيهـــم يقولون ال تهلك أسى وتجلـــد

وفي الحي أحوى ينفض المرد شادن مظاهر سمطي لؤلؤ وزبرجــد

وهذا , يبدو هذا الوقوف على األطالل حيث كانت اإلقامة: (( فيقول الباحث

)49(.))أنهما قد قطعا العصور ليظهرا عند كاتب ياسين, ات الحبيبةاالستحضار لذكري

46 -Voir,Mohamed-Lakhdar Maougal «Aux sources des mythes dans la parole katebienne » ; in, « Actes du colloque international sur Kateb Yacine » organisé par le département de français, université d΄Alger, le28,29 et 30 Octobre 1990, éd. O. P.U. Alger (s.d.e.) P.283. 47 -Voir, Kateb Yacine ; « Le cercle des représailles », éd. du Seuil 1959, P.15-16 48- Voir, J. Berque « Langages arabes au présent »; P.143 49- Mohamed-Lakhdar Maougal « Aux sources des mythes dans la parole katebienne » ; P.287.

204

ولكن ال ندري لماذا اكتفى الباحث من , )50(يبدو لنا هذا صحيحا أيضا, ومن جهتنا

ولم يضم إليه , مشهد المسرحية بما جاء على لسان االخضر فقط حول هذا الموضوع

العناصر التي تكون , وبدقة كبيرة, المؤلفوهو الشهد الذي حدد فيه , المشهد الذي يسبقه

وتتبع . المشهد الذي يبدو االخضر فيه جريحا بين مجموعة من القتلى والجرحى

المؤلف فيه أيضا المراحل األولى التي سبقت والدة حوار االخضر الداخلي في شكله

حيث كان هذا الحديث في البداية عبارة عن أنين وأصوات غير , الكامل والواضح

.لتصير فيما بعد هذا الحوار الواضح والشاعري, محددة وغير مفهومة

إن القفز على هذه المرحلة إلى المرحلة التي تناولها الباحث من حوار االخضر

فيقابل بذلك الشاعر صاحب , هو اختيار يجعل االخضر هو مؤلف المسرحية, الداخلي

نفسه وكذا حديثه مع نفسه هما من وهذا ليس صحيحا ألن االخضر . القصيدة الطللية

ومن هنا فياسين هو الذي يقابل الشاعر الجاهلي وليست شخصية , صنع كاتب ياسين

والتي تقابلها الشخصية الشعرية في القصيدة , االخضر اإلبداعية التي خلقها المؤلف

.الجاهلية

الخضر تفتتح مسرحية الجثة المطوقة بهذا الوصف الفني الذي يسبق حوار ا

: والذي يمكن تلخيص بعض ما جاء فيه حسب اآلتي, الداخلي ويمهد له

بائع يقبع أمام , عند زاوية شارع بدون مخرج. بعيدا عن اآلثار الرومانية, القصبة

أضواء مسلطة على الجثث والجرحى الذين يرتفع أنينهم وضجيجهم , عربته الفارغة

خذ كل ذلك يتدرج نحو التشخيص حتى يصير ثم يأ, شيئا فشيئا تعبيرا عن آالمهم

)51(.تلك هي أصوات االخضر الجريح, أصواتا واضحة متميزة

بما في ذلك , يبدو هذا المشهد أنه أكثر مشاهد المسرحية قربا من مشهد األطالل

واآلثار , القصبة: ذلك ألن األلفاظ, المشهد الذي جاء في الحوار الداخلي لالخضر

يؤكد أحمد منور على أهمية ما ورد في دراسة معقال من ارتباط رواية نجمة باألدب الجاهلي من خالل قيام بنيتها - 50

وهي ظاهرة تلتقي مع حركة الشكل الدائري الذي . على ظاهرة التكرار التي أثبت جاك بيرك قيام الشعر الجاهلي عليها

هرة التكرار هي ظاهرة عامة في األدب الشفوي وال تختص باألدب ولكنه يالحظ أن ظا. قال به النقاد في رواية نجمة

.254-256؛ ص» ...أزمة الهوية « أحمد منور, انظر.العربي وحده51-Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles » ; P.15.

205

ولحالة هذا المكان الذي , ي ألفاظ تحمل تحديدا للمكان الذي هو القصبةه, الرومانية

برقة "فكالهما يتصف بالقدم؛ ويمكن أن يتماثال مع , ترتبط به اآلثار الرومانية أيضا

أما التاجر القابع أمام عربته الفارغة . وبأطالل خولة القائمة بها, في معلقة طرفة" ثهمد

ي يتم إعدادها للرحيل في القصيدة الجاهلية هربا من األطالل فهو مشهد تقابله القافلة الت

فهم , ولكن هذا الموت في مسرحية ياسين قد لحق بضحاياه. رمز الموت والفناء

قابع ) البائع(والحادي , والعربة فارغة, والطريق بدون مخرج, ساقطون يحتضرون

. عدموهكذا تحول كل شيء إلى طلل وفناء و. والرحلة لن تنطلق, ساكن

ثم , وبعد هذا يبدأ الخلق في شكل حركة وأنين وضجيج ليصير في األخير صوتا

وبهذا يتم الخلق عند ياسين من العدم كما . إنه صوت االخضر: يتميز هذا الصوت

. خلق القصيدة من األطالل والفراغ والعدم: يحدث في القصيدة الجاهلية تماما

اسما لشخصية مهمة من شخصيات المسرحية " ضراالخ" وفي اتخاذ ياسين رمز

. واالخضرار, النمو, الحياة, داللة الخلق: ما يعمق هذه الداللة

يأتي المشهد الذي يبدو فيه االخضر , بعد هذا المشهد المؤسس النطالق المسرحية

وار داخلي طويل بدأه فيخاطب نفسه بح, بين الموتى والجرحى تنزف جروحه وهو يتألم

بالحديث عن الشارع وما يرتبط به من ذكريات؛ فنعرف أنه ولد بهذا الشارع نفسه وبه

. نشأ وشب وترعرع وأحب نجمة وناضل من أجل تخليص الوطن من أيدي المستعمر

والخارج من السكون والموت عبارة عن الوالدة الفعلية , فكان هذا الحوار الداخلي

تكونها وبناؤها إلى نهايتها التي كانت بموت االخضر على يد ليستمر, للمسرحية

الذي طعنه من الخلف بالسكين وهو متشبث بشجرة البرتقال يصارع , الطاهر الخائن

كما ذكرنا ذكريات حبه لنجمة على , وهو حوار جاء متضمنا. الموت وآالم الجراح

. منوال ما هو قائم في القصيدة العربية

فكان مطلعها تعديال )La poudre d´intelligence" (مسحوق الذكاء"ة أما مسرحي

لمطلع مسرحية الجثة المطوقة؛ ومن هنا فهو مطلع تم وضعه وفق مطالع القصائد

.حسب ما سيتضح لنا, القديمة

تضمنت الصفحات األربع األولى من المسرحية جملة من أهم العناصر التي

.والجائزة, المدح, الصيد, األطالل: الحقل الفني للقصيدة القديمة ونعني بذلكتكون

206

ويمكن تلخيص بعض , احتل المشهد الذي يرتبط بالمقدمة الطللية مطلع المسرحية

: يتم تصميم المشهد بأقل ما يمكن من العناصر: العناصر التي تكونه حسب اآلتي

إنها نخلة غير , ة أخرى تبدو بعيدة شيئا ماشجر. شجرتان وجزء من حائط يمثل شاشة

عتيقة زوجته . ينام على حصير" سحابة الدخان. "ضوء. ظالم. ترمز للصحراء, مثمرة

) 52(.جالسة في زاوية أمام كمية من التمر

وقد اشتمل على عناصر , هذا هو المنظر األول الذي تنطلق منه أحداث المسرحية

وأول ذلك هو التأكيد على قلة العناصر التي , لمقدمة الطلليةتلتقي كثيرا بعناصر ا

فاألطالل تتميز , وهذه هي حالة مقدمة القصيدة الجاهلية أيضا, تكونها مع قلة تنوعها

وهي توجد . بقلة العناصر التي تكونها مع قلة تنوعها؛ وهذه طبيعة المنطقة الصحراوية

, فغابت منها عناصر الحياة, ها إلى أطاللعلى هذه الحال أيضا ألنها تعيش مرحلة تحول

ولم يبق منها إال الشيء القليل؛ وما النخلة غير المثمرة إال رمز لغياب الشروط

أما كمية التمر التي تجلس عتيقة أمامها فهي رمز للمتاع الذي تأخذه , الضرورية للحياة

أما عناصر النخلة . مما تبقى لديها من مواد غذائية وماشية, القبيلة معها عند رحلتها

فهي عناصر أساسية في هذه , والصحراء والحائط التي تم ذكرها بصريح العبارة

سحابة "كما أنها أساسية كذلك في مقدمة القصيدة الجاهلية؛ وأما , المقدمة المسرحية

وبما أن الشاعر , وعتيقة فهما يقابالن الشاعر ومحبوبته في القصيدة الجاهلية" الدخان

حين جعل الكاتب سحابة الدخان هو , فقد كان األمر شبيها بذلك, خلق القصيدةهو الذي ي

الذي يفتتح الحوار في المسرحية موجها خطابه إلى زوجته عتيقة يدعوها إلطفاء

لترد عليه متسائلة عما يمكن أن يكون قد أتعبه حتى يطلب إطفاء الضوء , الضوء

إلى , وضهه والزوجة في دعوتها له للن ويستمر الزوج في طلب)53(لالستغراق في النوم؟

انهض؛ فلقد رأيت : (( أن تقول معبرة عن فقرهما الذي يجسده خلو الدار من كل شيء

ومن خالل )54(.))لم يبق لنا فيها ولو شيء قليل من المؤونة, الدار فارغة: ذلك بنفسك

بصفتها هذه الدعوة الملحة من الزوجة تدخل الدار إلى مشهد المسرحية وتضاف إليه

أي ال تتوفر , ال مؤونة فيها, وقد تميزت هذه الدار بكونها فارغة. عنصرا رئيسيا فيه

52 - Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles », P.73. 53 -Voir, Ibid; P.73. 54 - Voir, ibid; P.75.

207

, من دار ومؤونة وفراغ, وهذه العناصر جميعا. على ما يغذي الحياة فيجعلها تستمر

دار فارغة ومهجورة : عناصر تدخل في تشكيل مشهد المقدمة الطللية, هي كما نعرف

وبعد هذا يأتي . محيط بها ال يوفر شروط قيام الحياة واستمرارهابعد أن أصبح المكان ال

ويتمثل ذلك في ارتداء الزوج ثيابه , المقطع الثالث في سلسلة تحرك المشهد وتطوره

وليس هذا المقطع إال تعديال لمشهد استعداد الشاعر لترك األطالل . وخروجه من الدار

مقتفيا آثار الحبيبة قبل أن يلتحق , سفربعد أن جهز ناقته بمتطلبات ال, والخروج منها

ويلجأ الشاعر الجاهلي عادة لملء هذه . حسب خط نمو القصيدة الجاهلية, بالممدوح

المسافة الفاصلة بين نقطة خروجه وراء محبوبته وموضوع المديح إلى وصف مشهد

أو الحديث عن بطوالته وشجاعته في المعارك التي خاضها مع , الصيد في الصحراء

. ومه ضد أعدائهم وقد أبلى فيها بالء حسناق

وقد اشتملت الصفحات األربع األولى من هذه المسرحية على جميع هذه

فقد جاء ذكر المعارك على لسان الزوج , العناصر؛ فباإلضافة إلى تلك التي سبق ذكرها

ردت عليه أنت إذن ال تثقين في الثورة؟ ف: قال الزوج مخاطبا زوجته. ثم الزوجة أيضا

تقصد فهي ال, ولما تصف الزوجة الثورة بأنها مضحكة)55(!إنها ثورة مضحكة: قائلة

أي , وإنما تقصد الواقع الذي نتج عن هذه الثورة, ثورة التحرير المسلحة في حد ذاتها

. المرحلة التي جاءت بعد االستقالل

حتى زوج من الدار تتبع تتطور األحداث التي تلت خروج ال وبعد هذا نعود إلى

فبعد خروجه . مل تحديد عناصر ارتباط هذه المسرحية بالقصيدة العربية القديمةنستك

وهو محاط بحاشيته؛ فيتطير الملك من هذا اللقاء , يلتقي بالملك متجها إلى الصيد

. وإدخاله السجن" سحابة الدخان"فيأمر حرسه بإلقاء القبض على , ويعتبره فال نحس

. يذه في الحينوهو ما تم تنف

فيطلب , وبعد هذا الحدث مباشرة يظهر الملك مسرورا وقد رجع بصيد وافر

فيعلمه الحرس أنه يرفض الخروج من السجن إال بشرط السماح , اإلفراج عن المسجون

فيقدم , عليه" سحابة الدخان"فيوافق الملك على ذلك؛ فيدخل , له بمقابلة الملك ومخاطبته

ويعبر له عن شعوره بسعادة كبيرة بفضل الصيد الوافر الذي اصطاده له جائزة مالية 55 - Voir, Kateb Yacine« Le cercle des représailles »; P.74.

208

بعد أن اعتقد , "فال خير"والذي ما كان ليتحقق له لوال لقاؤه به الذي كان , في هذا اليوم

)56(.فكان رد فعله أن أودعه السجن, ـ خطأ ـ عكس ذلك

مقطع من مسرحية ليس من العسير اكتشاف العالقة التي تجمع بين أحداث هذا ال

وعناصر الحقل الفني للقصيدة العربية القديمة؛ فهذا المقطع المسرحي " مسحوق الذكاء"

وهي العناصر . والجائزة, مخاطبة الملك, خروج الملك, الصيد, الملك: يتضمن العناصر

قصيدة , الصيد, الممدوح: التي تقابلها في الحقل الفني للقصيدة القديمة العناصر اآلتية

وإذا أدخلنا بعض التعديل على ترتيبها . والجائزة, إعجاب الملك بالقصيدة, يةمدح

:اآلتيالذي يبينه الجدول فستصبح على الشكل

القصيدة الجاهلية المقطع المسرحي

الصيدـ

ـ الملك

ـ مخاطبة الملك

)بوفرة الصيد( ـ فرحة الملك

ـ الجائزة

ـ الصيد

ـ الممدوح

ـ إلقاء القصيدة على الممدوح

ـ إعجاب الممدوح بالقصيدة

ـ الجائزة

وإذا أضفنا إلى هذه العناصر ما تضمنه مشهد مقدمة المسرحية من عناصر تعود

ندرة المؤونة؛ نقف على , الفراغ, الصحراء, النخلة, الدار: بدورها إلى المقدمة الطللية

, الموضوعات: يقوم بناؤه على الحقل الفني للقصيدة الجاهلية بقسميهمشهد مسرحي

نموذجا واضحا على اشتغال الفن " غبرة الذكاء"وبهذا تقدم لنا مسرحية . والبناء الفني

ومن . المسرحي لكاتب ياسين داخل الدائرة المغلقة للحقل الفني للقصيدة العربية القديمة

. مال ياسين المسرحيةهنا دليل فني آخر على دائرية أع

56 - Voir, Kateb Yacine« Le cercle des représailles »; P.75-76.

209

Les ancêtres redoublent),"األجداد يزدادون ضراوة" وال تختلف عالقة مسرحية

de férocité) مسحوق "عن عالقة مسرحيتي , بالحقل الثقافي الفني للقصيدة الجاهلية

بهذا الحقل إال في كونها ـ كما سنرى ـ ليست بالصورة " الجثة المطوقة"و" الذكاء

إذ تتميز عناصرها بكونها أشد خفاء وتفرقا , حة التي تتجلى بها في المسرحيتينالواض

ولكن مع ذلك فمقدمة المسرحية أو صفحاتها . عبر عالم النص المسرحي في جملته

وهو ما سنكتفي بتوضيحه في , "مسحوق الذكاء"األولى قريبة جدا من مطلع مسرحية

.ضا بالدائرية الفنية للشعر القديمهذا المجال حتى يتبين لنا سبب إلحاقها أي

تتكون من عناصر الحقل " غبرة الذكاء" وضحنا قبل اآلن كيف أن مقدمة مسرحية

, النوم, الدار: ومن العناصر التي دخلت في بناء هذه المقدمة, الفني للقصيدة القديمة

جها حتى وذكرنا أن الزوجة ألحت كثيرا على زو. ثم خروج الزوج من الدار, الفراغ

ونضيف هنا أن . وهو ما تم في األخير, يقوم من نومه ويخرج من أجل االسترزاق

الزوجة لم تتوصل إلى ذلك بفضل النقاش الطويل والمتشعب وإنما عن طريق وسيلة

. فنهض مسرعا إلى ثيابه فارتداها وخرج, إذ قامت برشه, أخرى مادية هي الماء

فإننا نجدها تفتتح بعبارة تتحدث عن مجموعة ..." اداألجد" وإذا عدنا إلى مسرحية

من هنا يمكن أن نالحظ التشابه )57(.من السجناء في قاعة بأحد السجون وقت المناداة

ومقدمة هذه المسرحية التي تضمنت العناصر " مسحوق الذكاء"الموجود بين مقدمة

ه العناصر بعناصر مقدمة وإذا قارنا هذ .والمناداة ,وقت النوم ,)الغرفة(السجن : اآلتية

وهما شيء واحد تقريبا , فالغرفة هنا وهناك: نجد أنها تكاد أن تتطابق" مسحوق الذكاء"

مع , أما نوم السجناء فيقابله نوم الزوج. مادامت غرفة الزوجين تجسد الفقر والحرمان

المالحظة أن حضور وقت النوم في السجن يحمل إمكانية أن يكون بعض السجناء قد

مما يعني أن عملية المناداة ستضطرهم لالستيقاظ لإلجابة عن , ستسلموا للنوما

والذي يكون بالضرورة , حضورهم وإال عرضوا أنفسهم لعقوبة الحارس الذي سيناديهم

وإذا بحثنا عن هذه العناصر التفصيلية في المسرحية األولى فسنجدها حسب . غير نائم

ولما يرفض ذلك , وتطلب منه القيام من النومالزوجة مستيقظة تنادي زوجها : اآلتي

وكذا , وهي بذلك تؤدي دور المناداة الذي يقوم به حارس السجن. تقوم برشه بالماء

57- Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles », P.123.

210

" االستعداد للمناداة"دور تسليط العقاب على زوجها ألنه يتمادى في النوم ولم يؤد واجب

. أو القيام من النوم

فإذا كان هذا العنصر قد , كال المشهدينفهو موجود في " الفراغ" أما عنصر

فهو في السجن , أشارت الزوجة إليه من خالل حديثها عن عدم وجود مؤونة في الدار

مما يقربه إلى معنى , قد ال يحتاج إلى أن يذكر مادام السجن مكانا للثبات وللفراغ

.ألن الحياة متوقفة به, الموت

والذي , ر الذي تتضمنه المسرحية األولى وبعد هذا يبقى عنصر الخروج من الدا

ذلك أن السجناء بعد انصراف الحارس وتقدم , نجد له مقابال أيضا في المسرحية الثانية

يقومون بحفر ثقب في السقف في ضوء والعة يخرجون منه إلى أجواء , الليل

)58(.الحرية

لى السجناء الذين يسلطه ع" حسان" وقد تخلل عملية الحفر نوع من العقاب كان

إذ كان يمشي على بطونهم وأطرافهم حتى يجبرهم على , ينامون على أرض الغرفة

مع إطفاء الوالعة وإشعالها من حين إلى آخر؛ وهذا يقابل , السكوت ليتم الحفر بسالم

وليست عملية العقاب التي يسلطها . إشعال الزوجة للضوء وطلب الزوج منها إطفاءه

في الحقيقة إال تعديال للعقاب الذي سلطته الزوجة عتيقة على حسان على السجناء

حيث تم تعديل سقوط قطرات الماء على جسم الزوج النائم , زوجها لما رشته بالماء

بسير حسان على بطون السجناء المستلقين على أرض غرفة السجن؛ وكما أن هذا

, خروجه من الدارفقد تبع أيضا عقاب الزوج بالرش, العقاب تبعه خروج من السجن

.ولكن ليتم إدخاله إلى السجن تنفيذا ألوامر الملك

وكذا اشتغالهما معا في , وبهذا يتضح االرتباط القوي بين مقدمتي المسرحيتين

.الحقل الفني والثقافي للقصيدة الجاهلية

الت وإذا انتقلنا إلى مجموعة المسرحيات القصيرة التي نشرها الكاتب في عدة مج

Ľ oeuvre en" (األعمال المتفرقة"وصحف والتي جمعتها جاكلين أرنو في كتاب

58- Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles », P.124-125.

211

fragments (فإننا نعثر في ,إلى جانب مجموعة من القصائد والنصوص السردية

. بعضها أيضا على مالمح واضحة لعناصر الحقل الفني للقصيدة القديمة

وردت العبارة اآلتية في سطرين " 2/المرأة المتوحشة" ففي النص المسرحي األول

:متتابعين

تبقى األسوار القديمة ((

)) األسوار القديمة التي تغني

صبح تليتم بعد ذلك إدخال تعديل عليها ف, ثم تكررت مرة واحدة دون أي تغيير

: بهذا التعبير

))على األسوار القديمة ((

. كرارها مرة واحدة دون تغيير أيضا ثم يتم ت

أما عن عالقة هاتين العبارتين بالحقل الثقافي والفني فال تظهر إال إذا اعتبرنا

وإذا فعلنا ذلك أصبح للفظة , تعديال لألطالل في القصيدة الجاهلية" األسوار القديمة"

شاهدة على أهلها الذين داللة واضحة وعالقة قائمة باألطالل الجاهلية التي تبقى " تبقى"

داللتها أيضا وعالقتها بالقصيدة " تغني"وسيكون للفظة . غادروها بعد أن أقاموا بالمكان

فتصبح , إذ أن األطالل هي التي تطلق القصيدة من العدم فتخرجها إلى الوجود, القديمة

وفي الوقت نفسه تكون موضوعا لهذه , األطالل بطريقة غير مباشرة صانعة للقصيدة

على األسوار : "وربما هذا ما توضحه العبارة الثانية التي ذكرناها وهي. القصيدة

: والتي يتبعها في وضعها األول السطران, "القديمة

حيث كتبت ((

)) العزائم القوية

وبضم السطور الثالثة إلى بعضها حسب تتابعها في األصل يكون عندنا التعبير

: اآلتي

) 59()).العزائم القوية, حيث كتبت, على األسوار القديمة ((

59 -Voir, Kateb Yacine «Ľ oeuvre en fragments»,P.275-277

212

عموم عن عالم القصيدة على الوبرغم أن سياق المسرحية وموضوعها هنا مختلف

الجاهلية إال أن هذه العناصر التي وردت فيها ليس من الصعب إدراك العالقة التي

قليال في قراءة المسرحية فإنه ستصادفنا ما إذا تقدمنا. تصلها بعالم تلك القصيدة

من ذلك هذه , تعود بوضوح إلى عالم الحقل الفني للقصيدة القديمة, عناصر أخرى كثيرة

)60(:المعاني

))مغامراتنا ال تنتهي ((

))طبول القبائل الصحراوية السوداء ((

لوتبهكذا أرى ك ((

ميع شواهد القبور تحت ج

يخفي دائما

أجنحته العقابية

استعدادا لسفر قادم

موته ليس مؤكدا

)) لقد ضيعنا آثاره في الصحراء

إذ ليست المغامرات سوى . وهي تعابير كلها تعود إلى الحقل الفني القديم

وعالقة قرع الطبول أثناء , ت أو الحروب القبلية المستمرة في المجتمع الجاهليالرحال

أو , المعروف بالحداء, سواء منها أجواء الرحلة التي ال يفارقها الغناء, تلك األجواء

أما كبلوت فهو جد القبيلة األول والذي تنتسب . طبول الحرب إذا كان األمر متعلقا بها

حسب ما تكشف لنا عوالم , شبه الجزيرة العربية إلى الجزائروقد جاء مهاجرا من, إليه

والشعر هنا مرتبط بواقع جغرافي معين هو الصحراء التي يذكرها )61(.نجمة ذلك

, أما شواهد القبور التي وردت هنا فليست سوى تعبيرا معدال عن األطالل نفسها, النص

مسرحية ال يخرج هو أيضا وبهذا نرى أن عالم هذه ال. رمز الوحشة والفراغ والموت

.عن عالم الحقل الفني القديم

60 - Voir, Kateb Yacine «Ľ oeuvre en fragments», P.281.

.131-130ص, نجمة, انظر- 61

213

La) "3/المرأة المتوحشة" وإذا انتقلنا إلى النص المسرحي الموالي وهو بعنوان

femme sauvage/3) ل مقدمة مسرحيةفهي ". مسحوق الذكاء" فإننا نجد مقدمتها تعد

: تبتدئ بالمشهد اآلتي الذي يمهد النطالق أحداثها

علي نائم أمام الحائط الذي يعكس . أضواء على نجمة ومارغريت وجها لوجه ((

.))صورة االخضر وهو يتشبث بشجرة

: وبعد هذا يجري الحوار اآلتي بين نجمة ومارغريت

. يبدو أنه سعيد: ـ نجمة

. لما ينام, نعم: ـ مارغريت

أهو شرير إذن؟ : ـ نجمة

. إنه ال يفكر إال فيك: ـ مارغريت

62(.فتغادر نجمة المشهد, يستيقظ علي(

مسحوق "نجد في هذه المقدمة كما ذكرنا أغلب العناصر التي تشكل مقدمة مسرحية

مع بعض ,ستيقاظ من النوم ثم الخروجاال ,النوم ,الشجرة ,الدار ,الرجل ,المرأة ":الذكاء

ولتوضيح هذا . يب حسب ما يتطلبه الخلق الفني الجديدتاإلضافات والحذف وتغيير التر

نرى أن عليا النائم والمستيقظ فيما بعد يعدل سحابة الدخان الذي كان نائما هو أيضا

من أجل فأيقظته زوجته عتيقة لما أشعلت النور ثم ألحت عليه بالقيام والخروج

االسترزاق؛ أما علي فلم يسند إليه فعل الخروج كما هو األمر مع سحابة الدخان

وهكذا حضر . فينتقل فعل الخروج إلى نجمة, الختالف دورهما في النص المسرحي

, أما الحوار الذي دار في المسرحية األولى بين الزوجين. فعل الخروج وتغير فاعله

أما استنتاج نجمة بأن . وقد أدته نجمة ومارغريت, فهو حاضر أيضا في هذه المسرحية

فهذه حالة أو صفة كان عليها أيضا سحابة , عليا ليس طفال هادئا في نظر مارغريت

ثم إن هذا السلوك , فقام غاضبا وشتمها قبل أن يخرج, الدخان لما رشته زوجته بالماء

فكان ذلك , إليقاظ زوجهاظهر عند الزوجة نفسها بلجوئها إلى االستعانة بوسيلة مادية

. اعتداء واضحا على راحة زوجها وسعادته بنومه الهادئ

62-Voir, Kateb Yacine «Ľ oeuvre en fragments », P.303.

214

وبهذا نصل إلى أن هذه المسرحية تشتغل مثل سابقاتها التي توقفنا عندها على

الحقل الفني للقصيدة الجاهلية؛ وقد تبين لنا ذلك من خالل الكشف عن عالقتها بمسرحية

هنا نخلص إلى أن النصوص المسرحية لكاتب ياسين تقوم على ومن". غبرة الذكاء"

, أي على الشعر الجاهلي وعناصر حقله الفني المحدد, البناء الفني للقصيدة الجاهلية

وننتقل إلى النصوص السردية . مثلها في ذلك مثل قصائده الشعرية حسب ما رأينا

.يدة الجاهليةلنبحث عن عالقتها هي بدورها بالحقل الفني الدائري للقص

: ـ النص السردي3

بالكشف عن , نستكمل هنا البحث في عالقة أدب كاتب ياسين بالقصيدة الجاهلية

وجملة , والمضلع النجمي, هذه العالقة في النصوص السردية؛ وهي تشمل رواية نجمة

".األعمال المتفرقة"تضمنها كتاب

:أ ـ رواية نجمة

ية نجمة بالحقل الفني للقصيدة الجاهلية على جملة من العناصر تقوم عالقة رو

سنكتفي هنا بدراسة ثالثة منها نظرا لقدرتها على الكشف عن هذه العالقة بسبب

, الدائرية: وهذه العناصر هي, اتصالها الواضح والقوي بالحقل الثقافي للقصيدة القديمة

. والدار نجمة, رحلة كبلوط

ذلك ألنه ينطلق من حدث معين هو فرار , ي نجمة في شكل دائري انتظم السرد ف

فيتقدم عليه على , االخضر من السجن لينتهي عند هذا الحدث نفسه في آخر الرواية

طول نصف صفحة ثم ينتقل إلى إعادة سرد حدث فرار جماعة الشبان من الحظيرة

. وبذلك ينتهي السردثم افتراقهم؛, وإدخاله السجن" ريكار"بسبب حادث قتل مراد لـ

وتكون رواية نجمة قد قفزت في هذا المقطع الذي انتهت به على حوالي خمس

. وعلى مجموعة من األحداث كانت قد تناولتها في مطلعها, وعشرين صفحة

وعند نقطة الشروع في تكرار سرد حدث الفرار تنغلق الدائرة التي قام عليها بناء

ئرة أخرى جديدة منطلقة من حدث الفرار نفسه الذي انطلقت منه وتنفتح دا, الرواية

, دون أن تكرر المسيرة نفسها التي قطعتها الدائرة السابقة, الدائرة السابقة وانتهت عنده

ألنها لم تتضمن تلك المجموعة من األحداث التي عبرت عنها الصفحات الخامسة

215

الفني على منوال ما جرى عليه في وقد جرى هذا النظام. والعشرون التي أشرنا إليها

فتتشابه القصائد فيما بينها ولكنها ال , القصيدة القديمة التي تخضع إلى نظام دائري مغلق

. تتطابق

وإذا كنا قد كشفنا فيما سبق من الدراسة عن اشتراك مجموعة من أعمال ياسين

فإن منطلق السرد في , وبنائهامع القصيدة القديمة في اتخاذ األطالل منطلقا نحو تشكلها

إال حين نعتبر الخروج من , نجمة يصعب تأويله على أنه صورة واضحة لألطالل

من , من الثبات إلى التغيير, السجن هو خروج من مكان السكون إلى مكان الحركة

أما . ومن الموت إلى الحياة؛ وهي دالالت تتضمنها األطالل كذلك, الفراغ إلى االمتالء

فهي , بصورتها الواضحة المرتبطة بالمرأة كما هو الشأن في القصيدة الجاهليةاألطالل

الذي سيأتي , "الدار نجمة"تبرز بشكل صريح في العنصر الثالث الذي حددناه أعاله بـ

. تناوله في مكانه من البحث

فنالحظ أن, ونعود إلى الدائرة التي حددناها في الرواية لنواصل الحديث عنها

الذين التحق , ورشيد, مراد, مصطفى: الدائرة األولى تنتهي بسهرة جمعت الشبان الثالثة

. ألنه كان في السجن, وغاب االخضر عن اللقاء, بهم في الغرفة ذو اللحية وصديقه

وخالل هذه السهرة قص ذو اللحية على الشبان قصة صاحبه الذي عشق فتاة بكرا هي

لكون الفتاة تتجاهله ولم تعره أي , من طرف واحد فقطولكنه كان عشقا , ابنة القاضي

فينهي صاحب ذي اللحية قصة عشقه للفتاة والسهرة والرواية جميعا بهذه . اهتمام

: التي أحاطها المؤلف بسرد يوضح الحالة النفسية للعاشق, العبارة المتفائلة

:لموقد واتته الجرأة فجأة في هدوء السهرة المظ, وأجاب المسكين((

)63(.)) سيتنهي بها األمر إلى لقائيـ

بما جاء بعدها من , فلما نربط هذه القصة وخاتمتها المتفائلة على لسان العاشق

وما يحمله هذا الفرار من عالقات باألطالل , حديث عن فرار االخضر من السجن

هذه حسب ما سبق ذكره نجد أن المرأة والعشق والفراق هي معاني حاضرة أيضا في

التي يعتبر فيها , وهذا يزيدها اقترابا من المقدمة الطللية في القصيدة الجاهلية, المقدمة

.270ص, نجمة- 63

216

ويبقى أن معاني العشق المرتبطة . التزاوج بين الطلل والمرأة أحد أبرز خصائصها

بالمرأة ومن ثم باألطالل ال يمكن إدراكها هنا إال عند تصور الشكل الدائري للرواية

الفرار على خط الدائرة مباشرة بعد القصة الغرامية التي تنتهي بقول بحيث يظهر حدث

)). سينتهي بها األمر إلى لقائي: (( العاشق

مع إدخال , وتبدأ الدائرة الثانية بحدث الفرار نفسه الذي انطلقت منه الدائرة األولى

مما يعني أن , ولتغيير طفيف عليه؛ وهذا يدل أنه ليس تكرارا مطابقا تماما للحدث األ

وإنما هي دائرة , هذه الدائرة الجديدة لن تكون أيضا تكرارا مطابقا تماما للدائرة األولى

أو بين مجموعة من الدوائر , جديدة سيتم بناؤها على نظام عام مشترك بين الدائرتين

نها التي يجمع بي, كما هو الشأن في القصائد الجاهلية, لكنها متميزة من بعضها, المحتملة

ولقد كان هذا . ولكن لكل منها كيان مستقل في خصوصياته, الحقل الفني المشترك

ذلك , أو بين مطلع الدائرة األولى ومطلع الدائرة الثانية, االستقالل واضحا بين الدائرتين

أن بعد حديث الدائرة الثانية عن حدث فرار االخضر من السجن تنتقل مباشرة إلى

بحدث قيام مراد , واالخضر, مصطفى, رشيد: شبان الثالثةالحدث الذي يلي سماع ال

ليقرروا ـ بسبب ذلك ـ الهروب من القرية خوفا من انتقام السلطات , بقتل ريكارد

إذ ورد هذا الهروب في الرواية بجميع تفاصيله ؛ أما تكراره مع مطلع الدائرة , لريكارد

بأخذه من نقطة وصاية شيخ القرية إذ اكتفت الرواية, الثانية فلم يلتفت إلى قسمه األول

ليستمر بعد ذلك سرد هذا الحدث مع إدخال تغييرات طفيفة , لهم بأن ال يشعلوا النار

مشهد فرار االخضر من : وتعتبر كل هذه التغييرات بين المشهدين)64(.عليه أيضا

مع حذف مجموعة , ثم مشهد هروب الشبان الثالثة من القرية بعد سجن مراد, السجن

األحداث في مطلع الدائرة الثانية والتي كانت في المطلع األول قد فصلت بين من

دليال على أن المطلعين متميزان من , الحدثين مع كل التغييرات الطفيفة التي أشرنا إليها

أو دائرتين فنيتين مستقلتين , ومن هنا فهما مطلعان للنصين مختلفين, بعضهما بعض

وبهذا نكشف عن أحد . هو الحقل الفني للقصيدة الجاهلية, يجمع بينهما حقل فني واحد

.وجوه عالقة رواية نجمة بالشعر الجاهلي

.271ص, نجمة, انظر- 64

217

أما الوجه الثاني لهذا االلتقاء فهو رحلة كبلوت التي وردت تفاصيلها على لسان

سي مختار موجها حديثه إلى رشيد بعد أن انفرد به في الهزيع األخير من الليل وهما

حكى سي مختار لرشيد . على ظهر السفينة التي أقلتهما إلى مكة مع الحجيجببور سعيد

: وهي قصة يمكن تلخيصها حسب اآلتي, قصة كبلوت وقبيلته

وذهبت إلى إسبانيا واستقرت بالمغرب , جاءت قبيلة كبلوت من الشرق األوسط

أواخر حياته ويبدو أن كبلوت شيخ القبيلة عاش في الجزائر في . تحت قيادة كبلوت

وتدل بعض الخصائص المتوارثة في ذريته أن كبلوت . فلقد توفي بعد المائة, على األقل

ولم يكون . وكان فنانا, بل كان صاحب مذهب, الجد األول لم يكن قائدا للجند وال وجيها

بل كان رجال منفيا مبعدا لما له من ميول , في هذه الحال شيخ قبيلة له القوة والنفوذ

فقدم الجزائر صدفة واستقر بها فانتخبه السكان , ال تتفق وميول الكثير من الناسوأفكار

ثم انضموا شيئا فشيئا إلى أسرته؛ وانتهى األمر بهم إلى أن جعلوه , األصليون أو تبنوه

ويبدو هذا معقوال لوال أن بعض األحداث التي أعقبت االحتالل الفرنسي . شيخ الجماعة

شيخ قبيلة بدوية أو , ال أن يكون كبلوت األول ذا سلطان ونفوذترجعنا إلى ترجيح احتم

وهو موقع . عشيرة مسلحة تعيش منذ القرون الوسطى في جهة قسنطينة بجبل الناظور

ومنهم الفرنسيون الذين , منعزل يسمح باالحتفاظ بمنطقة ظلت دوما تستقطب نظر الغزاة

عقود على محاوالتهم المتكررة من لم يتمكنوا من بسط نفوذهم عليها برغم انقضاء عدة

. إلى أن توفر أخيرا مبرر الستئصال القبيلة. أجل ذلك

كان ذلك إثر اكتشافهم جثتين لرجل فرنسي وزوجته في مسجد كبلوت وقد

وعين القضاة , وقتل أهله, فخرب الناظور ودمر. مزقتهما طعنات عديدة بسكين

, وجيزة انتهى بإصدار الحكم في ساحة الثكنةولم يدم التحقيق إال مدة , العسكريون

فغادر من نجا من , الواحد تلو اآلخر, وجزت رؤوس أعيان القبيلة الستة في نفس اليوم

ولم يبق بأرض األجداد إال , الشبان الناظور واستقروا في جهات أخرى من المنطقة

أن إحدى ويحكى. بعض الشيوخ واألرامل واألطفال حتى تبقى آثار القبيلة قائمة

بقيت وحدها بين األطالل , األرامل اللواتي ضحت بهن القبيلة فتركتهن في الناظور

فأضحى في القبيلة سرا , وهكذا حرم اسم كبلوط إلى األبد. لتواصل بث تعاليم كبلوط

. وأضحى رمزا للتكاتف ولم الشعث في األيام العصيبة, يثير الحزن والذكرى األليمة

218

قد من أسمال , ال يقوم منه إال السنجق األخضر, طلال, سجد خربا نعم بقي الم

)65(.األرامل والشيوخ

تضمن هذا المقطع الروائي سردا ألصل قبيلة كبلوت ولألحداث التي تعرضت لها

وقد تمت إقامة قصة هذه القبيلة على , على أيدي المستعمر الفرنسي بغية استئصالها

أو بتعبير آخر فقد تم صب , الفني للقصيدة العربية القديمةمجموعة من عناصر الحقل

ويمكن اختصار عناصر االلتقاء بينهما , هذه القصة في الحقل الفني للقصيدة الجاهلية

:في األوجه اآلتية

.أو على األقل النواة التي تشكلت حولها القبيلة, ـ األصل العربي لكبلوت وللقبيلة 1

لتستقر , ثم المغرب, إلى إسبانيا بيلة من الشرق األوسطفقد جاءت الق : الرحلةـ 2

.أخيرا في الجزائر

دور الشعر في الحياة القبلية هو دور هام : الثقافة عموما والشعر بالخصوصـ 3

كان الشعر : (( ويكفي أن نذكر من الشواهد عن ذلك قول عمر بن الخطاب, وخطير

)66(.))علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه

فليس , إذ عليها يقوم وجودها, وهذه صفة الزمة للقبائل العربية: لبأس والشجاعة ـ ا4

للقبيلة من وجود بين القبائل العربية األخرى إال بما تحققه من انتصارات على أعدائها

. بفضل فرسانها الشجعان ومحاربيها األشداء

ين المرأة والطلل ال هذا ربط ب: بقاء امرأة بين األطالل تواصل بث تعاليم كبلوت ـ 5

فهذه , أما كون هذه المرأة تقوم ببث تعاليم كبلوت. يختلف عن مثله في القصيدة الجاهلية

ليست سوى صورة معدلة للمقدمة الغزلية أو للمقاطع الغزلية التي " الكبلوتية"التعاليم

. الشاعرفتتقابل هكذا التعاليم مع الشعر ويتقابل كبلوت مع, تتضمنها القصيدة الجاهلية

هذا الموقف الذي اتخذه االستعمار من كبلوت يتعالق : ـ تحريم اسم كبلوت إلى األبد 6

. مع ما يروى عن الشاعر العربي الذي كان يحرم من حبيبته متى أقدم على التغزل بها

ولهذا فهو يجري , وقد رأينا في السابق كيف يتقابل كبلوت مع الشاعر العربي القديم

.133-130ص, نجمة, انظر- 65القاهرة , مطبعة المدني, ؛ تحقيق محمود محمد شاكر»طبقات فحول الشعراء «م الجمحي ذكره محمد بن سال- 66 .24 ص,.)ت.د(

219

ه ما يجري على الشاعر الجاهلي من حرمان من المعشوقة متى باح باسمها في علي

)67()).حرم اسم كبلوت إلى األبد(( قصائده؛ وهكذا

ال يقوم منه سوى سنجقه , أما المسجد الذي صار أطالال خربة: ـ خراب المسجد7

وصف بها فهي حالة ال تختلف عن الحالة التي ت, الذي قد من أسمال األرامل والشيوخ

هي , واألطالل والخراب هنا, فالمسجد هنا هي الدار هناك. األطالل في القصائد القديمة

, أما باقي العناصر فهي جميعا تدل على القدم والموت وبقايا األشياء. نفسها هناك أيضا

إذ هي التي تعطيها طابعها وكيانها المميز , وهي عناصر تشترك فيها أنواع األطالل

".الحي"ذي يختلف عن العمران ال" الميت"و

ومن هنا نرى أن هذا الحديث الذي ورد في رواية نجمة عن أصل قبيلة كبلوت

وتاريخها هو حديث ال يختلف عن ذلك الذي يجيء في القصائد الجاهلية من حديث عن

القبائل العربية وارتحالها المتكرر عبر الصحراء بحثا عن منابع الماء وشروط الحياة

. وما تتركه وراءها بعد ذلك من آثار تدل على إقامتها بالمكان, األمنو

بصفتها العنصر األخير من العناصر " الدار نجمة " وننتقل بعد هذا إلى تناول

وهي عالقة , بالقصيدة الجاهلية" نجمة"الثالثة التي نكتشف من خاللها عالقة رواية

الدائرية : بعد الحديث عن العنصرين السابقينحسب ما رأيناه حتى اآلن, واضحة وقوية

.وقبيلة كبلوت

مسبوقا بحديث طفيف عن نجمة الشخصية " الدار نجمة" جاء الحديث عن

إذ , ولكن دون أن يصل هذا الحديث إلى تحديد هذه الشخصية الهامة باالسم. الروائية

, الزبونة, الطيف: ذلكمن , اكتفى من أوصافها بذكر ألفاظ عامة وعبارات غير محددة

وكان هذا . هي المرأة ذات الشعر األصهب, رجعت إلى بيتها ونزعت عنها الحجاب

الحديث عن نجمة عبارة عن حوار داخلي لمصطفى نكتشف فيه وقوعه المفاجئ في

الذي كان متجها بهما إلى حي " التراموي"حب نجمة بعد أن التقى بها صدفة في

ينتقل , بعد هذا الحديث إذن عن لقاء مصطفى بنجمة) 68(.حيث تسكن نجمة" بوسيجور"

حسب النص ) la villa Nedjma " (الدار نجمة"السرد إلى وصف دار نجمة أو باألصح

.133ص, نجمة- 67

.66ص, نغسه, انظر- 68

220

ذلك أن هذه الدار نفسها تحمل اسم نجمة زيادة على أنها لنجمة الشخصية , األصلي

كل : (( الداخلي لمصطفىهذا ما تؤكد عليه هذه الفقرة التي جاءت في الحوار, الروائية

التي كانت تتسمى بأسماء , وتلك القصور الواعدة المخلفة, هذه المنازل الفخمة

يبدأ بالحديث عن الدار وينتهي , وهو وصف يمتد على صفحتين تقريبا)69(.))نساء

بعد أن يتوقف عند محطات كثيرة هي صورة للمسار الذي ترسمه , بالحديث عن الوطن

لتنقل القبيلة العربية في رحلتها عبر الصحراء بحثا عن موطن جديد القصيدة الجاهلية

. بعد أن اضطرتها الظروف إلى مغادرة موطن إقامتها

وسنحاول تقديم فكرة عن هذا المسار الذي ترسمه الرواية من خالل أخذ مقاطع

ب نفسه الذي مع االحتفاظ بالترتي, من هذا الوصف لعدم إمكانية تقديمه كله نظرا لطوله

وردت به هذه المقاطع في النص الروائي األصلي حتى يكون هذا المسار بكل عناصره

من صنع الرواية وحدها دون أي تدخل خارجي قد يجعله يبدو مصطنعا وغير دقيق

:وأصيل

تشرف على فناء منزل تسكنه الجن )la villa Nedjma ("الدار نجمة" كانت ((

وكانت أسفل منحدر )... انتحرت فيه أسرة قبل الحرب انتحارا جماعيامنزل (واألشباح

وهي طابق أرضي يتكون من أربع غرف تفضي إلى ممر , خفيف يغطيه نبت القراص

وإلى سطح يرقى إليه , يؤدي ـ من جهة واحدة ـ إلى حديقة صغيرة غير مزروعة

, ي زال عنها طالؤهاوكانت الجدران الت. ليس أمتن من سلم, المرء بدرج نخره السوس

. تبدو كألواح وسط أمواج من الخضرة الكثيفة

برزت من بين العوسج الذي , وكانت تنتصب أعلى المنحدر درجات من الصخر

دون أن تقضي على شجيرات , وأحرقته فأحالته ترابا, اجتزته خيام المشردين والرحل

عدائين مبهورين لم يجدوا متسعا ك, العناب وال على شجيرات األرز المائلة إلى الوراء

. وال نورا فانبروا مسرعين إلى أعلى

.66ص, نجمة- 69

221

وقد بدا عليه االستغراق , وكان يتردد على المكان هر عجوز يضلع جيئة وذهابا

متأمال بخبث شيطاني نسيج عنكبوت علق بشاربه؛ , في التفكير كمن يتوقع مصيبة

ين الشعرى في قلب ذلك الدغل؟ أفتوهم كبرياء ذلك السنور بأنه قد سجنته شياط

لتفسد الظل الكثيف بامتصاصها ما , وهي تقذف بحممها, لم تكن شمس الظهيرة

ولم يكن ... وال بطوافها الملح كحريق يبحث له عن الهواء, يحيط به بقوة ال تقاوم

انزلقت دراجة فوقع راكبها ثم ... األطفال الحفاة يتوقفون عن ركل كرتهم المثقوبة

... نهض واقفا مغتبطا بذهول أولئك الالعبين الصغار عنه

وكنت ترى دفعة أخرى من أوراق , كان يصل الطريق بقمة المنحدر درب صغير

. ينساب عليها ماء ينبع من عين قريبة, الشجر تنحسر عن أرض حمراء التربة

ق مدرارا إذا ما ولكنه يتدف, قليال ما ينزل المطر على سهول الشرق الجزائري

فيلقي نهر السيبوس حمله العجيب في دفق عباب مزبد بعد أن أشرف , أمطرت السماء

ذلك النهر الذي كتب عليه ... على الفناء وقد تقيأته الشطآن التي طالما غذاها وأنكرته

وطن , وكأنما هو يعبر عن حرقة وطن شحيح بالماء, أن يظل منسابا متمايال في يأس

وتغرق النجوم من ليلة إلى أخرى في ... قاء نهر السيبوس بالبحر سرابايبدو فيه الت

وتجمع , وتتوارى كأنما هي البوارج تختفي وراء سحب الدخان المفتعل تمويها, الرذاذ

وكأنما , كضجة دبابة تتدحرج من هوة إلى هوة, العاصفة قواها في ضجة غير مرتقبة

... طربة خالصة كوكب ماالعاصفة حاملة طائرات تسحب من المياه المض

, كشبح قرمزي ينسل في ريح الغرب خيوط أرجوحته, والشمس تتجرجر مغضنة

كغليون خبا أواره وهو ينطفئ في لعاب بحر ممعن في تمرغه كأم ساءت سيرتها في

حياتها ولم تنفعل فأصبحت تنشر في المدينة ريح شؤم وخدر صنعه كره الطبيعة ألدنى

... كرةحركة أو ألبسط ف

وطن الغزاة , ووطن المقبلين على أطايب الحياة ولذاتها, ذلك هو وطن المتسولين "

ووطن النساء المحتجبات والنساء الالتي يصبن كالدهر , يفكر مصطفى, من كل جنس

)70(..."))أو كالقدر

.68-66ص, نجمة- 70

222

وإنما هو , ليس هذا النص الطويل برغم اختصارنا له وصفا خالصا لدار نجمة

الحقيقة صورة أخرى معدلة لوصف مسار الرحلة في القصيدة الجاهلية التي تبدأ في

وصوال إلى موطن اإلقامة , من وصف األطالل ولحظات االستعداد للرحلة وانطالقها

:الجديدة؛ ولتبيان محطات هذا المسار نعيد توزيع هذا المقطع على العناصر اآلتية

: عويقابله في النص المقط: ـ وصف الطلل 1

تشرف على فناء منزل تسكنه الجن )la villa Nedjma ("الدار نجمة" كانت ((

وكانت أسفل منحدر )... منزل انتحرت فيه أسرة قبل الحرب انتحارا جماعيا(واألشباح

وهي طابق أرضي يتكون من أربع غرف تفضي إلى ممر , خفيف يغطيه نبت القراص

وإلى سطح يرقى إليه , ة صغيرة غير مزروعةيؤدي ـ من جهة واحدة ـ إلى حديق

, وكانت الجدران التي زال عنها طالؤها. ليس أمتن من سلم, المرء بدرج نخره السوس

.)) تبدو كألواح وسط أمواج من الخضرة الكثيفة

سطح , انتحرت فيه, تسكنه الجن واألشباح: ويتميز هذا المقطع بالتعابير اآلتية

. زال عنها طالؤهاجدران , نخره السوس

توحي بالفراغ والوحشة والسكون , فالدار التي هذه أوصافها هي دار قديمة

وإذا كان . والموت؛ وهي دالالت تعتبر من صميم ما تتميز به أطالل القصيدة الجاهلية

المرأة " نجمة"فهي تحمل بدل ذلك إشارة صريحة إلى , الغزل غائبا في هذه المقدمة

ومراد؛ ذلك ألن , االخضر, رشيد, مصطفى: معشوقة من الشبان األربعةالمتزوجة وال

تحمل اسم نجمة هي كذلك؛ ثم إن السارد بعد أن ينتهي , كما سبق وأن ذكرنا, هذه الدار

يعود إلى نجمة المرأة المعشوقة لتتبع , من تقديم هذا المقطع الطويل محل الدراسة

: يقولف, حركاتها الخارجية والنفسية داخل الدار

كانت نجمة تبدو ـ إثر اغتسالها وغسل ثوبها ـ . يصبن كالدهر أو كالقدر ((...

كأنما , وراحت تفتح النافذة ثم تغلقها, هزت شعرها الغزير األصهب, عارية في فستانها

)71(.))هي تبحث ـ دون كلل ـ عن وسيلة لطرد الجو الخانق

.65ص, نجمة- 71

223

عرض مفاتن نجمة ويرصد تحركاتها غير ويواصل السارد على هذا المنوال يست

وهذه ". التراموي"بسبب التقائها بمصطفى في , المنضبطة بفعل اضطراب نفسيتها

.استطرادات تعج القصائد القديمة بمثيالتها كذلك

: ويقابله في النص المقطع: وصف الحيـ 2

سج برزت من بين العو, وكانت تنتصب أعلى المنحدر درجات من الصخر ((

دون أن تقضي على , وأحرقته فأحالته ترابا, الذي اجتزته خيام المشردين والرحل

كعدائين مبهورين لم , شجيرات العناب وال على شجيرات األرز المائلة إلى الوراء

.)) يجدوا متسعا وال نورا فانبروا مسرعين إلى أعلى

سيرا , مي إليه هذه الدار ينتقل السارد بعد وصف الدار إلى وصف الحي الذي تنت

وبالخصوص , على منوال القصيدة القديمة التي تنتقل من وصف الدار إلى وصف الحي

وقد ضجت بالحركة ذهابا وإيابا استعدادا , وصف ساحة الحي التي تنطلق منها القافلة

أو في معلقة زهير الذي سجل , كما نجد ذلك مثال في معلقة عنترة, النطالق الرحلة

)72(.حيوانات التي عمرت الساحة بعد أن غادرها أهلهاحركة ال

وحضرت أيضا , "خيام المشردين والرحل" أما هذا المقطع الروائي فحضرت فيه

فهي , ولكن هذه األشجار ليست في مأمن. منها العناب واألرز, بعض أنواع األشجار

وبسبب هذا ". ته تراباأحرقته فأحال: "مهددة بالموت واالنقراض الذي تدل عليه عبارة

راحت المخيلة الفنية تشبهها بالعدائين؛ وما ذاك , التهديد والخطر المحدق بتلك األشجار

". متسعا وال نورا"إال تعبير عن رغبتها في الهروب طلبا للنجاة حين لم تجد في المكان

وبهذا يصبح المشهد في جملته هو مشهد الصحراء القاحلة حيث يمتد خطر

يرغب في " الجميع"مما يجعل , النبات واإلنسان والحيوان: الموت ليشمل كل األحياء

ال تصير " الجماعي"وبهذا الرحيل . ترك المكان والبحث عن آخر يوفر شروط الحياة

وهذه نفسها هي . وإنما تصبح األطالل شاملة لكل ما هو حي, دار نجمة وحدها أطالال

: يقول عنترة- 72 ما راعني إال حمولة أهلهـا وسط الديار تسف حب الخمخم : زهيريقول

بها العين وأألرآم يمشين خلفة وأطالؤها ينهضن من كل مجثم . على التوالي164, 272ص, الخطيب التبريزي؛ شرح الفصائد العشر, انظر

224

ال يعني البكاء على دار الحبيبة التي تحولت إلى طلل حيث , الحال في القصيدة القديمة

وإنما هي حال جميع المنازل , أن هذه الدار هي الوحيدة التي أصبحت على هذه الحال

.واألشياء التي كانت تعمر المكان

: ويعبر عنه في النص المقطع: ـ شيخ القبيلة3

وقد بدا عليه , ا وكان يتردد على المكان هر عجوز يضلع جيئة وذهاب ((

متأمال بخبث شيطاني نسيج عنكبوت علق , االستغراق في التفكير كمن يتوقع مصيبة

بشاربه؛ أفتوهم كبرياء ذلك السنور بأنه قد سجنته شياطين الشعرى في قلب ذلك

)) الدغل؟

فهذا . ليس شيخ القبيلة في هذا النص سوى ذلك الحديث المتعلق بالقط العجوز

إال تعديال لشيخ القبيلة الذي تعود إليه مسؤولية اتخاذ كل القرارات الهامة في القط ليس

وهكذا بدا لنا في هذا النص أنه يحمل كل خصال الرجل الحكيم الذي يستعد , حياة قبيلته

, وهذا يعني أنه صاحب خبرة متراكمة, فهو عجوز. التخاذ مثل هذه القرارات الهامة

وهي حالة يتخذها عادة كل من هو في حيرة , ة وذهابوهو في حركة مستمرة بين جيئ

وقلق ألنه مطالب باتخاذ موقف خطير يواجه به مصيبة على وشك الوقوع حسب ما

وليست تلك المصيبة سوى الجفاف الذي يهدد المكان بالتصحر , تصرح الرواية بذلك

رياء فهي أما صفة الكب. حسب ما ذكرنا في العنصر الثاني أعاله, وقتل كل حي فيه

وكان . صفة مالزمة لشيخ القبيلة ولكل قائد حتى يتمكن من اتخاذ القرارات وتنفيذها

.القرار المنتظر اتخاذه هذه المرة هو قرار الرحيل مع تحديد وجهته

منابع , االستعداد: وتنضوي تحت هذا العنصر عدة عناصر فرعية هي: ـ الرحلة4

:حط الرحال لإلقامة, وصف المطر, الماء

: يبدو االستعداد للرحلة من خالل هذا المقطع: أ ـ االستعداد للرحلة

لتفسد الظل الكثيف بامتصاصها ما , وهي تقذف بحممها, لم تكن شمس الظهيرة ((

ولم يكن ... وال بطوافها الملح كحريق يبحث له عن الهواء, يحيط به بقوة ال تقاوم

انزلقت دراجة فوقع راكبها ثم ... لمثقوبةاألطفال الحفاة يتوقفون عن ركل كرتهم ا

))...نهض واقفا مغتبطا بذهول أولئك الالعبين الصغار عنه

225

فمر راكب دراجة , تقدم هذه الفقرة الطويلة مشهدا لألطفال يلعبون الكرة بأرجلهم

وقد تناسى سقوطه وجرحه الطفيف ألن األطفال لم , وسقط بقربهم ثم نهض مسرعا

وليس في نظرنا . لم يعروه اهتمامهم ألن كرتهم تدحرجت عبر المنحدريسخروا منه و

من وسيلة أكثر فعالية لخلق جو من الحركة والجلبة والصراخ من وضع كرة بين

وهذا الجو بالذات هو المراد صنعه كتعديل للجو نفسه الذي . األطفال تتقاذفها أرجلهم

لدراجة فهو يحسن في هذا السياق ألن أما سقوط راكب ا, يخلقه استعداد القبيلة للرحيل

يكون تعديال لسقوط أي فرد من أفراد القبيلة من ظهر الجمل أو الناقة وهي تقوم أو

, ألن الدراجة والناقة تشتركان في هذا المقام بكونهما وسيلتي نقل وركوب, تتحرك به

ا داللتها وفي كل الحاالت فهذه تفاصيل له. واختالفهما هو اختلف نوعي وليس وظيفيا

.ألنها تعطيه تميزه وتخلق تفرده اإلبداعي, في النص الفني

تعتبر منابع الماء محطات هامة في الصحراء تمر بها القوافل : ب ـ منابع الماء

لالستراحة والتزود منها لمتابعة السير؛ وقد ورد هذا العنصر الطبيعي الحيوي في

ولم يغفل هذا النص الروائي )73(.لمىمنه مثال معلقة زهير بن أبي س, الشعر الجاهلي

أما المقطع الذي يسجل هذا فهو , هذه األهمية فأعطاها حقها في مسار هذه الرحلة

: المحدد حسب اآلتي

وكنت ترى دفعة أخرى من , كان يصل الطريق بقمة المنحدر درب صغير ((

من عين ينساب عليها ماء ينبع, أوراق الشجر تنحسر عن أرض حمراء التربة

)).قريبة

لم يكتف الشاعر الجاهلي بالتوقف في قصائده عند محطات منابع : ج ـ وصف المطر

, فكان يترك هذا الموضوع للحديث عن العاصفة الماطرة, المياه أثناء رحلة الصحراء

وقد يكون هذا المطر بابا يصل , كما فعل لبيد بن ربيعة وفعل امرؤ القيس في معلقته

وصف الوادي العظيم الذي امتألت شطآنه بالمياه حتى أصبح يشكل منه الشاعر إلى

خطرا حقيقيا على المالحين حسب ما نجد ذلك عند النابغة الذبياني وهو بصدد مقارنة

: يقول زهير بن أبي سلمى- 73 فلما وردن الماء زرقا جمامه وضعن عصي الحاضر المتخيم

.171ص, شرح القصائد العشر, الخطيب التبريزي

226

وقد تمكن النص الروائي )74(.كرم ممدوحه وامتالء خزائنه باتساع الوادي وامتالئه

من االنتقال إلى جملة من هذه المعاني , بعد أن توقف عند منبع الماء, الذي بين أيدينا

,وهكذا وجدناه ينتقل من نبع الماء إلى الوادي ثم البحر .الشعرية القديمة والقبض عليها

ومن قارب المالح عند النابغة إلى السفينة العظيمة أو حاملة الطائرات الضخمة التي

: تيةحسب ما تحدده الفقرة اآل ,ذلك ما جاء في النص .تشق عباب البحر

ولكنه يتدفق مدرارا إذا ما , قليال ما ينزل المطر على سهولة الشرق الجزائري ((

فيلقي نهر السيبوس حمله العجيب في دفق عباب مزبد بعد أن أشرف , أمطرت السماء

ذلك النهر الذي كتب عليه ... على الفناء وقد تقيأته الشطآن التي طالما غذاها وأنكرته

وطن , وكأنما هو يعبر عن حرقة وطن شحيح بالماء, با متمايال في يأسأن يظل مناس

وتغرق النجوم من ليلة إلى أخرى في ... يبدو فيه التقاء نهر السيبوس بالبحر سرابا

وتجمع , وتتوارى كأنما هي البوارج تختفي وراء سحب الدخان المفتعل تمويها, الرذاذ

وكأنما , بابة تتدحرج من هوة إلى هوةكضجة د, العاصفة قواها في ضجة غير مرتقبة

))...العاصفة حاملة طائرات تسحب من المياه المضطربة خالصة كوكب ما

في هذه الفقرة تستوقفنا هذه الدبابة , وقبل أن نترك هذا الحديث عن وصف المطر

فهي صورة تستحضر إلى األذهان سيرة قافلة ." تتدحرج من هوة إلى أخرى" التي

كما يحدث للدبابة , بين كثبان الرمال في الصحراء بحيث تظهر وتختفي وراءهاالجمال

باعتبار هذه الصورة تعديال لمشهد تنقل القافلة في , التي جاء ذكرها في هذه الفقرة

.الصحراء

وقد اختار النص , البد للقافلة من نقطة تتوقف عندها وتنزل بها: د ـ حط الرحال

وقد يكون هذا الوقت أنسب وقت , يضع حدا لهذه الرحلةالروائي وقت غروب الشمس ل

: يقول لبيد- 74

. وجال السيول عن الطلول كأنها زبر تجد متونها أقالمها : ويقول امرؤ القيس

فأضحى يسح الماء حول كتيفة يكب على األذقان دوح الكنهبل : ويقول النابغة

يظل من خوفه المالح معتصما بالخيزرانة بعد األين والنجد . على التوالي464و, 88 ,206ص , لعشر الخطيب التبريزي؛ شرح الفصائد ا

227

هذا ما جاءت اإلشارة إليه في نهاية . تتوقف فيه قوافل العرب عن السير في الصحراء

: الذي نحدده كاآلتي, هذا المقطع الروائي

كشبح قرمزي ينسل في ريح الغرب خيوط , والشمس تتجرجر مغضنة ((

وهو ينطفئ في لعاب بحر ممعن في تمرغه كأم ساءت كغليون خبا أواره , أرجوحته

سيرتها في حياتها ولم تنفعل فأصبحت تنشر في المدينة ريح شؤم وخدر صنعه كره

)) ...الطبيعة ألدنى حركة أو ألبسط فكرة

شبح , الشمس تتجرجر مغضنة: ويمكن أن نميز في هذه الفقرة العبارات اآلتية

غليون خبا أواره وهو ينطفئ في لعاب , يوط أرجوحتهقرمزي ينسل في ريح الغرب خ

كأم ساءت سيرتها في حياتها ولم تنفعل فأضحت تنشر في , بحر ممعن في تمرغه

. المدينة

تشترك جميعا في معنى الضعف واالرتخاء , فهذه العبارات على اختالف معناها

النص يتناسب تماما مع وقد جاء ترتيب ورودها في . بعد القوة والشدة, أو النهاية

فالشمس هنا هي شمس : لحظات حط القافلة لرحالها وهي تبلغ مكان إقامتها الجديد

يعني , والشبح القرمزي هو صورة ألفراد القبيلة؛ ينسل خيوط األرجوحة, الغروب

ليس سوى صورة , إنزال المتاع من ظهر الجمال؛ والغليون الذي يخبو أواره وينطفئ

تعبة بعد قطعها لرمال الصحراء تحت الشمس المحرقة؛ أما اللعاب معدلة للجمال الم

فهي سلوكات يقوم بها أفراد القبيلة المتعبين أيضا؛ أما األم التي , والتمرغ واالمتداد

فليست إال تعديال يعبر عن سوء حياة العرب في الصحراء , ساءت سيرتها في حياتها

سها التي اضطرت القبيلة إلى القيام وصعوبتها حسب ما تدل على ذلك هذه الرحلة نف

فهي تعديل لعملية نشر الخيام بالمكان الجديد للنزول " تنشر في المدينة"أما عبارة . بها

وتنتهي هذه الفقرة بالتعبير عما تتميز به الطبيعة الصحراوية من قهر وتدمير . واإلقامة

حيث جاء في , نجازهأو ألية فكرة أو مشروع يفكر في إ, لكل عمل يقوم به اإلنسان

.))ريح شؤم وخدر صنعه كره الطبيعة ألدنى حركة أو ألبسط فكرة: (( آخرها

وينتهي هذا المقطع الروائي بحكم عام لمصطفى يصدره حول : ـ خالصة عامةه

وهو حكم يعبر عن نظرة تشاؤمية إلى الوطن وإلى , الوطن في شكل حوار داخلي

: نسائه عموما ممثالت في نجمة

228

وطن , ووطن المقبلين على أطايب الحياة ولذاتها, ذلك هو وطن المتسولين ((

ووطن النساء المحتجبات والنساء الالتي يصبن , يفكر مصطفى , الغزاة من كل جنس

...))كالدهر أو كالقدر

وفي هذا تنبؤ بما ستتميز به عالقته مستقبال بنجمة من فشل وتوتر وصراع مع

وبهذا يلتقي هذا المقطع الروائي بالقصيدة الجاهلية التي ال . اآلخرينجماعة الشبان

فكأن المقدمة . يحدثنا فيها الشاعر عن مستقبل عالقته بحبيبته التي غادرت المكان

ولم يبق ما هو ممكن منها سوى , إعالن عن عالقة غرامية انقطعت إلى األبد

. االسترجاع والذكريات

وطن "و, من جهة" وطن المتسولين والغزاة " الوطن بأنه أما نعت مصطفى لهذا

فهي أوصاف بقدر ما ترتبط بوطن محدد , من جهة ثانية" المقبلين على أطايب الحياة

, في الرواية هو الجزائر الذي تداولت عليه األجناس المستعمرة للفوز بملذات الحياة

لحياة في المجتمع العربي فهي أوصاف تتعالق أيضا با, وجعل أهلها متسولين ضائعين

, إذ يتوزع أهله على ثالث منها على األقل, الجاهلي حيث تسود فيه الحياة الطبقية أيضا

أما موضوع الغزو فهو معروف وسائد وأخباره منتشرة . والعبيد, الموالي, السادة: وهي

األمم مع, وخارجي أيضا, وهو داخلي بين القبائل العربية نفسها, في القصائد الجاهلية

.والحضارات المحيطة بشبه الجزيرة العربية

, وبهذا يبقى لحديث مصطفى عالقة غير مباشرة بهذا المقطع الروائي الطويل

ولكن ورود ". حط الرحال: "الذي ينتهي الحديث عن عناصره األساسية عند العنصر

بمحاولة الكشف هذا الحديث في شكل خالصة ينتهي بها المقطع يجعلنا مطالبين بالقيام

أما المقطع في جملته فقد . عن داللته ضمن القراءة الشاملة للمقطع فكانت هذه المحاولة

ومن ثم بالحقل الفني الثقافي للشعر , كشفنا عالقته القوية بمسار القصيدة الجاهلية

وبالخصوص منه عناصره التي تشكل أساس المقدمة الطللية والرحلة بشكل , الجاهلي

. خاص

ومن هنا وجب التأكيد على ما في هذا المقطع من صلة قوية بما سبق تناوله في

فقد رأينا أن كبلوت انتقل من الشرق . العنصر الثاني الخاص برحلة كبلوت في الرواية

وإذا قلنا . ليستقر أخيرا في الجزائر, ومن إسبانيا جاء إلى المغرب, األوسط إلى إسبانيا

229

ومن هنا ينكشف , ا يعني أنه ركب السفينة وقطع البحر ذهابا وإياباانتقل إلى إسبانيا فهذ

. السر وراء تركيز النص في جملته على الماء والبحر والسفن واألمواج والعواصف

: حسب ما يبين هذا المقطع الذي لم نورد جزءا منه في النص المختصر السابق

تتوارى كأنما هي البوارج و, وتغرق النجوم من ليلة إلى أخرى في الرذاذ ((

وتجمع العاصفة قواها في ضجة غير مرتقبة , تختفي وراء سحب الدخان المفتعل تمويها

كأنما العاصفة حاملة طائرات تسحب من المياه , كضجة دبابة تتدحرج من هوة إلى هوة

المضطربة خالصة كوكب ما رغم ما تحدثه األمواج في تكسرها وارتدادها على نفسها

)75(.))عةمن فرق

يمكن أن نقول , وانطالقا من هذا المقطع الذي يعطي للرحلة ميزتها وخصوصيتها

وينتهي بوصف لحظات وصول " الدار نجمة"إن النص الروائي الذي ينطلق من وصف

هو نص يصلح ألن يكون تسجيال مفصال لرحلة قبيلة , الرحلة إلى مكان نزولها الجديد

لى بلدان المغرب العربي ليقطع منها البحر على ظهر كبلوت من الشرق األوسط إ

ليستقر أخيرا في , ثم يعود إلى المغرب على ظهر السفينة أيضا, السفينة إلى إسبانيا

, وهكذا كان هذا المقطع الروائي وليد الحقل الفني الدائري للقصيدة الجاهلية. الجزائر

لة؛ وهذا يوضح مرة أخرى أن الدائرية والرح: مثله في هذا مثل العنصرين السابقين

. عالم نجمة الفني قائم بمادته وببنائه على عناصر الحقل الفني للقصيدة الجاهلية

:المضلع النجميـ ب

,"المضلع النجمي"من الصعب التوصل إلى تحديد الجنس األدبي الذي ينتمي إليه

وال مجموعة , روال ديوان شع, وال مسرحية, فهو ليس رواية وال مجموعة قصصية

. إنما هو جميع هذه األجناس األدبية, مقاالت أيضا

فهو مجموعة قصصية ألنه يقوم على مقاطع نصية ال يجمع بينها في الغالب إال

وهو مجموعة من المسرحيات ألنه يضم . يضمها إلى جانب بعضها بعضا, كتاب واحد

ز على الحدث والحوار وغياب عدة نصوص تم بناؤها على التقنية المسرحية من تركي

وهو أيضا مجموعة شعرية ألنه يتضمن )76(.األوصاف المثقلة للشخصيات والمشاهد

.68ص, نجمة- 75

76- Voir, Kateb Yacine «Le polygone étoilé » ; P.114-128

230

وهو في األخير رواية ألنه جمع بين .حوالي ثمانية عشر صفحة من الشعر النثري

. دفته كل هذه األجناس األدبية مشكال منها عمال موحدا ينضوي تحت عنوان واحد

جاءت عالقته بالحقل , لهذا الطابع الخاص الذي يتميز به المضلع النجمي فنظرا

الفني والثقافي للقصيدة الجاهلية قائمة على إشارات مختصرة وردت في مواضع عديدة

.ولعل أبرز تلك اإلشارات وأوضحها ما ورد من حديث عن دار نجمة ) 77(.منه

فيصف رشيد , األربعة عند التاجر ينطلق الحديث عن دار نجمة من إقامة الشبان

وعند استيقاظه في الصباح ذهب إلى حي , كيف قضى مع أصدقائه ليلتهم عند التاجر

فتوجه إلى , ولكنه وجد نوافذ الدار مغلقة وأضواءها منطفئة, لرؤية نجمة" بوسيجور"

وبعد لحظات وصل االخضر . مقهى مجاور حيث يمكنه مراقبة الشرفة وحديقة الدار

ولما رأى رشيدا قطع الشارع , وتوقف بدوره لحظات أمام الباب المغلق, المكانإلى

)78(.تجاهه وأشار إليه ليلتحق به ويعودا معا عند التاجر وقد خاب مسعاهما

تحمل هذه الحادثة عناصر تذكر مرة أخرى باألطالل الموحشة المهجورة في

وبجانبه أصحابه يواسونه , زن وأسىالقصائد الجاهلية ووقوف الشاعر أمامها وكله ح

. ويبكون معه فراق الحبيبة

. نوافذها موصدة وبابها مغلق, فقد بدت الدار هنا فارغة موحشة يسكنها الظالم

وقد زاد في ترسيخ حالة البعد والسكون والخيبة أن المؤلف قد اكتفى بذكر الدار دون

, موضوع الذي اشتغل عليه النص الفنيذلك أن الدار هنا هي ال, أية إشارة إلى نجمة

, حيث يشكل الطلل نقطة انطالق القصيدة, كما هو الشأن في القصيدة الجاهلية غالبا

وهو ,le fondateur نشير هنا بالخصوص إلى ما جاء في المضلع النجمي من حديث عن مؤسس القبيلة - 77

فهي . ذكورتين بكثرة في أعمال ياسينحديث له عالقة واضحة بشخصية كبلوت وكذا بشخصية سي مختار المشخصيات تتكامل وتمتزج صفاتها مع بعضها بعضا لتكون شخصية واحدة هي شخصية كبلوت الجد المؤسس

.للقبيلة, ونشير أيضا إلى حديث المؤلف عن قبيلة بني هالل التي انتقلت من المشرق العربي إلى الجزائر واستقرت بها

لكن بني هالل الذين ((... : 139من ذلك قوله في هامش الصفحة . إليجابي من هذه القبيلةفهو حديث يعكس موقفه ا

)).انتشروا في الشمال اإلفريقي دعموا المقاومة ضد الغزاة وهذا يجعل العالم الفني الذي يبنيه المضلع النجمي ذا صلة بعالم القصيدة الجاهلية التي تأخذ مادة عالمها الفني

. بالخصوص139,143,144 و ص14,15,16ص, المضلع النجمي, انظر. لمجتمع القبليمن عالم ا78 -Voir, Kateb Yacine «Le polygone étoilé »; P.82-83.

231

أما رشيد فيلتحق باالخضر ليواسي الواحد . وبعد ذلك يأتي الحديث المفصل عن الحبيبة

.منهما اآلخر وقد وجد فيه الصاحب المساعد على تحمل الفشل وخيبة األمل

وإذا تقدمنا نحو موضع آخر من الرواية وجدنا مجموعة من األشعار يخاطب فيها

, كاتب ياسين دار نجمة على طريقة الشعراء الجاهليين في بكائهم على األطالل

)79(:فيقول

سالم أيها الباب المغلق

غالف كتاب آخر

................

نجمة نجمة افتحي بابك أو نافذتك

فكأن لسان رشيد أو . وهي أبيات تنسجم تماما مع هذا العنصر الذي تناولناه هنا

, االخضر نطق بها للتعبير عن خيبة األمل في الفوز بحب نجمة أو برؤيتها على األقل

ى من صور فهذه األبيات صورة فنية أخر, ومن هنا. بعد أن وجدا دارها موصودة

تكشف عن ارتباط المضلع النجمي بالحقل الفني , مخاطبة األطالل والبكاء عليها

.بهذا الحقل" األعمال المتفرقة"ويبقى بعد هذا أن نبحث عن عالقة . للقصيدة القديمة

:ج ـ األعمال المتفرقة

عربية بالحقل الفني الدائري للقصيدة ال" األعمال المتفرقة" تبدو عالقة نصوص

" في وسط األعشاب التي تزهر من جديد: "الجاهلية واضحة من خالل نصين هما

."سفري إلى الكونغو"و

, رحلة الظعائن: وهما, اشتمل النص األول على موضوعين من هذا الحقل الفني

: واشتمل النص الثاني على ثالثة موضوعات هي. وشخصية الشاعر عنترة بن شداد

أما باقي النصوص السردية األخرى فهي لم . والغزل, والرحلة, لالبكاء على األطال

وإنما يعود سبب عدم توقفنا عندها إلى كون هذه , تخل بدورها من عناصر هذا الحقل

ذلك ألن الغاية ليس , مما أبعدها عن مجال البحث هناالعناصر جاءت متفرقة فيها

التوقف عند النماذج النصية بقدر ما هي , حصر هذه العناصر والتدليل على نصوصها

79-Voir, Kateb Yacine «Le polygone étoilé »; P.146.

232

أما التوقف . التي تتجلى هذه العناصر فيها بشكل أوضح يسمح بالتعرف عليها بيسر

, فال يعود إلى كونه عنصرا من الحقل الثقافي للقصيدة فحسب, عند شخصية عنترة

مما , وإنما إلى إعطاء الكاتب له دورا هاما أيضا في بعض أعماله كشخصية متميزة

ف عما تذهب إليه هذه الدراسة من وجود عالقة قوية جدا بين أعمال سيعزز الكش

وهذا اآلن . ومع شعرائه أيضا ممثلين في عنترة بن شداد, ياسين والشعر الجاهلي

.توضيح لهذه الموضوعات الخمسة

: ـ رحلة الظعائن1

: المطلعبهذا " في وسط األعشاب التي تزهر من جديد"يبدأ نص

:يأتي الغناء من النيل, في قارب, من بعيد

أريد أن أسألك

منبعك يبعدني

أنا خائفة

من ظهورك

فيقطع , رشيد يستأنف الطريق, وانطالقا من السودان, انطالقا من األرض العربية

)80(...مرة أخرى كل صحراء طرابلس

ولكن , ال يذكر هذا المطلع الظعائن بصريح العبارة وال يقدم إشارة واضحة إليها

أجواء الفرح التي تحيط بالظعائن في رحلتها في الصحراء يمكن أن تقارن بها أجواء

وإذا لم يكن , الغناء التي تأتي من القارب وهو يشق مياه النيل لتصل إلى مسامع رشيد

فهو غناء الحادي الذي يسوق اإلبل أمامه وهي تحمل النساء , لنساءذلك الغناء متعلقا با

: وبهذا تتقابل العناصر اآلتية مع بعضها بعضا. في الهوادج لتقطع بها الصحراء

والقوارب مع اإلبل؛ ذلك ألن النيل هو بحر بشكل من , الصحراء تتقابل مع مياه النيل

التي تعرف بسفينة الصحراء متقابلة فتكون اإلبل, واألمر نفسه مع الصحراء, األشكال

.وبذلك يكون ركاب القوارب يتقابلون بركاب الهوادج. مع القوارب

80-Voir, Kateb Yacine « Ľ oeuvre en fragments»;P.207.

233

أريد أن : ((فهو يبدأ بالكشف عن الرغبة في السؤال, أما الشعر موضوع الغناء

وهو في صيغته وداللته ال يبعد عن السؤال الذي يتوجه به الشاعر الجاهلي , ))أسألك

وهي , أما األبيات الباقية فهي تدل على الحب والخوف من الفراق. الحبيبةإلى دار

كما يمكن أن نرى في البيت أو . معاني حاضرة أيضا بوضوح في المقدمات الطللية

النهر مكان يسير فيه الماء وهو : التقابالت والدالالت اآلتية, "منبعك يبعدني:"السطر

وبهذا نكون أمام العناصر . طالقه من النبعويكون خروجه أو نقطة ان, عنصر الحياة

هذه العناصر الثالثة لها ما يقابلها من عناصر . المنبع, )الحياة(الماء , النهر: اآلتية

النهر يتقابل مع الطريق الذي تتم من خالله : حسب التوضيح اآلتي, المقدمة الطللية

ألن المرأة في المقدمة ذلك, الماء يتقابل مع الحبيبة لكونها عنصر الحياة. الرحلة

أما المنبع فهو المنفذ أو الباب الذي . الطللية توضع في مقابل الطلل رمز الموت والفناء

ولذا يتقابل مع باب دار الحبيبة ألنها رمز , يخرج منه الماء ليتدفق ويسيل في النهر

هم عبر الحياة تخرج من الباب مثل الماء من النبع لتنطلق مع أفراد القبيلة في رحلت

وهكذا تكون الرحلة على ظهر القوارب ورحلة رشيد . الصحراء بحثا عن الماء نفسه

عبر الصحراء؛ وهما رحلتان تتقابالن في األخير مع رحلة الحبيبة أو القبيلة في قافلة

الصحراء ثم رحلة الشاعر على ظهر ناقته بمفرده أو مع صحبه في رحلة ثانية بعيدا

, ديث النص عن رحلة رشيد من البالد العربية حتى طرابلسوأما عن ح. عن الحبيبة

فنالحظ أوال حرص الكاتب على تحديد مكان االنطالق في الرحلة وهو األرض

: وهذا هو المكان نفسه الذي تجري فيه الرحلة في القصيدة الجاهلية؛ أما قوله, العربية

اضحة إلى تكرار هذه فهذه إشارة و, ...))فيقطع مرة أخرى, رشيد يستأنف الطريق((

حيث , فيلتقي بهذا بالشاعر الجاهلي الذي يكرر الرحلة في الواقع, الرحلة في حياة رشيد

ويكرر الرحلة أيضا بالحديث عنها في جميع , يرتحل هو أيضا مع قبيلته كلما رحلت

. قصائده

رشيدا ولكننا بعد هذا نالحظ أن. فالرحلة هي فعل يتكرر في الحياة و في الشعر

أي أن اتجاه رحلة , قد ترك وراءه النيل حيث القارب يشق مياهه واألغاني تمأل سماءه

رشيد مخالف التجاه سير القارب في النيل؛ وهذا ينطبق مع االتجاه الذي تسلكه الرحلة

إن . في القصيدة الجاهلية واالتجاه الذي يسير الشاعر فيه بعد استكمال بكائه على الديار

234

على الشعر الجاهلي يكشف أن الشاعر ال يذكر في قصائده أنه بعد البكاء على االطالع

وإنما هو يكتفي دائما , الطلل قام بركوب ناقته ليتبع عليها آثار الحبيبة ويلحق بها

ولما يركب . ليتبع بنظره من بعيد سير القافلة في الصحراء, بوصف االستعداد للرحلة

وهكذا نرى . مناظرها مثل الصيد والمطر وغيرهماهو ناقته وينطلق عليها فلكي يصف

وهذا أمر يلتقي مع , أن اتجاه الشاعر في رحلته هو اتجاه مخالف دائما التجاه الحبيبة

ما جاء في نص كاتب ياسين عن اختالف اتجاه سير القارب في النيل واتجاه رحلة

.رشيد نحو طرابلس

: ـ شخصية الزنجي2

هي من أكثر شخصيات أعمال كاتب ياسين استعصاء على لعل شخصية الزنجي

وقد أدى هذا الغموض , فهم القراء حتى يبنوا عنها قراءات متماسكة وواضحة ومتميزة

الذي يلف هذه الشخصية إلى اعتبارها من الشخصيات القليلة األهمية مقارنة بغيرها؛

لكي نتمكن من تسليط و. لدور هذه الشخصية وجه من الصواب" التقزيم"وليس في هذا

, الضوء على هذه الشخصية نرى أن نعود أوال إلى رواية نجمة لتتبع دالالتها هناك

. فذلك يمكننا من توضيح عالقتها بشخصية الشاعر الجاهلي عنترة

قامت شخصية الزنجي في رواية نجمة بتأثير قوي في قسم هام من فصلها

د اشتراك سي مختار ورشيد في اختطاف نجمة وهو القسم الذي يتناول مشه, الرابع

فكان ذلك بداية لممارسة . والذهاب بها إلى جبال الناظور حيث بقايا قبيلة كبلوت

يبدأ ذلك عند وصول الوافدين . الزنجي تأثيره في سير أحداث الرواية وتحديد مسارها

ستراحة فيقيمون خيمة لال, سي مختار ورشيد ونجمة إلى منطقة الناظور: الثالثة

وكان كل ذلك يجري تحت المراقبة اللصيقة واليقظة للزنجي الذي كان , وقضاء الليل

ثم يصل به األمر إلى الوقوع في حب نجمة ـ حسب تصور رشيد , مسلحا ببندقية صيد

وبعدها يتم طرد رشيد مع إبقاء نجمة عند , ـ وإطالق النار على سي مختار وقتله

)81(.القبيلة واالحتفاظ بها

.156-140ص, نجمة, النظر- 81

235

هكذا تقدم الرواية الزنجي بصفته شخصية تقوم بدور حماية القبيلة من األعداء

وتشد . وحتى من أبنائها الذين فروا إلى المدينة وتركوها تواجه مصيرها في عزلة تامة

:انتباهنا في هذه األحداث العناصر اآلتية

الهمة الرئيسية التي تعتبر مهمة القيام بحراسة القبيلة هي: ـ حراسة الزنجي للقبيلة 1

وأعلن , إنه صياد ماهر قام بقتل سي مختار. ولهذا فهو مسلح ببندقية, أوكلت للزنجي

ثم هدده بعدم االقتراب من حماها وأال يحاول أو يفكر في ,لرشيد أن القبيلة تطرده

.اختطاف نجمة بهدف استعادتها

ثم , يب خيمة لإلقامةحين وصل الوافدون الثالثة قاموا بتنص: ـ حضور الخيمة 2

.أخذوا يتنقلون بينها وبين كوخ عثروا عليه بالمنطقة

لما قامت نجمة بإعالم سي مختار بأن زنجيا كان : ـ مدح سي مختار للزنجي 3

إن : (( يرد عليها مهدئا من روعها ومادحا للزنجي بقوله, يراقبها وقد أفزعها حضوره

)82(.))الزنوج أصدقاء اهللا

يذكر السارد جملة من المهارات التي يمتلكها الزنجي من بينها : حرـ الزنجي سا 4

)83(.السحر

يمكن أن نشير إلى التشابه الموجود بين , دون أن نذهب بعيدا في عملية التأويل

بعض مهام هذا الزنجي ومعارفه وبعض األوصاف والمهام التي تنسبها الروايات

: داد العبسي؛ ولنبدأ باستعراض صفات شخصية الزنجياألدبية القديمة إلى عنترة بن ش

باإلضافة إلى صفة , حبيب اهللا, السحر, حبه لنجمة, حماية القبيلة, القوة, حمل السالح

حماية , )فارس(القوة , )السيف(حمل السالح : أما صفات عنترة فهي. السواد طبعا

شعر يقابل السحر لكونهما قول الشعر؛ وال, حبه لعبلة, )مما جعله يكسب حريته(القبيلة

أما قول سي مختار في . ولكون تأثير الشعر في النفوس كثيرا ما يوصف بالسحر, فنين

كر : (( فيمكن أن يتقابل مع قول أبيه بعد أن اعترف بأبوته له, "حبيب اهللا"الزنجي إنه

ذلك ألن حبيب اهللا ال يمكن إال أن يكون حرا, ))وأنت حر .

وليس هو المقصود في , التي توحي بتقارب المراتب" أصدقاء"بدل " أحباب"نفضل استعمال . 148ص, نجمة-82

". أحباب اهللا"زيادة على أن التعبير المستعمل في الواقع المعيش هو , النص األصلي .154ص, نفسه, انظر- 83

236

ا العنصر ربما اتضحت لنا داللته أكثر لو استعرضنا قول سي ونرى أن هذ

دعي عنك ! زنجي؟ لقد أضحيتما في وضع جد حرج! آه: (( إذ قال, مختار لنجمة كله

فضال عن أنهم ينقرون الدفوف والتام ـ تام , إن الزنوج أحباب اهللا! الغضب يا ابنتي

, أعلم أني سأجدكما معا هناكنت: (( وهذا كان ردا على قول نجمة.)) ببراعة فائقة

)84(...))في حين كنت أنا عرضة لفضول زنجي, تتخاصمان

فجلس يوما : (( أما قصة عنترة مع أبيه فقد جاء عنها وعن مناسبة نظمه للمعلقة

, ودناءة أمه, وكان قبل ذلك ينكره أبوه لسواده, بعدما أبلى واعترف به أبوه, في مجلس

أنا : قال له الرجل... فسبه عنترة, فذكر سواده وأمه وإخوته, سفسابه رجل من بني عب

كان عنترة يومئذ ال يقول من الشعر إال البيت والبيتين في . ستعلم: قال. أشعر منك

يتضمن هذا الخبر جملة من العناصر نجد )85(): ...))أي أنشده المعلقة ( فقال , الحرب

: ونعني بذلك, حوار نجمة مع سي مختارلها امتدادا في هذه الحادثة التي عبر عنها

: والشعر, والخصومة, اعتراف معاوية بن شداد بأبوته لعنترة

إن الزنوج أحباب : (( أما االعتراف فيدل عليه مدح سي مختار للزنجي بقوله

". أحبابنا أيضا"وهذا يعني عند سي مختار أن الزنوج إذا كانوا أحباب اهللا فهم , ))اهللا

فنا أن سي مختار هو الرجل الوحيد المتقدم في السن الذي يتم ذكره باالسم في وإذا عر

وإذا استحضرنا ـ إلى جانب هذا ـ حضوره القوي فيها مما جعله في , هذه الرواية

فإذا كان كل هذا واضحا , كثير من األحيان يظهر بمنزلة الشيخ الفعلي لقبيلة كبلوت

وبهذا يتقابل , مع أبي عنترة أي مع معاوية بن شدادتبين لنا حينئذ أن سي مختار يتقابل

الزنوج : "وهذا يؤدي إلى النتيجة النهاية اآلتية, مع عنترة االبن" حبيب اهللا"الزنجي

". الزنجي ابني"أو, "الزنجي ابن سي مختار: "تتقابل مع" أحباب اهللا

وإنما , مقحمة فيهالتي استحضرناها في هذا التعبير ليست لفظة " االبن" إن لفظة

التي تسبق هذا " ابنتي"وهي تعديل طفيف للفظة , هي لفظة مجاورة له وقريبة منه تماما

إن الزنوج ! يا ابنتي((... حيث جاء سياق التعبير على الصورة اآلتية , التعبير مباشرة

.148ص, نجمة- 84 .262ص, » شرشرح القصائد الع « الخطيب التبريزي- 85

237

وهي لفظة بقدر ما هي صحيحة تجاه نجمة فهي صحيحة أيضا تجاه )86(.))أحباب اهللا

ونحن ". ابنتي"ذلك أن سي مختار لم يسبق أن خاطب نجمة في الرواية بـ , الزنجي

قراء الرواية ندرك أهمية ذلك لكون نجمة تعاني على امتداد الرواية من مشكلة األبوة

ولكن هل تعرف أنها أمها , هي أمها" لالفاطمة"فهي تعرف أن . والنسب الصحيح

لكن القارئ بالمقابل يعرف , ة بالنسبة لنجمةبالتبني؟ الرواية ال تتطرق إلى هذه المسأل

أما بالنسبة ألبيها فهي أيضا ال . أن أمها ليست لال فاطمة وإنما هي المرأة الفرنسية

وبقي هذا اللغز يواجه القارئ , تعرف من هو ولم تتساءل عن ذلك على امتداد الرواية

أن أبا نجمة هو سي , دون أن تؤكد, وإن كانت الرواية تشير في كثير من المرات, فقط

, ذلك لكونها تجعل النسب األبوي احتماال موزعا بين سي مختار وأبي رشيد, مختار

وانفردا بها في المغارة نفسها , مادام الرجالن اشتركا معا في اختطاف المرأة الفرنسية

. التي تم العثور فيها عند الصباح على أبي رشيد مقتوال

االعتراف باألبوة هي قضية مهمة جدا وخطيرة هكذا إذن يتضح أن قضية

إذ سمح له ذلك , كما كانت خطيرة وأساسية في حياة عنترة, بالنسبة لعالم الرواية ككل

أما هذا األمر بالنسبة لنجمة فهو بدون أية أهمية لكونها لم . باكتساب حريته في القبيلة

لم , "يا ابنتي" طبها سي مختار بـثم إنها لما خا, تنشغل على امتداد الرواية بهذه المسالة

يصدر منها أي رد فعل؛ وهذا كله يجعل نقل هذا االعتراف إلى الزنجي وتخصيصه به

.لكونه يحل لغز هذه الشخصية الفاعلة والغامضة في الرواية, أمرا مهما

: إذ قالت نجمة, أما مسألة الخصومة فقد تم التعبير عنها بصراحة في النصين

مع المالحظة أن هذا الكالم يحمل .)) تتخاصمان, علم أني سأجدكما معا هناكنت أ((

أيضا تحديدا لمكان هذه الخصومة وهو مجلس داخل الخيمة حيث يتمدد سي مختار

: إذ جاء على لسان السارد قوله, وهو مصاب في رجله بعد أن أطلق الزنجي النار عليه

وهكذا تجتمع الخصومة في الرواية ) 87(.))..كنت أعلم: وقالت نجمة, دفع الباب بعنف((

وجروح سي مختار المادية التي سببها له , عنف عند دفع الباب: بجميع أنواعها

وتتقابل هذه العناصر مع . وخصام على مستوى الكالم بين سي مختار ورشيد, الزنجي

.148ص, نجمة - 86

.148ص, نفسه- 87

238

, ه أبوهبعدما أبلى واعترف ب: (( ونعني بها, نظيراتها في القصة المرتبطة بحياة عنترة

والمعنى عن مشاركته في الحروب , ...))ودناءة أمه, وكان قبل ذلك ينكره أبوه لسواده

وهو ما فعله هنا تماما إذ أطلق النار , حيث أحدث جروحا وقتال في صفوف األعداء

على سي مختار فجرحه جروحا بليغة ستؤدي إلى وفاته مع تقدم هذا المشهد في

: ت به نجمة فيتقابل مع السب الذي تبادله عنترة مع الرجلأما العنف الذي دخل. الرواية

أما الخصام على مستوى الكالم بين رشيد وسي , ))فسبه عنترة... فسابه رجل((

, ...))أنا أشعر منك: (( فهو يتقابل مع افتخار الرجل على عنترة بأنه أشعر منه, مختار

...)). ستعلم: (( فرد عنترة على ذلك قائال

وإذا كان هذا العنصر األخير ال يبدو تقابله واضحا مع الخصومة الكالمية التي

: فهو يتقابل بصورة أوضح مع قول سي مختار لنجمة, جرت بين سي مختار ورشيد

فهذا الكالم موضوعه الفن وليس .)) إنهم ينقرون الدفوف والتام ـ تام ببراعة فائقة((

هي عالقة وطيدة ال تحتاج منا إلى وقفة تكشف عنها وعالقة الموسيقى بالشعر, غيره

, الذي يجمع بين الفروسية وقول الشعر في الجاهلية, وبهذا نرى أن عنترة. وتؤكدها

يتقابل مع الزنجي المحارب والفنان الذي يحرس قبيلة كبلوت ويحميها كما حمى عنترة

. قبيلة عبس في الجاهلية

رواية نجمة لتتبع شخصية الزنجي والكشف عما يتعلق لقد كان هذا التعريج على

أمر ضروري , ومن ممارسة للفن أيضا, بها من شجاعة وحراسة للقبيلة ودفاع عنها

من القسم " في وسط األعشاب التي تزهر من جديد"يمهد لتناول هذه الشخصية في قصة

بالشاعر عنترة أشد التي تبدو فيها عالقة هذه الشخصية" األعمال المتفرقة"السردي من

ومن هنا يصبح الحديث عن . مما هو عليه األمر في رواية نجمة, وضوحا والتحاما

.هذه الشخصية في النص الروائي متكامال مع الحديث عنها في النص القصصي

بالمقطعين السردي والشعري " في وسط األعشاب التي تزهر من جديد" تبدأ قصة

, ورأينا فيهما صورة للرحلة في الجاهلية عبر الصحراء, آلناللذين تناولناهما قبل ا

وتمت في شقها الثاني عبر , برغم أن هذه تمت في أحد شقيها داخل قارب في النيل

وكنا قد توقفنا عند هذا الجزء . الصحراء التي قطعها رشيد من السودان إلى طرابلس

رحلة رشيد من السودان إلى من السرد واكتفينا منه بسطريه األوليين اللذين يسجالن

239

وسنتابع هنا هذا السرد الذي يربطنا بالمشهد الذي تم . طرابلس عبر الصحراء

أي مشهد اختطاف سي مختار ورشيد لنجمة والذهاب بها , استعراضه من قبل في نجمة

فخالل هذا . وما حدث بعد ذلك من أحداث مع الزنجي, إلى موطن القبيلة بالناظور

نر قبل اآلن ضرورة استكماله عند الحديث عن الرحلة وخالل السرد ـ الذي لم

وكأن الزنجي : ((... بحيث نجد هذه العبارة, الصفحة نفسها ـ يتم التطرق إلى الزنجي

ويلي هذا السرد في الصفحة نفسها . والضمير يعود على رشيد.)) العجوز قد أعداه

: مقطع شعري على لسان رشيد يتضمن المعاني اآلتية

كنت وحيدا وقواي منهارة

صديقي, عندما قمت بدفن أبيها

وهو بدون شك قاتل

أبي بالذات

وأنا اآلن وحيد ألسترجعها

من المجرم الثاني

................

دون أن يسمع أحد أو يميز , وكأن في األمر سحرا, جاء سي مختار ليموت هنا

طلقتا بندقية الصيد هذه التي يحملها . صوت طلقة البندقية الذي اختلط بصوت الرعد

) 88(.وكأنها ابنه الوحيد, الزنجي العجوز إلى اآلن على ظهره

ة استعرضنا هذه المقاطع حتى نرى االرتباط القوي والتالحم الشديد بين هذه القص

وذلك على مستوى األحداث والشخصيات , ومشهد الناظور الذي ورد في نجمة

مع دخول بعض التعديالت عليها حتى ال تكون تكرارا مطابقا لمثيلتها في , بالخصوص

وتصبح نجمة شبه سجينة عنده في " سي مبروك"وهكذا يأخذ الزنجي اسم . رواية نجمة

ثم تضاف , زم استرجاع نجمة منهويأتي رشيد من سفر طويل وهو يعت, المغارة

ويتم هذا كله بعد دخول , شخصية كبلوت الذي يحضر ليعطي أوامر ليسي مبروك

القصة في عالم أسطوري معقد يتبادل فيه سي مبروك وكبلوت الحوار حول ما حدث

88 -Voir, Kateb Yacine « Ľ oeuvre en fragments»; P.207-208.

240

إلى أن تتدخل نجمة فتقول مخاطبة , في الناظور من قتل سي مختار واالحتفاظ بنجمة

:ياق مجموعة من األشعارسي مبروك في س

إنك عجوز

إنك أسود

إنك تتكلم باأللغاز

)89( فلماذا يجب أن أتبعك؟

وتتابع القصة سيرها فتكرر نجمة هذه األبيات في وجه سي مبروك ليواجهها

لتي تزيل ما بقي في األذهان من التردد حول عالقة بدوره بعد صفحات بهذه الحقيقة ا

وتوقفنا , الزنجي بعنترة التي تناولنا جوانب هامة منها عند الحديث عن مشهد الناظور

يقول سي مبروك مخاطبا , عند جوانب منها أيضا في بداية الحديث عنها في هذه القصة

:ينجمة بمجموعة من األشعار يهمنا أن نقتطع منها هذه المعان

كل الذين يعيشون في المأساة

حيث القبر المتصحر لشيخ القبيلة

كل الذين لم يغادروا الصخرة

...............................

ينتمون إلى الشجرة نفسها, جميع هؤالء بما فيهم أنت

بداية مني أنا الزنجي الثائر

)90( العبد الحر رغما عنكم ورغما عني

:ثم ترد عليه نجمة مكررة للمرة الثانية األبيات األربعة السابقة

إنك عجوز

إنك أسود

إنك تتكلم باأللغاز

)91(ذا يجب أن أتبعك؟ فلما

89- Voir, Kateb Yacine « Ľ oeuvre en fragments» ;P.214. 90- Voir, , ibid ; P.221 91 - Voir, ibid; P.221

241

يؤكد الزنجي في بداية هذه األبيات وفاءه الدائم للقبيلة ودفاعه المستمر عنها؛

بوضوح وقوة في وهذا هو الموقف نفسه الذي عرف به عنترة نحو القبيلة وسجله

وحتى , التي يفتخر فيها بشجاعته ودفاعه عن القبيلة, أشعاره وبالخصوص في معلقته

وهذا ما دفع بأبيه إلى االعتراف به , سانها الذين يستنجدون به لما تشتد المعاركعن فر

وقد كان هذا التحرر . مثله مثل غيره من أفراد القبيلة األحرار, ليصبح بذلك حرا طليقا

من العبودية مفروضا على أبيه فرضا لحاجة القبيلة إلى قوته وشجاعته لصد األعداء

وهذا في رأينا ما عبر عنه سي مبروك , ية للقبيلة ولشرفهاوتحقيق النصر عليهم حما

.))أنا الزنجي الثائر العبد الحر رغما عنكم ورغما عني: (( بقوله

وإذا أضفنا إلى هذا تلك المعاني التي تحملها األشعار التي وردت على لسان

سي مبروك فإن العالقة بين شخصية, ))تتكلم باأللغاز, أسود, إنك عجوز: (( نجمة

هو أمر عام , فكون سي مبروك عجوزا وأسود. وعنترة تصبح أكثر وضوحا وتأكيدا

يتوقف على عنترة وعلى غيره من ذوي البشرة السوداء وغير السوداء بالنسبة للحالة

إلى جانب ما سبق من , أي كونه أصبح عجوزا؛ أما حين يصبح يتكلم باأللغاز, األولى

إذ ليس الحديث باأللغاز إال طريقة , الة التخصيص والتعيينفهنا يتخذ األمر ح, صفاته

في الحديث تلتقي مع أسلوب الساحر في الكالم؛ وقد مر بنا أن الزنجي في نجمة

فيكون سي . وقد بينا أن السحر هو تعديل لممارسة فن الشعر, وصف بكونه ساحرا

. مبروك إذن عجوزا وأسود وشاعرا

ت إلى ما سبق أن ذكره هو عن نفسه من كونه ثائرا ولما تضاف هذه الصفا

نكون أمام شخصية اكتملت أطراف , وعبدا حرا رغما عن أفراد القبيلة وعن نفسه أيضا

الصورة التي تكشف بوضوح عالقتها القوية والواضحة بالشاعر الجاهلي عنترة بن

, روك الزنجيوهكذا تبرز مرة أخرى العالقة القوية التي تصل سي مب. شداد العبسي

الشخصية األدبية التي أبدعها كاتب ياسين بالشاعر الفارس عنترة بن شداد؛ ومن خالل

هذا نرى مرة أخرى ارتباط أعمال كاتب ياسين بالحقل الثقافي الفني والدائري للقصيدة

وهو األمر الذي سيزداد وضوحا عند تتبعنا لثالثة عناصر من عناصر هذا , الجاهلية

". سفري إلى الكونغو "الحقل في قصة

242

رحلة إلى نهر الكونغو يقوم بها راوي القصة مع " سفري إلى كونغو" تروي قصة

.بينما يمثل هو قائدهم, الطيعين" جنوده"خمسة من أصدقائه التالميذ الذي يمثلون

يليها حديث عن وضع تصميم , تتصدر القصة مجموعة من األشعار النثرية

فيتقرر أن تنطلق الرحلة , تم فيه استعراض كيفية الستعداد لها وتحديد مراحلهاللرحلة ي

المرور , ثم وادي الرمال بقسنطينة؛ يلي ذلك, القريب" نهر بوسالم"من القرية ثم تقطع

وفي اليوم المقرر تنطلق الرحلة في . بمنزل إحدى أخوات الراوي للتزود بالمؤونة

, معينة يتخلى أربعة من أفراد الجماعة عن الرحلةوبعد قطع مسافة, الصباح الباكر

وفي األخير يقرر . ثم يتبعه اآلخرون الواحد بعد اآلخر, الذي بكى كثيرا" ألبير"بدءا بـ

الذي بقي إلى " الشريف"الراوي إلغاء الرحلة والعودة إلى البيت العائلي مع صديقه

ب األطفال للرياضة كبيرا ولكن يبقى ح, وهكذا تفشل الرحلة إلى الكونغو. جانبه

ولهذا كانوا يحرصون أيام العطل على التجوال وقطع , وبالخصوص منها المشي

, "طريق العرب"مسافات طويلة تصل أحيانا إلى ثالثين كيلومترا سيرا على األقدام في

" نبع الشاعر"أي " عين مداح"حيث كانوا يفضلون هذه الطريق ألنها تجعلهم يمرون بـ

وعند هذه النقطة تتوقف القصة عن الحديث عن الرحلة والمشي . سط الغابةلموقعها و

وتنتقل إلى تتبع حياة التالميذ داخل اإلقامة بالثانوية؛ فيذكر الراوي أنه يخشى , والتجوال

إذ كان يوجد بينهم سارق , شر أربعين منهم الذين يشاركهم اإلقامة في المرقد السادس

ثم . ال يسرق من الزوج سوى قطعة جورب واحدةف, غريب مولع بسرقة الجوارب

وهو أجملهم وأخجلهم , يذكر الراوي أن له صديقا واحدا فقط بين جمع تالميذ الثانوية

ويذكر . وكانا يشتركان في كتابة رواية أبطالها شخصيتان فقط, "غزالن"جميعا اسمه

, التغلب عليهالراوي في أسف شديد أنه يوجد بينه وبين صديقه غزالن حاجز يستحيل

ولذا فهما ال يلتقيان إال , فهو يسكن مع عائلته, ذلك أن صديقه ال يبيت في اإلقامة مثله

بعد هذا ينتقل إلى ذكر ممارسة التالميذ لسلوكات جنسية شاذة . ليفترقا بعد حين

, ثم يسرد أحداثا أخرى تعرفها الحياة في الثانوية. وبالخصوص منها اللواط, باإلقامة

فتاة تسقي " تلك الفتاة هي , القصة بالحديث عن فتاة يساعده عليها أحد أصدقائهلينهي

)92(".الماء

92-Voir, Kateb Yacine «Ľ oeuvre en fragments»; P.244-250.

243

حاولنا تقديمها عبر , "سفري إلى الكونغو" هذه بعض المحطات الهامة في قصة

والذي البد منه حتى يمكن تصور سياق بعض األحداث التي , هذا التلخيص المطول

ها للكشف من خاللها عن العالقة الواضحة لهذه القصة أيضا سنتوقف عندها لحاجتنا إلي

بالحقل الفني الدائري للقصيدة الجاهلية بفضل تعديلها لثالثة عناصر , من أعمال ياسين

: والغزل, والرحلة, البكاء على األطالل: وهي, كما ذكرنا, منه

:ـ البكاء على األطالل1

بعض تستوقفنا , ن اثني عشر سطرا إن مطلع هذه القصة هو مطلع شعري م

: منها, معانيه

لقد اختفت

في قسم الجغرافيا

حيث كانت المفاجأة في الميناء

للنجمة المظلمة

والباكية تحت عباءتها السوداء

عند باب المدرسة

مها لما وصلت أ

)93(. لم تجد سوى جوربها

بحيث يسهل حصول اتفاق بين القراء , لسنا هنا أمام مقدمة طللية واضحة المعالم

ولكن مع ذلك يمكن أن نشير إلى بعض العناصر التي نرى أنها . وال يختلفون, حولها

العناصر المعنية و, تكرار أو تعديل لبعض عناصر المقدمة الطللية في القصيدة الجاهلية

باب , العباءة السوداء, الباكية, المظلمة, الميناء, المفاجأة, الجغرافيا, اختفت: هي

هذه العناصر جميعا يمكن أن نجد لها ما يقابلها من . وجوربها, وصلت أمها, المدرسة

: حسب ما يظهر في الجدول اآلتي, عناصر المقدمة الطللية

93 -Voir, Kateb Yacine «Ľ oeuvre en fragments»; P.244.

244

عناصر المقدمة الطللية عناصر القصة

ـ اختفت

ـ الجغرافيا

ـ المفاجأة

ـالميناء

ـ المظلمة

ـ الباكية

العباءة ـ

السوداء

باب المدرسة ـ

ـ وصلت أمها

ـ جوربها

. ـ ارتحال الحبيبة مع قبيلتها

. ـ الرحلة في الصحراء

. ـ دهشة الشاعر عند اكتشافه رحيل الحبيبة

.الديار التي كانت منطلقا للرحلة ـ

. ـ صفة مرافقة لألطالل

. ـ بكاء الشاعر على حبيبته

والتي يفترض أن , ـ الهودج الذي ركبت في داخله الحبيبة

مما يضفي على الهودج , أيضا بكت حبيبها الشاعر تكون هي

.داللة الحزن التي ترمز لها صفة السواد

.ادة في مقدمة القصيدة ـ الدار التي يخاطبها الشاعر ع

. ـ وصول الشاعر إلى الديار التي غادرتها الحبيبة

.الرحيل ـ اآلثار التي تتركها الحبيبة وراءها بعد

إننا نرى أن هذه العناصر تسمح بإلحاق هذه المقدمة الشعرية بالمقدمة الطللية

. متميزا للمقدمة الطللية القديمةومن ثم اعتبارها تعديال فنيا . للقصيدة العربية

: ـ الرحلة 2

فإذا كان المؤلف ركز , تكرر موضوع الرحلة في هذه القصة بشكل ملفت لالنتباه

فهو قد عاد إلى هذا الموضوع " الرحلة إلى الكونغو"في الجزء األول من القصة على

ل تلك الرحلة بمثيلتها ومن أهم العناصر التي تص, بعد الحديث عن تلك الرحلة الفاشلة

, التزود بالمؤونة, نهر الرومل, نهر بو سالم: في القصيدة الجاهلية يمكن أن نذكر

أما نهر بو سالم فهو يذكر بمنابع الماء التي تمر بها الرحلة طلبا لالستجمام . البكاء

245

المائية وقد توقفت القصيدة الجاهلية عند هذه المنابع . والتزود بالماء قبل متابعة المسير

)94(.لوصف جمال النساء وهن يستجممن ويلعبن بمياهه

أما وادي الرمال فتبدو أهميته هنا في لفظة الرمال نفسها التي ال نرى فيها في

الشتراكهما في الحروف " الرمل" هذا السياق الذي وردت فيه سوى تعديال فنيا لكلمة

" وادي"أما لفظة الـ . أي الصحراء, يمةومن ثم فهي تتقابل مع مكان الرحلة القد, نفسها

ما هي سوى تعديل , والتي هي الطريق التي يصنعها الماء في جريانه, المضافة

وادي "ومن هذا كله يصبح التعبير . للطريق التي تسلكها الرحلة وسط رمال الصحراء

د تعديال لطريق الصحراء التي تسلكها الرحلة في تنقلها بحثا عن مكان جدي" الرمال

. مالئم لإلقامة

أما التزود بالمؤونة فهو أمر مرتبط باالستعداد المستمر والمجدد للرحلة

. ولمواصلتها؛ وقد تبين ذلك خالل الحديث عن نهر بوسالم

ونصل بعد هذا إلى العنصر األخير من هذه الرحلة والذي رأينا أهمية للتوقف

وقد كان النص عميقا , اق أمه وأهله وبيت العائلةوهذا بكاء ألبير من الوحشة لفر, عنده

ذلك هو عنصر , ودقيقا في ربط بكاء ألبير بما يجعله يتعالق مع القصيدة الجاهلية

وذكر )95().إنها ساعة القهوة بالحليب ( بكاء بدموع ساخنة : في قول الراوي" الحليب"

, ها أللبير في كل صباحالقهوة بالحليب فيه استحضار أيضا لإلنسان الذي يقوم بتقديم

فهي , باإلضافة إلى أن لفظة الحليب مرتبطة باألنثى, وليس هذا اإلنسان سوى أمه

تستحضرها؛ ومن هذا نرى أن البكاء كان على األنثى أكثر مما هو على اشتهاء فطور

تبين لنا أنه تعديل لبكاء الشاعر على فراق , وإذا ربطنا هذا بالمقدمة الطللية. الصباح

. نثى الحبيبةاأل

:من ذلك قول زهير في معلقته - 94

بكرن بكورا واستحرن بسحرة فهن ووادي الرس كاليد من الفم

يم فلما وردن الماء زرقا جمامـه وضعن عصي الحاضر المتخ

وفيهن ملهى للطيف ومنظــر أنيق لعين الناظـر المتوســم

.172-170ص, » شرح القصائد العشر « التبريزي الخطيب, انظر95-Voir, Kateb Yacine «Ľ oeuvre en fragments»; P.245.

246

وستزداد عالقة هذه العناصر بالقصيدة الجاهلية وضوحا إذا انتقلنا إلى العناصر

التي تم توظيفها في حديث الراوي عن الرحالت المتكررة التي كان يقوم بها مع

حمام : فنستخرج من ذلك العناصر اآلتية .أصدقائه أيام العطل مشيا على األقدام

فعالقته " غرغور"ففيما يتعلق بحمام . نبع الشاعر, عين مداح, عربطريق ال, "رغورغ"

بالقصيدة الجاهلية تقوم على منابع الماء التي كانت القافلة تمر بها حسب ما نجد ذلك

حيث توفر تلك المنابع للمسافرين التزود بمائها , في األشعار كما تقدم مع معلقة زهير

وهي األمور التي , وقت في اللعب والمرحكما تمكن النساء من االستجمام وقضاء

ويلح . باإلضافة إلى غرض االستشفاء" غرغور"يطلبها الناس رجاال ونساء في حمام

وهي طريق , الراوي على تحديد الطريق التي يسلكها مع أصدقائه للذهاب إلى الحمام

شتغال وليس هذا التحديد سوى ربطا للعالقة مع القصيدة القديمة عن طريق اال, العرب

فتسمية هذه الطريق بطريق العرب هو . بالعناصر التي تكون حقلها الثقافي والفني

ويبدو أن تلك , استحضار لرحالت العرب عبر الصحراء على ظهور حيواناتهم

ذلك ألن السياق جاء حسب , الحيوانات لم تكن غائبة هي بدورها في هذا النص

أي بالمرور , ليه عن طريق العربالحمام أقرب عند الذهاب إ: الصورة اآلتية

وهكذا تلتقي العناصر المشكلة . فالمسلخ هو مكان مخصص للحيوانات)96(.بالمسلخ

فإذا تم وضعها إلى جانب بعضها , للرحلة عبر الصحراء في هذا المقطع من النص

فال , بعضا اتضح من خاللها موضوع الرحلة في القصيدة العربية القديمة بكل عناصره

حينئذ سوى تلك القصيدة الشعرية القديمة التي ينظمها " عين مداح"أو " بع الشاعرن"يعود

.الشاعر موظفا هذه العناصر توظيفا فنيا لخلق عالم متناسق األجزاء دقيق التفاصيل

:ـ الغزل 3

ليس الزمن في القصيدة الجاهلية زمانا خطيا ينطلق فيه الشاعر من مقدمة طللية

وصف الرحلة عبر الصحراء بكل تفاصيلها متتبعا خطوات القافلة إلى أن ثم يأخذ في

وإنما , فيلتزم بهذا الخط المستقيم وال يحيد عنه, تحط رحالها بمكان إقامتها الجديد

المتتبع لهذه القصيدة كثيرا ما يرى أن الشاعر يترك هذا السير الخطي للزمن ليعود إلى

كما قد تكون هذه العودة , حبيبته بأحياء القبيلةالحديث عن ذكريات غالية قضاها مع

96 -Voir, Kateb Yacine «Ľ oeuvre en fragments»; P.247.

247

أو , إلى الذكريات متعلقة بموضوع حرب انتصر فيها الشاعر مع قومه على أعدائهم

من هنا سنرى . تكون تلك الذكريات حول موضوع أو موضوعات أخرى غير ما ذكرنا

إلى من الحديث عن الرحلة " سفري إلى الكونغو"كيف ينتقل كاتب ياسين في قصة

الحديث عن موضوع الغزل واللهو حديثا ترتبط عناصره وأجزاؤه بعناصر وأجواء

الحقل الفني للقصيدة الجاهلية حسب ما ذكرنا عن كسر القصيدة الجاهلية للخط الزمني

.المستقيم

حسب , عن متابعة الحديث عن موضوع الرحلة" سفري إلى الكونغو" تتخلى قصة

القصة إلى تناول الحياة داخل إقامة التالميذ بالثانوية؛ وهي حين لتعود بزمن, ما مر بنا

تفعل ذلك تقوم بإدخال تعديل فني على إقامة القبيلة الجاهلية قبل أن تضطرها الظروف

بحيث رأينا أن الحديث عن تلك الحياة في القصيدة الجاهلية كثيرا ما كان , إلى الرحيل

وقد حدث هذا نفسه في قصة . لشاعر بحبيبتهيتوقف عند موضوع العالقة الغرامية ل

وذلك من خالل تناول جانب السلوكات الجنسية للتالميذ داخل , ياسين التي بين أيدينا

والذي يهمنا في هذا المقام هو تلك العالقة المتميزة التي أقامها الراوي مع أحد . اإلقامة

ميذ جميعا وأنه كان يقوم والذي يقول عنه إنه كان أخجل التال, وهو غزالن, التالميذ

قبل أن يشير إلى أن هذه الصداقة الفريدة . وإياه بكتابة رواية أبطالها شخصيتان فقط

وهو أن صديقه غزالن لم يكن , والقوية كان يقف في وجهها عائق يستحيل التغلب عليه

. يقضي لياليه باإلقامة مع الطلبة وإنما كان يعود كل مساء إلى البيت العائلي

فبعد االطالع على هذه العالقة الفريدة التي تجمع بين التلميذين وبعد التمعن في

وبخاصة تلك المتعلقة بأوصاف غزالن؛ بداية من اسمه ثم سلوكه وعائلته؛ لم , تفاصيلها

نر ما يكشف عن أسرارها إال اعتبارها تعديال فنيا لعالقة غرامية تقوم بين ذكر وأنثى

ه األمر في العالم الفني للقصيدة الجاهلية من قيام عالقة غرامية على غرار ما هو علي

. بين الشاعر وحبيبته المغادرة لمكان اإلقامة بكرة مع قبيلتها

الذي أعطاه الراوي لصديقه هو اسم يحيل على " غزالن" وتوضيح ذلك أن اسم

الحبيبة بها في وهي إحدى الحيوانات الجميلة والرشيقة التي يكثر تشبيه , الغزالة

مما يسمح باعتبار الحديث الذي يدور حول التلميذ الذكر هو حديث , القصائد الجاهلية

ولما . والتي سيكون اسمها غزالة بدال من غزالن, "التلميذة األنثى"ينطبق بسهولة على

248

يذكر الراوي أن هذا التلميذ كان أخجل تالميذ الثانوية يزداد التأويل وضوحا بأن

ذلك ألن الخجل بمثل هذا المستوى يكون من سلوك , بذلك هي فتاة وليس ولداالمقصود

ومع تقدم . وليس سلوكا لتلميذ وسط زمالئه التالميذ, الفتاة وسط مجموعة من األوالد

القراءة والتأمل في التفاصيل الباقية حول هذا الموضوع تزداد الصورة وضوحا في

ه في كتابة رواية أبطالها شخصان ليس سوى ذلك أن اشتراك الراوي وصديق, أذهاننا

أما . وهذا يقابل القصائد الغزلية في الشعر القديم, تعديل للرسائل الغرامية بين العشيقين

األمر األخير الذي يجعل الصورة الغرامية بين العشيقين تبرز بوضوح فهو ما يذكره

وهذا تصرف ال . ت مع عائلتهبأنه ال يبيت مع التالميذ وإنما يبي الراوي عن هذا التلميذ

ولذا فمن , يجد تفسيره إال في كون الراوي لم يقم عالقة عشق مع تلميذ وإنما مع تلميذة

وإنما تلتحق يوميا بالبيت العائلي؛ وهذه , الطبيعي أال تقضي لياليها وسط التالميذ الذكور

ك ويتوقف عن مسألة جعلت هذه العالقة ال تصل أبدا إلى نهايتها فيتأسف الراوي لذل

التي ساعده على الظفر بها " ساقية الماء"ويتوجه نحو فتاة أخرى هي , تعليق آماله عليها

وهذا ما نجده تماما في القصائد الشعرية . أحد أصدقائه الخبيرين بمثل هذه األمور

إذ نرى الشاعر فيها بعد التغزل بحبيبته في المقدمة يتخلى عنها عادة نحو , القديمة

كما هو األمر مثال, ن عالقات أخرى يكون قد أقامها مع نساء أخرياتالحديث ع

ما وقوف األهل في هذه القصة عائقا دون وصول الراوي )97(.في معلقة امرئ القيس

فهو ينطبق مع ما هو متواتر في الحياة العربية القديمة من أن األهل يمنعون , إلى غايته

وهو ما تم في قصة ياسين ألن , ها في أشعارهفتاتهم عن الشاعر إذا حدث وأن تغزل ب

. الراوي يكتب مع غزالن رواية أبطالها اثنان فقط

:مرئ القيسجاء في معلقة ا - 97

كدأبك من أم الحويرث قبلهــا وجارتها أم الرباب بمأســـــل إذا قامتا تضوع النسك منهمــا نسيم الصبا جاءت بريا القرنفـــل

ــ ويوم دخلت الخدر خدر عنيـزة فقالت لك الويالت إنك مرجلـــي

ــ زمعت صرمي فاجملي أفاطم مهال بعض هذا التدلــل وإن كنت قد أ

ــ

.30,31,40,46 ص, » شرح القصائد العشر « التبريزي الخطيب, انظر

249

وهكذا تتضح لنا عالقة نصوص كاتب ياسين بالحقل الفني الثقافي للقصيدة

أما عن مسألة الدائرية . سواء كانت هذه النصوص شعرا أم مسرحا أم سردا, العربية

ثم آراءه هو , وضيحها باستعراض آراء النقاد حول هذه المسألةفي أعماله فسنستكمل ت

وهذا بعد أن تبين لنا من خالل ما تم استعراضه من أن أعماله تقوم على , نفسه فيها

وكذا قد بينا أن هذا الحقل هو حقل , االشتغال في الحقل الفني والثقافي للقصيدة الجاهلية

. ال دائريةومن ثم فأعمال ياسين أيضا هي أعم, دائري

: ـ الدراسات النقدية3

يندرج البحث السابق الذي تم فيه اكتشاف عنصر الدائرة الموضوعاتي في أعمال

كاتب ياسين من خالل إبراز العالقة القوية والعضوية لتلك األعمال باألدب العربي

أما . للنصضمن البحث في مجال التعالي النصي , القديم القائم على حقل فني دائري

البحث الموالي عن العنصر نفسه في جملة من الدراسات النقدية التي تناولت نصوص

. )Epétexte" (النص الفوقي"الكاتب فهو يدخل في مجال البحث في

عن أحد أهم عناصر الموضوعاتية , كشفنا في القسم السابق من هذا الفصل إذن

ال كاتب ياسين األدبية سواء منها الشعرية أم التي تشكل النواة التي انبثقت منها أعم

وقد قادنا تتبع هذا العنصر في . ذلك العنصر المهم هو الدائرية. المسرحية أم السردية

أعماله إلى العودة إلى مصادره األولى مما أدى إلى اكتشاف العالقة العضوية القوية

الجاهلي يشتغل على حقل فني إذ ثبت لنا أن األدب . لتلك األعمال باألدب العربي القديم

مغلق قد تم تحديد موضوعاته وعناصره الفنية منذ زمان بعيد؛ وقد استطاع النقد القديم

, حسب ما رأينا مثال عند ابن قتيبة, التوصل إلى تحديد أهم عناصر هذا الحقل الفني

وتمكن جاك بيرك في السنوات األخيرة من تعميق مفهوم هذا الحقل وتحديد بعض

وهي دائرية , مؤكدا من خالل ذلك على دائرية هذا الحقل الفني, هه ونماذجهأوج

وبناء على ذلك رأينا كيف اشتغل . يجسدها تكرار الشعراء المتواصل والمتجدد لها

كاتب ياسين بدوره بعناصر هذا الحقل فجعلها تتكرر في أعماله تكرارا مستمرا

ة ومتجذرة في التراث األدبي العربي صانعا بفضل ذلك أعماال أدبية متميز, ومتجددا

.القديم

250

وليس ارتباط أعمال كاتب ياسين بالحقل الفني الدائري للقصيدة مقتصرا فقط على

أي , وإنما هو مرتبط أيضا بالتعامل معها تعامال فنيا, توظيف موضوعات هذا الحقل

.مرتبط بطريقة توظيف هذه الموضوعات لبناء عوالم إبداعية متجددة

وقد استطاعت جاكلين أرنو أن توضح كيفية اشتغال هذا التكرار عند كاتب

,)par bourgeonnement" (التبرعم"لما الحظت أن اإلبداع عنده يتم عن طريق , ياسين

وهو يقوم على تناول نص أدبي معين تم إبداعه سابقا وإحداث عدة تنويعات عليه حسب

تكون في مجموعها وحدة 3,2,1مكونا من ثالثة أقسام " أ"نأخذ نصا ما : التصور اآلتي

الذي سيكون " ب"إلبداع نص آخر " أ"فيأخذ المؤلف هذا النص . منسجمة و متماسكة

ولكن هذا النص , مؤلفا من أربعة أقسام تكون في مجموعها وحدة متسلسلة ومنسجمة

ثم 3و1ين وهما مثال إال بقسم منه أو قسم" أ"ال يحتفظ من النص السابق " ب"الجديد

متكونا من األقسام " ب"فيكون النص . 5و4 :يضيف إليهما قسمين آخرين جديدين هما

فسيحتفظ المؤلف بالعناصر , وعند تأليف نص ثالث مثال . 5, 4 ,3, 1:األربعة اآلتية

ثم يضيف , 4: بالعنصر" ب"ومن النص , بترتيب معكوس1 , 2": أ " اآلتية من النص

6 ,4 ,1, 2: مكونا في النهاية من العناصر" ج"فيكون النص , 6: دا هوعنصرا جدي

.)98(

هذه صورة تقريبية بطبيعة الحال عن كيفية ارتباط عناصر عوالم كاتب ياسين

. ومن ثم فهي صورة تقريبية عن عالقة هذه األعمال ببعضها بعضا, األدبية فيما بينها

حسب , الذي نجده في النصوص الثالثة, ثالم" 1"ويبقى أن نشير إلى أن العنصر

ال يطابق نفسه : أو نقول, ليس هو نفسه في جميع هذه النصوص, توضيح جاكلين أرنو

فالشخصيات األدبية . وإن كان يمتلك خيوطا تصل بين تكراراته الثالثة فيها, في جميعها

شارك في صنعه تتحدد وظيفتها ومميزاتها الخاصة في إطار العمل المحدد الذي ت, مثال

في رواية نجمة ال تتطابق مع "طاهر"فشخصية . وبناء عالمه اإلبداعي المستقل

في رواية نجمة " االخضر"وشخصية . في مسرحية الجثة المطوقة" طاهر"شخصية

حلم "وكبلوت في نجمة ليس هو كبلوت مسرحية , ليست هي نفسها في الجثة المطوقة

إذ , فهو في هذه المسرحية شخصية متسلطة وطاغية, " األعمال المتفرقة"في " في حلم

98 - Voir, « Introduction » de Jacqueline Arnaud « Kateb Yacine ; Ľoeuvre en fragments », P.13-14.

251

ووجه السجن ـ التي هي من شخصيات , واالخضر, مصطفى: تقع كل من شخصيات

.أيضا ـ تحت سيطرته وجبروته وتنكيله" المضلع النجمي"

وهكذا نرى أن ما سبق ذكره من حديث جاكلين أرنو عن طبيعة عالقة أعمال

ث يؤكد وجود خصوصية في عالقة تلك األعمال ببعضها ياسين ببعضها بعضا هو حدي

دون أن تصل إلى توضيح جميع خصوصيات تلك العالقة؛ وهي عالقة تتميز , بعضا

وهي دائرية تجسدها عملية , أيضا ـ حسب ما رأينا ـ بقيامها على مفهوم الدائرية

أي , خرى جديدةالتوظيف المكرر للعناصر المشكلة للعوالم األدبية لياسين لخلق عوالم أ

على غرار ما هو قائم عليه اإلبداع الشعري في العصر , أعمال إبداعية أخرى

الجاهلي؛ حيث يتداول الشعراء على موضوعات أو عناصر حقل فني محدد لخلق

وهكذا نجد أعمال ياسين تتداول على مجموعة من الشخصيات واألحداث . قصائد جديدة

. من عمل إلى آخر, ون أن تجعلها تتطابق مع نفسهالكن د, فتكررها في عوالمها الفنية

, وغيرها من الشخصيات, علي, حسان, كبلوت, نجمة, االخضر, مصطفى: فشخصيات

ولكنها ال تكرر عمال تكون قامت به في , يتكرر ظهورها في مجموعة من األعمال

" أ " العمل كما أن وظيفتها تختلف من, "ب"بالكيفية نفسها في العمل , مثال" أ " العمل

".ب"إلى العمل

بينما , وثانوية, فهو في نجمة شخصية ماجنة, مثال" طاهر" فإذا عدنا إلى شخصية

إذ يصبح خائنا فيقوم , "الجثة المطوقة"هو شخصية مؤثرة بشكل أساسي في مسرحية

يتضح في األخير أن عالقة أعمال ياسين . بطعن االخضر بسكين في الظهر فيقتله

ا هي عالقة تقوم على الدائرية الفنية المستمدة أصال من الحقل الفني الدائري ببعضه

. للقصيدة الجاهلية

وقد تنبه أكثر من ناقد إلى الحضور القوي لمفهوم الدائرية في أعمال كاتب

" األعمال المتفرقة"وذلك بداية بجاكلين أرنو نفسها التي أشارت في مقدمة كتاب , ياسين

" بعيدا عن نجمة" كرمز فني في أعمال ياسين انطالقا من قصيدته " الدائرة "إلى دخول

إذ تضمنت هذه القصيدة عدة مقاطع شعرية تتحدث , 1947التي يعود تاريخها إلى

ليتكرر ظهور هذا الرمز في أعمال أخرى , بوضوح عن موضوع الدائرة أو مكوناتها

252

م لم تتجاوز أرنو هذه اإلشارة إلى مزيد ث)99(".المضلع النجمي"و" الجثة المطوقة"منها

من الدراسة والتأمل والتوضيح التي يتطلبها هذا العنصر الفني واألساسي في أعمال

ياسين؛ ذلك ألن هذه األمور ال تتسع لها مقدمة الكتاب التي تكون أعدت أساسا لغرض

ق لقيام محاوالت مما يجعل تلك اإلشارة كافية في موضعها لتفتح اآلفا, التعريف بالكتاب

. للبحث في الموضوع

" مسار شاعرية: نجمة والدائرة" وفي هذا اإلطار تدخل دراسة منصور مهني

منها مقاطع من , استعرض فيها مقاطع من أعمال ياسين التي تتناول الشكل الدائري

حيث الحظ أن عنوان هذه " نجمة أو القصيدة أو السكين"و "بعيدا عن نجمة"قصيدتي

,"ou"لقصيدة األخيرة نفسه يحيل على الشكل الدائري من خالل حرف العطف المكررا

أما في النصوص المسرحية فقد اكتفى باإلشارة إلى عناوين المسرحيات التي تتضمنها

ليقول إن شاعريتها هي أيضا تقوم على الطاقات " دائرة االنتقام"المجموعة المسرحية

وعندما ينتقل إلى رواية نجمة تستوقفه مقاطعها التي . الفنية التي يختزنها هذا الشكل

مما جعله يستنتج أن الدائرية في هذه الرواية , تناولت هذا الشكل تصريحا أو تلميحا

من ذلك , مما مكنها من التجلي في عدة وجوه وأبعاد ومواقع, جاءت نتيجة تفكير عميق

ثم , خادمة في يوم عرسهمشهد تحلق الضيوف حول السيد ريكار وهو يضرب ال, مثال

. وقوفهم أيضا في شكل دائرة مشدوهين مما وقع أمامهم عند قتل مراد للسيد ريكار

ويذكر كذلك مشهد تحليق النسر المتواصل والدائري فوق أختي مصطفى وهو يرميهما

أو بشكل , وغير هذه من المشاهد التي ذكرها الدارس ببعض التفصيل مرة, بالحجارة

وقد حاول مع ذلك الكشف عن سبب حضور الشكل . ر من المراتإجمالي في كثي

فرأى أنه قد يعود إلى مطالعات كاتب ياسين لكتب في هندسة , الدائري في هذه األعمال

فتأثر بها تأثرا عميقا كانت نتيجته , الفضاء الكوني يكون قد قام بها في مرحلة شبابه

لكاتب في األخير إلى ضم صوته ويخلص ا. ظهور تلك األشكال في أعماله اإلبداعية

99 - Voir, « Introduction » de Jacqueline Arnaud « Kateb Yacine… »; P.18-19.

253

إلى صوت جاكلين أرنو فيعتبر أن قاعدة أو مبدأ شاعرية كاتب ياسين قد كانت والدتها

)100(.لما تحمله هذه القصيدة من حضور قوي للشكل الدائري" بعيدا عن نجمة"بقصيدة

حضور : وفي األخير نخرج من دارسة منصور مهني وفي ذهننا الخالصة اآلتية

وبالخصوص منها رواية , لشكل الدائري في مواضع عديدة من نصوص كاتب ياسينا

مع تأكيد ما , مع محاولة الكشف عن سبب حضور هذا الشكل في تلك األعمال, نجمة

". بعيدا عن نجمة "ذهبت إليه جاكلين أرنو أن والدته تمت في قصيدة

عض المواضع التي ورد فيها تساعدنا هذه النتائج بدون شك على االهتداء إلى ب

أما مسألة افتراض مطالعة ياسين لكتب الهندسة . عنصر من عناصرها ذكر الدائرة أو

فهذا في نظرنا صار , بدرجة جعلت أدبه يقوم على هذا الشكل الفضائية فأثرت فيه

بعد أن بينا أن هذه الدائرية في أعماله تفسرها عالقته العميقة بالحقل , احتماال بعيدا

. لفني للقصيدة العربيةا

أيضا ضمن جملة الدارسين الذين استوقفهم الحضور " جان ديجو"ويمكن أن نعد

إذ أشار إلى ذلك في أكثر من مكان من . الكثيف للشكل الدائري في أعمال كاتب ياسين

: ولعل أهم تلك اإلشارات قوله "األدب المغاربي المكتوب باللغة الفرنسية"كتابه

وبما أن )101(.))رة الموضوعاتية التي تؤكد حضورها هنا هي صورة الدائرةالصو((

دراسة ديجو قد غلب عليها طابع المنهج االجتماعي التاريخي فهو لم يهتم بالكشف عن

وراح , الدور الذي قامت به الدائرية في أعمال ياسين لبناء عوالمها وصناعة أدبيتها

:اعية وتاريخية يمكن تلخيصها في النقاط اآلتيةيعطي لهذا الشكل الدائري أبعادا اجتم

وترمز لها تلك التحليقات المتكررة التي , ـ األجداد يجسدون دائرة تنغلق على األبناء 1

".دائرة االنتقام"يقوم النسر بها في نجمة بالخصوص والعقاب في مجموعة مسرحيات

ئرة االستعمار تنافسها التي أصبحت دا, ـ الحاضر واقع تحت سيطرة دائرة األجداد2

.وبالخصوص في نجمة, للسيطرة على الحاضر

100 -Voir, Mansour M´henni « Nedjma et le cercle: itinéraire d´une poétique » ; in, « Kateb Yacine et la modernité textuelle », Ouvrage collectif qui reprend une table ronde qui s´est tenue à ľ I.L.E. de ľ université d´Alger en Janvier1989, éd. O.P.U. Alger (s.d.e.) P.76-83. 101 -Jean Déjeux « littérature maghrebine de langue française » ; P.237.

254

ـ بعد االستقالل حلت دائرة فرنسا الوطن محل دائرة االستعمار وأصبحت بدورها 3

وذلك لما أصبح , تنافس دائرة األجداد على السيطرة على الحاضر الجزائري

لتون من دائرة وطنهم ليقعوا الجزائريون يغتربون إلى فرنسا طلبا للعمل؛ فكانوا هكذا يف

)102(.في دائرة فرنسا

وهو كما قلنا قد نظر إليها , هذه مجمل آراء ديجو حول الدائرية في أعمال ياسين

مما يجعلها بعيدة عن مجال إمكانية إبداء الرأي حولها الختالف المنهج , نظرة اجتماعية

منهج الذي تدخل ضمنه آراء ديجو حول الموضوعاتي الذي اعتمدناه في دراستنا عن ال

برغم كونه تحدث عن الدائرة في أعمال ياسين في إطار مصطلحات النقد , هذه المسألة

ومع هذا فإن إقراره بحضور الشكل الدائري في أعمال ياسين له أهمية . الموضوعاتي

ق كثير إذ هو يكشف عن اتفا, كبيرة بغض النظر عن طبيعة النتائج التي بناها على ذلك

من الدارسين ألعمال ياسين على اختالف توجهاتهم على الحضور البارز للشكل

.الدائري في تلك األعمال

:ـ توضيحات المؤلف 4

يدخل البحث عن عنصر الدائرة الموضوعاتي في تصريحات كاتب ياسين أيضا

ذا فقد اتضح وهك, ضمن البحث في مجال النص الفوقي الذي ينتمي إليه البحث السابق

أو تلك التي , لنا من جملة من تصريحات كاتب ياسين التي أدلى بها في مختلف الندوات

أنه لم يكن هو نفسه يجهل أن , أدلى بها للمجالت والصحف وتناقلها الدارسون ألدبه

كما , فقد كان على علم بتحكم هذا الشكل في إبداعه. أعماله األدبية تقوم على الدائرية

ومقدرا الفعالية الكبيرة التي كان يمده بها للغوص إلى أعماق التجربة الفنية كان مدركا

: حسب ما يتضح من قوله, والقبض على تفاصيلها لخلق نصوص متميزة وأصيلة

هكذا . واقعية, كالسيكية, فأصنع حكاية خطية, أفترض أنني أريد مثال أن أحكي حياتي

نني لم أكن أتوصل إلى جوهر ما كنت ولكن كنت أشعر أ, كنت أصنع مقطوعات, بدأت

أدركت أن هذه الطريقة في الكتابة ال تمكنني من إبراز خصوصيات , أرغب أن أقوله

حت أكتب فر. إنها غير قادرة على تمكيني من الوصول إلى أعماق ما أريد قوله, عملي

لى كل متأخرا ع, كمن يعمل في الظالم تماما؛ فاكتشفت, بتلقائية دون أية خطة حقيقية 102 -Voir, Mansour M´henni « Nedjma et le cercle: itinéraire d´une poétique »; P.242-243.

255

لماذا يجب أن تكون : ولهذا قلت في نفسي. أن عملي يسير في خطوط منحنية, حال

فعلي أن , لعملي بداية حتى أصل إلى نهاية؟ فبما أنني أرى فكرتي تدور حول نفسها

فكانت هذه المنحنيات المتفاوتة . فكتبتني, فأطلقت الفرامل كلية للكتابة. أتركها تفعل

)103(.االكتمال

أن الشكل الدائري الذي فرض نفسه في , ح من هذا الحديث المفصل والمهميتض

يدل على ذلك قوله أنه لم ينتبه , أعمال كاتب ياسين له جذور ممتدة بعيدا في الشعوره

وهذا يفتح المجال للتساؤل حول الطريق التي سلكها هذا الشكل . إلى وجوده إال متأخرا

ومن ثم إلى أعماله؟, إليه

ى محمد االخضر معقال أن اإلجابة عن هذا التساؤل تكمن في أن الدائرية ير

أصبحت جزء من المخزون الفني للذاكرة الجماعية التي ينتمي إليها الكاتب ثقافيا

. وهي ذاكرة توارثتها األجيال منذ العصر الجاهلي إلى اليوم)104(,وفنيا

في أعماله قد بلغ من نفسه ويرى كاتب ياسين أيضا أن حضور الشكل الدائري

مما مكنه من اإلمساك بتفاصيل مشاعره وأفكاره لخلق آثار أدبية تعبر , مستوى الهوس

, هذا الهوس بالدائرة هو ببساطة طريقتي للشعور: (( حسب قوله, عن وجوده اإلنساني

ويعتبر )105(.))وللتعبير عن وجودي اإلنساني على أرض دائمة الحركة على محورها

أن انتظام أعماله اإلبداعية في شكل دائري هو أمر ينسجم تماما مع الحركة ياسين

وقد يكون هذا التصريح )106(.))يكفي فقط أن نساير حركة العالم: (( الدائرية للكون

لياسين هو الذي أوحى لمنصور مهني بقوله السابق إن حضور الشكل الدائري في

وهنا ينبغي أن نذكر بأن . هندسة الفضائيةأعمال ياسين يعود إلى مطالعاته في مجال ال

فكرة مسايرة حركة العالم التي يتحدث عنها ياسين هي فكرة تمتد جذورها في الحقل

وأن عناصر هذا الحقل هي عناصر منسجمة مع حركة , الفني الثقافي للقصيدة الجاهلية

مسايرة ذلك ألن مسايرة حركة العالم ليست في جوهرها سوى , العالم ومسايرة لها

وقد سبق أن رأينا قوة ارتباط القصيدة الجاهلية بحركة . قانون الحياة واالنسجام معه

103-Cité par, Mohamed Lakhdar Maougal « Aux sources des mythes dans la parole katebienne » ; P.285. 104 -Ibid; P.285. 105- Jean Déjeux « littérature maghrebine de langue française » ; P.220. 106 -Ibid ; P.220.

256

فهي تنطلق معها بالحديث عن األطالل وتنتهي لما تجتمع شروط , الرحلة في الصحراء

مما , أي قيام شروط تحول مكان اإلقامة األخيرة إلى أطالل بدورها, تجدد الرحلة

ويتواصل , أخرى؛ وهكذا تتواصل حركة الحياة في الصحراءيستوجب القيام برحلة

والتي هي , معها نظم القصائد والبكاء على األطالل كتعبير عن مسايرة حركة العالم

سواء اتضح ذلك بشكل كاف من خالل حركة الرحلة نفسها وارتباط , حركة دائرية

حينئذ الحركة الدائرية فنذكر , نظام القصيدة بها أم بقي في حاجة إلى مزيد من التوضيح

مع ما يوحيان به من , المولدة لتعاقب الليل والنهار وارتباط ذلك بحركة الشمس والقمر

وأما القمر فهو شكل دائم الحركة , فكرة الدائرية؛ فأما الشمس فهي دائرة كاملة وثابتة

ونذكر . ثم يأخذ في التناقص حتى االختفاء, نحو االزدياد والنمو حتى يكتمل في دائرة

أيضا تعاقب فصول السنة وتطابقها مع بعضها بعضا عند كل دورة؛ ونذكر أخيرا شكل

كل هذه األمثلة المادية المرتبطة بحياة . الخيمة نفسها التي تقام على أرض دائرية

العربي ارتباطا مباشرا قادرة على جعله يعي العالم ويعي نفسه من خالل الشكل

ي المميز ـ للعالم وللذات ـ أخذ الشعر عناصر حقله الدائري؛ ومن طبيعة هذا الوع

. الفني الدائري

وهكذا نرى أن ياسين الذي يوظف عناصر الحقل الفني الدائري للقصيدة الجاهلية

ومن هنا يمكن فهم . في أعماله اإلبداعية يعي ذاته ويعي العالم من خالل هذا الحقل

: يقول, فهو منبع كل إبداعه, اله هي الشعرمغزى إلحاحه المتواصل على أن قاعدة أعم

الشعر هو . عند قاعدة كل شيء عندي يوجد الشعر: لقد قلت ذلك وكررته ألف مرة

الفعل الخالق الذي يعبر عن كيفية وعينا , وأعني بالشعر. المنبع األول والقاعدة العامة

)107(.بالحياة وباألشياء

للشعر في أعماله اإلبداعية إال تعبيرا عن وليس إلحاح ياسين على الدور القاعدي

وأنه حين يكتب نصوصا تنتمي إلى أجناس , إحساسه العميق بأنه شاعر بالدرجة األولى

أو أنها بتعبير آخر , أدبية أخرى فإن هذه النصوص تتغذى أساسا من الشعر وتحيا به

من وقد يكون هذا نوعا . شعر في قالب نص ينتمي إلى جنس أدبي غير الشعر

االغتراب يضطر إليه الشاعر حتى يتمكن من إيصال شعره إلى الجمهور حسب ما

107 -Voir, Hafid Gafaiti « Kateb Yacine … » (entretien) ; P.21.

257

هذه ليست رواية فهي ": المغارة المتفجرة"عبر عن ذلك في تقديمه لرواية يمينة مشاكرة

إنها . والتي يمكن قراءتها كالرواية, أفضل من ذلك بكثير إنها قصيدة نثرية طويلة

األول أن تكتب رواية : يعني منذ البداية اغترابا مضاعفاوهذا, مكتوبة باللغة الفرنسية

)108(.والثاني أن تتحدث إلى ذويك بلغة أجنبية, من أجل تمرير الشعر

ليس هذا التأكيد على الدور األساسي الذي يلعبه الشعر في تحديد عالقة ياسين

بالحقل الفني للقصيدة بالعالم وبنفسه وباإلبداع إال تعبيرا عن قوة العالقة التي تربطه

مما يعني أن اعتبار ياسين لنصوصه , والذي هو حقل فني شعري بالخصوص, العربية

األدبية غير الشعرية بأنها شعرية أيضا أو أنها ذات قاعدة شعرية على األقل هو اعتبار

ومن ثم حجة اشتغاله بالحقل الفني , لنفسه أنه شاعر أكثر منه روائي أو كاتب مسرحي

وإن بعد زمانه عن زمانهم , مثله في ذلك مثل غيره من الشعراء العرب القدماء, م القدي

.وموطنه عن موطنهم

وعندما يصرح ياسين بأن الغاية التي يسعى إليها في أعماله اإلبداعية هي أن

فهو يسعى إلى ذلك )109(,يحقق مزيدا من تمتين العالقة بالماضي والتجذر في األصول

وهذا أمر واضح في , ر التاريخ من شخصيات وأحداث وفضاءاتبتوظيف عناص

ولكنه يسعى إلى ذلك أيضا بتوظيف , حضور جملة هامة من هذه العناصر في أعماله

ألن عناصر هذا الحقل هي التي تمكنه من , عناصر الحقل الفني للقصيدة القديمة

ناصر الحقل الفني تبقى ألنه بدون ع, توظيف تلك العناصر التاريخية توظيفا فنيا متميزا

. عناصر ثابتة في حدود المجال التاريخي الذي تنتمي إليه, عناصر التاريخ تلك

فالتمسك بالهوية عند ياسين قد تحقق له لما استطاع أن يخلق أدبا يستمد , هكذا

وليس بالحديث الواعي , جذوره الفنية من الحقل الفني الدائري للقصيدة العربية الجاهلية

حتى وإن , ولم يكن مؤرخا, وبهذا كان ياسين فنانا. القائم على توظيف عناصر التاريخ

ذلك ألن هذا التوظيف للتاريخ يمكن أن يخضع ,كان قد وظف عناصر من التاريخ

أي , بينما اشتغاله بالحقل الفني القديم هو أمر يخضع إلى الوعيه, لوعي الكاتب المباشر

سية التي استقرت في أعماق الذاكرة في مراحل الطفولة إلى الترسبات الفكرية والنف 108 -Voir,La Preface de Kateb Yacine, « Yamina Mechakra, La grotte éclateé »; 2eme éd. Enal, Alger 1986, P.07. 109 - Voir, Jean Déjeux « littérature maghrebine de langue française » ; P.217.

258

وهذا ربما ما يحاول ياسين اإلشارة إليه حينما يرى أن مرحلة الطفولة هي التي , األولى

أردنا أم , إن الرجل طفل: (( تتحكم في طبيعة العملية اإلبداعية وتحدد آفاقها وعوالمها

أعبر باللغة , اللغة العربية الشفويةلقد تحددت نظرتنا إلى األشياء في إطار, أبينا

ولكني أملك جذوري العربية , أكتب باللغة الفرنسية, الفرنسية عن شيء ليس فرنسيا

وليست الجذور العربية واألمازيغية في نظرنا ) 110(.))والتي مازالت حية, واألمازيغية

رنا إليها فيما والعناصر التاريخية التي أش, سوى الحقل الفني للقصيدة العربية من جهة

للتأسيس الفني ألعماله , كما أشرنا, وقد كان لالوعي دور أساسي, سبق من جهة ثانية

وهو ما أشار إليه الكاتب بوضوح كبير , على الحقل الفني الدائري للقصيدة الجاهلية

إنني مسكون بداخلي بنوع من الشياطين يدفعني : (( حين راح يقول في أحد تصريحاته

ولهذا السبب فإن قسما كبيرا من أعمالي اإلبداعية . أقصى أعماق ذاتيإلى البحث في

)111(.))هو ال شعوري

عالقة أعمال كاتب ياسين :نعتقد أننا قد كشفنا من خالل هذه المحطات الثالثة

عن , وتوضيحات المؤلف ,الدراسات النقدية ,بالحقل الفني الدائري للقصيدة الجاهلية

دون أن نرى مبررا , الدائرة في أعمال كاتب ياسين اإلبداعيةالحضور القوي لعنصر

لتجاوز هذه المحطات الثالثة إلى الكشف عن الدائرة في أعماله نفسها مادام ذلك سيأتي

.المقبل" البنية الموضوعاتية"في فصل

إن هذا التأكيد على الدور الكبير الذي تلعبه الدائرة في أعمال كاتب ياسين ال

ي أننا قد كشفنا بعد عن المضوعاتية األساسية التي تشكل النواة التي انبثقت منها تلك يعن

إذ األمر ال يتعدى الكشف عن جذور عنصر واحد من العناصر الرئيسية التي , األعمال

" جريمة الناظور"أما الموضوعاتية في شكلها الكامل فهي , تتكون منها موضوعاتية أدبه

والتي سنقوم فيما تبقى من هذا الفصل بالكشف عن , نجمةالتي وردت في رواية

.عناصرها وتحديدها

110 -Cité par, Jean Déjeux « Littérature maghrebine de langue française » ; P.226. 111 - Cité par, Jean Déjeux, voir, Ibid; P.235.

259

:ب ـ جريمة الناظور

في "مناجاة " لديوانه 1988 ذكر كاتب ياسين في المقدمة التي كتبها في عام

بعد هو لم يكن1946بأن هذا الديوان الذي نشره أول مرة في عام , طبعته الجديدة

)112(.نه كان شهادة ميالدهاولك, "نجمة"

األولى أن نجمة بصفتها عمال : ويمكن أن نعتبر هذا الكالم صحيحا من وجهتين

تحتاج والدتها أن تكون مسبوقة بأعمال فنية أقل تعقيدا ونضجا يكتسب , روائيا رفيعا

وبعمقها وبدرجة " نجمة"الفنان من خاللها تجربة إبداعية تؤهله إلخراج عمل بحجم

شهادة ميالد رواية " مناجاة"من هذا الجانب يمكن فعال اعتبار ديوان . تقانها العاليةإ

وليس تخصيص كاتب ياسين لنجمة في كالمه هذا دون بقية أعماله التي سبقت . نجمة

وإذا لم نكتف .نجمة أو جاءت بعدها إال ألنه يعتبر هذه الرواية قمة أعماله اإلبداعية

ن عالقة أخرى لهذا الديوان برواية نجمة فإننا ال نجد صلة بهذا وحاولنا أن نبحث ع

على عكس وضوح هذه العالقة بين نجمة وأعماله اإلبداعية , قوية وواضحة بينهما

فشخصيات قصائد الديوان ليست .سواء منها الشعرية أم المسرحية أم السردية, األخرى

المكان : اء الفني األخرىواألمر نفسه فيما يتعلق بعناصر البن, "نجمة"هي شخصيات

فاسم نجمة مثال لم يرد في هذا الديوان برغم أن قسما من هذه . واألحداث والمشاهد

واالسم الوحيد الذي عثرنا عليه في . القصائد يغلب على عالمها السردي الطابع الغزلي

أما شخصيات نجمة البارزة . وهو لم يرد في رواية نجمة)113(,"حورية"الديوان هو اسم

وكبلوت؛ فهي لم تذكر , سي مختار, مراد, رشيد, االخضر, األخرى مثل مصطفى

ومن هنا نصل إلى الجانب الثاني لهذه العالقة التي ينبغي البحث عنها في إطار . أيضا

, فنجد أن هذا الديوان يطغى عليه عنصر الموت, عناصر الموضوعاتية األساسية

ران أساسيان من موضوعاتية جريمة وبدرجة أقل عنصر الدم؛ وهما كما سنرى عنص

إذ ورد لفظ الموت أو ما يدل عليه بشكل مباشر وواضح أكثر من سبع , الناظور

وبهذا يكون هذا . وورد لفظ الدم أو ما يدل عليه حوالي ثماني عشرة مرة, وثالثين مرة

112 - Voir, La Preface de Kateb Yacine, « Yamina Mechakra, La grotte éclateé »; P.12. 113 - Voir, Ibid ; P.50.

260

التي ستعرف األعمال التي " جريمة الناظور"الديوان بحق عبارة عن شهادة ميالد

. ت بعد هذا الديوان مولد جملة من عناصرها األخرىجاء

نجمة أو " هي قصيدة , وأول هذه األعمال التي يوجهنا إليها المؤلف نفسه أيضا

إن نجمة كانت : (( قائال ) Nedjma ou le poème ou le couteau" ( السكين القصيدة أو

" ة أو القصيدة أو السكيننجم"ذلك ألن قصيدة , موجودة في المسرح وفي الشعر أيضا

وكنا قد بيننا في الفصل السابق عنصر الدائرة الذي تتضمنه هذه )114(.))نشرت قبلها

أما ما تحمله , القصيدة من خالل إثباتنا لعالقتها بالحقل الفني الدائري للقصيدة الجاهلية

دة من عالقات أخرى بموضوعاتية جريمة الناظور فسنبينه بعد أن نتناول عالقة قصي

ذلك ألن هذه القصيدة نشرت ,بالموضوعاتية ) Loin de Nedjma" ( بعيدا عن نجمة"

بشكل واضح جملة من أهم عناصر " بعيدا عن نجمة"برزت في قصيدة .قبل تلك

باعتبار أن نجمة , الدائرة والموت ونجمة: ونعني بذلك" جريمة الناظور"موضوعاتية

وتشكل أيضا إحدى النتائج األساسية التي , لةتشكل امتدادا أو تعديال للزوجة المقتو

.سنرى فيما سيتبع من البحث ترتبت عن اختطاف الزوجة واغتصابها كما

وما يدعو إلى اعتبار هذه العناصر الموضوعاتية حاضرة بقوة في هذه القصيدة

فقد تكررت الدائرة أو أحد عناصرها أربعا وعشرين . هو تكرارها فيها عدة مرات

. إذا أضفنا إلى ذلك المرة الواحدة التي ذكر فيها لفظ السجن, بل خمسا وعشرين, مرة

, وذكر اسم نجمة سبع عشرة مرة. أما لفظ الموت ومرادفاته فقد ذكر تسع عشرة مرة

جريمة "ويمكن أن نضيف إلى هذه العناصر عنصرا أساسيا آخر ضمن عناصر

ولكن وروده , سوى مرة واحدة فقطبرغم أنه لم يذكر" السكين"وهو عنصر " الناظور

عالقة ا بصيغة الجمع يحمل ما يبرر إلحاقه بهذه العناصر األساسية الثالثة لكونه ذ

)115 (.و بخاصة بعنصر الموت, مباشرة بها

la)"الرحم"التي اعتبرها كاتب ياسين " نجمة أو القصيدة أو السكين"أما قصيدة

matrice)جريمة "فهي تتضمن بدورها جملة من عناصر , )116( الذي خلقت فيه أعماله

الذي تناولناه في الفصل السابق عند الحديث عن عالقة أبرزها عنصر الدائرة, "الناظور

114 - Voir, Hafid Gafaiti « Kateb Yacine » ( Entretien) ; P.22. 115- Voir, Kateb Yacine « Ľoeuvre en fragments », P.53-69. 116 - Voir, ibid ; cité par Jacqueline Arnaud, Note 4, P.434

261

ونضيف إليه هنا ثالثة عناصر , أعمال ياسين الشعرية بالحقل الثقافي للقصيدة الجاهلية

.والمسجد, والموت, نجمة: أخرى هي

تكرر فيها اسم . بما في ذلك العنوان نفسه, اثنين وأربعين بيتا تتكون القصيدة من

" دمي"والفعل " الدم"مع إلحاق لفظ , ولفظ الموت سبع مرات, نجمة تسع عشرة مرة

لمالزمة العنصرين ـ الموت والدم ـ لبعضهما بعضا , المشتق منه بلفظ الموت

, وضوعاتية جريمة الناظورمالزمة دائمة تقريبا في أعمال كاتب ياسين النبثاقهما من م

مع المالحظة أن عنصر المسجد الذي ورد مرة واحدة بصيغة الجمع هو تنوع لعنصر

)117(.الدائرة الذي تم تناوله في الفصل السابق

وهكذا نالحظ أنه إلى حد هذه المرحلة من حياة كاتب ياسين اإلبداعية ال تزال

إذ لم يتجاوز ما تضمنته تلك , ناصرهاالموضوعاتية األساسية لم تكمل بعد جميع ع

وتم توظيفها في هذا العمل أو , األعمال مستوى ظهور بعض عناصر الموضوعاتية

ولم تستطع أن تجتمع إلى بعضها بعضا لتشكل مشهدا واضحا , ذاك بشكل منعزل

فكان البد لتحقيق ذلك من انتظار ظهور رواية نجمة حتى تقترب هذه . ومنسجما

فتكون وحدة موضوعاتية , ضها بعضا وتجتمع إلى جانب عناصر أخرىالعناصر من بع

.هي موضوعاتية جريمة الناظور, منسجمة ومتماسكة

الجثة " وربما يثير هذا االنتقال إلى رواية نجمة دون التوقف عند مسرحية

نجمة أم الجثة : تساؤال حول أي العملين األدبيين أسبق تأليفا من اآلخر" المطوقة

وجب البحث فيها عن , مطوقة؟ ذلك ألنه إذا كانت الجثة المطوقة أسبق تأليفا من نجمةال

اكتمال والدة عناصر الموضوعاتية واجتماعها إلى بعضها بعضا قبل البحث عن ذلك

ولكن , والحقيقة أن الفصل بدقة في هذه المسألة المهمة أمر صعب جدا. في رواية نجمة

وفر للدراسة شروط االطمئنان إلى النتائج التي ستتوصل البد من مواجهته وبحثه حتى ن

. إليها

من المعروف أن تاريخ نشر كاتب ياسين لمسرحية الجثة المطوقة هو شهرا

وفي المجلة , (Esprit) "إسبري" في مجلة 1955 و1954ديسمبر وجانفي من عامي

117 - Voir, Kateb Yacine « Ľoeuvre en fragments », P.70-72.

262

ديجو أن رواية ويذكر جان)118(.نفسها والتاريخ نفسه نشر مقاطع من رواية نجمة

ولما قدمها المؤلف للنشر رفضت بحجة أنها رواية , 1953نجمة تم تأليفها في عام

, مما اضطر الكاتب إلى بذل جهود أخرى كبيرة لمراجعتها, معقدة جدا وغير منسجمة

ويؤكد كاتب ياسين هذه المعلومات في )119(.1956ليتم قبولها بعد ذلك وتنشر في عام

فيقول إنه أنهى كتابة رواية نجمة ومسرحية الجثة , اريخ طبعتهاجانبها المتعلق بت

قد " برتولد بريخت" ويذكر أيضا أن لقاءه بالفنان المسرحي )120(.المطوقة في وقت واحد

وهذا كله يجعلنا )121(.بعد انتهائه من تأليف الجثة المطوقة 1955تم في فرنسا في عام

وأن , أو في وقت متقارب على األقل, احدنرى أن العملين تم تأليفهما فعال في وقت و

المسرحية عرفت طريقها إلى النشر بسهولة مقارنة بالصعوبة الواضحة التي واجهت

.1956نشر نجمة فلم تمكنها من الخروج إلى القراء في طبعتها المعروفة إال في عام

إلى وجوب , ةفيما يتعلق بمسألة تاريخ نشر األعمال األدبي, وينبهنا كاتب ياسين

ذلك ألن تاريخ النشر كثيرا ما ال يعكس تاريخ التأليف؛ , الحذر أثناء التعامل معها

كانت قد , قبل أن تأخذ نجمة شكلها الروائي: (( فيقول متحدثا عن ظروف تأليفه لنجمة

نشرت قبل " نجمة أو القصيدة أو السكين " فقصيدة . وجدت في المسرح وفي الشعر

ألننا ال نستطيع أن نقول لهم كل , أن ال يعرف القراء كل شيءمن الطبيعي . ذلك

وهكذا فهم ال يعرفون دائما إذا كان تاريخ طبع كتاب ما هو نفسه تاريخ تأليفه أو . شيء

)122(.))إذ يمكن أن يكون الكتاب قد تم تأليفه سنوات قبل نشره. كتابته

يكون كاتب ياسين ألف بناء على هذه المعطيات جميعا نجد أنفسنا نرجح أن

ومن هنا فإن الموضوعاتية األساسية , رواية نجمة قبل أن يؤلف مسرحية الجثة المطوقة

.ألعماله قد اكتملت بعناصرها وبوحدتها في هذه الرواية

سبق التطرق في الموضع الذي تناولنا فيه عالقة رواية نجمة بالحقل الفني

إلى رحلة سي مختار مع رشيد على ظهر سفينة مع للقصيدة الجاهلية من هذه الدراسة

118 - Voir, « La préface » d’Edouard Glissant, in, Kateb Yacine « Le cercle des represailles »; P.9. Et, Jean Déjeux « Littérature Maghrebine de langue française », P.214. 119 -Voir, Jean Déjeux « Littérature Maghrebine de langue française », P.214. 120- Voir, Hafid Gafaiti « Kateb Yacine » ( Entretien) ; P.27. 121 - Voir, ibid, P.30. 122- Voir, ibid , P.22.

263

وأن سي مختار انفرد ليال برشيد وهما ببور سعيد فحدثه عن تاريخ , الحجيج إلى مكة

وأن هذه القبيلة تعرضت لبطش المستعمر , وكيف استقرت بالجزائر, قبيلة كبلوت

ه بمسجد الفرنسي الذي نكل بأبنائها وخرب بنيتها االجتماعية مغتنما فرصة عثور

. كبلوت على جثتين لفرنسي وزوجته ممزقتين بالسكين

هذه إذا هي جريمة القتل التي تحولت إلى موضوعاتية أساسية انبثقت منها أعمال

والتي ال يمثل الشكل , من رواية وشعر ومسرح, كاتب ياسين بأجناسها األدبية المتنوعة

مهما وأساسيا من ضمن العناصر الدائري الذي سبق الكشف عنه إال عنصرا واحدا

. المكونة لها

وحتى تظهر لنا عناصر هذه الموضوعاتية األساسية بوضوح ينبغي العودة إلى

حسب , نص رواية نجمة وتتبع تفاصيل وقوع هذه الجريمة والظروف التي أحاطت بها

: ما يبينه النص اآلتي

وقد مزقتهما طعنات عديدة , لوتاكتشاف جثتي رجل وزوجته في مسجد كب ((...

ذهب البعض ... ملفوفين في أسمال, كانت الجثتان منطرحتين وقد كساهما الدم. بسكين

وذهب آخرون إلى أنه لم يكن , إلى أن الرجل كان ضابطا من ضباط الحملة الفرنسية

فخرب ... سوى عامل فرنسي في مصلحة صيانة الطرقات فوجئ في عربة مع رفيقته

جزت رؤوس , وبعد زمن يسير, وعين القضاة العسكريون, ودمر وقتل أهلهالناظور

كان من الممكن أن تكون ... الواحد تلو اآلخر, في نفس اليوم, أعيان القبيلة الستة

ويمكن أن يكون ذلك ضربا من اإلخراج المسرحي قام به , الجثتان نقلتا إلى المسجد

وح في المسجد يبدو في غير حاجة إلى لكن رمز الدم المسف... خصم الرجل القتيل

... قد تكون ضربا من االنقالب في المسرح" جريمة القتل في الكاتدرائية"إن ... دليل

وتتدحرج ستة , بإصدار الحكم في ساحة الثكنة بقالمة) مدة التحقيق الوجيزة ( انتهت

در العفو لقد ص... أما البرقية فإنها وصلت من العاصمة بعد فوات األوان... رؤوس

وكانت العمليات االنتقامية متواصلة بسرية عندما وصلت الرسائل ... عن جثث الثكنة

عين أبناء المحكوم عليهم الستة وهم في المهد ... تحمل األسف لما حدث والتعزية

وانتهى تخريب القبيلة في دفاتر الحالة ... نعم بقي المسجد خربا طلال, قضاة ووالة

لقد أنهت السلطة ... ر األربعة التي أحصي فيها األحياء وسجلواتلك الدفات, المدنية

264

الجديدة عملها على القضاء على القبيلة بأن قسمت أبناء كبلوت إلى فروع

.)123(.))أربعة

وبعد تأمل هذه الفقرات المختارة من النص الطويل الذي يتحدث عن جريمة

لعناصر األساسية التي تكون نستخرج منها ا, الناظور والظروف التي أحاطت بها

مع احتمال تكرار بعض التفاصيل , ونقدمها بدون ترتيب, الموضوعاتية األساسية

وعناصر , عناصر مباشرة صرح بها النص: المتعلقة ببعضها؛ ونقسمها إلى قسمين

:ضمنية لم يصرح بها

: ـ العناصر المباشرة 1

.رجل فرنسي وامرأة: ـ زوجان قتيالن

.منطرحتانـ الجثتان

.عامل في مصلحة صيانة الطرقات ـ الرجل ضابط أو

).سالح ( ـ سكين

.أحمر+ سائل ): دم مسفوح ( ـ دماء

).دائري + مقدس + مكان مغلق ( ـ مسجد وساحة الثكنة

.أو خصم الرجل القتيل, .أفراد من قبيلة كبلوت: ـ القاتل

.ـ أسمال

.لمسجدـ احتمال أن تكون الجثتان نقلتا إلى ا

.جريمة القتل في الكاتيدرائية : ـ إخراج مسرحي

.ـ تدمير الناظور وقتل أهله

.ـ قضاة

.ـ المحققون

.ـ إصدار الحكم

.134-132ص, مة نج- 123

265

.ـ قطع رؤوس أعيان القبيلة الستة

.وكذا البرقية, الرسائل التي تحمل األسف والتعزية: ـ البريد

).هد وهم في الم( ـ خلف الضحايا الستة وراءهم أبناء صغارا

.ـ خراب المسجد

.ـ تقسيم أفراد القبيلة إلى أربعة فروع

.ـ االنتقام

: ـ العناصر الضمنية2

.ـ االختطاف

.ـ القيود

. ـ االغتصاب

.يمكن أن يكون للزوجين أبناء كما هو الشأن مع أعيان القبيلة الستة: ـ األبناء

.الجيش ,ـ العسكر

.عموما ورتبة قادة الجيش ,رتبة الضابط الزوج المقتول :ـ النجوم

وكذا العناصر التي " جريمة الناظور" بعد هذا التحديد للعناصر التي تكون مشهد

والتي تشكل في مجموعها الموضوعاتية , رافقت النتائج المترتبة عن هذه الجريمة

من بين هذه " الدائرة"يبقى أن نضيف بعض التوضيحات تتعلق بغياب لفظة , األساسية

وهو الشكل الذي بحثناه فيما تقدم من هذا الفصل وأكدنا على حضوره في , اصرالعن

. أعمال كاتب ياسين

إن توضيح ذلك يكمن في وجوب العودة إلى قانون المشابهة الذي يشتغل الخيال

إلى مفهوم الدائرة بصفتها مفهوما واسعا , فننظر انطالقا من ذلك, األدبي على أساسه

والتي , ل كل األشياء أو المفاهيم التي تتوفر على أهم ميزة في الدائرةيشم, في األدب

وكل المساحات , وهذه تسمح لنا بإدخال ضمن الشكل الدائري كل األحجام هي االنغالق؛

.المغلقة؛ وعموما كل ما يحمل معنى االنغالق

266

ن يشترك وانطالقا من هذا يصبح من الواضح جدا أن المسجد الذي وجد به القتيال

وكذا ساحة الثكنة التي تم فيها إعدام أعيان , مع الدائرة في امتالكه لخاصية االنغالق

. القبيلة الستة تمتلك هي أيضا هذه الخاصية

وهكذا تصبح الموضوعاتية األساسية التي انبثقت منها أعمال كاتب ياسين

تتبع من نصوص الكاتب باإلضافة إلى ما اس ,"جريمة الناظور"اإلبداعية هي مشهد

. ويغيب بعضها اآلخر حسب ما سنرى في الفصلين المقبلين

267

الفصل الرابع

البنية الموضوعاتية في رواية نجمة

268

" جريمة الناظور" بعد أن كشفنا في الفصل السابق عن عناصر موضوعاتية

وبعد أن تعرفنا على مرحلة اكتمال , عنا لها في جملة من أعمال كاتب ياسينبفضل تتب

, "جريمة الناظور"هذه العناصر وتجمعها في مشهد واحد منسجم ومتماسك هو مشهد

نشرع في هذا الفصل وفي الفصل الذي سيتبعه في تتبع هذه الموضوعاتية عبر

. التعديالت التي يدخلها الخلق الفني على عناصرها

وسنتناول هذه األعمال وفق ترتيب تاريخ نشرها وليس بتصنيفها حسب نوع

ذلك ألن اعتمادنا على تاريخ النشر سيمكننا من تجاوز , الجنس األدبي الذي تنتمي إليه

. مثال" األعمال المتفرقة"تنوع األجناس األدبية الذي تنتمي إليه نصوص

لكي , نتوقف عند جنس أدبي ثم ننتقل إلى غيره وإذا كان هذا االختيار سيجعلنا

فهو بالمقابل ال يعرقل الدراسة , نجد أنفسنا أمام الجنس األدبي السابق نفسه مرة أخرى

األمر متعلق كذلك بطبيعة الكتابة هذا ثم إن . ما دمنا قد حددنا الموضوعاتية األساسية

, غيره ليعود إلى السابقإذ كان ينتقل من جنس أدبي إلى, األدبية عند ياسين نفسه

. وهكذا

نشرع , وبعد هذا التوضيح حول الترتيب الذي سنتبعه لدراسة أعمال كاتب ياسين

رواية نجمة بصفتها أول عمل أكملت فيه الموضوعاتية بناء دراسة في هذا الفصل في

: يوه, ثم تليها في الفصل المقبل دراسة األعمال التي نشرت بعدها, جميع عناصرها

. واألعمال المتفرقة, والرجل ذو النعل المطاطي, والمضلع النجمي, دائرة االنتقام

269

أما سبب تخصيصنا هذا الفصل لدراسة رواية نجمة دون غيرها من أعمال

مما , الكاتب فيعود إلى كثرة التعديالت الموضوعاتية التي توصلنا إلى تحديدها فيها

وأما الدراسة ذاتها فستعتمد في هذه الرواية وفي . جعل دراستها تمتد إلى فصل كامل

بقية األعمال على المستويات األربعة لظهور التعديالت الموضوعاتية التي حددها جان

, والدرجة الثانية, والدرجة األولى, الدرجة صفر للموضوعاتية: ونعني بها, بول ويبر

. الالتها المتشعبة والشاملةثم الدرجة الثالثة متى أمكن لنا التوصل إلى اإلمساك بد

:رواية نجمة

, يلعب فعل العنف في رواية نجمة دورا أساسيا في انبثاق أحداثها وعالمها الفني

وقد طغت في الرواية المشاهد . وذلك يعود إلى كون الموضوعاتية األساسية قائمة عليه

أي تلك التعديالت التي تحاول امتالك أكبر , بشكل شامل" جريمة الناظور"التي تعدل

وهي التعديالت التي يطلق عليها ويبر , عدد ممكن من عناصر الموضوعاتية األساسية

وسنشرع في تتبع هذه التعديالت قبل غيرها ألن ذلك ". تعديالت الدرجة الثانية"

ستتخذها عناصر سيساعدنا على القبض على المستويات األخرى للتعديالت التي

.الموضوعاتية في النص

:أ ـ تعديالت الدرجة الثانية

:ـ مقتل ريكار 1

يعدل مقتل زوج سوزي السيد ريكار من طرف مراد في حفل زفافها

وأبرزها القتل؛ برغم , إذ يشتمل على عدة عناصر منها, موضوعاتية جريمة الناظور

تم االحتفال : (( هذا الزواج ال توحي بشيء من ذلكأن الجملة األولى التي تحدثت عن

أقيم االحتفال بالعرس في بيت السيد ريكار )124(.))بزواج السيد ريكار بدون بهرج

.22ص, نجمة- 124

270

ورئيسة هيأة , على رأسهم والدا سوزي, بحضور جمع من المدعوين األوروبيين

ار لم يكن ولكن السيد ريك.وغيرهم, والقابض وزوجته, والعدل المنفذ, الصليب األحمر

سعيدا بهذا الحفل بسبب تعمد بعض المدعوين إفساده عليه إذ راحوا يفتشون خزانة

وزاد على هذا توزع الحاضرين على مذهبين دينيين هما الكاثوليكية . متاعه

مما جعل السيد ريكار يلجأ إلى اإلكثار من شرب الخمر لتجاوز , والبروتستانتية

ولم يستطيع . تضع في رقبتها عقدا به صليبالوضع؛ وكذا فعلت سوزي التي كانت

, السيد ريكار السيطرة على غضبه فقام إلى خادمته يضربها بالسوط ضربا مبرحا

فيدخل مراد فجأة ويهجم على السيد ريكار وينهال عليه بالضرب حتى قتله؛ فيحضر

, بشدةووجد مراد نفسه ـ عندما أفاق ـ موثوقا : (( رجال الدرك ويقتادونه إلى السجن

وقطع ناظر . جعلت الخادمة تئن. قرب الجسدين اللذين يبدوان قد غضبا غضبا أبديا

, كان المدعوون هناك لم يغادروا المكان. الدرك الحبل الذي كان يشد معصمي مراد

أو كما لو كان كل واحد منهم قد , كما لو لم تقع جريمة, وقد تراصوا في حلقة واحدة

. وأن ليلة العرس ستنقلب إلى مأتم, ال بفستانها الجميلتوقع أن سوزي لن تحتفظ طوي

فقد كان نفس الناظر الذي : وكان ناظر الدرك الذي حبس مرادا يحس برغبة في تقبيله

وهو نفس الناظر الذي كان يحب سوزي , دعته سوزي إليقاف الخضر في الحظيرة

على كتفيه لما وهو نفس الناظر الذي حبس مرادا وكان يود أن يحمله , وكانت تحبه

وكان هو نفس الناظر الذي حمل نعش السيد ريكار إذ كان هو أيضا , حققه من نصر

ينبغي أن , وقبل الشروع في توضيح هذا التشابه بين المشهدين)125(.))بروتستانتيا مثله

أو ما أطلق عليه ويبر عناصر , نشير إلى أن هذا المشهد تتخلله عدة مشاهد جزئية

سنعود إليها عند , أي مستوى الصور والنعوت, الموضوعاتيةالدرجة األولى من

. الحديث عن عناصر هذا المستوى

فمراد يقتل , أول عنصر ينبغي الحديث عنه في مشهد مقتل ريكار هو فعل القتل

حسب ما تذكر الرواية , السيد ريكار دون أن يستعين على ذلك بأي سالح غير أطرافه

ال ) سكين مثال ( ولكن غياب السالح , )126())بضربة ركبة فانثنى جسم المقاول ((

. من الرواية25-22وانظر المشهد كامال في الصفحات. 25ص, نجمة- 125 .25ص, نفسه- 126

271

فاحتمال حضور هذين العنصرين هو احتمال , يعني غياب الدم ومن ثم اللون األحمر

ولكن إذا كان هذان . كبير جدا مادامت الضربات قد كانت كثيرة ومتنوعة وشديدة

صريحا لما العنصران حاضرين هنا حضورا ضمنيا فهما قد حضرا قبل اآلن حضورا

ورأى سوزي : (( انهال السيد ريكار نفسه على الخادمة يضربها بالسوط على وجهها

ولكن السيد ريكار تفطن لنية . تقفز بدورها من الفراش لتأخذ السوط المعلق على الجدار

وأصابت ... وانهالت الضربة األولى على الخادمة فأصابت عينيها, العروس فسبقها إليه

ولم يكن ... وكانت الضربات تنهال عليها دونما توقف... عينيها أيضاالضربة الثانية

فالسوط كما نالحظ سالح يعدل )127(.))ليدرك لم كانت الخادمة تتلقى الضربات بوجهها

, في شكله وفي وظيفته بصورة واضحة السكين وآثار الجروح التي يحدثها في الجسم

فقد , "الجثتين المنطرحتين: "وضوعاتيأما العنصر الم. وما يتبع ذلك من تدفق للدماء

قرب ذينك : (( عبرت عنه الرواية بـ, جاء ذكره في هذا المشهد بشكل صريح

باإلضافة إلى أن , ))اللذين يبدوان قد غضبا غضبا أبديا ) ريكار والخادمة(الجسدين

لما تم التطرق إلى شدة السكر الذي كان عليه , هذه الوضعية قد سبق الحديث عنها

حمل السيد ريكار إلى (( :كار وزوجته مما دعا الحضور إلى تمديدهما على السريرري

بينما راحت رئيسة هيأة ... ومدد بعض المدعوين سوزي على فراش الزوجية... فراشه

)128(.))الصليب األحمر تنتقم لنفسها بحراسة الزوجين الممددين أمامها دون حراك

. ين واضحين لمثيلهما في مشهد جريمة الناظورفليس هذا المشهد والذي قبله سوى تعديل

وهذا يجعله يقترب من , وإنما هو مقاول, فهو ليس ضابطا, أما مهنة السيد ريكار

فاقترابه من األول . الضابط ومن العامل الذي يشتغل في مصلحة صيانة الطرقات

وهذا , نقل بالقريةيتحقق يفضل علو مرتبته االجتماعية التي يضمنها له امتالك وسائل ال

, مما يسمح له بحيازة المقعد األمامي فيها, يظهر جليا في قيامه بقيادة حافلته بنفسه

فكان هذا يدخل , فيتحكم بذلك في مصير جميع الركاب الذين كانوا يجمعون على مقته

كان السيد ريكار يجلس أمام مقود : (( حسب ما ورد في الرواية, في نفسه سعادة كبيرة

وقد اتخذ ستون فقيرا معدما , على الساعة السابعة, ه ذات الثالثة والثالثين مقعداحافلت

.24ص, نفسه- 127 .23ص, , نجمة- 128

272

ويتناول ... ولم يكن أحد يتوجه إليه بكلمة... لهم فيها مكانا وسط سحابة من الدخان

ثم يشرع في التدخين مستمتعا به غايته وقد أرهف , ويضحك, السيد ريكار سيجارة

فهذا التفاوت االجتماعي هو صورة تتقارب مع رتبة )129(.))السمع متلذذا سيل الشتائم

. الضابط بالنسبة إلى أغلبية أفراد الجيش الذين ال يملكون هذه الرتبة

ومن األمور التي تتماشى مع هذا الوضع أو هذا التفاوت بين المنزلتين هي أن

سائد أيضا في وهو السلوك ال, الركاب لم يكونوا يتوجهون بالكالم إلى السيد ريكار

ومن األمور التي . العالقات القائمة بين الضابط وجنوده إذ تقوم األوامر مقام الحديث

ثم : (( تقرب السيد ريكار بعالم الجيش هو وضعه قبعة على رأسه كما يفعل الضباط

وهكذا , )130())وهي كافية لتميزه عن بقية المواطنين , يضع قبعته الجلدية على رأسه

وبالتالي فهي تحدد منزلة صاحبها كما , القبعة هي صناعة التمييزيتضح أن وظيفة

كل هذه الدالئل إذن تجعل . تفعل ذلك قبعات ضباط الجيش المتميزة عن قبعات الجنود

أما قرب ريكار من . وتعدله" جريمة الناظور"السيد ريكار شخصية قريبة من ضابط

كه لحافلة نقل المسافرين التي العامل مصلحة صيانة الطرقات فيتضح من خالل امتال

فال يمكن للحافلة أن تؤدي وظيفتها , تبدو عالقتها بالطرقات عالقة مباشرة ومتكاملة

فالطرقات أنشئت من أجل الحافالت , وال قيمة للطرقات بدون حافالت, بدون طرقات

وبهذا نرى إذن أن السيد ريكار يعدل . وما يدخل ضمن مجالها من سيارات وعربات

. شخصية الضابط وشخصية العامل: تين في وقت واحدشخصي

: بعد هذا نصل إلى عنصر القاتل الموضوعاتي الذي تم حصره في طرفين هما

أو هو ببساطة خصم , اتهام قبيلة كبلوت أن تكون مجموعة من أفرادها قامت بالجريمة

فهل قتل مراد السيد ففيما يتعلق بمقتل ريكار فالقاتل معروف وهو مراد؛ . الرجل القتيل

, ريكار ألنه خصمه؟ ال يقدم لنا المشهد أية إشارة ألية عالقة بين مراد والسيد ريكار

مما يجعل دخول مراد إلى مشهد حفل , وال بأي فرد من األفراد المدعوين إلى الحفل

ويطبعه بطابع , وحدث الجريمة حدثا مدهشا وغريبا, الزفاف دخوال مفاجئا للقارئ

؟ إن اإلجابة على "تبرره"فهل األمر في الحقيقة بدون خلفية تفسره و. المعنىالعبث وال

.10-9ص, نفسه- 129 .11ص, نجمة- 130

273

وبالتحديد في المشاهد التي تناولت عالقة , هذا يتطلب البحث عنها خارج هذا المشهد

وقد وردت تلك الفقرات . والتي جاء ذكرها قبل حادث الزفاف والجريمة, مراد بسوزي

, الحديث عن رؤية العمال لسوزي ألول مرةتم في األول: في موضعين من الرواية

فكان لجمالها تأثير عميق في , وكان ذلك لما جاءت إلى الحظيرة تحمل الغداء ألبيها

وقد انتهى المشهد بطلب أب سوزي السيد أرنست من مراد مرافقة ابنته . نفوسهم جميعا

ر بين مراد ثم يأتي بعد هذا لقاء آخ)131(.إلى البيت حيث ينتظره هناك خشب لقطعه

فقد قامت سوزي بجولة في الحقول فجرت بين األعشاب وانطلقت . وسوزي في الحقل

وفي طريق عودتها التقت بمراد فمشت بجانبه محتمية به لما رأت . بين النرجس

ولكنها )132(فظن مراد أنه قد ظفر بها؛, الفالحين يقتربون منها وهم على ظهور بغالهم

ثم انطلقت راجعة إلى )133()).دعني وشأني : (( هي تقولخيبت أمله لما ابتعدت عنه و

ماذا لو : (( "ونار الغضب واالنتقام تمزق فؤاده, البيت تاركة مرادا وراءها وحيدا

وأن يطرحها , ولم يعد يفكر ـ بعد ذلك ـ إال في أن يضربها" اعتصرت نهديها؟

لذان يفسران قتل هذان الحدثان هما ال)134(.)) وربما أنهضها ليضربها ثانية, أرضا

, لقد قتل مراد السيد ريكار ألنه أخذ الفتاة التي كان يريدها. مراد للسيد ريكار ويبررانه

تماما كما حدث مع الضابط المقتول , فكأنه أراد بذلك أن يخطف منه عروسه أو زوجته

ومن . فقد كانت المرأة هي الدافع إلى ارتكاب الجريمة في المشهدين كليهما, مع زوجته

.هنا كان مراد خصما للسيد ريكار فقتله

فشكل المسجد , جاء في الرواية أنه تم العثور على جثتي القتيلين في مسجد كبلوت

ونرى أن المسجد يحمل داللتين . بهذا عنصرا أساسيا من عناصر جريمة الناظور

الشكل أما االنغالق فقد عبرنا عنه فيما سبق ب. االنغالق والمقدس: وهما, هامتين

.9-8ص, نفسه, انظر- 131 .15ص, نجمة, انظر- 132 .16ص, نفسه- 133 .16ص, نفسه - 134

274

مقتل "وقد ورد هذا الشكل بعبارة صريحة مرتين في , الدائري الذي أطلنا فيه الحديث

)135()).تراصوا في حلقة واحدة(( و, ))تحلقوا مزدحمين حوله": (( ريكار

بقيت تحتل المركز : (( كما يمكن أن نضيف إلى هذين التعبيرين الصور اآلتية

ك بالخادمة ـ بقوة ـ ثمانية رجال عدا وكان يمس(( و)136(,))من تلك الفوضى

تبين هذه الفقرات بصورة واضحة )137()).كانت تترنح وسط الغرفة(( و, ))األطفال

أما داللة ". جريمة الناظور"حضور الشكل الدائري في هذا المشد المعدل لموضوعاتية

فمن . وتدل عليها أسماء وفقرات عديدة, فهي حاضرة أيضا في المشهد" المقدس"

: أما الفقرات فنذكر منها.الكاثوليكية, البروتستانتية, القس, الخوري: ألسماء نذكرا

ترتيل نشيد ديني كان بدأه السيد (( , ))فجعلت سوزي تتخبط تحت الصليب المذعور((

)139()).أن تتقيأ على أرضية الغرفة المقدسة((... , ))إنكم لكفرة (( )138(,))أرنست

ومن هنا فالشكل , ة كانت حاضرة بشكل متميز في هذا المشهدهذا يبين أن الداللة الديني

الدائري وما أحاط بجريمة القتل هذه من إحاالت عديدة على موضوع الدين ترتبط كلها

. وتعدله" المسجد"بالعنصر الموضوعاتي

إلى جانب كل العناصر السابقة التي تكشف عالقة المشابهة بين مشهد مقتل

وهو عنصر ضمني وغير , ة الناظور يمكن أن نضيف أيضا عنصر القيدريكار بجريم

ووجد مراد نفسه عندما أفاق : (( فقد جاء في الرواية, مصرح به في الموضوعاتية

والقيد في إحدى دالالته يحيل على الشكل الدائري أيضا بما يحمله من )).موثوقا بشدة

جوء إليه أثناء قتل الزوجين هو أمر لم ولذا فإذا كان الل. معاني االنغالق ونفي للحرية

وإن كان واردا بقوة الرتباط الحادث باالختطاف , يتم التصريح به في النص

فإن إلقاء القبض على أعيان القبيلة وحملهم إلى الثكنة ثم إعدامهم , واالغتصاب ثم القتل

را من المشهد إذن فالبد أن القيود بصفتها عنص. هو أمر ال يتم بغير االستعانة بالقيود

.25ص, نفسه- 135 .23ص, نفسه- 136 .24ص, نفسه- 137 .23ص, نجمة- 138 .24ص, نفسه- 139

275

قتل "وبالمثل فالقيد حاضر هنا في مشهد , العام للجريمة كان حاضر حضورا عينيا

ولكن يبقى جانب من هذا . مما يزيد المشهدين اقترابا من بعضهما بعضا, "ريكار

: ذلك الجانب يمكن التعبير عنه بالسؤال, العنصر يحتاج إلى وقفة أخرى تزيده وضوحا

بقطع الحبل الذي كان يشد معصمي مراد؟ وهو السؤال الذي ستتم ماذا يعني قيام الدرك

. اإلجابة عنه عند القيام بالكشف عن اللغز الذي ينتهي به هذا المشهد

وقبل ذلك نتوقف عند عنصر آخر يعتبر تعديال لعنصر من عناصر

ر وينبغي في البداية من تحديد أكثر لهذا العنص. وهو عنصر الجيش, الموضوعاتية

ذلك هو , حتى ال يلتبس بعنصر آخر يشترك معه في الصفة ويختلف عنه في الوظيفة

فالجيش في الموضوعاتية عنصر . عنصر الضابط المتعلق بتحديد هوية الرجل القتيل

وبشكل عام يدخل تحت هذا العنصر كل . وهو معتد وليس ضحية, فاعل وليس مفعوال

الشرطة؛ فهذه األطراف تمثل الرمز ,الدرك, الجيش: طرف يمثل القوة العمومية

مادام عالم رواية نجمة هو عالم يتصارع فيه , أي لالستعمار, المباشر للقوة العمومية

.أبناء الجزائر مع االستعمار الفرنسي

قام الجيش بعد اكتشاف الجريمة بتدمير الناظور وقتل كثير من أفراد قبيلة كبلوت

فقد اقتضى " مقتل ريكار"أما في . ن أعدموا بساحة الثكنةمن بينهم األعيان الستة الذي

األمر استبدال هذا العنصر بعنصر من جنسه يتناسب مع طبيعة المشهد الفني الذي

وكان ناظر الدرك الذي حبس : (( فكان الدرك معدال للجيش, يدخل في تكوينه

)140(...))مراد

جريمة " بهذا التعديل لموضوعاتية وبعد هذا نحاول فك اللغز الذي ارتبط

واللغز هنا يتمثل . حسب تحديد ويبر, واللغز ينتمي إلى مستوى الدرجة الثالثة, "الناظور

وهي السعادة التي , في السر الذي يقف وراء سعادة ناظر الدرك لقتل مراد للسيد ريكار

ذي حبس مرادا يحس وكان ناظر الدرك ال: (( ألحت عليها الرواية إلحاحا ملفتا لالنتباه

, فقد كان نفس الناظر الذي دعته سوزي إليقاف االخضر في الحظيرة: برغبة في تقبيله

وهو نفسه الذي حبس مرادا وكان , وهو نفس الناظر الذي كان يحب سوزي وهي تحبه

.25ص, نجمة- 140

276

وكان هو نفس الناظر الذي حمل نعش , بوده أن يحمله على كتفيه لما حققه من نصر

)141(.))ان هو أيضا بروتستانتيا مثلهإذ ك, السيد ريكار

: يساعد على الكشف عن هذا اللغز هي تلك الداللة التي تقدمها العبارة وأول ما

وهذا يعني أن حادث مقتل السيد ريكار من طرف , ))كان يحب سوزي وكانت تحبه((

, فالزوج قد مات: مراد قد خلص الناظر من منافسيه على سوزي ليفوز بها لوحده

ولهذا كان الناظر . مراد العاشق والقاتل سيرمى في السجن لمدة طويلة على األقلو

يرى أن مرادا قد قدم له خدمة جليلة يستحق عليها التقبيل والحمل على األكتاف كما

. يحمل األبطال

إذ تبقى جوانب . إن الكشف عن سبب سعادة الناظر ال تقدم الحل الكامل للغز

وإلضاءتها ينبغي أن نالحظ التقارب الموجود بين شخصية الناظر . أخرى منه خفية

" جريمة الناظور"فقد سبق أن بيننا أن السيد ريكار يعدل قتيل . وشخصية السيد ريكار

وقد أدى دخول الناظر إلى هذا . وعامل أيضا, وضابط, ومتزوج, فرنسي: فهو مثله

يتين متشابهتين أو متقاربتين الحدث واشتراكه في توجيه نهايته أن أصبح يتضمن شخص

وهو بذلك , السيد ريكار بصفته ضابطا يعدل ضابط جريمة الناظور: على األقل هما

ثم شخصية ناظر الدرك الذي هو من القوة العمومية , ينتمي إلى أفراد القوة العمومية

ومن ثم فهو يعدل السيد ريكار؛ , ومن ثم فهو يعدل كذلك ضابط جريمة الناظور, أيضا

صورة هو هو لم يدخل إلى الحدث إال بعد أن مات السيد ريكار؛ وهذا يعني أن الناظرف

يدل على ذلك ـ باإلضافة إلى ما سبق ذكره ـ اشتراكهما أيضا , أخرى للسيد ريكار

:في األمور الثالثة اآلتية

وذلك لما حمل الناظر , ـ التحام أحدهما في آخر2. ـ تداولهما على امتالك سوزي1

حسب ما , هو البروتستانتية, ـ انتماؤهما إلى مذهب ديني واحد3. السيد ريكارنعش

.جاء في الرواية

: ـ الخادمة اللطيفة 2

.25ص, نفسه- 141

277

يروي هذا المشهد حادثا كاد أن يقع للسيد ريكار عند خروجه من مدينة عنابة

: وهو يسوق حافلته عائدا إلى القرية

أن يتخذ له مكانا في تلك الحانة : عليه أقطار نفسهوكانت فكرة واحدة تأخذ (( ـ

وكانت تلقي , في الثامنة عشرة, كانت الخادمة لطيفة. الفخمة التي ال يعرف فيها أحدا

» متى نحتفل بزواجك ياسيد ريكار؟«: عليه سؤاال ذا حدين

عتقد أنني غير لعل الخبيثة ت«. وكادت الحافلة تنقلب قبل وصولها المدينة بميلين

)142()).» ...قادر على أن أجد زوجة لي

وهو مشهد يتعلق . مشهد جزئي سيتم تناوله في مستوى الدرجة األولى, هذا إذن

وقد تضمن جملة من عناصر لها ما يماثلها في . بموضوع زواج السيد ريكار

يد ريكار في أبرزها الحافلة التي كادت أن تنقلب بالس". جريمة الناظور"موضوعاتية

أي أن , الوقت الذي كان فيه مأخوذا بموضوع زواجه الذي فاتحته فيه خادمة الحانة

بصفتها موضوعا ملك " زوجته"بل كانت معه , السيد ريكار لم يكن بمفرده في الحافلة

" زوجته"ولذا فلو وقع الحادث لهلك السيد ريكار بصفته ذاتا فعلية وكذا , عليه تفكيره

لعل : (( ذلك ما يبينه قوله, انت تعيش عن طريق تفكيره داخل الحافلةبصفتها فكرة ك

أما الزوجة الحقيقية ذاتها فلم ...)). الخبيثة تعتقد أنني غير قادر على أن أجد زوجة لي

الخادمة : تكن بعيدة عن السيد ريكار فقد كانت أمامه إمكانية االختيار بين فتاتين

كشفت عن اهتمامها به من خالل سؤالها الذكي الذي أما الخادمة فقد . وسوزي, اللطيفة

وتلومه أيضا عن عدم اهتمامه بالزواج وقد . تعرض فيه نفسها عليه كزوجة مناسبة

متى نحتفل بزواجك يا سيد : "وكانت تلقي عليه سؤاال ذا حدين: (( تقدم به العمر

ريكار في الزواج أما رغبة السيد ". متى نحتفل بزواجنا؟: "وكأنها تقول له")) ريكار؟

بل , ولم يكن أبوها السيد أرنست يجهل ذلك, من سوزي فقد بدأ منذ بلوغها سن الزواج

ولكن أليست الخادمة اللطيفة )143(.كان يستعد له وقد وقع تحت تأثير ثروته الضخمة

أي في مثل سن , لقد كانت الخادمة في سن الثامنة عشرة شخصية معدلة لسوزي؟

.10ص, نجمة- 142 .12ص, نجمة, انظر- 143

278

يكار ال يفوت فرصة لزيارتها في الحانة التي تعمل بها وكان السيد ر. سوزي

حتى كان ذلك اليوم الذي فاتحته فيه بموضوع الزواج فاختصرت , لالستمتاع برؤيتها

. ليلقى فيه حتفه, ويقيم حفل العرس, فيخطب سوزي, عليه طريق التردد واالنتظار

فسها التي كادت أن وبهذا كان مصير ارتباطه الفعلي بسوزي ال يختلف عن النتيجة ن

أي وشك : تؤدي به إليها مفاتحة الخادمة له في موضوع الزواج إال اختالفا طفيفا

مما كان سيؤدي إلى هالكه بمعية فكرة الزواج بمثل الكيفية التي , حدوث انقالب الحافلة

إذ هلك بمعية فكرة الزواج؛ أما سوزي فلم يصبها إال ضرر , وقع عليها هالكه الفعلي

ومن هنا نرى أن . بعد أن خال السبيل بينها وبين حبيبها ناظر الدرك, مؤقتطفيف و

وأن الحانة تعدل بيت السيد ريكار الذي أقيم فيه حفل , الخادمة اللطيفة تعدل سوزي

هو تعديل لهالكه الفعلي , وأن الحدث الذي كان سيهلك فيه السيد ريكار لو وقع, العرس

ديل لعربة الزوجين القتيلين في الموضوعاتية األساسية أما الحافلة فهي تع, على يد مراد

".جريمة الناظور"

:ـ عائلة السيد ريكار 3

إذ يعدل , نجد في وسط الحياة العائلية للسيد ريكار أحداثا متشابهة فيما بينها

أول هذه . وهي في األصل تعديالت لعناصر من مشهد الناظور, الواحد منها اآلخر

وكانت أم السيد ريكار قد ماتت وهي : (( الجزئية ما يتعلق بحياة والديهالتعديالت

ولم يلبث الزوج النكد الحظ أن لحق بها وقد أرهقه , أثناء تنقلها بين مستوطنتين, تضعه

فموت الزوجين في فترة متقاربة هو تعديل للزوجين )144(.))وأضناه العملالجهد

ومما يقرب وفاة . جأهما القتلة في عربتهمابعد أن فا" جريمة الناظور"القتيلين في

الوالدين من القتيلين هو أن الفقرة التي تحدثت عن دخولهما إلى عالم الرواية ربطت

كانت أمتعة السيد ريكار وصلت إلى القرية : (( هذا الدخول أيضا بالحديث عن العربة

وكانت أم السيد . ..في عربة رأى فيها أوائل المعمرين السيد ريكار كالباز في القفص

.12ص, نجمة - 144

279

أما موت األم عند الوضع فهو مشهد ال يخلو )145(.))ريكار قد ماتت وهي تضعه

معدال بذلك سكين , صار فيه االبن المولود آلة للقتل, بدوره من آالم وجراح ودماء

وبعد هذا يتم تعديل عنصر الوالدين هذا بموت زوجة . الجريمة في شكله وفي وظيفته

أما المرأة التي : (( ليلحق بها فيما بعد ابنهما الوحيد, أو اختفائهاالسيد ريكار األولى

فإنها تبخرت كحلم من أحالم ... تزوجها في بعض السنين عن طريق وكالة زيجات

بل إن الظن ليذهبن بالناس إلى أن السيد ريكار قد , دون طالق وال جنازة, العظمة

ف غير ذلك االبن الوحيد الذي فقده أوغل في الشعور بأهمية ذاته إلى حد أنه لم يخل

يعدل هذا المشهد مشهد الوالدين في )146(.))ويبدو أنه فقد حتى ذكراه, فيما بين الحربين

وإذا كان سبب انفصال الوالدين هو . واالبن, العالقة الزوجية :منها, بعض جوانبه

تهما فسبب انفصال السيد ريكار عن زوجته هو سوء التفاهم الذي طبع حيا, الموت

حيث تجسد , ولكن الموت مع ذلك قد كان حاضرا في هذه الرابطة الزوجية. الزوجية

.كتعبير عن عدم إثمار العالقة الزوجية التي ربطتهما لبعض السنين, في ابنهما الوحيد

ومن هنا فموت االبن هو موت لتلك العالقة الزوجية التي استحال عليها الصمود

وللوسط المشبوه أو , مع الطبيعة االستعالئية للسيد ريكار من جهةتماشيا , أمام الهزات

أما المرأة التي تزوجها : (( المنحط الذي تنتمي إليه زوجته حسب ما توحي به عبارة

أما طبيعة شخصية السيد ريكار ...)) السنين عن طريق وكالة زيجات في بعض

اع أن يجمع ثروة كبيرة جعلت االستعالئية فهي تلحق بمكانته االجتماعية كمقاول استط

كما أن هذا االستعالء يقربه من رتبة , السيد أرنست يقبل التضحية بابنته من أجلها

.شخصية الضابط الذي يعدله في جريمة الناظور

: ـ نوى التمر4

يجري هذا المشهد الجزئي أيضا في وسط حفلة العرس التي أقامها السيد ريكار

وهو يتعلق بوصف اعتداء وقع على رئيسة . مناسبة زواجه بسوزيفي بيته لمدعويه ب

ولكن رئيسة هيأة الصليب األحمر قد تلقت في صدرها : ((... هيأة الصليب األحمر

.12ص, نفسه- 145 .13ص, نفسه- 146

280

)147(.))فجعل طفلها يعض على البزال وقد أخذه الهلع, عددا كبيرا من نوى التمر

: وهي, األساسيةيتضمن هذا المشهد بعض العناصر التي ترجع إلى الموضوعاتية

, وهي تتلقى ضربات نوى التمر, إذ تعدل الرئيسة. والبزال, الطفل, نوى التمر, الرئيسة

ذلك ألن , زوجة الضابط وهي تتلقى طعنات السكين في أنحاء مختلفة من جسمها

ضربات نوى التمر تعدل بدورها طعنات السكين؛ كما تعدل نوى التمر السكين نفسه

. من ناحية الطول والصالبة على وجه الخصوص, د بين شكليهمابسبب التشابه الموجو

فهو يحمل إشارة إلى مواضع , فكونه يدخل ضمن المناطق الجنسية للمرأة, أما الصدر

فهو , أما الطفل الممسك بالبزال وقد شرع في عضه. االغتصاب الذي وقع على الزوجة

سكاكين من حيث الشكل ومن فالبزال يمكن تصنيفه ضمن أنواع ال. يعدل الزوج القتيل

وليس ذلك الجسم , فوظيفته اختراق جسم معين إلخراج ما بداخله, حيث الوظيفة كذلك

وغيرهما من الحاضرين , هنا سوى زجاجات الخمر التي شربها السيد ريكار وعروسه

فهذا يعني أن البزال مرتبط , في الحفل؛ وإذا كان لون الخمرة قريبا من لون الدم

وبهذا يكون إدخال البزال في الفم هو سلوك يحمل دالالت . وأحمر, سائل:بالعنصرين

مما . اختراق السكين للجسم وتفجر الدماء منه عن طريق الجروح التي يحدثها فيه

هو عنصر ضروري استدعاه , يجعل إمساك الطفل بالبزال وإدخاله في فمه وعضه

".نوى التمر"التعديل الموضوعاتي لتشكيل مشهد

:افق ابنتي يا مرادـ ر 5

هذا مشهد آخر من المشاهد الفنية التي تعدل جريمة الناظور في مستوى الدرجة

وإنما يكتفي بتقديمه كمشروع سيتم , برغم أن السرد ال يتوقف عند تفاصيله, الثانية

: ويمكن تلخيص هذا المشهد والظروف المحيطة به حسب اآلتي. إنجازه في وقت قريب

تأتي سوزي إلى الحظيرة وهي تحمل الغداء ألبيها الذي يراقب سير العمل

فترد عليهم باالبتسامات؛ وهذا وحده , وتشد أنظارهم, بالحظيرة فينبهر العمال بجمالها

لتنذر , إن ابتساماتها وحدها بما فيها من نضارة": (( بالعاصفة"كان كافيا لينذر

.23ص, نجمة- 147

281

والتفت إلى سوزي وهمهم ببعض : (( يعجبه األمر ذلك ألن أباها لم )148(.))بالعاصفة

, تقشعت سحب كانت تحجب السماء, ونظرت إلى قدميها, فجمدت ابتسامتها, الكالم

... وعادت الحياة لألجساد عبر ثغرات السحب تتسلل منها الشمس

!..يا هذا. ـ اسمع

.وترك مراد ذراعي النقالة دون أن يرفع بصره

.فهناك خشب ينبغي أن تقصه, ـ رافق ابنتي إلى البيت

ولم يكن يبدو على سوزي أنها تقبل المشي إلى , وابتعد مراد بخطى سريعة

)149(.))تتئد مشيتها كلما هم بااللتفات إليها, فكانت تتبعه على مسافة كبيرة, جانبه

؛ ولكن "جريمة الناظور"يعدل السيد أرنست وابنته في هذا المشهد الزوجين في

فيجعله هذا قريبا , وإنما هو أب ورئيس فرقة العمال, ت هنا ليس زوجا وال ضابطاأرنس

شبيهة بعلو , علو منزلته مقارنة بمنزلة العمال: األولى: من الزوج القتيل من ناحيتين

فهو : الثانية. وهم كثيرون, منزلة الضابط مقارنة بمن هم أقل منه رتبة في الجيش

وهذا يجعله قريبا من احتمال أن يكون الزوج القتيل , اءإذ يشرف على ورشة للبن, عامل

وبهذا يتضح أنه يعدل إلى درجة كبيرة الزوج , عامال في مصلحة تصليح الطرقات

. القتيل

أما العنصر الثاني في المشهد فهو إعجاب العمال بجمال سوزي وتعلق أنظارهم

احتمال أن يكون القتلة جماعة من األفراد وهذا العنصر يعدل ما ذكرته الرواية من, بها

فالقتلة في هذه الحالة يرتبطون في . ينتمون إلى قبيلة كبلوت أو إلى قبيلة أخرى غيرها

عالقة االرتباط بالورشة : بعالقة واحدة" جريمة الناظور"هذا المشهد أو في مشهد

.واالنتماء إلى القبيلة الواحدة هناك, الواحدة هنا

عنصر اإلعجاب بسوزي هنا فهو يعدل إعجاب القتلة من أفراد القبيلة في أما

ذلك ألن االنجذاب نحو المرأة والرغبة في اغتصابها , بزوجة الضابط" جريمة الناظور"

فإذا لم تقع الجريمة هنا بشكل صريح فإن الرواية أشارت إلى . هو الدافع إلى الجريمة

.8ص, نجمة- 148 . 9ص, فسه ن- 149

282

ثم هذا الحديث , "لتنذر بالعاصفة: "بارةمن ذلك ع, توفر بعض شروطها وعناصرها

ثم الشمس التي تمكنت من اختراقها لتضيء , الذي يصف السحب التي تحجب السماء

بطريقة تذكر بالمشهد المسرحي الذي جاء ضمن الحديث عن جريمة , الحظيرة

جريمة القتل في "إن ... ويمكن أن يكون ذلك ضربا من اإلخراج المسرحي: (( الناظور

ولكن الذي لم يذكر في )150 (.))قد تكون ضربا من االنقالب في المسرح" درائيةالكات

إذ تم الكتفاء بذكر موضوع , الموضوعاتية هو هذه السحب والشمس التي تخترقها

المسرح دون الحديث عن عناصر اإلخراج المسرحي الذي يعتبر عنصر اإلضاءة أحد

وهو مشهد , الت الموضوعاتيةولكننا نجد في تعديل آخر من تعدي. أهم عناصره

تكرارا لعنصري السحب والشمس , والذي سيأتي الحديث عنه, "االخضر في الحظيرة"

وأضاءت الشمس وقتها الحظيرة وقد : (( إذ جاء فيه, مع اعتبار ذلك منظرا مسرحيا

)151(.))غدت كالمنظر المسرحي

للعربة التي كان يقودها فهي ليست سوى تعديال, أما النقالة التي كان يقودها مراد

وما األمر المفاجئ الذي تلقاه مراد لترك النقالة إال تعديال لمفاجأة القاتل , الزوج القتيل

رافق ابنتي : (( ثم يأتي أمر السيد أرنست الحاسم لمراد. أو القتلة للزوجين في العربة

أخرى من فقد حمل هذا األمر مجموعة .)) فهناك خشب ينبغي أن تقصه, إلى البيت

, والبيت. وهما يعدالن الزوجين, مراد وسوزي: وهي, العناصر المعدلة للموضوعاتية

, ))خشب ينبغي أن تقصه: (( وأما عبارة. ويعدل المسجد أو المكان الدائري المغلق

فتعدل سكين , وهي آلة حادة قاطعة, فهي تعدل فعل الجريمة نفسه؛ فالقص يتطلب فأسا

وكما أن . تعديل للقتيلين اللذين قطعتهما طعنات السكينالجريمة؛ أما الخشب فهو

فمن المحتمل جدا أن يتم نقله بعد , في الساحة مثال, الخشب يتم قطعه خارج البيت

قطعه إلى مكان مغلق يحفظ فيه؛ وهذا بدوره فعل يعدل ما تذكره الرواية من احتمال

وهذا يتوافق مع . خارج المسجدبمعنى أن القتل وقع, أن تكون الجثتان نقلتا إلى المسجد

.قص الحطب في الساحة قبل نقله إلى مكان تخزينه

: ـ سوزي في الحقل 6

.133-132ص, نجمة- 150 .50ص, نفسه- 151

283

هذا مشهد آخر ندرسه في مستوى تعديالت الدرجة الثانية بسبب ما يحمله من

ويتلخص هذا المشهد في . عناصر عديدة تعدل نظيراتها في مشهد جريمة الناظور

فجرت بين , للتنزه في الحقول وقد لبست أجمل فساتينهاخروج سوزي بمفردها

ثم ينتابها إحساس غريب بالخوف فتقفل راجعة إلى . واستلقت بين األزهار, األعشاب

وفجأة يبدو لها مراد فتقترب . فتلتقي بالفالحين على ظهور بغالهم فيزداد خوفها. البيت

)152(.طلق مسرعة إلى البيتولما يبتعد الفالحون عنهما تتركه وتن, منه وتحتمي به

: يعدل هذا المشهد بدوره بعض عناصر الموضوعاتية التي يمكن أن نحصرها في اآلتي

يتمثل العنصر األول في سوزي وفي مراد لكونهما امرأة ورجال اجتمع الواحد منهما

واعتقد مراد أن ذلك اللقاء قد منحه فرصة , باآلخر؛ فقد احتمت سوزي به من الفالحين

أما استلقاء سوزي . فشكل هذا العنصر بذلك تعديال لعنصر الزوجين, بسوزيالظفر

بين األعشاب فهو يعدل استلقاء الزوجة المحتمل مع زوجها بعد أن يكونا قد أوقفا

فيكون استلقاء , أو تكون قد أجبرها القتلة على االستلقاء الغتصابها ثم قتلها, عربتهما

ى األقل تعديل لجثة الزوجة المنطرحة في المسجد أو هو عل, سوزي هو تعديل لكل ذلك

تنتصب واقفة : ((... أما سبب خوف سوزي فتقول عنه الرواية. بجانب جثة زوجها

كما لو أن وحشا , ثم ترجع إلى القرية ال تلوي على شيء, وقد سرت بجسمها رعشة

هائال فاجأها فعضها من كعبها دون أن تستطيع الفكاك منه وال اإلحساس

تستطيع منه فما هو هذا الوحش الهائل الذي يفاجئ الفتاة ويعضها وال)153(.))تهبعض

الفكاك وال اإلحساس بعضته؟ إنه بطبيعة الحال القاتل أو القتلة الذين فاجؤوا الزوجين

فلم يعودا بعد ذلك , فمزقوهما بطعنات السكين حتى الموت, فلم يتمكنا الفكاك منهم

, وهكذا يكون الوحش بأنيابه معدال للقاتل بسكينه. ألم آخريحسان بألم الطعنات وال بأي

ومن ثم , وقد تم تجسيد هذا الوحش الهائل, وتعدل سوزي من جهة أخرى الزوجة القتيلة

, في جماعة الفالحين الذين التقت بهم سوزي في الطريق, القاتل أو القتلة الذين يعدلهم

.فخافت منهم فاضطرت إلى االحتماء بمراد

.16-15ص, نجمة, نظرا - 152 .15ص, نجمة- 153

284

, ويبقى في هذا المشهد عنصران آخران لهما ما يناظرهما في جريمة الناظور

. فهي تعديل لعنصر العربة في الموضوعاتية, األول هو البغال التي يركبها الفالحون

أما في جانب الوظيفة التي يؤديانها فهي , فهذان العنصران يختلفان في جانب النوع فقط

ويظهر في قول مراد , ا العنصر الثاني فهو االغتصابأم. وهي تتمثل في النقل, واحدة

... وإنها ستعود إلى الجري... هو ذاك لقد انقضت لحظة اإلعجاب(( ": يخاطب نفسه

دون أن يكون بيننا ... أو كما لو كنت أحملها على أمر تكرهه, كما لو كنت أالحقها

نت أمسكت كما لو ك, تسألني أن أدعها وشأنها... هو ذاك, شجار أو اغتصاب

ولم يعد يفكر ـ بعد " ماذا لو اعتصرت نهديها؟... أو فاجأتها بالقسر والعنف, بخصرها

)154 (.))وربما أنهضها ليضربها ثانية, وأن يطرحها أرضا, ذلك ـ إال في أن يضربها

ليس هذا الحديث في حقيقة األمر إال صورة مفصلة لما قد يكون فعله القاتل أو القتلة

ومن ثم لما سكتت عنه الرواية من أفعال ذلك الوحش الهائل وهو يهجم , للزوجة القتيلة

. فيكون الوحش وسوزي عنصرين معدلين للقتلة وللزوجة على التوالي, على سوزي

والتي تكشف , هذه النوايا الدفينة في أعماق نفسية مراد, وما يعمق هذا التعديل أيضا

ارسة أفعال العنف التي تميز وعن ارتباط هذه النوايا بمم, عن غضبه من جهة

, "حملها على أمر تكرهه: "ونعني بذلك هذه األقوال, الموضوعاتية من جهة ثانية

فهذه الرغبات المحملة بالحاجة ". ضربها وطرحها أرضا", "عصر نهديها", "االغتصاب"

الشديدة إلى ممارسة العنف ليست سوى رغبات تعدل وتكرر مثيالت لها تم السكوت

.موضوعاتية جريمة الناظورعنها في

:ـ رشيد والرتيالء 7

, خالصة هذا الحدث أن رشيدا أدخل السجن بسبب طعنه لسائق سيارة بالسكين

وبعد لحظات من دخوله ". جو الصغير"فيوضع في زنزانة مع سجين آخر يدعى

لى ولكنها تنتقل إ, السجن ترتمي عليه رتيالء ضخمة فيصاب بالهلع ويحاول طردها

ولكنه يفشل في ذلك إذ كانت تتجنب ضرباته في كل مرة؛ , فينزع ثيابه إلبعادها, جسمه

فيطلب رشيد منه تخليصه منها وهو يقف أمامه عاريا , فيدخل عليه ضابط الشرطة

.16ص, نفسه- 154

285

فيضربها الضابط بسوطه عدة مرات ولكنه لم يكن يصيب خالل ذلك سوى , وخائفا

ضربات السوط وتنتقل من مكان إلى آخر على أما الرتيالء فكانت تتجنب . جسم رشيد

وخوف , ودهشته من ضعف الضابط وتعبه" جو"يقع كل ذلك أمام نظر . جسم رشيد

وفي النهاية تقرر الرتيالء العودة إلى جحرها . وخفة الرتيالء وتحديها, رشيد وصراخه

)155(.من الثقب الذي خرجت منه

مع , بعد تعديلها" جريمة الناظور " يجمع هذا الحدث عدة عناصر من موضوعاتية

وأول . حسب ما سنرى, من ذلك المغازلة الجنسية, التركيز على بعضها والتوسع فيها

, وهو عنصر قوي في الموضوعاتية, ما نالحظ في هذا الحدث غياب عنصر الجريمة

وكان الطرف المعني . ولكن غياب هذا العنصر ال يعني غياب المسعى إلى إحداثه

, وحل رشيد منطقته: (( فقد حاول رشيد قتلها ففشل, ة هذه المرة هو الرتيالءبالجريم

وأهوى على الرتيالء بضربة , "جو الصغير"وأمسك بقفلها المعدني حتى ال يوقظ

: وحاول ضابط الشرطة ذلك أيضا ففشل مثله)156(.))قوية

:ودخل مأمور الشرطة((

!إلى المكتب, أمامي, ـ هيا

:قائالفجعل رشيد ينتحب

...اعطني سوطك أو أقتلها بنفسك, سيدي المأمور, ـ ال أستطيع ذلك

:فقال المأمور

ال تلمني إن أصبت . ولكني قد نسيت نظارتي, وسأحاول ذلك! أيها القواد, ـ ال تتحرك

.وجهك

:فصاح رشيد, وسدد ضربة

...لقد أخطأتها! ـ يا للمصيبة

.وضرب ضربتين أخريين

.38-35ص, نجمة,انظر - 155 .36ص, نفسه- 156

286

)157(!))ـ أخطأتها ثانية

, كانت إذن نية ارتكاب الجريمة قائمة عند رشيد وعند ضابط الشرطة أيضا

. والسوط عند الشرطي, أما أداة الجريمة فهي المنطقة عند رشيد .حسب ما يبين النص

أما المنطقة فشبهها , أن السوط هو تعديل للسكين" مقتل ريكار"وقد بينا في مشهد

فمن الواضح أن الزوج يعدله رشيد الذي تعرض , نأما القتيال. بالسوط هو شبه واضح

كما ينبغي أن نشير أيضا إلى . الذي يعدل السكين كما رأينا, للضرب بسوط الشرطي

وتلك الضربات التي تلقتها الخادمة على , التشابه بين ضربات السوط في هذا المشهد

: ضرا هنا أيضاكان حا" فالوجه", "مقتل ريكار"وجهها على يد السيد ريكار في مشهد

ريكار يضرب : هكذا يبدو لنا التقابل بين المشهدين.)) ال تلمني إن أنا أصبت وجهك((

.وضابط الشرطة يفعل الشيء نفسه مع رشيد, الخادمة بالسوط على وجهها

التي تعدل في هذا المشهد الزوجة " المرأة"فأين , إذا كان رشيد يعدل الزوج القتيل

إذ بعدما , ؟ نعتقد أنه لم يعد صعبا اآلن االهتداء إلى ذلك"ة الناظورجريم"القتيلة في

تبين أن رشيدا يعدل الزوج لم يبق عنصر أنسب لتعديل الزوجة من الرتيالء؛ وقد

رتيالء حتى ) رشيد(ودبت نحوه : (( قدمت الرواية عدة إشارات دالة على هذا بوضوح

أو كأنما , لكأنما هي تحس بالوحدة(( و)158(".))تتودد إلي وتغازلني... لكأنها: "أدركته

أخذ رشيد ينزع ثيابه (( و) 159(.))هي تبحث عن الرفقة ولعلها ترغب في المداعبة

ولكن الرتيالء كانت تسبقه إلى ثيابه التي مازالت على جسمه بضرب من اللذة ,بسرعة

لو كما, وتتضاءل على الصدر السابح في سيول من العرق, كانت ترقص, المجنونة

بما , أو كما لو أنها ساعدت رشيدا على خلع ثيابه, كانت تنتظر المداعبة بشوق كبير

إن الرتيالء : الصغير" جو"فقال (( و)160(.))يمأل امرأة شبقة من حزم ممزوج بالحياء

.38-37ص, نجمة- 157 .35ص, نجمة- 158 .36ص, نفسه- 159 .37ص, نفسه- 160

287

فالنساء ال يحببن األخرق . خاصة إن كانت أنثي, ستغضب اآلن دونما شك

)161(.))األرعن

بما تحمله من ألفاظ تحيل بوضوح على معاني الجنس , ات جميع هذه الفقر

, اللذة المجنونة, لعلها ترغب في المداعبة, تتودد إلي وتغازلني: وممهداته ـ مثل

ساعدت رشيدا على , تنتظر المداعبة بشوق كبير, الصدر السابح في سيول من العرق

تجعل الرتيالء معادلة والنساء ال يحببن األخرق األرعن ـ , امرأة شبقة, خلع ثيابه

ذلك ألن هذا الكالم هو كالم خاص بعالم المرأة والرجل في ظروف )162(.للمرأة

وبهذا إذن تكون ضربات السوط هي ضربات . هي ظروف الممارسة الجنسية, محددة

. كما وجه القتلة أو القاتل طعنات سكينه إلى الزوجين. موجهة لرشيد وللرتيالء أيضا

في " نوى التمر"حظ في هذا المجال التقاء هذا المشهد بمشهد ويبقى أن نال

)163(.))تلقت في صدرها عددا كبيرا من النوى التمر: ((... تضمنهما لعنصر الصدر

وتعدل قطرات , فالصدر يعدل الصدر أيضا.)) الصدر السابح في سيول من العرق((و

ين يرتبطان ببعضهما وهذا يجعل المشهد. سيول العرق العدد الكبير من نوى التمر

وصدورها من ثم من موضوعاتية , مما يوضح قوة عالقة المشاهد ببعضها, بعضا

.واحدة هي موضوعاتية جريمة الناظور

فقد حضرت في هذا المشهد عناصر أخرى معدلة , إلى جانب هذه العناصر

ابط وكذا ض, ونذكر منها السجن الذي يعدل المسجد, لمثيالتها من الموضوعاتية

الشرطة الذي انتقل من موقع الضحية في الموضوعاتية إلى لعب دور االنتقام لما

وتفسير هذا أن رشيدا هو العنصر المقابل . راحت ضرباته تصيب رشيدا بدل الرتيالء

أما المرأة فلم توجه لها . باإلضافة إلى أنه من أهل البلد المستعمر, للقاتل ألنه ذكر مثله

وبما أن , كة في قتل الزوجين ولذلك حافظت على موقعها كضحيةأية تهمة بالمشار

.38ص, نفسه- 161وقد , ى أم العزتتحدث الرواية عن عالقة أقامها رشيد في وفت سابق مع امرأة شابة تدع 161 في الصفحة - 162

وهذا يؤكد ما قلناه عن عالقة .)) فوقع في شركها" أم العز"اجتذبته عنكبوت شابة تدعى : (( تم وصفها بالعنكبوت

.الرتيالء التي قفزت على رشيد بالمرأة .23ص, نفسه- 163

288

الضربات تصدر عن ضابط الشرطة الذي يمثل السلطة التي تنتمي أو تنتسب إليها

. فال يمكن لهذه السلطة الممثلة في ضابط الشرطة أن تصيبها ضرباتها" المرأة الرتيالء"

.وليس كهذا وضع رشيد

تقي بالزوج القتيل ويختلف عنه في الوقت نفسه هو وما يجعل رشيدا أيضا يل

ومن هنا فهو . إذ كان مطلوبا لاللتحاق بالخدمة العسكرية, عالقته بالمؤسسة العسكرية

وهذا ما جعله , يلتقي بالضابط؛ ولكنه رفض هذا االلتحاق فأصبح هاربا من الجندية

أما عن عالقة . ةيختلف عن الضابط فاستحق العقاب الذي أنزله عليه ضابط الشرط

فهو يبدو أنه يعدل بدوره طفل رئيسة هيأة , أو عن مكانه فيه, بهذا المشهد" جو الصغير"

ثم من تأكيد رشيد على , "جو الصغير"وهذا انطالقا من اسمه أوال , الصليب األحمر

ثم قوله , ثم اهتمام النساء به وتلقيه هدية من إحداهن)164(,))لست بأصغر منك : (( ذلك

ولوال ذاك لما , إذ لم تعلم كل نسائي بما أنا فيه, ال يعد هذا شيئا: (( د موضحالرشي

فسنرى , ولما نتأمل طبيعة هذه الهدية ومكوناتها)165(.))وجدنا مكانا نضع فيه الطعام

.وسجائر, وعنب, أنه حليب

: الولذلك ق, فإذا كان غذاء لجميع األعمار فحاجة األطفال إليه أقوى, أما الحليب

أما قيام السجينين بعد ذلك بامتصاص حبات )166(.))نحتفظ بالحليب لوقت الحاجة((

أي العنب؛ وهذا يوصلنا إلى الوقوف , فهو فعل يرتبط بالخمرة لحضور مادتها, العنب

على العالقة القائمة بين هذه المادة الغذائية والبزال الذي وضعه الطفل في فمه وأخذ

. وارتباط هذين العنصرين ببعضهما الرتباطهما بالخمرة, "مرنوى الت"يعضه في مشهد

ثم , "نوى التمر"ومشهد " رشيد والرتيالء"ومن هنا تبدو لنا العالقة القائمة بين مشهد

. عالقة هذين المشهدين بالموضوعاتية األساسية

:ـ رشيد والسائق 8

ا التأخير بسبب ما تضمنه وقد لجأنا إلى هذ, جاء هذا المشهد قبل المشهد السابق

" نوى التمر"وبمشهد , "مقتل ريكار"من عالقات واضحة بمشهد " رشيد والرتيالء"مشهد

.36ص, نجمة- 164 .36ص, نفسه- 165

.36ص, نفسه- 166

289

أيضا كما أشرنا؛ أما هذا المشهد الذي كان سببا إلدخال رشيد إلى السجن حيث تمت

: فهو يتلخص في األحداث اآلتية, "رشيد والرتيالء"صناعة مشهد

فمرت سيارة مسرعة وكادت أن تدوسه؛ , وسط شارع الهاوية كان رشيد وحيدا

, واقترب من رشيد فلعنه وتهدده بالضرب, فنزل السائق غاضبا, فرفع حجرا ورماها به

وهناك طلب من سيدة . فأخرج رشيد سكينه وطعنه في وجهه وفر إلى ماخور قريب

استجابت لطلبه وهي ال ف, ولما تباطأت في تلبية طلبه صفعها, الماخور إزارا ليتنكر به

لكن بعد لحظات يدخل شرطي , ولف رشيد اإلزار على كامل جسمه. تصدق ما وقع لها

)167(.ويأخذه إلى السجن

يقوم بناء هذا المشهد على جملة من العناصر هي في أصلها تعديالت لعدد من

بالسكين؛ إذ أبرزها قيام رشيد بطعن سائق السيارة , العناصر التي تكون الموضوعاتية

هو حدث يعدل , نرى أن هذا الحدث الذي يكون األساس الذي يقوم عليه المشهد كله

وجعل سائق السيارة يتنشف : (( الزوج القتيل؛ فقد طعن مثله بالسكين وسالت دماؤه

أما سيارته فهي تعدل عربة )168(.))وقد غمر وجهه سيل من الدم, دون أن يفقه شيئا

, طعن, السكين, الذكورة: راهما يشتركان في العناصر اآلتيةوبهذا ن. الزوج القتيل

السيارة؛ وهي عناصر تدل على هذا االشتراك بصراحة تامة إذ جاءت بألفاظها , الدماء

ونظرا الرتباط . فلم نكن في حاجة إلى بذل جهد خاص لتأويلها, وبمعانيها

أن الضحية في هذا ينبغي أن نالحظ , الموضوعاتية بمجال المرأة كطرف أساسي فيها

ثم امرأة الماخور التي صفعها , سيارة الرجل المطعون: المشهد هي ضحية مضاعفة

ثم , فعالقة الرجل بها عالقة واضحة فهي ملكه, "الضحية األولى"أما السيارة . رشيد

مما أغضب , إنها قد تعرضت مثله أيضا العتداء رشيد لما رماها بحجر فأصابها

ولما كانت السيارة .أر لها فعرض نفسه العتداء مباشر بالسكينصاحبها فنزل يريد الث

فهذا يسمح باستحضار فعل االغتصاب الذي تضمنته , هي المستهدفة أوال قبل صاحبها

ذلك ألن الدافع إلى الجريمة هو الفوز بالمرأة؛ وهذا ما حدث أيضا في , الموضوعاتية

.35-33ص, نجمة, انظر - 167 .33ص, نفسه - 168

290

وكان يسير : (( ترض طريق السيارةفرشيد هو المبادر باالعتداء لما اع, هذا المشهد

. وإن بدا أنه ما رمى السيارة وما طعن سائقها إال دفاعا عن نفسه)169(,))وسط الشارع

وقد أدى توظيف عناصر أخرى من الموضوعاتية إلى تمطيط هذا الحدث

إذ يهرب رشيد إلى الماخور ويضرب المرأة ليلتحق , وتوسيعه ليشمل أحداثا أخرى

ونرى في هذه السلسلة من األحداث المتسارعة أن . ي به ويأخذه إلى السجنالشرط

إذ يتم تعديلها إلى امرأة من لحم ودم ليقع عليها , تأخذ وجهها الحقيقي" الضحية"السيارة

:اعتداء رشيد بالصفع كما وقع االعتداء على الزوجة في الموضوعاتية بالطعن

. مالحقفإني هارب , ـ قلت لك أعطني خمارك((

.دعني وشأني... ـ لم أر في حياتي رجال يطلب ذلك من امرأة

!ـ هاك إذن

)170(...))وصفعها

مما جعل المشهد يحتوي أيضا على , أما الضرب نفسه فقد تم في صحن الدار

, ووجد المرأة في صحن الدار(( :الشكل الدائري المغلق كما هو في الموضوعاتية

, أمام كانون من الفخار ,ورجالها عاريتان, لست القرفصاءوقد ج, تحت ضوء القمر

)171(.))وفي يدها منفاخ وهي تعد القهوة

الذي تناولناه في مشهد " اإلخراج المسرحي"بعنصر " ضوء القمر" وتذكر عبارة

وكذا بمشهد , والذي أظهرنا عالقته بالموضوعاتية من جهة, "رافق ابنتي يا رشيد"

الذي سيأتي الحديث عنه من جهة ثانية؛ مما يعني أن عنصر " ظيرةاالخضر في الح"

وعادت الحياة ": (( رافق ابنتي"في مشهد " ظهور الشمس"يعدل عنصر " ضوء القمر"

جلوس المرأة أمام " أما منظر )172(.))لألجساد عبر ثغرات السحب تتسلل منها الشمس

هد طفل رئيسة هيأة الصليب فهو يعدل مش, "كانون وفي يدها منفاخ وهي تعد القهوة

ألنه إذا كانت وظيفة البزال هو إخراج , "نوى التمر"وهو يعض على البزال في مشهد

.33ص, نجمة - 169 .34ص, نفسه- 170 .34ص, نجمة - 171 .9ص, نفسه- 172

291

فهي إخراج ما في , فكذلك وظيفة المنفاخ, من سائل أحمر" المغلقة"ما بداخل الزجاجة

جمر الكانون ذي الشكل الدائري المغلق من احمرار وشدة حرارة؛ أما المادة السائلة

فليست سوى القهوة التي تعدها المرأة وقد وضعتها فوق الكانون المغلق الذي يعدل

ومعنى , يعدل أيضا السكين, ومن هنا فالمنفاخ الذي يعدل البزال. بدوره زجاجة الخمر

هذا أن الكانون بجمره األحمر وبالقهوة الموضوعة فوقه وبالمنفاخ الذي يخرج ما فيه

.معدلة للسكين والضحية والدماء الحمراءمن حرارة واحمرار هو صورة

وربما ازداد هذا التعديل وضوحا لما يأخذ رشيد المنفاخ ويقوم بتعويض المرأة

, وائتزر رشيد بالقماش المتسخ: (( في مهمة إعداد القهوة بعد أن غطى نفسه باإلزار

شيد ينفخ على راح ر... وجلس القرفصاء أمام الكانون, وافتك المنفاخ من يد المرأة

, هكذا يتوسع مشهد الجريمة الحتواء رشيد)173(.))الكانون وقد أخفى رأسه في اإلزار

إذ يجلس قرب الكانون وهو مؤتز بإزار متسخ وقد غطى كامل جسمه بما في ذلك

: (( رأسه كما هو الشأن مع الزوج الضحية الذي مددت جثته بالمسجد قرب جثة زوجته

وما اإلزار )174(.))ملفوفتين في أسمال, وقد كساهما الدمكانت الجثتان منطرحتين

. المتسخ إال تعديل لألسمال الملطخة بدورها بالدم وقد لفت فيها الجثتان المنطرحتان

رشيد "الذي رأيناه في مشهد " األبناء" ويبقى أن نشير أيضا إلى أن عنصر

في نعت المرأة تمثل, يضاهو حاضر هنا أ, "جو الصغير"والذي تجسد في " والرتيالء

وهي )175())مجنونأنت , أنت صبي ال أكثر وال أقل: (( للرشيد بالصبي في قولها

الشتراك الفرد في هذه , "أنت مجنون: "عبارة تحمل تأكيدا لمعنى مرحلة عدم الرشد

أما الشرطي الذي دخل , المرحلة المتقدمة من حياته بالمجنون في رفع المسؤولية عنهما

اخور وقبض على رشيد فهو يعدل الزوج الضابط الذي أصبح في موقع السلطة إلى الم

.اآلخذة بثأر السائق المطعون والمرأة المصفوعة

:ـ مارسيل صاحبة المحل الشهير 9

.35ص, نفسه- 173 .132ص, نجمة- 174 .34ص, نفسه- 175

292

وهو مشهد له عالقة قوية بالمشهد السابق . يتقدم هذا المشهد عن المشهدين السابقين

وإنما يأخذ مكانه فيه من خالل , ي عالم الرواية مباشرةألنه ال يتشكل ف" رشيد والسائق"

حيث " براش ال"ذكريات رشيد الذي يستحضره وهو في طريقه إلى الفندق عبر ساحة

.الذي مر بنا" رشيد والسائق"مما صنع مشهد , مر به السائق سريعا بسيارته

ت وهن يقطعن فيشده منظر النساء الجميال" البراش" يقترب رشيد إذن من ساحة

فنعرف من خالل ."مارسيل صاحبة المحل الشهير"فتنبعث في مخيلته ذكرى , الساحة

تمأل , وأنها كانت غنية وبدينة, هذه كانت جميلة في شبابها" مارسيل"حواره الداخلي أن

ولكنهم في الوقت نفسه , كان يشتهيها الرجال. يحميها رجل قبيح, األساور ذراعيها

)176(.وطها من أعلى األدراج ليتكسر رأسهاكانوا يتمنون سق

كان من الممكن أن يمر هذا المشهد علينا دون أن ننتبه إلى العالقة التي تربطه

في سقوط مارسيل من " الرجال"بالموضوعاتية لوال ما جاء فيه من حديث عن رغبة

تحديد بمقتل يرتبط بجريمة الناظور وبال" الحادث"فهذا . أعلى األدراج ليتكسر رأسها

وإن كان القتل ال يتم في هذا المشهد في عالم الرواية المباشر وإنما عن طريق , الزوجة

وهي الرغبة التي وجدت طريقها إلى عالم الرواية بفضل , رغبة الرجال في ذلك

فإن هذا , أما عن غياب الطرف الذي يعدل الزوج القتيل في هذا المشهد. ذكريات رشيد

, وبمعنى آخر لم يكن هذا الغياب سوى غياب ظاهري, الحقيقة كلياالغياب لم يكن في

تدل على ذلك بعض الصفات التي ألحقت , إذ كان حاضرا بشكل ضمني في المشهد

ونعني بذلك , والتي هي صفات خاصة بالرجال وليس بالنساء بصورة عامة, بمارسيل

هي ضخمة كالحبلى : (( وعن جسمها المغطى بالشعر, الحديث عن عدم إنجاب مارسيل

غارقة في السمنة حتى أذنيها؛ يغطي جسمها , ولكنها لم تستطع أبدا أن تلد

وبدا كالحبلى فإنه ال يلد؛ وأن المرأة التي , فالرجل مهما بلغت بدانته)177(.))الشعر

يكون جسمها مغطى بالشعر تكون دائما غير صالحة ألن تقارن بها النساء الجميالت

؛ ومن هنا فالحديث عن الحبلى والجسم المغطى "البراش"ساحة المارات أمام رشيد ب

ومن هنا نرى أن . بالشعر هو حديث أقرب إلى عالم الرجال منه إلى عالم النساء

.33-32ص, نفسه, انظر- 176 .32ص, نجمة- 177

293

وليس تركيز الرواية على بدانتها . مارسيل تجمع بين صفات المرأة وصفات الرجل

. الرجل في جسم واحدالغريبة سوى إشارة إلى هذا الجمع الفني بين جسم المرأة وجسم

: ومن هنا فإن سقوط مارسيل المرغوب من الرجال هو قتل المرأة يجتمع فيها جسمان

. أي أن ذلك لو وقع فسيكون قتال المرأة ورجل يعدالن الزوجين القتيلين, امرأة ورجل

: أما العناصر المتبقية من المشهد فهي تعدل مثيالتها في الموضوعاتية حسب اآلتي

اش تعدل ساحة الثكنة الدائرية؛ األدراج تعدل السكين بعموديتها وبارتفاعها؛ ساحة البر

ويعدل الرجال القاتل أو القتلة في جريمة الناظور؛ أما عنصر األبناء فتعدله اإلشارة

.إلى عدم اإلنجاب

: ـ االخضر في الحظيرة10

التي أولتها يعتبر عراك االخضر مع السيد أرنست في الحظيرة من األحداث

باإلضافة إلى , الرواية أهمية خاصة إذ تطرقت إليها في بدايتها وفي نهايتها أيضا

. تناولها للحدث نفسه في موضعه بكثير من العناية والدقة

يتلخص هذا الحدث في تلقي االخضر ضربة على رأسه من السيد أرنست أسالت

أنظار العمال الذين باغتهم الحدث فتوقفوا دمه بينما كان منهمكا في عمله بالحظيرة أمام

عن أعمالهم مدة وراحوا يتابعون تطوراته دون أن يعرفوا ماذا ينبغي عليهم فعله

فتقف أمام , وبعد لحظات تصل سوزي إلى الحظيرة حاملة طعام الغداء ألبيها. بالضبط

ل السيد وبعد أن يكم. المشهد حائرة قلقة تبحث عن جواب يخرجها من صدمة ما ترى

فيرمي المتر من يده , أرنست غداءه يقترب من االخضر وقد ازداد هياجه وحنقه عليه

, ولكن االخضر فاجأه بضربة من رأسه فتحت قوس حاجبه, استعدادا لالشتباك معه

فجرت ابنته وأحضرت رجال الدرك فاقتادوا , فسقط أرضا وسال دمه على وجهه وثيابه

) 178(.االخضر إلى السجن

يستمد هذا الحدث عناصره من التعديالت التي أدخلت على مجموعة هامة من

ثم , أبرزها الجرح الذي أحدثه أرنست بالمتر في رأس االخضر, عناصر الموضوعاتية

فهذان الجرحان يعدالن , الجرح الذي أحدثه االخضر بدوره في حاجب السيد أرنست

.51-48ص, نجمة- 178

294

وكان السيد أرنست قد استعمل , السكينالجروح التي أحدثها القاتل في جسمي الزوجين ب

فكان المتر تعديال لسكين , المتر كسالح إلحداث الجرح في رأس االخضر

. الموضوعاتية

: وقد توقفت الرواية عند الدم المتدفق من رأس االخضر في أكثر من موضع

ترك (( و)179(.))عاد االخضر إلى تأمل قطعة الحجر وهي تحمر قطرة بعد قطرة((

راح االخضر يبذل جهدا كبيرا (( و)180(.))الخضر الدم يقطر على قطعة الحجرا

وكذلك لم تهمل الرواية الحديث عن الدم السائل من )181(.))إلزالة آثار الدم وإيقافه

ولكنها ركزت في )182(.))وسال الدم على رباط العنق األصفر: (( رأس السيد أرنست

به جرحه أو وجهه حسب ماجاء في حالة السيد أرنست على المنديل الذي غطى

)183(.))وضع السيد أرنست منديال على وجهه وأمسك برأسه بين ركبتيه: ((العبارتين

فالحديث عن الدم والمنديل هو تعديل )184(.))ربط المنديل بسرعة على جبينه(( و

.لألسمال الملطخة بدم الجثتين في الموضوعاتية

وهو أن , لمشهد ال ينسجم كثيرا مع الموضوعاتية ولكننا نرى أن عنصرا في هذا ا

ويبدو هذا , الجرحين ألحقا برجلين وليس برجل وامرأة كما هو الحال في الموضوعاتية

, بل هي حاضرة, األمر صحيحا لوال أننا نالحظ أن المرأة ليست غائبة في هذا المشهد

, أبيها وعلى االخضرإنها سوزي نفسها؛ أما كون الجرح لم يقع عليها وإنما وقع على

إنه ليبدو غير : وصاحت فجأة: (( كذلك" بطلبها"فينبغي أن نالحظ أنه وقع بحضورها و

وهذا التدخل المتهور في القضية هو الذي جعل أباها )185(.))لم يكفه ما ناله!... راض

)186(.))فلقد رفعه نداء ابنته هذه المرة إلى قمة البطولة: (( يحس بقوة زائدة عن اللزوم

.48ص, نفسه- 179 .48ص, نفسه- 180 .49ص, نفسه- 181 .50ص, نفسه- 182 .50ص, نجمة- 183 .51ص, نفسه- 184 .49ص, نفسه- 185

.50ص, نفسه- 186

295

وهذا جعل االخضر يهدف من رد فعله القوي إلى عقوبة سوزي على احتقارها له

وهكذا تجسد الجرح في . وعقوبة أبيها أيضا انتقاما لكرامته, واستصغارها من شأنه

. ألن المقام ال يسمح بغير ذلك, السيد أرنست أبو الفتاة سوزي بدال من تجسده فيها

أي , هذا المشهد فيتمثل في مكان الحادث نفسه أما الشكل الدائري المغلق في

وفي هذه الصورة التي نرى فيها العمال محيطين بالسيد أرنست وقد أمسك , الحظيرة

وقد تضمن هذا )187(.))أحاط به أعضاء الفرقة بال حول وال طول: (( رأسه بين ركبتيه

ى في الموضوعاتي حسب ما نر" اإلخراج المسرحي"المشهد تعديال واضحا لعنصر

وأضاءت الشمس وقتها الحظيرة وقد غدت كالمنظر المسرحي النابع : (( هذه العبارة

كما لم يغب من المشهد عنصر الطفل )188(.))من صميم مجريات الحياة اليومية المؤلمة

وهي , وقد ألحق هذا العنصر هنا بسوزي. الذي تضمنته أيضا بعض المشاهد السابقة

قالت ذلك وقد ! إنه يبدو غير راض: وصاحت فجأة: (( تشعر بالقلق وثقل الموقف

أو كما لو , كما لو أنها أرادت أن تتأكد من قوة صوتها, وانتصبت قامتها, احمر وجهها

كالطفل المموه مترددا بين أن يجهش أو أن ينطلق , كانت ستلين بعد أن صرخت

إلى وقد يعود سبب إلحاق هذا العنصر بسوزي إلى حضورها )189(.))ضاحكا بجنون

وربما أيضا يكون هذا العنصر من بين األسباب التي حولت الجرح إلى , جانب أبيها

وباإلضافة إلى هذا فالرواية تشبهها . أبيها برغم استحقاقها له بسبب موقفها من االخضر

وتابعت األبصار جري (( : أيضا بمظلة الطيار وهي تنطلق إلحضار رجال الدرك

ذلك ألن مهنة ) 190(.)) الطيار يحملها الريح على الطريقوقد بدت كمظلة ,الفتاة الغريب

وتشبيه سوزي بمظلته يجعلها وإياه ,الطيار هي مهنة يقوم بها في العادة ضابط عسكري

إذ , بالرغم أن الرواية ال تحمل أية إشارة صريحة إلى ذلك, يعدالن الزوجين المقتولين

. عديل سوزي للزوجة القتيلة على األقلتكتفي بهذا التشبيه؛ ولكنه تشبيه مهم ألنه يؤكد ت

.50ص, نفسه- 187 .50ص, نفسه- 188 .49ص, نجمة- 189 .50ص, نفسه- 190

296

ويبقى في هذا المشهد عنصران أو ثالثة عناصر تعدل نظيراتها في

, األول منها هو رجال الدرك الذين حضروا إليقاف االخضر وسجنه, الموضوعاتية

وهم يعدلون العسكر أو رجال الدرك أيضا الذين أوقفوا أعيان القبيلة بعد اكتشاف

والعنصر الثاني هو الدركي الذي قيد االخضر ثم تركه وعاد إلى العمال .الجثتين

فهذا الفعل يعدل أفراد الجيش الذين ارتكبوا عدة جرائم في القبيلة . يطردهم بسوطه

والعنصر الثالث هو هذا القيد الذي وضع في يد االخضر وما . انتقاما لمقتل الزوجين

: هو عنصر تم ذكره بلفظه في هذا المشهدو, يحمله من مفهوم االنغالق والدائرية

بينما كان حضوره في الموضوعاتية حضورا )191(.))وتركهم يضعون القيد في يده((

ضمنيا يتم استنتاجه من خالل لجوء السلطة االستعمارية إلى تقييد األعيان الستة الذين

تقييد الزوجين وليس مستبعدا أيضا أن يكون القتلة قاموا ب, في ساحة الثكنةتم إعدامهم

. ـ وبالخصوص الزوجة بغرض اغتصابها ـ قبل أن يقتلوهما

وفي األخير ينبغي أن نالحظ العالقة القائمة بين ناظر الدرك والفتاة سوزي التي

حيث " مقتل السيد ريكار"كانت تمثل بؤرة اللغز الذي قمنا بحله عند الحديث عن مشهد

, ر نفس الذي دعته سوزي إليقاف االخضر في الحظيرةفقد كان الناظ: (( جاء هناك

وهو نفس الناظر الذي حبس , وهو الناظر نفس الذي كان يحب سوزي وكانت تحبه

وهو األمر الذي يتأكد هنا إذ يقوم ناظر الدرك وسوزي بإسناد السيد )192(.))مرادا

قترب من أبيها وا: (( أرنست على ذراعيهما المتشابكين ليساعداه على السير تجاه داره

وصارا يسندان السيد أرنست معا , فاشتبكت ذراع الفتاة بذراع ناظر الدرك, حتى جانبه

)193(.))بذراعيهما المنعقدين ويشجعانه

:ـ قتيل المغارة 11

هذا حدث آخر من األحداث البارزة والغامضة التي تم تعديلها بشكل واضح من

صره هو اختطاف متكرر المرأة فرنسية من أبرز عنا موضوعاتية جريمة الناظور؛

,طرف أربعة عشاق ترتبت عنه نتائج خطيرة لعبت دورا أساسيا في بناء عالم الرواية

.51ص, نفسه- 191 .25ص, نجمة- 192 .51ص, نفسه- 193

297

لم تكن قادرة , لعلها اآلن قد ماتت, أصل القضية ال مباالة امرأة فرنسية(( :يقول رشيد

تي كان أبو ويمكن تلخيص هذه القضية ال )194(.))على اختيار واحد من بين عشاقها

: رشيد ضحيتها المباشرة حسب اآلتي

,فعشقها سيدي أحمد , كانت امرأة فرنسية تعيش بمارسيليا مع زوجها كاتب العدل

ولكنها تخلت عنه ,"مدينة المياه المعدنية"فخطفها وأتى بها إلى ,أبو مراد واالخضر

ونظرا لعالقة القرابة , مرفيعلم سي مختار باأل. هناك وتبعت مختطفها الجديد أبا كمال

والصداقة التي تربطه بسيدي أحمد يقرر ـ بمساعدة أبي رشيد ـ اختطاف الفرنسية

وهكذا يقوم الرجالن باختطاف . من أبي كمال ليثأر في الظاهر لسيدي أحمد المهان

ويتجها بها إلى إحدى , الفرنسية من عشيقها الذي أنزلها في أفخم نزل بقسنطينة

هناك يقتل سي مختار أبا رشيد وينفرد بالمرأة التي سيختطفها وينقلها إلى المغارات؛ و

فيسلم البنت إلى عمة , ويبقى معها مدة تنجب له فيها نجمة ثم تختفي, مكان مجهول

)195(.مراد لتقوم بتربيتها

يبدو فعل االختطاف أبرز عنصر في هذا المشهد المعدل عن الموضوعاتية

سيدي أحمد يخطف المرأة الفرنسية من زوجها كاتب : ر أربع مراتفقد تكر, األساسية

ثم يتعاون سي مختار مع أبي رشيد على اختطافها من , ثم يختطفها منه أبو كمال, العدل

وفعل االختطاف هذا ال . وأخيرا يخطفها سي مختار بعد أن قتل أبا رشيد, أبي كمال

ولكن هذا ليس دليال على , شرةنجد ما يقابله من عناصر الموضوعاتية بصورة مبا

غيابه في جريمة الناظور ألننا نفترض أن الدافع الذي يقف وراء الجريمة هو دافع

أي افتكاك المرأة من زوجها الضابط بغرض الممارسة , جنسي بالدرجة األولى

. وهذا أدى في النهاية إلى ارتكاب جريمة قتل, الجنسية

أن االختطاف األول وقع في مرسيليا حيث قام سيدي وإذا تأملنا هذا المشهد نجد

دون أن تبين الرواية الظروف التي , أحمد بافتكاك المرأة من زوجها كاتب العدل

ولكن يبدو أن سيدي أحمد لم يلجأ , إذ تكتفي بذكره فقط, أحاطت بفعل االختطاف هذا

.197ص, نفسه- 194 .109-104ص, انظر نجمة- 195

298

وأهمها , اإلغراءوإنما لجأ إلى أساليب , إلى أي نوع من أنواع العنف ألخذ الزوجة

كما قد يكون السبب عشقا متبادال بينه وبين , لكونه معروفا بمجونه وتبذير ثروته, المال

الزوجة؛ ولكن هذا االحتمال يمكن إبعاده ألن الفرنسية تخلت عنه فيما بعد لتتبع أبا

أما سي مختار فلم يلجأ إلى المال إلغواء الفرنسية . كمال بعد أن أغواها بكثرة ماله

كان أبوك : (( يقول رشيد مخاطبا مرادا. وإنما عرض عليها نزهة في عربة, لكي تتبعه

لقد , نعم: ثم تخلت عنه في مدينة المياه العدنية, هو الذي اختطف زوجة كاتب العدل

مضحيا في سبيل ... ]أبي كمال[هربت الفرنسية من أبيك لتلتحق بذلك المتزمت المنافق

يقسم على ]سي مختار[وكان ... ا في أفخم نزل بقسنطينةفأسكنه... بكل ثروته, ذلك

ولم يكن سي مختار قادرا ... ليثأر لسيدي أحمد, إهانة ذلك المتزمت المنافق مرة أخرى

على أن يعترف ـ ولعله لم يكن يعرف هو نفسه ـ أنه كان يريد أخذ الفرنسية من

وكان , بص هو اآلخركان أبي يتر...وكان سي مختار يتربص به... المتزمت ال غير

لم تكن عالقة قربى بقدر ما , كانت تربطه بسي مختار عالقة قديمة... رابع العشاق

أما ... كانت عالقة صنعتها مغامراتهما المشتركة وميلهما إلى االغتصاب والتحدي

في , اختطفها سي مختار: فإنها لم تمكث في الفندق سوى نهاية األسبوع, الفرنسية

اقتيدت ... عرض عليها نزهة في عربة. تواطأ مع أبي على ذلكوقد, وضح النهار

الفرنسية المختطفة عبر األحراش حتى مغارة يعيش اليوم فيها المنبوذون من أهل

وكانت , قسنطينة؛ وفي تلك المغارة عثر على جثة أبي؛ كان قفاه مخرما بالرصاص

)196(.))دما ولدتوكان التحقيق أخذ مجراه عن. البندقية ـ فارغة ـ عند قدميه

وإنما كان , إن غياب فعل القتل في عمليات االختطاف األولى ال يعني إبعاده تماما

يعني تأجيله حتى يتم استكمال هذا المشهد لقدر معين من العناصر التي تجعله شبيها

اشتمل هذا المشهد إذن على عملية قتل ذهب ضحيتها أبو . وقريبا من الموضوعاتية

وإنما هو , ليس زوجا للمرأة الفرنسية كما هو األمر في الموضوعاتيةوهو, رشيد

حسب التطور الذي سارت فيه أحداث المشهد؛ وكان هو , أي األخير, عاشقها الرابع

يضاف إليهم زوج الفرنسية , الوحيد الذي يحمل بندقية من بين العشاق الثالثة اآلخرين

.106-104ص, نجمة- 196

299

رشيد كان أقرب الرجال األربعة من ضابط إذ كان كاتب عدل؛ وهذا يعني أن أبا , أيضا

وفي كونهما أيضا آخر من يمتلك , الشتراكهما في امتالك السالح" جريمة الناظور"

والمعشوقة بالنسبة ألبي رشيد؛ على , الزوجة بالنسبة للضابط: المرأة الفرنسية قبل قتله

, ألنه عاشقها الرابعأن أبا رشيد كان آخر من امتلك المرأة الفرنسية, كما ذكرنا, اعتبار

أو رجلها الخامس لما نعد زوجها مع عشاقها األربعة؛ ومن هنا كان أنسبهم جميعا

باعتبارها سالحا معدال للسكين شكال , فقتل مثله برصاص بندقيته, لتعديل الزوج القتيل

أما المرأة الفرنسية فلم يتم قتلها إلى جانب أبي رشيد كما حدث مع الزوجين . ووظيفة

وإنما تم تأجيل ذلك إلى حين مولد نجمة لحاجة عالم الرواية إلى هذه الشخصية , قتيلينال

وبعد الوالدة تم التخلص . التي لعبت دورا محوريا في تشكيل هذا العالم الفني المعقد

حسب ما ,منها بطريقة غامضة تذكر بالطريقة التي اختفت بها زوجة السيد ريكار

)197(".ة السيد ريكارعائل"سنرى عند دراسة مشهد

فقد اشتمل هذا المشهد على عدة عناصر لها ما يقابلها في , إلى جانب هذا

لقد كانت أم كمال تعرف : (( منها والدة نجمة التي تعدل عنصر األبناء, الموضوعاتبة

إنها نجمة في الثالثة من : الراحل بأكملها" الال فاطمة"قصة البنية التي تبناها زوج

وكانت " الال فاطمة" وقد تخلت عنها أمها الفرنسية فسلمها سي مختار لزوج عمرها

ولقد ولد )198(.))زوجته عاقرا؛ ولم يذكر سي مختار أنها ابنته عندما أسلمها للزوجين

رشيد ذلك االبن الوحيد الذي جاء : ((رشيد أيضا في هذه الفترة التي ولدت فيها نجمة

كان األب هو ! من أب قتل قبل أن يولد هو, لذلكإلى الحياة في وقت لم يكن مالئما

ووضعت أم رشيد , الذي يحمل بندقية صيد وكانت جثته هي التي عثر عليها في المغارة

رشيد ووالدة نجمة مرتبطتين بالجريمة فكانت والدة)199(.))بعد دفن الجثة بوقت قصير

هذه العناصر عنصر يضاف إلى. كما ارتبط تاريخ قبيلتهما بالمأساة والدمار, والدم

وقد كانت , وهي وسيلة النقل التي كان الزوجان يركبانها قبل أن يفاجئهما القتلة, العربة

عرض عليها نزهة : (( العربة هي الوسيلة التي لجأ إليها سي مختار لإليقاع بالفرنسية

. ستتم دراسة هذا المشهد في مستوى الدرجة األولى- 197 .109ص, نجمة- 198 .185ص, نفسه- 199

300

وكان أبي يتبعه راكبا , في عربة كان الصعلوك الشيخ يمسك بزمام الفرس التي تجرها

ويذكر ركوب أبي رشيد على الحصان وهو يتبع سي )200(.))حصانا وممسكا ببندقيته

بمظهر الفالحين على ظهور بغالهم , مختار والفرنسية جالسة إلى جانبه في العربةه

بالقرب من سوزي التي وقفت إلى جانب مراد تحتمي به وقد تملكها الخوف من

".سوزي في الحقل"وكان ذلك في مشهد , رؤيتهم

حسب ما تبين هاتان , وقد حضر في هذا المشهد عنصرا االغتصاب والتربص

, مكان أبيك, نعم, الذي أخذ مكان سيدي أحمد أبيك ذلك المتزمت المنافق: (( الفقرتان

هذا فيما )201(.))كان أبي ينتظر متربصا هو اآلخر... وكان سي مختار يتربص به

رشيد بأبي كمال حتى يوقعا به فينتزعا منه يتعلق بالتربص الفعلي لسي مختار وأبي

وهو أمر من المحتمل جدا أن يكون وقع أيضا عند تحضير القتلة , المرأة الفرنسية

أما . وإن كانت الرواية ال تشير إلى ذلك, "جريمة الناظور"لهجومهم على الزوجين في

لم تكن , قديمةكانت تربطه بسي مختار عالقة: (( االغتصاب فتعبر عنه الفقرة اآلتية

عالقة قربى بقدر ما كانت عالقة صنعتها مغامراتهما المشتركة وميلهما إلى االغتصاب

)202(.))والتحدي

ال يبدو أن انتقال , "قتيل المغارة" وحسب ما تقدم عند استعراض تفاصيل مشهد

ال يتم وإنما كان هذا االنتق, الفرنسية من عاشق إلى آخر كان يتم قهرا وبغير رغبتها

أما فعل االختطاف فهو صحيح بالنسبة لمن تتخلى عنه لصالح . عن طريق اإلغواء

إال أنه يمكن أن نستثني من هذه الحالة االختطاف الرابع الذي نفذه سي مختار , غيره

فإذا كانت الرواية تشير إلى أن الفرنسية قبلت الركوب في العربة مع سي . وأبو رشيد

ليس هناك ما يدل أنها قبلت أن تقطع مع العاشقين المختطفين ف, مختار من أجل النزهة

ثم تحضر جريمة قتل تجري تفاصيلها , األحراش لتجد نفسها في مغارة تأوي المنبوذين

أمام عينيها مع ما يترتب عن ذلك من مخاطر حقيقية على حياتها نفسها؛ كل هذا على

ق بقسنطينة إلى جانب عاشق قبل حساب سعادتها ورفاهيتها التي تنعم بها في أفخم فند

.106ص, نفسه- 200 .105ص, نفسه- 201 .105ص, نجمة- 202

301

مضحيا في , قبل أن يغويها ذلك المتزمت المنافق: ((... التضحية من أجلها بكل غال

وقد هام ومأل عليه حبها أقطار نفسه فأسكنها في أفخم نزل , بكل ثروته, سبيل ذلك

فبناء على هذه التفاصيل ال يمكن إسقاط فعل االغتصاب من عالقة )203(.))بقسنطينة

. مختار بالمرأة الفرنسيةسي

وبعد هذا ننتقل إلى عنصر آخر من جملة عناصر هذا المشهد المعدلة

فالمغارة هي مكان مغلق يتم , "المسجد"وهو المغارة التي تعدل عنصر , للموضوعاتية

وكانت البندقية فارغة عند : (( العثور فيها على جثة أبي رشيد وبجانبه بندقيته الفارغة

وللوقوف على ذلك . وهذا شبيه بالعثور على جثتي الزوجين في المسجد)204()).قدميه

.))جثة بجانبها بندقية فارغة: (( ينبغي التمعن جيدا في تفاصيل هذا المشهد

حسب ما سبق , إذا كانت جثة أبي رشيد تعدل بوضوح جثة الزوج القتيل

وجة القتيلة؟ أال يعني فراغ البندقية أفال تعدل البندقية الفارغة بدورها جثة الز, توضيحه

موت هذه البندقية نفسها؟ ثم أليس راسخا في الذاكرة الشعبية اعتبار البندقية بمنزلة

ولذا ال يمكن التنازل عنها للغير أو إعارتها له مهما , الزوجة أو المرأة بصورة عامة

وجثة , بي رشيدجثة أ: أمام جثتين, فنحن إذن, كانت الظروف؟ إذا كان األمر كذلك

". البندقية زوجته"

وهو يعدل , ونصل بعد هذا إلى ما يبدو لنا أنه العنصر األخير في هذا المشهد

في جريمة مقتل أبي " التحقيق"ذلك هو عنصر , عنصرا مماثال له في الموضوعاتية

ه والذي قامت به السلطات؛ وهو تحقيق لم يصل إلى أية نتيجة حسب ما كان علي, رشيد

, حيث تم اتهام كل القبيلة وإنزال أشد العقاب عليها, "جريمة الناظور"الحال أيضا في

ولكن لم تلجأ السلطة الحاكمة هنا إلى إجراء . بدل الكشف عن القاتل أو القتلة الحقيقيين

. مادام الضرر ال يمسها وال يمس أي طرف أو فرد ممن تشملهم رعايتها, إنزال العقاب

إلى أن أتيحت للقبيلة فرصة , يتمتع بكامل حريته مدة طويلة" جهوالم"فبقي القاتل

.ففعلت حسب ما سيتضح في المشهد المقبل, لالقتصاص منه

.104ص, نفسه- 203 .106ص, نفسه- 204

302

:ـ الزنجي 12

فيعتبر لذلك أطول مشهد , تمتد أحداث هذا المشهد إلى حوالي سبع عشرة صفحة

جا بين الواقعي كما يعتبر أيضا أكثر مقاطعها مز, يعدل عناصر الموضوعاتية

, أي بين األحداث التي تبدو عالقتها بالواقع عالقة معقولة ومقبولة, واألسطوري

, واألحداث التي ال تبدو أن لها ما يماثلها في الواقع المعيش الخاضع للعقل والحواس

.وإن كان العالم الفني دائما هو عالم خيالي إبداعي

وتستحوذ على فكر القارئ في هذا , لناظور تجري أحداث هذا المشهد في منطقة ا

, المقطع المتميز من الرواية شخصية الزنجي بحضوره في كامل المقطع أوال

وهو إطالق النار على سي مختار وجرحه في رجليه , ولصناعته ألقوى حدث فيه

. جروحا بليغة أدت إلى موته مع نهاية النص

مختار بمساعدة من رشيد باختطاف نجمة في قيام سي " مشهد الزنجي" يتلخص

. من زوجها ومربيتها وأخذها إلى الناظور لتسليمها إلى من بقي من أفراد قبيلة كبلوت

ولما يحل أفراد الجماعة بأراضي . دون أن توضح لنا الرواية سبب هذا القرار الغريب

ضاء ما فينزلون بالمكان وينصبون خيمتهم لق. الناظور تستهويهم مروجه الخضراء

ثم يكتشفون غرفة . طاب لهم من األيام وقد تجهزوا بما يحتاجون إليه من المؤونة

دون أن يعلموا أن زنجيا يحمل بندقية كان , مهجورة فينقلون إليها متاعهم ويبيتون بها

ثم يغتنم هذا الزنجي . يتبعهم ويراقب تحركاتهم منذ أن وطئت أقدامهم أرض الناظور

رة فيطلق النار على سي مختار فيصيبه بجروح بليغة في فرصة هبوب عاصفة ماط

ثم تفر نجمة إلى القبيلة لتحتمي بها وتترك رشيدا , رجليه تكون سببا في موته فيما بعد

)205(.وحيدا فيتعرض إلى طرد القبيلة

وقد تضمن هذا المشهد مجموعة من العناصر التي تشكل المشهد الفني

يجعله تعديال من تعديالتها الواضحة التي تنتمي إلى الدرجة للموضوعاتية األساسية مما

أبرز عنصر يلتقي به مشهد الزنجي بالموضوعاتية هو مقتل سي مختار على يد . الثانية

كان ذلك الزنجي صيادا ماهرا وكان ساحرا وقائد جوقة وطبيبا : (( الزنجي بالبندقية

.156 - 140ص, نجمة, انظر- 205

303

ولكنه لم يلحظ رشيدا , ر مع فتاةورآه يستق... وكان قد شاهد قدوم سي مختار, رعويا

فاستنتج الزنجي أن سي مختار ونجمة يؤلفان , ولم يكن قد سمع عنه من قبل, معهما

ذلك على . فجاءا يدنسان أرض األجداد, طردا من بعض المدن, زوجا ينافي الخلق

واتخذ له مكانا أمام باب الكوخ , األرجح ما جال بذهن الزنجي فانتظر بداية العاصفة

وعندما قصف الرعد والتمع البرق وتساقط البرد . وقد وضع بندقيته أمامه. مفتوحال

من فتحة الباب , أطلق الزنجي النار دون اهتمام بمن قد يصيب, محدثا بعض الضجة

)206 (.))فأصاب الرصاص رجلي الشيخ. التي كان يبدو له فيها شبح الشيخ سي مختار

أدى بالزنجي إلى إطالق النار على سي مختار يكشف هذا النص عن السبب الذي

وهو أنهما في نظره يشكالن زوجا ينافي الخلق جاءا يدنسان أرض ,وعلى نجمة

وقد يكون هذا نفسه السبب غير المباشر الذي دفع القاتل إلى ارتكاب جريمة .األجداد

,الهوىألن الزوجين في نظره جاءا بعربتهما إلى أرض الناظور لممارسة ,الناظور

وقد اعتبرنا هذا السبب غير مباشر ألننا نرجح .ومن ثم إلى تدنيس حرمة قبيلة كبلوت

حسب ما تؤكد على ذلك ,أن يكون الدافع المباشر الرتكاب الجريمة هو دافع جنسي

ثم إن الدافع الجنسي نفسه لم يكن غائبا في هذا .أيضا جل التعديالت التي تمت دراستها

.المشهد كما سنرى

وينبغي أن نالحظ أيضا أن هذا النص الذي يبرر عمل الزنجي ال يتطرق إلى

وقد استطاع النص أن ". الزوجين"فالزنجي إلى هذه اللحظة لم يكتشف سوى ,رشيد

. وليس على سي مختار فقط, يوهم القارئ بأن الزنجي أطلق النار على الزوجين معا

أطلق : (( ت بحياة الزوجين في الموضوعاتيةوهذا يتناسب مع واقع الجريمة التي أود

, مع ضرورة إبعاد رشيد من اهتمام الزنجي.)) الزنجي النار دون اهتمام بمن قد يصيب

أي أن الزنجي كان يريد قتل . ألنه لم يكن يعلم بوجوده, ومن مجال تصويب بندقيته

ولكن . وضوعاتيةالزوجين ال غير؛ وهذا ينسجم تماما كما قلنا مع مقتل الزوجين في الم

أو باألحرى توزيع هذه الرغبة , مع ذلك تبقى رغبة الزنجي في قتل الزوجين معا

هي رغبة افتراضية وتبريرية , عليهما بالتساوي في حالة عدم إمكانية إصابتهما معا

.155-154ص, نفسه- 206

304

ذلك ألن الزنجي كان حريصا في قرارة نفسه أن يصيب سي مختار بالذات وليس , فقط

من فتحة الباب التي كان يبدو له فيها شبح ((... ذه الفقرة حسب ما توضحه ه, نجمة

وتفسير ذلك هو أنه كان يريد .)) فأصاب الرصاص رجلي الشيخ. الشيخ سي مختار

وبهذا تنكشف عند الزنجي نية االغتصاب ودور العامل الجنسي . امتالك نجمة لنفسه

امتالك نجمة بشكل وقد تجلت رغبة الزنجي في ". قتل سي مختار"في ارتكاب جريمة

مثله في ذلك مثل , صريح أثناء المشهد الذي يصور استحمام نجمة عارية في المرجل

فقد بقي مختبئا وراء شجرة التين يتابع تفاصيل جسمها العاري وكله رغبة , رشيد

ولكن : (( مثله في مواجهة الجسم المشع" يحترق"حسب رشيد الذي كان , وتحرق إليها

كنت أعلم أن الزنجي تسري في ... وتبدت في كل روعتها! هانجمة خرجت من حمام

ولكنني كنت أعتقد أن األهم هو أن المرأة لم تالحظ . دمه حرارة لمشاهدة هذا المنظر

فإنه ازداد التصاقا باألرض وهو , أما الزنجي. والحق أن وجهها كان يشع براءة. شيئا

الذي أعرف ) لت أعتقد ذلك وماز( منبطح تحت شجرة التين التي كنت أنا الوحيد

كنت أود أن أتحدث إلى تلك المخلوقة البديعة التي : (( وقوله أيضا)207(.))مخبأه منها

, الزنجي غير المباشر لنجمة" اغتصاب"وهكذا يبدو )208(.))كان الزنجي يلتهمها بعينيه

ن بين وهو اغتصاب له ما يماثله م. في انتظار وقوعها بين يديه واقتيادها إلى القبيلة

. عناصر الموضوعاتية

ويدعونا ذكر وقوع نجمة بين يدي الزنجي إلى تناول عنصر االختطاف في هذا

ويتعلق االختطاف هنا بنجمة التي قام , المشهد كعنصر يعدل مثيله في الموضوعاتية

وعلى عكس ما يسببه االختطاف للضحية . أبوها سي مختار باختطافها بمساعدة رشيد

, دة من خوف ورعب وقلق واستياء تدفعها إلى المقاومة والتفكير في الهرب والنجاةعا

لم يكن يبدو عليها االستياء لما : (( فإن نجمة لم يكن يبدو عليها شيء من ذلك كله

)209(.))رغم أنها اختطفت من أمها التي تبنتها ومن الزوج الذي اختارته لها, أصابها

إلى طبيعة عالقتها , خوف والعداء تجاه مختطفيهاويعود سبب عدم شعور نجمة بال

.145-144ص, نجمة- 207 .146ص, نفسه- 208 .143ص, نفسه- 209

305

إذ سبق لهما وأن التقيا واجتمعا إلى , فاألول أبوها والثاني من معارفها. الخاصة بهما

مما جعل هذا االختطاف , بعضهما تحت رعاية سي مختار نفسه في المصحة بقسنطينة

لم يسمعا الطلق ولكن رشيدا ونجمة : ((... يتحول إلى فرصة جديدة للقاء والحب

وقد (وال الحظا وجود الزنجي المترصد , الناري وال رأيا وميض البارود أثناء العاصفة

وخرجا , فحسبا الشيخ يغط في النوم) تزيده الموسيقى سحرا, كانا غارقين في عالم آخر

كانت تلك هي المرة ... يغتنمان الفرصة, من الحلة عقب سكون العاصفة وتوقف المطر

منذ سنوات , تي وجدا فيها نفسيهما وحيدين منذ لقائهما في تلك المصحةاألولى ال

)210(.))عديدة

فلم يحافظ االختطاف عن داللته , وهكذا كان االختطاف فرصة سعيدة للعاشقين

فحافظ االختطاف بهذا على . كفعل عدائي سوى عند الزوج كمال والمربية لالفاطمة

ل المغارة حيث تعرضت زوجة كاتب العدل صورته التي عرفناها في مشهد قتي

باستثناء التحوالت التي سار فيها , الفرنسية إلى أربع اختطافات تمت جميعها برضاها

وهي المرحلة التي , االختطاف الرابع لما تم اقتيادها وسط األحراش إلى مغارة الجريمة

ونوم رشيد لم تكن غائبة أيضا في هذا المشهد لما اغتنمت نجمة فرصة موت أبيها

ولكنها وقعت في يدي الزنجي الذي اختطفها واقتادها إلى خيمة , للقيام بمحاولة الهرب

وهو اختطاف يعدل التحول الذي , ليضيف بذلك اختطافا آخر جديدا, النساء عند القبيلة

عرفه االختطاف الرابع للمرأة الفرنسية من طرف سي مختار وأبو رشيد واقتاداها إلى

ل أن يسقط أبو رشيد أمامها مقتوال برصاص بندقية على يدي سي مختار قب, المغارة

إذ ينفرد بها سي مختار ويخرجا من المغارة تاركين , إيذانا باالنتقال إلى اختطاف جديد

. وراءهما جثة العاشق الرابع أبي رشيد

اتله هاهو إذن مشهد االختطاف الذي عاشته األم الفرنسية مع أبي رشيد القتيل وق

, سي مختار يتكرر مع ابنتها نجمة فتخرج تاركة وراءها قتيال كان فيما مضى قاتال

.لتقع ضحية الختطاف جديد ينفذه قاتل أبيها ويقتادها إلى مضارب القبيلة

.155ص, نفسه- 210

306

, إذا كان دور أبي رشيد في اختطاف المرأة الفرنسية هو دور مساعد لسي مختار

ا مع ابنه رشيد لسي مختار نفسه الختطاف نجمة فإن هذا الدور المساعد يتكرر أيض

عملية االختطاف التي نفذها سي مختار وساعدته : ((... يقول رشيد, ابنة الفرنسية

وقد وردت في وصف تلك المساعدة التي أداها األب لسي مختار أنه كان )211(.))فيها

وهما يركبان ,يركب حصانه ويمسك ببندقيته وقد تقدمه سي مختار إلى جانب الفرنسية

عرض عليها نزهة في عربة كان الصعلوك الشيخ يمسك : (( عربة يجرها حصان

فنجد )212(.))وكان أبي يتبعه راكبا حصانا وممسكا ببندقيته, بزمام الفرس التي تجرها

إن (( :في مشهد الزنجي أيضا ورودا لعنصر العربة جاء سرده بالكيفية نفسها تقريبا

بينما كنت أنا ,لى هذا المرج أردف نجمة على الفرس وراءهسي مختار حين جاء بنا إ

)213(.))أسير على قدمي أتبعهما

والذي تعبر عنه الفقرة " قتيل المغارة" وقد بيننا عند دراسة عنصر العربة في

الذي تم التعبير عنه " سوزي في الحقل"السابقة أنه يلتقي مع وسيلة الركوب في مشهد

ورأت وهي في طريق العودة الفالحين على ظهور : (( التي نعيدها هنابهذه الفقرة

يصبح واضحا أن ما جاء في هذا المشهد من حديث , وبناء على كل هذا)214(.))بغالهم

عن ركوب نجمة على الفرس وراء سي مختار يتبعهما رشيد ماشيا على قدميه هو

, زيادة كما ذكرنا, اظورعنصر معدل بدوره لعنصر العربة التي جاءت في جريمة الن

". قتيل المغارة"أن هذا العنصر قد تمت صياغته بالصورة التي جاء عليها في مشهد

فاألم الفرنسية إلى جانب سي مختار في المشهد األول تقابلها ابنتها نجمة إلى جانب

. وأبو رشيد الذي يتبعها هناك يقابله االبن رشيد السائر على قدميه هنا, سي مختار هنا

أما التغييرات الطفيفة التي تميز المشهدين من بعضهما فقد تطلبها فن التعديل بين

. المشهدين حتى ينسجم كل مشهد مع سياق العالم الفني الذي يساهم بدوره في بنائه

.141ص, نجمة- 211 .106ص, نفسه- 212 .151ص, سه نف- 213 .15ص, نجمة- 214

307

ويقودنا ذكر رشيد االبن إلى الحديث عن عنصر األبناء أو الطفل أو الصبي؛

فهو حاضر أيضا في هذا , لعنصر في المشاهد السابقةوحسب ما رأينا حضور هذا ا

: فقد ذكر لفظ الطفل في البداية مع نجمة لوصف نعاسها. المشهد بشكل متكرر ومتنوع

فكشف في نعاسها الطفولي رقة رسغها , كان رأسها مدفونا بين ركبتي رفيقي الشيخ((

بجلسة السيد أرنست وهذه الجلسة الطفولية تذكر أيضا ) 215(.))تحت خلخال من الفضة

وأمسك برأسه بين ": ((... االخضر في الحظيرة"بعد أن ضربه االخضر في مشهد

وهي جلسة تذكر بدورها بجلسة رشيد أمام الكانون مؤتزا في مشهد )216(.))ركبتيه

.الذي مر بنا "رشيد والرتيالء"

وهو " الطفلة"لفظ ويستعمل أحد أفراد القبيلة الذين استقبلوا الوافدين الثالثة

ولم يتم تخصيص )217(,))قل لهذه الطفلة أن تبدو سافرة الوجه: (( يتحدث عن نجمة

وتذكرت طفولتي المليئة : (( نجمة وحدها بهذا اللفظ وإنما ارتبط برشيد أيضا

ولما يكشف )218(.))كانت طفولتي طفولة حرذون على ضفاف نهر تبخر... بالمغامرات

أما الذكور فحقهم , ر القبيلة بأنها ال تقبل بينها سوى النساءالرسول للوافدين عن قرا

وبهذا .))نحن أيضا من أبناء كبلوت: (( يرد عليه رشيد ,الطرد لتخليهم عنها أثناء الشدة

. وسي مختار, نجمة, رشيد: تتسع صفة األبناء إلى الوافدين الثالثة

وإنما يجعله يمتد إلى المستقبل ولكن رشيدا ال يتوقف بهذا العنصر عند هذا الحد

ثم لن : ((... لما يجعله مشروعا يسعى إلى تحقيقه مع نجمة إن تحقق له الزواج بها

إن . نخرج من تلك الغرفة إال ومعنا من األطفال ما يضمن لي ـ يقيناـ أن أجدك ثانية

)219())...مجموعة من األطفال األقوياء النشيطين هي وحدها الكفيلة بضمان فضيلة األم

ولعل هذا النص الذي تكرر فيه لفظ الطفل بصيغة الجمع هو أقوى النصوص تعديال

إذ هو يربط هذا العنصر هنا بنجمة الزوجة ,لعنصر الطفل أو األبناء في الموضوعاتية

.140ص, نفسه- 215 .50ص, نفسه- 216 .152ص, نفسه- 217 .145ص, نجمة- 218 .147ص, نفسه- 219

308

وأخيرا بدور هؤالء , المرغوبة من طرف رشيد وباألم مصدر األبناء لتجديد الحياة

ألن األزواج كثيرا ما يفشلون في هذه المهمة كما يبين , ماألبناء لضمان الحماية لأل

جريمة "كما هو الحال في , مشهد الموضوعاتية وتعديالتها سواء بمقتل هؤالء األزواج

أم بتخليهم بكل بساطة عن زوجاتهم كما فعل كاتب " مقتل السيد ريكار"وفي " الناظور

.وج نجمةالعدل زوج المرأة المارسيلية وفعل هنا أيضا كمال ز

ومن العناصر التي حضرت في هذا المشهد بصفتها تعديال لعنصر من عناصر

ويتمثل ذلك في الحكم الذي أصدره الزنجي , الموضوعاتية نذكر أيضا عنصر المحاكمة

, ولم يلبث أن نام: (( بينه وبين نفسه في حق سي مختار بقتله قبل أن ينفذ فيه فعل القتل

ولكنه حاكمه , العيار الذي أطلقه على ذلك الشيخ ال يعرف قصتهدون أن يكترث بذلك

)220(.))فحكم عليه ونفذ فيه الحكم كما لو كان يؤدب طفال أو يقتل سارقا من بنات آوى

فهذا العنصر يعدل عنصر محاكمة أعيان القبيلة الستة محاكمة صورية في

وليس . الذي نفذ في ساحة الثكنةوإصدار الحكم عليهم جميعا باإلعدام , الموضوعاتية

حكم الزنجي على سي مختار هنا بالقتل حكما أقل صورية من الحكم الذي صدر في

أن سي مختار ونجمة (( إذ نرى أن ما كان يعتقده الزنجي من , حق أعيان القبيلة الستة

)221(.))فجاءا يدنسان أرض األجداد, طردا من بعض المدن, يؤلفان زوجا ينافي الخلق

مما جعله . و اعتقاد متسرع وخاطئ تم تنفيذه بسرعة دون أية استشارة لشيوخ القبيلةه

وسأل نجمة عما كان يربطها : (( يندم على فعله لما أخبرته نجمة بأن سي مختار أبوها

وتساءل الزنجي عندئذ إن لم ... ولم يكن ليصدق أنه أبوها, بالشيخ سي مختار من صلة

وكان لذلك أن ... إذ قد يكون والد نجمة, سي مختار ظلمايكن أطلق النار على الشيخ

وما . وأبدى لهم ندمه على إطالقه النار, فحدثهم بأمره, رجع الزنجي إلى شيوخ القبيلة

فلقد كانوا يرفضون كل تصالح مع أقربائهم الذين , كان الشيوخ ليعيروا حديثه أهمية

جسيم أمام شيوخ القبيلة عله يجد هكذا يعترف الزنجي بخطئه ال )222(.))تركوا القبيلة

.155ص, نفسه- 220 .154ص, نجمة- 221 .156-155ص, نفسه- 222

309

فيقابلونه بال مباالة تكاد تعبر , عندهم ترشيدا أو تبريرا لفعله يخفف عنه عذاب الضمير

. عن استحسانهم لما فعل

وليس هذا كله في حقيقة األمر إال تعديال لألحداث التي شكلت رد فعل السلطات

فاإلعدامات . ى جثتيهما بمسجد كبلوتاالستعمارية على مقتل الزوجين بعد العثور عل

, التي نفذوها في األعيان الستة في ساحة الثكنة يعدلها هنا قتل الزنجي لسي مختار

أما , وتسرعهم في إصدار األحكام يقابله تسرع الزنجي أيضا في الحكم على سي مختار

عاصمة تفطنه إلى خطئه وندمه على فعله فيعدل بدوره تلك البرقية التي وصلت من ال

فإنها وصلت , أما البرقية: ((... بعد فوات األوان وفيها الحكم بالعفو على الجثث الست

لقد صدر العفو على , وصلت بعد أوانها ببضعة أيام, من العاصمة بعد فوات األوان

)223(.))جثث الثكنة

إذا كانت إعدامات الناظور تبدو في ظاهرها أنها خاضعة لرغبة قوية لالنتقام

وهي وجوب , للزوجين القتيلين فهي في حقيقتها خاضعة ألسباب سياسية عميقة قديمة

وما حادث الزوجين القتيلين إذن إال غطاء مباشر , إخضاع الناظور للسلطة االستعمارية

يبرر تحقيق ذلك الهدف االستراتيجي الخفي؛ فإنه بالمثل كان تقدير الزنجي أن سي

وذلك حتى يبرر , ي الخلق جاءا لتدنيس أرض األجدادمختار ونجمة يؤلفان زوجا يناف

وهو تقدير يبدو في ظاهره خاضعا لحماية القبيلة من الغرباء . قتله لسي مختار

وهذا يعني , امتالك نجمة: ولكنه في الحقيقة كان خاضعا لعاملين خفيين هما, واألشرار

وقد خضعت له , نوهو العامل الذي بيناه في مكانه قبل اآل, الخضوع لدافع الجنس

. بما في ذلك الموضوعاتية األساسية, أيضا المشاهد السابقة التي قمنا بدراستها

ألنه , ويبقى العامل الثاني الذي سنقوم بدراسته كآخر عنصر في هذا المشهد

وقبل ذلك . ونعني به االنتقام ألبي رشيد, أي األلغاز, ينتمي إلى مستوى الدرجة الثالثة

سة العناصر المتبقية من مشهد الزنجي والتي تعدل عناصر أخرى في نتابع درا

.الموضوعاتية

.133ص, نفسه- 223

310

" الضابط"فقد تضمن المشهد حديثا عن عنصر , وحتى نبقى في سياق دوافع القتل

ولكنه يحمل من اإلشارة ما يكفي للداللة عليه , لم ينسب مباشرة للقتيل سي مختار

تي الذي جاء على لسان أحد رسل القبيلة يتوجه به حسب ما يبينه الحديث اآل, وتعيينه

يقال إن كبلوتيا منكم من فرع القضاة قد أصبح عقيدا في الجيش : (( للوافدين الثالثة

وقد أرسله الفرنسيون إلى , فلقد كان في المدفعية. كان ـ فعال ـ رجال خطرا. الفرنسي

وتزوج فرنسية وربح , من أجل قضيتهم, وقد حارب في صفوفهم, سوريا وإلى المغرب

, بما حصل عليه من جاه ومال, كان هذا قادرا على أن يأتي إلينا خائنا. ماال كثيرا

)224(.))فيشتري أراضينا ويلوث شرف القبيلة

, النص إذن يتحدث عن أحد أبناء قبيلة كبلوت أصبح ضابطا في الجيش الفرنسي

لتليه بعد ذلك التفاصيل , "وضوعاتيالضابط الم"فيجعلنا هذا المدخل نقف أمام عنصر

وبعد هذا يستعرض . األخرى المتعلقة بهذا العنصر وهي كونه متزوجا من فرنسية

, النص إحدى األفكار التي دارت في ذهن الزنجي والتي يبرر بها قتله لسي مختار

وقد جاءا إلى المنطقة ليدنسا , زوجا ينافي الخلق(( وهي اعتقاده أنه يؤلف مع نجمة

وقد زاد .)) يلوث شرف القبيلة: (( وهذا يتقابل مع قول رسول القبيلة.)) أرض األجداد

الرسول عن هذا أنه لم يستبعد الخيانة عن الضابط الذي يمكن في نظره أن يستولي

وهكذا تلتقي نظرة . على أراضي القبيلة باعتماده على ما حصل عليه من جاه ومال

ومن هنا يشتركون في وجوب قتل سي , رة الزنجيشيوخ القبيلة إلى سي مختار بنظ

إذ ليس الضابط الكبلوتي الخائن العامل في الجيش الفرنسي والمتزوج بفرنسية , مختار

سوى صورة مكملة لتلك الصورة التي صنعها الزنجي لسي مختار الذي جاء رفقة

الزوجان فكان البد من قتله كما قتل . ليدنسا أرض األجداد) ابنته نجمة ( زوجته

.وهو ما تم حدوثه بالكيفية التي أوضحناها قبل اآلن. الفرنسيان

وإنما سبب له , لم يؤد إطالق الزنجي النار على سي مختار إلى موته في الحين

وكانت رجال سي مختار خالل . جروحا بليغة في رجليه كانت سببا في موته بعد أيام

وقد جاء الحديث عن الرجلين الملفوفين في . هذه المدة ملفوفتين في ضمائد وتنزفان

.153ص, نجمة- 224

311

كما يوضح النص اآلتي , الضمائد والنازفتين مرتبطا بالحديث عن آذان صالة الفجر

: الذي جاء على لسان رشيد

رغم رجليه الملفوفتين في , انتصب سي مختار واقفا فجأة. كان الليل يمضي ((

لم أستطع تحمل رؤية ذلك . ه تنزفانكانت رجال. وقد تملكه شيطان الفصاحة, الضمائد

: وقال... المشهد

. لست ساخطا على نفسي, ـ سأنام اآلن

. إنك محظوظ: ـ فأجبته

إذ أن سي مختارـ , ال شك أنه قد أخطأ الساعة, كان المؤذن ينادي إلى الصالة

مؤذن ولكن ال. كان دقيقا في احترام مواعيد الصالة ـ لم ينهض ليتوضأ لصالة الفجر

واستطعت عندها أن أهزم , والح الفجر حقا عند آخر نداء له, أطال األذان والدعاء

)225(.))األرق

إن اقتران الحديث عن الرجلين الملفوفتين والنازفتين دما بصالة الفجر يستحضر

ذلك ألن الرجلين , الجثتان والمسجد: عنصرين تالزما في الموضوعاتية األساسية هما

والدم النازف هو الدم نفسه الذي لطخ , والضمائد تعدل األسمال, لجثتينتعدالن ا

: وهذا تذكير بالفقرة التي ورد فيها العنصران في نص الموضوعاتية. األسمال

كانت الجثتان منطرحتين وقد ... اكتشاف جثتي رجل وزوجته في مسجد كبلوت((

لفجر فهو يعدل بدوره مسجد أما آذان صالة ا)226(.))ملفوفتين في أسمال, كساهما الدم

, فاألذان يحيل على الصالة, بل هو عنوانه, ألن اآلذان من مستلزمات المسجد, كبلوت

وعلى مكان أداء الصالة؛ ثم إن األذان الذي يتحدث عنه النص هو أذان سمعه رشيد

مما يعني أن مصدر األذان هو مسجد , وهو بأرض الناظور حيث تقيم قبيلة كبلوت

وهكذا يقترن األذان . وهو المسجد الذي عثر فيه على جثتي الزوجين, اكبلوت أيض

فسي , زيادة على هذا. بالحديث عن الرجلين الملفوفتين كما اقترن المسجد بالجثتين

مما يعني حضور , ولكنه فارق الحياة داخل الخيمة, مختار الضحية أصيب داخل الكوخ

.149ص, نجمة- 225 .132ص, نجمة- 226

312

د حسب ما جرى ـ أو احتمال أن يكون فعل االنتقال من مكان إلى آخر في هذا المشه

جرى ـ في الموضوعاتية األساسية؛ إذ نقلت الجثتان من مكان الجريمة إلى داخل

وإنما , فسي مختار بعد إصابته بالرصاص داخل الكوخ لم يفارق الحياة به. المسجد

. أي إلى الخيمة حيث توفي, انتقل إلى مكان آخر

شكلة لإلطار المسرحي الذي يحتضن عناصر أما عن الظروف الطبيعية الم

فقد , المشهد الموضوعاتي في شموليتها وفي تحقيق إنجازها وفعلها في عالم الرواية

وكذا , مثال" رافق ابنتي يا مراد"كانت حاضرة أيضا بالصورة التي رأيناها في مشهد

تقشعت ( : (والذي عبرت عنه على التوالي الفقرتان" االخضر في الحظيرة"في مشهد

وعادت الحياة لألجساد عبر ثغرات السحب تتسلل منها , سحب كانت تحجب السماء

أضاءت الشمس وقتها الحظيرة وقد غدت كالمنظر المسرحي النابع (( و )227(.))الشمس

وهذان العنصران يتقابالن مع , )228(.))من صميم مجريات الحياة اليومية المؤلمة

وكما ذكرنا فقد تضمن مشهد ". يمة الناظورجر"في مشهد " اإلخراج المسرحي"عنصر

علي ) سي مختار(كان يلح : (( الزنجي هذا العنصر كذلك وعبرت عنه الفقرة اآلتية

بينما كنت أنا أعزف على العود وأنا أقترب من نجمة , بحركاته طالبا أن أعطيه الدف

ي كان كنت على وشك أن أفقد الوعي وسط تلك الجلبة الت... مستغرقا في النشوة

وإذا بالنور يتدفق , يجبرني ذلك اللجوج على الزيادة فيها كلما زادت تساؤالته الحمقاء

بل كان برق , لم يكن ضوء المصباح... من النافذة التي كانت أمامي فأغمضت عيني

العاصفة وأيقظ الشؤبوب نجمة من حلمها؛ ثم تقشعت السحب وعادت الشمس إلى كبد

) 229(.))ونام سي مختار, السماء

تصور هذه الفقرة الظروف الطبيعية التي أحاطت بحادث إطالق الزنجي النار

وهي الظروف التي جعلت جميع من في الكوخ , على سي مختار داخل الكوخ وخارجها

ال يتفطن إلى الحادث؛ إذ خرج رشيد ونجمة بعد هدوء العاصفة وعودة الشمس إلى

وكذا كان حال سي مختار . بينما هو مغمى عليه,الظهور ظانين أن سي مختار نائم

.9ص, نفسه- 227 .50ص, نفسه- 228 .143ص, نجمة - 229

313

: فبعد عودة الوعي إليه وتفطنه إلى جرحه اعتقد أن الصاعقة هي التي أصابته, نفسه

لقد جعل برق العاصفة ثم انقشاع السحب )230(.))لقد اقتلعت العاصفة أصابع رجلي((

قريبا وعودة ظهور الشمس في كبد السماء حادث إصابة سي مختار برصاص الزنجي

: من نظيره في الموضوعاتية من جهة احتوائه على تفاصيل العمل المسرحي الدرامي

وشمس؛ ومن ثم كان هذا العنصر الذي دخل في تشكيل , سحب, صاعقة, برق, عاصفة

. عنصرا موضوعاتيا معدال" الزنجي"مشهد

ل سي ونحاول بعد هذا توضيح السبب الخفي الثاني الذي دفع الزنجي إلى قت

وبعدما تناولنا كذلك , وهو الجنس, مختار بعد أن تناولنا قبل اآلن السبب الخفي األول

حماية القبيلة من األشرار والخونة : األسباب المباشرة التي وقفت وراء ذلك وهي

وهو يأتي لتعميق اإلجابة على , "االنتقام ألبي رشيد"وهذا السبب هو , والمدنسين لشرفها

تل الزنجي سي مختار؟لماذا ق: السؤال

ألحت الرواية كثيرا على حادث مقتل أبي رشيد، فكانت تعود إليه في أكثر من

تم التطرق إلى الحادث ما ال , فعن اإللحاح. موضع لتتناوله من زوايا وسياقات مختلفة

أما عن اختالف زوايا النظر فقد ورد نصف هذه التكرارات , يقل عن أربع عشرة مرة

وورد , ومرة واحدة على لسان مراد, ست مرات منها على لسان رشيد: لمتكلمبضمير ا

)231(.النصف الباقي بضمير الغائب

ويبدو أن سبب بقاء هذا الحادث مفتوحا على التكرارات الكثيرة هو عدم

برغم أن الرواية تقدم عدة إشارات واضحة تدين , االقتصاص من قاتل أبي رشيد

قتيل , فمن تراه يكون قاتل المنافس اآلخر: (( من ذلك قول مراد, جميعها سي مختار

الشيخ الذي كان والد كمال , إن لم يكن ذلك الشيخ الصعلوك الغوي سي مختار, المغارة

والقاتل ـ على األغلب ـ الذي كان ابن الضحية يالحقه , ووالد نجمة في نفس الوقت

إذ أنه لم , بمقدوره أن يعلم ما أعلمألن رشيدا لم يكن , دون أن يعرف أنه قاتل أبيه

فهذا النص ال يطلعنا )232(.))يعرف والدة كمال التي أطلعتني على أمور أخرى كثيرة

.147ص, نفسه- 230 .197,190,187,185,183,179,178,177,162,159,158,108,107,106,105: ص, انظر نجمة- 231 .108ص, نفسه- 232

314

إذ هي التي , وإنما يطلعنا أيضا على علم أم كمال بذلك, على علم مراد بالقاتل فقط

وإنما كان , دأطلعته عليه؛ ولم تكن أم كمال ومراد هما اللتان تعرفان فقط قاتل أبا رشي

ذلك خبرا شائعا بين الناس الذين كانوا حانقين على رشيد الذي لم يكتف بعدم الثأر

ولم يكونوا ينظرون , أثار رشيد حنق الناس عليه: (( وإنما أصبح صديقا لقاتله, ألبيه

خاصة أنه لم يفعل شيئا ليثأر , وانضمامه للرعاع, بعين الرضى إلى تنكره ألسرته

ولكن , الذي كان ـ فيما مضى ـ قد أثار ما أثار من الفضيحة بتصرفهللراحل الجليل

بسبب موته الفاجع؛ كان الناس يتحدثون عن أبيه , سمعته قد دخلت في عداد األسطورة

)233(.))كما لو كان فتى مقداما قتله في ربيع العمر غريم ليس من قيمته وال من منزلته

تل أبي رشيد إلى أن ابنه لم يكن يعرف القاتل ذهب مراد فيما رواه عن قضية مق

أخبار تلك الجريمة؛ ولكن الفقرة التي ألنه لم يتعرف على أم كمال التي تحتكر تفاصيل

أوردناها على لسان الراوي تطلعنا على أن الجريمة وما يتعلق منها بمرتكبها لم تعد

بل , ا أصبح ذلك منتشرا بينهموإنم, أبدا من األسرار التي ال يعرفها إال القلة من الناس

ألنه رضي أن يصاحب قاتل أبيه دون أن يفكر , راحوا ينظرون إلى رشيد نظرة احتقار

.في األخذ بثأره

ويبدو أن ما دفع الناس إلى اتخاذ هذا الموقف من رشيد هو علمهم بأنه ال يجهل

م بمساعدة سي مختار فرشيد كان يعلم أن أباه قا, وقد كانوا على حق في ذلك. القاتل

لينفرد بعد , ثم أخذاها إلى المغارة حيث قتله سي مختار ببندقيته, على اختطاف الفرنسية

هذا ما يكشف عنه رشيد . ولكن رشيدا لم يكن يرغب في الثأر ألبيه. ذلك بالفرنسية

نفسه في اعترافاته ألحد الصحفيين الذي زاره في شرفة الفندق المطلة على المغارة

وكنت أجد فيها أجدادا أقرب إلي من أبي , كنت أفكر في سيرتا: (( قتل فيها أبوهالتي

الذي أريق دمه عند قدمي فأضحى يهددني بالغرق فيه عند كل خطوة أخطوها في سبيل

. تجنب األخذ بثأره

ـ إنك تعرف القاتل؟

.178-177ص, نفسه- 233

315

)234 (.))وكان قريبا له, ـ كان أكبر من أبي سنا

مع , جاءت على لسان الراوي معرفة رشيد بقاتل أبيه, وقد أكدت فقرة أخرى

حيث وقعت , عندما ذهب للعمل بالحظيرة: (( اإلشارة إلى سبب عدم األخذ بالثأر

فأعادته إلى نفس المكان الذي سقط فيه , الجريمة الثانية التي اقترفها صديق له, الجريمة

, وكان يرتاب بأمره, د يعرفه معرفة جيدةأبوه ميتا برصاص صديق آخر كان رشي

فهو اآلن يحبه أكثر من أبيه الذي قتل قبل أن يرى , ولكن ريبته تلك كانت بعد أوانها

)235(.))هو النور

هو حبه الكبير لسي , حسب هذا النص, يكون سبب عدم أخذ رشيد ثأر أبيه

مما يتعلق بحياة رشيد ويبدو هذا التفسير منسجما مع ما جاء في الرواية , مختار

الذي نجده فيه مالزما إياه , وعالقته بسي مختار منذ سنوات طفولته إلى حاضر الرواية

كان أحدهما يكبر اآلخر بضعف سنه إن لم : (( حسب حديث مراد, فال يفارقه تقريبا

: ثم يؤكد هذه العالقة بينهما قائال)236(.))ولم يكونا مع ـ ذلك ـ يفترقان, يكن أكثر

ولكنك قد تعترض , ]أي مع رشيد[وغالبا ما كان سي مختارـ طبعا ـ معه .. ((.

)237(.))الواحد منهما دون اآلخر

تبعت سي مختار بينما كنت أغالب النوم : (( ويقول رشيد عن تعلقه بسي مختار

أي قضاء ساخر كتب علي أن , لكن أي قدر...إثر ليلة قضيتها متسكعا؛ ناداني ليوبخني

فلقد كان على الدوام جزءا من المدينة ... رفيق سي مختار الذي ال يبرحه أبدا؟ أكون

منذ , المثالية التي تنام في ذاكراتي منذ سن الختان التي يصعب تحديدها على وجه الدقة

وسن لوحتي األولى التي سلمتها إلي السيدة كليمان , سن التسلل خلسة إلى خارج بيتنا

األولى؛ لقد كان سي مختار بالنسبة إلي روحا من أرواح خالل أسابيعي المدرسية

.183ص, نجمة- 234 .159ص, نفسه- 235 .95ص, نفسه- 236 .97ص, نجمة- 237

316

فراح يدفع عني , يوما بعد يوم, ولكن جاءت فترة أخذ يهتم فيها بشأني... قسنطينة

)238(.))ديوني

تكشف هذه الوقفة التي وقفها رشيد عند طفولته عن مدى اعترافه بفضل سي

ومدى تعلق , سنين عمره األولىمختار عليه في تنشئته ورعايته المستمرة له منذ

من هنا يتضح سبب انصراف ذهن رشيد عن . الواحد منهما باآلخر في الوقت الحاضر

التفكير في الثأر ألبيه من رجل كان سنده القوي في مختلف مراحل حياته فاحتل بذلك

ولكن تعلق رشيد بسي مختار ورفضه . من قلبه المكان الذي كان سيحتله األب المقتول

إذ بقيت حية تتداولها ألسنة الناس وتثير دهشتهم واستغرابهم , أر ألبيه لم يحل القضيةالث

فتنازل رشيد عن . إذ ال يمكن أن تبقى الجريمة بدون عقاب أو بدون ثأر, باستمرار

وإنما جعله ينتقل إلى طرف آخر هو , حقه في الثأر ألبيه لم يلغ الحق في الثأر نفسه

وهو ما حدث فعال لما أتيحت الفرصة . إليها القتيل والقاتل معاقبيلة كبلوت التي ينتمي

حيث , للقبيلة إثر اختطاف سي مختار لنجمة بمساعدة رشيد والذهاب بها إلى الناظور

نفذ الزنجي عملية القتل بعد محاكمة كانت فردية ثم صارت جماعية بعد أن نالت

: رضى شيوخ القبيلة واستحسانهم

وأبدى لهم ندمه على إطالقه , فحدثهم بأمره... جي إلى شيوخ القبيلةرجع الزن ((

فلقد كانوا يرفضون كل تصالح مع , وما كان الشيوخ ليعيروا حديثه أهمية. النار

لقد خانوا القبيلة فأقسمت على أن ال ... وتسببوا في هالكها, أقربائهم الذين تركوا القبيلة

)239(.))أضيافا, بل الغرباءإال كما يق, تقبل من ذريتهم أحدا قط

" أقربائهم الذين تركوا القبيلة" وينبغي أن نالحظ كيف ميز شيوخ القبيلة بين

ومنهم , "غرباء"الذين اعتبروهم " ذريتهم"وبين ,ومنهم سي مختار, فاعتبروهم خونة

وهو , أما نجمة فحكمها هو حكم النساء وليس حكم الذكور, رشيد الذي تم طرده

. وهكذا تم االحتفاظ بنجمة)240(.))لقد أوصى كبلوت بأال نحمي سوى بناته": (( يةالحما"

.112ص, نفسه- 238 .156ص, نجمة- 239 .156ص, نفسه- 240

317

ونعود بعد هذا إلى الحديث عن عدالة تنفيذ الحكم في حق سي مختار قاتل أبي

فلكي يكون هذا الحكم عادال ينبغي أن تهيأ له الظروف نفسها التي قتل سي . رشيد

هذه الظروف بمستوى عال جدا من التشابه بفضل وقد توفرت , مختار فيها أبا رشيد

ويتضح ذلك بمقارنة عناصر , "قتيل المغارة"التعديل الموضوعاتي الذي تم على مشهد

فنجد سي مختار في المشهد األول والثاني؛ , قتيل المغارة ومقتل سي مختار: المشهدين

ة مثلها في المشهد الثاني؛ والمرأة الفرنسية في المشهد األول تقابلها ابنتها نجمة المتزوج

يقابله قيام ابنه رشيد بمساعدة سي مختار أيضا , وقيام أبي رشيد بمساعدة سي مختار

يقابله مقتل سي مختار بالبندقية , الختطاف نجمة؛ ومقتل أبي رشيد في مغارة بالبندقية

ما مما يقربه أكثر من المغارة التي ال باب لها أصال؛ أ, أيضا في كوخ بابه مفتوح

فيتقابل مع تخلص الزنجي من البندقية , العثور على جثة األب وبجانبه بندقيته الفارغة

تماما كما فعل سي مختار لما , بإخفائها في العوسج بعد أن أطلق النار على سي مختار

وإذا كان , فهو لم يأخذ البندقية معه بل تخلص منها بتركها أمام الجثة, قتل أبي رشيد

إذ ليس معقوال أن , فهو يبدو غريبا عند الزنجي, يبرره عند سي مختارهذا األمر له ما

ولكن هذه الغرابة تزول لتحل , يتخلص من بندقيته وهو حامي القبيلة والصياد الماهر

محلها جمالية التعديل الفني التي اقتضت أن يترك الزنجي بندقيته حتى يزداد التقارب

أوجه االلتقاء بين المشهدين هنا وإنما يضاف وال تتوقف . بين المشهدين قوة وجماال

وهذا يتقابل مع ركوبه , إليهما مشهد ركوب سي مختار في العربة إلى جانب أم نجمة

على حصانه إلى جانب ابنتها نجمة؛ كما أن أبا رشيد الذي كان يتبعهما في المشهد

وابنته نجمة؛ ر يقابله هنا سير ابنه رشيد على قدميه وراء سي مختا, األول على حصانه

ثم ينبغي أن نالحظ أيضا أن المرأة الفرنسية المتزوجة اختطفها سي مختار وأبو رشيد

وقد تم تعديل هذا العنصر هنا بأن اختطفت نجمة ابنة الفرنسية من كمال , من أبي كمال

.فتقابل كمال هكذا مع أبيه وتقابلت نجمة مع أمها, الذي اختطفت الفرنسية من أبيه

الذي هو تعديل , ن قتل الزنجي لسي مختار هو تعديل واضح لمشهد قتيل المغارة إ

, وقد خضع مقتل سي مختار إلى أسباب مباشرة ومصرح بها, للموضوعاتية األساسية

وهي رغبة تجد مقابلها , أحدهما هو رغبة الزنجي في امتالك نجمة, وإلى سببين خفيين

وإن كان الزنجي قد قام , اتية األساسيةفي عنصر االغتصاب الذي تتضمنه الموضوع

318

أما السبب الثاني . بإخفاء هذا السبب تحت دافع حماية القبيلة في ممتلكاتها وفي شرفها

الخفي الذي شكل لغزا أوصلنا حله إلى فهم أوال لماذا رفض رشيد الثأر ألبيه من سي

ذلك ألن ظاهر , ةوثانيا فهم الدافع الحقيقي الذي جعل سي مختار يختطف نجم, مختار

فتبين إذن حادث مقتل سي , عالم الرواية أو أحداثها ال تقدم ما يبرر ذلك االختطاف

وهو مشهد أو حدث اقتضته ضرورة محاكمة , "قتيل المغارة"مختار هو تعديل لمشهد

ثم معاقبته على جريمة قتله , سي مختار على مجونه وخيانته للقبيلة حسب رأي الشيوخ

ن ثم الثأر منه بعد أن تخلى ابن الضحية عن القيام بذلك حتى ال يخون وم, ألبي رشيد

سي مختار الذي رعاه منذ طفولته وصاحبه في شبابه؛ وهذا ما أدركه رشيد الذي

عايش عن قرب عملية الثأر ألبيه على يد الزنجي الذي احتفظ بنجمة لنفسه كمكافأة له

ول رشيد فخسرها لما لم يجد ما يبرر به على ثأره ألبي رشيد؛ وقد كانت نجمة في متنا

ذلك ألن ثمن امتالكها هو الثأر , ففضل الوفاء على أن يمتلك نجمة, قتله لسي مختار

: (( قتله مجونه وميله إلى االعتداء واالغتصاب قبل أن يقتله سي مختار, ألب لم يعرفه

, كطائرة مسالمةفزاد في الشرفة علوا , فوق الهوة المظلمة, كان رشيد ينظف الغليون

بين األب المقتول , وقد بدأت مطاردتها بين القاعدة والهدف الذي تقصد, سهلة اإلصابة

)241(.))ولكنه ظل محتفظا بنجمة رهينة لديه, والزنجي الذي ثأر له

فهو ال يريد أن يثأر من سي ,ولكن يبدو أن قضية رشيد كانت أعقد من هذا

وفرصة , حقه في االنتقام: لوفاء لسي مختار وخسر أمرينفربح ا ,مختار ألنه يحبه

إذ خسر قضيته أيضا وهي , ولكن الخسارة لم تتوقف عند هذا الحد. امتالكه لنجمة

إصراره على معرفة الحقيقة عن أبوة نجمة عن طريق استدراج سي مختار للكشف له

, ه من سي مختارمما جعله من جهة أخرى يؤجل باستمرار األخذ بالثأر ألبي, عن ذلك

فجاء الزنجي فقتل سي مختار قبل أن يكشف له , أو يبعد هذه الفكرة عن ذهنه تماما

, وفرصة امتالك نجمة, الحق في الثأر: فصارت خسارة رشيد بهذا ثالثية, حقيقة األمر

أكان والد رشيد أم سي مختار وقد مات قبل أن : (( ومعرفة الحقيقة حول أبوة نجمة

ن منهما وهب الحياة لنجمة في المغارة؟ لقد أبقي رشيد على حياة قاتل م: يبلغ اليقين

.197ص, نجمة- 241

319

ولكن سي مختار مات دون أن يعلم هو نفسه جلية , أبيه حتى يعرف الجواب عن ذلك

)242(.))األمر

ويبقى األكيد في كل هذا أن مقتل سي مختار هو في جوهره عملية ثأر وعقاب

.على قتله ألبي رشيد

: طف نجمة مراد يخـ 13

ويتعلق , هذا مشهد آخر يستمد كيانه من الموضوعاتية مثل بقية المشاهد السابقة

وقع هذا الحادث قبل . األمر باختطاف كانت نجمة ضحيته ومدبرته في الوقت نفسه

. على عكس اختطافها من سي مختار ورشيد الذي وقع بعد زواجها, زواجها من كمال

تناوله من المشاهد الموضوعاتية المعدلة ما يسمح لنا بتناول هذا ونجد فيما سبق

بعد أن أصبحت واضحة , وكذا المشاهد األخرى التي ستتبعه ببعض االختصار, المشهد

في أذهاننا كيفية قيام الروابط بين عناصر المشاهد المعدلة للموضوعاتية األساسية في

تم دراسة هذا المشهد في مستوى وست. وطرق تتبعها والكشف عنها, رواية نجمة

.الدرجة الثانية من التعديالت الموضوعاتية

بشرط أن ينتزعها من , كان مراد يدرس مع نجمة فاتفقت معه على الزواج

وقد حدث في فترة استعداد مراد للهرب بنجمة .لالفاطمة ويأخذها إلى الجزائر العاصمة

ففاجأت مرادا وهو يفتش خزانتها بحثا عن أو اختطافها أن تفطنت لال فاطمة لألمر

ولكنها تراجعت عن شكواها واكتفت بطرده من بيتها , عن المال فأخبرت الشرطة بذلك

)243(".حي بوسيجور"إلى غرفة قريبة اكترتها له في

عددا من مجموعة عناصر الموضوعاتية " مراد يخطف نجمة" تضمن مشهد

أهمها محاولة , اتي معدل للمشهد األصلياألساسية كاف لتشكيل مشهد موضوع

وإذا كان االختطاف في المشاهد التي رأيناها . اختطاف نجمة والذهاب بها إلى العاصمة

, كما هو الحال في الموضوعاتية األساسية, إلى اآلن يتم عادة بانتزاع المرأة من زوجها

ذي تعرضت له أم ثم االختطاف ال, وفي االختطاف األول الذي كانت الفرنسية ضحيته

.186ص, نفسه- 242 .87ص, نجمة, انظر- 243

320

بدافع االغتصاب بالنسبة للحالة األولى والتمتع المتبادل والمتفق عليه في الحالة , نجمة

كنا قمنا , مع ما اكتسى هذه الحالة الثالثة من غموض وألغاز, والثالثة أيضا, الثانية

كان من أجل " مراد يخطف نجمة"فإن مشروع االختطاف في مشهد , بحلها وتوضيحها

إن مرادا ـ على ما رواه الجار ـ قد ترك المدرسة بأمر من ابنة : (( نفسهالزواج

, وقد وعدته بالزواج منه إن توفرت له الجرأة ليهرب بها سرا إلى مدينة الجزائر, عمته

كما كان االختطاف )244(.))التي كانت" المتحررة"حيث تستطيع تحقيق أحالم الفتاة

من أجل تحقيق أحالمها بصفتها فتاة , هذه الفقرةكما هو واضح في, أيضا بالنسبة لنجمة

. والتي أصبحت البيئة التي نشأت فيها ال تسمح لها بذلك, متحررة

وهكذا نرى أن هذه الفقرة قد اشتملت على عنصرين معدلين من عناصر

الزواج بصفته مشروعا سيتحقق في العاصمة إن نجح الشابان في : الموضوعاتية

التي تدل عليها لفظة " الفرنسية" والعنصر الثاني المتمثل في صفة المرأة الوصول إليها؛

؛ ذلك ألن معنى التحرر بالنسبة للفتاة الجزائرية ـ وفي حال نجمة "المتحررة"

بالخصوص ـ هو أن تظهر بمظهر المرأة الفرنسية؛ وذلك كان سلوك نجمة كلما

.وجدت إليه سبيال

ونجمة التي تشبه بتحررها الزوجة , مراد": وجينز" وبهذا يضعنا النص أمام

هذا العنصر المهم في تشكيل هذا المشهد يعدل عنصر , مما يجعل في النهاية, الفرنسية

. الزوجين في الموضوعاتية األساسية

ومن , وكما حدث للزوجين في جريمة الناظور لما تعرضا العتداء أوقف حياتهما

فإن مفاجأة لال فاطمة لمراد , الفعلية التي كانت تربط بينهماثم أوقف العالقة الزوجية

وإذا تأملنا جيدا عنصر المال . قد أوقف مشروع زواج الشابين, وهو يحاول سرقة مالها

وجدناه يشكل وسيلة الشابين األساسية , الذي حالت لالفاطمة دون استعمال مراد له

من المشروع هي االنتقال من مدينة ولما كانت هذه المرحلة األولى. لتنفيذ مشروعهما

أي حالت دون ركوب , فإن لالفاطمة تكون منعت هذا االنتقال, عنابة إلى العاصمة

وهكذا يتضح أن المال يوفر . الشابين وسيلة النقل التي تأخذهما من عنابة إلى العاصمة

.87ص, نفسه- 244

321

جان ومن هنا فهو صورة أو تعديل لوسيلة النقل التي استعملها الزو, نقل الشابين

. القتيالن في جريمة الناظور

حيث نرى التشابه , وسيزداد هذا التعديل وضوحا لما نعود إلى النص األصلي

الذي التي استعملها الكاتب للداللة على مال لالفاطمة)pécule" )245 "الكبير بين لفظة

ن ضمن التي تدخل عربة الزوجي) سيارة " ( véhicule"وبين لفظة , أراد مراد أخذه

ويتشابهان في "cu/le"أنواعها؛ فاللفظان يشتركان في المقطعين الصوتيين األخيرين

" véhicule" الذي يدخل في تكوين لفظة "hi "أما المقطع " pé/vé "مقطعهما األول

, فهو مقطع صوتي يختفي أثناء نطق الكلمة إذ يدغم مع المقطع األول فيمدده ويشبعه

وهذا , "pécule"تبدو وكأنها تتكون من ثالثة مقاطع مثل " véhicule"مما يجعل كلمة

. مما يؤكد فكرة تعديل إحداهما لألخرى, يجعل الكلمتين متقاربتين ومتشابهتين

وإذا تذكرنا أن قتل الزنجي لسي مختار كان سببه المباشر هو حماية حرمة

كانت , ا بدافع حماية ممتلكاتهاوأن ما قامت به لالفاطمة كان أيض, الناظور بشكل عام

ولما كانت . أي معدلة للقتلة في الموضوعاتية األساسية, لالفاطمة معدلة للزنجي

لالفاطمة تجهل األضرار التي ألحقتها بالشابين لما فاجأت مرادا يبحث في الخزانة عن

إبالغ إذ قامت ب, فقد اتخذت عقوبتها لمراد شكال أكثر وضوحا, المال لجهلها بالمشروع

ثم سحبت , فأخبرت لالفاطمة الشرطة بالحادثة: (( الشرطة حيث قدمت شكوى ضده

وهذا يعني في التحليل الموضوعاتي لهذا المشهد أنه تعديل )246(.))شكواها ضده

, والحكم ,والقضاة, وهو عنصر يدخل تحته التحقيق ,لعنصر المحاكمة في الموضوعاتية

وإذا كانت . ظور إلى عناصرها وتفاصيلها الدقيقةحسب ما رأينا عند تحليل جريمة النا

فكان , الالفاطمة تراجعت عن شكواها فهي لم تتراجع عن قناعتها بضرورة معاقبة مراد

فيكون . أن طردته من منزلها الفخم إلى غرفة اكترتها له في الحي نفسه الذي تقطن فيه

برغم , جين إلى المسجدطرد مراد إلى تلك الغرفة هو فعل يعدل عملية نقل جثتي الزو

أي " للمشروع"دون النصف الثاني " مشروع زوج"أن مراد هنا نقل بمفرده بصفته

245 - Voir, Nedjma, P.84.

.87ص, نجمة- 246

322

نجمة؛ وبناء على هذا تكون الغرفة هي العنصر المنغلق والدائري الذي يعدل بدوره

.المسجد وساحة الثكنة في الموضوعاتية األساسية

, حاضرا أيضا في هذا المشهد وأخيرا نرى أن عنصر الضابط أو الجيش كان

فالشرطة , "رشيد والرتيالء"الذي مر بنا في مشهد " الشرطة"بفضل حضور عنصر

مقتل ريكار : "جهاز له مواصفات جهاز الدرك الذي رأيناه في مشهدين قد مرا بنا وهما

ولذا فهو يعدل هنا الضابط والجيش كما عدلهما في المشاهد , "االخضر في الحظيرة"و"

مراد يخطف "وهكذا نرى أن توفر جميع هذه العناصر في مشهد . الثة التي ذكرناهاالث

وهذا يعني أنه تعديل , وشبيها به" جريمة الناظور"تجعله قريبا من مشهد " نجمة

.للموضوعاتية األساسية

:ـ اختطاف زهرة 14

تطفها وليس مخ, ليست زهرة المختطفة في المشهد اآلتي سوى أم مراد واالخضر

. سوى سيدي أحمد الرجل الذي سيصبح زوجها ثم أبا مراد واالخضر

رأى في إحدى . قضى أبو مراد حياته في اللهو والمجون والجري وراء النساء

فأخذها من أهلها مقابل , مغامراته بقرى جبال األوراس فتاة اسمها زهرة فأعجب بها

فأنجبت له . لغ بعد السن القانونية للزواجوتزوجها وهي لم تب, مبلغ من المال بهرهم به

وفي إحدى . ولكن سيدي أحمد هجرها إلى تونس للعيش مع مومس, مرادا ثم االخضر

لتنقل جثته إلى , تنقالته معها تعرضت الحافلة التي كانا بداخلها إلى حادث أودى بحياته

)247(.سيم الدفنحيث يتم إعداد مرا, حيث كان يعيش مراد مع نجمة, دار أخته لالفاطمة

اشتمل هذا الحادث على جملة من العناصر نجد مثيالتها في الموضوعاتية

فإن أول ما يصادفنا منها هو مقتل , وإذا تتبعنا ترتيب ورودها في النص, األساسية

وتوفي : (( سيدي أحمد في حادث مرور وبجانبه امرأة مومس يعيش معها في تونس

وهو برفقة مومس أخذها من , حادث حافلة نقل عموميفي , والد مراد, سيدي أحمد

وقع هذا الحادث في زمن القصة بعد زواج سيدي أحمد من )248(.))ماخور في تونس

.80-79ص, انظر نجمة- 247 .79ص, نفسه- 248

323

وهذا يعني أنه مات بعد أن صار زوجا لزهرة وأبا . زهرة التي اختطفها من أهلها

سيدي أحمد وكان. لكونه زوجا مقتوال مثله" الضابط"وبهذا فهو يعدل , لمراد واالخضر

ولكن الرواية ال , مرفوقا بامرأة في هذا الحادث كما هو الشأن مع الزوج الضابط أيضا

مما يترك الباب مفتوحا أمام , تذكر إذا كانت المرأة قد لقيت حتفها في هذا الحادث أم ال

فإذا أخذنا باالحتمال األول كانت المرأة معدلة للزوجة . الموت والنجاة: االحتمالين

أما إذا أخذنا باالحتمال الثاني فإن هذه المرأة ستنتقل بعد , تولة في الموضوعاتيةالمق

فتكون في هذه الحال أيضا معدلة للزوجة , موت سيدي أحمد إلى رجل أو رجال آخرين

المقتولة التي سبق وأن بيننا أن مقتل زوجها أو الدافع إلى قتله هو رغبة القتلة في

ذه الحالة فإننا سنتوقع تعرض هذه المرأة إلى اختطاف أو وفي ه, امتالكها واغتصابها

ولتحقيق االختالف في هذا المشهد . كما حدث ذلك في المشاهد السابقة, إغواء جنسي

فقدمت أحداثا وأخرت , لجأت الرواية إلى االستعانة بزمن سرد مخالف لزمن القصة

حمد على حدث أخرى؛ وبفضل تقنية تكسير السرد هذه تقدم حدث مقتل سيدي أ

على منوال ما جرى في جريمة الناظور الذي تقدمت فيه الجريمة على , االختطاف

بينما األحداث لم تجر بهذا الترتيب في . عنصر اختطاف الزوجة واغتصابها ثم قتلها

ذلك ألن الفاعل واحد في الحادثين؛ أي , إذ تقدم االختطاف عن الجريمة, زمن القصة

وقد أدى تكسير . طف لزهرة وهو المقتول في الحادث أيضاأن سيدي أحمد هو المخت

فبدل أن تكون المومس رفيقة , زمن السرد إلى إحداث تعديالت عكسية في المشهد

ألن عالقتها بسيدي أحمد جاءت متأخرة , سيدي أحمد امتدادا أو تعديال لزهرة أم مراد

تي جاءت امتدادا نرى أن زهرة هي ال, عن عالقة الزواج التي ربطت بين االثنين

وتعديال للمومس بسبب اختطاف سيدي أحمد لها من أهلها؛ فبدا هذا االختطاف امتدادا

: على حسب ما جرى عليه األمر في الموضوعاتية األساسية, لفعل القتل ونتيجة له

التقى بها سيدي أحمد في إحدى , امرأة ريفية فقيرة, كانت أم مراد واسمها زهرة((

مقابل مبلغ من المال , فاختطفها ولما تتجاوز الرابعة عشر, األوراسمغامراته بجبال

بهر أهلها؛ وبما أن الشريعة اإلسالمية تحجر الزواج على الفتيات ما لم يبلغن الخامسة

تالها , عشرة؛ فقد اكتفى سيدي أحمد ـ عندما تزوجها ـ بالفاتحة من مراسيم االحتفال

وكاد ينهال ... مراد بعد سنة؛ وحنق سيدي أحمدشيخ لم يتعود مثل هذه األمور؛ وولد

324

تبارز , ثم اختفى؛ ثم علم القوم أنه كان يعيش في تونس مع بغي... ضربا على النفساء

من أجلها بالسيف مع كاتب عدل من مارسيليا؛ وانقضى عام آخر ولد إثره

يوضح هذا النص أن زواج سيدي أحمد من زهرة كان شبيها جدا )249(.))االخضر

مما دفعه إلى التحايل , الختطاف بغرض االغتصاب؛ فهي أوال لم تبلغ بعد سن الزواجبا

ومما )). شيخ لم يتعود مثل هذه األمور: (( على الشريعة باالكتفاء منها بالمظاهر فقط

إذ ضرب زهرة , عدم رغبته في إنجاب األوالد, يكشف عن نواياه غير الطيبة أيضا

. السلوك أنه ال يريد من زهرة إال المتعة الجنسيةكاشفا بهذا , حين وضعت االخضر

أو هذه العالقة التي ارتبط بها مع زهرة , وهكذا يتضح أن هذا السلوك من سيدي أحمد

. تعدل عنصر االختطاف واالغتصاب في الموضوعاتية األساسية

من , تضمن هذا المشهد عناصر أخرى معدلة عن الموضوعاتية, إلى جانب هذا

تبارز من أجلها بالسيف مع كاتب عدل : (( الذي أصبح هنا سيفا نصر السكين ذلك ع

كما , فالمبارزة بالسيف هنا كانت من أجل افتكاك زوجة كاتب العدل)). من مارسيليا

وينبغي . بالسكين من أجل افتكاك الزوجة واغتصابها" جريمة الناظور"كان االعتداء في

ي يعيش معها سيدي أحمد في تونس والتي تبارز من أن نشير أن هذه المرأة البغي الت

وإنما , هي غير المومس التي قتل إلى جانبها في حادث المرور, أجلها مع كاتب العدل

هي تلك المرأة المارسيلية التي اختطفها فيما بعد سي مختار وأبو رشيد من أبي كمال

".قتيل المغارة"د حسب ما رأينا في مشه, إنها أم نجمة. وذهبا بها إلى المغارة

إن : (( وحضر في المشهد أيضا العنصر الديني الذي يعبر عنه المقطعان

, ))الشريعة اإلسالمية تحجر الزواج على الفتيات ما لم يبلغن الخامسة عشرة

إذ يحيل هذان المقطعان ...)). بالفاتحة من مراسيم االحتفال تالها شيخ... اكتفى((و

. ذي يجسده مسجد كبلوت في الموضوعاتيةعلى العنصر الديني ال

واشتمل هذا المشهد كذلك على المجال القضائي بصفته تعديال لما ورد من

: وقد دلت على ذلك الفقرة اآلتية, عناصر تنتمي إلى هذا المجال في الموضوعاتية

لمال وخاصة ما يتعلق منها بطلب ا, كانت لال فاطمة تتلقى الرسائل من أبي المطلقة((

.80ص, نجمة- 249

325

إذ تم , المكان المغلق عن هذا المشهد, ولم تغب الدائرة)250(.))أو باإلنذارات القانونية

: نقل جثة سيدي أحمد إلى منزل لال فاطمة للسهر عليها وإعداد مراسم الدفن

توقف ثالثة رجال . صحبة نجمة, يلعب أمام المنزل, يوم الحادث , كان مراد ((

وترددوا في اجتياز , وكانت على أوجههم مالمح غريبة, ينيحملون غطاء أمام الطفل

. وأشارت نجمة إلى الغطاء, العتبة

!ـ الدم

وانصرفوا في , بعض الشيوخ, تناوب على السهر على بقايا جثة سيدي أحمد

)251(.))الصباح يحملون الحلوى في برانسهم

عدة تعديالت لعناصر , ى جانب الدائرة والمكان المغلقإل, تحمل هذه الفقرة

تتمثل , الموضوعاتية؛ فالدائرة أو المكان المغلق المعدل لعنصر المسجد أو لساحة الثكنة

حيث تحلق حولها بعض , هنا في منزل لالفاطمة الذي وضعت فيه جثة سيدي أحمد

مما يشير إلى أن , ثة رجالوقد حمل الجثة إلى المنزل ثال, الشيوخ للسهر وتالوة القرآن

قتلة الزوجين في جريمة الناظور كانوا مجموعة حتى تمكنوا من تنفيذ االعتداء ثم القيام

أما العنصر اآلخر الذي تحمله هذه الفقرة فهو األسمال . بنقل الجثتين إلى المسجد

أشارت الملطخة بالدماء؛ ذلك ما يدل عليه الغطاء الذي حملت فيه بقايا الجثة والذي

توقف ثالثة رجال يحملون : (( نجمة إليه بعد أن فاجأها لون الدم األحمر الذي يلطخه

, ))بقايا جثة سيدي أحمد: (( أما العبارة!)) الدم: وأشارت نجمة إلى الغطاء... غطاء

وهذا الوصف نفسه يزيد من . فهي تقدم وصفا لحالة الجثة التي مزقها الحادث الرهيب

)). وقد مزقتهما طعنات عديدة بسكين: (( تي الزوجين الممزقتينتقريب الجثة من جث

, وإذ كان الحادث الذي تعرضت له الحافلة هو الذي كان وراء موت سيدي أحمد

فالعبارة السابقة التي تتحدث عن بقايا جثته تبين أن المادة الحديدية التي صنعت بها

الحديدية هي نفسها التي صنع بها السكين وهذه المادة, الحافلة هي التي قطعت الجثة

وهذا يعني أن الحادث حول وظيفة , الذي طعن به القتلة الزوجين في جريمة الناظور

.80ص, نجمة- 250 .80ص, نفسه- 251

326

إلى وظيفة جديدة هي القطع والقتل كما كاد أن يقع مع حافلة , الحافلة من نقل الركاب

قتلت سيدي أحمد وهكذا صارت الحافلة التي". الخادمة اللطيفة"السيد ريكار في مشهد

وتعدل من جانب آخر عربة الزوجين , تعدل في هذا الجانب سكين الموضوعاتية

.القتيلين

:ـ اختطاف أوديل 15

كان زوج أمه على , عندما نقل االخضر من األوراس إلى حقل الزيتون(( ـ

يغازلها " وبرون"كان السيد " األلزاس"وشك بيع المتجر ليختطف غسالة أصيلة مقاطعة

تقع في أكبر شارع " أوديل"كانت مغسلة السيدة ... ويعاشرها دون أن يكلفه ذلك شيئا

في سيارة , وكان القرويان يقطعان ـ لرؤيتها ـ مائة كيلو متر ذهابا وإيابا, بسطيف

يتعلل بالخطر الذي يهدده من " برونو"كان السيد ...". س"أكبر سلطة في , المتصرف

وكان الطاهر يسلمه رزما من األغذية وجرارا من , لرحالت السريةمجازفته في هذه ا

وكانت تدعو نساء , كانت تفتح لهما شقتها دون كلفة... وعددا من الطيور, الزيت

)252(.))أخريات

يتوفر هذا المشهد على جملة من العناصر المعدلة للموضوعاتية تؤهله لكي

, االختطاف :ن تحديد عناصره حسب اآلتييدرس ضمن مشاهد الدرجة الثانية؛ ويمك

. والزنى, شقة, ...)س(أكبر سلطة في , خطر الطريق, السيارة, برونو, امرأة فرنسية

فأوديل . وهذه العناصر لها جميعا ما يقابلها من عناصر الموضوعاتية األساسية

اآلن أرملة وهي , التي كان الطاهر يستعد الختطافها هي امرأة فرنسية كانت متزوجة

وهذا يجعلها تشبه الزوجة الفرنسية التي قتل زوجها الضابط قبل أن , مات زوجها

فهو شاب فرنسي مثل " برونو"أما . تتعرض لالختطاف واالغتصاب ثم القتل أيضا

كما أن السيارة التي يقودها , وهو يعدل الزوج القتيل, تربطه بها عالقة ود, أوديل

فهي سيارة أكبر سلطة في , لضابط في الموضوعاتيةبرونو تعدل بدورها سيارة ا

ونرى أيضا أن برونو كان . فهما في الحالتين ملك لرجل ذي شأن وسلطة, ..."س"

فكان أن تستر تحت , يحتاج لسبب يبرر به ركوب الطاهر إلى جانبه أمام رئيسه

.205-204ص, نجمة- 252

327

وبهذا يحضر في المشهد عنصر . المخاطر المحتملة في طريق انتقاله إلى سطيف

أما المكان الدائري . لخطر الذي يتعرض له الزوجان في عربتهما في الموضوعاتيةا

فقد تم تعديله هنا بشقة , المغلق الذي يمثله المسجد وساحة الثكنة في الموضوعاتية

التي كانت تضعها تحت تصرف برونو والطاهر ونساء أخريات كانت , الغسالة أوديل

وهو تعديل , سية؛ فيكون هذا تعديال لالغتصابتحضرهن إليها من أجل الممارسات الجن

. في الوقت نفسه النطراح الزوجين القتيلين إلى جانب بعضهما بعضا في مسجد كبلوت

: ـ العجوز اإليطالية 16

اثنان , تتوزع عناصر هذا المشهد المعدل لجريمة الناظور على ثالثة فضاءات

والغرفتان اللتان اكتراهما الشبان األربعة , منزل العجوز: منها ملك للعجوز اإليطالية

كانت الغرف على : (( جاء فيه, وتقدم الرواية وصفا لموقع اإلقامتين من القرية. منها

حافة الطريق حيث تبدو المنازل القليلة وكأنها بنيت على عجل وقد طليت بالكلس طالء

أما )253(.))القرية المقابلفكانت تسكن طرف , أما العجوز اإليطالية, سريعا ال يكاد يرى

ويبدو من خالل الفقرة السابقة أن الغرفتين ومنزل ,الفضاء الثالث فهو القرية نفسها

الغرف (( :يصل بينها طريق أي على محيطها ,اإليطالية تقع جميعا على أطراف القرية

إلى الطريق متحاملة على نفسها وهي ] اإليطالية[خرجت (( و, ))على حافة الطريق

يتضح من هذا الوصف أننا أمام تعديل للشكل الدائري المغلق في . )254(...))صيحت

أما القرية التي تحيط بها , الموضوعاتية الذي تجسده كل من ساحة الثكنة والمسجد

وإذا . أمالك اإليطالية فهي تعدل قرية الناظور التي وقع بها التدمير والقتل والتخريب

إن شروط ومبررات وقوعها كانت جاهزة يختصرها كانت هذه األحداث لم تقع هنا ف

, ودقت ساعة الكنيسة معلنة العاشرة: (( منع الجوالن بداية من الساعة العاشرة ليال

...وأطلق العسس صفيرهم معلنين بداية منع الجوالن

أن , منذ الساعة العاشرة, وللعسس الحق, ـ لقد كنا دوما تحت نظام منع الجوالن

هكذا تعيش )255(.))إذا لم يتوقف لدى سماعه الصفارة, ار على كل غريبيطلقوا الن

.265ص, نجمة- 253 .266ص, نفسه- 254 .265ص, نفسه- 255

328

كما عاش الناظور إثر الجريمة تحت رعب , القرية إذن تحت هاجس الرعب والتقتيل

فهي وجه آخر لصوت المؤذن , ))دقت ساعة الكنيسة: (( أما عبارة. الثأر واالنتقام

ال شك أنه قد أخطأ , إلى الصالةكان المؤذن ينادي": (( الزنجي"الذي ورد في مشهد

فإذا كان صوت المؤذن تعديال لمسجد كبلوت الذي ورد في )256(...))الساعة

.فإن دقات ساعة الكنيسة تعديل لمسجد كبلوت كذلك, الموضوعاتية ألنه صادر منه

لقد اكترى الشبان غرفتين من المرأة اإليطالية لما رفضت طلبهم بكراء غرفة

, وبات مصطفى واالخضر في غرفة ثانية, فبات رشيد ومراد في غرفة.واحدة فقط

لكن الشبان يضطرون للنوم في غرفة واحدة فقط بعد أن تضررت إحدى الغرف كثيرا

صاروا ينامون جميعا في غرفة واحدة يفترشون حشية اللبد : (( جراء األمطار

كن صدورهم فكانت أرجلهم عارية ول. ويلتحفون باألخرى وقد وضعوها عرضا

وظل المطر يتسلل ... وكانت األرضية من األسمنت باردة. وخواصرهم كانت مغطاة

)257(.))عندما استيقظوا كانوا يسعلون. كانوا يرتعدون بردا. إلى مرقدهم حتى الصباح

هي ,ثم مجموعة واحدة من أربعة أفراد ,كل اثنين معا :تبدو صورة نوم الشبان األربعة

تي الزوجين الباردتين والمنطرحتين على أرضية مسجد صورة شبيهة بصورة جث

وإذا كانت الرواية لم تقدم لنا وصفا لنوم الشبان . كبلوت وقد لفتا في أسمال كساها الدم

. فهي قد فعلت ذلك لما ناموا أربعتهم في غرفة واحدة, األربعة مثنى مثنى في غرفتين

ومياه المطر , مدت من البردأجسامهم نصف مغطاة وقد ج, حيث نراهم منطرحين أيضا

كما نزلت طعنات السكين على الزوجين وتفجرت , تنزل عليهم ثم تسيل بجانبهم

. دماؤهما ملطخة األسمال

وليس تضرر الغرفتين سوى تعديال لما لحق مسجد كبلوت من خراب جراء

وقد , ق األخضربقي المسجد خربا طلال ال يقوم منه إال السنج: (( عملية الثأر واالنتقام

ويبقى الفراش والغطاء الذي استعمله الشبان وقد )258(.))قد من أسمال األرامل والشيوخ

أما البرد الذي تعرض له , بلله المطر صورة تعديلية لألسمال التي لطختها الدماء

.149ص, نفسه- 256 .20ص, نجمة- 257 .133ص, نفسه- 258

329

وأما السعال أو المرض فهو ضرر قد لحق , الشبان فهو تعديل للجثتين الباردتين

ولذا فهو شبيه باالعتداء الذي , جراء البرد ونزول المطر على أجسادهمبالشبان األربعة

. أدى إلى قتل الزوجين

ونجد في منزل اإليطالية وفي محيطه مجموعة أخرى من عناصر الموضوعاتية

فاإليطالية امرأة عجوز تعيش في منزلها وحيدة بعد أن مات زوجها الذي كان . المعدلة

فما تكاد تجرؤ ـ على , إن العجوز تخشى الخروج من منزلها: ((يعمل حارس غابة

إن )259(.))وإن شبح شخص يأتي إليها كاف إلرعابها, بخلها ـ إال على جمع األكرية

فحارس الغابة هو . كون الزوج حارس غابة ميت يجعله يعدل الزوج الضابط المقتول

بما أن هؤالء يعدلون و, مثل رجال الشرطة والدرك الذين مروا بنا في مشاهد سابقة

التي أسندت إليه إال إشارة إلى " الغابة"وما صفة , فحارس الغابة أيضا يعدله, الضابط

أما الحديث عن الرعب الدائم الذي . وهو جبال الناظور, المكان الذي وقع فيه االعتداء

تعيش فيه هذه المرأة فهو إعادة تجسيد للرعب نفسه الذي عاشته زوجة الضابط وهي

ولم يتوقف األمر عند مجرد الخوف أو التخويف الذي . ع وزوجها بين أيدي المعتدينتق

وقع لها لما رأت الصبي ابن القابض في بستانها فخرجت من بيتها هاربة مذعورة وهي

مما جعل االخضر يعبر عن اغتباطه بما )260(!))في حديقتي مظلي ألماني: (( تصيح

وإنما تجاوز األمر )261(!))تستاهل ذلك: (( ن ذي اللحية قائالوقع لها لما سمع القصة م

حسب ما يكشف عن ذلك أحد الشبان األربعة أثناء , هذا المستوى إلى الرغبة في موتها

ولم ال : (( مناقشتهم للطريقة المثلى التي يرسلون بها ثمن الكراء للعجوز حين قال

عجوز في تابوت هو بمعنى آخر فإرسال أجرة الكراء لل)262())يكون ذلك في تابوت؟

فتكتمل بذلك صورة جثتي , وضع العجوز في التابوت وإلحاقها بزوجها المتوفي

وهي صورة قد تم تجسيدها عن , الزوجين المنطرحتين على أرضية مسجد كبلوت

ثم إن النقاش نفسه الذي جرى بين الشبان . طريق نوم الشبان في غرفتي إقامتهم

.265ص, نفسه- 259 .266ص, نجمة- 260

.266ص, نفسه- 261 .265ص, نفسه- 262

330

ية حول الطريقة المناسبة إلرسال أجرة الكراء للعجوز األربعة بحضور ذي اللح

اإليطالية هو نقاش يعدل عنصر البرقية التي وصلت من العاصمة تحمل العفو عن

فإنها وصلت من العاصمة , أما البرقية: (( المتهمين بعد أن تم تنفيذ حكم اإلعدام فيهم

لعفو عن جثث لقد صدر ا, وصلت بعد أوانها ببضعة أيام, بعد فوات األوان

مع علم المرسلين , أرسلت البرقية إذن إللغاء الحكم بالموت بعد وقوعه)263(.))الثكنة

أما ما يريد الشبان األربعة إرساله إلى . للبرقية بدون شك بتنفيذ اإلعدام قبل إرسالهم لها

: العجوز فهو الموت نفسه

! ـ فلتبق حيث هي ((

.عن طريق حوالة بريدية ـ سنرسل إليها معلوم الكراء

. ـ أو في حقيبة

) 264()) ـ ولما ال يكون ذلك في تابوت؟

ثم يأتي بعد عنصر المراسلة أو التابوت عنصر موضوعاتي معدل يبدو ـ من

وجهة نظر العجوز على األقل ـ كأنه تجسيد عملي لرغبة الشبان في موت األرملة

صبي ابن القابض الذي دخل إلى حديقة المرأة وكسر هذا العنصر هو ال ,اإليطالية

رأته اإليطالية يوما وهو يكسر أغصان شجرة الكرز في (( :أغصان شجرة الكرز

فسقط من الشجرة ولكنه بقي معلقا من تبانه .والحظ هو أنها كانت تنظر إليه. حديقتها

, ى بعضهما شزراومكث االثنان كثيرا ينظران إل .عندما هم باجتياز السياج الحديدي

فالحديقة حسب ما تبين )265(.))وكانت هي مذعورة أمام نافذتها, كان هو معلقا من دبره

ولذا فهي تعديل للمسجد , وهذا يعني أنها مكان مغلق, الفقرة محاطة بسياج حديدي

أما صعود الصبي فوق شجرة الكرز وتكسيره ألغصانها ثم سقوطه من . ولساحة الثكنة

فهو , ذلك معلقا من دبره إلى سياجها الحديدي لما أراد اجتيازه هاربافوقها ليبقى بعد

مجموعة من األحداث التي تعدل مشهد الهجوم الذي وقع على الزوج الضابط

ذلك أن صعود . ولكن بدون جدوى, ومحاوالته اإلفالت من طعنات سكين مهاجمه

.133ص, نفسه - 263 .265ص, نجمة- 264 .266-265ص, نفسه- 265

331

لموضوعاتية الذي كانت وسيلته في ا, الصبي على الشجرة هو نوع من الركوب

, "سوزي في الحقل"والبغال في , "مقتل ريكار"ثم الحافلة في , األساسية هي العربة

, "قتيل المغارة"ثم الحصان في , "اختطاف زهرة"وفي , "الخادمة اللطيفة"والحافلة في

كما " الشجرة"وهي هنا , "االخضر في الحظيرة"وفي , "رافق ابنتي يا مراد "والنقالة في

. ذكرنا

فالمشهد هو الذي يتحكم دائما في طبيعة التعديل الذي سيتخذه أي عنصر من

ألنه , أما تكسير األغصان فهو نوع من االعتداء على الشجرة. عناصر الموضوعاتية

بالخصوص إذا قام به مالك , الذي يعتبر أمرا طبيعيا" جني الثمار"مختلف عن فعل

غصان فهو اعتداء يلحق الضرر بالشجرة فال يقبل أما تكسير األ. الشجرة أو تم بموافقته

ولذا كان هذا االعتداء تعديال لطعنات السكين التي تلقاها . ال من مالكها وال من غيره

وفي كون هذه الشجرة هي شجرة كرز ما يدعم , الزوجان داخل سيارتهما أو خارجها

غياب هذه الثمار التي ومع, هذا التأويل إذ يستحضر اللون األحمر الذي هو لون ثمارها

فيكون تكسير , لم تذكرها الرواية ولم تشر إليها ما يجعل اللون األحمر يشملها جميعا

وهذا كله . أغصانها هو عبارة عن جروح ينبثق منها ماؤها ومن ثم اللون األحمر

ثم تتحدث الرواية عن . استحضار وتعديل لدم الزوجين الذي أسالته طعنات السكين

ولكن السياج الحديدي منعه من ذلك فأبقاه معلقا من , ومحاولته الهربسقوط الصبي

ففعل السقوط ليس سوى تعديال لسقوط أو لخروج الزوج نفسه من سيارته . دبره

ولكن طعنات , ومحاولته الهروب تحت أعين زوجته المذعورة التي تعدلها العجوز هنا

ذلك ما تعدله عبارة . نفاسه األخيرةالسكين تلحق به ثانية وتستمر في تمزيقه حتى لفظ أ

؛ فكون السياج من حديد يجعله يلتقي بالسكين في شكله وفي مادته "السياج الحديدي"

, أما بقاء المرأة مذعورة أمام نافذتها تبادل الصبي نظرات شزراء. وفي وظيفته أيضا

وقد رأت فهو موقف يعدل حالة الزوجة أمام مشهد االعتداء الذي وقع عليها مع زوجها

وبما أننا رأينا أن الشجرة تعدل العربة فال . زوجها يسقط أمامها تحت طعنات القتلة

وهذا يعني أن . يمكن للنافذة إال أن تكون بدورها معدلة لنافذة العربة التي كانت بداخلها

الزوجة عند االعتداء حسب هذا المشهد لم تستطع الخروج من العربة فبقيت بداخلها

بع تفاصيل الجريمة في انتظار نصيبها من االعتداء الذي كانت بدايته في مذعورة تتا

332

: هذا ما تشير إليه العبارة, جريمة الناظور االغتصاب ونهايته التمزيق بطعنات السكين

فهذه الصورة برغم ما تحمله من فكاهة ومرح فهي تعدل )). كان هو معلقا من دبره((

قبل أن تسقط بدورها تحت طعنات السكين ما تعرضت له الزوجة من اغتصاب جنسي

وقد حمل هذا المشهد إشارات أخرى تعمق . كما سقط قبلها زوجها تحت الطعنات نفسها

ثم رآها الناس بعد ذلك وقد : (( إذ جاء في ختام النص, تقاربه وتعديله لجريمة الناظور

!" انيفي حديقتي مظلي ألم: "خرجت إلى الطريق متحاملة على نفسها وهي تصيح

فخروج )266(...))وكان الصبي ذا بنية تفوق سنه بكثير. وكانت الحرب وقتها قد انتهت

هو تعديل لما قد تكون زوجة الضابط , المرأة العجوز إلى الطريق مذعورة وهي تصيح

في الوقت الذي كانوا فيه , قد قامت به محاولة النجاة بنفسها من قبضة القتلة أو القاتل

وقد . ال يمكن أن تكون هذه اللحظات إال لحظات للذعر والصياحإذ , يطعنون زوجها

فالمظلي هو )). مظلي ألماني: (( حمل هذا الصياح بالتحديد ما يشير إلى صفات زوجها

والطائرة وسيلة من , وظيفته مرتبطة بشكل أساسي بالطائرة, عسكري وضابط أيضا

يستعمل وسيلة نقل , وضابطا مما يجعله يلتقي بزوجها في كونه عسكريا , وسائل النقل

وكان الصبي ذا بنية ( (: ولما تضيف الفقرة عبارة. هي الطائرة في مقابل عربة الزوج

إذ ال يبقى الحديث يعني صبيا , يصبح األمر واضحا جدا أمامنا.)) تفوق سنه بكثير

وهذا معناه في التحليل الموضوعاتي أن الصبي هو تعديل للزوج . وإنما يعني رجال

.ابط قتيل الموضوعاتية األساسيةالض

تدل هذه المشاهد المدروسة في مستوى الدرجة الثانية أو الثالثة من التعديالت

". جريمة الناظور"الموضوعاتية أن رواية نجمة انبثقت من موضوعاتية أساسية هي

أن وتبقى في الرواية تعديالت أخرى تنتمي إلى مستوى الدرجة الثانية يمكن للقارئ

يهتدي إلى عناصرها المعدلة للموضوعاتية بعد أن يستعين بما تم الكشف عنه في

)267(.المشاهد السابقة

.266ص, نجمة- 266 يمكن للقارئ أن يتوقف تبقى في الرولية مشاهد أخرى كثيرة تنتمي في أغلبها إلى مستوى الدرجة الثانية- 267

رشيد , )30(الزجاجات المنطرحة: وسنشير إلى جملة منها مع ذكر أرقام الصفحات التي وردت فيها. عندها بنفسه

333

وبعد هذا سنقوم بدراسة مجموعة من التعديالت الموضوعاتية التي تنتمي إلى

مع العلم أن ما تناوله جان بول ويبر في هذين . الدرجة األولى ثم الدرجة صفر

)268(.لم تكن الحدود الفاصلة بينهما واضحة" استندال" أعمال المستويين من

فإننا سنعتبر أن تعديالت ما , وأمام الحاجة إلى توضيح الحدود بين المستويين

تنتمي إلى الدرجة الصفر لما يرد في النص عنصر من عناصر موضوعاتية جريمة

يمكن على أساس ذلك عده , الناظور أو جزء من أجزائه بصورة واضحة ومباشرة

فهو ال , أما التعديل من مستوى الدرجة األولى. تكرارا للعنصر الموضوعاتي المعدل

وإنما تعبر عنه صورة , يكون تكرارا لفظيا للعنصر الموضوعاتي أو لجزء من أجزائه

. فنية مركبة من عدة عناصر

ساسية بألفاظها إن التعديالت من الدرجة صفر هي عناصر الموضوعاتية األ

أما تعديالت الدرجة األولى للموضوعاتية فهي تعديالت تشكل صورا فنية , وبدالالتها

ولكن هذه , تقوم على أكثر من عنصر واحد من عناصر الموضوعاتية األساسية

العناصر ليست بالعدد الذي يسمح بتشكيل مشهد كامل يمكن مقابلته بمشهد

حقق يجعل المشهد ينتقل أو يصنف في الدرجة ألن ذلك إذا ت, الموضوعاتية نفسه

. الثانية

فتعديالت الدرجة األولى إذن هي أكثر تعقيدا أو اكتماال من تعديالت الدرجة

وبما أن هذه . ولكنها بالمقابل أقل تعقيدا واكتماال من تعديالت الدرجة الثانية, صفر

فإننا سنجد أنفسنا في بعض , قيقالحدود بين الدرجات الثالثة ال يمكن تحديدها بشكل د

راكب , )206(سباق العنزات, ) 138(مقتل العذرائين, )86-84(بائع الفطائر والضابط المغازل, )39(يطعن مرادا

).264-263(رجل المستودع, )230-227(صطفى مع ألبارشجار م, )209-207(البغل وراكب الحمار إذ يجمع جان بول ويبر بين المستويين دون أن يمكننا من التمييز بوضوح بين التعديالت الموضوعاتية - 268

إال ما سبق أن ذكرناه عند الحديث عن تنظيراته للمنهج الموضوعاتي في , التي تنتمي إلى هذا المستوى أو ذاك

لم نجد التوضيحات الكافية التي " استنادال"فلما كنا نتتبع تطبيقاته على أعمال , وهكذا. من الباب األولالفصل الثاني

بل كان يكتفي بالقول بأن , كانت تجعله يضع عنصرا معينا في الدرجة صفر مثال ويضع غيره في الدرجة األولى

= ثم يشرع في دراستها دون أي توضيح, ولىتعديالت موضوعاتية معينة تنتمي إلى الدرجة الصفر أو الدرجة األ

وهذا يجعلنا , آخر يجعل القارئ يدرك بأنه أمام تعديل من الدرجة األولى مثال وليس أمام تعديل من الدرجة صفر=

. نفكر بأن ويبر نفسه لم يكن قادرا على التمييز بدقة كافية بين المستويين لتقاربهما وتداخلهما

334

األحيان نخترقها وننتقل بينها منجذبين بدالالت من هذه الدرجة أو تلك؛ ولكن تبقى

الغاية من كل ذلك هي استكشاف التعديالت الموضوعاتية وإغناء التحليل حتى نصل

سة وسعيا إلى هذا سنشرع في درا. في األخير إلى اإلحاطة بأدبية النص وإبراز جماليته

هذين النوعين من التعديالت الموضوعاتية في رواية نجمة منطلقين من تعديالت

.الدرجة األولى

: ب ـ تعديالت الدرجة األولى

بعد تأملنا في مجموعة تعديالت الدرجة األولى التي توصلنا إلى تحديدها

:وجدناها تتوزع على سبعة مشاهد جزئية جاءت حسب اآلتي

:مسجد كبلوتـ 1

ال تقدم لنا الرواية عند الحديث عن الجثتين المنطرحتين في مسجد كبلوت أي

إذ بعد وقوع ذلك وردت في الرواية فقرتان , وصف لهذا المسجد إال بعد أن تم تخريبه

: تقدمان وصفا عاما عن الحالة التي صار عليها

وقد قد من , وى السنجق األخضربقي المسجد خربا طلال ال يقوم منه س(( ـ

, فظلوا قائمين على المسجد, أما أهل الفرع الرابع(( و )269(.))أسمال األرامل والشيوخ

)270(.))وسنجق الجد األول, والمزار وما يحيط به من أرض صغيرة

:استحضرنا النصوص التعديلية اآلتية , فبناء على هذين النصين

لم يبق من المنزل المهجور إال أجزاء من ... نزل مهجورم ,ثمة غير بعيد من هنا(( ـ

كان االخضر ... وقضى الغرباء السهرة ينقلون القش والتبن ,الجدران وأخشاب معراة

.133ص, نجمة- 269 .134ص, سه نف- 270

335

. وكان البرد شديدا. وكانت األنجم تمأل السماء تأللؤا. يغمغم وقد دس رأسه في التبن

)271(.))وم في آن واحدوكان مصطفى يدندن بأغنية حتى يقاوم البرد ويستعجل الن

يعدل هذا المشهد بشكل واضح غرفة الشبان المتضررة التي اكتروها عن العجوز

, ولما كانت تلك الغرفة حسب ما بينت الدراسة ,"العجوز اإليطالية" اإليطالية في مشهد

. فإن هذا المشهد أيضا هو تعديل للعنصر الموضوعاتي نفسه, هي تعديل لمسجد كبلوت

تقابلها في غرفة العجوز اإليطالية قطرات " األنجم المتأللئة" وينبغي أن نالحظ أن

فتلك أيضا نقط , فكما أن هذه نقط بيضاء, األمطار المتساقطة على أجسام الشبان

لما بللت , فقد فعلت تلك األمر نفسه أيضا, وكما أن هذه تغطي األجسام بنورها, بيضاء

تبن والقش فتقابله حاشيتا اللبد التي افترش الشبان إحداها وغطوا أجساد الشبان؛ أما ال

زيادة للوصف العام , أجسامهم باألخرى؛ أما البرد فهو عنصر مشترك بين المشهدين

وهذا كله في األخير تعديل لمسجد كبلوت . للكوخ وللغرفة إذ يشتركان فيه أيضا

.طختها الدماءوللجثتين المنطرحتين فيه وهي مغطاة باألسمال وقد ل

منزل انتحرت ( كانت دار نجمة تشرف على فناء منزل تسكنه الجن واألشباح (( ـ

تحيط بها منازل فخمة كانت تسد الطريق على ) فيه أسرة قبل الحرب انتحارا جماعيا

ودار نجمة طابق أرضي يتكون من أربع غرف تفضي إلى ممر يؤدي ... حافلة الترام

وإلى سطح يرقي إليه المرء , ديقة صغيرة غير مزروعةـ من جهة واحدة ـ إلى ح

تبدو , وكانت الجدران التي زال عنها طالؤها. بدرج نخره السوس ليس أمتن من سلم

ولم يكن األطفال يتوقفون عن ركل كرتهم ... كألواح وسط أمواج من الخضرة الكثيفة

هول أولئك الالعبين انزلقت دراجة فوقع راكبها ثم نهض واقفا مغتبطا بذ... المثقوبة

إذ أنهم لن يفكروا ـ في لعبهم ـ في السخرية من راكب الدراجة وقد , الصغار عنه

) 272(.))سقط فخدش

وهو يشتمل على عدة عناصر من , قمنا باختصاره طويل هذا مشهد تعديلي آخر

نقوم لكن س, الموضوعاتية مما يسمح له ألن يكون ضمن مشاهد مستوى الدرجة الثانية

.31ص, نفسه- 271 .67-66ص, نجمة- 272

336

بدراسته في مستوى الدرجة األولى مركزين على عنصر المسجد ومشيرين في الوقت

فزيادة على أن الدار تعتبر مكانا مغلقا . نفسه إلى بقية العناصر الموضوعاتية األخرى

دائريا فقد اشتمل هذا المشهد على أماكن تحيل على مفهوم الدائرة حسب ما تدل على

؛ كما "حديقة صغيرة غير مزروعة"و, "تحيط بها منازل", "زلفناء المن: "ذلك العبارات

انتحرت فيه أسرة قبل : "يتضمن أيضا عنصر مقتل الزوجين الذي تدل عليه العبارتان

كانت : "أما سيارة الزوجين فقد تم تعديلها بالحافلة وبالدراجة". سقط فخدش"و, "الحرب

؛ أما قدم منزل نجمة "قع راكبهاانزلقت دراجة فو"و, "تسد الطريق على حافلة الترام

سطح يرقى إليه المرء بدرج نخره : "لكونه تعديال للمسجد الخرب فتعبر عنه الفقرة

تبدو كألواح وسط , وكانت الجدران التي زال عنها طالؤها. السوس ليس أمتن من سلم

وهذه العناصر الموضوعاتية جميعها كما نرى تدور حول ". أمواج من الخضرة الكثيفة

ار نجمة أي أنها عناصر مرتبطة بها جاءت إلبراز هذا المكان وتحديد طبيعته في د

ولذا جعلنا هذا المشهد ضمن المشاهد التي تعدل عنصر مسجد كبلوت في , الرواية

.الموضوعاتية األساسية

دفع رشيد الباب . هذه المرة رأسا إلى البيت الذي ورثه عن أبيه) رشيد ( اتجه (( ـ

كان البيت المهجور يشرف على قاعة المحكمة , يل دون أن يهز الحلقةالخشبي الثق

العسكرية من كوة يعود فتحها ـ على ما يبدو ـ إلى جرأة أسرة تركية حريصة على

وقد طلي بالجير األبيض بكثير من , كان بيت رشيد... مراقبة كل حركة في القصبة

وكانت على ... والمدينة العتيقةيفصل بين حارة اليهود, ثم باألزرق الداكن, اإلهمال

اليمين حديقة صغيرة اجتاز نبتها حائط المفوضية ـ وهي مقر المحكمة التي تنظر في

)273(...))قضايا الهاربين من الخدمة العسكرية ـ وهاج فاجتاح أنقاض بناية رابعة

كما يعدل إلى جانب , يعدل هذا المشهد بدوره عنصر مسجد كبلوت بالخصوص

مجموعة من العناصر الموضوعاتية األخرى الرتباطها الواضح بمشهد دار نجمة ذلك

يظهر ذلك في اشتماله على عدة عناصر . أو بالموضوعاتية األساسية مباشرة, السابق

: من هذا المشهد يمكن أن نحددها حسب اآلتي

.160-159ص, نجمة- 273

337

واية ال وإن كانت الر, األسرة التركية تعدل األسرة التي انتحرت في دار نجمة

وقد طلي : (( صفة القدم التي تعبر عنها الفقرة. تتطرق إلى مصير هذه األسرة التركية

باإلضافة إلى هاتين الفقرتين , ))ثم باألزرق الداكن, بالجير األبيض بكثير من اإلهمال

وكونه ملكا ألسرة تركية قبل أن ينتقل إلى أبي رشيد , فموقع البيت في حي شعبي قديم

ويرتبط بيت رشيد بدار نجمة أيضا من . لها معلومات تدل على أن البيت قديمك, ثم إليه

وكانت على اليمين حديقة : (( خالل وجود حديقة صغيرة مهملة بجوار كل منهما

أما العنصر الذي يتميز به بيت رشيد عن دار .)) صغيرة اجتاز نبتها حائط المفوضية

من عناصر الموضوعاتية وهو عنصر, نجمة فهو المحكمة على وجه الخصوص

ومحاكمة األعيان ثم إصدار الحكم وتنفيذه في , األساسية يتعلق بالقضاة العسكريين

وهو األمر الذي , ساحة الثكنة؛ حيث نالحظ ارتباط عنصر الحكم بعنصر العسكر

يشرف على قاعة المحكمة : (( تضمنه هذا المشهد أيضا حسب ما جاء في النص

.))كمة التي تنظر في قضايا الهاربين من الخدمة العسكريةمقر المح"و, "العسكرية

: ـ السكين 2

وهي , ال نريد أن نتوسع في تتبع جميع أنواع تعديالت هذا العنصر الموضوعاتي

, كأن نحصر جميع أنواع األسلحة المستخدمة للقتل والتعذيب, كثيرة في رواية نجمة

نكتفي بتتبع نوعين فقط كنا تناولناهما في مشهد وإنما س. وغيرهما, والمسدس, كالبندقية

:وهما السوط وحزام رشيد " رشيد والرتيالء"

... كانت الحجرة غرفة غسيل, ودفعه نحو الباب, إلى االخضر) الحارس(رجع (( ـ

واستسلم االخضر فقيد ... وأخذ حبال مبلال, أعاد المفتش سوطه ثانية إلى حزامه

أخذ رجال . لم يعد سوط المالزم كافيا. ليه الضرب ثانيةوانهال ع... المفتشون يديه

وهم ينهالون عليه , كانوا يقصدون أخمص قدميه بضرباتهم. الشرطة حباال أخرى مبللة

)274(.))بجهد الحطابين

من ضرب رشيد " رشيد والرتيالء" هذا المشهد هو تعديل لما جرى في مشهد

لكنه , م خلفه الشرطي بعد ذلك فضربها أيضاث, للرتيالء التي حطت على جسمه بحزامه

.62-59ص, نجمة- 274

338

وقد أوضحنا أنه مشهد يعدل مشهد طعن الزوجين . لم يصب في كل مرة إال جسم رشيد

فهاهو ذلك المشهد يتكرر هنا من خالل تعذيب الشرطة لالخضر بالسوط . بالسكين

كما نرى أيضا أن المشهدين يجريان. وبالحبال التي هي صورة للسوط ولحزام رشيد

.والضارب أيضا هم الشرطة في الحالتين, أي في المكان نفسه, في السجن

كنت ـ )... وكان مقاول أشغال عمومية ( , نشأ لويجي بين عمال حظيرة أبيه(( ـ

... وإذا بي أسمع صوته وأنا ألج الدكان... صباح إيقافي ـ أنتظر لويجي عند الحالق

... ـ لقد سألوني إن كنت تتولى الدعاية

ـ من قال هذا؟

ما . لقد أتوا يطلبونني من البيت عند الصباح الباكر, ـ مساعد المتصرف والمفتشون

)275(!))أشد ما لقيت من السياط

يروي هذا المشهد توقيف الويجي صديق مصطفى خالل أحداث الثامن ماي

رى أو وإن كانت الرواية ال تقدم وصفا لما ج. وتعرضه لالستنطاق والتعذيب بالسوط

إال أن , كيفية التعذيب حسب ما تقدم مع االخضر عند إيقافه خالل تلك األحداث نفسها

كاف ليجعلنا ندرك أن طريقة تعذيبه لم , ))ما أشد ما لقيت من السياط: (( قول الويجي

ومن ثم فهو , وهذا يعتبر تعديال لما جرى لالخضر ولرشيد. تخل من ضربات السوط

. السكين في الموضوعاتية األساسيةيعدل بدوره عنصر طعنات

: ـ تخريب الناظور 3

هذا عنصر موضوعاتي تم تعديله أيضا في مستوى الدرجة األولى للموضوعاتية

:في مواضع من الرواية تمكننا من تحديد اثنين منها

وما عليك إال أن , ثم إني لست ممن يحمل للجيش ودا... إني من شمال فرنسا(( ـ

. عل الشلوح في المنطقة التي أسكنهاترى ما ف

ـ من؟

)276(!))أعني األلمان, "البوش"أي , ـ الشلوح

.244ص, نجمة- 275 .63ص, نفسه- 276

339

وأحد , هذا المشهد ورد في سياق حوار دار بين االخضر لما خرج من السجن

وهو في . حراس السجن كان االخضر أعجب به ألنه لم يمد يده أبدا نحو سجين لضربه

قام به األلمان من تخريب وتدمير في المنطقة التي يسكن هذا المقطع يذكر لالخضر ما

وهذا تعديل لألعمال التخريبية والقتل الذي تعرضت له قبيلة . بها في شمال فرنسا

.كبلوت في جبال الناظرور على يد قوات الجيش الفرنسي انتقاما للزوجين القتيلين

رتها زمن الهجوم الثاني قد دم" داميرمون"أنقاض بناية رابعة كانت مدفعية ((... ـ

الذي انتهى إثر أربعة أيام من القصف كانت فيها البطاريات األربع تقصف من مسافة

ولكن انفجر مخزن ... وكانت مرتفعات القصبة ترد على القصف بمثله, قريبة جدا

)277(.))فابتدأ عندها غزو المدينة بيتا بيتا, وكان آخر ذخيرة بيد المحاصرين, البارود

هذا مشهد من نص طويل يصور احتالل الفرنسيين لمدينة قسنطينة وتخريبها بعد

أن استطاعوا القضاء على المقاومة بعد حصار طويل؛ وهو مشهد يعدل في شكله العام

.وفي موضوعه مشهد تخريب الناظور وقتل أهله

: االختطاف ـ 4

كان سي , اف الموضوعاتي ورد في الرواية مشهد جزئي يعدل عنصر االختط

: مختار أحد منفذيه حسب ما يتضح من قول رشيد

: وقال لي عنهن يوما آخر, ومر بي بين الممرضات الالتي كان يعرفهن جميعا(( ـ

فلقد , لكن اليوم محتجبات كلهن, ولوالي أنا ولوال الطبيب, ليس منهن واحدة أوربية"

)278(..."))عناهن من عائالتهن انتزاعااقتطفناهن عند خروجهن من المدرسة أو انتز

والذي قد تكون , كاالختطاف المتعلق بالموضوعاتية, فاالنتزاع واالقتطاف هنا

ففعل االنتزاع هنا وقع على . زوجة الضابط تعرضت له بغرض اغتصابها قبل قتلها

منه الفتيات كما وقع في جريمة الناظور على زوجة الضابط؛ والطرف الذي انتزعت

؛ وهذا يكاد ال يختلف ـ من حيث قوة العالقة التي تربط بين "أهلهن"الفتيات هو

ثم إن . الطرفين ـ عن العالقة الزوجية التي تربط بين الزوج الذي انتزعت منه زوجته

.160ص, نجمة- 277 .110ص, نفسه- 278

340

يحمل هو أيضا جانبا من هذه العالقة , مظهر الفتيات الذي يشبه مظهر األوربيات

وبين الزوجة الفرنسية التي , في هذا المشهد من جهةالتعديلية بينهن كطرف أساسي

.وقع عليها االختطاف في الموضوعاتية األساسية من جهة ثانية

: ـ االغتصاب5

في تلك المصحة ... برهة من الزمن, تركنا سي مختار وجها لوجه(( ـ

حى إلي ـ في وأو, واختفى سي مختار فأدخل اختفاؤه بعض الفزع في نفسي... المغلقة

)279(.))أمام تلك الغريبة التي مازالت تبتسم لي, الوقت ذاته ـ بفكرة النهك والدنس

هذا حديث رشيد عن لقائه األول بنجمة في مصحة بقسنطينة وقد جمعه بها سي

ويكشف لنا رشيد أنه في ذلك .وكانت نجمة في ذلك الوقت قد تزوجت بكمال ,مختار

وقد كانت بالنسبة إليه ,))فكرة النهك والدنس : (( اغتصاب نجمةاللقاء كان يرغب في

)).تلك الغريبة(( :امرأة غريبة

غرفة مغلقة تتقابل مع المكان : فهذا المشهد يعدل اغتصاب زوجة الضابط

, مسجد كبلوت: والذي نجد له تجسيدات متنوعة, الدائري المغلق في الموضوعاتية

أما فعل االغتصاب فقد ذكره رشيد . المرأة والقبض عليهاومحاصرة , ساحة الثكنة

باإلضافة إلى أن نجمة كانت امرأة متزوجة وقد بدت لرشيد غريبة؛ وهذه , نفسه

.أوصاف تقربها من الزوجة الفرنسية

: ـ الجثة ملفوفة في أسمال6

من المتاع سوى كراس تلميذ ملفوف حول سكين ذي]االخضر[لم يكن له (( ـ

)280(.))فرضة توقيف

.113-111ص, نجمة- 279 .73ص, نفسه- 280

341

تتحدث هذه الفقرة المنتزعة من نص طويل يصف وصول االخضر إلى عنابة

قادما إليها من قسنطينة بعد خروجه من السجن عن المتاع الذي كان يحمله معه؛ وهو

والسكين . أسقطه ثم أعاده إلى داخل الكراس, يتلخص في سكين ملفوف حول كراس

جريمة؛ ولفه في كراس هو تعديل للجثتين الملفوفتين في األسمال؛ كما رأينا هو وسيلة ال

ثم إن سقوطه إثر نزول االخضر من عربة القطار يدعم عالقة هذا الحادث

وهي تقابل سيارة , "عربة القطار"بالموضوعاتية الشتماله على وسيلة نقل متمثلة في

كراس الذي لفه فيه الزوجين القتيلين في الموضوعاتية؛ كما يعتبر خروجه من ال

وسقوطه على األرض ليراه الناس هو نوع من التحذير بأن وجوده ملفوفا ال يعني أنه

.وإنما هو حي دائما وقادر على صنع الموت في كل وقت, قد أصبح جثة

وساحة " الرقاق"فيجتاز أسوار الثكنة وساحة , كان رشيد ـ منذ طفولته ـ يغامر(( ـ

التي كانت ـ فيما مضى ) المغارات(والدواميس , ف الواديويصل حتى تجاوي, "اإلبل"

)281(.))فكان يلقى فيها ضحايا الداي في أكياس تخاط عليهم, ـ دون منفذ

فصورة الضحايا الذين تخاط عليهم األكياس هي تعديل لصورة الزوجين القتيلين

فهي تعديل , )) منفذ دون... تجاويف الوادي: (( وقد لفت جثتيهما في أسمال؛ أما عبارة

.للمكان الدائري المغلق في الموضوعاتية الذي يجسده كل من المسجد وساحة الثكنة

, وحينما عاد إلي وعيي... فتلطخت يده بالدم, وأمسك الناظر بقميصي الصوفي(( ـ

كنت ممددا بين برميلين في ساحة مركز . وظننت نفسي طليقا. كان الناظر قد مضى

)282(.))الدرك

يعدل هذا المشهد عنصر الزوجين القتيلين؛ فقميص مصطفى الملطخ بالدم يعدل

هي وضعية تعدل صورة , ))كنت ممددا : (( وقوله. األسمال الملطخة بدم الزوجين

أما ساحة مركز الدرك فهي تتقابل من جهتها مع . الجثتين المنطرحتين في المسجد

.تةساحة الثكنة التي أعدم فيها األعيان الس

: ـ القتل7

.161ص, نجمة- 281 .245ص, نفسه- 282

342

سنقوم , نجد لهذا العنصر الموضوعاتي تعديالت كثيرة من مستوى الدرجة األولى

:بدراسة مجموعة منها

وجعل يقتل , وتمدد على العشب وحيدا تحت أشجار الحور, أخذ االخضر مقالعه(( ـ

من موت ولكنه كان أصغر من أن يتأكد , تملؤه الثقة, العصافير التي أرهقها النعاس

)283(.))الجثث التي رماها

ذلك ألن األطفال أو غيرهم لما يصطادون , هذا المشهد يخالف ما هو معتاد

وهي ال تصطاد في األصل إال من أجل ,الطيور يأخذونها في الغالب لالستفادة بها غذاء

ولكننا نرى االخضر في هذا المشهد يقوم برميها بعد أن ينجح في .هذا الغرض

ولكن الغرابة تزول طبعا لما نقرأ هذا المشهد في ضوء . يادها بمقالعهاصط

جثتي الزوجين في المسجد بعد قتلهما " رمي"إذ تم فيها , الموضوعاتية األساسية

سيكون الرمي , فمصير الطيور بعد أن قتلها االخضر بسالحه, وكذا األمر هنا. بالسكين

.وليس استهالك لحمها, أيضا

فاضطر إلى حملها , بقوة وعنف) النعاج ( خيشوم إحداها ) خضراال( ضرب (( ـ

)284(...))وماتت الشاة. وانهال الضرب على االخضر بعصاه هو... على الحمار

السالح ,القتل :إذ يشتركان في هذه االعناصر , هذا المشهد هو تعديل لعنصر القتل

).أنثى(الشاة ,)الحمار(الركوب ,)العصا(

اسفزازا ال , الحمار, ز ـ ذات ليلةـ جدي كان صغير عنزة اشتريت حديثاواستف(( ـ

, فركله الحمار بين عينيه فقتله, مر تحت بطنه ليأخذ منه علفه, يمكن السكوت عليه

)285(.))وساعدت زهرة االخضر على حمل الجدي إلى مجرى نهر بوسالم

يشترك ( السالح , القتل: فهما يشتركان في, يعدل هذا الحدث أيضا عنصر القتل

مع إمكانية اعتبار السالح في الحالتين هو سالح مركب , )مع السكين في مادة صنعه

ورجل الحمار وقطعة الحديد المثبتة عليها من جهة , اليد والسكين من جهة: من قسمين

.202ص, نفسه- 283 .205ص, نجمة- 284 .205ص, نفسه- 285

343

فاليد تقابل الرجل والسكين يتقابل مع , أخرى؛ وهما كما نرى ال يختلفان إال في الشكل

من مكان قتلها إلى " نقل الجثة"إلى جانب هذا فالمشهدان يشتركان في . عة الحديدقط

.وإلى نهر بوسالم في هذا المشهد, المسجد في الموضوعاتية

إذ طلب مفوض , لقد وافقوا على أن يترك المتظاهرون أسلحتهم في المسجد(( ـ

)286(.))الشرطة ذلك وساعده المفتي عليه

فاألسلحة في . في سياق الحديث عن مظاهرات الثامن ماي جاء هذا المشهد

ذلك ألن ترك تلك األسلحة في المسجد هو الموت بعينه؛ وهو ما , المسجد تعدل الجثتين

حدث ألصحاب تلك األسلحة فعال لما سقطوا برصاص المستعمرين دون أن يجدوا ما

.يدافعون به عن أنفسهم

)287(.))الب عاري الرأس إذ ظنه أروبياوقطع فالح ـ بضربة سيف ـ كتف ط(( ـ

إن الضرب بالسيف كالطعن بالسكين؛ كما أن الفالح والطالب العاري الرأس

فيعدل الفالح القاتل , يعدل كل منهما طرفا من طرفي الجريمة في الموضوعاتية

في ألن األوربي , ويعدل الطالب القتيل األوربي, المحتمل أن يكون من قبيلة كبلوت

نظر الفالح هو كل شخص عاري الرأس؛ ولذا ضرب ال طالب بسيفه العتقاده أنه

وهكذا يتضح أن هذا المشهد الجزئي يعدل الطرفين أو العنصرين اللذين يجسدان . كذلك

.الجريمة في الموضوعاتية

) 288(.))وجندل شرطي رئيس البلدية الفرنسي(( ـ

يرة واالضطراب القاتل اللذين سادا أحداث يعبر هذا المشهد عن الفوضى الكب

وقد , مما جعل األمور تختلط على الشرطي فال يميز بين زمالئه وأعدائه, الثامن ماي

وهكذا يدير سالحه نحو رئيس البلدية الفرنسي . أصبح القتل عنده أهم من كل شيء

. مثله فيقتله

.239ص, نفسه- 286 .240ص, نجمة- 287 .240ص, نفسه- 288

344

, لهذا فهو يعدل الضابط القتيلو, ورئيس البلدية هو أعلى سلطة سياسية في البلدية

ولكنه ال يعدل الجانب العسكري منه برغم أن القانون يمنحه , من جانب علو مرتبته

فالجانب المدني من سلطته بأرض البلدية , ولكن كما ذكرنا". ضابط الحالة المدنية"لقب

فهو يطغى, أما بالنسبة للشرطي فاألمر على عكس ذلك. يغطي على جانبها العسكري

, مما يعني أن صفته العسكرية غير كاملة, عليه الجانب العسكري على الجانب المدني

وبهذا يتضح كيف تتداخل شخصية رئيس البلدية مع . لكون قسم منها قسما مدنيا

ويأخذ بعضهما من بعض؛ فيكون قتل الشرطي لرئيس البلدية هو , شخصية الشرطي

سم قوي لهذا التداخل بين الطرفين لصالح وهو ح, "المدني"على " العسكري"انتصار لـ

فيكون هذا تعديال واضحا للقوة العسكرية التي واجهت الوضع المتولد عن ". العسكري"

والتي يقابلها هنا الشرطي؛ على حساب أعيان , مقتل الزوجين بالقمع والقتل والتخريب

. الذين يقابلهم هنا رئيس البلدية المقتول, القبيلة

ما يلفت االنتباه في هذا )289 (.))احب الخان ملفوفا في برنسه المحمروتدحرج ص(( ـ

المشهد الجزئي هو البرنس المحمر بالدم الذي يلف صاحب الخان أو المطعم؛ فهو

والملفوفة في أسمال ملطخة بالدم بعد أن مزقتها , مشهد يعدل الجثة المنطرحة أرضا

فهو , ن القتيل صاحب البرنس والخانأما الربط عن طريق اإلضافة بي. طعنات السكين

المكان المغلق في , كوضع الجثة في المسجد؛ إذ الخان يعدل بدوره المسجد

.الموضوعاتية

وجعل يطلق النار على األسمال؛ بينما راح , وسد الجيش الشارع الرئيسي(( ـ

)290(.))المعمرون والشرطة يجوبون األحياء الشعبية فلم يبق باب مفتوحا

, فهو العنصر نفسه, "جريمة الناظور"عدل الجيش في هذا المقطع الجيش في ي

وهو يقوم بالقتل مكررا ما فعله في مشهد الموضوعاتية؛ ولكن الرواية هنا ال تشير إلى

لتشير بذلك إلى فقر هؤالء , وهي األسمال, وإنما تذكر إحدى لوازمها, الضحايا صراحة

فهم في , حتقار االستعمار لهؤالء الفقراء الضحاياوكذلك إلى كشف ا, الضحايا من جهة

.240ص, نجمة- 289 .240ص, نفسه- 290

345

ولكن وراء هذه الدالالت يقف التعديل . نظره عبارة عن أسمال ال قيمة لها

ذلك ألن األسمال تعدل نظيرتها التي لفت فيها جثتا الزوجين؛ أما قيام , الموضوعاتي

سواء , المغلقالجيش في بداية المشهد بسد الشارع الرئيسي فهو أيضا تعديل للمكان

فلم يبق باب "وهو التعديل الذي تعبر عنه أيضا الرواية بـ , للمسجد أم لساحة الثكنة

".مفتوحا

, كان مصطفى جالسا بجانب السائق؛ وجلس دركي مسلم بجانبه في الحافلة(( ـ

: وابتسم له وقال

. ـ اجلس قرب الباب

. انبسط مصطفى غايته

)291(.))د ثقبتها رصاصةلم ينتبه إلى أن قبعة الدركي ق

أول ما يظهر منها هي الحافلة ,يتضمن هذا المشهد بعض عناصر الموضوعاتية

فيضاف بهذا عنصر آخر إلى , التي صعد إليها مصطفى ليتبعه بعد ذلك دركي مسلم

ويتعمق هذا التعديل من خالل الرصاصة , المشهد وهو الدركي المعدل للضابط القتيل

ولكن كون هذا الدركي مسلما يصبح معدال أيضا لألعيان الستة . هالتي ثقبت قبعت

فمعنى ذلك أن السالح وجه إلى , تشير إلى ذلك القبعة لكونها لباس الرأس. المعدومين

وهذا تعديل لعلمية إعدام األعيان التي أدت إلى سقوط رؤوسهم الستة , رأس الدركي

. الواحد بعد اآلخر على أرضية ساحة الثكنة

مضى مصطفى يزور جثتي ... وأعدم ـ بالرصاص ـ عند مدخل القرية هاربان( (ـ

...كانت الجثتان عاريتين تحت لفح الشمس... القتيلين

أن تتردد إليه فتجلس صحبة بنات " مونيك" تسلقت مرتفعا من األرض اعتادت

زوجته التي ال... وكان على الطريق حارس األحراش والسيدة ن. رجال الدرك

ـ على تحيتها تحية ماي 6تلك التي أضحى كل مسلم مجبرا ـ منذ يوم , تفارقه

وهو , ...حارس السجن؛ و ر, ...وكان معهما ب, كانا يتأمالن جثتي القتيلين. عسكرية

... وكانا من أقارب مونيك, وزوجته... وفني الكهرباء ف, أحد رفاقي بالقسم

.240ص, نجمة- 291

346

)292(!))يا لنتن رائحتهم...: ف

مل هذه الفقرة التي تصف جرائم الثامن ماي على عدة عناصر معدلة تنتمي تشت

ولكن , وهو العنصر المتعلق باألعيان الستة, إلى مستوى الدرجة األولى؛ أولها اإلعدام

ولذا فعنصر , اإلعدام هنا وقع على هاربين اثنين وليس ستة كما وقع في ساحة الثكنة

لما يمضي مصطفى لزيارة الجثتين يجدهما و. الضحيتين يعدل الزوجين القتيلين

وهذا يعدل الجثتين المنطرحتين على أرض المسجد , ))عاريتين تحت لفح الشمس((

مقام األسمال؛ وإذا كانت األسمال تظهر " لفح الشمس"إذ يقوم , وهما ملفوفتان في أسمال

) !)يا لنتن رائحتهم...: ف: (( فلفح الشمس يخرج رائحة الجثث, دم الجثتين

ولما كان عنصر اإلعدام الذي أشرنا إليه مرتبطا في الموضوعاتية باألعيان الستة

, )) ماي6يوم : (( األولى في عبارة: فإن هذا النص صنع بدوره العدد ستة مرتين

ددهم ستة والثانية في عدد األوربيين الذي كانوا يتفرجون على جثتي الهاربين إذ كان ع

بعدما كان , وهكذا تنقلب الصورة بفضل التعديل فيصبح العدد ستة قاتال أو منتقما. أيضا

أي الزوجة بالزوج , أما عنصر ارتباط المرأة بالضابط. في الموضوعاتية ضحية وقتيال

؛ وأما ما يرمز إلى رتبته العسكرية فتعدله ))بنات الدرك : (( العسكري فتعدله العبارة

إذ تقدم التحية العسكرية للضباط الذين منهم , ))على تحيتها تحية عسكرية ((:العبارة

. الزوج القتيل

:ج ـ تعديالت الدرجة صفر

ال نسعى هنا إلى الكشف عن جميع العناصر المعدلة التي تنتمي إلى مستوى

وقد اجتمع بعض تلك , فهي كثيرة في رواية نجمة, الدرجة صفر من الموضوعاتية

عناصر في مجموعات مكونة مشاهد معدلة للموضوعاتية من الدرجة الثانية حسب ما ال

ولكننا نسعى إلى تتبع جملة من تلك العناصر وردت في النص , رأينا مع عدد هام منها

أو بشكل ثنائي ال يسمح لها بتكوين تعديل من درجة , الروائي مستقلة عن بعضها بعضا

, ناصر التي تكرر ظهورها في النص بشكل ملفت لالنتباهوقد اكتفينا هنا بتلك الع. عليا

دون أن نلجأ إلى إعادة اإلشارة إلى مواقعها في التعديالت التي سبقت دراستها قبل

.242-241ص, نفسه- 292

347

اآلن؛ كما ينبغي أن نذكر أيضا أن التمييز بين التعديالت من الدرجة صفر والتعديالت

نطلق من تعديل نعتبره من الدرجة إذ كثيرا ما ن, من الدرجة األولى هو تمييز ليس دقيقا

وربما كان هذا سبب , ثم نجد بعد تقدم البحث أنه ينتهي أيضا إلى الدرجة األولى, صفر

ومع . عدم تمييز ويبر نفسه بوضوح بين المستويين في تطبيقاته على أعمال استاندال

ذلك فقد توصلنا في هذه الدراسة إلى تحديد ثالثة عناصر موضوعاتية تكررت في

, وهي تنتمي إلى مستوى الدرجة صفر من الموضوعاتية, الرواية بشكل ملفت لالنتباه

:وفيما يأتي توضيح لتعديالتها. والعدد ستة, والسكين, الدائرة: وهذه العناصر هي

: ـ الدائرة 1

وصلة العنوان بالرواية أنه اسم إلحدى شخصياتها , هذا عنوان الرواية: ـ نجمة

وقد كانت والدتها في . شخصيات الشبان األربعة وسي مختارإلى جانب, الرئيسية

وأحبها , ؛ تزوجت من كمال"قتيل المغارة"الظروف التي رأيناها عند دراسة مشهد

إلى أن استقر بها , دون أن تخص أي واحد منهم بحبها, الشبان األربعة وغيرهم أيضا

. األمر في الناظور عند القبيلة

فلكي نذكر بعالقتها كعنصر معدل في مشهد , وف والدتها ولما نشير إلى ظر

إذ هي تقابل األبناء , في الموضوعاتية األساسية" األبناء"بعنصر " قتيل المغارة"

الذين , وتقابل األبناء الفعليين ألعيان القبيلة الستة المعدمين, المحتملين للزوجين القتيلين

وتبدو عالقتها أيضا باألعيان المعدمين . عين أبناؤهم الستة وهم في المهد قضاة ووالة

وبالضابط الزوج المقتول من خالل كونها تشكل الرمز الذي يجسد الرتبة العسكرية

.للضابط

وأن المرأة الفرنسية , "قتيل المغارة"فكون نجمة ابنة المرأة الفرنسية في مشهد

دل ابنة أو أبناء الضابط فإنها تع, والتي هي امرأة فرنسية كذلك, تعدل زوجة الضابط

وبهذا يحيل اسمها . أي من رتبته, ومن هنا فهي تأخذ اسمها من الضابط, المحتملين

وبما أن األعيان المعدمين هم . على نجوم الضابط بفضل كونها ترمز لرتبته العسكرية

لكونها, فإن نجمة تجسد أيضا تلك المكانة العالية في قومهم, الذين يمثلون علية القوم

.تتقابل مع أبنائهم الذين خلفوهم وراءهم بعد مقتلهم

348

, وتبدو أيضا عالقة نجمة بالموضوعاتية من خالل تعديلها لعنصر الشكل المغلق

ذلك ألن شكل النجمة , والذي تجسد في مسجد كبلوت وفي ساحة اإلعدامات في الثكنة

.هو شكل دائري مغلق

يحمل معاني قريبة جدا من " نجم"يفا لمادة وقد وجدنا في لسان العرب تعر

وبالخصوص منها تلك المتعلقة بالوالدة , الدالالت التي أعطيناها لعنوان الرواية

نجم الشيء : (( وبالمنزلة العالية واألعيان الستة؛ حسب ما يتضح في نص التعريف

ما طلع وكل . طلع: ونجم النبات والناب والقرن والكوكب. طلع وظهر: نجوما, ينجم

, يريدون الثريا: طلع النجم: فإذا قالوا, الثريا: والنجم. الكوكب: والنجم. وظهر فقد نجم

فمما له عالقة في هذا )293(.))وفيها ستة أنجم ظاهرة يتخللها نجوم صغار خفيفة

نجم : (( ومن ثم بعنصر األبناء الذي ورد في الموضوعاتية قوله, التعريف بفعل الوالدة

أما ما يربط .)) وكل ما طلع وظهر فقد نجم, طلع: والقرن والكوكبالنبات والناب

... الثريا: والنجم. الكوكب: النجم: (( عنوان الرواية بمفهوم العلو والرفعة فهو قوله

.وهي رفعة تعكس منزلة الضابط وكذا األعيان الستة, ))وفيها ستة أنجم ظاهرة

هو عنصر معدل لعنصر المكان , يةعنوان الروا" نجمة" ومن هذا كله نرى أن

ولعنصر األبناء وكذا لعنصر الرتبة العالية والمنزلة الرفيعة لكل من , الدائري المغلق

.الضابط واألعيان المقتولين في الموضوعاتية األساسية

, كان السيد ريكار ينهض من فراشه حوالي الساعة الخامسة: (( ـ ثقوب ودوران

إن )294(.))ويشرع في الدوران وهو ال يفارق خادمته, افيلبس سرواال قديما مثقوب

ومن ثم فهما , هما لفظتان تحمالن معنى الدائرية بصيغة الجمع" الدوران"و" ثقوب"

.تعدالن عنصر الدائرة الموضوعاتي

ولكن رئيسة هيأة الصليب األحمر بقيت تحتل المركز من تلك : (( ـ المركز

, وعنصر من عناصرها األساسية, لدائرةفالمركز عنصر مالزم ل )295(.))الفوضى

.فيكون ذكره هو استحضار للدائرة نفسها

.نجم: لسان العرب؛ مادة- 293 .11ص, نجمة- 294 .23ص, نفسه- 295

349

يحمل داللة " وسط الغرفة" )296(.))وكانت تترنح وسط الغرفة وقد أخذها الغثيان(( ـ

وإذا كنا , فإذا كانت الغرفة تعديال للمسجد أو هي صورة أخرى له, كداللة مركز الدائرة

هو تعديل لمركز " وسط الغرفة"فإن , مثله مثل الدائرة, غلققد رأينا أن المسجد مكان م

.الدائرة

وتوجه العمال ... إلى دوار فيه حوالي عشرة أكواخ, عندما وصلوا ضحى((... ـ

... يأتوا بحزم الحطب إلى عجائز الدوار الالتي يتكفلن ببيعها... الثالثة إلى الدوار

.)297())طردنا أهل القرية؟كما , أسينتهي األمر بأهل الدوار إلى طردنا

التي وردت بلفظها العربي في النص األصلي والتي تكررت في " الدوار" إن لفظة

هذا النص هي لفظة تحيل على الدائرة لفظا وداللة أيضا مادامت مجموعة من األكواخ

.المجتمعة إلى بعضها بعضا تكون شكال دائريا

تقفل فالقيد هو دائرة حديدية )298(.))ي يدهيضعون القيد ف) االخضر ( وتركهم (( ـ

.نكتفي منه بهذا النموذج, ويرد لفظ القيد في مواضع أخرى من الرواية. على المعصم

فوجدت الساحات الثالثة , بعد المظاهرة, رجعت ـ أوال ـ إلى المعهد(( ـ

هذا حديث االخضر يصف فيه تتابع األحداث بعد مظاهرات الثامن ماي)299(.))فارغة

هي تعديل بصيغة الجمع لساحة الثكنة , والساحات الثالثة التي يذكرها. التي شارك فيها

نجد مع تقدم الرواية تكرارا لهذا العنصر نكتفي منه بهذا . التي أعدم فيها األعيان الستة

.المثال

منتصبا بقامته الفارعة في , وانطلق الساعي مصطفى رأسا إلى وسط المدينة(( ـ

وإن كان ".وسط"بلفظ "مركز" استبدل النص المترجم هنا لفظ )300(.))ةسذاجة وسخري

وقد أضافت الفقرة إلى ". وسط"هي أخص بالدائرة من " مركز"اللفظان متقاربان فإن

.24ص, نفسه- 296 .31-30ص, نفسه- 297 .59ص, نجمة- 298 .52ص, نفسه- 299 .66ص, نفسه- 300

350

فقربته بذلك كثيرا من شكل الدائرة بمركزها , المشهد وصفا لقامة مصطفى الفارعة

.وقطرها

يشكل )301(.)) أحاط به جمع من الحمالينحتى) االخضر ( ما إن نزل المسافر(( ـ

.الحمالون في هذا المشهد محيط دائرة مركزها االخضر

يشكل )302(.))يحدق في األرض كمن يريد اإلفالت من الدوار) االخضر ( كان (( ـ

بينما يشكل , الدوار في هذا المشهد محيط الدائرة الذي شكله الحمالون في الفقرة السابقة

مع أن وجود لفظة اإلفالت إلى جانب الدوار يسمح بقراءة هذه . ضااالخضر مركزها أي

, ألنها تعدل صورة الزوجة والزوج يحاصرهما القتلة, الفقرة في مستوى الدرجة األولى

.وهما يحاوالن اختراق الحصار لإلفالت من قبضتهم وسكاكينهم

نه كان يدور أ الذي لم يكن يدرك ـ على ما يبدو ـ) االخضر ( ذلك المتسكع (( ـ

. الحلقة في هذا المشهد هي صورة لمحيط الدائرة)303(.))في حلقة

كن صبايا ال يزيد عمر ,طوال الصبيحة بينهن يحطن به) سي مختار ( وظل (( ـ

ال يختلف هذا المشهد عن المشهد السابق حيث )304(.))الواحدة منهن على العشرين

, االخضر بسي مختار: ات بأخرىإال في استبدال شخصي, أحاط الحمالون باالخضر

, ويبقى سي مختار يحتل مركز الدائرة بينما تشكل الصبايا محيطها. والحمالين بالصبايا

على عكس حصار الرعب والموت , ليصبح سي مختار بذلك محاصرا بالود والحنان

.الذي تعرض له الزوجان في الموضوعاتية

وردت هذه )305(.))ة بيد المحاصرينوكان آخر ذخير, ولكن انفجر مخزن البارود(( ـ

الفقرة في سياق الحديث عن الحصار الذي ضربه االستعمار الفرنسي على سكان

قسنطينة والدمار الذي ألحقه بالمدينة أثناء احتاللها برغم المقاومة الشديدة التي واجهه

عمار ولفظة الحصار في معناها العام هي اإلحاطة التي شكلها جنود االست. بها أهلها

.72ص, نفسه- 301 .73ص, نفسه- 302 .75ص, نجمة- 303 .110ص, نفسه- 304 .160ص, نفسه- 305

351

إذ صار األهالي يشغلون مساحة الدائرة أما المستعمرون فيشكلون , بأهل قسنطينة

.محيطها

, أن الفائض من السنوات التي سيحياها سيتقلص يوما) رشيد ( كان يخيل إليه (( ـ

, كما لو كان يدور في حلقة.ويذوب في الفراغ ويضرب على ماضيه الهائج أبدا سدا

نطالق التي يقدر ـ في غموض ـ أنها بين قفزته األولى من دون أن يغادر نقطة اال

جاءت )306(.))فإذا الحلقة نزهة قسرية كادت تودي به, المهد وتسكعه حول الصخرة

هذه الفقرة لتعطي خالصة تقييم رشيد لمسيرة حياته وهو جالس في الفندق بين جماعة

ة قتل السيد ريكارد من رفقائه الحشاشين بعد أن رجع من الحظيرة حيث وقعت جريم

) cercle" (الدائرة"فقد وردت في هذا النص لفظة . وعراك االخضر مع السيد أرنست

ووردت إلى جانبها لفظة تدل عليها أيضا , مرتين" حلقة "التي استبدلتها الترجمة بلفظة

وهي ألفاظ تعدل عنصر المكان المغلق الدائري في , )autour" (حول"هي

. الموضوعاتية

, مؤلفة من عشرة أو عشرين رجال من مختلف األعمار) الجماعة( وكانت ((ـ

, وقد تناثروا على طول الشرفة, وال يكاد يعرف الواحد منهم اآلخر, يحلمون في صمت

الفقرة تصف جماعة رفقاء رشيد الحشاشين وهو يجلس ) 307(.))وسط الدوار يأخذهم

فوجدوا أنفسهم يعيشون داخل . هبينهم في فندق عبد اهللا وقد فعل الحشيش فيهم فعل

وقد جاءت هذه . والدوار هنا يحيل بدوره على الدائرة. الدوار هاربين من واقعهم المؤلم

ووردت فيها لفظة الدوار تعبيرا , الفقرة مسبوقة بأخرى تتحدث عن حياة رشيد أيضا

ضره عن فراغ حياته وفشله المتواصل انطالقا من الظروف التي أحاطت بمولده إلى حا

فهو : (( على شرفة فندق عبد اهللا بين جماعة الحشاشين وقد ابتلعهم الدوار جميعا

)308(.))البدوي الذي ولد وسط الدوار

.174ص, نفسه- 306 .175ص, نجمة- 307 .173ص, نفسه- 308

352

والح له القفص , جانبا من الشرفة, ثم رأى ـ فيما بعد ـ من فرجة الباب(( ـ

ن القفص الكبير هو المكان المخصص في الفندق لجماعة الحشاشين الذي)309(.))الكبير

ومغلق أيضا بحاالت , فهو مكان مغلق في ظاهره المادي. أصبح رشيد واحدا منهم

وهو مكان محبب . الدوار التي يدخل فيها أفراد الجماعة بعد تدخينهم للحشيش

أي لكونه يوفر االنغالق واالنفصال المادي والمعنوي عن , ومرغوب لهذه األسباب

وكان : (( في موضع آخر من الرواية, "لكبيرالقفص ا"وقد تم تكرار تعبير . عالم الواقع

)310(.))قرب القفص الكبير, منحنيا أمام فنن الزنبق الوحيد) أو الكاتب(الصحفي

هم آخر من يحفل , من سكان المدينة, كان الذين يتداولون النظر في أمر رشيد(( ـ

ا غادر حتى عندما أحاطوا به عندم, ولم يحس بأنهم يضايقونه أكثر مما ينبغي, بهم

)311(.))المحكمة بعد اإلدالء بشهادته

وتعديل للعنصر , اإلحاطة هنا كما في النماذج السابقة هي تشكيل لمحيط الدائرة

.المماثل لها في الموضوعاتية

داللة الحصار هنا )312(.))المدن التي عرفت الكثير من الحصار وذاقت ويالته(( ـ

بعيدة عن أشجار األرز : ((... وكذا الفقرة اآلتية ,هكداللته في الفقرة التي درسناها أعال

وقد غرسها على شكل حرس الشرف أول مجلس بلدي انتصب في المدينة

. فهي اإلحاطة والدائرية)313(.))المحاصرة

غمرتني نشوة االنتصار إذ وجدتني مع االخضر في القاعة الوحيدة بالسجن (( ـ

وهي وظيفته , السجن تحمل داللة االنغالقلفظة!)) صحبة عشرة من المساجين, المدني

: ومن هنا فهو يجمع الدالالت التي حملتها الفقرات السابقة, األساسية التي أقيم من أجلها

والمركز؛ وهي كلها أيضا دالالت يتسع لها الشكل الدائري , الدوران, اإلحاطة, الحصار

. ويتضمنها

.176ص, نفسه- 309 .179ص, نفسه- 310

.177ص, نجمة- 311 .181ص, نفسه- 312 .188ص, نفسه- 313

353

وإنما هي نموذج , فيها لفظة السجنوليست هذه الفقرة هي الوحيدة التي وردت

وللتذكير نشير إلى . لعدد كبير من الفقرات التي تتحدث عن السجن في رواية نجمة

كما , وهو مشهد تجري أحداثه داخل السجن, الذي مر بنا" رشيد والرتيالء"مشهد

)314(.وردت هذه اللفظة في مواضع أخرى من الرواية تروي أحداثا تجري في السجن

وهذا يعني أن السجن كمكان مغلق يحاصر ضحاياه ويهددهم بالموت في كل

وهو لذلك يعدل دائرة الموت التي , إنه مكان حاضر على امتداد رواية نجمة. لحظة

حتى وإن كانت الرواية توحي في أول , "جريمة الناظور"انغلقت على الزوجين في

إذ رأينا مع تقدم .))ضر من زنزانتهفر االخ: (( جملة لها بأن الفرار منه أمر ممكن

, الرواية وتسارع أحداثها أن فرار االخضر لم يؤد إلى انسحاب السجن من عالم الرواية

إذ سيدخله بعد وقت قصير أخوه مراد بسبب قتله للسيد ريكار ليتبعه رشيد فيما بعد

)315(.ليطعنه فيه بالسكين

: ـ السكين2

أي الدرجة صفر , التي سيتناولها هذا العنصر من الدراسة نذكر هنا أن التعديالت

والتي تم " جريمة الناظور"هي تلك العناصر المنتمية إلى, للتعديالت الموضوعاتية

ورودها في النص بشكل منفرد عن بقية عناصر الموضوعاتية مما ال يسمح لها

ع عديدة من النص منها السكين الذي ورد بهذه الصورة في مواض, بتكوين مشاهد معدلة

:الروائي

... ما رأيكم لو بعنا سكيني؟, اسمعوا: فقال مراد مقترحا(( ـ

. فعرض عليهم خمسين فرنكا ثمنا له. وقدم الجماعة السكين لرجل موشوم

. بل خمسة وسبعون: فقال مراد

. ـ حسنا

... ن إذننصف الثم, وكان ثمن السكين يساوي مائة وخمسين فرنكا دونما شك

. ـ إني أزيدك عشرين فرنكا أخرى ثمن السكين إن أردت

. 248, 245, 41,57,62 ,39: نذكر من ذلك الصفحات- 314 . للحلة الثانية41ـ 39والصفحات للحالة األولى 25نجمة الصفحة , انظر- 315

354

)316(.))فما إلى جيبك إلى جيبنا, دع ذاك عنك: ـ فرد عليه االخضر

فتكرار لفظة السكين في هذا النص هو تعبير عن أهمية الدور الذي يقوم به هذا

.العنصر الموضوعاتي في الرواية

:انتفض االخضر... آه. جيبهوأخرج سي صالح شيئا من (( ـ

!...ـ هات هذا السكين

... ـ لقد اجترأ على اشتراء السكين الذي باعه مراد

... وذاك السكين بيع لالحتفال بعودة صديق آخر

: فقال رشيد... ـ يشتري السكين وال يفكر في إعادته إلينا

)317(.))من يدري: وأيده ذو اللحية فقال... ـ هات السكين فمن يدري

هذا نص اقتطفناه من حوار مطول جرى بين الشبان الثالثة وصديقهم ذي اللحية

وكان موضوع هذا الحوار كما يبدو هو .بعد ارتكاب مراد جريمة قتل السيد ريكار

وقد اشتراه عليه سي صالح أحد مرافقي ذي ,السكين الذي باعه الشبان للرجل الموشوم

وهو حوار يكشف مدى تعلق الشبان بهذا السكين مما . ةاللحية إلى غرفة الشبان الثالث

.يدعم أهمية هذا السالح في الرواية بصفته تعديال لمثيله في الموضوعاتية األساسية

وقطع به جزء من المادة , سكينه, استل صاحب األنف األفطس كأنف المالكم(( ـ

ياق الحديث عن ذكر السكين هنا جاء في س ) 318(.))المخضرة بحجم نصف نواة التمر

وليس السكين الذي ورد في هذا . جماعة الحشاشين الذين يجالسهم رشيد في الفندق

.النص هو السكين الذي يمتلكه الشبان حسب ما تقدم في النصين السابقين

فقد خرجوا إلى , لم يكونوا في الفندق, كان الكاتب يدير الغليون على الحاضرين(( ـ

وتناول , ع جمع آخر من المدخنين أمام واجهة بيع الحلوىوتحلقوا م... الزقاق الضيق

.7-6ص, نفسه- 316 .30-29ص, نجمة- 317 .166ص, نفسه- 318

355

وتوقف ) وكان أنبوبه قصبة براها رشيد بسكينة وهو يتحدث ( بائع الحلوى الغليون

)319(.))عن الحركة

ولكنه هو نفسه سكين مراد واالخضر , السكين في هذه الفقرة هو سكين رشيد

إذا عدنا إلى هذين . األولى والثانية :ينالذي سبق الحديث عنه في الفقرتين السابقت

النصين فسنتأكد من ذلك إذ نرى في النص الثاني أن رشيدا لما كان يستعد للخروج مع

فطلب منه . ذي اللحية لمرافقته إلى منزله كان االخضر ينتظر خروجهما ليغلق الباب

هات : ((لحيةرشيد السكين حتى يرد أي اعتداء محتمل يقع عليه أو على صديقهم ذي ال

فأظهره هنا مع , وهكذا احتفظ رشيد بالسكين ليستعمله في شؤونه.)) السكين فمن يدري

ثم , "رشيد والسائق"جماعة الحشاشين؛ وسيستعمله أيضا لطعن سائق السيارة في مشهد

.يطعن به مرادا أيضا في الزنزانة

)320(.))لجزائراستقالل ا: وحفر االخضر بسكينه على المقاعد وعلى األبواب(( ـ

, إذا استثنينا ظهور السكين ألول مرة في الموضوعاتية بصفته عنصرا مهما فيها

ونحن نشير ,فسيكون ظهور السكين في هذا النص هو أول ظهور له في زمن الحكاية

إلى إمكانية جعل هذا الظهور هنا هو أول ظهور في الرواية ألن الموضوعاتية نفسها

ذلك ألن دخولها إليه جاء عن طريق ذكريات سي , م الرواية المباشرال تنتمي إلى عال

مختار رواها لرشيد وهما على ظهر الباخرة التي حملتهما مع الحجيج إلى البقاع

بينما جاء ذكر السكين هنا في سياق تتبع مراحل تعلم . المقدسة ثم إلى السودان

ى السجن بسبب مشاركته في وهي هنا المرحلة األخيرة التي دخل بعدها إل, االخضر

وقد ارتبطت هذه الفقرة التي ظهر فيها السكين أول مرة . 1945 مظاهرات الثامن ماي

في زمن الحكاية بفقرة أخرى تتحدث عن مغادرة االخضر ومصطفى لنادي الشباب

: حسب اآلتي

ر غاد. استقالل الجزائر: وحفر االخضر بسكينه على المقاعد وعلى األبواب ((

)321(.))بحثا عن الالفتات, االخضر ومصطفى نادي الشباب

.192ص, نفسه- 319 .238ص, نجمة- 320 .238ص, نفسه- 321

356

أي دائرة " cercle de jeunesse" ونادي الشباب بلغة النص األصلي هو

وبهذا يكون حفر استقالل الجزائر هو نوع من إخراج هذه العبارة من الدائرة . الشباب

ر مستوى الدرجة الثانية وإذا قرأنا هذا المشهد في إطا. التي أغلقت عليها لزمن طويل

لتعديل الموضوعاتية نرى بأن الحفر بالسكين على المقاعد واألبواب هو تعديل لطعن

الزوجين بالسكين؛ ومعنى هذا أن استقالل الجزائر ال يمكن أن يتحقق إال باستعمال

تات أما الالف. فهذا وحده يخرج الجزائر من الدائرة المغلقة, السالح والقتل وإراقة الدماء

ذلك ألن الالفتات أيضا , فهي تعديل لألسمال التي لفت فيها الجثتان وقد لطخت بالدماء

أما ما يتم . وكثيرا ما يختار لهذه المناسبات المداد ذو اللون األحمر, يتم تلطيخها بالمداد

استقالل : "كتابته على تلك الالفتات فليس سوى العبارة التي حفرها االخضر بالسكين

التي أمكن لها أن تحيا بعد أن تم قتل المرأة وزوجها الضابط الفرنسي رمز , "الجزائر

.القوة االستعمارية

: ـ العدد ستة3

العدد ستة هو عدد أعيان القبيلة الذين أعدمهم االستعمار في الثكنة انتقاما

ية ثالث وقد ورد هذا العدد في الروا. وقد تم إعدامهم بقطع رؤوسهم, للزوجين القتيلين

نرى أن ترتيبها في زمن السرد جاء يحمل داللة فنية قوية تنسجم مع مشهد , مرات

:مما يدعم ارتباط هذا العدد بهؤالء المعدومين الستة, جزئي من الموضوعاتية

لقد كان عليه أن يتحمل : ضربا من القدر, ولما ينبت عارضاه, ورث السيد ريكار(( ـ

وال من , أن يكون له الخيار وليس له من المال شيءنفس المصير المعذب القلق دون

الحديث في هذه الفقرة )322(...))وليس له البستان وال الخيول الستة, األرض البور شبر

بالرغم أنها في البداية لم تكن ,يجري حول ثروة السيد ريكار التي أصبحت عظيمة

د أعيان القبيلة الذين هم وهو عدد يتطابق مع عد. ستة خيول, من بين هذه الثروة .شيئا

وإذا قلنا األعيان استحضرنا إلى الذهن أحد المستلزمات المادية لهؤالء . ستة أيضا

فاألعيان هم فوارس؛ وإذا , ونظن أن الخيول هي أهم تلك المستلزمات, األعيان

. أصبحت للسيد ريكار المعمر ستة خيول فهذا يعني أنه تم القضاء على فرسانها الستة

.13-12ص, نجمة- 322

357

, فقد ملك السيد ريكار الخيول الستة بعد أن أعدم األعيان الستة, زمن الحكايةوحسب

.أي بعد أن مات أصحابها الشرعيون

سي "و" سي صالح"وهما , وصل ذو اللحية يصحبه رجالن ال تعرفهما الجماعة(( ـ

"...عبد القادر

؟ ..ـ ألم تسمعوا الخبر

جعلوا ستتهم يحدقون في وجوه بعضهم و... راح ذو اللحية يسرد وقائع الجريمة...

)323(.))البعض

,خبر الموت ,وهذا الخبر الخطير . الخبر إذن هو جريمة قتل مراد للسيد ريكار

هو الذي أخرس األلسنة في النهاية فلم يجد الرجال الستة ما يعلقون به على ما حدث

خيال حالة األعيان هذا المشهد يستحضر إلى ال .سوى التحديق في وجوه بعضهم بعضا

فالموت هنا . الستة وهم يواجهون مقيدين قرار إعدامهم بقطع رؤوسهم في ساحة الثكنة

نحن إذن أمام مشهد يعدل مشهد تنفيذ حكم . وستة رجال هنا وستة هناك, والموت هناك

.اإلعدام في أعيان القبيلة الستة

ريفية تتأهب للنزول من كانت في تلك العربة ـ عربة الدرجة الثالثة ـ أسرة (( ـ

وراح بحار فرنسي شاب يساعد الزوج على جمع سالته الست التي كانت فيها . القطار

)324(.))الخضر والدجاجات وقمط الرضيع مختلطة

.والرجال الستة, خيول السيد ريكار : تكمل السالت الست المشهدين السابقين

ذلك الخبر هنا إلى حقيقة كما تحول هاهو يتحول ,فالرجال الذين أرعبهم خبر الموت

حيث سقطت رؤوسهم الستة التي تعدلها هنا السالت , في ساحة الثكنة إلى حقيقة أيضا

بمساعدة , رمز عسكر الثكنة الذين نفذوا اإلعدام, التي يقوم البحار الفرنسي, الست

.لتشهد على بطش االستعمار) إلى الناظور؟( الفالح على جمعها وأخذها معه

.27-26ص, نفسه- 323 .64ص, نفسه- 324

358

الفصل الخامس

359

البنية الموضوعاتية في عوالم نجمة

360

وسنتابع في هذا الفصل دراسة بقية أعمال , درسنا في الفصل السابق رواية نجمة

المضلع "ثم نتبعها بـ , "دائرة االنتقام"الكاتب مستهلين ذلك بمجموعة مسرحيات

". األعمال المتفرقة"وأخيرا مجموعة ,"لرجل ذو النعل المطاطيا"فمسرحية " النجمي

: أ ـ دائرة االنتقام

, 1959 أي في عام,هذه المجموعة من المسرحيات نشرت بعد نجمة بثالثة أعوام

) 325(,الجثة المطوقة: وتحمل العناوين اآلتية, وهي تضم ثالث مسرحيات وقصيدة

: والعقاب, ون ضراوةواألجداد يزداد, ومسحوق الذكاء

: ـ الجثة المطوقة 1

بتناول ما ورد فيها من تعديالت موضوعاتية منتمية هذه المسرحية نبدأ دراسة

: ثم يلي هذا دراسة تعديالت المستويات األخرى, إلى مستوى الدرجة الثانية

: ـ تعديالت الدرجة الثانيةأ

:ـ عربة البائع1

إذ تبدأ المسرحية , "عربة البائع"في هذا المستوى هو مشهد وأول مشهد معدل

بعرض مشهد عام نرى فيه بائعا قابعا أمام عربته الفارغة في زاوية شارع مغلق

وقد سلطت على . وجرحى من بينهم االخضر, تناثرت فيه قطع من أجساد البشر وجثث

ا صوت منه, المشهد أضواء تمكن من تمييز حركات بعض الجرحى وأصواتهم

ثم )Esprit" (إسبري" في مجلة 1955وشهرجانفي 1954ألول مرة في شهر ديسمبر نشرت هذه المسرحية - 325 .1959نشرت ضمن مجموعة دائرة االنتقام في سنة

361

ثم تخرج نجمة أمه للبحث عنه وقد مزقت ثيابها وجرحت , االخضر الذي كان يهذي

. )326(وجهها بأظافرها

وهذا المشهد يقدم تفاصيل مجزرة ارتكبها جنود االستعمار ضد المتظاهرين في

وكنا , ؛ وهو الحدث الذي تناولته عدة مشاهد في رواية نجمة1945 أحداث الثامن ماي

وقد امتد نص هذا المشهد على طول عشرين صفحة توزعت بين . عند بعضهاتوقفنا

ولذا لم نتمكن من تجميع تفاصيله , الحوار والوصف والمناجاة وهذيان االخضر

. وجزئياته في صورة مركزة على منوال ما فعلنا في مشاهد رواية نجمة

جرحى من بينهم ويبدو تعديل هذا المشهد للموضوعاتية في سقوط القتلى وال

االخضر الذي كانت جروحه تنزف دما وثيابه ملطخة أمام أعين نجمة ودهشتها وألمها

ويكون العنصر الموضوعاتي الثاني المعدل هو وقوف نجمة بثياب ممزقة .)327(العميق

فهذا يستحضر صورة الزوجين , وشعر مشعث وخدود مخدوشة أمام االخضر الجريح

وقد اشتمل هذا المشهد أيضا على . ما وثيابهما بالدماءأجساده القتيلين وقد تلطخت

أما . عنصر العربة التي انطرحت الجثث بقربها على منوال ما وقع في الموضوعاتية

,عنصر المحكمة فقد ورد بدوره في حوار تخلل المشهد جرى بين مصطفى وحسان

ة بتهمة أنه مفاده أن شابا كان معهما في السجن تنفيذا لحكم صدر من محكمة عسكري

ولم يخل هذا المشهد من عنصر )328(.نظر نظرة شزراء نحو موظف كان يؤدي عمله

إذ ورد ذلك خالل حديث الطاهر عن توبته وأدائه للصالة بثياب بيضاء , أيضا المسجد

)329(.متأثرا في ذلك بنصائح أحد التجار األسوياء, وقلب نقي

إال أن , المظاهرة تم بالسالح الناريوبرغم أن سقوط القتلى والجرحى في هذه

يجب : (( نجد ذلك في قول نجمة, السكين كان حاضرا بدوره في هذا المشهد المطول

)330(.))بكائي وسكينه) االخضر( أن أخفي عليه

هكذا نرى إذن أن هذا المشهد الموضوعاتي المعدل قد اشتمل على مجموعة هامة

.ه إلى أن يصنف ضمن مستوى الدرجة الثانيةمن عناصر الموضوعاتية مما يؤهل

326- Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles » P.15-18. 327 - Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles »; P.25. 328 - Voir, ibid ; P.22. 329- Voir, ibid ; P.23. 330- Voir, ibid; P.18.

362

:مارغريت ـ 2

وهو , "مارغريت"أما المشهد الثاني الذي ينتمي إلى المستوى نفسه فهو مشهد

إذ في الوقت الذي كان فيه االخضر مازال منطرحا في , مشهد مرتبط بالمشهد السابق

فتحمله إلى داخلها وتذهب توقف مارغريت سيارتها بقربه وتنزل , الشارع ينزف دما

ولما يستفيق يجد نفسه ممددا في سريرها وهي تقف بجانبه تقدم له العالج , به إلى الدار

الالزم؛ ثم تدخل نجمة عليه بعد خروج مارغريت ويتبعها حسان ومصطفى؛ وبعد قليل

وحوار , ويجري بينهم حوار مباشر ومسموع حول إصابة االخضر, تعود مارغريت

ولما يغرقون في الحوار ترتفع أصواتهم فيدخل عليهم , موضوعه الحبآخر صامت

فيخرج الجميع من , أبو مارغريت الضابط ليفاجئه حسان برصاص مسدسه فيسقط قتيال

بيت مارغريت وهم يحملون جثة الضابط واالخضر الجريح لوضعهما في السيارة

)331(.يةواالبتعاد عن المكان قبل أن تقبض عليهم القوات االستعمار

يشتمل هذا المشهد على مجموعة من عناصر الموضوعاتية وقد أدخلت عليها

أول هذه العناصر هو السيارة التي كانت تقودها . تعديالت لبناء كيانه الفني المتميز

ليتحول المشهد من عنصر واحد , مارغريت ثم أوقفتها وحملت االخضر الجريح بداخلها

, أيضا" فرنسي"مل كذلك على امرأة فرنسية ورجل جريح وهو السيارة إلى مشهد يشت

سمعت : (( ألن مارغريت لما توقفت لتحمله سمعته يتكلم بالفرنسية فاعتقدت أنه فرنسي

أرى . ال إنك عربي... ولكنه كان بالفرنسية. كالمك لم يكن مفهوما... كلمات بالفرنسية

المشهد أيضا عنصر ويتضمن هذا )332(.))ذلك اآلن وأنا أنظر إليك عن قرب

االغتصاب الذي تعدل هنا إلى حب قوي تولد في قلب مارغريت تجاه االخضر دون أن

)333(.على عكس أصدقائه المحيطين به, يتفطن إلى ذلك

أما عنصر الدم فيكفي أن يكون االخضر جريحا حتى يكون هذا مجسدا فيه قبل

هذا المسدس الذي , نار مسدسهأن يظهر في أبي مارغريت بعد أن أطلق حسان عليه

ولما يسمع أبو مارغريت الضابط أصواتا غريبة . يعدل بدوره سكين جريمة الناظور

فيقتله حسان بمسدسه ليكون , في منزله يدخل على المجموعة مكسرا الباب في طريقه

331 - Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles »; P.34-40. 332 - Ibid, P.35. 333 - Voir, ibid ; P.38.

363

ويسقط أمام الجميع وقد بقوا مندهشين , )334(ذلك تعديال لمقتل الضابط في الموضوعاتية

أما امتداده على أرضية الغرفة على صورة االخضر المدد على . م تسارع األحداثأما

. سرير ابنته فهو تعديل للجثتين المنطرحتين داخل المسجد

تمثل في حمل جثة الضابط , ثم يأتي بعد هذا تعديل عنصر موضوعاتي آخر

فيكون , إلى المسجدكما تم حمل جثتي الزوجين القتيلين, واالخضر الجريح إلى السيارة

حيث , ترتيب عناصر الصورة هنا معاكسا لترتيب عناصر الصورة في الموضوعاتية

هيا : (( ثم السيارة) الغرفة( المسجد : ليصبح هنا, السيارة ثم المسجد: كان حسب اآلتي

)335(.))فالسيارة أمام الباب, نحملهما بسرعة

:عاشق المرأة األجنبية ـ 3

عاشق المرأة "لمسرحية مشهدا ثالثا من مستوى الدرجة الثانية هو مشهد تضمنت ا

: ويمكن تلخيص هذا المشهد الذي جاء بلسان االخضر حسب اآلتي". األجنبية

كانوا جميعا . في أحد األيام ارتمى أبي في الحانات رفقة السكارى والمجرمين

فاتنة إلى درجة أن صراعا حادا كانت . يبحثون عن امرأة أجنبية جميلة جدا ومثقفة

. نشب بين أبي وأصدقائه للوصول إليها في الفندق الفخم الذي كان عاشقها يستقبلها فيه

وفي هذا اليوم جرح أبي في وجهه جرحا بليغا بسكين رماه عليه من إحدى النوافذ

من فأخذ أبي يرمي أصدقاءه بقطع. رجل متقدم في السن لما كان يترقب المرأة الجميلة

. إذ ولدت في تلك األثناء بالذات, أما أنا فكان صراخي يمأل األرجاء. دمه المتخثر

كانت تلك المرأة األجنبية تشتهي الظهور في النافذة في الساعات المتأخرة من

وفي األخير نزلت المرأة األجنبية . الليل في الوقت الذي أكون أصرخ من شدة النعاس

المرأة ذات العطر المجهول التي احتضنتني بذراعيها في الوقت ,بذاتها بخطى حذرة

بينما كان أبي مسمرا في مكانه أمام األجنبية . الذي كنت أنا أرضع أثقل أثدائها وأجملها

. التي كانت تداعبني وهي تبتسم

334- Voir, ibid ; P.40. 335- Kateb Yacine « Le cercle des représailles »; P.40.

364

أنا الذي لم أكن . أنا الذي كنت أعنف منافس ألبي ولما تنبت بعد جميع أسناني

وأن أبي قد حمل في غطاء بينما , لى االعتراف بأن المرأة األجنبية قد اختفتقادرا ع

)336(.نجمة ابنة األجنبية التي كان أبي قد اختطفها. كنت ألعب في الشارع مع نجمة

على عدة عناصر من "عاشق المرأة األجنبية" اشتمل هذا النص الملخص لمشهد

وضوح في جملة من المشاهد الموضوعاتية الموضوعاتية األساسية نجدها موزعة ب

اختطاف "ومشهد " قتيل المغارة"من ذلك مشهد . المعدلة التي وردت في رواية نجمة

باإلضافة إلى مشهد آخر لم نتوقف عنده في رواية نجمة تناول طفولة مصطفى , "زهرة

واقفا تعوده في البيت عند مرضه فقبلته بحضور أبيه الذي كان" دوباك"ومجيء معلمته

)337(.وهو يفوح عطرا

, الدم, الجرح, السكين: اشتمل هذا المشهد إذن على العناصر الموضوعاتية اآلتية

كما كان عليه األمر في , األصدقاء السكارى الذين يريدون جميعا الفوز بالمرأة األجنبية

وكان أبو ,حيث تنافس أربعة رجال على اختطاف المرأة الفرنسية" قتيل المغارة"مشهد

كمال قد أنزلها ـ لما اختطفها من سيدي أحمد ـ في فندق فخم في مدينة قسنطينة كما

أما احتضانها لالخضر ومداعبتها له فهو يعدل ما أشرنا إليه من . هو مذكور هنا أيضا

أما عنصر العطر هنا فهو , لمصطفى لما كان مريضا" دوباك"مشهد زيارة المعلمة

ذي كان يفوح من األب باإلضافة إلى العطر الذي يفوح منها هي تعديل أيضا للعطر ال

وهو عنصر والدة االخضر , وقد اشتمل هذا المشهد أيضا على تعديل آخر. كذلك

إذ , كان صراخي يمأل األرجاء: (( المتزامنة مع مقتل أبيه والذي عبرت عنه العبارة

يل سيدي أحمد الذي حمل إلى جانب هذا فعنصر القت.)) ولدت في تلك األثناء بالذات

في الوقت الذي كان فيه مراد يلعب مع نجمة في , ثالثة رجال جثته ملفوفة في غطاء

يضاف إلى هذه العناصر . هو عنصر حاضر هنا أيضا, "اختطاف زهرة"مشهد

واالختطاف الذي كثيرا ما تردد في المشاهد . نجمة ابنة األجنبية: عنصران آخران هما

. اولناها في رواية نجمةالتعديلية التي تن

336- Voir, Ibid; P.64-65.

.222ص, نجمة, انظر- 337

365

بعد هذه المشاهد الثالثة التي درسناها في مستوى الدرجة الثانية من التعديالت

ننتقل إلى دراسة مجموعة من المشاهد الجزئية التي تنتمي إلى مستوى , الموضوعاتية

:الدرجة األولى

:ب ـ تعديالت الدرجة األولى

:ـ المظاهرة1

سياق حديث االخضر عن مشاركته في مظاهرات الثامن ماي وعن جاء في

: حالته وهو يسقط جريحا بين ضحايا تلك المظاهرات

لم . كان الطقس جميال. لم أعد أرى البقعة الحمراء التي كنت منطرحا في وسطها

أما رجال . كان يخيل إلي أن الجنود كانوا من عالم آخر. تكن المظاهرة قد انتهت

)338(.شرطة فقد نسيتهمال

وهو مشهد , الذي ورد في نجمة" االخضر في الحظيرة" يذكر هذا الحديث بمشهد

فبقعة الدم الحمراء . يقوم على حدث ضرب أرنست لالخضر على رأسه بمتر كان بيده

ترك االخضر : (( هنا تعدل الدم الذي كان ينزف من رأس االخضر على قطعة الحجر

وراح االخضر يبذل جهدا كبيرا إلزالة آثار (( و)339(,))قطعة الحجرالدم يقطر على

أما الحديث عن )340(.))واقفا أمام قطعة الحجر, ولقد جمده الحقد مكانه... الدم وإيقافه

الموضوعاتي والذي نجد مثيال له أيضا في " المسرح"الجو الجميل فهو تعديل لعنصر

الجو وشروق الشمس تلك األحداث حيث حول صفاء " االخضر في الحظيرة"مشهد

وأضاءت الشمس وقتها الحظيرة وقد غدت : (( والمشهد عموما إلى منظر مسرحي

أما العسكر )341(.))كالمنظر المسرحي النابع من صميم مجريات الحياة اليومية المؤلمة

الذين ذكرهم هنا فهم تعديل ألولئك الذين قاموا بالتقتيل في الناظور؛ وقد تم توسيع

مما يجعلهم يعدلون عنصر رجال الدرك الذين , صر العسكر هنا إلى الشرطةعن

.حضروا إلى الحظيرة للقبض على االخضر وقيادته إلى السجن

338 - Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles »; P.31.

.48ص, نجمة- 339 .49ص, فسه ن- 340 .50ص, فسه ن- 341

366

: ـ نجمة والجريح2

جاء في سياق حديث نجمة إلى مصطفى عن األسباب التي حالت دون عودتها

لما شعرت باقتراب مجموعة من إنها : باالخضر من الشارع الذي سقط فيه جريحا

الجنود المسلحين طلبت من االخضر بإلحاح أن يرافقها إلى المخبأ أو يفر بنفسه إلى أي

على خالف , ولكنه لم يكن يعير كالمها أي اهتمام. مكان آخر حتى ال يقع في قبضتهم

دون أن يحاولوا, المارة الذين كانوا يجرون هاربين في كل اتجاه فأسقطوها أرضا

اجتناب إيذائها وهي ساقطة على األرض؛ بل كان يبدو عليهم أنهم كانوا يتعمدون ذلك

وكأن رغبتهم , كان الرجال يسقطون حولي وقد أسقطوني في طريقهم: فيسقطون فوقها

:فيرد عليها مصطفى معلقا. األخيرة في الحياة كانت االرتطام بجسد امرأة مجهولة

)342(.تبقى المرأة هي مركز القضية ,لرصاصفحتى تحت وابل ا ,نعرف هذا جيدا

أولها سقوط االخضر , يتضمن هذا المشهد بدوره بعض عناصر الموضوعاتية

وهما بهذا يعدالن الزوجين , فتأتي نجمة إلسعافه ومحاولة حمله إلى مكان آمن, جريحا

وهذا , جالثم تتطور األوضاع لتجد نجمة نفسها ساقطة أرضا تحت أجساد الر, القتيلين

تعديل لعنصري االختطاف واالغتصاب الذي تعرضت له الزوجة بعد سقوط زوجها

. الضابط قتيال تحت طعنات السكين

, ولم يخل هذا المشهد من عنصر الدائرية أيضا الذي تم التعبير عنه مرتين

ز مرك: (( والثانية على لسان مصطفى, ))يسقطون حولي : (( األولى على لسان نجمة

ويمكن أن نضيف إلى جانب هذا عنصرا آخر هو عنصر المرأة الفرنسية )). القضية

". المرأة المجهولة"الموضوعاتي الذي تم التعبير عنه في هذا المشهد الجزئي بـ

: ـ نظرة االخضر3

: تخاطب نجمة االخضر قائلة

تيالء التي تجري على إنك غارق دائما في نظرتك إن صح أن نسمي هذه الر ((

)343(.))جبهتك نظرة

342 - Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles »; P.32. 343 - Ibid ; P.36.

367

ليست هذه الصورة إال تعديال للرتيالء التي قفزت إلى جسد رشيد في السجن في

إلى جانب هذا توحي لفظة . الذي سبقت دراسته في نجمة" رشيد والرتيالء"مشهد

المكان مما يجعل هذا المفهوم تعديال لعنصر الدائرة أو, بمكان دائري وعميق" غارق"

ليصبح االخضر بذلك , المغلق في الموضوعاتية؛ كما أن الغرق يحمل معنى الموت

.يعدل الزوج القتيل

: مقتل االخضرـ 4

لما فقد االخضر عقله بسبب شدة التعذيب ـ مما جعل رجال الشرطة يطلقون

ويلتحق بهم , تسراحه ـ يمر في الشارع أمام التاجر وعربته ليلتقي بنجمة ثم مارغري

, وينتشر جمع من الناس حوله, الطاهر في األخير وهو سكران فيخرج سكينه ويطعنه

)344(.ولكنه يموت بعد ذلك متأثرا بجروحه

: اشتمل هذا المشهد الجزئي المعدل للموضوعاتية على جملة من العناصر هي

ة فهي عربة التاجر؛ والمرأة أما العرب. والدائرة, القتيل, الطعن, السكين, المرأة, العربة

هي نجمة ومارغريت؛ والسكين والطعن هما العنصران اللذان صنعا الجريمة التي

ارتكبها الطاهر؛ والقتيل هو االخضر؛ أما الدائرة فقد جسدها تحلق الناس حول

.االخضر وهو يعيش اللحظات األخيرة من حياته

درجة األولى التي اشتمل عليها نص هذا عن بعض التعديالت الموضوعاتية من ال

وسنتابع فيما يأتي دراسة بعض التعديالت من مستوى الدرجة , مسرحية الجثة المطوقة

:صفر

:ج ـ تعديالت الدرجة صفر

فوسط المشهد يحيل على عنصر الدائرة )345(.ـ نجمة تتكلم من وسط المشهد

.الموضوعاتي

. لفظة تحمل معنى محيط الدائرةفلفظة حول هي ) 346(.ـ وقوف الجوق حول مارغريت

344 - Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles » ; P.54-55. 345 - Voir, ibid; P.41. 346- Voir, ibid ; P.49.

368

أهو , ال أدري ما الذي يبقيني واقفا: ـ جاء على لسان االخضر بعد أن طعنه الطاهر

فالسكين الذي يتحدث عنه هو السكين )347(.الرجل الذي كنته أم السكين الذي استخلفني

. الذي طعنه به الطاهر وأبقاه في الجرح لم يستعده

ثم أعاده االخضر في سياق . ر نفسه في الصفحة الموالية وقد تكرر هذا التعبي

)348(.وهذا السكين الذي من الشجرة يدفعني: النص نفسه بقوله

. رفض أن يقتربا منه, ـ لما أراد حسان ومصطفى االقتراب من االخضر إلسعافه

إذا أردتما انتزاع السكين وجب علي أن. لم أعد أشعر بالسكين: ومما خاطبهما به قوله

وأترك هذه الشجرة التي أقبل التضحية بعمري ألحميها من , أدير لكما ظهري

تعطينا مجموعة هذه النصوص فكرة عن الحضور القوي لعنصر السكين )349(.البرد

.وهو عنصر يعدل سكين جريمة الناظور, "الجثة المطوقة"الموضوعاتي في مسرحية

, يشد عليها بكل ما بقي له من قوةـ أمام تصميم االخضر على البقاء عند الشجرة وهو

فقال . يطلب مصطفى من حسان أن يساعده على انتزاعه منها وحمله من أجل إسعافه

)350(.الجثث وحدها هي التي تحمل: فرد االخضر. إذن سنحملك: مخاطبا االخضر

".نقل جثتي الزوجين إلى المسجد" تعدل هذه عبارة عنصر

أم مصطفى باالخضر وهو في حالة النزع تلتحق , ـ لما ينصرف مصطفى وحسان

وهذا مشهد يعدل الزوجين )351(.فتأخذ تدور حوله باحثة عن ابنها مصطفى, األخير

الذي هو نوع (أم مصطفى بجنونها , االخضر بجرحه البليغ يعدل الزوج القتيل: القتيلين

.تعدل الزوجة القتيلة) من الموت أيضا

هكذا تبدو الحياة أمام )352(.بها إلى المركزـ كل المآسي هي إعدام إذا أوصلت صاح

التي تحيل على الدائرة " المركز"وهنا نجد أيضا لفظة . االخضر وهو يسلم الروح

فأيهما المركز؟ النهاية أم البداية؟ . ليعبر االخضر بواسطتها على اقتراب النهاية, تتكرر

347 - Voir, ibid ; P.57. 348 - Voir, ibid ; P.58. 349 - Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles » ; P.59. 350 - Voir, ibid; P.59. 351 - Voir, ibid ; P.60. 352 - Voir, ibid ; P.63.

369

ية كما رأينا مع القصيدة أم كالهما مركز باعتبار أن نقطة البداية هي نفسها نقطة النها

.العربية وكما رأينا مع رواية نجمة؟ وهكذا نصل إلى عنوان المسرحية

وهو مشهد موضوعاتي يعدل عنصرين من , هذا عنوان المسرحية: ـ الجثة المطوقة

وقد رأينا أن وضع االخضر . والدائرة المكان المغلق, الجثة": جريمة الناظور"عناصر

. بداية المسرحية إلى نهايتها يجسد هذا المشهدالذي يحاصره الموت من

: ـ مسحوق الذكاء 2

:أ ـ تعديالت الدرجة الثانية

توصلنا في هذه المسريحة أن نحدد مشهدا واحدا ينتمي إلى مستوى تعديالت

". مقتل األمير"وهو مشهد ,الدرجة الثانية من التعديالت الموضوعاتية

أن أباه السلطان وضعه داخل , لتي جاءت في نهاية المسرحيةا, قصة هذا األمير

أحد " علي"ولكن برغم ذلك يتمكن , قبة من الزجاج حرصا على حمايته وأمنه

فيأخذ حجرا ويكسر به جزءا من القبة الزجاجية , شخصيات المسرحية من الوصول إليه

, نتبه السلطان الختفاء ابنهوبعد مدة ي. فيتبعه تجاه الغابة, ليصنع منفذا يخرج منه األمير

فيسألهم , ابنه األمير" مختطف"ويدخل عليه ثالثة شبان أحدهم هو علي , فيجلس حزينا

يدخل عليه ممرضان يحمالن , السلطان عن ابنه؛ وقبل أن يتلقى اإلجابة ويعرف الحقيقة

, يا يتوصلويهم بطرد الشبان الثالثة؛ ولكن عل, فيزداد حزنه. نقالة بداخلها ابنه القتيل

: وأسباب تحميله مسؤولية ما وقع البنه األمير, إلى إخباره بتفاصيل الحدث, برغم ذلك

وندفعك , لقد اختطفنا األمير حتى نحميه من أالعيبك. أنت الذي أردت الحرب! تتأسف

. إلى التفاوض مع جيش التحرير الذي تصر على سحقه برغم أنه ساهم في تثبيت ملكك

ن عدد رجالنا ال يتجاوز أصابع اليد الوحدة هاجمنا فرسانك كالجراد ففي الوقت الذي كا

ولكن في هذه اللحظة رأينا عقابا ينقض على , فهزمونا ولم يبق لنا إال أن ننتظر الموت

)353(.صدر األمير

ولكونه أيضا , يعدل األمير الضابط القتيل لكونه ضحية وصاحب منزلة رفيعة

ة في البلد مثل السلطة االستعمارية التي ينتمي إليها الضابط ينتمي إلى السلطة الحاكم

353 - Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles »; P.118-120.

370

. بسكينه" القاتل الموضوعاتي"ويعدل العقاب بمنقاره القوى وأظافره الحادة . الفرنسي

أما النقالة التي يحملها الممرضان فهي صورة لعربة الزوجين التي أصبحت هنا عربة

.ثتان في مسجد كبلوتلألمير القتيل وقد تمدد فوقها كما انطرحت الج

أما فرسان السلطان فيعدلون جنود االستعمار الذين قتلوا أهل الناظور؛ وأما

فهم يعدلون أعيان , الرجال الذين ذكرهم علي وعددهم ال يتجاوز أصابع اليد الواحدة

" األبناء"إلى جانب كل هذه العناصر فقد اشتمل المشهد أيضا على عنصر . القبيلة الستة

وكذا على عنصر المكان الدائري المغلق الممثل في قبة , لممثل في األمير ابن السلطانا

.الزجاج

نتابع , بعد هذا المشهد الذي تبين أنه ينتمي إلى تعديالت مستوى الدر جة الثانية

:بعض تعديالت مستوى الدرجة األولى

: ب ـ تعديالت الدرجة األولى

: ـ الزوجان والساعة1

: للنهوض من النوم والخروج لالسترزاق" سحابة الدخان"تقول عتيقة حاثة زوجها

, أنت بدون عمل, إننا ندور في حلقة مفرغة مثل عقربي الساعة, لقد صيرتني مجنونة

نم واتركني , أيها العقرب الصغير, هيا: فيرد عليها زوجها. الساعاتوأنا أنتظر أعد

) 354(.إنك تسرع دائما, أنام

من بينها عنصر , يحتوي هذا المشهد على بعض عناصر الموضوعاتية المعدلة

حيث يبدو , فهذا العنصر يعدله سحابة الدخان بتمدده في غرفة النوم. الزوجين القتيلين

, ولما يدعو زوجته لاللتحاق به وتنام. هذا تعديال لجثة الزوج المنطرحة في المسجد

أما حديث الزوجة عن . كمال مشهد الجثتين المنطرحتينتكون هذه الدعوة محاولة الست

فهو تعديل للدائرة وللسكين إذ من خصائص عقرب الساعة الطول , عقربي الساعة

هيا أيها العقرب : "أما قول زوجها. وهو حاد مثله أيضا, واالمتداد على شكل السكين

السريع هو العقرب فهو أمر مخالف للواقع ألن العقرب ". إنك تسرع دائما... الصغير

حسب قوله؛ لكن إذا كان هذا مخالفا للواقع فهو منسجم مع , الكبير وليس الصغير

354 -Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles », P.74.

371

ألن القاتل أو القتلة لما كانوا يحاولون قتل الزوج كانت الزوجة قد , الموضوعاتية تماما

قبل أن يلحقوا بها ويقبضوا , تمكنت من الهروب واالبتعاد عنهم وعن زوجها أيضا

العقرب "على عكس , ذا كان عقرب الساعة الصغير سريعا في نظر الزوجوهك. عليها

.وهاهو ممدد في أرض الغرفة أمام زوجته, الذي أمسك به القتلة" الكبير

: ـ الزوج والسلطان 2

فيتشاءم هذا منه ويأمر أحد ضباطه , من البيت فيلتقي بالسلطانالزوجيخرج

وقد رجع من الصيد سعيدا بصيده الوافر فيتذكر ثم نرى السلطان . بوضعه في السجن

ولكن الزوج يرفض مغادرة السجن حتى ينال , سجينه ويطلب من الضابط اإلفراج عنه

)355(.فكان له ذلك, جائزة على ما لحقه من ظلم

أصبح الضابط في هذا المشهد هو الذي يسلط العقاب على غيره تنفيذا ألوامر

حيث وقع عقاب القتل عليه , األمر عليه في الموضوعاتيةعلى عكس ما هو, السلطان

وفي هذا تعديل لعنصر , يقوم الضابط هنا إذن بأخذ الزوج إلى السجن. وعلى زوجته

أما فعل الصيد فهو ممارسة للقتل على منوال قتل . حمل جثتي الزوجين إلى المسجد

.العسكر ألهل قبيلة كبلوط انتقاما للجثتين

هذا المشهد أيضا على عنصر العربة الذي يقابله هنا الخيول التي وقد اشتمل

منها , وقد سبق أن رأينا مثل هذا في مشاهد من رواية نجمة. ركبها السلطان وحاشيته

أثناء قيامها بنزهة " سوزي"الستة وبغال الفالحين الذين التقت بهم " ريكار"خيول السيد

. إلى الحقل

: ـ نهاية رمضان3

أسند السلطان إلى الزوج ـ بعد إشارة من المفتي ـ مهمة مراقبة أوقات اإلفطار

فيطلب الزوج من زوجته أن تحضر له إناء وأن تذكره كل صباح بأن . ويوم العيد

يرمي حصاة في اإلناء؛ فهذه الطريقة حسب رأيه تمكنه من معرفة عدد أيام الصيام

وفي الليل ـ بينما كان الزوجان . إلناءالتي تساوي عدد الحصى التي يجدها في ا

ولما تستيقظ الزوجة في الصباح تقوم بتفقد اإلناء فتجده قد , نائمين ـ تهب عاصفة قوية

355 -Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles »; P.75-76.

372

فتوقظه وتخبره أن اإلناء الذي تركه . امتأل بالحصى ألن زوجها ترك النافذة مفتوحة

اء يعني أن رمضان قد فيستنتج أن امتالء اإلن. أمام النافذة المفتوحة قد امتأل بالحصى

) 356(.انتهى

العجوز " يعدل هذا المشهد الليلة الماطرة التي قضاها الشبان في غرفتهم في مشهد

وهنا عاصفة تدخل الحصى إلى , فهناك قطرات المطر تدخل من السقف ليال ؛"اإليطالية

. ضوعاتيةالبيت بينما كان الزوجان نائمين على صورة انطراح جثتي الزوجين في المو

أما الضحية . غرفة هنا ومسجد هناك: أما عنصر المكان المغلق فهو واحد تقريبا

األحجار لما " قتلته"شهر الصيام الذي , في هذا المشهد فليس سوى رمضان المعظم

ويعتبر اإلناء هو المكان الدائري . كما قتلت الطعنات الزوج الضابط, مألت اإلناء

إذ بنهاية زمانه يدخل زمان , "فقتلته" فيه األحجار شهر رمضان المغلق الذي حاصرت

.وفي هذا موت له, آخر جديد يخالفه

: ـ البصل في البرنس4

وبعد أن قلع بعض البصالت , يدخل الزوج إلى بستان المفتي ليسرق البصل

وج أن يفاجئه المفتي فيسأله ماذا يفعل في بستانه؟ فيجيبه الز, ووضعها في برنسه

فيسأله المفتي عمن قلع البصل؟ فيجيبه أنه . عاصفة قوية حملته ورمت به داخل البستان

ولكن شدة العاصفة كانت قوية , كان يمسك بالبصل بقوة حتى ال تحمله العاصفة ثانية

ولكن المفتي الذي أصر على إثبات سرقة الزوج لبصله يسأله كيف . مما أدى إلى قلعه

وليس , ى برنسه؟ فيجيب الزوج أن هذه المسألة حيرته هو أيضادخلت حبات البصل إل

)357(.له جواب عنها

إذ قام بتعديل عناصر منه " نهاية رمضان"نرى أن هذا المشهد قد استفاد من مشهد

وحبات البصل , فالعاصفة هي نفسها هنا وهناك. وأبقى عناصر أخرى على حالها

أما عنصر القتل فيتمثل في . ي امتأل بها اإلناءصارت تعديال لألحجار أو الحصى الت

والقاتل . أما المكان المغلق فيتمثل في البستان. إذ القلع هو موت لها, قلع حبات البصل

وهذا الحوار . أما المفتي فيعدل عنصر القضاء الذي ورد في الموضوعاتية. هو الزوج

356 -Voir, ibid ; P.97. 357- Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles » P.102.

373

التي أدت إلى إعدام الذي جرى بين المفتي والزوج هو تعديل للمحاكمة الشكلية

فهو تعديل , الزوج" قتلها"أما البرنس الذي وضعت فيه حبات البصل التي . األعيان

. لألسمال التي لفت فيها الجثتان

, فهي كثيرة, أما تعديالت الدرجة صفر, هذا عن بعض تعديالت الدرجة األولى

. وسنتوقف عند بعضها

:ج ـ تعديالت الدرجة صفر

الدوران هنا )358(.ف عن الدوران واالنقالب على جانبيك في الفراشـ إنك ال تك

.واالنقالب المتواصل يحيالن على مفهوم الدائرة

الدوران هنا يحيل أيضا على دائرة )359(.ـ الجوق يدور راقصا حول سحابة الدخان

.مركزها سحابة الدخان

نصر الجثتين هذه صورة تعدل ع)360(.ـ يقوم الجوق بحمل سحابة الدخان في غطاء

.الملفوفتين في األسمال

. الزرابي تعدل األسمال)361(.ـ يدخل سحابة الدخان إلى بيته حامال زرابي وعلبا

هذا )362(.ـ ينام قرب زوجته ويغطي نفسه بجميع الزرابي التي حملها على ظهره

.تعديل لجثتي الزوجين الملفوفتين في األسمال

)363(.تأخذ مقصا وتشرع في قطع الزرابيـ تخرج الزوجة عتيقة من تحت الغطاء و

.تعديل للسكين ولطعناته المقص والقطع هو

وفي وسطها جلس العلماء والمفتي على شكل , ـ توزع أفراد الجوق حول المنصة

وهذا تعديل للمكان , يقدم هذا المشهد صورة للدائرة ولمركزها)364(.نصف دائرة

. الدائري المغلق في الموضوعاتية

358- Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles »; P.73. 359- Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles »; P.79. 360- Voir, ibid ; P.80. 361- Voir, ibid ; P.92. 362 - Voir, ibid ; P.92. 363 - Voir, ibid ; P.92. 364- Voir, ibid ; P.86.

374

العنصر المعدل هنا )365(.طعة من الذهب تمكنني من توسيع دائرة أصدقائيـ مائة ق

.هو الدائرة

)366(.ـ في األول تظهر على الشاشة صورة العقاب وهو يحلق مشكال دائرة عريضة

. الدوائر العريضة هي تعديل للمكان الدائري المغلق في الموضوعاتية

: ـ األجداد يزدادون ضراوة3 :ت الدرجة الثانية أ ـ تعديال

توصلنا في هذه المسرحية الثالثة إلى حصر مشهدين ينتميان إلى مستوى

, "اختفاء الطاهر"نعرف أحدهما بـ , الدرجة الثانية من التعديالت الموضوعاتية

:وهذا تحليل موضوعاتي لهما, "العجوز والفتيات"واآلخر بـ

: ـ اختفاء الطاهر1

ولهذا فقد استفاد من حماية , ه المسرحية شخصية عميلة لالستعمارالطاهر في هذ

وبرغم ذلك يتمكن مصطفى وحسان ـ بعد أن , يوفرها له حراس في إقامته الخاصة

هربا من السجن ـ من الذهاب إليه متنكرين في زي ضابطين وإخراجه من إقامته

وبعد أن أصبحوا . السيارةفيتبعهما إلى, بحجة حاجة المسئولين إليه لتحضير االنتخابات

, وتحت التهديد بالقتل بالسكين أو بالمسدس. بعيدين عن أي خطر كشفوا له عن هويتهم

ولكن طبيعة . يقومان باستنطاقه حول امرأة يتبين فيما بعد أنها نجمة أم االخضر

المعلومات التي قدمها الطاهر لهما وتباطؤه في قيامه بذلك ومحاوالته التخلص من

فيلومه حسان على , لة أفقد لمصطفى صبره فأطلق عليه النار بمسدسه وقتلهاألسئ

)367(.وعلى أنه قد سبقه إلى الثأر لالخضر منه, تسرعه

أول ما يبدو لنا من .يعدل هذا المشهد جملة من عناصر الموضوعاتية األساسية

لضابط التي ذلك عملية االختطاف التي تعرض لها الطاهر؛ فهذا عنصر يعدل زوجة ا

وقد تبع هذا االختطاف قتل . تكون قد اختطفت ثم اغتصبت قبل أن تقتل مثل زوجها

وهذا يعني أن عنصر القتل وعنصر السكين , الطاهر بالرصاص بعد تهديده بالسكين

365 - Voir, ibid ; P.103. 366 - Voir, ibid ; P.111. 367 - Kateb Yacine « Le cercle des représailles »; P.127-132.

375

وعلى عكس ما حدث في مشاهد أخرى حيث كانت الضحية . حاضرين في هذا المشهد

القتل وقع بعد إخراج الضحية من الطوق الذي نرى هنا . تحاصر قبل القضاء عليها

ولذا , فالدائرة إذن موجودة ولكنها دائرة تحمي وال تقتل, ضربه حولها الحراس لحمايتها

كما أن الموت في الموضوعاتية كان ينتظر الزوجين . كان القتل بعد الخروج منها

, إلى السيارة" طينالضاب"بينما وقع هنا عندما قبل الطاهر الذهاب مع , خارج السيارة

إذن عنصر السيارة حاضر في . أي في االتجاه المعاكس لما جرى في الموضوعاتية

" رتبة الضابط"إلى جانب هذه العناصر حضر في المشهد عنصر . هذا المشهد كذلك

المرأة "وحضر في المشهد كذلك عنصر . الذي سمح لمصطفى وحسان بالتنكر

, "األبناء"وأخيرا حضر عنصر . نطاق الطاهرإذ كان هو موضوع است, "الموضوعاتي

ألن القتل وقع من أجل الثأر لالخضر ابن نجمة الذي قتله الطاهر بطعنة سكينه في

".الجثة المطوقة"

: ـ الشيخ والفتيات 2

شيخ خائن يقود قافلة تتكون من : يمكن تلخيص عناصر هذا المشهد حسب اآلتي

فيقطع بهن الصحراء تحت , نجمة بحجابها األسودمن بينهن, مجموعة من الفتيات

يعلم مصطفى وحسان باألمر . لتسليمهن هدية لجنود المملكة, تحليقات العقاب ودورانه

. ولما يحل الليل تتوقف القافلة لالستراحة والنوم. فيقتفيان آثاره بهدف إنقاذ النساء

وقت المناسب يهجم وفي ال, ويراقبان الشيخ, فيتقدم حسان ومصطفى من المجموعة

ولكن جنود . وهكذا يتمكنان من إفشال خطته. حسان عليه ويطعنه بسكينه فيرديه قتيال

وبعد . األعداء يعلمون بالحادثة فيأخذون في مطاردة المجموعة بقيادة مصطفى وحسان

حين يتعرف الشابان على نجمة بعد أن سقط منها خمارها فيبهرهما جمالها ويقرر كل

فيصاب حسان , مما أدى إلى إطالق كل منهما النار على اآلخر, فراد بهامنهما االن

ويسقط ميتا ليجد مصطفى نفسه في النهاية في مواجهة جنود العدو والعقاب بمفرده

فيدخل معه في , فيأخذ سكين حسان ليدافع عن نفسه لما هاجمه العقاب, وبدون سالح

, يقطر دما بسبب طعنات السكينثم ينسحب العقاب في النهاية مجروحا وهو. عراك

وقد سمحت هذه المعركة بين االثنين . ولكنه تمكن هو أيضا من إلحاق جروح بمصطفى

فيرمون أفرادها بالرصاص ويصيبون نجمة إصابة , لجنود العدو من اللحاق بالقافلة

376

أما مصطفى فيقبضون عليه ويضعون القيود في يده ويسوقونه أمامهم تاركين . قاتلة

)368(.م جثتي حسان ونجمة منطرحتين على الرمالوراءه

كسابقه " األجداد يزدادون ضراوة" يعدل هذا المشهد الذي اختتمت به مسرحية

ولتوضيح العالقة القائمة . الموضوعاتية األساسية بفضل اشتراكه معها في عدة عناصر

جموعة الفتيات نبدأ بعنصر االختطاف الذي قام به الشيخ لما اختطف م, فيما بينها

. ثم كرر مصطفى وحسان هذا العنصر لما افتكا النساء منه بعد قتله بالسكين, ونجمة

ولما تقع هذه الجريمة األولى يتدخل عنصر آخر في المشهد هو العسكر الذين يأخذون

في مطاردة المختطفين واسترجاع النساء؛ وهذا بدوره تعديل لتدخل الجنود لتدمير

وإذا تأملنا ثانية في شخصية الشيخ الخائن . ه انتقاما للزوجين القتيلينالناظور وقتل أهل

فإننا نراه يعدل الضابط ألنه كان مع النساء ثم صار قتيال مثله؛ وإلى جانب هذا فمنزلته

يحمل معاني " vétéran"رفيعة كذلك ألن االسم الذي أطلق عليه في النص األصلي

وهذه صفات ترفعه إلى منزلة اجتماعية , نظرالرجل صاحب التجربة والحكمة وبعد ال

. ومن هنا يزداد تشابهه بالضابط واقترابه منه, عالية

, الدائرة: أما العقاب فقد استحضر إلى المشهد عنصرين موضوعاتيين على األقل

فالدائرة صنعها بفضل دورانه المتواصل فوق القافلة قبل مقتل . والجروح النازفة

إذ طعنه عدة , وأما الجروح الدامية فكانت نتيجة لعراكه مع مصطفىالعجوز وبعده؛

وأثناء صراع . كما أحدث هو بدوره جروحا في وجه مصطفى, طعنات بالسكين

ليلحق الجنود , مصطفى مع حسان على نجمة تمكن مصطفى من قتل حسان بمسدسه

فيطلقون , المجموعة قبل أن تغادر المكان الذي كانت فيه جثة حسان منطرحة أرضا

فكان هذا المشهد تعديال لمشهد الجثتين . الرصاص فتسقط نجمة قتيلة إلى جانب حسان

وأخيرا يتقدم الجنود ). حسان(والرجل ) نجمة(امرأة : المنطرحتين في الموضوعاتية

مخلفين وراءهم , من مصطفى ويضعون القيود في يده ويأخذونه مع مجموعة الفتيات

حيث , "االخضر في الحظيرة"عديال للنهاية التي آل إليها مشهد فيكون كل هذا ت. الجثتين

قد " سوزي"وكانت , وضع رجال الدرك القيود في يدي االخضر واقتادوه إلى السجن

إذ تبين هذه الصورة انتقالها إلى . شبكت ذراعها بذراع الدركي يسندان أباها الجريح

368- Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles »; P.143-155.

377

وقد تكرر هذا المشهد أيضا . كرجانب الدركي كما انتقلت الفتيات هنا إلى جانب العس

بعاشقها " سوزي"وقبض على مراد والتحقت " ريكار"حيث مات السيد , "مقتل ريكار"في

. الدركي

بعد تناول هذين المشهدين المنتميين إلى مستوى الدرجة الثانية ننتقل إلى دراسة

.تعديالت الدرجة األولى

:تعديالت الدرجة األولىأ ـ

ا في هذه المسرحية من تحديد مشهدين ينتميان إلى مستوى الدرجة األولى تمكنن

:والمضلع, السجناء: وهما, من التعديالت الموضوعاتية

: ـ السجناء1

فبعد قيام حراس السجن بمناداة . ورد مشهد السجناء في أول المسرحية

امون تحت حراسة يخرجون لتركهم ين, السجناء واحدا واحدا لمراقبة حضورهم

, ولكنهم يرفضون التوقف عن الكالم وإثارة الضجيج, فيتمدد السجناء للنوم, مصطفى

فيقوم حسان بالمشي على بطونهم ذهابا وإيابا وهم ممددون دائما في أماكنهم حتى

ألن السجينين مصطفى وحسان كانا في حاجة شديدة إلى , يجبرهم على السكوت

قوما بحفر ثقب في سقف الزنزانة ويوفرا فرصة الهدوء ونوم السجناء حتى ي

ولما يتوصل حسان ومصطفى إلى فتح الثقب . الهروب لمن يرغب منهم في ذلك

بواسطة آلة حادة يقوم السجناء من مراقدهم فيتحلقون حولهما استعدادا الجتياز الثقب

)369(.والهروب

األساسية قام عن اشتمل هذا المشهد الجزئي على بعض عناصر الموضوعاتية

وأول ذلك إجبار حسان للسجناء على . طريق تعديلها بصناعة كيانه الفني المتميز

السكوت والنوم في وضع خاص مع خضوعهم له خضوع األموات وهو يمشي على

369- Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles »; P.123-125.

378

كان السجناء : (( قد وضعوا أسمالهم تحت رؤوسهم, أجسادهم ويضربهم بالركالت

وفجأة قام , كانوا يتكلمون, سمالهم تحت رءوسهمنائمين على طول الحائط وقد وضعوا أ

ثم دار عدة مرات حول القاعة وهو يمشي على , حسان وأخذ يوزع عليهم الركالت

وكأنهم كانوا محضرين لتلقي هذا النوع من , بطون السجناء وقد تمددوا على طولهم

)370()).التعذيب الغريب

وسهم مع تلقيهم للركالت هو تعديل إن تمدد السجناء وقد وضعوا أسمالهم تحت رؤ

إذ نجد في هذا المشهد .لمشهد الجثتين المنطرحتين في المشهد وقد لفتا في أسمال

الركالت التي تعدل طعنات , السجن الذي يعدل المسجد, األسمال ,التمدد :العناصر

, سهأما تلقي السجناء لكل هذا العذاب دون احتجاج فهو تعديل لعنصر الموت نف. السكين

الذي ـ كما نرى ـ ال , فالميت وحده ال يبدر منه هنا أي رد فعل أمام هذا العذاب

وهكذا يبدو . يصدر عن قوة أو سلطة ال يسع السجناء أمامها إال الصبر والخضوع

خضوعهم لحسان هو خضوع فني أماله التعديل الموضوعاتي الذي يهدف إلى صناعة

عن , السكين حاضرا بشكل آخر غير الركالتوقد كان. عنصر الموت في هذا المشهد

. طريق اآللة الحادة التي فتح بها حسان ثقبا في سقف الزنزانة

ويثير انتباهنا في مشهد عملية الحفر صعود حسان على ظهر مصطفى حتى

, ذلك ألن الصعود بهذا الشكل هو نوع من الركوب, تمكن من بلوغ السقف للقيام بالحفر

مما يعني أن عنصر السيارة أو العربة , ظائف األساسية للعربة والسيارةوهذا من الو

يبقى بعد هذا عنصر الدائرة الذي يجسده السجن . كان حاضرا في هذا المشهد كذلك

: ولكن الدائرة وردت أيضا بلفظها الصريح, بكل وضوح بصفته مكانا مغلقا

مصطفى وحسان في شكل وعند اإلشارة قام السجناء ووقفوا حول ((

)371(.))دائرة

يتبين أن هذا المشهد الجزئي هو تعديل موضوعاتي من الدرجة األولى لقيامه

".جريمة الناظور"على جملة من عناصر

: ـ المضلع2

370- Ibid; P.123-124. 371- Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles »; P.125.

379

. إنهم يذهبون مباشرة إلى المضلع... وعسكر أيضا... سجناء آخرون ((

ـ إلى المضلع؟

: يتكون هذا المشهد من أربعة عناصر موضوعاتية)372()).م االعداماتـ نعم هناك تت

فهو تعديل للدائرة أو , فالمضلع شكل هندسي. واإلعدامات ,والعسكر, والسجناء, المضلع

أما السجناء فهم ال يختلفون هنا عن هؤالء الذين مروا بنا في عدة , هو الدائرة نفسها

واالخضر " رشيد والرتيالء"ورشيد في " يكارمقتل ر"مراد في : مشاهد من رواية نجمة

وهؤالء جميعا يعدلون الزوجين إذا افترضنا أن القتلة , "االخضر في الحظيرة"في

, ويعدلون أيضا األعيان الستة الذين أعدموا في ساحة الثكنة, قبضوا عليهما قبل قتلهما

ي يتم فيه إعدام وساحة الثكنة تم تعديلها هنا بعنصر المضلع الذي يعني المكان الذ

فيلتقي بهذا أيضا عنصر اإلعدامات بتلك التي وقعت في الموضوعاتية . السجناء

.وقد نفذها العسكر على غرار ما يتم في هذا المشهد, األساسية

, على مشهدين من الدرجة الثانية..." األجداد" إلى جانب اشتمال مسرحية

لى عدة تعديالت من الدرجة صفر نتناول اشتملت أيضا ع, ومشهدين من الدرجة األولى

. بعضها فيما يأتي

:تعديالت الدرجة صفرج ـ

)373(.وال يرى على الشاشة سوى العقاب يحلق صانعا دوائر واسعة, ـ ظالم كامل

الدوائر الواسعة التي يشكلها العقاب بتحليقاته هي تعديالت للمكان الدائري المغلق

. في الموضوعاتية

هذا تعديل )374(.يعود العقاب إلى الظهور وهو يحلق في دوائر واسعة. يمر وقتـ

. آخر لعنصر الدائرة

وأن آخذ األرملة إلى , أن أرجع إلى الجد كبلوت بجثة) العقاب(ـ لكن يجب علي

هذا مقطع من حديث مطول للعقاب يستعرض فيه خضوعه ألوامر الجد ) 375(.القبيلة

ه؛ وهو يقدم هنا مشهدا معدال لمشهد الزوج القتيل الذي يدل كبلوت وارتباطه القوي ب

372- Voir, ibid; P.126. 373- VOir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles »; P.134. 374 - Voir, ibid ; P.137. 375- Voir, ibid ; P.138.

380

, "األرملة"ويعدل أيضا الزوجة المختطفة التي يدل عليها لفظ , "الجثة"عليه لفظ

".آخذ"باإلضافة إلى عنصر االختطاف الذي يدل عليه لفظ

: ـ العقاب4

" دائرة االنتقام"التي جاءت ضمن المجموعة المسرحية " العقاب" تضمنت قصيدة

وقد حددنا فيها . تعديالت موضوعاتية جعلتها ترتبط بنصوص كاتب ياسين األخرى

وسنبدأ بدراسة تعديالت ,ثالثة تعديالت من الدرجة األولى وتعديلين من الدرجة صفر

.ثم تعديالت الدرجة صفر, الدرجة األولى

:أ ـ تعديالت الدرجة األولى

: ـ المسجونة1

ناها هل عذب

المسجونة على النافذة الزجاجية

اآلنسة الخضراء

التي تم انتزاعها من الحشائش بالقبض على فستانها

وبالريح

أم أننا جرحنا كرامتها

بنظرة على النافذة الزجاجية

هل أسكرت في عربتها

)376(أم أخذت إلى الحشائش بخطى بطيئة؟

مسجونة داخل عربتها يحيط بها يتعلق الخطاب الشعري في هذا النص بامرأة

وهم يرغبون في اختطافها , )هل عذبناها(السارد الشعري رفقة زميل أو زمالء

. بغرض االغتصاب والممارسة الجنسية في وسط الحشائش)... انتزعناها(

هكذا نرى أن هذه األحداث يمكن اعتبارها تفاصيل لحدث االختطاف الذي

فهي هنا تتابع الجريمة بنظرها . وعاتية بعد قتل زوجهاتعرضت له الزوجة في الموض

وهي مذعورة مسجونة وراء نافذة عربتها قبل أن تمتد إليها هي أيضا أيدي القتلة

376-Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles »; P.162.

381

ويمكن تحديد العناصر الموضوعاتية التي قام عليها هذا المشهد في . والمغتصبين

األسمال , )عذبناها (القتل, )انتزاعها(اختطاف , )المسجونة(السجن , السيارة: اآلتي

ولكثرة العناصر ". أخذت إلى الحشائش"و, )جرحنا كرامتها(اغتصاب , )فستانها(

الموضوعاتية المعدلة التي اشتمل عليها هذا المشهد فهو يقترب كثيرا من مستوى

.الدرجة الثانية

:ـ السباحة 2

دعها ترتطم عليك

هذه السباحة المحاطة بالجزر

حيث سجانوها

)377(.ريدون الفرارال ي

يقوم هذا المشهد الفني كذلك على بعض عناصر الموضوعاتية األساسية المعدلة

؛ )االرتطام هو توقف وموت(الموت : يمكن تحديدها كاآلتي, في مستوى الدرجة األولى

هم أعداء أيضا كما هو األمر مع " (السجانون"؛ )دائرة(؛ المحاطة )السباحة(المرأة

هو (؛ الفرار )الذين قبض عليهم الدرك والشرطة لسجنهم, مراد أو رشيداالخضر أو

حتى ال يقعا , محاوالت خروج الزوجين من الطوق المضروب عليهما للنجاة بنفسهما

).بين أيدي القتلة

: ـ الميتة3

احضروا الميتة أو اقتلوها

ال تقولوا إنها في النزع

) 378(. الضربوقد تورمت عيناها من شدة البكاء وكثرة

وهو يعدل العنصر الموضوعاتي , هذا مشهد آخر من مستوى الدرجة األولى

وألما وحسرة , ؛ وهي قد تورمت عيناها من شدة البكاء حزنا على مقتل زوجها"الزوجة"

377-Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles»; P.164. 378 -Voir ,ibid ; P.171.

382

, فلم يستجبوا لتوسالتها ودموعها, على مصيرها بين أيدي القتلة الذين لم تلن قلوبهم

.ثم قتلوهافضربوها واغتصبوها

:ب ـ تعديالت الدرجة صفر

ـ هاهي الوردة

وقد تم القبض عليها من الخناق

...............

ولكن كيف يمكن تحمل

نزع الوردة

)379(.دون الرغبة في ذبحها

.وهو تعديل لمقتل الزوجة بالسكين في الموضوعاتية, هذا مشهد يصور القتل

ـ أن أسيل قليال

من دمك

) 380(.ك هي الجريمة التي لن أتمكن من تحقيقهاتل

وهي ,هذه عناصر مشهد قتل الزوجة في جريمة الناظور ,والجريمة، والدم ,القتل

مسرحية عناصر وردت أيضا في أبيات شعرية جاءت على لسان مصطفى في

. حيث تم تكرارها هنا ضمن قصيدة العقاب)381(,..."األجداد"

: ب ـ المضلع النجمي

فهو ليس رواية وال , في جنس أدبي محدد" المضلع النجمي"ال يمكن تصنيف

وال مجموعة قصصية؛ إنه يجمع بين هذه ,وال مجموعة مسرحيات ,ديوان شعر

من أي نوع آخر , ولكنه في نظرنا هو أقرب إلى مجموعة قصصية. األجناس جميعا

فهي قصص , ت وال نهايات محددةولكنها قصص ليست لها بدايا. من الكتابات الفنية

وهذا , إنها مفتوحة الطرفين في شكل لولبي, تفاجئ القارئ ببداياتها ونهاياتها أيضا

مع اختالف . يقربها من مفهوم الدائرية؛ مما يجعل هذا العمل يلتقي مع رواية نجمة

379 - Voir, ibid; P160. 380- Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles»; P.160. 381 -Voir, ibid, P.151.

383

حيث نجد قصة واحدة تدور دورة , وهو أن نجمة تقوم على دائرية واضحة, طبعا

على محيط دائرة ؛ بينما المضلع يتكون من عدة دورات ال تلتقي فيها النهاية واحدة

وسنشرع في تناول جملة من التعديالت . بالبداية وإنما توازيها على خط لولبي

. وسنصنفها في المستويات الثالثة السابقة, الموضوعاتية التي وردت في المضلع

:أ ـ تعديالت الدرجة الثانية

: لقمار ـ طاولة ا1

يصف هذا المشهد جماعة من العبي القمار تحلقوا حول طاولة يلعبون الورق

, والكورسيكي, وعمار, هؤالء الالعبون هم االخضر. وسط جماعة من المتفرجين

ثم ال يلبث األمر أن يتحول إلى عراك استعمل فيه ). mulâtre(والخالسي األسمر

وفي النهاية يحضر رجال الدرك فيقبضون على ,عمار قطعة حديد انتزعها من مقعده

وقد جرح في هذا العراك االخضر . المتعاركين ويأخذونهم في سيارتهم إلى السجن

)382(.والكورسيكي

فكان سببا لنشوب العراك بين , غابت المرأة في هذا المشهد وحل المال محلها

الذي يمثله هنا كل من " يالفرنس"وبالمقابل حضر في هذا المشهد عنصر . المقامرين

, الكورسيكي والخالسي األسمر الذي ورث لون السمرة من كون لون أحد والديه أبيض

وهذا يكون عادة نتيجة لعالقة زوجية بين طرف فرنسي وآخر إفريقي ؛واآلخر أسود

وقد تضمن هذا المشهد أيضا . بحكم االحتكاك بين الجنسين بسبب االستعمار خاصة

ثم , الالعبون حول الطاولة: لدائري المغلق الذي تشكل مرتينعنصر المكان ا

أما السكين فقد عدلته قطعة الحديد التي . المتفرجون الذين تحلقوا بدورهم حول الالعبين

بعد هذا تأتي عناصر . انتزعها عمار من مقعده الستعمالها سالحا ضد الكورسيكي

, حقق بذلك تعديل العربة والقيودأخرى منها حضور رجال الدرك بسيارتهم وقيودهم ليت

, على أساس أن زوجة الضابط تم تقييدها حتى يتمكن القتلة من اغتصابها قبل قتلها

. ليأتي بعد هذا عنصر السجين على منوال ما حدث مع االخضر لما تعارك مع أرنست

382 -Voir, Kateb Yacine « Le polygone étoilé »; P.31-32.

384

ارتباطا واضحا من " االخضر في الحظيرة" وقد كان ارتباط هذا المشهد بمشهد

وكذا في , الل قطعة الحديد التي تلتقي مع مسطرة أرنست التي ضرب بها االخضرخ

: ربطة العنق التي تلطخت هنا بدماء الكورسيكي كما تلطخت في نجمة بدماء أرنست

أليس هذا دما؟ . إنه رباط عنق الكورسيكي... القط يلعب برباط العنق المبلل "

)383(."وأخذوا يتتبعون القطرات

: بنات الحالقـ 2

يعمل االخضر بحارا في دكان أحد أعيان المدينة الذي كان فيما مضى مالحا ثم

وكان االخضر يتخذ هذا الدكان سكنا له . حج عدة مرات ليتفرغ للتجارة وجمع المال

. بتحويل مقاعده إلى سرير ورفوفه إلى مكان يضع عليها كتبه ألنه كان طالبا أيضا

ولكن االخضر لم يكن يهتم , غراء االخضر بإحدى بناته ليتزوج منهايحاول الحاج إ

. مما جعل الحاج يطرده من دكانه عندما لم يتمكن من تزويجه ابنته الكبرى, بهذا األمر

ثم , إذ يدخل الحاج إلى الدكان فيوبخ االخضر على قلة المال الذي جمعه ذلك اليوم

؛ فيجمع االخضر كتبه ويلتقط القطع يرمي ما في الدرج من قطع نقدية على األرض

ويفكر في السفر إلى فرنسا , وينصرف متجها إلى قلب المدينة مشبها مشيته بعدو األتان

)384(.للعمل

يتضمن هذا المشهد مجموعة من عناصر الموضوعاتية تمكنه من أن يصنف في

اج وبناته؛ فلقب فنجد من جهة الح. مستوى الدرجة الثانية من التعديالت الموضوعاتية

وكونه بحارا تجعل وظيفته أيضا تعدل الوظيفة , الحاج يدل على مرتبة اجتماعية عالية

أما بناته أو بنته . مما يجعل هذه المنزلة تعديال لرتبة الضابط الزوج, العسكرية للضابط

إذ أصبحت في هذه الحالة وكأنها امرأة مختطفة من , الكبرى فقد صارت زوجة

وفي هذا يوجد كذلك معنى , ن األب كان يريدها أن تكون له فأخذها غيرهلكو, االخضر

قام بها الحاج " اختطاف"باإلضافة إلى أن االخضر نفسه كان ضحية عملية , االغتصاب

ألن العمل الذي وفره له كان عبارة عن شرك أو وسيلة للوصول , ليجعله زوجا البنته

الحيلة لما طرده من العمل بعد أن نجح في وقد انكشفت هذه . إلى جعله في قبضة ابنته

383 -Voir, ibid; P.32. 384 -Voir, Kateb Yacine « Le polygone étoilé »; P.37-38.

385

هكذا نرى أن دالالت االختطاف واالغتصاب كانت . تزويج ابنته من شخص آخر

أما الدكان الذي كان يبيت فيه االخضر بعد أن يسوي كراسيه . حاضرة في هذا المشهد

في شكل سرير فهو يعدل المكان الدائري المغلق؛ والنوم على تلك الكراسي يعدل

أما عنصر السكين فنجده معدال في األدوات التي يشتغل . طراح الجثتين في المسجدان

وكل منها تعديل للسكين , ومنها الموسى والمقص, بها االخضر لتقطيع الشعر أو قصه

أما العربة فيعدلها تشبيه االخضر حالته بعدو األتان ثم بالرغبة في . الموضوعاتية

وأن السفر إلى فرنسا يتطلب , ان هي وسيلة ركوبإذ األت, السفر إلى فرنسا للعمل

ويبقى في هذا المشهد عنصر آخر يحيل على مشهد نزول . وسيلة ركوب أيضا

:االخضر من القطار وهو يصل إلى عنابة في رواية نجمة

أنه أسقط ـ عندما قفز من عربة , لقد رأى من كان يتتبع حركات الشاب ((

وهو سكين من الحجم الذي ال يبيحه , رصيف المحطةالقطار ـ ذلك السكين على

في كراسه بدل , وهو مرتبك, ولكنه سرعان ما التقط السالح المحظور ثم لفه, القانون

)385(.))أن يعيده إلى جيبه

: فهذا العنصر أو المشهد ورد هنا أيضا

" لمدخول؟أهذا كل ا: "دخل رب العمل مسرعا وذهب إلى درج النقود مباشرة ((

, أخذت كتبي بسرعة." وانصرف, التقط بؤسك: "فرمى النقود على األرض. لم أجب

فضربت برجلي القطع . فكرت. دائما األموال. ومشيت على قطعة ذات خمسة فرنكات

فاغتنمت . وفي الشارع أسقطت كتابا. خرجت. لم يقل شيئا. النقدية إلى خارج الدكان

)386(.))خمسون فرنكامائة و. الفرصة لجمع بعض القطع

وإن , إسقاط النقود يقابلها إسقاط السكين: فالمشهدان كما نرى يلتقيان بشكل قوي

, التي هي الحديد, فهي تشترك معه في مادة الصنع, كانت النقود تختلف عن السكين

بعد التقاط السكين تم. وفي القوة أيضا؛ فاألموال تحمي صاحبها كما يحميه السكين

وهما مكانان , وهنا وقع التقاط النقود بعد الخروج من الدكان, الخروج من القطار

كان االخضر في مشهد رواية نجمة يحمل كراسا لف فيه السكين بعد أن .مغلقان

.73ص, نجمة- 385

386 -Voir, Kateb Yacine « Le polygone étoilé »; P.38.

386

, وهو هنا يحمل كتبا أسقط واحدا منها حتى يخفي به عملية التقاط األموال, التقطه

وإذا كنا في . األموال كما أخفى الكراس السكينوالغرض من هذه العملية هو إخفاء

, مشهد رواية نجمة رأينا بأن الكراس يعدل األسمال ألنه يخفي السكين أداة الجريمة

وهكذا يتضح في النهاية أن هذا المشهد هو تعديل . فالكتاب هنا يعدل بدوره األسمال

.للمضوعاتية األساسية

: ـ ترميم الغرفة3

الموضوعاتية األساسية عن طريق ارتباطه بمشهد " ترميم الغرفة" يعدل مشهد

حيث نجد تعديال لعدة عناصر منه يمكن , الذي ورد في رواية نجمة" العجوز اإليطالية"

صرامة المرأة , الجنسية اإليطالية, موت الزوج, الغرفتان, المرأة: تحديدها حسب اآلتي

وحتى يتضح بناء أو موقع هذه العناصر . رةوالشج, المظلي, البريد, السكين, اإليطالية

: في المشهد نستعرض فيما يأتي ملخصا للنص الذي وردت فيه

فيدعوه , يتعرف شاب جزائري مغترب بفرنسا يدعى شريف على االخضر

وفي إحدى . للمبيت معه في غرفته واقتسام أجرة كرائها فيستجيب االخضر لذلك

ر أن يكتب له رسالة إلى أمه يحدثها فيها عن السهرات يطلب الشريف من االخض

ويقول لها بالخصوص إنه لما يعود إلى الوطن سيتزوج من فتاة غير الفتاة التي , حالته

ثم يحدث شريف االخضر عن . فيلبي االخضر طلب صديقه. كانت قد اختارتها له

حذره بأن ال وي, فيخبره بأنه يشغل آلة تخليط اإلسمنت, العمل الذي يؤديه في الورشة

ولما يتوجه االخضر في الغد إلى ". المطرقة الثاقبة"يقبل أن تسند إليه مهمة تشغيل

تنقله شاحنة مكشوفة مع مجموعة من العمال إلى , الورشة التي يملكها رجل إيطالي

, ورشة أخرى لترميم سقف قصر مصنوع من صفائح الغرانيت ليتم استبداله بالقرميد

)387(.توفي قبل ذلك بزمانوكان صاحب القصر قد

يكشف طلب شريف من االخضر للمبيت معه القتسام أجرة الكراء معا عن

حيث رفضت أن تكتري غرفة " العجوز اإليطالية"وضع معاكس لما جرى في مشهد

وبهذا . إذ اشترطت عليهم اكتراء غرفتين برغم تضررهما, واحدة للشبان األربعة

387 -Voir, Kateb Yacine « Le polygone étoilé »; P.58-59.

387

مما جعل عالقتهم بالعجوز سيئة , يتحقق لهؤالء في نجمةيتحقق للشابين هنا ما لم

كشفوا عن ذلك لما كانوا بصدد التفكير عن الطريق التي تمكنهم من إرسال , ومتوترة

أو في . سنرسل إليها معلوم الكراء عن طريق حوالة بريدية: (( أجرة الكراء إليها

)388(.))ولم ال يكون ذلك في تابوت. حقيبة

تم تعديله , ث الذي جرى بين الشبان في الغرفة عن إرسال معلوم الكراء هذا الحدي

بعد أن أملى , وقد كتبها االخضر في الغرفة أيضا, هنا بإرسال رسالة إلى أم الشريف

. عليه صديقه مضمونها

إن صرامة العجوز اإليطالية هي التي جعلت الشبان يتخذون منها هذا الموقف

مة نجدها أيضا عند المرأة صاحبة الفندق الذي نزل فيه الشريف هذه الصرا, العدائي

: واالخضر

: صاحبة الفندق دائما في حالة صراخ ((

ـ إنني ال أستطيع أن أفهم كيف أن العمال يتركون مصابيح اإلنارة مشتعلة حتى

)389())؟!منتصف الليل

. لكونها صارمة مثلها هكذا يتضح بأن صاحبة الفندق تعدل العجوز اإليطالية

باإلضافة إلى هذا نرى أن غرف المبيت أو الفندق هي أماكن للنوم مالكها في الحالتين

امرأة؛ ثم إن صاحبة الفندق لما تصرخ في وجه العمال تعدل أيضا العجوز التي

. خرجت إلى الشارع وهي تصرخ مذعورة لما رأت الصبي معلقا فاعتقدت أنه مظلي

ذلك ألن المرأة صاحبة الفندق , غائبا في هذا المشهد" المظلي"بي ولم يكن هذا الص

)390(.كانت ترافقها دائما بنت بدينة تغلق األبواب بقوة في وجوه الزبائن

ونترك بعد هذا العجوز اإليطالية وصاحبة الفندق جانبا لنتناول عناصر

يتضمن عنصر فنالحظ أن حديث شريف إلى االخضر عن العمل , موضوعاتية أخرى

ويتمثل هذا في تحذيره من االشتغال بالمطرقة الثاقبة؛ وهذه آلة تشبه السكين , السكين

إلى جانب . عديل للسكينتوبذلك فهي , في شكلها وفي وظيفتها وفي مادة صنعها أيضا

.265ص, نجمة- 388

389-Voir, Kateb Yacine « Le polygone étoilé »; P.58 390 -Voir, ibid ; P.58.

388

منها سقف الغرفة المتضرر الذي , هذا نجد عناصر أخرى تم تعديلها لبناء هذا المشهد

تبدال الصفائح بالقرميد؛ وكذلك موت زوج العجوز اإليطالي الذي تم تم تعديله باس

أما شجرة الكرز التي سقط منها الصبي فقد تم تعديلها . تعديله بصاحب القصر المتوفى

أما الجنسية اإليطالية للعجوز فقد انتقلت . هنا بالسلم المرتعش وقد صعد عليه االخضر

, وأخيرا تم تعديل سيارة الزوجين القتيلين. إذ هو أيضا إيطالي, هنا إلى المقاول

واألسمال التي لفت فيها جثتاهما بالشاحنة التي نقلت االخضر والعمال إلى القصر

وبالقميص المبلل بالعرق الذي جف على جسد االخضر لما كان ينتظر , لترميم سقفه

, وةكانت رياح باردة تعصف بق: (( الشاحنة على الجسر كما جف الدم في األسمال

)391(.))فأحس االخضر أن عرقه يتحول إلى قميص ثان مندى

:لوسيان الرجل القوي. ـ م4

جاءت أغلب تفاصيل الحدث اآلتي على لسان جارتين بعد سماعهما لصراخ يأتي

: حسب ما يتضح في الملخص اآلتي" لوسيان.م"من دار

اء في أعلى هرم مختلف له أصدق, جميل وقوي, رجل كورسيكي" لوسيان. م "

وله أربعة محامين تحت , يملك مؤسسة اقتصادية. المؤسسات اإلدارية واالجتماعية

دون أن يتم إيقافه ولو مرة , وال يقتل غير الرجال, "الجالد"يلقب بـ . تصرفه دائما

لقد رقص مع زوجة . فهو يتحدى رجال الشرطة مثل صخرة في وسط البستان. واحدة

وله في , له أغطية زرقاء ووردية, يملك كل الخيرات, إنه رجل غني. رئيس الدائرة

قليلة يرمي بهن على " حصص"لكن بعد , كل النساء يرضين به, الثالجة دائما دجاجة

وهو اآلن يجلد إحداهن في بيته بحزامه بعد أن جردها من ثيابها؛ إنها . الرصيف

)392(.لم يغفر لها ذلكف, لقد أنجبت له ولدا سيرثه, تصرخ وسط موسيقى الجاز

391-Voir, ibid ; P.59. 392-Voir, Kateb Yacine « Le polygone étoilé »; P.128-129.

389

يقوم هذا الحدث على مجموعة هامة من عناصر الموضوعاتية بعد تعديلها؛ فهو

مما اضطره , حيث قفزت رتيالء على جسمه, في نجمة" رشيد والرتيالء"يذكرنا بمشهد

ثم دخل ضابط الشرطة ليضربها بسوطه الذي لم يكن , إلى خلع ثيابه لضربها بالحزام

وقد كنا بينا أن تلك الرتيالء هي تعديل المرأة . كل مرة سوى جسد رشيديصيب به في

ورأينا كذلك أن السجين . اشتغلت مع رشيد في فرقته المسرحية" أم العز"ممثلة تدعى

فهي مثل البشر تحب , كان طلب من رشيد ترك الرتيالء في حالها فال يزعجها" جو"

)393(.))إنها سعيدة... تأرأي. سأغني لك لحنا, ال تتحرك: (( الغناء

الرجل . تعرت المرأة مثلما تعرى رشيد: هذه العناصر نجد أغلبها في هذا المشهد

ثم فعل الضابط , يضرب المرأة بالحزام كما ضرب رشيد الرتيالء بالحزام على جسده

كما غنى جو لرشيد وهو يضرب , الرجل يضرب المرأة وسط الموسيقى. أيضا

وضرب رشيد والضابط الرتيالء في , ب المرأة في غرفة مغلقةوقع ضر. الرتيالء

ومن ثم , فرنسي فلوسيان كورسيكي" الرتيالء"وإذا كان الضابط الذي ضرب . السجن

. فهما يعدالن الجنسية الفرنسية األوربية للضابط

نالحظ إذن أن هذا الجانب من المشهد يعدل الموضوعاتية األساسية عن طريق

أما العناصر المتبقية فهي تعدل جميعها ". رشيد والرتيالء"عناصر من مشهد تعديله ل

فالمحامون األربعة يرتبطون بعنصر القضاء , "جريمة الناظور"تقريبا بشكل مباشر

والدجاجة في الثالجة هي تعديل . العسكري الذي أصدر حكم اإلعدام على األعيان الستة

أما األسمال التي لفت فيها جثتها فقد تم . لوتللمرأة المقتولة المنطرحة في مسجد كب

ونالحظ أن هذين اللونين أيضا هما لونان . تعديلها هنا باألغطية الزرقاء والوردية

أما مواقع الطعنات فيتحول لونها . مالزمان للجثة التي تصير بعد مضي الوقت زرقاء

أما رجال . الورديإلى األحمر المائل إلى السواد والذي تم التعبيرعنه هنا باللون

, الشرطة فهم تعديل لرجال الدرك والشرطة الذين مروا بنا في عدة مشاهد من نجمة

أما رقص لوسيان مع زوجة . وهم يعدلون العسكر وحتى مهنة الضابط العسكري نفسه

, فالزوجتان تتقابالن, رئيس الدائرة فهو تعديل الختطاف القتلة لزوجة الضابط

.37ص, نجمة- 393

390

أما تشبيه . ن بحكم وظيفتهما ومنزلتهما االجتماعية النافذة والقويةوالزوجان أيضا يتقابال

هذا الرجل في قوته وتحديه للشرطة بالصخرة وسط البستان فهو تعديل للدائرة التي

. تقابل هذه الصخرة مركزها

عقاب الرجل ألنها " استحقت"فهذه المرأة , وبعد هذا نصل إلى عنصر األبناء

وهي بهذا تعدل المرأة الفرنسية زوجة كاتب العدل التي اختطفها , يرثهأنجبت له ولدا س

فاألم فرنسية في , والتي أنجبت منه نجمة" قتيل المغارة"سي مختار وغيره في

وألبناء الزوجة , وهذا العنصر هو تعديل ألبناء األعيان المعدمين من جهة. المشهدين

. لمحتملين للزوجة الفرنسية من جهة ثالثةولألبناء ا, الفرنسية المقتولة من جهة ثانية

وهو ما رأيناه في المشاهد , وهو أن لوسيان ال يقتل سوى الرجال, ويبقى عنصر أخير

ولذا , السابقة إذ ال يتعارك الرجال إال فيما بينهم؛ فهم يتقاتلون من أجل امرأة للفوز بها

األساسية حيث وصل ال تمتد اعتداءاتهم إليها باستثناء ما حدث في الموضوعاتية

فالصراع هو صراع رجالي من أجل . ولكن بعد قتل زوجها, األعداء إلى قتل الزوجة

. امرأة

هذه بعض التعديالت من مستوى الدرجة الثانية للموضوعاتية تمكننا من تحديد

إذ تبين لنا خالل التحليل كيف استمدت , عالقتها الواضحة بموضوعاتية جريمة الناظور

فعدلتها بما يتوافق مع , المشاهد األربعة عناصر بنائها من عناصر الموضوعاتيةهذه

أي مع , كيانها الفني المتميز مع إبقاء العالقة واضحة بينها وبين المشهد النواة

وهذا يبين أن البنية الموضوعاتية للمضلع النجمي تقوم , موضوعاتية جريمة الناظور

ظور مثل غيره من األعمال األدبية لكاتب ياسين أساسا على موضوعاتية جريمة النا

وسنتابع فيما يأتي المشاهد الجزئية التي تنتمي . التي تناولناها أو سنتناولها في مكانها

وكذا العناصر الموضوعاتية التي تنتمي , إلى مستوى الدرجة األولى من الموضوعاتية

. إلى مستوى الدرجة الصفر

:أ ـ تعديالت الدرجة األولى

ففيما يتعلق بالدرجة األولى توصلنا إلى تحديد جملة من المشاهد الموضوعاتية

ومنها ما يعود إلى مشاهد , منها ما يعود مباشرة إلى الموضوعاتية األساسية, الجزئية

391

فكانت أيضا , تعديلية تم الكشف عن ارتباطها بالموضوعاتية األساسية ومن ثم تعديلها

:كما سيظهر ذلك خالل التحليل, عديالت للموضوعاتيةهذه المشاهد الجزئية ت

: ـ مارسيل1

. مارسيل هي التي أخذتها في طاكسي"! القمر"أتعرف من التحقت مؤخرا بـ ((

)394(.))إنها امرأة إسبانية شقراء بإمكانها أن تشدك بشعرها

" لشهيرمارسيل صاحبة المحل ا" يعدل هذا المشهد الجزئي عناصر من مشهد

وهي تعدل , هي الشخصية نفسها في المشهدين" مارسيل"فـ . الذي ورد في نجمة

ة التي اختطفها سيدي أحمد في وبالتحديد امرأة كاتب العدل المارسيلي, المرأة الفرنسية

" مارسيليا" يحيل على )Marcel" (مارسيل"ذلك ألن اسم , "قتيل المغارة"

)Marseille( . والقمر زيادة على , "القمر"قد أطلق عليه هنا اسم ف" المحل الشهير"أما

فهو يحمل أيضا داللة , كونه يحمل داللة تناسب المكان الذي يدل عليه وتزيد من أهميته

. ومن هنا فهو يعدل المكان المغلق والدائري في الموضوعاتية. الشكل الدائري

وهو , " طاكسيأخذتها في: "باإلضافة إلى هذا فقد ورد في المشهد عنصر العربة

ويبقى عنصر أخير وهو الشد والتقييد بالشعر . عنصر من الموضوعاتية األساسية

وهذا تعديل لمعاني االعتداء واالختطاف واالغتصاب التي تضمنتها , الطويل

, فالحبل هناك والشعر هنا. بعد تقييد الزوجة وربما زوجها أيضا بالحبل, الموضوعاتية

.والتقييد والحبسكان كل منهما وسيلة للربط

:ـ أبناء ذي اللحية 2

ـ وهو شخصية من شخصيات رواية نجمة " ذا اللحية" ملخص هذا المشهد أن

فكان األزواج يترصدونه , أيضا ـ له أعداء كثيرون بسبب مغامراته مع النساء

وفي هذا المشهد يواجههم ويتمكن من ضرب . ويتبعونه حيثما حل أمال في اإليقاع به

فيدخل إلى بيته ويتناول خمرا ثم يدعو , بينما يتمكن الباقون من الفرار, نين منهماث

وفي الصباح يعثر الناس على أبنائه في . وفجأة يدق دركي عليه الباب. زوجته للفراش

)395(.حوض حديقة المدينة

394-Voir, Kateb Yacine « Le polygone étoilé »; P.41. 395 -Voir, Kateb Yacine « Le polygone étoilé »; P.86.

392

يتوقف السرد عند هذا الحد دون أن يقدم توضيحا حول مصير ذي اللحية

ع ذلك فهذا المشهد الجزئي يحمل ما يكفي من العناصر التي تبين ارتباطه وم. وزوجته

فضرب ذي اللحية الثنين من خصومه هو . وتعديله لعناصر تماثله في الموضوعاتية

تعديل لالعتداء الذي وقع على الزوجين باعتبار أن الخصمين اللذين ضربهما متزوجان

ثم . لمهما أن ذا اللحية قد اعتدى على شرفهماوقد أرادا االنتقام لكرامتهما بعد ع, أيضا

يتكرر هذا االعتداء على الزوجين الممثلين في ذي اللحية نفسه وزوجته؛ ولكن هذه

المرة يكون المعتدي هو الدركي الذي ينتقم لشرف األزواج بشكل عام وللزوجين

ما م, ويعدل الدركي هنا الزوج الضابط ألنه عسكري مثله. المضروبين بالخصوص

وقد نجد االنتقام هنا في قتل أبناء ذي اللحية ورميهم في حوض . يجعله ينتقم له أيضا

فتكون هذه الجريمة تعديال لمقتل الزوجين بعد حصارهما ثم حمل جثتيهما إلى , الحديقة

التمكن من وضع : ونالحظ هنا أن العملية سارت في اتجاه معاكس. مسجد كبلوت

ي تضييقها حتى تم القبض عليهما وقتلهما ثم بعد ذلك حمل الزوجين في حلقة ثم األخذ ف

بينما قتل األبناء هنا في الدار التي تتقابل مع المسجد . جثتيهما إلى مسجد كبلوت

ثم حملت جثتيهما إلى حوض الحديقة؛ أي إلى مكان مغلق دائري وسط , الموضوعاتي

محاصرة الزوجين في على منوال المكان الطبيعي المخضر الذي تم فيه , االخضرار

.جريمة الناظور

: ـ صورة مارك الكورسيكي 3

أما القسم الباقي فهو تكملة لمشهد , ورد قسم من هذا الحدث في رواية نجمة

ويكون القسمان مشهدا واحدا متكامال هنا في . الذي مر بنا أعاله" لوسيان الرجل القوي"

دار بينهما يمكن تلخيصه حسب وهو حدث يرويه مراد لرشيد في حوار, المضلع

:اآلتي

تعمدت نجمة ـ بعد انضمامها إليهم ـ , في سهرة أقامها الشبان في دار نجمة

)396(.فانتزعها وأحرقها, توجيه نظر االخضر إلى صورة جندي كانت في حقيبتها

ابة وكانت أم مارك الش. ذلك الجندي هو مارك ابن لوسيان الكورسيكي الرجل القوي

.259-256ص, نجمةانظر - 396

393

والجميلة ال تخرج إال مع ابنها الذي كانت تعيش معه بعد أن هجر زوجها البيت ليقيم

فيبقى مارك عند الباب يرفض , فكانت تقوم من حين إلى آخر بزيارته. في الحانة

, وكانت عالقة مارك بأمه قابلة لكي تتحول إلى فضيحة. الدخول إلى الحانة لرؤية أبيه

)397(.كأنهما يشكالن زوجا تربطهما عالقة حب حقيقيةإذ كان االثنان يبدوان و

الجزء الذي جاء في رواية نجمة هو المتعلق بإحراق االخضر لصورة الجندي

إذ يعتبر حرق , وهو مشهد يعدل الزوجين المقتولين ,مارك الذي كانت نجمة تحبه

في الصورة قتال لذلك الجندي الذي يشكل مع نجمة كال من الضابط والزوجة

لوسيان "أما في الجزء الثاني فنرى مارك الذي كان صبيا في مشهد .الموضوعاتية

وكأنه بذلك ينتقم , يصير شابا يعادي أباه ويخلفه في معاشرة أمه أيضا" الرجل القوي

فيكون بذلك كأنه يخطف أمه من أبيه الذي يصبح . ألمه التي عذبت بسبب إنجابها له

". مختطفها"بينما تعيش زوجته طليقة معه بصفته , الحانةيعيش غالقا على نفسه داخل

وتكون هذه العالقة , فيكون هذا االنغالق تعديال للمكان الدائري المغلق في الموضوعاتية

غير العادية بين االبن وأمه نوعا من االختطاف يعدل عنصري االختطاف واالغتصاب

.اللذين وقعا للزوجة في الموضوعاتية

: األطاللـ في أعماق 4

وبرغم ذلك فقد كان يكتب

حتى تنقطع أنفاسه

ولكن الريشة سقطت

على فراشه غير المسوى

كالسيف

الصدئ

في أعماق األطالل

عندئذ ترك الجد الحكيم

397-Voir, Kateb Yacine « Le polygone étoilé »; P.151.

394

)398( رأسه يقطع

وبرغم صعوبة القبض على عناصره . هذا المشهد مقتطع من قصيدة طويلة

كن مالحظة تعديله لعنصر إعدام األعيان في ساحة الثكنة فإنه يم, واإلحاطة بحدوده

)) الفراش غير المسوى((أما )). عندئذ الجد الحكيم ترك رأسه يقطع : (( بالخصوص

.وتعدل الريشة والسيف الصدئ سكين الجريمة. فهو يعدل األسمال

ألولى بعد هذه المجموعة من المشاهد الجزئية التي تنتمي إلى مستوى الدرجة ا

يأتي اآلن الدور لدراسة جملة من عناصر مستوى الدرجة صفر للتعديالت

. الموضوعاتية

: أ ـ تعديالت الدرجة صفر

:ـ المضلع 1

سبق أن درسنا هذا )399(.ربما يكون المضلع مجرد عمود لتنفيذ اإلعدامات

سرحي تعني المكان ورأينا أن داللته في النص الم..." األجداد"العنصر في مسرحية

ومن هنا فهو تعديل لساحة . وهو هنا يكرر تلك الداللة, الذي يتم فيه إعدام المسجونين

ويتأكد معنى الساحة أو األرض في موضع آخر . الثكنة التي أعدم فيها األعيان الستة

أين نجد حديثا عن أرض قاحلة خلفها صاحبها وراءه بعد قتله أو , "المضلع النجمي"من

وقد ترك للورثة عقدا قديما غير مقروء ال يدل إال على مضلع شاسع , أو هجرتهسجنه

)400(.ال تحده سوى النجوم واألسالك واألراضي الجرداء

:ـ المضلع النجمي 2

وقد سبق أن ورد بهذه العبارة تقريبا في ,المضلع النجمي هو عنوان الكتاب

أما عن داللة هذا العنوان )401(".م النجميمضلعه: "حيث جاء فيها..." األجداد"مسرحية

فداللته هنا ال تختلف ,فأما المضلع. والنجمي, المضلع: فهو كما نرى يتألف من كلمتين

والتي لم تختلف أيضا عن الداللة التي جاءت في , عن الداللة التي أعطتها له المسرحية

فهو األرض : السابقوهو الذي ذكرناه في المشهد, النص الذي ورد في المضلع النجمي

398 -Voir, Kateb Yacine « Le polygone étoilé »; P.170. 399 -Voir, ibid ; P.136. 400-Voir, Kateb Yacine « Le polygone étoilé »; P.144. 401 -Voir, Kateb Yacine « Le cercle des représailles »; P.147.

395

ومن هنا فهو تعديل لساحة الثكنة التي أعدم فيها . التي وضعت لها حدود تعرف بها

وأما لفظة النجمي فهي تعديل للنجوم التي ترمز لرتبة الضابط الذي حوصر . األعيان

وعلى صورة ذلك جرى أيضا قتل األعيان الستة بعد إدخالهم إلى . هو أيضا ثم قتل

على أساس , فكانت ساحة الثكنة التي تمت بها اإلعدامات مضلعا بدورها. ساحة الثكنة

أن المضلع هو المكان الذي يتم فيه تنفيذ اإلعدامات؛ فكان المضلع الذي تم فيه تنفيذ

أما المضلع . إعدامات األعيان هو مضلع حقيقي محدد بالسور أو باألسالك الشائكة

راضي فقط بحكم أن القبض على الزوجين تم الذي تم فيه إعدام الزوجين فهو مضلع افت

يتساوى في , ولكن مع ذلك تشكل هذه المحاصرة مكانا دائريا مغلقا. بعد محاصرتهما

ويتساوى هذان المكانان , هذه الخاصية مع مسجد كبلوت الذي وضعت فيه الجثتان

. المغلقان بساحة الثكنة التي هي أيضا مكان دائري مغلق

النهاية إلى أن وصف المضلع بالنجمي هو تعديل لنجوم الضابط وهكذا نصل في

وهو تعديل أيضا لرؤوس األعيان الستة التي سقطت في , "المضلع"الذي سقط وسط

كما أن الضابط هو , القوم" نجوم"ومن ثم فهم , ساحة الثكنة ألن هؤالء هم علية القوم

مع منزلة األعيان في وسط قبيلة أي أن منزلته عالية تتقابل , في الجيش الفرنسي" نجم"

.كبلوت

: ـ الدائرة 3

)402(.ال يرى سوى الميناء الدائري للساعة القديمة, ـ إنه ال يرى شيئا من حوله

.يتعلق األمر بتعديل مكرر للدائرة الموضوعاتية

, لفظة الدوار تكررت كثيرا في رواية نجمة)403(.ـ يرددون المالحم الشعبية للدوار

.وهي متعلقة بالشكل الدائري, وهاهي تظهر هنا أيضا

الضابط : يعدل هذا النص عنصرين)404(.ـ الضباط يدورون في مركز المنصة

.والدائرة

402 -Voir, Kateb Yacine « Le polygone étoilé »; P.68. 403-Voir, ibid ; P.69. 404-Voir, ibid; P.124.

396

" الدلئرة"لفظة ) 405(.ـ مجموعات من الرجال تقف في دائرة حول مرجل كبير

. يعدالن عنصر الدائرة الموضوعاتي" المرجل"و

الدائرة ")406(.ادرين على أخذ مكانهم في الدائرة السحريةلم يعودوا ق... ـ

.هو تعبير يعدل االدائرة الموضوعاتية" السحرية

لدائرة على لالسجن تعديل )407(.ـ يقال إن سي عمار موجود في أحد سجون أوربا

.أساس أنه مكان مغلق

:السكين ـ 4

جريمة "يعدل السكين )408(.))نك تحت السكينفرفي هذا المساء ستوضع ألف ... ((ـ

".الناظور

,هل تعاركتم في أسفل القصبة باألمواس والسكاكين والرشاش والعصا والمسدس ـ

وهي تعديل , أنواع من األسلحة من بينها السكين) 409(على الساعة الخامسة صباحا؟

.لسكين الموضوعاتية

: ـ األسمال5

ي المضلع النجمي نقدمه في توصلنا إلى تحديد تعديل واحد لعنصر األسمال ف

: التعبير اآلتي

وتمت 56وقد حمل رقم , ـ عين المالزم عمودا تم تثبيته في طرف الثكنة

:يشتمل هذا المشهد على مجموعة من عناصر الموضوعاتية )410(.إحاطته باألسمال

وقد أضيف إليها عنصر العمود الذي لم يذكر في ؛واألسمال ,ساحة الثكنة, الضابط

بينما تم ذلك هنا؛ مما يجعل صورة العمود وقد أحاطت به , الموضوعاتية صراحة

.األسمال صورة معدلة لجثة الزوجين وقد لفتا في األسمال

405-Voir, ibid ; P.138. 406 -Voir, ibid ; P.160. 407-Voir, ibid ; P.130. 408-Voir, ibid ; P.44. 409 -Voir, ibid ; P.88. 410-Voir, Kateb Yacine « Le polygone étoilé »; P.138.

397

:الرجل ذو النعل المطاطيج ـ

, تتناول أحداث هذه المسرحية بالثورة الفيتنامية ضد االحتالل الفرنسي واألمريكي

مشهدين ينتميان إلى مستوى الدرجة الثانية من التعديالت وقد توصلنا إلى تحديد

ومجموعة واسعة جدا من عناصر , وآخرين ينتميان إلى الدرجة األولى, الموضوعاتية

: ونبدأ بتعديالت الدرجة الثانية. الموضوعاتية تنتمي إلى مستوى الدرجة صفر

:أ ـ تعديالت الدرجة الثانية

: ـ الضفدع1

الذي سبق تناوله في " رشيد والرتيالء" المشهد بشكل خاص بمشهد يرتبط هذا

: حسب ما يبين التلخيص اآلتي, نجمة

بالحراسة ليال في صفوف ) Face de Ramadhan" (وجه رمضان" يقوم الجندي

فيسب حظه الذي , فيسمع سعاال قريبا من سور الثكنة فيفزعه ذلك, الجيش الفرنسي

صل فيه على ظهر الباخرة من الجزائر وجها لوجه مع المحاربين جعله في أول يوم ي

ثم ينتقل , فيطلق النار نحو مصدر الصوت ويفعل الحراس اآلخرون مثله. الفيتناميين

ويأمره برفع , في فرقة من الجنود الستكشاف األمر فيعثر على رجل عجوز مختبئ

ه المشهد فيترك الشيخ فيرعب" وجه رمضان"وفي تلك اللحظة يقفز ضفدع على , يديه

وفي هذه األثناء . وهو يعتقد أن األمر يتعلق بقنبلة, ويهرب والضفدع يتبعه من الخلف

يصل شرطي فيوقف الشيخ ويتهمه بأنه صنع خمسة آالف قطعة حادة ومسمومة بقصب

فيتعرض لالستنطاق ولكنه يرفض . باإلضافة إلى بيعه خمرا مسموما للجنود, "البامبو"

ظهر منه في آخر توينتهي هذا المشهد ليبدأ مشهد . أية معلومة فيتم إعدامهاإلدالء ب

). Napalm" (نابالم"ثم الجنرال , البداية كنيسة

إذ يقوم , وكان الشيخ خالل سير المشهد قد ذكر بأن مصدر السعال هو الضفدع

, لحراسةالشيخ بوضع بعض التبغ في فم الضفدع ثم يربط له فكيه ويحطه قرب مركز ل

فيعتقد الحراس أن ذلك , ولما يفعل التبغ فعله في حنجرة الضفدع يأخذ في السعال

398

فيطلقون النار صوب , صادر عن المحاربين الفيتناميين وهم يستعدون للهجوم عليهم

)411(.الصوت فيصيب بعضهم بعضا بالرصاص

لها بما وقد تم تعدي,يتضمن هذا المشهد مجموعة من عناصر الموضوعاتية

يعدل رشيدا في مشهد " وجه رمضان"وأول ذلك أن الجندي , يتماشى مع طبيعة المشهد

فالرتيالء التي قفزت على رشيد يعدلها هنا الضفدع الذي قفز على ". رشيد والرتيالء"

وقد لجأ رشيد إلى استعمال حزامه . ورعب رشيد يقابله رعب هذا الجندي, الجندي

الجندي فقد كان سالحه هو البندقية؛ ثم يدخل الشرطي أما, كسالح لضرب الرتيالء

ترعب الجندي؛ أما " قنبلة"فيتعدل سوط الشرطي إلى , رشيدا بدل الرتيالء" يضرب"و

عنصر التبغ الذي كان له دور مميز في تكوين هذا المشهد فقد كان له حضور أيضا في

إلى )412(.))ان أسنانهمايدخنان ويكحت) جو ورشيد(وراحا ": (( رشيد والرتيالء"مشهد

جانب هذا فقد كان لضابط الشرطة الذي دخل على رشيد وحاول قتل الرتيالء حضور

إذ هو الذي حل محل الجندي الهارب وقبض على الشيخ وحاول , في هذا المشهد كذلك

: استنطاقه ثم قتله لما عجز على ذلك

:يدخل شرطي ويوقف العجوز ((

صنع في مدة أسبوع خمسة آالف قطعة حادة ومسمومة من ـ أنت هو العجوز الذي

...إذن ستموت... قصب البامبو

)413(...))ـ ابني سيأخذ مكاني

ولذا فهو يعدل قتل , "رشيد والرتيالء" ال نجد لعملية قتل الشيخ هنا مثيال في مشهد

ا قطع قصب أعيان القبيلة الذين تركوا أبناءهم وراءهم كما فعل هذا الشيخ أيضا؛ أم

البامبو الحادة والمسمومة فهي عبارة عن سكاكين تجرح الجسم لتمكن السم من االنتشار

. ومن هنا فهي تعديل لسكين الجريمة في الموضوعاتية, فيه فتسبب الموت

قد أوضحنا أن الرتيالء تعدل امرأة تدعى " رشيد والرتيالء" وكنا عند تحليل مشهد

وهذا جعل الرتيالء رمزا , عرف عليها في موضع آخر من الروايةكان رشيد ت" أم العز"

411 -Voir, Kateb Yacine « Ľ homme aux sandales de caoutchouc » ; éd. du Seuil, Paris 1970, P.104-106.

.36ص, نجمة- 412413- Kateb Yacine « Ľ homme aux sandales de caoutchouc »;P.105-106.

399

الذي أقيم أساسا على فعل التدخين فإننا " الضفدع"وإذا تأملنا مشهد . أو تعديال لإلنسان

وهذا يجعل الضفدع , نرى أن هذا السلوك هو سلوك خاص باإلنسان وليس بالحيوان

ومن هنا يلتقي . لتدخين والكحةيحمل أيضا صفات اإلنسان الشتراكه معه في فعل ا

دون أن يصل بنا األمرـ كما , الضفدع بالرتيالء الشتراكهما في اإلحالة على اإلنسان

إذ ال نجد في النص ما يسمح , هو مع الرتيالء ـ إلى القول إن الضفدع تعديل للمرأة

" يدخن"فنكتفي بالقول فقط إن الضفدع يحيل عموما على اإلنسان لكونه , بهذا التأويل

. مثله

ويبقى أن نشير في األخير أن عنصر السيارة وكذا عنصر المسجد المكان

فاألول تدل عليه الباخرة التي وصل . الدائري المغلق كانا حاضرين في هذا المشهد

أما المسجد فقد ورد بعد مقتل الشيخ مباشرة , على متنها إلى فيتنام" وجه رمضان"

يدخل الجنرال . أضواء على كنيسة. ال أحد على الخشبة: (( كانطالقة لبناء مشهد آخر

وهذا يعدل مقتل الزوجين ثم نقل جثتيهما إلى مسجد كبلوت في ) 414(".))نبالم"

. الموضوعاتية

: ماك وسوبارماك ـ2

طياران من سالح الجو األمريكي يقومان بطلعة لقنبلة مواقع " ماك وسوبارماك "

, فيسقط المحاربون الفيتناميون الطائرتين. األراضي الفيتناميةاجتماعية واقتصادية في

الذي نجا من الموت برغم " سوبار ماك"ويقبض على , حتفه" ماك"ويلقى النقيب

جروحه بعد أن قفز بالمظلة خارج طائرته ؛ فيطلب من المحاربين أن يطلقوا سراحه

وأن حكومته ستقدم لهم , وقد وعدهم بأنه سيعود إليهم للمحاكمة بعد أن يتم عالجه

)415(.مكافأة معتبرة مقابل ذلك ؛ ولكن المحاربين رفضوا ذلك طبعا

يبدو ذلك , يتضمن هذا المشهد بدوره مجموعة من عناصر الموضوعاتية المعدلة

فقسم من االسم الثاني هو االسم األول , من خالل رتبة الطيارين ومن تداخل اسميهما

وفي هذا التزاوج بين االسمين ما يذكر بالزوجين القتيلين . "سوبار"و, "ماك: "نفسه

أو نقول إن أحدهما يكمل اآلخر كما في , إذ أن أحدهما جزء من اآلخر, ويقرب منهما

414-Voir, Kateb Yacine « Ľ homme aux sandales de caoutchouc »; P.106. 415-Voir, Kateb Yacine « Ľ homme aux sandales de caoutchouc »;P.227-239.

400

ثم يحدث أن تصاب . أما الطائرتان فهما تعدالن سيارة الزوجين. العالقة الزوجية تماما

باإلضافة إلى طيارين , ن محاربتانالطائرتان برصاص بندقيتين أطلقته عليهما فتاتا

ويجرح " ماك"فيقتل . آخرين فيتناميين كانا على متن طائرتين حربيتين من نوع ميع

وهنا يلتقي المشهد بالموضوعاتية . ولكنه ينجو بفضل استعماله لمظلته, "سوبارماك"

الزوجة فقد قتل الزوج ثم اختطفت, التي افترضنا فيها أن الزوجين لم يقتال في آن واحد

بفضل هذا معدال للزوجة التي مورس عليها " سوبارماك"فيكون . واغتصبت ثم قتلت

فإن عنصر المرأة لم , وإذا وجدنا بعض الصعوبة في تقبل هذه الداللة. فعل االغتصاب

ذلك ألنه كانت توجد فتاتان من بين , يكن غائبا في هذا المشهد حسب ما سبق ذكره

ليصبح عنصر المرأة في هذا , النار على الضابطينالمحاربين شاركتا في إطالق

كما يتضح في قول , المشهد عنصرا فاعال وقاتال بعدما كان ضحية في الموضوعاتية

أحد أصدقائكم سقط هنا برصاص ": (( سوبارماك"أحد الطيارين الفتناميين لـ " يونغ"

". ماك" ويقصد بذلك زميله )416(.))هاتين الفتاتين

لما سقط وأدرك أنه وقع بين أيدي المحاربين أخرج منديال " ارماكسوب" وكان

فيتقدم منه المحاربون ويرسمون حوله دائرة , وأخذ يلوح به إشارة إلى استسالمه

, أولها الدائرة؛ وهذا بدوره يتضمن عناصر موضوعاتية)417(.يرمزون بها إلى إيقافه

.تعديل لمثله في الموضوعاتيةوهي , أوالمكان المغلق الذي رسم حول الطيار الجريح

أما العنصر الثاني فهو هذا المنديل الذي رفعه األسير وقد كتب عليه بعدة لغات وعود

فهذا المنديل المكتوب . أمريكا ومكافآتها لكل من يحسن معاملة محاربيها الموقوفين

أعرف ) كسوبار ما(أنا ": (( جريمة الناظور"يعدل األسمال الملطخة بدماء القتيلين في

)418(."))البيت األبيض سيدفع: "ولكنه قد كتب على هذا المنديل. إنكم ال تملكون األموال

. والبيت األبيض بدوره تعديل لمسجد الموضوعاتية

أنا إنني أقسم بشرفي(( : إلى جانب هذا حضر في المشهد عنصر المحاكمة أيضا

ألقدم , ي سأعود ريثما يتم عالجيإنن ,الضابط في جيش الواليات المتحدة األمريكية

416-Voir, Ibid ; P.239. 417-Voir, Ibid; P.232. 418 - Kateb Yacine « Ľ homme aux sandales de caoutchouc »;P.234.

401

وهذا تعديل للمحاكمة ؛ فالمحاكمة ستكون طبعا عسكرية)419(.))نفسي للمحاكمة

ولم يكن العنصر الديني . العسكرية التي كان األعيان الستة ضحايا لها في الموضوعاتية

: يحمل معه نسخة من اإلنجيل" سوبارماك"فقد كان , غائبا في هذا المشهد

: ان يخرج اإلنجيل من مظلتهك ((

ـ أتؤمن باهللا؟

)420(.))ـ إن اإلنجيل ال يفارقني أبدا

ننتقل إلى دراسة , المنتميين إلى مستوى الدرجة الثانية بعد هذين المشهدين

: المشهدين الجزئيين المنتميين إلى مستوى الدرجة األولى

:ب ـ تعديالت الدرجة األولى

: ـ قبر الزوج1

ومجموعة " ترونغ نهي"مرفوقة بأختها " ترونغ تراك" تبدأ المسرحية بقيام الزوجة

ولما تصل إلى القبر تنحني . من الفالحين المسلحين بالسهام والرماح بزيارة قبر زوجها

: على ركبتيها أمامه وتخاطب روح زوجها

)421(.))كم تمنيت أن أقضي كل حياتي معك! آه يا زوجي ((

يعدل هذا المشهد مقتل الزوج الضابط وبكاء زوجته عليه وقد أحاط بها القتلة

إذ أن الفالحين هم طرف ,مع فارق طبعا أن القاتل هنا ليس الفالحين .بأسلحتهم

ولكن . دوره هنا الدفاع عن الوطن والثأر للمقتولين من القاتل األجنبي,مرغوب فيه

أي المشهد في مظهره الذي يهم النقد , حد ذاتههذه داللة المشهد وليس المشهد في

. الموضوعاتي اكتشاف عالقته بالموضوعاتية

: ـ المبشر2

تجري أحداث هذا المشهد الجزئي داخل كنيسة بين مبشر ورجل ديني ورجل

رجل دين اعتنق المسيحية منذ عهد قريب فبنى " جان دوالكروا: "أعمال وامرأتين

وتتبعانه " ماريوس"تتركان المبشر و" فرجين"والسيدة " ماري"سيدة مما جعل ال, كنيسة

419- Ibid ;P.234. 420 -Voir, Ibid;P.235-236. 421 -Voir, ibid ;P.07.

402

وهذا لم يرض الرجلين إذ . إلى الكنيسة الجديدة للقيام باالعترافات وطلب الغفران

فينتقل ماريوس إلى الكنيسة ". ملكية مكتسبة"اعتبرا هذا نوعا من االعتداء على

فتتوتر أعصاب ماريوس , ي يطردهولكن رجل الدين الفيتنام, السترجاع السيدة ماري

وبهذا . فيرد عليه اآلخر بالصليب, فيضرب رجل الكنيسة بخوذة عسكرية كانت معه

)422(.ينتهي العراك

إذ يحتوي على رجلي دين , هد هو عنصر الدينشما يشد انتباهنا في هذا الم

صر الدين الممثل وكنيسة وامرأتين متدينتين وصليب؛ وهذا يجعله يرتبط بقوة مع عن

ولكن دخول المرأتين إلى الكنيسة للقيام باالعترافات . في الموضوعاتية بمسجد كبلوت

ثم محاولة . يستحضر الجثتين اللتين وضعتا في الموضوعاتية في مسجد كبلوت

مما , وهو ليس رجل دين وإنما رجل أعمال, ماريوس الدخول السترجاع السيدة ماري

. نظرا لمنزلتهما العالية ولكونهما ليسا رجلي دين, ج الضابطيجعله بدوره يعدل الزو

ولما يمنعه رجل الكنيسة من الدخول ويرفض االستجابة لطلبه فذلك يعني أنه مختلف

: وإذا تحدثنا عن هذا األمر وفق منطق التعديالت الموضوعاتية نقول. عن السيدة ماري

ة ويقترب من السيدة ماري ألنه ليس ولذا ال ينبغي أن يدخل إلى الكنيس, إنه ليس ميتا

ذلك ألن دخول جثة الزوج في الموضوعاتية إلى المسجد ووضعها إلى جانب . مثلها

أي كانا ميتين؛ وليس األمر كذلك , جثة الزوجة كان بسبب عدم وجود أي فرق بينهما

و أما ه, فهي سيدة مؤمنة جاءت إلى الكنيسة من أجل التعبد, مع ماريوس والسيدة ماري

وتظهر . فلم يكن على تلك الحال ولم يأت للغرض نفسه الذي جاءت هي من أجله

شخصية السيد ماريوس المعدلة لشخصية الضابط لما يلجأ إلى استعمال خوذة عسكرية

فامتالكه لخوذة عسكرية يقربه . ـ وهي نوع من األسلحة ـ لضرب رجل الكنيسة

الذي استعمل في هذا العراك بذلك ويذكرنا عنصر الصليب. كثيرا من الزوج الضابط

في رواية نجمة قد علقته في رقبتها يوم زفافها الذي تحول " سوزي"الصليب الذي كانت

ومدد بعض المدعوين سوزي على ": (( ريكار"إذ قتل مراد عريسها السيد , إلى مأتم

فجعلت تتخبط تحت الصليب المذعور الذي كان في عقد يطوق , فراش الزوجية

422 -Voir, Kateb Yacine « Ľ homme aux sandales de caoutchouc »; P.19.

403

فالمشهد الذي دخل الصليب في تشكيلته في نجمة شبيه بالمشهد الذي ) 423(.))رقبتها

. فهو مشهد قتل وعراك, دخل في تشكيلته هنا

وبعد هذين المستويين يأتي دور تتبع بعض العناصر الموضوعاتية الكثيرة التي

. وردت في المسرحية ودراستها في مستوى الدرجة صفر للتعديالت الموضوعاتية

: ج ـ تعديالت الدرجة صفر

: ـ السكين1

وهذه , وردت في المسرحية تعديالت كثيرة لهذا العنصر الموضوعاتي

:دراسة لبعضها

السهام هي من ) 424(.وقد أصيب بسهم, يتمايل ويسقط خلف الستار, ـ عند هذه الكلمات

جريمة في وهي تعدل سكين ال. الفيتناميونوناألسلحة التي يتداولها المحارب

.الموضوعاتية

أفراد الجوق يحملون الجثة ويخرجون وراء األختين . يطعن نفسه" ثيوثي تريه"ـ

هذا أحد المحاربين ينتحر بطعن نفسه بالسكين احتجاجا على الظلم الذي )425(.ترونغ

وهذا تعديل للسكين . فيحمل أفراد الجوق جثته ويتركون الخشبة. تتعرض له بالده

.تيلين من مكان الجريمة إلى المسجد كبلوتولحمل جثتي الق

كان صراخهم رهيبا وهم يستكملون ... وهكذا شرع في تنفيذ المجزرة الكبيرة((... ـ

قتلهم عن طريق طعنهم بحربهم أو بتكسير رؤوسهم بضربات من مؤخرة

يقدم هذا النص الطويل الذي اقتطعنا منه هذه الفقرة وصفا للمجزرة )426(.))بنادقهم

وهي مجزرة تعدل مثيلتها التي اقترفها . يبة التي تم اقترافها في حق أهل البلدالره

وقد استعملت في هذه المجزرة كل . الفرنسيون في الناظور انتقاما للزوجين القتيلين

.منها الحرب التي تعدل سكين الجريمة بشكل خاص, أنواع األسلحة

.23ص, نجمة- 423

424 -Voir, Kateb Yacine « Ľ homme aux sandales de caoutchouc »; P.09. 425 -Voir, ibid ; P.11. 426 - Kateb Yacine « Ľ homme aux sandales de caoutchouc »; P.27-28.

404

أما , ة عن قطع من القماش الخشنكانت بذالت الفالحين الفيتناميين عبار((... ـ

)427(.))أسلحتهم فهي قطع حادة من قصب البامبو

هذا وصف ألسلحة المحاربين الفيتناميين التي يواجهون بها أسلحة األعداء

أما التعديل الموضوعاتي .فكانت النتيجة المجزرة التي سبق الحديث عنها .المتطورة

وفي تلك القطع ,تي تعدل أسمال الزوجين القتيلينفيتمثل في تلك القطع من القماش ال

والتي تقف هنا في مواجهة حرب , الحادة من القصب التي تعدل بدورها سكين الجريمة

.ورصاص البنادق المتطورة

: ـ الدائرة2

وكان للدائرة ولعناصرها ـ بصفتها مكانا مغلقا يعدل المسجد وساحة الثكنة ـ

: وسنقوم باستعراض ودراسة بعض نماذجها, حيةحضور مكثف في المسر

تنتقالن من مكان إلى آخر من المنصة حول اللواء الذي أرهقه " ترونغ"ـ األختان

.دوران األختين حول اللواء هو تعديل للدائرة ولمركزها) 428(.االستمرار في متابعتهما

و مركز البلد المركز هنا ه) 429(.إننا سنطير على المركز: ـ الضابط الثاني يقول

.وهو يحيل على تخليص المركز من قبضة األعداء .الفيتنامي

ورد التحليق في األصل بلفظة ) 430(.ـ طائرات الجوسسة تحلق فوق المدينة

"tournent "وهذا تعديل للشكل الدائري, وهو يعني الدوران.

)431( ستكونون تحت حالة الحصار؟" هانوي"أصحيح أنكم في .ـ العفو حضرة اللواء

.حالة الحصار هو عنصر يعدل الشكل الدائري

مع اختالف في , داللة الحصار هنا كداللته في النص السابق)432(.ـ القلعة محاصرة

.إذ اللفظة المستعملة هنا أوضح عالقة بالدائرة من غيرها ,اللفظة التي تدل عليه

:نصةفي وسط الم" إناء الحاجة الطبيعية"ويضع " وجه رمضان"يتقدم (( ـ

": دوالسطر" اللواء

427 -Ibid; P.29. 428 -Voir, Ibid ; P.10. 429 -Voir, ibid ; P.10. 430 -Voir, ibid ; P.70. 431-Voir, ibid ; P.86. 432-Voir, Kateb Yacine « Ľ homme aux sandales de caoutchouc »; P.144.

405

أملنا ... والفيتناميون من حوله, نحن داخل اإلناء: ـ ديان بيان فو تشبه هذا اإلناء تماما

فيرفع وجه رمضان اإلناء على رأسه باعتزاز , يدخل طيار. في الخالص هو الطيران

...ويتوجه نحو الطيار الذي يأخذ في الدوران حوله وكأنه يستعد إللقاء مظلي

): للطيار( وجه رمضان

)433(!))ـ إنك تدور حول اإلناء

وسط : (( اشتمل هذا النص الحواري على تكرارات عدة لعنصر الدائرة

إنك تدور (( , ))يأخذ في الدوران حوله (( , ))الفتناميون حول اإلناء (( , ))المنصة

.ي المغلق في الموضوعاتية؛ وهي تعديالت للمكان الدائر))حول اإلناء

" حول العالم"التعبير ) 434(.وأنا كنت أتمنى أن أقوم بجولة حول العالم! آي: ـ نيكسون

.هو تعديل للدائرة

هو عنوان المجموعة " دائرة االنتقام ) "435(.ونحن نرسم حوله دائرة االنتقام: ـ الجوق

رة تعديل لعنصر الدائرة في فباإلضافة إلى أن هذه العبا .المسرحية التي درسناها آنفا

فهي تشير إلى العالقة القوية بين هذا النص المسرحي وتلك المجموعة ,الموضوعاتية

لكون النصوص تنبثق من موضوعاتية واحدة؛ وهي , وهي عالقة فنية أوال. المسرحية

.تبين أيضا اشتراك هذه النصوص في القيام على أحداث الحرب والقتل

الحديث هنا حول االستعداد )436(يكون هذا حول طاولة مستديرة؟لماذا ال : ـ جونسون

.وهذا تعديل لعنصر الدائرة, يكون حول طاولة دائرية لندوة أو حوار سياسي

: ـ القتل3

نيكسون في البيت األبيض " بدفن" يقودنا هذا النص األخير الذي يهم فيه الجوق

ر القتل في هذه المسرحية الذي كان إلى تناول عنص, باعتباره أصبح جثة سياسية

ذلك ألن عالمها قائم على الحرب بين الفيتناميين , حضوره فيها حضورا قويا

:والفرنسيين ثم األمريكيين

433- ibid; P.147. 434-Voir, ibid ; P.160. 435 -Voir, ibid ; P.237. 436 -Voir, ibid ;P.276.

406

فيفاجئهما الجوق ويقتلهما بضربات , ـ يعود الجنديان ألخذ مكانهما من أجل الحراسة

مفاجأة :قتل الزوجين يعدل هذا المشهد م)437(.من السيف ويستولي على أسلحتهما

ن مع زوجها والزوجة ألنها تكو ,وهما يمثالن الزوج لكونهما عسكريين مثله, الجنديين

.والسيف الذي استعمل للقتل كما استعمل السكين أيضا لطعن الزوجين. ثنائية

وتم . أما الفتيات فقد اغتصبن. فعذب الرجال ثم قتلوا, ـ تم تجميع مائة فرد في الساحة

, وبقي منزل واحد فقط سالما. نساء الحوامل حتى تمزقت أحشاؤهن وتدفقتضرب ال

يعدل هذا المشهد المجزرة التي وقعت )438(.فأدخلت فيه فتاتان قبل أن تضرم فيه النار

تمل على العناصر التعديلية شوهو ي .في الناظور وراح ضحيتها أفراد قبيلة كبلوت

ويعدل . النار ...وبقي منزل, )النساء الحوامل(ء األبنا, االغتصاب, القتل, الساحة: اآلتية

.المسجد الذي أدخلت الجثتان إليه هذا العنصر األخير

وأعيدونا من حيث . احملونا وضعونا في النعوش. نحن أموات: ـ يتمدد الجنديان

من الجنديين عن رفضهما المشاركة في مقاتلة بير هذا النص هو تع)439(.جئنا

وهو تعديل لمقتل . ط بالنص األول الذي يتناول مقتل جنديينوهو يرتب. الفيتناميين

وأعيدونا . "والنعش يقابل األسمال. وحملهما ثم وضعهما في نعشين, جثتان: الزوجين

.وهذا يعدل بدوره حمل الجثتين إلى المسجد, أي إلى منازلنا, "من حيث جئنا

المروحية التي كانت سبع رصاصات من بندقية آلية كانت كافية إلسقاط : ـ المحارب

يعدل هذا النص )440(.تقل اللواء الضعيف الشخصية والعقيد األمريكي الذي يرافقه

ويمثل ,إذ يمثل العقيد األمريكي الضابط لكونه صاحب سلطة فعلية .الزوجين القتيلين

زوجة الضابط لكونها بغير سلطة أو رتبة مما يجعلها " اللواء الضعيف الشخصية"

وأما المحارب فيعدل , أما المروحية فهي تعدل عربة الزوجين. زوجهاضعيفة وتابعة ل

.وقد قام هنا بقتل الضابطين المعدلين للزوجين, القتلة

437 -Voir, Kateb Yacine « Ľ homme aux sandales de caoutchouc »; p.50. 438 -Voir, ibid; P.71. 439 -Voir, ibid ; p.247. 440 -Voir, ibid ; p.250.

407

نجد في هذا ) 441(.أما أنا فجرحت. ـ لقد مات: ثم ينهض األول. ـ يسقط الجنديان

زوجين وهو في كل مرة تعديل لل, النص أيضا تكرارا للجنديين أو للضابطين القتيلين

.القتيلين

هذا الحديث تابع )442(...ولماذا ال أصنع نعشين؟ وحتى ثالثة: ـ النجار يخاطب نفسه

إذ طلب من النجار . للنص السابق الذي تناول االستعداد للحوار حول طاولة مستديرة

وهو . فيخاطب نفسه بهذا النص ,أن ينفذ هذا المشروع بإعداد هذه الطاولة المستديرة

باإلضافة إلى أن النعش المغلق . ين القتيلين اللذين لفت جثتاهما في أسمالتعديل للزوج

.يتقابل مع المسجد

وقبل . ثم يضعونه في نعش. جثة سياسية, أنت جثة": نكسون"الجوق يخاطب (( ـ

الخروج به يقرؤون عليه قائمة للجنود األمريكيين الذي قتلوا في فيتنام ويخاطبونه

بعون قتيال أمريكيا الذين سقطوا في هذه الحرب جئنا لندفنكم في نحن األر: بلسان هؤالء

". بيتكم األبيض"

. هو الذي أسلم الروح" هوشي مينه"خصمي . ال أنتم مخطئون: نكسون

ثم يدخل . بالخروج" العم هو" يتم إخالء المنصة ويسلط الضوء على قبر حيث يهم

)443(.))الرجل ذو النعل المطاطي. ناإنه يسير في أحالم: الجوق الفيتنامي منشدا

هو ,"البيت األبيض"إن وضع نيكسون في نعش مع اإلعالن أن دفنه سيكون في

باعتبار النعش مكان مغلق مثل . تعديل لجثتي الزوجين اللتين طرحتا في مسجد كبلوت

: وهما, أما باقي النص فهو يكشف عن طرفي الصراع في هذه المسرحية. المسجد

وهما تعديالن لعنصري الضابط والقاتل في الموضوعاتية . سون وهوشي مينهنيك

وهذا يعني أن القاتل في جريمة الناظور يتعدل هنا إلى رجل يحارب عن . األساسية

بينما يتعدل الضابط إلى رئيس دولة أمريكا التي تشن حربا ظالمة على , وطنه الفيتنام

وقد تجسد موت نكسون المعدل . ية نجمةتماما كما جرى في روا, الشعب الفيتنامي

في الوقت الذي , لموت الضابط الفرنسي في نجمة في ذلك النعش الذي وضع بداخله

إلى الحياة معلنا بذلك عودة الحياة وروح الكفاح إلى الشعب " هو شي مينه"يعود فيه 441 -Voir, Kateb Yacine « Ľ homme aux sandales de caoutchouc» ; p.252. 442-Voir, ibid; p.277. 443- Ibid ; P.283.

408

فقتل . وهذا ما يعلن عنه أيضا مقتل الضابط على أيدي أفراد قبيلة كبلوت. الفيتنامي

وهو أيضا إعالن لعودة الحياة إلى الشعب . الضابط هو إعالن للحرب ضد المستعمر

إنه يسير : (( فأصبح حيا في ضمير جميع الفيتناميين, كما عادت الروح إلى هوشي منه

)).في أحالمنا

: د ـ األعمال المتفرقة

ألربعة التي درسناها هذا هو العمل الخامس الذي نشر لكاتب ياسين بعد المؤلفات ا

, السرد, الشعر: وهذا الكتاب الخامس جمع بين ثالثة أجناس أدبية, إلى حد اآلن

وتشترك هذه النصوص األدبية مع تلك التي درسناها في انبثاقها من . والمسرح

. تعديالت نواة فنية واحدة هي جريمة الناظور

موضوعاتية وفق توزعها على وسنقوم فيما يأتي بدراسة جملة من التعديالت ال

.والدرجة صفر, الدرجة األولى, الدرجة الثانية: المستويات الثالثة

:أ ـ تعديالت الدرجة الثانية

وردت في النصوص السردية والنصوص المسرحية مجموعة هامة من تعديالت

حسب ما, تمكننا من تحديد عناصرها بوضوح, مستوى الدرجة الثانية للموضوعاتية

ولذا فالمشاهد التي . بينما لم نتمكن من تحقيق ذلك في النصوص الشعرية, سنرى

سندرسها في هذا المستوى الثاني ال يوجد ضمنها أي مشهد فني من النصوص

:الشعرية

: ـ كبلوت وكلثوم1

قصة "1/حرب المائة والثالثين سنة"يروي هذا النص السردي الذي يحمل عنوان

في جبال الناظور حيث : التي يمكن تلخيصها حسب اآلتي, جته كلثومموت كبلوت وزو

وفي أحد األيام . فيتعرض للمطاردة المستمرة, يثور كبلوت ضد األتراك, موطن القبيلة

يعلم األتراك بقدومه فيحاصرون , بينما كان في بيته يتفقد أهله ويسأل عن أحوال قبيلته

زول مع زوجته إلى داخل البئر لالختباء ريثما فيقوم كبلوت بالن. المنطقة للقضاء عليه

وبعد مرور وقت قصير يدخل الجنود إلى القرية ويقومون . ينصرف الجنود األتراك

وحتى ال يقع . وقد آلمهم كثيرا عدم تمكنهم من القبض على كبلوت, بالتقتيل والتخريب

409

طان في كبلوت مع زوجته في قبضتهم يقطع بسكينه الحبل الذي كان يشدهما فيسق

) 444(.أعماق البئر ويموتان غرقا

قامت هذه القصة على مجموعة من عناصر الموضوعاتية األساسية بعد تعديلها

وأول هذه العناصر هو عنصر الزوجين القتيلين اللذين يجسدهما .لبناء عالم فني متميز

ومن هنا ,فكبلوت شخصية متميزة بسلطتها بين أفراد القبيلة .كبلوت وزوجته كلثوم

أما السكين الذي استعمله كبلوت ليسبب . تعدل سلطته الرفيعة هذه رتبة الضابط الزوج

سه الذي قتل به الزوجان الفرنسيان؛ وأما عنصر فالموت له ولزوجته فهو السالح ن

إذ هو , الدائرة أو المسجد في الموضوعاتية فتقابله هنا البئر التي مات فيها الزوجان

أيضا؛ باإلضافة إلى هذا فالدائرة يجسدها أيضا محاصرة العدو مكان دائري مغلق

كان كبلوت قد انتهى من شد أمتعته على ظهر البغل لما جاءه الحارس : (( للمنطقة

وفي (( :وجاء بعد هذا أيضا )445(.))واخبره أن عدة جماعات من الجنود تحاصر منزله

)446(.))الوقت نفسه انغلقت دائرة االنتقام على الناظور

أما الدماء التي تدفقت من جروح الزوجين ولطخت األسمال فيقابلها هنا ماء البئر

, أما األسمال؛ فهما عنصران يشتركان في صفة السيولة ,التي سقط الزوجان فيها

فالقصة تذكر أن كلثوم لما نزلت إلى البئر أخذت معها زربية رائعة كانت قد انتهت من

بذلك تعديال لعنصر األسمال في جريمة الناظور؛ أما عنصر فشكلت الزربية , نسجها

العربة فقد تم تعديلها هنا بالبغل الذي كان كبلوت يشد على ظهره المؤونة الضرورية

ولما أعلمه أحد مساعديه بأن العدو , لحياته في الجبال مطاردا من الجنود األتراك

فحضور البغل إذن . زوجتهيحاصر المنطقة أنزل المؤونة ونزل إلى قاع البئر مع

الموضوعاتية بصفته وسيلة للركوب وحمل المتاع هو تعديل لعربة الضابط في

التي جاء , ثم إن عنصر العربة كان حاضرا بصورة أخرى في هذه القصة. األساسية

ولكن لما , فيها أن كبلوت لم يكن يريد في بداية األمر إال االختفاء في البئر مع زوجته

في البئر بعد أن فلت الحبل من يديها اضطر كبلوت للخروج من البئر سقطت كلثوم

بينما قبضت كلثوم التي كانت في قاع البئر , فمأل دلوا بالحجارة وجلس فوقه ونزل

444 -Voir, Kateb Yacine « Ľ œuvre en fragments »; p.159-162. 445-Ibid; P.160. 446-Ibid; p.161.

410

ثم بقيا , لتجد نفسها في منتصف علو البئر مع زوجها, طرف الحبل الثاني فصعدت

ل مفضال الموت مع زوجته على على هذه الحال حتى قرر كبلوت في النهاية قطع الحب

فهذه الحالة التي كان عليها الزوجان معلقين في منتصف . الوقوع في قبضة األعداء

إلى " الركوب"وقد أدى خروجهما من هذا , علو البئر هو نوع من الركوب أيضا

. إذ هلكا حين خرجا من العربة, تماما مثل ما وقع للزوجين الفرنسيين, هالكهما

فهم بصفتهم عنصرا موضوعاتيا كانوا , خل هذه القصة من عنصر األبناء ولم ت

فقد ورد أن كبلوت لما هم بالخروج من البئر سمع أبناءه يصرخون , حاضرين فيها

. ويبكون لخوفهم من جنود األعداء الذين كانوا في تلك األثناء يقومون بتخريب المنزل

في مجملها تعديل واضح لمثيلتها التي قام أما جنود العدو والمجزرة التي قاموا بها فهي

.بها الجنود الفرنسيون في صفوف قبيلة كبلوت نفسها انتقاما للزوجين القتيلين

: ـ على أنغام القيثارة2

والتي تم سردها في , "موت خائن" األحداث التي سنتناولها هنا هي أحداث قصة

تعديل عناصر الموضوعاتية وهي تقوم كغيرها على, حدود صفحة ونصف الصفحة

التحق العازف بالرجال الثالثة ودفع الباب : التي نحاول إبرازها في التلخيص اآلتي

جلس الرجال األربعة حول . وراءه برجله بعد أن كلف الطفل عليا بالقيام بالحراسة

صندوق مقلوب عليه أطباق السمك وزجاجة وكأس مكسورة وضعت فيها أزهار

وارتمى , لجندي يضع على رأسه شاشا مما جعله يبدو بمظهر غريبكان ا. الياسمين

فسقط الشاش على األرض فالتقطه الرجل الثاني وسلمه لصاحب , عليه ذو السن الذهبية

. السن الذهبية الذي كان يقبض على الجندي بقوة على األرض فمرر الشاش حول رقبته

الذي سمع كل شيء من الخارج فقد تذكر وأما علي, أما العازف فكان يواصل عزفه

وتذكر أيضا . أمه التي انتزع منها ذلك الصندوق الذي كان يحوي بداخله قنبلة

ثم يعودون إلتمام , ثم رآهم يخرجون بالكيس. مارغريت التي جرت وراءه في الشارع

)447(.ما بقي في الزجاجة بعد أن رموا الكيس في الماء

447 -Voir, Kateb Yacine « Ľ œuvre en fragments » p.176-177.

411

ة عناصر الموضوعاتية عن طريق تعديلها الواضح لعناصر تعدل أحداث هذه القص

إذ نجد , "كبلوت وكلثوم"التي درسناها في مشهد " حرب المائة والثالثين سنة"من قصة

. الحبل, الماء, الحارس: هنا كما نجد هناك العناصر اآلتية

ل فعلي الذي يقوم بالحراسة هنا يقابله في المشهد األول الحارس الذي اتص

بكبلوت ليعلمه أن جنود العدو يحاصرون المنطقة؛ أما الماء الذي تم رمي الخائن فيه

فيقابله هناك البئر التي انتحر فيها كبلوت وزوجته؛ أما الحبل الذي , بعد شنقه بالشاش

أدى قطعه إلى موت كبلوت وزوجته فيقابله هنا الشاش الذي كان وسيلة لخنق الخائن

. وقتله

فة إلى هذه العناصر هناك عناصر أخرى يعتبر ارتباطها بالموضوعاتية باإلضا

من تلك السن الذهبية التي تعدل السكين من حيث الشكل والمادة , ارتباطا أكثر مباشرة

وهي من وظائف السكين كذلك؛ وما , ألن من وظائف السن التقطيع والتمزيق, والوظيفة

بية ارتبطت بالرجل القاتل وليس بغيره من يعمق هذا التعديل أيضا هو كون السن الذه

عنصر األسمال التي )) وضع جثة الخائن في كيس (( ويعدل . الحاضرين في الجريمة

وضعت فيها جثتا الزوجين الفرنسيين؛ ويعدل القتيل بدوره الضابط الفرنسي لكونه

مكان أما عنصر الدائرة فتجسده الغرفة التي وقعت فيها الجريمة فهي. عسكريا مثله

إلى جانب هذا لم تكن عناصر األبناء والمرأة والخطف غائبة في هذه . مغلق أيضا

فقد تذكر علي أمه نجمة وبكى بسبب قساوة الحدث الذي وقع أمامه وشارك فيه , القصة

حمام "وقد سأله الرجل العازف عن مكان مولده فأجابه أنه ولد في , دون أن يدري

وهذا يعني )448(.))إذن قد أكون غنيت في مولدك (( :فقال له العازف". المسخوطين

أما عنصر المرأة فيتجسد بالخصوص في .أن عليا ال يزال في مرحلة الطفولة

وهذا يعني أن التعديل هنا اقتضى ,التي طاردت عليا لتسترجع منه العلبة" مارغريت"

أما .عاتيةأن تكون المرأة مطاردة وليس مطاردة كما كان عليه الحال في الموضو

ه نجمة والتي كانت سببا معنصر الخطف فتمثل في هذه القنبلة التي انتزعها علي من أ

.في مطاردة مارغريت له

:مسيد ـ سيدي 3 448 - Voir,Ibid; P.177.

412

أساسا على مشهد قتل " سيدي مسيد" يقوم هذا النص السردي الذي يحمل عنوان

مكن تلخيصها في أحداث القصة ي". الجثة المطوقة"الطاهر لالخضر بالسكين في

: اآلتي

بعد أن أصيب االخضر بالجنون تقوم زوجته نجمة بتسليم ابنهما عليا

مع الطفل " مارغريت"فتعيش . ـ منافستها على زوجها ـ لالعتناء به" مارغريت"لـ

وبعد مدة يؤخذ االخضر . تتجرع مرارة الوحدة والفشل, علي في انعزال تام كالمسجونة

ولما تنتقل . فيطعنه الطاهر بالسكين, طلبا لالستشفاء" سيدي مسيد"يح إلى زيارة ضر

نجمة في الحافلة مع زهرة أم االخضر مرفوقتين بالشيخ محمود من أجل حمل االخضر

إلى قسنطينة يخبرهما الشيخ أن االخضر قد مات في الضريح دون أن يتمكن أحد من

.)449(العثور على جثته

دث الذي يقوم عليه هذا النص السردي قد ورد في مسرحية ذكرنا أن هذا الح

تلك المسرحية فوضحنا عالقته ةوكنا قد تناولنا هذا المشهد عند دراس ,الجثة المطوقة

وقد تم تعديل عناصر هذا المشهد بما يتوافق مع البنية الفنية . بالموضوعاتية األساسية

وهكذا كان . للموضوعاتية األساسيةحتى أصبح بدوره تعديال فنيا , "سيدي مسيد"لنص

وكانت طريقة تنفيذ القتل هي الطعن , االخضر زوج نجمة تعديال لزوج الفرنسية

الفتاة الفرنسية والعاشقة " مارغريت"وعدلت . بالسكين كما حدث في الموضوعاتية

أيضا بتفضيلها العيش " مارغريت"وكانت . لالخضر الزوجة الفرنسية في الموضوعاتية

ة في بيتها مع علي تعديال للمكان الدائري المغلق الذي صنعه القتلة حول مسجون

" مارغريت: "مع مالحظة أن الحصار هنا يشمل الثنائي, الزوجين بحصارهم لهما

الذي اشتمل بدوره على " سيدي مسيد"أما المسجد الموضوعاتي فيعدله ضريح . وعليا

فاألسمال جاء . ر فيه جثة هامدةوسقوط االخض, والدم, األسمال: عناصر موضوعاتية

: أما الدم فتعبر عنه العبارة )450(.))بعضهم كان يمزق ثيابه: (( ذكرها في هذه العبارة

(( : وأما الجثة الملفوفة في األسمال فقد تم التعبير عنها بعبارة)451(.))العرق والدم((

449-Voir, Kateb Yacine « Ľ œuvre en fragments »; P.186-190. 450 -Voir, Ibid; P.188. 451-Voir, Kateb Yacine « Ľ œuvre en fragments »;P.189.

413

ذلك وهي ب, فالنعش صورة للسحب التي تخفي الشمس)452(.))كشمس غطاها النعش

أما العنصر الموضوعاتي األخير . تعدل األسمال التي استعملت للف جثتي الزوجين

الذي يستحق الذكر في هذا النص فهو الحافلة التي ركبتها نجمة من أجل اللحاق

.فهي تعديل لعربة الزوجين الفرنسيين, باالخضر والعودة به إلى البيت

: سي مبروك وزليخا ـ4

ونشرته جاكلين أرنو في هذا 1966لنص ـ الذي تم تأليفه في عام يقوم هذا ا

: نلخصها حسب اآلتي, الكتاب ألول مرة ـ على أحداث تم سردها بضمير المتكلم

وكانت . لقد انتزع سي مبروك الزنجي الفتاة زليخا ثالث مرات بالقوة من خطابها

خلفه على ظهر الجمل ويتجهان وكانت تركب. زليخا تعيش في بيته مع زوجته وأبنائه

وشاهدت سي مبروك , يقتفي أثارهما" بهلول"وقد فاجأت اليوم . نحو حمام المسخوطين

: فجرى بيني وبين بهلول الحديث اآلتي. يدخل زليخا إلى أعماق مغارة

... ـ هذه المغارة

.ـ نعم

...ـ زليخة

.ـ نعم

...رض أن رجال آخرـ افت

.ـ معها

.ـ نعم

!ـ والعجوز يقوم بالحراسة

.ولقد رآنا, ـ نعم

)453(.ـ إنك تحلم

ال يتضمن هذا النص السردي عنصر القتل الموضوعاتي أو أي حدث يحيل عليه

, عناصر الموضوعاتيةولكنه مع ذلك فهو يحمل مجموعة من . ستحضره في تصورنايو

452 -Voir, ibid ;P.189. 453 -Voir, ibid ; P.205-206.

414

فسي مبروك . الذي درسناه في رواية نجمة" قتيل المغارة"أول ذلك أنه يستحضر مشهد

فهو ينتزع زليخا بالقوة ثالث مرات من خطابها , شخصية تعدل شخصية سي مختار

. ويقوم هو بالحراسة, ليذهب بها إلى مغارة قد يكون شخص ينتظره فيها فيقدمها له

ثم من , اف المرأة الفرنسية أم نجمة ثالث مرات أيضا من زوجهافهذا تعديل الختط

قبل أن ينفرد بها سي مختار بعد أن قتل أبا رشيد في , وبعده من أبي كمال, سيدي أحمد

وتعتبر المغارة في المشهدين مكانا دائريا مغلقا يعدل األماكن الدائرية المغلقة . المغارة

إلى جانب . وساحة الثكنة, جد كبلوتمس, محاصرة الزوجين: في الموضوعاتية

العربة والزوجة : هذه العناصر فقد حضرت في النص ثالثة عناصر أخرى هي

فالعربة تم تعديلها بالجمل الذي ركبه سي مبروك مع زليخا كما فعل سي : واألبناء

وأيضا لما أردف نجمة خلفه في ,مختار لما جلس في العربة إلى جانب المرأة الفرنسية

وأما عنصر األبناء . والزوجة تم تعديلها بزوجة سي مبروك. في نجمة" الزنجي"مشهد

. فتم تعديله بأبناء سي مبروك الذين تعيش زليخا معهم

: رأس كبلوت ـ5

إلى " رأس كبلوت" ينتمي هذا المشهد الموضوعاتي الذي سندرسه هنا تحت عنوان

: مكن تقسيمه إلى مشهدينيوهو نص . "2/المرأة المتوحشة"نص مسرحي عنوانه

حيث يقوم حراس " األجداد يزدادون ضراوة"يرتبط المشهد األول بافتتاحية مسرحية

وبعد عملية المناداة . االخضر ومصطفى وحسان: والذين منهم, السجن بمناداة السجناء

رر مصطفى إذ يق..." األجداد "تأخذ هذه المسرحية اتجاها خاصا يميزها عن مسرحية

كبلوت "وهكذا يقومون بتمثيل أحداث مشهد . وزمالؤه تحويل السجن إلى مسرح

أما المشهد الثاني فهو . "1/حرب المائة والثالثين سنة"الذي مر بنا في نص " وكلثوم

الذي يعطي صورة عن مقاومة كبلوت للوجود " كبلوت وكلثوم"يرتبط بأحداث مشهد

أما أحداث هذا المشهد . جته في البئر حسب ما رأيناالتركي الذي انتهى بموته مع زو

حسب ما سيتضح , فهي تتعلق باالستعمار ومطاردته لكبلوت على طريقة األتراك نفسها

يهجم الجنود الفرنسيون على القبيلة فيقود كبلوت المقاومة ويهزم : لنا في هذا التلخيص

" القايد"م في المنطقة وهو فينسحبون من المنطقة ويستنجدون بأحد عمالئه, الفرنسيين

بالهجوم " القايد"ثم يقوم . وسيسلم لهم رأسه, الذي يعدهم بأنه سيقبض على كبلوت

415

برجاله على قبيلة كبلوت وهو يعلم أن كبلوت طريح الفراش وهو على وشك أن يسلم

, "القائد"ولما تقوم المعركة بين أفراد القبيلة ورجال . مما سيجعل القبيلة ضعيفة, الروح

" القايد"تلجأ كلثوم إلى قطع رأس كبلوت والهرب بها لتدفنها في المقبرة لتفوت على

ولكن القائد يدبر مكيدة ينتقم بها من كلثوم ومن . فرصة الوفاء بعهده تجاه الفرنسيين

كانا قد حضرا , القبيلة إذ يقوم بذبح امرأة وزوجها العامل في مصلحة إصالح الطرقات

فيقوم جنود االستعمار بقطع رؤوس ستة من شيوخ قبيلة , بتهماإلى المنطقة في عر

. ألنهم عثروا على الجثتين منطرحتين في مسجد كبلوت, كبلوت انتقاما من القبيلة

فإنهم قد فشلوا في , ولكن إذا كان القائد وجنود االستعمار تمكنوا من االنتقام من القبيلة

أن تصون كرامته وأن تدفن إلى جانبه بعد إذ استطاعت زوجته , القضاء على كبلوت

)454(.أن أعادت دفن رأسه مع جثته

لقد قام هذا النص المسرحي حسب ما يوضح هذا الملخص على تعديل مباشر

وهما فرنسيان والزوج يعمل ,الزوجين القتيلين :لجملة هامة من عناصر الموضوعاتية

إذ جاء فيها أن الزوج , رواية نجمةوهي وظيفة تم ذكرها في, في إصالح الطرقات

, واألعيان الستة, العربة: إلى جانب هذا نجد. ضابط أو عامل في مصلحة الطرقات

, ورجال القايد, وهجوم جنود االستعمار على الناظور, )الذبح ( والطعنات , والسكين

. دورهاوأخيرا دفن كلثوم لرأس زوجها مع جثته قبل أن تتمدد إلى جانبه فتسلم الروح ب

باإلضافة إلى جثتي العامل وزوجته حسب ما نرى في , فهذا تعديل للجثتين المنطرحتين

ثم تنتقل األضواء إلى جثة ,وهو في حالة هرب" القايد"أضواء على : هذا الوصف

)455(.العامل وزوجته

: إلى داخله جثتي الزوجين" القايد" مسجد كبلوت الذي حمل ها أما الدائرة فيجسد

حمل الجثتين : إن األمر بالنسبة إليه كاللعب... عدو كبلوت يذبح الزوج والزوجة((

فقد "الضابط"أما عنصر ) 456(.))مسجد كبلوت, الملطختين بالدم إلى مسجد المتمرد

والذي يأتمر , قيد الفرنسي الذي أشرف على عملية الهجوم على قبيلة كبلوتعجسده ال

454 -Voir, Kateb Yacine « Ľ œuvre en fragments »; P.275-302. 455 -Voir, Ibid; P.299. 456- Ibid ; P.300.

416

الذي حياه تحية " القايد"عقيد الفرنسي مسرعا واتجه نحو وصل ال: (( بأوامره" القايد"

)457(.))عسكرية مستعمال يديه االثنتين

: ـ الطاهر الخائن6

على تعديل حدث مقتل "4/المرأة المتوحشة" تقوم األحداث في النص المسرحي

وهو الحدث نفسه الذي درسناه في مشهد. االخضر على يد الطاهر في الجثة المطوقة

وقد تم إدخال عناصر جديدة في هذا النص حتى يتميز من . الذي مر بنا" سيدي مسيد"

ويدخل , تنسحب مارغريت ونجمة من الخشبة: حسب ما يتضح في هذا الملخص, غيره

يخبر الطاهر . االخضر في الظل ليظهر الطاهر واقفا مع مفتشي الشرطة في حانة

إذ باع له مجموعة من األحصنة غير الشرطيين بأنه تمكن من خداع أحد المغفلين

ثم يقودهم الحديث إلى االخضر الذي أطلقت الشرطة , الجيدة وصلته عن طريق القطار

فيغتنم الشرطيان فرصة . فيظهر الطاهر للشرطيين انزعاجه من هذا اإلجراء, سراحه

وهو واحد منهم؛ , خوف الطاهر من االخضر ليوهماه أنه عازم على قتل كل الخونة

فينتقل الطاهر إلى . علمانه أيضا أن االخضر موجود في ذلك الوقت في سيدي مسيدوي

)458(.هناك ويطعنه بسكينه

, الدم, القتيل, القاتل, السكين: ناصر موضوعاتيةع يشتمل هذا المشهد كسابقه على

إلى جانب هذه العناصر اشتمل أيضا على عنصر ). نجمة ومارغريت(المرأة , المسجد

الذي يجسده في الموضوعاتية الزوج الضابط وكذا " العسكر"المعدل لعنصر " يينالشرط"

أما عربة الضابط فقد تم تعديلها . القوات االستعمارية التي قامت بتخريب الناظور

فزيادة على تجسيده , وأما المكان الدائري المغلق. بالقطار الذي حمل أحصنة الطاهر

وكذا بانتشار , ص بدوران الزوار حول الضريحفهو حاضر في الن, بمقام سيدي مسيد

سار : (( الحاضرين في المزار حول االخضر الذي تلقى طعنة السكين في ظهره

)459(.))فانتشر الحاضرون حوله, االخضر يتمايل نحو شجرة البرتقال وتشبث بها

: ـ القمر في البئر7 457- Kateb Yacine « Ľ œuvre en fragments »; P.290. 458- Voir, Ibid; P.313-317. 459 - Kateb Yacine « Ľ œuvre en fragments »; P.317.

417

بأحداث مشهد " العود والحقيبةآلة" نصهذا المشهد التي وردت في ترتبط أحداث

لتصل عن طريق ذلك إلى تعديل عناصر , فهي تقوم على تعديلها, "كبلوت وكلثوم"

تطلب نجمة من ابنها علي : حسب ما يبين الملخص اآلتي, الموضوعاتية األساسية

ولما يصل إلى البئر يرى على , الذهاب في ليلة مقمرة إلى البئر إلحضار دلو من الماء

وبينما هو يقوم . ويقرر إنقاذه بدلوه, فيعتقد أنه سقط داخله, ئه صورة القمرسطح ما

فيظن أن ذلك يعود إلى . يحتك الدلو بجانب البئر فتشده أحجاره" إخراجه"بمحاوالت

ولما يرفع رأسه . فيشد الحبل إليه بقوة فيتقطع ويسقط علي على األرض, ثقل القمر

ولكنه ال يلبث أن يتحول فرحه إلى . رح بنجاتهفيف, يرى القمر في مكانه في السماء

غضب ألن القمر ـ حسبه ـ قد رجع سريعا إلى مكانه دون أن يقدم له الشكر على

فيفرح على ما وقع له , ولما يعود إلى البئر إلخراج دلوه يرى القمر فيه ثانية. إنقاذه له

مل أحجارا ويرجمه فيح, ثم يرى أنه يستحق الموت فعال. تشفيا على نكرانه للجميل

فيشعر براحة البال إذ يعتقد أنه قد أصاب , فتمر في هذه األثناء سحابة تغطي القمر. بها

)460(.القمر فأغرقه

البئر : باشتراكهما في العناصر اآلتية" كبلوت وكلثوم"تبدو عالقة هذا النص بمشهد

عند دراسة ذلك وهي عناصر أظهرنا. والموت, والحبل, والدلو, والغرق, )الماء(

ونالحظ في هذا المشهد أن . المشهد أنها تعدل عناصر من الموضوعاتية األساسية

ولكننا نعرف أيضا أن تشبيه جمال . وهو القمر, الموت فيه ال يتعلق بإنسان وإنما بشيء

وتبدو هذه العالقة أيضا من خالل معاملة , المرأة بالقمر هو أمر متداول في حياة الناس

ولكنه ال . يكون قد زلق! القمر في البئر, يا إله: (( ر على أساس أنه إنسانعلي للقم

وتهرب , أخرجتك من البئر. لقد خدعتني, أيها القمر: (( وقوله أيضا)461(.))يزال حيا

ويبدو هذا كذلك من خالل تعديله لكلثوم )462(.))تتصرف معي وكأنك ال تعرفني! مني

القمر فتتقابل مع كلثوم التي بقيت معلقة في البئر مع " قتل"أما . مثلها في البئر" سقط"إذ

فإن هذا , وإذا كان قتل كلثوم قد تم بقطع الحبل بالسكين. زوجها كبلوت قبل أن ينتحرا

وهذه مثل طعنات السكين تحدث , قد تم تعديله إلى رجم بالحجارة" القطع بالسكين"

460 -Voir, ibid; P.327-329. 461- ibid ; P.327. 462- Kateb Yacine « Ľ œuvre en fragments »; P.327.

418

العربة "مل النص على عنصر إلى جانب هذا فقد اشت. جروحا بليغة قد تؤدي إلى الموت

: (( الذي تم تعديله باألرجوحة التي وردت في قول علي يخاطب القمر" الموضوعاتي

هاأنت تسقط ثانية في الماء لكثرة لعبك باألرجوحة هناك في األعالي حيث ! حسنا

وهي تعديل أيضا لمثيلتها التي صنعها كبلوت لما مأل الدلو )463(.))قصرك السحري

زل فوقه حتى يتمكن من إخراج كلثوم من الماء بعد أن تمسك بطرف بالحجارة ون

فلم يعد علي يرى صورته , أما األسمال فقد تم تعديلها بالسحب التي غطت القمر. الحبل

وهذا تعديل يذكر بصورة الشمس التي )464(.))فاختفى القمر. مرت سحابة: (( في البئر

إذ تم هناك التعبير عن التعديل , "دسيدي مسي"في مشهد , اختفت بدورها وراء السحب

االخضر " وهذا عنصر يعدل مثيله في مشهد )465(.))كشمس غطاها النعش: (( بعبارة

الذي ورد في رواية نجمة حيث اختفت الشمس وراء السحب صانعة " في الحظيرة

األبناء "وأخيرا يعدل علي في هذا المشهد عنصر ". المسرح الموضوعاتي"عنصر

". الموضوعاتي

ونكتفي بهذا القدر من المشاهد المنتمية إلى مستوى الدرجة الثانية من التعديالت

لننتقل بعدها إلى دراسة مجموعة من المشاهد الجزئية المنتمية إلى , الموضوعاتية

:مستوى الدرجة األولى

:ب ـ تعديالت الدرجة األولى

: ـ معبد الفتاة الغريبة1

, جربة"المتصلة بقصة " اللوطو"شهد الجزئي في قصة وردت عناصر هذا الم

وهي قصة يصعب اإلمساك بتفاصيل عالمها الفني بسبب امتزاج ". جزيرة الفتاة الغريبة

دون أن يؤدي ذلك إلى إخفاء عالقة النص , التاريخ واألسطورة والواقع فيما بينها

. ى تعديالت تلك العناصرومن ثم قيام البناء الفني لهذا النص عل, بعناصر الموضوعاتية

هذه الفتاة الغريبة التي عثر عليها سكان الجزيرة الذين , ومن تلك العناصر

وبعد , كانت الفتاة تقيم في كوخ بمفردها. الء البابليين على القدسيهاجروا إليها بعد است

هوية ويكشف مسار السرد عن . موتها بنى السكان في مكان الكوخ معبدا لتخليد ذكراها 463- Ibid; P.328. 464- Ibid; P.328. 465- Ibid; P.189.

419

وقد رآها سي مبروك عند موتها ممددة على الشاطئ . فإذا هي نجمة, الفتاة الغريبة

)466(.في الوقت الذي كانت فيه باخرة تتأهب لإلبحار, يحيط بجثتها خمسة أشخاص

فإحاطة , مل هذا المشهد الجزئي على بعض عناصر الموضوعاتية كما ذكرناتيش

هو تعديل لثالثة , قت الذي تستعد فيه الباخرة لإلبحارخمسة أشخاص بجثة نجمة في الو

مقتل الزوجة بعد أن لحق القتلة بها وحاصروها على بعد مسافة : عناصر موضوعاتية

والعربة التي تم تعديلها هنا , إذ اشتمل هذا الحدث على القتل والدائرة, معينة من العربة

وهذا تعديل لمسجد كبلوت , وخهاوقد أدى موت نجمة إلى بناء معبد مكان ك. بالباخرة

فقد ذكرت , أما إقامة هؤالء السكان بجزيرة جربة. الذي حملت إليه جثتا الزوجين

وهذا بدوره , القصة أن تلك اإلقامة كانت نتيجة لهروبهم من البابليين الذين احتلوا القدس

يعدل ما تعرض له سكان الناظور من بطش وتخريب لبيوتهم على أيدي قوات

. تعمار انتقاما للزوجين الفرنسييناالس

: ـ على أنغام الناي 2

وهو نص ,"3/المرأة المتوحشة" ينتمي المشهد الجزئي اآلتي إلى النص المسرحي

الذي درسنا " موت الخائن: " من نصين آخرين قمنا بدراسة تعديالتهما وهماهيأخذ أحداث

الذي درسنا منه مشهدا بهذا العنوان " سيدي مسيد"و" على أنغام القيثارة"منه مشهد

وأخذ من , "على أنغام القيثارة"مشهد " موت الخائن"نفسه؛ إذ أخذ هذا النص من نص

فصنع , ثم أضاف إلى هذه األحداث أحداثا أخرى. أو مقدمته, مطلعه" سيدي مسيد"نص

. حيا يعدل أحداثا سابقة بما يتوافق وعالمه الفني المتميزمن كل هذا نصا مسر

قيام ثالث شخصيات مسرحية بخنق " على أنغام الناي" يروي المشهد الجزئي

ويساعدهم في ذلك الطفل علي , خائن بشاش في حانة على أنغام ناي كان يعزفها أحدهم

اعتقد , الخائن خارج الحانةولما حملت جثة. ابن نجمة الذي أسندت إليه مهمة الحراسة

تضمن هذا المشهد الجزئي العناصر )467(.علي أن ما تم حمله هو كيس من البطاطس

والكيس الذي يعدل , وذكر للنساء, وقتل, وحانة, وشاش, الخائن: الموضوعاتية اآلتية

466 -Voir, Kateb Yacine « Ľ œuvre en fragments » ; P.149-150. 467 -Voir, Kateb Yacine « Ľ œuvre en fragments »; P311-312.

420

وهي عناصر كثيرة تؤهله لكي يكون . واالبن علي الذي يعدل عنصر األبناء, األسمال

.توى الدرجة الثانيةضمن مس

: ـ عودة الزوج الميت3

ينتمي هذا المشهد إلى أحد النصوص الهزلية التي تدور حول سحابة الدخان

وهما الشخصيتان ". سحابة الدخان وعتيقة"وهو يحمل عنوان , وزوجته عتيقة

ويمكن ". دائرة االنتقام"في مجموعة " مسحوق الذكاء"المحركتان ألحداث مسرحية

تبدي عتيقة أمام زوجها سحابة الدخان : أحداث هذا المشهد الجزئي حسب اآلتي تلخيص

أسفها الشديد وحزنها العميق على وفاة زوجها األول الذي كانت تعيش معه في وئام

إذ , فيرد عليها سحابة الدخان بالمثل. على عكس تعاسة حياتها الحاضرة معه هو, تام

وبعد . عزوبة الضائعة التي استبدلها بحياة زوجية ال تطاقيبدي أمامها حزنه على أيام ال

فتسمع حماته , فيدفعها بقوة على األرض, هذا تقترب عتيقة من زوجها على السرير

: فيرد عليها موضحا. وتصب غضبها على الزوج, صراخ ابنتها فتأتي مسرعة لنجدتها

كان السرير مخصصا ولما, إن ابنتك تخونني إذ وجدتها في السرير مع زوجها األول

فقد طلبت من الخائنة أن تبقى على األرض ريثما ينصرف الميت فيفرغ , الثنين فقط

فيشتد غضب المرأتين فتقومان بضرب الزوج ودفعه من أعلى . لها المكان على السرير

المسألة ال تتعدى سقوط : يجيب, ولما يسأله الجوق عن سبب الصراخ والضجيج. الدرج

)468(.ولكني لألسف كنت بداخله, الدرجسروالي من أعلى

إذ نجد فيها عنصر , تقوم هذه القصة بتعديل بعض عناصر الموضوعاتية

قبل أن يتدخل . على السرير إلى جانب عتيقة" النائم"الزوج المتوفى : الزوجين القتيلين

في فهذا مشهد يعدل جثتي الزوجين الملفوفتين . سحابة الدخان ويسقطها على األرض

أما فعل قتل . على اعتبار أن التمدد أو النوم على السرير يتطلب غطاء, األسمال

فسقوطهما وإن لم يؤد إلى وفاتهما . الزوجين فقد تم تعديله هنا بحادث إسقاط الزوجين

فقد تعرضا إلى اعتداء كما تعرض , فهو اعتداء أوقعه كل منهما باآلخر؛ ومن هنا

حضر في هذا , إلى جانب هذا. اعتداء أدى إلى وفاتهماالزوجان في الموضوعاتية إلى

468-Voir, هibid; P.342-344.

421

إذ اعتبر مدحها , وهو التهمة التي وجهها الزوج لعتيقة, المشهد عنصر االغتصاب

فقام بدفعها من السرير إلى , لزوجها المتوفى نوعا من الخيانة يجب معاقبتها عليها

عدل سقوط كبلوت وفي األخير ينبغي أن نالحظ أن سقوط الزوجين هو حدث ي. األرض

وأن السرير وأغطيته هنا تعديل لزربية كلثوم التي أخذتها معها إلى , وزوجته في البئر

وأن علو الدرج الذي سقط منه الزوج هو تعديل لعمق البئر؛ وأن السروال , داخل البئر

.الذي كان داخله يعدل الدلو الذي دخل كبلوت فيه ونزل إلى البئر

من المشاهد الجزئية المنتمية إلى مستوى الدرجة األولى من نكتفي بهذا القدر

وننتقل إلى دراسة مجموعة من العناصر المنتمية إلى مستوى , التعديالت الموضوعاتية

. الدرجة صفر

:ج ـ تعديالت الدرجة صفر

أن الشكل الدائري هو العنصر األكثر حضورا " األعمال المتفرقة" لقد رأينا في

جموعة العناصر الموضوعاتية األخرى المنتمية إلى مستوى تعديالت الدرجة من بين م

وهو عنصر يثير االنتباه بقدرته الكبيرة على استحضار أجواء جريمة الناظور . صفر

ولذا سنكتفي هنا بالتركيز عليه مع إضافة , "األعمال المتفرقة"وفضائها إلى نصوص

لكونه , عل حضور هذه األجواء أكثر قوةلدوره أيضا في ج" السكين"نماذج عن عنصر

:أداة الجريمة في الموضوعاتية

:أ ـ الدائرة

" بعيدا عن نجمة"حضرت الدائرة وعناصرها في قصيدة : ـ بعيدا عن نجمة1

وحتى منذ قراءة عنوانها , بشكل مكثف ومثير النتباه القارئ منذ قراءة مقاطعها األولى

" البعد"أما ". دائري"فشكل النجمة هو شكل مغلق و. ذلكلكونه يقوم على هذا الشكل ك

الذي هو العنصر الثاني المشكل لهذا العنوان فهو عنصر هندسي أيضا مثل الشكل

وهذا , وهو القطر أو نصفه, ونجد له مثيال من بين عناصرها, المغلق والدائري للنجمة

عبر عنها عنوان قصيدة في امتداده واستقامته يشبه السكين؛ وهذه الصورة هي التي ي

, "بعيدا عن نجمة"التي جاء ترتيبها في الكتاب بعد قصيدة " نجمة أو القصيدة أو السكين"

422

هكذا يبدو أن عنواني القصيدتين )469(.ولكن تاريخ تأليفها قد يكون قبلها أو متزامنا معها

.نالدائرة والسكي: يشتركان في قيامهما على عنصرين من عناصر الموضوعاتية هما

إنني ال أحسن ـ 2

سوى الزحف نحو مطبخك

)470(.مطبخ الثكنة المحاصرة

. فمحاصرة الثكنة يتم بصناعة شكل دائري حولها

التناسخ ـ3

, خاصية إنسانية

إنه في الدائرة

)471(.لمركز تنمو نجمةفي ا

.وهو المركز, يحتوي هذا الشعر على الدائرة وعلى أحد عناصرها

وأنتقل ـ 4

)472(.حول المركز

.المركز المقصود هو مركز الدائرة أيضا

ـ إنهم يملكون القوة 5

)473(. قوة العدد ونصف القطر

. هو عنصر من الدائرةنصف القطر

أرسم ـ 6

دوائر

عسكرية

)474(.على الطريق

469-Voir, Kateb Yacine « Ľ œuvre en fragments »; P.433, note 03. 470 -Voir, ibid ; P.53. 471-Voir, ibid ;P.55. 472-Voir, ibid ;P.56. 473 -Voir, ibid ;P.57. 474-Voir, Kateb Yacine « Ľ œuvre en fragments »; P.59.

423

الدوائر العسكرية هي صور للثكنات أو لساحاتها التي تتحول إلى مضلعات لتنفيذ

.اإلعدامات

أتقدم ـ 7

حولي

تمرار باس

بحذر

بترقب

)475(. قوي بيقظة الدائرة

وهو يحمل عنصر , "بعيدا عن نجمة" هذا آخر نموذج نستعرضه من قصيدة

كباقي النماذج السابقة التي ورد فيها هذا الشكل أو عنصر , الدائرة الموضوعاتي بلفظه

أتي عرض نماذج من نصوص أخرى ورد فيها أيضا هذا ونتابع فيما ي. من عناصره

:العنصر الموضوعاتي

هذه قبلة نجمة التي تدور مع )476(. ـ قبلتك يا نجمة تسير عبر الدورة الدموية8

كبلوت "وقد ورد هذا التعبير الشعري في قصيدة . الدورة الدموية للسارد الشعري

".ونجمة

العين التي " ورد هذا التعبير في قصيدة)477(.ساعا ـ نرسم دوائر أكثر فأكثر ات9

.وبصيغة الجمع, وهو يحمل عنصر الدائرة بلفظه ,"تشبب الروح

وزارتهم , بدورانها المستمر حول كل نبع ماء, تشكل الجمال المغمضة العيون ـ10

األسماك "ورد هذا التعديل في مقطع سردي بعنوان ) 478(.الوحيدة لألشغال العمومية

,جربة: "إلى جانب مجموعة أخرى من المقاطع السردية تحت عنوان جامع هو, "تقفز

الذي ينتمي " اللوطو"؛ وهو العنوان الذي ورد ضمنه أيضا مقطع "جزيرة الفتاة الغريبة

الذي درسناه قبل اآلن في مستوى تعديالت الدرجة " معبد الفتاة الغريبة"إليه مشهد

وعاتي المقصود في هذا النموذج فهو دوران أما العنصر الدائري الموض. األولى

475-Voir, ibid ; P.65. 476 -Voir, ibid ;P.83. 477- Voir, ibid ; P.104. 478- Voir, ibid ; p.156.

424

, الجمال حول اآلبار الستخراج مائها بعد أن تم حجز رؤيتها بقطعة قماش أو غيرها

.حتى ال تتوقف عن الدوران

ـ منافسوهم هي الجمال المربوطة إلى حلقات اآلبار بعد بضعة أمتار من مسارها 11

برغم أنه ينتمي إلى مقطع سردي ال يحدده يبدو هذا النموذج تابعا لسابقه )479(.الدائري

نصوص " :له ولغيره" جاكلين أرنو"باستثناء هذا العنوان العام الذي وضعته ,أي عنوان

مسارها "ويحمل هذا النموذج عنصر الدائرة من خالل التعبير ". متفرقة لم تنشر من قبل

.نهاأي مسار الجمال الدائري حول اآلبار بعد أن أغمضت عيو, "الدائري

يصنع عقربا الساعة قطر )480(. ـ عقربا ساعة توقفا عند لحظة وقوع الزلزال12

وفقا لمواقع حركتهما على مينائها؛ ,فقط قطر أو نصف ,الدائرة أو نصفي قطرها

من هنا يعتبر . هو صورة لمحيط الدائرة, باإلضافة إلى أن هذه الحركة يحددها محيط

كما أن عقربيها هما صورة أخرى لتعديل , وعاتيةميناء الساعة تعديال للدائرة الموض

حسب ما , ولذا فنحن أمام عنصر الدائرة وعنصر السكين مرة أخرى. عنصر السكين

".نجمة أو القصيدة أو السكين"و" بعيدا عن نجمة: "رأينا قبل اآلن مع عنواني القصيدتين

:ب ـ السكين

امة من التعابير المتضمنة مجموعة ه" األعمال المتفرقة" وردت في نصوص

:نستعرض منها النماذج اآلتية. لعنصر السكين الموضوعاتي

يا بنات قبيلتي (( ـ 1

صمتكن يطاردني

..............

دموعكن تحرق كجلدات السوط

.......

)481(.))وب المطعونة أنتن اللواتي في دموعكن مرارة الشع

479- Voir, Kateb Yacine « Ľ œuvre en fragments »; p.157. 480- Voir, ibid ; p.173. 481 - Kateb Yacine « Ľ œuvre en fragments »; p.76.

425

ونجد فيها تعديلين , "قصيدة إلى دوار سفاحلي" تنتمي هذه األبيات الشعرية إلى

فجلدات السوط كطعنات السكين حسب ". المطعونة"و" جلدات السوط: "لعنصر السكين

فهي تعدل ما " المطعونة"أما لفظة . في نجمة" رشيد والرتيالء"ما مر بنا في مشهد

.انتقاما للزوجين القتيلين, تعمار في صفوف قبيلة كبلوت من تقتيل وخرابارتكبه االس

ورد هذا النموذج في قصيدة) 482(.))ورمحي في حنجرتها, سقطت في نومي(( ـ 2

.والرمح تعديل للسكين, "كبلوت ونجمة"

استفاق كبلوت وانتفض (( ـ 3

)483(.)) ففي صدره استقر خنجر

وتعدل فيه لفظة الخنجر أو ,أيضا "كبلوت ونجمة" هذا النموذج إلى قصيدة ينتمي

.السيف عنصر السكين

الفالح ينتظر(( ـ 4

كبلوت تمدد على قبر

ليس لكي يموت وإنما ليشحذ

)484(.))سكينه

موذج الشعري الذي ينتمي هو أيضا إلى ورد عنصر السكين بلفظه في هذا الن

.ومن هنا فهو يعدل عنصر السكين الموضوعاتي في جريمة الناظور, القصيدة السابقة

:يتبعني بعد خروجي من المدرسة, كان أحد التالميذ األقوياء والحليق الرأس(( ـ 5

. ـ هات قطعة نقدية للجماعة

.ـ ال أملك شيئا

ولكنني , أسيطر على غضبي, فكنت في البداية. ن أيضاواآلخرو, فكان يضربني

)485(.))في النهاية حملت منجال وهاجمت الجميع

482 - Ibid;P.82. 483- Ibid, p.83. 484 -Ibid, p.84. 485- Ibid ; p.201.

426

وهو إلى جانب تعديله , "الجزائر باألعشاب" ورد هذا المقطع السردي في نص

يقدم صورة معدلة لمشهد مقتل الضابط في الموضوعاتية , لعنصر السكين الموضوعاتي

وقد تمكن التلميذ في هذا المشهد من الدفاع . وطعنوه حتى الموتحيث أحاط به القتلة

إذ , فانعكس المشهد بفضل هذا التعديل. إذ تناول منجال وهاجم به أعداءه, عن نفسه

.مما مكنه من صد االعتداء, أصبح السالح القاتل ملكا للمعتدى عليه

427

خاتمـة

البنية الموضوعاتية لعوالم نجمة "مقدمة هذه الرسالة الموسومة بـ ذكرنا في

تعريف القارئ العربي : إن موضوعها يجيب عن ثالثة تساؤالت" لكاتب ياسين

تطبيق هذا المنهج على نصوص كاتب , بالمنهج الموضوعاتي وتصحيح مفهومه عنه

. التعرف على عبقرية هذا المؤلف, ياسين الكتشاف أدبيتها

وقد لزم علينا لإلجابة عن هذه التساؤالت توجيه اهتمامنا في بداية البحث على

. الموضوع والغرض والموضوعاتية: تحديد الفروق بين ثالثة مصطلحات هي

فكثيرا وقع الخلط بين هذه المصطلحات في الساحة النقدية في البالد العربية وتم

عن ذلك جهل بالمنهج الموضوعاتي فنتج , التعامل معها على أساس أنها مترادفات

ولذا قمنا بتوضيح أن الموضوع . وانصراف عن تتبع جهود نقاده النظرية والتطبيقية

منها الفلسفة والدين والسياسة واألدب والعلوم , مفهوم مرتبط بمجاالت اشتغال الفكر

وتبدو العالقة , وأما الغرض فهو مفهوم أعم من الموضوع وأوسع منه. بصفة عامة

ينه وبين الموضوع واضحة في مجال الفنون بشكل عام ومجال األدب بشكل ب

أما , وعلى هذا األساس يكون الغزل مثال غرضا من أغراض الشعر العربي. خاص

فتكون هذه في ليلى وتلك , القصائد التي تنظم في هذا الغرض فموضوعاتها متنوعة

ل والثانية الهجران ويكون موضوع الواحدة الوصا, في عزة وغيرهما في بثينة

ويبقى الغرض مفهوما عاما ال يرتبط . وغير ذلك, والثالثة الجمع بين الموضوعين

فالحرب . دون المجاالت الفكرية واإلبداعية األخرى, بمجال فكري أو إبداعي محدد

428

, واالجتماعية, يمكن أن تكون موضوعا للدراسة السياسية والتاريخية, "غرض", مثال

فموضوع أي نص أو غرضه , وهكذا. وعا كذلك للنص األدبيوالفلسفية؛ وموض

ومن هنا . يحددهما المجال الفكري واإلبداعي الذي ينتمي إليه هذا النص نفسه

.إن الموضوع في النص األدبي هو التجسيد الخاص للغرض: خلصنا إلى القول

ة أما الموضوعاتية فهي صورة بسيطة أو مركبة تلخص بصفة مركزة نظر

فعلى أساسها يبني عالقته بمختلف األشياء التي تمأل الواقع الذي , اإلنسان إلى الحياة

فإبداعه الفني الذي , ويبدو هذا جليا عند األديب. بجانبيه المادي والمعنوي, يعيش فيه

يعكس نظرته إلى الحياة ووعيه بها وبذاته هو أدب يقوم في الغالب على موضوعاتية

ما تم التأكيد عليه على كل حال في هذا البحث فيما يتعلق بأعمال هذا . واحدة وخاصة

". جريمة الناظور"كاتب ياسين التي تتحكم فيها موضوعاتية

ولكن . فلقد ظهرت هذه الموضوعاتية مكتملة بجميع عناصرها في رواية نجمة

ألديب ظهور هذه العناصر بصورة منعزلة عن بعضها بعضا يعود إلى أعمال هذا ا

كبلوط "و" نجمة أو القصيدة أو السكين"و" بعيدا عن نجمة"وبالخصوص قصائده , السابقة

ففي نظر النقاد الموضوعاتيين تعرف . أما جذورها فتعود إلى مرحلة طفولته, "ونجمة

ثم , مرحلة طفولة األديب حدثا متميزا تصبح له مكانة متميزة في وعيه وفي الوعيه

.إلى موضوعاتية أساسية تنبثق منها نصوصه اإلبداعيةيتحول هذا الحدث عنده

هذا ما دفع جان بول ويبر إلى االستعانة بطفولة استاندال للوصول إلى اكتشاف

ففتح المجال بذلك أمام النقد , التي تولدت منها أعماله" العضة"موضوعاتية

الموضوعاتي لالستعانة على تحليل النص بأحد النصوص الموازية أو

متى كانت في , ؛ إلى جانب السيرة الذاتية للمؤلف التي بين أهميتها)Paratexte(المناص

.متناول الدارس

فقد تطلب منا اكتشاف الموضوعاتية التي قامت عليها , وبالنسبة لكاتب ياسين

بل البد من تجاوزه إلى البحث , أعماله أن ال نكتفي بالتوقف عند مستوى النص الفوقي

). Transtextualité"(التعاليات النصية"وهو مستوى , توى أشمل منه وأعمقفي مس

فقد تطلب منا الكشف عن موضوعاتية أعمال , واستنادا إلى مفهوم التعاليات النصية

ذلك , فبينا أنها عالقة قوية, كاتب ياسين القيام بالبحث عن عالقته باألدب واللغة العربية

429

وكانت لها تقاليد شعرية إذ كان كل من والده وأمه قفة ثقافة عربيةألنه نشأ في أسرة مث

فتأثرت طفولته بهذا , وجده يقرضون الشعر باللهجة العامية ويتبارون فيه فيما بينهم

, الجو الثقافي الخاص وتحددت نظرته إلى الحياة في إطار اللغة العربية واألدب العربي

.تهفتشكل على أساس ذلك وعيه بالعلم وبذا

وتتأكد عالقة كاتب ياسين بالثقافة العربية عموما وبالشعر الجاهلي خصوصا

وذلك عن طريق حضور , من خالل تحرك أعماله في مجال الحقل الفني العربي القديم

أو بعض مشاهدها على األقل في مختلف األجناس , موضوعات هذا الحقل في أعماله

ولما كانت القصيدة القديمة قصيدة . والسرد, والمسرح,الشعر: األدبية التي كتب فيها

فهي تعكس , وكانت الدائرة عنصرا موضوعاتيا أساسيا في إبداع كاتب ياسين, دائرية

على اعتبار أن إبداع أي أديب ما هو إال , طبيعة وعيه بالعالم وبذاته في هذا العالم

.تنظيم خاص يعكس وجهة نظره المتميزة إلى العالم

إن الحديث عن وعي اإلنسان بالعالم وبذاته هو أمر مرتبط بالفلسفة

وقد كشف هذا البحث عن العالقة القوية للمنهج الموضوعاتي بهذه , الظاهراتية

الفلسفة التي تزعمها إدموند هوسرل واستوحى منها غاسطون باشالر توجهاته

ليها في كتبه النقدية وسار جورج بولي ع, الموضوعاتية في أعماله النقدية األدبية

قبل أن يطوره جان بول , ثم استفاد منها جان بيار ريشار لتعميق هذا المنهج, كذلك

.ويبر مستفيدا من أفكار هنري برغسون حول الزمن ووحدة الكون

وهذا يعني أن كل فهم هو , كل سلوك يسلكه اإلنسان يجسد فهمه الخاص للحياة

راءة النصوص األدبية قراءة موضوعاتية سوى وليست ق, تأويل خاص لمؤثر ما

عملية تأويل خاص للتعديالت المتنوعة التي تتخذها الموضوعاتية الرئيسية في نص

. من نصوص كاتب ما أو في مجموع نصوصه

وحتى تتم عملية التأويل الموضوعاتي ألعمال كاتب ياسين في إطار محدد

لتأويل عالقة رئيسية فرأينا أن ل, التأويلوواضح قمنا بتسليط األضواء على مفهوم

وأن الذات تتخذ , "كل إدراك هو إدراك لشيء ما"بالفلسفة الظاهراتية التي تعتبر أن

وعلى هذا .الذي تم إدراكه منطلقا لتحقيق إدراك نفسها" شيء ما" من هذا الـ

ا تفاعل يقع بينهم, األساس فالتأويل يقوم على طرفين رئيسيين هما النص والقارئ

430

المؤول وأن طبيعة هذا التفاعل يتحكم فيها كل من النص".جديد"ينتج عنه نص

وثقافة القارئ المؤول للنص؛ مما يجعل عملية التأويل تخرج بفضل ذلك من إطار

ولكن برغم ذلك فهذا النص الجديد ال يجوز أن يقطع .مقصدية المؤلف وسيطرته

, بتعادا مطلقا ألن ذلك سيجعل منه نصا موازيا لهصلته بالنص المؤول ويبتعد عنه ا

, ويعتبر انسجام أجزاء التأويل فيما بينها داخليا. مما سينفي عنه صفة النص المؤول

ثم عدم تعارض هذا التحليل خارجيا مع عالم النص موضوع التأويل هو االختبار

. الدقيق على سالمة التأويل وقوته وعمقه

فوضحنا أهميتها في النص األدبي وكشفنا عن المساعدة , عنونة وتوقفنا عند ال

وقد تأكد لنا أثناء . التي يمكن أن يقدمها العنوان للدارس ليكشف عن الموضوعاتية

. العمل التطبيقي ارتباط عناوين النصوص المدروسة بعناصر الموضوعاتية الرئيسية

هي " المضلع النجمي"و" لمطوقةالجثة ا"و" دائرة االنتقام: "فبينا مثال أن العناوين

". جريمة الناظور"تعديالت لعناصر معينة من موضوعاتية

وبينا أن جان بول ويبر هو الدارس الذي تمكن من إعطاء تحديد واضح

للمنهج الموضوعاتي وخرج به من مستوى المفاهيم والتنظير العام الذي تميز به عند

يار ريشار إلى مستوى الدقة في وضع غاستون باشالر وجورج بولي وجان ب

فقد قسم التعديالت الموضوعاتية إلى أربعة . اإلجراءات والفعالية في تطبيقها

, مستويات بحسب درجة بساطتها أو تعقدها وراح على أساسها يحلل أعمال استاندال

فتوصل إلى تجميع أعمال هذا , التي تولدت منها" العضة"بعد أن حدد موضوعاتية

مؤكدا بذلك على اشتغال عبقرية هذا األديب وفق , حول هذه الموضوعاتيةاألديب

.نظرة خاصة إلى الحياة تكونت عنده في مرحلة طفولته

, وبالمثل تمكنا في هذه الدراسة من تحديد موضوعاتية أعمال كاتب ياسين

ال ثم قمنا بتحليل هذه األعم, التي وردت في رواية نجمة" جريمة الناظور"وهي

بمختلف أجناسها األدبية وفق المستويات التعديلية األربعة التي تتخذها هذه

الموضوعاتية فيها؛ فبين التحليل أنها تولدت من هذه الموضوعاتية وأنها ترجع

فهي مثل النواة أو الخلية عند الكائن الحي تحقق نموها بفضل . جميعا إليها

431

ظاهر متباعدة عن بعضها بعضا بينما فتبدو األجزاء في ال, التقسيمات المتتابعة

. يربطها تكوين مشترك وتخضع لنظام دقيق واحد

لقد أكدت لنا هذه الدراسة االرتباط القوي ألعمال كاتب ياسين , وفي النهاية

واتضحت لنا عبقريته األصيلة من خالل ارتباط هذه , باألدب العربي والثقافة العربية

.لصناعة التعدد من خالل الوحدة, تصدر منهااألعمال جميعا بنواة واحدة

فهرس المصطلحات

Insistanceـ إلحاحية

La sensation ـ اإلحساس

Interprétation ـ تأويل

Hérméneutiqueـ تأويلية

Interprétationـ تأويل

Ľanalyse thémathiqueالتحليل الموضوعاتي ـ

Trans-Textualité ـ التعاليات النصية

Les modulationsـ التعديالت

Degré zéro du thème للموضوعاتية ـ تعديالت الدرجة صفر

Degré un (ou premier) للموضوعاتية ـ تعديالت الدرجة األولى du thème

Degré deux (ou لموضوعاتية لـ تعديالت الدرجة الثانية second) du thème

Degré trois لموضوعاتيةلـ تعديالت الدرجة الثالثة (ou troisième) du thème

432

La répétition ـ التكرار

Ľarticulation ـ التمفصل

Intertexteـ التناص

Ľimmanence ية ـ الحلول

La thématologie الموضوعات علم ـ

Le motifـ الغرض

Architexte النص ـ معمارية

Le thèmeالموضوع ـ

La thémathiqueـ الموضوعاتية

La phénoménologie الظاهراتية ـ

La parenté secrète ـ القرابة السرية

Le noyau ـ النواة

Microlecturesـ القراءة المجهرية

Paratexte النص الموازي ـ

Métatexte) ما وراء النص(ـ الميتانص

Hypertexte ـ النص الالحق

Architexteـمعمارية النص

433

فهرس المصادر والمراجع

: البحث باللغة العربيةمصادربيروت , دار الكتاب العربي, ؛ تحقيق عبد المجيد الغزالي»الديوان «ـ أبو نواس

.).ت.د(

, دار إحياء العلوم, ؛ الطبعة األولى» الشعر والشعراء «عبد اهللا بن مسلم , ـ ابن قتيبة

.1984بيروت

, الطبعة الثالثة, قباوة؛ تحقيق فخر الدين »شرح القصائد العشر «ـ الخطيب التبريزي

.1979بيروت, دار األفاق الجديدة

434

الجزائر , ديوان المطبوعات الجامعية, ؛ ترجمة محمد قوبعة»نجمة«ـ كاتب ياسين

.)ت.د(, ؛ تحقيق محمود محمد شاكر»طبقات فحول الشعراء «ـ محمد بن سالم الجمحي

).ت.د(القاهرة , مطبعة المدني

:المراجع باللغة العربيةالقاهرة , ؛ دار غريب للطباعة» فن القص في النظرية والتطبيق «إبراهيم نبيلة ـ

).ت.د(

.1989الجزائر, موفم للنشر, ؛ سلسلة األنيس» فجر اإلسالم «ـ أمين أحمد

.1991؛ إفريقيا الشرق»لذة النص أو مغامرة الكتابة عند بارت «عمر ـ أوكان

المؤسسة , الطبعة الخامسة, جمة غالب هلساتر, »جماليات المكان« ـ باشالر غاستون

.2000بيروت, الجامعية

, ترجمة لطفي الزليطني ومنير التريكي, "تحليل الخطاب. "و يول ج. ب. ـ براون ج

.1997الرياض , جامعة الملك سعود

دار , الطبعة األولى, ؛ ترجمة محمد منذر عياش»مفهوم األدب «ـ تودوروف تزفيتان

.1991دمشق, الذاكرة

شراع للدراسات والنشر , ؛ الطبعة الثانية"المنهج الموضوعاتي"ـ حسن عبد الكريم

.1996دمشق , والتوزيع

الطبعة , » دراسة في شعر السياب: الموضوعية البنيوية « ـ حسن عبد الكريم

. 1983بيروت, المؤسسة الجامعية, األولى

مركز , ؛ الطبعة األولى» دراسات في النص والتناصية « ـ خير البقاعي محمد

.1998) سوريا(حلب , اإلنماء الحضاري

.1991؛ إفريقيا الشرق»الحكاية والمتخيل«ـ الزاهي فريد

دار قباء للطباعة , ؛ ترجمة جابر عصفور"النظرية األدبية المعاصرة"ـ سلدن رامان

.).ت.د(القاهرة , والنشر والتوزيع

, الطبعة األولى, ترجمة سعيد الغانمي؛ » السيمياء والتأويل «ـ شولز روبرت

.1994بيروت , المؤسسة العربية للدراسات والنشر

435

..)ت.د(المغرب , مطبعة بابل, »النقد الموضوعاتي«ـ علوش سعيد

, وزارة الثقافة األردنية, ؛ الطبعة األولى» سيمياء العنوان «ـ قطوس بسام

.2001عمان

, المركز الثقافي العربي, ة األولى؛ الطبع» دينامية النص «ـ مفتاح محمد

.1987بيروت

المركز الثقافي , ؛ الطبعة األولى»عروة الزمان الباهي « عبد الرحمان ـ منيف

. 1997بيروت, العربي

؛ المؤسسة »قراءات في الفكر الغربي المعاصر: من النسق إلى الذات«ـ مهيبل عمر

.2002الجزائر , الوطنية للفنون المطبعية

.1985تونس, ؛ سراس للنشر» في مناهج الدراسات األدبية « اد حسينـ الو

, المركز الثقافي العربي, ؛ الطبعة األولى» انفتاح النص الروائي «ـ يقطين سعيد

.1989بيروت

:دوريات باللغة العربية

المجلد الخامس , ؛ مجلة عالم الفكر» السيميوطيقا والعنونة «وي جميل اـ حمد

.الكويت, 1997 مارس-يناير, عدد الثالثال, والعشرون

؛ المجلة »استخدام تقنية تحليل المضمون في تدريس اللغة العربية«ـ سام عمار

المنظمة العربية للتربية والثقافة , العدد األول, المجلد التاسع عشر, العربية للتربية

.1999يونيو, والعلوم

الجزائر , 8العدد, ة اللغة واألدب؛ مجل»تحليل الخطاب الشعري «ـ السد نور الدين

1996 .

العدد , 29المجلد, ؛ مجلة عالم الفكر» التأويلية بين المقدس والمدنس « ـ عبد المالك

. 2000الكويت, يونيو ـ سبتمبر, األولمرتاض

مجلة , ترجمة غسان السيد, "الموضوع من منظور النقد الموضوعاتي"ـ كولو ميشال

.1997دمشق , 93ددالع, اآلداب األجنبية

, ؛ ترجمة محمد آيت لعميم»الموضوع من منظور النقد الموضوعاتي«ـ كولو ميشال

.1997دمشق, 18العدد, مجلة المدى

436

:حوارات النقد البنيوي الحديث بين «حوار ضمن كتاب فؤاد أبو منصور, ـ جان بيار ريشار

.1985بيروت, دار الجيل, الطبعة األولى, » لبنان وأروبا

.»... النقد البنيوي الحديث «حوار ضمن كتاب فؤاد أبو منصور , جوليا كريستيفاـ

» ...النقد البنيوي الحديث «حوار ضمن كتاب فؤاد أبو منصور ـ روالن بارت

:رسائل جامعية

رسالة , »أزمة الهوية في الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية «ـ أحمد منور

.2000معة الجزائردكتوراه مخطوطة بجا

رسالة , »دراسة موضوعاتية: قصص األطفال في الجزائر «ـ مسعودة لعريط

جامعة , قسم اللغة العربية وآدابها, لود معمريوماجستير؛ مخطوطة بجامعة م

.1997-1996عنابة

: قواميس وموسوعات باللغة العربية .)ت.د(بغداد , مكتبة المثنى, الطبعة األولى, الجزء الثالث, "جمهرة اللغة"ـ ابن دريد

. دار صادر بيروت, "وضع"مادة , الجزء الثامن, "لسان العرب"ـ ابن منظور

, دار العلم للماليين, الطبعة السابعة, "معجم لغوي عصري: الرائد"ـ جبران مسعود

.1992بيروت

ر العلم دا, الجزء الثاني, "عربي فرنسي: معجم عبد النور المفصل"ـ جبور عبد النور

.)ت.د(بيروت , للماليين

مجمع اللغة , "مادة وضع", الجزء األول, "المعجم الوسيط"ـ جماعة من المؤلفين

).ت.د(مصر, دار العودة, العربية

, دار الطليعة للطباعة والنشر, ؛ الطبعة األولى» معجم الفالسفة «ـ جورج طرابيشي

.1987بيروت

, دار الحكمة, "حليل السيميائي للنصوصقاموس مصطلحات الت"ـ رشيد بن مالك

.2000الجزائر

المؤسسة , الطبعة األولى, ؛ الجزء الثاني » موسوعة الفلسفة «ـ عبد الرحمان بدوي

.1984بيروت, العربية للدراسات والنشر

437

.1992,مكتبة لبنان, الطبعة األولى, "معجم لغوي مطول: البستان"ـ عبد اهللا البستاني

.1990,مكتبة لبنانن, "معجم الوفي"ستاني ـ عبد اهللا الب

المركز التربوي للبحوث , ؛ الطبعة األولى»معجم المصطلحات الفلسفية «ـ عبدو الحلو

.1994مكتبة لبنان, واإلنماء

مكتبة , بيروت, دار العلم للجميع, الجزء الثالث, "القاموس المحيط" ـ الفيروزأبادي

.دمشق, النوري

.1993مطابع تيبو براس , مكتبة لبنان ناشرون, "ط المحيطمحي"ـ البستاني بطرس

المصادر باللغة الفرنسية - Kateb Yacine « Le cercle des représailles », éd. du Seuil 1959. - Kateb Yacine « Le polygone étoilé »; éd. du Seuil 1966-1994. - Kateb Yacine « Ľ homme aux sandales de caoutchouc »; éd. du Seuil, Paris 1970. - Kateb Yacine, «Ľoeuvre en fragments » ; Ed. Sindbad, Paris 1986 - Kateb Yacine « Nedjma »; éd. du Seuil ; Paris1956 المراجع باللغة الفرنسية: - Barthes Roland « S/Z » ; éd. du Seuil 1970 - Déjeux Jean «Littérature maghrébine de langue française» ; 2eme éd., éditions Naaman Sherbrooke, Québec, Canada 1978.

438

- Berque Jacques « Langages arabes au présent » ; éd. Gallimard, Paris 1982. - Genette Gérard « Figures 111 »; éd. du Seuil 1972. - Grotzer Pierre « La vision du monde et la lecture du texte dans ľœuvre de Marcel Raymond »; colloque de Cartigny, Librairie José Corti 1979. - « Kateb Yacine et la modernité textuelle », Ouvrage collectif qui reprend une table ronde qui s´est tenue à ľ I.L.E. de ľ université d´Alger en Janvier1989, éd. O.P.U. Alger ( s.d.e). - «Les chemins actuels de la critique»; ouvrage collectif, Serisy-La Salle, Paris1968. - Maougal Mohamed-Lakhdar «Aux sources des mythes dans la parole katebienne » ; in, « Actes du colloque international sur Kateb Yacine » organisé par le département de français, université d΄Alger, le28, 29 et 30 Octobre 1990, éd. O. P.U. Alger (s.d.e.). - Mechakra Yamina, «La grotte éclatée »; 2eme éd. Enal, Alger 1986 - Molinié Georges « La stylistique » ; 1ere éd. P.U.F 1993 - Poulet Georges « Etude sur le Temps Humaine »; Tome1, éditions Plon , Paris1972. - Poulet Georges « La poésie éclatée: Baudlaire et Rimbaud »; 1ere éd., P.U.F, 1980. - Poulet Georges « Ľ espace Proustien » ; Gallimard, Paris 1963. - Poulet Georges « Trois essais de mythologie romantique »; José Corti 1966. - Richard Jean-Pierre; «Littérature et sensation »; Seuil 1954-1970. - Richard Jean-Pierre « Microlectures »; Cérés éditions, Tunis 1997. - Richard Jean-Pierre « Onze études sur la poésie moderne » ; éd. du Seuil 1964. - Richard Jean-Pierre « Pages Paysages: microlectures2 » ; éd. du Seuil 1984. - Richard Jean-Pierre « Poésie et profondeur »; éditions du Seuil 1955. - Richard Jean-Pierre « Proust et le monde sensible » ; éd. du Seuil 1974. - Roger Fayolle « La critique littéraire » ; Coll. U Armand Colin, 2eme éd. Paris1964.

439

- Strasser Sthéphan « Phénoménologie et science de ľ homme »; Publication université de Louvain, Paris 1967. - Trousson Raymond « Les études de thèmes: un problème de littérature comparée »; Lettre Moderne, Paris 1963. - Trousson Raymond,« Thèmes et mythes:questions de mythodes » ; Editions de ľ université de Bruxelles, 1981. - Weber Jean-Paul «La psychologie de ľ art » ; 3 eme éd., P.U.F, Paris 1965. - Weber Jean-Paul « Stendhal: les structures thématique de ľ œuvre et du destin » ; Société d´édition d´enseignement superieur, Paris 1969. - Weber Jean-Paul «Domaines Thématiques» ; éd. Gallimard 1963. - «Yacine» « Ouvrage collectif, Alger républicain-El adib, Alger 1991.

:Entretienحوار - Gafaïti Hafid « Kateb Yacine, un homme, une oeuvre, un pays »; Coll. Voix Multiples, Laphomic, Alger 1986.

:Périodiqueدورية

- Kounkou Charles « Ľ Ego et la conscience: contribution à ľinterprétation de la transcendance de ľEgo de Sartre » ; in, Revue « Les Etudes Philosophique », Avril-Juin 1998, Paris .

Dictionnaires et encyclopédies القواميس والموسوعات - Dictionnaire de la langue française , Paris 1993. - Dictionnaire des littératures de la langue française ; Vol. P-Z, Bordas, Paris1984. - Dictionnaire Encyclopédique Larousse, Volume 1, Paris 1994 - Dictionnaire Encyclopédique, Quillet, Paris, Edition 1979. - Durozoi Gérard – André Roussel « Dictionnaire de Philosophie »; 2eme édition, Nathan 1990. - Encyclopédie Philosophique Universelle, Tome1, 2eme édition, P.U.F.

440

- Greimas A. G., J.Courtes « Sémiotique, dictionnaire raisonné de la théorie du langage », tome 2, Hachette , Paris1986. - Larousse dictionnaire encyclopédique, 1994. - Le Petit Larousse, (Grand Format), 1998 - Le Petit Larousse, Paris 1998 - Le Robert: dictionnaire historique de la langue française, Paris 1992. - Petit Rober: dictionnaire de la langue française , Paris 1992. .

فهرس الموضوعات

2 - 11مقدمة

الفصل األول

12- 93 بين الموضوع والموضوعاتية

441

13 أ ـ الموضوع في المعاجم العربية والفرنسية

13 ـ المعاجم العربية1

18 ـ المعاجم الفرنسية2

20 ـ الكشف عن الموضوع3

24رضب ـ مفهوم الغ

30ج ـ الموضوعاتية

36د ـ الموضوعاتية والظاهراتية

46ـ المنهج الموضوعاتي ه

45 ـ جورج بولي1

51 ـ جان بيار ريشار2

51أ ـ مفهوم الموضوعاتية

54ـ النواة 1

57 ـ اإلحساس2

59التمفصلـ 3

61السرية ـ القرابة4

64ب ـ أدوات المنهج

64ـ الحلولية 1

75 ـ حرية المدخل2

76 ـ القراءة المجهرية3

85 ـ التكرار4

442

الفصل الثاني

94 - 175المنهج الموضوعاتي ومجال اشتغاله

95 جان بول ويبر ـ1

96أ ـ المرجعية الفكرية للموضوعاتية

98ب ـ مفهوم الموضوعاتية

102ج ـ تعدد الموضوعاتيات

106 ـ التعديالت2

121 ـ مفهوم النقد الموضوعاتي3

125عاتيـ منطلق النقد الموضو 4

125أ ـ التأويل

131 ـ التأويل والنص1

138 ـ التأويل والقارئ2

147ب ـ دراسة العنوان

157 ـ مجال النقد الموضوعاتي5

159أ ـ التحليل النفسي 169ب ـ الجزئية

443

الفصل الثالث

176- 266عناصر االموضوعاتية

179أ ـ الدائرة

179 ـ مفهوم الدائرية في األدب العربي1

193 ـ عالقة ياسين باألدب العربي 2

193أ ـ تشكل الوعي بالعالم وبالذات

197ب ـ الوعي واإلبداع

197 ـ النص الشعري 1

203 ـ النص المسرحي2

214 ـ النص السردي 3

214 أ ـ رواية نجمة

230ب ـ المضلع النجمي

231ج ـ األعمال المتفرقة

249 ـ الدراسات النقدية3

254ـ توضيحات المؤلف 4 259ب ـ جريمة الناظور

444

الفصل الرابع

267 - 357البنية الموضوعاتية في رواية نجمة

268 ـ رواية نجمة 1

269 ـ تعديالت الدرجة الثانيةأ

269ـ مقتل ريكار 1

276ـ الخادمة اللطيفة 2

277ـ عائلة السيد ريكار 3

279التمر ـ نوى 4

280ـ رافق ابنتي يا مراد 5

282ـ سوزي في الحقل 6

284ـ رشيد والرتيالء 7

288ـ رشيد والسائق 8

291هيرـ مارسيل صاحبة المحل الش 9

292 ـ االخضر في الحظيرة 10

296 ـ قتيل المغارة 11

301الزنجي ـ12

318ـ مراد يخطف نجمة 13

321ـ اختطاف زهرة 14

325ـ اختطاف أوديل 15

326ـ العجوز اإليطالية 16

445

332لىب ـ تعديالت الدرجة األو

334ـ مسجد كبلوت 1

337 ـ السكين 2

338 ـ تخريب الناظور 3

339 ـ االختطاف 4

339 ـ االغتصاب5

340 ـ الجثة ملفوفة في أسمال6

341 ـ القتل 7

346ج ـ تعديالت الدرجة صفر

346 ـ الدائرة1

353 ـ السكين2

356 ـ العدد ستة3

الفصل الخامس

358 - 424 البنية الموضوعاتية في عوالم نجمة

359أ ـ دائرة االنتقام

359ـ الجثة المطوقة 1

359 ـ تعديالت الدرجة الثانيةأ

359 ـ عربة البائع1

360 ـ مارغريت2

362ةعاشق المرأة األجنبي ـ 3

363ب ـ تعديالت الدرجة األولى

446

363ـ المظاهرة 1

364 ـ نجمة والجريح2

365 ـ نظرة االخضر3

365 مقتل االخضرـ 4

366ج ـ تعديالت الدرجة صفر

367 ـ مسحوق الذكاء 2

367أ ـ تعديالت الدرجة الثانية

369ب ـ تعديالت الدرجة األولى

369ـ الزوجان والساعة1

369زوج والسلطانـ ال 2

370 ـ نهاية رمضان3

371 ـ البصل في البرنس4

371ج ـ تعديالت الدرجة صفر

372 ـ األجداد يزدادون ضراوة3

372 أ ـ تعديالت الدرجة الثانية

373ـ اختفاء الطاهر 1

374ـ الشيخ والفتيات 2

375ة األولىتعديالت الدرجأ ـ

376 ـ السجناء1

377 ـ المضلع2

378تعديالت الدرجة صفرج ـ

378 ـ العقاب4

378أ ـ تعديالت الدرجة األولى

378 ـ المسجونة1

379ـ السباحة 2

380 ـ الميتة3

447

380ب ـ تعديالت الدرجة صفر

381ـ المضلع النجمي 2

381أ ـ تعديالت الدرجة الثانية

381 ـ طاولة القمار1

382ـ بنات الحالق 2

384 ـ ترميم الغرفة3

386لوسيان الرجل القوي. ـ م4

389األولىأ ـ تعديالت الدرجة

389 ـ مارسيل1

390ـ أبناء ذي اللحية 2

391ـ صورة مارك الكورسيكي 3

392ـ في أعماق األطالل 4

392أ ـ تعديالت الدرجة صفر

392ـ المضلع 1

393ـ المضلع النجمي 2

394ـ الدائرة 3

394 ـ السكين4

394 ـ األسمال5

395 ـ الرجل ذو النعل المطاطي 3

395أ ـ تعديالت الدرجة الثانية

395 ـ الضفدع1

397ماك وسوبارماك ـ2

399ب ـ تعديالت الدرجة األولى

399 ـ قبر الزوج1

400 ـ المبشر2

401 ج ـ تعديالت الدرجة صفر

448

401ين ـ السك1

402 ـ الدائرة2

403 ـ القتل3

406 ـ األعمال المتفرقة4

406أ ـ تعديالت الدرجة الثانية

406 ـ كبلوت وكلثوم1

408 ـ على أنغام القيثارة2

410 ـ سيدي مسيد3

411 ـ سي مبروك وزليخا4

412 ـ رأس كبلوت5

414 ـ الطاهر الخائن6

415 ـ القمر في البئر7

416ب ـ تعديالت الدرجة األولى

416 ـ معبد الفتاة الغريبة1

417ـ على أنغام الناي 2

418 ـ عودة الزوج الميت3

419 تعديالت الدرجة صفرج ـ

419أ ـ الدائرة

422ب ـ السكين

425 - 427الخاتمة 428 - 429فهرس المصطلحات

430 - 436فهرس المصادر والمراجع

437 - 444فهرس الموضوعات