لنثر: كتاب لشعر وا ا التحبري يف صناعة حترير األصبع: املؤلف بن أيب ا

مقدمة املؤلف

بسم اهللا الرمحن الرحيم

رب يسر

قال العبد الفقري إىل ربه، املستغفر من ذنبه، عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر بن عبد اهللا بن أيب اإلصبع مساغه، وصلى اهللا على من كانت أعظم آياته البالغة وعلى احلمد هللا محدا يستعذب احلامد: عفا اهللا عنه

.آله وصحبه مازان حلى الكالم من صيغ له ومن صاغهفأصوله، ما : وبعد، فإين رأيت ألقاب حماسن الكالم اليت نعتت بالبديع قد انتهت إىل عدد منه أصول وفروع

.من عين بتأليف ذلكأشار إليها ابن املعتز يف بديعه وقدامة يف نقده، ألهنما أول االستعارة : أما ابن املعتز فهو الذي مساه البديع، واقتصر يف كتابه هبذه التسمية على مخسة أبواب، وهي

منفردا هبا،، على أن قدامة ذكر االستعارة ومل يبوب عنها يف احملاسن، وإمنا جاء هبا يف ذكر املعاظلة من ستعارة،، فاقتضى كالمه أن من االستعارة قبيحا وحسنا، العيوب، وزعم أن املعاظلة ما استبشع من اال

فحسنها من احملاسن، وقبيحها من العيوب، ومل يذكرها يف احملاسن، وابن املعتز ذكرها والتجنيس، والطباق متواردا عن قدامة عليهما، ورد األعجاز على الصدور منفردا به، وختما خبامس عزا تسميته إىل اجلاحظ،

ب الكالمي منفردا به، وإن كان ما قبله من األمساء األربعة قد سبقت العرب إىل وضعها، ورمبا وهو املذه .سبق ابن املعتز إىل نقلها وعدهاوما مجع قبلي فنون البديع أحد وال سبقين إىل تأليفه مؤلف، وألفته سنة أربع : وقال ابن املعتز يف صدر كتابه

: ي بن حيىي بن منصور املنجم، مث قال بعد سياقه األبواب اخلمسةوسبعني ومائتني وأول من نسخه مين علوحنن اآلن نذكر حماسن الكالم والشعر وإن كانت حماسنهما كثرية ال ينبغي للعاقل العامل أن يدعي اإلحاطة

أنا هبا حىت يتربأ من شرود بعضها عن علمه، وأحببنا بذلك أن نكثر فوائد كتابنا للمتأدبني ويعلم الناظر فيه قد اقتصرنا بالبديع على الفنون اخلمسة اختيارا من غري جهل بالطريقة، وال ضيق يف املعرفة، فمن أحب أن يقتدي بنا ويقتصر على تلك اخلمسة بالبديع فليفعل، ومن أضاف من هذه احملاسن أو غريها شيئا إىل البديع

االلتفات، وقد توارد عليه هو وقدامة، وذكر وارتأى غري رأينا فله اختياره، وهذا حني ذكر املاسن مث ذكراعتراض كالم يف كالم مل يتم معناه، مث يعود املتكلم فيتمه يف بيت واحد أو مجلة واحدة، وهذا الباب مساه

وهو مما توارد عليه قدامة، وابن املعتز، مث ذكر من احملاسن . قدامة التمام ومساه احلامتي يف احللية التتميمىن إىل معىن، وهو الذي مساه احلامتي االستطراد، ناقال تسميته ال خمترعا وهو من أفراد ابن اخلروج من مع

املعتز، مث ذكر تأكيد املدح مبا يشبه الذم منفردا به وذكر جتاهل العارف، وهو الذي مساه املتأخرون اإلعنات

ه وبني جتاهل العارف فرق والتشكيك وهذه التسمية غري مطابقة من كل وجه، والتشكيك باب مفرد بينسيأيت يف موضعه إن شاء اهللا تعاىل، وهو من إفراد ابن املعتز، مث ذكر اهلزل الذي يراد به اجلد منفردا به،

وذكر حسن التضمني منفردا به، وذكر الكناية منفردا هبا، وذكر اإلفراط يف الصفة متواردا عليها مع التشبيه متواردا هو وقدامة عليه، وذكر عتاب املرء نفسه منفردا به، قدامة، ومساها قدامة املبالغة، وذكر

وذكر حسن االبتداءات، منفردا به، ومساه من بعده براعة االستهالل على اختالف يف شواهده، فهذه اثنا عة عشر بابا من احملاسن تضاف إىل أبواب البديع اخلمسة فيصري هبا ما اخترع ابن املعتز مجيعه من ذلك سب

.عشر بابا

التشبيه والتمام، واملبالغة، والطباق، اجلناس : وأما قدامة فضمن كتابه املوسوم بنقد الشعر عشرين بابا، وهيالتكافؤ، وإن كان هذا الباب : متواردا هو وابن املعتز عليهن مجيعا، وبقية العشرين مما انفرد به قدامة، وهي

ني ذلك يف موضعه، وصحة األقسام، وصحة املقابالت، وصحة تداخل على قدامة يف باب الطباق، وسأبالتفسري، وائتالف اللفظ مع املعىن، وهو باب فرع منه قدامة ستة أبواب، وهي املساواة، واإلشارة،

الطباق، واجلناس، وقد مضى ذكر : واإلرداف، والتمثيل، مث فرع من باب ائتالف اللفظ مع املعىن أيضاعليهما، وذكر ائتالف اللفظ مع الوزن، وائتالف املعىن مع الوزن، وقد جعل توارده مع ابن املعتز

لكن قدامة خص هبما الشعر، ومن مسامها . املتأخرون هذين البابني بابا واحدا، ومسوه والتهذيب والتأديبائتالف : فيقولهتذيبا وتأديبا ال خيص هبما الشعر دون النثر، وال النثر دون الشعر، بشرط أن يعم بالتسمية

اللفظ مع املعىن مطلقا، من غري أن يذكر الوزن وائتالف القافية مع ما يدل عليه سائر البيت وقد مساه من بعده التمكني وخص به الشعر أيضا وهو ال خيصه وفرع قدامة من هذا الباب بأيب التوشيح واإليغال فهذه

ط ما تداخل عليه، وهو التكافؤ، وإذا أضيفت إىل ما ثالثة عشر بابا صحت لقدامة منفردا هبا، بعد إسقاقدمه ابن املعتز من البديع وأضافه إليه من احملاسن صارت عدة األصول من كتابيهما بعد حذف ما تواردا

عليه ثالثني بابا سليمة من التداخل، وهذه أصول ما ساقه الناس يف كتبهم من البديع إىل هلم جرا، مث فمن أحب أن يضيف شيئا من هذه احملاسن أو غريها إىل البديع فليفعل : ملعتز يف قولهاقتدى الناس بابن ا

فأضاف الناس احملاسن إىل البديع، وفرعوا من اجلميع أبوابا أخرى، وركبوا منها تراكيب شىت، واستنبطوا البديع على اسم غريها باالستقراء من الكالم والشعر حىت كثرت الفوائد، ورأوا ابن املعتز قد غلب اسم

احملاسن فسمى كتابه البديع وهو جامع هلما معا فاقتدوا به، ألنه املخترع األول للتصنيف، فسمى كل من وضع كتابا يف ذلك باسم إما مصرح بالبديع أو راجع معناه إليه، وكذلك فعل كل من عرف نوعا منه عند

ال من ألف يف جمموع البالغة، أو تعرف كنه هذا الضرب الفالين من البديع إ: سؤاله عنه، فإنه يقولالفصاحة، أو يف النقد كتابا، فإن له أن يسميه ما شاء، ولقد وقفت من هذا العلم على أربعني كتابا منها ما

هو منفرد به، وما هذا العلم أو بعضه داخل يف بعضه كنقدي قدامة وبديع ابن املعتز، وحلية احملاضرة طل الذي ذكره احلامتي يف احللية فلم أجد من يعترف بوقوفه عليه سوى ابن منقذ وكشفت عن احلايل والعا

يف بديعه، وكالصناعتني للعسكري، والعمدة البن رشيق، وتزييف نقد قدامة له، ورسالة ابن بشر اآلمدي

كبري يف اليت رد هبا على قدامة، وكشف الظالمة للموفق البغدادي، والنكت يف اإلعجاز للرماين، واجلامع الوأعجاز القرآن للبالقداين، . التفسري له، والتعريف واإلعالم للسهيلي، ودرة التنزيل وغرة التأويل للخطيب

والكشاف للزخمشري، وإعجاز اجلرجاين املسمى بدالئل اإلعجاز، وأسرار البالغة له، ونظم القرآن اليت قدمها على شعر أيب نواس، للجاحظ، والبيان والتبيني له، وإعجاز ابن اخلطيب، ورسالة الصويل

ذكرى حبيب، وعبث : ورسالته يف أخبار أيب متام، ورسالة ابن أفلح، وشروح أيب العالء الثالثة، وهيالوليد، ومعجز أمحد، واملنصف البن وكيع، واملوازنة، لآلمدي، والوساطة للجرجاين، والغرر والدرر

ى، وشرح حديث أم زرع للقاضي عياض رمحه اهللا وما للمرتضى، وكتاب الصرفة له، واجملاز ألخيه الرضخلصه يف آخره من بديع احلديث، واحلديقة للحجاري براء مهملة صاحب املسهب يف أخبار أهل املغرب، وبديع التربيزي، وسر الفصاحة البن سنان اخلفاجي واملثل السائر البن األثري اجلزري، واإلقناع للصاحب

ق األجدايب، وبديع شرف الدين التيفاشي، وهو آخر من ألف فيه تأليفا يف غالب ابن عباد، وبديع أيب إسحاظين، ومجع ما مل جيمعه غريه لوال مواضع نقلها كما وجدها ومل ينعم النظر فيها، وبعض األبواب اليت

طإ وإذا وصلت إىل بديع ابن منقذ وصلت إىل اخلبط والفساد العظيم، واجلمع من أشتات اخل. تداخلت عليهوأنواعه من التوارد والتداخل، وضم غري البديع واحملاسن إىل البديع، كأنواع من العيوب، وأصناف من

السرقات، وخمالفة الشواهد للتراجم، وفنون من الزلل واخللل يعرف صحتها من وقف على كتابه

كنت قلما رأيت منها وأنعم النظر فيه، ال جرم أين مل أعتد بكتابه يف عدة ما وقفت عليه من ذلك، وإن كتابا خال عن موضع نقد، حبسب منزلة واضعه من العلم والدراية، فمن قليل ومن كثري، وكل أحد مأخوذ

" من قوله ومتروك إال من عصمة اهللا من أنبيائه، صلوات اهللا عليهم وسالمه والسعيد من عدت سقاطته، غري أين توخيت حترير ما مجعته من هذه وال أدعي سالمة وضعي دون أبناء جنسي،" وما أبرئ نفسي

الكتب جهدي، ودققت النظر حسب طاقيت، فتحرست من التوارد، وجتنبت التداخل، ونقحت ما جيب تنقيحه، وصححت ما قدرت على تصحيحه، ووضعت كل شاهد يف موضعه، ورمبا أبقيت اسم الباب

يع ما يف هذه الكتب من األبواب على ما وغريت مسماه إذ رأيت امسه ال يدل على معناه، إىل أن مجعت مجاالحتراس، : قدمت من الشرائط، فكان ما مجعته من ذلك ستني بابا فروعا بعد ما قدمته من األصول، وهي

واملواربة براء مهملة، والترديد، والتعطف، والتفويف، والتسهيم، والتورية، والتوشيح، واالستخدام، لتسميط، واملماثلة، والتجزئة، والتسجيع، والترصيع، والتصريع، والتشطري، والتغاير، والطاعة والعصيان، وا

والتعليل، والتطريز، والتوشيح، واالشتراك، والتلفيف، والعكس، واإلغراق، والغلو، والقسم، واالستثناء التكرار، واالستدراك، ومجع املختلفة واملؤتلفة، والتوهيم، واالستطراد، والتكميل، واملناسبة، والتفريع، و

ونفي الشيء بإجيابه، واإليداع، واالستعانة واملوازنة بزاي معجمة، والتذييل، واملشاكلة، واملواردة، والتهذيب، وحسن النسق، وبراعة التخلص، واالنسجام، واحلل، والعقد، والتعليق، واإلدماج واالزدواج،

سن اإلتباع، وحسن البيان، والتوليد، واالتساع، واجملاز، واإلجياز، وسالمة االختراع من االتباع، وحوأنعم النظر فيه، ال جرم أين مل أعتد بكتابه يف عدة ما وقفت .والتنكيت، واالتفاق، واإلغراب، والطرفة

عليه من ذلك، وإن كنت قلما رأيت منها كتابا خال عن موضع نقد، حبسب منزلة واضعه من العلم خوذ من قوله ومتروك إال من عصمة اهللا من أنبيائه، صلوات والدراية، فمن قليل ومن كثري، وكل أحد مأ

وال أدعي سالمة وضعي دون أبناء " وما أبرئ نفسي " اهللا عليهم وسالمه والسعيد من عدت سقاطته، جنسي، غري أين توخيت حترير ما مجعته من هذه الكتب جهدي، ودققت النظر حسب طاقيت، فتحرست من

نقحت ما جيب تنقيحه، وصححت ما قدرت على تصحيحه، ووضعت كل التوارد، وجتنبت التداخل، وشاهد يف موضعه، ورمبا أبقيت اسم الباب وغريت مسماه إذ رأيت امسه ال يدل على معناه، إىل أن مجعت مجيع ما يف هذه الكتب من األبواب على ما قدمت من الشرائط، فكان ما مجعته من ذلك ستني بابا فروعا

االحتراس، واملواربة براء مهملة، والترديد، والتعطف، والتفويف، : ن األصول، وهيبعد ما قدمته موالتسهيم، والتورية، والتوشيح، واالستخدام، والتغاير، والطاعة والعصيان، والتسميط، واملماثلة، ، والتجزئة، والتسجيع، والترصيع، والتصريع، والتشطري، والتعليل، والتطريز، والتوشيح، واالشتراكوالتلفيف، والعكس، واإلغراق، والغلو، والقسم، واالستثناء واالستدراك، ومجع املختلفة واملؤتلفة، والتوهيم، واالستطراد، والتكميل، واملناسبة، والتفريع، والتكرار، ونفي الشيء بإجيابه، واإليداع،

هذيب، وحسن النسق، وبراعة واالستعانة واملوازنة بزاي معجمة، والتذييل، واملشاكلة، واملواردة، والتالتخلص، واالنسجام، واحلل، والعقد، والتعليق، واإلدماج واالزدواج، واالتساع، واجملاز، واإلجياز،

وسالمة االختراع من االتباع، وحسن اإلتباع، وحسن البيان، والتوليد، والتنكيت، واالتفاق، واإلغراب، .والطرفة

لثالثني األصول فصارت الفذلكة تسعني بابا، ورأيت األجدايب قد وأضفت هذه األبواب الفروع إىل تلك اذكر من حماسن القافية أربعة أبواب منها بابان مها باب واحد مسامها بتسميتني غري مطابقتني ملعنامها،

فجعلتهما بابا واحدا على حكم ما أخذت به نفسي من حذف املتداخل، ومسيته االلتزام وعند ذكر شواهده مطابقة تسميته ملسماه، وبابان معنامها حسن مسي أحدمها بتسمية أيضا غري الئقة، فسميته تشابه يعلم

وباب أيضا مساه مبا ال يوافق، فسميته التوأم فسلمت له ثالثة أبواب . األطراف وسنبني حسن هذه التسميةالوزن، وما تداخل يف باب عوضت هبا ما تداخل يف باب التهذيب من ائتالف اللفظ مع الوزن، واملعىن مع

التمكني من ائتالف القافية مع ما يدل عليه سائر البيت لتصح العدة على شرط السالمة تسعني بابا كلها من احملاسن ليس فيها شيء من ضروب العيوب، وهي عند من ال جيعل التهذيب بابا واحدا، وليس ذلك

يد يل عن أمره، وال حميص عن رمسه، سيد الفضالء وقدوة مبمتنع، ثالثة وتسعون بابا وملا أمرين من ال حمالبلغاء، وملجأ األدباء، وحمط رحال الغرباء، وإمام الكرماء، القاضي األجل الفاضل شرف الدين أيب احلسن

بن القاضي األجل الفقيه اإلمام الورع العدل الرضي جالل الدين املكرم أيب احلسن موسى بن احلسن بن ملكا: سناء امللك

نورا ومن فلق الصباح عمودا... نسب كأن عليه من مشس الضحى أمتعه اهللا بفضائله، كما أمتع الفضالء بفواضله، ورحم سلفه، كما رحم به من عرفه، جبمع ما يف كتب

الناس من ذلك على سبيل االختصار من الشواهد، وجتنب اإلطالة بذكر كل االشتقاق، إال إيضاح مشكل، أو زيادة بسط يف الكالم، على أنه من كتاب اهللا تعاىل، أو يف بيت قد أمهل تقصي الكالم أو كشف غامض،

عليه، بادرت إىل امتثال أمره، واستخرت اهللا سبحانه وتعاىل حالة الشروع يف مرسومه، وسألته اإلعانة على .بلوغ غرضه، واهلداية إىل ما يترجح عندهتزيد هبا الفوائد، ويكثر هبا اإلمتاع، نسجا على منوال من وملا أخذت يف ذلك عن يل استنباط أبواب

تقدمين، واتباعا لسنة من سبقين، ففتح علي من ذلك بثالثني بابا، سليمة من التداخل والتوارد، مل أسبق يف غلبة ظين إىل شيء منها، اللهم إال أن يوجد يف زوايا الكتب اليت مل أقف على شيء مما اخترعته، فأكون أنا

.ومن سبقين إليه متواردين عليه، وما أظن ذلك، واهللا أعلم

وملا انتهى استخراجي إىل هذا العدد، أمسكت عن الفكر يف ذلك ليكون ما أتيت به وفق عدد األصول من التخيري، والتدبيج، : هذا الشأن، وهذا أوان سياقة أبوايب اليت استنبطتها، وضرويب اليت استخرجتها؛ وهي

الستقصاء، والبسط، واهلجاء يف معرض املدح، والعنوان، واإليضاح والفرائد، واحليدة والتمزيج واواالنتقال، والشماتة، والتهكم، والتندير، واإلسجال بعد املغالطة، واإللغاز والتعمية، والتصرف، والنزاهة،

صر اجلزئي وإحلاقه والتسليم، واالفتنان، واملراجعة، والسلب واإلجياب، واإلهبام، والقول باملوجب، وحبالكلي، واملقارنة، واملناقضة، واالنفصال، واإلبداع، وحسن اخلامتة، وأحلقت ذلك مبا تقدم من األبواب،

فصارت عدة أبواب هذا الكتاب مائة باب وثالثة وعشرين بابا سوى إذا انشعب من أبواب االئتالف من بعض هذه األبواب وهو األقل خيص الشعر، وباقيها اجلناس والطباق، والتصدير، وومسته بتحرير التحبري، و

وهو األكثر يعم الشعر والنثر، يعلم ذلك من تبحر يف هذا الكتاب، فالذي خيص املوزون منها ثالثة وعشرون بابا مراعاة الشتراك القرآن العزيز مع النثر ودخوله يف بابه، والنفراد املوزون عن املنثور من كالم

املواربة براء مهملة، والتسميط، والتجزئة، والتسجيع، : شر بابا ال غري، واهللا أعلم، وهياملخلوقني فثالثة عوالترصيع، والتصريع، والتشطري، والتطريز، والعكس، واإلغراق، والغلو، واالستدراك، واالطراد، والتفريع

ل اهلزل الذي يراد به اجلد، واإليداع، واالستعانة، واملوازنة، واملشاكلة، واملواردة من الفروع، ومن األصووائتالف اللفظ مع الوزن، وائتالف املعىن مع الوزن، وباقي األبواب وهي مائة باب تعم املوزون واملنثور،

وتوجد يف الكتاب العزيز إال األقل ملن دقق النظر يف االستنباط واهللا سبحانه وتعاىل املسئول يف حسن الرشد وهنج الصواب وسعادة يرزق هبا هذا التأليف حسن القبول من التوفيق إىل التحقيق لنهتدي إىل سبيل

.ذوي األلباب، إنه الكرمي الوهاب، وهذا حني الشروع يف تفصيل مجلة األبواب

اجلزء االول

باب االستعارة

.هي تعليق العبارة على غري ما وضعت له يف أصل اللغة على سبيل النقل: حد الرماين االستعارة بأن قال: هي استعارة الكلمة لشيء مل يعرف هبا من شيء قد عرف هبا وقال ابن اخلطيب يف إعجازه: ابن املعتز وقال

االستعارة جعل : وقال أيضا. االستعارة ذكر الشيء باسم غريه وإثبات ما لغريه له للمبالغة يف التشبيه .الشيء الشيء، أو جعل الشيء للشيء ألجل املبالغة يف التشبيه

وإنه يف أم " ي تسمية املرجوح اخلفي باسم الراجح اجللي للمبالغة يف التشبيه، كقول اهللا تعاىل ه: وقلتواشتعل الرأس : " وكقوله عز وجل" واخفض هلما جناح الذل من الرمحة : " وكقوله سبحانه" الكتاب

" .شيبا فاملستعار يف اآلية . ، ومستعار لهمستعار، ومستعار منه: وال بد يف االستعارة من اعتبار ثالثة أشياء أصول

الشيب، واجلامع بني املستعار منه واملستعار له مشاهبة : النار، واملستعار له: االشتعال، واملستعار منه: األخريةضوء النار لبياض الشيب، وفائدة ذلك وحكمته وصف ما هو أخفى بالتشبيه ملا هو أظهر، وقد جاء الكالم

واشتعل شيب الرأس، : ية األخرية على غري وجهه، فإن وجه الكالم فيها أن يقاليف االستعارة اليت يف اآلوإمنا قلب ملا حيصل يف قلبه من املبالغة لكونه يف حالة القلب يستفاد منه عموم الشيب جلميع الرأس، ولو

: البيتجاء الكالم على وجهه مل يفد ذلك العموم، ومثال ذلك أنك لو قلت يف مثاله اشتعلت النار يف اشتعل البيت : لصدق هذا القول على اشتعال النار يف جانب واحد من البيت دون بقية جوانبه، وإذا قلت

نارا أفاد هذا القول أن النار قد مشلت مجيع نواحي البيت وجهاته، وعلى هذا فاعترب االستعارة لتعلم أهنا ار اخلفي فقط، أو املبالغة فحسب، وقسم قسم جييء الكالم فيه على وجهه فال يفيد سوى إظه: على قسمني

يأيت الكالم فيه على غري وجهه فيفيد املعنيني معا، وأحسنها ما قرب منها دون ما بعد ومل يسمع سامع يف فإن ظهور األنوار يف املشرق من أشعة الشمس قليال قليال بينه " والصبح إذا تنفس " االستعارة كقوله تعاىل .اهبة شديدةوبني إخراج النفس مش

أولئك الذين اشتروا الضاللة باهلدى فما رحبت جتارهتم : " وأجل االستعارات االستعارة املرشحة كقوله تعاىل .واهللا أعلم. فإن االستعارة األوىل وهي لفظة الشراء رشحت الثانية وهي لفظتا الربح والتجارة لالستعارة"

" ضموا مواشيكم حىت تذهب فحمة العشاء : " يه السالمومن أمثله االستعارة يف السنة النبوية قوله علفاستعار صلى اهللا عليه وسلم للعشاء الفحمة لقصد حسن البيان، ألن الفحمة هاهنا أظهر للحس من

الظلمة فإن الظلمة تدرك حباسة البصر فقط والفحمة تدرك حباسيت البصر واللمس ألهنا جسم والظلمة .سن بيانا من ذكر الظلمةعرض فكان ذكرها أعين الفحمة أح

طويل: ومن أمثلة االستعارة الشعرية قول امرئ القيس علي بأنواع اهلموم ليبتلي... ؟وليل كموج البحر أرخى سدوله

وأردف أعجازا وناء بكلكل... فقلت له ملا متطى بصلبه عار له من اجتماعهما يف منع فإن هذا الشاعر استعار لظلمة الليل السدول املرخاة، ملا بني املستعار واملست

األبصار من اإلبصار، وفائدة هذه االستعارة نقل األخفى إىل األظهر، ألن السدول يدرك حباسيت البصر

واللمس، والظلمة تدرك بأحديهما دون األخرى، مث متم بكونه جعل السدول مرخاة ألن ذكرها بدون هذا ا وراءها، الحتمال أن تكون مرفوعة، وكذلك قصد يف القيد ال يويف باملعىن الذي قصده من منع رؤية م

البيت فإنه أراد وصف الليل بالطول فاستعار له صلبا يتمطى به، إذ كان ... البيت الثاين بقوله متطي بصلبهكل ذي صلب يزيد يف طوله عند متطيه شيء، وبالغ يف طوله بأن جعل له أعجازا يردف بعضها بعضا، فهو

البثني فيها " ه عجز، فال تفين أعجازه، وال تنتهي إىل طرف، كما قيل يف قوله تعاىل كلما نفد عجز ردفأما األحقاب : وقال احلسن البصري. ال انقطاع هلا، كلما مضى حقب جاء حقب بعده: قال قتادة" أحقابا

والضغط فليس هلا عدد إال اخللود، مث أراد أن يصف الليل بعد هناية الطول بالثقل على قلب ساهره،ملكابده، فاستعار له كلكال ينوء به، وألجل هذه املعاين كانت االستعارة أبلغ من احلقيقة والعدول إليها أوىل

.ملا تعطي من املعاين اليت ال حتصل من لفظ احلقيقةاهد وكل ما مر من األمثلة غري اآلية األخرية فهو ش. واالستعارة منها كثيف، وهو استعارة األمساء لألمساء

.هلاوكقول أيب " فما بكت عليهم السماء واألرض : " ولطيف، وهو استعارة األفعال لألمساء كقول اهللا تعاىل

متام بسيط ذوب الغمام فمنهل ومنسكب... من كل ممكورة ذاب النعيم هلا

؟

باب التجنيس

احد من اللغة، وجعله هو بيان املعاين بأنواع من الكالم جيمعها أصل و: حد الرماين التجنيس بأن قالفمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه مبثل ما : " جناس مزاوجة، وجناس مناسبة، فاملزاوجة كقوله تعاىل: قسمني

:وكقول عمرو بن كلثوم وافر" اعتدى عليكم فنجهل فوق جهل اجلاهلينا... أال ال جيهلن أحد علينا وأما قدامة وابن املعتز وإن اختلفا يف " القلوب واألبصار خيافون يوما تتقلب فيه : " واملناسبة كقوله سبحانه

هو اشتراك املعاين يف ألفاظ متجانسة على جهة : تسمية هذا الباب فقد اتفقا على معناه، فقال قدامة يف حده بسيط: االشتقاق كقول زهري

وعربة ما مهو لو أهنم أمم... كأن عيين وقد سال السليل هبم نيس املناسبة الذي ذكره الرماين، ولوال قول قدامة على جهة االشتقاق لكان حده وهذا احلد بعينه هو جت

.بعينه هو حد الرماين املطلقوكقول " فأقم وجهك للدين القيم : " وقال ابن املعتز هو أن جتيء الكلمة جمانسة أختها كقول اهللا تعاىل

:طويل: النعمان بن بشري ملعاوية وليلك عما ناب قومك نائم... أمل تبتدركم يوم بدر سيوفنا

وهذا بعينه هو جتنيس املناسبة من جهة االشتقاق ومل خيرج من جاء بعد هؤالء عما حدوه به، لكنهم فرعوه

مثانية فروع، وعلى هذا التفريع أكثر املتأخرين سوى التربيزي، فإنه نقص من هذه األقسام أربعة وأثبت ، هذا وإن كان متأخرا عمن قسم التجنيس مثانية أقسام، واخترع أربعة، وخلط يف الشواهد، وغري األمساء

أمساءها، فإين مل أقف على صحة ذلك، ورأيت ابن منقذ قد أتى على األقسام الثمانية، وفاته قسم تاسع أتى .به التربيزي، وسنأيت به يف موضعه

ألخرى فعال، وهذا مساه فمن فروع التجنيس جتنيس التغاير، وهو أن تكون إحدى الكلمتني امسا، واأثاقلتم إىل األرض أرضيتم : " وكقوله تعاىل" إين وجهت وجهي : " التربيزي التجنيس املطلق، كقوله تعاىل

غفار " و " عصية عصت اهللا ورسوله : " وكقول الرسول عليه الصالة والسالم" باحلياة الدنيا من اآلخرة :كقول جرير وافر، و" أسلم ساملها اهللا " و " غفر اهللا هلا

ومل تنظر بناظرة اخلياما... كأنك مل تسر ببالد جند وقد فرع التربيزي من هذا القسم ضربا مساه التجنيس املستويف، وهو أن تتشابه الكلمتان لفظا وخطا،

كامل: وإحدامها اسم واألخرى فعل، وأنشد فيه قول أيب متام ىي بن عبد اهللاحييا لدى حي... ما مات من كرم الزمان فإنه

وهذا الفرع وإن وضعت له تسمية ختالف تسميات األقسام الثمانية، وكانت له صورة مثاله غري صور .األمثلة، فإنه داخل يف القسم الذي إحدى كلمتيه اسم واألخرى فعل، فلذلك مل يعتد به قسما مستقال

ضرب تتماثل فيه الكلمتان : لى ضربنيوجتنيس التماثل، وهو أن يكون الكلمتان امسني أو فعلني، وهو ع :خفيف: سواء كانتا امسني أم فعلني يف اللفظ واخلط كقول الشاعر

منه حتىي عني احلياة النفوسا... عينه تقتل النفوس وفوه فروح " وضرب ال تتماثل فيه الكلمتان إال من جهة االشتقاق، سواء أكانتا امسني أم فعلني، كقوله تعاىل

" الظلم ظلمات : " وكقول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم" وجىن اجلنتني دان : " له سبحانهوقو" ورحيان :وكقول البحتري وافر" أسلم تسلم : " وكقوله عليه السالم

وصوب املزن يف راح مشول... نسيم الروض يف ريح مشال مة وابن املعتز، وباقي الثمانية وهذان التجنيسان أعين التغاير والتماثل فرعان من التجنيس الذي أصله قدا

استخرجها املتأخرون باالستقراء، وهي جتنيس التصحيف، ومل يذكره التربيزي يف أقسام التجنيس، وجعل وهم : " التصحيف بابا مفردا، جتنيس التصحيف وهو أن يكون النقط فارقا بني الكلمتني كقوله تعاىل

" لعله كان يتكلم مبا ال يعنيه ويتحلى مبا ال يغنيه : " ه وسلموكقوله صلى اهللا علي" حيسبون أهنم حيسنون طويل: وكقول البحتري

ليعجز واملعتز باهللا طالبه... ومل يكن املغتر باهللا إذ سرى وجتنيس التحريف، وهو أن يكون الشكل فارقا بني الكلمتني أو بعضهما، وهذا أيضا مل يذكره التربيزي،

ولقد أرسلنا : " وأما قوله سبحانه" ولكنا كنا مرسلني : " وقوله تعاىل" ن رهبم هبم إ: " ومثاله قوله سبحانهفهو الغاية اليت ال تدرك وكقول الرسول صلى اهللا عليه " فيهم منذرين فانظر كيف كان عاقبة املنذرين

كامل: وكقول أيب متام" الظلم ظلمات : " وسلم هنن محاممن حائهن فإ... هن احلمام فإن كسرت عيافة قسم تبدل فيه احلركة باحلركة وقسم تبدل فيه احلركة بالسكون، وقسم يبدل : وهو ينقسم إىل ثالثة أقسام

:فيه التخفيف بالتشديد، مثال األول قول الشاعر جبة الربد جنة الربد .والربد والربد أردت .البدعة شرك الشرك: ومثال الثاين قوهلما مفرط وإما مفرط واآليات الثالث من القسم األول، واحلديث من الثاين، اجلاهل إم: ومثال الثالث قوهلم

.والبيت من األول أيضاوجتنيس التصريف مما مل يذكره التربيزي أيضا، وهو اختالف صيغة الكلمتني بإبدال حرف من حرف إما من

اخليل " رسول عليه السالم وكقول ال" وهم ينهون عنه وينأون عنه : " خمرجه أو من قريب منه، كقوله تعاىل " .معقود بنواصيها اخلري

بسيط: وكقول الشاعر له بذي الرمل أوطار وأوطان... ال يذكر الرمل إال حن مغترب

وجتنيس الترجيع، وهو الذي مساه التربيزي التجنيس الناقص، ومساه قوم جتنيس التذييل، وهو على احلقيقة جد يف األخرى، ومجيع حروف األخرى موجود يف األوىل، وقسم الذي يوجد يف إحدى كلمتيه حرف ال يو

" والتفت الساق بالساق إىل ربك يومئذ املساق : " مثال األول قوله تعاىل: يف وسطها وقسم يف آخرها" ميدون من أيد : " من جد وجد، ومثال الثالث البيت الذي ذكر أليب متام وهو قوله: ومثال الثاين قوهلم

.البيتليل دامس، وطريق طامس، : فإما أن يقعا يف أول الكلمة ويكونا متقاربني كقوهلم: ن الزيادة حرفنيوقد تكو

: أو آخر الكلمة ويكونا متباعدين كقوهلم. ما خصصتين بل خسستين: وإما أن يقعا يف وسطها كقوهلم .شاحب وشاغب: أو متقاربني كقوهلم. سالب وساكب

وإنه على ذلك لشهيد، وإنه حلب اخلري : " الواحد قوله تعاىلومن القسم الذي توسط يف هذا احلرف طويل: هو الذي يرجع فيه لفظ الكلمة األوىل يف الكلمة األخرى، كقول أيب متام: وقالوا" لشديد

تصول بأسياف قواض قواضب... ميدون من أيد عواص عواصم أو جتنيس التضمني لتضمن إحدى وعندي أن تسميته جتنيس التداخل لدخول إحدى الكلمتني يف األخرى

يرجع لفظ إحدى الكلمتني يف لفظ األخرى ألن : الكلمتني لفظ األخرى أوىل باالشتقاق، إذ ال معىن لقوهلمجتنيس التذييل وجتنيس العكس، وهو مما مل : ظاهر الرجوع يؤذن بذهاب قبله وال ذهاب، أو كما قالوا

كقوله : متني عكس األخرى بتقدمي بعض حروفها على بعضيذكره التربيزي، وتعريفه أن تكون إحدى الكلوكقول عبد اهللا بن رواحة ميدح رسول اهللا صلى اهللا عليه " أن تقول فرقت بني بين إسرائيل : " تعاىل

بسيط: وسلم بالربد كالبدر جلى ليلة الظلم... حتمله الناقة األدماء معتجرا من دين ومن مكرمما يعلم اهللا... ويف عطافيه أو أثناء بردته

طويل: وكقول البحتري تذكرت القرىب ففاضت دموعها... إذا احتربت يوما فغاضت دماؤها

شواجر أرحام ملوم قطوعها... شواجر أرماح تقطع بينهم وافر: أخذ البحتري معىن البيت األول من رجل من بين عقيل، وقصر حيث قال

ال نبايل ونقتلكم كأنا... ونبكي حني نقتلكم عليكم .والبيت الثاين من بييت البحتري أردت

وجتنيس التركيب مما مل يذكره التربيزي، وهو أن تركب كلمة من كلمتني ليماثل هبا كلمة مفردة يف اهلجاء فاألول . قسم تتشابه الكلمتان فيه لفظا وخطا، وقسم يتشاهبان فيه لفظا ال خطا: واللفظ، وهو قسمان

ء الكاملجمزو: كقول القائل وأنامل من عندم... يا من تدل بوجنة

أحلاظ عينك عن دمي... كفى جعلت لك الفدا متقارب: وكقول اآلخر

فدعه فدولته ذاهبه... إذا ملك مل يكن ذاهبه رمل جمزوء: ومثال الثاين قول الشاعر

م وال جام لنا... كلكم قد أخذ اجلا جام لو جاملنا... وما الذي ضر مدير ال

.األبيات األوىل من القسم األول، واألخرى من القسم الثاينو .فهذه أقسام التجنيس الثمانية

وأما القسم الذي جعلته هلا تاسعا، وهو الذي ذكره التربيزي ومساه التجنيس املضاف، وأنشد فيه قول وافر: البحتري

على تطاول الليل التمام... أيا قمر التمام أعنت ظلما النظر عن اإلضافة من جتنيس التحريف، لكن هو قسم قائم بذاته، التصال املضاف باملضاف فهو مع قطع

.واهللا أعلم. إليه

باب الطباق

طابق البعري يف مشيه إذا وضع خف رجله موضع : الطباق اللغوي الذي أخذ منه الصناعي هو قول العربإن اجلمع من تسميتهم : باب، وقالخف يده، وقد رد ابن األثري على كل من ألف يف الصناعة هذا ال

الضدين يف هذا الباب خطأ حمض، ألن أصل االشتقاق يقتضي املوافقة ال املضادة، وهو أوىل باخلطإ منهم،

ألن القوم رأوا أن البعري قد مجع بني الرجل واليد يف موطئ واحد، والرجل واليد ضدان، أو يف معىن ه بني الضدين حيسن أن يسمى مطابقا ألن املتكلم به قد طابق فيه الضدين، فرأوا أن الكالم الذي قد مجع في

ضرب يأيت بألفاظ احلقيقة، وضرب يأيت بألفاظ اجملاز، فما كان منه بلفظ : بين الضدين، وهو على ضربنياحلقيقة مسي طباقا، وما كان بلفظ اجملاز مسي تكافؤا، فمثال التكافؤ قول أيب الشغب العبسي من إنشادات

:امة كاملقد حيمي الذمار صبيحة اإلرهاق... حلو الشمائل وهو مر باسل

طويل: ومن أمثلة التكافؤ قول ابن رشيق جنوم العوايل يف مساء عجاج... وقد أطفأوا مشس النهار وأوقدوا

ذوق، خارجا خمرج االستعارة إذ ليس اإلنسان وال مشائله مما يذاق حباسة ال" مر " و " حلو " ملا كان قوله .كان هذا تكافؤا

وكل أمثلة التكافؤ صاحلة ألن تكون أمثلة لباب املقارنة من األبواب اليت استنبطتها، وستأيت يف آخر .الكتاب

طباق اإلجياب، وطباق السلب، وطباق : وأما الطباق الذي يأيت بألفاظ احلقيقة فقد قسموه إىل ثالثة أقسام .الترديد

، وكقول الرسول صلى " وأنه هو أضحك وأبكى، وأنه هو أمات وأحىي " اىل فمثال طباق اإلجياب قوله تع، فانظروا إىل " إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع : " اهللا عليه وسلم لألنصار رضي اهللا عنهم

.فضل هذه العبارة كيف أتت املناسبة التامة فيها ضمن املطابقة كامل: نفسه كثر من يسخط عليه، وكقول دعبل اخلزاعي من رضي عن: وكقول علي كرم اهللا وجهه ضحك املشيب برأسه فبكى... ال تعجيب يا سلم من رجل

وهذا البيت مع سهولة سبكه وخفة ألفاظه وكثرة املاء يف مجلته قد مجع بني لفظي التكافؤ والطباق معا، ألن كامل: إنشادات ابن املعتزضحك املشيب جماز، وبكاء الشاعر حقيقة، وكقول الفرزدق وهو من

ال يغدرون وال يفون جلار... لعن اإلله بين كليب إهنم وتنام أعينهم عن األوتار... يستيقظون إىل هنيق محارهم

غري أن هذين البيتني من أفضل شعر مسعته يف هذا الباب، ألهنما مجعا بني طباقي السلب واإلجياب، ووقع له يف باب التكميل، ألن هذا الشاعر ملا وصف هؤالء القوم بالضعف فيهما مع الطباق تكميل مل يقع مث

وعلم أنه لو اقتصر على ذلك احتمل الكالم ضربا من املدح، إذ جتنب الغدر قد " ال يغدرون : " حيث قاليكون عن ضعف وعن عفة، أتى بصريح اهلجاء ليدل بذلك على أنه أراد بكالمه األول حمض اهلجاء،

فتكمل اهلجاء، " وال يفون جلار : " أن يأيت بذلك يف لفظ ينتظم به ومبا بعده طباق، فقال واقتضت الصناعةإذ سلبهم الغدر والعجز والوفاء للؤم وحصل يف البيت مع الطباق والتكميل الدالني على غاية اهلجاء إيغال

وحصل املعىن الذي مت له القصد الذي أراده،" ال يغدرون وال يفون " حسن، ألنه لو اقتصر على قوله

ألن الغدر " جلار : " قصده، لكنه ملا احتاج إىل القافية ليصري الكالم شعرا أفاد هبا معىن زائدا حيث قالال : " لعنة الشاعر هلم يف أول كالمه تدل على أنه أراد بقوله: باجلار أشد قبحا من الغدر بغريه فإن قيل

.اهلجاء فبطل، تأويله" يغدرون ر الغدر القبح، وإمنا يستحسن إذا أريد به وصف فاعله بالقدرة وهو من مذهب اجلاهلية والشعر ظاه: قلت

اإلسالمي، فيحتمل منه لعنه هلم إذا حلمنا نفي الغدر عنهم على صفة املدح أنه أراد باللعنة املبالغة يف األشعار كاملعلقات استحسان ما وصفهم به، فإن من مذهب العرب ذلك، أال تراهم كانوا يسمون نوادر

.أخزاه اهللا ما أشعره، ولعنه اهللا ما أصدقه: وأمثاهلا املخازي واملالعن، ألن سامعها يقولوطباق السلب، وهو أن يأيت املتكلم جبملتني أو كلمتني، إحدامها موجبة واألخرى منفية، وقد تكون

تان منفيتني، وأما ما وقعت فيه إحدى الكلمتان منفيتني، وقد تقدم يف شعر الفرزدق مثال ما وقع يف الكلمأتفرح : الكلمتني منفية واألخرى موجبة فمثاله قول بشر بن هارون وقد ظهر منه فرح عند املوت، وقيل له

ليس قدومي على خالق أرجوه كمقامي مع خملوق ال أرجوه، وقد نظم منصور الفقيه هذا : باملوت؟ فقال :املعىن فقال كامل

يف املوت ألف فضيلة ال توصف... ياة فأطنبوا قد قلت إذ مدحوا احل وفراق كل معاشر ال ينصف... منها أمان لقائه بلقائه

طويل: ومن أمثلة القسم الثاين من طباق السلب قول البحتري ويسري إىل الشوق من حيث أعلم... يقيض يل من حيث ال أعلم اهلوى

لى أوله، فإن مل يكن الكالم مطابقا فهو رد األعجاز على وطباق الترديد، وهو أن يرد آخر الكالم املطابق ع الصدور، ومثاله قول األعشى بسيط طول احلياة ويوهون ما رقعوا... ال يرقع الناس ما أوهوا وإن جهدوا

، " إن أنتم إال تكذبون، قالوا ربنا يعلم إنا إليكم ملرسلون : " وقد يقع يف الطباق ما هو معنوي، كقوله تعاىل .اه ربنا يعلم إنا لصادقون، واهللا أعلممعن

باب رد األعجاز على الصدور

وهو الذي مساه املتأخرون التصدير، وقد قسمه ابن املعتز ثالثة أقسام األول ما وافق آخر كلمة يف البيت كامل: آخر كلمة يف صدره، أو كانت جمانسة هلا كقول الشاعر

ال يفل عرمرم يف جيش رأى... يلفي إذا ما كان يوم عرمرم طويل: والثاين ما وافق آخر كلمة من البيت أول كلمة منه كقول اآلخر

وليس إىل داعي الندى بسريع... سريع إىل ابن العم يشتم عرضه :والثالث ما وافق آخر كلمة من البيت بعض كلماته يف أي موضع كان، كقول الشاعر طويل

حب من حل بالرمل وما ذاك إال... سقى الرمل جون مستهل غمامه ما وافق : هكذا عرف ابن املعتز هذا القسم الثالث من التصدير، وهو عندي مدخول التعريف من أجل قوله

آخر كلمة من البيت بعض كلماته يف أي موضع كانت، فإهنا لو كانت يف العجز مل يسم تصديرا ألن بعض : ف يسلم به من الدخل حبيث يقولاشتقاق التصدير من صدر البيت، فال بد من زيادة قيد يف التعري

وأظن ابن املعتز اتكل يف ذلك على البيت الذي جاء . كلمات البيت يف أي موضع كانت من حشو صدره. وهذا ابن اخلطيب على تأخر زمانه وإطالعه ألجل التأخر على أكثر ما قيل. به مثاال وال ألوم ابن املعتز

:سام التصدير بقول الشاعر طويلوتقدمه يف الفضائل قد جاء على بعض أق قليال فإين نافع يل قليلها... وإن مل يكن إال معرس ساعة

ومل يضع ابن املعتز هلذه األقسام امسا يعرف بعضها من بعض، والذي حيسن أن نسمي به القسم األول الكتاب العزيز قوله وقد وقع من التصدير يف. تصدير التقفية، والثاين تصدير الطرفني والثالث تصدير احلشو

: " وقوله تعاىل" ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون : " تعاىلويف السنة النبوية من ذلك قوله عليه " وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلني

وهذه " أبا مسعود، هللا عليك أقدر منك عليه . " هالسالم وقد رأى أبا مسعود البدري يضرب عبدا لويف التصدير قسم رابع ذهب عنه ابن املعتز، وهو يأيت فيما الكالم . األقسام الثالثة فيما الكالم فيه موجب

طويل: فيه منفي، واعتراض فيه إضراب عن أوله كقول الشاعر بلى كل من حتت التراب بعيد... فإنك مل تبعد على متعهد

جاء قدامة من التصدير بنوع آخر غري ما ذكرنا، ومساه التبديل وهو أن يصري املتكلم اآلخر من كالمه وقداشكر ملن أنعم عليك، وأنعم على من شكرك، ومل أقف هلذا القسم على شاهد : أوال وبالعكس، كقوهلم

.منسرح: شعري فقلت واصحب صبورا على أذى خلقك... اصرب على خلق من تعاشره

.واهللا أعلم. مل يفرد له قدامة بابا فأذكره يف أبوابهو

باب املذهب الكالمي

املذهب الكالمي عبارة عن احتجاج املتكلم على املعىن املقصود حبجة عقلية تقطع املعاند له فيه، ألنه مأخوذ يته إىل من علم الكالم الذي هو عبارة عن إثبات أصول الدين بالرباهني العقلية وهو الذي نسبت تسم

اجلاحظ، وزعم ابن املعتز أنه ال يوجد يف الكتاب العزيز، وهو حمشو منه، ومنه فيه قوله تعاىل حكاية عن وقوله " وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه : " إىل قوله عز وجل" وحاجة قومه : " اخلليل عليه السالم

لو كان : " وقوله سبحانه" لق مثلهم بلى أوليس الذي خلق السموات واألرض بقادر على أن خي: " تعاىلومن هذا الباب نوع منطقي، وهو " قل حيييها الذي أنشأها أول مرة : " وقوله" فيما آهلة إال اهللا لفسدتا

وأن اهللا : " استنتاج النتيجة من مقدمتني، فإن أهل هذا العلم قد ذكروا أن من أول سورة احلج إىل قوله: " و على مخس نتائج من عشر مقدمات، فاملقدمات من أول السورة إىل قوله تعاىلمنط" يبعث من يف القبور

وأن اهللا يبعث : " إىل قوله" ذلك بأن اهللا هو احلق : " والنتائج من قوله تعاىل" وأنبتت من كل زوج هبيج عظيم، وخربه اهللا أخرب أن زلزلة الساعة شيء: وتفصيل ترتيب املقدمات والنتائج أن يقال" من يف القبور

هو احلق، وأخرب عن املغيب باحلق، فهو حق فاهللا هو احلق، واهللا يأيت بالساعة على تلك الصفات، وال يعلم صدق اخلرب إال بإحياء املوتى، ليدركوا ذلك، ومن يأيت بالساعة حييي املوتى فهو حييي املوتى، وأخرب أن جيعل

قدر على عموم الناس بشدة العذاب إال من هو على الناس من هول الساعة سكارى لشدة العذاب وال يكل شيء قدير فاهللا على كل شيء قدير، وأخرب أن الساعة جيازي فيا من جيادل يف اهللا بغري علم، وال بد من

.جمازاته، وال جيازي حىت تكون الساعة آتية

ل املاء على األرض اهلامدة وال تأيت الساعة حىت يبعث من يف القبور فهو يبعث من يف القبور وأن اهللا ينزفتنبت من كل زوج هبيج والقادر على إحياء األرض بعد موهتا يبعث من يف القبور، وأن اهللا يبعث من يف

وقد ساق الرماين يف الضرب اخلامس من باب املبالغة أن إعجازه إخراج الكالم خمرج الشك . القبور" وقوله سبحانه " كان للرمحن ولد فأنا أول العابدين قل إن: " للمبالغة يف العدل، لالحتجاج بقوله تعال

ونظائر هذه اآليات، ومن ذلك يف الشعر قول النابغة يعتذر " وهو الذي يبدأ اخللق مث يعيده وهو أهون عليه طويل: إىل النعمان

وليس وراء اهللا للمرء مذهب... حلفت فلم أترك لنفسي ريبة لغك الواشي أغشى وأكذبملب... لئن كنت قد بلغت عين خيانة

من األرض فيه مستراد ومذهب... ولكنين كنت امرأ يل جانب أحكم يف أمواهلم وأقرب... ملوك وإخوان إذا ما مدحتهم

فلم ترهم يف مدحهم لك أذنبوا... كفعلك يف قوم أراك اصطنعتهم فمدحوك، وأنا أحسن إىل قوم أنت أحسنت إىل قوم : فانظر إىل حذق الشاعر يف االحتجاج بقوله هلذا امللك

.فمدحتهم، فكما أن مدح أولئك ال يعد ذنبا فكذلك مدحي ملن أحسن إيل ال يعد ذنبا طويل: ومن هذا الباب قول الفرزدق

ونفس يعاصيها الفىت ويطيعها... نفس كرمية : لكل امرئ نفسان إذا قل من أحرارهن شفيعها... ونفسك من نفسيك تشفع للندى

مطمئنة تأمر باخلري، وأمارة تأمر بالشر، واإلنسان يعاصي األمارة : لكل إنسان نفسان: الشاعر يقول هذامرة ويطيعها أخرى، وأنت أيها املمدوح نفسك األمارة إذا أمرتك بترك الندى شفعت املطمئنة إىل األمارة

من هذا الباب أيضا قول ابن يف الندى يف احلالة اليت يقل الشفيع يف الندى من النفوس، فأنت أكرم الناس و مديد: املعتز

ومياه احلسن تسقيه... كيف ال خيضر عارضه كل نبت يسقى فهو أخضر، وشارب هذا الغالم نبت ومياه احلسن تسقيه، فيكف ال خيضر وعلى : كأنه قال .هذا فقس

اآلية، ألن التقدير : " وما كان استغفار إبراهيم ألبيه : " ومن هذا الباب جواب سؤال مقدر، كقوله تعاىلاآلية، فقد استغفر " ما كان للنيب والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركني : " أن قائال قال بعد قوله تعاىل .اآلية واهللا أعلم" وما كان استغفار إبراهيم : " إبراهيم ألبيه، فأخرب بقوله

باب االلتفات

ذا يف معىن فيعترضه إما شك فيه، أو ظن أن رادا هو أن يكون املتكلم آخ: فسر قدامة االلتفات بأن قاليرده عليه، أو سائال يسأله عن سببه، فيلتفت إليه بعد فراغه منه فإما أن جيلي الشك فيه أو يؤكده، أو

.يذكر سببه كقول الرماح بن ميادة طويل وال وصله يبدو لنا فنكارمه... فال صرمه يبدو ففي اليأس راحة

.ألن يف اليأس راحة: وما تصنع بصرمه، فقال: توهم أن قائال يقول لهفكأن هذا الشاعر االلتفات انصراف املتكلم عن اإلخبار إىل املخاطبة، ومثاله من القرآن العزيز قوله تعاىل : وأما ابن املعتز فقال

أراد النيب أن إن: " وكقوله سبحانه" إياك نعبد وإياك نستعني : " بعد اإلخبار بأن احلمد هللا رب العاملنيأمل يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم : " وكقوله تعاىل" يستنكحها خالصة لك من دون املؤمنني

:ومثال ذلك من الشعر قول جرير وافر" يف األرض ما مل منكن لكم سقيت الغيث أيتها اخليام... مىت كان اخليام بذي طلوح

" حىت إذا كنتم يف الفلك وجرين هبم بريح طيبة : " خبار كقوله تعاىلأو انصراف املتكلم عن اخلطاب إىل اإل :ومثال ذلك من الشعر قول عنترة كامل

مين مبنزلة احملب املكرم... ولقد نزلت فال تظين غريه كامل: مث قال خيرب عن هذه املخاطبة بقوله

بعنيزتني وأهلنا بالغيلم... كيف املزار وقد تربع أهلها واهللا الذي أرسل الرياح فتثري سحابا فسقناه أو : " ملتكلم من اإلخبار إىل التكلم كقوله تعاىلأو انصراف ا

إن يشأ يذهبكم ويأت خبلق جديد وما ذلك على اهللا : " انصراف املتكلم من التكلم إىل اإلخبار كقوله تعاىل متقارب: ت، وهي قولهوقد مجع امرؤ القيس االلتفاتات الثالثة يف ثالثة أبيات متتاليا" بعزيز

ونام اخللي ومل ترقد... تطاول ليلك باألمثد

كليلة ذي العائر األرمد... وبات وباتت له ليلة وخربته عن أيب األسود... وذلك من نبأ جاءين

فخاطب يف البيت األول، وانصرف عن اخلطاب إىل اإلخبار يف البيت الثاين وانصرف عن اإلخبار إىل .الثالث على الترتيب التكلم يف البيت

ويف االلتفات نوع غري النوعني املتقدمني، وهو أن يكون املتكلم آخذا يف معىن فيمر فيه إىل أن يفرغ من التعبري عنه على وجه ما، فيعرض له أنه مىت اقتصر على هذا املقدار كان معناه مدخوال من وجه غري الوجه

: فيزيد فيه ما خيلص معناه من ذلك الدخل، كقول شاعر احلماسةالذي بىن معناه عليه فيلتفت إىل الكالم، طويل

بلى كل من حتت التراب بعيد... فإنك مل تبعد على متعهد فإن هذا الشاعر بين معناه على أن املقبور قريب من احلي الذي يريد تعاهده بالزيارة، إذ القبور بأفنية

: الذي قدره على هذا التقدير، عرض له كأن قائال يقول لهالبيوت غالبا، فلما فرغ من العبارة عن معناه :وأي قرب بني امليت املدفون حتت التراب واحلي، فالتفت متالفيا هذا الغلط بقوله

بلى كل من حتت التراب بعيد... ... ... ... ... ... ات أن االعتراض كأن هذا الشاعر بىن معناه على أن املقبور إىل بعد والفرق بني االحتراس وااللتف

واالنفصال يكونان يف بيت واحد، ويف بيتني، ويف آية، ويف آيتني، وااللتفات ال يكونان فيه إال يف بيت .واهللا أعلم. واحد وآية واحدة

باب التمام

اعتراض كالم يف كالم مل يتم معناه، مث يعود املتكلم : وهو الذي مساه احلامتي التتميم، ومساه ابن املعتز قبلهأنه الكلمة اليت إذا طرحت من الكالم نقص حسن معناه أو مبالغته، مع أن لفظه يوهم : يتمه، وشرح حدهف

فالذي يف املعاين هو تتميم املعىن، والذي يف : ضرب يف املعاين وضرب يف األلفاظ: بأنه تام، وهو على ضربنيني للمبالغة واالحتياط، وجيئ يف األلفاظ هو تتميم الوزن، واألول هو الذي قدمنا حده وجميئه على وجه

وجعلنا يف ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره يف الدنيا وإنه : " املقاطع كما جيئ يف احلشو، مثل قوله تعاىلفجاءت الفاصلة كلها تتميما، ألن املعىن ناقص بدوهنا، لكنه مىت جاء يف املقاطع " يف اآلخرة ملن الصاحلني من عمل صاحلا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن " يئه يف احلشو ومثاله قوله سبحانه مسي إيغاال، ويكثر جمتتميم ثان يف غاية " وهو مؤمن : " ، تتميم، وقوله" من ذكر أو أنثى : " فقوله تعاىل" فلنحيينه حياة طيبة

ه واختل البالغة اليت بذكرها مت معىن الكالم، وجرى على الصحة، ولو حذفت هاتان اجلملتان نقص معنا .من حسن البيان

ما من عبد مسلم يصلي هللا كل يوم اثنيت عشرة ركعة : " من هذا القسم قول الرسول عليه الصالة والسالم: منها قوله: فوقع التتميم يف هذا احلديث يف أربعة مواضع" من غري الفريضة إال بىن اهللا له بيتا يف اجلنة

من غري الفريضة، ومن أناشيد قدامة على هذا القسم قول : هكل يوم، وقول: هللا، وقوله: مسلم، وقوله :الشاعر طويل

ويعطوه عاذوا بالسيوف القواضب... أناس إذا مل يقبل احلق منهم ويعطوه تتميم يف غاية احلسن، وهذا شاهد ما جاء منه لالحتياط، ومثال ما جاء للمبالغة قول زهري : فقوله بسيط

يلق السماحة من والندى خلقا... من يلق يوما على عالته هرماويطعمون الطعام على : " فقوله على عالته تتميم جاء للمبالغة، وشاهده من كتاب اهللا تعاىل قوله عز وجل

.إن عاد الضمري على الطعام، وإن عاد على اسم اهللا فهو لالحتياط" حبه طرحت الكلمة استقل معىن البيت بدوهنا، وأما الذي يف األلفاظ فهو الذي يؤتى به إلقامة الوزن، حبيث لو

كلمة ال يفيد جميئها إال إقامة الوزن فقط، وأخرى تفيد مع إقامة الوزن ضربا من : وهي على ضربن أيضا :احملاسن، واألوىل من العيوب، والثانية من النعوت، وهذا موضع الثانية ال األوىل، ومثاهلا قول املتنيب كامل

يا جنيت لرأيت فيه جهنما... يبه وخفوق قلب لو رأيت هلإلقامة الوزن، وقصدها دون غريها مما يسد مسدها ليكون بينها وبني قافية " يا جنيت : " فإنه جاء بقوله

.البيت مطابقة لو كان موضعها غريها مل حتصل، واهللا أعلم

باب االستطراد

الشاعر، وهو الذي مساه ابن املعتز اخلروج ذكر احلامتي يف حلية احملاضرة أنه نقل هذه التسمية عن البحتريهو أن يكون املتكلم يف معىن فيخرج منه بطريق التشبيه أو الشرط أو : من معىن إىل معىن، وفسره بأن قال

اإلخبار أو غري ذلك إىل معىن آخر يتضمن مدحا أو قدحا أو وصفا أو غري ذلك، ورأيت غالب وقوعه يف ال بد من ذكر املستطرد به بامسه، بشرط أال يكون جرى له ذكر يف الكالم قبل اهلجاء، وإن وقع يف غريه و

ومن أمثلته الشعرية قول " أال بعدا ملدين كما بعدت مثود : " ذلك، ومن أمثلته يف الكتاب العزيز قوله تعاىل كامل: حسان بن ثابت

فنجوت منجا احلارث بن هشام... إن كنت كاذبة اليت حدثتين وجنا برأس طمرة وجلام... ة أن يقاتل دوهنم ترك األحب

.فهاذ ما وقع من االستطراد يف اهلجاء :وأما ما جاء منه يف املدح واهلجاء معا فقول بكر بن النطاح طويل

لترضى فقالت قم فجئين بكوكب... عرضت عليها ما أرادت من املىن كمن يتشهى حلم عنقاء مغرب... فقلت هلا هذا التعنت كله

وال تذهىب يا بدر يب كل مذهب... ي كل شيء يستقيم طالبه سل وقدرته أعيا مبا رمت مطليب... فأقسم لو أصبحت يف عز مالك

كما شقيت بكر بأرماح تغلب... فىت شقيت أمواله بنواله وهذا أبدع استطراد مسعته يف عمري، فإنه قد مجع أحسن قسم وأبدع ختلص، وأرشق استطراد، وتضمن

مدوح بالكرم، وقبيلته بالشجاعة والظفر، وهجاء أعدائهم بالضعف واخلور، وهذا مل يتفق ملن قبله مدح امل .وال ملن بعده إىل وقتنا هذا

:ومن ظريف االستطراد وغريبه قول بعضهم وأتى باالستطراد يف اجملون وهو غريب جدا خفيف فيه من قبل كشفه عيناك... اكشفي وجهك الذي أوحلتين

غلطي يف أيب علي بن زاكي... هواك يشبه عندي غلطي يف :وأحسب أن أول من استطرد باهلجاء السموءل حيث يقول طويل

إذا ما رأته عامر وسلول... وإنا أناس ال نرى القتل سبة :ويف النسيب امرؤ القيس حيث قال كامل

نبكي الديار كما بكى ابن محام... عوجا على الطلل احمليل لعلنا

كيد املدح مبا يشبه الذمباب تأ

طويل: أنشد ابن املعتز فيه قول النابغة الذبياين هبن فلول من قراع الكتائب... وال عيب فيهم غري أن سيوفهم

:وقول النابغة اجلعدي طويل جواد فما يبقى من املال باقيا... فىت كملت أخالقه غري أنه األعاديا على أن فيه ما يسوء... فىت مت فيه ما يسر صديقه

:وقد رأيت البن املغريب الوزير مما هو داخل يف هذا الباب ما يروق السامع، وهو قوله طويل على أنه للسيف واملال ظامل... ويعدل يف شرق البالد وغرهبا

:ورأيت أحسن من هذا لبعضهم، وهو طويل أضر بنا والبأس من كل جانب... وال عيب فينا غري أن مساحنا

وأفىن الندى أموالنا غري عائب... أعمارنا غري ظامل فأفىن الردى أبا واحدا أغناهم باملناقب... أبونا أب لو كان للناس كلهم

وقد خلط املتأخرون باب االستثناء هبذا الباب، وكنت أرى أهنما باب واحد، إىل أن نبهين عليه عند قراءته يف موضعه بعد الفراغ من أبواب ابن املعتز وقدامة إن من ألفت له هذا الكتاب، فرأيت إفراده منه، وسيأيت

.شاء اهللا

باب جتاهل العارف

وقد مساه من بعد ابن املعتز اإلعنات، وهو سؤال املتكلم عما يعلمه حقيقة جتاهال منه به ليخرج كالمه خمرج التوبيخ، وهو على املدح أو الذم، أو ليدل على شدة التدله يف احلب، أو لقصد التعجب، أو التقرير، أو

قسم يكون االستفهام فيه عن شيئني أحدمها واقع واآلخر غري واقع، وقد ينطق بأحد الشيئني : قسمني .ويسكت عن اآلخر لداللة احلال عليه

.موجب، ومنفي: وهو على قسمني

فهذا خارج خمرج "أبشرا منا واحدا نتبعه : " وقد جاء منه يف الكتاب العزيز ما ال يلحق سبقا، كقوله تعاىلوهذا " أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل يف أموالنا ما نشاء : " التعجب، وقوله سبحانه

: " وقوله تعاىل" أأنت قلت للناس اختذوين وأمي إهلني من دون اهللا : " خارج خمرج التوبيخ، وقوله عز وجلوأما ما جاء منه يف املدح فكقول . وضعان خرجا خمرج التقريروهذان امل" أأنت فعلت هذا بآهلتنا يا إبراهيم

بعض احملدثني بسيط فقلت هل ملك ذا الشخص أم ملك... بدا فراع فؤادي حسن صورته

:وأما ما جاء منه للذم فكقول زهري بن أيب سلمى وافر أقوم آل حصن أم نساء... وما أدري وسوف إخال أدري احلب فكقول العرجي بسيطوأما ما دل منه على التدله يف ليالى منكن أم ليلى من البشر... باهللا يا ظبيات القاع قلن لنا

وكل ما أوردناه من اآليات يف هذا الباب مما نطق فيه بأحد األمرين لداللة القرينة على اآلخر، وبيت املدح .مما جاء من القسم األول من القسم األول، والبيتان األخريان من القسم اآلخر، واهللا أعلم، وهذا كله

فحصل يف " ما هذا بشرا إن هذا إال ملك كرمي : " ومما جاء من القسم الثاين يف الكتاب العزيز قوله تعاىلفصاحة النسوة من املبالغة والتهذيب ما مل يقع يف فصاحة العرب حيث شبهوا كل من راعهم حسنه باجلن،

طويل: وتبعهم املتنيب فقال ... .. .... ... ... ...رفع السجف جلنية أم غادة

باب اهلزل الذي يراد به اجلد

وهو أن يقصد املتكلم مدح إنسان أو ذمه، فيخرج ذلك املقصود خمرج اهلزل املعجب، واجملون املطرب، كما فعل أصحاب النوادر، مثل أشعب وأيب دالمة وأيب العيناء ومزبد ومن سلك سبيلهم، كما حكى عن

إعذارا صنعه بعض والة املدينة، وكان مبخال، فدعا الناس ثالثة أيام وهو جيمعهم على أشعب أنه حضر مائدة عليها جدي مشوي، فيحوم الناس حوله، وال ميسه منهم أحد لعلمهم ببخله، وأشعب يف كل يوم

وي زوجته طالق إن مل يكن عمر هذا اجلدي بعد أن ذبح وش: حيضر ويرى اجلدي، فقال يف اليوم الثالث .أطول منه قبل ذلك

طويل: ومن شواهد اهلزل الذي يراد به اجلد من الشعر العريب قول الشاعر فقل عد عن ذا كيف أكلك للضب... إذا ما متيمي أتاك مفاخرا

وقد أنشد ابن املعتز يف هذا الباب قول أيب العتاهية بسيط يكامن خبل نفسك عل اهللا يشف... أرقيك أرقيك باسم اهللا أرقيكا وال عدوك إال من يرجيكا... ما سلم كفك إال من يتاركها

:والفاتح هلذا الباب امرؤ القيس حيث يقول طويل بأن الفىت يهذي وليس بفعال... وقد علمت سلمى وإن كان بعلها .وإن كان بعلها: وما رأيت أحسن من قوله ملتفتا

باب حسن التضمني

بيت، أو من آية، أو معىن جمردا من كالم، أو مثال سائرا أو مجلة وهو أن يضمن املتكلم كالمه كلمة من وما الطلقاء وأبناء الطلقاء، : " مفيدة، أو فقرة من حكمة كقول علي عليه السالم يف جواب كتاب ملعاوية

والتمييز بني املهاجرين األولني وتبيني درجاهتم، وتعريف طبقاهتم، هيهات لقد حن قدح ليس منها، وطفق " لقد حن قدح ليس منها : " فضمن كالمه هذا املثل العريب وهو قوله" كم فيها من عليه احلكم هلا حي

وإين مرقل حنوك جبحفل من املهاجرين واألنصار والتابعني هلم بإحسان، شديد : وكقوله يف آخر هذا الكتاب، قد صحبتهم ذرية بدرية، زحامهم، ساطع قتامهم متسربلني سرابيل املوت، أحب اللقاء إليهم لقاء رهبم

فضمن كالمه " وما هي من الظاملني ببعيد " وسيوف هامشية عرفت مواقع نصاهلا يف أخيك وخالك وجدك .هذه اآلية

:ومن إنشادات ابن املعتز يف هذا الباب سريع أقراصه مين بياسني... عوذ ملا بت ضيفا له

غنت قفا نبك مصاريىن... فبت واألرض فراشي وقد من هذا الشاعر بيته األول كلمة من السورة، وبيته الثاين مجلة من البيت الذي هو أول القصيدة فض

.املشهورةوكتبنا عليهم فيها أن النفس : " وقد وقع من ذلك يف الكتاب العزيز ما تضمنه من التوراة كقوله سبحانه

.اآلية" بالنفس :ومن لطيف التضمني يف الشعر قول أيب متام طويل

أرق وأحفى منك يف ساعة الكرب... مرو مع الرمضاء والنار تلتظي لع فضمن بيته كلمات من البيت املشهور وهو بسيط

كاملستجري من الرمضاء بالنار... املستجري بعمرو عند كربته ويف الكتاب العزيز من هذا الباب ما حكاه فيه سبحانه من صفة النيب صلى اهللا عليه وسلم وأصحابه،

فضمن كتابنا صفتهم " ذل مثلهم يف التوراة ومثلهم يف اإلجنيل : " إىل قوله" حممد رسول اهللا : " ولهوذلك قمن الكتابني األولني، والفرق بني التضمني واإليداع واالستعانة والعنوان أن التضمني يقع يف النظم والنثر

من العيوب إال إذا وقع يف النظم وال يكون إال بالنثر ويكون من احملاسن ومن العيوب، ولكنه ال يكون .بالنظم، واإليداع واالستعانة وإن وقعا معا يف النظم والنثر فال يكونان إال بالنظم دون النثر

وأما العنوان فإنه يقع يف النظم والنثر وال يقع بالنثر، وهو خبالف التضمني ال يكون إال من احملاسن دون .بيان ذلك يف موضعه، واهللا أعلم العيوب، والتضمني منهما معا وسيأيت

باب الكناية

كانا يأكالن : " وهي أن يعرب املتكلم عن املعىن القبيح باللفظ احلسن، وعن الفاحش بالطاهر، كقوله سبحانهكناية عن قضاء احلاجة، " أو جاء أحد منكم من الغائط : " وكقوله تعاىل. كناية عن احلدث" الطعام

:كناية عن اجلماع، قال امرؤ القيس طويل" ال تواعدوهن سرا ولكن : " وكقوله عز وجل كربت وأال حيسن السر أمثايل... أال زعمت بسباسة احلي أنين

وقد أفضى بعضكم إىل : " ذهب كل من فسر شعره من العلماء أنه أراد بالسر الوقاع، وكقوله سبحانه، وهو سبحانه " اخلبيثات للخبيثني : " اهللا تعاىليريد به ما يكون بني الزوجني من املباضعة، وكقول " بعض

يريد الزنا وعلى اجلملة ال جتد معىن من هذه املعاين يف الكتاب العزيز يأيت إال بلفظ الكناية، ألن املعىن الفاحش مىت عرب عنه بلفظه املوضوع له كان الكالم معيبا من جهة فحش املعىن، ولذلك عاب قدامة على

:طويل امرئ القيس قوله فأهليتها عن ذي متائم حمول... فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

بشق وحتيت شقها مل حيول... إذا ما بكى من خلفها انصرفت له وعيب هذا الشعر من جهة فحش املعىن، يريد أنه عرب عنه بلفظه، فجاء الكالم فاحشا، : وقال أعين قدامة

امرؤ القيس ملعناه لفظ الكناية كما فعل يف البيت الذي وهو عيب، ولذلك تنزه القرآن عنه، ولو استعار .تقدم هذين البيتني مل يكن إىل عيبه سبيل

" ال يضع العصا عن كتفه : " ويف السنة النبوية من الكناية ما ال يكاد حيصى، كقوله صلى اهللا عليه وسلم .كناية عن كثرة الضرب أو كثرة السفر :، وأنشد رجز جمزوء" فالن خيبأ العصا ملن به أبنة : " قولوحكى ابن املعتز أن العرب كانت ت

لكنه خيبا العصا... زوجك زوج صاحل :ومن أناشيد ابن املعتز لبشار يف اثنني كانا يتفاعالن خفيف

زاد يف ذا شرب ويف ذاك شرب... وإذا ما التقى مثىن وبكر :وهو طويل وأنشد أليب نواس يف الكناية عن جلد عمرية ما ال يدرك شأوه

فأنكح حبيشا راحة ابنة ساعد... إذا أنت أنكحت الكرمية كفؤها هلا ساحة حفت خبمس والئد... وقل بالرفا ما نلت من وصل حرة

ومن أحسن الكنايات يف اهلجاء قول بعض الشعراء يهجو إنسانا به داء األسد، فكىن عن ذلك ورمى أمه وافر :بالفجور بطريق الكناية أيضا حيث قال

فلم توجد ألمك بنت سعد... أراد أبوك أمك حني زفت :يريد به عذرة، مث قال وافر هنيئا بالقميص املستجد... أخو خلم أعارك منه ثوبا

.جذاما فإنه أخو خلم: يريد طويل: وأنشد ابن املعتز يف الكناية عن حجام لبعض الشعراء

له أبدا سطر فليس مبعوج... إذا عوج الكتاب يوما سطورهم : ومن خنوة العرب وغريهتم كنايتهم عن حرائر النساء بالبيض، وقد جاء القرآن العزيز بذلك، فقال سبحانه

:وقال امرؤ القيس طويل" كأهنن بيض مكنون "

متتعت من هلو هبا غري معجل... وبيضة خدر ال يرام خباؤها :ومن مليح الكناية قول بعض العرب وافر

عليك ورمحة اهللا السالم... من ذات عرق أال يا خنلة هنا من ذاك يكرهه الكرام... سألت الناس عنك فخربوين

إذا هو مل خيالطه احلرام... وليس مبا أحل اهللا بأس

فإن هذا الشاعر كىن بالنخلة عن املرأة، وباهلناء عن الرفث، فأما اهلناءة فمن عادة العرب الكناية هبا عن .ناية بالنخلة عن املرأة فمن طريف الكناية وغريبهامثل ذلك، وأما الك

باب اإلفراط يف الصفة

وهو الذي مساه قدامة املبالغة، ومساه من بعده التبليغ، وأكثر الناس على تسمية قدامة، ألهنا أخف وأعرف، كامل: ومن أناشيد ابن املعتز فيها

غمر اجلماجم والصفوف قيام... ملك تراه إذا احتىب بنجاده هي أن يذكر املتكلم حاال من األحوال لو وقف عندها ألجزأت، فال يقف حىت : وحد قدامة املبالغة بأن قال

:يزيد يف معىن ما ذكره ما يكون أبلغ يف معىن قصده، كقول عمرو بن األهتم التغليب وافر ونتبعه الكرامة حيث ماال... ونكرم جارنا ما دام فينا

ملبالغة، فقوم يرون أن أجود الشعر أكذبه وخري الكالم ما بولغ فيه، وحيتجون مبا قد اختلف يف ا: وأنا أقول :جرى بني النابغة الذبياين وبني حسان يف استدراك النابغة عليه تلك املواضع يف قوله طويل

وأسيافنا يقطرن من جندة دما... لنا اجلفنات الغر يلمعن يف الضحى ك املبالغة، والقصة مشهورة، والصواب مع حسان، وإن روى عنه فإن النابغة إمنا عاب على حسان تر

انقطاعه يف يد النابغة، وقوم يرون املبالغة من عيوب الكالم، وال يرون من حماسنه إال ما خرج خمرج الصدق، وجاء على منهج احلق، ويزعمون أن املبالغة من ضعف املتكلم وعجزه عن أن خيترع معىن مبتكرا،

من معىن، أو حيلى كالمه بشيء من البديع، أو ينتخب ألفاظا موصوفة بصفات احلسن، وجييد أو يفرع معىن تركيبها، فإذا عجز عن ذلك كله أتى باملبالغة لسد خلله، وتتميم نقصه، ملا فيها من التهويل على السامع،

.ويدعون أهنا رمبا أحالت املعاين فأخرجتها من حد اإلمكان إىل حد االمتناع .أن املذهبني مردودان وعندي

إن خري الكالم ما بولغ فيه، وهذا قول من ال نظر له، ألنا نرى أن أكثر الكالم : أما األول فلقول صاحبهواألشعار جاريا على الصدق، خارجا خمرج احلق، وهو يف غاية اجلودة وهناية احلسن ومتام القوة، كيف ال

إن هذا الضرب على انفراده : ال تنحصر ضروهبا، فكيف يقالواملبالغة ضرب واحد من احملاسن، واحملاسن يفضل سائر احملاسن على كثرهتا؟ وهذا شعر زهري واحلطيئة وحسان ومن كان مذهبه توخي الصدق يف

:شعره غالبا ليس فوق أشعارهم غاية ملترق، أال ترى إىل قول زهري طويل

ى الناس تعلموإن خاهلا ختفى عل... ومهما تكن عند امرئ من خليقة :واىل قول طرفة طويل

لكالطول املرخى وثنياه يف اليد... لعمرك إن املوت ما أخطأ الفىت ويأتيك باألخبار من مل تزود... ستبدي لك األيام ما كنت جاهال

واىل قول احلطيئة بسيط ال يذهب العرف بني اهللا والناس... من يفعل اخلري ال يعدم جوازيه

والذي يدل على أن مذهب أكثر . ألشعار يف الطبقة العليا من البالغة وإن خلت من املبالغةفإنك جتد هذه االفحول ترجيح الصدق يف أشعارهم على الكذب ما روى عن احلرورية امرأة عمران بن حطان اخلارجي

:أنت أعطيت اهللا عهدا أال تكذب يف شعرك، فكيف قلت كامل جمزوء: أهنا قالت له يوما ر كان أشجع من أسامه... جمزءة بن ثو فهناك وهذا حسان يقول بسيط. يا هذه إن هذا الرجل فتح مدينة وحده، وما مسعت بأسد فتح مدينة قط: فقال

على اجملالس إن كيسا وإن محقا... وإمنا الشعر لب املرء يعرضه صدقا: بيت يقال إذا أنشدته... وإن أشعر بيت أنت قائله

لفحول وإن رجحوا هذا املذهب ال يكرهون ضده، وال جيحدون فضله، وقلما ختلو بعض على أن هؤالء اأشعارهم منه، إال أن توخى الصدق كان الغالب عليهم، وكانوا يكثرون منه، ومن أكثر من شيء عرف به،

االعتذار كما أن النابغة ومن شايعه على مذهبه ال يكره ضد املبالغة، وإال فكل احتجاجاته على النعمان يف :جار جمرى احلقيقة، كقوله طويل وليس وراء اهللا للمرء مذهب... حلفت فلم أترك لنفسك ريبة

فعائب الكالم احلسن بترك املبالغة فقط خمطئ، وعائب املبالغة على اإلطالق غري مصيب، وخري األمور ملبالغة يف الصفة املعدولة منها ا: أوساطها، وكيف تعاب املبالغة وقد وجدت يف الكتاب العزيز على ضروب

فعالن كرمحان، عدل عن راحم للمبالغة وال يوصف به : من اجلارية ملعىن املبالغة فإهنا جاءت على ستة أمثلة" لغفار ملن تاب : " إال اهللا تعاىل، ألن رمحته وسعت كل شيء، وفعال معدول عن فاعل للمبالغة كقوله تعاىل

" شكور " و " كغفور " وفعول عدل عن فاعل للمبالغة " فعال ملا يريد " " عالم الغيوب " " تواب رحيم " بصري " و " مسيع " و " قدير " و " عليم " و " حكيم " و " كرحيم " ، وفعيل عدل عن فاعل، " ودود " و " و " كمطعام " ، ومفعال معدول عن فاعل للمبالغة " مطعن " و " كمدعس " ومفعل معدول عن فاعل "

. "مطعان أتاين الناس كلهم، ومل : والضرب الثاين من املبالغة وهو ما جاء بالصيغة العامة يف موضع اخلاصة كقولك :يكن أتاك سوى واحد أردت تعظيمه، ومن هذا الضرب قول أيب نواس سريع

أن جيمع العامل يف واحد... وليس هللا مبستنكر فوعدهم " يوىف الصابرون أجرهم بغري حساب إمنا: " ومن هذا الضرب يف الكتاب العزيز قوله تعاىل

والضرب الثالث من " وكل شيء عنده مبقدار " سبحانه جبزاء غري مقدر، جمليئه بالصيغة العامة تعظيما له املبالغة إخراج الكالم خمرج اإلخبار عن األعظم األكرب للمبالغة، واإلخبار عنه جماز، كقول من رأى موكبا

جاء امللك نفسه وهو يعلم حقيقة أن ما جاء جيشه، وقد جاء من ذلك يف الكتاب : اعظميا أو جيشا خضم: فجعل جميء جالئل آياته جميئا له سبحانه، وكقوله تعاىل" وجاء ربك وامللك صفا صفا : " العزيز قوله تعاىل

.جدانا للمجازىفجعل نقله باهللكة من دار العمل إىل دار اجلزاء و" ووجد اهللا عنده فوفاه حسابه " : " والضرب الرابع من املبالغة إخراج املمكن من الشرط إىل املمتنع، ليمتنع وقوع املشروط، كقوله تعاىل

" .وال يدخلون اجلنة حىت يلج اجلمل يف سم اخلياط قسم كان جمازا فصار بالقرينة حقيقة، : والضرب اخلامس من املبالغة ما جرى جمرى احلقيقة، وهو قسمان

فإن اقتران هذه اجلملة بيكاد صرفها إىل احلقيقة فانقلبت " يكاد سنا برقه يذهب باألبصار : " قوله تعالك .من االمتناع إىل اإلمكان

أنا أكثر منك ماال وأعز : " وقسم أتى بصيغة أفعل التفضيل، وهو حمض احلقيقة من غري قرينة كقوله تعاىل " .نفرا

إهنا ترمي بشرر كالقصر، : " ا بولغ يف صفته بطريق التشبيه، كقوله تعاىلوالضرب السادس من املبالغة م .فهذه ضروب ما ورد من املبالغة يف الكتاب العزيز" كأنه مجاالت صفر

ظاهرة ومدجمة، وكل ما قدمناه من مبالغات الكتاب العزيز من : واملبالغة تأيت يف الكالم على ضربني .الظاهرة

سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار : " ومن املدجمة قوله تعاىلهذه املبالغة بالنسبة إىل املخاطب إىل املخاطب : فإن املبالغة أتت يف هذه اآلية مدجمة يف املقابلة، واجلواب"

، كقوله عليه السالم وقد جاء منها يف سنة الرسول صلى اهللا عليه وسلم ما ال حيصى كثرة، وال يلحق بالغةوقوله يف بقية هذا " كل عمل ابن آدم له إال الصيام فإنه يل، وأنا أجزي به : " خمربا عن ربه أنه قال سبحانه

ففي هذا احلديث " . والذي نفس حممد بيده خللوف فم الصائم أطيب عند اهللا من ريح املسك : " احلديثصيام إىل نفسه دون سائر األعمال لقصد املبالغة يف تعظيمه أحدامها كون احلق سبحانه أضاف ال: مبالغتان

وتشريفه، وأخرب أنه عز وجل يتوىل جمازاة الصائم بنفسه، مبالغة يف تعظيم اجلزاء وشرفه، وحنن نعلم أن أما كوهنا للعبد فألنه يثاب عليها، وأما كوهنا هللا تعاىل فألهنا : األعمال كلها هللا سبحانه ولعبده باعتبارين

ملت لوجهه الكرمي، ومن أجله فتخصيص الصيام من بينها باإلضافة إىل الرب سبحانه، وختصيص ثوابه مبا عخصصه به إمنا كان للمبالغة يف تعظيمه واحلض عليه، واملبالغة الثانية إخبار الرسول صلى اهللا عليه وسلم

ريح املسك، ففضل تغيري فم الصائم بعد تقدمي القسم لتأكيد اخلرب بأن خلوف فم الصائم أطيب عند اهللا من باإلمساك عن الطعام والشراب على ريح املسك الذي هو أطيب الطيب على مقتضى ما يفهم من ريح

املسك وريح تغري فم الصائم، وأتى املعىن بصيغة أفعل للمبالغة، فجمع هذا الكالم بني قسمي املبالغة اجملازي .واحلقيقي

:قول امرئ القيس طويل ومن أمثله املبالغة يف الشعر

دراكا ومل ينضح مباء فيغسل... فعادى عداء بني ثور ونعجة فإنه أخرب عن هذا الفرس أنه أدرك ثورا وبقرة وحشية يف مضمار واحد، ومل يعرق، ومثله قول أيب الطيب

:طويل وأنزل عنه مثله حني أركب... وأصرع أي الوحش قفيته به

ما خرج به الكالم عن حد اإلمكان إىل االستحالة وأما إذا كان كقول قيس بن وما يعاب من املبالغة إال :اخلطيم طويل

هلا نفذ لوال الشعاع أضاءها... طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر يرى قائما من دوهنا ما وراءها... ملكت هبا كفي فأهنرت فتقها

الة مع كونه قد بلغ النهاية يف وصف الطعنة، وما فإن ذلك من جيد املبالغة إذا مل يكن خارجا خمرج االستح مسعت وال غريي مبستمع مثل قول أيب متام بسيط

من اجلسوم إليها حني تنتقل... تكاد تنتقل األرواح لو تركت لو تركت؛ وهذا : فإنه مل يقنع يف تصحيح املبالغة وقرهبا من الوقوع، فضال عن اجلوار بتقدمي كاد حىت قال

:ته يف املبالغة وأحسنه وأبلغه، وكقول شاعر احلماسة حيث بالغ يف مدح ممدوحه بقوله طويلأصح بيت مسع وما فوق شكري للشكور مزيد... رهنت يدي بالعجز عن شكر بره

ولكن ما ال يستطاع شديد... ولو كان مما يستطاع استطعته ا املمدوح، وفطن إىل أنه لو فإن هذا الشاعر ألقى بيده وأظهر عجزه واعترف بقصوره عن شكر بر هذ

عجزك عن شكر هذا الرجل ال يدل على كثرة بره، وإمنا يدل على ضعف : اقتصر على ذلك لقيل لهمادتك عن الشكر إذ ال يلزم من عجز اإلنسان عن شيء تعظيم ذلك الشيء على اإلطالق، الحتمال أن

:يكون العجز لضعف يف اإلنسان فاحترس عن ذلك بقوله كري للشكور مزيدوما فوق ش

للشكور أي للمبالغ يف الشكر، ألن شكور معدول عن شاكر للمبالغة كما تقدم مث : مث متم املعىن بأن قال :أظهر عذره يف عجزه مع قدرته بأن قال يف البيت الثاين

ولو كان مما يستطاع استطعته :مث أخرج بقية البيت خمرج املثل السائر حيث قال

يدولكن ما ال يستطاع شدفهذا أبلغ شعر مسعته يف هذا املعىن جلودة مفردات ألفاظه، وسهولة سبكه ومساواة لفظه ملعناه، ومتانة مبناه،

مل بالغت يف وصف هذا الشعر وهو عندك داخل يف القسم : وكثرة معانيه، وصحة املبالغة فيه؛ فإن قيلمتناع حيث جعل شكر هذا املمدوح ال املعيب من املبالغة لكونه أخرج الكالم من حد اإلمكان إىل حد اال

ليس كل بر ميكن شكره، وال يقوم املدح حبقه، فإنا لو قدرنا أن إنسانا فك إنسانا من : يستطاع؟ فإين أقولاألسر واستنقذه من القتل ملا وىف شكره بربه ولو كان أشكر الناس، واستنفد يف شكره بقية عمره، ال سيما

ء النفس أضاف إىل ذلك توابع إحسان، وعوارف امتنان، على ممر الزمان، فإن لو قدر أن ذلك املمنت ببقا

الشكر ال يقوم برب ذلك اإلنسان، ولو جتاوز فيه الشكور حد اإلمكان، فقد وضح أن من الرب ما ال يؤدي :شكره، ومن هذا قول أيب نواس

حىت أقوم بشكر ما سلفا... ال تسدين إىل عارفة ال : " ذي بعث جبوامع الكلم، وهو أفصح من نطق بالضاد بقول لعظمة نعم ربه عليهوهذا سيد املرسلني ال

ومعلوم أن نعم اهللا سبحانه ال يقوم شكر مجيع العباد مبعشارها، وال كذلك نعم " . أحصى ثناء عليك بعضهم على بعض لكن يشبه شكر أحدنا نعمة صاحبه إىل شكر الرسول صلى اهللا عليه وسلم نعمة ربه

بة نعم بعضنا على بعض إىل نسبة نعم اهللا تعاىل سبحانه على نبيه أو على عبد من عبيده، وإن كانت كنس" وكان فضل اهللا عليك عظيما : " نعم اهللا تعاىل على نبيه أعظم من نعمه على سائر خلقه، بدليل قوله تعاىل سبحانه، وإذا وقع للقضية مثال ألن بني بالغة أحدنا وبني بالغة الرسول كما بني نعمة أحدنا ونعمة اهللا

واحد يف الوجود علم إمكان وقوعها، وخرجت بذلك من حد االستحالة واالمتناع إىل حد اجلواز .واإلمكان

واملذهب املرضي أن املبالغة ضرب من احملاسن إذا بعدت عن اإلغراق والغلو، وإن كان اإلغراق والغلو يبني إذا أطلقا، أال ترى كل مبالغة وقعت يف الكتاب العزيز كيف أيضا ضربني من احملاسن إذا اقترنا، وع

يكاد سنا : " قسم ممكن غري مقترن، وقسم غري ممكن ال يأيت إال مقترنا، كقوله سبحانه: أتت على قسمنياآلية، " سواء منكم من أسر القول ومن جهر به : " ويف غري املمكن كقوله سبحانه" برقه يذهب باألبصار

بالغة فيها عرفية، معناه أن علم ذلك متعذر عندكم، وإال فهو بالنسبة إىل علم اهللا سبحانه ليس ألن امل :مببالغة، وقد قال امرؤ القيس يف غري املمكن طويل

من الذر فوق اإلتب منها ألثرا... من القاصرات الطرف لو دب حمول ة، واحملاسن بتة، قرب شعر يف غاية اجلودة وألن قوة الشعر وضعفه وماءه ورونقه أمر خارج عن البديع مجل

وهناية القوة مع كونه قد بلغ فيه قائله إىل حد اإلغراق أو الغلو، ورب شعر يف غاية الرداءة مع اخللو عن هذين الضربني، فإن الكالم يكون جيدا بدون البديع، ورديئا مع وجوده، فإنكار املبالغة يف الكالم القوي

.ليهاجليد ما ال سبيل إإن الكالم ال حيسن بدون املبالغة فإن مل حيمل كالمه على التقييد، وإال فهو حمال بني : وأما قول من قال

اإلحالة، وأحسب قائل هذا ذهب إىل التمييز بني كالمني استويا يف خفة مفردات األلفاظ وتوسط استعماهلا ال، ومتاثال يف جودة املعىن ومتامه، وكثرة وحسن تركيبها وخلو الكالم بعد التركيب عن العيوب مجلة وتفصي

املاء فيهما، وحتليا من البديع مبا أتى الطبع به عفوا من غري تكلف وال تعسف، وقد بولغ يف أحدمها مبالغة مرضية واآلخر مل يبالغ فيه، فإن ما بولغ فيه أفضل من اآلخر، وأكثر النقاد على أن خري الكالم ما كان

لو واالقتصاد والسالمة واملتانة الغرابة واالستعمال والتصنع واالسترسال، وما أحسن قول متوسطا بني الغ :البحتري فيما قدمته من هذا الكالم حيث قال يصف لفظ بعض الكتاب خفيف

ك امرؤ أنه نظام فريد... يف نظام من البالغة ما شك

حك يف رونق الربيع اجلديد... وبديع كأنه الزهر الضا وجتننب ظلمة التعقيد... تعمل الكالم اختيارا حزن مس

ن به غاية املرام البعيد... وركنب اللفظ القريب فأدرك؟

باب التشبيه

التشبيه عبارة عن العقد على أن أحد الشيئني يسد مسد اآلخر يف حال أو عقد، هكذا حد الرماين، وهذا : والتشبيه تشبيهان: ، مث إن الرماين بعد حده قالهو التشبيه العام الذي يدخل حتته التشبيه البليغ وغريه

ماء النيل مثل ماء الفرات، وتشبيه العرض : تشبيه شيئني متفقني بأنفسهما كتشبيه اجلوهر باجلوهر، كقولكالزبرجد مثل الزمرد، وتشبيه : محرة اخلد كحمرة الورد، وتشبيه اجلسم باجلسم كقولك: بالعرض كقولك

كقولك، حامت كالغمام، وعنترة كالضرغام، والتشبيه : جيمعهما معىن مشترك بينهماشيئني خمتلفني بالذات .املتفق تشبيه حقيقة، والتشبيه املختلف تشبيه جماز للمبالغة

وحد التشبيه البليغ إخراج األغمض إىل األظهر بالتشبيه مع حسن التأليف، ووقوع حن البيان فيه على والذين كفروا أعماهلم كسراب بقيعة حيسبه : " احلاسة كقوله تعاىل إخراج ما ال تقع عليه: وجوه، منها

فهذا بيان إخراج ما ال تقع عليه احلاسة إىل ما تقع عليه احلاسة، " الظمآن ماء حىت إذا جاءه مل جيده شيئا فظ حيسبه الرائي ماء لكان بليغا، وأبلغ منه ل: وقد اجتمعا يف بطالن التوهم مع شدة احلاجة، ولو قيل

القرآن ألن الظمآن أشد حرصا عليه، وأكثر تعلق قلب به، وتشبيه أعمال الكفار بالسراب من أحسن .التشبيه، فكيف تضمن مع ذلك حسن النظم وعذوبة األلفاظ وصحة الداللة

" وإذا نتقنا اجلبل فوقهم كأنه ظلة: " ومنها إخراج ما مل جتربه العادة إىل ما جرت به العادة، كقوله تعاىل .وهذا بيان قد أخرج ما مل جتر به العادة إىل ما جرت به العادة، وقد اجتمعا يف معىن االرتفاع يف الصورة

وجنة عرضها كعرض السماء : " ومنها إخراج ما ال يعلم بالبديهة إىل ما يعلم بالبديهة، كقوله تعاىلبديهة، وقد اجتمعا يف العظم وحصل من وهذا بيان قد أخرج ما ال يعلم بالبديهة إىل ما يعلم بال" واألرض

.ذلك الوصف التشويق إىل اجلنة حبسن الصفة وإفراط السعة

وله اجلوار املنشآت يف البحر : " ومنها إخراج ما ال قوة له يف الصفة إىل ما له قوة يف الصفة، كقوله تعاىلالصفة، وقد اجتمعا يف العظم إال أن وهذا بيان قد أخرج ما ال قوة له يف الصفة إىل ما له قوة يف" كاألعالم

اجلبال أعظم، ويف ذلك العربة من جهة القدرة فيما سخر اهللا من الفلك اجلارية على املاء مع عظمها ولطفه، .وما يف ذلك من االنتفاع حبملها األثقال، وقطعها األقطار البعيدة يف املسافة القريبة

أجعلتم سقاية احلاج وعمارة املسجد احلرام : " كقوله تعاىل ومنها إخراج الكالم بالتشبيه خمرج اإلنكاروهذا إنكار على من جعل حرمة اجلماد كحرمة من آمن باهللا، ويف ذلك أوىف " كمن آمن باهللا واليوم اآلخر

.داللة على تعظيم حال املؤمن باإلميان، وأنه ال يساوي به خملوق ليس على صفته بالقياسبنفسه وال بغريه من كل وجه، فإن الشيئني إذا تشاهبا من مجيع اجلهات احتدا، وال واعلم أن الشيء ال يشبه

.يشبه الشيء مبا هو دونه يف الصفة اجلامعة بينهما .تشبيه بأداة، وتشبيه بغري أداة وفائدته قرب املشبه من املشبه به: والتشبيه الصناعي على ضربني

ويف املصادر ما ال ميكن . ومثل، واملصدر، بتقدير األداةالكاف، وكأن، وشبه؛ : وأدوات التشبيه مخسة :تقدير األداة فيه كقول الشاعر بسيط

فإمنا هي إقبال وإدبار .أي ذات إقبال وذات إدبار

وهو من غري القسمني " وأزواجه أمهاهتم : " ويف التشبيه نوع آخر ال بد من تقدير األداة فيه كقوله تعاىلوكقول امرئ القيس " مثل نوره كمشكاة فيها مصباح : " ي باألداة قوله تعاىلأعين قسمي املصادر فالذ

:طويل ترائبها مصقولة كالسجنجل... مهفهفة بيضاء غري مفاضة

:وكقول حسان كامل" وهي متر مر السحاب : " والذي بغري أداة كقوله سبحانه رقص القلوص براكب مستعجل... بزجاجة رقصت مبا يف قعرها

ضرب متحد، : وهذه األقسام على ضربني أيضا: من هذين الضربني مقسم تسعة أقسام وكل ضربوضرب متعدد، فاملتحد ينقسم وفق عدد أدوات التشبيه اخلمس من تشبيه شيء بشيء، إىل تشبيه شيء

من تشبيه شيئني بشيئني، إىل تشبيه مخسة خبمسة، فشاهد تشبيه شيء: واملتعدد أربعة أقسام. خبمسة أشياء :بشيء قول امرئ القيس طويل

إذا هي نصته وال مبعطل... وجيد كجيد الرئم ليس بفا حش :وشاهد تشبيه شيء واحد بشيئني قوله أيضا طويل

أساريع رمل أو مساويك إسحل... وتعطو برخص غري شثن كأنه :وشاهد تشبيه شيء واحد بثالثة أشياء قول البحتري سريع

ضد أو برد أو أقاحمن... كأمنا يبسم عن لؤلؤ :وتشبيه شيء واحد بأربعة أشياء قول امرئ القيس متقارب

وريح اخلزامى ونشر القطر... كأن املدام وصوب الغمام إذا غرد الطائر املستحر... يعل به برد أنياهبا

وتشبيه شيء واحد خبمسة أشياء مثل قول احلريري بسيط ن طلح وعن حببوعن أقاح وع... يفتر عن لؤلؤ رطب وعن برد

:وأما تشبيه شيئني بشيئني من املتعدد فكقول امرئ القيس طويل لدي وكرها العناب واحلشف البايل... كأن قلوب الطري رطبا ويابسا

" :جمتث " وتشبيه ثالثة بثالثة قول ابن املعلى شعر ووجه وقد... ليل وبدر وغصن

ريق وثغر وخد... مخر ودر وورد

:بأربعة قول امرئ القيس طويلوتشبيه أربعة وإرخاء سرحان وتقريب تتفل... له أيطال ظيب وساقا نعامة

:ولقد غري أبو نواس يف وجهه حيث قال سريع ومتسح الورد بعناب... تبكي فتذري الطل من نرجس

.فإن بيته أخصر وزنا وأهبر حسنا وأقصر معىن وشاهد مخسة خبمسة قول أيب الفرج الوأواء بسيط

وردا وعضت على العناب بالربد... فأمطرت لؤلؤا من نرجس فسقت وعندي أن بيت الوأواء هو عني بيت أيب نواس وإمنا حصلت فيه زيادة التشبيه التساع وزنه، فثبت الفضل

.لبيت أيب نواس بالسبق إىل نفس املعىن ونفس التشبيه .واء عن اللفظ التساع الوزنواعلم أن زيادة التشبيه مبا زاد يف بيت أيب الفرج الوأ

حسبت زيدا يف جرأته األسد، : ومن التشبيه نوعان آخران أحدمها تكون أدواته أفعال الظن واليقني كقولكوعمرا يف جوده الغمام واجلارية يف حسنها القمر، فحاصل ذلك تشبيه اجلرئ باألسد، واجلواد بالغمام،

حاصل ذلك تشبيه أهل " وحتسبهم أيقاظا وهم رقود : " قوله تعاىلواجلارية بالقمر، ومنه يف الكتاب العزيز :الكهف يف حال نومهم حبال األيقاظ، ومن ذلك يف الشعر قول شاعر احلماسة طويل

.وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة .وذلك أنه ملا كانت الشحمة بيضاء شبهوا كل بيضاء هبا، وأخرج ذلك خمرج املثل

هو الذي يسمى تشبيه التوليد والتمثيل كقول الكميت بسيطوالنوع اآلخر من التشبيه كما دماؤكم يشفي هبا الكلب... أحالمكم لسقام اجلهل شافية

باب عتاب املرء نفسه

:وهو من إفراد ابن املعتز، ومل ينشد فيه سوى بيتني ذكر أن اآلمدى أنشدمها له عن اجلاحظ طويل ومن يعص اجملرب يندمأمرت ... عصاين قومي يف الرشاد الذي به أرى عارضا ينهل باملوت والدم... فصربا بين بكر على املوت إنين

وما أرى يف هذين البيتني من عتاب املرء نفسه إال ما يتحيل به ملعنامها، فيقدر أن هذا الشاعر ملا أمر بالرشد نفسه فيكون داللة البيتني وبذل النصح ومل يطع ندم على بذل النصيحة لغري أهلها، وملزوم ذلك عتابه ل

.على عتابه لنفسه داللة التزام ال داللة مطابقة وال تضمني :ومثل هذين البيتني قول دريد بن الصمة طويل

ورهط بين السوداء والقوم شهدى... نصحت لعراض وأصحاب عارض سراهتم يف الفارسي املسرد... ظنوا بألفي مدجج : وقلت هلم

غوايتهم وأنين غري مهتد... د أرى فلما عصوين كنت منهم وق

غويت وإن ترشد غزية أرشد... وما أنا إال من غزية إن غوت فلم يستبينوا النصح إال ضحى الغد... أمرهتم أمري مبنعرج اللوى

:وال يصلح أن يكون شاهد هذا الباب إال قول شاعر احلماسة طويل التجلد والصربلك الويل ما هذا ... أقول لنفسي يف اخلالء ألومها

:وكقول ابن السليماين من شعراء احلماسة طويل لنفسي ولكن ما يرد التلوم... لعمرك إين يوم سلع لالئم

أهلفي على ما فات لو كنت أعلم... أأمكنت من نفسي عدوى ضلة واهللا " يا حسريت على ما فرطت يف جنب اهللا : " وقد جاء من هذا الباب يف كتاب اهللا قوله سبحانه وتعاىل

.أعلم

باب حسن االبتداءات

هذه تسمية ابن املعتز، وأراد هبا ابتداءات القصائد، وقد فرع املتأخرون من هذه التسمية براعة االستهالل، .وخصوا هبا ابتداء املتكلم مبعىن ما يريد تكميله ولقد وقع يف أثناء القصيدة

:اق بن إبراهيم املوصلي، حيث يقول خفيفوقد روى أن أحسن ابتداء ابتدأ به مولد قصيدة قول إسح إن عهدي بالنوم عهد طويل... هل إىل أن تنام عيين سبيل

:ومن إنشادات ابن املعتز يف هذا الباب قول النابغة الذبياين طويل وليل أقاسيه بطيء الكواكب... كليين هلم يا أميمة ناصب

ر بني هذا االبتداء وبني ابتداء امرئ القيس يف معلقته ولعمري لقد أحسن ابن املعتز االختيار، فإين أظنه نظ :حيث قال طويل

بسقط اللوى بني الدخول فحومل... قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل فرأى أن ابتداء امرئ القيس على تقدمه وكثرة معاين ابتداءاته متفاوت القسمني جدا، ألن صدر البيت مجع

ة املعاين بالنسبة إىل العجز ما مل جيمع العجز، فإن ألفاظ العجز بني عذوبة اللفظ وسهولة السبك، وكثرغريبة بالنسبة إىل ألفاظ الصدر، والعجز أقل معان من الصدر خبالف بيت النابغة، فإنه ال تفاوت بني قسميه ه، البتة، فبيت امرئ القيس وإن كان أكثر معان من بيت النابغة، فبيت النابغة أفضل، من جهة مالءمة ألفاظ

:ومساواة قسمية، ومثل بيت النابغة قول زهري طويل وعرى أفراس الصبا ورواحله... صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله

فإن قسمي هذا البيت متالئمان، فإن لفظ كل واحد منهما متوسط بني الغرابة واالبتذال، ويف كل قسم :ة، وهذا من قول امرئ القيس طويلمنهما استعارتان، فقد تساويا يف اللفظ واملعىن كبيت النابغ

نقضي لبانات الفؤاد املعذب... خليلي مرا يب على أم جندب وإمنا عظم ابتداء معلقة امرئ القيس يف النفوس االقتصار على مساع صدر البيت، فإنه يشغل الفكر حبسنه

ك، فإن قائل هذا حسب: عن النظر يف مالءمة عجزه أو عدم مالءمته، وهو الذي قيل عند مساعه للمنشدالكالم أشعر الناس، ألنه وقف واستوقف، وبكى واستبكى وذكر احلبيب واملنزل يف شطر بيت ومل يستنشد

العجز منه شغال حبسن الصدر عنه، وإذا تأمل الناظر يف نقد البيت بكماله ظهر له تفاوت القسمني، فعلم .بتداء عبارة عن مالءمة القسمنيمجلة أن االبتداء غري موصوف حبسن االبتداء، إذ حسن اال

:ومن جيد ابتداءات املولدين قول أيب نواس وهو يف غاية احلسن طويل فعوجا قليال وانظراه يسلم... خليلي هذا موقف من متيم

:وقوله طويل على طول ما أقوت وطيب نسيم... ملن دمن تزداد حسن رسوم

ومن إنشادات ابن املعتز أليب متام بسيط هي الصبابة طول الدهر والكمد... غاية دمع العني إذ بعدوا يا بعد

:وإذا وصلت إىل قول البحتري طويل ليعلم أسباب اهلوى كيف تعلق... بودي لو يهوى العذول ويعشق

طويل: وصلت إىل الغاية اليت ال تدرك، وما مسع أشد مباينة كبيت مجيل وهو قوله كم ل يقتل الرجل احلب؟أسائل... أال أيها النوام وحيكم هبوا

هل تعرف بيتا نصفه بدوي يف، مشله وباقيه : وهذا البيت الذي قال فيه الرشيد إما للمفضل الضيب أو غريه .خمنث يف بذلة فأنشده البيت فاستحسن ذكره :ولقد أحسن أبو الطيب ما شاء يف قوله خفيف

حتسب الدمع خلقة يف املآقي... تراها لكثرة العشاق :كدر صفوه ويقبح حسنه بقولهلو مل ي

راءها غري جفنها غري راقي... كيف ترثي اليت برى كل جفن بسيط: وأكثر ابتداءات أيب العالء املعري تأيت على سنن الصواب، كقوله

لعل باجلزع أعوانا على السهر... يا ساهر الربق أيقظ راقد السمر :وكقوله طويل

اد وهنا ما هلن ومايلببغد... طربن لضوء البارق املتعايل :وقوله طويل

ويف النوم مغىن من خيالك حمالل... مغاين اللوى من شخصك اليوم أطالل :وكقوله خفيف

نوح باك وال ترمن شاد... غري جمد يف مليت واعتقادي .فهذه أمثلة ابتداءات القصائد

:وأما أمثلة براعة االستهالل فمنها قول حممد بن اخلياط طويل ومل أدر أن اجلود من كفه يعدي... في كفه أبتغي الغىن ملست بك

أفدت وأعداين فأنفدت ما عندي... فال أنا منه ما أفاد ذوو الغىن :ولقد أحسن البحتري اتباعه يف هذا املعىن حيث قال كامل

خبلي فأفقرين كما أغناين... أعدت يداه يدي وشرد جوده عطيت الذي أعطاينمنه فأ... ووثقت باخللق اجلميل معجال

وإذا نظرت إىل فواتح السور الفرقانية مجلها ومفرداهتا رأيت من البالغة والتفنن يف الفصاحة ما ال تقدر العبارة على حصر معناه، ومن أراد الوقوف على ذلك فليقف على كتايب املنعوت باخلواطر السوانح يف

.كشف أسرار الفواتح واهللا أعلم

باب صحة األقسام

أول أبواب قدامة وصحة األقسام عبارة عن استيفاء املتكلم أقسام املعىن الذي هو آخذ فيه، حبيث ال وهذاوليس يف رؤية الربق إال " هو الذي يريكم الربق خوفا وطمعا : " يغادر منه شيئا، ومثال ذلك قوله تعلى

.اخلوف من الصواعق، والطمع يف األمطار، وال ثالث هلذين القسمنيلطيف ما وقع يف هذه اجلملة من البالغة تقدمي اخلوف على الطمع، إذ كانت الصواعق تقع من أول ومن

برقة، وال حيصل املطر إال بعد توافر الربقات، فإن تواترها ال يكاد يكذب وهلذا كانت العرب تعد سبعني :برقة وتنتجع، فال ختطئ الغيث والكأل، واىل هذا أشار املتنيب بقوله وافر

سوى عدي هلا برق الغمام... أرد املياه بغري هاد وقد

فلما كان األمر املخوف من الربق يقع من أول برقة، أتى ذكر اخلوف يف اآلية الكرمية مقدما أوال، وملا كان األمر املطمع إمنا يقع من الربق ناسخا للخوف، جمليء الفرج بعد الشدة، وامليسرة بعد األمر املخوف، أتى

مع يف اآلية الكرمية ثانيا، وليكون الطمع بعد احلزن رمحة من اهللا سبحانه وتعاىل خبلقه، وبشرى ذكر الطحبسن العاقبة لعباده، وقد أتى ابن رشيق هبذه اآلية من شواهد التفسري، ملا كان قوله سبحانه خوفا وطمعا

.كان مفسرا رؤية الربق، وهو قريبفسبحان اهللا حني متسون : " يف املقابلة من الكتاب العزيز قوله سبحانهومما جاءت صحة األقسام فيه مدجمة

وقد اعترضت املطابقة بني " وحني تصبحون، وله احلمد يف السموات واألرض وعشيا وحني تظهرون .القسمني املتقابلني واستوعبت أقسام األوقات من طريف كل يوم ووسطه

أنعم على من شئت تكن أمريه، واستغن عمن شئت : " ومن بديع صحة التقسيم قول علي عليه السالمفإنه استوعب أقسام الدرجات العليا والسفلى والوسطى، " تكن نظريه، واحتج إىل من شئت تكن أسريه

وأقسام أحوال اإلنسان وبني الفضل والنقص والكفاف وأتى يف ضمن ذلك الطباق بني الغىن واحلاجة .واملناسبة يف أمريه ونظريه وأسريه

فلم " الذين يذكرون اهللا قياما وقعودا وعلى جنوهبم : " ومثال صحة األقسام من الكتاب العزيز أيضا قولهوإذا مس : " يترك سبحانه قسما من أقسام اهليئات حىت أتى به، ومثل هذه اآلية آية يونس وهي قوله تعاىل

ني ترتيب اآليتني مغايرة أوجبتها البالغة، فتضمن لكن وقعت ب" اإلنسان الضر دعانا جلنبه أو قاعدا أو قائما والقيام واجب . الكالم هبا االئتالف، وذلك أن الذكر جيب فيه تقدمي القيام ألن املراد به الصالة واهللا أعلم

فيها للمستطيع، والقعود بعده عند العجز عن القيام، واالضطجاع عند العجز عن القعود، والضر جيب فيه ع، وإذا زال بعض الضرر قعد املضطجع، وإذا زال كل الضرر قام القاعد فدعا لتتم الصحة تقدمي االضطجا

هذا التأويل ال يتم إال إذا كانت الواو هي العاطفة فلم عدل : وتكمل القوة، وحيصل التصرف، فإن قلت: ذلك؟ قلت عنها وهبا حيصل يف الكالم حسن النسق وائتالف األلفاظ مع املعاين إىل أو اليت يسقط معها

فإن من الضر ما يصرع املضرور عند وروده، ومنه ما يقعده، ومنه ما يأيت وصاحبه : تأثري الضر على أقسامقائم وال يبلغ به شيئا من هذه احلاالت، والدعاء عند أول مس الضر، فإن الضر واجلزع عند الصدمة

كالم على ذلك موصوف باالئتالف األوىل، فوجب العدول عن الواو ألو لتوخي الصدق يف اخلرب، والوحبسن النسق، واخلرب بذلك التأويل األول عن شخص واحد، وبالتأويل الثاين عن أشخاص، فغلبت

الكثرة، فوجب اإلتيان بأو، وابتدئ بالشخص الذي يصرعه، ألن ضره أشد، فهو أكثر تضرعا فوجب حسن الترتيب أن يليه ذكر القاعد وأن يلي تقدمي ذكره ألن تقدميه األهم، وإذا تقدم ذكر املضطجع أوجب

ذكر القاعد ذكر القائم، فحصل حسن الترتيب، وائتالف األلفاظ مبعانيها، وترجح جميء أو على جميء .الواو، وال تدل عليه من تعدد املضطرين دون الواو

" وجيعل من يشاء عقيما يهب ملن يشاء إناثا ويهب ملن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا : " وكقولههببة اإلناث أو هببة الذكور أو جيمعهما له، أو ال يهبه شيئا، ووقعت صحة : ألنه سبحانه إما أن يفرد العبد

األقسام يف هذه اآلية على ترتيب البالغة، وهو االنتقال من األدىن إىل األعلى فقدم هبة اإلناث لتنتقل منها مث انتقل إىل أعلى منها وهي هبة اإلناث والذكور، فجاءت كل أقسام إىل أعلى منها، وهي هبة الذكور،

العطية بلفظ اهلبة، وأفرد معىن احلرمان بالتأخر ألن أفضاله على عباده أهم من حرمانه إياهم، وتقدمي األهم : ى قوله تعاىلوجيعل عادال عن لفظ اهلبة لتأيت األلفاظ مالئمة للمعاين قياسا عل: أوىل، وقال يف معىن احلرمان

وهكذا االعتداد باملاء والنار، " أفرأيتم ما حترثون أأنتم تزرعونه أم حنن الزارعون لو نشاء جلعلناه حطاما " .فأتى لفظ العطاء بلفظ الزرع، ومعىن احلرمان بلفظ اجلعل

أكلت ليس لك من مالك إال ما " ويف السنة من صحة األقسام قول رسول اهللا عليه الصالة والسالم .وال رابع هلذه األقسام" فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت

رحم اهللا من تصدق من فضل، أو واسى من كفاف، أو : ووقف أعرايب على حلقة احلسن البصري فقال .ما ترك األعرايب منكم أحدا حىت عمه باملسئلة: فقال احلسن: آثر من قوت

:نصيب طويلومن أمثلة هذا الباب الشعرية قول نعم وفريق ليمن اهللا ما ندري... فقال فريق القوم ال وفريقهم

.فليس يف أقسام اإلجابة غري ما ذكر :وقال بشار طويل

قتيل، ومثل الذ بالبحر هاربه... فراح فريق يف اإلسار، ومثله :وأوجز من هذا يف معناه قول عمرو بن األهتم خفيف

تيل وهارب وأسريمن ق... اشربا ما شربتما فهذيل :ومن جيد صحة األقسام قول شاعر احلماسة طويل

به الدار أو من غيبته املقابر... وهبها كشيء مل يكن أو كنازح فلم يبق يف تقسيم املعدوم شيئا حق ذكره، ألن الشيء إما مقدرا مل يوجد، أو قد وجدد وعدم إما بالنزوح

:قد أحرق كاملأو بالفناء، وكقول أيب متام يف األفشني و ميتا، ويدخلها مع الفجار... صلى هلا حيا وكان وقودها

:والبارع يف هذا الباب قول عمرو بن كلثوم وافر ونضرب بالسيوف إذا غشينا... نطاعن ما تراخى الصف عنا

طويل: وأحسب أن أول من نطق بصحة التقسيم زهري حيث قال عن علم ما يف غد عمي ولكنين... وأعلم ما يف اليوم واألمس قبله

:ونقل أبو نواس هذا املعىن من اجلد إىل اهلزل، فقال يف احلض على الشرب منسرح وأمس قد مر فاسل عن أمس... أمر غد أنت منه يف لبس

فباكر الشمس بابنة الشمس... وإمنا الشأن شأن يومك ذا :امرئ القيس طويلوكنت أظن أن زهريا هو املبتدئ بصحة التقسيم حىت عثرت على قول

وليس بذي سيف وليس بنبال... وليس بذي رمح فيطعنين به فتمت صحة . فاستوعب آالت القتال، ورتبها يف البيت على ما يكون عليه يف احلرب من األفضل فاألفضل

:التقسيم جبميع شروطها كما ترى، وما ألطف قول بعض املغاربة خفيف ي مىت؟ وكيف؟ وأينا؟ليت شعر... شغل الدهر من لقاء حبيب

.فاستوعب أقسام الظروف الزمانية واملكانية، وكيف اليت يسأل هبا عن األحوال :والنادر يف صحة األقسام قول عمر بن أيب ربيعة طويل

وال احلبل موصول وال أنت مقصر... هتيم إىل نعم فال الشمل جامع تصرب وال بعدها يسلى وال أنت... وال قرب نعم إن دنت لك نافع

باب صحة املقابالت

صحة املقابالت عبارة عن توخي املتكلم ترتيب الكالم على ما ينبغي، فإذا أتى بأشياء يف صدر كالمه أتى بأضدادها يف عجزه على الترتيب، حبيث يقابل األول باألول، والثاين بالثاين ال خيرم من ذلك شيئا يف

.لكالم فاسد املقابلة، وقد تكون املقابلة بغري األضداداملخالف واملوافق، ومىت أخل بالترتيب كان اأحدمها أن املقابلة ال تكون إال باجلمع بني ضدين فذين، واملقابلة : والفرق بني املقابلة واملطابقة من وجهنيضدان يف صدر الكالم، وضدان يف عجزه، وتبلغ إىل اجلمع بني عشرة : تكون غالبا باجلمع بني أربعة أضداد

والثاين أن املطابقة ال تكون إال باألضداد، واملقابلة تكون . مخسة يف الصدر، ومخسة يف العجز: دأضدا .باألضداد وبغري األضداد

" ومن رمحته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله : " ومن معجز هذا الباب قوله تعاىل قابلهما يف عجز الكالم بضدين، ومها السكون واحلركة فانظر إىل جميء الليل والنهار يف صدر الكالم، مث

على الترتيب، مث عرب عن احلركة بلفظ اإلرداف، فاستلزم الكالم ضربا من احملاسن زائدا على املقابلة، وعدل عن لفظ احلركة إىل لفظ ابتغاء الفضل لكون احلركة تكون ملصلحة وملفسدة، وابتغاء الفضل حركة

سدة، وهي تشري إىل اإلعانة بالقوة، وحسن االختيار الدال على رجاحة العقل وسالمة املصلحة دون املفاحلس، وإضاءة الظرف الذي تلك احلركة املخصوصة واقعة فيه، ليهتدي املتحرك إىل بلوغ املأرب، ويتقي

وتابعه أسباب املهالك، واآلية سيقت لالعتداد بالنعم، فوجب العدول عن لفظ احلركة إىل لفظ هو ردفه ليتم حسن البيان، فتضمنت هذه الكلمات اليت هي بعض آية عدة من املنافع واملصاحل، اليت لو عددت

فحصل يف الكالم هبذا السبب عدة . بألفاظها املوضوعة هلا الحتاجت يف العبارة عنها إىل ألفاظ كثرية: صول منافع اإلنسان، حيث قالضروب من احملاسن، أال تراه سبحانه جعل العلة يف وجود الليل والنهار ح

بالم التعليل، فجمعت هذه الكلمات املقابلة، والتعليل، واإلشارة، واإلرداف، " لتسكنوا ولتبتغوا " وائتالف اللفظ مع املعىن، وحسن البيان، وحسن النسق، فلذلك جاء الكالم متالئما آخذة أعناق بعضه

ما عدده من النعم بلفظه اخلاص، وما تضمنته العبارة من بأعناق بعض، مث أخربن باخلرب الصادق أن مجيع وكل هذا يف بعض " ومن رمحته : " النعم اليت تلزم من لفظ اإلرداف بعض رمحته، حيث قال حبرف التبعيض .آية عدهتا عشر كلمات، فاحلظ هذه البالغة الباهرة والفصاحة املتظاهرة

ما كان الرفق يف شيء إال زانه، وال اخلرق : " عليه وسلمومن أمثلة صحة املقابالت قول الرسول صلى اهللا فقابل عليه السالم الرفق باخلرق، والزين بالشني بأحسن ترتيب وأمت مناسبة بني الرفق " يف شيء إال شانه

.واخلرق ولفظيت شانه وزانه :اشيد قدامة طويلومن أمثلة صحة املقابالت الشعرية قول القائل أحسبه كثريا يف مقابلة األضداد من أن

ويف ومطوي على الغل غادر... فوا عجبا كيف اتفقنا فناصح فإن هذا الشاعر ملا قدم ذكر النصح والوفاء يف صدر البيت، قابلهما بذكر الغل والغدر يف عجزه على

وهو وقد وقع يف مقابلة األضداد ما مجع بني ستة أضداد. الترتيب، ال، الغل ضد النصح، والغدر ضد الوفاء بيت أنشده أبو دالمة للمنصور، وقد سأله عن أشعر بيت يف املقابلة فأنشده بسيط

وأقبح الكفر واإلفالس بالرجل... ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا فإن الشاعر قابل أحسن بأقبح، والدين بالكفر، والدنيا باإلفالس، فجمع بيته ما مل جيمعه بيت قيل قبله يف

خالف يف أنه مل يقل قبله مثله، وأما بعده فقد غري املتنيب يف وجوه الناس بقوله بسيطالتقابل، وال وأنثين وبياض الصبح يغري يب... أزورهم وسواد الليل يشفع يل

فإنه مجع بني عشر مقابالت، قابل أزور بأنثىن، وسوادا ببياض، والليل بالصبح، ويشفع بيغرى، ولفظة يل

وال أعلم يف باب التقابل أفضل من هذا البيت جلمعه من املقابالت ما مل جيمعه بيت بلفظة يب على الترتيب،لشاعر قبله وال بعده إىل يومنا هذا، مع ما فيه من متكني قافيته، خبالف البيت الذي أنشده أبو دالمة، فإن

واملعىن قد مت بدون قافيته مستدعاة لكون حسن األشياء اليت ذكرها، وقبحها ال خيتص بالرجل دون املرأة، بالبشر لكان البيت نادرا، : ذكر الرجل، ولو كان ملا اضطر إىل القافية اليت أفاد هبا معىن زائدا حبيث يقول

غري أن املقابلة اليت يف البيت الذي أنشده أبو دالمة أفضل من املقابلة اليت يف بيت أيب الطيب، ألن املقابلة واليت يف بيت املتنيب باألضداد وبغري األضداد، واملقابلة باألضداد أفضل اليت يف البيت األول باألضداد، التضاد والتناقض، فبيت املتنيب فضل بالكثرة والبيت األول أفضل جبودة : مراعاة لالشتقاق، ألن التقابل

:املقابلة، وقد أنشد بعض املؤلفني يف هذا الباب قول أيب نواس طويل كما السهم فيه الفوق والريش والنصل... عا أرى الفضل للدنيا وللدين جام

وزعم أن هذا البيت فاسد املقابلة من جهة أنه قابل الدنيا والدين الذين مها طرفان بطريف السهم، ومها الفوق والنصل، ونفي الريش ال مقابل له، وعندي أن البيت صحيح املقابلة، ألن أبا نواس قصد أن املمدوح

ا ينتفع به، وما ال بد للعاقل املكلف منه، ومها طرفا نقيض، كما مجع طرفا السهم ما مجع من الدين والدنيا مال غىن بالسهم عنه، ألن الفوق موضوع الوتر، والريش املوصل، والنصل املصمى، فشبه املمدوح بالسهم

هو يف الطرف اجلامع ملصاحل الطرفني، وملا كان الريش والفوق يف طرف واحد كانا معا مقابلني للنصل، إذ وهو يريد الطرف اجلامع هلما على أن اإلخالل بصحة التقسيم يف ظاهر اللفظ ال . اآلخر، ومل يضر تعدادمها

يفسد صحة املقابلة، فرب كالم وقع يف ظاهر لفظه إخالل ببعض أقسامه، لكون ذلك القسم مل يذكر فيه يوهم اإلخالل وهو بريء منه، كما جاء يف بالفعل، وكان مذكورا فيه بالقوة يف باطنه، فجاء ظاهر لفظه

فقدم يف صدر " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واهللا يعدكم مغفرة منه وفضال : " قوله تعاىلفأوهم . الوعد بالفقر، واألمر بالفحشاء، مث قابل الشيئني يف الظاهر بشيء واحد وهو الوعد: الكالم أمران

كذلك، وإمنا ملا كان الفضل مقابال للفقر، واملغفرة مقابلة لألمر بالفحشاء ألن أنه أخل بذكر األمر، وليس واملغفرة تقابل العقوبة، استغىن بذكر املقابل عن ذكر مقابله، ألن ذكر أحدمها . الفحشاء توجب العقوبة

:ملزوم ذكر اآلخر، ومثل ذلك من الشعر الفصيح قول القائل وافر وأسقينا دماءهم الترابا ...أسرناهم وأنعمنا عليهم

وال أدوا حلسن يد ثوابا... فما صربوا لبأس عند حرب :فإن ظاهر لفظ البيتني يؤذن بأن الشاعر أخل مبقابل قوله

وأسقينا دماءهم التراباألنه قابل اليأس بسلب الصرب، واإلنعام بنفي الثواب، وليس األمر كذلك ألن القتل واألسر داخالن يف بأس

.واهللا أعلم. فهما شيء واحد وإن تعدد مقابلهما معا بالصرب، ألنه يكون عليهمااحلرب،

باب صحة التفسري والتبيني

وهو أن يأيت املتكلم يف أول الكالم، أو الشاعر يف بيت من الشعر مبعىن ال يستقل الفهم مبعرفة فحواه دون .م الذي حيتاج إىل التفسري يف أولهأن يفسر، إما يف البيت اآلخر، أو يف بقية البيت إن كان الكال

بعد الشرط، وما هو يف معناه، وبعد اجلار واجملرور، وبعد املبتدإ الذي : ووقوع التفسري من الكالم على أحناء :فمثال ما وقع منه بعد احلروف املتضمنة معىن الشرط قول الفرزدق طويل. التفسري خربه

أو حامال ثقل مغرم طريد دم... لقد جئت قوما لو جلأت إليهم وراءك شزرا بالوشيج املقوم... أللفيت منهم معطيا ومطاعنا

:ومثال ما جاء بعد اجلار واجملرور قول احلسني بن مطري األسدي كامل ضحك يواصل بينه وبكاء... وله بال حزن وال مبسرة

عدم الترتيب مع حسن اجلوار مل يراعيا الترتيب، وإن كان -أعين الفرزدق وابن مطري -وكال الرجلني وقرب املالئم ال ينقص به حسن الكالم البليغ، بل هو عندي نوع من صحة التفسري، أال ترى إىل قوله

وأما الذين : " مث قال بعد ذلك" يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، فأما الذين اسودت وجوههم : " تعاىلفإنه ملا قدم ذكر األبلغ على ما " الرمحن الرحيم بسم اهللا: " ومثل ذلك قول اهللا تعاىل" ابيضت وجوههم

نعلم من هذا الترتيب أن توخي املالءمة، وحسن اجلوار أوىل من حسن - وطريق البالغة الترقي - دونه الترتيب، إذ كان اسم اهللا تعاىل خيتص به دون بقية أمساءه، وكان الرمحن وصفا خمتصا به دون بقية صفاته،

ألخص، ولتوخي املالءمة ومراعاة حسن اجلوار عدل عن اإليضاح، وتعمد التقدمي والتأخري فأتبع األخص بافاغسلوا " الذي هو أحد الوجوه الثالثة اليت حيصل هبا اإلشكال، فإن التنزيل لو كان يف آية الطهارة،

يف املسح مل ختتلف العلماء " وجوهكم وأيديكم إىل املرافق وأرجلكم إىل الكعبني وامسحوا برؤسكم والغسل، لكن القصد إىل نظم الكالم على الوجه األحسن من جماورة املالئم باملالئم ليكون لفظ الكالم

مؤتلفا مع معناه، عدل عن ذلك الترتيب إىل التقدمي والتأخري، ألن كل من وصف وضوء رسول اهللا صلى دا منهم غسل رجليه قبل مسح رأسه، اهللا عليه وسلم ووضوء أصحابه والتابعني هلم بإحسان مل يرو أن أح

وإذا علم أن مسح الرأس مقدم على غسل الرجلني علم أن الواجب غسل الرجل من حيث إنه سبحانه قدم ذكر مسح الرأس، ليعلمنا ترتيب غسل األعضاء يف الوضوء كما كانت يف الغسل، فإن الغسل خيتم فيه

يد ليعلم أن األمر فيهما معطوف على األعضاء املغسولة، بغسل الرجلني، وملا أخر ذكر الرجلني أتى بالتحدال على العضو املمسوح، فإن املسح مل تضرب له غاية احتراسا ممن يظن أن الرجل ممسوحة، ولعربية

الشافعي ومعرفته بكنه بالغة العرب أوجب الترتيب يف الوضوء، لكون اآلية جاءت مرتبة لألعضاء، ومل وما مسعت وال . ، وإن أوجب لبسا اتكاال على ما يف التحديد من دفع ذلك اللبسحيفل بالتقدمي والتأخري

سبحان الذي خلق األزواج كلها مما تنبت األرض ومن أنفسهم : " غريي مبستمع كقول اهللا سبحانه وتعاىلفإن صحة التقسيم اندرجت يف صحة التفسري، واندمج الترتيب والتهذيب يف صحة " ومما ال يعلمون

تقسيم، وحصل االئتالف من حصول الترتيب، إذ قدم سبحانه النبات، وثىن بأشرف احليوان، فكان غريه الفاندرج حتت هذا العموم كل ما اختص اهللا " ومما ال يعلمون : " من احليوان بطريق أوىل، مث ثلث بقوله

ل الترقي على سنن بعلمه من املولدات الثالث، بل من مجيع املخلوقات من كل موجود سوى اهللا، فحصالفصاحة، واملشي على هنج البالغة وأتت الفاصلة يف غاية التمكني، فاآلية الكرمية لذلك تصلح أن تكون شاهدا للتفسري، والتقسيم، والتهذيب، واالئتالف، والتمكني، وإمنا خصصت هبا باب التفسري، ألنه أول

سن، ولقد أحسن ابن شرف القريواين يف التفسري مذكور فيها، ومنه تتفرع بقية ما انطوت عليه من احملا :الواقع بعد اجلار واجملرور حيث قال طويل

فهذا له فن وهذا له فن... ملختلفي احلاجات مجع ببابه وللمذنب العتىب وللخائف األمن... فللخامل العليا وللمعدم الغىن

الشرط قول صاحل بن جناح اللخمي ون أناشيد قدامة فيما جاء من التفسري بعد احلروف املتضمنة معىن :طويل

إىل اجلهل يف بعض األحايني أحوج... لئن كنت حمتاجا إىل احللم إنين وإن كنت حمتاجا إىل احللم، فإنين يف بعض األوقات إىل اجلهل أحوج، : مث فطن الشاعر إىل أنه أمجل يف قوله

:لى أن جيهل؟ فقال يف البيت الثاين طويلومل يبني كونه إذا احتاج إىل اجلهل واضطر له هل يقدر ع ويل فرس للجهل باجلهل مسرج... ويل فرس للحلم باحللم ملجم

:فبني أن عنده حلم ملن يعامله باحللم، وجهل ملن يعامله باجلهل، وهذا بسط قول عمرو بن كلثوم وافر فنجهل فوق جهل اجلاهلينا... أال ال جيهلن أحد علينا

أمشى على سنن العدل من بيت ابن كلثوم الستضاءته بنور القرآن العزيز، وتأدبه بأدبه لكن بيت ابن جناح " .فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه مبثل ما اعتدى عليكم : " ألنه عقد بالوزن قوله تعاىل

:يلإىل كونه مل يتبني العلة اليت حتوجه إىل اجلهل، فقال يف البيت الثالث طو - أعين ابن جناح -مث فطن

ومن شاء تعوجيي فإين معوج... فمن شاء تقوميي فإين مقوم ومثال ما جاء من التفسري بعد خرب املبتدإ بشرط أن يكون املفسر جممال واملفسر له مفصال قول ابن الرومي

:كامل يف احلادثات إذا دجون جنوم... آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم

واألخريات رجومجتلو الدجى ... منها معامل للهدى ومصابح وهذا أفضل ما مسعته يف باب التفسري من الشعر، فإنه راعى فيه الترتيب أحسن مراعاة، فلو كمله بأن

يستوعب فيه أقسام منافع النجوم بأن يضيف إىل ما ذكره سقياها األرض، حصل يف بيته صحة التقسيم مع وملا حلظت ذلك خطر . ذلك كان أحسن صحة التفسري، وإن كان هذا غري الزم للشاعر، لكنه لو اتفق له

يل أن أعمل معناه على ما وقع يل من صحة التقسيم مع صحة التفسري، فقلت يف شرف الدين حسن بن :سناء امللك؛ طويل

صفات هبا ال غري تعلو املراتب... آلبائك املاضني يا حسن الندى وأيد بدجيور اخلطوب كواكب... وجوه وآراء وشهب عزائم

ويرحم من جيىن وتسقى السحائب... لدجى منها ويهدي هبا الورى مياط اومن بديع التفسري قول أيب جعفر اخلراز النظريي من نظر بلنسية، من شعراء املائة السادسة يف ابن عباد

:طويل وال مثر جيين وال زرع حيصد... وما زلت أجين منك والدهر ممحل

ظل علي ممددألغصاهنا ... مثار أياد دانيات قطوفها وأطيار شكري فوقهن تغرد... يرى جاريا ماء املكارم حتتها

ون التفسري نوع ال تعرف صحته، ألنه يأيت مفسرا لشيء مقدر يف النفس، مل جير له ذكر يف الكالم الذي تقدم، لكنه يكون ملزوم الكالم املتقدم من ظاهر اللفظ، وألن املفسر ال تنحصر تفاصيله كقول املتنيب

:كامل حسن العزاء وقد جلني قبيح... وجال الوداع من احلبيب حماسنا

وحشا يذوب ومدمع مسفوح... فيد مسلمة وطرف شاخص وذلك أن البيت الثاين ال يصلح أن يكون تفسريا للبيت األول، ألن البيت األول أشار إىل صفات احلبيب،

ال يف البيت األول إن الوداع جال من احلبيب حماسنا قبح والبيت الثاين يشري إىل أحوال احملب، وإمنا ملا قعند رؤيتها، كان كأنه قدر يف نفسه أنه عندما حتقق مقارنة تلك احملاسن بقيت حاله على ما شرحه وفسره

.يف البيت الثاين ومن مليح التفسري وبديعه قول حممد ابن وهيب يف املعتصم بسيط

س الضحى وأبو إسحاق والقمرمش... ثالثة تشرق الدنيا ببهجتها ولقد أحسن جمد امللك بن مشس اخلالفة حني تناول هذا املعىن ما شاء، فإنه وطأ له توطئة مالئمة، لو اقتصرنا

:يف تفضيله عليها كانت كافية ال سيما وقد زاد فيه زيادة غري خافية عن ذي بصرية حيث قال كامل واه قليب واحلجرقلب الذي يه... شيئان حدث بالقساوة عنهما

البحر وامللك املعظم واملطر... وثالثة باجلود حدث عنهم وكذاك خري العقد واسطة الدرر... لكن واسطة الثالثة خريها

ومن التفسري ضرب يأيت يف حشو البيت وهو غريب يف التفسري، ألن غالب جميء التفسري إما يف عجز :م وافرالبيت، أو يف بيت آخر، وهو قول عمرو بن كلثو

أقر به مواليك العيونا... ويوم كريهة طعنا وضربا .تفسري ليوم الكريهة" طعنا وضربا : " فقوله

ومن لطيف التفسري وغريبه تفسري وقع بعد اإلخبار، وهو غري األقسام املتقدمة، وذلك قول أيب حية النمريي :طويل

ف ومعصمك: بأحسن موصولني... فألقت قناعا دونه الشمس واتقت :واملعىن من قول النابغة الذبياين كامل

فتناولته واتقتنا باليد... سقط النصيف ومل ترد إسقاطه

.وبيت أيب حية أجزل لفظا، وأمت معىن، وأحسن رونقا وديباجة ومن مليح التفسري الذي وقع يف بيت قول بعض املغاربة بسيط

وأقمار وأجبال أسد ومزن... صالوا وجالوا وضاؤوا واحتبوا فهم فإنه أحسن فيه الترتيب، ووقع التفسري يف عجز البيت كله، واملفسر يف الصدر كل حبيث أتى كل قسم مستقال بنفسه، ومجع إىل ذلك املساواة، فإن لفظه طبق معناه، ومن التفسري نوع يتقدم التفسري فيه على

:املفسر، كقول زينب بنت زياد املؤدب من شواعر العرب طويل

وما هلم عندي وعندك من ثار... وال أىب الواشون إال فراقنا وقلت محايت عند ذاك وأنصاري... وشنوا على أمساعنا كل غارة ومن نفسي بالسيف واملاء والنار... غزوهتم من مقلتيك وأدمعي

.من مقلتيك وأدمعي ومن نفسي تفسري لبقية البيت: فقوهلاواهللا خلق كل دابة من ماء فمنهم من : " اب العزيز منه كقوله تعاىلومن معجز التفسري ما جاء يف الكت

فذكر سبحانه اجلنس األعلى أوال " ميشي على بطنه ومنهم من ميشي على رجلني ومهم من ميشي على أربع مث فسر هذا اجلنس بعد ذلك باألجناس . فاستغرق أجناس كل ما دب ودرج" كل دابة : " حيث قال

فمنهم، ومنهم، ومنهم مراعيا للترتيب وذلك أنه قدم ما ميشي بغري آلة : ع، حيث قالاملتوسطة واألنوالكون اآلية سيقت لبيان القدرة وتعجب السامع، وما ميشي بغري آلة أعجب مما ميشي بآلة، فلذلك كان

ي والطائر، تقدميه مالئما ملقصود اآلية، مث ثىن باألفضل فاألفضل، فأتى مبا ميشي على رجلني، وهو اآلدملتمام خلق اإلنسان وكمال حسن صورته، وملا يف الطائر من عجب الطريان الدال على اخلفة، مع ما فيه من

كثافة األرضية، وثلث مبا ميشي على أربع ألنه أحسن احليوان البهيم وأقواه، تغليبا له على ما ميشي على على األربع، وإمنا خص ذلك بالذكر دونه لفضله أكثر من األربع من احلشرات، وإن كان داخال فيما ميشي

عليه، فاستوعب األقسام، وأحسن الترتيب، فتضمنت هذه الكلمات اليت هي بعض آية عدة من احملاسن، وهي صحة التفسري وصحة التقسيم، مع مراعاة الترتيب، واإلشارة، وائتالف اللفظ مع املعىن وحسن

.النسق

باب ائتالف اللفظ مع املعىن

الباب ذكره قدامة وترمجه منفردا، ومل يبني معناه، وشرحه اآلمدي فأطال، ومل توف عبارته بإيضاحه؛ ذاوتلخيص معىن هذه التسمية أن تكون ألفاظ املعىن املطلوب ليس فيها لفظة غري الئقة بذلك املعىن، ومثال

دل سبحانه عن الطني الذي فع" إن مثل عيسى عند اهللا كمثل آدم خلقه من تراب : " ذلك قوله سبحانه" إين خالق بشرا من طني : " أخرب يف كثري من مواضع الكتاب العزيز أنه خلق آدم منه، منها قوله تعاىل

عن ذكر . وهو أعلم. فعدل عز وجل" خلقتين من نار وخلقته من طني : " وقوله سبحانه حكاية عن إبليسالتراب، ألنه أدىن العنصرين، وأكثفهما ملا كان املقصود الطني الذي هو جمموع الراب واملاء إىل ذكر جمرد

مقابلة من ادعى يف املسيح اإلهلية مبا يصغر أمر خلقه عند من ادعى ذلك، فهذا كان اإليتان بلفظة التراب أمنت باملعىن من غريها من العناصر ولو كان موضعه غريه لكان اللفظ غري مؤتلف باملعىن املقصود، وملا أراد

نه االمتنان على بين إسرائيل بعيسى عليه السالم أخربهم عنه أنه خيلق هلم من الطني كهيئة الطري سبحا .تعظيما ألمر ما خيلقه بإذنه، إذ كان املعىن املطلوب االعتداد عليهم خبلقه ليعظموا قدر النعمة به

رقيقا إذا كان املعىن رشيقا، ومن ائتالف اللفظ مع املعىن أن يكون اللفظ جزال إذا كان املعىن فخما، و :وغرسا إذا كان املعىن غريبا حبتا، ومستعمال إذا كان املعىن مولدا حمدثا، كقول زهري طويل

ونؤبا كجذم احلوض مل يتثلم... أثايف سفعا يف معرس مرجل أال أنعم صباحا أيها الربع وأسلم... فلما عرفت الدار قلت لربعها

قصد إىل تركيب البيت األول من ألفاظ تدل على معىن عريب لكن املعىن غري غريب، ركبه من فإن زهريا ملاألفاظ متوسطة بني الغرابة واالستعمال، وملا قصد يف البيت الثاين إىل معىن أبني من األول وأعرف وإن كان

.غريبا ركبه من ألفاظ مستعملة معروفةقالوا تاهللا تفتأ تذكر يوسف حىت : " كتاب العزيز قوله تعاىلومن شواهد هذا القسم من االئتالف من ال

فإنه سبحانه أتى بأغرب ألفاظ القسم بالنسبة إىل أخواهتا، فإن واهللا " تكون حرضا أو تكون من اهلالكني وباهللا أكثر استعماال وأعرف عند الكافة من تاهللا ملا كان الفعل الذي جاور القسم أغرب الصيغ اليت يف

، فإن كان وأخواهتا أكثر استعماال من تفتأ وأعرف عند الكافة، ولذلك أتى بعدمها بأغرب ألفاظ اهلالك بابهملا " وأقسموا باهللا جهد أمياهنم " بالنسبة، وهي لفظة حرض وملا أراد غري ذلك قال يف غري هذا املوضع

.واهللا أعلم. كانت مجيع األلفاظ مستعملة وعلى هذا فقس

ب مالءمة األلفاظ يف نظم الكالم على مقتضى املعىن، ال من جمرد مجلة اللفظ، فإن االئتالف ومن هذا البامن جهة ما قدمنا من مالءمة الغريب للغريب واملستعمل للمستعمل، ال من جهة املعىن، بل ذلك من جهة

.اللفظفإنه سبحانه ملا هنى عن " النار وال تركنوا إىل الذين ظلموا فتمسكم: " وأما الذي من جهة املعىن فقوله تعاىل

الركون للظاملني، وهو امليل إليهم، واالعتماد عليهم، كان ذلك دون مشاركتهم يف الظلم، أخرب أن العقاب على ذلك دون العقاب على الظلم، وهو مس النار، دون اإلحراق واالصطالء، وإن كان املس قد يطلق

أكرب جمازا، وملا كان املس أول أمل أو لذة يباشرها املمسوس ويراد به االستئصال بالعذاب ومشول الثوابجاز أن يطلق على ما يدل عليه استصحاب تلك احلال جمازا، واحلقيقة ما ذكرناه وهو يف هذه اآلية الكرمية

.على حقيقته، واهللا عز وجل أعلم

باب املساواة

هو أن يكون اللفظ مساويا للمعىن : بأن قالوهذا الباب مما فرعه قدامة من الباب املتقدم عليه، وشرحه كانت : حىت ال يزيد عليه وال ينقص عنه وهذا من البالغة اليت وصف هبا بعض الوصاف بعض البلغاء فقال

إن اهللا يأمر بالعدل : " ألفاظه قوالب ملعانيه، ومعظم آيات الكتاب العزيز كذلك، ومنها قوله تعاىلمعظم : فإن قيل" هى عن الفحشاء واملنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون واإلحسان وإيتاء ذي القرىب وين

هذه اآلية من باب اإلشارة، ألن العدل واإلحسان والفحشاء واملنكر على قلة هذه األلفاظ تدل على معاين من أفعال الرب وضدها ال تنحصر، وال معىن لإلشارة إال داللة اللفظ القليل على املعاين الكثرية، فكيف

أحدمها أن تكون ألفاظها ألفاظ املعىن : املساواة تطلق ويراد هبا معنيان: جتتمع املساواة واإلشارة؟ قلتاملوضوعة له، فتلك هي اليت ال تزيد على املعىن وال تقصر عنه، وهي اليت ال جتتمع مع اإلشارة وال اإلرداف

ون لفظ الكالم غري لفظ معناه املوضوع له، وال غريمها من الكالم الذي لفظه أقل من معناه، والثاين أن يككاإلشارة واإلرداف وما جرى هذا اجملرى، فإن كانت كذلك ومل يأت املتكلم يف أثناء الكالم وخالله بلفظة

زائدة على لفظ املقصد الذي قصده إلقامة وزن أو الستدعاء قافية أو تتميم معىن، أو إليغال أو سجعة، باب لفظا خيصه، فمىت زاد على ذلك اللفظ الدال على ذلك املعىن املقصود فتلك أيضا مساواة ألن لكل

.كان الكالم غري موصوف باملساواةلفظة القوم يف : اآلية فإن قيل" وقيل يا أرض ابلعي ماءك : " ومن هذا الباب يف الكتاب العزيز قوله تعاىل

ية أن توصف باملساواة، فإنه لو قال وقيل بعدا للظاملني زائدة مينع اآل" وقيل بعدا للقوم الظاملني : " قوله تعاىلوال ختاطبين يف الذين : " وقوله سبحانه" وكلما مر عليها مأل من قومه : " ملا سبق قوله تعاىل: قلت. أجزأ

، ولو اقتصر سبحانه على لفظة " بعدا للقوم الظاملني : " أوجبت البالغة أن يقول يف آخر الكالم" ظلموا ني دون لفظة القوم لتوهم متوهم أن آلة التعريف يف الظاملني للجنس وهو خالف املراد، فإن املراد الظامل

بالظاملني هاهنا قوم نوح الذين قدم ذكرهم ووصفهم بالظلم، وهناه عن املخاطبة فيهم لريتد عجز الكالم هذا التوهم، وال حيصل على صدره، ويعلم أن املدعو عليهم هم الذين تقدم ذكرهم احتراسا من وقوع

.ذلك إال بذكر القوم فقد صار اإلتيان هبا يفيد معىن مل يفده الكالم بدوهنا: " إجياز، وإطناب، واملساواة معتربة يف القسمني معا، فأما اإلجياز فكقوله تعاىل: واعلم أن البالغة قسمانمظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فال ومن قتل: " واإلطناب يف هذا املعىن كقوله" ولكم يف القصاص حياة

خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض : " وكقوله سبحانه يف قسم اإلجياز من غري هذا املعىن" يسرف يف القتل اآلية، وال بد من اإلتيان هبذا " إن اهللا يأمر بالعدل واإلحسان : " وكقوله تعاىل يف اإلطناب" عن اجلاهلني

.ناب ال يوصف باملساواةالفصل لئال يتوهم أن اإلط :ومن شواهد املساواة قول امرئ القيس متقارب

وإن تبعثوا احلرب ال نقعد... فإن تكتموا الداء ال خنفه وإن تقصدوا لدم نقصد... وإن تقتلونا نقتلكم :وكقول زهري طويل

وإن خاهلا ختفى على الناس تعلم... ومهما تكن عند امرئ من خليقة :وكقول طرفة طويل

ويأتيك باألخبار من مل تزود... ستبدي لك األيام ما كنت جاهال

باب اإلشارة

هو أن يكون اللفظ القليل مشتمال : وهو أيضا مما فرعه قدامة من ائتالف اللفظ مع املعىن، وشرحه بأن قالالة، وشرح هذا احلد هي حملة د: على املعىن الكثري بإمياء أو حملة تدل عليه، كما قال بعضهم يف صفة البالغة

لقلته واختصاره بإشارة اليد، فإن املشري بيده يشري دفعة ..أهنا إشارة املتكلم إىل معاين كثرية بلفظ يشبه واحدة إىل أشياء لو عرب عنها بلفظ الحتاج إىل ألفاظ كثرية جدا، وال بد يف اإلشارة من اعتبار صحة

بيده إن مل يفهم املشار إليه معناه بأسهل ما يكون، فإشارته الداللة وحسن البيان مع االختصار، ألن املشرييشري بكفه : " معدودة من العبث، وهلذا قال هند ابن أيب هالة يف وصف رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلمفوصفه ببالغة " كلها وإذا تعجب قلبها، وإذا حدث اتصل هبا فضرب براحته اليمىن باطن إهبامه اليسرى

فه ببالغة اللسان، يعين أنه يشري بيده يف املوضع الذي تكون فيه اإلشارة أوىل من العبارة، اليد كما وصأي يفهم هبا املخاطب كل ما أراده بسهولة فإن اإلشارة " كلها : " وقوله. وهذا حذق مبواضع املخاطبات

ن سهل ببعض الكف تصعب، وبكل الكف تسهل، فأعلمنا هذا الوصاف أنه صلى اهللا عليه وسلم كا .اإلشارة، كما كان سهل العبارة

كلها إىل كل : وهذا ضرب من البالغة الذي ميتدح مبثله، وهو أيضا من بالغة الواصف إذ أشار بقولهاملقصود الذي تدل عليه اإلشارة، ومن حذق الواصف إتيانه بلفظ اإلشارة يف الوصف، ملا أراد أن يصف

، يعين أنه يشري " وإذا تعجب قلبها : " للسان وقسما لليد، وقولهقسما : اإلشارة البديعية وقسمها قسمنيهبا على وجهها إذا كان املعىن الذي يشري إليه على وجهه ليس فيه ما يستغرب فيعجب منه، فإن الشيء

املعجب إمنا يكون معجبا لكونه غري معهود، فكأن األمر فيه قد قلب ملخالفته املعهود، فلذلك جيعل صلى اهللا ليه وسلم قلب يده يف وقت اإلشارة إشارة إىل أن هذا األمر قد جاء على خالف املعهود، ولذلك تعجب عيعين اتصل حديثه هبا فيكون املعىن متصال، واملفهوم بالعبارة واإلشارة " وإذا حدث اتصل هبا " وقوله . منه

يعين أنه " باطن إهبامه اليسرى فضرب براحته اليمىن: " متالمحا، آخذة أعناق بعضه بأعناق بعض، وقولهعند انتهاء إشارته يضرب براحته اليمىن باطن إهبامه اليسرى مشريا إىل أنه ختم اإلشارة، ألن اإلهبام هبا خيتم

القبض، ولذلك عطف هذه اجلملة بالفاء، ومل يأت هبا معطوفة بالواو، كما أتى مبا قبلها من اجلمل لكوهنا وهنا غري مقتضية للترتيب، جيوز أن يكون املتأخر هبا متقدما وال كذلك الفاء، إذ ال آخر إشاراته، والواو لك

.بد أن يكون املعطوف هبا متأخرا لكوهنا موضوعة للتعقيبوأما اقتصاره على باطن اإلهبام دون ظاهرها فمعناه أنه جعل آخر اإلشارة متصال بأول العبارة اتصاال

اليت ضرب هبا باطن اإلهبام اليت ضرب عليها، وهذه أيضا من بالغة الواصف متالئما كمالءمة باطن الكففإنه سبحانه أشار هباتني " وغيض املاء : " رضي اهللا عنه ومن شواهد اإلشارة يف الكتاب العزيز قوله تعاىل

ى وجه اللفظتني إىل انقطاع مادة املاء من مطر السماء ونبع األرض، وذهاب املاء الذي كان حاصال عل .األرض قبل اإلخبار إذ لو مل يكن ذلك ملا غاض املاء

فاملح كل ما متيل النفوس إليه من الشهوات وتلتذه " فيها ما تشتهيه األنفس وتلذ األعني : " وكقوله سبحانه

وكذلك قوله . األعني من املرئيات، لتعلم أن هذا اللفظ القليل جدا عرب عن معان كثرية ال تنحصر عدامبعىن قابلهم مبا يفعلونه معك، وعاملهم مبثل معاملتهم لك سواء مع ما " فانبذ إليهم على سواء : " تعاىل

:تدل عليه لفظة سواء من األمر بالعدل، ومثل هذا املعىن قول زهري وافر لكان لكل منكرة كفاء... فإين لو لقيتك واجتهنا

.قابلت كل منكرة منك بكفئها: يعينلتعلم فرق ما بني " فانبذ إليهم على سواء : " ظر ما بني هذا البيت وبني قوله تعاىلوإذا علمت ذلك فان

.الكالمني :ومن أمثلة هذا الباب قول امرئ القيس وافر

فذهلم أنالك ما أناال... بعزهم عززت وإن يذلوا :أنا لك ما أنا ال من أنواع الذل، وكذلك قوله للمسيب كامل: فانظر كم حتت قوله

حىت أموت وفضله الفضل... رن غريب نعمته وألشك عند املضيق وفعلك الفعل... أنت الشجاع إذا هم نزلوا

فاحلظ كم حتت قوله وفضله الفضل بعد إخباره بأنه يشكر غريب نعمته حىت ميوت من أصناف املدح، مثلها يف الوجود وترجيح فضله على الشكر، ويف قوله غريب نعمته غاية املدح، إذ جعل نعمته نعمة مل يقع

وفعلك الفعل بعد إخباره بنزول القوم عند املضيق الدال على صربهم وشجاعتهم، وما : قط، وكذلك قوله .يف ذلك من ترجيح شجاعة املمدوح عليهم

:وكذلك قوله يف صفة الفرس طويل أفانني جرى غري كز وال وان... على هيكل يعطيك قبل سؤاله

ى إىل مجيع صنوف عدو اخليل احملمودة والذي يدل على أنه أراد األفانني احملمودة، فإنه أشار بقوله أفانني جرنفيه عن الفرس الكزوزة والوىن، فسلبه صفات القبح من اجلماح واحلرن واالسترخاء والفتور، وجعله

يعطي هذا اجلري عفوا من غري طلب وال حث، وهذا كمال الوصف ومتام النعت، ولو عدت هذه املعاين .بألفاظها املوضوعة هلا الحتيج يف العبارة عنها إىل ألفاظ كثرية

ومن اإلشارة نوع يقال له اللحن والوحي، وهو جيمع العبارة واإلشارة ببعد ال يفهم طريقه إال ذو فهم، :كما قال الشاعر كامل

وحلنت حلنا ليس باملرتاب... ولقد وحيت لكم لكيما تفطنوا ترسل : ل من بلعنرب، أسر يف بكر بن وائل فسأهلم أن يرسل إىل قومه؛ فقالواومثال ذلك ما حكى عن رج

: أتعقل؟ قال: حبضرتنا، وخافا أن ينذرهم، فإهنم عزموا على غزو قومه، فحضروا وأحضروه عبدا، فقال لهكم : وقال أراك عاقال، فمأل كفه من الرمل: الليل؛ فقال: ما هذا؟ فقال: إين لعاقل، فأشار إىل الليل، وقال

: إن كال لكثرة، فقال: النجوم، أم النريان؟ فقال: أيها أكثر: ال أدري وإنه لكثري، فقال: عدد هذا؟ فقالأكرموا فالنا فإن قومه يل مكرمون، يعين أسريا كان عند قومه من : إيت قومي، وأقرئهم السالم وقل هلم

النساء، ومرهم أن يعروا ناقيت احلمراء، فقد إن العرفج قد أوىف وقد اشتكت : بكر بن وائل، مث قل هلمأطالوا ركوهبا، ويركبوا مجلي األصهب، وبآية ما أكلت معكم حيسا وسلوا عن خربي أخي احلارث، فلما

لقد جن األعور واهللا ما له ناقة وال مجل، فلما سألوا أخاه سأل العبد عما قال له : قال هلم العبد ذلك قالواقد أنذركم، أما الليل فإنه أشار إىل أنكم يف عمياء مظلمة، وأما الرمل فإنه : وقال هلم أوال فأخربه، فشرحه،

: أشار إىل أنكم تغزون مبثل عدده، وأما النجوم والنريان، فأشار بذلك إىل كثرة عدد عدوكم، وأما قوله، أي اختذوا القرب اشتكت النساء: أوىف العرفج فإنه أشار إىل أن العدو قد استألموا وركبوا، وأما قوله

للغزو، وأما الناقة احلمراء فعين الدهناء، وقوله أطلتم ركوهبا، إشارة إىل أنكم قد عرفتم بإيطاهنا لطول مقامكم هبا فأمركم أن ترحلوا عنها، وتنزلوا الصمان، وهو اجلمل األصهب الذي أمر كم بركوبه، ففعلوا

ع لكم أخالطا كما مجع احليس السمن والتمر واألقط فسلموا، وأما احليس، فإشارة إىل أن عدوكم قد مج .واهللا أعلم

ومن أمثلة الوحي واإلشارة بضرب من االستعارة قول يزيد بن الوليد ملروان بن حممد، وقد بلغه عنه تلكؤه .أراك تقدم رجال وتؤخر أخرى، فإذا قرأت كتايب هذا فاقعد على أيهما شئت: عن بيعته

إن فعلت وإال أشرعت لك صدر الرمح، فقال املهلب مىت أشرع األمري : لمهلبومن ذلك قول احلجاج ل .إىل صدر الرمح قلبت له ظهر اجملن

:ومن شواهده الشعرية قول امرئ القيس طويل بسهميك يف أعشار قلب مقتل... وما ذرفت عيناك إال لتضريب

:وقوله عمرو بن معد يكرب طويل نطقت ولكن الرماح أجرت... فلو أن قومي أنطقتين رماحهم :وكقول شاعر احلماسة طويل

دفنتم بصحراء الغمري القوافيا... بين عمنا ال تنبشوا الشعر بعدما :وكقول اآلخر طويل

أمعشر تيم أطلقوا من لسانيا... أقول وقد شدوا لساين بنسعة :متقاربوكل هذا من قول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وقد أنشده العباس بن مرداس

أجتعل هنيب وهنب العبيدإين ملمض : يا علي، اقطع لسانه عين، فأخذ علي بيده فأخرجه، فقال أقاطع لساين يا أبا احلسن؟ فقال: فقال

وثيابك : " ويدخل يف هذا قوله عز وجل" فما أصربهم على النار : " فيك ما أمر، وكل هذا من قوله تعاىلتقول العرب فدى لك ثويب، يريدون نفسه، : تفسري هذا احلرفيف : أي بدنك، قال األصمعي" فطهر

:وأنشد وافر

فدى لك من أخي ثقة إزارى... أال أبلغ أبا حفص رسوال :وقال عنترة كامل

ليس الكرمي على القنا مبحرم... فشككت بالرمح الطويل ثيابه

باب األرداف والتتبيع

: هذا الباب مما فرعه قدامة أيضا من ائتالف اللفظ مع املعىن، ومساه هذه التسمية، وشرح تسميته بأن قالهو أن يريه املتكلم معىن فال يعرب عنه بلفظه املوضوع له، ويعرب عنه بلفظ هو ردفه وتابعه أي قريب من

فإن حقيقة ذلك وجلست على " واستوت على اجلودي : " لفظه قرب الرديف من الردف، مثل قوله تعاىلهذا املكان، فعدل عن لفظ املعىن اخلاص به إىل لفظ هو ردفه، وإمنا عدل عن لفظ احلقيقة ملا يف االستواء

الذي هو لفظ اإلرداف من اإلشعار جبلوس متمكن ال زيغ فيه وال ميل، وهذا ال حيصل من قولك جلست املراد واهللا أعلم اإلخبار ينفي األسباب املوجبة خوف أهل أو قعدت أو غري ذلك من ألفاظ احلقيقة، إذ كان

السفينة من السفينة يف حاليت حركتها وسكوهنا، وذلك ال حيصل حىت يفهم السامع أهنا جلست جلوسا متمكنا ال ميل فيه يوجب اخلوف، وال حيصل إال بلفظ االستواء دون غريه، وقد جاء يف السنة من أمثلة هذا

زوجي : " نيب صلى اهللا عليه وسلم حكاية عن بعض النسوة يف حديث أم زرع حيث قالتالباب قول الفإهنا أرادت مدح زوجها بتمام اخللق والتقدم على قومه " رفيع العماد، عظيم الرماد، قريب البيت من املناد

فتكثر األلفاظ، وال وهناية الكرم، ولو عربت عن هذه املعاين بألفاظها الحتاجت بإزاء كل معىن لفظا خيصه، يدل كل لفظ إال على معناه فقط، وألفاظ اإلرداف كل لفظ منها يدل على مجيع ما أرادت من صفات

املدح على انفراد، ال، قوهلا رفيع العماد يدل على متام اخللق إذ بناء البيوت على مقادير أجسام الداخلني هلا أن يرفع بيته على البيوت إال من قدره مرتفع على غالبا، ويدل على عظم قدر صاحبه، إذ ال يقدر على

األقد، ارويدل على الكرم أيضا، ألن الوفود والضيفان يعمدون إىل قصد البيوت املرتفعة دون بيوت الصرم قريب البيت من الناد " وكذلك عظم الرماد يدل على عظم القدر وعظم الكرم وكثرة الثروة، ومثله قوهلا

ألن الضيف يقصد النادي، وهو موضع جممع رجال احلي للحديث، فإذا كان البيت ليسبق إىل الضيف،" فإذا كانت : قريبا منه كان صاحبه إىل الضيف أسبق، وال حتصل هذه املعاين إال من لفظ اإلرداف، فإن قيلاف لفظ اإلرد: كل لفظة من ألفاظ اإلرداف تدل على عدة معان فما الفرق بني اإلرداف واإلشارة؟ قلت

يتضمن مع الداللة على املعاين الكثرية زيادة مدح للمدوح، ووصف للموصوف، ولفظ اإلشارة ال يتضمن .إال الداللة على كثرة املعاين فقط

:ومن شواهد هذا الباب الشعرية قول امرئ القيس طويل نؤوم الضحى مل تنتطق عن تفضل... ويضحي فتيت املسك فوق فراشها

ه املرأة بأهنا خمدومة، هلا من يكفيها أمر بيتها، فعرب عن ذلك بلفظ يدل على أهنا فإنه أراد أن يصف هذموصوفة بالنعمة ودقة البشرة واقتبال الشباب وكثرة احلظوة وعظم الثروة، فعدل عن لفظ هذا املعىن الذي

طويل: أراده إىل لفظ هو ردفه حيث قال

... ... ...... نؤوم الضحى ... ويضحى فتيت املسك فوق فراشها ألهنا ال تنام الضحى إال وهي خمدومة عندها من يكفيها أمر بيتها، فهي ال تباشر األعمال، ولذلك تكون

أي مل تشد يف وسطها " مل تنتطق عن تفضل : " منعمة مرفهة غري شظفة وال ممتهنة، أال تراه أكد ذلك بقوله :عمال من النساء، ودل قوله نطاقا على ثوهبا الذي تنام فيه كفعل من يريد أن يعمل

ويضحي فتيت املسك فوق فراشها

على أهنا حظية عند الرجال املثرين، وأهنم يف غاية امليل إليها مع القدرة بالثروة على االستكثار من حرائر ى النساء ومن اإلماء، إما إلفراط مجاهلا، أو لسعد جدها، وأهنا ممن يسمح هلا من أعلى الطيب وأغاله مبا يبق

ويعلق بشعرها وبشرهتا؛ وال . فتيته يف صبيحة كل ليلة على فراشها، بعد ما يتصعد منه ويلصق جبسمهافإن هذا اللفظ مع داللته " نؤوم الضحى : " إن هذه املرأة هلا من خيدمها مجيع ما يعطيه قوله: يعطي قوله

الطبيعي يف سن النمو، وطبيعة الدم على أهنا خمدومة يدل على كثرة النوم الذي ال يكون إال من غلبة الدمفيكون اللون به مشرقا، واملاء يف الوجه كثريا، واألخالق حسنة، . حارة رطبة، وهي طبع احلياة ومادهتا

إهنا خمدومة مل : ألجل اعتدال املزاج، ولو ترك لفظ اإلرداف وعرب عما قصده باللفظ اخلاص وهو قولهإهنا من أهل الثروة مل يوف مبا أراد من : اإلرداف، وكذلك لو قال حتصل هذه املعاين اليت حصلت من لفظ

كوهنا معشقة للمثرين من الرجال، مع القدرة بالثروة على االستكثار من النساء، وأهنا ممن يسمح هلا بذلك، فوجب العدول عن لفظ املعىن إىل لفظ اإلرداف، لداللته مع اختصاره على املعاين اليت ال يدل عليها لفظ

احلقيقة، وملا يتضمن من زيادة الوصف، وقد انتحل ابن رشيق أحد أمسى هذا الباب وهو التتبيع وأفرده بابا من اإلرداف، وزعم أن غريه واستشهد عليه بشواهد فيها ما ال ميس به ألبتة، وبقيتها ال يعقل الفرق بينه

:يب طويلوبني شواهد اإلرداف، وهو يظن أنه قد فرق بينهما منها قول املتن كأهنم فيما وهبت مالم... إىل كم ترد الرسل عما أتوا له

أعين ابن رشيق دل هذا البيت على الشجاعة بلفظ اإلرداف، ودل على الكرم بلفظ التتبيع يعين أن : وقال من التتابع، والتابع يكون قريبا ويكون: اإلرداف اشتقاقه من الردف فلفظه أقرب إىل لفظ املعىن؛ والتتبيع

ويعد ذلك على قدامة من أغاليطه وهو أوىل بالغلظ منه، ألن التتبيع وإن كان يف نفس األمر كما ظنه . بعيدالكنه يف هذا املوضع أراد به التابع القريب بدليل أنه ذكره بلفظ التفعيل الدال على النكتتني، ولو مل يقصد

جل الوضع تدل على معنيني حبيث ال يتخلص اإلتباع دون البعيد فإن األلفاظ إذا كانت من أ: ذلك لقال .إىل أحدمها دون اآلخر إال بقرينة، كانت حال اقتراهنا بالقرائن خملصة للمعىن الذي تدل عليه القرينة

وقدامة أتى بلفظ التتبيع مقترنا باإلرداف، فعلم أنه أراد التابع القريب والرديف تابع قريب، فال فرق بينهما .يف هذا املوضع

ا بيت املتنيب الذي أتى به ابن رشيق ليكون دليال له فهو دليل عليه، ألنه عكس ما فسره به، وذلك أن وأماللفظ الدال فيه على الكرم هو الذي جيب أن يسمى إردافا ألنه أقرب إىل لفظ الكرم، لكونه صرح فيه

لفظ الكرم، وقدامة رأى بلفظ اهلبة، واللفظ الدال على الشجاعة بعيد من لفظ الشجاعة بالنسبة إىل

الفصحاء قد دلوا تارة على مقاصدهم بألفاظ قريبة من األلفاظ املوضوعة لتلك املقاصد، وطورا بألفاظ بعيدة من األلفاظ املوضوعة لتلك املقاصد فسمي األول إردافا، والثاين متثيال، ألن املثل وإن وجد قريبا من

لقريب وال الرديف، وسيأيت بيان ذلك يف الباب الذي يلي هذا الباب، املثل وبعيدا فال يبلغ قرب التابع ا .واهللا أعلم

ويف األلفاظ ما يدل على املعىن بظاهره، وفيها ما يدل : وأخذ ابن األثري يؤيد ما ذكره ابن رشيق بأن قال :يب ربيعة طويلعلى املعىن بتأويله، واألول هو اإلرداف، والثاين هو التتبيع، ومثال األول قول عمر بن أ

أبوها وإما عبد مشس وهاشم... بعيدة مهوى القرط إما لنوفل :بعد مهوى القرط يفهم منه طول العنق بغري تأويل، خبالف قول املتنيب: وقال

إىل كم ترد الرسل عما أتوا له .فإن صدر هذا البيت ال يدل على الشجاعة بظاهره، وإمنا يدل عليها بالتأويل

لدين رمحه اهللا كتابه الذي مساه تزييف النقد، يرد به على قدامة رأى كتابا حيلف احلالف ولو رأى ضياء ا .صادقا أنه ما تكلم فيه حبرف واحد إال وهو مطبق اجلفون ليس له وقت إفاقة ألبتة

.وأما كالمه يف هذا الفصل فما هو عندي بالبعيد من كالمه يف هذا الكتاب الذي أشرت إليه

إن مهوى القرط يدل على طول العنق بغري تأويل، فكل مميز من بىن : ء الدين رمحه اهللا تعاىلوأما قول ضيابعيدة مهوى القرط من جهة أن األول عالمة لطول العنق، مىت : طويلة العنق يفارق قولنا: آدم يعلم أن قولنا

عىن طول العنق إال بالتأويل، بعيدة مهوى القرط، فإنه ال يفهم منه م: مسع فهم منه هذا املعىن، خبالف قولهوهو أن قرطها إمنا كان بعيد موضع اهلبوط لطول عنقها، فداللة األول داللة مطابقة، وداللة الثاين داللة

:التزام، وكذلك قول املتنيب إىل كم ترد الرسل

يصلح واحد منهما فإنه أيضا يدل على الشجاعة بالتأويل، فقد استويا يف الداللة على املعىن بالتأويل، إذ ال أن يدل على املعىن بظاهره، فال فرق بينهما من هذا الوجه، وإمنا الفرق بينهما من جهة القرب والبعد، فإن لفظ بعد مهوى القرط أقرب إىل لفظ طول العنق من لفظ رد الرسل إىل لفظ الشجاعة، فال جرم أن األول

من لفظ املعىن، وبعد التمثيل من لفظه، وليس العجب يسمى إردافا، والثاين يسمى متثيال، لقرب اإلرداف من كون هذا املوضع أشكل على ابن رشيق، فإنه قد أشكل عليه ما هو أوضح منه، وإمنا العجب كيف

.ميشي على ضياء الدين رمحه اهللا مع رجاحة عقله، وثقوب ذهنه، وسالمة حسه واهللا أعلم

باب التمثيل

هو أن يريد املتكلم معىن فال يدل عليه : من ائتالف اللفظ مع املعىن، وقال ذا الباب أيضا مما فرعه قدامةبلفظه املوضوع له وال بلفظ قريب من لفظه، وإمنا يأيت بلفظ هو أبعد من لفظ اإلرداف قليال، يصلح أن

الكه، أي هلك من قضى ه: وحقيقة هذا" وقضي األمر : " يكون مثاال للفظ املعىن املراد، مثل قوله تعاىل

أحدمها اختصار أمر اللفظ، : وجنا من قدرت جناته، وإمنا عدل عن اللفظ اخلاص إىل لفظ التمثيل ألمرينوالثاين كون اهلالك والنجاة كانا بأمر مطاع، إذ األمر يستدعي آمرا، وقضاؤه يدل على قدرة اآلمر، وطاعة

.املأمور، وال حيصل ذلك من اللفظ اخلاص: " قول الرسول صلى اهللا عليه وسلم حكاية عن بعض النسوة يف حديث أم زرع ومن شواهده يف السنة

فعدلت عن لفظ املعىن املوضوع له إىل لفظ " زوجي ليل هتامة، ال حر وال برد، وال وخامة وال سآمة التمثيل، ملا فيه من الزيادة، وذلك متثيلها املمدوح باعتدال املزاج املستلزم حسن اخللق، وكمال العقل

اللذين ينتجان لني اجلانب وطيب املعاشرة، وخصت الليل بالذكر ملا يف الليل من راحة احليوان، وخصوصا اإلنسان، ألنه يستريح فيه من الكد والفكر، ولكون الليل جعل سكنا، والسكن احلبيب، ال سيما وقد

امة، ألن الليل يربد فيه اجلو بالنسبة جعلته ليال معتدلتا بني احلر والربد، والطول والقصر، وهذا صفة ليل هتإىل النهار مطلقا، لغيبة الشمس، وخلوص اهلواء من اكتساب احلر فيكون يف البالد الباردة شديدة الربد،

زوجي مثل ليل هتامة، وحذفت أداة التشبيه، ليقرب املشبه : ويف البالد احلارة معتدل الربد مستطابه، فقالتيبني لك لفظ التمثيل يف كونه ال جييء إال مقدرا مبثل غالبا، وال كذلك لفظ من املشبه به، وهذا مما

زوجي رفيع العماد فتجدها قد وصفته بصيغة املبتدأ : اإلرداف، وإال فانظر إىل قول صاحبتها يف اإلردافاإلرداف أقرب إىل واخلرب، لكون اخلرب غري املبتدأ ألمثله، إ ال جيوز هاهنا تقدير مثل يف الكالم لتعلم أن لفظ

.لفظ املعىن من التمثيل :ومن شواهد التمثيل الشعرية قول الرماح بن ميادة طويل

فال جتعلين بعدها يف مشالكا... أمل أك يف ميىن يديك جعلتين أمل أكن قريبا منك، فال جتعلين بعيدا عنك، فعدل عن هذا اللفظ اخلاص إىل : فإن هذا الشاعر أراد أن يقول

لتمثيل، ملا فيه من الزيادة يف املعىن، ملا تعطيه لفظتا اليمني والشمال من األوصاف اليت ال حتصل إال لفظ ابذكرمها، وذلك ألن اليمني أشد قوة من الشمال غالبا وهي أقرب إىل رهبا من الشمال ألهنا هبا يأخذ، وهبا

فاره وأذكاره، والشمال مؤهلة يعطي، وهبا يبطش، وهي مكرمة عنده، قد أهلت لطعامه وشرابه واستغالستنجائه، واستنثاره، واملهنة الدنية، واسم اليمني مشتق من اليمن، وهو الربكة، واسم الشمال مشتق من الشؤم، وهو ضد الربكة، وهلذا حض الشارع صلى اهللا عليه وسلم على التيامن، فقال ألنس ملا أراد سقي

: على مشال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وعلى ميينه أعرايبأبكر بعد النيب صلى اهللا عليه وسلم وهو .اسق األعرايب األمين فاألمين

وقالت عائشة رضي اهللا عنها، كان رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم حيب التيامن حىت يف وضوئه وانتقاله، :وقال عمرو بن كلثوم وافر

يناوكان الكأس جمراها اليم... صددت الكأس عنا أم عمرو وأصحاب : " وقال بعد ذلك" وأصحاب اليمني ما أصحاب اليمني يف سدر خمضود : " وقال اهللا تعاىل

أمل أكن مكرما عندك فال جتعلين : فكأن هذا الشاعر قال ملمدوحه" الشمال ما أصحاب الشمال يف مسوم

يف هذا الباب كقول شاعر مهانا وكنت منك يف املكان الشريف، فال تتركين يف املنزل الوضيع، وما مسعت :احلماسة كامل

نبهن حاسدة وهجن غيورا... وإذا الرياح مع العشي تناوحت أبدين مخص بطنها ودقة خصرها ورجاجة ردفها، التمثيل، وهو يقابل الرياح اليت تفعل : ألنه أراد أن يقول

ي ألنه إمنا خص العشي ألنه العش: هذا عند تقابلها، وحصل يف البيت مع التمثيل تنكيت عجيب يف قوله معالوقت الذي تتخلى فيه النساء من شغلهن، ويربزن للعبهن، وتنتدي الرجال للحديث، ليتم له ما قصد من

إن أكثر ما تتقابل الرياح يف وقت : اجتماع احلاسدة والغيور اللذين يريان هذه املرأة عند بروزها، وقد قيل .العشي

وقوله " ليس هلا من دون اهللا كاشفة : " تكلم خمرج املثل السائر كقوله تعاىلويلتحق هبذا الباب ما خيرجه امل: " وقوله" صنع اهللا : " وقوله عز وجل" وترى اجلبال حتسبها جامدة وهي متر مر السحاب : " سبحانه

" ها إن أحسنتم أحسنتم ألنفسكم وإن أسأمت فل: " وقوله تبارك وتعاىل" صبغة اهللا ومن أحسن من اهللا صبغة .إىل كثري من اآلي

ال : " وقوله عليه السالم" احلالل بني واحلرام بني : " ومما جاء من ذلك يف السنة قوله صلى اهللا عليه وسلماملؤمنون : " وكقوله عليه السالم" خري األمور أوساطها : " وقوله عليه الصالة والسالم" ضرر وال ضرار د العسكري رمحه اهللا تعاىل من هذا الباب على بدائع من جوامع وقد طوى كتاب أيب أمح" تتكافأ دماؤهم

.الكلم ال يشق غبارها، وال يقتحم تيارها، فمن أراد ذلك فعليه به :ومن أمثلة هذا الباب الشعرية قول زهري طويل

وتغرس إال يف منابتها النخل... وهل ينبت اخلطى إال وشيجه :وكقول النابغة طويل على شعث أي الرجال املهذب... تلمه ولست مبستبق أخا ال :وكقول بشار طويل

مقارف ذنب مرة وجمانبه... فعش واحدا أو صل أخاك فإنه ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه... إذا أنت مل تشرب مرارا على القذى

:وكقول اآلخر طويل فما الكرج الدنيا وال الناس قاسم

:وكقول اآلخر جمزوء اخلفيف يف الدنيات من حرج... اس بعدها ما على الن

وكقول أيب متام بسيط والنار قد تنتضي من ناضر السلم

:وكقوله وافر لسان املرء من خدم الفؤاد

:وكقوله وافر على ما فيك من كرم الطباع... فلو صورت نفسك مل تزدها

:وكقوله كامل ما احلب إال للحبيب األول... نقل فؤادك حيث شئت من اهلوى

استخرجت أمثال أيب متام من شعره فوجدهتا تسعني نصفا وثالمثائة بيت وأربعة ومخسني بيتا بعد وقداستيعاب أمثال املتنيب فوجدهتا مائة نصف وثالثة وسبعني نصفا وأربعمائة بيت؛ وأنا على عزم أن أخرج من

ما وقع من األمثال يف الكتاب العزيز أمثال أيب الطيب ما أخذ من أمثال أيب متام فأمجعها، وأقدم قبلهما مجيع والسنة النبوية وقد أمضيت واحلمد هللا هذا العزم، وفرغت من كتاب األمثال بزيادات على ذلك، وهي

أمثال األشعار الستة؛ واحلماسة، بعد أن تلوت أمثال القرآن بأمثال دواوين اإلسالم الستة، وختمت اجلميع ومن . ح إليه بعد اجلد، وقد اقترح على زيادات فيه مل أكملها إىل اآلنبأمثال العامة، لتكون إمحاضا يترو أمثلة هذا الباب للمتنيب قوله بسيط

أنا الغريق فما خويف من البلل وقوله بسيط

ليس التكحل يف العينني كالكحل بسيط: ولقد أحسن املعري حيث قال

خلصروالعذب يهجر لإلفراط يف ا... لو اختصرمت من اإلحسان زرتكم

باب ائتالف اللفظ مع الوزن

هو أن تكون األمساء واألفعال تامة، مل يضطر الشاعر الوزن إىل نقصها عن البقية، وال إىل الزيادة : قال قدامةفيها، وال يقدم منها املؤخر، وال يؤخر منها املقدم، وال يدخل فيها ما يلتبس به املعىن، ومل يأت قدامة بأمثلة

كل شعر سليم من هذا الذي قدمت ذكره هو مثال : يذكر غري ذلك بل قال أعين قدامة يف هذا الباب، وملهلذا الباب، لكنه أتى يف عيوب الوزن بأمثلة جيب ذكرها هاهنا ليعلم أن كل بيت جاء بضدها هو شاهد

:هلذا الباب، كقول القائل يصف درعا كامل من نسج داود أيب سالم

زن اضطره إىل حذف الياء والنون من سليمان، وتشديد الالم وتقدمي األلف على فإنه يريد سليمان، لكن الو .امليم

" :رجز " ومثل ذلك قول اآلخر حىت إذا خرت على الكلكال

فإنه اضطره الوزن إىل زيادة األلف على بنية هذا االسم، ومثال ما اضطر الوزن فيه إىل التقدمي والتأخري :قول الفرزدق طويل

أخو أمه حي أبوه يقاربه... يف الناس إال مملك وما مثله

: فإن اضطرار الوزن محله على رداءة السبك، فحصل يف الكالم تعقيد مينع من فهم معناه بسرعة، ولو قالوما مثله إال مملك أبوه يقارب خاله لسهل مأخذه، وقرب متناوله، ومهما كان الشعر سليما من مثل هذا

.لفظه مع وزنه كان هو الشعر الذي ائتلف

باب ائتالف املعىن مع الوزن

وهو أن تأيت املعاين يف الشعر على صحتها، ال يضطر الشاعر الوزن إىل قلبها عن وجهها، وال خروجها عن :صحتها، كقول عروة بن الورد وافر

غداة غد مبهجته يفوق... فإين لو شهدت أبا سعاد أطيق وما آلوه إال ما... فديت بنفسه نفسي ومايل

فديت نفسه بنفسي ومايل، فأجلأته ضرورة الوزن إىل قلب املعىن كما ترى، ومهما كان : فإنه أراد أن يقول .الشعر سليما من مثل هذا كان الشعر الذي ائتلف معناه مع وزنه

باب ائتالف القافية

مع ما يدل عليه سائر البيت

لناثر لسجعة فقرته، أو الناظم لقافية بيته، متهيدا تأيت وهو الذي مساه من بعد قدامة التمكني، وهو أن ميهد االقافية به متمكنة يف مكاهنا، مستقرة يف قرارها، مطمئنة يف موضعها، غري نافرة وال قلقة، متعلقا معناها مبعىن

البيت كله تعلقا تاما، حبيث لو طرحت من البيت اختل معناه واضطرب مفهومه، وال يكون متكنها حبيث دم لفظها بعينه يف أول صدر البيت، أو معىن يدل عليها يف أول الصدر، أو يف أثناء الصدر، وال أن يفيد يق

معىن زائدا بعد متام معىن البيت، فإن األول يسمى تصديرا والثاين توشيحا، والثالث إيغاال، وال يقال لشيء : " ز كل عجيبة باهرة، ومنه قوله تعاىلمن ذلك متكني ألبتة، وقد جاء من ذلك يف فواصل الكتاب العزي

قالوا يا شعيب أصالتك تأمرك أن تترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل يف أموالنا ما نشاء إنك ألنت احلليم فإن هذه اآلية الكرمية ملا تقدم فيها ذكر العبادة والتصرف يف األموال كان ذلك متهيدا تاما لذكر " الرشيد

العقل الذي يصح به التكليف، والرشد حسن التصرف يف األموال، وكقوله : لماحللم والرشد، ألن احل: وكقوله سبحانه" سبحان الذي خلق األزواج كلها مما تنبت األرض ومن أنفسهم ومما ال يعلمون : " تعاىل

اجلنة قال يا قيل ادخل : " وكقوله تعاىل" قالوا ربنا يعلم إنا إليكم ملرسلون، وما علينا إال البالغ املبني " .وكل فواصل الكتاب العزيز بني متكني، وتوشيح، وإيغال وتصدير" ليت قومي يعلمون

:ومن أمثلة هذا الباب الشعرية قول أيب متام وافر مسامعه بألسنة حداد... ومن يأذن إىل الواشني تسلق

:وقوله أيضا يف غزل هذه القصيدة ور صادوسامر قينة وقد... مذاكي حلبة وشروب دجن

وأجساد تضمخ باجلساد... وأعني ربرب كحلت بسحر :وقوله طويل

تغطى عليها أو مساو من الصد... حماسن ما زالت مساو من النوى :وقوله أيضا طويل

به ظمأ التثريب ال ظمأ الورد... أموسى بن إبراهيم دعوة خامس لففت له رأسي حياء من اجملد... أتاين مع الركبان ظن ظننته

إذا هلجاين عنه معروفه عندي... أأتبع هجر القول من لو هجوته يد القرب أعدت مستهاما على البعد... نسيت إذا كم من يد لك شاكلت

إذا ذكرت أيامه زمن الورد... ومن زمن ألبستنيه كأنه وبني القوايف من ذمام ومن عقد... وأنك أحكمت الذي بني فكريت

ولوالك مل يظهر زمانا من الغمد... نق الضحى وأصلت شعري فاعتلى رو :وكقول البحتري طويل

عراكا إذا اهليابة النكس أكذبا... فلم أر ضرغامني أصدق منهما وال يدك ارتدت وال حده نبا... محلت عليه السيف ال عزمك انثىن

وكنت مىت جتمع ميينك هتتك الضريبة أوال تبق للسيف مضربا وعاتبت يل دهري املسيء فأعتبا... بعد قسوة ألنت يل األيام من

علي فأمسى نازح الود أجنبا... وألبستين النعمى اليت غريت أخي إذا أنا مل أصبح بشكرك متعبا... فال فزت من مر الليايل براحة

وكقول املتنيب بسيط وجداننا كل شيء بعدكم عدم... يا من يعز علينا أن نفارقهم

فما جلرح إذا أرضاكم أمل... حاسدنا إن كان سركم ما قال :ومنها

إن املعارف يف أهل النهى ذمم... وبيننا لو رعيتم ذاك معرفة ليحدثن ملن فارقتهم ندم... لئن تركن ضمريا عن ميامننا

أال تفارقهم فالراحلون هم... إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا :نابغة الذبياين كاملومل نسمع ملقدم شعرا أشد متكني قواف من قول ال

جفت أعاليه وأسفله ندى... كاألقحوان غداة غب مسائه يروي بريقته من العطش الصدى... زعم اهلمام ومل أذقه بأنه

باب التوشيح

مسى هذا الباب توشيحا لكون معىن أول الكالم يدل على لفظ آخره، فيتنزل املعىن منزلة الوشاح، ويتنزل ة العاتق والكشح اللذين جيول عليهما الوشاح، وهذا الباب مما فرغه قدامة أيضا، أول الكالم وأخره منزل

هو أن يكون يف أول البيت معىن إذا علم علمت منه : من ائتالف القافية مع ما يدل عليه سائر البيت، وقالومن . زم لفظهقافية البيت، بشرط أن يكون املعىن املتقدم بلفظه من جنس معىن القافية بلفظه، أو من لوا

، " إن اهللا اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العاملني : " ذلك يف الكتاب العزيز قوله تعاىلوآية : " فإن معىن اصطفاء املذكورين تعلم منه الفاصلة، إذ املذكورون نوع من جنس العاملني، وكقوله تعاىل

فإنه من كان حافظا هلذه السورة، متفطنا إىل أن مقاطع ، " هلم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون " علم أن الفاصلة " وآية هلم الليل نسلخ منه النهار " فواصلها النون املردفة، ومسع يف صدر هذه اآلية

.، فإن من انسلخ النهار عن ليله أظلم ما دامت تلك احلال" مظلمون :وكقول الراعي النمريي وافر

وجدت حصة ضريبتهم رزينا... زنت قومي فإن وزن احلصى فوفإن السامع إذا فهم أن الشاعر أراد املفاخرة برزانة احلصى، وحتقق أن القافية جمردة مطلقة، رويها النون

.وحرف إطالقها ألف، ورأى يف صدر البيت ذكر الزنة، حتقق أن القافية تكون رزينا ليس إالعمر بن أيب ربيعة املخزومي أنه أنشد عبد اهللا بن العباس رضي ومن عجائب أمثلة هذا الباب، ما حكي عن

:اهللا عنهما متقارب تشط غدا دار جرياننا

:فقال له عبد اهللا وللدار بعد غد أبعد

وهكذا يكون ويقرب من هذه القصة قصة عدي بن : هكذا واهللا قلت، فقال له ابن العباس: فقال عمر :عبد امللك حبضرة جرير والفرزدق كلمته اليت مطلعها كاملالرقاع العاملي حني أنشد الوليد ابن

عرف الديار تومها فاعتادها :حىت انتهى إىل قوله

تزجي أغن كأن إبرة روقهأراه : ما تراه يقول؟ فقال جرير: مث شغل الوليد عن االستماع، فقطع عدي اإلنشاد، فقال الفرزدق جلرير

:، إنه سيقول كامليستلب منها مثال، فقال الفرزدق، يالكع قلم أصاب من الدواة مدادها

:فلما عاد الوليد إىل االستماع وعاد عدي إىل اإلنشاد قال قلم أصاب من الدواة مدادها

شغلين سبك عن جيد الكالم، فقال : أكان قلبك خمبوءا يف صدره؟ فقال الفرزدق: قال جرير للفرزدقما أنشد عجزه انقلبت الرمحة حسدا وعندي أن بني ابن العباس واهللا ملا مسعت صدر بيته رمحته، فل: الفرزدق

رضي اهللا عنه وبني الفرزدق يف استخراجه العجزين كما بينهما يف مطلق الفضل يف كل فن، ألن بيت عدي من مجلة قصيدة تقدم مساع معظما، قد علم أهنا دالية مردفة بألف موصولة خمرجة قصيدة تقدم مساع

ا دالية مردفة بألف موصولة خمرجة قصدية تقدم مساع معظمها، قد علم أهنا دالية مردفة معظمها، قد علم أهنبألف موصولة خمرجة بألف من وزن معروف، مث تقدم يف صدر البيت ذكر ظبية تسوق خشفا هلا، قد أخذ

ون الشاعر يف تشبيه طرف قرنه، مع العلم بسواده ما دل على عجز البيت، حبيث يسبق إليه من هو دالفرزدق من حذاق الشعراء، وبيت عمر بيت مفرد مل تعلم قافيته من أي ضرب هي من القوايف وال رويه

من أي احلروف، وال حركة رويه من أي احلركات، فاستخراج عجزه ارجتاال يف غاية العسر وهناية هم، ومن حذق عبد اهللا بن الصعوبة، لوال ما أمد اهللا تعاىل به هؤالء القوم من املواد اليت فضلوا هبا غري

" ومل جيعلها " أبعد " العباس رضي اهللا عنهما ودقيق معرفته باختيار الكالم، جعله قافية للعجز الذي أتى بعد أسرع ولوجا يف السمع، وأسبق إىل الذهن، وأدخل يف القلب، " أبعد " وكان ذلك ممكنا له، لكون " أنزح

وهي أخف على اللسان، وأوىل " أنزح " وهبا جاء القرآن العزيز دون وأكثر استعماال وأعرف عند الكافة، .بالبيان، ورمبا اختلط التوشيح بالتصدير لكون كل منهما يدل صدره على عجزه

.والفرق بينهما أن داللة التصدير لفظية، وداللة التوشيح معنويةمعىن يدل عليها، وال كذلك التمكني، وال والفرق بني التوشيح والتمكني أن التوشيح ال بد أن تتقدم القافية

.تكون كلمة التوشيح إال يف أول الصدر، وإن مل تكن كذلك فال توشيح واهللا أعلم

باب اإليغال

مسمى هذا النوع إيغاال، ألن املتكلم أو الشاعر أوغل يف الفكر حىت استخرج سجعة أو قافية تفيد معىن .زائدا على معىن الكالم

يغال يف السري وهو السرعة، فإن اإليغال يف السري يدخل السائر يف املكان الذي يقصده وأصله من اإلأوغل يف األرض الفالنية أي بلغ منتهاها، أو ما قاربه فكأن املتكلم قد جتاوز حد املعىن الذي : بسرعة، يقال

فقد دخل مصر، فإذا هو آخذ فيه، وبلغ إىل زيادته عن احلد، كما أن من دخل العريش مثال من أرض مصر قد أوغل يف مصر لتجاوزه احلد بالزيادة عليه، فكذلك املتكلم إذا : أوغل يف مصر فوصل إىل الصعيد يقال

مت معناه مث تعداه عند اإلتيان بسجعة أو قافية بزيادة عليه، فقد أوغل يف ذلك املعىن، وال يكون موغال حىت فرعه قدامة أيضا من إتالف القافية مع ما يدل عليه سائر البيت، ينتهي معناه إىل آخر البيت وهذا الباب مما

هو أن يستكمل الشاعر معىن بيته بتمامه قبل أن يأيت بقافيته، فإذا أراد اإلتيان هبا ليكون : وفسره بأن قال :الكالم شعرا أفاد هبا معىن زائدا على معىن البيت حنو قول ذي الرمة طويل

رسوما كأخالق الرداء املسلسل... اسأل قف العيس يف آثار مية و .فتم كالمه قبل القافية، فلما احتاج إليها أفاد هبا معىن زائدا

:وكذلك صنع يف البيت الثاين حيث قال دموعا كتبذير اجلمان املفصل... أظن الذي جيدي عليك سؤاهلا

.تفيد معىن زائدا، ولو مل يأت هبا مل حيصل كتبذير اجلمان، واحتاج إىل القافية فأتى هبا: فإنه مت كالمه بقولهالذي يأيت إىل املعىن اخلسيس فيجعله بلفظه كبريا، : وقد حكى عن األصمعي أنه سئل عن أشعر الناس فقال

حنو من؟ : وإىل الكبري فيجعله خسيسا أو ينقضي كالمه قبل القافية، فإن احتاج إليها أفاد هبا معىن، فقيل له :ح ألبواب املعاين امرئ القيس حيث قال طويلحنو الفات: فقال

وأرحلنا اجلزع الذي مل يثقب... كأن عيون الوحش حول خبائنا ألن عيون البقر " مل يثقب : " مث أفاد بالقافية معىن زائدا، إذ قال" اجلزع : " فإنه انقضى كالمه عند قوله

.غري مثقبة :وحنو زهري حيث يقول طويل

نزلن به حب الفنان مل حيطم... ل منزل كأن فتات العهن يف ك

فإن حب الفنا أمحر الظاهر، أبيض الباطن، فهو ال يشبه الصوف األمحر إال ما مل حيطم، وقد يكون اإليغال تتميما كبييت امرئ القيس وزهري، ولكن ذلك ال يسمى إال إيغاال النتهاء املعىن إىل آخر البيت، وهذا إيغال

غال املبالغة من جهة االصطالح لكونه مل يفد إال االحتياط من الدخل دون اإلتيان االحتياط، وهو دون إي .مبعىن زائد على معىن الكالم، واإليغال الذي ليس بتتميم يف بييت ذي الرمة هو إيغال املبالغة

وأعظم ما وقع يف هذا الباب قول اخلنساء بسيط اركأنه علم يف رأسه ن... وإن صخرا لتأمت اهلداة به

وعندي أن هذا البيت لو أفرد بالتمثيل يف هذا الباب ألغىن عما ساقه قدامة يف باب ائتالف القافية مع ما يدل عليه سائر البيت من بايب التوشيح واإليغال، ألن صدره يدل على عجزه داللة التوشيح، ومعىن مجلة

هذه املرأة مل ترض ألخيها بأن تأمت به علية البيت كامل دون قافيته وفيه بوجودها زيادة مل تكن له قبلها، فإنالناس، حىت جعلته علما يأمت به أئمة الناس، وهذا تتميم أدمج يف صدر لفظ التوشيح، ومل ترض تشبيهه

وإذا وصلت إىل بالغة القرآن . بالعلم، وهو اجلبل املرتفع املعروف باهلداية، حىت جعلت يف رأسه نارافإن " وال تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين : " القصوى، وذلك قوله تعاىلالعزيز، وصلت إىل الغاية إذا : " مث أراد وهو يعلم متام الكالم بالفاصلة فقال" وال تسمع الصم الدعاء : " املعىن قد مت بقوله سبحانه

: " عنها قولهقلت ال يغين" إذا ولوا : " فما معىن مدبرين؟، وقد أغىن عنها قوله: فإن قيل" ولوا مدبرين وإن كان ذكر " أعرض ونأى جبانبه : " فإن التويل قد يكون جبانب دون جانب، بدليل قوله تعاىل" ولوا

اجلانب هنا جمازا، وال شك أنه سبحانه ملا أخرب عنهم أهنم صم ال يسمعون، أراد تتميم املعىن بذكر توليهم شارة، فإن األصم يفهم باإلشارة ما يفهمه السميع يف حال اخلطاب، لينفي عنهم الفهم الذي حيصل من اإل

بالعبارة، مث علم أن التويل قد يكون جبانب من املتويل، فيجوز أن يلحظ باجلانب الذي مل يتول به، فيحصل له إدراك لبعض اإلشارة، فجعل الفاصلة مدبرين ليعلم أن التويل كان جبميع اجلوانب، حبيث صار ما كان

فاحتجب املخاطب عن املخاطب، إذ صار من ورائه، فخفيت عن عينيه اإلشارة، كما مستقبال مستدبرا،صم أذناه عن العبارة، فحصلت املبالغة يف عدم اإلمساع بالكلية وهذا الكالم وإن بولغ فيه بنفي اإلمساع بتة،

غري املقاطع من جمموع فهو من إيغال االحتياط الذي أدجمت فيه املبالغة يف نفي اإلمساع، قد يأيت االحتياط يف" قل لئن اجتمعت اإلنس واجلن : " مجل متفرقة يف ضروب من الكالم شىت جيمعها معىن واحد كقوله تعلى

كما يقول " فأتوا بسورة من مثله : " وقوله" قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات : " اآلية، وقوله سبحانهما يستحق علي : وال حبة، وال كثريا وال قليال، ولو قال ما يستحق علي درمها وال دانقا: الرجل ملن جيحده

شيئا، ألغىن يف الظاهر عن ذلك، لكن التفصيل والتنزل دل على االحتياط وعلى شدة االستبصار يف .اإلنكار

له ، فإن املعىن مت بقو" اتبعوا من ال يسألكم أجرا وهم مهتدون : " ومن إيغال الكتاب العزيز أيضا قوله تعاىلمث أراد الفاصلة ملناسبة رءوس اآلى، فأوغل هبا كما ترى، حيث أتى هبا " من ال يسألكم أجرا : " سبحانه

تفيد معىن زائدا على معىن الكالم، وجاء يف الكالم إيغال حسن بعد تتميم ولقد أحسن ابن املعتز يف قوله :البن طباطبا العلوي متقارب

نو عمه املسلموحنن ب... فأنتم بنو بنته دوننا فإنه أعطى بين عمه حقهم من الشرف، واعترف هلم من فضل األبوين مبا اعترف، مث فطن إىل أنه إن اقتصر

:على ذلك فضلهم على بنته، فتحيل على املساواة، إذ ال طريق له إىل التفضيل بأن قال وحنن بنو عمه املسلم

حيسن أن يسمى إيغال التخيري، فإنه ختري من القوايف فجعل هذا الفضيلة قبالة تلك، وهذا القسم من اإليغال" بنو عمه األفضل : " اليت تفيد اإليغال قافية يكون ما تفيده موفيا مبقصوده من غري معارضة، فإنه لو قال

لكونه مسلما لعورض حبمزة رضي اهللا عنه، وهو إيغال االحتياط، لكونه تتميما للمعىن؛ وقد ذهب بعض ه هبذا اإليغال أراد االستدالل على استحقاق بين العباس اخلالفة وسوى بني بيته، وبيت مروان النقاد إىل أن

:بن أيب حفصة وهو قوله كامل

لبين البنات وراثة األعمام... أىن يكون وليس ذاك بكائن عذب ألفاظا، وبني البيتني بون بعيد يف اجلودة وصحة املعىن، فإن بيت ابن املعتز أصر وزنا وأصح معىن، وأ

وأوجز مجال، وأخف حممال مع ما وقع فيه من التلطف لبلوغ الغرض من غري جماهرة بلفظ وال مواجهة مبضض، فأما صحة معناه بالنسبة إىل بيت مروان فمن جهة أن مروان زعم أن بين األعمام أحق بالفضل من

اليت هو آخذ فيها خارجة من هذا فأخذ بعموم هذا االستدالل، وذهل عن أن هذه القضية. بين البناتالعموم، ألن بين علي بنو بنات وبنو أعمام، وما ذكره مروان ال يتناول إال من مل يكونوا بين أعمام من بين

البنات، فأما من مل ميت بالقربة من طرفيه ويديل باالستحقاق من جهة أبويه، فخارج عما ذكر، وال يقال إن مل يرد : باإلرث، وال األعمام أحق باإلرث من بين البنات، فإين أقول هذا ما يرد على مروان، ألنه صرح

باإلرث الفضل فكالمه حمال، إذ ال يصح أن يريد إرث املال وال إرث اخلالفة، أما املال فألن النيب صلى اهللا .عليه وسلم ال يورث، وسيأيت بيان ذلك

أليب بكر وعمر رضي اهللا عنهما قبل العباس رضي وأما اخلالفة، فألن اخلالفة لو كانت باإلرث ملا وصلت

اهللا عنه فإذا أحسن الظن مبروان محل قوله وراثة األعمام على وراثة الفضل، وحينئذ يأيت ما ذكرناه، ومل يرد باألعمام إال بين األعمام، وببين البنات إال بين علي رضي اهللا عنهم فإنه مدح بالقصيدة الرشيد، وعرض

هللا بن احلسن بن علي، واألول بنو أعمام فقط، واألخر بنو أعمام وبنو بنات، فكانت لألول بيحىي بن عبد امزية مل تكن لألخر، قابلها ابن املعتز بأن أباه بنو العم املسلم فكانت هذه بتلك، فحصلت املساواة، فثبت

ه األبيات للرشيد الفضل لبيته على بيت مروان وما يستكثر مثل هذا اجلهل من مروان وهو يقول يف هذ :كامل

دون األقارب من ذوي األرحام... يا بن الذي ورث النيب حممدا فليت شعري ما الذي ورثه العباس رضي اهللا عنه من رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم دون ذوي رمحه،

اطمة إن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يورث؟ وهذا أفضل الصحابة وأفقههم حيتج على ف: وكيف يقالحنن معاشر األنبياء ال نورث، : " عليها السالم يف أمر فدك والعوايل، بقول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

فإن كان النيب صلى اهللا عليه وسلم يورث فلم منعت فاطمة ما ادعت وإن كان ال يورث " ما تركناه صدقة ه؟ وأصل احلديث يروون أن أبا بكر فلم يدعي هذا اجلاهل أن العباس رضي اهللا عنه ورثه دون ذوي رمح

رضي اهللا عنه أعطى عليا عمامة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وسيفه دون العباس، مث مل يقنع مروان هبذا :كامل: حىت قال

نزلت بذلك سورة األنعام... ما للنساء مع الرجال فريضة ظه للقرآن؟ وما أعلم من أين يف سورة فما أدري على ماذا أحسده، أعلى معرفته بالفرائض، أم على حف

األنعام ذكر شيء من الفرائض، أو حكم من أحكام املواريث، أو ذكر نسب أو شيء مما يقارب هذا الشأن، وليتين أعرف يف أي موضع من القرآن ذكر أن النساء ال فريضة هلن مع الرجال؟ ومن يقع يف مثل

.ه له أوال، هذا الفساد من جهة املعىنهذا ال يستعظم منه خطؤه يف البيت الذي ذكرناوأما ترجيح اللفظ فإن بيت ابن املعتز من حمذوف املتقارب، حروفه ستة وثالثون حرفا، وبيت مروان من

مقطوع الكامل، حروفه اثنان وأربعون حرفا، إىل سهولة سبكه، وجودة تركيبه، وإجياز مجله وخفة مفرداته، ومل أر من أمثلة هذا الباب ممثل بيت من بييت احلماسة " تربوا يا أويل األبصار فاع" وكثرة استعمال كلماته، :أغفله النقاد وهو طويل

سقى هبما ساق وملا تبلال... وما شنتا خرقاء واهيتا الكلى تومست دارا أو ترمست منزال... بأضيع من عينيك للدمع كلما

شنتا، فإن الشنة : يف كل مجلة تتميم، األوىل قوله: الث مجلوالبيت األول أردت، فإنه وقع اإليغال فيه بعد ثاملزادة العتيقة، وإضافتهما إىل خرقاء اليت هي ضد الصناع، يريد أن خرزمها غري حمكم، فهما يضيعان املاء

:أبدا، فصار ذلك تتميمني، مث قال بعد ذلك واهيتا الكلى أي كالمها خمروقتان، مث أوغل بقوله وملا تبلالسقى هبما ساق

فإن املزادة إذا ابتلت متدد أدميها، وانتفخت سيورها، وانسد أكثر بثوقها، وإذا كانت يابسة عدمت ذلك كله، فكانت للماء أضيع منها وهي مبتلة، مث يف جمموع البيتني بعد ذلك تفريع حسن، وستعلم حقيقة

.التفريع يف بابه، فتقدر ما وقع يف هذين البيتني منه قدره :أعجب إيغال وقع يف الشعر قول عبد اهللا بن الزبري األسدي طويلومن

ركوبك حوليا من الثلج أشهبا... مها خطتا خسف جناؤك منهما الحتياج املسافر للركوب، والتورية يف . فإن هذا البيت وقع فيه االستعارة، والتورية، والترشيح، واإليغال

حصلت التورية يف لفظ حويل، ورشح مبجموع االستعارة قوله حوليا ولو مل يرشح بلفظه الركوب ملاأشهبا وقد وقع من اإليغال يف : والتورية لإليغال، إذ لو مل يذكر الركوب واحلويل، ملا حسن أن يقول

مث احتاج الكالم إىل فاصلة " أفحكم اجلاهلية يبغون ومن أحسن من اهللا حكما : " الكتاب العزيز قوله تعاىل .األوىل، فلما أتى هبا أفاد جميئها معىن زائداتناسب القرينة

أحدمها أن التتميم ال يرد إال على كالم ناقص شيئا ما، إما : والفرق بني التتميم واإليغال من ثالثة أوجهواإليغال . ويعطوه ناقص: حسن معىن أو أدب، أو ما أشبه ذلك، كالبيت الذي تقدم، فإن املعىن بدون قوله

.معىن تام من كل وجهال يرد إال على والثاين اختصاص اإليغال باملقاطع دون احلشو مراعاة الشتقاقه، ألن املوغل يف األرض هو الذي قد بلغ

.أقصاها أو قارب بلوغه، فلما اختص اإليغال بالطرف مل يبق للتتميم إال احلشويتضمن وقد ال يتضمن، وأكثر ما والثالث أن اإليغال ال بد وأن يتضمن معىن من معاين البديع، والتتميم قد

إنه ال يتعدى هذين الضربني لكان حقا، والتتميم يتضمن : يتضمن اإليغال التشبيه، واملبالغة، حىت لو قيل .طورا املبالغة، ويتضمن حينا االحتياط، ويأيت مرة غري متضمن شيئا سوى تتميم ذلك املعىن؛ واهللا أعلم

.ب، بعد أبواب ابن املعتز، ومجيعها ثالثون بابا وهي األصولمتت أبواب قدامة بتمام هذا البا

اجلز الثاين

:أبواب املتأخرين بعدمها، فأوهلا: ومن هاهنا نبتدئ يف سياقه

باب االحتراس

وهو أن يأيت املتكلم مبعىن يتوجه عليه دخل، فيفطن له، فيأيت مبا خيلصه من ذلك، والفرق بني االحتراس، أن املعىن قبل التكميل صحيح تام، مث يأيت التكميل بزيادة يكمل هبا حسنه إما بفن زائد والتكميل، والتتميم

أو مبعىن، والتتميم يأيت ليتمم نقص املعىن ونقص الوزن معا واالحتراس الحتمال دخل على املعىن، وإن كان يم، وسوى بينهما، وقد تاما كامال، ووزن الكالم صحيحا، وقد جعل ابن رشيق االحتراس نوعا من التتم

.ظهر الفرق بينهما، فجعلهما يف باب واحد غري سائغوالفرق بينه وبني املواربة بالراء املهملة أيضا، أن االحتراس يؤتى به وقت العمل عند ما يتفطن املتكلم

تكون ملوضع الدخل، واملواربة يؤتى هبا وقت العمل، وبعد صريورة الكالم، واملواربة بالراء املهملة،بالتصحيف والتحريف واهتدام الكلمة، والزيادة والنقص، واالحتراس بزيادة اجلمل املفيدة املتضمنة معىن

.االنفصال عما حيتمله الكالم من الدخل، واملواربة تكون يف نفس الكالم وتكون منفصلة عنه .باهباواالحتراس ال يكون إال يف نفس الكالم، وسيأيت بيان املواربة وأمثلتها يف

والفرق بني االحتراس، واملناقضة واالنفصال، أن االحتراس هو ما فطن له الشاعر أو الناثر وقت العمل واالنفصال ما مل يفطن له حىت يدخل عليه، فيأيت جبملة من الكالم، أو بيت من الشعر ينفصل . فاحترس منه

.به عنه ذلك الدخلة تكون كما تقدم يف كلمة من الكالم، أو يف كالم منفصل عنه، والفرق بني املواربة واالنفصال، أن املوارب

.واالنفصال ال يكون إال ببيت مستقل، أو مجلة منفردة، عن سياق الكالم متعلقة به، داخلة فيه

فإنه تعاىل ملا أخرب هبالك من " وقيل بعدا للقوم الظاملني : " من أمثلة االحتراس يف الكتاب العزيز قوله تعاىللطوفان، أعقبه بالدعاء على اهلالكني ووصفهم بالظلم ليعمل أن مجيعهم كان مستحقا للعذاب هلك با

احتراسا من ضعيف بتوهم أن اهلالك رمبا مشل من ال يستحق العذاب، فلما دعا على اهلالكني ووصفهم السالم، بالظلم علم استحقاقهم ملا نزل هبم، وحل بساحتهم وظهر من ذلك صدق وعده لنبيه نوح عليه

، وأعجب احتراس " وال ختاطبين يف الذين ظلموا إهنم مغرقون : " وأعملنا أنه قد أجنزه وعده الذي قال فيه، فإنه تبارك " ما كنت جبانب الغريب إذ قضينا إىل موسى األمر : " وقع يف كتاب اهللا الكرمي قوله سبحانه

ن يكون باملكان الذي قضى فيه ملوسى عليه السالم وتعاىل ملا نفى عن حبيبه ورسوله صلى اهللا عليه وسلم أ: " األمر، عرف املكان باجلانب الغريب، ومل يقل يف هذا املوضع، كما قال يف اإلخبار عن موسى عليه السالم

أدبا مع نبيه وحبيبه حممد صلى اهللا عليه وسلم أن ينفي عنه كونه باجلانب " وناديناه من جانب الطور األمين ملا أخرب عن موسى عليه السالم ذكر اجلانب األمين تشريفا ملوسى عليه السالم فاملح لطيف هذا األمين، و

.االحتراس من بالغة الكتاب العزيز جل املتكلم بهومثال االحتراس من السنة قول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على لسان إحدى النسوة من حديث أم

: فقوهلا" س مس أرنب، والريح ريح زرنب، وأغلبه والناس يغلب امل: " زرع، حيث وصفت زوجها فقالتإن رجال تغلبه امرأة ملغلب : وأغلبه، لقيل هلا: والناس يغلب احتراس حسن، ألهنا لو سكتت على قوهلا

والناس يغلب، فناسبت بني قرائنها جبملة تتضمن معىن االحتراس مما : ضعيف، فاحترست من ذلك فقالت. املدح من الدخل الذي ينقص به املعىن، فحصل يف الكالم احتراس مدمج يف موضع إيغاليتوجه على معىن

ومىت وقع االحتراس والتتميم يف موضع اإليغال أوهم أنه إيغال، فيجب أن نعرف أن اإليغال كون القافية يف القافية فقط، جميئه : تفيد الكالم معىن زائدا بعد متام معناه وصحته، واإليغال يفارق التكميل بأمرين

.واختصاصه باملعاين دون الفنون :ومن أمثال هذا الباب الشعرية قول اخلنساء يف أخيها صخر وافر

على إخواهنم لقتلت نفسي... ولوال كثرة الباكني حويل

لقد ساويت أخاك باهلالكني من إخوان الناس، فيكف أفرطت يف اجلزع عليه : مث ختيلت أن قائال قال هلا :فاحترست من ذلك بقوهلا وافر دوهنم؟

أعزي النفس عنه بالتأسي... وما يبكون مثل أخي ولكن

باب املواربة

براء مهملة

إذا فسد، فهو ورب بكسر الراء، فكأن املتكلم أفسد مفهوم ظاهر : وهي من ورب العرق بفتح الواو والراءوال يتضمن ما ينكر عليه بسببه، لبعد ما وحقيقتها أن يقول املتكلم ق. الكالم مبا أبداه من تأويل باطنه

يتخلص به منه، هذا إن فطن له وقت العمل وإال ارجتل حني جيبه به ما خيلصه منه من جواب حاضر، أو .حجة بالغة، أو تصحيف كلمة أو حتريفها، أو زيادة يف الكالم أو نقص، أو نادرة معجبة، أو ظرفة مضحكة

:لتحريف، فقول عتبان احلروري طويلفأما شاهد ما وقع من املواربة با وعمرو ومنكم هاشم وحبيب... فإن يك منكم كان مروان وابنه

ومنا أمري املؤمنني شبيب... فمنا حصني والبطني وقعنب :أنت القائل: فإنه ملا بلغ الشعر هشاما، وظفر به قال له

ومنا أمري املؤمنني شبيب :مل أقل كذا وإمنا قلت: فقال

املؤمنني شبيب ومنا أمري :فتخلص بفتح الراء بعد ضمها، وهذا ألطف مواربة وقعت، ودوهنا قول نصيب طويل

فوا كمدي من ذا يهيم هبا بعدي... أهيم بدعد ما حييت فإن أمت :مل أقل كذا، وإمنا قلت: اهتممت مبن يفعل هبا بعدك، فقال: وقيل له

فوا كمدي ممن يهيم هبا بعدين كلمة، فهذا وأشباهه حيتمل أن يكون الدخل وقع فيه للشاعر وقت العمل، فتخلص بإبدال كلمة م

وحيتمل أال يكون وقع له، وارجتل التخلص عند مساعه، والذي ال حيتمل أن يكون فطن له حىت قيل له قول :األخطل طويل

إىل اهللا منها املشتكى واملعول... لقد أوقع اجلحاف بالبشر وقعة يكن عن قريش مستماز ومزحل... كها فإال تغريها قريش مبل

إىل النار، فضحك منه، وسكت عنه، فتخلص : إىل أين يا بن اللخناء؟ فقال: فقال له عبد امللك بن مروان .هبذه النادرة

وقد تكون املواربة من غري هذين النمطني، كقوله عليه السالم للعباس بن مرداس حني أنشد رسول اهللا

:ربصلى اهللا عليه وسلم متقا أجتعل هنيب وهنب العبيد بين عيينة واألقرع

يفوقان مرداس يف جممع... وما كان حصن وال حابس ومن تضع اليوم ال يرفع... وما أنا دون امرئ منهما

يا علي، اقطع لسانه عين، فقبض علي عليه السالم على يده وخرج : فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلمفهذه أحسن مواربة مسعتها يف .. إين ملمض فيك ما أمر: ين يا أبا احلسن؟ فقالأقاطع أنت لسا: به، فقال

.خذ ما أحببت أو كما قال: كالم العرب، مث مضى به إىل إبل الصدقة فقالومن املواربة متصل ومنفصل، وقد أتينا بأمثلة القسمني، فاملتصل منها ما كان ختلصه يف نفس الكالم،

.ه من كالم آخر، كالذي تقدم لعلي عليه السالم واألخطلاملنفصل ما كان التخلص في :ومن أوضح أمثلته قصة كثري مع عبد امللك بن مروان، وقد أنشده طويل

أجاد املسدى نسجها فأذاهلا... على ابن أيب العاصي دالص حصينة :قول األعشى يف صاحبه خري من قولك هذا يف حيث يقول كامل: فقال له عبد امللك

بالسيف تضرب معلما أبطاال... قدم غري البس جنة كنت امل .األعشى وصف صاحبه باخلرق، ووصفتك باحلزم: فقال

باب الترديد

: " وهو أن يعلق املتكلم لفظة من الكالم مبعىن، مث يردها بعينها ويعلقها مبعىن آخر، كقوله سبحانه وتعاىلفاجلاللة األوىل مضاف إليها، والثانية مبتدأ " ساالته حىت يؤتى مثل ما أويت رسل اهللا واهللا أعلم حيث جيعل ر

ملسجد : " وكقوله عز وجل" ولكن أكثر الناس ال يعلمون، يعلمون ظاهرا من احلياة الدنيا : " هبا وقوله " .أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، فيه رجال حيبون أن يتطهروا

د، وهو أن يتردد حرف من حروف املعاين، إما مرة أو مرارا، وهو ومن الترديد نوع يسمى الترديد املتعدومثال هذا النوع . إما لتغاير االتصال؛ أو تغاير ما يتعلق باالسم: الذي يتغري فيه مفهوم املسمى لتغري االسم

ع ما فإن اتصال من بضمري املخاطبني الغائبني يف املوضعني م" ومن يتوهلم منكم فإنه منهم : " قوله تعاىلتضمنت من من معىن الشرط أصارت املؤمنني كافرين عند وقوع الشرط، وقد يرتد حرف اجلر يف اجلملة

من الكالم والبيت من الشعر مرارا عدة يف مجل متغايرة املعاين، ومثله قول الشاعر بسيط فليث عريسة يف صورة الرجل... يريك يف الروع بدرا الح يف غسق

:د غري حرف اجلر، كحرف النداء أو غريه، ومثاله قول املتنيب منسرحورمبا كان املترد ليث الشرى يا محام يا رجل... يا بدر يا حبر يا غمامة يا

ومثال املتردد من اجلمل غري املتعددة قول أيب نواس بسيط لو مسها حجر مسته سراء... صفراء ال تنزل األحزان ساحتها

.مسها، ومسته ترديد حسن: فقوله

أن هذا النوع من : وقد يلتبس الترديد الذي ليس تعددا من هذا الباب بباب التعطف؛ والفرق بينهماالترديد يكون يف إحدى قسمي البيت تارة وفيهما معا مرة، وال تكون إحدى الكلمتني يف قسم واألخرى يف

ينها، فهو ال يكون إال متباعدا، آخر، واملراد بقرهبما أن يتحقق الترديد، والتعطف وإن كان ترديد الكلمة بعوالترديد يتكرر، والتعطف ال يتكرر، والترديد يكون باألمساء املفردة، . حبيث تكون كل كلمة يف قسم

واجلمل املؤتلفة واحلروف، والتعطف ال يكون إال باجلمل غالبا، والفارق بني الترديد والتكرار أن اللفظة زائدا، بل األوىل هي تبيني للثانية وبالعكس، واللفظة اليت تتردد تفيد اليت تكرر يف التكرار ال تفيد معىن

معىن غري معىن األوىل منهما، واشتقاقهما مشعر بذلك، ألن الراد من وجه ال يبلغ إال املوضع الذي أراده، فر وأنه مكر م: والكار هو الذي انتهى إىل املوضع املراد، وكر راجعا، ومنه الكر والفر وقول امرئ القيسوأما ما جاء يف . ال يكر إال بعد الفرار وبيت أيب نواس الذي قدمناه مما جاء الترديد يف عجزه دون صدره

:الصدر والعجز فكقول أيب متام طويل كسونك شجوا هن منه عوار... ديار نوار ما ديار نوار

:ومثال ما جاء يف الصدر والعجز معا قول أيب نواس خفيف

قبله مث قبل ذلك جده... ساد أبوه قل ملن ساد مثومن الترديد نوع آخر يسمى ترديد احلبك، ويسمى بيته احملبوك، وهو أن تبىن البيت من مجل ترد فيه كلمة من اجلملة األوىل يف اجلملة الثانية، وكلمة من الثالثة يف الرابعة، حبيث تكون كل مجلتني يف قسم، واجلملتان

األوليني يف الصورة، واجلمل كلها سواء يف املعىن، كقول زهري بسيطاألخريتان غري اجلملتني ضارب حىت إذا ما ضاربوا اعتنقا... يطعنهم ما ارمتوا حىت إذا اطعنوا

فقد ردد كلمة من اجلملة األوىل يف اجلملة الثانية، وردد كلمة من اجلملة الثالثة يف اجلملة الرابعة ثنتان يف تان يف الصورة غري أهنما خمتلفتان، إذا نظرت إىل كل قسم ومجلته، وإن اشتركا كل قسم، وكل مجلتني متفق

يف املعىن، فإن صورة الطعن غري صورة الضرب، ومعىن اجلميع واحد، وهو احلماسة يف احلرب، والبيت أعين بيت زهري مع كونه من شواهد الترديد احملبوك، فإنه يصلح أن يكون من شواهد صحة التقسيم، ألنه

.استوىف فيه أقسام حاالت احملارب، وإن جاءت صحة التقسيم مدجمة يف الترديد، واهللا أعلم

باب التعطف

وقد مساه قوم املشاكلة

وقد تقدم أن التعطف كالترديد يف إعادة اللفظة بعينها يف البيت، وأن الفرق بينهما مبوضعهما وباختالف لمتيه يف مصراع واألخرى يف املصراع اآلخر، ليشبه التردد، وثبت أن التعطف ال بد وأن تكون إحدى ك

مصراعا البيت يف انعطاف أحدمها على اآلخر بالعطفني يف كل عطف منهما مييل إىل اجلانب الذي مييل إليه .اآلخر

ومن أمثلته قول زهري بسيط يلق السماحة منه والندى خلقا... من يلق يوما على عالته هرما

:ويلوكقول عقيل بن علفة ط فحل املوايل بعده مبسيل... فىت كان مواله حيل بفجوة

:وكقول أيب متام كامل ولقيت بني يدي مر سؤاله... فلقيت بني يديك حلو عطائه

:وكقول املتنيب طويل وسقت إليه املدح غري مذمم... فساق إىل العرف غري مكدر

ه ثالث كلمات من صدره على ثالث كلمات وهذا البيت أفضل بيت مسعته يف هذا الباب، فإنه انعطفت في: فساق، فإهنا انعطفت على قوله يف العجز: من عجزه، ففيه هبذا االعتبار ثالث تعطفات، وذلك قوله

إليه وقوله غري، فإهنا انعطفت على قوله يف العجز : إيل فإهنا انعطفت على قوله يف العجز: وسقت، وقولهيتفق يف بيت غريه، فإن كل لفظة يف صدره على الترتيب وزن كل لفظة غري، مث يف البيت من املناسبة ما مل

وكل مجلة كقوله فساق وسقت وإيل وإليه والعرف، والشكر، وغري مكدر، ومذمم فهذه : يف عجزهمفردات األلفاظ، وأما اجلمل املركبة فيها فانظراين قوله فساق إيل وسقت إليه والعرف والشكر، وغري

ومل أر مثل هذا اتفق إال أليب متام يف البيت الذي قدمته على هذا البيت، ألنه ساوى مكدر، وغري مذمم، بيت املتنيب يف التعطفات الثالثة، واملناسبة الناقصة، وفضله بيت أيب متام باملناسبة التامة والطباق، وله فضيلة

:السبق، فثبت له التقدم هذا وقد أتى به توطئة لقوله كامل من جاهه فكأهنا من ماله... إليك صنيعة وإذا امرؤ أهدى

قل هل تربصون بنا إال إحدى احلسنيني وحنن نتربص : " وقد جاء من التعطف يف الكتاب العزيز قوله تعاىلفإن التعطف يف هذه اآلية " بكم أن يصيبكم اهللا بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إن معكم متربصون

: " ، وكقوله سبحانه" وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم : " يف قول سبحانهوكذلك جاء . الكرمية يف موضعني .واهللا أعلم" وهم عن اآلخرة هم غافلون

باب التفويف

البياض الذي يف أظفار األحداث، : اشتقاق التفويف من الثوب الذي فيه خطوط بيض، وأصل الفوفة القشرة البيضاء اليت تكون على النواة، واحلبة البيضاء يف النواة، وهي اليت تنبت منها النخلة، والفوف

أي رقيق، فكأن املتكلم خالف بني مجل املعاين يف : قطع القطن، وبرد مفوف: الشيء، والفوف: والفوفالتقفية كمخالفة البياض لسائر األلوان، ألن بعده من سائر األلوان أشد من بعد بعضا عن بعض، إذ هو

بالنسبة إليه، ألنه قابل جلميع األلوان، ومجيع األلوان تقبل التغري إىل لون بسيط بالنسبة إليهما، وكلها مركبة آخر حبسب التركيب، والشدة والضعف إال السواد، فإنه ال يقبل تركيبا ألبتة، فهو ضد البياض ونقيضه،

بارة عن ع: وال جرم أن اجلمع بينهما يف الكالم يسمى مطابقة، خبالف بقية األلوان، والتفويف يف الصناعة

إتيان املتكلم مبعان شىت من املدح أو الغزل، أو غري ذلك من الفنون واألغراض، كل فن يف مجلة من الكالم منفصلة من أختها بالتجميع غالبا، مع تساوي اجلمل املركبة يف الوزنية، ويكون باجلمل الطويلة واملتوسطة

.والقصرية :بغة الذبياين طويلفمثال ما جاء منه باجلمل الطويلة، قول النا

أضر ملن عادى وأكثر نافعا... فلله عينا من رأى أهل قبة وأفضل مشفوعا إليه وشافعا... وأعظم أحالما وأكرب سيدا

:وأحسب أن أول من نطق بالتفويف املركب من اجلمل الطويلة عنترة، فقال كامل نزلأشدد، وإن نزلوا بضنك أ... إن يلحقوا أكرر، وإن يستلحموا

ومثال ما جاء منه يف اجلمل املتوسطة قول أيب الوليد بن زيدون بسيط ودل أخضع، وقل أمسع، ومر أطع... ته أحتمل، واحتكم أصرب، وعز أهن

ومثال ما جاء منه باجلمل القصرية قول املتنيب بسيط زد هش بش تفضل أدن سر صل... أقل أنل أقطع امحل عل سل أعد

الذي خلقين فهو يهدين، : " ملركب من اجلمل الطويلة يف الكتاب العزيز قوله تعاىلوقد جاء من التفويف اوالذي هو يطعمين ويسقني، وإذا مرضت فهو يشفني، والذي مييتين مث حييني، والذي أطمع أن يغفر يل

الليل، وخترج توجل الليل يف النهار، وتوجل النهار يف: " ويف اجلمل املتوسطة قوله سبحانه" خطئييت يوم الدين .واهللا أعلم. ، ومل يأت من اجلمل القصرية شيء يف فصيح الكالم" احلي من امليت، وخترج امليت من احلي

باب التسهيم

هو من الثوب املسهم، وهو الذي يدل أحد سهامه على الذي يليه، لكون لونه يقتضي أن يليه لون خمصوص .له، مبجاورة اللون الذي قبله أو بعده

وأن يكون ما تقدم من الكالم دليال على ما يتلوه، ورأيت هذا : الباب عرفه من تقدمىن بأن قالوهذا والذي عندي أن هذا . التعريف وإن روعي فيه االشتقاق ال خيص هذا الباب من البديع، بل يدخل معه غريه

ما يدل على ما تأخر الباب من مشكالت هذا الفن، ويصلح أن يعرف بقول القائل هو أن يتقدم من الكالم منه، أو يتأخر منه ما يدل على ما تقدم مبعىن واحد أو مبعنيني، وطورا باللفظ، كأبيات جنوب أخت عمرو

:ذي الكلب، فإن احلذاق ببنية الشعر وتأليف النثر يعلمون أن معىن قوهلا متقارب فأقسم يا عمرو لو نبهاك :يقتضي أن يكون متامه

إذا نبها منك داء عضاالوليثا غضوبا أفعى قتوال، وموتا ذريعا، ومسا وحيا، وغضبا صقيال، كربا شديدا، وغما طويال، إىل أشياء يعز

إنه أبلغ، : حصرها، لكن معىن البالغة تقتضي اقتصارها من ذلك كله على األول، لكونه أبلغ، وإمنا قلتوغلبهما، والسيف الصقيل ميكن التوقي منه، واحليدة ألن الليث الغضوب، واألفعى القتول، ميكن مغالبتهما

عنه، وما كل جريح يتوقع موته، وال ييئس من برئه، والكرب الشديد، والغم الطويل، يرجى انكشافهما، والسم الوحي، واملوت الذريع، يرحيان صاحبهما، فأشد من اجلميع الداء العضال الذي ال مييت فرييح، وال

:يستريح، فلذلك علم احلذاق باختيار الكالم وبنيته أن قوهلايأمل صاحبه مداواته ف فأقسم يا عمرو لو نبهاك :يقتضي أن يكون متامه

إذا نبها منك داء عضاال

دون كل ما ذكرت وما مل أذكر، فإن ما ذكرت هو دليل على ما مل يذكر، إذ ال خيرج ما مل يذكر عن أن يرجى انكشافه وزواله، أو شيئا يريح بسرعة كالسم الوحي، يكون أمرا ميكن مغالبته وغلبه، أو شيئا

واملوت الذريع وكما يدل األول على الثاين كما ذكرت كذلك، يدل الثاين على األول، فإنه لو قيل حلاذق فأقسم يا عمرو لو نبهاك، فهذا ما : مبا يصلح أن يوطأ لقوهلا إذا نبها منك داء عضاال فإنه ال جيد إال قوهلا

.األول فيه على ما بعده داللة معنوية يدل :وأما ما يدل فيه األول على الثاين داللة لفظية فقوهلا

مفتيا مفيدا نفوسا وماال... إذن نبها ليث عريسة مفيتا مفيدا، حتقق أن هذا اللفظ يوجب أن يتلوه قوهلا نفوسا وماال، : فإن العارف ببنية الشعر إذا مسع قوهلا

:وكذلك قوهلا بوجناء حرف تشكى الكالال... وخرق جتاوزت جمهوله وكنت دجى الليل فيه اهلالال... فكنت النهار به مشسه

والبيت الثاين أردت، وإن كان البيت األول فيه من التسهيم ما فيه لكن الثاين أوضح، ألن قوهلا، يقتضي أن :يتلوه

وكنت دجى الليل فيه اهلالال... فكنت النهار به مشسه :ومن جيد أمثلة التسهيم قول عمرو بن كلثوم وافر

وأوفاهم إذ عقدوا ميينا... ونوجد حنن أمحاهم ذمارا واستخراج التسهيم من هذا البيت عسر جدا، وهو مما ينبغي أن يسأل عنه من يتعاطى هذه الصناعة،

احلرب، أوجبت عليه البالغة ملا قدم يف صدر بيته الفخر بصفات املدح يف : وطريق استخراجه منه أن يقالأن يكمل الفخر بصفات املدح يف السلم، والسلم ال يكون إال بالعهود واألميان، وهذان ال ميدح اإلنسان

فالن وىف بعهده : حلف فالن وال استحلف بل تقول: فيها إال بالوفاء هبما، إذ ليس من املدح أن تقوللة السلم باألمر الذي هو أس السلم وأصله، كما مدح يف وميينه، فلما اقتضى املعىن تكميل املدح يف حا

حالة احلرب مبا هو من صفات املدح يف احلرب، اقتضى اللفظ أيضا أن يكون ما يأيت به من األلفاظ مناسبا ونوجد حنن أمحاهم، فتعني ملراعاة املناسبة أن يقول يف العجز وأوفاهم، ال : ملا قدمه، وقد قال يف صدر البيت

إذا عقدوا ميينا يريد احلالة اليت هي أشد أحوال : وهي تعطي املعىن الذي يكمل به املدح، وقالسيما

إذا حلفوا مل يعط من املعىن البليغ ما يعطيه عقدوا إذ احلالف قد حيلف لغوا، وتعقيد : احلالف، فإنه لو قالباللغو يف أميانكم ولكن يؤاخذكم مبا ال يؤاخذكم اهللا: " اليمني يدل على النية والتصميم، قال اهللا سبحانه

.فقد اقتضى صدر هذا البيت من جهة اللفظ واملعىن أن يكون متامه ما ذكره واهللا أعلم" عقدمت األميان :ومن أمثلة هذا الباب للمحدثني قول البحتري، وهو مما جاءت داللته لفظية أيضا طويل

اموليس الذي حرمته حبر... فليس الذي حللته مبحلل :وكقول اآلخر خفيف

وقدود كأهنن غصون... من غصون كأهنن قدود :وهذا البيت ال يصلح أن يكون شاهدا للتسهيم، لكون أوله ال يقتضي آخره ألنه لو قال

ذات نور مثل الثغور العذاب... من غصون كأهنن قدود ذلك اخنرم ضابط التسهيم، وإمنا أو ذات ورد كأنه الوجنات، حسن أن يكون متاما له، ومىت كان التقدير ك

.ذكرته سهوا كما سها من ذكره قبلي مث فطنت لذلك بعد إثباتهأدها أن التسهيم يعرف به من أول الكالم آخره، ويعلم : والفرق بني التسهيم والتوشيح من ثالثة أوجه

السجعة والقافية منه مقطعه من حشوه من غري أن تتقدم سجعة النثر وال قافية الشعر، والتوشيح ال تعرف واآلخر أن التوشيح ال يدلك أوله إال على القافية فحسب، والتسهيم يدل تارة . إال بعد أن تتقدم معرفتهما

على عجز البيت وطورا على ما دون العجز، بشرط الزيادة على القافية، وما حكيناه عن ابن العباس رضي .ق يف بيت عدي بن الرقاع فنادر ال يقاس عليهاهللا عنه يف بيت عمر بن أيب ربيعة، وعن الفرزد

.والثالث أن التسهيم يدل تارة أوله على آخره، وطورا آخره على أوله خبالف التوشيحأفرأيتم ما حترثون، أأنتم تزرعونه أم حنن الزارعون، لو : " وقد جاء من التسهيم يف الكتاب العزيز قوله تعاىل

.إىل آخر اآلية" أفرأيتم املاء الذي تشربون : " وقوله" ن نشاء جلعلناه حطاما فظلتم تفكهو

فانظر إىل اقتضاء أول كل آية آخرها اقتضاء لفظيا ومعنويا، وائتالف األلفاظ مع معانيها، وجماورة املالئم باملالئم، واملناسب باملناسب، ألن ذكر احلرث يالئم الزرع، وذكر احلطام يالئم التفكه ومعىن االعتداد

لزرع يقتضي االعتداد بصالحه وعدم فساده، فحصل التفكه، وكذلك يف بقية اآليات، فإذا علمت ذلك با .واملعاين البليغة. هبرج النقد عندك ما تقدم من األشعار الفصيحة

باب التورية

ويسمى التوجيه، وهي أن تكون الكلمة حتتمل معنيني، فيستعمل املتكلم أحد احتماليها ويهمل اآلخر، وهذا كان أبوه ينسج : اده ما أمهله ال ما استعمله، كقول علي عليه السالم يف األشعث بن قيسومر

.الشمال باليمني، ألن قيسا كان حيوك الشمال اليت واحدهتا مشلة :ومن شواهد هذا الباب الشعرية قول عمر بن أيب ربيعة خفيف

عمرك اهللا كيف جيتمعان... أيها املنكح الثريا سهيال

وسهيل إذا استقل ميان... شامية إذا ما استقلت هيفذكر عمر الثريا وسهيال ليوهم السامع أنه يريد النجمني املشهورين، ألن الثريا من منازل القمر الشامية، وسهيال من النجوم اليمانية، وهو يريد صاحبته الثريا، وكان أبوها قد زوجها برجل من أهل اليمن يسمى

عمر أن ورى بالنجمني عن الشخصني، ليبلغ من اإلنكار على من مجع بينهما ما أراد، وهذه سهيال، فتمكن لأحسن تورية وقعت يف شعر ملتقدم مرشحة، فإن قوله املنكح ترشيح للتورية على قلتها يف أشعار املتقدمني

البيت الثاين فإنه وكثرهتا يف أشعار احملدثني، وخصوصا شعراء العجم العصريني كاألرجاين وأمثاله، وأماأبدع من البيت األول، إذ أخرجه خمرج التعليل، لإلنكار الذي وقع يف عجز البيت األول، وجاء فيه مع التعليل تنكيت حسن مدمج يف جتنيس االزدواج، فإن قوله إذا ما استقلت وإذا استقل جتنيس ازدواج،

شارته هبا إىل أن الزوج يبعد بالزوجة عن أهلها والنكتة يف ترجيح استقلت على أخواهتا فيما يقوم مقامها إووطنها، فيكون ذلك أشد تأنيبا له على تزوجيه، وأدعى لندامته على ذلك، وكان من االتفاق احلسن أن

الرجل مياين القبيلة والبلد، واملرأة شامية، فحصل االتفاق مدجما يف االستخدام، فإنه استعمل يف هذا البيت شامية وميان، وختم البيت بالتوشيح، وهو داللة معىن صدر البيت على قافيته، : من قولهاحتمايل كل لفظة

وهي التعليل، واالتفاق، واالستخدام، وجتنيس االزدواج يف : فجاء يف البيت سبعة أضرب من البديع .استقلت واستقل واإلدماج والتنكيت، والتوشيحضي عياض صاحب الشفا يف تعريف حقوق املصطفى وما رأيت لعريب وال لعجمي مثل تورية وقعت للقا

صلى اهللا عليه وسلم وصاحب اإلكمال يف شرح مسلم، وغريمها يف بيتني وصف فيهما صيغة نادرة أنشد فيهما الفقيه اإلمام احلافظ املتقن العالمة زكي الدين أبو حممد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد اهللا املنذري

خري الدارين كما بلغه من العلم هناية مطلبه بالسند املتصل بقائلهما رمحه اهللا تعاىل ومها نفع اهللا به، وبلغه من بسيط

لشهر متوز أنواعا من احللل... كأن كانون أهدى من مالبسه فما تفرق بني اجلدي واحلمل... أو الغزالة من طول املدى خرفت

قالوا : " وصلت إىل الغاية القصوى، وهي قوله تعاىلوإذا وصلت إىل ما وقع من التورية يف الكتاب العزيز فانظر إىل كون الضالل له حممالن، ومها احلب وضد اهلدى وكيف أمهل " تاهللا إنك لفي ضاللك القدمي

أحد االحتمالني، وهو احلب، واستعمل داللته على ضد اهلدى، واملراد ما أمهل ال ما استعمل فستجده أوجز .ملفظ وأحاله، واهللا أعل

باب الترشيح

وهو أن يؤتى بكلمة ال تصلح لضرب من احملاسن حىت يؤتى بلفظة تؤهلها لذلك كما حكيناه عن علي عليه ، فإهنن عليه السالم لو قال " وهذا كان أبوه ينسج الشمال باليمني : " السالم يف قوله لألشعث بن قيس

شمال تورية ألبتة فلما قصد التورية عدل ينسج الشمال بيده أو ينسج الشمال وسكت مل يكن يف لفظة العن لفظ اليد، وعن االقتصار على ما قبلها وأتى بلفظ اليمني لريشح لفظة الشمال للتورية، وال ينتقد علينا

جميء اآلية الواحدة، والبيت الواحد شاهدا على عدة أبواب من احملاسن، فإن ذلك حبسب ما يكون يف ما الفرق بني الترشيح واالستعارة، والتورية، وقد جعلت مثاهلما واحدا؟ ف: الكالم من البديع، فإن قيل

:الفرق بينهما من ثالثة أوجه: قلت

.أحدها أن من التورية ما ال حيتاج إىل ترشيح، وهي التورية احملضةمن والثاين أن الترشيح ال خيص التورية دون بقية األبواب، بل يعم االستعارة والطباق وغريمها من كثري

:األبواب، أال ترى إىل قول أيب الطيب كامل يا جنيت لظننت فيه جهنما... وخفوق قلب لو رأيت هليبه

.يا جنيت رشحت لفظة جهنم للمطابقة، ولو قال مكاهنا يا منييت مل يكن يف البيت طباق ألبتة: فإن قولهتورية يف قول علي عليه السالم يف لفظة أن لفظة الترشيح يف الكالم املورى غري لفظة التورية فإن ال: الثالث

لفظتا الثريا وسهيال رشحت كل واحدة منهما أختها للتورية، : الشمال، والترشيح يف لفظة اليمني، فإن قيلفإنه لوال ذكر سهيل مل تصلح الثريا للتورية، ولوال ذكر الثريا مل يصلح سهيل للتورية، كما أن لفظة اليمني

.للتورية، فلم يعقل الفرق إذا بني التورية والترشيحهي اليت رشحت الشمال كل من لفظيت الثريا وسهيل ال يفتقر يف التورية هبما إىل صاحبتهما، خبالف لفظة اليمني، وذلك أن : قلت

:عمر لو قال خفيف عمرك اهللا كيف جيتمعان... أيها املنكح الثريا زيادا

قع على النجم وعلى املرأة، والنجم ال جيتمع ورجل أبدا، لصحت التورية بدون ذكر سهيل؛ ألن الثريا ي :وكذلك لو عكس فقال

عمرك اهللا كيف جيتمعان... أيها املنكح اخللوب سهيال لصحت التورية أيضا، ألن سهيال يقع على الكوكب، وعلى الرجل، والكوكب واملرأة ال جيتمعان، وال

يكن يف الشمال تورية أصال ورأسا، وإمنا الواقعة اليت وقعت لعمر كذلك لفظة اليمني، فإهنا لو مل يؤت هبا مل اتفق له فيها موافقة اسم الزوجني المسي النجمني فتهيأ له من التورية ما مل يتهيأ لغريه، ومتم املعىن كون الثريا

هما، وعلى من اليت هي النجم، وصاحبته شاميني، وسهيل وزوجها ميانيني، فتم لعمر ما أراده من اإلنكار عليمجع بينهما، وحصل يف بيتيه التورية واالتفاق، فلذلك حسنا جدا ومما يبني أن التورية احملضة ال حتتاج إىل

:ترشيح قول القاضي السعيد ابن سناء امللك رمحه اهللا تعاىل جمزوء الكامل مين قد انكشف الغطاء... يا هذه ال تستحي

ية غري مفتقرة إىل ترشيح، ألن ظاهر اللفظ يدل على أنه أراد انكشاف قد انكشف الغطاء تور: فإن يف قوله :األمر، وهو يريد انكشاف العضو فقصد الثاين وورى باألول، وال كذلك قول أيب متام كامل

كشف الغطاء فأوقدى أو أمخدى .رفإن لفظة كشف الغطاء ال حتتمل إال معىن واحدا، وهو الذي قصده أبو متام من انكشاف األم

، فإن " اذكرين عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه : " ومن الترشيح للتورية يف الكتاب العزيز قوله تعاىل

لفظة ربك رشت لفظة ربه، ألن يكون تورية، إذ حيتمل أن يراد هبا اإلله سبحانه وامللك، فإنه لو اقتصر على على اإلله، فلما تقدمت لفظة ربك صلحت مل تدل لفظة ربه إال" فأنساه الشيطان ذكر ربه : " قوله تعاىل .للمعنيني

:وأما ترشيح االستعارة ففي قول بعض العرب طويل وعشش يف وكريه طارت له نفسي... إذا ما رأيت النسر عز ابن داية

فإنه شبه الشيب بالنسر الشتراكهما يف البيض، والشعر األسود بابن داية، وهو الغراب الشتراكهما يف استعار التعشيش من الطائر للشيب ملا مساه نسرا، ورشح به إىل ذكر الطريان الذي استعاره من السواد، و

.الطائر لنفسه، فقد رشح باستعارة إىل استعارة :وأما ترشيح التشبيه فكقول النابغة الذبياين طويل

إىل املوت إرقال اجلمال املصاعب... إذا استنزلوا عنهن للطعن أرقلوا إرقال اجلمال، فإنه تشبيه بغري أداة، وفحول النقاد : أرقلوا إىل التشبيه يف قوله: الستعارة يف قولهفإنه رشح با

.تسمى هذا النوع من التشبيه استعارة، واهللا أعلم

باب االستخدام

وهو أن يأيت املتكلم بلفظة هلا معنيان، مث يأيت بلفظتني تتوسط تلك اللفظة بينهما، ويستخدم كل لفظة منهماملعىن من معىن تلك اللفظة املتقدمة، ورمبا التبس االستخدام بالتورية الضا من كون كل واحد من البابني

.مفتقرا إىل لفظة هلا معنيان .والفرق بينهما أن التورية استعمال أحد ملعنيني من اللفظة، وإمهال اآلخر، واالستخدام استعماهلما معا

:ومن أمثلته قول البحتري كامل شبوه بني جوانح وقلوب... سقى الغضا والساكنيه وإن هم ف

فإن لفظة الغضا حمتملة املوضع والشجر والسقيا الصاحلة هلما، فلما قال والساكنية استعمل أحد معنيي استعمل املعىن اآلخر، وهو داللتها بالقرينة أيضا : شبوه: اللفظة، وهو داللتها بالقرينة على املوضع، وملا قال

.لشجرعلى ا، فإن لفظة " لكل أجل كتاب، ميحو اهللا ما يشاء ويثبت : " ويف الكتاب العزيز من االستخدام قوله تعاىل

املكتوب، وقد توسطت بني لفظيت أجل وميحو، فاستخدمت أحد : كتاب يراد هبا األمد احملتوم، والكتاب . أعلممفهوميها وهو األمد، واستخدمت ميحو ملفهوم اآلخر، وهو املكتوب واهللا

باب التغاير

وهو تضاد املذهبني إما يف املعىن الواحد حبيث ميدح إنسان شيئا بذمه، أو يذم ما مدحه غريه، أو يفضل شيئا على شيء، مث يعود فيجعل املفضول فاضال، أو يفعل ذلك مع غريه، فيجعل املفضول عند غريه فاضال،

ين من كل وجه فلم يقل به إال ضياء الدين بن األثري رمحه اهللا فإما التفضيل بني الشيئني املتغاير. وبالعكستعاىل، وسنأيت بتفصيل مذهبه يف آخر هذا الباب، وأما مدح اإلنسان ما ذمه غريه فلم أمسع فيه كقول اإلمام

علي عليه السالم يف خطبة له مدح فيها الدنيا مغايرا لنفسه يف ذمها عليها، أم هي املترمجة عليك؟ مىت ستهوتك، أم مىت غرتك؟ كم غرتك؟ مبصارع آباك من البلى، أم مبضاجع أمهاتك حتت الثرى؟ كم عللت ا

بكفيك، وكم مرضت بيديك، تبغي هلم الشفاء، وتستوصف هلم األطباء، مل ينفع أحدهم إشفاقك، ومل الدنيا تسعف فهي بطلبتك، ومل تدفع عنه بقوتك، قد مثلت لك به الدنيا نفسك ومبصرعه مصرعك، وإن

دار صدق ملن صدقها، ودار عافية ملن فهم عنها، ودار غىن ملن تزود منها، ودار موعظة ملن اتعظ هبا، مسجد أحباء اهللا، ومصلى مالئكته ومهبط وحي اهللا، ومتجر أولياء اهللا، اكتسبوا فيها الرمحة، ورحبوا فيها

نفسها وأهلها فمثلت هلم ببالئها اإلبالء، اجلنة، فمن ذا يذمها، وقد آذنت ببينها ونادت بفراقها، ونعتوشوقتهم بسرورها إىل السرور، راحت بعاقبة، وابتكرت بفجيعة، ترغيبا وترهيبا، وختويفا وحتذيرا، فذمها رجال غداة الندامة، ومحدها آخرون يوم القيامة، ذكرهتم فذكروا، وحدثتهم فصدقوا، ووعظتهم فاتعظوا،

:اخلطبة على أحد طريقي البالغة، وهو اإلجياز خفيف فقلت ناظما ملعاين هذه بطريق اإلنصاف أثىن عليها... من يذم الدنيا بظلم فإين حني جدت يف الوعظ من مصطفيها... وعظتنا بكل شيء لو أنا

للهوى بالبيان من وجهيها... وأرتنا الوجهني منها فهمنا ما لديهاحني أبدت ألهلها ... نصحتنا فلم نر النصح نصحا

للبلى حني جددت عصريها... أعلمتنا أن املآل يقينا باب لو نستفيق بني يديها... كم أرتنا مصارع األهل واألح؟

رت فأدمت ندامة كفيها... ولكم مهجة بزهرهتا اغتر قبلنا حني بدلت جنتيها... أتراها أبقت على سبإ من يهافتزود ما شئت من يوم... يوم بؤس هلا ويوم رخاء تسل عما تراه من حادثيها... وتيقن زوال ذاك وهذا وغرور ملن مييل إليها... دار زاد ملن تزود منها

عفرت صورة هبا خديها... مهبط الوحي واملصلى اليت كم نة فيها وأوردوا عينيها... متجر األولياء قد رحبوا اجلن؟

ل لبيب عقباه من حالتيها... رغبت مث رهبت لريى كل؟ ىن عليها ذو الرب من ولديها... فإذا أنصفت تعني أن يث؟

يا دنيا أيب تعرضت، أم إيل تشوفت؟ : وأما قوله مغايرا لنفسه فإنه يف أكثر كالمه يذم الدنيا، ومنه قولههيهات هيهات، غري غريي، قد بنتك ثالثا ال رجعة يل فيك، فعمرك قصري، وعيشك حقري، وخطرك كبري،

.اد، وبعد السفر، ووحشة الطريقآه من قلة الز :وروى له عليه السالم يف ذلك سريع

والتائه احلريان يف قصده... يا مؤثر الدنيا على دينه أبرز ناب املوت عن حده... أصبحت ترجو اخللد فيها وقد

من يرمه يوما هبا يرده... هيهات، إن املوت ذو أسهم على رشدهمل يعزم اهللا... ال يشرح الواعظ صدر امرئ

:وأما ما جاء من ذلك يف الشعر، فقول بعض العرب ميدح قوما باألنفة كامل إن الدماء الشافيات تكال... ال يشربون دماءهم بأكفهم

فإنه وصف هؤالء القوم باألنفة من أخذ الدية عن قتالهم، فيصري حاصل ما يأخذونه شرهبم اللنب، فكأهنم هذا الدم ال يشفي، وإمنا يشفي من الدماء ما أخذه مكايلة صاعا بصاع، إن مثل: شربوا دماءهم، مث قال

يعين دما بدم كفء، فحاصل معناه أن الدماء تكال؛ وقال اآلخر مغايرا هلذا املعىن وقد قتل بقتيله دونه :معتذرا عن ذلك، مغايرا للمعىن األول طويل

بالدم وفاء ولكن ال تكايل... فيقتل خري بامرئ مل يكن له بؤبدم فالن، فذهب : مل يكن له بواء بباء موضع الفاء، أي كفء مأخوذ من قوهلم ملن يقتلونه يف دم: ويروى

هذا القائل إىل أن قتيله ال نظري له، فلو ذهب إىل أنه ال يقبل به إال كفأه لطاح دمه هدرا، إذ مل جيد له كفؤا، بالدم، مستدال بذلك القول على صحة ما أتاه، لكون ال تكايل: فلهذا اضطر إىل قتل من دونه، مث قال

أرباب الدماء متفاويت الدرجات، فال تتكافأ دماؤهم، هذا مذهب اجلاهلية، قد أتى اإلسالم خبالفه، قال اإلسالم : وهلذا قال عمر رضي اهللا عنه جلبلة" املسلمون تتكافأ دماؤهم : " رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

تغاير املعنيان، ومها مع املغايرة صحيحان، وقد أتى حكم اهللا يف كتابه العزيز مغايرا هذا ساوى بينكما فاحلر باحلر : " وقوله" ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فال يسرف يف القتل : " احلكم، فقوله تعاىل

؛ وقد " تتكافأ دماؤهم : " وسلم مما يصحح قول رسول اهللا صلى اهللا عليه" والعبد بالعبد واألنثى باألنثى غايرت أحكام القرآن العزيز أحكام اجلاهلية يف عدة مواضع، وذم من ابتغى حكم اجلاهلية، ومن ذلك ذم

.الظلم وأهله، وقد كانت العرب متدحه ومتدح به وأشياء غري ذلك :يب سعيد الثغري خفيفومن هذا قول أيب متام يغاير مجيع الناس يف تفضيل التكرم على الكرم، بقوله أل

وبلونا أبا سعيد قدميا... قد بلونا أبا سعيد حديثا ودعيناه بارضا ومجيما... ووردناه سائحا وقليبا

نفس صار الكرمي يدعى كرميا... فعلمنا أن ليس إال بشق الن؟ :مث غايره املتنيب فقال على الطريق املألوف منسرح

عدت نفسه سجاياهاملا ... لو كفر العاملون نعمته منفعة عندهم وال جاها... كالشمس ال تبتغي مبا صنعت

وهذا املعىن من قول أيب متام بسيط وكيف يتعب عني الناظر النظر... ال يتعب النائل املبذول مهته

:وكل ذلك من قول بشار خفيف ف ولكن يلذ طعم العطاء... ليس يعطيك للرجاء لوا اخلو

الذي غاير فيه الناس من قبل إبراهيم بن سيار، النظام، ألنه غاير فيه مجيع العلماء يف وأبو متام أخذ معناه: استدالله على أن شكر املنعم ال جيب عقال وال شرعا، وقال يف نظم الدليل كالما نقحته وحررته فقلت

ب الثناء، وإما للعشق إما للخوف، وإما للرجاء، وإما لطل: املعطي ال يعدو بعطائه أحد أربعة أقسام حاصرة .يف العطاء

فأما املعطي للخوف، فحثه على ذلك العطاء اتقاؤه ما خافه بعطائه، فال جيب شكره، واملعطي للرجاء إما أن يرجو املكافأة عن عطائه ممن أعطاه، أو يرجو بذلك ثواب اهللا، وهو يف كلتا حالتيه ال جيب شكره، واملعطي

عليه، فإذا أثىن عليه، فقد سقط حقه، فال جيب شكره، واملعطي للعشق يف لطلب الثناء حق عطائه أن يثىن: العطاء، مسكن بعطائه غليل قلبه، ومنفس به من كربه، فال جيب شكره، ووجه الرد على النظام أن يقال

املعطي لطلب الثناء، إما أن يكون عطاؤه موجبا للثناء عليه، أو ال يكون، فإن كان األول فقد وجب شكر املنعم، وإن كان الثاين فقد فسد التقسيم األول، وصار للعطاء قسم خامس لغري العلل اليت علل هبا، ومل تبق علة هلذا التقسيم من العطاء سوى التبذير والعبث، وهذا القسم مرفوض ال يستحق الكالم عليه، فإن قيل

قه، فال جيب شكره، وإن مل يثن عليه خال املعطي للثناء قد يثين عليه وقد ال يثىن فإن أثىن عليه فقد سقط ح .عطاؤه عن الفائدة

القعود عن أداء الواجب ال يسقط الواجب، فإن تارك الصالة ال يسقط إخالله هبذا الواجب وجوهبا، : قلتوال خيلو املثىن على املعطي لطلب الثناء إما أن يكون فعل واجبا، فقد وجب شكر املعطي، وإما أن يكون ما

املعطي رغبة يف الثناء ال خيلو إما أن يكون املثىن فعل : مث أقول. واجب فقد صار العطاء ال للثناءفعله غريبثنائه واجبا أوال، فإن كان األول فقد وجب شكر املنعم، وإن كان الثاين، فإما أن يكون عدم الثناء عليه

إمنا أثىن املثىن عليه : فإن قلتمن جهة تقصري املعطي، فقد بينا أن اإلخالل ال يسقط وجوب الشكر، هذا حمال ألنه تقدم منه العطاء ليشتري به الثناء، فثناء املعطى مثن إلنعام املعطي، فكيف يعد : قلت. تفضيالال خيلو املعطي للثناء، إما أن : فقد ثبت وجوب شكر املنعم، وفسد تقسيم النظام، مث قول القائل! تفضال؟

إما أن يكافأ، وإما أن ال . عليه الزم يف مجيع األقسام، فإن املعطي لطلب املكافأةيثين عليه وإما أن ال يثينيكافأ، وكذلك املعطى للخوف، ومل يبق قسم ال يدخله هذا االحتمال، سوى املعطي للعشق يف العطاء، فإنه

شكور على وإن مل جيب شكره على نفس العطاء لكونه مسكنا به غليل قلبه، ومشبعا غرض نفسه، فهو م: عشق أحسن اخلالل، وأكرم الفعال، وكيف ال يستحق املنعم الشكر، واملنعم على كل تقدير أحد رجلني

رجل مطبوع على العطاء جمبول عليه، فهو مشكور على كرم طبع، ومساحة جبلته، ورجل غري مطبوع على حلباء، وهذا كما قال سيد ذلك فهو جياهد نفسه، ويغلب طبعه على التكرم حىت يتعمد العطاء ويتكلف ا

إمنا الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، ختاف الفقر وتأمل : " املرسلني حممد صلى اهللا عليه وسلم :ومن هنا قال أبو متام خفيف" . الغىن

نفس صار الكرمي يدعى كرميا... فعلمنا أن ليس إال بشق الن؟ ، وزاد عليه ونقله من فن املدح إىل فن األدب، فقال ولقد أحسن املتنيب حني أخذ هذا املعىن من أيب متام

خمرجا ذلك خمرج املثل بسيط اجلود يفقر واإلقدام قتال... لوال املشقة ساد الناس كلهم

ومن التغاير تفضيل القلم على السيف، واملعتاد عكس ذل، ويدل عليه قول البحتري يف صاحب خراسان املعروف بابن هرمة بسيط

وعادة السيف أن يستخدم القلما... ء امللك راغبة تعنو له وزرا وما مسعت يف هذا املعىن مثل قول ابن الرومي بسيط

له الرقاب ودانت خوفه األمم... إن خيدم القلم السيف الذي خضعت ما زال يتبع ما جيري به القلم... فاملوت واملوت ال شيء يعادله

وف هلا مذ أرهفت خدمأن السي... كذا قضى اهللا لألقالم مذ بريت وغايره املتنيب فقال على الطريق املألوف بسيط

اجملد للسيف ليس اجملد للقلم... حىت رجعت وأقالمي قوائل يل فإمنا حنن لألسياف كاخلدم... أكتب هبا أبدا قبل الكتاب بنا

إال على املعاين املطروقة، وال فانظر إىل تقصري املتنيب يف املعاين وسبكها، وإىل كونه قليل االبتكار ال يتوكأ يرى فيها إال تابعا مقصرا، فإنه أخذ هذا املعىن من قول أيب متام بسيط

السيف أصدق أنباء من الكتبفإن حاصل بيت املتنيب مأخوذ من هذا الصدر، ليس يف بيته زائد على ما يف الصدر، سوى ما أخذه من ابن

:الرومي وقصر وهو قوله يف العجز حنن لألسياف كاخلدم فإمنا

ألن ابن الرومي جعل السيوف خدما لألقالم، واملتنيب جعلها كاخلدم، وفرق بني عني الشيء وبشبيهه، وال إن بيت املتنيب كله مأخوذ من : إن صدر بيت املتنيب هو املأخوذ من صدر بيت أيب متام، فلم قلت: يقال

فتقر ملا قبله، أو لتقدمي ما بعده، ملا فيه من الضمائر صدر بيت املتنيب م: صدر بيت أيب متام، ألين أقولالظاهرة واملستترة اليت مىت أفرد ال يوجد فيه ما يعود عليه، فال يكمل معناه الذي أخذه من بيت أيب متام

حنن لألسياف كاخلدم فاكتب باألسياف قبل أن تكتب بنا، : حىت يقدر تقدمي العجز، فيصري تقدير البيت :ه قول أيب متاموحاصل هذا كل

السيف أصدق أنباء من الكتبمن الكتب اليت ال تكتب إال بالقلم، : السيف أصدق أنباء من القلم حىت قال: فلم يرض أبو متام أن يقول

والدواة والقرطاس، والكاتب املطلق اليد واللسان واجلنان فاحلظ الفرق بني كالمه، وكالم املتنيب لتعلم .مقدار ما بينهما

:اير ابن الرومي الناس يف إبطال فائدة التناسي حيث قال خفيفوقد غ مبشيب اللدات واألتراب... ومعز عن الشباب مؤس من مصاب يشيبه ومصاب... قلت ملا انتحى يعد أساة

ما هبم ما هبم وما يب ما يب... ليس تأسو كلوم غريي كلومي :فإنه غاير القائل طويل

ولكن مىت ما شئت جاوبين مثلي... بعده ولوال األسى ما عشت يف الناس .وأمثاله كثري، وكل ما أتيت به مما غاير فيه الشعراء بعضهم بعضا

:وأما ما يغاير الشاعر فيه نفسه، فكقول الفرزدق طويل إىل السيف تستبكي إذا مل تعقر... ؟أمل تسمعا يا بين حكيم حنينها

.مل يعقرها للضيفانفذكر أن إبله حتن إىل السيف إللفها به إذا :وقال يصفها باجلزع من املوت طويل

ضمورا على جراهتا ما جيريها... ترى النيب من ضيفي إذا ما رأينه :وهذا من قول بعض الشعراء ميدح رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم كامل

عزل نوائح أن هتب مشال... وأبيك حقا إن إبل حممد فدموعهن على اخلدود سجال.. .وإذا رأين لدى الفناء غريبة

إذا هبت الشمال، وهي من ريح الشتاء، وهبوهبا من عالمات احملل، أيقنت هذه اإلبل : يقول هذا الشاعر: أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ينحرها للضيفان واجلريان، فهي نوائح لذلك، واستعار هلا لفظة عزل

وإذا رأين ناقة : هم، أي هي ال متانع؛ مث قال يف البيت الثاينمن الرجال الذين ال سالح معهم يدفعون به عنغريبة عرفن أهنا ناقة ضيف فتذرى كل واحدة دمعها ال تدري أهي املنحورة أم غريها؟ وقوله حقا بعد

القسم ليست من احلشو الذي تسد به األبيات إلقامة الوزن، وإمنا هي مؤكدة لصدق القسم، إذ املدح يف ى اهللا عليه وسلم، ولو كان يف غريه لكانت حشوا ال يفيد إال إقامة الوزن، وهذا من دقيق ما رسول اهللا صل

يف الشعر، وهو من لطيف املدح، وقل كل مدح يف حق رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، ومثل هذا التتميم ل بسيطالذي وقع هلذا الشاعر رضي اهللا عنه يف املدح تتميم وقع لألخطل يف اهلجاء حيث قا

حىت حيالف بطن الراحة الشعر... وأقسم اجملد حقا ال حيالفهم ومن التغاير ما قاله زبان بن منظور الفزري، وقد اتفق مع النابغة على الغزو، فوقعت جواده على النابغة،

:فتطري هبا ورجع، ومضى زبان فغنم وسلم، فقال النابغة وافر و الثبورعلى متطري وه... تعلم أنه ال طري إال

أحايينا وباطله كثري... بلى شيء يوافق بعض شيء جييء به نعي أو بشري... ومن ينزح به ال بد يوما

ال هامة " فغاير النابغة معظم العرب يف ذلك، وأعجبين مقاله ملوافقته قول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم " .وال طرية وال صفر

.احدوهذه أمثلة التغاير يف املعىن الووأما تغاير املعنيني املتضادين فإن الترجيح بينهما راجع إىل النظر يف مفردات األلفاظ وتركيبها لتعلم كم يف

فما كانت حماسنه، : كل كالم منهما من ضروب العيوب، وأنواع احملاسن، ويقابل كل ضرب بضرب مثلهاء الدين بن األثري، ووعدت يف أول أكثر وعيوبه أقل كان أفضل من اآلخر، وهذا هو الذي أشار إليه ضي

هذا الباب بذكره، فإنه أيضا غاير النقاد يف هذا املكان، إذ عادهتم أال يرجحوا بني الكالمني إال إذا اشتركا .يف معىن واحد واهللا أعلم

بلعي ماءك وقيل يا أرض ا: " ومثال ما تقع فيه املفاضلة بني الكالمني املختلفي املعىن قول اهللا سبحانه وتعاىلاآلية، فإن األوىل يف الطبقة العليا من البالغة " إن اهللا يأمر بالعدل واإلحسان : " وقال عز وجل"

والفصاحة، والثانية يف الطبقة الوسطى بالنسبة إليها، ألن الثانية وإن كانت بليغة فاألوىل أبلغ، وإن كنت د االثنني مغايرا خمتلفا، وعلى هذا فقس ترشد واهللا كثرية املعاين، فاألوىل أكثر، فاألوىل أفضل مع كون مقص

.عز وجل أعلم ؟

باب الطاعة والعصيان

:هذا النوع استنبطه أبو العالء املعري عند نظره يف شعر أيب الطيب املتنيب وشرحه له من قوله طويل ويعصي اهلوى يف طيفها وهو راقد... يرد يدا عن ثوهبا وهو قادر

وهو أن يريد املتكلم معىن من معاين البديع، : عصيان، أعين املعري، وفسره بأن قالومساه الطاعة والفيستعصي عليه لتعذر دخوله يف الوزن الذي هو آخذ فيه، فيأيت موضعه بكالم غريه يتضمن معىن كالمه،

نيب، فإنه ويقوم به وزنه، وحيصل به معىن من البديع غري املعىن الذي قصده، كهذا البيت الذي ذكرته للمت :أراد أن يكون يف البيت مطابقة، فيحتاج ألجلها أن يقول

يرد يدا عن ثوهبا وهو مستيقظ :حىت إذا قال

ويعصي اهلوى يف طيفها وهو راقدلتضمنه معناه، فإن القادر ال يكون إال . يكون يف البيت مطابقة فلم يطعه الوزن فأتى بقادر مكان مستيقظ

هذا . يف البيت الطباق، وأطاعه اجلناس، ألن بني قادر وراقد جتنيس عكس مستيقظا، وزيادة فقد عصاهكالم املعري على هذا البيت، وهذا املعىن من البديع، ومل يأت بشاهد غريه، وتبعه الناس بعد، فأثبتوا هذا

يعهم الباب وتكلموا فيه مبثل هذا الكالم، واستشهدوا هبذا البيت، ومل يأت أحد منهم بغريه، وأضربوا مجعن النظر فيه، إما حلسن ظنهم باملعري وموضعه من األدب، واعتقادهم فيه العصمة من اخلطإ والسهو فيه،

.وإما أن يكونوا قد مر عليهم ما مر عليه يف هذا البيتوالذي ذهب عليهم أن البيت ليس فيه شيء أطاع الشاعر، وال شيء عصاه، ودليل ذلك أن قول املعري

مستيقظا، ليحصل منها ومن لفظة راقد طباق، فعصته لفظة مستيقظ المتناعها من الدخول يف إن املتنيب أراديرد يدا عن : هذا الوزن، فيحكم على املتنيب، ألنه لو أراد أن يكون يف بيته طباق فحسب، كان له أن يقول

يكون عصاه شيء ثوهبا وهو ساهر أو ساهد، وحيصل له غرضه من الطباق باجلمع بني ساهر وراقد، وال وأطاعه غريه وإمنا املتنيب قصد أن يكون يف بيته طباق وجناس، فعدل عن لفظة ساهر وساهد إىل لفظة قادر، ألن القادر ساهر وزيادة، إذ ليس كل ساهر قادرا، والقادر ال بد أن يكون ساهرا، ليحصل بني قادر وراقد

منه جناس العكس، : عنوي، كما أن اجلناس أنواعمنه امل: طباق معنوي، وجناس عكس، ألن الطباق أنواعوكما مل يأت بأول نوع من اجلناس، كذلك مي يأت بأول نوع من الطباق، وهو الطباق اللفظي، وأتى

بالطباق املعنوي، ألن مذهبه ترجيح املعاين على األلفاظ، ال سيما وبالعدول عن الطباق اللفظي حصل يف ا كان فيه طباق وجناس أفضل مما ليس فيه سوى الطباق فقط، ولو عدل البيت الطباق واجلناس معا، وم

املتنيب إىل ما ذكره املعري من اإلتيان بشاهد مثال لفاته هذا الفضل، وأتى يف بيته ما دل على عدم تدقيق ا، واهللا النقد، إذ يأيت فيه بأول نوع من الطباق، ومل يقابله بأول نوع من اجلناس، مع ثبوت نيته اجلمع بنيهم

.أعلمفقد تبني من هذا البحث أن بيت املتنيب هذا ال يصلح أن يكون شاهدا على هذا الباب، ألنه مل يعصه فيه

شيء ومل يطعه غريه، وال بد إذ قد أثبت هذا الباب لرشاقة تسمية من اإلتيان بشاهد يليق به؛ والذي يليق به :من الشواهد قول عوف بن حملم السعدي سريع

قد أحوجت مسعي إىل ترمجان... ثمانني وبلغتها إن الألنا نعلم أن أول ما يقصده املتكلم إخراج معناه يف لفظ مساو له، إذ هو خري ضروب البالغة لكونه

.وسطها، وخري األمور أوسطها، ولذلك وصف به كالم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلملم قوال فصال، ال فضال وال تقصريا؛ وقالت أم معبد يف ويتكلم جبوامع الك: قال هند بن أيب هالة يف صفته

حلو املنطق فصل ال نزر وال هذر، كأن منطقه خزرات نظم يتحدرن، وهذا املعىن بلفظه : صفة كالمه أيضا :أخذه ذو الرمة فقال طويل رخيم احلواشي ال هراء وال نزر... هلا بشر مثل احلرير ومنطق ادة على اللفظ أو النقص منه اضطرارا، فقد عصته املساواة وأطاعه غريها مما يأيت فإذا اضطر الوزن إىل الزي

يف كالمه من البديع بعد الزيادة والنقص الذي استقام هبما الوزن، بشرط أن يكون عدوله عن املساواة إىل .غريها من البديع اضطرارا ال اختيارا

كون املساواة عصته إال يف ظن من يرى ظاهر كالمه فيجد فيه وقد يعدل املتكلم عن املساواة اختيارا، وال تما يوهم بأنه زيادة، ويكون عدوله ملعىن أجل من املساواة، فيكون قد أطاعه ذلك املعىن، ومن ذلك يف

فإن ظاهر اللفظ يوهم أن لفظة باحلق مستغىن عنها، " قل رب احكم باحلق : " الكتاب العزيز قوله تعاىلسبحانه ال حيكم إال باحلق، فإنه قد ثبت أنه موصوف بالعدل بالدليل العقلي، فعدل عن للعلم بأن اهللا

املساواة، وأتى هبذه الزيادة ليضمن الكالم ضربا من احملاسن يسمى االفتنان، فإن املراد تعجيل ما يستحقه

ن من يستحق الكفار من العذاب، ولذلك حصل يف الكالم افتنان، وهو اجلمع بني األدب واهلجاء، أل .الدعاء عليه بالعقوبة ملوم، واهللا أعلم

وقد أفردت هلذه اآلية الكرمية تأليفا استخرجت منها ستة عشر ضربا من البديع، خفت من سياقتها يف هذا الكتاب من اإلطالة، فعلى هذا يكون مراد عوف يف بيته الذي قدمناه عند ما وقع املعىن يف نفسه، وقصد

إن الثمانني قد أحوجت مسعي إىل ترمجان، وعلم أن الوزن ال يستقيم : ة إىل الفعل أن يقولإخراجه من القوإال بزيادة كلمة على ذا اللفظ املساوي معناه، فأتى هبا متضمنة معىن الدعاء للمدوح، ليحصل هبا يف الكالم

ملعىن تاما، وليكون عوضا ضرب من البديع، وهو التتميم، نظرا إىل نقص الوزن، والتكميل نظرا إىل كون اإن : مما فاته من املساواة حذقا منه، ولو أتى هبا ال يفيد إال إقامة الوزن فحسب، كانت عيبا فليسوغ أن يقال

يف هذا البيت طاعة وعصيانا، لكون الشاعر عصته فيه املساواة اليت قصدها وقت الشروع يف سبكه وبنيته، كل بيت من شواهد التتميم، وقع التتميم الذي فيه زائدا على معناه غري وأطاعه التتميم، وعلى هذا يكون

.متمم لنقصه شاهدا للطاعة والعصيان، ومثل هذا هو تتميم الوزن ال تتميم املعىن، واهللا أعلم

باب التسميط

كقول وهو أن يعتمد الشاعر تصيري بعض مقاطع األجزاء، أو كلها يف البيت على سجع خيالف قافية البيت، :مروان بن أيب حفصة طويل

أجابو، وإن أعطوا أطابوا، وأجزلوا... هم القوم إن قالوا أصابوا، وإن دعوا فأتت بعض أجزاء هذا البيت مسجعة على خالف قافيته، لتكون القافية مبنزلة السمط، واألجزاء السجعة

التسميط والتفويف، تسجيع بعض مبنزلة حب العقد، لكون التسميط جيمع حب العقد ويربطه، والفرق بني أجزاء بيت التسميط، وخلو كل أجزاء بيت التفويف من السجع بتة، واملراد بأجزاء التسميط بعض أجزاء

.التقطيع، ويسمى تسميط التبعيضومن التسميط نوع آخر يسمى تسميط التقطيع، وهو أن يسجع مجيع أجزاء التفعيل على روى خيالف روى

يطالقافية، كقويل بس من مقمر مسفر عن منظر حسن... وأمسر مثمر مبزهر نضر

فجاءت مجيع أجزاء التفعيل يف هذا البيت من سباعيها ومخاسيها مسجعة على خالف سجعة اجلزء الذي هو .قافية البيت، واهللا أعلم

باب املماثلة

وما أدراك ما : " ه وتعاىلوهو أن تتماثل ألفاظ الكالم أو بعضها يف الزنة دون التقفية، كقول اهللا سبحانفالطارق والثاقب وحافظ متماثالت يف الزنة دون " الطارق النجم الثاقب، إن كل نفس ملا عليها حافظ

التقفية، وقد تأيت بعض ألفاظ املماثلة مقفاة من غري قصد، ألن التقفية يف هذا الباب غري الزمة، كقول امرئ

:القيس متقارب تفتر عن ذي غروب خصر... فتور القيام، قطوع الكالم

وريح اخلزامى، ونشر القطر... كأن املدام، وصوب الغمام إذا غرد الطائر، املستحر... يعل به برد أنياهبا

:وكقول الشاعر على أصل الباب يف التزام الزنة دون التقفية متقارب رأيت العقول بدا طيشها... صفوح، كرمي، رصني إذا به اخضر ملا سقى عيشها. ..نداه سحوح على أنفس

.والبيت األول أردتوالفرق بني املماثلة واملناسبة توايل الكلمات املستويات يف املماثلة، وتفارقها يف املناسبة ومن أمثلة املماثلة

:قول أيب ذؤيب وافر شآمية، إذا جليت مروح... معتقة، مصفقة، عقار

لكالم يف الزنة، وهذا البيت من أقوى دليل على أن التقفية معتقة، مصفقة، شآمية متماثلة لتساوي ا: فقوله .يف املماثلة غري الزمة، إذ لو كانت الزمة ألتى بشآمية على سجع معتقة مصفقة

ومثله قول . لكنه ملا مل يأت بأول العجز على سجع أول الصدر، علم أن التقفية يف هذا الضرب غري الزمة :أوس بن حجر متقارب

يكاد خيرب بالغائب... و مأقط مليح، جنيح، أخ

باب التجزئة

وهو أن الشاعر جيزئ البيت من الشعر مجيعه أجزاء عروضية، ويسجعها كلها على رويني خمتلفني، جزء جيزء، إىل آخر البيت األول من اجلزأين، على روى خمالف لروى البيت، والثاين على روى البيت كقول

" :رمل " الشاعر ية خطراهتا، دارية نفحاهتاهندية حلظاهتا، خط

:ومثال الثاين الذي سجع كل ثان من أجزائه زائدا على قافيته قول أيب متام طويل وطاب به مثدي، وأورى به زندي... جتلى به رشدي، وأثرت به يدي

وكقول املتنيب بسيط والرب يف شغل؛ والبحر يف خجل... فنحن يف جذل، والروم يف وجل

أحدمها تقسيم بيتها على ثالثة أجزاء مسجعة إن كان سداسيا، أو : تسميط من وجهنيوالتجزئة تفارق ال .أربعة مسجعة إن كان مثانيا

.والثاين التزام السجع يف األجزاء على قافية البيت واهللا أعلم

باب التسجيع

صورة يف عدد وهو أن يتوخى املتكلم أو الشاعر يف أجزاء كالمه، بعضها غري متزنة بزنة عروضية وال حممعني، بشرط أن يكون روي األسجاع روي القافية، والفرق بينه وبني التسميط كون أجزائه على روى قافيته، وبينه وبني التجزئة اختالف زنة أجزائه، وجميئها على غري عدد حمصور معني، ومثاله قول أيب متام

:طويل ه زنديوطاب به مثدي، وأورى ب... جتلى به رشدي، وأثرت به يدي

:وقول ديك اجلن كامل ب كرميه، حمض النصاب صميمه... حر اإلرهاب ومسيه، بر اإليا

واألجزاء املسجعة من هذا البيت اليت هي بعض أجزائه غري متزنة زنة عروضية، وإن متاثلت يف زنة بعضها وأتت مفرقا ما بينها، لبعض، والفرق بينه وبني املماثلة، كون أجزائه املسجعة اتزنت زنة غري زنة عروضية،

وأتى تسجيعها على روي بيتها، خبالف أجزاء املماثلة، وتسجيع أجزاء املماثلة على غري روي بيتها واهللا .أعلم

باب الترصيع

الترصيع كالتسجيع يف كونه جيزئ البيت إما ثالثة أجزاء إن كان سداسيا، أو أربعة إن كان مثانيا وسجع األول، وأكثر ما يقع اجلزءان املسجع واملهمل يف الترصيع مدجمني إال أن أسجاع على ثاين العروضني دون

التسجيع على قافية البيت، والفرق بينه وبني التسميط املسمى تسمي التبعيض أن املسجع من قسمي التسميط معا هي أجزاء عروضية، واملسجع من الترصيع أجزاء غري عروضية لوقوع السجع يف بعض

ومثال الترصيع قول أيب صخر من أناشيد قدامة بسيطاألجزاء، صفراء رعبلة يف منصب سنم... وتلك هيكلة خود مبتلة

كالدعص أسفلها خمضوبة القدم... عذب مقبلها خدل خملخلها حمض ضرائبها، صيغت على الكرم... سود ذوائبها، بيض ترائبها شبم يروي معانقها من بارد... مسح خالئقها، درم مرافقها صفرا مصفقة من رابئ ودم... كأن معتقة، يف الدن مغلقة

جرداء مهيبة، يف حالق مشم... شيبت مبوهبة، من رأس مرقبة إذا يكون توايل النجم كالنظم... خالط طعم ثناياها وريقتها

جلزء فهذا القسم من الترصيع حيسن أن يسمى الترصيع املدمج، ال، كل جزء مسجع من أجزائه مدمج يف االذي قبله فرقا بينه وبني ما ليس كذلك من الترصيع، فإن من الترصيع ما أجزاؤه املسجعة غري مدجمة فيما

قبلها، ومثاله قول مسلم بن الوليد بسيط أو حية ذكر، أو عارض هطل... كأنه قمر، أو ضيغم هصر

ما أن التسجيع يف التسميط على وهذا القسم من الترصيع بلتبس بالتسميط التباسا شديدا، والفرق بينهاجلزء األول من األجزاء العروضية، ويف الترصيع على ثاين العروضيني، أال ترى التسجيع من التسميط يف

بيت مروان جاء يف اخلماسي ملا كان من حبر طويل، وجاء التسجيع من الترصيع يف بيت مسلم يف اخلماسي اخلماسي أول اجلزأين من الطويل واخلماسي ثاين اجلزأين من أيضا ملا كان البيت من حبر البسيط، لكون

ويتنخل من ذلك أن الفرق بني التسميط . البسيط، وهذا الوضع مما يسأل عنه من يدعي هذا العلمأحدمها كن الترصيع يكون بأجزاء مدجمة وغريها، والتسميط ال يقع فيه اإلدماج : والترصيع من وجهني

.ألبتة

إدماج يف أجزائه من الترصيع يقع التسجيع منه يف ثاين العروضني، ومن التسميط يف أوهلما، والثاين أن ما ال .واهللا أعلم

باب التصريع

عروضي، وبديعي، فالعروضي عبارة عن استواء عروض البيت وضربه يف الوزن : التصريع على ضربني .الضرب يف زنتهواإلعراب والتقفية، بشرط أن تكون العروض قد غريت عن أصلها لتلحق

والبديعي استواء آخر جزء يف الصدر، وآخر جزء يف العجز يف الوزن واإلعراب والتفقيه، وال يعترب بعد ذلك أمر آخر، وهو يف األشعار كثري، ال مسا يف أول القصائد، وكثري ما يأيت يف أثناء قصائد القدماء؛ ويندر

ار دليل على غزر مادة الشاعر، وحكمه يف الكثرة والقلة جميئة يف أثناء قصائد احملدثني، ووقوعه يف األعشحكمن بقية أنواع البديع، إذ كل ضرب من البديع مىت كثر يف شعر مسج، كما ال حيسن خلو الكالم منه

غالبا، وكل ما جاء منه متوسطا من غري تكلف فهو املستحسن، وقد يأيت بعض أوائل القصائد مصمتا، ويأيت قسم مسوه تصريع التكميل، وقسم مسوه : وقد قسمه أهل الصناعة قسمني. ئها بعد ذلكالتصريع يف أثنا

تصريع التشيطر، ورأيت منهم من جعل هذا القسم الثاين بابا مفردا يسميه التشيطر من غري أن يضيف إليه .لفظة التصريع

:ومثال التصريع العروضي قول امرئ القيس طويل وهل يعمن من كان يف العصر اخلايل... بايل أال عم صباحا أيها الطلل ال

:ومثال التصريع البديعي قوله يف أثناء هذه القصيدة يقود بنا بال ويتبعنا بال... أال إنين بال على مجل بال

وقوله أيضا بعد تصريع أول القصيدة املعلقة، وإن كان إطالق التصريع عليها إطالقا بديعيا، ال عروضيا، إذ :العروضني مقفى ال مصرع طويل أوهلا عند

بصبح وما اإلصباح منك بأمثل... أال أيها الليل الطويل أال اجنلي :ومثال ما وقع يف أثناء القصيدة وأوهلا مصمت قوله متقارب

وماذا يضريك لو تنتظر... تروح من احلي أم تبتكر

فإن أول هذه القصيدة على أصح الروايتني ال يدعي القوم أين أفر. ..ال وأبيك ابنة العامري

:مث واىل التصريع بعد قوله تروح من احلي أم تبتكر

فقال أم القلب يف إثرهم منحدر... أمرخ خيامهم أم عشر

وفيمن أقام من احلي هر... وشاقك بني اخلليط الشطر قصائد واإلصمات يف والتصريع يف أثناء ال. وأهل البديع يسمون التقفية تصريعا، إذ ال يعتربون الفرق بينهما

أوائلها يستحسن من القدماء، ويستحسن من احملدثني، ألنه من العرب يدل على قوة العارضة وغزر املادة، وعدم الكلفة وختلية الطبع على سجيته، وهو من احملدثني دليل على قوة التكلف غالبا، وال حيسن التصريع

أال ترى إىل ... ع إىل ابتداء شعر غري الشعر الذي تقدم ألنه ال يأيت منهم إال مقصودا، وال حيسن التصريكون امرئ القيس ملا فرغ من ذكر احلماسة يف القصيدة الرائية اليت ذكرنا منها األبيات املتقدمة، وشرع يف

.ذكر النسيب صرع، وإذا استقريت أشعارهم وجدت أكثرها كما ذكرت لك

باب التشطري

مث يصرع كل شطر من الشطرين، لكنه يأيت بكل شطر خمالفا لقافية هذا أن يقسم الشاعر بيته شطرين، اآلخر ليتميز من أخيه، فيوافق فيه االسم املسمى، وذلك كقول مسلم بن الوليد بسيط

كأنه أجل، يسعى إىل أمل... موف على مهج، يف ومي ذي رهج وكقول أيب متام بسيط

هللا مرتقبهللا مرتغب، يف ا... تدبري معتصم، باهللا منتقم وعندي أن بيت أيب متام أوىل من بيت مسلم هبذا الباب، ألنه عمد إىل كل شطر قدره بيتا وصرعه تصريعا

صحيحا، وبيت مسلم شطره األول مصرع تصريعا صحيحا، وشطره الثاين ليس مبصرع ملخالفة روي يصرع فيه أحد الشطرين ضرب : وسطه روي آخره يف اإلعراب، اللهم إال أن جيعل الشطر على ضربني

.واهللا أعلم. دون اآلخر، وضرب يصرعان فيه معا

باب التعليل

وهو أن يريد املتكلم ذكر حكم واقع، أو متوقع فيقدم قبل ذكره علة وقوعه، لكون رتبة العلة أن تقدم الكتاب فسبق " لوال كتاب من اهللا سبق ملسكم فيما أخذمت عذاب عظيم : " على املعلول، كقوله سبحانه

، فوجود رهطه علة يف سالمته " ولوال رهطك لرمجناك : " وكقوله تعاىل. من اهللا علة يف النجاة من العذابلوال أخاف أن أشق على أميت ألمرهتم بالسواك عند كل : " من قومه، وكقول الرسول صلى اهللا عليه وسلم

.مر بالسواك عند كل صالةفخوف املشقة على األمة هو العلة يف التخفيف عنهم من األ" صالة :ومن األمثلة الشعرية يف ذلك قول البحتري متقارب

أذم الزمان وأشكو اخلطوبا... ولو مل تكن ساخطا مل أكن :فوجود سخط املمدوح هو العلة يف شكوى الشاعر الزمان، وكقول أيب القاسم بن هانئ األندلسي طويل

ت أدري علة للتيممملا كن... ولو مل تصافح رجلها صفحة الثرى فعلل درايته علة التيمم مبصافحة رجل صاحبته صفحة الثرى وهذا من غلو ابن هانئ املعروف فلحى اهللا

أما : إنه مل يدر علة التيمم إال مبا ذكر، وقد وردت علة التيمم من نص الكتاب والسنة: غلوه كيف يقولوجعلت يل : " نص السنة فقوله صلى اهللا عليه وسلم وما" فتيمموا صعيدا طيبا : " نص الكتاب فقوله تعاىل .وحديث عمار بن ياسر يف التيمم مشهور وأخرجه مسلم" األرض مسجدا وطهورا

أراد ابن هانئ اإلغراب يف هذا املعىن، فوقع فيما عادته أن يقع فيه من الغلو، وأحسن من قوله قول ابن :حيث قال وافر" وجعلت يل األرض مسجدا وطهورا " : رشيق القريواين يف تعليل قوله عليه السالم

ومل كانت لنا طهرا وطيبا... سألت األرض مل جعلت مصلى حويت لكل إنسان حبيبا... فقالت غري ناطقة ألين

فتخلص مما وقع فيه ابن هانئ لكونه ذكر أنه سأل األرض عن العلة اليت بسببها جعلها اهللا تعاىل لرسوله سجدا وطهورا، وتلطف يف استخراج علة مناسبة ال حرج عليه يف ذكرها بنفسه، فكيف وقد عليه السالم م

ذكرها على لساهنا يف جواب سؤاله، وأبو متام الذي فتح له باب هذا املعىن ونبهه على استخراج هذه العلة :بقوله طويل

إىل الغيث حىت جادها وهو هامع... ربا شفعت ريح الصبا بنسيمها حبيبا فما ترقا هلن مدامع... سحاب الغر غينب حتتها كأن ال

والبيت الثاين، أردت ألن أبا متام تلطف ملعناه غاية التلطف، إذ جعل دوام مطر السحاب على هذا الربا إمنا كان مبنزلة البكاء من ثاكل دفن حمبوبا له، فهو دائم البكاء على قربه، فكأنه جعل العلة يف دوام السقيا كون

بيب حتت تلك األرض املسقية، ومن هاهنا جعل ابن رشيق العلة يف كون األرض مسجدا وطهورا لكافة احلالناس الذين بعث إليهم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم كوهنا حوت لكل بشر حبيبا، وهذه كلها أمثلة

قدم املعلول على العلة الكالم الذي جاء على وجهه يف تقدمي علة حكمه على احلكم، وأما ما جاء منه مت إغرابا وطرفة، فكقول مسلم بن الوليد بسيط

جنى حذارك إنساين من الغرق... يا واشيا حسنت فينا إساءته

فإن هذا البيت مل يسمع يف هذا الباب مثله، ألنه مسلما أغرب يف معناه بتلطفه يف حتسني إساءة الوشي، اعه من البكاء حلذره منه، فغاير يف ذلك الناس، أعين استحسان إلجنائه إنسان عينه من الغرق بالدمع، المتن

اإلساءة، وكأنه سئل عن استحسانه إساءة الواشي، ففسر ذلك بنجاة إنسانه من الغرق، وأدمج يف هذا املعىن معىن االعتذار عن عدم البكاء، وتبيني العلة يف ذلك من جهة حذره من الواشي حببه، ويف ذلك

حترس من توهم متوهم أن مجود عينه لغلبة جلده على حبه، وصربه على جزعه، إذ ذلك فضيحة حمبوبه، وامناف لصحة مذاهب الناس يف الغزل، وجاء يف ضمن ذلك اإلدماج باملبالغة، إذ مفهوم كالمه وملزومه أنه

لفظ الغرق، لوال حذره من الواشي لبكى بدمع يغرق إنسانه حبيث ال ينحسر عنه املاء أبدا، فإنه أطلق عليهوهذا حكم كل غريق، هذا إىل ما وقع يف البيت من مساواة معناه للفظه، وائتالفه معه ومع وزنه، وحصول املطابقة اللفظية فيه، وعذوبة ألفاظه، وسهولة سبكه، وقرب متناوله، وصحة داللته، ومتكني قافيته، فاشتمل

ب والطرفة، والتعليق، واإلدماج، واالحتراس، هذا البيت على ثالثة عشر نوعا من البديع، وهي اإلغراواملبالغة، والتعليل، واملطابقة، واملساواة، والتغاير، والتفسري، وائتالف اللفظ مع املعىن، وائتالف اللفظ مع الوزن، والتمكني، وقد تشبث القاضي السعيد رمحه اهللا بأذيال مسلم يف هذا املعىن، وأحسن ابتاعه باختيار

:نواع حيث قال خفيفبعض هذه األ فهي مشكورة على التقبيح... علمتين هبجرها الصرب عنها

فاجلامع بني هذا البيت والبيت الذي قبله وقوع اإلحسان من اإلساءة، فبيت السعيد وإن شارك بيت مسلم تفسري يف املساواة، والتعليق، وائتالف اللفظ مع املعىن، وائتالف اللفظ مع الوزن، ومتكني القافية، وال

والتعليل، فقد أعوزه اإلغراب واملغايرة واملطابقة واالحتراس واإلدماج واملبالغة، على أن صريح بيت :السعيد مأخوذ من قول القائل منسرح

رق فيا بردها على كبدي... أعتقين سوء ما صنعت ال؟ أحسن سوء قبلي إىل أحد... فصرت عبدا للسوء فيك وما

ا من أحسن ما مسع، وأكمل وأمنت شعر وأفضل، ولوال اإلفراط يف اإلطالة بينت وهذان البيتان يف معنامه مانيهما، واهللا أعلم

باب التطريز

وهو أن يبتدئ املتكلم أو الشاعر بذكر مجل من الذات غري مفصلة، مث خيرب عنها بصفة واحدة من الصفات وات يف كل مجلة متعددة تقديرا واجلمل مكررة حبسب العدد الذي قدره يف تلك اجلملة األوىل، فتكون الذ

متعددة لفظا والصفة الواحدة املخرب هبا عن تلك الذوات متعددة لفظا، وعدد اجلمل اليت وصفت هبا :الذوات ألعدد الذوات عدد تكرار واحتاد ال تعداد تغري، وذلك كقول ابن الرومي وافر

عجاب يف عجاب يف عجاب... أموركم بين خاقان عندي صالب يف صالب يف صالب... رون يف رؤوس يف وجوه ق

:وكقوله وافر خليق أن يلقب باخللوق... وتسقيين وتشرب من رحيق

عقيق يف عقيق يف عقيق... كأن الكأس يف يده وفيها :ومثل ذلك قول القائل، وأنا أشك هل هو أليب نواس أو ابن املعتز وافر

يق يف شقيقشقيق يف شق... فثويب واملدام ولون خدي

باب التوشيع

هو من الوشيعة، وهي الطريقة يف الربد املطلق، فكأن الشاعر أمهل البيت كله إال آخره، فإنه أتى فيه بطريقة .تعد من احملاسن

وهو عند أهل الصناعة عبارة عن أن يأيت املتكلم أو الشاعر ابسم مثىن يف حشو اجلز، مث يأيت تلوه بامسني وقد جاء . املثىن، يكون األخري منهما قافية بيته أو سجعة كالمه، كأهنما تفسري ذلك مفردين مها عني ذلك

: يشب ابن آدم وتشب فيه خصلتان: " من ذلك يف السنة ما ال يلحق بالغة، وهو قوله عليه السالم " .احلرص، وطول األمل

ومن أمثلة هذا الباب يف الشعر قول الشاعر بسيط يرثي يل املشفقان األهل والولد... صبا أمسى وأصبح من تذكاركم و

واعتادين املضنيان الوجد والكمد... قد خدد الدمع خدي من تذكركم الصرب واجللد: وخانين املسعدان... وغاب عن مقليت نومي لغيبتكم القلب والكبد: وحتته املضرمان... ال غرو للدمع أن جتري غواربه

الذئب واألسد: ا الضاريانينتاهب... كأمنا مهجيت شلو مبسبعة الروح واجلسد: فدى لك الباقيان... مل يبق غري خفي الروح يف جسدي

وهذه األبيات جيدة، لو مل يقع يف البيت األول منها تقصري عما جيب يف مثله على الطريقة احملمودة من ل من يشكو حمنة قد رثى ، فإنه ليس من الكالم البليغ قو" يرثي يل املشفقان : " طرائق النسيب حيث قال

يل املشفق منها، وأبلغ منه قول من يقول رثى يل العدو ورق يل الصخر، وأشباه ذلك وما بشعر قلته يف هذا املعىن من بأس، وهو بسيط

احلب واحلجر: رثى يل القاسيان... يب حمنتان مالم يف هوى هبما وق والفكرالش: أودى يب املرديان... لوال الشفيقان من أمنية وأسى

وحيسن أن يسمى ما وقع يف بييت تطريف التوشيع، إذ وقع التوشيع يف طريف كل بيت يف أوله وآخره، واهللا .أعلم

باب العكس والتبديل

وهو أن يأيت الشاعر إىل معىن لنفسه، أو لغريه فيعكسه، فمثال ما عكس الشاعر من املعاين لغريه قول أيب :وافر العتاهية يشبه الرايات بالسحاب

متر كأهنا قطع السحاب... ورايات حيل النصر فيها :فعكسه علي بن اجلهم فقال يشبه السحابة بالرايات طويل

جنود عبيد اهللا ولت بنودها... فمرت تفوق الطرف حىت كأهنا

وهو من صفات الذم، فقال اهللا سبحانه ! وما أدري كيف وصف ابن اجلهم جنود ممدوحه بالتويل يف احلرب: وقال علي عليه السالم وقد قيل له ورثي عيه درع وهي صدر بال ظهر" . فال تولوهم األدبار : " عاىلوت

أال وقيت ظهرك، فقال إن وليت فال وألت هذا اإلنكار وقع مين على ما روى يل عنه، فإن الذي روى يل لى الراوي، ومن هذا القسم البيت له ذكر أن عبيد اهللا املذكور فيه هو ممدوحه هبذه القصيدة، والعهدة ع

قول الشاعر بسيط وقد يكون مع املستعجل الزلل... قد يدرك املتأين بعض حاجته

فعكسه غريه فقال بسيط مع التأين وكان احلزم لو عجلوا... ورمبا فات بعض القوم أمرهم

:ومن القسم الثاين، وهو عكس الشاعر معىن نفسه قول األول خفيف كان للدر حسن وجهك زينا... نساء وإذا الدر زان حسن

:ومثله قول اآلخر طويل بأحسن مما زينتها عقودها... منعمة األطراف زانت عقودها

ولبعض الشعراء فيمن مدحه، فتغري عليه ومطله بسيط وقد تعفت معاين وجهه احلسن... ها قد غدا من ثياب الشعر يف كفن

ه حني يبصرينفصرت أعرض عن... وكان يعرض عين حني أبصره :ومن هذا الباب قول بعضهم وافر: والبيت الثاين أردت

فإين يف خياركم كثري... فإن أك يف شراركم قليال :ويروي للرشيد هارون متقارب

ودمعي بسرى منوم مذيع... لساين كتوم ألسراركم ولوال اهلوى مل تكن يل دموع... فلوال دموع كتمت اهلوى

:هو كقول أيب نواس كاملوالبيت الثاين أردت، وكأمنا قدح وال مخر... فكأمنا مخر وال قدح

:ومن مليح العكس والتبديل قول عبد اهللا بن الزبري األسدي وافر مبقدار مسدن له مسودا... رمى احلدثان نسوة آل حرب

ورد وجوههن البيض سودا... فرد شعورهن السود بيضا طابقة، وهو هبذا الباب أوىل ملا فيه من عكس مطابقة عجزه لصدره، وقد استشهد قوم هبذا البيت على امل

.وتبديل الطباق يف العجزما عليك من حساهبم من شيء وما من حسابك عيهم من " ومن باب العكس يف الكتاب العزيز قوله تعاىل

.واهللا أعلم" شيء

باب اإلغراق

غراق والغلو يف الكتاب العزيز، وال الكالم اإلغراق فوق املبالغة، ودون الغلو، وال يقع شيء من اإلالصحيح الفصيح إال مقرونا مبا خيرجه من باب االستحالة، ويدخله يف باب اإلمكان، مثل كاد وما جيري

.جمراها :ومن أمثلته قول ابن املعتز طويل

فطارت هبا أيد سراع وأرجل... صببنا عليها ظاملني سياطنا

ظاملني يعين أهنا استفرغت جهدها يف العدو، فيما ضربناها إال ظلما، وال : لهفموضع اإلغراق من البيت قوظاملني ملا حسن قوله فطارت ولكنه بذكر الظلم : جرم أهنا خرجت من الوحشية إىل الطريية، ولو مل يقل

:قاربوقد أنشد بعض املؤلفني بيتني يف هذا الباب مستحسنا هلما ومها مت. صارت االستعارة كأهنا حقيقة شديد اجلدال دقيق الكلم... أليس عجيبا بأن امرأ

سوى علمه أنه ما علم... ميوت وما علمت نفسه وعندي أن هذين البيتني ليس فيهما إغراق ألبتة، بل لو قيل إهنما ليس فيهما مبالغة ملا رد هذا القول، ألن

نه ميوت وما علم سوى ذلك من الشاعر أخرب عن نفسه أو نفس من قصده بذلك أنه عارف جبهله، وأإنه : نفسه، وهذا أصدق الشعر الذي استحسنه أكثر الفحول، وجاءت أكثر أشعارهم عليه، ولو كان قال

ميوت وما علم جبهله لكان ذلك إغراقا، فال تثبت له مبالغة إال بوجه بعيد، وذلك أنه أثبت لنفسه اجلهل يكون عاملا بشيء ما، فنفيه كل العلم عنه وهو يعلم بعضه إمنا احملض، ونفى عنها العلم بتة، وهو ال بد وأن

.هو من جهة املبالغة :ويل يف هذا املعىن بيت من أبيات ما به من بأس، وهو من أمثلة الباب طويل

فمن يل بأن تدري بأنك ال تدري... جهلت ومل تعلم بأنك جاهل املبالغة هو باإلغراق أوىل، وقد أشرت إىل ذلك وبيت امرئ القيس يف صفة النار الذي قدمت ذكره يف باب

:متقدما عند ذكره وهو طويل بيثرب أدىن دارها نظر عايل... تنورهتا من أذرعات وأهلها

باب الغلق

وقد رأيت من ال يفرق بني الغلو واإلغراق، وجيعل التسميتني لباب واحد، وعندي أن معىن البابني خمتلف اإلغراق أصله يف النزع، وأصل الغلو بعد الرمية، وذلك أن الرامي ينصب غرضا كاختالف امسيهما، إال أن

يقصد إصابته، فيجعل بينه وبينه مدى ميكن معه حتيقي ذلك الغرض، فإذا مل يقصد غرا معينا، ورمى السهم الرمية غلوة فالغلو إىل غاية ما ينتهي إليه حبيث ال جيد مانعا مينعه من استيفاء السهم قوته يف البعد مسيت هذه

مشتق منها، وملا كن اخلروج عن احلق إىل الباطل يشبه خروج هذه الرمية عن حد الغرض املعتاد إىل غري وهو ال يعد من " قل يا أهل الكتاب ال تغلوا يف دينكم غري احلق : " حد مسي غلوا، قال اهللا سبحانه وتعاىل

كقد لالحتمال، ولو ولوال لالمتناع، وكاد للمقاربة، وأداة احملاسن إال إذا اقترن به ما يقربه من احلق،

.التشبيه، وآلة التشكيك، وأشابه ذلك من القرائن اللفظيةحق وباطل، فاحلق فحص اإلنسان عن : وقد يكون الغلو حقا من جهة املعىن، كالغلو يف الدين، فإنه قسمان

الباطل، كقول النصارى يف : اجلالل، والغلو إمنا الزهد يف: دينه، وإفراط ورعه وحترجه، كقول بعضهم .املسيح عليه السالم

دليل على أن من الغلو ما هو حق، وهو ما أشرنا إهلي، وإن " ال تغلوا يف دينكم غري احلق " ويف قوله تعاىل كان الغلو يف الدين دين اهللا قد يكون يف بعض األحايني حقا فالتوسط خري منه كقول رسول اهللا صلى اهللا

" .خري األمور أوساطها " عليه وسلم :ومن شواهده املستحسنة قول مهلهل وافر

صليل البيض تقرع بالذكور... فلوال الريح أمسع من حبجر

إن هذا البيت أكذب بيت قالته العرب، وإن بيت امرئ القيس يف صفة النار أقرب منه إىل احلق، : وقد قيلحاسة : ترافه ببعد مسافة النار، وأهنا مل يدهنا إال النظر العايل، وقالواألن فيه ما خيلص به من الطعن وهو اع

البصر أقوى من حاسة السمع، ألن أقوى مسع وأصحه إمنا يسمع أعظم صوت من ميل واحد، بشرط محل الريح ذلك الصوت إىل جهة السامع يف الليل عند هدوء األصوات وسكون احلركات، وحاسة البصر تبصر

فافة، واألجسام الصقيلة، واألجرام املضيئة من بعد يتجاوز احلد بغري واسطة، ورؤية النريان اجلواهر الشالعظيمة املرتفعة مواقدها للناظر املرتفع مكانه ممكنة من البعد ما مل مينع من ذلك ضوء النهار، وحيول خمروط

زر أعدادها من مسرية ثالثة ظل األرض دوهنا، وقد كانت زرقاء اليمامة ترى اجليوش خيلها ورجلها، وحتأيام، وتنذر به قومها، ويقع األمر على ما أخربت به، وقد تواتر اخلرب عنها بذلك، وضرب هبا املثل، وقد تقدم ذكر النابغة هلا يف قصة احلمام، فلهذا رجحوا بيت امرئ القيس على بيت مهلهل، وعندي أن بيت

ئ القيس على شرطهم، فإهنم شرطوا أن كل كالم مهلهل أقرب إىل الصدق واالستحسان من بيت امرجتاوز املتكلم فيه حد املبالغة إىل اإلغراق والغلو، واقترن مبا يقربه من اإلمكان خرج من حد االستقباح إىل حد االستحسان، وقد تقدم يف بيت مهلهل لوال، وهي من احلروف اليت زعموا أن الكالم باقترانه هبا يبعد

س يف بيت امرئ القيس شيء من ذلك، مع أنه قد صرح يف البيت الذي قبله أن النار إمنا من العيب بتة، ولي، وضوء النهار مينع من " تشب لقفال : " شبت يف وجه النهار، عند رجوع املغرية، من املغار حيث قال

ستحالة، رؤية النريان والكواكب ومجيع األجرام املضيئة، وهذا القدر يدخل بيت امرئ القيس يف باب االمع خلوه مما يقربه من اإلمكان، والبيت الذي هو عندي من عيوب هذا الباب جمليء اإلفراط فيه غري مقترن مبا خيلصه به من ذلك، وليس مما حيتمل تأويال يقربه من الصدق ميت النمر بن تولب الذي يشبه فيه نفسه

بالسيف حيث قال بسيط اد سيف صقيل أثره بادأسب... أبقى احلوادث واأليام من منر بعد الذراعني والساقني واهلادي... تظل حتفر عنه إن ضربت به

:وقد تأول بعضهم هذا البيت تأويال لو صح ختلص به قائله من العيب، وهو أن قوله

بعد الذراعني والساقني واهلاديضروب ال أعضاء الضارب، مل يرد أنك حتفر عنه بعد حفرك على هذه األعضاء، ألنه مل يرد إال أعضاء امل

يعين بعد قده الذراعني والساقني واهلادي، وهذا عندي ال خيلصه، فإنه على هذا التأويل مل خيرج عن كونه والذي هو أقرب منه حبيث ال جيوز أن يؤتى به يف باب الغلو وال خيرج عن كونه . غلوا غري مقترن مبا خيلص

:مبالغة قول النابغة يف صفة السيوف طويل ويوقدن يف الصفاح نار احلباحب... قد السلوقي املضاعف نسجه ت

وما جتاوز حد املبالغة فهو غلو، ال سيما وهو غري مقترن، وإذا ثبت أن بيت النابغة أحسن أحواله أن يعد من املبالغة ال من اإلغراق، وأن بيت النمر قد جتاوز حدث فهو من الغلو وملا كان ما جاء من الغلو

وجاء بيت النمر غري . ال يكون إال باقترانه مبا تقدم، وما جاء منه غري مقترن كان مستقبحامستحسنا، .واهللا أعلم. مقترن علم أنه من الغلو املستقبح

باب القسم

وهو أن يريد الشاعر احللف على شيء، فيحلف مبا يكون له مدحا، وما يكسبه فخرا، أو ما يكون هجاء .و جاريا جمرى التغزل والترققلغريه، وأو ويعدا له، أ

:فأما األول فمثاله قول األشتر النخعي كامل ولقيت أضيايف بوجه عبوس... بقيت وفرى واحنرفت إىل العال مل ختل يوما من هناب نفوس... إن مل أشن على ابن هند غارة

القسم، وكقول أيب على وأبيات األشتر تضمنت فخرا له، ووعيدا لغريه، فحصل فيها األفتان مقترنا ب :البصري كامل

وهدمت ما شادته يل أساليف... أكذبت أحسن ما يظن مؤملى قدما من اإلتالف واإلخالف... وعدمت عادايت اليت عودهتا

متحكم فيه ومال واف... وصحبت أصحايب بعرض معرض وقريت عذرا كاذبا أضيايف... وغضضت من نارى ليخفي ضوؤها

تضحى قذى يف أعني األشراف... ى علي خلة وإن مل أشن عل

:وقد يقسم الشاعر مبا يزيد املمدح مدحا، كقول القائل كامل ومجيل بشرك بالنجاح يبشر... آثار جودك يف اخلطوب تؤثر فكفرت نعمتك اليت ال تكفر... إن كان يل أمل سواك أعده

:وأما ما جاء من القسم يف النسيب فكقول الشاعر طويل فال ذاق من جيين عليه كما جيين... وجتىن والفؤاد مطيعه جىن

فال نظرت عيين وال مسعت أذين... فإن مل يكن عندي كعيين ومسمعي

.ومما جاء يف الغزل من القسم قول ابن املعتز بسيط قدت له من عذارية محائله... ال والذي سل من جفنيه سيف ردى ضا وال ساملت قليب بالبلهغم... ما صارمت مقليت دمعا وال وصلت

.وهذا أحسن ما وقع يف الغزل من القسم، إذ القسم واملقسم عليه كله داخل يف باب الغزل :ومن أحسن ما مسعت يف القسم على املدح قول ابن خرداذبة طويل

ومن مرج البحرين يلتقيان... حلفت مبن سوى السماء وشادها أثبت من إدراك كل عيانب... ومن قام يف املعقول من غري رؤية

عقائل مل تعقل هلن ثوان... ملا خلقت كفاك إال ألربع وتقليب هندي وحبس عنان... لتقبيل أفواه وإعطاء نائل

.وإذا انتهيت إىل بالغة الكتاب العزيز، انتهيت إىل هناية البالغةنه قسم يوجب الفخر لتضمنه فإ" فورب السماء واألرض إنه حلق مثل ما أنكم تنطقون : " ومنه قوله تعاىل

التمدح بأعظم قدرة، وأكمل عظمة للحاصل من ربوبية السماء واألرض، وحتقق الوعد بالرزق، حيث أخرب سبحانه أن الرزق يف السماء، وأنه رب السماء، فيلزم من ذلك قدرته على الرزق املوعود به دون

، وأما ما حصل من اإليغال إذ قال يف الفاصلة غريه، فعلم أن ال رازق سواه، وأنه ال حيرم رزقه من خلقهفمثل هذا الوعد مبا هو واقع معلوم ضرورة ال يرتاب منها " مثل ما أنكم تنطقون : " سبحان بعد متام املعىنأقسم سبحانه حبياة نبيه صلى اهللا عليه وسلم " لعمرك إهنم لفي سكرهتم يعمهون : " أحد، وكقوله تعاىل

ده، ومكانته لديه سبحانه، وأخربه بعد القسم حبياته أن املعرضني عنه يف سكرهتم ليعرف الناس عظمته عنقد نعلم إنه : " وقوله" وال حيزنك الذين يسارعون يف الكفر : " تسلية له، كما قال له يف غري موضع

وغاية ، وهذه هناية احملبة" ليحزنك الذي يقولون فإهنم ال يكذبونك ولكن الظاملني بآيات اهللا جيحدون إن ال : " املالطفة، إذ فداه بآيته، وقد كانوا كذلك، فإنه روى أن أبا جهل قال للنيب صلى اهللا عليه وسلم

.واهللا أعلم" نكذبك، ولكن نكذب ما جئت به

باب االستدراك والرجوع

ذلك، فمن وقسم ال يتقدمه. قسم يتقدم االستدراك فيه تقرير ملا أخرب به املتكلم وتوكيد: وهو على قسمني :هو ابن الرومي: أمثلة األول قول القائل وافر

فكانوها ولكن لألعادي... وإخوان ختذهتم دروعا فكانوها ولكن يف فؤادي... وخلتهم سهاما صائبات

لقد صدقوا ولكن من ودادي... وقالوا قد صفت منا قلوب ن أودعت عنده وديعة فادعى ضياعها فقال ومل أمسع يف هذا الباب أحسن من أبيات ابن الدويدة املغريب فيم

:فيه كامل ضاعت ولكن منك يعين لو تعي... إن قال قد ضاعت فيصدق أهنا

وقعت ولكن منه أحسن موقع... أو قال قد وقعت فيصدق أهنا " :رمل " ومن هذا الباب قول القاضي األرجاين، وهو لطيف جدا

اللحم العظاما كسوة أعرت عن... غالطتين إذ كست جسمي ضىن مثل عيين صدقت لكن سقاما... مث قالت أنت عندي يف اهلوى

:والبيت الثاين أردت، وقد لطف القائل يف شكوى الزمان طويل ولكن على قدر الشعري حيمحم... ويل فرس من نسل أعوج سابق علوا ولكن عند من أتقدم... وأقسم ما قصرت فيما يزيدين

ألول من االستدراك وأما شواهد القسم الثاين منه، وهو الذي ال يتقدم هذه كلها شواهد القسم ا :االستدراك فيه تقرير وال توكيد، فمثله قول زهري طويل

ولكنه قد يهلك املال نائله... أخو ثقة ال هتلك اخلمر ماله

باب االستثناء

قد فرغ النحاة من ذلك مفصال لغوي وصناعي، فاللغوي؛ إخراج القليل من الكثري، و: االستثناء استثناءان .يف كتبهم

الصناعي هو الذي يفيد بعد إخراج القليل من الكثري معىن زائدا، يعد من حماسن الكالم، يستحق به اإليتان يف أبواب البديع، ومىت مل يكن يف االستدراك واالستثناء معىن من احملاسن غري ما وضعا له، ال يعدان من

.البديع :قول زهري طويلفمن االستدراك

ولكنه قد يهلك املال نائله... أخو ثقة ال هتلك اخلمر ماله :ألن العرب كانت تعد إتالف املال يف اخلمر من املدح البليغ، قال شاعرهم كامل

شريب مخر مسعر حلروبل، فإنه لو اقتصر على صدر البيت دل على أن ما له موفور، وتلك صفة ذم، فاستدرك ما يزل هذا االحتما

قالت األعراب آمنا قل مل تؤمنوا ولكن : " وختلص الكالم للمدح احملض، ومن ذلك يف القرآن قوله تعاىللكان فيه تنفري لكوهنم ظنوا اإلقرار " ومل تؤمنوا : " فإنه سبحانه لو اقتصر على قوله" قولوا أسلمنا

ا استدركه، ليعلمهم أن حقيقة اإلميان بالشهادتني من غري اعتقادمها إميانا، فأوجبت البالغة أن يستدرك مفلما تضمن االستدراك " وملا يدخل اإلميان يف قلوبكم : " موافقة اجلنان للسان بالتصديق، بدليل قوله

.إيضاح ما أشكل عليهم عد من احملاسن، إذ صار الكالم به موصوفا حبسن البيان ملا أقام من احلجة عليهمإمنا ذكرته هاهنا ملا ذكرت أن االستدراك واالستثناء الصناعيني ال بد أن وهذا من الباب الذي قبل هذا، و

.يكون يف كل واحد منهما معىن زائد غري ما وضع له يدخله يف احملاسنفإن يف هذا الكالم معىن زائدا على " فسجد املالئكة كلهم أمجعون، إال إبليس : " واالستثناء كقوله تعاىل

ظيم أمر الكبرية اليت أتى هبا إبليس من كونه خرق إمجاع املالئكة، وفارق مجيع مقدار االستثناء، وذلك تعأمر امللك بكذا وكذا فأطاع أمره : املإل األعلى، خبروجه مما دخلو فيه من السجود آلدم، وذلك مبثابة قولك

ا يعظم أمر معصيته، مجيع الناس من أمري ووزير إال فالنا، فإن اإلخبار عن معصية هذا العاصي هبذه الصيغة ممأمر امللك بكذا وكذا فعصاه فالن، ويف ضمن ذلك وصف اهللا سبحانه : ويفخم مقدار كبريته خبالف قولك

ومثال ذلك قوله . وتعاىل بالعدل فيما ضربه على إبليس من خزي الدنيا وحتمه عليه من عذاب اآلخرةيف اإلخبار عن املدة هبذه الصيغة هتويال على فإن" فلبث فيهم ألف سنة إال مخسني عاما : " سبحانه وتعاىل

السامع لتمهيد عذر نوح عليه السالم يف الدعاء على قومه، وحكمة اإلخبار عن املدة هبذه الصيغة تعظيم املدة لكون أول ما يباشر السمع ذكر األلف، واختصار اللفظ، فإن لفظ القرآن أخصر من قولنا تسعمائة

قدرت اللفظتني، فألن لفظ القرآن يفيد حصر العدد املذكور، وال حيتمل الزيادة سنة ومخسون عاما كيفما عليه، وال أن ينقص منه، فإن إخبارك عمن سكن دار ثالثني يوما، بأنه سكن عشرين يوما صادق ألنه سكن

قوله وك. سكن أربعني إال عشرة أيام، فإن هذا اللفظ ال حيتمل الزيادة: العشرين وزيادة، خبالف قولكفأما الذين شقوا ففي النار هلم فيها زفري وشهيق، خالدين فيها ما دامت السموات واألرض إال ما " سبحانه

شاء ربك إن ربك فعال ملا يريد، وأما الذين سعدوا ففي اجلنة خالدين فيها ما دامت السموات واألرض إال الشقاء يعم املؤمن العاصي، والكافر فإنه سبحان هذا ملا علم أن وصف" ما شاء ربك عطاء غري جمذوذ

إن ربك " املسيء، استثىن من حكم خبلوده يف النار بلفظ مطمع، حيث أثبت االستثناء املطلق وأكده بقوله، ، أي أنه ال اعتراض عليه يف إخراج أهل الشقاء من النار، وملا علم أن أهل السعادة ال " فعال ملا يريد

عطاء غري جمذوذ : " هم بعد االستثناء مبا يرفع احتمال االستثناء، حيث قالخروج هلم من اجلنة، أكد خلود .أي غري منقطع، ليعلم أن عطاءه هلم اجلنة غري منقطع، وهذه املعاين زائدة على االستثناء اللغوي"

:من أمثلة االستثناء البديعي يف الشعر قول النمريي طويل ال أن تصد تراينخللتك إ... فلو كنت بالعنقاء أو بأطومها

إنين لو كنت يف حال : فإن هذا االستثناء يتضمن زيادة مدح املادح املمدوح، وذلك أن هذا الشاعر يقولالعدم البحت ألن العرب تضرب املثل بالعنقاء لكل شيء متعذر الوجود خللتك متمكنا من رؤييت، ليس لك

.مغالب، وهذا هناية املدحمانع مينعك منها إال من جهتك، فأنت يف القدرة على غري :وكقول أيب نواس طويل

عفا آيه إال خوالد جون... ملن طلل عاري احملل دفني

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي

لنثر: كتاب لشعر وا ا التحبري يف صناعة حترير األصبع: املؤلف بن أيب ا

فهذا االستثناء تضمن تعظيم الشاعر ملا فيه من تعظيم أحبائه، ودل على شرف نفسه وعلو مهته، إذ ال يسمو إال حلب الكرماء من الناس، وذلك أنه استثىن من آيات الطلل ذكره اخلوالد اجلون وهو يريد األثايف،

فكونه وصفها باخللود يدل على عظمها دليل على عظم القدور، وعظم القدور دليل على عظم الكرم، وأكد ذلك جبعلها جونا أي سودا لكثرة الوقود عليها، وإن كان اجلون يطلق على األبيض واألسود ولكن

اد، وهذا مثل قول عمر بن القرينة هاهنا خلصته إىل السواد فتم للشاعر من الفخر إىل أه هلذا الطلل ما أر :أيب ربيعة طويل

أبوها وإما عبد مشس وهاشم... بعيدة مهوى القرط إما لنوفل ومن االستثناء نوع وقع يل فسميته استثناء احلصر، وهو غري االستثناء الذي خيرج القليل من الكثري، كقول

:القائل طويل ذبوعنك وإال فاحملدث كا... إليك وإال ما حتث الركائب

ال حتث الركائب إال إليك، وال يصدق احملدث إال عنك، : فإن خالصة هذا البيت قول الشاعر للممدوحال مينع " فلبث فيهم ألف سنة إال مخسني عاما : " وال حيصل هذا احلصر من االستثناء األول، فإن قوله تعاىل

له ورهطه، لوال مراعاة الصدق، وألن إال مخسني عاما وعاما، لوال توخي الصدق يف اخلرب، وقو: أن يقالكل : الصيغ اليت قدرها املعترض ال يقع مثلها يف الكالم الفصيح، فإهنا عبارة أهل العي والفهه، فإن قلت

االستثناء موضوع للحصر، فال اختيار هلذا االستثناء على األول، وما قدرته يف االستثناء األول يلزم مثله يف الذي ميز هذا االستثناء : منه التقدمي والتأخري، وأتيت بالكالم على استقامته، قلتهذا االستثناء إذا أزلت

هو ما فيه من التقدمي والتأخري، فإنه على الصورة اليت جاء عليها يفيد حصرا أشد من حصر : على األول .واهللا أعلم. جنس االستثناء كله

باب االشتراك

فاملعيب املعنوي كقول : سمني معيب، وغري معيب وحسنمعنوي ولفظي، وكل من هذين الق: وهو قسمان :الفرزدق طويل

أبو أمه حيي أبوه يقاربه... وما مثله يف الناس إال مملك فإن لفظة حي مشتركة بني ضد امليت وبني القبيلة، فلما مل مييز بينهما يف البيت بقرينة، أو ما خيلصه من

عيبا، على أن البيت معيب من وجه آخر، وهو تعسف السبك، االشتراك وال يبينه فيما بعد عد اشتراكا م .وقد مضى ذكره

:ومثال املعنوي الذي ليس مبعيب وال حيسن قول كثري طويل إيل ومل يشعر بذاك القصائر... وأنت اليت حببت كل قصرية

قصار اخلطى شر النساء البحاتر... عنيت قصريات احلجال ومل أرد فلو اقتصر على البيت األول كان االشتراك معيبا، لكنه ملا أتى بالبيت الثاين زال فإن لفظة قصرية مشتركة،

العيب فبقي االشتراك ليس مبعيب وال حبسن، والذي منعه أن يعد حسنا ما يف البيتني من التضمني، فإن .ذلك جعل له منزلة بني منزلتني

ىن واحد، إذا شارك األخري األول اشتراكا يوجبه وأما االشتراك احلسن املعنوي فهو اشتراك الشاعرين يف مع .له دون األول، كسائر املعاين اليت يتناوهلا الشعراء بعضهم من بعض

وأما االشتراك اللفظي الذي ليس مبعيب مثل اشتراك الناس يف مفردات األلفاظ، فإهنا ليس أحد أحق هبا من تضمنت معىن من معاين النفس، أو معاين اللفظ عد أد، فال يعد االشتراك يف األلفاظ املفردة سرقة، فإن :تناوهلا سرقة، ومثال األول قول أيب نواس طويل

وحتسر حىت ما تقل جفوهنا... ترى العني تستعفيك من ملعاهنا :فلفظة االستعفاء مشتركة بينه وبني األبريد يف قوله يرثي أخاه أو ابنه طويل

من األجر يل فيه وإن عظم األجر... وقد كنت أستعفي اإلله إذا اشتكى فمثل هذا هو االشتراك احلسن ومن االشتراك احلسن اشتراك الشاعرين أو الشعراء يف عمل شعر، وتسميه

ملط أنصاف : العرب التمليط حبيث يصنع كل واحد قسيما، كما حكى عن امرئ القيس والتوءم إذ قال له :أبيات آتيك هبا، مث قال وافر

هب وهنا أحار ترى بريقا :فقال التوءم

كنار جموس تستعر استعارا :فقال امرؤ القيس

أرقت له ونام أبو سريج :فقال التوءم

إذا ما قلت قد هدأ استطارا :وأما االشتراك املعيب فكقول األسود بن يعفر يف صفة الفرس كامل

قيد األوابد والرهان جواد... مبقلص عبل جهري شده

:رك بني األسود وامرئ القيس يف قولهفلفظ قيد األوابد مشت قيد األوابد هيكل

.وهذا الضرب مما يعد سرقة لتضمن اللفظ معىن اإلرداف ال سيما والبيتان من باب الوصف للفرسواالشتراك الذي ليس مبعيب وال حبسن تناول الشاعر اللفظ املتضمن معىن من معاين البديع حبيث ينقله من

مثال يف غري صفة الفرس وهذا وإن مل يقع فذكره " قيد األوابد " يت املتكلم بلفظ فنن إىل فن، وذلك أن يأ .مثال يقاس عليه

.وكل هذه األقسام اليت قدمت ذكرها ليست من البديع يف شيء، وإمنا هي أقسام أحد ضريب االشتراك :وأما الضرب الثاين منه، وهو الذي يتعلق بكتابنا، فهو مثل قول امرئ القيس طويل

غذاها منري املاء غري احمللل... كبكر مقاناة البياض بصفرة وقول ذي الرمة بسيط

كأهنا فضة قد مسها ذهب... كحالء يف برج صفراء يف دعج فوقوع االشتراك بينهما يف وصف املرأة بالصفرة، غري أن األول شبه الصفرة ببيضة النعام، واآلخر بالفضة

أهل املدر، متأخر الزمان، وقد رأى اخللف وامللوك التشبيه العريب إىل التشبيه املموهة، فنقل الثاين لكونه من .امللوكي

والفرق بني االشتراك اللفظي الذي ليس مبعيب وبني اإليضاح أن االشتراك يف األلفاظ، واإليضاح يف .واهللا أعلم. املعاين

يه بعد إتياين به لغريي غريته باب مسيته هذا الباب مما ظننت أنين استخرجته ومل أسبق إليه، فلما عثرت علباب الفرائد فلينزل موضعه؟ ويعد هذا يف أبواب من تقدمين، وموضعه بعد باب االستثناء، وقد أتيت

.بالباب، فلينقل باب االشتراك إىل موضعه

باب التلفيف

زم كلمة املعىن الذي وهو أن يقصد املتكلم التعبري عن معىن خطر له أو سئل عنه، فيلف معه معىن آخر يالوما تلك بيمينك يا موسى، : " سئل عنه، كقول اهللا تعاىل خمربا عن موسى عليه السالم وقد قال سبحانه لهوكقول الرسول عليه السالم " قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش هبا على غنمي ويل فيها مآرب أخرى

ه السؤال عن ماء البحر هال جتوز به الطهارة؟ إنا نركب البحر، فحوا: وقد سئل عن البحر يف حديث أوله .هو الطهور ماؤه احلل ميتته: فقال

باب مجع املختلفة واملؤتلفة

رأيت من املؤلفني من فسر هذه التسمية مبا ال يليق هبا، وقد استشهد عليها بشواهد من جنس ما فسر به، تفسريي، وكذلك فعلت يف أكثر فاطرحت ذلك وفسرهتا مبا يليق واستشهدت عليها بشواهد مطابقة ل

.األبواب، ومن وقف على كتايب وكتب الناس يف هذا الشأن علم صدق دعواىإهنا عبارة عن أن يريد الشاعر التسوية بني ممدوحني، فيأيت مبعان مؤتلفة يف : والذي أقول يف هذه التسمية

ساء يف أخيها، وقد أرادت مدحهما، ويروم بعد ذلك ترجيح مبعان ختالف معاين التسوية، كقول اخلن :مساواته بأبيها مع مراعاة حق الوالد بزيادة فضل ال ينقص هبا حق الولد كامل

يتعاوران مالءة احلضر... جاري أباه فأقبال ومها صقران قد حطا إىل وكر... ومها وقد برزا كأهنما

لزت هناك العذر بالعذر... حىت إذا نزلت القلوب وقد ال أدري: قال اجمليب هناك... أيهما وعال هتاف الناس

ومضى على غلوائه جيري... برقت صفيحة وجه والده لوال جالل السن والكرب... أول فأوىل أن يساويه

وأول من فتح باب هذا املعىن فيما أظن زهري حيث قال بسيط على تكاليفه فمثله حلقا... هو اجلواد فإن يلحق بشأومها

فمثل ما قدما من صاحل سبقا... من مهل أو يسبقاه على ما كان لكن لشعر اخلنساء من الفضل يف هذا املعىن ما ليس لغريه، وتداول الناس هذا املعىن بعدها، وابتذله

:الشعراء، فكان فيه أول تابع من املولدين أبو نواس حيث يقول منسرح دون مداه بغري ترهيق... مث جرى الفضل فانثىن قدما

غاية والنصل سابق الفوق... ما تراد به ال؟ فقيل راشا سه :وقال البحتري البن أيب سعيد الثغري كامل

ترك السماك كأنه مل يشرف... جد كجد أيب سعيد إنه للمعتدي وهي الندى للمعتفي... قامسته أخالقه وهي الردى

أخرى التقى شأواكما يف املنصف... فإذا جرى من غاية وجريت من

ي هذا خالف فيه معاين من تقدمه من أيب نواس واخلنساء وزهري، فإهنم رجحوا األول يف ومعىن البحترالفضل على الثاين ترجيحا ال ينقص من فضل الثاين وال يغض منه، والبحتري ساوى بني الثاين واألول من

:غري ترجيح، وكذلك قوله أيضا كامل خملدأدت إليك مشائل ابىن... وإذا رأيت مشائل ابىن صاعد

مل تعل رتبة فرقد عن فرقد... كالفرقدين إذا تأمل ناظر ومقطوعتا البحتري ليستا من شواهد هذا الباب ملا فيهما من املساواة دون الترجيح، وإمنا ساق ذكرمها

.ذكر املعىن الذي أمل به البحتري من املعىن األول، واهللا أعلمفيه بأمساء مؤتلفة مث يصفها بصفات خمتلفة، كقول الشاعر ومن مجع املختلفة واملؤتلفة ضرب يأيت الشاعر

بسيط بدر وبدر مساوي وأرضي... هللا ليلتنا إذ صاحباى هبا

هذا وهذا ربيع طبيعي... إن اهلوى واهلواء الطلق معتدال شرب املدام حجازي عراقي... بتنا مجيعا وكل يف السماع ويف دور منا مييين مشايلفال... أسقى وأسقي ندميا غاب ثالثنا

:ومن مجع املختلفة واملؤتلفة قو العباس بن األحنف طويل وعطفكم صد وسلمكم حرب... وصالكم صرم وحبكم قلى

.فإن الوصل واحلب، والعطف والسلم من املؤتلفة، والصرم والقلى والصد واحلرب من املختلفةوداود وسليمان : " ال يلحق سبقا وهو قوله تعاىل وقد جاء الكتاب العزيز من باب املختلفة واملؤتلفة مبعجز

ففهمناها سليمان وكال آتينا حكما . إذ حيكمان يف احلرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا حلكمهم شاهدينفإن القرآن ساوى بني داود وسليمان يف املنصب إذ أخرب أن كال منهما مرشح للحكم وأهل له، " وعلما

عنه بأنه سبحانه فهمه القضية القاطعة للحكم بالعدل، مث عاد إىل املساواة مراعاة مث رجح سلميان إذ أخربحلرمة الوالد وفضله على الولد بقضية صرح فيها باملساواة، إذ جعل فهم سليمان وجه املعدلة يف احلكم

ات مسوقا يف فناله فضل األبوة، فكان مبعىن اخلنساء الذي أخرجته مع فصاحتها وشدة بالغتها يف عدة أبي" آية وبعض أخرى، هذا إىل ما تضمن القرآن من الزيادة اليت مل تقع للخنساء، وهي النكتة يف قوله تعاىل

إذ مجع الضمري الذي أضيف إليه احلكم، ومن حقه أن يكون مثىن لعلمه سبحانه " وكنا حلكمهم شاهدين ، فأخرب أنه سبحانه شهد عليهما يف هذا احلكم، أن احلكم من نوادر األحكام املعادلة، ومثله يتبع ويعمل به

وعلى كل من حيكم به تشريفا حلكم العدل، وإن كان شهيدا على العدل واجلور، ولكنه سبحانه خيص تلك حدود اهللا ومن يطع اهللا ورسوله يدخله جنات جتري " العدل بشهادته تشريفا للعدل، كما قال تعاىل

نظرا ملن يعمل حبكم اهللا تعاىل يف الوصايا، ومن يتبعه، وأن حكم العدل " من حتتها األهنار خالدين فيها" ومن يعص اهللا ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها : " يقتدي به، واخلطأ ليس بقدوة، وهلذا قال

.واهللا أعلم ؟

باب التوهيم

ن املتكلم أراد تصحيفها، ومراده على وهو أن يأيت املتكلم يف كالمه بكلمة يوهم ما بعدها من الكالم أ :خالف ما يتومهه السامع فيها، كقول املتنيب متقارب

لتحسد أرجلها األرؤس... وإن الفئام اليت حوله فإن لفظة األرجل أومهت السامع أن لفظة الفئام بالقاف ال بالفاء، ومراد الشاعر الفئام بالفاء اليت هي

بالغة تقتضيه، إذ القيام بالقاف يصدق على أقل اجلمع من العدد، والفئام اجلماعات، هكذا روى البيت، واملاجلماعات، وأقل ما تكون كل مجاعة أقل اجلمع فمفهومها أكثر من مفهوم األول، وما يف ذكر القيام : بالفاء

:بالقاف من تعظيم املمدوح بقيام الناس على رأسه حاصل يف عجز البيت يف قوله سلتحسد أرجلها األرؤ

.فإن مفهوم ذلك قيام من عاد الضمري من أرجلها عليهومن التوهيم قسم آخر، وهو أن يأيت املتكلم بلفظة يوهم هبا أن يف كالمه حلنا، فإذا انتقد من جهة املعىن

وما من : " وجد فيه جناس من البالغة يصححه وميشيه على طريق اإلعراب، كقول الرسول عليه السالمفإن لفظة العشر توهم أهنا جاءت على " فيهن أحب إىل اهللا تعاىل من هذه األيام العشر أيام العمل الصاحل

.غري الصواب، إذ كانت مؤنثة، واملعدود هبا مذكر

واالنفصال عن هذا اإلشكال أنه ملا كان العمل يف العشر ال خيص األيام دون الليايل، واملراد التحضيض تيان مبا يدل عليهما فصرح بلفظ األيام ليدل هبا على ظرف الصيام، على العمل فيها، اقتضت البالغة اإل

وأبدل منها لفظا مؤنثا ليدل به على ظرف القيام، وملا كان لفظ األيام مؤنثا ساغ أن يبدل منه املؤنث لكون " قوله تعاىل و" أياما معدودات : " منها قوله تعاىل: الصناعة لفظية، وهلذا املوضع من البدل نظائر يف القرآن

: " وقد ختالف طريق اإلعراب ألجل صحة املعىن املراد، ويف ذلك قوله تعاىل" وتلك األيام نداوهلا بني الناس والقياس أن يكون ينصرون جمزومة ألهنا معطوفة على جمزوم، " وإن يقاتلوكم يولوكم األدبار مث ال ينصرون بدا ألغى العطف، وأبقى صيغة الفعل على حاهلا، لتدل على ولكن ملا كان املراد اإلخبار بأهنم ال ينصرون أ

.احلل واالستقبال، ولو جزم ملا دل إال على احلالومن التوهيم توهيم يوهم أنه طباق أو تورية، أو غري ذلك من احملاسن وليس عند التحقيق كذلك، كقول

:أيب متام طويل وهي من سندس خضرهلا الليل إال ... تردى ثياب املوت محرا فما أتى

محر، وخضر يوهم أن ذلك طباق، وليس بطباق، إذا األمحر ال يضاد األخضر، فهذا شاهد توهيم : فإن قوله .املطابقة

وأما شاهد توهيم التورية، فكقويل بسيط قليب فقدرت أن القوس موتور... رمى وال وتر عندي قوس حاجبه

قوس موترة ال موتورة، ألهنا : ورية، ألن الصحيح أن يقالفإن لفظة موتور توهم أن فيها تورية، وليست بت .من فعل رباعي، واملوتور هو الذي ثار لطلب وتره، والوتر والترة والتار مبعىن

" ومن يكرههن فإن اهللا من بعد إكراههن غفور رحيم : " وقد جاء من التوهيم يف القرآن الكرمي قوله تعاىلغفران والرمحة للمكره هلن، ومها يف احلقيقة هلن، وإمنا ظهر اللفظ يوهم يوهم أن ال" غفور رحيم " فإن لفظ

.واهللا أعلم. األول قبل التدبر

باب االطراد

وهو أن تطرد للشاعر أمساء متتالية يزيد املمدوح هبا تعريفا، ألهنا ال تكون إال أمساء آبائه تأيت منسوقة ى النظم، وال تعسف يف السبك، حبيث يشبه حتدرها صحيحة التسلسل غري منقطعة، من غري ظهور كلفة عل

باطراد املاء لسهولته وانسجامه، فمىت جاءت كذلك دلت على قوة عارضة الشاعر وقدرته، كقول األعشى :طويل

وأنت الذي ترجو حباءك وائل... أقيس بن مسعود بن قيس بن خالد : عجز البيت طويلوأحسن من هذا البيت قول دريد لكون األمساء املطردة جاءت يف

ذؤاب بن أمساء بن زيد بن قارب... قتلنا بعبد اهللا خري لداته .لوال القافية لبلغ به آدم: حىت قال عبد امللك بن مروان ملا مسع هذا البيت " :رمل " ومن هذا الباب قول احلارث بن دوس اإليادي

:ؤالء الشعراء بعض القائلني خفيفمن إياد بن نزار بن معد وقد أرىب على ه... وشاب حسن أوجههم ه وأعيت عليه كل العياء... من يكن رام حاجة بعدت عن؟ ن معاذ بن مسلم بن رجاء فلو مل يقع يف هذا البيت التضمني والفصل بني -؟فلها أمحد املرجى ابن حيىي ب؟

قبلي أمر هذا البيت، األمساء بلفظة املرجى لكان غاية ال تدرك، وعقلية ال متلك، هكذا أعظم املؤلفونوأثنوا عليه مبا حكيته عنهم، وعندي أنه دون بيت دريد بطبقات، وهي أن دريدا اطردت له أربعة أمساء

جزآن مخاسيان، وجزآن سباعيان، : سهلة السبك، مسلسلة األلفاظ بغري فصل يف أربعة أجزاء من الطويلة، من اخلفيف، مع الفصل والتكليف، والتضمني، وهذا الشاعر اطردت له مخسة أمساء يف ستة أجزاء سباعي

ويل يف هذا الباب بيت ال بأس به بسيط" حممد بن أيب بكر بن أيوب... أجل ملك إىل العلياء منسوب

.وهو وإن قلت األمساء فيه، إال أن كونه يف ابتداء القصيدة، وهو مصرع حيسن أن يكون من أمثلة البابد بأمساء إذا فصلت من اإلضافة استقل املضاف إليه بنفسه، وأما ما جاء وهذه شواهد ما جاء من االطرا

:االطراد فيه بأمساء إذا فصلت مل يستقل املضاف إليه بنفسه، فكقول أيب متام كامل ووردن ظل ربيعة املمدودا... طلبت ربيع ربيعة املمهى هلا

حصىن شيبانيها الصنديدا... بكريها علويها صعبيها ال؟ ميىن يديها خالد بن يزيدا... مريها مضريها ذهليها

نورا ومن فلق الصباح عمودا... نسب كأن عليه من مشس الضحى .واهللا أعلم. والبيتان األوسطان أردت

اجلزء الثالث

باب التكميل

ه وهو أن يأيت املتكلم أو الشاعر مبعىن من معاين املدح أو غريه من فنون إذا لشعر وأغراضه، مث يرى مدحباالقتصار على ذلك املعىن فقط غري كامل، فيكمله مبعىن آخر، كمن أراد مدح إنسان بالشجاعة ورأى

مدحه باالقتصار عليها دون الكرم مثال غري كامل، فكمله بذكر الكرم، أو بالبأس دون احللم، وما أشبههه، هم وحيبونه أذلة على املؤمنني أعزة فسوف يأيت اهللا بقوم حيب: " وقد جاء منه يف الكتاب العزيز قوله تعاىل

فانظر هذه البالغة، فإنه سبحانه وتعاىل علم وهو أعلم أنه لو اقتصر على وصفهم بالذلة " على الكافرين على املؤمنني وإن كانت صفة مدح، إذ وصفهم بالرياضة ألخواهنم املؤمنني واالنقياد ألمورهم كان املدح

بالعزة على الكافرين فأتى بوصفهم باالمتناع منهم، والغلبة هلم، غري كامل، فكمل مدحهم بأن وصفهم ومثال التكميل يف " حممد رسول اهللا والذين معه أشداء على الكفار رمحاء بينهم " وكذلك قوله سبحانه

:الشعر قول كعب بن سعد الغنوي طويل

مع احللم يف عني العدو مهيب... حليم إذا ما احللم زين أهله إذا ما احللم زين أهله احتراس، لواله لكان املدح مدخوال، إذ بعض : يم مدح حسن، وقولهحل: فقوله

التغاضي قد يكون عن عجز يوهم أنه حلم ، فإن التجاوز ال يكون حلما حمققا إال إذا كان عن قدرة، وهو بسيط: بن وابصةويعضد هذا التفسري قول سامل ا" إذا ما احللم زين أهله : " الذي قصده الشاعر بقوله

واحللم عن قدرة ضرب من الكرم... وحلم ذي العجز ذلك أنت عارفه فحاصل قول الغنوي أن ممدوحه حليم يف املوضع الذي حيسن فيه احللم، مث رأى أن املدح مبجرد احللم ال

كمل مدحه يكمل به املدح، ألن من مل يعرف منه إال احللم، رمبا طمع فيه عدوه ونال منه ما يذم بسببه، ف :بأن قال

مع احللم يف عني العدو مهيب .ولقد أحسن هذا الشاعر يف احتراسه يف صدر البيت وعجزه معا باحتراسني حسنني

، وأما الذي يف العجز " إذا ما احللم زين أهله : " أما الذي يف الصدر فقد تقدم تنبيهنا عليه، وهو قوله :فقوله

مع احللم يف عني العدو مهيب .هابة قد تكون مع اجلهلألن امل

:طويل: ومن مليح التكميل قول السموءل وال طل منا حيث كان قتيل... وما مات منا سيد يف فراشه

فإنه لو اقتصر على صدر البيت كان مدحا غري كامل، ألن موت اجلميع قتلى وإن اقتضى وصفهم بالصرب، :عن ذلك بأن قالفهو حيتمل أن يكون عن ضعف وقلة جد يف احلروب، فاحترس

وما طل منا حيث كان قتيلفإنه أبلغ وصف يف الشجاعة من التكميل يف النسيب قول كثري " حيث كان : " وأحسن من ذلك كله قوله

:كامل يف احلسن عند موفق لقضى هلا... لو أن عزة خاصمت مشس الضحى

عند حمكم لتم : تكميال ألنه لو قال عند موفق تكميل حسن، غال أنه دون األول، وإمنا كان مثل هذا: فقولهاملعىن، لكن يف قوله عند موفق زيادة كمل هبا حسن البيت، والسامع جيد هلذه اللفظة من املوقع احللو يف النفس ما ليس لألوىل، إذ ليس كل حمكم موفقا، فإن املوفق من احلكام من قضى باحلق ألهله، ويف ذلك

ن مشس الضحى، فيكون هبذه اللفظة مع التكميل مبالغة، والتكميل إشارة إىل أن عزة تستحق احلسن دو .هاهنا من تكميل املعاين النفسية ال تكميل املعاين البديعية وال الفنون

:ومن التكميل احلسن قول أيب احلسني املتنيب وافر وأسرع يف الندى منها هبوبا... أشد من الرياح اهلوج بطشا

على وصفه بشدة البطش دون أن يضيف إىل البطش الكرم كان املدح غري فإنه فطن إىل أنه لو أقتصر كامل، فكمل املدح يف عجز البيت بذكر الكرم، ومل يتجاوز يف ذلك كله وصفي الريح اليت شبه ممدوحه هبا

يف حاليت بطشه وكرمه، وما حسن بيت أيب الطيب إال ألنه أشرقت عليه أنوار أوصاف النبوة، فإنه نظر إىل كان رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أجود : " ديث الذي يرويه ابن عباس رضي اهللا عنهما حيث يقولاحل

" .الناس، وكان أجود ما يكون يف رمضان؛ كان كالريح املرسلة

وما وهم فيه املؤلفون يف املوضع أهنم خلطوا التكميل بالتتميم، إذ ساقوا يف باب التتميم شواهد التكميل، :هم ذكر قول عوف بن حملم السعدي سريعألن كال من

قد أحوجت مسعي إىل ترمجان... إن الثمانني وبلغتها من شواهد التتميم، ومعىن البيت تام بدون لفظة وبلغتها وإذا مل يكن املعىن ناقصا فكيف يسمى هذا

تتميم املعاين، فلو مسوا ، وإمنا هو تكميل، وما غلطهم إال من كوهنم مل يفرقوا بني تتميم األلفاظ و!!تتميمامثل هذا تتميما للوزن لكان قريبا، وإمنا ساقوه على أنه من تتميم املعاين البديعة ولذلك أتوا بقول املتنيب

:طويل يرى كل ما فيها وحاشاك فانيا... وحيتقر الدنيا احتقار جمرب

يف لفظة حاشاك بعد ذكر الفناء من يف باب التتميم، وهو مثل األول، وإن زاد على األول أدىن زيادة، ملا .حسن األدب مع املمدوح، ورمبا سومح بأن جيعل هذا البيت يف شواهد التتميم هلذه الشبهة

وأما األول فمحض التكميل، وال مدخل له يف التتميم اللهم إال أن يكون مرادهم بالتتميم تتميم الوزن، ال ل ماورد من احلشو احلسن سوءا كان متمما للمعىن أو مكمال تتميم املعىن، فيجوز هبذا االعتبار أن يسمى ك

.تتميما، ألنه به مت الوزن، ويكون من قسم تتميم األلفاظ، وما قدمناه من تتميم املعاين :ومن مليح التكميل قول النابغة الذبياين يف وصف محار وأتان وحشيني طويل

ظت جنادلوإن طلعا حزنا تش... فإن هبطا سهال أثارا عجاجة فإنه لو اقتصر على وصف صالبة حوافرمها باملشي يف السهل كان املدح هلما غري كامل، حىت يصفهما احلزن : باملشي يف احلزن، فال جرم أنه ملا أراد تكميل املدح وأوجبت عليه الصناعة أن يقول يف عجز البيت

صالبة احلوافر هذا ما نقلته من كالم السهل، فوصفهما مبا يوجب هلما بلوغ الغاية يف: كما قال يف صدرهالناس على هذا البيت، وفيه ما فيه، ألن االقتصار على وصفهما باملشي يف السهل، وهو يريد وصفهما

.بصالبة احلوافر، نقص تام يف املعىن املراد، فبقية البيت على هذا تتميم ال تكميلىن الناقص فيتممه والتكميل يرد على املعىن التام والفرق بني التتميم والتكميل أن التتميم يرد على املع

.فيكمله، إذ كان الكمال أمرا زائدا على التماموالتتميم ال يكون إال يف املعاين دون الفنون، أعين باملعاين معاين النفس، ال معاين البديع، اليت هي أنواعه،

عا، هذا إذا مل يرد بالتتميم تتميم الوزن وأعين بالفنون أغراض املتكلم ومقاصده، والتكميل يكون فيهما م .كما قدمت

ومن أحسن التكميل تكميل وقع يف قول شاعر احلماسة بسيط

مبا احتكمت من الدنيا ملا حادا... حد عنهم وخلهم : لو قيل للمجد .مبا احتكمت من الدنيا، من التكميل العجيب، واهللا أعلم: فقوله

باب املناسبة

مناسبة يف املعاين، ومناسبة يف األلفاظ، فاملعنوية أن يبتدئ املتكلم مبعىن مث يتمم كالمه : املناسبة على ضربنيال تدركه األبصار وهو يدرك األبصار وهو اللطيف : " مبا يناسبه معىن دون لفظ، كقول اهللا سبحانه وتعاىل

خطابا للسامع " وهو اللطيف : " فإنه سبحانه ملا قدم نفي إدراك األبصار له، عطف على ذلك قوله" اخلبري مبا يفهم، إذ معترف العادة أن كل لطيف ال تدركه األبصار أال ترى أن حاسة البصر ال تدرك إال اللون من

وهو : " كل متلون، والكون من كل متكون، فإدراكهما إمنا هو للمركبات دون املفردات، ولذلك ملا قالختصيصا لذاته سبحانه بصفات الكمال، ألن كل من أدرك " اخلبري" عطف على ذلك قوله " يدرك األبصار

قل أرأيتم إن جعل اهللا عليكم الليل سرمدا إىل : " شيئا كان خبريا بذلك الشيء، ومثل ذلك قوله عز وجلملا كان سبحانه هو اجلاعل األشياء على احلقيقة، " يوم القيامة من إله غري اهللا يأتيكم بضياء أفال تسمعون

ف إىل نفسه جعل الليل سرمدا إىل يوم القيامة، صار الليل كأنه سرمدا هبذا التقدير، وظرف الليل وأضاظرف مظلم ال ينفذ فيه البصر، ال مسيا وقد أضاف اإلتيان بالضياء الذي تنفذ فيه األبصار إىل غريه، وغريه

ري موجد، والليل كأنه ال موجود ليس بفاعل على احلقيقة، فصار النهار كأنه معدوم، إذ نسب وجوده إىل غملناسبة ما بني " أفال تسمعون : " سواه، إ جعل كونه سرمدا منسوبا إليه سبحانه فاقتضت البالغة أن يقول

قل : " السماع، والظرف الليلي الذي يصلح لإلمساع وال يصلح إلبصار ولذلك قال يف اآلية اليت تليهامدا إىل يوم القيامة من إله غري اهللا يأتيكم بليل تسكنون فيه أفال أرأيتم إن جعل اهللا عليكم النهار سر

تبصرون ألنه ملا أضاف جعل النهار سرمدا إليه صار النهار كأنه سرمد، وهو ظرف مضيء تنور فيه األبصار، وأضاف اإلتيان بالليل إىل غريه، وغريه ليس بفاعل على احلقيقة، فصال الليل كأنه معدوم، إذ

ه إىل غري موجد، والنهار كأنه ال موجود سواه، إذ جعل وجوده سرمدا منسوبا إليه، فاقتضت نسب وجودومنها . أفال تبصرون، إذ الظرف معىن صاحل لألبصار، وهذا من دقيق املناسب املعنوية: البالغة أن يقول

يف ذلك آليات أفال أومل يهد هلم كم أهلكنا من قبلهم من القرون مبشون يف مساكنهم إن : " قوله تعاىليسمعون، أومل يروا أنا نسوق املاء إىل األرض اجلرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفال

ومل يقل أومل يروا، " أومل يهد هلم " فانظر إىل قوله سبحانه يف صدر اآلية اليت املوعظة فيها مسعية " يبصرون " أو مل يروا " وكيف قال يف صدر اآلية اليت موعظتها مرئية " أفال يسمعون" وقال تعاىل بعد ذكر املوعظة

ورد اهللا الذين كفروا بغيظهم مل ينالوا خريا : " وكذلك قوله تعاىل" أفال يبصرون : " وقال بعد املوعظةؤمنني وكفى اهللا امل: " فإن الكالم لو اقتصر فيه على قوله" وكفى اهللا املؤمنني القتال وكان اهللا قويا عزيزا

أوهم ذلك بعض الضعفاء موافقة الكفار يف اعتقادهم أن الريح اليت حدثت كانت سبب رجوعهم، " القتال ومل يبلغوا ما أرادوا، ورمبا تومهوا أال تكون من عند اهللا وإمنا تقع اتفاقا كما جيري يف حروب املشركني

يعلم املؤمنني ويزيدهم يقينا وثباتا على أنه بعضهم لبعض، فأخرب يف فاصلة اآلية عن نفسه بالقوة والعزة، ل

الغالب املمتنع، وأن حزبه كذلك، وإمنا هو تنوع النصر للمؤمنني ليزيدهم إميانا بعميم قدرته، فينصرهم مرة بالقتال كيوم بدر، وتارة بالريح كيوم األحزاب، ومرة بالرعب كبين النضري، وطورا ينصر عليهم كيوم

م أن الكثرة ال تغين شيئا، وأن النصر من عنده كيوم حنني وأمثال ذلك يف الكتاب العزيز أحد، وحينا يعلمه .كثرية ملن استقراه

:ومن أمثلة املناسبة املعنوية يف الشعر قول املتنيب طويل غداة كأن النبل يف صدره وبل... على سابح موج املنايا بنحره

الوبل تناسبا معنويا صار البيت به متالمحا شديد مالءمة األلفاظ فإن بني لفظة السباحة، ولفظة املوج، ولفظة :وأحسن منه قول ابن رشيق القريواين طويل

من اخلرب املأثور منذ قدمي... أصح وأقوى ما رويناه يف الندى عن البحر عن جود األمري متيم... أحاديث ترويها السيول عن احليا

املعنوية، ألنه ناسب فيه بني الصحة والقوة، والرواية واخلرب املأثور، وهذا أحسن شعر مسعته يف املناسبة والقدم مناسبة معنوية إذ هذه األلفاظ يناسب بعضها بعضا، وكذلك ناسب يف البيت الثاين بني األحاديث

ت الثاين والرواية والعنعنة مناسبة معنوية أيضا، وأحسن من املناسبة الواقعة يف البيت األول ما وقع يف البيمن صحة ترتيب العنعنة حيث أتى هبا صاغرا عن كابر، وآخرا عن أول، كما يقع سند األحاديث، ألن

السيول فرع، واحليا أصله، ولذلك جعلها تروي عن احليا إذ هي مبنزلة الولد، وهو مبنزلة الوالد، وكذلك ا مبثابة الولد والبحر مبثابة الوالد، مث احليا فرع، والبحر أصله، ولذلك جعل احليا يروي عن البحر، إذ احلي

نزل البحر مبنزلة الولد، وجود املمدوح مبنزلة الوالد له لقصد املبالغة يف املدح، ولذلك جعل البحر راويا عن جود املمدوح، وهذا الذي تقتضيه الصناعة من األدب مع املمدوح وحسن املبالغة يف وصف جوده ويف

عنوية مالءمة، إال قدامة فإنه جعل املالءمة ائتالف ألفاظ الكالم باملعىن الذي املتكلم الناس من مسى املناسبة امللو كان موضع هذه غريها لكان الكالم مؤتلفا : آخذ فيه، وقصده بذلك أن يقال يف لفظة من ألفاظ املعىن

غريها من األلفاظ يويف مبا مبعانيه وألفاظه مالئمة له وما ذكرته من املناسبة فيه زيادة على هذا املقدار، إذ .قاله الناس يف تفسري االئتالف، ويزيد عليه زيادة معلومة عند أرباب النقد

تامة وغري تامة، فالتامة أن : وأما املناسبة اللفظية فهي توخي اإلتيان بكلمات متزنات، وهي على ضربني .الزمة للمناسبةتكون الكلمات مع االتزان مقفاة وأخرى ليست مبقفاة، فالتقفية غري ق والقرآن اجمليد بل عجبوا أن جاءهم : " ومن شواهد املناسبة اليت ليست بتامة يف الكتاب العزيز قوله تعاىل

ومن شواهد التامة يف السنة قول الرسول صلى اهللا عليه " منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب كما بكلمات اهللا التامة، من كل شيطان وهامة، ومن أعيذ" وسلم مما كان يرقي به احلسنني عليهما السالم

ومل يقل ملمة، وهي القياس، ملكان املناسبة اللفظية " المة " فقال النيب صلى اهللا عليه وسلم " كل عني المة واملستعمل موزورات، ألنه من الوزر " ارجعن مأزورات غري مأجورات " التامة؛ ومثله قوله عليه السالم

ظ به النيب صلى اهللا عليه وسلم مهموزا ملكان املناسبة اللفظية التامة، وهذا من الفصاحة غري مهموز فلف

.العجيبةإن أحبكم إيل وأقربكم : " وأما ما جاء من السنة من أمثلة املناسبة الناقصة، فكقوله صلى اهللا عليه وسلم

لى اهللا عليه وسلم بني أخالق وأكناف فناسب ص" مين جمالس يوم القيامة أحاسنكم أخالقا املوطئون أكنافا اللهم إين أسألك رمحة : " ومما مجع بني املناسبتني قوله عليه السالم يف بعض دعائه. مناسبة اتزان دون تقفية

هتدي هبا قليب، وجتمع هبا أمري، وتلم هبا شعثي، وتصلح هبا غائيب، وترفع هبا شاهدي، وتزكي هبا عملي، هبا ألفيت، وتعصمين هبا من كل سوء؛ اللهم إين أسألك الفوز يف القضاء، ونزل وتلهمين هبا رشدي، وترد

فناسب صلى اهللا عليه وسلم بني قليب وأمري، وغائيب " الشهداء، وعيش السعداء، والنصر على األعداء اسبة وشاهدي، مناسبة غري تامة بالزنة دون التقفية، مث ناسب بني القضاء والشهداء والسعداء واألعداء من

:تامة بالزنة والتقفية، ومن أمثلة املناسبتني الناقصة والتامة الشعرية قول أيب متام طويل قنا اخلط إال أن تلك ذوابل... مها الوحش إال أن هاتا أوانس

فناسب حبيب بني مها وقنا مناسبة تامة، وبني الوحش واخلط وأوانس وذوابل مناسبة غري تامة، وهذا البيت ت املناسبة ملا انضم إليها فيه من احملاسن، فإن فيه مع املناسبتني التشبيه بغري أداة واملساواة، من أفضل بيو

واالستثناء، والطباق الفظي، وائتالف اللفظ مع املعىن والتمكني، فأما املناسبة فقد ذكرناها، وأما التشبيه لى قرب املشبه من املشبه به، وأما مها وقنا، فإن التقدير كمها وقنا، فحذف األداة ليدل ع: ففي قوله

إال أن تلك ذوابل ليثبت للموصوفات التأنيس : إال أن هاتا أوانس وقوله: االستثناء البديعي ففي قولهوالتحبب، وينفي عنهن النفار والتوحش، وكذلك فعل يف االستثناء الثاين، فإنه أثبت به هلن اللني واللدونة؛

طالبة ففي قوله الوحش واألوانس، وهاتا وتلك فإن هاتا للقريب، وتلك ونفى عنهن ما يستهجن، وأما املللبعيد، وأما املساواة فألن لفظ البيت ال يفضل عن معناه، وال يقصر عنه، وأما االئتالف فلكون ألفاظه من

أما واحد متوسطة بني الغرابة واالستعمال، وكل لفظة منها الئقة مبعناها، ال تكاد يصلح موضعها غريها، والتمكني فألن قافية البيت مستقرة يف موضعها، غري نافرة من حملها، ومن غري أن يتقدمها شيء من لفظها

يدل عليها، كما يقع يف التوشيح والتصدير وقد غلط األمدي يف تغليط أيب متام يف هذا البيت، حيث زعم ها، واملعروف عند أهل اللسان ضد أنه نفى عن النساء لني القدود، معتقدا أن الرماح مسيت ذوابل للين

ذلك، ألن العرب تقول رمح ذابل إذا كان صلب الكعوب، ومن ذلك قوهلم ذبلت شفتاه إذا يبستا، وال نوارة ذابلة إذا جف ماؤها وأخذت : تعرف العرب الذابل إال اليابس الذي جفت رطوبته، ومن ذلك قوهلم

آلمدي باللغة، وأقعر منه مبعرفة اللسان العريب، ويقرب يف اليبس، وأوب متام ال يشك أحد أنه أبصر من ا :من هذا البيت قول البحتري طويل

وأقدم ملا مل جيد عنك مهربا... فأحجم ملا مل جيد فيك مطمعا فيك وعنك، ومطمعا ومهربا، إال أن مناسبة هاتني : فناسب بني أحجم وأقدم مناسبة تامة، وكذلك بني قوله

، وقد حصل يف هذا اللفظ أيضا املطابقة يف أحجم وأقدم، واملساواة واالئتالف والتمكني، اجلملتني غري تامةفقد استوى هو وبيت أيب متام فيما ذكرنا وزاد عليه بيت أيب متام بالتشبيه واالستثناء، ففضل بيت أيب متام

ا، وللمناسبة التامة فيه باملعاين، وفضل بيت البحتري باأللفاظ، ألن ألفاظه أكثر استعماال وأعذب مذاقنصاعة وظهور أكثر من املناسبة اليت يف بيت أيب متام، وإذا قست ما بني البيتني مبا قدمت من كالم الرسول صلى اهللا عليه وسلم سقطا دون كل مجلة منه، إذ كل مجلة منه يلي بعضها بعضا؛ ومفردات األلفاظ تسري

اهللا عليه وسلم هتدي هبا قليب، وما حيصل هبا من منافع الدنيا إىل معاين شىت، وإال فانظر إىل قوله صلىوما يكون من " وجتمع هبا أمري " واآلخرة، ويتوقى من مضار الدنيا واآلخرة هبدية القلب، واىل قوله

وتصلح هبا : " اجتماع األمر من عدم التذبذب يف كل شيء وحصول التثبت وإىل قوله صلى اهللا عليه وسلم: ا تشري هذه اجلملة إليه من إصالح الباطن، وما يكون يف ذلك من اإلخالص، وكذلك قولهوم" غائيب

وتدفع هبا شاهدي، فإن من أصلح اهللا سبحانه باطنه أصلح اهللا تعاىل ظاهره، وما وقع يف ضمن هاتني له صلى اهللا عليه اجلملتني مع املناسبة من املطابقة بني غائيب وشاهدين وبذلك فاعترب بقية الدعاء؛ وكذلك قو

الفوز بالقضاء فإنه رب قضاء نزل بغري صابر حمتسب، فأوبقه وقل من يفوز عند نزول القضاء : وسلموعيش : ونزل الشهداء، أي قراهم أو منزلتهم، وهي أرفع املنازل، وما أعد هلم، ومثله قوله: وكذلك قوله

ت عليه األلفاظ من املعاين جتدها ال تدخل حتت السعداء، والنصر على األعداء؛ فاحلظ بدقيق النظر ما اشتملاإلحصاء إىل سالسة هذا النظم وعذوبة هذا اللفظ وعلوه مع كونه مستعمال معروفا، وفصاحته على كونه متداوال مألوفا، ووضوح معانيه، وحسن البيان فيه، حبيث ال يفتقر أحد إىل السؤال عن لفظ فيه قد استوى

د والقريب من العل والبعيد، وما فيه من املاء والديباجة اليت ال توىف العبارة هبا، وال يف فهمه الذكي والبلي .يقدر البليغ على أن يصفها؛ وهذا أمر يدركه كل ذي ذوق سليم، وذهن مستقيم، واهللا أعلم

باب التفريع

البيت مضافة إىل أمساء أحدمها أن يبدأ الشاعر بلفظة هي إما اسم، وإما صفة، مث يكررها يف : التفريع نوعان :وصفات يتفرع من مجلتها أنواع من املعاين يف املدح وغريه، كقول أيب الطيب املتنيب متقارب

أنا ابن الضراب أنا ابن الطعان... أنا ابن اللقاء أنا ابن السخاء أنا ابن السروج أنا ابن الرعان... أنا ابن الفيايف أنا ابن القوايف

طويل القناة طويل السنان... لعماد طويل النجاد طويل ا حديد احلسام حديد اجلنان... حديد اللحاظ حديد احلفاظ

وهذا النوع مل أسبق إىل استخراجه، وإمنا مل أثبته فيما ابتكرته من األبواب لكونه نوعا من التفريع، فالذي من املدح تفرعت من أصل جيب أن يسمى به تفريع اجلمع، ألن كل بيت ينطوي على فروع من املعاين شىت

واحد؛ والنوع اآلخر من التفريع وهو الذي تقدمين الناس باستخراجه وتسميته، إمنا يتفرع منه معىن واحد من أصل واحد، إما يف بيت أو أبيات، وإما يف مجلة من الكالم أو مجل، وهو أن يصدر الشاعر أو املتكلم

في مبعظم أو صافه الالئقة به إما يف احلسن أو القبح، مث جيعله كالمه باسم منفي مبا خاصة مث يصف االسم املنأصال يفرع منه معىن يف مجلة من جار وجمرور متعلقة به تعلق مدح أو هجاء أو فخر أو نسيب أو غري ذلك،

يفهم من ذلك مساواة املذكور باالسم املنفي املوصوف كقول األعشى بسيط

اء جاد عليها مسبل هطلغن... ما روضة من رياض احلزن معشبة مؤزر بعميم النبت مكتهل... يضاحك الشمس منها كوكب شرق

وال بأحسن منها إذ دنا األصل... يوما بأطيب منها طيب رائحة وأكثر ما يقع . وقد مسى بعض املتأخرين هذا القسم من التفريع النفي واجلحود لتقدم حرف النفي على مجلته

يف بيت آخر إما قريبا منه، وإما بعيدا عنه، وقد يقع منه ما يكون األصل األصل يف بيت والتفريع منه والفرع معا يف بيت واحد كقول أيب متام بسيط

غيالن أهبى ربا من ربعها اخلرب... ما ربع مية معمورا يطيف به أشهى إىل ناظري من خدها الترب... وال اخلدود وإن أدمني من خجل

النوعني األولني، وهو تفريع معىن من معىن من غري تقدم نفي وال جحود، كقول ابن ومن التفريع نوع غري :املعتز سريع

ووعده أكذب من طيفه... كالمه أخدع من لفظه .وهو خمتص مبعاين النفس دون معاين البديع، واهللا أعلم

باب التكرار

لذم أو التهويل أو الوعيد، فأما ما جاء وهو أن يكرر املتكلم اللفظة الواحدة لتأكيد الوصف أو املدح أو ا :منه للذم فكقول عبيد بن األبرص كامل

دة يوم ولوا أين أينا... هال سألت مجوع كن؟ :وكقول مهلهل بن ربيعة أخي كليب يف التهديد والوعيد مديد

يا لبكر أين أين الفرار... يا لبكر أنشروا يل كليبا :عزة يف عمر بن عبد العزيز طويل وأما ما جاء منه للمدح فكقول كثري

وأعظم هبا أعظم هبا مث أعظم... فأربح هبا من صفقة ملبايع :وكقول أيب متام خفيف

وع منهم وباللباب اللباب... بالصريح الصريح واألروع األر :وأما ما جاء منه يف النسيب وهو لطيف جدا لبعض احملدثني متقارب

أن يلم بروحي اخليال عسى... يقلن وقد قيل إين هجعت فقلت هلن حمال حمال... حقيق حقيق وجدت السلو

:وقد جييء التكرار باألمساء املضمرات أو املبهمات، كما جييء باملظهرات كقول اهلذيل طويل فقلت وأنكرت الوجوه هم هم... رفوين وقالوا يا خويلد الترع

والسابقون السابقون أولئك : " فكقوله سبحانهوأما ما جاء منه للمدح منه للمدح يف الكتاب العزيز القارعة ما : " وقوله عز وجل" احلاقة ما احلاقة : " وأما ما جاء منه للتهويل والوعيد فكقوله تعاىل" املقربون ومما جاء يف السنة من " هيهات هيهات ملا توعدون : " وأما ما جاء منه لالستبعاد فكقوله تعاىل" القارعة

يف معرض " أبو زرع وما أبو زرع : " رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم حكاية عن أم زرع التكرار قول .املدح

؟

باب نفي الشيء بإجيابه

واملنفي يف باطن الكالم حقيقة هو . وهو أن يثبت املتكلم شيئا يف ظاهر كالمه وينفي ما هو من سببه جمازافإن ظاهر هذا " عني يبصرون هبا أم هلم آذان يسمعون هبا أم هلم أ: " ... الذي أثبته كقوله سبحانه وتعاىل

الكالم يقتضي نفي هذه اجلوارح، وملزومه يقتضي إثبات اإلهلية ملن يكون له مثل هذه اجلوارح؛ وباطن ال يسألون : " الكالم يوجب نفي اإلهلية عمن يكون له، فضال عمن ال يكون له، ألنه املراد، وكقوله سبحانه

فإن ظاهره نفى اإلحلاف يف املسألة، ال نفي املسألة، والباطن نفي املسألة بتة، وعليه إمجاع " الناس إحلفافالظاهر نفى شفيع " وال شفيع يطاع : " املفسرين، وهو منقول عن ابن عباس رضي اهللا عنهما وكقوله تعاىل

.يطاع، واملراد نفي الشفيع مطلقا :القيس طويل ومن أمثلة هذا الباب الشعرية قول امرئ

إذا سافه العود النباطي جرجرا... على الحب ال يهتدي مبناره وظاهر هذا الكالم يقتضي إثبات منار هلذه الطريق، ونفي اهلداية به جمازا، وباطنه يف احلقيقة يقتضي نفي

هلا؟ كما تقول املنار مجلة وتقدير املعىن أن هذه الطريق لو كان هلا منار لكان ال يهدي به، فيكفف ال منارما أقل خريك، فظاهر كالمك يدل على إثبات خري قليل وباطنه نفي اخلري كثريه : ملن تريد أن تسلبه اخلري

.وقليله :ومن أمثلة هذا الباب أيضا قول الزبري بن عبد املطلب ميدح عملية بن عبد الدار، وكان ندميا له طويل

انتشى مل حتتضره مفاقره إذا ما... صبحت هبم طلقا يراح إىل الندى كليال على وجه الندمي أظافره... ضعيف حيث الكأس قبض بنانه

. وظاهر البيتني يقتضي أن للممدوح مفاقر مل حتضره إذا انتشى، وأن له أظافر ختمش وجه ندميه مخشا خفيفا .وباطن الكالم يف احلقيقة نفي املفاقر مجلة واألظافر بتة

جب فيه املتكلم لنفسه شيئا وينفيه بعينه عن غريه، أو ينفي عن موصوف ما صفة ومن هذا الباب قسم يو :يوجبه ملوصوف آخر، كقول السموءل طويل

وال ينكرون القول حني نقول... وننكر إن شئنا على الناس قوهلم :وكقول اآلخر طويل

وميأل منها كل حجل ودملج... هضيم احلشا ال ميأل الكف خصرها

عباب اإليدا

هذا الباب يسميه من ال يعرف اصطالح أهل هذه الصناعة تضمينا، وكذلك يسمى الباب الذي بعده، وقد تقدم الفرق بني هذه األبواب يف باب التضمني، وشرح هذه التسمية أن يعمد الشاعر أو املتكلم إىل نصف

نثره بنصف بيت لغريه مسى بيت لغريه يودعه شعره سواء أكان صدرا أم عجزا، وأما الناثر فإن أتى يفيعملون له ما : " إيداعا، وإن كان لنفسه مسى تفصيال، ومثال ما وقع من ذلك يف الكتاب العزيز قوله تعاىل

وإن أوقعت الفصاحة مثل هذا غري مقصود، " يشاء من حماريب ومتاثيل وجفان كاجلواب وقدور راسيات .وكان من األدب أال يذكر هذا واهللا أعلم

:وهم أنه مودع يف الكتاب العزيز قول امرئ القيس جمزوء الرملوامل وقدور راسيات... وجفان كاجلواب

إن صحت الرواية أنه كذلك، وإن روى التقدمي والتأخري فبطل ذلك ومثال ما وقع من ذلك يف النثر قول ى كلهم بغيت، فإن مث زعمت أين لكل اخللفاء حسدت، وعل: " علي عليه السالم يف جواب كتابه ملعاوية

" .يكن ذلك كذلك فليست باجلناية عليك، فيكون العذر إليك وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

يا بن ذات النطاقني على سبيل : وهذا عجز بيت متثل به أيضا عبد اهللا بن الزبري وقد قال أهل الشام لهاجلاهلية يف مدح النساء وذمهم، فأنشد املعرية هلا بذلك، نظر إىل أهنا كانت خادمة ال خمدومة، على طريقة

:طويل وتلك شكاة ظاهر عنك عارها... وعريها الواشون أين أحبها

ألن هذا االسم من فخر أمساء رضي اهللا عنها، فإنه مساها به رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم عندما أخرجت أودعه كالمه بعد أن وطأ له توطئة الئقة له وألبيها رضي اهللا عنه زاد اهلجرة، فأخذ اإلمام عجز هذا البيت ف

.مالئمة له. به :ومن شواهده يف الشعر قول أيب نواس طويل

تعزى بصرب بعد فاطمة القلب... تغىن وما دارت له الكأس ثالثا وقد جيتمع اإليداع والتضمني يف شعر واحد، كقول علي ابن اجلهم يف فضل الشاعرة، وبنان املغىن جمزوء

:الرمل امسعي أو خربينا... ا غىن بنان كلم

حييت عنا يا مدينا... أنشدت فضل أال والندامى غافلينا... عارضت معىن مبعىن

:فوقع التضمني يف البيت األول، واإليداع يف البيت الثاين وكنت نظرت إىل بيت أليب الطيب وهو طويل جمر عوالينا وجمرى السوابق... تذكرت ما بني العذيب بارق

:دعت كل قسيم منه بيتا من قصيدة مطلعها طويلفأو دموعا لتبكي فقد حي مفارق... أعر مقليت إن كنت غري مرافقي

وشابت لتشتيت الفراق مفارقي... فقد نضبت يوم الوداع مدامعي :والبيتان منهما

تذكرت ما بني العذيب وبارق... إذا الوهم أبدى يل ملاها وثغرها جمر عوالينا وجمرى السوابق... امعي ويذكرين من قدها ومد

.وإن أخذ نصف بيت لغريه، فابتدأ به وثىن عليه تتمة البيت ال غري فذلك متليط .وإن بىن عليه كل ما خيطر له من أبيات لتمام غرضه، فذلك توطيد، واهللا أعلم

باب االستعانة

الئقة به هنا حبيث ال يبعد ما بينه وبني وهو أن يستعني الشاعر ببيت لغريه، يف شعره بعد أن يوطئ له توطئة أبياته، وخصوصا أبيات التوطئة له، وقد شرط بعض النقاد التنبيه عليه، إن مل يكن البيت مشهورا، وبعضهم

مل يشترط ذلك، وهو الصحيح، فإن أكثر ما رأينا ذلك يف أشعار الناس غري منبه عليه، وأما الناثر فإن أتى نفسه مسى ذلك تشهريا، وإن كان البيت لغريه مسى استعانة، كقول علي عليه السالم يف يف أثناء نثره ببيت ل

:بينا هو يستقبلها يف حياته، إذ عقد آلخر بعد وفاته سريع: خطبته املعروفة بالشقشقية ويوم حيان أخي جابر... شتان ما يومي على كورها

:ومثال االستعانة يف الشعر قول احلارثي طويل: ىفهذا البيت لألعشى استعان به علي عليه السالم كما تر وقد شرقت باملاء منها احملاجر... وقائله والدمع سكب مبادر

بنا وهي منا موحشات دواثر... وقد أبصرت محان من بعد أنسها أنيس ومل يسمر مبكة سامر... كأن مل يكن بني احلجون إىل الصفا

بني اجلوانح طائرييقلبه ... فقلت له والقلب مين كأمنا صروف الليايل واجلدود العواثر... بلى حنن كنا أهلها فأبادنا

فاستعان هذا الشاعر ببييت حرقة بنت تبع، وأرشق من هذا وأخصر قول أيب نواس بسيط حلو الشمائل حممود السجيات... حىت تغين وما مت الثالث له

العشياتأين أجالس ليلى ب... يا ليت حظى من مايل ومن ولدي :ووقع يل من طريق االستعانة أبيات هجوت هبا متطببا يهوديا طويل

بقارورة كالورس راق حليبها... رأيت أبا اخلري اليهودي ممسكا لقد أحيا فؤادي طيبها: وقال... وقد رش منها فوق صفحة وجهه

ألسود يشفى الداء مين قضيبها... بولة : ما هذه؟ قال: فقلت له هوى كل نفس حيث حل حبيبها... باحلبيب وإمنا قريبة عهد

وال يضر تصحيف احلرف أو حتريفه من الكالم املتقدم، ليدخل يف معىن الكالم املتأخر عند االستعانة كما :فعلت ببيت من احلماسة حيث قلت طويل

وأصبح من بعد الوفا وهو غادر... إذا ما خليل صد عنك ماللة

على أن ترى عنه غنيا لقادر... ه فال حتتفل واستغن باهللا إن به الدار أو من غيبته املقابر... وهبه كشيء مل يكن أو كنازح

.فإن هذا البيت كان نسيبا، وكان أوله وهبها فحرفت ضمري التأنيث لضمري التذكري حىت دخل يف معنايالم املتكلم نفسه، واالستعانة ال والفرق بني هذا القسم من االستعانة، وبني املواربة، أن املواربة تكون يف ك

تكون إال بكالم غريه، وإن ابتدأ ببيت غريه وبىن عليه فذلك تأسيس، مشتق من أس البناء، فإن هذا الشاعر .يكون قد جعل بيت غريه أساسا بىن عليه شعره، واهللا أعلم

باب املوازنة

ت، متعادل اللفظات يف التسجيع والتجزئة وهو أن تأيت اجلملة من الكالم، أو البيت من الشعر متزن الكلما :معا يف الغالب، كقول امرئ القيس متقارب

وشاد، وجاد، وزاد، وأفضل... أفاد، وساد، وقاد، وزاد :وكقول اآلخر متقارب

ربيع، مرئ، رفيع الذرا... وهوب، مهيب، رحيب الفناء

وخلو املماثلة عنه، والفرق بينها أعين املوازنة وبني والفرق بني املوازنة واملماثلة التزام التسجيع يف املوازنة، .التجزئة خمالفة تسجيع أجزاء التجزئة، ومشاهبة تسجيع أجزاء املوازنة

باب التذييل

قسم ال يزيد : وهو أن يذيل املتكلم كالمه جبملة يتحقق فيها ما قبلها من الكالم، وتلك اجلملة على قسمني .به للتوكيد والتحقيق على املعىن األول، وإمنا يؤتى

.وقسم خيرجه املتكلم خمرج املثل السائر ليحقق به ما قبلهوإما أن يكتفي مبا يتضمن من زيادة املعىن والفرق بينه وبني التكميل أن التكميل يرد على معىن حيتاج إىل

.الكمال، وال كذلك معىن التذييلإن اهللا اشترى من املؤمنني أنفسهم : " معا قوله تعاىلومما جاء من ذلك يف الكتاب العزيز متضمنا القسمني

وأمواهلم بأن هلم اجلنة يقاتلون يف سبيل اهللا فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا يف التوراة واإلجنيل والقرآن ، فإن" وعدا عليه حقا : " أحدمها قوله تعاىل: ففي هذه اآلية الكرمية تذييالن" ومن أوىف بعهده من اهللا

.الكالم قد مت قبل ذلك، مث أتى سبحانه بتلك اجلملة لتحقق ما قبلها، فخرج هذا الكالم خمرج املثل السائر لتحقيق ما تقدمه، " ومن أوىف بعهده من اهللا : " واآلخر قوله سبحانه

حبسنة من هم : " فهو تذييل ثان للتذييل األول وقد جاء يف السنة من هذا الباب قوله صلى اهللا عليه وسلمومل يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة ومل يعملها مل تكتب عليه، فإن

وال يهلك : " فقوله صلى اهللا عليه وسلم" عملها كتبت عليه سيئة واحدة، وال يهلك على اهللا إال هالك

.ملثل، تذييل يف غاية احلسن، خرج الكالم فيه خمرج ا" على اهللا إال هالك :ومن هذا الباب يف الشعر قول النابغة الذبياين طويل

على شعث أي الرجال املهذب... ولست مبستبق أخا ال تلمه .أي الرجال املهذب من أحسن تذييل وقع يف شعر: فقوله

:وكقول بعض العرب كامل وعالم أركبه إذا مل أنزل... ودعوا نزال فكنت أول نازل

يل حسن، وكال التذييلني من بيت األعرايب وبيت النابغة من القسم الثاين من فعجز هذا البيت كله تذيالتذييل، وهو الذي خرج الكالم فيه خمرج املثل، وتذييل النابغة من القسم الوجيز من البالغة الختصار

املطابقة لفظه، وتذييل األعرايب من القسم البسيط منهما، وإمنا بسط الكالم فيه ملا تضمن معىن التذييل منيف قوله أركبه وأنزل وتذييل النابغة خال من ذلك، ولقد أحسن بعض احملدثني يف هذا الباب حيث قال

:املتقارب وليس املكذب كالصادق... صدقتكم الود أبغي الوصال

وكم أخجل احلب من واثق... فجازيتموين بطول البعاد .الكالم فيهما خمرج املثل فكل من عجزي البيتني تذييل من القسم الثاين، خلروج

:وأحسن من ذلك كله قول احلطيئة طويل ومن يعط أمثان احملامد حيمد... نزور فىت يعطي على احلمد ماله

فإن عجز البيت كله تذييل خرج خمرج املثل يف غاية احلسن، ألن صدر البيت استقل باملعىن املراد على يعطي ويعط، وبالتعطف صار بني العجز والصدر : قوله انفراده، وفيه مع اتصاله بالعجز تعطف حسن يف

مالمحة ومالءمة شديدة، ورابطة وثيقة، مع أن العجز إذا انفرد استقل مثال وتذييال، كما أن الصدر إذا انفرد استقل باملعىن املقصود من مجلة البيت، والغرض املطلوب والتمثيل أيضا، وقل أن يوجد بيت بني

ومن التذييل احلسن قول . ا التالحم على استقالل كل قسم بنفسه ومتام معناه ولفظهصدره وعجزه مثل هذ :أيب الشيص كامل

ما من يهون عليك ممن أكرم... وأهنتين فأهنت نفسي عامدا .فعجز البيت كله تذييل يف ضمنه مطابقة لذكره اهلوان والكرامة

ومن بعيد التذييل قول ابن نباتة السعدي بسيط تركتين أصحب الدنيا بال أمل... جودك يل شيئا أؤمله مل يبق

:فإنه ملا انقضى ما أراده من املدح بقوله مل يبق جودك يل شيئا أؤمله

مث احتاج إىل تتميم البيت وأراد إمتامه بتكرار املعىن املتقدم فيه استحسانا له وتوكيدا، وكره التكرير ال ملعىن :اه يف بابه، فأخرجه خمرج املثل حيث قالزائد، وعلم أن ال مزيد على معن تركتين أصحب الدنيا بال أمل

ليحصل ما أراده من التوكيد وزيادة املعىن، ألن املدح إذا خرج خمرج املثل كان أسري يف األرض، ويف ضمن ذلك هلج الناس باملدح اخلارج خمرج املثل، وهذا البيت وإن نظر فيه إىل قول املتنيب بسيط

فال يقول لشيء ليت ذلك يل... اين صرعى دون مبلغه متسي األمفبيت ابن نباته أفضل من بيت املتنيب، ألنه أحسن األدب مع ممدوحه، فلم جيعله يف حيز من يتمىن شيئا،

وإن كان يف بيت املتنيب زيادة من : وجعل قدرته وجوده أصارا مادحة قد بلغ كل أمنيته فلم يبق له أملمتسي األماين صرعى ففي بيت ابن نباتة أن كل : دون مبلغه واستعارة يف اللفظ لقوله: ولهجهة املبالغة يف ق

ما جعله املتنيب للممدوح، جعله ابن نباتة لشاعر املمدوح من نعمته وزيادة املبالغة يف املدح بكونه أخرج معىن بيت املتنيب بكماله يف املدح خمرج املثل كما بينا، فهو أسري وأبقى، وإذا أنصف الناظر يف البيتني وجد

صدر بيت ابن نباتة ألن حاصل بيت املتنيب أن املمدوح قدر على كل األماين، وهذا قد استقل به صدر بيت :ابن نباتة، والذي يف صدر البيت هو الذي يف عجزه ألنه ملزومه، أعين بيت املتنيب، وكله يف قول ابن نباتة

مل يبق جودك يل شيئا أؤملهت ابن نباتة ملزوم صدره، ألن من نال كل أمل صحب الدنيا بال أمل، غري أن ابن نباتة لكونه وعجز بي

أخرج العجز خمرج املثل صار كأنه قد استأنف معىن آخر مستقال جبميع معىن بيت املتنيب، مع كونه زاد بأن نباتة على بيت جعل للممدوح، حسن أدب معه، وبالغ بإخراج املدح خمرج املثل، فقد ترجح بيت ابن

.املتنيب من وجوه شىت، واهللا أعلموقد خيتلط على بعض الناس هذه األبواب األربعة، وهي باب اإليغال، والتكميل، والتمكني، والتذييل، وأنا

اإليغال ال يكون إال يف الكلمة اليت فيها الروي وما يتعلق هبا، وهو أيضا مما يأيت : أشري إىل الفرق بينها فأقولمتام املعىن كالتكميل والتذييل وأما التمكني فيفارق هذه األبواب مزن كونه عبارة عن استقرار القافية بعد

يف مكاهنا، لكنها ال تزيد معىن البيت شيئا، ومىت حذفت القافية نقص املعىن، مع كوهنا غري نافرة من البيت، كونه يأيت يف احلشو واملقاطع، : ني، أحدمهاوالتكميل وإن أتى بعد متام املعىن فهو يفارق اإليغال من وجه

واإليغال التذييل ال يكونان إال يف املقاطع دون احلشو، واإليغال والتذييل ال خيرجان عن معىن الكالم املتقدم، والتميل ال بد أن يأيت مبعىن يكمل الغرض املتقدم إما تكميال بديعيا أو تكميال عروضيا، ألنه يكون

كمطابقة تكمل جناسا، أو مبالغة تكمل تشبيها، أو بالفنون، والفنون عند أهل الصناعة هي ما مبعىن البديع ينتجها املتكلم من األغراض واملقاصد كاملديح، واهلجاء، والرثاء، والفخر، والوصف، وغري ذلك، والتذييل

اجلزء الذي هو الضرب إىل يفارق اإليغال لكونه يزيد على الكلمة اليت تسمى إيغاال، آخذا يف البيت من .أول العجز واهللا أعلم

باب املشاكلة

وهي أن يأيت املتكلم يف كالمه أو الشاعر يف شعره باسم من األمساء املشتركة يف موضعني فصاعدا من البيت الواحد، وكذلك االسم يف كل موضع من املوضعني مسمى غري األول، تدل صيغته عليه بتشاكل إحدى

خرى يف اخلط والفظ، ومفهومهما خمتلف، ومن انشادات التربيزي يف هذا الباب قول أيب سعيد اللفظتني األ

:املخزومي مديد واهلوى للمرء قتال... حدق اآلجال آجال

وأنشد فيه قول الشماخ بسيط ورقاء حني دعت ساقا على ساق... كادت تساقطين والرحل أن نطقت

أسراب البقر الوحشية، والثانية منتهى األعمال، وبينهما مشاكلة يف فلفظة اآلجال األوىل: وقال التربيزياخلط واللفظ، وكذلك ساق األوىل اليت هي ذكر احلمام، والثانية اليت هي ساق الشجرة، وعندي أن ما أنشده التربيزي يف هذا الباب داخل يف أحد قسمي التجنيس املماثل، والذي ينبغي أن تفسر به املشاكلة

إن الشاعر يأيت مبعىن مشاكل ملعىن يف شعر غري ذلك الشعر، أو يف شعر غريه حبيث يكون كل واحد : قولنامنهما وصفا أو نسبا أو غري ذلك من الفنون، غري أن كل صورة أبرز املعىن فيها غري الصورة األخرى،

اللفظية، ومثال مشاكلة فاملشاكلة بينهما من جهة الغرض اجلامع هلما، والتفرقة بينهما من جهة صورتيهما :الشاعر نفسه قول امرئ القيس يف صفة الفرس طويل

مبنجرد قيد األوابد هيكل... وقد أغتدي والطري يف وكناهتا

:وقوله يف صفة الفرس أيضا طويل تقول هزيز الريح مرت بأثأب... إذا ما جرى شوطني وابتل عطفه

بشدة العدو، غري أنه أبرز املعىن األول يف صورة فامرؤ القيس يف هذين البيتني قاصد وصف الفرسقيد األوابد فجعله يدرك الوحش إدراك املطلق للمقيد، وأبرز الثاين يف صوريت وصف : اإلرداف، حيث قال

وتشبيه بغري أداة، إذ شبه عدوه بعد جريه شوطني، وعرقه هبزيز الريح متر هبذا الشجر الذي يسمع للريح احلاد إذا خرق الريح بشدة عدوه، فكل معىن من هذين املعنيني مشاكل لصاحبه إذ فيه هزيز كفيف الفرس

اجلامع بينهما وصف الفرس بشدة العدو، غري أن قدرة الشاعر تالعبت به، فأبرزته يف صور خمتلفة، فهذا ما .شاكل الشاعر فيه نفسه

وأما ما شاكل فيه غريه فكقول جرير بسيط قتلننا مث مل حييني قتالنا... ر إن العيون اليت يف طرفها حو

وهن أضعف خلق اهللا أركانا... يصرعن ذا اللب حىت ال حراك به :فإن مشاكلة قول عدي بن الرقاع كامل

عينيه أحور من جآذر جاسم... وكأهنا بني النساء أعارها يف عينه سنة وليس بنائم... وسنان أقصده النعاس فرنقت هة أن كال منهما وصف العيون باملرض والفتور، فأبرز معناه يف صورة غري فاملشاكلة بني الرجلني من ج

الصورة األخرى حبسب قوة عارضته يف السبك، وحسن اختياره الفظ، وجودة ذهنه يف الزيادة والنقص يف وقد اعترض على بيت عدي . شعر جرير، وعدي، حبيث ال يسعه هذا املكان: التفضيل بني هذين الشعرين

:اعترض به على بيت أيب متام الذي يقول فيه طويل األول مبا

فخر صريعا بني أيدي القصائد... جذبت نداه غدوة السبت جذبة ظباء جاسم كظباء غريها من املواضع، فليس لذكرها فائدة إال كوهنا قافية ليصري هبا : فإن بعض الناس قال

ام كغدوة األحد وغريه من األيام، فذكرها دون الكالم بيتا من الشعر، كما أن غدوة السبت يف بيت أيب متغريها ال يفيد معىن زائدا، وإذا مل يفد معىن علم أنه حشو جئ به إلقامة الوزن، وقد اعترض على قول امرئ

:القيس طويل ورضت فذلت صعبة أي إذالل

نان اخلفاجي خطأ أبا باعتراض ظاهره يشبه االعتراض على بييت عدي وأيب متام، وباطنه خيالفهما، فإن ابن سصعبة، حشو أو : هاشم يف كونه ذهب إىل أن بيت امرئ القيس معيب باحلشو الذي ال يفيد معىن، ألنه قال

لفظة، فذلت، وسب أبا هاشم أقبح سب، والصواب مع أيب هاشم، ألن الذي قاله اخلفاجي يردي به عليه لى أن مث صعوبة، وهذا عني اخلطأ من قوله لو قال الشاعر، فرضت فذلت مل يكن يف الكالم دليل ع

فذلت، إذ ال يراض إال الصعب، وال : فرضت، وقوله: اخلفاجي، ألنه دل على وجود الصعوبة مرتني بقولهفذلت، خطأ، ألن ما ليس بصعب فهو ذليل، : يذل إال ما كان ذا صعوبة، ولو مل يكن مث صعوبة لكان قوله

.مرئ القيس معيب، خبالف بييت عدي وأيب متامإذ ال واسطة بني الذل والصعوبة، فبيت اذكر عدي جاسم دون غريها من : والرد على هذا املعترض الذي اعترض على بييت عدي وأيب متام بأن قال

املواضع ألهنا معروفة بأدم الظباء، وأدمة اللون دليل على احلرارة واليبس، وذلك يوجب شدة سواد العيون حور، واحلور نقاء بياض العني وشدة سوادها، وكذلك ذكر أيب متام غدوة أ: ونقاء بياضها، وهلذا قال

السبت وهو الوقت الذي وقعت فيه عطية املمدوح دليل على تعظيم العطية وتفخيم أمرها وجعلها من الغرائب اليت مل يقع قبلها مثلها، فألجل ذلك أرخ يوم وقوعها، وإذ ال يؤرخ إال الكوائن العظام، واحلوادث

سام، ولو مل يذكر وقت وقوعها معينا بامسه مل حتصل هذه املبالغات اليت تزيد املمدوح مدحا فدل على أنه اجلقصد هبا إفادة هذه املعاين، ال إقامة الوزن، ولو قصد إقامة الوزن فحسب، ملا اقتصر على غدوة السبت

:دون غريها مما يسد مسدها، فإنه لو قال جذبت نداه باملدائح جذبة

جذبت نداه وما ناسبها من : ستقام له الوزن، لو مل يكن أراد ما ذكرت، وقد عيب من هذا البيت قولهاهذا دليل على أن نداه عسر على طالبه، صعب على حماوله، كما عابوا على ليلى : ألفاظ البيت، فإهنم قالوا

:األخيلية قوهلا كامل سقيما بني البيوت من احلياء... وخمرق عنه القميص ختاله حتت اللواء على اجليوش زعيما... حىت إذا رفع اللواء رأيته

ال يتحاج إىل أن جيذب لقضاء احلوائج حىت تتخرق قميصه إال متقاعد عن احلوائج، وهذا االعتراض : وقالواغري جار على طريق احلق، فإن املعطي ال بد وأن يعطى بسبب من نفسه عشقا يف العطاء، فال حيتاج إىل

ديث جتذبه، وإما أن يعطي بسبب من خارج، واألول مطاوع لغرض نفسه، مسكن لغليل قلبه، ليست أحا

عليه مشقة يف عطية، واألجر على قدر املشقة، وقد تقدم ذكر هذا الفصل، وحنن هاهنا مفتقرون إىل إعادته، ل اهللا صلى اهللا واملشكور كل الشكر من غالب نفسه األمارة، وأرغم أنف شيطانه، وأعطى كما قال رسو

أو كما قال، وقال صلى " إن املتصدق ال خيرج الصدقة حىت يفكها من حليي سبعني شيطانا : " عليه وسلم، وخري املعطني " إمنا الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح ختاف الفقر، وتأمل الغىن " اهللا عليه وسلم

اء، فقد ثبت أن بييت عدي وأيب متام مربآن مما ومسا من كان السبب الذي جيذبه إىل العطاء، مساع املدح والثنبه من العيب، وكذلك بيت األخيلية، وهو يزيد عليهما مبا تضمن من وصف املمدوح بالصرب على أذى

:أرباب احلوائج، والرضا من العيش بأدىن ملبس وأدىن عيش، مع القدرة اليت دلت عليها بقوهلا واء على اجليوش زعيماحتت الل... رأيته ... ... ... ...

فلزم من ذلك أن لذته يف اقتناء احملامد، ال يف انتخاب املالبس، وما قيل إنه أحوج ذوي احلاجات إىل ختريق قميصه مدفوع بوصفها املمدوح بإفراط احلياء، فإن من كان هبذه املثابة كان أسرع إىل قضاء احلوائج

ا على كثرة املطالبني، وازدحام احملتاجني، أو على ما للمحتاجني حال رؤيتهم، وحيمل ختريق القميص إم .قدمناه من الرضا بأدىن العيش، واهللا أعلم

باب املواردة

وهي توارد الشاعرين املتعاصرين اللذين جتمعهما طبقة واحدة على معىن واحد إما جمردا، أو ببعض ألفاظه ، حكم له على صاحبه بالسبق، وقد رأيت من أو بأكثرها أو كلها، فإن كان أحدمها أقدم، أو طبقته أرفع

جيعل اتفاق الشاعرين من طبقتني خمتلفتني يف عصرين متباينني إذا تقارب ما بينهما بعض التقارب يف :األمرين، أو يف القوة والقدرة تواردا، فمثال األول قول امرئ القيس طويل

يقولون ال هتلك أسى وجتمل... وقوفا هبا صحيب على مطيهم :وقول طرفة طويل

يقولون ال هتلك أسى وجتلد... وقوفا هبا صحيب على مطيهم :ومثال ما جاء من القسم الثاين ما جرى البن ميادة وقد أنشد حممد بن زياد األعرايب قوله طويل

ونواره ميل إىل الشمس ظاهرشاعر حني وافقته، واهللا اآلن علمت أين: أي يذهب بك؟، هذا للحطيئة، فقال ابن ميادة: فقال له حممد

.أعلم

باب التهذيب والتأديب

التهذيب عبارة عن ترداد النظر يف الكالم بعد عمله لينقح، ويتنبه منه ملا مر على الناثر أو الشاعر حني يكون مستغرق الفكر يف العمل، فيغري منه ما جيب تغيريه، وحيذف ما ينبغي حذفه، ويصلح ما يتعني

يشكل عليه من غريبه وإعرابه، وحيرر ما مل يتحرر من معانيه وألفاظه، حىت تتكامل إصالحه، ويكشف عما

صحته، وتروق هبجته، فإنه من رزق من أرباب البالغة وأصحاب الفصاحة جودة ذهن، وغوص فكر، وكمال عقل، واعتدال مزاج، وحسن اختيار، ووقف على أقوال النقاد يف حقيقة البالغة، وكنه الفصاحة،

د من حماسن الكالم وعيوبه، ووقى شح نفسه، حبيث يسمح بطرح ما ال يقدر على تغيريه من كالمه، وما عكان كالمه موصوفا باملهذب، منعوتا باملنقح، وإن قل ابتكاره للمعاين، وقد كان زهري معروفا بالتنقيح، فإنه

ى شعره احلويل احملكك وال جرم روى أنه كان يعمل القصيدة يف شهر ، وينقحها يف أحد عشر شهرا حىت مسأنه قلما يسقط منه شيء، وهلذا كان عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه على جاللته يف العلم، وتقدمه يف النقد

أنشدين شعر : يقدمه على سائر الفحول من طبقته؛ قال ليلة لعبد اهللا بن العباس وهم سائرون إىل الشامرأيته ال : ومب استحق عندك ذلك يا أمري املؤمنني؟ قال: ، قالزهري: ومن ذاك؟ قال: أشعر القوم، فقال

يعاضل بني الكالم، وال يتبع حوشي األلفاظ، وال ميدح الرجال إال مبا يكون للرجال، وما ذاك إال لتنقيحه :شعره، وترداد نظره يف كالمه وهلذا املعىن أشار أبو متام بقوله كامل

والليل أسود رقعة اجللباب. ..خذها ابنة الفكر املهذب يف الدجى

فإنه إمنا خص هتذيب الفكر بالدجى لكون الليل هتدأ فيه األصوات، وتسكن احلركات، فيكون الفكر فيه جمتمعا، واخلاطر خاليا، وال مسيا يف وسط الليل عندما تأخذ النفس حظها من الراحة، وتنال قسطها من

الذهن صحيحا، والصدر منشرحا، والقلب منبسطا، النوم، وخيف عليها ثقل الغذاء، فحينئذ يكون واختياره وسط الليل دون السحر مع ما فيه من رقة اهلواء، وخفة الغذاء، وأخذ النفس سهمها من الراحة،

ملا يكون يف السحر من انتباه أكثر احليوان الناطق والبهيم، وارتفاع معظم األصوات وجرس احلركات، وببعض ذلك يتقسم الفكر، ويتذبذب اخلاطر ويشتغل القلب، ويتفرق . ألضواءوتقشع الظلماء، بطالئع ا

جمتمع اهلم، ووسط الليل خال عما ذكرنا، وهلذا خص أبو متام هتذيب الفكر بالدجى عادال عن الطرفني ملا يل فيهما من الشواغل اليت ذكرناها، وإمنا دخلت لفظة الدجى على وسط الليل، ألهنا مجع دجية، وطرف الل

لقرهبما من الشمس ال يكون غيهبهما شديد الظلمة، والدجى شدة الظلمة، ألنه جمموع ظلمات، وإن كان الدجى قد يطلق على الليل كله، سواء كان مظلما أو مقمرا، لكنه إطالق جمازي حقيقته ما ذكرناه، وأبو

م أن لفظة الدجى لعمومها وصالحيتها يف متام أراد هاهنا احلقيقة ال اجملاز، لقصد املبالغة، وملا حلظ أبو متا :حاليت اجملاز واحلقيقة إىل أن تكون امسا لليل كائنا ما كان احترس من ذلك مبا جاء به التذييل حيث قال

والليل أسود رقعة اجللباب... ... ... ... ... ايل السود اليت مستها ليخلص من االشتراك احلاصل من لفظة الدجى على انفرادها، وليتبني أنه أراد اللي

العرب بالدآرى، ال الليايل البيض، وال غريها من الليايل اليت فيها وقت مضئ يف اجلملة فرارا من ليل ال خيلو من األصوات واحلركات، مبالغة يف وصف القصيدة بالتنقيح املرضي، يف الوقت املختار لذلك، وقد

إن ناشئة الليل هي أشد " جز لفظ وأجزله حيث قال سبحانه مجع الكتاب العزيز هذه املعاين وأتى هبا يف أوواعلم أن التهذيب ال شاهد له خيصه، ألنه وصف يعم كل كالم منقح حمرر، إال أنا " وطئا وأقوم قيال

كل كالم قيل فيه لو كان موضع هذه الكلمة غريها، أو لو تقدم : نلخص فيه ما يعرف به، وهو أن نقول

خر هذا املتقدم، أو لو متم هذا النقص، أو تكمل هذا الوصف، أو لو حذفت هذه اللفظة هذا املتأخر، أو تأبتة، أو لو طرح هذا البيت مجلة، أو لو وضح هذا املقصد أو تسهل هذا املطلب، لكان الكالم أحسن،

.واملعىن أبني، فهو خال من التهذيب، عار من التنقيح والتأديب :لدولة بن محدان خياطب أخاه ناصر الدولة طويلومن أمثلة ما ذكرناه قول سيف ا

جتاوزت عن حقي ليغدو لك احلق... وما كان يل عنها نكول وإمنا وما كان عنها يل نكول مث فطن إىل أن هذا السبك يستثقل : كان قد عمل أوال: فإن سيف الدولة كما قيل

على لفظة عنها سهل التركيب، " يل "لقرب احلروف املتقاربة املخارج بعضها من بعض، وإذا قدم لفظة .وحصل التهذيب، فتقول وما كان يل عنها نكول لفصل لفظة عنها بني يل وبني نكول

:ومن األمثلة املبينة هلذا الباب قول القاضي السعيد ابن سناء امللك طويل هذه الروضة الغنا: وفاحت فقلنا... تغىن عليها حليها طرب هبا

در هذا البيت لفظة مشتقة من الغناء حصل هبا يف هذا البيت من الرونق ما ال حيصل فإنه لو مل يقدم يف صبدوهنا، لكان البيت خاليا من التهذيب، فإن بوجودها حصل يف البيت تصدير وجتنيس وائتالف وهتذيب،

:طويل وانتفى عنه من العيوب عدم االئتالف، وقلق القافية، وبذلك تقدم التهذيب، وذلك أنه لو كان قال وفاحت فقلنا هذه الروضة الغنا... زهت بأزاهري اجلمال وحسنها

.لتبني قلق هذه القافية ومتكن تلك القافية األوىل، بسبب ما يف البيت من التصدير

لئن بسطت إيل يدك لتقتلين ما أنا بباسط يدي : " ومما جاء يف الكتاب العزيز من أمثلة هذا الباب قوله تعاىلفإن حسن الترتيب يف نظم الكالم البليغ أمر مطلوب، ومن حسن الترتيب يف اجلمل الفعلية " إليك ألقتلك

تقدمي الفعل، وتعقيبه بالفعل، مث اإلتيان باملفعول، فإن كان يف الكالم مفعوالن أحدمها تعذر وصول الفعل : ذلك كان لقائل أن يقولبنفسه إليه، واآلخر تعدى إليه بنفسه قدم ما تعدى إليه الفعل بنفسه، وإذا علم

لو توخى حسن الترتيب يف عجز اآلية ألتى وزن صدرها، واجلواب أن حسن الترتيب منع منه يف صدر اآلية مانع قوي، وهو خمافة أن تتواىل ثالثة أحرف متقاربات املخارج، فيثقل الكالم بسبب ذلك، فإنه لو

اء والتاء والياء متقاربات املخارج، فلذلك حسن لئن بسطت يدك إيل، والط: جاء الكالم فيه مرتبا لقيلتقدمي املفعول الذي تعدى الفعل إليه باحلرف على املفعول الذي تعدى إليه بنفسه، وملا أمن هذا احملذور يف

عجز اآلية مبا اقتضته البالغة من اإلتيان باسم الفاعل موضع اجلملة الفعلية، لتضمنه معىن الفعل الذي تصح ، جاء الكالم على ترتيبه من تقدمي املفعول الذي تعدى الفعل إليه بنفسه، على املفعول الذي تعدى به املقابلة

وكنت قد اطلعت على وصية . الفعل إليه باحلرف، وهذا من أحسن شواهد التهذيب والترتيب، واهللا أعلمت حمتاجة إىل حترير بعض وصى هبا أبو متام أبا عبادة البحتري يف عمل الشعر، كان أبو متام ارجتلها فجاء

معانيها، وإيضاح ما أشكل منها، وزيادات يفتقر إليها فحررت منها ما جيب حتريره، وأضفت إليها ما تتعني إضافته، وذكرهتا يف كتايب املنعوت بامليزان يف الترجيح بين كالم قدامة وخصومه وعلمت أن هذا الباب من

اهنا بعد أن رأيت تقدمي مقدمة حيتاج إليها، وجيب االعتماد هذا الكتاب أحوج إليها من ذلك، فأثبتها ه

عليها، وهي اليت جيب على من كان له ميل إىل عمل الشعر وإنشاء النثر أن يعترب أوال نفسه، وميتحنها بالنظر يف املعاين وتدقيق الفكر يف استنباط املخترعات، فإذا وجد هلا فطرة سليمة، وجبلة موزونة، وذكاء

وخاطرا مسحا، وفكرا ثاقبا، وفهما سريعا، وبصرية مبصرة، وأملعية مهذبة، وقوة حافظة، وقدرة وقادا،حاكية، ومهة عالية، وهلجة فصيحة، وفطنة صحيحة، وإن كانت بعض هذه األوصاف غري الزمة لرب

فا يف هذه اإلنشاء، وال يضطر إليها أكثر الشعراء، لكنها إذا كملت يف الشاعر والكاتب كان موصوالصناعة بكمال األوصاف النفسية اليت إذا أضيفت إليها الصفات الدرسية تكمل وجتمل من حفظ اللغات

العربية، وتوابعها من العلوم األدبية كالنحو والتصريف، والعروض والقوايف، وما سومح به الشعراء من جيوز له استعماله، وما جيب عليه إمهاله، الضرورات اليت يلجئ إليها ضيق الوزن والتزام التقفية، ليعلم ما

ولينعم النظر يف كتب البالغة، ليعرف حماسن اللفظ مفردا ومركبا، ومعانيه، وحييط مبا يتفرع من أصول النقد من البديع الذي هو رقوم الكالم، ونتائج مقدمات األفهام، وليجعل عمدته على كتاب اهللا العزيز

إنه البحر الذي ال تفىن عجائبه، وال يظمأ فيه راكبه، منه استخرجت درر وليميز إعجازه أدق متييز، فاحملاسن، واستنبطت عيون املعاين، وعرف كنه البالغة، وحتقق سر الفصاحة، وكذلك سنة الرسول عليه الصالة والسالم فإن صاحبها بعث جبوامع الكلم، وبدائع احلكم، صلى اهللا عليه وسلم، وليحفظ أشعار

مثاهلا، وأنساهبا وأيامها وسائر أخبارها، وحماسن أثاراها، ومقاتل فرساهنا األجناد، نوادر مسحائها العرب وأاألجواد، وال غىن به عن معرفة النجوم واألنواء، وعلم هبيئة املساء، وتعقل اآلثار العلوية، واحلوادث

من الفقه واحلديث، ونقل التاريخ األرضية، واملشاركة يف الطب والطبائع واحلساب، وما حيتاج إليه الكتابالصحيح ويكون ذلك املكتسب، من وراء أشياء ال تكتسب، وال حتصل بالطلب، بل هي مما جيبل عليه

اإلنسان، ومن مواهب الرمحن، من عقل راجح، وذهن صاف، ورأي سديد ينتج ذلك مزاج معتدل ليحسن عاين الرشيقة، ويتقن تأليف الكالم، وتركيب األلفاظ، اختياره، وجيود انتخابه، فيتخري األلفاظ الرقيقة، وامل

:وما بإيراد أبيات قلتهن يف هذا املعىن من بأس وهي خفيف كنسيم الرياض يف األسحار... انتخب للقريض لفظا رقيقا

ىن فأبداه مثل ضوء النهار... فإذا اللفظ رق شف عن املع؟ بلون العقارفاختفى لوهنا ... مثل ما شفت الزجاجة جسما

:وأحسن من قويل ومن كل ما قيل علي ما بلغين يف هذا املعىن قول أيب متام يف احلسن بن وهيب كامل رسف املقيد يف طريق املنطق... مل يتبع شنع اللغات وال مشى منه تباشري الكالم املشرق... تنشق يف ظلم املعاين إن دجت :وكقول البحتري فيه كامل

برقت مصابيح الدجى يف كتبه... مث انتحت فإذا دجت أقالمه منا ويبعد نيله يف قربه... فاللفظ يقرب فهمه يف بعده هطالة وقليبها يف قلبه... حكم سحائبها خالل بنانه

وبياض زهرته وخضرة عشبه... كروض مؤتلفا حبمرة نوره شخص احلبيب بدا لعني حمبه... وكأهنا والسمع معقود هبا

املتكلم أن ينعت فاضال، أو يسمى أديبا كامال، فتعلو بني العلماء درجته، وتطري بني الفضالء هذا إذا أرادمسعته، ويقبل قوله يف لفظ كل كالم ومعناه، وليحذر من أن يقف خاطره بسبب معاندة الزمان، وتواتر

وال، فيكون ذلك صروف احلدثان، وتعذر املكسب، وعز املطلب وتقدم اجلهال، واختصاص األرذال باألمداعيا إىل ترك االشتغال، وسببا يف فتور عزمه عن حتصيل العلوم، وذريعة لقعوده عن رياضة نفسه،

واستعمال خاطره، فيلحق باألخسرين أعماال، واملخطئني أفعاال وأقواال، بل يكون اجتهاده يف ذلك اجتهاد يف تزكية نفسه، مائال للتقدم بنفس العلم على راغب يف الكمال، شديد األنفة من مساومة اجلهال، عاشق

:أبناء جنسه، وما أحسن قول القائل طويل وليس أخو علم كمن هو جاهل... تعلم فليس املرء يولد عاملا

صغري إذا التفت عليه احملافل... فإن كبري القوم ال علم عنده ى مراده، وإن كان قصري اهلمة مهني وال بد للمجتهد من يوم حتمد فيه عاقبة اجتهاده، وحيصل فيه عل

النفس، قد أويت طبعا يف العمل سليما، وذهنا مستقيما، فظن أنه يستغين بذلك عن االشتغال، ويبعد عم مماثلة اجلهال، إدالال بطبعه، واتكاال على حذقه، كأكثر شعراء زماننا وكتابه، واملنتظمني يف سلك أرباب

ب احتفاال أوجب لذوي اآلداب، واالنتفاع هبذا الكتاب، فال يأنف من عرض آدابه، حاشا من احتفل باألدما يسمح به خاطره على من حيسن الظن مبعرفته، ويتحقق أن مرتبته يف العلم فوق مرتبته، وال هتمل ذلك

، هذا وإن كنت يف ذلك كمن يصف الدواء وال يستعمله، " وفوق كل ذي علم عليم " فإن خطره عظيم، بالعرف وال ميتثله، غري أين أهنج الطريق، وأحض على التوفيق، لتحصل يل مثوبة الداللة، وأكسب ويأمر

أجر اهلداية، فإن الدال على اخلري كفاعله، واحملرض على العمل كعامله، وليعتمد الراغب يف نظم الشعر، ها، وهذا أوان ذكرها، وهي وإنشاء النثر يف وقت العمل على وصية اإلمام أيب متام اليت وعدت سالفا بنشر

:ما أخرب به الثقة عن أيب عبادة البحتري الشاعر أنه قال

كنت يف حداثيت أروم الشعر، وكنت أرجع فيه إىل طبع سليم، ومل أكن وقفت على تسهيل مأخذه، ووجوه : أبا عبادة يا: اقتضائه، حىت قصدت أبا متام، وانقطعت إليه، واتكلت يف تعريفه عليه، فكان أول ما قال يل

ختري األوقات، وأنت قليل اهلموم، وصفر من الغموم، واعلم أن العادة يف األوقات، إذا قصدت اإلنسان تأليف شيء أو حفظه، قصد وقت السحر، وذلك أن النفس تكون قد أخذت حظها من الراحة، وقسطها

هلواء، وسكنت الغمائم، ورقت من النوم، وخف عنها ثقل الغذاء، وصفا من أكثر األخبرة واألدخنة جسم االنسائم، وتغنت احلمائم، وتغن بالشعر فإن الغناء مضماره الذي جيري فيه، واجتهد يف إيضاح معانيه، فإن

أردت النسيب فاجعل اللفظ رقيقا، واملعىن رشيقا، وأكثر فيه من بيان الصبابة وتوجع الكآبة، وقلق النسائم، وغناء احلمائم، والربوق الالمعة، والنجوم الطالعة، األشواق، ولوعة الفراق، والتعلل باستنشاق

والتربم بالعذال والعواذل، والوقوف على الطلل املاحل، وإذا أخذت يف مدح سيد ذي أياد فاشهر مناقبه،

وأظهر مناسبه، وأبن معامله، وشرف مقاومه، وأرهف من عزائمه، ورغب يف مكارمه، وتقاص املعاين، واحذر منها، وإياك أن تشني شعرك بالعبارة الزرية، واأللفاظ الوحشية، وناسب بني األلفاظ واملعاين يف اجملهول

تأليف الكالم، وكن كأنك خياط يقدر الثياب على مقادير األجسام، وإذا عارضك الضجر أرح نفسك، الشهوة نعم وال تعمل إال وأنت فارغ القلب، واجعل شهوتك لقول الشعر الذريعة إىل حسن نظمه، فإن

املعني، ومجلة احلال أن تعترب شعرك مبا سلف من أشعار املاضني، فما استحسن العلماء فاقصده، وما .استقبحوه فاجتنبه ترشد، إن شاء اهللا تعاىل

:الذي أوردته قبل هذه الوصية يف بيت أيب متام الذي هو: فإن قيل خذها ابنة الفكر املهذب يف الدجى

واعلم أن : الدجى واختياره لوسط الليل دون طرفيه يناقض قوله يف هذه الوصيةالبيت، وما فسرت به .العادة يف األوقات إذا قصد اإلنسان تأليف شيء أو حفظه، أن خيتار وقت السحر

املقصد يف البيت غري املقصد يف الوصية، فإن املقصد يف البيت التنقيح، ويف الوصية العمل واحلفظ، : قلتوما . إىل خلو اخلاطر وتدقيق النظر، وغوص الفكر أكثر من وقت احلفظ والعمل، واهللا أعلموالتنقيح حيتاج

ألق دواتك، : رأيت وال رويت مثل وصية لعلي بن أيب طالب رضي اهللا عنه وصى هبا كاتبا له يقول فياه كدرت وامجع أداتك، وأرهف حدى قلمك إرهافا، واحترس عند شقه احتراسا فإنك إن مل تتائم لسان

بيانه، واستصلب املقط، وحرف القط، فإن مل تسمع لقطتك طنينا غري خفي، وتنظر هلا حرفا كذباب املشريف وإال أعد القطة، فالقلم حف، وقرب بني احلروف، وباعد بني الصفوف، وتصفح ما كتبته وكرر النظر فيما

ما اختص اهللا سبحانه هؤالء القوم من حربته، ليظهر لك رأيك قبل أن خيرج عنك كتابك، فاحلظ هداك اهللااخلصائص اليت أطلعهم على علوم ليست علومهم واىل ما مل يهتد إليه أرباب تلك العلوم، ومل يدركها فهم حاذق من أرباب الفهوم، حىت صارت كلمات أحدهم قدوة يقتدى هبا أرباب املعارف من الكتاب، وعلما

.يهتدى به من ضل ومن أوىل األلبابنت قد مجعت فصوال حيتاج إليها العامل يف البالغتني، والواضع يف الصناعتني، من عدة كتب من كتب وك

البالغة، وحذفت منها ما ال حيتاج إليه، ونقحتها، وحررهتا، وها أنا ذا أسوقها خامتة هلذا الباب، واهللا املوفق ضح السبل، أن حتصل املعىن عند ينبغي لك أيها الراغب يف العمل، السائل فيه عن أو: للصواب، وهي

الشروع يف حتبري الشعر وحترير النثر قبل اللفظ، والقوايف قبل األبيات، وال تكره اخلاطر على وزن خمصوص، وروى مقصود، وتوخ الكالم اجلزل، دون الرذل، والسهل، دون الصعب، والعذب دون

ا عند امللل، وال تؤلف كالما وقت الضجر، املستكره، واملستحسن دون املستهجن، وال تعمل نظما وال نثرفإن الكثري معه قليل، والنفيس به خسيس، واخلواطر ينابيع إذا رفق هبا مجت، وإذا عنف عليها نزحت،

واكتب كل معىن يسنح، وقيد كل فائدة تعرض، فإن نتائج األفكار تعرض كلمعة الربق، وحملة الطرف، إن ف بالتكرار عليها صدت، والترمن بالشعر مما يعني عليه، قال الشاعر مل تقيد شردت وندت، وإن مل تستعط

بسيط إن الغناء لقول الشعر مضمار... تغن بالشعر إما كنت قائله

لقد مير على الزمن : وقد يتحيل الشاعر حينا ويستعصي عليه الشعر زمانا، كما روى عن الفرزدق أنه قالن أقول بيتا واحدا، فإذا كان كذلك فاتركه حىت جييئك وإن قلع ضرس من أضراسي ألهون علي من أ

عفوا، وينقاد إليك طوعا، وإياك وتعقيد املعاين وتقعري األلفاظ، واعمل يف أحب األغراض إليك، وفيما وافق طبعك، فالنفوس تعطي على الرغبة ما ال تعطى على الرهبة، واعمل األبيات مفرقة حبسب ما جيود هبا

ظمها يف اآلخر، واحترس عند مجعها من عدم الترتيب، وتوخ حسن التنسيق عند التهذيب، اخلاطر، مث انليكون كالمك بعضه آخذا بأعناق بعض، فهو أكمل حلسنه، وأمنت لرصفه ومجل املبدأ والتخلص واملقطع،

، فإن ذلك أصعب ما يف القصيد، واجتهد يف جتويد هذه املواضع، وجتنب معارض أرباب اخلواطر فيهاوتواردهم عليها، وميز يف فكرك حمط الرسالة، ومصب القصيدة قبل العمل، فإن ذلك أسهل عليك،

وأشعرها أوال، ونقحها ثانيا، وكرر التنقيح، وعاود التهذيب، وال خترجها عنك إال بعد تدقيق النقد وإنعام ء بزهري، فإنه كان راويته، وقد النظر، وقد كان احلطيئة يعمل القصيدة يف شهرين، وينقحها يف شهرين اقتدا

املنقح احلويل، واحلويل : كان زهري يعمل القصيدة يف شهر واحد وينقحها يف حول كامل، حىت قيل لشعره :ويف ذلك يقول عدي بن الرقاع كامل. احملكك

حىت أقوم ميلها وسنادها... وقصيدة قد بت أمجع بينها فه منآدهاحىت يقيم ثقا... نظر املثقف يف كعوب قناته

ويف الناس من رزق بديهة حسنة، وحدة خاطر، ونفاذ طبع؛ وسرعة نظم، يرجتل القول ارجتاال، ويأيت به عفوا صفوا، فال تقعد به عن قوم قد أتعبوا خواطرهم، وكدوا نفوسهم يف التهذيب، وبذلوا جهدهم يف

رام يوجب للكالم ثقال، وال تطل التنقيح والتأديب واحذر إذا كاتبت من اإلسراف يف الشكر، فإنه إبالدعاء فإنه يورث ملال، وال جتعل كالمك مبنيا على السجع كله، فتظهر عليه الكلفة، ويبني فيه أثر املشقة،

ويتكلف ألجل السجع ارتكاب املعىن الساقط، واللفظ النازل، ورمبا اشتد عيب كلمة املقطع رغبة يف قة يف مكاهنا بل اصرف كل النظر إىل جتويد األلفاظ، وصحة املعاين، السجع، فجاءت نافرة من أخواهتا، قل

واجتهد يف تقومي املباين، فإن جاء الكالم مسجوعا عفوا من غري قصد، وتشاهبت مقاطعه من غري كسب كان، وإن عز ذلك فاتركه وإن اختلفت أسجاعه، وتباينت يف التقفية مقاطعة، فقد كان املتقدمون ال حيلفون

جع وال يقصدونه بتة، إال ما أتت به الفصاحة يف أثناء الكالم، واتفق عن غري قصد وال اكتساب، وإمنا بالسكانت كلماهتم متوازنة، وألفاظهم متناسبة، ومعانيهم ناصعة، وعبارهتم رائقة وفصوهلم متقابلة، ومجل

فرسان الكالم، كابن املقفع، كالمهم متماثلة، وتلك طريقة اإلمام علي عليه السالم، ومن اقتفى أثره من وسهل بن هارون، وإبراهيم بن العباس، واحلسن بن سهل، وعمرو بن مسعدة، وأيب عثمان اجلاحظ، وغري

هؤالء من الفصحاء والبلغاء، وال جتعل كل الكالم شريفا عاليا، وال وضيعا نازال، بل فصله تفصيل العقود، حسن فرائده، وال يبني كمال واسطته، وانظر إىل نظم القرآن العزيز فإن العقد إذا كان كله نفيسا، ال يظهر

كيف مجع طبقات البالغة الثالث، ليظهر فضل كل طبقة يف باهبا، وتبني حمكم أسباهبا، ويعلم أن أدناها بالنسبة إليها يعلو على أعلى الطبقات من كالم البلغاء، ويرىب عليها، فإن الكالم إذا كان منوعا افتنت

ألمساع فيه، ومل يلحق النفوس ملل من ألفاظه ومعانيه، واعلم أن األلفاظ أجساد واملعاين أرواحا، فإذا اقويت األلفاظ فقو املعاين، وإذا أضعفتها فأضعفها لتتوازن قوى الكالم، وتتناسب يف األفهام، واقصد القوايف

لة احللوة، دون املهجورة الكزة، فإن السهلة املستحسنة، دون املستصعبة املستهجنة، واألوزان املستعمالشعر كاجلواد، والقوايف حوافره، واأللفاظ صورته، واملعاين سرعته، واألوزان مجلته، واجعل كالمك كله

كالتوقيعات، وعليك باملقطعات فإهنا يف القلوب أحلى وأكمل، ويف اجملالس أرشق وأجول، وباألمساع أعلق، وما فغري قوايف شعره إىل قوايف سجعه، وإذا أخذت معىن بيت من بيت وباألفواه أعبق، فإذا نثرت منظ

فتجنب األلفاظ مجلتها ما استطعت، أو معظمها، وغريا لوزن والقافية، وزد يف معناه، وانقص من لفظه، واحترس مما طعن عليه به، لتكون أملك له من قائله وإن كان التفضيل قد يقع بغري ما ذكرت، ومما يقدم به

تكلم على غريه حسن األدب مع املمدوح، كقول ابن نباتة السعدي يف سيف الدولة بن محدان عفا اهللا امل عنه بسيط

تركتين أصحب الدنيا بال أمل... مل يبق جودك يل شيئا أؤمله فإنه أحسن األدب مع ممدوحه، خبالف املتنيب، فإن املتنيب قال يف هذا املعىن بسيط

فما يقول لشيء ليت ذلك يل... مبلغه متسي األماين صرعى دون وابن نباتة جعل مادح ممدوحه مل تبق . فإن املتنيب جعل ممدوحه ممن يصح منه التمين لو كانت بقيت له أمنيته

له أمنيته، ورفعه عن أن يكون هو ممن يصح أن يتمىن شيئا، فكل ما جعله املتنيب ملمدوحه، جعله ابن نباتة الذي خلقين : " دب من قول اهللا سبحانه وتعاىل على لسان إبراهيم عليه السالملشاعر ممدوحه، وهذا األ

فأسند أفعال اخلري كلها هللا، وأسند فعل " فهو يهدين، والذي هو يطعمين ويسقني، وإذا مرضت فهو يشفني .صلى اهللا عليه وسلم. الشر لنفسه، حسن أدب مع ربه

مقتضى الصناعة " مبا عملوا وجيزي الذين أحسنوا باحلسىن ليجزي الذين أساءوا: " ومثل ذلك قوله تعاىلأن يؤتى بتجنيس االزدواج يف صدر اآلية، كما أتى به يف عجزها، لكنه منع منه توخي التأديب والتهذيب

عائدا على اهللا سبحانه، وجب أن يعدل عن " ليجزي " يف نظم الكالم، وذلك أنه ملا كان الضمري الذي يف مبا " " بالسيئة .. " خلاص إىل ردفه، حىت ال تنسب السيئة هللا تعاىل، فقال سبحانه يف موضع لفظ املعىن ا

فعوض عن جتنيس املزاوجة اإلرداف، ملا يف اإلرداف من حسن األدب مع اهللا تعاىل، ليعلمنا ذلك، " علموا الكالم فيه على مقتضى قد أمن فيه هذا احملذور، أتى " وجزاء سيئة سيئة مثلها " وملا كان قوله تعاىل .الصناعة، واهللا أعلم

ألنه سبحانه أدمج " وال تركنوا إىل الذين ظلموا فتمسكم النار : " ومن أحسن ما وقع يف هذا قوله تعاىلوهو أعلم يف هذا الكالم وصف نفسه بالعدل فعلق فن الفخر بفن األدب، إذ ظاهر اآلية التأدب واملوعظة،

فخر متعلق بذلك، مع ما يف لفظ هذا الكالم من املالءمة اليت حصل هبا ائتالف ووصف نفسه تعاىل بالعدل اللفظ باملعىن ،ألن الركون إىل الظامل دون فعل الظامل نفسه، ومس النار دون إحراقها والدخول فيها،

ما والعدل يقتضي أن يكون العقاب على قدر الذنب، فكان ذلك املساس مالئما للركون دون غريه، فانظر

انطوى عليه نظم هذه األلفاظ السبع من املعاين، وأنواع البديع، واالئتالف الذي دلت عليه املالءمة، ملا " إىل الذين ظلموا " إىل قوله " إىل الظاملني " واإلدماج، والتعليق واالفتنان، والبسط، إذ عدل عن قوله

م املعىن لفظ الركون ولفظ املساس، واملبالغة، حيتمل األول من االستمرار يف الظلم على سبيل الندور، ليالئألنه إذ هنى عن الركون إىل من وقع منه الظلم يف وقت دون وقت كان النهي عن الركون ملن استمر منه

الظلم بطريق أوىل، لترى ما حتت نظم هذا الكتاب العزيز من اخلبايا اليت هذا بعضها، وما خفي منها أكثر مما .ظهر، واهللا أعلم

الشعر حمجة يقع فيها اخلاطر على اخلاطر، كوقوع احلافر : ذا تقاربت الديار، تقاربت األفكار، وهلذا قيلوإواعلم أن من الناس من شعره يف البديهة أبدع منه يف الروية، ومن هو جميد يف رويته وليست له . على احلافر

، ومنهم من بضد ذلك، ومن قوى بديهة، وقلما يتساويان، ومنهم من إذا خاطب أبدع، وإذا كاتب قصرنظمه ضعف نثره، ومن قوى نثره ضعف نظمه، وقلما يتساويان، وقد يربز الشاعر يف معىن من معاين مقاصد

أشعر الناس امرؤ القيس إذا ركب، وزهري إذا رغب، والنابغة إذا : الشعر دون غريه من املقاصد، وهلذا قيل .رهب، وعنترة إذا كلب، واألعشى إذا طرب

وإياك وتعقيد املعاين بسوء التركيب، واستعمال اللفظ الوحشي، فإن خري الكالم ما سبق معناه إىل القلب، قبل وصول مجلته إىل السمع، فإن علي بن عيسى الرماين ذكر أن أسباب اإلشكال ثالثة وكلها تغري الكالم

رك وقد مجع هذه األسباب الثالثة عن األغلب، كالتقدمي، والتأخري، وسلوك الطريق األبعد، وإيقاع املشت :قول الفرزدق طويل

أبو أمه حي أبوه يقاربه... وما مثله يف الناس إال مملك إبراهيم بن هشام بن إمساعيل املخزومي، خال هشام ابن عبد امللك، فأبو أم هشام بن عبد : فإن املمدوح

فجد اململك وهو اململك ألمه أبو املمدوح، امللك وهو اململك أبو إبراهيم ابن هشام بن إمساعيل املخزومي، وما مثل هذا املمدوح إال ابن أخته، وأما التقدمي : فاملمدوح على هذا خال اململك، وحاصل معىن هذا البيت

والتأخري مع قوله وما مثله البيت فإن صحته وما مثله يف الناس حي يقاربه إال مملك أبو أمه أبوه، فلما قدم وأما . جده أبوه: أبو أمه أبوه، وكان جيزئه قوله: وأما سلوك الطريق األبعد، فقوله .وأخر حصل التعقيد

.انتهى كالم الرماين. املشترك ففي قوله حي لصالحية اللفظ لضد امليت، وللقبيلةوليكن كالمك سليما من التكلف، بريئا من التعسف، وليحط لفظك مبعناك، وتشتمل عبارتك على مغزاك،

أن تقول فال : سرعة جواب يف صواب، وقيل: الة إال فيما حتمد فيه، فإن البالغة حملة دالة، وقيلواحذر اإلطتبطئ، وأن تصيب فال ختطئ، والصحيح من حدها أهنا إيضاح املعىن بأقرب الطرق أسهلها، وإذا روعي

ملخاطبه بأقرب هي بلوغ املتكلم بعبارته أقصى ما يف نفسه، وإيصال ذلك: االشتقاق فيها قيل يف حدها " .سكت ألفا ونطق خلفا : " الطرق وأسهلها والعي إكثار من مهدار، وإخطاء بعد إبطاء، كما جاء يف املثل

كانت ألفاظه : وقدر اللفظ على قدر املعىن ال زائدا عليه، وال ناقصا عنه، كما قيل يف مدح بعض البلغاءكفاه، وإن أخذ طومارا مأله واستعمل التطويل يف مكانه، كان إذا أخذ شربا: قوالب ملعانيه، وقيل يف آخر

إذا كان اإلجياز كافيا، كان الطويل عيا، وإذا كان التطويل واجبا، كان : والتقصري يف مكانه، فقد قيلالتقصري عجزا وهلذا حد بعضهم البالغة بأهنا إجياز من غري إخالل، وإطناب من غري إمالل، وما أحسن ما

:جلاحظ يف هذا املوضع، وهو كاملأنشده ا وحي املالحظ خيفة الرقباء... يرمون باخلطب الطوال وتارة

سئل عن : وإياك أن تفرط فتكثر، أو تفرط فتقصر، وقد ذكر يف كتابه املترجم بالبيان والتبيني أن الفارسي .معرفة الفصل من الوصل: البالغة فقال

.م، واختيار الكالمتصحيح األقسا: وسئل اليوناين عنها فقال .حسن االقتصار عند البديهة، والغزارة يوم اإلطالة: وسئل الرومي عنها فقالالتماس حسن : وقال مرة. وضوح الداللة، وانتهاز الفرصة، وحسن اإلشارة: وسئل اهلندي عنها فقال

اللفظ وتعذر، ورتبته املوقع، واملعرفة بساعات القول، وقلة اخلرق مبا التبس من املعاين، أو غمض وشرد يفأن تكون الشمائل مذروبة يعين املتكلم، واأللفاظ معدلة، واللهجة نقية، وأال يكلم سيد األمة مبا يكلم به األمة، ويكون يف قوله فضل التصرف يف كل طبقة، وال يدقق املعاين كل التدقيق، وال ينقح األلفاظ كل

.التهذيب التنقيح، بل يصفيها كل التصفية، ويهذهبا غايةإهنا احلذق بطريقة الكالم وجتويده، وأما : يعين أهل اللغة: مث قال، أعين اجلاحظ، وأما الرباعة فقد قالوا فيها

االقتدار على اإلبانة عن كل : الفصاحة فمختلف فيها فمن قائل بأهنا جزالة اللفظ، وحسن املعىن، وقيلأهنا خلوص األلفاظ من : ية، والذي صح يف تعريفهامعىن كامن يف النفس، بعبارات جليلة، ومعان نقية هب

التعقيد املبعد عن إدراك معانيها، وعن العيوب اليت تعرض فيها، فإن اشتقاقها من الفصيح، وهو اللنب الذي خلص من رغوته أو لبئه، وإال فانظر إىل قصص الكتاب العزيز كيف أتت تارة وجيزة، ومرة بسيطة كما

:دة اليت مدحت هبا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم طويلقلت يف وصفه يف القصي ليفهمها من بسطها املتبلد... به قصص تأتيك طورا بسيطة له زند فهم ثاقب ليس يصلد... وطورا بإجياز يبث لذي حجا

مل تزل وعلى اجلملة، مهما كان اإلجياز كافيا، واملعىن به واضحا، فاإلطالة إن مل تكن عيا كانت عبثا، واألجالء املتقدمون حيمدون ذلك، ويذمون ما سواه، ويدلك على اختيار هذا املذهب ما حيكى عن أمحد بن

دخلت يوما على املأمون ويف يديه كتاب، وهو يعاود قراءته تارة بعد أخزى، : يوسف الكاتب، فإنه قاليا أمحد، أراك مفكرا فيما تراه : فلما مرت على ذلك مدة التفت إىل وقال: ويصعد نظره فيه ويصوبه، قال

إنه ال مكروه يف الكتاب، : نعم، وقى اهللا أمري املؤمنني املكاره، وأعاذه من املخاوف، فقال: مين، فقلتالبالغة : ولكين قرأت فيه كالما وجدته نظري ما مسعت الرشيد رمحه اهللا يقوله يف البالغة، فإين مسعته يقول

ريب من البغية، والداللة بالقليل من اللفظ على الكثري من املعىن، وما كنت أتوهم التباعد عن اإلطالة، والتقهذا كتاب عمرو بن : أن أحدا يقدر على املبالغة يف هذا املعىن، حىت قرأت هذا الكتاب، ورمى به إيل وقال

ئر أجناده يف االنقياد فقرأته، فإذا فيه كتايب إىل أمري املؤمنني، ومن قبلي من قوداه وسا: مسعدة إلينا، قالوالطاعة على أحسن ما تكون عليه طاعة جند تأخرت أرزاقهم، وانقياد كافة تراخت أعطياهتم، فاختلت

يا أمحد، إن استحساين هذا الكالم بعثين على : فلما قرأته قال يل: لذلك أواهلم، والتاثت معه أمورهم، فقالعلى جمازاة الكاتب مبا يستحقه حمله من صناعته، وروى أن أمرت للجند قبله بعطياهتم لسبعة أشهر، وأنا

أيضا عن املأمون أنه أمر عمرو بن مسعدة الكاتب هذا أن يكتب لرجل يعين به إىل بعض العمل بالوصية : عليه، وأن خيتصر كتابه ما أمكنه حىت يكون ما يكتب به يف سطر واحد، فكتب إليه عمرو بن مسعدة

ن كتب إليه، معىن مبن كتب له، ولن يضيع بني الثقة والعناية حامله، إن شاء اهللا كتايب إليك كتاب واثق مبإن استطعتم أن يكون كالمكم كله : وقد كان جعفر بن حيىي من تقدمه يف هذه الصناعة يقول لكتابه. تعاىل

.مثل التوقيعات فافعلوا

عندي قرى كل نازل، ورضا كل : ما عندك يف محاالت داحس؟ فقال: وأما قول قيس بن خارجة ملا قيل لهساخط، وخطبة من لدن تطلع الشمس إىل أن تغرب، آمر فيها بالتواصل، وأهنى عن التقاطع، فإن ذلك مل

خيرجه خمرج املدح لإلطالة املذمومة، ألن اإلطالة املذمومة هي إطالة العبارة عن املعىن الواحد باأللفاظ عاين، فإذا كثرت املعاين احتاج املتكلم إىل كثرة األلفاظ للعبارة عنها الكثرية، وإهنما أراد قيس اإلكثار من امل

إليضاحها وليويف مبقصوده فيها، ومىت طال الكالم كذلك كانت إطالته بالغة العيا، فإن حقيقة البالغة إجياز من غري إخالل، وإطناب من غري إمالل، السيما خطب اإلمالكات، والسجالت اليت تقرأ على رءوس

ماعات، فاحملمود يف هذه املواضع اإلطناب، واملذموم اإلسهاب، وإمنا كان اإلطناب حممودا، واإلسهاب اجلمذموما، ألن اإلطناب تفخيم األمر وتقويته وتوكيده وشد أواخيه، واإلسهاب مأخوذ من السهب وهو

إليه، فكأن املسهب اتسع يف املتسع من الفالة اليت ال ينتهي النظر فيه إىل علم يهتدى به، وال معلم يؤوىالكالم اتساعا ال فائدة فيه، وقد شفيت الغليل يف هذا الباب، وخرجت فيه عن شرط الكتاب، الحتياج

.العامل إليه، واعتماد الناقد عليه

باب حسن النسق

ات حسن النسق من حماسن الكالم، وهو أن تأتى الكلمات من النثر واألبيات من الشعر متتاليات، متالمحتالمحا سليما مستحسنا، ال معيبا مستهجنا، واملستحسن من ذلك أن يكون كل بيت إذا أفرد قام بنفسه،

واستقل معناه بلفظه، وإن ردفه جماوره صار مبنزلة البيت الواحد، حبيث يعتقد السامع أهنما إذا انفصال جتزأ ل حاهلما يف كمال احلسن ومتام املعىن مع حسنهما، ونقص كماهلما، وتقسم معنامها، ومها ليسا كذلك، ب

.االنفراد واالفتراق كحاهلما مع االلتئام واالجتماعوقيل يا أرض ابلعي ماءك، ويا مساء أقلعي وغيض : " ومن شواهد هذا الباب يف الكتاب العزيز قوله تعاىل

ى إتيان هذه اجلمل معطوفا فأنت تر" . املاء وقضي األمر واستوت على اجلودي وقيل بعدا للقوم الظاملني بعضها على بعض بواو النسق على الترتيب الذي تقتضيه البالغة ألنه سبحانه بدأ باألهم، إذ كان املراد

إطالق أهل السفينة من سجنها، وال يتهيأ ذلك إال باحنسار املاء عن األرض، فلذلك بدأ باألرض، فأمرها تلعت ما عليها من املاء ومل تقطع مادة املاء تأذى بذلك أهل باالبتالع، مث علم سبحانه أن األرض إذا اب

السفينة عند خروجهم منها ورمبا كان ما ينزل من السماء خملفا ملا تبتلعه األرض، فال حيصل االحنسار فأمر سبحانه السماء باإلقالع بعد أمره األرض باالبتالع، مث أخرب بغيض املاء عند ما ذهب ما على األرض،

، " وقضي األمر : " ت مادة السماء، وذلك يقتضي أن يكون ثالث اجلملتني املتقدمتني، مث قال تعاىلوانقطعأي هلك من قدر هالكه، وجنا من قضيت جناته، وهذا كنه اآلية، وحقيقة املعجزة، وال بد وأن تكون معلومة

قوف على ما تقدم، فلذلك ألهل السفينة، وال ميكن علمهم هبا إال بعد خروجهم منها، وخروجهم منها مواقتضت البالغة أن تكون هذه امللة رابعة اجلمل، وكذلك استواء السفينة على اجلودي، أي استقرارها على

املكان الذي استقرت فيه استقرارا ال حركة معه، لتبقى آثارها آية ملن يأيت بعد أهلها، وذلك يقتضي أن ، هذا دعاء أوجبه االحتراس ممن يظن أن " عدا للقوم الظاملني وقيل ب: " يكون بعد ما ذكرنا، وقوله سبحانه

اهلالك رمبا مشل من ال يستحق، فدعا سبحانه على اهلالكني، ووصفهم بالظلم احتراسا من هذا االحتمال، .وذلك يقتضى أن تكون بعد كل ما تقدم، واهللا أعلم

.واءفانظر إىل حسن هذا النسق، وكيف وقع القول فيه وفق الفعل س :ومن شواهد هذا الباب الشعرية قول زهري طويل

يطيع العوايل ركبت كل هلذم... ومن يعص أطراف الزجاج فإنه .فإنه نسق على هذا البيت اثىن عشر بيتا كل بيت معطوف على ما قبله بالواو عطف تالحم من غري تضمني

قدمنا من شعر زهري، وتارة يف مجل وحسن النسق تارة يكون يف األبيات حبيث يعطف بيت على بيت كما البيت الواحد، كقول ابن شرف القريواين بسيط

إذا ادرعت فال تسأل عن األسل... جاور عليا وال حتفل حبادثة ملء املسامع واألفواه واملقل... سل عنه، وانطق به، وانظر إليه جتد

لتقسيم، ووضوح هذا التفسري، وما فاحلظ حسن هذا النسق؛ وصحة هذا الترتيب فيه، واستيعاب هذا ا :رأيت من شواهد حسن النسق مما هو داخل يف القسم األول منه كقول أيب نواس كامل

فاجعل حديثك كله يف الكاس... وإذا جلست إىل املدام وشرهبا هللا ذاك النزع ال للناس... وإذا نزعت عن الغواية فليكن

ومها اجملون والزهد حىت صارا كأهنما فن واحد، : هذين البيتنيفإن حسن النسق الءم بني فنني متضادين يف .واهللا أعلم

باب االنسجام

وهو أن يأيت الكالم متحدرا كتحدر املاء املنسجم، سهولة سبك وعذوبة ألفاظ، حىت يكون للجملة من لبديع، وبعده عن املنثور والبيت من املوزون وقع يف النفوس وتأثري يف القلوب ما ليس لغريه، مع خلوه من ا

وأكثر ما يقع االنسجام غري مقصود، كمثل الكالم املتزن الذي تأتى به الفصاحة يف ضمن النثر . التصنيععفوا كمثال أشطار، وأنصاف، وأبيات وقعت يف أثناء الكتاب العزيز ورويت عن الرسول صلى اهللا عليه

ذلك شعرا وإن مل يقصد، وأما القرآن العزيز وسلم، فإن وقع من ذلك يف غري القرآن بيتان فصاعدا مسى فلم يقع فيه إال مثال النصف، أو البيت الواحد، والبيت املفرد ال يسمى شعرا، وعلى ذلك أدلة ال يتسع

هذا املكان لذكرها، وقد أتيت هبا مستقصاة يف كتايب املنعوت بامليزان الذي شرعت يف عمله، أرجح فيه بني .خصومة، ومل يتكلم كالم قدامة وبني كالم

ومثال االنسجام الذي وقع يف األشعار املقصودة قول اإلمام أيب متام بسيط فانظر على أي حال أصبح الطلل... إن شئت أال ترى صربا ملصطرب

:وكقوله أيضا كامل ما احلب إال للحبيب األول... نقل فؤادك حيث شئت من اهلوى

:وكقول البحتري طويل لبني، وأخرى قبلها لتجنب... عربة قد سفحتها فيا الئمي يف

وتطلب مين مذهبا غري مذهيب... حتاول مين شيمة غري شيميت :وكقول إسحاق بن إبراهيم املوصلي طويل

ووصل الغواين والتذاذي بالشرب... على عصر أيام الصبابة والصبا سوى نظر العينني أو شهوة القلب... سالم امرئ مل تبق منه بقية

:ومن هذا الباب للمتقدمني أكثر المية الشنفري كقوله طويل وفيها ملن خاف القلى متحول... ويف األرض مناى للكرمي عن األذى

:وكقول امرئ القيس طويل وأنك مهما تأمر القلب يفعل... أغرك مين أن حبك قاتلي

:ن سلم بقوله خفيفومل أمسع يف االنسجام كقول عبد الصمد بن املعذل يرثي األمري سعيد ب وعدمي نعشته بعد عدم... كم يتيم خربته بعد يتم

رضى اهللا عن سعيد بن سلم... كلما عضت احلوادث نادى .والبيت الثاين أردت

:وكقول شاعر احلماسة طويل يالم الفىت فيما استطاع من األمر... أال ليقل من شاء ما شاء إمنا

ليه، فقد جتري األمور على قدرع... قضى اهللا حب املالكية فاصطرب وقد حيصل االنسجام مع البديع الذي أتت به القرحية عفوا من غري استدعاء وال كلفة، كقول أيب متام بسيط

فانظر على أي حال أصبح الطلل... إن شئت أال ترى صربا ملصطرب ، واإلشارة، فإنه علق عدم صرب فأنت ترى انسجام هذا الكالم مع كون البيت قد وقع فيه املبالغة، والتعليق

إىل أحوال كثرية لو " على أي حال أصبح الطلل : " املصطربين برؤية الطلل على تلك احلالة، وأشار بقوله .عرب عنها بلفظها الحتاجت إىل ألفاظ كثرية، وعلق أحد األمرين باآلخر، إذ جاء بلفظ الشرط واملشروط

قال إمنا أشكو بثي وحزين إىل اهللا وأعلم من اهللا ما ال تعلمون : " اىلومن االنسجام يف الكتاب العزيز قوله تع

" .خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن اجلاهلني " وقوله تعاىل . واآلية اليت بعدها" وهللا غيب السموات واألرض وإليه يرجع األمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل : " وقوله سبحانه .القرآن من شواهد هذا الباب وأكثر" عما تعملون

إن اهللا أنزل هذا القرآن : " ومن االنسجام يف السنة قول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يف وصف القرآنآمرا وزاجرا، وسنة خالية ومثال مضربا، فيه نبأكم، وخرب ما كان قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وحكم ما بينكم،

جائبه، هو احلق، ليس باهلزل، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ال خيلقه طول املدد، وال تنقضي عومن خاصم به فلج، ومن قسم به أقسط ومن عمل به أجر، ومن متسك به هدى إىل صراط مستقيم، ومن

طلب اهلدى من غريه أضله اهللا، ومن حكم بغريه قصمه اهللا، هو الذكر احلكيم، والنور املبني، والصراط املتني، والشفاء النافع، عصمة ملن متسك به، وجناة ملن ابتعه، ال يعوج فيقوم، وال يريغ املستقيم، وحبل اهللا

" .فيستعتب فانظر إىل انسجام هذه العبارة وما جاء فيها من البديع غري مقصود، تشهد اخلواطر السليمة أنه كالم

لم، وأوتى هذه الفصاحة مسترسل غري مرو وال مفكر، فصلوات اهللا وسالمه على من بعث جبوامع الك .الرائعة، وعلى آله وصحبه وسلم

باب براعة التخلص

وهو امتزاج آخر ما يقدم الشاعر على املدح من نسب أو فخر أو وصف أو أدب أو زهد أو جمون أو غري وقد يقع ذلك يف بيتني متجاورين، وقد يقع يف بيت واحد، وهذه وإن مل تكن . ذلك بأول بيت من املدح

املتقدمني يف تغالب أشعارهم، فإن املتأخرين قد هلجوا هبا وأكثروا منها، وهي لعمري من املاسن وهذا طريقة .الباب قدمي، وهو من أجل أبواب احملاسن، ويسمى معرفة الفصل من الوصل

وقد ذهب أصحاب اإلعجاز إىل أنه وجه اإلعجاز، وهو دقيق يف عني الغيب خفي خيفى على غري احلذاق من وهو مبثوث يف الكتاب العزيز من أوله إىل آخره، فإنك تقف من الكتاب العزيز على مواضع . النقدذوي

جتدها يف الظاهر فصوال متنافرة ال تعرف كيف جتمع بينها، فإذا أنعمت النظر وكنت ممن له دربة هبذه ليال من املسجد احلرام سبحان الذي أسرى بعبده: " الصناعة، ظهر لك اجلمع بينهما، كقوله سبحانه وتعاىل

إىل املسجد األقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصري، وأتينا موسى الكتاب وجعلناه فإنك إذا " ذرية من محلنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا . هدى لبين إسرائيل أال تتخذوا من دوين وكيال

وجدت هذا الفصل مباينا ملا قبله حىت تفكر فتجد الوصل " الكتاب وآتينا موسى : " نظرت إىل قوله تعاىلفإنه سبحانه أخرب بأنه أسرى مبحمد صلى اهللا عليه " سبحان الذي أسرى بعبده : " بني الفصلني يف قوله

وسلم لرييه من آياته، ويرسله إىل عباده، كما أسرى مبوسى من مصر ين خرج منها خائفا يترقب، فأتى وج بابنة شعيب، وأسرى هبا فرأى النار، فخاطبه ربه وأرسله إىل فرعون، وآتاه الكتاب، فهذا مدين، وتز

ذرية من محلنا مع نوح إنه كان : " الوصل بني هذين الفصلني، وأما الوصل بني ما ذكرت وبني قوله تعاىل

إذ لو مل ينج أباهم من فقد كان على بين إسرائيل نعمة عليهم قدما حيث جناهم يف السفن، " عبدا شكورا أبناء نوح ملا وجدوا، وأخربهم أن نوحا كان شكورا، وهم ذريته، والولد سر أبيه، فيجب أن يكونوا

.شاكرين كأبيهموأما يف الشعر فأمت الناس براعة يف التخلص وأول من أحسن يف ذلك من القدماء يف غالب ظين زهري، حيث

قال بسيط كن الكرمي على عالته هرم... ل؟ إن البخيل ملوم حيث كان و

ولقد اتفق له يف هذا البيت اتفاق صاحل حيث جاء مدجما من جهة عروضه، فامتزج املعنيان والقسيمان امتزاجا كليا لفظيا ومعنويا مع ما وقع يف البيت من املطابقة اللفظية، مث تأنث املتأخرون يف ذلك، فمن جميد

يدين يف ذلك الذي أتى فيه مبا ال يلحق سبقا مسلم بن الوليد، حيث قال مربز، ومن ضعيف مقصر، فمن اجمل :طويل

كأن دجاها من قرونك ينشر... أجدك ما تدرين أن رب ليلة كغرة حيىي حني يذكر جعفر... سريت هبا حىت جتلت بغرة

إلشارة، فإنه علق فإن التخلص وقع يف بيت واحد، وهو أحسن قسميه، إىل ما جاء يف البيت من التعليق واالغزل باملدح، حيث أشار إىل فرط حب حيىي لولده جعفر، وهو املمدوح، ويف ذلك مدحه بالرب ألبيه، الذي

.أوجب له ذلك عليه، ويف وصفه بالرب ألبيه مجا خري الدنيا واآلخرة، فأدمج املبالغة يف التعليق :ومن اجمليدين يف ذلك أيضا أبو نواس حيث يقول طويل

يعز علينا أن نراك تسري... اليت من بيتها خف حمملى تقول

بلى إن أسباب الغىن لكثري... أما دون مصر للغىن متطلب جرت فجرى يف إثرهن عبري... فقلت هلا، واستعجلتها بوادر إىل بلد فيه اخلصيب أمري... ذريين أكثر حاسديك برحلة

:وكقول أيب متام كامل صرب وأن أبا احلسني كرمي... ال والذي هو عامل أن النوى

نفسي على إلف سواك حتوم... ما زلت عن سنن الوداد وال غدت :وكقوله حيث يقول وافر

حماسن أمحد بن أيب دؤاد... لقد أنست مساوئ كل دهر :وكقوله معتذرا يف وصف اإلبل طويل حلقدإىل السخط والعذر املبني إىل ا... سرت حتمل العتىب إىل العتب والرضا

وكقوله بسيط منا السرى وخطا املهرية القود... يقول يف قومس صحيب وقد أخذت

فقلت كال ولكن مطلع اجلود... أمطلع الشمس تبغي أن تؤم بنا

ومما تقدم فيه غريه قوله بسيط فقد أظلك إحسان ابن حسان... إساءة احلادثات استنبطى نفقا

وكقوله بسيط حممد بن أيب أيوب والنوب... رف مل جيتمع قط يف مصر وال ط

:وكقوله كامل وبنو الرجاء هلم بنو العباس... فاألرض معروف السماء قرى هلا

على أن أبا الطيب املتنيب قد أتى يف هذا الباب مبا ال يقصر به عن حلاق أيب متام وال أمثاله من اجمليدين، ويكفيه من ذلك قوله بسيط من أين جانس هذا الشادن العربا... مرت بنا بني تربيها فقلت هلا

ليث الشرى وهو من عجل إذا انتسبا... فاستضحكت مث قالت كاملغيث يرى :وأما إذا وصلت إىل ابن حجاج يف هذا الباب، فإنك تصل إىل ما ال تدركه األلباب، ومن ذلك قوله وافر

مبشورة استها وهلا قذايل... وقد بادلتها فمباهلا يل ودنيا ابن العميد مجيعها يل... عميد مجيع مدحى كما البن ال

:وكقوله خفيف وهبذا الوزير خوف زماين... فبهم قد أمنت خوف معادي

فإنه سبحانه أشار " حنن نقص عليك أحسن القصص : " ومن براعة التخلص يف الكتاب العزيز قوله تعاىلالقصة مشريا إليها هبذه النكتة من باب أحسن القصص إىل قصة يوسف، فوطأ هبذه اجلملة إىل ذكر: بقوله

الوحي والرمز، وإمنا كانت أحسن القصص بكون كل قضية منها كانت عاقبتها إىل خري، فإن أوهلا رميه يف اجلب، فكانت عاقبته السالمة، وبيع ليكون عبدا فاختذ ولدا، ومراودة امرأة العزيز له فعصمه اهللا، ودخوله

ظفر إخوته به أوال، وظفر هبم آخرا، وتطلعه إىل أخيه بنيامني، واجتماعه به، السجن، وخروجه ملكا، و .وعمى أبيه، ورد بصره، وفراقه له، وألخيه، واجتماعه هبما، وسجود أبويه وإخوته له حتقيقا لرؤياه من قبل

. اآلية" ونوحا إن اهللا اصطفى آدم : " موطئا للتخلص لذكر مبدأ خلق املسيح عليه السالم: وكقوله تعاىل .واهللا أعلم

؟

باب احلل

وهو أن يعمد الكاتب إىل شعر ليحل منه عقد الوزن فيصريه منثورا، كما روى عن إبراهيم بن العباس : " ما اتكلت قط يف مكاتبايت إال على ما جيلبه خاطري، وجييش به صدري، إال قويل: الصويل أنه قال

قول مسلم بن الوليد بسيطفإين حللت " فأبدلوه آجاال من آمال كأنه أجل يسعى إىل أمل... موف على مهج يف يوم ذي رهج

:وقد صار ما حيرزهم يربزهم، وما يعقلهم يعتقلهم، فإين حللت فيه قول أيب متام طويل: وقويل

قراه، وأحواض املنايا مناهله... فإن باشر اإلصحار فالبيض والقنا أولئك عقاالته ال معاقله... وإن ينب حيطانا عليه فإمنا

.والبيت الثاين أردتيعملون له ما يشاء من حماريب ومتاثيل وجفان كاجلواب وقدور : " ومن ذلك يف الكتاب العزيز قوله تعاىل

" :رمل " فإن ذلك حل قول امرئ القيس " راسيات وجفان كاجلواب... وقدور راسيات

قة، وتكلم على اآلية الكرمية، وأن امرأ القيس مل يصح أنه على أن بعض الرواة ذكر أنه وضعه بعض الزناد .تلفظ به، واهللا أعلم

باب العقد

.وهو ضد احلل، ألنه عقد النثر شعرا

ومن شرائطه أن يؤخذ املنثور جبملة لفظه أو مبعظمه، فيزيد فيه، أو ينقص منه، أو حيرف بعض كلماته ىن املنثور دون لفظه كان ذلك نوعا من أنواع السرقات ليدخل به يف وزن من أوزان الشعر، ومىت أخذ مع

حبسب اآلخذ الذي يوجب استحقاق األخذ للمأخوذ، وال يسمى عقدا إال إذا أخذ املنثور برمته، وإن غري منه بطريق من الطرق اليت قدمناها كان املبقى منه أكثر من املغري حبيث يعرف من البقية صورة اجلميع، كما

:يف كالم عزى به علي عليه السالم األشعث بن قيس يف ولده، فعقده أبو متام شعرا فقال طويل فعل أبو متام وخاف عليه بعض تلك املآمث... وقال علي يف التعازي ألشعث

فتؤجر أم تسلو سلو البهائم... أتصرب للبلوى عزاء وحسبة :ومنه قول أيب العتاهية سريع

ره يفخروجيفة آخ... ما بال من أوله نطفة ما ابن آدم والفخر، وإمنا أوله نطفة وآخره جيفة، فقعده : فإنه عمد إىل قول علي بن أيب طالب عليه السالم

.شعرا :وكقوله، أعين أبا العتاهية وافر

نفضت تراب قربك من يديا... كفى حزنا بدفنك مث إين فأنت اليوم أوعظ منك حيا... وكانت يف حياتك يل عظات

إن كان امللك أمس أنطق منه اليوم، فهو اليوم أوعظ : قول بعض احلكماء يف اإلسكندر حني ماتفإنه عقد .منه أمس، واهللا أعلم

باب التعليق

وهو أن يأيت املتكلم مبعىن يف غرض من أغراض الشعر، مث يعلق به معىن آخر من ذلك الغرض يقتضى زيادة ن بالكرم فيعلق بالكرم شيئا يدل على الشجاعة، حبيث لو معىن من معاين ذلك الفن، كمن يروم مدحا إلنساأذلة على املؤمنني : " ومن ذلك يف الكتاب العزيز قوله تعاىل. أراد أن خيلص ذكر الشجاعة من الكرم ملا قدر

فإنه سبحانه لو اقتصر على وصفهم بالذل على املؤمنني، الحتمل أن يتوهم ضعيف " أعزة على الكافرين م عن عجز وضعف، فنفى ذلك عنهم، وكمل املدح له بذكر عزهم على الكافرين، ليعلم أن الفهم أن ذهل

ذهلم للمؤمنني عن تواضع هللا سبحانه، ال عن ضعف وال عجز بلفظ اقتضت البالغة اإلتيان به، ليتمم بديع ليق الذي هو اللفظ كما متم املدح، فحصل يف هذه األلفاظ االحتراس مدجما يف املطابقة، وذلك تبع للتع

.املطلوب من الكالم :ومن أمثلة التعليق قول املتنيب طويل

كأهنم فيما وهبت مالم... إىل كم ترد الرسل عما أتوا به فعلق الكرم بالشجاعة لكونه شبه رسل العدو باملالم يف اهلبة، فهو كثري ما يردهم عما يطلبون منه هتاونا

رهبم، ورغبة يف ما دون سلمهم، مث حصل من التشبيه الذي علق مبرسلهم، وشجاعة عليهم، وتسرعا إىل حبه الكرم بالشجاعة وصفه بغاية الكرم، إذ دل على أنه عاشق يف اجلود، وال يسمع فيه مالما، وال يصغي إىل عاذل، وقد يعلق املتكلم فنا من فنون الكالم مبعىن من معاين البديع، وما مسعت يف ذلك أحلى من قول بعض

" :رمل جمزؤ " راقيني يف بعض القضاة، وقد شهد عنده برؤية هالل الفطر، فلم جيز الشهادة الع أم تراه يتعامى... أترى القاضي أعمى

عيد أموال اليتامى... سرق العيد كأن ال؟ .فعلق خيانة القاضي يف أموال اليتامى مبا قدمه من خيانته يف أمر العيد برابطة التشبيه

:ليق قول املتنيب يف صفة الليل، وهو من الصنف األول من التعليق وافرومن مليح التع أعد به على الدهر الذنوبا... أقلب فيه أجفاين كأين

فإنه علق فن عتاب الزمان بفن الغزل الالزم من فن الوصف بواسطة أداة التشبيه، فعلق االفتنان بالتشبيه، .فأحسن ما شاء

" :جمزوء الوافر " قول أيب نواس، وهو من الصنف الثاين من التعليق ومن أحسن ما مسعت يف التعليق ويف وسط املال نسب... هلم يف بيتهم نسب ولو زنيتها غضبوا... لقد زنوا عجوزهم

فإنه علق هجاءهم بفجور أمهم بدعوهنم يف النسب، فكان يف ذلك هجاء أبيهم، لكوهنم مل يرضوا نسبتهم اءهم بفجور أمهم دون هجائهم بدناءة أبيهم ناقصا، فيتم ما أراد من هجائهم إليه، فكأن الشاعر رأى هج " .ولو زنيتها غضبوا : " مبا قال، وظرف ما شاء بقوله

.ومثله قوله أيضا إال أن فيه زيادة على كل ما قدمنا لكونه جيمع صنفي التعليق .لى اهلجاءأما التعليق األول فألنه علق على التهكم باهلجاء، ومل يقتصر ع

:وأما الثاين فكونه علق االفتنان الذي هو اهلجاء والفخر على ما بينه مبعىن التشبيه واإلدماج وافر كأين قد هجوت األدعياء... فأعرض هيثم ملا رآين

ولو بلغت مروءته السماء... وقد آليت ال أهجو دعيا :ومن لطيف هتكمه يف هذا البيت قوله

ءولو بلغت مروءته السما .وقد أدمج االفتنان يف التهكم ألن معناه أين ال أهجو إال من بلغت مروءته الغاية القصوى

.وكذلك قصد الشعراء وعقالء البلغاء، يتخريون هلجائهم كما يتخريون ملدحيهم :وقد وقع يل يف هذا الباب من املدح ما ال بأس بذكره، وهو الصنف األول من التعليق طويل

فقابله طلق األسرة ذا بشرا... فاه سائال ختيل أن القرن وا فأحسن ما هتدي الآليل إىل النحر... ونادى فرند السيف دونك حنره

فإين علقت ذكر الكرم بذكر الشجاعة، حيث وصفت املمدوح بطالقته وهتلله استبشارا بالقرن ملا ختيله آللئا، هذا إىل ما وقع يف البيت الثاين من سائال، واهدائه فرند السيف وهو جوهره إىل حنره ملا ختيل الفرند

.التورية بذكر النحر، والترشيح بذكر الآليل :ومن التعليق العجيب قويل أيضا مما علقت فيه االستعطاف بالعتب بطريق اإلدماج طويل

غدا يل بعد السلم وهو مصالت... ؟أإخواننا باهللا ما جلفائكم سكم أين مدى الدهر ساكتنفو... أحني أمنتم من مالمي وأيقنت

هلا بعد توكيد العهود هتافت... ختليتم عين وخنتم مواثقا فسرت نفوس بالبعاد شوامت... وأقررمت عني احلسود عليكم وينطق حايل والقوايف صوامت... سأصرب حىت ينفد الصرب كله

وأخلبكم بالنثر ما عج قانت... وأعطفكم بالشعر ما ذر شارق ليحيا وداد بالتجنب مائت... يوما بعتبكم وأعذر إن عرضت

لكم وده عند احلفيظة ثابت... وهأنا موصيكم وصية ناصح فإن بعيدا رد ما هو فائت... بأن تتحاموا من فوات بوادري

من الود غرسا قد غدا وهو نابت... وأن هتدموا ما قد بنيتم وتعطشوا يعلق املتكلم مقصوده على شرط يلزم من تعليقه مبالغة يف ومن التعليق فرع يسمى تعليق الشرط، وهو أن

:ذلك املعىن، أو نوعا من احملاسن زائدا على وقوع املشروط لوقوع الشرط، وذلك كقول أيب متام طويل عدوك فاعلم أنين غري حامد... فإن أنا مل حيمدك عين صاغرا

املمدوح عدوه صاغرا ال يكون الشاعر له فعلق صحة محده ملمدوحه على محد عوده صاغرا إن مل حيمدوقد استقصيت الكالم على هذا البيت يف باب املقارنة والفرق بني التعليق التكميل شدة مالمحة . حامدا

الفنني يف التعليق، واحتادمها، وإن وجد لفظيهما فيه وختليص أحدمها من اآلخر يف التكميل، وألن من التعليق .يق الفنون باملعاين، واهللا أعلمتعليق الشرط، ومنه تعل

باب اإلدماج

وهو أن يدمج املتكلم غرضا له يف ضمن معىن قد حناه من مجلة املعاين ليوهم السامع أنه مل يقصده، وإمنا عرض يف كالمه لتتمة معناه الذي قصد إليه، كقول عبيد اهللا بن عبد اهللا لعبد اهللا بن سليمان بن وهيب حني

:ان ابن عبيد اهللا قد اختلت حاله، فكتب البن سليمان طويلوزر للمعتضد، وك وأسعفنا فيمن حنب ونكرم... أيب دهرنا إسعافنا يف نفوسنا

ودع أمرنا إن املهم املقدم... نعماك فيهم أمتها : فقلت لهيل فأدمج شكوى الزمان، وشرح ما هو عليه من االختالل يف ضمن التهنئة وتلطف يف املسألة، ودقق التحل

لبلوغ الغرض، مع صيانة نفسه عن التصريح بالسؤال، ومحايته من اإلذالل، ال جرم أن ابن سليمان فطن .لذلك ووصله واستعمله

:ومن لطيف اإلدماج قول ابن نباتة السعدي طويل فمن يل خبل أودع احللم عنده... وال بد يل من جهلة يف وصاله

ال يفارقه بتة، وال ترغب نفسه عنه مجلة، وإمنا عزم على أن فإنه أدمج الفخر يف الغزل حني جعل حلمه يودعه، إذ كان ال بد له من وصل هذا احملبوب، ألن الوادائع تستعاد، مث استفهم عن اخلل الصاحل أن

يستودع احللم بلفظ يشعر باالستبعاد والتعذر، فيكون مفهوم اخلطاب بقيا حلمه لعدم من يصلح ألن يودعه فخر يف الغزل من جهة تصرحيه بذكر احللم، ورشح باإلدماج الطباق بني احللم واجلهل، مث عنده وأدمج ال

.أدمج فيهما شكوى الزمان لتغري اإلخوان حبيث إهنم مل يبق منهم من يستصلح ملثل هذا الشأن يف اإلشارة :ومثل هذا اإلدماج ما وقع لبعض األندلسيني يف قوله وافر

جماملة وحتملين ثقيال.. .أأرضى أن تصاحبين بغيضا جعلت وحقك القسم اجلليال... وحقك ال رضيت بذا ألين

.والبيت الثاين أردت، ألنه أدمج فيه الغزل يف العتاب من الفنون، واملبالغة يف القسم من البديعلة أدمج فإن هذه اجلم" وله احلمد يف األوىل واآلخرة : " ومن شواهد اإلدماج يف الكتاب العزيز قوله تعاىل

وهو : فيها املبالغة يف احلمد يف ضمن املطابقة، إذ أفرد نفسه سبحانه باحلمد حيث ال حيمد سواه، إذ قال " .وله احلمد يف األوىل واآلخرة : " أعلم

والفرق بني التعليق واإلدماج أن التعليق يصرح فيه باملعنيني املقصودين على شدة احتادمها، واإلدماج يصرح .ري مقصود قد أدمج فيه املعىن املقصود، واهللا أعلمفيه مبعىن غ

باب اإلزدواج

كل مجلة فيها كلمتان مزدوجتان، كل كلمة إما مفردة : وهو أن يأيت الشاعر يف بيته من أوله إىل آخره جبمل :وأكثر ما يقع هذا النوع يف أمساء مثناة مضافة كقول أيب متام متقارب. أو مجلة

رضيعى لبان، خليلى صفاء... ان وكانا مجيعا شريكي عنجمزوء : ومن االزدواج نوع يؤتى فيه بكلمتني صورهتما واحدة، ومفهومهما واحد، كقول ابن الرومي

:الكامل ن من احلرير معا حرير... أبداهنن وما لبس؟

ن من العبري معا عبري... أرداهنن وما مسس؟ وكقول بعض العرب بسيط أين توجه واحملروم حمروم... طعمه ومطعم النصر يوم النصر م

ومطعم النصر مطعمه، واحملروم حمروم، ازدواج، والفرق بينه وبني التجنيس املماثل اختالف معىن : فقولهالكلمتني يف التجنيس واتفاقهما يف االزدواج، على أن الرماين قد عد االزدواج جتنيسا، وذكر منه قوله

وأفرده غري الرماين بابا، واستشهد عليه بالبيت الثاين من " عليه فمن اعتدى عليكم فاعتدوا: " تعاىل .شواهد هذا الباب وأمثاله بغري ذلك، واهللا أعلم

باب االتساع

وهو أن يأيت الشاعر ببيت يتسع فيه التأويل على قدر قوي الناظر فيه، وحبسب ما حتتمل ألفاظه، كقول :امرئ القيس طويل

نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل... ما إذا قامتا تضوع املسك منهفإن هذا البيت اتسع النقاد يف تأويله، فمن قائل تضوع مثل املسك منهما نسيم الصبا، ومن قائل تضوع

نسيم الصبا منهما، ومن قائل تضوع املسك منهما تضوع نسيم الصبا، وهذا هو الوجه عندي، ومن قائل .د بنسيم الصباتضوع املسك منهما بفتح امليم يعين اجلل

:وكقوله يف صفة الفرس طويل كجلمود صخر حطه السيل من عل... مكر مفر مقبل مدبر معا

ألن احلجر يطلب جهة السفل لكوهنا مركزه، إذ كل شيء يطلب مركزه بطبعه الذي جبل عليه، فاحلجر سيل من عل، فهو حال يسرع احنطاطه إىل السفل من العلو من غري واسطة، فكيف إذا أعانته قوة دفاع ال

تدحرجه يرى وجهه يف اآلن الذي يرى فيه ظهره لسرعة تقلبه، وبالعكس، وهلذا قال الشاعر، مقبل مدبر معا يعين يكون إدباره وإقباله جمتمعني يف املعية، وال يعقل الفرق بينهما، وحاصل الكالم وصف الفرس بلني

يف صدر البيت إنه حسن الصورة، كامل النصبة يف الرأس، وسرعة االحنراف، وشدة العدو، لكونه قال حاليت إقباله وإدباره، وكره وفره، مث شبهه يف عجز البيت جبلمود صخر حطه السيل من العلو لشدة العدو،

.فهو يف احلالة اليت يرى فيها لبته يرى فيها كلفه وبالعكس .هذا ومل ختطر هذه املعاين خباطر الشاعر يف وقت العمل

كالم إذا كان قويا من مثل هذا الفحل احتمل لقوته وجوها من التأويل حبسب ما حتتمل ألفاظه، وإمنا الخري الشعر ما أعطاك معناه بعد مطاولة، وقد غلط : وعلى مقدار قوى املتكلمني فيه، ولذلك قال األصمعي

األصمعي أراد الشعر بعض الناس يف تفسري هذا الكالم، وغلط األصمعي فيه لسوء تفسريه، ألنه توهم أن الذي ركب من وحشي األلفاظ، أو وقع فيه من تعقيد التركيب ما أوجب له غموض معناه، ولو كان

كذلك كان ذلك شرا للشعر، وإمنا أراد األصمعي الشعر القوي الذي حيتمل مع فصاحته، وكثرة استعماله ه إىل تأويالت عدة، وترجيح ما يترجح ألفاظه، وسهولة تركيبه، وجودة سبكه معاين شىت حيتاج الناظر في

منها بالدليل ومجيع فواتح السور املعجمة من هذا الباب، فإن العلماء قد اتسعوا يف تأويلها اتساعا كبريا، وإن ترجح من مجيع أقواهلم كوهنا أمساء للسور، مث اختلفوا يف إعراب ما يتأتى فيه اإلعراب منها، فبعضهم

يرى ذلك يف صاد، وقاف، ونون، فإن هذه األمساء حمكية ليس إال، وبعضهم يرى يرى فيه احلكاية، كما :اإلعراب يف اجملموع خاصة، وينشد قول شريح بن أوىف العبسي قاتل حممد بن طلحة السجاد طويل

فهال تال حاميم قبل التقدم... يناشدين حاميم والرمح شاجر وإن خفتم أال تقسطوا يف اليتامى فانكحوا ما : " وله تعاىلوأما ما جاء من باب االتساع يف غري الفواتح فق

اآلية فإن لفظها حمتمل تأويالت شىت، فإن ظاهر اآلية يقتضي إباحة اجلمع بني تسع، مث قوله " طاب لكم ومن مل يعدل يف األربع جاز أن يعدل يف الثالث، فلم نزل " فإن خفتم أال تعدلوا فواحدة " . " رباع : " بعد .واهللا أعلم. واحدة؟ وهذه الظواهر مفتقرة إىل تأويالت متيط عنها هذه اإلشكاالتإىل ال

باب اجملاز

اجملاز عبارة عن جتوز احلقيقة، حبيث يأيت املتكلم السم موضوع ملعىن فيختصره إما بأن جيعله مفردا بعد أن .كان من سببه لفائدةكان مركبا، أو غري ذلك من وجوه االختصار، أو يذكر ما هو متعلق به، أو

واجملاز جنس يشتمل على أنواع كثرية، كاالستعارة واملبالغة واإلشارة، واإلرداف، والتمثيل، والتشبيه، وغري ذلك مما عدل فيه عن احلقيقة املوضوعة للمعىن املراد، فهذه األنواع وإن كانت من اجملاز فلكوهنا

ريه من جنسه، كما جعل ألنواع جنس احليوان من متعددة جعل لكل منها اسم يعرف به، ومييزه عن غاألمساء اليت تعرف أنواعها بالفصول، كالفرس، واجلمل، والطائر، واإلنسان وغري ذلك من قسمي الناطق

حذف املوصوف : منها: والبهيم، وقد خص النقاد نوعا من أنواع اجملاز بإبقاء اسم اجملاز عليه، وهو أقسامفإن املراد هو الذي أرسل حممدا رسوله، " هو الذي أرسل رسوله : " كقوله تعاىل وإبقاء الصفة تدل عليه،

" .حىت توارت باحلجاب : " وحذف الفاعل الذي فعله املستند إليه دال عليه كقوله تعاىل .اآلية" ولو أن قرآنا سريت به اجلبال : " ومنها حذف األجوبة كقوله تعاىل يف حذف جواب لو

فإن املعىن " قيل ادخل اجلنة . " جبواب عن سؤال مقدر لداللة اجلواب عليه كقوله سبحانومنها اإلتيان .ادخل اجلنة: قيل له: فما كانت عاقبة هذا الذي نصر احلق وبذل نفسه يف ذات اهللا، فيقال: كأن قائال قال

وأشربوا يف قلوهبم : " ومنها االسم املضاف الذي حذف املضاف منه، وأقيم املضاف إليه مقامه، كقوله تعاىلأي ويا مطر السماء، أو يا سحاب السماء، أو يا " ويا مساء أقلعي : " أي حب العجل، وقوله تعاىل" العجل

سحاب لكونه بالنسبة للمخاطب عاليا، وكل ما عال اإلنسان من سقف وسحاب وغريه يسمى مساء، وقد :املضاف األول، كقول جرير وافرجتاوزت العرب حذف املضاف إىل حذف مضاف ثان بعد حذف

رعيناه وإن كانوا غضابا... إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه يريد رعينا ما ينبته : إذا نزل السماء، يريد مطر السماء، وهذا القسم األول من اجملاز، وقوله: فقوله

هذا القسم خللوه من معىن زائد مطر السماء، وهذا القسم الثاين من اجملاز، وإمنا اتفقوا على اسم اجملاز على عن جتوز احلقيقة، يليق أن يكون تسميته من جنسه، كاالستعارة، والتشبيه، واملبالغة، واإلرداف، واإلشارة

وغري ذلك، فلما مل يكن يف هذا القسم غري جتوز احلقيقة اختصار أفرد باسم اجملاز، إذ ال يليق به غريه، .واملراد بذلك االختصار

ازباب اإلجي

اإلجياز اختصار بعض ألفاظ املعاين ليأيت الكالم وجيزا من غري حذف لبعض االسم، وال عدول عن لفظ املعىن الذي وضع له، فإن االختصار أن حنذف بعض االسم كما قدمناه، فهو جماز، وإن كان بتغري لفظ املعىن

االستعارة، واإلشارة، واإلرداف وغري بوجه من وجوه التغري كان من أنواع اجملاز اليت قدمنا ذكر بعضها، ك .ذلك

ومثاله أن يقتص املتكلم قصة حبيث ال يغدر منها شيئا، يف ألفاظ قليلة موجزة جدا، حبيث لو اقتصها غريه ممن مل يكن يف مثل طبقته من البالغة، أتى هبا يف أكثر من تلك األلفاظ، وأكثر قصص الكتاب العزيز من

، فإن معانيها أتت بألفاظ احلقيقة تامة غري حمذوفة، وهي " طه " عليه السالم يف هذا القبيل، كقصة موسى .مستوعبة يف تلك األلفاظ

وقد رأيت أكثر العلماء على تقدمي األعشى يف اقتصاصه قصة السموءل يف أدراع امرئ القيس الشاعر اليت رئ القيس وبذل دوهنا دم ولده وهو أودعها عنده ملا قصد قيصر، ووفاء السموءل هبا، حىت سلمها ألهل ام

يشاهده، وهي بسيط يف جحفل كسواد الليل جرار... ذ طاف اهلمام به كن كالسموءل إ

حصن حصني وجار غري غدار... باألبلق الفرد من تيماء منزله مهما تقول فإين سامع حار... إذ سامه خطيت خسف فقال له

فاختر فما فيهما حظ ملختار... غدر وثكل أنت بينهما : فقال جاري اقتل أسريك إين مانع... فشك غري طويل مث قال له وإن قتلت كرميا غري عوار... إن له خلفا إن كنت قاتله

وإخوة مثله ليسوا بأشرار... ماال كثريا وعرضا غري ذي دنس وال إذا مشرت حرب بأغمار... جروا على أدب مين بال نزق رب كرمي وبيض ذات أطهار... وسوف خيلفه إن كنت قاتله ات إذا استودعن أسرارىوكامت... ال سرهن لدينا ضائع هدرا

أشرف مسوءل فانظر للدم اجلاري... فقال يقدمه إذ قام يقتله طوعا فأنكر هذا أي إنكار... أأقتل ابنك صربا أو جتئ هبا

عليه منطويا كاللذع بالنار... فشد أوداجه والصدر يف مضض ومل يكن عهده فيها خبتار... واختار أدراعه أال يسب هبا

واختار مكرمة الدنيا على العار... تري عارا مبكرمة ال نش: وقال فزنده يف الوفاء الثاقب الواري... والصرب منه قدميا شيمة خلق

فانظر كيف أغىن األعشى عن حتفظ القصة بطوهلا من يريد حفظها هبذه األبيات اليت استوعبها فيها مع ما املدح للسموءل بالوفاء، والبنه بالصرب على انطوت عليه ألفاظها اليت خرجت كلها خمرج احلقيقة من

البالء، والتحريض للممدوح على التخلق مبثل هذا اخللق، ليبقى له مثل هذا الذكر، واالحتراس يف البيت :الذي يقول فيه

أأقتل ابنك صربا أو جتئ هباتوقف السامع يف فهمه، فإنه ملا أضمر فيه ذكر األدراع، فطن إىل أن البيت مفتقر إىل شرح إن مل يؤت به ي

:فاحترس عن ذلك بقوله واختار أدراعه أال يسب هبا

ليوضح أن الضمري يف البيت الذي قبله يعود على األدراع، فتالىف يف ذلك اخللل، واستغىن عن الشرح .املطول

:وقد ذكر احلامتي يف احللية بعد هذه األبيات قول بعض العرب ميدح بين كعب بقوله طويل إذا نزل اخللخال منزلة القلب... عم احلي حي بين كعب لعمري لن

إذا ريعت ربة اخللخال، فأبدت ساقها للهرب فتكون قد أنزلت اخللخال منزلة القلب يف : وقال احلامتيالظهور، ألن عادة املرأة من العرب أن تبدى معصمها وتستر ساقها، وال عار عليها يف ذلك، وحاصل هذا

.اماة، وشدة البأس عند اخلوفالكالم مدح احلي باحملوقد قيل فيه غري ذلك، وهو أن املرأة من الروعة تذهل فتلبس اخللخال موضع القلب دهشا وحرية،

.واملرجع يف التفسريين إىل مقصد واحد

وعندي أن هذا البيت ال يصلح أن يكون من شواهد اإلجياز، ألن حقيقة اإلجياز إخراج املعاين يف قوالب إجياز جمازى، وإجياز حقيقي، فما كان منه حقيقيا بقي عليه : حلقيقة املوضوعة هلا، فإن اإلجياز إجيازانألفاظها ا

اسم اإلجياز، وما كان جمازيا وضعوا لكل قسم منه امسا خيصه ويناسب اشتقاقه، فإن اجملاز إجياز، وهو حذف واإلشارة واإلرداف " واسئل القرية : " ه تعاىلبعض الكالم لداللة الباقي عليه، أو لالستغناء بالقرينة، كقول

:والتمثيل إجياز، لكن هذه األبواب جتيء بغري ألفاظ املعاين املوضوعة هلا، وقول هذا الشاعر إذا نزل اخللخال منزلة القلب

وهو يريد إذا ارتاعت فلبست خلخاهلا يف معصمها، أو ذهلت للخوف عن ختفرها، معلوم أنه غري لفظ

اص، وهذا باإلشارة أوىل، فإن شئت جعلته من شواهد اإلشارة، ومن شواهد االتساع، أو منهما، املعىن اخل " :رمل " مث ذكر أعين احلامتي بييت لبيد، ومها

وعلى ألسنهم ذلت نعم... وبنو الديان أعداء لال وكذاك احللم زين للكرم... زينت أحساهبم أنساهبم

بنو الديان : ال يصلح أن يكون من شواهد اإلجياز، ألنه أراد أن يقولولفظ البيت األول لفظ األرداف، فأجواد، فعدل عن هذا اللفظ إىل لفظ هو ردفه، وهو ذكر معاداهتم لال ليبالغ يف وصفهم باجلود، والبيت

ز إذا كان اجملاز نوعا من اإلجيا: الثاين جاء بلفظ اإلشارة، إذ التزيني يكون بضروب من احملاسن، فإن قيل .جاز أن يسمى كل صنف من ذلك النوع إجيازا

قلت للتسميات عالمات تعرف هبا املسميات، ومن مسى النوع باسم اجلنس فهو غري معرف لذلك النوع، هو حيوان، من غري ذكر الفصل لكنت غري معرف حلقيقته، لكونك مل تأت : فإنك لو قلت يف حد اإلنسان

من اإلجياز ما يدل على املعىن بلفظ املعىن بلفظ املوضوع له، ومنه ما يدل إال بالقدر القدر املميز، وملا كان على املعىن بلفظ هو ردف لفظه تارة، وبلفظ هو مثل لفظه، أو به، وبلفظ مستعار من لفظه حينا واحلقيقة

ومسى أصل، واجملاز فرع، واإلجياز أصل نفي االسم األصلي على الكالم الذي دل لفظه على معناه بظاهره، .ما دل على معناه بالتأويل بأمساء جمازية، إذ كانت مسمياهتا جمازية للنعمان بسيط. ومن أمثلة اإلجياز قول النابغة الذبياين يف اقتصاصه قصة الزرقاء

إىل محام شراع واردي الثمد... فاحكم كحكم فتاة احلي إذ نظرت لرمدمثل الزجاجة مل تكحل من ا... حيفه جانبا نيق وتتبعه

إىل محامتنا ونصفه فقد... قالت أال ليتما هذا احلمام لنا تسعا وتسعني مل ينقص ومل يزد... فحسبوه فألفوه كما حسبت

وأسرعت حسبة يف ذلك العدد... وكملت مائة منها محامتها ئا، ويروى فإن النابغة سرد هذه القصة بألفاظ احلقيقة عرية عن احلشو اخلشن واملعيب، ومل يغادر منها شي

: البيت األول سراع بسني مهملة، وهو أبلغ يف وصف نظر الزرقاء، ويدل على صحة هذه الرواية أن قولهشراع بشني معجمة فلم يبق اإلسراع بسني مهملة ملا يدل عليه من املبالغة يف : واردى الثمد يغين عن قوله

.وأسرعت حسبة: حدة نظر الزرقاء بدليل قوله بعد هذا البيتاملساواة ال تكون إال يف املعىن املفرد يعرب عنه بلفظ : فما الفرق إذا بني اإلجياز واملساواة؟ قلت: إن قيلف

مساو له ال يزيد عليه وال يقصر عنه، واإلجياز يكون يف ذكر القصص واألخبار اليت تضمنت معاين شىت األبيات والفصول، واإلجياز يف األبيات متعددة، وخالصة ذلك أن املساواة يف معاين اجلمل اليت تتركب منها

.والفصولوالذين تبوءوا الدار واإلميان : " ومن اإلجياز نوع خيتصر فيه بعض اللفظ ويؤتى بلفظ احلقيقة كقوله سبحانه

" :رجز : " فإن تقديره تبوءوا الدار وأخلصوا اإلميان، كما تقول" علفتها تبنا وماء باردا

:زوءوكما قال الشاعر كامل جم متقلد سيفا ورحما... ورأيت زوجك يف الوغى

إن اهللا يأمر العدل واإلحسان وإيتاء ذي : " أي ومعتقال رحما ومن إجياز الكتاب العزيز قوله سبحانه وتعاىلفإنه عز وجل أمر يف أول اآلية بكل " القرىب وينهى عن الفحشاء واملنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون

د ذلك عن كل منكر ووعظ يف آخرها أبلغ موعظة وذكر ألطف تذكري بألفاظ اتفق فيها معروف، وهنى بعضروب من احملاسن مع كوهنا ألفاظ احلقيقة، وهي صحة األقسام، ألهنا استوعبت مجيع أقسام أجناس ف املعروف واملنكر، والطباقني اللفظي واملعنوي وحسن النسق والتسهيم، وحسن البيان، واإلجياز، وائتال

لفظ الكالم مع معناه، واملساواة، وصحة املقابلة، ومتكني الفاصلة، فأما استيعاب األقسام فألنه سبحانه أمر بالعدل، وهو معاملة املكلف نفسه وغريه باإلنصاف، مث أمر بعد العدل باإلحسان، وهو اسم عام يدخل حتته

إلحسان ألن اإلحسان مندوب، ليقع التفضل بعد العدل، وقدم ذكر العدل ألن العدل واجب، وتاله باوضع الكالم على أحسن ترتيب، وخص ذا القرىب بالذكر بعد دخوله يف عموم من أمره مبعاملته بالعدل واإلحسان لبيان فضل ذي القرىب وفضل الثواب عليه، وهنى عن الفحشاء واملنكر والبغي بصيغة تعريف

رق كل ما جيب أن يؤمر به، واملطابقة اللفظية يف قوله اجلنس ليستغرق كل ما جيب أن ينهى عنه، كما استغ" وإيتاء ذي القرىب وقوله " بالعدل واإلحسان " ، واملعنوية يف قوله سبحانه " وينهي " " يأمر : " تعاىل

فإن الثالثة األخر أضداد الثالثة األول، ألن األول من الفعل احلسن، واآلخر من " الفحشاء واملنكر والبغي .لقبيح، فطابق بني احلسن والقبح مطابقة معنويةالفعل ا

وحسن التنسيق يف ترتيب عطف بعض اجلمل على بعض كما ينبغي، حيث قدم العدل وعطف عليه اإلحسان الذي هو جنس عام، وخص منه نوعا خاصا، وهو إيتاء ذي القرىب، وعطفه عليه، مث أتى باألمر

مجل املنهيات كما رتب مجل املأمورات يف العطف، حبيث مل يتأخر مقدما، وعطف عليه النهي ثانيا، ثن رتب .يف الكالم ما جيب تقدميه ومل يتقدم يف ما جيب تأخريه

.وأما التسهيم فهو أن صدر اآلية يدل على عجزها كما يدل صدر البيت املسهم على عجزهالتعقيد يف نظمه، فقد دل على وأما حسن البيان فألن لفظ اآلية ال يتوقف يف فهم معناه أحد إذ سلم من

.معناه داللة واضحة بأقرب الطرق، واستوى يف فهمه الذكي والبليد، والقريب من هذه الصناعة والبعيد .وأما اإلجياز فهو داللة األلفاظ القليلة احلقيقية على املعاين الكثرية من غري إشارة وال إرداف وال حذف

.ألن كل لفظة ال يصلح مكاهنا غريهاوأما ائتالف لفظ الكالم مع معناه، ف .وأما املساواة فألن ألفاظ الكالم قوالب ملعانيه، ال تزيد عليها، وال تقصر عنها

.وأما صحة املقابلة فألن النهي قابل األمر، واملنهيات قابلت املأمورات مع مراعاة الترتيبموضعه ومعناه متعلق مبا قبله إىل أول وأما متكن الفاصلة فألن مقطع اآلية مستقر يف مكانه، مطمئن يف

الكالم، ألنه ال حتسن املوعظة إال بعد األمر والنهي، فإن الوعد والوعيد ال يقعان إال بعد امتثال األمر أو .خمالفته والتذكرة بعد املوعظة

بلغ كالم قيل ألنه قد أمجع النقاد على أن أ" ولكم يف القصاص حياة : " ومن إجياز الكتاب العزيز أيضا قولهوإذا نظرت بني هذا الكالم وبني لفظ القرآن وجدت هذا " القتل أنفى للقتل : " يف هذا املعىن قول القائل

الكالم ليس فيه من ضروب البديع سوى اإلجياز، مع كونه مل خيل من عيب، ووجدت لفظ القرآن قد مجع إلبداع، وسلم من العيب الذي جاء يف ذلك اآلجام واإليضاح واإلشارة والكناية والطباق وحسن البيان وا

.الكالموهو عشرة أحرف، " القصاص حياة : " فأما اإلجياز فألن اللفظ املماثل من لفظ القرآن لألول هو قوله تعاىل

واألول أربعة عشر حرفا، وأما اإليضاح فإن لفظة القصاص أوضحت املعىن املراد، إذ هو قتل مقيد، ال قتل فإن هذه اللفظة أشارت إىل أن القتل الذي أوجبه العدل " حياة : " ارة، ففي قوله سبحانهمطلق، وأما اإلش

.يكف القتل الذي يأيت به العدوان، ويف ذلك حياة األحياء .القصاص فإنه كىن هبذه اللفظة عن املوت املستحق الذي يوجبه العدل: والكناية يف قوله تعاىل

املوت حياة، وهذا طباق : ألن القصاص املوت، فكأنه سبحانه قال" ة القصاص حيا" وأما الطباق ففي قوله وأما حسن البيان، فكون املخاطب فهم املراد من هذا النظم من غري توقف، وأما اإلبداع فألن يف . معنوي

كل لفظة من هذا الكالم عدة من احملاسن، وأما السالمة من العيوب بالنسبة فألن الكالم خال عن التكرار عيبا " القتل أنفى للقتل : " ي وقع يف الكالم األول، فإن قيل ال يعد التكرار الذي وقع يف قول القائلالذ

لكن اللفظ إذا اختلف معناه واحتدت صيغته احتادا ال يعد حتسينا وكان الكالم به : الختالف املعىن قلتا عيب املعىن فألن القائل مسى اخلاص معيبا، فهذا عيب لفظ الكالم األول الذي سلم منه لفظ القرآن، وأم

باسم العام، فإن مطلق القتل صاحل للقصاص ولغريه، كما أنه صاحل للعدوان ولغريه، وهذه العبارة موجبة .للبس املضاد حلسن البيان الذي هو خارج خمرج العدوان ولفظ القرآن خملص للعدل

أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه يف اليم وأوحينا إىل: " وإذا وصلت يف هذا الباب إىل قوله تعاىلفإنه سبحانه أتى يف هذه اآلية الكرمية بأمرين " وال ختايف وال حتزين إنا رادوه إليك وجاعلوه من املرسلني

وهنيني، وخربين متضمنني بشارتني، يف أسهل نظم، وأحسن لفظ، وأوجز عبارة، ومل خيرج الكالم عن .لكاحلقيقة يف شيء من ذ

ضرب بسيط وضرب خمتصر، ويكون البسيط خمتصرا بالنسبة لغريه، : واعلم أن اإلجياز على ضربنيإىل آخر القصة، " حنن نقص عليك أحسن القصص : " فالبسيط كقصة يوسف عليه السالم من قوله

ا وقد هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ريب حق: " واملختصر مثل قوله على لسان يوسف عليه السالماختصر " أحسن يب إذ أخرجين من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيين وبني إخويت

القصة كلها يف هذه اآلية، ألنه ذكر أصول األسباب املستلزمة مجيع املسببات اليت هي مجلة القصة، فإن سبب حسد اخوته حني فعلوا به ما اقتصر على ذكر رؤياه اليت كانت " هذا تأويل رؤياي من قبل : " قوله

فعلوا، وذكر خروجه من السجن الذي كان سببا يف امللك الذي كان سببا يف اجتماعه بأبيه واخوته، فكأنه

قد اقتص مجيع القصة خمتصرة ملن يشارك يف علمها، فاألوىل لعلم تفاصيلها، والثانية لعلم مجلها، وهذا .أحسن إجياز وقع يف كالم، واهللا أعلم

باب سالمة االختراع من اإلتباع

:وهو أن خيترع األول معىن مل يسبق إليه ومل يتبع فيه كقول، عنترة يف وصف الذباب كامل قدح املكب على الزناد األجذم... هزجا حيك ذراعه بذراعه

:وكقول ابن الرقاع يف تشبيه قرن اخلشف كامل مدادها قلم أصاب من الدواة... تزجى أغن كأن إبرة روقه

:وكقول ذي الرمة يف تشبيه الليل طويل بأربعة والشخص يف العني واحد... وليل كجلباب العروس أدرعته

:وكقول النابغة الذبياين يف وصف النسور طويل جلوس الشيوخ يف مسوك األرانب... تراهن خلف القوم زورا عيوهنا

.وا فيهافهذه اختراعات املتقدمني اليت سبقوا إليها، ومل يلحق وما اختراعات املولدين اليت سبق إليها قائلها ومل يتبع فيها قول السيد احلمريي يف علي عليه السالم بسيط

قد كان عند اللقا للطعن معتادا... لكن أبو حسن واهللا أيده إنامة الريح يف أبياهتا عادا... إذا رأى معشرا حربا أنامهم

مل يسبق السيد إىل هذا املعىن، ومل يتبع فيه، فإنا ما مسعنا : يتني يف هذا البابقال احلامتي بعد إيراد هذين البمن شبه إنسانا بالريح غريه، وهذا وهم من احلامتي ألن هذا املعىن لعبد اهللا بن العباس رضي اهللا عنه يف

ا يف شهر احلديث الصحيح الذي وصف فيه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم باجلود يف كل زمان، وخصوصكان رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون يف شهر : " رمضان حيث قال

فغاية ما فعله السيد أنه نقل املعىن من الوصف باجلود إىل الوصف " رمضان، كان كالريح املرسلة سيد أخذ املعىن نثرا، فعقده بالشجاعة، وإال فنفس املعىن يف املوضعني تشبيه اإلنسان بالريح، غري أن ال

بالوزن شعرا فله هذه الفضيلة ال فضيلة االختراع، وعلى هذا يكون باب حسن اإلتباع أحق هبذا الشعر من باب سالمة االختراع، ومن اجلب كيف ذهب ذلك على احلامتي مع تقدمه يف األدب وحذقه بالنقد هذا

رضي اهللا عنه بالريح جمازا، واحلقيقة يف ذلك غري هذا، ألن على أننا جعلنا تشبيه احلمريي نفس اإلمام علي لفظ البيت يدل على أنه شبه بإنامة اإلمام حماربيه بإنامة الرياح عادا، فالشاعر إمنا شبه إنامة بإنامة، ألنفس

القطعة املنيم بنفس الريح، ومن اختراعات احملدثني قول ابن الرومي يف تشبيه الرقاقة حني يبسطها اخلباز يف املشهورة اليت أوهلا بسيط

يدحو الرقاقة مثل اللمح بالبصر... ال أنس ما أنس خبازا مررت به :إىل قوله

يف صفحة املاء يرمي فيه باحلجر... إال مبقدار ما تنداح دائرة وإذا وصلت إىل قول ابن حجاج يف هذا البيت وصلت إىل الغاية اليت ال تلحق، حيث يقول يف رئيس كان

:قريبا من قلبه، بعيدا من رفده طويل طريفان يف أمر له طرفان... وإين واملوىل الذي أنا عبده

كأين يوم العيد من رمضان... بعيدا تراين منه أقرب ما ترى ومىت شئت أن تتالشى يف هذه املعاين عندك قدميها وحديثها فتدبر ما جاء من هذا الباب يف الكتاب العزيز،

إن الذين تدعون من دون اهللا لن خيلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا ال : " تعاىلمثل قوله فانظر إىل غرابة هذا التمثيل الذي يتضمن هذا اإلفراط يف املبالغة " يستنقذوه منه ضعف الطالب واملطلوب

ر أضعف املخلوقات وأقلها سلبا ملا مع كونه جاريا على احلق خارجا خمرج الصدق، إذا اقتصر فيه على ذكتسلبه، وتعجيز كل من دون اهللا سبحانه كائنا من كان عن خلق مثله، مث نزل هبم يف التمثيل عن رتبة اخللق

إذ هي مما يعجز عن مثلها كل قادر غري اهللا عز وجل إىل استنقاذ النزر التفه الذي تسلبه الذباب على من الظفر مبا تسلبه، ومل يسمع مثل هذا التمثيل يف بابه ألحد قبل نزول ضعفها، ألن الظفر بنفسها أيسر

القرآن العزيز، ومل يتناوله متناول كما فعل يف أكثر املعاين إىل اآلن، ولو تتبع ذلك يف الكتاب الكرمي لوجد وال " " ه مات حتف أنف" و " محى الوطيس " هلذا املوضع أمثال شىت كقول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

يف أشياء كثرية مما اخترعه النيب صلى اهللا عليه " والسعيد من وعظ بغريه " ، " يلدغ املؤمن من جحر مرتني .وسلم ومل يتبع فيه إىل اآلن

باب حسن اإلتباع

وهو أن يأيت املتكلم إىل معىن اخترعه غريه فيحسن إتباعه فيه، حبيث يستحقه بوجه من وجوه الزيادات اليت للمتأخر استحقاق معىن املتقدم إما باختصار لفظه، أو قصر وزنه أو عذوبة قافيته ومتكنها، أو تتميم وجب

لنقصه، أو تكميل لتمامه، أو حتليته حبلية من البديع حيسن مبثلها النظم، ويوجب االستحقاق كقول جاهلي :يف وصف مجل له طويل

معاهدها ذكرإذا هاد شوقي من ... وعود قليل الذنب عاودت ضربه لك الضرب فاصرب، إن عادتك الصرب... وقلت له ذلفاء وحيك سببت

:فأحسن ابن املعتز ابتاعه يف هذا املعىن حيث قال يصف خبله طويل أنابيب مسر من قنا اخلط ذبل... وخيل طواها القود حىت كأهنا

فطارت بنا أيد سراع وأرجل... صببنا عليها ظاملني سياطنا

عتز عمد إىل معىن البيتني املتقدمني فعمله يف صدر بيته الثاين، وذلك أن حاصل قول اجلاهلي يف فإن ابن املوإمنا ضربته مرة بعد أخرى ملا هيج يل ذكر معاهد هذه املعشوقة من . إن هذا اجلمل ال ذنب له: بيته

طاقة، وأكد كون هذا الشوق، فتومهت أنه بالضرب خيرج عن حد االستطاعة، ويأيت من السري مبا ليس يف ال

:العود ال ذنب له بقوله يف البيت الثاين لك الضرب فاصرب، إن عادتك الصرب... وقلت له ذلفاء وحيك سببت

يعين أنك لوال اشتياقي لذلفاء مل تكن حمتاجا إىل الضرب مجلة، وأكد هذا التأكيد بكونه شهد له أن عادته على ذنب قليل، ولذلك قال عاودت ضربه أي أنه أذنب قليل الذنب يدل: ظاهر قوله: الصرب فإن قيل

.فضربته هبا مث ملا اشتقت عاودت ضربه، فالضرب األول، استحقاقا، والثاين ظلمالو انفرد البيت األول من الثاين ساغ هذا التأويل محال على الظاهر لكنه، مع انضمامه إىل البيت الثاين : قلت

:ال يسوغ، فإنه قال فيه .. ... ... ... ...لك الضرب ... ه ذلفاء وحيك سببت وقلت ل

وآلة التعريف يف الضرب للجنس، ألن ذلفاء هي اليت سببت لك الضرب أوال وأخرا، فإنك لوالها ما هاج يل من شوقي ملعاهدها فأذهلين حىت تومهت أن الضرب خيرج بك عن احلد الذي مل تكن حمتاجا إليه، ويدل

له بالصرب مطلقا يف كل حال، إذ األلف والالم فيه للجنس أيضا، وإذا كان صابرا على صحة ذلك شهادتهقليل : مطلقا دل صربه على شدة السري ومتابعته جيري ذلك اجلري، فال يقع ضربه إال ظلما، وأما قوله

ل اخلري وهم فالن قلي: الذنب، فعلى عادة العرب يف استعمال هذه اللفظة، وهي تريد مطلق النفي يف قوهلمفإن " صببنا عليها ظاملني سياطنا " يريدون نفي اخلرب عنه كثريه وقليله، وكل هذا حاصل يف قول ابن املعتز

وما دل عليه لفظه من كون الضرب كان ظلما هو عني " عاودت ضربه " صببنا هو عني قول العرب : قولهالم ابن املعتز خبالف كالم األول، ألن داللة اللفظ ظاملني بلفظ اإلجياز، فحسن البيان يف ك: قول ابن املعتز

يف كالم ابن املعتز داللة مطابقة، وداللة األول داللة التزام، ومل يعوز ابن املعتز من معىن األول إال التعليل، فإنه ذكر العلة اليت ألجلها ضرب مجلة ظلما كما أعوز األول من معىن ابن املعتز ذكر مثرة الضرب وفائدته،

:فإن ابن املعتز ملا قال صببنا عليها ظاملني سياطنا

فطارت، وأدمج يف ضمن هذه املبالغة اليت هي مثرة الضرب وصف اخليل بعدوها من : قال عقيب ذلكموجبات الضرب، وحقق ظلمه هلن أهنا ملا خرجت من الوحشية إىل الطريية فقد أحسن ابن املعتز اإلتباع

.غاية اإلحسان " :الوافر " اع اتباع أيب نواس جريرا يف قوله ومن حسن اإلتب

حسبت الناس كلهم غضابا... إذا غضبت عليك بنو متيم سريع: حيث قال ونقل املعىن من الفخر إىل املديح

أن جيمع العامل يف واحد... ليس هللا مبستنكر وإن كانت قد تقع حسبت: منها أن جريرا أخرج كالمه خمرج الظن حيث قال: فزاد على جرير زيادات

.مبعىن العلم خرجت املبالغة إىل حد الغلو، وعيب الكالم مبا هو أشد من التقصريومنها أن جريرا مل يذكر من العامل سوى نوع اإلنسان، وأبو نواس زاد على جرير مبا يتضمنه ذكر العامل من

رج اإلسجال، بثبوت دعواه يف املالئكة واجلن واألفالك وكل موجود سوى اهللا سبحانه، وأخرج كالمه خم

هذا املمدوح بتعظيم قدرة اهللا تعاىل على اإلتيان هبذا اخلارق الذي ال يقدر عليه غريه، واتبع أبا نواس يف هذا املعىن الوزير املغريب فقال بسيط

رأيته فرأيت الناس يف رجل... حىت إذا ما أراد اهللا يسعدين ا وقع له من الزيادات، منها اإلجياز، فإنه عمل معىن عجز بيت أيب فإن الوزير أحسن إتباعه أليب نواس مب

نواس يف بعض عجز بيته، فنقله من مثانية عشر حرفا إىل أربعة عشر حرفا، والتعليل يف كونه جعل العلة يف إسعاده رؤية هذا املمدوح، وجعل ذلك مراد اهللا سبحانه ليحقق مدحه بتحقيق وقوعه، وإن كان قد قصر

يب نواس يف كونه اقتصر من العامل على ذكر الناس، كما فعل جرير، فقد جرب ذلك الوهن مبا زاد من عن أعلى أن ذكر الناس يف بييت جرير . املبالغة يف املدح فإنه جعل ممدوحه ابتداء سعادته ونقص من اللفظ

نواس أخصر وزنا من بيت والوزير مالئم لذكر جرير بين متيم وذكر الوزير لفظة رجل، ولو مل يكن بيت أيب .جرير لكادا يتساويان

:ومن أحسن ما مسعت يف حسن اإلتباع إتباع منصور الفقيه املصري رمحه اهللا تعاىل عنترة يف قوله كامل شطري، وأمحي سائري باملنصل... إين أمرؤ من خري عبس منصبا

" :جمتث " فإن الفقيه قال يف شريف سبه وكان شريفا من جهة أبيه دون أمه ومل يفتين بأمه... من فاتين بأبيه

سكت عن نصف شتمه... ورام شتمي ظلما أحدها اإلجياز، فإنه عمل معىن عنترة الذي : فإن هذا الفقيه رمحه اهللا تعاىل أحسن غاية اإلحسان من وجوه

ن ستة وعشرين جاء به بيت من تام الكامل، املركب من اثنني وأربعني حرفا يف بيت من اجملتث مركب م .حرفا

.واملطابقة املعنوية حيث قال بأبيه وأمه، فإنه طابق يف ذلك بني الذكر واألنثىهذا وبيته الذي أتى فيه على معىن غريه وزاد ما أبديناه من الزيادة بيت توطئه، كبيت وقع فيه من اإلغراب

:والطرفة ما مل يقع يف مثله، وهو قوله سكت عن نصف شتمه

:لباب قول ابن الرومي طويلومن هذا ا نبال العدا عين فكنتم نصاهلا... ختذتكم درعا حصينا لتدفعوا

على حني خذالن اليمني مشاهلا... وقد كنت أرجو منكم خري ناصر ذماما فكونوا ال عليها وال هلا... فإن أنتم مل حتفظوا ملوديت

ونباهلاوخلوا نبايل للعدا ... قفوا وقفة املعذور عين مبعزل :فاتبعه ابن سنان اخلفاجي احلليب فقال كامل

عونا فكنتم عون كل ملمة... أعددتكم لدفاع كل ملمة نظر العدو مقاتلي من جنيت... وختذتكم يل جنة فكأمنا

نفض األنامل من تراب امليت... فألنفضن يدي يأسا منكم :وألطف ما قيل يف هذا املعىن قول القائل وافر

فكانوها ولكن لألعادي... ذهتمو دروعا وإخوان خت فكانوها ولكن يف فؤادي... وخلتهم سهاما صائبات

لقد صدقوا ولكن من ودادي... وقالوا قد صفت منا قلوب .وقد تقدمت هذه األبيات، وإمنا أتيت هبا هاهنا ليظهر لطفها بالنسبة إىل ما تقدمها يف معناها

ابن الرومي وبني أيب حية النمريي فيما قاله يف زينب أخت احلجاج ومن مليح حسن اإلتباع ما وقع يب :حيث قال طويل

به زينب يف نسوة عطرات... تضوع مسكا بطن نعمان إذ مشت ويربزن شطر الليل معتجرات... خيمرن أطراف البنان من التقى

وإن غنب قطعن احلشا حسرات... فهن اللوايت إن برزن قتلنين :كامل: أردت، فإن ابن الرومي اتبعه فيه فقال وأتى مبعىن البيت كامال يف نصف بيت والبيت األخري

وقع السهام ونزعهن أليم... وياله إن نظرت وإن هي أعرضت :وغري السعيد ابن سناء امللك رمحه اهللا من وجوه قائلي هذا املعىن قدميا وحديثا حيث قال طويل

واصلتين شيبتين بطيبها وإن... إذا هجرتين شيبتين هبجرها :ومن حماسن هذا الباب أيضا إتباع املعري أبا عبادة البحتري يف قوله كامل

ما بيننا تلك اليد البيضاء... أخجلتين بندى يديك فسودت عجب وبر راح وهو جفاء... صلة غدت يف الناس وهي قطيعة

فقال املعري بسيط يهجر لإلفراط يف اخلصروالعذب ... لو اختصرمت من اإلحسان زرتكم

ألنه استوعب معىن البيتني يف صدر بيته، وأخرج العجز خمرج املثل السائر الصحيح، وعوض عما فاته من بديع األلفاظ مثل املطابقة املقابلة بالتجنيس والتمثيل، ففي بيت أيب عابدة من اإلغراب والطرفة معىن مل يفت

، والرب بنفسه جفاء، من الغريب الظريف، وال جرم أنه أتى بذكر أبا العالء، فإن كون الصلة بعينها قطيعةالتعجب من ذلك، وكذلك طلب االختصار من اإلنسان، وجعل ما هو من أقوى أسباب الزيادة سببا يف

قطع الزيادة من الغريب الطريف أيضا، وإذا نظرت إىل ما يف بيت املعري من كونه يسد يف التمثيل به مسد ضاح معناه وما فيه من حسن البيان، وكون ما فيه من التجنيس والتصدير ليكون صلة بني البيتني مع إي

.املعىن والزيادة، وأسا لقافيته املستجادة، ثبت الفضل لبيت املعري ولقد أحسن البحتري يف إتباع احلزين الكناين يف قوله بسيط

فما يكلم إال حني يبتسم... يغضي حياء ويغضي من مهابته البحتري قال بسيطفإن

وميأل األرض من أنس إذا ابتسما... إن أطرق استوحشت للخوف أفئدة :ومن حسن اإلتباع اتباع ابن املعتز بشار يف قول بشار طويل

وأسيافنا ليل هتاوى كواكبه... كأن مثار النقع فوق رؤوسنا :طويل: فإن ابن املعتز قال

رائي هاشم ونزاروسارت و... إذا شئت أوقرت البالد حوافرا دخان وأطراف الرماح شرار... وعم السماء النقع حىت كأنه

فإن بشارا قال فوق رءوسنا والليل ال خيص رءوسهم لعموم ظلمته اآلفاق، وابن املعتز ختلص من هذا أوقرت : وعم السماء النقع دليل على كثرة اجليش وانتشاره، ولذلك قال يف بيت التوطئة: الدخل بقوله

.الد حوافرا، وكان مثل هذا الئقا به ملكانه من امللكالب ومن حسن اإلتباع إتباعي ابن الرومي يف قوله بسيط

لكن فم احلال مين غري مسدود... سد السداد فمى عما يريبكم :فإين اتبعته يف هذا املعىن فقلت كامل

أهجى لكل مقصر عن منطقي... هبين سكت أما لسان ضروريت الرومي وقع فيه من احملاسن أربعة عشر ضربا، وهي التجنيس يف قوله سد السداد، والتفسري فإن بيت ابن

فم احلال، والتصدير فيما : لكن وما بعدها، واالستعارة يف قوله: يف قوله عما يريبكم، واالستدراك يف قولهن لفظ البيت طبق معناه، بني القافية وأول البيت، والتمثيل، فإن البيت خرج خمرج املثل، واملساواة، أل

لكن فم احلال، : واالئتالف، ألن كل لفظة من مفردات ألفاظه ال يصلح مكاهنا غريها، واإلرداف يف قوله :سوء حايل ينطق بذمكم، فعرب عن املعىن بلفظ هو ردفه حيث قال: فإنه أراد أن يقول: العجز كله

لكن فم احلال مين غري مسدودواالفتنان ألنه أشار إىل فن الفخر بوصف نفسه بالسداد، والبيت من فن العتاب، فرارا من التصريح بالذم

عما : والتعليق ألن فن الفخر متعلق بفن العتاب، واإلدماج ألن اإلشارة فيه مندجمة يف التفسري يف قولهلفم يف يريبكم، ألن كل ما يريب لو عدد بلفظه املوضوع له الحتاج إىل ألفاظ كثرية، والتعطف يف ذكر ا

صدر البيت مع ذكره يف عجزه، والتهذيب جمليء مجلة صدره على ترتيب الوضع اللغوي البليغ، من تقدمي الفعل على الفاعل، وتقدمي الفاعل على املفعول، وتقدمي املفعول الذي تعدى الفعل بنفسه إليه على الفعل

ك على اجلملة االبتدائية، وتقدمي الذي تعدى إليه باحلرف، وكذلك رتب العجز من تقدمي حرف االستدرا .املبتدإ على اخلرب

واتفق يف بييت سبعة عشر ضربا من البديع، وهي املطابقة يف السكوت النطق، واستعارة اللسان للضرورة، من منطقي، والتمكني من أجل : لكل مقصر، والتفسري يف قويل: أهجى والتكميل يف قويل: واملبالغة يف قويلقرة يف مكاهنا، واملساواة يف كون لفظ البيت طبق معناه، واالئتالف يف أن كل لفظة ال يقوم أن القافية مست

غريها مقامها، واإلجياز يف تفاصيل البيت ومجلته بالنسبة إىل البيت الذي قبله، فإن قويل هبين سكت أوجز : وقويل. سد فمي: سد السداد فمى، ألن ملخص كالمي سكت، وملخص كالمه: من قول ابن الرومي

أهجي، أوجز من قوله غري مسدود، فهذا إجياز : لسان ضروريت، أوجز من قوله فم احلال مين، وقويلتفاصيل البيت، وأما إجياز مجلته فألن حروف بييت اثنان وأربعون حرفا، وبيت ابن الرومي مخسة وأربعون

ة وعشرون متحركا واالنسجام حرفا، مع أهنما قد استويا يف عدة املتحركات، إذ كل بيت منهما سبعبالنسبة، ألن بييت جاء عريا عن الكلفة خبالف بيته، واإليضاح ألن املعىن املراد يف ألفاظ بييت أشد وضوحا من معناه، فإن بييت ال يفتقر يف داللته على معناه لشيء مقدر خبالف بيته، ومفردات ألفاظي أشد وضوحا

عما يريبكم، وكال : أهجى، أدل على معىن اهلجاء بظاهره من قوله: يلملعانيها من مفردات بيته، ألن قوالبيتني املراد به التهديد بصريح اهلجاء نطقا دون هيئة، ويف قويل هبين سكت، إشارة إىل أين ال أسكت، مث

:وهبين سكت أيسكت لسان ضروريت؟ ويف قول ابن الرومي: قلت على حكم التنزل اجلديل يريبكم سد السداد فمى عما

إسجال على نفسه بالسكوت عن هجوهم، وهذا غري مراده الذي أراده من التهديد، وإذا وضح معىن الكالم هذا الوضوح يف لفظ قد انتخبت مفرداته وحسن تركيبه وسهل فهمه، كان موصوفا حبسن البيان

حدمها أخصر وزنا وأبلغ دون غريه، ومنعوتا بالتهذيب دون سواه، وإذا استوى البيتان يف املعىن وكان أمعىن وكانت حماسنه أكثر، وعرى مما وقع يف أخيه من العيوب، كان قائل موصوفا حبسن اإلتباع، وبييت كذلك، ال سيما وقد وقع فيه مع هذا اإلبداع، وهو تضمن كل لفظة بديعا أو بديعني، مثل تضمن هبين

بعدها الضرب اجلديل الذي مساه أهل الصناعة سكت، الترشيح لالستعارة اليت يف لسان ضروريت، وفيهااملذهب الكالمي، ويف الضرب تفسري ومتكني، ويف مجلة البيت ما تقدم، فحصل يف البيت سبعة عشر ضربا

املطابقة، املذهب الكالمي، الترشيح، االستعارة، املبالغة، : من البديع قد تقدم ذكرها مفصلة، وسياقها مجلةتمكني، املساواة، االئتالف، اإلجياز، اإليضاح، حسن البيان، اإلبداع، التهذيب، التكميل، التفسري، ال

االنسجام، حسن اإلتباع، ففضل بييت بيت ابن الرومي بثالثة أضرب من البديع، وخلوه من العيب الذي .بسببه امتنع به أن يوصف باالنسجام

:يلومن حسن اإلتباع إتباع األخطل النابغة الذبياين يف قوله طو وإن خلت أن املنتأى عنك واسع... فإنك كالليل الذي هو مدركي

:فقال طويل لكالدهر ال عار مبا صنع الدهر... وإن أمري املؤمنني وفعله

:فهذا من اإلتباع الذي ليس حبسن، وإمنا ذكرته يف هذا الباب ألذكر بعده اإلتباع احلسن فيبني فضله والضد يظهر حسنه الضد

:بن جبلة طويل ومنه قول علي ولو رفعته يف السماء املطالع... وما المرئ حاولته منك مهرب

ظالم وال ضوء من الصبح ساطع... بلى هارب ال يهتدي ملكانه فإين رأيت أكثر العلماء رجحوا هذا البيت على بيت النابغة، ويف الشعرين عندي حبث يضيق عنه هذا

ر بسيطاملكان، ومثل هذا املعىن قول سلم اخلاس والدهر ال ملجأ منه وال هرب... فأنت كالدهر مبتوتا حبائله

يف كل ناحية ما فاتك الطلب... ولو ملكت عنان الريح أصرفها :كامل: وتناوله البحتري فقال

ينجيهم من خوف بأسك مهرب... ولو أهنم ركبوا الكواكب مل يكن يا معشر اجلن اإلنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار : "وكل هذه املعاين متالشية يف جنب قول اهللا تعاىل

وقد جاء من ذلك يف السنة النبوية قول رسول اهللا " السموات واألرض فانفذوا ال تنفذون إال بسلطان نصرت بالرعب، وجعل رزقي حتت ظل رحمي، وليدخلن هذا الدين على ما دخل : " صلى اهللا عليه وسلم

" .عليه الليل :باع إتباع نصيب األعشى يف قول األعشى طويلومن حسن اإلت

ثناء على أعجازهن معلق... وإن عتاق العيس سوف تزوركم :فقال نصيب طويل

ولو سكتوا أثنت عليك احلقائب... فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله :ومنه ابتاع أيب متام عنترة يف قول عنترة كامل

عربة وحتمحموشكا إيل ب... فازور من وقع القنا بلبانه أعين أبا متام بسيط: فقال

خلر يلثم منه موطئ القدم... لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه :وابتعه البحتري فقال كامل

يف وسعه لسعى إليك املنرب... ولو أن مشتاقا تكلف فوق ما :كامل: واتبعه املتنيب فقال

امدت حميية إليك األغصن... لو تعقل الشجر اليت قابلتها إذا رأهتم من مكان بعيد : " اآلية، وقوله سبحانه" يوم نقول جلهنم هل امتألت : " وكل هذا من قوله تعاىل

.، واهللا أعلم" تكاد متيز من الغيظ : " اآلية وقوله عز وجل" مسعوا هلا

باب حسن البيان

:س، كما قال الشاعر خفيفحسن البيان عبارة عن اإلبانة عما يف النفس بألفاظ سهلة بليغة بعيدة من اللب ن على اخليل قالة غري خرس... خطباء على املنابر فرسا

هوا أبانوا ومل يفوهوا بلبس... ال يعابون صامتني وإن فا .والبيت الثاين أردت

وهو أعين حسن البيان إما باألمساء والصفات املنفردة وإما هبما مؤتلفة، وداللة األول متناهية، وداللة الثاين قد انتهى تأليف الشعر حبيث ال ميكن أن يؤتى بقصيدة إال وقد قيلت من : ري متناهية، فإن قائال لو قالغ

أردت الوزن والتقفية ال غري، وأما مجلة القصيد وجمموع صورهتا فال، : قبل، كان قوله حماال، إال أن تقولهناية، غري أن البيان فيه األقبح واألحسن، ألن داللة التأليف غري متناهية، كما أن األعداد املمكنة ليس هلا

أحد : والوسائط بني هذين الطرفني، فاألقبح كبيان باقل وقد سئل عن مثن ظيب كان معه، فأراد أن يقولعشر، فأدركه العي، حىت فرق أصابع يديه وأدلع لسانه، فأفلت الظيب، وهذا أقبح بيان، مع أن قد بالغ يف

العدد من السماع إىل العيان، ومن هاهنا يعلم أنه ليس كل إجياز بالغة، وال اإلفهام، لكونه أخرج تعريفكل إطالة عيا، فإنه ال إجياز يف اإلفهام أوجز من بيان باقل، ألن املخاطب فهم عنه مبجرد نظرة واحدة، ومع

ستة : أحد عشر، والوسائط أن يقول مثال: ذلك ضرب به املثل يف العي هبذا البيان، واألحسن أن يقولومخسة، أو عشرة وواحد، أو مخسة ومخسة وواحد، والوسائط تعلو وتسفل حبسب قرهبا من البالغة وبعدها

بالنسب واإلضافات، وبيان الكتاب العزيز وكل كالم بليغ فصيح من األحسن دون األقبح ودون وسط بالنسبة، وحقيقة الوسائط، لكن األحسن أيضا تتفاوت طبقاته كالوسائط، فمنه األعلى واألدىن واأل

حسن البيان إخراج املعىن املراد يف أحسن الصور املوضحة له، وإيصاله لفهم املخاطب بأقرب الطرق وأسهلها، ألنه عني البالغة، وقد تكون العبارة عنه تارة من طريق اإلجياز، وطورا من طريق اإلطناب كثرة

ة عن املعىن الواحد، واملعاين القليلة، واألول بعينه هو حد العبارة بسبب كثرة املعاين، واإلسهاب كثرة العباركم " البالغة وحقيقتها، وبه جاء كل بيان القرآن، كقول اهللا تعاىل وقد أراد أن حيذر من االغترار بالنعم

وكقوله تعاىل وقد أراد أن يبني عن " تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كرمي ونعمة كانوا فيها فاكهني إن يوم الفصل " اآلية، وكقوله عز وجل وقد أراد أن يبني عن الوعيد " إن املتقني يف مقام أمني " د الوع

وضرب لنا مثال ونسي خلقه قال من حييي العظام : " وكقوله يف االحتجاج القاطع للخصم" ميقاهتم أمجعني بارك وتعاىل وقد أراد أن يبني وكقوله ت" وهي رميم، قل حيييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم

وكقوله تعاىل وقد أراد أن يبني " أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفني : " عن تقريع الكفاروكقوله تعاىل وقد أراد أن يبني عن " ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم يف العذاب مشتركون : " عن التحري

.وأمثال هذه املواضع كثرية ملن يتتبعها" نه ولو ردوا لعادوا ملا هنو ع: " العدل :ومما جاء من ذلك يف الشعر قول أيب العتاهية منسرح

حرك موسى القضيب أو فكر... يضطرب اخلوف والرجاء إذا :وكقول اآلخر طويل

إذا كرها فيها عقاب ونائل... له حلظات عن خفايف سريره باخلالفة، ووصفهما بالقدرة املطلقة وعظم املهابة بعد اهللا فإن هذين الشاعرين أرادا مدح هذين املمدوحني

سبحانه، فإذا نظر أحدمها نظرة، أو حرك القضيب مرة، أو أطرق مفكرا حلظة، اضطرب اخلوف والرجاء يف :قلوب الناس، فأبانا عن هذه املعاين أحسن إبانة خبالف قويل طويل

وبؤسي جملرمفنعمى لذي حسين ... بكفيه نفع العاملني وضرهم

فإين أردت اإلبانة عن معىن أيب العتاهية والذي بعده، فأبنت عنه بيانا غري حسن وال قبيح، ومل يكن يف قويت اإلبانة عن املعىن بأحسن بيان كما فعال، فإن بييت يصلح أن يكون يف شواهد الوسائط يف هذا الباب، وإن

احلزين الكناين حيث يقول يف عبد اهللا بن عبد امللك بن مروان، كان أبو العتاهية والذي بعده أملا يف معنامها ب وقد وفد عليه وهو عامل مصر ألبيه بسيط

وقد تعرضت احلجاب واخلدم... ملا وقفت عليه يف اجلموع ضحى وضجة الناس عند الباب تزدحم... حييته بسالم وهو مرتفق

ممن كف أروع يف عرنينه مش... يف كفه خيزران رحيها عبق فما يكلم إال حني يبتسم... يغضى حياء ويغضى من مهابته

.والبيت األخري أردت

والفرق بني ما مسيته يف بيت أيب العتاهية والذي بعده حسن بيان وبني اإلشارة، أن اإلشارة ال تكون بلفظ ن األحسن، وما احلقيقة، وحس البيان يكون بلفظ احلقيقة وبغريه، فما كان منه بلفظ احلقيقة فهو من البيا

كان بغري لفظ احلقيقة فهو من البيان احلسن، وال بد أن يكون لفظه أقرب إىل لفظ احلقيقة من لفظ اإلشارة، كما أن لفظ اإلشارة أقرب إىل لفظ املعىن من لفظ اإلرداف، ولفظ اإلرداف أقرب من لفظ

دل قيد األوابد على سرعة عدو التمثيل، أال ترى أن حلظات الناظر تدل على الغضب والرضا أسرع ما يالفرس، واإلنسان جيد الفهم يسرع إىل مدلول اللحظات أقرب من سرعته إىل مدلول قيد األوابد والفرق

أيضا بني حسن البيان واإليضاح، أن اإليضاح يكون بالعبارة الفاضلة والعبارة النازلة، وحسن البيان ال .يكون إال بالعبارة الفاضلة، واهللا أعلم

باب التوليد

من األلفاظ ومن املعاين، فالذي من األلفاظ على ضربني أيضا، توليد املتكلم من لفظه : التوليد على ضربنيولفظ غريه، وتوليده من لفظ نفسه، واألول هو أن يزوج املتكلم كلمة من لفظه إىل كلمة من غريه، فيتولد

. األلفاظ املفردة دون اجلمل املؤتلفةبينهما كالم ينقض غرض صاحب الكلمة األجنبية، وذلك يفمثاله ما حكى أن مصعب بن الزبري وسم خيله بلفظة عدة فلما قتل وصار إىل العراق رآها احلجاج فوسم

.بعد لفظة عدة لفظة الفرار فتولد بني اللفظتني غري ما أراده مصعب :ظ نفسه وافرومن لطيف التوليد قول بعض العجم، وهو توليد املتكلم ما يريد من لف

ومبسمه الشي العذب صاد... كأن عذاره يف اخلد الم فال عجب إذا سرق الرقاد... وطرة شعره ليل هبيم

فإن هذا الشاعر ولد من تشبيه العذار بالالم، وتشبيه الفم بالصاد لفظة لص، وولد من معناها ومعىن تشبيه غراب وإدماج، وهذا من أغرب ما مسعت يف الطرة بالليل ذكر سرقة النوم، فحصل يف البيت توليد وإ

.ذلك، وهو الثاين من التوليد اللفظي

.ومن توليد األلفاظ توليد املعىن من تزويج اجلمل املفيدة :ومثاله ما حكى أن أبا متام أنشد أبا دلف

على مثلها من أبع ومالعببني الكالمني كالما ينايف غرض أيب متام من من أراد نكتة فعليه لعنة اهللا واملالئكة والناس أمجعني، فولد : فقال

أحدمها خروج الكالم من النسيب إىل اهلجاء بسبب ما انضم إليه من الدعاء، والثاين خروج : وجهني .الكالم من أن يكون بيتا من شعر إىل أن صار قطعة من نثر

:ومن هذا الضرب قول الشاعر طويل ي الرجال املهذبويف قوله أ... ألوم زيادا يف ركاكة عقله

أرق من املاء الزالل وأطيب... وهل حيسن التهذيب منك خالئقا وكل مليك عند نعماك كوكب... تكلم والنعمان مشس مسائه

ألبصر منه مشسه وهو غيهب... ولو أبصرت عيناه شخصك مرة ب فتولد بني الكالم فإن هذا الشاعر زوج مدحة ممدوحه بتهذيب األخالق إىل قول النابغة أي الرجال املهذ

ما ينايف غرض النابغة، حيث أخرج الشاعر كالمه خمرج املنكر على النابغة ذلك االستفهام، وأوضح :وهل حيسن التهذيب، البيت، وزوج قوله يف عجز البيت الثالث: مناقضته للنابغة يف بيته الثاين، وهو قوله

وكل مليك عند نعماك كوكب :إىل قول النابغة

وامللوك كواكبفإنك مشس :بدليل قول الشاعر عن النابغة تكلم والنعمان مشس مسائه

:البيت، فتولد بني الكالمني قوله طويل ألبصر منه مشسه وهو غيهب... ولو أبصرت عيناه شخصك مرة

.فهذا الضرب األول من التوليد بأقسامه، وهو ما تولد من اللفظ عاين، كقول القطامي بسيطوأما الضرب الثاين منه، وهو ما تولد من امل

وقد يكون مع املستعجل الزلل... قد يدرك املتأىن بعض حاجته فقال من بعده بسيط

إن التخلق يأيت دونه اخللق... عليك بالقصد فيما أنت فاعله :فمعىن صدر هذا البيت معىن بيت القطامي بكماله، ومعىن عجز البيت مولد بينهما، وهو قوله

دونه اخللقإن التخلق يأيت :والقطامي أخذ معناه من عدي بن زيد العبادي حيث قال سريع

واخلري قد يسبق جهد احلريص... قد يدرك املبطئ من حظه

:وعدي نظر إىل قول مجانة اجلعفي طويل مل يدر يف استعجاله ما يبادر... ومستعجل واملكث أدىن لرشده

:طويل ومن التوليد توليد بديع من بديع كقول أيب متام يروح ويغدو يف خفارته احلب... له منظر قيد النواظر مل يزل

ألن هذه اللفظة اليت هي قيد انتقلت " قيد األوابد : " قيد النواظر من قول امرئ القيس: فإنه ولد قولهل بإضافتها من الطرد إىل النسيب، فكأن النسيب تولد من الطرد، وتناول اللفظة املفردة ال يعد سرقة كتناو

.هذه اللفظةومن التوليد نوع آخر وهو توليد املعاين، والذي مضى توليد األلفاظ، وهو أن يزوج املتكلم معىن من معاين

:البديع مبعىن فيه، فيتولد بينهما فن مدمج يف فن كقويل طويل إذا ما غدا غريي وشافعه الوفر... شفيعي عند الغيد مسود وفريت

وفريت والوفر : بالغة تولد بينهما تفضيل الشباب على املال، فالتجنيس قويلفإين ملا زوجت التجنيس باملواملبالغة تسمييت الشباب شفيعا والوفر شافعا، وفعيل من أبنية املبالغة خبالف فاعل، وتفضيل الشباب جاء

ب العزيز من مدجما يف الغزل، ألن البيت مبعناه الذي قصد التغزل، وهذا توليد كما ترى، وال يقع يف الكتافإين استخرجت " قل رب احكم باحلق : " التوليد إال توليد املعاين البديعية، ومن ذلك ما وقع يف قوله تعاىلاألرداف والتتميم واالئتالف والتهذيب، : من هذه اآلية أربعة عشر نوعا من البديع أمهاهتا مخس، وهياج واالفتنان وحسن البيان واملقارنة واالمتزاج وتولد من هذه األمهات تسعة أضرب، وهي اإليضاح واإلدم

واإلجياز واإلبداع، واملثل السائر، وشرح ذلك يضيق عنه هذا املكان، وقد أفردته يف صحيفة على انفراده، .واهللا أعلم

باب التنكيت

وهو أن يقصد املتكلم إىل شيء بالذكر دون أشياء كلها يسد مسده، لوال نكتة يف ذلك الشيء املقصودترجح اختصاصه بالذكر دون ما يسد مسده، ولوال تلك النكتة اليت انفرد هبا لكان القصد إليه دون غريه

.خطأ ظاهرا عند أهل النقدفإنه سبحانه وتعاىل خص " وأنه هو رب الشعرى : " ومما جاء من ذلك يف الكتاب العزيز قوله سبحانه

شيء، ألن العرب كان قد ظهر فيهم رجل يعرف الشعري بالذكر دون غريها من النجوم، وهو رب كل اليت " وأنه هو رب الشعرى : " بابن أيب كبشة عبد الشعرى، ودعا خلقا إىل عبادهتا، فأنزل اهللا سبحانه

وإن من شيء إال يسبح حبمده ولكن ال تفقهون : " وكقوله تعاىل. ادعيت فيها الربوبية دون سائر النجومملا يف الفقه من الزيادة على العلم، واملراد " تعلمون " دون " تفقهون " خص فإنه سبحانه إمنا" تسبيحهم

الذي يقتضيه معىن هذا الكالم والتفقه يف معرفة كنه التسبيح من احليوان البهيم والنبات واجلماد الذي .تسبيحه مبجرد وجوده الدال على قدرة موجده وخمترعه

مل اقتصر على ذكر املاء دون : فإنه يقال" لق كل دابة من ماء واهللا خ: " ومن غريب التنكيت قوله تعاىلالنكتة اليت رجحت االقتصار على املاء : بقية العناصر اليت يكون اهللا سبحانه املولدات الثالث منها؟، فيقال

بلفظ االستغراق لكل ما دب، وليس يف العناصر األربعة ما يعم مجيع " كل دابة " دون بقية العناصر قوله .ملخلوقات إال املاء، ليدخل احليوان البحري فيهاا

:من أمثلة هذا الباب الشعرية قول اخلنساء وافر وأذكره لكل غروب مشس... يذكرين طلوع الشمس صخرا

فخصت هذين الوقتني وإن كانت تذكره يف كل وقت، ملا يف هذين الوقتني من النكتة املتضمنة تأبني امليت، لشجاعة والكرم، ألن طلوع الشمس وقت الغارات على العدى، ووقت غروهبا وقت واملبالغة يف وصفه با .وقود النريان للقرى

:ومن أمثلة الباب أيضا قول املتنيب كامل أحصى حبافر مهره ميماهتا... لو مر يركض يف سطور كتابه

إن كان : رهتا، فإن قيلفإنه إمنا خص امليمات دون غريها من احلروف، لكوهنا تشبه احلوافر من جهة استداأراد تشبيه احلوافر فالعدول إىل العينات أوىل، ألهنا باحلوافر أشبه، وال سيما عنده، حيث شبه احلافر بالعني،

:يف قوله لسيف الدولة منسرح سنابك اخليل يف اجلالميد... أول حرف من امسه كتبت

مليمات يف الكالم أكثر من العينات، ألهنا تقع أحدمها أن ا: يترجح ذكر امليمات دون العينات لوجهني: قلتأصال وزائدة، والعينات ال تقع إال أصلية، والثاين أهنا أصغر شكال، واختصاص ما هو أصغر وأكثر يف باب

اإلحصاء أمدح للموصوف باإلحصاء من ذكر ما هو أقل وأكرب وإمنا مدحه باإلحصاء يف حالة الركض، ألن .جلأش وحضور احلس وعدم الدهش والطيش يف وقت الركضاإلحصاء يدل على ثبات ا

مهره ومل يقل طرفه : ومن دقيق ما وقع يف البيت من مالءمة األلفاظ بعضها لبعض الدالة على االئتالف قولهلكونه الطرف يقع على املهر، وعلى القارح فيتخلص من االشتراك املوجب عدم املالءمة ألن صغر حافر

ل امليم، فحصل يف البيت إدماج االئتالف يف املبالغة وتعليق املدح بالنبات بالوصف، املهر مالئم لصغر شك .وهذا من ألطف ما وقع يف هذا الباب

:ومن بديع أمثلة هذا الباب قول عنترة، وهو مما يسأل عنه كامل وسط الديار تسف حب اخلمخم... ما راعين إال محولة أهلها

سودا كخافية الغراب األسحم... فيها اثنتان وأربعون حلوبة فإن لفظة احلمولة تدل على الرحيل، وكذلك كوهنا وسط الديار وعلوفتها هذا احلب املخصوص يدل على

بعد الرحلة، فإنه حب يقوي أعصاب اإلبل، وهذا العدد من احللوبات السود الصقيلة احلسان يدل على و يدل على أن املعشوقة من بنات امللوك، ويف ذلك كثرة املال وانتخابه، وكذلك ال يكون إال للملوك، فه

.فخر ملن مييل إليها، واهللا أعلم

باب االتفاق

وهو أن تتفق للشاعر واقعة تعلمه العمل يف نفسه، فإن للسبق إىل معاين الوقائع اليت يشترك الناس يف ضى بن أيب حصينة، وقد مشاهدهتا أو مساعها فضال ال جيحد، كما اتفق لبعض شعراء مصر، ويقال إنه الر

أغزى امللك الناصر صالح الدين حاجبه حسام الدين لؤلؤ اإلفرنج الذين قصدوا احلجاز من حبر القلزم، فظفر احلاجب هبم، فقال ابن أيب حصينة يف هتنئته خماطبا لإلفرنج بسيط

والدر يف البحر ال خيشى من الغري... عدوكم لؤلؤ والبحر مسكنه ت خماطبا للملك الناصر رمحه اهللا بسيطمث قال بعد أبيا

فالدر مذ كان منسوب إىل البحر... فأمر حسامك أن حيظى بنحرهم وكما قال ابن الساعايت وقد قصد امللك الناصر رمحه اهللا بيت يعقوب من حصون الشام فقال خماطبا

:اإلفرنج طويل دعوا بيت يعقوب فقد جاء يوسف

األشرف موسى بن أيب بكر بن أيوب بن عمه امللك الظافر اخلضر بن يوسف وكما اتفق يل وقد لقي امللك :بن أيوب رمحهم اهللا تعاىل مبلتقى اخلابور والفرات، فاتفق يل أن قلت طويل

أمل تر موسى فيه قد لقى اخلضرا... غدا جممع البحرين شاطئ فراتنا محهما اهللا تعاىل مبصر من قصيدة أهنئ وكما قلت عند اجتماع امللك األشرف هذا بأخيه امللك الكامل ر

:فيها مصر بذلك خمربا عنها طويل !أهل ليلة اإلسراء عاد هبا الدهر؟... تقول وموسى قد أتى حملمد

جمتث " وكقويل من قطعة هنأت هبا فخر الدين عثمان بن قزل رمحه اهللا تعاىل مبولودين جاءاه يف ليلة واحدة : "

نا اخلافقنين زي... ليهن علياك بدرا عثمان ذا النورين... اآلن صرت يقينا

ومن االتفاق أن يتفق للشاعر أمساء ملمدوحه وآلبائه ميكنه أن يستخرج منها مدحا لذلك املمدوح، ولو مل :تتفق تلك األمساء على ما هي عليه ملا اتفق استخراج ذلك املدح، كقول أيب نواس كامل

الفضل فضل والربيع ربيعو... عباس عباس إذا احتدم الوغى :وقد وقع يف هذا البيت مع لطيف االتفاق مليح االزدواج يف قوله

والربيع ربيع وأليب نواس... عباس عباس، والفضل فضل :من القسم األول من االتفاق ما مل يتفق مثله يف مرثية يرثى هبا خلفا األمحر منسرح

من خلفوليس إذ بان منه ... وكان ممن مضى لنا خلفا .فإنه اتفق له من اسم املرثي تورية حسنت موقع هذا البيت إىل أن أتى يف الطبقة العليا والغاية القصوى

باب النوادر

وهو الذي مساه قدامة قدميا اإلغراب والطرفة، ومل يفرد له بابا يف احملاسن فاذكره يف أبوابه، ومساه من بعده قوا عليه تسمية قدامة، وأفردوه بابا، فتبعتهم يف ذلك، وأتيت به، وهو التطريف، ومساه قوم النوادر، وقوم أب

آخر أبواب من تقدمين من مجيع الناس يف غالب ظين وهو أن يأيت الشاعر مبعىن غريب لقلته يف كالم الناس ال يكون يف املعىن إغراب إال إذا مل يسمع مثله، : وليس من شرطه على رأي قدامة فيه غري ذلك وقال

الشتقاق يعضد التفسري الثاين، والشواهد تعضد تفسري قدامة، ألن شواهد الباب وقع فيها ما جيوز أن وا: يكون قائله مل يسبق إليه، وما جيوز أن يكون قد سبق إليه على قلته، واستدل قدامة على مراده بقول الناس

إمنا املراد مل يوجد مثله يف ذلك ورد طريف غريب، إذا جاء يف غري وقته، أما كونه مل يرقط فهذا حمال، و .الزمان

ومن أمثلته لألوائل مدح زهري للفقراء واألغنياء معا فإنه غريب، إذ العادة جارية مبدح األغنياء غالبا، ألنه :ما مسع قط مدح فقري حىت قال طويل: يقال

وعند املقلني السماحة والبذل... على مكثريهم حق من يعتريهم :ريف قول أيب متام كاملومن الغريب الط

مثال شرودا يف الندى والباس... ال تنكروا ضريب له من دونه مثال من املشكاة والنرباس... فاهللا قد ضرب األقل لنوره

:ومن الغريب الطريف أيضا قول دريد طويل على أنه قد سل من ماجد حمض... ومل أدر من ألقى عليه رداءه : يعرفه قبله، وتبعه أبو نواس يف ذلك فقال يف القطعة اليت أوهلا طويلفإنه ما مسع من مدح من ال

هبا أثر منهم جديد ودارس... ودار ندامى عطلوها وأدجلوا وأضغاث رحيان جين ويابس... مساحب من جر الزقاق على الثرى وإين على أمثال تلك حلابس... حبست هبا صحيب فجددت عهدهم

بشرقي ساباط الديار البسابس... ت به ومل أدر منهم غري ما شهد :ومن اإلغراب اللطيف قول القائل كامل

وتقوضت خيم الشباب فقوضوا... عرض املشيب بعارضيه فأعرضوا خفرا ويف الصبح املنري تقبضوا... إن كان يف الليل البهيم تبسطوا

بيتا غراب البني فيه أبيض... ولقد مسعت وما مسعت مبثلها " :البسيط " اإلغراب وطريفه قول بعضهم ومن لطيف

بأن أراك وقد كنا على حذر... ظلت تبشرين عيين إذا اختلجت إين ببشراك يل من أسعد البشر... فقلت للعني أما كنت صادقة

بلى جزاؤك أن أحبوك بالنظر... فما جزاؤك عندي لست أعرفه تأت باخلربعن أن تراك كما مل ... وأستر املقلة األخرى فأحجبها

ومن اإلغراب قسم آخر، وهو أن يعمد الشاعر إىل معىن متداول معروف ليس بغريب يف بابه فيغرب فيه

بزيادة مل تقع لغريه، ليصري هبا ذلك املعىن املعروف غريبا طريفا، وينفرد به دون كل من نطق بذلك املعىن، فلما أراد أبو متام ارتكاب هذا املعىن، وبيان ذلك أن تشبيه احلسان بالشمس والبدر متداول معروف،

وفطن إىل أنه قد ذهبت طالوته لكثرة ابتذاله حتيل له يف زيادة طريفة مل تقع لغريه يصري هبا املعىن غريبا بعد :أن كان معروفا، فقال طويل

بشمس هلم من جانب اخلدر تطلع... فردت علينا الشمس والليل راغم أملت بنا أم كان يف الركب يوشع... ئم فواهللا ما أدري أأحالم نا

فإن حاصل كالمه تشبيه املرأة املوصوفة بالشمس، لكن التشكيك الذي أدخله يف كالمه وذكر يوشع بعد إغرابه يف التوطئة بإخباره بان هذه املرأة ردت هبا الشمس برغم الليل، نقل املعىن من املعرفة إىل الغرابة، فال

ن كل من تناوله، ودون املبتدئ به ومن هذا القسم قول املتنيب بسيطجزم أنه استحقه بذلك دو حىت تكاد على أحيائهم تقع... يطمع الطري فيهم طول أكلهم

فإنه عمد إىل املعىن املعروف يف هذا الفن من كون الطري تقع على القتلى وتتبع اجليوش ثقة بالشبع، فتجاوز فإهنا قلبت " تكاد " والذي حسن البيت جدا إتيانه فيه بلفظة بزيادة املبالغة املستحسنة إىل ما قال،

.املستحيل ممكنا، فساغت املبالغة، وحصل له ما أراد من اإلغراب والطرفة :ومن اإلغراب أيضا قول ابن شرف القريواين كامل

فكأنين سبابة املتندم... غريي جىن وأنا املعاقب فيكم مسعته وأخذته أنت أفسدته، : هل مسعت هبذا املعىن؟ فقال: نشده إياه وقاللو مل يبغضه عنده ابن رشيق حني أ

طويل: من النابغة الذبياين حيث قال: ممن؟ فقال: فقال كذى العرى يكوي غريه وهو راتع... وكلفتين ذنب امرئ وتركته

مث قلت يف .فأما إفساده فألنك قلت يف صدر بيتك إنك عوقبت جبناية غريك، ومل تعاقب صاحب اجلنايةفناقض معناك، وذلك أنك شبهت نفسك بسبابة : إن صاحب اجلناية قد شركك يف العقوبة: عجز بيتك

املتندم، وسبابة املتندم أول شيء يتأمل يف املتندم، مث يشركها املتندم يف األمل فإنه مىت تأمل عضو من احليوان تأمل ذهب الصحيح هي مجلته املشاهدة منه، واملكوى من كله ألن املدرك من كل مدرك حقيقته، وحقيقته على امل

يأمل وما به عر البتة، وصاحب العر ال يأمل مجلة، فمن هاهنا أخذت املعىن وأفسدته، غري أن ابن شرف : اإلبل " :رمل " هذا له يف هذا الباب ما ال يلحق، وهو قوله

وهو كاإلصبع مقصوص الظفر... قلم قلم أظفار العدا كلما عمر يف األيدي قصر... ىت أنه أشبه احلية ح

والبيت الثاين أردت، وأما األول فهو من باب اإلغراب يف الربد ألنه ال نكاية للعدى يف تقليم أظفارهم، بل ذلك مما حيسن صورهم، ويزداد به نشاطهم، ومياط به األذى عنهم عند تناول الطعام والشراب، وتقبل

أراد باألظفار السالح، فإن ذلك من الغيب الذي ال يعلم، إذ ليس يف إنه: بذلك النفوس عليهم، وال يقالكاإلصبع، فإنه ذكر اإلصبع، واملراد به ظاهر : الكالم ما يشعر هبذه االستعارة ومما يفسد هذا التأويل قوله

ه يسلبه اللفظ فإنه يدل على أن الظفر على ظاهره إال أن يتأول اإلصبع، وأما تشبيه القلم باإلصبع فهو تشبيمجيع املنافع واملضار، فإن اإلصبع الواحدة على انفرادها قلما تعمل عمال، وإن عملت عمال كان غري متقن

وكانت غري متمكنة منه، فال معىن هلا على انفرادها، وأنت ترى من ولد خداجا ليس يف كفه إال إصبع صبع مجال إال مع انضمامها إىل أخواهتا، واحدة غري منتفع بيده، ويشاهد ما هبا من القبح، وال يكون لإل

واستعارة قصر الظفر له من أبرد االستعارات، إال أنه كفر حبسنات البيت الثاين سيئات البيت األول أن احلسنات يذهنب السيئات وقد أتى أيضا يف هذا الباب مبا هو أحسن من األول وهو قوله بسيط

مغنيا من سائر البشر ومل أجد... أغنيتين عن مجيع الناس كلهم وليس يغنيه عنها سائر السور... كاحلمد جتزي املصلى حني يقرأها

هذا على مذهب اجلمهور، فإنه مذهب مالك والشافعي وأمحد، إال أبا حنيفة وصاحب الشعر مالكي، إذ هو " :رجز " مذهب أهل املغرب والبن رشيق يف هذا الباب ما ال يشق غباره وهو قوله

ضم إىل الشرق النجوم الزهرا... الصبح الذي تفرا كأمنا فاختلطت فيه فصارت فجرا

:وقوله أيضا متقارب ولكن جررت ورائي السنينا... وما ثقلت كربا وطأيت

وقد رأيت احلجاري صاحب احلديقة وصاحب املسهب يف أخبار أهل املغرب مسى هذا الباب يف احلديقة مناقلة اخليل، وهي وضع الفرس يف الوعر يده موضع رجله خمالفا ملشيته هو من : مناقلة، وفسره بأن قال

:املعتادة، وأنشد فيه قول ابن الرومي سريع وهن يستغفرن باألرجل... تستغفر الناس بأيديهم يرفع اهللا إىل أسفل... فيا له من عمل صاحل فعله الناس باأليدي، واالرتفاع إىل حيث ذكر أن هذه النسوة يفعلن باألرجل ما ي. فأغرب مبخالفة العادة

.األسفل من أغرب الغريب :ومن نوادر اإلغراب قول األرجاين كامل

بالطبع ال بتكلف اإللقاء... شعري إذا ما قيل يرويه الورى للسمع هاج جتاوب األصداء... كالصوت يف قنن اجلبال إذا بدا

:ومن مليح هذا الباب قول بعضهم طويل على صفحات املاء وهو رفيع... ستبان لناظر تواضع كالنجم ا

مسو دخان النار وهو وضيع... ومن دونه يسمو إىل النجم صاعدا ومن اإلغراب نوع يغرب املتكلم فيه بأن خيرج معىن املدح يف لفظ الغزل، فيأيت املدح هزازا للمعاطف من

بسيط الطرب، يكاد يؤكل بالضمري ويشرب، كقول أيب متام يف صفة عمورية

غيالن أهبى ربا من ربعها اخلرب... ما ربع مية معمورا يطيف به أشهى إىل ناظري من خدها الترب... وال احلدود وإن أدمني من خجل

عن كل حسن بدا أو منظر عجب... مساحة غنيت منا العيون هبا جاءت بشاشته من سوء منقلب... وحسن منقلب تبقى عواقبه

:جي كاملوكقول ابن سنان اخلفا حبران ماء راكد وعتاق... صبحتهم بالالذقية فالتقى

تبعا وأنت ملثلها سباق... سبق الظالم هلا فعضت ورودها أبصار أيكما له اإلشراق... حىت إذا متع الضحى ومتارت ال؟

يبكي اخلليط وتذكر األشواق... غادرهتا دمنا على أطالهلا لنار تضرم والدماء تراقفا... وسننت دين قراك يف عرصاهتا

والبيت الرابع أردت، وإمنا ذكرت ما قبله وما بعده الرتباطه بذلك، وملا يف اجملموع من كمال حسن املعىن، .دون انفراد أحد األبيات وما رأيت يف عصرنا أغرب معان من القاضي السعيد بن سناء امللك رمحه اهللا

:ومن غرائب معانيه قوله يف عمياء تظرفا سريع وما سوى العينني مل تكسف... مشس بغري الليل مل حتتجب

تقتل بالغمد بال مرهف... بغمده املرهف لكنها ومقليت يعقوب يف يوسف... أبصرت منها اخللد يف جؤذر

:وقوله كامل يبلى القميص وفيه عرف املندل... ومع املشيب فبعد عندي صبوة

العينني عبد األشهليا أشهل ... ؟أنا جد أنصار النيب ألنين :وكقوله طويل

هي الغصن يف أطراف الورق اخلضر... فال تنكروا منها اخلضاب فإهنا :وكقوله طويل

ألنك يف العشرين وهي نصاب... عليك زكاة فاجعليها وصالنا :وكقوله يف صيب مستحسن ضرب وحبس طويل

لغصنولكن ليبدو الورد يف سائر ا... بنفسي الذي مل تضربوه لريبة فشاركه أيضا يف الدخول إىل السجن... وقالوا له شاركت يف احلسن يوسفا

.وغرائب معانيه لو استقصيت خلرجنا هبا عن الغرض املطلوب من الكتاب :ومما وقع يل من باب اإلغراب والطرفة قويل طويل

تراه يراه ربنا حسب الرجم... أراين ال ينفك جنمي هابطا أفتش دهري يف التراب على جنمي... تديت كأنين حنتين الليايل فاغ

ورامي الذي أصمى الرمايا به سهمي... فصرت إذا قوسا وعقلي راميا

:وقويل طويل فيهدي إلينا برها من عقوقها... حتلمنا األيام وهي سفيهة

وقد رجعت من مستقيم طريقها... وهتدي الدراري وهي من حرية ترى فتغرب مشس العقل عند شروقها... من سكوهنا كما حتدث الطيش الطلى

ومن اإلغراب والطرفة نوع ال يكون اإلغراب فيه يف ظاهر لفظه، بل يف تأويله، وهو الذي إذا محل على ظاهره كان الكالم به معيبا جدا وإذا تؤول رده التأويل إىل منط الكالم الفصيح، وأميط من ظاهره حدث

حبطت أعماهلم فأصبحوا : " وصوف باإلغراب ال الظاهر، وذلك كقولهالعيب، فيكون التأويل هو املفإهنم أمسوا كما أصبحوا، فتكون لفظة فأصبحوا حشوا ال فائدة فيه، ومثل هذا يتحاشى عنه " خاسرين

نظم القرآن، فإنك إذا قلت أصبح العسل حلوا وهو قد أمسى كذلك، كان قولك أصبح حشا، لكن ملا م حال املرضى، وكان املريض تشتد عليه اآلالم يف الليل، وختف يف النهار، فتكون حاله كان األشقياء حاهل

عند الصباح صاحلة بالنسبة إىل حاله بالليل، إال املريض الذي ال يرجى برؤه، فإنه يصبح كما أمسى، فإذا هالكه، أخرب أصبح كذلك يئس من فالحه، وملا أشبهت حال هؤالء األشقياء حال املريض الذي قد تيقن

عنهم بأهنم أصبحوا كما أمسوا خاسرين، وعلى هذا تكون لفظة أصبحوا قد تضمنت معىن أخرجها عن كوهنا حشوا، ورد الكالم الذي جاءت فيه إىل حده من الفصاحة، فعد التأويل الذي فعل هبا ذلك غريبا

.طريفا، واهللا أعلم :دايب الثالثة اليت أوهلاهذا آخر أبواب املتقدمني، وقد بقيت أبواب األج

باب االلتزام

وهو أن يلتزم الناثر يف نثره، أو الشاعر يف شعره، قبل روي البيت من الشعر حرفا فصاعدا على قدر قوته، وحبسب طاقته، مشروطا بعدم الكلفة وقد جاء من ذلك يف الكتاب العزيز مواضع رائعة احلسن، كقوله

: " وقوله تعاىل" فال أقسم باخلنس اجلواري الكنس : " وقوله سبحانه "والطور وكتاب مسطور : " تعاىلوقوله " فأما اليتيم فال تقهر وأما السائل فال تنهر " وقوله عز وجل " والليل وما وسق والقمر إذا اتسق

غري ما أنت بنعمة ربك مبجنون وإن لك ألجرا: " وقوله عز من قائل" أمرنا مترفيها ففسقوا فيها : " تعاىلوقوله جل جالله " فإذا هم مبصرون وإخواهنم ميدوهنم يف الغي مث ال يقصرون : " وقوله جلت قدرته" ممنون

" كال إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق، والتفت الساق بالساق، إىل ربك يومئذ املساق " وأشياء كثرية من " أو لتعودن يف ملتنا لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا : " وقوله عز وجل

فواصل القرآن العزيز تعجز الفصحاء أشد تعجيز وقد جاء يف السنة من ذلك قول الرسول صلى اهللا عليه ال سهل فريتقى، وال مسني فينتقى، وقول أم : " وسلم يف حديث أم زرع حكاية عن األوىل من النسوة قوهلا

ال تقش " وقوهلا يف صفة اخلادم " ده أنام فأتصبح، وأقول فال أقبح فعن: زرع يف صفة حاهلا مع أيب زرع، هذه رواية، وليست " طعامنا تقشيشا وال متأل بيتنا تعشيشا، وال تبث حديثنا تبثيثا، وال تنفث مريتنا تنفيثا

وال خترج : امن أمثلة هذا الباب، والرواية األخرى اليت من أمثلة الباب تتمة القرائن الشينية، وهي قوهل

فتزوجت بعده رجال سريا، ركب فرسا شريا، وأراح على نغما ثريا : " وقوهلا أعين أم زرع. حديثنا تعشيشااملس : " ، وكقول الثامنة" إن أكل اقف وإن شرب اشتف وإن رقد التف : " ، وكقول السادسة منهن"

:ل امرئ القيس طويل، ومن هذا الباب يف الشعر قو" مس أرنب، والريح ريح زرنب فأهليتها عن ذي متائم حمول... فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع بشق وحتيت شقها مل حيول... إذا ما بكى من خلفها احنرفت له

وقد أكثر املتأخرون من هذا الباب قاصدين عمله، وما وقع منه ملتقدم فغري مقصود، حىت عمل املعري من :وان شعره املعروف بسقط الزند، ومنه قوله طويلذلك ديوانا كامال مفردا من دي عذاب وخصت بامللوحة زمزم... لك احلمد أمواه البالد بأسرها

خزامى وأنف العود بالعود خيزم... هو احلظ غري الوحش يستاف أنفه وكقول بعضهم بسيط

سالم من كان يهوى مرة قطنا... سلم على قطن إن كنت نازله حبا إذا ظهرت آياته بطنا... ده أحبه والذي أرسى قواع

إال تذكر عند الغربة الوطنا... ما من غريب وإن أبدى جتلده :ومن مليح ما جاء يف االلتزام قول أيب نواس كامل

زند إذا استوريت سهل قدحكا... وأما وزند أيب علي إنه من غريكم وتعاف إال مدحكا... إين لتأىب الصنع عايل مهيت

طرافباب تشابه األ

هو أن يعيد لفظ القافية يف أول البيت الذي يليها، : هذا الباب مساه األجدايب التسبيغ، وفسره بأن قالدرع سابغة، إذا كانت طويلة األذيال، وهذه اللفظة يف اصطالح : والتسبيغ زيادة يف الطول، ومنه قوهلم

ء، وعلى هذا ال تكون هذه العرضيني عبارة عن زيادة حرف ساكن على السبب اخلفيف يف آخر اجلزالتسمية الئقة هبذا املسمى، فرأيت أن أمسى هذا الباب تشابه األطراف، ألن األبيات فيه تتشابه أطرافها وما

:بأبيات قلتهن يف هذا النوع من بأس، وهي طويل ومل حتمال عين اذهبا ودعاين... خليلي إن مل تعذراين يف اهلوى دعاين قليب إذ دعاه جناين... دعاين إليه احلب فاحلب آنفا

بكأس هبا ساقي الغرام سقاين... جناين يف سكر فال رعى عنده ووجدي به ما شفين وعناين... سقاين من مل يعنه من صبابيت لريثي ملا قد حل يب ودهاين... عناين منه ما براين ومل يكن

عياين رأى ما شجى قليب الكئيب... دهاين اهلوى من حيث مل أدر عندما إىل ناظر باللحظ منه رماين... عياين على قليب تعدى بنظرة أصاب فؤادي شجوه فشجاين... رماين بسهم من كنانة حلظه

وغض حياء منه حني سباين... شجاين بسقم من مراض جفونه تقر له يف بابل امللكان... سباين بسحر ليس يبطل بالرقى اهللا نور السموات واألرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، املصباح : "ومنه يف الكتاب العزيز قوله تعاىل

:وأنشد فيه قول ليلى األخيلية متدح احلجاج طويل" يف زجاجة الزجاجة كأهنا كوكب دري تتبع أقصى دائها فشفاها... إذا نزل احلجاج أرضا مريضة

غالم إذا هز القناة سقاها... شفاها من الداء العضال الذي هبا دماء رجال حيلبون صراها... قاها فرواها بشرب سجاله س

:وأحسن من هذه األبيات قول أيب نواس سريع وخازم خري بين دارم... خزمية خري بين خازم مثل متيم يف بين آدم... ودارم خري متيم وما

وهم سيوف لبين هاشم... إال البهاليل بنو هاشم

باب التوءم

هو أن يبين الشاعر البيت أو الناثر النثر على : جدايب التشريع، وفسره بأن قالوهذا الباب أيضا مساه األقافيتني إذا اقتصر على إحدامها كان البيت له وزن، وإن كمله على القافية األخرى كان له وزن آخر،

غري وتكون القافيتان متماثلتني، وتكونان خمتلفتني، وهذه التسمية وإن كانت مطابقة هلذا املسمى فهي معلومة عند الكافة، فسميته التوأم، وهو أن يكون للبيت كما ذكر قافيتان، وصحة القول يف تفسريه أن

أنه مىت اقتصر به على القافية األوىل كان من ضرب ذلك البحر الذي عمل الشاعر بيته منه، فإذا : يقالالضرب من ذلك البحر، وغالبه أن استوىف أجزاءه وبناه على القافية الثانية كان البيت من ضرب غري ذلك

:خيتلف الرويان وإن جاز توافقهما، هذا إن كان الكالم شعرا، وذلك كقول الشاعر كامل هدج الرئال، تكبهن مشاال... وإذا الرياح مع العشي تناوحت

قبل القتال، ونقتل األبطاال... ألفيتنا نفرى العبيط لضيفنا ال، والقتال كان الشعر من الضرب اجملزوء املرفل من الكامل، فإذا فإن هذا الشاعر لو اقتصر على الرئ

أمتمت البيتني صارا من الضرب التام املقطوع منه، فقدر أن لكل بيت من هذين البيتني قافيتني على تساوي القافيتني يف الردف ومتاثل الرويني وإن اختلف اجملرى فيهما، وعلى هذا بىن احلريري قوله يف املقامات

:املك شرك الردى، وقرارة ألكدار... يا خاطب الدنيا الدنية إهنا

ألن اقتصاره على قوله شرك الردى جتعل الشعر من الضرب اجملزوء من الكامل، ومتامه جيعله من الضرب املضمر املقطوع منه، وإن اختلف القافيتان والرويان واجملرى فيهما، وقد جاءت من هذا الباب يف الكتاب

يا معشر اجلن واإلنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات : " أكثر سورة الرمحن كقوله تعاىلالعزيز يرسل عليكما شواظ من نار وغاس فال " واألرض فانفذوا ال تنفذون إال بسلطان فبأي آآلء ربكما تكذبان

لى أوىل الفاصلتني دون تنتصران فبأي آالء ربكما تكذبان وهكذا إىل آخر السورة فإنه جيوز االقتصار ع .الثانية لو كان التنزيل كذلك، واهللا أعلم

هذا آخر ما مجعته من كتب الناس بعد التنقيح والتحرير، وتغيري ما حسن فيه التغيري، وقد تكملت األبواب واهللا هبذه الثالثة اليت عوضت هبا ما تداخل يف باب التمكني التهذيب تسعني بابا غري متداخلة وال متواردة،

.أعلم

اجلزء الرابع

:ومن هاهنا أشرع يف إثبات األبواب اليت استنبطتها، واألنواع اليت استخرجتها مفصلة مكملة، فأوهلا

باب التخيري

وهو أن يأيت الشاعر ببيت يسوغ أن يقفي بقواف شىت، فيتخري منها قافية مرجحة على سائرها بالدليل، الشاعر بسيطتدل بتخريها على حسن اختياره، كقول

فكيف حال غريب ما له قوت... إن الغريب الطويل الذيل ممتهن

فكيف حال غريب ما له حال أي ما له مال، ما له نشب، ما له سبب، ما له صفد، ما : فإنه يسوغ أن يقولما له قوت وجدهتا أبلغ من : له سبب، ما له خطر، ما له أحد، ما وجد، ما له شيع، وإذا نظرت إىل قوله

اجلميع، وأدل على الفاقة، وأمس بذكر احلاجة، وأبني للضرورة، وأشجى للقلوب، وأدعى لالستعطاف، إن يف : " فلذلك رجحت على كل ما ذكرناه ومن هذا النوع يف الكتاب العزيز قوله تعاىل يف أول اجلاثية

، واختالف الليل السموات واألرض آليات للمؤمنني، ويف خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنونوالنهار وما أنزل اهللا من السماء من رزق فأحيا به األرض بعد موهتا وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون

السموات : املؤمنني، ألنه سبحانه ذكر العامل جبملته، حيث قال: فالبالغة تقتضي أن تكون فاصلة اآلية األوىللى صفاته لتقدم املوصوف وجودا واعتقادا على الصفات واألرض، ومعرفة ما يف العامل من اآليات دالة ع

وكذلك قوله يف الدالة على أن املخترع له قادر عليم حكيم وإن دل على وجود صانع خمتار فداللتها على لقوم : صفاته مرتبة على داللتها على ذاته، فال بد أوال من التصديق بذاته حىت تكون هذه اآليات دالة الثانية

فإن نفس اإلنسان وتدبر خلق احليوان، أقرب إليه من األول، وتفكره يف ذلك مما يزيده يقينا يف يوقنون، معتقده األول، وكذلك معرفة جزئيات العامل من اختالف الليل والنهار، وإنزال الرزق من السماء، وإحياء

نع هذه اجلزئيات هو األرض بعد موهتا، وتصريف الرياح، تقتضي رجاحة العقل ورصانته، ليعلم أن من صالذي صنع العامل الكلي اليت هي أحسن منه، وعوارض عنه، وال جيوز أن يكون بعضها صنع بعضا بعد قيام

الربهان على أن للعامل الكلي صانعا خمتارا، فلذلك اقتضت البالغة أن تكون فاصلة اآلية الثالثة لقوم يعقلون اهنا أمس باملعىن من األول، إذ بعض من يعتقد صانعا للعامل رمبا وأن احتيج للعقل يف اجلميع، إال أن ذكره ه

: " إن بعض هذه اآلثار يصنع بعضا، فال بد إذا من التدبر بدقيق الفكر وراجح العقل ، ومنه قوله تعاىل: قال

هار اليتيم وال جيوز التبديل بينهما، إذ ال جيوز النهي عن انت" فأما اليتيم فال تقهر، وأما السائل فال تنهر ملكان تأديبه، وإمنا ينهى عن قهره وغلبته، كما ال جيوز أن ينهر السائل إذا حرم، ولريد ردا مجيال، ومن ذلك

وإن تغفر : " فإن قوله تعاىل" إن تعذهبم فإهنم عبادك وإن تغفر هلم فإنك أنت العزيز احلكيم : " قوله تعاىل" وإن تغفر هلم " كانت أنسب ملكان " غفورا رحيما " و كانت رمبا أوهم بعض الضعفاء أن الفاصلة ل" هلم

" وإن تغفر هلم " بعد قوله " العزيز احلكيم " ويذهل عن كوهنم يستحقون العذاب دون الغفران، وإن قوله أنسب، ألن من يغفر ملن يستحق العذاب إمنا يكون من ال فوقه أحد يرد عليه حكمه، ومن كان كذلك

نعا من الرد عليه، ومن كان حكيما وضع الشيء يف موضعه، وإن كان ظاهر فعله مومها بأنه كان عزيزا ممت .على خالف احلكم، خلفاء وجه احلكمة مبكنون الغيب عن املخلوق القائم عن إدراك أسرار الربوبيةه على ومن التخيري ضرب غري هذا، وهو أن يؤتى بقطعة من الكالم أو بيت من الشعر قد عطف بعض مجل

فكفارته إطعام عشرة مساكني من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوهتم : " بعض بأداة التخيري كقوله تعاىل وكقول الشاعر بسيط" أو حترير رقبة

ما أسنت الناس أولبوا الصريخ ضحى... خلو التفاخر أو حلوا اليفاع إذا ضها على بعض متضمنه صحة التقسيم وال يكون هذا الضرب من احملاسن حىت تكون اجلمل املعطوف بع

كما جاء يف اآلية الكرمية، إذ حصر سبحانه وتعاىل فيها أنواع الكفارة اليت ال جيزئ املوسر غريها، كما جاء يف البيت من حصر أعظم األسباب اليت نفاخر مبثلها، وهي هناية الكرم، وغاية الشجاعة إذا ال حيل باملكان

:ة ليدل على بيته إال اجلواد املؤثر، كما قال شاعر احلماسة وافراملرتفع من األرض يف اجملاع إذا النريان ألبست القناعا... له نار تشب على يفاع

ولكن كان أرحبهم ذراعا... ومل يك أكثر الفتيان ماال

ن كما أنه ال يبادر إىل تلبية الصريخ عند الضحى، وهو وقت الغارات إال أشجع القوم، ومن هذا القسم مفانظر إىل حسن " قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكرب يف صدوركم : " التخيري قوله سبحانه وتعاىل

هذا التخيري وصحة الترتيب يف االنتقال من األدىن إىل األعلى حىت بلغ النهاية يف أوجز إشارة بقوله سبحانه غري حاصر " أو خلقا مما يكرب يف صدوركم " : بعد االنتقال من احلجارة إىل احلديد الذي هو أصلب منها

.هلم يف صنف من األصنافأحدمها أن حسن النسق يكون جبميع حروف العطف : والفرق بني التخيري بأو وحسن النسق من وجهني

وغالبا ما تقع الواو، ورمبا وقع منه شيء بالفاء للتعاقب، أو بثم للمهلة والتراخي، ووقوعه بالواو أكثر، .ري ال يكون إال بأو اليت هي للتخيري خاصةوالتخي

والثاين أن التخيري يشترط فيه صحة التقسيم، وال كذلك حسن النسق، والفرق بني ختيري مقطع الكالم دون كل مقطع يسد مسده وبني التسهيم أن صدر كالم التخري ال يدل إال على املقطع فقط، وصدر كالم

إىل أن يبلغ عجز البيت، والفرق بني التخري والتوشيح التوطئة بتقدمي التسهيم يدل على ما زاد على املقطع، .لفظة القافية يف أول البيت من التوشيح، وال كذلك التخيري، واهللا أعلم

باب التدبيج

وهو أن يذكر الشاعر أو الناثر ألوانا يقصد الكناية هبا أو التورية بذكرها عن أشياء من مدح أو وصف أو ومن اجلبال جدد بيض : " أو غري ذلك من الفنون، أو لبيان فائدة الوصف هبا كقوله تعاىلنسيب أو هجاء

فإن املراد بذلك واهللا أعلم الكناية عن املشتبه والواضح من الطرق، " ومحر خمتلف ألواهنا وغرابيب سود وأبينها، وهلذا ألن اجلادة البيضاء هي الطريق امللحوب اليت كثر السلوك فيها جدا، وهي أوضح الطرق

ركب هبم احملجة البيضاء ودوهنا املراء، ودون احلمراء السوداء اليت كأهنا يف اخلفاء وااللتباس ضد : قيلوملا كانت هذه األلوان الثالثة يف الظهور للعني طرفني وواسطة، فالطرف . البيضاء يف الظهور والوضوح

السواد، واألمحر بينهما على حكم وضع األلوان يف األعلى يف الظهور البياض والطرف األسفل يف اخلفاء التركيب، وكانت ألوان اجلبال ال خترج عن هذه األلوان الثالثة، واهلداية بكل علم نصب للهداية تنقسم

هذه القسمة، أتت اآلية الكرمية على هذا التقسيم، فحصل فيها التدبيج وصحة التقسيم، وهي مسوقة .إليه من السعي يف طلب املصاحل واملنافع، والفرار من املضار واملعاطب لالعتداد بالنعم على ما هدت

فمذ أزور احلبيب األصفر، واغرب العيش األخضر، أسود يومي األبيض، : ومن التدبيج احلسن قول احلريريوابيض فودي األسود، حىت رثى يل العدو األزرق، فحبذا املوت األمحر، إال أن تدبيج اآلية الكرمية جاء

.بلفظ الكناية لبيان فائدة الوصف باأللوان، وتدبيج املقامة أتى بطريق التورية :ومن أمثلة هذا الباب الشعرية قول ابن حيوس الدمشقي خفيف

فالقهم يوم نائل أو نزال... إن ترد علم حاهلم عن يقني تلق بيض الوجوه سود مثار النقع خضر األكناف محر النصال

:وكقول بعض العرب طويل وبيض الثنايا حتت خضرة شاربه... زياد بن عني عينه حتت حاجبه

وجه العيب فيه كون العني ال تكون إال حتت : وقد ساق بعض النقاد هذا البيت من شواهد العيوب، وقالالشاعر أراد أنه غري مشوه، قد : احلاجب، والثنايا حتت الشارب، وقد قال بعضهم يف الرد على هذا العائب

أحسن تقومي، فلم تأت صورته خمالفة للصور، وعندي أن مثل هذا ال يعد عيبا، وال حيتاج فيه إىل خلق يف تكلف مثل هذا العذر، فإنه قد ورد مثله يف الكتاب العزيز للتوكيد والتهويل ليحصل االزدجار عن فعل من

والسقف ال " وقهم فخر عليهم السقف من ف" حل به ذلك، وهذا من بليغ املوعظة، وهو قوله سبحانه يكون إال من فوق وال سيما يف هذا املوضع، ألنه سبحانه رفع فيه االحتمال الذي يتوهم من أن السقف قد

يكون حتت بالنسبة، فإن كثريا من السقوف يكون أرضا لقوم وسقفا آلخرين، فرفع تعاىل هذا االحتمال هنا مل تستعمل إال فيما هبط أو سقط من العلو إىل أل" خر " ولفظة " عليهم " جبملتني، ومها قوله تعاىل

أال إن : " السفل، ومن ذلك أيضا حديث أيب بكر أن النيب صلى اهللا عليه وسلم خطب يف حجته فقالالزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اهللا السموات األرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، ثالثة

ورجب ال يكون إال " ذو احلجة واحملرم ورجب، الذي بني مجادى وشعبان متواليات، وهي ذو القعدة و

كذلك، وإمنا هو صلى اهللا عليه وسلم ملا أراد أن خيرب عن شهر فرد غري موال لألشهر احلرم اليت قبله عرفه د ورجب توهم بعض السامعني أنه رمبا أرا: بأنه بني هذين الشهرين احتراسا من كونه لو اقتصر على قوله

صفر، : صفر، ال سيما وقد كانت اجلاهلية حتل صفر عاما، وحترمه عاما، ولذلك قال صلى اهللا عليه وسلميف حديث خرجه الترمذي وأبو داود، ورمبا ظن الظان أنه أراد برجب صفر ومساه رجبا ليعرف بتعظيمه، إذ

بني مجادى، ليقطعه عما قبله، وبني الترجيب التعظيم، فاحترس من وقوع هذا اللبس بأن عرفه بأنه هو الذي شعبان، ليقطعه عما بعده، والتأويالت أوسع وأفسح من أن خيطئ معها عريب متقدم يف لغته اليت وضعها،

:وهو أعرف مبواقعها منا، ال سيما وقد قال امرؤ القيس مما يؤيد ذلك متقارب تسد به فرجها من دبر... هلا ذنب مثل ذيل العروس

يكون إال من دبر، ألن فرجها الذي يسد بذنبها هو ما بني قائميت رجليها من عجب وفرج الفرس ال .الذنب، إىل حافر الرجلني، ويف بعض ذلك ما خيرج بيت الشاعر عن العيب

:ومن التدبيج قول أيب متام يف مرثيته حملمد بن محيد الطوسي طويل من سندس خضرهلا الليل إال وهي ... تردى ثياب املوت محرا فما أتى

:وكقول البحتري طويل وآفاهتا بيض وأكنافها خضر... حتسنت الدنيا بعدلك فاغتدت

باب التمزيج

وهو أن ميزج املتكلم معاين البديع بفنون الكالم، أعين أغراضه ومقاصده بعضها ببعض بشرط أن جتمع من الشعر، كقول بكر بن النطاح معاين البديع والفنون يف اجلملة أو اجلمل من النثر، والبيت أو البيوت

:طويل قم فجئين بكوكب: لترضى فقالت... بذلت هلا ما قد أرادت من املىن

كمن يتشهى حلم عنقاء مغرب... هذا التعنت كله : فقلت هلا وال تذهيب يا بدر يب كل مذهب... سلي كل شيء يستقيم طالبه

ت مطليبوقدرته أعيا مبا رم... فأقسم لو أصبحت يف عز مالك كما شقيت بكر بأرماح تغلب... فىت شقيت أمواله بعفاته

فإن التمزيج وقع يف الثالثة املتواليات من هذا الشعر بعد األول، فأما األول من الثالثة فإنه مزج يف صدره :العتاب بالغزل باملراجعة حيث قال

فقلت هلا هذا التعنت كله

، وأتى يف عجز البيت بالتذييل " فقالت : " عة اليت فيهما إذ قالالرتباط هذا الصدر مبا قبله بسبب املراجليتحقق العتاب، ويستدل على صحة ما ادعاه من التعنت، فمزج املذهب الكالمي بالتذييل يف العجز، كما

مزج العتاب والغزل يف الصدر، مع االرتباط مبا قبل، وحقق ذلك باملراجعة احلاصلة فيهما، فوقع التمزيج يف

والغزل ومن املعاين يف املراجعة بسبب االرتباط والتذييل واملذهب . يت املذكور من الفنون يف العتابالبالكالمي، مث مزج املبالغة بالقسم يف البيت الثاين من الثالثة، واملدح بالغزل بواسطة االستطراد، وأتى بالطامة

تشبيه والشجاعة بالكرم ومدح قبيلة املمدوح الكربى يف البيت الثالث من الثالثة، إذ مزج فيه اإلرداف بال .مبدحه وذم أعداءها واإليغال بالتشبيه

فىت جواد، فعدل عن هذا اللفظ إىل ردفه، : شقيت أمواله بعفاته فإن أراد أن يقول: فأما اإلرداف ففي قولهلفظ احلقيقة، والتشبيه يف ملا يف لفظ شقاوة األموال بالعفاة من زيادة املعىن، وديباجة اللفظ اليت ال توجد يف

كما شقيت هذه القبيلة هبذه القبيلة والقبائل املتعادون كثري، وإمنا اقتصر على هاتني القبيلتني ملا يف : قولهذكرمها من النكتة اليت يزيد هبا معىن املدح، وخص املمدوح به وأراد تكميل املدح ورأى أنه لو اقتصر على

ل، وأراد تكميل املدح بالشجاعة فأوجبت عليه الصناعة أن يأيت بالتنكيت مدحه بالكرم كان املدح غري كاميف عجز البيت حبيث يكون بني العجز والصدر ارتباط يوجب هلما التالحم، فوصل بينهما بكاف التشبيه مقتصرا على ذكر القبيلتني اللتني يف ذكرمها نكتة حسنة، وهي مدح قبيلة املمدوح، والتعريض بذم قبيلة

دائه، واملدح لقبيلة املمدوح مدح له، فيكمل له املدح الذي أراده، والتمزيج الذي قصده، والفرق بني أعالتمزيج والتكميل واالفتنان والتعليق واإلدماج، فإن هذه األبواب اخلمسة رمبا اشتبهت على كثري من

معاين النفوس وأغراضها معا يف الناس لكوهنا جتمع املعاين والفنون غالبا إذ أن التكميل ال يكون إال يفالبديع، وال يكون أحد األمرين فيه قد احتد باآلخر، حبيث ال يظهر من الكالم إال صورة أحد األمرين دون اآلخر، وإمنا يؤخذ املعىن اآلخر من الكالم بطريق القوة لشدة امتزاج املعنيني أو الفنني أو أحدمها باآلخر،

نفوس ومعاين البديع والفرق بني التمزيج واالفتنان أن االفتنان ال يكون إال وهذه حال التمزيج مبعاين الباجلمع بني فنني من أغراض املتكلم كالغزل واملدح والعتاب، واهلجاء، والتهنئة، والتعزية، والتمزيج خبالف

رق بني التمزيج ذلك، إذ هو جيمع الفنون واملعاين ويكون األمران فيه متداخلني، والفنان فيه ظاهران، والفوالتعليق أن التعليق كاالفتنان يف اختصاصه بالفنون دون املعاين وظهور الفنني فيه معا، إال أن أحدمها متعلق

باآلخر، واالفتنان ال يكون إال باجلمع بني فنني من أغراض املتكلم كالغزل واملدح، والعتاب واهلجاء، هو جيمع الفنون واملعاين، ويكون األمران فيه متداخلني أي والتهنئة والتعزية، والتمزيج خبالف ذلك، إذ

أحد الفنني فيه متعلقا باآلخر وال بد، وكالمها يفارق االمتزاج يف ظهور صور األشياء اليت تكون فيه، فإهنا متتزج يف االمتزاج حبيث ال يظهر منها لكل شيئن إال صورة واحدة، والفرق بني التمزيج واإلدماج أن

كالتعليق، ال يكون إال بالفنون دون املعاين خبالف التمزيج، وإن اشتبه التمزيج يف إجياد الصور ال اإلدماجيكون إال باملعاين البديعية دون املعاين النفسية، ودون الفنون، والفرق بني التعليق والتكميل دقيق وقد جاء

ا امتزج فيها فنا األدب واهلجاء مبعىن فإهن" رب احكم باحلق " يف الكتاب العزيز من التمزيج قوله تعاىل اإلرداف والتتميم وتولد من ذلك ما استخرجته منا من بقية احملاسن، فكان ذلك أربعة عشر نوعا يضيق

.العزيز واهللا أعلم" بديع القرآن " هذا املكان عن ذكرها مفصلة، وقد ذكرهتا مفصلة يف

باب االستقصاء

:تقصيه إىل أن ال يترك فيه شيئا، كقول ابن الرومي يف صفة احلديث كاملوهو أن يتناول الشاعر معىن فيس مل جين قتل املسلم املتحرز... وحديثها السحر احلالل لو أنه

ود احملدث أهنا مل توجز... إن طال مل ميلل وإن هي أوجزت للمطمئن وعقله املستوفز... شرك العقول ونزهة ما مثلها

: عر وصف حديث هذه احملبوبة بنهاية الوصف احلسن الالئق مبثله، حيث قالفانظر إىل كون هذا الشاوحديثها السحر احلالل، لفعله يف العقول فعل السحر، وجعله حالال لصدق الوصف، وليضمن كالمه يف

إن من البيان لسحرا، فإن سحر البيان سحر حالل، مث " صفته معىن قول الرسول صلى اهللا عليه وسلم :درك فيه فقالرجع فاست

مل جين قتل املسلم املتحرز... لو أنه ... ... ... ... ... لكون قتل املسلم بغري حق حرام، فحصل يف البيت طباق معنوي، فكأنه قال سحر حالل لو مل جين حرام،

و فطابق بني احلالل واحلرام وأحدث براءة املسلم املقتول باحلديث من اإليغال الذي يف قافية البيت، وهاملتحرز ألن املتحرز ال يقع يف شيء من موجبات القتل، ويف ذلك مبالغة يف وصف احلديث بإفراط : قوله

االلتذاذ الذي يزهق حبه النفس، مث فكر فيما يعرض من امللل بسبب، طول احلديث فاحترس عن تلك ن اإلجياز كان مقصرا، إن طال مل ميلل مث رأى أنه مىت اقتصر على وصفه باحلسن حالة اإلطالة دو: بقولهوإن هي أوجزت إىل آخر البيت، مث أراد وصفه مبيل النفوس إليه إما اضطرارا أو اختيارا فقال، يف : فقال

شرك العقول، فأخرب أنه يصيد العقول قنصا، مث قال يف امليل االختياري مقسما له قسمني : امليل االضطراري :حاصرين يف حاليت الريث والعجل كامل

للمطمئن وعقلة املستوفز... ونزهة ما مثلها . ... ... .وليس للمختار حالة زائدة على هاتني احلالتني إما أن يكون مطمئنا، أو مستوفزا، فإن كان مطمئنا كان هذا احلديث نزهته، وإن كان مستوفزا كان عقلته، فلم يبق يف هذا املعىن مقاال ملن بعده، ولقد أحسن ابن مناذر

:استقصائه معىن من معاين الغزل حيث قال طويليف إذا جحد جد البني أم أنا غلبه... فواهللا ما أدري أيغلبين اهلوى

فمثل الذي القيت يغلب صاحبه... فإن استطع أغلب وإن يغلب اهلوى البيت األول فإنه ملا علم أنه مىت اقتصر على البيت األول ال يكون مستقصيا للمعىن أتى بتفصيل ما أمجله يف

وإذا وصلت يف : مبا جاء به يف البيت الثاين، ليكون قد أتى على مجيع ما جيب ذكره من املعىن الذي قصده :هذا الباب إىل قول البحتري يف صفة إنضاء اإلبل خفيف

هم مربية بل األوتار... كالقسي املعطفات بل األس؟ املبالغة والرمي على الترتيب، على مقتضى البالغة، وصلت إىل الغاية يف الشعر، ألنه مجع مع االستقصاء

مربية واإليغال يف القافية، وقد جاء يف الكتاب العزيز من : املعطفات، وقوله: والتتميم يف موضعني، يف قولهأيود أحدكم أن تكون له جنة من خنيل وأعناب جتري من حتتها : " ذلك ما ال يلحق سبقا، وهو قوله تعاىل

فانظر إىل " يها من كل الثمرات وأصابه الكرب وله ذرية ضعفاء فأصاهبا إعصار فيه نار فاحترقت األهنار له فجتري : " قال" جنة من خنيل وأعناب : " استقصاء هذا املعىن حني مل يبق فيه بقية ألحد، وذلك أنه بعد قوله

كل ما يف اجلنان ليشتد األسف فأتى ب" له فيها من كل الثمرات : " وكمل الوصف بقوله" من حتتها األهنار مث استقصى املعىن الذي يوجب تعظيم املصاب بقوله بعد وصفه " وأصابه الكرب " على إفسادها مث قال

مث ذكر استئصاهلا باهلالك يف أسرع " ضعفاء : " ومل يقتصر على كونه له ذرية حىت قال" وله ذرية " بالكرب فلو اقتصر على ذكر اإلعصار لكان كافيا، لكن ملا علم اهللا "فأصاهبا إعصار فيه نار : " وقت حيث قال

فيه نار مث أخرب باحتراقها الحتمال أن تكون النار ضعيفة ال يقوم إحراقها بإطفاء أهنارها وجتفيف : " سبحانه كل أوراقها ومثارها، فأخرب بإحراقها احتراسا من ذلك، وهذا أحسن استقصاء وأمته، حبيث مل يبق يف املعىناملقصود موضع استدراك، والفرق بني االستقصاء والتتميم، والتكميل كون التتميم يرد على معىن ناقص فيتمم بعضه، والتكميل يرد على التام فيكمل وصفه، واالستقصاء له مرتبة ثالثة، فإنه يرد على الكامل

الستحقاقه من هذه اجلملة، واهللا فيستوعب كل ما تقع عليه اخلواطر من لوازمه، حبيث ال يترك آلخذه جماال .أعلم ؟

باب البسط

وهو أن يأيت املتكلم إىل املعىن الواحد الذي ميكنه الداللة عليه باللفظ القليل، فيدل عليه باللفظ الكثري ليضمن اللفظ معاين أخر يزيد هبا الكالم حسنا، لوال بسط ذلك الكالم بكثرة األلفاظ مل حتصل تلك الزيادة

قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق األرض يف يومني وجتعلون : " ء من ذلك يف الكتاب العزيز قوله تعاىلومما جاله أندادا ذلك رب العاملني وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواهتا يف أربعة أيام سواء

أو كرها قالتا أتينا طائعني، للسائلني، مث استوى إىل السماء وهي دخان فقال هلا ولألرض ائتيا طوعافانظر هداك اهللا إىل هذا البسط يف اآليات " فقضاهن سبع مسوات يف يومني وأوحى يف كل مساء أمرها

اهللا الذي خلق السموات واألرض وما بينهما يف : " من القرآن. الكرميات بالنسبة إىل قوله يف غري موضع هذه اآلية ليفيد البسط معاين من تفصيل األخبار، وإيضاح لتعلم أنه بسط سبحانه الكالم يف" ستة أيام

املعىن وتفسري ذلك اإلمجال، وإخراجها خمرج التفريع ملن جعل هللا تبارك وتعاىل أندادا من خملوقاته فإن قلت فما فائدة البسط؟ قلت " اهللا الذي خلق السموات واألرض وما بينهما يف ستة أيام : " التفريع حيصل بقوله

ئدته جليلة، فإن االستدالل مبا قرب من نظر اخلصم أوضح من االستدالل مبا بعد، فإن تقدير أقوات فااحليوان الربي والبحري، وختصيص كل صنف بقوت مألوف مييل إليه بطبعه، كاللحوم للسباع، واحلب

يع بعض للبهائم، واألوساخ وما أشبهها للهمج، والبقول وسائر اخلضروات لغري هذه األصناف، ومجأصناف احليوان البهيم الربي والبحري، وتركه تلك األقوات املوجبة لكفاية ما خيرج من األرض من مجيع

احليوان أقرب لفهم املخاطب، والحتمال أن يقع يف بعض النفوس أن هذه األمور من صنع السموات ذكر األرض لقرهبا من واألرض، ال من صنع صانعهما كما يعتقد بعض الناس فاقتضت البالغة أن يقدم

املخاطب، وألن األنداد منها كاحلجارة اليت حنتت وعبدت واألنصاب اليت جنرت من األخشاب، والصور اليت اختذت من املعادن، وليعرف بعظمة قدرته يف خلقه األرض كلها يف يومني، مث ثىن بذكر اجلبال اليت

.تثبت األرض، وتكون اجلواهر املعدنية منهالربكة اليت لوالها ملا نبت النبات، وال عاش احليوان، وال تنوع اجلماد، وال حصلت املنافع اليت هبا مث يذكر ا

قوام األجسام، ممتنا بذلك على عباده، وحق له االمتنان، مث ثلث بذكر تقدير األقوات، ليحض بذلك على مث أخرب أن ذلك كله يف التوكل، ويبعث النفوس على االشتغال عن الفكر يف التكسب بصاحل األعمال،

أنه أرسى اجلبال وبارك يف األرض وقدر . واهللا أعلم. يعين" يف أربعة أيام : " يومني آخرين، بقوله سبحانهفيها أقواهتا، مع خلقه هلا يف أربعة أيام، مث ختم بذكر خلق السموات السبع، والعناصر األربعة، إذ هي

د من ذلك السموات السبع بالذكر، منبها على فضلها بالنسبة إىل مسوات بالنسبة إىل املخاطب، غري أنه أفرالعناصر وعظمتها، وما تعرف العرب وغريهم من جنومها، واهلداية هبا، وأنوائها، وإنزال الغيث من جهتها، ومقدمات ذلك من الرعد والربق والرياح، ومنافع النريين، مث أخرب سبحانه أنه خلق ذلك كله يف يومني مث

صر عز وجل يف هذه اآلية الكرمية على ذكر األفالك السبعة دون الفلكني اآلخرين، منطقة الربوج اقتواألطلس، لكون السبعة هي املعروفة عند العرب الذين نزل عليهم القرآن وجاء بلساهنم، ألن معرفة

اء وكواكبها يف فالعرب تعرف األنو: الفلكني اآلخرين موقوفة على علوم ليست من علوم العرب، فإن قلتإمنا عرفت األنواء بالقمر حللوله يف املنازل، ومسري : الفلك الثامن، فلم اقتصر على ذكر السبعة دونه؟ قلت

القمر أسرع مسري، وهي كثريا ما تتأمله، لسفرها فيه وسراها، وعرفت الكواكب السيارة لقرب سريها وأما حركة فلكها اليت دلت عليها كواكبه الثابتة، بالنسبة، وعرف مسري املنازل أيضا حبركاهتا القسرية

فليس من علوم العرب وإن كانت تعرفها، كما ذكرت تنقل القمر، وقد ذكره اهللا سبحانه على انفراده، فأفاد سبحانه هبذا " والسماء ذات الربوج : " وخصه من بني األفالك السبعة بالذكر مليزته، فقال تعاىل

يع يف الكالم لوال البسط مل حتصل، وهي املذهب الكالمي واإلدماج البسط حصول ضروب من البد .واإلرداف والتفسري

" مث استوى إىل السماء : " فإهنا نتيجة قوله تعاىل" ذلك رب العاملني : " فأما املذهب الكالمي ففي قوله تعاىلال تطيع السماء واألرض إال . لمفإن تقدير الكالم يف ذلك واهللا أع" قالتا أتينا طائعني : " إىل قوله سبحانه

إدماج اإلرداف : رب العاملني، فإهنما عبارة عن العاملني، وقد أطاعت اهللا سبحانه فهو رب العاملني، واإلدماجبالقادر املطلق، فعدل عن اللفظ " قل أئنكم لتكفرون : " يف املذهب الكالمي، ألنه وهو أعلم أن يقول

بالذي فعل وصنع وعدد من قدرته ما ال يقدر عليه غريه، والتعليق يف : اخلاص إىل لفظ هو ردفه حيث قالكونه تبارك وتعاىل علق فن الفخر بفن العتاب، إذ وصف نفسه صادقا مبا هو أهله، وأثىن على ذاته مبا

" أئنكم لتكفرون، وجتعلون، والتفسري يف قوله : يستحقه يف ضمن العتب املوبخ، والتقريع املثرب حيث قالالذي خلق وفعل وصنع، : فإنه أتى هبذه اجلملة مفسرة لذلك اإلمجال الذي يف قوله تعاىل" رب العاملني ذلك

ذلك رب العاملني : " فأتى بالصفات قبل ذكر املوصوف، وملا أراد تبيني ذكر املوصوف وتعريفه قال سبحانه

.ختصارفهذه فائدة البسط واإلطناب يف الكالم الذي عدل فيه عن اإلجياز واال" ملن يا رسول : قالوا" إن الدين النصيحة : " ومما جاء من ذلك يف السنة النبوية قوله صلى اهللا عليه وسلم

وحاصل هذا الكالم إذا ورد من طريق االختصار " هللا ولكتابه ولنبيه وألئمة املسلمني وعامتهم : " اهللا؟ قالوللمسلمني فإهنا لفظة جامعة لألئمة وللعامة، : ن يقولأن يقول بعد ختصيص اهللا تعاىل بالذكر وكتابه ونبيه أ

فبسط هذه اللفظة ليفرد األئمة بالذكر من مجلة املسلمني، ومل ميكن االقتصار على األئمة فيكون املعىن ناقصا، إذ متامه ال يكون إال بذكر عامة املسلمني، فأتى بذلك البسط ليفيد تتميم املعىن بعد ختصيص من

.الذكر، واهللا أعلمجيب ختصيصه ب :ومن شواهد البسط الشعرية للمتقدمني قول امرئ القيس كامل

حوراء حانية على طفل... نظرت إليك بعني جازئة فإن حاصل البيت تشبيه عني هذه املوصوفة بعني الظبية، فبسط الكالم ليزيده البسط معىن لواله مل يوجد

حبنو واشفاق من احلسن ما ليس ملطلق نظرها أو لنظرها يف غري فيه، فإن لنظر الظبية إىل خشفها عاطفة عليه .هذه احلالة

:ومن أمثلته للمحدثني قول ابن املعتز يف اخلريي منسرح دهر بألواهنم على ورقه... قد نفض العاشقون ما صنع ال؟

املراد، ملا يف فإن حاصل هذا املعىن اإلخبار بصفرة اخلريى فبسط هذا اللفظ الذي لو اقتصر عليه حصل به البسط من إدماج الغزل يف الوصف بغري لفظ التشبيه، وال قرينته املعتادة، إذ هو من قسمي التشبيه اللذين بأداة وبغري أداة، بل تشبيه ال ظاهر وال مقدر يفهم من فحوى اخلطاب، إذ مفهوم اللفظ أن صفرة اخلريى

.تشبه صفرة ألوان املهجورين :ل البحتري وقد تقدم يف باب حسن اإلتباع كاملمن هذا الباب أيضا قو

ما بيننا تلك اليد البيضاء... أخجلتين بندى يديك فسودت عجبا وبر راح وهو جفاء... صلة غدت يف الناس وهي قطيعة

فإن حاصل البيتني أنك قطعتين عنك خجال من كثرة عطائك، فبسط هذا الكالم لتحصل زيادات من ا حصلت كالطباق يف البيت األول، بذكر السواد والبياض، واملقابلة يف البيت الثاين البديع لوال البسط م

بذكر الصلة والقطيعة، والغدو والرواح، والرب واجلفاء، وعلى هذا فاعترب ما تسمعه من الكالم الذي يقع .فيه مثله، وقسه عليه

ن املعىن ويتولد عنه، ويكون من والفرق بني البسط واالستقصاء أن االستقصاء هو حصر كل ما يتفرع مسببه ولوازمه، حبيث ال يترك فيه موضعا قد أخلقه جبدة اآلخذ له، فيستدركه ليستحقه بذكره، والبسط نقل .املعىن من اإلجياز إىل اإلطناب بسبب بسط العبارة عنه، وإن مل يستقص كل ما يكون من لوازمه، واهللا أعلم

؟

باب اهلجاء يف معرض املدح

أن يقصد املتكلم إىل هجاء إنسان فيأيت بألفاظ موجهه ظاهرها املدح وباطنها القدح، فيوهم أنه ميدحه وهو :وهو يهجوه، كقول بعضهم يف بعض األشراف وافر

ومهما قال فاحلسن اجلميل... له حق وليس عليه حق عليه لغريه وهو الرسول... وقد كان الرسول يرى حقوقا

ول على انفرادها فال تكاد تصلح إال للمدح وال يفهم منها غريه؛ وأما البيت الثاين لو فأما ألفاظ البيت األانفرد أيضا ملا فهم منه مدح وال هجاء، وكان إىل باب من األبواب أقرب من هذين البابني، لكمه ملا اقترن

ليس لكل منهما باألول أهل نفسه وأخاه للهجاء، وعدل بألفاظهما عن الثناء وحصل من اجتماعهما ما .على انفراده

ومن أمثلة هذا الباب أيضا قول عبد الصمد بن املعدل أو أيب العميثل يف أيب متام وقد كانت يف لسانه حبسة :رمل جمزوء

ر ويا عيسى بن مرمي... يا نيب اهللا يف الشع؟ ما مل تتكلم... أنت من أشعر خلق اهللا

ين قبلهما، إذ األول منهما إذا انفرد كان مدحا حمضا، وإ؟ذا اجتمعا فإن حال هذين البيتني حال البيتني اللذ .صار هجوا حبتا، غري أن ثاين اآلخرين خمالف لثاين األولني

:ومن ملح هذا الباب قول السعيد بن سناء امللك رمحه اهللا يف قواد سريع حلو التأين حسن اإلحتيال... يل صاحب أفديه من صاحب

ألف ما بني اهلدى والضالل... لفاظه لو شاء من رقة أ قاد إىل املهجور طيف اخليال... يكفيك منه أنه رمبا

وهذا النمط غري النمط األول الذي قدمناه، وهذا من لطيف التوجيه، ولقد تشبثت بأذيال القاضي السعيد ون بقية الشيم، وهو ممن رمحه اهللا يف هذا املقطوع بقويل فيمن ادعى الفقه والكرم وانتحل هاتني الشيمتني د

:يتهم سريع مينع ذا احلاجة من فلسه... ابن فالن أكرم الناس ال

نص على التقليد يف درسه... وهو فقيه ذو اجتهاد وقد ويوجب الدخل على نفسه... يستحسن البحث على وجهه

عاين انقلب ما كان فيها وكل توطئة وقعت يف هذا النمط الثاين صاحلة للمدح البحت فإذا اقترنت بأبيات املمدحا هتكما، وصارت هي بنفسها هجاء، والذي أفرد هذا الباب بنفسه عن باب التهكم مع أن الذي فيه من املدح هتكم هو أن التهكم ال ختلو ألفاظه من لفظة من اللفظ الدال على نوع من أنواع الذم، أو لفظة

التهكم، وألفاظ املدح يف هذا الباب ال يقع فيها شيء يفهم من فحواها اهلجو، وسيأيت بيان ذلك يف باب من ذلك، وال تزال مفرقة وجمتمعة تدل على جمرد املدح حىت يقترن هبا ما يصرفها عن ذلك، وشواهد

التهكم ال ختلو عن ألفاظ التهكم يف أبيات التوطئة، وأبيات املعاين، وما يقع يف هذا الباب من التهكم إمنا .ون أبيات املعاين، واهللا أعلميقع يف التوطئة د

باب العنوان

وهو أن يأخذ املتكلم يف غرض له من وصف أو فخر أبو مدح أو هجاء أو عتاب أو غري ذلك، مث يأيت لقصد تكميله بألفاظ تكون عنوانا ألخبار متقدمة، وقصص سالفة، كقول أيب نواس بسيط

بالسدد بقتل صهر رسول اهللا... يا هاشم بن خديج ليس فخركم لبئس ما قدمت أيدكم لغد... أدرجتم يف إهاب العري جثته

حجرا بدارة ملحوب بنو أسد... إن تقتلوا ابن أيب بكر فقد قتلت قتل الكالب لقد أبرحت بالولد... ويوم قلتم لعمرو وهو يقتلكم

والدمع ينهل من مثىن ومن وحد... ورب كندية قالت جلارهتا عن ثأره وصفات النؤي والوتد... ب بغانية أهلى امرأ القيس تشبي

منها قصة قتل حممد بن أيب بكر، وقتل حجر أيب امرئ : فقد أتى أبو نواس يف هذه األبيات بعدة عنواناتالقيس، وقتل عمرو بن هند كندة يف ضمن هجاء من أراد هجوه، ومعرية املهجو مبا أشار إليه من األخبار

:هم، ومثل ذلك قول أيب متام يف استعطافه مالك بن طوق على قومه كاملالدالة على هجاء قبيلته وملوك فيه املزاد جبحفل كالب... رفدوك يف يوم الكالب وشققوا

سهميك عند احلارث احلراب... وهم بعني أباغ راشوا للعدا جلبوا اجلياد لواحق األقراب... وليايل الثرثار واحلشاك قد

أحداثهم تدبري غري صواب... فمضت كهوهلم ودبر أمرهم كامل: مث قال بعد ذلك

وأجلها يف سنة وكتاب... لك يف رسول اهللا أعظم أسوة كمال ورد أخائذ األحزاب... أعطى املؤلفة القلوب رضاهم عن قومهم وهم جنوم كالب... واجلعفريون استقلت ظعنهم

منهم وشط هبم عن األحباب... حىت إذا أخذ الفراق بقسطه أكنافها رجعوا إىل جواب... ا بالد اهللا قد لفظتهم ورأو

عن ذكر أحقاد وذكر ضباب... فأتوا كرمي اخليم مثلك صافحا فانظر إىل ما أتى به أبو متام يف هذه األبيات من العنوانات من السرية النبوية وأيام العرب كيوم الكالب،

:وافر: ضا ألمحد بن أيب دوادوأخبار بين جعفر بن كالب مع ابن عمهم جواب، وكقوله أي أتى النعمان قبلك يف زياد... تثبت إن قوال كان زورا لظى حرب وحي بين مصاد... فأرث بني حي بين جالح

بين بدر على ذات اإلصاد... وغادر يف صدور الدهر قتلى ك السعي من احلروب فأتى بعنوان مشريا إىل قصة النابغة حني وشى به الواشون إىل النعمان، وما جر ذل

كامل: اليت انطوت عليها قطعة من أيام العرب، وكقوله البن أيب دواد أيضا آراؤه عند اشتباه البيد... فامسع مقالة زائر مل تشتبه

زعموا وليس لرهبة بطريد... أسرى طريدا للحياء من اليت قمر القبائل خالد بن يزيد... كنت الربيع أمامه ووراءه

والركن من شيبان طود حديد... ن زهر سحابة رأفة فالغيث م لو قد نفضت هتائمي وجنودى... وغدا تبني ما براءة ساحيت

قالوا يزيد بن املهلب مودى... هذا الوليد رأى التثبت بعد ما وبناء هذا اإلفك غري مشيد... فتزحزح الزور املؤسس عنده

امللوك سعيدملك بشكر بين ... ومتكن ابن أيب سعيد من حجى عبد العزيز ولست دون وليد... ما خالد يل دون أيوب وال

مل يرم فيه إليك باإلقليد... نفسي فداؤك أي باب ملمة تلك الشهود على وهي شهودي... ملا أظلتين غمامك أصبحت

يوم ببغيهم كيوم عبيد... من بعد ما ظنوا بأن سيكون يل العقوق فكان غري سديدريش ... نزعوا بسهم قطيعة يهفو به

ما كان يعرف فضل عرف العود... وإذا أراد اهللا نشر فضيلة للحاسد النعمى على احملسود... لوال التخوف للعواقب مل تزل

العنوانات يف بعض هذه األبيات، وإمنا جئت جبملتها لئال يتجرأ حسنها، فمن عنواناهتا إشارته إىل خربه مع ه من غضه من مضر على سبيل احلسد له، حىت حجبه عنه وجفاه، ومل يرجع إليه ابن أيب دواد فيما نقل عن

إال بشفاعة خالد بن يزيد الشيباين، مث ذكر قصة يزيد بن املهلب حني هرب من حبس احلجاج، وكتب فيه إىل الوليد مبا أحفظه عليه، حىت حلف على قتله، فاستشفع بسليمان أخيه، واستجار به، فأجاره، وأرسل بهمع ولده أيوب، وولد الوليد عبد العزيز، ووصى ولده أال يدع يده من يده إال بعد أمانه، وأال يوصل إليه

بسوء إال بعد قتله، مث أشار إىل قصة عبيد بن األبرص مع النعمان حني لقيه يف ويوم بؤسه وقتله، وهذه لعزيز حمشو بعنوانات العلوم، فمنها القصص معروفة عند األخباريني، فلم أطل بسياقة تفاصيلها، والكتاب ا

أمل تر أن اهللا يزجي سحابا مث يؤلف بينه مث جيعله ركاما فترى الودق خيرج من خالله وينزل : " قوله سبحانهاآلية، فإن فيها عنوان العلم املعروف باآلثار العلوية، ومن ذلك قوله " من السماء من جبال فيها من برد

وهذا عنوان العلم املنسوب إىل " ل ذي ثالث شعب ال ظليل وال يغين من اللهب انطلقوا إىل ظ: " تعاىلأقليدس، ألن املثلث الشكل أول أشكاله، وهو أصل األشكال، وهو شكل إذا نصب يف الشمس ال يوجد

.له ظل لتحديد رؤوس زواياه، واهللا أعلممث ذكر " وليكون من املوقنني وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات واألرض: " ومن ذلك قوله تعاىل

سبحانه يف تفسري ذلك ملكوت السموات، مدجما فيه ملكوت األرض، فإن أفول الكواكب والنريين إمنا يكون مبا حيول بني األبصار وبينها من خمروط ظل األرض، وهذا عنوان العلم املعروف باجملسطي واهللا أعلم

إىل آخر اآلية، وهذا عنوان علم " ما جن عليه الليل رأى كوكبا فل: " وقوله تعاىل يف بقية اآلية املذكورة .الكالم يف ترتيب نظم الدليل على حدوث العامل مبا دل عليه أفول الكواكب من التغيري، واهللا أعلم

باب اإليضاح

:وهو أن يذكر املتكلم كالما يف ظاهره لبس، مث يوضحه يف بقية كالمه، كقول الشاعر طويل وقيل اخلنا والعلم واحللم واجلهل... خلري والشر كله يذكرنيك ا

فإن هذا الشاعر لو اقتصر على هذا البيت ألشكل مراده على السامع، جلمعه بني ألفاظ املدح واهلجاء، :فلما قال بعده طويل

وألقاك يف حمبوهبا ولك الفضل... فألقاك عن مكروها متنزها ضح الشك وقد يكون اإليضاح يف الوصف الذي ال يتعلق به مدح أوضح املعىن املراد، ورفع اللبس، وأو

وال هجاء، وذلك أن خيرب املتكلم خبرب واحد عن شيء واحد يقع التعجب منه، ويشكل األمر فيه، مث يوضح :ذلك اإلشكال بأن خيرب عنه مبا يفهم منه كشف اللبس عن اجلزء األول، كقول ابن حيوس الدمشقي كامل

عن كأسه املألى وعن إبريقه... دمي بوجهه ومقرطق يغين الن يف مقلتيه ووجنتيه وريقه... فعل املدام ولوهنا ومذاقها

فإنه لو اقتصر على البيت األول أشكل األمر على السامع من جهة الوجه وإن كان حسنا ال يغين به الندمي أن التفسري تفصيل اإلمجال، والفرق بني اإليضاح والتفسري. عن اخلمر فأوضح اللبس يف البيت الثاين

واإليضاح رفع اإلشكال، ألن املفسر من الكالم ال يكون فيه إشكال ألبتة، وقد جاء من اإليضاح يف فإنه لو قدر " كلما رزقوا منها من مثرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل " الكتاب العزيز قوله تعاىل

ى املخاطب لكونه ال يدري هل أراد اهللا تعاىل بقوله حكاية عنهم االقتصار على هذا املقدار اللتبس األمر عليعين واهللا " وأتوا به متشاهبا " اإلشارة إىل صنف الثمرة، أو مقدار اللبس بقوله " هذا الذي رزقنا من قبل "

ر أعلم أشياء يشبه بعضها بعضا، وهي متغايرة األصناف، ألن الوجه الثاين يوجب اللبس الذي وقع الفراأي غري ما رزقنا، وحقيقته أو غريه، لكنه هو يف " هذا الذي رزقنا من قبل : " منه، ألنه ال يدري هل قوهلمارتفع هذا اللبس أيضا لكون البالغة تقتضيه، وإمنا " وأتوا به متشاهبا : " املقدار مثله، فلما قال سبحانه

ل واحد توجب السأم وامللل، وإن كمال التنعم اقتضته البالغة لكونه من املعلوم، إذ املداومة على مأكوومتام التفكه التلون يف املطاعم، والتفنن يف املآكل، فعلم من فحوى اخلطاب أنه أراد سبحانه وهو أعلم

وقال يف " وال تقتلوا أوالدكم من إمالق حنن نرزقكم وإياهم : " الصنف ال املقدار ومن اإليضاح قوله تعاىلحنن : " مث قال سبحانه يف األوىل" تقتلوا أوالدكم خشية إمالق حنن نرزقهم وإياكم وال" غري هذا املوضع

" إنه سبحانه ملا قال يف األوىل : ، وإيضاح هذا اإلشكال أن يقال" حنن نرزقهم : " ، ويف الثانية" نرزقكم والد بسبب وجوده، دل هذا اللفظ على أن الفقر كان حاصال بقتلهم األ" وال تقتلوا أوالدكم من إمالق

وال تقتلوا " أي ما يغين فقركم، وملا قال يف الثانية " حنن نرزقكم : " فال جرم أنه سبحانه وتعاىل قالحنن نرزقهم، أي ال : ، دل على أهنم أغنياء وإمنا هم خيشون الفقر فال جرم أنه قال" أوالدكم خشية إمالق

.حنن نرزقهم تظنوا أنكم ترزقون األوالد من رزقكم فتفتقرون،فلقائل " إن اهللا فالق احلب والنوى خيرج احلي من امليت وخمرج امليت من احلي : " ومثل هذه اآلية قوله تعاىل

خيرج احلي من امليت، بلفظ الفعل؟، مث : مل قدم التمدح بذكر احلب قبل النوى؟ ومل قال سبحانه: أن يقولتقدمي احلب على النوى من املهم، : واب أن يقالبلفظ الفاعل، واجل" وخمرج امليت من احلي : " قال

إن املهم املقدم فإن ما كان مهما فتقدمي التمدح به أوىل، ألنه قوت املخاطب : والبالغة تقدمي املهم، كما قيلوقوت دوابه، وذكر ذلك إمنا هو يف معرض االعتداد بالنعم عليه، فكان تقدميه أوىل، والنوى إمنا ذكر

ليكمل التمدح فإنه يف ذكره إشارة إىل االعتداد على املخاطب مبا يتفكه به، وطريق التهذيب لتتميم املعىن، .والترتيب أن يكون ذكر ما يتفكه به بعد ذكر األقوات اليت ال غىن عنها، وال بد للحيوان منها

تعينه عند اخلروج، بلفظ الفعل عند تقدمي إخراج احلي ملا يف احلي من احلركة اليت" خيرج احلي : " وأما قولهفخروجه أسهل على خمرجه من خروج امليت من احلني فاقتضت البالغة تقدميه بلفظ الفعل املقتضى للحال واالستقبال ليكون ذكر خروج امليت بعده انتقاال من األدىن إىل األعلى، وجعل خروج امليت مستندا إىل

صعب مفروغا من وقوعه، ليكون أدل على القدرة لفظ الفاعل املضاف الدال على املضي ليكون خروج األ .وأبلغ يف التمدح، واهللا أعلم

نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أىن : " ومن اإليضاح نوع يتقدم اإليضاح فيه على اإلشكال كقوله تعاىلاحة إب" أىن شئتم " إذ لو مل تتقدم تسمية النساء باحلرث، وهو موضع الزرع لوهم متوهم من قوله " شئتم

.الوطء يف غري املكان املشروع، واهللا أعلم

باب التشكيك

وهو أن يأيت املتكلم يف كالمه بلفظة تشكك املخاطب هل هي حشو أو أصلية ال غىن بالكالم عنها، مثل تشكك السامع هل هي فضلة، إذ " بدين " فإن لفظة " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين : " قوله تعاىل

: تغين عنها، والناظر يف علم البيان يعلم أهنا أصلية، ألن لفظة الدين هلا حمامل، وتقول" اينتم تد" لفظة " .رجز " ومن ذلك قول رؤبة " . كما تدين تدان " داينت فالنا املودة يعين جازيته ومنه

فمطلت بعضا وأدت بعضا... داينت أروى والديون تقضى .وأمثال هذا

ازى الذي ال يكتب وال يشهد عليه، وملا كان املراد يف اآلية الكرمية تبيني الدين املايل وكل هذا هو الدين اجملالذي يكتب ويشهد عليه وفيه، وتبيني األحكام املعلقة به، وما ينبغي أن يعمل فيه، أوجبت البالغة أن تقول

.، واهللا أعلم" فاكتبوه : " معناه يكتب ويشهد فيه، ليقول" بدين " شكيك ضرب آخر، وهو أن يأيت املتكلم جبمل من املعاين يف كالمه، كل مجلة معطوفة على األخرى ومن الت

:بأو اليت هي موضوعة للتشكيك ال اليت للتخيري واإلباحة، كقول البحتري سريع منضد أو بر أو أقاح... كأمنا يبسم عن لؤلؤ

جتاهل العارف، وهو أن يرى املتكلم شيئا ومن التشكيك نوع التبس على بعض املؤلفني حىت أدخله يف باب شبيها بشيء فيشكك نفسه فيه، لقصد تقريب املشبه من املشبه به، مث يعود عن اجملاز إىل احلقيقة، فيزيل

ذلك التشكيك، فإن مل يعد إىل احلقيقة فهو جتاهل العارف وإن عاد فهو التشكيك احملض، وهو كقول سلم :طويل

جبلد غىن اللون عن أثر الورس... لوعها تبدت فقلت الشمس عند ط على مرية ما هاهنا مطلع الشمس... فلما كررت الطرف قلت لصاحيب

فانظر كيف رجع إىل التحقيق بعد التشكيك، وقد خفى هذا الفرق عن ابن رشيق وغريه حىت أدخلوه يف :باب جتاهل العارف، وهذا خالف قول أيب متام طويل

أملت بنا أم كان يف الركب يوشع... نائم فواهللا ما أدري أأحالم فإن سلما رجع عن التشكيك وأبو متام مل يرجع، فكان بيت سلم من التشكيك احملض، وبيت حبيب من

.جتاهل العارف، وقد ظهر الفرق بني البابني، واهللا أعلم

باب احليدة واالنتقال

ل عنه، أو ينتقل املستدل إىل االستدالل غري وهو أن جييب املسؤول جبواب ال يصلح أن يكون جوابا عما سئالذي كان آخذا فيه، وإمنا يكون هذا بالغة إذا أتى به املستدل بعد معارضة مبا يدل على أن املعترض مل

يفهم استدالله، فينتقل عنه إىل استدالل يقطع به اخلصم عند فهمه، وقد جاء يف الكتاب العزيز من ذلك أنا أحيي : " فقال اجلبار" ريب الذي حييي ومييت : " ليل عليه السالم يف قوله للجبارقوله تعاىل حكاية عن اخل

مث دعا بإنسان فقتله، ودعا مبن وجب عليه القتل فأعتقه، فلما علم اخلليل أنه مل يفهم معىن اإلماتة " وأميت من املشرق فأت هبا من إن اهللا يأيت بالشمس : " واإلحياء اللذين أرادمها انتقل إىل استدالل آخر فقال

فأتاه باستدالل ال جيد المسه امسا مشتركا معه، فتعلق بظاهره على طريق املغالطة، أو ألنه مل يفهم " املغرب : " إال ذلك الوجه الذي تعلق به، فال جرم أن اجلبار انقطع وأخرب اهللا سبحانه عنه بذلك حيث قال تعاىل

ول عن خصوص اجلواب إىل عمومه، لتفيد تلك احليدة زيادة بيان وفيه نوع حييد املسئ" فبهت الذي كفر : " ال حتصل خبصوص اجلواب كقول عائشة رضي اهللا عنها وقد سألتها امرأة أتدخل املرأة احلمام؟ فقالت

فانظر إىل حيدهتا عن اخلصوص إىل : " أو كما قالت" كل امرأة وضعت ثياهبا يف غري بيتها فقد عصت ما من امرأة خلعت ثياهبا يف : صواب احلديث" ادة يف البيان، وتستوعب مجيع أحكام الباب العموم، لتفيد زي

فهذا مثال ما يأيت من احليدة بسبب سوء فهم اخلصم أو . غري بيتها، إال هتكت ما بينها وبني اهللا من حجاب .لقصد الزيادة املفيدة

:الشاعر منسرحوأما ما يأيت بسبب صحة املعارضة على طريق املغالطة كقول يضرب يف باب سرمه بوق... رأيته يف الظالم منبطحا

أنت تقول القرآن خملوق... فقلت ماذا؟ فقال يبهتين :وقول اآلخر منسرح

يبدو على اخلد غري معوج... قالت أحب العذار أول ما وإال عذارك الثلجى: قالت... اسكيت ال يقال الئطة : قلت

باب الشماتة

:ملسرة مبن نالته حمنة، أو أصابته نكبة، ومل أستمع يف ذلك مثل قول ابن الرومي كاملوهو إظهار ا وبكت بشجوعني ذي حسدك... ال زال يومك عربة لغدك بك مهة جلأت إىل سندك... فلئن بكيت لطاملا نكبت

إال ليوم فت يف عضدك... لو تسجد األيام ما سجدت حسنها بيدك ما كان أقبح... يا نعمة ولت غضارهتا

ملا غدت نارا على كبدك... فلقد غدت بردا على كبدي ملا استبان النقص يف عددك... ورأيت نعمى اهللا زائدة

إال بقايا الروح يف جسدك... مل يبق يل مما برى جسدي اتة، مش" ذق " فلفظة " ذق إنك أنت العزيز الكرمي : " وقد جاء من الشماتة يف الكتاب العزيز قوله تعاىل

.وبقية الكالم هتكم " .آآلن وقد عصيت قبل وكنت من املفسدين : " وأما الشماتة احملضة يف القرآن فقوله تعاىل لفرعون

باب التهكم

تعتبت، : هتكمت: واملتهكم املتكرب وقال أبو زيد. اشتد غضبه: هتكمت البئر إذا هتدمت، وهتكم عليه: يقالذا يكون التهكم إما لشدة الغضب قد أوعد بلفظ البشارة أو لشدة وهكمت، عريته هتكيما عبته، وعلى ه

.الكرب وهتاونه باملخاطب قد فعل ذلك أو ذكر بفعله عند العقوبة على سبب املعرية له، فهذا أصلهوهو يف االستعمال عبارة عن اإلتيان بلفظ البشارة يف موضع اإلنذار، والوعد يف مكان الوعيد، واملدح يف

وقد " بشر املنافقني بأن هلم عذابا أليما : " هزاء، فشاهد البشارة من الكتاب العزيز قوله تعاىلمعرض االست .وهو شاهد االستهزاء بلفظ املدح" ذق إنك أنت العزيز الكرمي : " مر يف الباب الذي قبله قوله تعاىل

" ومن خلفه حيفظونه من أمر اهللا له معقبات من بني يديه : " ومن التهكم قول الزخمشري يف تأويل قوله تعاىلهم احلرس من حول السلطان حيفظونه على زعمه من أمر اهللا على سبيل التهكم به، فإهنم ال حيفظونه : قال

.من أمر اهللا يف احلقيقة إذا جاء، واهللا أعلمهتكم، " انكم إمي" فقوله سبحانه " قل بئسما يأمركم به إميانكم إن كنتم مؤمنني : " ومنه أيضا قوله تعاىل

.واهللا أعلم " .بشر مال البخيل حبادث أو وارث " ومن السنة قول الرسول صلى اهللا عليه وسلم

:وشاهد املدح يف موضع االستهزاء قول ابن الذروى يف ابن أيب حصينة من أبيات خفيف فهي يف احلسن من صفات اهلالل... ال تظنن حدبة الظهر عيبا وهي أنكى من الظبا والعوايل ؟وكذاك القسي حمدودبات

لقروم اجلمال أي مجال... وإذا ما عال السنام ففيه مل كانت موصوفة باجلالل... وذناىب القطاة وهي كما تع زي مل يعد خملب الرئبال... وأرى االحنناء يف منسر البا

ت من الفضل أو من اإلفضال... كون اهللا حدبة فيك إن شئ طال أو موجة ببحر نوال... م فأتت ربوة على طود حل لو غدت حلية لكل الرجال... ما رأهتا النساء إال متنت

:مث ختمها بقوله فعسى أن تزورين يف اخليال... وإذا مل يكن من اهلجر بد :وكقول ابن الرومي سريع

يرفعه اهللا إىل أسفل... فيا له من عمل صاحل :متقارب: مرؤ القيس، حيث يقولوأحسب أن أول من نطق بالتهكم يف شعره ا

فقلت هبلت أال تبصر... فأنشب أظفاره يف النسا وأطرف ما مسعت يف التهكم قول محاد عجرد جمزوء . فإن قوله للثور هبلت أال تبصر من التهكم اللطيف

:الكامل حلس ويا بن القتب... فيا ابن نوح يا أخا ال؟

بني الربا والكثب... ومن نشا والده يا عريب يا عريب... ريب يا عريب يا ع

والفرق بني التهكم واهلزل الذي يراد به اجلد أن التهكم ظاهره جد وباطنه هزل، وهو ضد األول، ألن .اهلزل الذي يراد به اجلد يكون ظاهره هزال وباطنه جدا

؟

باب التنذير

د واهلزل ومن لطيف ما جاء منه يف وهو أن يأيت املتكلم بنادرة حلوة، أو جمنة مستطرفة، وهو يقع يف اجلفإذا جاء اخلوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من املوت : " اجلد وبديعه قوله تعاىل

فانظر مبالغته سبحانه وتعاىل يف وصف املنافقني باجلنب واخلوف حيث أخرب عنهم باخلرب الصادق أهنم عند "

" حالة من يغشى عليه من املوت، ولو اقتصر سبحانه وتعاىل على قوله اخلوف تدور أعينهم عند النظر ككان كافيا يف املقصود، لكن أراد الزيادة على املقدار الذي قصد من املبالغة، فأوغل " كالذي يغشى عليه

من إذ حالة املغشى عليه من املوت أشد من حالة غريه، وال شك يف أن املنافقني" من املوت " بقوله سبحانه اجلنب واخلوف من املوت هبذه املثابة، وذلك الذي دعاهم إىل النفاق، فإن من كان قوي النفس شجاع

القلب، ال يرتضي النفاق، إذ هو ال خيشى املوت وال خيافه، ويف هذا الكالم من طريف التندير ملن يتدبره ما .يبهرج كل نادرة

:رق له شعرا، وهو حممد بن يزيد الرقى خفيفوأما ما جاء منه يف اهلزل فكقول أيب متام فيمن س من بنو تغلب غداة الكالب... من بنو حبدل من ابن احلباب

رث أم من عتيبة بن شهاب... من طفيل من عامر أو من احلا بال هتاك كل خيس وغاب... إمنا الضيغم اهلصور أبو األش؟

وهو للحني راتع يف كتاب... من عدت خيله على سرح شعري دي سبايا تبعن يف األعراب... يا عذارى الكالم صرتن من بع؟ ت أسريا ذا عربة واكتئاب... ؟لو ترى منطقي أسريا ألصبح؟

ه ورغيب يا رب فاحفظ ثيايب وكقوله يف هجاء موسى بن - ؟طال رغيب إليك مما أقاسي؟ : مث ختمها بقوله :إبراهيم الرافقي كامل

لك مل يقولوا قم فأنت مصاب. ..عجبا لقوم يسمعون مدائحي غلطوا ومانوا بل أنا الكذاب... نبزوا بكذاب مسيلمة فقد

وما رويت ألطف من قول ضياء الدين موسى بن ملهم الكاتب يف الرشيد عمر الفوى وكان به داء الثعلب :وهو من نوادر ما قيل يف أقرع وافر

همن الشيخ الرشيد وأنكرو... أقول ملعشر غلطوا وغضوا مىت يضع العمامة تعرفوه... هو ابن جال وطالع الثنايا

والفرق بني التندير وما قبله من باب التهكم وما يلتبس بالتهكم من اهلزل الذي يراد به اجلد أن التندير .ظاهره وباطنه هزل خبالف البابني، واهللا أعلم

؟

باب اإلسجال بعد املغالطة

، فيأيت بألفاظ تقرر بلوغه ذلك الغرض، فيسجل عليه ذلك، مثل أن وهو أن يقصد الشاعر غرضا من ممدوحيشترط لبلوغ ذلك الغرض شرطا يلزم من وقوعه وقوع ذلك الغرض، مث يقرر وقوع ذلك الغرض مغالطة،

ليقع املشروط كقول بعض احملدثني بسيط إال ارتعادي وتصفيقي بأسناين... جاء الشتاء وما عندي لقرته

هبين هلكت فهبين بعض أكفاين... نا يكفنين فإن هلكت فموال

وقد تأتى املغالطة بال إسجال إذا أراد املتكلم إخفاء مراده فسأل عن شيء وهو يريد غريه بشرط أن يكون :املسئول عنه يتعلق مبراده تعلقا قريبا لطيفا، كقول أيب نواس خفيف

كيف خلفتم أبا عثمان... أسأل القادمني من حكمان رك من حاهلا فسل عن جنان... لون يل جنان كما س فيقو

كيف مل يغن عندهم كتماين... ما هلم ال يبارك اهللا فيهم فإنه سأل عن أخى سيد جنان وإمنا أراد جنانا، ويقع اإلسجال بغري مغالطة، وهذا القسم هو الذي يأيت يف

.واهللا أعلم" عدن اليت وعدهتم ربنا وأدخلهم جنات : " الكتاب العزيز كثريا، ومنه قوله تعاىل

باب الفرائد

هذا باب خمتص بالفصاحة دون البالغة، ألن مفهومه إتيان املتكلم بلفظة تتنزل من كالمه منزلة الفريدة من حب العقد تدل على عظم فصاحته وقوة عارضته، وشدة عربيته، حىت إن هذه اللفظة لو سقطت من الكالم

:ي كقول أيب نواس كامللعز على الفصحاء غرامتها وه وقد اشرأب الدمع أن يكفا... وكأن سعدي إذ تودعنا

فلفظة اشرأب من الفرائد اليت ال نظري هلا يف فصيح الكالم، وال يقع مثلها إال على سبيل الندور، وكقوله أيضا بسيط

وأفعمت يف متام اجلسم والعصب... حىت إذا ما غال ماء الشباب هلا :ن ملاء الشباب من الفرائد البديعة، وكذلك قول أيب متام وافرفاستعارة الغليا

ومأدوم القوايف بالسداد... وقدما كنت معسول األماين فلفظة مأدوم من الفرائد اليت ال يقدر على نظريها، وال يعثر على شبيهها وكقول البحتري يف املعتز باهللا

:خفيف ون حملىهة السيف أن يك... ال بس حلة الوفاء ومن أب

فقوله أهبة من الفرائد الغريبة يف مكاهنا اليت يعجز الفصحاء عن اإلتيان هبا، وقد جاء يف الكتاب العزيز من وانظر إىل " فإذا نزل بساحتهم فساء صباح املنذرين : " ذلك غرائب يعز حصرها، منها قوله سبحانه وتعاىل

اظ هذه اجلملة كلها فرائد معدومة النظائر، وكقوله عز فألف" فلما استيأسوا منه خلصوا جنيا : " قوله تعاىلوغرابة فصاحتها، تعلم أن الفكر ال يكاد يقع " فزع " فانظر إىل لفظة " حىت إذا فزع عن قلوهبم : " وجل

وهذه الفريدة يف هذه اآلية " يعلم خائنة األعني وما ختفي الصدور : " على مثلها وكقوله تبارك وتعاىلسهلة مستعملة، كثرية اجلريان على ألسن الناس، لكن على " خائنة " تقدم، فإن لفظة أعجب من كل ما

حصل هلا من غرابة التركيب ما جعل هلا يف النفوس هذا املوقع " األعني " انفرادها، فلما أضيفت إىل ه ذلك يف العظيم، حبيث ال يستطاع اإلتيان مبثلها، وال يكاد يقع يف شيء من فصيح الكالم شبهها، وأشبا

الكتاب العزيز ال يدخل حتت احلصر، وقد ورد يف السنة النبوية على صاحبها الصالة والسالم مواضع استذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقلها : شريفة، منها قوله عليه السالم

وعه جزالة وحالوة، وكذلك قوله فاملح لفظيت استذكروا، وتفصيا لترى ما يذهل عقل السامع فصاحة، ويرمن الفرائد العجيبة وفيها من " حى، هال " فإن لفظة " إذا ذكر الصاحلون فحى هال بعمر : " عليه السالم

.الفصاحة ما يعجز عن مثله كل فصيح، وعلى هذه األمثلة فقس ترشد إن شاء اهللا تعاىل

باب اإللغاز والتعمية

مسائه، وهو أن يريد املتكلم شيئا فيعرب عنه بعبارات يدل ظاهرها على غريه، ويسمى احملاجاة، والتعمية أعم أوباطنها عليها، وهو يكون يف النثر والشعر، فمما جاء منه يف النثر ما أماله على السيد الشريف العامل

ها مث نسيها، الفاضل تاج الدين والشرف ابن احلليب أبقاه اهللا من رسالة ذكر أهنا أمالها عليه منشئها، فحفظومل يبق على خاطره منها إال ما أذكره، وهو، بلغين أيدك اهللا أنك ركبت األفق، وسرت تطأ ذوائب النجم

من عن ميني جعفر، ومشال سعيد، حىت أتيت إىل الضرير، فطفقت تستحسن عينيه مليا، وقصدت ابنة مالح القرية، فأصليت اجلميع نارا الوادي فبقرت بطنها عن مخس كأصابع الكف، وأتاك الغالم ببيضاء من .تلظى، فربدت بنارهن نارا حمرقة، ورأيت عثمان وهو يسر أبا بكر فقتلته

.ال بأس باملرأة إذا احتاجت أن تبيع زوجها لتنفق مثنه: ومنها ورويت أن الشافعي قال .وذكر يل الشريف تاج الشرف أن منشئها كان شريفا عباسيا، وانسى امسه

ماشئ وجهه قمر، وقلبه حجر، إن : ثر الذي جاء يف هذا الباب قول ابن جراح ملغزا يف دملجومن الننبذته صرب، واعتزل البشر، وإن قرعته مأل األمساع، وإن أدخلته السوق أىب أن يباع، وإن فككت شطره

ك الضجر دعا لك، وإن ركبت نصفه اآلخر هالك، ورمبا كثر مالك، وإن رمخته آملك عند الفجر، وأورث .وقت العصر

" :رجز " ومثال ما أتى من هذا الباب يف الشعر قول بعض العرب ملغزا يف األيام ما إن ميوتون وهم شبان... وسبعة كلهم إخوان

مل يرهم يف موضع إنسان ومن ذلك قول أيب العالء املعري ملغزا يف اإلبرة مما أنشدنيه الفاضل عفيف الدين علي بن عدالن النحوي

:عفا اهللا عنه طويل به أثرا واهللا شاف من السم... سعت ذات سم يف قميصي فغادرت

وكسرى وعادت وهي عارية اجلسم... كست قيصرا ثوب اجلمال وتبعا طويل: وللمعري ملغزا يف اهلريسة

إلينا الدجى إن احلرائر ال تسرى... أتتنا وما الح الصباح وقد سرت بعطر ولكن هن أشهى من العطر... ا منعمة بيضاء ما نفحاهت

وحاضنة سوداء جائشة الصدر... هلا والد عال وأم كرمية فباتت من السر املصون على اجلمر... إذا أودعت سرا غال يف ضمريها

:وكقوله ملغزا يف قطعة ملح من ملح الطعام من إنشاد املذكور طويل

حبوت هبا صحيب فلما قضت إريب... وبيضاء من سر املالح ملكتها حتثهم بعد الطعام على الشرب... فباتوا هبا مستمتعني ومل تزل

.وأمثلة هذا الباب من الشعر ال حتصى كثرة

باب التصرف

وهو أن يأتى من قوة الشاعر إىل معىن فيربزه يف عدة صور، تارة بلفظ االستعارة، وطورا بلفظ اإلجياز، :قيقة، كقول امرئ القيس يصف الليل طويلوآونة بلفظ اإلرداف، وحينا بلفظ احل

علي بأنواع اهلموم ليبتلي... وليل كموج البحر أرخى سدوله وأردف أعجازا وناء بكلكل... فقلت له ملا متطى بصلبه

:طويل: فإنه أبرز هذا املعىن يف لفظ االستعارة، مت تصرف فيه فأتى به بلفظ اإلجياز، فقال بكل مغار الفتل شدت بيذبل.. .فيا لك من ليل كأن جنومه

فيا لك من ليل طويل، فحذف الصفة، لداللة التشبيه عليها، مث تصرف فيه فأخرجه بلفظ : فإن التقدير :اإلرداف فقال طويل

بأمراس كتان إىل صم جندل... كأن الثريا علقت يف مصامها :مث تصرف فيه فعرب عنه بلفظ احلقيقة فقال طويل

بصبح وما اإلصباح منك بأمثل... يل أال اجنل أال أيها الليل الطووال شبهة يف أن هذا إمنا يأيت من قوة الشاعر وقدرته، ولذلك أتت قصص القرآن الكرمي يف صور شىت من

.واهللا أعلم . البالغة ما بني اإلجياز واإلطناب واختالف معاين األلفاظ، وشهرة ذلك تغين عن شرحه

باب النزاهة

بفن اهلجاء، وإن وقع نادرا يف غريه، فإنه عبارة عن نزاهة ألفاظ اهلجاء وغريه من الفحش وهو خيتص غالبا الذي إذا أنشدته : حىت يكون اهلجاء كما قال فيه أبو عمرو بن العالء وقد سئل عن أحسن اهلجاء فقال

:العذراء يف خدرها ال يقبح عليها، مثل قول جرير كامل م التفاخر مل تزن مثقااليو... لو أن تغب مجعت أحساهبا

:وكقوله وافر

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي

لنثر: كتاب لشعر وا ا التحبري يف صناعة حترير األصبع: املؤلف بن أيب ا

فال كعبا بلغت وال كالبا... فغض الطرف إنك من منري :وكقول عمرو بن معد يكرب الزبيدي طويل

أطاعن عن أبناء حرب وفرت... ظللت كأين لرماح دريئة :أهجي بيت وأمضه قول الشاعر طويل: وقال ابن األعرايب

ختربهم عن جيشهم كل مرتع... وقد علمت عرساك أنك آيب بسيط: ومن شواهد هذا الباب للمولدين قول أيب متام

ومهة جوهر معروفها عرض... مودة ذهب أمثارها شبه :وقوله

ويف البالد مناديح ومضطرب... بين هليعة ما بايل وبالكم عربإال جلاجتكم يف أنكم ... جلاجة يل فيكم ليس يشبهها

وكالذي قاله معد بن احلسني بن جبارة لرجل كان يدعو قوما إىل مساع قينة له، مث انكشف له بعد ذلك أهنم ينالون منها القبيح بسيط

يف ربة العود ال يف رنة العود... أمل أقل لك إن القوم بغيتهم وأنت غاد هبا يف مسرح البيد... ال تأسفن على الشاة اليت عقرت

.هذه املعاين ونزاهة ألفاظها، وقس على ذلكفانظر إىل وإذا دعوا إىل اهللا ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم : " وقد وقع من النزاهة يف الكتاب العزيز قوله تعاىل

معرضون وإن يكن هلم احلق يأتوا إليه مذعنني أيف قلوهبم مرض، أم ارتابوا أم خيافون أن حييف اهللا عليهم فإن ألفاظ الذم للمخرب عنهم يف هذه اآلية أتت منزهة عما يقع يف غري هذا " هم الظاملون ورسوله بل أولئك

" أيف قلوهبم مرض " القسم من اهلجاء واتفق يف هذه اآلية من النزاهة صحة األقسام، فإنه مل يبق بعد قوله املرض عبارة عن إبطان قسما من هذا املعىن حىت ذكره، ألن " أن حييف اهللا عليهم ورسوله " إىل قوله

الكفر، والريبة والشك والتردد وذكر اخلوف من احليف، فذكر مجيع األقسام اليت هي أسباب القعود عن اإلجابة حلكم اهللا ورسوله، وحصل مع ذلك االفتنان، فإهنا تضمنت فن الفخر بوصف نفسه ورسوله بالعدل

وصفه ورسوله " بل أولئك هم الظاملون " وم قوله تعاىل مدجما يف اإليغال الذي وقع يف فاصلة اآلية، فإن ملز .بالعدل، فاقترن التشكيك بصحة األقسام، وأدمج االفتنان يف اإليغال، فسبحان املتكلم هبذا الكالم

باب التسليم

وهو أن يفرض املتكلم فرضا حماال إما منفيا أو مشروطا حبروف االمتناع، ليكون ما ذكره ممتنع الوقوع تناع وقوع مشروطه، مث يسلم بوقوع ذلك تسليما جدليا، ويدل على تقدير عدم الفائدة يف وقوعه على الم

ما اختذ اهللا من ولد وما كان معه من إليه إذا لذهب كل إله مبا خلق ولعال بعضهم : " تقدير وقوعه، كقولهلو سلمنا أن : ليه، وكأن قائال قالفكأن معىن الكالم واهللا أعلم أنه ليس مع اهللا سبحانه من إ" على بعض

معه إهلا للزم من ذلك التسليم ذهاب كل إله مبا خلق، وعلو بعضهم على بعض، فال يتم يف العامل أمر وال ينفذ حكم، والواقع خالف ذلك، ففرض إهلني فصاعدا حمال، ومثال ذلك قول الطرماح بسيط

عنه بنو أسد من خلقه خفيت... لو كان خيفى على الرمحن خافية لو كان مما : فهذا أيضا على تقدير التسليم أن اهللا سبحانه وتعاىل ال جيوز أن ختفى عليه خافية، فقال الشاعر

.جيوز أن خيفى عليه شيء من خلقه خفيت عليه هذه القبيلة

باب االفتنان

واحدة مثل النسيب وهو أن يفنت املتكلم فيأيت بفنني متضادين من فنون الكالم يف بيت واحد أو مجلة .واحلماسة واهلجاء واهلناء والعزاء

:فأما ما افنت فيه باجلمع بني النسيب واحلماسة فكقول عنترة كامل طب بأخذ الفارس، املستلئم... إن تغد يف دوين القناع فإنين

:وكقول عبد اهللا بن طاهر بن احلسني وافر جلبانمكان الروح من جسد ا... أحبك يا ظلوم وأنت عندي خشيت عليك بادرة الطعان... ولو أين أقول مكان روحي

ومما مجع فيه بني هتنئة وتعزية قول بعض الشعراء ليزيد بن معاوية حني دفن أباه وجلس للناس بسيط واشكر حباء الذي بامللك أصفاكا... اصرب يزيد فقد فارقت ذا ثقة

ىب كعقباكاكما رزئت وال عق... ال رزء أصبح يف األقوام تعلمه وأحسن شعر فنن فيه باجلمع بني هتنئة وتعزية قول أيب نواس للعباس بن الفضل بن الربيع يعزيه بالرشيد

:ويهنئه باألمني طويل بأكرم حي كان أو هو كائن... تعز أبا العباس عن خري هالك

هلن مساو مرة وحماسن... حوادث أيام تدور صروفها فال أنت مغبون وال املوت غابن... ثرى ويف احلي بامليت الذي غيب ال

مث ننجي الذين اتقوا : " ومما جاء من ذلك يف الكتاب العزيز قوله تعاىل. واألمثلة يف هذا الباب كثرية جدا .فجمع هذا الكالم بني الوعد والوعيد" ونذر الظاملني فيها جثيا

" .ها فان ويبق وجه ربك ذو اجلالل واإلكرام كل من علي: " ومما مجع فيه بني التعزية والفخر قوله سبحانه

باب املراجعة

وهو أن حيكى املتكلم مراجعة يف القول، وحماورة يف احلديث جرت بينه وبني غريه أو بني اثنني غريه بأوجز عبارة وأرشق سبك وأسهل ألفاظ، إما يف بيت واحد، أو يف أبيات، أو مجلة واحدة، كقول عمر بن أيب

" :رمل " ربيعة مثل قيد الرمح يعدو يب األغر... بينما ينعتين أبصرنين

هذا عمر: قالت الوسطى هلا... ترى من ذا الفىت : قالت الكربى قد عرفناه، وهل خيفى القمر؟... قالت الصغرى وقد تيمتها

و الذي أحدمها، وه: ويف األبيات خبئان يدالن على قوة عارضة الشاعر وحذقه مبعرفة وضع الكالم مواضعهيدل على قوة العارضة، أن قوايف األبيات لو أطلقت لكانت كلها مرفوعة كما قيل يف أرجوزة رؤبة اليت

" :رجز " أوهلا قد جرب الدين اإلله فجرب

.إهنا تزيد على التسعني شطرا، ولو أطلقت قوافيها لكانت كلها مفتوحة: فإهنم قالوات به وشبهته تشبيها يدل على شغفها به هي الصغرى، ليدل واخلبء اآلخر كونه جعل اليت عرفته وعرف

بدليل االلتزام على أنه فىت السن إذ الفتية من النساء ال متيل إال للفىت من الرجال غالبا وختم قوله مبا أخرجه خمرج املثل السائر موزونا، وال يقال إمنا مالت الصغرى له دون أختها لضعف عقلها وعدم جتربتها،

قد ختلص من هذا الدخل بكونه أخرب أن الكربى اليت هي أعقلهن ما كانت رأته قبل، وإمنا : أقولفإين كانت هتواه على السماع به، فلما رأته وعلمت أنه ذلك املوصوف هلا، أظهرت من وجدها به على مقدار

بسماع امسه من عقلها ما أظهرت من سؤاهلا عنه فحسب، ومل تتجاوز ذلك، أو سألت عنه وقد علمته لتلتذباب جتاهل العارف الذي توجبه شدة الوله والعقل مينعها من التصريح، والوسطى سارعت إىل التعريف

بامسه للعلم، فكانت دون الكربى يف الثبات الذي توجبه سنها وتوسطها، والصغرى لكون منزلتها يف الثبات ها به، وكل ذلك وإن مل يكن كذلك دون األختني أظهرت من معرفته وصفته ما دلت به على شدة شغف

.فألفاظ الشعر تدل عليه :ومن جيد أمثلة هذا الباب قول أيب نواس جمزوء الرمل

ن وبعض القول أشنع... قال يل يوما سليما أينا أتقى وأنفع... قال صفين وعليا

فيكما باحلق جتزع... قلت إين إن أقل ما فامسع: لتق: قال قل يل... مهال : كال قلت: قال متنع: صفين قلت: قال... يعطى : صفه قلت: قال

:وإىل لطافة البحتري يف باب املراجعة تنتهي الرياسة حيث قال خفيف وضع الكأس مائال يتكفا... بت أسقيه صفوة الراح حىت

لبيك ألفا: لبيك قلت: قال... عبد العزيز تفديك روحي : قلت ال أستطيعها، مث أغفى: قال... خذها : هاهتا، قلت: هاكها، قال

باب السلب واإلجياب

وهو أن يقصد املادح أن يفرد ممدوحه بصفة مدح ال يشركه فيها غريه، فينفيها يف أول كالمه عن مجيع :الناس، ويثبتها ملمدوحه بعد ذلك، كقول اخلنساء يف أخيها طويل

من اجملد إال والذي نلت أطول... وما بلغت كف امرئ متناوال وإن أطنبوا إال الذي فيك أفضل... ما بلغ املهدون للناس مدحة و

فقصد أبو نواس أخذ معىن الثاين من البيتني فلم يتهيأ له أخذه إال يف بيتني، وقصر عنه بعد ذلك تقصريا :كثريا، وناهيك بأيب نواس، وذلك أنه قال طويل

نثينفأنت كما نثين وفوق الذي ... إذا حنن أثنينا عليك بصاحل لغريك إنسانا فأنت الذي نعين... وإن جرت األلفاظ يوما مبدحة

أما كون معىن البيتني من معىن البيت الثاين من شعر اخلنساء فألن حاصل بييت أيب نواس أنك فوق ثنائنا :الصاحل عليك، وإن مدحنا غريك كان له لفظ املدح ولك معناه، وهذا كله هو عني قول اخلنساء

املهدون للناس مدحةوما بلغ ألن حاصل قوهلا إن مدح املادحني فيك أفضل من مدحهم للناس، وإن أطنبوا يف مدح الناس هو قول أيب

:نواس يف بيته األول طويل فأنت كما نثين وفوق الذي نثين

فكل " س وما بلغ املهدون للنا: " وإن أطنبوا، وقوهلا: وقصر أبو نواس عن حلاقها يف الزيادة اليت هي قوهلاهو عني قوهلا إال " فأنت الذي نثين " هذه املبالغات قصر عنها أبو نواس، وأما قول أيب نواس يف بيته الثاين

الذي فيك أفضل فإن مفهومه أن كل من يهدي مدحا ألحد من البشر له فيك فضل مما أهدى لغريك، ووجه دون القول، وبالتأويل دون التصريح، واخلنساء تقصري أيب نواس يف هذا املعىن أنه جعل ممدوحه ميدح بالنية

جعلت أخاها ممدوحا من مجيع الناس بالتصريح واملعىن بأفضل ما مدح به كل الناس، فبني املعنيني من البون .ما تراه

ومن هذا الباب ما يقع يف التشبيه واإلخبار وغريمها حبيث يكون للمشبه أو املخرب عنه صفات فينفي بعضها عضها وينفي واحدة ليوجب أختها، أو يسلبها ويوجب غريها، كقول رسول اهللا صلى اهللا عليه ليثبت ب

فسلب " أما ترضى أن تكون مين مبنزلة هارون من موسى إال أنه ال نيب بعدي " وسلم لعلي عليه السالم .النبوة ليوجب بقية املنازل اليت كانت هلارون من موسى عليهما السالم

:اعر طويلومن ذلك قول الش ولكن تعدتين النبوة واحلسن... فصرت كأين يوسف بني اخويت

فسلب نفسه هاتني الصفتني من صفات يوسف عليه السالم ليثبت ما عدامها مما امتحن به يوسف من .إخوته، وهذا البيت وإن كان من شواهد االستدراك فهو مما يليق أن يستشهد به هاهنا

:ومن ذلك قول ابن الرومي طويل

دمى يف انقطاع الرزق ال يف احملاسن... كأنا مع اجلدران يف جنباته ملا كانت الدمى موصوفة هباتني الصفتني، وكانت إحدامها الئقة باملعىن الذي قصده، أثبتها ونفى ما عدها من

.الصفة اليت ال تليق بغرضه، واهللا أعلم

باب اإلهبام

تضادين، ال يتميز أحدمها على اآلخر، وال يأيت يف كالمه مبا وهو أن يقول املتكلم كالما حيتمل معنيني محيصل به التمييز فيما بعد ذلك، بل يقصد إهبام األمر فيهما قصدا، والفرق بينه وبني االشتراك املعيب أن

جلمل االشتراك ال يقع إال يف لفظة مفردة هلا مفهومان، ال يعلم أيهما أراد املتكلم، واإلهبام ال يكون إال يف ااملركبة املفيدة، وخيتص بالفنون كاملديح، واهلجاء، وغريمها، وال كذلك االشتراك، والفرق بينه وبني

اإليضاح أن البيت امللتبس الذي يفتقر إىل اإليضاح يتضمن ألفاظ املديح الصريح واهلجاء البني فيكون فيه ل يكون لفظه صاحلا لألمرين، وإن مل يكن مدح وهجاء، واإلهبام ال يفهم من ألفاظه مدح وال هجاء البتة، ب

.فيه من لفظ املدح واهلجاء شيءومثاله ما حكى أن بعض الشعراء هنأ احلسن بن سهيل بصهر املأمون مع من هنأه، فأثاب الناس كلهم

إن أنت متاديت على حرماين عملت فيك بيتا ال يعلم أحد مدحتك فيه أم هجوتك؟ : وحرمه، فكتب إليه :ال أعطيك أو تفعل، فقال جمزوء اخلفيف: وسأله عن قوله، فاعترف، فقال فاستحضره

ولبوران يف اخلنت... بارك اهللا للحسن ت ولكن ببنت من؟... يا إمام اهلدى ظفر يف الرفعة أو يف الضعة، فاستحسن احلسن منه ذلك، وناشده، أمسعت " ببنت من : " فلم يعلم أراد بقولهال واهللا، إال نقلته من شعر شاعر مطبوع كان بعث به، ففصل قباء عند خياط : ؟ فقالهذا املعىن أم ابتكرته

لئن : سآتيك به ال يدري أباء هو أم دواج فقال الشاعر: أعور امسه زيد، قال له اخلياط على طريق العبث بهط، فقال الشاعر فعلت ألعلمن فيك بيتا ال يعلم أحد ممن مسعه أدعوت لك فيه أم دعوت عليك؟ ففعل اخليا

:جمزوء الرمل ليت عينيه سواء... جاء من زيد قباء

فاستحسن احلسن صدقه، أضعاف : فما علم أحد هل أراد أن الصحيحة تساوي السقيمة أو العكس، قال .استحسانه حذقه، وأضعف جائزته

:ومن إهبام العرب قول رجل من بين عبد مشس بن سعد بن متيم طويل إىل الزاد شلت من يدي األصابع... سابقي تضيفين وهنا فقلت أ

من األرض إال وهو صديان جائع... ومل تلق للسعدي ضيفا بقفرة فإن ظاهر الشعر مبهم معناه، فيظن سامعه أنه أراد ضيفا من البشر، فيكون قد هجا به نفسه، وإمنا هو

.يصف ذئبا غشى رحله يف الليل وهو بالقمر وهو فخر حمض، واهللا أعلم

باب القول باملوجب

وهو أن خياطب املتكلم خماطبا بكالم فيعمد املخاطب إىل كل كلمة مفردة من كالم املتكلم فيبين عليها من لفظة ما يوجب عكس معىن املتكلم، وذلك عني القول باملوجب، ألن حقيقته رد اخلصم كالم خصمه من

:فحوى لفظه كقول ابن حجاج خفيف حبل ودادي: ت وأبرمت قلت... تطول؟ بل : طولت قال، يل: قلت

:ومن شواهده أيضا كامل ضاعت ولكن منك يعين لو تعي... قد ضاعت فيصدق أهنا : إن قال وقعت ولكن منه أحسن موقع... قد وقعت فيصدق أهنا : أو قال

دمها أن أح: وقد مر هذان البيتان يف باب االستدراك، والفرق بني القول باملوجب وبني التعطف من وجهنيوالثاين أن . اللفظة اليت تزيد يف التعطف ال تكون مع أختها يف قسم واحد، وإمنا تكون كل لفظة يف شطر

.الثانية من كلميت التعطف ال تكون عكس معىن الكالم، وهذه تعكس معناه، واهللا أعلم ؟

باب حصر اجلزئي وإحلاقه بالكلي

ظيم له جنسا بعد حصر أقسام األنواع منه واألجناس كقوله وهو أن يأيت املتكلم إىل نوع ما فيجعله بالتعاآلية فإنه سبحانه متدح بأنه يعلم ما " وعنده مفاتح الغيب ال يعلمها إال هو ويعلم ما يف الرب والبحر " تعاىل

يف الرب والبحر من أصناف احليوان والنبات واجلماد حاصرا جلرئيات املولدات ورأى أن االقتصار على ذلك ال يكمل به التمدح، الحتمال أن يظن ضعيف أنه يعلم الكليات دون اجلزئيات، فإن املولدات وإن كانت جزئيات بالنسبة إىل مجلة العامل فكل واحد منها كلي بالنسبة إىل ما حتته من األجناس واألنواع واألصناف،

يشاركه فيه من خملوقاته كل وعلم أن علم ذلك" وما تسقط من ورقة إال يعلمها " فقال لكمال التمدح مث أحلق هذه اجلزئيات بعد " وال حبة يف ظلمات األرض : " ذي إدراك، فتمدح مبا ال يشارك فيه، فقال

ألن مجيع املولدات ال خترج عن هذين القسمني، " وال رطب وال يابس : " حصرها بالكليات حيث قال" إال يف كتاب مبني : " ولدت منها املولدات، مث قالوتنظم إليها األمهات اليت هي العناصر األربع اليت ت

: " إشارة إىل أن علمه بذلك علم من معلومه مقيد يف كتاب مبني فهو يأمن الضالل والنسيان كما قال" عامل الغيب والشهادة : " ومثل هذا التمدح قوله تعاىل" علمها عند ريب يف كتاب ال يضل ريب وال ينسى

: " بعلم الغيب، وعلم أن التمدح بذلك على انفراده ال حيصل به كمال التمدح، فقال فإنه سبحانه ملا متدحألن علم الغيب بالنسبة إلينا علم كلي، وعلم الشهادة بالنسبة إلينا علم باجلزئيات، واالقتصار " والشهادة

علم الشهادة أبلغ، على علم الغيب يوهم بعض الضعفاء أنه ال يعلم من املشاهدات ما يعلمه، فكان التمدح ب .ولذلك شاع االنتقال إليه :وكقول الشاعر طويل

قصارى املطايا أن يلوح هلا القصر... إليك طوى عرض البسيطة جاهل ثالثة أشباه كما اجتمع النسر... وكنت وعزمي يف الظالم وصارمي

ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر... فبشرت آمايل مبلك هو الورى أردت، فإن هذا الشاعر قصد تعظيم املمدوح وتفخيم أمر داره اليت قصده فيها، ومدح يومه والبيت األخري

الذي لقيه فيه، فجعل املمدوح مجيع الورى والدار اليت لقيه فيها الدنيا، واليوم الذي رآه فيه الدهر فجعل من الورى، والدار جزء من اجلزئي كليا بعد حصر أقسام اجلزئي، أما جعله اجلزئي كليا فألن املمدوح جزء

الدنيا، واليوم جزء من الدهر، وأما حصر أقسام اجلزئي فألن العامل عبارة عن أجسام وظروف زمان .وظروف مكان، فقد حصر ذلك

باب املقارنة

وهو أن يقرن الشاعر االستعارة بالتشبيه أو املبالغة، أو غري ذلك من املعاين يف كالمه بوصل خيفي أثره ويدق : " عه، إال عن احلاذق املدمن النظر يف هذه الصناعة ومما جاء من ذلك يف الكتاب العزيز قوله تعاىلموض

فإن هذه اآلية الكرمية اقترن فيها التنكيت بتجنيس " وهم حيملون أوزارهم على ظهورهم أال ساء ما يزرون ح احلمل على الظهور دون الرؤوس والنكتة يف ترجي" على ظهورهم " التغاير، أما التنكيت ففي قوله تعاىل

كون الظهور أقوى للحمل، فأشار هبا سبحانه إىل ثقل األوزار، والتجنيس بني أوزارهم ويزرون، ألن األوىل :اسم، والثانية فعل وأكثر ما يقع ذلك باجلمل الشرطية، كقول إدريس بن اليمان من شعراء املغرب طويل

نزلت نزول الغيث يف البلد احملل... وكنت إذا استنزلت من جانب الرضا وقعت وقوع النار يف احلطب اجلزل... وإن هيج األعداء منك حفيظة

.فإن هذا الشاعر الءم بني االستعارة بقوله يف صدر البيت األول وكنت إذا استنزلت من جانب الرضاأحسن مالءمة، إذ جعل أي مثل نزول الغيث،" : نزلت نزول الغيث : " وبني التشبيه بقوله يف عجز البيت

أول العجز فعال مضارعا للفعل الذي يف الصدر، ومصدر ذلك الفعل هو الذي الءم بني القسمني يف املعىن، فحصل بذلك التالحم اللطيف، واالتصال الدقيق، وقارن بني االستعارة والتشبيه أحسن مقارنة، وكذلك

وقت وقوع النار، فهذا مثال ما اقترنت فيه : ظةفعل يف البيت الثاين حيث قال بعد ذكر هتييج احلفي :االستعارة بالتشبيه، وأما ما اقترنت فيه االستعارة باملبالغة فمثاله قول النابغة الذبياين طويل

وسيف أعريته املنية قاطع... وأنت ربيع ينعش الناس سيبه ه سيفا ألنه متوت به األقران، ويف ضمن فإنه مسى املمدوح ربيعا استعارة لكونه حييا به النبات واحليوان ومسا

كل استعارة منها مبالغة تامة أما األوىل منها فجارية على التحقيق بأن إحياء الربيع أعم من إحياء الكرمي فجعل الكرمي ربيعا مبالغة ممكنة جارية على التحقيق، وأما الثانية فإهنا أبلغ من األوىل حيث جعل سيفا

، فإنه لو عكس حىت جيعله مستعريا للمنية كان ذلك بليغا، واألول أبلغ فقد اقترن يف هذا أعريته املنية قاطعاالبيت املبالغة والتكميل، فإنه ملا فرغ من صدر البيت ورأى نفسه قد مدح ممدوحه مبجرد الكرم وعلم أن

.املدح غري كامل، فكمله بالشجاعة فحصل يف البيت تكميل مقترن باملبالغة :ن ما مسعت يف املقارنة قول أيب متام طويلومن أحس

عدوك فاعلم أنين غري حامد... فإن أنا مل حيمدك عين صاغرا إحدامها يف ظاهره، واألخرى يف باطنه، فوقع يف ظاهره املبالغة مقترنة : فإن هذا البيت وقعت فيه مقارنتان

لغة، وكونه صاغرا تكميل، ويف باطن ، ألن محد العدو مبا" حيمدك عدوك صاغرا : " بالتكميل يف قولهالبيت االفتنان مقترن باإلدماج، إال أن االفتنان فيه مدمج يف املبالغة، وذلك أنه ال يقدر على أن جيعل عدو

املمدوح ميدحه صاغرا إال مبا جييد فيه من املدائح اليت تدعو استجادهتا واستحساهنا كل من يسمعها إىل وهو صغري عند : ق وعدو، فيضطر العدو إىل أن يلهج بتلك املدائح املقولة فيهحفظها واللهج هبا من صدي

ليس بعاقل من يعادي من يقال فيه مثل هذا فيصغر عند نفسه وعند غريه، : نفسه وعند من يسمعها، يقولأحدمها مديح، واآلخر افتخار، : ويهون مقداره، ويف ذلك افتخار للشاعر ومدح للممدوح ،وهذان فنان

ول ظاهر وهو املديح، والثاين باطن وهو االفتخار وحصل بسبب ذلك يف البيت تعليق لطيف، وهو تعليق األصحة مدح الشاعر على مدح عدو املمدوح له صاغرا، فإنه شرط على نفسه أنه ما مل ميدح ممدوحه عدوه

.فهو غري حامد له :ومن أحسن ما مسعت يف ذلك قول متيم بن مقبل طويل

وقد مات شطر الشمس والشطر مدنف... ىت نزعنا عشية لدن غدوة حوهذا مما اقترن فيه اإلرداف باالستعارة، ألنه عرب عن الغروب مبوت شطر الشمس يف أول العجز، واستعار

.للشطر الثاين الدنف يف آخر العجز، وهذا بليغ جدا، حيث أتت املقارنة فيه يف قسم واحد .اإلدماج أهنا يف املعاين، وذانك يف الفنون واملعاين معاوالفرق بني املقارنة والتعليق و

ومن املقارنة ما يقرنه الشاعر من شعره غريه بشعره، وهو عكس اإلبداع واالستعانة، ألن الشاعر يف هذين البابني يقدم شعر نفسه على شعر غريه ويف املقارنة يقدم شعر غريه على شعر نفسه، كما قال الرشيد هارون

وللخليفة بعده وللمحب إذا ما حبيبه بات عنده، : أجز وابده، امللك هللا وحده، فقال اجلماز: يوماللجماز .وهذا شاهد القسم الثاين منها

ومن املقارنة ما يقرنه الشاعر من شعر نفسه فيكون يف فن، فإذا قرن البيت بآخر صار من فن غريه، وقد اب اهلجاء يف معرض املدح، وهو الذي قاله بعض الشعراء جاء من شواهد هذا القسم ما استشهدنا به يف ب

:يف بعض األشراف وافر ومهما قال فاحلسن اجلميل... له حق وليس عليه حق

عليه لغريه وهو الرسول... وقد كان الرسول يرى حقوقا نة والتعليق فإن البيت األول مدح حمض، فلما اقترن بالثاين صار هجوا حبتا، وهذا أوضح فرق بني املقار

.واإلدماج

باب املناقضة

ممكن ومستحيل، ومراد املتكلم املستحيل دون املمكن، ليؤثر التعليق عدم : وهو تعليق الشرط على نقيضنيوقوع املشروط، فكأن املتكلم ناقض نفسه يف الظاهر، إذ شرط وقوع أمر بوقوع نقيضني، ومثال ذلك قول

:النابغة الذبياين وافر إذا ما شبت أو شاب الغراب... لم أو تناهى وإنك سوف حت

فإن تعليقه وقوع حلم املخاطب على شيبه ممكن، وعلى شيب الغراب مستحيل، ومراده الثاين ال األول، .إنك ال حتلم أبدا: ألن مقصوده أن يقول

ابه ليس فيه والفرق بينه وبني نفي الشيء بإجيابه أن هذا الباب ليس فيه نفي وال إجياب، ونفي الشيء بإجي .شرط وال معناه

ومن املناقضة نوع آخر يرجع أصله إىل األول، وهو أن يأيت يف لفظ الوعد ما يدل على الوعيد، فيسر إنا : " املخاطب ويسوءه يف وقت واحد، فيتوجه على ذلك اللفظ إشكال يوضحه بعده، كقوله تعاىل

وعد، ووصف كشف العذاب " إنا كاشفوا العذاب : " فقوله سبحانه" كاشفوا العذاب قليال إنكم عائدون بالقلة وعيد، فهو يسر ويسوء يف حالة واحدة، وإمنا وصفه بالقلة املنافية للكرم من أجل أنه علق كشف العذاب بشرط عدم العود إىل موجب العذاب، فاقتضت البالغة أن يقول قليال ليدمج يف دالئل النبوة

لإليضاح واإلخبار بوقوع العود الذي " قليال " ، فريشح بذكر لفظة اإلخبار بالغيب، وهو وقوع العودوالشرط املأخوذ من قوة الكالم هو الذي يرد هذا النوع . اقتضى أن يكون كشف العذاب قليال من أجله

.واهللا أعلم. إىل النوع األول

باب االنفصال

ه، فيأيت بعده مبا ينفصل به عن ذلك إما وهو أن يقول املتكلم كالما يتوجه عليه فيه دخل إذا اقتصر عليوما من دابة يف األرض وال طائر يطري جبناحيه إال أمم أمثالكم : " ظاهرا أو باطنا يظهره التأويل كقوله تعاىل

فإن على ظاهر هذه اآلية حصل من جهة أن الطائر " ما فرطنا يف الكتاب من شيء مث إىل رهبم حيشرون وما من : " خبار بذلك عريا عن الفائدة، واالنفصال عن ذلك هو أنه سبحانه ملا قاليطري جبناحيه، فيكون اإل

" يطري جبناحيه " يف السماء أو يف اجلو " وال طائر " أوجبت البالغة أن يردف ذلك بقوله " دابة يف األرض مري، وال سبيل إىل فأراد اإلجياز، فوجب أن حيذف إحدى اجلملتني إما يف السماء أو يطري وما فيها من الض

حذف الفعل، ألنه الذي يتعلق به اجلار واجملرور الذي مير جبناحيه وذكره مطلوب يف اآلية، ألن ذكر اجلناح يفصل صاحبه من اهلمج الذي يظهر وهو خيال أنه يطري كالنمل واجلعالن وغري ذلك، ألن هذا الصنف قد

حة التقسيم، ألنه سبحانه ملا استوعب كل ما ذكر يف صنف ما دب ودرج يف األرض، واآلية قصد هبا صيدب على األرض يف صدرها أراد اإلتيان مبا يعم الذي يطري يف اجلو، وال يطري يف اجلو إال طائر، وال يسمى طائرا إال إذا طار جبناحني، وال تسمى آلة الطريان جناحا إال إذا كانت ذات قصب وريش وأباهر وخوايف

بعد ذكر الدواب موضح ملا أراد من صحة التقسيم، ولفظة طائر " وال طائر : " وقوادم، فقوله سبحانهرشحت لفظة يطري جمليئها بعدها، ولفظة يطري رشحت اإلتيان بلفظة اجلناحني، فحصل من جمموع ذلك

.االنفصال عن الدخل املتوجه على ظاهر اآلية، واهللا أعلم :وكقول أيب فراس جمزوء الرمل

ت من الناس تعد... ن كن؟ يف حرام الناس إ س إذا راك يصد - ؟ولقد نبيت إبلي؟

ثقل فيك وبرد... ليس من تقوى ولكن

فإن أبا فراس لو اقتصر على البيت الثاين لكان اهلجاء فيه غري خملص، وكان يتوجه دخل بسبب احتمال .ثالبيت للمدح، واإلتيان به يف معرض اهلجو، فانفصل عن هذا الدخل بالبيت الثال

والفرق بينه وبني االحتراس عموم االحتراس وخصوص هذا الباب، ألن البيت املدخول من هذا الباب يكون الدخل املتوجه عليه من جهة كونه صاحلا لضدين من الفنون، وهو يف سياق أبيات مقصودة يف فن

.واحد منهما، واالحتراس يكون بيته مدخوال من هذا الوجه وغريه، واهللا أعلم ؟

باب اإلبداع

وهو أن تكون مفردات كلمات البيت من الشعر، أو الفصل من النثر، أو اجلملة املفيدة، متضمنة بديعا حبيث تأيت يف البيت الواحد والقرينة الواحدة عدة ضروب من البديع حبسب عدد كلماته أو مجلته، ورمبا

ىت مل تكن كل كلمة هبذه املثابة فليس كان يف الكلمة الواحدة املفردة ضربان فصاعدا من البديع، وم: بإبداع، وما رأيت يف مجيع ما استقريت من الكالم املنثور والشعر املوزون كآية كرمية من كتاب اهللا تعاىل

وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا مساء : " استخرجت منها إحدا وعشرين ضربا من احملاسن، وهي قوله تعاىلوهي املناسبة التامة بني " . ر واستوت على اجلودي وقيل بعدا للقوم الظاملني أقلعي وغيض املاء وقضي األم

فإن املراد واهللا أعلم يا مطر " يا مساء " أقلعي وابلعي، واملطابقة بذكر األرض والسماء، واجملاز يف قوله عرب هباتني اللفظتني عن فإنه" وغيض املاء " ، واإلشارة يف قوله تعاىل " أقلعي " السماء، واالستعارة يف قوله

فإنه عرب عن هالك اهلالكني وجناة الناجني بلفظ فيه بعد " وقضي األمر " معان كثرية، والتمثيل يف قوله تعاىل فإنه عرب عن استقرارها " واستوت على اجلودي : " عن لفظ املعىن املوضوع له، واإلرداف يف قوله تعاىل

ال زيغ فيه وال ميل، بلفظ قريب من لفظ املعىن، والتعليل، ألن غيض هبذا املكان، وجلوسها جلوسا متمكنااملاء علة االستواء، وصحة التقسيم إذ استوعب سبحانه أقسام أحوال املاء حالة نقصه، إذ ليس إال احتباس

واالحتراس يف قوله . ماء السماء، واحتقان املاء الذي ينبع من األرض، وغيض املاء احلاصل على ظهرهاإذ الدعاء يشعر بأهنم مستحقوا اهلالك احتراسا من ضعيف يتوهم أن " وقيل بعدا للقوم الظاملني : " اىلتع

اهلالك لعمومه رمبا مشل من يستحق ومن ال يستحق فتأكد بالدعاء على اهلالكني لكوهنم مستحقني ذلك، : ية املتقدمة عليها، حيث قال تعاىلواإليضاح يف قوله للقوم ليتبني هلم أن القوم هم الذين سبق ذكرهم يف اآل

وال ختاطبين يف الذين ظلموا إهنم مغرقون " ويف قوله قبل ذلك " وكلما مر عليه مأل من قومه سخروا منه "

فأتى سبحانه يف آخر هذا اآلية بلفظة القوم اليت األلف والالم فيها للعهد ليبني أهنم القوم الذين سبق " وصفهم يف أول الكالم بالظلم، وذلك مما يوضح املعىن ويبينه، فعلم أن لفظة ذكرهم ووصفهم بالظلم كما

القوم هاهنا ليست فضلة يف الكالم، وأهنا حيصل بسقوطها لبس يف املعىن، وعدم بيان الكالم حمتاج له، ض واملساواة، ألن لفظ اآلية ال يزيد على معناها، وحسن النسق ألنه سبحانه عطف القضايا بعضها على بع

حبسن ترتيب حسبما ما وقعت وائتالف اللفظ مع املعىن، ألن كل لفظة ال يصلح موضعها غريها، واإلجياز ألنه سبحانه اقتص القصة بلفظها مستوعبة حبيث مل خيل منها بشيء يف أخصر عبارة، والتسهيم، ألن أول

ظ موصوفة بصفات احلسن كل أقلعي يقتضي آخرها، والتهذيب، ألن مفردات األلفا: اآلية إىل قوله تعاىللفظة مسحة سهلة، خمارج احلروف عليها رونق الفصاحة، مع اخللو عن البشاعة والتركيب، سليمة من

التعقيد وأسبابه، والتقدمي والتأخري واحلذف املخل والزيادة املسهبة وحسن البيان من جهة أن السامع ال هذا النظام، والتمكني، ألن الفاصلة مستقرة يف يتوقف يف فهم معىن الكالم، وال يشكل عليه شيء من

قرارها، مطمئنة يف مكاهنا، غري قلقة وال مستدعاة، واالنسجام، وهو حتدر الكالم بسهولة كما ينسجم املاء وينساب انسياب العليل من اهلواء، وما يف جمموع اآلية من اإلبداع وهو الذي مسى به هذا الباب من أن

ن يستخرج منها ضرب أو ضربان من البديع، فهذه آية عدة ألفاظها سبع عشرة كل لفظة ال ختلو عن ألفظة تتضمن إحدا وعشرين ضربا من البديع غري ما يتعدد من ضروهبا، فإن االستعارة وقعت منها يف

" ويا مساء" واجملاز يف مكانني، يف قوله سبحانه . ومها استعارة االبتالع لألرض، واإلقالع للسماء: موضعنيجماز باحلذف، وجماز بالتغيري، وقد وقعا معا فانظر رمحك : ويف اإلشارة والتمثيل واإلرداف ألن اجملاز جمازان

اهللا إىل عظمة هذا الكالم، لتعلم ما انطوى عليه نظمه، وما تضمنه لفظه، وقد وقع يل بيت من قصيدة :ضروب البديع، وهو طويلأشرفية وقع فيه ستة عشر ضربا من البديع بعد ما تكرر فيه من

حيا من حياء منك والتطم البحر... فضحت احليا والبحر جودا فقد بكى ال؟

يف افتضاح احلياة، وبكائه، وحيائه، واملبالغة إذ جعلت املمدوح : فاتفقت فيه االستعارة يف ثالثة مواضع، واإلغراق ملا يف مجلة " منك من حياء " وقويل " جودا " يفضح احليا والبحر جبوده، والتفسري يف قويل

القافية من زيادة املبالغة، والترشيح بذكر االستعارة األوىل لالستعارة الثانية، والتجنيس بني احليا واحليا، التورية يف قويل والتطم البحر والترشيح للتورية بذكر البكاء، فإن ذكره هو الذي يرشح للتورية، وصحة

ن يضرب هبما املثل يف اجلود، إذ ال ثالث هلما، والتصدير يف كون البحر التقسيم يف حصر القسمني اللذيمذكورا يف صدر البيت، وهو قافية، والتعليل يف كون العلة يف بكاء احليا والتطام البحر فضيحتهما جبوده،

والتسهيم يف كون صدر البيت عطف بعضها على بعض بأصح ترتيب، واإلرداف، ألين عربت عن هناية بفضوح احليا والبحر، والتمثيل يف كوين عربت عن عظم اجلود ببكاء احليا من احلياء والتطام البحر، جوده

فهذا ما يف تفاصيل البيت وأما ما يف مجلته، فاملساواة، لكون لفظه قالبا ملعناه، وائتالف لفظه مع معناه يف حيصل فيه من تعقيد السبك والتقدمي كون ألفاظ البيت مالئمة خمتارة، ال يصلح موضع كل لفظة غريها، ومل

واإلبداع هذا بابه، لكون كل لفظة من مفرداته تتضمن نوعا . وأسبابه وسوء اجلوار ما يوجب له االستثقال

أو نوعني من البديع، فقد حصل فيه ستة عشر ضربا من البديع، وتكررت االستعارة فيه يف ثالثة مواضع، . موضعني، وهو ثنتا عشرة لفظة، واهللا عز وجل أعلموالترشيح يف موضعني، والتفسري يف

؟

باب حسن اخلامتة

جيب على الشاعر والناثر أن خيتما كالمهما بأحسن خامتة، فإهنا آخر ما يبقى يف األمساع، وألهنا رمبا حفظت من دون سائر الكالم يف غالب األحوال فيجب أن جيتهد يف رشاقتها ونضجها وحالوهتا وجزالتها، وقد

رأيت القاضي الفاضل عبد الرحيم رمحه اهللا تعاىل كثريا ما كان حيترز يف ذلك ويتوخاه، فيأيت منه بكل نكتة ترقص هلا القلوب، وتغىن عن النسيب يف احملبوب، فمن ذلك خامتة كتاب أجاب به القاضي السعيد بن سناء

ائعه ويؤمننا دثور الفكر بروائعه، وال وهذا القاضي مسؤول يف أن يتخولنا ببد: امللك رمحه اهللا حيث قاليضن علينا مبا هو سهل عليه من منافعه وإال دخل فيمن منع املاعون، وخرج من الذين هم ألمانات الفضيلة

.وعهدها راعونوقوله يف خامتة رسالة كتبها للملك الناصر صالح الدين رمحه اهللا تعاىل يف حق أوالد ابن أيب اليسر، وقد

وت أبيهم، فخلع عليهم ، فأعلموا الفاضل بذلك، وسألوه كتابا إليه على يدهم بالوصية قصدوه بعد معليهم، واإلذن هلم يف تقبيل يده، فقال يف آخره، وإن يبسط هلم وجهه الكرمي عند مثوهلم وسالمهم، لينزع

لة الدهران جىن بشره حداد احلزن عن قلوهبم كما نزع بره حداد املآمت عن أجسامهم؟ ال زال موالنا عاقعلى أوليائه وداهم وال عدموه منعما إن سألوه أعطاهم، وإن مل يسألوه بدأهم، واملتقدم يف مجيع فنون

البالغة، وخصوصا هذا النوع منها على بلغاء البدو واحلضر، بل على مجيع فصحاء البشر، حاشا رسول اهللا لسالم، فمن خوامت كالمه قوله يف آخر جواب صلى اهللا عليه وسلم، ابن عمه علي بن أيب طالب عليه ا

مث ذكرت أن ليس يل وألصحايب عندك إال السيف، فلقد أضحكت بعد استعبار، مىت : أجاب به معاويةألفيت بين عبد املطلب من األعداء ناكلني، وبالسيوف خموفني، لبث قليال يلحق اهليجا محل فسيطلبك من

قل حنوك جبحفل من املهاجرين واألنصار والتابعني هلم بإحسان، تطلب، ويقرب منك ما تستبعد، وإين مرشديد زحامهم، ساطع قتامهم متسربلني سرابيل املوت، أحب اللقاء إليهم لقاء رهبم، قد صحبتهم ذرية

" .وما هي من الظاملني ببعيد " بدرية، وسيوف هامشية، عرفت مواقع نضاهلا يف أخيك وخالك وجدك، يف الشعر فقليل يف أشعار املتقدمني، وأكثر ما عين بذلك احملدثون، فمن اجمليدين يف ذلك وأما حسن اخلامتة

:أبو نواس، حيث قال يف خامتة قصيدة مدح هبا األمني كامل وتقاعست عن يومك األيام... فبقيت للعلم الذي هتدى به

:وكقوله يف خامتة قصيدة مدح هبا اخلصيب عامل مصر كامل فتدفقا فكالكما حبر... مصر أنت اخلصيب وهذه

شيئا فما لكما به عذر... ال تعقدا يب عن مدى أملي

أال حيل بساحيت فقر... وحيق يل إذ صرت بينكما :وكقوله فيه طويل

وأنت مبا أملت منك جدير... وإين جدير إذ بلغتك بالغىن وإال فإين عاذر وشكور... فإن تولين منك اجلميل فأهله

:اس بن الفضل بن الربيع طويلوكقوله للعب أخاف عليها شامتا فأدراي... إليك غدت يب حاجة مل أبح هبا

سترت به قدما على عواري... فأرخ عليها ستر معروفك الذي وكقول أيب متام يف خامتة القصيدة اليت ذكر فيها فتح عمورية بسيط

ضبموصولة وذمام غري منق... إن كان بني ليايل الدهر من رحم وبني أيام بدر أقرب النسب... فبني أيامك الاليت نصرت هبا

صفر الوجوه وجلت أوجه العرب... أبقت بين األصفر املمراض كامسهم :وكقوله يف خامتة قصيدة اعتذر هبا إىل ابن اهليثم كامل

قمر الدجى إين إذا للئيم... أأقنع املعروف وهو كأنه ناقه ومن الوفاء عدميأع... مثر من املال الذي ملكتين

قبلي فىت ومها الغىن واللوم... فأروح يف بردين مل يلبسهما :وكقوله يف قصيدة استعطف هبا ابن الزيات طويل

بنا ظمأ برح وأنتم مناهل... أكابرنا عطفا علينا فإننا :وكقوله يف خامتة قصدية اعتذر فيها إىل موسى بن إبراهيم الرافقي طويل

على خطاء مين فعذري على عمد... أوتك هفوة فإن يك ذنب عن وكقوله يف خامتة قصيدة خماطبا مالك بن طوق بسيط

دياركم وهي تدعي زهرة النعم... ال توقظوا الشر عن قوم فقد غنيت من يتهم فهو فيكم غري متهم... هذا ابن خالكم يهدي نصيحته

:ت وافروكقول أيب الطيب املتنيب يف خامتة قصيدة من السيفيا وال ذاقت لك الدنيا فراقا... فال حطت لك اهليجاء سرجا

وكقوله يف خامتة أخرى من السيفيات بسيط يعاجل النصر يف مستأخر األجل... ال زلت تضرب من عاداك عن عرض

وكقوله أيضا لسيف الدولة وقد ذكر اخليل بسيط لوال وصلت هبا إال إىل أم... فال مهمت هبا إال على ظفر

:وكقوله فيه أيضا طويل من العيش تعطي من تشاء وحترم... أخذت على األرواح كل ثنية

وال رزق إال من ميينك يقسم... فال موت إال من سنانك يتقى :وكقوله يف خامتة القصيدة اليت هنأ هبا أبا وائل خبالصه من األسر متقارب

وأخدع من كفة احلابل... فذي الدار أغدر من مومس وال حيصلون على طائل... فاىن الرجال على حبها ت

:وقوله يف خامتة قصيدة ودع هبا ابن العميد طويل أخلف قليب عند من فضله عندي... فجد يل بقلب إن رحلت فإنين لقلت أصابت غري مذمومة العهد... فلو فارقت جسمي إليك حياته

لكمال، ألهنا بني أدعية ووصايا وفرائض، وحتميد ومجيع خوامت السور الفرقانية يف غاية احلسن وهناية اوهتليل، إىل غري ذلك من اخلوامت اليت ال يبقى يف النفوس بعدها تطلع وال تشوف إىل ما يقال، كالدعاء الذي

ختمت به سورة البقرة، والوصايا اليت ختمت هبا آل عمران، والفرائض اليت ختمت هبا النساء، والتبجيل ت هبما املائدة، والوعد والوعيد الذي ختمت هبما، األنعام، والتحريض على العبادة والتعظيم الذي ختم

بوصف حال املالئكة اليت ختمت به األعراف، واحلض على اجلهاد وصلة األرحام اللذين ختمت هبما األنفال، ووصف الرسول صلى اهللا عليه وسلم ومدحه واالعتداد على األمم به، ووسيلته ووصيته،

يل، الذي ختمت به براءة وتسليته عليه السالم اليت ختمت هبا سورة يونس، ومثلها خامتة هود، والتهلووصف القرآن ومدحه الذي ختمت هبا سورة يونس، ومثلها خامتة هود، ووصف القرآن ومدحه الذي

ختمت به يوسف، والرد على من كذب الرسول صلى اهللا عليه وسلم الذي ختمت به الرعد، ومدح آن وذكر فائدته والعلة يف إنزاله الذي ختمت به إبراهيم، ووصية الرسول اليت ختمت هبا احلجر، القر

وتسلية الرسول عليه السالم وطمأنينته ووعد اهللا سبحانه الذي ختمت به النحل، والتحميد الذي ختمت مر بالتوحيد الذي به سبحان وحتضيض الرسول صلى اهللا عليه وسلم على اإلبالغ واإلقرار بالبشرية واأل

ختمت به الكهف، وقد أتيت على نصف القرآن ليكون مثاال ملن نظر يف بقيته ومل أطل بالبقية لكثرة سور .النصف األخري واهللا أعلم

هذا آخر األبواب اليت استنبطها، وهي ثالثون بابا، وهبا تكملت عدة أبواب الكتاب مائة وواحد وعشرون التوارد، بعد ما حذفت من أبواب ليس فيها للمتقدمني سوى األمساء ومسمياهتا بابا سليمة من التداخل و

متداخلة يف غريها، ومن أأنعم النظر يف الكتب اليت نظرت فيها ودقق الفكر يف كتايب، وقع على صحة ما قويل ذكرت، فرحم اهللا من نظر فيه، وسد ما جيده من اخللل، واغتفر ما يقع عليه من السهو الزلل، وعمل ب

:سريع يعلم أن الكامل اهللا... ما أحسن اإلغضاء من منصف

بفضل عفو عند رؤياه... إن أبصرت عيناك عيبا فجد كنت قد سودت من هذا الكتاب نسخة قبل هذا النسخة خمتصرة جدا حسبما ما : قال صاحب الكتاب

م الكاتب، وفقه اهللا تعاىل، فلما رسم يل من ألفته له، ورسم أن يبيضها الفاضل ضياء الدين موسى بن مله

بيضها تفضل وكتب يف آخرها بسيط مثال له يف مبانيه ومعناه... هذا كتاب بديع ما رأى أحد

وزادنا مجال عما مسعناه... حوى تصانيف هذا العلم أمجعها ذا الفن أمجع أقصاه وأدناه... ال تعجبوا من لطيف احلجم قام به؟

ومل يزيد قدرها عما عهدناه... التقفت فقد رأيتم عصا موسى كملقد عجبت من غفلة السابقني إىل هذا العلم عما اهتدى إليه هذا املصنف، وكيف مروا معرضني عما

استخرج من درر هذا املؤلف، وصفوا صورة جواد وتركوا وصف سبق، وشببوا بظيب وأضربوا عن حسن ، باإلطناب يف تشبيه رعده وبرقه، فذكر ما نسوه، عينيه وعنقه، واشتغلوا عن محد الغيث، وشكر ودقه

وكمل ما نقصوه ال جرم أنه سبق أوهلم، وأصبح أفضلهم وكل هذا بسعادة من صنف ألجله كتابه، وقصد به بابه وجنابه، فإن سعادته ترد اآلجن عذبا، واليابس رطبا، وتنشر موتى اإلمالق قبل املعاد، وتغري امسي

، ومهته تنظر من أعلى العلو إىل الشمس، وقدرته تكاد ترد املاضي وتصري اليوم شر وظلوم بسعدي وسعادأمس، ال زال بابه مقصودا، وقاصده حمسودا، والقدر من أعوانه معدودا، وإن كان القدر هبذا القدر

.مسعودا .مت الكتاب حبمد اهللا تعاىل وحسن توفيقه، وصلى اهللا على حممد وآله وصحبه وسلم

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي