354

ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

  • Upload
    others

  • View
    6

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 2: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 3: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

العالمة الدكتور الشيخ فيصل العوامي

(١) �� ������ �

��� �����

����� + �� ���� �!�"#$�

Page 4: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مجيع احلقوق حمفوظةالطبعة األوىل

١٤٣٦هـ - ٢٠١٥م

Page 5: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 6: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 7: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٧ إهداء

إهداء

�� ���� �� �

�� ���� � � ��� � ���

����� ��� � �

�� �� � ��

!"#$ �%� &' ���

����( �)�� *

��+ ��� � �

�, -.���/ �

�� ���0�� 12

��3 �

������4� � 56

�7� � 12��3 � .���

8� .���� �����

�9 ���

�� :; ��,

��': 1

��23 �

<1��23 � . �7�=� 5

>?/��� � @A� �

�������

Page 8: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 9: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٩ مقدمة

مقدمة

والدراسة النرش عند يزداد ال القرآن بال ما :C الصادق اإلمام ئل سإال غضاضة؟ فقال: ألن اهللا مل ينزله لزمان دون زمان وال لناس دون ناس، فهو

يف كل زمان جديد، وعند كل قوم غض إىل يوم القيامة(١).لتحقيقها يتطلع التي األهداف C اإلمام ص خل املوجزة العبارة هبذه عىل جيب زمنية مرحلة كل ففي وجل، عز اهللا كالم تفسري عىل يعمل من كل العطاءات مع يتناسب بام املباركة اآليات استنطاق القرآين بالبحث املنشغلني

العلمية املتجددة واملستو املعريف الذي وصل إليه اإلنسان.ألن ، املفرس له يتحم وإنام القرآين النص له يتحم ال يستنبط ما كل إن مع

، وهي قابلة للنقد واملراجعة. تفسريه جتربة ليس إالوقد رأيت أن أبدأ بسورة آل عمران، وسأعود بعد الفراغ منها بمشيئة اهللا بثالث م سأقد التفسري عملية يف الرشوع وقبل والبقرة. الفاحتة سورة إىل تعاىل لفهم مدخال لتكون الكريم، للقرآن والعملية العلمية باملوقعية تتعلق مات مقدللمطبوعات- األعلمي مؤسسة ص٩٣، ج١ الصدوق، الشيخ ،C الرضا أخبار عيون (١)

بريوت ١٩٨٤م.

Page 10: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٠

بأحسن يتقبلها وأن التجربة هبذه ينفعنا أن سبحانه اهللا أسأل وتعاليمه. معانيه القبول. وصىل اهللا عىل نبينا املصطفى حممد وعىل أهل بيته الطيبني الطاهرين.

القطيفيوم املبعث الرشيف ٢٧ رجب ١٤٣٦هـ

Page 11: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

%&'*���,

-./012� �3456� �!�"#7��

��

الموقعية العلمية للنص القرآني

Page 12: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 13: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٣ متهيد

تمهيد

حتى ندرك حقيقة املوقعية العلمية للنص القرآين، البد أن نمر عىل كالم قائله جلت قدرته، وكالم املبلغ له K، وكالم األوصياء عىل ذلك التبليغ عليهم الصالة

والسالم.فامذا يريد أن يقول لنا اهللا سبحانه وتعاىل عن كالمه، فهو الذي وضع احلدود الدقيقة ملوقعيته العلمية، واملبلغ وهو النبي األكرم K هو األعرف بتلك احلدود ملعاين والوايف احلقيقي املرتجم هم A الكرام واألوصياء تبليغها، عىل واألقدر

ا حلديث الثقلني. تلك احلدود طبقلذلك وجب النظر يف األبعاد الثالثة:

ف القرآن نفسه؟. ١ كيف عرف النبي K القرآن الكريم؟. ٢ كيف عرف األئمة A القرآن الكريم؟. ٣ كيف عر

Page 14: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 15: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

89 :;��,

-./012� <=� >?@

�A#BC��

القرآن والقرآن

Page 16: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 17: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٧ ف القرآن القرآن يعر

ف القرآن القرآن يعر

تمهيد

القرآن عن للحديث تعرضت التي القرآنية لآليات تام باستقراء نقوم لو الكريم، لوجدنا بأهنا تسري يف خطوط ثالثة:

ويرتكز يف أربعة الذاتية للقرآن.. باحلديث عن الطبيعة يتعلق اخلط األول: ما معان أساسية تعود إليها سائر املعاين، وهي كام يف نص اآليات من قوله تعاىل: (القرآن

العظيم)، و(الكتاب احلكيم)، و(نور)، و(مبني).يف ويرتكز للقرآن.. التأثريي املستو عن باحلديث يتعلق ما الثاين: اخلط تأثريات ثالثة أساسية ترجع إليها كافة التأثريات، وهي كام يف نص اآليات من قوله

سبحانه: (بصائر)، و(هد)، و(رمحة).اخلط الثالث: ما يتعلق باحلديث عن املوقف اإلنساين جتاه القرآن.. ويرتكز يف من قوله القرآين النص يف وهي كام املواقف، مجيع إليها ثالث مواقف أساسية تعود إشارة و(تعقلون) القلب، وظيفة وهو اإليامن إىل إشارة أنزلت) بام وجل: (آمنا عز إىل التعقل وهو وظيفة العقل، و(اتبعوا النور) إشارة إىل اإلتباع وهو متعلق بالسلوك

الذي هو ترمجة ملا آمن به القلب وتعقله العقل.

Page 18: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٨

ولكي نتمكن من معرفة حقيقة احلديث القرآين عن نفسه، البد أن نلقي نظرة –مشفوعة بيشء من التأمل- عىل هذه اخلطوط، ألهنا بأمجعها تشكل الرؤية القرآنية

احلقيقية عن ذات القرآن وآثاره وأهدافه.

Page 19: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٩ اخلط األول: الطبيعة الذاتية للقرآن

الخط األول: الطبيعة الذاتية للقرآن

املباركة اآليات ذكرت الكريم القرآين للنص الذاتية الطبيعة خصوص يف ا. جمموعة من العناوين، سأتعرض هلا هنا تباع

عظيم

فنا به- نجد اآليات املباركة عندما حتدثت عن القرآن –أي عندما أرادت أن تعروصفته يف بادئ األمر بالعظمة، فقد قال تعاىل: {® ¯ ° ± ² ³ ´}(١)، والعظيم يف هذه اآلية صفة للقرآن كله، ال خلصوص سورة احلمد، وإن كانت العظمة تشملها ألهنا بعض القرآن املوصوف بالعظمة وقد قوبل بأكمله هبا(٢).. وذلك مبني عىل أن املراد من السبع املثاين خصوص سورة احلمد، وهو عمدة اآلراء ها الستناده إىل رواية صحيحة عىل األصح، فقد رو الشيخ الطويس F يف وأصحالتهذيب بإسناده عن حممد بن عيل بن حمبوب عن العباس عن حممد بن أيب عمري عن أيوب عن حممد بن مسلم(٣) قال: «سألت أبا عبد اهللا C عن السبع املثاين والقرآن

(١) سورة احلجر: ٨٧.(٢) إضافة للتعبري عنها بالنكرة غري املوصوفة (سبعا) وفيه داللة واضحة عىل عظمة قدرها وجاللة

شأهنا... راجع يف ذلك تفسري امليزان للعالمة الطباطبائي ج١٤ ص١٩٢.(٣) وطريق الشيخ إىل بن حمبوب صحيح، والعباس هو بن معروف الثقة، وابن أيب عمري ثقة جليل

Page 20: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٠

العظيم هي الفاحتة؟ قال: نعم، قلت: بسم اهللا الرمحن الرحيم من السبع؟ قال: نعم هي أفضلهن».

والعظمة املوصوف هبا القرآن يف هذه اآلية مستمدة من العظمة اإلهلية، باعتبار أن القرآن كالم اهللا سبحانه وتعاىل، وألن العظمة اإلهلية تعني الفوقانية والتعايل فوق كل يشء، فإن العظمة يف كالمه سبحانه ال بد أن تعني أيضا الفوقانية والتعايل فوق كل ما هو من جنسه وهو الكالم، أي أن القرآن بام يتضمن من معاين وقيم ومفاهيم أبرز ومن العظيم، من نزل عظيم كالم ألنه البرشية، والقيم املعاين سائر عىل يتعاىل ما متاما البرش أفكار خالف عىل واملكان، الزمان عىل يتعاىل أنه هذه الفوقانية أوجه عدا من نطق بالوحي، فهي يف الغالب تعد أفكارا هلا تارخيية، بينام الكالم القرآين ال تارخيية له.. ويف هذا الصدد رو الشيخ الصدوق يف العيون قال: حدثنا احلاكم أبو عيل احلسني بن أمحد البيهقي، قال: حدثنا حممد بن حييى الصويل، قال: حدثني القاسم بن اسامعيل أيب ذكوان، قال: سمعت إبراهيم بن العباس حيدث عن الرضا عن أبيه موسى بن جعفر C إن رجال سأل أبا عبد اهللا C: «ما بال القرآن ال يزداد عند النرش والدرس إال غضاضة؟ فقال: ألن اهللا تبارك وتعاىل مل ينزله لزمان دون زمان، وال لناس دون ناس، فهو يف كل زمان جديد، وعند كل قوم غض إىل يوم القيامة»(١).

وهلذه امليزة من التعايل كان ال بد أن يكون القرآن يف حديثه وإخباره وتوجيهه تعاىل: {8 قوله من اآلية به نطقت ما ا متام وهو عداه، ما كل من وأفضل أحسن أحسن وأخباره القيم، أحسن فقيمه ..(٢){...> = < ; : 9

اهلروي، بياع أديم» بـ«أخو املعروف احلر بن أيوب – الثقة بني مرددا كان وإن وأيوب القدر، وأيوب بن عطية- ومن مل يرصح بوثاقته –أيوب بن أعني الكويف-، إال أن احتامل تعينه يف األول قريب جدا، ثم أن جمرد رواية ابن أيب عمري عنه كاف يف اعتبار روايته كام هو املشهور، وحممد بن

مسلم ثقة جليل القدر، فالرواية عىل ذلك معتربة. ج١٧ املجليس، للعالمة األنوار، وبحار ص٩٣.. ج١ الصدوق، الشيخ الرضا، أخبار عيون (١)

ص٢١٣، إال أن فيه «ال يزداد عىل النرش» و«مل جيعله لزمان».(٢) سورة الزمر: ٢٣.

Page 21: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢١ اخلط األول: الطبيعة الذاتية للقرآن

األخبار، وعلمه أفضل العلوم، وإرشاداته أفضل أنواع اإلرشاد... إلخ.وبالتايل فإن إحد أوجه العظمة وأفرادها األفضلية يف احلديث.

ثقيل

ورد هذا العنوان يف قوله تعاىل: {6 7 8 9 :}(١)، فالثقل من املعاين التي تعود إىل املبدأ األعىل وهو العظمة، وبذلك فالقرآن ليس فقط أحسن وإنام أثقل

من كل ما يبدعه الفكر البرشي.إهلي كالم أنه الطباطبائي- العالمة ذلك عىل بنى –كام يعني قد هنا والثقل مأخوذ من ساحة العظمة والكربياء وال يمكن أن تتلقاه إال نفس طاهرة(٢)، وهلذا فإن منه، اآليات بعض إليه أوحيت إذا عرقا ويتصبب وجهه يرتبد كان K الرسول

a ` _ ^ ] \ [ Z Y} :تعاىل قوله جاء السياق هذا ويف .(٣){...ed c b

وقيل أنه ثقيل عىل الكافرين واملنافقني ملا فيه من اإلعجاز.وقيل أنه باق عىل وجه الدهر، ألن الثقيل من شأنه أن يبقى ويثبت يف مكانه، ..(٤){m l k j i h g} تعاىل: قوله مع واحد خط يف يسري وهو

.(٥)باإلضافة إىل أقوال أخركام لعل أن يكون من جوانب الثقل أنه ال يمكن أن خيرتق بكالم البرش اخلفيف، وقيل بأن الفراء أشار إىل هذا القول ضمنا حيث قال: «قوال ثقيال أي ليس باخلفيف

(١) سورة املزمل: ٥.(٢) تفسري امليزان، العالمة الطباطبائي، ج٢٩ ص٦٢.

(٣) سورة احلرش: ٢١.(٤) سورة احلجر: ٩.

(٥) يمكن مراجعتها يف تفسري امليزان، ج٢٩ ص٦٢.

Page 22: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٢

وال بالسفساف ألنه كالم ربنا تبارك وتعاىل»(١).. فبالتايل مهام تطور فكر اإلنسان يبقى ا أمام القرآن العظيم والثقيل، وهذا ما تشري إليه اآلية يف سورة فصلت من قوله خفيف

.(٢){p o n m lk j i h g f e d c} :تعاىلوهنا فإين أعتقد بأن قوله تعاىل: {, - . / 0 1 2 3 4 للقرآن موازية وألفاظ آيات تكوين فقط يعني ال ،(٣){...9 8 7 6 5عميقة بمستواه ونظريات بأفكار اإلتيان يعني األبرز وهو أيضا وإنام وبمستواه،

وقادرة عىل الصمود بالرغم من امتداد الزمن.ومن معاين ثقله أيضا أنه حيمل يف طياته معان عظيمة، سواء ألهنا بذاهتا عظيمة جهد إىل اتباعها حيتاج شاقة تكاليف ألهنا أو وأصالتها، وعمقها لرجاحتها وثقيلة

ومشقة(٤).ويمكن أن تكون مجيع هذه األقوال أو أغلبها عىل أقل تقدير يؤدي إليها التعبري بالثقل، وبذلك فإن الثقل يكون مشتقا من األصل األعىل وهو العظمة، ولعله لذلك عرب بعض املفرسين عن الثقل بعبارات تيش بالعظمة، فقد عرب الرازي عن متبناه بقوله: خطره وعظم نفس يشء وكل خطره، وجاللة قدره عظم {:} قوله: من «املراد ا رواية عطاء {9 :} يعني كالم وهذا قول ابن عباس يف فهو ثقل وثقيل وثاقل، »(٥)، مما يعني أنه يلتقي مع األفضلية (أحسن احلديث).. فالقرآن عظيم، والعظمة عظيامالفكرة يف عظيم، يشء كل يف أنه وتعني بل يشء، كل عىل والتعايل الفوقانية تعني والعرض واألسلوب واملنهج والتعاليم واألحكام وما إىل ذلك، ومن جوانب عظمته

وأفرادها األحسنية – فهو أحسن األحاديث- والثقل – بام حيمل يف طياته من معاين.

(١) التفسري الكبري، الفخر الرازي، ج٣٠ ص١٥٤(٢) سورة فصلت: ٤٢.(٣) سورة اإلرساء: ٨٨.

(٤) التفسري الكبري، الفخر الرازي، ج٣٠ ص١٥٤.(٥) نفس املصدر.

Page 23: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٣ اخلط األول: الطبيعة الذاتية للقرآن

حكيم

احلكمة صفة مركزية أخر وصف القرآن هبا نفسه.فقد قال الباري جل وعال يف مطلع سورة يونس وسورة لقامن: {# $ % &}(١)، ويف مطلع سورة هنا باحلكيم التعبري أن إىل البعض ذهب وقد ..(٢){? > = <} يس: بمعنى احلكيم) (الكتاب فيكون اإلحكام، من أي (حمكامت)، إىل األصل يف يعود املتقن واملحكم، وهو ما استظهره الشيخ أبو عيل الطربيس حيث قال يف تفسري احلكيم من اآلية الواردة يف سورة يونس: «املحكم من الباطل املمنوع من الفساد ال كذب فيه فاختصار القصور، من يشء فيه يل يظهر كام اإلستظهار هذا لكن اختالف»(٣)، وال نظر إليها مفهوم احلكيم يف جمرد اإلحكام تعريف غري تام، ألن هذه الصفة يمكن أن ي

.من زوايا ثالث، من زاوية السبب ثم النتيجة ثم املؤدفأما من زاوية النتيجة فإن احلكيم مشتق من احلكمة، وبالتايل فالقرآن احلكيم -مجع م ك احل عىل وإنام العامة، املعلومات أو النظري العلم جمرد عىل ليس حيتوي تعاىل: قوله تفسري يف انتهى فقد تفسريه، يف األستاذ السيد متبنى وهو حكمة-، كتاب أيضا هو بل علم كتاب فقط ليس «القرآن بأن القول إىل {? >}حكمة، واحلكمة -كام يبدو يل- العلم النافع الذي بلغ يف تكامله ونضجه مبلغا جيعله

ا للحضارة»(٤). مؤثرا يف سلوك البرش، ومغريا احلياة، وصانع ،(٥){h g f} :تعاىل قال كام م، حمك فالقرآن السبب زاوية من وأما يف وحمكامت سبحانه: {) ( * +...}(٦) قوله يف حمكمة جاءت ومنه

(١) سورة يونس: ١، وسورة لقامن: ٢.(٢) سورة يس: ٢.

(٣) جممع البيان، الشيخ أبو عيل الفضل بن احلسن الطربيس، ج٥ ص١١٤.(٤) من هد القرآن، آية اهللا العظمى السيد حممد تقي املدريس، ج١١ ص٩٣.

(٥) سورة هود: ١.(٦) سورة حممد: ٢٠.

Page 24: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٤

قوله سبحانه: {q p o n m l k j i h g...}(١)، فهو يف فقط، وألنه اللفظ خصوص وليس واملعنى اللفظ ومتقن يف الداخلية حمكم تركيبته كذلك فإنه ال ينطق إال باحلكمة، فاحلكمة نتيجة إلحكامه، إذ أن معانيه مستقيمة ال كذب فيها وال اضطراب وال نقص وال تشويش، بل فيه دقة وضبط وتعبري دقيق عن صلب احلقيقة وإرشاد إىل الواقع، وليس احلكمة إال ذلك، ولذا فإن من أبرز جتليات احلكمة الفصل بني احلق والباطل بشكل واضح ودقيق، فالقرآن عىل ذلك فرقان، وقد سبحانه: {¤ ¥ ¦ § ¨ ©...}(٢)، قوله يف كام بذلك، اآليات نطقت وفرقانيته هذه تعود إىل حكمته ومسببة عنها، فحيث أن القرآن ال يتضمن غري احلكمة فإن ما عارضه ال بد أن يكون خالف احلكمة، وهبذا فإن اإلعتامد عىل القرآن يمكننا

من التفريق والتمييز بني احلكمة وما عداها، ولذلك كان القرآن فرقانا.م فقط والفارق بني احلق وغريه- ومن هنا يتضح بأن القرآن -املتضمن للحكال يأيت إال باحلق، وهبذا فإن صفة احلق املوصوف هبا القرآن يف العديد من اآليات تعود التامة احلقيقة عن يعرب القرآن دام فام وهو (احلكيم)، هبا املرتبط األعىل األصل إىل

$ # " !} تعاىل: لقوله حق باحلق.. ونزل حق فهو حق، فيه ما فكل ا: { ' ) ( * + ,...}(٤)، ونزل باحلق % & '...}(٣)، وأيض

لقوله عز وجل: {! " # $ % &' ...}(٥).التامة، احلكمة إال فيه ليس إذ املطلق، احلق عن يعرب ذلك عىل بناء فالقرآن من الكثري دعا ما وهو الثالثة، الزاوية يف املؤد من مرادنا وهو حاكام، يصبح ولذا املفرسين -بل عرب عنهم الرازي باألكثرين- إىل تفسري احلكيم باحلاكم، لقوله تعاىل:

(١) سورة آل عمران: ٣.(٢) سورة الفرقان: ١.(٣) سورة فاطر: ٣١.(٤) سورة الرعد: ١.

(٥) سورة الزمر: ٤١.

Page 25: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٥ اخلط األول: الطبيعة الذاتية للقرآن

{Z Y X W ] \ [ ...}(١)، فهو حمكم وبالتايل حامل للحكمة والنظريات األفكار سائر عىل حاكام يكون أن البد لذلك احلق، صميم عن ومعرب وحكمة م حمك فاحلكيم: الكالم.. صنوف من ذلك إىل وما والتوجيهات واملناهج

وحاكم.

مبين

مطالع يف خاصة الواردة املباركة اآليات من العديد نص يف العنوان هذا جاء للقرآن يتوجه تارة الوصف وهذا ،(٢){w v u t} السور: بعض قوله يف كام و(مبينات)، بـ(البينات) توصف بأن اآليات خلصوص وتارة بأكمله،

R Q P} وأيضا: ،(٣){...$ # " !} وتعاىل: سبحانه TS...}(٤).. وإىل النتيجة نفسها تنتهي العديد من التعابري القرآنية منها:

أن إذ ،(٥){...)( '& % $ #} سبحانه: قوله يف كام فيه.. ريب ال املبني ال يعني جمرد الوضوح يف اللفظ العبارة، وإنام يشمل ما هو أبلغ من ذلك، فهو بني وبه وضوح تام لدرجة ال يشوبه حتى األقل من درجات الريب والشك، فمعانيه

يقينية وغري متزلزلة.القمر: سورة من قرآين مقطع من أكثر يف سبحانه قوله يف جاء ملا التيسري.. والعبارات األلفاظ وكذلك واألفكار املعاين فألن ،(٦){...q p o n}مبينة بشكل تام، وليس فيها أي لبس أو تشويش، كانت اإلستفادة منها سهلة يسرية.

(١) سورة البقرة: ٢١٣.(٢) سورة يوسف: ١، والشعراء: ٢، والقصص: ٢

(٣) سورة احلج: ١٦.

(٤) سورة النور: ٤٦.(٥) سورة البقرة: ٢.

(٦) سورة القمر: ١٧، و٢٢، و٣٢، و٤٠.

Page 26: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٦

والشك أن ذلك يكشف جانبا مهام من اجلوانب املتميزة يف القرآن، فبالرغم من أنه عظيم يتعاىل عىل كل كالم برشي، أي فوق املستو البرشي يف اخلطاب واملحادثة، م-، إال أنه ك وحكيم متضمن ألرقى األفكار والنظريات واملناهج والتعاليم -= احل

يف نفس الوقت مبني وواضح، بحيث يسهل التعامل معه وفهمه من قبل املكلفني.ا هيتد به يف مجيع جماالت احلياة لذلك كله من الطبيعي أن يصبح القرآن نورالفردية واالجتامعية، سياسية كانت أم ثقافية أم اقتصادية أم سلوكية أم نفسية، وهذه

N M} :شأهنا يف تعاىل قال وقد للقرآن، الرابعة املركزية الصفة متاما هي ونورانيته .(٨){...¼» º ¹ ¸ ¶ μ} ا: وأيض ،(٧){...Q P Oر خارجا، أي أن كل معانيه وقيمه نورانية ال تشويش فيها وال تعني أنه نور ذاتا ومنوضبابية بل جلية ومضاءة، هذا بالنسبة للطبيعة الذاتية للقرآن، وأما خارجا فهو بسبب عن احلديث يف عنده سنتوقف ما وهو لألنسان، واملسرية الطريق ينري قيمه نورانية

اخلط الثاين.ا فالقرآن يف طبيعته الذاتية: «عظيم -يتعاىل عىل كل كالم وفوق كل ما تنتجه إذالبرشية من أفكار، كام يتعاىل عىل الزمان واملكان-، وحكيم -متقن يف معانيه وأفكاره، وال يتضمن غري احلكمة، ولذا أصبح حاكام عىل كل ما عداه من كالم، فجميع ما تنتجه A البيت أهل فإن ولذلك القرآين، بالفكر م اك حي أن بد ال أفكار من اإلنسانية ال يقينية ومعانيه الوضوح، تام ومبني- القرآن(٩)-، عىل كالمهم يعرض بأن روا أما - يف ا يف الفهم-، ونور يطرأ عليها الشك لفرط وضوحه وبيانه، ولذلك أصبح يسريا لغريه-».. وما عدا ذلك من الصفات التي وصف القرآن هبا نفسه، تعود ر ذاته ومنو

(٧) سورة املائدة: ١٥.(٨) سورة التغابن: ٨.

(٩) فقد رو الكليني حممد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أمحد بن حممد بن خالد عن أبيه عن النرض بن سويد عن حييى احللبي عن أيوب بن احلر قال: سمعت أبا عبد اهللا C يقول: «كل يشء مردود إىل الكتاب والسنة، وكل حديث ال يوافق كتاب اهللا فهو زخرف». وسائل الشيعة،

احلر العاميل، ج٢٧ ص١١١.

Page 27: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٧ اخلط األول: الطبيعة الذاتية للقرآن

.يف حقيقتها إىل هذه الصفات األربع التي هي بمثابة األصول الكرباخلصائص من ا نوع تضفي القرآن يف عليها نص صفات ثمة فإن ذلك ومع آية يف وردت فقد كريم فأما وعزيز).. وجميد، وهي (كريم، القرآين، للفكر املتميزة واحدة فقط، حيث قال تعاىل يف سورة الواقعة: { ! " #}(١)، وأبرز معانيها أن والسكينة عىل املؤمنني به، بل عطاؤه ال واهلداية واملعرفة القرآن معطاء جيود بالعلم حدود له، وهلذا فهو جميد كام قال تعاىل يف مطلع سورة ق: {!" # $}(٢)، ذلك مع ولكنه يريدون، ما بكل مريديه عىل جيود وأنه الكرم كثري أنه تعني فمجيد أو النظري، «العديم تعني والعزة ،(٣){a ` _ ...} تعاىل: قال فقد عزيز، ا املنيع املمتنع من أن يغلب»(٤)، وقد مال العالمة الطباطبائي إىل املعنى الثاين، مستفيدوهو قريبا-، ذلك عزيز -وسأبني عىل بيان عطف اعتربها حيث الالحقة اآلية من دقيق ولكن مع ذلك يمكن أن يتجاوز املعنى يف اآلية إىل اإلثنني، كام هو معتمد الرازي قه وتعاليه عىل كل ما سواه من فكر وكالم، وألنه يف تفسريه(٥)، فهو عديم النظري لتفومتعايل ومتجاوز للكل يف مستواه أصبح منيعا ممتنعا، ال يمكن لكالم أو فكر أن يتغلب

ا أو نظرية. عليه أو يتجاوزه أو يفرض عليه رأيواهلداية واحلكمة بالعلم ائه قر عىل جيود وجميد، كريم أنه مع فالقرآن وبالتايل وما أشبه، إال أنه عزيز، ال يمكن ألحد مهام كان مستواه أن يفرض فكرة عليه بدعوعن يتميز أن يمكن متعال القرآين الفكر ألن كالم، لكل يتسع القرآن وأن منه أهنا

(١) سورة الواقعة: ٧٧.(٢) سورة ق: ١.

(٣) سورة فصلت: ٤١.(٤) تفسري امليزان، مصدر سابق، ج١٧ ص٣٩٨.

كون أما نظريه، يوجد ال الذي والثاين: القاهر. الغالب أحدمها: معنيان له قال: «والعزيز فقد (٥)القرآن عزيزا بمعنى كونه غالبا، فاألمر كذلك ألنه بقوة حجته غلب عىل كل ما سواه، وأما كونه عزيزا بمعنى عديم النظري، فاألمر كذلك ألن األولني واآلخرين عجزوا عن معار ضته». التفسري

الكبري، ج٢٧ ص١١٤.

Page 28: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٨

غريه بسهولة، وال يمكن لغريه أن يكون منه أو بمستواه، وهلذا فإن اآلية التي جاءت j i h g f e d c} :قوله تعاىل ،{a ` _ } :بعد قوله سبحانه

.{lk

تنتمي ولكنها وفكره، للقرآن التميز من ا نوع تضفي الثالث الصفات فهذه داخل املجيد والكريم العظيم، ضمن داخل فالعزيز املذكورة، األربعة لألصول

ضمن أحد الثالثة املتبقية أو يتوزع عليها، فاألصل هي األصول األربعة.إن إذ خاص، نوع من آثار له تكون أن فالبد األصول، هذه له القرآن وألن اآلثار إنام هي إفرازات تنسجم مع الطبيعة الذاتية لليشء، فكل يشء يفرز ما يتناسب معه، فلو افرتضنا وجود كتاب مشبع بالضالل والتيه، فإنه لن يفرز اهلداية والرشاد، وإنام ال بد أن تكون إفرازاته متناسبة مع طبيعته الذاتية وهي الضالل والتيه، كذلك القرآن العظيم له آثار وإفرازات خاصة منسجمة مع طبيعته الذاتية، وهي ما سنتعرض

له يف اخلط الثاين.

Page 29: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٩ اخلط الثاين: مستو التأثري للنص القرآين

الخط الثاني: مستوى التأثير للنص القرآني

أربعة يف يرتكز القرآين- العرض الكريم -بحسب للقرآن التأثري مستو إن حماور: (البصائر، واهلد، والشفاء،والرمحة).

بني ليس ولكن املباركة، اآليات يف ترتبي طويل وبشكل رصحيا ذلك ورد جاء واحد مورد ويف ، منفصال ورد (الشفاء) واآلخر منها، ثالثة بني وإنام األربعة

.تارة أخر (اهلد)بضميمة (الرمحة) تارة وے ¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦ تعاىل: {... قال األعراف سورة ففي ¬ « ª © ¨} اجلاثية: سورة يف سبحانه قال كام ،(١){§ [ Z Y X W V U T} يونس: سورة ويف ..(٢){¯ ®إليها املشار األخر التأثريات سائر ع تتفر األربعة املحاور هذه وعن ،(٣){\

يف اآليات.املحاور هذه نحلل أن ينبغي القرآين، للتأثري احلقيقي املستو نفهم وحتى

باعتبارها مفاهيم علمية دقيقة، فام جيء هبا عىل هذا النحو الرتتبي إال لسبب هام.(١) سورة آل عمران: ٢٠٣.

(٢) سورة اجلاثية: ٢٠.(٣) سورة يونس: ٥٧.

Page 30: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٠

بعض املفرسين نظر إىل املحاور الثالثة الواردة يف سورة اإلعراف واجلاثية عىل أن بينها طولية وترتبا يف املستو، فالبصائر ختتص باملتعمقني إيامنيا، واهلد بمن هم دون هذا املستو، وأما الرمحة فتتعلق باملبتدئني، وهذا نص عبارته: «فذكر يف وصف اإلبصار، البصرية أصل {£ ¢ ¡ {ے قوله أوهلا: ثالثة: ألفاظا القرآن عليه أطلق واملعاد، والنبوة التوحيد دالئل يف العقول لبصائر سببا القرآن كان وملا لفظ البصرية، تسمية للسبب باسم املسبب، وثانيها: قوله {¤} والفرق بني هذه املرتبة وما قبلها أن الناس يف معارف التوحيد والنبوة واملعاد قسامن: أحدمها: الذين اليقني. عني أصحاب وهم هلا كاملشاهدين صاروا حيث إىل املعارف هذه يف بلغوا وهم املستدلني، درجات إىل وصلوا أهنم إال احلد ذلك إىل بلغوا ما الذين والثاين: أصحاب علم اليقني، فالقرآن يف حق األولني وهم السابقون بصائر، ويف حق القسم الثاين وهم املقتصدون هد، ويف حق عامة املؤمنني رمحة، وملا كانت الفرق الثالث

من املؤمنني ال جرم قال: {¦ §}»(١).كام أن السيد األستاذ ذهب يف بعض نظراته القرآنية إىل يشء قريب من ذلك، الرمحة وأما ،واهلد البصائر بني بالرتتب قال األعراف سورة من اآلية تفسري ففي ا، وهذا نص عبارته: «والقرآن بصائر ير املرء بسببها ومن خالهلا فهي نتيجة هلام معاحلياة فمثال: القرآن يميز للبرش بني العقل واجلهل، الشهوات والغضب، حتى يالمس وجدان كل واحد حقيقة نفسه وما هبا من عقل وشهوة، أو عقل وغضب، والقرآن يذكر البرش بربه عن طريق إثارة الوجدان، وبلورة عقله، ثم يربط بني اإليامن باهللا وبني ما ير يف الكون من آثار عظمة ومجال، ومن نقاط ضعف وعجز، ويربط بعدئذ بني كل ذلك وبني رضورة التسليم هللا ولرساالته، كل تلك بصرية ير املرء من خالهلا

احلياة رؤية واضحة. وإذا تعذر عىل املرء رؤية احلياة بسبب أو بآخر، فإن اهللا هو الذي يعطيه اهلدبصورة جمملة أو مفصلة، فيكشف له طبيعة الدنيا واآلخرة وما فيهام من عوامل تقدم

(١) التفسري الكبري، مصدر سابق، ج١٥ ص٨٣.

Page 31: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣١ اخلط الثاين: مستو التأثري للنص القرآين

أو ختلف، حضارة أو دمار.اهللا ينزهلا التي الرمحة هي: وسعادة رفاها البرش تعطي واهلد والبصائر

.(١)«للمؤمنني باتباع البصائر واهلدفهذا النص يظهر منه الرتتب، أي أن البصائر من خمتصات بعض من املؤمنني يمنحه اهللا سبحانه فإن ذلك، يتسن له مل من وأما تامة، بصورة احلياة رأ من وهم ا أو إحدامها هتب اإلنسان الرمحة. لكن يبدو أن اهلد، وبالتايل فالبصائر واهلد معسورة تفسري يف اعترب حيث تفسريه، إكامل قبيل الرأي هذا عن عدل األستاذ السيد

.(٢)اجلاثية أن املحاور الثالثة يف عرض واحد من ناحية املستور والظاهر من داللة اآلية، فاملحاور الثالثة والذي عدل إليه هو األقرب للتصونص يف للمؤمن -كام القرآنية فاآليات وبالتايل واحد، عرض يف املستو ناحية من اآلية األوىل- واملوقن -كام يف نص اآلية الثانية- بصائر وهد ورمحة يف آن. نعم بينها طولية من ناحية التأثري، ففي املرتبة األوىل تأيت البصائر، ثم اهلد وهو األثر الطبيعي ا للهداية، فهي آثار ثالثة حيصل عليها ا الرمحة التي تكون أثر التباع البصائر، وأخري

كل مؤمن موقن عىل نحو الرتتب.وإنام قيدنا املؤمن باملوقن لتقيده يف اآلية الثانية من سورة اجلاثية، فاآلية األوىل الواردة يف سورة األعراف اكتفت باشرتاط اإليامن { ¦ §}، وهي لوال غريها املنصوص القيد ولكن رشط، وال قيد غري من اإليامن مطلق عىل لدلت اآليات من املراد هو يكن مل اإليامن مطلق بأن نفهم جعلنا ،{Ú Ù} الثانية اآلية يف عليه اجلدي يف اآلية األوىل، وإنام اإليامن املقيد باليقني، وبذلك فاملؤمن املتيقن يف إيامنه هو الذي يستفيد من القرآن بصائر وهد ورمحة.. وال خيفى ما هلذا الرشط من أمهية يف ال بالشكوك واألوهام ال يمكن مسرية التعامل مع القرآن الكريم، إذ أن من يأيت حمم

(١) من هد القرآن، مصدر سابق، ج٣ ص٥٢٧.(٢) نفس املصدر، ج١٣ ص٨٩.

Page 32: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٢

إليه تنقاد اآلثار هذه فإن باليقني قلبه امتأل من أما الثالثة، التأثريات هذه حيرز أن بشكل أوتوماتيكي.

ا فالبصائر واهلد والرمحة آثار للقرآن، ال تتأتى للقاريء للقرآن الكريم ما مل إذ ،ا باليقني. لكن ماذا تعني هذه اآلثار -ماهي البصائر، ما املقصود باهلد يكن متزود

وماهي الرمحة-، وملاذا جاءت هبذا الرتتيب.؟فالقرآن بصائر.. والبصائر مجع بصرية وهي تعني: املعارف واملناهج واألفكار والرؤ اليقينية، التي هي يف ذاهتا يقني وتوصل اإلنسان إىل اليقني، فهي مقابل البرص الذي يشاهد األشياء حسيا عىل نحو يقيني، والبصرية تشاهد األفكار واألمور املعنوية عىل نحو يقيني أيضا، ولقد أجاد يف ذلك حممد رشيد رضا حيث قال: » وهذا يقابل اجللية اآليات هذه يف جاءكم قد فاملعنى احلسية... األشياء به تدرك الذي البرص بصائر من احلجج العقلية والكونية تثبت لكم عقائد احلق اليقينية التي يتوقف عليها نيل السعادة األبدية»(١).. كام أن الشعراوي أتقن عبارته يف هذا التفسري، فقد خلص معنوية أمور هناك لكن احلسية، األمور يف العني مهمة فهو البرص «أما القول: إىل ال تكتشفها إال البصرية، والبصرية تيضء القلب بالنور حتى يستكشف تلك األمور

املعنوية، وال يمتلك القلب البصرية إال حني يكون مشحونا باليقني اإليامين.والقرآن الكريم بصائر، ألنه يعطي ويمنح من يؤمن به ويتأمله بصائر ليجدد عني وكأهنا ومشاهدهتا رؤيتها عىل قادر وكأنه ة، برص م صارت وقد املعنوية األمور

اليقني»(٢). تعاىل: قال فقد كاملوعظة، الصفات بعض تعود (البصائر) األصل هذا وإىل واملواعظ مواعظ، هيئة عىل تأيت فالبصائر ،(٣){...X W V U T}

القرآنية عبارة عن جمموعة من البصائر اليقينية.(١) تفسري املنار، حممد رشيد رضا، ج٧ ص٦٥٧.

(٢) تفسري الشعراوي، الشيخ حممد متويل الشعراوي، ج٨ ص٤٥٤١.(٣) سورة يونس: ٥٧.

Page 33: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٣ اخلط الثاين: مستو التأثري للنص القرآين

والقرآن هد.. واهلد: الداللة الواضحة والتامة عىل الطريق املستقيم واملنهج احلق.. وال شك أن هذا متاما ما توفره البصرية، فالبصرية عبارة عن الرؤ واملناهج سليمة فيه املسرية كانت واضحا أصبح فإذا لإلنسان، الطريق توضح التي اليقينية

ومتسقة، وهذا ما تعنيه اهلداية.هو الرشد أن إذ الرشد، أحدها املواصفات بعض تعود كأصل اهلداية وإىل

النتيجة الطبيعة للهداية، ولذا جاء يف قوله تعاىل يف سورة اجلن: { ( * + , .(١){3 2 1 0 / . -

اآلية يف تقييد ال -إذ واألخروي الدنيوي اخلري والرمحة: رمحة.. والقرآن بالدنيا، وإطالقها يقتيض الشمول للدنيا واآلخرة-، وعرب عنها القرطبي بالنعمة(٢).. وبتعبري أدق الرمحة هي السعادة األبدية واخلري الوفري والنعمة الدائمة. وهي املؤدالطبيعي للبصائر واهلد، فإذا استكشف اإلنسان البصائر، وسار يف احلياة بسببها عىل هداية ووضوح، حصل عىل السعادة يف الدنيا واآلخرة، وهذا هو رس الرتتب يف اآلية،

فالقرآن (بصائر وهد ورمحة).واملعوقات النفسية األمراض لسائر وإزالة طهارة والشفاء: شفاء.. والقرآن يرتبط والشفاء بالعقل ترتبط اهلداية أن واهلداية، الشفاء بني والفرق الروحية، ومناهج رؤ والبصائر للبصائر، نتيجة جاءت اهلداية ألن ذلك قلنا وإنام بالروح،

[ Z Y } تعبد الطريق للعقل، وأما الشفاء فألن اآلية نصت عىل ارتباطه بالروح ¶ μ ³} :حيث قال تعاىل ،وقد مجعت بينهام آية قرآنية أخر ..{\¸ º¹}(٣)، فالقرآن هد للعقل يضع أمامه املناهج والرؤ اليقينية ليقوده عنه ينتج الروح وشفاء النفسية.. واألوبئة األمراض من للروح وشفاء اليقني، إىل تلقائيا سعادة واطمئنان وهو الرمحة، ولذا جاءت الرمحة يف احلديث القرآين مرتتبة عىل

(١) سورة اجلن: ٢.(٢) اجلامع ألحكام القرآن، حممد بن أمحد األنصاري القرطبي، ج ٧ ص٢٢٤.

(٣) سورة فصلت: ٤٤.

Page 34: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٤

.(١){|{ z y x w v u t} :الشفاء، كام يف قوله سبحانه وتعاىلفيتحصل من كل ذلك أن اآلثار القرآنية ترتكز يف (البصائر، واهلد، والشفاء،

ع بقية اآلثار. والرمحة)، ومنها تتفر

(١) سورة اإلرساء: ٨٢.

Page 35: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٥ اخلط الثالث: املوقف اإلنساين جتاه القرآن

الخط الثالث: الموقف اإلنساني تجاه القرآن

اخلطني يف إليها املشار القوية واآلثار العظيمة املوقعية تلك له القرآن أن بام السابقني، فمن الطبيعي أن يطالب اإلنسان جتاهه بموقف، وهذا املوقف كام يظهر من املواقف سائر إليها تعود مركزية حماور ثالثة إىل ينحل القرآنية لآليات التتبع خالل

واملسؤوليات التي تعرض هلا القرآن، وهي: اإليامن، وهو وظيفة القلب.التعقل، وهو وظيفة العقل.

اإلتباع، وهو وظيفة اجلوارح.واإلتباع متأخر عن اإلثنني، إذ لوال اإليامن والتعقل ملا كان هناك جمال لإلتباع، منا اإليامن عىل التعقل..؟. فاملفروض فاإلنسان يتبع ما يدركه ويؤمن به، ولكن ملاذا قدأن القاريء يتعقل الفكرة بدءا ثم يؤمن هبا.. وهذا صحيح، ولكن التعامل الصحيح مع القرآن يتطلب يف البداية إيامنا، إذ من دونه يتعذر عىل القاريء التعقل، باعتبار أن القرآن ال هيب معارفه وعلومه إال برشط اإليامن بل اليقني، كام سبق وأرشنا، فالبصائر

.{N M} و {μ ´} الرمحة ال تكون إال واهلدوالتعقل، (اإليامن، الرتتيب نحو عىل الثالثي هذا يف ترتكز وظائفنا ا فإذ

واإلتباع). فامذا تعني هذه املفاهيم؟.

Page 36: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٦

ماذا يعني اإليمان بالقرآن؟

سورة يف جاء ما منها عديدة، قرآنية آيات يف ورد كوظيفة بالقرآن اإليامن إن r q p on m l k j i h g} تعاىل: قال حيث البقرة £ ¢ ے¡ ~ } |{ z y x w v u t s¤ ¥}(١)، وهي تبني أن اإليامن بالقرآن{m l k j i} من األمور عنها ت عرب ولذا الراكزة، املسلامت من بل واملؤمنني K الرسول عند الراسخة لكالم حاجة يف وليست وثبتت متت قضية وكأهنا ،{g} املايض بصيغة اآليات

أو مراجعة. È Ç Æ Å Ä Ã} تعاىل: قوله من الشور سورة يف ورد ما ومنها فاهللا اإللزام، نحو عىل وهو ،K للرسول موجه فيها واخلطاب ،(٢){ÊÉسبحانه وتعاىل يأمره بأن يعلن للمأل إيامنه وجيهر به، ال أن يؤمن به يف اخلفاء فقط، وذلك يبني مد أمهية هذا األمر، فاإليامن بالكتاب قضية مركزية وتعد من األصول

تنازل بحال، ولذا وجب اإلعالن عنها رصاحة أمام الرأي العام. التي ال يإىل ليصل يتأصل أن جيب وإنام سطحيا، يكون أن ينبغي ال اإليامن وهذا

األعامق، بأن يعرب عن التسليم املطلق بأمرين: التسليم بأن القرآن من عند اهللا سبحانه وتعاىل.. وقد جاء ذلك رصحيا يف قوله

.(٣){... μ´ ³ ² ± ° ¯ ® ¬ « ª...} :تعاىلمن آيات بذلك حت رص وقد وتعاليم.. وأحكام قيم من فيه جاء بام التسليم

سورة اإلرساء، حيث قال تعاىل: {, - . / 0 1 2 3 4 5 J I H G F E D C B A @ ? > = <; : 9 8 7 6

(١) سورة البقرة: ٢٨٥..١٥ :(٢) سورة الشور(٣) سورة آل عمران: ٧.

Page 37: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٧ اخلط الثالث: املوقف اإلنساين جتاه القرآن

،(١){X W V U T S R Q P O N M L Kوهذه اآلية تعرب عن التسليم املطلق بام جاء يف القرآن، فالسجود والبكاء تعبري صادق عن أعىل حاالت اإليامن والتضامن والتسليم، وهلذا أصبح له أثر عىل مستو النفس، ق مستو اخلشوع، فاخلشوع دليل عىل الصدق والتأثر الفعيل بالقيم والتعاليم بأن عم

الواردة يف متن القرآن الكريم.سبحانه اهللا من وحي بصفته بالقرآن والتام املطلق التسليم يعني فاإليامن

وتعاىل، وبام جاء فيه من قيم وأحكام وإرشادات.

ماذا يعني تعقل القرآن؟

³ ² ± } تعاىل: قوله منها متعددة، آيات إليها أشارت الوظيفة هذه العرب من العديد ثناياه بني يتضمن فالقرآن ،(٢){º ¹ ¸¶ μ ´والدروس واإلرشادات، وينبغي أن يستذكرها اإلنسان وال يتغافل عنها بحيث تكون حارضة يف حياته العملية {μ ¶¸}، لكن هذا اإلستذكار ال يكون صحيحا إال إذا

كان عرب التعقل.لكل متيرس هو بل العسري، أو املستحيل باألمر ليس القرآن يف والتعقل أحد، للميزة اللغوية التي يتميز هبا، فهو نزل بلغة فصيحة ال لبس فيها، وقد أكدت

| { z y} تعاىل: قوله من يوسف سورة مطلع يف ذلك عىل اآليات Y X W V U} الزخرف: سورة يف وكذلك ،(٣){~ }

(٤){Z

لآليات اإلستقراء خالل من مالحظ هو كام ا جد واسع معناه املفهوم وهذا (١) سورة اإلرساء: ١٠٦-١٠٩.

(٢) سورة األنبياء: ١٠.(٣) سورة يوسف: ٢.

(٤) سورة الزخرف: ٣.

Page 38: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٨

القرآنية للرؤية العام الفهم جمرد يعني ال فهو التعقل، عن حتدثت التي القرآنية وخصوصياهتا -كام يعنيه التفقه-، وإنام يشمل التحليل الدقيق لعنارصها وأبعادها، دالالهتا ومعرفة الرؤية يف التأمل عىل للداللة فقط يستعمل ال أنه إىل إضافة الداخيل الرتكيب يف التأمل يعني وإنام التفكر-، يعنيه الذي اخلارجية - وتداعياهتا للرؤية باإلضافة إىل التأمل يف الدالالت والتداعيات اخلارجية.. ولذلك فإن وظيفتي التفقه(١) والتفكر(٢) يف القرآن التي أشارت إليها آيات قرآنية عدة تعود إىل هذا األصل األكرب، ألن معناه أشمل وأوسع(٣).. وأما العلم فهو مقدمة للتعقل، كام هو واضح يف قوله تعاىل: {z y x wv u t s }}(٤)، وهذا يدلنا عىل أن للتعقل املثايل رشوطا، وعىل رأسها العلم، فتعقل رؤ القرآن وبصائره

، وإال فإن عملية التعقل ستكون قارصة. حيتاج إىل مستو علمي كاف

ماذا يعني اإلتباع؟

كقوله املباركة، القرآنية اآليات من كثري عليه نصت ووظيفة كمفهوم اإلتباع r q p} سبحانه: وقوله ،(٥){...6 5 4 3 2 1} تعاىل:

.(٦){...t s

جمرد يعني ال القرآين واإلستخدام التعبري حسب املفهوم هذا فإن وبالطبع برنامج إىل ل يتحو الذي الفعيل والتأثر املطلق التقليد يعني وإنام والفهم، االستامع عميل يف حياة اإلنسان، فاآليات القرآنية التي تعرضت باحلديث عن هذا اإلصطالح

(١) كام يف قوله تعاىل: {¯ ° ± ² ³ ´}. سورة األنعام: ٦٥.(٢) كام يف قوله سبحانه: {Ñ Ð Ï Î Í Ì Ë}. سورة البقرة: ٢١٩.

ع موس حتليل ففيه النهضة» ثقافة كتابنا «عن مراجعة يمكن الشأن هذا يف التفصيلية لإلستزادة (٣)هلذه االصطالحات القرآنية الثالثة.

(٤) سورة العنكبوت: ٤٣.(٥) سورة األعراف: ٣.

(٦) سورة األنعام: ١٥٥.

Page 39: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٩ اخلط الثالث: املوقف اإلنساين جتاه القرآن

تنتهي إىل أن املقصود منه حقيقة التقليد واإلقتداء. ولنأخذ بعض األمثلة عىل ذلك: ،(١){| { z y x w v u t s} تعاىل: يقول فهؤالء ما استحقوا جهنم إال ألهنم فعلوا مايريده الشيطان منهم وقلدوه، وإال لو مل

يفعلوا ذلك فام الوجه يف استحقاقهم العذاب.وقال تعاىل: { Q P O N M LK J I H}(٢)، فاإلتباع هنا يقابل العصيان، والعصيان يعني عدم تنفيذ ما يطلب من اإلنسان، وبذلك فاإلتباع

يعني تنفيذ كل ما فيه القرآن عىل نحو مطلق. G F E D C B A @ ? >} :سبحانه يقول أخر آية ويف بطاعته، وتعاىل سبحانه اهللا حمبة يقرن K فالرسول ،(٣){L K J IH

ولذلك فاإلتباع يعني التصديق برسالة الرسول K واإلقتداء به وطاعته.قبل من الرسالة فتطبيق ،(٤){¥¤ £ ¢ ¡ ے ~} قدرته: جلت يقول كام

الرسول K بحذافريها، واملداومة عليها والدعوة إليها، كل ذلك اتباع.ا يعني التقليد الصادق والتأثر احلقيقي بكل ما جاء يف القرآن الكريم فاإلتباع إذ

من قيم وتعاليم وإرشادات وأحكام.ع بذلك يتضح املوقف اإلنساين من القرآن الكريم، حسب ما أراده القرآن ورشبكل اإلنسان أن يعني وذلك اإلتباع)، التعقل، الثالثي (اإليامن، يف يرتكز وهو له، القلب، وظيفة فاإليامن وتعاليم، قيم من حيمل بام القرآن مع يتفاعل أن ينبغي قواه

والتعقل وظيفة العقل، واإلتباع وظيفة اجلوارح.البحث بداية يف إليها أرشنا التي الثالثة اخلطوط عن احلديث ينتهي هنا وإىل

(١) سورة اإلرساء: ٦٣.(٢) سورة إبراهيم: ٣٦.

(٣) سورة آل عمران: ٣١.(٤) سورة األنعام: ٥٠.

Page 40: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٤٠

ومن جتاهه»، اإلنساين واملوقف له، التأثريي واملستو للقرآن، الذاتية «الطبيعة خالهلا نفهم القرآن كام ينبغي.

Page 41: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

�%&�'D ��

5;6EFC

�� <=G >?@

�A#BC��

النبي K والقرآن

Page 42: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 43: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٤٣ ف القرآن النبي K يعر

ف القرآن النبي K يعر

معتبرة السكوني

عن أيب عبد اهللا C عن آبائه A، قال: قال رسول اهللا K: أهيا الناس إنكم يف دار هدنة، وأنتم عىل ظهر سفر، والسري بكم رسيع، وقد رأيتم الليل والنهار والشمس وا اجلهاز لبعد املجاز. بان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فأعد بليان كل جديد، ويقر والقمر ي

قال فقام املقداد بن األسود فقال: يا رسول اهللا وما دار اهلدنة؟ قال: دار بالغ شافع فإنه بالقرآن فعليكم املظلم، الليل كقطع الفتن عليكم التبست فإذا وانقطاع، ق، ومن جعله أمامه قاده إىل اجلنة، ومن جعله خلفه ساقه إىل ع، وماحل مصد مشفل عىل خري سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وحتصيل، وهو النار، وهو الدليل يدالفصل ليس باهلزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه مصابيح غرائبه، فيه وال تبىل عميق، له نجوم وعىل نجومه نجوم، ال حتىص عجائبه يبلغ ل جال برصه ول يج ف الصفة، فل اهلد ومنار احلكمة، ودليل عىل املعرفة ملن عر، فإن التفكر حياة قلب البصري، كام ب طب ويتخلص من نش ن ع نج م ه، ي الصفة نظر

يميش املستنري يف الظلامت والنور، فعليكم بحسن التخلص وقلة الرتبص(١).

(١) أصول الكايف، مصدر سابق، ص٦٣٢.

Page 44: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٤٤

سند الرواية:

رو هذه الرواية الشيخ الكليني حممد بن يعقوب، عن عيل بن إبراهيم الثقة، عن أبيه إبراهيم بن هاشم الثقة عىل األصح، عن النوفيل وهواحلسني بن يزيد، وقد ا لوروده يف أسناد تفسري القمي(١)، إال أن األقرب قيل بثبوت وثاقته بالتوثيق العام نظرالقول باعتبار ما يرويه ال القول بوثاقته، عن السكوين وهو اسامعيل بن أيب زياد، وقد يف ا أيض ولوروده العدة(٢)، يف الطويس الشيخ ذكره ما إىل ا استناد بوثاقته ا أيض قيل أسناد تفسري القمي، ويقال فيه ما قيل يف سابقه، فهذه التوثيقات تثبت اعتبار روايته

فقط، وهبذا تكون الرواية معتربة.

عن وثقاتنا مشاخينا ورواه إلينا، ينتهي بام وخمربون ذاكرون تفسريه «ونحن ديباجة يف قال فقد (١)بن عيل القمي، تفسري هبم». إال عمل يقبل وال واليتهم، وأوجب طاعتهم اهللا فرض الذين

إبراهيم القمي، ج١ ص٤، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنرش - قم، الطبعة الثالثة ١٤٠٤هـ.(٢) قال الشيخ الطويس يف العدة «عملت الطائفة بام رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح اج والسكوين...». عدة األصول، الشيخ الطويس، ج١ ص١٤٩، الطبعة األوىل ١٤١٧هـ، بن در

املطبعة: ستاره - قم.

Page 45: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٤٥ مة املقد

المقدمة

ا يف احلديث عن املقدمة، ألننا نرمي من هذا الرشح يف األساس لن نتوقف كثرير صد K األكرم النبي ألن لكن الكريم، للقرآن العلمية القيمة عىل الرتكيز إىل احلديث عن القرآن هبذه املقدمة، لزم املرور عليها كيام نعرف الرابط بينها وبني ما أراد

منا النبي C فهمه عن القرآن.

(إنكم في دار هدنة)ون عىل معنيني عندما نراجع كلامت اللغويني حول مفهوم اهلدنة، نجد أهنم ينصف اهلدنة بأهنا «أصل يدل األول السكون والثاين اإلستقامة، فابن فارس يف املقاييس عرهدونا: هيدن قال «هدن الصحاح، يف اجلوهري وكذلك واستقامة»(١)، سكون عىل «هدن القاموس ويف استقامت»(٢)، األمور: وهتادنت سكنه،... أي وهدنه سكن، : سكن وأسكن... وهتادن: استقام»(٣)، هذا مع تأكيد بعض اللغويني عىل هيدن هدونا

أن «أصل اهلدنة السكون بعد اهليج»(٤).(١) معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج٦ ص٤١.

(٢) الصحاح، اجلوهري، ج٦ ص٢١٧، دار العلم للماليني- بريوت، الطبعة الرابعة ١٩٨٧م.(٣) القاموس املحيط، الفريوزآبادي، ج٤ ص٢٧٧.

العروس، وتاج ١٤٠٥هـ. احلوزة-قم، أدب نرش ص٤٣٥، ج١٣ منظور، ابن العرب، لسان (٤)الزبيدي، ج١٨ ص٥٨٦، دار الفكر للطباعة والنرش والتوزيع-بريوت، ١٩٩٤م.

Page 46: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٤٦

فقد منظور، ابن عليه نص كام اخلديعة، تستبطن اهلدنة أن كلامهتم يف ورد كام ثقفت رؤبة: قال الصبي، هيدن كام وخدعته سكنته الرجل اللسان «هدنت يف جاء وادعهم. القوم: وهادن فيه. فيطمع يسكن ومل خيدع مل أي هيدن، مل امرئ تثقيف : ربثهم بكالم وأعطاهم عهدا ال ينوي أن يفي به»(١). ويف تاج وهدهنم هيدهنم هدنا

العروس «هدن الصبي وغريه: خدعه وأرضاه»(٢).هبذا فاهلدنة تنطوي عىل ثالثة عنارص: السكون، واإلستقامة، واخلديعة، ومن

عن «املصاحلة بعد احلرب»(٣) باهلدنة. رب هذا الباب عوذلك يعني أن اهلدنة ال تعني: النهاية األبدية للرصاع واحلرب، وإنام تعني ترك املواجهة مؤقتا، ولذا يلزم احلذر من العدو فربام خيدعك ويغدر بك فينقض عليك من

حيث ال تشعر، خصوصا إذا شعر بضعفك.هم إذا تو بالذات بالغفلة، اإلنسان يصيب قد السكون ألن احلذر ينبغي وإنام ت بشكل هنائي، فينسى نفسه مع السكون، مما جيعله لقمة سائغة أن األمور قد استقرإلحتامل باحلذر مشوب سكون لكنه السكون، تعني كانت وإن فاهلدنة ه. لعدو

اخلديعة. كام أن اإلستقامة ترمز إىل استقرار األمور، فهي أشبه بقيام اإلنسان عىل قدميه وقيام الزرع عىل سوقه، وهو تعبري عن عودة األمور إىل طبيعتها، ومع ذلك فاإلستقامة

ا مشوبة باحلذر. هنا أيضهبذا فاهلدنة تعني السكون الناتج عن اإلستقرار املؤقت لألمور، واملنطوي عىل

حذر شديد الحتامل الغدر واخلديعة يف أي وقت.السكون ظاهرها هدنة، دار جمرد لإلنسان فهي ا، متام الدنيا تعنيه ما وهذا

(١) لسان العرب،مصدر سابق، ج١٣ ص٤٣٥.(٢) تاج العروس، مصدر سابق، ج١٨ ص٥٨٥.

(٣) لسان العرب، ج١٣ص٤٣٤. تاج العروس، ج١٨ ص٥٨٦.

Page 47: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٤٧ مة املقد

ض عىل اإلنسان يف نق من أن ي ؤ واإلستقرار، لكن هذا الظاهر خيفي باطنا مرتبصا ال يأي حلظة، فيتحول السكون إىل هياج واإلستقرار إىل اضطراب، وهلذا ينبغي أن يكون بالشكل مهيئا كان إذا إال كذلك يكون أن يمكن وال ظا، متيق حذرا فيها اإلنسان فتوصيف اخلرب، يف إليها اإلشارة ستأيت ما وهي الالزمة، للرشوط را وموف الالئق

اإلمام C للدنيا بدار هدنة ما هو إال مقدمة للحديث عن تلك الرشوط.كل ما سيأيت يف كالم اإلمام C يف املقدمة إنام هو تفصيل ملفهوم اهلدنة، فامذا

يعني كون اإلنسان يف دار هدنة؟يعني جمموع األمور التالية:

(وأنتم على ظهر سفر)

فكون اإلنسان عىل ظهر سفر، يعني أنه يتحرك نحو النهاية، فمن كان عىل ظهر سفر ال يعني أنه يتهيأ لصعود وسيلة السفر، وإنام يعني أنه عىل ركبها ومشى، وذلك

يشري إىل أنه يتحرك للوصول إىل هدفه.

(والسير بكم سريع)

فمن يتأمل يف حركة الزمن يكتشف كيف أنه رسيع جدا، وهو أمر ال يعيه إال من بلغ من الكرب عتيا، ألن طول زمانه يراه أشبه بلحظة واحدة، متاما كام رءاها نبي اهللا نوح C كحركة من الشمس إىل الظل، فقد جاء يف اخلرب الصحيح عن هشام بن سامل عن أيب عبد اهللا C قال: عاش نوح C ألفي ومخسامئة سنة، منها ثامنامئة سنة ومخسون سنة قبل أن يبعث، وألف سنة إال مخسني عاما وهو يف قومه يدعوهم، ومائتا سنة يف األمصار، فمرص املاء، ونضب السفينة من نزل بعدما عام ومخسامئة السفينة، عمل وأسكن ولده البلدان، ثم إن ملك املوت جاءه وهو يف الشمس، قال: السالم عليك، فرد عليه نوح وقال له: ما جاء بك يا ملك املوت؟ قال: جئت ألقبض روحك، قال له: تدعني أدخل من الشمس إىل الظل، فقال له: نعم، فتحول نوح C من الشمس

Page 48: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٤٨

إىل الظل، ثم قال C: يا ملك املوت فكأن ما مر يب يف الدنيا مثل حتويل من الشمس (١).C إىل الظل، فامض ملا أمرت به، فقبض روحه

بل ولو عاش ما هو أطول من ذلك، ملا تغري األمر أيضا، ولذلك قال اهللا جلت .(٢){C B A @ ? > = < ; : 9} قدرته

(وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود)

عنها املعرب املتسارعة، الزمن حركة عن تعبري والقمر والشمس والنهار الليل وهكذا والشمس النهار ثم والقمر فالليل والنهار، الليل باختالف اإلهلي الكالم يف ه دواليك، حركة ال تتوقف أبدا، ولذلك فإن اجلديد رسعان ما يصبح قديام ويبىل، وأمهاإلنسان فهو يبدأ جديدا عند الوالدة ورسعان ما يبىل ويصبح عجوزا طاعنا يف السن.

ما فكل بعيد، كل ب وتقر جديد، كل تبيل فهي الزمن، حركة تفعله ما وهذا يراه اإلنسان بعيدا يوما ما، يصبح أقرب إليه مما يتصور، ير الكهولة بعيدة فإذا هو كهل، ثم ير الشيخوخة بعيدة فإذا هو شيخ، يرغب يف الزواج ويراه بعيدا فإذا هو

رب ألرسة كبرية، وهكذا.تأيت بعيد، كل ب وتقر جديد، كل تبيل التي للزمن الدؤوبة احلركة فإن هلذا

ه املوت. أيضا بكل موعود، وأمهلإلنسان وكيف ا، إذ يكون أن ينبغي فامذا هدنة)، تعنيه (دار ما باختصار هذا

ف؟ العاقل أن يترصجتيب الرواية:

(١) األمايل، الشيخ الصدوق، ص٦٠٢، مركز الطباعة والنرش يف مؤسسة البعثة-قم، الطبعة األوىل ١٤١٧هـ.

(٢) يونس ٤٥.

Page 49: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٤٩ مة املقد

(فأعدوا الجهاز لبعد المجاز)الة واملسافر فإنه حيتاج إىل جهاز، وهو اإلحتياجات الالزمة التي تلزمه كالرح

يف سفره، ومن دوهنا ال يمكن البقاء واإلستمرار.القريب فالسفر الشأن، طبيعة بحسب تكون معلوم هو كام واإلحتياجات الرواية، له أشارت ما وهذا املتطلبات. كثرت د بع كلام لكن كثريا، يتطلب ال

د لبعد املجاز، أي السفر البعيد ألن الطريق طويل. ع فاإلحتياجات يلزم أن تكل ذلك ما عالقته بالقرآن الكريم؟

هذا ما سيتضح جليا عند الوقوف عىل ذلك التوصيف الراقي للقرآن الكريم م بتلك املقدمة اهلامة. من قبل الرسول األكرم K، بعد أن قد

(دار بالغ وانقطاع)

ف مفهوم اهلدنة باملستو الكايف، إال أن املقداد مع أن النبي األكرم K وصأراد اإلستزادة فسأل عن هذا املفهوم مستوضحا «فقال: يا رسول اهللا وما دار اهلدنة؟»،

فأجابه C «دار بالغ وانقطاع».املقدمة، يف جاء ملا وتركيز تلخيص اإلجابة هذه بأن لوجدنا قليال لنا تأم ولو فالتفصيل هناك يمكن تلخيصه يف هاتني الصفتني (البالغ واإلنقطاع)، كام سيتضح

. قريبافام معنى البالغ؟ وما معنى اإلنقطاع؟

املطلوب، اليشء إىل به ل ويتوص يتبلغ ملا اسم بالفتح «البالغ املازندراين: قال وبالكرس مصدر بمعنى اإلجتهاد، يقال: بالغ مبالغة وبالغا إذا اجتهد»(١). بالتايل فبالفتح العريب- الرتاث إحياء دار ص١٠، ج١١ املازندراين، صالح حممد موىل الكايف، أصول رشح (١)

بريوت، الطبعة األوىل ٢٠٠٠م.

Page 50: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٥٠

. غ ال ، وفعل الثاين ب لغ لغ وب تكون من التبليغ، وبالكرس من املبالغة، وفعل األول بوالتوقف، النهاية بمعنى طع الق من أوهلام معنيني، حيتمل اإلنقطاع وكذلك

الثاين بمعنى تركيز اجلهد بتاممه يف جهة معينة دون سواها.ا نظر املقدمة، مع تناسبا وذلك الثاين، املعنى البالغ من املراد أن واألقرب ألهنا تتكلم عن قرص الفرصة املتاحة يف احلياة ورسعة انقضائها، وال يمكن لإلنسان

ا. استثامرها إال باملبالغة يف اإلتيان باألعامل الصاحلة كام وكيفوذلك مقصودين، املعنيان يكون فقد األول، املعنى مع أيضا يتناىف ال وذلك ن تكاليف ووصايا، بلغ فيها اإلنسان برسالة ما تتضم بأن يكون املراد التبليغ، أي دار يوال يسعه اإلتيان بكل ذلك للحصول عىل املراتب العليا عند اهللا سبحانه وتعاىل إال عالية وبكيفية الصاحلات، من ممكن قدر بأكرب يأيت بأن واإلجتهاد، اجلد يف باملبالغة

من اإلتقان.كام أن األقرب يف املراد من اإلنقطاع املعنى األول، وذلك أيضا تناسبا مع املراد

من البالغ، فإنام وجبت املبالغة يف العمل ألن دار الدنيا رسيعة اإلنقطاع والتوقف.تكلف، أي ذلك يف كان ملا اجلهد، تركيز يشمل اإلنقطاع بأن أيضا قلنا ولو فيها، اجلهد تركيز مع املبالغة اإلنسان من تتطلب وتنتهي رسيعا خترب التي فالدار

حتى يستثمرها بأحسن ما يكون اإلستثامر واإلستفادة.وعىل كل حال فالنتيجة ستكون واحدة مهام كانت املعاين املرادة من اللفظني، فسواء اعتمدنا املعنى األول أو الثاين يف كليهام، فالنتيجة هي هي تقريبا، فدار اهلدنة ية الكم املبالغة مع غ والتفر اإلنقطاع عاقل كل عىل وجب رسيعا، تنتهي دار ألهنا بلغته التي وعقال نقال الثابتة الدينية والتكاليف الصالح العمل تأدية يف والكيفية ال، فام ذكره رسول ووصلت إليه. وهذه النتيجة هي ذاهتا مفاد ما ورد يف املقدمة مفص

اهللا K يف املقدمة خلصه يف هذه اجلملة «دار بالغ وانقطاع».

Page 51: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٥١ مة املقد

بعد كل ذلك يأيت السؤال الذي ستجيب عليه الرواية بتفصيل: إذا كانت الدنيا هبذه الكيفية، وهذه هي حاهلا، فامذا ينبغي للمؤمن عمله، أي كيف يستعد إليها، وقبل

ذلك كيف يفهمها؟السؤالني عىل جييبنا الذي فهو الكريم، القرآن حمورية عىل هنا الرواية د ستؤكالذي بالشكل العلمية قيمته وبني K األكرم الرسول فه عر ولذلك املذكورين. يف الصحيح املنهج إىل يرشدنا بطبيعته التعريف فهذا بالتايل املقدمة، مع يتناسب

التفاعل مع كتاب اهللا عز وجل.ف رسول اهللا K القرآن الكريم، وما هي قيمته العلمية؟. فكيف عر

Page 52: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 53: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٥٣ املوضوع: (إذا التبست الفتن)

الموضوع: (إذا التبست الفتن)

فيه نحن وما القرآن، نحو ه للتوج ز املحف ل تشك وهي املقدمة كانت تلك ه نحو القرآن؟، أما املوضوع موضوع، بمعنى أن املقدمة إجابة عىل سؤال: ملاذا نتوج

ه نحو القرآن؟ فيجيب عىل سؤال آخر وهو: متى ينبغي التوجنحو ه التوج علينا تفرض التي واملكانية الزمانية الظروف تعني: هنا و(متى) هذه يف إال سبحانه اهللا لكتاب احلاجة عدم يعني ال ذلك لكن وجل. عز اهللا كتاب

الظروف، بل احلاجة دائمة، لكن يف هذه الظروف تزداد احلاجة.فام املقصود بالفتن؟ وماذا يعني التباسها؟

كلامت جمموع من يستفاد كام للتمحيص، اإلحراق فتن مادة يف األصل اللغويني، ففي املصباح «أصل الفتنة من قولك فتنت الذهب والفضة إذا أحرقته بالنار تن اإلحراق. قال ليبني اجليد والرديء»(١)، ويف الصحاح «قال اخلليل الفراهيدي: الفاملقاييس حمرقة»(٣)ويف فضة أي فتني ق وور ،(٢){A @ ? > =} تعاىل اهللا

(١) املصباح املنري، نقال عن التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، مصدر سابق، ج٩ ص٢٢.(٢) الذاريات ١١٩.

(٣) الصحاح، مصدر سابق، ج٦ ص٢١٧.

Page 54: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٥٤

االبتالء الفتنة: معنى مجاع العرب «فتن: لسان يف وهكذا ق»(١)، ر حم أي فتني «يشء أذبتهام إذا والذهب الفضة فتنت قولك من مأخوذ وأصلها واإلختبار، واإلمتحان

بالنار لتميز الرديء من اجليد»(٢).عبارة من واضح هو كام امليل، وهو مادة (فتن) يف آخر حلاظ لذلك ويضاف : تن يف دينه وافتتن أيضا : إستامهلم. وف املصباح «فتن املال الناس من باب رضب فتوناتنت فالنة فالنا، قال مال عنه»(٣). وما نقله ابن منظور عن ابن األنباري «وقوهلم: ف

بعضهم: معناه أمالته عن القصد، والفتنة يف كالمهم معناه: املميلة عن احلق»(٤).نان ملفهوم الفتنة، قد يكون أحدمها سببا واآلخر نتيجة، إذا هناك عنرصان مكو

وقد يكونان يف عرض واحد، ومها: اإلحراق هبدف التمحيص.. ١امليالن عن اهلدف املنشود.. ٢

ومستو اإلنسان حقيقة عن الكاشف القايس اإلمتحان من نوع هي فالفتنة د بالطاقة الكافية يف ظرف صدقه وثباته، وهذا ما يوحيه معنى اإلحرتاق، وعدم التزولق هذا اإلمتحان جيعل اإلنسان مهيئا للميل عن احلق واإلبتعاد عن اهلدف الذي خ

من أجله، وهو ما يعطيه معنى امليالن.هذا ما يعنيه مفهوم الفتنة، فامذا يعني التباسها؟

اللبس كام يف املقاييس «أصل صحيح واحد يدل عىل خمالطة ومداخلة... واللبس اختالط ه بكرسها قال اهللا تعاىل {& ' ) (}(٥)، األمر، يقال لبست عليه األمر ألبس

(١) معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج٤ ص ٤٧٣.(٢) لسان العرب، مصدر سابق، ج١٣ ص٣١٩.

(٣) املصباح املنري، نقال عن التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، مصدر سابق، ج٩ ص٢٢.(٤) لسان العرب، ج١٣ ص٣١٩.

(٥) األنعام ٩.

Page 55: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٥٥ املوضوع: (إذا التبست الفتن)

ويف األمر لبسة، أي ليس بواضح، واللبس اختالط الظالم»(١). وهكذا يف الصحاح(٢) واملصباح(٣).

الذي بالشكل األمور وتداخل األفكار ش تشو أي اإلختالط يعني فاللبس تصبح فيه احلقائق غري واضحة.

الشك فيها يشيع التي واملكانية الزمانية الظروف يعني الفتن فالتباس بالتايل املطلق ألسباب خارجية، قد تكون ثقافية أو سياسية أو اجتامعية، وهو عينا ما أطلق عليه يف بعض األخبار باألشياء املختلفة املغموسة، فقد ورد يف تفسري العيايش «عن يا فقلت: ،C طالب أيب بن عيل املؤمنني أمري عىل دخلت قال: األعور احلارث أمري املؤمنني إنا إذا كنا عندك سمعنا الذي نسد به ديننا، وإذا خرجنا من عندك سمعنا أشياء خمتلفة مغموسة، ال ندري ما هي؟ قال: أو قد فعلوها؟ قلت: نعم، قال: سمعت رسول اهللا K يقول: أتاين جربئيل فقال: يا حممد سيكون يف أمتك فتنة، قلت: فام

املخرج منها؟ فقال: كتاب اهللا...»(٤).وقوع بدء (إنام املشهورة كلمته يف C عيل اإلمام فه وص الذي هو وأيضا الفتن أهواء تتبع وأحكام تبتدع خيالف فيها كتاب اهللا ويتوىل عليها رجال رجاال عىل

غري دين اهللا)(٥).موضوعا K األكرم النبي اعتربه الذي هو املذكور باملعنى الفتن فالتباس للحكم املتعلق بالقرآن الكريم، فإذا حتقق هذا املوضوع وجب الرجوع إىل كالم اهللا ل عز وجل. لكن هلذا املوضوع مواصفات أيضا، فالنبي C وملزيد من البيان فص

احلديث يف املوضوع من خالل التأكيد عىل آثاره الثقافية، فلنر ما هي تلك الصفات.(١) معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج٥ ص٢٣٠.

(٢) الصحاح، مصدر سابق، ج٣ ص٩٧٣.(٣) املصباح املنري، نقال عن التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، مصدر سابق، ج١٠ ص١٧٧.(٤) تفسري العيايش، حممد بن مسعود العيايش، ج١ ص٣، املكتبة العلمية اإلسالمية-طهران.(٥) هنج البالغة، اإلمام عيل C، ج١ ص٩٩، دار الذخائر- قم، الطبعة األوىل ١٤١٢هـ.

Page 56: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 57: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٥٧ صفة املوضوع: (كقطع الليل املظلم)

صفة الموضوع: (كقطع الليل المظلم)

م احلك عظمة لنا يكشف ألنه رضوري، الصفة هذه عند يسريا ولو الوقوف م ووصايا عظيمة، ك م يف طياته من ح املرتتب عىل حتقق املوضوع، وما حيمل ذلك احلك

ل الضامنة احلقيقية لسالمة مسرية اإلنسان، والعالج الناجع ألمراضه. تشككقطع وأصبحت مستوياهتا، أعىل الفتنة ت لغ ب لو حتى تقول الرواية فكأن

. م (= وهو هنا يعني الوقاية والعالج بال فرق) سيكون وافيا الليل املظلم، فإن احلكالفتنة ت به ش فإذا املظلم، الليل قطع من سوادا أكثر الكون يف سواد ال يبدو به، دل ذلك عىل وصول الفتنة إىل أعىل مستوياهتا وأخطر مراتبها، مع ذلك فالعالج

سيكون قادرا عىل جتاوز الفتنة تلك، وإعادة النور من جديد.فامذا يعني: قطع الليل املظلم؟

يف أبلغ وذلك الليل، كقطع وإنام املظلم، كالليل K األكرم النبي يقل مل تصوير املعنى، فالليل املظلم يعني الظالم بال شك، ولكن القطع تعني تراكم الظالم عىل يدلل وذلك وهكذا، قطعة فوقهام قطعة فوقها ظالم قطعة بعض، فوق بعضه ظالم وإنام ظالم، جمرد األمر يكون ال الفتنة ففي الفتنة، نوعية وعىل الظالم، شدة يشء من النور، بل ذلك جيعل اإلنسان بعيدا فوقه ظالم، يتبعهام ظالم، حتى ال ير

عن النور، ألن قطع الظالم ال يتخللها أي نور.

Page 58: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٥٨

H G F} وهذا اإلستعامل مقتبس من كالم اهللا عز وجل، فقد قال سبحانهL K J I}(١)، بينام قال جلت قدرته يف آيتني {¢ £ ¤ ¥ ¦}(٢).

ف به يف اآليتني األخريتني، فام ف الليل باملظلم، ومل يوص ص ففي اآلية األوىل والداللة يف ذلك؟

أجاب عىل ذلك ابن عاشور يف تفسريه، قال «ووصف الليل وهو زمن الظلمة بكونه مظلام إلفادة متكن الوصف منه، كقوهلم: ليل أليل، وظل ظليل، وشعر شاعر، فاملراد من الليل الشديد اإلظالم، باحتجاب نجومه ومتكن ظلمته»(٣). والظاهر هو ذلك، إذ يكفي يف التدليل عىل الظالم بأن يقال كالليل، ألنه بذاته مظلم، فإذا وصف بالظالم دل ذلك عىل نوع من التأكيد، أي التأكيد عىل الظلمة وعىل شدهتا، خصوصا من خيتلف الظلمة مستو ألن نظرا تشكيكي، عنوان الليل ظلمة أن مالحظة بعد ليلة إىل أخر ومن ساعة إىل أخر، فالليلة املقمرة تكون الظلمة فيها أخف من غري

املقمرة، ومنتصف الليل الظلمة فيه أشد من أوائل الغروب.هلذا عندما يقال الليل املظلم، فإنه يراد الليل األشد ظالما، من حيث الساعة

املظلمة والليلة املظلمة.والظالم هنا إشارة إىل األفكار، ففي الفتنة ترتاكم األفكار الظالمية البعيدة عن اهلد واحلق، لدرجة ال يظهر أمام اإلنسان أي نور يشري إىل احلقيقة، إما بسبب كثرة

اجلحود، أو بسبب تنامي الثقافات الشكية.طع هنا تعني األفكار واملعتقدات الباطلة املرتاكمة عىل بعضها البعض، إذا الق

إىل درجة ال يظهر فيها أي نور وأي أثر للحقيقة.يف مثل هذه احلالة ما هو امللجأ؟

(١) يونس ٢٧.(٢) هود ٨١. احلجر ٦٥

(٣) التحرير والتنوير، حممد الطاهر ابن عاشور، ج١١ ص٦٦، مؤسسة التاريخ-بريوت، الطبعة األوىل.

Page 59: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٥٩ احلكم: (فعليكم بالقرآن)

الحكم: (فعليكم بالقرآن)

بال يكشف وذلك وجل، عز اهللا بكتاب نلوذ أن فيجب ذلك كل حصل إذا ريب عظمة هذا الكتاب.

ا كام اتضح من التفصيل السابق، وأخطر ما فيها خفاء إذ إن املشكلة كبرية جدية. وال يمكن اكتشاف تلك احلقائق يف زمحة الشك احلقائق بسبب شيوع األفكار الشكوالريب إال من خالل كالم اهللا عز وجل. فهو الكالم الوحيد الذي تتوفر فيه صفة بال فذلك الفتن. التباس حني أي الصعبة، الفكرية الظروف يف حتى تلك الكشف

شك دليل عىل عظمة النص القرآين وأمهيته يف احلياة الفكرية.القدرة من هذه لت فيه ع ج مميزات يسأل: هل للقرآن الكريم وربام لسائل أن بني التمييز وصعوبة وتداخلها، األفكار تزاحم من بالرغم احلقائق، عن الكشف

الصحيح والسقيم منها؟ه إليه رسول اهللا K يف خطابه عن القرآن الكريم يف هذا السياق، هذا ما وجللعودة تدعو التي األسباب كشف وإنام مبتورة، بصورة للقرآن ع يد مل C فهو عن الكشف من كاف مستو يف ته جعل حتى هبا يتميز التي واملميزات للقرآن،

احلقائق.

Page 60: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٦٠

لمنا ع ي ذكرها، اآليت املميزات تلك عىل التأكيد بأن هنا، النظر إلفات وينبغي املنهج الصحيح للتعامل مع النص القرآين واإلستفادة منه، فليس كل من نظر يف هذا املقدمات، يف اخلطأ بسبب احلقائق، عن دا بع النظر يزيده ربام بل منه، تعلم النص وعدم الدقة يف املنهج، وقد أشارت اآليات املباركة إىل هذا األمر مرارا، كام يف قوله

A @ ? >= < ; : 9 8 7 6 5 4 3} سبحانه O N M L K J I H G F E D C Bالباقر C: «شكا عن اآلية هذه تفسري يف جاء وقد ،(١){R Q Pاحلقيقة عن التام والكشف اهلداية مقومات حتمل أهنا مع فاآليات شكهم»(٢). إىل الصورة يف فعال ذلك حصل كام هلا، القاريء قلب يف اليقني يبعث الذي باملستواألوىل التي ذكرهتا اآلية، حيث أهنا زادت املؤمن إيامنا ويقينا، إال أن الصورة الثانية كشفت أن هناك من ال تزيده حتى مثل هذه اآليات إال شكا إىل شكه، وهو املراد من

الرجس. والشك أن ذلك يعود للخطأ يف املقدمات واملنهج.كشف يف املرجع أنه عىل يدلل بالقرآن» «فعليكم :K الرسول فقول إذا بل مغاير، آخر فكر البني يف يكون ال حني الفكرية األحادية حال يف ليس احلقائق، عىل احلقايق يت ف خ بحيث والنظريات املفاهيم وتراكمت األفكار ازدمحت حتى لو ية وكثرة شيوعها، ولكن برشط التدقيق د األفكار الشك د وتفر أكثر الناس بسبب توح.K يف املقدمات واملنهج العلمي القرآين. وهو ما سيأيت التأكيد عليه يف كالم النبياإلنسانية األفكار تزاحم عىل يقترص ال ي الشك الفكري الظرف أن ومعلوم واحلقائق لليقني محال هو ما ففيها اإلنسانية، األفكار مطلق -ال للشك احلاملة املوضوعية-، بل يشمل أيضا تزاحم النقوالت الروائية التي تولد الشكوك حتى يف األوساط الدينية باملعنى األخص، ففي مثل هذا الظرف أيضا يلزم الرجوع إىل القرآن

(١) التوبة ١٢٤-١٢٥.الطبعة العريب-بريوت، التاريخ مؤسسة ص١٩٢، ج٣ احلويزي، الشيخ الثقلني، نور تفسري (٢)

األوىل ٢٠٠١م.

Page 61: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٦١ احلكم: (فعليكم بالقرآن)

والتعامل معه كقيمة معيارية للتمييز بني السليم والسقيم، أي للكشف عىل احلقائق الضائعة يف زمحة املنقوالت الروائية.

فقد ورد التأكيد عىل هذا املنهج يف العديد من األخبار، كام يف صحيح هشام بن ما الناس أهيا فقال: بمنى K النبي خطب قال: C اهللا عبد أيب عن احلكم(١)

جاءكم عني يوافق كتاب اهللا فأنا قلته، وما جاءكم خيالف كتاب اهللا فلم أقله.(٢)وصحيح أيوب بن احلر، قال سمعت أبا عبد اهللا C يقول: كل يشء مردود

إىل الكتاب والسنة، وكل حديث ال يوافق كتاب اهللا فهو زخرف.(٣)سائر يف املوضوعية احلقائق عىل الكاشفة املعيارية القيمة هو الكريم فالقرآن الظروف الشكية. لكن ملاذا وكيف أصبح هبذا املستو من القيمة العلمية، وبامذا متيز

حتى حظي هبذه املكانة؟وهو ،K حممد األكرم لنبينا القادم الكالم يف تفصيال عليه سنقع ما هذا

بمثابة املنهج العلمي للقراءة الصحيحة للقرآن الكريم.

(١) حممد بن يعقوب الكليني، عن حممد بن إسامعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أيب عمري، عن هشام بن احلكم وغريه.

(٢) الكايف، مصدر سابق، ج١ ص٦٩.(٣) املصدر نفسه.

Page 62: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 63: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٦٣ صفات القرآن الكريم

صفات القرآن الكريم

ع شافع مشف

ف هبا نبينا األكرم K القرآن الكريم، والتي اعتربها أوىل املميزات التي وصقوله يف جاء ما الفكرية، الفتن ظروف يف إليه والرجوع به للتمسك علمية أسبابا

C: «فإنه شافع مشفع»، فام داللة هذه امليزة؟قبل البحث يف الداللة النهائية هلذه الصفة، البد من إرجاع هذا اإلستعامل إىل

أصله. إن مادة (شفع) يظهر منها يف اللغة أمور ثالثة:

األول: الضم، أي ضم يشء آلخر.الثاين: اإلقرتان، أي جعل األول بمنزلة القرين للثاين.

الثالث: الزيادة.فع يعني ضم يشء ما إىل يشء آخر أعىل منه قيمة ومكانة، باملستو الذي فالشالزيادة إما الزيادة، يوجب وبوجه وصاحبه، رفيقه أو بمنزلته وكأنه له قرينا جيعله الالزمة من الضم نفسه، ألنه جيعل اليشء الواحد شيئني، أو جيعله شيئا واحدا أكرب، . فهذا وجه من وجوه كام يف الشفعة احلاصلة يف الرشاكة بحسب ما هو معروف فقهيا

Page 64: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٦٤

شأن من يرفع األعىل إىل ن و األد ضم ألن املعنوية، الزيادة اآلخر والوجه الزيادة، فعة والسمو، وهو نحو من أنحاء الزيادة، ولعله األعمق، ن ويكسبه شيئا من الر و األد

والظاهر أنه املراد من الشفاعة يوم القيامة.عا من باب نفع: ضممته ف فعن األول قال صاحب املصباح «شفعت اليشء شإىل الفرد، وشفعت الركعة: جعلتها ثنتني، ومن هنا اشتقت الشفعة ألهنا يشفع ماله

هبا»(١).مقارنة عىل يدل صحيح أصل «شفع: املقاييس صاحب يقول الثاين وعن

الشيئني»(٢).وجاء يف التهذيب عن الثالث «الشفع: الزيادة، وعني شافعة تنظر نظرين، وعن أيب العباس: سئل عن اشتقاق الشفعة يف اللغة فقال: الشفعة: الزيادة، وهو أن يشفعك

فيام تطلب حتى تضمه إىل ما عندك فتزيده وتشفعه هبا، أي تزيده هبا»(٣).أعىل آخر يشء إىل ما يشء ضم (شفع): املادة هلذه اجلامع املعنى يكون هبذا منه قيمة، بنحو جيعل األول قرينا للثاين مع أفضلية الثاين، مما يستوجب زيادة الفضل

واملقام بالنسبة لألول.بمنزلة وكأنه املضموم جيعل ضم هو وإنام نحو، بأي ال لكن ، ضم فالشفع الضام، واجلعل يف هذه املنزلة يعطي املضموم قيمة أعىل من التي كان عليها قبل الضم.هبذا املعنى املذكور فالقرآن الكريم (شافع)، فهو يضم املتمسك به إليه، وجيعله قرينا وصاحبا له، فيمنحه بذلك مكانة وشأنا رفيعا، بال قيدية يف كل ذلك من احليث

. الزماين واملكاين، فالقرآن شافع هبذا املستو دنيويا وأخروياج٦ سابق، مصدر الكريم، القرآن كلامت يف التحقيق عن نقال سابق، مصدر املنري، املصباح (١)

ص٩٨.(٢) معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج٣ ص٢٠١.

(٣) أنظر التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، مصدر سابق، ج٦ ص٩٩.

Page 65: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٦٥ صفات القرآن الكريم

والرفض القبول أن إذ مقبولة، شفاعة كل تكون أن الرضورة من ليس لكن مرهون برشوط كثرية، من أمهها:

علو شأن الشفيع -الشافع-(١).. ١بني . ٢ العالقة كانت إذا إال تتأتى ال القابلية وهذه للشفاعة، املشفوع قابلية

صدق خالهلا من للشفيع يتضح بحيث وقريبة صادقة واملشفوع الشفيع نية املشفوع.

بناء عىل ذلك ينبغي أن نعلم بأن القرآن الكريم يف الوقت الذي هو (شافع)، فإنه ن تقبل شفاعته(٢)، أيضا (مشفع)، أي مقبول الشفاعة، فاملشفع بشد الفاء املفتوحة م :C طالب أيب بن عيل املتقني إمام موالنا عن ورد ما مع متطابق التفسري وهذا ق، وأنه من شفع له القرآن يوم القيامة شفع ع، وقائل مصد «واعلموا أنه شافع مشف

فيه»(٣).فالقرآن الكريم باإلضافة إىل كونه شافعا باملعنى املذكور، فإن شفاعته مقبولة عند اهللا عز وجل. وهذا ما يزيد القرآن مكانة وشأنا من الناحية الذاتية، ويزيده أمهية أن حيث واألخروية، الدنيوية اإلنسان مسرية يف أثر من له ملا العملية الناحية من ،التمسك به يف الدنيا جيعل اإلنسان مهيئا ليكون مشموال لشفاعة القرآن يف األخرمع العلم بأنه ال يكون مشموال كذلك إال ألنه كان عىل اهلد بسبب متسكه بالقرآن.ببعض اإلنسان تزويد عىل يقترص ال القرآين بالفكر التمسك بأن يفيد وذلك لشمول قابال ثانية جهة ومن ،اهلد عىل جهة من جيعله بل العلمية، املعلومات إىل به ليصل هد عىل به ويسري الدنيا يف اإلنسان بيد يأخذ فكر فهو له، الشفاعة

اآلخرة.واحدا بال أي املادة: شفيع، وشافع، فكالمها يعطيان معنى يصح الوجهان، فإسم الفاعل هلذه (١)

فرق. انظر املصدر نفسه، ص٩٨، نقال عن املصباح املنري، مصدر سابق.(٢) رشح أصول الكايف، املازندراين، مصدر سابق، ج١١ ص١٠.

(٣) هنج البالغة، خطب اإلمام عيل C، ج٢ ص٩٢، دار الذخائر-قم، الطبعة األوىل ١٤١٢هـ.

Page 66: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٦٦

ق ماحل مصد

ة لكتاب اهللا عز وجل يؤكد عليها النبي اخلاتم K، حيث م صفة أخر مالزق)، فامذا يعنى هذا الرتكيب؟ يقول (وماحل مصد

سبحانه قوله يف القرآين النص يف الصفة هذه لت م استع فقد (ماحل) ا أم Ð Ï Î Í Ì Ë Ê É È Ç Æ Å Ä}

.(١){Ö Õ Ô Ó Ò Ñ

ويف كتب اللغة (املحل) له استعامالت ثالثة: ويبس . ١ املطر انقطاع املحل: بأن قالوا ولذا الشديد(٣)، واجلوع اخلري(٢) قلة

األرض من الكأل(٤).ما . ٢ بل والوشاية، السعاية مطلق يراد ال والظاهر والوشاية(٥)، السعاية

اال: وحم مماحلة له «ماح العرب لسان يف جاء فقد أيضا، العداوة يستبطن عاداه»(٦).

يل(٧) أمام اخلصم، ومنه ما جاء يف اللسان «فالن يامحل . ٣ ل باحل الكيد والتوسعن اإلسالم، أي يامكر ويدافع»(٨).

والظاهر جريان هذه املادة يف اإلستعامالت الثالثة نحو مستقل، أي كل استعامل عىل حدة، وليس من الرضورة اجتامعها بأمجعها يف استعامل واحد، بل ذلك بعيد، نعم

(١) الرعد ١٣.(٢) معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج٥ ص٣٠٢.

(٣) لسان العرب، مصدر سابق، ج١١ ص٦١٦.(٤) معجم مقاييس اللغة، ج٥ ص٣٠٢.

(٥) املصدر نفسه.(٦) لسان العرب، ج١١ ص٦١٩.

(٧) املصدر نفسه، ص٦١٨.

(٨) املصدر نفسه، ص٦١٩.

Page 67: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٦٧ صفات القرآن الكريم

يمكن اجتامع الثاين والثالث يف آن.ومها فقط، معنيان له أصال املحل اعتربوا اللغويني بعض بأن العلم مع هذا لكن فيهام، إال استعامالته موارد يذكروا مل ولذلك الثالث(١)، دون والثاين األول بالرجوع إىل كلامت لغويني آخرين والنظر يف اإلستعامالت اجلارية يف الكالم العريب

التي نقلوها، يتبني شمول هذا األصل عىل استعامل آخر وهو الثالث هنا.استعامل كل فجعل واحد، معنى يف اإلستعامالت مجيع خلص من هناك بل هلذه املادة ال يراد منه إال ذلك املعنى، قال «األصل الواحد يف املادة: هو التضيق من . ومن مصاديقه: تضيق يف الطعام والغذاء، تضيق يف السنة جهة النعمة والسعة مطلقاوشدة وجذب، تضيق ويبس يف األرض والنبات، تضيق واحتباس يف املطر، تضيق ة، وتضييق يف عيش الناس وتشديد من جهة الصفات الباطنية وظهور الغضب واحلدء والعقاب والسعاية واملعاداة. فاألصل يف حياهتم بالكيد واحليلة واملكر والتدبري اليسيف املادة ما ذكرنا، وهو خيتلف بحسب اختالف املوضوعات، ففي كل يشء يتحقق

التضيق بحسب خصوصية حياته ووجوده»(٢).تكلف ذلك لكن التضيق، من أهنا نوع عىل الثالثة االستعامالت إىل نظر فهو وافتعال املكر وكذلك يشء، يف التضيق من ليست والسعاية فالوشاية فيه، مبالغ تضيقا، بنفسه هو ليس لكن التضييق، من نوع إىل ذلك كل يؤدي قد نعم احليل، فافتعال احليل واملكائد قد يرجى منه التضييق عىل اخلصم، وقد يكون ذلك أيضا هدفا للسعاية، لكن ذلك ال يعني أن السعاية يف نفسهاتضييق وال املكر وشبهه، بل كثري من

األفعال واألقوال قد هتدف إىل التضييق، وكثري من التضييق ال مكر فيه وال خديعة.احتدت هلذا فالظاهر بقاء اإلستعامالت الثالثة عىل حاهلا من اإلستقالل، وإن مع بعضها يف بعض املوارد، حتى السعاية والوشاية من جهة واملكر والتوسل باحليل

(١) معجم مقاييس اللغة، ج٥ ص٣٠٢.(٢) التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، مصدر سابق، ج١١ ص٤١.

Page 68: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٦٨

من جهة أخر، فالنسبة بينهام العموم واخلصوص من وجه، فالسعاية قد تكون بدافع املكر وقد ال تكون، واملكر قد يكون عرب السعاية وقد ال يكون، فهام يتحدان يف موارد

ويفرتقان يف أخر، وأيضا قد يكون يف كل منهام تضييق وقد ال يكون.الثاين اإلستعامالن فيها يتحد التي املوراد من هو فيه نحن ما أن والظاهر القرآن أن فكام هلام، هدفا بصفته هنا حضور له يكون األول حتى وربام والثالث، الكريم شافع ومشفع يف حال العناية واإلهتامم به، وهذا هو البعد اإلجيايب لألمر، فإنه اإلمهال حال يف قدرته جلت ربه أمام بالعبد وييش يسعى نفسه (ماحل) الوقت يف ته قوية، إىل درجة ال يسع ج والتقصري، وإذا سعى فال تعوزه احليلة واملكر، أي أن ح

اإلنسان املقرص اإلفالت واملراوغة، وهذا هو البعد السلبي.ويأخذ قه يصد سبحانه اهللا أن أي ق)، (مصد فإنه ل حم إذا الكريم والقرآن رشحه سبق الذي نفسه الشامل باملعنى هنا والتصديق األثر. عليها ويرتب بدعواه حني وصف اإلمام الصادق C القرآن بـ«الصادق البار»، أي بمعنى املطابقة مع

احلقيقة النظرية والعملية بأعىل املستويات.ق»، فالقرآن ييش بالعبد هذا خالصة ما يفيده قول النبي K: «وماحل مصد

ق عند اهللا عز وجل. ال بأقو احليل، وهو مصد أمام ربه متوس

من جعله أمامه قاده إلى الجنة

رشط ونتيجة: أن نجعل القرآن أمامنا رشط، والنتيجة يقودنا القرآن إىل اجلنة، ما داللة هذين األمرين؟

يكون أن معنى ما ذلك وقبل أمامنا، القرآن نجعل كيف هنا: اهلام والسؤال أمامنا؟

يتوىل الذي هو ألنه قائد وهاد، قائد أنه يعني األمام يف الكريم القرآن كون الطريق إىل اإلنسان بيد يأخذ ألنه وهاد ،الكرب األهداف نحو اإلنسان حتريك

Page 69: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٦٩ صفات القرآن الكريم

املستقيم حتى ال تزل قدماه ويسقط يف العثرات، فهو يكون أمامنا ألنه بمثابة اإلمام الذي يقودنا يف مسرية احلياة الفكرية واإلجتامعية والسياسية، ويعيننا عىل التمييز بني

ف املعرب عن الباطل. املوقف املتوازن املعرب عن احلق واملوقف املتطروأما كيف نجعله أمامنا، فذلك باتباع هداه واإللتزام بمفاهيمه ومعانيه. وسنأيت

الحقا عىل تفصيل حول مفهوم اإلتباع.جادة يف يقوده الكريم القرآن فإن املعنى، هبذا أمامه القرآن جعل من بالتايل مستقيمة تنتهي به إىل اجلنة. وهذا من أهم ما يتميز به النص القرآين عىل سائر الكالم العاقبة له يضمن أن غري من لإلنسان قراءات د جمر م يقد إنام الثاين ألن البرشي، م حقائق احلسنة، باعتبار أنه هيتم بحدود احلياة الدنيا فقط، وأما الكالم اإلهلي فإنه يقدمن شأهنا تعبيد طريق اإلنسان يف احلياتني الدنيا واألخر. فالكالم البرشي من الدنيا

إىل الدنيا، والكالم اإلهلي من الدنيا إىل اآلخرة.

ومن جعله خلفه ساقه إلى النار

اها أن جيعل اإلنسان من نفسه قائدا للقرآن، بدل هنا القضية تكون عكسية، مؤدأن يكون القرآن قائدا له، وذلك له داللتان:

األوىل: اإلمهال، ألنه يرتكه وراء ظهره وكأنه ال يعنيه.الثانية: تطويع معاين القرآين إىل املستو الذي يتالءم مع مزاج اإلنسان ومصاحله.فاإلنسان يف هذه احلالة يقوم بدورين سيئني جتاه القرآن الكريم، إما إمهال أو تالعب، فاإلمهال معناه عدم العمل املطلق باملعاين القرآنية واإلكتفاء بام ينتجه اإلنسان من معاين خاصة به وإن كانت متعارضة مع القرآن، والتالعب يعني السعي يف بعض ار بالقرآن من خالل العبث بمعانيه وجتيريها للحصول عىل مكاسب الظروف لإلجت

دنيوية خاصة.وينبغي أن نالحظ هنا املقارنة بني املقطعني «من جعله أمامه قاده إىل اجلنة، ومن

Page 70: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٧٠

ق، ويف و جعله خلفه ساقه إىل النار»، فاألول نص عىل القيادة بينام نص الثاين عىل الساللغة «القود: نقيض السوق، يقود الدابة من أمامها ويسوقها من خلفها، فالقود من

أمام والسوق من خلف»(١).بالطريق، التامة واملعرفة اليقني عىل جهة من تدلل األمام من فالقيادة بالتايل فهو وبالتايل والوعرة، املستوية بالطرق العارف كالدليل يكون األمام يف الذي ألن ال خيشى شيئا وال حيذر، ويستطيع أن يتجنب بصاحبه أي عثرة، ملا لديه من الوضوح ن اهلدف الذي يسري س والبصرية التامة، ومن جهة أخر وهي األهم هنا تدلل عىل حباجتاهه القائد، ولذلك فهو يتقدم إىل األمام وكأنه يريد أن يسبق إليه، أو ال أقل يريد

نه ملا كان هدفا له. س أن يكون هو أحد السائرين إليه، ولوال حق من اخللف فيدلل عىل أن السائق غري مطمئن للطريق وغري عارف و وأما السهبا، بل قد يكون خائفا وحذرا، وهلذا يرتاجع للخلف ويدفع غريه لألمام، حتى لو وقع أي مكروه يصاب به اآلخر وينجو هو، وذلك فيه نوع من املهانة ألنه يشري إىل أن

S} الذين يساقون يؤخذون نحو جهة سيئة، ومن ذلك ما جاء يف قوله سبحانهباب املصاديق من يأيت يف بعض قد مع أن السوق ،(٢){X W V U T

¥ ¤} سبحانه قوله يف كام الرفيع، الشأن صاحب م د ق ي حيث التكريم، ¦ § ¨ © ª}(٣)، لكن الذي نحن فيه إنام هو املعنى األول.

دليل يدل على خير سبيل

يفصح نبينا األكرم K بعد كل ذلك عن الصفات التفصيلية للقرآن الكريم، ل عىل خري سبيل»، فامذا يراد بالدليل؟ ومنها «وهو الدليل يد

والدليل تتعلمها، بأمارة اليشء إبانة اللغويني: كلامت يف تعني ( (دل مادة (١) لسان العرب، مصدر سابق، ج٣ ص٣٧٠.

(٢) الزمر ٧١.

(٣) الزمر ٧٣.

Page 71: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٧١ صفات القرآن الكريم

األمارة يف اليشء(١)، وهو املرشد والكاشف(٢). فالدليل هو الذي يضع أمارة وعالمة إرشادية لكشف الطريق ومعرفة األيرس منه نحو اهلدف.

فيها والسري ومتعددة، وعرة احلياة يف فالطرق وجل، عز اهللا كالم صفات من وهذا بال هداية هيدد بوقوع اإلنسان يف مطبات ومزالق خطرية، عىل مجيع املستويات، سواء املرتبطة بالبعد الفكري أو االجتامعي، ولذلك فهو يف حاجة لدليل يرشده إىل الطريق الصحيح الذي

يقوده نحو هدفه. والقرآن هو ذلك الدليل املرشد لإلنسان يف مسريته النظرية والعلمية.وخاصية اإلرشاد فيه تتميز عىل أي خاصية أخر من الكالم البرشي، وذلك ال اآلخر والبعض قيمة له بعضها احلياة، يف كثرية أهداف له تكون قد اإلنسان أن قيمة له دنيا وآخرة، كام أن الطرق إىل هذه األهداف قد تكون كثرية، وبعضها أفضل ه نظر اإلنسان إىل أرقى األهداف من اآلخر، وهنا يأيت دور القرآن الكريم، فهو يوج

الدنيوية واألخروية، ثم يرسم له الطريق األسهل واألوضح الذي يقوده إليها.األحيان، من كثري ويف البرش من الكثري ألن أمهية، الدور هلذا يكون وإنام هلا، قيمة ال أو وهيمة أهداف واجتاه املتعثر السري يف حياهتم أوقات أهم يضيعون فرتاهم تارة هنا وتارة هناك، لذلك فالقرآن الكريم يرشد اإلنسان نحو اهلدف احلقيقي الذي يستحق اجلهد والعناء، ويكشف له الطريق األقرب واألنسب الذي يقوده إليه.

كتاب تفصيل وبيان وتحصيلقوله: «وهو يف K اهللا رسول جيمعها الكريم للقرآن ثالث علمية صفات التقارب، من بيشء يوحي هلا األويل والنظر وحتصيل»، وبيان تفصيل فيه كتاب عىل مؤرش اآلخر البعض عىل بعضها عطف لكن والبيان، التفصيل بني خصوصا

اختالف معانيها ولو من بعض اجلهات. فامذا تعني؟تفصيل: أي فيه تفصيل لألحداث والوقائع والتعاليم واألخالق والترشيعات

(١) معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج٢ ص٢٥٩.(٢) املصباح املنري، مصدر سابق. نقال عن التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، مصدر سابق، ج٣ ص٢٥٥.

Page 72: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٧٢

قرآنا ليس فهو املجاالت. شتى يف والعامة اخلاصة حياته يف اإلنسان حيتاجها التي غامضا بسبب اإلمجال.

ليس لكنه إمجال، فيه بل بنحومطلق، اإلمجال من ه خلو يعني ال ذلك لكن ال، شة وغري واضحة، كام أنه إمجال ال يتعارض مع كونه مفص إمجاال جيعل معانيه مشوأكرب، لتفصيل تفصيله يكون قابال درجة ل مهام كانت مفص ذلك أن كل يف والوجه . ال ل يستبطن إمجاال من بعض النواحي، ومع ذلك يصح أن تقول عنه مفص فكل مفص

بيان: التفصيل مقابل اإلمجال، والبيان مقابل الغموض، فالقرآن يف معانيه واضح بني ش، وهلذا فإن تعريف البعض للمتشابه بالغامض(١) غري دقيق(٢). ال يشوبه الغموض والتشو

والبيان هبذا النحو ال يتناىف مع العمق، ألن العمق يف أصل املعنى، بينام البيان يف . وواضح مع كون املعنى عميقا األسلوب، فأسلوب إيصال املعنى بني

حتقيقها يعني األمور الكلمة «حتصيل هذه رشح يف املازندراين يقول حتصيل: وإثباهتا، من حصلت األمر إذا حققته وأثبته»(٣).ومفاد هذا التقرير ملفهوم التحصيل

لة ومبينة فقط، بل هي أيضا معان حقيقية ومثبتة. أن املعاين القرآنية ليست مفصولو نراجع كلامت اللغويني نجد ما يؤيد ذلك ولكن مع إضافات دقيقة، فقد حجر من الذهب كإخراج القشور من اللب إخراج «التحصيل: املفردات يف جاء ع ر ما فيها ومج من التبن، قال اهللا تعاىل {! " # $}(٤) أي أظه املعدن والرباحلصيل، ثالة للح وقيل احلساب. من كإظهار أو ومجعه، القرش من اللب كإظهار لة الطري ما حيصل فيه من الغذاء»(٥). ص و صل الفرس إذا اشتكى بطنه عن أكله، وح وحالعامة املرصية اهليئة ص٢٠٠، زيد، أبو حامد نرص القرآن، علوم يف دراسات النص: مفهوم (١)

للكتاب ١٩٩٠م.ل». لت الكالم حول هذا األمر يف كتاب التفسري «مفاهيم ومعاين من الكتاب املنز (٢) وقد فص

(٣) رشح أصول الكايف، مصدر سابق، ج١١ ص١٠.(٤) العاديات ١٠.

(٥) املفردات، مصدر سابق، ص١٢٩.

Page 73: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٧٣ صفات القرآن الكريم

يت م ويف املقاييس «حصل: أوصل واحد منقاس، وهو مجع اليشء، ولذلك س. وزعم ناس من أهل اللغة لت حتصيال وصلة الطائر، ألنه جيمع فيها. ويقال حص حن، ويقال أن أصل التحصيل استخراج الذهب أو الفضة من احلجر أو من تراب املعد

ل، فإن كان كذا فهو القياس والباب كله حممول عليه. لفاعله املحصومما شذ عن الباب وما أدري مم اشتقاقه قوهلم حصل الفرس إذا اشتكى بطنه

عن أكل الرتاب»(١).بقيته. وحمصوله: اليشء وحاصل حتصيال، اليشء لت «حص الصحاح ويف

ه إىل حمصوله»(٢). صيلة. وحتصيل الكالم: رد واحلصائل: البقايا، الواحدة حوثبت بقي ما يشء كل من احلاصل الليث: التهذيب «قال يف ما منه وقريب

وذهب ما سواه»(٣).ويف املصباح املنري «حصل اليشء حصوال، وحصل يل كذا: ثبت ووجب»(٤).

واملستفاد من هذه الكلامت أن التحصيل يفيد املركب من املعاين التالية: احلقيقة.. ١الثبوت.. ٢اجلوهر، بمعنى خالصة اليشء وبقيته.. ٣

ل يعني خالصة املعاين احلقيقية الثابتة، ففي القرآن بالتايل فالتحصيل واملحصهات احلقائق الثابتة التي يقاس عليها سائر الفروع، يف الوقت نفسه فإن تلك توجد أم

لة ومبينة. احلقائق مفص

(١) معجم مقاييس اللغة، ج٢ ص٦٨.(٢) الصحاح، مصدر سابق، ج٤ ص١٦٦٩.

(٣) التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، ج٢ ص٢٧٣.(٤) املصدر نفسه.

Page 74: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٧٤

فصل ال هزل

ما املراد من هذه املقابلة بني الفصل واهلزل الواردة يف قوله C: «وهو الفصل ليس باهلزل»؟

األوىل يف تكلم وبعضهم ،(١) أبدا الصفتني هاتني عند يقفوا مل اح الرش بعض دون الثانية، كام يف مرآة العقول «الفصل: أي الفاصل بني احلق والباطل»(٢)، وبعضهم اآلخر رشح الصفتني بال توقف عند املقارنة بينهام، كاملازندراين يف عبارته «الفصل: واد من واللعب واهلزل كله جد ألنه باهلزل: ليس والباطل. احلق بني الفاصل أي

واحد، وهو ضد اجلد»(٣).وحتى تكون الصورة واضحة هنا البد أن نقرر مفهوم اللفظني لغويا، ثم ننظر قال حيث القرآين، النص يف بورودمها العلم بعد خصوصا بينهام، املقابلة وجه يف

.(٤){a ` _ ^ ] \ [} سبحانهالفيصل: عنه، وإبانته اليشء من اليشء متييز عىل تدل صحيحة كلمة فصل: اخلصومات، فصل ومنه فانقطع(٦). قطعته أي فانفصل: اليشء وفصلت احلاكم(٥).

وهو احلكم بقطعها(٧).ا ل بمعنى احلكم القاطع والرصيح يف التمييز بني شيئني متييز فالفصل كلمة تستعما ومن مجيع اجلهات، بحيث ال يكون ثمة رابط أو تالقي أو اتصال بينهام ولو نسبيا. تام(١) كتاب الوايف، املوىل حممد حمسن الفيض الكاشاين، ج٩ ص١٧٠٢، عطر عرتت A، ١٤٣٠هـ.(٢) مرآة العقول يف رشح أخبار آل الرسول، املوىل حممد باقر املجليس، ج١٢ ص٤٧٩، دار الكتب

االسالمية-طهران، الطبعة الرابعة ١٣٨٦هـ.ش.

(٣) رشح أصول الكايف، مصدر سابق، ج١١ ص١١.(٤) الطارق ١٣-١٤.

(٥) معجم مقاييس اللغة، ج٤ ص٥٠٥.(٦) الصحاح، ج٥ ص١٧٩٠.

(٧) املصباح املنري، نقال عن التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، ج٩ ص١٠٤.

Page 75: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٧٥ صفات القرآن الكريم

م من هذا التعبري هنا بحسب الظاهر ليس مطلق احلسم النهائي يف األمور، فه ويالقرآن أن يعني ما عداه، وما احلق ومها شيئني، بني التمييز سياق يف احلسم وإنام ا، ومه أو باطال كانت سواء عداها ما ومجيع الثابتة احلقيقية املعاين بني يميز الكريم

وهذا التمييز قاطع ال هتاون فيه.امليوعة بمعنى ل يستعم فاهلزل واهلزل، الفصل بني املقارنة جاءت وهلذا ضعف. عىل يدالن واحد قياس يف كلمتان املقاييس «هزل: يف جاء فقد والضعف،

ن»(١). م فاهلزل: نقيض اجلد، واهلزال: خالف السأو جماملة أي بدون واألوهام، احلقائق بني التمييز يف حيسم الكريم فالقرآن بالتايل ن صورة ضعف، وبدون أي تالعب، فهو ال يمزج بني حق وباطل وال بني حقيقة ووهم ليكو

انتقائية، ولذلك فمعانيه تعرب عن احلقيقة الواقعية الثابتة التي ال يشوهبا أي باطل أو وهم.

ظاهر وباطن

جاء يف اخلرب أعاله «له ظهر وبطن»، فام هو الظهر وما هو البطن؟كظهر األمامية اجلهة بمعنى البطن ويقابلها اخللفية اجلهة يعني ال هنا الظهر ذلك ورد وقد والعمق. اخلفاء من والبطن الظهور، من الظهر بل وبطنه، اإلنسان

 Á À ¿ ¾} يف مواطن عديدة يف القرآن الكريم، كام يف قوله سبحانه ،(٣){Y X W V U T S R Q P} تعاىل وقوله ،(٢){Å Ä Ã

C B} وجل عز وقوله ،(٤){E D C B} اسمه جل وقوله .(٥){E D

(١) معجم مقاييس اللغة، ج٦ ص٥١.(٢) األنعام ١٥١.(٣) األعراف ٣٣.(٤) األنعام ١٢٠.

(٥) احلديد ٣.

Page 76: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٧٦

األمامية اجلهة من متعارف هو ما يشمالن متقابلني كانا وإن والبطن فالظهر د عىل ذلك لغويا، كام يف املصباح واملقاييس «البطن خالف الظهر»(١)، واخللفية، بل أكا الظهور واخلفاء، بحسب ما ورد يف كلامت اللغويني، ففي إال أن تقابلهام يشمل أيضأبطنه: وبطنته باطن، فهو ر، ظه خالف قتل: باب من بطن ي اليشء املصباح «وبطن واهللا ظاهره. خالف دخلته األمر: «وباطن املقاييس ويف باطنه»(٢)، وخربت عرفته

ا»(٣). رب تعاىل هو الباطن ألنه بطن األشياء خالتفسري، بواسطة عليها الوقوع يمكن التي الظاهرة املعاين عن عبارة فالظهر وأما البطن فعبارة عن املعاين العميقة التي ال يمكن الوصول إليها إال عرب التأويل. الباطنة واملعاين األنيقة، باألحكام الظاهرة املعاين K األكرم النبي وصف وقد بالعلوم العميقة، «فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق»، ثم بني عليه الصالة والسالم خصائص ومميزات تلك األحكام والعلوم، والرشوط العقلية والروحية الالزم توفرها يف الباحث عند املامرسة التفسريية والتأويلية، وذلك يف قوله يف عجز اخلرب «له نجوم وعىل نجومه نجوم، ال حتىص عجائبه وال تبىل غرائبه، فيه مصابيح اهلد ومنار ه، نظر الصفة يبلغ ول برصه جال ل يج فل الصفة، ف عر ملن املعرفة عىل ودليل احلكمة، ، فإن التفكر حياة قلب البصري، كام يميش املستنري يف ب طب ويتخلص من نش ن ع نج م ي

الظلامت والنور، فعليكم بحسن التخلص وقلة الرتبص».وألن لنا وقفة مفصلة حول التأويل عند احلديث عن اآلية السابعة من سورة البحث هلذا هناك تعاىل اهللا بمشيئة وسأتعرض هنا، البيان هبذا سأكتفي عمران، آل

بإسهاب.

(١) املصباح املنري، نقال عن التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، ج١ ص٣١٥. ومقاييس اللغة، ج١ ص٢٥٩.

(٢) التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، ج١ ص٣١٥.(٣) مقاييس اللغة، ج١ ص٢٥٩.

Page 77: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

E�FC� ��5;6EFC

�� <=G >?@

�A#BC��

األئمة A والقرآن

Page 78: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 79: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٧٩ فون القرآن (١) األئمة A يعر

فون القرآن (١) األئمة A يعر

صحيحة عبد اهللا بن سنان. ١

ليس ا ثالث حرمات وجل عز هللا إن قال: أنه C الصادق اهللا عبد أيب عن مثلهن شئ: كتابه وهو حكمته ونوره، وبيته الذي جعله قبلة للناس ال يقبل من أحد

.K ا إىل غريه، وعرتة نبيكم توجه

سند الرواية: األخبار(٢) ومعاين األمايل(١) ففي بسندين، كتبه من ثالثة يف الصدوق رواها رواها عن أبيه عن عبد اهللا بن جعفر احلمريي عن حممد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ويف ،C الصادق اإلمام عن سنان بن اهللا عبد عن الرمحن عبد بن يونس عن اخلصال(٣) رواها عن أبيه عن سعد بن عبد اهللا عن حممد بن عبد احلميد عن ابن أيب

نجران عن عاصم بن محيد عن أيب محزة الثاميل عن عكرمة عن ابن عباس. الطبعة قم، البعثة- مؤسسة يف والنرش الطباعة مؤسسة ص٣٦٦، الصدوق، الشيخ األمايل، (١)

األوىل ١٤١٧هـ. (٢) معاين األخبار، الشيخ الصدوق، ص١١٧، مؤسسة النرش اإلسالمي التابعة جلامعة املدرسني-

قم، ١٣٧٩هـ.(٣) اخلصال، الشيخ الصدوق، ص١٤٦، مجاعة املدرسني التابعة للحوزة العلمية- قم، ١٤٠٣هـ.

Page 80: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٨٠

اخلصال سند وأما رجاله، مجيع لوثاقة صحيح األخبار ومعاين األمايل وسند من يستشعر قد بل توثيق حقه يف يثبت مل الذي خصوصا، عكرمة جهة من فضعفه عبد بن لمحمد خاص توثيق وجود عدم مع فيه(١)، القدح ثبوت الروايات بعض الحميد، أضف إلى ذلك أن الكالم ينتهي إلى عبد الله بن عباس وليس إلى المعصوم ة من اعتماد رواية الخصال لتطابقها مع ما جاء في األمالي C، ومع ذلك ال مضر

.C والمعاني عن المعصوم

(١) فقد رو الكيش عن زرارة قال أبو جعفر C: «لو أدركت عكرمة عند املوت لنفعته» قيل أليب عبد اهللا C بامذا ينفعه؟ قال: «كان يلقنه بام أنتم عليه، فلم يدركه أبو جعفر C ومل ينفعه». لعكرمة يوجب ومل « خليال فالنا الختذت خليال اختذت «لو يرو ما نحو وهذا الكيش: قال آل مؤسسة ص٤٧٧، ج٢ الطويس، الشيخ الرجال، معرفة اختيار ضده». أوجب بل مدحا،

البيت A إلحياء الرتاث.

Page 81: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٨١ الداللة واملعنى

الداللة والمعنى

ماذا تعني كلمة حرمات؟ وماذا يعني أهنا هللا سبحانه؟وكيف ليس مثلهن يشء؟

ª © ¨ § ¦} وردت هذه الكلمة يف كتاب اهللا يف قوله سبحانه» ¬ ® ¯ °}(١)، وذلك يف سياق احلديث عن مناسك احلج، فقد قال عز

P O N M L K J I H G F} وجل يف مطلع اآليات ] \ [ Z Y X W V U T S R Q l k j i h g f e d c b a ` _ ^ { z y x w v ut s r q p o n mقال ذلك بعد ،(٢){¤ £ ¢ ¡ ے ~ } |يف احلرمات تعنيه فام .{° ¯ ® ¬ « ª © ¨ § ¦} سبحانه

اآلية هو بنفسه ما تعنيه احلرمات يف الرواية.قيل احلرمات مجع حرمة وهي ما ال حيل انتهاكه، وأضاف صاحب امليزان إىل

(١)احلج ٣٠.(٢)احلج ٢٦-٢٩.

Page 82: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٨٢

مة – ر حرمة اإلنتهاك وجوب الرعاية، وهكذا بن عاشور فقد قال أن احلرمات مجع حم، كناية ر ف االحرتام بأنه: اعتبار الشئ ذا ح بضمتني- وهي ما جيب احرتامه، ثم عر

عن عدم الدخول فيه، أي عدم انتهاكه . وعدم الوجوه، من وجه بأي عليه ي التعد جيوز ال ما تعني فاحلرمات بالتايل من وجها اإلمهال يكون وقد الذاتية، وقيمته مكانته عىل يدلل عليه التعدي جواز تنص مل وإن الرواية من يفهم ما وهو التعظيم عىل اآلية نصت وهلذا التعدي وجوه عليه، باعتبار أن الرواية ذكرت املوضوع فقط من دون اإلشارة إىل احلكم، ويف كثري يكون حني وذلك املوضوع، بذكر نكتفي بل احلكم ذكر إىل نحتاج ال األحيان من ا له، فكلام ا بإزاء املوضوع يف مكان آخر، فيكون احلكم مالزم ا أو مذكور احلكم معروفذكر املوضوع ينرصف الذهن تلقائيا للحكم، ألن األحكام تتبع املوضوعات، وهذا

من فنون الكالم.بناء عىل ذلك فإن تطبيق الرواية لعنوان احلرمات عىل مصداق خارجي يعني بشكل تلقائي وجوب تعظيمه، أي جيب تعظيم كتاب اهللا سبحانه ألنه من احلرمات.

هلذا ينبغي أن نتساءل عن مفهوم التعظيم.رآه أي الشئ واستعظم والتفخيم، التوقري بمعنى التعظيم أن اللغة يف كر ذ(١)، والعظيم أقو مرتبة وأرفع درجة من الكبري، فإن الكبري يقابله الصغري(٢)، عظيامبينام العظيم يقابله احلقري(٣). وذلك يفيد بأن احلرمات ينبغي أن توقر بمستو يتجاوز

أي توقري ألي موجود له مكانة وشأن.بالتايل فامدام كتاب اهللا عز وجل من احلرمات، فال جيوز التعدي عليه وال هتكه بأي وجه من الوجوه، بل جيب تعظيمه وذلك بإعطائه أعىل قدر من التقدير والتوقري، الكريم، القرآن كلامت يف والتحقيق ص١٥٢، ج٤ الفريوزآبادي، املحيط، القاموس (١)أنظر املصطفوي، ج٨ ص٢١٢، مركز نرش آثار عالمة مصطفوي- طهران، الطبعة األوىل ١٣٨٥هـ.ش.

(٢)التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، املصطفوي، ج٨ ص٢١٤. (٣)املصدر نفسه، ص٢١٣.

Page 83: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٨٣ الداللة واملعنى

أي جيب إعطاؤه تقديرا يفوق أي تقدير وتوقريا يفوق أي توقري.لكن ملاذا وجب التعظيم لكتاب اهللا سبحانه وتعاىل؟

أوال لنسبته إىل اهللا جل شأنه وذلك يعطيه مكانة خاصة، وثانيا ألنه حكمة اهللا سبحانه، وثالثا ألنه نوره، فهذا ما نطقت به الرواية.

هلذا نتساءل: ما معنى هذه النسبة، وما معنى أنه حكمته ونوره؟أهنا ال سبحانه، هللا احلرمات أن عىل ت نص أهنا نجد الرواية صدر نالحظ لو ت عىل أن الكتاب كتاب اهللا جل شأنه، ال أنه كتاب فقط أو جمرد حرمات، كام أهنا نصأنه كتاب له. فاحلرمات هللا والكتاب كتابه، وهذا ما نعنيه بنسبة احلرمات والكتاب هللا،

واألول يعني اإلختصاص فهي له ذاته ال لغريه، والثاين أنه منه ال من غريه.حرمة أي من أعظم وأهنا أمهيتها يفيد سبحانه هللا احلرمات كون فإن بالتايل أخر، فالنسبة بني هذه احلرمات وغريها من احلرمات كالنسبة بني اهللا سبحانه وسائر خلقه، فألن اهللا عز وجل أعظم من كل شئ فحرماته أعظم من كل حرمة، وهذا ربام ما عناه اإلمام C من قوله يف الرواية أعاله: «ليس مثلهن يشء»، باإلضافة ملا هلذا

القول من ظالل ودالالت أخر سنأيت عليها. يعني ال الثالث احلرمات ذكر عىل اإلقتصار أن عىل هنا التأكيد رضورة مع اإلختصاص، باعتبار أن اللقب ال مفهوم له، وإنام يعني التأكيد عىل موقعيتها، أي أن حرمات اهللا سبحانه ال تقترص عىل هذه فقط، واإلقتصار عىل ذكرها من أجل أمهيتها، وإال فقد ذكرت الروايات حرمات أخر هللا سبحانه بإزاء هذه احلرمات، فقد جاء يف صحيحة عيل بن شجرة عن أيب عبد اهللا C قال: هللا عز وجل يف بالده مخس حرم: حرمة رسول اهللا K، وحرمة آل رسول اهللا صىل اهللا عليهم، وحرمة كتاب اهللا عز

وجل، وحرمة كعبة اهللا، وحرمة املؤمن.(١)(١) الكايف، حممد بن يعقوب الكليني، ج٨ ص١٠٧، دار الكتب اإلسالمية- طهران، الطبعة الرابعة

١٣٦٢هـ.ش.

Page 84: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٨٤

وبالنظر إىل كال الروايتني نكتشف بأن اإلقتصار عىل ذكر احلرمات الثالث يف األوىل جاء للتأكيد عىل أمهية احلرمات املذكورة ال الختصاص احلرمة هبا، حيث ورد

يف كالم اإلمام C «ليس مثلهن يشء»، بينام مل يرد مثل ذلك يف الرواية الثانية.بعض ألن نظرا ،أخر جهة من االستنتاج هذا عىل إشكال ح يطر قد لكن ت عىل أن حرمة املؤمن أعظم عند اهللا عز وجل من حرمة الكعبة، فقد الروايات نصجاء يف صحيحة إبراهيم بن عمر عن أيب عبد اهللا الصادق C قال: املؤمن أعظم

حرمة من الكعبة.(١)منها، أعظم حرمة ال أي يشء»، مثلهن «ليس الثالث احلرمات كانت فإذا أعظم املؤمن حرمة بأن األخرية الرواية تقول فكيف املؤمن، حرمة بينها من وليس

من حرمة الكعبة.وبتعبري آخر: صحيحة عبد اهللا بن سنان يظهر منها أن حرمة الكعبة أعظم من من أعظم املؤمن حرمة أن يف رصحية عمر بن إبراهيم صحيحة بينام املؤمن، حرمة

حرمة الكعبة. كيف؟حلل هذا التعارض ربام يقال بأن األمر يعود لتعدد اللحاظ، فبلحاظ ما تكون من أعظم املؤمن حرمة تكون آخر وبلحاظ املؤمن، من حتى حرمة أعظم الكعبة حرمة الكعبة، ويؤيد ذلك بام روي عن النبي األكرم حممد K حني نظر إىل الكعبة وقال: مرحبا بالبيت، ما أعظمك وأعظم حرمتك عىل اهللا، واهللا ال املؤمن أعظم حرمة ظن به يظن وأن ودمه، ماله، ثالث: املؤمن ومن واحدة منك م حر اهللا ألن منك،

السوء(٢).أمواله عىل التعدي أو عرضه هتك أو املؤمن دم بإراقة األمر تعلق لو هلذا

(١) اخلصال، الشيخ الصدوق، ص٢٧، منشورات مجاعة املدرسني يف احلوزة العلمية يف قم، ١٨ ذي القعدة ١٤٠٣هـ.

(٢) مشكاة األنوار، عيل الطربيس، ص١٤٩، دار احلديث، الطبعة األوىل ١٤١٨هـ.

Page 85: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٨٥ الداللة واملعنى

وممتلكاته، فستكون حرمة املؤمن من هذه اجلهة أعظم من حرمة الكعبة، أما لو تعلق األمر هبدم الكعبة أو تلويثها يف مقابل بعض املراتب النازلة من حرمة املؤمن كرضبه أو شتمه أو طرده مثال، فستكون حرمة الكعبة من هذه اجلهة أعظم من حرمة املؤمن. لو أما ،K النبي عن املرواة الرواية هذه باعتبار القول فرض عىل هذا قلنا بعدم اعتبارها فقد يكون األمر خمتلفا، والظاهر فعال عدم اعتبارها من جهتني، األوىل إرساهلا، والثانية التشكيك يف اعتبار كتاب مشكاة األنوار كام هو مبنى بعض ملا بالنسبة خصوصا ثني املحد بعض عبارات من أيضا ذلك يظهر وقد املحققني(١)، د به، نظرا ألن أغلب أخبار هذا الكتاب منقولة من كتاب املحاسن، فاعتبار أخبار تفربه تفرد ما فإن بالتايل املحاسن، كتاب العتبار راجع املحاسن من املنقولة املشكاة املشكاة ال يمكن أن يكون معتربا إال إذا كان الكتاب بنفسه معتربا، فإذا مل يثبت اعتبار

الكتاب ومل يثبت توثيق خاص أو عام للكاتب فال يمكن اجلزم باعتبار الرواية. ومع ذلك فإن قوله C: «ليس مثلهن يشء» إذا ضممناه إىل األخبار املعظمة من حرمة املؤمن، يتضح لنا بأن عدم املثلية راجع حليثيات خاصة، كام أن عظمة حرمة

.املؤمن راجع حليثيات خاصة أخروينبغي أن أضيف هنا بأن كون املؤمن أعظم حرمة من الكعبة حتى لو أخذناه عىل إطالقه، فإنه منحرص بالكعبة فقط، لورود النص اخلاص، وهبذا تبقى احلرمتان األخريتان -القرآن والعرتة- عىل مكانتهام حتى بالقياس حلرمة املؤمن. فحرمة العرتة أعظم من حرمة سائر املؤمنني، وهكذا بالنسبة حلرمة القرآن.وهذا مفاد نسبة القرآن

هللا عز وجل.لكن ماذا تعني لنا هذه النسبة؟ أي ما هي اآلثار العملية التي ترتبط بنا؟

كام هو واضح فقد خلصت الرواية تلك اآلثار يف احلكمة والنور. فالقرآن ألنه (١) أصول علم الرجال، الشيخ حممد عيل صالح املعلم، تقريرا ألبحاث الشيخ مسلم الداوري، ج٢

ص١٠٣، مؤسسة فرهنكي صاحب األمر (عج)، الطبعة الثالثة ٢٠٠٨م،

Page 86: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٨٦

كتاب اهللا عز وجل فهو حكمته ونوره. فامذا تعني احلكمة وماذا يعني النور؟

الذاتية القيمة إىل تشري واحلكمة آن، يف ونور حكمة هو سبحانه اهللا كتاب للمعاين القرآنية، والنور يشري إىل األثر اخلارجي.

درجة إىل يرقى كي يتعلم إنام واإلنسان العلم، درجات أرقى هي احلكمة º¹ ¸ ¶ μ} سبحانه قوله من ذلك يفهم كام العلم ثمرة فهي احلكمة، نبيه عىل وتعاىل سبحانه اهللا من وهلذا ،(١){Á À ¿ ¾ ½ ¼ »وعىل ،(٢){B A @ ? > =} احلكمة آتاه ألنه C داود

لقامن أيضا {! " # $ % & '}(٣).تعاىل اهللا من فاحلكمة والعقل، بالعلم احلق إصابة املفردات «احلكمة يف جاء التام الكشف فيها مأخوذ فاحلكمة اإلحكام»(٤)، غاية عىل وإجيادها األشياء معرفة املعارف وصف يف اللغويني املحققني بعض اشرتط وهلذا اليقني، أي للحقيقة،

باحلكمة والقرارات القضائية باحلكم إذا كانت «عن بت ويقني»(٥).فكتاب اهللا عز وجل حكمة ألنه حيمل احلقائق اليقينية لإلنسان، بل هو ليس

جمرد حكمة، وإنام حكمة اهللا سبحانه، وبالتايل فهو حقائق يقينية إهلية. S R Q P O N M} كام أنه نور، وفيه قال سبحانه _ ^ ] \ [ Z Y X W V U T

(١) البقرة ٢٦٩.(٢) ص ٢٠.

(٣) لقامن ١٢.الثالثة الطبعة بريوت، املعرفة- دار ص١٣٤، األصفهاين، الراغب القرآن، غريب يف املفردات (٤)

٢٠٠١م.(٥) التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، مصدر سابق، ج٢ ص٣٠٩.

Page 87: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٨٧ الداللة واملعنى

لإلنسان يكشف والنور ،(١){f e d c b a `الطريق ليسري عىل هداية، فال يتخبط وال يتعثر وال يضل، وهذا ما أشارت إليه اآلية من اإلنسان وخيرج واألمن، السالم سبل إىل هيدي نور فالقرآن رصيح، بشكل اعوجاج ال الذي املستقيم الرصاط إىل أيضا وهيدي العلم، نور إىل اجلهل ظلامت فيه، فبفضله تكون مسرية اإلنسان يف احلياة صحيحة متوازنة. وكام احلكمة ليست أي حكمة، كذلك النور ليس أي نور، بل هو نور اهللا سبحانه وتعاىل، وبالتايل فهو دليل

وقائد إهلي يسري باإلنسان أبدا يف اخلط الصحيح.احلرمات، أعظم من حرمة الكريم القرآن بأن القول إىل الرواية ختلص وهبذا م ك احل عىل الوقوف التعظيم مصاديق أجىل ومن هتكها، وحيرم تعظيمها فيجب املوجودة فيه وتفعيلها لتكون نورا يستضاء به يف مسرية اإلنسان يف احلياة، وأما إمهاهلا

فهو وجه من أخطر وجوه اهلتك.أنه عىل معه والتعامل بالقرآن التمسك رضورة عىل تؤكد الرواية فهذه هلذا

حكمة ونور، ال جمرد آيات تتىل وترتل بال معرفة بمضامينها.

(١) املائدة ١٥-١٦.

Page 88: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 89: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٨٩ فون القرآن (٢) األئمة A يعر

فون القرآن (٢) األئمة A يعر

صحيحة أو موثقة سماعة. ٢

قال أبو عبد اهللا C: إن العزيز اجلبار أنزل عليكم كتابه وهو الصادق البار، م وخرب السامء واألرض، ولو أتاكم من ك د م وخرب من بع بلك فيه خربكم وخرب من ق

بتم.(١) ج م عن ذلك لتع ك رب خي

السند:

أبيه عن الثقة، إبراهيم بن عيل عن الكليني يعقوب بن حممد الشيخ رواها إبراهيم بن هاشم الثقة عىل األصح، عن عبد اهللا بن املغرية الثقة، عن سامعة بن مهران الثقة، فالسند صحيح لوثاقة مجيع رجاله، ولو تم القول بكون بن مهران واقفيا فهي

موثقة، لكن هذا القول حمل نظر(٢).

بريوت، للمطبوعات- األعلمي مؤسسة ص٦٣٢، الكليني، يعقوب بن حممد الكايف، أصول (١)الطبعة األوىل ٢٠٠٥م.

(٢) معجم رجال احلديث، السيد اخلوئي، ج٩ ص٣١٢، الطبعة اخلامسة ١٩٩٢م.

Page 90: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 91: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٩١ الداللة واملعنى

الداللة والمعنى

(الصادق البار)

ما املراد بـ(الصادق البار)؟أحدها القرآين، اإلستعامل يف واضح هو كام عديدة مواطن يف يتجىل الصدق املستقبل أو ،(١){[ Z Y} سبحانه كقوله املايض عن سواء اإلخبار يف الصدق

-وهو اإليعاد-كقوله عز من قائل {¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦§ ¨ © » º ¹ ¸ ¶ μ´ ³ ² ± ° ¯ ® ¬ « ª

¼ ½ ¾ ¿ À}(٢)، وثانيها بمعنى الثبات يف املواطن الصعبة كقوله تعاىل

3 2 10 / . - , + * )( ' & % $ # " !}4}(٣)، وثالثها اإللتزام التام بالقيم والتعاليم الدينية كقوله سبحانه {" # $ 2 1 0 / . - , + * ) ( ' & % ? > = < ; : 9 8 7 6 5 4 3 L K J IH G F E D C B A @

(١) آل عمران ٩٣.(٢) الفتح ٢٧.

(٣) األحزاب ٢٣.

Page 92: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٩٢

.(١){W V U TS R Q PO N M

مستو عىل سواء الواقع مع املطابقة يعني الصدق أن ذلك كل من والظاهر بالصدق املوصوف ث حتد فإذا العميل. التطبيق مستو عىل أو الشفهي اخلطاب

ق يف اإلخبار ويف تنفيذ ما التزم به. صديف جاء فقد والصالبة، القوة عىل يدل اللغة يف الصدق أن ذلك إىل أضف املقاييس «صدق: أصل يدل عىل قوة يف يشء قوال وغريه. من ذلك الصدق: خالف من هذا وأصل باطل، هو له قوة ال الكذب وألن نفسه، يف لقوته ي سم الكذب، ق. ويقال صدقوهم القتال (تصلبوا فيه)، د مح ص لب ور ق أي ص د قوهلم: يشء صاملرأة، داق ص داق: والص للصدق. املالزم يق: د والص بوهم. كذ ذلك خالف ويف

ته وأنه حق يلزم»(٢). ي بذلك لقو سممن هو الصادق أن بمعنى الواقع، مع املطابقة قوة هنا تفيد والصالبة والقوة

يطابق قوله احلقيقة النظرية والواقع العميل بأعىل املستويات.: أربعة أصول، فهو يف اللغة مرادف للصدق، فقد جاء يف املقاييس «بر وأما الربفالن صدق فقوهلم: الصدق فأما ونبت. البحر، وخالف صوت، وحكاية الصدق، ه، ها: أمضاها عىل الصدق، وتقول: بر اهللا حجك وأبر ت يمينه: صدقت، وأبر ، وبر وبررب ربه، أي يطيعه بلت قبول العمل الصادق، ومن ذلك قوهلم: ي ة مربورة، أي ق وحج

ذا قرابته، وأصله الصدق يف املحبة»(٣). رب وهو من الصدق، ومن هذا الباب: هو ير وبار ا وزان علم، فهو ب ر ب رب : اخلري والفضل، وبر الرجل ي ويف املصباح «الرب

.(٤)« أيضا أي صادق أو تقي(١) البقرة ١٧٧.

(٢) معجم مقاييس اللغة، ابو احلسن أمحد بن فارس زكريا، ج٣ ص٣٣٩، مكتبة اإلعالم اإلسالمي ١٤٠٤هـ.

(٣) املصدر نفسه، ج١ ص١٧٧.(٤) املصباح املنري، نقال عن التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، مصدر سابق، ج١ ص٢٦٩.

Page 93: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٩٣ الداللة واملعنى

يف ذكره من واحلكمة الصادق، معنى (البار): يكون التعريف هذا عىل وبناء الكالم بعد رديفه (الصادق) التأكيد عىل الصدق.وهو مستساغ يف كالم احلكيم، لكن كان وإن فالرب ،أخر داللة إضافة وإنام التأكيد، جمرد ليس املراد أن يبدو ذلك مع بمعنى الصدق فعال، إال أن له ظالال أخر عىل الكالم، باعتبار أنه يستعمل بمعنى منه ر و وتص البحر، خالف : «الرب الراغب مفردات يف جاء فقد اليشء، يف التوسع منه أريد استعمل إذا وهلذا اخلري»(١)، فعل يف ع التوس أي الرب منه فاشتق ع، التوسإضافة معنى إىل الصدق، خصوصا إذا كان معطوفا عىل الصدق، وهذا ما أشار إليه

ع فيه»(٢). ل الرب يف الصدق لكونه بعض اخلري املتوس الراغب بقوله «ويستعمع املذكور، وهلذا وبعبارة أخر: الرب يف نفسه كلفظ يدل عىل الصدق مع التوسكر معطوفا عىل الصدق، دا لدل عىل الصدق مع التوسع، فكيف إذا ذ كر الرب جمر فلو ذمنه يلزم ال الرتادف ألن وذلك آكد، بشكل حارضا التوسع حلاظ سيكون فالشك

ية، بل يبقى لكل لفظ خصوصياته. املطابقة الكلوبناء عىل ذلك يكون معنى الرب هنا التوسع يف الصدق، وهو يعني متامية الصدق : الدليل الواقعي وواقعيته باملستو الذي ال يبقى معه جمال للشك أو الضبابية، فمثالالواحد كاف يف حتقق مفهوم الصدق، أما الرب فيعني وفرة األدلة الواقعية ووضوحها،

وكثرة الشواهد، ودقة املعاين، وما إىل ذلك.

(فيه خبركم)تقول باليشء، العلم «اخلرب: املقاييس يف جاء فقد العلم، بمعنى اللغة يف اخلرب ربت املصباح «خ ويف يشء»(٣)، بكل عامل أي اخلبري، تعاىل واهللا رب، وخ ربة خ بفالن يل : علمته»(٤)، وهكذا يف جممع البحرين «اخلرب بضم اخلاء ربا ه من باب قتل، خ اليشء أخرب

(١) املفردات يف غريب القرآن، مصدر سابق، ص٥١.(٢) املصدر نفسه.

(٣) معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج٢ ص٢٣٩.(٤) نقال عن التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، مصدر سابق، ج٣ ص١٣.

Page 94: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٩٤

.(٢)« فالسكون: العلم، ومنه قوله تعاىل {v u t s r q p o}(١): أي علامبل اجلهات، مجيع ومن الكلية املطابقة يعني ال الرتادف أن أسلفنا وكام لكن إال العلم، يعني كان وإن اخلرب فإن كذلك، هنا وهو خصوصيات، لفظ لكل يبقى اخلرب بني «الفرق الفروق ففي خاص، نوع من علم أنه أي إضافية، خاصية له أن والعلم: أن اخلرب هو العلم بكنه املعلومات عىل حقائقها، ففيه معنى زائد عىل العلم، ربه»(٣)، وهلذا قال املازندراين «اخلربة: ، إذا عرفت حقيقة خ ت اليشء رب من قولك خمعرفة بواطن األمور»(٤)، وهكذا قال املصطفوي «أن األصل الواحد يف هذه املادة:

هو اإلطالع النافذ والعلم بالتحقيق واإلحاطة والدقة»(٥).ية املتعلقة بكم. لكن ما هي ق إذا قوله C: «خربكم»، أي العلم باحلقائق الد

احلقائق؟ال شك أهنا ال تعني تفاصيل أحوالنا وبراجمنا اليومية، وإنام تعني القيم واملباديء احلق أساس عىل قائمة صحيحة مسرية اليومية مسريتنا تكون حتى نحتاجها التي وقيم تعاليم كتاب هو وإنام اليومية، للمذكرات كتابا ليس القرآن ألن والفضيلة،

R Q P O N M} سبحانه: قال كام البرش، هداية إىل هتدف ^ ] \ [ Z Y X W V U T Sذلك ومع ،(٦){f e d c b a ` _

(١) الكهف ٦٨.الثانية الطبعة اإلسالمية، الثقافة النرش مكتب ص٦١٩، ج١ الطرحيي، الشيخ البحرين، جممع (٢)

١٤٠٨هـ.جلامعة التابعة اإلسالمي النرش مؤسسة ص٢١١، العسكري، هالل أبو اللغوية، الفروق (٣)

املدرسني- قم، الطبعة األوىل ١٤١٢هـ.العريب- الرتاث إحياء دار ص٢٢٨، ج١٢ املازندراين، صالح حممد موىل الكايف، أصول رشح (٤)

بريوت، الطبعة األوىل ١٤٢١هـ.(٥) التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، مصدر سابق، ج٣ ص١٥.

(٦) املائدة ١٥-١٦.

Page 95: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٩٥ الداللة واملعنى

والتعليم التوجيه سبيل يف ولكن اليومية اجلزئيات لبعض الكريم القرآن يتطرق قد زوجها ظاهرها التي خولة قصة يف مثال حصل كام احلياتية، أو الدينية القيم ببعض

تعاىل: {! " # $ % قال شأهنا، يف K النبي فجادلت الصامت، بن أوس & ' ) ( * + , - ./ 0 1 2 3}(١)، وما أشبه ذلك.

تنظم التي والقيم اإلرشادات بوجود يفيد خربكم» «فيه :C فقوله هبذا والعملية النظرية العلمية القيم بل قيم، أي ليس ولكن جيل، بعد جيال البرش حياة ش التي ترقى إىل رتبة احلقيقة والكشف التام، أي ما حيتاجه اإلنسان فعال، بال أي تشو

أو خلل وشبههام.

(وخبر من قبلكم)مفهوم اخلرب هنا متطابق مع سابقه، واإلختالف إنام هو يف اللحاظ الزمني فقط، األصل طبق صورة لقارئه م يقد الكريم فالقرآن بالتايل هناك، واحلارض هنا فاملايض النجاح عوامل السابقة، األمم حياة يف جتلت التي للقيم وإنام التاريخ لوقائع ليس

رب والدروس الواقعية . وعوامل الفشل، وبالتايل العأمة فشل أو نجاح وراء كانت التي احلقيقية األسباب يعرض القرآن أن أي حصل بام اليقني مرتبة إىل بالقارئ يصل الذي باملستو ما، إنسان أو األمم من وباألسباب واجلذور الكامنة وراءه. وذلك بال شك سيكون له أبلغ األثر يف املسرية

احلارضة واملستقبلية لإلنسان.

(وخبر من بعدكم)

ثنا القرآن الكريم عن املستقبل؟ كيف حيدأحداث عن عبارة املايض ألن فهمه، يسهل أمر املايض عن القرآن ثنا حيد أن ووقائع حصلت فعال، فيمكن تشخيصها واستكشاف أسباهبا والعوامل املؤثرة فيها،

(١) املجادلة ١.

Page 96: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٩٦

ثنا القرآن عن احلارض، وذلك بالتنبيه إىل بعض القيم واإلرشادات كام يمكن أن حيدالتي تنفع اإلنسان يف بناء حياته بالشكل الصحيح.

أما املستقبل فال أحداثه قد وقعت فعال، وال أسباب تلك األحداث، فبأي كيفية من يكون لن كام ختمينات، جمرد يكون لن حديثه أن خصوصا عنه، القرآن حيدثنا إذا قبيل اإلسترشاف املستقبيل، وإنام هو من جنس اإلخبار، أي الكشف الذي يرقى إىل رتبة باملستو ستقع التي الواقعية احلقائق لنا يكشف املستقبيل حديثه يف فالقرآن احلقيقة، الذي حيتمل الشك والريب أبدا، نظرا ألن اخلرب يعني الكشف احلقيقي التام عن اليشء.

بالتايل فاحلديث املستقبيل للقرآن ينحل إىل أسلوبني كام هو واضح ملن له أنس باآليات القرآنية املباركة:

١- اإلخبار عن أحداث ستقع، كام يف قوله سبحانه: {¡ ¢ £ ¤ ¥ ¶ μ ³ ² ± ° ® ¬ « ª © §¦

¸ À ¿ ¾ ½ ¼ » º ¹}(١)، وكام يف قوله تعاىل: {{ ~ ے

النمط وهذا (٢){¬ « ª © ¨ § ¦ ¥ ¤ £ ¢ ¡اآليات هذه فيه نزلت الذي الظرف عارصوا الذين أولئك كثريا يعني اإلخبار من املباركة، خصوصا بعد حتققه الفعيل، ألنه يزيد من عزيمتهم ويقينهم. متاما كام بالنسبة

Q P O N M L} لنا فيام إذا حتقق واقعا ما أخرب به اهللا جل شأنه يف قوله.(٣){W V U T S R

٢- اإلخبار عن املستقبل يف إطار التعريف بالسنن اإلهلية احلتمية، كام يف قوله Ä Ã Â ÁÀ ¿ ¾ ½ ¼ »º ¹ ¸ ¶ μ ´} قائل من عز يف كام واألخالقي، القيمي التوجيه إطار ويف ،(٤){Ì Ë Ê É È ÇÆ Å

(١) الفتح ٢٧.(٢) الروم ٢-٤.

(٣) األنبياء ١٠٥.(٤) فاطر ٤٣.

Page 97: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٩٧ الداللة واملعنى

هذه اآلية املباركة {! " # $ % & ' ) ( * + , Ä Ã} 0 1 2}(١)، وكام يف قوله سبحانه / . - Ò Ñ Ð Ï Î Í Ì Ë Ê É È Ç Æ ÅÓ}(٢)، فاإلخبار باملستقبل ال يقترص عىل الوقائع اخلارجية، وإنام يشمل ما من شأنه صياغة عقل اإلنسان وروحه، من خالل التأكيد عىل نتائج وثامر اإللتزام بالقيم

الدينية واألخالقية، وذلك يف سياق التوجيه والرتبية.

(وخبر السماء واألرض)

خرب السامء لعله يراد به األمور الغيبية، وأما خرب األرض فام يقابل الغيب، أي أن إال املادية، واألمور املشهودات من كانت وإن فالسامء اخلارجية. املادية األمور يفهم قد كام املادة، وراء ما إىل لإلشارة تذكرها والروائية القرآنية النصوص بعض

من قوله سبحانه {z y x w v ut s r q p o n } | { ~ ے É È Ç Æ Å Ä Ã Â} (٣)، ومن قوله عز وجل{¡

.(٤){Ï Î Í Ì Ë Ê

ارتقى وإنام املادية، العلوم ذكر عىل يقترص مل الكريم القرآن أن يعني وهذا ير أن عىل قادر العقل بأن إشعار فيه وذلك الغيبية، العلوم رحاب إىل باإلنسان با من جزئيتني مادية وغيبية، بمستو احلقيقة واليقني ما وراء املادة، بحيث يكون مرك

وهذا ما ال يوفره أي خطاب.

بتم) (ولو أتاكم من يخبركم عن ذلك لتعج

وعن واملستقبل واحلارض املايض عن وأخربنا إلينا البرش من أحد جاء فلو (١) األعراف ٩٦.

(٢) هود ٥٢.(٣) إبراهيم ٣٨.(٤) اإلرساء ٩٥.

Page 98: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٩٨

بنا من قدرته اخلارقة التي جتعله قادرا عىل كشف احلقائق اليقينية الغيب واملادة، لتعجليس ملا هو مشهود من األمور املادية احلارضة فقط، وإنام ملا وراء الشهود من املايض

.الذي مل نعارصه واملستقبل الذي مل يقع والغيب الذي ال يرب أن مثل هذه األمور ال يستطيع العقل البرشي املجرد وضمن ووجه التعجقوانني الطبيعة الظفر هبا عادة، إال أن يكون متصال بالقوة الغيبية، كام هو شأن األنبياء A، ولذلك كان معارصوهم يشككون يف ما ينقلونه هلم من الغيبيات، كام يف قضية

اإلرساء واملعراج وشبهها.م لنا كشفا يقينيا عن حقائق املايض واحلارض واملستقبل، هبذا فالقرآن الكريم يقداملادية منها والغيبية، وكل ذلك يف سبيل بناء حياة اإلنسان الدنيوية واألخروية بالشكل

الصحيح.القرآن لفهم الصحيح املنهج نتعلم كي لنا ا توجيه يتضمن ذلك أن والشك ل بنا يف األزمنة الثالثة ليس يف حدود املشهود الكريم، وننفتح عليه بأفق واسع يتنق

بل يتجاوز إىل ما وراء الشهود.

Page 99: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

�346��HI ��

J;�EFC

�� �34KG� �!�"#

�7����

الموقعية العملية للنص القرآني

Page 100: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 101: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٠١ متهيد

تمهيد

تولت املقدمة األوىل الكشف عن املوقعية العلمية للنص القرآين، أي ماذا يمثله القرآن من علم ومعرفة، وطبيعة مميزاته العلمية.

أما هذه املقدمة فتعنى باحلديث عن املوقعية العملية، أي املوقعية اخلاصة للكالم اإلهلي بني سائر الكالم، واآلثار الواقعية لإللتزام بمعانيه ومفاهيمه.

Page 102: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 103: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

89 :;��,

-./012� <=� >?@

�A#BC��

بـيــن كــالمــيـن

Page 104: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 105: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٠٥ بني الكالم اإلهلي والكالم البرشي

بين الكالم اإللهي والكالم البشري

ل بطبيعتها ة، تشك ر هذا النوع من البحث العديد من التساؤالت املحوري تتصدر مفك ألي املعريف اإلبداع ثنايا ففي لوالها، مبعث له كان ما بل له، ا حيوي منطلقا زه نحو املبالغة يف التأمل ه وحتف تربز مثل هذه التساؤالت بشكل أوتوماتيكي، لتستفزالبرشي اإلطار يف املستنتجة املعارف بني العالقة تنظم واضحة رؤية إعطاء هبدف

والقيم القرآنية ببعدهيا الثابت واملتغري.

تساؤالت هامة

أمهات هذه التساؤالت يمكن إحصاؤها يف التايل: ماذا يعني القرآن بالنسبة لنا؟

ما هي أصول العالقة بني القيم واملفاهيم القرآنية وبني ما يبدعه العقل البرشي من فكر وثقافة؟

ما هي النسبة الصحيحة بني الفكر القرآين والفكري اإلنساين؟هل يمكن لنا فرز نموذج متميز من الثقافة نطلق عليه «الثقافة القرآنية»؟

هل هذه التساؤالت تيش بنوع من التحفظ عىل بعض النامذج الثقافية املتادولة؟

Page 106: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٠٦

إطاللةأمام احلقيقة يف بأننا التسليم الرضوري من للبحث وكمدخل احلديث مطلع يف املتداولة الثقافية اإلجراءات من الكثري عىل تنطبق أن يمكن وسيالة، أساس إشكالية ل سببا الختالفات فكرية عديدة واألبحاث املتجددة، ولعلها أحد أهم املنطلقات التي تشكذات بعد مبنائي. فنحن أمام نموذجني من الكالم، كالم إهلي له مميزات خاصة، يرتكز فيه ذلك ن يتضم بام اإلنسان خالق عن صدر النسبية، عن يكون ما وأبعد اإلطالق، طابع ن إلزامات ومفاهيم وقيم، وكالم برشي نني جلوهره، وتضم اإلنسان من عقل وروح املكوواإلجتامعية النفسية والظروف واملكان بالزمان غالبا يتأثر النسبية، إىل يكون ما أقرب املحيطة به. فهل ثمة قانون حيكم العالقة بني الكالمني يف مسرية الفكر والثقافة، بأن يكون أحدمها حاكام عىل الثاين، أو أن كال منهام يتكامل مع اآلخر، أم ال وجه هلذه العالقة من

.أصل، ملحدودية كال الكالمني من جهة الزمان واملكان، وتساؤالت أخرسيلقي ر، مفك أي قبل من التساؤالت هبذه تتعلق رؤية أو إجابة أي فرز إن بظالله بشكل أو بآخر عىل جممل اإلبداعات الثقافية له، وهذا ما يعطي هذه التساؤالت

أمهية خاصة، ويؤكد عىل رضورة مناقشتها. لذلك فقد حظيت هذه التساؤالت باهتامم بالغ من قبل العديد من األصوليني واملفكرين والفالسفة عىل امتداد احلقب اإلسالمية، وأصبحت موضع عناية يف الكثري من األبحاث املعارصة، حيث طالعتنا حلظتنا الراهنة ببعض التحليالت واإلستنتاجات

ك. م نموذجا مغايرا للعالقة بني القرآن والفكر املتحر التي حاولت أن تقد

نماذج وأمثلةكتاباته يف شحرور حممد الدكتور به يبرش الذي الفلسفي اجلديل فالتحليل «تناقض وجود بعدم جيزم فهو العالقة، لتلك خاص نوع لرسم حماولة املتواصلة، بني ما جاء يف القرآن الكريم وبني ما جاء يف الفلسفة التي هي أم العلوم»(١)، كام أنه

(١)القرآن والعرص قراءة معارصة، الدكتور حممد شحرور، ص٤٣.

Page 107: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٠٧ بني الكالم اإلهلي والكالم البرشي

ينتهج البنيوية الوظيفية يف أطروحته لفهم املعاين واملفاهيم واألحكام القرآنية، ولكنه الفهم هبا يتصف صفة جمرد النسبية ويعترب القرآين، النص يف اإلطالق من يقلل ال الكتاب (= خلواص استعراضه عند رصحيا به نطق ما وهذا النص، لذلك اإلنساين القرآن)، حيث قال ما نصه: «وإن هذا الكتاب موحى من اهللا سبحانه وتعاىل إىل حممد K، وهو يف الوقت نفسه خاتم الكتب، وأن حممدا خاتم النبيني والرسل فيجب

أن حيتوي هذا الكتاب عىل اخلواص التالية: النسبية بطابع يتصف وال املعرفة وكامل مطلق وتعاىل سبحانه اهللا إن .١

.وبالتايل فإن كتابه حيمل الطابع املطلق يف املحتوبام أن اهللا سبحانه وتعاىل ليس بحاجة إىل أن يعلم نفسه أو هيدي نفسه وإنام .٢طابع حيمل أن أيضا فوجب الكتب وآخر للناس هداية الكتاب هذا جاء

النسبية يف الفهم اإلنساين له.يصاغ أن فيجب لغة، بدون يتم أن يمكن ال اإلنساين التفكري نمط أن بام .٣خاص طابع هلا الصياغة هذه تكون أن وثانيا أوال، إنسانية بلغة الكتاب هذا فهم يف اإلنسانية والنسبية املحتو يف اإلهلي املطلق حتتوي أهنا وهو

.(١)«املحتوإىل يضيف فهو آخر، نوع من حماولة تشكل أركون حممد الدكتور وحماولة بالداللة، هيتم الذي السيميائي املنهج األلفاظ، بمعاجلة هيتم الذي البنيوي املنهج واملنهج األنثروبولوجي الذي يضع يف احلسبان طبيعة خاصة للنفسية اإلجتامعية يف عرص نزول النص، ومنهج التاريخ احلديث، أي ما جاء به علم التاريخ -وعلم تاريخ األديان خاصة-، ليقول بأن النص حياكي مرحلة تارخيية ما وال يمكن أن يكون فوق مصطلح هنا استخدمت « قال: القرآنية» «الظاهرة عنوان فتحت واملكان. الزمان الظاهرة القرآنية ومل استخدم مصطلح القرآن عن قصد. ملاذا؟ ألن كلمة (قرآن) مثقلة ال من بالشحنات واملضامني الالهوتية. وبالتايل فال يمكن استخدامها كمصطلح فع

(١)املصدر نفسه ص٣٦.

Page 108: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٠٨

فهمه أو حتديده وإعادة اإلسالمي، الرتاث لكل جذرية نقدية بمراجعة القيام أجل بطريقة مستقبلية استكشافية. فأنا هنا أحتدث عن الظاهرة القرآنية كام يتحدث علامء ذلك وراء من وأهدف التارخيية. الظاهرة أو البيولوجية، الظاهرة عن البيولوجيا والترشيعية الالهوتية التحديات وكل اإلسالمية العقائدية الرتكيبات كل وضع إىل

واألدبية والبالغية والتفسريية، ألخ، عىل مسافة نقدية كافية مني كباحث علمي»(١).وقد علق املرتجم هاشم صالح عىل هذه العبارة بالقول: »قلت الظاهرة القرآنية وكان يمكن أن أقول احلدث القرآين: أي القرآن كحدث تارخيي حصل يف حلظة معينة من حلظات يف القرآن يغرس لكي املصطلح هذا استخدام يفضل أركون أن الواضح ومن التاريخ. التارخيية ولكي يزيل عنه تلك الشحنات الالهوتية -ولو للحظة- لكي نستطيع أن ندرس

النص يف كل ماديته اللغوية ومعانيه التي تعكس حتام أجواء بيئة معينة وزمن معني»(٢).م قراءة يصفها بالقراءة الوضعية النقدية، لتكون بديال عام وأركون بذلك يقدكتابه يف القراءة هذه تطبيقات مالحظة ويمكن التبجيلية(٣)، اإليامنية بالقراءة أسامه

(القرآن من التفسري املوروث إىل حتليل اخلطاب الديني).سعيد حممد أقوال يف يظهر الكريم، القرآن تارخيية من أركون عليه يؤكد وما إىل تؤدي تنزيلها ألسباب وفقا القرآن آيات تفسري يقول: »فقاعدة فهو العشاموي، واقعية هذه اآليات وتنتهي عىل تارخييتها، وتفرض ربطها باألحداث، ومن ثم ينبغي تفسري القرآن بأسباب تنزيله ال بعموم ألفاظه»(٤)، وهو بذلك يقف يف صف معارض وبشكل واضح ورصيح للمنهج الدارج يف البحث األصويل، املعتمد غالبا عىل عموم األلفاظ يف استنباط املعاين، من غري التقيد بخصوص األسباب إال يف حاالت خاصة،

(١)الفكر األصويل واستحالة التأصيل، الدكتور حممد أركون، ص١٩٩.(٢)املصدر نفسه.

(٣)املصدر نفسه، ص١٠٥.وطيب البوطي رمضان سعيد حممد عن نقال عشاموي. سعيد حممد اإلسالمي، العقل (٤)حتديث

تزيني، حوارات لقرن جديد: اإلسالم والعرص حتديات وآفاق ص١٠٤.

Page 109: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٠٩ بني الكالم اإلهلي والكالم البرشي

وهو مفاد املصطلح عليه (املورد ال خيصص الوارد) . وهناك حماوالت أخر، كمحاولة نرص حامد أبو زيد التي قد يظهر منها اعتبار بني فيها ل يفص التي تزيني الطيب وحماولة البرشي، النص إىل أقرب القرآين النص عبارته من يظهر كام تأويل، ونص تنزيل، نص نصني: بوجود ليقول النص، أنواع التالية: »ولعلنا نركز أنظارنا باجتاه ما هو حاسم وأويل مبدئي عىل صعيد النص الديني أن فشيئا شيئا اتضح فلقد هلا. وانصياعه اإلنسانية العالقات ضمن توثبه حركة يف يف ويعرب نفسه عن يفصح أخذ فقد الكريم، الرسول قبل من به ع د ص إذا اإلسالم مستويني اثنني: باالعتبارين املنهجي واالعتقادي الذهني، أي يف مستويني يقوم التاميز بينهام عىل أساس له تكريسه اإلبيستيمولوجي(املعريف)، بحيث يغدو حمتمال التحدث

عن حقلني يمتلك الواحد منهام خصوصية تتيح له أن يكون ما هو عليه.حني يف التنزيل)، - (الوحي بصيغة نفسه م قد فقد منهام األول املستو أما اتضح املستو الثاين بصيغة (التأويل) هنا بمعنى الفهم والتمثل. وجدير بالقول أن ل عرب ين قائم عىل أن (الكلمة اإلهلية) ما إن تتحو هذا التمييز بني املستويني املذكور(الرسول املبلغ) إىل الناس، حتى تصري(كلمة إنسانية). فهنا، تتم عملية فك ارتباط بني الكلمتني إيامها، وذلك من موقع أصحاب الكلمة األوىل (وهو اهللا يف اإلسالم والرب يف املسيحية املفهومة إسالميا) يتحدد عىل نحو نسبي {1 2 43}(١). بل فض التام ألي حتديد منطقي عرب ما لبي لإلله بكيفية الر نا نتبني هذا التعريف الس لعل

نشأ حتت اسم (الالهوت السلبي).مي ه الف العجز أساس عىل نفسه عن يفصح إذن، املذكور، اإلرتباط فك إن - عىل صعيد غا اإلنساين عن تلقف الكلمة اإلهلية، من حيث هي، بحيث يغدو مسوهذا يف تأويل). (نص و تنزيل) (نص عن نتحدث أن املشخص- اإلنساين الواقع

النص تربز إشكالية فهمه والعمل بمقتضاه»(٢).(١) الشور: من اآلية١١.

(٢) اإلسالم والعرص حتديات وآفاق، ص١١٠.

Page 110: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١١٠

مجادلة بين نمطين

فهذه املحاوالت مجيعها من نامذج األبحاث املعارصة اهلادفة للتجديد يف قراءة الثقافة تبدعه ما بني العالقة تنظم مغايرة منهجية ألنامط والتأسيس القرآين، النص اإلنسانية والنص القرآين املوحى، ويف خط مواز هلا تقف قراءات أخر، وحماوالت ا من نوع ن، وتعتربه كالم ظا، تلتزم احلذر الشديد يف التعاطي مع النص املدو أكثر حتفحتليلها يف تتجاوز قد مناهج عليه يسقط أو فيه، ف يترص يمكن للبرش أن ال خاص اخلوئي»قده» اهللا آية كالم رصيح هو كام خالدة(١)، معجزة باعتباره الظاهر، حدود يف مقدمة تفسريه: »وسيجد القارئ أين ال أحيد يف تفسريي هذا عن ظواهر الكتاب بيت أهل عن الواردة اآلثار من الصحيحة بالطرق أو بالتواتر ثبت وما وحمكامته العصمة، من ذرية الرسول K وما استقل به العقل الفطري الذي جعله اهللا حجة

باطنة كام جعل نبيه K وأهل بيته املعصومني A حجة ظاهرة»(٢).مطلقة اآليات تعترب فهي القراءات، هذه طيات رصحيا ظ يلح ملا باإلضافة الزمانية الظروف عىل متعال نظرها يف القرآين فاخلطاب واملكان، الزمان حيث من ح بذلك آية اهللا املدريس واملكانية وال يتقيد بحدودها بالرغم من تفاعله معها، كام رصيف مطلع تفسريه «من هد القرآن»، فقال: «إن القرآن مل ينزل جليل واحد أو لقرن، بل هو كالم اهللا العظيم الذي يمتد مع الزمن من يوم أنشأه اهللا إىل يوم يرث األرض ال لرساالت اهللا وحتى يوم ومن عليها. ويمتد مع البرشية من يوم نزل من السامء مكمالبعث. لذلك فإنه كتاب يسع اجلميع وال يسعه أحد. وألن البرش يتكامل فالبد أن

ا أو توغل يف آفاق املعرفة»(٣). م حضاري يبقى القرآن أمامه دون أن يبلغه أنى تقد رو فقد ،C الصادق لإلمام كالم يف ورد ملا ا مطابق جاء التعايل وهذا عن العباس، بن إبراهيم عن ذكوان، أيب عن الصويل، عن البيهقي عن الصدوق

(١) انظر البيان يف تفسري القرآن، السيد أبو القاسم اخلوئي، ص ٤٣-٧٧.(٢) املصدر نفسه ص١٣.

(٣) من هد القرآن، السيد حممد تقي املدريس، ج١ ص١٥.

Page 111: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١١١ بني الكالم اإلهلي والكالم البرشي

الرضا، عن أبيه عليهام السالم إن رجال سأل أبا عبد اهللا C ما بال القرآن ال يزداد عىل النرش والدرس إال غضاضة؟ فقال: «لhن اهللا تبارك وتعاىل مل جيعله لزمان دون يوم إىل غض قوم كل وعند جديد، زمان كل يف فهو ناس، دون لناس وال زمان،

القيامة»(١).جتعل ومل ، للمفرس خاصة رشوطا القراءة هذه وضعت فقد ذلك عىل وبناء

اآليات القرآنية متاحة بنحو مطلق لكل أحد، وإن أتيحت بشكل نسبي.فهذه بعض النامذج املتفاوتة مما هو متداول يف الساحة الثقافية يف هذه اللحظة والفكر القرآن بني العالقة ينظم ا خاص ا منهج م يقد منها نموذج وكل املعارصة، املتجدد، بني الكالم اإلهلي والكالم البرشي، والشك أن لكل منهج منها تداعيات هلا ظالل خاصة تؤثر عىل طبيعة اإلبداع عىل املستو الفكري والثقايف، وهذا ما يدفع أن املفرتض من إذ به، يقرأ الذي منهجه البداية منذ حيدد أن للقرآن جمد قارئ كل ا عىل حياة ا مميز تتمخض تلك القراءة عن كم من األفكار والرؤ التي تضفي طابع

اإلنسان الشخصية واإلجتامعية.

(١) عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق، ج١ ص٩٣.

Page 112: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 113: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١١٣ آثار العالقة بني الكالمني

آثار العالقة بين الكالمين

ر ما الغرض من إثارة هذا النمط من الطرح اإلشكايل، وهل يمكن تكوين تصوالتي للعالقة خاصة أنامط من الطرح هذا عن يتداعى ما عىل املرتتبة اآلثار لنوعية

نتحدث عنها؟.ر كاف إلبراز مثل هذه اإلثارة، فالتباعد ا من مناهج مرب ما سبق عرضه خمترصبني املناهج التفسريية عىل املستو النظري الذي جيعل كل مفرس عىل عالقة من نوع خاص مع الكالم اإلهلي، واملستو التطبيقي الذي يتولد عنه أنامط متعددة من األفكار، واملراجعة، ما التأمل زنا أكثر عىل حيف ما لية، ولكن التأم هذه الوقفة سبب كاف ملثل لإلنتاجات املتواصل التتبع خالل فمن ميدانية، مالحظات من لنا يظهر أن يمكن

الثقافية املتداولة تنكشف أمامنا العديد من املالحظات مما يستدعي التوقف. يعنينا لوال ما نتبناه ل شيئا مهام وبالطبع فإن مثل هذه املالحظات ما كانت لتشكمن نظرة خاصة حتكم العالقة بني الكالم اإلهلي والفكر اإلنساين، وسوف تتضح هذه

ا. النظرة الحق

مؤاخذات أولية

ل بعض التحفظات عىل تلك املالحظات: ويمكن هنا أن نسج

Page 114: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١١٤

حقيقتها في ترجع مقوالت من الثقافية المحاوالت من الكثير انطالق .١د، الذي يغيب فيه طابع الثبات غالبا. للفكر اإلنساني المجر

أن نر دينيا، موقفا أو نظرة موضوعه يكون الذي العلمي اإلستناد ففي بعض املحاوالت الثقافية تتخذ مما أبدعه الفكر اإلنساين املعارص عىل وجه اخلصوص

مرجعية فكرية، يستند إليها يف تأسيس األفكار واملواقف ذات الطابع الديني.ولو كانت موضوعات ذلك اإلستناد جمرد حقائق علمية أو نظرات ذات طابع قد بل هلا، مناسبا مستندا اإلنساين الفكر لكان أشبه، وما بحت اجتامعي أو ثقايف م لنا غري هذا الفكر يكون هو املستند وإن مل يبلغ درجة تامة من العلم، خاصة إذا مل يقدل مستندا علميا، أما إذا كانت تلك املوضوعات نتيجة ذات قيمة علمية تصلح أن تشكباإللتزامات مبارش بشكل تتصل عملية)، =) تطبيقية أو علمية) =) نظرية مواقف الدينية، احلاكية عن موقف ديني خاص، فال يمكن أن يكون الفكر اإلنساين مرجعها

الفكري اخلاص بنحو مطلق.عىل بل اإلنساين، الفكر إلنتاجات املطلقة املقاطعة يعني ال ذلك فإن بالطبع العكس فإننا قد نحتاج يف العديد من املحاوالت النظرية والعملية إىل اإلستعانة ببعض ما أنتجه ذلك الفكر من أدوات -سواء األلسنية منها أو اإلجتامعية أو التارخيية وما لها ما رة، بالذات يف الفراغات البحثية التي ال يتكف إىل ذلك- أو حقائق علمية متطوهو أفضل من هذا الفكر، وأما الفضاءات اململوءة التي حتتل املرجعية القرآنية موقع الصدارة يف حميطها، فقد يشارك الفكر اإلنساين يف اجلهود البحثية التي تعني عىل حتديد املوقف الديني املطلوب، ولكن ال بالشكل الذي يكون فيه مرجعا بديال عن املرجعية

القرآنية، وال مرجعا يقف يف عرض هذه املرجعية.أساسية مرجعية اإلنساين الفكر يكون أن السياق هذا يف عليه نتحفظ وما البديل بمستو تغطيتها- القرآنية للمرجعية -يمكن بحتة دينية موضوعات يف متها مقد يف املعارصة، الثقافية املحاوالت من العديد يف يلحظ قد كام املساوي، أو

Page 115: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١١٥ آثار العالقة بني الكالمني

حماوالت الدكتور أركون.املعرفة خيدم ما ديكارت، الكبري األورويب الفيلسوف مه قد مما الكثري ففي الدينية املواقف بتحصيل الكفيل املنهج إىل نصل عندما ولكن العلمي، والبحث عىل نتحفظ القرآنية، مرجعيتنا إليه أرشدت ما عىل وبناء فإننا والعملية)، (النظرية ل ي لديكارت املعروف بالكوجيتو(١)، ونتقاطع بمستو ما مع ما توص املنهج الشكأوال البدء احلقيقة تشخيص طريقة اعترب حني اسبينوزا، اهلولندي الفيلسوف إليه عليه نصطلح ما وهو علم(٢)، كل إىل الطريق فهي واضحة، حقيقة عن بالبحث

باليقني، حيث أن الطريق األصح لتشخيص احلقائق اإلستعانة باليقينيات أوال.ظنا عىل املنهج الديكاريت، وتقاطعنا مع اسبينوزا يف منهجه، إال بناء عىل وما حتفما نجده واضحا أمامنا يف اخلطاب القرآين، بمعنى أن مرجعيتنا األساس تتمثل فيام

مة واألساس. نا ما سواها، ألهنا املقد أسسه القرآن، وبناء عليها حاكممثال فإننا العلمية، باحلقائق يتعلق ما وأما املنهجية، باألدوات يتعلق فيام هذا ال يمكن أن نعترب ما توصلت إليه الذهنية الديكارتية بالنسبة للدور اإلهلي يف حركة الكون منطلقا نعتمده يف تأسيسنا ملواقفنا الدينية ال النظرية وال العملية، فنحن نعتقد بكل مبارشة عالقة جالله) جل اهللا =) للغيب أن القرآنية، املرجعية إىل باإلستناد «آلة أن يعترب فهو ديكارت، ينظر كام ل أو ك حمر جمرد وليس احلياة، يف املستجدات يدفع الدائري التيار من جزء فكل اهللا، كها حر أن بعد نفسها ك حتر التي هي الكون أماما باجلزء اآلخر وذلك بعد الدفعة األوىل من اهللا، وذلك ألن الطبيعة تكره الفراغ، وهكذا فإن الفراغ جمموعة منتظمة من تلك الدوامات املشتتة يف الفراغ بأكلمه، وهي

ك األول»(٣). السبب يف كل حركة، أما اهللا فرضورته تتمثل فقط يف كونه املحريصبح موضوعات، من استيعابه القرآين للخطاب أمكن ما كل فإن بالتايل

(١) راجع: تاريخ الفكر األورويب احلديث، رونالد سرتومربج، ص٧٣.(٢) املنطق اإلسالمي أصوله ومناهجه، السيد حممد تقي املدريس، ص٧٥.

(٣) تاريخ الفكر األورويب احلديث، ص٧٦.

Page 116: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١١٦

الكالم اإلهلي هو املرجعية األصل فيه، سواء كانت تلك املوضوعات أدوات منهجية الدينية، املواقف صميم من هو مما ذلك غري أو عملية تكاليف أو علمية حقائق أو

ويبقى للثقافة اإلنسانية جماالهتا وآفاقها.

طاد من نصوص اآليات ص الت القرآنية التي تتخذ من العمق الم ٢. ندرة التأما لتوليد األفكار وإلدارة المحاوالت الثقافية. المباركة مجاال أساس

فمن بني ما يؤخذ عىل بعض املحاوالت الثقافية واملواقف الفكرية، السطحية ملواطن تقص غري من عليها العابر واملرور املباركة، اآليات إىل اإلستناد عملية يف موفقة غري إسقاطات من املحاوالت بعض تشكو قد بل فيها، تزدحم التي العمق عىل اآليات حتت ذريعة تعميق اإلستنتاجات القرآنية، كبعض اإلسقاطات الفلسفية رسالتها ه تشو مل إن هذا غموضا، إال اآلية تزيد ال األمر حقيقة يف التي العلمية، أو

احلقيقية.بالتأمالت هتتم نجدها ال الثقافية املحاوالت من العديد نتتبع عندما فنحن القرآنية العميقة، ألهنا تعتمد غالبا طابع اإلستشهاد الرسيع، الذي جيعل من القرآن جمرد نصوص سطحية خالية من العمق، وكأنه كلامت ومقوالت برشية، يف حني لو له الستطاع أن يضفي طابعا من اجلامل العلمي - وليس الشكيل- ق الباحث تأم يعمالنظري القرآين املوقف تشخيص عىل أقدر سيكون كام واستنتاجاته، بحثه عىل

والعميل.هذه بعض النامذج من التحفظات امليدانية التي نثريها عىل العديد من املحاوالت القرآن بني اجلوهرية بالعالقة يرتبط ملحوظ نقص وجود عىل تؤكد وهي الثقافية، والفكر، بني الكالم اإلهلي والكالم البرشي، ألهنا إما أن جتعل القرآن جمرد مقوالت تارخيية ال فاعلية هلا يف احلياة الفكرية، مما جيعل الفكر اإلنساين أقدر عىل التأثري منها، أو جتعل منه كالما سطحيا يؤنس به يف اإلستشهادات الرسيعة، وكال هذين األمرين

يؤديان إىل حتجيم القرآن.

Page 117: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١١٧ نحو فكر قرآين

نحو فكر قرآني

إن النربة امللحوظة فيام مىض من كالم يتولد عنها دعوة رصحية لإلهتامم بالفكر يف الرس فام اإلنساين. والفكر اإلهلي الكالم بني وطيدة لعالقة والتأسيس القرآين،

التأكيد عىل هذا املنحى من التفكري والعمل الثقايف؟العمل من النمط هذا لتحريك تدفعنا مهمة دواع عدة هناك األمر واقع يف

الفكري، من أمهها:

ل يشك ما بالذات المفاهيم، من الكثير لتصحيح ة الملح الحاجة .١الثقافية بحياتنا المتصلة المواقف من للعديد ومنطلقا خلفية منها خالل من حياتنا لتصحيح نسعى إننا أي والسياسية، واإلجتماعية

القرآن الكريم.لنخبة شعورية وال طبيعة استجابة تأيت احلياة يف اجلوانب املتعددة فمواقفنا معتمدة من املفاهيم والتصورات املركزية، ولذلك يفرتض فيها الدقة، بحيث تكون مصنوعة بإتقان ومتوافقة مع ما أماله الدين علينا وأراد منا اإللتزام به والظهور هبيئة تتناسب معه يف الواقع اخلارجي، إال أن املفاهيم املركزية عند اإلنسان واملجتمع قد ال

تكون هبذا املستو من الدقة، وذلك بفعل:

Page 118: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١١٨

تأيت • والتي مراجعة، وال متحيص غري من تبنى ت التي اخلاطئة املوروثات عادة إفرازا لظروف تارخيية من نوع خاص.

يصنعان • قد فهام واإلعالم، الدعاية طها تنش التي الرسيعة األفعال ردود والدعاية فاعلة، ذكية أساليب من يامرسانه ما بفعل مغلوطة مفاهيم لنا ة، وإنام حتى القبيلة والقرية املقصودة هنا ليس خصوص الوسائل العرصي

رة. وما يذاع فيهام من أساليب بدائية، بل حتى العائلة املصغمنها • يأيت ما خاصة الدينية، للنصوص اإلنفعالية أو الرسيعة القراءة

ي استجابة ملتطلبات مرحلية حرجة، كقراءة نصوص اجلهاد يف زمن التحدواملواجهة، وقراءة نصوص السالم يف زمن الرتاجع والسكون، وقد ملسنا C الصادق اإلمام عن الوارد النص هذا مثل يف واضح بشكل ذلك بسند صحيح(١): «كل راية ترفع قبل قيام القائم C فصاحبها طاغوت الثور اهلياج زمن يف البعض قرأه فقد وجل»(٢). عز اهللا دون من يعبد قرأ ي صار الثورية احلالة يف النواقص بعض برزت حني ولكن بشكل،

بشكل مغاير.التقليد الالواعي لنوع خاص من العقليات تفرضها عادات وأزمنة خاصة.•

م يف ل عند اإلنسان مفاهيم غري دقيقة، تتحك فبفعل هذه املسائل وغريها تتشكيف اإلضطراب من الكثري ولعل والسياسية، واإلجتامعية الثقافية مواقفه من الكثري ه إىل اإلضطراب يف تأسيس املفاهيم املركزية، وذلك ما يدعونا لتصحيح املواقف مرد

املفاهيم بالشكل الذي يتناسب مع الكالم اإلهلي العظيم.

(١) الكليني عن حممد بن حييى عن أمحد بن حممد عن احلسني بن سعيد عن محاد بن عيسى عن احلسني ا إلدعاء وقف احلسني بن بن خمتار عن أيب بصري. والسند صحيح، وإن مال بعض إىل كونه موثق

خمتار.(٢) الكايف، مصدر سابق، ج٨ ص٢٩٥.

Page 119: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١١٩ نحو فكر قرآين

إحتواء الكالم اإللهي على أمرين مهمين: .٢أصول الفكر واملعرفة.• أسس احلياة اإلجتامعية.•

بإدارة فيهتم الثاين وأما والتفكري، العقل حركة وتنظيم إدارة مهمته واألول وتنظيم حركة املجتمع.

نظرية متعددة، بأساليب واألفكار القيم هات ألم أسس الكريم فالقرآن لتكون وذلك هة، املوج القصصية واملقاطع كالتجارب وعملية املخترصة، كاآليات

سائر األفكار التفصيلية متولدة عنها.إال أن عدم وضوح هذه القيم للباحث، قد يضطره لإلتكاء عىل قيم مغايرة ال ه حتظى باملكانة التي حتظى هبا تلك القيم القرآنية، ما يؤدي مع مرور الزمن إىل تشواإلهلي الكالم يف ق التعم ينيغي وهلذا عنده، الثقافية والقناعات التفصيلية األفكار

إلستيضاح وفرز القيم القرآنية األم.اإلجتامعية، احلياة ألسس والعملية النظرية باألساليب أسس القرآن وإن كام اإلدارة =) والعام الواحد)، املجتمع أخالقيات =) اخلاص اإلجتامعي ها شق يف السياسية)، لكن ال عىل مستو التفاصيل بالذات يف الشق الثاين، وأما يف الشق األول فقد أهتم القرآن بأدق التفاصيل، كام هو مالحظ يف وصايا لقامن احلكيم إلبنه، وذلك

لرسم صورة خاصة للمجتمع املؤمن.واإلحتكاك املتزايد مع الواقع اإلجتامعي اخلارجي بام حيمل من صور وقوانني، ، أم أسس من القرآن رسمه وما يتفق نموذج صياغة عىل القدرة اإلنسان يفقد قد

خاصة إذا كانت تلك األسس غري شاخصة أمامه.وهذا ما يدعونا إىل اإلقرتاب من القرآن الكريم، والغوص بني آياته إلستخراج

ما فيه من أصول لفكرنا وأسس إلجتامعنا.

Page 120: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٢٠

النسبة بين الكالمين

يمكن أن نستنتج مما مىض من حديث طبيعة النسبة بني الكالم اإلهلي والكالم البرشي، وهي تتلخص يف مالحظتني:

المالحظة األولى: «الحاكمية المطلقة للكالم اإللهي».واألحكام الكريم، القرآن من املستنبطة والبصائر الرؤ تكون بأن وذلك والترشيعات املستفادة منه، حاكمة ومهيمنة عىل سائر ما نستنتجه من تصورات ثقافية

عىل املستويني النظري والعميل.

المالحظة الثانية: «التأسيس القرآني ألصولنا الفكرية».ت هلذا املعنى املنظم للعالقة بني الكالم اإلهلي والكالم البرشي آية س وقد أس

w v ut s r q p o n} تعاىل: قال حيث األعراف، سورة من أخر وآية ے ¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦ §}(١)، ~} | { z y xأن باعتبار .(٢){¯ ® ¬ « ª © ¨} اجلاثية: سورة من امها يرتكز يف أن مجيع ما نحمل من قيم وأفكار ينبغي أن ينسجم مع بصائر القرآن مؤد

الكريم وال يشذ عنها.

(١) األعراف: ٢٠٣.(٢) اجلاثية: ٢٠.

Page 121: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

�%&�'D ��

J;�EFC

�� <=6 >?@

�A#BC��

النص القرآني بين النسبية واإلطالق

Page 122: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 123: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٢٣ النص القرآين بني النسبية واإلطالق

النص القرآني بين النسبية واإلطالق

تمهيد

يدور نقاش يف الوسط العلمي حول إمكانية إحراز نظريات وأحكام مطلقة، ذات الفكرية املحاور أهم ل يشك النقاش من النمط هذا بأن اإلدعاء يصح ولربام

العالقة بالدين املتداولة يف احلقبة الراهنة يف املحيط العلمي اإلسالمي.يف املتناولة املوضوعات صميم من تعترب احلوارية املادة هذه فإن وبالريب النتيجة ثبات عىل التدليل اإلستنباط شأن فمن األعم، باملعنى الفقهي البحث بني التفاعل إمكانية مد يف والنظر ها، وتغري النقيل أو العقيل بالربهان املستوحاة

نشاط الفقيه والظروف الزمانية واملكانية.ز من ر لذلك كان من الرضوري أن نتوقف للتعرف عىل موقف الفقيه جتاه ما حي

نتائج علمية يف تلك املجاالت من حيث إطالقها ونسبيتها.هذا البحث، وذلك من خالل التعرف وقبل ذلك ينبغي أن نحرر حمل النزاع يف احلديث التاريخ كعلم املعارصة، العلوم تفرزها التي اإلشكالية التصورات طبيعة عىل ل البحث يف حترير مواد هذه واألنثروبولوجيا واهلرمنوطيقا، وبالطبع فإننا ال نريد أن نفص

العلوم، وإنام سنكتفي باإلشارة الرسيعة لنتائجها املهمة املرتبطة بمجالنا البحثي فقط.

Page 124: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 125: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٢٥ مباين املعرفة النسبية

مباني المعرفة النسبية

إن املنطلقات التي ينبعث منها املتمسكون بالنظرية النسبية للمعارف متعددة، ح وهلا صلة بالكثري من العلوم اإلنسانية اخلاصة واأللسنيات املعارصة، لكن ما يرتشأمامنا من منطلقات مما هو متداول كثريا يف األوساط العلمية، استنتاجات علم التاريخ احلديث وعلم اإلنسان (اإلنثروبولوجيا) واهلرمنوطيقا، فإهنا بأمجعها تضع تساؤالت

حول إمكانية الثبات واإلطالق الزماين واملكاين لألحكام واملعارف.قراءة يف العلوم هذه نتائج عىل املعارصين املفكرين من العديد اعتمد وقد

النصوص الرشعية، ليتوصلوا من خالهلا إىل القول بالنسبية املطلقة.

مباني العلوم اإلنسانية

ير أحد منظري النسبية يف الساحة العربية الدكتور حممد أركون من الرضورة بمكان التمسك بنتائج بعض العلوم اإلنسانية عند قراءة أي نص ديني، ألهنا ترسم أمام الباحث العلمي النمط الواقعي لألحكام وختلصه من قيود القراءات التبجيلية كام يعرب عنها يف نص كالمه اآليت، ولعل إحد جتليات التبجيل يف نظره القول باإلطالق

ألنه يتناقض مع نتائج العلوم املعارصة.م نتيجة علمية هامة، فعلم التاريخ احلديث -علم تاريخ األديان خاصة- يقد

Page 126: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٢٦

تقول باستحالة تعايل األفكار عىل الزمان واملكان، إذ أن كل فكرة مهام كان مستواها البد أن تتأثر بالظرف الزماين واملكاين الذي صدرت فيه، وال يمكن ألي متحدث أن

يتجاوز ذلك ويتكلم فوق حدود الزمان واملكان.بالطبيعة متحدث كل تقيد بحتمية يقول (األنثروبولوجيا) اإلنسان وعلم تلك خصوصيات فيه راع ي مل ما كالم ألي معنى ال إذ اإلجتامعية، للنفسية اخلاصة النفسية، ومادامت النفسية اإلجتامعية قابلة للتغري من مكان آلخر ومن زمان لزمان

آخر، فالبد أن تتغري املقوالت واألحكام تبعا لذلك.وأن املطلقة، بالنسبية القول إىل الباحث يتوصل العلمني هذين نتائج وبضم تكون أن البد بالنتيجة فهي قائلها، ومستو مستواها كان مهام والتعاليم األحكام نسبية(١). لذلك نجد أركون يرص عىل استخدام اصطالح (الظاهرة القرآنية) ويتجنب املصطلحات املتداولة التي تيش باإلطالق كاصطالح (القرآن)، فتحت عنوان «الظاهرة القرآنية» قال: «استخدمت هنا مصطلح الظاهرة القرآنية ومل استخدم مصطلح القرآن عن قصد. ملاذا؟ ألن كلمة (قرآن) مثقلة بالشحنات واملضامني الالهوتية. وبالتايل فال ال من أجل القيام بمراجعة نقدية جذرية لكل الرتاث يمكن استخدامها كمصطلح فعاإلسالمي، وإعادة حتديده أو فهمه بطريقة مستقبلية استكشافية. فأنا هنا أحتدث عن الظاهرة أو البيولوجية، الظاهرة عن البيولوجيا علامء يتحدث كام القرآنية الظاهرة التارخيية. وأهدف من وراء ذلك إىل وضع كل الرتكيبات العقائدية اإلسالمية وكل مسافة عىل ألخ، والتفسريية، والبالغية واألدبية والترشيعية الالهوتية التحديات

نقدية كافية مني كباحث علمي»(٢). وقد علق املرتجم هاشم صالح عىل هذه العبارة بالقول: «قلت الظاهرة القرآنية وكان يمكن أن أقول احلدث القرآين: أي القرآن كحدث تارخيي حصل يف حلظة معينة (١) يمكن مراجعة تفصيل هذا املبنى يف كتاب: البحث األصويل واستحالة التأصيل، نحو تاريخ آخر

للفكر اإلسالمي، حممد أركون، الطبعة األوىل ١٩٩٩، دار الساقي - بريوت. (٢) املصدر نفسه، ص.

Page 127: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٢٧ مباين املعرفة النسبية

لكي املصطلح هذا استخدام يفضل أركون أن الواضح ومن التاريخ. حلظات من يغرس القرآن يف التارخيية ولكي يزيل عنه تلك الشحنات الالهوتية -ولو للحظة- لكي نستطيع أن ندرس النص يف كل ماديته اللغوية ومعانيه التي تعكس حتام أجواء

بيئة معينة وزمن معني»(١).م قراءة يصفها بالقراءة الوضعية النقدية، لتكون بديال عام وأركون بذلك يقدكتابه يف القراءة هذه تطبيقات مالحظة ويمكن التبجيلية(٢)، اإليامنية بالقراءة أسامه

«القرآن من التفسري املوروث إىل حتليل اخلطاب الديني»(٣).

مباني الهرمنوطيقا

التفصيل من بشئ نستعرض أن نحتاج اهلرمنوطيقية األطروحة لتشخيص تارخيها ومبانيها العلمية.

يف احلقيقة إن املرشوع اهلومنوطيقي قبل أن ننظر إليه كعلم مستقل، هو يف واقع األمر هم يشغل تفكري كل قارئ، خاصة إذا كان موضوع قراءته نصا يكتنفه بعض كالنصوص غالبا، وتفسري فتح إىل املفتقرة املنغلقات بعض عىل وحيتوي الغموض ن ترشيعات وقيام وإشارات توجيهية مثرية، واألدبية التي تزدحم الدينية التي تتضم

عادة باإلستعارات والعبارات الرمزية والتصويرات التخيلية.أو أدبيا أو فلسفيا أو دينيا كان نص النص -أي عرص بدأ أن منذ قارئ فكل غري ذلك- جيد نفسه مدفوعا كي يفهم النص بمستو يؤهله إلدراك املعنى املراد من

قبل املتكلم.- يضع يف اعتباره كام أن املتكلم -أي متكلم كان إهلا أم نبيا أم فيلسوفا أم أديبا

(١) املصدر نفسه.(٢) املصدر نفسه، ص١٠٥.

(٣) ترمجة وتعليق هاشم صالح. دار الطليعة- بريوت، الطبعة األوىل ٢٠٠١.

Page 128: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٢٨

ه، ولذلك فإنه يراعي املناهج والطرق حال توجيه اخلطاب كيفية إفهام املخاطب مراداملتداولة يف األوساط اخلاصة -كأعراف الفالسفة ومناهجهم إن كان كل من املخاطب -، والعامة - إذا كان املخاطب عامة الناس- بغية إيصال املعنى واملخاطب فيلسوفا

املراد بصورته احلقيقية.اء، لكانت انطالقتها ا للقر لذلك فإننا لو أردنا أن نؤرخ للهرمنوطيقا بصفتها مهمنذ بداية عرص النص، إذ من الطبيعي أن يضع كل قارئ أمامه عدة تساؤالت -هي يتضمن النص كان إذا خاصة إليه، النص وصول بمجرد اهلرمنوطيقا- صميم من

نوعا من اإللزام كالنصوص الدينية، من قبيل: ما املراد من هذا النص؟

هل املطلوب مني فهم شئ خاص منه أم ال؟كيف يمكن يل أن أفهم املراد احلقيقي منه، وهل ذلك ممكن أم ال؟

هل هو خاص يب أم يشمل غريي؟هل هو موقوف عىل حلظتي الراهنة أم فيه قابلية إلخرتاق احلاجز الزمني؟

ل حمورا أساسيا وال شك أن هذه التساؤالت بعينها ولكن بشكل معكوس كانت تشكر ثمرة ألي نوع من التخاطب. عند املتكلم احلكيم أيضا، إذ من غري ذلك ال يمكن تصو

أجوبة من املتخاطبون أحرزه وما التساؤالت، من النمط هذا أساس وعىل عليها، قامت معامالت البرش مع بعضهم البعض عرب التاريخ، ويف سياقها تبلورت التساؤالت فإن لذلك واألدبية، والفلسفية الدينية األوساط يف عديدة علوم

ا عند كل قارئ قبل أن تولد اهلومنوطيقا يف العصور املتأخرة. اهلرمنوطيقية كانت مهأما اهلرمنوطيقا باملعنى املصطلح اليوم(١) فقد تولدت تساؤالهتا العلمية يف القرن الفلسفية فاهلرمنوطيقا والفلسفي-، والعام -اخلاص للهرمنوطيقا الثالثة األوجه يشمل بام (١)هتتم بامهية الفهم وحقيقته، إذ ليس كل ما يتوصل إليه املستمع من معان عند استامعه للخطاب ، ولكي ترقى املعاين املتلقاة من قبل املستمع إىل حد يطلق عليها (فهم) ينبغي توفر عدة يعد فهام

Page 129: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٢٩ مباين املعرفة النسبية

السابع عرش امليالدي من قبل «دون هاور» يف كتاب صدر له يف العام ١٦٥٤م بعنوان «اهلرمنوطيقا القدسية أو منهج تفسري النصوص املقدسة»(١)، وأخذت يف التبلور بصيغها م العامل األملاين «فريدريك شاليرماخر» (١٧٦٨- العامة يف القرن الثامن عرش، حيث قد

١٨٣٤) رؤية تفرتض وجود قواعد عامة تتحكم يف عملية فهم النص(٢)، وتبعه يف القرن العرشين «مارتن هايدغر» يف كتابه «الكينونة والزمن» وتلميذه «هانس غادامر» يف كتابه

«احلقيقة واملنهج»، من خالل إعطاء طابع أكثر عمومية للهرمنوطيقا الفلسفية(٣).اإلنسياب أثر عىل جاء اهلرمنوطيقية التساؤالت انطالقة بدء أن ويظهر هتدف فهي وبالتايل الواحد، للنص القراءات وتعدد املزاجي التفسري يف الالحمدود للنص احلقيقة املضامني تسلخ قد التي والسطحية املزاجية للتفاسري حد وضع إىل وتفرض مضامني أخر ليست من صميم املعنى املراد للمتكلم، من خالل التأسيس

لقواعد علمية تقنن عملية الفهم واإلستنباط.ل حتديات للتفاسري املتعارفة توقع أن تشك وقد محلت اهلرمنوطيقا عدة إثارات يللنصوص الدينية التي درج التباين عليها يف األوساط احلوزوية واجلامعية خصوصا يف ض هلذه اإلثارات الكاتب اإليراين حقيل التفسري القرآين واإلستنباط الفقهي، وقد تعرمع باستعراضها وسأقوم اهلرمنوطيقا»(٤)، بعنوان «ماهية له دراسة يف واعظي أمحد

رشوط، ولذلك فإن اهلرمنوطيقا الفلسفية تتساءل عن إمكانية إحراز املراد للمتكلم. هبذا فالوجه الفلسفي للهرمنوطيقا ال هيتم بكيفية إحراز الفهم وإنام هيتم بامهيته ورشوطه وأهدافه، بينام هتتم وأصول لقواعد بالتأسيس فتعني العامة فأما الفهم، إحراز بكيفية واخلاصة العامة اهلرمنوطيقا علوم يف للفهم املحرزة باألصول فتهتم اخلاصة وأما التفسريية، العلوم سائل تستوعب عامة وكذلك الديني اخلطاب يف غريها األديب باخلطاب املتعلقة الفهم أصول تكون بحيث خاصة الدراسات معهد عن تصدر ،٢٠٠٣ شتاء ٦ العدد «املحجة» دروية راجع وهكذا. الفلسفي

اإلسالمي للمعارف احلكمية بالتعاون مع دار اهلادي - بريوت.(١) املصدر نفسه، ص١٤.(٢) املصدر نفسه، ص٢٦.(٣) املصدر نفسه، ص٣٠.

(٤) أنظر املصدر املذكور نفسه، ص٥٩.

Page 130: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٣٠

شئ من اإلضافة والتفصيل: ١- «فهم النص حصيلة امتزاج أفق املعاين لد املفرس مع أفق املعاين يف النص، ولذلك فإن إرشاك ذهنية املفرس يف عملية الفهم ليس باملذموم، بل هو رشط وجودي

حلصول الفهم، وينبغي التسليم له كواقع ال مندوحة منه».فكل مفرس له حتليله اخلاص للمعاين واملفاهيم، وله أفقه الفكري الذي يتميز حيث ومن واملفهوم، املعنى يف والضيق السعة حيث من املفرسين، من غريه عن به حيثيات ومن والشخصية، واملكانية الزمانية املتعددة جهاهتام من وعدمه الشمول أخر كثرية تفرضها بيئة الزمان واملكان ومستو الرتاكم املعريف للمفرس، وكل ذلك

ة. يلقي بظالل واسعة عىل النص فيعطيه أبعادا متعددة بتعدد الذهنيات املفرسألن ممكن، غري للواقع، املطابق الفهم بمعنى للنص، املوضوعي «الفهم -٢العنرص الباطني أو ذهنية املفرس وقبلياته رشط حلصول الفهم، فخلفيات املفرس ذات

دور حتمي يف كافة فهومه وتفاسريه كافة».بمعنى أن طبيعة القبليات التي خيتزهنا املفرس يف داخله كنتيجة لتارخيه املعريف ألي الفكري اإلنتاج عىل شعوري وال أوتوماتيكي بشكل هتيمن الثقافية، وبيئته إنتاج كل أن يعني ما كوابح، من نه تتضم وما خفية ضغوط من متارسه ملا مفرس، ممتزجا للنص تفسريه فيجعل مفرس، لكل الذهني باملسلك يتأثر أن البد تفسريي باملرادات اخلفية له، مما جيعل املعنى املستنبط بمنأ عن املراد احلقيقي للمتكلم، وهذا

ما ينتهي بطبيعة احلال إىل تشظي القراءات وتعدد املعاين املنتزعة من النص الواحد.٣- «عملية فهم النص عملية غري منتهية، فإمكانية القراءات املختلفة للنص ال تعرف حدودا تتوقف عندها، إذ أن الفهم تركيب وامتزاج بني أفق معاين املفرس وأفق ل يف املفرس وأفقه تتاح إمكانية جديدة للرتكيب واإلمتزاج معاين النص، ومع كل حتو

ووالدة فهم جديد.إذن ال هناية الحتامالت الرتاكيب وإلمكان القراءات والتفاسري املختلفة للنص».

Page 131: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٣١ مباين املعرفة النسبية

ما بإضافة وإنام للمتكلم، املراد املعنى خصوص ليس الفهم حمصلة كان فإذا ، ويؤثر فيه نمط تفكريه يضفى عليه من مسحات نتيجة ملا تفرزه ذهنية القارئ املفرسل نفيس أو اجتامعي يطرأ عليه ستكون له ظالل مبارشة ر أو حتو اخلاص، فإن أي تطوعىل استنتاجاته، ولذلك فإن قراءته للنص الواحد يمكن أن تتعدد وختتلف بني احلني عند حتى بعينه لنص والتفسري للقراءة بنهاية اجلزم الصعوبة من جيعل مما واآلخر،

الشخص الواحد، فضال عام لو كان املفرسون متعددين.الفهم بوصفه فهم حتديد يصح وال متحرك، غري ثابت فهم ثمة «ليس -٤

النهائي الذي ال يتغري لنص من النصوص».فامدامت القراءات قابلة للتعدد بسبب اإلختالف بني ذهنيات املفرسين وآفاقهم الفكرية، ومادامت التفسريات قابلة للتغري عند املفرس الواحد تبعا للتحوالت النفسية وقراءة ثابت تفسري بوجود اجلزم فإن حميطه، وعىل عليه تطرأ والتي واإلجتامعية عند خيالفها ما هلا ستجد مفرس إليها ينتهي قراءة كل ألن باملستحيل، أشبه مستقرة ل حتى عىل مستو املفرس الواحد. آخر، وكل تفسري لنص يمكن أن ينقلب أو يتحو

٥- «ليست الغاية من تفسري النص القبض عىل (مراد املؤلف)، فنحن نواجه اء النص، وال يتميز عن باقي املفرسين النص وليس املؤلف، وما املؤلف إال أحد قروالقراء بيشء. والنص كيان مستقل يتحاور مع املفرس، فينتج عن ذلك فهم للنص.

وهكذا، فاملفرس ال يعبأ باملقاصد والغايات التي أراد املؤلف التعبري عنها».له اخلارجي فاملؤلف وإن كان واسطة لتأليف النص، إال أن النص بمجرد تشكوبالتايل الداخلية، لرتكيبته معانيه وختضع مؤلفه، عن بمعزل مستقلة حقيقة يصبح ا عن مكنوناته يف نظر القارئ، فالنص ال حيمل يف طياته مرادات املتكلم وليس معرباملفرس ودور تركيبه، طبيعة من املنبثقة الذاتية خصوصياهتا هلا معان يتضمن وإنام مقاصد عىل للوقوف عناء أي م يتجش أن دون من املعاين، تلك معرفة يف يتلخص

املتكلم.

Page 132: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٣٢

يوجد ال إذ القيم، غري من القيم التفسري لفحص معيار أو مناط يوجد «ال أو قيم تفسري اسمه يشء عن تتحدث التي والرؤية قيم، تفسري اسمه شئ أساسا تر الفلسفية اهلرمنوطيقا بينام للتفسري، كغاية املؤلف مرامي إدراك تقرر صحيح ثر، وهلم ي النص ك » وال تتوخى معرفة قصد املؤلف إطالقا، وألن مفرس أصالة املفرسوم للنص جد متباينة، ال يصح اعتبار عىل مر الزمان آفاق متعددة خمتلفة، ستظهر فه

أي منها أفضل من اآلخر».األفق بمدخلية فالقول السابقة، املبتنيات عن أوتوماتيكيا تتولد نتيجة وتلك تأثر وحتمية النص، فهم يف حتوالت- من عليه يطرأ ما -مع مفرس لكل اخلاص التفسري بالقبليات املرتكزة يف ذهنية املفرس، والتعويل يف الفهم عىل خصوص الرتكيب تنطوي التي الواقعيات اصطياد واستحالة للمتكلم، اجلدي املراد ال للنص الفعيل عليها النصوص، جيعل من العسري جدا ضبط معيار علمي لفرز التفاسري القيمة من غريها، وبالتايل فال يمكن اجلزم بأفضلية تفسري أو أقربيته إىل املراد الفعيل من النص.

جماال وتفتح التفسريية»، لـ«النسبية متاما مالئمة الفلسفية «اهلرمنوطيقا -٦رحبا لتفاسري متطرفة».

وهو متاما ما تنتهي إليه املالحظة السابقة، فبسبب خلو املناهج التفسريية العلمية من معيار وضابطة لتحديد الفهم القيم من غريه، تغدو التفاسري كلها مؤرجحة بني

الصحة واخلطأ، من غري تفضيل أو تقديم لتفسري عىل غريه، فتكون بأمجعها نسبية.بذلك يتلخص عن مجيع هذه املباين، معارضة رصحية ألسس اإلستنباط والفهم التفسري علم رأسها وعىل العلمية، األوساط يف املتداولة التفسريية العلوم سائر يف تعترب وال املتلكم بمراد هتتم ال تلك املباين ألن األعم، بمعناه الفقه وعلم القرآين إحرازه إنجازا تفسرييا ذا قيمة، لتعويلها عىل خصوص ما ينطق به النص، بينام تتمحور اهتاممات التفاسري املتداولة حول املراد اجلدي للمتكلم، ويف حني هتدف هذه التفاسري من بالرغم النصوص، ظواهر عىل اعتامدا املراد بذلك اليقني من مستو إحراز إىل

Page 133: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٣٣ مباين املعرفة النسبية

املسافة الزمنية الفاصلة بني املتكلم واملفرس، فإن مباين اهلرمنوطيقا تفرتض عدم تأيت وأما النسبية، املعاين سو هلا تستجيب ال التفسريية الذهنية وأن اليقيني، املستوكام النص حمتو حتديد يف هلا دخل فال للمفرس الذهنية الرتكيبة وطبيعة القبليات تفرتض ذلك التفاسري املتداولة، بينام اهلرمنوطيقا تبني تساؤالهتا عىل استحالة الفصل تسوقها التي املباين ترتكز الفوارق هذه ففي املستنبط.. واملعنى املفرس ذهنية بني

اهلرمنوطيقا للعلوم التفسريية وعلم التفسري القرآين عىل وجه اخلصوص.تسوقها التي املباين هذه أمام املعارص والفقهي القرآين البحث يقف فكيف

العلوم اإلنسانية واهلرمنوطيقا؟.

Page 134: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 135: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٣٥ مالحظات أولية

مالحظات أولية

بعض إىل اإلشارة يستحسن الفقهي، املوقف حيثيات بعرض البدء قبل املالحظات الرضورية، الكاشفة عن حجم تلك املباين ومستو أدائها:

ل بعد إىل علم مستقل إن تلك املباين بام حتمل يف طياهتا من تساؤالت، مل تتحوله قوانينه الثابتة املتفق عليها كعلم النحو والرصف مثال، حتى يتسنى لنا اإلستناد إليها ن الكثري يف املحاوالت التفسريية واألداء الفقهي، فهي مازالت حماوالت متباينة تتضم

من التساؤالت، جاءت نتيجة إلتساع ظاهرة التفسري املصلحي واملزاجي.فبالنسبة للهرمنوطيقا مثال، فإن القسم الفلسفي منها ال هيتم بوضع منهج مغاير ز اهتاممه عىل رشوط حتقق الفهم وأهدافه، وبالتايل ليس لتفسري النصوص، باعتبار تركمن املعقول مطالبته بأدوات تطبيقية إلستنباط املعاين، وأما اهلرمنوطيقا العامة واخلاصة ضا بعد عن حتديد أدوات متفق عليها لذلك، فليس هناك هرمنوطيقا خاصة فلم تتمخبتفسري النص الديني، مقننة األدوات ومكتملة الضوابط، والعامة مع إمكان شمول قواعدها للنصوص الدينية، إال أهنا ال تدعي ذلك وإنام تعترب نتائجها تساؤالت تواجه املنتهجني لألساليب التفسريية املألوفة، هذا فضال عن التباين امللحوظ يف أهدافها..

قال: حيث اهلرمنوطيقا، اء قر ألحد باستنتاج اإلستئناس هنا لنا ويمكن «اهلرمنوطيقا وبسبب التنوع الواسع للدراسات املدرجة حتت عنواهنا، وتوافرها عىل

Page 136: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٣٦

أرضيات واجتاهات متباينة ومتعارضة، تفتقر إىل تعريف واحد يسلم به اجلميع، كام بوصفه خاص حقل ذكر يتسنى فال وجغرافياهتا، بحدودها يتعلق إمجاع إىل تفتقد أهداف تقرير باإلمكان هل معرفة نحاول واآلن اهلرمنوطيقا. لعلم الوحيد امليدان

مشرتكة جامعة للهرمنوطيقا تقبلها كل اإلجتاهات اهلرمنوطيقية عىل اختالفها؟يف هذا املضامر أيضا، لو توخينا أهدافا وغايات مشرتكة يتفق عليها اجلميع، فلن نصل إىل نتيجة ذات بال، وقد نقع يف شطط وهتافت. فالتحوالت الساطعة األساسية الداخيل وحمتواها وظائفها حول اآلراء وتغرت اهلرمنوطيقائن اجتاهات شهدهتا التي طوال تارخيها، رسمت هلا أهدافا وأغراضا جد متباينة ومتناثرة. إذ كيف يمكن العثور عىل أهداف مشرتكة بني رؤية تتوقع من اهلرمنوطيقا وضع منهج صحيح لفهم النص ورفع غوامضه، ورؤية تقرر أن اهلدف من التأمل اهلرمنوطيقي رشح منهجية العلوم اإلنسانية، وتنقيح املبادئ املتحكمة يف فهم املنجز األديب والفني والسلوكي للبرشية

عرب التاريخ»(١).علم عنها متخض التي للنتائج بالنسبة يقال للهرمنوطيقا بالنسبة يقال وما العلمي، الصعيد عىل مهمة نتائج كانت وإن فهي اإلنسان، وعلم احلديث التاريخ تتصف ال أهنا إال التفسريية، والتطبيقات املوارد من العديد يف جرياهنا ويمكن

ل قانونا علميا ثابتا يطبق يف كل املجاالت. باإلطالق بحيث تشكاإلنسانية للعلوم املذكورة املباين أن معقولة حدود يف اإلدعاء لنا يمكن واهلرمنوطيقا، مل تأت حتى هذه اللحظة بكل ما هو جديد مما خيص العلوم التفسريية حت له أجوبة املتداولة، إذ أن الكثري منها كان موضع إثارة عند علامء األصول، ونق

بشكل يتناسب مع خصوصيات اخلطاب القرآين والروائي.فإشكالية الفصل بني القضية اخلارجية والقضية احلقيقية التي تعد من املباحث األصولية الدقيقة ذات األثر الفقهي اهلام، ومد التفاعل بني املورد والوارد -عموم

(١) املصدر نفسه، ص٣٢.

Page 137: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٣٧ مالحظات أولية

اللفظ وخصوص السبب-، واملباحث الداللية، وضوابط احلقيقة واملجاز، وجدلية أو الوجوب عىل األمر صيغ كداللة الدارجة، الصيغ ودالالت واألعم، الصحيح اإلستحباب، وداللة صيغ النهي عىل احلرمة أو الكراهة، والبحوث املفاهيمية، كمفهوم من كلها والسرية، والعرف الظواهر ومبحث أشبه، وما واللقب والوصف الرشط واألنثروبولوجية، التارخيية املباين من جدا وقريبة اهلرمنوطيقية التساؤالت صميم ر، نعم النتائج العلمية يف وقد كانت موضع جدل بني علامء أصول الفقه من تاريخ مبكالبحث الفقهي خمتلفة عن النتائج التي توصل هلا البحث اهلرمنوطيقي ونتائج العلوم

اإلنسانية.ومثل هذا اإلدعاء عندما يطرح ال يراد منه اإللتفاف عىل املرشوع اهلرمنوطيقي ونسبتها حرجة، تساؤالت من نه تتضم ما هتميش أو اإلنسانية، العلوم وإنجازات إىل علامء األصول، وإنام للوقوف عىل مستجدات هذا املرشوع وتلك النتائج، وهي النحو هبذا فإثارهتا الرافضة، العودة قبيل من أهنا إال معدومة، تكون تكاد ظني يف يف كاف وهذا األصولية، لإلجابات رصيح رفض عن تعبري احلقبة هذه يف الواسع

إعطائها مستو من األمهية.عن غريبة ليست العلوم، هذه حتملها التي املركزية املضامني فإن ذلك ومع النهائية لته حمص هام علمي لبحث تقودنا والوارد املورد فجدلية األصويل، البحث بشأنه نزل الذي واملكاين الزماين املورد خصوص من اإلنتقال إمكانية عن التساؤل األلفاظ ودالالت الظواهر ومبحث ومكانا، زمانا تتسع أخر موارد إىل النص للمتكلم، اجلدي املراد تشخيص من نه متك ضوابط للمستنبط تؤسس والصيغ وضوابط واملجاز للحقيقة اإلستعامل وجماالت واألعم الصحيح وتساؤالت لتمييز قواعد بضبط هتتم وغريها واملفاهيم واخلصوص والعموم والتقييد اإلطالق املعاين القيمة من غريها، ومثل هذه القواعد وتلك الضوابط يمكن أن تعني املستنبط عىل التخلص من ضغط القبليات واحلد من تأثري ذهنيته اخلاصة يف عملية اإلستنباط، واهلرمنوطيقيا، اإلنسانية العلوم هلا تتعرض التي املباحث عمق من مسائل وهي

Page 138: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٣٨

العلمية واإلثارات التساؤالت عن األصولية األجوبة متن يف فتشنا لو فإننا لذلك التي انطلقت منها، لوجدنا العديد منها متطابق مع تساؤالت اهلرمنوطيقا، هذا فضال ن عنها عن التساؤالت التي مل يكن للهرمنوطيقا حظ فيها بعد، كالتساؤالت التي تكو

عي، ودليل اإلنسداد وما إىل ذلك. مفهوم اإلرتكاز املترشمن كل ذلك يتضح أن أمهية البحث اهلرمنوطيقي تكمن يف أنه أثار من جديد البحث قدمها التي باألجوبة اده رو قناعة عدم عن كتعبري قديمة، علمية تساؤالت

األصويل.مما أغفله البحث اهلرمنوطيقي - بالذات القسم العام والفلسفي منه- والبحث عىل مستو العلوم اإلنسانية، أن بعض اخلطابات حتمل أدوات فهمها معها، وتتضمن العديد من اخلصوصيات التي تنأ هبا عن متناول تلك اإلفرتاضات واملباين املذكورة، ومن بني تلك اخلطابات اخلطاب القرآين، بل حتى اهلرمنوطيقا اخلاصة التي تضع يف تطبق مل فإهنا تبنته، الذي األساس مسلكها هو كام اخلطابات خصوصيات اعتبارها ت يف اعتباره تلك ذ م منهجا تطبيقيا أخ بصورة فعلية عىل اخلطابات القرآنية، ومل تقد

اخلصوصيات.فالبحوث اهلرمنوطيقية ونتائج بعض العلوم اإلنسانية أرادت أن تضع قواعد ملاهية الفهم أو لتفسري النصوص، بصورة جمردة وبعيدا عن الطبيعة اخلاصة للنصوص تفسريها بغرض النصوص عىل وافرتاضاهتا نتائجها أسقاط أريد وكأنام نفسها،

. وإزاحة الغموض عنها، بينام هي هبذه الطريقة تزيدها غموضاويتميز خاصة طبيعة له أن إال برشي، بلسان نزل وإن مثال القرآين فاخلطاب بأمور ال يمكن ألي علم جديد أن يتجاوزها، فاإلحكام والتشابه من مميزات الطبيعة اخلاصة للنصوص القرآنية، وهلا أثر بالغ يف استنباط معانيه، وبالتايل فإن النظر إىل هذه وجتاوز الطبيعة لتلك خالف بتاممها، متشاهبة أو بتاممها حمكمة أهنا عىل النصوص ش ويصيبه بالكثري من الضبابية. للمنهج اخلاص هلا، وهو بالشك يوقع املفرس يف تشو

Page 139: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٣٩ مالحظات أولية

يف آخذا األنثروبولوجي او التارخيي أو اهلرمنوطيقي البحث كان لو نعم ألمكن اخلاصة، حماوالته يف القرآين اخلطاب عليها ينطوي التي اخلصوصية اعتباره كثري ففي األصول، لعلم املنطق علم كناظرية اخلطاب، هذا عىل له ناظرية تصور من األحيان حيتاج القارئ لعلم األصول لفهم بعض األدوات املنطقية كطريق لفهم العبارة األصولية، وذلك لسبب وجيه وهو أن العامل األصويل عند كتابته للنصوص األصولية وضع يف اعتباره املنهج املنطقي، هبدف جتنب اخلطأ يف الفهم الذي قد ينشأ

لوال ذلك املنهج.فلتجاوز حمذور سوء الفهم، األمر الذي قامت اهلرمنوطيقا والعلوم اإلنسانية لدرئه، ينبغي النظر يف خصوصيات اخلطاب القرآين الدقيقة، وإال فستتجه البحوث

ا. املعارصة لنفس املطب، وستبتىل بسوء الفهم أيض

Page 140: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 141: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٤١ من خصوصيات اخلطاب القرآين

من خصوصيات الخطاب القرآني

لن يتسن لباحث أو قارئ أن يقف عىل املعاين التي يتضمنها النص القرآين ما مل يالحظ األساليب الفنية الرائعة التي يتفرد هبا، وللتمثيل فقط ال اإلستيعاب سأشري

إىل بعض ما ينبغي مالحظته واإلهتامم به يف هذا النص: التفاصيل يف ع ويرج اخلطاب، يف اإلمجال عىل ا كثري يعتمد القرآين النص -١إىل اجلهة املبلغة به كالرسول K، كام يف شأن األمر بإقامة الصالة، فقد قال تعاىل: {ª » ¬ ®¯ ° ± ² ³}(١)، يف حني ورد عن رسول اهللا

K: «صلوا كام رأيتموين أصيل»(٢). y x w vu t s r q} تعاىل: قال حيث باحلج، األمر ويف z} | { ~ ے ¡ ¢ £ ¤ ¥¦ § ¨ © ª » ¬ ®}(٣)، يف

نفس الوقت ورد عن رسول اهللا K أنه قال: «خذوا عني مناسككم»(٤).

(١) األنعام: ٧٢.(٢) بحار األنوار، العالمة حممد باقر املجليس، ج٧٩ ص٣٣٥، الطبعة الثانية ١٩٨٣، النارش: مؤسسة

الوفاء - بريوت.(٣) آل عمران: ٩٧.

(٤) املصدر نفسه، ج١٠٧، ص١٠٨.

Page 142: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٤٢

ومفاد ذلك رضورة بلورة نظرية واضحة فيام يتعلق باإلمجال والتبيني املستخدم ال إذ نصوصه، لتفسري املناسبة األداة صياغة يف التفكري قبل القرآين، اخلطاب يف يمكن فك رموزه وحتديد مستو اإللزام فيه وطريقة التطبيق من دون البلورة الدقيقة لتلك النظرية، أي ال يمكن عزل النص القرآين عمن أمر بتبليغه عند تطبيق أي منهج

تفسريي عليه.املحكم األسلوب استخدام عرب اخلطايب، املنهج يف مميزة ثنائية عىل اعتامده بمعنى أو املعنى، أو اللفظ جهة من أما املتقن بمعنى واألول املتشابه، واألسلوب ق بعضها الظاهر الداللة، والثاين تارة يكون يف املعنى حني تتشابه معاين القرآن ويصد

بعضا، وتارة يف الداللة عند عدم ظهور الداللة واحتامهلا لوجوه متعددة. واضحة الداللة تامة ا نصوص بصفتها حتليلها يمكن ال النصوص فبعض املعنى، يف حني تكون بعض النصوص عىل العكس من ذلك متاما، وهذا ما نطق به تعاىل: قال حيث أمامه، قارئ كل يضعها أن ينبغي مهمة كحقيقة وأوضحه القرآن

x w v u ts r q p o n m l k j i h g} ¬ « ª ©¨ § ¦ ¥ ¤ £¢ ¡ ے ~ } | { z y

.(١){» º ¹ ¸ ¶ μ´ ³ ² ± ° ¯ ®

العصور يف والتعليم التعلم موارد من ا مورد كانت اخلاصية هذه وألمهية بالعلوم اهتاممهم سياق يف اء القر يتعلمها التي اللوازم من أصبحت حيث األوىل، يقول: «ما املؤمنني أمري سمعت قال: اهلاليل، قيس بن سليم عن ورد فقد القرآنية، وعلمني بخطي فأكتبها عيل وأمالها أقرأنيها إال K اهللا رسول عىل آية نزلت

تأويلها وتفسريها وناسخها ومنسوخها وحمكمها ومتشاهبها...»(٢).أوجه التكامل يف وجه من وهو اخلطاب، جي يف التدر املنهج ٢- تركيزه عىل

(١) آل عمران: ٧.اإلسالمية - العلمية املكتبة النارش: ص١٤، ج١ عياش، بن مسعود بن حممد العيايش، تفسري (٢)

طهران.

Page 143: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٤٣ من خصوصيات اخلطاب القرآين

املعاين املرادة منه، مما جيعل من العسري عىل الباحث يف العديد من األحيان أن يقترص يف قراءته عىل آية من غري أن يربطها بمثيالهتا التي قد تكون متصلة وقد تكون منفصلة، وبالتايل البد لكل قارئ أن حيدد رؤية واضحة هلذه اخلاصية قبل أن يفكر يف اإلستعانة

بأي منهج تفسريي لتفسري النص القرآين.عة لقانون النجو مع الرسول K من النوع املتصل، حيث فاآليات املرش

واحدة: {! " # $ % & ' سورة يف متصلتني آيتني يف تعاىل قال = < ; : 9 8 7 6 5 4 3 2 10 / . - ,+ * ) ( ON M L K J I H G F E D C B A@ ? >

.(١){S R Q Pعة للقانون املتعلق بحرمة رشب اخلمر من النوع املنفصل، ففي بينام اآليات املرش

} | { z y x w v u t s} :سورة النساء قال تعاىل º ¹¸ ¶ μ ´ ³} البقرة: سورة يف سبحانه قال ثم ،(٢){~سورة يف بقوله وأعقبهام ،(٣){Äà  Á À ¿ ¾ ½ ¼ »

املائدة: {! " # $ % & ' ) ( * + , - . > = < ; : 9 8 7 6 5 4 3 2 1 0 /

.(٤){E D C BA @ ?

البد وبالتايل عنها، التغايض يمكن وال جدا مهمة خاصية جي التدر فاملنهج منهج بأي اإلستعانة يف يفكر أن قبل بخصوصها واضحة رؤية حيدد أن قارئ لكل

تفسريي لتحليل النص القرآين.فهذه بعض اإلشارات املتعلقة بخصوصيات اخلطاب القرآين، ذكرهتا باقتضاب

(١) املجادلة: ١٢-١٣.(٢) النساء: من اآلية٤٣.

(٣) البقرة: من اآلية٢١٩.(٤) املائدة: ٩٠-٩١.

Page 144: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٤٤

للتمثيل واإلشعار فقط، وإال فالنص القرآين يتميز بفنون خطابية عديدة(١)، أعتمدت تتعلق ملموسة نتائج حيرز أن يمكن ال تفسريي منهج وأي مهمة، تربوية ألهداف للخطاب بالنسبة يقال وما اخلاصة، الفنون تلك يراع مل ما القرآين، اخلطاب بتفسري م من فه القرآين جيري عىل اخلطاب الروائي، فهو يعتمد أساليب خاصة ال يمكن أن يدون مالحظتها، كالتقية يف إبراز املعنى، والتخصيص للعمومات القرآنية، واملفارقة

بني القول والفعل يف التعبري عن مستو املراد، وما إىل ذلك.األلسنية العلوم واستنتاجات الثالثة بأوجهها اهلرمنوطيقا أن تقديري ويف هذه مثل اعتباره يف يأخذ دقيقا تفسرييا مرشوعا م تقد مل اليوم هذا حتى واإلنسانية ا علميا مهام يستعان به يف حتليل النص القرآين، نعم اخلصوصيات، حتى نعتربه إنجازا، وتستفز نشاطنا هي تثري أمامنا العديد من التساؤالت املثارة يف البحث األصويل سلف

م أجوبة أكثر تطورا وأقدر عىل سد الثغرات العلمية. العلمي كي نقد

(١) يمكن الوقوف عىل بعضها يف املقدمة الثالثة.

Page 145: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٤٥ إضاءات

إضاءات

كام أننا ال نقبل النسبية بشكل مطلق، فإننا يف الوقت نفسه ال نرفضها بشكل الديني اخلطاب ففهم الدقيقة، والوقفات الرائعة اإلجيابيات من فيها ملا مطلق، ق تعم بمعنى لكن النسبية، حيتمل منه- الرصيح -حتى والروائي القرآين بنوعيه ف جوانب احلق ال التشكيك املستمر، فمع استمرار البحث العلمي يمكن أن تكتشإضافية من بني ثنايا اخلطاب، فتزيد احلق أرشاقا ووضوحا، وهذا نوع من النسبية

التي يؤسس إليها اخلطاب القرآين نفسه، كام يف قوله تعاىل: {¦ § ¨ © قا ملا قبله يف الرتبة، ª}(١)، ففوق كل علم علم آخر أكثر عمقا منه، يكون مصد

. وكام يف قوله سبحانه: {> = ال رافضا له ألنه ال يعتربه جهال بل هو علم أيضا< ? @ GF E D C B A}(٢)، فاإليامن الالحق مؤكد لإليامن هو بل كفرا، أو شكا السابق يعترب ال فالالحق رسوخا، وأكثر أعمق لكنه السابق

. إيامن أيضاق احلق فهي من صميم اخلطاب الديني، بالتايل فإن النسبية إذا كانت تعني تعمجوانب إكتشاف العقل استطاع كلام واآلفاق، العلوم رت وتطو الزمن م تقد فكلام

(١) يوسف: من اآلية٧٦.(٢) الفتح: من اآلية٤.

Page 146: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٤٦

نها اخلطاب القرآين أو الروائي، فيزيد أخر لألحكام والتوجيهات الدينية التي يتضم. وهذا نموذج من النسبية املقبولة يف اخلطاب الديني، بل هبذا اإلكتشاف احلق إرشاقا، واإليامن إيامنا، ال أهنا تزيد اإلنسان حرية وشكا، املمدوحة فيه، ألهنا تزيد العلم علام

با ملا قبله. كالنسبية التي تفرتض أن يكون كل إبداع جديد مكذقا للقديم، بل قد يكون وذلك بالطبع ال يعني كل جديد جيب أن يكون مصديف واملستساغة املعقولة النسبية من نوع وهو قبله، ملا ئا خمط للخطاب اجلديد الفهم البحث الفقهي، لكن ال عىل النحو املطلق، بأن تكون كل األفهام جمرد احتامالت ال يمكن أن يعرب واحد منها عن احلق، ما يعني الوقوف الدائم يف ساحة احلرية والرتدد، الفقهي البحث يف املرفوضة النسبية فهي واحلقيقة، احلق إىل الوصول واستحالة

والعقدي، إلمكان الوصول إىل الكثري من احلقائق بواسطة املنهج العلمي. اإلنسانية والعلوم اهلرمنوطيقا أثارهتا التي املباين بعض فإن ذلك عىل بناء عىل للتدليل هبا يستعان التي النسبية والشواهد مطلق، بشكل هبا التسليم يصعب تلك املباين ال تنهض دليال تاما عليها، بالذات إذا تأملنا فيام تصطدم به من حقائق هي

أقرب إىل البدهيية، عىل رأسها: يمكن ال دين فائدة ما إذ ثمرة، أي له كانت ملا وإال م، ليفه جاء إنام الدين

ألتباعه فهمه، مع أهنم مكلفون باإللتزام به. اهللا وهو املتكلم، أرادها التي اجلدية املرادات تلك يف تكمن الدين حقيقة سبحانه وتعاىل، إذ ال معنى أللفاظ متقاربة إذا مل يكن لتنسيقها اخلاص هدف، وهو ق، لذلك فإن الوقوف عىل تلك احلقيقة ال يتسنى إال بمنهج حيفر ناتج عن مراد املنس

ليصل إىل اهلدف احلقيقي من ذلك التنسيق حسب ما أراده منسقه.خاصة رسالة حيمل ألنه جوانبه، مجيع يف متعددا الدين يكون أن يمكن ال

N M L K J I} :لإلنسانية مجعاء، كام أشارت إىل ذلك اآليات من قوله تعاىل ` _ ^ ] \ [Z Y X W V U T S R Q P O

Page 147: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٤٧ إضاءات

.(١){r q p o n m l k j ih g f e d c ba

ظ من اخلطاب اجلمعي يف اآليات القرآنية، حيث أهنا وكمؤرش عىل ذلك ما يلحيف بعض الصور ختاطب املجموع كمجموع ال كأفراد، كام يف أوامر اجلهاد.

من بني املعارف املتداولة تتواجد الكثري من األفكار املتفق عليها من غري نكري ..؟. إنام حتقق ذلك من خالل اخلطاب، وذلك ت ص خ فت وش ر أو اعرتاض، فكيف ع

م منه شئ واحد وهو الواقع املراد عىل نحو قطعي. فه يعني أن اخلطاب يمكن أن يفمع التسليم بوجود نصوص مومهة حتتمل معان متعددة قد يكون أحدها الواقع وقد ال يكون، غري أنه أمر نسبي وشواهده حمدودة، إلمكان إدراك املعاين الواقعية يف عىل ر لتعذ مطلق، بشكل الواقعيات عىل الوقوف ر تعذ ولو النصوص، من غريها البرش التفاهم فيام بينهم، واملالحظ خالف ذلك، فالتفاهم القائم بني البرش عىل أساس

الواقعيات أكرب دليل عىل إمكان إحرازها من خالل اخلطابات الشفاهية والكتابية.إن استمرار البحث العلمي أكرب شاهد عىل وجود حقائق وإمكانية حتصيلها، الوصول يمكن مل ولو باحلقائق، للظفر السعي هو إنام العلوم من األساس فاهلدف اللغو من رضبا وألصبح جدوائية، أي العلمي للبحث كان ملا األصل من إليها

والرتف، وهو خالف املرتكز يف أذهان الباحثني والعلامء.عىل العقل قدرة وعىل حقائق، وجود عىل دليل العلمي البحث فاستمرار حقيقة، ألهنا واملكان، الزمان فوق تكون أن أمكن احلقيقة ت أحرز فإذا حتصيلها. وأفكار قناعات من حولنا فيام نتأمل لو أننا إذ الوجدان، ذلك عىل شاهد وخري

وأحكام لوجدنا أن الكثري منها ثوابت ومطلقات، متجاوزة حلدود الزمان واملكان. ثم أن اإلستنتاج التارخيي الذي يقول باستحالة والدة فكرة تتعاىل عىل الزمان واملكان، إن صح فسيصبح أكرب دليل عىل بطالنه، ألن هذه اإلستحالة إن كانت ثابتة

.١٣ :(١) الشور

Page 148: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٤٨

ودائمة، دل ذلك عىل إمكان والدة أفكار متجاوزة للحدود الزمانية واملكانية، وإن مل يصح أو كان نسبيا، كانت النتيجة إمكان والدة تلك األفكار املتجاوزة لتلك احلدود

ولو بنحو نسبي، وهو كاف يف عدم القبول بالنسبية بنحو مطلق.وبعض اهلرمنوطيقا تثريها التي املباين تلك مع تتصادم الوجدانية املباين فهذه

العلوم اإلنسانية، وال يمكن جتاوزها باإلستعانة بشواهد معاكسة ذات طابع نسبي.عملية يف الذهنية القبليات كتأثري ،األخر اهلرمنوطيقية التساؤالت وأما ر التوصل إىل فهم دقيق ملراد املتكلم بسبب الفاصل الزمني بني النص اإلستنباط، وتعذ، وما أشبه، فهي وإن كان هلا تأثري حقيقي يمكن مالحظته بسهولة يف البحث واملفرسمستمر، بشكل والتأمل للمراجعة اخلاضعة العلمية فالقواعد نسبي، لكنه الفقهي، العريف، والظهور الداللة كضوابط واإلستنباط، الفهم لضوابط بالتأسيس كفيلة املستنبطة واألحكام األفكار من الكثري عىل اإلسالمي الوسط يف التام واإلتفاق عىل والقدرة املتكلم، ملراد الدقيق الفهم إمكانية عىل دليل اخلاصة، النصوص من هنا تكو عىل بناء سالمتها مع وأما هة، مشو كانت إذا القبليات ضغط من التخلص سائر ه تقر ما وهو عليها، اإلعتامد من حمذور فال النيص الرتاكم خالل من التارخيي

العلوم، باعتبار أهنا بأمجعها تراكمية وال تأيت دفعة واحدة.

خالصة هامة

إن البحث القرآين والفقهي قائم من أساسه عىل وجود ثوابت بني الرؤ الدينية إلزامات باعتبارها حقيقتها، إىل والوصول إحرازها من والبد الرشعية، واألحكام وتكاليف فردية واجتامعية، طبقا ملا ورد يف صحيحة(١) زرارة بن أعني، قال: سألت

(١) حممد بن يقعوب الكليني عن عيل بن إبراهيم عن حممد بن عيسى بن عبيد عن يونس عن حريز عن زرارة. ومجيعهم ثقات، وأما ما نسبه بن بابويه إىل أستاذه بن الوليد من عدم اعتامده عىل ما رواه بن عبيد عن يونس مع وثاقته، فلم يعتمد عليه كثريون خصوصا بعد عدم معرفة الوجه فيه.

معجم رجال احلديث، مصدر سابق، ج١٨ ص١١٩.

Page 149: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٤٩ إضاءات

أبا عبد اهللا C عن احلالل واحلرام فقال: «حالل حممد حالل أبدا إىل يوم القيامة، وحرامه حرام أبدا إىل يوم القيامة، ال يكون غريه وال جييء غريه»(١).

بمتعرس فليس التكاليف تلك من واملتغريات الثوابت بني للفرز بالنسبة وأما لوضوح وذلك واملكانية، الزمانية الظروف يف ل التبد من بالرغم الفقهي، النظر يف الضوابط املنظمة لعملية الفرز، وقد أشري إىل بعضها تفصيال يف رواية معتربة(٢) عن كانوا وقد أصحابه، من قوم عنده اجتمع وقد يوما C الرضا سأل فقد امليثمي، :C يف الشئ الواحد فقال K يتنازعون يف احلديثني املختلفني عن رسول اهللا(إن اهللا حرم حراما، وأحل حالال، وفرض فرائض فام جاء يف حتليل ما حرم اهللا، أو يف حتريم ما أحل اهللا أو دفع فريضة يف كتاب اهللا رسمها بني قائم بال ناسخ نسخ ذلك، وال اهللا، أحل ما ليحرم يكن مل K اهللا رسول ألن به، األخذ يسع ال ما فذلك ليحلل ما حرم اهللا وال ليغري فرائض اهللا وأحكامه، كان يف ذلك كله متبعا مسلام مؤديا عن اهللا، وذلك قول اهللا: {k j i h g f} فكان C متبعا هللا، مؤديا عن اهللا اهللا رسول عن الشئ يف احلديث عنكم يرد فإنه قلت: الرسالة، تبليغ من به أمره ما K مما ليس يف الكتاب، وهو يف السنة، ثم يرد خالفه فقال: كذلك قد هنى رسول اهللا K عن أشياء، هنى حرام فوافق يف ذلك هنيه هني اهللا، وأمر بأشياء فصار ذلك األمر واجبا الزما كعدل فرائض اهللا، فوافق يف ذلك أمره أمر اهللا، فام جاء يف النهي عن رسول اهللا K هني حرام ثم جاء خالفه مل يسغ استعامل ذلك، وكذلك فيام أمر به،

(١) الكايف، مصدر سابق، ج١ ص٥٨.(٢) رواها الصدوق يف العيون عن أبيه وحممد بن احلسن بن أمحد بن الوليد مجيعا عن سعد بن عبد ح بوثاقتهم مع كون اهللا عن حممد بن عبد اهللا املسمعي عن أمحد بن احلسن امليثمي. وأغلبهم رصامليثمي واقفيا، مما يزيد احتامل كون الرواية موثقة، نعم املسمعي مل يوثق رصحيا، لكن عدم استثناء بأن الصدوق ادعاء وأما مؤيدا لوثاقته، يكون ربام عنه حييى بن أمحد بن حممد لرواية الوليد بن بن الوليد كان سيئ الرأي يف املسمعي، فقد عقب عليه بأنه قد قرأ عليه كتاب الرمحة فلم ينكره، وقد وردت هذه الرواية فيه. معجم رجال احلديث، ج١٧ ص٢٧٧. ولعله هلذا رصح الصدوق ل. وسائل الشيعة، مصدر سابق، يف الفقيه أن كتاب الرمحة من األصول والكتب التي عليها املعو

ج٢٧ ص١١٥.

Page 150: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٥٠

ألنا ال نرخص فيام مل يرخص فيه رسول اهللا K وال نأمر بخالف ما أمر به رسول اهللا K إال لعلة خوف رضورة، فأما أن نستحل ما حرم رسول اهللا K أو نحرم ما استحل رسول اهللا K فال يكون ذلك أبدا، ألنا تابعون لرسول اهللا K مسلمون

q p} :تابعا ألمر ربه، مسلام له، وقال اهللا عزوجل K له، كام كان رسول اهللاxw v u t s r} وإن اهللا هنى عن أشياء ليس هني حرام، بل إعافة وكراهة، وأمر بأشياء ليس بأمر فرض وال واجب بل أمر فضل ورجحان يف الدين، ثم رخص يف ذلك للمعلول وغري املعلول، فام كان عن رسول اهللا K هني إعافة، فيه اخلرب عنا عليكم ورد إذا فيه، الرخصة استعامل يسع الذي فذلك فضل أمر أو باتفاق يرويه من يرويه يف النهي وال ينكره، وكان اخلربان صحيحني معروفني باتفاق وأحببت موسع ذلك األخذ بأحدمها أو هبام مجيعا أو بأهيام شئت الناقلة فيهام، جيب باب من ذلك تارك وكان وإلينا إليه والرد K اهللا لرسول التسليم باب من لك العناد واإلنكار وترك التسليم لرسول اهللا K مرشكا باهللا العظيم، فام ورد عليكم حالال خمتلفني فاعرضومها عىل كتاب اهللا، فام كان يف كتاب اهللا موجودا خربين من أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب، وما مل يكن يف الكتاب فاعرضوه عىل سنن رسول اهللا K، فام كان يف السنة موجودا منهيا عنه هني حرام، ومأمورا به عن رسول اهللا K أمر إلزام فاتبعوا ما وافق هني رسول اهللا K وأمره، وما كان يف السنة هني K إعافة أو كراهة، ثم كان اخلرب األخري خالفه فذلك رخصة فيام عافه رسول اهللاوكرهه ومل حيرمه، فذلك الذي يسع األخذ هبام مجيعا، وبأهيام شئت وسعك اإلختيار هذا من شئ يف جتدوه مل وما ،K اهللا رسول إىل والرد واإلتباع التسليم باب من الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أوىل بذلك، وال تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكف

والتثبت والوقوف، وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا»(١).

مؤسسة النارش: ،١٤٠٤ األوىل الطبعة ص٢٤، ج١ الصدوق، الشيخ الرضا، أخبار عيون (١)األعلمي للمطبوعات - بريوت.

Page 151: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

�3456EFC

� ��J;�EFC

�� �3456� �!�"#

�7����

التفسير العلمي التربوي

Page 152: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 153: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٥٣ التفسري العلمي الرتبوي

التفسير العلمي التربوي

تمهيد

السعادة بصائر باستخراج املتكفل الفن- -أو للمنهج العامة الصورة إن واهلداية من القرآن، يرتكز يف (التفسري العلمي الرتبوي). والعلمي إشارة إىل املنهج حتويل عىل تأكيد والرتبوي القرآن. من والبصائر املعاين استنباط عىل القادر العميل بصائر فاستنباط واإلجتامعي. الفردي املجال يف تربوي برنامج إىل البصائر تلك القرآن جيب أن يستند إىل منهج علمي صحيح، والبصائر املستنبطة ال يصح أن تبقى ل إىل برامج سلوكية يرتبى عليها الفرد واملجتمع يف حبيسة الذهن، وإنام جيب أن تتحو

حياته اخلاصة والعامة.هلذا سنضع أعيننا يف هذا الفصل عىل املعامل األساسية للمنهج العلمي، واملعامل خط يف اندماجهام برضورة نقول اللذان املنهجان ومها الرتبوي. للمنهج األساسية

تفسريي واحد، للتحقق اإلستفادة املثىل من القرآن.

Page 154: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 155: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

89 :;��,

-./012� <=� >?@

�A#BC��

الـمـنـهـج الـعـلـمـي

Page 156: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 157: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٥٧ املنهج العلمي

المنهج العلمي

ضرورة المنهج العلمي

بعض م نتفه أن املنهج، تفاصيل يف اخلوض وقبل البداية يف بنا يستحسن الدواعي التي تفرض علينا سلوك طريقة علمية خاصة عند الرغبة يف استظهار املعاين القرآنية.. ولعل املنطلق يف ذلك أن املعرفة الدقيقة بالقرآن -مع أن القرآن مبني- عملية

حتتاج إىل جهد خاص، بل هي عملية ال ختلو من صعوبة، وذلك ألمرين أساسيني: جمراه كان وإن املعتادة، اخلطابية لألساليب ا مغاير ا خاص ا أسلوب للقرآن إن وطرق اخلطاب فأسلوب السائد.. والعرف املتداولة للغة العام املجر مع متطابقا كلها أشبه، وما املتغايرة والتصويرات البالغة يف واملتانة التعبري يف والدقة العرض الباري جل وعال أهل ا أرقى من األساليب املعتادة، وهلذا حتد أعطت للقرآن أسلوب

اللغة العارفني بأصوهلا أن يأتوا بسورة من مثله.حتى إن بعض العرب كان يفرق بينه وبني سائر الكالم بمجرد أن يسمع ولو K اهللا رسول أقبل مرة ذات ففي الياممة، وفد مع حصل كام منه، قليلة آيات ومعه عيل C إىل جملس من جمالس العرب، فدعاهم إىل دينه فقال أحدهم وإسمه

مفروق: وإىل م تدعو يا أخا قريش؟

Page 158: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٥٨

« ª ©¨ § ¦ ¥ ¤ £ ¢ ¡} :K اهللا رسول فقال ¾ ½¼ » º ¹¸ ¶ μ ´ ³ ²± ° ¯® ¬ Ð ÏÎ Í Ì Ë Ê É È Ç ÆÅ Ä Ã Â Á À ¿

.(١){Ô Ó Ò Ñ

قال مفروق: ما هذا من كالم أهل األرض ولو كان من كالمهم عرفناه ثم قال: وإىل م تدعو أيضا يا أخا قريش؟

R Q P O N M L K J} :K اهللا رسول فتال .(٢){[ Z Y XW V U T S

فقال مفروق: دعوت واهللا يا أخا قريش إىل مكارم األخالق وحماسن األعامل، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك.(٣)

آية سمع أن بمجرد قومه، كبار من وهو مفروق أن الواقعة هذه يف فيالحظ اختالف بسبب ذلك وليس الكالم، سائر وبني بينها ميز األنعام، سورة من واحدة

املفردات واأللفاظ، وإنام بسبب متيز األسلوب القرآين.الضغط الشديد واإلمجال يف املعاين القرآنية.. فاملعاين واألفكار القرآنية واسعة وكثرية، إال أهنا مضغوطة بشدة وجمملة، ولذلك حتتاج إىل عناية يف إمعان النظر وطرق خاصة من التأمل، لفك ذلك الضغط وإبانة اإلمجال، فمقطع صغري من آية يمكن أن من البعض أن حتى واألحكام.. والقيم واإلرشادات املعاين من الكثري عىل حيتوي املتمردين عىل الوحي أعربوا عن عجزهم أمامه لفرط دقته ومتانة تعبريه عن املعاين.. فقد رو الطربيس يف اإلحتجاج عن هشام بن احلكم أنه قال: اجتمع ابن أيب العوجا يستهزئون احلرام اهللا بيت يف املقفع وابن البرصي امللك وعبد الديصاين شاكر وأبو

(١) سورة األنعام: ١٥١.(٢) سورة النحل: ٩٠.

(٣) وألول مرة يف تاريخ العامل، اإلمام الشريازي»قده»، القسم األول ص١٢١.

Page 159: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٥٩ املنهج العلمي

باحلاج ويطعنون بالقرآن فقال ابن أيب العوجا: تعالوا ننقض كل واحد منا ربع القرآن نقض يف فإن كله، القرآن نقضنا وقد فيه نجتمع املوضع هذا يف قابل من وميعادنا القرآن إبطاال لنبوة حممد K، ويف إبطال نبوته إبطال اإلسالم وإثبات ما نحن فيه، فاتفقوا فلام كان من قابل اجتمعوا عند بيت اهللا احلرام، فقال ابن أيب العوجا: فام زلت أن قدرت فام اآلية: {/ 0 1 2 43}(١)، هذه يف افرتقنا منذ أفكر

أضم إليها يف فصاحتها ومجيع معانيها شيئا، ولقد شغلتني عن التفكري يف غريها.وقال عبد امللك البرصي: وأنا منذ فارقتكم أفكر يف هذه اآلية: {! " 43 2 1 0 / . - , + * ) ( '& % $ #5 6 7 8 9 : ;> = < ?}(٢)، ومل أقدر عىل

اإلتيان بمثلها.وقال أبو شاكر الديصاين: وأنا منذ فارقتكم أفكر يف اآلية: {° ± ² ³

μ ¶¸}(٣)، ومل أقدر عىل اإلتيان بمثلها.

منذ وأنا البرش كالم جنس من ليس القرآن هذا إن قوم يا املقفع: ابن وقال Å Ä Ã Â Á À ¿ ¾ ½ ¼} اآلية: يف أفكر فارقتكم Í Ì Ë Ê ÉÈ Ç Æ}(٤)، فلم أبلغ غاية املعرفة هبا ومل أقدر عىل اإلتيان بمثلها، وأضاف هشام بن احلكم إىل ذلك: فبينام هم يف ذلك إذ مر هبم جعفر

بن حممد الصادق C فقال: {- . / 0 1 2 3 4 5 6 .(٥)«...{> = < ; : 9 8 7

أخر جهة ومن ودقيق، متميز بأسلوب املكلفني خياطب جهة من فالقرآن (١) سورة يوسف: ٨٠.

(٢) سورة احلج: ٨٣.(٣) سورة األنبياء: ٢٢.

(٤) سورة هود: ٤٤.(٥) اإلحتجاج، الطربيس، ج٢ ص١٤٣.

Page 160: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٦٠

واإلمجال يف األحكام، لذلك فإن واألفكار الشديد للمعاين خيتص أسلوبه بالضغط فك عىل وقدرة األسلوب، بذلك دقيقة معرفة إىل تفتقر املعاين تلك فهم يف الرغبة علمي منهج ضوء عىل السري بواسطة إال يتحصل ال وذلك إمجاله، وإبانة ضغطه

واضح.

Page 161: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٦١ معامل املنهج العلمي

معالم المنهج العلمي

إن أهم معامل هذا املنهج ترتكز يف أمرين:

اعتماد النصوص الرديفة -الروايات-. ١

والقيم الصحيح، فك ضغطها بالوجه اآليات ال يمكن فاملعاين املضغوطة يف واألحكام املجملة ال يمكن إبانة املراد احلقيقي منها، إال باإلستعانة بالروايات الواردة عن املعصومني A، فالروايات بصفتها نصوص رديفة للقرآن الكريم تسري جنبا إىل جنب مع آياته، ومن دوهنا يتعرس الوصول للمعاين القرآنية احلقيقية.. وقد أكد األئمة املعارصة الفكرية والتيارات املذاهب أرباب مع حواراهتم يف كثريا ذلك عىل Aهلم، فقد رو شعيب بن أنس أن الصادق C قال أليب حنيفة: «أنت فقيه العراق؟ قال: نعم، قال: فبأي يشء تفتيهم؟ قال: بكتاب اهللا وسنة نبيه. قال: تعرف كتاب اهللا ادعيت لقد حنيفة أبا يا قال: نعم. قال: املنسوخ؟ من الناسخ وتعرف معرفته، حق علام -ويلك- ما جعل اهللا ذلك إال عند أهل الكتاب الذين أنزل اهللا عليهم، ويلك

.(١)« ماهو إال عند اخلاص من ذرية نبينا K وما ورثتك من كتابه حرفاورو زيد الشحام قال: «دخل قتادة عىل أيب جعفر C فقال له: أنت فقيه

(١) البيان يف تفسري القرآن، اإلمام اخلوئي، ص٢٦٧.

Page 162: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٦٢

أهل البرصة؟ فقال: هكذا يزعمون. فقال: بلغني أنك تفرس القرآن. قال: نعم. إىل أن قال: يا قتادة إن كنت قد فرست القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن القرآن يعرف إنام قتادة -وحيك- يا وأهلكت، هلكت فقد الرجال من فرسته كنت

من خوطب به»(١).فمن دون العودة إىل كالم املعصوم تصبح اآلراء املنتزعة من اآليات جمرد رضب من الكالم وإن مال إليها الذوق واستحسنها، إذ بني سطور اآليات خفايا ودقائق ال احلقيقي.. مصبها إىل اآلية توجيه استطاعتهم يف الذين وهم أهلها، إال عليها يطلع

1 0 /} تعاىل: قوله تفسري يف ورد ما ذلك عىل الشواهد ومن داود أيب ابن صاحب زرقان عن تفسريه يف العيايش رو فقد ،(٢){...2وصديقه بشدة قال: رجع ابن أيب داود ذات يوم من عند املعتصم وهو مغتم، فقلت له ت منذ عرشين سنة، قال: قلت له: ومل ذاك؟ قال: يف ذلك فقال: وددت اليوم أين قد مملا كان من هذا األسود أبا جعفر حممد بن عيل بن موسى اليوم بني يدي أمري املؤمنني املعتصم، قال: قلت: وكيف كان ذلك؟ قال: إن سارقا أقر عىل نفسه بالرسقة، وسأل اخلليفة تطهريه بإقامة احلد عليه، فجمع لذلك الفقهاء يف جملسه، وقد أحرض حممد بن عيل، فسألنا عن القطع يف أي موضع جيب أن يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع لقول

اهللا يف التيمم: {¿ ÂÁ À}(٣) واتفق معي عىل ذلك قوم.وقال آخرون: بل جيب القطع من املرفق، قال: وما الدليل عىل ذلك؟ قالوا: ألن اهللا ملا قال: {* + ,}(٤) يف الغسل دل عىل ذلك أن حد اليد هو املرفق.

قد فقال: جعفر؟ أبا يا هذا يف تقول ما فقال: عيل بن حممد إىل فالتفت قال: تكلم القوم فيه يا أمري املؤمنني، قال: دعني بام تكلموا به أي يشء عندك؟ قال: اعفني

(١) نفس املصدر.(٢) سورة املائدة: ٣٨.(٣) سورة النساء: ٤٣.

(٤) سورة املائدة: ٦.

Page 163: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٦٣ معامل املنهج العلمي

عن هذا يا أمري املؤمنني، قال: أقسمت عليك باهللا ملا أخربت بام عندك فيه، فقال: أما إذا أقسمت عيل باهللا إين أقول: إهنم أخطأوا يف السنة، فإن القطع جيب أن يكون من رسول قول قال: ذلك؟ يف احلجة وما قال: الكف، فترتك األصابع أصول مفصل اهللا K: السجود عىل سبعة أعضاء: الوجه، واليدين، والركبتني، والرجلني، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو املرفق مل يبق له يد يسجد عليها، وقال اهللا تبارك وتعاىل:

M L K J } (١) يعني هذه األعضاء السبعة التي يسجد عليها{I H G}من السارق يد بقطع فأمر ذلك املعتصم فأعجب قال: يقطع. مل هللا كان وما {N(٢). مفصل األصابع دون الكف. قال ابن أيب داود: قامت قيامتي ومتنيت أين مل أك حيافهذه التجربة وأمثاهلا تبني مستو الضغط واإلمجال يف املعاين القرآنية، لدرجة أي ال والروائية القرآنية الشواهد من خاص بنوع ال توس تطلب وإبانته ه فك أن رديف نص بصفتها الروايات فإن وهلذا للقرآن، القاريء ره يتصو أن يمكن شاهد تدخل كأساس لفهم معاين القرآن احلقيقية، وليست جمرد كلامت يستأنس هبا كام هو مسلك بعض املفكرين املعارصين.. ففي حوار مجعنا مع الدكتور حممد شحرور حول مرشوعه القرآين الذي صاغه يف كتابه «الكتاب والقرآن قراءة معارصة»، توقفنا عند أثر السنة يف فهم القرآن، وعندها قال إن عقولنا املجردة من أي ظالل روائي مهيئة لفهم معاين القرآن، والسنة نستأنس هبا فقط.. أما نحن فنقول بأن السنة املعتربة نافذة أساسية نطل من خالهلا عىل القرآن، ومن دوهنا يصعب فهم معانيه احلقيقية، وذلك ال يعني بالطبع رفض أصالة الظهور وعدم القول بحجية ظواهر الكتاب، بل ال بد أن

نتمسك هبا خاصة عند انعدام الروايات أو إمجاهلا.قال فقد النمل، سورة من قرآين مقطع عند نتوقف أن يمكن فقط وللتمثيل

c b a ` _ ^ ] \ [ Z Y X W V U T} :تعاىل q p o n m l k j i h g f e d

(١) سورة اجلن: ١٨.(٢) تفسري العيايش، حممد بن مسعود العيايش، ج١ ص٣١٩.

Page 164: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٦٤

¢ ¡ ے ~ } | { z y x w v u t s r.(١){ª © ¨ § ¦ ¥ ¤ £

القرآين، من بينها العرض منهج يفرضها عديدة تساؤالت اآليات هذه إن يف للنمل كالمها يف فالنملة ،C سليامن النبي وتبسم النملة اعرتاض بني التناسب كأهنا تعرتض عىل سليامن، إذ أهنا تتهمه وجنوده باإلعتداء {k} بشكل يتناىف ة {p o n}، مع أن النبي معصوم ال يقع منه الظلم بحجة أنه ال مع مقام النبوم ال يتناسب م، والتبس شعوري، وسليامن C سمع هذا اإلعرتاض ومع ذلك تبساإلعرتاض بني تناسب فعال هناك فهل اآلية، من يظهر ما هذا اإلعرتاض.. مع م، أم أن يف البني حقيقة أخر ال بد من الوقوف عليها كيام يتسنى لنا التوصل والتبس

إىل إجابة علمية عىل هذا التساؤل..؟.اهللا إىل بالشكر ه توج م تبس أن بعد C فسليامن بالشكر، م التبس عالقة ما ثم م شكر، ملاذا مل يسبح مثال سبحانه وتعاىل عىل ما أنعم عليه وعىل والديه.. فلامذا بعد أن تبسأو هيلل أو يكرب أو يأيت بأي عمل عبادي آخر، ملاذا الشكر دون غريه من أنواع الذكر..؟.

هذه تساؤالت ال يمكن اإلجابة عليها من دون اإلستناد إىل الروايات.. إذ أن يف هذه اآليات ضغطا ملحوظا للعديد من املعاين والتوجيهات، وال يمكن فك هذا سنشاهد كام ،A املعصومني عن الواردة الرديفة النصوص بمعونة إال الضغط

اآلن.يف بداية األمر إن الذي دعا النملة لتوجيه حتذيرها للنمل عظمة املشهد الذي بالك فام العقالء أعناق له ترشئب مشهد وهو جنوده، مع C سليامن فيه ظهر بالنمل، حتى أن اجلنود املرافقني لسليامن أفصحوا عن استغراهبم لعظمة ما رأوا، فقد رو العالمة املجليس باإلسناد باإلسناد إىل الشيخ الصدوق بإسناده إىل أيب محزة عن األصبغ قال: خرج سليامن بن داود C من بيت املقدس مع ثالثامءة ألف كريس عن

(١) سورة النمل: ١٧-١٩.

Page 165: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٦٥ معامل املنهج العلمي

يمينه من اإلنس وثالثامءة ألف كريس عن يساره عليها اجلن، وأمر الطري فأظلتهم(١)، غدا ثم اصطخر، يف وبات رجع ثم املدائن، هبم وردت حتى فحملتهم الريح وأمر فانتهى إىل جزيرة بركاوان(٢)، ثم أمر الريح فخفضتهم حتى كادت أقدامهم يصيبها السامء: من ملك فناد هذا؟ من أعظم ملكا رأيتم هل لبعض: بعضهم فقال املاء،

لثواب تسبيحة واحدة أعظم مما رأيتم.(٣)ت استفز التي سليامن- أوتيها التي النعمة املشهد -عظمة هذا يف العظمة إن كت مشاعر اخلوف عند ملكة النمل - بإذن اهللا سبحانه عقول اجلنود، هي نفسها حرم سليامن ثم شكر م بذلك درسا لنبيه- فسارعت بتحذيرهم من اإلعتداء، فتبس ليقداهللا جل وعال.. ومن هنا انطلقت التساؤالت السابقة، التي ال يمكن اإلجابة عليها

إال بالروايات.. فامذا تقول الروايات يف ذلك..؟.رو الشيخ الصدوق يف معاين األخبار وعلل الرشائع -واملجليس يف البحار اهللا عبد بن منصور عن القريش، الوهاب عبد بن حممد بن اهللا عبد عن عنه- نقال األصفهاين عن عيل بن مهرويه القزويني، عن داود بن سليامن الغازي قال: سمعت عيل بن موسى الرضا C يقول عن أبيه موسى بن جعفر C عن أبيه جعفر بن

.{u t s r} :يف قوله عز وجل C حممدمحلت ،{m l k j i h } النملة: قالت ملا قال: الريح صوت النملة إىل سليامن وهو مار يف اهلواء والريح قد محلته فوقف وقال: عيل

ب (١) حتى حجبت عنهم أشعة الشمس، وهلذا عندما تفقد الطري اكتشف تغيب اهلدهد بسبب ترسيشء من اإلشعة من فجوة هي عبارة عن املكان املخصص للهدهد، فقد جاء يف تفسري القمي: الكريس فتظل لسليامن اهللا رها سخ التي الطيور مجيع جاءت كرسيه عىل قعد إذا سليامن «كان والبساط بجميع من عليه من الشمس فغاب عنه اهلدهد من بني الطري فوقع الشمس من موضعه يف حجر سليامن C فرفع رأسه وقال كام حكى اهللا { ° ± ² ³ ´...}. تفسري القمي،

عيل بن إبراهيم القمي، ج٢ ص١٢٧.(٢) يقول ياقوت: ناحية بفارس.

(٣) بحار األنوار، العالمة املجليس، ج١٤ ص٧٣.

Page 166: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٦٦

أظلم ال وإين اهللا نبي أين علمت أما النملة أيتها يا سليامن: قال هبا أيت فلام بالنملة، أحدا؟

g f } :قالت النملة: بىل، قال سليامن: فلم حذرتيهم ظلمي؟ وقلتi h}؟

قالت النملة: خشيت أن ينظروا إىل زينتك فيفتتنوا هبا فيبعدوا عن اهللا تعاىل ذكره.ثم قالت النملة: أنت أكرب أم أبوك داود؟ قال سليامن C: بل أيب داود.

قالت: فلم زيد يف حروف إسمك حرف عىل حروف أبيك داود؟قال سليامن: ما يل هبذا علم.

ي داود وأنت يا سليامن أرجو أن قالت: ألن أباك داود داو جرحه بود فسمتلحق بأبيك.

ثم قالت النملة: هل تدري مل سخرت لك الريح من بني سائر اململكة؟قال سليامن: ما يل هبذا علم.

رت رت لك مجيع اململكة كام سخ قالت النملة: يعني عز وجل بذلك: لو سخم ضاحكا من قوهلا.(١) لك هذه الريح لكان زواهلا من يدك كزوال الريح، فحينئذ تبسسليامن م تبس بأن لنا بينت فقد اآلية، يف امللحوظ الضغط فكت الرواية فهذه مجيع أن أدرك ألنه وإنام ظلمه، من النمل لسائر النملة حتذير بسبب يكن مل Cهذه وأهم وتعاىل، سبحانه اهللا من له توجيهية رسائل إال هي ما النملة فات ترصنن من م ليس وليد قدرته الذاتية وإنام هي عطاءات وم الرسائل أن كل ما لديه من نعاهللا سبحانه، حتى اليسري منها كاملفارقة بني إسمه وإسم أبيه، وألن النعم ال تدوم إال وبحار ص٣٥. الصدوق، الشيخ الرشائع، وعلل ص٢٣٣. الصدوق، الشيخ األخبار، معاين (١)

األنوار، ج١٤ ص٩٢.

Page 167: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٦٧ معامل املنهج العلمي

E D CB A @ ? > =} :تعاىل لقوله بالشكر - الشكر بخصوص لربه C سليامن ه يتوج أن املناسب كان ،-(١){H G Fفقال كام يف اآلية: {z y x w } | { ~...}.. والدروس يف هذه اآليات كثرية واملالحظات متعددة ولكني أكتفي بذلك لكفايته كشاهد يدلل لنا عىل اخلطاب أسلوب لفهم الصحيح املنهج وأن القرآنية، اآليات من الروايات موقعية

القرآين وفك املعاين املضغوطة واألفكار املجملة فيه، ال بد أن يعتمد عىل الروايات.

اإلحاطة بخواص الخطاب القرآني. ٢

فمن خالل املتابعة التفصيلية واملستمرة للطرق التي يعرض هبا القرآن الكريم اء األفكار واملعاين، يتضح أن له طرقا خاصة يعتمدها غالبا يف إيصال مراداته إىل القرالطرق، هذه معرفة يف خربته قويت كلام القاريء متابعات ت كثر وكلام واملكلفني، ف عليها بشكل دقيق من خالل املراقبة املستمرة لتجارب أهل اخلربة كام يمكن التعرالبيت أهل تفسريات يف التأمل خالل من أو القرآين، الشأن يف اإلختصاص وذوي A لآليات، وبالتايل فاستنباط املعاين القرآنية بحقيقتها يتطلب معرفة دقيقة هبذه الطرق.. ويمكن لنا هنا اإلشارة إىل بعض منها عىل سبيل التمثيل فقط ال اإلستغراق: حتتمل القرآنية فالسور املعاين.. دقائق عن ة املعرب والصيغ املفردات اختيار فيها، وتنضغط اآليات ثنايا بني ترتاكم املعاين وهذه جدا، ودقيقة عظيمة معاين ويمكن استخراجها وإبرازها من خالل التأمل يف تراكيب الصيغ واملفردات اخلاصة

املستخدمة بل وحتى احلروف.. وللتطبيق سأختار هذه اآلية من سورة األنبياء: j i h g f e d c b a ` _ ^} :تعاىل يقول y x w v u t s r q p o n m l k

.(٢){~ } | {z

(١) سورة إبراهيم: ٧.(٢) سورة اإلنبياء: ٨٧-٨٨.

Page 168: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٦٨

حارضة الغيبية القوة أن وهو هام، معنى عىل لنا تؤكد أن تريد اآلية هذه إن وبصورة دائمة ودقيقة يف حياة اإلنسان، وقادرة عىل التأثري فيها، ولذلك ينبغي له أن .. لكن الحظ كيف تعرب اآليات عنها، إن ل عىل هذه القوة فقط ويدع غريها جانبا يعو

ذلك يتضح من خالل التأمل يف طبيعة املفردات والصيغ املستخدمة. ،{g f e d c b a ` _ ^} تعاىل: يقول اآلية صدر يف من عليه هم ما بسبب قومه عىل غضبانا كان القرية من C يونس خرج فعندما د هذا اجلحود والكفر باهللا العظيم، ولكنه مل يستأذن اهللا سبحانه يف خروجه، وقد عىل -كام هو مشهور الرأي عند متكلمي الشيعة، وأن كان عصيانا منه بمعنى ترك األوحتى يرتك أن يمكن ال املعصوم بأن ويؤكد بذلك، يقول ال من العلامء من هناك ىل، وإن كل ما يصدر منه إنام هو وفق حكمة خاصة، وهو مبنى اإلمام الشريازي األومهام C يونس بأن تقول الغيبي احلضور عىل تأكيدها بداية يف واآلية ،-(١)J

f e d c} :تعاىل فقوله إليه، الوصول وعىل عليه قادر سبحانه اهللا فإن ابتعد g} تستبطن إشارة مفادها أن القوة اإلهلية قادرة عليه ال حمالة.

نفس يف تسري باإلنتباه جديرة مالحظة إىل الذهن لتقود اآلية تسرتسل ثم ،«فاآلية مل تكتف بقوهلا «فناد ،{j i h} :السياق، حيث يقول تعاىلوإنام أكدت عىل املوقع الذي صدر منه النداء، وهو الظلامت، كام مل تقترص عىل ذكر اجلانب املهم من املشكلة وهي بطن احلوت، وإنام جاءت بام يالزمها من مشاكل، لتبني

لإلنسان القدرة الفائقة للغيب.فالظلامت هي عبارة عن ظلمة الليل -ألنه ناد ربه يف جنح الليل-، وظلمة البحر الذي كان يسبح فيه احلوت، وظلمة بطن احلوت(٢).. وهنا اآلية تقول لنا من ة أن يونس C رغم أنه كان يف ذلك املكان البعيد خالل هذه املفردة الدقيقة واملعرباخلفي املظلم، إال أن القوة الغيبية وصلت إليه وسمعت نداءه، فكيف بمن يعيش عىل

(١) راجع فقه العقائد، لإلمام الشريازي»قده».(٢) جممع البيان، الطربيس، ج٧ ص٨٣.

Page 169: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٦٩ معامل املنهج العلمي

ظهر األرض، وذلك تأكيد آخر عىل مستو احلضور الغيبي يف حياة اإلنسان.يف ناد عندما C فيونس ..{o n m l k } تعاىل: يقول ذلك بعد الظلامت مل يناد إال بالوحدانية ونفي الرشيك، وكأنه يقول أن ال أحد مهام كانت قوته قادر عىل الدفع عن اإلنسان عندما يقع يف املحن، فال يقو عىل ذلك إال اهللا سبحانه

وتعاىل، وهلذا ينبغي التعويل عليه فقط ال غري.ليس حضورها وأن حضورها، يف الغيبية القوة صدق لتبني النتيجة تأيت ثم

x w v} :ا بل هو واقعي، ففي مطلع اآلية الثانية يقول سبحانه صوريل عىل الغيب فقط، هل خاب z y}}.. والسؤال هنا: أن يونس C عندما عوومبارشة، رسيعة اإلجابة جاءت فقد كال، بالطبع اإلجابة..؟. تأخرت أقل ال أو تعاىل: قوله من يفهم وذلك به، املؤمنني مع تعاطيه عند الغيب طريقة هي وهذه «ثم هكذا اآلية كانت بحيث الفاء بدل بـ«ثم» اجلواب جاء فلو ،{v}قوله يف كام الرتاخي، تفيد ألن «ثم» ما، شيئا تأخرت اإلجابة أن لعلمنا استجبنا»، تعاىل: {z y x w}(١)، حيث أن اإلنسان يبقى زمنا طويال يف القرب حتى يأذن اهللا قوله يف كام تأخري،، أو تراخ بال للمبارشة تستخدم فإهنا الفاء أما بالنشور، سبحانه تعاىل: {u t s}(٢)، فاإلقبار يأيت مبارشة بعد املوت وبال فاصلة، وكذلك كانت اإلجابة لنداء يونس C، فهو بمجرد أن ناد وصله اجلواب.. وكل ذلك للتأكيد

عىل احلضور الغيبي ومستو تأثريه عىل حياة اإلنسان.عىل لتؤكد ،{~ } |} تعاىل: بقوله اآلية ختتم وأخريا ل عىل الغيب وآمن به أمرين: األول: أن النجاة واإلجابة تكون للمؤمن وهو من عوحقيقة ال صوريا، والثاين: أن ما جر مع يونس C ليس خمتصا به وإنام هو سنة

إهلية يمكن أن تنطبق عىل أي إنسان إذا راعى رشوطها.

(١) سورة عبس: ٢٢.

(٢) سورة عبس: ٢١.

Page 170: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٧٠

إن هذه املعاين العديدة والعظيمة الظاهرة يف هاتني اآليتني املخترصتني، ما كنا لنستخرجها من دون التأمل يف املفردات والصيغ الدقيقة الواردة فيهام.

املفصلة. الواقعية باألحداث املجملة- -أو املضغوطة النظريات تبيني -١لكنها واإلجتامعية، الفردية الرتبوية النظريات من بالكثري يمتيلء الكريم فالقرآن ت نظريات مضغوطة بشكل كبري، إال أن يف متن القرآن الكثري من األحداث التي مرهبا األمم وعاشها أشخاص تارخييون، وهذه األحداث يف احلقيقة ترمجة واقعية لتلك النظريات، وهلذا فإن املتتبع يف آيات القرآن الكريم واملتأمل يف معانيها، عندما يقف عىل أي نظرية قرآنية، ينبغي له أن يبحث بني اآليات عن التجربة التارخيية التي تقف وأهدافها ومستواها النظرية حقيقة م يتفه أن يستطيع حتى واحد، سياق يف معها وكيفية جتسدها عىل أرض الواقع، باعتبار أن النظريات القرآنية ليست نظريات مثالية

ال واقع هلا، وإنام هي واقعية تتفاعل بشكل كيل مع الواقع اخلارجي.فالقصص واألحداث التارخيية املفصلة املذكورة بنحو متقطع يف متن اآليات، لسان ناطق بحقيقة النظريات والرؤ القرآنية املضغوطة، وهذا وجه من الوجوه التي »(١)، وقوله ه بعضا ق بعض يشملها قول اإلمام عيل C: «وذكرت أن الكتاب يصد

ه عىل بعض»(٢). ه ببعض ويشهد بعض أيضا يف وصف القرآن: «وينطق بعض

(١) هنج البالغة، اخلطبة: ١٨. (٢) نفس املصدر، اخلطبة: ١٣٣.. وقد رويت رواية عن عبد اهللا بن عباس بنفس املعنى، لكنها مغايرة »، كام أورد الشهرستاين يف كتابه «تنزيه التنزيل» نص ما ورد يف اللفظ: «القرآن يفرس بعضه بعضاأبن يكون أن الحتامل فعال، رواية كوهنا البعض استقرب وقد رواية، باعتباره عباس ابن عن مسائل يف معهام القوية لعالقته نتيجة C املؤمنني وأمري K النبي عن أخذها قد عباس القرآن، ولسكوت العلامء عام ذكره الشهرستاين مع ما هو املعروف من شأهنم يف التحقيق الذي يراجع الرواية.- هذه بمثل بالك فام اجلزئيات عند التوقف عىل األحيان من كثري يف يدفعهم هذا أن إال . ص٩- ج١ الشريازي مكارم نارص العظمى اهللا آلية القرآن» «نفحات ذلك يف بغريه، نطق C عيل اإلمام لسان عىل املقام يف الوارد املعترب النص ألن بعيد، اإلستقراب والشهرستاين باملعنى، اإلمام من سمعه ما نقل عباس ابن يكون أن مفاده كبري احتامل ولورود

نقله عنه من غري تدقيق.

Page 171: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٧١ معامل املنهج العلمي

ا حيمل بني طياته رؤية قرآنية تربوية ا قرآنيا خمترص وكمثال تطبيقي سنأخذ مقطعتعاىل: {8 9 : ; > قوله الشمس سورة يف جاء فقد الضغط، شديدة

.(١){H G F E D C B A @ ? > =

إن هذه اآليات تبني أن مركز حركة اإلنسان هي النفس، وهي مستودع للفجور رها من الذنوب قادته اها وطه م األساس يف مسرية اإلنسان، فإن زك والتقو، واملتحكإىل النجاح والفالح دنيا وآخرة، وإن أمهلها وأخفاها باملعايص خرس دنيا وآخرة. فهنا رؤية أشبه بمعادلة: (التزكية طريق النجاح، واإلمهال طريق الفشل)، وهي تعني أن رها من املعايص بالتوبة، س فيها احلسنات وطه أي فرد -أو أمة- إذا زكى نفسه وكرست املعايص، فلن قادته إىل النجاح، أما إذا أمهلها حتى امتألت فيها السيئات وتكريكون منتهاه غري الفشل. إال أهنا رؤية مضغوطة حتتاج إىل مزيد بيان من خالل أمثلة تطبيقية واقعية، ونحن لو تصفحنا اآليات القرآنية لوجدنا الكثري من األحداث التي هذه من األول للفصل واقعية ترمجة C يونس قوم فتجربة الرؤية، هذه ق تصدأي منها الثاين للفصل واقعية ترمجة C صالح قوم وجتربة النجاح، أي الرؤية

الفشل.. كيف..؟.الباري قال فقد النون»، بـ«ذو واملعروف C متى بن يونس النبي قوم أما

جل وعال عنها: {! " # $ % & ' ) ( * + , - روا أنفسهم من الذنوب وتابوا . / 0 1 2 3 4 5}(٢).. فلام طهوذلك املوت، حتى تعوا وم العذاب عنهم فع ر ،{+} وتعاىل سبحانه اهللا إىل كناية عن النجاح.. وقد ورد يف هذا الشأن رواية صحيحة(٣) يف تفسري القمي، رواها عيل بن إبراهيم القمي عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن ابن أيب عمري عن مجيل بن دراج،

(١) سورة الشمس: ٧-١٠.(٢) سورة يونس: ٩٨.

إال الرجاليني، قبل من هاشم بن إلبراهيم رصيح توثيق ورود لعدم حسنة البعض واعتربها (٣)من جدا الكثري عنه اجلليل- -الثقة ابنه رواية منها عديدة لقرائن الثقات من وه عد الكثري أن

الروايات، ونرشه حلديث الكوفيني يف قم.

Page 172: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٧٢

يونس وكان يونس، قوم عن إال العذاب اهللا رد ما :C اهللا عبد أبو يل قال قال: يدعوهم إىل اإلسالم فيأبوا ذلك، فهم أن يدعو عليهم وكان فيهم رجالن عابد وعامل، وكان إسم أحدمها مليخا واآلخر إسمه روبيل، فكان العابد يشري عىل يونس بالدعاء عليهم، وكان العامل ينهاه ويقول ال تدع عليهم فإن اهللا يستجيب لك وال حيب هالك إليه وجل عز اهللا فأوحى عليهم فدعا العامل، من يقبل ومل العابد قول فقبل عباده، ب الوقت يأتيهم العذاب يف سنة كذا وكذا يف شهر كذا وكذا يف يوم كذا وكذا فلام قرخرج يونس من بينهم مع العابد وبقي العامل فيها، فلام كان يف ذلك اليوم نزل العذاب، كيف فقالوا: عنكم، العذاب ويرد يرمحكم فلعله اهللا إىل افزعوا قوم يا العامل: فقال اإلبل وبني واألوالد النساء بني وفرقوا املفازة إىل واخرجوا اجتمعوا قال: نصنع؟ وأوالدها وبني البقر وأوالدها وبني الغنم وأوالدها ثم ابكوا وادعوا، فذهبوا وفعلوا اجلبال العذاب عىل العذاب وفرق ورصف عنهم ذلك وضجوا وبكوا، فرمحهم اهللا

وقد كان نزل وقرب منهم.(١)فهؤالء راجعوا أنفسهم وتابوا إىل اهللا سبحانه توبة نصوحة، حتى أن عبد اهللا وا املظامل بينهم حتى كان الرجل ليأيت راد بن مسعود قال: «بلغ من توبة أهل نينو أن يه»(٢). لذلك كان منتهاهم النجاح.. احلجر وقد وضع عليه أساس بنيانه فيقتلعه ويرد.{C B A @} :فهذه التجربة ترمجة فعلية وواقعية لقوله تعاىل يف سورة الشمس L K} عنهم: قدرته جلت قال فقد C صالح النبي قوم وأما V U T S RQ P O N M}(٣)، وقد كان بإمكاهنم الرجوع إىل أنفسهم وتطهريها بالتوبة، حتى بعد ارتكاب املعصية وعقر الناقة، بل وحتى بعد

نزول العذاب، إال أهنم أمهلوها فضاعت وانتهى هبم األمر إىل الفشل.هبم رأفة سبحانه اهللا أن تدنيها، ومستو نفسياهتم خباثة يكشف والذي

(١) تفسري القمي، مصدر سابق، ج١ ص٣١٧.(٢) جممع البيان، مصدر سابق، ج٥ ص١٧٣.

(٣) سورة هود: ٦٥.

Page 173: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٧٣ معامل املنهج العلمي

ومع العذاب، دنو عىل عالمات بواسطة ونبههم {RQ P} كافية مهلة أعطاهم حتنطوا أهنم لدرجة إرصارا يزدادون كانوا بل يتوبوا، ومل املعصية عىل وا أرص ذلك نوا يف األيام الثالثة، وكأهنم يستعدون للعذاب ال مبالني وإنام مبارزين هللا العزيز وتكفار. وقد رو تفصيل هذه القصة الشيخ الكليني عن عىل بن حممد، عن عيل بن القهأيب عن بصري، أبى عن محزة، أيب بن عيل عن الرمحن، عبد بن احلسن عن العباس، إنا نتبعه واحدا منا أبرش فقالوا بالنذر ثمود «كذبت له: قلت قال: C اهللا عبد بام هذا قال: أرش» كذاب هو بل بيننا من عليه الذكر أءلقى وسعر ضالل لفي إذا كذبوا به صاحلا وما أهلك اهللا عز وجل قوما قط حتى يبعث إليهم قبل ذلك الرسل فيحتجوا عليهم فبعث اهللا إليهم صاحلا فدعاهم إىل اهللا فلم جييبوا وعتوا عليه وقالوا: لن نؤمن لك حتى خترج لنا من هذه الصخرة ناقة عرشاء وكانت الصخرة يعظموهنا ويعبدوهنا ويذبحون عندها يف رأس كل سنة وجيتمعون عندها فقالوا له: إن كنت كام تزعم نبيا رسوال فادع لنا إهلك حتى خترج لنا من هذه الصخرة الصامء ناقة عرشاء، فأخرجها اهللا كام طلبوا منه . ثم أوحى اهللا تبارك وتعاىل إليه أن يا صالح قل هلم: أن اهللا قد جعل هلذه الناقة [من املاء] رشب يوم ولكم رشب يوم وكانت الناقة إذا كان من رشب إال كبري وال صغري يبقى فال فيحلبوهنا اليوم ذلك املاء رشبت رشهبا يوم اليوم ذلك منه فرشبوا مائهم إىل غدوا وأصبحوا الليل كان فإذا ذلك يومهم لبنها ومشى اهللا عىل عتوا إهنم ثم اهللا، شاء ما بذلك فمكثوا اليوم ذلك الناقة ترشب ومل اعقروا هذه الناقة واسرتحيوا منها، ال نرىض أن يكون لنا إىل بعض وقالوا: بعضهم أحب، ما جعال له ونجعل قتلها ييل الذي من قالوا ثم يوم، رشب وهلا يوم رشب فجاءهم رجل أمحر، أشقر، أزرق ولد زنا ال يعرف له أب يقال له: قدار، شقي من االشقياء مشؤوم عليهم فجعلوا له جعال فلام توجهت الناقة إىل املاء الذي كانت ترده تركها حتى رشبت املاء وأقبلت راجعة فقعد هلا يف طريقها فرضهبا بالسيف رضبة فلم تعمل شيئا فرضهبا رضبة أخر فقتلها وخرت إىل االرض عىل جنبها وهرب فصيلها أحد يبق فلم صالح قوم وأقبل السامء إىل مرات ثالث فرغى اجلبل إىل صعد حتى كبري وال صغري منهم يبق فلم بينهم فيام حلمها واقتسموا رضبته يف رشكه إال منهم

Page 174: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٧٤

إال أكل منها فلام رأ ذلك صالح أقبل إليهم فقال: يا قوم ما دعاكم إىل ما صنعتم أعصيتم ربكم، فأوحى اهللا تبارك وتعاىل إىل صالح C أن قومك قد طغوا وبغوا وقتلوا ناقة بعثتها إليهم حجة عليهم ومل يكن عليهم فيها رضر وكان هلم منها أعظم قبلت ورجعوا تابوا هم فإن أيام ثالثة إىل عذايب عليكم مرسل إين هلم: فقل املنفعة اليوم يف عذايب عليهم بعثت يرجعوا ومل يتوبوا مل هم وإن عنهم وصددت توبتهم الثالث، فأتاهم صالح C فقال يا قوم إين رسول ربكم إليكم وهو يقول لكم: إن أنتم تبتم ورجعتم واستغفرتم غفرت لكم وتبت عليكم، فلام قال هلم ذلك كانوا أعتا ما كانوا وأخبث وقالوا: «يا صالح ائتنا بام تعدنا إن كنت من الصادقني» قال: يا قوم إنكم تصبحون غدا ووجوهكم مصفرة واليوم الثاين وجوهكم حممرة واليوم الثالث وجوهكم مسودة فام أن كان أول يوم أصبحوا ووجوههم مصفرة فمشى بعضهم إىل بعض وقالوا: قد جاءكم ما قال لكم صالح، فقال العتاة منهم: ال نسمع قول صالح وال نقبل قوله وإن كان عظيام، فلام كان اليوم الثاين أصبحت وجوههم حممرة فمشى منهم: العتاة فقال صالح، لكم قال ما جاءكم قد قوم يا فقالوا: بعض إىل بعضهم ومل يعبدوهنا آباؤنا كان التي آهلتنا تركنا وال صالح قول سمعنا ما مجيعا أهلكنا لو يتوبوا ومل يرجعوا فلام كان اليوم الثالث أصبحوا ووجوههم مسودة فمشى بعضهم إىل بعض وقالوا: يا قوم أتاكم ما قال لكم صالح، فقال العتاة منهم: قد أتانا ما قال لنا صالح فلام كان نصف الليل أتاهم جربئيل C فرصخ هبم رصخة خرقت تلك الرصخة أسامعهم وفلقت قلوهبم وصدعت أكبادهم وقد كانوا يف تلك الثالثة االيام قد حتنطوا وتكفنوا وعلموا أن العذاب نازل هبم فامتوا أمجعون يف طرفة عني صغريهم ديارهم يف فأصبحوا اهللا أهلكه إال يشء وال راغية وال ناعقة هلم يبق فلم وكبريهم ومضاجعهم موتى أمجعني ثم أرسل اهللا عليهم مع الصيحة النار من السامء فأحرقتهم

أمجعني وكانت هذه قصتهم.(١)والعصيان، الغي يف التامدي عىل وأرصوا أنفسهم أمهلوا عندما القوم فهؤالء

(١) الكايف، الكليني،ج٨ ص١٨٧.

Page 175: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٧٥ معامل املنهج العلمي

كان مآهلم النهائي الفشل الذريع.. وبذلك فهذه القصة ترمجة واقعية لقوله تعاىل يف .{H G F E} :سورة الشمس

أو تربوية مضغوطة بنظريات جاء إذا الكريم القرآن أن نفهم ذلك كل ومن واألحداث القصص باجتاه يسوقنا النظريات هذه معامل تتضح ولكي فإنه غريها، التطبيقية الواقعية املذكورة يف متن اآليات، سواء يف نفس السورة أو يف غريها، فإهنا

تقوم بدور الرتمجة التفصيلية لتفك الضغط املوجود. األحداث مع يتفاعل القرآن أن بمعنى التارخيي. الواقع مع التفاعل -٢واملواقف املتجددة - يف زمن النزول-، وينطلق من خالهلا للتأسيس لقيمه وإرشاداته، بحيث تكون تلك القيم بمثابة مباديء عامة غري متقيدة بخصوص احلدث، وهو ما ص الوارد)، مما جيعل القيم القرآنية فوق الزمان يعرب عنه أصوليا بأن (املورد ال خيصواملكان، إال ما دخل ضمن حيز املتغريات.. ولكن مع أن القيمة عامة وغري متوقفة ال العامة القيمة لتلك احلقيقي املستو معرفة أن إال التارخيي، احلدث حدود عند

تكتمل إال بالتأمل يف اجلو التارخيي اخلاص.بني ي املسألة، هلذه للتمثيل القرآنية اآليات بني من تطبيق من به سنأيت وما جتاه K الرسول من تدفقت التي التسامح فروح القول، هذا حقيقة بوضوح املسلمني الذين خالفوا أوامره يف غزوة أحد، ليست خمتصة بمن قاتل يف ذلك اليوم، مستو عىل واملتجددة املشاهبة املواقف كل يف يتجىل أن ينبغي عام مبدأ هي وإنام الزمان واملكان، ومع ذلك فإن املعرفة الدقيقة بمستو ذلك التسامح وعظمته ال تتم

إال بالتشخيص الدقيق للحدث التارخيي الذي صدر النص يف ظرفه. 87 6 5 4 3 2 1 0 /. - , + * )} تعاىل: يقول

.(١){...@? > = < ; : 9

هذه يف واضح هو -كام K حممد رسوله أمر قدرته جلت الباري إن (١) سورة آل عمران: ١٥٩.

Page 176: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٧٦

واإلستغفار، «العفو، وهي التسامح إىل بأمجعها تنتهي ثالثة بأمور يأيت أن اآلية- واملشاورة»، بحيث تكون يف صالح ثلة من املسلمني، وذلك بأن يعفو عنهم ويستغفر هلم ويشاورهم يف أمور املجتمع اإلسالمي.. فمن هم هؤالء، وملاذا طولب الرسول التساؤالت هذه عىل اإلجابة احلقيقة يف قباهلم..؟.. الثالثة التكاليف هبذه Kتفصح لنا عن مستو التسامح الذي يدعو إليه الدين كوسيلة لتمتني أوارص املجتمع

اإلسالمي.إن املشار إليهم يف اآلية هم املسلمون الذين ارتكبوا عدة أخطاء يف غزوة أحد، املخالفة وبدايتها اخلطورة، غاية يف كانت بل عادية، أخطاء تكن مل تلك واألخطاء وتعريض الزحف، من الفرار ثم للجيش، أعىل وقائدا نبيا بصفته املعصوم ألوامر الرسول K ملوت شبه حمقق، حيث مل يبق معه سو اإلمام عيل C وأبو دجانة مما املرشكني، كتائب عنه يذبون لوحدهم وكانوا وولداها، وزوجها املازنية ونسيبة C إىل كرس رباعيته وشق وجهه الرشيف، وجرح البقية لدرجة أصيب عيل أدبسبعني جراحة، حتى متخضت املواجهة عن هزيمة املسلمني واستشهاد سبعني رجل

منهم(١).بأن K الرسول طولب ذلك ومع بسيطة، أخطاء تكن مل األخطاء فهذه أن وتعاىل سبحانه اهللا من يطلب هلم -أي ويستغفر بحقوقه، يتعلق فيام عنهم يعفو يعفو أن يريد سبحانه اهللا وكأن اإلهلي، احلق يف تقصري من منهم صدر ملا هلم يغفر ذلك يتسنى وال دعائهم، استجابة من يمنع حجابا تشكل أخطاءهم لكن عنهم، إال بوسيلة مقبولة، فكان الرسول K هو املمثل لتلك الوسيلة-، بل ويشاورهم بدعو يقصيهم وال اإلسالمي، املجتمع وبناء والسلم كاحلرب أموره أخطر يف ارتكاهبم لألخطاء.. وكل ذلك يبني مستو التسامح الذي دعا إليه الدين، وأراد من أبناء املجتمع املؤمن أن جيعلوه شعارا هلم يف حياهتم اإلجتامعية.. وهذا املستو من

(١) ملعرفة املزيد من التفاصيل راجع «وألول مرة يف تاريخ العامل»، مصدر سابق، باب وقائع غزوة أحد.

Page 177: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٧٧ معامل املنهج العلمي

ل ظرفا التسامح مل يكن ليتضح لنا لوال املراجعة التفصيلية للواقع التارخيي الذي شكللنص.

التمثيل، ملجرد ذكرهتا القرآين، اخلطاب بمنهج املتعلقة اخلواص بعض هذه وعىل علميا، ا منهج يتطلب الدقيق بمستواها القرآنية املعاين فهم أن عىل والتأكيد الروايات إىل باإلضافة اآليات، يف الوارد اخلطاب خواص تأيت املنهج هذا رأس

.A الواردة عن املعصومني

Page 178: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 179: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٧٩ املنهج الرتبوي

المنهج التربوي

عالية مثالية ورؤ لنظريات محال جمرد يكون أن له د ر ي مل الكريم القرآن املستو، من غري أن يكون هلا أثر فعيل عىل حياة اإلنسان املختلفة األبعاد، بل أريد له أن يكون كتابا تربويا يؤثر بشكل فعيل عىل حياة اإلنسان، فينقله من اجلهل إىل العلم

U} :وصفه يف تعاىل قال كام النور، إىل الظلمة ومن القوة إىل الضعف ومن a ` _ ^ ] \ [ Z Y X W Vf e d c b}(١). وقد مررنا عىل هذا املطلب مفصال يف

الفصل األول.هلذا البد أن ننظر إىل الرؤ القرآنية عىل أهنا رو تربوية، تتفاعل بشكل إجيايب الصحيح التفسري فإن ذلك عىل وبناء اجلوانب، املتعددة البرش حياة مع وتفصييل لآليات القرآنية هو الذي هيتم هبذا البعد، ويقوم بتوجيه الرؤ العلمية املنتزعة من منهجنا عن احلديث عند متاما نعنيه ما وهذا املناسبة. الرتبوية حقوهلا إىل اآليات خاصة، تربوية مشارب هلا علمية نظرة فكل الرتبوي»، العلمي بـ«التفسري املوسوم وإبقاوها ورؤاه نظرياته جتميد للقرآن الظلم ومن بسهولة، لنا تتضح فيها نتأمل لو ضمن حدود العلمية املجردة، ولذلك فإننا لو نقوم بإلقاء نظرة عىل األمثلة التطبيقية

(١) سورة املائدة: ١٦.

Page 180: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٨٠

مت يف متون البحث عن معامل املنهج العلمي، فسنجد وبكل وضوح أهنا تتجه التي قدملعاجلة مشاكل نفسية أو اجتامعية حقيقية، وهذا ما سيدعوين لعدم اإلطناب يف بحث موجز بعرض وسأكتفي التمثيل، إىل احلاجة لعدم الرتبوي، باملنهج اخلاصة املعامل

للمعامل، وهي حسب األطروحة املتبناة يف هذا الكتاب كالتايل: ١- إبراز البعد الرتبوي الفردي. وذاك أن القرآن الكريم رسم صورة لإلنسان بصفته الذاتية من مناحيها الثالثة الروحية والعقلية والسلوكية، بعيدا عن أي متعلق يرتبط به من حميطه القريب أو البعيد، ولذلك وضع له العديد من القيم الرتبوية التي م له عالجا لسائر األمراض النفسية والسلوكية تؤدي إىل تكوين تلك الصورة، وقد

التي قد تطرأ عليه.تربوية عقلية قيمة ،(١){... تعاىل: {- . / قوله يف بالغيب فاإليامن لة للصورة الفعلية لعقلية اإلنسان املؤمن، وضعها الدين عىل رأس قائمة القيم املشكجاءت كلام لألنسان بالنسبة الرتبوي موقعها وعىل عليها للتأكيد القرآن عمد وهلذا

مناسبة ترتبط هبا.عىل اآليات أكدت سلفا، هلا ض التعر تم التي C يونس اهللا نبي قصة ففي املأزق من ليونس احلقيقي املنقذ كان فقد النفسية، اإلنسان حياة يف الغيب موقعية أصل أن فمع احلوت.. بطن يف بقائه اء جر فيه وقع الذي {{z y x} النفيسلكن منها، اه نج وتعاىل سبحانه واهللا له، احلوت إبتالع يونس فيها وقع التي املشكلة اآليات املباركة مل ترش إىل النجاة من بطن احلوت، وإنام أكدت فقط عىل النجاة من الغم، ل وما ذلك إال خلطورة املرض النفيس وأنه أكثر بالء من اجلسدي، واهللا عز وجل تفضالنفسية املشكلة من أيضا بإنقاذه وإنام احلوت، بطن من بالنجاة فقط ليس يونس عىل املؤرقة له، مع مالحظة أن اآليات أكدت عىل أن املنقذ من مثل هذه األمراض والباعث

للسعادة واإلطمئنان يف حياة اإلنسان، إنام هو الغيب -وقد سبق اإلشارة لذلك-.

(١) سورة البقرة: ٣.

Page 181: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٨١ املنهج الرتبوي

هلا ضت تعر التي الفرس، مع قتاهلم يف الروم هبا ني م التي اهلزيمة قصة ويف اآليات القرآنية يف مطلع سورة الروم، أكد الباري جل وعال عىل رضورة الثقة بالغيب لتجاوز حالة القلق واإلحباط التي تطرأ عىل اإلنسان يف املنعطفات، فهو بيده النرص واهلزيمة والقوة الضعف، ولذلك بعد أن أخربت اآليات املسلمني باهلزيمة، سارعت األمل لبعث قريب، عام إنتصار إىل اهلزيمة ل حتو عىل ينص آخر بخرب التعقيب إىل

§ ¦ ¥ ¤ £ ¢ ¡ ے ~ } } تعاىل: قال فقد نفوسهم(١) يف الغيبية القوة بيد كله األمر أن باعتبار ،(٢){...®¬ « ª © ¨

¿ ¾ ½¼ » º ¹ ¸ ¶ μ´ ³ ² ± ° ¯}ÁÀ}.. وللتأكيد عىل أن سبب القلق الذي طرأ عىل املسلمني يعود إىل تنايس الغيب

د يف البعد املادي، جاءت اآلية لتقول: {. / 0 1 2...}. والتجرالفرد، لإلنسان النفسية املشاكل أهم من ملشكلة تربوي عالج الغيب بالتايل ، دائام القرآن وهكذا الكريم.. القرآن امتداد عىل اآليات عليه تؤكد أن تريد ما هذا الواقعية الصورة ل تشك التي والسلوكية والعقلية النفسية القيم بتحرير يقوم فهو ر الديني، إما عرب العرض املبارش أو عرب اإلشارة إليها يف للفرد املؤمن حسب التصوة.. والتفسري األرقى هو الذي يعمد إىل إبراز هذا اجلانب سياق مشكلة أو حادثة معرب

ك اآليات يف جماهلا الطبيعي املؤثر يف حياة اإلنسان. الرتبوي لتتحربصورة جاءت القرآنية اآليات أن فكام اإلجتامعي. الرتبوي البعد إضاءة -٢نة لتلك الشخصية، واضحة لشخصية الفرد املؤمن، وبالتايل اهتمت بتحرير القيم املكوكثريا إليها ورمزت املؤمن، للمجتمع واضحة صورة رسمت الوقت نفس يف فإهنا ،(٣){...A @ ? > = < ; :} سبحانه: قوله يف كام من كانوا الفرس بينام املسلمني، إىل اإلنتامء ناحية من أقرب فهم كتاب أهل كانوا الروم فألن (١)الوثنيني، وكان توقع املسلمني حلوق اهلزيمة بغري املتدينني، فلام انترص الفرس شكل ذلك رضبة

نفسية موجعة للمسلمني.(٢) سورة الروم: ٢-٣.(٣) سورة البقرة: ١٤٣.

Page 182: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٨٢

تدفع كثرية بقيم جاءت فقد ولذلك ،(١){...2 1 0 / .} ا وأيضمتن يف تعاىل قوله يف كام الدين إىل والدعوة كاإليامن الصورة، تلك تكوين باجتاه

7 6 5 4 3 2 1 0 / .} الثانية: اآلية É È Ç} :8 9:...}، والتزام طاعة القائد العام كام يف قوله عز وجلÑÐ Ï Î Í Ì Ë Ê...}(٢)، ووحدة الصف واستيعاب اإلختالف يف

º ¹ ¸ ¶ μ وتعاىل: {³ ´ سبحانه قوله يف كام الفكرية الوجهات « ¼ ½ ¾}(٣)، وما إىل ذلك.

هذه يف كام املبارش، العرض طريق عن بتحريره اآليات تقوم تارة البعد وهذا قيمة، والطاعة املسلم، للمجتمع قيمة فاإليامن أعاله، إليها املشار النامذج بعض باإلشارة تقوم وتارة مبارش.. نحو عىل بعرضها القرآن قام وقد قيمة، والوحدة إليها أو اإلحالة عليها يف سياق حادثة تارخيية أو مشكلة اجتامعية، كام يف قوله تعاىل: نفسية ملشكلة عالجا لتكون جاءت اآلية فهذه ،{...2 1 0 / .}اجتامعية طرأت عىل املسلمني بعد هزيمتهم يف أحد، فاهلزيمة كادت تزرع فيهم روح عىل أمة أرقى بأهنم هلم وبينت بأنفسهم الثقة أعطتهم اآلية لكن واإلحباط، اليأس ب حالة ق هلم.. فذلك أعطاهم زمخا روحيا هائال، ذو وجه األرض، وبالتايل فالتفو

اإلحباط التي اعرتهتم، فاندفعوا وحققوا مكاسب عديدة.ومن ذلك كثري يف القرآن الكريم، واملفرس ينبغي له أن يستكشف هذه اإلشارات التوجيهية ويضيئها، لتتحرك املعاين القرآنية يف مساحاهتا احلقيقية وحتقق أهدافها التي

جاءت من أجلها.٣- بلورة البعد الرتبوي السيايس. باعتبار أن القرآن الكريم برش بدولة مؤمنة،

; :} املرحومة األمة هذه خصائص عن املستمر حديثه من يظهر كام (١) سورة آل عمران: ١١٠.

(٢) سورة النساء: ٥٩.(٣) سورة اإلرساء: ٨٤.

Page 183: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٨٣ املنهج الرتبوي

/ .} ،{...FE D C B A @ ? > = <الدولة بسياسة له عالقة وال روحية رسالة جمرد يكن ومل ،{...2 1 0والعمران، كام ادعى ذلك الشيخ عيل عبد الرزاق يف كتابه ”اإلسالم وأصول احلكم“.. ولذلك فقد محل بني طياته رؤية عامة للدولة واملجتمع، تارة يعرضها عىل هيئة قيم

B } :تعاىل قوله يف كام اإلدارية احلالة بتنظيم بعضها يتصل رشعية، وإلزامات وبعضها ،(١){...ÑÐ Ï Î Í Ì Ë Ê } ،{...FE D C

يتصل بتنظيم احلالة االقتصادية كام يف قوله تعاىل: {! " # $ % & ' ) r q p} ،(٣){)( ' & %} ،(٢){..., + * ) } | { z y x w v u t s

~ ے ¡¢...}(٤).. وما إىل ذلك مما لسنا يف صدد تفصيله اآلن.

وتارة تشري إليها اآليات -كغريها من القيم الشخصية واالجتامعية- يف سياق يف اإلستشارية املجالس أهيمة إىل أشارت كام عارضة.. مشكلة أو تارخيية جتارب

ª © ¨ § ¦} :تعاىل قوله يف اليمن(٥)، ملكة رشحبيل بنت بلقيس جتربة » ¬ ® ° ± ²}(٦)، وكام أشارت إىل املوقعية السياسية للقائد العام للمجتمع يف األزمات واحلاالت احلرجة كاحلروب -مثل أحد وأشباهها-، ويف ذلك

.(٧){...FE D C B A @? > = } :قال تعاىل

(١) سورة النساء: ٥٩.(٢) سورة األنفال: ٤١.

(٣) سورة اإلنفال: ١.(٤) سورة التوبة: ٦.

(٥) فقد كان يف مملكتها اليمن ثالثامءة وثالثة عرش قبيلة، واختارت من كل قبيلة عاقال من عقالئها نا من ثالثامءة وثالثة ليكون مستشارا هلا، فكانت تستشري يف مسائل الدولة جملسا استشاريا مكويه ترض الدال عىل القرآن عنها قدمها لسكوت مع التجربة هذه إىل أستند وإنام .. مستشارا عرش

وعدم اعرتاضه عليها. (٦) سورة النمل: ٣٢.

(٧) سورة آل عمران: ١٥٩.

Page 184: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٨٤

جنب إىل جنبا يسري أن ينبغي الذي الرتبوي، للمنهج الثالثة املعامل هي هذه تفسريية مسرية يف الرتبوي املنهج مع العلمي املنهج احتد فإذا العلمي.. املنهج مع إىل املعاين تلك ل وستتحو دقيقة، قرآنية ومعاين مفاهيم ذلك عن فستتولد واحدة، برامج تربوية، تعمل عىل هداية اإلنسان الفرد واملجتمع، وقيادته يف مسرية شخصية

واجتامعية سليمة، وهذا هو اهلدف من الدعوة لـ«التفسري العلمي الرتبوي».

Page 185: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

(١) �� ������ �

��� �����

�����

Page 186: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 187: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

�� ��

L���� ���� �����

����� �M�NO��PQ

�R#�BS

Page 188: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 189: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

B

{* ) ( ' & % $ # " !}

Page 190: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 191: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٩١ املفهوم العميل للتوحيد

المفهوم العملي للتوحيد

{) ( ' & % $ #}

ملاذا يأيت التوحيد دائام يف قائمة اخلطابات املتعلقة باهللا سبحانه؟ما العالقة بني التوحيد واحلياة والقيومية؟ما معنى احلياة والقيومية وما داللتهام؟

عن يسأل سائال وكأن ،{' & % $ } بأنه ف يعر اجلاللة لفظ ر يذك عندما معنى ذلك اللفظ فيأتيه اجلواب بتلك الطريقة من التعريف، وذلك فيه إشارة كافية إىل أن أهم ما جيب عىل املؤمن معرفته عن اهللا سبحانه أنه واحد ال رشيك له، لدرجة أن ذلك أصبح الرسالة األساس لكافة األنبياء والرسل عرب التاريخ اإلنساين، حيث

قال سبحانه يف مطلع سورة األنبياء{! " # $ % & ' ) ( * + .(١){/ . - ,

بالتايل لو سألك سائل عن اهللا سبحانه: ماذا يعني ومن هو؟ جتيب بأنه الواحد

(١) األنبياء ٢٥.

Page 192: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٩٢

الذي ال رشيك له.كر عىل مع العلم بأن التعريف هنا جاء عىل نحو ذكر الصفة، أي أن التوحيد ذف، ومع ذلك فإن هذه الصفة املالزمة بحسب الظاهر أنه صفة هللا عز وجل ال أنه معر

يد منها تعريف اإلله للخلق. أر، ملاذا التوحيد وليس غريه؟ ومع ذلك يبقى السؤال قائام

هل لذلك دالالت عقائدية خاصة؟وما أثر ذلك عىل حياة اإلنسان املؤمن خاصة؟

م العبودية الصحيحة برشط أن يكون تاما، ولذلك يف احلقيقة التوحيد هو مقو y x w v u t s r} تعاىل يقول العبودية، عن اإلنسان ج ر خي الرشك فإن Y X W V U T} ،(١){§ ¦ ¥ ¤ £ ¢ ¡ ~ے } | { zالرتبة وهذه .(٢){h g f e d c b a` _ ^ ] \ [ Zللتوحيد ال تصدق عىل مجيع األسامء والصفات اإلهلية، فالرمحة مثال من صفات اهللا الكرب، لكن لو أن مؤمنا مل يصل به إيامنه إىل حد اليقني بالرمحة اإلهلية فإن ذلك وإن ج املؤمن عن العبودية، بعكس ما لو كان ر د منقصة وضعفا يف اإليامن، إال أنه ال خي عالكون يف املترصف وأن أكثر أو واحد اإلله أن شاكا كان لو فإنه التوحيد، يف شاكا ولذلك العبودية، مفهوم عليه يصدق وال رأس من مؤمنا يصبح ال أكثر أو واحد

اشرتط علامء الكالم اليقني يف التوحيد.كانت وإن والعدالة، بل كالعزة لغريها بالنسبة يقال للرمحة بالنسبة يقال وما هللا إهتام العدالة يف الشك أن باعتبار والضعف، القوة ناحية من بينها ختتلف النسبة عن التجاوز إىل االطمئنان عدم إال يعني ال الرمحة يف الشك بينام بالظلم، وجل عز

املذنبني يف اآلخرة ورعايتهم يف الدنيا.(١) النساء ٤٨(٢) النساء ١١٦

Page 193: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٩٣ املفهوم العميل للتوحيد

م األساس ملفهوم العبودية، ومن دون اليقني به يكون هلذا فالتوحيد يكون املقواالعتقاد باهللا سبحانه ليس ناقصا فحسب وإنام معدوما، وألمهية هذا االعتقاد اليقيني فإن األمر فيه ال يتوقف عند البعد النظري، وإنام يتجاوز إىل احلياة العملية لإلنسان، يف اخللل لكن أموره، سائر يف وتعاىل سبحانه اهللا عىل إال يعتمد ال أن عليه فيجب نظريا التوحيد يف الشك ألن النظري، املجال يف اخللل إىل يرقى ال العميل املجال ضعف العميل املجال يف اخللل بينام أصل، من اعتقادا وليس العبودية عن خروج

نه اآلية املباركة يف قوله سبحانه {9 : يف اإليامن، وهو بحسب الظاهر ما تتضما. ; > = < ?}(١). وسيأيت مزيد كالم يف هذا الشأن الحق

(١) يوسف ١٠٦

Page 194: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 195: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٩٥ مفهوم احلياة

مفهوم الحياة

احلياة بالنسبة هللا سبحانه ال كاحلياة بالنسبة للبرش، لقوله سبحانه {1 2 3}(١)، فكل ما يتعلق بحياته جلت قدرته ال يمكن مقايستها وال تقريب معناها ط من أحد، بشئ من حياة املخلوقات، ال من حيث النشأة وال الكيفية، فهي حياة مل تعوال كان هلا بداية وال يكون هلا هناية، أي أهنا ال تبدأ من عدم وال تؤول إىل عدم، وهلذا لكونه راجع له- هناية ال أبديا –أي رسمديا كونه ولعل رسمدي، أزيل وجود فهي أزليا –أي ال بداية له-، فألن وجوده ال يستند إىل فعل فاعل بل وال ألي شئ وإنام فت ر هو وجود بذاته ويف ذاته، لذلك ال يمكن أن ينعدم أو تكون له هناية، وهكذا عاحلياة يف كالم أهل البيت A، فقد جاء يف معتربة عبد األعىل عن اإلمام الكاظم C: «إن اهللا ال إله إال هو كان حيا بال كيف وال أين ... كان عز وجل حيا بال حياة

حادثة»(٢).تدل «عىل اللغة يف وهي مشبهة، صفة بأن (احلي) أيضا ذلك توجيه ويمكن معنى قائم باملوصوف هبا عىل وجه الثبوت ال عىل وجه احلدوث»(٣) ولذلك «ال زمان

١١ (١) الشور(٢) التوحيد، الشيخ الصدوق، ص١٤١، منشورات مجاعة املدرسني يف احلوزة العلمية بقم.

بريوت، العرصية- املكتبة ص١٨٩، ج١ الغالييني، مصطفى الشيخ العربية، الدروس جامع (٣)الطبعة الثانية عرش ١٩٧٣م.

Page 196: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ١٩٦

هلا ألهنا تدل عىل صفات ثابتة، والذي يتطلب الزمان إنام هو الصفات العارضة»(١). فالثبات يعني أهنا صفة مالزمة ال تنفصل عن املوصوف، وعدم املدخلية للزمان يعني أهنا ال تعرض عىل املوصوف يف زمان ما، -كام هو شأن اسم الفاعل الذي حيتاج إىل زمان يعرض فيه كـ(ضارب) فإنه حيتاج إىل زمان يقع فيه الرضب-، وبالتايل فكوهنا مالزمة وغري عارضة يعني أهنا مل تعط من أحد، ووجودها مالزم لوجود املوصوف، وجل عز له بالنسبة احلياة فإن األزيل، الدائم سبحانه اهللا هو املوصوف أن وحيث

تكون دائمية أزلية ال تنفك عنه وال تعرض عليه ومل تعط له سبحانه من أحد قط.إذا فاحلياة هي الوجود الدائم هللا عز وجل، لكن ال يمكن قياس كيفيته باملقاس

ألن { 1 2 عليه يقاس شئ وجود لعدم متاما ذلك خالف هو بل البرشي، هذه عىل يرتتب ما هنا فاملهم هلذا إدراكه، العقل يستطيع ما غاية هذا ،{43

الصفة من آثار تتعلق بحياة اإلنسان بنحو خاص والوجود بكامله بنحو عام.وبناء عليه يمكننا أن نسأل هنا: ماذا تعني احلياة الدائمة هللا سبحانه بالنسبة لنا

كبرش، وبالنسبة لبقية املخلوقات؟ اآليات ثنايا يف إذ الحقا، اإلجابة هذه تفاصيل عىل وسنقف املهم هو هذا املباركة يف الكثري من السور القرآنية ما له عالقة وثيقة هبذا األمر. لكن يمكن لنا هنا أنه تعني الصفة هذه أن من السبزواري السيد إليه أشار ما أمهها أمور، عىل التأكيد «هو احلي فقط وغريه يف معرض الزوال»(٢)، فبالرغم من أن الوصف ال مفهوم له، ما يعني أن القول بأن اهللا عز وجل حي ال يلزم منه عدم احلياة لآلخرين، وإنام هو تقرير وتأكيد عىل احلياة بالنسبة هللا سبحانه، وأما ما عداه فذلك القول ال يشمله ال من حيث

النفي وال اإلثبات. لكن مع ذلك فإن احلي تعني أهنا صفة مالزمة ال يمكن أن يكون هلا نقيض وإال

(١) املصدر نفسه.(٢) مواهب الرمحن، السيد عبد األعىل السبزواري، ج٤ ص٢٥٠، املؤسسة الفكرية للمطبوعات -

بريوت، الطبعة الثانية ١٩٩٠م.

Page 197: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٩٧ مفهوم احلياة

مل تكن كذلك، فلو كان هلا نقيض كالفاين لكان يف إطالق احلي هتافت، أي ال يمكن حي أنه تعني باحلي سبحانه فوصفه فنائه، إمكان مع باحلي سبحانه اهللا يوصف أن

ا. عىل نحو الدوام وال تنفك احلياة عنه أبدهو إنام باحلي قدرته جلت اخلالق وصف فإن أخر جهة ومن جهة من هذا عىل نحو القرص واإلختصاص، ولنقل عىل نحو التاميز بينه سبحانه وبني غريه، فهو يعني إما بأنه احلي فقط، أو أن حياته ال كحياة غريه، فعندما تقول اآلية (احلي) فاملراد ت آية أخر حيث قال سبحانه {¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦}(١)، وهو (هو احلي) كام نصنظري وصفنا إلنسان بالشجاعة حني نقول (هو الشجاع)، وهو تعبري يفيد إما أنه هو

الشجاع فقط أو أن شجاعته ختتلف عن شجاعة غريه وتتميز عليها بأمور.عن احلديث عند الكريم القرآن يف احلي استخدامات وضوحا األمر ويزيد

سبحانه: {| { الغري، كقوله من معطاة دائام هلم بالنسبة فاحلياة املخلوقات، كام .(٣){0/ . - , + * ) (} ،(٢){¥¤ £ ¢ ¡ ے ~أهنا مؤقتة وتنتهي بموت كام يف اآلية من قوله عز وجل: {+ , - .}(٤)، إذ أن التعاقب يفيد عدم الدوام لإلثنني، بينام تقول اآلية عن احلياة بالنسبة هللا عز وجل

.(٥){; : 9 8 7 6}

(١) غافر ٦٥.(٢) آل عمران ٢٧.

(٣) األنعام ٩٥.(٤) امللك ٢.

(٥) الفرقان ٥٨.

Page 198: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 199: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

١٩٩ مفهوم القيومية

مفهوم القيومية

قبل أن نتكلم عن هذا املفهوم جيب أن نلتفت يف البدء إىل الصيغة التي نطقت تفيده مما أكثر املعنى حيث من تفيد وهي مبالغة صيغة (القيوم) أن ذلك اآلية، هبا

صيغة اسم الفاعل (القائم)، وقد نطقت باألخرية آية أخر يف قوله سبحانه: {± .(١){º¹ ¸ ¶ μ ´ ³ ²

و(القيوم) أصله قيووم عىل وزن فيعول إال أن الياء والواو إذا اجتمعتا وأوالمها وزن عىل قيوام أصله والقيام مطردا، قياسا الياء يف الياء وأدغمت ياء قلبت ساكنة فيعال ففعل به ما ذكرناه(٢)، ويراد بالقيوم املبالغة(٣) والكثرة(٤) يف القيام، فلو أن أحدا قام مرة واحدة يقال له قائم لكن ال يقال له قيوم، أما من كان دأبه القيام فهو قيوم،

لذلك فإن قيوم تعني من كان شأنه الدائم القيام. هذا مفاد صيغة (القيوم)، فهي تعني أن اهللا سبحانه وتعاىل قائم عىل كل حال، كل ألن قيوما، سبحانه كونه مع يتناىف ال (قائم) لصيغة الكريم القرآن واستخدام

(١) الرعد ٣٣.(٢) جممع البيان، الطربيس، ج١ ص٤٦٥، دار إحياء الرتاث العريب - بريوت، الطبعة األوىل ١٩٩٢م.الطبعة بريوت، التاريخ- مؤسسة ص٤٩٣، ج٢ عاشور، بن الطاهر حممد والتنوير، التحرير (٣)

األوىل.(٤) من هد القرآن، حممد تقي املدريس، ج١ ص٣٧٢، دار القارئ، الطبعة الثانية ٢٠٠٨م.

Page 200: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٠٠

قيوم قائم وليس العكس، فأن تصف القيوم بالقائم ال يرض، لكن ال يصح أن تصف القائم بالقيوم إذا مل يكن دائم أو كثري القيام.

شئ، عىل القيام وإنام مثال، االستعداد أو الوقوف ليس هنا بالقيوم واملراد بمعنى أنه سبحانه قائم عىل خملوقاته يرعاها ويدير أمورها، كام هو رصيح اآلية من

.{º¹ ¸ ¶ μ ´ ³ ² ±} سورة الرعدومن هنا تلتقي احلياة مع القيومية، فاهللا سبحانه حي عىل نحو الدوام ال تنقطع أن حيث من عليها انعكاس هلا وإنام خملوقاته عن بمنأ ليست وحياته أبدا، حياته

احلياة ال تنفك عن كونه قائام عىل خملوقاته يدير شؤوهنا.وهبذا تلتقي احلياة والقيومية مع التوحيد، فالتوحيد ال يعني فقط اإلقرار بأن اهللا واحد ال رشيك له بنحو نظري، وإنام البد من اإلقرار بأن اهللا الواحد سبحانه حي

ناظر خللقه ومدير لشؤوهنم، وال يقو عىل ذلك إال هو دون سائر خلقه.فإن عليه وبناء فيها، ومؤثر اإلنسان حياة يف حارض الغيب أن يعني وذلك

التعويل عىل التدخل الغيبي يف الشؤون اليومية اخلاصة باإلنسان أمر مطلوب.

Page 201: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

4 3 2 1 0 / . - , +} @ ? > =< ; : 9 8 7 6 5

{K J I H G FE D C B A

Page 202: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 203: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٠٣ قيمة الكتب الساموية

قيمة الكتب السماوية

5 4 3 2 1 0 / . - , +} C B A @ ? > =< ; : 9 8 7 6

{KJ I H G FE D

تمهيد

ما معنى تنزيل الكتاب باحلق؟)؟ قا د ص ما املراد بالتصديق (م

ما الذي بني يدي الكتاب؟ هل يراد منه التوراة واإلنجيل أم شئ آخر؟ما العالقة بني الكتاب وبني سائر الكتب الساموية؟

ما الفارق بني الكتاب والفرقان؟كلامت ثالث من ن مكو فهو اآلية، مطلع يف الرتكيب طبيعة بداية نالحظ لو وأنه سبحانه، اهللا قبل من ل منز أنه تعني فاألوىل ،( كتاب و (ال ،( يك ل و (ع ،( ل (نز

Page 204: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٠٤

من األعىل إىل األسفل باعتبار أنه تنزيل وليس إعطاء أو مناولة أو شبه ذلك، والثانية له عىل ل مبارشة عىل شخص النبي األكرم K، فاهللا سبحانه هو الذي نز تعني أنه نزل عليه هو النبي K ال أي شخص ل هو اهللا تعاىل واملنز شخص النبي K، فاملنزل الكتاب بصيغة آخر، والثالثة تعني أن اهللا سبحانه مل ينزل كتابا بصيغة النكرة، وإنام نزوماذا الرتكيب؟ هذا يفيد فامذا املعروف. الكتاب K النبي عىل ل نز أي املعرفة،

يعني لنا؟

Page 205: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٠٥ اإلنزال والتنزيل

اإلنزال والتنزيل

تعلق عندما الكالم أن يالحظ إذ ل)، (نز سبحانه قوله عند البدء يف لنقف ل)، وحني تعلق بالتوراة واإلنجيل وكذلك الفرقان بإنزال الكتاب جاءت الصيغة (نز

جاءت الصيغة (أنزل)، فام الفرق بني الصيغتني وماذا تفيدان؟خيتص الثاين أن والتنزيل اإلنزال بني الفرق بأن األصفهاين الراغب ذكر سبحانه فقوله عام، واألول ،أخر بعد ومرة قا مفر إنزاله إليه يشري الذي باملوضع {& ' ) ( *}(١) يعني أنه أنزل إىل سامء الدنيا(٢) دفعة واحدة، بينام قوله الدفعي النزول أن إىل مجع وذهب .(٤) فنجام نجام نزل أي (٣){4 تعاىل{3

(١) الدخان ٣.(٢) وذلك بحسب ما ورد عن ابن عباس أن «القرآن نزل مجلة واحدة من الذكر إىل البيت املعمور وهو موقع النجوم يف السامء الدنيا». وأما ما ورد عن أهل البيت A فإن البيت املعمور الذي أنزل C إليه القرآن مجلة واحدة إنام هو يف السامء الرابعة، طبقا ملا روي عن اإلمام عيل بن احلسنيص٣٣٢، ج١٣ العاميل، احلر الشيعة، وسائل الرابعة». السامء يف املعمور البيت هلم «وجعل

مؤسسة آل البيت A إلحياء الرتاث - قم، الطبعة الثانية ١٤١٤هـ.(٣) اإلرساء ١٠٦.

الثالثة الطبعة بريوت، املعرفة- دار ص٤٩١، األصفهاين، الراغب القرآن، غريب يف املفردات (٤)٢٠٠١م.

Page 206: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٠٦

هو اخلصوصيات عن النظر بغض التفريق وهذا .(١)K النبي قلب عىل كان إنام ما التزم به أكثر املفرسين(٢)، وعلله السيد الشريازي بأن «التنزيل حيث أنه من باب بأن عاشور ابن وأضاف للتدريج»(٣)، املالزم النزول يف التكثري عىل دال التفعيل جعل الفعل مضاعفا {3} وتأكيده باملفعول املطلق {4} إشارة إىل تفريق إنزاله(٤)، وهو ما جاء يف كالم القرطبي غري أنه اعترب الفعل {3} مبالغة(٥). ويراد (أفعل)، لصيغة املقابلة (فعل) صيغة الثالثة كالم يف واملبالغة واملضاعف بالتفعيل هه البعض أن «كل زيادة يف ل، والفارق بينهام هنا بحسب ما وج أي أنزل يف مقابل نزاملبنى تتبعها زيادة يف املعنى، ... فام كان بزنة (أفعل) يدل عىل النزول دفعة واحدة، وما كان بزنة (فعل) يدل عىل تكرار النزول وتتابعه، ألن صيغة (أفعل) من معانيها تكرار عىل تدل وصيغة (فعل) واحدة، دفعة الفعل حدوث عىل الداللة العربية يف : (أعلمت فالنا املسألة) يفيد أنك أفدته به مرة واحدة، حدوث الفعل، فقولك مثال

بينام قولك: (علمت فالنا الفقه) يفيد أنك أفدته به عىل مراحل»(٦). . ال مت حول ذلك عدة إشكاالت سأتعرض هلا مفص وقد قد

(١) امليزان يف تفسريالقرآن، العالمة السيد حممد حسني الطباطبائي، ج٢ ص١٨، مؤسسة مطبوعايت اسامعيليان- إيران، قم، الطبعة الثالثة ١٩٧٢م.

بريوت، - العلوم دار ص٨٥، ج٥ الشريازي، حممد السيد األذهان، إىل القرآن تقريب انظر (٢)الطبعة األوىل ٢٠٠٣م. ومن هد القرآن، مصدر سابق، ج٩ ص٩١. واجلامع ألحكام القرآن، حممد بن أمحد القرطبي، ج٤ ص٥، دار الكتب العلمية - بريوت، ١٩٩٣م. وتفسري الشعراوي، حممد متويل الشعراوي، ج٢ ص١٢٦٣، مطابع أخباراليوم. وتفسري املنار، حممد رشيد رضا، ج٣

ص٥٥١، دار املعرفة- بريوت، ١٩٩٣م.(٣) تقريب القرآن إىل األذهان، مصدر سابق، ج٣ ص٣٥٥.

(٤) التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج١٤ ص١٨٢.(٥) اجلامع ألحكام القرآن، مصدر سابق، ج١٠ ص٢٢٠.

(٦) انظر: (شبكة األلوكة، املجلس العلمي)، حامد األنصاري.

Page 207: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٠٧ اإلشكال األول

اإلشكال األول

بأمور، واستدلوا الصيغتني، بني الفرق بعدم القول إىل املحققني بعض ذهب حيث (١){É È Ç Æ Å Ä Ã Â Á} تعاىل: اهللا قول أوهلا: يف نزل (تستعمل قوهلم: فإن وهلذا واحدة، مجلة النزول به وأريد التنزيل استعمل خصوص التدرجيي) ال يصح، ثانيها: إن تتبع اآليات القرآنية يعطي عدم ثبوت الفرق

املذكور بني: (اإلنزال) و (التنزيل)، مثال قد ورد يف القرآن قوله تعاىل: {{ ~ واحدة، دفعة ينزل إنام املقروء الكتاب أن مع ے ¡ ¢ £ ¤ ¥}(٢)، كام السامء، ملاء بالنسبة (أنزل) وكلمة تارة، (نزل) كلمة يستعمل أنه ويالحظ: كام يف قوله سبحانه {¶ ¸ º ¹}(٣)، وقوله تعاىل { ° ± ² ³}(٤).

ومثل ذلك كثري.(٥)

(١) الفرقان ٣٢.(٢) اإلرساء ٩٣.

(٣) الروم ٢٤.(٤) احلج ٦٣.

(٥) الصحيح من سرية النبي األعظم K، السيد جعفر مرتىض العاميل، ج٢ ص٢٤٦، دار اهلادي - بريوت، الطبعة الرابعة ١٩٩٥م.

Page 208: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٠٨

قبيل من ذلك بأن اإلشكال هذا مثل عن التفيص عند البعض(١) اعترب وقد اإلستثناء هبدف تفسري وبيان اإلختالف بني داللتي اللفظني، وإال فإن األصل املغايرة

بينهام من حيث الدفعية والتدريج بناء عىل ما جاء يف بعض كتب اللغة.ليس اللفظني بني اإلختالف أن اإلختالف» وبيان «تفسري بقوله أراد ولعله يظهر اآليات هذه مثل أن أو اإلستعامالت، بعض يف معنى يتحدان قد وهلذا مطلقا اإلحتامل لكن املستشكل، يقول ما خالف عىل الداللتني بني اإلختالف أيضا منها به يراد موضع يف التنزيل استعامل اآليات بعض من الظاهر ألن دقيق غري الثاين

م من اآلية األوىل التي استشهد هبذا املستشكل. فه اإلنزال دفعة واحدة، كام قد يملفهوم خاص معنى بتقرير اإلشكال عن امليزان صاحب أجاب وقد هذا التدريج، حيث اعترب أن «التدريج يف النزول ليس هو ختلل زمان معتد به بني نزول بوجود توجد التي املركبة األشياء بل اآلخر، جزئه وبني اليشء أجزاء من جزء كل غري واحدا أمرا اليشء يصري وبذلك األجزاء جمموع إىل نسبة لوجودها أجزائها ے ¡ ¢}(٢)، تعاىل {~ كقوله بالنزول اجلهة هذه من عنه والتعبري منقسم، ختلل سواء واحد بعد واحدا أجزائه بوجود وجوده حيث من ونسبته الغيث، وهو

بينهام زمان معتد به أو مل يتخلل وهو التدريج، والتعبري عنه بالتنزيل كقوله تعاىل {¬ ® ¯ °}(٣)»(٤)، ومراده بذلك أن األشياء املركبة من أجزاء كاملطر -والقرآن - تارة ينظر إليها بلحاظ املجموع فتكون وكأهنا جزء واحد غري منفصل مع أهنا أيضانة من أجزاء، فيكون حتققها بناء عىل ذلك دفعيا، وتارة ينظر إليها بلحاظ حقيقة مكواألجزاء، وحينها يكون حتققها يف الواقع اخلارجي تدرجييا، وهلذا يكون اإلنزال بلحاظ

املجموع بينام التنزيل بلحاظ األجزاء، فيثبت هبذا التوجيه الفرق بينهام.

(١) تفسيري األمثل، الشيخ نارص مكارم الشريازي، ج١٥ ص١٤.(٢) الرعد ١٧.

.٢٨ (٣) الشور(٤) امليزان يف تفسريالقرآن، مصدر سابق، ج٣ ص٧، ومن هد القرآن، مصدر سابق، ج٦ ص١٢٤.

Page 209: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٠٩ اإلشكال األول

ولو سلمنا هبذا التفكيك -وستأيت مناقشته- سواء هبذا التوجيه أو بغريه فالبد . أن نتساءل حينئذ هل هلذا التعدد يف اللحاظ ثمرة وهدف؟. هذا ما سنأيت عليه قريبا

وسنواصل اآلن ذكر الوجوه يف هذين اإلستعاملني.من الوجوه ما استعرضه الطباطبائي يف امليزان ونسبه لبعض املفرسين من غري أن بمعنى إنزال»(١)، بعد إنزاال «أنزله يعني الكتاب تنزيل أن ومفاده هم، يسم أن سبحانه فاهللا أمجع، القرآن أو السورة أو لآلية سواء اإلنزال تكرار هو إنام التدريج أنزل اآلية مرة بعد مرة كام أنزل السور هبذه الكيفية، وهكذا كان إنزال كامل القرآن

. أيضاوقد ضعف امليزان هذا التوجيه لدرجة أنه مل يتكلف يف اإلجابة عليه، بل اعتربه من جهة استحسانا غري جائز يف اللغة البتة، ومن جهة كونه ال يدفع شيئا من النقض

باآليات املذكورة.(٢)ويعني بذلك أنه جمرد مجع تربعي ال شاهد وال دليل عليه يف كتب اللغة، وإنام تربع به قائله ليدفع به النقض املذكور، وهو يمكن أن يكون دافعا فعال لو كان له شاهد

لغوي، وأما وقد كان استحسانا فال يصح التمسك به للتوفيق الداليل بني اآليات.هذا من جهة ومن جهة أخر إن هذا القول ال حيل اإلشكال، فإذا كان التنزيل يعني اإلنزال املتكرر سواء لآلية أو السورة أو القرآن كله، فكيف ينسجم هذا القول أن فمع ،{É È Ç Æ Å Ä Ã Â Á} أعاله املذكورة اآلية مع ت عىل ت عىل عدم التكرار، بل نص الفعل املستعمل هنا من التنزيل إال أن اآلية نصأن التنزيل يمكن أن يكون مجلة واحدة بأن ينزل القرآن كامال مرة واحدة، بمعنى أن . وما جيري عىل هذه اآلية جيري عىل غريها من إنزال القرآن مرة واحدة هو تنزيل أيضا

اآليات الظاهرة يف كون التنزيل يستعمل أيضا يف اإلنزال مرة واحدة.

(١) املصدر نفسه.

(٢) املصدر نفسه.

Page 210: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 211: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢١١ اإلشكال الثاين

اإلشكال الثاني

وبني بينه الفرق بعدم قيل حيث التنزيل مفهوم حول األول اإلشكال كان اإلنزال، مفهوم فحول هنا اإلشكال أما مناقشته، وستأيت عنه أجيب وقد اإلنزال، عى كون اإلنزال بمعنى إنزاله دفعة واحدة إىل سامء الدنيا وذلك يف شهر ومفاده أن املد

k j i h} املباركة اآلية تفيده ما مع ينسجم ال ذلك لكن رمضان، s r q p o n m l}(١)، «إذ ال معنى لبقائه عىل وصف اهلداية والفرقان يف السامء مدة سنني»(٢)، فإذا كان نزول القرآن هبدف هداية البرش فام معنى بقاؤه مدة سنني يف السامء، فذلك يشكك يف كون معنى اإلنزال بمعنى

النزول الدفعي إىل السامء.الشأنية بني الفرق من امليزان صاحب نقله بام اإلشكال هذا عن أجيب وقد والفعلية، فكون القرآن هاديا أي من شأنه هداية من حيتاج إىل هدايته، وذلك ال ينايف القوانني مثل مثله أجله، حيل حتى التأثري فعلية غري من الشأنية حال عىل مدة بقاءه املدنية التي كلام حان حني مادة من موادها أجريت وخرجت من القوة إىل الفعل.(٣)

(١) البقرة ١٨٥.(٢) امليزان يف تفسري القرآن، مصدر سابق، ج٢ ص١٥.

(٣) املصدر نفسه...

Page 212: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢١٢

لكن صاحب امليزان أورد عىل هذه اإلجابة بأمرين: ١- الفرق بني حكم القوانني وحكم اخلطابات، فإن كان يف األوىل يصح تقدم القانون عىل وقت احلاجة إليه، لكن الثانية ال يستقيم تقدمها عىل مقام التخاطب ولو ال اخلطابات قبيل من هي كثرية آيات الكريم القرآن يف بأن العلم مع يسريا، زمانا

القوانني.٢- عدم صحة اجتامع الناسخ واملنسوخ يف آن، إذ أن القول بالشأنية يلزم منه

اجتامع الناسخ واملنسوخ يف زمن نزول القرآن.(١) بنزول املقصود أن اها مؤد اإلشكال عن أخر إجابة امليزان صاحب نقل ثم هذا يف نزل القرآن من نزل ما فأول مجيعه، ال أوله نزول رمضان شهر يف القرآن الشهر(٢)، بالتايل فإن مجيع اآليات مل تكن اهلداية فيها شأنية بل فعلية، ألهنا نزلت يف

وقت احلاجة إليها.ا بأمور ثالثة: وقد أشكل الطباطبائي عىل هذه اإلجابة أيض

وبدايتها رجب، شهر من والعرشين السابع يف كانت البعثة أن املشهور -١ثالثني من أكثر الكريم القرآن من البعثة ختلو أن يعقل وال الكريم، بالقرآن كانت

يوما، أي من أواخر شهر رجب وإىل أوائل شهر رمضان.٢- إن أول ما نزل من القرآن سورة إقرأ، وكانت مصاحبة للبعثة، وهكذا سورة املدثر، وذلك ال يتامشى مع القول بأن أول آية من القرآن نزلت يف شهر رمضان، حيث

ثبت نزول سور كاملة قبله.٣- قوله سبحانه {m l k} غري رصيح الداللة عىل أن املراد بالقرآن

أول نازل منه، و ال قرينة يف الكالم تفيد ذلك(٣)، بل الظاهر منه نزول القرآن كله.(١) املصدر نفسه.

(٢) املصدر نفسه، ص١٦.(٣) املصدر نفسه.

Page 213: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢١٣ اإلشكال الثاين

ثم وبعد مناقشة هاتني اإلجابتني قدم صاحب امليزان العالمة الطباطبائي رؤيته صها -بعد التسليم بكون اإلنزال يعني الدفعية والتنزيل اخلاصة حلل اإلشكال، وملخيعني التدريج، وبعد العلم بأن اآليات الناطقة بنزول القرآن يف شهر رمضان أو ليلة

ت عن ذلك بلفظ اإلنزال- أن الدفعية تعني أحد أمرين: منه إنام عرباألول: النزول بلحاظ املجموع ال األجزاء، وهو ما تم بيانه عند اإلجابة عىل نزول هنا بالنزول املقصود كان إذا اإلشكال حيل لن بالطبع وهذا األول. اإلشكال القرآن يف السامء األوىل، ألن نزوله دفعة واحدة هبذه الكيفية مع فرض كونه هاديا ال معنى له، كام جاء يف اإلشكال. فالبد من البحث عن طريق آخر للتوفيق بني القول

. بنزول القرآن دفعة إىل السامء من غري أن يكون قد نزل إىل الناس، وبني كونه هادياالبرشي، اإلدراك مستو فوق متعالية حقيقة األصل يف القرآن كون الثاين: بالتدريج، للتنزيل قابلة تكون حتى التفصيل فيها ر يتصو ال واحدة احلقيقة وهذه القرآن، عىل طارئ أمر فهو التفصيل وأما إنزاال، K النبي عىل أنزلت ولذلك بالتايل فأصل القرآن شئ والتفصيل شئ آخر عارض عليه، ويستفاد ذلك من آيات

_ ^ ] \ [ Z Y X W V U}سبحانه كقوله كثرية ` b a}(١)، فعيل حكيم تعني أنه متعال وفوق ما تتناوله العقول البرشية ما وهو العقول تلك قبل من للتناول قابال ليكون عليه طرأ التفصيل لكن العادية،

. يعني جعله قرآنا عربيادفعة كان فنزوله وهلذا املتعايل الكتاب هو إنام K النبي عىل أنزل والذي كان ولذلك التفصيل عليه طرأ الذي الكتاب الناس عىل أنزل الذي بينام واحدة، نزوله بالتدريج، وهذا حيل اإلشكال ألن الذي يراد منه اهلداية الفعلية لسائر الناس كونه بني الفصل إشكال يأيت فال بالتدريج، فعال نزل وقد ل املفص الكتاب هو إنام هاديا وكونه قد نزل دفعة واحدة إىل السامء ال إىل الناس، وأما الذي نزل دفعة فإنام نزل

(١) الزخرف: ٣-٤.

Page 214: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢١٤

معقولية بعدم يقال حتى الناس عامة إىل موجها وليس K النبي خصوص عىل الفصل بني كونه هاديا وبني بقائه يف السامء بعيدا عن متناول الناس.

Page 215: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢١٥ اإلشكال الثالث

اإلشكال الثالث

ذهب البعض إىل أن التضعيف هنا إنام هو للنقل ال التكثري، من بينهم أبو حيان للنقل، هنا فيه التضعيف «ونزلنا كالمه نص يف جاء ما ذلك يف ه والوج األندليس، قطيب بن يزيد قراءة اآلية هذه يف مرادفتهام عىل ويدل . النقل هلمزة املرادف وهو مما أنزلنا باهلمزة، وليس التضعيف هنا داال عىل نزوله منجام يف أوقات خمتلفة، خالفا قلت: اإلنزال؟ دون التنزيل لفظ عىل نزلنا مما قيل: مل قلت فإن قال: للزخمرشي، ألن املراد النزول عىل التدريج والتنجيم، وهو من جمازه ملكان التحدي . وهذا الذي أي بالتكثري، عنه يعرب الذي هو هنا، الكلمة عني تضعيف يف الزخمرشي إليه ذهب يفعل ذلك مرة بعد مرة، فيدل عىل هذا املعنى بالتضعيف ويعرب عنه بالكثرة . وذهل الزخمرشي عن إن ذلك إنام يكون غالبا يف األفعال التي تكون قبل التضعيف متعدية، نحو: جرحت زيدا، وفتحت الباب، وقطعت، وذبحت، ال يقال: جلس زيد، وال قعد وتعديه الزما، كان إنام التضعيف قبل متعديا يكن مل ونزلنا جعفر، صوم وال عمر، إنام يفيده التضعيف أو اهلمزة، فإن جاء يف الزم فهو قليل . قالوا: مات املال، وموت كثرة عىل يدل إنام التكثري به يراد الذي فالتضعيف وأيضا، فيه، ذلك كثر إذا املال، وقوع الفعل، أما أن جيعل الالزم متعديا فال، ونزلنا قبل التضعيف كان الزما ومل يكن لو إذ للتكثري، ال للنقل أنه عىل دليال التضعيف من املستفاد التعدي فيكون متعديا، كان للتكثري، وقد دخل عىل الالزم، بقي الزما نحو: مات املال، وموت املال . وأيضا

Page 216: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢١٦

Ç Æ Å Ä} * :فلو كان التضعيف يف نزل مفيدا للتنجمي الحتاج قوله تعاىل È} * :إىل تأويل، ألن التضعيف دال عىل التنجيم والتكثري، وقوله * {ÊÉ ÈÊÉ} * ينايف ذلك . وأيضا فالقراءات بالوجهني يف كثري مما جاء يدل عىل أهنام بمعنى واحد . وأيضا جميء نزل حيث ال يمكن فيه التكثري والتنجيم إال عىل تأويل بعيد جدا

Ä Ã Â} * :يدل عىل ذلك . قال تعاىل: * {. / 0 1 2} *، وقال تعاىل ،* {Ï Î Í Ì Ë Ê É È Ç Æ Åليس املعنى عىل أهنم اقرتحوا تكرير نزول اآلية، وال أنه علق تكرير نزول ملك رسول

عىل تقدير كون مالئكة يف األرض، وإنام املعنى، واهللا أعلم، مطلق اإلنزال»(١).كام قال بذلك األلويس يف تفسريه للوجوه نفسها وهذا نص عبارته «والتضعيف نا) للنقل وهو املرادف للهمزة، ويؤيد ذلك قراءة زيد بن قطيب (أنزلنا)، وليس ل ز يف (نالتضعيف هنا داال عىل نزوله منجام ليكون إيثاره عىل اإلنزال لتذكري منشأ ارتياهبم فقد قالوا: {ÊÉ È Ç Æ Å Ä} وبناء التحدي عليه إرخاء للعنان كام ذهب إليه الكثري ممن يعقد عند ذكرهم اخلنارص ألن ذلك قول بداللة التضعيف عىل التكثري وهو إنام يكون غالبا يف األفعال التي تكون قبل التضعيف متعدية نحو فتحت وقطعت، و كثرة عىل يدل إنام التكثري به يراد الذي التضعيف وأيضا قبل، معتديا يكن مل (نزلنا) وقوع الفعل وأما عىل أنه جيعل الالزم متعديا فال، والفعل هنا كان الزما فكون التعدي مستفادا من التضعيف دليل عىل أنه للنقل ال للتكثري، وأيضا لو كان نزل مفيدا للتنجيم الحتاج قوله تعاىل: {ÊÉ È Ç Æ Å Ä } إىل تأويل، ملنافاة العجز الصدر، وقد ،{Ï Î Í Ì Ë Ê} و ،{2 1 0 /} مثل وكذا التكثري غري هذا وجعل والتكثري، التنجيم فيه يمكن ال مما كثري يف بالوجهني قرء املذكور يف النحو وهو التدريج بمعنى اإلتيان باليشء قليال قليال كام ذكروه يف تسللوا حيث فرسوه بأهنم يتسللون قليال قليال قالوا: ونظريه تدرج وتدخل ونحوه رتبه أي

الطبعة بريوت، العلمية- الكتب دار ص٢٤٤، ج١ األندليس، حيان أيب املحيط، البحر تفسري (١)األوىل ٢٠٠١م.

Page 217: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢١٧ اإلشكال الثالث

فحينئذ تكون صيغة فعل بعد كوهنا للنقل دالة أتى به رتبة رتبة ومل يوجد غري ذلك، عىل هذا املعنى إما جمازا أو اشرتاكا فال يلزم إطراده بعيد ال سيام مع خفاء القرينة»(١).

ره بعض املفرسين وإنام وتقريب اإلشكال أن التضعيف ليس للتكثري كام صو) وهو الزم ل هو للنقل، أي نقل الفعل وجعله متعديا بعد أن كان الزما، فأصله (نزل فالن الكتاب)، ل) فنقول حينها (نز كقولنا (نزل الكتاب)، وبالتضعيف أصبح (نزالتضعيف، من املراد هو غالبا فالنقل هلذا (أنزل)، اهلمزة يرادف هنا والتضعيف

ويستفاد ذلك من أمور: تكون التي األفعال يف غالبا حتصل إنام التكثري عىل التضعيف داللة إن -١وفعل فال، الزما كان ما أما وقطع، وقطع وفتح، فتح مثل التضعيف، قبل متعدية

ل)، هلذا فتعديته ال تفيد التكثري. ل) أصله الزم (نز (نز٢- إن التضعيف الذي يفيد التكثري ال ينقل الفعل من اللزوم إىل التعدية بل يدل عىل كثرة وقوع الفعل، فإذا استفيدت التعدية من فعل الزم بسبب التضعيف دل ذلك عىل أن التضعيف كان ملجرد النقل ال التكثري. ومفاد ذلك التفريق بني أنواع التضعيف، وقوع كثرة عىل فقط دل التكثري منه أفاد فام النقل، يفيد ما ومنه التكثري يفيد ما فمنه الفعل، وال عالقة له بالتعدية ألن الفعل فيه يف األصل متعد، ملا سبق البيان فيه من أن ما يفيد التكثري إنام هو الفعل املتعدي إذا ضعف بحسب الغالب، وأما ما أفاد منه النقل

. فال عالقة له بالتكثري، وذلك حيصل يف الفعل املضعف إذا كان يف األصل الزمالو سلمنا وقلنا بداللة التضعيف هنا عىل التكثري، لوجب تأويل بعض اآليات ل) يف الدفعة الواحدة ال الكثرة، كاآلية القرآنية التي استعمل فيها الفعل املضعف (نزوقال ،{É È Ç Æ Å Ä Ã Â Á} سبحانه قال حيث السابقة

Í Ì Ë Ê} جل شأنه وقال قائل {. / 0 1 2}(٢)، من عز

(١) تفسري األلويس، األلويس، ج١ ص١٩٢.(٢) األنعام ٣٧.

Page 218: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢١٨

فا إال أنه تعلق بالدفعة Ï Î}(١)، فمع أن الفعل يف هذه اآليات جاء مضعالواحدة ال الكثرة والتدرج، فاجلملة الواحدة تعني دفعة مرة واحدة، وتنزيل اآلية ال ر فيه التجزئة لآلية الواحدة بل هي حتصل دفعة واحدة، وكذلك امللك ال يمكن يتصو. فلو قلنا بأن التضعيف يفيد التكثري حلصل ءا ومقطعا أن ينزل إال دفعة واحدة ال جمز

التهافت والتنايف بني صدر اآليات وعجزها.٣- وجود قراءات بالوجهني يف بعض اآليات، كام يف هذه اآلية {³ ´ قطيب بن (زيد) يزيد قرأها فقد ،(٢){¿ ¾ ½ ¼ » º ¹ ¸ ¶ μمن املراد أن يؤيد وذلك التدريج، ال الدفعية تعني كلامهتم باتفاق وأنزلنا (أنزلنا). لنا) يراد منها يف اآلية ما يراد من (أنزلنا) متاما، إذ ال يعقل لنا) الدفعية، أي أن (نز (نز

أن يكون لآلية معنيان متنافيان يف آن.فيتحصل من كل ذلك أن التضعيف هنا ليس للتكثري وإنام للنقل. ويمكن أن يراد به التدريج أيضا، لكن ال باملعنى اخلاص املذكور يف اللغة وهو النزول التدرجيي من يفهم ما هذا ولعل قليال، قليال لكن واحدة دفعة بمعنى وإنام متعددة، أزمنة يف دفعات النزول يعني اخلاص التدريج أن الكيفيتني بني والفارق بالوجهني. القراءة وبني كل دفعة وأخر فاصلة زمنية قد تطول وقد تقرص، بينام التدريج املقصود هنا تستغرق بحيث فشيئا شيئا يكون أنه إال واحد زمن يف واحدة دفعة النزول يعني

الدفعة الواحدة زمنا أطول من الدفعة باملعنى اخلاص. وهذا التعدد يف الداللة إنام يكون عىل نحو املجاز أو اإلشرتاك، أي أن املعنى احلقيقي للتنزيل هنا هو النزول الدفعي، ولكنه يستعمل أيضا من باب املجاز يف معنى التدريج املذكور، أو أن يكون مشرتكا لفظيا، بحيث يكون مستعمال عىل نحو احلقيقة

يف املعنيني. هذا خالصة ما ذكره األندليس واأللويس.

(١) اإلرساء ٩٥.(٢) البقرة ٢٣.

Page 219: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢١٩ وجه آخر

وجه آخر

م الدكتور حممد شحرور رؤية أخر(١) تلتقي بلحاظ مع القول بأن اإلنزال قددفعي والتنزيل تدرجيي، لكنها ختتلف شيئا ما بلحاظ آخر.

فهو يقول بأن اإلنزال يعني أن القرآن نزل دفعة واحدة، والتنزيل يعني أن القرآن ف يف معنى اإلنزال الدفعي، فقال بأن نزل بالتدريج طوال ثالثة وعرشين سنة، لكنه ترصالنزول متالزم مع اجلعل، بالتايل فإنزاله دفعة واحدة إىل السامء الدنيا يف ليلة القدر يعني أن ك من قبل الناس يف هذه الليلة دفعة واحدة. اهللا عز وجل جعل القرآن عربيا قابال ألن يدر

بمعنى أيضا، عربيا وجل عز اهللا لكان وإال عربيا، يكن مل األصل يف فالقرآن اهللا وهو اجلاعل كون ذلك من للزم العربية باللغة كان للقرآن األويل اجلعل أن لو ك املدر غري جعل يعني وإنزاله كا، مدر يكن مل األصل يف القرآن بل عربيا، سبحانه

} | { z y} كا من قبل الناس. هلذا قال الباري جلت قدرته مرة مدر.(٣){Z Y X W V U} (٢)، ومرة أخر{~

األهايل ص١٧٦، إىل ص١٤٧ شحرور، حممد الدكتور معارصة، قراءة والقرآن الكتاب انظر (١)للطباعة والنرش والتوزيع - دمشق، الطبعة السادسة ١٩٩٤م.

(٢) يوسف ٢.(٣) الزخرف ٣.

Page 220: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٢٠

يقول «فالقرآن يف لوح حمفوظ ويف إمام مبني هو من علم اهللا، وعلم اهللا هو أعىل ç æ} أنواع علوم التجريد، وأعىل أنواع علوم التجريد هو الرياضيات لذا قالé è}(١)، أي أن علم اهللا باملوجودات هو علم كمي بحت. فاإلحصاء هو التعقل، والعدد هو حال اإلحصاء. هذا القرآن موجود يف لوح حمفوظ وإمام مبني بصيغة غري

قابلة لإلدراك اإلنساين وغري قابلة للتأويل، وبصيغة مطلقة.فعندما أراد اهللا أن يعطي القرآن للناس فاملرحلة األوىل كانت حتويله إىل صيغة قابلة لإلدراك اإلنساين النسبي، أي جرت عملية تغيري يف الصريورة. وهذا التغيري يف

X W V U} قال إذ فعل «جعل». يف العريب اللسان يف عنه رب ع الصريورة Z Y}(٢) أي كان له وجود مسبق قبل أن يكون عربيا فجعله عربيا «أي

غري يف صريوته» وهذا معنى اجلعل.نقل هو واإلنزال (٣){~ } | { z y} قال أيضا ولكنه غري املدرك إىل املدرك. أي كان القرآن غري مدرك « غري مشهر» فأصبح مدركا، وهذا

ما جاء يف اإلنزال. أي إن: - اجلعل: هو التغيري يف الصريورة.

- اإلنزال: هو النقل من صيغة غري مدركة إىل صيغة مدركة «اإلشهار».. أي أن القرآن املوجود ل عربيا ل وأنز ع ففي القرآن تالزم اجلعل واإلنزال أي جبني أيدينا ليس عني القرآن املوجود يف لوح حمفوظ وإمام مبني، وليست صيغته نفس التغيري تم اإلنساين «اإلنزال» لإلدراك قابلة صورة هو وإنام فيهام. املوجودة الصيغة يف صريورهتا «اجلعل» حتى أصبحت مدركة، ثم وصلت إىل النبي K ماديا عن

طريق الوحي «التنزيل» والنبي K نقلها آليا إىل الناس.

(١) اجلن ٢٨(٢) الزخرف ٣.

(٣) يوسف ٢.

Page 221: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٢١ وجه آخر

ليلة يف حصل ما وهذا واحدة. دفعة عىل عربيا وإنزاله القرآن جعل تم وقد القدر حني قال تعاىل {! " # $ %}(١).....

باألمواج، كالنقل اإلنساين الوعي خارج حصلت مادية نقلة هو التنزيل: -ثالثة مد عىل تم الذي وهو .K النبي إىل جربيل طريق عن حصلت ولكن وافرتق واحدة، دفعة وحصال واإلنزال اجلعل تالزم القرآن ففي . عاما وعرشين

.(٢)« التنزيل حيث جاء يف ثالثة وعرشين عاما

(١) القدر ١.(٢) الكتاب والقرآن قراءة معارصة، مصدر سابق، ص١٥٢.

Page 222: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 223: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٢٣ الرأي املختار

الرأي المختار

إن أهم ما ينبغي التأمل فيه للخروج برؤية هنائية حول املراد من اإلنزال والتنزيل، ل نقضا اإلستعامالت القرآنية ملفردة التنزيل فيام هو ظاهر يف الدفعة الواحدة، فهي تشكقويا عىل القول بالتدريج، واإلدعاء بأن التضعيف للنقل ال التكثري، والقول بأن بقاء وهو إنزاله من اهلدف مع يتناىف املكلفني متناول عن بعيدا األوىل السامء يف القرآن اهلداية، باإلضافة ملا تبناه الدكتور شحرور من أن اإلنزال بمعنى نقل القرآن من صيغة غري مدركة إىل صيغة مدركة عىل املستو اإلنساين. فهذه األمور األربعة هي خالصة

اإلشكاالت والوجوه املذكورة وأهم ما ينبغي معاجلته والنظر فيه.يف اخلصوص هبذا يشء ورد هل عنه والتساؤل هنا تصفحه ينبغي ما وأول يكون حتى والسالم، الصالة عليهم الكرام بيته أهل وعن K النبي عن املأثور

ام ألحد األقوال؟ مدخال للبحث ومدعرو الكليني يف الكايف عن عيل بن إبراهيم عن أبيه وحممد بن القاسم عن حممد بن سليامن عن داود عن حفص بن غياث عن أيب عبد اهللا C قال: سألته عن قول اهللا عز وجل {m l k j i h}(١) وإنام أنزل يف عرشين سنة بني إىل رمضان شهر يف واحدة مجلة القرآن نزل :C اهللا عبد أبو فقال وآخره؟ أوله

(١) البقرة ١٨٥.

Page 224: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٢٤

البيت املعمور ثم نزل يف طول عرشين سنة، ثم قال: قال النبي K: نزلت صحف إبراهيم يف أول ليلة من شهر رمضان وأنزلت التوراة لست مضني من شهر رمضان عرش لثامنية الزبور وأنزل رمضان شهر من خلت ليلة عرشة لثالث اإلنجيل وأنزل

خلون من شهر رمضان وأنزل القرآن يف ثالث وعرشين من شهر رمضان.(١) رواية مع متطابقة رواية C الصادق عن إبراهيم عن العيايش رو كام

الكليني، إال أن فيها «وأنزل القرآن ألربع وعرشين من رمضان»(٢).من وغريمها والبيهقي احلاكم أخرج فقد عباس، ابن عن ورد تقريبا املعنى وهبذا طريق منصور عن سعيد بن جبري عن ابن عباس قال: أنزل القرآن يف ليلة القدر مجلة واحدة

إىل سامء الدنيا، وكان بمواقع النجوم وكان اهللا ينزله عىل رسوله بعضه يف أثر بعض.(٣)شهر يف القدر ليلة يف القرآن أنزل قال: عباس ابن عن الطرباين أخرج كام

(٤). رمضان إىل سامء الدنيا مجلة واحدة، ثم أنزل نجوماثي وفقهاء املسلمني بالتفصيل بني ح مجع من حمد وبناء عىل هذه الروايات رصنزول القرآن مجلة واحدة وبني نزوله تدرجيا، فقد قال الصدوق «القرآن نزل يف شهر من نزل ثم الرابعة، السامء يف املعمور البيت إىل واحدة مجلة القدر ليلة يف رمضان البيت املعمور يف مدة عرشين سنة»، وأضاف «وإن اهللا أعطى نبيه العلم مجلة واحدة

ثم قال له: {& ' ) ( * + , - .}(٥)»(٦).(١) أصول الكايف، حممد بن يعقوب الكليني، ص٦٤٧، مؤسسة األعلمي للمطبوعات - بريوت،

الطبعة األوىل ٢٠٠٥م.(٢) تفسري العيايش، حممد بن مسعود العيايش، ج١ ص٨٠، املكتبة العلمية اإلسالمية - طهران.

بريوت، - العلمية الكتب دار ص٨٧، ج١ السيوطي، الدين جالل القرآن، علوم يف اإلتقان (٣)الطبعة الثانية ١٩٩١م.

(٤) املصدر نفسه ص٨٨.(٥) طه ١١٤.

الطبعة بريوت، - للمطبوعات التعارف دار ص٣٦٣، ج٨ املجليس، العالمة األنوار، بحار (٦)األوىل ٢٠٠١م.

Page 225: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٢٥ الرأي املختار

عىل اآليات «دلت الصدوق: لكالم تأييده سياق يف املجليس العالمة وقال عىل واألخبار اآلثار ودلت فيها، مجيعه نزول والظاهر القدر، ليلة يف القرآن نزول نزول القرآن يف عرشين أو ثالث وعرشين سنة، وورد يف بعض الروايات أن القرآن نزل يف أول ليلة من شهر رمضان، ودل بعضها عىل أن ابتداء نزوله يف املبعث فجمع(١) بينها بأن: يف ليلة القدر نزل القرآن مجلة من اللوح إىل السامء الرابعة لينزل من السامء عىل القرآن مجلة رمضان شهر من ليلة أول يف ونزل بالتدريج، األرض إىل الرابعة النبي K ليعلم هو، ال ليتلوه عىل الناس، ثم ابتدأ نزوله آية آية وسورة سورة يف

املبعث أو غريه ليتلوه عىل الناس، وهذا اجلمع مؤيد باألخبار»(٢).وكذلك السيوطي، فقد علق عىل ما روي عن عبد اهللا بن عباس بأنه «األصح

األشهر»(٣).املذكورة، بالروايات أمكن العمل فيام لو تاما يكون أن يمكن التفصيل وهذا إال أن بعضها ضعيفة السند والبعض اآلخر فاقد للحجية، فأما رواية الكليني فضعيفة ل عليه يف يشء» كام بمحمد بن سليامن، وهو بن عبد اهللا الديلمي «ضعيف جدا ال يعو

نص عىل ذلك النجايش(٤)، وأما رواية العيايش فمرسلة.وعن صحيحة»(٥)، كلها «أسانيدها بعضه عن قال وإن السيوطي نقله وما البعض اآلخر «إسناده ال بأس به»(٦)، إال أن السند فيه بأمجعه ينتهي إىل عبد اهللا بن

.C ح بنقله عن املعصوم عباس، وقوله ليس حجة ما مل يرص

(١) أي الصدوق.(٢) املصدرنفسه ص٣٦٥.

(٣) اإلتقان يف علوم القرآن، مصدر سابق، ج١ ص٨٩.بقم، املدرسني جلامعة التابعة اإلسالمي النرش مؤسسة ص٣٦٥، النجايش، النجايش، رجال (٤)

الطبعة اخلامسة ١٤١٦هـ.(٥) اإلتقان يف علوم القرآن، ج١ ص٨٩.

(٦) املصدر نفسه، ص٩٠.

Page 226: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٢٦

هذا مثل إىل اإلطمئنان ويصعب ضعيفة، كلها فالروايات ذلك عىل بناء التفصيل استنادا فقط إىل مثل هذه الروايات، وهلذا أشكل الشيخ املفيد عىل ما اختاره حديث أصله الباب هذا يف جعفر أبو إليه ذهب «الذي بالقول الصدوق الشيخ »(١) . كام أشكل غريه بحسب ما نقل الشيخ معرفة يف واحد ال يوجب علام وال عمالحتقيقاته حيث قال «وقد أخذ الظاهريون من أصحاب احلديث بظاهر هذه الروايات،

. مسرتحيني بأنفسهم إىل مدلوهلا الظاهري تعبدا حمضامقتىض وال له، تعق يمكن ال بام األخذ يرقهم فلم العلامء من املحققون أما للتعبد بام ال يرجع إىل أصول العبادات، ومن ثم أخذوا ينقدون هذه األحاديث نقدا

.(٢)« علمياالروايات ضعف األساس سببه التفصيل هذا مثل يف والتأمل فالتوقف هبذا مه البعض من تساؤالت حول الفائدة من وراء نزول القرآن مجلة سندا، ال بسبب ما قدواحدة يف إحد الساموات العىل ثم نزوله تدرجيا عىل رسول اهللا K؟!(٣)، إذ يمكن م وأهداف ملثل هذا التفصيل فيام لو ثبت، فاألمر ليس بمعجز هلذه الدرجة. ك ر ح تصو

وال ملا أشكل به الشيخ املفيد عىل الصدوق من أن القرآن يتضمن إخبارا عن مجلة القرآن نزول مع يتناىف وذلك أيضا، املايض وبصيغة مستقبلية، واقعية أحداث واحدة قبل حصول تلك األحداث، وهذا نص عبارته «الذي ذهب إليه أبو جعفر يف . ونزول القرآن عىل األسباب هذا الباب أصله حديث واحد ال يوجب علام وال عمالاحلادثة حاال فحااليدل عىل خالف ما تضمنه احلديث، وذلك أنه قد تضمن حكم ما حدث وذكر ما جر عىل وجهه وذلك ال يكون عىل احلقيقة إال حلدوثه عند السبب،

(١) تصحيح اإلعتقاد بصواب اإلنتقاد، الشيخ املفيد حممد بن حممد بن النعامن، ص١٠٢، منشورات الريض - قم، ١٣٦٣.

جلامعة التابعة اإلسالمي النرش مؤسسة ص٧٣، ج١ معرفة، هادي حممد التمهيد، تلخيص (٢)املدرسني بقم، الطبعة الرابعة ١٤٢٢هـ.

(٣) املصدر نفسه.

Page 227: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٢٧ الرأي املختار

أال تر قوله تعاىل: {+ , -. / 0 1 2 3}(١).وقوله: {° ± º ¹ ¸ ¶μ ´ ³ ² « ¼}(٢)، وهذا خرب من يف هو بل يقع مل وهو ماض عن خربا حينئذ فيكون خمربه يتقدم أن جيوز وال ماض

املستقبل، وأمثال ذلك يف القرآن كثرية.وقد جاء اخلرب بذكر الظهار وسببه وأهنا ملا جادلت النبي K يف حكم الظهار باملدينة كانت قصة )}(٣)وهذه ' & % $ # " !} تعاىل: اهللا أنزل فكيف ينزل اهللا تعاىل الوحي هبا بمكة قبل اهلجرة فيخرب هبا أهنا قد كانت ومل تكن، بنزول الوارد اخلرب يف جيوز وقد .... كثريا ذكرناه مما جلاء القرآن قصص تتبعنا ولو وفاة إىل منه نزل ما القدر ثم تاله ليلة يف منه مجلة نزل القدر أنه ليلة مجلة يف القرآن النبي K، فأما أن يكون نزل بأرسه ومجيعه يف ليلة القدر فهو بعيد مما يقتضيه ظاهر القرآن املتواتر من األخبار وإمجاع العلامء عىل اختالفهم يف األداء»(٤). ألن التحدث عن األحداث املستقبلية التي مل تقع وبصيغة املايض أيضا ال يتناىف مع العلم اإلهلي، فاملايض واحلارض واملستقبل عند اهللا سبحانه وتعاىل سواء، فاهللا جلت قدرته يتحدث د باملايض الذي وقع بل يشمل عن املستقبل كام يتحدث عن املايض، ألن علمه ال حيعن فيه ينبئ وجل عز اهللا عن كالم نزول يف إشكال وأي يقع، مل الذي املستقبل

مستقبل كأنه حصل.وبمثل هذا الكالم أورد العالمة املجليس عىل مناقشة املفيد، قال: «ثبت باألخبار املحفوظ اللوح يف أثبتها أنبيائه عىل تعاىل اهللا أنزهلا التي الكتب مجيع أن املستفيضة قبل خلق السامء واألرض، ثم ينزل منها بحسب املصالح يف كل وقت وزمان، وأما انطباقها عىل الوقائع املتأخرة فال ينايف ذلك، ألن اهللا تعاىل عامل بام يتكلمون ويصدر

(١) النساء ١٥٥.(٢) الزخرف ٢٠.

(٣) املجادلة ١.(٤) تصحيح اإلعتقاد، مصدر سابق، ص١٠٢.

Page 228: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٢٨

منهم ويقع بينهم بعد ذلك، فأثبت يف القرآن املثبت يف اللوح جواب مجيع ذلك عىل وفق علمه الذي ال يتخلف، فامليض إنام يكون بالنسبة إىل زمان التبليغ إىل اخللق»(١).

للروايات السندي الضعف يف يرتكز املذكور بالتفصيل القول يف فاإلشكال هلذا ليس إال، ولو ثبتت هذه الروايات ملا كانت هذه اإلشكاالت عائقا يمنع من التمسك هبا.

هذا وقد حاول بعض العلامء تقديم صورة أخر للتفصيل، كالفيض الكاشاين بالنزول والثاين ،K النبي قلب عىل بالنزول الدفعي األول النزول فرس الذي ني الدعوة، وهو ظاهر عبارته يف الصايف: «إن القرآن نزل كله مجلة التدرجيي طوال سواحدة يف ليلة ثالث وعرشين من شهر رمضان إىل البيت املعمور، وكأنه أريد به نزول معناه عىل قلب النبي K، كام قال اهللا {n m l k j i h}(٢)، ثم نزل C جربئيل أتاه كلام لسانه ظاهر إىل قلبه باطن من نجوما سنة عرشين طول يف

بالوحي وقرأه عليه بألفاظه»(٣). وتعاىل تبارك اهللا قال: «وأن حيث الصدوق، عبارة من أيضا ذلك يفهم وقد

أعطى نبيه العلم مجلة واحدة، ثم قال له: {& ' ) ( * + , - .(٦)«(٥){Þ} إىل قوله {Ï Î Í Ì Ë Ê} :(٤)، وقال عز وجل{.

وتأييدا ملراد الصدوق قال املجليس: «فال استبعاد يف أن ينزل هذا الكتاب مجلة عىل النبي K، ويأمره بأن ال يقرأ عىل األمة شيئا منه إال بعد أن ينزل كل جزء منه

يف وقت معني يناسب تبليغه، ويف واقعة معينة يتعلق هبا»(٧).

(١) بحار األنوار، مصدر سابق، ج٨ ص٣٦٥.(٢) الشعراء ١٩٣-١٩٤.

(٣) التفسري الصايف، الفيض الكاشاين، ج١ ص٦٥، مكتبة الصدر - طهران، الطبعة الثانية ١٤١٦هـ.(٤) طه ١١٤.

(٥) القيامة ١٦- ١٩.(٦) بحار األنوار، مصدر سابق، ج٨ ص٣٦٣.

(٧) املصدر نفسه ص٣٦٤.

Page 229: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٢٩ الرأي املختار

وهذا أيضا ما استقربه الشيخ أبو عبد اهللا الزنجاين - بحسب ما نقل عنه الشيخ معرفة-، قال: «ويمكن أن نقول بأن روح القرآن - وهي أغراضه الكلية التي يرمي ثم ،{n m l k j i h} الليلة تلك يف الرشيف لقلبه جتلت إليها-

قة يف طول سنني {, - . / 0 1 2 3 ظهرت بلسانه األطهر مفر .(٢)«(١){4

إال أن هذا التفصيل جمرد تأويل ال شاهد عليه من الروايات، وتفسري الكاشاين البيت املعمور بقلب النبي K تكلف ال داعي له، وتأييده باآليات املباركة املذكورة

يف غري حمله.فقوله سبحانه {n m l k j i h} ال ظهور له يف النزول الدفعي د به يف هذا املقام، وإنام هو يف سياق اإلخبار عن املقابل للنزول التدرجيي كي يستشهنزول منها واحدة أن حيث ،K األكرم النبي عىل القرآن نزول كيفيات إحدالروح األمني باآليات عىل قلب النبي K، وهو شامل للنزول التدرجيي حتى لو

افرتضنا حتقق النزول الدفعي.تعني فال تعاىل {& ' ) ( * + , - .}، قوله وأما عز اهللا وأن بشكل كامل، K النبي عىل ذلك نزل قبل قد الكريم كان القرآن أن وجل أمره أن ال يسبق األحداث بقراءته أمام قومه، أي أن ال يقرأ شيئا منه «إال بعد أن ينزل كل جزء منه يف وقت معني يناسب تبليغه، ويف واقعة معينة يتعلق هبا» كام قال املجليس، وإنام تعني أن الرسول C كان إذا نزل عليه يشء من القرآن بادر بقراءته استظهرا واملجليس الصدوق أن كيف الغريب بل واملعنى(٣). اآلية نزول متام قبل

ذلك املعنى من اآلية مع عدم وجود رواية وال ظهور لآلية فيه.فقوله سبحانه {&

(١) اإلرساء ١٠٦.(٢) تلخيص التمهيد، مصدر سابق، ج١ ص٧٤.

(٣) تفسري القمي، عيل بن إبراهيم القمي، ج٢ ص٦٥، منشورات مكتبة اهلد ١٣٨٧هـ. التفسري الكبري، فخر الدين الرازي، ج٢٢ ص١٠٥، دار الكتب العلمية - بريوت، الطبعة األوىل ١٩٩٠م.

Page 230: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٣٠

' )} ليس فيه أي ظهور يدل عىل أن القرآن بأكمله كان قد نزل عىل النبي K قبل النزول التدرجيي، بالتايل فال قرينة متصلة لفظية تدل عىل ذلك، وال قرينة

منفصلة أيضا من آية أو رواية.وكذلك قوله جل شأنه {Ï Î Í Ì Ë Ê}، فقد روي عن ابن عباس أن النبي K كان إذا نزل عليه القرآن عجل بتحريك لسانه حلبه إياه وحرصه عىل أخذه وضبطه، فنهاه اهللا عز وجل عن ذلك، وهذا بالفعل هو ظاهر اآلية أيضا، فأين

هذا من اإلستدالل هبذه اآلية عىل النزول الدفعي.هلذا فالتفصيل الذي احتمله الكاشاين والزنجاين وقال به الصدوق ومل يستبعده

املجليس ال شاهد عليه من آية أو رواية، وإنام هو جمرد تأويل أو استظهار بال ظهور. K إىل هنا نصل إىل القول بعدم اإلطمئنان لوجود مأثور صحيح عن النبيأو عن أهل بيته عليهم الصالة والسالم، يمكن اإلستناد إليه يف التفريق بني اإلنزال

والتنزيل فلنعمد إذا ملناقشة اإلشكاالت والوجوه املذكورة.

Page 231: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٣١ مناقشة اإلشكال األول

مناقشة اإلشكال األول

ے ¡ ¢ £ ¤ اإلرساء {{ ~ سورة من اآلية إىل بالنسبة أما ل هبا يف املقام، فقول املستشكل تد س ¥}، فليس فيها ظهور للنزول الدفعي حتى ي«بأن الكتاب املقروء إنام ينزل دفعة واحدة» ليس صحيحا، فاملرشكون الذين تعنيهم ن الذي يمكن استظهاره من اآلية املباركة إنام أرادوا نزول الكتاب، هذا هو احلد املتيقعيه أحد، إذ اآلية، أما أهنم أرادوا النزول الدفعي أو التدرجيي فهذا ما مل يمكن أن يديمكن أن يراد اإلستمرار يف إنزال الكتاب وليس مرة واحدة. واملهم هنا أن ليس يف يمكن ال جمملة فاآلية وبالتايل الدفعي، النزول أرادوا أهنم عىل تنص رصاحة اآلية

اإلستدالل هبا. ¸ ¶} الروم سورة من اآلية بني املعقودة للمقارنة بالنسبة وهكذا التنزيل فاستعامل ،{³ ² ± ° احلج { سورة من واألخر {º ¹يعني ال السامء من املاء نزول وهو واحد ملوضوع بالنسبة أخر تارة واإلنزال تارة نظر إىل املطر بوصفه بالرضورة تطابق معنيهام، بل قد يعني اختالف اللحاظ، فتارة ياحلالة ففي بالتايل تباعا، تنزل أجزاء من مركبا بوصفه إليه ينظر وتارة واحدا، شيئا

. األوىل يكون إنزاال ويف الثانية تنزيالنقض هبا، وإنام يمكن النقض باآلية بناء عىل ذلك فهذه اآليات ال يمكن أن ي

Page 232: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٣٢

ألن وذلك ،{É È Ç Æ Å Ä Ã Â Á} تعاىل قوله وهي األوىل .{É È} لت يف النزول الدفعي الظاهر من قوله سبحانه م {Å} استع

قبيل من أنه أحدها النقض، هذا عىل اإلجابات بعض عرض منا سبق وقد من امليزان صاحب به أجاب ما والثاين مكارم، نارص الشيخ إجابة يف كام اإلستثناء

تعدد اللحاظ، لكن األمر مازال بحاجة ليشء من التأمل.

Page 233: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٣٣ مناقشة اإلشكال الثاين

مناقشة اإلشكال الثاني

إن أصل هذا اإلشكال منتف بناء عىل ما تم تقريره مسبقا من عدم اإلطمئنان بصدور الروايات القائلة بالنزول الدفعي للقرآن إىل السامء األوىل.

وذلك أن اإلشكال ينص عىل عدم وجود أي معنى لبقاء القرآن يف السامء األوىل ل إال هلداية البرش، بمعنى إذا كان قد أنزل هبدف هدايةالبرش فام لسنوات مع أنه ما أنز

الفائدة من بقائه سنينا يف السامء األوىل.إال أن القبول هبذا اإلشكال فرع التسليم بصدور الرواية القائلة بالنزول الدفعي إىل السامء األوىل، بينام قد اتضح لنا مسبقا ضعف الرواية، فال يبقى بعد ذلك جمال هلذا

اإلشكال من أصل.ومع ذلك لو سلمنا بالصدور، فأي مانع عقيل من وجود حكمة لبقاء القرآن مع بقاء يتناىف عقال هداية البرش ال اإلنزال هبدف جمرد كون فإن األوىل، يف السامء القرآن بعظمة للمؤمن إشعار ذلك يف يكون قد إذ األوىل، السامء يف مدة القرآن الكريم حيث أنه نزل عىل مراحل، وقد يكون من قبيل الفرق بني الشأنية والفعلية كام نقله صاحب امليزان، وإن مل يقبله هو، فإن إشكاله عليه بأن حكم اخلطابات ختتلف عن حكم القوانني، حيث يمكن أن يسبق الثاين وقت احلاجة بخالف األول، وبعدم للمقاس بالنسبة يصح ال ذلك بأن مردود آن، يف واملنسوخ الناسخ اجتامع صحة

Page 234: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٣٤

بزمان يتقيد ال اإلهلي العلم فإن إشكال، فال اإلهلي للمقاس بالنسبة أما البرشي، وال مكان.

Page 235: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٣٥ مناقشة تفسري شحرور

مناقشة تفسير شحرور

ك، باعتبار قوله بأن النزول الدفعي إنام يعني جعل القرآن عربيا وقابال ألن يدرألن قابال وال ،- عربيا سبحانه اهللا يكون أن لزم -وإال عربيا يكن مل ذلك قبل أنه

يدرك، هذا القول فيه مناقشات من جهات متعددة: األوىل: أين املالزمة العقلية بني جعل القرآن يف األصل عربيا وبني كون اجلاعل وهو اهللا سبحانه عربيا، فإذا كان اجلعل األساس للقرآن عربيا لزم منه كون الباري عز

وجل عربيا أيضا؟.هذا الكالم إنام يقال بالنسبة لنا نحن البرش، ال بالنسبة هللا سبحانه، فجعل القرآن عربيا يف األصل إنام هو مشيئة من اهللا عز وجل، أي أنه شاء أن جيعله عربيا، يف حني أنه

قادر عىل جعله بأي لغة كانت.ك، قد يفهم من آيات أخر كقوله سبحانه الثانية: أن جعل القرآن قابال ألن يدر{t s r q p o n}(١)، بناء عىل القول بأن التيسري بمعنى القابلية الدفعي، بالنزول عالقة له ليس به- التسليم عىل -بناء اجلعل هذا لكن لإلدراك،

فتفسري النزول الدفعي للقرآن بجعله قابال لإلدراك فيه تكلف كبري.

(١) القمر ١٧.

Page 236: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٣٦

V U} الثالثة: إن القول هبذا الرأي مبتن عىل كون اجلعل يف قوله سبحانهقوله وكذلك ،أخر إىل حالة من النقل بمعنى {Z Y X Wتعاىل{z y } | { ~}، بحيث يكون معنى اإلنزال: النزول من حالة عليوية إىل حالة أدنى، إال أن األمر ليس كذلك، فاجلعل هو التكوين والتقدير، ره اهللا عز وجل وجعله، ال أنه نقله من حالة إىل أخر.وهكذا بالنسبة أي هكذا قدله من حالة إىل حالة لإلنزال، فهو يعني أن اهللا سبحانه أنزله عىل عباده عربيا، ال أنه حو

.أخرهلذا ال يمكن احلكم بصحة أو معقولية تفسري الدكتور حممد شحرور بالنسبة ملفهوم اإلنزال املنصوص عليه يف هذه اآليات خاصة، وإن كان يشء من هذا التفسري

قه بحسب الظاهر آيات أخر كام أرشت أعاله. تصد

Page 237: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٣٧ مناقشة استنتاج الطباطبائي

مناقشة استنتاج الطباطبائي

بأن القول إىل املذكورة اإلشكاالت لبعض مناقشته بعد الطباطبائي انتهى مفهوم اإلنزال يراد منه اإلنزال عىل قلب النبي K، واعترب هذا التفسري هو األوفق

. ت سلفا كر ألسباب ذإثبات عن قارصة فالروايات الواضح، الدليل إىل يفتقر اإلستنتاج هذا لكن بيانه، سبق كام هذا مع يتناسب بام لتأويلها الكاشاين الفيض سعى وإن املعنى، هذا حيث قال: «إن القرآن نزل كله مجلة واحدة يف ليلة ثالث وعرشين من شهر رمضان من وواضح ،«K النبي قلب عىل معناه نزول به أريد وكأنه املعمور، البيت إىل

h} سبحانه بقوله له استدل وقد احتامل، جمرد هو وإنام اجلزم عدم قوله «وكأنه» قائل {& من عز الصدوق بقوله الشيخ استدل له n m l k j i}، كام

Î Í Ì Ë Ê} تعاىل وقوله ،{. - , + * ) ( '.{Þ} :إىل قوله {Ï

وأقل ما يقال يف هذا اإلستدالل أنه جممل من هذه اجلهة، لعدم داللة الضمري ل بقراءته وحتريك اللسان بشكل رصيح يف اآلية األوىل عىل القرآن كامال، كام أن التعج

.K به ليس فيه إشعار بسبق نزول القرآن كامال عىل النبيفاآلية األوىل ليست يف مقام احلديث عن نزول القرآن كال أو بعضا، وإنام هي

Page 238: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٣٨

،K يف مقام بيان الكيفية التي ينزل هبا جربائيل باآليات القرآنية عىل النبي األكرمإذ أنه ينزل هبا عىل قلبه.

املقصود بكون يشعر ما A البيت أهل عن الصادرة الروايات يف ورد بل يف هذه اآلية بعض اآليات، أي أن الضمري يف قوله سبحانه: {i} يعود عىل بعض :C القرآن كآية أو أكثر، ففي بصائر الدرجات عن أيب حممد قال: قلت أليب جعفر

h} :فقال الغدير؟ يوم العاملني رب عند من جربائيل هبا نزل الوالية عن أخربين {z y x w v u t s r q p o n m l k j i

قال: هي الوالية ألمري املؤمنني(١).والنزول بالوالية يوحي بنزول بعض اآليات فقط، باعتبار أن القرآن نص عىل الوالية يف آيات بعينها، كام أن الرواية تشري إىل أن النزول املقصود هنا إنام هو يف يوم

الغدير.وأما اآلية الثانية فالتعجل بقراءة القرآن ليس فيه ظهور يؤكد عىل أن القرآن نزل كامال عىل النبي K، بحيث يكون معنى التعجل قراءة النبي لبعض اآليات التي مل تنزل بعد يف النزول التدرجيي، وإنام تعني كام يف تفسري القمي أن «رسول اهللا وهكذا واملعنى»(٢)، اآلية نزول متام قبل بقراءته بادر القرآن عليه نزل إذا Kيفرغ أن قبل فيقرأ جربيل يبادر C «كان قال عباس، ابن عن القرطبي نقل جربيل من الوحي حرصا عىل احلفظ، وشفقة عىل القرآن خمافة النسيان، فنهاه اهللا

عن ذلك»(٣).وهكذا بالنسبة لآلية الثالثة حيث ورد عن ابن عباس كام يف املجمع «كان النبي K إذا نزل عليه القرآن عجل بتحريك لسانه حلبه إياه وحرصه عىل أخذه وضبطه

(١) بصائر الدرجات، حممد بن احلسن الصفار، ص٩٣، منشورات األعلمي - طهران، ١٤٠٤هـ.(٢) تفسري عيل بن إبراهيم القمي، مصدر سابق، ج٢ ص٦٥.

(٣) اجلامع ألحكام القرآن، أبو عبد اهللا حممد القرطبي، ج١١ ص١٦٦، دار الكتب العلمية - بريوت، ١٩٩٣م.

Page 239: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٣٩ مناقشة استنتاج الطباطبائي

خمافة أن ينساه فنهاه اهللا عن ذلك»(١).هلذا ال يوجد دليل رصيح من آية أو رواية يدل عىل أن النزول الدفعي للقرآن

.K الكريم كان عىل قلب النبي

(١) جممع البيان يف تفسري القرآن، الشيخ أبو عيل الفضل بن احلسن الطربيس، ج١٠ ص٥٠٤، دار اف، حممود بن عمر الزخمرشي، إحياء الرتاث العريب - بريوت، الطبعة األوىل. وانظر أيضا الكش

ج٤ ص٤٩٨، دار الكتاب العريب - بريوت، الطبعة األوىل ٢٠٠٦م.

Page 240: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 241: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٤١ استنتاج

استنتاج

مما مىض من مناقشة يتبني لنا قصور األدلة عن إثبات إنزال القرآن الكريم كامال النتائج استخالص يمكن وهبذا ،K األكرم النبي قلب عىل أو األوىل السامء إىل

التالية: أو األوىل السامء إىل ال كاملة، بصورة للقرآن الدفعي النزول ثبوت عدم -١الرابعة -كام هو جمال اإلختالف بني ما روي عن ابن عباس وما روي عن أهل البيت

.K وال عىل قلب النبي ،-Aإذا كيف نفهم قوله سبحانه {! " # $ %}(١)، وقوله عز وجل {& ' ) ( *}(٢)، وما ورد يف اخلرب الصحيح(٣) عن محران أنه سأل أبا جعفر C عن قول اهللا تعاىل {& ' ) ( *} قال: نعم ليلة القدر وهي يف كل

سنة يف شهر رمضان يف العرش األواخر، فلم ينزل القرآن إال يف ليلة القدر(٤).؟(١) القدر ١.

(٢) الدخان ٣.(٣) حممد بن يعقوب الكليني عن عيل بن إبراهيم عن أبيه عن حممد بن عمري عن عمر بن أذينة عن

الفضيل وزرارة وحممد بن مسلم عن محران.(٤) الكايف، حممد بن يعقوب الكليني، ج٤ ص١٥٧، دار الكتب اإلسالمية - طهران، الطبعة الثالثة

١٣٦٧هـ.ش.

Page 242: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٤٢

وبني املذكورتني بالطريقتني الدفعي النزول بعدم القول بني نوفق كيف أي واحدة مجلة القرآن نزول يف ظاهرة بأهنا يقال قد إذ الصحيح، واخلرب اآليتني هاتني

يف ليلة القدر؟.اآليتني {'}، و (القرآن) يف باإلمجال، فالضمري يف يصح القول هنا ربام الرواية ليست رصحية يف كون املراد كامل القرآن، بل حتتمل القرآن بأمجعه كام حتتمل بعضه، وإن كان الظهور يف اإلحتامل األول أجىل. ومع ذلك فلو سلمنا هبذا اإلحتامل فالكيفية غري معلومة، فإذا مل يكن بالنزول إىل السامء األوىل أو الرابعة، ومل يكن عىل

قلب النبي K، فام هي الكيفية؟ ذلك غري معلوم وال رصاحة يف اآليتني واخلرب.ل أن يكون املراد بعض القرآن، وال أظن أن اإلستشكال بكون املبعث تم هلذا حياملقصود يكون أن يشرتط ال إذ البعض، بنزول القول من يمنع رجب يف النبوي بالنزول يف ليلة القدر من شهر رمضان -بناء عىل التبعيض- بداية النزول بنحو مطلق ل يشء منه، بل يمكن أن يكون نزول اآليات األوىل من سورة العلق يف وال نزول أو ،K السابع والعرشين من شهر رجب بمثابة اإلبالغ عن النبوة فقط لشخص النبي

أما النزول يف ليلة القدر فهو لتبليغ الرسالة وإيصال اآليات القرآنية إىل الناس.وما أشكل به العالمة الطباطبائي عىل ذلك من عدم معقولية خلو البعثة من القرآن ل مانعا، الكريم أكثر من ثالثني يوما -كام جاء يف ضمن كالمه السابق الذكر- ال يشكفقد تكون ثمة حكمة تقتيض ذلك، بل قد حصل فعال كام نص عليه يف قوله سبحانه {L K J I H}(١)، فقد ورد يف تفسري القمي عن أيب جعفر C بخصوص هذه سورة أول كانت وأنه ،K اهللا رسول عىل أبطأ C جربائيل أن (وذلك اآلية: نزلت {O N M L K}(٢)، ثم أبطأ عليه فقالت خدجية ريض اهللا عنها: لعل ربك

.(٣)«{L K J I H} قد تركك فال يرسل إليك، فأنزل اهللا تبارك وتعاىل(١) الضحى ٣.

(٢) العلق ١.(٣) تفسري القمي، مصدر سابق، ج٢ ص ٤٢٨.

Page 243: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٤٣ استنتاج

٢- النزول التدرجيي للقرآن الكريم ثابت بالوجدان، حتى لو مل نقل بأن التنزيل بحسب ينزل كان للجميع مشهودة وبطريقة واقعا القرآن ألن التدريج، عىل يدل

. املناسبات عىل مد ثالثة وعرشين عامالكن هذا التدريج هل يمكن استفادته من مفهوم التنزيل، أم أنه يفهم من الواقع

اخلارجي فقط؟ كالم ويدعمه األول، هو املفرسين من املشهور عليه ما إن الظاهر بحسب بعض اللغويني كالراغب األصفهاين كام مر معنا، بحجة أن التفعيل يدل عىل التكثري،

وتأكيد الفعل باملفعول املطلق {3 4} يشري إىل تفريق اإلنزال.عىل يدل ال هنا التفعيل بأن قالوا واأللويس األندليس حيان كأيب قلة وثمة يف غالبا حيصل إنام التكثري عىل الدال التفعيل أن بحجة النقل، عىل وإنام التكثري نحن -كالذي قبله الزمة تكون التي أما التفعيل، قبل متعدية تكون التي األفعال

بصدده- فتفعيلها يدل عىل النقل فقط.حا يف عبارتيهام أن هذا هو وهو إشكال متني، غري أن األندليس واأللويس رصالتكثري عىل يدل قد الالزم تفعيل أن بمعنى استثناءات، وجود يعني وهو الغالب، بعض ترصيح يكون أن من املانع فام بالقرائن، عليه يستدل أن يمكن بالتايل أيضا، والتزام عاما، وعرشين ثالثة مد عىل خارجا والتدريج التكثري وحتقق اللغويني،

مشهور املفرسين به، قرائن كافية للقول بالتكثري والتدريج يف املقام؟.الظاهر هو ذلك، بل هو األرجح، ومع هذا فاألمر حيتاج إىل تتبع اإلستعامالت

اللغوية للتحقق من األمر بصورة أدق.ك به لإلعرتاض عىل هذه النتيجة، س تم وبناء عىل ذلك فاملورد الوحيد الذي قد ياآلية املباركة {É È Ç Æ Å Ä Ã Â Á}، فهي ظاهرة يف النزول

الدفعي {É È}، بالرغم من وجود التفعيل.

Page 244: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٤٤

وإنام (أنزل)، يفيده ما يفيد ال {Å } هنا التفعيل أن يل يبدو الذي لكن ج والتكثر يبقى للتدريج أثر، فهو وإن كان بمعنى النزول الدفعي إال أن حلاظ التدرل) موجود، بحيث يكون اللحاظ يف (أنزل) القرآن كيشء واحد، بينام اللحاظ يف (نزحكمة له يكون أن ويمكن بل بسهولة، ذلك ر تصو ويمكن ، أجزاء بصفته القرآن

. واهللا العامل. خاصة أيضابعض نزول تفيد (أنزل) أن ذلك، عىل بناء رجحانا األكثر النتيجة فتكون الرسالة بتبليغ األمر بداية يف وذلك القدر، ليلة يف رمضان شهر يف الكريم القرآن ل) تفيد التدريج عىل ته، وأن (نز والقرآن إىل الناس، ال يف بداية إبالغ النبي K بنبو. ومع ذلك فاألمر يتطلب حتقيقا أوسع وتدقيقا أشمل يف مد ثالثة وعرشين عاما

جمال اإلستعامالت اللغوية.

Page 245: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٤٥ تنزيل الكتاب باحلق

تنزيل الكتاب بالحق

بعد أن فرغنا من البحث يف مفهوم اإلنزال والتنزيل، ينبغي أن نتوقف عند قوله سبحانه {+ , - .}.

فامذا يعني تنزيل الكتاب باحلق؟، وكل عنوان راجع للحاظ خاص، ل عناوين متعددة لكالم اهللا عز وجل املنزفالكتاب له حلاظ خاص، وهكذا القرآن والفرقان، فلكل واحد منها حلاظه وإن كان

بينها قواسم مشرتكة. وسنتحدث عن كل عنوان يف املناسبة املتعلقة به.فام املقصود بالكتاب؟

، م للقرآن القراءة ، كام أن العنرص املقو م للكتاب الكتابة ال شك أن العنرص املقووالفارق العريف بينهام واضح، لكن توجد فوارق لغوية دقيقة بينهام.

مجلة بأنه القرآن ف ر وع القرآن، مجلة بأنه الكتاب ف ر ع فقد الروايات يف أما الكتاب، ففي صحيح عبد اهللا بن سنان عن الصادق C قال: سألته عن قول اهللا أمر كل هو الفرقان قال: {< ;} قوله إىل ...{# " !} وتعاىل تبارك

حمكم، والكتاب هو مجلة القرآن الذي يصدقه من كان قبله من األنبياء.(١) (١) املصدر نفسه، ج١ ص٩٦.

Page 246: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٤٦

ويف رواية الكايف قال: سألت أبا عبد اهللا C عن القرآن والفرقان أمها شيئان أو يشء واحد؟ فقال: القرآن مجلة الكتاب، والفرقان املحكم الواجب العمل به.(١)

ذلك، يف شك وال القرآن، هو والكتاب الكتاب هو القرآن أن يعني وذلك كام القرآن، يعني البقرة {# $ % &' )}(٢) سورة مطلع يف سبحانه فقوله أن قوله عز وجل {/ 0 1 2 3 4 5}(٣) يعني الكتاب، مع أن هناك

عر بوجود متايز وتغاير بينهام، كقوله تعاىل {!" # $ % & آيات قد تشم منه يشء من اإلختالف. '}(٤)، فعطف الكتاب عىل القرآن ربام يش

العموم وال التباين حيث من ال الذات، يف ليس بينهام اإلختالف لكن حيث من بينهام النسبة بل مطلقا، واخلصوص العموم وال وجه من واخلصوص

الذات التساوي، واإلختالف إنام هو من حيث اللحاظ.شيئا ليس الكريم القرآن ألن تباين، فال الذات حيث من أما ذلك: توضيح يكون بحيث اجلهات، مجيع من التباين ليس بينهام النسبة أي املبني، للكتاب مباينا

القرآن شيئا والكتاب شيئا آخر. وال التباين من بعض اجلهات فقط بمعنى العموم واخلصوص من وجه، بحيث يكون بعض القرآن ليس كتابا وبعض الكتاب ليس قرآنا، بينام يتحدان يف بعض آخر،

. فيكون هذا البعض يف الوقت نفسه كتابا وقرآناكام أهنام ليسا من قبيل العموم واخلصوص املطلق، بأن يكون كل الكتاب قرآنا

وبعض القرآن ليس كتابا، أو العكس.إنام النسبة بينهام التساوي، فكل القرآن كتابا وكل الكتاب قرآنا، بمعنى أن كالم

(١) الكايف، مصدر سابق، ج٢ ص٦٣٠.(٢) البقرة ٢.

(٣) اإلرساء ٩.(٤) النمل ١.

Page 247: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٤٧ تنزيل الكتاب باحلق

. اهللا جل شأنه تارة نطلق عليه بأمجعه قرآنا وتارة نطلق عليه كتابااملفهوم يف أي اللحاظ، يف وإنام الذات، يف ليس بينهام التاميز فوجه بالتايل يف حتى متايز وجود عي تد أخر آراء هناك كانت وإن والقراءة، للكتابة اللغوي

ال عند احلديث عن قوله تعاىل: {# $ % & الذات، وسنأيت عليها مفص'}(١)، وقوله سبحانه: {# $ % & '}(٢).

فالقراءة من قر وهو جدا، متقارب مع العلم بأن التعريف اللغوي هلام هذا ي بذلك جلمعه ما فيه «أصل صحيح يدل عىل مجع واجتامع... ومنه القرآن، كأنه سممن األحكام والقصص وغري ذلك»(٣)، والكتابة من كتب وهي «أصل صحيح واحد : إذا مجع حروفه يدل عىل مجع يشء إىل يشء»(٤)، ويف اجلمهرة «كتب الكتاب يكتبه كتباك اليشء إىل يشء»(٥). فكال اللفظني -القراءة والكتابة- يدل عىل وأصل الكتب ضم

ها إىل بعضها، وكأهنام لفظان مرتادفان. مجع األشياء وضمومع ذلك فبينهام اختالف يف اللحاظ، فالقرآن مجع للحروف يف حال التلفظ، وهلذا قال الراغب يف املفردات «القراءة ضم احلروف والكلامت بعضها إىل بعض يف الرتتيل»(٦)، بينام الكتاب مجع للحروف يف حال آخر وهو التثبيت عىل الورق وشبهه،

ف ذلك من اإلستعامالت القرآنية، كام يف قوله سبحانه {, - . ويعرن واملقروء، فكتاب اهللا عز وجل /}(٧). وكأن اإلشارة هنا إىل الفارق بني املدو

ن ومقروء، ولذلك آثار سنأيت عليها مدو

(١) النمل ١.(٢) احلجر ١.

(٣) معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج٥ ص٧٨.(٤) املصدر نفسه، ج٥ ص١٥٨.

العالمة آثار نرش مركز ص٢٠، ج١٠ املصطفوي، العالمة الكريم، القرآن كلامت يف التحقيق (٥)املصطفوي-إيران، الطبعة األوىل ١٣٨٥هـ.ش.(٦) مفردات غريب القرآن، مصدر سابق، ص٤٠٢.

(٧) البقرة ٢٨٢.

Page 248: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٤٨

التعاليم هنا وهي يا، خط املثبتة لألشياء اجلامع بالكتاب: فاملقصود هلذا له اهللا سبحانه واألحكام والعرب وأخبار املايض واحلارض وما إىل ذلك. فهذا اجلامع نز

وتعاىل تدرجيا عىل النبي K باحلق.

فما المقصود بالحق هنا؟

مفهوم احلق متشعب، وله أبعاد لغوية وفلسفية، كام له تطبيقات فقهية وقانونية بام املقام هذا يف ر وسأذك ،(١)أخر دراسات يف مفصال عنه ثت حتد وقد متعددة،

لت له هناك يف خصوص البحث اللغوي فقط. توصفقد فرس احلق عند أهل اللغة تارة بأنه خالف الباطل، وتارة بمعنى الوجوب

والثبوت، والظاهر أن الثاين نتيجة تلقائية لألول.: احلاء والقاف أصل واحد وهو يدل عىل إحكام فقد قال صاحب املقاييس «حق

اليشء وصحته، فاحلق نقيض الباطل»، ثم قال: «ويقال حق اليشء: وجب»(٢).وهكذا قال املصباح «احلق خالف الباطل»، ثم قال: «وهو مصدر حق اليشء نته أو جعلته ه إذا تيق ق من بايب رضب وقتل إذا وجب وثبت، ... وحققت األمر أح

.(٣)« ثابتا الزما: صار ويف لسان العرب «احلق: ضد الباطل»، وفيه أيضا «حق األمر وحيق حقوقاحقا وثبت، قال األزهري: معناه وجب جيب وجوبا، وحق عليه القول وأحققته أنا. ويف التنزيل: {R Q P O N}(٤) أي ثبت، قال الزجاج هم اجلن والشياطني، وقوله تعاىل: {v u t s r q}(٥) أي وجبت وثبتت، وكذلك (١) راجع كتاب (حرية التعبري عن الرأي الديني) التابع لسلسلة (حقوق اإلنسان يف الفقه اإلسالمي).

معجم مقاييس اللغة،مصدر سابق، ج٢ ص١٥. (٢)نقال عن التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، مصدر سابق، ج٢ ص٣٠٥. (٣)

القصص ٦٣. (٤)الزمر ٧١. (٥)

Page 249: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٤٩ تنزيل الكتاب باحلق

{Y X W V U}(١) وحقه حيقه حقا وأحقه، كالمها أثبته وصار عنده حقا ال يشك فيه»(٢).

شيئا يعني مفهوما احلق أن الكلامت هذه من األصفهاين الفقيه استنبط وقد واحدا وهو الثبوت، كام هو ظاهر عبارته التالية: «وأما احلق فله يف اللغة معان كثرية، واملظنون رجوعها إىل مفهوم واحد، وجعل ما عداه من معانيه من باب إشتباه املفهوم باملصداق، وذلك املفهوم هو الثبوت تقريبا، فاحلق بمعنى املبدء هو الثبوت، واحلق باملعنى الوصفي هو الثابت، وهبذا االعتبار يطلق احلق عليه تعاىل لثبوته بأفضل أنحاء يف مضمونه لثبوت حق الصادق والكالم عدمي، أو عدم خيالطه ال الذي الثبوت

الواقع»(٣).وبالتايل فقول اللغويني (خالف الباطل) أو (نقيض الباطل) يعني أن له وجودا مقابله ويف الكذب، من نوع أنه أي رأس، من له وجود ال الباطل أن باعتبار ثابتا،

الصدق، أي الوجود الواقعي. والثبوت املقصود هنا يعني أنه ثابت يف نفسه، وقد يكون بمعنى الثبوت للغري إذا أسند احلق إليه، فإذا قيل عن اليشء أنه حق كان بمعنى الثبوت يف نفسه، وأما إذا

قيل بأنه حق لفالن فهو يعني أنه ثابت له.كلامت يف املعنى هذا لورود الثبوت، معنى يتضمن لغويا احلق أن والشك

اللغويني، لكن الكالم هل املراد الثبوت فقط، أم هناك حلاظ آخر؟ظ يف تعريفات اللغويني املذكورة أعاله ورود حلاظ آخر بضميمة الثبوت، يالح

وهو الوجوب يف بعضها، واللزوم يف بعض آخر.

(١) يس ٧.(٢) لسان العرب، ابن منظور، ج١٠ ص٤٩، نرش أدب احلوزة - قم، حمرم ١٤٠٥هـ.

القربى، ذوي النارش: ص٣٨، ج١ األصفهاين، حسني حممد الشيخ املكاسب، كتاب حاشية (٣)الطبعة الثانية ١٤٢٧هـ.

Page 250: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٥٠

فهل املراد هنا بالوجوب ما يرادف الثبوت، كام قد يظهر من عبارة لسان العرب : صار حقا وثبت، ف الثبوت بالوجوب، قال: «حق األمر وحيق حقوقا حيث أنه عر»، بل ذكر املقاييس الوجوب دون الثبوت، قال األزهري: معناه وجب جيب وجوبا

قال: «حق اليشء: وجب». أم أن يف الوجوب حلاظا إضافيا، كام قد يظهر من عبارة املصباح حيث أنه عطف الثبوت عىل الوجوب، قال «وجب وثبت»، والعطف يدل عىل املغايرة ولو النسبية، نته ه إذا تيق ق كام أنه ذكر حالني للحق ومها الثبوت واللزوم، قال: «وحققت األمر أح

.« أو جعلته ثابتا الزماويضاف إىل ذلك أيضا اعتبار وحلاظ آخر يف تعريف احلق نص عليه اللغويون، اليقني عىل نص للمصباح األخرية العبارة ففي للواقع، التامة واملطابقة اليقني وهو : احلاء والقاف أصل واحد نته»، ويف املقاييس نص عىل اإلحكام والصحة «حق «تيق

وهو يدل عىل إحكام اليشء وصحته».ليس أي مجيعها، ال اللحاظات بعض جهة من ولو مغايرة وجود والظاهر من الرضورة أن يكون التغاير بمعنى التباين املطلق، فيكفي أن يكون بمعنى العموم تعريف يف يعتمدون اللغويني أن وذلك كذلك، أنه والظاهر وجه، من واخلصوص

األلفاظ وتشكيل معانيها عىل اإلستعامالت العرفية عند قدامى العرب: أن بذلك م ه فيف فقط، واحد وجمال معنى يف اللفظ يستعملون تارة فالعرب معنى اللفظ هو هذا ال غري، كام هو ظاهر استعامالهتم للفظ (صنم)، وهو اليشء الذي صاحب قال ولذا املقام، هذا يف بصددها لسنا التفاصيل بعض مع للعبادة، ذ تخ ي

املقاييس «صنم: كلمة واحدة ال فرع هلا»(١). وجود بذلك م ه فيف متعددة، حقيقية وجماالت معان يف يستعملونه وتارة ل يف العني البارصة والعني النابعة وغريمها عىل اشرتاك لفظي، كلفظ (عني) املستعم

(١) معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج٣ ص٣١٤.

Page 251: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٥١ تنزيل الكتاب باحلق

ن وبمعنى شك عىل نحو احلقيقة ل بمعنى تيق ) املستعم نحو احلقيقة(١)، وكلفظ (ظنقال وفيه واإلجتامع(٣)، اإلفرتاق عىل الدال (شعب) وكلفظ الظاهر(٢)، بحسب قا ويكون عب يكون تفر اخلليل الفراهيدي «من عجائب الكالم ووسع العربية أن الش

.(٤)« اجتامعاوقد يستعملون اللفظ أيضا يف عدة جماالت لكن ال بمعنى اإلشرتاك اللفظي، بالكتب أنس له ملن والظاهر آن، يف ذلك جمموع عىل يدل اللفظ أن بمعنى وإنام تعريف يف جتدهم وهلذا القبيل، هذا من هي اللغويني تعريفات غالب أن اللغوية األلفاظ يستشهدون بأمثلة كثرية من استعامالت العرب، بحيث يكون كل مثال يشري

. يل املعنى، كالذي نحن بصدده متاما إىل جزئية من كل بمعنى الوجوب، وبمعنى وبناء عىل ذلك فالذي يظهر أن لفظ احلق يستعم. وكل واحد من هذه املعاين ال الثبوت أيضا، كام يستعمل بمعنى املطابقة للواقع يقيناللوجوب اجلامع املفهوم يعني فاحلق األجزاء، بعض يف معه د احت وإن اآلخر يعني

والثبوت واملطابقة للواقع.احلق: معنى يكون بحيث العقيل، الذايت الوجوب يعني ال هنا والوجوب وقد واجبا يكون قد احلق ألن العقلية، املمكنات مقابل يف عقال الوجود الواجب معناه، منه الوجوب الرشعي يستمد الذي العريف، الوجوب يعني ممكنا،وإنام يكون »، فاحلق فالوجوب هنا بمعنى اللزوم، وهلذا جاء يف تعريف املصباح «جعلته ثابتا الزمامة به. فباإلضافة إىل يف معناه يستبطن اللزوم، أي أن تكون اجلهة التي عليها احلق ملز

كونه ثابتا يف نفسه، فإنه واجب عىل من هو عليه.الثبوت أن وذلك الثبوت، ملفهوم أخر إضافة ة ثم بل فحسب، هذا وليس

(١) أصول اإلستنباط، السيد عيل نقي احليدري، ص٥٠، مكتبة اإلمام الصادق C- الكاظمية.(٢) معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج٣ ص٤٦٢.

(٣) املصدر نفسه، ج٣ ص١٩٠.(٤) املصدر نفسه ص١٩١.

Page 252: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٥٢

إىل يرقى احلق مفهوم يف والثبوت مراتب، له تكون أن يمكن أي تشكيكي، مفهوم يف اليقني قيد ورد فقد للواقع، اليقينية املطابقة مفهومه يف ذ أخ وهلذا املراتب، أعىل املقاييس، عبارة يف والصحة اإلحكام قيد أيضا ورد كام املتقدمة، املصباح عبارة

وكالمها يدالن عىل املطابقة التامة للواقع.ا، فهو يعني: من مجيع ذلك يمكن لنا استنباط املعنى اجلامع ملفهوم احلق لغويالثبوت املطابق للواقع برتبة اليقني، والواجب عىل من هو عليه، أي هو ثابت يف نفسه

م ملن هو عليه. يقينا، وملزد فقط، وإنام يضاف إليه حلاظان، أحدمها اليقني، فاحلق ال يعني الثبوت املجر

يد به هذا املعنى املركب. والثاين اإللزام للغري. فإذا أطلق أرتدرجيا لة املنز {-} نة املدو املعاين أن لنا يتضح بحثه مىض ما مجيع من نبينا وهو عليه، لت أنز ملن {.} ة م وملز يقينا، للواقع ومطابقة ثابتة {+}يفيد ال اآلية يف C ذكره عىل واإلقتصار ته، وأم {,} K حممد األكرم

ل لتلك املعاين إىل سائر العباد. اإلختصاص، وإنام ألنه الواسطة والطريق املوصيف الرتايب حسن الدكتور ذكرها اآلية، يف أخر نكتة إىل اإلشارة هنا وينبغي تفسريه، تتعلق بقوله سبحانه {+ , -}، أي ملاذا عليك وليس إليك؟ فلامذا

ل القرآن عىل النبي K، وليس إليه؟ نزتشد الذي للعزم موافقة إليك، من أشد وقع صيغة «وعليك: الرتايب يقول إليه السورة اجلامعة املسلمة من وطأة املجادلة الكتابية، ثم املقاتلة واهلزيمة يف جهاد أحد»(١). وهو كالم متني، فالنزول عىل النبي K يدل من جهة عىل النزول من جهة ة، ومن جهة أخر عىل أنه تكليف، أي جيب عليه تنفيذ مضامينه، وليس جمرد علوي

رسالة تصل إليه.

(١) التفسري التوحيدي، حسن الرتايب، ج١ ص٢٢٧، دار الساقي - بريوت، الطبعة األوىل ٢٠٠٤م.

Page 253: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٥٣ التصديق ملا بني يديه

التصديق لما بين يديه

لتنزيل حالني عن املباركة اآلية هذه خالل من قدرته جلت الباري أخربنا ،{2 1 0 /} والثاين بيانه، سبق وقد باحلق، تنزيله األول الكريم، القرآن عند القرآن عليها كان التي احلال أن يفيد وذلك احلال، عىل منصوب فـ {/}

ق ملا بني يديه. التنزيل أنه مصدفامذا يعني التصديق؟

وما الذي بني يدي الكتاب؟التصديق من الصدق، وهو يشري هنا إىل أحد أوجه املامرسة العملية والتطبيق ر مفهوم الصدق حتى الواقعي للصدق، كام أنه مرتبط بجهة خارجية. هلذا يلزم أن نقر

نقع عىل املقصود بالتصديق. أحدها القرآين، اإلستعامل يف واضح هو كام عديدة مواطن يف يتجىل الصدق املستقبل أو ،(١){[ Z Y} سبحانه كقوله املايض عن سواء اإلخبار يف الصدق

-وهو اإليعاد- كقوله عز من قائل {¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦§ ¨ © » º ¹ ¸ ¶ μ´ ³ ² ± ° ¯ ® ¬ « ª

(١) آل عمران ٩٥.

Page 254: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٥٤

¼ ½ ¾ ¿ À}(١)، وثانيها بمعنى الثبات يف املواطن الصعبة كقوله تعاىل

3 2 10 / . - , + * )( ' & % $ # " !}4}(٢)، وثالثها اإللتزام التام بالقيم والتعاليم الدينية كقوله سبحانه {" # $ 2 1 0 / . - , + * ) ( ' & % ? > = < ; : 9 8 7 6 5 4 3 L K J IH G F E D C B A @

.(٣){W V U TS R Q PO N M

مستو عىل سواء الواقع مع املطابقة يعني الصدق أن ذلك كل من والظاهر بالصدق املوصوف ث حتد فإذا العميل. التطبيق مستو عىل أو الشفهي اخلطاب

ق يف اإلخبار ويف تنفيذ ما التزم به. صديف جاء فقد والصالبة، القوة عىل يدل اللغة يف الصدق أن ذلك إىل أضف املقاييس «صدق: أصل يدل عىل قوة يف يشء قوال وغريه. من ذلك الصدق: خالف من هذا وأصل باطل، هو له قوة ال الكذب وألن نفسه، يف لقوته ي سم الكذب، ق. ويقال صدقوهم القتال (تصلبوا فيه)، د مح ص لب ور ق أي ص د قوهلم: يشء صاملرأة، داق ص داق: والص للصدق. املالزم يق: د والص بوهم. كذ ذلك خالف ويف

ته وأنه حق يلزم». ي بذلك لقو سممن هو الصادق أن بمعنى الواقع، مع املطابقة قوة هنا تفيد والصالبة والقوة

يطابق قوله احلقيقة النظرية والواقع العميل بأعىل املستويات.الكتاب- هنا جهة -وهي من الصادر التصديق معنى يكون ذلك عىل وبناء نحو جهة أخر -وهي ما بني يدي الكتاب-: املطابقة التامة ملا يف الكتاب من املعاين

(١) الفتح ٢٧.(٢) األحزاب ٢٣.

(٣) البقرة ١٧٧.

Page 255: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٥٥ التصديق ملا بني يديه

والقيم الكرب مع ما يف اجلهة األخر من معان وقيم، وذلك يفيد أمورا كثرية منها: صدور املعاين القديمة واجلديدة من مصدر واحد وهو اهللا سبحانه وتعاىل.. ١وإن كان ثمة تغاير بني القديم واجلديد يف بعض التفاصيل، إال أن كل ذلك . ٢

يسري يف خط واحد وهو العبودية هللا عز وجل، وغاية ما هناك أن كال منهام لنا يفتح قد وهذا ألزمنتها، وتلك لزماننا، الكريم فالقرآن بزمانه، مؤطر

نافذة نطل من خالهلا عىل جدلية الثابت واملتغري.هذا هو املراد من التصديق بحسب الظاهر. ومع ذلك يأيت سؤال هام هنا أشار القرآن يكون كيف وهو: عليه، نجيب أن والبد تفسريه(١)، يف الرازي الفخر إليه

قا للذي بني يديه بينام هو ناسخ له؟ مصدلإلجابة عىل هذا السؤال يلزم أن نحدد بداية املراد من الذي بني يدي الكتاب،

ف هبذه الصفة {1 2}؟ ص وملاذا وين ذهبوا مل أجد رواية بخصوص هذه اآلية تعطي هذا املعنى، إال أن عامة املفرسلت عىل األنبياء السابقني A (٢)، وهذا هو إىل أن املراد مجيع الكتب الساموية التي أنز الظاهر، فاملطابقة التامة (التصديق) لقيم القرآن الكريم إنام تكون يف مقابل قيم أخرشبيهة هبا، وال شبيه هلا إال ما جاء يف كتب السامء. ولكن ليس هذا فحسب، بل هناك سبحانه قوله املباركة اآليات فمن وضوح، بكل ذلك عىل تدل منفصلة مقالية قرائن فهذه ،(٣){Z Y X W V U T S R Q P O}اآلية تدل بوضوح عىل أن الذي بني يدي الكتاب إنام هو من الكتب، أي الكتب الساموية.األوىل الطبعة العلمية-بريوت، الكتب دار ص١٣٧، ج٧ الرازي، الفخر التفسريالكبري، (١)

١٩٩٠م. هد من ص٨. ج٣ سابق، مصدر امليزان، ص٥٢٤. ج٢ سابق، مصدر البيان، جممع انظر (٢)اجلامع ص١٣٧. ج٧ سابق، مصدر الكبري، التفسري ج١ص٣٧٣. سابق، مصدر القرآن، تفسري ص١٥٥. ج٣ سابق، مصدر املنار، تفسري ص٥. ج٤ سابق، مصدر القرآن، ألحكام

التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج٣ ص٩.(٣) املائدة ٤٨.

Page 256: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٥٦

عبد أبا سمعت قال: راشد بن معمر عن اإلحتجاج يف جاء ما األخبار ومن اهللا C يقول: قال رسول اهللا K: «وإن اهللا عز وجل جعل كتايب املهيمن عىل كتبهم الناسخ هلا»(١). فاهليمنة هنا عىل الكتب الساموية كام هو واضح، وهو ما يتطابق مع اآلية أعاله، حيث أن اهليمنة يف اآلية أيضا إنام هي عىل كتب األنبياء A التي بني يدي القرآن الكريم. فاهليمنة هنا واهليمنة هناك تتعلق بموضوع واحد وهو كتب

.K ل عىل النبي األكرم حممد السامء، أي التي بني يدي الكتاب املنزهبذا يكون املقصود من الذي بني يدي الكتاب يف اآلية املباركة الكتب الساموية

.A التي أنزلت عىل األنبياء السابقنيت الكتب الساموية هبذه الصفة {1 2}؟ ف ص لكن ملاذا و

يميش فكأنه قبله، جييء ألنه يديه بني السابق «جعل بأن عاشور ابن قال أمامه»(٢)، بينام قال الطربيس «وإنام قيل ملا بني يديه ملا قبله، ألنه ظاهر له كظهور الذي بني يديه»(٣)، وهو قريب من عبارة الرازي التالية «السؤال األول: كيف سمى ما مىض

بأنه بني يديه؟، واجلواب: أن تلك األخبار لغاية ظهورها سامها هبذا االسم»(٤).لكن ال دليل عىل ما ذكره الطربيس والرازي، مع أن كون اليشء بني يدي يشء آخر يلزم منه الظهور بسبب القرب، إال أن هذا الالزم ليس تعريفا حقيقيا، بمعنى أن التعريف العلمي هو الذي يفرس املفهوم ال الذي يشري إىل الزم من لوازمه، والظهور هنا جمرد الزم من لوازم ما يكون بني اليدين، فكل ما يكون بني يديك يكون ظاهرا منه يلزم يديك بني كان فام أيضا، أخر لوازم ذكر يمكن األساس هذا وعىل لك، أن يكون ظاهرا، كام يلزم منه أن يكون قريبا أيضا، وهكذا. لكن القرب ليس تفسريا األرشف، النجف - والنرش للطباعة النعامن دار ص٥٧، ج١ الطربيس، الشيخ اإلحتجاج، (١)

١٣٨٦هـ.(٢) التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج٣ ص٩.

(٣) جممع البيان، مصدر سابق، ج٢ ص٥٢٤.(٤) التفسري الكبري، مصدر سابق، ج٧ ص١٣٧.

Page 257: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٥٧ التصديق ملا بني يديه

للذي بني يدي اليشء، وهكذا الظهور. هلذا فإن تفسري الطربيس والرازي ناقص.الذي هو إنام اإلنسان يدي بني فالذي األقرب، فهو عاشور ابن تفسري وأما املكانة حيث من ال الزمن، حيث من والسبق التقدم بمعنى هنا واألمام أمامه، ، لكن هنا ال يراد د األفضل شأنا ومكانة ع والشأن، مع أن الذي يف األمام يف األصل يالكتب عىل القرآن هيمنة عىل األخر اآليات دلت حيث الصارفة، للقرائن ذلك،

W V U T S R Q P O} السابقة، كام يف اآلية املذكورة سلفاZ Y X}، واهليمنة دليل عىل علو الشأن، فالقرآن أعىل شأنا من بقية

الكتب الساموية.بل قد تكون هلذا الرتكيب {V U} إحياءات أكثر تواضعا بالنسبة للكتب ا بالنسبة للقرآن الكريم، باعتبار أن الذي جيلس بني يدي اإلنسان السابقة وأكثر علوأمام املتعلم بجلسة شبيهة اجللسة هذه ألن املألوف، هو كام منه، شأنا أقل يكون

Y} اهليمنة عىل التأكيد من الرتكيب هذا بعد جاء ما ذلك يؤيد وقد أستاذه، Z}. وسنتعرض الحقا ملفهوم اهليمنة عند تفسري سورة املائدة.

يأيت هذا بعد ودالالت. معاين من {V U} تعاىل يعطيه قوله ما هذا إذا السؤال السابق املطروح من قبل الرازي: كيف يكون القرآن مصدقا للكتب الساموية

مع أنه ناسخ هلا؟أجاب الرازي عن ذلك بالقول «إذا كانت الكتب مبرشة بالقرآن وبالرسول، القرآن، نزول عند منسوخة تصري وأهنا بعثه، حني إىل تثبت أحكامها أن عىل ودالة كانت موافقة للقرآن، فكان القرآن مصدقا هلا، وأما فيام عدا األحكام فال شبهة يف أن القرآن مصدق هلا، ألن دالئل املباحث اإلهلية ال ختتلف يف ذلك، فهو مصدق هلا يف

األخبار الواردة يف التوراة واإلنجيل»(١).األمثل «ليس يف جاء فقد مكارم، نارص الشيخ كررها تقريبا نفسها واإلجابة

(١) املصدر نفسه.

Page 258: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٥٨

داللتها بل واإلنجيل، التوراة حمتويات مجيع تصديق عىل داللة املذكورة اآليات يف تقترص عىل التصديق العميل ملا جاء يف الكتب املوجودة بيد اليهود والنصار بشأن النبي اخلاتم وكتابه. هذا، إىل جانب وجود آيات عديدة يف القرآن تتحدث عن حتريف

اليهود والنصار آليات التوراة واإلنجيل»(١).املطابقة يعني كان وإن األصل يف فالتصديق الواقع، تطابقا اإلجابتني وكال القرائن أن إال والتفاصيل، اجلزئيات يف حتى السابقة الكتب يف جاء ما مع التامة طال الذي التحريف عىل الدالة اآليات خصوصا ذلك، خالف عىل دلت املنفصلة لنا وسيكون األحكام، بعض نسخ عىل الدالة املعتربة واألخبار واإلنجيل، التوراة

حديث حول هذا األمر يف بحوث الحقة.هلذا فالتصديق يكون يف املجاالت التالية:

ية، كالتوحيد والعدالة.. ١ يف القيم الكل٢ ..A الدالة عىل القضايا الغيبية ورساالت األنبياء يف األدلة الكرب٣ . 3} سبحانه قوله يف كام نسخه، عدم ثبت وما نسخه، يثبت مل فيام

? > = < ; : 9 8 7 6 5 4.(٢){@

وما أشبه ذلك، وخروج بعض التفاصيل ال يمنع من صدق مفهوم التصديق باملعنى الواسع الذي سبق بيانه.

د عليها الشوكاين يف تفسريه، بالنسبة لالم يف قوله سبحانه تبقى إشارة واحدة أك{0}، حيث قال بأهنا للتقوية(٣). وذلك فيه إضافة تفيد قوة التأكيد عىل املعنى الذي

يعطيه مفهوم التصديق للكتب الساموية التي بني يدي القرآن الكريم.

(١) األمثل يف تفسري كتاب اهللا املنزل، الشيخ نارص مكارم الشريازي، ج١ ص١٨٧.(٢) البقرة ١٨٣.

(٣) فتح القدير، حممد بن عيل الشوكاين، ص٢٠٠، دار املعرفة - بريوت، الطبعة األوىل ٢٠٠٧م.

Page 259: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٥٩ وأنزل التوراة واإلنجيل

وأنزل التوراة واإلنجيل

4 3} الرابعة اآلية ومطلع الثالثة اآلية عجز يف سبحانه قوله إن أننا فمع واحدة. دفعة كامل بشكل نزال الكتابني بأن يفيد {8 7 6 5رنا مسبقا بأن اإلنزال وإن كان يعني النزول الدفعي، لكن ليس من الرضورة أن قروذلك بكامله، والكتاب بالدفعية نقول هنا أننا إال بكامله، للكتاب شامال يكون

لألسباب التالية: ١- إنام قلنا بالنسبة للقرآن بالدفعية والتبعيض، لوجود النص القائل بالتدريج، كام هو مبني يف البحث السابق، وذلك مل يثبت بالنسبة للتوارة واإلنجيل، حيث مل يرد نص يؤكد عىل التنزيل التدرجيي هلام. فالذي دفعنا للقول بالتبعيض بالنسبة للقرآن إنام هي النصوص القائلة بالتدريج، إذ ال سبيل للتوفيق بني نصوص الدفعية ونصوص نزول الدفعية يف فاألصل وإال اإلنزال، خصوص يف بالتبعيض القول إال التدريج

اليشء بكامله دفعة واحدة.بالنسبة كذلك اإلنزال، يف التبعيض تفيد قرائن توجد للقرآن بالنسبة كام -٢للتوراة واإلنجيل توجد قرائن تفيد اإلنزال الكامل، فالتوراة مثال نزلت عندما واعد القرآن ذكره الذي الوحيد املورد وهو األربعني، الليايل C موسى سبحانه اهللا

i h g f} سبحانه قال للميعاد فبالنسبة التوراة، نزول بخصوص

Page 260: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٦٠

التوراة لت أنز املوعد هذا ويف ،(١){p o n m l k jاملوعد هذا عن احلديث سياق يف سبحانه قال فقد القرآين، التعبري يف األلواح وهي

= < ; : 9 8 7 6 5 4 3 2 1 0}< ? @}(٢)، فبعد انقضاء املدة أنزلت عليه األلواح، و{3} مجع حمىل بالالم يفيد العموم، وهو يفيد هنا التوراة كامال، أي مجيع آياهتا، هذا من جهة، يشء، لكل وتفصيال مواعظ تتضمن األلواح أن عىل اآلية تأكيد أخر جهة ومن

. وذلك قرينة أخر عىل أن املقصود التوراة كامالوالزبور واإلنجيل «والتوراة :K األكرم النبي عن العلل يف ورد ما -٣

نزلت كلها مجلة يف األلواح والورق»(٣).هلذه األسباب نقول بأن التوراة واإلنجيل أنزلت دفعة واحدة، وأن اإلنزال يف كاملة، بصورة للكتابني الدفعي اإلنزال يفيد سبحانه {3 4 5} قوله ين كالشيخ حممد عبده بحسب ما نقل عنه تلميذه وقد أيد هذا اإلستنتاج بعض املفرسحممد رشيد رضا يف املنار، قال «وقال األستاذ اإلمام يف تفسري هذه اجلملة: املتبادر من األسفار يف مرتبة كانت وإن واحدة، مرة موسى عىل نزلت التوراة أن كلمة (أنزل) املنسوبة إليه فإهنا مع ترتيبها مكررة، والقرآن ال يعرف هذه األسفار ومل ينص عليها. وكذلك اإلنجيل نزل مرة واحدة، وليس هو هذه الكتب التي يسموهنا األناجيل، ألنه

لو أرادها ملا أفرد اإلنجيل دائام مع أهنا كانت متعددة عند النصار حينئذ»(٤).لكن ماذا يعني نزول التوراة واإلنجيل دفعة واحدة؟

بحسب الظاهر ذلك يعني عدم تأطرمها بأسباب للنزول كام كان النص القرآين، (١) األعراف ١٤٢.(٢) األعراف ١٤٥.

(٣) علل الرشائع، الشيخ الصدوق، ج٢ ص٥٠٩، منشورات املكتبة احليدرية ومطبعتها - النجف األرشف، ١٩٦٦م.

(٤) تفسري املنار، مصدر سابق، ج٣ ص١٥٩.

Page 261: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٦١ وأنزل التوراة واإلنجيل

ذ باإلعتبار الزمان واملكان واألحوال بالنسبة لنزول آيات القرآن وبتعبريآخر: ملاذا أخالكريم، ومل يؤخذ أي يشء من ذلك بالنسبة لنزول التوراة واإلنجيل؟. بال شك إن

ض هلا يف بحوث قادمة. لذلك دالالت مهمة تتعلق بمعادلة الزمان واملكان سنتعر

لماذا التوراة واإلنجيل؟

يعني وذلك بحديث، واإلنجيل التوراة ت ص خ املباركة اآلية أن هنا واضح نوعا من اإلهتامم، أي نوعا من اخلصوصية تعطيه اآلية هلذين الكتابني. كيف؟

:{V U T} سبحانه قوله من املقصود أن السابق احلديث من لنا اتضح الكتب الساموية مجيعها التي سبقت القرآن الكريم من حيث الزمان، وال شك أهنا تشمل التوراة واإلنجيل، فلامذا إذا ذكرهتام اآلية بعد ذلك بخصوصهام، ومل تذكر غريمها، سواء

الذي جاء قبلهام {0 1}(١)، أو بينهام {O N M L}(٢)؟.إبراهيم صحف ألن ،أخر جهة من ولتداوهلام جهة، من ألمهيتهام الظاهر C وزبور داود C مل يبق هلام ذكر نظري وال حضور عميل يف حياة املوحدين عىل كان من وأما اإلسم، إال منهام يبق فلم ،K األكرم النبي عارصوا الذين C احلنيفية قبل بداية الدعوة اإلسالمية فقد كان يعمل بام أثر عن إبراهيم اخلليلإبراهيم. صحف يدعى الزمنية احلقبة تلك يف كتاب وجود عىل دليل ال إذ شفاها، يف متناثرين قالئل أفراد يف حمصورة احلنيفية «بقيت فقد العدد، حمدودية إىل إضافة تلك يف الدينية اجلاهليني العرب حياة يف واسعة ظاهرة تكن ومل اجلاهلية، القبائل ،A ف هلا منتسبون إال القليل كآباء النبي ر ع الفرتة التي وصلتنا أخبارها»(٣)، ومل يلون وزيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة، وبعض آخر(٤). كام أهنم مل يكونوا يشك

(١) األعىل ١٩.(٢) األنبياء ١٠٥.

(٣) منتد القضايا األدبية واللغوية، الشبكة العنكبوتية.(٤) املصدر نفسه.

Page 262: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٦٢

كة يف صحة ارتباطها باهللا سبحانه، عىل العكس قوة مناهضة للدعوة النبوية أو مشكمن اليهود والنصار الذين كانوا يناصبون النبي K العداء.

فاحلنيفية مل يبق هلا أنصار إال قلة، وغري مناهضة للدعوة اإلسالمية يف الغالب، يثبت فلم C اخلليل إبراهيم صحف يف املتمثل هلا التابع الساموي الكتاب وأما وجود يشء منه، وهكذا بالنسبة لزبور داود C، فليس له ظهور اجتامعي وأتباع، فال ككتاب نفسه الزبور وأما ،(١) أحكاما وليس ومناجاة م ك ح أكثره أن إىل إضافة

وجود له.اليهود أي واإلنجيل، التوراة باع أت يف منحرصة األساس فاملشكلة هلذا

والنصار، وبالتايل فذلك يعني: أمهية الكتابني بني سائر كتب السامء، باستثناء القرآن الكريم. أوال:

التوراة مع واحد خط يف يسري القرآن بأن والنصار اليهود إشعار : ثانياوالتعاليم القيم إىل ويدعو واحد، مصدر من مجيعا ألهنم واإلنجيل،

نفسها التي يدعو إليها الكتابان.

(١) انظر تفسري القرطبي، مصدر سابق، ج٦ ص١٧.

Page 263: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٦٣ إنزال من قبل

إنزال من قبل

والقبلية الكريم، القرآن نزول قبل من أي كان { 7 8}، الكتابني إنزال إن هنا من حيث الزمن، ال من حيث املكانة والشأن، وال من حيث العلم اإلهلي.

والبناء هنا عىل الضم {8} دليل عىل احلذف، أي وجود مضاف إليه حمذوف، تقديره من قبل تنزيل الكتاب، أي أنزل التوراة واإلنجيل من قبل تنزيل الكتاب وهو

القرآن. والوجه يف ذلك بحسب ما يقرره أهل اللغة أن {8} يف مثل هذه اإلستعامالت «غاية مبني عىل الضم ألنه قد حذف منه، وهو ظرف يدخله النصب واخلفض يف حال سالمته، فلام اعتل باحلذف اعطى حركة مل تكن تلحقه، وقيل أعطى الضمة ألهنا غاية

احلركات»(١). وتوضيح ذلك أن هذا الظرف وأشباهه كالذي ورد يف قوله سبحانه {¯ ° بة، ولكن يف حال النصب واجلر فقط، وفيام ± ² ³ ´}(٢)، يف األصل هي معرإذا كانت ساملة أي غري معتلة، ويراد بالسالمة هنا إذا كان املضاف إليه غري حمذوف، الثالثة الطبعة بريوت، الكتب - عامل ص٢٠٢، ج١ اس، النح أمحد جعفر أليب القرآن، إعراب (١)

١٩٨٨م.(٢) الروم ٤.

Page 264: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٦٤

واإلعتالل إذا كان املضاف إليه حمذوفا، ومن أمثلة السالمة يف حال اجلر قوله سبحانه وجل عز قوله النصب حال ويف ،(٢){| { z} ،(١){Ì Ë Ê} وتعاىلكر املضاف إليه (الفتح، {x w}(٣)، {; >}(٤)، ففي هذه األمثلة بأمجعها ذالروم سورة من الرابعة اآلية يف ورد ما اإلعتالل أمثلة ومن موهتا). موته، ميثاقه، املضاف ر ك ذ ي مل وفيها اآلن، بحثه بصدد نحن الذي القرآين واملقطع أعاله، املذكور إليه بعد الظرف (قبل، بعد)، وهلذا تكون معتلة، أي حمذوفة املضاف إليه، فاملضاف

ا لكنه غري مذكور. ي إليه يكون منوويف حال السالمة يكون الظرف منصوبا أو جمرورا بحسب موقعه من اجلملة، ف منه ذ ني عىل الضم إال ألنه قد ح وأما يف حال اإلعتالل فيبنى عىل الضم، أي ما ب

املضاف إليه.م عىل د وقد ذهب صاحب التحرير إىل القول بأن قوله تعاىل { 7 8} قيد قالتوراة د ه أن م توه ي «ال حتى وذلك به، لإلهتامم {: 9} سبحانه قوله القرآن، لنزول كاملقدمات أهنا إىل إشارة وفيه القرآن. نزول بعد مستمر واإلنجيل الذي هو متام مراد اهللا من البرش {L K J I H}(٥) فاهلد الذي سبقه

غري تام»(٦). فقط الكتاب نزول قبل من كانا الكتابني أن عىل تنص اآلية أن بذلك عنى وقد

9} عىل {8 7 } تقديم من ذلك م فه وي كذلك، فليسا اآلن أما للناس، هدم واإلشعار بمستو من اإلهتامم به. :}، ألن مثل هذا التقديم يفيد التأكيد عىل املقد . فكأن اآلية تريد أن تلفت نظر القارئ بأن ذلك اهلد إنام هو: من قبل فقط وليس دائام

(١) احلديد ١٠.(٢) البقرة ٢٧.

(٣) النساء ١٥٩.(٤) البقرة ١٦٤.

(٥) آل عمران ١٩.(٦) التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج٣ ص١٠.

Page 265: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٦٥ إنزال من قبل

وبالتايل فإن كوهنام هد من قبل، جيعلهام بشكل تلقائي بمثابة املقدمة لنزول الكتابني هد وأما والدائم، التام اهلد هو القرآن أن عىل ودليل الكريم، القرآن

فناقص ألنه خاص بزمن معني. {: 9} تعاىل قوله بأن القول عىل مبني اإلستنتاج هذا فإن وبالطبع فعىل وإال القرآن. وهو للكتاب شامال يكون أن دون من فقط، بالكتابني متعلق القول اآلخر الناص عىل شمول اهلد للكتابني والقرآن الكريم، ال يبقى معنى لذلك

اإلستنتاج. وهذا ما سنحققه يف العنوان التايل.

Page 266: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 267: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٦٧ لت الكتب الساموية؟ ملاذا أنز

لماذا أنزلت الكتب السماوية؟

الساموية الكتب أي لكن قائلة: {9 :}. السؤال هذا عىل اآلية جتيب التي تكون هد للناس، أي هل يعود هذا املقطع إىل خصوص التوراة واإلنجيل، أم

إىل الكتاب أيضا -القرآن-؟وبتعبري آخر: هل أن املراد من هذا املقطع أن اهللا سبحانه أنزل التوراة واإلنجيل ل الكتاب وأنزل والتوراة واإلنجيل هد للناس، وبالنتيجة: هل أن هد للناس، أم نزالتوراة واإلنجيل هد للناس، أم أن الكتاب والتوراة واإلنجيل بأمجعها هد للناس؟

الساموية الكتب جلميع صفة اآلية يف اهلد بأن القول إىل املفرسين بعض ذهب بسبب فواضح واإلنجيل للتوراة رجوعها فأما واإلنجيل، والتوراة الكتاب وهي املذكورة، التعاقب وعدم وجود فاصل بني الصفة {9} وبني املوصوف {4 5}، ولذلك

ال يمكن إخراج الكتابني عن شمول اهلد هلام إال بقرينة قوية، وإن ادعاه بعض كام سيأيت.وأما شموهلا للكتاب -القرآن- فلسببني:

وصف القرآن بالصفة نفسها {9} يف سورة البقرة حيث قال سبحانه . ١.(١)، ويف سور أخر{+ * )( '& % $ #}

(١) البقرة ٢.

Page 268: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٦٨

ما يظهر من سورة الفاحتة أن اهلد هدف أسمى جلميع رساالت السامء، . ٢قال حيث ديانته، عن النظر بغض إنسان لكل منشودا طلبا أصبح وهلذا سبحانه {7 8 9}(١)، فإذا كان اهلد هبذه املنزلة فال يعقل أن خيلو منه القرآن، بل هو ميزة من ميزاته، ولذا قال تعاىل يف معرض كالمه

[ Z Y X W V U} للقرآن العملية الثامر عن d c b a ` _ ^ ] \

.(٢){f e

هذا ما يظهر من عبارة بعض من املفرسين(٣) وقد وصفهم الرازي باألكثرين(٤)، ويف مقابلهم مجع قالوا باختصاص الصفة هنا بالكتابني فقط(٥)، وبذلك يكون القرآن فا بأهنام هد(٦). وال يمنع من ذلك عند أصحاب ص ف بأنه حق، والكتابان و ص قد وف القرآن يف سورة البقرة بأنه {* +}، ألن األمر يعود ملساحة ص هذا القول و

م من عبارة الرازي يف قوله «إنام قال {* ه ف اإلنتفاع ونوعية املخاطب بحسب ما ي+} ألهنم هم املنتفعون به، فصار من هذا الوجه هد هلم ال لغريهم، أما ههنا فاملناظرة كانت مع النصار، وهم ال هيتدون بالقرآن، فال جرم مل يقل ههنا يف القرآن إنه هد، بل قال إنه حق يف نفسه سواء قبلوه أو مل يقبلوه، وأما التوراة واإلنجيل فهم يعتقدون يف صحتهام ويدعون بأنا إنام نتقول يف ديننا عليهام، فال جرم وصفهام اهللا تعاىل

.(٧)«ألجل هذا التأويل بأهنام هد

(١) الفاحتة ٦.(٢) املائدة ١٥.

ص٥٢٤. ج٢ سابق، مصدر البيان، وجممع ج١ص٢٢٨. سابق، مصدر التوحيدي، التفسري (٣)تقريب القرآن إىل األذهان، مصدر سابق، ج١ ص٣١١.

(٤) التفسري الكبري، مصدر سابق، ج٧ ص١٤٠.(٥) تفسري املنار، مصدر سابق، ج٣ ص١٦٠. والتحرير والتنوير، مصدر سابق، ج٣ ص١٠.

(٦) التفسري الكبري، ج٧ ص١٣٩.(٧) املصدر نفسه.

Page 269: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٦٩ لت الكتب الساموية؟ ملاذا أنز

ويف مقابل هذين القولني قال بعض من املفرسين بأنه قوله تعاىل {9 :} حال آخر للقرآن، فاحلال األوىل {/ 0 1 2}، وما نحن فيه حال ثانية، والزم ذلك كون اهلد يف اآلية صفة للقرآن فقط وال يشمل الكتابني، وهو رصيح القرطبي ة يف تفسريه(١)، ولذلك فهو يعترب اآلية من سورة البقرة {* +} حاكمة ومفرسالناس، مطلق ال املتقني خصوص منهم يراد هنا فالناس هنا {9 :}، لآلية البقرة {* +}، يف دليله املتقني، للناس هد التقدير فورك: ابن يقول «قال

فرد العام إىل ذلك اخلاص. وهد يف موضع نصب عىل احلال»(٢).وإن كان لكل قول من األقوال الثالثة وجه، إال أن األقرب عدم اإلختصاص

بأي من الكتب الثالثة، وإنام الشمول هلا مجيعا، للقرائن التالية: مجع . ١ الناس ألن بعينها، أمة أو خاصة لفئة وليس للناس، اهلد كون

مجيع من الناس عامة املراد يكون وهبذا العموم، يفيد مما وهو بالالم حمىل خاص، معنى أي إىل العموم هذا ترصف واضحة قرينة وال الديانات، سواء كان الكتابني أو القرآن. وجمرد املجاورة للكتابني ال يفيد التخصيص بأن قيل لو بل وعظمته، الكريم القرآن عن باحلديث اآلية تصدير بعد التخصيص بالقرآن فقط أرجح لكان أوفق، نظرا ألن اآلية املباركة يف مقام اإلفصاح عن مميزات القرآن وخصائصه النظرية والعملية. ومع ذلك ال نقول هبذا التخصيص أيضا ألن التعبري بالناس يفيد عامة املكلفني املخاطبني من صا قبل السامء. وما أفاده القرطبي من كون {+} يف سورة البقرة خمص{:} يف سورة آل عمران غري مفيد، إذ يف سورة البقرة احلديث رصيح عن القرآن، بينام هنا ليس كذلك، فهناك خالف يف تشخيص املراد، واحتامل اختالف املوضوع يف اآليتني، وهو ما نبه إليه الرازي قبل قليل، ففي البقرة املوضوع خصوص املسلمني، بينام هنا املسلمون وأهل الكتاب، هذا إضافة

(١) وذكره الطربيس يف جممع البيان أيضا، ج٢ ص٥٢٥.(٢) اجلامع ألحكام القرآن، مصدر سابق، ج٤ ص٦.

Page 270: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٧٠

إىل أننا لو عملنا هبذه املنهجية يف التخصيص للزم من ذلك ختصيص أكثر العمومات القرآنية، فبمجرد الوقوع عىل لفظ خاص يف السورة نفسها أو يف سورة أخر قريب من جهة من اجلهات من لفظ عام نلجأ للتخصيص، ص أقو ظهورا من وهذا ما مل يقل به أحد، إذ البد أن يكون دليل املخصن إليه. دليل العام حتى نتمكن من التخصيص، وأما جمرد اإلحتامل فال يرك

كان احلديث يف األصل يف هذه اآليات عن مميزات القرآن الكريم، فتم يف . ٢وبني بينه والعالقة له {.}، النظرية القيمة عن احلديث الثالثة اآلية سائر كتب السامء {/ 0 1 2}، والظاهر أن {9 :} القيمة العملية للقرآن الكريم، والزم ذلك بالطبع كون القرآن فقط هد للناس ه أيضا ألهل الكتاب يف زمن نزوله، لكن ألن اخلطاب بحسب الظاهر موجختاطب اآلية وكأن للصفة، مشمولني أصبحا لذلك الكتابني ر ذك بدليل

أهل الكتاب: كام أن الكتابني هد للناس فكذلك القرآن.فاهلد شامل للكتب الثالثة، مع العلم بأن الغاية النهائية هلذا اخلطاب التأكيد عىل أن القرآن الكريم فعال هد جلميع الناس بال استثناء، إذ ال جمال للتعبد بالكتابني

بعد نزول القرآن، وسأشري قريبا إىل نكتة ترتبط هبذا املبحث.خاصة أهنا وهل ،{: 9} الصفة مساحة لنا اتضح قد يكون هنا إىل بكتب ساموية دون أخر أم عامة تشمل مجيع تلك الكتب، وال أقل الكتب الثالثة، املراد فام ،{:} واملجرور واجلار {9} اهلد معنى عن احلديث ويبقى

باهلد، ومن هم الناس املقصودون؟

Page 271: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٧١ مفهوم {�}

مفهوم {9}

والرش اخلري بني التمييز يعني اهلد أن املدريس السيد عبارة من الظاهر بني التمييز يف يتلخص اهلد بأن رأ الذي الرتايب عبارة منها وقريب وشبههام(١)،

احلق والباطل(٢).والذي يبدو أن العبارتني تفصحان عن نتيجة اهلد، فالتمييز بنفسه ليس هو فتعني املصدري باملعنى اهلد أما املصدر، اسم اهلد من املراد كان إذا إال ،اهلدم لإلرشاد، هديته الطريق أي تقدمته ألرشده. وكل متقدم لذلك هاد. ويقال «التقدأقبلت هوادي اخليل أي أعناقها، ويقال هادهيا: أول رعيل منها ألنه املتقدم. واهلادية:

سكها كأهنا ترشده»(٣). العصا، ألهنا تتقدم ممفاهلد باملعنى املصدري: التقدم للداللة عىل الطريق، والداللة هذه تعني عىل

التمييز بني الصحيح والسقيم، وهو املراد من اهلد بمعنى اإلسم املصدري.هبذا فالكتب الساموية هد، ألهنا ال تكون خلف اإلنسان وتدفعه نحو طريق السياقة بني كالفرق متاما الصحيح. الطريق عىل لتدله أمامه تكون وإنام جمهول،

(١) من هد القرآن، مصدر سابق، ج١ ص٣٧٣.(٢) التفسري التوحيدي، مصدر سابق، ص٢٢٨.

(٣) معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج٦ ص٤٢.

Page 272: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٧٢

ويسوقها أمامها من الدابة يقود السوق، نقيض اللغة «القود: يف جاء فقد والقيادة، من خلفها، فالقود من أمام والسوق من خلف»(١).

ق من اخللف يدلل يف بعض استعامالته و إن هذا الفارق كبري جدا وهام، فالسخائفا يكون قد بل به، عارف وغري للطريق مطمئن غري السائق أن عىل ومصاديقه وحذرا، وهلذا يرتاجع للخلف ويدفع غريه لألمام، حتى لو وقع أي مكروه يصاب

V U T S} سبحانه قوله يف جاء ما ذلك ومن هو، وينجو اآلخر به حيث التكريم، باب من املصاديق بعض يف يأيت قد وق الس أن مع .(٢){X W

م صاحب الشأن الرفيع، كام يف قوله سبحانه {¤ ¥ ¦ § ¨ © د ق ي.(٣){ª

يف الذي ألن بالطريق، التامة واملعرفة اليقني عىل فتدلل األمام من القيادة أما األمام يكون كالدليل العارف بالطرق املستوية والوعرة، وبالتايل فهو ال خيشى شيئا والبصرية الوضوح من لديه ملا عثرة، أي بصاحبه يتجنب أن ويستطيع حيذر، وال

التامة.العطاء وبني اإلهلي العلمي العطاء بني الكبري الفارق هو هذا أن والظاهر اإلهلي ألن األول، باملعنى بالسياقة الثاين يقوم بينام بالقيادة يقوم فاألول البرشي،

ي. يقيني والبرشي شكالكاملة واملعرفة التام اليقني حتمل ألهنا هادية، الساموية فالكتب هذا عىل والعملية، النظرية احلقيقة نحو دائام اإلنسان تأخذ فهي وهلذا واملستقبل، باحلارض سعيه أو املعرفة عن بحثه يف سواء تواجهه التي والعثرات املزالق وبني بينه ول وحت

لتشخيص مواقفه يف احلياة.

(١) لسان العرب، مصدر سابق، ج٣ ص٣٧٠.(٢) الزمر ٧١.(٣) الزمر ٧٣.

Page 273: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٧٣ معنى {ڤ}

معنى {:}

بناء عىل ما وصلنا له من نتيجة حول مساحة الصفة، وأن اهلد يف قوله سبحانه {9 :} صفة للكتب الساموية الثالثة املذكورة، يكون املقصود من الناس هنا لت سائر البرش من أهل الديانات الثالث وغريهم، بمعنى أن الكتب الساموية ما أنزباملعنى ولكن انتامءاهتم، عن النظر بغض البرش جلميع هد لتكون إال األصل يف الذي ذهب إليه صاحب جممع البيان من أن الكتب الثالثة ليست يف عرض واحد يف مجيع األزمنة، بل «ليهتدي أهل كل كتاب بكتابه وأهل كل زمان بام أنزل يف زمانه»(١).

الصفة بكون للقول تبعا والنصار باليهود اإلختصاص إىل ذهب من وثمة قال وهبذا وعيسى»(٢)، موسى لقوم «أي يقول فالزخمرشي فقط، بالكتابني متعلقة للمسلمني هد يكون الكتابني من القرآن قه صد ما بأن أضاف أنه إال الشعراوي دد ابن عاشور بني القول بأن الالم يف قوله سبحانه ر أيضا، ال مجيع ما جاء فيهام(٣)، وتاليهود وهم فقط بالكتابني املخاطبني الناس من املراد فيكون للعهد {: }والنصار، والقول بأهنا لإلستغراق فيكون املراد املخاطبني بالكتابني وغريهم ولكن

(١) جممع البيان، مصدر سابق، ج١ ص٥٢٤.(٢) الكشاف، مصدر سابق، ج١ ص٢٥٨.

(٣) تفسري الشعراوي، مصدر سابق، ج٢ ص١٢٦٧.

Page 274: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٧٤

باإللتزام بام أضافه الشعراوي(١).فالكتب لإلستغراق، الالم كون - سلفا به التزمنا ما -بحسب واألقرب الساموية هد جلميع الناس، بمعنى أن اهلدف من إنزاهلا هداية البرش، ألهنا كالم اهللا فالتوراة ضالال، اآلخر والبعض هد بعضه يكون أن يمكن وال وتعاىل، سبحانه عندما أنزلت كانت هداية للجميع، وكذلك اإلنجيل والقرآن الكريم، لكن ذلك ال يلزم منه أن تكون مجيع الترشيعات مطلوبة من قبل اهللا عز وجل يف كل زمان، لكنها لت واستبد ت فع ر وقد أما البرش، جلميع هد شك بال كانت مطلوبة كانت حني

بغريها فاهلد الفعيل يف غريها. ،هد فهو صحيح خرب أو قرآين بنص مطلوبا منها بقي فام ذلك عىل وبناء ه حكم القرآن الكريم ولو يف اجلملة، إذ قد يكون ثمة اختالف يف التفاصيل، م ك وح

كقوله سبحانه {3 4 5 6 7 8 9 : ; > = < ه من قبل اهللا سبحانه فهو هد بالقوة ال بالفعل، ? @}(٢)، وأما ما ثبت رفعإذ ال يمكن أن يكون قد صدر من اهللا تعاىل ويكون يف الوقت نفسه ضالال، بل كان

هد لكنه غري مطلوب بعد نزول القرآن الكريم، واإللتزام به غري جمز وال نافع.وينبغي التفريق هنا بني أمرين، األول: ما ثبت نزوله من قبل اهللا سبحانه وتعاىل قه القرآن الكريم، أو نص عىل بقائه بوجه ما كالصوم. والثاين: يف أحد الكتابني، وصد

ما ثبت نزوله كذلك، لكن القرآن والنصوص الروائية الصحيحة سكتت عنه. فاألول هو اهلد الفعيل الذي يلزم العمل به، ألنه يصبح أيضا من مجلة القرآن يلزم ال لكن بالقوة، هد والثاين كتاب، من أكثر يف نزل قد يف يكون أي الكريم، بنحو السابقة الرشائع باستصحاب القول عىل بناء إال يصح، ال قد بل به العمل

مطلق، وهو حمل جدل أصوليا.

(١) التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج٣ ص١١.(٢) البقرة ١٨٣.

Page 275: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٧٥ معنى {ڤ}

التي السابقة الساموية الكتب وسائر واإلنجيل للتوراة بالنسبة هذا بالطبع . ية له إطالقا ج ف منها فال ح لت فعال من قبل اهللا سبحانه وتعاىل، أما املحر أنز

وعىل كل حال، فاملراد النهائي يف هذه اآلية املباركة اإلحتجاج عىل أهل الكتاب، ليلتزموا هبد القرآن الكريم، أي املراد التأكيد عىل أن القرآن هد جلميع الناس ال فالقرآن سبحانه اهللا من هد واإلنجيل التوراة كانت فكام بالتايل فقط، للمسلمني

ب ضد النص القرآين؟! ا، فعالم التعص كذلك أيض

Page 276: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 277: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٧٧ بني الكتاب والفرقان

بين الكتاب والفرقان

يقول سبحانه بعد ذلك {; >}، فام هو الفرقان، وما املائز بينه وبني الكتاب؟الكتاب، هو والقرآن القرآن هو الكتاب أن منه فالظاهر الروائي اجلانب أما القراءة ظت حل وإذا ي كتابا، م الكتابة س ظت حل فإذا إنام هو يف اللحاظ، واإلختالف ابن صحيحة ففي الثالثة-، اآلية تفسري يف ذلك يف الكالم سبق -وقد قرآنا ي م س

سنان املتقدمة قال الصادق C: والكتاب هو مجلة القرآن.وكذلك يف رواية الكايف املتقدمة قال الصادق C: القرآن مجلة الكتاب.

يبقى الفرق بني الكتاب والقرآن من جهة والفرقان من جهة أخر، والظاهر من أخص أنه أي اآليات، من م املحك هو الفرقان أن سنان ابن صحيحة صدر من رواية يف ورد كام حمكم». أمر كل هو «والفرقان فيها: ورد فقد والقرآن، الكتاب الذي البني الواضح هو واملحكم به»، العمل الواجب املحكم «والفرقان الكايف: م مما ورد يمكن متييزه عن غريه حيث ال تشابه وال غموض فيه، ولعل هذا ما يستشعن اإلمام السجاد C يف الصحيفة السجادية يف دعاء ختمه للقرآن، قال: «وفرقانا

فرقت به بني حاللك وحرامك»(١).املهدي(عج)/ اإلمام مؤسسة ص١٩٤، ،C العابدين زين اإلمام السجادية، الصحيفة (١)

مؤسسة األنصاريان للطباعة والنرش - قم، الطبعة األوىل ١٤١١هـ.

Page 278: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٧٨

آياته نزلت حيث الكتاب، عىل الفرقان إطالق من ورد ما ذلك يعارض وال متفرقة من حيث الزمان واملكان، فقد ورد يف اإلختصاص والعلل عن عبد يزيد بن : «فأخربين هل أنزل عليك كتابا؟ قال: نعم، سالم أن سأل النبي األكرم K قائالمتفرق ألنه قال: فرقانا؟ ربك سامه ومل قال: الفرقان، قال: هو؟ كتاب وأي قال:

اآليات والسور أنزل يف غري األلواح وغري الصحف»(١).مجلة به ويراد تارة يطلق الفرقان أن الروايات هذه جمموع من يظهر والذي والقرآن الكتابة، بلحاظ الكتاب يطلق فكام ق، التفر بلحاظ لكن والقرآن، الكتاب تارة ويطلق النزول، يف قه تفر بلحاظ عليهام الفرقان يطلق كذلك القراءة، بلحاظ هذه يف ظاهرا به املراد وهو القرآنية، اآليات من املحكم خصوص به ويراد أخر

اآلية املباركة {; >} بقرينة الروايات املذكورة.م من القرآن فقط دون سائر كتب ووجه اختصاص الفرقان يف هذه اآلية باملحكالسامء، مع ترصيح آيات أخر بنزول الفرقان أيضا عىل نبي اهللا موسى C اآليت ذكرها، قرينة املقابلة يف الروايات املذكورة، خصوصا رواية الكايف، فعند التفريق بني م فاملحك الفرقان وأما بأمجعه الكتاب القرآن بأن C اإلمام قال والفرقان القرآن م واملتشابه، وهو ما سنأيت قريبا عىل ذكره فقط، مع علمنا مسبقا بأن القرآن فيه املحك

م من القرآن فقط دون سائر الكتب. ال، وذلك يفيد بأن املراد بالفرقان املحك مفصوينطبق عىل الفرقان ما ينطبق عىل الكتاب والقرآن سواء باإلطالق األول أو

كر األول {; الثاين بالنسبة ملا يتعلق باإلنزال والتنزيل، ففي اآلية حمل البحث هنا ذ ª © § ¦ ¥ ¤} كر الثاين >}، بينام يف مطلع سورة الفرقان ذاإلنزال حول السابق البحث يف ال مفص قيل ما هنا يقال ولذلك ،(٢){¬ «

والتنزيل.(١) اإلختصاص، الشيخ املفيد، ص٤٤، دار املفيد للطباعة والنرش والتوزيع - بريوت، الطبعة الثانية

١٩٩٣م.(٢) الفرقان ١.

Page 279: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٧٩ بني الكتاب والفرقان

ح به قلة من املفرسين(١)، يف حني قال بعض هذا هو الظاهر من الروايات، ورصوابن والشعراوي(٥) والرتايب(٤) والقرطبي(٣) كالطربيس(٢) بأمجعه، القرآن بأنه منهم وإبراز لشأنه تعظيم ذكره وتكرار والباطل، احلق بني يفرق أنه باعتبار عاشور(٦)، ية أخر فيه(٧)، وأضاف األخري بأن توصيف القرآن بذلك «تفضيل هلديه عىل خلاصهد التوراة واإلنجيل، ألن التفرقة بني احلق والباطل أعظم أحوال اهلدي، ملا فيها من الربهان وإزالة الشبهة»(٨)، وإنام تتم هذه اإلضافة بناء عىل اختصاص هذه الصفة بالقرآن كال أو بعضا، وأما بناء عىل القول بشموهلا لسائر كتب السامء فال، حتى لو قلنا بحسب األقرب وهو الكريم، القرآن خصوص اآلية هذه يف بالفرقان املقصود بأن الظاهر، نظرا لنزول الفرقان أيضا عىل موسى وهارون عليهام السالم، كام قال سبحانه

.(١٠){Z Y X W V} ،(٩){U T S R Q}سيعارص القرآن أن إىل يشري الصفة هذه استعامل بأن د فأك الشعراوي وأما مهمة صعبة، ألهنا ال تأيت إال يف حال وجود معركة بني فريقني سواء كانت عسكرية أو فكرية، أي وجود حق وباطل، والقرآن هو الذي يميز بينهام.(١١) وهو يف حد كالم متني، ويتم سواء كان املقصود بالفرقان القرآن بأمجعه، أو املحكم منه، أو سائر الكتب

الساموية.الثانية الطبعة لبنان، - العلوم دار ص٦٥٠، الشريازي، رضا حممد السيد القرآن، يف التدبر (١)

٢٠١٠م.(٢) جممع البيان، مصدر سابق، ج١ ص٥٢٤.

(٣) اجلامع ألحكام القرآن، مصدر سابق، ج٤ ص٦.(٤) التفسري التوحيدي، مصدر سابق، ص٢٢٨.

(٥) تفسري الشعراوي، مصدر سابق، ج٢ ص١٢٦٧.(٦) التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج٣ ص١١.(٧) تفسري الرازي، مصدر سابق، ج٧ ص١٤٠.

(٨) املصدر نفسه.(٩) األنبياء ٤٨.(١٠) البقرة ٥٣.

(١١) تفسري الشعراوي، ج٢ ص١٢٦٧.

Page 280: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٨٠

والطباطبائي(٢)، كالشريازي(١) السامء، كتب جلميع شامل بأنه آخرون وقال املعارف من إليه ينضم ما مع بالعدل الناس بني حيكم الذي األخري «الدين واعتربه نزول عىل أيضا ت نص التي اآليات القول هذا يف والوجه العبودية»(٣)، ووظائف الفرقان عىل نبي اهللا موسى C. لكن األقرب اإلختصاص بالقرآن الكريم بقرينة

الروايات كام بينا ذلك قبل قليل.الساموية الكتب لنزول املرافقة املعجزات الفرقان بأن بالقول الرازي د وتفردعوة الناس ق يصد حتى أي وجل، عز اهللا عند من لكتب ا تلك تثبت كون والتي ابني، أنزل عىل الرسل برفقة الرسل A ويميز اهللا عز وجل بينها وبني دعوة الكذق بينها وبني الكتب املختلقة(٤).لكن ال شاهد من الكتب فرقانا يدل عىل صحتها ويفر

آية أو رواية أو غري ذلك عىل هذا القول.م من بالتايل فاألقرب أن املراد بالفرقان يف خصوص هذه اآلية املباركة، املحكاآليات القرآنية. وسيكون لنا الحقا بحث مستقل حول أسامء القرآن يف القرآن واملائز

بينها وداللة كل اسم، إضافة ملا سبق تقريره يف بعض كتبنا الصادرة قبل(٥).

(١) تقريب القرآن إىل األذهان، مصدر سابق، ج١ ص٣١١.(٢) امليزان، مصدر سابق، ج٣ ص٩.

(٣) املصدر نفسه، ص١٠.(٤) تفسري الرازي، ج٧ ص١٤٠.

(٥) التفسري العلمي الرتبوي، الشيخ فيصل العوامي، دار اهلادي - بريوت، الطبعة األوىل ٢٠٠٢م.

Page 281: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٨١ حتذير ووعيد

تحذير ووعيد

عز اهللا من حتذير صدر وأهدافها، الساموية الكتب إنزال عن احلديث بعد عبارة وهو ،{J I H G FE D C B A @ ? >} لعباده وجل عن عذاب وأصله الرضب ويستعمل لكل عقوبة مؤملة(١)، كام أنه شديد أي قوي(٢)، ام ر(٤)، مع كونه منتق قه ة أي الذي يقهر وال ي وصادر عن اهللا(٣) سبحانه املوصوف بالعزسبحانه اهللا وصفات أسامء ملعاين بيان مزيد وسيأيت واإلنكار(٥). العقوبة والنقمة

وتعاىل الواردة يف اآليات الثالث األخرية من سورة احلرش.الساموية للكتب ذكره بعد قدرته جلت اهللا أن هنا اإلنتباه يلفت الذي لكن وأهدافها يف هذه اآلية وما قبلها، مل خيربنا باآلثار الدنيوية واألخروية احلميدة املرتتبة واإلعراض تركها عواقب من وبشدة ر حذ وإنام فيها، بام والعمل الكتب اتباع عىل العازم اخلصم مع اجلدل سياق يف اآليات أن إىل يعود ذلك يف السبب ولعل عنها، متام من بالرغم ،والنصار اليهود واقع له يشهد كام حال، كل عىل التكذيب عىل

(١) املصباح املنري، نقال عن التحقيق يف كلامت القرآن الكريم، مصدر سابق، ج٨ ص٧٩.(٢) معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج٣ ص١٧٩.

(٣) تكلمنا بتفصيل عن مفهوم لفظ اجلاللة يف تفسري سورة احلمد.(٤) مفردات غريب القرآن، مصدر سابق، ص٣٣٣.

(٥) لسان العرب، ج١٢ ص٥٩٠.

Page 282: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٨٢

.البيان واحلجة، باإلضافة إىل أن اآلية قبل ذلك بينت أهم اآلثار اإلجيابية وهو اهلدل حول الوعد بالعذاب الشديد من قبل اهللا سبحانه، وسنمر الحقا عىل بحث مفص

عىل الرغم من كونه أرحم الرامحني، وهلذا أكتفي هنا هبذا املقدار من البيان.

Page 283: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

Y X W V U T S R Q P O N M L}{f e d c b a ` _^ ] \ [ Z

Page 284: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 285: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

العلم اإللهي

Y X W V U T S R Q P O N M L}{e d c b a ` _^ ] \ [ Z

أسئلة محوريةما هو مفهوم العلم اإلهلي؟.

هل له حدود؟.ما هي خصائصه؟.

إشارة تاريخيةهذه فيه نزلت الذي واملكاين الزماين الظرف يف البحث ينبغي يشء كل قبل

اآلية املباركة، وهل هلا سبب نزول واضح أم ال؟ا بعد مالحظة أن السبب كان ينبغي التنويه إىل ذلك من مطلع السورة، خصوصلذلك الواضح األثر إىل يرجع التأخري د تعم لكن األوىل، لآليات شامل املذكور

السبب يف فهم اخلط العام لآليتني هنا.

Page 286: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٨٦

نقل مجع من املفرسين عن الكلبي وحممد بن إسحاق والربيع بن أنس أن أوائل هذه رسول عىل قدموا راكبا، ستني وكانوا نجران، وفد يف نزلت آية وثامنني نيف إىل السورة اهللا K، وفيهم أربعة عرش رجال من أرشافهم، ويف األربعة عرش ثالثة نفر يؤول إليهم أمرهم: العاقب أمري القوم وصاحب مشورهتم الذي ال يصدرون إال عن رأيه واسمه عبد أسقفهم علقمة بن حارثة وأبو األهيم، واسمه رحلهم وصاحب ثامهلم والسيد املسيح، وحربهم وإمامهم وصاحب مدارسهم، وكان قد رشف فيهم ودرس كتبهم، وكانت ملوك K اهللا رسول عىل واجتهاده.فقدموا لعلمه الكنائس له وبنوا ومولوه رشفوه قد الروم مجال يف وأردية جبب احلربات، ثياب عليهم العرص، صىل حني مسجده ودخلوا املدينة، رجال بلحرث بن كعب، يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول اهللا K: ما رأينا وفدا مثلهم، وقد حانت صالهتم فأقبلوا يرضبون بالناقوس، وقاموا فصلوا يف مسجد رسول اهللا K، فقالت الصحابة: يا رسول اهللا! هذا يف مسجدك؟ فقال رسول اهللا K: دعوهم. :K فقال هلام رسول اهللا ،K فصلوا إىل املرشق. فتكلم السيد والعاقب إىل رسول اهللاأسلام، قاال: قد أسلمنا قبلك. قال: كذبتام، يمنعكام من االسالم دعاؤكام هللا ولدا، وعبادتكام الصليب، وأكلكام اخلنزير. قاال: إن مل يكن ولد اهللا، فمن أبوه؟ وخاصموه مجيعا يف عيسى. فقال هلام النبي K: ألستم تعلمون أنه ال يكون ولد إال ويشبه أباه؟ قالوا: بىل. قال: ألستم تعلمون أن ربنا حي ال يموت، وأن عيسى يأيت عليه الفناء؟ قالوا: بىل. قال: ألستم تعلمون أن ربنا قيم عىل كل شئ وحيفظه ويرزقه؟ قالوا: بىل. قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟ قالوا: ال. قال: ألستم تعلمون أن اهللا ال خيفى عليه شئ يف األرض وال يف السامء؟ قالوا: بىل. قال: فهل يعلم عيسى من ذلك إال ما علم؟ قالوا: ال. قال: فإن ربنا صور عيسى يف الرحم كيف شاء، وربنا ال يأكل وال يرشب وال حيدث. قالوا: بىل. قال: ألستم تعلمون أن عيسى محلته أمه كام حتمل املرأة، ثم وضعته كام تضع املرأة ولدها، ثم غذي كام يغذ الصبي، ثم كان يطعم ويرشب وحيدث؟ قالوا: بىل. قال: فكيف يكون هذا كام زعمتم؟ فسكتوا. فأنزل

اهللا فيهم صدر سورة آل عمران إىل بضع وثامنني آية.(١)دار ص٢٧٦، ج١ البغوي، البغوي، وتفسري ص٥٢٣. ج٢ سابق، مصدر البيان، جممع انظر، (١)

املعرفة - بريوت.

Page 287: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٨٧ العلم اإلهلي

ورو ذلك أيضا السيوطي عن جمموعة أخر منهم ابن جرير عن ابن عباس وقتادة والسدي وعكرمة وابن جريح، وابن أيب حاتم عن ابن عباس، جريح، ابن املنذر عن وابن قيس، األزرق بن قتادة وعن محيد عن وعبد بن

وابن سعد عن األزرق بن قيس، وآخرين(١).دفعة كاملة السورة نزول الظاهر بأن ذلك عىل امليزان صاحب أشكل وقد واحدة، بدليل أن «آياهتا ظاهرة اإلتساق واالنتظام من أوهلا إىل آخرها، متناسبة آياهتا، مرتبطة أغراضها»(٢)، وهو ال يعرتض عىل أصل احلادثة، وإنام عىل ربطها بنزول أول

السورة، واعتربه جمرد اجتهاد من الرواة(٣).وأما سيد قطب فإشكاله يتجه نحو عدم تناسب التواريخ، نظرا ألن املوضوع ح أن اآليات نزلت يف السنوات األوىل من املعالج يف السورة وطريقة عالجها له يرج

اهلجرة، بينام وفد نجران من وقائع وأحداث السنة التاسعة من اهلجرة(٤).يف دروزة عزة حممد األستاذ «يذكر فيها قال عبارة تفسريه حاشية يف وأضاف كتابه القيم (سرية الرسول: صورة مقتبسة من القرآن الكريم) أنه «يستفاد من الروايات أن هذا الوفد قد قدم إىل املدينة يف الربع األول من اهلجرة» وال أدري إىل أي الروايات استند يف حتديد هذا التاريخ. فكل الروايات التي رجعت إليها حتدد العام التاسع أو ال تذكر إال قصة وفد نجران مع بقية الوفود (ومعروف أن عام الوفود هو العام التاسع).

نعم ذكر ابن كثري يف التفسري احتامل أن وفد نجران كان قبل احلديبية(٥) ومل يقل (١) الدر املنثور، جالل الدين السيوطي، ج٢ ص٣٧، دار املعرفة للطباعة والنرش - بريوت.

(٢) امليزان، مصدر سابق، ج٣ ص٥.(٣) املصدر نفسه ص١٦.

الثانية الطبعة جدة، - والنرش للطباعة العلم دار ج١ص٣٥٧، قطب، سيد القرآن، ظالل يف (٤)عرشة ١٩٨٦م.

(٥) تفسري ابن كثري، أبو الفداء اسامعيل ابن كثري القريش الدمشقي،ص٣٧٠، دار الكتاب العريب - بريوت، الطبعة األوىل ٢٠٠٤م. وللعلم فإن ابن كثري ال يظهر منه الركون إىل هذا االحتامل، بل

لقد نص يف موضعني عىل أن هذا الوفد قدم يف السنة التاسعة. أنظر ص٣٤٦ وص٣٦٩.

Page 288: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٨٨

عالم استند يف هذا االحتامل، ومل حيدد رواية عن السلف يستند إليها يف هذا االحتامل.وعىل أية حال. فإن احتامل نزول هذ اآليات يف وفد نجران متعلق باحتامل أن الوفد قدم قبل احلديبية. فإذا صح هذا صح ذلك. وأما إذا اعتمدنا الروايات الكثرية عن توقيت قدوم وفد نجران عام الوفود يف السنة التاسعة، فإننا نجد أنفسنا مضطرين

للفصل بني هذه اآليات واملناسبة التي تذكر الروايات أهنا نزلت فيها»(١).من الواضح أن اآليات من األوىل وحتى العرشين بعد املائة فيها لغة حوار وجمادلة حديث وسبعني ومخسة مائة حتى وعرشين وواحد مائة اآلية ومن الكتاب، أهل مع حول واقعة أحد، لذلك فإن القول بنزول السورة مجلة واحدة يف وقت واحد كام احتمله د يف السنة ق، لعدم التقارب الزمني بني واقعة أحد وحادثة املباهلة، فأح امليزان غري متسل أن تكون الوصايا والدروس التي توجهها الثالثة واملباهلة يف السنة التاسعة، وال يعقل أن يكون نزول اآليات ق ع ت إىل السنة التاسعة، كام ال ي ر اآليات عىل أثر واقعة أحد أخ. لت تدرجيا املتعلقة باملباهلة قبل حصوهلا بست سنني، لذا فاألقرب أن تكون السورة نز

هذا من جهة، ومن جهة أخر هل يمكن القول بالفصل يف التنزيل بني القسم األول من اآليات، أي املائة والعرشين، بأن تكون اآليات املتعلقة باملباهلة -من ٥٩

إىل ٦٣- قد نزلت يف السنةالتاسعة، بينام نزل الباقي يف السنني األوىل من اهلجرة؟.توجد مالحظتان ينبغي التأكيد عليهام قبل كل يشء:

ورد يف سبب النزول املذكور أن اآليات املتعلقة بوفد نجران نيف وثامنون، . ١إال أن املوضوع الذي تتحدث عنه هذه اآليات ال ينفصل عن التي بعدها حتى اآلية مائة وعرشين، فجميعها حوار مع أهل الكتاب، ولذلك يصعب

الفصل بينها ما مل يقم دليل رصيح.ادعاه . ٢ وإنام اآليات، هذه فيه نزلت الذي الوقت النزول سبب يف ر يذك مل

األستاذ حممد عزة، وذكره ابن كثري عىل سبيل اإلحتامل فقط.(١) املصدر نفسه.

Page 289: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٨٩ العلم اإلهلي

لذلك نحن أمام احتاملني، أحدمها نزول اآليات املائة والعرشين دفعة واحدة بني التفصيل والثاين املباهلة، بحديث متعلقا ها مجيع يكون بحيث التاسعة السنة يف اآليات اخلمس املتعلقة باملباهلة وبقية اآليات، بأن تكون األخرية نزلت يف السنوات األوىل من اهلجرة، وآيات املباهلة يف السنة التاسعة، ومقتىض اإلحتامل الثاين حصول حادثتني متشاهبتني لوفد نجران، بأن يكونوا قد جاءوا إىل املدينة يف السنوات األوىل ثم املباهلة، إىل اللجوء غري من املذكور احلوار K األكرم النبي وبني بينهم ودار جاءوا مرة أخر يف السنة التاسعة وتكرر احلوار نفسه بضميمة املباهلة. بينام مقتىض اإلحتامل األول حصول حادثة واحدة فقط يف التاسعة التي تم اللجوء فيها إىل املباهلة،

وهي سبب نزول اآليات املائة والعرشين.والظاهر أن اإلحتامل األول هو األقرب للصحة، إذ ال وجود لنص روائي وال ن عىل تكرار احلادثة، بل النص عىل خالف ذلك، فقد ورد عن أهل قرينة تارخيية يدالالبيت A أخبار صحيحة حتكي ما هو قريب جدا من سبب النزول املذكور عند احلديث عن آيات املباهلة، وذلك يشري إىل أن السبب املذكور سلفا هو عينه املذكور لوه رووا ذلك السبب مل يذي يف كالم أهل البيت A، وغاية ما يف األمر أن الذين

باملباهلة إما غفلة أو اشتباها، بينام ذكر أهل البيت A السبب مشفوعا باملباهلة.فقد ورد يف خرب صحيح عايل اإلسناد عن عيل بن إبراهيم قال حدثني أيب عن النرض بن سويد عن ابن سنان عن أيب عبد اهللا C: أن نصار نجران ملا وفدوا عىل رسول اهللا K، وكان سيدهم األهتم والعاقب والسيد، وحرضت صالهتم فأقبلوا مسجدك؟!، يف هذا :K اهللا رسول أصحاب فقال وصلوا، بالناقوس يرضبون

فقال: دعوهم. فلام فرغوا دنوا من رسول اهللا K فقالوا: إىل ما تدعون؟ فقال: إىل شهادة أن ال إله إال اهللا وأين رسول اهللا وأن عيسى عبد خملوق يأكل ويرشب وحيدث، قالوا: C فقال: قل هلم: ما تقولون يف آدم K فمن أبوه؟، فنزل الوحي عىل رسول اهللاأكان عبدا خملوقا يأكل ويرشب وينكح، فسأهلم النبي K، فقالوا: نعم، فقال: فمن

Page 290: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٩٠

أبوه؟ فبهتوا فبقوا ساكتني، فأنزل اهللا {z y x w v } |{ ~ ے ¡ {...º ¹ ¸ ¶ μ ´ ³ ² ±} :اآلية، وأما قوله {...¦ ¥ ¤ £ ¢فباهلوين :K اهللا رسول فقال {Ê É È Ç Æ} قوله: إىل فإن كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم، وإن كنت كاذبا نزلت عيل، فقالوا: أنصفت.

فتواعدوا للمباهلة.فلام رجعوا إىل منازهلم قال رؤساؤهم السيد والعاقب واألهتم: إن باهلنا بقومه باهلناه فإنه ليس بنبي، وإن باهلنا بأهل بيته خاصة فال نباهله فإنه ال يقدم عىل أهل املؤمنني أمري ومعه K اهللا رسول إىل جاؤوا أصبحوا فلام صادق، وهو إال بيته فقيل هؤالء؟، ن م :النصار فقال عليهم، اهللا صلوات واحلسني واحلسن وفاطمة وهذان ابناه وهذه بنته فاطمة، وختنه عيل بن أيب طالب، ووصيه هذا ابن عمه هلم: احلسن واحلسني A، فعرفوا وقالوا لرسول اهللا K: نعطيك الرىض فاعفنا من

املباهلة، فصاحلهم رسول اهللا K عىل اجلزية وانرصفوا.(١)فهذه الرواية حتكي يف اجلملة احلادثة نفسها املذكورة يف سبب النزول، وواضح أهنا متعلقة باملباهلة، مما يدلل عىل أن اآليات املائة والعرشين بأمجعها هلا سبب نزول واحد وهو املباهلة وما رافقها من حوار بني النبي األكرم K ووفد نصار نجران.

والعرشون املائة فاآليات تدرجيا، نزلت السورة بأن أمامنا يتضح ذلك ومن آخر إىل وربام ١٧٥ إىل ١٢١ من اآليات نزلت بينام التاسعة، السنة يف نزلت األوىل السورة بعد واقعة أحد، وهذا لعله كان السبب يف حصول اخللط واإلشتباه عند بعض املفرسين، فوجود آيات متعلقة بواقعة أحد التي حصلت يف السنة الثالثة جعل البعض يتصور بأن السورة بأكملها نزلت يف ذلك الوقت، بينام األصح التفصيل بني اآليات

يف تاريخ النزول بالطريقة التي حققناها.

(١) تفسري القمي، مصدر سابق، ج١ ص١٠٤.

Page 291: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٩١ التفاتة

التفاتة

رواه الذي ا سلف املذكور النزول سبب يف الوارد النص بني املقارنة خالل من بعض املفرسين، وبني النص الصحيح الوارد عن أهل البيت الكرام A يف احلادثة الثاين، يف هلا وجود وال األول يف مضافة عبارة نجد نجران، نصار بوفد املتعلقة بالنبل امليلء K األكرم النبي عن املعهود اخلطاب مع تتناسب ال أهنا والظاهر كام بالكذب الوفد سادة C النبي اهتم عندما وذلك السامية، األخالق واللني هلام فقال ،K اهللا رسول إىل والعاقب السيد التايل «فتكلم املقطع يف مالحظ هو رسول اهللا K: أسلام، قاال: قد أسلمنا قبلك. قال: (كذبتام)، يمنعكام من االسالم دعاؤكام هللا ولدا، وعبادتكام الصليب، وأكلكام اخلنزير، فليس معهودا عن املصطفى K هذا األسلوب اهلجومي واملنطق اخلشن عند حماورة اآلخرين، بل منطقه دائام يفيض منه الرمحة واحلب واآلداب العالية، وال يتوسل إال بالدليل العلمي واحلجج

العقلية.يف مقابل ذلك الحظ املنطق الرائع واألسلوب األخالقي الرفيع يف النص الوارد عن أهل البيت الكرام عليه الصالة والسالم، فقد جاء فيه هذا املقطع «فقال رسول نزلت كاذبا كنت وإن عليكم، اللعنة أنزلت صادقا كنت فإن فباهلوين :K اهللاعيل، فقالوا: أنصفت»، فلم هيامجهم بكلامت خشنة، ومل يتهمهم بالكذب مبارشة مع

Page 292: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٩٢

ذلك كل من وحاشاه الفاحش، بالكالم معهم يتكلم ومل حق، عىل يكونوا مل أهنم الرجس وطهرهم وجل عنهم عز اهللا أذهب وقد وعىل آله، كيف عليه اهللا صلوات

تطهريا، وكيف وهو من وصفه اهللا سبحانه باخللق العظيم.عليه ت نص ما متاما هو A البيت أهل عن الوارد الرفيع األسلوب وهذا .(١){N M L K J I H G F} آية قرآنية كريمة، فقد قال سبحانهيضع ذلك مع لكنه باطل، عىل وأهنم حق عىل أنه يقينا يعلم K النبي أن فمع بقوة هي إنام والعربة اآلخر، مع احلوار عند اإلنصاف باب من أمامهم الفرضيتني الدليل العلمي، ال الرصاخ والتكاذب والرتاشق باأللفاظ النابية املجافية لألخالق. ر لنا القرآن الكريم وأهل البيت A األخالق احلوارية للمبعوث رمحة هكذا يصو

للعاملني صلوات اهللا عليه وعىل آله الطاهرين.

(١) سبأ ٢٤.

Page 293: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٩٣ م مطلق ل ع

علم مطلق

{Q P O N M L}

ملفهوم تقريرها سبيل يف اإلثبات من بدال النفي أسلوب املباركة اآلية ت بع ات P O N} العلم اإلهلي، أي أهنا مل تقل بأن اهللا عز وجل يعلم كل يشء، وإنام قالتQ}، وفرق بني األمرين من جهات، وإن كانت النتيجة واحدة، فإذا كان ال خيفى م هذا األسلوب هنا، عليه يشء فهو يعلم كل يشء، والعكس صحيح. فلامذا يستخد

وما هي دالالته؟إذا تبني لنا بأن اآلية تالحظ املورد هنا وهو جمادلة أهل الكتاب حول نبي اهللا هذا من املراد لنا يتضح اإلهلي، العلم مفهوم عن الكشف سبيل يف C عيسى األسلوب. فإذا كان علم نبي اهللا عيسى C حمدودا من حيث الكم والزمان واملكان حيث ختفى عليه أشياء، فإن العلم اإلهلي مطلق ال حدود له ألن اهللا عز وجل ال خيفى

عليه يشء ال بلحاظ الكم وال الزمان واملكان، وهلذا فهو حميط باألرض والسامء.وقد يكون التعبري بعدم اخلفاء أبلغ من التعبري بالعلم إلثباب سعة العلم اإلهلي ومستو حضوره، فعلم اهللا عز وجل باليشء يعني عدم اخلفاء واملعرفة التامة به بال وال مطلق بشكل باليشء عامل سبحانه اهللا أن يعني اخلفاء بعدم القول لكن شك،

Page 294: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٩٤

يمكن لذلك اليشء املعلوم أن يتوار أو خيتفي عن العني اإلهلية وال بنسبة بسيطة.حلظة، كل يف حارضا اليشء ذلك يكون أن منه يلزم ال باليشء العلم أن كام يف أما متفاوتا، يكون قد آن يف حضورها مستو لكن معلومة تكون قد فاألشياء حال عدم اخلفاء فيكون مستو احلضور واحدا، فإذا قلنا أنه ال خيفى لزم من ذلك أن

يكون حارضا يف كل حال، واهللا العامل.هذا وكون اخلطاب من قبيل النكرة يف سياق النفي يفيد العموم، فاآلية قالت {Q} عىل سبيل النكرة، ومل تقل (اليشء) عىل سبيل املعرفة، وذلك يعني ال خيفى عليه كل يشء أو أي يشء، سواء كان كبريا أو متناهيا يف الصغر، موجودا كان أو بعد مازال معدوما، قريبا من حيث الزمان واملكان أو بعيدا، كان من املايض أو احلارض أو يا كان أو تفصيليا، وغري ذلك كثري، فال يمكن أن خيفى عليه سبحانه أي املستقبل، كل

ره أو مل نكن. يشء سواء كنا قادرين عىل تصويف هامة مدخلية هلا أيضا أخر جهة وثمة العموم، منها يستفاد جهة هذه يف املتداولة العامة املفاهيم من وهو ،{Q} قالت اآلية أن وذلك العموم، حتقيق البحث الفلسفي والكالمي غالبا، وذلك أن الشيئية ترادف الوجود، فإذا قلنا «يشء وكل بيشء، فليس موجودا يكون ال ما وكل يشء، فهو موجود وكل موجود، فهو ما ال يكون شيئا فليس بموجود»(١). بالتايل ال يوجد «مفهوم أعم من مفهوم اليشء،

وهو من املفاهيم العامة التي تنضوي حتت مظلتها مجيع الوجودات»(٢).

{V U T S R}

السامء واألرض عندما تذكران معا فذلك إشارة إىل الوجود بأكلمه كام سيأيت ال عند احلديث عن خلق السامء واألرض. بيانه مفص

(١) التدبر يف القرآن، مصدر سابق، ص٦٥٦.(٢) املصدر نفسه.

Page 295: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٩٥ م مطلق ل ع

أما ما يلفت النظر هنا فهو تقديم األرض عىل السامء، إذ يف أكثر موارد اإلجتامع م ذكر السامء عىل األرض، ما عدا موارد قليلة جدا(١)، فام من بداية القرآن إىل هنايته قد

سبب ذلك؟ K النبي وكان ،C عيسى اهللا نبي أتباع مع اجلدل سياق يف اآلية ألن العلم أن وحيث ،C عيسى النبي وعلم اإلهلي العلم مستو بني هلم يقارن العلم بأن جهة من د لتؤك الرتقي، نحو عىل اآلية جاءت باألرض، متعلق البرشي اإلهلي بلحاظ األرض مطلق ال نسبي، ألنه حميط بكل يشء، ومن جهة أخر بأنه ال يقترص عىل األرض بل ويشمل السامء التي هي أعظم من األرض بكثري، فكأن اآلية ختاطب وفد نجران بأن عيسى إذا كان يعلم ببعض ما يف األرض فاهللا سبحانه يعلم بجميع ما فيها، بل ويعلم بكل يشء فيام هو أعظم منها وهي السامء. ومن مجيل ما قاله يء يف الذكر باألرض ليتسنى التدرج يف العطف إىل األبعد يف صاحب التحرير «وابتداحلكم، ألن أشياء األرض يعلم كثريا منها كثري من الناس، أما أشياء السامء فال يعلم

أحد بعضها فضال عن علم مجيعها»(٢).م الرتقي من لسان اآلية، إذ مل تأت عىل سبيل العطف املبارش، أي مل تقل فه وي(يف األرض والسامء)، مع أن هذا اإلستعامل يعني الوجود بأكلمه أيضا، وإنام قالت يف وال بل األرض يف يشء عليه خيفى ال ذلك: ومفاد ،{V U T S R}

السامء أيضا التي هي أعظم بكثري من األرض.ويف مثل هذا التأكيد رسالة هامة للبرش، بأن من أراد سرب أغوار العلم واملعرفة، ال التي فقط، اإلنسانية العلوم حدود يف ليس فعلمه سبحانه، باهللا يرتبط أن ينبغي ، بالنسبة ، بل علمه سبحانه مطلق دائام تتجاوز حدود بعض األرض، فهي نسبية دائامجلميع ما يف األرض، بل والعلوم الغيبية املرتبطة بالسامء. فمن يأخذ علمه عن مصدر

إهلي سيكون قادرا عىل كشف حقائق األرض والسامء وأرسارمها.(١) أنظر سورة إبراهيم آية ٤٨، وطه آية ٤.

(٢) التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج٣ ص١٢.

Page 296: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 297: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٩٧ تصوير يف األرحام

تصوير في األرحام

{_ ] \ [ Z Y X} يضعنا هذا املقطع من اآلية السادسةية أخر للعلم اإلهلي، ومفادها أن العلم اإلهلي ليس بمعزل عن القدرة أمام خاصعىل الترصف، أي هو ليس جمرد معرفة، بل يتعداها إىل الفعل، فاهللا سبحانه ليس عاملا

وعارفا باليشء فحسب، بل هو خالق لليشء املعلوم.فإذا كان كذلك، فعلم اهللا عز وجل باليشء ال ينفصل عنه من بداية نشوئه، ألنه هو الذي ابتدأ إنشاءه، كام أنه عامل بجميع عنارص اليشء وأرساره وقوانينه، ألنه هو الذي أوجده وخلقه عىل هيئته، وهو أيضا قادر عىل التحكم فيه، ألنه هو الذي خلق

.{\ [ Z Y X} مة فيه قوانينه املتحكوال الغري، إرادة بحسب وال العبث، نحو عىل يكون ال اليشء يف والتحكم

باخلضوع إىل ظروف خارجية ضاغطة، بل بحسب ما يشاء اهللا عز وجل ويريد { [ .{^

والظاهر أن هذا اخلطاب يف سياق اجلدل مع وفد نصار نجران، وبالتايل فيه اهللا إىل منتسبا كان وإن البرشي والعلم الالحمدود اإلهلي العلم بني املقارنة من نوع ينطبق ال اإلهلي للعلم خاصية من كر ذ ما فإن بالتايل .A اإلنبياء كعلم سبحانه

عىل العلم البرشي.

Page 298: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٢٩٨

تأيت بعد ذلك بعض التساؤالت: ماذا يعني التصوير يف األرحام؟.

ما داللة هذا املستو من العلم والقدرة؟.لن أتكلم هنا عن آلية التصوير فهو من اختصاصات علامء األحياء(١)، والذي هيمنا أن التصوير يف األرحام يعني أن اهللا عز وجل هو الذي خلق القوانني الطبيعية التي تنظم عملية التصوير، وال يمكن ألحد جتاوز تلك القوانني، نعم يمكن اإلستفادة

منها وتسخريها.باليشء العلم عىل يقترص ال فهو اإلهلي، العلم حمدودية ال ذلك وداللة وبخصوصياته، بل يتعداه إىل التحكم يف املعلوم قبل أن يصبح معلوما، والتحكم ال خيضع ألي إرادة خارجية، بل متمحض يف املشيئة اإلهلية، وهذه املشيئة ليست مزاجية ،{e d c b a `} بل منطلقة من حكمة، وهذا مفاد ما جاء يف عجز اآليةفال مشيئة إال مشيئته، وهو عزيز ال يغلبه عىل مشيئته أي يشء، وحكيم ال يضع األمور

إال يف مواضعها وبمقاسات خاصة.احلقائق، ليس فيه شك وال ريب أو مطلق ومهيمن عىل بالتايل فالعلم اإلهلي تردد، وليس فيه نسبية من أي جهة من اجلهات، هلذا فاإلتصال هبذا العلم هو الطريق

للوقوع عىل احلقائق العملية.وأما مفهوم التصوير، فالذي يظهر من الروايات شموله ملجاالت أربعة:

الشكل والصورة اخلارجية.. ١العامل الوراثي.. ٢اجلنس، ذكر أم أنثى.. ٣مسرية احلياة بكاملها.. ٤

ج١ النجار، زغلول للدكتور الكريم»، القرآن يف الكونية اآليات «تفسري كتاب مثال انظر (١)ص١٣١، مكتبة الرشوق الدولية - القاهرة، الطبعة الثانية ٢٠٠٨م.

Page 299: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٢٩٩ تصوير يف األرحام

عن اعتبارها(١)- -والظاهر والفقيه العلل رواية من يظهران والثاين فاألول الصادق C قال: «إن اهللا تبارك وتعاىل إذا أراد أن خيلق خلقا مجع كل صورة بينه وبني أبيه إىل آدم(٢) ثم خلقه عىل صورة أحدهم(٣) فال يقولن أحد(٤) هذا ال يشبهني

وال يشبه شيئا من آبائي»(٥).الصورة إىل إشارة يشبهني» «ال و أحدهم» صورة عىل «خلقه :C فقولهوالشكل اخلارجي لإلنسان، وقوله: «مجع كل صورة بينه وبني أبيه إىل آدم ثم خلقه

عىل صورة أحدهم» إشارة إىل العامل الوراثي. C حت هبام صحيحة(٦) زرارة عن أيب جعفر والرابع باإلضافة إىل األول رصقال: ( إن اهللا عز وجل إذا أراد أن خيلق النطفة التي مما أخذ عليها امليثاق يف صلب آدم أو ما يبدو له فيه وجيعلها يف الرحم، حرك الرجل للجامع وأوحى إىل الرحم أن افتحي بابك حتى يلج فيك خلقي وقضائي النافذ وقدري، فتفتح الرحم باهبا فتصل النطفة إىل الرحم فرتدد فيه أربعني يوما، ثم تصري علقة أربعني يوما، ثم تصري مضغة أربعني يوما، ثم تصري حلام جتري فيه عروق مشتبكة، ثم يبعث اهللا ملكني خالقني يف األرحام الروح وفيها الرحم إىل فيصالن املرأة فم من املرأة بطن يف فيقتحامن اهللا يشاء ما القديمة املنقولة يف أصالب الرجال وأرحام النساء، فينفخان فيها روح احلياة والبقاء

C (١) ففي العلل يروهيا الصدوق بسند صحيح إىل جعفر بن بشري، وجعفر يروهيا عن الصادقأنه جعفر عن النجايش قاله ما لوال بضعفها، القول واملفروض مرسلة فتكون رجل، بواسطة رو عن الثقات. أنظر رجال النجايش، مصدر سابق، ص١١٩. إضافة لورودها يف الفقيه بلفظ

(قال الصادق).(٢) هذا نص العلل، ويف الفقيه (بينه وبني آدم).

(٣) يف الفقيه (عىل صورة إحدهين).(٤) يف الفقيه (أحد لولده).

ج٣ الصدوق، الشيخ الفقيه، حيرضه ال ومن ص١٠٣. ج١ سابق، مصدر الرشائع، علل (٥)ص٤٨٤، منشورات مجاعة املدرسني يف احلوزة العلمية بقم، الطبعة الثانية ١٤٠٤هـ.

(٦) يروهيا حممد بن يعقوب الكليني عن حممد بن حييى عن أمحد بن حممد، وعيل بن إبراهيم عن أبيه، مجيعا عن ابن حمبوب عن ابن رئاب عن زرارة.

Page 300: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٠٠

يوحي ثم اهللا، بإذن البطن يف ما ومجيع اجلوارح ومجيع والبرص السمع له ويشقان اهللا إىل امللكني اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذ أمري واشرتطا يل البداء فيام تكتبان، فيقوالن: يا رب ما نكتب؟ فيوحي اهللا إليهام أن ارفعا رؤوسكام إىل رأس أمه، فريفعان وزينته صورته اللوح يف فيجدان فيه فينظران أمه، جبهة يقرع اللوح فإذا رؤوسهام وأجله وميثاقه شقيا أو سعيدا ومجيع شأنه، قال: فيميل أحدمها عىل صاحبه فيكتبان مجيع ما يف اللوح ويشرتطان البداء فيام يكتبان، ثم خيتامن الكتاب وجيعالنه بني عينيه ثم يقيامنه قائام يف بطن أمه، قال: فربام عتى فانقلب، وال يكون ذلك إال يف كل عات أو مارد، وإذا بلغ أوان خروج الولد تاما أو غري تام أوحى اهللا عز وجل إىل الرحم أن افتحي بابك حتى خيرج خلقي إىل أريض وينفذ فيه أمري فقد بلغ أوان خروجه، قال: فيفتح الرحم باب الولد فيبعث اهللا إليه ملكا يقال له زاجر فيزجره زجرة فيفزع منها الولد فينقلب فيصري رجاله فوق رأسه ورأسه يف أسفل البطن ليسهل اهللا عىل املرأة وعىل الولد اخلروج، قال: فإذا احتبس زجره امللك زجرة أخر فيفزع منها فيسقط

الولد إىل األرض باكيا فزعا من الزجرة»(١).الصورة إىل يشري اجلوارح» ومجيع والبرص السمع له فقوله C: «ويشقان سعيدا أو شقيا وميثاقه وأجله وزينته صورته اللوح يف وقوله: «فيجدان اخلارجية، آثار من عليها يرتتب وما احلياة يف الكاملة اإلنسان مسرية إىل يشري شأنه» ومجيع

ونتائج أخروية.والثالث يظهر من رواية العلل عن أمري املؤمنني C، فقد جاء فيها «ثم يبعث اهللا ملك األرحام فيأخذها فيصعد هبا إىل اهللا عز وجل فيقف منه ما شاء اهللا، فيقول: يا

رب أذكر أم أنثى، فيوحي اهللا عز وجل ما يشاء، ويكتب امللك»(٢).وصورته اإلنسان جنس يشمل واسعا مفهوما للتصوير تعطي فالروايات اخلارجية والعوامل املؤثرة فيه وراثيا ومسريته الكاملة يف احلياة وماذا ستتمخض عنه

(١) الكايف، مصدر سابق، ج٦ ص١٣.(٢) علل الرشائع، مصدر سابق، ج١ ص٩٥.

Page 301: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٠١ تصوير يف األرحام

يف العامل اآلخر. ° ¯ ®} سبحانه قال كام اخللق، عن متأخرة مرحلة وهو ±}(١)، والفارق بينهام نرتك احلديث عنه إىل أن نصل إىل هذه اآلية من سورة

األعراف بإذن اهللا تعاىل.ففي بامليل، التصوير ف ر ع فقد باإلنتباه، جديرة مالحظة توجد اللغة ويف إليك. أملته إذا وأرصته: أصوره اليشء ت ورص مال. إذا ر: يصو «صور املقاييس ت إيل اليشء ب، كأنه مال وسقط»(٢)، ويف التهذيب «رص ر، ملا رض وجييء قياسه تصو

وأرصته: إذا أمتله إليك، ويقال صاره يصوره ويصريه: إذا أماله»(٣).ما يعني أن التصوير يستتبع إمالة إىل يشء، أي أن صورة اإلنسان باملعنى العام املذكور تكون يف هيئتها وعنارصها املؤثرة ومسريهتا مائلة إىل يشء ما، أي تشرتك مع ذلك اليشء يف بعض اخلواص بحيث تكون شبيهة له بنسبة. فإىل ماذا تكون اإلمالة يف تصوير اإلنسان؟ مع مالحظة بأن تعيني وجه الشبه هذا ال يكون من بداية اخللق،

وإنام عند التصوير يف األرحام.قل من املفرسين من تعرض هلذا األمر، باستثناء الواحدي الذي ذهب إىل أن اإلمالة تكون لألبوين، أي عامل الوراثة، فقد جاء يف عبارته «التصوير جعل اليشء عىل صورة، والصورة هيأة حاصلة لليشء عند إيقاع التأليف بني أجزائه وأصله من هلذا نجد وقد أبويه»(٤). شكل إىل مائلة ألهنا صورة فهي أماله، إذا يصوره صاره التوجيه ما يؤيده يف رواية العلل والفقيه املتقدمة، خصوصا عند قوله C: «إن اهللا تبارك وتعاىل إذا أراد أن خيلق خلقا مجع كل صورة بينه وبني أبيه إىل آدم ثم خلقه عىل

(١) األعراف ١١.(٢) معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج٣ ص٣٢٠.

ج٦ سابق، مصدر الكريم، القرآن كلامت يف التحقيق عن نقال ص٢٢٧، ج١٢ التهذيب، (٣)ص٣٦١.

(٤) التفسري الكبري، مصدر سابق، ج٧ ص١٤٤.

Page 302: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٠٢

صورة أحدهم».وهذا التوجيه قد يكون مقبوال بمقدار، خصوصا بعد النظر إىل الرواية، لكنه له يكن مل C آدم أن بدليل ،أخر أمورا تشمل قد اإلمالة أن أي شامال، ليس أبوان، ومع ذلك جر عليه من التصوير ما جر عىل بقية البرش، كام يف قوله سبحانه أن عىل تنص فاآلية .(١){¶ μ ´ ³ ² ± ° ¯ ®}ر قيل للمالئكة اسجدوا، و لق وص التصوير وقع أيضا عىل آدم C، فهو بعد أن خ

فإىل ماذا كانت اإلمالة بالنسبة آلدم C؟ عىل دلت فقد ،{± ° ¯} اجلمع بصيغة جاءت اآلية وألن أن نمط التصوير بالنسبة آلدم C متطابق مع نمط التصوير بالنسبة لسائر البرش. لذلك فاإلمالة بالنسبة لبقية البرش -كام بالنسبة آلدم- ال تتعلق باألبوين، مع إمكان

تعلقها هبام بالنسبة لبقية البرش دون آدم.قد تكون اإلمالة إىل الفطرة {© ª » ¬ ® ¯}(٢)، خصوصا أن املسرية أيضا يشمل وإنام املتوارثة، والطباع اخلارجية اهليئة عىل يقترص ال التصوير سعيدا النهاية يف منه جيعل الذي بامليثاق التزامه ومستو لإلنسان والدينية احلياتية أو شقيا، كام جاء يف صحيحة زرارة املتقدمة «فيجدان يف اللوح صورته وزينته وأجله

سبحانه {6 قوله يف إليها أشري التي الفطرة هو وامليثاق ،« سعيدا أو شقيا وميثاقه IH GF E DC B A @ ? > = < ; : 9 8 7R Q P O N M L K J}(٣). وهذا ما يتحد فيه مجيع البرش، ولذلك قد تكون اإلمالة يف التصوير إىل هذه الفطرة. وبالطبع فإن ذلك ال يمنع أن يضاف يف

اإلمالة حلاظات وأمور أخر مع مرور األزمان.وأصلها رحم مجع وهي األرحام، يف يكون اإلمالة فيه بام التصوير إن ثم

(١) األعراف ١١.(٢) الروم ٣٠.

(٣) األعراف ١٧٢.

Page 303: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٠٣ تصوير يف األرحام

الرمحة(١)، ألهنا مما يرتاحم به(٢)، أو ألن اإلشرتاك يف الرحم يوجب الرمحة والعطف(٣)، م ويرق له من ولد(٤). وال تعارض وكالمها واحد، وقيل ألن منها ما يكون ما يرحبينها، فهو مركز تتجىل فيه الرمحة بالولد الضعيف حني يكون جنينا، واشرتاكه مع أمه حيث أنه يف قطعة من جسمها، ومع إخوانه وأخواته يعيشون فيه هذا املكان تباعا، كل ذلك له أثر عىل اجلانب النفيس عند اإلنسان، وهو الرمحة التي تدل عىل الرقة والعطف

والرأفة(٥).بالتايل فالتصوير الذي يكون يف األرحام هو مظهر من مظاهر رمحة اهللا سبحانه عن أكرب بتفصيل نتحدث وسوف رمحته. لريينا األرحام يف جعله أنه أي وتعاىل.

.الرحم يف مناسبة أخر

التصوير دليل الخلق

ألن اآلية يف سياق اجلدل مع نصار نجران، فهي تنفي ألوهية نبي اهللا عيسى C عرب إثبات تصويره يف الرحم، وكأن اآلية ختاطبهم بام هو مرتكز يف أذهاهنم أو بام هو معدود من املسلامت عندهم، حيث أن إثبات التصوير يدل عىل ثبوت اخللق،

وبالتايل نفي األلوهية.فاآلية عندما تقول {z y x w v } |{ ~ ے ¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦}(٦)، فهي تنص عىل أن عيسى C خملوق، لكن كيف يثبت ذلك وهو من

غري أب؟

(١) التفسري الكبري، مصدر سابق، ج٧ ص١٤٤. واجلامع ألحكام القرآن، مصدر سابق، ج٤ ص٧.(٢) اجلامع ألحكام القرآن، ج٤ ص٧.

(٣) التفسري الكبري، ج٧ ص١٤٤.(٤) معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج٢ ص٤٩٨.

(٥) املصدر نفسه.(٦) آل عمران ٥٩.

Page 304: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٠٤

هذا ما أجابت عنه اآلية هنا، ليس فقط بأنه مر عىل عامل األرحام، وإنام خضع كام خلق، بال حيصل ال أنه أي اخللق، عن متأخرة مرحلة والتصوير فيه، للتصوير يف ر و ص قد C عيسى كان فإذا ،(١){± ° ¯ ®} سبحانه قال

لق، وبالتايل فهو خملوق. األرحام، فالبد أن يكون قد خ

نكتة هامة

يف واردة هي ما وبحسب اللغة يف {]} استعامالت عاشور ابن ذكر تستحق لطيفة نكتة وهي ،{_^ ] \ [ Z Y X} سبحانه قوله اإللتفات إليها، وإليك نصها «و {[} هنا ليس فيها معنى اإلستفهام، بل هي دالة عىل جمرد معنى الكيفية، أي احلالة، فهي هنا مستعملة يف أصلها املوضوعة له يف اللغة، احلالة وهو والتكيف، الكيفية، مادة حروف عىل مشتملة أن (كيف) يف ريب ال إذ واهليئة، وإن كان األكثر يف االستعامل أن تكون اسم استفهام، وليست (كيف) فعال، ألهنا ال داللة فيها عىل الزمان، وال حرفا الشتامهلا عىل مادة اشتقاق. وقد جتيء (كيف) اسم رشط إذا اتصلت هبا ما الزائدة ويف كل ذلك ال تفارقها الداللة عىل احلالة، وال يفارقها إيالء اجلملة الفعلية إياها إال ما شذ من قوهلم: كيف أنت. فإذا كانت استفهاما ها فاجلملة بعدها هي املستفهم عنه فتكون معمولة للفعل الذي بعدها، ملتزما تقديمدت عن االستفهام كان موقعها من اإلعراب عليه، ألن لإلستفهام الصدارة، وإذا جر

عىل حسب ما يطلبه الكالم الواقعة هي فيه من العوامل كسائر األسامء.كيف، اسم إليها مضافا تعترب أن فاألظهر بعدها -حينئذ- التي اجلملة وأما أن العربية أهل بعض كالم يف وجر لإلضافة. املالزمة األسامء من كيف ويعترب

فتحة (كيف) فتحة بناء.تها ألهنا دائام متصلة بالفعل فهي م واألظهر عندي أن فتحة كيف فتحة نصب لز

معمولة له عىل احلالية أو نحوها، فلمالزمة ذلك الفتح إياها أشبهت فتحة البناء.(١) األعراف ١١.

Page 305: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٠٥ تصوير يف األرحام

فـ(كيف) يف قوله هنا { [ ^} يعرب مفعوال مطلقا لـ{Z}، إذ التقدير: حال تصوير يشاؤها كام قاله ابن هشام يف قوله تعاىل {6 7 8}(١).

قوله: لداللة حمذوف واجلواب رشطية، تكون أن املغني صاحب ز وجوقول وأما بام. مقرتنة إال الرشط يف تأيت ال ألهنا بعيد، وهو عليه، {Z}د حلنا عند مجهور أئمة الناس: كيف شاء فعل فلحن. وكذلك جزم الفعل بعدها قد ع

العربية»(٢).يشاء، نوع أي تقديره املصدر عىل نصب موضع «يف {] } املجمع ويف ر، أي يصوركم يف األرحام، أي خيلق صوركم ومجلة يشاء يف موضع احلال من يصو

ا أي نوع أراده»(٣). يف األرحام شائيا مريدد اإلهلي يف كيفية تصوير اإلنسان وعىل كال احلالني فـ{ [} تأكيد عىل التفرر، وأن كيفية التصوير خاضعة له ال يف األرحام، أي أنه هو سبحانه فقط الذي يصو

غري، وبحسب ما يشاء هو جلت قدرته.

(١) الفجر ٦.(٢) التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج٣ ص١٢.

(٣) جممع البيان، مصدر سابق، ج١ ص٥٢٤.

Page 306: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 307: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

q p o n m l k j i h g} ~ } | { z y x w v u ts r

¬ « ª ©¨ § ¦ ¥ ¤ £¢ ¡ ے{ ¼ » º ¹ ¸ ¶ μ´ ³ ² ± ° ¯ ®

Page 308: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 309: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٠٩ النص القرآين بني اإلحكام والتشابه

النص القرآني بين اإلحكام والتشابه

r q p o n m l k j i h g}ے ~ } | { z y x w v u ts ® ¬ « ª ©¨ § ¦ ¥ ¤ £¢ ¡

{» º ¹ ¸ ¶ μ´ ³ ² ± ° ¯

تمهيد

ما هو القرآن، وكيف نتعامل معه؟سؤال عريض وهام، وكل قاريء للقرآن الكريم ينبغي أن يقرر إجابته عليه. وهلذا السؤال، هذا عىل لإلجابة ا وواضح ا دقيق ا تفسري لنا تقدم املباركة اآلية وهذه

ت من اآليات املركزية يف القرآن الكريم. فهي تضعنا أمام تساؤالت كثرية: د عما املقصود باملحكم واملتشابه؟

وملاذا اإلحكام والتشابه يف النص القرآين؟

Page 310: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣١٠

ما هو موقفنا من اإلحكام والتشابه؟ما املراد من منهج التأويل؟

وهل ثمة عالقة بني التأويل من جهة واإلحكام والتشابه من جهة أخر؟كيف نتعامل مع هذا املنهج؟

طيات سنتناوهلا أخر وإثارات تفريعات هلا وستكون األسئلة أصول هذه هذه الدراسة.

Page 311: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣١١ اإلحكام والتشابه

اإلحكام والتشابه

ت كثر بعينه، ا تعريف هلام تضع ومل فقط العنوانني ذكرت املباركة اآلية ألن إىل األندليس حيان أبو أهناها فقد معنامها، تقرير يف واملفكرين املفرسين أقوال إىل امليزان والطباطبائي يف إىل سبعة عرش(٢)، عرشين قوال(١)، والسيوطي يف اإلتقان يف بعض وخلصها عرشة(٤)، عىل املنار يف رضا رشيد حممد اقترص بينام عرش(٣)، ستة (٦)، ويف مخسة كابن عاشور(٥)، أما الرازي فقد ذكر أربعة أقوال وتبنى هو قوال خامسال منها باملراجعة األولية سبعة وعرشون قوال، احلقيقة األقوال يف ذلك أكثر، فاملتحصح مع أن بعضها قد يتحد مع البعض اآلخر يف بعض اللحاظات، كام أن بعضها رصفيه بتعريف املحكم فقط أو املتشابه كذلك، ويلزم من ذلك تعريف ضمني ملا يقابله،

فتعريف املحكم فقط يعني أن ما يقابله هو املتشابه.الطبعة العلمية-بريوت، الكتب دار ص٣٩٦، ج٢ األندليس، حيان أبو املحيط، البحر تفسري (١)

األوىل ٢٠٠١م.(٢) اإلتقان يف علوم القرآن، جالل الدين السيوطي، ج٢ ص٣، دار الكتب العلمية-بريوت، الطبعة

الثانية ١٩٩١م.(٣) امليزان، مصدر سابق، ج٣ ص٣٢.(٤) املنار، مصدر سابق، ج٣ ص١٦٣.

(٥) التحرير والتنوير، ج٣ ص١٦.(٦) تفسري الرازي، ج٧ ص١٤٧.

Page 312: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣١٢

أفق بلحاظ بينها للتمييز ثالث جمموعات ضمن ا تباع استعراضها سنحاول مت عىل بعضها: التفسري، مع تتبع اإلشكاالت واملالحظات العلمية التي قد

املجموعة األوىل: (احلارصة للمفهومني يف آيات حمددة)املجموعة الثانية: (احلارصة للمفهومني يف آيات بحسب العنوان)

رة للمفهوم) املجموعة الثالثة: (املقر

Page 313: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣١٣ املجموعة األوىل: (احلارصة للمفهومني يف آيات حمددة)

المجموعة األولى: (الحاصرة للمفهومين في آيات محددة)

١- املحكم: سورة الفاحتة. نقله البحر املحيط عن أيب عثامن(١) من دون أن يذكر السبب. ويفهم من ذلك أن القرآن كله -ما عدا الفاحتة- متشابه.

٢- املحكم: سورة اإلخالص، «ألن ليس فيها إال التوحيد فقط». وقد نسب البحر املحيط هذا القول إىل حممد بن الفضل(٢).

البحر نسبه وأملر. كأمل السور، منها ج املستخر السور فواتح املحكامت: -٣املحيط إىل أيب فاخته(٣).

ب إىل ابن عباس يف أحد قوليه كام سيأيت ٤- املتشاهبات: فواتح السور(٤). نستفصيله يف القول اخلامس(٥).

§ ¦ ¥ ¤ £ ¢} األنعام سورة من ثالث آيات املحكامت: -٥(١) البحر املحيط، مصدر سابق، ج٢ ص٣٩٦.

(٢) املصدر نفسه، ص٣٩٧.(٣) املصدر نفسه.(٤) املصدر نفسه.

(٥) التفسري الكبري، مصدر سابق، ج٧ ص١٤٧.

Page 314: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣١٤

» º ¹¸ ¶ μ ´ ³ ²± ° ¯® ¬ « ª ©¨ Í Ì Ë Ê É È Ç ÆÅ Ä Ã Â Á À ¿ ¾ ½¼ ,+ * ) ( ' & % $ # " ! Õ Ô Ó Ò Ñ Ð ÏÎ ?> = < ; : 9 8 76 5 4 3 2 10 / . - ON M L K J I H G F E D CB A @Z Y X WV U T S R Q P ] \}(١)، واملتشاهبات هي التي تشاهبت عىل اليهود، وهي أسامء حروف اهلجاء املذكورة يف أوائل السور، وذلك فاختلط األمة هذه بقاء مدة منها يستخرجوا أن فطلبوا اجلمل حساب عىل لوها أو أهنم األمر عليهم واشتبه. وقد نسب هذا القول إىل ابن عباس(٢). وسنأيت للحديث عن موقف

اليهود عند التعرض لسبب النزول.٦- املحكامت: مخسامئة آية، ألهنا تبسط معانيها، فكانت أم فروع قيست عليها وتولدت منها، كاألم حيدث منها الولد، ولذلك سامها أم الكتاب، واملتشابه: القصص

ب إىل مقاتل(٣). واألمثال. نسمتشابه فهو ذلك سو وما واحلرام، احلالل من فيه ما املحكامت: -٧قوله ومثل ،(٤){t s r q p} قوله مثل وهو بعضا، بعضه يرصف

Ä Ã} قوله ومثل ،(٥){> = < ; : 9 8 7}È Ç Æ Å}(٦) رواه ابن جرير عن جماهد(٧). ونقله أبو حيان األندليس عن جماهد وعكرمة بعبارة قريبة أخر «املحكم ما بني تعاىل حالله وحرامه فلم تشتبه

(١) األنعام ١٥١-١٥٣.(٢) التفسري الكبري، ج٧ ص١٤٧.(٣) البحر املحيط، ج٢ ص٣٨٧.

(٤) البقرة ٢٦.(٥) األنعام ١٢٥.

(٦) حممد ١٧.(٧) تفسري املنار، مصدر سابق، ج٣ ص١٦٤.

Page 315: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣١٥ املجموعة األوىل: (احلارصة للمفهومني يف آيات حمددة)

معانيه، واملتشابه ما اشتبهت معانيه»(١).مل النقاش أن إال األوىل، املجموعة ضمن وردت التي األقوال أبرز هي هذه فاإلشكاالت ذلك ومع عباس، ابن عن نقل ما عىل للرتكيز عمد بل ا مجيع يتناوهلا ذكره ما قيل ما وأبرز املجموعة. هذه يف األقوال سائر إىل تتعد عليه الواردة الطباطبائي من «أنه قول من غري دليل ولو سلم فال دليل عىل انحصارمها(٢) فيهام(٣)، عىل أن الزمه وجود قسم ثالث ليس بمحكم وال متشابه مع أن ظاهر اآلية يدفعه»(٤)، أي لو حرصنا املحكامت يف اآليات الثالث، واملتشاهبات يف فواتح السور، للزم من م ذلك كون أكثر اآليات القرآنية ال حمكمة وال متشاهبة، بينام النص القرآين نفسه قس

اآليات إىل حمكامت ومتشاهبات فقط.بالطبع يقال هذا بناء عىل صحة نسبة هذا القول هبذا املستو إىل ابن عباس، وإال فقد ذهب الرازي والطباطبائي إىل كون املذكور من باب املثال ال أكثر، وإال فمراد ابن عباس ما هو أشمل من ذلك، فقد جاء يف تعليق الرازي بعد أن ذكر هذا القول يتغري أن جيوز ال ما منها قسمني إىل تنقسم تعاىل اهللا من الواردة التكاليف «وأقول: برشع ورشع، وذلك كاألمر بطاعة اهللا تعاىل، واالحرتاز عن الظلم والكذب واجلهل ومقادير الصلوات كأعداد ورشع برشع خيتلف ما ومنها حق، بغري النفس وقتل الزكوات ورشائط البيع والنكاح وغري ذلك، فالقسم األول هو املسمى باملحكم عند

ابن عباس، ألن اآليات الثالث يف سورة األنعام مشتملة عىل هذا القسم.بالنسبة اللفظ داللة يكون ما وهو باملجمل، سميناه الذي فهو املتشابه وأما إليه وإىل غريه عىل السوية، فإن داللة هذه األلفاظ عىل مجيع الوجوه التي تفرس هذه

(١) البحر املحيط، ج٢ ص٣٩٧.(٢) املحكم واملتشابه.

احلروف أخر جهة ومن جهة، من هذا حمكامت، بصفتها األنعام سورة من الثالث اآليات (٣)املقطعة بصفتها متشاهبات.

(٤) تفسري امليزان، مصدر سابق، ج٣ ص٣٢.

Page 316: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣١٦

األلفاظ هبا عىل السوية ال بدليل منفصل»(١).اإلستشهاد غري من عباس، ابن عن نقل ملا تفسري جمرد الرازي كالم إن ومع بقرينة تدل عليه، إال إن الطباطبائي أشار ملا يمكن أن يكون قرينة، قال: «الذي نقل عن ابن عباس أنه قال: إن اآليات الثالث من املحكامت ال أن املحكامت هي اآليات بن سعيد «أخرج ففيه املنثور، الدر يف السيوطي رواه بام واستشهد الثالث»(٢)، منصور وابن أيب حاتم واحلاكم وصححه وابن مردويه عن عبد اهللا بن قيس: سمعت ابن عباس يقول يف قوله منه آيات حمكامت، قال: الثالث آيات من آخر سورة األنعام

حمكامت: قل تعالوا، واآليتان بعدها»(٣).ا يف اإلتقان، فقد جاء فيه «وأخرج وأيد الطباطبائي ذلك بام رواه السيوطي أيضابن أيب حاتم من وجه آخر عن ابن عباس يف قوله تعاىل: {n m l}، قال:

k j i h g f} :من ها هنا {¢ £} إىل ثالث آيات، ومن ها هناالروايتني بأن القول إىل الطباطبائي خلص لذلك بعدها»(٤). آيات ثالث إىل {l

تشهدان أنه إنام ذكر هذه اآليات مثاال لسائر املحكامت ال أنه قرصها فيها(٥).بناء عىل ذلك يتبني بأن هذا النقل املنسوب البن عباس ليس قوال مستقال يف ا ا، بل يمكن أن يكون مصداق مقابل األقوال األخر، ومنها ما هو منسوب إليه أيضذلك مع واملتشابه. املحكم مفهوم تفسري يف إليه- اإلشارة -وستأيت عنه ورد ملا ل به عىل فاإليراد الذي قدمه الطباطبائي املذكور يف صدر هذه املناقشة يمكن أن يشك

بقية األقوال املصنفة ضمن املجموعة األوىل.القرآن مجيع بأن القول الرابع عدا ما األقوال هبذه التمسك من ويلزم هذا

(١) تفسري الرازي، مصدر سابق، ج٧ ص١٤٧.(٢) امليزان، ج٣ ص٣٢.

(٣) الدر املنثور، مصدر سابق، ج٢ ص٤.(٤) اإلتقان يف علوم القرآن، مصدر سابق، ج٢ ص٦.

(٥) امليزان، ج٣ص٣٢.

Page 317: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣١٧ املجموعة األوىل: (احلارصة للمفهومني يف آيات حمددة)

متشابه، يف الوقت الذي مدح فيه الباري عز وجل اتباع القرآن وذم اتباع املتشابه(١)، إذ يلزم من ذلك التناقض يف الكالم، فكيف يأمرنا اهللا سبحانه باتباع القرآن وينهانا

عن اتباع املتشابه مع أن مجيع القرآن إال ما شذ متشابه.املراد والسابع «أن السادس القول خصوص عىل ا تعليق الطباطبائي وأضاف يشمل حتى باللفظ املراد تشخيص عىل يعني ما مطلق كان إن ذكره الذي بالرصف التخصيص باملخصص، والتقييد باملقيد وسائر القرائن املقامية كانت آيات األحكام ا كغريها متشاهبات، وإن كان خصوص ما ال إهبام يف داللته عىل املراد وال كثرة أيضكون الزم كان بواسطته بغريه املراد ويتعني بنفسه، به املراد يتعني حتى حمتمالته يف غري القرآن معارف من بيشء العلم حيصل ال أن متشاهبة األحكام آيات سو ما األحكام ألن املفروض عدم وجود آية حمكمة فيها ترجع إليهااملتشاهبات منها، ويتبني لبعضها اآليات بعض رجوع جمرد بالرصف املراد كان فإن معانيها»(٢).بالتايل بذلك وما للمقيد واملطلق للخاص العام رجوع يف كام ظاهرة معانيها تكون حتى اآلخر ا متشاهبة، وبالتايل أشبه، فذلك ال ختلو منه حتى آيات األحكام، مما جيعلها هي أيضيسقط الفرق بني املحكم واملتشابه ويصبح القرآن بأمجعه متشاهبا. وإن كان املراد به اآليات الواضحة الداللة يف نفسها والتي تتعني داللة غريها بواسطتها، وأهنا منحرصة يف آيات األحكام فقط، وكل ما عداها متشابه، فمؤد ذلك حتقق التشابه وعدم إمكان

حتصيل العلم بأي يشء من معارف القرآن الكريم فيام عدا آيات األحكام.

(١) املصدر نفسه ص٣٣.

(٢) املصدر نفسه ص٣٧.

Page 318: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 319: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣١٩ املجموعة الثانية: (احلارصة للمفهومني يف آيات بحسب العنوان)

المجموعة الثانية: (الحاصرة للمفهومين في آيات بحسب العنوان)

١- املحكم هو الناسخ ألنه يؤمن به ويعمل به، واملتشابه املنسوخ ألنه يؤمن به (١) إضافة لقوله السابق املذكور وال يعمل به. وقد نسب هذا القول إىل ابن عباس أيضا

يف املجموعة األوىل برقم (٥)، كام نسب إىل ابن مسعود وناس من الصحابة(٢). وقد استند الطباطبائي إىل رواية يف الدر املنثور للقول بأن هذا القول املنسوب البن عباس إنام هو عىل سبيل املثال فقط، وإال فقوله أعم، فقد أخرج ابن جرير وابن وحالله ناسخه قال «املحكامت عباس ابن عن عيل طريق من حاتم أيب وابن املنذر ومؤخره ومقدمه منسوخه واملتشاهبات به، يؤمن وما وفرائضه وحدوده وحرامه

وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به وال يعمل به»(٣).لمت صحة النسبة، بعدم مع ذلك فالطباطبائي أشكل عىل هذا القول فيام لو سالدليل عىل انحصار املتشاهبات يف اآليات املنسوخة، إذ إن ابتغاء الفتنة والتأويل الذي هو من خواص اتباع املتشابه جار يف كثري من اآليات غري املنسوخة كآيات الصفات

(١) تفسري الرازي، ج٧ ص١٤٨.(٢) تفسري امليزان، ج٣ ص٣٤.

(٣) الدر املنثور، ج٢ ص٤.

Page 320: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٢٠

أي واملتشابه(١)، املحكم بني واسطة وجود القول هذا الزم بأن وأضاف واألفعال. غري اآليات الفرض بحسب هنا وهو واملتشابه، املحكم إىل باإلضافة ثالث قسم املنسوخة التي يؤمن هبا وال يعمل هبا إذ يمكن من خالهلا حتقق ابتغاء الفتنة وابتغاء

م اآليات إىل حمكامت ومتشاهبات فقط كام أسلفنا. التأويل، مع إن القرآن نفسه قساملصطلحات(٢)، بني للتداخل بإفضائه القول هذا عىل أورد الزرقاين إن كام فعنوان املحكم واملتشابه يشء، بينام عنوان الناسخ واملنسوخ يشء آخر، وكل عنوان

عبارة عن مفهوم مستقل له معناه اخلاص، بالتايل ال وجه لتعريف أحدمها باآلخر.الفخر تبناه واملؤول. املجمل هو واملتشابه والظاهر، النص هو املحكم -٢ملعنى موضوعا جعل الذي ييل «اللفظ كام تفسريه يف ره قر وقد مجع، وتبعه الرازي موضوعا اللفظ كان فإذا يكون، ال أن وإما املعنى ذلك لغري حمتمال يكون أن فإما خيلو فال لغريه حمتمال يكون أن وإما النص، هو فهذا لغريه حمتمال يكون وال ملعنى إما أن يكون احتامله ألحدمها راجحا عىل اآلخر، وإما أن ال يكون كذلك بل يكون احتامله هلام عىل السواء، فإن كان احتامله ألحدمها راجحا عىل اآلخر سمي ذلك اللفظ بالنسبة إىل الراجح ظاهرا، وبالنسبة إىل املرجوح مؤوال، وأما إن كان احتامله هلام عىل ا، وبالنسبة إىل كل واحد منهام عىل التعيني ا مشرتك السوية كان اللفظ بالنسبة إليهام معظاهرا، أو نصا، يكون أن إما اللفظ أن ذكرناه الذي التقسيم من خرج فقد . جممالأو مؤوال، أو مشرتكا، أو جممال، أما النص والظاهر فيشرتكان يف حصول الرتجيح، القدر فهذا الغري، من مانع غري راجح والظاهر الغري، من مانع راجح النص أن إال

املشرتك هو املسمى باملحكم.وأما املجمل واملؤول فهام مشرتكان يف أن داللة اللفظ عليه غري راجحة، وإن مل يكن راجحا لكنه غري مرجوح، واملؤول مع أنه غري راجح فهو مرجوح ال بحسب يف حاصل الفهم عدم ألن باملتشابه، املسمى هو املشرتك القدر فهذا املنفرد، الدليل

(١) تفسري امليزان، ج٣ ص٣٤.(٢) مناهل العرفان، ج٢ ص٢١٩.

Page 321: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٢١ املجموعة الثانية: (احلارصة للمفهومني يف آيات بحسب العنوان)

القسمني مجيعا وقد بينا أن ذلك يسمى متشاهبا وإما ألن الذي ال يعلم يكون النفي فيه متشاهبا لإلثبات يف الذهن، وإما ألجل أن الذي حيصل فيه التشابه يصري غري معلوم، فأطلق لفظ املتشابه عىل ما ال يعلم إطالقا السم السبب عىل املسبب، فهذا هو الكالم

املحصل يف املحكم واملتشابه»(١).واختار الزرقاين قول الرازي باجلملة، فهو بعد أن استعرض األقوال قال «رأي الرازي أهداها سبيال، وأوضحها بيانا، ألن أمر اإلحكام والتشابه يرجع فيام نفهم إىل وضوح املعنى املراد للشارع من كالمه وإىل عدم وضوحه. وتعريف الرازي جامع مانع من هذه الناحية، ال يدخل يف املحكم ما كان خفيا، وال يف املتشابه ما كان جليا، ألنه استوىف وجوه الظهور واخلفاء استيفاء تاما، يف بيان تقسيمه الذي بناه عىل راجح ومرجوح، والذي أعلن لنا منه أن

الراجح ما كان واضحا ال خفاء فيه، وأن املرجوح ما كان خفيا ال جالء معه»(٢).تفسريه فأما واملؤول، باملجمل املتشابه تفسري عىل الطباطبائي أشكل وقد ال املحكم أوصاف إن كام عليه، تنطبق ال اآلية يف املتشابه أوصاف فألن باملجمل تنطبق عىل ما يقابله وهو املبني، بتقريب أن اإلمجال عبارة عن اختالط جهات املعنى يف اللفظ بحيث ال يمكن فصل املعنى املراد عن غريه، ويف هذه احلالة يلجأ أهل اللسان إىل لفظ آخر مبني لريفع االختالط ويبني املجمل، فيصبح املجمل نفسه بذلك مبينا، بالتايل سيتبع املجمل بعد أن أصبح مبينا ال املبني، وهذا بخالف العالقة بني املحكم بع املتشابه بعد واملتشابه حيث إن املتبع إنام هو املحكم بعد إرجاع املتشابه إليه، فلو ات

اإلرجاع للزم حصول املحذور الذي ذكرته اآلية املباركة(٣).كام أشكل عىل تفسري املحكم بالنص والظاهر، ألن ذلك إنام يفيد كون املحكم حمل اإلفادة وهذه كثرية، معان من حيتمله ملا املتشابه ويقابله فقط، واحد معنى ذا

(١) املصدر نفسه، ص١٤٦.الكتاب دار ص٢١٧، ج٢ الزرقاين، العظيم عبد حممد الشيخ القرآن، علوم يف العرفان مناهل (٢)

العريب - بريوت، الطبعة األوىل ١٤٢٥هـ.(٣) امليزان، ج٣ ص٣٣.

Page 322: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٢٢

نظر عند الطباطبائي كام سيتضح عند التعرض لرأيه، أضف إىل أن ذلك سينتهي إىل تنزيل التأويل منزلة التفسري، ألنه سيتعلق آنئذ باملعنى املراد باللفظ وهو غري صحيح، وبالراسخني باهللا أو باهللا، علمه الختصاص يكن التفسري «مل هو التأويل كان لو إذ ا، واملؤمن والكافر والراسخون يف العلم يف العلم وجه فإن القرآن يفرس بعضه بعض

وأهل الزيغ يف ذلك سواء»(١).خرب فيه ل وفص أحكم ما منها فاحلكم بالقصص، التقسيم اختصاص -٣يف التكرير عند قصصهم من به األلفاظ اشتبهت ما واملتشابه أممهم، مع األنبياء (٣)، ويف آية أخر{d c b a} السور، واإلطالة يف التمثيل(٢)، كقوله تعاىل ،(٥){M L K J I H G} سبحانه وكقوله ،(٤){F E D C}

ويف آية أخر {Ñ Ð Ï Î Í Ì}(٦)، وما أشبه ذلك(٧).املحكم مفهوم اختصاص عىل دليل وجود بعدم الطباطبائي عليه وأورد الفتنة ابتغاء وهو املقام يف املتصور املحذور إن كام القرآنية، بالقصص واملتشابه ا كقصة والتأويل جار حتى يف غري آيات القصص، بل جيري يف القصة الواحدة أيض

اخلالفة يف األرض(٨).نسبه واألمثال. القصص واملتشابه: والوعيد، والوعد الفرائض املحكم: -٤أبو حيان األندليس إىل حييى بن يعمر(٩). وستأيت هنا املناقشة التي أقاموها عىل القول

(١) املصدر نفسه، ص٣٦.(٢) تفسري املنار، مصدر سابق، ج٣ ص١٦٥.

(٣) طه ٢٠.(٤) األعراف ١٠٧.

(٥) هود ٤٠.(٦) املؤمنون ٢٧.

(٧) تفسري البحر املحيط، مصدر سابق، ج٢ ص٣٩٧.(٨) امليزان، ج٣ ص٣٦.

(٩) املصدر نفسه.

Page 323: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٢٣ املجموعة الثانية: (احلارصة للمفهومني يف آيات بحسب العنوان)

السادس يف املجموعة األوىل للتشابه بني القولني.تعاىل {¢ £ ¤ ¥ كقوله أنزله، كتاب كل يف به اهللا أمر ما املحكم: -٥اآليات، من وشبهه ،(٢){h g} سبحانه وقوله ،(١){¨ § ¦عىل أقاموه الذي العام اإلشكال سيأيت ا أيض وهنا ذلك(٣). سو ما واملتشابه: متشابه بأمجعه القرآن كون لزوم صه وملخ منها، الرابع عدا فيام األوىل املجموعة

ه املذكور هناك. باستثناء آيات قليلة، وسيرتتب عىل ذلك املحذور نفس

(١) األنعام ١٥١.(٢) اإلرساء ٢٣.

(٣) املصدر نفسه.

Page 324: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ
Page 325: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٢٥ رة للمفهوم) املجموعة الثالثة: (املقر

رة للمفهوم) المجموعة الثالثة: (المقر

١- املتشابه: ما أشكل تفسريه ملشاهبته غريه، تبنى هذا القول الراغب األصفهاين أشكل ما القرآن من «املتشابه عبارته نص وإليك فيه، الكالم ل وفص املفردات يف تفسريه ملشاهبته بغريه إما من حيث اللفظ أو من حيث املعنى، فقال الفقهاء املتشابه نبئ ظاهره عن مراده، وحقيقة ذلك أن اآليات عند اعتبار بعضها ببعض ثالثة ما ال يمن متشابه وجه من وحمكم اإلطالق، عىل ومتشابه اإلطالق، عىل م ك حم أرضب: وجه. فاملتشابه يف اجلملة ثالثة أرضب: متشابه من جهة اللفظ فقط، ومتشابه من جهة املعنى فقط، ومتشابه من جهتهام. واملتشابه من جهة اللفظ رضبان: أحدمها يرجع إىل فون، وإما من جهة مشاركة ز ة، وذلك إما من جهة غرابته نحو األب وي د األلفاظ املفرب، وذلك ثالثة أرضب، يف اللفظ كاليد والعني. والثاين يرجع إىل مجلة الكالم املرك

^ ] \ [ Z Y X W V U T} نحو: الكالم الختصار رضب _}(١)، ورضب لبسط الكالم نحو: {1 2 3}(٢)، ألنه لو قيل ليس

نحو: {® ¯ ° ± ² الكالم لنظم ورضب للسامع. أظهر كان يشء مثله C} وقوله عوجا، له جيعل ومل قيام الكتاب تقديره (٣){º ¹ ¸¶ μ ´ ³

(١) النساء ٣..١١ (٢) الشور

(٣) الكهف ١-٢.

Page 326: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٢٦

T S R QP O N M L K J I H G F E D

.(١){Z Y XW V U

تلك فإن القيامة يوم وأوصاف تعاىل اهللا أوصاف املعنى جهة من واملتشابه من يكن مل أو ه نحس مل ما صورة نفوسنا يف حيصل ال كان إذ لنا تتصور ال الصفات

ه. جنس ما نحسواملتشابه من جهة املعنى واللفظ مجيعا مخسة أرضب، األول: من جهة الكمية الكيفية جهة من والثاين: ،(٢){} |} نحو: واخلصوص كالعموم كالوجوب والندب نحو: {Z ] \ [ ^ _}(٣)، والثالث: من جهة الزمان كالناسخ واملنسوخ نحو: {7 8 9 :}(٤) والرابع: من جهة املكان واألمور

!} وقوله ،(٥){° ¯ ® ¬ « ª ©} نحو: فيها نزلت التي ر عليه معرفة ن ال يعرف عادهتم يف اجلاهلية يتعذ " # $ %}(٦)، فإن مد كرشوط س ف تفسري هذه اآلية. واخلامس: من جهة الرشوط التي هبا يصح الفعل أو ي

الصالة والنكاح.لم أن كل ما ذكره املفرسون يف تفسري املتشابه ال خيرج ت ع ر و وهذه اجلملة إذا تصالناسخ املحكم وقول قتادة املتشابه {!}(٧)، هذه التقاسيم، نحو قول من قال عن تلف فيه. ع عىل تأويله، واملتشابه ما اخ واملتشابه املنسوخ، وقول األصم املحكم ما أمج

كوقت عليه للوقوف سبيل ال رضب أرضب: ثالثة عىل املتشابه مجيع ثم

(١) الفتح ٢٥.(٢) التوبة ٥.(٣) النساء ٣.

(٤) آل عمران ١٠٢.(٥) البقرة ١٨٩.

(٦) التوبة ٣٧.(٧) البقرة ١.

Page 327: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٢٧ رة للمفهوم) املجموعة الثالثة: (املقر

إىل سبيل لإلنسان ورضب ذلك. ونحو الدابة وكيفية األرض دابة وخروج الساعة ة. ورضب مرتدد بني األمرين جيوز أن خيتص لق معرفته كاأللفاظ الغريبة واألحكام الغ

بمعرفة حقيقته بعض الراسخني يف العلم وخيفى عىل دوهنم»(١).وقد تبنى هذا القول أيضا الشيخ حممد عبده، عند حديثه عن املفهوم، كام هو اآلية هذه يف التشابه ووصف فأكثر... شيئني بني يكون إنام «التشابه عبارته ظاهر هو لآليات باعتبار معانيها، أي أنك إذا تأملت يف هذه اآليات جتد معاين متشاهبة يف

فهمها من اللفظ ال جيد الذهن مرجحا لبعضها عىل بعض»(٢).حول كالمه مطلع يف رضا رشيد حممد تلميذه إليه انتهى ما ظاهر ا أيض وهو اليشء أحكم من عبارته «املحكامت: يف جاء فقد واملتشابه، املحكم مفهومي تقرير بمعنى: وثقه وأتقنه. واملعنى العام هلذه املادة املنع. فإن كل حمكم يمنع بإحكامه تطرق اخللل إىل نفسه أو غريه ومنه احلكم واحلكمة وحكمة الفرس، قيل وهي أصل املادة .وعىل ا، بعض بعضها يشبه أجزاء أو أفراد ماله عىل اللغة يف يطلق واملتشابه: وشبهته واشتبها، الشيئان «وتشابه األساس يف قال يلتبس. أي األمر من يشتبه ما ويف بعضا، بعضها ألشباه التبست وتشاهبت: األمور واشتبهت إياه، وشبهته به األمور واملشبهات: وإياك عليه، لبس األمر عليه وشبه واملتشابه، املحكم القرآن يكون أن امللتبس املشكل بمعنى املتشابه ورود يف األصل إن وقالوا املشكالت»... ا وإن كان ظاهر األساس االلتباس يف بسبب شبهه لغريه ثم أطلق عىل كل ملتبس جماز

أن املعنيني حقيقتان فيه»(٣).فهي املحكامت، مقابل قوله «واملتشاهبات يف عاشور ابن إليه لص خ ما وهو أهنا تشاهبها: ومعنى املراد. هو منها كل يكون أن يف تشاهبت معان عىل دلت التي تشاهبت يف صحة القصد إليها، أي مل يكن بعضها أرجح من بعض. أو يكون معناها

(١) املفردات يف غريب القرآن، مصدر سابق، ص٢٥٧.(٢) تفسري املنار، مصدر سابق، ج٣ ص١٦٥.

(٣) املصدر نفسه، ص١٦٣.

Page 328: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٢٨

ا، فال يتبني الغرض منها، ا بصور كثرية متناقضة أو غري مناسبة ألن تكون مراد صادقا الشيخ حممد عبده كام يف تفسري تلميذه فهذا وجه تفسري اآلية فيام أر»(١). ونقله أيضحممد رشيد رضا، قال «املتشابه: ما كان اثبات املعنى فيه للفظ الدال عليه ونفيه عنه عبارة يظهرمن ما مع متطابق وهو واإلثبات»(٢). النفي فيه تشابه فقد متساويني، الشهيد الصدر يف قوله «إن جمرد قابلية اللفظ ألن يستعمل يف كل من املعنيني ال جيعله ا بينا يف أحدمها لكونه املعنى احلقيقي دون اآلخر بل البد من متشاهبا إذا كان واضح

تساوي نسبة داللة اللفظ إىل كل منهام وتقارهبام ليصدق عليه املتشابه»(٣).وقد أخذ الطباطبائي عىل هذا القول أمرين:

وإغالق اللفظ كغرابة اللفظية الشبهات ملوارد املتشابه تعميمه أن : «أوالالرتكيب والعموم واخلصوص ونحوها ال يساعد عليه ظاهر اآلية، فإن اآلية جعلت ا يرجع إليه املتشاهبات، ومن املعلوم أن غرابة اللفظ وأمثاهلا ال تنحل املحكامت مرجع

عقدهتا من جهة داللة املحكامت، بل هلا مرجع آخر ترجع إليه وتتضح به.ومن الفتنة، البتغاء تتبع أن شأهنا من بأهنا املتشاهبات تصف اآلية ا: وأيضمقيده إىل رجوع غري من واملطلق خمصصه إىل رجوع غري من العام اتباع أن املعلوم وأخذ اللفظ الغريب مع اإلعراض عام يفرسه يف اللغة خمالف لطريقة أهل اللسان ال

جتوزه قرحيتهم فال يكون بالطبع موجبا إلثارة الفتنة لعدم مساعدة اللسان عليه.وثانيا: أن تقسيمه املتشابه بام يمكن فهمه لعامة الناس وما ال يمكن فهمه ألحد وما يمكن فهمه لبعض دون بعض ظاهر يف أنه ير اختصاص التأويل باملتشابه، وقد عرفت

خالفه»(٤)، وسيأيت تفصيل ما يعنيه من اخلالف عند التعرض لرأيه يف القول رقم (١١).

(١) التحرير والتنوير، مصدر سابق، ج٣ ص١٦.(٢) تفسري املنار، ج٣ ص١٦٥.

(٣) بحوث يف علم األصول، تقريرات الشهيد السيد حممد باقر الصدر، السيد حممود اهلاشمي، ج٤ ص٢٨٠، مؤسسة دائرة معارف الفقه اإلسالمي-لبنان، الطبعة الثالثة ٢٠٠٥م.

(٤) امليزان، ج٣ ص٤٠.

Page 329: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٢٩ رة للمفهوم) املجموعة الثالثة: (املقر

٢- املحكم: ما مل تتكرر ألفاظه، واملتشابه: ما تكررت. نسبه أبو حيان األندليس إىل ابن زيد(١).

وقد أورد عليه الزرقاين بأن هذا املعنى بالنسبة إىل املتشابه أقرب إىل اللغة منه إىل اإلصطالح الذي عليه اجلمهور، وفيه إمهال ملا اعترب يف املتشابه واملحكم من خاصية

اخلفاء والظهور(٢).التأويل من احتمل ما واملتشابه: ا، واحد ا وجه إال حيتمل مل ما املحكم: -٣ابن إىل الزرقاين وعزاه التقريب(٣). يف الشريازي مشائخنا سيد به قال ا. أوجهعباس وقال بأنه جيري عليه أكثر األصوليني(٤)، ونسبه أبو حيان إىل جعفر بن حممد، والشافعي، وحممد بن جعفر بن الزبري(٥). ورواه ابن جرير الطربي عن األخري بقوله هلا ليس والباطل، اخلصوم ودفع العباد وعصمة الرب حجة فيهن حمكامت «آيات ترصيف وال حتريف عام وضعت عليه، وأخر متشاهبة يف الصدق، هلن ترصيف حتريف وتأويل، ابتىل اهللا فيهن العباد كام ابتالهم يف احلالل واحلرام، ال يرصفن إىل الباطل وال حيرفن عن احلق»(٦)، وعلق عليه حممد رشيد رضا قائال «عبارة ابن جرير يف حكايته

عنه جتعل املحكم بمعنى النص عند األصوليني واملتشابه ما يقابله»(٧).اختالف قيد بإضافة له ا مطابق قوال منداذ خويز ابن إىل حيان أبو نسب كام يف باآليتني له ومثل العلامء»، فيه واختلف وجوه له ما «املتشابه: قال فيه، العلامء

(١) البحر املحيط، ج٢ ص٣٩٦.(٢) مناهل العرفان، ج٢ ص٢١٨.

الطبعة العلوم-بريوت، دار ص٣١٢، ج١ الشريازي، حممد السيد األذهان، إىل القرآن تقريب (٣)األوىل ٢٠٠٣م.

(٤) مناهل العرفان، ج٢ ص٢١٥.(٥) املصدر نفسه.

والتوزيع-بريوت، والنرش للطباعة الفكر دار ص٢٣٦، ج٣ الطربي، جرير ابن البيان، جامع (٦)١٩٩٥م.

(٧) تفسري املنار، ج٣ ص١٦٥.

Page 330: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٣٠

احلامل املتوىف عنها زوجها، حيث قال عيل C وابن عباس: تعتد أقىص األجلني، النسخ، يف باإلختالف له مثل كام احلمل. وضع مسعود: وابن وزيد عمر قال بينام أن أوىل أهيام اآليتني: وتعارض ال، أم ت خ نس هل للوارث الوصية يف واإلختالف الذي سبحانه {. / 0 1 2}(١) قوله يف كام النسخ، ف ر ع ي مل إذا م يقد

~ } |} تعاىل قوله بينام اليمني، بملك األقارب بني اجلمع يقتيض ے}(٢) يمنع من ذلك(٣).

ويف استقراء للدكتور حسن حنفي من خالل تتبعه لكثري من املصادر كالفصول يف األصول، واحلدود يف األصول، واملنهاج، والفقيه واملتفقه، واللمع، والتلخيص، نقرأ أن ا جد املناسب ومن هامة، إضافات مع نفسه املعنى قرر وغريها، واملنخول، ا، واملتشابه عبارته بطوهلا، فقد جاء فيها ما نصه «املحكم ما ال حيتمل إال معنى واحدما حيتمل معنني أو أكثر. وهي تفرقة قرآنية. املحكم يف النظم والرتتيب عىل وجه يمتنع ا أو يكون إىل تناقص أو اختالف. واملتشابه احتامل معان خمتلفة ويصدق عليها مجيعا. وال ينبيء الظاهر عن املقصود. ويكثر يف يف بعضها حقيقة ويف البعض اآلخر جمازعلم أصول الدين، ويقل يف علم أصول الفقه. فاالعتقاديات نظرية يمكن أن يقع فيها التشابه أما الرشعيات فعملية. والعمل حيتاج إىل وضوح. وال يعني احلكم أمور املعاد فهو أدخل يف علوم الدين. كام ال يعني التشابه القصص واألمثال فهذه أنواع أدبية. كام ال يعني التشابه احلروف يف أوائل السور فهذه أدخل يف علم التفسري. املتشابه هو

الفكر الذي حيتاج إىل فكر وتأمل. وقرينه املفرس.هو والعام املنسوخ. خالف يعني اخلاص وخاص. عام معنيان: له واملحكم البني الواضح الذي ال يفتقر يف بيان معناه إىل غريه. اخلاص أقرب إىل املحكم، والعام

أقرب إىل املتشابه.

(١) النساء ٢٤.

(٢) النساء ٢٣.(٣) البحر املحيط، ج٢ ص٣٩٧.

Page 331: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٣١ رة للمفهوم) املجموعة الثالثة: (املقر

والتشابه واقع يف الرشعيات، بقلة ال بكثرة. وذلك برصيح النص والستبعاد من أكثر الترشيع يف التشابه.واالتفاق حلاالت وباستقراء واإلشكال االلتباس االختالف. وهناك منطق لرفع التعارض بني األدلة والرتجيح بينها. وأخبار اآلحاد، وهي موضع الظن واالختالف، ختضع ملقاييس دقيقة من حيث السند أو املتن أو شعور الراوي، وكذلك القياس. فكل استدالل رشعي يقوم عىل مقدمتني: رشعية تقوم عىل النظر، ونظرية خالصة تتعلق بتحقيق املناط. فليس كل مناط معلوما بالرضورة. ومن ثم فإن كل األدلة الرشعية إما نظرية أو تقوم عىل نظرية. والعقل يمنع من االشتباه.

والتشابه يف اللفظ وليس يف الواقع.نظرية معرفة القرآن يف املتشابه األحكام. يف املتشابه غري القرآن يف واملتشابه من أحكام يف فهمه اختالف األول به األحكام سلوك عميل. يف املتشابه حني أن يف القرآن أو ما تقابلت فيه األدلة. ومثل االستواء عىل التشابه من أصول الدين وليس

من أصول الفقه.وال يقع التشابه يف القواعد الكلية بل يف الفروع اجلزئية بشهادة االستقراء. ولو

دخل التشابه يف األصول لكانت أكثر الفروع متشاهبة.احلقيقي وواقعي. وإضايف، حقيقي، أنواع: ثالثة الرشيعة يف الواقع والتشابه أن إذ متثله. قبل النص يف املوضوعي املعنى هو دليل. أو فهم دون باآلية املراد هو االشتباه رؤية معرفية وأساس وجودي بعد التمثل. واإلضايف هو الذي يف حاجة إىل فهم وإن كان داخال أيضا يف النص واالشتباه يف اإلضايف وليس يف احلقيقة نظرا لتعدد األفهام. أما الواقعي فهو املناط الذي تنزل عليه األحكام. وهو ال تشابه فيه. فالواقع واحد حتكمه العلة، والعلة حتكمها املصلحة. وتسليط التأويل عىل التشابه يكون نحو احلقيقي أو اإلضايف. وتأويل اإلضايف يف حاجة إىل دليل مثل إحكام العام باخلاص،

واملطلق باملقيد، والرضوري باخلاص، واحلقيقي ال يلزم تأويله»(١).(١) من النص إىل الواقع: حماولة إلعادة بناء علم أصول الفقه، الدكتور حسن حنفي، ج٢ ص٣٣١،

دار املدار االسالمي- بريوت، الطبعة األوىل ٢٠٠٥م.

Page 332: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٣٢

وأخذ عليه الزرقاين بأنه خيرج الظاهر من املحكم ويدخله يف املتشابه، مع أنه ظهوره يف يقدح ال ضعيف احتامل الراجح معناه لغري واحتامله الواضحات، من ووضوحه(١). كام إن اإلشكال الثاين للطباطبائي عىل القول الثاين يف املجموعة الثانية

يأيت بتاممه هنا.هذا ب «نس بعلمه، اهللا استأثر ما واملتشابه داللته، اتضحت ما املحكم: -٤وإليه احلنفية، إىل اخلفاجي ونسبه العتبية، جامع من أشهب، رواية يف ملالك، القول

مال الشاطبي يف املوافقات»(٢).اهللا استأثر ما واملتشابه تفسريه، العلامء فهم ما األندليس: «املحكم عبارة ويف جابر إىل نسبه عيسى»، وخروج مغرهبا، من الشمس وطلوع الساعة، كقيام بعلمه،

بن عبد اهللا، وابن دئاب، ثم قال «وهو مقتىض قول الشعبي والثوري وغريمها»(٣).وقال به الشيخ حممد عبده، عند حديثه عن املصداق، مع التأكيد عىل اختصاص االستئثار بأحوال اآلخرة، واعترب ورود املتشابه هبذا املعنى يف القرآن رضوري «ألن من أركان الدين ومقاصد الوحي اإلخبار بأحوال اآلخرة، فيجب اإليامن بام جاء به

الرسول من ذلك عىل أنه من الغيب كام نؤمن باملالئكة واجلن»(٤).ويكاد يتطابق مع هذا القول ما أشار الزرقاين فيه إىل أنه قول أهل السنة وأنه بالتأويل،أما وإما بالظهور إما منه املراد عرف ما املحكم أن وهو عندهم، املختار املتشابه فهو ما استأثر تعاىل بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال واحلروف املقطعة

يف أوائل السور(٥).فمن الواضح التطابق بني القولني يف تعريف املتشابه، وأما املحكم فالظاهر أن

(١) مناهل العرفان، ج٢ ص٢١٨.(٢) تفسري التحرير والتنوير، ج٣ ص١٦.

(٣) البحر املحيط، ج٢ ص٣٩٦.(٤) تفسري املنار، ج٣ ص١٦٧.

(٥) مناهل العرفان، ج٢ ص٢١٥.

Page 333: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٣٣ رة للمفهوم) املجموعة الثالثة: (املقر

ف ر فه بام ع فه بالواضح الداللة، بينام الثاين عر اإلختالف بينهام لفظي فقط، فاألول عراملراد منه إما بالظهور أو التأويل، إذ إن وضوح الداللة قد حيصل بالظهور وقد حيصل غري الظاهر دون فقط بالنص ختتص الداللة وضوح أن الزرقاين واعتبار بالتأويل، ف ر تام، بل وضوح الداللة يف القول الثاين متطابقة مع ماورد يف القول الثاين «ما ع

ف املراد منه هو واضح الداللة. ر املراد منه»، فام عا من اخلفيات، وقد أورد الزرقاين عىل هذا التعريف بأنه أدخل يف املحكم كثريمانع، غري هنا املحكم تعريف فإن بالتايل منها، واحد نوع يف املتشابه قرص حيث يف بني واسطة وجود لزوم من ادعاه ما ذلك إىل أضف جامع. غري املتشابه وتعريف الداللة وضوح اعترب ألنه ا نظر األول(١)، للقول بالنسبة ا خصوص واملتشابه املحكم خاصة بالنص، بالتايل فإن الظاهر سيكون واسطة بني املحكم واملتشابه، ألنه ال من

النص وال مما استأثر اهللا سبحانه بعلمه.يمكن ال الذي أو املعلوم غري يعني ال املتشابه بأن الطباطبائي عليه أورد كام حتصيل العلم به، فإنام هو وصف آلية من كتاب اهللا عز وجل، و ال يوجد يف الكتاب ممتنع غري فيه ما مجيع بل الفهم، وممتنع به العلم يمكن ال اإلهلية املعارف من يشء وأنه ومبني هد كتاب أنه عنه قال سبحانه اهللا ألن غريه، بضميمة أو بنفسه إما والوقوف به للعلم سبيل ال ما وأما املؤمنني، عن فضال الكافرين فهم معرض يف عىل حقيقته كقيام الساعة وما يتعلق باألمور الغيبية املكنونة فلم تتعرض له اآليات

املباركة حتى يكون متشاهبا(٢).بالتايل فاملتشابه الذي تفيده اآلية املباركة موضوع، وغري املعلوم موضوع آخر، فاملتشابه ال يعني غري القابل للعلم به، بل يمكن حتصيل العلم به ولكن باتباع منهجية

خاصة.

(١) املصدر نفسه ٢١٨.(٢) امليزان، ج٣ ص٣٥.

Page 334: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٣٤

إنشاء من به تعاىل اهللا أخرب ما مثل ا، الئح ا واضح دليله كان ما املحكم: -٥ ،(٢){s r q p o n} (١)، وقوله{w v u} اخللق يف قوله تعاىليف حيتاج ما واملتشابه .(٣){© ¨ § ¦ ¥ ¤ £ ¢ ¡ {ے وقوله معرفته إىل التدبر والتأمل نحو احلكم بأنه تعاىل يبعثهم بعد أن صاروا ترابا، ولو تأملوا

، ألن من قدر عىل اإلنشاء أوال قدر عىل اإلعادة ثانيا. لصار املتشابه عندهم حمكامنسب الرازي هذا القول لألصم(٤)، ثم علق عليه قائال «واعلم أن كالم األصم غري ملخص، فإنه إن عنى بقوله: (املحكم ما يكون دالئله واضحة) أن املحكم هو الذي يكون داللة لفظه عىل معناه متعينة راجحة، واملتشابه ما ال يكون كذلك، وهو إما املجمل املتساوي، أو املؤول املرجوح، فهذا الذي ذكرناه أوال(٥)، وإن عنى به أن املحكم هو الذي يعرف صحة معناه من غري دليل، فيصري املحكم عىل قوله ما يعلم صحته برضورة العقل، واملتشابه ما يعلم صحته بدليل العقل، وعىل هذا يصري مجلة القرآن مجلة القرآن متشاهبا، ألن قوله {w v u} أمر حيتاج يف معرفة صحته والفصول، الطبائع ذلك يف السبب يقولون: الطبيعة أهل وإن العقلية، الدالئل إىل والنرش احلرش إثبات أن فكام وامتزاجها، العنارص وتركيبات الكواكب، تأثريات أو مفتقر إىل الدليل، فكذلك إسناد هذه احلوادث إىل اهللا تعاىل مفتقر إىل الدليل. ولعل ما إىل تنقسم إال أهنا الدليل، إىل مفتقرة كلها وإن كانت األشياء هذه يقول: األصم ا بحيث تكون مقدماته قليلة مرتبة مبينة يؤمن الغلط منها إال يكون الدليل فيه ظاهرا، ومنها ما يكون الدليل فيه خفيا كثري املقدمات غري مرتبة، فالقسسم األول هو نادر

املحكم والثاين هو املتشابه»(٦).

(١) املؤمنون ١٤.(٢) األنبياء ٣٠.

(٣) البقرة ٢٢.(٤) تفسري الرازي، ج٧ ص١٤٨.

(٥) يعني به الذي ذكرناه حتت رقم «٢» من املجموعة الثانية.(٦) تفسري الرازي، ج٧ ص١٤٨.

Page 335: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٣٥ رة للمفهوم) املجموعة الثالثة: (املقر

ا ا أو حمتاج ا الئح وقد أشكل عليه الطباطبائي بأن املراد من كون الدليل واضحإىل التأمل والتدبر إن كان يعني كون مضمون اآلية ذا دليل عقيل قريب من البداهة لفقداهنا متشاهبة والفرائض األحكام آيات حتى كون منه لزم كذلك، كونه وعدم ا مع إهنا واجبة اإلتباع، وإن الدليل العقيل الواضح، وحينئذ سيكون اتباعها مذمومكان املراد به كونه ذا دليل واضح من الكتاب نفسه وعدم كونه كذلك، فجميع اآليات كون ذلك والزم ومبني، مثاين متشابه كتاب ألنه واحدة، وترية عىل اجلهة هذه من

مجيع اآليات القرآنية حمكمة وهو خلف الفرض وخالف النص(١).الراغب نسبه فيه. تلف اخ ما واملتشابه تأويله، عىل ع أمج ما املحكم: -٦عبارته ونص بعضهم، عن الثعلبي ه بعض وحكى ا، أيض األصم(٢) إىل األصفهاين «املحكم ما أمجع عىل تأويله، واملتشابه ما ليس معناه واضح»(٣)، وذلك يوحي بوجود

قولني لألصم.ووجه اإلشكال فيه عند الطباطبائي استلزامه لكون مجيع الكتاب متشاهبا، إذ ال

توجد آية إال وفيها اختالف ما، وذلك ينايف التقسيم املذكور يف اآلية(٤).الصلوات كأعداد بخالفه واملتشابه: املعنى، معقول كان ما املحكم: -٧

واختصاص الصيام برمضان دون شعبان. نسبه السيوطي للاموردي(٥).ا وكل ما كان ا عن الوفاء بكل ما كان واضح وقد اعترب الزرقاين هذا القول قارصخفيا(٦)، فالواضح أعم مما كان معقول املعنى، وكذلك املتشابه أعم مما كان غري معقول ا للدليل، فاآليات املباركة وإن انقسمت إىل ما ليس املعنى. بينام اعتربه الطباطبائي فاقد

(١) امليزان، ج٣ ص٣٤.(٢) املفردات يف غريب القرآن، مصدر سابق، ص٢٥٨.

(٣) تفسري الثعلبي، الثعلبي، ج٣ ص١١، دار إحياء الرتاث العريب-بريوت، الطبعة األوىل ٢٠٠٢م.(٤) امليزان، ج٣ ص٣٩.

(٥) اإلتقان يف علوم القرآن، مصدر سابق، ج٢ ص٣.(٦) مناهل العرفان، ج٢ ص٢١٨.

Page 336: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٣٦

والثاين املحكم هو األول بأن للقول يكفي ال ذلك لكن والعكس، سبيل إليه للعقل هو املتشابه، كام إن نعوت املحكم واملتشابه ال تنطبق عىل هذا التقسيم بشكل صحيح، ا لكوهنا حمكمة ومع ذلك ال سبيل للعقل إليها(١). ا بآيات األحكام نظر نقض عليه أيض وي

٨- املحكم: ما قام بنفسه ومل حيتج إىل استدالل، واملتشابه: ما ال يستقل بنفسه إال برده إىل غريه(٢)، فتارة يبني بكذا، وتارة يبني بكذا، حلصول اإلختالف يف تأويله،

وحيكى هذا القول عن اإلمام أمحد(٣).وأخذ عليه الزرقاين بعدم وضوح البيان املراد الذي يتطلبه املتشابه وال يتطلبه ا إىل بيان كآية أخر أو رواية املحكم(٤)، باعتبار أن الكثري من املحكامت يف حاجة أيضلرفع الغموض عنها، كام هو مالحظ يف بعض آيات األحكام وغريها. وهو ما أشكل ا، وأضاف بأن اآليات املنسوخة هي من املتشاهبات -كام ذهب إليه به الطباطبائي أيضهو يف تقريره ملفهوم املتشابه، وسيأيت تفصيله يف القول رقم (١١)- مع إهنا ال حتتاج

إىل بيان لكوهنا نظائر لسائر آيات األحكام(٥).فيه دل ما واملتشابه: معناه، ظاهر من شيئا العقل ينفي ال الذي املحكم: -٩اللفظ عىل يشء والعقل عىل خالفه، فتشاهبت الداللة ومل يمكن الرتجيح، كاإلستواء

ض ملناقشة هذا القول. عىل العرش وكون عيسى C روح اهللا(٦). ومل أجد من تعرت باإلبانة فإذا سمعها السامع مل حيتج إىل تأويلها ١٠- املحكامت: التي أحكمألهنا ظاهرة بينة، واملتشاهبات: ما خالفت ذلك. نسبه األندليس إىل أكثر الفقهاء(٧)،

(١) امليزان، ج٣ ص٣٨.(٢) اإلتقان يف علوم القرآن، ج٢ ص٤.

(٣) مناهل العرفان، ج٢ ص٢١٥.(٤) املصدر نفسه، ص٢١٨.

(٥) امليزان، ج٣ ص٣٦.

(٦) املنار، ج٣ ص١٦٥.(٧) البحر املحيط، ج٢ ص٣٩٧.

Page 337: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٣٧ رة للمفهوم) املجموعة الثالثة: (املقر

ا إىل اإلمام أمحد بن حنبل(١). ومنسوب أيضوذكره السيوطي بعبارة قريبة من هذه، قال: «املحكم ما تأويله تنزيله، واملتشابه

ما ال يدرك إال بالتأويل»(٢).ال «إن املحكم إنام وصف وهو ظاهر عبارة القايض عبد اجلبار، حيث قال مفصبذلك ألن حمكام أحكمه، كام أن املكرم إنام وصف بذلك ألن مكرما أكرمه، وهذا بني يف اللغة. وقد علمنا أنه تعاىل ال يوصف بأنه أحكم هذه اآليات املحكامت من حيث تكلم هبا فقط، ألن املتشابه كاملحكم يف ذلك، ويف سائر ما يرجع إىل جنسه وصفته، فيجب أن يكون املراد بذلك أنه أحكم املراد به بأن جعله عىل صفة خمصوصة -لكونه عليها (له) تأثري يف املراد- وقد علمنا أن الصفة التي تؤثر يف املراد هي أن توقعه عىل وجه ال حيتمل إال ذلك املراد يف أصل اللغة، أو بالتعارف، أو بشواهد العقل. فيجب

فيام اختص هبذه الصفة أن يكون حمكام، وذلك نحو قوله تعاىل {! " # $ % & '}(٣)، ونحو قوله {. / 0 1 2 3}(٤)، إىل ما شاكله. فأما املتشابه فهو الذي جعله عز وجل عىل صفة تشتبه عىل السامع -لكونه عليها (غمض) أو اللغة إىل يرجع ليشء به املراد عىل يدل أن عن ظاهره خرج حيث من به- املراد التعارف، وهذا نحو قوله تعاىل {W V U T S R Q}(٥) إىل ما شاكله ، فاملراد به مشتبه وحيتاج يف معرفته إىل الرجوع إىل ألن ظاهره يقتيض ما علمناه حماالغريه من املحكامت»(٦). وقد اعتربه الطباطبائي جمرد اصطالح ال ينطبق عىل وصف

(١) امليزان، ج٣ ص٣٦.(٢) اإلتقان، ج٢ ص٤.

(٣) اإلخالص ١-٢.(٤) يونس ٤٤.

(٥) األحزاب ٥٧.(٦) متشابه القرآن، القايض عبد اجلبار بن أمحد اهلمداين، ص١٩. ورشح األصول اخلمسة، القايض عبد اجلبار بن أمحد اهلمداين، ص٦٠٠-٦٠١. نقال عن اإلجتاه العقيل يف التفسري، نرص حامد أبو

زيد، ص١٨٧، املركز الثقايف العريب-بريوت، الطبعة الثالثة ١٩٩٦م.

Page 338: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٣٨

ومدلوله، مراده تشابه حيث من متشابه هو إنام فاملتشابه اآلية، يف واملتشابه املحكم ا عن املحكم وليس املراد بالتأويل املعنى املراد من املتشابه حتى يكون املتشابه متميزحمكمها من القرآنية اآليات مجيع يعم أمر اآلية يف بالتأويل املراد بل ، تأويال له بأن

ومتشاهبها(١).١١- اإلحكام: اإلتقان من حيث وضوح املعنى، واإلمتناع عن وجود التشابه يف املراد. والتشابه: الرتدد بني أكثر من معنى. ذكره الطباطبائي مع يشء من التوجيه، يمنع بحيث الشئ كون معنى تفيد حكم التالية «مادة الطويلة عبارته ظاهر هو كام واحلكم والتحكيم، االحكام ومنه عليه، أمره خيل أو يبعضه أو يفسده ما ورود بفتح واحلكمة النافع، اجلازم والعلم التامة املعرفة بمعنى واحلكمة القضاء، بمعنى املادة إن قيل: وربام واالتقان، املنع معنى من شئ اجلميع ففي الفرس، لزمام احلاء تدل عىل معنى املنع مع إصالح. واملراد ههنا من إحكام املحكامت إتقان هذه اآليات من حيث عدم وجود التشابه فيها كاملتشاهبات، فإنه تعاىل وإن وصف كتابه بإحكام اآلية اشتامل لكن ،(٢){n m l k j i h g f} :قوله يف اآليات عىل ذكر التفصيل بعد االحكام دليل عىل أن املراد باألحكام حال من حاالت الكتاب ي والتبعض بعد بتكثر ا مل يطرأ عليه التجز كان عليها قبل النزول، وهي كونه واحداآليات، فهو إتقانه قبل وجود التبعض، فهذا االحكام وصف لتامم الكتاب، بخالف وصف االحكام واالتقان الذي لبعض آياته بالنسبة إىل بعض آخر من جهة امتناعها

r q p o n m l} :ملا كان قوله عن التشابه يف املراد. وبعبارة أخرs} مشتمال عىل تقسيم آيات الكتاب إىل قسمي املحكم واملتشابه، علمنا به

g f} أن املراد باألحكام غري االحكام الذي وصف به مجيع الكتاب يف قولهيف الكتاب مجيع به وصف الذي التشابه غري فيه بالتشابه املراد وكذا اآلية، {hقوله: {> = <}(٣). وقد وصف املحكامت بأهنا أم الكتاب، واألم بحسب

(١) امليزان، ج٣ ص٣٨.(٢) هود ١.

(٣) الزمر ٢٣.

Page 339: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٣٩ رة للمفهوم) املجموعة الثالثة: (املقر

أصل معناه ما يرجع إليه الشئ، وليس إال أن اآليات املتشاهبة ترجع إليها، فالبعض من الكتاب هي املتشاهبات ترجع إىل بعض آخر وهي املحكامت، ومن هنا يظهر أن من بمعنى هي بل األطفال، أم كقولنا المية ليست {q p} قوله يف اإلضافة أم هي آيات عىل يشتمل فالكتاب ذلك، ونحو الفقهاء وقدماء القوم نساء كقولنا آيات أخر، ويف إفراد كلمة األم من غري مجع داللة عىل كون املحكامت غري خمتلفة يف ،{s r} أنفسها بل هي متفقة مؤتلفة. وقد قوبلت املحكامت يف اآلية بقولهوالتشابه توافق أشياء خمتلفة واحتادها يف بعض األوصاف والكيفيات، وقد وصف اهللا

B A @ ? > = <} سبحانه مجيع القرآن هبذا الوصف حيث قالD C}(١)، واملراد به ال حمالة كون آيات الكتاب ذات نسق واحد من حيث كام احلق رصيح إىل واهلداية واحلكم احلقائق وبيان األسلوب وإتقان النظم جزالة تدل عليه القيود املأخوذة يف اآلية، فهذا التشابه وصف جلميع الكتاب، وأما التشابه

n m l} لقوله فمقابلته متشاهبات، وأخر قوله أعني اآلية هذه يف املذكور q p o}، وذكر إتباع الذين يف قلوهبم زيغ هلا ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل، كل ها لفهم السامع بمجرد ذلك يدل عىل أن املراد بالتشابه كون اآلية بحيث ال يتعني مراداستامعها، بل يرتدد بني معنى ومعنى حتى يرجع إىل حمكامت الكتاب فتعني هي معناها واآلية املحكمة، اآلية بواسطة حمكمة ذلك عند املتشاهبة اآلية فتصري بيانا، وتبينها منه املراد يشتبه ،(٢){\ [ Z Y} قوله أن كام بنفسها، حمكمة املحكمة عىل السامع أول ما يسمعه فإذا رجع إىل مثل قوله تعاىل: {1 2 3}(٣)، استقر الذهن عىل أن املراد به التسلط عىل امللك واالحاطة عىل اخللق، دون التمكن تعاىل: قوله وكذا سبحانه، اهللا عىل املستحيل للتجسم املستلزم املكان عىل واالعتامد {- . /}(٤) إذا أرجع إىل مثل قوله: {5 6 7 8 9 :}(٥)،

(١) الزمر ٢٣(٢) طه ٥.

.١١ (٣) الشور(٤) القيامة ٢٣.

(٥) األنعام ١٠٣.

Page 340: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٤٠

لم به أن املراد بالنظر غري النظر بالبرص احليس، وكذا إذا عرضت اآلية املنسوخة عىل عاآلية الناسخة تبني أن املراد هبا حكم حمدود بحد احلكم الناسخ، وهكذا .

فهذا ما يتحصل من معنى املحكم واملتشابه ويتلقاه الفهم الساذج من جمموع قوله تعاىل {s r q p o n m l k j i h g} فإن اآلية هذه كانت ولو متشاهبا. غريها القرآن مجيع فرض ولو شك بال حمكمة اآلية

l} متشاهبة عادت مجيع آيات القرآن متشاهبة وفسد التقسيم الذي يدل عليه قولهقوله يصدق ومل ،{q p o} قوله عليه يدل الذي العالج وبطل إلخ، {mاالحتجاج يتم ومل ،(١){1 0 / . - , + * ) (}

W V U T S R Q P O NM L K} قوله عليه يشتمل الذي X}(٢)، إىل غري ذلك من اآليات الدالة عىل أن القرآن نور وهد وتبيان وبيان ومبني وذكر ونحو ذلك، عىل أن كل من يرعى نظره يف آيات القرآن من أوله إىل آخره ال يشك يف أن ليس بينها آية هلا مدلول وهي ال تنطق بمعناها وتضل يف مرادها، بل ما من آية إال وفيها داللة عىل املدلول: إما مدلول واحد ال يرتاب فيه العارف بالكالم، أو مداليل يلتبس بعضها ببعض، وهذه املعاين امللتبسة ال ختلو عن حق املراد بالرضورة ال حمالة ال املراد حق هو الذي الواحد املعنى وهذا عرفت، كام الداللة بطلت وإال يكون أجنبيا عن األصول املسلمة يف القرآن كوجود الصانع وتوحيده وبعثة األنبياء وترشيع األحكام واملعاد ونحو ذلك، بل هو موافق هلا وهي تستلزمه وتنتجه وتعني ا وبعضه أصل املراد احلق من بني املداليل املتعددة املحتملة، فالقرآن بعضه يبني بعضتعاىل قوله عىل النظرة هذه بعد عثر إذا الناظر هذا إن ثم اآلخر. البعض إليه يرجع هي باملحكامت املراد أن يف يشك مل {s r q p o n m l}اآليات املتضمنة لألصول املسلمة من القرآن وباملتشاهبات اآليات التي تتعني وتتضح

معانيها بتلك األصول.

(١) فصلت ٣.(٢) النساء ٨٢.

Page 341: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٤١ رة للمفهوم) املجموعة الثالثة: (املقر

فإن قلت: رجوع الفروع إىل األصول مما ال ريب فيه فيام كان هناك أصول متعرقة وفروع متفرقة، سواء فيه املعارف القرآنية وغريها، لكن ذلك ال يستوجب حصول التشابه فام وجه ذلك؟ قلت: وجهه أحد أمرين فإن املعارف التي يلقيها القرآن عىل ال العادية، واألفهام واملادة احلس حكم عن خارجة عالية معارف فمنها قسمني:

_} تعاىل: كقوله غريه وبني احليس اجلسامين احلكم بني فيها ترتدد أن دون تلبث املستأنس الذهن إىل منها فيتبادر ،(٢){¼ »} تعاىل: وقوله ،(١){a `باملحسوس من االحكام معان هي من أوصاف األجسام وخواصها، وتزول بالرجوع إىل األصول التي تشتمل عىل نفي حكم املادة واجلسم عن املورد، وهذا مما يطرد يف مجيع املعارف واالبحاث غري املادية والغائبة عن احلواس، وال خيتص بالقرآن الكريم غري من العالية املعارف من عليه تشتمل بام الساموية الكتب من غريه يف يوجد بل القرآن إليه يشري الذي وهو الفلسفة من اإلهلية املباحث يف ا أيض ويوجد حتريف،

U} وقوله: ،(٣){¥ ¤ £ ¢ ¡ ے ~} تعاىل قوله يف آخر بلسان ،(٤){b a ` _ ^ ] \ [ Z Y X W Vمن القسم هذا واشتامل الفرعية، واالحكام االجتامعية بالنواميس يتعلق ما ومنها املعارف عىل الناسخ واملنسوخ بالنظر إىل تغري املصالح املقتضية للترشيعات ونحوها آياهتا، يف التشابه ظهور يوجب ،أخر جهة من ا نجوم القرآن ونزول جهة، من

ويرتفع التشابه بإرجاع املتشابه إىل املحكم واملنسوخ إىل الناسخ»(٥).وتوجد مالحظة هنا ينبغي التأكيد عليها وهي أن الطباطبائي ير أن التشابه فهذا كان «وكيف التالية عبارته رصيح هو كام املصداق، يف وإنام املفهوم يف ليس االختالف مل يولده اختالف النظر يف مفهوم (مفهوم اللفظ املفرد أو اجلملة بحسب

(١) الفجر ١٤.

(٢) الفجر ٢٢.

(٣) الرعد ١٧.(٤) الزخرف ٣-٤.

(٥) امليزان، ج٣ ص١٩.

Page 342: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٤٢

يف يتوقف ال مبني عريب كالم هو فإنام اآليات، أو الكلامت العريب) والعرف اللغة فهمه عريب وال غريه ممن هو عارف باللغة وأساليب الكالم العريب.

وليس بني آيات القرآن (وهي بضع آالف آية) آية واحدة ذات إغالق وتعقيد ومن الكالم أفصح وهو وكيف! معناها، فهم يف الذهن يتحري بحيث مفهومها يف من املعدودة اآليات أن حتى والتعقيد، االغالق عن الكالم خلو الفصاحة رشط وإنام املفهوم، جهة من الوضوح غاية يف وغريها املنسوخة كاآليات القرآن متشابه

التشابه يف املراد منها وهو ظاهر.وإنام االختالف كل االختالف يف املصداق الذي ينطبق عليه املفاهيم اللفظية

بها، ويف املدلول التصوري والتصديقي»(١). من مفردها ومركقال «إن ا، إيضاح املالحظة هذه األصولية بحوثه يف الصدر الشهيد زاد وقد املتشابه ماذا يراد به يف اآلية الكريمة، التشابه واالمجال يف املفهوم واملدلول االستعاميل املدلول وضوح مع املصداق معروفية عدم بمعنى املصداق، يف التشابه أو للفظ ا مبني عىل إرادة التشابه املستعمل يف اللفظ يف نفسه؟ والتمسك باآلية استدالال وجواب

املفهومي إال أن هذا االفرتاض يف نفسه بعيد ألمرين: ا بل بلسان ١- ترصيح القرآن نفسه بأن آياته إنام نزلت بيانا وتبيانا وهد ونور

عريب مبني، وهذا ال ينسجم مع فرض التشابه املفهومي واالمجال.٢- وجود قرائن يف نفس اآلية تنفي إرادة هذا املعنى، وذلك قرينتان:

ال االتباع فإن ،{| { z} تعاىل قوله يف (االتباع) التعبري إحدامها: معنى له إذا أريد املتشابه املفهومي إذ ذلك فرع وجود مدلول ظاهر يتعني فيه اللفظ املصداقي التشابه أريد لو ما بخالف وهذا ليتبع، مدلول ال املفهومي التشابه ومع بمعنى أهنم يتبعون اآليات التي مصاديقها اخلارجية متشاهبة ال تناسب مع املصداق

الواقعي الغيبي الذي ينطبق عليه مفهوم اآلية، فمثال كلمة الرصاط يف {7 8 (١) املصدر نفسه، ج١ ص٩.

Page 343: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٤٣ رة للمفهوم) املجموعة الثالثة: (املقر

9}(١) أو العرش والكريس يف اآليات األخر التي مدلوهلا اللغوي واضح ال تشابه فيه إال أن مصاديقه اخلارجية سنخ مصاديق ال تنسجم أن تكون هي املقصودة يف هذه اآليات، فمن يف قلبه زيغ يتبع مثل هذه اآليات ليطبقها عىل مصاديقها اخلارجية ل كام يف تأويل الرؤيا وتطبيقه عىل املتشاهبة -وهذا التطبيق عرب عنه بالتأويل من األو

مصداقه الواقعي- ابتغاء الفتنة وتشويش العقائد واألفكار.أريد لو املتشابه فإن ،{¢ ¡} تعاىل قوله يف التأويل كلمة الثانية: ومن ومفهومه، معناه خالف عىل محله التأويل معنى فيكون املفهومي املتشابه به الواضح أن هذا غري صادق إال يف حق الظاهر ال املتشابه الذي يتساو املعنيان فيه. وهذا بخالف ما لو أريد من التشابه املصداقي ويكون معنى التأويل اجلري والتطبيق

عىل املصاديق.ا يف قلوهبم واحلاصل ظاهر اآلية إرادة التشابه املصداقي بمعنى أن هناك أناسزيغ فيتبعون اآليات التي مصاديق مداليلها املفهومية يف اخلارج ال تنسجم مع واقع عىل فيطبقوهنا الغيب عامل من وتلك واملادة الشهود عامل من هذه ألن مصاديقها، املصاديق اخلارجية احلسية باعتبار عدم معروفية تلك املصاديق الغيبية وعجز الذهن والبلبلة يف البرشي عن إدراكها يف هذه النشأة وحياولون بذلك إلقاء الشبهة والفتنة

األذهان وهذا مسلك عام يف فهم وتفسري اآليات املتشاهبة»(٢).ر ما ذهب إليه الطباطبائي بعبارة قريبة منه، كام هو واضح والظاهر أن األمثل قرلها، قال: «املحكم: من اإلحكام وهو املنع، وهلذا يقال للمواضيع الثابتة القوية ملن تأمال ورصيح واضح قول كل أن كام الزوال. عوامل نفسها عن متنع أهنا أي حمكمة هي املحكامت اآليات فإن وعليه حمكم. قول له يقال للخالف احتامل أي يعتوره

اآليات ذات املفاهيم الواضحة التي ال جمال للجدل واخلالف بشأهنا، كآية {! " #

(١) الفاحتة ٦.(٢) بحوث يف علم األصول، مصدر سابق، ج٤ ص٢٨٠.

Page 344: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٤٤

j i h} ،(٣){b a ` _}،(٢){3 2 1} ،(١){$k}(٤)، وآالف أخر مثلها مما تتعلق بالعقائد واألحكام واملواعظ والتواريخ، فهي كلها من املحكامت. هذه اآليات املحكامت تسمى يف القرآن أم الكتاب أي هي

.األصل واملرجع واملفرسة واملوضحة لآليات األخرواملتشابه: هو ما تتشابه أجزاؤه املختلفة، ولذلك فاجلمل والكلامت التي تكون معانيها معقدة وتنطوي عىل احتامالت خمتلفة توصف بأهنا متشاهبة. وهذا هو املقصود ألول معانيها تبدو التي اآليات أي متشاهبات، بأهنا القرآن آيات بعض وصف من اآليات عىل بعرضها معانيها تتضح ولكنها متعددة، احتامالت وذات معقدة وهلة

املحكامت.املحكم تفسري يف متعددة احتامالت أوردوا املفرسين أن من الرغم وعىل مع يتفق كام املصطلحني، هلذين األصيل املعنى يناسب قلناه الذي ولكن واملتشابه، اآلية ومع اآلية، هذه تفسري يف الواردة األحاديث مع وكذلك اآلية، نزول سبب نفسها، ألننا نقرأ بعد ذلك أن املغرضني يتخذون من اآليات املتشاهبات وسيلة إلثارة الفتنة، وهم بالطبع يبحثون هلذا الغرض عن اآليات التي هلا تفسريات متعددة. وهذا نفسه يدل عىل أن معنى املتشابه هو ما قلناه. ويمكن إدراج بعض اآليات التي ختص صفات اهللا واملعاد كنامذج من اآليات املتشاهبات، مثل {' ) ( *}(٥) بشأن {> = < ; :} اهللا، علم بشأن ،{Õ Ô Ó} اهللا، قدرة بشأن طريقة حساب األعامل. بدهيي أن اهللا ال يد له بمعنى العضو، وال أذن باملعنى نفسه، وال ميزان مثل موازيننا يزن هبا األعامل. هذه كنايات عن مفاهيم كلية لقدرة

اهللا وعلمه وميزانه. (١) اإلخالص ١..١١ (٢) الشور

(٣) الزمر ٦٢.(٤) النساء ١١.(٥) الفتح ١٠.

Page 345: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٤٥ رة للمفهوم) املجموعة الثالثة: (املقر

يتضح مما قلنا بشأن املحكم واملتشابه أن اإلنسان الواقعي الباحث عن احلقيقة البد له لفهم كالم اهللا أن يضع اآليات جنبا إىل جنب ثم يستخرج منها احلقيقة، فإذا ا، فعليه أن يرجع إىل آيات أخر لرفع ذلك ا وتعقيد الحظ يف ظاهر بعض اآليات إهبامبالشارع أشبه الواقع يف املحكامت اآليات تعترب كنهها. إىل ليصل والتعقيد اإلهبام الرئييس، واملتشاهبات أشبه بالشوارع الفرعية، الشك أن املرء إذا تاه يف شارع فرعي سعى للوصول إىل الشارع الرئييس ليتبني طريقه الصحيح فيسلكه»(١). ومل أجد من

ض ملناقشة هذا القول بنحو خاص. تعر١٢- املحكم: ما يفهمه مجيع الناس، واملتشابه: ما ال يفهمه إال الراسخون يف العلم. ذهب إىل ذلك السيد األستاذ، وتقريبه بحسب ما جاء يف نص كالمه «الناس رسالة اهللا يرسل أن يمكن فكيف ا، مجيع للناس جاء اهللا وكتاب خمتلفة، مستويات

واحدة جلميع الناس عىل اختالف مستوياهتم؟ا. ليست كل آياته لكل الناس إنام اجلواب: إن اهللا جعل كتابه عىل درجات أيضفيها آيات عامة يفهمها اجلميع، وهي بمثابة قاعدة راسخة تنبى عليها سائر األفكار واألحكام. وفيها آيات خاصة ال يفهمها إال الراسخون يف العلم، أولئك الذين أوتوا ا من العقل واملعرفة. وبالطبع الراسخون يف العلم بدورهم متفاضلون بينهم نصيبا كبرييف الدرجات، فقد تكون اآلية الواحدة عند بعضهم واضحة، وال تكون واضحة عند

. من هو أقل من علام .(٢)«{s} والقسم الثاين .{n} القسم األول من اآليات تسمى

ومل أقع عىل مناقشة خاصة هلذا القول.اعتربه ظاهره. خالف به أريد ما واملتشابه: ظاهره، به أريد ما املحكم: -١٣يف ف ترص مع البستاين إليه انتهى ما وهو املتأخرين(٣). عند ا شائع قوال امليزان

(١) تفسري األمثل، مصدر سابق، ج٢ ص٣٩٦.(٢) من هد القرآن، السيد حممد تقي املدريس، ج١ ص٣٧٦، دار القاريء، الطبعة الثانية ٢٠٠٨م.

(٣) تفسري امليزان ج٣ ص٣٨.

Page 346: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٤٦

األلفاظ، قال «املحكم: هو ما يعرف بشكل عام من خالل ظهوره اللفظي، واملتشابه: لطبيعة خيضع بعضها متنوعة، مستويات عىل وهو السمة، هبذه يتسم ال الذي هو التذوق الفردي هلذه الشخصية املتلقية أو تلك، وبعضها ينبغي أن خيضع ملا ورد عن أئمة أهل البيت A من تفسري خاص لذلك، والبعض الثالث هو ما له بطن وظهر، بحيث أن الباطن يشري إىل معنى عام ينسحب عىل مطلق الزمان واملكان، وإن الظهر هو الذي ينسحب عىل الظاهرة اخلاصة»(١). ويظهر من عبارة الزرقاين القبول به، مع

إنه أخذ عليه عدم إستيفائه لوجوه الظهور واخلفاء كام فعل الرازي(٢).لكن الطباطبائي أشكل عىل هذا النوع من التقسيم، إذ ليس يف القرآن الكريم آية أريد فيها ما خيالف ظاهرها، وما يوهم ذلك من اآليات إنام أريد هبا معان يعطيها ا، ومن املعلوم أن املعنى الذي تعطيه هلا آيات أخر حمكمة، والقرآن يفرس بعضه بعضكالم يف وباخلصوص ظهوره عن بخارج ليس للفظ منفصلة- أو القرآئن -متصلة ه عىل أن ديدنه أن يتكلم بام يتصل بعضه ببعض، ويشهد بعضه عىل بعض نص متكلم

ويرتفع كل اختالف وتناف مرتائي بالتدبر فيه(٣).١٤- املحكم: ما يؤمن به ويعمل به، واملتشابه: ما يؤمن به وال يعمل به. نسب

إىل ابن تيمية(٤)، ونسبه ابن أيب حاتم إىل عكرمة وقتادة وغريمها(٥).وأشكل عليه الزرقاين بأنه قرص للمحكم عىل ما كان من قبيل األعامل، وقرص للمتشابه عىل ما كان من قبيل العقائد، وهو غري سديد. وإن أرادوا باملحكم الواضح تعيني دون به اإليامن جيب خفيا كان ما وباملتشابه التعيني، عىل بمعناه يؤخذ الذي

(١) دراسات يف علوم القرآن الكريم، الدكتور حممود البستاين، ص١٤٧، مدينة العلم-إيران، الطبعة األوىل ٢٠٠٧م.

(٢) مناهل العرفان، ج٢ ص٢١٨.(٣) امليزان، ج٣ ص٣٨.

(٤) تفسري امليزان، ج٣ ص٣٦.(٥) اإلتقان يف علوم القرآن، ج٢ ص٤.

Page 347: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٤٧ رة للمفهوم) املجموعة الثالثة: (املقر

ملعناه، فالعبارة قارصة عن أداء هذا املعنى(١).وأما الطباطبائي فقد أخذ عليه بأن «الزمه كون غري آيات األحكام متشاهبات، ال إذ األحكام غري يف اإلهلية املعارف من بيشء العلم حصول يمكن ال أن والزمه جهة ومن منها، تشابه ما إليه يرجع فيها حمكم وجود عدم مع عمل فيها يتحقق

ا. أخر: اآليات املنسوخة إنشاءات وليست بمحكامت قطعوالظاهر أن مراده من اإليامن والعمل باملحكم واإليامن من غري عمل باملتشابه

¬ « ª} ،{} | { z y x w v u} ما يدل عليه لفظ اآليةاملحكم يف ا مع والعمل اإليامن أعني األمرين أن إال ،{´ ³ ² ± ° ¯ ®واإليامن فقط يف املتشابه ملا كانا وظيفتني لكل من آمن بالكتاب كان عليه أن يشخص املحكم واملتشابه قبال حتى يؤدي وظيفته، وعليهذا فال يكفي معرفة املحكم واملتشابه

هبام يف تشخيص مصداقهام وهو ظاهر»(٢).١٥- املحكم: جمموعة األحكام التي جاءت إىل النبي K، والتي حتتوي عىل قواعد السلوك اإلنساين (احلالل واحلرام) أي العبادات واملعامالت واألخالق والتي النبي إىل وجل عز اهللا أعطاها التي احلقائق جمموعة هو واملتشابه: رسالته. تشكل K، والتي كانت يف معظمها غيبيات -أي غائبة عن الوعي اإلنساين- عند نزول الكتاب والتي تشكل نبوة حممد K، والتي فرقت بني احلق والباطل، وهي تتألف ا ملا جاء يف قوله سبحانه من كتابني: األول السبع املثاين، والثاين القرآن العظيم، طبق{® ¯ ° ± ² ³ ´}(٣). وميزة املتشاهبات أهنا إخبارية (أنباء)

.(٤) وال يوجد فيها أوامر ونواه

(١) مناهل العرفان، ج٢ ص٢١٨.(٢) امليزان، ج٣ ص٣٧.

(٣) احلجر ٨٧.(٤) الكتاب والقرآن قراءة معارصة، الدكتور حممد شحرور، ص٥٥-٥٦، األهايل للطباعة والنرش

والتوزيع-دمشق، الطبعة السادسة ١٩٩٤م.

Page 348: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٤٨

أن أردنا قال «إذا التمثيل سياق ويف شحرور، حممد الدكتور القول هذا تبنى «قرآن ا متام متشاهبة واألخر ا حمكمةمتام إحدامها الكتاب يف سورتني بني نقارن «كلها الصافات وسورة حمكم» «كلها التوبة سورة إىل ننظر أن إال علينا فام فقط» متشابه»، فإن ما نراه بشكل واضح هو اختالف املواضيع واختالف الصياغة، فسورة الصافات هي من أعقد السور يف الكتاب. ولو سألني سائل: هل عدد آيات املتشابه «القرآن» أكثر أم عدد آيات املحكم «أم الكتاب»؟ لقلت: إن عدد آيات املتشابه أكثر بكثري من عدد آيات املحكم «أم الكتاب» ألن هناك أكثر من سورة واحدة يف الكتاب

كلها قرآن»(١).ن من املحكم واملتشابه فقط، بل يشمل قسام واعترب أن القرآن الكريم ال يتكوومن جهة، من هذا حمكمة آيات القرآن يف أن يعني ما الكتاب، تفصيل وهو آخر حمكم ال ثالث نوع وفيها متشاهبات فيها املحكامت غري اآليات فإن أخر جهة قوله وهي البحث حمل باآلية ذلك عىل الكتاب.واستدل تفصيل وهو متشابه وال فقد ،{s r q p o n m l k j i h g} سبحانهقال يف شأهنا «هذه اآلية صنفت اآليات يف الكتاب إىل أكثر من نوعني. فلو قلنا: إن معرفة املتشاهبات اآليات لوضع فقط ومتشابه حمكم اآليات من نوعان فيه الكتاب أي يف صيغة «واألخر متشاهبات»، يف هذه احلالة يفهم أن كل اآليات غري املحكامت املحكم غري أن يفهم معرفة غري حالة يف التشابه وضع كونه ولكن متشاهبات هي ال الكتاب يف آيات هناك أن بالرضورة فنستنتج متشاهبا كله ليس ولكن متشابه يف حمكامت وال متشاهبات، هذه اآليات هي تفصيل الكتاب حيث ورد يف الكتاب آيات عملوا ممن الكثري فيها وقع املعضلة هذه أن وأعتقد الكتاب، حمتويات ترشح كثرية والتي عمران آل سورة يف ٧ رقم اآلية ذلك عىل مثال وأوضح الكتاب. علوم يف نفسها اآلية هذه املحكمة. غري اآليات يف متشابه وفيه حمكم فيه الكتاب إن تقول: أخربتنا التي هي ألهنا متشاهبة غري هي ال اجلواب: حمكمة؟ هي هل تصنف: كيف

(١) املصدر نفسه ص١١٨.

Page 349: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٤٩ رة للمفهوم) املجموعة الثالثة: (املقر

عن وجود املحكم واملتشابه. واالستنتاج املنطقي أهنا آية من الكتاب ترشح حمتوياته، x} هذا النوع من اآليات تم تصنيفها يف اآلية رقم ٣٧ من سورة يونس يف قولهالكتاب حمتويات ترشح التي اآليات أن أي ے}(١) ~ } | { z y

وتصنيفاته هي تفصيل الكتاب وعددها يف الكتاب ليس بالعدد القليل.مثال آخر: اآلية ٣٧ من سورة يونس التي تقول إن هناك قرآنا وهناك تصديق إىل وتنتمي متشاهبة وال حمكمة ال نفسها هي الكتاب تفصيل وهناك يديه بني الذي

زمرة اآليات التي تدخل حتت عنوان تفصيل الكتاب، وكذلك اآلية {® ° ا وليست قرآنا وليست من السبع املثاين ألهنا } ليست أحكام ³ ² ±يف شارحة للمتشابه فهي ا قصص وليست املثاين السبع عىل القرآن تتكلم عن عطف الكتاب وهو القرآن والسبع املثاين فتدخل حتت بند تفصيل الكتاب. وقد أكد عىل أن

y x} يف قوله K ا وليس من النبي تفصيل الكتاب موحى من اهللا أيضz } | { ~ ے}. هنا جاء تفصيل الكتاب بمعنى رشح حمتويات الكتاب ال

رشح أحكام الكتاب»(٢).وا بمناقشة أطروحات الدكتور شحرور، ا من املؤلفني اهتم وبالرغم من أن مجعت عىل كتبهم(٣) ليس أكثر من إرجاعات إىل ما ذكره السابقون ن وقع إال أن كالم محول مفهوم املحكم واملتشابه، وليس فيه مناقشة دقيقة ألطروحته اخلاصة حوهلام، أي ه بعض العلامء املاضني للمفهومني، بدل أن يعمدوا إىل إهنم حاكموه بناء عىل ما فرس

تفكيك تفسريه هلام ومناقشته علميا، وهذا منطق غري علمي يف ممارسة النقد.ضبطهم يف واملفكرين املفرسين من مجلة تبناها التي األقوال أبرز هي هذه

(١) يونس ٣٧.(٢) املصدر نفسه ص١٢٠-١٢١.

(٣) أنظر: القراءة املعارصة للقرآن يف امليزان، أمحد عمران، ص١٣٧-١٦٢، دار النفائس-بريوت، الطبعة األوىل ١٤١٥هـ. و هتافت القراءة املعارصة، د. حمامي منري حممد طاهر الشواف، ص١٧٧،

الشواف للنرش والدراسات، الطبعة األوىل ١٩٩٣م.

Page 350: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٥٠

ملفهوم اإلحكام والتشابه، مع املناقشات التي وردت حوهلا، وسأقف يف اجلزء الثاين النظر خالل من إليه أنتهي أن يل يمكن الذي الرأي توصيف عىل الكتاب هذا من

والتأمل يف اآلية املباركة.الطيبني بيته أهل وعىل حممد نبينا عىل اهللا وصىل العاملني، رب هللا واحلمد

الطاهرين.

Page 351: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٥١ املحتويات

المحتويات

إهداء.................................................................... ٧٩ ................................................................... مقدمة١١ .................................. ة األوىل: املوقعية العلمية للنص القرآين املقدم١٣ .................................................................. متهيد١٥ .......................................... ل: القرآن والقرآن الفصل األو١٧ .............................................. ف القرآن القرآن يعراخلط األول: الطبيعة الذاتية للقرآن................................ ١٩اخلط الثاين: مستو التأثري للنص القرآين.......................... ٢٩٣٥ ......................... اخلط الثالث: املوقف اإلنساين جتاه القرآن٤١ ..................................... الفصل الثاين: النبي K والقرآنف القرآن......................................... ٤٣ النبي K يعر٤٥ ........................................................... مة املقد٥٣ ..................................... املوضوع: (إذا التبست الفتن)٥٧ .............................. صفة املوضوع: (كقطع الليل املظلم)

Page 352: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٥٢

٥٩ ......................................... احلكم: (فعليكم بالقرآن)صفات القرآن الكريم............................................. ٦٣الفصل الثالث: األئمة A والقرآن................................... ٧٧فون القرآن (١).................................. ٧٩ األئمة A يعر٨١ ................................................... الداللة واملعنىفون القرآن (٢).................................. ٨٩ األئمة A يعر٩١ ................................................... الداللة واملعنى٩٩ .................................. ة الثانية: املوقعية العملية للنص القرآين املقدم١٠١ ................................................................ متهيد١٠٣ ................................... ل: بـيــن كــالمــيـن الفصل األوبني الكالم اإلهلي والكالم البرشي.............................. ١٠٥١١٣ ....................................... آثار العالقة بني الكالمنينحو فكر قرآين.................................................. ١١٧الفصل الثاين: النص القرآين بني النسبية واإلطالق..................... ١٢١النص القرآين بني النسبية واإلطالق............................. ١٢٣مباين املعرفة النسبية............................................. ١٢٥١٣٥ ................................................ مالحظات أوليةمن خصوصيات اخلطاب القرآين................................ ١٤١إضاءات........................................................ ١٤٥ة الثالثة: التفسري العلمي الرتبوي...................................... ١٥١ املقدمل: الـمـنـهـج الـعـلـمـي................................ ١٥٥ الفصل األو١٥٧ .................................................. املنهج العلمي

Page 353: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

٣٥٣ املحتويات

معامل املنهج العلمي............................................. ١٦١املنهج الرتبوي.................................................. ١٧٩١٨٧ ..................................................... ران ورة آل عم تفسري س١٩١ ............................................... املفهوم العميل للتوحيد١٩٥ ......................................................... مفهوم احلياةمفهوم القيومية....................................................... ١٩٩٢٠٣ ................................................. قيمة الكتب السامويةاإلنزال والتنزيل...................................................... ٢٠٥٢٠٧ ...................................................... اإلشكال األولاإلشكال الثاين....................................................... ٢١١اإلشكال الثالث...................................................... ٢١٥وجه آخر............................................................. ٢١٩الرأي املختار......................................................... ٢٢٣مناقشة اإلشكال األول............................................... ٢٣١مناقشة اإلشكال الثاين................................................ ٢٣٣مناقشة تفسري شحرور................................................ ٢٣٥٢٣٧ ........................................... مناقشة استنتاج الطباطبائياستنتاج.............................................................. ٢٤١تنزيل الكتاب باحلق.................................................. ٢٤٥٢٥٣ .................................................. التصديق ملا بني يديه٢٥٩ .............................................. وأنزل التوراة واإلنجيلإنزال من قبل......................................................... ٢٦٣لت الكتب الساموية؟.......................................... ٢٦٧ ملاذا أنزمفهوم {9}...................................................... ٢٧١

Page 354: ﺔﻣﻼﻌﻟﺍ١٣ ﺪﻴﻬﲤ ﺪﻴﻬﻤﺗ ﻪﻠﺋﺎﻗ ﻡﻼﻛ ﲆﻋ ﺮﻤﻧ ﻥﺃ ﺪﺑﻻ ،ﲏﺁﺮﻘﻟﺍ ﺺﻨﻠﻟ ﺔﻴﻤﻠﻌﻟﺍ ﺔﱠﻴﻌﻗﻮﳌﺍ

مفاهيم ومعاين.. تفسري للقرآن الكريم (١) ٣٥٤

معنى {:}....................................................... ٢٧٣بني الكتاب والفرقان................................................. ٢٧٧حتذير ووعيد......................................................... ٢٨١العلم اإلهلي.......................................................... ٢٨٥التفاتة................................................................ ٢٩١٢٩٣ ........................................................... لم مطلق عتصوير يف األرحام.................................................... ٢٩٧النص القرآين بني اإلحكام والتشابه................................... ٣٠٩٣١١ .................................................... اإلحكام والتشابه٣١٣ ............... املجموعة األوىل: (احلارصة للمفهومني يف آيات حمددة)٣١٩ ...... املجموعة الثانية: (احلارصة للمفهومني يف آيات بحسب العنوان)رة للمفهوم)................................... ٣٢٥ املجموعة الثالثة: (املقر٣٥١ ................................................................. املحتويات