567
http://www.ShiaOnlineLibrary.com ﺭﻳﺎﺽ ﺍﻟﺴﺎﻟﻜﻴﻦ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺳﻴﺪ ﺍﻟﺴﺎﺟﺪﻳﻦ() ٣ : ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻟﺴﺪﻱ ﻋﻠﻲ ﺧﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﺍﻟﺸﻴﺮﺍﺯﻱ

Riyaz Al-Salikeen

Embed Size (px)

DESCRIPTION

interpretation of Sahifa e Sajjadiya

Citation preview

Page 1: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

رياض السالكينفي شرح صحيفةسيد الساجدين

(ع)الجزء: ٣

السدي علي خان المدني الشيرازي

Page 2: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الكتاب: رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (ع)المؤلف: السدي علي خان المدني الشيرازي

الجزء: ٣الوفاة: ١١٢٠

المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العامتحقيق: السيد محسن الحسيني األميني

الطبعة: الرابعةسنة الطبع: محرم الحرام ١٤١٥

المطبعة:الناشر:ردمك:

المصدر:مالحظات:

Page 3: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الفهرستالصفحة العنوان٨ خطبة وديباجة الروضة الثالثة عشرة٤٥ خطبة وديباجة الروضة الرابعة عشرة٧٧ خطبة وديباجة الروضة الخامسة عشرة١٤٦ في أن عفوه تعالى أحب إليه من عقوبته٢٣٠ خطبة وديباجة الروضة التاسعة عشرة٣٣٣ في بيان معنى الهجران والقطيعة٢٢٠ خطبة وديباجة الروضة الثامنة عشرة٣٢٦ تنبيهات: في إضافة مدخول «من» إلى فقرات من الدعاء٤٧٦ في معنى قوله عليه السالم: «واشغل بطاعتك نفسي»٤٩٧ طلب األمور في عافية٤٩٤ خطبة وديباجة الروضة الثانية والعشرين٣ الروضة الثالثة عشرة٥ نص الدعاء الثالث عشر في طلب الحوائج إلى الله تعالى٩ في بيان معنى الحوائج١٢ في أن الممكنات زوج تركيبي والكامل المطلق هو الله سبحانه١٤ المعنى اللغوي والشرعي للبيع١٥ في بيان معنى االمتنان١٦ في معنى اإلفناء١٧ في بيان معنى الوسائل١٨ في معنى االنقطاع١٩ في بيان معنى الغناء٢٠ في معنى المظنة٢٣ في بيان معنى «قصر عنها جهدي»٢٤ كشف الغموض عن نسبة الخطأ والزلة للمعصوم (ع)٢٧ في معنى االنتباه والغفلة٣٠ إطالق الكرم على الجود٣٢ معنى قوله عليه السالم: «ويدك بالعطايا أعلى من كل يد»٣٣ استعمال «حمل» في المعاني٣٤ نسبة السماع إلى الله سبحانه وكيفية توجيهه٣٦ في معنى «حسن التقدير»٣٧ في أن الواسع من أسمائه تعالى٣٩ معنى السجود والحكمة من اختتام الدعاء فيه٤١ الروضة الرابعة عشرة

Page 4: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

٤٣ نص الدعاء الرابع عشر إذا اعتدي عليه٤٧ معنى قوله تعالى: «فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم»٤٨ معنى األنباء٥٢ في بيان معنى الحد٥٢ في بيان معنى قوله عليه السالم: «وعجزا عما يناويه»٥٤ معنى قوله تعالى: «فانكحوا ما طاب لكم من النساء»٥٥ في معنى التسويغ٥٧ في معنى الصنيعة٥٩ حصر الشكوى إلى الله تعالى دون الخلق٦٠ في معنى الفتنة٦١ القنوط من إنصاف الله تعالى كفر٦٣ ما توعد الله به الظالمين٦٥ تنبيهان:٦٥ األول: رضاء العبد بما يكره٦٦ الثاني: الرضا بالشيء ال ينافي الدعاء٦٧ في بيان معنى الخيرة٦٨ في معنى الخصم٦٩ إطالق الرغبة على الشره والحرص٧٠ في أن معنى القلب: العقل٧١ في معنى: «وأنت على كل شئ قدير»٧٣ الروضة الخامسة عشرة٧٥ نص الدعاء الخامس عشر إذا مرض أو نزل به كرب وبلية٧٩ في معنى المرض والبلية٨٠ ترادف البدن والجسد بمعنى واحد٨٢ في بيان معنى طيبات الرزق٨٣ معنى قوله تعالى: «فإذا قضيت الصالة فانتشروا...»٨٤ في بيان معنى التمحيص٨٧ في معنى التخفيف٨٩ في معنى قديم النعمة٩٠ بيان معنى قوله عليه السالم «ما كتبه لي الكاتبان من زكي األعمال»٩١ معنى التفكر٩٢ معنى الصنيعة٩٤ معنى حالوة العافية٩٥ في بيان معنى برد السالمة٩٦ اإلحسان من الله تفضل٩٧ فوائد تحقق اسم «الوهاب» في النفس٩٩ الروضة السادسة عشرة

Page 5: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

١٠١ نص الدعاء السادس عشر إذا استقال من ذنوبه١٠٦ خطبة وديباجة الروضة السادسة عشرة١٠٧ في بيان معنى االستقالة١٠٨ في معنى الرحمة١٠٩ في معنى الخاطئون١١٠ نسبة الوجود إلى جوده سبحانه١١١ في معنى اتساع رحمته تعالى لكل شئ١١٣ في أن عفوه تعالى يغلب على الذنوب١١٧ ان الله سبحانه هو الغني المطلق١١٨ الشفاعة عند المعتزلة١٢٠ في بيان معنى لبيك وسعديك١٢١ في معنى قوله تعالى: «ثم ارجع البصر كرتين»١٢٢ في معنى قوله عليه السالم: «انا الذي أوقرت الخطايا ظهره»١٢٤ في معنى أهل١٢٥ معنى البكاء١٢٧ تعريف التوكل١٢٩ معنى وصف نفسه تعالى١٣٠ إيراد المحقق الطوسي في الخوف والخشية١٣٢ ما قاله العارفون في الهيبة١٣٥ معنى العائبة١٣٦ معنى السواة١٣٧ في معنى الحسد١٣٩ في معنى الرشد١٤٠ في معنى الشكر١٤١ في بيان معنى الدعوة١٤٣ الغاية من وجود الخلق١٤٤ استعمال سبحان في مقام التعجب١٤٥ في معنى األناة١٤٧ في بيان معنى اآلثار١٤٨ بحث في التفضيل١٥١ في بيان معنى التوبيخ١٥٢ هداية: إن توبيخ النفس باب من أبواب المرابطة١٥٤ في بيان معنى الرق١٥٥ الفرق بين الذنب والخطيئة١٥٦ في معنى االنتحاب١٥٧ في معنى اآلفاق١٥٨ في معنى «استوجب مغفرتك»

Page 6: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

١٦١ في معنى «وطول تضرعي»١٦٢ العصمة فيض إلهي١٦٣ في بيان معنى المغفرة١٦٤ في بيان معنى البشرى١٦٦ في بيان معنى اآليات١٦٩ الروضة السابعة عشرة١٧١ نص الدعاء السابع عشر إذا ذكر الشيطان١٧٤ خطبة وديباجة الروضة السابعة عشرة١٧٥ بحث في حقيقة وجود الشياطين وعدمها١٨٧ في بيان معنى نزغات الشيطان١٨٨ في معنى المكائد١٩٠ في معنى الغرور١٩٢ استعانة العبد بالله لطرد الشيطان١٩٣ في معنى الستر١٩٤ في معنى التولية١٩٥ في بيان معنى التقى١٩٧ توصية بعض الصالحين في الحذر من الشيطان١٩٩ في معنى «واشرب قلوبنا»٢٠٠ في بيان معنى الولع٢٠١ إطالق الولد على الذكر واألنثى٢٠٢ في معنى الجار٢٠٣ في معنى الحصن٢٠٥ في بيان معنى «أخلص لك بالوحدانية»٢٠٦ في حقيقة العبودية٢٠٧ في بيان معنى العقدة٢٠٨ في معنى الجند٢٠٩ في بيان معنى النظم٢١٠ في معنى الخاتم٢١١ في معنى السيد٢١٤ في بيان معنى الصالحين٢١٥ االختالف في معنى آمين٢١٧ الروضة الثامنة عشرة٢١٩ نص الدعاء الثامن عشر إذا دفع عنه ما يحذر٢٢١ في معنى الحمد٢٢٣ هداية: ابتالء المؤمن من كرامة الله تعالى به٢٢٥ اختالف المعنى في ظل وبات٢٢٦ في معنى العاقبة

Page 7: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

٢٢٧ الروضة التاسعة عشرة٢٢٩ نص الدعاء التاسع عشر عند االستسقاء٢٣١ في كيفية االستسقاء٢٣٣ في معنى الغيث٢٣٤ في معنى اآلفاق٢٣٥ فائدة إشهاد المالئكة٢٣٧ في بيان معنى النفع٢٣٩ في معنى األقوات٢٤٢ في معنى «أغاث الله الخلق برحمته»٢٤٣ في بيان معنى الممرع٢٤٤ في بيان معنى المهيض٢٤٦ في معنى األنهار٢٤٧ فائدة: اختالف المذاهب في التسعير٢٤٨ في معنى األمصار٢٤٩ في معنى «وتدربه الضرع»٢٥٠ في بيان معنى الظل٢٥٢ في معنى البركات٢٥٣ الروضة العشرون٢٥٥ نص الدعاء العشرين في مكارم األخالق٢٦١ خطبة وديباجة الروضة العشرون٢٦٣ في بيان معنى المكارم٢٦٤ تنبيه: في أن الخلق هل هو غريزي أم كسبي٢٦٦ في تعريف األيمان٢٧٠ تبصرة: اختالف الطوائف في زيادة ونقصان األيمان٢٧٢ تتمة: كالم نفيس لبعض المحققين في االيمان٢٧٤ تنبيه: ان اإلسالم يصدق عليه مجرد اإلقرار باللسان٢٨١ تبصرة: في نية اإلخالص في العمل٢٨٢ إرشاد: قول بعض العارفين في النية٢٨٤ فائدة في أن النطق ال تعلق له بالنية٢٨٦ تبصرة: بطالن العبادة إذا قصد بفعلها تحصيل الثواب٢٨٩ في أن عون الله للعبد بقدر نيته٢٩٠ في معنى: «وصحح بما عندك يقيني»٢٩١ في معنى: «واستصلح بقدرتك ما فسد مني»٢٩٣ في بيان معنى الفتنة٢٩٤ في بيان معنى االبتالء٢٩٦ في بيان معنى العجب٢٩٧ في معنى الخير

Page 8: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

٢٩٩ في بيان معالي األخالق٣٠١ في بيان معنى الفخر٣٠٢ في بيان معنى الدرجة٣٠٧ في معنى الهدى٣٠٨ في معنى الحق٣٠٩ بحث في تعريف الشك٣١٢ تحقيق في اسم المشبه٣١٤ في بيان معنى الدعة٣٢٠ في بيان معنى الشنان٣٢١ في أن أفعال المؤمنين محمولة على الصحة٣٢٣ في معنى األرحام٣٢٤ في معنى المداراة٣٢٥ في معنى األمنة٣٢٨ تقارب المكر والخديعة في المعنى٣٣١ تركب القوة الغضبية مع العقل٣٣٢ في بيان معنى التسديد٣٣٥ في معنى الحلية٣٣٦ تعريف التقوى٣٣٧ تحقيق في ان الفضائل ملكات متوسطة٣٤٠ الفرق بين الغيظ والغضب٣٤٣ في بيان قوله عليه السالم: «وإصالح ذات البين»٣٤٦ في معنى «وإفشاء العارفة وستر العائبة»٣٤٧ في معنى «لين العريكة وخفض الجناح»٣٥٠ في معنى قوله عليه السالم: «وترك التعيير»٣٥٣ في بيان معنى الحق٣٥٤ في بيان معنى استكثار الشر٣٥٨ في بيان معنى ولزوم الجماعة٣٦١ في معنى البدع٣٦٣ في بيان معنى الجعل٣٦٤ الكسل من صفات الجاهل٣٦٥ في معنى سبيله تعالى٣٦٦ معنى الفتنة٣٦٨ في معنى التمني والتظني٣٦٩ التفكر لغة وحقيقة٣٧٢ في بيان معنى الفحش٣٧٤ المعنى العرفي للغيبة٣٧٥ تنبيهات: في تحريم الغيبة وموارد تجويزها

Page 9: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

٣٧٨ في بيان معنى الحمد٣٨٠ تنبيه في تبديل السيئات بالحسنات٣٨٢ في معنى الطغيان٣٨٤ في بيان معنى الهدى٣٨٥ في بيان معنى اإللهام٣٨٦ في ان خيرات الدنيا واآلخرة جمعت تحت لفظة التقوى٣٨٧ في معنى «ووفقني للتي هي أزكى»٣٨٨ في معنى الطريقة المثلى٣٨٩ في معنى االقتصاد٣٩٠ في معنى الرشاد٣٩١ في معنى المرصاد٣٩٤ في بيان معنى الهالك٣٩٥ تعريف الحزن٣٩٦ في معنى العافية٣٩٧ في معنى المئونة٣٩٨ في معنى «وأدر أعني بلطفك»٤٠٠ في بيان معنى الكفاية٤٠١ تعريف الصدق٤٠٢ في معنى الكد٤٠٤ في معنى السرف٤٠٥ في بيان معنى الملكة٤٠٧ في معنى الكسب٤٠٩ في معنى التبعات٤١١ في بيان معنى الوجه٤١٤ ما قيل في المال٤١٦ في معنى قوله عليه السالم: «واسترزق أهل رزقك»٤١٨ أبيات منسوبه إلى أمير المؤمنين وإلى الحسين صلوات الله عليهما٤٢٣ في معنى االفتتان واالبتالء٤٢٤ في معنى العبادة٤٢٥ تعريف الزهد٤٢٦ العلم الواجب معرفته٤٢٧ تحقيق في الورع وأقسامه٤٢٩ في معنى الرجاء٤٣٠ في معنى الحال٤٣١ العناية اإللهية ال تقتضي االنتقام٤٣٢ في بيان معنى السبيل٤٣٦ في معنى «وآتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة»

Page 10: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

٤٣٩ الروضة الحادية والعشرون٤٤١ نص الدعاء الحادي والعشرين إذا أحزنه أمر٤٤٤ خطبة وديباجة الروضة الحادية والعشرون٤٤٥ في معنى الحزن٤٤٦ تنبيه أن الدعاء سبب لزوال الشدائد٤٤٧ في بيان قوله عليه السالم: «يا كافي الفرد الضعيف»٤٤٨ في معنى الوقاية٤٤٩ شرح لبعض الروايات٤٥٠ في معنى الروع٤٥٣ في معنى قوله عليه السالم: «وال يعين اال طالب على مطلوب»٤٥٥ في معنى السبب٤٥٦ ثالث مراتب للفرار إلى الله٤٥٧ في معنى صرف الوجه٤٥٨ في معنى الجسيم٤٦٠ في بيان معنى الناصية٤٦١ في معنى القضاء٤٦٢ الرضا أعم من المحبة٤٦٤ في معنى الداخر٤٦٥ في معنى قوله عليه السالم: «أشهد بذلك على نفسي»٤٦٦ االعتراف لله بقلة الحيلة٤٦٧ في معنى قوله تعالى: «وما ضعفوا وما استكانوا»٤٦٨ الفقر هو الحاجة إلى الله٤٦٩ في معنى الغفلة٤٧٠ في معنى اآليس٤٧١ في معنى السراء والضراء٤٧٣ في معنى الغنى٤٧٤ تعريف الحمد٤٧٥ في معنى اإلشعار٤٧٧ تحقيق في المحبة٤٧٩ تعريف التقوى٤٨٠ في بيان معنى االرتحال٤٨١ معنى شرار الخلق والنهي عن مصاحبتهم٤٨٤ معنى الكافر والفاجر٤٨٧ الشوق إدراك لذة المحبة٤٨٨ في معنى قوله عليه السالم: «إنك على كل شئ قدير»٤٨٩ الروضة الثانية والعشرون٤٩١ نص الدعاء الثاني والعشرين عند الشدة والجهد وتعسر األمور

Page 11: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

٤٩٦ في معنى الكلفة٤٩٨ في معنى الجهد٤٩٩ في معنى البالء والفقر٥٠١ في معنى التجهم٥٠٣ في معنى الحسد٥٠٤ ما قاله أهل العرفان في الرضا٥٠٥ في معنى «أنعم الله عليه»٥٠٦ في معنى االستعاذة بالله٥٠٨ في معنى أحصى٥٠٩ في معنى الجزيل٥١١ في معنى قوله تعالى: «من كان يريد العاجلة»٥١٣ في بيان معنى الغلبة٥١٤ في معنى الفرق والخوف٥١٥ في معنى قوله تعالى: «نورا يمشي به في الناس»٥١٦ في معنى الشبهات٥١٧ إطالق الوعيد على التخويف والتهديد٥١٨ في معنى اللذة٥٢١ في معنى التقصير٥٢٣ في معنى الصدر٥٢٤ تنبيه في ترجي اإلنسان نعمة غيره٥٢٧ في بيان معنى الزلل٥٢٩ في معنى اإليثار٥٣٠ في معنى قوله تعالى: «وإذا آتينا موسى الكتاب والفرقان»٥٣١ في معنى قوله عليه السالم: «حتى يأمن عدوي من ظلمي وجوري»٥٣٢ في السؤال للتوفيق للدعاء٥٣٣ في معنى قوله عليه السالم: «إنك حميد مجيد»

Page 12: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

٤٨٣رياض السالكين

فيشرح صحيفة سيد الساجدين صلوات الله عليه

تأليفالعالمة األريب والفاضل األديب

السيد علي خان الحسيني الحسني المدني الشيرازيقدس سره

١٠٥٢ - ١١٢٠ ه. قالجزء الثالث

مؤسسة النشر اإلسالميالتابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

(١)

Page 13: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

رياض السالكين (ج ٣)في شرح

صحيفة سيد الساجدين (عليه السالم)مؤلف: العالمة األريب السيد علي خان المدني الشيرازي

المحقق: فضيلة السيد محسن الحسيني األمينيالموضوع: معارف إلهيةعدد األجزاء: ٦ أجزاءعدد الصفحات: ٥٩٧

طبع والنشر: مؤسسة النشر اإلسالميالطبعة:

المطبوع:التاريخ:

مؤسسة النشر اإلسالميالتابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

(٢)

Page 14: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الروضة الثالثة عشرة(٣)

Page 15: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

دعاء ١٣وكان من دعائه عليه السالم في طلب الحوائج إلى الله تعالى

اللهم يا منتهى مطلب الحاجات ويا من عنده نيل الطلبات ويا من ال يبيع نعمه باألثمان ويامن ال يكدر عطاياه باالمتنان ويا من يستغنى به وال يستغنى عنه ويا من يرغب إليه واليرغب عنه ويا من ال تفنى خزائنه المسائل ويا من ال تبدل حكمته الوسائل ويا من ال تنقطع

عنه حوائج المحتاجين ويا من ال يعنيه دعاء الداعين تمدحت بالغناء عنخلقك وأنت أهل الغنى عنهم ونسبتهم إلى الفقر وهم أهل الفقر إليك فمن حاول سد خلتهمن عندك ورام صرف الفقر عن نفسه بك فقد طلب حاجته في مظانها وأتى طلبته منوجهها ومن توجه بحاجته إلى أحد من خلقك او جعله سبب نجحها دونك فقد تعرضللحرمان واستحق من عندك فوت اإلحسان اللهم ولى إليك حاجة قد قصر عنها جهديوتقطعت دونها حيلي وسولت لي نفسي رفعها إلى من يرفع حوائجه إليك وال يستغنى فيطلباته عنك وهى زلة من زلل الخاطئين وعثرة من عثرات المذنبين ثم انتبهت بتذكيرك لي

(٥)

Page 16: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

بتسديدك عن عثرتي وقلت بتوفيقك من زلتي ورجعت ونكصت من غفلتي ونهضت سبحان ربي كيف يسأل محتاج محتاجا وأنى يرغب معدم إلى معدم فقصدتك يا إلهيبالرغبة واو فدت عليك رجائي بالثقة بك وعلمت أن كثير ما أسألك يسير في وجدك وأنخطير ما أستوهبك حقير في وسعك وإن كرمك ال يضيق عن سؤال أحد وإن يدك بالعطاياأعلى من كل يد اللهم فصل على محمد وآله واحملني بكرمك على التفضل وال تحملنيبعدلك على االستحقاق فما أنا بأول راغب رغب إليك فأعطيته وهو يستحق المنع والبأول سائل سألك فأفضلت عليه وهو يستوجب الحرمان اللهم صل على محمد وآله وكنلدعائي مجيبا ومن ندائي قريبا ولتضرعي راحما ولصوتي سامعا وال تقطع رجائي عنك والتبت سببي منك وال توجهني في حاجتي هذه وغيرها إلى سواك وتولني ينجح طلبتي وقضاء

حاجتي ونيل سؤلي قبل زوالي عن موقفي هذا بتيسيرك لي العسير وحسن تقديرك لي(٦)

Page 17: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

في جميع األمور وصل على محمد وآله صالة دائمة نامية ال انقطاع ألبدها وال منتهىألمدها واجعل ذلك عونا لي وسببا لنجاح طلبتي إنك واسع كريم ومن حاجتي يا رب كذاوكذا وتذكر حاجتك ثم تسجد وتقول في سجودك فضلك آنسني واحسانك دلني فاسألكبك وبمحمد وآله صلواتك عليهم أن ال تردني خائبا إنك سميع الدعاء قريب مجيب على

كل شىء رقيب نسخه بدل(٧)

Page 18: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

شرح الدعاء الثالث عشروكان من دعائه عليه السالم في طلب الحوائج إلى الله تعالى.

____________________الحوائج: جمع حاجة على غير قياس، حتى أنكرها بعضهم.

قال المبرد في الكامل (١): جمع الحاجة حاج، وتقديره فعلة، كما تقول: هامة وهاموساعة وساع، وأما قولهم في جمع حاجة حوائج فليس من كالم العرب على كثرته على

ألسنة المولدين وال قياس له انتهى.وفي الصحاح: كان األصمعي ينكر جمع حاجة على حوائج ويقول: هو مولد (٢).

وقال الحريري في درة الغواص: يقولون في جمع حاجة حوائج، فيوهمون فيه كما وهمبعض المحدثين في قوله:

فسيان بيت العنكبوت وجوسق رفيع إذا لم تقض فيه الحوائج والصواب أن تجمع في أقلالعدد على حاجات، وفي أكثره على حاج مثل:

هامة وهام (٣) انتهى.وأثبتها أكثر أئمة اللغة كالخليل بن أحمد، وأبي عمرو بن العالء، وابن دريد،

____________________(١) ال يوجد لدينا هذا الكتاب.(٢) الصحاح: ج ١ ص ٣٠٨.

(٣) درة الغواص: ال يوجد لدينا هذا الكتاب، بل وجدنا مفاد قوله في لسان العرب: ج ٢ ص ٢٤٣.

(٩)

Page 19: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________بري، وغيرهم، وابن وابن جني، وابن خالويه والجوهري، السكيت، وابن وسيبويه، وتصدى ابن بري للرد على من أنكرها، وأورد على ثبوتها من الحديث وأشعار العرب

العرباء من الشواهد ما ال مجال للتوقف معه، كقوله عليه السالم:استعينوا على انجاح الحوائج بالكتمان.

وقوله: إن لله عبادا خلقهم لحوائج الناس.وقوله: اطلبوا الحوائج إلى حسان الوجوه (١).

وقوله عليه السالم: التمسوا الحوائج على الفرس الكميت األرثم المحجل الثالث المطلقاليمنى (٢).

قال: فهذا مما جاء من الشواهد النبوية، وروته الثقاة من الرواة المرضية، على صحة هذهاللفظة.

وأما ما جاء من ذلك في أشعار العرب فكثير، كقول األعشى:الناس حول قبابه * أهل الحوائج والمسائل (٣)

وقول الفرزدق:ولي ببالد السند عند أميرها * حوائج جمات وعندي ثوابها (٤)

وأنشد أبو عمرو بن العالء:من عف خف على الوجوه لقاؤه * وأخو الحوائج وجهه مبذول (٥)

____________________(١) اعلم أن الذي ذكره الماتن قدس سره: «وأثبتها أكثر أئمة اللغة إلى آخر الحديث، اطلبوا الحوائج إلى حسانالوجوه». مذكور في لسان العرب: ج ٢ ص ٢٤٣ - ٢٤٤ فراجع. هذا مع العلم بأن الحديث األول مذكور فيعوالي اللئالي: ج ١ ص ٢٨٥ والجامع الصغير: ص ٤٠، والحديث الثاني مذكور في أمالي الطوسي: ج ٢ ص

.٨(٢) مجمع البحرين: مادة - دهم - ج ٦ ص ٦٥، ذكر بعضه.

(٣) و (٤) لسان العرب: ج ٢ ص ٢٤٣.(٥) لسان العرب: ج ٢ ص ٢٤٤ منسوبا إلى ابن األعرابي.

(١٠)

Page 20: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وأنشد الفراء:

نهار المرء أمثل حين يقضى * حوائجه من الليل الطويل (١)وأنشد غير ذلك من أشعارهم الشاهدة على ذلك، ثم قال: فقد وجب ببعض هذا سقوطقول المخالف حين وجبت الحجة عليه، ولم يبق دليل يستند إليه، وأنا اتبع ذلك بأقوال

العلماء ليزداد القول في ذلك إيضاحا وتبيينا (٢).قال الخليل في كتاب العين: خففوا الحاجة من الحائجة، أال تراهم جمعوها على حوائج

(٣)، وكذلك ذكرها عثمان بن جني في كتاب اللمع (٤).أنه قال: حاجة وحائجة وحوجا والجمع حاج وحوائج المهلبي عن ابن دريد وحكى

وحوج (٥).وذكر ابن السكيت في كتابه المعروف باأللفاظ قريبا من آخره باب الحوائج:

يقال في جمع حاجة: حاجات وحاج وحوج وحوائج (٦).وقال سيبويه في كتابه: إنه يقال: تنجز حوائجه واستنجز حوائجه (٧).

وذهب قوم من أهل اللغة إلى أن حوائج يجوز أن يكون جمع حوجاء وقياسها حواجي مثلصحاري، ثم قدمت الياء على الجيم فصارت حوائج، والمقلوب من كالم العرب كثير.وإنما غلط األصمعي في هذه اللفظة حتى جعلها مولدة كونها خارجة عن القياس، ألن ماكان على مثال الحاجة مثل غارة وحارة ال يجمع على غوائر وحوائر، فقطع لذلك على أنها

مولدة غير فصيحة، على أنه حكى الرقاشي____________________

(١) لسان العرب: ج ٢ ص ٢٤٣ من دون نسبة إلى فراء.(٢) اعلم أن الذي ذكره الماتن قدس سره: «من متابعة أقوال العلماء إلى آخر الشرح» مأخوذ من لسان العرب:

ج ٢ ص ٢٤٤ مع اختالف يسير في العبارة.(٣) كتاب العين: ج ٣ ص ٢٩٣ في فصل «راح».

(٤) و (٥) لسان العرب: ج ٢ ص ٢٤٤.(٦) لسان العرب: ج ٢ ص ٢٤٤.

(٧) كتاب سيبويه: ج ٢ ص ٢٨٧.

(١١)

Page 21: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم يا منتهى مطلب الحاجات ويا من عنده نيل الطلبات.____________________

والسجستاني عن عبد الرحمن عن األصمعي أنه رجع عن هذا القول، وإنما هو شئ كانعرض له من غير بحث وال نظر، وهذا هو األشبه به، ألن مثله ال يجهل ذلك إذا كانموجودا في كالم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكالم غيره من العرب الفصحاء، وكأنمن أنكرها لم يمر به إال القول األول المحكي عن األصمعي، دون القول الثاني (١)، ولوأنه سلك مسلك النظر والتسديد، وأضرب عن مذهب التسليم والتقليد، لكان الحق إليه

أقرب من حبل الوريد.منتهى األمر: غايته وهو أقصى ما يمكن أن يبلغه فال يتجاوزه.

والمطلب: يكون مصدرا واسم موضع كما مر، وكونه تعالى منتهى طلب الحاجات يمكنتقريره على وجوه:

أحدها: ما تقرر عند أرباب المعقول من أن كل موجود سوى الله عز وجل فهو ناقص منوجه وفيه قوة، كما أن له كماال وفعلية، إذ كل ممكن فهو زوج تركيبي، فكل موجود فهوألجل شعوره بالوجود الناقص طالب للموجود المطلق الكامل، الذي هو مطلوب ومؤثربالذات أوال وبالذات، ولكل واسطة بينه وبين ذلك الوجود مما هو أعلى منه وأقرب إلىذلك الوجود ثانيا وبالعرض، ألن الوصول إليه ال يمكن إال بوصوله إليها ومروره عليها، إذسلوك طريقه منحصر في ذلك، لما دريت أن الموجودات مترتبة في الصدور بدء وعودا، ماتقدم متقدم وال تأخر متأخر إال بالحق، فكل موجود فهو طالب لما فوقه، فإذا وصل إليهطلب ما هو أعلى منه، وهكذا إلى أن يصل إلى مطلوبه الحقيقي الذي ال أكمل منه وهو اللهسبحانه، وعند ذلك يطمئن ويسكن شوقه وانزعاجه ويشتد عشقه وابتهاجه، فكان سبحانه

منتهى مطلب الحاجات، ولهذه الجملة تفصيل ليس هذا محله.____________________

(١) الى هنا منقول عن لسان العرب: ج ٢ ص ٢٤٤.

(١٢)

Page 22: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الثاني: ما تقرر عند أرباب العرفان من كونه تعالى منتهى مقامات العارفين وغاية أطوارالسالكين وأفكار المتفكرين، فإنهم ال يزالون يترقون من مقام إلى مقام، ومن رتبة إلى رتبة،حتى ينتهوا إلى تلك الحضرة بفنائهم عن ذواتهم واندكاك جبال هوياتهم، فيتلو لسان

حالهم «وأن إلى ربك المنتهى» (١).الثالث: أنه المنتهى إليه في طلب الحاجات عند اليأس من كل مطلوب إليه سواه، فإن

الطالب إذا يئس من المخلوقين في قضاء حاجته انتهى إليه تعالى في طلبها.الحوائج والشدائد كل إليه عند يتأله (٢) الذي السالم: هو المؤمنين عليه أمير وعن مخلوق، عند انقطاع الرجاء من جميع من هو دونه، وتقطع األسباب من كل من سواه

.(٣)الرابع: أن كل مطلوب إليه حاجة سواه، فال بد أن يكون له حاجة يطلبها من غيره، إلى أن

ينتهي الطلب إليه تعالى، وهو الذي يطلب منه الكل ويفتقر إليه وهو الغني الحميد.وعن أمير المؤمنين عليه السالم: أن كل مترئس في هذه الدنيا ومتعظم فيها، وإن عظم غناههذا عليها يقدر ال فإنهم سيحتاجون حوائج إليه، دونه من وطغيانه وكثرت حوائج المتعاظم، وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج ال يقدر عليها، فينقطع إلى الله عند ضرورته

وفاقته (٤)، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.وبالجملة: فهو تعالى غاية كل موجود، ومنتهى كل غاية ومقصود، ومرجع كل مضطر

ومطرود، ال مقصد فوقه والمطلوب وراءه، وال ملجأ إال هو، وال منجى منه إال إليه.

____________________(١) سورة النجم: اآلية ٤٢.

(٢) في (الف وج) يناله.(٣) التوحيد ص ٢٣١، ح ٥.

(٤) لم نعثر عليه.

(١٣)

Page 23: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

ويا من ال يبيع نعمه باألثمان ويا من ال يكدر عطاياه باالمتنان.____________________

قوله عليه السالم: «ويا من عنده نيل الطلبات». نال الشيء يناله نيال - من باب تعب -:أصابه وأدركه.

والطلبات: جمع طلبة بفتح الطاء المهملة وكسر الالم، وهي ما تطلبه من غيرك، وتقديمالظرف للحصر، واأللف والالم في الطلبات الستغراق األفراد، ونيل بعض الطلبات عند غيره

ال يتحقق إال بإذنه وتوفيقه وإعانته، فكان في الحقيقة عنده وصح الحصر.البيع في اللغة: مطلق المبادلة والمعاطاة، وهو إعطاء كل واحد من المتبايعين ما يريده من

المال عوضا عما يأخذ من اآلخر باتفاقهما على ذلك.وفي الشرع: مبادلة المال المتقوم بالمال المتقوم باإليجاب والقبول تمليكا وتملكا.

والمراد به هنا المعنى اللغوي.واألثمان: جمع ثمن محركة وهو العوض.

والباء: للمقابلة نحو اشتريته بألف، وهذا كناية عن أنه سبحانه ال يطلب على نعمه وإحسانهعوضا بوجه من الوجوه، بخالف كل منعم سواه، فإنه طالب بنعمته عوضا، وهو إما الثواباآلجل أو الثناء العاجل، وإما إزالة الرقة الناشئة عن الجنسية، كمن رأى أحدا من بني جنسهالتألم ذلك المذكور بالتخليص مزيل فهو منها، له وخلصه قلبه ورق فتألم بلية، في

له. الحاصل واالنفعال وإما إزالة خسة المال ورذيلة البخل الذي هو من أقبح الخصال وأشنع الرذائل، كمن يفرق

ماله في الناس تكميال لنفسه وتخليصا لها من تلك الرذيلة.والحاصل: إن نعمة المخلوق وعطاءه وإحسانه ليس إال في مقابلة عوض، بخالف نعمه

تعالى فإنها محض تفضل وتطول.قوله عليه السالم: «ويا من ال يكدر عطاياه باالمتنان».

(١٤)

Page 24: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

ويا من يستغنى به وال يستغنى عنه ويا من يرغب إليه وال يرغب عنه.____________________

كدر الماء كدرا - من باب تعب - فهو كدر، وكدر كدورة وكدرا - من بابي صعبوقتل -: زال صفاؤه، ويتعدى بالتضعيف فيقال: كدرته تكديرا.

والعطايا: جمع عطية، وهي ما تعطيه غيرك.واالمتنان: افتعال من المن، وهو إظهار االصطناع واعتداد الصنائع، كأن تقول: ألم أعطككذا؟ ألم أحسن إليك؟ ألم أعنك؟ وهو تقرير وتعيير يكدر المعروف وينغصه، فلهذا نهى

الشارع عنه بقوله: «ال تبطلوا صدقتكم بالمن واألذى» (١). ومن هنا قيل:سيان من منح النائل ومن * ومن منع السائل وظن

والمراد بنفي تكديره تعالى عطاياه باالمتنان نفي االمتنان عنه رأسا، فهو من باب نفي الشيءبنفي الزمه، أي: ال امتنان فال تكدير.

وقد تقدم بيان المبالغة في هذا النوع من النفي فليرجع إليه. ثم لما كان االمتنان بالمعنىالمذكور رذيلة ناشئة عن دناءة النفس وصغر الهمة واستعظام النعمة واإلحسان، كان تعالىمنزها عن االمتنان، ألن كل نعمة من نعمه تعالى وإن عظمت، وكل عطية من عطاياه وإنجلت بالنسبة إلى العبد المعطى والمنعم عليه، فهي حقيرة بالنسبة إلى عظمته جلت قدرته،وشأنه تعالى أجل من أن يكون لها عنده موقع فيمن بها ويعتدها على من أعطاه وأنعم عليه.وقول بعض العلماء: إن المن بالمعنى المذكور صفة مدح للحق سبحانه وإن كان صفة ذم

للمخلوق، ليس بشيء، وعبارة الدعاء تشهد ببطالنه.استغنيت بالشيء: اكتفيت به.

____________________(١) سورة البقرة: اآلية ٢٦٤.

(١٥)

Page 25: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

ويا من ال تفني خزائنه المسائل ويا من ال تبدل حكمته الوسائل.____________________

ورغب إليه: ابتهل وتضرع وسأل.ورغب عنه: كرهه فلم يرده.

ولما كانت أزمة األمور بيده تعالى فال يقع منها شئ إال بايجاده وإذنه، وكان كل من سواهمفتقرا إليه، صح االستغناء به تعالى عن غيره في جميع األمور وكل األحوال، واستحالاالستغناء عنه في سئ منها. ولما كان هو المرغوب إليه دون من عداه، إذ كان هو المعطي

المانع والضار النافع، ال جرم لم يكن من الرغبة إليه بد وال للرغبة عنه مجال.فنى المال يفنى - من باب تعب - فناء: نفد.

ويتعدى بالهمزة، فيقال: أفنيته، والمراد بخزائنه تعالى إما خزائن السماوات واألرض، إذالكل منه وبيده، أو المعقول من سماء جوده وما تحويه قدرته من الخيرات الممكنة.

وإسناد اإلفناء إلى المسائل من باب إسناد الفعل إلى السبب فهو مجاز عقلي، وإنما لم تفنخزائنه المسائل ألن مقدوراته تعالى غير متناهية، وما عنده ال يدخله نقص وال فناء، بل

يدخالن الفاني المحدود.وفي الحديث القدسي: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدواحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي شيئا، إال كما ينقص

المخيط إذا ادخل البحر (١).أي: ال ينقص شيئا، وإنما ضرب المثل بالمخيط والبحر، ألنه وإن كان يرجع بشيء قليلمحسوس، لكن لقلته بالنسبة إلى أعظم المرئيات عيانا ال يرى وال يعد شيئا، فكأنه لم ينقص

منه شئ.____________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي: ج ١٦ ص ١٣٢ - ١٣٣.

(١٦)

Page 26: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قوله عليه السالم: «ويا من ال تبدل حكمته الوسائل» حكمته تعالى. قيل: هي خلق ما فيه

منفعة العباد ورعاية مصالحهم في الحال أو في المال.وقيل: هي علمه تعالى باألشياء على ما هي عليه، واإلتيان باألفعال على ما ينبغي.

وقيل: هي إتقانه وإحكامه في علمه وفعله.والوسائل: جمع وسيلة، وهي ما يتقرب به إلى الشيء، من وسلت إلى الله بالعمل أسل -

من باب وعد -: رغبت وتقربت، وتوسل إلى ربه بوسيلة: تقرب إليه بعمل.والمعنى أن حكمته تعالى إذا اقتضت وقوع أمر أو ال وقوعه، فال بد من تحقق ما اقتضته،

حكمته، وال تغير ذلك الوسائل من األعمال التي يتوسل بها إليه كالدعاء وغيره.وإلى هذا المعنى أشار من قال: إن العلماء بالله ال يتوسلون إلى الله في أن يبدل لهم جريانأحكامه بخالف ما يكرهون، وال ليغير لهم سابق مشيئته ومقتضى حكمته، وال ليحول

عنهم سائر سنته التي قد خلت في عباده من االبتالء واالختبار.فإن قلت: قد ورد أن الدعاء والصدقة يدفعان البالء المقدر.

قلت: دفع ذلك البالء بالدعاء والصدقة منوط بالحكمة اإللهية أيضا، وقد كانت الحكمة فيوقوعه مشروطة بعدم الدعاء والتصدق، فال منافاة.

روى الحميري في قرب اإلسناد عن جعفر عن أبيه عليهما السالم، قال: قيل لرسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله رقى يستشفى بها هل ترد من قدر الله؟ فقال: إنها

من قدر الله (١).____________________

(١) قرب اإلسناد: ص ٤٥.

(١٧)

Page 27: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

ويا من ال تنقطع عنه حوائج المحتاجين ويا من ال يعنيه دعاء الداعين.____________________

وأما ما قاله بعض المعاصرين من أن المعنى أنه إذا توسل أحد بغيره تعالى في قضاء حاجةأو تحصيل رزق، ال يكون ذلك باعثا على تبديل حكمته تعالى بأن يقطع عنه رزقه ويمنع ما

منحه من النعم.للحرمان واستحق من عندك فوت السالم: «فقد تعرض قوله عليه الدعاء من وما في

ينافيه. اإلحسان»، ال فإن هذا يقتضي حرمانه مما توسل ألجله، ولو توسل به تعالى لمنحه وأعطاه، على أنالتعرض واالستحقاق قد ال يقتضيان المنع، فهو بعيد جدا عن ظاهر العبارة كما ال يخفى.

انقطع الشيء: ذهب بعد أن كان.وانقطع كالمه: وقف، وأنقطع الغيث: احتبس، أي: ال تزال حوائج المحتاجين واردة عليه

ومسؤولة من لديه، ال تقف أبدا عن سؤاله وال تحتبس عن طلب نواله.وعني يعنى - من باب تعب -: إذا أصابته مشقة، ويتعدى بالتضعيف، فيقال:

عناه يعنيه إذا كلفه ما يشق عليه، واالسم العناء بالفتح والمد، وقد يعدى بالهمزة أيضافيقال: أعناه يعنيه، نص عليه صاحب القاموس (١) وصاحب المحكم (٢) أيضا.

وأنشد عليه قول أمية:وإني بليلى والديار التي أرى * كالمبتلى المعنى بشوق موكل

وقد وردت الرواية في الدعاء بالوجهين، وفي رواية أخرى يعييه بالمثناة التحتية بعد العينالمهملة، من أعياه األمر إذا أتعبه فأعياه، وهو يستعمل الزما ومتعديا.

____________________(١) القاموس المحيط: ج ٤ ص ٣٦٧.

(٢) المحكم البن سيده: ج ٢ ص ١٧٨.

(١٨)

Page 28: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

تمدحت بالغناء عن خلقك وأنت أهل الغنى عنهم ونسبتهم إلى الفقر وهم أهل الفقر إليك.فمن حاول سد خلته من عندك ورام صرف الفقر عن نفسه بك

____________________والمعنى أن دعاء الداعين على كثرتهم وكثرة مطالبهم ال يشق عليه، أو ال يتعبه فيضجر مندعائهم ويتبرم من سؤالهم، فيوجب ذلك حرمانهم وتخييبهم، أو يعسر عليه إنجاح مأربهممطالبهم وإسعاف مآربهم، ألن المشقة والتعب من لواحق المزاج، والباري تعالى منزه عنه

فيتنزه عن لواحقه.تمدح: على تفعل، أظهر مدح نفسه.

وقال الزمخشري في األساس: العرب تتمدح بالسخاء، وهو يتمدح إلى الناس:يطلب مدحهم (١).

الرواية وردت وقد الحاجة، عدم والقصر: وبالكسر الكفاية، والمد: بالفتح والغناء بالوجهين، وفيه إشارة إلى قوله تعالى: «يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنيالحميد» (٢)، ويجب أن يحمل الغنى هنا على ما هو أعم من الغنى المتعارف، فيراد بهسلب مطلق الحاجة، كما يجب أن يراد بالفقر مطلق الحاجة، إذ حقيقة الغنى هو استقاللالشيء بذاته في كل ماله من غير تعلق له بالغير أصال، وهو بهذا المعنى ال يكون إال للهتعالى، وحقيقة الفقر هو عدم استقالل الشيء بذاته وتعلقه بالغير ولو في شئ، وما هو بهذاالمعنى صفة لكل ممكن، فثبت أنه تعالى غني عن خلقه من كل الوجوه، وتحقق فقرهم إليهمن كل وجه، لما تقرر من أن كل فقير بالذات من وجه ما فهو فقير بالذات من جميع

الوجوه، كما برهن عليه في محله.الفاء: للسببية، أي: فبسبب ذلك من حاول إلى آخره.

وحاول الشيء حواال ومحاولة: رامه وطلبه.____________________

(١) أساس البالغة: ص ٥٨٥.(٢) سورة فاطر: اآلية ١٥.

(١٩)

Page 29: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

فقد طلب حاجته في مظانها وأتى طلبته من وجهها ومن توجه بحاجته إلى أحد من خلقكاو جعله سبب نجحها دونك فقد تعرض للحرمان واستحق من عندك فوت اإلحسان.

____________________وقيل: المحاولة طلب الشيء بحيلة.وسد الثلمة سدا: أصلحها ووثقها.

والخلة بالفتح: الفقر والحاجة، وهي من الخلل بين الشيئين وهو الفرجة.والثلمة: أطلقت على الفقر والحاجة، ألنه ثلمة في حال اإلنسان، وفي الدعاء «اللهم ساد

الخلة» (١) أي: جابرها ومصلحها.ومظان الشيء: جمع مظنة بكسر الظاء المعجمة.

وقال الجوهري (٢): مظنة الشيء موضعه ومألفه الذي يظن كونه فيه، والجمع المظان.وقال الزمخشري في الفائق: المظنة المعلم من ظن بمعنى علم (٣).

وأتيت الشيء من وجهه أي: من جهته التي يؤتى منها، وفي رواية «من وجهتها» وهيبكسر الواو بمعنى الوجه، وتوجه إلى الشيء: أقبل بوجهه عليه.

وتعرض له: تصدى، ومنه تعرضوا لنفحات الله.المنع، من حرمته كذا أحرمه - من باب ضرب - حرمة وحرمانا والحرمان بالكسر:

إياه. بالكسر فيهما: إذا منعته واعلم أنه لما كان له تعالى خزائن السماوات واألرض، وكان أمرها بيده ال معطي وال مانعإال هو، وقد أمر بالدعاء وتكفل باإلجابة، فقال: «ادعوني أستجب لكم (٤)، وحث الخلق

على أن يسألوه ليعطيهم، فقال الله: «واسئلوا الله»____________________(١) النهاية البن األثير: ج ٢ ص ٧٢.

(٢) الصحاح للجوهري: ج ٦ ص ٢١٦٠.(٣) الفائق: ج ٢ ص ٣٨١.(٤) سورة غافر: اآلية ٦٠.

(٢٠)

Page 30: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________«من فضله» (١)، وكانت له القدرة التامة التي ال يعجزها شئ، وكان له الجود الذي البخل فيه والغنى الذي ال فقر معه، ال ينقصه عطاء وال يعزه منع، ال جرم كان من طلببه، طالبا لحاجته من الفقر عن نفسه فاقته من عنده، ورام صرف إصالح خلته وجبر موضعها الذي يعلم أنها فيه، وقصد ما طلبه من جهته التي يقصد منها، فكان حريا بالنجح

لما سأل وجديرا بالظفر بما طلب.وأما من توجه بحاجته إلى أحد من المخلوقين، وأناخ مطايا الرجاء والطلب في ساحة فقيرعاجز مثله، أو جعله سببا لنجاحها والظفر بها، معتمدا عليه دون الله تعالى، فقد تصدىللمنع وفوت اإلحسان منه تعالى، إذ لم يأت حاجته من الوجه الذي ينبغي أن يأتيها منه،ولم يطلبها من محلها الذي هي فيه، ومن التمس الشيء من غير محله وأتاه من غير جهته،لم يظفر إال بالحرمان ولم يحصل إال على خيبة المطلب، وإنما حكم عليه باستحقاق فوتاإلحسان منه تعالى، لعدم استعداده لنفحات الله تعالى بالتوجه إلى غيره واشتغال نفسه

بذلك الغير، وقد ورد في الحديث ما يدل على هذا المعنى صريحا.روى ثقة اإلسالم في الكافي بإسناده عن الحسين بن علوان، قال: كنا في مجلس يطلب فيهالعلم وقد نفدت نفقتي في بعض أسفاري، فقال لي بعض أصحابنا: من تؤمل لما قد نزلبك؟ فقلت: فالنا، فقال: إذن والله ال يسعف حاجتك وال يبلغك أملك وال ينجح طلبتك،قلت: وما علمك رحمك الله؟ قال: إن أبا عبد الله عليه السالم حدثني أنه قرأ في بعضالكتب أن الله تعالى يقول: وعزتي وجاللي ومجدي وارتفاعي على عرشي، ألقطعن أملكل مؤمل غيري باليأس، وألكسونه ثوب المذلة عند الناس، وألنحينه من قربي، وألبعدنه

من فضلي، أيؤمل____________________

(١) سورة النساء: اآلية ٣٢.

(٢١)

Page 31: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________غيري في الشدائد والشدائد بيدي؟ ويرجو غيري ويقرع بالفكر باب غيري وبيدي مفاتيحاألبواب وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني؟ فمن ذا الذي أملني لنوائبه فقطعته دونها؟ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه مني؟ جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلميرضوا بحفظي، ومألت سماواتي ممن ال يمل من تسبيحي وأمرتهم أن ال يغلقوا األبواببيني وبين عبادي فلم يثقوا بقولي، ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي أنه ال يملك كشفهاأحد غيري إال من بعد إذني؟ فما لي أراه الهيا عني؟ أعطيته بجودي ما لم يسألني ثمانتزعته منه فلم يسألني رده وسأل غيري، أفتراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة ثم اسأل فالأجيب سائلي؟ أبخيل أنا فيبخلني عبدي؟ أو ليس الجود والكرم لي؟ أو ليس العفو والرحمةبيدي؟ أو ليس أنا محل اآلمال؟ فمن يقطعها دوني؟ أفال يخشى المؤملون أن يؤملوا غيري؟فلو أن أهل سماواتي وأهل أرضي أملوا جميعا ثم أعطيت كل واحد منهم مثل ما أملالجميع ما أنتقص من ملكي مثل عضو ذرة، وكيف ينقص ملك أنا قيمه؟ فيا بؤسا للقانطين

من رحمتي ويا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبني (١).وفي هذا المعنى أحاديث اخر روتها الخاصة والعامة.

قال بعضهم: ال يقال العالم عالم األسباب، فكيف يذم من رجع إلى الغير لظنه أنه سبب،ألنا نقول: الذم باعتبار أن قلبه تعلق به واعتمد عليه، وأما من لم يركن إليه ولم يثق به ولميعتمد عليه فالظاهر أنه ليس بمذموم، واألولى مع ذلك أن يرجع إلى الله تعالى، فإن شاء الله

أن يكون قضاء حاجته على يد أحد جعله وسيلة له شاء أو لم يشأ.وقال أبو الحسين الفارسي: من سكن إلى شئ دون الله فهالكه فيه، سكن

____________________(١) الكافي: ج ٢ ص ٦٦ ح ٧.

(٢٢)

Page 32: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم ولي إليك حاجة قد قصر عنها جهدي وتقطعت دونها حيلي وسولت لي نفسي رفعهاإلى من يرفع حوائجه إليك وال يستغني في طلباته عنك وهي زلة من زلل الخاطئين وعثرة

من عثرات المذنبين.____________________

يوسف عليه السالم إلى عناية الذي ظن أنه ناج منهما وقال له: «اذكرني» «فلبث فيالسجن بضع سنين» (١).

وتوسل موسى بالفقر فقال: «رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير» (٢)، فقيض الله لهشعيبا حتى دعاه وآواه وبلغ أمره إلى ما بلغ من هناك، وحيث طلب الطعام مع الخضر منعا،كما حكى الله عنهما: «فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما»

.(٣)فكل ما تسكن إليه فهو تارك لك، وكل ما تميل نحوه فهو مائل عنك، وكل ما تعتمد عليه

فهو ساقط بك، فال تسكن إلى شئ دون الله تعالى.قصر عن الشيء - من باب قعد - قصورا وقصر عنه تقصيرا: عجز، وعليه الرواية في

الدعاء.والجهد بالضم في الحجاز وبالفتح في غيرهم: الوسع والطاقة.

وقيل: المضموم: الطاقة، والمفتوح: المشقة.والجهد بالفتح ال غير: النهاية والغاية، وهو مصدر من جهد في األمر جهدا. من باب نفع،إذا طلب حتى بلغ غايته في الطلب. وبالوجهين وردت الرواية في الدعاء، وهو يرجح القول

األول.والحيل: جمع حيلة، وهي الحذق في تدبير األمور، وهو تقليب الفكر حتى يهتدي إلى

المطلوب، ويروى حيلتي باإلفراد.والتسويل: تحسين الشيء وتزيينه وتحبيبه إلى اإلنسان ليفعله أو يقوله.

وقيل: هو تقدير معنى في النفس على الطمع في تمامه.____________________

(١) سورة يوسف: اآلية ٤٢.(٢) سورة القصص: اآلية ٢٤.(٣) سورة الكهف: اآلية ٧٧.

(٢٣)

Page 33: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والرفع: في األجسام حقيقة في الحركة واالنتقال، وفي المعاني محمول على ما يقتضيه

المقام، فرفع حاجته إلى فالن: ذكرها له ليقضيها، ورفع إليه الحديث:أخبره به، وقس على ذلك.

والزلة: الخطيئة من زلت قدمه - من بابي ضرب وتعب - زال وزلال: إذا زلقت ودحضتفي طين ونحوه.

والعثرة: السيئة والخطيئة من عثر يعثر - من باب قتل - عثارا بالكسر: إذا كبا وسقط،ألنها سقوط في اإلثم.

فإن قلت: كيف يجوز عليه صلوات الله وسالمه عليه وهو إمام معصوم أن تسول له نفسهرفع حاجته إلى غير الله تعالى، حتى اعترف بأن ذلك زلة من زلل الخاطئين وعثرة من

عثرات المذنبين؟.قلت: يمكن أن يكون قوله عليه السالم: «وسولت لي نفسي» من باب تعبيرهم بالفعل عنمشارفته، أي: شارفت أن تسول لي ال أن التسويل وقع، فهو كقوله تعالى: «وليخش الذينلو تركوا من خلفهم ذرية ضعفا خافوا عليهم» (١)، أي: لو شارفوا أن يتركوا، ليصح

وقوع خافوا جزاء، النتفاء الخوف بعد الموت.ومنه قول الشاعر:

إلى ملك كاد الجبال لفقده * تزول وزال الراسيات من الصخرفإن المراد شارفت الزوال، ال أن زوالها وقع وانفصل. وعلى هذا فال يبعد أن يقال: إنه عليهالسالم لما عجز عن حاجته جهده وتقطعت دونها حيله، شارفت نفسه أن تسول له التوصلفيها إلى من يظن أنه يساعفه ويقوم معه في نجاحها، فينضم (٢) إلى دعاء الله ورغبته إليه.

____________________(١) سورة النساء: اآلية ٩.

(٢) (الف و ج): فيضم.

(٢٤)

Page 34: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________واالعتماد عليه: االستعانة بمن يظن أن يكون سببا لحصولها، وليس في ذلك شئ ينافيالعصمة، هذا بالنظر إلى مقامه عليه السالم، وإال فلو وقع من نفسه التسويل، بل لو وقع منهرفع الحاجة إلى غير الله تعالى على الوجه المذكور، لم يكن شئ منهما منافيا للعصمة، بليكون كقول يوسف الصديق عليه السالم للذي ظن أنه ناج منهما: «اذكرني عند ربك»القول، ألنه نبي مرسل القبيل لما جاز أن يقع منه هذا فإنه لو لم يكن من هذا ،(١)

معصوم.فإن قلت: فكيف اعترف بأنه زلة من زلل الخاطئين وعثرة من عثرات المذنبين؟.

قلت: هذا من باب عدهم لالشتغال بالمباحات ذنبا واعتقادهم كونه خطيئة، إذ كان فيهرائحة مما ينافي صدق االنقطاع إليه تعالى، مع ما في ذلك من كمال الخضوع والخشوعله تعالى واالعتراف بالتقصير في صدق التوكل عليه سبحانه، إذ كانوا عليهم السالم ال

يخرجون أنفسهم عن حد التقصير أبدا في جميع الطاعات والعبادات.كما روي عن أبي الحسن موسى عليه السالم أنه قال لبعض ولده: يا بني عليك بالجد، ال

تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله وطاعته، فإن الله ال يعبد حق عبادته (٢).ومما يناسب إيراده هنا من الحكايات لمناسبة الفقرات المذكورة من الدعاء ما رواه جابرالجعفي، قال: قال الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السالم: ضقت ضيقا شديدا وكانعطاي من معاوية في كل سنة مائة ألف درهم، فحبسها عني إحدى السنين، فدعوت بدواة

وقرطاس ألكتب إلى معاوية ثم أمسكت، فرأيت____________________

(١) سورة يوسف: اآلية ٤٢.(٢) الكافي: ج ٢ ص ٧٢ ح ١.

(٢٥)

Page 35: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منامي، فقال لي: كيف أنت يا حسن؟ فقلت:

بخير، وخبرته بما حبس من المال عني، فقال: دعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلكتذكره حاجتك؟.

فقلت: يا أبت كيف؟ قال: قل اللهم اقذف في قلبي رجاءك، واقطع رجائي عمن سواك،حتى ال أرجو أحدا غيرك، اللهم ما ضعفت عنه قوتي، وقصر عنه أملي، ولم تنته إليه رغبتي،اليقين، من واآلخرين األولين أعطيت مما لساني، على يجر ولم مسألتي، تبلغه ولم

السالم: عليه الحسن قال العالمين. يا رب به فاخصصني ما لهجت به أسبوعا حتى بعث إلي معاوية بألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم، فقلت:الحمد لله الذي ال ينسى من ذكره وال يخيب من دعاه وال يقطع رجاء من رجاه، فرأيت

النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك في منامي، فقال:كيف أنت يا حسن؟ فقلت: بخير يا أبت، وحدثته بحديثي، فقال: يا بني هكذا من رجا

الخالق ولم يرج المخلوقين (١).وحكى أبو حمزة الخراساني عن نفسه، قال: بينا أنا أمشي في طريق الحج إذ وقعت فيبئر، فنازعتني نفسي أن أستغيث، فقلت: ال والله، فما استتمت هذا الخاطر حتى مر برأسالبئر رجالن، فقال أحدهما لآلخر: تعالى حتى نطم هذا البئر لئال يقع فيها أحد، فطما رأسالبئر، فهممت أن أصيح، فقلت: إلى من هو أقرب منهما، فما مضت إال ساعة حتى رأيتالبئر وأدلى رجله وجعل يهمهم فتعلقت به فأخرجني، فإذا سبع شيئا كشف عن رأس

التلف بالتلف (٢). وهاتف: يا أبا حمزة أليس هذا أحسن؟ نجيناك من ____________________

(١) البداية والنهاية: ج ٨ ص ٣٧ من دون نسبته إلى جابر الجعفي معاختالف يسير.

(٢) إحياء علوم الدين: ج ٤ ص ٢٧٢. مع اختالف يسير.

(٢٦)

Page 36: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

ثم انتبهت بتذكيرك لي من غفلتي ونهضت بتوفيقك من زلتي ورجعت ونكصت بتسديدكعن عثرتي.

____________________وحكي أنه اشتمل حبس أبي جعفر المنصور على عدة من الشيعة وفيهم رجل من األندلس،واتفق أن السجان غاب عنهم ليلة لعارض، فقيل لهم: من كانت له حاجة فليكتب بها رقعةإلى أهله فإن الباب يغلق، فعهد كل منهم إلى حاجته فكتب بها، وعمد األندلسي إلى قطعةرق فكتب فيها بسم الله الرحمن الرحيم إلى الله تبارك وتعالى من عبده وابن عبده فالن بنفالن، اللهم اذكرني حيث نسيت وعافني من حيث بليت وصلني كما جفيت، قال: فماانتصف الليل حتى أعيا قرع رسول المنصور الباب وأخرج الرجل وأدخل على المنصور،فقال له: أسهرتني فمن بك نور؟ قال: علي التنوير وعليك التغيير، حبستني في أن أحببت

قوما بهم جلست هذا المجلس، قال: اذهب إلى أي بالد الله شئت.االنتباه: القيام من النوم، ولما كانت الغفلة، وهي غيبة الشيء عن بال اإلنسان وعدم تذكرهباالنتباه. منها الخروج عبر عن بالفعل، الشيء تعقل في عدم بالنوم له، حالة شبيهة

أو غفلة. بنسيان عنه فانمحى القلب استثبته قد ما إعادة والتذكير: ونهض من سقطته: استوى قائما.

والتوفيق: جعل الله فعل عبده موافقا لما يحبه ويرضاه.والنكوص: اإلحجام عن الشيء، نكص على عقبيه - من بابي قعد وضرب -، نكصا

ونكوصا.قال الفيروزآبادي في القاموس: وهو خاص بالرجوع عن الخير، ووهم الجوهري في إطالقه

أو في الشر نادر انتهى. (١)____________________

(١) القاموس المحيط: ج ٢، ص ٣٢٠.

(٢٧)

Page 37: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وقلت سبحان ربي كيف يسأل محتاج محتاجا وأنى يرغب معدم إلى معدم.____________________

قلت: وعبارة الدعاء تشهد للجوهري بصحة إطالقه.والتسديد: تقويم إرادة اإلنسان وحركاته نحو الغرض المطلوب ليهجم إليه في أسرع مدة،

مأخوذ من تسديد السهم نحو الغرض وهو توجيهه إليه.القيام بما آتاه من آداب والمراد بتذكيره تعالى له وتوفيقه وتسديده: لطفه به وإلهامه األوصياء وأخالق األصفياء، من صدق االنقطاع إليه والتوكل عليه وقوة اليقين به واطمينانالقلب بفضله، فلم يلتفت إلى غيره وال إلى نفسه، وهكذا من كان دائم المراقبة لربه مدققاللحساب على نفسه، قد قام معها على ساق مقام الخصم األلد عند الشقاق، كان مستوجبا

للعصمة من ربه مطرحا ألشعة أنوار لطفه وحبه.سبحان ربي: تعجب من سؤال المحتاج المحتاج ورغبة المعدم إلى المعدم، واألصل فيذلك أن يسبح الله تعالى عند رؤية العجيب من صنائعه تنزيها له، إذ كانت له هذه القدرةعن جميع النقائص، ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه، أو تنزيه له تعالى من أنيترك المحتاج والمعدم سؤاله والرغبة إليه مع علمه بفناء المطلق، ويسأل محتاجا ومعدما

مثله.وكيف: لالستفهام اإلنكاري، ال بمعنى إنكار الواقع كما في قوله تعالى: «كيف تكفرونبالله وكنتم أمواتا» (١) اآلية، بل بمعنى إنكار الوقوع والتعجب منه كما في قوله تعالى:

«كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله» (٢) اآلية.وفي توجيه اإلنكار إلى كيفية سؤال المحتاج المحتاج من المبالغة ما ليس في توجيهه إلى

نفس السؤال، بأن يقال: أيسأل محتاج محتاجا؟ ألن كل موجود يجب أن يكون____________________

(١) سورة البقرة: اآلية ٢٨.(٢) سورة التوبة: اآلية ٧.

(٢٨)

Page 38: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

فقصدتك يا إلهي بالرغبة وأوفدت عليك رجائي بالثقة بك.وعلمت أن كثير ما أسألك يسير في وجدك وأن خطير ما أستوهبك حقير في وسعك.

____________________وجوده على حال من األحوال قطعا، فإذا أنتفى جميع أحوال وجوده فقد انتفى وجوده علىالطريق البرهاني، وهي - أعني كيف - في محل النصب على التشبيه بالحال أو الظرف،

أي: على أي حال أو في أي حال يسأل محتاج محتاجا.وأنى: مثلها في جميع ما ذكر، إذ هي بمعناها.

ورغب إليه: سأله.والمعدم: اسم فاعل من أعدم، أي: افتقر فهو معدم وعديم.

قصدت الشيء وله وإليه قصدا - من باب ضرب -: طلبته بعينه.ووفد على الملك ونحوه وفدا - من باب وعد -: قصده زائرا لالسترفاد واالنتجاع،

ويتعدى باأللف فيقال: أو فدته.ووثق به يثق بكسرهما ثقة ووثوقا: اعتمد على وفائه.

والباء: في الموضعين للمالبسة.والمعنى أني طلبتك بذاتك المقدسة، غير ملتفت إلى شئ من الوسائط بيني وبينك، متلبساباالبتهال والتضرع والسؤال لك، وأوردت رجائي عليك مسترفدا ومنتجعا فضلك حالكونه متلبسا باالعتماد على وفائك بما وعدت الراجين لك من إنجاح مطالبهم وإسعاف

مآربهم.قالوا: من عرف الله بجوده وكرمه وغناه قصده ورجاه.

وعالمة رجائه رغبته في عبادته، وحبه لطاعته، واالعتماد على فضله وخيره، وعدم االلتفاتإلى غيره.

يسر الشيء يسرا - مثل قرب قربا -: قل فهو يسير، أي: قليل.والوجد بالضم والكسر لغة بمعنى: الجدة وهي السعة في المال والغنى والقدرة،

(٢٩)

Page 39: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وأن كرمك ال يضيق عن سؤال أحد وأن يدك بالعطايا أعلى من كل يد.____________________

وأنا واجد للشيء: قادر عليه.وخطر الشيء خطرا - على وزن شرف شرفا -: عظم قدره وارتفع فهو خطير.

وحقر الشيء بالضم حقارة: هان قدره فال يعبأ به فهو حقير.والوسع بالضم: الطاقة والقوة، ومنه قوله تعالى: «ال يكلف الله نفسا إال وسعها» (١)،والفتح لغة، وقرأ به ابن أبي عيلة، والكسر لغة أيضا، وبه قرأ عكرمة، وقد يطلق على الثروةوالغنى، يقال: أوسع الرجل إذا صار ذا سعة من المال. ولما كانت مقدوراته تعالى غيرمتناهية وقدرته غير قاصرة عن شئ، ال جرم كان كثير ما يسأل قليال في وجده، وخطير مايستوهب حقيرا في وسعه. وليس قوله «وقد علمت» إلفادة الزم الحكم كما يتبادر، بل

إشارة إلى كمال الرجاء لحصول المطلوب.الكرم: يطلق على ضد اللؤم، ويطلق على الجود وهو المراد هنا.

قال ابن األثير: من أسمائه تعالى الكريم، وهو الجواد المعطي الذي ال ينفد عطاؤه (٢).ولما كان الجود اإللهي ال بخل فيه وال منع من جهته، لم يكن يضيق عن سؤال أحد وإنعظم خطره وجل قدره، إذ ال أثر للنقصان في خزائن ملكه وعموم جوده، بل جوده غير

متناه وكرمه غير محدود.حكى أبو القاسم الدمشقي قال: كنت واقفا على حلقة الشبلي في جامع المدينة، فوقفسائل على حلقته وجعل يقول: يا الله يا جواد، فتأوه الشبلي وصاح فقال: كيف يمكنني أن

أصف الحق بالجود ومخلوق يقول في مثله:____________________

(١) سورة البقرة: اآلية ٢٨٦.(٢) النهاية البن األثير: ج ٤ ص ١٦٦.

(٣٠)

Page 40: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وال يقنطنك إبطاء إجابته، فإن العطية على قدر النية، وربما أخرت عنك اإلجابة ليكون ذلكأعظم ألجر السائل وأجزل لعطاء اآلمل، وربما سألت الشيء فال تؤتاه وأوتيت خيرا منهعاجال أو آجال، أو صرف عنك لما هو خير لك، فلرب أمر قد طلبته فيه هالك دينك لو

أوتيته (١) انتهى.فتراه عليه السالم كيف عدد لتأخر اإلجابة أسبابا، ليلحظها السائل عند تأخرها فال يقنط من

رحمته تعالى.قوله عليه السالم: «ويدك بالعطايا أعلى من كل يد».

األعلى: يكون في المكان من عال يعلو - من باب قعد - علوا (٢).وفي المكارم: من علي يعلي - من باب تعب - عالء بالفتح والمد (٣)، وهو المراد هنا،

أي: يدك بالمواهب أرفعقدرا وأكرم من كل يد.

والمعنى أن جودك يعلو كل جود ويزيد عليه، وليس القصد إثبات اليد والعلو لها، بل هومن باب التمثيل كقوله تعالى: «وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بليداه مبسوطتان» (٤). فأعلوية اليد مجاز عن أكثرية الجود، كما أن غل اليد وبسطها مجاز

عن البخل والجود.قال الزمخشري: وال يقصد من يتكلم بهذا إثبات يد وال غل وال بسط، وال فرق عنده بينهذا الكالم وبين ما وقع مجازا عنه كأنهما كالمان معتقبان (٥) على حقيقة واحدة، حتىأنه يستعمله في ملك ال يعطي عطاء قط وال يمنعه إال بإشارته من غير استعمال يد وبسطها

وقبضها، ولو أعطى األقطع إلى المنكب عطاء جزال لقالوا:ما أبسط يده بالنوال، ألن بسط اليد وقبضها عبارتان وقعتا معاقبتين للبخل والجود،

____________________(١) نهج البالغة: ص ٣٩١ وصية ٣١.

(٢) أي: جلس مجلس عال.(٣) لسان العرب: ج ١٥ ص ٨٥.

(٤) سورة المائدة: اآلية ٦٤.(٥) هكذا في األصل ولكن في الكشاف: متعقبان. وهذا هو الصحيح.

(٣٢)

Page 41: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

التفضل وال تحملني بعدلك على اللهم فصل على محمد وآله واحملني بكرمك على االستحقاق.

فما أنا بأول راغب رغب إليك فأعطيته وهو يستحق المنع وال بأول سائل سالك فأفضلتعليه وهو يستوجب الحرمان.

____________________وقد استعملوها حيث ال يصح اليد، يقال: بسط اليأس كفيه في صدري، فجعلت لليأس -الذي هو من المعاني ال من األعيان - كفان، ومن لم ينظر في علم البيان عمي عن تبصرمحجة الصواب في تأويل أمثال هذه اآلية، ولم يتخلص من يد الطاعن إذا عبثت به (١)

انتهى.حملته على الدابة: أركبته عليها، ثم استعمل في المعاني فقيل: حملته على الفعل أي: أغريتهبه، وحملته على الفضل أي: عاملته به، كأنه لم يكن قادرا على ذلك من نفسه فأقدرته عليهابتدائه تعالى أن يحمله بكرمه على الدابة. والغرض سؤاله بالمحمول على يفعل كما بالفضل، وال يحمله بعدله على استحقاقه بما عساه صدر عنه من ذنب، فإنه ال يستحقبمقتضى العدل إال الحرمان والمنع، وهذا من لطيف ما تعد به النفس الستنزال الرحمة

اإللهية.الفاء: للتعليل، والمعنى: افعل بي ذلك، إذ لست بأول راغب رغب إليك إلى آخره. ووهم

من قال: إنها لمجرد الترتيب.وأفضل عليه إفضاال: تفضل وتطول. وهذا استعطاف بما جرى في العادة أن يستعطف بهأهل العواطف والرحمة من الكالم، أي: إن إعطاءك للراغب إليك في حال استحقاقه المنع،وإفضالك على سائلك في حال استيجابه للحرمان، أمر متعارف جرت عادتك به وألفه منكعبادك، ولست أول من تفعل به ذلك فأكون بدعا سائال ألن تفعل بي ما لم تفعله بأحد

قبلي.____________________(١) تفسير الكشاف: ج ١ ص ٦٥٤.

(٣٣)

Page 42: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله وكن لدعائي مجيبا ومن ندائي قريبا ولتضرعي راحما ولصوتيسامعا.

وال تقطع رجائي عنك وال تبت سببي منك وال توجهني في حاجتي هذه وغيرها إلىسواك.

____________________مجيبا: أي مقابال لدعائي بالقبول والعطاء.

وقريبا: أي سريع اإلجابة لندائي، وهو تمثيل بحال من قرب مكانه فإذا نودي أسرع تلبيةمناديه، وإال فهو تعالى منزه عن القرب المكاني.والتضرع: التذلل واالبتهال والمبالغة في السؤال.

وراحما: أي كاشفا لبلواي منجزا لحاجتي، إذ ليس الرحمة للتضرع بل للمتضرع، لكن لماكان التضرع سببا موجبا لرحمة المتضرع نسب الرحمة إليه.

وقوله: «لصوتي سامعا» مثل قوله: «لدعائي مجيبا»، وإال فهو سبحانه سامع لكل صوت.أي: كن لصوتي قابال غير معرض عنه وال غير ملتفت إليه.

ومنه الحديث: اللهم إني أعوذ بك من دعاء ال يسمع. قال في النهاية: أي:ال يستجاب وال يعتد به، وكأنه غير مسموع (١).

وفي دعاء الصالة: سمع الله لمن حمده، أي: أجاب من حمده وتقبله (٢).يقال: اسمع دعائي، أي: أجب، ألن غرض السائل اإلجابة، ومن ذلك قوله تعالى: «قد

سمع الله قول التي تجادلك في زوجها» (٣)، أي: أجاب.قطعته عن الشيء: حبسته ومنعته.

أمر مطلوب مظنون توقع لفرحها بسبب نفسانية موجبة والمد: حالة بالفتح والرجاء حصوله.

وقطعه: عبارة عن اليأس من حصول ذلك المطلوب، أي: ال تؤيسني منك____________________

(١) و (٢) النهاية البن األثير: ج ٢ ص ٤٠١.(٣) سورة المجادلة: اآلية ١.

(٣٤)

Page 43: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وتولني بنجح طلبتي وقضاء حاجتي ونيل سؤلي قبل زوالي عن موقفي هذا بتيسيرك ليالعسير وحسن تقديرك لي في جميع األمور.

____________________بعدم إجابتي بأن أعتقد جزما أو ظنا عدم إجابتك لي، فأقنط من حاجتي وال أتوقع حصولها

منك.والبت: القطع، بته بتا - من بابي ضرب وقتل -، ومنه ال أفعله بتة فيما ال رجعة فيه.

والسبب: الحبل، ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى شئ.قالوا: وال يسمى الحبل سببا حتى ينزل ويصعد به، والمراد به هنا ما يتوسل به إليه تعالى من

الدعاء والرجاء، أي: ال ترد دعائي وال تخيب رجائي.وقيل: المراد به لطفه تعالى وإحسانه، أي: ال تقطع عني نظر عنايتك ولطفك بي وإحسانكإلي، فإن ذلك أعظم ما يتوسل به إليه سبحانه كما ورد في الدعاء مكررا، واألعم: هو

األتم.ووجهه إلى كذا: جعل وجهه إليه، أي: ال تجعلني متوجها وقاصدا في حاجتي هذه وغيرهاإلى غيرك، وهو دعاء بأن يغنيه عن مسألة غيره والتعرض لنواله في كل حاجة له، لما في

ذلك من بذل الوجه والذلة، وينضاف إليهما المنة إن أعطي والحرمان إن منع.تواله: صار له وليا، أي: معينا قائما بأمره كافال بمصالحه، ومنه توالك الله بحفظه، أي:كان لك وليا، أي: كافال بحفظه، وتولني بنجح طلبتي أي: كن لي وليا، أي: معينا وقائما

بأمري بنجح ما أطلبه منك.والسؤال بالضم وسكون العين: ما تسأله من غيرك، فعل بمعنى مفعول.

وموقفي هذا: إشارة إلى مقامه بين يديه تعالى بهذا الدعاء.والباء من قوله «بتيسيرك» للمالبسة، متعلقة بالنجح، أي: من غير كلفة ومشقة، بل بتسهيل

ما عسر منه ليكون بال تعب وال عناء.(٣٥)

Page 44: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وصل على محمد وآله صالة دائمة نامية ال انقطاع ألبدها وال منتهى ألمدها واجعل ذلكعونا لي وسببا لنجاح طلبتي إنك واسع كريم.

____________________وحسن التقدير في جميع األمور: عبارة عن إيجادها على وفق الحكمة والمصلحة، بحيثلو زاد على ذلك المقدار أو نقص عنه الختلت مصلحة ذلك المقدر وتغيرت منفعته، كذا

قيل.والظاهر أن المراد بحسن التقدير هنا أن يكون ما يقدره له حسنا نافعا من غير قبح والمضرة، إذ كان التقدير تحديد كل موجود بحده الذي يوجد فيه من حسن وقبح ونفع وضر

وغيرها.دام الشيء يدوم دوما ودواما: ثبت واستمر ولم ينقطع.

ونمى ينمي - من باب رمى - نماء بالفتح والمد: كثر وزاد، وفي لغة نمى ينمو نموا - منباب قعد -.

واألبد: الدهر، وقيل: الدهر الطويل الذي ليس بمحدود.وقيل: هو استمرار الوجود في أزمنة مقدرة غير متناهية في جانب المستقبل، ويقابله األزل

وهو استمرار الوجود في أزمنة مقدرة غير متناهية في جانب الماضي.واألمد: الغاية، أي: صالة ال غاية لها تقف عندها، وقد تقدم نحو هذه العبارة في الدعاء

األول، وبسطنا الكالم عليه فليرجع إليه (١).والعون: المعين، وهو الظهير على األمر.

والسبب: ما يتوصل به إلى المقصود، وفي ذلك إشارة إلى ما روي عن أبي عبد الله عليهالسالم: ال يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى على محمد وآل محمد (٢).

وعنه عليه السالم: من دعا ولم يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفرف الدعاء علىرأسه، فإذا ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفع الدعاء (٣).

____________________(١) ج ١ ص ٣٩٩ - ٤٠٠.

(٢) و (٣) بحار األنوار: ج ٩٣ ص ٣١٦.

(٣٦)

Page 45: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

ومن حاجتي يا رب كذا وكذا، وتذكر حاجتك.____________________

وعنه عليه السالم: من كانت له إلى الله حاجة فليبدأ بالصالة على محمد وآله ثم يسألحاجته، ثم يختم بالصالة على محمد وآل محمد، فإن الله عز وجل أكرم من أن يقبلالطرفين ويدع الوسط، إذ كانت الصالة على محمد وآل محمد ال تحجب عنه (١).

قوله عليه السالم: «إنك واسع كريم» تعليل الستدعاء إدامة صالته واستمرارها وجعلهاعونا له وسببا لنجاح طلبته، وتأكيد الجملة لغرض كمال قوة يقينه بمضمونها.

والواسع من أسمائه تعالى: هو الذي وسع غناه كل فقير ورحمته كل شئ.وقال بعضهم: الواسع مشتق من السعة، والسعة تضاف تارة إلى العلم إذا اتسع وأحاطبالمعلومات الكثيرة، وتضاف أخرى إلى اإلحسان وبسط النعم وكيفما قدر وعلى أي شئنزل، فالواسع المطلق هو الله تعالى، ألنه إن نظر إلى علمه فال ساحل لبحره وال جزر لمده،وإن نظر إلى إحسانه ونعمه فال نهاية لها، وكل نعمة تكون من غيره وإن عظمت فهيمتناهية، والذي ال ينتهي فهو أحق باسم السعة، وال أوسع من علم الحق وال من رحمته فهوالواسع المطلق، وكرمه تعالى يعود إلى فيضان الخير عنه من غير بخل ومنع وتعويق، على

كل من يقدر أن يقبله بقدر ما يقبله.العبد إلى الرب غير محصورة وال متناهية، أتى بمن للتبعيض، ولما كانت حاجة من: التبعيضية إيذانا بأن حاجته إليه تعالى غير مقصورة على هذه الحاجة، بل هي بعض حاجته

إليه.وكذا: كناية عن اسم الحاجة، وهي مركبة من كاف التشبيه وذا التي

____________________(١) بحار األنوار: ج ٩٣ ص ٣١٦.

(٣٧)

Page 46: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________لإلشارة، إال أنه ال يحكم على ذا بأنها في موضع جر وال على الكاف بأنها متعلقة بشيءوال بأن فيها معنى التشبيه، إذ ال معنى له هنا فال وجه لتكلف ادعائه، ألن التركيب كثيرا مايزيل معنى المفردين ويحدث لمجموعهما معنى لم يكن، ويحكم على مجموع الكلمتينبأنه في موضع رفع أو نصب أو جر بحسب العوامل الداخلة عليها، وهو هنا في محل رفع

على أنه مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله، والتقدير كذا وكذا من حاجتي.وقال الفيومي في المصباح المنير: كذا: تكون كناية عن األشياء، تقول: فعلت كذا وقلتكذا واألصل ذا، ثم دخل عليه كاف التشبيه بعد زوال معنى اإلشارة والتشبيه، وجعل كناية

عما يراد به، وهو معرفة فال يدخله األلف والالم (١).انتهى.

والصواب ما ذكرناه أوال من أن معنى اإلشارة والتشبيه إنما زاال بالتركيب، كما نص عليهابن هشام في فوح الشذا بمسألة كذا (٢).

وقوله عليه السالم: «تذكر حاجتك» أي: تسميها، لما ورد في الحديث من أنه تعالى يحبأن تبث إليه الحوائج (٣).

روى ثقة اإلسالم في الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السالم، قال: إن الله تباركوتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه، ولكنه يحب أن تبث إليه الحوائج، فإذا دعوت فسم

حاجتك (٤).وفي حديث آخر قال: قال: إن الله عز وجل يعلم حاجتك وما تريد، ولكنه يحب أن تبث

إليه الحوائج (٥).____________________

(١) المصباح المنير: ص ٧٢٥.(٢) مغني اللبيب ص ٢٤٨.

(٣) و (٤) الكافي: ج ٢ ص ٤٧٦ ب ١١ ح ١.(٥) الكافي: ج ٢ ص ٤٧٦ ب ١١ ح ١.

(٣٨)

Page 47: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

ثم تسجد وتقول في سجودك: فضلك آنسني وإحسانك دلني فأسألك بك وبمحمد وآلهصلواتك عليهم أن ال تردني خائبا.

____________________ختم الدعاء بالسجود والدعاء فيه، لما ورد في الحديث النبوي: أقرب ما يكون العبد من

ربه وهو ساجد (١).وروى ثقة اإلسالم في الكافي بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه السالم، قال:

أقرب ما يكون العبد من ربه إذا دعا ربه وهو ساجد (٢).وعن عبد الله بن هالل، قال: شكوت إلى أبي عبد الله عليه السالم تفرق أموالنا وما دخلعلينا، فقال: عليك بالدعاء وأنت ساجد، فإن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد

.(٣)والسر في ذلك أن السجود هيئة تشعر بكمال االتصاف بصفات االفتقار والخشوع والذلةالمستلزمة الستنزال الرحمة، فيكون العبد في هذه الحالة أقرب إلى رحمة الله تعالى منه فيغيرها من الحاالت، وأيضا فقد جرت العادة من الملوك في حق من يتواضع لهم، ويوفيهمحقهم من اإلجالل واإلكرام وحسن االنقياد، أن يقربوا منزلته ويرفعوا درجته ويسمعوا لقولهوينجحوا مآربه، فبالحري أن يكون المتواضع الخاشع للملك المطلق قريب المنزلة منه

مسموع القول مستجاب الدعاء مقضى المرام.واإليناس: خالف اإليحاش من االنس بالضم، وهو سكون القلب وعدم نفرته.وفضله وإحسانه تعالى عبارة عن إفاضة جوده وكرمه ابتداء من غير استحقاق،

____________________(١) بحار األنوار: ج ٩٣ ص ٣٤٤ ح ٧.

(٢) الكافي: ج ٢ ص ٤٨٣ ح ١٠.

(٣) الكافي: ج ٣ ص ٣٢٤ ح ١١.

(٣٩)

Page 48: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الروضة الرابعة عشرة(٤١)

Page 49: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

دعاء ١٤وكان من دعائه عليه السالم إذا اعتدى عليه او رأى من الظالمين ما ال يحب

يا من ال يخفى عليه انباء المتظلمين ويا من ال يحتاج في قصصهم إلى شهادات الشاهدينويا من قربت نصرته من المظلومين ويا من بعد عونه عن الظالمين قد علمت يا إلهي مانالني من فالن ابن فالن مما حظرت وانتهكه منى مما حجزت عليه بطرا في نعمتك عندهواغترارا بنكيرك عليه اللهم فصل على محمد وآله وخذ ظالمي وعدوي عن ظلمي بقوتكوافلل حده عنى بقدرتك واجعل له شغال فيما يليه وعجزا عما يناويه اللهم وصل علىمحمد وآله وال تسوغ له ظلمي وأحسن عليه عوني واعصمني من مثل افعاله وال تجعلنيفي مثل حاله اللهم صل على محمد وآله واعدني عليه عدوي حاضرة تكون من غيظي بهاللهم صل على محمد وآله وعوضني من ظلمه لي عفوك شفاء ومن حنقي عليه وفاء وأبدلني بسوء صنيعه بي رحمتك فكل مكروه جلل دون سخطك وكل مرزئة سوآء معموجدتك اللهم فكما كرهت إلى أن اظلم فقني من أن اظلم اللهم ال أشكو إلى أحد سواك

وال استعين بحاكم(٤٣)

Page 50: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

غيرك حاشاك فصل على محمد وآله وصل دعائي باإلجابة واقرن شكايتي بالتغيير اللهم التفتني بالقنوط من إنصافك وال تفتنه باألمن من انكارك فيصر على ظلمي ويحاصرني بحقيوعرفه عما قليل ما أوعدت الظالمين وعرفني ما وعدت من إجابة المضطرين اللهم صلعلى محمد وآله ووفقني لقبول ما قضيت لي وعلى ورضني بما أخذت لي ومنى وأهدنيللتي هي أقوم واستعملني بما هو اسلم اللهم وإن كانت الخيرة لي عندك في تأخير األخذلي وترك االنتقام ممن ظلمني إلى يوم الفصل ومجمع الخصم فصل على محمد وآله وأيدنيمنك بنية صادقة وصبر دائم وأعذني من سوء الرغبة وهلع أهل الحرص وصور في قلبي مثالما ادخرت لي من ثوابك وأعددت لخصمي من جزائك وعقابك واجعل ذلك سببا لقناعتيبما قضيت وثقتي بما تخيرت آمين رب العالمين إنك ذو الفضل العظيم وأنت على كل

شىء قدير(٤٤)

Page 51: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

شرح الدعاء الرابع عشروكان من دعائه عليه السالم إذا اعتدي عليه او رأى من الظالمين ما ال يحب.

____________________عدا عليه عدوا وعدوا مثل فلس وفلوس، وعدوانا بالضم، وعداء بالفتح والمد، واعتدى

اعتداء، وتعدى تعديا: ظلمه وتجاوز الحد.وقوله تعالى: «فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» (١) من باب المشاكلة سمي جزاءاالعتداء اعتداء، كما سمي جزاء السيئة سيئة في قوله تعالى: «وجزاؤا سيئة سيئة مثلها»

(٢)، لوقوعه في صحبته وإال فجزاء االعتداء والسيئة ال يكون اعتداء وسيئة.وقال ابن سيده في المحكم: سمي مجازاة االعتداء بمثل اسمه، ألن صورة الفعلين واحدةوإن كان أحدهما طاعة واآلخر معصية، والعرب تقول: ظلمني فالن فظلمته، أي: جازيته

بظلمه (٣).ال وجه للظلم أكثر من هذا، وقوله تعالى: «ال يحب المعتدين» (٤) أي: المجاوزين لما

أمروا به.والظلم قيل: هو وضع الشيء في غير موضعه المخصوص به.

____________________(١) سورة البقرة: اآلية ١٩٤.

(٢) سورة الشورى: اآلية ٤٠.(٣) المحكم البن سيده: ج ٢ ص ٢٢٧.

(٤) المعتدون: المجاوزون ما أمروا به، والعدوي: الفساد.

(٤٧)

Page 52: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

قال صلوات الله وسالمه عليه:يا من ال يخفى عليه أنباء المتظلمين، ويا من ال يحتاج في قصصهم إلى شهادات الشاهدين.

____________________وقيل: هو التصرف في حق الغير.

وقيل: هو مجاوزة الحد. وعلى كل تفسير فال بد فيه من تعدي ضرر، وهو إما عائد علىنفس الظالم كالشرك العائد وباله على المشرك، وإما على نفسه وغيره كالعدوان على

الخلق، فإن الظالم لغيره ال يكون ظالما له حتى يظلم أوال لنفسه.فالمراد بقوله: «أو رأى من الظالمين ما ال يحب» هو الضرر المتعدي منهم عليه أو على

أحد من شيعته عليه السالم.وأما الضرر العائد منهم على أنفسهم وإن كان مما ال يحبه أيضا، إال أن الظاهر أنه ليس

بمراد هنا على ما تقتضيه عبارة الدعاء.األنباء: جمع نبأ محركة مهموزة، كخبر وأخبار وزنا ومعنى.

قال الراغب في المفردات: النبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، وال يقالللخبر نبأ حتى يتضمن هذه األشياء الثالثة، وحق الخبر الذي يقال فيه نبأ أن يتعرى عن

الكذب كالمتواتر وخبر الله وخبر النبي انتهى (١).وعلى هذا فاستعماله في خبر المتظلمين لتعريته عن الكذب غالبا.

وتظلم زيد من عمرو: شكى من ظلمه. وعبر عن علمه تعالى بقوله: «ال يخفى عليه» إيذانابأن أنباء المتظلمين وإن كان منها ما يخفى، فإن علمه سبحانه ليس من شأنه أن يكون علىوجه يمكن أن يقارنه شائبة خفاء بوجه من الوجوه كما في علوم المخلوقين، بل هو في

غاية الوضوح والجالء.وقصصت الخبر - من باب قتل -: حدثته على وجهه، واالسم القصص بفتحتين،

____________________(١) المفردات للراغب: ص ٤٨١.

(٤٨)

Page 53: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

ويا من قربت نصرته من المظلومين ويا من بعد عونه عن الظالمين.____________________

واشتقاقه من قص أثره إذا تبعه، ألن من يقص الحديث يتبع ما حفظه منه شيئا فشيئا.وقيل: القصص بفتحتين فعل بمعنى مفعول كالنبأ والخبر.

وقيل: مصدر سمي به المفعول، فهو بمعنى الخبر المقصوص.والشهادة لغة: اسم من المشاهدة، وهي االطالع على الشيء عيانا.

وشرعا: اإلخبار عن عيان بلفظ الشهادة في مجلس الحكم، وإنما لم يحتج تعالى إلىشهادة الشاهدين، ألنه محيط بظواهر األمور وبواطنها عالم بحقائقها، وإنما يحتاج إلى

الشهادة في إثبات الدعوى من تخفى عليه جلية األمر فال يعلم حقيقته من بطالنه.النصرة بالضم: اسم من نصره ينصره على عدوه نصرا - من باب قتل - إذا أعانه وقواه

عليه.والمراد بقرب النصرة هنا: قرب حصولها للمظلومين، كما قال تعالى: «إن رحمت الله

قريب من المحسنين» (١).وببعد العون: عدم حصوله للظالمين، فإنهم قد يعبرون بالبعد عن العدم، فيقال: هذا األمر

بعيد، أي: غير حاصل.قال الشاعر:

* بلى كل شئ ال ينال بعيد *ونظيره تعبيرهم بالقلة عن العدم، يقال: فالن قليل الخير، أي: ال يكاد يفعله، ويحتمل أنيكون من باب التمثيل، شبه نصرته للمظلومين بمن قرب مكانه فإذا دعي أجاب وإذا نوديأقبل، وكذلك مثل عونه عن الظالمين بمن بعد مكانه فإذا دعي لم يسمع وإذا نودي لم

يقبل.____________________

(١) سورة األعراف: اآلية ٥٦.

(٤٩)

Page 54: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

قد علمت يا إلهي ما نالني من فالن ابن فالن مما حظرت وانتهكه مني مما حجزت عليهبطرا في نعمتك عنده واغترارا بنكيرك عليه.

____________________واأللف والالم إذا دخلت على الجمع أفادت االستغراق، فالمراد بالمظلومين كل مظلوم ولو

كان كافرا، وبالظالمين كل ظالم ولو كان مؤمنا.ففي الحديث عن أبي عبد الله عليه السالم قال: إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من األنبياءفي مملكة جبار أن ائت هذا الجبار فقل له: إني لم أستعملك على سفك الدماء واتخاذاألموال، وإنما استعملتك لتكف عني أصوات المظلومين، فإني لم أدع ظالمتهم وإن كانوا

كفارا (١).وعنه عليه السالم قال: كان أبي يقول: اتقوا الظلم فإن دعوة المظلوم تصعد إلى السماء

.(٢)الله عليه من يظلمه، وإن دعا لم السالم: من عذر ظالما بظلمه (٣) سلط وعنه عليه

الله على ظالمته (٤). يأجره له ولم يستحب واألخبار في هذا المعنى كثيرة.

قد: للتحقيق، أي: قد تحقق علمك ووقع بما نالني.وناله يناله نيال: أصابه.

وفالن ابن فالن: كناية عن نحو زيد بن عمر.وقال الرضي: يكنى بفالن وفالنة عن أعالم األناسي خاصة، فيجريان مجرى المكنى عنهأي: يكونان كالعلم، فال يدخلهما الالم، ويمتنع صرف فالنة، كما يجري أفعل بمعنىأحمق مجرى المكنى عنه في االمتناع من الصرف، وال يجوز تنكير فالن كسائر األعالم،

فال يقال: جاءني فالن وفالن آخر، إذ هو موضوع للكناية____________________(١) الكافي: ج ٢، ص ٣٣٣، ح ١٤.(٢) الكافي: ج ٢، ص ٥٠٩، ح ٤.(٤) الكافي: ج ٢ ص ٣٣٤ ح ١٨.

(٥٠)

Page 55: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________عن العلم، وإذا كني عن الكنى قيل: أبو فالن وأم فالن، وإذا أكني بفالن وفالنة عن أعالم

البهائم أسماء كانت أو كنى ادخل عليهما الم التعريف، فيقال:الفالن والفالنة وأبو الفالن وأم الفالنة لقصد الفرق، وكأن كناية أعالم البهائم أولى بالالممن كناية أعالم األناسي، ألن انس اإلنسان بجنسه أكثر، فهي عنده أشهر من أعالم البهائم،

فكان فيها نوع تنكير (١) انتهى.وفي عبارة الدعاء دليل على استعمال فالن في غير الحكاية، خالفا البن السراج (٢) وابن

الحاجب حيث قاال: لم يثبت استعمالها إال في الحكاية، تقول:قال زيد جاءني فالن، وال تقول ابتداء: جاءني فالن من غير أن تحكي ذلك عن أحد (٣).

ويدل على خالف قولهما أيضا ما رواه األصمعي من قول مرار العبسي:وإذا فالن مات عن أكرومة رقعوا معاوز فقده بفالن (٤) وقال معن بن أوس: ورد فالن

حاجتي وفالن (٥).وحظره حظرا - من باب قتل -: منعه.

وانتهك الرجل الحرمة: تناولها بما ال يحل، وأصله من النهك وهو المبالغة في كل شئ.والحجز والحجر بالمعجمة والمهملة كالهما: بمعنى المنع، وقد وردت الرواية في الدعاء

بالوجهين، وفعالهما معا من باب قتل.والبطر محركة: الطغيان بالنعمة والتجبر وسوء احتمال الغنى.

واالغترار بالشيء: عدم الخوف منه وترك التحفظ منه.____________________

شرح الكافية في النحو للرضي: ج ٢ ص ١٣٧.(٢) و (٣) شرح الكافية في النحو للرضي: ج ٢ ص ١٣٧ نقال بالمضمون.

(٤) شرح الكافية في النحو للرضي: ج ٢ ص ١٣٨.

(٥) شرح الكافية في النحو للرضي: ج ٢ ص ١٣٨.

(٥١)

Page 56: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم فصل على محمد وآله، وخذ ظالمي وعدوي عن ظلمي بقوتك، وافلل حده عنيبقدرتك واجعل له شغال فيما يليه وعجزا عما يناويه.

____________________قال الفيومي في المصباح: اغتررت به: ظننت األمن فلم أتحفظ (١).

فمعنى اغترارا بنكيرك: أمنا بنكيرك وعدم تحفظ منه، ويحتمل أن يكون معناه اجتراء علىنكيرك من قولهم: ما غرك به.

قال الجوهري في الصحاح (٢) والفارابي في ديوان األدب (٣) والزمخشري في األساس:ما غرك بفالن أي: كيف اجترأت عليه (٤).

والنكير: فعيل بمعنى اإلنكار، تقول: أنكرت عليه فعله إذا نهيته عنه أو عاقبته عليه.ونصب بطرا واغترارا يحتمل المصدرية والحالية والمفعول ألجله. والتقدير على األول:يبطر بطرا ويغتر اغترارا، أو نيل بطر وانتهاك اغترار وابن مالك (٥) يمنع األول، لمنعهحذف عامل المصدر المؤكد إال فيما استثني. وابن الحاجب (٦) يمنع الثاني، ألنه يؤدي

إلى إخراج األبواب عن حقائقها.وعلى الثاني: بطرا ومغترا.

وعلى الثالث: ألجل البطر واالغترار.خذه عن ظلمي: أي احبسه وامنعه، يقال: أخذته عنه أي: حبسته، وأصله من أخذ الخطام

أي: أمسكه.وفل حد السيف: ثلمه، أي: كسره، وفي الكالم استعارة مكنية تخييلية، شبه العدو بالسيف

في اإلضرار، فأثبت له الحد الذي ال يكمل ذلك إال به، تحقيقا____________________

(١) المصباح المنير: ص ٦٠٩.(٢) الصحاح: ج ٢ ص ٧٦٩.

(٣) ديوان األدب: ج ٣ ص ١٢٢.(٤) أساس البالغة: ص ٤٤٧.

(٥) شرح ابن عقيل: ج ١ ص ٥٦٣.(٦) شرح الكافية في النحو: ج ٢ ص ٩١.

(٥٢)

Page 57: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________له استعارة الحد بالكناية، وإثبات بالسيف استعارة العدو فتشبيه التشبيه، للمبالغة في تخييلية، ويحتمل أنه شبه حد العدو، أي حدته وسورة غضبه، بالسيف، فرشحه بذكر الفل

الذي يالئم السيف.ووليه يليه بكسرتين وليا كفلس: أي قرب منه، تقول: جلست فيما يليه، أي:

يقاربه، هذه هي اللغة الفصحى المشهورة. وفي لغة واله يليه - من باب وعد - وهي قليلةاالستعمال، أي: اجعل له شغال فيما يقرب منه ويدانيه ليشتغل به عني، فالضمير في يليه

راجع إلى العدو.ويحتمل أن يكون المعنى: فيما تكون له الوالية عليه، من ولي األمر يليه بكسرتين أيضاوولي البلد والية، أي: صار واليا عليه، فيكون الضمير في يليه عائدا إلى ما الموصولة

المجرورة ب «في».والعجز: عدم القدرة عما من شأنه أن يقدر، فال يقال للجدار مثال إنه عاجز.

وناواه مناواة بالهمزة - من باب قاتل -، ويجوز التسهيل فيقال: ناواه مناواة، وبه وردتالرواية في الدعاء، أي: عاداه.

قال الزمخشري في األساس: ناوأت الرجل عاديته، ومعناه ناهضته للعداوة (١) انتهى.يريد أن أصله من ناء بالحمل إذا نهض به.

وقال في النهاية: أصله من ناء إليك ونؤت إليه إذا نهضتما (٢).فإن قلت: فعلى هذا كان ينبغي أن يقول: وعجزا عمن يناويه ب «من» التي للعقالء دون

«ما» التي هي لغيرهم، ألن المناواة والمناهضة للعداوة ال تكون إال بين عاقلين.____________________

(١) أساس البالغة: ص ٦٥٦.(٢) النهاية البن األثير: ج ٥ ص ١٢٣.

(٥٣)

Page 58: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قلت: هو إما بناء على القول بأن ما تستعمل للعقالء كما تستعمل لغيرهم، نحو: ما سمع،

سبحان ما سخر كن، سبحان ما سبح الرعد بحمده، «والسماء وما بناها» (١) اآلية.وإما بناء على ما عليه جماعة من المحققين، من أن التفرقة بين من وما في اختصاص األولىبذوي العلم، واختصاص الثانية أو غلبتها في غيرهم، إنما هي إذا أريد الذات. أما إذا أريدالوصف، كما تقول في االستفهامية: ما زيد؟ أي: أفاضل أم كريم؟، وفي الموصولة: أكرمما شئت من هؤالء الرجال أي: القائم أو القاعد، أو نحو ذلك، فهو بكلمة «ما» دون«من» بحكم الوضع، على ما ذكره الزمخشري والسكاكي وغيرهما، وإن أنكره قوم.ومن ثم قال في الكشاف في تفسير قوله تعالى: «فانكحوا ما طاب لكم من النساء» (٢):وقيل: «ما» ذهابا إلى الصفة (٣). فأشار بقوله «ذهابا إلى الصفة» إلى أن المراد فانكحواالموصوفة بأي صفة شئتم، من البكر والثيب والشابة والجميلة والنسيبة وأضداد ذلك، إلى

غير ذلك من األوصاف. إذا عرفت ذلك فقوله:«وعجزا عما يناويه» أراد به معنى الوصفية، أي: عجزا عن الموصوف بأي صفة كانت

يريد مناواته وعداوته، من صغير وكبير وشريف ووضيع وبعيد وقريب، إلى غير ذلك.ويحتمل أن يكون معنى يناويه: يحاوله ويطلبه، من نويت الشيء إذا جديت في طلبه، ومنه

ما ورد في الحديث: من ينو الدنيا تعجزه (٤).قال الزركشي: أي من يسع لها يخب، من نويت الشيء إذا جديت في

____________________(١) سورة الشمس: اآلية ٥.(٢) سوره النساء: اآلية ٣.

(٣) الكشاف: ج ١، ص ٤٦٧.(٤) النهاية البن األثير: ج ٥، ص ١٣٢.

(٥٤)

Page 59: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم وصل على محمد وآله، وال تسوغ له ظلمي، وأحسن عليه عوني، واعصمني من مثلافعاله، وال تجعلني في مثل حاله.

____________________طلبه (١) انتهى.

فيكون يناويه بمعنى ينويه، وأتى به من باب المفاعلة للمبالغة.السفر، وال بد في سافرت من إلى الرضي: سافرت بمعنى سفرت، أي: خرجت قال

انتهى. المبالغة (٢) وقد أتى فاعل بمعنى فعل كثيرا، فمنه حاول الشيء بمعنى طلبه، وناوله بمعنى أعطاه،وعافاه بمعنى شفاه، إلى غير ذلك، فتكون «ما» في قوله: «وعجزا عما يناويه» على بابها.ال تسوغ له ظلمي: أي ال تسهله وتيسره عليه، من ساغ الشراب والطعام يسوغ سوغا -من باب قال -: سهل مدخله في الحلق، ومن هنا قيل: ساغ فعل الشيء بمعنى اإلباحة،

وسوغته: أي أبحته وجوزته.قال الزمخشري في األساس: ومن المجاز: ال يسوغ لك أن تفعل كذا: ال يجوز، وسوغته

ما أصابه: جوزته له (٣) انتهى.وحمل التسويغ هنا بمعنى التجويز كما فعل بعضهم ال وجه له، ألن الله تعالى ال يجوزألحد الظلم حتى يطلب منه عدم التجويز له، بل المراد ال تجعل ظلمي له سائغا، أي: سهاليسيرا، فيتمادى في ظلمه لي ويصر عليه، بل عجل عليه النكير وخذه بالعقوبة كيما يكف

ويتناهى عن ظلمي.وأحسن عليه عوني: العون هنا: اسم بمعنى المعونة، أي: أوقع معونتي عليه على

____________________(١) هذا المعنى مذكور في نهاية ابن األثير: ج ٥ ص ١٣٢ وهكذا موجود

في لسان العرب: ج ١٥ ص ٣٤٨ ولكن من دون النسبة إلى الزركشي فارجع إليهما.

(٢) شرح الشافية للرضي: ج ١ ص ٩٩.(٣) أساس البالغة: ص ٣١٣.

(٥٥)

Page 60: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، واعدني عليه عدوى حاضرة، تكون من غيظي به شفاء، ومنحنقي عليه وفاء.

____________________الوجه الذي تقتضيه مصلحتي من االنتصار عليه وعدم التضرر بظلمه، إذ اإلحسان في الفعل

إيقاعه على ما ينبغي.وعصمه يعصمه عصما - من باب ضرب -: منعه ووقاه، واعتصمت بالله أي:

امتنعت به، أي: امنعني وقني بعدم اإلعداد الرتكاب مثل أفعاله، واحسم عني األسباب التيأصير بها في مثل حاله، من ظلم العباد وتعاطي العدوان والفساد، كي ال أكون من المنكرين

للمنكر الفاعلين له.أعداه عليه: نصره وأعانه، والعدوي بالفتح: النصرة والمعونة.

قال في المحكم (١) وقال ابن فارس (٢) والجوهري (٣): العدوي طلبك إلى وال ليعديكعلى من ظلمك، أي: ينتقم منه باعتدائه عليك. انتهى.

والمعنى األول أظهر، أي: انصرني عليه نصرة حاضرة، أي: حاصلة اآلن، غير غائبة أنتظرحضورها وحصولها. وجملة تكون في محل نصب صفة ثانية للعدوى.

ومن في قوله: «من غيظي»: متعلقة بشفاء، وفي قوله: «من حنقي» متعلقة بوفاء، أي:تكون شفاء من غيظي به ووفاء من حنقي عليه.

والغيظ: الغضب الشديد، وهو مصدر من غاظه األمر - من باب سار -.قال بعضهم: وال يكون الغيظ إال بوصول مكروه إلى المغتاظ، ولما كان الغضب الكامنكالداء، فإذا زال ما يطلبه اإلنسان من عدوه وزال غيظه به، كان كأنه بريء من دائه،فلذلك جعل العدوي شفاء، وأصله من شفى الله المريض، يشفيه - من باب رمى -:

شفاء: أي أبرأه من مرضه.____________________

(١) المحكم البن سيده: ج ٢ ص ٢٢٨.

(٢) معجم مقاييس اللغة: ج ٤ ص ٢٥٠.(٣) الصحاح: ج ٦ ص ٢٤٢١.

(٥٦)

Page 61: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وعوضني من ظلمه لي عفوك، وأبدلني بسوء صنيعه بيرحمتك، فكل مكروه جلل دون سخطك، وكل مرزئة سواء مع موجدتك.

____________________والحنق محركة: الغيظ، وقيل: شدته، حنق حنقا - من باب تعب -.

والوفاء: مصدر وفاه حقه إذا أعطاه إياه وافيا، كأوفاه إيفاء، أي: تكون وفاء لحقي من شدةغيظي عليه.

عوضته تعويضا: إذا أعطيته بدل ما ذهب منه.وأبدلته بكذا إبداال: نحيت األول وجعلت الثاني مكانه، أي: أعطني بدل ما ذهب مني

بظلمه عفوك عني، واجعل رحمتك لي مكان سوء صنيعه بي.قال في القاموس: صنع إليه معروفا كمنع صنعا بالضم، وصنع به صنيعا قبيحا: فعله (١).

وقال الجوهري: الصنع بالضم مصدر قولك صنع إليه معروفا وصنع به صنيعا قبيحا، أي:فعل (٢) انتهى.

والفاء من قوله: «فكل مكروه»: للسببية، أي: ألن كل مكروه جلل دون سخطك.والجلل محركة: األمر العظيم، والهين: اليسير ضده، والمراد به هنا المعنى الثاني.

ومنه قول العباس:القتل جلل ما عدا محمدا، أي: هين يسير وقول الشاعر:

* أال كل شئ سواه جلل * (٣)____________________(١) القاموس المحيط: ج ٣ ص ٥٢.

(٢) الصحاح: ج ٣، ص ١٢٤٥.(٣) لسان العرب: ج ١١ ص ١١٧ منسوب إلى امرؤ القيس لما قتل أبوه. وصدر

البيت هكذا: بقتل بني أسد ربهم.

(٥٧)

Page 62: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________أي: كل مكروه هين غير سخطك، أو ما لم يتجاوز إلى سخطك.

وقد تقدم الكالم على تحقيق معنى دون، فليرجع إليه (١).والمرزئة بفتح الميم وكسر الزاي مهموزة: المصيبة.

وسواء بالفتح والمد على ما في النسخ المشهورة: أي سهلة، من قولهم: أرض سواء، أي:مستوية يسهل سلوكها، ومنه أرض الكوفة أرض سواء سهلة معروفة. أو هو على تقديرحذف المعطوف، أي: كل مرزئة سواء والعدم مع كل موجدتك، يقال: مررت برجلسواء والعدم، أي: وجوده وعدمه سواء. ودليل التقدير في عبارة الدعاء أن االستواء اليكون إال بين شيئين، كما قيل في قوله تعالى: «ال يستوي منكم من أنفق من قبل الفتحوقتل» (٢)، أي: ومن أنفق من بعده، فحذف المعطوف لداللة االستواء على تقديره. وفي

نسخة: وكل مرزئة شوى بالشين المعجمة والقصر، أي: هين يسير.قال الجوهري: والشوى هو الشيء الهين اليسير (٣).

والموجدة بفتح الميم وكسر الجيم: الغضب، وجد عليه وجدا بالفتح وموجدة: أي غضب.وقيل: الموجدة: حال دون الغضب وفوق العتب، والعتب دون الغضب. ومع هنا لمجرداالجتماع من غير مالحظة الزمان والمكان، أي: كل مصيبة سهل، أو عدمه ووجوده سواءال يعبأ به، أو هو هين حقير مع حصول غضبك. وفي نسخة: مع مغفرتك، فالمعنى كل

مصيبة هينة علي مع حصول مغفرتك لي، أي: ال أبالي بالمصائب إذا غفرت لي.____________________

(١) ج ١ ص ٤٣٢.(٢) سورة الحديد: اآلية ١٠.

(٣) الصحاح: ج ٦، ص ٢٣٩٧.

(٥٨)

Page 63: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم فكما كرهت إلي أن اظلم فقني من أن اظلم.اللهم ال أشكوا إلى أحد سواك، وال استعين بحاكم غيرك حاشاك.

____________________كره الشيء إليه تكريها: أي مكروها، من كرهه ضد أحبه، ولما كان في التكريه معنى إنهاء

الكراهة وإيصالها إليه استعملها بكلمة إلى.والرواية المشهورة ببناء أظلم األول للمفعول والثاني للفاعل، أي: كما بغضت إلي أن

يظلمني أحد فاحفظني من أن أظلم أحدا، وفي رواية بالعكس، والمعنى ظاهر.حصر عليه السالم شكواه إليه تعالى واستعانته به، استنزاال لرحمته سبحانه بااللتجاء بمقامالصبر، الذي هو ترك الشكوى إلى الخلق واالستعانة بهم، ودفعا لتوهم السامعين منافاةدعائه على ظالمه للصبر المحمود من مثله، فإن الشكوى إلى الله تعالى واالستعانة به دون

أحد من الخلق هو عين الصبر على البلوى حتى يأذن الله بإزالة الشكوى.وهذا كما حكى الله تعالى عن يعقوب عليه السالم حين قالوا له: «تالله تفتؤا تذكر يوسفحتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين * قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله» (١)،فإنهم لما قالوا له عجبا من دعواك الصبر، وأنت ال تزال تذكر يوسف سرا وعالنية حتىتكون دنف الجسم مخبول العقل أو تكون ميتا من الهالكين، قال: هذا الحزن والذكر الينافيان الصبر، ألنه ترك الشكوى إلى الخلق، وأنا ال أشكو إلى الخلق وإنما أشكو بثي

وحزني إلى الله، ليزيل عني الشكوى ويرحمني.وقوله: «حاشاك»: أي سبحانك، أي: أنزهك تنزيها الئقا بك عن أن أستعين بحاكم غيرك،

وقد مر نظير ذلك في الدعاء الثاني عشر (٢).____________________

(١) سورة يوسف: اآلية ٨٥ و ٨٦.(٢): ج ٢ ص ٤٨٣.

(٥٩)

Page 64: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

فصل على محمد وآله، وصل دعائي باإلجابة، واقرن شكايتي بالتغيير.اللهم ال تفتني بالقنوط من إنصافك، وال تفتنه باألمن من

____________________وصل الشيء بالشيء وصال - من باب وعد -: جعله متصال به.

وقرنه به قرنا - من باب قتل - بمعناه، لكن المضبوط في نسخ الصحيفة وأقرن بكسر الراء- من باب ضرب - ولم أجد من نص عليه في كتب اللغة، وإنما المنصوص عليه أنه منباب قتل، إال أن يحمل على ما حكاه أبو حيان عن بعض أصحابه، من أن الفعل المتعديالصحيح جميع حروفه إذا لم يكن للمبالغة وال حلقي عين والم، فأنت في مستقبله بالخيارإن شئت قلت: يفعل بضم العين، وإن شئت قلت: يفعل بكسرها، سواء سمع فيه الضم أو

الكسر أو لم يسمعا (١).وحكي عن أبي زيد (٢) أنه قال: طفت سافلة قيس وعليا تميم، فما رأيت أحدا منهميفصل بينهما، ولم أجد لذلك حصرا، وكل يتكلم به على ما يريد من ضم المضارع أو

كسره (٣).للنووي على ما نصه: يقال: قرنت بين اللغات واألسماء ثم وقفت في كتاب تهذيب الشيئين أقرن بضم الراء في المضارع هذه اللغة الفصيحة، ويقال بكسرها في لغة قليلة (٤).وغيرت الشيء تغييرا: أزلته عما كان عليه فتغير هو. والمعنى واجعل دعائي متصال باإلجابةحتى ال تكون بينهما فترة واجعل شكايتي مقرونة بإزالتها، والغرض سؤال تعجيل إجابة

دعائه وسرعة إزالة شكايته.الفتنة: المحنة واالبتالء بخير أو شر، قال تعالى: «ونبلوكم بالشر والخير

____________________(١) كتابه غير موجود.(٢) كتابه غير موجود.

(٣) لم نعثر عليه.(٤) تهذيب اللغات واألسماء: القسم الثاني ج ٢ ص ٩١.

(٦٠)

Page 65: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

إنكارك، فيصر على ظلمي ويحاضرني بحقي.____________________

فتنة» (١)، وأصله من فتنت الذهب بالنار إذا أحرقته ليعلم أنه خالص أو مشوب.والقنوط: اليأس.

واإلنصاف: مصدر أنصفت الرجل إذا عاملته بالعدل والقسط، واالسم النصفة بفتحتين.واألمن: عدم توقع مكروه، فهو بمعنى االطمينان، ويحتمل أن يراد به هنا معنى السالمة، من

أمن زيد األسد وأمن منه بمعنى سلم منه وزنا ومعنى.واإلنكار هنا: مصدر أنكرت عليه فعله إذا زجرته عنه وعاقبته عليه، ومن المنكر قول بعضالمترجمين: اإلنكار هنا بمعنى الجهل من نكره بمعنى جهله، والجهل كناية عن تأخير

العقوبة، انتهى.وهو جهل صريح، والمعنى ال تمتحني باليأس من إنصافك لي منه، وال تمتحنه بعدم الخوف

أو بالسالمة من عقوبتك وانتقامك.واستشكل بعضهم ذلك بأن عدم إنصاف المظلوم من الظالم محال على الله تعالى، فكيف

يجوز اليأس من إنصافه سبحانه؟.وأجاب بحمله على اليأس منه في الدنيا.

وقال آخر: القنوط من إنصافه تعالى عبارة عن طول مدة الظلم وتماديه، فكأنه عليه السالمسأل أن ال يبتليه بامتداد الظلم وتأخير االنتقام من ظالمه. وال يخفى أن االستشكال ساقطرأسا، ألن القنوط من إنصاف الله تعالى كفر، وال مانع من أن يدعو اإلنسان ربه أن ال يبتليهبالكفر، فإن كان االستشكال نظرا إلى منصب اإلمامة ومقام الداعي عليه السالم، المقطوعله بأن الله ال يبتليه بذلك أبدا، فغير ممتنع أن يدعو النبي أو اإلمام بأن يفعل الله به ما يعلم

أنه ال بد من أن يفعله، كقوله____________________

(١) سورة األنبياء: اآلية ٣٥.

(٦١)

Page 66: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________تعالى: «قل رب احكم بالحق» (١)، وبأن ال يفعل به ما يعلم أنه واجب أن ال يفعله تعالى،كقول إبراهيم عليه السالم: «وال تخزني يوم يبعثون» (٢)، ذلك كله على سبيل االنقطاع

إليه تعالى وإظهار الفقر إلى مسألته واالستعانة به على كل حال، فال إشكال أصال.قوله عليه السالم: «فيصر على ظلمي ويحاصرني بحقي» الفاء: سببية عاطفة، والمضارعبعدها منصوب بأن مضمرة وجوبا، لوقوعه بعد فاء السببية مسبوقة بطلب محض، وأنوصلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الفعل السابق، والتقدير: ال يكنقول منه على ظلمي ومحاصرة بحقي، هذا فإصرار إنكارك، باألمن من له فتنة منك

الجمهور.واختار الرضي أن تكون الفاء للسببية دون العطف، ألن فاء العطف ال تفيد السببية إال إذاعطفت جملة على جملة، وقال: إن ما بعد الفاء من أن وصلتها في تأويل مصدر مبتدأ

محذوف الخبر وجوبا (٣).والتقدير: ال تكن منك فتنة له باألمن فاصراره على ظلمي ثابت.

ورد بأنه يلزم عليه حذف الخبر وجوبا من غير شئ يسد مسده، وهو ممتنع.وأصر على فعله إصرارا: داومه والزمه، أي: فيدوم على ظلمي ويالزمه.

ويحاضرني: يروى بالحاء المهملة والضاد المعجمة من المحاضرة.قال في القاموس: والمحاضرة المجادلة والمجاثاة عند السلطان، وأن يغالبك على حقك

فيغلبك (٤)، انتهى.وكل من هذه المعاني محتمل هنا، واألخير أنسب. وفي رواية يحاصرني بالحاء والصاد

المهملتين، من الحصر بمعنى التضييق والحبس، ومنه محاصرة العدو.____________________

(١) سورة األنبياء: اآلية ١١٢.(٢) سورة الشعراء: اآلية ٨٧.

(٣) شرح الكافية في النحو للرضي ج ٢، ص ٢٤٦.(٤) القاموس المحيط: ج ٢، ص ١٠.

(٦٢)

Page 67: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وعرفه عما قليل ما أوعدت الظالمين، وعرفني ما وعدت من إجابة المضطرين.____________________

وفي رواية يخاضرني بالخاء والضاد المعجمتين، أي: يذهب بحقي باطال، من قولهم: ذهبدمه خضرا مضرا بكسرهما وككتف أي: هدرا باطال أي: ال قود فيه، أو يأخذه بال عوض

من قولهم: أخذه خضرا مضرا أي: بغير ثمن.ويروى يخاصرني بالخاء المعجمة والصاد المهملة، من المخاصرة وهو أن يأخذ صاحبكفي طريق وتأخذ أنت في غيره حتى تلقيا في مكان، أي: يأخذ هو في طريق الظلم بحقي

وآخذ أنا في طريق االنظالم حتى نلتقي في المحشر.أو هو من خاصر الرجل صاحبه إذا أخذ بيده في المشي أو مشى إلى جنبه، أي:

يأخذ بيدي مماشيا لي وهو ملتبس بحقي، أو يمشي إلى جنبي وال أستطيع االنتقام منه.عرفه األمر تعريفا أعلمه إياه، ومعنى عرفه ما أوعدت الظالمين أي: أذقه إياه وأنزله به ليعرفه

ويعلمه يقينا.وعما قليل: أي عن زمان قليل قصير، وما: مزيدة بين الجار والمجرور لتأكيد معنى القلة.

وقيل: هي نكرة موصوفة، أي: عن شئ قليل.وقيل: بمعنى زمن، وقليل بدل منها.

وأوعدت الظالمين: أي تهددتهم من العذاب والعقاب، وقد تقدم الكالم على الفرق بيناإليعاد والوعد. ومن أعظم ما توعد الله به الظالمين وتهددهم، قوله تعالى:

«وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» (١)، فإنه تأكيد شديد ووعيد أكيد، لما في«سيعلم» من تهويل متعلقة، وفي «الذين ظلموا» من اإلطالق والتعميم، وفي «أي منقلب

ينقلبون» من اإلبهام والتهويل.____________________

(١) سورة الشعراء: اآلية ٢٢٧.

(٦٣)

Page 68: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، ووفقني لقبول ما قضيت لي وعلي، ورضني بما أخذت ليومني، واهدني للتي هي أقوم، واستعملني بما هو أسلم.

____________________قال الزمخشري في الكشاف: إنها آية ناطقة بما ال شئ أهيب منه وأهول وال أنكى (١)لقلوب المتأملين وال أصدع ألكباد المتدبرين، وكان السلف يتواعظون بها ويتناذرونشدتها، ومعناه أن الذين ظلموا يطمعون أن ينفلتوا من عذاب الله، وسيعلمون أن ليس لهم

وجه من وجوه االنقالب وهو النجاة (٢).ووعده في إجابة المضطرين إشارة إلى قوله تعالى: «أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشفالسوء» (٣)، فإنه تعالى لما أنكر كون هذه الصفة والقدرة لغيره، كأنه وعد المضطرين بأنه

المتكفل المتفرد بإجابتهم.ووفقني: أي اجعلني موافقا غير مخالف لقبول ما حكمت وقدرت.

وقبول الشيء: الرضا به وتحيته والميل إليه.ولي وعلي: عبارة عما يؤثره ويكرهه، يقولون: هذا لك وهذا عليك، فتستعمل الالم فيما

يؤثر، وعلى فيما يكره.قال الشاعر:

فيوم علينا ويوم لنا * ويوم نساء ويوم نسر (٤)وإنما استعملت على ذلك ألن الكلف والمشاق تخفض اإلنسان وتضعه، فكأنها تعلوه

وتتفرعه، أي: وفقني للرضا بما قضيته مما أحبه وأكرهه.ورضني: أي اجعلني راضيا بما أخذت لي من غيري، وأخذت مني مما ال أحب أخذه مني،

حتى أكون راضيا بالقضاء في السراء والضراء. واألخذ والعطاء:وهو سؤال لمقام الرضا بالقضاء الذي هو رأس الطاعة وأرفع مقامات السالكين.

____________________(١) في (الف): انكار وفي (ج): انكاء.

(٢) الكشاف: ج ٣، ص ٣٤٥.(٣) سورة النمل: اآلية ٦٢.

(٤) أنوار الربيع للمؤلف: ج ٢، ص ٣٦.

(٦٤)

Page 69: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________فعن علي بن الحسين عليهما السالم - وهو صاحب الدعاء -: الصبر والرضا عن الله رأس

طاعة الله (١).وعن الصادق عليه السالم: رأس طاعة الله الصبر والرضا عن الله فيما أحب العبد أو كره

.(٢)وعن علي بن الحسين عليهما السالم: الزهد عشرة أجزاء، أعلى درجة الزهد أدنى درجةالورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا (٣).فأشار عليه السالم إلى أن الرضا فوق الجميع، ومن ثم كان مقام الرضا فوق جميع مقامات

السالكين.تنبيهاناألول:

اعلم أن رضاء العبد ومحبته لما يؤثره ويحبه سهل، ألنه موافق لطبعه، وأما رضاه بما يكره(٥) فصعب، ألنه مخالف لطبعه وميله إلى شئ، وضده مشكل.

ومن ثمة ذهب جماعة إلى أن الرضا بما يستكرهه الطبع ويخالف هوى النفس كالمحنوالمصائب غير ممكن، وغاية ما يمكن هو الصبر عليه.

وأجيب بأن الرضا ثمرة المحبة الكاملة، ومحبة العبد للرب إذا بلغت حد الكمال يمكن أنيرجح إرادته على إرادة نفسه، بل يمكن أن ال يرى لنفسه مرادا غير مراده تعالى، الستقراره

في بحر المحبة، أو ألن فعل المحبوب مثله محبوب، أو ألنه ال يجد في____________________

(١) الكافي: ج ٢، ص ٦٠، ح ٣.

(٢) الكافي: ج ٢، ص ٦٠، ح ١.(٣) الكافي: ج ٢، ص ١٢٨، ح ٤.

(٤) (الف): يكرهه.

(٦٥)

Page 70: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________نفسه ألم ما يكرهه، الستغراق قلبه في محبته تعالى وغفلته عن نفسه فضال عن األمورالموافقة أو المخالفة لها، كما أن المجاهد لتوغله في الجهاد قد ال يجد ألم الجراح.

وبالجملة: هو أمر ممكن إال أنه صعب نادر.الثاني:

الرضا بالشيء ال ينافي الدعاء لرفعه، خالفا لطائفة من المتصوفة المبتدعة حيث قالوا: إنشرط الرضا ترك الدعاء لرفع البالء وطلب النعماء، ألن طلب رفع أمر وارد منه تعالىوحصول غيره ينافي الرضا بما حكم به. وهؤالء في طرف اإلفراط، كما أن الجماعة

التفريط. األولى في طرف طلب وأجيب عنه أوال: بالنقض، وهو أن دعاء األنبياء واألوصياء وحثهم عليه أمر مشهور، وفي

الكتب السماوية وغيرها مسطور مذكور ال ينكره أحد من أهل اإلسالم.وثانيا: بالمنع، ألنا ال نسلم أن الطلب المذكور ينافي الرضا، وإنما المنافي له استكراه

النفس للواردات من عند الله تعالى، والطلب ال يستلزم االستكراه.وثالثا: بالحل، وهو أن الدعاء عبادة أمر الله تعالى بها غير مرة، لتضمنها انكسار القلبوتواضعه وخشوعه، ومخالفة أمر الله تعالى تنافي الرضا، وسيأتي تمام الكالم على الرضا في

محله إن شاء الله تعالى.قوله عليه السالم: «اهدني للتي هي أقوم» أي: للحالة أو الخصلة أو الطريقة أو الحكمة التيهي أقوم الحاالت أو الخصال أو الطرائق أو الحكم، أي: أعدلها وأكثرها استقامة من قاماألمر واستقام بمعنى اعتدل. وفي حذف الموصوف فخامة وبالغة ال توجد مع اإلثبات، لمافي إبهام الموصوف بخالفه من التعميم وذهب الوهم كل مذهب وذلك مفقود مع إيضاحه،

وهو اقتباس من قوله تعالى: «إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم» (١).____________________

(١) سورة اإلسراء: اآلية ٩.

(٦٦)

Page 71: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم وإن كانت الخيرة لي من عندك في تأخير األخذ لي وترك االنتقام ممن ظلمني إلىيوم الفصل ومجمع الخصم، فصل على محمد وآله، وأيدني منك بنية صادقة وصبر دائم.

____________________الذي هو أكثر بالعمل اجعلني عامال بالذي (١) هو أسلم» أي: وقوله: «واستعملني األعمال سالمة من اآلفات المبطلة للعمل. وحذف الموصوف هنا ليس لقصد التعميم كمافي الفقرة السابقة، بل لإليذان بالغنى عن التصريح به لغاية ظهوره، ال سيما بعد ذكر

االستعمال.الخيرة بكسر الخاء وسكون الياء المثناة من تحت: اسم من االختيار، كالفدية اسم من

االفتداء، وبفتح الياء بمعنى االختيار.وقيل: هي بالسكون اسم من خار الله لك أي: أعطاك ما هو خير لك، وبالفتح اسم من

اختاره الله.وقيل: هما بمعنى واحد، أي، إن كان الخير لي أو االختيار لي عندك، أي: في حكمك.

قال الفيومي في المصباح: وتكون عند بمعنى الحكم، يقال: هذا عندي أفضل من هذا،أي: في حكمي (٢).

في تأخير األخذ لي: أي استرجاع حقي منه أو عقابه ألجلي، من أخذه الله بذنبه عاقبهعليه.

وترك االنتقام: أي إسقاط المعاقبة. وأصل الترك استعماله في األعيان، يقال: تركت المنزلتركا: رحلت عنه، وتركت الرجل: فارقته، ثم استعير لإلسقاط في المعاني، فقيل: ترك

حقه: إذا أسقطه، وترك ركعة من الصالة: لم يأت بها، فإنه إسقاط لما ثبت شرعا.____________________

(١) هكذا في األصل ولكن في المتن «واستعملني بما هو أسلم».(٢) المصباح المنير: ص ٥٩٠.

(٦٧)

Page 72: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ويوم الفصل: يوم القيامة، ألن الله تعالى يفصل فيه الحكم بين الخالئق، أو لوقوع الفصل

فيه بين الحق والباطل، أو للفصل فيه بين أعمال الخير وأعمال الشر.والمجمع: محل الجمع أو زمانه.

والخصم: المدعي على غيره حقا من الحقوق المنازع له فيه، ويعبر به عن الواحد واالثنينوالجماعة بلفظ واحد، ألن أصله المصدر، فيقال: رجل خصم ورجالن خصم ورجالخصم، وفي لغة يطابق في التثنية والجمع فيقال: خصمان، وخصوم وقد ورد التنزيل في

اللغتين.قال تعالى: «وهل أتيك نبوءا الخصم إذ تسوروا المحراب. إذ دخلوا على داود ففزع منهم

قالوا ال تخف خصمان بغى بعضنا على بعض» (١).والمراد به في الدعاء الجماعة، أي: مجمع الخصوم.

والتأييد: التقوية، وتأييد الله تعالى عبده تقويته أمره من داخل بالبصيرة ومن خارج بقوةالبطش، واألول هو المطلوب هنا.

ومنه قوله تعالى: «إذ أيدتك بروح القدس» (٢).والنية بالتشديد: اسم من نواه ينويه، أي: قصده.

والتخفيف لغة فيها، حكاه األزهري (٣) واللحياني (٤)، وهي على حذف الالم وتعويضالهاء عنها، كما قيل في ثبة وظبة، ثم خصت النية في غالب االستعمال بعزم القلب على أمر

من األمور.وصادقة: أي حسنة جميلة، ويعبر عن كل فعل فاضل ظاهرا وباطنا بالصدق، ألن الصدق

في الحديث مستحسن جيد، فصاروا يستعملونه في مطلق الجودة، ومنه____________________

(١) سورة ص: اآلية ٢١ و ٢٢.(٢) سورة المائدة: اآلية ١١٠.

(٣) تهذيب اللغة لألزهري: ج ١٥ ص ٥٥٦.(٤) لسان العرب: ج ١٥، ص ٣٤٧.

(٦٨)

Page 73: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وأعذني من سوء الرغبة وهلع أهل الحرص.وصور في قلبي مثال ما ادخرت لي من ثوابك وأعددت لخصمي من جزائك وعقابك،

واجعل ذلك سببا لقناعتي بما قضيت وثقتي بما تخيرت.____________________

رجل صدق ولسان صدق ومقعد صدق. أي: قوني منك بعزم حسن على الكف عن طلبحقي منه إلى ذلك اليوم، فال تنازعني نفسي إلى طلبي له في الدنيا.

والصبر: حبس النفس عن الجزع.والدائم: الثابت من دام يدوم دوما ودواما ثبت. أي: وأيدني بصبر ثابت على ظلمه لي فال

أجزع منه.عاذ بالله: اعتصم وامتنع، وأعاذه الله: عصمه ومنعه.

وساء الشيء يسوء سوء بالضم: قبح.والرغبة: السؤال والطلب، ومنه كيف أنتم إذا مرج الدين وظهرت الرغبة.

قال ابن األثير في النهاية: أي قلت العفة وكثر السؤال، يقال: رغب يرغب إذا حرص علىالشيء وطمع فيه، والرغبة السؤال والطلب (١) انتهى.

وقد تطلق الرغبة على الشره والحرص، ومنه الرغب شوم، أي: الشره والحرص على الدنيا.وقيل: سعة األمل وطلب الكثير.

والهلع بالتحريك: الحرص، وقيل: الجزع وقلة الصبر.وقيل: هو أشد الجزع والضجر.

والحرص بالكسر: االجتهاد في الطلب والرغبة المذمومة. أي: وأفض علي منك قوة باطنيةأقوى بها على االمتناع من قبيح الطلب وسئ الرغبة والسؤال وشدة الجزع والضجر، كما

يفعله أرباب الحرص المجتهدون في طلب الدنيا.صورت الشيء: مثلت صورته وشكله.

____________________(١) النهاية البن األثير: ج ٢ ص ٢٣٧.

(٦٩)

Page 74: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

آمين رب العالمين.____________________

والمراد بالقلب هنا: العقل، ألنه محل التصور، وكثيرا ما يطلق عليه لغة وعرفا.والمثال بالكسر: في األصل اسم من ماثله مماثلة إذا شابهه، ثم استعمل بمعنى الصورة

والشكل، فقالوا: هذا مثاله أي: صورته وشكله.وادخرت الشيء على افتعلت: أي ذخرته إذا أعددته لوقت الحاجة إليه.

وأعددته إعدادا: هيأته.وقنع بالشيء - من باب تعب - قناعة: رضي به.

ووثق به يثق بكسرهما ثقة ووثوقا: اعتمد على وفائه.وتخير الشيء: اختاره.

والمعنى: اجعل صورة ما أعددته لي وقت الحاجة إليه من ثوابك وجزائك على الصبر علىمظلمتي، وهيأته لظالمي من عقابك وانتقامك، حاصلة في عقلي، وصير ذلك سببا لحصولرضاي بالذي قضيته وحكمت به لي، واعتمادي على ما اخترته لي من تأخير األخذ لي

وترك االنتقام ممن ظلمني، إلى يوم الفصل ومجمع الخصم.حكى الزمخشري في ربيع األبرار: أن عامر بن بهدلة مر برجل قد صلبه الحجاج، فقال: يارب إن حلمك عن الظالمين قد أضر بالمظلومين، فرأى في منامه أن القيامة قد قامت،وكأنه قد دخل الجنة فرأى المصلوب فيها في أعلى عليين، وإذا مناد ينادي: حلمي عن

الظالمين أحل المظلومين في أعلى عليين (١).أي: افعل ذلك أو استجب وأعطنا ما سألناك أو كذلك فافعل - على الخالف في معناها

كما مر - يا رب العالمين.وحذف حرف النداء استشعار إلقباله تعالى عليه، أو لقربه منه إذا كان أقرب من حبل

الوريد. وقد أسلفنا الكالم مبسوطا على هذه العبارة في آخر الروضة الثانية____________________(١) ربيع األبرار: مخطوط، ص ١٣٩.

(٧٠)

Page 75: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

إنك ذو الفضل العظيم وأنت على كل شئ قدير.____________________

عشرة. تعليل للدعاء والسؤال، أو إلعطاء المسؤول ومزيد استدعاء لإلجابة.وذو: بمعنى صاحب أي: صاحب الفضل العظيم، لكن ذو تقتضي تعظيم ما أضيفت إليه

والموصوف بها، بخالف صاحب فيهما.والفضل: اإلحسان ابتداء، ولما كان كل خير منه تعالى، وإحسان في الدين والدنيا ابتداءوالمن العظيم الفضل ذو أنه إليه، صدق المحسن استحقاق من غير منه وتفضال من

الجسيم.وقوله: «وأنت على كل شئ قدير» تعليل إلعطاء المسؤول، فإن اتصافه سبحانه بالقدرةالذاتية الشاملة لجميع المقدورات، بحيث ال يشذ من ملكه شئ من األشياء، يستدعياندراج قدرته على إعطاء هذا المسؤول وإبالغ هذا المأمول في تلك الكلية، فال غرو إن

أجاب وأعطى وأثاب، والله تعالى أعلم.هذا آخر الروضة الرابعة عشرة من رياض السالكين في شرح صحيفة سيد العابدين، وفق اللهتعالى إلتمامها واقتطاف ورود إكمالها من أكمامها، آخر يوم السبت لتسع خلون من محرم

الحرام مفتتح عام تسع وتسعين وألف، ولله الحمد.____________________

(١)

(٧١)

Page 76: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الروضة الخامسة عشرة(٧٣)

Page 77: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

دعاء ١٥وكان من دعائه عليه السالم إذا مرض او نزل به كرب وبلية

اللهم لك الحمد على ما لم أزل أتصرف فيه من سالمة بدني ولك الحمد على ما أحدثتبي من علة في جسدي فما أدري يا الهي اى الحالين أحق بالشكر لك وأي الوقتين أولىبالحمد لك أوقت الصحة التي هنأتني فيها طيبات رزقك ونشطتني بها البتغاء مرضاتكوفضلك وقويتنى معها على ما وفقتني له من طاعتك أم وقت العلة التي محصتني بها والنعمالتي أتحفتني بها تخفيفا لما ثقل به على ظهري من الخطيئات وتطهيرا لما انغمست فيه منالسيئات وتنبيها لتناول التوبة وتذكيرا لمحو الحوبة بقديم النعمة وفي خالل ذلك ما كتبلي الكاتبان من زكى األعمال ما ال قلب فكر فيه وال لسان نطق به وال جارحة تكلفته بلافضاال منك على واحسانا من صنيعك إلى اللهم فصل على محمد وآله وحبب إلى مارضيت لي ويسر لي ما أحللت بي وطهرني من دنس ما أسلفت وامح عنى شر ما قدمتوأوجدني حالوة العافية وأذقني برد السالمة واجعل مخرجي عن علتي إلى عفوك ومتحولي

عن صرعتي إلى تجاوزك وخالصي(٧٥)

Page 78: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

باإلحسان المتفضل إنك إلى فرجك الشدة إلى روحك وسالمتي من هذه من كربي الجالل واإلكرام الكريم ذو الوهاب باالمتنان المتطول

(٧٦)

Page 79: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

شرح الدعاء الخامس عشروكان من دعائه عليه السالم إذا مرض أو نزل به كرب أو بلية:

اللهم لك الحمد على ما لم أزل أتصرف فيه من سالمة بدني، ولك الحمد على ما أحدثتبي من علة في جسدي.

____________________مرض الحيوان مرضا - من باب تعب -، والمرض قيل: حالة خارجة عن الطبع ضارة

بالفعل، ويعلم من هذا أن اآلالم أعراض عن المرض.وقيل: هو ما يعرض للبدن فيخرجه عن االعتدال الخاص.

وقيل: هو هيئة بدنية تكون األفعال بها لذاتها مؤوفة، وال بد من كون اآلفة محسوسة، ألناإلحساس بضرر الفعل شرط في كون الهيئة مرضا، وإال كان جميع الناس في مرض دائما

بالقياس إلى أفضل الهيئات.والكرب: الهم يأخذ بالنفس، وكربه األمر يكربه - من باب قتل -: شق عليه وأهمه، وهو

رجل مكروب: مهموم، والكربة بالضم اسم منه.والبلية: البالء، وهو اإلصابة بالمكروه.

قدم الجار والمجرور والذي هو خبر من قوله «لك الحمد» في الموضعين للحصر، أي:لك الحمد وحدك من غير شريك أصال وال مدخل فيه ألحد.

(٧٩)

Page 80: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ولم أزل: أي لم أبرح، يقال: ما زال يفعل كذا مثل ما برح وزنا ومعنى والمراد بها مالزمة

الشيء والحال الدائم، ولذلك قيل: هي لثبوت خبرها السمها على االستمرار مذ قبله.وأتصرف: أي أتقلب.

قال في القاموس: صرفته في األمر تصريفا فتصرف: قلبته فتقلب (١).ومن: في الموضعين بيانية.

والسالمة لغة: الخلوص من اآلفات، واصطالحا: هيئة يكون بها بدن اإلنسان في مزاجهوتركيبه بحيث يصدر عنه األفعال كلها صحيحة، فهي بهذا المعنى مرادفة للصحة.

الشيء حدوثا - من باب قعد -: تجدد وجوده بعد أن لم يكن فهو حادث وحدث وحديث، ومنه يقال: حدث به عيب إذا تجدد وكان معدوما، ويتعدى باأللف فيقال:

أحدثته.والعلة: عبارة عن معنى يحل بالمحل فيتغير به حال المحل، ومنه سمي المرض علة، ألنه

بحلوله يتغير حال الشخص من القوة إلى الضعف.والبدن والجسد قيل: هما مترادفان بمعنى جسم اإلنسان. قال الجوهري: بدن اإلنسان:جسده (٢)، من الجسد: وقال صاحب العين (٣) - وتبعه صاحب القاموس -: البدن منالجسد: ما سوى الشوى والرأس، والشوى كالنوى: اليدان والرجالن (٤) وكل ما ليس

مقتال كالقوائم.وقال في البارع: ال يقال الجسد إال للحيوان العاقل وهو اإلنسان والمالئكة

____________________(١) القاموس المحيط: ج ٣، ص ١٦٢.

(٢) الصحاح: ج ٥ ص ٢٠٧٧.(٣) كتاب لعين: ج ٦، ص ٢٩٨.

(٤) القاموس المحيط: ج ٤ ص ٢٠٠.

(٨٠)

Page 81: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

فما أدري يا إلهي أي الحالين أحق بالشكر لك، وأي الوقتين أولى بالحمد لك.____________________

والجن، وال يقال لغيره جسد (١)الفاء: للترتيب الذكري.

والمراد به كون ما بعدها كالما مرتبا على ما قبلها، ال أن مضمون ما بعدها عقيب مضمونما قبلها في الزمان، فإن التردد في حال (٢) السالمة والعلة ووقتيهما أيهما أحق بالشكر

وأولى بالحمد يصح بعد جري ذكرهما.ودرى دريا - من باب رمى - ودراية: علمه.

وأي اسم استفهام وهو مبتدأ، وأحق خبره، والجملة في محل نصب مفعوال ألدري، ألنوقوعه - أعني أدري - قبل ما له صدر الكالم وهو استفهام هنا أوجب تعليقه، أي: إبطال

عمله لفظا مع بقائه محال.وقولهم: هو أحق بكذا وأولى بكذا يستعمل بمعنيين.

أحدهما: اختصاصه بذلك من غير مشاركة، نحو زيد أحق أو أولى بماله، أي:ال حق لغيره فيه.

والثاني: أن يكون أفعل تفضيل، فيقتضي اشتراكه مع غيره وترجيحه على غيره، كقولهم:زيد أحسن وجها من فالن، ومعناه ثبوت الحسن لهما وترجيحه لألول، قاله األزهري

وغيره (٣).والمعنى الثاني هو المراد هنا. وإنما تردد عليه السالم في ترجيح أحد الحالين ووقتيهما علىاآلخر في الشكر والحمد، القتضاء كل منهما شكره تعالى وحمده لما ترتب عليه من

الرغائب والفوائد، كما شرحه عليه السالم بقوله (٤).____________________

(١) المصباح المنير نقال عن البارع: ص ١٣٨.(٢) (الف) و (ج): حالتي.

(٣) تهذيب اللغة لألزهري: ج ٤ ص ٣١٨.(٤) أي الدعاء المذكور في المتن.

(٨١)

Page 82: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

أوقت الصحة التي هنأتني فيها طيبات رزقك، ونشطتني بها البتغاء مرضاتك وفضلك،وقويتني معها على ما وفقتني له من طاعتك، أم وقت العلة التي محصتني بها والنعم التي

أتحفتني بها.____________________

وقت: مرفوع على البدلية من قوله: «وأي الوقتين»، وهو بدل كل من كل، وقرن بهمزةاالستفهام لتضمن المبدل منه معناها.

قال ابن مالك في التسهيل: ويقرن البدل بهمزة االستفهام إن تضمن متبوعه معناها (١).وال يخفى أن البدل في الحقيقة هو مجموع المعطوف والمعطوف عليه - أعني قوله:

التفصيل، كما توهمه عبارة العلة» - ال كل واحد من شقي أم وقت «أوقت الصحة النحويين من قولهم: بدل الكل يطابق متبوعه في اإلفراد وضديه، ما لم يقصد التفصيلمنهما، البدل ال كل هو وقاعد مجموعهما قائم وأن وقاعد، قائم برجلين كمررت

أيضا. التفصيل مع فالمطابقة حاصلة لكن قال الدماميني في شرح التسهيل: ويأتي هنا بحث وهو أنه إذا كان مجموعهما هوالبدل، فما هو العامل في كل واحد منهما مع أنه بمفرده غير بدل؟ وهذا في البدل كقولهم

في الخبر: الرمان حلو حامض (٢) انتهىوهنأني الطعام يهنؤني - من باب نفع -: ساغ ولذ، وهنأه بالتثقيل: سوغه.

وطيبات الرزق: مستلذاته، وفسر قوله تعالى: «كلوا من طيبت ما رزقناكم (٣)» بالشهياللذيذ، وقيل: المباح الحالل.

وقيل: المباح الذي يستلذ أكله.والضمير المؤنث من قوله «فيها» يحتمل عوده إلى الوقت، الكتسابه

____________________(١) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد البن مالك: ص ١٧٣.

(٢) شرح التسهيل: ال يوجد هذا الكتاب لدينا.(٣) سورة طه: اآلية ٨١.

(٨٢)

Page 83: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________التأنيث من المضاف إليه، كقول الشاعر:

طول الليالي أسرعت في نقضي (١)وقول اآلخر:

وما حب الديار شغفن قلبي (٢)وهو كثير في فصيح الكالم. ويحتمل كونه للصحة.

قال ابن هشام في المغني: ويحتمل أن يكون من ذلك «وكنتم على شفا حفرة من النارفأنقذكم منها» أي: من الشفا، ويحتمل أن الضمير للنار. (٣).

ونشط ينشط - من باب تعب -: خف وأسرع وطابت نفسه لعمله، ويتعدى بالتثقيلفيقال: نشطه تنشيطا.

والباء من «بها»: إما للظرفية أو للسببية أو االستعانة.وبغيت الشيء أبغيه بغيا وابتغيته ابتغاء: طلبته.

والمرضاة: الرضوان، كالمغفرة بمعنى الغفران.والفضل: هنا بمعنى الخير والرزق، وفسر قوله تعالى: «فإذا قضيت الصلوة فانتشروا في

األرض وابتغوا من فضل الله»، (٤) أي: واطلبوا الرزق في الشراء والبيع.وعن الحسن وابن جبير: المراد بقوله: «وابتغوا من فضل الله» طلب العلم، وقيل: صالة

التطوع (٥).____________________

(١) مغني اللبيب: ص ٦٦٦. وتكملة البيت: نقضن كلي ونقضن بعضي.(٢) مغني اللبيب: ص ٦٦٦. وتكملة البيت: ولكن حب من سكن الديارا.

(٣) مغني اللبيب: ص ٦٦٦.(٤) سورة الجمعة: اآلية ١٠.

(٥) مجمع البيان: ج (٩ - ١٠)، ص ٢٨٨.

(٨٣)

Page 84: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وعن ابن عباس: لم يؤمروا بطلب شئ من الدنيا، إنما هو عيادة المرضى وحضور الجنائز

وزيارة أخ في الله (١).وروى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السالم قال: إني ألركب في الحاجة التي كفاهاالله ما أركب فيها إال التماس أن يراني الله أضحي في طلب الحالل، أما تسمع قول الله عز

اسمه: «فإذا قضيت الصلوة فانتشروا في األرض وابتغوا من فضل الله» (٢).وقويتني معها: أي مقارنا لها، أي: لوقت الصحة أو للصحة. و «أم» متصلة، لوقوعها بعد

همزة االستفهام.والتمحيص: التخليص من الذنوب.

قال الزمخشري في األساس: محص الشيء محصا ومحصه تمحيصا: خلصه من كل عيب،الذنوب التائب من الله المجاز محص بالنار: خلصه مما يشوبه ومن الذهب ومحص

انتهى. قلبه وتمحصت ذنوبه (٣) ومحص وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله: ما من مسلم عرض له مرض إال حط الله

خطاياه كما تحط الشجرة ورقها (٤).وعن أمير المؤمنين عليه السالم أن المرض يحط السيئات ويحتها حت األوراق (٥).

____________________(١) الدر المنثور: ج ٦، ص ٢٢٠.

(٢) تفسير نور الثقلين: ج ٥، ص ٣٢٧.(٣) أساس البالغة: ص ٥٨٣.

(٤) المستطرف: ج ٢ ص ٢٩١ وفيه «ما من مسلم يمرض مرضا».(٥) نهج البالغة: ص ٤٧٦، ح ٤٢.

(٨٤)

Page 85: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وعن أبي عبد الله عليه السالم: حمى ليلة كفارة لما قبلها وما بعدها (١).

وفي خبر: ما يزال األوصاب والمصائب بالعبد حتى تتركه كالفضة المصفاة (٢).وفي خبر آخر: أن المريض يخرج من مرضه نقيا من الذنوب كيوم ولدته أمه، ويتساقط عنه

خطاياه كما يتساقط الورق من الشجر في الخريف (٣).قال بعض العلماء: تمحيص الذنوب بالمرض باعتبار أمرين:

أحدهما: أن المريض تنكسر شهوته وغضبه اللذان هما مبدأ للذنوب والمعاصي ومادتها.والثاني: أن من شأن المرض أن يرجع اإلنسان فيه إلى ربه بالتوبة والندم على المعصيةوالعزم على ترك مثلها، كما قال تعالى: «وإذا مس اإلنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو

قائما» (٤) اآلية.فما كان من السيئات والذنوب حاالت غير متمكنة من جوهر النفس فإنه يسرع زوالهامنها، وما صار ملكة فربما يزول على طول المرض ودوام اإلنابة إلى الله تعالى (٥) انتهى.البر بالضم، وهي بتحفة إذا وصله أتحفه يقال: بررتني وأكرمتني أي بها: وأتحفتني

واللطف.وأراد عليه السالم بالنعم: المثوبات واألجور المترتبة على المرض المتسببة عنه.

____________________(١) الكافي: ج ٣، ص ١١٥. وفيه: «ولما بعدها».

(٢) المستطرف: ج ٢ ص ٢٩١ وفيه ال تزال. والدر المنثور: ج ٢ ص ٢٢٩سطر ٢٤ مع اختالف يسير في صدر الخبر.

(٣) لم نعثر عليه.(٤) سورة يونس: ١٢.

(٥) شرح نهج البالغة البن ميثم البحراني: ج ٥ ص ٢٦٥.

(٨٥)

Page 86: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله: أيكم يحب أن يصح فال يسقم؟ قالوا كلنا يارسول الله، قال: تحبون أن تكونوا كالحمير الصوالة، أال تحبون أن تكونوا أصحاب بالياوأصحاب كفارات؟ والذي بعثني بالحق إن الرجل ليكون له الدرجة في الجنة فال يبلغها

بشيء من عمله، فيبتليه الله ليبلغ درجة ال يبلغها بشيء من عمله (١).وفي كالم بعض السلف: أن في العلل لنعما ال ينبغي للعقالء أن يجحدوها منها تمحيصالنعمة في حال الصحة، الغفلة، وإذكار الصبر، واليقظة من لثواب الذنوب، والتعرض

التوبة وحثها على الصدقة. واستدعاء فان قلت: قد روي عن أمير المؤمنين عليه السالم أنه قال لبعض أصحابه في علة اعتلها:جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك فإن المرض ال أجر فيه ولكنه يحط السيئاتويحتها حت األوراق، وإنما األجر في القول باللسان والعمل باأليدي واألقدام، وإن الله

يدخل بصدق النية والسريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنة (٢).فإن هذا الكالم منه عليه السالم نص على أنه ال مثوبة وال أجر في المرض، فكيف تترتبعليه المثوبات وتتسبب عنه األجور التي عبر عنها بالنعم؟ قلت: ترتب المثوبات واألجورعليه يكون باحتساب المشقة فيه لله تعالى بصدق نية العبد مع صالح سريرته، فإن ذلكيكون معدا اإلفاضة األجر والثواب عليه، ويدخل ذلك في عداد الملكات المقرونة بنيةالقربة إلى الله تعالى. وإلى هذا المعنى أشار عليه السالم بقوله: وإن الله يدخل بصدق النية

والسريرة الصالحة من____________________

(١) الدر المنثور: ج ٢، ص ٢٢٨ وكنز العمال: ج ٣ ص ٣١٤ ح.٦٧٢٠

(٢) نهج البالغة: ص ٤٧٦ ح ٤٢.

(٨٦)

Page 87: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

تخفيفا لما ثقل على ظهري من الخطيئات، وتطهيرا لما انغمست فيه من السيئات، وتنبيهالتناول التوبة وتذكيرا لمحو الحوبة بقديم النعمة.

____________________يشاء من عباده الجنة (١)، وقد تتسبب أيضا عنه باعتبار الصبر عليه والتضرع إلى الله تعالى

فيه، كما ورد في حديث آخر.وهو ما روي عن أبي عبد الله عليه السالم عن أبيه عن جده عن موالنا الحسين بن علي

عليهما السالم، قال: عاد أمير المؤمنين عليه السالم سلمان الفارسي فقال:يا ابا عبد الله كيف أصبحت من علتك؟ فقال: يا أمير المؤمنين أحمد الله كثيرا وأشكوإليك كثرة الضجر، قال: فال تضجر يا ابا عبد الله، فما من أحد من شيعتنا يصيبه وجع إالبذنب قد سبق منه وذلك الوجع تطهير له، قال سلمان: فإن كان األمر على ما ذكرت وهوكما ذكرت فليس لنا في ذلك شئ خال التطهير، قال: بلى يا سلمان لكم األجر بالصبر عليهوالتضرع إلى الله عز اسمه والدعاء، بهما تكتب لكم الحسنات وترفع لكم الدرجات، وأماالوجع خاصة فهو تطهير وكفارة، فقبل سلمان ما بين عينيه وبكى وقال: من كان يميز لنا

هذه األشياء لوالك يا أمير المؤمنين (٢).فهذا الحديث صريح في المطلوب. ويحتمل أن يكون المراد بالنعم اآلالم التي هي اعراضالذنوب والتطهير من الفوائد، من تخفيف يترتب عليها من لما نعما العلة، عدها عن السيئات والتنبيه على اإلنابة إلى غير ذلك، كما أشار إليه عليه السالم بقوله (٣). أي: ألجل

التخفيف، فهو مفعول له، ويحتمل النصب على المصدرية، أي:تخفف تخفيفا أو أتخاف تخفيف.

____________________(١) نهج البالغة: ص ٤٧٦ ح ٤٢.

(٢) وسائل الشيعة: ج ٢ ص ٦٢٥ ح ٢٠.(٣) أي الدعاء المذكور في المتن.

(٨٧)

Page 88: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ال يقال: هذا يعين كون المراد بالنعم اآلالم واالنتقام، ألنها التي يحصل بها التخفيف

والتطهير والتنبيه والتذكير ال المثوبات واألجور.تعالى: «إن قال أيضا، كما والتطهير التخفيف تقتضي المثوبات واألجور نقول: ألنا الحسنات يذهبن السيئات» (١) وبها يحصل التنبيه لإلنابة والتذكير لمحو الخطيئة أيضا،فإن من صبر على بلواه محتسبا أجره عند الله فال بد أن يتنبه للتوبة على ما فرط منه،

وبتذكر قديم نعمة الله عليه من العافية فيتدارك سيئاته بالندم عليها والرجوع عنها.والالم في قوله عليه السالم «لما ثقل» يحتمل أن تكون للتعليل، أي: تخفيفا عني ألجل ماثقل على ظهري، وأن تكون مقوية للعامل لكونه فرعا في العمل، مثل ضربي لزيد حسن.

وجملة الصلة من قوله: «ثقل على ظهري» استعارة تمثيلية، مثل حاله في تحمل الخطيئاتبحال من حمل على ظهره أعباء ثقيلة فثقلت عليه، والتخفيف من ترشيح االستعارة.

وفي قوله «لما انغمست» محتملة للتعليل أيضا، أي تطهيرا لي ألجل ما انغمست فيه، وأنتكون بمعنى من، أي: تطهيرا مما انغمست فيه.

وأما التقوية فبعيدة، ألن التطهير ال يكون لما انغمس فيه إال إذا أريد به معنى اإلزالة. وأصلاالنغماس في الماء، استعاره الرتكاب الذنوب والسيئات بجامع التوغل في التلبس، وهي

استعارة تبعية تصريحية.وفي قوله «لتناول التوبة» إما للتعليل أيضا، أي: تنبيها لي ألجل تناول التوبة، وإما بمعنى

على، أي: تنبيها على تناول التوبة.____________________

(١) سورة هود اآلية ١١٤.

(٨٨)

Page 89: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وفي قوله: «لمحو الحوبة» للتعليل، والحوبة بالفتح: الخطيئة من حاب حوبا - من باب

قال - إذا اكتسب اإلثم، واالسم الحوب بالضم.وقيل المضموم والمفتوح لغتان، فالضم لغة الحجاز والفتح لغة تميم.

والباء من قوله «بقديم النعمة»: متعلقة بالتذكير، أي: تذكير بقديم النعمة ألجل محوالحوبة.

يقال: ذكرته ما كان وذكرته بما كان، قال تعالى «وذكرهم بأيام الله» (١).والمراد بقديم النعمة: العافية المتقدمة على المرض، ألن اإلنسان ال يذكر العافية وال يعرف

قدرها إال عند المرض، كماورد في الحديث: نعمتان مجهولتان األمن والعافية. (٢).

وقيل: مرارة السقم توجد حالوة العافية.ولما كان جهل النعمة خطيئة وكفرا بها، وكان ذكرها شكرا لها وإزالة للجهل بها، كان

التذكير بها سببا لمحو الحوبة التي هي عبارة عن جهلها.قال عمر ألويس القرني رضي الله عنه: اخرج بك وضح فدعوت الله أن ال يذهبه عنك،وقلت: اللهم دع في جسدي ما أذكر به نعمك علي، قال: وما أدراك وما أطلع على هذا

بشر؟. قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (٣).وأما ما قيل: إن الباء من قوله: «بقديم النعمة» للسببية، وهي متعلقة بقوله «أتحفتني بها»أي: أتحفتني بتلك النعم بسبب نعمتك القديمة وقول آخر: هي متعلقة بمحو التوبة، أي:

بقديم النعمة التي وفقتني بها لدفع الشبهات، وقول من قال: إن____________________

(١) سورة إبراهيم: اآلية ٥.(٢) الخصال: ص ٣٤. وفيه «نعمتان مكفورتان».

(٣) كنز العمال: ج ١٤ ص ١٠ ح ٣٧٨٣٠

(٨٩)

Page 90: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وفي خالل ذلك ما كتب لي الكاتبان من زكي األعمال ما ال قلب فكر فيه وال لسان نطقبه وال جارحة تكلفته بل إفضاال منك علي وإحسانا من صنيعك إلي.

____________________المراد بقديم النعمة العنايات المندرجة في هذه المحنة، ألنها نعمة قديمة مقدرة من األزل،

فهي أقوال ال تصيب شاكلة الصواب وال يكشف لها عن وجه القبول حجاب.الواو: للحال.

والخالل: جمع خلل بفتحتين مثل جبل وجبال، وهو الفرجة بين الشيئين، ويكون مفرداأيضا بمعنى بين.

قال الفارابي في ديوان األدب في باب فعال بكسر الفاء: يقال: خالل ذلك، أي: بين ذلك.(١)

وفي القاموس: هو خللهم وخاللهم بكسرهما وبفتح الثاني: بينهم (٢) أي: وفي أثناء ماذكر من العلة والنعم التي أتحفتني بها.

«ما كتبه (٣) لي الكاتبان من زكي األعمال»: أي طاهرها، من زكى بمعنى طهر، ومنهقوله تعالى: «ما زكى منكم من أحد» (٤)، أي: ما طهر، ومنه نفسا زكية أي: طاهرة لمتأت ما يوجب قتلها، أو صالح األعمال من زكى الرجل يزكو إذا صلح، زكية بالتثقيل:

نسبة إلى الزكاء وهو الصالح فهو زكي.و «ما» في «ما ال قلب»: بدل من «ما» التي قبلها.

وال: إما لنفي الجنس وما بعدها مرفوع باالبتداء على أنها ملغاة لتكررها، وال الثانية والثالثةإما زائدتان أو ملغاتان كاألولى وما بعد كل منهما مبتدأ معطوف

____________________(١) ديوان األدب للفارابي: ج ٣، ص ٩٣.

(٢) القاموس المحيط: ج ٣، ص ٣٧٠.(٣) هكذا في األصل ولكن في الدعاء ما كتب لي الكاتبان.

(٤) سورة النور: اآلية ٢١.

(٩٠)

Page 91: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________على مبتدأ، أو عاملة عمل ليس في المواضع الثالثة، فما بعد كل منها مرفوع بها.

ولك جعل األولى عاملة عمل ليس، والثانية والثالثة زائدتان أو مهملتان وبالعكس والتفريق.فظهر أن ما حكم به بعضهم من تعين كون «ال» عاملة عمل ليس ليس بشيء.

وفكر في الشيء - من باب ضرب - وأفكر باأللف وتفكر وفكر تفكيرا: أعمل فيه الفكربالكسر، وهو ترتيب أمور معلومة في الذهن لتؤدي إلى مطلوب يكون علما أو ظنا.

وقيل: التفكر تصرف القلب في معاني األشياء لدرك المطلوب.ونطق ينطق - من باب ضرب -: تكلم بصوت وحروف تعرف بها المعاني، ويقال:

نطق اللسان كما يقال: نطق الرجل.والجارحة من اإلنسان: ما يكتسب به من أعضائه كاليد والرجل والجمع جوارح.

وتكلف الشيء: فعله وتحمله على مشقة.وبل: حرف إضراب، ومعناه هنا االنتقال من غرض إلى اخر ال اإلبطال.

وهي حرف ابتداء ال عاطفة على الصحيح، لكون متلوها جملة.وإفضاال: منصوب على المصدرية أي: بل أفضلت إفضاال كائنا ابتداء منك علي، وأحسنت

إحسانا كائنا من صنيعك إلي.قيل: وفيه شاهد على مجيء صنيع مصدرا لصنع المتعدي بإلى كالصنع بالضم، فال يختص

بالمتعدي بالباء كما تفهمه عبارة الجوهري في الصحاح حيث قال:الصنع بالضم مصدر قولك صنع إليه معروفا وصنع به صنيعا قبيحا أي: فعل انتهى (١).

____________________(١) الصحاح: ج ٣، ص ١٢٤٥.

(٩١)

Page 92: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وتبعه صاحب القاموس فقال: صنع إليه معروفا - كمنع - صنعا بالضم، وصنع به صنيعا

قبيحا: فعله (١) انتهى.وال شاهد فيه، الحتمال أن يكون الصنيع هنا بمعنى الصنيعة وهو ما أصطنع من خير.

قال في القاموس: ما أحسن صنع الله بالضم وصنيع الله عندك (٢).وقال الزمخشري في األساس: نعم الصنيع صنيعك وما أحسن صنع الله عندك (٣).

ف «من» في قوله: «من صنيعك» يحتمل أن تكون ابتدائية وأن تكون تبعيضية، وحرفالمجاوزة متعلق باإلحسان كما أن حرف االستعالء متعلق باإلفضال. وقد ورد بمضمون

هذه العبارة من الدعاء أحاديث كثيرة منها:ما رواه ثقة اإلسالم في الكافي بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه السالم، قال:

إن رسول الله صلى الله عليه وآله رفع رأسه إلى السماء فتبسم، فقيل له: يا رسول اللهرأيناك رفعت رأسك إلى السماء فتبسمت، قال: نعم عجبت لملكين هبطا من السماء إلىاألرض يلتمسان عبدا صالحا مؤمنا في مصلى كان يصلي فيه ليكتبا له عمله في يومه وليلته،فلم يجداه في مصاله فعرجا إلى السماء، فقاال: ربنا عبدك فالن المؤمن التمسناه في مصالهلنكتب له عمله ليومه وليلته فلم نصبه فوجدناه في حبالك، فقال الله عز وجل: اكتبا لعبديمثل ما كان يعمله في صحته من الخير في يومه وليلته ما دام في حبالي، فإن علي أن أكتب

له أجر ما كان يعمله إذا حبسته عنه (٤).____________________

(١) و (٢) القاموس المحيط: ج ٣، ص ٥٢.(٣) أساس البالغة: ص ٣٦٢.

(٤) الكافي: ج ٣ ص ١١٣ ح ١.

(٩٢)

Page 93: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم فصل على محمد وآله، وحبب إلي ما رضيت لي، ويسر لي ما أحللت بي، وطهرنيمن دنس ما أسلفت، وامح عني شر ما قدمت.

____________________وعنه عليه السالم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يقول الله عز وجل للملكالموكل بالمؤمن إذا مرض اكتب له ما كنت تكتب له في صحته، فإني أنا الذي صيرته في

حبالي (١).وعنه عليه السالم قال: إذا صعد ملكا العبد المريض إلى السماء عند كل مساء يقول الربتبارك وتعالى: ما ذا كتبتما لعبدي في مرضه؟ فيقوالن: الشكاية، فيقول: ما أنصفت عبديإن حبسته في حبس من حبسي ثم أمنعه الشكاية، أكتبا لعبدي مثل ما كنتما تكتبان له منالخير في صحته، وال تكتبا عليه سيئة حتى أطلقه من حبسي، فإنه في حبس من حبسي

.(٢)الفاء: فصيحة، أي: إذا كان األمر كذلك فصل على محمد وآله، وحبب إلي:

أي اجعل ما رضيته لي واخترته لي محبوبا عندي، حتى أوثره على سواه وأميل إليه طبعا،لما فيه من الفوائد المذكورة. وإنما سأل ذلك عليه السالم، ألن المرض على خالف هوىالنفس ومحبة اإلنسان للعافية والسالمة وكراهيته للمرض والبالء بحسب الطبع، والعقل وإنحكم بترجيح المرض على الصحة لما فيه من الفائدة، لكن الحب الطبيعي النفساني أشدمن الحب العقلي، فسأل عليه السالم أن يكون طبعه تابعا لعقله في حبه، فال يكره بالطبع ما

رضي الله تعالى واختاره له.ويسر الشيء تيسيرا: سهله.

وأحللته به: أنزلته، من حل بالمكان نزل به. وطلب التيسير هنا يحتمل معنيين:أحدهما: إفاضة قوة عليه يستعد بها لتحمل ما أحله به من المرض بجميل الصبر وحسن

الثبات، فال يضجر من مقدوره تعالى، بل يرى ذلك هينا يسيرا في جنب____________________

(١) الكافي: ج ٣ ص ١١٣ ح ٣.(٢) الكافي: ج ٣، ص ١١٤ ح ٥.

(٩٣)

Page 94: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

إلى عفوك، السالمة، واجعل مخرجي عن علتي برد العافية، وأذقني وأوجدني حالوة ومتحولي عن صرعتي إلى تجاوزك، وخالصي من كربي إلى روحك، وسالمتي من هذه

الشدة إلى فرجك.____________________

ما يتصوره من الفوائد المترتبة عليه.الثاني: إفاضة قوة مزاجية ال يتأثر معها مزاجه وبدنه مما أحله به كثير تأثر، بل يقوى عليه

وال يضعف عنه، كما يقوى الرجل القوي على الحمل الثقيل.وفي زيادة كلمة «لي» - مع انتظام الكالم بدونها - تأكيد لطلب التيسير بإبهام الميسر

أوال وتفسيره ثانيا.وبيانه: أنه أبهم أوال بقوله: «ويسر لي» فعلم أن ثمة ميسرا، ثم بين فرفع اإلبهام بذكرالميسر وهو قوله: «ما أحللت بي»، فكان أوكد، ألنه تكرير للمعنى الواحد من طريقي

اإلجمال والتفصيل.قوله عليه السالم: «وطهرني من دنس ما أسلفت» طهر الشيء تطهيرا: نقاه من الدنسوالنجس، والدنس محركة: الوسخ، وهو استعارة للمعاصي والذنوب، ألن عرض المقترف

لها يتلوث ويتدنس بها كما يتلوث بدنه باألوساخ، والتطهير ترشيح.وأسلفته: قدمته، من سلف سلوفا - من باب قعد - إذا مضى وتقدم. ومحاه محوا - من

باب قتل -: أزاله وأذهب أثره.والمراد بالشر هنا القبيح، أي: قبيح ما قدمته من االعمال. أوجده الله مطلوبه: أظفره به.

الكيفية التي هي حقيقة في الحالوة لفظ استعار العافية: أي راحتها ولذتها. وحالوة المخصوصة باألجسام، للراحة الحاصلة من العافية بجامع التلذذ، وهي استعارة مطلقة.

والعافية: اسم من عافاه الله، محا عنه األسقام، وقد توضع موضع المصدر فيقال:عافاه الله عافية، وهي مصدر جاءت على فاعلة، ومثله ناشئة الليل أي: نشوء الليل،

(٩٤)

Page 95: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والخاتمة بمعنى الختم، والعاقبة بمعنى العقب، ومنه «ليس لوقعتها كاذبة» (١) أي:

ليس ألجل وقوعها وفي حقها كذب أصال، بل كل ما ورد في شأنها من األخبار حقصادق ال ريب فيه.

البدن والباطن والدين والدنيا المكروهات في العافية متناولة لدفع جميع النووي: قال واآلخرة (٢).

وقال الطيبي: هي لفظ جامع ألنواع خير الدارين (٣).والذوق: إدراك طعم الشيء بواسطة الرطوبة المنبثة بالعصب المفروش على جرم اللسان.

يقال: دقت الطعام أذوقه ذوقا وذوقانا ومذاقا: إذا عرفته بتلك الواسطة، ويتعدى إلى ثانبالهمزة فيقال: أذاقني الطعام. واألصل فيه أن يتعلق باألجسام، ثم استعمل في المعاني مجازا

استعماال فاشيا.وبرد السالمة: استعارة لطيبها وهناءتها بجامع اللذة.

قال الزمخشري في الفائق: واألصل في وقوع البرد عبارة عن الطيب والهناءة، أن الهواءوالماء لما كان طيبهما ببردهما خصوصا في بالد تهامة والحجاز، قيل: هواء بارد وماء

بارد على سبيل االستطابة، ثم كثر حتى قيل عيش بارد وغنيمة باردة (٤) انتهى.والمخرج: مصدر ميمي، يقال: خرج من المكان خروجا ومخرجا ووجدت لألمر مخرجا

أي: مخلصا. شبه االبالل من العلة بالخروج من المكان بجامع الخالص،____________________

(١) سورة الواقعة: اآلية ٢.(٢) لم نعثر عليه.

(٣) ال يوجد كتابه.(٤) الفائق: ج ١ ص ٩١.

(٩٥)

Page 96: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

إنك المتفضل باإلحسان، المتطول باالمتنان، الوهاب الكريم ذو الجالل واإلكرام.____________________

وإنما قال: عن علتي ولم يقل: من علتي، مع أن المعروف خرج منه، ألنه قصد االنفصال.قال الرضي: إذا قصدت ب «من» مجرد كون المجرور بها موضعا انفصل عنه الشيءوخرج منه، ال كونه مبدأ لشيء ممتد، جاز أن يقع موقعه «عن»، ألنها لمجرد التجاوز،

تقول: انفصلت منه وعنه ونهيت من كذا وعن كذا (١) انتهى.والمتحول: مصدر ميمي أيضا، من تحول من مكانه بمعنى انتقل عنه.

والصرعة بالفتح: المرة من الصرع وهو الطرح على األرض، وبالكسر: للنوع منه، وقدوردت الرواية في الدعاء بالوجهين.

والمراد بها هنا انطراحه وسقوطه على األرض بسبب المرض.والخالص: مصدر خلص الشيء من التلف خالصا وخلوصا ومخلصا: سلم ونجا.

والكرب: المشقة، والغم يأخذ بالنفس.والروح بالفتح: الراحة والرحمة.

والفرج بفتحتين: اسم من فرج الله الغم بالتشديد: كشفه.المتفضل: المبتدئ بما ال يلزمه، من تفضل عليه وأفضل إفضاال إذا فعل معه من الجميل ما

ال يلزمه ابتداء، وكذلك تطول عليه.ولما كان الله تعالى مبتدئا بما ال يلزمه كان إحسانه وامتنانه تفضال وتطوال.

واالمتنان: افتعال من المنة وهي النعمة الثقيلة.والوهاب: من أبنية المبالغة، من الهبة وهي العطية الخالصة من األغراض

____________________(١) شرح الكافية في النحو للرضي: ج ٢ ص ٣٢١.

(٩٦)

Page 97: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________واألعواض، فإذا كثرت العطايا والصالت سمي صاحبها وهابا ولم تتصور الهبة الخالصة إال

من الله تعالى، ألنه وهب لكل محتاج ما يحتاج من غير عوض.قال بعض أرباب القلوب: من تحقق باسمه الوهاب لم يجد في باطنه حاجة إلى مخلوق،

وال يخطر بباله سؤال غير الله تعالى، وال يلقى بباطنه إال الله تعالى.والكريم: الجواد المعطي الذي ال ينفذ عطاؤه.

وذو الجالل واإلكرام: أي ذو العظمة والتكريم.وقيل: معناه ذو االستغناء المطلق والفضل التام.

وقيل الذي عنده الجالل واإلكرام للمخلصين من عباده.وقيل: ذو العظمة والكبرياء، واستحقاق الحمد والمدح بإحسانه الذي هو في أعلى مراتباإلحسان، وإنعامه الذي هو أصل كل إنعام، والمكرم ألنبيائه وأوليائه بألطافه مع عظمته

وجالله.وقيل: معناه أنه أهل أن يعظم وينزه عما ال يليق بصفاته، كما يقول اإلنسان لغيره: أنا أجلك

عن كذا وأكرمك عنه، كقوله تعالى: «هو أهل التقوى» (١) أي:أهل أن يتقى.

وقيل: ذو الجالل أي صفات التنزيه، نحو ال جوهر وال عرض وال شريك له وال جهة.واإلكرام صفات الوجود، مثل العلم والقدرة.

وقيل: الجالل صفة ذاته، واإلكرام صفة فعله.وبالجملة: فهذه الصفة من عظائم صفاته تعالى.

فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ألظوا بيا ذا الجالل واإلكرام (٢). أي: أكثروا____________________

(١) سورة المدثر: اآلية ٥٦.(٢) النهاية البن األثير: ج ٤، ص ٢٥٢، وبحار األنوار: ج ٩٣ ص ٢٣٥.

(٩٧)

Page 98: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________من قوله وثابروا عليه.

وعنه عليه السالم: أنه مر برجل وهو يصلي ويقول: يا ذا الجالل واإلكرام، فقال: قداستجيب لك. (١).

وقيل: إنه اسم الله األعظم، والله أعلم.العابدين السالكين في شرح صحيفة سيد الخامسة عشرة من رياض الروضة هذا آخر صلوات الله وسالمه عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين. وقد وفق الله تعالى إلتمامها واجتالءحسن ختامها، آخر يوم األربعاء لثالث بقين من محرم الحرام أول شهور سنة تسع وتسعين

وألف، ولله الحمد.____________________(١) تفسير الكشاف: ج ٤ ص ٤٤٧.

(٩٨)

Page 99: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الروضة السادسة عشرة(٩٩)

Page 100: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

دعاء ١٦وكان من دعائه عليه السالم إذا استقال من ذنوبه أو تضرع في طلب العفو عن عيوبه

اللهم يا من برحمته يستغيث المذنبون ويا من إلى ذكر احسانه يفزع المضطرون ويا منلخيفته ينتحب الخاطئون يا أنس كل مستوحش غريب ويا فرج كل مكروب كئيب وياغوث كل مخذول فريد ويا عضد كل محتاج طريد أنت الذي وسعت كل شىء رحمةوعلما وأنت الذي جعلت لكل مخلوق في نعمك سهما وأنت الذي عفوه أعلى من عقابهوأنت الذي تسعى رحمته أمام غضبه وأنت الذي عطاؤه أكثر من منعه وأنت الذي اتسعالخالئق كلهم في وسعه وأنت الذي ال يرغب في جزاء من أعطاه وأنت الذي ال يفرط فيعقاب من عصاه وأنا يا إلهي عبدك الذي أمرته بالدعاء فقال لبيك وسعديك ها أنا ذا يارب مطروح بين يديك أنا الذي أوقرت الخطايا ظهره وأنا الذي أفنت الذنوب عمره وأناالذي بجهله عصاك ولم تكن أهال منه لذاك هل أنت يا إلهي راحم من دعاك فأبلغ فيالدعاء أم أنت غافر لمن بكاك فأسرع في البكاء أم أنت متجاوز عمن عفر لك وجهه تذلال

(١٠١)

Page 101: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

أم أنت مغن من شكا إليك فقره توكال إلهي ال تخيب من ال يجد معطيا غيرك وال تخذلمن ال يستغنى عنك بأحد دونك إلهي فصل على محمد وآله وال تعرض عنى وقد أقبلتعليك وال تحرمني وقد رغبت إليك وال تجبهني بالرد وقد انتصبت بين يديك أنت الذيوصفت نفسك بالرحمة فصل على محمد وآله وارحمني وأنت الذي سميت نفسك بالعفوفاعف عنى قد ترى يا إلهي فيض دمعي من خيفتك ووجيب قلبي من خشيتك وانتقاضجوارحي من هيبتك كل ذلك حياء منك لسوء عملي ولذاك خمد صوتي عن الجأر إليكوكل لساني عن مناجاتك يا إلهي فلك الحمد فكم من عائبة سترتها على فلم تفضحنيوكم من ذنب غطيته على فلم تشهرني وكم من شائبة ألممت بها فلم تهتك عنى سترهاولم تقلدني مكروه شنارها ولم تبد سوءاتها لمن يلتمس معائبي من جيرتي وحسدة نعمتكعندي ثم لم ينهني ذلك عن أن جريت إلى سوء ما عهدت منى فمن أجهل منى يا إلهيبرشده ومن أغفل منى عن حظه ومن ابعد منى من استصالح نفسه حين أنفق ما أجريت

على من رزقك فيما نهيتني عنه من معصيتك ومن ابعد غورا في الباطل و(١٠٢)

Page 102: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اشد اقداما على السوء منى حين اقف بين دعوتك ودعوة الشيطان فأتبع دعوته على عمىمنى في معرفة به وال نسيان من حفظي له وأنا حينئذ موقن بأن منتهى دعوتك إلى الجنةومنتهى دعوته إلى النار سبحانك ما أعجب ما اشهد به على نفسي وأعدده من مكتوم أمريواعجب من ذلك أناتك عنى وإبطاؤك عن معاجلتي وليس ذلك من كرمى عليك بل تأنيامنك لي وتفضال منك على ألن ارتدع عن معصيتك المسخطة واقلع عن سيئاتي المخلقةوألن عفوك عنى أحب إليك من عقوبتي بل أنا يا إلهي أكثر ذنوبا وأقبح آثارا وأشنع أفعاالوأشد في الباطل تهورا واضعف عند طاعتك تيقظا وأقل لوعيدك انتباها وارتقابا من أنأحصى لك عيوبي او اقدر على ذكر ذنوبي وإنما أوبخ بهذا نفسي طمعا في رأفتك التي بهاصالح أمر المذنبين ورجاء لرحمتك التي بها فكاك رقاب الخاطئين اللهم وهذه رقبتي قدأرقتها الذنوب فصل على محمد وآله واعتقها بعفوك وهذا ظهري قد أثقلته الخطايا فصل

على محمد وآله وخفف عنه بمنك يا إلهي(١٠٣)

Page 103: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

لو بكيت إليك حتى تسقط اشفار عيني وانتحبت حتى ينقطع صوتي وقمت لك حتى تتنشرقدماي وركعت لك حتى ينخلع صلبي وسجدت لك حتى تتفقأ حدقتاي وأكلت تراباألرض طول عمرى وشربت ماء الرماد آخر دهري وذكرتك في خالل ذلك حتى يكللساني ثم لم ارفع طرفي إلى آفاق السماء استحياء منك ما استوجبت بذلك محو سيئةواحدة من سيئاتي وإن كنت تغفر لي حين استوجب مغفرتك وتعفو عنى حين استحقعفوك فان ذلك غير واجب لي باستحقاق وال أنا أهل له باستيجاب إذ كان جزائي منك فيأول ما عصيتك النار فإن تعذبني فأنت غير ظالم لي إلهي فإذ قد تغمدتني بسترك فلم

تفضحني وتأنيتني بكرمك فلم تعاجلني وحلمت عنى بتفضلك فلم تغير نعمتكعلى ولم تكدر معروفك عندي فارحم طول تضرعي وشدة مسكنتي وسوء موقفي اللهمصل على محمد وآله وقني من المعاصي واستعملني بالطاعة وارزقني حسن اإلنابة وطهرنيبالتوبة وأيدني بالعصمة واستصلحني بالعافية وأذقني حالوة المغفرة واجعلني طليق عفوك

وعتيق رحمتك(١٠٤)

Page 104: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

واكتب لي أمانا من سخطك وبشرني بذلك في العاجل دون اآلجل بشرى أعرفها وعرفنيفيه عالمة أتبينها إن ذلك ال يضيق عليك في وسعك وال يتكأدك في قدرتك إنك على كل

شىء قدير(١٠٥)

Page 105: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله مقيل عثرات المذنبين، وراحم عبراتالمنيبين، وغافر ذنوب المستقيلين، وساتر عيوب المستغفرين، والصالة والسالم على أشرف

النبيين وعلى آله وعترته الهداة المهديين.وبعد فهذه الروضة السادسة عشرة من رياض السالكين، في شرح الدعاء السادس عشر منصحيفة سيد العابدين صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين، إمالء العبد راجي فضل

ربه السني علي صدر الدين الحسني الحسيني، وفقه الله لرضوانه وهداه سبل (١) عرفانه.____________________

(١) (الف): سبيل.

(١٠٦)

Page 106: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

شرح الدعاء السادس عشروكان من دعائه عليه السالم إذا استقال من ذنوبه، أو تضرع في طلب العفو عن عيوبه:

اللهم يا من برحمته يستغيث المذنبون، ويا من إلى ذكر إحسانه يفزع المضطرون، ويا منلخيفته ينتحب الخاطئون.

____________________استقال: أي سأل اإلقالة، وهي التجاوز عن الذنب. وأصلها من أقال عثرته:

إذا رفعه من سقوطه، ومنه اإلقالة في البيع، ألنها رفع العقد. وإقالة العثرة استعارة للتجاوزعن الذنوب ومنه: أقيلوا ذوي المروات عثراتهم.

والذنوب: جمع ذنب وهو اإلثم، وعرف بأنه ما يحجب العبد عن الله.وتضرع: تذلل وابتهل وبالغ في السؤال، من ضرع له يضرع بالفتح فيهما ضراعة أي: ذل.

والعفو: المحو، وعدي ب «عن» لتضمينه معنى التجاوز.والعيوب: جمع عيب وهو الوصمة، وهو في األصل مصدر عابه يعيبه، لكنه استعمل اسما

فجمع على عيوب.قدم الجار والمجرور على الفعل في المواضع الثالثة إلفادة القصر. واستغاث به:

برحمته أي: كشف الله أغاثهم يقال إغاثته أي: نصره وإعانته وكشف شدته، طلب شدتهم.

(١٠٧)

Page 107: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وخص الرحمة إما ألنها بمعنى ترك عقوبة من يستحقها، فناسب استغاثة المذنبين بها، وإمابمعنى إرادة إيصال الخير، فهي متقدمة على المغفرة والعفو، فال يغفر وال يعفو حتى يرحم،

فاستغاثوا بها لترتب المغفرة عليها.والذكر في اللغة: التنبه لشيء (١)، وإذا ذكرت شيئا فقد نبهت له، ومن ذكرك شيئا فقد

نبهك عليه.قال الواحدي: معنى الذكر حضور المعنى في النفس، ثم يكون تارة بالقلب وتارة بالقول،

وليس شرطه أن يكون بعد نسيان (٢) انتهى.وإحسانه تعالى تفضله وتطوله.

وفزع إليه يفزع - من باب فرح -: لجأ إليه واعتصم به.وقال في المحكم: فزع إلى القوم استغاثهم، وفزع فالن القوم وأفزعهم أغاثهم، قال زهير:

إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم * طوال رماح إلضعاف وال عزل.وفزع إليه: لجأ (٣) انتهى.

والمضطر: مفتعل من الضرورة، وهو الذي اشتد ضره وبلغ منه كل مبلغ.والمعنى: أن كل مضطر ال يفزع وال يلجأ إال إلى ذكر إحسانه تعالى إليه بكشف ضره،

كما قال سبحانه: «ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون (٤)، أي تتضرعون.والجؤار: رفع الصوت بالدعاء واالستغاثة.

والخيفة: الخوف، أصلها خوفة قلبت الواو ياء النكسار ما قبلها.____________________

(١) (الف): للشيء.(٢) تهذيب األسماء واللغات للنووي: الجزء األول من القسم الثاني ص ١١١.

(٣) المحكم البن سيده: ج ١ ص ٣٣٠.(٤) سورة النحل: اآلية ٥٣.

(١٠٨)

Page 108: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

يا أنس كل مستوحش غريب، ويا فرج كل مكروب كئيب، ويا غوث كل مخذول فريد،ويا عضد كل محتاج طريد.

____________________واالنتخاب: أشد البكاء، يقال: نحب نحبا - من باب منع - وانتحب انتحابا، واالسم

النحيب.والخاطئون: أصحاب الخطايا من خطئ - من باب علم - إذا تعمد الذنب، من الخطأ

المقابل للصواب دون المقابل للعمد.يقال: خطأ إذا تعمد ما نهي عنه فهو خاطئ، وأخطأ إذا أراد الصواب فصار إلى غيره فهو

مخطئ.وقال أبو عبيدة: خطئ خطأ - من باب علم - وأخطأ بمعنى واحد (١) لمن يذنب على

غير عمد.وقال غيره: خطئ في الدين وأخطأ في كل شئ عامدا كان أو غير عامد.

وقال في القاموس: خطئ في دينه وأخطأ: سلك سبيل خطأ عامدا أو غيره، والخاطئمتعمده (٢).

أنس يأنس انسا - من باب علم وفي لغة من باب ضرب -: إذا سكن قلبه ولم ينفر،واالنس بالضم اسم منه.

واستوحش: وجد الوحشة وهي خالف االنس.والغريب: فعيل بمعنى فاعل، من غرب الشخص بالضم غرابة بعد عن الوطن، واالسم الغربة

بالضم.والفرج بفتحتين: انكشاف الكرب والهم، من فرج الله الهم: كشفه.

ورجل مكروب: محزون مهموم.وكئب - من باب تعب - كآبة بمد الهمزة: حزن أشد الحزن فهو كئيب.

____________________(١) مجاز القرآن ألبي عبيدة: ج ١ ص ٣١٨.

(٢) القاموس المحيط: ج ١ ص ١٣.

(١٠٩)

Page 109: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والغوث: اسم من أغاثه إذا أعانه ونصره. وإطالق لفظ االنس والفرج والغوث عليه تعالى

وإن كان ذلك به مجاز، من باب إطالق اسم المسبب على السبب.الخذالن فهو مخذول، واالسم وإعانته ترك نصره قتل -: باب وخذله يخذله - من

بالكسر.والفريد: المنفرد.

والعضد: ما بين المرفق إلى الكتف، ثم استعير للمعين والناصر، والجامع االستعانة، وهياستعارة تبعية، وفي التنزيل «ما كنت متخذ المضلين عضدا» (١).

يقال: هو عضدي وهم عضدي وهم أعضادي.والطريد فعيل بمعنى مفعول، من طرده طردا - من باب قتل - إذا أبعده.

وهذه االعتبارات األربعة راجعة إلى معنى واحد، هو كونه تعالى ملجأ كل مضطر فيضرورته، من وحشة وغربة وكآبة وكربة وخذالن وانفراد. واحتياج وإبعاد. فالمستوحشالغريب إذا ضاق به األمر فزع إليه في إيناس وحشته وغربته، والمكروب الكئيب إذا أمضهالهم لجأ إليه في كشف كآبته وكربته، والمخذول الفريد إذا بلغت منه الشدة ضرع إليه فينصرته وإعانته، والمحتاج الطريد إذا تناهت به الحال عول عليه في كفايته وإعانته، فعلم منكل نجواه وكشف بلواه. وهذه االعتبارات تستلزم كمال القدرة لله تعالى، لشهادة فطرةكل ذي ضرورة بنسبة جميع أحوال وجوده إلى جوده، وتستلزم كمال العلم له سبحانه،لشهادة فطرته باطالعه على ضرورته، وكل مفزع وملجأ غيره فالمضطر ما ال لكل مضطرومجاز ال حقيقة، وإضافي ال حقيقي. وقد تفسر هذه الفقرات بمعنى هو من مشرب أهل

____________________(١) سورة الكهف: اآلية: ٥١.

(١١٠)

Page 110: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

أنت الذي وسعت كل شئ رحمة وعلما، وأنت الذي جعلت لكل مخلوق في نعمكسهما.

____________________التوحيد والعرفان أقرب، فيقال: إن كل ما يتصور أن يأنس به كل ذي وحشة، ويفرج بهكرب كل ذي كرب، ويغاث به كل مخذول، ويعضد به كل طريد، إنما هو لمعة من نوررحمته ورشحة من بحار لطفه ورأفته، إذ ليس في الوجود إال ذاته وصفاته وآثاره، فتحققأنه أنس كل مستوحش وفرج كل مكروب وغوث كل مخذول وعضد كل مطرود، والله

أعلم.وسع اإلناء المتاع بالكسر يسعه بالفتح: أي اتسع له.

قال الزمخشري: فإن قلت: تعالى الله عن المكان، فكيف صح أن يقال: وسع كل شئ؟قلت: الرحمة والعلم اللذان وسعا كل شئ في المعنى، واألصل وسع كل شئ رحمتكوعلمك، ولكن أزيل الكالم عن أصله بأن اسند الفعل إلى صاحب الرحمة والعلم، وأخرجامنصوبين على التمييز لإلغراق في وصفه بالرحمة والعلم، كأن ذاته رحمة وعلم واسعان كل

شئ (١) انتهى.والمعنى أنه ال اختصاص لرحمتك بشيء دون شئ، بل شملت جميع األشياء، وال يختصعلمك بمعلوم دون آخر، بل أنت تفسير عالم بكل معلوم. وتقديم الرحمة ألنها المقصودة

بالذات هاهنا، كما في آية المؤمن المقتبس منها، وهي قوله تعالى:«ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما» (٢).

قال أكثر المحققين: معنى اتساع رحمته لكل شئ أن رحمته تعالى في الدنيا نعم الكل، فمامن مسلم وال كافر وال مطيع وال عاص بل ما من مكلف وغيره إال وهو متقلب في نعمته،

وأما في اآلخرة فهي مختصة بالمؤمنين.وقيل: الرحمة عبارة عن إرادة الخير، وال حي إال وقد خلقه الله تعالى للرحمة

____________________(١) تفسير الكشاف: ج ٤ ص ١٥٣.

(٢) سورة غافر: اآلية: ٧.

(١١١)

Page 111: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والخير واللذة، وإن حصل هناك ألم فله أعواض كثيرة.

والسهم: النصيب، وهو في األصل واحد السهام التي يضرب بها في الميسر وهي القداح،ثم سمي ما يفوز به الفالج سهما تسميته بالسهم المضروب به، ثم كثر حتى سمي كل

نصيب سهما، قاله الزمخشري في الفائق (١).قيل: ولما كان سبوغ نعمه تعالى دائما آلثار قدرته التي استلزمت طبائعها الحاجة إليه،فوجب لها فيض جوده، إذ كل ممكن مفتقر إلى كرمه وجوده في حال وجوده، صدق أنه

تعالى جعل لكل مخلوق في نعمه سهما.وقيل: الوجود خير من العدم، فال موجود إال وهو مشمول بنعمته.

والظاهر أن المراد بالفقرة الثانية أخص من المراد بالفقرة األولى، فيكون المراد بقوله:«وسعت كل شئ رحمة» الرحمة العامة، أعني إفاضة الوجود على الممكنات، وبقوله:«جعلت لكل مخلوق في نعمك سهما» تخصيص كل ممكن بحصة من كل تلك الرحمة،

أعني الوجود الخاص وما يتبعه من وجود كماالته، كما قال تعالى:«ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى» (٢).

أو يكون المراد برحمته التي وسعت كل شئ ما يعم الكل في األطوار كلها، حسبما فيقوله تعالى: «ورحمتي وسعت كل شئ» (٣)، وبجعله لكل مخلوق في نعمه سهما مايفيض على الكل بعد الخروج إلى طور الوجود من النعم، كما يدل عليه لفظ كل مخلوق،فبين أنه تعالى خالق لجميع األشياء منعم عليها بجميع ما يليق بها بطريق التفضل. وأتىبلفظ النعم مجموعا إيذانا بتنوعها، ألن منها ما هو محسوس وغير محسوس، ومعلوم وغيرمعلوم، إلى غير ذلك. وجاء بالعائد في خبر الموصول مخاطبا، وإن كان األكثر لكونه غائبا

كما في الفقرات اآلتية - استلذاذا بالخطاب.____________________

(١) الفائق: ج ٢ ص ٢١٢.(٢) سورة طه اآلية: ٥٠.

(٣) سورة األعراف: اآلية: ١٥٦.

(١١٢)

Page 112: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وأنت الذي عفوه أعلى من عقابه، وأنت الذي تسعى رحمته أمام غضبه.____________________

أعلى: أي أغلب، من عال فالن فالنا بمعنى غلبه وقهره، ومنه قوله تعالى:«ال تخف إنك أنت األعلى» (١)، أي: أنت الغالب عليهم والقاهر لهم. ولما كان العفوخيرا وهو مطلوب بالذات، والعقاب شرا وهو مطلوب بالعرض، وما بالذات راجح غالب،

كان عفوه تعالى أعلى من عقابه.روي أن حبيب بن الحرث قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني رجل مقراف

للذنوب فقال له: فتب إلى الله يا حبيب، فقال إني أتوب ثم أعود، قال:كلما أذنبت فتب، حتى قال عفو الله أكثر من ذنوبك يا حبيب (٢).

وهو نص في أن الذنوب والمعاصي المقتضية للعقاب واالنتقام ال تغلب العفو وإن كثرت،بل هو غالبها، فكان عفوه تعالى أعلى من عقابه، وفي التنزيل: «وما أصابكم من مصيبة فبما

كسبت أيديكم ويعفو عن كثير» (٣).وفي الحديث: ليغفرن الله تعالى يوم القيامة مغفرة ما خطرت قط على قلب أحد، حتى أن

إبليس ليتطاول لها رجاء أن تصيبه (٤).وسعى يسعى سعيا - من باب أبى -: عدا في مشيه. واألمام بالفتح: نقيض الوراء.

وسعي الرحمة أمام الغضب عبارة عن سبقها له، كما ورد في دعاء آخر «سبقت رحمتكغضبك» (٥).

____________________(١) سورة طه: اآلية ٦٠٨.

(٢) ربيع األبرار للزمخشري: مخطوط ص ٤٣ باب الجناية والذنوب.(٣) سورة الشورى: اآلية ٣٠.

(٤) إحياء علوم الدين: ج ٤ ص ١٥١.(٥) صحيح البخاري ج ٩ ص ١٦٥ وفيه «سبقت رحمتي غضبي».

(١١٣)

Page 113: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وأنت الذي عطاؤه أكثر من منعه، وأنت الذي اتسع الخالئق كلهم في وسعه.____________________

قال شارح الفصوص في معنى سبق الرحمة للغضب: اعلم أن الغضب في الجناب اإللهيليس إال إفاضة الوجود على حال غير مالئم للمغضوب عليه في المغضوب عليه بحيثيتضرر ويتألم، وال شك أن تلك اإلفاضة أمر وجودي يطلب الوجود الذي هو الرحمة، فمالم يتعلق الوجود الذي هو الرحمة لم يتحقق الغضب فهو مسبوق بالرحمة. وأيضا إفاضةالرحمة، لكن قد ينصبغ باعتبار متعلقه بصبغ الغضب، وال شك أن الوجود مطلقا هو انصباغها بهذا الصبغ متأخر عنها، فهذا معنى آخر لسبق الرحمة على الغضب. وقد يجعل

السبق بمعنى الغلبة، فسبق الرحمة الغضب باعتبار غلبتها عليه آخرا (١) انتهى.وقيل: لما كانت الرحمة مقصودة أوال وبالذات، والغضب مقصودا بالعرض والتبع، ألنهمقتضى معاصي العباد، وما بالذات متقدم على ما بالتبع، كانت الرحمة سابقة للغضب.والظاهر أن المراد هنا أن من كان من أهل الرحمة والغضب، توجهت إليه الرحمة قبلالتجدد على الدالة االستقبال صيغة إيثار ذلك على يدل كما إليه، وسبقته الغضب

الدهور. مر على الجارية سنته وأنها واالستمرار، العطاء بالمد ويقصر: اسم من أعطيته الشيء إذا سمحت له به، ويطلق على المعطي نفسه

أيضا.والمراد هنا المعنى األول، لمقابلته بالمنع وهو ضد العطاء. ولما كانت نعم الله تعالىالمستفيضة عن جوده وعطائه على خلقه غير منحصرة وال معدودة، كما قال سبحانه: «وإن

تعدوا نعمة الله ال تحصوها» (٢)، وكان منعه ال عن بخل وال ضيق،____________________

(١) شرح القيصري علي فصوص الحكم: ص ٣٧٧ - ٣٧٨ نقال بالمعنى.

(٢) سورة النحل: اآلية: ١٨.

(١١٤)

Page 114: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الفقر ولو أغنيته ألفسده ذلك (١).

بالفاقة أمر دينهم إال لعبادا ال يصلح لهم المؤمنين وفي حديث آخر: وإن من عبادي والمسكنة والسقم في أبدانهم، فأبلوهم بالفاقة والمسكنة والسقم فيصلح عليه أمر دينهم،

وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر دين عبادي المؤمنين (٢).ذلك ومع الجود. عين أنه العقل يقضي ما منعه من حكمة بين فتراه سبحانه كيف فاالستقراء دال على أن الخير غالب كالصحة والشبع والسمع والبصر إلى غير ذلك، حتىأنه ما أحله سبحانه لعباده أكثر مما حرم عليهم، فإن الواجب والمندوب والمباح والمكروهيصدق على جميعها اسم الحالل، وهي أكثر من الحرام الذي هو قسم واحد من األحكام،وما ذلك إال لجوده الكامل وعطائه الشامل، فسبحان من ال تزيده كثرة العطاء إال كرما

وجودا.قوله عليه السالم: «وأنت الذي اتسع الخالئق كلهم في وسعه» اتسع مطاوع وسع اإلناءالمتاع فاتسع هو فيه، مثل قولنا: كسرت اإلناء فانكسر، فقولنا: انكسر مطاوع لكسرت،

ومعناه أنه قبل الفعل أي: األثر وهو الكسر ولم يمتنعمن قبوله، فكأنه طاوع األول.

قال في القاموس: هذا اإلناء يسع عشرين كيال أي يتسع لعشرين، وهذا يسعه عشرون كيالأي: يتسع فيه عشرون. (٣).

والوسع مثلثة: الجدة والغنى كالسعة، والهاء عوض عن الواو. ومن األسماء الحسنى الواسعأي: الذي وسع رزقه جميع خلقه ورحمته كل شئ.

____________________(١) الجواهر السنية في األحاديث القدسية: ص ١٦٠ وفيه: إال الفاقة.

(٢) الجواهر السنية في األحاديث القدسية: ص ١١٦.(٣) القاموس المحيط ج ٣ ص ٩٣.

(١١٦)

Page 115: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وأنت الذي ال يرغب في جزاء من أعطاه، وأنت الذي ال يفرط في عقاب من عصاه.____________________

الجزاء بالمد: المكافاة على الشيء.ولما كان تعالى هو الغني المطلق في كل شئ عن كل شئ، صدق أنه لم يعط من أعطاهرغبة في جزائه، بل بمحض جوده وهو فيضان الخير عنه على كل قابل بقدر ما يقبله، منغير بخل وال منع وال شائبة غرض وال ضميمة علة. وبهذا االعتبار كان كل شئ مربوبا لهوهو رب كل شئ، وكل عبد فقير وهو مغنيه. وفيه تنزيه له تعالى عن صفة المخلوقين، ألنالرغبة في الجزاء من لوازم االحتياج الذي هو من صفات المخلوق ال الخالق، وإذ ال

احتياج فال رغبة في الجزاء.وأفرط في األمر يفرط إفراطا: أسرف وتجاوز الحد.

ولما كان تعالى قائما بالقسط عدال في الحكم، لم يكن ليفرط في عقاب من عصاه ويشتطفي االنتقام منه فعل من يريد التشفي من عدوه بضرر ألم لحقه بتعديه عليه، وذلك محال فيصفة الله تعالى، بل عقابه بقدر المعصية حسبما يقتضيه عصيان العاصي، كما قال سبحانه:«من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فال يجزى إال مثلها وهم ال يظلمون»(١)، وذلك من عظيم فضله تعالى وجزيل إنعامه على عباده، حيث ال يقتصر في الثوابعلى قدر االستحقاق بل يزيد عليه، وربما يعفو عن ذنوب المؤمن منا منه عليه وتفضال،

وإن عاقب عاقب على قدر االستحقاق عدال منه وقسطا.فإن قلت: كيف يكون عقابه على قدر االستحقاق، وكفر الكافر منقطع وعذابه مؤبد؟.

قلت: إن الكافر كان على عزم الكفر لو عاش أبدا، فاستحق العقاب األبدي____________________

(١) سورة األنعام: اآلية: ١٦٠.

(١١٧)

Page 116: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________بناء على ذلك االعتقاد. وأيضا الذي جهله الكافر وهو ذات القديم سبحانه وصفاته شئ ال

نهاية له، فيكون جهله ال يتناهى فكذا عقابه.وفي رواية ابن إدريس «ال يفرط في عقاب من عصاه» بتشديد الراء، من فرط في األمر

تفريطا أي: قصر فيه وضيعه حتى فات.والمعنى على هذا أنه سبحانه ال يترك عقاب من عصاه إهماال وتقصيرا منه بل يجازيالعاصي بمعصيته، كما قال في محكم كتابه: «ليس بأمانيكم وال أماني أهل الكتب من

يعمل سوء يجز به وال يجد له من دون الله وليا وال نصيرا» (١).ال يقال هذا يدل على ما ذهب إليه المعتزلة من القطع بوعيد الفساق ونفي الشفاعة في درءالعقاب، ألنا نقول: هو مخصوص بالكفار، وعلى تسليم عمومه فهو مخصوص بآيات العفووالمغفرة، كقوله تعالى: «ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء» (٢)، أو يكون عقابه وجزاؤه

اآلالم واألسقام والهموم والغموم الدنيوية.روي أنه لما نزلت اآلية المذكورة بكى المسلمون وحزنوا، وقالوا: يا رسول الله ما أبقتهذه اآلية من شئ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أما والذي نفسي بيده إنها لكما نزلت،ولكن أبشروا وقربوا وسددوا إنه ال يصيب أحدا منكم مصيبة إال كفر الله بها حتى الشوكة

يشاكها أحدكم في قدمه (٣).وعن أبي جعفر عليه السالم: أن الله إذا كان من أمره أن يكرم عبدا له وله ذنب ابتالهبالسقم، فإن لم يفعل ذلك به ابتاله بالحاجة، فإن لم يفعل ذلك به شدد عليه الموت ليكافئه

بذلك (٤).وعن أبي عبد الله عليه السالم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله

____________________(١) سورة النساء: اآلية: ١٢٣.(٢) سورة النساء: اآلية: ٤٨.

(٣) الدر المنثور: ج ٢ ص ٢٢٧.(٤) الكافي: ج ٢ ص ٤٤٤ ح ١.

(١١٨)

Page 117: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________تعالى: وعزتي وجاللي ال اخرج عبدا من الدنيا وأنا أريد أن أرحمه حتى أستوفي منه كلخطيئة عملها، إما بسقم في جسده وإما بضيق في رزقه وإما بخوف في دنياه، فإن بقيتعليه بقية شددت عليه عند الموت. (١) والروايات في هذا المعنى كثيرة. سلمنا أن العقابوالجزاء إنما يصل إليه في اآلخرة لكنه روي عن ابن عباس رضي الله عنه: أنه لما نزلتاآلية شقت على المسلمين، وقالوا: يا رسول الله وأينا لم يعمل سوء فكيف الجزاء؟ فقالصلى الله عليه وآله: إنه تعالى وعد على الطاعة عشر حسنات وعلى المعصية الواحدةواحدة، فمن جوزي بالسيئة نقصت واحدة من عشرة وبقيت له تسع حسنات، فويل لمنغلبت آحاده أعشاره. (٢) أما حديث نفي الشفاعة، فإذا كانت شفاعة من هو أهل للشفاعة

بإذن الله تعالى، صدق أنه ال ولي ألحد وال نصير إال الله جل جالله.وفي رواية أخرى «يفرط في عقاب من عصاه» من فرط في األمر يفرط فرطا - من باب

كتب - وله معنيان:أحدهما: أن يكون بمعنى فرط في األمر تفريطا بمعنى قصر فيه وضيعه كما مر، يقال: فرط

في األمر فرطا وفرط تفريطا بمعنى.والثاني: أن يكون بمعنى عجل وبادر، ومنه قوله تعالى: «إننا نخاف أن يفرط علينا» (٣)

أي: يبادر بعقوبتنا ويعجل علينا بها.والمعنى على هذا أنه سبحانه ال يعجل وال يبادر في عقاب من عصاه، بل يحلم ويتأنى عليه

ليراجع التوبة تفضال منه، أو لما في ذلك من المصلحة التي هو أعلم بها.____________________

(١) الكافي: ج ٢ ص ٤٤٤ ح ٣.(٢) التفسير الكبير للفخر الرازي: ج ١١ ص ٥٣.

(٣) سورة طه: اآلية: ٤٥.

(١١٩)

Page 118: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وأنا يا إلهي عبدك الذي أمرته بالدعاء، فقال لبيك وسعديك ها أنا ذا يا رب مطروح بينيديك.

____________________العباد وال يستفزه الذي ال يستخفه شئ من معاصي الحليم أي: ومن أسمائه الحسنى

إليه. الغضب عليهم، ولكنه جعل لكل شئ أمدا فهو منته وفي الحديث أن الله يمهل وال يهمل (١). قال الله تعالى «ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبواما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان

بعباده بصيرا» (٢).أمرته بالدعاء إشارة إلى قوله تعالى: «ادعوني أستجب لكم» (٣).

ولبيك: مثنى مصدر لب بالمكان إذا أقام به، وجوز أن يكون مصدر ألب بمعنى لب،فيكون محذوف الزوائد. والوجه األول، ألن األصل عدم الحذف، فاألصل إذن ألب لكلبين، أي: أقيم على طاعتك لبا كثيرا متتاليا متكررا، وليس المراد خصوص االثنين، وجعلت

التثنية دالة على التكثير ألنها أول تضعيف للعدد.وزعم يونس أن لبيك مفرد ك «لديك»، واألصل لبب كجعفر قلبت الباء األخيرة ياء لثقلالتضعيف، ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم صارت ياء باإلضافة إلى الضمير

كلديك وعليك (٤).أجبتك دعوتني كلما أي: إسعاد، بعد إسعادا أسعدك أي: لبيك، تابعة وسعديك: وساعدتك، وال تستعمل بدونها وتستعمل لبيك بدونها. وهما منصوبان بعامل محذوفواجب الحذف لوجود القرينة وهي النصب المشعر بالحذف وقيام التكرير مقام المحذوف،

كذا قيل.____________________

(١) تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس: ج ١ ص ٣٣.(٢) سورة فاطر: اآلية ٤٥.(٣) سورة غافر: اآلية ٦٠.

(٤) راجع لسان العرب: ج ١ ص ٧٣٢، وتاج العروس: ج ١، ص ٤٦٥.

(١٢٠)

Page 119: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ودفع بأن التكرير ال يصلح لذلك، لكونه أمرا معنويا فال ينوب عن اللفظ المحذوف ثم يرد

نحو «ثم ارجع البصر كرتين» (١)، ألنه مصدر مثنى فيه معنى التكرير ولم يجب حذفه.قال الرضي: ليس وقوع المصدر مثنى من المصادر التي يعرف بها وجوب حذف فعله،سواء كان المراد بالتثنية التكرير نحو «ثم ارجع البصر كرتين» أي: رجعا كثيرا مكررا، أوكان لغير التكرير نحو ضربته ضربتين أي: مختلفتين، بل الضابط لوجوب الحذف في هذا

وأمثاله إضافة إلى الفاعل أو المفعول (٢).وبيانه: أنه لما كان حق الفاعل والمفعول به أن يعمل فيهما الفعل ويتصالبه، واستحسنحذف الفعل في هذا وأمثاله، بقي المصدر مبهما ال يدرى ما تعلق به من فاعل أو مفعول،فذكر ما هو مقصود المتكلم من أحدهما بعد المصدر ليختص به، فلما تبين بعد المصدرباإلضافة قبح إظهار الفعل بل لم يجز ويقدر عامل لبيك من معناها وعامل سعديك من

لفظها.والكاف فيهما في موضع المفعول، ألن المعنى لزوما وانقيادا إلجابتك ومساعدة لما تحبه.

وزعم األعلم أن الكاف حرف الخطاب ال موضع لها من اإلعراب كهي في ذلك، وحذفتالنون لشبه اإلضافة، وألن الكاف تطلب االتصال باالسم كاتصالها باسم اإلشارة والنون

تمنعها من ذلك فخذفت (٣).ورد بأن وقوع االسم الظاهر وضمير الغائب موضع الكاف في قوله: قلبي يدي مسود،

وقوله لبيه: لمن يدعوني، يبطل كونها حرفا.قوله عليه السالم: «ها أنا ذا يا رب مطروح بين يديك» هذه الجملة يحتمل أن

____________________(١) سورة الملك: اآلية ٤.

(٢) شرح الكافية في النحو للرضي: ج ١ ص ١٢٥.(٣) راجع الحدائق الندية: ص ٢١١.

(١٢١)

Page 120: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

أنا الذي أوقرت الخطايا ظهره، وأنا الذي أفنت الذنوب عمره.وأنا الذي بجهله عصاك، ولم تكن أهال منه لذاك.

____________________تكون محكية بالقول أيضا فتكون في محل نصب، ويحتمل أن تكون كالما مستأنفا،

فتكون جملة مستأنفة منقطعة عما قبلها ال محل لها من اإلعراب.وطرحته طرحا - من باب نفع -: رميت به وألقيته فهو مطروح. وبين اليدين:

عبارة عن األمام بمعنى قدام، ألن ما بين يدي اإلنسان أمامه وقدامه، وهو من باب التمثيلكما مر بيانه.

أوقرت: أي أثقلت من الوقر بمعنى الثقل، يقال: أو قره الدين إذا كثر عليه.وتوهم بعضهم أنه من الوقر بمعنى الحمل، وليس بصحيح، إذ يكون المعنى حينئذ أنا الذيحملت الخطايا ظهره وقرا. والخطايا هي الوقر فهي المحمولة، فكيف تكون هي الحاملة؟.والصحيح ما ذكرناه. وهو استعارة مكنية تخييلية، شبه الخطايا في نفسه باألعباء الثقيلة فيمايترتب عليها من الجهد والمشقة، ثم أثبت لها اإليقار أي: اإلثقال الذي هو مختص بالمشبه

به، وهذا هو التخييل.وفني الشيء كرضي فناء بالمد: عدم، ويعدى بالهمزة فيقال: أفنيته. وإسناد اإلفناء إلىالذنوب مجاز عقلي لتلبس الفاعل بها، إذ المعنى أنا الذي صرف وأذهب في اكتساب

الذنوب عمره.بجهله: متعلق بعصاك.

والباء: للسببية، أي: بسبب جهله. وليس المراد بالجهل هنا عدم العلم، بل عدم التفكر فيالعاقبة كما يفعله الجاهل، ويعبر عن هذا المعنى للجهل بالسفه، وهو خفة تعرض لإلنسانمن رغبة أو رهبة أو غضب ونحوه، تحمله على عدم التفكر في العاقبة، فيعمل بخالف طور

العقل وموجب الشرع. وبهذا المعنى فسر أكثر(١٢٢)

Page 121: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________المفسرين قوله تعالى: «إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة» (١).

قال القاضي: أي متلبسين بها سفها، فإن ارتكاب الذنب سفه وتجاهل (٢).وقال قتادة: اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فرأوا أن كل شئ عصى به العبد

ربه فهو جهالة، عمدا كان أو خطأ (٣).وعن مجاهد: من عصى الله تعالى فهو جاهل حتى ينزع عن جهالته (٤).

قال العالمة الطبرسي في مجمع البيان: وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السالم، فإنه قال:كل ذنب عمله عبد وإن كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه، فقد حكىالله سبحانه قول يوسف في إخوته: «هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون»

فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله تعالى (٥).وقال النيسابوري: قال أكثر المفسرين: كل من عصى الله فهو جاهل وفعله جهالة، ولهذاقال موسى: «أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين»، ألنه حيث لم يستعمل ما معه من العلمبالعقاب والثواب فكأنه ال علم له، وبهذا التفسير تكون المعصية مع العلم بأنها معصية

جهالة. وقيل المراد أنه جاهل بعقاب المعصية (٦) انتهى.وأما حمل الجهل على عدم العلم فذهب إليه الجبائي في اآلية، وقال: معناه أنهم يجهلون

أنها ذنوب ومعاصي فيفعلونها، إما بتأويل يخطئون فيه، وإما بأن____________________

(١) سورة النساء: اآلية: ١٧.(٢) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج ١ ص ٢٠٩.

(٣) الدر المنثور: ج ٢ ص ١٣٠ مع اختالف يسير في العبارة.(٤) تفسير أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج ١ ص ٢٠٩.

(٥) مجمع البيان: ج ٣ - ٤ ص ٢٢.(٦) غرائب القرآن ورغائب الفرقان: ج ١ ص ٤١٣ و ٤١٤.

(١٢٣)

Page 122: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

هل أنت يا إلهي راحم من دعاك فأبلغ في الدعاء؟ أم أنت غافر لمن بكاك فأسرع فيالبكاء؟.

____________________يفرطوا في االستدالل على قبيحها (١).

وضعف الرماني ذلك بأنه خالف ما أجمع عليه المفسرون، وألنه يوجب أن ال يكون لمنعلم أنها ذنوب توبة، ألن قوله تعالى: «إنما التوبة» يفيد أنها لهؤالء دون غيرهم. (٢) قوله

عليه السالم: «ولم تكن أهال منه لذاك».الواو للحال أي: والحال أنك لم تكن مستوجبا منه للعصيان.

يقال: هو أهل لكذا أي: مستوجب له، للواحد والجمع.ويقال: هو أهل كذا أيضا باإلضافة، قال تعالى: «وكانوا أحق بها وأهلها» (٣).

وفي الحديث: أهل الثناء والمجد (٤)، أي: مستحقهما، وأصله من األهل بمعنى عشيرةالرجل وذوي قرباه.

هذا االستفهام يمتنع حمله على حقيقته، فالمراد منه طلب إيجاب الرحمة وسؤال تحققهاسريعا.

قال الزمخشري: في قوله تعالى: «وقيل للناس هل أنتم مجتمعون» (٥) المراد منه:استعجالهم واستحثاثهم، كما يقول الرجل لغالمه: هل أنت منطلق إذا أراد أن يحرك منه

ويحثه على االنطالق، ومنه قول تأبط شرا:* هل أنت باعث دينار لحاجتنا *

____________________(١) و (٢) مجمع البيان: ج ٣ - ٤ ص ٢٢.

(٣) سورة الفتح: اآلية: ٢٦.(٤) المصباح المنير: ص ٣٩. وراجع الملحق من إحياء العلوم، كتاب عوارف

المعارف ص ١٦٤.(٥) سورة الشعراء اآلية: ٣٩.

(١٢٤)

Page 123: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________يريد ابعثه لنا سريعا وال تبطئ به (١) انتهى ملخصا.

وقول بعض المترجمين: إن االستفهام هنا للتقرير ليس بشيء، ألن معنى التقرير حملكالمخاطب على أن يقر بأمر يعرفه، نحو «هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون» (٢) أي: ألميثوب، وهذا المعنى ليس مرادا هنا قطعا، إال أن يراد بالتقرير التحقيق واإلثبات نحو «هل

في ذلك قسم لذي حجر» (٣).

وأبلغ في الشيء: إذا فعله بمبالغة.قال الزمخشري في األساس: أبلغت إلى فالن إذا فعلت به ما بلغ به األذى والمكروه البليغ

.(٤)والرواية المشهورة «فأبلغ» بإسناده إلى المتكلم، وهو فعل مضارع منصوب بأن مضمرة

بعد الفاء السببية في جواب االستفهام.وفي رواية ابن إدريس «فأبلغ» بإسناده إلى ضمير الغائب، فهو فعل ماض معطوف بالفاء

على دعاك.قوله عليه السالم: «أم أنت غافر لمن بكاك».

ذلك مع وتقتضي «بل»، ك اإلضراب ومعناها منقطعة هنا وهي أم: حرف عطف، بكاك؟. لمن غافر أنت هل أم والتقدير: استفهاما،

وبكى يبكي وبكا وبكاء بالقصر والمد مع ضم الباء فيهما.وقيل: القصر مع خروج الدموع، والمد على إرادة الصوت. وقد جمع الشاعر اللغتين فقال:

بكت عيني وحق لها بكاها * وما يغني البكاء وال العويل____________________(١) تفسير الكشاف: ج ٣ ص ٣١١.

(٢) سورة المطففين: اآلية: ٣٦.(٣) سورة الفجر: اآلية: ٥.(٤) أساس البالغة: ص ٥٠.

(١٢٥)

Page 124: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

أم أنت متجاوز عمن عفر لك وجهه تذلال؟ أم أنت مغن من شكى إليك فقره توكال؟.____________________

يقال: بكاه وبكى له وبكاه بالتشديد بمعنى.والمراد من البكاء على الله البكاء على ما فاته من طاعته أو على ما ارتكبه من عصيانه.ويحتمل أن يكون على حذف الجار، يقال توسعا أي: بكا إليك، كما يقال شكاه حالهأي: شكى إليه حاله، فحذف وأوصل. وهو كثير واقع في فصيح الكالم، كقوله تعالى:

«فاستبقوا الصراط» (١) أي: إليه، و «سنعيدها سيرتها» (٢).أي إليها، «والقمر قدرناه منازل» (٣) أي: قدرنا له منازل. وأسرع في مشيه وغيره إسراعا:

عجل. قيل: األصل أسرع مشيه و «في» زائدة. وقيل األصل أسرع الحركة في مشيه.وقيل: أسرع الحركة الزم كسرع، نص عليه ابن سيدة (٤) فيكون الظرف حاال أي. أخذا

في البكاء.وفي رواية «وأسرع» بالواو العاطفة مسندا إلى ضمير الغائب على انه فعل ماض معطوف

على بكاك.«أم» هذه كالتي قبلها، إال أنها تحتمل أن تكون هنا مقتضية مع اإلضراب استفهاما كماتقدم ويحتمل أن تكون لمحض اإلضراب، والمعنى: بل أنت متجاوز من غير تقدير «هل».

والتجاوز: العفو والصفح، وقد تقدم الكالم عليه.وعفر وجهه عفرا - من باب ضرب - وعفره بالتثقيل للمبالغة: مرغه في العفر، وهو وجه

األرض، ويطلق على مطلق التراب.____________________

(١) سورة يس: اآلية: ٦٦.(٢) سورة طه: اآلية: ٢١.(٣) سورة يس: اآلية: ٣٩.

(٤) لم نعثر عليه.

(١٢٦)

Page 125: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

إلهي ال تخيب من ال يجد معطيا غيرك، وال تخذل من ال يستغني عنك بأحد دونك.____________________

وتذلال وتوكال: يحتمل نصبهما أن يكون على المصدرية، أي: فتذلل تذلال وتوكل توكال،وأن يكون على الحالية، أي: متذلال ومتوكال، وأن يكون على المفعول ألجله، أي: ألجلالتذلل والتوكل. ومثل ذلك قوله تعالى: «يريكم البرق خوفا وطمعا» (١)، أي: فيخافون

خوفا وتطمعون طمعا، أو خائفين وطامعين، أو ألجل الخوف والطمع.وعرف التوكل بأنه الثقة بما عند الله واليأس عما في أيدي الناس.

وقيل: هو صدق االنقطاع إلى الله، وصدق االنقطاع إلى الله أن ال يكون لك حاجة إلىغير الله.

وقيل: هو أن ال تطلب لنفسك ناصرا غير الله، وال لرزقك قاسما غير الله، وال لعلمكشاهدا غير الله.

وقيل: هو نفي الشكوك والتفويض إلى مالك الملوك.خاب يخيب خيبة: لم يظفر بما طلب، وخيبه الله بالتشديد: جعله خائبا.

وخذله - من باب قتل -: ترك نصره وإعانته واالسم الخذالن بالكسر.واستغينت بالشيء: اكتفيت به. وهذا من قبيل الدعاء بما يعلم اإلنسان أنه حاصل له قبلالدعاء من فضل الله، إما الستدامته، وإما العتداد تلك النعمة، وإما إلظهار االنقطاع إليه

وبث الفقر إلى مسألته، ويجري ذلك مجرى قوله تعالى:«ربنا ال تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا» (٢)، «قال رب احكم بالحق» (٣)، «ربنا وآتنا ما

وعدتنا على رسلك» (٤).____________________

(١) سورة الرعد: اآلية ١٢.(٢) سورة البقرة: اآلية ٢٨٦.

(٣) سورة األنبياء: اآلية ١١٢.(٤) سورة آل عمران: اآلية ١٩٤.

(١٢٧)

Page 126: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

إلهي فصل على محمد وآله، وال تعرض عني وقد أقبلت إليك، وال تحرمني وقد رغبتإليك، وال تجبهني بالرد وقد انتصبت بين يديك

____________________إذ من المعلوم المحقق أن الله سبحانه ال يخيب وال يخذل المنقطع إليه، بنص «ومن يتوكلعلى الله فهو حسبه» (١) أي: كافيه في جميع أموره، ألن المعبود الحقيقي القادر على كل

شئ الغني عن كل شئ الجواد بكل شئ إذا انقطع عبده إليه ال يهمله البتة.وفي رواية «ال يخيب وال يخذل» بالياء المثناة من تحت في أول الفعلين، وبناء األولللمعلوم والثاني للمجهول، على أن «ال» نافية، أي: ال يكون خائبا وال متروك اإلعانة.

أعرض عنه: صد وولى.قال الفيومي: وحقيقته جعل الهمزة للصيرورة أي: أخذ عرضا أي: جانبا غير الجانب الذيهو فيه (٢). واإلعراض هنا مجاز عن االستهانة والسخط، كما أن االلتفات واإلقبال مجاز

عن اإلكرام واإلحسان، ألن االلتفات من لوازم اإلكرام فتركه من لوازم اإلهانة.وأقبل إليه: توجه إليه. واإلقبال إليه تعالى كناية عن اإلنابة والرجوع إليه سبحانه. وحرمه:

منعه.ورغب إليه: سأله.

وقال في القاموس: رغب إليه رغبا محركة: ابتهل، أو هو الضراعة والمسألة (٣).وجبهه يجبهه جبها - من باب منع -: استقبله بما يكره، وأصله من جبهته إذا أصيبت

جبهته.____________________

(١) سورة الطالق: اآلية ٣.(٢) المصباح المنير: ص ٥٥٠.

(٣) القاموس المحيط: ج ١ ص ٧٤.

(١٢٨)

Page 127: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

أنت الذي وصفت نفسك بالرحمة، فصل على محمد وآله وارحمني، وأنت الذي سميتنفسك بالعفو فاعف عني.

____________________وفي القاموس: جبهه كمنعه ضرب جبهته ورده، أو لقيه بما يكره (١). وهو هنا مجاز عن

السخط والغضب.وانتصب: أي قام، وهو مطاوع نصب، يقال: نصبته فانتصب أي أقمته فقام.

وقد يتكلم بالمطاوع وإن لم يكن معه مطاوع، كقولك: انكسر اإلناء، وهو في كالمهمكثير.

الوصف: لغة ذكر ما في الموصوف من الصفة أي: المعنى القائم به. وهذا المعنى ال يصحفي الواجب تعالى، ألن صفاته ليست معاني قائمة به، خالفا لألشاعرة في الصفات الذاتيةوإجماعا في غيرها، فالمراد بوصف نفسه بالرحمة إثبات الرحمة لنفسه باعتبار غايتها على

ما هو المشهور.وسميته زيدا وسميته بزيد: جعلته اسما له.

والعفو كصبور: الكثير العفو، ألن فعوال من صيغ المبالغة. فإن قلت: ما الفرق بين أسمائهتعالى وصفاته؟.

قلت: الفرق بينهما كالفرق بين المركب والبسيط، فإنهم صرحوا بأن الذات مع اعتبارصفته (٢) من الصفات هو االسم، ولذلك قال عليه السالم: «وصفت نفسك بالرحمة

وسميت نفسك بالعفو».وفي رواية «بالعفو» مخففا، وهو على تضمين سميت معنى وصفت. وإنما قال:

أنت الذي وصفت نفسك وسميت نفسك، ولم يقل وصف نفسه وسمى نفسه، مع أنهاألكثر فيما إذا كان الموصول أو موصوفه خبرا عن مخاطب، تلذذ بخطابه تعالى فحمل

على المعنى، وهو جائز كثير وإن كان كون العائد غائبا أكثر.____________________

(١) القاموس المحيط: ج ٤ ص ٢٨٢.(٢) (الف): صفة.

(١٢٩)

Page 128: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

قد ترى يا إلهي فيض دمعي من خيفتك، ووجيب قلبي من خشيتك، وانتفاض جوارحي منهيبتك.

____________________قد: هنا للتكثير، مثلها في قوله تعالى: «قد نرى تقلب وجهك في السماء» (١).

قال الزمخشري: أي ربما نرى، ومعناه كثرة الرؤية، كقوله:قد أترك القرن مصفرا أنامله (٢)

وفاض السيل يفيض فيضا: كثر حتى سال من شفة الوادي، وفاض الماء والدمع قطرا،وفاض كل سائل: جرى.

والخيفة: الخوف، وأصلها خوفة قلبت الواو ياء النكسار ما قبلها.ووجب القلب يجب وجبا ووجيبا رجف وخفق.

والخشية: الخوف.قال المحقق الطوسي طاب ثراه في بعض مؤلفاته ما حاصله: أن الخوف والخشية وان كانافي اللغة بمعنى واحد، إال أن بين خوف الله وخشيته في عرف أرباب القلوب فرقا، هو أنالخوف تألم النفس من العقاب المتوقع بسبب ارتكاب المنهيات والتقصير في الطاعات،وهو يحصل ألكثر الخلق وان كانت مراتبه متفاوتة جدا، والمرتبة العليا منه ال تحصل إالللقليل. والخشية حالة تحصل عند الشعور بعظمة الحق وهيبته وخوف الحجب عنه، وهذهقال القرب، ولذلك الكبرياء وذاق حالوة اطلع على جالل إال لمن الحالة ال تحصل سبحانه: «إنما يخشى الله من عباده العلماء»، فالخشية خوف خاص، وقد يطلقون عليها

الخوف أيضا (٣) انتهى كالمه.واالنتفاض بالفاء والضاد المعجمة - كما في إحدى الروايتين -: التحرك، من

____________________(١) سورة البقرة: اآلية ١٤٤.

(٢) تفسير الكشاف: ج ١ ص ٢٠١.(٣) كتاب األربعين للشيخ البهائي: ص ١٠٧.

(١٣٠)

Page 129: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ارتعاش الغبار. أي: ليزول عنه فانتفض: حركه الثوب نفضا - من باب قتل - نفض

جوارحي.وأما االنتقاض بالقاف والضاد المعجمة - كما في الرواية األخرى -: فهو بمعنى االنفكاكواالنحالل، من نقض الحبل نقضا - من باب قتل -: حل برمه فانتقض هو، ومنه نقضتما أبرمه إذا أبطلته، وانتقضت الطهارة: بطلت، وانتقض الجرح بعد برئه: نكس، واألمر بعد

التيامه: فسد، والثغر بعد أمانه: أخيف، كل ذلك أصله من نقض الحبل.المحشين أكثر قول وأما القوة. بعد وانحاللها ضعفها جوارحي انتقاض ومعنى والمترجمين: إنه بمعنى التصويت من النقيض وهو صوت الرحال والمحامل واألصابعواألضالع والمفاصل، أي: تصويت جوارحي، فليس بصحيح، ألنه بهذا المعنى ال يقال فيفعله إال أنقض إنقاضا أو تنقض تنقضا كتعلم، كما يشهد به استقراء كتب اللغة، وأما قوله

تعالى: «الذي أنقض ظهرك» (١) فقيل: معناه أثقل.قال الفارابي في ديوان األدب: أنقضت الذنوب ظهره أي: أثقلته (٢).

وقال الزمخشري: أي حمله على النقيض وهو صوت االنتقاض واالنفكاك (٣)، انتهى.ومن العجيب قول بعض المحشين: يحتمل أن يكون انتقاض الجوارح من تنقضت األرض

عن الكماة أي: تفطرت.والهيبة قيل: هي بمعنى الخوف، هابه يهابه هيبة: خافه. وقال ابن فارس:

الهيبة اإلجالل (٤).____________________

(١) سورة الشرح: اآلية ٣.(٢) ديوان األدب: ج ٢ ص ٣٠٧.

(٣) تفسير الكشاف: ج ٤ ص ٧٧٠.(٤) معجم مقاييس اللغة: ج ٦ ص ٢٢.

(١٣١)

Page 130: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

كل ذلك حياء مني بسوء عملي، ولذلك خمد صوتي عن الجأر إليك، وكل لساني عنمناجاتك.

____________________وقال العارفون: الهيبة حالة فوق الخوف مقتضاها غيبة القلب عن علم ما يجري من أحوالالخلق بل من أحوال نفسه، بما يرد عليه من الحق إذا عظم الوارد واستولى عليه سلطان

الحقيقة.قالوا: وهي ال تسكن إال في كل قلب منيب أواب، وال تلم إال بساحة كل مصلح تواب.

ذا: اسم إشارة والالم عماد جيء بها للداللة على بعد المشار إليه، والكاف:للخطاب. والمشار إليه ما ذكر من فيض الدمع وما بعده.

وتجوز اإلشارة إلى المتعدد بتأويل ما ذكر وتقدم وما فيه من معنى البعد مع قرب العهدبالمشار إليه باعتبار المقتضي، فإنه في حكم المتباعد. وهذا في كل كالم يحدث الرجل

بحديث ثم يقول: وذلك ما ال شك فيه، ويحسب الحاسب ثم يقول:فذلك كذا وكذا، وقال الله تعالى: «ال فارض وال بكر عوان بين ذلك» (١)، وقال:

«ذلكما مما علمني ربي» (٢).والحياء: انقباض النفس من أمر حذرا من اللوم فيه، وهو نوعان:

نفساني: وهو الذي خلقه الله في النفوس كلها، كالحياء عن كشف العورة والجماع بينالناس.

وإيماني: وهو أن يمنع المؤمنين من فعل المعاصي خوفا من الله تعالى، وهو المراد هنا.فإن قلت: كيف أخبر عن فيض دمعه وما بعده بأنه حياء، وليس المبتدأ عين الخبر.

قلت: هو إما على حذف مضاف مقدر مع الخبر، والتقدير: كل ذلك مقتضي____________________

(١) سورة البقرة: اآلية: ٦٨.(٢) سورة يوسف: اآلية: ٣٧.

(١٣٢)

Page 131: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________حياء مني، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، كقوله تعالى: «ذلك إفكهم» (١)أي: أثر إفكهم، وقوله: «الحج أشهر معلومات» (٢) أي: حج أشهر معلومات، وإنما لمنقدر المحذوف مع المبتدأ كأن نقول مثال: باعث كل ذلك حياء مني، ألن الحذف من

آخر الجملة أولى.وإما من باب إطالق المسبب على السبب، كاطالق الضرب على التأديب في قولك لمن

ضربته تأديبا: هذا الضرب تأديب.وفي رواية «حياء» بالنصب على أنه مفعول ألجله، فيكون خبر المبتدأ محذوفا، أي كل

ذلك كائن مني ألجل الحياء.وفي رواية ابن أبي الحديد «وخجال منك لكثرة ذنوبي» وهي تعين رواية النصب في حياء،

والمشار إليه بقوله عليه السالم «ولذلك» الحياء المذكور.وخمد خمودا - من باب قعد وعلم -: سكن، من خمدت النار إذا سكن لهبها ولم يطف

جمرها.وجأر مهموز العين جأرا وجؤارا بالضم - من باب منع -: رفع صوته بالدعاء وتضرع

واستغاث.وقال الزمخشري: جأر الداعي إلى الله: ضج ورفع صوته (٣).

وفي الحديث: كأني أنظر إلى موسى له جؤار إلى ربه بالتلبية (٤).وكل السيف كلوال - من باب ضرب - إذا لم يقطع قال في األساس: ومن المجاز كل

بصره ولسانه وهو كليل البصر واللسان (٥).وناجيته مناجاة: ساررته، واالسم النجوى.

____________________(١) سورة األحقاف: اآلية ٢٨.

(٢) سورة البقرة: اآلية ١٩٧.(٣) أساس البالغة: ص ٨٠.

(٤) النهاية البن األثير: ج ١ ص ٢٣٢.(٥) أساس البالغة: ص ٥٥.

(١٣٣)

Page 132: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

يا إلهي فلك الحمد فكم من عائبة سترتها علي فلم تفضحني، وكم من ذنب غطيته عليتقلدني مكروه تهتك عني سترها، ولم فلم بها ألممت فلم تشهرني، وكم من شائبة

نعمتك عندي. يلتمس معائبي من جيرتي، وحسدة لمن تبد سوآتها شنارها، ولم ____________________

الفاء األولى: للترتيب الذكري، والثانية: للسببية، إذ المعنى لك الحمد بسبب كثير ماعاملتني به من ستر معائبي. وكم: خبرية، بمعنى كثير.

ومن: لبيان الجنس على الصحيح، ال زائدة كما زعم بعضهم، حتى ذهب الفراء إلى أنها إذالم تكن مذكورة لفظا فخفض التمييز بها تقديرا ال باإلضافة، وعمل الجار المقدر وإن كانفي غير هذا الموضع نادرا، إال أنه لما كثر دخول «من» على مميز الخبرية نحو «وكم منقرية» (١) و «كم آتيناهم من أية» (٢) ساغ عمله مقدرا، ألن الشيء إذا عرف في موضعجاز تركه لقوة الداللة عليه، (٣) على أن المشهور من مذهب النحويين ما عدا األخفش

(٤) أن «من» ال تزاد في غير اإليجاب.وفي رواية ابن إدريس «فكم عائبة» من دون «من» بإضافة كم إلى عائبة، فالجر باإلضافةعند الجمهور حمال ل «كم» على ما هي مشابهة له من العدد والمميز فيه إنما يخفض

باإلضافة.وكم: في موضع رفع على االبتداء، كما في قولك: زيد ضربته، وجملة سترتها هو الخبر،ويجوز أن تكون في موضع نصب بفعل محذوف مماثل لسترتها مفسر به فيكون من باباالشتغال، والتقدير: كم من عائبة سترت سترتها، أو سترت كم من عائبة سترتها. والتقدير

األول أولى، للزوم كم التصدر، والثاني ال مانع منه، ألن____________________

(١) سورة األعراف اآلية: ٤.(٢) سورة البقرة: اآلية ٢١١.

(٣) شرح الكافية في النحو: ج ٢ ص ٩٧.(٤) مغني اللبيب: ص ٤٢٩.

(١٣٤)

Page 133: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________المقدر معدوم لفظا، والتصدر اللفظي هو المقصود كما نص عليه الرضي (١). والوجهالتقدير بال مقتض، ومن ثمة أوجبه بعض الرفع - أرجح، لسالمته من األول - أعني

بالنصب. أنزلناها» (٢) أنه قرئ «سورة النحويين في نحو زيد ضربته. ويرده ومن العجيب قول بعض من تصدى إلعراب الصحيفة الشريفة: إن كم هنا خبرية، واشتغال

الفعل بعدها أوجب تقدير عامل لها من جنسه. وهو غلط فاحش فاحذره.والعائبة: مصدر بمعنى العيب، جاء على فاعلة كعافية وعاقبة. وفي رواية ابن أبي الحديد

«كم من عيب سترته علي فلم تفضحني».والفاء من قوله «فلم تفضحني» عاطفة سببية، كقوله تعالى: «فوكزه موسى فقضى عليه»

.(٣)وشهره شهرة بالضم - من باب منع -: أظهره وأعلنه.

وقال في القاموس: الشهرة بالضم: ظهور الشيء في شنعة (٤). وفي النهاية:الشهرة: الفضيحة (٥).

والشائبة: واحدة الشوائب، وهي األقذار واألدناس، قاله الجوهري (٦). وفي نسخة قديمة«وكم من شائنة» وهي فاعلة من الشين بمعنى العيب والقبيح (٧).

قال في األساس: هو فعل شائن، وهذه شائنة من الشوائن. ووجهك شين ووجهي زين (٨).____________________

(١) شرح الكافية في النحو: ج ٢ ص ٩٨.(٢) سورة النور: اآلية ١.

(٣) سورة القصص: اآلية ١٥.(٤) القاموس المحيط: ج ٢ ص ٦٥.

(٥) لم نعثر عليه في النهاية، بل وجدناه في األساس للزمخشري: ص ٣٤٢ حيثقال: ومن المجاز شهرت فالنا: استخففت به وفضحته.

(٦) الصحاح: ج ١ ص ١٥٩.(٧) (الف): القبح.

(٨) أساس البالغة: ص ٣٤٤.

(١٣٥)

Page 134: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وألم بالذنب إلماما: فعله.

وهتك الستر - من باب ضرب: خرقه.وقال الزمخشري: هو أن تجذبه حتى تنزعه من مكانه، أو تشقه حتى يظهر ما وراءه، ومن

المجاز هتك الله ستر الفاجر فضحه (١).وقلدت المرأة قالدة: جعلتها في عنقها، وقلدته السيف: ألقيت حمائله في عنقه.

قال الزمخشري: وقلد فالن قالدة سوء: هجي بما بقي عليه وسمه (٢).وفي أمثالهم: تقلدها طوق الحمامة (٣) إذا جاء بسيئة يسب بها ويذم، وهو كناية عن كونالسيئة الزمة لزوم الطوق للعنق بحيث ال ينفك عنه بحال، يستعمل في الشر الالزم الظاهر

يشتهر به صاحبه.والمعنى: لم تلزمني مكروه شنارها فأشتهر به، وإن كنت مستحقا إللزامي إياه الزام القالدة

للعنق.والشنار بالفتح: العيب والعار، وقيل: عيب فيه عار.

وقال في القاموس: هو أقبح العيب، والعار، واألمر المشهور بالشنعة (٤).ومكروه شنارها من إضافة الصفة إلى الموصوف، واألصل شنارها المكروه، فقدم الصفةوجعلها نوعا مضافا إلى الجنس للتبيين، إذ المكروه يحتمل أن يكون من الشنار ومن غيره.

والسوآت: جمع سوأة بالفتح.قال في القاموس: السوأة: الفرج، والفاحشة، والخلة القبيحة (٥). وقال ابن األثير في

النهاية: السوأة في األصل الفرج، ثم نقل إلى كل ما يستحيا منه إذا ظهر____________________

(١) أساس البالغة ص ٦٩٤.(٢) أساس البالغة: ص ٥١٩.

(٣) مجمع األمثال: ج ١، ص ١٤٥.(٤) القاموس المحيط: ج ٢، ص ٦٤.(٥) القاموس المحيط: ج ١ ص ١٨.

(١٣٦)

Page 135: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

ثم لم ينهني ذلك عن أن جريت إلى سوء ما عهدت مني.____________________

من قول وفعل (١).والتمس الشيء: طلبه.

والمعايب بال همزة: العيوب، جمع معابة وهي العيب، كمنائر جمع منارة.قال في القاموس: العيب والعاب: الوصمة، كالمعاب والمعابة (٢).

والجيرة: جمع جار، وهو المجاور في السكن، ويجمع على جيران أيضا. وإنما خصالجيرة بالتماس المعايب، ألن الحسد فيهم أكثر.

وقد قيل: الحسد في ثالثة أجناس من الناس، الجيران في المنزل، والشركاء في العمل،والقرابات في النسب، وذلك لما يكون بين هؤالء من المناظرة والمباهاة وطلب تفوق كل

واحد منهم على اآلخر.والحسدة: جمع حاسد، وهو المتمني زوال النعمة من المحسود إليه.

وقوله: «عندي» في محل نصب على الحال من النعمة.ثم هنا: الستبعاد عدم النهي، بعد وضوح ما ذكره من حسن صنيعه تعالى إليه من ستر

معايبه الكثيرة، وقد كان مقتضاة أن ينتهي ويقف عن كل ما ال يرضاه سبحانه.قال الرضي: قد تكون ثم في الجمل خاصة الستبعاد مضمون ما بعدها عن مضمون ما قبلهاوعدم مناسبته له، كقوله تعالى: «خلق السموات واألرض وجعل الظلمات والنور ثم الذينكفروا بربهم يعدلون» (٣)، فاإلشراك بخالق السماوات واألرض مستبعد غير مناسب،

وهذا المعنى فرع التراخي ومجازه (٤) انتهى.____________________

(١) النهاية البن األثير: ج ٢ ص ٤١٦ وفيه «من قول أو فعل».(٢) القاموس المحيط: ج ١ ص ١٠٩.

(٣) سورة األنعام: اآلية ١.(٤) شرح الكافية للرضي: ج ٢ ص ٣٦٧.

(١٣٧)

Page 136: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

فمن أجهل مني يا إلهي برشده ومن أغفل مني عن حظه، ومن أبعد مني عن استصالح نفسهحين أنفق ما أجريت علي من رزقك فيما نهيتني عنه من معصيتك.

____________________ونهاه عن الشيء ينهاه نهيا فانتهى: كفه عنه.

وفي نسخة قديمة «لم ينهنهني» أي: لم يكفني ولم يزجزني، يقال: نهنه فتنهنه أي كفهوزجره فكف.

وذلك: إشارة إلى ما ذكر من ستر العوايب وتغطيته الذنوب والشوائب، وما فيه من معنىالبعد لإليذان ببعد منزلته في اإلحسان، وعلو درجته في الرحمة، وكمال رتبته في التفضل.

وجريت إلى كذا أجري جريا: قصدت وأسرعت.وعهدته عرفته، واألمر كما تعهد أي: تعرف، وهو قريب العهد بكذا أي:

قريب العلم والحال، فقوله: «ما عهدت مني» أي: ما علمته مني، ألن المعرفة ال تطلق عليهسبحانه. وإيراد المضاف إليه موصوال لزيادة تقرير الغرض المسوق له الكالم، فإنه أدل على

االعتراف بسوء األفعال من أن يقول: إلى سوء فعلي وعملي، ومثله قول: المعري:أعباد المسيح يخاف صحبي * ونحن عبيد من خلق المسيحا (١)فإنه أدل على عدم خوفهم النصارى من أن يقول: ونحن عبيد الله.

الفاء: فصيحة، أي: إذا كان هذا حالي فمن أجهل مني.والجهل: هنا بمعنى فعل الشيء بخالف ما حقه أن يفعل.

قال الراغب: الجهل على ثالثة أضرب:األول: خلو النفس عن العلم، هذا هو األصل.

____________________(١) ديوان سقط الزند للمعري: ص ٢٩.

(١٣٨)

Page 137: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الثاني: اعتقاد الشيء بخالف ما هو عليه.

والثالث: فعل الشيء بخالف ما حقه أن يفعل، سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا، أو فاسداكمن ترك الصالة متعمدا، وعلى ذلك قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السالم: «أعوذ

بالله أن أكون من الجاهلين»، فجعل فعل الهزو جهال (١) انتهى.واالستفهام لإلنكار واالستبعاد ألن يكون أحد أجهل وأغفل وأبعد منه أو مساويا له، وإن لميكن سبك التركيب متعرضا إلنكار المساواة، يشهد به العرف الفاشي واالستعمال المطرد،فإذا قيل: من أكرم من فالن أو ال أفضل من فالن، فالمراد به حتما أنه أكرم من كل كريم

وأفضل من كل فاضل.والرشد بالضم: الصالح، وهو خالف الغي، والرشد بفتحتين مثله.

والغفلة: غيبة الشيء عن بال اإلنسان وعدم تذكره له، وقد تستعمل فيمن تركه إهماالوإعراضا، كقوله تعالى، «وهم في غفلة معرضون» (٢) يقال فيه: غفلت عن الشيء غفوال

- من باب قتل -.والحظ: النصيب، قيل مطلقا، وقيل: خاص بالنصيب من الخير والفضل، وهو المراد هنا.

واستصلح الشيء: طلب صالحه، وهو خالف الفساد.واإلنفاق: إخراج المال، وهو واإلنفاد اخوان، خال أن في الثاني بمعنى اإلذهاب بالكلية

دون األول.وأجريت عليه رزقا: جعلته جاريا أي: دارا متصال.

واعلم: أن إنفاق الرزق في معصية الله تعالى من كفران النعمة، فإن شكر____________________

(١) المفردات للراغب: ص ١٠٢.(٢) سورة األنبياء: اآلية: ١.

(١٣٩)

Page 138: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

ومن أبعد غورا في الباطل وأشد إقداما على السوء مني، حين أقف بين دعوتك ودعوةالشيطان، فأتبع دعوته على غير عمى مني في معرفة به، وال نسيان من حفظي له، وأنا حينئذ

موقن بأن منتهى دعوتك إلى الجنة ومنتهى دعوته إلى النار.____________________

اإلنسان نعمة الله عليه بأن ال يستعين بها على معصيته.حدث الجنيد قال: كنت بين يدي السري ألعب وأنا ابن سبع سنين، وبين يديه جماعةيتكلمون في الشكر، فقال لي: يا غالم ما الشكر؟ فقلت: أن ال يعصى الله بنعمه، فقال:يوشك أن يكون حظك من الله لسانك، قال الجنيد: فال أزال أبكي على هذه الكلمة التي

قالها السري (١).وفي نهج البالغة من كالم أمير المؤمنين عليه السالم: أن أقل ما يلزمكم الله أن ال تستعينوابنعمته على معصيته (٢). وذلك أن العدل أن يستعان بنعمته على طاعته، فإن لم يفعل ذلكفال أقل من أن تستعمل في األمور المباحة دون االستعانة بها على معصيته، فإن ذلك مما

يعد لسخطه تعالى، نعوذ بالله منه.غور كل شئ: قعره وعمقه، وغار في األمر إذا دقق النظر فيه كأنه وصل إلى غوره.

يقال: فالن بعيد الغور إذا كان متعمق النظر عارفا باألمور. فغورا في الدعاء يحتمل أنيكون اسما بمعنى القعر والعمق، ويحتمل أن يكون مصدرا بمعنى الوصول إلى الغور،

وعلى األول فالظرف متعلق بأبعد، وعلى الثاني متعلق بغورا.وقال ابن األثير في النهاية: في الحديث: «أنه سمع ناسا يذكرون القدر، فقال:إنكم قد أخذتم في شعبين بعيدي الغور» غور كل شئ: عمقه وبعده، أي: يبعد

____________________(١) الجامع ألحكام القرآن: ج ١ ص ٣٩٨.

(٢) نهج البالغة: ص ٥٣٣، حكمة ٣٣٠.

(١٤٠)

Page 139: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________أن تدركوا حقيقة علمه، كالماء الغائر الذي ال يقدر عليه. ومنه حديث الدعاء «ومن أبعد

غورا في الباطل مني» (١) انتهى.وقدم على قومه إقداما: اجترأ عليه، وهذا المعنى هو المراد هنا، أي: أشد اجتراء على

السوء.قال الفيومي: أقدم على العيب إقداما كناية عن الرضا به (٢). والسوء في األصل: مصدرساءه يسوؤه سوء إذا حزنه، يطلق على جميع المعاصي سواء كانت من أعمال الجوارح أو

أفعال القلوب، الشتراكها كلها في أنها تسوء صاحبها بعواقبها.والمراد بالوقوف بين الدعوتين استعداده لقبول كل منهما، فإن اإلنسان خلق مستعدا للهداية

والضالل.فقول بعضهم: إن المراد به التحير بينهما ال وجه له، بعد قوله تعالى: «وهديناه النجدين»(٣)، وقد صرح بذلك الداعي عليه السالم بقوله: «على غير عمى مني في معرفة به»،

فكيف يفسر بالتحير؟ والحيرة عدم االهتداء لوجه الصواب لعدم العلم به.والدعوة: اسم من دعاه إذا طلب إقباله.

والمراد بدعوته تعالى: األدلة العقلية والشرعية التي بينها للمكلفين ليهتدوا بها إلى معرفتهوتوحيده وطاعته، وبدعوة الشيطان تسويله ووسوسته وتزيينه ما حرم الله. والفاء من قوله

«فأتبع»: للعطف والتعقيب.وتبعت القوم تبعا بالتحريك واتبعتهم على افتعلت: مشيت خلفهم، أو مروا

____________________(١) النهاية البن األثير: ج ٣ ص ٣٩٣.

(٢) المصباح المنير: ص ٦٧٦.(٣) سورة البلد: اآلية: ١٠.

(١٤١)

Page 140: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________بك فمضيت معهم. وهو هنا كناية عن إجابة الدعوة، كما قال: «وما كان لي عليكم منسلطن إال أن دعوتكم فاستجبتم لي» (١). وحقيقة دعوة الشيطان واتباعها أن اإلنسان بيناهو ذاهل عن الشيء ذكره الشيطان ذلك، فيحدث له ميل جازم يترتب الفعل على حصولذلك الميل، فكانت دعوة الشيطان هو ذلك التذكير، وإجابتها حصول ذلك الميل الذي هو

من شأن النفس.و «على» من قوله: «على غير عمى مني» بمعنى مع، أي: مع غير عمى مني، كقوله تعالى:

«وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم» (٢).والمراد بالعمى هنا الجهل، وهو عمى البصيرة، استعارة من عمى البصر، إذ العمى حقيقةعبارة عن عدم ملكة البصر، ووجه الشبه أن األعمى كما ال يهتدي لمقاصده المحسوسةبالبصر لعدمه، كذلك أعمى البصيرة ال يهتدي لمقاصده المعقولة لعدم عقله لوجوه رشده.

وقوله «مني»: صفة لعمى، أي كائن مني، «وفي معرفة» صفة أخرى له.ويحتمل أن يكون حاال منه أيضا، دون الظرف األول، لتخصص النكرة بالصفة األولى.والنسيان: هو الغفلة عن الشيء مع انمحاء صورته أو معناه عن خزانة الخيال أو الذكر.

والحفظ يقال تارة: لقوة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه الفهم، وتارة لضبط الشيء فيالنفس، وتارة: الستعمال تلك القوة.

والمراد به هنا المعنى األول - أعني القوة الحافظة - والظرف صفة لنسيان، أي:نسيان كائن من حفظي. «وله»: متعلق بنسيان، أي: نسيان له، وهذه الالم هي

____________________(١) سورة إبراهيم: اآلية ٢٢.

(٢) سورة الرعد: اآلية ٦.

(١٤٢)

Page 141: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________المسماة الم التقوية، وهي المزيدة لتقوية عامل ضعيف وهو هنا النسيان، فإنه مصدر وعمللزيد حسن فهو كقولك: ضربي الفعل، العمل عن في فرعا لكونه المصدر ضعيف، والمعنى: أن اتباع دعوته لم يكن عن جهل مني بمعرفتي به، وال عن نسيان له من حافظتي،بل عن علم وذكر. ومن جعل قوله «له» متعلق بحفظي، وجعل الحفظ متعلق النسيان فقدأعزب (١). وأغرب منه من جعل الحفظ بمعنى المحفوظ، وفسره بعدم النسيان لمحفوظهمما ورد في ذم الشيطان، ولم يهتدوا إلى أن النسيان ال يتعدى بمن، وكل ذلك خبط

عشواء، نسأل الله الهداية إلى سواء السبيل.والواو من قوله: «وأنا حينئذ موقن» للحال، والجملة حال من ضمير اتبع.

وحينئذ: أي حين أتبع دعوته، فحذفت الجملة للعلم بها، وعوض عنها التنوين، وكسرتالذال اللتقاء الساكنين، وقد تقدم الكالم على ذلك مستوفى.

وأيقن بالشيء: علمه علما ال شك معه.والمنتهى: مصدر ميمي بمعنى النهاية.

يقال: انتهى األمر أي: بلغ النهاية، وهو أقصى ما يمكن أن يبلغه.والمعنى: أن غاية دعوتك المصير إلى الجنة، وغاية دعوته المصير إلى النار.

وبيان ذلك: أنه لما كان الغاية من وجود الخلق أن يكونوا عباد الله، كما قال تعالى: «وماخلقت الجن واإلنس إال ليعبدون» (٢)، وكان المقصود من العبادة إنما هو الوصول إلىجناب عزته، والطيران في حظائر القدس بأجنحة الكمال مع المالئكة المقربين، كان ذلكهو غاية اإلنسان المطلوبة منه والمقصودة له واألمور بالتوجه إليها بوجهه الحقيقي. فإن

سعى لها سعيها باتباع دعوة الله تعالى أدركها وفاز____________________

(١) في (ألف) فقد أعزب.(٢) سورة الذاريات: اآلية ٥٦.

(١٤٣)

Page 142: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

سبحانك ما أعجب ما أشهد به على نفسي، وأعدده من مكتوم أمري.____________________

بحلول جنات النعيم وكانت غايته، وإن قصر في طلبها وانحرف عن سواء الصراط الموصلإليها باتباع دعوة الشيطان، كان في النار من الهاوين وكانت غايته فدخلها مع الداخلين.

سبحانك: تعجب من شدة اجترائه على الله بما ذكره من نفسه واعترف به سابقا، وتنزيهلساحة كبريائه وجبروته عما ال يليق به من ذلك، وقد تقدم بيان استعمال سبحان في مقام

التعجب في الروضة الثالثة عشرة (١).ثم كرر التعجب صريحا لفظاعة ما شهد به على نفسه.

وعدده من مكتوم أمره مما سبق، وعدده تعديدا: مبالغة في عده عدا بمعنى أحصاه، وكأنهال حظ كثرة المعدود.

واعلم أن السبب في التعجب من األمر هو عدم اطالع النفس على أسبابه لغموضها، ولذلكقيل: إذا ظهر السبب بطل العجب، ومن أجل ذلك وضع أهل اللغة قولهم: ما أفعله صيغةللتعجب نحو ما أحسن زيدا، إذ التقدير فيها السؤال عن أسباب حسنه، وكلما كان األمرأغرب وأسبابه أخفى كان أعجب، ولذلك جاء بصيغة التعجب من العجب، فقال: «ماأعجب ما أشهد به على نفسي». إذا عرفت ذلك فحاله - في إفناء الذنوب عمره وعصيانإلى اإلسراع ينهه عن لم ثم كون ذلك عليه عوائبه وذنوبه وشوائبه، الله ربه، وستر المعاصي، ثم شدة جهله برشده وغفلته عن حظه وبعد استصالح نفسه حين ينفق نعمة اللهفي معصيته، وبعد غوره في الباطل وشدة إقدامه على السوء، حين يجيب دعوة الشيطاندون دعوة الله، مع معرفته بالشيطان وذكره له، وهو عالم علم يقين بأن دعوة الله تنتهي به

____________________(١) ج ٢ ص ٢٨.

(١٤٤)

Page 143: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وأعجب من ذلك أناتك عني، وإبطاؤك عن معاجلتي، وليس ذلك من كرمي عليك، بلتأنيا منك لي، وتفضال منك علي، ألن أرتدع عن معصيتك المسخطة، واقلع عن سيئاتي

المخلقة، وألن عفوك عني أحب إليك من عقوبتي.____________________

إلى الجنة، ودعوة الشيطان تنتهي به إلى النار - من العجب العجاب الذي ال يهتدي لسببه.وكل ذلك منه عليه السالم استنزال لرحمة الله تعالى باإلقرار المستلزم للعفو، فقد قيل: من

أقر فقد استوجب العفو.وقد أسلفنا الكالم مبسوطا في وجه اعتراف المعصومين عليهم السالم بالذنوب والمعاصي

في الروضة الثانية عشر (١) فال وجه إلعادته.ذلك: إشارة إلى ما شهد به على نفسه وعدده من مكتوم أمره، وما فيه من معنى البعد

إشعار بفخامته وفظاعته وبعده في مرتبة العجب.بعن إذا تمكث ولم يعجل، وعداها األمر تأنى في واألناة: على وزن حصاة اسم من

التجاوز. أو الصفح لتضمينها معنى وعاجله بذنبه: عاقبه عليه سريعا ولم يمهله.

وكرم الشيء كرما: عز فهو كريم.ومن: للتعليل، والظرف في محل نصب خبر لليس، وتأنيا: عطف عليه، أو نصب على أنهخبر لكان مقدرة والتقدير: بل كان ذلك تأنيا، أو على أنه مفعول مطلق أي: بل تأنيت

تأنيا.والالم في ألن: للتعليل، وأن: مصدرية ناصبة.

وردعته عن الشيء - من باب نفع - منعته وزجرته فارتدع.والمسخطة: اسم فاعل من أسخطه بمعنى أغضبه، ويحتمل أن تكون من أسخطه

____________________(١) ج ٢، ص ٤٧١.

(١٤٥)

Page 144: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

بل أنا يا إلهي أكثر ذنوبا، وأقبح آثارا، وأشنع أفعاال، وأشد في الباطل تهورا وأضعف عندطاعتك تيقظا، وأقل لوعيدك انتباها وارتقابا، من أن أحصي لك عيوبي أو أقدر على ذكر

ذنوبي.____________________

هذا الدعاء، فهو في الحقيقة تعجب من عظيم حلمه تعالى وجليل كرمه وسعة رحمته.بل: هنا حرف ابتداء، ألن تاليها جملة، ال عاطفة على الصحيح ومعنى اإلضراب فيها

االنتقال من غرض إلى آخر.واآلثار: جمع أثر كسبب وأسباب، وهو هنا إما اسم من أثرت الحديث أثرا بالسكون -من باب قتل - بمعنى نقلته، فتكون اآلثار بمعنى األشياء المأثورة عنه، وأما بمعنى العالمة

والسمة أي: أقبح سمات، والمراد بها ما اتسم به من األعمال.وقيل: اآلثار هي األعمال التي تبقى بعد عاملها سنة يقتدى فيها به، حسنة كانت كعلمعلمه أو كتاب ألفه أو مسجد بناه أو غير ذلك من وجوه البر، أو السيئة كتأسيس قوانينالظلم والعدوان وترتيب مبادئ الشر والفساد، وبذلك فسر قوله تعالى: «ونكتب ما قدموا

وآثارهم»، (١) وأصله من األثر الذي هو بقية الشيء.وشنع الشيء بالضم شناعة: قبح فهو شنيع.

والباطل: هو الذي ال يكون صحيحا بأصله، ولذلك أطلق على كل ما خالف الحق، وأصلهمن بطل الشيء بمعنى فسد. وتهور الرجل تهورا: وقع في األمر بقلة مباالة.

وتيقظ لألمر: تنبه له وفطن.والوعيد: التهديد.

وارتقبه ارتقابا: انتظره.وانتصاب ذنوبا وما بعده على التمييز، وأن من قوله: «من أن أحصي»: مصدرية

____________________(١) سورة يس: اآلية ١٢.

(١٤٧)

Page 145: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________متأولة هي والفعل بعدها بمصدر، والتقدير: من إحصائي لك عيوبي.

فإن قلت: ما معنى هذا التفضيل؟ فإن ظاهره تفضيل نفسه في كثرة الذنوب، وقبح اآلثار،االنتباه وقلة الطاعة، عند التيقظ الباطل، وضعف في التهور األفعال، وشدة وشناعة له. معنى ال وهذا ذنوبه، ذكر على وقدرته لعيوبه إحصائه على للوعيد، واالرتقاب قلت: نظائر هذا التركيب كثيرة مشهودة االستعمال، كقولهم: زيد أعقل من أن يكذب،وقول العلماء: هذا أظهر من أن يخفى، وقل من يتنبه إلشكالها، وقد وجهه جماعة من

علماء العربية بوجوه.قال محمد بن مسعود بن الزكي في كتابه البديع - وهو كتاب خالف فيه أقوال النحويين

في أمور كثيرة -: إن الذي وأن المصدرية يتقارضان فتقع الذي مصدرية كقوله:أتقرح أكباد المحبين كالذي * أرى كبدي من حب مية تقرح

وتقع أن بمعنى الذي، كقولهم: زيد أعقل من أن يكذب، أي من الذي يكذب (١) انتهى.وتعقبه ابن هشام فقال: أما وقوع الذي مصدرية فقال به يونس والفراء والفارسي، وارتضاهابن خروف وابن مالك، وجعلوا منه «وخضتم كالذي خاضوا»، وأما عكسه فلم أعرف

قائال به، والذي جرأه عليه اشكال هذا الكالم.قال: وظهر لي توجيهان:

أحدهما: أن يكون في الكالم تأويل على تأويل، فيؤول أن والفعل بالمصدر ويؤول المصدربالوصف، فيؤول إلى المعنى الذي أراده ولكن بتوجيه يقبله العلماء، اال ترى أنه قيل في قوله

تعالى: «وما كان هذا القرآن أن يفترى» (٢): إن التقدير____________________

(١) مغني اللبيب البن هشام: ص ٧٠٨ - ٧٠٩.(٢) سورة يونس: اآلية ٣٧.

(١٤٨)

Page 146: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ما كان افتراء ومعنى هذا ما كان مفترى. وهذا الوجه عندي ضعيف، ألن التفضيل على

الناقص ال فضل فيه، كقوله.إذا أنت فضلت أمرأ ذا براعة * على ناقص كان المديح من النقص

التوجيه الثاني: أن أفعل ضمن معنى أبعد فمعنى المثال زيد أبعد الناس من الكذب لفضلهعلى غيره، فمن المذكورة ليست الجارة للمفضول، بل متعلقة بأفعل، لما ضمنه من معنىالبعد، ال لما فيه من المعنى الوضعي، والمفضل عليه متروك أبدا مع أفعل هذا لقصد التعميم

(٢) انتهى.وقال الرضي: أما نحو قولهم: أنا أكبر من أن أشعر، وأنت أعظم من أن تقول كذا، فليسالمقصود تفضيل المتكلم على الشعر والمخاطب على القول، بل المراد بعدهما عن الشعروالقول، وأفعل التفضيل يفيد بعد الفاضل من المفضول وتجاوزه عنه، فمن في مثله ليستتفضيلية بل هي مثل ما في قولك: أنت أعز علي من أن أضربك، أنت بائن من أن أضربكمن فرط عزتك علي. وإنما جاز ذلك ألن من التفضيلية متعلقة بأفعل التفضيل بقريب منهذا المعنى، أال ترى أنك إذا قلت: زيد أفضل من عمرو، فمعناه زيد متجاوز في الفضل عنمرتبة عمرو، فمن فيما نحن فيه كالتفضيلية إال في معنى التفضيل. ومنه قول أمير المؤمنينعليه السالم في وصف الدنيا: ولهي بما تعدك من نزول البالء بجسمك والنقض في قوتكأصدق وأوفى من أن تكذبك أو تغرك. أي: هي متجاوزة من فرط صدقها عن الكذب (٢)

انتهى.إذا عرفت ذلك فمعنى قوله عليه السالم: «أنا أكثر ذنوبا من أن أحصي لك

____________________(١) مغني اللبيب البن هشام: ص ٧٠٩ - ٧١٠.

(٢) شرح الكافية للرضي: ج ٢ ص ٢١٥ و ٢١٦.

(١٤٩)

Page 147: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وإنما أوبخ بهذا نفسي طمعا في رأفتك التي بها صالح أمر المذنبين، ورجاء لرحمتك التيبها فكاك رقاب الخاطئين.

____________________عيوبي» على توجيه ابن مسعود: وأنا أكثر ذنوبا من الذي أحصي لك عيوبي، وهو مشكل،ألنه لو كان كذلك لوجب أن يقال: من الذي يحصي بالياء، لتكون الصلة متحملة لضميرغيبة يعود إلى «أن» التي هي أسم بمعنى «الذي»، وكذا الكالم في نظائره المشتملة علىالتكلم والخطاب، وعلى التوجيه األول من توجيهي ابن هشام: أنا أكثر ذنوبا من محص لكعيوبي، وعلى التوجيه الثاني منهما: أنا أبعد الناس من اإلحصاء لعيوبي لكثرة ذنوبي، وعلى

توجيه الرضي: أنا متجاوز وبائن من كثرة ذنوبي عن إحصائي لك عيوبي.إنما: للحصر عند الجمهور، لتضمنها معنى «ما وإال»، وأنكر قوم إفادتها إياه، والصحيحاألول. وهو هنا إما على توجيهه إلى نفس الفعل، على معنى ما أقصد بهذا إال توبيخ نفسيال غيره، كما قاله بعض المفسرين في قوله تعالى: «يا قوم إنما فتنتم به» (١): إن القصرمتوجه إلى نفس الفعل ال إلى قيده، على معنى إنما فعل بكم الفتنة ال اإلرشاد، ال على معنىإنما فتنتم بالعجل ال بغيره. وإما على توجيهه إلى المفعول ألجله أعني طمعا، على معنى ماأوبخ بهذا نفسي إال طمعا. وأما توجيه إلى قيد الفعل أو إلى المفعول به فال يصح، إذ ليس

الغرض ما أوبخ نفسي إال بهذا ال بغيره، وال ماأوبخ بهذا إال نفسي ال غيرها.

قال بعضهم في نظير هذا المقام: لو قيل: إن «إنما» هنا لتأكيد الحكم ال للقصر، لم يبعد،ألن الحصر يقتضي أن يكون للمخاطب حكم مشوب بصواب وخطأ، فيثبت صوابه ويرد

خطأه، والمخاطب هنا هو الله سبحانه وهو منزه عن ذلك.____________________

(١) سورة طه: اآلية ٩٠.

(١٥٠)

Page 148: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ال يقال: فال يحتاج إلى التأكيد، ألنه لدفع الشك ورد اإلنكار.

ألنا نقول: قد نص الزمخشري: وعبد القاهر أن له فوائد أخرى غيرهما، منها:االهتمام بمضمون الكالم وتقريره وإظهار كمال العناية به، كما في «إنا فتحنا» (١) و «إنا

أعطيناك» (٢) وكم مثلها انتهى.قلت: قد وقع في مواضع من القرآن المجيد خطابه سبحانه بما هو نص في الحصر إجماعا،كقوله تعالى حاكيا عن المالئكة: «ال علم لنا إال ما علمتنا» (٣) وقوله تعالى حاكيا عنموسى: «إن هي إال فتنتك» (٤)، «رب إني ال أملك إال نفسي وأخي» (٥)، والحصر فيهالمجرد توكيد الحكم قطعا وإيثاره للمبالغة في توكيده، إذ الحصر ليس إال تأكيدا للحكمتفاديا عن للحصر إفادة «إنما» إنكار إلى قرر في محله، فال حاجة تأكيد كما على

الجمهور. المذكور وارتكاب خالف المحذور ووبخته توبيخا: لمته وعنفته وعتبت عليه كلها بمعنى (٦). وقال الفارابي:

وبخته: عيرته (٧).وطمعا: نصب على المفعول له، والطمع أكثر ما يستعمل في تعلق النفس بمحبوب يقرب

حصوله.والرأفة: أشد الرحمة.

والصالح: حصول الشيء على الحالة المستقيمة النافعة. وهو نقيض الفساد وهو خروجالشيء من أن يكون منتفعا به.

والرجاء: تعلق النفس بمحبوب في المستقبل.وفككت الرهن: خلصته، واالسم الفكاك بالفتح، والكسر لغة حكاها ابن

____________________(١) سورة الفتح: اآلية: ١.

(٢) سورة الكوثر: اآلية: ١.(٣) سورة البقرة: اآلية: ٣٢.

(٤) سورة األعراف: اآلية: ١٥٥.(٥) سورة المائدة: اآلية: ٢٥.

(٦) و (٧) المصباح المنير: ص ٨٨٨.

(١٥١)

Page 149: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________السكيت (١)، وأثبتها صاحب القاموس (٢)، ومنعها األصمعي (٣) والفراء، (٤) وفكاكالرقاب استعارة في خالصها من العذاب. وقد تقدم وجه إطالق الرقبة على جميع الذات في

الروضة الخامسة (٥) فليرجع إليه.هداية

اعلم أن توبيخ النفس ومعاتبتها باب عظيم من أبواب المرابطة في سبيل الله، فإن للعارفينفي سلوك سبيل الله. ومرابطتهم مع أنفسهم مقامات خمسة، وهي المشارطه، ثم المراقبة،ثم المحاسبة، ثم المعاتبة، ثم المعاقبة، وضربوا لذلك مثاال فقالوا: ينبغي أن تكون حالاإلنسان مع نفسه كحاله مع شريكه إذا سلم إليه ماال ليتجر به، فالعقل هو التاجر في طريقاآلخرة، ومطلبه وربحه تزكية النفس، إذ بها فالحها كما قال تعالى: «قد أفلح من زكاها»التجارة إذ يستسخرها فيما يزكيها كما يستعين (٦)، فالعقل يستعين بالنفس في هذه اإلنسان بشريكه، وكما أن الشريك يصير خصما منازعا يحاذيه في الربح، فيحتاج أنيشارطه أوال ويراقبه ثانيا ويحاسبه ثالثا ويعاتبه أو يعاقبه رابعا، فكذلك العقل يحتاج إلى

هذه المقامات الخمس.األولى: المشارطة، وهي أن يشارط النفس أوال، فيوظف عليها الوظائف ويأمرها بسلوك

طريق الحق ويرشدها إليه ويحرم عليها سلوك غيره، كما يشترط التاجر على شريكه.الثانية: المراقبة، وهي أن ال يغفل عنها لحظة فلحظة عند خوضها في األعمال ويالحظها

بالعين الكالئة، فإن اإلنسان إن غفل عن نفسه وأهملها لم ير منها إال____________________

(١) و (٣) و (٤) المصباح المنير: ص ٦٥٦.(٢) القاموس المحيط: ج ٣ ص ٣١٦.

(٥) ج ٢ ص ١٤٥.(٦) سورة الشمس: اآلية: ٩٠.

(١٥٢)

Page 150: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الخيانة وتضييع رأس المال، كالعبد الخائن إذا انفرد بمال سيده.

الثالثة: المحاسبة، وهي أن يحاسبها بعد الفراغ من العمل، ويطالبها بالوفاء بما شرط عليهاأوال، فإن هذه تجارة ربحها الفردوس األعلى، فتدقيق الحساب في هذا أهم من التدقيق فيأرباح الدنيا، لحقارتها بالنسبة إلى نعيم اآلخرة، فال ينبغي أن يترك مناقشتها في ذرة منحركاتها وسكناتها وخطراتها ولحظاتها، فإن كل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة العوض لها، يمكن أن يشتري به كنز من كنوز اآلخرة ال يتناهى نعيمه وال يظعن مقيمه.قالوا: وينبغي لإلنسان أن يخلو عقيب فريضة كل صبح بنفسه، ويقول لها: أي نفس ماليبضاعة إال العمر، ومهما فنى فقد فني رأس مالي ووقع اليأس من التجارة وطلب الربح، وهذايوم جديد قد أمهلني الله فيه، ولو توفاني لقلت: «رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما

تركت» (١)، فاجيبني أنك توفيت ثم رردت، فإياك وتضييع هذا اليوم والغفلة فيه.الرابعة: المعاتبة والتوبيخ، وقد علمت أن لك نفسا أمارة بالسوء ميالة إلى الشر، وقد أمرتبتقويمها وقودها بسالسل القهر إلى عبادة ربها وطاعة خالقها، فسبيل المعاتبة والتوبيخ أنتعدد للنفس عيوبها، وتذكر لها ما هي عليه من الجهل في ارتكاب المعاصي وانحرافها عنسلوك سبيل الله، لتذل وتنكسر فتضعف سورة شهوتها، وتستعد بذلك إلى استنزال رحمة

الله تعالى ورأفته، كما أرشد إليه سيد العابدين وإمام المتقين في هذا الدعاء.قال بعض العارفين: اعلم أن النفس شرد جموح (٢)، فإن أهملتها لم تظفر بها بعد ذلك،

وإن الزمتها بالتوبيخ والمعاتبة والالئمة كانت نفسك هي النفس اللوامة.____________________

(١) سورة المؤمنون: اآلية: ٩٩ و ١٠٠.(٢) الجموح: هو الراكب هواه، المصباح المنير: ص ١٤٧.

(١٥٣)

Page 151: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم وهذه رقبتي قد أرقتها الذنوب، فصل على محمد وآله وأعتقها بعفوك، وهذا ظهريقد أثقلته الخطايا، فصل على محمد وآله وخفف عنه بمنك.

____________________الخامسة: المعاقبة والمجاهدة، وذلك إذا رآى نفسه قد قارفت (١) معصية أو همت بها،فينبغي أن يعاقبها بالتضييق عليها في األمور المباحة ويأخذها بالصبر عنها. وإذا رآها توانتوكسلت عن شئ من الفضائل وورد من األوراد، فينبغي أن يود بها بتثقيل أالوراد عليها

ويلزمها فنونا من الطاعات جبرا لما فات.قال بعض أرباب العرفان: إن هذه النفس في غاية الخساسة والدناءة ونهاية الجهل والغباوة،وينبهك على ذلك أنها همت بمعصية أو انبعثت بشهوة، لو تشفعت إليها بالله سبحانه ثمبرسوله وبجميع أنبيائه ثم بكتبه والسلف الصالح من عباده، وعرضت عليها الموت والقبروالقيامة والجنة والنار، ال تكاد تعطي القياد وال تترك الشهوة، ثم إن متعتها رغيفا سكنت

وذلت والنت بعد الصعوبة والجماح (٢) وتركت الشهوة.الرق بالكسر: العبودية، وهو مصدر رق الشخص يرق - من باب ضرب - فهو رقيق،ويتعدى بالهمزة فيقال: أرقه فهو مرق، وقد يتعدى بالحركة أيضا فيقال: رقه يرقه - من

باب قتل - فهو مرقوق.وأعتقه: خلصه من الرق فهو معتق، وال يقال: عتقه فهو معتوق. ولفظ اإلرقاق استعارة فيتمكن هيئات الذنوب من نفسه، واإلعتاق استعارة لمحو تلك الهيئات منها، وكذا الكالم

فيما بعده.ولما كان المعتاد في األثقال حملها على الظهر خص الظهر بأثقال الخطايا له،

____________________(١) اقتراف الذنب: فعله (المصباح المنير) ص ٦٨٥.

(٢) جمح يجمع جماحا وجموحا: استعصى حتى غلبه فهو جموح بالفتح (المصباحالمنير) ص ١٤٧.

(١٥٤)

Page 152: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

يا إلهي لو بكيت إليك حتى تسقط أشفار عيني، وانتحبت حتى ينقطع صوتي، وقمت لكحتى تتنشر قدماي، وركعت لك حتى ينخلع صلبي، وسجدت لك حتى تتفقأ حدقتاي،وأكلت تراب األرض طول عمري، وشربت ماء الرماد آخر دهري، وذكرتك في خاللذلك حتى يكل لساني، ثم لم أرفع طرفي إلى آفاق السماء استحياء منك، ما استوجبت

بذلك محو سيئة واحدة من سيئاتي.____________________

كما قال تعالى: «وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم» (١).قال في الكشاف: هو كقوله تعالى: «فبما كسبت أيديكم»، ألنه اعتيد حمل األثقال على

الظهور كما الف الكسب باأليدي. (٢) والخطايا: جمع خطيئة، وهي الذنب.وقيل: الفرق بينهما أن الذنب قد يطلق على ما يقصد بالذات، والخطيئة تغلب على مايقصد بالعرض ألنها من الخطأ. وأصل خطايا خطائي كخطايع (٣)، فأبدلت الهمزة ياء،فعند سيبوبه أنه أبدلت الياء الزائدة همزة لوقوعها بعد األلف، فاجتمعت همزتان، فأبدلتالثانية ياء، ثم قلبت ألفا، وكانت الهمزة بين ألفين فأبدلت ياء (٤). وعند الخليل قدمت

الهمزة على الياء، ثم فعل بهما ما ذكر (٥).«إلى» من قوله: «بكيت إليك»: إما بمعنى الالم، كما قيل في قوله تعالى:

«واألمر إليك» (٦) أي: بكيت لك، وإما على تضمين بكيت معنى اإلنابة، أي:بكيت منيبا إليك. وقد سبق منا الكالم على حقيقة التضمين في أوائل الكتاب.

وأشفار العين: منابت الهدب، جمع شفر بالضم كقفل وأقفال، وقد يفتح.____________________

(١) سورة األنعام: اآلية ٣١.(٢) تفسير الكشاف: ج ٢ ص ١٧.

(٣) (الف): كخطائع.(٤) و (٥) الجامع ألحكام القرآن: ج ١ ص ٤١٤، وشرح الشافية ابن الحاجب:

ج ٣ ص ٥٩.(٦) سورة النمل: اآلية ٣٣.

(١٥٥)

Page 153: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قال ابن قتيبة: والعامة تجعل أشفار العين الشعر، وهو غلط، وإنما األشفار حروف العين

التي ينبت عليها الشعر، والشعر الهدب (١).والنحب والنحيب واالنتحاب: البكاء بصوت طويل ومد، قاله في النهاية (٢).

وقال في القاموس: النحيب أشد البكاء، وانتحب تنفس شديدا (٣). وفي األساس: نحبالباكي ينحب نحيبا وانتحب انتحابا: جد في بكائه (٤).

وانتشر العصب وتنشر: انتفخ.وقال في الصحاح: االنتشار انتفاخ في عصب الدابة ويكون ذلك من التعب» (٥).

والخلع ويحرك: زوال المفاصل من غير بينونة، خلع مفصله فانخلع أي: أزاله عن مكانه.والصلب بالضم: الظهر.

وفي القاموس: هو عظم من لدن الكاهل إلى العجب (٦). وفقأ عينه - من باب منع -خسفها فانفقأت وتفقأت. والحدقة: سواد العين، وتطلق على جملة العين.

وطول عمري: منصوب على الظرفية، أي: مدة امتداد عمري، من طال الشيء بمعنى امتد.وماء الرماد: أي المشوب بالرماد، وماء رمد أي كدر صار على لون الرماد.

وإنما خص الرماد بالذكر لوجهين:أحدهما: تجفيفه الذي هو خالف الغرض المطلوب من شرب الماء وهو الترطيب، فال

يكون في شربه غناء للشارب. فإن الرماد بأنواعه مجفف.____________________

(١) أدب الكاتب: ص ٢١.(٢) النهاية البن األثير: ج ٥ ص ٢٧.

(٣) القاموس المحيط: ج ١ ص ١٣٠.(٤) أساس البالغة: ص ٦٢٢.

(٥) الصحاح: ج ٢ ص ٨٢٩.(٦) القاموس المحيط: ج ١ ص ٩٣.

(١٥٦)

Page 154: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الثاني: تكديره الماء تكديرا ال يكاد يصفو معه أبدا. وآخر دهري: أي أبدا.

قال الجوهري: قولهم: ال أفعله أخرى الليالي أي: أبدا، وأخرى المنون أي: آخر الدهر.(١)

وقال الزمخشري في األساس: ال أكلمه آخر الدهر (٢) أي: أبدا وإنما فسروا آخر الدهرفي جانب متناهية غير مقدرة أزمنة في الوجود استمرار األبد كان وإن أبدا بمعنى

العمر. مدة إال المقام هذا مثل في باألبد يريدون ال ألنهم المستقبل، قال الرماني: إذا قلت: ال أكلمه أبدا، فاألبد من لدن تكلمت إلى آخر عمرك (٣).

ونصبه قيل: على حذف إلى، أي: إلى آخر دهري. وقيل: على الظرفية، ألنه بمعنى أبدا.والطرف: نظر العين.

قال الخليل: ال يثنى وال يجمع، ألنه مصدر طرف إذا حرك جفونه في النظر (٤) وفيالقاموس: الطرف العين، واسم جامع للبصر (٥).

واآلفاق: جمع أفق بضمتين، وهو الناحية من السماء واألرض. وعدم رفع النظر إلى آفاقالسماء، إما كناية عن غض الطرف واإلطراق من الحياء، فإن اإلنسان إذا استحيا كسر طرفهوأطرق برأسه راميا ببصره إلى األرض، وإما ألن السماء موضع عرشه سبحانه ومسكن

مالئكته ومصعد الكلم الطيب والعمل الصالح، فهو يستحي أن ينظر إلى آفاقها.كما روي أن بعض الصالحين صلى يوما خارج المسجد، فقيل له: لم ال دخلت المسجد

فصليت فيه؟ فقال: أستحي أن أدخل بيته وقد عصيته (٦).____________________

(١) الصحاح: ج ٢ ص ٥٧٦.(٢) أساس البالغة: ص ١٣.(٣) المصباح المنير: ص ١.

(٤) كتاب العين للخليل: ج ٧ ص ٤١٤ مع اختالف يسير في العبارة.(٥) القاموس المحيط: ج ٣ ص ١٦٦.

(٦) لم نعثر عليه.

(١٥٧)

Page 155: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وإن كنت تغفر لي حين أستوجب مغفرتك، وتعفو عني حين أستحق عفوك، فإن ذلك غيرواجب لي باستحقاق، وال أنا أهل له باستيجاب، إذ كان جزائي منك في أول ما عصيتك

النار، فإن تعذبني فأنت غير ظالم لي.____________________

واستوجب الشيء: استحقه، من وجب الحق إذا لزم وثبت. والسيئة: أصلها سيوءه علىفيعلة من ساء يسوؤه سوء ومساءة، قلبت الواو ياء كراهة اجتماعهما لجريانهما مجرىالمثلين، وأدغمت في الياء قبلها. وهي من الصفات الغالبة تتناول جميع المعاصي صغرت أو

كبرت.وواحدة: صفة مفادها التوكيد كنفخة واحدة.

واعلم أن مفاد هذا الفصل من الدعاء نفي استيجاب العبد عفوه تعالى على كل حال، ألنهإذا انتفى مع ثبوت األسباب والوسائل، التي هي فوق الجهد في التبتل والتضرع إليه تعالى،

فانتفاؤه مع عدمها أولى، ف «لو» هنا للداللة على أن الجزاء الزم الوجود دائما.كنت: هنا تفيد االستمرار والدوام، فإن كان تختص باستمرار خبرها السمها.

وأستوجب مغفرتك: أي استيجاب تفضل وكرم وإحسان، وكذلك قوله:«حين أستحق»، فإنه سبحانه أوجب للعبد على نفسه قبول توبته تفضال منه وكرما، كماقال تعالى: «إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب» (١)،فإن «على» هنا مفادها الوجوب، أي: واجبة على الله وجوب كرم، ال وجوبا يستحقبتركه الذم فالعبد بهذا االعتبار يستوجب منه تعالى المغفرة ويستحق العفو، ال باعتبار أن

ذلك له حق واجب استوجبه ويستحقه، فال منافاة____________________

(١) سورة النساء: اآلية ١٧.

(١٥٨)

Page 156: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________بين نفي االستيجاب أوال وإثباته ثانيا.

والفاء من قوله: «فإن ذلك» رابطة لجواب الشرط.والتحقيق في مثل ذلك أن الجواب محذوف ال مذكور، ألن الجواب مسبب عن الشرط،وذلك غير واجب له سواء أوجد المغفرة والعفو أو لم يوجدهما، وإنما األصل فقد تفضلتفإن ذلك غير واجب لي، ومثله قوله تعالى: «من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله آلت»(٢) فليبادر إلى العمل فإن أجل الله آلت، ألن أجل الله آت سواء أوجد الرجاء أم لميوجد، فلم يكن مسببا عن الشرط ليكون جوابا، فوجب أن يكون الجواب محذوفا.

وإذ: لتعليل نفي وجوب ذلك له، أي: أن ذلك غير واجب لي باستحقاق، ألجل كونجزائي في أول ما عصيتك النار. وهل «إذ» هذه حرف بمنزلة الم العلة؟ أو ظرف والتعليلمستفاد من قوة الكالم ال من اللفظ؟ قوالن، اختار ابن مالك األول (٣)، ورجحه الرضيحيث قال: يجيء إذ للتعليل (٤). واألولى حرفيتها إذن، إذ ال معنى لتأويلها بالوقت حتى

تدخل في حد االسم.واختار الشلوبين الثاني، وكان تحتمل النقصان والزيادة (٥).

ورواية ابن إدريس «النار» بالرفع، إما أنها اسم كان على النقصان، وإما أنها خبر المبتدأعلى الزيادة.

وما: مصدرية زمانية، أي: في أول زمان عصياني، وفيه إشارة إلى قوله تعالى: «ومن يعصالله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب»

____________________(١) سورة العنكبوت: اآلية ٥.

(٢) تاج العروس: ج ٢ ص ٥٥٣.(٣) الكافية في النحو: ج ٢ ص ١٠٨.

(٤) مغني اللبيب ص ١١٥.

(١٥٩)

Page 157: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

إلهي فإذ تغمدتني بسترك فلم تفضحني، وتأنيتني بكرمك فلم تعاجلني، وحلمت عنيبتفضلك فلم تغير نعمتك علي، ولم تكدر معروفك عندي، فارحم طول تضرعي وشدة

مسكنتي وسوء موقفي.____________________

«مهين» (١)، وإنما كان الجزاء في أول وقت العصيان النار، ألن الجزاء مسبب عن العمل،فمتى وجد السبب وجب وجود المسبب، فكان مقتضى العدل أنه متى حصل العصيانحصل جزاؤه، لكنه سبحانه تأنى عباده وأمهلهم ليستغفروه وينيبوا إليه، فيغفر لهم بمقتضى

رحمته التي وسعت كل شئ.والفاء من قوله: «فإن تعذبني»: فصيحة، أي: إذا كان األمر هكذا فإن تعذبني فال لوم

عليك، فأنت غير ظالم لي. وإنما قدرنا الجواب محذوفا لما ذكرناه آنفا.تكرير النداء مرارا في هذا الدعاء للتضرع، وإظهار لكمال الخضوع، وعرض لالعتراف

بألوهيته مع اإليمان به.والفاء من قوله: «فإذ تغمدتني»: للترتيب الذكري، كالتفصيل بعد اإلجمال المفهوم من

معاملته سبحانه له بخالف مقتضى الجزاء وقت العصيان.وقول بعضهم: إنها للتعقيب غلط، كأنه لم يفرق بين الترتيب والتعقيب، ولم يعلم أن المرادبالترتيب أن يكون المعطوف بها متأخرا عن المعطوف عليه، وبالتعقيب أن يكون متصال

بالمعطوف عليه بال تراخ.وإذ في مثل هذا المقام قيل: حرف للتعليل كما مر.

وقيل: ظرفية.وتغمده الله برحمته: ستره بها، مأخوذ من غمد السيف وهو غالفه.

في القاموس: تغمده الله برحمته غمره بها، وفالنا ستر ما كان منه (٢).____________________

(١) سورة النساء: اآلية: ١٤.(٢) القاموس المحيط: ج ١ ص ٣٢١.

(١٦٠)

Page 158: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وتأنى في األمر: تمكث ولم يعجل، وعداه بنفسه لتضمينه معنى أمهلتني وأنظرتني.

وحلم بالضم حلما بالكسر: صفح وستر، ولذلك يعدى تارة ب «عن» فيقال:حلم عنه ألنه بمعنى صفح، وتارة ب «على» فيقال: حلم عليه ألنه بمعنى ستر.

وغيرت الشيء تغييرا: أزلته عما كان عليه.وكدر الماء يكدر مثلثة: زال صفاؤه، ويتعدى بالتضعيف فيقال: كدرته.

قال في األساس: ومن المجاز كدر عيشه وتكدر، وصفا أمري فكدره فالن (١) انتهى.والمعروف: الجود واإلحسان.

وقيل: هو اسم ما تبذله وتعطيه، أضمر تشبيهه بالماء الصافي، وأثبت له التكدير الذي هومن لوازم المشبه به، فالكالم استعارة مكنية تخييلية.

والفاء من قوله: «فارحم»: زائدة على القول بأن «إذ» من قوله: «فإذ تغمدتني» حرفتعليل، وأما على القول بأنها ظرفية فهي رابطة، الجراء الظرف مجرى كلمة الشرط، كماذكر سيبويه في نحو زيد حين لقيته فأنا أكرمه. (٢) وقال الرضي: يجوز أن يكون مما

أضمر فيه أما (٣) والتقدير على هذا: فأما إذ تغمدتني فارحم.وطول تضرعي: أي امتداده من طال الشيء بمعنى امتد. والمسكنة قيل:

مشتقة من لفظ المسكين، كما اشتقوا منه الفعل فقالوا تمسكن.وقيل: هي مفعلة من السكون كالمنجلة من النجل، ومعناها الخضوع والذلة.

والموقف: هنا مصدر ميمي بمعنى الوقوف، وإنما أضاف السوء إليه ألنه موقف____________________

(١) أساس البالغة: ص ٥٣٨.(٢) و (٣) شرح الكافية في النحو للرضي: ج ٢ ص ٣٩٩.

(١٦١)

Page 159: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وقني من المعاصي، واستعملني بالطاعة، وارزقني حسن اإلنابة،وطهرني بالتوبة، وأيدني بالعصمة، واستصلحني بالعافية، وأذقني حالوة المغفرة، واجعلنيطليق عفوك وعتيق رحمتك، واكتب لي أمانا من سخطك، وبشرني بذلك في العاجل دون

اآلجل بشرى أعرفها، وعرفني فيه عالمة أتبينها.____________________

عاص خائف من مواله، وهو وقوف يسوء صاحبه.وقاه الله السوء يقيه وقاية: حفظه منه، وعداه إلى الثاني ب «من» لتضمينه معنى الحفظ

والصون.واستعملني: أي وفقني للعمل بالطاعة.

واإلنابة: الرجوع إلى الله تعالى.والتوبة قيل: بمعناها، وقيل: هي الندم على فعل المعصية، وحل عقدة اإلصرار عن القلب،ثم القيام بجميع حقوق الرب، وسيأتي في دعائه عليه السالم في ذكر التوبة وطلبها أن التوبةهي الندم، واإلنابة ترك المعاصي، حيث قال: «اللهم إن يكن الندم توبة إليك فأنا أندم

النادمين، وإن يكن الترك لمعصيتك إنابة فأنا أول المنيبين) (١).وأيده تأييدا: قواه.

والعصمة في اللغة: اسم من عصمه الله من المكروه يعصمه - من باب ضرب - بمعنىحفظه ووقاه (٢).

وفي العرف: فيض إلهي يقوى به العبد على تحري الخير وتجنب الشر، ذكره الراغب (٣).____________________

(١) بحار األنوار: ج ٩٤ ص ١٤٢، المناجاة األولى مناجاة التائبين.(٢) المصباح المنير: ص ٥٦٦.

(٣) فيض القدير: ج ٢ ص ١١٢ نقال عن الراغب.

(١٦٢)

Page 160: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وعند المتكلمين: عبارة عن أن ال يخلق الله في العبد ذنبا، وهذا قريب منه.

المعاصي ومناقب بمثالب العلم بها الفجور ويحصل تمنع الحكماء: هي ملكة وقال الطاعات.

وقيل: هي ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها.واستصلحه: طلب صالحه، والمراد هنا أرد صالحي «وقدره لي بالعافية»:

والعافية لفظة متناولة لدفع جميع المكروهات، الظاهرة في البدن، والباطنة في الدين.والمغفرة: اسم من غفر الله له غفرا وغفرانا - من باب ضرب - صفح عنه. وفي الكالماستعارة مرشحة، فإنه استعار الحالوة لثمرة المغفرة بجامع اللذة، ثم فرع عليها ما يالئم

الحالوة من اإلذاقة.والطليق: فعيل بمعنى مفعول، من أطلقت األسير إذا حللت أساره وخليت عنه فانطلق.

والعتيق: مثله، من أعتقت العبد إذا خلصته من الرق.واكتب لي: أي أوجب لي وحقق وأثبت، وأصله من الكتابة بالقلم.

قال الزمخشري في األساس: ومن المجاز: كتب عليه كذا قضي عليه، وكتب الله األجلوالرزق، وكتب على عباده الطاعة وعلى نفسه الرحمة (١).

وآثر لفظ الكتابة ولم يقل: «واجعل لي» أو «أوجب لي»، ألن الكتابة أثبت وأدوم.يقال: كتب رزق فالن في الديوان، فيدل ذلك على دوامه وثبوته على مرور األزمان.

____________________(١) أساس البالغة: ص ٥٣٥.

(١٦٣)

Page 161: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والتبشير: اإلخبار بما يسر المخبر به إذا كان سابقا لكل خبر سواه، ولهذا قال علماءالجمهور: إذا قال لعبيده: أيكم بشرني بقدوم فالن فهو حر، فبشروه فرادى، عتق أولهم،ألنه هو الذي سره بخبره سابقا، ولو قال مكان بشرني: أخبرني، عتقوا جميعا. واشتقاقه

قيل: من البشر وهو السرور، فيختص بالخبر الذي يسر.وأما قوله تعالى: «فبشرهم بعذاب أليم» (١)، «وإذا بشر أحدهم باألنثى ظل وجهه مسودا»

(٢)، فمن باب التهكم واالستهزاء.وقيل: من البشرة وهو ظاهر الجلد، لتأثيره في تغيير بشرة الوجه، فيكون في ما يسر ويغم،ألن السرور كما يوجب تغيير البشرة فكذلك الحزن يوجبه، فوجب أن يكون لفظ التبشيرحقيقة في القسمين، لكنه عند اإلطالق يختص في العرف بما يسر، وإن أريد خالفه قيد،

قال تعالى: «فبشر عباد» (٣)، وفي الثاني: «فبشرهم بعذاب أليم» (٤).والبشرى بالضم فعلى اسم منه.

والعاجل واآلجل: وصفان لمحذوف.ودون: بمعنى قبل، أي: في الوقت العاجل قبل الوقت اآلجل، يريد في الدنيا قبل اآلخرة.

وعرفه األمر تعريفا: أعلمه به، وعرفه: بينه، أعلمه بمكانه. والعالمة: األمارة التي يعرف بهاالشيء.

وتبين فالن الشيء: عرفه معرفة واضحة من باب األمر إذا اتضح وانكشف.فإن قلت: ما المراد بهذا التبشير والتعريف في العاجل؟

____________________(١) سورة آل عمران: اآلية ٢١ والتوبة: اآلية ٣٤، واالنشقاق: اآلية

.٢٤(٢) سورة النمل: اآلية ٥٨.(٣) سورة الزمر: اآلية ١٧.

(٤) سورة آل عمران اآلية ٢١ والتوبة: اآلية: ٣٤، واالنشقاق: اآلية ٢٤.

(١٦٤)

Page 162: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قلت: يحتمل أن يريد به أن يرى في منامه ما يتحقق (١) به إجابة دعوته، فإن الرؤيا

الصالحة مبشرة.وقد روي عن أبي جعفر عليه السالم في قوله تعالى: «الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرىفي الحياة الدنيا وفي اآلخرة»: أن البشرى في الدنيا الرؤيا الصالحة، يراها المؤمن لنفسه أوترى له، وفي اآلخرة بالجنة، وهي ما تبشرهم المالئكة عند خروجهم من القبور وفي القيامة

إلى أن يدخلوا الجنة يبشرونهم بها حاال بعد حال (٢).وعن أبي الدرداء، سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قول الله تعالى:

«لهم البشرى في الحياة الدنيا»، قال: ما سألني أحد قبلك، هي الرؤيا الصالحة يرها المسلمأو ترى له (٣).

قال بعض العلماء: وإنما كانت الرؤيا الصالحة توجب البشارة، ألنها دليل صفاء القلب،واتصال النفس إلى العالم القدسي، واالطالع على بعض ما هنالك ويحتمل أن يكون مرادهأن يوفقه سبحانه لالستعداد إلى مشاهدة أحواله وسعادته التي يؤول إليها في اآلخرة فيراهابعين بصيرته وهو في هذه الدار، فيتحقق أنه سبحانه قد أطلق ربقته وأعتق رقبته وأوجب لهأمانه وبلغه رضوانه. وعبر عن هذا المعنى بالتبشير، لما يقتضيه من السرور الذي ال أسرمنه، ومن هنا قالوا: إن العارف وإن كان في الدنيا بجسده، فهو في مشاهدته بعين بصيرته

ألحوال الجنة وسعادتها وأحوال النارالنار الجنة بعين جسمهم وتنعموا فيها، وكالذين شاهدوا وشقاوتها، كالذين شاهدوا

أوليائه. اليقين، والله أعلم بمطالب وعذبوا فيها، وهي مرتبة عين ____________________

(١) (الف): ما يحقق به.(٢) تفسير البرهان: ج ٢ ص ١٩١.

(٣) الدر المنثور: ج ٣ ص ٣١١.

(١٦٥)

Page 163: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

إن ذلك ال يضيق عليك في وسعك، وال يتكأدك في قدرتك وال يتصعدك في أناتك، واليؤدك في جزيل هباتك التي دلت عليها آياتك إنك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد، إنك على

كل شئ قدير.____________________

هذه الجمل تعليل للدعاء وإجابة المسؤول.وضاق عليه األمر: شق وتعسر.

والوسع بالضم: الطاقة والقوة، ومنه «ال يكلف الله نفسا إال وسعها» (١).وتكأده األمر على تفاعل وتفعل، وتصعده وتصاعده كذلك: اشتد عليه وصعب، من قولهم:

عقبة كئود وعقبة صعود أي: صعبة ال يجوزها إال المخف.وفي رواية «يتصعبك» بالباء من الصعوبة.

واألناة: الحلم.وأده الشيء: ثقل عليه.

وجزل الخطب بالضم: إذا عظم وغلظ فهو جزل وجزيل، ثم استعير للعطاء، فقيل: أجزل لهفي العطاء: إذا أوسعه، وهو جزيل العطاء: وسيعه، وله عطاء جزل وجزيل.

والهبة: العطية بال عوض، أصلها وهبه بالكسر، استثقلت الكسرة على الواو فنقلت إلىالعين، ثم حذفت الواو، ولزمت تاء التأنيث كالعوض.

واآليات: جمع آية وهي العالمة، يحتمل أن يراد بها هنا اآليات القرآنية المتضمنة لبيان سعةجوده وكرمه، وسميت اآلية القرآنية آية لكونها عالمة على صدق من أتى بها، ويحتمل أنيكون المراد بها العالمات واآلثار الدالة على جزيل إحسانه وجميل امتنانه، وهي أكثر منأن تحصى وأوفر من أن تستقصى، كما مر بيانه في شرح صدر هذا الدعاء عند قوله عليه

السالم «وأنت الذي عطاؤه أكثر من منعه» (٢).____________________

(١) سورة البقرة: اآلية: ٢٨٦.(٢) مر سابقا ص ١١٤.

(١٦٦)

Page 164: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________إنك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد: أي تفعل ما تشاء من األفعال وتحكم ما تريد مناألحكام، حسبما تقتضيه المشيئة واإلرادة المبنيتان على الحكم البالغة ال يمنعك مانع واليعوقك عائق، فيدخل في ذلك - إن شاء وأراد - إبالغ الداعي مأموله وإيتاؤه مسؤوله،وقد تقدم الكالم على المشيئة واإلرادة والفرق بينهما في الروضة األولى (١)، فأغنى عن

اإلعادة.وقوله: «إنك على كل شئ قدير» تعليل وتقرير لمضمون الجملة قبله، فإن القادر هو الذيإن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل. والقدير: هو الفعال لما يشاء الحاكم بما يريد، ألن

الحكم بالقضاء يرجع إلى القدرة، والله أعلم.هذا آخر الروضة السادسة عشرة من رياض السالكين في شرح صحيفة سيد العابدين، وقدوفق الله سبحانه إلتمامها قبيل العصر من يوم الجمعة ال حدى عشرة خلون من ذي القعدة

الحرام عام مائة وألف، ولله الحمد.____________________

(١) ج ١ ص ٢٦٤ و ٢٦٦.

(١٦٧)

Page 165: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الروضة السابعة عشره(١٦٩)

Page 166: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

دعاء ١٧وكان من دعائه عليه السالم إذا ذكر الشيطان فاستعاذ منه ومن عداوته وكيده

اللهم إنا نعوذ بك من نزغات الشيطان الرجيم ومكائده ومن الثقة بأمانيه ومواعيده وغرورهومصائده وأن يطمع نفسه في إضاللنا عن طاعتك وامتهاننا بمعصيتك او أن يحسن عندنا ماحسن لنا او أن يثقل علينا ما كره إلينا اللهم إخسأه عنا بعبادتك واكبته بدئوبنا في محبتكواجعل بيننا وبينه سترا ال يهتكه وردما مصمتا ال يفتقه اللهم صل على محمد وآله واشغلهعنا ببعض أعدائك واعصمنا منه بحسن رعايتك واكفنا ختره وولنا ظهره واقطع عنا إثرهاللهم صل على محمد وآله وامتعنا من الهدى بمثل ضاللته وزودنا من التقوى ضد غوايتهواسلك بنا من التقى خالف سبيله من الردى اللهم ال تجعل له في قلوبنا مدخال وال توطننله فيما لدينا منزال اللهم وما سول لنا من باطل فعرفناه وإذا عرفتناه فقناه وبصرنا ما نكائدهبه وألهمنا ما نعده له وأيقظنا عن سنة الغفلة بالركون إليه وأحسن بتوفيقك عوننا عليه اللهم

واشرب قلوبنا انكار(١٧١)

Page 167: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

عمله والطف لنا في نقض حيله اللهم صل على محمد وآله وحول سلطانه عنا واقطع رجاهمنا وادرأه عن الولوع بنا اللهم صل على محمد وآله واجعل آباءنا وأمهاتنا وأوالدنا وأهاليناوذوى أرحامنا وقراباتنا وجيراننا من المؤمنين والمؤمنات منه في حرز حارز وحصن حافظوكهف مانع وألبسهم منه جننا واقية واعطهم عليه أسلحة ماضية اللهم واعمم بذلك منشهد لك بالربوبية واخلص لك بالوحدانية وعاداه لك بحقيقة العبودية واستظهر بك عليهفي معرفة العلوم الربانية اللهم احلل ما عقد وافتق ما رتق وافسخ ما دبر وثبطه إذا عزموانقض ما أبرم اللهم واهزم جنده وأبطل كيده واهدم كهفه وارغم انفه اللهم اجعلنا في نظمأعدائه واعزلنا عن عداد أوليائه ال نطيع له إذا استهوانا وال نستجيب له إذا دعانا نأمربمناواته من أطاع أمرنا ونعظ عن متابعته من اتبع زجرنا اللهم صل على محمد خاتم النبيينوسيد المرسلين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وأعذنا وأهالينا واخواننا وجميع المؤمنين

والمؤمنات مما استعذنا(١٧٢)

Page 168: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

منه وأجرنا مما استجرنا بك من خوفه واسمع لنا ما دعونا به وأعطنا ما أغفلناه واحفظ لناما نسيناه وصيرنا بذلك في درجات الصالحين ومراتب المؤمنين آمين رب العالمين

(١٧٣)

Page 169: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله العلي العظيم، والصالة والسالم على نبيهالكريم، المنزل عليه في الذكر الحكيم، «وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو

السميع العليم» (١)، وعلى آله الداعين إلى الدين القويم الهادين إلى الصراط المستقيم.وبعد فهذه الروضة السابعة عشرة من رياض السالكين في شرح صحيفة سيد العابدين، إمالءالعبد الراجي فضل ربه السني علي صدر الدين الحسيني الحسني، شرح الله صدره ووضع

عنه وزره الذي أنقض ظهره.____________________

(١) سورة األعراف: اآلية ٢٠٠.

(١٧٤)

Page 170: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

شرح الدعاء السابع عشروكان من دعائه عليه السالم في االستعاذة من الشيطان وكيده:

____________________االستعاذة: طلب العوذ، وهو االلتجاء أو االعتصام أو التحصن.

والشيطان: فيعال من الشطن وهو البعد، لبعده عن الله تعالى أو عن الخير، يريد إبعادهوالهالك البطالن وهو الشيط من فعالن أو أجله، من أبعد لكونه الله إلى المتقرب واالحتراق، ألنه باطل في نفسه مبطل لمصالحه ومصالح من أبطل من أجله هالك باللعنة،يريد إهالك من لعن ألجله، محترق غضبا عليه إذا راه يتقرب إلى ربه، والمستعاذ منهوسواسه وإغواؤه وجميع شروره، بل نفسه ألنه بذاته شر يستعاذ منه. وهنا مسائل ال بأس

بالتعرض لها.األولى: اختلف في وجود الشياطين، فأنكره قوم لوجوه.

األول: لو كانت موجودة فإما أن تكون أجساما لطيفة أو كثيفة، وكالهما باطل.أما األول فألنه يلزم أن ال تقدر على األعمال الشاقة التي ينسبها إليهم المثبتون، ولوجب أنتتالشى وتتمزق بأدنى قوة وسبب يصل إليها من خارج كالريح العاصفة، وهو خالف ما

يعتقده المثبتون.(١٧٥)

Page 171: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وأما الثاني فألنه يوجب أن يراهم كل من كان سليم الحس لكنا ال نراهم، ولو جوزناأجساما كثيفة ال نراها لجاز أن يكون بحضرتنا جبال وتالل ال نراها، وبوقات وطبول ال

نسمعها، وهو سفسطة محضة.والجواب: أن لطفها بمعنى الشفافية أعني عدم اللون، فال يلزم أحد األمرين، لجواز أنيقوى الشفاف الذي ال لون له على األعمال الشاقة وال ينفعل بسرعة، ومع ذلك فال نراها،أال ترى أن الريح تدحرج األحجار العظيمة من الشواهق، وتكسر األشجار الباسقة، وتخربالعمارات الهائلة، مع كمال لطافتها؟ وبالجملة: فإذا أردتم باللطافة الشفافية، فنختار أنهالطيفة وال يلزم عدم قوتها، وإن (١) أردتم بها سرعة االنفعال واالنقسام ورقة القوام، فنختارأنها غير لطيفة وال يلزم رؤيتها كاألفالك، كيف؟ وقد يفيض عليها القادر المختار - معلطافتها ورقتها - قوة عظيمة، فإن القوة ال تتعلق بالقوام في الرقة والغلظ، وال بالجثة فيالصغر والكبر، أال ترى أن قوام اإلنسان دون قوام الحديد والحجر، ويرى بعضهم يفتلالحديد ويكسر الحجر ويصدر منه ما ال يمكن أن يسند إلى غلظ القوام؟ ونرى الحيواناتمختلفة في القوة اختالفا ليست بحسب اختالف القوام والجثة، كما في األسد مع الحمار.الثاني: لو كان لها وجود في العالم لخالطوا الناس وشوهدت منهم العداوة والصداقة وليسكذلك، وأهل التعزيم إذا تابوا من صنعتهم يكذبون أنفسهم فيما ينسبون إليهم. ومجالالمنع في هذا الوجه ال يخفى ضعفه، لثبوت االختالط والعداوة منهم بالنسبة إلى كثيرين،قال تعالى: «وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن» (٢)، «ومن الجن من يعمل بين يديه» (٣).

____________________(١) (الف): وإذا.

(٢) سورة األحقاف: اآلية ٢٩.(٣) سورة سبأ: اآلية ١٢.

(١٧٦)

Page 172: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقال عليه السالم: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم (١).

وقد تواترت األخبار برؤية جم غفير من األنبياء صورته وسماعهم صوته، وأيضا فقد علممن سنة الله أنه ال يفعل شيئا إال بسبب يخصه، ولهذا إذا استنارت حيطان البيت واسودسقفه علم أن سبب االستنارة غير سبب االسوداد، فكذلك أسباب استنارة القلب واسودادهيقع فيه أفكار وأذكار يستبصر بها تارة ويتحير أخرى فالمبصر ملك خلق إلفاضة المنافع في

العاقبة وكشف الحق والوعد بالمعروف، والمحير شيطان خلق لضد ذلك.الثالث: أن وجودهم يخل بالوثوق بالمعجزات، إذ يجوز أن يقال كلما أتى به األنبياء فإنما(٢) حصل بإعانة الجن أو الشياطين، فمن الجائز أن حنين الجذع كان بسبب نفوذ جني أو

شيطان في الجذع، وكل فرع أدى إلى إبطال األصل فهو باطل.والجواب: أن الفرق بين المعجزة وغيرها ينفي الجواز المذكور كما قرر في محله، والدليلالدال على صحة نبوة األنبياء يدل على صدق أخبارهم، ومن جملة ما أخبروا به وجود

الجن والشياطين فصح وجودهم.الثانية: اختلف المثبتون لوجود الشياطين والجن في حقيقتهم. فقال المتكلمون:

هي أجسام شفافة تتشكل بأي شكل شاءت، وتقدر على الولوج في بواطن الحيوانات،وتنفذ في منافذها الضيقة نفوذ الهواء المستنشق، وظاهر بعض األخبار يعضد هذا القول.

وقال قوم: هي النفوس األرضية المدبرة للعناصر.وقيل: هي النفوس الناطقة التي فارقت أبدانها، فالخيرة منها تتعلق بالنفوس

____________________(١) سفينة البحار: ج ١ ص ٦٩٨، الجامع الصغير: ج ١، ص ٨٢.

(٢) (الف) وإنما.

(١٧٧)

Page 173: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وإله الخلق، عالم قادر، وأنه مهما أراد شيئا قال له كن فيكون، وهو حكيم في فعله، إال أنه

يتوجه على وجه حكمته أسئلة، قال المالئكة: ما هي وكم هي؟ قال لعنه الله: هي سبع:األولى منها: أنه علم قبل خلقي أنه أي شئ يصدر عني ويحصل مني، فلم خلقني أوال؟ وماالحكمة في خلقه إياي؟ الثانية: إذ (١) خلقني على مقتضى إرادته ومشيته فلم كلفنيبمعرفته وطاعته؟ وما الحكمة في التكليف بعد أن ال ينتفع بطاعة وال يتضرر بمعصية؟الثالثة: إذ (٢) خلقني وكلفني فالتزمت تكليفه بالمعرفة والطاعة فعرفت وأطعت، فلم كلفنيبطاعة آدم والسجود له؟ وما الحكمة في هذا التكليف على الخصوص، بعد أن ال يزيد ذلكفي معرفتي وطاعتي؟ الرابعة: إذ خلقني وكلفني على اإلطالق، وكلفني بهذا التكليف علىالخصوص، فإذ لم أسجد فلم لعنني وأخرجني من الجنة؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لمأرتكب قبيحا إال قولي ال أسجد إال لك؟ الخامسة: إذ خلقني وكلفني مطلقا وخصوصا فلمأطع فلعنني وطردني، فلم طرقني إلى آدم؟ حتى دخلت الجنة ثانيا وغدرته بوسوستي فأكلمن الشجرة المنهي عنها وأخرجه من الجنة معي، وما الحكمة في ذلك بعد أنه لو منعني من

دخول الجنة استراح مني آدم وبقي خالدا فيها؟.وكانت الجنة إلى طرقني ثم ولعنني عموما وخصوصا وكلفني خلقني إذ السادسة: الخصومة بيني وبين آدم، فلم سلطني على أوالده حتى أراهم من حيث ال يروني، وتؤثر

فيهم وسوستي وال يؤثر حولهم وقوتهم وقدرتهم واستطاعتهم؟ وما الحكمة____________________

(١) و (٢) (الف) لو خلقني.

(١٧٩)

Page 174: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________في ذلك بعد أن لو خلقهم على الفطرة دون من يحتالهم عنها فيعيشون طاهرين سامعين

مطيعين كان أحرى بهم وأليق بالحكمة؟.السابعة: سلمت هذا كله، خلقني وكلفني مطلقا ومقيدا، فإذ لم اطع لعنني وطردني، وإذأردت دخول الجنة مكنني وطرقني، إذ عملت عملي أخرجني، ثم سلطني على بين آدم،

فلم إذ (١) استمهلته أمهلني فقلت: «فانظرني إلى يوم يبعثون.قال فإنك من المنظرين. إلى يوم الوقت المعلوم» (٢)؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لوأهلكني في الحال استراح الخلق مني وما بقي شر ما في العالم؟ أليس بقاء العالم على بقاء

الخير خيرا من امتزاجه بالشر؟ قال: فهذه حجتي على ما أدعيه في كل مسألة.قال شارح اإلنجيل: فأوحى الله إلى المالئكة عليهم السالم قولوا له: إنك في تسليمكاألول أني إلهك وإله الخلق غير صادق وال مخلص، إذ لو صدقت أني إله العالمين ماحكمت علي ب «لم»، فأنا الله ال إله إال انا ال اسأل عما أفعل والخلق مسؤولون (٣).قال الفخر الرازي: لو اجتمع األولون واآلخرون من الخالئق، لم يجدوا عن هذه الشبهات

مخلصا إال الجواب اإللهي (٤) انتهى.وتعقبه بعض المتأخرين من علمائنا المتبحرين، فقال: إن غرض الفخر الرازي إثبات مذهبأصحابه، من القول بالفاعل المختار ونفي التخصيص في األفعال، وذلك مما ينسد به بابإثبات المطالب بالبراهين، كاثبات الصانع وصفاته وأفعاله وإثبات البعث والرسالة، إذ مع

تمكين هذه اإلرادة الجزافية لم يبق اعتماد____________________

(١) (الف) إذا.(٢) سورة الحجر: اآلية ٣٦ و ٣٧ و ٣٨.(٣) الملل والنحل: ج ١ ص ١٦ - ١٨.

(٤) التفسير الكبير للفخر الرازي: ج ١ - ٢، ص ٦٦ ما مضمونه.

(١٨٠)

Page 175: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الظلمات، ونقلها من (١) حدود البهيمية والسبعية إلى حدود اإلنسانية والملكية، وتطهيرهاوتهذيبها بنور العلم وقوة العمل عن درن الكفر والمعصية ورجس الجهل والظلمة، والينافي عموم التكليف عدم تأثيره في النفوس الجاسية والقلوب القاسية، كما أن الغاية فيإنزال الغيث إخراج الحبوب وإنبات الثمار واألقوات منها، وعدم تأثيره في الصخور القاسيةواألراضي الخبيثة ال ينافي عموم النزول، والله أجل من أن يعود إليه فائدة في هداية الخلق،كما في إعطائه أصل خلقه، بل هو الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى، من غير غرض أو

عوض في فضله وجوده.وأما الشبهة الثالثة، وهي السؤال عن فائدة تكليفه بالسجود آلدم والحكمة فيه.

فالجواب عنها: أوال: ينبغي أن يعلم أن لله سبحانه في كل ما يفعله أو يأمر به حكمة بلحكما كثيرة، ألنه تعالى منزه

عن فعل العبث واالتفاق والجزاف، وإن خفي علينا وجه الحكمة في كثير من األمور علىالتفصيل، بعد أن علمنا القانون الكلي في ذلك على اإلجمال، وخفاء الشيء علينا ال يوجب

انتفاؤه، وهذا يصلح للجواب عن هذه الشبهة ونظائرها.وثانيا: أن التكليف بالسجود كان عاما للمالئكة، وكان هو معهم في ذلك الوقت، فعمهاألمر بها تبعا وبالقصد الثاني، لكنه لما تمرد وعصى واستكبر وأبى، بعد ما اعتقد بنفسه أنه

من المأمورين، صار مطرودا ملعونا.وثالثا: أن األوامر اإللهية والتكاليف الشرعية مما يمتحن به جواهر النفوس ويعلن ما فيبواطنهم ويبرز ما في مكامن صدورهم من الخير والشر والشقاوة، فتتم به الحجة وتظهر

المحجة، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.وأما الشبهة الرابعة، وهي السؤال عن لمية تعذيب الكفار والمنافقين، وإيالمهم

____________________(١) (الف) عن.

(١٨٢)

Page 176: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________بالعقوبة، وإبعادهم عن دار الرحمة والكرامة.

فالجواب عنها: أن العقوبات األخروية من الله تعالى ليس باعثها الغضب واالنتقام وإزالةالغيظ ونحوها تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وإنما هي لوازم وتبعات ساق إليها أسبابالهاوية، إلى الهوى بنتائجها من التعذيب إلى انتهت باطنية، نفسانية وأحوال داخلية والسقوط في أسفل درك الجحيم، ومصاحبة المؤذيات من العقارب والحيات وغيرها منالمؤلمات. ومثالها في هذا العالم األمراض الواردة على البدن الموجبة لألوجاع واآلالمبواسطة نهمة (١) سابقة، فكما أن وجع البدن الزم من لوازم ما ساق إليه األحوال الماضيةواألفعال السابقة، من كثرة األكل أو إفراط الشهوة ونحوهما، من غير أن يكون هاهنامعذب خارجي، فكذلك حال العواقب األخروية وما يوجب العذاب الدائم لبعض النفوسالجاحدة للحق المعرضة عن اآليات، وهي «نار الله الموقدة. التي تطلع على األفئدة» (٢).من الحقة، والشرايع اإللهية الكتب في الواردة اآليات واألخبار عليه التي دلت وأما العقوبات الجسمانية الواردة على بدن المسئ من خارج - على ما يوصف في التفاسير -،فهي أيضا منشأها (٣) أمور باطنية وهيئات نفسانية برزت من الباطل إلى الظاهر، وتصورتبصور النيران والعقارب والحيات والمقامع من حديد وغيرها، وهكذا حصول األجسامواألشكال واألشخاص في اآلخرة، كما حقق في مباحث المعاد الجسماني وكيفية تجسماألعمال، ودل عليه كثير من اآليات، مثل قوله تعالى: «وإن جهنم لمحيطة بالكافرين» (٤)

وقوله: «وبرزت الجحيم لمن»____________________

(١) النهم بتفحتين: إفراط الشهوة، ونهم ينهم - من باب ضرب يضرب -: كثر أكله المصباح المنير: ص ٨٦٤.

(٢) سورة الهمزة: اآلية ٦ و ٧.(٣) (الف): منشؤها.

(٤) سورة التوبة: اآلية ٤٩.

(١٨٣)

Page 177: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________«يرى» (١)، وقوله: «كال لو تعلمون علم اليقين. لترون الجحيم. ثم لترونها عين اليقين»(٢)، وقوله: «إذا بعثر ما في القبور. وحصل ما في الصدور» (٣). ثم إذا سلم معاقب منأكثر نافع في بالعقوبة التخويف واإلنذار أيضا مصلحة عظيمة، ألن فإن ذلك خارج للتخويف ومقتض المسئ تأكيد المجرم بتعذيب التخويف األشخاص، واإليفاء بذلك الزدياد النفع، ثم هذا التعذيب وإن كان شرا بالقياس إلى الشخص المعذب، لكنه خيربالقياس إلى أكثر أفراد النوع، فيكون من جملة الخير الكثير الذي يلزم الشر القليل، كما في

قطع العضو إلصالح البدن وسائر األعضاء.وأما الشبهة الخامسة، وهي السؤال عن فائدة تمكين الشيطان من الدخول إلى آدم في

الجنة، حتى غره بوسوسته، فأكل ما نهي عنه، فأخرج به من الجنة.فالجواب عنها: أن الحكمة في ذلك والمنفعة عظيمة، فإنه لو بقي في الجنة أبدا لكان بقيهو وحده في منزلته التي كان عليها في أول الفطرة، من غير استكمال واكتساب فطرةأخرى فوق األولى، وإذا هبط إلى األرض خرج من صلبه أوالد ال تحصى، يعبدون اللهويطيعونه إلى يوم القيامة، ويرتقي منهم عدد كثير في كل زمان إلى درجات الجنان بقوتيالعلم والعبادة، وأي حكمة وفائدة أعظم وأجل وأرفع وأعلى من وجود األنبياء واألولياء،ومن جملتهم سيد المرسلين وأوالده المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين وعلى سائراألنبياء والمرسلين؟ ولو لم يكن في هبوطه إلى األرض مع إبليس إال ابتالؤه مدة الدنيا

واكتسابه درجة االصطفاء، لكانت الحكمة عظيمة والخير جليال.وأما الشبهة السادسة، وهي السؤال عن وجه الحكمة في تسليطه - وهو العدو

____________________(١) سورة النازعات: اآلية ٣٦.

(٢) سورة التكاثر: اآلية ٥ و ٦ و ٧.(٣) سورة العاديات: اآلية ٩ و ١٠.

(١٨٤)

Page 178: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________المبين - على ذرية آدم باإلغواء والوسوسة، بحيث يراهم من حيث ال يرونه.

فالجواب عنها: أن نفوس أفراد البشر في أول الفطرة ناقصة بالقوة، ومع ذلك بعضها خيرةنورانية شريفة بالقوة، مائلة إلى األمور القدسية، عظيمة الرغبة إلى اآلخرة، وبعضها خسيسةالجواهر ظلمانية شريرة بالقوة، مائلة إلى الجسمانيات، عظيمة في إيثار الشهوة والغضب،فلو لم يكن اإلغواء وال طاعة النفس والهوى، لكان ذلك منافيا للحكمة لبقائهم على طبقةواحدة من نفوس سليمة ساذجة، فال تتمشى عمارة الدنيا بعدم النفوس الجاسية (١) الغالظالعمالة في األرض ألغراض دنية عاجلة، أال ترى إلى ما روي من قوله تعالى في الحديثالقدسي: إني جعلت معصية آدم سببا لعمارة العالم (٢)، وما روي أيضا في الخبر: لوال

أنكم تذنبون لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون (٣).وأما الشبهة السابعة، وهي السؤال عن الفائدة في إمهاله إلى يوم الوقت المعلوم.

فالجواب عنها: بمثل ما ذكرناه، فإن بقاءه تابع لبقاء النوع البشري بتعاقب األفراد، وهومستمر إلى يوم القيامة، فكذلك وجب استمراره ألجل أدائه الفائدة التي ذكرناها في وجوده

ووجود وسوسته إلى يوم الدين.وقوله: «أليس بقاء العالم على الخير خيرا من امتزاجه بالشر؟» قلنا: فإذا لم يكن دنيا،فالدنيا ممزوجة بالشر، ولو كان كلها خيرا لكان وجودها خيرا من عدمها، لكنها جسريعبر به الناس إلى اآلخرة ووسيلة إلى الخير األخروي والدائم، والعالم الذي ال يتطرق إليهالشرور واآلفات عالم آخر إليه رجعي الطاهرات من نفوسنا، وهذا اللعين مع اشتهاره بالعلم

في غاية الجهل المركب بالعناد، كما يظهر____________________

(١) جسا الشيء يجسو: إذ يبس وصلب (المصباح المنير) ص ١٤٠.(٢) تفسير القرآن الكريم لصدر المتألهين: ج ٦ ص ٩٤.(٣) تفسير القرآن الكريم لصدر المتألهين: ج ٦ ص ٩٤.

(١٨٥)

Page 179: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

قال صلوات الله وسالمه عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين: اللهم إنا نعوذ بك من نزغاتالشيطان الرجيم وكيده ومكائده، ومن الثقة بأمانيه ومواعيده وغروره ومصائده.

____________________من إيراده تلك الشبهات، وكل من له مرتبة متوسطة في الحكمة يعلم دفعها وحلها، فضال

عن الراسخ القدم في الحكمة، المنشرح الصدر بنور اإليمان والمعرفة.ومع ذلك ذكر الفخر الرازي - إمام المشككين - ما نقلناه عنه: أنه لو اجتمع الخالئقكلهم لم يجدوا مخلصا عن هذه الشبهات، إال بما سماه الجواب اإللهي من القول بإبطالالحكمة وإنكار الغاية ونفي المرجح والسبب الذاتي لوجود األشياء شغفا بمذهب أصحابهوترويجا له، من القول بالفاعل المختار واإلرادة الجزافية، وذلك لقصوره وقصورهم عنإدراك الحكمة العلية، وعجزهم عن دفع األوهام والشبهات في األمور العقلية، والله يقول

الحق وهو يهدي السبيل.الرابعة: قد يقال: إن الشيطان ليس له سلطان على عباد الله المخلصين، لقوله تعالى: «إنعبادي ليس لك عليهم سلطان» (١)، وقول الشيطان: «إال عبادك منهم المخلصين» (٢)،

فما الفائدة في أمره سبحانه سيد أنبيائه وأخلص أصفيائه بقوله:«فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم» (٣)، وقوله: «قل أعوذ برب الناس»

(٤)؟ وكيف استعاذ منه سائر األنبياء والمرسلين واألئمة المعصومين؟.والجواب: أن الكالم في صحة االستعاذة كالكالم في سائر األدعية والعبادات التي جعلهاالله سببا وواسطة لحصول الكماالت العاجلة واآلجلة للعبد، فجعل االستعاذة سببا لدفع

سلطان الشيطان كما جعل الدعاء والعبادة سببا لجلب رضوان الرحمنآثر عليه السالم صيغة المتكلم مع غيره في االستعاذة، إشعارا باشتراك سائر

____________________(١) سورة الحجر: اآلية ٤٢.

(٢) سورة ص: اآلية ٨٣.(٣) سورة النحل: اآلية ٩٨.

(٤) سورة الناس: اآلية ١.

(١٨٦)

Page 180: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الموحدين له في وجوب االستعاذة به تعالى، أو تعميما للسعي في إصالح حاله وحالجميع أهل ملته، أو مالحظة دخول جميع قواه وحواسه الظاهرة والباطنة، وصيغة المضارع

للداللة على االستمرار.والنزغات: جمع نزغة، وهي فعلة من النزغ، يقال: نزغ الشيطان بين القوم - من باب نفع

- أي: أفسد، ونزغه الشيطان أيضا: وسوس إليه.اإلزعاج وأصله الغضب، عند ذلك يكون ما وأكثر باإلغواء، اإلزعاج النزغ وقيل:

بالحركة.وقال الزجاج: النزغ أدنى حركة تكون، ومن الشيطان أدنى وسوسة (١).

وقال الزمخشري في األساس: نزغ فالنا مثل نسغه إذا طعنه ونخسه، ومن المجاز:نزغه الشيطان، كأنه ينخسه ليحثه على المعاصي، ونزغ بين الناس أفسد بينهم بالحث على

الشر (٢).واأللف والالم في «الشيطان»: للجنس، ليفيد االستعارة من هذا الجنس مطلقا مرئيا أو غيرمرئي، ولذلك جمع ضميره في قوله تعالى: «إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطانتذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم ال يقصرون» (٣)، أي: إخوانالشياطين، فأعاد الضمير جمعا باعتبار الجنس، ألن الجنس يدل على الكثرة باعتبار أنهمفهوم كلي ال يمنع شركة الكثير فيه، وال ينافي ذلك إفراد ضميره في الدعاء وال وصفهبالمفرد، ألنه باعتبار اللفظ، هذا. ولو جعل األلف والالم للعهد جاز، ويدخل جنده فيه

تبعا.والرجيم: فعيل من الرجم، وهو لغة الرمي بالحجارة، ووصف به الشيطان ألنه

____________________(١) مجمع البيان: ج ٣ - ٤ ص ٥١٢.

(٢) أساس البالغة ص ٦٢٨.(٣) سورة األعراف: اآلية ٢٠١ و ٢٠٢.

(١٨٧)

Page 181: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________يرمي بالسب والشهب.

والكيد: السعي في فساد الحال على جهة االحتيال.وقيل: هو إرادة متضمنة الستتار ما يراد عمن يراد به، لكن أكثر ما يستعمل ذلك في الشر.

والمكائد: جمع مكيدة، وهي اسم من كاده يكيده. وعطفه على كيده للتنصيص علىأنواعه المختلفة.

ووثق به يثق بكسرهما ثقة ووثوقا: ائتمنه وأطمأن إلى قوله. واألماني بالتشديد وقد يخفف:جمع أمنية، أصلها امنوية على افعولة، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، وهي اسم من تمنىالشيء إذا طلب حصوله ممكنا كان أو ممتنعا، وقد يطلق على حديث النفس بما يكون وما

ال يكون، وأصله من منى الشيء كرمى بمعنى قدره، ألن المتمني يقدر حصول ما يتمناه.والمراد بأماني الشيطان األهواء الباطلة التي يلقيها في قلب اإلنسان، فيمنيه طول البقاء، وأنهينال من الدنيا مقصوده، ويستولي على أعدائه، ويوقع في نفسه أن الدنيا دول فربما تيسرتلي كما تيسرت لغيري، ويشوش بذلك فكره في استخراج الحيل الدقيقة والوسائل اللطيفةفي تحصيل مطالبه الشهوية والغضبية، فيصده عن الطاعة ويلقيه في المعصية وتسويف

التوبة.والمواعيد: جمع ميعاد مصدر بمعنى الوعد، نص عليه الزمخشري في األساس، قال: قدأخلف وعده وعدته وموعده وموعوده وميعاده، وهذا الوقت والمكان ميعادهم (١) انتهى.

فيكون الميعاد مصدرا، واسم زمان، واسم مكان، أو مصدر بمعنى المواعدة.____________________

(١) أساس البالغة: ص ٦٨٢.

(١٨٨)

Page 182: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________نص عليه الجوهري في الصحاح، قال: الميعاد: المواعدة والوقت والموضع (١).ال يقال: المواعدة إنما تكون من الطرفين، والمستعاذ منه إنما هو وعد الشيطان.

ألنا نقول: الطاعة في القبول من الموعود بمنزلة المواعدة، فكأنه استعاذ من وعد الشيطانوالطاعة له في قبول وعده، فهو كقوله تعالى: «وواعدنا موسى» (٢).

قال أبو إسحاق: لما كانت الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة فهو من الله وعد، ومنموسى قبول واتباع يجري مجرى المواعدة (٣).

ويحتمل أن يكون المواعيد جمع موعود أو موعودة مصدرين بمعنى الوعد.قال ابن سيده في المحكم: وهو من المصادر التي جاءت على مفعول ومفعولة (٤).

قال ابن جني: ومما جاء من المصادر مجموعا معموال قوله: مواعيد عرقوب أخاه بيثرب.(٥) والوعد من الشيطان إما بإلقاء الخواطر الفاسدة، أو بألسنة أوليائه من شياطين الجنتعالى: قال الكبائر، كما ارتكاب مع الغفران يعد أن الباطلة مواعيده فمن واإلنس. «يأخذون عرض هذا األدنى ويقولون سيغفر لنا» (٦)، وربما وعد من ال يقين له بأنه القيامة وال حساب وال جزاء وال عقاب، فاجتهدوا في استيفاء اللذات العاجلة واغتنموا فرصةالحياة الزائلة. ولقد سمعت بعض من كان على ظاهر اإلسالم يقول: إنه لم يأتنا ممن ماتخبر نتحقق معه أمر الحساب والعقاب، وإنما هو شئ يقال، فال ينبغي للعاقل أن يترك لذاتهالدنيوية خوفا من أمر غير متحقق، فربما إذا مات لم يجد مما خافه شيئا، أليس يكون قدفاته من لذات الدنيا ما ال يمكنه تالفيه؟ فنهيته عن مثل هذا الكالم فأعرض عني. ومن

مواعيد الشيطان الكاذبة____________________

(١) الصحاح: ج ٢ ص ٥٥٢.(٢) سورة البقرة: اآلية ٥١.

(٣) الجامع الحكام القرآن: ج ١ ص ٣٩٤.(٤) و (٥) المحكم البن سيده: ج ٢ ص ٢٣٦.

(٦) سورة األعراف: اآلية ١٦٩.

(١٨٩)

Page 183: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وأن يطمع نفسه في إضاللنا عن طاعتك وامتهاننا بمعصيتك، أو أن____________________

ما أخبرنا به الله سبحانه في قوله: «الشيطان يعدكم الفقر» (١)، فإن وعده بالفقر من خفيحيله.

وبيانه: أنه لما كان البخل صفة مذمومة عند كل أحد، لم يمكنه أن يجره ابتداء إليها، إالبتقديم مقدمة هي الوعد بالفقر، ليمسك عن إنفاق الجيد من ماله، فإذا أطاعه زاد، فيمنعهمن اإلنفاق بالكلية، وربما تدرج إلى أن يمنع الحقوق الواجبة، فال يؤدي الزكاة وال يصلالرحم وال يرد الوديعة، فإذا صار هكذا ذهب وقع الذنوب من قلبه، ويتسع الخرق فيقدم

على المعاصي كلها.والغرور إيهام النفع فيما فيه ضرر.

وقيل: هو استغفال النفس وإمالتها إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطبع عن شبهة وخدعة،وغرور الشيطان يعود إلى إيهام النفع فيما يخالف أمر الله تعالى بالوسوسة، كما فعل بآدمعليه السالم حسبما حكاه الله سبحانه بقوله: «فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك

على شجرة الخلد وملك ال يبلى» (٢).والمصايد: جمع مصيدة بكسر الميم وسكون الصاد، وهي آلة الصيد.

والمراد بها هنا الشهوات واللذات الدنيوية، استعار لها لفظ المصايد، لمشابهتها إياها فياستلزام الحصول فيها للبعد عن السالمة والحصول في العذاب. وقد وقع في أكثر النسخهمز المكائد والمصائد، وقد علمت فيما سبق أن حرف العلة الواقعة بعد األلف في مثلهذا الجمع إذا كانت أصلية لم تقلب همزة، وما سمع من ذلك مهموزا فضعيف كهمزمعائش، والصواب ما وقع في نسخة ابن إدريس رحمه الله من ضبطهما بالياء من غير همز.

أطمع نفسه في الشيء: قدر في نفسه حصوله. والغرض سؤال إخالصه سبحانه____________________

(١) سورة البقرة: اآلية ٢٦٨.(٢) سورة طه: اآلية ١٢٠.

(١٩٠)

Page 184: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

يحسن عندنا ما حسن لنا، أو أن يثقل علينا ما كره إلينا.اللهم اخسأه عنا بعبادتك، واكبته بدؤبنا في محبتك، واجعل بيننا وبينه سترا ال يهتكه،

وردما مصمتا ال يفتقه.____________________

له بطاعته وتخليصه من ربق األهواء، ليكون من عباده المخلصين، الذين علم إبليس أنكيده ال يؤثر فيهم، فلم يحدث نفسه بإضاللهم، فاستثناهم من جملة بني آدم، حيث قال:

«فبعزتك ألغوينهم أجمعين. إال عبادك منهم المخلصين» (١).قتل ونفع - قدم غيره، وامتهنه: بابي المهن، مهن مهنا - من افتعال من واالمتهان:

استخدمه.وحسن الشيء عنده يحسن بالضم فيهما: الءم طبعه، وحسنه له تحسينا: زينه حتى مال إليه

طبعه.والثقل: في األصل للحمل، يقال: ثقل عليه الحمل بالضم يثقل ثقال كعنب ويسكن، ثم

توسع فيه واستعمل في كل ما ال يالئم الطبع.وكره إليه الشيء: قبحه له. وفي ذلك إشارة إلى ما يدعو إليه الشيطان من وجوه الشر، فإنهاللذات في إليه حصر فيخيل إليه طاعاته، تعالى، ويكره الله معاصي لإلنسان يحسن الشهوات والجاه، حتى ينفق ماله في المحرمات، ويخوفه بالفقر حتى يمنع الزكاة، ويسهلعليه تحمل المشاق في طلب الدنيا، ويثقل عليه القيام إلى الصالة، ويحسن إليه إمضاء

الغضب، ويريه أن كظم الغيظ عجز وذلة، وله أبواب يطول شرحها.خسأ الكلب - من باب نفع - خسا وخسوء طرده.

وكبت الله العدو - من باب ضرب -: رده بغيظه وأهانه، وكبته أيضا: صرعه وأخزاهوصرفه وكسره وأهلكه.

____________________(١) سورة الحجر: اآلية ٣٩ و ٤٠.

(١٩١)

Page 185: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ودأب الرجل في العمل - من باب نفع - دؤبا: اجتهد فيه.

وهتك الستر - من باب ضرب - هتكا: هو أن يجذبه حتى ينزعه من مكانه، أو يشقه حتىيظهر ما وراءه.

والردم: الحاجز الحصين.وقال ابن عباس: الردم أشد الحجاب (١).

وقيل: هو السد المتراكم بعضه فوق بعض يقال: ثوب مردم أي فيه رقاع فوق رقاع.وشئ مصمت: ال جوف له، وباب مصمت: مغلق.

وفتقت الثوب فتقا - من باب قتل -: نقضت خياطته حتى فصلت بعضه من بعض.واعلم أنه لما كان العبد ال يستقل بمقاومة الشيطان، لمعارضة الوهم والخيال والعقل،وجذب سائر القوى إلى عالم السفل، لم يكن له بد من أن يفزع إلى من سلطه عليه ابتالء،ليعيده منه ومن دواعيه، وأن يطرده عنه ويرده ويحول بينه وبينه، ثم لما كان خسأ الشيطانوطرده ال يمكن إال بقهر الوهم وسائر القوى البدنية عن مقتضيات طباعها، وكانت عبادتهتعالى أعظم ما قهر به ذلك، لما اشتملت عليه من األوامر والنواهي اإللهية الموجبة النقهارالنفس وانقيادها توسل إليه سبحانه في أن يخسأ الشيطان بالتوفيق لعبادته، ولما كانت محبةالشيء موجبة لعدم التفات المحب إلى غيره كائنا من كان، فضال من عدوه الذي يرومصرفه عنه، ومستلزمة لعداوة عدو المحبوب، وكان ذلك موجبا لكبت العدو، سأله سبحانه

أن يكبته بالتوفيق لالجتهاد في محبته.____________________

(١) الدر المنثور: ج ٤ ص ٢٥١ وفيه «كأشد الحجاب».

(١٩٢)

Page 186: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، واشغله عنا ببعض أعدائك، واعصمنا منه بحسن رعايتك،واكفنا ختره، وولنا ظهره، واقطع عنا إثره.

____________________ويبغضوني ويعصونك، يحبونك عبادك إن يا رب قال: الشيطان أن خبر: في روي ويطيعوني، فأجيب بأني قد عفوت عنهم ما أطاعوك بما أبغضوك، وقبلت منهم إيمانهم وإن

لم يطيعوني بما أحبوني (١).والمراد بالستر والردم المسؤولين، إما تقوى الله تعالى واإلخالص في طاعته، فإن دواعيالشيطان تضمحل عندهما، فال ينفذ فيهما كيده وال يطيق نقضهما أيده، وإما ستر وردمملكوتيان يحوالن بينه وبين الشيطان، فال يخطر للشيطان معهما إغواء وإضالل، كما جعلبين رسوله صلى الله عليه وآله وبين أعدائه حجابا مستورا عند قراءة القرآن، حيث قالسبحانه: «وإذا قرأت القران جعلنا بينك وبين الذين ال يؤمنون باآلخرة حجابا مستورا»

.(٢)شغلت زيدا بكذا - من باب نفع -: جعلته له شغال، وشغلني األمر: صار لي شغال. ولمابالذوات تحتم هنا تقدير مضاف، أي: اشغله عنا بمالزمة بعض يتعلق الشغل ال كان أعدائك. وفي هذه الفقرة من البديع اإلدماج وهو أن يضمن المتكلم كالما ساقه لمعنىمعنى آخر، بشرط أن ال يشعر في كالمه بأنه مسوق ألجله، كقوله تعالى «وله الحمد فياألولى واآلخرة» (٣)، فإنه مسوق لتفرده تعالى بوصف الحمد، وأدمج فيه اإلشارة إلىالبعث والجزاء وهكذا عبارة الدعاء، فإنها سيقت لسؤال شغل الشيطان عنه حتى ال يشتغل

به، وأدمج فيها الدعاء على أعداء الله سبحانه.____________________

(١) الكشكول: ج ٣ ص ٦٣ طبع طهران مؤسسة فراهاني.(٢) سورة االسراء: اآلية: ٤٥.(٣) سورة القصص: اآلية ٧٠.

(١٩٣)

Page 187: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

التقوى ضد اللهم صل على محمد وآله، وأمتعنا من الهدى بمثل ضاللته، وزودنا من الردى. التقى خالف سبيله من بنا من غوايته، واسلك

____________________وعصمه الله من المكروه - من باب ضرب - حفظه ووقاه ومنعه.

والرعاية بالكسر: اسم من يرعاه بمعنى حفظه.وكفاه الله السوء يكفيه: دفعه عنه.

والختر: الخديعة، وأقبح العذر.والتولية: جعل الشيء يلي غيره، يقال: واله ظهره إذا جعله يليه، وهو كناية عن االنهزام،ألن المنهزم يجعل ظهره مما يلي المنهزم عنه، ومنه قوله تعالى: «وإن يقاتلوكم يولوكم

األدبار ثم ال ينصرون» (١)، فقوله عليه السالم: «وولنا ظهره» أي: أهزمه عنا.واألثر بالتحريك وبالكسر ساكنا: وسم رجل الماشي في األرض، وهو كناية عن سؤاله

منعه من وصوله إليه، ألنه إذا لم يصل إليه انقطع مشيه إليه فانقطع أثره.أمتعه الله بكذا ومتعه بالتثقيل: أطال له االنتفاع به، ووجه المثلية الثبوت والدوام والكثرة،

أي: أمتعنا من الهدى بهدى ثابت دائم كثير، مثل ثبوت ضاللته ودوامها وكثرتها.والزاد: طعام المسافر المتخذ لسفره، وزودته: أعطيته زادا.

ولما كان التقوى مما تتقوى به النفس على الوصول إلى جناب القدس في السفر األخروي،كما تتقوى الطبيعة بالزاد على الحركة الحسية في السفر الدنيوية، استعار لها لفظ الزاد.

والضد بالكسر: المثل، والمخالف ضد.____________________

(١) سورة آل عمران: اآلية ١١١.

(١٩٤)

Page 188: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قال أبو عمرو: الضد مثل الشيء، والضد خالفه (١).

وهو هنا محتمل للمعنيين، فإن جعلته بمعنى المثل كان وجه الشبه ما ذكرناه في الفقرةاألولى، وإن جعلته بمعنى الخالف كان المعنى وزودنا من التقوى تقوى مخالفة لغوايته فيأثمرت غوايته النجاة، وإذا تقوانا الهالك أوجبت فإذا أوجبت غوايته جميع األحوال،

الهدى واإلرشاد. تقوانا أثمرت الضالل واإلضالل والغواية بالفتح: اسم من غوى - من باب ضرب - انهمك في الجهل وهو خالف الرشد،

وغوى أيضا: ضل وخاب.وسلكت الطريق سلوكا - من باب قعد -: ذهبت فيه، يتعدى بنفسه وبالباء أيضا، فيقال:

سلكت زيدا الطريق وسلكت به الطريق.التقوى، والتاء فيهما مبدلة من واو، اتقاه، واالسم والتقى: مصدر وقاه كهداه بمعنى واألصل وقى ووقوى أبدلت الواو فيهما تاء ولزمت في تصاريف الكلمة، والتقى والتقوىفي اللغة بمعنى اتخاذ الوقاية، ويستعمالن بحسب العرف الشرعي بمعنى خشية الله تعالى،

ومنه قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم» (٢).قال بعض المحققين: وحقيقتهما (٣) عرفا شرعيا يعود إلى خشية الحق سبحانه المستلزملإلعراض عن كل ما يوجب االلتفات عنه (٤) من متاع الدنيا وزينتها، وتنحية ما دون

وجهة القصد إليه.وقد تقدم الكالم على مراتب التقوى في الروضة الرابعة فليرجع إليه (٥).

والسبيل: الطريق.والردى: الهالك، والمراد به الهالك األخروي، وهو استيجاب النار نعوذ بالله منها.

____________________(١) تاج العروس: ج ٢ ص ٤٠٥.

(٢) سورة النساء: اآلية ١.(٣) (ج): وحقيقتها

(٤) (الف) عن.(٥) ج ٢ ص ٩٣.

(١٩٥)

Page 189: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم ال تجعل له في قلوبنا مدخال، وال توطنن له فيما لدينا منزال.اللهم وما سول لنا من باطل فعرفناه، وإذا عرفتناه فقناه وبصرنا ما نكايده به، وألهمنا ما

نعده له، وأيقظنا عن سنة الغفلة بالركون إليه، وأحسن بتوفيقك عوننا.____________________

إليه، من إطالق لتأديتها الردى بيانية، وجعل سبيله الردى»: و «من» في قوله: «من المسبب على السبب، فإن المراد بسبيله ما يجر إليه من مناهي الله سبحانه المؤدية إلى

الهالك.المدخل بفتح الميم: إما مصدر ميمي بمعنى الدخول، أو اسم لموضع الدخول.

يقال: هذا مدخل البيت أي: موضع الدخول إليه.والتوطين: التمهيد، ومنه وطن نفسه على االمر إذا مهدها لفعله وذللها و «ما» في قوله

«فيما لدينا»: إما موصولة، أو نكرة موصوفة، أي: في الذي لدينا، أو في شئ لدينا.والمنزل: موضع النزول.

يروى أن عيسى عليه السالم دعا ربه أن يريه موضع الشيطان من بني آدم، فأراه ذلك، فإذارأسه مثل رأس الحية واضع رأسه على قلبه، فإذا ذكر الله خنس، وإذا لم يذكره وضع رأسه

على حبة قلبه (١).وقال صلى الله عليه وآله وسلم: لوال أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى

ملكوت السماوات. (٢).التسويل: تحسين الشيء وتزيينه وتحبيبه إلى اإلنسان ليفعله أو يقوله.

والباطل: ما خالف الحق من عقيدة أو قول أو عمل.وعرفته األمر تعريفا: أعلمته إياه.

ووقاه الله السوء: حفظه وصانه عنه.____________________

(١) الدر المنثور: ج ٦ ص ٤٢٠.(٢) التفسير الكبير للفخر الرازي ج ١ ص ٨٣.

(١٩٦)

Page 190: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وبصرته كذا وبصرته بكذا تبصيرا: أعلمته إياه، وهو من بصرت بالشيء بالضم والكسر لغةبصرا بفتحتين: علمته فأنا بصير به، يتعدى بالباء في اللغة الفصحى، وقد يتعدى بنفسه،

فيقال: بصرت الشيء كما يقال: بصرت به،وهو ذو بصر وبصيرة أي: علم وخبرة.

وكايده: خادعه وما كره، ويكون بمعنى كاده أيضا.قال في األساس: له كيد ومكيدة ومكائدة وكاده وكايده (١).

وألهمه الله الخير: ألقاه في روعه بطريق الفيض.وأعد الشيء إعدادا: هيأه واهبه.

وصى بعض الصالحين فقال: كن من الشيطان كالغريب يقصده كلب الراعي فيفزع إلىالراعي، فإن الشيطان يدفع لك تسعة وتسعين بابا من الخير حتى يصطادك عند تمام المأةفقابله باألضداد، فإن دعاك إلى الدنيا فقل: هي فانية، وإن دعاك إلى الشهوات فقل: هيندامة، وإن دعاك إلى الكبر فقابله، بمعرفة أصلك وفرعك تراب صلصال وحمأ مسنون وماء

مهين، وإن دعاك إلى العجب فقل: كيف أعجب بما ليس منى؟ إنما هو توفيق وعصمة.والعجب ممن يعجب بعمله وال يدري بما يختم له، هكذا يبصر الله أولياءه ما يكايدون به

الشيطان، ويلهمهم ما يعدونه له من العلم والعرفان.والسنة: ما يتقدم النوم من الفتور.

والغفلة: غيبة الشيء عن البال، شبههما بالنوم، وأثبت لها السنة واإليقاظ تخيال.وركن إلى زيد ركونا - من باب تعب - في اللغة الفصحى: ملت وسكنت إليه

____________________(١) أساس البالغة: ص ٥٥٤.

(١٩٧)

Page 191: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________واعتمدت عليه.

والباء للسببية، متعلقة بالغفلة أي: الغفلة بسبب الركون إليه.والتوفيق: جعل الله فعل العبد موافقا لما يحبه ويرضاه.

والعون: الظهير على األمر، ومنه الصوم عون على العفة، واسم من اإلعانة.قال ابن سيده في مجمل اللغة (١): االسم العون والمعانة والمعونة (٢)، أي:

أحسن معونتنا عليه.واعلم أن الشيطان لعنه الله كثيرا ما يزين الباطل فيريه في صورة الحق، حتى أنه ليدعو إلىخير لتفويت خير أعظم منه أو جر شر ال يفي به وعقل العبد عاجز عن إدراك ذلك من دونإعانة الله تعالى، فوجب الرجوع في جلب كل خير، ودفع كل شر، وتمييز كل باطل منحق، إلى القادر المطلق الذي ال يعجزه شئ، إذ الخالص للعقل من ظلمات الشبهات، وال

نجاة لسفينة الفكر من أمواج الضالالت، إال بإعانة رب األرض والسماوات.قال بعض العلماء: ربما تشبه الهواء بالعقل فيتعلق بشبهة مزخرفة ومعذرة مموهة، كالعاشق

إذا سئل عن عشقه، والمتناول لطعام ردي إذا سئل عن فعله.ثم إذا مال العقل نحو مولم جميل، والهوى نحو ملذ قبيح، فتنازعا بحسب غرضيهماوتحاكما إلى القوة المدبرة، بادر نور الله إلى نصرة العقل، ووساوس الشيطان إلى نصرةالهوى، كما قال الله تعالى: «الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذينكفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات» (٣)، فمتى كانت القوة

المدبرة من أولياء الشيطان لم تر نور الحق فعميت عن نفع اآلجل____________________

(١) هكذا في األصل ولكن الصحيح أن مجمل اللغة البن فارس دون ابنسيدة.

(٢) المحكم البن سيده: ج ٢ ص ٢٦٤.(٣) سورة البقرة: اآلية ٢٥٧.

(١٩٨)

Page 192: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم واشرب قلوبنا إنكار عمله والطف لنا في نقض حيله.اللهم صل على محمد وآله، وحول سلطانه عنا، واقطع رجاءه منا وادرأه عن الولوع بنا.

____________________واغترت بلذة العاجل، فجنحت إلى الهوى، كما قال تعالى: «أفرأيت من اتخذ إلهه هواهوأضله الله على علم وختم على سمعه» (١) ومتى كانت من حزب الله وأوليائه اهتدت

بنوره، فاستهانت بلذة العاجل وطلبت سعادة اآلجل، كما قال تعالى:«وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم. إن الذين اتقوا إذا مسهم

طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون» (٢).الثوب، إليه، كما يداخل الصبغ اشرب قلبه حب الشيء: خالطه وداخله فقبله وسكن

البدن. والشراب أعماق يقال: أشرب الثوب الصبغ إذا أشبعه منه، وأشرب زيد إذا أسقاه.

وأنكرت عليه عمله: عتبته وقبحته.ولطف الله له: أوصل إليه مراده بلطف، أي رفق.

والحيل: كعنب جمع حيلة وهي اسم من االحتيال وأصلهما (٣) الواو.قال في القاموس: هو الحذق وجودة النظر والقدرة على التصرف (٤).

والمراد بنقض حيله إبطالها حتى ال تؤثر فيه.يقال: نقضت ما أبرمه إذا أبطلته، وأصله من نقضت الحبل نقضا أي: حللت برمه.

حولته تحويال: نقلته من موضع إلى موضع.وسلطانه: أي تسلطه وتصرفه باإلغواء المستتبع لالستجابة، وإال فال سلطان له

____________________(١) سورة الجاثية: اآلية ٢٣.

(٢) سورة األعراف: اآلية ٢٠٠ و ٢٠١.(٣) (ج) وأصلها.

(٤) القاموس المحيط: ج ٣، ص ٣٦٣.

(١٩٩)

Page 193: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، واجعل آباءنا وأمهاتنا وأوالدنا وأهالينا وذوي أرحامنا وقراباتناوجيراننا من المؤمنين والمؤمنات منه في حرز حارز وحصن حافظ وكهف مانع، وألبسهم

منه جننا واقية، وأعطهم عليه أسلحة ماضية.____________________

على أحد القسر واإللجاء، كما قال: «وما كان لي عليكم من سلطان إال أن دعوتكمفاستجبتم لي» (١).

واقطع رجاءه: أي آيسه منا حتى ال يطمع على حال في إغوائنا.ودرأت الشيء درءا - من باب نفع -: دفعته.

وولع بالشيء يولع كوجل يوجل - من باب علم يعلم - ولعا محركة وولوعا بفتح الواو:علق به، وأولع به بالبناء للمفعول: أغري به فهو مولع به بفتح الالم أي:

مغرى.واعلم أن المنصوص عليه في كتب اللغة أن الولوع سواء كان مصدرا أو اسما بفتح الواو.

قال الجوهري: ولعت به أولع ولعا ولوعا، المصدر واالسم جميعا بالفتح (٢) وقال فيالقاموس: ولع كوجل ولعا محركة وولوعا بالفتح (٣).

وقال الفيومي: أولع به ولوعا بفتح الواو (٤).واتفقت نسخ الصحيفة الشريفة على ضبط الولوع بضم الواو، فليحرر.

اآلباء: جمع أب محذوف الالم، وهي واو، ألنه يثنى على أبوين. واألمهات:جمع أم، وهي الوالدة.

____________________(١) سورة إبراهيم: اآلية ٢٢.

(٢) الصحاح: ج ٣ ص ١٣٠٤.(٣) القاموس المحيط: ج ٣ ص ٩٨.

(٤) المصباح المنير: ص ٩٢٦.

(٢٠٠)

Page 194: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قيل: أصلها أمهة، ولهذا تجمع على أمهات، وأجيب بزيادة الهاء وأن األصل أمات.

قال ابن جني: دعوى الزيادة أسهل من دعوى الحذف، وكثر في الناس أمهات وفي غيرالناس أمات للفرق بينهما (١).

قال الفيومي: والوجه ما أورده في البارع أن في األم أربع لغات أم بضم الهمزة وكسرهاوأمة وأمهة، فاألمهات واألمات لغتان ليست إحداهما أصال لألخرى، وال حاجة إلى دعوى

حذف وال زيادة (٢).المثنى واألنثى الذكر على يطلق مفعول، بمعنى فعل بفتحتين، ولد واألوالد: جمع والمجموع، والولد على وزن فعل لغة فيه وقيس تجعل المضموم جمع المفتوح مثل أسد

جمع أسد. واألهالي: جمع أهل.قال الجوهري: زادوا فيه الياء على غير قياس، كما جمعوا ليال على ليالي (٣).

وقال الزمخشري: هو اسم جمع ألهل، كالليالي في جمع ليلة واألراضي في جمع أرض(٤) واألصل في األهل: القرابة، وقد أطلق على األتباع.

وقال في القاموس: أهل الرجل عشيرته وذو وقرباه (٥).وذوي: جمع ذو بمعنى صاحب.

واألرحام: جمع رحم بمعنى القرابة، منقول من الرحم الذي هو موضع تكوين الولد.قال شيخنا البهائي قدس الله سره: قصر بعض العلماء الرحم على من يحرم

____________________(١) و (٢) المصباح المنير: ص ٣١.

(٣) الصحاح: ج ٤ ص ١٦٢٩.(٤) تفسير الكشاف: ج ١ ص ٦٧٣.

(٥) القاموس المحيط: ج ٣، ص ٣٣١.

(٢٠١)

Page 195: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________نكاحه، والظاهر أنه كل من عرف بنسبه وإن بعد. ويؤيده ما رواه علي بن إبراهيم فيتفسير قوله تعالى: «فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في األرض وتقطعوا أرحامكم»: أنها

نزلت في بني أمية، وما صدر منهم بالنسبة إلى أئمة أهل البيت عليهم السالم (١) انتهى.وقد تقدم الكالم على ذلك مبسوطا في الروضة الثانية (٢).

قوله: «وقراباتنا» يحتمل أن يكون معطوفا على األرحام فيكون مجرورا، أي:وذوي قراباتنا، ويحتمل أن يكون معطوفا على ذوي فيكون منصوبا والكسرة فيه نائبة عنالفتحة، وعطفه على ما قبله إما من عطف العام على الخاص إن قصر الرحم على من يحرمنكاحه، أو على ما هو أخص من مطلق القرابة، وإال فهو من عطف الشيء على مرادفه

تأكيدا.والجيران: جمع جار، وهو في اللغة المجاور في المسكن أي: المالصق فيه.

حكى ثعلب عن ابن األعرابي: أن الجار الذي يجاورك بيت بيت (٣).وشرعا قيل: مرجعه إلى العرف.

وقيل: إلى أربعين دارا من كل جانب، وهو المروي في أحاديث من طرق العامة والخاصة.روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الجار إلى أربعين دارا (٤) روى في

الكافي بسند حسن أو صحيح عن أبي جعفر عليه السالم، قال:حد الجوار أربعون دارا من كل جانب، من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله

.(٥)____________________

(١) كتاب األربعين للشيخ البهائي: ص ٦١.(٢) ج ١ ص ٤٦٥.

(٣) المصباح المنير: ص ١٥٨.(٤) كنز العمال: ج ٩ ص ٥٢ ح ٢٤٨٩٥.

(٥) الكافي: ج ٢ ص ٦٦٩ ح ٢.

(٢٠٢)

Page 196: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ومثله عن أبي عبد الله عليه السالم. (١) «ومن» في قوله «من المؤمنين»: لبيان لجنس،

أي: الذين هم المؤمنون.والحرز بالكسر والسكون: المكان الحصين الذي يحفظ فيه.

قال ابن األثير في النهاية: ومنه حديث الدعاء اللهم اجعلنا في حرز حارز أي:كهف منيع، وهذا كما يقال: شعر شاعر، فأجرى اسم الفاعل صفة للشعر وهو لقائله،والقياس أن يكون حرز محرز أو حرز حريز، ألن الفعل منه أحرز، ولكن كذا روي، ولعله

لغة (٢) انتهى.قلت: قال صاحب القاموس: حرزه حفظه، أو هو إبدال واألصل حرسه (٣) انتهى.

وعبارة الدعاء تدل على أنه ليس بإبدال، فثبت كون حارز قياسا من حرزه بمعنى حفظه.والحصن: المكان الذي ال يقدر عليه الرتفاعه.

وفي القاموس: هو كل مكان حصين ال يوصل إلى جوفه (٤). والكهف: الغار الواسع فيالجبل كأنه بيت منقور.

قال في األساس: ومن المجاز: فالن كهف قومه: ملجؤهم (٥) والجنن: جمع جنة بالضم.قال الجوهري: الجنة بالضم ما استترت به من سالح، والجنة: السترة، والجمع الجنن يقال:

استجن بجنة أي: استتر بسترة (٦) انتهى.واألسلحة: جمع سالح، وهو ما يقاتل به في الحرب ويدافع والتذكير فيه أغلب

____________________(١) الكافي: ج ٢ ص ٦٦٩ ح ١.

(٢) النهاية البن األثير: ج ١، ص ٣٦٦.

(٣) القاموس المحيط: ج ٢، ص ١٧٢.

(٤) القاموس المحيط: ج ٤، ص ٢١٤.(٥) أساس البالغة: ص ٥٥٣.

(٦) الصحاح: ج ٥ ص ٢٠٩٤.

(٢٠٣)

Page 197: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم واعمم بذلك من شهد لك بالربوبية، وأخلص لك بالوحدانية، وعاداه لك بحقيقةالعبودية، واستظهر بك عليه في معرفة العلوم الربانية.

____________________من التأنيث، فيجمع على التذكير أسلحة كحمار وأحمرة، وعلى التأنيث سالحات.

وماضية: أي قاطعة من مضى السيف في الضريبة مضاء أي: قطع.واعلم أن المراد بجعلهم في حرز حارز وحصن حافظ وكهف مانع، أن يوفقهم لطاعتهوعبادته وتقواه، التي ال يستطيع الشيطان الوصول إليهم معها، فاستعار هذه األلفاظ للطاعةوالعبادة والتقوى، باعتبار كونها ملجأ من كيد الشيطان ووساوسه، كما أن المجعول في

حرز حارز وحصن وكهف محفوظ فيها من غوائل العدو.وكذا قوله عليه السالم: «وألبسهم منه جننا واقية» فإنه استعار الجنن لعناياته سبحانه بهم،

يحفظهم من مكائد الشيطان واضالله وإغوائه، وإثبات اإللباس والوقاية ترشيح.والمراد باألسلحة: األذكار واألعمال الصالحة التي يدفع بها ووساوس الشيطان وتسويالته،وهي استعارة مرشحة أيضا، ووضعها بالماضية هو الترشيح، وفيه تشبيه للشيطان ضمنا

بالمحارب المبارز، والله أعلم.عمهم عموما - من باب قعد - شملهم واستوعبهم. وعرفوا العموم بأنه عبارة عن اإلحاطة

باألفراد دفعة، واإلشارة بذلك إلى ما تقدم من الدعاء.ومن: يستوي - فيها المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث ومنع الحنفية من تناولها

لألنثى.لنا قوله تعالى: «ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى» (١)، فالتفسير بها

____________________(١) سورة النساء: اآلية ١٢٤.

(٢٠٤)

Page 198: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________دل على تناول «من» لهما.

وشهد لك بالربوبية: أقر لك بأنك رب كل شئ ومالكه.وأخلص لك بالوحدانية: أي لم يعتبر معك غيرك مطلقا، وهو التوحيد المطلق الكامل الذيأشار إليه أمير المؤمنين عليه السالم بقوله: وكمال توحيده اإلخالص له (١). فإن اإلخالصهو الذي يتم به التوحيد المطلق، إذ كان عبادة عن تنحية كل ما سوى الحق األول عنمستن اإليثار. وبيان ذلك: أنه ثبت في علم السلوك أن العارف ما دام ملتفتا، مع مالحظةجالل الله وعظمته، إلى شئ سواه، فهو بعد واقف دون مقام الوصول جاعل مع الله غيرا،

حتى أن أهل اإلخالص ليعدون ذلك شركا خفيا.كما قال بعضهم:

من كان في قلبه مثقال خردلة * سوى جاللك فاعلم أنه قرضوإنهم ليعتبرون في تحقق اإلخالص أن يغيب العارف عن نفسه حال مالحظته لجالله اللهتعالى، وإن لحظها فمن حيث هي ال حظة، ال من حيث هي متزينة بزينة الحق، فكانإخالص الوحدانية أن ال يعتبر معه غيره مطلقا. وقد تقدم الكالم منا مبسوطا في اإلخالص

والتوحيد ومراتبه في الروضة األولى (٢)، فأغنى عن اإلعادة هنا.والضمير في «عاداه» راجع إلى الشيطان، والمعاداة: تحري كل من الشخصين اغتيال اآلخر

ومضادته فيما يؤدي إلى مصالحه.فالمراد بمعاداة الشيطان مضادته ومخالفته في جميع ما يزينه ويوسوس به، والكون منه على

حذر في جميع األحوال وقد أمرنا الله سبحانه بمعاداته، فقال: «إن الشيطان»____________________(١) نهج البالغة: ص ٣٩، خطبة ١.

(٢) ج ١ ص ٣٢٢.

(٢٠٥)

Page 199: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________«لكم عدو فأتخذوه عدوا» (١) والالم في «لك»: للتعليل أي: ألجلك.

والباء من قوله: «بحقيقة العبودية»: لالستعانة، أو للمصاحبة.والحقيقة: فعيلة من حق الشيء إذا ثبت بمعنى فاعلة أي: حقيق. والتاء فيها للنقل منالوصفية إلى االسمية كما في عالمة، ال للتأنيث، وحقيقة الشيء: ما به الشيء هو هو

باعتبار تحققه.والمراد بحقيقة العبودية هنا خالصها ومحضها، وهو عبارة عن صيرورة العبد عبدا خالصامحضا، لم يبق له جهة أنانية، أو نظر والتفات إلى ما سوى المعبود الحق األول ولما كانمنشأ عداوة إبليس آلدم وذريته أنانيته وكبره، كما قال: «أنا خير منه خلقتني من نارلزم أن يكون العبودية مضادة لألنانية والكبر، وخلقته من طين» (٢)، وكانت حقيقة المتلبس بها مضادا ومباينا لكل متلبس ومتصف بضدها، فكيف بمن هو إمام المتكبرين،وسلف المتجبرين، الذي وضع أساس األنانية، ونازع الله رداء الجبرية، وأدرع لباس التكبر،

وخلع قناع التذلل؟ فإن المضادة المباينة تقتضي المنافرة والمعاندة،ولذلك خصه عليه السالم بالذكر، فإن الشيطان أشد عداوة له من غيره، كما أنه أشد من

غيره عداوة للشيطان.واستظهرت به: استعنت.

وفي: للظرفية المجازية، لكون المعرفة شاغلة للمستظهر مشتملة عليه اشتمال الظرف علىالمظروف، أو للتعليل أي: ألجل معرفة العلوم الربانية المنسوبة إلى الرب بزيادة األلف

والنون، أي: المتعلقة بمعرفته تعالى.ولما كان مقصود الشيطان أوال إضالل العبد في االعتقاد، وإغوائه عن معرفة ربه وصفاته

على ما يجب اعتقاده، خص عليه السالم بالذكر الطالب لمعرفة العلوم____________________

(١) سورة فاطر: اآلية ٦.(٢) سورة األعراف: اآلية ١٢.

(٢٠٦)

Page 200: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم احلل ما عقد وافتق ما رتق، وافسخ ما دبر وثبطه إذا عزم، وانقض ما أبرم.____________________

الربانية المستظهر به تعالى على الشيطان في تحصيلها وتحقيقها، حتى ال يصده عنها أويلحد فيها.

حل العقدة حال - من باب قتل -: نقضها، وعقد الحبل عقدا - من باب ضرب -:شده.

وفتقه فتقا - من باب قتل -: شقه ورتقه رتقا - من باب قتل -: ضمه وألمه وألحمه، أي:أبطل ما أحكمه من المكايد، وأرفع (١) ما قرره من المفاسد. واستعمال األفعال المذكورة

في هذه المعاني استعارة تبعية.قال الزمخشري في األساس: ومن المجاز: فالن حالل العقد كاف للمهمات (٢).

وفسخ الرأي - من باب نفع - نقضه، وفسخ تدبيره: أفسده، وأصل الفسخ إزالة الشيء عنموضعه. ومن غريب ما وقع لبعض المترجمين.

هنا أنه قال: اتفقت النسخ على فتح السين من قوله «وأفسخ ما دبره» وضابطة القاموستقتضي الضم انتهى.

يشير إلى ما ذكره صاحب القاموس في أول الكتاب، حيث قال: وإذا ذكرت المصدرمطلقا، أو الماضي بدون اآلتي وال مانع، فالفعل على مثال كتب (٣) انتهى.

وقال في مادة (ف س خ) الفسخ: الضعف، والجهل، والطرح، وإفساد الرأي، والنقض(٤). فذكر المصدر مطلقا، وهو يقتضي أن يكون الفعل منه على مثال كتب. هذا معنى

قول المترجم: «وضابطة القاموس تقتضي الضم». وهو____________________

(١) (ج): أدفع.(٢) أساس البالغة: ص ١٤٠.

(٣) القاموس المحيط: ج ١ ص ١٩.(٤) القاموس المحيط: ج ١ ص ٢٦٦.

(٢٠٧)

Page 201: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم واهزم جنده، وأبطل كيده، وأهدم كهفه، وأرغم أنفه.____________________

غلط منه، أوقعه فيه غفلته عن قول صاحب القاموس: «وال مانع»، فإن المانع من كونالفعل هنا على مثال كتب متحقق، وهو كون الم الفعل حرف حلق وهو الخاء، فإن كونالفعل حلقي عين أو الم مانع من كونه على مثال كتب، إال ما ورد به السماع كدخليدخل، وإنما نبهنا على ذلك لئال يقع الواقف على كالمه في مثل ما وقع فيه، والله اللهم

للصواب.ودبر األمر تدبيرا: قرره عن فكر وروية، كأنه نظر في دبره وهو عاقبته وآخرته.

وثبطه عن األمر تثبيطا: عوقه وأقعده عنه، وهو ضد التحريض.وعزم على الشيء عزما من باب ضرب، وقد يتعدى بنفسه فيقال: عزم الشيء إذا عقد

ضميره على فعله، وعزم عزيمة وعزامة: اجتهد وجد في أمره.وقيل: العزم والعزيمة: اإلرادة المؤكدة.

ونقض الحبل نقضا - من باب قتل -: حل برمه، ومنه: أنقضت ما أبرمه إذا أبطلته، وأصلاإلبرام قتل الحبل من طاقين حتى يصيرا واحدا، ثم استعمل في إحكام الشيء وتدبيره

استعارة.هزمت الجيش هزما - من باب ضرب -: كسرته فانهزم، واالسم الهزيمة.

والجند بالضم: األنصار واألعوان.والمراد بجنده شياطين اإلنس والجن، من كل من خالف الحق ونابذه واتبع الشيطان

الباطل. وتلقف عنه، فصار في قوته أن يلبس الحق صورة وأبطل الشيء أفسده وأسقط حكمه. والكيد: المكر والخديعة.

وهدمت البناء هدما - من باب ضرب -: أسقطته فانهدم. والكهف: الملجأ.ورغم أنفه رغما من باب قتل، وفي لغة من باب تعب وهو كناية عن الذل والهوان، كأنهلصق بالرغام بالفتح وهو التراب، ويتعدى بالهمزة فيقال: أرغم الله أنفه، وفعلته على رغم

أنفه بالفتح والضم، أي: على كره منه، وهذا من األمثال(٢٠٨)

Page 202: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم اجعلنا في نظم أعدائه، واعزلنا عن عداد أوليائه، ال نطيع له إذا استهوانا، وال نستجيبله إذا دعانا نأمر بمناواته من أطاع أمرنا، ونعظ عن متابعته من اتبع زجرنا.

____________________التي جرت في كالمهم بأسماء األعضاء وال يريدون أعيانها، بل وضعوها لمعان غير معاني

األسماء الظاهرة، وال حظ لظاهر األسماء من طريق الحقيقة، ومنه قولهم:كالمه تحت قدمي، وحاجته خلف ظهري، يريدون اإلهمال وعدم االحتفال.

النظم: الجماعة، يقال: جاءنا نظم من جراد، أي صف منه، وأصله من نظم اللؤلؤ نظما -من باب ضرب -: جعله في سلك، أي: اجعلنا في صف أعدائه وجماعتهم الذين كأنهم(١) نظموا في سلك واحد، ومن فسر النظم بالسلك فقد أخطأ، فإن السلك ال يقال له:

نظم، بل نظام.وعزلت الشيء من غيره عزال: نحيته عنه.

وفالن في عداد الصالحين أي: يعد منهم، أي: نحنا وجنبنا من أن نعد في أوليائه.وتعدية نطيع بالالم، مع أنه متعد بنفسه، لتضمينه معنى ننقاد، أي: ال ننقاد له مطيعين، فهوكقولهم: سمع الله لمن حمده، وإنما أصل سمع أن يتعدى بنفسه، لكنهم عدوه بالالم

لتضمينه معنى استجاب.واستهواه الشيطان استماله وزين له هواه، أو ذهب بهواه وعقله. واستجاب له:

إذا دعاه إلى شئ فأطاعه.ودعانا: أي نادانا وطلب إقبالنا إليه.

ومناواته: أي معاداته، وأصله الهمز، كما هو في نسخة أخرى.قال الجوهري: ناوأت الرجل مناوأة ونواء: عاديته، يقال: إذا ناوأت الرجال

____________________(١) (ج): كانوا.

(٢٠٩)

Page 203: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين وعلى أهل____________________

فاصبر. وربما لم يهمز، وأصله الهمز، ألنه من ناء إليك ونأوت إليه، أي: نهض إليكونهضت إليه (٢).

والوعظ: النصح، وعداه ب «عن» لتضمينه معنى الزجر.قال بعضهم: الوعظ تذكير مشتمل على زجر وتخويف، وحمل على طاعة الله بلفظ يرق له

القلب، واالسم الموعظة.وتابعه على كذا متابعة: وافقه عليه، واتبع زجرنا: أي قبله وعمل به، ومنه حديث: فاتبعوا

القرآن (٣)، أي: ائتموا به واعملوا بما فيه.وزجرته زجرا: منعته ونهيته.

والجملتان من قوله: «ال نطيع له، ونأمر بمناوأته» يجوز أن تكونا حالين من الضميرالمنصوب، أي: اجعلنا في نظم أعدائه حال كوننا غير مطيعين له آمرين بمناوأته، فتكونا من

باب تعدد األحوال.ويجوز أن تكون جملة «نأمر بمناوأته» حاال من الضمير المرفوع في «ال نطيع»، فتكون

حاال متداخلة.إذا جعلكم في نظم أعدائه ويجوز كونهما مستأنفتين (٤)، كأنه سئل كيف تكونون وعزلكم عن عداد أوليائه؟ فقال: ال نطيع له إلى آخره، ثم استأنف الجملة األخرى، فكأنه

سئل ثم ما يكون منكم في أمره بعد عدم إطاعته واستجابته؟ فقال:نأمر بمناوأته إلى آخره. وعلى هذا فال محل لهما من اإلعراب، والمعطوف عليهما في

حكمهما إعرابا وعدمه.خاتم القوم بالفتح والكسر: أي آخرهم الذي ختموا به، وخاتم النبيين: من

____________________(١) الصحاح: ج ٦ ص ٢٥١٧ نقال بالمعنى ال بالنص.

(٢) النهاية البن األثير: ج ١ ص ١٧٩.(٣) (ج): مستأنفين.

(٢١٠)

Page 204: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

بيته الطيبين الطاهرين، وأعذنا وأهالينا وإخواننا وجميع المؤمنين والمؤمنات مما استعذنا منهوأجرنا مما استجرنا بك من خوفه.

____________________أغلق به باب النبوة، وال يقدح فيه نزول عيسى بعده عليه السالم، ألن معنى كونه خاتمالنبيين أنه ال ينبئ أحد بعده، وعيسى ممن نبئ قبله، وحين ينزل إنما ينزل على شريعة

محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مصليا إلى قبلته، كأنه بعض أمته.وساد فالن قومه يسودهم سؤودا بالضم وسيادة: إذا صار رئيسهم.

وقال الزجاج: السيد: الذي يفوق في الخير قومه (١).وقال بعض أهل اللغة: السيد: المالك، أو من في حكمه الذي تجب طاعته، ولهذا يقال:سيد الغالم، وال يقال: سيد الثوب، وقد أسلفنا الكالم على الفرق بين النبي والرسول في

الروضة األولى (٢).وأهل بيته عليهم السالم: هم أهل العباء المنزل في شأنهم «إنما يريد الله ليذهب عنكم

الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» (٣).قال أبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وواثلة بن األسفع، وعائشة، وأم سلمة: إن اآلية

مختصة برسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السالم (٤).وقد تواترت األخبار من طرق الخاصة والعامة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل علىعلي وفاطمة والحسنين كساء، وقرأ اآلية وقال: اللهم هؤالء أهل بيتي، أذهب عنهم الرجس

وطهرهم تطهيرا (٥).____________________

(١) لسان العرب: ج ٣ ص ٢٣٠.(٢) ج ١ ص ٣٥٣.

(٣) المناقب البن شهر آشوب: ج ٢ ص ١٧٥ - ١٧٦.(٤) ينابيع المودة: ج ١ ص ١٠٧ و ١٠٨.

(٥) ينابيع المودة: ج ١ ص ١٠٦.

(٢١١)

Page 205: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وفي رواية: اللهم إن هؤالء آل محمد، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد إنك

حميد مجيد (١).وفي رواية: اللهم هؤالء أهلي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ثالثا (٢).

ويدخل في أهل البيت باقي األئمة المعصومين صلوات الله عليهم إجماعا من اإلمامية، لماصح من حديث: أن مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك

.(٣)وروى ثقة اإلسالم في الكافي بسنده عن أبي عبد الله عليه السالم في قوله تعالى: «إنمايريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا»: يعني األئمة، وواليتهم من

دخل فيها دخل في بيت النبي صلى الله عليه وآله (٤).والطيب: ما تستلذه الحواس والنفس، ومن طاب الشيء يطيب طيبا: إذا كان لذيذا أوحالال فهو طيب، فإذا أطلق على الله تعالى كما في حديث: أن الله تعالى طيب ال يقبل إالطيبا (٥)، فالمراد به المنزه عن النقايص، المقدس عن اآلفات والعيوب، المتصف بجميعصفات الكمال، وإذا أطلق على اإلنسان فالمراد به من تزكى عن نجاسة المولد والجهل

والفسق، وتحلى بالعلم ومحاسن األخالق واألفعال.والطاهر: النقي من دنس الميالد والذنوب واألقذار واألنجاس.

وأهالينا: عطف على الضمير المنصوب في أعذنا، والرواية المشهورة فيه فتح____________________

(١) و (٢) ينابيع المودة: ج ١ ص ١٠٧.(٣) ينابيع المودة: ج ١ ص ٢٦.

(٤) الكافي: ج ١ ص ٤٢٣ ح ٥٤.(٥) مسند االمام أحمد بن حنبل: ج ٢ ص ٣٢٨ وعوالي اللئالي: ج ٢ ص ٧٠ ح

١٨١ وفيهما «أن الله طيب».

(٢١٢)

Page 206: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

واسمع لنا ما دعونا به، وأعطنا ما أغفلناه، واحفظ لنا ما نسيناه، وصيرنا بذلك في درجاتالصالحين ومراتب المؤمنين، آمين رب العالمين.

____________________الياء على القياس.

وروي في نسخة بسكون الياء على لغة من يسكنها في الحاالت الثالثة كاأللف.قال الزمخشري: في تفسير قوله تعالى: «من أوسط ما تطعمون أهليكم»: قرأ جعفر بنمحمد عليهما السالم: أهاليكم بسكون الياء للتخفيف، كما قالوا: رأيت معدي كرب

تشبيها للياء باأللف (١).ومن قوله: «من خوفه»: إما بيانية، وهي ومخفوضها في موضع نصب على الحال، وذوالحال «ما» المجرورة ب «من»، وإما تعليلية أي: ألجل خوفه، والضمير يحتمل عوده على

المستعاذ والمستجار منه، ويحتمل عوده إلى الشيطان.قال بعض العارفين: إن الشيطان قاسم أباك وأمك إنه لهما لمن الناصحين، وقد رأيت مافعل بهما، وأما أنت فقد أقسم على غوايتك، كما قال الله تعالى حاكيا عنه «فبعزتكألغوينهم أجمعين» (٢) فما ذا ترى يصنع بك؟ فشمر عن ساق الخوف والحذر منه ومن

كيده ومكره وخديعته.اسمع لنا: أي استجب لنا، ومنه قول المصلي: سمع الله، لمن حمده، أي:

أجاب دعاء من حمده.ودعونا به: أي سألناه، يقال: دعا الله بالعافية والمغفرة، أي: سألهما.

____________________(١) الكشاف: ج ١ ص ٦٧٣.

(٢) سورة الحجر: اآلية ٣٩.

(٢١٣)

Page 207: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وفي نسخة «اسمع» بقطع الهمزة من اإلسماع.

قيل: معناه اجعل لنا ما دعونا به مسموعا مستحقا لإلجابة.وأغفلناه: أي غفلنا عنه.

قال في القاموس: غفل عنه غفوال: تركه وسها عنه كأغفله (١).وقال الجوهري: أغفلت الشيء: إذا تركته على ذكر منك (٢)، أي: أعطنا ما أغفلنا سؤاله.والحفظ: ضد السهو والنسيان، ويعبر عنه بضبط الشيء في النفس ومرجعه العلم، فحفظهتعالى يعود إلى علمه باألشياء، أي: افعل بنا من الخير ما لم يعزب عن علمك، مما نسينا أن

ندعوك به ونرغب إليك في فعله بنا.وصيرنا: أي اجعلنا، من صار زيد صالحا صيرورة: إذا انتقل إلى حالة الصالح بعد أن لم

يكن عليها.والدرجات: جمع درجة محركة وهي المرقاة، واستعيرت للمنزلة الرفيعة المعنوية.

وفي القاموس: الدرجات محركة: الطبقات من المراتب (٣).والصالحون: القائمون بحقوق الله وحقوق العباد، والصالح: هو الحصول على الحالة

المستقيمة النافعة، ويقابله الفساد أي خروج الشيء عن أن يكون منتفعا به.والمراتب: المنازل الرفيعة.

قال في األساس: من المجاز: لفالن مرتبة عند السلطان ومنزلة، وهو من أهل المراتب (٤).____________________(١) القاموس المحيط: ج ٤ ص ٢٥.

(٢) الصحاح: ج ٥ ص ١٧٨٣.(٣) القاموس المحيط: ج ١ ص ١٨٨.

(٤) أساس البالغة: ص ٢١٩.

(٢١٤)

Page 208: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وآمين: بالمد والفتح بناء، أي: اللهم استجب، وقد تقدم الكالم عليها مبسوطا في آخر

الروضة الثانية عشرة (١)، فليرجع إليه.واختلفوا في أنها هل هي دعاء أم ال؟ فقيل بالثاني، ألنها اسم للدعاء، وهو اللهم استجب،

واالسم مغاير لمسماه.األفعال ال لمعاني أسماء األفعال وأسماء فعل، اسم الحق، ألنها وهو باألول، وقيل أللفاظها، كما حققه الرضي (٢)، ومن أدلته أن العربي يقول: صه مثال ويريد معنى أسكت،

وال يخطر بباله لفظة اسكت، بل قد ال تكون مسموعة له أصال.وقد ورد الختم على قول آمين بعد الدعاء من طرق الخاصة والعامة.

روي عن أبي زهير النميري وكان من الصحابة: فإذا دعا أحدنا قال: اختمه بآمين، فإن آمينمثل الطابع على الصحيفة.

قال أبو زهير: أال أخبركم عن ذلك، خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ذات مرة،فإذا رجل قد ألح في المسألة، فقال النبي صلى الله عليه وآله: قد أوجب إن ختمه، فقالرجل من القوم: بأي شئ يختمه؟ فقال: بآمين، فإنه إن ختم بآمين قد أوجب (٣) أي:

أوجب إجابة الدعاء.وفي النهاية البن األثير: فيه آمين خاتم رب العالمين، أي: أنه طابع الله على عباده، ألناآلفات والباليا تدفع به، فكان كخاتم الكتاب الذي يصونه ويمنع من فساده وإظهار ما فيه

(٤) انتهى.والظاهر أن معنى الحديث غير ما ذكره، بل المراد بكون آمين خاتم رب العالمين

____________________(١) ج ٢ ص ٥٢٠.

(٢) شرح الكافية في النحو: ج ٢ ص ٦٧.(٣) سنن أبي داود: ج ١ ص ٢٤٧ ح ٩٣٨.

(٤) النهاية البن األثير: ج ١ ص ٧٢.

(٢١٥)

Page 209: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الروضة الثامنة عشرة(٢١٧)

Page 210: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

دعاء ١٨وكان من دعائه عليه السالم إذا دفع عنه ما يحذر او عجل له مطلبه

اللهم لك الحمد على حسن قضائك وبما صرفت عنى من بالءك فال تجعل حظى منرحمتك ما عجلت لي من عافيتك فأكون قد شقيت بما أحببت وسعد غيرى بما كرهتوإن يكن ما ظللت فيه او بت فيه من هذه العافية بين يدي بالء ال ينقطع ووزر ال يرتفعفقدم لي ما أخرت وأخر عنى ما قدمت فغير كثير ما عاقبته الفناء وغير قليل ما عاقبته البقاء

وصل على محمد وآله(٢١٩)

Page 211: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

شرح الدعاء الثامن عشروكان من دعائه عليه السالم إذا دفع عنه ما يحذر أو عجل له مطلبه:اللهم لك الحمد على حسن قضائك، وبما صرفت عني من بالئك.

____________________دفع الله عنه السوء دفعا - من باب منع -: صرفه وحذر الشيء حذرا - من باب تعب -:

خافه.وعجل له مطلبه: قضاه بسرعة. وإنما حذف الفاعل وأسند الفعل إلى المفعول للعلم بأنالفاعل لذلك إنما هو الله سبحانه، فتعينه مغن عن ذكره ولو ذكره لغرض التبرك واالستلذاذ

جاز.قدم الخبر للتخصيص، أي: لك الحمد دون غيرك. والمراد بقضائه سبحانه:

حكمه بوجود ما قدره في األزل، وبحسنه: كونه على وفق الحكمة والمصلحة، هذا إنحملناه على العموم، ويدخل فيه قضاؤه له بتعجيل مطلبه. وإن حملناه على خصوص قضائهبإتجاح مسؤوله ومطلبه، فالمراد بحسنه كونه على وفق ما أراد، من تيسيره وتعجيله مع

كونه على وفق المصلحة والحكمة.والباء من قوله: «وبما صرفت»: للتعليل.

(٢٢١)

Page 212: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

فال تجعل حظي من رحمتك ما عجلت لي من عافيتك، فأكون قد شقيت بما أحببت،وسعد غيري بما كرهت.

____________________وما: موصولة: أي: وألجل الذي صرفت عني من بالئك، ويحتمل أن تكون بمعنى على

ومن: بيانية.والمراد بالبالء هنا: المكروه، من باله إذا أصابه بمكروه.قال في القاموس: والبالء يكون منحة، ويكون محنة (١).

لما كان الحمد سببا للمزيد، كما قال تعالى: «لئن شكرتم ألزيدنكم» (٢)، جعل طلبعدم االقتصار على المحمود عليه مترتبا على الحمد، كأنه قال: إذا حمدتك على حسنقضائك وصرف بالئك، فال تجعل نصيبي من رحمتك ما أسرعت بقضائه لي من عافيتك،التي هي تعجيل قضاء هذا المطلوب، أو صرف هذا المكروه فحسب، فإن الجعل منبئ عن

دوام المالبسة واستمرار االستقرار.والفاء من قوله: «فأكون»: للسببية، والفعل منصوب ب «أن» المصدرية المضمرة بعدها،لكونها مسبوقة بالطلب، أي: فيتسبب عن ذلك، وهو جعل حظي من رحمتك مجرد هذهالعافية المعجلة، كوني قد شقيت شقاوة أخروية، بسبب ما أحببته من تعجيلها، القتضائهفوات عظيم األجر والجزاء المسبب عن الصبر على البالء، ويكون قد سعد غيري ممن لمتجعل حظه من رحمتك مجرد عافيتك المعجلة سعادة أخروية، بسبب البالء الذي كرهته

أنا وصبر هو عليه، فنال بذلك عظيم األجر وجزيل الثواب.والحاصل: أنه لما كانت المحن في هذه الدار من منح الله سبحانه على عباده المؤمنين،

لما يترتب عليها من حط الذنوب ورفع الدرجات.____________________

(١) القاموس المحيط: ج ٤، ص ٣٠٥.(٢) سورة إبراهيم: اآلية ٧.

(٢٢٢)

Page 213: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________كما روي عن أبي عبد الله عليه السالم: ما أحب الله قوما إال ابتالهم (١).

خشي عليه السالم أن يكون تعجيل العافية له موجبا لحرمان الجزاء المترتب على الصبرالعافية على البالء، فسأل عليه السالم أن ال يجعل حظه من رحمته مقصورا على هذه المعجلة، فيكون قد فاته من السعادة األخروية ما أدركه غيره من المبتلين، الذين صبروا على

البالء ففازوا بعظيم الجزاء.هداية

ورد في ابتالء المؤمن في هذه الدار أخبار كثيرة، دلت على أن االبتالء بالمكاره الجسمانيةوالروحانية من كرامة الله تعالى به وحبه له، ال من هوانه عليه، فمن ذلك ما استفاض من

طرق الخاصة والعامة: أن البالء موكل باألنبياء، فاألوصياء، ثم األمثل فاألمثل.وعن أبي جعفر عليه السالم: أشد الناس بالء األنبياء، ثم األوصياء، ثم األماثل فاألماثل (٢).وعن أبي عبد الله عليه السالم: إن لله عبادا في األرض من خالص عباده، ما تنزل منالسماء تحفة إلى األرض إال صرفها عنهم إلى غيرهم، وال تنزل بلية إال صرفها إليهم (٣).وعنه عليه السالم: إن الله ليتعاهد عبده المؤمن بالبالء كما يتعاهد الغائب أهله بالطرف،

وأنه ليحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض (٤).وعنه عليه السالم: إن الله إذا أحب عبدا غته بالبالء غتا (٥) أي: غمسه فيه.

____________________(١) و (٢) الكافي: ج ٢، ص ٢٥٢، ح ٣ و ٤.(٣) الكافي: ج ٢ ص ٢٥٣ ح ٥ وفيه ما يتنزل

(٤) الكافي: ج ٢ ص ٢٥٥ ح ١٧.(٥) الكافي: ج ٢ ص ٢٥٣ ح ٧.

(٢٢٣)

Page 214: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وعنه عليه السالم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن عظيم البالء يكافي به

عظيم الجزاء (١)، فإذا أحب الله عبدا ابتاله بعظيم البالء (٢):وعنه عليه السالم: إنما المؤمن بمنزلة كفة الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بالئه (٣).

وعنه عليه السالم: إن في الجنة منزلة ال يبلغها عبد إال باالبتالء في جسده (٤).وعنه عليه السالم: لو يعلم المؤمن ماله في األجر من المصائب لتمنى أنه قرض بالمقاريض.

(٥) إلى غير ذلك من األخبار.وقد ذكروا لذلك وجوها من الحكمة.

منها: أنه كفارة للذنوب.ومنها: أنه الختبار صبره وإدراجه في الصابرين.

ومنها: أنه لتزهيده في الدنيا وتنفيره عنها، لئال يفتتن بها ويطمئن إليها، فال يشق عليهالخروج منها.

البشرية، وقطعها عن مواد العالئق الجسمانية، ومنها: أنه إلضعاف نفسه عن الصفات لتنقطع عالقته بدنياه، ويرجع بكله إلى مواله، ويألف اإلقبال عليه في السراء، ويستديمالمثول بين يديه في الضراء، إلى أن يرتقي بذلك إلى أعلى درجات المحبين وأقصى مراتب

المقربين.ومنها: إكرامه بالدرجة التي ال يبلغها قط بكسبه، كدرجة الشهادة التي ال يبلغها الشهيد

بكسب نفسه، وإنما يبلغها باالبتالء بالقتل في سبيل الله.قال بعضهم: ما من بلية إال وفيها خيرة عاجلة، ثم عنها وعليها عوض ومثوبة آجلة، وهي

ذاهبة فانية، والمثوبة عليها دائمة باقية، فهي في الحقيقة نعمة ال نقمة،____________________

(١) (ج): األجر.(٢) الكافي: ج ٢ ص ٢٥٣ ح ٨.

(٣) الكافي: ج ٢ ص ٢٥٣ ح ١٠.(٤) الكافي: ج ٢ ص ٢٥٥، ح ١٤.

(٥) الكافي: ج ٢ ص ٢٥٥ ح ١٥. وفيه من األجر.

(٢٢٤)

Page 215: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وإن يكن ما ظللت فيه أو بت فيه من هذه العافية، بين يدي بالء ال ينقطع ووزر ال يرتفع،فقدم لي ما أخرت، وأخر عني ما قدمت.

____________________ومنحة ال محنة.

الظلول: الكينونة بالنهار.والمبيت: الكينونة بالليل.

يقال: ظل يظل ظلوال من باب تعب وباب يبيت مبيتا وبيتوتة ومباتا، وظل يفعل كذا: إذافعله نهارا، وبات يفعل كذا: إذا فعله ليال، وال يقال بات بمعنى نام، وال يشترط فيه عدمالنوم أيضا، فقول الضراء: بات الرجل: إذا سهر الليل كله في طاعة أو معصية (١). خطأصريح، بل هو أعم من أن يكون حصل منه نوم أوال، أال ترى إلى قولهم: بات فالن عند

امرأته: إذا حصل عندها ليال سواء وقع منه نوم أوال.وقول بعضهم: ال يكون المبيت إال مع سهر الليل، لقوله تعالى: «والذين يبيتون لربهمسجدا وقياما» (٢) وقولهم بات يرعى النجوم. ليس بشيء، ألن السهر إنما استفيد من

الخبر، إذ الساجد والقائم ليال وراعي النجوم ال يكون إال ساهرا.وأما يبيتون وبات فال يدل إال على الكينونة بالليل مطلقا، فكما يصح أن تقول: بات زيد

ساهرا، يصح أن تقول:بات زيد نائما، وقد جمع المعنيين قول الشريف الرضي:

أتبيت مآلن الجفون من الكرى * وأبيت منك بليلة الملسوعفقوله عليه السالم: «ظللت فيه أو بت فيه» أي: كنت فيه نهارا، أو كنت فيه ليال من هذهالعافية، والظرفية مجازية بتشبيه مالبسة كونه وحصوله للعافية في االجتماع معها بمالبسةالمظروف للظرف، فتكون لفظة «في» استعارة تبعية، ولك أن تشبه العافية بما يكون محال

وظرفا للشيء على طريق االستعارة بالكناية، ويكون____________________

(١) المصباح المنير: ص ٩٤.(٢) سورة الفرقان: اآلية ٦٤.

(٢٢٥)

Page 216: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

فغير كثير ما عاقبته الفناء، وغير قليل ما عاقبته البقاء، وصل على محمد وآله.ذكر كلمة «في» قرينة وتخييال.

____________________وبين يدي بالء: أي أمامه، مأخوذ من بين يدي اإلنسان، وقد تقدم الكالم عليه.

وجملة «ال ينقطع»: في محل جر صفة البالء.والوزر بالكسر: اإلثم.

وال يرتفع: أي ال ينتقل وال يزول والفاء من قوله: «فقدم لي»: رابطة للجواب.والمعنى: إن كانت هذه العافية التي أنا فيها مقدمة على بالء أخروي دائم، فقدم لي ماأخرته من البالء، فيكون في الدنيا الظاعن مقيمها، وأخر عني ما قدمت من العافية، ليكون

في اآلخرة الدائم نعيمها.الفاء: للسببية بمعنى الم السببية، ألن ما بعدها سبب لما قبلها من طلب تقديم ما أخر

وتأخير ما قدم، فهو كقولك: أكرم زيدا فإنه فاضل، ومنه قوله تعالى:«فاخرج منها فإنك رجيم» (١).

وعاقبة كل شئ وعقباه وعقبه بضمتين وعقبه باإلسكان: آخره وخاتمته وتلوه.نفى عليه السالم عما يكون غايته الفناء والزوال - وإن عد في الدنيا كثيرا - استحقاق

وصفه بالكثرة، تحقيرا له واستهوانا به بما يلزمه من غايته التي هي الفناء.وكذا نفى عما يكون غايته البقاء والدوام - وإن عد في الدنيا قليال - استحقاق وصفه

بالقلة، تعظيما له واعتدادا به بما يلزمه من غايته التي هي البقاء.والمعنى: ما كثير يفنى بكثير، وال قليل يبقى بقليل، والله أعلم.

هذا آخر الروضة الثامنة عشرة من رياض السالكين، والحمد لله رب العالمين.____________________

(١) سورة الحجر: اآلية.

(٢٢٦)

Page 217: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الروضة التاسعة عشرة(٢٢٧)

Page 218: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

دعاء ١٩وكان من دعائه عليه السالم عند االستسقاء بعد الجدب

اللهم اسقنا الغيث وانشر علينا رحمتك بغيثك المغدق من السحاب المنساق لنبات أرضكالمونق في جميع اآلفاق وامنن على عبادك بايناع الثمرة وأحي بالدك ببلوغ الزهرة واشهدمالئكتك الكرام السفرة بسقى منك نافع دائم غزره واسع درره وابل سريع عاجل تحيى بهما قد مات وترد به ما قد فات وتخرج به ما هو آت وتوسع به في األقوات سحابا متراكماهنيئا مرئيا طبقا مجلجال غير ملث ودقه وال خلب برقه اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا ممرعاعريضا واسعا غزيرا ترد به النهيض وتجبر به المهيض اللهم اسقنا سقيا تسيل منه الظرابوتمأل منه الجباب وتفجر به األنهار وتنبت به األشجار وترخص به األسعار في جميعاألمصار وتنعش به البهائم والخلق وتكمل لنا به طيبات الرزق وتنبت لنا به الزرع وتدر بهالضرع وتزيدنا به قوة إلى قوتنا اللهم ال تجعل ظله علينا سموما وال تجعل برده عليناحسوما وال تجعل ضوئه علينا رجوما وال تجعل مائه علينا أجاجا اللهم صل على محمد

وال محمد وارزقنا من بركات السموات واألرض إنك على كل شىء قدير(٢٢٩)

Page 219: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

شرح الدعاء التاسع عشروكان من دعائه عليه السالم عند االستسقاء بعد الجدب:

____________________عند: هنا اسم لزمان الحضور ال لمكانه، فإنها كما تأتي اسما للمكان تأتي اسما للزمان،

نحو: الصبر عند الصدمة األولى، وجئتك عند طلوع الشمس.واالستسقاء: استفعال بمعنى طلب السقي، مثل االستمطار لطلب المطر، واستسقيت فالنا:

إذا طلبت منه أن يسقيك، وقد صار حقيقة شرعية على طلب الغيث بالدعاء واالستغفار.والجدب: المحل، وهو انقطاع المطر ويبس األرض، أي: بعد حصوله.

واالستسقاء أنواع، أدناه الدعاء بال صالة وال خلف صالة، وأوسطه الدعاء خلف الصالة،وأفضله االستسقاء بركعتين وخطبتين، وكيفيته أن يأمر الخطيب يوم الجمعة الناس بالتوبةورد المظالم وتطهير األخالق من الرذائل، وصوم ثالثة أيام بعد الجمعة، ويخرج الناس فياليوم الثالث وهو يوم االثنين، فإن لم يكونوا بمكة أصحروا، وإن كانوا بها صلوا بالمسجدالحرام، ويستحب لهم الخروج حفاة ونعالهم بأيديهم في ثياب بذلة متخشعين مخبتينمستغفرين، ويخرج اإلمام خاشعا متبذال متنظفا ال متطيبا، ويستحب الخروج بذوي الزهدوالصالح والشيوخ واألطفال والبهائم والعجائز، ال الشواب (١) والفساق وأهل الخالف

والكفار ولو أهل ذمة،____________________

(١) الشواب: جمع شابة، لسان العرب: ج ٢ ص ٢٦٠.

(٢٣١)

Page 220: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

قال عليه السالم:اللهم اسقنا الغيث، وانشر علينا رحمتك بغيثك المغدق، من السحاب المنساق لنبات

أرضك المونق في جميع اآلفاق.____________________

ويفرق بين األطفال واألمهات، وينادي المؤذنون بدل األذان الصالة ثالثا، ووقتها من طلوعالحمد سورة بعد األولى يقرأ في بالناس ركعتين، اإلمام فيصلي الزوال، إلى الشمس بالجهر، ثم يكبر خمسا، ويقنت عقيب كل تكبيرة باالستغفار وسؤال الله تعالى طلبالغيث وتوفير المياه وإنزال الرحمة، ومن المأثور فيه «اللهم اسق عبادك وإماءك وبهائمك

وانشر رحمتك وأحي بالدك الميتة» (١).ثم يكبر السادسة ويركع ويسجد السجدتين، ثم يقوم إلى الركعة الثانية فيقرأ بعد الحمدسورة، ثم يكبر أربعا ويقنت عقيب كل تكبيرة كما في األولى، ثم يكبر ويركع ويسجدويتشهد، فإذا سلم صعد المنبر وحول رداءه، فيجعل الذي على يمينه على يساره والذيعلى يساره على يمينه، ويتركه محوال حتى ينزعه، ويخطب بخطبتين، فإذا فرغ استقبلالقبلة وكبر الله مائة مرة، ثم يلتفت عن يمينه ويهلل الله مائة مرة، ثم يلتفت عن يسارهويسبح الله مائة مرة، ثم يستدبر القبلة ويستقبل الناس ويحمد الله مائة مرة، رافعا بكل ذلكصوته والناس يتابعونه في األذكار دون االلتفات إلى الجهات، فإن سقوا واال عادوا، ثانياوثالثا من غير قنوط، بانين على الصوم األول إن لم يفطروا بعده، وإال فبصوم مستأنف،

ويصح من المسافر وفي كل وقت، ومن الرجل وحده ولو في بيته.سقانا الله الغيث وأسقانا، واالسم السقيا بالضم.

وقال الراغب: اإلسقاء أبلغ من السقي، ألن اإلسقاء أن تجعل له ما يستسقى (٢) منهويشرب، والسقي أن تعطيه ما يشرب (٣).

____________________(١) من ال يحضره الفقيه: ج ١، ص ٥٢٧، ح ١٥٠٠.

(٢) (ج): يستقى.(٣) المفردات: ص ٢٣٥.

(٢٣٢)

Page 221: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقال الجوهري: يقال: سقيته لشفته وأسقيته لماشيته وأرضه (١). وقيل: سقيته إذا كانبيدك، وأسقيته إذا دللته على الماء. وقيل: السقي مما ال كلفة فيه، ولهذا ذكر في شرابالجنة، نحو «وسقاهم ربهم شرابا طهورا» (٢)، واإلسقاء لما فيه كلفة، ولهذا ذكر في ماء

الدنيا، نحو «ألسقيناهم ماء غدقا» (٣).النبات الذي ينبت به غيثا تسمية باسم السبب، فيقال: رعينا والغيث: المطر، ويسمى

الغيث.قال الجوهري: وربما سمي السحاب والنبات بذلك (٤) وفي القاموس:

الغيث: المطر الذي يكون عرضه بريدا (٥).وانشر علينا رحمتك: أي ابسط علينا بركات الغيث ومنافعه في كل شئ من السهل والجبل

والنبات والحيوان، أو المراد رحمته الواسعة المنتظمة للمطلوب انتظاما أوليا.والباء من «بغيثك»: للسببية أو للمصاحبة، واألولى أنسب بالمعنى األول، والثانية بالثاني.

وغدق المطر غدقا - من باب تعب - وأغدق إغداقا: كثر ماؤه وقطره.والسحاب بالفتح: الغيم، سمي بذلك النسحابه في الهواء، الواحدة سحابة والجمع سحب

بضمتين.الواو فقلبت ألفا، والمنساق: منفعل من انساق مطاوع ساقه، أصله منسوق، تحركت والسوق: حث الماشي في السير حتى يقع اإلسراع فيه، وانسياقه باعتبار سوق الله تعالى له

بالرياح، أي: صرفه له إلى حيث يشاء، كما قال سبحانه: «حتى»____________________

(١) الصحاح: ج ٦ ص ٢٣٧٩.(٢) سورة االنسان: اآلية ٢١.

(٣) سورة الجن: اآلية ١٦.(٤) الصحاح: ج ١ ص ٢٨٩.

(٥) القاموس المحيط: ج ١، ص ١٧١.

(٢٣٣)

Page 222: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وامنن على عبادك بإيناع الثمرة، وأحي بالدك ببلوغ الزهرة، وأشهد مالئكتك الكرام السفرةبسقي منك نافع دائم غزره، واسع درره، وابل سريع عاجل.

____________________«إذا أقلت سحابا ثقاال سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء» (١)، وقال تعالى: «والله الذي

أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به األرض بعد موتها» (٢).والنبات بالفتح: مصدر نبت البقل نبتا ونباتا من باب قتل، ثم لما ينبت:

نبت ونبات، وهو المراد هنا.والالم: للتعليل، أي: ألجل إنباته أو لسقيه.

وأنق الشيء أنقا - من باب تعب -: راع حسنه وأعجب، ويتعدى بالهمزة فيقال: آنقنيفهو مونق، كأعجبني فهو معجب وزنا ومعنى.

واآلفاق: جمع أفق بضمتين، وهو الناحية، أي: في جميع نواحي األرض.وفي هاتين الفقرتين من البديع والترصيع في السجع، وهو أن يكون ما في إحدى القرينتينمثل ما يقابله من األخرى في الوزن والتقفية، أال ترى أن المغدق والمونق مثالن وزناوقافية، وكذلك المنساق واآلفاق، ومثله قول البديع الهمداني: إن بعد الكدر صفوا، وبعد

المطر صحوا.امنن: أي أنعم، المن بمعنى اإلنعام واإلحسان. وينعت الثمار ينعا - من باب نفع وضرب -: أدركت ونضجت، واالسم الينع بضم الياء وفتحها، وبالفتح قرأ السبعة فهي يانعة واينعت

باأللف إيناعا مثله، وهو أكثر استعماال من الثالثي.والثمر بفتحتين، والثمرة مثله، فاألول مذكر ويجمع على ثمار مثل جبل وجبال، والثاني

مؤنث والجمع ثمرات كقصبة وقصبات، والثمر والثمرة: الحمل الذي تخرجه____________________

(١) سورة األعراف: اآلية ٥٧.(٢) سورة فاطر: اآلية ٩.

(٢٣٤)

Page 223: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الشجرة سواء أكل أو ال، فيقال: ثمر األراك وثمر األوسج، كما يقال: ثمر النخل وثمر

العنب.وبلغ الثمر بلوغا - من باب قعد -: أينع وأدرك.

وزهر النبات: نوره، الواحدة زهرة مثل تمر وتمرة، وقد تفتح الهاء، وال يسمى زهرا حتىيتفتح.

وقال ابن قتيبة: حتى يصفر (١).والمراد ببلوغ الزهرة إدراكها وانعقادها ثمرة.

وأشهد: أي أحضر، من شهد المجلس إذا حضره، ومنه «ما أشهدتهم خلق السمواتواألرض» (٢) أي: أحضرتهم.

والسفرة: الكتبة من المالئكة الذين ينسخون الكتب من اللوح المحفوظ، على أنه جمعسافر من السفر وهو الكتب.

وقيل: هم الذين يسفرون بالوحي بينه تعالى وبين األنبياء، على أنه جمع سفير من السفارةبكسر السين، وأصلها اإلصالح، يقال: سفرت بين القوم أي أصلحت، ثم سمي الرسول

سفيرا، ألنه يسعى في اإلصالح ويبعث له غالبا، فأطلقت السفارة على مطلق الرسالة.وفائدة إشهاد المالئكة وإحضارهم توقع مزيد من الرحمة والبركة وقبول الدعاء، فإنلحضور المأل األعلى واألرواح المقدسة، الذين حياتهم بمعرفة الله تعالى وطاعته ولذتهمبذكره، مدخال عظيما في استنزال البركات واستدرار الخيرات وقبول الدعوات، وإذا كانالرحمة، فما ظنك تأثير في قبول واستنزال الطاعة من سكان األرض في حضور أهل

السماوات. وإنما خصت الطاعة والعصمة من سكان بحضور أهل ____________________

(١) المصباح المنير: ص ٣٥١.(٢) سورة الكهف: اآلية ٥١.

(٢٣٥)

Page 224: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الكرام السفرة، ألنهم الوسائط بين الله تعالى والبشر، أو لمزيد تعطفهم على المؤمنين، فقدفسر الكرام من قوله تعالى: «بأيدي سفرة كرام بررة» (١) بالمتعطفين على المؤمنين

يكلمونهم ويستغفرون لهم.والباء من قوله «بسقي»: للسببية، نحو «فأخرج به من الثمرات» (٢). وهي إما متعلقةباألفعال الثالثة التي قبله على طريق التنازع وإعمال األخير منها في المجرور واألوليين فيضميره، ثم حذفه ألنه فضلة وال لبس، واألصل وامنن على عبادك بإيناع الثمرة به وأحي

بالدك ببلوغ الزهرة به.ال يقال: يلزم منه تعلق حرفي جر بمعنى واحد بفعل واحد من غير إبدال، وهو غير جائز.

ألنا نقول: حرفا الجر هنا ليس بمعنى واحد، بل الباء من قوله «بإيناع الثمرة» للتعدية،وإيناع الثمرة واقع موقع المفعول به، أال ترى أن «من» قد يتعدى بنفسه فيقال: «من عليه

كذا»، كما يقال: «من عليه بكذا».قال الفيومي في المصباح: من عليه العتق وغيره وبه منا - من باب قتل -: أنعم عليه به

.(٣)والباء من قوله: «ببلوغ الزهرة»: لآللة، وتسمى باء االستعانة. والباء من قوله: «بسقي»:الله على زيد بخالصه للسببية، فاختلف معنى الحرفين، فتعلقهما باألول كقولك: من برحمته، وبالثاني كقولك: قطعت الشجرة بالسكين بقوتي، وهذا مما ال ريب في جوازه.وإما متعلقة بالمصدرين أعني اإليناع والبلوغ على جهة التنازع أيضا، فيكون السقي سببا

إليناع الثمرة وبلوغ الزهرة، كما قال تعالى: «وأنزل من السماء ماء»____________________

(١) سورة عبس: اآلية ١٥ و ١٦.(٢) سورة البقرة: اآلية ٢٢.

(٣) المصباح المنير: ص ٧٩٨.

(٢٣٦)

Page 225: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________«فأخرج به من الثمرات رزقا لكم». (١) قال المفسرون: خروج الثمرات إنما هو بقدرتهتعالى ومشيئته، ولكنه جعل الماء سببا في إخراجها ومادة لها كالنطفة في الحيوان، بأنيتولد من اجتماعهما أصناف قابلة، الماء قوة فاعلة وفي األرض قوة منفعلة أودع في الثمرات، أو بأن أجرى عادته بإفاضة صور الثمار وكيفياتها المتخالفة على المادة الممتزجةمن الماء والتراب، وهو سبحانه قادر على أن يوجد جميع األشياء بال أسباب ومواد، كماأبدع نفوس األسباب والمواد، ولكن له عز وجل في إنشائها متقلبة في األحوال ومتبدلة فياألطوار، من بدائع حكم باهرة يتجدد ألولي األبصار عبرا وتزيدهم طمأنينة إلى عظيم قدرته

ولطيف رحمته، ما ليس في إبداعها بغتة.والنفع: ما يتوصل به اإلنسان إلى مطلوبه، يقال نفعني الشيء نفعا وهو نافع.

ودام الشيء يدوم دواما: ثبت واستمر استمرارا ال ينقطع، هذا أصل الدوام في اللغة، ثمأطلق على طول المدة، فيقال: دام الشيء: إذا طال زمانه، ومنه أدام الله عزك، ودام المطر:إذا تتابع نزوله، ومنه الديمة بالكسر للمطر الذي يدوم أياما خمسة أو ستة أو سبعة أو يوما

وليلة.والغزر بفتح الغين المعجمة وضمها ثم الزاي ثم الرأي المهملة: مصدر غزر الماء ككرم:

إذا كثر، والناقة: در وكثر لبنها.قال في األساس: غزر الماء غزرا وغزرت الناقة، ثم استعير فقيل: مال وعلم غزير. (٢)

ووسع الشيء مثل كرم: اتسع فهو واسع.والدرر بكسر الدال المهملة على وزن عنب: جمع درة بالكسر.

____________________(١) سورة البقرة: اآلية ٢٢.

(٢) أساس البالغة: ص ٤٤٩.

(٢٣٧)

Page 226: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

تحيي به ما قد مات، وترد به ما قد فات، وتخرج به ما هو آت، وتوسع به في األقوات.____________________

قال الجوهري: للسحاب درة أي: صب، والجمع درر (١).وقال في النهاية: في حديث االستسقاء «ديما دررا» وهو جمع درة، يقال:

للسحاب درة أي صب واندفاق، وقيل الدرر الدار، كقوله تعالى: «دينا قيما» أي: قائما(٢) انتهى.

اندفقت، ومنه إذا بالمطر السماء بالفتح، وهو مصدر درت وفي نسخة «واسع دره» السماء عليكم مدرارا» (٣). «يرسل

وما قيل: إنه بمعنى اللبن استعير للمطر ال داعي إليه.والوابل والوبل: المطر الشديد الضخم القطر.

يقال: وبلت السماء وبال من باب وعد - أي: اشتد مطرها، وكان األصل وبل مطر السماءفحذف للعلم به، ولهذا يقال للمطر: وابل.

جملة «تحيي به»: في محل جر صفة لسقي، أي: تخرج وتعيد به ما ذهب ويبس منأصناف النبات، وضروب األعشاب، وألوان األزهار، وأنواع األشجار والثمار، وما انقطعمن جواري الجداول واألنهار، فاستعار اإلحياء الذي هو حقيقة إفاضة الروح على الجسد

لإلخراج واإلعادة المذكورين، كما استعار الموت الذي هو حقيقة انقطاع تعلقالروح بالجسد لليبس والذهاب.

والجامع في األولى إحداث القوى النامية في المواد والمنافع المترتبة على ذلك، وفي الثانيةاستيالء اليوبسة وعدم النفع، وهما استعارتان تبعيتان، ألن اللفظ المستعار في كل منها فعل.

____________________(١) الصحاح: ج ٢ ص ٦٥٦.

(٢) النهاية البن األثير: ج ٢ ص ١١٢.(٣) سورة هود: اآلية ٥٢.

(٢٣٨)

Page 227: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

سحابا متراكما هنيئا مريئا طبقا مجلجال، غير ملث ودقه، وال خلب برقه.____________________

والقرنية في األولى المجرور أعني الضمير في «به» العائد إلى السقي، فإنه قرينة على أناإلحياء استعارة، ألن اإلحياء الحقيقي ال يكون بالسقي.

المتصف به بالسقي ال يكون الفاعل، ألن الموت الذي يحيى الثانية اإلسناد إلى وفي حقيقيا.

وترد به: أي ترجع، من رددت الشيء إذا رجعته. وفات األمر: ذهب ومضى.قال الفيومي: واألصل فات وقت فعله، ومنه فاتت الصالة إذا خرج وقتها ولم تفعل (١).

والمراد برد ما قد فات: تدارك ما قد مضى وقت حصوله من المنافع، وجبران ما قد نقصمنه، وبإخراج ما هو آت: إيجاد ما لم يوجد بعد من األرزاق المتسببة عن السقي.

األقوات: جمع قوت، وهو ما يؤكل ليمسك الرمق.وفي: مزيدة للتوكيد، نحو «اركبوا فيها» (٢) أي: اركبوها أو على معنى تجعل التوسعةفيها، بأن جعل توسع مع كونه متعديا منزلة الالزم للمبالغة، نحو فالن يعطي ويمنع، ثم

عدي كما يعدى الالزم كقوله:يخرج في عراقيها نصلي أي: يفعل الجرح في عراقيبها.

أو على تضمينه معنى تبارك، كقوله تعالى: «وأصلح لي في ذريتي» (٣) أي بارك. نصبسحابا على الحال من «سقي»، وصح كونه حاال مع جموده، لكونه نوعا

____________________(١) المصباح المنير: ص ٦٦١.(٢) سورة األحقاف: اآلية ١٥.

(٣) سورة هود: اآلية ٤١.

(٢٣٩)

Page 228: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________بفعل منصوبا ويجوز كونه المتقدمة، بالنعوت لتخصيصها نكرة لصاحبه وكونه عن اسقنا. أي: نافعا» (١) نسألك، كما ورد في دعاء آخر «اللهم صيبا محذوف أي:

والمتراكم: السحاب المتراكب بعضه فوق بعض.والهنئ: السائغ اللذيذ، من هنأ الطعام - من بابي علم وكرم -: ساغ ولذ.

الطعام مراءة مثل ضخم الذي ال وباء فيه، من مرء العاقبة المحمود والمرئ مهموزا: ضخامة.

وقال الهروي: الهنئ: ما ال تعب فيه وال إثم، والمرئ: ما الداء فيه. (٢) قال بعضهم:ومعنى كون الغيث هنيئا مريئا: خلوه عن كل ما ينقصه كالهدم والغرق.

والطبق بالتحريك: العام الشامل الكثير، كأنه يطبق األرض ويغطيها بالماء.والطيب: ما تستلذه الحواس والنفس.

والمجلجل: السحاب الذي يسمع منه صوت الرعد.قال في القاموس: الجلجلة: التحريك، وشدة الصوت، وصوت الرعد، وسحاب مجلجل

وغيث جلجال (٣).والرواية المشهورة في الدعاء مجلجال على اسم المفعول، وفي نسخة قديمة مجلجال بكسرالجيم الثانية على اسم الفاعل. فعلى األول معناه أن الملك يجلجله فيصوت، وعلى الثاني

معناه المصوت.وألث السحاب: دام فهو ملث، وأصله من ألث فال بالمكان إذا أقام ال يبرح.

والودق: المطر.____________________

(١) كنز العمال: ج ٨ ص ٤٣٣ ح ٢٣٥٤٠.(٢) الغربين: مخطوط في جامعة طهران ذيل باب الهاء مع النون.

(٣) القاموس المحيط: ج ٣، ص ٣٥٠.

(٢٤٠)

Page 229: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قيل: وهذا من قبيل االحتراس، وهو أن يأتي المتكلم بمعنى يتوجه عليه فيه دخل، فيفطن لهفيأتي بما يخلصه، كقوله تعالى: «اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء» (١)،

احترس سبحانه بنفي السوء عن البهق والبرص وكقول طرفة:فسقى ديارك غير مفسدها * صوب الربيع وديمة تهمي (٢)

فقوله: «غير مفسدها» احتراس حسن، ألن الديمة مما يعفي آثارها ويمحو معالمها، وكذاقوله عليه السالم: «غير ملث» احتراس، ألن اإللثاث يعفو الديار ويمحو معالمها انتهى.

وفيه: أن وصفه عليه السالم السحاب بكونه هنيئا مريئا طيبا لم يبق لتوجه دخل عليه احتماالحتى يحتاج إلى االحتراس منه، فكيف يكون قوله: «غير ملث ودقه» احتراسا؟ وإنما عدقول طرفة: «غير مفسدها» احتراسا، ألنه طلب للديار مطلق السقي، وهو محتمل ألنيكون سببا للفساد، فاحترس بقوله: «غير مفسدها». على أنه قد تعقبه بعض المحققين بأنمجرد احتمال كون المطر سببا للفساد ال يكفي في إيهام خالف المقصود، بل ال بد منوقوع سبق إلى الذهن، وال يسبق من السقي اال اإلصالح لشيوعه في ذلك، اللهم إال أن

يقال: سبق الذهن بالفساد من قوله:«ديمة»، فإن الديمة هي المطر الدائم، وبعد ال يخلو من شوب، ألن تقدم قوله: «غير

مفسدها» على قوله «وديمة تهمي» يدفع هذا التوجيه انتهى.والصواب أن قوله عليه السالم: «غير ملث ودقه وال خلب برقه» من باب التكميل، فيكونالمرغوب فيه، وصفة التام النفع قبله، ليكون جامعا بين صفة وصفه بذلك تكملة لما السالمة من اإلفساد باإلفراط المدلول عليه بقوله: «غير ملث ودقه»، والتفريط المدلول عليه

بقوله: «وال خلب برقه».____________________

(١) سورة القصص: اآلية ٣٢.(٢) اإليضاح في علوم البالغة للخطيب القزويني: ص ٣١٠.

(٢٤١)

Page 230: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا ممرعا عريضا واسعا غزيرا، ترد به النهيض، وتجبر به المهيض.____________________

والبرق الخلب: الذي ال غيث فيه كأنه خادع، من الخالية بالكسر وهي الخديعة بالقولالطيب.

قال ابن األثير في النهاية: وفي حديث االستسقاء «اللهم سقيا غير خلب برقها» أي: خالعن المطر، الخلب: السحاب يومض برقه حتى يرجى مطره، ثم يخلف ويتقشع، وكأنه من

الخالبة وهي الخداع بالقول اللطيف (١).وفي األساس: برق خلب: ال غيث معه، قال:

لم يك برقك برقا خلبا ان خير البرق ما الغيث معه (٢).أغاث الله الخلق برحمته، كشف شدتهم، ومنه أغاثهم المطر أي: رفع ما كان بهم منالقحط، وهو من اإلسناد المجازي، والمغيث في الحقيقة إنما هو الله تعالى، وهو من

الغوث بالواو ال من الغيث بالياء، فإن الفعل منه غاث بدون ألف.يقال: غاث الله البالد غيثا - من باب ضرب -: أنزل بها الغيث، وغاث الغيث األرض:

نزل بها، وهذا المعنى ليس مرادا هنا.والمريع بفتح الميم في النسخ العامة المخصب الناجع، (٣) من مرع الوادي مراعة ككرم

كرامة أي: أخصب بكثرة الكأل.قال ابن سيده في مجمل اللغة: (٤) وغيث مريع تمرع عنه األرض أي:

تخصب (٥).____________________(١) النهاية البن األثير: ج ٢ ص ٥٨.

(٢) أساس البالغة: ص ١٧١.(٣) (ج) النافع.

(٤) اعلم أن مجمل اللغة البن فارس دون ابن سيدة.(٥) عثرنا علي هذه العبارة في لسان العرب: ج ٨ ص ٣٣٥، وما يؤدي إلى

معناها في مجمل اللغة: مخطوط ص ٤١٧ في مادة مرع.

(٢٤٢)

Page 231: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ورجل مريع الجناب: كثير الخير، على المثل (١) وبضم الميم كما في نسخة ابن إدريس:الكثير النماء، من راع الطعام إذا صارت له زيادة في العجن والخبز. وأراعت اإلبل إذا

كثرت أوالدها.ويروى مربعا بضم الميم والباء الموحدة، أي: مغنيا عن االرتياد لعمومه، فالناس يربعونحيث كانوا، أي: يقيمون وال يطلبون ويرتادون المراعي في غير مراعيهم، من أربعوا إذا

أقاموا في المربع.وقال الخطابي: (٢) أي: منبتا للربيع.

قال بعضهم: واألول هو األعرف، ألن اإلرباع بمعنى إنبات الربيع قلما ذكر في كالمهم.والممرع: بمعنى المخصب أيضا.

يقال: أمرع المكان إمراعا كما يقال: مرع مراعة: إذا أخصب.والعريض: الكثير الدايم، مستعار مما له عرض متسع، لإلشعار بكثرته واستمراره، وهو أبلغ

من الطويل، إذ الطولأطول االمتدادين، فإذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله؟ ومنه قوله تعالى: «وإذا مسه

الشر فذو دعاء عريض»، (٣).____________________

(١) لسان العرب: ج ٨ ص ٣٣٥. وتاج العروس: ج ٥ ص ٥١١.(٢) هو أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي، قيل: ينتهي نسبه

إلى زيد بن الخطاب أخي عمر بن الخطاب، وكان محدثا فقيها لغويا أديبا، ولهمصنفات كثيرة منها: غريب الحديث، ومنها شرح سنن أبي داود، ومنها: شرح

البخاري، هذا. وقد نقل العالمة المجلسي قدس سره بعض تحقيقاته في كتاب السماءوالعالم من البحار في شرح حديث رأي المؤمن ورؤياه في آخر الزمان على سبعين

جزء من أجزاء النبوة فراجع. وتوفي سنة ٣٨٣ أو ٣٨٨ الهجرية.الكنى واأللقاب: ج ٢ ص ١٨٤ - ١٨٥.

(٣) سورة فصلت: اآلية ٥١.

(٢٤٣)

Page 232: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم اسقنا سقيا تسيل منه الظراب، وتمأل منه الجباب، وتفجر به األنهار، وتنبت بهاألشجار، وترخص به األسعار في جميع األمصار، وتنعش به البهائم والخلق، وتكمل لنا به

طيبات الرزق، وتنبت لنا به الزرع، وتدر به الضرع، وتزيدنا به قوة إلى قوتنا.____________________

وبالغين المعجمة: الطري، ويقال لماء المطر: غريض لطرواته.والواسع: الذي وسع غيثه كل مكان وخصبه كل جدب.

والغزير: الكثير الماء والقطر.والنهيض: فعيل بمعنى فاعل، وهو صفة لموصوف حذف للعلم به، أي: النبت النهيض.

يقال: نهض النبت ينهض أي: استوى.والمراد برده إعادته إلى ما كان عليه من االستواء، ألنه بعد استوائه انخفض وانجدل على

األرض لعدم المطر والسقي، أو إعادة ما نهض من النبت في سالف السنين المخصبة.وجبرت العظم جبرا - من باب قتل -: أصلحته، فجبر هو جبرا أيضا وجبورا:

صلح، يستعمل الزما ومتعديا.والمهيض: مفعول من هاض العظم يهيضه هيضا كسره بعد الجبور، وهو أشد ما يكون منالكسر، شبه النبات المنكسر للقحط بالعظم المكسور، فاستعار له لفظ المهيض تصريحا

باالستعارة، وقرنها بذكر الجبر الذي هو من لوازم المستعار منه ترشيحا.سال الماء يسيل سيال - من باب باع -: جرى، وأسلته إسالة: أجريته.

والظراب: جمع ظرب على وزن كتف، وهو الجبل الصغير، أو المنبسط على(٢٤٤)

Page 233: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقيل: الظراب: الراوبي الصغار.

وقيل: هي رؤس الجبال.وإيقاع فعل اإلسالة على الظراب مجاز عقلي، إذ حقه أن يوقع على الماء ألنه المسالحقيقة، لكنه أوقع على مكانه لمالبسته له، كما اسند الفعل إليه في سال النهر، فإن المجازالعقلي أعم من أن يكون في النسبة اإلسنادية أو غيرها، فكما أن إسناد الفعل إلى غير ماحقه أن يسند إليه مجاز، فكذا إيقاعه على غير ما حقه أن يوقع عليه وإضافة المضاف إلىغير ما حقه أن يضاف إليه، ألنه جاز موضعه األصلي، نص على ذلك التفتازاني في المطول

.(١)قال بعض المترجمين: وإنما خص الظراب بالذكر لظهور سيالن السيول عليها، أو يكونالمراد إيقاع اإلسالة عليها حقيقة، فكيون الغرض طلب كثرة المطر حتى تذيب الظراب

وتسيلها انتهى.وال يخفى سخافة كل من الوجهين، بل إنما خص الظراب بالذكر ألنها من جملة المراعيالتي تصعدها األنعام وترعى ما فيها من النبات، بخالف الجبال الشواهق التي ال يمكن رقيهاوصعودها، كما يدل عليه حديث عبادة بن الصامت أو أخيه عبد الله: يوشك أن يكون خيرمال المسلم شاة بين مكة والمدينة، ترعى فوق رؤس الظراب وتأكل من ورق القتاد والبشام

.(٢)والجباب: جمع جب.

قال في القاموس: الجب بالضم: البئر أو الكثيرة الماء البعيدة القعر، أو الجيدة الموضع منالكأل، أو التي لم تطو، أو مما وجد ال مما حفره الناس (٣).

____________________(١) كتاب المطول: ص ٥٩.

(٢) الفائق في غريب الحديث: ج ٢ ص ٣٧٥.(٣) القاموس المحيط: ج ١ ص ٤٣.

(٢٤٥)

Page 234: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وفجرت الماء فجرا - من باب قتل - وفجرته تفجيرا فانفجر وتفجر: أجريته فجرى.

وقيل: هو أن تفتح له طريقا ليخرج من منبعه ويسيل جاريا.واألنهار: جمع نهر بالتحريك لغة في النهر بالسكون مثل سبب وأسباب، والساكن يجمععلى نهر بضمتين وأنهر، وهو المجرى الواسع من مجاري الماء، وإيقاع التفجير عليها

مجاز عقلي كما تقدم.األخدود مجازا أطلق على ثم المتسع، الجاري الماء النهر: للفيومي: المصباح وفي للمجاورة، فيقال: جرى النهر وجف النهر كما يقال: جرى الميزاب، واألصل جرى ماء

النهر (١) انتهى.وعلى هذا فيجوز أن يكون تفجير األنهار حقيقة ال مجازا.

واألشجار: جمع شجر، وهو ماله ساق صلب من النبات يقوم به كالنخل وغيره.وفي القاموس: الشجر من النبات: ما قام على ساق، أو ما سما بنفسه، دق أو جل، قاوم

الشتاء أو عجز عنه (٢).والرخص بالضم: ضد الغالء، رخص الشيء رخصا من باب قرب فهو رخيص، ويتعدىبالهمزة فيقال: أرخص الله السعر، وتعديته بالتضعيف غير معروف، فال يقال: رخصه الله

ترخيصا.واألسعار: جمع سعر بالكسر، وهو تقدير أثمان األشياء وارتفاعه غالء وانحطاطه رخص.

وقيل: هو تقدير ما يباع به الشيء طعاما كان أو غيره، ويكون غالء ورخصا____________________

(١) المصباح المنير: ص ٨٦٢.(٢) القاموس المحيط: ج ٢، ص ٥٦.

(٢٤٦)

Page 235: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________باعتبار الزيادة على المقدار الغالب في ذلك المكان واألوان والنقصان عنه.

فائدة: أختلف في التسعير، فقيل: هو من فعل الله سبحانه وهو ما ذهبت إليه األشاعرة، بناءعلى أصلهم من أنه ال فاعل إال الله تعالى، ولما ورد في الحديث:

حين وقع غالء في المدينة فاجتمع أهلها إليه عليه السالم، وقالوا: سعر لنا يا رسول الله،فقال: المسعر هو الله (١).

واختلف المعتزلة في هذه المسألة.فقال بعضهم: هو فعل مباشر من العبد، إذ ليس ذلك إال مواضعة منهم على البيع والشرى

بثمن مخصوص.وقال آخرون: متولد من فعل الله تعالى، وهو تقليل األجناس وتكثير الرغبات بأسباب هي

من فعله تعالى.والذي تذهب إليه معشر اإلمامية: أن خروج السعر عن مجرى عادته ترقيا أو نزوال، إناستند إلى أسباب غير مستندة إلى العبد واختياره نسب إلى الله تعالى حتى توافق إراداتعامة الناس ورغباتهم، وإال نسب إلى العبد، كجبر السلطان الرعية على سعر مخصوص.وما ورد في الحديث النبوي المذكور محمول على أنه ال ينبغي التسعير، بل يفوض إلى اللهتعالى ليقرره بمقتضى حكمته الكاملة ورحمته الشاملة، ال أن كل تسعير وقع منسوب إلىالله تعالى، إذ لو كان هذا مراده عليه السالم لم يكن إجابته إلى سؤالهم منافيا له، وال كان

قوله: «المسعر هو الله» عذرا عن ترك التسعير.وما ورد من األخبار عن أهل البيت عليهم السالم في هذا المعنى.

كما روي عن علي بن الحسين عليهما السالم أنه قال: إن الله وكل ملكا بالسعر____________________

(١) النهاية البن األثير: ج ٢، ص ٣٦٨.

(٢٤٧)

Page 236: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________يدبره بأمره (١).

وعن أبي عبد الله عليه السالم: أن الله وكل باألسعار ملكا يدبرها بأمره (٢).فالمراد بالسعر ما لم يكن للعبد في أسبابه مدخل، والله أعلم.

واألمصار: جمع مصر بالكسر، وهو البلد العظيم، وأصله الحاجز بين الشيئين.وقال ابن فارس: المصر: كل كورة يقسم فيها الفيء والصدقات (٣).

ونعشه نعشا - من باب منع -: جبره بعد فقره، وأصله من نعشت العاثر إذا رفعته منعثرته.

قال في األساس: ومن نعشته فانتعش إذا تداركته من ورطة (٤).وقال ابن سيده في محكم اللغة: نعشه ينعشه نعشا: تداركه من هلكة، ونعشه الله وأنعشه:

سد فقره، والربيع ينعش الناس: يغيثهم، قال النابغة:وأنت ربيع ينعش الناس سيبه وسيف أعيرته المنية قاطع (٥) والبهائم: جمع بهيمة، وهي

كل ذات أربع من دواب البروالبحر، وكل حيوان ال يميز فهو بهيمة.

والمراد بالخلق: الناس، كما يؤذن به إيراده في مقابلة البهائم.وكمل الشيء كموال من باب قعد، واالسم الكمال، ويستعمل في الذوات والصفات.

يقال، كمل إذا تمت أجزاؤه وكملت محاسنه، ويتعدى بالهمزة والتضعيف فيقال: أكملتهإكماال وكملته تكميال.

____________________(١) من ال يحضره الفقيه: ج ٣ ص ٢٦٨ ح ٣٩٧٠.

(٢) الكافي: ج ٥ ص ١٦٣ ح ٤.(٣) معجم مقاييس اللغة البن فارس: ج ٥ ص ٣٣٠.

(٤) أساس البالغة: ص ٦٤٢.(٥) المحكم في اللغة البن سيده: ج ١ ص ٢٣١.

(٢٤٨)

Page 237: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والرواية في الدعاء وردت بالوجهين.

وطيبات الرزق: مستلذاته.وقيل: هي الجامعة للذة والنفع والحل، وقد تقدم الكالم عليه مبسوطا.

والزرع: ما استنبت بالبذر، وتسمية بالمصدر. ومنه يقال: حصدت الزرع أي:النبات.

قال بعضهم: وال يسمى زرعا إال وهو غض طري.ودر اللبن درا - من باب ضرب وقتل - كثر، وأدره الله: كثره، وصاحبه:

استخرجه.والضرع: لكل ذات ظلف وخف كالثدي للمرأة، وإدرار الضرع كإجراء النهر مجاز عقلي.وقوله عليه السالم: «وتزيدنا به قوة إلى قوتنا» تلميح إلى قوله تعالى حكاية عن هود: «وياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم»

.(١)واستعمال كلمة «إلى» لتضمين معنى اإلضافة واالنضمام، أي: قوة مضافة ومنضمة إلىقوتنا في الدعاء، وإلى قوتكم في اآلية، وفسرت القوة هاهنا بالمال والولد والشدة، وكل

ذلك مما يتقوى به اإلنسان.وقال علي بن عيسى: يريد عزا إلى عزكم بكثرة عددكم وأموالكم (٢).

وقيل: قوة في إيمانكم إلى قوة في أبدانكم، وإنما خصص القوة ألنها أصل االنتفاع بالسقياوأشرف مطالب الرزق.

____________________(١) سورة هود: اآلية ٥٢.

(٢) تفسير مجمع البيان: ج ٥ - ٦ ص ١٧٠.

(٢٤٩)

Page 238: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم ال تجعل ظله علينا سموما، وال تجعل برده علينا حسوما، وال تجعل صوبه علينارجوما، وال تجعل ماءه علينا أجابا

____________________الظل قيل: هو الفيء الحاصل من حاجز بينك وبين الشمس مطلقا.

وقيل: مخصوص بما كان منه إلى الزوال، وما بعده هو الفيء.وقال ابن قتيبة في أول أدب الكاتب: يذهبون - يعني العوام - إلى أن الظل والفيء بمعنى،

وليس كذلك، بل الظل يكون غدوة وعشية ومن أول النهار إلى آخره.إنما هو سترها الجنة، وظل شجرها أنا في ظلك، ومنه ظل الستر، ومنه الظل ومعنى ونواحيها، وظل الليل سواده ألنه يستر كل شئ، وظل الشمس ما سترت الشخوص من

مسقطها.وأما الفيء فال يكون إال بعد الزوال، وال يقال لما قبل الزوال: فيء وإنما سمي ما بعد

الزوال فيء، ألنه ظل فاء من جانب إلى جانب والفيء الرجوع (١) انتهى.وفي القاموس: الظل من السحاب: ما وارى الشمس منه أو سواده (٢).

والسموم بالفتح: الريح الحارة تكون غالبا بالنهار.وقيل: هو مطلع الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن، وفسر «عذاب يوم الظلة» بأنه

غيم تحته سموم.والحسوم بالضم مصدر كالصعود والهبوط.

يقال: حسمه حسما وحسوما من باب ضرب بمعنى قطعه.ومنه قيل للسيف: حسام، ألنه قاطع.

أي: ال تجعل برده علينا قطعا أي: قاطعا، كقوله تعالى: «قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا»(٣) أي: غائرا.

____________________(١) أدب الكاتب: ص ٢٧.

(٢) القاموس المحيط: ج ٤ ص ١٠.(٣) سورة الملك: اآلية ٣٠.

(٢٥٠)

Page 239: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والمراد بالقطع الهالك واالستئصال، يقال: قطعه الله أي: أهلكه واستأصله، أو هو بمعنىالتتابع والدؤوب، مأخوذ من حسم الداء وهو متابعة الكي وإعادته على الداء مرة بعد أخرىحتى ينحسم، أي: ال تجعل برده علينا متتابعا دائما، فإن البرد إذا تتابع أهلك. أو هو بمعنى

الشؤم والشر الذي يحسم كل خير.قال في القاموس: الحسوم بالضم الشوم والدؤوب في العمل (١).

وفسر الحسوم من قوله تعالى: «سبع ليال وثمانية أيام حسوما» (٢) أي: والء متتابعة، كأنهتتابع عليهم الشر حتى استأصلهم، وقيل: دائمة.

وقيل: قاطعة قطعتهم قطعا حتى أهلكتهم.وقيل: شائم نكدا قليلة الخير حسمت الخير عن أهلها.

والصوب بالفتح: نزول المطر وانصبابه، صابت السماء صوبا من باب قال، ومطر صيب ذوصوب، ويطلق على المطر نفسه.

ورجمه رجما - من باب قتل -: رماه بالحجارة، والرجوم بالضم جمع رجم، وهو اسم مايرجم به.

قال ابن األثير في النهاية: ويجوز أن يكون مصدرا ال جمعا (٣). وكونه جمعا أنسببحمل الصوب على معنى المطر نفسه، أو مصدرا بحمله على معنى النزول وإن حملته على

معنى النزول وجعلت الرجوم جمعا فهو على حذف مضاف أي: ذا رجوم.أي: ال تجعل نزول مطره علينا ذا حجارة أو نحوها ترجمنا بها، أو رميا بالحجارة، أو التجعل مطره علينا حجارة، أي: اجعله مطر رحمة ال مطر عذاب، كما عذبت قوما من قبلنا

بإمطار الحجارة عليهم، كما قال تعالى: «وأمطرنا عليهم حجارة من»____________________(١) القاموس المحيط: ج ٤ ص ٩٦.

(٢) سورة الحاقة: اآلية ٧.(٣) النهاية البن األثير: ج ٢ ص ٢٠٥.

(٢٥١)

Page 240: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقنا من بركات السماوات واألرض، إنك على كلشئ قدير.

____________________المعنى ال تجعل صوبه علينا كالحجارة في القول بأن إلى «سجيل» (١). وال حاجة اإلضرار بنا وإفساد النبات والزرع، ألن حمل الكالم على ظاهره عند اإلمكان أولى من

التعسف في التأويل، كما هو مقرر عند العلماء.واألجاج بالضم: الشديد الملوحة ال يمكن شربه.

وقيل: هو المر الشديد المرارة الغليظ الذي ال يطاق شربه.البركات: جمع بركة بالتحريك، وهي بمعنى الزيادة والنماء، وتطلق على مطلق الخير.وبركات السماوات واألرض خيراتها النامية، بإنزال المطر من السماء، وبإخراج النبات

والثمار من األرض.وقيل: بركات السماء إجابة الدعاء، وبركات األرض تيسير الحوائج، وبكل من المعنيينالسماء من بركات عليهم لفتحنا واتقوا آمنوا القرى أهل أن تعالى: «ولو قوله فسر

واألرض» (٢).وقوله عليه السالم: «إنك على كل شئ قدير» تعليل للدعاء ومزيد استدعاء لإلجابة،

وتأكيد الجملة لغرض كمال قوة يقينه بمضمونها.والقدير: هو الفعال لكل ما يشاء، ولذلك لم يوصف به غير الباري جل جالله، وقد سلف

الكالم على معنى قدرته تعالى فليرجع إليه، والله أعلم.هذا آخر الروضة التاسعة عشرة من رياض السالكين في شرح صحيفة سيد العابدين، وقدوقع الفراغ من تحريرها وإتمامها والوقوف على إنهاء نظامها يوم الوافقة (٣) من ذي

الحجة الحرام آخر شهور سنة مائة وألف من الهجرة، ولله الحمد.____________________

(١) سورة هود: اآلية ٧٤.(٢) سورة األعراف: اآلية ٩٦.

(٣) أي: يوم عرفة.

(٢٥٢)

Page 241: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الروضة العشرون(٢٥٣)

Page 242: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

دعاء ٢٠وكان من دعائه عليه السالم في مكارم األخالق ومرضى األفعال

اللهم صل على محمد وآله وبلغ بإيماني أكمل االيمان واجعل يقيني أفضل اليقين وانتهبنيتي إلى أحسن النيات وبعملي إلى أحسن األعمال اللهم وفر بلطفك نيتي وصحح بماعندك يقيني واستصلح بقدرتك ما فسد منى اللهم صل على محمد وآله واكفني ما يشغلنياالهتمام به واستعملني بما تسألني غدا عنه واستفرغ أيامي فيما خلقتني له وأغنني واوسععلى في رزقك وال تفتني بالنظر وأعزني وال تبتليني بالكبر وعبدني لك وال تفسد عبادتي

بالعجب وأجر للناس على يدي الخير وال تمحقه بالمن وهب لي معالياألخالق واعصمني من الفخر اللهم صل على محمد وآله وال ترفعني في الناس درجة االحططتني عند نفسي مثلها وال تحدث لي عزا ظاهرا اال أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسيبقدرها اللهم صل على محمد وال محمد ومتعني بهدى صالح ال استبدل به وطريقة حق الأزيغ عنها ونية رشد ال أشك فيها وعمرني ما كان عمرى بذلة في طاعتك فإذا كان عمرىمرتعا للشيطان فأقبضني إليك قبل أن يسبق مقتك إلى او يستحكم غضبك على اللهم ال

تدع خصلة تعاب منى اال أصلحتها وال عائبة أونب بها(٢٥٥)

Page 243: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اال حسنتها وال أكرومة في ناقصة اال أتممتها اللهم صل على محمد وال محمد وأبدلني منبغضة أهل الشنان المحبة ومن حسد أهل البغى المودة ومن ظنة أهل الصالح الثقة ومنعداوة األدنين الوالية ومن عقوق ذوى األرحام المبرة ومن خذالن األقربين النصرة ومنخب المدارين تصحيح المقة ومن رد المالبسين كرم العشرة ومن مرارة خوف الظالمينحالوة األمنة اللهم صل على محمد وآله واجعل لي يدا على من ظلمني ولسانا على منخاصمني وظفرا بمن عاندني وهب لي مكرا على من كايدني وقدرة على من اضطهدنيوتكذيبا لمن قصبني وسالمة ممن توعدني ووفقني لطاعة من سددني ومتابعة من ارشدنياللهم صل على محمد وآله وسددني ألن أعارض من غشني بالنصح وأجزي من هجرنيبالبر وأثيب من حرمني بالبذل وأكافي من قطعني بالصلة وأخالف من اغتابني إلى حسنالذكر وأن اشكر الحسنة وأغضي عن السيئة اللهم صل على محمد وآله وحلني بحليةالصالحين وألبسني زينة المتقين في بسط العدل وكظم الغيظ واطفاء النائرة وضم أهل الفرقة

واصالح ذات البين وافشاء العارفة وستر العائبة ولين العريكة(٢٥٦)

Page 244: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وخفض الجناح وحسن السيرة وسكون الريح وطيب المخالقة والسبق إلى الفضيلة وايثارالتفضل وترك التعيير واإلفضال على غير المستحق والقول بالحق وإن عز واستقالل الخيروإن كثر من قولي وفعلي واستكثار الشر وإن قل من قولي وفعلي وأكمل ذلك لي بدوامالطاعة ولزوم الجماعة ورفض أهل البدع ومستعمل الرأي المخترع اللهم صل على محمدوآله واجعل أوسع رزقك على إذا كبرت وأقوى قوتك في إذا نصبت وال تبتليني بالكسلعن عبادتك وال العمى عن سبيلك وال بالتعرض لخالف محبتك وال مجامعة من تفرقعنك وال مفارقة من اجتمع إليك اللهم اجعلني أصول بك عند الضرورة وأسألك عندالحاجة وأتضرع إليك عند المسكنة وال تفتني باالستعانة بغيرك إذا اضطررت وال بالخضوعلسؤال غيرك اذا افتقرت وال بالتضرع إلى من دونك إذا رهبت فاستحق بذلك خذالنكومنعك وإعراضك يا ارحم الراحمين اللهم اجعل ما يلقى الشيطان في روعى من التمنيوالتظني والحسد ذكرا لعظمتك وتفكرا في قدرتك وتدبيرا على عدوك وما أجرى علىلساني من لفظة فحش او هجر او شتم عرض او شهادة باطل او اغتياب مؤمن غائب او

سب حاضر(٢٥٧)

Page 245: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وما أشبه ذلك نطفا بالحمد لك وإغراقا في الثناء عليك وذهابا في تمجيدك وشكرا لنعمتكواعترافا باحسانك واحصاء لمنك اللهم صل على محمد وآله وال أظلمن وأنت مطيق للدفععنى وال أظلمن وأنت القادر على القبض منى وال أضلن وقد أمكنتك هدايتي وال أفتقرنومن عندك وسعى وال أطغين ومن عندك وجدي اللهم إلى مغفرتك وفدت والى عفوكقصدت والى تجاوزك اشتقت وبفضلك وثقت وليس عندي ما يوجب لي مغفرتك وال فيعملي ما استحق به عفوك وما لي بعد أن حكمت على نفسي اال فضلك فصل على محمدأزكى هي للتي ووفقني التقوى وألهمني بالهدى وأنطقني اللهم على وتفضل وآله واستعملني بما هو أرضى اللهم اسلك بي الطريقة المثلى واجعلني على ملتك أموت وأحيىاللهم صل على محمد وآله ومتعني باإلقتصاد واجعلني من أهل السداد ومن أدلة الرشادومن صالحي العباد وارزقني فوز المعاد وسالمة المرصاد اللهم خذ لنفسك من نفسي مايخلصها وأبق لنفسي من نفسي ما يصلحها فان نفسي هالكة او تعصمها اللهم أنت عدتيإن حزنت وأنت منتجعي إن حرمت وبك استغاثتي إن كرثت وعندك مما فات خلف ولما

فسد(٢٥٨)

Page 246: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

صالح وفيما انكرت تغيير فامنن على قبل البالء بالعافية وقبل الطلب بالجدة وقبل الضاللبالرشاد واكفني مؤنة معرة العباد وهب لي أمن يوم المعاد وامنحني حسن االرشاد اللهمبنعمتك وأصلحني بكرمك وداوني بلطفك واغذني وادرأ عنى وآله صل على محمد بصنعك وأظلني في ذراك وجللني رضاك ووفقني إذا اشتكلت على األمور ألهداها وإذاتشابهت األعمال ألزكاها وإذا تناقضت الملل ألرضاها اللهم صل على محمد وآله وتوجنيبالكفاية وسمني حسن الوالية وهب لي صدق الهداية وال تفتني بالسعة وامنحني حسنالدعة وال تجعل عيشي كدا كدا وال ترد دعائي على ردا فإني ال اجعل لك ضدا وال ادعومعك ندا اللهم صل على محمد وآله وامنعني من السرف وحصن رزقي من التلف ووفرملكتي بالبركة فيه واصب بي سبيل الهداية للبر فيما أنفق منه اللهم صل على محمد وآلهوأكفني مؤنة اإلكتساب وارزقني من غير احتساب فال اشتغل عن عبادتك بالطلب والاحتمل إصر تبعات المكسب اللهم فاطلبني بقدرتك ما اطلب وأجرني بعزتك مما ارهب

اللهم صل على محمد وآله وصن وجهي باليسار وال تبتذل جاهي باالقتار(٢٥٩)

Page 247: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

فأسترزق أهل رزقك واستعطى شرار خلقك فافتتن بحمد من أعطاني وابتلى بذم من منعنيوأنت من دونهم ولى االعطاء والمنع اللهم صل على محمد وآله وارزقني صحة في عبادةوفراغا في زهادة وعلما في استعمال وورعا في اجمال اللهم اختم بعفوك أجلي وحقق فيرجاء رحمتك أملي وسهل إلى بلوغ رضاك سبلي وحسن في جميع أحوالي عملي اللهمصل على محمد وآله ونبهني لذكرك في أوقات الغفلة واستعملني بطاعتك في أيام المهلةوانهج لي إلى محبتك سبيال سهلة أكمل لي بها خير الدنيا واآلخرة اللهم وصل على محمدوآله كأفضل ما صليت على أحد من خلقك قبله وأنت مصل على أحد بعده وآتنا في الدنيا

حسنة وفى اآلخرة حسنة وقني برحمتك عذاب النار(٢٦٠)

Page 248: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين (١) الحمد لله الكبير المتعال، الهادي إلى مكارماألخالق ومرضي األفعال، والصالة والسالم على نبيه الكريم، المخاطب في الذكر الحكيم

بأنك على خلق عظيم (٢)، وعلى أهل بيته أولي األخالق الرضية والشيم المرضية.وبعد فهذه الروضة العشرون من رياض السالكين، تتضمن شرح الدعاء العشرين من أدعيةصحيفة سيد العابدين، إمالء العبد الراجي فضل ربه السني، علي صدر الدين الحسيني

الحسني، أحسن الله أخالقه، ووفر من مرضي األفعال خالقة.____________________

(١) (ج) وبه أستمد.(٢) سورة القلم: اآلية ٤.

(٢٦١)

Page 249: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

شرح الدعاء العشرينوكان من دعائه عليه السالم:

في مكارم األخالق ومرضي األفعال:____________________

أي في طلبها والتوفيق للتخلق بها.والمكارم: جمع مكرمة بضم الراء، وهي اسم من الكرم ضد اللؤم، فإضافتها إلى األخالق

بمعنى «من»، أي: في المكارم من األخالق، أو بفتح الراء بمعنى كريمة.الراء كرمة وكرما فهو كريم اللؤم، كرم بضم الكرم محركة: ضد القاموس: قال في

وكريمة ومكرم ومكرمة (١).فإضافتها إلى األخالق من إضافة الصفة إلى الموصوف، بتأويل جعلها نوعا مضافا إلى

الجنس ككرام الناس.واألخالق: جمع خلق بضمتين، وقد يسكن.

قال الراغب: هو والمفتوح في األصل بمعنى واحد، لكن خص المفتوح بالهيئات والصورالمدركة بالبصر، والمضموم بالسجايا والقوة المدركة بالبصيرة (٢).

وعرفوه بأنه ملكة للنفس يصدر عنها الفعل بسهولة من غير روية وفكر، وهو____________________

(١) القاموس المحيط: ج ٤ ص ١٧٠.(٢) الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص ٣٩ مع اختالف يسير في العبارة.

(٢٦٣)

Page 250: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قريب من الغريزة، وهي ملكة تصدر عنها صفات ذاتية، إال أن لالعتياد مدخال في الخلق

دون الغريزة.واألفعال: جمع فعل بالكسر، اسم من فعل فعال بالفتح، وهو األثر الصادر عن مؤثر عالم أوغيره، عن قصد أو دونه، وهو أعم من العمل، وهو األثر الصادر عن عالم قاصد له، فكلعمل فعل دون العكس. وقد يطلق كل منهما على اآلخر توسعا كما وقع هنا، فإن المرادباألفعال: األعمال أعم من أن تكون نفسانية كأفعال القلوب، أو جسمانية كحركات البدن،

أو ما كان بمشاركة البدن والنفس كالصناعات.وبمرضيها: ما تعلق به المدح في العاجل والثواب في اآلجل.

تنبيهاختلف في الخلق، فقيل: هو غريزي من جنس الخلقة، وال يستطاع تغييره خيرا كان أو

شرا، كما قال:وما هذه األخالق اال غرائز فمنهن محمود ومنها مذمم ولن يستطيع الدهر تغيير خلقه لئيموال يستطيعه وهو متكرم ويدل عليه قوله صلى الله عليه وآله: من آتاه الله وجها حسنا

وخلقا حسنا فليشكر الله (١).ومحال أن يمكن المخلوق تغيير فعل الخالق، فالتكليف بتهذيب األخالق تكليف بما ال

يطاق.وقيل: بل هو كسبي، لقوله عليه السالم: حسنوا أخالقكم (٢)، فلو لم يكن

____________________(١) و (٢) الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص ٤٠ الباب الثامن عشر.

(٢٦٤)

Page 251: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________كسبيا لما أمر به، وألنا نرى كثيرا من الناس يزاولون ويمارسون خلقا من األخالق حتى

يصير ملكة.وقال بعضهم: الحق أن أصله غريزي وتمامه مكتسب. وبيانه: أن الله تعالى خلق األشياء

على ضربين:أحدهما: بالفعل، ولم يجعل للعبد فيه عمال، كالسماء واألرض والهيئة.

والثاني: بالقوة، وهو ما خلقه خلقا ما وجعل فيه قوة، ورشح اإلنسان إلكماله وتغيير حاله،وإن لم يرشحه لتغيير ذاته، كالنوى الذي جعل فيه قوة النخل، وسهل لإلنسان سبيال أن

يجعله بعون الله نخال وأن يفسده إفسادا.قال: والخلق من اإلنسان يجري هذا المجرى في أنه ال سبيل لإلنسان إلى تغيير القوة التيهي السجية والغريزة، وجعل له سبيال إلى إسالسها، ولهذا قال تعالى: «وقد خاب مندساها» (١)، ولو لم يكن كذلك لبطلت فائدة المواعظ والوصايا والوعد والوعيد واألمروالنهي، ولما جوز العقل أن يقال: للعبد: لم فعلت؟ ولم تركت؟ وكيف يكون هذا فياإلنسان ممتنعا وقد وجدناه في بعض البهائم ممكنا؟ فالوحشي قد ينقل بالعادة إلى التأنسالناس في غرائزهم مختلفون، فبعضهم جبل جبلة سريعة السالسة، لكن إلى والجامح القبول، وبعضهم بطيئة القبول، وبعضهم في الوسط، وكل ال ينفك من أثر قبول وإن قل.ومن هنا ما ورد في األدعية من طلب التوفيق لمكارم األخالق ومحاسن األعمال، وفي

األحاديث من األمر بها والحث عليها.قال الراغب: وأرى أن من منع (٢) تغيير الخلق فإنه اعتبر القوة نفسها، وهذا صحيح، فإن

النوى محال أن ينبت اإلنسان منه تفاحا، ومن أجاز تغييره فإنه اعتبر____________________

(١) سورة الشمس: اآلية ١٠.(٢) (ج) من قنع.

(٢٦٥)

Page 252: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وبلغ بإيماني أكمل اإليمان، واجعل يقيني أفضل اليقين، وانتهبنيتي إلى أحسن النيات، وبعملي إلى أحسن األعمال.

____________________إظهار ما في القوة إلى الوجود وإمكان إفساده بإهماله، نحو النوى، فإنه يمكن أن يتفقدفيجعل نخال، وأن يترك مهمال حتى يفسد، وهذا صحيح أيضا، فإذن اختالفهما بحسب

اختالف نظريهما. (١)قال صلوات الله وسالمه عليه (٢):

بدأ عليه السالم دعاءه بالصالة على النبي وآله عليهم السالم، لالستعداد به لقبول الدعاء.ولما روي عن أمير المؤمنين عليه السالم: إذا كانت لك إلى الله حاجة فابدأ بمسألة الصالةعلى النبي صلى الله عليه وآله ثم اسأل (٣) حاجتك، فإن الله تعالى أكرم من يسأل حاجتين

فيقضي إحداهما ويمنع األخرى (٤).وبلغ المكان بلوغا - من باب قعد -: وصله، ويتعدى بالباء والهمزة والتضعيف، فيقال: بلغ

به وأبلغه إبالغا وبلغه تبليغا.فالباء من قوله: «بإيماني» زائدة للتأكيد، وهي كثيرا ما تزاد في المفعول، نحو:

«وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» (٥)، و «وهزي إليك بجذع النخلة» (٦)، وقوله:تسقى الضجيع ببارد بسام أو ضمن بلغ معنى انته، أي: انته بإيماني مبلغا إياه أكمل اإليمان.

واإليمان: إفعال من األمن الذي هو خالف الخوف، ثم استعمل بمعنى____________________

(١) الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص ٤١ الباب الثامن عشر.(٢) راجع المتن.(٣) (ج)، تسأل.

(٤) وسائل الشيعة: ج ٤ ص ١١٣٨ ح ١٨.(٥) سورة البقرة: اآلية ١٩٥.

(٦) سورة مريم: اآلية ٢٥.

(٢٦٦)

Page 253: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________التصديق، فالهمزة فيه إما للصيرورة، كأن المصدق صار ذا أمن من أن يكون مكذبا، أو

للتعدية، كأنه جعل المصدق آمنا من التكذيب والمخالفة.ويعدي بالباء العتبار معنى اإلقرار واالعتراف، نحو: «يؤمنون بالغيب» (١).

وبالالم العتبار معنى اإلذعان، نحو: «وما أنت بمؤمن لنا» (٢)، هذا معناه اللغوي.وأما في الشرع فقيل: هو المعرفة، فقوم بالله، وقوم به وبما جاءت به رسله إجماال.

وقيل: هو كلمتا الشهادة.وقيل: هو التصديق معهما.

وقيل: هو أعمال الجوارح، فقوم هو الطاعات بأسرها فرضا أو نفال، وقوم هو الطاعاتالمفترضة دون النوافل.

وقيل: هو مجموع الثالثة، فهو تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل باألركان.وقيل: هو التصديق بالله ورسوله وبما جاء به إجماال والوالية ألهلها. وهو الحق، لداللةاآليات واألخبار عليه، نحو قوله تعالى: «أولئك كتب في قلوبهم اإليمان» (٣)، «ولمايدخل اإليمان في قلوبكم» (٤)، «وقلبه مطمئن بااليمان» (٥)، دلت على أنه أمر قلبي.وقوله تعالى: «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا (٦)»، «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكمالقصاص في القتلى» (٧)، «الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم» (٨)، دل اقتران اإليمان

بالمعاصي فيها على أن العمل غير داخل في حقيقة.____________________

(١) سورة البقرة: اآلية ٣.(٢) سورة يوسف: اآلية ١٧.

(٣) سورة المجادلة: اآلية ٢٢.(٤) سورة الحجرات: اآلية ١٤.

(٥) سورة النحل: اآلية ١٠٦.(٦) سورة الحجرات: اآلية ٩.(٧) سورة البقرة: اآلية ١٧٨.(٨) سورة األنعام: اآلية ٨٢.

(٢٦٧)

Page 254: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقوله تعالى: «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» (١) دل على التغاير، وأن العمل ليس داخال

فيه، ألن الشيء ال يعطف على نفسه وال الجزء على كله.وقول الرسول صلى الله عليه وآله: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص اإليمان إلى قلبه ال

تذموا المسلمين (٢).وقول الصادق عليه السالم: اإليمان وقر في القلوب، واإلسالم ما عليه المناكح (٣).

وقوله عليه السالم: يبتلى المؤمن على قدر إيمانه وحسن أعماله (٤).دلت على محلية القلب لإليمان ومغايرته للعمل، على ان كون اإليمان عبارة عن التصديقالمخصوص المذكور ال يفتقر إلى نقله عن معناه اللغوي الذي هو التصديق مطلقا، ألنالتصديق المخصوص فرد منه، بخالف ما إذا كان المراد غيره من المعاني المذكورة، فإنهيستلزم النقل وهو خالف األصل، ولو كان منقوال لتبين لألمة نقله بالتوقيف، كما تبين نقل

الصالة والزكاة ونحوهما، والشتهر اشتهار نظائره، بل هو كان بذلك أولى.اإلقرار من اإليمان مركب أن من أصحابنا، من الطوسي المحقق إليه ما ذهب وأما

.(٥) والتصديق واستدل على أن األول وحده - وهو اإلقرار باللسان - ليس بإيمان، بقوله تعالى:

«قالت األعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا» (٦)، فقد أثبت اإلقرار اللسانيونفى اإليمان، فعلم أن اإليمان ليس هو اإلقرار باللسان.

____________________(١) سورة الرعد: اآلية ٢٩.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٣٥٤ ح ٢.(٣) الكافي: ج ٢ ص ٢٦ ح ٣ وفيه االيمان ما وقر في القلوب.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٢٥٢ ح ٢، وفيه: يبتلي المؤمن بعد علي قدر إيمانه.(٥) تجريد االعتقاد: ص ٣٠٩.(٦) سورة الحجرات: اآلية ١٤.

(٢٦٨)

Page 255: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________بها تعالى: «وجحدوا بقوله بإيمان، ليس التصديق - الثاني وحده - وهو أن وعلى واستيقنتها أنفسهم» (١)، أثبت للكفار االستيقان النفسي وهو التصديق، فلو كان اإليماننفس التصديق لزم اجتماع الكفر واإليمان في شخص واحد في آن واحد، وال شك أنهما

متقابالن ال يمكن اجتماعهما كذلك (٢).ففيه أوال: أن التصديق لما كان مقرونا باإلنكار كان غير معتبر، ألن التصريح بالنقيض ربما

كان مانعا من القبول واالعتبار، ولذلك اشترط فيه عدم اإلنكار باللسان.وثانيا: أن هذه اآلية إنما تدل على أن التصديق وحده ليس بايمان، وال تدل على أن اإلقرارباللسان جزء من اإليمان، لجواز أن يكون شرطا له، والمشروط ينتفي بانتفاء الشرط كما

أن الكل ينتفي بانتفاء الجزء.ومن ثم حمل المتكلمون، القائلون بأن اإليمان نفس التصديق، األخبار، الدالة على جزئيةأعمال الجوارح لإليمان على أنها للكمال، بمعنى أن العمل ليس جزء لإليمان بحيث يعدماإليمان بعدم العمل، بل إضافة العمل إليه إضافة كمال، وكذا حملوا األخبار الدالة علىجزئية اإلقرار باللسان على أنه شرط في اإليمان ال جزء منه، وعلى هذا حملوا األخبارالمختلفة الدال بعضها على أن االيمان نفس التصديق والعمل، وبعضها على أنه التصديق

واإلقرار.ثم كون اإلقرار باللسان شرطا في كون التصديق القلبي إيمانا هو مذهب طائفة من العامة

أيضا.قال التفتازاني في شرح العقائد: فرقة تقول: اإلقرار شرط لصحته. (٣)

____________________(١) سورة النمل: اآلية ١٤.

(٢) كشف المراد: ص ٤٦٢ - ٤٢٧، مع تقديم وتأخير واختالف.(٣) شرح العقائد للتفتازاني: ص ٢٠٤.

(٢٦٩)

Page 256: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقال الدواني في شرحه للعقائد العضدية: والتلفظ بكلمتي الشهادة مع القدرة عليه شرط،

فمن أخل به فهو كافر مخلد بالنار (١)، انتهى.وقال بعض أصحابنا: إنما يشترط عدم اإلنكار باللسان، وأما كون اإلقرار شرطا في قبول

اإليمان القلبي فال.تبصرة

اختلف في اإليمان، هل يقبل الزيادة والنقصان أم ال؟ فذهب إلى كل طائفة.وقال كثير من المتكلمين: هو بحث لفظي، ألنه فرع تفسير اإليمان.

المتفاوت ال اليقين، وانه ال يقبل فإن قلنا: هو التصديق فال يقبلهما، ألن الواجب هو بحسب ذاته وال بحسب متعلقه.

أما األول، فألن التفاوت إنما هو الحتمال النقيض، وهو ولو بأبعد وجه ينافي اليقين فاليجامعه.

وأما الثاني، فألنه جميع ما علم بالضرورة مجيء الرسول به، والجميع من حيث هو جميعال يتصور فيه تعدد، وإال لم يكن جميعا.

وإن قلنا: هو العمل وحده أو مع التصديق فيقبلهما، وهو ظاهر.وما ورد في الكتاب والسنة مما يدل على قبوله إياهما فباعتبار األعمال، فيزيد بزيادتها

وينقص بنقصانها.ذاته والنقصان بحسب الزيادة يقبل التصديق ان الحق الفريقين: المحققون من وقال

متعلقه. وبحسب أما األول، فألن التصديق من الكيفيات النفسانية المتفاوتة قوة وضعفا، فيجوز

____________________(١) شرح العقائد العضدية للدواني: ص ٨٧.

(٢٧٠)

Page 257: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________أن يكون التفاوت فيه بالقوة والضعف بال احتمال للنقيض، وللفرق الظاهر بين إيمان النبي

وآحاد األمة.وأما الثاني، فألن التصديق التفصيلي في أفراد ما علم مجيء الرسول جزء من اإليمان، يثاب

عليه ثوابه على تصديقه باإلجمال، فكان قابال للزيادة.وقوله تعالى: «ولكن ليطمئن قلبي» (١) ناظر إلى األول، ألن عين اليقين أقوى من علم

اليقين، ولهذا قال أمير المؤمنين عليه السالم: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا (٢).وقوله تعالى: «وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا» (٣) ناظر إلى الثاني.

إذا عرفت ذلك فقوله عليه السالم: «بلغ بإيماني أكمل اإليمان»، يحتمل أن يكون المراد بهنفس التصديق وهو أصل اإليمان الكامل، وأن يكون المراد به اإليمان الكامل وهو التصديقمع العمل، فإن لكل منهما درجات ومراتب متكثرة متفاوتة بعضها فوق بعض، وأدناها فيالتصديق أصل المعرفة، ألن زواله يوجب الكفر، وفي العمل القيام بالمفروضات واجتنابالمنهيات، وأعالها فيهما غاية الكمال للبر، وهي في التصديق كمرتبة عين اليقين، أو أعلىمنها وهي مرتبة حق اليقين، وفي العمل صرف جميع الجوارح في جميع األوقات في جميع

ما خلقت له، وقد وردت أخبار كثيرة في أن اإليمان درجات.فعن أبي عبد الله عليه السالم: أن اإليمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد

مرقاة (٤).وعن الزبيري عن أبي عبد الله عليه السالم، قال: قلت له: إن لاليمان درجات

____________________(١) سورة البقرة: اآلية ٢٦٠.

(٢) شرح المائة كلمة لإلمام علي: ص ٥٢.(٣) سورة األنفال: اآلية ٢.

(٤) الخصال: ص ٤٤٧ باب اإليمان عشر درجات ح ٤٨.

(٢٧١)

Page 258: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ومنازل يتفاضل المؤمنون فيها عند الله؟ قال: نعم (١).

وعنه عليه السالم: أن اإليمان حاالت ودرجات وطبقات ومنازل، فمنه التام المنتهي تمامه،ومنه الناقص البين نقصانه، ومنه الراجح الزائد رجحانه (٢).

قال بعض الشارحين: التام المنتهي تمامه كإيمان األنبياء واألوصياء، والناقص البين نقصانههو أدنى المراتب الذي دونه الكفر، والراجح الزائد رجحانه على مراتب غير محصورة،

باعتبار التفاوت في الكمية والكيفية (٣)، والله أعلم.تتمة

لبعض محققي المفسرين كالم نفيس في اإليمان، ال بأس بإيراده هنا لكمال تعلقه بالمقام.قال رحمه الله إن لإليمان وجودا في األعيان ووجودا في األذهان ووجودا في العبارة، والريب أن الوجود العيني لكل شئ هو األصل وباقي الوجودات (٤) فرع وتابع. فالوجودالعيني لإليمان هو النور الحاصل للقلب بسبب ارتفاع الحجاب بينه وبين الحق جل ذكرهللقوة قابل النور النور» (٥)، وهذا إلى الظلمات الذين آمنوا يخرجهم من «الله ولي والضعف والزيادة والنقصان كسائر األنوار «وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا» (٦)،كلما ارتفع حجاب ازداد نور، فيقوى (٧) اإليمان ويتكامل إلى أن يبسط (٨) نوره،فينشرح الصدر ويطلع على حقائق األشياء، وتتجلى له الغيوب وغيوب الغيوب، ويعرف

كل شئ في موضعه، فيظهر____________________

(١) الكافي: ج ٢ ص ٤٠ ح ١.

(٢) الكافي: ج ٢ ص ٣٤ ح ١.(٣) شرح الكافي للمولى محمد صالح المازندراني: ج ٨ ص ١٠٠.

(٤) (الف): الموجودات، (ج): الوجود.(٥) سورة البقرة: اآلية ٢٥٧.

(٦) سورة األنفال: اآلية ٢.(٧) (ج): فيتقوى.

(٨) (ج) ينبط.

(٢٧٢)

Page 259: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________له صدق األنبياء عليهم السالم، وال سيما محمد خاتم النبيين صلوات الله عليه وعلى آلهالطاهرين، في جميع ما أخبروا عنه إجماال أو تفصيال، على حسب نوره وبمقدار انشراحصدره، وتنبعث من قلبه داعية العمل بكل (١) مأمور واالجتناب لكل محظور، فينضافأيديهم الفاضلة والملكات الحميدة «نورهم يسعى بين أنوار األخالق إلى نور معرفته

لنوره من يشاء» (٣). الله وبأيمانهم» (٢)، «نور على نور يهدي وأما الوجود الذهني فمالحظة المؤمن لهذا النور ومطالعته له ولمواقعه (٤).

وأما الوجود اللفظي فخالصته ما اصطلح عليه الشارع شهادة أن ال إله إال الله وأن محمدارسول الله، وال يخفى أن مجرد التلفظ بقولنا: ال إله إال الله محمد رسول الله، من غيرالنور المذكور ال يفيد، إال كما يفيد العطشان التلفظ بالماء الزالل، إال أن التعبير عما فيالضمير لما لم يتيسر اال بواسطة النطق المفصح عن كل خفي، والمعرب عن كل مشتبه،كان للتلفظ بكلمة الشهادة ولعدمه مدخل عظيم في الحكم بإيمان المرء وكفره، فصحجعل ذلك وما ينخرط في سلكه من العالمات كعدم لبس الغيار وشد الزنار دليال عليهما،

وتفويض أمر الباطن إلى عالم الخفيات المطلع على السرائر والنيات، انتهى.وكالمه في الوجود العيني لإليمان مأخوذ من قول أمير المؤمنين عليه السالم: إن اإليمان

يبدو لمظة في القلب، كلما ازداد اإليمان ازدادت اللمظة (٥).قال الشيخ كمال الدين رحمه الله: أراد أن اإليمان وهو التصديق بوجود الصانع تعالى، أولما يكون في القلب يكون حالة، ثم ال يزال يتأكد بالبراهين واألعمال الصالحة إلى أن يصير

ملكة تامة، ولفظ اللمظة استعارة لما يبدو من نور اإليمان في____________________

(١) (ج): لكل.(٢) سورة التحريم: اآلية ٨.(٣) سورة النور: اآلية ٣٥.

(٤) (ج) والمواقعة.(٥) نهج البالغة: ح ٥ ص ٥١٨.

(٢٧٣)

Page 260: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________القلب اول كونه مالحظة، لشبهه باللمظة من البياض والنكتة من نور الشمس (١)، انتهى.

قال في القاموس: اللمظة بالضم النقطة من البياض (٢).تنبيه

ظاهر معظم األخبار الواردة عن أهل البيت عليهم السالم أن اإلسالم يصدق عليه مجرداإلقرار باللسان من غير تصديق، سواء كان معه اإلقرار بالوالية أو لم يكن، وعلى التصديقالمجرد عن الوالية وإن لم يكن معه اإلقرار باللسان، وعلى كليهما مجردا عن الوالية أومعها، واإليمان يصدق على التصديق بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلمالداخل فيه الوالية، سواء كان معه عمل بما يقتضيه ذلك التصديق أو لم يكن، وإن كانالمقرون بالعمل هو الفرد الكامل من اإليمان، بل هو اإليمان المعتبر عند أصحاب العصمةعليهم السالم، كما يشعر به كثير من أخبارهم عليهم السالم، فيكون اإليمان - على هذا -

أخص من اإلسالم، فهو كالنوع واإلسالم كالجنس، والله أعلم.قوله عليه السالم: «واجعل يقيني أفضل اليقين» اليقين: فعيل يكون اسم مصدر، ويكونبمعنى فاعل، من يقن األمر ييقن يقنا - من باب تعب -: أي ثبت فهو يقين، ويستعملأيضا متعديا بنفسه وبالباء وبالهمزة والباء، فيقال: يقنته، ويقنت به، وأيقنت به، وتيقنته،

واستيقنته، أي: علمته علما ال شك فيه.فاليقين لغة: العلم الذي ال شك معه، واصطالحا قيل: هو العلم الحاصل من

____________________(١) شرح نهج البالغة البن ميثم: ج ٥ ص ٣٧٤، وفيه «النفس» في

الموردين بدل «القلب».(٢) القاموس المحيط: ج ٢ ص ٣٩٩.

(٢٧٤)

Page 261: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________نظر واستدالل، ولهذا ال يسمى علم الله تعالى يقينا.

وقيل: هو غاية الكمال في القوة النظرية التي ال تحتمل النقيض، سواء حصلت بالبرهان أوبالمجاهدات والرياضات النفسانية والهدايات الخاصة باألولياء على حسب مراتبه.

وقال المحقق الطوسي في بعض رسائله (١): اليقين: اعتقاد جازم مطابق ثابت ال يمكنزواله، وهو في الحقيقة مؤلف من علمين: العلم بالمعلوم، والعلم بأن خالف ذلك محال،

وله مراتب: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين (٢).والقرآن ناطق بذلك، قال تعالى: «لو تعلمون علم اليقين. لترون الجحيم. ثم لترونها عيناليقين» (٣)، وقال: «وتصلية جحيم إن هذا لهو حق اليقين»، (٤) وهذه المراتب مرتبة في

الفضل والكمال. وهي مثل مراتب معرفة النار.فالعلم بالنار مثال بتوسط النار والدخان هو علم اليقين، وهو العلم الحاصل ألهل النظر

واالستدالل بالبراهين القاطعة.بالكشف الحاصل العلم اليقين، وهو للنور هو عين المفيض النار والعلم بمعاينة جرم نور الله أن القلوب بمعاينة وتيقنوا بالله قلوبهم اطمأنت الذين المؤمنين للخلص من

نفسه. به السماوات واألرض، كما وصف والعلم بالنار بالوقوع فيها واالحتراق بها ومعرفة كيفيتها التي ال يفصح عنها العبارة هو حق

اليقين، وهو العلم الحاصل باالتصال المعنوي ألهل الشهود والفناء في الله (٥).____________________

(١) أي: أوصاف األشراف.(٢) بحار األنوار: ج ٧٠ ص ١٤٣، نقال عن أوصاف األشراف.

(٣) سورة التكاثر: اآلية ٥ و ٦ و ٧.(٤) سورة الواقعة: اآلية ٩٤ و ٩٥.

(٥) راجع بحاراألنوار: ج ٦٩ ص ١٦٠.

(٢٧٥)

Page 262: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وهذا المرتبة هي الدرجة العليا والمنزلة الفضلى التي سألها الداعي عليه السالم.

وعبر بعضهم عن هذه المراتب فقال: للعلم ثالث مراتب:أوالها: علم اليقين، وهي مرتبة البرهان.

وثانيتها: عين اليقين، وهو أن يرى المعلوم عيانا، فليس الخبر كالعيان.وثالثتها: حق اليقين، وهو أن يصير العالم والمعلوم واحدا (١) ولعله ال يعرف حق هذاالمرتبة اال من وصل إليها، كما أن طعم العسل ال يعرفه إال من ذاقه، ولعزة هذه المرتبة وقلة

الواصلين إليها لم يتعرض لبيانها األكثرون.النيسابوري في كتاب خلق الحسن أبي القاسم محمود بن أبو الحق بيان الشيخ قال

يقينان: اليقين إن قالوا: اإلنسان: أحدهما: ينفي الشك، وهذا ال يغلب الشهوة، وهو يقين التوحيد.

واآلخر: نور مشرق للصدر، غالب للشهوات، مبطل لالختيار، صارت لصاحبه أمور الدنياواآلخرة وأحوال الملكوت معاينة، وأصبحت ألمره خاضعة طائعة، وعلى هذا جاء عن اللهفي الزبور المنزل على داود عليه السالم: لو صدق يقينكم ثم قلتم للجبل: انتقل فقع في

البحر، لوقع.وذلك أن القلب إذا وصل إلى الله تعالى، وامتأل من عظمته، وأشرق بنور جالله وهيبته،فبعد ذلك أينما وقع البصر دار الفكر حوالي ما امتأل به القلب، إذ وصل إلى الله وامتأل منعظمته من العمل الصرف الصافي الخالص، غير الممزوج بالشبهات المكدر بالشائبات،بمنزلة الشمس إذا رد (٢) قرنها واستوى حاجبها وأشرق ضياؤها، فحيث ما سرت من

بالد الله فضوؤها معك يريك األشياء بألوانها وهيآتها____________________

(١) راجع بحاراألنوار: ج ٧٠ ص ١٤٢.(٢) (ج). ورد.

(٢٧٦)

Page 263: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ومقاديرها وأشكالها، فكذلك شمس اليقين إذا أشرقت واستضاءت بنورها النفس، أرادذلك أمر الملكوت، وأحوال الدنيا واآلخرة، وبواطن األشياء واألسرار التي في الغيوب، مما

كشفها الله ألنبيائه، وأطلع عليها قلوب خيرته وأصفيائه (١).قلت: ومما يؤيد هذا المعنى ما رواه ثقة اإلسالم في الصحيح بإسناده عن إسحاق بن عمار،قال: سمعت أبا عبد الله عليه السالم يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى بالناسالصبح، فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه مصفرا لونه، قد نحفجسمه وغارت عيناه في رأسه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف أصبحتيا فالن؟ قال: أصبحت يا رسول الله صلى الله عليه وآله موقنا، فعجب رسول الله صلى اللهعليه وآله من قوله، وقال: إن لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟ فقال: إن يقيني يا رسولالله هو الذي أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ هو أجري، فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها، حتىكأني أنظر إلى عرش ربي وقد نصب للحساب وحشر الخالئق لذلك وأنا فيهم، وكأنيأنظر إلى أهل الجنة يتنعمون في الجنة ويتعارفون على األرائك متكئون، وكأني أنظر إلىأهل النار وهم فيها معذبون مصطرخون، وكأني اآلن أسمع زفير النار يدور في مسامعي،فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا عبد نور الله قلبه باإليمان، ثم قال له: الزم ما أنتعليه، فقال الشاب: أدع لي يا رسول الله أن ارزق الشهادة معك، فدعا له رسول الله صلىالله عليه وآله، فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي صلى الله عليه وآله، فاستشهد بعد

تسعة نفر وكان هو العاشر (٢).وهذا الشاب هو حارثة بن مالك بن النعمان األنصاري، كما وردت به رواية أخرى. (٣)

____________________(١) لم نعثر عليه.

(٢) الكافي: ج ٢ ص ٥٣ ح ٢.

(٣) الكافي: ج ٢ ص ٥٤ ح ٣.

(٢٧٧)

Page 264: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________اليقين حتى في األنبياء عليهم السالم ما روي في مصباح التفاوت في ومما يدل على الشريعة عن الصادق عليه السالم، أنه قال: اليقين يوصل العبد إلى كل حال سني ومقام

عجيب، كذلك أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله عن عظم شأناليقين - حين ذكره عنده أن عيسى بن مريم عليهما السالم كان يمشي على الماء - فقال:

لو زاد يقينه لمشى في الهواء.فدل بهذا أن األنبياء عليهم السالم مع جاللة محلهم من الله كانت تتفاضل على حقيقةاليقين ال غير، وال نهاية لزيادة اليقين على األبد، والمؤمنون أيضا متفاوتون في قوة اليقينوضعفه، فمن قوي منهم يقينه فعالمته التبري من الحول والقوة إال بالله، واالستقامة على أمرالله، وعبادته ظاهرا وباطنا قد استوت عنده حالتا العدم والوجود، والزيادة والنقصان،تعلق يقينه والمدح والذم، والعز والذل، ألنه يرى كلها من عين واحدة، ومن ضعف باألسباب ورخص لنفسه بذلك، واتبع العادات وأقاويل الناس بغير حقيقة، والسعي في أمورالدنيا وجمعها وإمساكها، يقر باللسان أنه ال مانع وال معطي إال الله، وأن العبد ال يصيبإال ما رزق وقسم له، والجهد ال يزيد في الزرق، وينكر ذلك بفعله وقلبه، قال الله عز

وجل: «يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون» (١) انتهى.ومن أخبار أهل اليقين ما حكاه إبراهيم الخواص، قال: لقيت غالما في التيه كأنه سبيكةفضة، فقلت، إلى أين؟ فقال: إلى مكة، فقلت: بال زاد وال راحلة؟ فقال: يا ضعيف اليقينالذي يحفظ السماوات واألرض ال يقدر أن يوصلني إلى بيته بال عالقة؟ فلما دخلت مكة

إذا هو في الطواف يقول:يا عين سخي أبدا * يا نفس موتي كمدا

____________________(١) مصباح الشريعة: ص ١٧٧ - ١٧٨.

(٢٧٨)

Page 265: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وال تخشي أحدا * إال الجليل الصمدا.

فلما رآني ناداني يا شيخ أنت بعد على ذلك الضعف من اليقين؟ إن من وثق بالله في رزقهلم يطلب الرزق قبل وقته (١).

وعن الصادق عليه السالم: أن اإليمان أفضل من اإلسالم، وأن اليقين أفضل من اإليمان، ومامن شئ أعز من اليقين (٢).

وعن الرضا عليه السالم بسند صحيح قال: اإليمان فوق اإلسالم بدرجة، والتقوى فوقاإليمان بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة، ولم يقسم بين العباد شئ أقل من اليقين (٣).وعن أبي عبد الله عليه السالم: أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل

الكثير على غير يقين (٤).واألخبار في هذا المعنى كثيرة (٥).

قوله عليه السالم: «وانته بنيتي إلى أحسن النيات» الباء: للتعدية، وتسمى باء النقل، وهيالمعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعوال، تقول في قام زيد: أقمت زيدا وقمت به، أي:

صيرته قائما.فمعنى «انته بنيتي»: اجعلها منتهية إلى أحسن النيات، أي: بالغة إليه.

لغة فيها حكاها أنويه أي: قصدته، والتخفيف الشيء بالتشديد: اسم من نويت والنية األزهري. (٦) وكأنه حذفت الالم وعوض عنها الهاء على هذه اللغة، كما قيل في ثبة وظبة

.(٧)____________________

(١) لم نعثر عليه.(٢) الكافي: ج ٢ ص ٥١ ح ١.(٣) الكافي: ج ٢ ص ٥٢ ح ٦.(٤) الكافي: ج ٢ ص ٥٧ ح ٣.

(٥) الكافي: ج ٢ ص ٥٧ باب فضل اليقين.(٦) المصباح المنير: ص ٨٦٨، نقال عن األزهري.

(٧) راجع المصباح المنير: ص ٨٦٨، تجد بعض األقوال فيه.

(٢٧٩)

Page 266: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الطاعة، غير ملحوظ فيه شئ سوى وجه الله سبحانه (١).

قال بعضهم: أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله أن يعلم أنه ال يريد العبد من الدنيا واآلخرةبالغداة والعشي يريدون الذين يدعون ربهم تعالى: «واصبر نفسك مع الله غيره، قال

النبيين والصديقين والشهداء. وجهه» (٢)، وهو مقام تبصرة

روى في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السالم أنه قال: ال بد للعبد من خالص النية فيكل حركة وسكون (٣).

ألنه إذا لم يكن بهذا المعنى يكون غافال، والغافلون قد وصفهم الله تعالى فقال: «إن هم إالكاألنعام بل هم أضل سبيال» (٤)، وقال: «أولئك هم الغافلون» (٥).

وشرح ذلك بعض العلماء فقال: يجب أن يكون للعبد في كل شئ يفعله وعمل يعمله نيةوإخالص، حتى في مطعمه ومشربه وملبسه ونومه ونكاحه، فإن ذلك كله من أعماله التييسأل عنها ويجازي عليها، فإن كان لله وفي الله كانت في ميزان حسناته، وإن كانت فيسبيل الهوى ولغير الله كانت في ميزان سيئاته، وكان صاحبها في الدنيا على مثال البهائمالراتعة واألنعام المهملة السارحة، وال يكون على الحقيقة إنسانا مكلفا موفقا، وكان منالذين ذكرهم الله بقوله: «أغفلنا قلبه عن ذكرنا» (٦) أي: وجدناه غافال، كقولك: دخلتبلدة فأعمرتها أي: وجدتها عامرة، أو أخرجتها أي: وجدتها خرابا، فهو غافل عما يأتيه

ويذره، متبع لهواه فيما يورده____________________

(١) كتاب األربعين: ص ١٥٨.(٢) سورة الكهف: اآلية ٢٨.(٣) مصباح الشريعة: ص ٥٣.(٤) سورة الفرقان: اآلية ٤٤.

(٥) سورة األعراف: اآلية ١٧٩.(٦) سورة الكهف: اآلية ٢٨.

(٢٨١)

Page 267: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ويصدره، وكان أمره فرطا بغير نية في أوله وال صحة في آخره.

قال بعضهم: ومن هنا يعلم أنه يمكن أن تجعل العادات عبادات، كاألكل والشرب إذا نوىاللذات وتودد السنة، ال استيفاء إقامة به الطاعة، وكالتطيب إن قصد القوة على بهما

النسوان، إذ هو معصية.ففي الخبر: من تطيب لله جاء يوم القيامة وريحه أطيب من ريح المسك، ومن تطيب لغير

الله جاء يوم القيامة وريحه أنتن من الجيفة (١).واجتهد في تصيير ذلك ملكة للنفس.

إرشادقال بعض العارفين (٢): قد يسمع الجاهل ما ذكره أصحاب القلوب من المبالغة والتأكيدفي أمر النية، وأن العمل بدونها ال طائل تحته، كما قال سيد البشر صلى الله عليه وآله: إنما

األعمال بالنيات (٣).فيظن أن قوله عند تسبيحه وتدريسه: أسبح قربة إلى الله، أو أدرس قربة إلى الله، محضرابمعنى هذه األلفاظ على خاطره، هو النية، وهيهات إنما ذلك تحريك لسان وحديث نفس

أو فكر وانتقال من خاطر إلى خاطر، والنية عن جميع ذلك بمعزل.إنما النية انبعاث النفس وانعطافها وتوجهها وميلها إلى فعل ما فيه غرضها أو بغيتها إماإذا لم يكن حاصال لها، لم يمكنها اختراعه عاجال وإما آجال، وهذا االنبعاث والميل

المتخيلة والنطق بتلك األلفاظ، وما ذلك إال واكتسابه بمجرد اإلرادة ____________________

(١) المحجة البيضاء: ج ٨ ص ١١٨ و ١٠٥.(٢) أي المحقق العظيم والمحدث الكبير المولى محسن الكاشاني قدس سره.(٣) مصباح الشريعة: ص ٥٣، سنن ابن ماجة: ج ٢ ص ١٤١٣ ح ٤٢٢٧.

(٢٨٢)

Page 268: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________كقول الشبعان: أشتهي الطعام وأميل إليه قاصدا حصول الميل واالشتهاء، وكقول الفارغ(١): أعشق فالنا وأحبه وأنقاد له وأطيعه، بل ال سبيل إلى اكتساب صرف القلب إلىالميل واالنبعاث، الموجبة لذلك إليه وإقباله عليه، إال بتحصيل األسباب الشيء وميله واجتناب األمور المنافية لذلك المضادة له، فإن النفس إنما تنبعث إلى الفعل وتقصده وتميلإليه، تحصيال للغرض المالئم لها بحسب اعتقادها وما يغلب عليها من األحوال، فإذا غلبتشهوة النكاح واشتد توقان النفس إليه، ال يمكن الموافقة على قصد الولد، بل ال يمكن إالعلى نية قضاء الشهوة فحسب، وإن قال بلسانه: أفعل السنة وأطلب الولد قربة إلى الله،وقس على ذلك قول المصلي عند نية الصالة، إذا كان منهمكا في أمور الدنيا والتهالكعليها واالنبعاث في طلبها، فإنه ال يتيسر له توجيه قلبه بكليته إلى الصالة وتحصيل الميلالصادق إليها واإلقبال الحقيقي عليها، بل يكون دخوله فيها دخول متكلف لها متبرم بها،

ويكون قوله:أصلي قربة إلى الله كقول الشبعان، أشتهي الطعام، وقول الفارغ: أعشق فالنا مثال.

والحاصل: أنه ال تحصل النية الكاملة المعتد بها في العبادات، وغيرها إذا أريدت بها القربة،من دون ذلك الميل واإلقبال، وقمع ما يضاده من الصوارف واالشتغال، وهو ال يتيسر إالبصرف القلب عن األمور الدنيوية، وتطهير النفس عن الصفات الذميمة الدنية، وقطع النظرعن الحظوظ العاجلة بالكلية، وتوجيه القلب إلى المولى وقصده دون جميع ما سواه بالنية،وذلك ميل ال يتيسر إال لمن نور الله قلبه بالعرفان واليقين، وهداه صراط عباده المخلصين

.(٢)ولذلك قال أمير المؤمنين وسيد الوصيين: تخليص النية من الفساد أشد على

____________________(١) (ج): العاشق.

(٢) المحجة البيضاء: ج ٨ ص ١٢١ - ١٢٢.

(٢٨٣)

Page 269: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________العاملين من طول الجهاد (١).

ومن هنا يظهر سر قوله صلى الله عليه وآله: نية المؤمن خير من عمله (٢)، فإن النية علىهذا الوجه أشق من العمل بكثير فتكون أفضل منه، ويتبين لك أن قوله صلى الله عليه وآله:أفضل األعمال أحمزها (٣)، غير مناف لحديث: نية المؤمن خير من عمله (٤)، بل هو

كالمؤكد والمقرر له، والله ولي التوفيق.فائدة

قال بعض المحققين من علمائنا المتأخرين: النطق ال تعلق له بالنية أصال، فإن القصد إلىفعل من األفعال ال يعقل توقفه على اللفظ بوجه من الوجوه، وال ريب في عدم استحبابهأيضا، ألن الوظائف الشرعية موقوفة على الشرع ومع فقده فال توظيف، بل كان فعله على

وجه العبادة إدخاال في الدين ما ليس منه، فيكون تشريعا محرما (٥).قوله عليه السالم: «وبعملي إلى أحسن األعمال» العمل: كل ما صدر من الحيوان بقصده

قلبيا أو قالبيا، فهو أخص من الفعل، وقد تقدم الكالم على ذلك مبسوطا.واعلم أن قبح العمل وحسنه وأحسنيته متفرع على النية في ذلك، كما قال عليه السالم:

إنما األعمال بالنيات (٦).____________________

(١) غرر الحكم ودرر الكلم: ج ١ ص ٣٥٢، وفيه: االجتهاد.(٢) و (٤) الكافي: ج ٢ ص ٨٤ ح ٢.

(٣) بحار األنوار: ج ٧٠ ص ١٩١، مجمع البحرين: ج ٤ ص ١٦.(٥) المحجة البيضاء: ص ١٢٣.

(٦) مصباح الشريعة: ص ٥٣، سنن ابن ماجة: ج ٢ ص ١٤١٣ ح ٤٢٢٧.

(٢٨٤)

Page 270: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________فالمراد بأحسن األعمال ما كان عن نية صادقة، وهو ما تجردت فيه النية عن مالحظة غير

وجه الله تعالى ورضاه.روي (١) عن الصادق عليه السالم في قوله تعالى: «ليبلوكم أيكم أحسن عمال» قال: ليس

يعني أكثركم عمال، ولكن أصوبكم عمال، وإنما اإلصابة خشية الله والنية الصادقة.ثم قال: العمل الخالص الذي ال تريد أن يمدحك عليه أحد إال الله (٢).

وهذا هو معنى اإلخالص، وللقوم في تعريفه عبارات، فقيل: هو تصفية العمل عن مالحظةالمخلوقين حتى عن مالحظة النفس، فال يشهد غير الله.

وقيل: هو تنزيه العمل عن أن يكون لغير الله فيه نصيب. وقيل: هو إخراج الخلق عن معاملةالحق.

وقيل: هو ستر العمل عن الخالئق وتصفيته من العالئق.وقيل: أن ال يريد عامله عليه عوضا في الدارين، وهذه درجة رفيعة عزيزة المنال.

وقد أشار إليها أمير المؤمنين وسيد الموحدين صلوات الله عليه، بقوله: ما عبدتك خوفا مننارك وال طمعا في جنتك، ولكن وجدتك أهال للعبادة فعبدتك (٣).

ولعزة هذه المرتبة قال بعض أرباب القلوب (٤): طوبى لمن صحت له خطوة واحدة اليريد بها إال الله (٥).

____________________(١) (ج): وروي.

(٢) الكافي: ج ٢ ص ١٦ ح ٤.(٣) بحار األنوار: ج ٤١ ص ١٤.

(٤) هو أبو سليمان، (راجع المحجة البيضاء: ج ٨ ص ١٢٨).(٥) المحجة البيضاء: ج ٨ ص ١٢٨.

(٢٨٥)

Page 271: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________تبصرة

ذهب جم غفير من علماء اإلسالم إلى بطالن العبادة إذا قصد بفعلها تحصيل الثواب أوالنجاة من العقاب، قائلين: إن ذلك ينافي اإلخالص الذي هو إرادة وجه الله تعالى ال غير،وإن من قصد ذلك فإنما قصد جلب نفع أو دفع ضرر ال وجه الله سبحانه، كما أن من أثنىعلى أحد طمعا في نعمته أو خوفا من نقمته لم يعد مخلصا في ثنائه عليه، وممن بالغ في

ذلك السيد الجليل علي بن طاووس قدس سره. (١).بل يستفاد من كالم الشهيد األول في قواعده أنه مذهب أكثر أصحابنا رضوان الله عليهم.(٢) ونقل الفخر الرازي في التفسير الكبير اتفاق المتكلمين على أن من عبد الله ألجلالخوف من العقاب أو الطمع في الثواب لم تصح عبادته، (٣) وجزم في أوائل تفسير

الفاتحة بأنه لو قال: أصلي لثواب الله أو الهرب من عقابه، فسدت صالته (٤).وذهب آخرون إلى أن القصد المذكور غير مفسد للعبادة، ومنعوا خروجها به عن درجةاإلخالص ومنافاته له، قائلين: إن إرادة ثواب الله والنجاة من عقابه ليست أمرا مخالفا إلرادةوجه الله سبحانه، كيف؟ وقد قال تعالى في مقام المدح ألصفيائه: «كانوا يسارعون فيالخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا» (٥)، أي: للرغبة في الثواب والرهبة من العقاب، وقال

سبحانه: «وادعوه خوفا وطمعا» (٦)، (٧).____________________

(١) راجع بحار األنوار: ج ٧٠ ص ٢٣٤.(٢) القواعد والفوائد: ج ١ ص ٧٧.

(٣) التفسير الكبير: ج ١٤ ص ١٣٤ - ١٣٥.(٤) التفسير الكبير: ج ١ ص ١٥٨.

(٥) سورة األنبياء: اآلية ٩٠.(٦) سورة األعراف: اآلية ٥٦.

(٧) راجع بحار األنوار: ج ٧٠ ص ٢٣.

(٢٨٦)

Page 272: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________واعترض قولهم: بأن دعوى عدم المخالفة كالم ظاهري، للفرق الظاهر بين طاعة المحبوب

لمحض محبته وبين طاعته لغرض آخر، وأما االعتضاد باآليتين ففيه:أن كثيرا من المفسرين ذكروا أن المعنى: راغبين في اإلجابة راهبين من الرد والخيبة.

قال شيخنا البهائي رحمه الله: واألولى أن يستدل على ذلك بما رواه ثقة اإلسالم في الكافيبطريق حسن، عن هارون بن خارجة عن اإلمام أبي عبد الله عليه السالم، أنه قال: العبادثالثة، قوم عبدوا الله عز وجل خوفا فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلباللثواب فتلك عبادة االجراء، وقوم عبدوا الله عز وجل حبا له فتلك عبادة األحرار، وهي

أفضل العبادة، فإن قوله عليه السالم:وهي أفضل العبادة، يعطي أن العبادة على الوجهين السابقين ال تخلو من فضل أيضا، فتكونصحيحة وهو المطلوب. ثم المفهوم من كالم القائلين ببطالن العبادة بقصد تحصيل الثوابأو دفع العقاب، الحكم بفسادها وإن انضم إليه قصد وجه الله سبحانه، أما بقية الضمائمالالزمة للعبادة، كالخالص من النفقة بعتق العبد في الكفارة، والحمية بالصوم، والتبرد فيالوضوء، وإعالم المأموم الدخول في الصالة بالتكبير، ومماطلة الغريم بالتشاغل بالصالةومالزمته بالطواف والسعي، وحفظ المتاع بالقيام لصالة الليل وأمثال ذلك، فالظاهر أن

قصدها عندهم مفسد أيضا بالطريق األولى.العقاب، فقد اختلفوا في اإلفساد بهذه الثواب ودفع الفساد بقصد القائلون بعدم وأما الضمائم، فأكثرهم على عدمه، وبه قطع الشيخ في المبسوط، والمحقق في المعتبر، والعالمة

في التحرير والمنتهى، ألنها الزمة الحصول قصدت أو لم تقصد، فال يضر قصدها (١).____________________

(١) كتاب األربعين: ص ١٦٠.

(٢٨٧)

Page 273: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وفيه: أن لزوم حصولها ال يستلزم صحة قصد حصولها (١).

والمتأخرون من أصحابنا حكموا بفساد العبادة بقصدها، وهو مذهب العالمة في النهايةوالقواعد، وولده فخر المحققين في الشرح، وشيخنا الشهيد في البيان، لفوات اإلخالص

.(٢)قال شيخنا البهائي رحمه الله (٣): وهو األصح (٤).

واستقرب بعض علمائنا المتأخرين (٥) القول بالتفصيل، وهو أن العبادة إن كانت هيالمقصودة بالذات والضميمة

مقصودة تبعا صحت، وإن انعكس األمر أو تساويا بطلت (٦).القاصد الضميمة إن كانت راجحة، والحظ الله: واعلم أن البهائي رحمه قال شيخنا رجحانها وجوبا أو ندبا، كالحمية في الصوم لوجوب حفظ البدن، واإلعالم بالدخول فيالصالة للتعاون على البر، فينبغي أن ال تكون مضرة، إذ هي حينئذ مؤكدة، وإنما الكالم فيالضمائم الغير الملحوظة الرجحان، فصوم من ضم قصد الحمية مثال صحيح، مستحبا كانالصوم أو واجبا، معينا كان الواجب أو غير معين وان كان في النفس من صحة غير المعين

شئ، وعدمها محتمل (٧)، انتهى كالمه.وأما ضميمة الرياء فالظاهر أنه ال خالف في بطالن العبادة بها عند أصحابنا.

قال المحقق الشيخ علي: ضم الرياء إلى القربة يبطل العبادة قوال واحدا، إال ما يحكى عنالمرتضى أنه يسقط الطلب عن المكلف وال يستحق بها ثوابا، وليس بشيء (٨)، انتهى.

____________________(١) و (٢) راجع بحار األنوار: ج ٧٠ ص ٢٣٦.

(٣) (ج): قدس سره.(٤) كتاب األربعين: ص ١٦٠ - ١٦١.

(٥) أي الشهيد األول قدس سره.(٦) القواعد والفوائد: ج ١ ص ٧٩.

(٧) كتاب األربعين: ص ١٦١.(٨) راجع بحار األنوار: ج ٧٠ ص ١٩٤.

(٢٨٨)

Page 274: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم وفر بلطفك نيتي، وصحح بما عندك يقيني، واستصلح بقدرتك ما فسد مني.____________________

وفر الشيء يفر - من باب وعد - وفورا: تم وكمل، ووفرته وفرا - من باب وعد - أيضاأتممته وأكملته، يتعدى وال يتعدى، والمصدر فارق، ويتعدى بالتثقيل أيضا مبالغة (١).

قال أبو زيد: وفرت له طعامه توفيرا: إذا أتممته ولم تنقصه (٢).والرواية في الدعاء بوجهين:

أحدهما: وفر بالتثقيل، فتكون الواو فاء الفعل.والثاني: وفر بالتخفيف، من وفرته كوعدته، فتكون الواو عاطفة، وعين الفعل محذوفة،ألنها تحذف حذفا مطردا في األمر من باب وعد، حمال على المضارع ذي الياء منه.

والمعنى على الوجهين: اجعل نيتي تامة كاملة بكونها خالصة لوجهك الكريم، من غيرنقص فيها بشوب غرض آخر.

قال بعض العارفين: إن عون الله للعبد بقدر نية العبد، فمن تمت نيته تم عون الله له بقدرها(٣)، وقد قال الله عز من قائل: «إن يريدا إصالحا يوفق الله بينهما» (٤)، فجعل سببالتوفيق إرادة اإلصالح، ويجوز أن يكون توفير النية بمعنى صيانتها ووقايتها، من وفرت

عرضه وفرا ووفرته توفيرا أي: صنته ووقيته من الثلب والعيب.والمعنى: صن نيتي وقها من أن تثلب وتعاب برياء ونحوه.

وفي رواية بعض النسخ: «وفره» بفتح الفاء وتشديد الراء المهملة وكسرها____________________(١) و (٢) المصباح المنير: ص ٩١٩.

(٣) بمضمونه ما ورد في بحار األنوار: ج ٧٠ ص ٢١١ ح ٣٤.(٤) سورة النساء: اآلية ٣٥.

(٢٨٩)

Page 275: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وبعدها هاء ساكنة، فعل أمر من الفراهة.

قال ابن األثير في النهاية: دابة فارهة أي: نشيطة جادة قوية، وقد فرهت فراهة وفراهية (١)،انتهى.

وهو إما استعارة تبعية، بأن شبه إحداث حالة في نيته حاملة لها على الخفة في االنبعاثنحو الخيرات، بالمعنى المصدري الحقيقي للتفريه الذي هو تنشيط الدابة للسير، بجامععدم الكالل في التوجه نحو المطلوب، فاستعار له لفظ التفريه، ثم اشتق منه الفعل، على ماقرروه في معنى االستعارة التبعية أو استعارة مكنية تخييلية، بأن أضمر في نفسه تشبيه النيةبالدابة في قيامها بالمنوي وتحملها له، كما قالوا: ال يعجز البدن عما قامت به النية، ولم

يصرح بغير المشبه، ودل عليه بذكر ما يخص المشبه به وهو التفريه.ومن عجيب ما وقع لبعض المترجمين هنا أنه ظن أن الهاء - في هذه الرواية - ضميرامتصال بفعل األمر من التوفير، فقال: مرجع الضمير النية بتأويل المذكور، ونيتي بدل من

الضمير في وفره، انتهى.وهو خبط أوقعه فيه التصحيف المذكور.

وقوله عليه السالم: «بلطفك» يحتمل أن يراد به المعنى العرفي المشهور للطف، وهو مايقرب به العبد من الطاعة ويبعد عن المعصية.

ويحتمل أن يراد به تصرفه تعالى في الذوات والصفات تصرفا خفيا، بفعل األسباب المعدةلها إلفاضة كماالتها.

قوله عليه السالم: «وصحح بما عندك يقيني» أي: اجعل يقيني صحيحا ثابتا مستقرا اليعتريه شك.

____________________(١) النهاية البن األثير: ج ٣ ص ٤٤١.

(٢٩٠)

Page 276: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والظرف إما متعلق بما قبله، فيكون المعنى: صحح بما عندك من القدرة والرحمة واللطف

والعناية يقيني، فتكون الباء للسببية.وإما متعلق بما بعده، فيكون المعنى: صحح يقيني بما عندك من النفع والضر، حتى ال أرجو

وال أخشى غيرك للدنيا واآلخرة، فتكون الباء صلة لليقين.وعن أبي عبد الله عليه السالم: من صحة يقين المرء المسلم أن ال يرضي الناس بسحط الله،

وال يلومهم على ما لم يؤته الله (١).وعنه عليه السالم: حد اليقين أن ال تخاف مع الله شيئا (٢).

وصورة صحة اليقين بما عنده سبحانه: أن تثبت في نفسك وتتيقن بكشف أو اعتقاد جازم،أن إسناد جميع األسباب والمسببات إليه سبحانه، وأنه الفاعل المطلق التام القدرة على مايريد، بحيث ال تكون وراء قدرته قدرة، وال يقع في نفسك التفات إلى غيره بوجه، حتىإليه، بالكلية أمورها بتسليم الطمأنينة فإنك تجد عن نفسك نفسك وحولك وقوتك، والبراءة من االعتماد على أحد إال عليه، فإن لم تجد من نفسك هذه الحال فسبب ذلك

غلبة الوهم على النفس في معارضته لذلك اليقين.قوله عليه السالم: «واستصلح بقدرتك ما فسد مني» الصالح: حصول الشيء على الحالةالمستقيمة النافعة، ونقيضه الفساد وهو خروجه عن تلك الحالة، واالستصالح هنا ليس معناهطلب الصالح حقيقة، كما تقتضيه صيغة االستفعال، ألن طلب الصالح قد وقع منه تعالى

عاما من جميع العباد، وذلك باألوامر والنواهي الشرعية.قال الزمخشري في األساس: أمر الله ونهى الستصالح العباد (٣).

____________________(١) الكافي: ج ٢ ص ٥٧ ح ٢.(٢) الكافي: ج ٢ ص ٥٧ ح ١.

(٣) أساس البالغة: ص ٣٥٩.

(٢٩١)

Page 277: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، واكفني ما يشغلني االهتمام به، واستعملني بما تسألني غداعنه، واستفرغ أيامي فيما خلقتني له.____________________

بل هو من باب استخرجت الوتد من الحائط، فإنه ليس فيه طلب خروجه، بل معناه: لمأزل أتلطف وأتحيل منه حتى خرج.

فمعنى «استصلح ما فسد مني»: تلطف فيما فسد مني حتى يصلح.ويحتمل أن يكون «استصلح» بمعنى أصلح، كاستجاب بمعنى أجاب.

الكفاية: قيام شخص مقام آخر في قضاء حوائجه، يقال: كفيت زيدا األمر كفاية: قمت بهمقامه وأغنيته عن معاناته.

واهتم باألمر: اعتنى به، أي: تول كفايتي في كل أمر يشغلني اهتمامي واعتنائي به عنطاعتك وعبادتك، حتى ال يكون لي توجه والتفات إلى غير وجهك الكريم.

واستعملته: جعلته عامال.والغد: اليوم الذي يأتي بعد يومك على أثره، ثم توسعوا فيه حتى أطلق على البعيد المترقبكما وقع هنا، فإن المراد به يوم الحساب، وأصله «غدو» مثال فلس، لكن حذفت الالم

وجعلت الدال حرف إعراب.والمراد بالمسؤول عنه غدا: هو األعمال التي يثاب أو يعاقب اإلنسان على فعلها أو على

تركها، كما قال تعالى: «ولتسئلن عما كنتم تعملون» (١).قالوا: وفائدة السؤال مع علمه تعالى بذلك إظهار المعدلة وقطع المعذرة، فتعلم الخالئق أنهسبحانه ال يظلم أحدا، وليزداد سرور أهل اإليمان بالثناء الجميل عليهم بما يظهر من

القبيحة. أفعالهم الحسنة، ويزداد غم الكفار بما يظهر من أفعالهم واستفرغ أيامي: أي اجعل أيامي كلها مبذولة فيما خلقتني له.

____________________(١) سورة النحل: اآلية ٩٣.

(٢٩٢)

Page 278: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وأغنني وأوسع علي في رزقك، وال تقتني بالبطر، وأعزني وال تبتليني بالكبر، وعبدني لك،وال تفسد عبادتي بالعجب، وأجر للناس على يدي الخير، وال تمحقه بالمن، وهب لي

معالي األخالق، وأعصمني من الفخر.____________________

يقال: استفرغ مجهودة أي: استقصى طاقته، وفرس مستفرغ: ال يدخر من عدوه شيئا،وأصله من إفراغ اإلناء، وهو قلب ما فيه وصبه حتى ال يبقى فيه شئ.

وفيما خلقتني له: أي في عبادتك، كما قال تعالى: «وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون».(٢)

وفي: ظرفية مجازية، بتشبه (٣) مالبسة استفراغ أيامه لما خلقه له بمالبسة المظروفللظرف، فتكون لفظة «في» استعارة تبعية.

أغنني: أي أعطني ما أستغني به عن الناس، أو ارزقني غنى النفس عما في أيدي الخلق.وفي الحديث: ومن يستغن بالله وعطائه يغنه الله (٤). قيل: معناه: يخلق في قلبه غنى، أو

يعطيه ما يغنيه عن الخلق.وأوسع علي في رزقك: أي اجعل رزقك لي واسعا، وعداه ب «في» لتضمينه معنى بارك،كما عدي أصلح بها من قوله: «وأصلح لي في ذريتي» (٥)، أي: بارك لي فيها، وإال

فأوسع وأصلح كالهما متعديان بأنفسهما.وفتنه - من باب ضرب: أوقعه في الفتنة، وهي الضالل عن الحق والخروج عن الطاعة،

وإنما يكون ذلك منه تعالى بسلب اللطف والتوفيق، فقصد بنفي الالزم نفي____________________

(١) سورة الذاريات: اآلية ٥٦.(٢) (ج): بتشبيه.

(٣) سنن الترمذي: ج ٤ ص ٣٧٣ ح ٢٠٢٤، سنن أبي داود: ج ٢ ص ١٢١ - ١٢٢ ح ١٦٤٤؛ مع نقيصةفيهما.

(٤) سورة األحقاف: اآلية ١٥.

(٢٩٣)

Page 279: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الملزوم من باب الكناية.

والبطر بالباء الموحدة والطاء المهملة المفتوحة والراء المهملة: الطغيان بالنعمة، وهو رذيلةاإلفراط من فضيلة الغنى، كما قال تعالى: «إن اإلنسان ليطغى. أن رآه استغنى» (١)، وقال

سبحانه: «ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في األرض» (٢).وفي نسخة: «بالنظر» بالنون والظاء المعجمة مفتوحة.

قيل: هو بمعنى االنتظار، أي: ال تفتني بانتظار حصول الرزق، بل عجل لي بالغنى والسعة.وقيل: هو بمعنى اإلبصار، أي: ال تفتني بالنظر وااللتفات إلى ما في أيدي الناس من متاعالدنيا، كما قال تعالى: «وال تمدن عينك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيالنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى» (٣) نهى سبحانه نبيه عن النظر بطريق الرغبة والميلإلى ما متع به أصنافا من الكفرة، من زهرة الحياة الدنيا وزينتها وزخارفها، تحذيرا من الميلإلى الزخارف الدنيوية، ولقد شدد العلماء المتقون في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمةومالبسهم ومراكبهم، ألنهم اتخذوها لعيون النظارة، فالناظر إليها محصل لغرضهم، فيكون

إغراء لهم على اتخاذها.وأعزه الله: جعله عزيزا أي: منيعا ال يغلب وال يقهر وأعزه أيضا: أكرمه وأحبه.

وابتاله: اختبره، واالبتالء يكون بالخير المتحان الشكر، ويكون بالشر المتحان الصبر،ويكون بمعنى اإلصابة بالمكروه أيضا.

والكبر بكسر الكاف وسكون الباء الموحدة: اسم من التكبر، وهو العظمة والتجبر، وهورذيلة اإلفراط في العز.

وقال الراغب: الكبر: ظن اإلنسان بنفسه أنه أكبر من غيره، والتكبر: إظهاره____________________

(١) سورة العلق: اآلية ٦ و ٧.

(٢) سورة الشورى: اآلية ٢٧.(٣) سورة طه: اآلية ١٣١.

(٢٩٤)

Page 280: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ذلك من نفسه (١)، وهو نتيجة جهل اإلنسان بقدر نفسه وإنزالها فوق منزلتها، كما أن العز

نتيجة معرفة اإلنسان بقدر نفسه وإكرامها عن الضراعة لألغراض الدنيوية.واعلم أنه لما كان حقيقة العز هو ترفع اإلنسان بنفسه عما يلحقه غضاضة، وهي منزلةشريفة متوسطة بين رذيلة التفريط منها وهو الضراعة، ورذيلة اإلفراط منها وهو الكبر، سألعليه السالم رفعه عن رذيلة التفريط، بطلب اإلعزاز وصونه عن رذيلة اإلفراط بعدم االبتالءبالكبر، لتحصل له الحالة المتوسطة التي هي مجتمع الفضائل، فقد تقرر أن لكل فضيلة حدامعينا، إذا جاوزته في طرف التفريط أو في طرف اإلفراط ينتهي (٢) إلى رذيلة، فالفضيلة

بمثابة الوسط، والرذيلة بمثابة األطراف.ويروي قوله عليه السالم: «وال تبتليني بالكبر» بوجهين:

أحدهما: بالجزم يحذف حرف العلة، والنون مخففة للوقاية.والثاني: بإثبات حرف العلة مفتوحا، والنون مشددة وهي نون التأكيد الثقيلة، وفتح حرف

العلة فتحة بناء على المشهور، لمباشرة نون التأكيد للفعل.وال: على الوجهين ناهية.

والواو: عاطفة.ووقع في بعض التعليقات أن الواو للحال، و «ال» نافية.

وهذا ال يصح على الروايتين المذكورتين، وكأنه توجيه لرواية ثالثة وهي «وال تبتليني»بإثبات حرف العلة ساكنا، وتخفيف النون على أنها نون الوقاية، فيتعين حينئذ أن تكون

الواو للحال و «ال» نافية، وهو على تقدير مبتدأ على األصح، أي:وأنت ال تبتليني، ألن الجملة الفعلية المبدوة بمضارع منفي ب «ال» إذا وقع حاال،

____________________(١) الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص ١٥٣ الباب السابع.

(٢) (ج): تنتهي.

(٢٩٥)

Page 281: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________لزم ربطها بالضمير وحده وتجردها عن الواو، نحو: «وما لنا ال نؤمن بالله» (١)، فإنتتبعان» ابن ذكوان (٢) «فاستقيما وال بالواو قدر مبتدأ على األصح، كقراءة وردت بتخفيف النون، فالتقدير: فاستقيما وأنتما ال تتبعان، نص على ذلك ابن مالك في التسهيل

.(٣)وجعل بعضهم ترك الواو أكثريا والظاهر عدم التأويل. إذا عرفت ذلك، فما وقع لبعض

المترجمين من قوله:ومن العجائب ما قيل: إن الواو حالية و «ال» نافية، ال وجه له إذا كان توجيها لهذه الرواية،كيف؟ وهو متعين، فال محل للتعجب إال من تعجبه، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

قوله عليه السالم: «وعبدني لك» أي: ذللني، من قولهم: بغير معبد وطريق معبد أي: مذلل،ومنه: العبادة، وهي التذلل للغير عن اختيار لغاية تعظيمه، والعبودية أدنى منها.

وقيل: العبادة: فعل ما يرضي الله، والعبودية: الرضا بما فعله الله تعالى.وإفساد الشيء: إخراجه عن أن ينتفع به.

والعجب بضم العين وسكون الجيم الزهو، ورجل معجب: مزهو بما يكون منه حسنا أوقبيحا، والعجب في العبادة: استعظام العمل الصالح واستكباره واالبتهاج له واإلدالل به،وأن يرى نفسه خارجا عن حد التقصير، وهذا هو العجب المفسد للعبادة، ألنه حجابالرب، ومانع له عن رؤية منته (٤) ونعمته وتوفيقه ومعونته، وصاد له عن للقلب عن

الوصول إلى حقيقة توحيده واإلخالص في ربوبيته. وقد تقدم____________________

(١) سورة المائدة: اآلية ٨٤.(٢) لم نعثر عليه.

(٣) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد: ص ١١٣.(٤) (ج): مننه.

(٢٩٦)

Page 282: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الكالم مبسوطا على حقيقة العجب وأنواعه في الروضة الثامنة، فليرجع إليه.

وروى ثقة اإلسالم في الكافي بسنده عن علي بن سويد عن أبي الحسن عليه السالم، قال:سألته عن العجب الذي يفسد العمل، فقال: العجب درجات منها:

أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه، ويحسب أنه يحسن صنعا، ومنها: أن يؤمنالعبد بربه، فيمن على الله عز وجل، ولله عليه فيه المن (١).

وعن أبي عبد الله عليه السالم قال: قال الله عز وجل لداود عليه السالم: يا داود بشرالمذنبين وأنذر الصديقين، قال: كيف ابشر المذنبين وأنذر الصديقين؟ قال: يا داود بشرالمذنبين أني أقبل التوبة وأعفو عن الذنب، وأنذر الصديقين أن ال يعجبوا بأعمالهم، فإنه

ليس عبد أنصبه للحساب إال هلك (٢).وعنه عليه السالم: أن الرجل ليذنب الذنب فيندم عليه، ويعمل العمل فيسره ذلك فيتراخى

عن حاله تلك، فلئن يكون على حاله تلك خير له مما دخل فيه (٣).وعنه عليه السالم: أول ما يفعل بالمعجب نزع ما أعجب به، ليعلم أنه عاجز حقير، ويشهد

على نفسه بالعجز، لتكون الحجة عليه (٤).قوله عليه السالم: «وأجر للناس على يدي الخير» أي: اجعل الخير دارا متصال.

يقال: هذه صدقة جارية أي: دارة متصلة، كالوقوف المرصدة (٥) ألبواب البر، ومنه:األرزاق جارية أي: دارة متصلة.

والخير: كلي يندرج تحته جميع األعمال الصالحة، والمراد به هنا: اإلحسان إلى الناس،وإعطاء فضل المال، إلى غير ذلك من مكارم األعمال ومحاسن األفعال،

____________________(١) الكافي: ج ٢ ص ٣١٣ ح ٣.(٢) الكافي: ج ٢ ص ٣١٤ ح ٨.(٣) الكافي: ج ٢ ص ٣١٣ ح ٤.

(٤) مصباح الشريعة: ص ٨١.(٥) (ج) المؤصدة.

(٢٩٧)

Page 283: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________التي يتعدى نفعها إلى الغير.

والمراد بإجرائها على يديه: جعله واسطة وسببا في إيصال الخير إلى الغير، تحريا للثوابالمترتب على ذلك وحبا للمعروف وفعله.

فعن أبي جعفر عليه السالم: أن من أحب عباد الله إلى الله لمن حبب إليه المعروف وحببإليه فعاله (١).

وعن أبي عبد الله عليه السالم: لو جرى المعروف على ثمانين كفا الجروا كلهم فيه، منغير أن ينقص صاحبه من أجره شيئا. (٢) واألخبار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى.

ومحقه محقا - باب نفع -: نقصه وأذهب منه البركة.وقيل: هو إذهاب الشيء كله حتى ال يرى له أثر، ومنه: «يمحق الله الربا» (٣).

والمراد بمحقه: محق أجره وإبطال ثوابه.والمن: أن يعتد المحسن على من أحسن إليه بإحسانه، ويريه أنه أوجب عليه بذلك حقا،وهو مذموم جدا مبطل ألجر اإلحسان، قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا ال تبطلوا صدقاتكمبالمن واألذى» (٤)، وذلك لما فيه من انكسار قلب الفقير، ومن تنفير ذوي الحاجة عنمعروفه، ومن عدم االعتراف بأن النعمة نعمة الله والعباد عباده، وإذا كان العبد في هذهالدرجة كان محروما من مطالعة األسباب الربانية الحقة، فكان في درجة البهائم التي ال

يترقى في نظرها من المحسوس إلى المعقول ومن المؤثر إلى المؤثرات.واعلم أن المراد بمحق اإلحسان (٥) وإبطاله بالمن: عدم استحقاق الثواب عليه

____________________(١) الكافي: ج ٤ ص ٢٥ ح ٣.

(٢) الوسائل: ج ٦ ص ١٩٤ ح ٣، مع اختالف يسير في العبارة.(٣) سورة البقرة: اآلية ٢٧٦.(٤) سورة البقرة: اآلية ٢٦٤.

(٥) سنن الترمذي: ج ٥ ص ٥٢٨ ح ٣٥٠٢.

(٢٩٨)

Page 284: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________رأسا، التيانه به على غير الوجه المأمور به، وهو إيقاعه على الوجه الذي ال يستحق عليهالثواب، ال أن اإلحسان أوجب أجرا وثوابا، ثم إن ذلك المن أزالهما وأبطلهما، كما ذهبت

إليه المعتزلة جريا على مذهبهم من اإلحباط.فإن قلت: كيف أضاف إفساد العبادة بالعجب ومحق الخير بالمن إلى الله تعالى، والمفسد

والماحق إنما هو المعجب والمان بعجبه ومنه؟.قلت: هذا من باب الدعاء بطلب اإلمداد باللطف والتوفيق، أي: ال تمنعني لطفك الذيتسلم معه عبادتي من الفساد وخيري من المحق، وهو يجري مجري قولهم: اللهم ال تسلطالمعنى: بيننا وبين من ال يرحمنا فيتسلط علينا، أو علينا من ال يرحمنا، أي: ال تخل العجب والمن، حتى ال تفسد عبادتي إلى الداعيين الشيطان وشر نفسي احرسني من وينمحق خيري، أو لما كان العجب الذي هو سبب اإلفساد، والمن الذي هو سبب المحقمتسببين عن امتحانه وخذالنه تعالى، أضاف ذلك إليه سبحانه، وهو كقوله تعالى: «ربنا ال

تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا» (١).قوله عليه السالم: «وهب لي معالي األخالق» أي: أفض علي قوة واستعدادا لقبول معالي

األخالق.والمعالي: جمع معالة، اسم من العالء وهو الرفعة والشرف، كالمكرمة من الكرم، واإلضافةبمعنى «من»، أي: المعالي من األخالق، وهي جمع خلق بالضم، وهو ملكة نفسانية يقتدر

معها على اإلتيان بالفعل بسهولة.والمراد بمعالي األخالق: محاسنها ومكارمها، وعبر عنها بالمعالي إيذانا بعلوها وشرفها

ورفعتها واختلف العلماء في تعريف حسن الخلق:فقيل: هو بسط الوجه، وكف األذى، وبذل الندى.

____________________(١) سورة آل عمران: اآلية ٨.

(٢٩٩)

Page 285: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقيل: هو صدق التحمل، وترك التجمل، وحب اآلخرة، وبغض الدنيا.

وقيل: هو أن ال يظلم صاحبه، وال يمنع وال يجفو أحدا، وإن ظلم غفر، وإن منع شكر، وإنابتلي صبر.

والحق أن كل ذلك تعريف له باآلثار واألفعال التابعة له الدالة عليه، وأنه ملكة يسهل علىصاحبها فعل الجميل وتجنب القبيح، ويعرف ذلك بمخالطة الناس بالمعروف، والصدق،والصلة، والتودد، واللطف، والمبرة، وحسن الصحبة والعشرة، والمراعاة، والمواساة،والرفق، والحلم، والصبر، واالحتمال لهم، واإلشفاق عليهم، وهو حسن الصورة الباطنة التيهي صورة النفس الناطقة، كما أن حسن الخلق بالفتح هو حسن الصورة الظاهرة، إال أنحسن هذه الصورة الظاهرة ليس بقدرتنا واختيارنا، بخالف حسن الصورة الباطنة فإنه منفيض الحق، وقد يكون مكتسبا، ولهذا تكرر في الدعاء سؤاله من الله تعالى، وتظافرت

األخبار بالحث عليه وبتحصيله والترغيب فيه بمدحه.فمن ذلك ما رواه ثقة اإلسالم في الكافي بسنده عن علي بن الحسين عليهما السالم، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن

الخلق (١).وعن أبي عبد الله عليه السالم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن صاحب الخلق

الحسن له مثل أجر الصائم القائم (٢).وعن عليه السالم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أكثر ما تلج به أمتي الجنة تقوى

الله وحسن الخلق (٣).____________________

(١) الكافي: ج ٢ ص ٩٩ ح ٢ باب حسن الخلق.(٢) الكافي: ج ٢ ص ١٠٠ ح ٥.(٣) الكافي: ج ٢ ص ١٠٠ ح ٦.

(٣٠٠)

Page 286: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وعنه عليه السالم قال: إن الخلق الحسن، يميث الخطيئة كما تميث الشمس الجليد (١).

وعن أبي جعفر عليه السالم قال: إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا (٢).والروايات في هذا المعنى كثيرة جدا.

قوله عليه السالم: «وأعصمني من الفخر» عصمه الله من المكروه يعصمه - من باب ضرب-: حفظه ووقاه، واالسم العصمة بالكسر.

والفخر: ادعاء العظمة والكبر والشرف.وقيل: هو التطاول على الناس بتعديد المناقب، ولما كان الحصول على معالي األخالق ربماجمحت به النفس األمارة إلى الفخر المذموم، سأل عليه السالم عصمته منه، وقد ورد في

ذم الفخر أخبار عديدة.قال أمير المؤمنين عليه السالم: ما البن آدم والفخر، أوله نطفة، وآخره جيفة، ال يرزق

نفسه، وال يدفع حتفه (٣).ونظم ذلك بعضهم فقال:

ما بال من أوله نطفة وجيفة آخره يفخر أصبح ال يملك تقديم ما يرجو وال تأخير ما يحذر(٤) وفي رواية أخرى عنه عليه السالم: ما البن آدم والفخر، وإنما أوله نطفة مذرة، وآخره

جيفة قذرة، وهو فيما بين ذلك يحمل العذرة (٥).ونظم ذلك أبو محمد الباقي فقال:

____________________(١) الكافي: ج ٢ ص ١٠٠ ح ٧.(٢) الكافي: ج ٢ ص ٩٩ ح ١.

(٣) نهج البالغة: ص ٥٥٥ الحكم ٤٥٤.(٤) شرح نهج البالغة البن أبي الحديد: ج ٢٠ ص ١٥٠.

(٥) راجع تعليقة الكافي: ج ٢ ص ٣٢٩.

(٣٠١)

Page 287: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله وال ترفعني في الناس درجة إال حططتني عند نفسي مثلها، والتحدث لي عزا ظاهرا إال أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها.

____________________عجبت من فاخر بنخوته * وكان من قبل نطفة مذرة

وفي غد بعد حسن صورته * يصير في القبر جيفة قذرةوهو على عجبه ونخوته * ما بين جنبيه يحمل العذرة (١)

الله عليه وآله: آفة الحسب الله صلى الله عليه السالم قال: قال رسول وعن أبي عبد االفتخار (٢).

أي: أن االفتخار يهدم الحسب، وهو شرف اإلنسان ومكارمه كالشجاعة والسخاء وحسنالخلق.

وبهذا الحديث يظهر سر سؤال زين العابدين عليه السالم العصمة من الفخر بعد سؤالهمعالي األخالق.

ومن األحاديث المشهورة قوله صلى الله عليه وآله: أنا سيد ولد آدم وال فخر (٣).أي: ال أفتخر بذلك، ألني لم أنله من قبل نفسي بل بفضل ربي، وال أقوله تبجحا، ولكن

شكرا لله وتحدثا بنعمة، وتبليغا إلى األمة ما يجب معرفته واإليمان به، والله أعلم.في الناس: أي ظاهرا فيما بينهم مميزا منهم.

والدرجة: المنزلة، والمراد بها هنا: المزية في الفضل والشرف. ونصبها على المصدرية،لوقوعها موقع المرة من الرفع، أي: ال ترفعني رفعة، أو على الظرفية، أو على نزع الخافض،

أي: إلى درجة، أو على التمييز.____________________

(١) راجع تعليقة الكافي: ج ٢ ص ٣٢٩.(٢) الكافي ج ٢ ص ٣٢٩ ح ٦.

(٣) سنن ابن ماجة: ج ٢ ص ١٤٤٠ ح ٤٣٠٨.

(٣٠٢)

Page 288: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________معنى الشرط والجزاء، أعني لزوم الثاني لألول، فاعتبروه معهما (١)، انتهى بالمعنى.

وحدث الشيء حدوثا - من باب قعد -: تجدد وجوده بعد أن كان معدوما، ويتعدىباأللف فيقال: أحدثته. أي: ال توجد لي عزا ظاهرا في جميع األحوال إال حال إيجادك لي

ذلة باطنة عند نفسي.والباء من بقدرها: للمالبسة، أي: ملتبسة (٢) بمقدارها.

وقدر الشيء ساكن الدال والفتح لغة: مقداره.قال الزمخشري: أخذ بقدر حقه وبقدره أي: بمقداره وهو ما يساويه، وقرئ بقدر الفاتحة

وبقدرها وبمقدارها (٣).العز في معنى الدرجة المعنى، ألن العز مؤنثا وهو مذكر ذهابا إلى وأعاد الضمير إلى

والمنزلة، وهو باب واسع في كالم العرب.حكى األصمعي عن أبي عمرو بن العالء قال: سمعت أعرابيا يقول: فالن لغوب، أتته كتابيفاحتقرها، فقلت له: كيف تقول: أتته كتابي؟ فقال: أليس الكتاب في معنى الصحيفة؟

فقلت: ما اللغوب؟ فقال: األحمق (٤).وفي نسخة قديمة: «عزة ظاهرة» بهاء التأنيث، فال إشكال.

واعلم أن الغرض من الدعاء في هاتين الفقرتين أمور: أحدها: وقايته وحفظه من الكبروالعجب، اللذين كثيرا ما ينشئان عن حصول الرفعة والعز الظاهرين فيما بين الناس.

ولذلك ما روي عنه عليه السالم أنه قال: كفى بالمرء فتنة أن يشار إليه باألصابع في دين أودنيا (٥).

____________________(١) شرح الكافية في النحو: ج ١ ص ٢٥٠.

(٢) (ج): متلبسة.(٣) المصباح المنير: ص ٦٧٥ نقال عنه.

(٤) تاج العروس: ج ١ ص ٤٧٢.(٥) احياء علوم الدين: ج ٣ ص ٢٧٥.

(٣٠٤)

Page 289: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وعن أمير المؤمنين عليه السالم: ما أرى شيئا أضر بقلوب الرجال من خفق النعال وراء

ظهورهم (١).الثاني: تحليته بالتواضع عند حصول الرفعة والعز له، فإن أحسن التواضع ما كان عن رفعة،كما أن أحسن العفو ما كان عن قدرة، ولذلك قال صلى الله عليه وآله: طوبى لمن تواضع

في غير منقصة، وذل في نفسه عن غير مسكنة (٢).وقال بعض الحكماء: أحق من كان للكبر مجانبا ولإلعجاب مباينا، من جل في الدنيا قدرهوعظم فيها خطره، ألنه يستقل بعالي همته كل عجا كثير، ويستصغر معها كل كبير (٣).

قال الراغب: التواضع: اشتقاقه من الضعة، وهو رضا اإلنسان بمنزلة دون ما يستحقه فضلهومنزلته، وفضيلته ال تكاد تظهر في أفناء الناس النحطاط درجتهم، وإنما ذلك يبين فيالملوك وأجالء الناس وعلمائهم، وهو من باب التفضل، وهو بين الكبر والضعة، فالكبر:رفع اإلنسان نفسه فوق قدره، والضعة: وضعه نفسه مكانا يزر به لتضييع حقه (٤)، انتهى.

ولهذا المعنى مدح الملوك والعظماء بالتواضع.قال محمد التيمي في الفضل بن سهل:

تواضع لما زاده الله رفعة وكل رفيع قدره متواضع (٥) وقال أبو عبارة البختري:دنوت تواضعا وعلوت قدرا فشأنك انحدار وارتفاع

____________________(١) الكشكول للشيخ البهائي: ص ٦.

(٢) الجامع الصغير: ج ٢ ص ٥٥.(٣) أدب الدنيا والدين: ص ٢٣٣.

(٤) الذريعة: إلى مكارم الشريعة: ص ١٥٢، مع اختالف يسير في العبارة.(٥) لم نعثر عليه.

(٣٠٥)

Page 290: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________كذاك الشمس تبعد أن تسامى ويدنو الضوء منها والشعاع (١) الثالث: حفظ تلك الدرجةالرفيعة والعز الظاهر من الزوال بل زيادتهما، فإن التواضع عند حصول الرفعة كالشكر عند

حصول النعمة.قال أبو القاسم النيسابوري في كتاب خلق اإلنسان: واجب على كل ذي منزلة رفيعة أنيشفق عليها حتى ال يسقط عنها، وذلك باستعمال التواضع واعتياد (٢) الرفق، وهذا ممااجتمع (٣) على قبوله العقل والشرع، واتفق عليه االعتبار واالختبار، فكم من أناس لهممنازل رفيعة عالية، إنحطوا عنها بعدم التواضع، وزالت عنهم بسبب الكبر، وفي قوله تعالى:«فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها» داللة ظاهرة على أن االنحطاط عن رفيع

انتهى. بالتكبر (٤)، إنما يكون الدرجات وفي حديث الصحيح عنه صلى الله عليه وآله. من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر خفضه

الله (٥).وروى ثقة اإلسالم في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السالم: أن في السماء ملكين موكلين

بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه، ومن تكبر وضعاه (٦).وعن النبي صلى الله عليه وآله: أن التواضع يزيد صاحبه رفعة، فتواضعوا يرحمكم الله (٧).

وعن عمرو بن شيبة قال: كنت بمكة بين الصفا والمروة، فرأيت رجال راكبا بغلة وبين يديهغلمان، فإذا هم يعنفون بالناس، ثم عدت بعد حين فدخلت بغداد فكنت على الجسر، فإذا

أنا برجل حاف حاسر طويل الشعر، فجعلت أنظر إليه____________________

(١) آداب النفس: ج ٢ ص ٣٠٠.(٢) (ج): عتبار.(٣) (ج): أجمع.

(٤) كتاب خلق االنسان.(٥) الكافي ج ٢ ص ١٢٢ ح ٣.

(٦) الكافي: ج ٢ ص ١٢٢ ح ٢.(٧) الكافي: ج ٢ ص ١٢١ ح ١، وفيه: يرفعكم الله.

(٣٠٦)

Page 291: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، ومتعني بهدى صالح ال أستبدل به، وطريقة حق ال أزيغ عنها،ونية رشد ال أشك فيها.

____________________وأتأمله، فقال لي: مالك تنظر إلي؟ فقلت: شبهتك برجل رأيته بمكة، ووصفت له الصفةفقال: أنا ذلك الرجل، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: إني ترفعت في موضع يتواضع فيه

الناس، فوضعني الله حيث يترفع الناس (١).الرابع: إلهامه المعرفة بنقصان ذاته وذل نفسه وفاقته وخضوعه في رق الحاجة إليه تعالى،

ليعلم أن تلك الفضيلة من الرفعةوالعز، لم تحصل له عن استحقاق وجب عليه بسعيه وكده أو بخته وجده، مع قطع النظر

عن واهب النعم ومفيضها.وإنما سأل عليه السالم أن يكون حطه وإذالله في نفسه بمقدار تلك الرفعة والعز، ليكونتواضعه مساويا لدرجته ومرتبته، حتى ال يكون زائدا عليها فيحمل على التملق والضعة، وال

ناقصا عنها فتشوبه شائبة تكبر وتجبر، والله أعلم بمقاصد أوليائه.متعه بالشيء تمتيعا: نفعه به فتمتع.

وقال في المحكم: متعه الله وأمتعه: أبقاه ليستمتع (٢) به (٣).والهدى بضم الهاء مقصورا كما اتفقت عليه النسخ: مصدر من هدى كالسرى والبكى،

وهو يطلق على معنيين:المطلوب، إلى الداللة بلطف على ما يوصل الهداية، وهي أحدهما: أن يكون بمعنى

تعالى. الله إلى بالمتعدي، وهو مضاف ويوصف والثاني: أن يكون بمعنى التوجه إلى ما يوصل إلى المطلوب، ويوصف بالالزم، وهو مضاف

إلى العبد.____________________

(١) المحجة البيضاء: ج ٦ ص ٢٢٨، احياء العلوم: ج ٣ ص ٣٤٣.(٢) (ج) اليتمتع.

(٣) المحكم البن سيدة: ج ٢ ص ٤٧.

(٣٠٧)

Page 292: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وكل من المعنيين محتمل هنا، إال أن الثاني أنسب باالستبدال كما ال يخفى.

والصالح: المستقيم المنتفع به، وكأن المراد به الموصل إلى المطلوب، إذ الوصول غيرمعتبر في مطلق الهدى بالمعنيين على الصحيح. واستبدل بالشيء: اتخذ واختار منه بدال.

والباء: للمقابلة، والظرف لغو.ورأيت في بعض النسخ كان قد ضبط «هدي» بفتح الهاء وسكون الدال وبعدها ياء مثناةعلى وزن فلس، ثم اصلح إلى ما اتفقت عليه النسخ من ضبطه بالضم مقصورا، ولو ثبتتهذه الرواية لكانت أشد ارتباطا بالفقرة التالية، ألن الهدي على وزن فلس بمعنى السيرةوهي الطريقة والهيئة، ووصفه بالصالح بهذا المعنى أعرف من وصف الهدى مقصورا به،ومنه الحديث: الهدي الصالح والسمت الصالح جزء من خمسة وعشرين جزء من النبوة

.(١)وهو بفتح الهاء وسكون الدال اتفاقا، ثم رأيته كذلك في نسخة قديمة، فثبتت الرواية به

ولله الحمد.والطريقة: المذهب والحالة.

قال الجوهري: طريقة الرجل: مذهبه، يقال: ما زال فالن على طريقة واحدة، أي حالةواحدة (٢)، انتهى.

والحق لغة: نقيض الباطل، واصطالحا: الحكم المطابق للواقع، ويقابله الباطل، واإلضافةالمية، وقد يراد بالحق: اإلقبال على الله تعالى بلزوم األعمال الصالحة المطابقة للعقائد

المطابق للواقع، وبالباطل: االلتفات عنه إلى غير ذلك مما____________________

(١) المحجة البيضاء: ج ٦ ص ٥٥، احياء علوم الدين: ج ٣ ص ٢٤١مع اختالف يسير في العبارة.

(٢) الصحاح: ج ٤ ص ١٥١٣.

(٣٠٨)

Page 293: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ال يجدي نفعا في اآلخرة، وبه فسر قول أمير المؤمنين عليه السالم: من لم ينفعه الحق يضره

الباطل (١).والزيغ: الميل، يقال: زاغ عن الطريق يزيغ زيغا.

والنية: عزم القلب على أمر من األمور، وتطلق على الوجه الذي ينويه اإلنسان، وال يبعدإرادة هذا المعنى هنا.

والرشد: الصواب.وقال الهروي: هو الهدى واالستقامة (٢).

وقال في القاموس: هو االستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه (٣).والشك لغة: خالف اليقين، وهو التردد بين شيئين سواء استوى طرفاه أو رجح أحدهما

على اآلخر.ظن فالراجح أحدهما رجح وإن سواء، على حد شيئين بين التردد هو واصطالحا:

وهم. والمرجوح يقال: الشك اضطراب القلب والنفس، وهذا المعنى هو المراد هنا، إذ المراد بنية الرشد التيال شك فيها: النية الصائبة الصحيحة المستقيمة التي ال اضطراب للقلب والنفس فيها، الكنية من يعبد الله على حرف، فان أصابه خير اطمأن به، وأن أصابته فتنة انقلب على

وجهه، خسر الدنيا واآلخرة ذلك هو الخسران المبين.االعتقادات في االستقامة الدعاء على طلب الثالث من الفقرات مدار هذه أن واعلم واألخالق واألعمال، وذلك منتظم لجميع محاسن األحكام األصلية والفرعية والكماالت

النظرية والعملية، والخروج عن عهدته في غاية ما يكون من الصعوبة.____________________(١) نهج البالغة: ص ٧١ خطبة ٢٨.

(٢) الغربيين للهروي: مخطوط في مكتبة ملك بطهران ذيل مادة «رشد».(٣) القاموس المحيط: ج ١ ص ٢٩٤.

(٣٠٩)

Page 294: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله: شيبتني سورة هود (١) يعني قوله تعالى فيها:

«فاستقم كما أمرت» (٢)، وهي جامعة لجميع أنواع التكاليف.قال بعض العلماء: إن الطاعة ال تعد طاعة وفضيلة ما لم تستجمع معاني أربعة:

أن يكون صاحبها عالما بشرائطها، وفاعال لها على سبيل الطوع واالختيار، وال يختارها إالالعتقاد حسنها في نفسها اعتقادا راسخا، وأن يدوم اختياره لذلك فال يزول، فلن تخلص

الطاعة ولن يستقيم السعي إال بمجموع هذه الخصال الشاقة.حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله: استقيموا ولن تحصوا (٣).

وحتى أخبر عن نفسه فقال: شيبتني سورة هود (٤).وحتى قيل: االستقامة ال يطيقها إال األنبياء وأكابر األولياء، ألنها الخروج عن المعهودات،ومفارقة الرسوم والعادات، والقيام بين يدي الله على حقيقة الصدق، بحيث ال يشوبمعاملته مع الله فترة، وال تصحب مسيره إليه وقفة، يعتبر بما يرى في الدنيا من غير شهوة،ويتفكر في المعاد من غير غفلة، يستقل الكثير من طاعته إزراء على نفسه، ويستعظم اليسيرمن إحسان ربه إجالال لوجهه، وينصف من نفسه وال ينتصف لها، ويعمل بجوارحه وال

يعمل بهواها، فإذا وجدت فيه هذه األمارات صار صاحب االستقامة وأهل الكرامة.وفي نهج البالغة من خطبة له عليه السالم: وإني متكلم بعدة الله وحجته، قال الله جلذكره: «إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم المالئكة أال تخافوا وال تحزنواوأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون»، وقد قلتم: ربنا الله، فاستقيموا على كتابه، وعلى

منهاج أمره، وعلى الطريقة الصالحة من عبادته، ثم____________________

(١) مجمع البيان: ج ٥ - ٦ ص ١٤٠، التفسير الكبير للفخر الرازي: ج١٨ ص ٧١.

(٢) سورة هود: اآلية ١١٢.(٣) الجامع الصغير: ج ١ ص ٤٠.

(٤) مجمع البيان: ج ٥ - ٦ ص ١٤٠، التفسير الكبير للفخر الرازي: ج ١٨ ص.٧١

(٣١٠)

Page 295: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وعمرني ما كان عمري بذلة في طاعتك، فإذا كان عمري مرتعا للشيطان فاقبضني إليك،

قبل أن يسبق مقتك إلي، أو يستحكم غضبك على.ال تمرقوا منها، وال تبتدعوا فيها، وال تخالفوا عنها، فإن أهل المروق منقطع بهم عند الله

يوم القيامة (١).عمره الله يعمره - من باب قتل - وعمره تعميرا: أبقاه، والعمر بالضم وبضمتين وبالفتح:

الحياة.وما: مصدرية زمانية، أي: نائبة عن الزمان المفهوم من المقام ال دالة عليه بذاتها، وإال

لكانت اسما ولم تكن مصدرية.واألصل عمرني مدة كون عمري بذلة، فحذف الظرف وخلفته «ما» وصلتها، كما جاء في

المصدر الصريح نحو: جئتك صالة العصر، وآتيك قدوم الحاج.والبذلة بالكسر على وزن سدرة: ما يمتهن وال يصان من الثياب في الخدمة، والفتح فيها

لغة.قيل: وهي هنا استعارة للعمر، شبه الحياة المصروفة في طاعة الله بالثوب المستعمل فيالخدمة، بجامع االمتهان واالبتذال، فاستعار لها لفظ البذلة، وهي استعارة مطلقة لكنها (٢)

في غاية الحسن، لغرابة التشبيه فيها.والفاء: عاطفة بمعنى ثم.

الفعلية بعده، الجملة الشرط، خافض لشرطه أعني وإذا: ظرف مستقبل متضمن معنى الجمهور. منصوب بجوابه عند

ورتعت الماشية ترتع رتعا - من باب نفع - ورتوعا: رعت كيف شاءت، وجاءت وذهبتفي المرعى، والمرتع بالفتح: موضع الرتوع. وهو مستعار للعمر

____________________(١) نهج البالغة: ص ٢٥٣ الخطبة ١٧٦.

(٢) (ج): لكونها.

(٣١١)

Page 296: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________المصروف في طاعة الشيطان، باعتبار كونه مباحا مطلقا له، يضله ويغويه فيه كيف شاء،

كالمرتع المباح للماشية الذي ترعى فيه كيف شاءت، وهي استعارة تبعية.قال بعضهم: وهذه االستعارة مثل سابقتها في الحسن واللطافة، بل هي أحسن وألطف،

انتهى.قلت: والذي عليه المحققون أن ليس شئ من البذلة والمرتع في مثل هذا المقام استعارة، بل

هو تشبيه بليغ حذفت أداته لقصد المبالغة.قال الشيخ في أسرار البالغة ما ملخصه: إذا كان اسم المشبه به خبرا عن اسم المشبه، أوفي حكم الخبر كخبر باب كان وإن، فاألصح أنه يسمى تشبيها ال استعارة، ألن اسمالمشبه به إذا وقع هذه المواقع، كان الكالم موضوعا إلثبات معناه لما أجري عليه أو نفيهعنه، فإذا قلت: زيد أسد، وكان زيد أسدا، فصوغ الكالم في الظاهر إلثبات معنى األسدلزيد، وهو ممتنع على الحقيقة، فيحمل على أنه إلثبات شبه من أسد له، فيكون اإلتيانباألسد إلثبات التشبيه، فيكون خليقا بأن يسمى تشبيها، ألن المشبه به إنما جيء به إلفادةالتشبيه، بخالف نحو: لقيت زيدا أسدا، فإن اإلتيان بالمشبه به ليس إلثبات معناه لشيء، بلصوغ الكالم إلثبات الفعل واقعا على األسد، فال يكون إلثبات التشبيه، فيكون قصد التشبيهمكنونا في الضمير، ال يعرف إال بعد نظر وتأمل، وإذا افترقت الصورتان هذا االفتراق ناسبأن يفرق بينهما في االصطالح والعبارة، بأن تسمى أحداهما تشبيها واألخرى استعارة (١)،

انتهى كالمه.قال السعد التفتازاني: وعليه جميع المحققين (٢).

____________________(١) أسرار البالغة: ص ٣١.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣١٢)

Page 297: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________إذا عرفت ذلك، فما نحن فيه ال يسمى عند أرباب التحقيق استعارة، ألن اسم المشبه به منالبذلة والمرتع واقع في حكم الخبر، لكونه خبرا لكان، فهو تشبيه قطعا، فما وقع في كثير

من التعاليق: أن كال منهما استعارة جار على غير نهج التحقيق.والفاء من قوله: «فإذا»: رابطة في للجواب.

وقبضه الله - من باب ضرب -: أماته، وعداه ب «إلى» لتضمينه معنى الرجع، أي: اقبضنيراجعا إياي إليك.

ومقته مقتا - من باب قتل -: أبغضه أشد البغض عن أمر قبيح.وأحكمت الشيء إحكاما: أتقنته، فاستحكم هو: صار كذلك. والمراد باستحكام الغضب:

تحققه وثبوته.وفي المغرب: أحكم الشيء فاستحكم فهو مستحكم بالكسر ال غير (١).

وإيراد «أو» للداللة على أن األمرين متساويان في طلب اإلماتة قبل وقوعهما، أو إلرادة أنكل واحد منهما كاف في ذلك.

وأعلم أن قوله: «فإذا كان عمري مرتعا للشيطان» من باب التعبير بالفعل عن مشارفته،والتقدير: فإذا شارف عمري أن يكون مرتعا للشيطان فاقبضني، ليصح وقوع القبض قبلسبق المقت واستحكام الغضب جزاء (٢)، النتفاء القبض قبلهما بعد كون العمر مرتعاللشيطان. قال بعضهم: وفي هذا الفصل من الدعاء داللة على أن العمر قد ينقص ويزيد

بالدعاء وغيره، من صلة الرحم وقطيعتها والصدقة ونحو ذلك.وفي أمالي الشيخ رحمه الله عن أبي عبد الله عليه السالم قال: إن الله تعالى لم يجعل

للمؤمنين أجال في الموت، يبقيه ما أحب البقاء، فإذا علم منه أنه سيأتي بما فيه____________________

(١) المغرب في ترتيب المعرب ج ١: ص ١٣٣.(٢) (ج): جزء.

(٣١٣)

Page 298: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم ال تدع خصلة تعاب مني إال أصلحتها، وال عايبة أونب بها إال حسنتها، وال أكرومةفي ناقصة إال أتممتها.

____________________بوار دينه قبضه إليه مكرما (١).

وعلمه تعالى بما تضمنه هذا الحديث وبما يزيد العمر وينقصه، يمكن معه اعتبار األجلواحدا، لكن يحصل الفرق بمالحظة ثبوت اختيار العبد وعدم كون العلم علة، والله أعلم.ودعته أدعه ودعا: تركته، وأصل المضارع الكسر (٢)، ومن ثم حذفت الواو لمكان حرف

الحلق.قال بعض المتقدمين (٣): وزعمت النحاة أن العرب أماتت ماضي يدع ومصدره واسمالفاعل منه، وقد قرأ مجاهد وعروة ومقاتل وابن أبي عبلة ويزيد النحوي: «ما ودعك

ربك» بالتخفيف (٤).وفي الحديث: لينتهين قوم عن ودعهم الجمعات (٥)، أي: عن تركهم.

فقد رويت هذه الكلمة عن أفصح العرب ونقلت عن طريق القراء، فكيف يكون إماتة؟ وقدبقلة القول العرب، وما هذه سبيله فيجوز الفاعل في بعض أشعار الماضي واسم جاء

القول باإلماتة. فيه، وال يجوز االستعمال والخصلة: الخلة والحالة، وجملة «تعاب»: في محل نصب صفة لخصلة.

ومن: البتداء الغاية، أو للتبيين أي: من خصالي، متعلقة بتعاب، أو بمحذوف وقع صفة ثانيةلخصلة أي: كائنة مني، أو حال منها، ألن النكرة الموصوفة كالمعرفة، وجعلها متعلقة بتدع

خالف الظاهر.____________________(١) أمالي الطوسي: ج ١ ص ٣١١.

(٢) (ج): بالكسر.(٣) أي المطرزي كما جاء في تفسير روح المعاني: ج ٣٠ ص ١٥٣.

(٤) تفسير روح المعاني: ج ٣٠ ص ١٥٦.(٥) تفسير روح المعاني: ج ٣٠ ص ١٥٣، النهاية البن األثير، ج ٥ ص ١٦٥.

(٣١٤)

Page 299: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وأغرب من قال: ضمن تعاب معنى الصدور، أي: تعاب صدورها مني، ألن عاب متعد

بنفسه، انتهى. وهو خبط واضح وجهل فاضح.والعايبة بالياء على القياس، وهو الواقع في النسخ المعتبرة، وال عبرة بما وقع في بعض النسخ

من الهمز، وهي كل خصلة ذات عيب، من عاب الشيء الزما: إذا صار ذا عيب.يقال: عاب المتاع عيبا - من باب صار - فهو عائب، وعابه صاحبه فهو معيب، يتعدى

وال يتعدى.وأنبه تأنيبا: عنفه والمه (١).

وقيل: هو المبالغة في التعنيف والتوبيخ.وأونب بها بالبناء للمجهول أي: أعنف واألم عليها. والقياس تحقيق الهمزة الثانية ألنها فاء

الفعل، إال أن المروي إبدالها واوا، الستثقال اجتماع الهمزتين.لتعم ما خفي من المذكور؟ وهال أطلق بالوصف العايبة فإن قلت: ما فائدة تخصيص

التي ال يطلع عليها من يؤنبه. الخصال قلت: فائدة ذلك تخصيص العايبة بنفسه، فكأنه قال: وال عايبة أنا أونب بها، كما خصصالخصلة بنفسه بقوله: «تعاب مني «وال أكرومة» في الفقرة التالية بقوله: «في»، ولو أطلقالمذكور ما خفي من بالوصف فيه وفي غيره، ومع ذلك فال يخرج لعمت كل عايبة الخصال التي ال يطلع عليها من يؤنبه بها، ألن المراد العايبة التي من شأنها أن يؤنب بها

سواء ظهرت أو خفيت.واألكرومة بضم الهمزة: اسم من الكرم، كاألعجوبة اسم من العجب.

وفي القاموس: هي فعل الكرم (٢).____________________

(١) (ج): أالمه.(٢) القاموس: ج ٤ ص ١٧٠.

(٣١٥)

Page 300: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قلت: وهي قعاقع (١) ليس لها طائل.

أما كون الصواب رواية ما ذكره فغير مسلم، إذ قد ثبت في عدة نسخ ما زعم أنه تحريف،ومنها ما نسخ قبل عصره بنحو أربعمائة عام، كما في النسخة التي هي بخط الياقوتالمستعصمي، ونسخة أخرى قديمة تاريخ نسخها سنة اثنين وسبع مائة، فكيف يدعي أن

ذلك تحريف وقع من بعض القاصرين في عصره؟.وأما كونه دراية فغير صحيح، وما ذكره من الوجهين باطالن. أما األول وهو اجتماع منيوفي، فمدفوع أوال: بأن العطف هنا من باب عطف الجمل ال المفردات، وذلك بتقديرعامل مدلول عليه بما قبله، والتقدير: وال تدع أكرومة في ناقصة، فال يلزم اجتماع الظرفين.وثانيا: على تسليم كونه من عطف المفردات، بأنه إنما يلزم ذلك إذا جعل الظرف - أعنيمني - متعلقا ب «ال تدع»، ضرورة اقتضاء العطف اشتراك المتعاطفين في النسبة المفيدة،ونحن نمنع تعلقه بذلك، بل هو متعلق ب «تعاب»، فهو من تمام الجملة الواقعة صفةلخصلة، أو بمحذوف واقع صفة لها أو حاال منها، والعطف ال يقتضي إثبات ما للمعطوف(٢) من صفة ونحوها للمعطوف عليه، (٣) كقولك: ال تضرب زيدا الفاضل وال عمرا، فإناقتضاه في بعض الصور فبالقرينة ال بالوضع، فيقدر لداللة المقام عليه، كقولك: ال تنفق

درهما زائفا وال دينارا أي:زائفا فإن وقع في صريح الكالم، يغني عن تقديره لم يقدر، كقولك: ال تنفق درهما زائفاوال دينارا رديا، فال يحتاج إلى تقدير زائف هنا، حتى يلزم منه اجتماع زائف وردي وهمابمعنى، وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن «في» الواقعة صفة ألكرومة أغنت عن تقدير مني،

فال يلزم اجتماعهما.____________________

(١) (ج): فقاقع.(٢) (ج): للمعطوف عليه.

(٣) (ج): للمعطوف.

(٣١٧)

Page 301: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وأما الوجه الثاني، وهو الفصل بين الموصوف والصفة بالجارة ومجرورها، فمردود بأنه الفصل هنا أصال، بل الجار والمجرور صفة ألكرومة، وناقصة صفة أخرى لها كما تقدم،فهو ممن باب تعدد الصفات، فهو كقوله تعالى: «وفي ذلكم بالء من ربكم عظيم» (١).إذا عرفت ذلك، ظهر لك بطالن قول من قال أيضا: إن شددت الياء كما في أكثر النسخ،فناقصة صفة ألكرومة، وال بأس بالفصل بالظرف لشيوعه، ولكن األولى أن يجعل «مني»على هذا التقدير متعلقا ب «تعاب»، ألنك لو جعلته متعلقا ب «خصلة» أو «ال تدع»

الجتمع هنا مني وفي، فال يكون مستحسنا، انتهى.فقد علمت انتفاء دعوى الفصل رأسا.

وأما قوله: لو جعلته متعلقا بخصلة الجتمع هنا مني وفي، ففيه: أنه إن أراد بتعلقه بخصلةالتعلق االصطالحي فهو غلط، ألن الظرف بعد النكرة إما صفة لها إن لم تكن موصوفة، أومحتمل لها وللحال إن كانت موصوفة كما نحن فيه، وعلى التقديرين فهو مما يجب تعلقه

بمحذوف إجماعا، فكيف يصح جعله متعلقا بخصلة؟.وإن أراد التعلق المعنوي، أعني كونه صفة أو حاال لها، فقد عرفت أنه ال يلزم منه االجتماع

المذكور.واالستثناء في الجمل الثالث متصل مفرغ من أعم األحوال، محلة النصب على أنه حال منضمير ال تدع، والعامل فيها فعل النهي، أي: ال تدع خصلة تعاب مني في حال من األحوال

إال حال إصالحكها، وال عائبة أؤنب بها في حال من األحوال____________________

(١) سورة البقرة: اآلية ٤٩.

(٣١٨)

Page 302: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآل محمد، وأبدلني من بغضة أهل الشنآن المحبة، ومن حسد أهلالبغي المودة، ومن ظنه أهل الصالح الثقة، ومن عداوة األدنين الوالية، ومن عقوق ذوياألرحام المبرة، ومن خذالن األقربين النصرة، ومن حب المدارين تصحيح المقة، ومن رد

المالبسين كرم العشرة، ومن مرارة خوف الظالمين حالوة األمنة.____________________

إال حال تحسينك إياها، وال أكرومة في ناقصة في حال من األحوال إال حال إتمامك لها.والمقصود لزوم تعقب مضمون ما بعد إال لما قبلها، فهما كالشرط والجزاء، ولذلك وقعت

الحال بعد «إال» ماضيا مجردا عن قد والواو.وحاصل الكالم: كلما كانت في من خصلة تعاب فأصلحها، ومن عائبة أؤنب بها فحسنها،

ومن أكرومة ناقصة فأتممها.وأما قول بعض القاصرين: استثناء الجمل هنا بتأويلها بالمشتق والمستثنى منه الخصلة، ولوال تخصيصها بالنعت لكان متصال، فهو الذي أوجب االنقطاع، فذكره لزيادة المبالغة، فقدسأل إصالح الخصلة المعيبة التي يطلع (١) الناس عليها وتعيبه بها، والخفية التي لم يطلعأحد عليها (٢)، وهذا على تقدير تدع بمعنى تترك، ولو كان بمعنى تصير، لكان االستثناء

مفرغا من مفعوله الثاني المقدر، ومثله ما بعده، انتهى.فهو هذيان محموم أو هذر ملموم، فإياك وااللتفات إليه، والله يقول الحق وهو يهدي

السبيل.أبدلت كذا من كذا إبداال: أذهبت األول وجعلت الثاني مكانه.

ومن بدلية، اجعل المحبة بدال من بغضة أهل الشنآن، أو ابتدائية على القول____________________

(١) (ج): يطلع عليها الناس.(٢) (ج): يطلع عليها أحد.

(٣١٩)

Page 303: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________بإنكار مجيء «من» للبدل، ألن ابتداء اإلبدال حصل من البغضة. وأغرب من قال: إنهالبيان الجنس، فإن البغضة ضد المحبة ال جنس لها، وهل يخفى ذلك على من له أدنى

تمييز؟ فسبحان واهب العقول.والبغضة بالكسر: شدة البغض.

والشنان بالتحريك والتسكين: البغض، وقرئ بهما قوله تعالى: «شنآن قوم» (١).قال الجوهري: وهما شاذان، فالتحريك شاذ في المعنى، ألن فعالن إنما هو من بناء ما كانمعناه الحركة واالضطراب كالضربان والخفقان، والتسكين شاذ في اللفظ، ألنه لم يجيء

شئ من المصادر عليه (٢).قال أبو عبيدة: والشنان بغير همز مثل الشنآن، وأنشد األحوص:وما العيش إال ما تلذ وتشتهي وإن الم فيه ذو الشنان وفندا (٣)

والبغي: الظلم والتعدي واالستطالة والسعي في الفساد وطلب الشر، يقال:بغى أحدهما على صاحبه بغيا - من باب رمى - أي: طلب له شرا. ولما كان الحاسدون

ظالمين طالبين للمحسود شرا بتمني زوال نعمته، جعلهم عليه السالم أهل البغي.والظنة بالكسر: التهمة، وهي اسم من ظننته - من باب قتل - إذا اتهمته.

والثقة: االئتمان.يقال: وثق به يثق بكسرهما ثقة ووثوقا أي: ائتمنه.

فإن قلت: كيف نسب الظنة إلى أهل الصالح، وسوء الظن بالمسلمين واتهامهم محظور؟فعن النبي صلى الله عليه وآله: أن الله حرم من المسلم دمه

____________________(١) سورة المائدة: اآلية ٢.

(٢) الصحاح: ج ١ ص ٥٧.(٣) لسان العرب: ج ١٣ ص ٢٤٣.

(٣٢٠)

Page 304: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وعرضه وأن يظن به ظن السوء (١) وعن أبي عبد الله عليه السالم: إذا اتهم المؤمن أخاه

انماث اإليمان من قلبه كما ينماث الملح في الماء (٢).بل مقتضى الصالح حسن الظن بالمؤمن وعدم اتهامه.

كما روي عن أمير المؤمنين عليه السالم: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبكعنه، وال تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير محمال (٣).

ولذلك قال العلماء: أفعال المؤمنين محمولة على الصحة.قلت: ليس المراد بالظنة هنا اال عدم الثقة والطمأنينة بكل أحد، وليس المراد بها االتهام بماينافي العدالة، فإن من شأن أهل الرأي والصالح أن ال يثقوا بكل أحد وال يركنوا إلى كل

شخص، تفاديا عن الغرر وأخذا بفضيلة الحزم.ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السالم: الطمأنينة إلى كل أحد قبل االختبار عجز (٤).

وفي كالمهم: إذا كان الغدر طبعا فالثقة بكل أحد عجز. وعلى هذا المعنى حمل الخبرالمشهور: الحزم سوء الظن بالناس.

وفي رواية: احترزوا من الناس بسوء الظن (٥).وروى ثقة اإلسالم في الكافي عن أبي عبد الله عليه السالم: الحزم مساءة الظن (٦).

____________________(١) تفسير الكشاف: ج ٤ ص ٣٧٢.

(٢) الكافي: ج ٢ ص ٣٦١ ح ١.

(٣) الكافي: ج ٢ ص ٣٦٢ ح ٣.(٤) نهج البالغة: ص ٥٤٤ حكم ٣٨٤.

(٥) النهاية البن األثير: ج ٣ ص ١٦٣، وفيه: احتجزوا، بحار األنوار: ج ٧٧ص ١٥٨، وفيه: احترسوا.

(٦) الكافي: ج ١ ص ٢٧ ح ٢٩.

(٣٢١)

Page 305: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قال بعض الشارحين (١): يعني أن جودة الرأي وإحكام األمر واألخذ بالثقة يقتضي سوءالظن بالناس، يعني تجويز السوء منهم والتثبت فيما يأتون به، حتى يتبين الحق من الباطلوالصدق من الكذب والعلم من الشبهة، ولو وجب القبول منهم والثقة بهم من غير حزمولم يجز نسبة السوء إليهم لوقع الهرج والمرج وبطل الدين ورجع كما كان قبل البعثة.وبالجملة: فالحزم يوجب أن يبني الحال على تجويز السوء منهم، حتى يتبين الحق ويحصل

اإلذعان به.وفيه تنبيه على أنه ال ينبغي متابعة الغير في أمر من األمور مع تجويز كون ذلك األمر خطأ،بل ال بد من كمال االحتياط فيه. وإنما قلنا: على جواز السوء منهم ألنه الذي يقتضيهالحزم واالحتياط، فال ينافي ما ورد من النهي عن مساءة الظن بالخلق، ألن ما ذكرناه منباب التجويز العقلي الذي هو قضية الحزم وما ورد النهي عنه من باب االعتقاد الفاسد، أو

القول بالشيء رجما بالغيب (٢)، انتهى.واألدنين: األقارب، جمع أدنى من الدناوة بمعنى القرابة، يقال: بينهما دناوة أي: قرابة،وأغرب من جعله من الدني بمعنى الساقط الضعيف. وقد تقدم بيان إعالل هذا الجمع في

الروضة الثانية (٣)، فليرجع إليه.والوالية: ضد العداوة.

والعقوق: قطيعة الرحم، من العق بمعنى القطع.قال األزهري: وأصل العق: الشق والقطع (٤).

____________________(١) وهو المولى محمد صالح المازندراني.

(٢) شرح الكافي للمولى محمد صالح المازندراني: ج ١ ص ٤٢١ - ٤٢٢.(٣) ج ١ ص ٤٦٦.

(٤) التهذيب في اللغة: ج ١ ص ٥٧.

(٣٢٢)

Page 306: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقال صاحب المحكم: عق والده يعقه عقا: شق عصا طاعته، وقد يعم بلفظ العقوق جميع

الرحم، فالفعل كالفعل والمصدر كالمصدر (١).واألرحام: جمع رحم، وهي في األصل منبت الولد ووعاؤه في البطن، ثم سميت القرابة من

جهة الوالدة رحما، ومنها ذو الرحم خالف األجنبي، وقد تقدم الكالم على ذلك.والمبرة: البر، وهو ضد العقوق فيكون بمعنى الصلة.

قال بعض العلماء: قطيعة الرحم وعقوقها هو ترك اإلحسان إلى األقربين والتعطف عليهموالرفق بهم والرعاية ألحوالهم (٢).

وبرها وصلتها لها درجات متفاوتات بعضها فوق بعض، وأدناها الكالم وترك المهاجرة،ويختلف ذلك أيضا باختالف القدرة عليها والحاجة إليها، فمن الصلة ما يجب ومنها مايستحب. ومن وصل بعض الصلة ولم يبلغ أقصاها ومن قصر عما ينبغي أو قصر عما يقدر

عليه، هل هو واصل أو قاطع؟ فيه تأمل واألقرب عدم القطع، لصدق الصلة في الجملة.والخذالن بالكسر: اسم من خذله - من باب قتل -: إذا ترك نصره وإعانته وتأخر عنه.

وإنما خص عليه السالم األقربين هنا بالذكر، ألن قربهم منه باعث لدواعي النصرة له،فنصرتهم إياه أعظم في عز جانبه وحفظه وحمايته من غيرهم، وخذالنهم له أشد في تهضم

جانبه.ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السالم: لن يرغب المرء عن عشيرته - وإن كان

____________________(١) المحكم البن سيده: ج ١ ص ٢٠.

(٢) شرح الكافي للمولى محمد صالح المازندراني: ج ٩ ص ٣٩٠.

(٣٢٣)

Page 307: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ذا مال وولد - وعن مودتهم وكرامتهم ودفاعهم بأيديهم وألسنتهم، هم أشد الناس حيطةمن ورائه وأعطفهم عليه وألمهم لشعثه، إن أصابته مصيبة أو نزل به بعض مكاره األمور،ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما يقبض عنهم يدا واحدة وتقبض عنه منهم أيدي كثيرة

.(١)والمدارين: جمع مدار، اسم فاعل من داراه يداريه مداراة، أي: الطفه والينه واحتمل منه

كي ال ينفر عنه.المداجاة وداريته، وهي دارأته يقال: تهمز، تهمز وال الناس مداراة الجوهري: وقال

والمالينة (٢).وقيل: المداراة: مجاملة المعاشرين والمعاندين والمتشبهين باإلخوان، طمعا في مودتهم

واتقاء من شرورهم.وبالجملة: فهي ال تكون إال مع عدم الصفاء وسقم المودة، ولذلك سأل عليه السالم إبدالحب المتصفين بها بتصحيح المقة وهي المحبة، والهاء فيها عوض من الواو، يقال: ومقه

يمقه بالكسر فيهما ومقا ومقة: أي أحبه فهو وامق.وعلى ذلك ما حكي عن أبي الطيب المتنبي أنه سمع عند انصرافه من صالة الجمعة أعمى

خارجا من باب الجامع يقول: وا ضيعة األدب، المتنبي يقول:ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى عدوا له ما من صداقته بد (٣) فقال المتنبي لبعضأصحابه: سله عن ذلك، وقل له: كيف كان ينبغي أن يقول، فسأله، فقال: كان ينبغي أنيقول: ما من مداراته أو من مداجاته، ألن الصداقة ال تكون إال مع الصفاء، والمداراة

والمداجاة ال تكون إال مع العداوة (٤).____________________(١) نهج البالغة: ص ٦٥ خطبة ٢٣.

(٣) ديوان أبي الطيب المتنبي: ص ١٥٥.(٢) الصحاح: ج ٦ ص ٢٣٣٥.

(٤) الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص ٤٢.

(٣٢٤)

Page 308: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قوله عليه السالم «ومن رد المالبسين كرم العشرة» الرد يكون إهانة ويكون إكراما، فإن

عدي بنفسه أو ب «على» كان إهانة.يقال: رد الشيء: إذا لم يقبله، ورد عليه: إذا خطأه.

وإن عدي ب «إلى» كان إكراما، ومنه: «فرددناه إلى امه» (١)، والمراد به هنا:المعنى األول.

والمالبسين: جمع مالبس، من البست فالنا أي: خالطته وعرفت باطنه.والعشرة بالكسر: هي اسم من المعاشرة والتعاشر، وهي المخالطة.

وكرم العشرة عبارة عن حسنها ولطفها، فإن العرب تستعمل الكرم في كل شئ حسنممدوح.

والمعنى: أبدلني من عدم قبول المخالطين لي أو من تخطئتهم لي حسن معاشرتهم، أو منردي لهم حسن معاشرتي إياهم.

قوله عليه السالم: «ومن مرارة خوف الظالمين حالوة األمنة» فيه استعارة مكنية تخييلية،أضمر تشبيه الخوف بالشيء المر بجامع الكراهة، وأثبت له المرارة التي هي من لوازمالمستعار منه تخييال، وكذلك أضمر تشبيه األمنة بالشيء الحلو بجامع اللذة، وأثبت له

الحالوة تخييال.واألمنة بالتحريك: األمن، وفي رواية بالتسكين، واألولى هي المشهورة وهي الموافقة

النعاس أمنة منه» (٢)، وقال تعالى: للتنزيل، قال تعالى: «إذ يغشيكم «أمنة نعاسا» (٣).

____________________(١) سورة القصص: اآلية ١٣.(٢) سورة األنفال: اآلية ١١.

(٣) سورة آل عمران: اآلية ١٥٤.

(٣٢٥)

Page 309: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ونحو ذلك مستلزم لتعاون الهمم وتصافي البواطن واالجتماع على األلفة والمحبة وأنسبعضهم، فتستقيم أمورهم بتعاونهم وتتراح مضارهم بتناصرهم، فمن منح األلفة من الناس تمله نفعهم إياه، وعدم مضرتهم له، وميل قلوبهم إليه، وأنسهم به، ومدافعتهم عنه، وفي ذلك

صالح دنياه وآخرته، ولذلك حث الشارع على األلفة واالتحاد.حتى قال العلماء: إن سلوك سبيل الله بسائر وجوه األوامر والنواهي ال يتم إال بها، ولذلكعظم الله تعالى المنة بإيقاع األلفة بين أهل الملة، فقال: «لو أنفقت ما في األرض جميعا ماألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم» (١)، وذلك أنهم باأللفة يكونون بمنزلة عبد واحدفي طاعة مواله، وألجلها شرع الله تعالى اجتماع الخلق على الصالة في المساجد في كلالمسجد األعظم، وفي كل سنة مرتين في يوم خمس مرات وفي كل أسبوع مرة في األعياد، وفي العمر مرة بمكة الجتماع أهل البلدان النائية، كل ذلك ليتأكد باجتماعهم

األلفة واالتحاد، وتقع بسببه المحبة والوداد، واألخبار في هذا المعنى كثيرة جدا.فمن ذلك ما رواه ثقة اإلسالم في الكافي بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه السالم أنهكان يقول ألصحابه: اتقوا الله وكونوا اخوة بررة متحابين في الله متواصلين متراحمين،

تزاوروا وتالقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه (٢).وبسند صحيح عنه عليه السالم أنه قال: يحق على المسلمين االجتهاد في التواصل والتعاونالتعاطف والمواساة ألهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض، حتى تكونوا كما على أمركم الله عز وجل، «رحماء بينهم» متراحمين، مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما

مضى عليه معشر األنصار على عهد رسول الله____________________

(١) سورة األنفال: اآلية ٦٣.(٢) الكافي: ج ٢ ص ١٧٥ ح ١.

(٣٢٧)

Page 310: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، واجعل لي يدا على من ظلمني، ولسانا على من خاصمني،وظفرا بمن عاندني، وهب لي مكرا على من كايدني، وقدرة على من اضطهدني، وتكذيبا

لمن قصبني، وسالمة ممن توعدني، ووفقني لطاعة من سددني، ومتابعة من أرشدني.____________________

صلى الله عليه وآله (١).اليد: منع الظلم، والقوة والقدرة، والسلطان، والغلبة. قيل: ومنه قوله تعالى:

«حتى يعطوا الجزية عن يد» (٢) أي: عن قدرة عليهم وغلبة.واللسان هنا مجاز عن الحجة.

قال الزمخشري في األساس: فالن ينطق بلسان الله أي: بحجته وكالمه (٣).وظفر بعدوه وعليه (٤) من باب تعب -: غلبه.وعاند فالن عنادا: إذا ركب الخالف والعصيان.

وفي األساس: رجل عنيد ومعاند: يعرف الحق فيأباه ويكون منه في شق، من العند وهوالجانب (٥).

والمكر: الخديعة، مكر مكرا - من باب قتل - فهو ماكر، ومكر الله: جازى على المكر،وسمي الجزاء مكرا كما سمي جزاء السيئة سيئة على سبيل مقابلة اللفظ باللفظ، ويسمى

مشاكلة، وعلى هذا المعنى يحمل المكر المطلوب هنا.وقال الراغب: المكر والخديعة متقاربان، وهما اسمان لكل فعل يقصد فاعله في باطنه

خالف ما يقتضيه ظاهره. وذلك ضربان:أحدهما: مذموم وهو األشهر عند الناس، وذلك أن يقصد فاعله إنزال مكروه

____________________(١) الكافي: ج ٢ ص ١٧٥ ح ٤.

(٢) سورة التوبة: اآلية ٢٩.(٣) أساس البالغة: ص ٥٦٤.

(٤) (ج): غلبه.(٥) أساس البالغة: ص ٤٣٦.

(٣٢٨)

Page 311: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________بالمخدوع. وإياه قصد النبي صلى الله عليه وآله بقوله: المكر والخديعة في النار، والمعنى:

يؤديان بقاصدهما إلى النار.والثاني: عكس ذلك، وهو أن يقصد فاعلهما إلى استجرار المخدوع والممكور به إلى

مصلحة لهما، كما يفعل بالصبي إذا امتنع من فعل خير.قال بعض الحكماء: المكر والخديعة محتاج إليهما في هذا العالم، وذلك أن السفيه يميلإليه لمنافاته لطبعه، فيحتاج أن يخدع عن باطله الباطل، وال يقبل الحق وال يميل إلى بزخارف مموهة خدعة الصبي عن الثدي عند االنفطام، ولهذا قيل: سفسط فإن الدنياالخير إلى الناس على جذب هو حث بل الخبث على حثا هذا وليس سوفسطائية، باالحتيال، ولكون المكر ضربين سيئا وحسنا قال الله تعالى: «وال يحيق المكر السيء إالبأهله» (١)، وقال: «أفأمن الذين مكروا السيئات» (٢)، فخص السيء من المكر تنبيها

على جواز المكر الحسن، ووصف نفسه بالمكر الحسن فقال:«ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين» (٣)، انتهى (٤).

وعلى هذا، فالمكر المطلوب هو المكر الحسن.والكيد والمكر في اللغة بمعنى واحد، يقال: كاده وكايده: إذا مكر به وخدعه.

وقال الراغب: الكيد: إرادة متضمنة الستتار ما يراد عمن يراد به، لكن أكثر ما يستعملالوجه الشر ومتى قصد به شر فمذموم، ومتى قصد به خير فممدوح، وعلى ذلك في

انتهى (٥). المحمود قال تعالى: «كذلك كدنا ليوسف»، والمراد به هنا األول:

____________________(١) سورة فاطر: اآلية ٤٣.

(٢) سورة النحل: اآلية ٤٥.(٣) سورة آل عمران: اآلية ٥٤.

(٤) الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص ١٨٨.(٥) الذريعة: إلى مكارم الشريعة: ص ١٨٩.

(٣٢٩)

Page 312: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________واالضطهاد: افتعال من الضهد، والطاء مبدلة من التاء.

يقال: ضهده واضطهده: إذا قهره فهو مضهود ومضطهد.وقصبه قصبا - من باب قتل -: عابه وشتمه، وأصله من القصب بمعنى القطع.

قال في األساس: قصبه عابه، ومعناه قطعه باللوم (١).وتوعده: تهدده، واالسم منه الوعيد.

ينافي مكارم األخالق، فإنه عليه السالم سأل الدعاء ما فإن قلت: في هذا الفصل من االستعداد للقوة على االنتقام ممن أساء إليه، وحسن الخلق وكرمه يقتضي العفو واإلعراض

بل مقابلة اإلساءة باإلحسان.كما روي من الخبر المشهور بين الخاص والعام: أن جبرئيل عليه السالم جاء إلى النبي

صلى الله عليه وآله فقال: أتيتك يا محمد بمكارم األخالق أجمعها، قال:وما تلك؟ قال: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، يا محمد هي أن تصل منقطعك، وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك. فأحسن صلى الله عليه وآله تقبله وتلقيه

حتى نزل قوله تعالى ثناء عليه: «وإنك لعلى خلق عظيم» (٢).واألخبار واآلثار في هذا المعنى أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر.

قلت: ليس في الدعاء ما ينافي الخبر، وبيان ذلك: أن من الظلم واإلساءة ما يحسن العفوعنه، ومنه ما ال يحسن إال دفاعه.

فاألول: ما ليس على اإلنسان في تحمله والتغاضي عنه ذلة وغضاضة وال عاز ودناءه، فهذامما يحسن العفو عنه والحلم عليه، وهو الذي يقتضيه حسن الخلق وكرمه.

والثاني: ما أدى إلى دنية وعار، فهذا مما ال يحسن إال دفاعه والكف عنه، وهو____________________

(١) أساس البالغة: ص ٥٠٩.(٢) مجمع البيان: ج ٤٠٣ ص ٥١٢.

(٣٣٠)

Page 313: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________بالثار، وعن هذا قال أمير العار، وحماية الحريم، واألخذ بإباء الضيم، وأنفة المسمى

المؤمنين عليه السالم: ال خير فيمنال يغضب إذا اغضب (١).

وقال تعالى حاكيا عن نبيه لوط عليه السالم في التأسف على عجزه عن دفاعه: «لو أن ليبكم قوة أو آوي إلى ركن شديد» (٢).

وقالت الحكماء: إن القوة الغضبية إذا تركبت مع العقل استقام أمر الحماية والدفاع واألخذبالثار، وكان صاحبه عدال في اقتداره محمودا في انتصاره (٣). وإلى هذا المعنى أشار

الجعدي بقوله:وال خير في حلم إذا لم تكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدرا وال خير في جهل إذ لم يكن

له حليم إذا ما أورد األمر أصدرا (٤) وقال أبو الطيب:إذا قيل حلما قال للحلم موضع وحلم الفتى في غير موضعه جهل (٥) ومن هنا قالتالعلماء: يجب التدبر في أمر اإلساءة والظلم، فإن كان مما يسعه العفو والتجاوز كفى فيهالعتاب، والعدل والعفو أحسن وأولى وهو أقرب للتقوى، وإن لم تسمح السياسة بالتجافي

والصفح عنه وجبت العقوبة بقدر الذنب ال بقدر التشفي.إذا عرفت ذلك، فما سأله عليه السالم من اليد واللسان والظفر واالقتدار، إنما أراد به ما

يقتضيه إباء الضيم وأنفة العار، وهو من أعلى معالي األخالق ال مناف لها، والله أعلم.____________________

(١) و (٣) نعثر عليه.(٢) سورة هود. اآلية ٨٠.

(٤) أدب الدين والدنيا: ص ٢٤٩، عيون األخبار: ج ١ ص ٢٨٥.(٥) ديوان أبي الطيب المتنبي: ص ٣١.

(٣٣١)

Page 314: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وسددني إلن أعارض من غشني بالنصح، وأجزي من هجرنيبالبر، وأثيب من حرمني بالبذل، وأكافي من قطعني بالصلة وأخالف من اغتابني إلى حسن

الذكر، وأن أشكر الحسنة، وأغضي عن السيئة.____________________

قوله عليه السالم: «ووفقني لطاعة من سددني ومتابعة من أرشدني» سدده تسديدا: قومه،وأراه للسداد، وهو الصواب من القول والعمل.

وأرشده إرشادا: هداه إلى ما فيه صالحه عاجال وآجال.وفي هذه الفقرة تنبيه على وجوب انقياد المتعلم للمعلم وائتمار المستفيد للمفيد، فقد قيل:من حق المتعلم إذا وجد معلما ناصحا أن يأتمر له وال يتأمر عليه ويتابعه وال يراجعه. وكفىتنبيها على ذلك ما حكى الله عن العبد الصالح أنه قال لموسى عليه السالم حيث قال: «هلاتبعك على ان تعلمن مما علمت رشدا» (١) فقال له: «ال تسئلني عن شئ حتى أحدث

لك منه ذكرا» (٢)، فنهاه عن مراجعته في متابعته.فيجب على المتعلم تلقي ما يلقيه معلمه بالقبول، ويطيعه ويتبعه في جميع ما يقول، كما انمن حق المريض أن يكل أمره إلى الطبيب الناصح الذي وقف على دائه، ويسمع له ويطيعفيما يأمره من دوائه وغذائه، فإن العلماء أساة األمراض الروحانية، كما أن األطباء أساة

األمراض الجسمانية.قال الزمخشري في األساس: اللهم سددني أي: وفقني (٣).

وعارض الشيء بالشيء معارضة: قابله به.وغشه غشا - من باب قتل -: لم ينصحه وزين له غير المصلحة، واالسم الغش بالكسر.

____________________(١) سورة الكهف: اآلية ٦٦.(٢) سورة الكهف: اآلية ٧٠.(٣) أساس البالغة: ص ٢٩٠.

(٣٣٢)

Page 315: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________عنه وأستبد به دونه، ومنه قوله تعالى: «وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه» (١).

واغتابه اغتيابا: إذا ذكره بما يكره من العيوب وهو حق، واالسم الغيبة بالكسر، فإن كانباطال فهو البهت والبهتان، وسيأتي الكالم عليها مستوفى عن قريب في هذه الروضة إن شاء

الله تعالى. وذكر الشيء بالكسر: إجراؤه على اللسان.وقال الواحدي: معنى الذكر حضور المعنى في النفس، ثم يكون تارة بالقلب وتارة بالقول،

وليس شرطه أن يكون بعد نسيان (٢).والمراد بحسن الذكر: الثناء على اإلنسان في غيبته، ووصفه بما يسره من تعديد محاسنه.

والحسنة: من الصفات الجارية مجرى األسماء، وهي كل ما يتعلق به المدح في العاجلوالثواب في اآلجل، وضدها السيئة.

وأغضى الرجل عينه إغضاء: قارب بين جفنيها، ثم استعمل في الحلم، فقيل: أغضى عنالذنب: إذا أمسك عفوا عنه.

ومدار هذا الفصل على طلب االستعداد لمقابلة اإلساءة باإلحسان وإبدال االنتقام باإلنعاموهو أشرف مكارم األخالق على اإلطالق.

كما رواه ثقة اإلسالم في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السالم قال: قال رسول الله صلىالله عليه وآله في خطبة: أال أخبركم بخير خالئق الدنيا واآلخرة:

العفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، واإلحسان إلى من أساء إليك، وإعطاء من حرمك.(٣)

____________________(١) سورة هود: اآلية ٨٨.

(٢) تهذيب األسماء واللغات: الجزء األول من القسم الثاني ص ١١١.(٣) الكافي: ج ٢ ص ١٠٧ ح ١، وفيه: في خطبته.

(٣٣٤)

Page 316: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وحلني بحلية الصالحين، والبسني زينة المتقين، في بسطالعدل، وكظم الغيظ، وإطفاء النائرة، وضم أهل الفرقة، وإصالح ذات البين، وإفشاء العارفة،الريح، وطيب السيرة، وسكون الجناح، وحسن العريكة، وخفض ولين العائبة وستر المخالفة، والسبق إلى الفضيلة، وإيثار التفضل، وترك التعيير، واإلفضال على غير المستحق،والقول بالحق وإن عز واستقالل الخير وإن كثر من قولي وفعلي، واستكثار الشر وإن قلالبدع، أهل الجماعة، ورفض الطاعة، ولزوم بدوام لي قولي وفعلي وأكمل ذلك من

المخترع. الرأي ومستعمل ____________________

وروى ثقة اإلسالم أيضا بسند صحيح عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليهماالسالم قال: سمعته يقول: إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى األولين واآلخرين فيصعيد واحد، ثم ينادي مناد أين أهل الفضل؟ قال: فيقوم عنق من الناس، فتلقاهم المالئكةفيقولون: وما كان فضلكم؟ فيقولون: كنا نصل من قطعنا ونعطي من حرمنا ونعفو عمن

ظلمنا، فيقال لهم: صدقتم ادخلوا الجنة (١).واألخبار في هذا المعنى كثيرة جدا.

قال بعض العارفين: وقد نبه الله تعالى على التنفير من مقابلة السيئة بمثلها بلطيف منالمقال، فقال: «وجزاء سيئة سيئة مثلها» (٢)، فسمى مجازا المسئ على إساءته، وقال:«فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» (٣)، فسمى المجازي على

االعتداء معتديا، تنبيها على أنه قد كاد يكون إياه.حليت المرأة تحلية: ألبستها الحلي، والسيف: جعلت له حلية، وتعديته بالباء

____________________(١) الكافي: ج ٢ ص ١٠٧ ح ٤.

(٢) سورة الشورى: اآلية ٤٠.(٣) سورة البقرة: اآلية ١٩٤.

(٣٣٥)

Page 317: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________لتضمينه معنى التزيين، والحلي كظبي.

والحلية بالكسر: ما يزين به من مصوغ المعدنيات أو الحجارة، والحلية بالكسر:السيما والصفة أيضا، تقول: عرفته بحليته أي: بسيماه وصفته.

فإن حملت الحلية على معنى الحلي فهي استعارة تصريحية والتحلية ترشيح.وإن جعلت (١) بمعنى السيما والصفة فهي استعارة مكنية، اضمر تشبيه صفات الصالحينوسيماهم وأخالقهم الفاضلة بالحلي الذي يتزين به بجامع الحسن والبهاء، فاثبت لها التحلية

المختصة بالمشبه به تخييال.وأما قوله عليه السالم: «وألبسني زينة المتقين» فهي استعارة تصريحية مرشحة ال غير.

والصالحون: هم القائمون بما يلزمهم من حقوق الله تعالى وحقوق الناس.والمتقون: جمع متقي، اسم فاعل من باب االفتعال، من الوقاية وهي فرط الصيانة.

والتقوى في عرف الشرع: عبارة عن كمال التوقي عما يضر في اآلخرة.وقيل: هي اجتناب ما حرم الله وأداء ما فرض الله.

وقيل: المتقي من يترك ما ال بأس به حذرا من الوقوع فيما فيه بأس، وقد تقدم الكالم علىمراتب التقوى في الروضة الرابعة، (٢) فليرجع إليه.

وفي: للمصاحبة، أي: مع بسط العدل، نحو «ادخلوا في أمم» (٣) أي: معهم.والمعنى: حلني بحليتهم وألبسني زينتهم مع توفيقي لبسط العدل.

وبسط الثوب بسطا - من باب قتل -: نشره، ثم استعير للشمول بالعدل وبثه في الخلق.____________________

(١) (ج): جعلتها.(٢) ج ٢ ص ٩٣.

(٣) سورة األعراف: اآلية ٣٨.

(٣٣٦)

Page 318: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ولما كان العدل أصل كل خير، وعليه مدار كل أمر، وبه قامت السماوات واألرض، وهوميزان الله القسط في الدنيا واآلخرة، قدمه في الطلب على سائر المكارم المطلوبة، اهتماما

بشأنه وتنبيها على علو مكانه.وهو إما بالقوة فهيئة نفسانية يطلب بها التوسط بين اإلفراط والتفريط.

وإما بالفعل فاألمر المتوسط بين طرفي اإلفراط والتفريط.به جميع يكتسب إن صاحبه الفضائل كلها، من حيث قيل: هو أصل األول فباعتبار

الفضائل.وباعتبار الثاني قيل: هو الفضائل كلها، من حيث إنه ال يخرج شئ من الفضائل عنه.

وبيانه: أن الفضائل كلها ملكات متوسطة بين طرفي إفراط وتفريط، فالمتوسط منها هوالعدل، كالحكمة النظرية المتوسطة بين الجربزة والغباوة، والعفة المتوسطة بين خمودالشهوة والفجور، والشجاعة المتوسط بين الجبن والتهور، والسخاء بين التبذير والبخل،والحلم بين المهانة والبطش، والتواضع بين الكبر والذل، واالقتصاد بين اإلسراف والتقتير،واإلنصاف بين الظلم واالنظالم، وقس على ذلك سائر األخالق الفاضلة، فاألوساط بين هذهاألطراف المتضادة هي الفضائل، ولكل منها طرفا تفريط وإفراط وهما مذمومان، والخروجإلى أحدهما هو الجور الذي هو ضد العدل، واألطراف المتضادة هي الرذائل، ومن هنا

قيل: خير األمور أوسطها (١).التعليل بين المتوسط أيضا، كالتوحيد العقائد العدل جار في باب الحكم في ثم هذا والشرك، والتعويل على األمر بين الجبر والتفويض، وفي باب األعمال، كأداء الواجبات

والسنن المتوسط بين البطالة والترهب.____________________

(١) عوالي اللئالي: ج ١ ص ٢٩٦.

(٣٣٧)

Page 319: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وفي باب األقوال، كالبالغة المتوسطة بين العي والهذر.

فتبين أنه ال يخرج شئ من الفضائل عنه قوال وعمال واعتقادا.ولذلك قالوا: هو ميزان الله المتبرئ من كل ذلة، وصراطه المستقيم المؤدي بسالكه إليه،وبه يستتب أمر العالم، قال الله تعالى: «الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان» (١) وقالتعالى «والسماء رفعها ووضع الميزان» (٢)، عبر بالميزان عن العدل، ألنه من أثره ومنأظهر أفعاله للحاسة، إذا كان العدل مراعاة االستقامة على حاق الوسط في طرفي اإلفراطوالتفريط، اللذين هما ككفتي الميزان مهما رجحت إحداهما فالنقصان الزم والخسران

قائم.وقال عليه السالم: بالعدل قامت السماوات واألرض (٣)، إذ لو كان شئ من موجوداتالعالم وأصولها زائدا على اآلخر إفراطا، أو ناقصا عنه تفريطا، لم يكن منتظما هذا النظام.الكمية والكيفية، متعادلة بحسب لم تكن متكافئة لو العناصر أن مقادير وبيان ذلك: الستولى الغالب على المغلوب، وانتقلت الطبائع كلها إلى طبيعة الجرم الغالب، ولو كانبعد الشمس من األرض أقل مما هو اآلن الحترق كل ما في هذا العالم، ولو كان أكثرالكواكب ومراتب سرعتها القول في مقادير حركات البرد والجمود، وكذا الستولى وبطئها، فإن كال منهما مقدر على ما يليق بنظام العالم وقوامه وقيامه، ولهذا المعنى وصفالله سبحانه بالعدل، إذ كان معنى عدله وضعه لكل موجود في مرتبته، وهبته (٤) له ما

يستحقه من غير زيادة ونقصان مضبوطا بنظام الحكمة.____________________

(١) سورة الشورى: اآلية ١٧.(٢) سورة الرحمن: اآلية ٧.

(٣) التفسير الكبير للفخر الرازي: ج ٢٠ ص ١٠٣، عوالي اللئالي: ج ٤ ص.١٠٣

(٤) (ج): هيئته.

(٣٣٨)

Page 320: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ثم الصراط المستقيم المؤدي بسالكه إلى الله تعالى إما علم أو عمل، فالعلم طريق القوةالنظرية، والعمل طريق القوة العملية، وكل منهما متوسط بين رذيلتين هما طرفا اإلفراطإلى أحد له الذي ال ميل المستقيم الصراط العدل، فهو والتفريط، والوسط منهما هو

الجانبين.ولذلك قال العسكري عليه السالم: الصراط المستقيم في الدنيا هو ما قصر عن الغلو وارتفععن التقصير فلم يعدل إلى شئ من الباطل، وفي اآلخرة هو طريق المؤمنين إلى الجنة (١).

فمن استقام على هذا الصراط مر على صراط اآلخرة مستويا ودخل الجنة آمنا.قالوا: ومن فضيلة العدل أن الجور الذي هو ضده ال يستتب إال به، فلو أن لصوصا تشارطوافيما بينهم شرطا فلم يراعوا العدالة لم ينتظم أمرهم، ومن فضله أن كل نفس تتلذذ بسماعهوتتألم من ضده، ولذلك يستحسن الجائر عدل غيره إذا رآه أو سمع به، ولحسنه تتألمالنفوس من كل ما كان مركبا في العالم ليس له نظام مستقيم، ولذلك يكره العرج والعود

ويتشأم به.والذين يجب على اإلنسان استعمال العدل معهم خمسة:

األول: رب العزة تعالى وتقدس، وذلك بمعرفة توحيده وأحكامه والقيام بها.الثاني: قوى النفس، وذلك بأن يجعل هواه مستسلما لعقله، فقد قيل: أعدل الناس من

أنصف عقله من هواه.الثالث: أسالفه الماضون في إنفاذ وصاياهم والدعاء لهم.

المبايعات من المعامالت في واإلنصاف الحقوق، أداء في وأحباؤه معاملوه الرابع: والكرامات. (٢) والمقارضات

____________________(١) معاني األخبار: ص ٣٣.

(٢) (ج): والمعاوضات.

(٣٣٩)

Page 321: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الخامس: عامة الناس على سبيل الحكم، وذلك إذا تولى الحكم بينهم، أما إذا كان الحكمالله سبحانه على العدل، وقد نص فالفضل أشرف من له الحق بينه وبين غيره وكان األمرين، فقال في الحكم بين الناس: «ان الله يأمركم أن تؤدوا األمانات إلى أهلها وإذاالناس أن تحكموا بالعدل» (١)، وقال فيمن له الحق: «وأن تعفوا أقرب حكمتم بين

للتقوى وال تنسوا الفضل بينكم» (٢).قوله عليه السالم: «وكظم الغيظ» كظم غيظه كظما - من باب ضرب -: إذا أمسك على

ما في نفسه منه ولم يظهره ال بقول وال بفعل، وأصله من كظم القربة:إذا مألها وشد فاها، كأنه كتم غيظه على امتالئه ورده في جوفه وكفه عن اإلمضاء.

والفرق بين الغيظ والغضب: أن الغضب ضد الرضا، وهو إرادة العقاب المستحق لمقت اللهبالمعاصي، وليس كذلك الغيظ، ألنه هيجان الطبع بتكره ما يكون من المكروه، ولذلك

يقال: غضب الله على الكفار وال يقال: اغتاظ منهم.وقيل: الغيظ: أشد الحنق، وال يكون إال بوصول مكروه إلى المغتاظ، ولذلك رسم كظمالغضب فيمن يجنى عليه جناية يصل إلى قضاء وطر المبادرة بأنه اإلمساك عن الغيظ مكروهها إليه، وهو من معالي األخالق ومكارم الخصال، ولو لم يرد في فضله إال نص قولهتعالى: «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين» (٣) لكفى، واألخبار

في الحث عليه واإلرشاد إليه أكثر من أن تحصى.فمن ذلك ما رواه ثقة اإلسالم بسنده إلى علي بن الحسين - صاحب الدعاء - عليهما

السالم قال: قال رسول الله صلىالله عليه وآله: من أحب السبيل إلى الله

____________________(١) سورة النساء: اآلية ٥٨.

(٢) سورة البقرة: اآلية ٢٣٧.(٣) سورة آل عمران: اآلية ١٣٤.

(٣٤٠)

Page 322: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________تعالى جرعتان، جرعة غيظ تردها بحلم، وجرعة مصيبة تردها بصبر (١).

النعم، وما أن لي بذل نفسي حمر قال: ما أحب أنه السالم بسند صحيح وعنه عليه بها صاحبها (٢). أكافي إلي من جرعة غيظ ال تجرعت من جرعة أحب

وعن أبي جعفر عليه السالم قال: من كظم غيظا وهو يقدر على إمضائه حشا الله قلبه أمناوإيمانا يوم القيامة (٣).

وعن أبي عبد الله عليه السالم: من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه، مأل الله قلبه يومالقيامة رضاه (٤).

وعنه عليه السالم: ما من جرعة يتجرعها العبد أحب إلى الله من جرعة غيظ يتجرعها عندترددها في قلبه، إما بصبر أو بحلم (٥).

وأعجب قصة تذكر في كظم الغيظ وإطفاء نائرة الغضب قصة ذي الكفل، فإن اليسع عليهالسالم قال ذات يوم لقومه: إنه قد وهن العظم وضعف الجسم وتخاذلت القوى وتقاصرتالخطى وارتفع السن وتقعقع الشن، وها أنا واقف على ثنية الوداع من الدنيا ومتوجه عنهاإلى الدار األخرى فلو استخلفت عليكم من أرتضي عمله، فحمدوا رأيه ورضوا قوله، فجمعأصحابه وقال: من يكفل لي بأن يظل نهاره صائما، ويبيت ليله قائما، وال يغضب علىالناس إذا ألحوا عليه مخاصمين، ويكظم غيظه إذا أضجروه (٦) محاكمين، حتى أوليهعليهم؟ فقام إليه رجل ينبو عنه البصر ويغمض عن النظر، فقال: أنا ذلك، ثم أعاد القول ثانيا

وثالثا فقام القائم أوال، فقال له: أتكفل لي بذلك؟ فكفل له، فكان يدأب النهار في الصيام____________________

(١) الكافي: ج ٢ ص ١١٠ ح ٩.

(٢) الكافي: ج ٢ ص ١٠٩ ح ١.

(٣) الكافي: ج ٢ ص ١١٠ ح ٧.(٤) الكافي: ج ٢ ص ١١٠ ح ٦ وفيه: أمأل الله.

(٥) الكافي: ج ٢ ص ١١١ ح ١٣، وفيه: وإما بحلم.(٦) (ج): إذا ضجروه.

(٣٤١)

Page 323: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والليل في القيام، ويقضي بين الناس من مطلع الفلق إلى مغرب (١) الشفق، سوى ساعةيقيلها عند قائمة الهواجر والتهاب وقدة الظهائر، فجاءه الشيطان في صورة شيخ ضعيف فيوقت قائلته، وفاوضه في ذكر ظالمته وأطال حتى فاتته القائلة، فقام ذو الكفل وقال: إنيمتوضئ لصالتي وعائد إلى مجلسي فأحضر خصمك ألعديك عليه وآخذ بحقك منه، فلميره يومه فبات واجما له ليله، وأصبح من غده قاضيا بين الناس حتى انتصف النهار وبلغتالشمس كبد السماء، فعاد إلى منزله ليجم باستراحة إعيائه (٢) ويريح بغفوة أعضائه، إذ دقعليه الشيطان الباب في يومه وأيقظه من غرار نومه، فقال: أين كنت باألمس وما أخرك عناعتلوا علي ثم اليوم نعطيك حقك قالوا: قوم، قومي أخبث إن فقال: الناس؟ محضر ومطلوني ولووا ديني وجحدوني (٣) فطول القول حتى فاتته القائلة، فقام وتطهر وجلسللناس ينتظر الشيخ فلم يحضر، وانصرف من غده إلى منزله ليقيل على رسمه، وقال لبوابه:لم تلتق أجفاني منذ ثالثة أيام وال بد للتعب المكدود من جمام، فال تأذن ألحد علي والتدعه يدخل إلي، ريثما أقيل ساعة وأجد مما عراني استراحة، فجاء الشيطان فحجبه البوابفلم يمتنع، ودخل الدار فأيقظه، فحين هم أن يستخفه الغيظ ثبته الله وعصمه فصبر عليهكاظما، ونكص الشيطان على عقيبه رغما، فذلك قوله عز وجل: «واذكر إسماعيل واليسعوذا الكفل وكل من األخيار» (٤)، وقوله تعالى: «وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من

الصابرين» (٥) (٦).قوله عليه السالم: «وإطفاء النائرة» طفئت النار تطفأ بالهمز - من باب تعب - طفوا على

وزن فعول: خمدت، وأطفأتها إطفاء، ومنه: أطفات الفتنة: إذا سكنتها____________________

(١) (ج): غروب الشفق.(٢) االعياء: التعب والكل.

(٣) (ج): ومجدوني.(٤) سورة ص: اآلية ٤٨.

(٥) سورة األنبياء: اآلية ٨٥.(٦) آداب النفس: ج ٢ ص ٦٩.

(٣٤٢)

Page 324: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________على االستعارة، ونارت الفتنة تنور: إذا وقعت وانتشرت فهي نائرة، وسعيت في إطفاء

النائرة أي: في تسكين الفتنة.والنائرة أيضا: العداوة والشحناء، وهي مشقة من النار.

يقال: بينهم نائرة أي: عداوة وبغضاء.قوله عليه السالم: «وضم أهل الفرقة» ضممته ضما فانضم: جمعته جمعا فانجمع.

والفرقة بالضم: اسم من افترق القوم إذا انفصل بعضهم عن بعض باألبدان، وقد تستعمل فيتفرق القلوب وانحراف بعضها عن بعض مجازا، وهو المراد هنا.

فضم أهل الفرقة عبارة عن التأليف بين أرباب القلوب المتنافرة، وإيقاع المحبة بين األنفسالمتباغضة، لينعقد حبل ألفتهم التي هي من أعظم األسباب في استعدادهم لسعادتي الدنياواآلخرة، ولذلك عظم الله تعالى المنة بإيقاع التأليف بين أهل الملة، فقال: «لو أنفقت ما

في األرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم» (١).بالفتح من البين المصباح: الفيومي في قال البين» السالم: «وإصالح ذات قوله عليه األضداد، يطلق على الوصل وعلى الفرقة، ومنه: ذات البين للعداوة والبغضاء، وقولهم:

إلصالح ذات المبين أي: إلصالح الفساد بين القوم، والمراد:إسكان النائرة (٢)، انتهى.

وقال الزمخشري في قوله تعالى: «وأصلحوا ذات بينكم» أي: أحوال بينكم، يعني ما بينكممن األحوال، حتى تكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق، كقوله تعالى:

«بذات الصدور» وهي مضمراتها، لما كانت األحوال مالبسة للبين قيل لها:____________________

(١) سورة األنفال: اآلية ٦٣.(٢) المصباح المنير: ص ٩٧.

(٣٤٣)

Page 325: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ذات البين، كقولهم: اسقني ذا إنائك، يريدون ما في اإلناء من الشراب (١)، انتهى.

وقال الزجاج: البين هنا بمعنى الوصل، أي: أصلحوا حقيقة وصلكم، كقوله تعالى: «لقدتقطع بينكم» في قراءة الرفع، أي: وصلكم، والمراد: كونوا مجتمعين على ما أمر اللهبها يجتمع التي الحال أصلح أي: البين، ذات أصلح اللهم معنى وكذلك ورسوله،

انتهى. ،(٢) المسلمون ف «ذات» على التفسير األول بمعنى صاحبة، وعلى هذا التفسير بمعنى حقيقة الشيء

ونفسه.والبين بالمعنى األول ظرف، وبهذا المعنى اسم مرادف للوصل.

وقول صاحب القاموس: ذات بينكم أي: حقيقة وصلكم، أو ذات البين:الحال التي يجتمع بها المسلمون (٣)، ال وجه فيه للترديد المشعر بالمغايرة، ألن المعنىالثاني تفسير لألول، إذ الحال التي يجتمع بها المسلمون هي حقيقة الوصل، كما هو صريح

تفسير الزجاج القائل بأن معنى ذات البين حقيقة الوصل، فتأمل (٤).وظهر من نقل هذه األقوال أن قوله عليه السالم: «وإصالح ذات البين» يحتمل ثالثة معان:

أحدها: إصالح الفرقة، على ان البين بمعنى الفرقة، والمراد بالفرقة: الخصومة والمنازعةوالعداوة والبغضاء.

وذات: إما بمنى صاحبة، أي: الحالة المقتضية لبينهم، أو بمعنى الحقيقة____________________(١) تفسير الكشاف: ج ٢ ص ١٩٥.

(٢) مجمع البيان: ج ٣ - ٤ ص ٥١٨، نقال عن الزجاج.(٣) القاموس المحيط: ج ٤ ص ٤٠٩.

(٤) تهذيب األسماء واللغات: الجزء األول من القسم الثاني ص ١١٣، وراجعمجمع البيان: ج ٣ - ٤ ص ٥١٨ نقال عن الزجاج.

(٣٤٤)

Page 326: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والنفس، أي: الحالة التي تقع بها الفرقة.

الثاني: إصالح ما بين الناس من األحوال حتى تكون أحوال ألفة ومحبة، على أن البينظرف، كما ذكره صاحب الكشاف (١).

الثالث: إصالح الوصل كما قاله الزجاج (٢)، فكيون اإلصالح بمعنى السعي في كونهمعلى ما هم عليه من األلفة.

وخير هذه االحتماالت أوسطها، وهو الذي عليه جمهور المفسرين في معنى اآلية.الله تعالى عليه بقوله تعالى: البين من أشرف معالي األخالق، وقد نص وإصالح ذات

الله ورسوله إن كنتم مؤمنين» (٣). الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا «فاتقوا قال بعض المفسرين: توسيط األمر بإصالح ذات البين بين األمر بالتقوى واألمر بالطاعة،

إلظهار كمال العناية باإلصالح (٤).وفي الحديث عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: إصالح ذات البين أفضل من عامة الصالة

والصيام (٥).وعن أبي عبد الله عليه السالم: صدقة يحبها الله إصالح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب

بينهم إذا تباعدوا (٦).وتتقوا تبروا أن الله عرضة أليمانكم تجعلوا تعالى: «وال قوله في السالم عليه وعنه وتصلحوا بين الناس» قال: إذا دعيت لصلح بين اثنين فال تقل علي يمين أال أفعل (٧).

____________________(١) تفسير الكشاف: ج ٢ ص ١٩٥.

(٢) راجع مجمع البيان: ج ٣ - ٤ ص ٥١٨، نقال عن الزجاج.(٣) سورة: األنفال: اآلية ١.

(٤) تفسير روح المعاني: ج ٩ ص ١٦٤.(٥) بحار األنوار: ج ٧٥ ص ٢٤ ح ٣، وفيه: صالح.

(٦) الكافي: ج ٢ ص ٢٠٩ ح ١.

(٧) الكافي: ج ٢ ص ٢١٠ ح ٦.

(٣٤٥)

Page 327: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قوله عليه السالم: «وإفشاء العارفة وستر العائبة» فشا األمر فشو وفشوا: ظهر وانتشر،

وأفشيته إفشاء: أظهرته ونشرته.والعارفة: المعروف، وهو الخير واإلحسان والجميل وكل ما يحسن في العقل والشرع.والعائبة: فاعلة من عاب الشيء - الزما - أي: صار ذا عيب، أي: الخصلة ذات العيب.

والمراد: نشر محاسن المؤمنين وستر معايبهم.وقد يقال: ستر العائبة إنما يحسن إذا وقعت من ذوي الهيئات الحسنة و (١) ممن لميعرف بأذى وال فساد في األرض، وأما المولعون بذلك الذين ستروا غير مرة فلم يكفوا،

فال يبعد القول بكشف عيبهم، ألن الستر عليهم من المعاونة على المعاصي.وستر عيب من يندب إلى ستره إنما هو في معصية مضت، وأما معصية هو متلبس بها، فاليبعد القول بوجوب المبادرة إلى إنكارها والمنع منها لمن قدر عليه، فإن لم يقدر رفع إلى

أولي األمر ما لم يؤد إلى مفسدة أشد.وأما جرح الشاهد والرواة واألمناء على األوقاف والصدقات وأموال األيتام فيجب الجرحعند الحاجة إليه، ألنه يترتب عليه أحكام شرعية. ولو رفع إلى االمام ما يندب السر فيه لميأثم، إذا كانت نيته رفع معصية الله تعالى ال كشف ستره، وجرح الشاهد إنما هو عندطلب ذلك منه، أو يرى حاكما يحكم بشهادته وقد علم منه ما يبطلها، فال يبعد القول

برفعه، والله أعلم.قوله عليه السالم: «ولين العريكة وخفض الجناح» العريكة: الطبيعة، يقال:

فالن لين العريكة: إذا كان سلسا مطاوعا منقادا قليل الخالف والنفور، وفي صفته____________________

(١) (ج): أو ممن.

(٣٤٦)

Page 328: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________صلى الله عليه وآله: أصدق الناس لهجة وألينهم عريكة (١).

وقال الزمخشري في األساس فالن لين العريكة: إذا كان سلسا، وأصله في البعير، والعريكة:السنام (٢)، انتهى.

وعلى هذا فهو استعارة،كخفض الجناح المستعار للتواضع، واألظهر واألبلغ أنهما استعارتان تمثيليتان على تشبيهالحالة بالحالة، من غير اعتبار استعارة في المفردات، فيكون لين العريكة تمثيال لسالسةالطبيعة وانقيادها بلين سنام البعير، وخفض الجناح تمثيال للتواضع وإالنة الجانب بخفضالطائر، فالعريكة والجناح مستعمالن في معناهما، والمشبه إحدى الحالين (٣) جناح

باألخرى.ويجوز أن تكون لين العريكة للطبيعة، واللين استعارة لسالستها وانقيادها، أو ترشيحاالستعارة العريكة، وكذلك الجناح استعارة للجانب، والخفض استعارة إلالنته وإذالله، أو

ترشيحا الستعارة الجناح بما يناسبه، فتكون االستعارة في المفردات.واألول هو مختار صابح الكشاف حيث قال: الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحهوخفضه، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه، فجعل خفض جناحه مثال في التواضع

ولين الجانب (٤)، انتهى.وذكر القفال في معنى خفض الجناح وجهين: أحدهما: ما ذكره صاحب الكشاف وهو

المشهور.والثاني: أن الطائر إذا أراد ضم فرخه إليه للتربية خفض له جناحيه، فلهذا صار خفض

الجناح كناية عن حسن التدبير (٥)، انتهى.____________________

(١) النهاية البن األثير: ج ٣ ص ٢٢٢، مكارم األخالق: ص ١٨.(٢) أساس البالغة: ص ٤١٧.

(٣) (ج): الحالتين.(٤) تفسير الكشاف: ج ٣ ص ٣٤٠.

(٥) التفسير الكبير للفخر الرازي: ج ٢٠ ص ١٩١.

(٣٤٧)

Page 329: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________بالكسر: السيرة المخالفة» الريح وطيب السيرة وسكون السالم: «وحسن عليه قوله

يسير. الطريقة، وهي من سار يقال: سار الوالي في الرعية سيرة حسنة أو قبيحة.

وسكون الريح: كناية عن الوقار.قال الزمخشري في األساس: رجل ساكن الريح أي: وقور (١)، انتهى.

لما كانت الريح معروفة بسرعة الحركة والخفة، كان سكونها كناية عن الوقار الذي هوالرزانة، فاستعير لفظ الريح للطيش والعجلة بجامع سرعة الحركة. واألبلغ أن يكون ذلك

تمثيال كما تقدم في لين العريكة وخفض الجناح.وكثيرا ما يستعمل سكون الريح في الذم، مرادا بالريح الدولة والغلبة والنصرة، ومنه قولهتعالى: «وتذهب ريحكم» (٢) أي: دولتكم وصولتكم، استعيرت الريح للدولة من حيثإنها في تمشي أمرها ونفاذه مشبهة لها في هبوبها وجريانها، تقول العرب: هبت ريح فالن:

إذا دالت له الدولة ونفذ أمره، وسكنت ريحه: إذا أدبر أمره، وعليه قول الشاعر:إذا هبت رياحك فاغتنمها * فعقبى كل خافقة سكون

وال تبخل إذا أيسرت يوما * فما تدري السكون متى يكونوالمخالقة: مفاعلة من الخلق بالضم.

يقال: خالقهم أي: عاشرهم بخلق حسن، ومنه: خالص المؤمن وخالق الفاجر، وخالقالناس وال تخالفهم، وفي المثل: خالق الفاجر ورافقه في السفر.

قوله عليه السالم: «والسبق إلى الفضيلة» سبق سبقا - من باب ضرب -:تقدم وخلف غيره.

____________________(١) أساس البالغة: ص ٣٠٤، مع اختالف يسير في العبارة.

(٢) سورة األنفال: اآلية ٤٦.

(٣٤٨)

Page 330: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قال الفيومي: وقد يكون للسابق الحق كالسابق من الخيل، وقد ال يكون كمن أحرز قصبة

السبق فهو سابق إليها ومنفرد بها وال يكون له ال حق (١)، انتهى.والفضيلة والفضل: الخير، وهما خالف النقيصة والنقص.

وقال في القاموس: الفضيلة: الدرجة الرفيعة في الفضل (٢).إنما سأل عليه السالم السبق إلى الفضيلة لفضيلة السبق، قال تعالى:

«والسابقون السابقون. أولئك المقربون» (٣) أي: السابقون هم الذين اشتهرت أحوالهموعرفت محاسنهم كقول أبي النجم:

* أنا أبو النجم وشعري شعري *كأنه قال: وشعري ما انتهى إليك وسمعت بفصاحته، وفيه من تفخيم شأنهم واإليذانبالجميل ما ال يخفى ومن هنا يظهر أن جعل الوصف بشيوع فضلهم واستغنائهم عن

المقربون خبرا، ليس بذلك. السابقين تأكيدا وأولئك والسابقون قيل: هم الذين سبقوا إلى اإليمان والطاعة عند ظهور الحق من غير تلعثم وتوان.وقيل: هم الذين سبقوا في حيازة الفضائل والكماالت. وقيل: المسارعون في الخيرات. وأياما كان فهو مندرج تحت السبق إلى الفضيلة إذا كانت األلف والالم فيها الستغراق أفرادالجنس، أي: كل فضيلة. وإنما كان السابق إلى الخير أفضل، ألنه يقتدى به في الخير كمن

سن سنة حسنة.وفي الحديث: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة

____________________(١) المصباح المنير: ص ٣٦٠.

(٢) القاموس المحيط: ج ٤ ص ٣١.(٣) سورة الواقعة: اآلية ١٠ - ١١.(٤) عوالي اللئالي: ج ١ ص ٢٨٥.

(٣٤٩)

Page 331: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قوله عليه السالم: «وإيثار التفضل» اإليثار: االختيار والتفضيل.

يقال: أثرت ذلك أي: اخترته وفضلته.والتفضل: فعل ما ال يلزم من اإلحسان، ويعبر عنه بالتطول، وليس هو مطلق اإلحسان، بلاإلحسان قد يكون جزاء كقوله تعالى: «هل جزاء اإلحسان إال اإلحسان» (١) وقد يكون

تفضال وذلك إذا كان ابتداء من غير علة، كما قال:وما ذاك إال بسطة عن تفضل * عليهم وكان األفضل المتفصل

قوله عليه السالم: «وترك التعيير» هو تفعيل من العار، وهو كل شئ يلزم منه عيب.يقال: عيرته كذا وعيرته به: إذا نسبته إلى العار فيه، يتعدى بنفسه وبالباء، قال المرزوقي في

شرح الحماسة: والمختار أن يتعدى بنفسه (٢).وأنكر صاحب القاموس تعديته بالباء، قال: عيره األمر، وال تقل: باألمر (٣).

وتبعه بعض أكابر السادة في تعليقته على الصحيفة الشريفة، فقال: والعامة تقول: عيره بكذا،وهو خطأ.

وإنكارهما ليس بشيء، فقد ورد في الحديث الصحيح تعديته بالباء.روى ثقة اإلسالم في الكافي بسند صحيح عن أبي عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله

عليه وآله: من عير مؤمنا بذنب لم يمت حتى يركبه (٤).وفيه شاهد على ذم التعيير المسؤول تركه في الدعاء.

قال العلماء: ال ينبغي تعيير مؤمن بشيء ولو كان معصية سيما على رؤس الخالئق، والينافي وجوب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ألن المطلوب منهما أن

____________________(١) سورة الرحمن: اآلية ٦٠.

(٢) المصباح المنير: ص ٦٠١.(٣) القاموس المحيط: ج ٢ ص ٩٨.

(٤) الكافي: ج ٢ ص ٣٥٦ ح ٣.

(٣٥٠)

Page 332: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________يكونا على سبيل النصح، إال إذا علم أنه ال ينفعه فينبغي التشديد عليه على النحو المقرر.

وفي نسخة: «وترك التقتير» من قتر في اإلنفاق تقتيرا، وأقتر إقتارا، وقتر قترا وقتورا - منباب ضرب وقعد -: إذا ضيق وقلل. وهو ضد اإلسراف، قال تعالى:

«والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما» (١) قوله عليه السالم:«واإلفضال على غير المستحق» عطف على التعيير، أي وترك اإلفضال على غير المستحق.

يقال: أفضل عليه إفضاال وتفضل: إذا تطول وأحسن ابتداء.واستحق فالن األمر: استوجبه فهو مستحق، واألمر مستحق بالفتح: اسم مفعول.

والمراد بغير المستحق هنا: من ال يستوجب اإلفضال عليه ولم يكن أهال له.وإنما سأل عليه السالم ترك اإلفضال عليه، ألنه من الخلق المذموم، إذا كان إسرافا وتبذيرا

ووضعا للمعروف في غير أهله ومحله، وقد تطابق على ذم ذلك العقل والنقل.أما العقل، فألنه وضع الشيء في غير موضعه وهو خروج عن العقل، وأما النقل، فأحسن مايؤثر في ذلك ما رواه ثقة اإلسالم في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السالم أنه قال منجملة كالم خاطب به رهطا من الشيعة: من كان له مال فإياكم والفساد، فإن إعطاءه فيغير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع ذكر صاحبه في الناس ويضعه عند الله، ولم يضع امرئماله في غير حقه وعند غير أهله، إال حرمه الله شكرهم وكان لغيره ودهم، فإن بقي معه

منهم بقية ممن يظهر الشكر له ويريه____________________

(١) سورة الفرقان: اآلية ٦٧.

(٣٥١)

Page 333: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________إلى معونتهم النعل ثم احتاج فإنما ذلك منه ملق وكذب، فإن زلت بصاحبهم النصح ومكافاتهم فأألم خليل وشر خدين، ولم يضع امرئ ماله في غير حقه وعند غير أهله، لميكن له من الحظ فيما أتى إال محمدة اللئام وثناء األشرار ما دام عليه منعما مفضال ومقالةالجاهل ما أجوده، وهو عند الله بخيل، فأي حظ أبور وأخس من هذا الحظ؟ وأي فائدةمعروف أقل من هذا المعروف؟ فمن كان منكم له مال فليصل به القرابة، وليحسن بهالضيافة، وليفك به العاني واألسير وابن السبيل، فإن الفوز بهذه الخصال مكارم الدنيا

واآلخرة (١).وفي الصحيح عن أبي عبد الله عليه السالم: إذا أردت أن تعلم أشقي الرجل أم سعيد، فانظرسيبه ومعروفه إلى من يصنعه، فإن كان يصنعه إلى من هو أهله فاعلم أنه إلى خير، وإن كان

يصنعه إلى غير أهله فاعلم أنه ليس له عند الله خير (٢).ومن كالم الحكماء: آفة الجود الخطأ بالمواضع (٣).

وما أحسن قول القائل في هذا المعنى:لقد ظلم المعروف مانع أصله وأظلم منه مخطئ لمواضعه ومن سفه أن الفتى يبذل الندى

ويجهل في أقوام أصل صنائعه (٤) وقال اخر:وسائل لي عن عثمان قلت له هو الجواد ولكن فاسق الجود غيث الزناة إذا حلوا بساحته

وآفة المال بين الزق والعود (٥)قوله عليه السالم: «والقول بالحق وإن عز» القول: الكالم، والمراد بالحق هنا:

____________________(١) الكافي: ج ٤ ص ٣١ ح ٣.(٢) الكافي: ج ٤ ص ٣٠ ح ١.

(٣) لم نتحققه.(٤) لم نعثر عليه.(٥) لم نعثر عليه.

(٣٥٢)

Page 334: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________خالف الباطل، وهو الحكم المطابق للواقع.

والباء: للمالبسة، أي: ملتبسا بالحق، أو للتعدية بتضمين القول معنى التكلم، فيجوز أن يرادبالحق: القول الواقع بحسب ما يجب وفي وقت يجب.

وعز: إما ماضي يعز بفتح العين بمعنى شق واشتد، يقال: عز علي ما أصابك أي: شقواشتد، وإما ماضي يعز بكسر العين بمعنى قل حتى ال يكاد يوجد.

والضمير فيه بالمعنيين إما راجع إلى القول أو إلى الحق، والمشقة على المعنى األول إمابالنسبة إلى المقول له (١) وهو األظهر، وإما بالنسبة إلى القائل باعتبار خوف نفار القلوب

عنه واحتمال األذية له.والمعنى على الثاني: وإن كان الحق أو القول به قليال لكثرة الباطل وأهله.

ومن كالم أمير المؤمنين عليه السالم: حق وباطل ولكل أهل، فلئن أمر الباطل فقديما فعل،ولئن قل الحق فربما ولعل، ولقلما أدبر شئ فأقبل (٢).

يقال: أمر الشيء - من باب علم - أمرا وأمرة بالفتح: أي كثر.وقوله: «فربما ولعل» وعد بكثرة الحق مع تشكيك فيه وتمن له، وتمام الكالم استبعاد

لرجوع الحق إلى الكثرة بعد قلته على وجه كلي.و «إن» من قوله: «وإن عز»: هي المسماة بالوصلية، وقد سلف الكالم عليها غير مرة.

قوله عليه السالم: «واستقالل الخير» إلى آخره، استقل الشيء: عده قليال، وهو سؤالللتوفيق لالعتراف بالتقصير فيما أتاه ويأتيه من الخيرات قوال وفعال، ليخرج من العجبوالكسل في كسب الخير، مع ما فيه من االعتراف بالحاجة والذل والعبودية، ألن من استقل

خير نفسه كان في مقام الذل والحاجة واالنكسار،____________________

(١) (ج): القول.(٢) نهج البالغة: ص ٥٨ الخطب ١٦، وفيه لقديما... فلربما.

(٣٥٣)

Page 335: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وال عبودية أشرف منها.

قوله عليه السالم: «واستكثار الشر» إلى آخره، سؤال للوقاية من التهاون بما يكتسبه أواكتسبه من الشر قوال وفعال. والظاهر من الكثرة والقلة في الفقرتين بحسب الكم، سواءالكيف بهما بحسب يراد أن أو صغيرا، ويحتمل الشر في نفسه كبيرا أو الخير كان والمقدار، وأيا ما كان ففي الفقرتين تنبيه على أن العمل الصادر من العبد إن كان خيراوطاعة، فليعد نفسه مقصرة في الكم والكيف، وإن كان كثيرا بالنسبة إلى وسعه، ألن ذلكأدخل (١) في تعظيم الرب، وأبعد من العجب واالعتماد عليه، وأقرب إلى البقاء عليهوالسعي فيه، ومقام العبودية المبنية على التذلل واالعتراف بالتقصير، وإن كان شرا ومعصيةفليعده كثيرا عظيما، وإن كان قليال حقيرا في نفسه، ألنه بالنظر إلى مخالفة الرب العظيمعظيم كثير، واستقالله موجب لعدم المباالة به واالعتناء بشأنه، وسبب للولوع به وإتيانه

مرة بعد أخرى، حتى تجتمع عليه شرور عديدة وذنوب كثيرة وتبلغ حد الكبيرة.وفي الحديث عن أبي الحسن الرضا عليه السالم: ال تستكثروا كثير الخير وال تستقلوا قليل

الذنوب، فإن قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا (٢).وأعلم أن الواقع في أكثر النسخ ذكر القول والفعل معا في بيان الخير، واالقتصار على الفعل

في بيان الشر.فوجهه بعضهم بما نصه: يقال: فالن قال خيرا وفعل خيرا، وهذا شائع، وقد يقال: قالشرا، وقولهم: فعل شرا قليل، فلعله عليه السالم ذكر استكثار الشر من الفعل ألن المقاممقام استكثار القليل، وإذا حصل استكثار القليل من القليل الذي هو الفعل، فمما هو كثير

بالنسبة إليه بطريق أولى.____________________

(١) (ج): أدخر.(٢) الكافي: ج ٢ ص ٢٨٧ ح ٢.

(٣٥٤)

Page 336: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ويحتمل أنه عليه السالم ذكر القول والفعل معا في الخير، لتمام رغبته فيه وإرادته بجميع

أفراده بخالف الشر، انتهى.ال يخفى ما في الوجه األول من الضعف.

أما أوال: فدعواه أن قولهم: فعل شرا قليل ممنوع، بل قولهم: فعل خيرا وفعل شرا سيان فيالشيوع وكثرة االستعمال، وكفى شاهدا قول أمير المؤمنين عليه السالم في نهج البالغة:

فاعل الخير خير منه، وفاعل الشر شر منه (١).وفي الخبر: أن لله ملكا ينادي يا فاعل الخير أبشر ويا فاعل الشر أقصر (٢).

وأما ثانيا: فالكثرة والقلة في الدعاء بالنسبة إلى الوقوع، وما ادعاه من القلة بالنسبة إلىالتلفظ، وأين أحدهما من اآلخر؟.

وأما الوجه الثاني فقد يعارض بأن االهتمام بتوقي الشر أولى من االهتمام بطلب الخير،خصوصا وهو في مقام السؤال الستقالل الخير منه.

ثم الشر من القول أولى بالذكر، لتوهم أكثر الناس أنه ال يضر كما في حديث معاذ بن جبلحين قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: كف عليكم هذا - وأشار إلى لسانه - قلت: يارسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على

وجوههم، أو قال: على مناخرهم إال حصائد ألسنتهم (٣).واألولى أن يوجه ذلك بوجهين.

أحدهما: التنبيه على أنه يجب أن يعد القول من الفعل ويجب دخوله (٤) من العمل.____________________

(١) نهج البالغة: ص ٤٧٤ الحكم ٣٢.(٢) لم نعثر عليه.

(٣) الترغيب والترهيب: ج ٣ ص ٥٢٨.(٤) (ج): ويحسب قوله.

(٣٥٥)

Page 337: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________كما روي عن أبي عبد الله عليه السالم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

من لم يحسب كالمه من عمله كثرت خطاياه وحضر عذابه (١).وعنه عليه السالم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من رأى موضع كالمه من عمله

قل كالمه إال فيما يعنيه (٢).وأثر التنبيه على ذلك في جانب الشر لمزيد االهتمام ببيانه فيه حثا على التوقي منه، كما

وقع في الحديثين المذكورين.الثاني: لما كان القول أعظم كيفية وأكثر كمية من الفعل، لبلوغه ما ال يبلغ الفعل ولعمومهمن كل وجه، ألن آلته التي هي اللسان لها تصرف في كل موجود وموهوم ومعدوم، وله يدفي العقليات والخياليات (٣) والمسموعات والمبصرات والمذوقات والملموسات، بخالفالفعل فإن كل جارحة سوى اللسان تتعلق بفعل مخصوص، فهو أقل من القول، ذكر عليه

السالم الفعل دون القول، ألن من استكثر القليل فاستكثاره للكثير أولى.ويناسب هذا المعنى ما رواه ثقة اإلسالم في الكافي عن أبي عبد الله عليه السالم قال: قالرسول الله صلى الله عليه وآله: يعذب الله اللسان بعذاب ال يعذب به شيئا من الجوارح،فيقول: أي رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئا، فيقال له: خرجت منك كلمة فبلغتمشارق األرض ومغاربها، فسفك بها الدم الحرام وانتهب بها المال الحرام وانتهك بها

الفرج الحرام، وعزتي ألعذبنك بعذاب ال أعذب به شيئا من جوارحك (٤).وروي أيضا بسند نقي عن صاحب الدعاء علي بن الحسين صلوات الله عليهما

____________________(١) و (٤) الكافي: ج ٢ ص ١١٥ ح ١٥ و ١٦.

(٢) الكافي: ج ٢ ص ١١٦ ح ١٩.(٣) (ج): الخياالت.

(٣٥٦)

Page 338: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قال: إن لسان ابن آدم يشرف على جميع جوارحه كل صباح، فيقول: كيف أصبحتم؟

فيقولون: بخير إن تركتنا، ويقولون: الله الله فينا، ويناشدونه ويقولون:إنما نثاب ونعاقب بك (١)، والله أعلم.

ومن غريب ما وقع ألبي يوسف يعقوب المعروف بابن السكيت، وكان من أكابر علماءالعربية وعظماء الشيعة، وهو من أصحاب الجواد والهادي عليهما السالم، انه قال في

التحذير من عثرات اللسان:يصاب الفتى من عثرة بلسانه وليس يصاب المرء من عثرة الرجل فعثرته في القول تذهبرأسه وعثرته في الرجل تبرأ عن مهل (٢) فاتفق أن المتوكل العباسي ألزمه تأديب ولديهالمعتز والمؤيد، فقال له يوما: أيما أحب إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين؟ فقال: واللهإن قنبرا خادم علي خير منك ومن ابنيك، فقال المتوكل ألتراكه سلوا لسانه من قفاه ففعلوافمات رحمه الله، وذلك لخمس خلون من رجب سنة أربع وأربعين ومائتين (٣) قوله عليهقعد، واالسم باب الشيء كموال من الطاعة» كمل بدوام لي السالم: «وأكمل ذلك إذا تمت أجزاؤه وكملت الصفات، يقال: كمل: الذوات وفي الكمال، ويستعمل في

فيقال: أكملته وكملته. بالهمزة وبالتضعيف، محاسنه. ويتعدى وذلك: إشارة إلى ما تقدم ذكره من األخالق المسؤولة.

ودام الشيء يدوم دواما: إذا استمر ولم ينقطع.والطاعة: موافقة األمر، وقيل: موافقة اإلرادة.

____________________(١) الكافي: ج ٢ ص ١١٥ ح ١٣.

(٢) و (٣) جوامع كتاب إصالح المنطق: في ترجمه ابن السكيت ص ٢٣٩ و.٢٤٠

(٣٥٧)

Page 339: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وإنما جعل دوامها كماال لما ذكر، ألن خالف الطاعة وارتكاب المعصية نقص في جميع

المحاسن.قوله عليه السالم: «ولزوم الجماعة» لزمته ألزمه لزوما - من باب علم -: تعلقت به ولم

أفارقه. والجماعة لغة: ما اجتمع من الناس وغيرهم.والمراد بها هنا: المؤمنون المتفقون على مذهب الحق الذي اجتمع عليه أئمة أهل البيت

عليهم السالم وشيعتهم.كما رواه البرقي في محاسنه بسنده عن أبي عبد الله عليه السالم، قال: سئل رسول الله

صلى الله عليه وآله عن جماعة أمته، فقال: جماعة أمتي أهل الحق وإن قلوا (١).وبسنده عن يحيى بن عبد الله رفعه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله:

ما جماعة أمتك؟ قال: من كان على الحق وإن كانوا عشرة (٢).وفي كالم أمير المؤمنين عليه السالم في نهج البالغة: والزموا السواد األعظم، فإن يد اللهعلى الجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشاذ من الناس للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم

للذئب (٣).قال الشيخ كمال الدين رحمه الله: أمر بلزوم طريقة السواد األعظم أي: أكثر المسلمينالمتفقين على رأي واحد، ورغب في لزوم طريقتهم بأن يد الله على الجماعة، فتجوز بلفظاليد في قدرة الله وحراسته للجماعة، إذ كانوا أمنع وأبعد من االنفعال للعدو، وآمن منالغلط لكثرة آرائهم واتفاقها، فال تكاد تتفق على أمر ال مصلحة فيه مع كثرتها واختالفها،

وحذر من الفرقة والشذوذ عن الجماعة بأن الشاذ من الناس____________________

(١) و (٢) محاسن البرقي: ج ١ - ٢ ص ٢٢٠.(٣) نهج البالغة: ص ١٨٤ الخطب ١٢٧، وفيه: يد الله مع الجماعة.

(٣٥٨)

Page 340: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________أي: المنفرد المستبد برأيه للشيطان، أي: محل تطرق الشيطان النفراده، وشبه ذلك بالشاذمن الغنم، ووجه الشبه كون انفراده محال لتطرق الهالك إليه باستغواء الشيطان له، كما أن

الشاة المنفردة في مظنة الهالك النفرادها ووحدتها للذئب (١)، انتهى.وروى البرقي بإسناده عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السالم، قال: قال أمير المؤمنين عليه

السالم: ثالث موبقات: نكث الصفقة وترك السنة وفراق الجماعة (٢).وروى ثقة اإلسالم في الكافي عن أبي عبد الله عليه السالم قال: من فارق جماعة المسلمين

قدر شبر فقد خلع ربقة اإلسالم من عنقه (٣).قال بعض الشارحين: المراد بهم األئمة عليهم السالم، أو األعم منهم بشرط أن ال يكونوامن أهل البدعة، وبالمفارقة على وجه االستنكاف واالستكبار والشنآن، أو المراد بها ترك

السنة واتباع البدعة، (٤) انتهى.وروى في الكافي أيضا بسنده عن الحكم بن مسكين عن رجل من قريش من أهل مكة،قال: قال سفيان الثوري: أذهب بنا إلى جعفر بن محمد، قال: فذهبت معه إليه فوجدناه قدركب دابته، فقال له سفيان يا أبا عبد الله حدثنا بحديث خطبة رسول الله صلى الله عليهوآله في مسجد الخيف، قال: دعني حتى أذهب في حاجتي فإني قد ركبت فإذا جئتحدثتك، فقال: أسألك بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله لما حدثتني، قال: فنزل،فقال له سفيان: مر لي بدواة وقرطاس حتى اثبته فدعا به، ثم قال: اكتب بسم الله الرحمن

الرحيم خطبة رسول الله____________________

(١) شرح نهج البالغة البن ميثم: ج ٣ ص ١٣٥.(٢) محاسن البرقي: ج ١ - ٢ ص ٩٤.

(٣) الكافي: ج ١ ص ٤٠٤ ح ٤، وفيه: قيد شبر.(٤) شرح الكافي للمولى محمد صالح المازندراني: ج ٧ ص ٢٠.

(٣٥٩)

Page 341: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________صلى الله عليه وآله في مسجد الخيف: نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لمتبلغه، يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلىمن هو أفقه منه، ثالث ال يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخالص العمل لله، والنصيحة ألئمةالمسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم، المؤمنون أخوة تتكافأدماؤهم، وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم، فكتبه سفيان ثم عرضه عليهوركب أبو عبد الله، وجئت أنا وسفيان فلما كنا في بعض الطريق، قال لي: كما أنت حتى

أنظر في هذا الحديث، فقلت له:قد والله ألزم أبو عبد الله رقبتك شيئا ال يذهب من رقبتك أبدا، فقال: وأي شئ ذلك؟فقلت له: ثالث ال يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخالص العمل لله قد عرفناه، والنصحيةألئمة المسلمين، من هؤالء األئمة الذين تجب علينا نصيحتهم؟ معاوية بن أبي سفيان،ويزيد بن معاوية، ومروان بن الحكم، وكل من ال تجوز شهادته عندنا، وال تجوز الصالةخلفهم؟ وقوله: اللزوم لجماعتهم، فأي الجماعة؟ مرجئ يقول من لم يصل ولم يصم ولميغتسل من جنابة وهدم الكعبة ونكح أمه فهو على دين جبرئيل وميكائيل، أو قدري يقول:ال يكون ما شاء الله عز وجل ويكون ما شاء إبليس، أو حروري يبرأ من بن أبي طالبوشهد عليه بالكفر، أو جهمي يقول إنما هي معرفة الله وحده ليس اإليمان شيئا غيرها؟قال: ويحك وأي شئ يقولون؟ فقلت: يقولون: إن علي بن أبي طالب والله اإلمام الذيتجب علينا نصيحته، ولزوم جماعته أهل بيته، قال: فأخذ الكتاب فخرقه، ثم قال: ال تخبربها أحدا (١) قوله عليه السالم: «ورفض أهل البدع» رفضت الشيء رفضا - من باب

ضرب وفي لغة من باب قتل -: تركته.____________________

(١) الكافي: ج ١ ص ٤٠٣ ح ٢.

(٣٦٠)

Page 342: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________بمعنى اإلحداث االبتداع اسم من بالكسر كسدرة وسدر، وهي بدعة والبدع: جمع واالختراع، كالرفعة من االرتفاع، ثم غلب استعمالها في محدثات األمور المخالفة للشريعة

بعد عهد النبي، وقد تقدم الكالم عليها مستوفى في الروضة السادسة، (١) فليرجع إليه.كون على المعتمدة النسخ اتفقت المخترع» الرأي «ومستعمل السالم: عليه قوله «مستعمل» مفردا، وما يوجد في بعض التراجم من روايته مجموعا بالياء وحذف النونالرأي «واستعمال قديمة نسخة في ووقع دراية، وإن صح رواية يثبت لم إلضافة،

الرفض. إليه المضاف البدع أهل على عطف فهو حال كل وعلى المخترع»، واستعمل رأيه وأعمله: عمل به.

والرأي: لغة: العقل والتدبير واالعتقاد، وعرفا: تطلق تارة على القياس وهو مساواة فرعاألصل في علة حكمه.

قال صاحب القاموس: وأصحاب الرأي: أصحاب القياس، ألنهم يقولون برأيهم فيما لميجدوا فيه حديثا أو أثرا (٢).

وتارة على استحسان العقل وإن عارض النص وخالفه، كما قال به أبو حنيفة، وفسر بأنهدليل ينقدح في نفس المجتهد وربما قصرت عنه عبارته.

حكى الزمخشري في ربيع األبرار قال: قال يوسف بن أسباط: رد أبو حنيفة على النبيصلى الله عليه وآله أربعمائة حديث أو أكثر، قيل: ومثل ما ذا؟ قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: للفرس سهمان، وقال أبو حنيفة ال أجعل سهم بهيمةأكثر من سهم المؤمن. وأشعر رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه البدن، وقال أبو

حنيفة: اإلشعار مثلة. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: البيعان بالخيار____________________

(١) ج ٢ ص ٢٦٣.(٢) القاموس المحيط: ج ٤ ص ٣٣٢.

(٣٦١)

Page 343: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ما لم يتفرقا، وقال أبو حنيفة: إذا وجب البيع فال خيار.

وكان صلى الله عليه وآله يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا، وقال أبو حنيفة: القرعة قمار (١)،انتهى.

والمخترع: اسم مفعول من اخترع الدليل أو الحكم وما أشبهه، أي: ارتجله وابتكره ولميسبق إليه، وهذا القول مخترع أي: مفتعل ال أصل له. وهو هنا نعت جيء به إلفادة الذمكالشيطان الرجيم، ال قصد التوضيح، إذ الرأي في األحكام الشرعية ال يكون إال مخترعا

مفتعال ال أصل له في كتاب وال سنة.وروى ثقة اإلسالم في الكافي عن أبي عبد الله عليه السالم أنه قال: إن أصحاب المقاييسطلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من الحق إال بعدا، وان دين الله ال يصاب

بالمقاييس (٢).وعن أبي جعفر عليه السالم: من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما ال يعلم، ومن دان الله بما

ال يعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما ال يعلم (٣).وعن علي عليه السالم: من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس، ومن دان الله

بالرأي لم يزل دهره في ارتماس (٤).وعن أبي بصير قال: قلت ألبي عبد الله عليه السالم: ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتابالله وال سنة فننظر فيها؟ فقال: ال، أما إنك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على

الله عز وجل (٥).واألخبار في هذا المعنى كثيرة جدا، وبطالن القياس والرأي من ضروريات مذهب أهل

البيت عليهم السالم.____________________(١) ربيع األبرار مخطوط: ص ١٦٥.

(٢) الكافي: ج ١ ص ٥٦ ح ٧.(٣) و (٤) الكافي: ج ١ ص ٥٧ ح ١٧.

(٥) الكافي: ج ١ ص ٥٦ ح ١١.

(٣٦٢)

Page 344: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله واجعل أوسع رزقك علي إذا كبرت، وأقوى قوتك في إذانصبت، وال تبتليني بالكسل عن عبادتك، وال العمى عن سبيلك، وال بالتعرض لخالف

محبتك، وال مجامعة من تفرق عنك، وال مفارقة من اجتمع إليك.____________________

الجعل: بمعنى التصيير المتعدي إلى مفعولين، وهما هنا المنصوبان بعده، أولهما:أوسع، والثاني: الظرف أعني «علي»، وهو متعلق بمحذوف أي: كائنا علي، ألن مفعولي

التصيير في األصل مبتدأ وخبر، والظرف إذا وقع خبرا ال يكون اال مستقرا.وإذا: ظرف للفعل مضمن معنى الشرط، وما قبلها هو الجواب في المعنى، كما في قولك:

أكرمني إذا جئتك.وقول بعض القاصرين: «إذا» نصبت ظرفية مجردة عن معنى الشرط ثاني مفعولي اجعلبمعنى صير، الناصب ألوسع على أنه األول، خبط صريح، وكيف تقع إذا المنصوبة علىالظرفية ثاني مفعولي اجعل؟ ووقوعها مفعوال عند من زعمه يستلزم خروجها عن الظرفية.وأما قوله بعد ذلك: أو مجردة عن الظرفية أيضا على تقدير مضاف ألوسع لئال يلزم اإلخبارباسم الزمان عن اسم العين، فالتقدير: اجعل وقت أوسع رزقك وقت كبري، فهو تعسف

شديد وتكلف ما عليه مزيد، وال داعي إليه أصال.أما أوال: فالقول بخروج «إذا» عن الظرفية خالف قول الجمهور.

قال ابن هشام: والجمهور على أن «إذا» ال تخرج عن الظرفية (١).وقال الرضي: إخراج «إذا» عن الظرفية قليل (٢).

والتخريج على األمور البعيدة واألوجه الضعيفة وترك الوجه القريب والقوي، من الجهاتالتي يجب على المعرب احترازها.

____________________(١) المغني: ص ١٢٩.

(٢) شرح الكافية في النحو للرضي: ج ٢ ص ١٠٣.

(٣٦٣)

Page 345: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وأما ثانيا: فالقائلون بخروجها عن الظرفية إنما قالوا به في مواضع لم يظهر لهم كونها فيهاظرفا، فاحتاجوا إلى القول بذلك، كوقوعها موقع المبتدأ والخبر أو المفعول به أو فيموضع جر، ولم يذهبوا إلى خروجها عن الظرفية في كل موضع البتة، حتى يحتاج إلىالتخريج عليه في مثل هذه العبارة المتعين فيها ظرفيها، فأي داع إلى القول به؟ نسأل الله

الهداية.والقوة: هي تمكن الحيوان من األفعال الشاقة، وإضافتها إليه تعالى باعتبار خلقه سبحانه

لها.ونصب نصبا - من باب تعب تعبا -: أعيا.

وإنما سأل عليه السالم جعل أوسع الرزق عليه وقت الكبر، ليستغني عن تكلف تحصيلهومشقة تدبيره في الوقت المقتضي لضعف البنية عن كثير الحركة، وسأل جعل أقوى القوة

فيه وقت اإلعياء، ليقاوم ما يوجبه اإلعياء من الضعف وانحالل القوى، وهو ظاهر.وقوله: «ال تبتليني» يروى بالجزم وبالنون المؤكدة وهي األشهر.

والكسل بالتحريك: وقوف األعضاء وفتورها عن أعمالها، بسبب تحلل الروح وضعفهورجوعه إلى االستراحة.

وفي القاموس: الكسل: التثاقل عن الشيء والفتور فيه، كسل كسال - من باب تعب - فهوكسل وكسالن (١).

قال بعض العارفين: الكسل عن العبادة من صفات الجاهل المحبوس في سجن الطبيعةالبشرية، والمغلول بأغالل لواحق القوة الشهوية، والمصفود بصفاد عوارض القوى البدنية،

فهو ثقيل ال تحركه ريح النشاط إلى الدرجة العليا، وال تعرج به____________________(١) القاموس المحيط: ج ٤ ص ٤٤.

(٣٦٤)

Page 346: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

عند إليك وأتضرع الحاجة، عند وأسألك الضرورة، عند بك أصول واجعلني اللهم إذا بغيرك باالستعانة تفتني وال المسكنة،

____________________أريحية العبادة عن المرتبة الدنيا.

والمراد بالعمى هنا: الضالل والغواية، مستعار من عمى البصر بجامع عدم االهتداء إلىالمطلوب.

سبيله تعالى: هو الطريق المستقيم الموصل إلى معالم الحق والهدى الناجي سالكه منالتردي في مهاوي الردى.

وتعرض للشيء وتعرضه، يتعدى بالحرف وبنفسه، أي: تصدى له وطلبه، ذكره األزهري(١) وغيره.

والخالف: المخالفة، يقال: خالفه خالفا ومخالفة: إذا ذهب إلى غيرها ذهب إليه.والمراد بمحبته تعالى هنا: رضاه، وهو إفاضة ثوابه ورحمته.

والمجامعة: مصدر جامعه على األمر أي: اجتمع معه وساعده وشايعه عليه.وتفرق الناس عن فالن: أعرضوا عنه وتركوه، وال يقال ذلك إال فيمن كان رئيسا في دين أو

دنيا، ألن التفرق عنه ال يكون إال بعد االجتماع عليه.والمراد بالمتفرقين عنه تعالى: المتفرقون عن أمره وطاعته. كما أن المراد بالمجتمعين إليه:

المجتمعون إلى دينه وطاعته.وعدى االجتماع ب «إلى» لتضمينه معنى الركون، وهو السكون إلى الشيء والميل إليه،

والله أعلم.صال عليه يصول صوال: حمل وسطا.

قال ابن األثير في النهاية في حديث الدعاء: وبك أصول أي: أسطو وأقهر____________________

(١) تهذيب اللغة: ج ١ ص ٤٦٢.

(٣٦٥)

Page 347: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اضطررت، وال بالخضوع لسؤال غيرك إذا افتقرت، وال بالتضرع إلى من دونك إذا رهبت،فأستحق بذلك خذالنك ومنعك وإعراضك يا أرحم الراحمين.

____________________والصولة: الحملة والوثبة (١).

والضرورة اسم من االضطرار، وهو االحتياج واالفتقار إلى الشيء، فالباء لالستعانة.وسألت الله العافية: طلبتها، ولم يذكر المفعول الثاني ألن المراد إيقاع سؤاله تعالى مطلقا.

والحاجة: اسم من االحتياج.وتضرع إلى الله: خضع وتذلل، أو تعرض لطلب الحاجة.

والمسكنة: الذل والخضوع والقهر، ومنه: «ضربت عليهم الذلة والمسكنة» (٢)، وهيبهذا المعنى تجامع الغنى والثروة، وتطلق على الفقر وقلة المال وسوء الحال.

واشتقاقها على المعنيين من السكون، لسكون صاحبها إلى الناس. فإن حملتها في الدعاءعلى المعنى األول كان المراد بالتضرع التذلل والخضوع.

وإن حملتها على المعنى الثاني كان المراد به التعرض لطلب الحاجة.وفتنه فتونا - من باب ضرب -: امتحنه.

وقال بعضهم: الفتنة: هي الضالل عن الحق بمحبة أمر ما من األمور الباطلة، واالشتغال بهعما هو الواجب من سلوك سبيل الله.

وعلى هذا فمعنى «ال تفتني» ال تضلني، كما قالوا: ربنا ال تضلنا. وال شك أن االستعانةبغير الله سبحانه حال االضطرار، والخضوع لسؤال غيره عند االفتقار، والتضرع إلى من هو

دونه وقت الرهبة، من الضالل عن سبيل الحق، إذ كان ذلك____________________(١) النهاية البن األثير: ج ٣ ص ٦١.

(٢) سورة البقرة: اآلية ٦١.

(٣٦٦)

Page 348: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________التجاء في جلب النفع ودفع الضرر إلى من ال يملك لنفسه نفعا وال ضرا وعدوال عمن بيدهأزمة األمور القادر على كل مقدور، ولذلك حكم عليه السالم باستحقاق الخذالن والمنعواإلعراض منه تعالى، من حيث عدم استعداده لنفحات الله سبحانه بالتوجه إليه واالعتمادعليه، بالتوجه إلى غيره واشتغال قلبه بسواه، وقد تقدم الكالم على هذا المعنى مبسوطا في

الروضة الثالثة عشرة.وقوله: «إلى من دونك» أي: من سواك، فدون بمعنى «سوى» الظرفية التي هي بمعنىمكان الذي يدخله معنى العوض والبدل، أو بمعنى «غير» فهو خبر ل «هو» محذوفا، أوحال ل «ثبت» مضمرا، والتقدير: إلى الذي ثبت حالة كونه دونك، أو بمعنى «تحت».

قال الجوهري: دون نقيض فوق، وهو تقصير عن الغاية (١).أو بمعنى «قدام» كأنه قدامه تعالى في المكان، وهو سبحانه وراءه، تعالى الله عن ذلك.

وقوله عليه السالم: فأستحق الفاء: للسببية، والفعل منصوب بعدها ب «أن مضمرة لوقوعهبعد النهي الصريح نحو: «وال تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي» (٢).

والخذالن بالكسر: اسم من خذله - من باب قتل - إذا أهمله وترك إعانته.ومنعه معروفه ومنعه منعا: حرمه إياه.

وأعرض عنه إعراضا: صد، وهو هنا مجاز عن االستهانه به والسخط عليه، كقوله تعالى:«وال ينظر إليهم» (٣)، وقد تقدم الكالم عليه، والله أعلم.

____________________(١) الصحاح للجوهري: ج ٥ ص ٢١١٥.

(٢) سورة طه: اآلية ٨١.(٣) سورة آل عمران: اآلية ٧٧.

(٣٦٧)

Page 349: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم اجعل ما يلقي الشيطان في روعي من التمني والتظني والحسد ذكرا لعظمتك، وتفكرافي قدرتك، وتدبيرا على عدوك، وما أجرى على لساني من لفظة فحش، أو هجر، أو شتمعرض، أو شهادة باطل، أو اغتياب مؤمن غائب، أو سب حاضر، وما أشبه ذلك، نطقالنعمتك، واعترافا الثناء عليك، وذهابا في تمجيدك، وشكرا بالحمد لك، وإغراقا في

بإحسانك، وإحصاء لمننك.____________________

إلى أخرى. قال صاحب الشيء من حالة التصيير، وهو نقل الجعل بمعنى اجعل: من إياه (١). الطين خزفا والقبيح حسنا: صيره المحكم: جعل

وألقى الشيء يلقيه القاء: طرحه ووضعه. وأصله أن يستعمل في األعيان كقوله تعالى:«وألقى األلواح» (٢)، «فألقوا حبالهم» (٣)، ثم استعمل في المعاني اتساعا، ومنه قولهتعالى: «وألقيت عليك محبة مني» (٤)، «سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب» (٥)،

وهو هنا كذلك.والروع بالضم: القلب، وقيل: سواده، ويطلق على الذهن والعقل.

والتمني: تشهي حصول األمر المرغوب فيه، وحديث النفس بما يكون وبما ال يكون،والتكذب، من منى يمني إذا قدر، ألن الكاذب يقدر الحديث في نفسه ثم يقوله، ومنه:أهذا شئ رويته أو شئ تمنيته؟ أي: اختلقته، وكل من هذه المعاني يحتمل إرادته هنا.

والتظني: إعمال الظن، وأصله التظنن أبدل من إحدى النونات ياء، ومنه قولهم: ليس األمربالتظني وال بالتمني.

والحسد: تمني زوال نعمة المحسود إلى الحاسد.____________________

(١) المحكم البن سيده: ج ١ ص ١٩٨.(٢) سورة األعراف: اآلية ١٥٠.

(٣) سورة الشعراء: اآلية ٤٤.(٤) سورة طه: اآلية ٣٩.

(٥) سورة آل عمران: اآلية ١٥١.

(٣٦٨)

Page 350: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والذكر: حضور المعنى في النفس، ثم يكون تارة بالقلب وتارة باللسان، وليس شرطه أن

يكون بعد نسيان، وقد تقدم الكالم على بيان مراتبه في الروضة الحادية عشر (١).العقول، حتى ال يتصور اإلحاطة بكنهه وعظمته تعالى: عبارة عن تجاوز قدره حدود

وحقيقته.وقال بعض العارفين: اعلم أن عظمة الحق تعالى صفة إضافية ثابتة، له تعالى بالقياس إلىاعتقاد العبد وتصوره وإثباته لغيره عز وجل وجودا، وإال فليس لما سواه في جنب وجوده

تعالى وجود حتى يتصف بالعظمة بالقياس إليه، لكناإلنسان يتصور لنفسه بقوته الوهمية وجودا مستقال، وبواسطة وجوده الموهوم يثبت للعالموأفراده وجودا مستقال، يقيس إليها وجود الحق فيصفه بالعظمة، ثم بقدر ما يظهر قصور

وجوده وضعفه وقصور الموجودات اإلمكانية وضعفها يزيد في نظره عظمة الحق.ولهذا قيل: إن ظهور اإلنسان سبب خفاء الحق في هذا العالم، فبقدر انكساره وافتقاره

يظهر وجود الحق وعظمته وكبريائه.والتفكر لغة: إعمال النظر في الشيء، واختلفت عبارة العلماء في تفسيره، والمرجع واحد.

قال الغزالي: حقيقة التفكر طلب علم غير بديهي عن مقدمات موصلة إليه، كما إذا تفكر أناآلخرة باقية والدنيا فانية، فإنه يحصل له العلم بأن اآلخرة خير من الدنيا، وهو يبعثه علىالعمل لآلخرة، فالتفكر سبب لهذا العلم، وهذا العلم يقتضي حالة نفسانية هي التوجه إلى

اآلخرة، وهذه الحالة تقتضي العمل لها،____________________

(١) ج ٢ ص ٤٤٧.

(٣٦٩)

Page 351: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقس على هذا، فالتفكر موجب لتنور القلب وخروجه عن الغفلة، وأصل الجميع الخيرات

.(١)وقال المحقق الطوسي قدس سره: التفكر سير الباطن من المبادئ إلى المقاصد، وهو قريبمن النظر، وال يرتقي أحد من النقص إلى الكمال إال بهذا السير، ومبادؤه اآلفاق واألنفس،بأن يتفكر في أجزاء العالم وذراته، وفي األجرام العلوية من األفالك والكواكب وحركاتهاوأوضاعها ومقاديرها واختالفاتها ومقارناتها وتأثيراتها وتغييراتها، وفي األجرام السفليةوترتيبها وتفاعلها وكيفياتها ومركباتها ومعدنياتها وحيواناتها، وفي أجزاء اإلنسان وأعضائهمن العظام واألعصاب والعضالت والعروق وغيرها مما ال يحصى كثرة، ويستدل بها وبمافيها من المصالح والمنافع والحكم على كمال الصانع وحكمته وعلمه وقدرته وعدم ثبوت

ما سواه، وبالجملة:التفكر فيما ذكر ونحوه من حيث الخلق والحكمة والمصالح أثره العلم بوجود الصانعوقدرته، ومن حيث تغيره وانقالبه وفنائه بعد وجود أثره االنقطاع عنه والتوجه بالكلية إلى

الخالق الحق، (٢) انتهى.وهو أعظم العبادات قدرا وأشرفها أثرا وأفخمها رتبة وأرفعها درجة، ولذلك وقع األمر بهفي مواضع كثيرة من القرآن المجيد، ووردت به أخبار عديدة عن سيد المرسلين وأهل بيته

الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.كقوله عليه السالم: تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة (٣).

وقول أمير المؤمنين عليه السالم: التفكر يدعو إلى البر والعمل به (٤).____________________

(١) بحار األنوار: ج ٧١ ص ٣١٩ نقال عنه.(٢) بحار األنوار: ج ٧١ ص ٣١٩ نقال عن المحقق الطوسي.

(٣) مفاتيح الغيب: ص ٣٠٢ و ٦٥٢، مجمع البحرين: ج ٣ ص ٤٤٤، وفيه:ستين سنة.

(٤) الكافي: ج ٢ ص ٥٥ ح ٥.

(٣٧٠)

Page 352: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقول الصادق عليه السالم: أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته (١).

وقول الرضا عليه السالم: ليس العبادة كثرة الصالة والصوم، إنما العبادة التفكر في أمر اللهعز وجل (٢)، إلى غير ذلك.

وأعلم أنه ليس المراد التفكر في حقيقة ذاته وحقيقة قدرته وسرائر صفاته تعالى، فإن معرفتهاخارجة عن طوق البشر ال يصل إليها عقل وال فكر، والتفكر فيها مؤد إلى الضالل المبينالتفكر فيها وفي الله وآثار قدرته، فإن التفكر في صنع المراد الدين، بل واإللحاد في

عظمتها يدل على عظمة الصانع الحق وكمال قدرته.ومما يدل على ذلك.

ما روي عنه صلى الله عليه وآله. تفكروا في الخلق وال تتفكروا في الخالق (٣).وما روي عن أبي جعفر عليه السالم: إياكم والتفكر في الله، ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى

عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه (٤).فقوله عليه السالم: «وتفكرا في قدرتك» أي: في آثار قدرتك وآياتها.

حكى الزمخشري في ربيع األبرار قال: قرب إلى علي بن الحسين عليه السالم طهوره فيوقت ورده، فوضع يده في اإلناء ليتوضأ، ثم رفع رأسه فنظر إلى السماء والقمر والكواكب،

فجعل يفكر في خلقها حتى أصبح وأذن المؤذن ويده في اإلناء (٥).وحكى ذو النون المصري قال: سمعت شخصا قائما وسط البحر وهو يقول:

سيدي سيدي أنا خلف البحور والجزائر، وأنت الملك الفرد بال حاجب وال زائر، من الذيأنس بك فاستوحش، أم من ذا الذي نظر إلى آيات قدرتك فلم يدهش، أما

____________________(١) الكافي: ج ٢ ص ٥٥ ح ٣.(٢) الكافي: ج ٢ ص ٥٥ ح ٤.

(٣) نهج البالغة: ص ٢٣٥.(٤) وسائل الشيعة: ج ١١ ص ٤٥٣ ح ٤.

(٥) ربيع األبرار مخطوط: ص ٩ باب السماء والكواكب.

(٣٧١)

Page 353: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________في نصبك السماء ذات الطرائق، وبضمك الفلك فوق رؤس الخالئق، وإجرائك الماء بالسائق، وإرسالك الريح بال عائق، ما يدل على فردانيتك، أما السماوات فتدل على منعتك،وأما الفلك فيدل على حسن صنعتك، وأما الريح فنشر من نسيم بركاتك، وأما الرعودفتصوت بعظيم آياتك، وأما األرض فتدل على عظيم حكمتك، وأما األنهار فتنفجر بعذوبةكلمتك، وأما األشجار فتخبر بجميل صنعائك، وأما الشمس فتدل على تمام بدائعك (١).قوله عليه السالم: «وتدبيرا على عدوك» دبرت األمر تدبيرا: نظرت إلى ما تؤول عاقبته،

مأخوذ من الدبر وهو اآلخر من كل شئ، ألنه نظر في دبر األمر.وهو قريب من التفكر، ألن التفكر تصرف القلب بالنظر في الدليل، والتدبر تصرفه بالنظر

في العواقب.وعداه ب «على» إيذانا بأن التدبير مستعمل عليه الزم له لزوم الراكب لمركوبه، كقولهم:

هذا لك وهذا عليك.والمراد بعدوه تعالى: المعرض عن عبادته والمبغض لها ولمن تلبس بها من عباده، وهو من

باب إطالق الشيء على ما هو من لوازمه مجازا.قوله عليه السالم: «وما أجرى على لساني من لفظة فحش» إلى آخره، إسناد اإلجراء إلى

الشيطان مجاز عقلي، من حيث إنه سبب أمر، كقولهم: بنى األمير المدينة.والفحش بالضم: السيء والردي، من القول.

وقال في القاموس: الفحش عدوان الجواب، ومنه: ال تكوني فاحشة لعائشة (٢)، انتهى.____________________

(١) ربيع األبرار مخطوط: ص ٨ باب السماء والكواب والعرش والكرسي.(٢) القاموس المحيط: ج ٢ ص ٢٨٢.

(٣٧٢)

Page 354: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقال في النهاية: قال صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة: ال تقولي ذلك فإن الله ال يحبالفحش، أراد بالفحش التعدي في القول والجواب، ال الفحش الذي هو من قذع الكالم

ورديه (١).وقيل: الفحش والفحشاء: ما ينفر عنه الطبع السليم ويستنقصه العقل المستقيم، قوال كان أو

فعال.والهجر: يروى بالضم، والفتح، وهو بالضم: الخنا، والقبيح والفحش، من القول، واإلكثار

من الكالم فيما ال ينبغي، اسم من أهجر في منطقه يهجر إهجارا:إذا أفحش، وكذلك إذا أكثر الكالم فيما ال ينبغي، وبالفتح: الهذيان.

يقال: هجر يهجر - من باب قتل - هجرا بالفتح: إذا خلط في كالمه وهذى.وشتمه شتما - من باب ضرب وقتل -: سبه.

وقيل الشتم: وصف الرجل بما فيه إزراء ونقص سيما فيما يتعلق بالنسب.وعرض الرجل بالكسر: حسبه.

وقيل: خليقته المحمودة.

وقيل: ما يمدح به ويذم.وقال ابن األثير في النهاية: العرض: موضع المدح والذم من اإلنسان، سواء كان في نفسه

أو في سلفه أو من يلزمه أمره (٢).وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه أن ينتقص ويثلب (٣).

وقال ابن قتيبة: عرض الرجل: نفسه وبدنه ال غير (٤).وقيل: هو ما يفتخر به من حسب أو شرف، وقد يراد به اآلباء واألجداد.

____________________(١) النهاية البن األثير: ج ٣ ص ٤١٥.

(٢) و (٣) و (٤) النهاية البن األثير: ج ٣ ص ٢٠٩.

(٣٧٣)

Page 355: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والشهادة: اإلخبار بما قد شوهد أي: عن عيان، وهي اسم من المشاهدة وهي االطالع على

الشيء عيانا.والباطل ما ال يكون صحيحا بأصله، وإضافة الشهادة إلى الباطل إما بمعنى الم االختصاص،

أو على حذف الجار واإليصال، كان األصل شهادة على الباطل.واغتاب فالن فالنا: إذا ذكره بما يسوؤه ويكرهه من العيوب وكان فيه، فإن لم يكن فيه

فهو بهت وتهمة.وفي العرف: ذكر اإلنسان المعين أو بحكمه في غيبته بما يكره نسبته إليه مما هو حاصلالعرف بقصد االنتقاص والذم، قوال أو إشارة أو كناية تعريضا أو فيه، ويعد نقصا في تصريحا، فال غيبة في غير معين كواحد مبهم من غير محصور كأحد أهل البلد، بخالفمبهم من محصور كواحد من المعينين كأحد قاضيي البلد فاسق مثال، فإنه في حكم المعينكما صرح به شيخنا البهائي قدس سره في شرح األربعين (١)، وال بذكر عيبه في حضورهوإن كان آثما إليدائه ال بقصد الوعظ والنصيحة، وال بذكر ما ليس فيه فإنه بهتان وتهمة،وال بذكر ما يكره وال يعد نقصا، وال بذكر عيبه ال لقصد االنتقاص، كذكره للطبيب لقصد

العالج وللسلطان لقصد الترحم.فإن قلت: ما فائدة وصف المؤمن بالغائب؟ فإن االغتياب هو ذكر الرجل بما يسوؤه في

غيبته، فال يكون إال لغائب.قلت: هو من باب التصريح بما علم ضمنا، وفائدته التنصيص على متعلق االغتياب.

____________________(١) كتاب األربعين: ص ١٣٣.

(٣٧٤)

Page 356: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________تنبيهاتاألول:

الغيبة حرام لآليات والروايات وإجماع األمة، وقد عدت من الكبائر، ولو لم يرد فيها إالقوله تعالى: «وال يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا» (١)، فإنهمثل االغتياب بأكل اإلنسان لحم إنسان آخر مثله، ثم لم يقتصر على ذلك حتى جعله لحم

األخ، ثم لم يقتصر حتى جعله ميتا، ثم جعل ما هو في غاية الكراهة موصوال بالمحبة.وقول نبيه صلى الله عليه وآله: إياكم والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا، الرجل يزني فيتوب

الله عليه وإن صاحب الغيبة ال يغفر له حتى يغفر صاحبه (٢).قال بعض علمائنا: إن المغتاب لما لم يكن معصوما ينبغي أن يكون له في عيبه لنفسه شغلعن عيب الناس، ولو فرض أنه خال عن العيوب كلها، فلينزه نفسه عن الغيبة التي هي من

أقبح العيوب ومن أعظم الكبائر (٣).قال شيخنا الشهيد الثاني قدس سره: والعجب من علماء الزمان أن كثيرا منهم يجتنب كثيرامن المعاصي الظاهرة من شرب الخمر والزنا وغصب أموال الناس ونحوها، وهم مع ذلكيتعاطون الغيبة، والسبب فيه إما الغفلة عن تحريمها وما ورد من الوعيد عليها، وإما ألن مثلذلك من المعاصي ال يخل عرفا بمراتبهم ومنازلهم من الرئاسات، لخفاء هذا النوع منالمنكر على من يرومون المنزلة عنده من أهل الجهاالت، ولو رغبوهم في الشراب أو الزناأو غصب مال الغير ما أطاعوه، لظهور فحشه عند العامة وسقوط منزلتهم، ولو استبصرواعلموا أن ال فرق بين المعصيتين، بل ال نسبة بين المعصية المستلزمة لإلخالل بحقه تعالى

وبين ما يتعلق مع ذلك بحق____________________

(١) سورة الحجرات: اآلية ١٢.(٢) المحجة البيضاء: ج ٥ ص ٢٥١.

(٣) شرح الكافي للمولى محمد صالح المازندراني: ج ١٠ ص ٥.

(٣٧٥)

Page 357: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________العبد، خصوصا بأعراضهم التي هي أجل وأشرف من أموالهم (١).

الثاني:كفارة الغيبة أن يندم المغتاب ويتوب ويتأسف على فعله ليخرج من حق الله أوال، ثميستحل من اغتابه ليحله فيخرج عن مظلمته، وذلك إذا أمكنه الوصول إليه، وينبغي أنيستحله وهو حزين متأسف نادم على فعله مستح مما (٢) ارتكبه، فإن المرائي قد يستحل

ليظهر من نفسه الورع، وفي الباطن ال يكون تائبا، فيكون قد قارف معصية أخرى (٣).يدل على ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: من كانت ألخيه قبله مظلمة فيعرض أو مال فليستحللها منه، من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار وال درهم، يؤخذ منحسناته فتزاد في حسنات صاحبه، فإن لم تكن له حسنات اخذ من سيئات صاحبه فتزاد

على سيئاته (٤).وإن لم يمكنه الوصول إما لموت أو لغيبة فليستغفر له. يدل على ذلك ما رواه ثقة اإلسالمفي الكافي عن أبي عبد الله عليه السالم، قال: سئل النبي صلى الله عليه وآله ما كفارة

االغتياب؟ قال: تستغفر الله لمن اغتبته كلما ذكرته (٥).ويستحب للمعتذر إليه قبول العذر، فإن لم يقبل كان اعتذاره وتودده حسنة محسوبة له،

وقد تقابل سيئة الغيبة في القيامة.وال فرق بين اغتياب الصغير والكبير والحي والميت والذكر واألنثى.

بالهداية، وللميت للصغير فيدعو يليق بحاله، ما له بحسب وليكن االستغفار والدعاء بالرحمة والمغفرة ونحو ذلك.

____________________(١) كشف الريبة عن أحكام الغيبة: ص ٤٩ - ٥٠ مع اختالف يسير في

العبارة.(٢) (ج): بما.

(٣) المحجة البيضاء: ج ٥ ص ٢٧٣.(٤) المحجة البيضاء: ج ٥ ص ٢٧٣، احياء العلوم: ج ٣ ص ١٥٣ مع اختالف

يسير فيهما.(٥) الكافي: ج ٢ ص ٣٥٧ ح ٤.

(٣٧٦)

Page 358: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وال يسقط الحق بإباحة اإلنسان عرضه، ألنه عفو عما لم يجب، كما أن لو أباح قذفنفسه لم يسقط حقه من الحد. والظاهر أنه تجب في هذه الكفارة النية كما في سائر

الكفارات.الثالث:

جوز العلماء الغيبة في عشرة مواضع: الشهادة، والنهي عن المنكر، وشكاية المتظلم، ونصحالمستشير، وجرح الشاهد والراوي، وتفضيل بعض العلماء والصناع على بعض، وغيبة

المتظاهر بالفسق الغير المستنكف على قول، وقيل:مطلقا، وقيل بالمنع مطلقا، وذكر المشتهر بوصف مميز له كاألعور واألعرج مع عدم قصداالحتقار والذم، وذكره عند من يعرفه بذلك بشرط عدم سماع غيره على قول، والتنبيه على

الخطأ في المسائل العلمية ونحوها بقصد أن ال يتبعه أحد فيها (١).ثم هذه األمور إن أغنى التعريض فيها فال يبعد القول بتحريم التصريح، ألنها إنما شرعتللضرورة، والضرورة تقدر بقدر الحاجة، والله أعلم. قوله عليه السالم: «أو سب حاضر»

السب: الشتم، سبه سبا من باب قتل.قيل: أصله من السب بمعنى القطع، ألن الساب يقطع المسبوب.

وقيل: من السبة بالضم وهي حلقة الدبر، كأن الساب كشف بشتمه عورة المسبوب، ومنهقيل لإلصبع التي تلي اإلبهام: سبابة، ألنها يشاربها عند السب.

قال بعضهم: وسب الحاضر أن يقول له مثال: يا شارب الخمر، أو يا آكل الربا، أو ياملعون، أو يا خائن، أو يا حمار، أو يا كلب، أو يا خنزير، أو يا فاسق، أو يا فاجر، وأمثال

ذلك.وسب الكندي رجال فقال له: أنت والله ثقيل الظل مظلم الهواء جامد النسيم.

وتساب بدويان فقال أحدهما لصاحبه: أراك والله تعطس عن أنف طالما____________________

(١) كشف الريبة: ص ٧٧.

(٣٧٧)

Page 359: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________جدع على الهوان، فقال له صاحبه والله لئن تكف عني شرة لسانك ولم تستر عني عورةكلمتك، ألصدعن صفاتك بمعول ال ينبو عن مضربه، وألحصدن رأسك بمنجل ال ينشئعن مأخذه فقال له األول: ال تعسر نارنا وال تطلب عوارنا، فإن سفه الجاهل بلسانه وسفهاللبيب بيده، وكأني بك وقد وعيت مني كالما يمنعك الشراب البارد، ويشمت بك الصادر

والوارد، وقل من تمرد على العافية إال تمرد عليه البالء، فانقلب عنه صاحبه مغيظا يهمهم.روى ثقة اإلسالم في الكافي عن أبي جعفر عليه السالم قال: قال رسول الله صلى الله عليهوآله: سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه

.(١)وعن أبي الحسن موسى عليه السالم في رجلين يتسابان، قال: البادي منهما أظلم، ووزره

ووزر صاحبه عليه ما لم يعتذر إلى المظلوم (٢).قوله عليه السالم: «وما أشبه ذلك» إشارة إلى المذكور مما أجرى الشيطان على لسانه،

يعني ما ماثله في الهجنة واإلثم، كالبهت والنميمة والسعاية واالستهزاء والتهمة والرواية على المؤمن والكذب إلى غيرذلك، فإن كل ذلك مباين لمكارم األخالق وحسن الشيم، مناف لمقتضى اإليمان والتقوى

والورع.قوله عليه السالم: «نطقا بالحمد لك» النطق بالضم: اسم من نطق ينطق نطقا - من باب

ضرب - إذا تكلم بصوت وحروف تعرف بها المعاني.والمراد بالحمد هنا: الحمد اللغوي بداللة النطق، وهو الوصف بالجميل على جهة التعظيمباللسان، وقد يراد به القول االصطالحي، وهو حمد اللسان وثناؤه على الحق تعالى بما أثنى

به على نفسه على لسان أنبيائه، فتكون الالم فيه للعهد.____________________

(١) الكافي: ج ٢ ص ٣٦٠ ح ٢.

(٢) الكافي: ج ٢ ص ٣٦٠ ح ٤.

(٣٧٨)

Page 360: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وأغرق في الشيء إغراقا: بالغ فيه وأطنب، وهو من أغرق الرامي في القوس: إذا استوفى

مدها.قال الزمخشري في األساس: أغرق الرامي النزع، ومنه اإلغراق في القول وغيره، وهو

المبالغة واإلطناب (١).والثناء بالمد قيل: هو وصف الشيء بمدح أو ذم.

وقيل: خاص بالمدح.وقيل: استعماله في المدح أكثر من الذم.

والحق أنه عند اإلطالق ال ينصرف إال إلى المدح، لقوله:إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه من تعرضه الثناء وفي الحديث: ال أحصي ثناء عليك، أنت

كما أثنيت على نفسك (٢).وذهب يذهب ذهابا بالفتح وذهوبا: سار ومضى، ثم استعير لالستغراق في الشيء والتوغل

واإلمعان، كأنه سار فيه ومضى ولم يقف.ومجده تمجيدا: أعظمه وأثنى عليه بالشرف والكرم.

والشكر: عبارة عن المعروف المقابل به النعمة، سواء كان باللسان أو باليد أو بالقلب.وقيل: هو الثناء على المحسن بذكر إحسانه.

واعترف بالشيء اعترافا: أقر به على نفسه.واإلحسان: فعل ما ينبغي من الخير.

وأحصى الشيء إحصاء: عده وحفظه.والمنة: النعمة، والمراد بإحصائها: حفظها عن الكفر بها، أو االعتداد بها صونا

____________________(١) أساس البالغة: ص ٤٤٩.

(٢) سنن أبي داود: ج ١ ص ٢٣٢.

(٣٧٩)

Page 361: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وال أظلمن وأنت مطيق للدفع عني وال أظلمن وأنت القادرعلى القبض مني، وال أضلن وقد أمكنتك هدايتي، وال أفتقرن ومن عندك وسعي، وال أطغين

ومن عندك وجدي.____________________

لها عن إهمال شكرها وعدم االلتفات إليها، واال فنعمة الله تعالى ال تحصى، كما قالسبحانه: «وإن تعدوا نعمة الله ال تحصوها» (١) والله أعلم.

تنبيهالجعل المطلوب أعني نقل السيئات المذكورة التي ألقاها الشيطان في روعه وأجراها علىلسانه إلى الحسنات المطلوبة، إما بمحوها بالتوبة وإثبات الحسنات مكانها، أو بتبديلملكاتها ودواعيها في النفس بملكات الحسنات المذكورة بأن يزيل األولى ويأتي بالثانية، أوالمقابلة لها، وبكل فسر قوله تعالى: له بدل عقاب كل منها ثواب الحسنة بأن يثبت «فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات» (٢)، وقد تقدم الكالم على ذلك في آخر الروضة

الثانية (٣).ال طلبية للدعاء.

وأظلم: مبني للمفعول مجزوم بها مؤكد بالنون الثقيلة مسند إلى ضمير المتكلم، وقس علىذلك البواقي، إال أن الفعل فيها مبني للفاعل.

بقلته النحويون الفصيح، وإن صرح في ثابت المتكلم لفعل الطلبية والجزم ب «ال» وندوره، ومن شواهده قوله صلى الله عليه وآله: ال الفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه

األمر مما أمرت به (٤) الحديث رواه األكثرون.____________________

(١) سورة إبراهيم: اآلية ٣٤.

(٢) سورة الفرقان: اآلية ٧٠.(٣) ج ١ ص ٥٠٢.

(٤) سنن ابن ماجة: ج ١ ص ٦ - ٧ ح ١٣.

(٣٨٠)

Page 362: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم إلى مغفرتك وفدت، وإلى عفوك قصدت، وإلى تجاوزك.اشتقت، وبفضلك وثقت، وليس عندي ما يوجب لي مغفرتك، وال في عملي ما أستحق بهعفوك، ومالي بعد أن حكمت على نفسي إال فضلك، فصل على محمد وآله وتفضل علي.

____________________وقوله: «مني»: ظرف مستقر متعلق بمحذوف حال من القبض، أي: كائنا منى.

وأمكنه األمر إمكانا: سهل وتيسر.وافتقر: مطاوع أفقره، يقال: فقر يفقر - من باب تعب -: إذا قل ماله، وأفقره فافتقر.

والوسع بالضم: الجدة والغنى.وطغا طغوا من باب قال، طغى يطغى من باب تعب، ومن باب نفع لغة أيضا فيقال: طغيت،واالسم الطغيان، وهو مجاوزة الحد واإلسراف في المعاصي والتكبر، قال تعالى: «إن

اإلنسان ليطغى. أن رآه استغنى» (١).بالطغيان تبتلني الثروة واالستغناء أي: ال الجدة، وهي بالضم ويفتح ويكسر: والوجد باالستغناء فأطغى، والحال أن استغنائي من عندك، فإن الطغيان بالمال إنما يكون بسببنسيان العبد فضل ربه وعنايته به، فينسب ذلك إلى كفاية نفسه ال إلى عناية الله تعالى، أماإذا اعلم أن غناه وجدته من فضله سبحانه، فإنه ال يزيد إال تواضعا وعبودية. بل إذا تأملوجد نفسه في حال الغنى أشد افتقارا إلى الله (٢)، ألن الفقير ال يتمنى إال سالمة نفسه،

والغني يتمنى سالمة نفسه وماله وأهله وجاهه، والله أعلم.تقديم الظرف في الفقرات األربع للتخصيص، ومعناه: إلى مغفرتك وفدت ال إلى غيرها،

وقس على ذلك.ووفد إليه وعليه يفد وفدا - من باب وعد - ووفودا ووفادة: قدم وورد، وغلب

____________________(١) سورة العلق: اآلية ٦ و ٧.

(٢) (ج): تعالى.

(٣٨٢)

Page 363: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________استعمال الوفود في قصد الملوك واألمراء ونحوهم للزيادة واالسترفاد واالنتجاع.

والمراد به هنا: توجه نفسه إلى طلب مغفرته تعالى، فهو استعارة، فإن قصد فيه إلى تشبيهنفسه بالشخص الوافد على عظيم في توقع حصول النفع منه ونيل اإلحسان لديه، وجعل

إثبات الوفود لها تنبيها على ذلك، كان من قبيل االستعارةبالكناية.

وإن حمل على أن المشبة به فيه هو المعنى المصدري الحقيقي للوفود، والمشبه توجهنفسه، كان طرفا التشبيه حينئذ مفردين واالستعارة تبعية.

وإن جعل المشبة به فيه صورة منتزعة من نفسه وتوجهها إلى المغفرة وطلبها لها وترجيشمولها له، بصورة منتزعة من الوافد إلى ملك أو نحوه وقصده له وانتجاعه له واسترفادهإياه وتأميل نيل إحسانه، كان طرفا التشبيه حينئذ مركبين منتزعين من عدة أمور، واالستعارةتمثيلية والمستعار مجموع األلفاظ الدالة على الصورة المشبه بها، إال أنه اقتصر منها علىلفظ الوفود الدال على ما هو العمدة في هذه الصورة، فيدل بمعونة قرائن األحوال على أنفتكون في حكم اإلرادة في منوية الصورة أجزاء هذه الدالة على سائر األلفاظ سائر الملفوظ، وال يخفى أن هذا الوجه أنسب بالمقام وأدخل في تحصيل المرام، وأخذ (١)على ذلك ما أشبهه من األلفاظ المستعارة، واختر من الوجوه المذكورة ما هو أليق بمدلول

العبارة.وقصدت الشيء وله وإليه قصدا - من باب ضرب -: طلبته بعينه.

وتجاوزت عن الذنب تجاوزا: عفوت عنه وصفحت، وقد تقدم بيانه.والشوق: نزاع النفس إلى الشيء.

وقيل: هو اهتياج النفس إلى لقاء المحبوب، يقال: اشتاقه واشتقاق إليه بمعنى____________________

(١) (ج): واحذ.

(٣٨٣)

Page 364: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم وأنطقني بالهدى، وألهمني التقوى، ووفقني للتي هي أزكى، واستعملني بما هوأرضى، اللهم اسلك بي الطريقة المثلى، واجعلني على ملتك أموت وأحيا.

____________________والفضل: ابتداء اإلحسان بال علة.

ووثق به يثق بكسرهما ثقة ووثوقا: اعتمد عليه.قوله عليه السالم: «وليس عندي ما يوجب لي» يحتمل أن يكون الواو لالستئناف، فالجملةال محل لها من اإلعراب، وأن تكون للحال، فالجملة في محل نصب، أي: والحال أنه ليس

عندي ما يوجب (١) مغفرتك.ووجب الحق يجب وجوبا: لزم وثبت، وأوجبه: ألزمه وأثبته.

والمغفرة: هي أن يستر القادر القبيح ممن هو تحت قدرته، حتى أن العبد إذا ستر عيبسيده مخافة عقابه ال يقال: غفر له. واستحق الشيء استوجبه.

قوله عليه السالم: «بعد أن حكمت على نفسي» أن: مصدرية، أي: بعد حكمي، يقال:حكم عليه حكما وحكومة أي: قضى.

ولم يذكر المحكوم به لداللة الكالم السابق عليه فحذفه اختصارا، إذ المعنى:بعد أن حكمت على نفسي بعدم ما يوجب لي مغفرتك وما أستحق به عفوك.

واالستثناء مفرغ، وهو في الحقيقة من عام محذوف، وما بعد إال بدل من ذلك المحذوف،والتقدير: وما لي شئ إال فضلك.

والفاء من قوله: «فصل» فصيحة، أي: إذا لم يكن لي إال فضلك فصل على محمد وآله.وتفضل علي: أي أحسن إلي بال علة وسبب يوجبان اإلحسان، والله أعلم.

الهدى هنا: بمعنى البيان والحجة بقرينة اإلنطاق.____________________

(١) (ج): لي.

(٣٨٤)

Page 365: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والمراد بالبيان: إظهار المقصود بأبلغ لفظ، وبالحجة: الكالم المستقيم. وقيل:

البيان: إخراج الشيء عن حيز اإلشكال إلى حيز التجلي، والحجة: البرهان.قال الفيومي في المصباح: الهدى: البيان (١).

وقال الزمخشري في الفائق وابن األثير في النهاية: في حديث محمد بن كعب:بلغني أن عبد الله بن أبي سليط قال لعبد الرحمن بن زيد بن حارثة - وقد أخر صالة الظهر-: أكانوا يصلون هذه الصالة الساعة؟ قال: ال والله، فما هدى مما رجع، أي: فما بين وما

جاء بحجة مما أجاب، إنما قال: ال والله، وسكت، والمرجوع:الجواب، فلم يجئ بجواب فيه بيان وحجة لما فعل من تأخير الصالة، وهدى بمعنى بين فيلغة أهل الغور، يقولون: هديت لك بمعنى بينت لك، ويقال: بلغتهم نزلت «أو لم يهد

لهم» (٢) انتهى.ويصح حمله على الهدى بمعنى الداللة على ما يوصل إلى المطلوب، أو سلوك طريق يوصل

إلى المطلوب، واألول أظهر.واإللهام: أن يلقي الله في نفس العبد أمرا يبعثه على الفعل أو الترك بطريق الفيض، وهو نوع

من الوحي يخص الله به من يشاء من عباده.والتقوى في اللغة: االتقاء، وهو اتخاذ الوقاية، وفي العرف: هي االحتراز بطاعة الله عن

عقوبته.وقال بعض العلماء هي بحسب العرف الشرعي تعود إلى خشية الحق سبحانه، المستلزمةلإلعراض عن كل ما يوجب االلتفات عنه من متاع الدنيا وزينتها، وتنحية ما دون وجهة

القصد (٣).____________________

(١) المصباح المنير: ص ٨٧٤.(٢) الفائق في غريب الحديث: ج ٤ ص ٩٧ - ٩٨ مع اختالف يسير وتقديم و

تأخير في العبارة، النهاية البن األثير: ج ٥ ص ٢٥٥.(٣) شرح نهج البالغة البن ميثم: ج ١ ص ٢٩٩.

(٣٨٥)

Page 366: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قال بعض العارفين: إن خيرات الدنيا واآلخرة جمعت تحت لفظة واحدة وهي التقوى، انظرالكريم من ذكرها، فكم علق عليها من خير، ووعد لها من ثواب، القرآن إلى ما في وأضاف إليها من سعادة دنيوية وكرامة أخروية. ولنذكر من خصالها وآثارها الواردة فيه

اثنتي عشرة خصلة:األولى: المدحة والثناء، قال الله تعالى: «وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم األمور»

.(١)الثانية: الحفظ والحراسة، قال تعالى: «وإن تصبروا وتتقوا ال يضركم كيدهم شيئا» (٢).

الثالثة: التأييد والنصر، قال تعالى: «ان الله مع الذين اتقوا» (٣).الرابعة: النجاة من الشدائد والرزق الحالل، قال تعالى: «ومن يتق الله يجعل له مخرجا

ويرزقه من حيث ال يحتسب» (٤).الخامسة: صالح العمل، قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قوال سديدا يصلح

لكم أعمالكم» (٥).السادسة: غفران الذنوب، قال تعالى: «ويغفر لكم ذنوبكم» (٦).

السابعة: محبة الله تعالى: قال تعالى: «ان الله يحب المتقين» (٧).الثامنة: قبول األعمال، قال الله تعالى: «إنما يتقبل الله من المتقين» (٨).

التاسعة: اإلكرام واإلعزاز، قال تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» (٩).العاشرة: البشارة عند الموت، قال تعالى: «الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم»

____________________(١) سورة آل عمران: اآلية ١٨٦.(٢) سورة آل عمران: اآلية ١٢٠.

(٣) سورة النحل: اآلية ١٢٨.(٤) سورة الطالق: اآلية ٢ و ٣.

(٥) سورة األحزاب: اآلية ٧٠ و ٧١.(٦) سورة آل عمران: اآلية ٣١.

(٧) سورة التوبة: اآلية ٤.(٨) سورة المائدة: اآلية ٢٧.

(٩) سورة الحجرات: اآلية ١٣.

(٣٨٦)

Page 367: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________«البشرى في الحياة الدنيا وفي اآلخرة» (١).

الحادية: عشرة: النجاة من النار، قال تعالى: «ثم ننجي الذين اتقوا» (٢).الثانية عشرة: الخلود في الجنة، قال تعالى «أعدت للمتقين» (٣).

فقد ظهر لك أن سعادة الدارين منطوية فيها ومندرجة تحتها، وهي كنز عظيم وغنم جسيم،وخير كثير وفوز كبير، (٤) انتهى.

قوله عليه السالم: «ووفقني للتي هي أزكى» أي: للحالة أو الخصلة أو السيرة التي هيأزكى الحاالت أو الخصال، أو السير، أي: أنماها وأكثرها ثوابا أو أطهرها أو أصلحها، منزكى المال يزكو زكاء أي: نمى وزاد، ومنه الزكاة الشرعية، ألنها سبب يرجى به الزيادةوالبركة. أو من زكى الرجل يزكو: إذ طهر، ومنه: «نفسا زكية» (٥). أو من زكى أي:

صلح، ومنه: «خيرا منه زكاة» (٦) أي: صالحا.إنما لم يذكر الموصوف لما في إبهامه بحذفه من الفخامة التي ال توجد مع إيضاحه، فإنكأيما قدرت من الحالة أو الخصلة أو السيرة، لم تجد مع اإلثبات ذوق البالغة التي تجده مع

الحذف، لما فيه من عموم االعتبار وذهاب الوهم كل مذهب.قوله عليه السالم: «واستعملني بما هو أرضى» أي: للعمل الذي هو أشد إرضاء لك، أو

أعظم األعمال المرضية عندك.فإن قلت: استعمال «أرضى» في كل من هذين المعنيين غير قياسي.

أما األول فألنه بناء ل «أفعل» التفضيل من ذي الزيادة، وقياسه إنما يكون من الثالثي.____________________

(١) سورة يونس: اآلية ٦٣ و ٦٤.(٢) سورة مريم: اآلية ٧٢.

(٣) سورة آل عمران: اآلية ١٣٣.(٤) الكشكول: ص ٢٤١ - ٢٤٢.

(٥) سورة الكهف: اآلية ٧٤.

(٦) سورة الكهف: اآلية ٨١.

(٣٨٧)

Page 368: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وأما الثاني، فألنه بمعنى المفعول، وقياسه للفاعل.

قلت: أما األول فقد ذهب سيبويه إمام الصناعة إلى قياسه من باب أفعل مع كونه ذا زيادة.(١)

قال نجم األئمة: ويؤيده كثرة السماع، كقولهم: هو أعطاهم للدينار وأوالهم للمعروف،وأنت أكرم لي من فالن، وهو كثير.

قال: ومجوزه قله التغيير، ألنك تحذف منه الهمزة وترده إلى الثالثي ثم تبني منه أفعلالتفضيل، فتخلف همزة التفضيل همزة اإلفعال (٢).

وأما الثاني فوقوعه في كالمه عليه السالم يكفي في تجويز هذا االحتمال، وال يحتاج فيهإلى السماع من غيره قطعا، فإنه عليه السالم أفصح العرب في زمانه.

قوله عليه السالم: «واسلك بي الطريقة المثلى» أي: الفضلى، تأنيث األمثل بمعنى األفضل.يقال: مثل مثالة فهو مثيل ككرم كرامة فهو كريم، أي: فضل من باب قتل:

فضال فهو فاضل.أفضل هو الذي بمذهبكم أي: (٣) المثلى» بطريقتكم «ويذهبا تعالى: قوله وفسر

أي: (٤) فاألمثل األمثل ثم األنبياء بالء الناس أشد ومنه: المذاهب. األشرف فاألشرف واألعلى فاألعلى في الرتبة والمنزلة.

والمراد بالطريقة المثلى: سبيل الحق الموصلة إليه تعالى، التي تطابقت على الهداية إليهاألسنة الرسل واألولياء.

وقيل: هي السيرة المختصة بالسالكين إلى الله تعالى مع قطع المنازل والترقي في المقامات.____________________

(١) و (٢) شرح الكافية في النحو: للرضي ج ٢ ص ٢١٣.(٣) سورة طه: اآلية ٦٣.

(٤) كنز العمال: ج ٣ ص ٣٢٧ ح ٦٧٨٣، الكافي: ج ٢ ص ٢٥٩. ح ٢٩، وفيه النبيون ثم الوصيون.

(٣٨٨)

Page 369: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، ومتعني باالقتصاد، واجعلني من أهل السداد، ومن أدلة الرشاد،ومن صالحي العباد، وارزقني فوز المعاد، وسالمة المرصاد.

____________________وروى ثقة اإلسالم في الكافي عن أبي جعفر عليه السالم في قول الله تعالى:

قلوبهم اإليمان، الطريقة ألسقيناهم ماء غدقا» يقول: ألشربنا استقاموا على لو «وأن السالم (١). أبي طالب واألوصياء عليهم والطريقة هي والية علي بن

قوله عليه السالم: «واجعلني على ملتك أموت وأحيا».الملة: الدين، وقيل: هي معظم الدين وجملة ما جاء به الرسل.

وقيل: هي ما شرع الله لعباده على ألسنة األنبياء عليهم السالم، وتستعمل في جملة الشرائعال في آحادها، ثم اتسعت فاستعملت في الملة الباطلة أيضا، فقيل: ملة الكفر.

وحرف االستعالء مؤذن بالثبات أي: ثابتا على ملتك، وهو متعلق بأموت وأحيا على طريقالتنازع. وتقديمه للتخصيص، أي: على ملتك ال على غيرها، مع ما فيه من االهتمام ورعايةالسجع. وقدم الموت لالهتمام به، ألن أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين

عينيه، مع رعاية السجع.والمراد بالحياة ما قبل الموت وما بعده، والله أعلم.

االقتصاد: افتعال من القصد بمعنى العدل، وهو التوسط في األمور بين اإلفراط والتفريط.قال الزمخشري في األساس: قصد في معيشته واقتصد وقصد في األمر: إذا لم يجاوز فيهالحد ورضي بالتوسط، ألنه في ذلك يقصد األسد. وهو على القصد وعلى قصد السبيل: إذا

كان راشدا. وله طريق قصد وقاصدة، خالف قولهم: طريق جور____________________(١) الكافي: ج ١ ص ٤١٩ ح ٣٩.

(٣٨٩)

Page 370: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وجائرة (١) انتهى.

وقد علمت فيما سبق أن الوسط الحق، الذي ال ميل له إلى أحد الجانبين من اإلفراطوالتفريط، هو الصراط المستقيم والطريق القصد التي أخذ الله على العباد سلوكها، فالمراد

باالقتصاد: سلوك الطريق القصد في العقائد واألقوال واألفعال كما تقدم بيانه.وكثيرا ما يستعمل االقتصاد خاصا في التوسط في اإلنفاق بين اإلسراف والتقتير، ومنه: ما

عال من اقتصد (٢).وهو من األمور التي نص الله سبحانه عليها بقولة: «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقترواوكان بين ذلك قواما» (٣)، ولو حمل على هذا المعنى هنا لم يكن بعيدا، إال أن األعم هو

األتم.والسداد بالفتح: الصواب من القول والفعل، وأسد الرجل باأللف: جاء بالسداد، وسد يسد

- من باب ضرب - سدودا: أصاب في قوله وفعله فهو سديد.واألدلة: جمع دليل، وهو فعيل من دله على الطريق: إذا هداه إليه وأرشده له.

والرشاد والرشد بالضم والرشد بالتحريك: الهدى، واالستقامة، والصواب.ولما كانت األمور المعقولة ال يهتدى لطريق الحق منها إال بأستاذ مرشد يهدي المسترشدإليها ويعرفه رشادها، وكان العارفون بالله هم أدلة هذه الطريق والمرشدين إليها، سأل عليه

السالم أن يجعله منهم.والصالحون من العباد: هم المتصفون بالصالح، وهو الخير والصواب (٤).

وقال الزجاج: الصالح: هو الذي يؤدي إلى الله ما افترض عليه ويؤدي إلى الناس____________________

(١) أساس البالغة: ص ٥٠٩.(٢) الجامع الصغير: ج ٢ ص ١٤٦ ح ٧٩٣٩.

(٣) سورة الفرقان: اآلية ٦٧.(٤) (ج): الثواب.

(٣٩٠)

Page 371: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________حقوقهم (١).

والفوز: النجاة، والظفر بالبغية.والمعاد: اآلخرة لعود الخلق إليها، والمرجع والمصير، فهو بالمعنى األول ظرف، وبالمعنى

الثاني مصدر ميمى، وكال المعنين محتمل هنا.والمرصاد - كالمنهاج - المكان الذي يرصد فيه من الطريق.

يقال: رصدته رصدا - من باب قتل -: إذا قعدت له على الطريق تترقبه، ومنه:أرصدت له العقوبة: إذا أعددتها له، وحقيقته جعلتها على طريقه كالمترقبة له.

والمراد بالمرصاد هنا: إما جهنم أعاذنا الله تعالى منها، كما قال تعالى «ان جهنم كانتمرصادا. للطاغين مآبا» (٢)، سميت بذلك ألن خزنتها يرصدون الكفار فيها للعذاب، وهيمآبهم، أو ألن خزنة الجنة يرصدون المؤمنين ويستقبلونهم عندها، ألن جوازهم عليها،لقوله تعالى: «وإن منكم إال واردها» (٣)، وهي مآب الطاغين، ولهذا قال الحسن وقتادة:

طريقا وممرا إلى الجنة (٤).وإما المشار إليه بقوله تعالى: «وإن ربك لبالمرصاد».

قيل: هو تمثيل لعدم اإلعمال وانه ال يفوته تعالى شئ من أعمال العباد، ألنه يسمع ويرىجميع أقوالهم وأفعالهم، كما ال يفوت من هو بالمرصاد.

قيل ألعرابي: أين ربك؟ قال: بالمرصاد، وليس يريد به المكان (٥).قال الزمخشري في األساس: ومن المجاز: أنا لك بالمرصد وبالمرصاد أي:

ال تفوتني، ومنه: «إن ربك لبالمرصاد» (٦).____________________

(١) تهذيب األسماء واللغات: الجزء األول من القسم الثاني ص ١٧٩.(٢) سورة النبأ: اآلية ٢١ و ٢٢.

(٣) سورة مريم: اآلية ٧١.(٤) مجمع البيان: ج ٥ - ٦ ص ٥٢٥.

(٥) الجامع األحكام القرآن: ج ٢٠ ص ٥٠.(٦) أساس البالغة: ص ٢٣٣.

(٣٩١)

Page 372: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم خذ لنفسك من نفسي ما يخلصها، وأبق لنفسي من نفسي ما يصلحها، فإن نفسيهالكة أو تعصمها.

____________________وفي نهج البالغة من كالم أمير المؤمنين عليه السالم: ولئن أمهل الله الظالم فلن يفوت

أخذه، وهو له بالمرصاد على مجاز طريقه، وبموضع الشجا من مساغ ريقه (١).وعن أبي عبد الله عليه السالم في قوله تعالى: «إن ربك لبالمرصاد» قال: قنطرة على

الصراط ال يجوزها عبد بمظلمة عبد (٢).وعن أبي جعفر عليه السالم: يوضع على جهنم صراط أدق من الشعر وأقطع من السيف،عليه ثالث قناطر: األولى عليها األمانة والرحم، والثانية عليها الصالة، والثالثة عليها ربعليها الممر فيكلفون ،(٣) العالمين» رواية: عدل رب غيره، «وفي إله ال العالمين فتحبسهم األمانة والرحم، فإن نجوا منها حبستهم الصالة، فإن نجوا منها كان المنتهى إلىرب العالمين جل ذكره، وهو قوله تبارك وتعالى: «إن ربك لبالمرصاد». والحديث طويل

أخذنا منه موضع الحاجة (٣).قيل: يمكن أن يكون المعنى اجعل حصة من نفسي متعلقة بجنابك المقدس، ليكون ذلكسببا لخالص نفسي، وأبق منها ما يكون فيه صالحها، فإن الخالص قد يكون مع عدم

الصالح، انتهى.وقيل: المعنى اصطف من أعمال نفسي ما يخلصها من سخطك، وأبق لها من مساعيها ما

يكون به صالحها.وقيل: معناه أفعل بي ما يوجب نجاة نفسي وخالصها، من نفع أو ضرر أو فقر أو غنى أوموت أو حياة، وإن كرهت بعض ذلك، وأبق لي من األعمال الصالحة ما يوجب صالح

نفسي ووفقني له.____________________

(١) نهج البالغة: ص ١٤١ الخطبة ٩٧.(٢) تفسير نور الثقلين: ج ٥ ص ٥٧٣ ح ١٣.(٣) تفسير نور الثقلين: ج ٥ ص ٥٧٢ ح ٩.

(٤) الروضة من الكافي: ص ٣١٢.

(٣٩٢)

Page 373: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقيل يحتمل أن يكون المراد بقوله عليه السالم: «خذ لنفسك من نفسي ما يخلصها» ففياإلعمال السيئة واألخالق الذميمة التي يكون نفيها سببا لخلوص النفس من الشوائب أوخالصها من العذاب، فيكون قوله: «لنفسك» أي: ألجل القرب منك. ويحتمل أن يكونالمراد به اصطفاء األعمال الصالحة واألخالق الكريمة، التي تكون سببا لخلوص نفسي أو

خالصها، فيكون قوله: «لنفسك» أي:ألجل رضاك. وال يخفى بعد االحتمال األول.

هذا ما انتهى إلينا من أقوال األصحاب في حل هذه العبارة من الدعاء.والذي يخطر بالبال على وجه االحتمال، أنه لما كانت النفس مكلفة بالقيام بأمرين:

أحدهما: لله تعالى، وهو وسبب نجاتها وخالصها من سخطه وعذابه تعالى.والثاني: للنفس، وهو ما ال بد لها منه من أمر معاشها.

سأل عليه السالم أن يجعل نفسه قائمة بما هو لله تعالى وهو سبب خالصها، ولما كان هذاالتوجه بغيره وال معه االشتغال يمكنها فيه، بحيث ال النفس استغراق المعنى يوجب وااللتفات إلى أمر آخر، سأل ثانيا أن يبقي لنفسه من نفسه مما ال بد لها منه مقدار مايكون فيه صالحها، كي ال تكل وتحسر عن القيام بما هو لله، وال (١) تأشر وتبطر فتشتغلبغير ما هو لله، فيكون اشتغالها به في الحقيقة عائدا إلى األمر األول وفي ذلك صالحها،

والله أعلم بمقاصد أوليائه.ويؤيد هذا المعنى األخير ما في نسخة أخرى: «وأبق لنفسك من نفسي»، إذ كان ما يصلح

النفس على هذا الوجه عائدا إليه سبحانه.والفاء من قوله: «فإن نفسي»: للسببية، بمعنى الالم.

____________________(١) (ج): لله تعالى وأن ال.

(٣٩٣)

Page 374: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم أنت عدتي إن حزنت، وأنت منتجعي إن حرمت، وبك استغاثتي إن كرثت، وعندكمما فات خلف، ولما فسد صالح، وفيما أنكرت تغيير فامنن علي قبل البالء بالعافية، وقبلالطلب بالجدة، وقبل الضالل بالرشاد، واكفني مؤنة معرة العباد، وهب لي أمن يوم المعاد،

وامنحني حسن اإلرشاد.____________________

وهالكة: أي غير ناجية.قيل: الهالك في األصل: انتهاء الشيء إلى الفساد.

وقال أمين اإلسالم أبو علي الطبرسي: أصل الهالك: الضياع، وهو مصير الشيء بحيث اليدري أين هو، ولهذا يقال للكافر: هالك وللميت هالك وللمعذب هالك (١).

وفي القاموس: الهالكة: النفس الشرهة (٢)، أي: الشديدة الحرص.وإرادة هذا المعنى هنا صحيح.

وأو: بمعنى إال االستثنائية، و «أن» مضمرة بعدها، وهي الناصبة للفعل.والمعنى: إال أن تعصمها، أي: تقيها وتحفظها فال تكون هالكة.

المتقدم، أي: الفاعل وأن والفعل مؤول بمصدر معطوف على مصدر متصيد من اسم لنفسي أو عصمة منك لها، والله أعلم. ليكونن هالك

العدة بالضم: ما أعددته وهيأته لحوادث الدهر من المال والسالح.لغة قريش بالضم فهو حزين. ويتعدى في الحزن وحزن حزنا من باب تعب، واالسم بالحركة، يقال: حزنني األمر يحزنني - من باب قتل - وفي لغة تميم باأللف، فيقال:

أحزنني األمر.ومنع أبو زيد استعمال الماضي من الثالثي متعديا، فقال: ال يقال: حزنه، وإنما

____________________(١) مجمع البيان: ج ٢ - ١ ص ٢٨٨.(٢) القاموس المحيط: ج ٣ ص ٣٢٥.

(٣٩٤)

Page 375: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________يستعمل المضارع من الثالثي، فيقال: يحزنه (١).

والحزن: كيفية نفسانية تحصل لوقوع مكروه أو فوات محبوب في الماضي.وإن: حرف شرط استغني عن جوابه بحذفه، لداللة ما تقدم من الكالم عليه، والتقدير: إن

حزنت فأنت عدتي، فحذف الجواب وجوبا لما ذكر.والمنتجع بفتح الجيم: اسم مفعول من انتجعت فالنا: إذا طلبت معروفه، وأصل االنتجاع:

طلب الكالء في موضعه.وحرمت زيدا المعروف - من باب ضرب - يتعدى إلى مفعولين حرمانا بالكسر فهو

محروم أي: منعته إياه.واستغاث به: طلب أن يغيثه أي: يعينه وينصره، فهو مغيث له.

وكرثه الغم بالثاء المثلثة - من باب قتل -: اشتد عليه وأقلقه وبلغ منه المشقة، ويعدىبالهمزة أيضا فيقال: أكرثه.

وتقديم الظرف للتخصيص، أي: بك استغاثتي ال بغيرك، وقس عليه ما بعده.وفات األمر يفوت: ذهب.

والخلف بفتحتين: اسم من أخلف الله عليه باأللف، أي: رد عليه ما ذهب، فهو بمعنىالعوض.

قال الزمخشري في األساس: اخلف الله عليك: عوضك مما ذهب منك خلفا (٢)، انتهى.وفي الحديث: اللهم اعط كل منفق خلفا (٣).

قال الكرماني: هو بفتح الالم أي: عوضا عاجال ماال أو دفع سوء، أو آجال____________________

(١) المصباح المنير: ص ١٨٣.(٢) أساس البالغة: ص ١٧٣.

(٣) النهاية البن األثير: ج ٢ ص ٦٦، صحيح البخاري: ج ٧ ص ٢٠٤.

(٣٩٥)

Page 376: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ثوابا فكم من منفق قلما يقع له الخلف المالي (١)، انتهى.

وفسد الشيء - من باب قعد -: خرج عن كونه منتفعا به. ومقابله الصالح، وهو الحصولعلى الحالة المستقيمة النافعة.

وأنكرت عليه فعله إنكارا: عبته (٢) وهجنته.وغيرت الشيء تغييرا: أزلته عما كان عليه فتغير، يعني أنك قادر على تغيير ما ال ترتضيه بما

ترتضيه، وفي أمثالهم: من أنكر غير (٣).ومن عليه بالعتق منا - من باب قتل - وامتن عليه به أيضا: أنعم عليه به.

والفاء: فصيحة، أي: إذا كنت بهذه الصفات فأنعم علي قبل حصول البالء بالعافية.والمراد بالبالء هنا: اإلصابة بالمكروه.

والعافية: دفع الله تعالى عن العبد ما يكرهه. وكل منهما يكون جسمانيا ونفسانيا.وطلب الشيء - من باب قتل - طلبا محركة: حاول حصوله لديه.والجدة: الغنى، يقال: وجد يجد جدة: إذا استغنى غنى ال فقر بعده.

والضالل: فقدان ما يوصل إلى المطلوب.وقيل: سلوك طريق ال يوصل إلى المطلوب.

والرشاد: اسم من رشد يرشد رشدا - من باب تعب - ورشد يرشد - من باب قتل -: إذااهتدى وعرف الصواب.

والمؤونة قيل: من مان يمونه: إذا قام بكفاية أمره، وأصلها موونة بواوين على فعولة، قلبتالواو األولى همزة، ألن الواو المضمومة المتوسطة تقلب همزة، نحو: أدؤر

____________________(١) لم نعثر عليه في شرح الكرماني.

(٢) (ج) عيبته.(٣) لم نعثر عليه.

(٣٩٦)

Page 377: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________في جمع دار.

وقيل: الهمزة أصلية، فهو فعولة بمعنى الثقل من مأنت القوم: إذا احتملت (١) مؤونتهم.وقيل: بمعنى العدة من قولهم: أتاني هذا األمر وما مأنت له مأنا بالهمزة: إذا لم يستعد له.

وقيل: من األون: بمعنى الثقل لكون المئونة مستلزمة للثقل، واألصل مؤنة، نقلت حركةالواو إلى الهمزة وصارت مؤونة، ووزنها على هذا مفعلة.

وقيل: هي من األون بمعنى العدل وأحد جانبي الخرج ألنه يثقل على اإلنسان.وقال الفراء: هي من األين وهو التعب والشدة (٢).

واألصل مأينة، نقلت حركة الياء إلى الهمزة فصارت مؤينة، ثم قلبت الياء واوا، لسكونهاوانضمام ما قبلها، فصارت مؤونة، ووزنها على هذا مفعلة، واستبعد بكثرة التغيير فيه، وقد

تستعمل بدون همزة فيقال: مؤونة كسورة.والمعرة: مفعلة من عر فالن فالنا: إذا شانه وألحق به عيبا.

وتطلق على األمر القبيح المكروه وعلى الفساد والمشقة، وإضافتها إلى العباد من باباإلضافة إلى الفاعل.

والمعنى: ادفع عني مؤونة ما يلحقني من العباد، من العيب والمكروه والمشقة والفساد.والمعاد: إما مصدر أو ظرف، كما تقدم.

ومنحه يمنحه منحا - من بابي نفع وضرب -: أعطاه.وحسن اإلرشاد: حسن الهداية، والداللة على الصواب. وفي نسخة: «حسن

____________________(١) (ج): حملت.

(٢) لسان العرب: ج ١٣ ص ٣٩٦.

(٣٩٧)

Page 378: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وأدرأ أعني بلطفك، واغذني بنعمتك، وأصلحني بكرمك،وداوني بصنعك، وأظلني في ذراك، وجللني رضاك، ووفقني إذا اشتكلت علي األمور

الملل ألرضاها. تناقضت ألهداها، وإذا تشابهت األعمال ألزكاها، وإذا ____________________

االرتياد» أي: الطلب.يقال: ارتاد الرجل الشيء ارتيادا أي: طلبه. وحسن الطلب من مهمات األمور، ألنه أنحج

للمطلب وآكد في قضاء اإلرب (١)، والله أعلم.درأ الشيء درأ - من باب نفع - دفعه، وحذف المفعول للتعميم مع االختصار، أي: ادرأعني كل سوء، وهذا التعميم وإن أمكن أن يستفاد من ذكر المفعول بصيغة العموم لكنهيفوت االختصار. وإنما لم يجعله من قبيل ما نزل منزلة الالزم، ألن التأمل الذوقي يشهد أنالقصد في هذا المقام إلى المفعول، فإن الحمل على أمثال هذه المعاني مما يتعلق بقصدالمتكلم ومناسبة المقام، ولذا جعل صاحب المفتاح «فالن يعطي» محتمال للتنزيل منزلة

الالزم وللقصد إلى تعميم المفعول.واللطف: الرفق، والبر.

وغذوت الصبي باللبن فاغتذى أي: ربيته به، وغذيته بالتثقيل مبالغة، والغذاء: ما يغتذى بهمن الطعام والشراب وهو ما به نماء الجسم وقوامه.

والنعمة: ما قصد به اإلحسان والنفع، واستعمال الغذاء فيها استعارة تبعية، أو هي استعارةمكنية تخييلية أو تمثيلية، على ما تقدم بيانه.

واإلصالح: إعادة ما فسد إلى الصالح.والكرم: إفادة ما ينبغي ال لغرض.

وداويته مداواة عالجته بالدواء، وهو ما يتداوى به لدفع المرض. وحذف متعلق____________________

(١) (ج): األدب.

(٣٩٨)

Page 379: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________المداواة للتعميم، أي: دواني من كل داء جسماني ونفساني.

والصنع بالضم والصنيعة: ما اصطنع من خير وإحسان.يقال: ما أحسن صنع الله عندك.

وأظله: ستره عن الشمس، وألقى عليه ظله.والذرى بالفتح: كل ما استترت به.

يقال: أنا في ظل فالن وفي ذراه، أي: في كنفه وستره، حكاه الجوهري عن األصمعي.(١)

وقال الفارابي في ديوان األدب: الذرى الظل، يقال: كنا في ذراه أي: في كنفه (٢).والمعنى: استرني في سترك وكنفك.

وجللني رضاك أي: ألبسني إياه وغطني به.قال ابن فارس في متخير األلفاظ: جلل األرض المطر بالتثقيل: عمها وطبقها فلم يدع شيئا

إال غطى عليه، ومنه يقال: جللت الشيء: إذا غطيته (٣).واشتكلت األمور: التبست. وفي نسخة: «أشكلت» وهو المسموع.

وأهدى األمور: أقربها إلى الصواب، أو أعظمها داللة على الحق.وتشابهت األشياء واشتبهت أشبه كل منها اآلخر فالتبست.

وأزكاها: أطهرها، أو أكثرها نفعا وزيادة في الثواب.وتناقض الكالمان: تدافعا، كأن كل واحد نقض اآلخر أي: أبطله، وفي كالمه تناقض: إذا

كان بعضه يقتضي إبطال بعض.والملل: جمع ملة وهي المذهب.

____________________(١) الصحاح: ج ٦ ص ٢٣٤٥.(٢) ديوان األدب ج ٣ ص ٣٣.

(٣) متخير األلفاظ ص ٢٠٨.

(٣٩٩)

Page 380: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وتوجني بالكفاية، وسمني حسن الوالية، وهب لي صدقالهداية، وال تفتني بالسعة، وامنحني حسن الدعة، وال تجعل عيشي كدا كدا، وال ترد

دعائي علي ردا، فإني ال أجعل لك ضدا، وال أدعو معك ندا.____________________

وأرضاها أي: أعظمها إرضاء لك، أو أعظم ما ترضاه منها.فإن قلت: أفعل التفضيل إنما يصح في شيئين يشتركان في معنى ثم يكون للمفضل فضلعلى اآلخر فيه، وكيف يتصور في غير هذه الملة رضا الله تعالى حتى يستقيم هذا التفضيل؟قلت: ال شئ من الملل إال وفيه نوع مما يرضي الله تعالى أو يرضاه الله تعالى، كاالعترافبالله سبحانه ومكارم العادات وقوانين السياسات، إال أن بعض الخلل أبطل الكل فالكل

ينهدم بانهدام الجزء، فصح التفضيل، والله أعلم.توجه: ألبسه التاج، وهو ما يصاغ للملوك من الذهب والجوهر (١) فتضعه على رؤسها.

والكفاية: االستغناء، من كفى الشيء يكفي كفاية: إذا حصل به االستغناء عن غيره.شبه الكفاية في نفسه بالتاج في اإلجالل والتوقير والعظمة، ودل على ذلك بالتتويج، فتكوناستعارة بالكناية، وإثبات التتويج تخييل، ولك جعلها من باب االستعارة التبعية أو التمثيلية،

كما بيناه فيما سبق.وسامه األمر يسومه أواله إياه.

قال الجوهري: سمته خسفا: أوليته إياه (٢)، وسمته األمر أيضا: أردته منه.قال الزمخشري: في األساس: سمت المرأة المعانقة: أردتها منها وعرضتها عليها (٣).

____________________(١) (ج): والفضة.

(٢) الصحاح: ج ٥ ص ١٩٥٦.(٣) أساس البالغة: ص ٣١٥.

(٤٠٠)

Page 381: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________أي: أولني حسن الوالية، أو أردها مني.

والوالية بالفتح والكسر: مصدر وليت الشيء إذا قمت به.وقال سيبويه: الوالية بالفتح المصدر، والوالية بالكسر االسم مثل اإلمارة والنقابة، ألنه اسم

لما توليته وقمت به، فإذا أرادوا المصدر فتحوا (١).والمراد بحسن الوالية: حسن القيام بما يتواله ويقوم به من األمور.

والوالية بالفتح والكسر أيضا: النصرة. وإرادة هذا المعنى محتمل هنا، أي:أولني حسن نصرتك لي.

والصدق في اللغة: مطابقة الحكم للواقع، وقد يراد به مطلق الجودة، وهو المراد هنا، وذلكلما كان الصدق في الحديث مستحسنا جيدا (٢) صاروا يستعملونه في مطلق الجودة،

حتى قالوا: خل صادق الحموضة، وعنب صادق الحالوة.والصدق في اصطالح أهل الحقيقة: قول الحق في مواطن الهالك.

وقيل: هو أن تصدق في موضع ال ينجيك منه إال الكذب.وقيل: الصدق أن ال يكون في أحوالك شوب، وال في اعتقادك ريب، وال في أعمالك

عيب. وإرادة هذا المعنى هنا حسنة.والمراد بالهداية: إما اهتداؤه، أو هداية الله تعالى له، أو هدايته هو لغيره، فيكون المرادبصدقها على المعنى األول الثبات عليها والرسوخ فيها، وعلى المعنيين اآلخرين اإليصال إلىالمطلوب، إذ كان الصحيح أنها عبارة عن الداللة على ما من شأنه اإليصال إلى البغية منغير أن يشترط في مدلولها الوصول، ولذلك كانت الدالالت التكوينية المنصوبة في اآلفاقواألنفس، والبينات التشريعية الواردة في الكتب السماوية على اإلطالق، بالنسبة إلى البرية

كافة برها وفاجرها،____________________(١) لسان العرب: ج ١٥ ص ٤٠٧.

(٢) (ج): جدا.

(٤٠١)

Page 382: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________هدايات حقيقية فائضة من عند الله جل جالله.

ويحتمل أن يراد بصدق الهداية هنا الهداية الخاصة، وهي كشف األسرار على قلب المهديبالوحي أو اإللهام، وهي مرتبة صاحب الدعاء ومن هو في رتبته.

وال تفتني بالسعة أي: ال تضلني بالغنى، وقد تقدم أن الفتنة هي الضالل عن الحق بمحبة أمرما من األمور الباطلة، واالشتغال به عما هو الواجب من سلوك سبيل الله تعالى.

والمنح: العطاء، منحه من بابي نفع وضرب.والرواية في الدعاء وردت بالوجهين.

والدعة: الراحة وخفض العيش، والهاء عوض من الواو، تقول منه: ودع الرجل - من بابحسن - فهو وادع أي: مستريح ال كلفة عليه، ورجل متدع أي:

صاحب دعة وراحة.والعيش: الحياة، وما يعاش به.

والكد: الشدة والتعب في الكسب، كد في عمله كدا: إذا جهد وتعب، وكرر الكد لداللةالتكرير على التتابع والتكثير، أي: كدا متتابعا، كقوله تعالى: «كال إذا دكت األرض دكادكا» (١) أي: مرة بعد أخرى، وليس الثاني: تأكيدا لألول فيها كما توهمه كثير من

الناس.قال ابن هشام في شرح القطر: ليس من توكيد االسم قوله تعالى: «كال إذا دكت األرضدكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا»، خالفا لكثير من النحويين، ألنه جاء في التفسيرأن معنى دكا دكا: دكا بعد دك، وأن الدك كرر عليها حتى صارت هباء منثورا، وأن معنى

«صفا صفا» أنه تنزل مالئكة كل____________________

(١) سورة الفجر: اآلية ٢١.

(٤٠٢)

Page 383: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________سماء فيصطفون صفا بعد صف محدقين بالجن واإلنس، وعلى هذا فليس الثاني منهما

توكيدا لألول بل المراد التكرير، كما تقول علمته الحساب بابا بابا (١)، انتهى.فإن قلت: إذا لم يكن الثاني توكيدا لألول فعالم نصب وما العامل فيه؟ قلت: المختار فيهوفي نظائره ان يكون الجزء الثاني معموال للعامل األول أيضا، ألن مجموع الجزءين هو

المعمول في المعنى، إذ معنى «وال تجعل عيشي كدا كدا»:ال تجعله متتابع الكد، ونظيره في الفاعل: تلقفها رجل رجل. وفي الخبر: الرمان حلو

حامض، وفي الحال: دخلوا رجال رجال، وحسبته بابا بابا، وفي المضاف إليه.كل فرد فرد، فالمجموع يستحق إعرابا واحدا، إال أنه لما تعدد ذلك المستحق مع صالحيةكل واحد لإلعراب أجري عليها إعراب الجميع دفعا للتحكم. وقد استوفيت الكالم علىهذه المسألة في شرح الصمدية، ونقلت أقوال العلماء فيها وما يرد على كل منها بما ال

مزيد عليه، فليرجع إليه. (٢).ورد على زيد قوله: لم يقلبه، فرد الدعاء هنا بمعنى عدم قبوله. وردا: مفعول مطلق مؤكد

لعامله.والضد: النظير والكفو.

وقال أبو عمرو: الضد مثل الشيء، والضد خالفه (٣).وفي القاموس: الضد بالكسر: المثل، والمخالف ضده (٤).

يكون الذي التصيير بمعنى الجعل من اعتقد، أي: ال أجعل» السالم: «ال عليه قوله .(٥) إناثا» الرحمن عباد الذين هم المالئكة ومنه: «وجعلوا باالعتقاد،

وقوله: «وال أدعو» أي: ال أعبد واستعمال الدعاء بمعنى العبادة كثير في____________________

(١) شرح قطر الندى ص ٢٩٢.(٢) لم نعثر عليه.

(٣) لسان العرب: ص ٢٦٣.(٤) القاموس المحيط: ج ١ ص ٣٠٩.

(٥) سورة الزخرف: اآلية ١٩.

(٤٠٣)

Page 384: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وامنعني من السرف، وحصن رزقي من التلف، ووفر ملكتيبالبركة فيه، وأصب بي سبيل الهداية للبر فيما أنفق منه.

____________________القرآن، ومنه: «قل إنما أدعو ربي وال أشرك به أحدا» (١) وقوله (٢): «إن يدعون منإناثا» (٣)، أي: ال يعبدون. والند بالكسر: المثل، قالوا: وال يقال إال للمثل دونه إال المناد، من نادوت الرجل: إذا خالفته ونافرته، من ند ندودا: إذا نفر، خص المخالف

بالمماثل بالذات المخالف باألفعال، كما خص المساوي بالمماثل في المقدار.والظاهر أن المراد بالضد هنا: المخالف، وبالند: المماثل مطلقا، فإن استعمال الضد بمعنى

المخالف أشهر من استعماله بمعنى الكفؤ والنظير.قال الزمخشري: والنيسابوري: معنى قول الموحد: ليس لله ند وال ضد: نفي ما يسد مسده

ونفي ما ينافيه (٤)، والله أعلم.منعه من األمر: كفه عنه.

والسرف محركة: اسم من أسرف إسرافا: إذا جاوز الحد في النفقة وغيرها.والمراد به هنا األول، ويرادفه التبذير.

وقد تقدم الكالم عليه مبسوطا في الروضة الثامنة عند قوله عليه السالم:«ونعوذ بك من تناول اإلسراف» (٥).

وحصنه تحصينا: حماه ومنعه.والرزق: ما أعطى الله عبده وأمكنه من التصرف فيه. وتلف تلفا - من باب

____________________(١) سورة الجن: اآلية ٢٠.

(٢) (ج) تعالى.(٣) سورة النساء: اآلية ١١٧.

(٤) تفسير الكشاف: ج ١ ص ٩٥، تفسير القرآن ورغائب الفرقان: ج ١ ص.٦٦

(٥) ج ٢ ص ٣٨٦.

(٤٠٤)

Page 385: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________تعب -: هلك وفنى فهو تالف، وأتلف ماله: أفناه، ورجل متلف لما له ومتالف للمبالغة.

والمراد بتحصين الرزق من التلف: صونه عن الضياع والهالك، إما بإلهام صاحبه أدباإلنفاق فينفق منه بدون تبذير يأتي عليه، أو: بحفظه من حوادث الدهر كالنهب والسرقة.

ووفرت الشيء توفيرا: كثرته.والملكة محركة: هي القيام بالمماليك وما يملك من ذات اليد.

قال عليه السالم: حسن الملكة نماء، وسوء الملكة شؤم. (١) والمراد بتوفير الملكة توفيرمتعلقها أعني ما يملك، وهو الرزق المقدم ذكره. وإيقاع التوفير عليها مجاز عقلي، نحوقوله تعالى: «وال تطيعوا أمر المسرفين» (٢)، جعل األمر مطاعا وإنما المطاع في الحقيقةهو اآلمر ومن لم يهتد لهذا المعنى مع وضوحه جعل الملكة بمعنى الملك، وهو خطأ

صريح.وفي نسخة: «ووفر ملكي»، فيكون نسبة التوفير إليه حقيقة. والبركة: الزيادة والنماء.

والضمير من «فيه» راجع إلى الرزق.وقول بعضهم: إنه للملكة وتذكيره ألنها بمعنى الملك، غلط وجهل، نعم (٣) هو على

رواية «ملكي» عائد إليه.وأصب بي سبيل الهداية: أي اقصد بي وأم بي طريق الهداية، من اإلصابة بمعنى القصد.

والبر: الخير، واالتساع في اإلحسان.____________________

(١) سنن أبي داود: ج ٤ ص ٣٤١ ح ٥١٦١، عوالي اللئالي: ج ١ ص٢٧٢ ح ٨٨، الجامع الصغير: ج ١ ص ١٤٨. وفي الجميع: وسوء الخلق.

(٢) سورة الشعراء: اآلية ١٥١.(٣) (ج) وهو.

(٤٠٥)

Page 386: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، واكفني مؤنة االكتساب، وارزقني من غير احتساب، فالأشتغل عن عبادتك بالطلب، وال أحتمل إصر

____________________واإلنفاق: صرف المال في الحاجة.

وضمير: «منه» للرزق، أو للملك على الرواية األخرى.واعلم أن مدار هذا الفصل من الدعاء على سؤال صيانة المال وتوفيره وإنفاقه في أبوابالبر، ولما كان المال قوام العباد في أمر المعاش والمعاد، ظاهر النفع في باب الحسنات بينالجدوى في أسباب الخيرات، وعن (١) هذا سماه الله خيرا في مواضع من كتابه، سأل

عليه السالم منعه فيه عن (٢) السرف، وصونه عن التلف، وتوفير الملكة بالبركة.ثم لما كان الغرض من المال إقامة أوامر الله تعالى ومرضياته، من أداء الحج وإراقة دماءالقرابين، والشفقة على ضعفاء المسلمين، وصلة الرحم، وقرى الضيف، وحمالة الديات،وكفاية المؤونات، إلى غير ذلك من أبواب البر، سأل عليه السالم إصابته به سبيل البر فيماينفق منه. وهذا المعنى حمل سليمان عليه السالم على أن سأل ربه جل جالله ملكا ال ينبغيألحد من بعده، ال أنه سأل ذلك لحب المال نفسه وصرفه إلى لذات النفس وشهواتها،

حاشاه من ذلك.حكى الزمخشري في ربيع األبرار قال: لما وجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة الستباحةالمدينة، ضم علي بن الحسين عليهما السالم إلى نفسه أربعمائة منافية بحشمهن أهل يعولهن إلى أن تقوض جيش مسلم، فقالت امرأة منهن: ما عشت والله بين أبوي بمثل ذلك

التشريف (٣).كفاه األمر: إذا أقام به.

والمئونة: الثقل والمشقة.____________________

(١) و (٢) (ج): ومن.(٣) لم نعثر عليه في الكتاب.

(٤٠٦)

Page 387: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

تبعات المكسب، اللهم فاطلبني بقدرتك ما أطلب، وأجرني بعزتك مما أرهب.____________________

وكسب - من باب ضرب - كسبا واكتسب اكتسابا: طلب المعيشة، وفي االكتسابمزيد اعتمال ناشئ عن اعتناء النفس بتحصيل الغرض. وسعيها في طلبه.واالحتساب: إما افتعال من حسبه - من باب علم - حسبانا بالكسر، أي:

ظنه.أو من حسبه - من باب قتل - حسبا وحسبانا بالضم أي: عده، أي: من غير أن يكون لي

في ظن أو في حساب.وروي عن الصادق عليه السالم في قوله تعالى: «ويرزقه من حيث ال يحتسب» قال: يبارك

له فيما آتاه (١).وعنه عليه السالم: أن الله عز وجل جعل أرزاق المؤمنين من حيث ال يحتسبون (٢).

وذلك أن العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه.وفي رواية: من أتاه الله برزق لم يخط إليه برجله، ولم يمد إليه يده، ولم يتكلم فيه بلسانه،ولم يشد إليه ثيابه ولم يتعرض له، كان ممن ذكره الله في كتابه: «ومن يتق الله يجعل له

مخرجا ويرزقه من حيث ال يحتسب» (٣).قال بعضهم: ويحتمل أن يكون االحتساب في الدعاء بمعنى الحساب، تلميحا إلى قوله:«إن الله يرزق من يشاء بغير حساب» (٤)، أي: بغير تقدير لكثرته، أو بغير استحقاق

تفضال منه، أو من غير أن يكون ألحد عليه حساب أو مطالبة، أو بغير____________________

(١) تفسير نور الثقلين: ج ٥ ص ٣٥٧ ح ٤٦.

(٢) تفسير نور الثقلين: ج ٥ ص ٣٥٤ ح ٣٤.

(٣) تفسير نور الثقلين: ج ٥ ص ٣٥٦ ح ٤٣.(٤) سورة آل عمران: اآلية ٣٧.

(٤٠٧)

Page 388: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________تعب وكد، أو بغير حساب عليه في اآلخرة.

والفاء من قوله: «فال أشتغل»: سببية، ونصب المضارع بعدها ب «أن» مضمرة وجوبا،لكونها مسبوقة بالدعاء، كقوله:

رب وفقني فال أعدل عن سنن الساعين في خير سنن وأشتغل: مضارع اشتغلت (١) بالبناءللفاعل.

قال األزهري: اشتغل بأمره فهو مشتغل بالبناء للفاعل (٢).قال ابن فارس: وال يكادون يقولون: اشتغل، وهو جائز يعني بالبناء للفاعل (٣).

ومن هنا قال بعضهم: اشتغل بالبناء للمفعول ال يجوز بناؤه للفاعل، ألن االفتعال إن كانمطاوعا فالزم ال غير، وإن كان غير مطاوع فال بد أن يكون فيه معنى التعدي، نحو:اكتسبت المال، واكتحلت، واختضبت، أي: كحلت عيني، وخضبت يدي، واشتغلت ليس

بمطاوع وليس فيه معنى التعدي.وأجيب بأنه في األصل مطاوع لفعل هجر استعماله في فصيح الكالم، واألصل أشغلتهباأللف فاشتغل، مثل أحرقته فاحترق، وفيه معنى التعدي، فإنك تقول اشتغلت بكذا، والجار

والمجرور في معنى المفعول.وقد نص األزهري على استعمال مشتغل ومشتغل (٤).

وفي نسخة ابن إدريس: «فال اشغل» بالبناء للمفعول مضارع شغلت به، وهي أحسن.واحتمل الشيء - على افتعله - بمعنى: حمله.

واإلصر بالكسر: الحمل الثقيل الذي يأصر صاحبه، أي: يحبسه مكانه.____________________

(١) (ج) اشتغل.(٢) و (٣) المصباح المنير: ص ٤٣١.

(٤) المصباح المنير: ص ٤٣١.

(٤٠٨)

Page 389: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقيل: هو الثقل والشدة.

والتبعات: جمع تبعة على وزن كلمة.قال صاحب المحكم: التبعة والتباعة: ما أتبعت به صاحبك من ظالمة ونحوها، والتبعة

والتباعة: ما فيه إثم يتبع به (١)، انتهى.وإرادة المعنى الثاني هنا أنسب، وأكثر أهل اللغة لم يذكروا للتبعة إال المعنى األول.

والمكسب: مصدر ميمي بمعنى الكسب. وفي هذه الفقرة داللة على عزة اكتساب المالمن الوجه الذي يحل ويجمل، وأن المكاسب الطيبة الجميلة قليلة عند الحر العادل، ومنهنا كان العالم العاقل في أكثر األحوال مقال، ألنه ال يأخذ المال إال كما يجب وفي الوقتالذي يجب، والجاهل يسهل عليه الجمع من حيث ال يبالي فيما يتناول بارتكاب محظور،واستباحة محجور، وتناول محذور، واستنزال الناس عما في أيديهم بالمكر، ومساعدتهمعلى ارتكاب الشر طعما في نفعهم، ولهذا ما يوجد الكريم الفاضل والعالم العادل يتهم

جده ويشكو بخته، كما قال القائل.ال تنكري إن كان أعسر فيكم ذو المجد واستغنى لئيم المحتد إن البزاة رؤسهن عواطل

والتاج معقود برأس الهدهد وقال أبو تمام:ال تنكري عطل الكريم من الغنى فالسيل حرب للمكان العالي (٢) وقال آخر:

وحكومة األيام يسعد جاهل فيها ويشقى العالم النحرير (٣)قوله عليه السالم: «فاطلبني بقدرتك ما أطلب» أطلبه إطالبا: أسعفه بما طلب.

____________________(١) المحكم في اللغة: ج ٢ ص ٤٣.

(٢) لم نعثر عليه.(٣) اإليضاح في علوم البالغة للخطيب القزويني: ص ٥١٨.

(٤٠٩)

Page 390: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قال في الفائق: إطالب الحاجة: إنجازها واإلسعاف بها، يقال: طلبته فأطلبني أي: أسعفني،

كما يقال: سألته فأسألني أي: أعطاني سؤلي (١).وأجاره إجارة: حفظه وأمنه.

ورهب رهبا - من باب تعب -: خاف، واالسم الرهبة. ومدار هذا الفصل على سؤالإلهامه عليه السالم اإلجمال في الكسب والطلب، وصونه عن تحمل المشقة وارتكاب

المآثم فيهما.وروى ثقة اإلسالم في الصحيح عن أبي جعفر عليه السالم، قال: قال رسول الله صلى اللهعليه وآله في حجة الوداع: أال إن الروح األمين نفث في روعي أنه ال تموت نفس حتىتستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، وال يحملنكم استبطاء شئ من الرزق أنتطلبوه بشيء من معصية الله، فإن الله تبارك وتعالى قسم األرزاق بين خلقه حالال ولميقسمها حراما، فمن اتقى الله وصبر أتاه الله برزقه من حله، ومن هتك حجاب الستر

وعجل فأخذه من غير حله قص به منرزقه الحالل، وحوسب عليه يوم القيامة (٢).

وعن أمير المؤمنين عليه السالم: كم من متعب نفسه مقتر عليه، ومقتصد في الطلب قدساعدته المقادير (٣).

واألخبار في هذا المعنى كثيرة جدا.وال يتوهم أنه عليه السالم سأل ترك االكتساب مطلقا، فإن ذلك ال يجوز، فقد تظافرتاألخبار عنهم عليهم السالم أن أحد من ال يستجاب له رجل جلس في بيته وقال: يا رب

ارزقني، فيقال: ألم آمرك بالطلب (٤).____________________

(١) الفائق: ج ٣ ص ٦٩.(٢) الكافي: ج ٥ ص ٨٠ ح ١.(٣) الكافي: ج ٥ ص ٨١ ح ٦.

(٤) الكافي: ج ٢ ص ٥١١ ح ٢ مع اختالف يسير في العبارة.

(٤١٠)

Page 391: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وصن وجهي باليسار، وال تبتذل جاهي باإلقتار فأسترزق أهلرزقك، وأستعطي شرار خلقك، فأفتتن بحمد من أعطاني، وأبتلي بذم من منعني، وأنت من

دونهم ولي اإلعطاء والمنع.____________________

وعن علي بن عبد العزيز قال: قال لي أبو عبد الله عليه السالم: ما فعل عمر بن مسلم؟قلت: جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة، فقال: ويحه أما علم أن تارك الطلب اليستجاب له، إن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزلت «ومن يتق اللهيجعل له مخرجا ويرزقه من حيث ال يحتسب»، أغلقوا األبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا:قد كفينا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله، فأرسل إليهم فقال: ما حملكم على ماصنعتم؟ فقالوا: يا رسول الله، الله تكفل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة، فقال: إنه من فعل

ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب (١).والروايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى.

المؤمنين أمير إلى البالغة، ونسبه الرضي في نهج السيد الدعاء أورده الفصل من هذا النهج: الله عليه، إال أن بين األلفاظ اختالفا يسيرا، وعبارة صلوات

ومن دعاء له عليه السالم: اللهم صن وجهي باليسار، وال تبذل جاهي باإلقتار، فأسترزقطالبي رزقك، وأستعطف شرار خلقك، وأبتلي بحمد من أعطاني، وأفتتن بذم من منعني،

وأنت من وراء ذلك ولي اإلعطاء والمنع، إنك على كل شئ قدير.صانه صونا: حفظه ووقاه، وصان الرجل عرضه عن الدنس فهو صين، وصان الثوب: خالف

ابتذله.والوجه هنا: بمعنى الجاه، ومنه: كان لعلي عليه السالم وجه من الناس حياة فاطمة (٢).

____________________(١) الكافي: ج ٥ ص ٨٤ ح ٥.

(٢) النهاية البن األثير: ج ٥ ص ١٥٩.

(٤١١)

Page 392: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قال ابن األثير: أي: جاه وعز فقدهما بعدها (١).

واليسار بالفتح: الغنى والثروة.وابتذله: امتهنه ولم يصنه.

والجاه: القدر والمنزلة والحرمة.قيل: هو مقلوب من الوجه.

وقتر على عياله قترا وقتورا - من بابي ضرب وقعد - وأقتر إقتارا وقتر تقتيرا أي:ضيق في النفقة، كل ذلك بمعنى واحد.

والمراد به هنا: ضيق الرزق والفقر.سأل عليه السالم صون جاهه وعزه باليسار، وعدم امتهان قدره وحرمته باإلقتار، الستلزام

الغنى احترام صاحبه عند عامة الناس.واستلزام الفقر مهانة المبتلى به عندهم. وفي بعض اآلثار: أحسنوا تعهد المال فإنه ما افتقرأحد قط إال أصابه ثالث خالل: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب من مروته، والرابعة

هي العظمى وهي استخفاف الناس به.وفي وصايا لقمان: يا بني أكلت الحنظل وذقت الصبر فلم يكونا أمر من الفقر، فإن افتقرت

فال تحدث الناس كيال ينتقصوك (٢).وعن أبي عبد الله عليه السالم: ال تدعوا التجارة فتهونوا (٣).

وكان بعضهم يقول: الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس، ومن الذنب للمصر،ومن الحكم للمقر، وهو عندهم أرفع من السماء وأعذب من الماء، وأحلى من الشهد

وأزكى من الورد، خطؤه صواب وسيئته حسنة، وقوله مقبول____________________

(١) النهاية البن األثير: ج ٥ ص ١٥٩.(٢) الكافي: ج ٤ ص ٢٢ ح ٨، مع اختالف يسير في العبارة.

(٣) وسائل الشيعة: ج ١٢ ص ٧ ح ٦.

(٤١٢)

Page 393: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وحديثه معسول، يغشى مجلسه وال تمل صحبته، والمفلس عند الناس أكذب من لمعانالسراب، ومن سحاب تموز، ال يسأل عنه إن تخلف وال يسلم عليه إن قدم، إذا غابشتموه وإن حضر طردوه، وإن غضب ضعفوه، مصافحته تنقض الوضوء، وقراءته تقطع

الصالة، أثقل من األمانة، وأبغض من المبرم الملحف.وكان ينسد لعروة الصعاليك:

ذريني للغنى أسعى فإني رأيت الناس شرهم الفقير وأبعدهم وأهونهم عليهم وان أمسى لهحسب وخير ويكرهه الندي وتزدريه حليلته وينهره الصغير وتلفي ذا الغنى وله جالل يكادأمير للغني رب غفور (١) ومن كالم قليل ذنبه والذنب جم ولكن فؤاد صاحبه يطير المؤمنين عليه السالم أنه قال البنه محمد: يا بني إني أخاف عليك الفقر فاستعذ بالله منه،

فإن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل، داعية للمقت (٢).أمره عليه السالم باالستعاذة من الفقر لما فيه من المكاره الثالثة:

أما كونه منقصة للدين، فلالشتغال بهمه وتحصيل ما به قوام البدن عن العبادة.وأما كونه مدهشة للعقل، فألنه محل دهشة العقل وحيرته وضيق الصدر به، وهو ظاهر.

وأما كونه داعية للمقت، فلمقت الخلق وبغضهم لصاحبه، كما قيل:الناس أعداء لكل مدقع صفر اليدين وإخوة للمكثر (٣)

____________________(١) عيون األخبار البن قتيبة: ج ١ ص ٢٤١ - ٢٤٢ وفيه: «ويقصيه

الندي».(٢) نهج البالغة: حديث ٣١٩ ص ٥٣١.

(٣) الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص ٢٠٧.

(٤١٣)

Page 394: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قال بعضهم: وربما يقدح في عدالة الرجل إقالله.

شهد بعض العدول المقلين عند قاض بشهادة، فتوقف في شهادته مع أنه نسيج وحده فيزهادته، فقال له بعضهم: أنى لك في العدالة رجل مثله؟ قال: هو كذلك إال أنه رجل فقير

والذي شهد به عظيم، فعجبوا من قوله. وفي هذا المعنى قال بعضهم:فصاحة سحبان وخط ابن مقلة * وحكمة لقمان وزهد ابن أدهم

إذا اجتمعت في المرء والمرء مفلس * فليس له قدر بمقدار درهم (١)وقال بعض األكابر: المال في هذا الزمان عز للمؤمن، وقال: المال سالح المؤمن، وكانبين يديه دنانير يقلبها، فقيل له: إنك لتحبها، فقال: لوال هذه لتمندل القوم بأعراضنا تمندال

.(٢)وترك ابن المبارك دنانير وقال: اللهم انك تعلم أني لم أجمعها إال ألصون بها حسبي وديني

.(٣)وقال الحكماء: المال يرفع صاحبه وإن كان وضيع النسب قليل األدب، وينصره وإن كانجبانا، ويبسط لسانه وإن كان عيا، به تظهر المروءة وتتم الرئاسة، يصلك إذا قطعك الناس،

وينصرك إذا خذلك األقربون، ولواله ما مدح كريم وال صين حريم (٤).وقال الشاعر:

ولم أر بعد الدين خيرا من الغنى * ولم أر بعد الكفر شرا من الفقر (٥)____________________

(١) لم نعثر عليه.(٢) لم نتحققه.

(٣) ال يوجد لدينا، الكتاب.(٤) لم نتحققه.

(٥) أدب الدين والدنيا: ص ١٤٦.

(٤١٤)

Page 395: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقال جار الله الزمخشري:

ال تلمني إذا وقيت األواقي * فاألواقي لماء وجهي واقي (١)وكان بعض المعروفين بالحرص إذا صار الدرهم في يده خاطبه وناجاه وحياه وفداه، وقال:بأبي أنت وأمي كم من أرض قطعت، وكيس خرقت، وكم من خامل رفعت، ورفيعبمقارقتك إياه أخملت، لك عندي أال تعرى وال تضحى، ثم يلقيه في كيسه ويقول: اسكن

على بركة اسم الله في مكان ال تزول عنه وال تزعج (٢).واعلم أن الغنى المطلوب في الدعاء له عليه السالم هو ما دفع ضرورة الحاجة بحسب

االقتصاد والقناعة، وقام بأوامر اللهتعالى ومراضيه، من الحج والصدقات وصلة الرحم وما أشبه ذلك، وهذا هو الغنى المحمود

الممدوح بقوله صلى الله عليه وآله: نعم المال الصالح للعبد الصالح (٣).ال المفهوم المتعارف بين أرباب الدنيا من جمع المال وادخاره واالتساع به فوق الحاجة،

فإن على هذا الوجه مذموم، بل هو وبال على صاحبه.قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: من آتاه الله منكم ماال فليحسن فيه الضيافة، وليصل بهالقرابة، وليصبر فيه على النائبة، وليفك منه العاني واألسير، وليعطه ابن السبيل والفقير فتلك

تمام المروة وشرف الدنيا واآلخرة (٤).ثم الجاه أيضا له اعتباران، فما أريد لله واالستعانة به على أداء حقوق الله

____________________(١) المستطرف: ج ٢ ص ٤٧.

(٢) لم نعثر عليه.(٣) بحار األنوار: ج ٧٣ ص ٦٢ و ٧٢ ص ٦٠.

(٤) نهج البالغة: خطبة ١٤٢ ص ١٩٨، مع اختالف يسير في العبارة.

(٤١٥)

Page 396: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وطاعته، فهو الجاه المحمود الذي سأل الله حفظه عليه باليسار وعدم اإلقتار، وهو الذيامتن الله سبحانه على األنبياء، كقوله: «يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح

عيسى بن مريم، وجيها في الدنيا واآلخرة» (١).وما أريد به الفخر والترؤس في الدنيا فهو المذموم.

وفي الحديث النبوي: إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد من عباده فيوقف بين يديه، فيسألهعن جاهه كما يسأله عن ماله (٢).

ابتذال جاهي الفاء: للسببية، أي: فبسبب قوله عليه السالم: «فأسترزق أهل رزقك». باإلقتار أسترزق أهل رزقك، الذين من شأنهم أن يكونوا مرزوقين ال أن يطلب منهم الرزق،وأستعطي شرار خلقك الذين ليسوا بأهل االستعطاء، وظاهر أن الحاجة قد تدعو إلى ذلك.والفعالن منصوبان، أما األول فبأن مضمرة بعد فاء السببية وجوبا، لوقوعه جوابا للدعاء،

وأما الثاني فبالعطف على األول.وفي بيانه عليه السالم لهذا السبب تأكيد لاللتجاء بالله تعالى في إعادته من الفقر وصيانتهعنه، إذ كان في استرزاق الخلق من الذل والخضوع للمطلوب منه، ومهانة النفس واشتغالهاعن التوجه إلى المعبود، ما يجب أن يستعاذ بالله منه، ويضرع إليه في الوقاية عنه، وفياستعطاء األشرار ما يستلذ معه ذو المروة طعم العلقم، ويستحلي مذاق الصبر وسم (٣)

األرقم.وقد تواترت الروايات واآلثار، وتطابقت األخبار واألشعار، على ذم السؤال وكراهية بذل

الوجه في الطلب إلى الناس، خصوصا ممن لم يكن معروفا بالمعروف.فمن ذلك ما رواه ثقة اإلسالم في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السالم، قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالى أحب شيئا لنفسه وأبغضه____________________

(١) سورة آل عمران: اآلية ٤٥.(٢) الجامع الصغير: ج ١ ص ٣٤، وفيه: «من عبيده فيقف».

(٣) (ج): مسم.

(٤١٦)

Page 397: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________لخلقه، أبغض لخلقه المسألة، وأحب لنفسه أن يسأل، وليس شئ أحب إلى الله عز وجل

من أن يسأل، فال يستحي أحدكم أن يسأل الله من فضله ولو شسع نعله (١).وروي عنه عليه السالم: إياكم وسؤال الناس، فإنه ذل في الدنيا وفقر تعجلونه، وحساب

طويل يوم القيامة (٢).وعن الحسين بن أبي العالء قال: قال أبو عبد الله عليه السالم: رحم الله عبدا عف وتعفف

وكف عن المسألة، فإنه يتعجل الدنية في الدنيا، وال يغني الناس عنه شيئا (٣).وفي الصحيح عن أبي جعفر عليه السالم: لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا،

ولو يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا (٤).وفي وصية أمير المؤمنين صلوات الله عليه البنه الحسن عليه السالم: أكرم نفسك عن كلدنية وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنك لن تعتاض مما تبذل من نفسك عوضا، وال تكن عبدغيرك وقد جعلك الله حرا، وان استطعت أن ال يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنكمدرك قسمك وآخذ سهمك، فإن اليسير من الله سبحانه أكرم وأعظم من الكثير من خلقه،وإن كان كل منه، وحفظ ما في يديك أحب إلي من طلب ما في يد غيرك، ومرارة اليأس

خير من الطلب إلى الناس (٥).وقال بعض السلف، من سأل حاجة فقد عرض نفسه على الرق، فإن قضاها المسؤولاستعبده بها، وإن رده عنها رجع حرا، وهما ذليالن، هذا بذل اللؤم وذاك بذل الرد (٦).

____________________(١) الكافي: ج ٤ ص ٢٠ ح ٤، وفيه: «شسع نعل».

(٢) الكافي: ج ٤ ص ٢٠ ح ١.

(٣) الكافي: ج ٤ ص ٢١ ح ٦.

(٤) الكافي: ج ٤ ص ٢٠ ح ٢.(٥) نهج البالغة: ص ٤٠١ الرسائل ٣١.

(٦) عيون األخبار: ج ٢ ص ١٣٩.

(٤١٧)

Page 398: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وفي الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين صلوات الله وسالمه عليه:

كد كد العبد إن أحببت أن تصبح حرا * واقطع اآلمال عن مال بني آدم طراال تقل ذا مكسب يزري فقصد الناس أزرى * أنت ما استغنيت عن غيرك أعلى الناس قدرا

(١)ومن الشعر المنسوب إلى الحسين عليه السالم:

إغن عن المخلوق بالخالق * تغن عن الكاذب بالصادقواسترزق الرحمن من فضله * فليس غير الله من رازق (٢)

وانشد ابن األعرابي:أبا هاني ال تسأل الناس والتمس * بكفيك فضل الله والله أوسع

فلو سئل الناس التراب ألوشكوا * إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا (٣)محمود الوراق:

شاد الملوك قصورهم وتحصنوا * من كل طالب حاجة أو راغبفارغب إلى ملك الملوك وال تكن * يا ذا الضراعة طالبا من طالب (٤)

سلم الخاسر:إذا أذن الله في حاجة * أتاك النجاح على رسله

فال تسأل الناس من فضلهم * ولكن سل الله من فضله (٥)أحمد بن سيف األنباري:

لموت الفتى خير من البخل للفتى * وللبخل خير من سؤال بخيل____________________

(١) ال يوجد لدينا الكتاب.(٢) البداية والنهاية: ج ٨ ص ٢٠٩.

(٣) عيون األخبار: ج ٢ المجلد الثالث ص ١٨٨، وفيه: «أبا مالك».(٤) عيون األخبار: ج ٢ المجلد الثالث ص ١٨٧ المستطرف: ج ٢ ص ٥٨.

(٥) المستطرف: ج ١ ص ١١٤ وج ٢ ص ٥٨.

(٤١٨)

Page 399: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________لعمرك ما شئ لوجهك قيمة * فال تلق إنسانا بوجه ذليل (١)

ولبعضهم:إذا اظمأتك أكف اللئام * كفتك القناعة شبعا وريافكن رجال رجله في الثرى * وهامة همته في الثريا

وال تخضعن إذا ما افتقرت * وال تسأل الرزق ما عشت حيافإن إراقة ماء الحياة * دون إراقة ماء المحيا (٢)

البصرة منتجعا، فلما وردها سأل عن أبا تمام حبيب بن أوس الطائي قصد وحكي أن شاعرها، فذكر له عبد الصمد بن المعدل، فقال: أنشدوني شيئا من شعره، فأنشد قوله:

لست تنفك طالبا لوصال * من حبيب أو طالبا لنوالأي ماء لحر وجهك يبقى * بين ذل الهوى وذل السؤال (٣)

فحول راحلته عنها ولم يدخلها.وقريب من هذا المعنى قوله بعضهم في أبي الطيب المتنبي:

أي فضل لشاعر يطلب الفضل * من الناس بكرة وعشياعاش حينا يبيع بالكوفة ماء * وحينا يبيع ماء المحيا (٤)

عبد الصمد بن المعذل:تكلفني إذالل نفسي لعزها * وهان عليها أن أهون لتكرما

تقول سل المعروف يحيى بن أكثم * فقلت سليه رب يحيى ابن أكثما (٥)القاضي عبد العزيز الجرجاني:

____________________(١) المستطرف: ج ٢ ص ٥٨.

(٢) الكشكول: ص ٢٤٢.(٣) أدب الدين والدنيا: ص ١٩٣.

(٤) لم نتحققه.(٥) عيون األخبار: ج ٢ المجلد الثالث ص ١٨٧.

(٤١٩)

Page 400: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________يقولون لي فيك انقباض وإنما * رأوا رجال عن مورد الذل أحجما

ذا قيل هذا مورد قلت قد أرى * ولكن نفس الحر تحتمل الظما (١)وأما سؤال من ليس أهال للمعروف ومن هو باللؤم موصوف، فهو أدهى وأمر وأسوأ وأضر.

وقد روي أن في زبور داود عليه السالم: ان كنت تسأل عبادي فاسأل معادن الخير ترجعمغبوطا مسرورا، وال تسأل معادن الشر ترجع ملوما محسورا (٢).

وفي األثر: أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السالم: لئن تدخل يدك في فم التنين إلىالمرفق خير من تبسطها إلى غني قد نشأ في الفقر (٣).

ومن كالمهم: ال شئ أوجع لألحرار من الرجوع إلى األشرار.وقيل ألعرابي: ما السقم الذي ال يبرأ والجرح الذي ال يندمل؟ قال: حاجة الكريم إلى اللئيم

.(٤)ومن كالم أمير المؤمنين عليه السالم: فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها (٥).

وعنه عليه السالم: ماء وجهك جامد يقطره السؤال، فانظر عند من تقطره (٦).وأوصى بعضهم ابنه فقال: ال تدنس عرضك، وال تبذلن وجهك بالطلب إلى من إن ردككان رده عليك عيبا، وإن قضى حاجتك جعلها عليك منا، واحتمل الفقر بالتنزه عما في

أيدي الناس، والزم القناعة بما قد قسم لك.____________________

(١) لم نعثر عليه.(٢) ربيع األبرار مخطوط: ص ١١٨ باب الطلب.

(٣) المستطرف: ج ٢ ص ٥٨، ربيع األبرار مخطوط: ص ١٢١ باب الطلب.(٤) المستطرف: ج ٢ ص ٥٨.

(٥) نهج البالغة: ص ٤٧٩ الحكم ٦٦.(٦) وسائل الشيعة: ج ٦ ص ٣٠٩ ح ١٤.

(٤٢٠)

Page 401: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقال رجل البنه: إياك أن تريق ماء وجهك عند من ال ماء في وجهه (١).

رأى األصمعي كناسا يكنس كنيفا، وهو ينشد:وأكرم نفسي إنني إن أهنتها * وحقك لم تكرم على أحد بعدي

قال: فقلت له، يا هذا إنك والله لم تترك من الهوان شيئا إال وقد فعلته بنفسك مع هذهالحرفة، فقال: بلى والله انني صنتها عما هو أعظم من هذا من الهوان، قلت: وأي شئ هو؟

قال: سؤال مثلك، قال: فانصرفت عنه وأنا أخزى الناس.وفي الصحيح عن أبي عبد الله عليه السالم، قال: إن محمد بن المنكدر كان يقول: ماكنت أرى أن علي بن الحسين عليه السالم يدع خلفا أفضل منه، حتى رأيت ابنه محمد بن

علي عليهما السالم، فأردت أن أعظه فوعظني، فقال له أصحابه:بأي شئ وعظك؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيني أبو جعفرمحمد بن علي عليه السالم، وكان رجال بادنا ثقيال، وهو متكئ على غالمين أسودين أوموليين، فقلت في نفسي: سبحان الله، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذهالحالة في طلب الدنيا، أما ألعظنه، فدنوت منه فسلمت عليه، فرد علي ببهر (٢) وهويتصاب عرقا، فقلت: أصلحك الله، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالةفي طلب الدنيا، أرأيت لو جاءك أجلك وأنت على هذه ما كنت تصنع؟ فقال: لو جاءنيالموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعة الله عز وجل، أكف بها نفسيوعيالي عنك وعن الناس، وإنما كنت أخاف أن لو جاءني الموت وأنا على معصية من

معاصي الله، فقلت: صدقت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني (٣).____________________

(١) المستطرف: ج ٢ ص ٥٨.(٢) بالباء الموحدة المضمومة: وهو تتابع النفس يعتري االنسان عند السعي الشديد

والعدو.(٣) الكافي: ج ٧٣٥ ح ١.

(٤٢١)

Page 402: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ومما جاء نظما في هذا المعنى قول عمر بن أحمد الباهلي:

ومن يطلب المعروف من غير أهله * يجد مطلب المعروف غير يسيرإذا أنت لم تجعل لعرضك جنة * من الذم سار الذم كل مسير (١)

وقال آخر:وإذا بليت ببذل وجهك سائال * فابذله للمتكرم المفضال

إن الجواد إذا حباك بموعد * أعطاك سلسا بغير مطالما اعتاض باذل وجهه بسؤاله * عوضا ولو نال المنى بسوأل

وإذا السؤال مع النوال قرنته * رجح السؤال وخف كل نوال (٢)وقال آخر:

قطعي يدي بيدي أخف علي من * مدي إلى نذل ألخذ يد يداغضب اإلله علي إن أك راضيا * ليدي بأن تمتاح من يده يدا (٣)

وقال آخر:واسأل العرف إن سألت جوادا * لم يزل يعرف الغنا واليسارا

فإذا لم تجد من الذل بدا * فالق بالذل إن لقيت الكباراليس إجاللك الكبير بذل * إنما الذل أن تجل الصغارا (٤)

أبو شراعة العبسي:إن الغنى عن لئام الناس مكرمة * وعن كرامهم أدنى إلى الكرم (٥)

____________________(١) أنوار الربيع للمؤلف: ج ٦ ص ٩٥.

(٢) الكافي: ج ٤ ص ٢٥.(٣) لم نتحققه.

(٤) بحار األنوار: ج ٩٦ ص ١٦٠، المخالة: ص ١١، مع اختالف يسير فيبعض األلفاظ.

(٥) لم نعثر عليه.

(٤٢٢)

Page 403: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________منصور الفقيه:

الموت أسهل عندي * بين القنا واألسنةوالخيل تجري سراعا * مقطعات األعنة

من أن يكون لنذل * علي فضل ومنة (١)قوله عليه السالم: «فأفتتن بحمد من أعطاني» الفاء: عاطفة سببية مفيدة للتعقيب.

واالفتتان هنا: بمعنى الميل، من قولهم فتن المال الناس - من باب ضرب - فتونا فاتتنواأي: استمالهم فمالوا.

واالبتالء: اإلصابة بالمكروه، يروي ابتالء بالبناء للمفعول، وأبتلي بالبناء للفاعل، فاألول منابتاله ابتالء، والثاني مطاوع باله فابتلى هو، وفي بيان هذا السبب تأكيد آخر لإلعاذة منالفقر الموجب السترزاق الخلق واستعطاء شرارهم، إذ كان ذلك مستلزما للصرف عن الله

تعالى والتوجه إلى قبلتهم الحقيقية.والواو من قوله: «وأنت»: للحال، أي: ال تبتذل جاهي باإلقتار، فيلحقني بسببه ما يلحقني

من المكاره المعدودة، والحال أنك من دون الخلق ولي اإلعطاء والمنع.ودون هنا: تفيد التجاوز والتخطي، كما تقول لمن وهبته ملكا: هذا لك من دون الناس،

أي: ال يتجاوز منك إلى غيرك.ومن: ابتدائية.

والولي: فعيل بمعنى فاعل، من ولي األمر: إذا قام به، أي: وأنت من دونهم القائم باإلعطاءوالمنع.

____________________(١) المستطرف: ج ١ ص ٧٠.

(٤٢٣)

Page 404: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وارزقني صحة في عبادة، وفراغا في زهادة، وعلما في وآله، اللهم صل على محمد إجمال. استعمال، وورعا في

____________________قال ابن أبي الحديد: «وولي» المرتفع بأنه خبر المبتدأ ويكون خبرا بعد خبر، ويجوز أنيكون «ولي» هو الخبر، ويكون من دونهم جملة مركبة من الجار والمجرور منصوبة

الموضع على الحال (١)، انتهى.قلت: الظاهر أن الوجه الثاني متعين، ألن فائدة الكالم ال تتم إال به، فتأمله.

الصحة في البدن: حالة طبيعية تجري أفعاله معها على المجرى الطبيعي، وقد استعيرتللمعاني، فقيل: صحت الصالة:

إذا أسقطت القضاء، وصح العقد: إذا ترتب عليه أثره، وصح الخبر: إذا طابق الواقع.والعبادة: أقصى غاية التذلل والخضوع لله تعالى، ومنه: طريق معبد أي:

مذلل.وفي: ظرفية مجازية، بتشبيه مالبسة الصحة للعبادة في االجتماع معها بمالبسة الظرف

للمظروف، فتكون كلمة «في» استعارة تبعية.ولك أن تعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من الصحة والعبادة ومصاحبة إحداهما لألخرى بالهيئةالمنتزعة من المظروف والظرف واصطحابهما، فيكون الكالم استعارة تمثيلية تركب كلمن طرفيها، لكنه لم يصرح من األلفاظ التي بإزاء المشبه إال بلفظ «في»، فإن مدلولها هوالعمدة في تلك الهيئة، وما عداه تبع له يالحظ معه في ضمن ألفاظ منوية، فال تكون كلمة

«في» استعارة، بل هي على معناها الحقيقي.ولك أن تشبه العبادة بما يكون محال وظرفا للشيء على طريقة االستعارة بالكناية، ويكون

ذكر كلمة «في» قرينة وتخييال، وقس على ذلك ما بعده.____________________

(١) لم نعثر عليه.

(٤٢٤)

Page 405: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________سأل عليه السالم أن تكون صحته مستعملة في عبادته تعالى، حذرا من صرفها فيما ليس لله

فيه رضى.ففي الحديث: صحة األبدان واألبصار يسأل الله العباد فيما استعملوها وهو أعلم بذلك

.(١)والفراغ: خالص اإلنسان من المهمات.

والمراد هنا: الفراغ من المهمات الدنيوية.والزهادة: الزهد، وهو في اللغة: ترك الميل إلى الشيء لعدم الرغبة فيه، وفي االصطالح: هو

بغض الدنيا واإلعراض عنها.وقيل: هو ترك راحة الدنيا طلبا لراحة اآلخرة. وسيأتي الكالم عليه مبسوطا في الروضة

الثانية والعشرين إن شاء الله تعالى.ولما كان الفراغ من دواعي الفساد وبواعث طموح النفس إلى راحة الدنيا، كما قيل:

إن الشباب والفراغ والجدة * مفسدة للمرء أي مفسدةسأل عليه السالم أن يكون فراغه منوطا بالزهادة، محاطا بها إحاطة الظرف بالمظروف،حتى ال يكون شئ منه خارجا عنها، فال يشتغل بشيء من شهوات النفس األمارة، وال

يلتفت إلى ما يصرفه عن قبلته الحقيقية.والمراد بالعلم هنا: ما تعلق بكيفية العمل، بدليل قوله: «في استعمال»، فإن العلم قسمان:

علم عقلي، كالعلم بذات الله سبحانه وأفعاله وصفاته، وهو مراد لنفسه.____________________

(١) ربيع األبرار مخطوط: ص ١١٧ باب الصحة والسالمة والعافية، وفيه: «صحة األبدان واألسماع واألبصار».

(٤٢٥)

Page 406: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وعلم عملي، وهو المتعلق بكيفية إعمال الطاعات وتروك المعاصي والسيئات، وهو مطلوب

للعمل به.فاألول علم حر مطلق ال تعلق له بالعمل، بل هو نتيجة العمل وثمرته ويسمى علم الوصول.

والثاني علم خادم مقيد متعلق بالعمل، وهو وسيلة العمل ومبدؤه، ويسمى علم السلوك.وال يبعد أن يراد بالعلم المسؤول هنا المتعلق بمعرفة الله تعالى وما يليق به، ومعرفة ما يجبمعرفته عقال وشرعا، وهو الذي يجب التدين به واالعتقاد له والعكوف عليه والمحافظة له،ثم العمل بمقتضاه إن كان المقصود منه العمل، فيصير بذلك عالما ربانيا، كما قال تعالى:

«كونوا ربانيين» (١).قال األزهري: هم أرباب العلم الذين يعملون بما يعلمون، وبهما يتحقق كمال الدين وتمامه

.(٢)كما قال أمير المؤمنين عليه السالم: إن كمال الدين طلب العلم والعمل به (٣).

وسر ذلك أن اإلنسان بالعلم يعرف واضع الدين وحدوده، وأحكامه ولواحقه وشرائطه،ومداخله ومخارجه، ومصالحه ومفاسده، وبالعمل يحققه ويقيمه ويوجده، ويضع كل واحدمن أجزائه في موضعه، ويخرجه من حيز البطون إلى حيز الظهور، فلوال العلم بطل العمل،ولوال العمل بطل العلم وصار بال فائدة، ولهذا وردت األخبار واآلثار مستفيضة بالحث على

العمل بالعلم، وذم العلم بدون العلم (٤).____________________

(١) سورة آل عمران: اآلية ٧٩.(٢) شرح الكافي للمولى محمد صالح المازندراني: ج ٢ ص ٩، نقال فيه.

(٣) الكافي: ج ١ ص ٣٠ ح ٤.(٤) راجع شرح الكافي للمولى محمد صالح المازندراني: ج ٢ ص ٩.

(٤٢٦)

Page 407: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________فمن ذلك ما رواه ثقة اإلسالم في الكافي بسنده إلى صاحب الدعاء علي بن الحسين عليهالسالم، أنه قال: مكتوب في اإلنجيل: ال تبطلوا علم ما ال تعلمون ولما تعملوا بما علمتم،

فإن العلم إذا لم يعمل به لم يزدد به صاحبه إال كفرا، ولم يزدد من الله إال بعدا (١).وعن أمير المؤمنين عليه السالم: إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلكم تهتدون (٢).

وعنه عليه السالم: من أخذ العلم من أهله وعمل به نجا، ومن أراد به الدنيا فهو حظه (٣).وعن أبي عبد الله عليه السالم: أن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب، كما

يزل المطر عن الصفا (٤).والورع: الكف عما ال ينبغي، يقال: ورع عن المحارم يرع بكسرتين ورعا بفتحتين ورعة

كعدة فهو ورع: أي كثير الورع، وورعته عن األمر توريعا: كففته فتورع.وقد قسموا ورع األنفس على أربع درجات:

األولى: هي الورع عما يوجب التفسيق وسقوط العدالة، وهذه أدناها.الثانية: ورع الصالحين، وهو التحرج عما تتطرق إليه شبهة الحرمة، وإن ساغ ذلك فيالفتوى، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: دع ما يريبك إلى ما ال يريبك

.(٥)والثالثة: ورع المتقين، وهو ترك المباح خوفا من انتهائه إلى المحظور، مثل ترك التحدث

بأحوال الناس حذرا من أن ينجر إلى الغيبة.____________________

(١) الكافي: ج ١ ص ٤٤ ح ٤.

(٢) الكافي: ج ١ ص ٤٥ ح ٦.(٣) الكافي: ج ١ ص ٤٦ ح ١، وفيه: «وعمل بعلمه... فهي حظه».

(٤) الكافي: ج ١ ص ٤٤ ح ٣.(٥) الترمذي: ج ٤ ص ٦٦٨.

(٤٢٧)

Page 408: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ال يبلغ الرجل درجة المتقين حتى يدع ماال بأس به

مخافة ما به بأس (١).الرابعة: ورع الصديقين، وهو ترك ما ال يراد بتناوله القوة على طاعة الله أو يلم بصاحبه

بعض خواطر المعصية.كما يحكى أن ذا النون المصري كان محبوسا، فكان تبعث إليه امرأة صالحة بطعام تشتريهبغزلها، فكان يقاسي الجوع وال يتناوله منه، ويقول: إنه جاء على طبق حرام، يريد يد

السجان (٢).ولم يكن بشر الحافي يشرب من األنهار الكبار التي تحتفرها السالطين، ألنها حفرت بغيرأجرة أو بأجرة دفعت من مال حرام (٣) وقوله عليه السالم: «في إجمال» أي: في رفق

واقتصاد، من أجمل في الطلب: إذا رفق واقتصد ولم يفرط.والمراد: ورعا غير خارج عن االقتصاد إلى حد اإلفراط، فيخرج عن حقيقة الورع.

ولهذا قال بعض أهل التحقيق (٤): قد يشتبه الورع بالوسواس، وذلك كمن كان له ثوبان،أحدهما لم تلحقه نجاسة، واآلخر لحقته فغسله، فيترك الصالة في المغسول ألنه مستهنجاسة (٥) وكمن قبل أحد يده فيغسلها، ويقول: إن الخروج من (٦) عهدة التكليف

يتوقف على غسلها، ألن من الجائز أن يكون من مسها نجسا.____________________

(١) نهج الفصاحة: ص ٥٢٥، الجامع الصغير: ج ٢ ص ٢٠٤، سننابن ماجة: ج ٢ ص ١٤٠٩ ح ٥ / ٤٢، مع اختالف يسير فيها.

(٢) و (٣) إحياء علوم الدين: ج ٢ ص ٩٧، المحجة البيضاء: ج ٣ ص ٢١٦.(٤) راجع إحياء علوم الدين: ج ٢ ص ١١٢ - ١١٣.

(٥) لم نعثر عليه.(٦) (ج): عن.

(٤٢٨)

Page 409: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم اختم بعفوك أجلي، وحقق في رجاء رحمتك أملي، وسهل إلى بلوغ رضاك سبلي،وحسن في جميع أحوالي عملي.

____________________وظاهر أن مثل ذلك من الوسواس، وإن عده بعض العامة من باب الورع.

ورئي رجل بعرفات وبيده زبيبة، وهو ينادي أال من ضاعت له زبيبة، فقيل له: أمسك فإنهذا من الورع الذي يمقت الله عليه (١)، والله أعلم.

ختم الشيء يختمه - من باب ضرب -: أتمه وأنهاه، وختمته به: جعلته خاتمة له، وخاتمةكل شئ: آخره.

العمر، ويطلق على وقت انقطاع الحياة كما تقدم في أوائل والمراد باألجل هنا: مدة الروضة األولى.

والغرض طلب حسن الخاتمة وسعادة العاقبة، لما تقرر من أن كل من مات على شئ حكمله به خير وشر.

وفي الحديث عن أبي عبد الله عليه السالم: أن من كتبه الله سعيدا، وإن لم يبق من الدنياإال فواق ناقة، ختم له

بالسعادة (٢).وحققت حذره وأمله - من باب قتل - وأحققته احقاقا وحققته تحقيقا: إذا فعلت ما كان

يحذره ويأمله.والرجاء: تعلق القلب بحصول أمر محبوب في المستقبل قريب الحصول لحصول أكثر

أسبابه، واألمل أبعد منه.ولذلك سأل عليه السالم تحقيق األمل الذي هو بعيد بالنسبة إلى الرجاء، وجعل الرجاء هوالمأمول، وذلك لشدة اإلشفاق والخوف، حتى كأن الرحمة التي تعلق قلبه بحصولها لم

يحصل لديه أكثر أسبابها، فيرجوها بل يأمل رجاءها المستلزم لحصول أكثر أسبابها.____________________

(١) لم نتحققه.(٢) الكافي: ج ١ ص ١٥٤ ح ٣.

(٤٢٩)

Page 410: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، ونبهني لذكرك في أوقات الغفلة، واستعملني بطاعتك في أيامالمهلة، وأنهج لي إلى محبتك سبيال سهلة أكمل لي بها خير الدنيا واآلخرة.

____________________والسهل: خالف الحزن، وهو ما غلظ من األرض وصعب سلوكه، وسهل الطريق تسهيال:

جعله سهال.والسبل بضمتين: جمع سبيل، وهو الطريق.

وفرق بينهما: بأن السبيل أغلب وقوعا في الخير، وال يكاد اسم الطريق يراد به الخير إالوإلى طريق الحق إلى تعالى: «يهدي لذلك، كقوله تخلصه إضافة أو بوصف مقترنا

.(١) مستقيم» والمراد بالسبل: الطاعات والخيرات واألسباب التي يكتسب بها العبد الملكات الفاضلةالموصولة إلى رضاه تعالى، وبتسهيلها: توفيقه للقيام بها من غير مشقة وعسر، وهي استعارة

مرشحة.واألحوال: جمع حال، والمراد بها هنا المعنى اللغوي، وهو الوصف حاال كان أو ملكة،الكيفيات فيعم الصحة والمرض، والسرور والحزن، والحلم والغضب، وغير ذلك من

أو زائلة. النفسانية راسخة كانت وتحسين العمل: توفيقه لتأدية ما توجبه المعرفة شرعا أو عرفا من األعمال بأحسن جهاتها

وبمقدار تمامها.نبه لألمر نبها - من باب تعب -: فطن له، ونبهته له وعليه تنبيها: فطنته.

والذكر: عبارة عن وجدان المذكور وحضوره في القلب.وله لب هو المقصود، وقشور ثالثة.

فاألعلى ذكر اللسان، ثم ذكر القلب تكلفا بحيث يحتاج إلى مراقبته حتى____________________

(١) سورة األحقاف: اآلية ٣٠.

(٤٣٠)

Page 411: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________يحضر، ثم ذكره طبعا بأن يتمكن من القلب، بحيث يحتاج إلى تكلف في صرفه عنه إلىغيره، ثم استيالء المذكور وانمحاء الذكر والذاكر، بأن يفنى عن نفسه وذكره وال يلتفتإلى قيامه أيضا، ذاهبا إلى ربه أوال، ثم ذاهبا فيه باالستغراق به آخرا، لو التفت إلى شئ منذلك لكان معرضا عن الله غير منفك عن الشرك الخفي، وهذه الحالة سماها العارفون

بالفناء ألنه «جاء الحق وزهق الباطل» (١).والغفلة عن الشيء: عدم حظوره بالبال.

وقيل: متابعة النفس على ما تشتهيه.وقيل: إبطال الوقت بالبطالة.

وقد تقدم الكالم على كل من الذكر والغفلة مبسوطا في الرياض السابقة (٢).والمهلة بالضم: التأخير واإلنظار، يقال: أمهلته إمهاال ومهلته تمهيال: أنظرته وأخرت طلبه.

والمراد بأيام المهملة: مدة العمر وأيام حياته في الدنيا.واعلم أنه لما كان غرض العناية اإللهية سوق كل ناقص إلى كماله، اقتضت عنايته سبحانهعدم معاجلة العباد بالعقاب واالنتقام، واألخذ بالذنوب والمعاصي في هذه الحياة الدنيا،ليراجعوا التوبة ويرجعوا إلى اإلنابة، فكأنه سبحانه أنظرهم ببقائهم في الدنيا وأمهلهم مدة

حياتهم فيها، فلذلك عبر عن مدة العمر بأيام المهلة.ونهجت الطريق أنهجه - من باب منع - وأنهجته إنهاجا: أوضحته وأبنته.

ومحبة العبد لله تعالى قيل: هي إرادته لطاعته وامتثال أوامره ونواهيه.____________________

(١) سورة اإلسراء: اآلية ٨١.(٢) الذكر، ص ٤٥١ والغفلة، ص ١٩.

(٤٣١)

Page 412: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقال المحققون: هي كيفية روحانية مترتبة على تصور الكمال المطلق الذي فيه على

التام إلى حضرة القدس بال فتور وفرار. االستمرار، ومقتضية للتوجه وأما محبته لغيره فكيفية تترتب على تخيل كمال فيه من لذة أو منفعة أو مشاكلة تخيالمستمرا، كمحبة العاشق لمعشوقه والمنعم عليه لمنعمه والوالد لولده والصديق لصديقه، وقد

سلف الكالم على هذا المطلب في الروضة السادسة (١) مبسوطا، فليرجع إليه.والسبيل: تؤنث وتذكر.

قال األخفش: أهل الحجاز يؤنثون السبيل والطريق والزقاق والسوق، وتميم تذكر كل ذلك(٢)، وقد ورد التنزيل بلغة الحجاز، قال تعالى: «قل هذه سبيلي» (٣)، ولذلك جاء عليه

السالم بصفتها مؤنثة وهي قوله «سهلة» بتاء التأنيث.والكمال: التمام، وإكمال الشيء: إتمامه.

وفرق بعضهم بينهما فقال: اإلتمام إلزالة نقصان األصل، واإلكمال إلزالة نقصان العوارضبعد تمام األصل، ولهذا كان قوله تعالى: «تلك عشرة كاملة» أحسن من تامة، فإن التام من

العدد قد علم، وإنما نفى احتمال نقص في صفاتها.وقيل ثم يشعر بحصول نقص قبله، وكمل ال يشعر بذلك.

وقال العسكري: الكمال: اسم الجتماع أبعاض الموصوف به، والتمام: اسم للجزء الذييتم به الموصوف، ولهذا يقال: القافية تمام البيت وال يقال: كماله، ويقولون: البيت بكماله

أي: باجتماعه (٤).ويؤيد هذا المعنى الرواية األخرى في الدعاء: «واجمع لي بها خير الدنيا

____________________(١) ج ٢، ص ٢٥٤.

(٢) المصباح المنير: ص ٣٤٥.(٣) سورة يوسف: اآلية ١٠٨.

(٤) الفروق اللغوية: ص ٣٢٤ رقم ١٥٠١.

(٤٣٢)

Page 413: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________واآلخرة» بدل «أكمل لي».

والضمير من «بها» راجع إما إلى المحبة أو السبيل.واعلم أنه ليس المراد بخير الدنيا ما يتبادر إلى أكثر األذهان من المعنى المشهور في العرفالعام، وهو كثرة المال والقنيات الدنيوية، بل المراد به: ما كان وسيلة إلى خير اآلخرة الذيهو السعادة األخروية كما قال أمير المؤمنين صلوات الله وسالمه عليه وقد سئل عن الخيرما هو: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك، وأن يعظم حلمك،وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله، وإن أسأت استغفرت الله، وال خيرفي الدنيا إال لرجلين: رجل أذنب ذنوبا فهو يتداركها بالتوبة، ورجل سارع في الخيرات

.(١)وال يقل عمل مع التقوى، وكيف يقل ما يتقبل؟ (٢).

فتراه عليه السالم كيف حصر خير الدنيا في أمرين:أحدهما: االشتغال بمحو السيئات وإعدامها، وتدارك فارط الذنوب بالتوبة، فتسعد النفس

بذلك الكتساب الحسنات.بالسعادة ليفوز الخيرات، فعل في والمسارعة الحسنات باكتساب االشتغال الثاني:

األمرين. هذين بين المكتسب الخير من واسطة وال األخروية، ولما كانت محبته تعالى مستلزمة للتوجه التام إلى حضرته المقدسة من غير فتور وال كالل،كانت سببا لكمال خير الدنيا بهذا المعنى، ولكمال خير اآلخرة بالطريق األولى، والله أعلم.وروى ثقة اإلسالم في الكافي بسنده عن أبي جعفر عليه السالم، قال: قال رسول الله صلى

الله عليه وآله: قال الله عز وجل: إذا أردت أن أجمع للمسلم خير____________________

(١) نهج البالغة: حكمه ٩٤ ص ٤٨٤.

(٢) نهج البالغة: حكمة ٩٥ ص ٤٨٤.

(٤٣٣)

Page 414: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، كأفضل ما صليت على أحد من خلقك قبله، وأنت مصل علىأحد بعده، وآتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة، وقني برحمتك عذاب النار.

____________________الدنيا واآلخرة جعلت له قلبا خاشعا، ولسانا ذاكرا، وجسدا على البالء صابرا، وزوجة

مؤمنة تسره إذا نظر إليها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله (١).الجار والمجرور من كاف التشبيه، وأفعل التفضيل في محل نصب على أنه صفة لموصوف

محذوف وهو مصدر منصوب ب «صل»، والتقدير: صل على محمد وآله صالة كائنة كأفضل ما صليت فحذف المصدرونابت صفته منابه، فهي ظرف مستقر متعلق بمحذوف وجوبا، وهذا هو المشهور في

إعراب نحو ذلك.وذهب سيبويه وابن هشام إلى غير ذلك، قال ابن هشام في شرح القطر: ليس مما ينوبعن المصدر صفته، نحو: «فكال منها رغدا» خالفا للمعربين، زعموا أن األصل أكال رغدا،

وأنه حذف الموصوف ونابت صفته منابه وانتصبت انتصابه (٢).ومذهب سيبويه أن ذلك إنما هو حال من مصدر الفعل المفهوم منه، والتقدير:

فكال منها حال كون األكل رغدا، ويدل على ذلك أنهم يقولون: سير عليه طويال، فيقيمونالجار والمجرور مقام الفاعل، وال يقولون: «طويل» بالرفع، فدل على أنه حال ال مصدر،

وإال لجاز إقامته مقام الفاعل، ألن المصدر يقوم مقام الفاعل (٣)، انتهى.وعلى هذا، فالجار والمجرور في محل نصب على الحالية، والتقدير: فصل على محمد وآله

حال كون الصالة كأفضل ما صليت.وما: موصول اسمي بمعنى التي، والعائد محذوف، وحذفه مطرد كثير في باب

____________________(١) الكافي: ج ٥ ص ٣٢٧ ح ٢.(٢) شرح قطر الندى: ص ٢٢٦.(٣) شرح قطر الندى: ص ٢٢٦.

(٤٣٤)

Page 415: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الصلة، والتقدير: كأفضل الصالة التي صليتها على أحد من خلقك.

الموصول، وهي صلة والواو من قوله: «وأنت مصل»: عاطفة، والجملة معطوفة على لموصول محذوف، أي: وما أنت مصل، كقوله تعالى: «آمنا بالذي انزل إلينا وانزل إليكم»(١) أي: والذي انزل إليكم، ألن الذي انزل إلينا ليس هو الذي انزل إلى من قبلنا، وكذلكما (٢) نحن فيه، ألن الصالة التي صالها على أحد قبله غير الصالة التي يصليها على أحدبعده، والعائد محذوف من قوله: «مصل»، والتقدير: والصالة التي أنت مصليها على أحد

بعده.ويحتمل أن تكون «ما» مصدرية، فال تحتاج إلى عائد، والتقدير: كأفضل صالتك علىأحد، وتكون جملة قوله: «وأنت مصل» معطوفة على المصدر بتقدير «ما» المصدرية،

أي: وما أنت مصل.وقد جوز غير سيبويه كون صلة ما المصدرية جملة اسمية.

قال الرضي: وهو الحق وإن كان قليال (٣) كما في نهج البالغة: بقوا في الدنيا ما الدنياباقية (٤).

وقال الشاعر:أعالقة أم الوليد بعدما * أفنان رأسك كالثغام المخلس (٥)

وسوغ حذف ما المصدرية داللة ما قبلها عليها.على أن أبا الفتح قال به في قوله:

باية يقدمون الخيل شعثا * كأن على سنابكها مدار____________________

(١) سورة العنكبوت: اآلية ٤٦.(٢) (ج) فيما.

(٣) الكافية في النحو: ج ٢ ص ٣٨٦.(٤) نهج البالغة: ص ٩٠، وفيه «ثم عمرتم في الدنيا».

(٥) مغني اللبيب: ص ٤٠٩.

(٤٣٥)

Page 416: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وأعلم أن الغرض من التشبيه في الصالة هنا أن يختص نبينا وآله صلوات الله عليهم بأفضلالمقررة القاعدة الخلق، فينطبق الكالم على التي عمت صالة مماثلة ألفضل الصلوات المشهورة من وجوب كون المشبه به أقوى من المشبه، إذ ال ريب أن الصالة العامة للكل

من حيث العموم أقوى من الخاصة بالبعض.وهذا أولى وأنسب من قول بعضهم: إن التشبيه باعتبار التحقق والظهور في المشبه به.

قوله عليه السالم: «وآتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة» اقتباس من قوله تعالى: «فمنالناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في اآلخرة من خالق.

ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار. أولئك لهمنصيب مما كسبوا والله سريع الحساب» (١).

قيل: المراد بالحسنتين أما في الدنيا: فالصحة، واألمن، والكفاية، والولد الصالح، والزوجةالصالحة، والنصر على األعداء.

وأما في اآلخرة: فالفوز بالثواب، والخالص من العقاب.وعن النبي صلى الله عليه وآله: من أوتي قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وزوجة مؤمنة تعينه على

أمر دنياه وآخرته، فقد أوتي في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة ووقي عذاب النار (٢).وعن أمير المؤمنين عليه السالم: الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة، وفي اآلخرة الحوراء،

وعذاب النار امرأة السوء (٣).____________________(١) سورة البقرة: اآلية ٢٠١ و ٢٠٢.

(٢) مجمع البيان: ج ١ - ٢ ص ٢٩٨.(٣) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان: ج ١ ص ٢١٦، أنوار التنزيل و

أسرار التأويل: ج ١ ص ١١٠، وفيه «المرأة السوء»، روح المعاني: ج ٢ ص٩١، وفيه «المرأة السوء»، وقريب منه ما ورد في تفسير القرطبي: ج ٢ ص

.٤٣٢

(٤٣٦)

Page 417: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وروى ثقة اإلسالم في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السالم في هذه اآلية:

رضوان الله والجنة في اآلخرة، والمعاش وحسن الخلق في الدنيا (١).وقيل: الحسنة في الدنيا العمل النافع وهو اإليمان والطاعة، وفي اآلخرة التنعم بذكر الله

واالنس به وبرضوانه (٢).وعن قتادة: الحسنتان طلب العافية في الدارين (٣).

وقيل: هي في الدنيا فهم كتاب الله، وفي اآلخرة الجنة (٤).وقيل: األولى الجهاد، والثانية ثواب المجاهدين (٥).

وقيل: في الدنيا العلم والعبادة، وفي اآلخرة الجنة (٦).وقال مقاتل: األولى الرزق الواسع، والثانية المغفرة والثواب (٧).

وقال عطية: األولى العلم والعمل، والثانية الثواب والمساهلة في الحساب (٨).وقيل: األولى التوفيق والعصمة، والثانية النجاة والرحمة (٩).

وقيل: األولى الولد الصالح، والثانية صحبة األنبياء عليهم السالم والصالحين (١٠).وقيل: األولى المال والنعمة، والثانية تمام النعمة، وهو النجاة من العقاب والوصول دار

الثواب (١١).وقيل: األولى اإلخالص، والثانية الخالص (١٢).

____________________(١) الكافي: ج ٥ ص ٧١ ح ٢.

(٢) التفسير الكبير للفخر الرازي: ج ٥ ص ١٨٨ - ١٨٩.(٣) التفسير الكبير للفخر الرازي: ج ٥ ص ١٨٩.

(٤) نفس المصدر السابق، والقائل هو الحسن.(٥) راجع كتب التفاسير ذيل اآلية ٢٠١ من سورة البقرة.

(٦) الدر المنثور: ج ١ ص ٢٣٤، والقائل هو الحسن.(٧) و (٨) و (٩) و (١٠) راجع كتب التفاسير: ذيل اآلية ٢٠١ من سورة

البقرة.(١١) و (١٢) راجع كتب التفاسير ذيل اآلية ٢٠١ من سورة البقرة.

(٤٣٧)

Page 418: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقيل: األولى والثانية كالهما حسن العاقبة (١).

ومنشأ كثرة األقوال في ذلك مجيء الحسنة منكرة في حيز اإلثبات، فكل من المفسرينحمل اللفظ على ما رآه أحسن أنواع الحسنة عقال أو شرعا، وبالجملة: فهذه الكلمة جامعة

لخيرات الدنيا واآلخرة.قال النظام النيسابوري: ويمكن أن يقال: التنوين للتعظيم، أي: حسنة أي حسنة، أو يريدحسنة توافق حال الداعي وحكمة المدعو، وفيه من حسن الطلب ورعاية األدب ما ليس فيالتصريح به، فإنه ال يكون إال ما يشاء هو، أو يريد حسنة ما وإن كانت قليلة، فإن النظر إلى

المنعم ال اإلنعام.قليل منك يكفيني ولكن قليلك ال يقال له قليل ولكون دفع الضرر أهم من جلب النفع،

صرح بذلك في قوله: «وقنا عذاب النار» (٢).وقيل: معناه احفظنا من الشهوات والذنوب المؤدية إلى النار، (٣) والله أعلم.

هذا آخر الروضة العشرين من رياض السالكين في شرح صحيفة سيد العابدين، وقد وفقالله إلتمامها مع توزع البال وتنوع البلبال، ضحى يوم الجمعة التاسع عشر من صفر، سنة

إحدى ومائة وألف، ولله الحمد باطنا وظاهرا وأوال وآخرا.____________________

(١) راجع كتب التفاسير ذيل اآلية ٢٠١ من سورة البقرة.(٢) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان: ج ١ ص ٢١٦ مع تقديم وتأخير.

(٣) تفسير أنوار التنزيل وأسرار التأويل ج ١ ص ١١٠.

(٤٣٨)

Page 419: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الروضة الحادية والعشرون(٤٣٩)

Page 420: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

دعاء ٢١وكان من دعائه عليه السالم إذا حزنه أمر وأهمته الخطايا

الفرد الضعيف وواقي األمر المخوف أفردتني الخطايا فال صاحب معي اللهم يا كافي وضعفت عن غضبك فال مؤيد لي وأشرفت على خوف لقائك فال مسكن لروعتي ومنيؤمنني منك وأنت أخفتني ومن يساعدني وأنت أفردتني ومن يقويني وأنت أضعفتني اليجير يا إلهي اال رب على مربوب وال يؤمن اال غالب على مغلوب، وال يعين اال طالب علىمطلوب وبيدك يا إلهي جميع ذلك السبب وإليك المفر والمهرب فصل على محمد وآلهوأجر هربي وأنجح مطلبي اللهم إنك إن صرفت عنى وجهك الكريم او منعتني فضلكالجسيم او حظرت على رزقك او قطعت عنى سببك لم أجد السبيل إلى شىء من أمليغيرك ولم اقدر على ما عندك بمعونة سواك فإني عبدك وفي قبضتك ناصيتي بيدك ال أمر ليمع أمرك ماض في حكمك عدل في قضاؤك وال قوة لي على الخروج من سلطانك والأستطيع مجاوزة قدرتك وال أستميل هواك وال أبلغ رضاك وال أنال ما عندك اال بطاعتك

وبفضل رحمتك إلهي أصبحت(٤٤١)

Page 421: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وأمسيت عبدا داخرا لك ال املك لنفسي نفعا وال ضرا اال بك اشهد بذلك على نفسيواعترف بضعف قوتي وقلة حيلتي فأنجز لي ما وعدتني وتمم لي ما أتيتني فإني عبدكالمسكين المستكين الضعيف الضرير الحقير المهين الفقير الخائف المستجير اللهم صلعلى محمد وآله وال تجعلني ناسيا لذكرك فيما او ليتني وال غافال الحسانك فيما أبليتنيوال آيسا من إجابتك لي وإن أبطأت عنى في سراء كنت او ضراء او شدة او رخاء او عافيةاو بالء او بؤس او نعماء او جدة او ألواء او فقر او غنى اللهم صل على محمد وآله واجعلثنائي عليك ومدحي إياك وحمدي لك في كل حاالتي حتى ال أفرح بما آتيتني من الدنياوال أحزن على ما منعتني فيها وأشعر قلبي تقواك واستعمل بدني فيما تقبله منى واشغلبطاعتك نفسي عن كل ما يرد على حتى ال أحب شيئا من سخطك وال اسخط شيئا منرضاك اللهم صل على محمد وآله وفرغ قلبي لمحبتك واشغله بذكرك وانعشه بخوفكوبالوجل منك وقوة بالرغبة إليك وأمله إلى طاعتك وأجربه في أحب السبل إليك وذلله

(٤٤٢)

Page 422: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

بالرغبة فيما عندك أيام حياتي كلها واجعل تقويك من الدنيا زادي والى رحمتك رحلتيوفي مرضاتك مدخلي واجعل في جنتك مثواي وهب لي قوة احتمل بها جميع مرضاتكواجعل فراري إليك ورغبتي فيما عندك والبس قلبي الوحشة من شرار خلقك وهب لياألنس بك وبأوليائك وأهل طاعتك وال تجعل لفاجر وال كافر على منة وال له عندي يداوألبي إليهم حاجة بل اجعل سكون قلبي وأنس نفسي واستغنائي وكفايتي بك وبخيارخلقك اللهم صل على محمد وآله واجعلني لهم قرينا واجعلني لهم نصيرا وامنن على بشوق

إليك وبالعمل لك بما تحب وترضى إنك على كل شىء قدير وذلك عليك يسير(٤٤٣)

Page 423: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين (١).

الحمد لله غافر الخطايا ووافر العطايا، والصالة والسالم على نبيه طاهر السجايا وظاهرالمزايا، وعلى أهل بيته سادة البرايا وساسة الرعايا.

وبعد فهذه الروضة الحادية والعشرون من رياض السالكين في شرح صحيفة سيد العابدين،صلوات الله عليه وعلى آبائه

وأبنائه الطاهرين، إمالء راجي فضل ربه السني علي الصدر الحسيني الحسني، كفاه الله ماأهمه وكشف كربه وهمه.

____________________(١) (ج): وبه ثقتي.

(٤٤٤)

Page 424: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

شرح الدعاء الواحد والعشرينوكان من دعائه عليه السالم إذا حزنه أمر وأهمته الخطايا.

____________________حزنه األمر بالزاي والنون يحزنه - من باب قتل -: أهمه، هذه لغة قريش، وتميم تعديهباأللف فتقول: أحزنه، قاله ثعلب (١) واألزهري (٢)، وعليها رواية «أحزنه» باأللف، ومنعأبو زيد استعمال الماضي من الثالثي فقال: ال يقال: حزنه، وإنما يستعمل المضارع من

الثالثي فيقال: يحزنه كيقتله (٣).وفي رواية «حزبه أمر» بالزاي والباء الموحدة، يقال: حزبه األمر - من باب قتل -: إذا

أصابه واشتد عليه، ومنه: حوازب الخطوب جمع حازب وهو األمر الشديد.وقال الفارابي في ديوان األدب: حزبه أمر: إذا غشيه وعاله (٤).

وفي الحديث: كان إذا حزبه أمر صلى (٥).قال ابن األثير: أي: إذا نزل به مهم أو أصابه غم (٦).

وفي القاموس: حزبه األمر: نابه واشتد عليه أو ضغطه (٧).____________________

(١) المصباح المنير: ص ١٨٣.(٢) تهذيب اللغة: ج ٤ ص ٣٦٥.

(٣) المصباح المنير: ص ١٨٣.(٤) ديوان األدب: ج ٢ ص ٩٨.

(٥) و (٦) النهاية البن األثير: ج ١ ص ٣٧٧.(٧) القاموس المحيط: ج ١ ص ٥٤.

(٤٤٥)

Page 425: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________واالسم الحزابة بالضم، والحزب أيضا كالمصدر.

وأهمه األمر باأللف: أقلقه، وهمه هما - من باب قتل - مثله.والخطايا: جمع خطيئة على فعيلة مهموزة الالم، اسم من خطئ يخطأ - من باب علم -:إذا أثم، وأصل الخطايا خطائي على فعائل فلما اجتمعت الهمزتان قلبت الثانية ياء ألن قبلهاكسرة، ثم استقلت والجمع ثقيل وهو معتل مع ذلك، فقلبت الياء ألفا، ثم قلبت الهمزة

األولى ياء لخفائها بين األلفين. قاله الجوهري (١).تنبيه

في دعائه عليه السالم عند إصابة الشدائد ونزولها إيذان بأن الدعاء سبب لصرفها وزوالها،وقد نص الله سبحانه على ذلك فقال: «أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء»،

(٢) فوقف إجابة المضطر وكشف السوء على الدعاء.وفي الصحيح عن علي بن الحسين عليهما السالم: الدعاء يدفع البالء النازل وما لم ينزل

.(٣)وعنه عليه السالم: إن الدعاء والبالء ليترافقان إلى يوم القيامة، إن الدعاء ليرد البالء وقد أبرم

إبراما (٤).وفي الصحيح أيضا عن أبي عبد الله عليه السالم: هل تعرفون طول البالء من قصره؟ قلنا:

ال، قال: إذا الهم أحدكم الدعاء عند البالء فاعلموا أن البالء قصير (٥).____________________

(١) الصحاح: ج ١ ص ٤٨.(٢) سورة النمل: اآلية ٦٢.

(٣) الكافي: ج ٢ ص ٤٦٩ ح ٥.

(٤) الكافي: ج ٢ ص ٤٦٩ ح ٤.(٥) الكافي: ج ٢ ص ٤٧١ ب ٦ ح ١.

(٤٤٦)

Page 426: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

قال صلوات الله عليه:اللهم يا كافي الفرد الضعيف، وواقي األمر المخوف، أفردتني الخطايا فال صاحب معي،وضعفت عن غضبك فال مؤيد لي، وأشرفت على خوف لقائك فال مسكن لروعتي، ومن

يؤمنني منك وأنت أخفتني، ومن يساعدني وأنت أفردتني ومن يقويني وأنت أضعفتني.____________________

وفي الصحيح أيضا عن أبي الحسن موسى عليه السالم: ما من بالء ينزل على عبد مؤمنفيلهمه الله عز وجل الدعاء اال كان كشف ذلك البالء وشيكا، وما من بالء ينزل على عبدمؤمن فيمسك عن الدعاء إال كان ذلك البالء طويال، فعليكم بالدعاء والتضرع إلى الله عز

وجل (١).واألخبار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى.

كفى: تكون بمعنى أجزأ وأغنى، وبمعنى وقى، فاألولى متعدية لواحد كقوله:قليل منك يكفيني، والثانية متعدية الثنين كقوله تعالى: «وكفى الله المؤمنين القتال» (٢).

فإن جعلت قوله عليه السالم: «يا كافي الفرد الضعيف» من األولى، فالمعني:الفرد الثانية فمعناه: يا واقي يا مجزئه ومغنيه عن كل صاحب ومؤيد، وإن جعلته من الضعيف كل مهم، فحذف المفعول للتعميم مع االختصار، بقرينة أن المقام مقام المبالغة.

والفرد: المنفرد عن األصحاب واألنصار، فال صاحب له وال ناصر. قال تعالى:«وكلهم آتيه يوم القيامة فردا» (٣) أي: وحيدا مفردا ال مال له وال ولد وال ناصر.

____________________(١) الكافي: ج ٢ ص ٤٧١ ب ٦ ح ٢.

(٢) سورة األحزاب: اآلية ٢٥.(٣) سورة مريم: اآلية ٩٥.

(٤٤٧)

Page 427: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والضعيف: من ال قوة له، من الضعف بفتح الضاد في لغة تميم (١) وضمها (٢) في لغة

قريش (٣): بمعنى خالف القوة، ال خالف الصحة.ووقاه الله السوء: صانه وحفظه منه، وهو متعد الثنين، ولم يذكر المفعول األول في الدعاءللعلم به، فحذفه وأضاف الصفة إلى المفعول الثاني، والتقدير، واقي العباد األمر المخوف.

ويحتمل أن يكون ضمن «واقي» معنى دافع، فعداه إلى مفعول واحد.وأفردته إفرادا: صيرته فردا.

والفاء: للسببية، أي: فبسبب ذلك ال صاحب معي، وقس عليه ما بعده.قال بعضهم: يحتمل أن يكون معناه أني صرت بسبب الخطايا منفردا غير مصاحب ألحدمشتغال بالتفكر في أمرها، أوال صاحب معي مثلي في الخطايا، فلم يحكم لغيره بما حكم

على نفسه ليكون صاحبا له، أو أفردتني عن مصاحبتك التي تنبغي.الذنوب عن صالحي األصحاب، فال صاحب له من انفرد بسبب أنه وقال آخر: معناه

الصلحاء األخيار ألن المطلوب الصاحب الصالح ال مطلق الصاحب.وقيل: الصاحب كناية عن لطفه تعالى وتوفيقه، فكأن الخطايا كانت سببا لعدم اللطف

والتوفيق، أو أن األصحاب قطعوا صحبته وبعدوا عنه وأفردوه بسبب الخطايا.وفيه: أن الصاحب ال يقطع صاحبه بسبب الذنب، بل يترفق به وينصحه ليعود ويتوب، كما

يحكى أن أخوين في السلف انقلب أحدهما عن االستقامة، فقيل____________________(١) و (٣) المصباح المنير: ص ٤٩٤.

(٢) (ج): وبضمها.

(٤٤٨)

Page 428: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ألخيه اال تقطعه وتهجره؟ فقال: هو أحوج ما كان إلي في هذا الوقت، وأنا حقيق بأن آخذ

بيده وأتلطف له في المعاتبة، وأدعو له بالعود إلى ما كان عليه (١).وفي الحديث: أنصر أخاك ظالما أو مظلوما، قيل: كيف ينصره ظالما؟ قال:

يمنعه من الظلم (٢).وقال بعض العارفين (٣): ال تقطع أخاك وال تهجره عند الذنب بذنبه، فإنه يركبه اليوم

ويتركه غدا (٤).وهو من الحديث: اتقوا زلة العالم وال تقطعوه وانتظروا فيئته (٥).

وعلى هذا، فإرادة المعنى المذكور تؤذن بذم جميع أصحابه، وال يخفى ما فيه.والظاهر أن المراد: أن الخطايا جعلته منفردا بتحملها وخوف عقوباتها، ال صاحب لهيساعده على حمل أوزارها وال دفع عقابها، فهو منفرد بهم نفسه، ال بهم غيره ما أهمه

منها.ونظير ذلك قوله عليه السالم في الدعاء بعد صالة الليل: «فاصحرني لغضبك فريدا» (٦)،وليس المراد بنفي الصاحب نفي المتصف بالصحبة الظاهرية فإنه خالف الظاهر بل خالف

الواقع.وضعف عن الشيء ضعفا مثل قرب قربا: عجز عن احتماله فهو ضعيف.

وأيده تأييدا: قواه، من آد يئيد أيدا: إذا قوي واشتد، أي: عجزت عن احتمال غضبك فالمقوي لي.

____________________(١) المحجة البيضاء: ج ٣ ص ٣٣٦.

(٢) المحجة البيضاء: ج ٣ ص ٤٠٥، وقريب منه ما ورد في سنن الترمذي: ج٤ ص ٥٢٣ ح ٢٢٥٥.(٣) هو إبراهيم النخعي.

(٤) المحجة البيضاء: ج ٣ ص ٣٣٦.(٥) المحجة البيضاء: ج ٣ ص ٣٣٦. والجامع الصغير: ج ١ ص ٩.

(٦) راجع الروضة الثانية والثالثين.

(٤٤٩)

Page 429: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وأشرف على الشيء إشرافا: اطلع عليه، وأشرف على الموت: أشفى.

والمراد بلقائه تعالى: المصير والبعث إليه والوقوف بين يديه. وبخوفه: خوف سوئه، أي:خوف سوء لقائك، وقيل: لقاؤه تعالى: مالقاة حكمه يوم القيامة، وقيل: هو لقاء ثوابه أو

عقابه.وقال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: «من كان يرجو لقاء الله» (١): لقاؤه سبحانه: مثلللوصول إلى العاقبة، من تلقي ملك الموت والبعث والحساب والجزاء، مثلت تلك الحالةبحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل، وقد أطلع مواله على ما كان يأتي ويذر، فإما أن

يلقاه ببشر وترحيب لما رضي من أفعاله، أو بضد ذلك لما سخطه منها (٢).وقيل: يرجو في اآلية بمعنى يخاف، وإنما استعمل الرجاء بمعنى الخوف ألن الراجي

يخاف أن ال يدرك ما يترجاه.وسكنت الشيء تسكينا: جعلته ساكنا بعد حركته.

والروع: الفزع والخوف، راعه الشيء روعا - من باب قال - أفزعه، والروعة:الروعة مجاز التسكين على الخوف، وإيقاع إزالة الروعة عبارة عن الفزعة، وتسكين

الفزع. المرتاع الضطرابها من إيقاعه على نفس حكمي، واألصل قال الزمخشري في األساس: ومن المجاز: سكنت نفسي بعد االضطراب (٣).

فأوقعه على الروعة لتلبسها بالمرتاع، كما يقال: آمن الله خوفه.والواو من قوله: «ومن يؤمنني»: استئنافية، وفي قوله: «وأنت أخفتني»: حالية.

ومن: لالستفهام اإلنكاري، والمعنى فيه على النفي وما بعده منفي، أي:ال يؤمنني منك أحد والحال أنك أنت المخيف لي.

____________________(١) سورة العنكبوت: اآلية ٥.

(٢) تفسير الكشاف: ج ٣ ص ٤٤٠.(٣) أساس البالغة ٣٠٤.

(٤٥٠)

Page 430: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

ال يجير يا إلهي إال رب على مربوب، وال يؤمن إال غالب على مغلوب، وال يعين إال طالبعلى مطلوب، وبيدك يا إلهي جميع ذلك السبب، وإليك المفر والمهرب، فصل على محمد

وآله، وأجر هربي، وأنجح مطلبي.____________________

قيل: إخافته تعالى هو ما تضمنته آيات الوعيد، كما قال سبحانه: «ذلك يخوف الله بهعباده يا عباد فاتقون» (١)، وهو محتمل، غير أن الظاهر أن إسناد كل من اإلخافة واإلفرادواإلضعاف إليه سبحانه من باب الغناء عن مالحظة الوسائط ومشاهدة األفعال، والترقي عنمقام الصفات إلى مالحظة الذات أال تراه أسند أوال إفراده إلى الخطايا لكون ارتكابها سبباالنفراده، واإلضعاف إلى الغضب، واإلخافة إلى سوء اللقاء، فالحظ الوسائط واألفعالوالصفات، ثم أعرض عن ذلك وقطع النظر عنه، واستأنف الكالم راقيا إلى الذات فقال:

«ومن يؤمنني منك وأنت أخفتني».ونظير ذلك ما ورد في الدعاء النبوي صلى الله عليه وآله: وأعوذ بك منك (٢).

وفي الكالم العلوي: وفروا إلى الله من الله (٣).وقد تقدم الكالم منا على ذلك مبسوطا، فليرجع إليه (٤).

أجرت فالنا على فالن: إذا أغثته منه ومنعته عنه.وكلمة «على» تفيد االستعالء والقدرة والتسلط، كأنه أغاثه ومنعه منه قادرا على كفه عنه،

متسلطا عليه في المنع منه.الحصر في كل منهما فإن بعد إال والظرف جميعا ما الثالث الفقرات والمستثنى في

بعده. ما مقصود، أي: ال يجير أحد على أحد إال رب على مربوب، وقس عليه ____________________

(١) سورة الزمر: اآلية ١٦.(٢) سنن الترمذي: ج ٥ ص ٥٦١ ح ٣٥٦٦.

(٣) نهج البالغة: خطبة ٢٤ ص ٦٦.(٤) يراجع الروضة الخامسة، والثانية عشر.

(٤٥١)

Page 431: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وفيه شاهد لمن أجاز استثناء شيئين من شيئين بأداة واحدة بال عطف مطلقا، سواء كانالمستثنى منهما مذكورين أو مقدرين، ومثله في التنزيل «وما نراك اتبعك إال الذين همأراذلنا بادي الرأي» (١)، إذ التقدير: وما نراك اتبعك أحد في حالة إال أراذلنا في بادي

الرأي.وقال المانعون: المستثنى إنما هو األول، والثاني معمول لمحذوف، والتقدير في اآلية:اتبعوك في بادي الرأي. وعلى هذا فالظرف في الدعاء متعلق بمحذوف، والتقدير: ال يجير

إال رب يجير على مربوب.وقال بعضهم: إن الظرف يتسع فيه، فيجوز فيه ماال يجوز في غيره، فجاز تعلقه بما قبل إال،

وإن لم يجز عمل ما قبلها إذا تم فيما بعدها في غير الظرف.ومما ال يكاد يقضى منه العجب قول بعض الشارحين المترجمين هنا: إن قوله:

«على مربوب» متعلق بقادر مقدر ونحوه ألن تعدية أجار ب (على) غير مذكور في كتباللغة، انتهى.

وكأنه لم يسمع قوله تعالى: «قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير وال يجار عليه إنكنتم تعلمون» (٢). نسأل الله الهداية إلى سواء السبيل.

قال بعض أكابر السادة: معنى قوله عليه السالم: «ال يجير يا إلهي إال رب على مربوب» أنهال يمضي وال ينفذ إال إجارة رب على مربوب، فإذا أجار رب أحدا وخفره فال يكون

لمربوب من مربوبيه أن ينقض (٣) عليه خفارته وأمانه.ومنه الحديث: ويجير عليهم أدناهم (٤)، أي: إذا أجار أدنى رجل من المسلمين كافرا

وآمنه، جاز ذلك على جميع المسلمين ال ينقص (٥) أحد عليه جواره.____________________

(١) سورة هود: اآلية ٢٧.(٢) سورة المؤمنون: اآلية ٨٨.

(٣) (ج) ينقص.(٤) النهاية البن األثير: ج ١ ص ٣١٣.

(٥) (ج): ينتقص.

(٤٥٢)

Page 432: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقوله عليه السالم: «وال يؤمن إال غالب على مغلوب» أي: ال ينفذ إال أمان الغالب علىالمغلوب، فإذا آمن غالب أحدا فال يكون ألحد من مغلوبيه أن ينقض (١) ويرد عليه أمانه.وقوله: «وال يعين إال طالب على مطلوب» من أعانه على كذا أي: سلطه عليه وملخصالمعنى: أن الطلب سبب التسلط على المطلوب ألن الدعاء من أسباب حصول البغية ونيلها،

انتهى كالمه.قلت: ال يخفى من سياق الكالم أن هذه الفقرات الثالث كالتعليل لمتلوها من الفقراتالثالث، التي هي قوله عليه السالم: «ومن يؤمنني منك وأنت أخفتني إلى آخرها...»، فإنهلما نفى المؤمن والمساعد والمقوي له، حال كونه سبحانه هو المخيف والمفرد والمضعفله، أراد أن يبين وجه ذلك كالمستدل عليه بقوله: «ال يجير يا إلهي اال رب على مربوب»،فهو استئناف تعليلي، فيكون تقدير المعنى: ألنه ال يستطيع أن يمنع من أحد، ويقوى علىاإلجارة واإلغاثة منه، إال قادر عليه مالك له كالرب من المربوب، فإنه قادر على أن يمنعويغيث منه دون العكس إذ ال يستطيع أن يمنع مربوب من رب ويغيث منه لعدم قدرته عليه،وكذلك ال يستطيع أن يؤمن إال غالب من مغلوب لقهره وتسلطه عليه، وال يستطيع أن يعينإال طالب على مطلوب لقدرته عليه، فإذا كنت أنت الرب ومن سواك مربوب، وأنتالغالب ومن سواك مغلوب، وأنت الطالب ومن عداك مطلوب، فمن يجيرني عليك ومن

يؤمنني منك ومن يعينني عليك. هذا ما يقتضيه سوق العبارة من المعنى.وما ذكره السيد المشار إليه وإن كان في نفسه معنى صحيحا ال غبار عليه، ال يقتضيه

المقام اقتضاء أوليا وال يناسبه مناسبة تامة.____________________

(١) (ج): ينقص.

(٤٥٣)

Page 433: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________فإن قلت: ما معنى كونه سبحانه طالبا وكون من عداه مطلوبا؟ قلت: يجوز أن يكون طلبهتعالى لمن سواه عبارة عن حكمه برجوعه إليه وحسابه وجزائه على أعماله، فمثلت تلك

الحال بحال الطالب للشيء المريد لحصوله لديه.ويجوز أن يكون طلبه سبحانه لخلقه تمثيال القتداره عليهم، وأنهم في قبضة حكمه متىشاء أخذهم فعل ال يفوته منهم فائت وال ينجو منه هارب فإن الطالب إذا كان في غايةاالقتدار على المطلوب، والمطلوب تحت قدرته وحكمه، كان مقتدرا عليه في كل وقت

وعلى كل حال، ال يتصور أن يعجزه طلبا أو يفوته هربا، فهو كقوله تعالى:«والله من ورائهم محيط» (١).

وفي دعاء الصحيفة المروي عن النبي صلى الله عليه وآله: «وسبحانه من بار ما أطلبه،وسبحانه من طالب ما أدركه» (٢).

وفي دعاء الرهبة وهو الدعاء الخمسون من الصحيفة الكاملة «اللهم إنك طالبي إن أناهربت».

وكثيرا ما يقرن الطالب في وصفه تعالى بالغالب إشارة إلى هذا المعنى، كما وقع في دعاءالجوشن الكبير: «يا غالب يا طالب» (٣)، وفي دعاء المشلول: «يا طالب يا غالب يا من

ال يفوته هارب» (٤).وما وقع في بعض التراجم الفارسية: من أن معنى قوله عليه السالم: «وال يعين إال طالبعلى مطلوب»: أنه ال يعين على المطلوب إال الطالب له، ولما كانت العبادة مطلوبة لله

سبحانه لم يكن المعين عليها غيره، فهو رجم بالغيب وتخيل فاسد بال ريب.____________________

(١) سورة البروج: اآلية ٢٠.(٢) لم نعثر عليه.

(٣) بحار األنوار: ج ٩٤ ص ٣٩٤.

(٤) بحار األنوار: ج ٩٥ ص ٣٩٩.

(٤٥٤)

Page 434: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قوله عليه السالم: «وبيدك جميع ذلك السبب» أي: في قدرتك وتصرفك.

وذلك: إشارة إلى ما تقدم ذكره من اإلجارة واألمان واإلعانة.والسبب: اسم لما يتوصل به إلى المقصد، وهو عطف بيان لذلك، ولما كان المشار إليهمن األمور المذكورة أسبابا يتوصل بها إلى النجاة من سخطه تعالى، بينه بعطف السبب عليه

إيضاحا له، كقوله تعالى: «ذلك الكتاب» (١) في بعض الوجوه.وقوله: «وإليك المفر والمهرب» أي: إليك الفرار والهرب، وهما مصدران ميميان بمعنى،وعطف الثاني على األول من عطف الشيء على مرادفه، نحو: «عوجا وال أمتا» (٢)،

وفائدته التأكيد ألن ذكر الشيء مرتين يفيد التأكيد.قال بعض العارفين: اعلم أن فرار العبد إلى الله تعالى على مراتب: فأولها:

الفرار من بعض آثاره إلى بعض، كالفرار من أثر غضبه إلى أثر رحمته، كما قال تعالىحكاية عن المؤمنين في التضرع إليه: «ربنا وال تحملنا ما ال طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا

وارحمنا» (٣) اآلية، فكأنهم لم يروا إال الله تعالى وأفعاله، ففروا من بعضها إلى بعض.الثانية: أن يفنى العبد عن مشاهدة (٤) األفعال، ويترقى في درجات القرب والمعرفة إلىمصادر األفعال وهي الصفات، فيفر من بعضها إلى بعض، كما ورد عن زين العابدين عليهالسالم: «اللهم اجعلني أسوة من قد أنهضته بتجاوزك عن مصارع المجرمين فأصبح طليق

عفوك من أسر سخطك» (٥).والسخط والعفو صفتان، فاستعاذ بإحداهما من األخرى.

الثالثة: أن يترقى عن مقام الصفات إلى مالحظة الذات، فيفر منها إليها،____________________

(١) سورة البقرة: اآلية ٢.(٢) سورة طه: اآلية ١٠٧.

(٣) سورة البقرة: اآلية ٢٨٦.(٤) (ج) بمشاهدة.

(٥) راجع الروضة التاسعة والثالثين.

(٤٥٥)

Page 435: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________كقوله تعالى: «ال ملجأ من الله إال إليه» (١)، وكالوارد في الدعاء في القيام إلى الصالة:قيامه ولك ملكه وإليك الوجود وبك «منك وبك ولك وإليك» (٢)، أي: منك بدء

إليك». بقوله: «ال ملجأ وال منجى وال مفر منك إال رجوعه، ثم أكد ذلك الله عليه وآله هذه المراتب حين أمر بالقرب في قوله تعالى: وقد جمع الرسول صلى «وأسجد واقترب» (٣)، فقال في سجوده: أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك منسخطك، وأعوذ بك منك (٤) فأستعاذ أوال ببعض أفعاله من بعض، ثم ترقى إلى مصادرها

فاستعاذ ببعض صفاته من بعض، ثم ترقى إلى مالحظة الذات فاستعاذ به منه.فهذه ثالث مراتب للفرار إلى الله تعالى، والمرتبة الثالثة هي أول مقام الوصول إلى ساحل

العزة، ثم للسباحة في لجة الوصول إلى درجات ال تتناهى، والله أعلم.قوله عليه السالم: «وأجر هربي» إيقاع اإلجارة على الهرب مجاز عقلي فإن اإلجارة إنما

تكون للهارب ال للهرب، ولكن جعلها للهرب لتلبسه، به، نحو: آمن خوفي.وأنجحت مطلبه إنجاحا: قضيت حاجته.

وفي األساس: أنجح الله طلبتك فنجحت (٥).الحاجة كمنع بالشيء، نجحت الظفر بالضم: والنجح بالفتح النجاح القاموس: وفي

ذا نجح (٦). زيد: صار وأنجح الله، وأنجحها وأنجحت ____________________

(١) سورة التوبة: اآلية ١١٨.(٢) راجع الروضة الثانية والثالثين.

(٣) سورة العلق: اآلية ١٩.(٤) سنن النسائي: ج ٨ ص ٢٨٤ باب ٦٣ االستعاذة برضاء الله.

(٥) أساس البالغة: ص ٦١٩.(٦) القاموس المحيط: ج ١ ص ٢٥١.

(٤٥٦)

Page 436: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم إنك إن صرفت عني وجهك الكريم، أو منعتني فضلك الجسيم، أو حظرت عليرزقك، أو قطعت عني سببك، لم أجد السبيل إلى شئ من أملي غيرك، ولم أقدر على ماعندك بمعونة سواك، فإني عبدك وفي قبضتك، ناصيتي بيدك، ال أمر لي مع أمرك، ماض فيحكمك، عدل في قضاؤك، وال قوة لي على الخروج من سلطانك، وال أستطيع مجاوزةأنال ما عندك إال بطاعتك، وبفضل أبلغ رضاك، وال قدرتك، وال أستميل هواك، وال

رحمتك.____________________

صرفه صرفا - من باب ضرب -: رده وقلبه، وصرف الوجه فيمن يجوز عليه ذلك كنايةعن االستهانة والسخط ألن من أكرم إنسانا ورضي عنه أقبل بوجهه عليه، ومن استهان بهاإلقبال عبارة عن اإلكرام ثم كثر واشتهر حتى صار وسخط عليه صرف وجهه عنه، واإلحسان، وصرف الوجه عبارة عن االستهانة والسخط، وإن لم يكن ثم إقبال وال صرف،ثم جاء فيمن ال يجوز عليه ذلك مجردا، فجاء اإلقبال بمعنى الرضا واإلحسان في نحو:وأقبل علي بوجهك ذي الجالل واإلكرام (١)، وصرف الوجه بمعنى االستهانة والسخط،اإلقبال عليه يجوز فيمن عنه وقعا كناية الدعاء، وكالهما مجاز عما عبارة في كما

العبارة. نظير هذه في الزمخشري والصرف. هكذا حققه وهو تصريح منه بأن الكناية يعتبر فيها صلوح إرادة الحقيقة وإن لم ترد، وأن الكنايات قدتشتهر حتى ال تبقى تلك الجهة ملحوظة، وحينئذ تلحق بالمجاز، وال يجعل مجازا إال بعدالشهرة ألن جهة االنتقال إلى المعنى المجازي أوال غير واضحة بخالف المعنى المكنى

عنه.واستشكل بما ذكره في قوله تعالى: «بل يداه مبسوطتان» (٢) «والسماوات

____________________(١) مفتاح الفالح: ص ٨٢.(٢) سورة المائدة اآلية ٦٤.

(٤٥٧)

Page 437: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________مطويات بيمينه» (١)، «الرحمن على العرش استوى» (٢) ونحو ذلك، أنها كلها كنايات

مع امتناع المعنى الحقيقي قطعا (٣).وأجاب صاحب الكشف بأنه لما كان هذا المجاز متفرعا على الكناية، جاز أن يسمى

مجازا وأن يسمى كناية (٤).والجسيم في األصل: العظيم الجسم، ثم استعمل في المعاني فقيل: أمر جسيم أي: عظيم.

قال في األساس: ومن المجاز: أمر جسيم، وهو من جسيمات الخطوب (٥).وحظرته حظرا - من باب قتل -: منعته، ومنه: «وما كان عطاء ربك محظورا» (٦) أي:

ممنوعا.قال في النهاية: وكثيرا ما يرد في الحديث ذكر المحظور ويراد به الحرام، وقد حظرت

الشيء: إذا حرمته وهو راجع إلى المنع (٧).وفي األساس: حظر عليه كذا: حيل بينه وبينه، وهذا محظور: غير مباح (٨).

وقال الجوهري: الحظر: الحجر، وهو خالف اإلباحة، والمحظور: المحرم (٩).وما وقع في بعض التعاليق من أن الحظر بالتسكين بمعنى المنع، وأما الحظر بمعنى ضداإلباحة فبالتحريك، ال أصل له، بل هو بالمعنيين بالسكون، لم يفرق بينهما أحد، كيف؟

وأحد المعنيين أصل اآلخر.والسبب في اللغة: الحبل، ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى المطلوب، والمراد بسببه تعالى

هنا: رحمته وفضله، كما قال عليه السالم في الدعاء بعد صالة الليل:____________________

(١) سورة الزمر: اآلية ٦٧.(٢) سورة طه: اآلية ٥.

(٣) تفسير الكشاف: ج ٣ ص ٥٢ نقال بالمضمون.(٤) صاحب الكشاف: ال يوجد لدينا كتابه.

(٥) أساس البالغة: ص ٩٤.(٦) سورة اإلسراء: اآلية ٢٠.

(٧) النهاية البن األثير: ج ١ ص ٤٠٥.(٨) أساس البالغة: ص ١٣٢.

(٩) الصحاح: ج ٢ ص ٦٣٤.

(٤٥٨)

Page 438: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________«خرجت من يدي أسباب الوصالت إال ما وصله رحمتك» (١)، أي: فاتتني األسباب التييتوصل بها إلى السعادات األخروية إال السبب الذي هو رحمتك، ويحتمل أن يكون المراد

به جميع ما يتوصل به إلى قربه تعالى ونيل الزلفى لديه.ووجد مطلوبه يجده - من باب وعد - وجودا ووجدانا بالكسر: أدركه وظفر به، وفي لغة

لبني عامر: يجده بضم الجيم، وال نظير له في باب المثال.والمراد بالسبيل هنا: الوسيلة، عبر عنها بالسبيل لتوجه النفس إليها وكونها موصلة إلى

المطلوب.واألمل: بمعنى المأمول، من باب إطالق المصدر على المفعول، كاللفظ بمعنى الملفوظ.

وغير: أداة استثناء بمعنى إال، ونصبها إما على االستثناء، أو على البدل من المستثنى منهوهو السبيل ألنها تعرب إعراب االسم التالي ل «إال». وذهب بعضهم إلى أن الفتحة فيها

فتحة بناء إلضافتها إلى المبني.وقدرت على الشيء أقدر - من باب ضرب -: قويت عليه وتمكنت منه.

والمعونة: اسم من أعانه أي: ساعده، ووزنها مفعلة بضم العين، وبعضهم يجعل الميم فيهاأصلية ويقول: وزنها فعولة، مأخوذة من الماعون وهو فاعول من المعن بمعنى العطاء،

ومنهم من يقول: الماعون أصله المعونة، واأللف عوض عن الهاء.وسوى: بمعنى غير التي هي صفة، أي: بمعونة أحد غيرك.

والفاء: بمعنى الم التعليل، أي: ألني عبدك، والعبد: المملوك.قال سيبويه: هو في األصل صفة، قالوا: رجل عبد، ولكنه استعمل استعمال األسماء (٢).

____________________(١) راجع الروضة الثانية والثالثون.

(٢) الكتاب لسيبويه: ج ١ ص ٣٥٤.

(٤٥٩)

Page 439: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وفي قبضتك: أي في ملكك، وأصله من القبض وهو اإلمساك باليد. وقد تقدم الكالم عليه

مبسوطا في الروضة السادسة (١).والناصية: الشعر المسترسل في مقدم الرأس.

قال الطبرسي: سمي شعر مقدم الرأس ناصية التصاله بالرأس، من قولهم:ناصى يناصي مناصاة: إذا وصل (٢).

وفي تفسير النيسابوري: الناصية: شعر الجبهة، وقد يسمى مكان الشعر ناصية (٣).وقال األزهري: الناصية عند العرب: منبت الشعر في مقدم الرأس ال الشعر، وإنما تسميه

العامة باسم منبته (٤)، انتهى.وهو الصحيح، يدل على ذلك أنهم سموا كل موضع من الرأس باسم يخصه، فقالوا لمقدم

الرأس: ناصية، وللبياضين الذين يكتنفانها: نزعتان، ولمؤخر الرأس:قفا، وما بين النزعتين والقفا: جانبان، ولما أحاط به ذلك: وسط الرأس، لكنهم استعلموا

الناصية في شعر مقدم الرأس استعماال فاشيا تسمية له باسم محله، فقالوا:جز ناصيته وأخذ بناصيته.

ومعنى ناصيتي بيدك: أني تحت قدرتك وتسخيرك، فهو تمثيل لقدرته سبحانه عليه يصرفهكيف يشاء غير مستعص عليه، كما قال تعالى: «ما من دابة إال هو آخذ بناصيتها» (٥)

أي: إال هو مالك لها قادر عليها يصرفها على ما يريد بها.قال المفسرون: هو تمثيل لغاية التسخير ونهاية التذليل، وكان العرب إذا أسر

____________________(١) ج ٢ ص ٢٢٢.

(٢) تفسير مجمع البيان: ج ٩ - ١٠ ص ٥١٣.(٣) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان: ج ٣ ذيل: آية ١٥ من سورة العلق.

(٤) تهذيب اللغة: ج ١٢ ص ٢٤٤.(٥) سورة هود: اآلية ٥٦.

(٤٦٠)

Page 440: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________األسير فأرادوا إطالقه والمن عليه جزوا ناصيته، فكان عالمة لقهره (١).

قوله عليه السالم: «ال أمر لي مع أمرك» قال بعضهم: معناه ال أمر لي مخالفا ألمرك أوموافقا أيضا إذا كنت أنت اآلمر أو ال أمر لي بحيث أكون مستقال بأسبابه، فال يدل على

نفي فعل العبد، انتهى.ويحتمل أن يراد باألمر المنفي ما يريده من األمور، وبأمره تعالى خالف النهي، وهو ظاهر.

ومضى األمر مضيا: نفذ.والحكم: مصدر حكم الحاكم عليه بكذا: إذا قضى عليه به، وأصله المنع، كأنه منعه منخالفه فلم يقدر على الخروج منه، أي: نافذ في حكمك، ال أستطيع رده وال الخروج منه.والقضاء: إما بمعنى المقضي إذ قد يقال: هذا قضاء الله أي: مقضيه، أو بمعنى األمر، منقضى بمعنى: أمر، كقوله تعالى: «وقضى ربك اال تعبدوا إال إياه»، أو بمعنى سطر ما كانوما يكون في اللوح المحفوظ بالقلم اإللهي. وعلى كل تقدير لما كان العدل عبارة عنالتوسط في األفعال واألقوال بين طرفي اإلفراط والتفريط، وكان ما قضاه الله تعالى وحكمبوقوعه عليه، أو أمره به ونهاه عنه، أي: ما سطره ما كان أو يكون من شأنه في اللوحالمحفوظ، جاريا على وفق الحكمة، والنظام األكمل، ال جرم كان قضاؤه فيه - بأي معنىحملته عليه - غير منسوب إلى أحد طرفي اإلفراط والتفريط، بل كان على حاق الوسط

منهما وهو العدل.والسلطان: قدرة الملك وموضع تسلطه، أي: ال أستطيع الخروج من قدرتك ومن حيطة

ملكك، كما قال تعالى: «يا معشر الجن واإلنس إن استطعتم أن تنفذوا____________________

(١) اال تفسير الكبير للفخر الرازي: ج ١٨ ص ١٣، تفسير روح المعاني: ج ١٢ ص ٨٣.

(٤٦١)

Page 441: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________من أقطار السماوات واألرض فانفذوا ال تنفذون إال بسلطان» (١) أي: إن قدرتم على أنتهربوا من قضائي، وتخرجوا من ملكوتي ومن أقطار سماواتي وأرضي، فانفذوا وخلصواأنفسكم من عقابي، وأنى لكم ذلك؟ وأنتم ال تقدرون على النفوذ اال بسلطان وقوة وقهر،

وليس لكم شئ من ذلك.وجاوزت الشيء مجاوزة وتجاوزته: تعديته، أي: ال أستطيع أن أتعدى قدرتك وأستعصي

عليها، بل أنت قادر على ما تريد مني، سواء كان محبوبا لي أو مكروها.واستماله استمالة: استعطفه، أي: طلب ميله إليه أي: محبته، من مال إليه:

بمعنى أحبه.والهوى مقصورا: مصدر هويته - من باب تعب -: إذا أحببته، والمعنى: ال أقدر على

استعطاف محبتك وجعلها مائلة إلي.وبلغ مراده بلوغا - من باب قعد -: أدركه ووصل إليه.

ومحبته ورضاه تعالى عبارة عن إرادته.قال بعض المحققين: ويشبه أن يكون الرضا أعم من المحبة ألن كل محب راض عما

أحبه، وال ينعكس.ونال مطلوبه يناله نيال - من باب تعب - نيال: أدركه.

والمراد بما عنده سبحانه: خزائن رحمته الدنيوية واألخروية، المشار إليها بقوله تعالى: «ماعندكم ينفد وما عند الله باق» (٢)، أي: ال نفاد له، أما األخروية فظاهرة، وأما الدنيويةالباقيات سمت في انتظمت فقد بها، ومستتبعة باألخروية موصولة كانت فحيث

الصالحات.وقوله عليه السالم: «إال بطاعتك» استثناء مفرغ من محذوف عام، أي: بشيء

____________________(١) سورة الرحمن: اآلية ٣٣.(٢) سورة النحل: اآلية ٩٦.

(٤٦٢)

Page 442: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

إلهي أصبحت وأمسيت عبدا داخرا لك، ال أملك لنفسي نفعا وال ضرا إال بك، أشهد بذلكعلى نفسي، وأعترف بضعف قوتي وقلة حيلتي، فأنجز لي ما وعدتني، وتمم لي ما آتيتني،الخائف الفقير، المهين الحقير، الضرير الضعيف المستكين، المسكين عبدك فإني

المستجير.____________________

من األشياء إال بطاعتك وبفضل رحمتك، أي: بابتداء إحسانها الكائن بال علة.ولما كان السبب في الفوز بمحبة الله سبحانه ورضاه، ونيل ما عنده من السعادات، أمرين:

أحدهما: العمل الذي يترتب عليه األجر والجزاء.والثاني: محض التفضل الذي يكون عن مزيد رحمته.

حصر عليه السالم أسباب الفوز بذلك في الطاعة التي يستعد بها المطيع لدرك بغيته من اللهتعالى، وفي فضل رحمته الذي يؤتيه من يشاء. وقدم الطاعة ألنها كما تكون سببا الستعدادالعبد لنيل األجر والجزاء، تكون سببا إلفاضة الرحمة المقتضية للتفضل من غير استحقاق،

كما قال تعالى: «إن رحمة الله قريب من المحسنين» (١)، والله أعلم.فيهما، الصبح والمساء ودخلنا إلى بمعنى وصلنا تامين «أصبح» و «أمسى» يكونان ويكونان ناقصين، ولهما حينئذ معنيان: أحدهما: أن يكونا بمعنى صار مطلقا، من غيراعتبار الوقتين اللذين يدل عليهما تركيب الفعل أعني الصبح والمساء، بل باعتبار الزمن الذييدل عليه صيغة الفعل أعني الماضي فيهما، أو الحال أو االستقبال في مضارعهما، فيكونانإلفادة االنتقال من حال إلى حال مجردا عن مالحظة الوقت، ومنه قوله تعالى: «فأصبحتم

بنعمته إخوانا» (٢).والثاني: أن يكونا بمعنى كان في الصبح وكان في المساء، فيقترن في هذا المعنى

____________________(١) سورة األعراف: اآلية ٥٦.

(٢) سورة آل عمران: اآلية ١٠٣.

(٤٦٣)

Page 443: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________مضمون الجملة أعني مصدر الخبر مضافا إلى االسم، بزماني الفعل أعني الذي يدل عليهتركيبه والذي يدل عليه صيغته، فمعنى أصبح زيد أميرا: أن إمارة زيد مقترنة بالصبح في

الزمن الماضي.إذا عرفت ذلك، فاعلم أن بعض الفضالء صرح في نظير هذه العبارة من الدعاء، أن أصبحوأمسى محتملة للمعاني الثالثة، فقال: أصبح وأمسى إما تامة، أو بمعنى صار، أو القتران

مضمون الجملة بهذين الوقتين، انتهى.وال يخفى أن احتمال كونهما هنا بمعنى صار باطل أما أوال: فلو قصد هذا المعنى الكتفى

بأحد الفعلين عن اآلخر إذ هما بمعنى واحد على هذا المعنى.وأما ثانيا: فألن المقصود بإيراد الفعلين االستمرار، أي: كل صباح ومساء، وكونهما بمعنى

صار ينتفي معه هذا الغرض، فلم يبق إال احتمال المعنيين اآلخرين.وقد تقدم في شرح دعاء الصباح في الروضة السادسة (١) أن مثل هذا الكالم في الدعاءإنشاء في صورة الخبر، فالمقصود به اإلقرار لله سبحانه بالعبودية صباحا ومساء ال اإلخبار

عن كونه دخل في الصباح والمساء حال كونه عبدا،وال أن عبوديته مقترنة بالصبح والمساء في الزمن الماضي، فتنبه.

وقوله: «عبدا» إما حال إن جعلت أصبحت وأمسيت تامين، أو خبر إن جعلتهما بمعنىالكون في الصبح والمساء، على التنازع فيهما.

وداخرا: صفة لعبد، أي: ذليال صاغرا.قال في القاموس: دخر كمنع وفرح دخورا ودخرا: صغر وذل (٢).

وذلك: إما صفة بعد صفة، أو حال من عبد لتخصصه بالوصف.____________________

(١) ج ٢ ص ١٧٥.(٢) القاموس المحيط: ج ٢ ص ٢٨.

(٤٦٤)

Page 444: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وجملة: «ال أملك» إما خبر ثان ألصبحت وأمسيت، أو حال من فاعلهما، أو مستأنفة.

والالم من قوله: «لنفسي»: إما متعلقة بأملك، أو بمحذوف وقع حاال من نفعا، أي: ال أقدرألجل نفسي على جلب نفع ما، وال على دفع ضر ما.

وقوله: «إال بك» استثناء مفرغ، أي: بشيء إال بك، أي: بمشيئتك أو بقدرتك، وفيهاقتباس من قوله تعالى: «قل ال أملك لنفسي نفعا وال ضرا إال ما شاء الله» (١).

وقال النيسابوري: احتجت األشاعرة بهذه اآلية في مسألة خلق األعمال، قالوا: اإليمان نفعوالكفر ضر، فوجب أن ال يحصال إال بمشيئة الله تعالى. وأجابت المعتزلة بأن المراد: ال

أملك لنفسي من النفع والضر إال قدر ما شاء الله أن يقدرني عليه ويمكنني منه (٢).وقال أمين اإلسالم أبو علي الطبرسي: في هذا االستثناء داللة على فساد مذهب المجبرة ألناألعمال لو كانت مخلوقة لله لما صح االستثناء منها ألن أحدا ال يملك عندهم شيئا (٣).

قوله عليه السالم: «أشهد بذلك على نفسي» فصل الجملة لكمال انقطاعها عما قبلها،واختار الفعلية إلفادة التجدد والمضارع إلفادة االستمرار، أي: أقر وأعترف على نفسي بماذكرت من كوني لم أزل عبدا داخرا لك ال أقدر لنفسي على نفع وال ضر واعترف بالشيء

اعترافا: أقر به على نفسه.والقوة: تطلق على كمال القدرة، وعلى شدة الممانعة، ويقابلها الضعف. ولما

____________________(١) سورة األعراف: اآلية ١٨٨.

(٢) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان: ج ٢ ص ١٩٦.(٣) مجمع البيان: ج ٣ - ٤ ص ٥٠٧.

(٤٦٥)

Page 445: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________كان كل ذي قوة غيره سبحانه ضعيفا عادم القوة من نفسه، فهو في ذل الضعف وأمرالعجز، وجب االعتراف له تعالى بضعف القوة وعدمها إذ كانت قوته إنما تتحقق فيه

بمفهوميها منه سبحانه.والحيلة: الحذق في تدبير األمور، وهو إعمال الفكر وتقليبه حتى يهتدي إلى المقصود.

والمراد بالقلة هنا: العدم، وكثيرا ما يعبر بها عنه، فيقال: قليل الخير أي:ال يكاد يفعله.

واالعتراف له سبحانه بقلة الحيلة، من حيث استحقاق العبد العجز لذاته عن جلب منافعهودفع مضاره، فهو ال يستطيع من نفسه أن يدبر أموره ويعلم مرغوبه ومحذوره، كما قيل:إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجبني عليه اجتهاده (١) وأنجز له وعده إنجازا إذا

وفى له به.قال الزمخشري في األساس: أنجز وعده إنجازا ونجز الوعد وهو ناجز: إذا حصل وثم،

ومنه: ونجز الكتاب، ونجزت حاجته (٢).والمراد بما وعده: ما وقع الوعد به منه سبحانه من إجابة دعوة الداعي إذا دعاه وإجابةالمضطر وكشف السوء، وبتتميم ما آتاه: إبقاؤه عليه وعدم زواله وتغييره، ومنه: الدعوةالتامة أي: التي ال يدخلها تغيير بل باقية إلى يوم النشور، أو جعله تاما ال نقص فيه وال

عيب، ومنه: كلمات الله التامة أي: التي ليس في شئ منها نقص وال عيب.والمسكين: من المسكنة، وهي الذلة واالفتقار، وهو مفعيل من السكون.

والمستكين: اسم فاعل من استكان. واختلفوا فيه فقيل: هو من الكون ألنه____________________

(١) (ج): احتياجه.(٢) أساس البالغة: ص ٦١٩.

(٤٦٦)

Page 446: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________يقال: استكان: إذا ذل وخضع، أي: صار له كون خالف كونه، كما يقال:

استحال: إذا تغير من حال إلى حال، إال أن استحال عام في كل حال، واستكان خاصبالتغير والذل.

وقال آخرون: إنه افتعل من السكون، وزيدت األلف إلشباع الفتحة.وقال أبو علي الفارسي في قوله تعالى: «وما ضعفوا وما استكانوا» (١): ال أقول:

إنه افتعلوا من السكون وزيدت األلف، لكنه عندي استفعلوا مثل استقاموا، والعين حرفعلة ولذا ثبت في اسم الفاعل نحو: مستكين، وفي نحو: يستكين، على أنه يجوز أن يكونمن الزيادات الالزمة، كما قالوا: مكان، وهو مفعل من الكون، ثم قالوا: أمكنة وأماكن

وتمكن واستمكن، على توهم أصالة الميم للزومه وثباته في جميع متصرفاته (٢).والضعيف: المتصف بالضعف، وضعف اإلنسان باعتبار خلقته، وباعتبار عجزه من مخالفةهواه وعدم قدرته على مقاتلة دواعيه، أما األول فظاهر بالنسبة إلى كثير من المخلوقات بلالحيوانات ولهذا اشتد احتياجه إلى التعاون والتمدن واألغذية واألدوية والمساكن والمالبس

والمراكب والذخائر والمعامالت، إلى غير ذلك من الضرورات.وأما الثاني فأظهر ولهذا ال يصبر عن الشهوات وال يتحمل مشاق الطاعات.

والضرير: فعيل بمعنى مفعول، من الضر بالضم وهو الفاقة والفقر وسوء الحال والشدة.قال األزهري: كلما كان من سوء حال وفقر وشدة في بدن فهو ضر بالضم،

____________________(١) سورة آل عمران: اآلية ١٤٦.

(٢) لم نعثر عليه.

(٤٦٧)

Page 447: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وما كان ضد النفع فهو بفتحها (١).

وقيل: هو بالضم اسم، وبالفتح مصدر.وذل ذال - من باب ضرب -: هان فهو ذليل، واالسم الذل بالضم والذلة بالكسر.

وحقر الشيء بالضم حقارة: هان قدره فال يعبأ به فهو حقير.والمهين: فعيل من المهانة.

قال في األساس: مهن مهانة: حقر فهو مهين (٢).وقال الطبرسي: المهين: الضعيف الحقير، وقيل: المهين: الفقير الذي يمتهن نفسه في جميع

ما يحتاج إليه، ليس له من يكفيه أمره (٣)، انتهى.والفقير: فعيل بمعنى فاعل، يقال: فقر يفقر - من باب تعب -: إذا قل ماله واحتاج.

قال ابن السراج: ولم يقولوا: فقر بالضم، استغنوا عنه بافتقر (٤).قال بعضهم: وليس الفقر عند أهل التحقيق الفاقة وقلة المال، بل هو الحاجة إلى الله تعالى

واالستغناء به عن غيره، وهذا المعنى هو المراد هنا.والخائف: فاعل من خاف يخاف خوفا وخيفة ومخافة وعرفوا الخوف بأنه توقع حلولمكروه أو فوات محبوب، فمعنى الخائف هنا: الخائف من حلول عقابك وفوات ثوابك.

واستجاره: طلب منه أن يجيره، أي: يؤمنه مما يخاف، فهو مستجير، أي:المستجير بك منك.

____________________(١) تهذيب اللغة: ج ١١ ص ٤٥٦.

(٢) أساس البالغة: ص ٦٠٩.(٣) مجمع البيان: ج ١٠ - ٩ ص ٥١.

(٤) المصباح المنير: ص ٦٥٤.

(٤٦٨)

Page 448: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وال تجعلني ناسيا لذكرك فيما أوليتني، وال غافال إلحسانكفيما أبليتني، وال آيسا من إجابتك لي وإن أبطأت عني، في سراء كنت أو ضراء أو شدة أو

رخاء، أو عافية أو بالء، أو بؤس أو نعماء، أو جدة أو ألواء، أو فقر أو غنى.____________________

النسيان: نقيض الذكر، وقد يطلق على الترك، أي: ال تجعلني غير حافظ أو تاركا لذكرك.وقوله: «فيما أوليتني» متعلق بقوله: «ناسيا»، أو ب «ذكرك» وفي: ظرفية مجازية.

وما: اسم موصول، والعائد محذوف أي: فيما أوليتنيه.وأوليته معروفا: أعطيته إياه.

والغفلة: غيبة الشيء عن البال، وقد تستعمل في ترك الشيء إهماال وإعراضا، كما في قولهتعالى: «وهم في غفلة

معرضون» (١)، وعدى غافال بالالم وحقه أن يعدى ب «عن» فيقال: غفلت عنه لتضمينهمعنى النسيان، وباب التضمين واسع جدا، ومنه قوله تعالى: «الرفث إلى نسائكم» (٢)،ضمن الرفث معنى اإلفضاء فعداه ب «إلى» مثل «وقد أفضى بعضكم إلى بعض» (٣)،وإنما أصل الرفث أن يتعدى بالباء، يقال: رفث فالن بامرأته أي: ال تجعلني غافال عن شكر

إحسانك، كما وقع في نسخة أخرى.واإلبالء: اإلنعام واإلحسان، ومنه حديث: من أبلى فذكر فقد شكر (٤).

وحديث كعب: ما أعرف أحدا أباله الله أحسن مما أبالني (٥).قال القتيبي: يقال من الخير: أبليته، ومن الشر: بلوته أبلوه بالء (٦).

____________________(١) سورة األنبياء: اآلية ١.

(٢) سورة البقرة: اآلية ١٨٧.(٣) سورة النساء: اآلية ٢١.

(٤) و (٥) و (٦) النهاية البن األثير: ج ١ ص ١٥٥.

(٤٦٩)

Page 449: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________فعليهما، ومنه: بين الخير والشر من غير فرق بان اإلبالء يكون في األثير ابن وتعقبه

فتنة» (١). بالشر والخير «نبلوكم وأصل البالء واإلبالء: االختبار واالمتحان، بلوته وأبليته وابتليته جميعها بمعنى، وهو تعالىيبلو بالخير المتحان الشكر، وبالمكروه المتحان الصبر، وعلى هذا، فقوله عليه السالم:

«فيما أبليتني» يجوز أن يكون بمعنى الخير، وأن يكون بمعنى المكروه.ال يقال: ذكر اإلحسان يعين كونه بمعنى الخير.

ألنا نقول: كونه بمعنى المكروه أيضا يستلزم اإلحسان ألنه إذا قوبل بصبر جميل استلزمثوابا جزيال، كما قال تعالى: «وبشر الصابرين» (٢) اآلية، وظاهر أن سبب اإلحسان

إحسان.واآليس: اسم فاعل من أيس يأس - من باب علم -.

قال ابن السكيت: آيست منه آيس (٣) يأسا: لغة في يئست منه أيأس يأسا، ومصدرهماواحد (٤).

وقال صاحب المحكم: وأما يئس وأيس فاألخيرة مقلوبة عن األولى ألنه ال مصدر أليس،وال يحتج بأياس اسم رجل فإنه فعال من األوس وهو العطاء، كما يسمى الرجل عطية وهبة

.(٥)القاموس جعل اإلياس مصدرا أليس، فقال: ايس منه كسمع: قنط (٦) ولكن صاحب

انتهى.ويشهد له ما ورد في شعر لبعض عاد، وهو:

«ما زلت أحفر سد عاد جاهدا حتى بلغت القعر بعد يأس» ويروى لمجنون ليلى:____________________

(١) النهاية البن األثير: ج ١ ص ١٥٥.(٢) سورة البقرة: اآلية ١٥٥.

(٣) (ج) أأيس.(٤) و (٥) تاج العروس: ج ٤ ص ١٠٣.

(٦) القاموس المحيط: ج ٢ ص ١٩٩.

(٤٧٠)

Page 450: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________يقولون عن ليلى غنيت وإنما بي اليأس عن ليلى وليس بي الصبر وإني ألهواها وإني آليسهوى وإياس كيف ضمهما الصدر و «إن» من قوله عليه السالم: «وإن أبطأت عني»:شرطية وصلية، وجوابها محذوف اعتمادا على داللة ما قبله عليه، أي: إن أبطأت عني فالتجعلني آيسا، والجملة معطوفة على أخرى مثلها، أي: إن لم تبطئ عني وإن أبطأت عني،وقد اطرد حذفها لداللة المذكورة عليها داللة واضحة، فإن الشيء إذا تحقق مع المنافيفلئن يتحقق مع عدمه أولى، وعلى هذه النكتة يدور ما في إن الوصلية ولو الوصلية من

التأكيد، وقد مر تحقيقه في الرياض السابقة.والسراء: المسرة والخير.

والضراء: الشدة والنقص في األموال واألنفس.قال الطيبي في قوله: «يحمدون الله في السراء والضراء»: أي في جميع األحوال، قوبل

الضر بالسرور لمزيد النعيم، والمقابلة الحقيقية للسرور والحزن (١).وقال الجوهري: السراء: الرخاء، وهو نقيض الضراء (٢).

وأعلم أن السراء والضراء والبأساء والنعماء كلها أسماء مؤنثة من غير تذكير، والظرف منقوله: «في سراء» مستقر متعلق بمحذوف خبر لكنت قدم عليها جوازا.

قال بعضهم: أحسن ما يستشهد به على جواز تقديم خبر كان عليها ببيت العروض:اعلموا أني لكم حافظ شاهدا ما كنت أو غائبا وجملة «كنت» حال من مفعول ال تجعلني،نحو: أضربه قام أو قعد. والتقدير كنت في سراء أو ضراء، أي: كائنا على كل حال، هذا

قول الجمهور.____________________

(١) ال يوجد لدينا كتابه.(٢) الصحاح: ج ٢ ص ٦٨٣.

(٤٧١)

Page 451: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقال الرضي: قيل: إن الماضي في نحو قولهم: «اضربه قام أو قعد» حال، ويجب تجردهعن «قد» ظاهرة ومقدرة، واألولى أنه شرط ال حال، أي: إن قام أو قعد، ولو كان حاال

لسمع معه قد أو الواو، كما في غيره من الماضي الواقع حاال (١).والدليل على أنه شرط إفادة الماضي في مثل ذلك معنى المستقبل، وما ذلك إال لتضمنمعنى الشرط، ومفهوم كالمه أن الجملة على تقدير الشرط ال تكون حاال، وهو خالف مانص عليه ابن هشام، حيث قال: ويجوز في الجملة الشرطية أن تقع حاال إذا شرط فيها

الشيء ونقيضه، نحو: ألضربنه إن ذهب وإن مكث (٢)، انتهى.على أنهم صرحوا بأنه إنما وجب ترك الواو في جملة الحال من نحو: اضربه قام أو قعد

ألنها في قوة فعل الشرط، أي: اضربه إن قام أو قعد.وما وقع لبعضهم من أن قوله: «في سراء» متعلق بكائن مقدر حال من ال تجعلني، و«كنت» مبين وموضح للمحذوف، فيه: أن متعلق الظرف الواجب الحذف ال يحتاج إلىمبين وموضح، وأن المفسر يجب أن يكون مثل المحذوف صورة كما نصوا عليه، فجعل

كنت مفسرا ال وجه له.والشدة بالكسر: اسم من االشتداد، يقال: هو في شدة من العيش أي: في ضيق وقلة.

والرخاء بالمد: اتساع العيش.والعافية: السالمة من جميع المكروهات الظاهرة والباطنة في الدين والدنيا.

والبالء هنا: بمعنى المكروه لمقابلته للعافية.والبؤس بالضم: الفقر وشدة الحاجة، يقال: بئس - من باب سمع - بؤسا

____________________(١) شرح الكافية في النحو: ج ١ ص ٢١٣.

(٢) لم نعثر عليه.

(٤٧٢)

Page 452: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

إياك وحمدي لك في كل ثنائي عليك ومدحي وآله، واجعل اللهم صل على محمد حاالتي، حتى ال أفرح بما آتيتني من الدنيا، وال أحزن على ما منعتني فيها، وأشعر قلبيتقواك، واستعمل بدني فيما تقبله مني، واشغل بطاعتك نفسي عن كل ما يرد علي، حتى ال

أحب شيئا من سخطك وال أسخط شيئا من رضاك.____________________

بالضم: إذا اشتدت حاجته.والنعماء بالفتح والمد والنعمى بالضم والقصر: النعمة.

قال صاحب المحكم: النعيم والنعماء والنعمى والنعمة كله (١) الخفض والدعة والمال.(٢)

والجدة كالعدة: الغنى، يقال: وجد يجد وجدا بالضم والكسر لغة وجدة أي استغنى.والألواء: الشدة وضيق المعيشة.

والفقر: عبارة عن فقد ما هو محتاج إليه، أما فقد ماال يحتاج إليه فال يسمى فقرا.والغنى بالكسر والقصر: اليسار ووفور المال، وفي رواية: و «غناء» بالفتح والمد وهو

االكتفاء، يقال: ليس عنده غناء أي: ما يغتني به أي: يكتفي.الثناء لغة: وصف الشيء بخير أو شر.

ومنه الحديث: من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار.(٣)

وخص عرفا بالخير.قيل: نشر المحامد باللسان، وقيل: وصف الشيء بما يشعر بتعظيمه.

____________________(١) (ج): كلها.

(٢) المحكم البن سيده: ج ٢ ص ١٣٨.(٣) الجامع ألحكام: القرآن: ج ٢ ص ١٥٥.

(٤٧٣)

Page 453: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والمدح: الوصف بالجميل االختياري وغيره ذا علم كان الموصوف أوال، فتقول: مدحتهعلى حسنه كما تقول: مدحته على إحسانه، وتقول: مدحت هذا الدر الثمين كما تقول:

مدحت هذا الحر األمين.والحمد: الوصف بالجميل االختياري على قصد التعظيم.

وقال الزمخشري: الحمد والمدح أخوان (١).فقيل: يعني من جهة االشتقاق الكبير.

وقيل: بل بمعنى الترادف لقوله في الفائق: الحمد: هو المدح والوصف بالجميل (٢).وضعف بأن االستعمال ال يساعده بل يشهد بخالفه، وقد قسموا الحمد إلى لغوي وهو ماتقدم، وإلى عرفي وهو فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعما، أعم من أن يكون فعل

اللسان أو األركان.وإلى قولي وهو حمد اللسان وثناؤه على الحق ما أثنى به على نفسه على لسان أنبيائه.

وإلى فعلي وهو اإلتيان باألعمال البدنية ابتغاء لوجه الله.وإلى حالي وهو الذي يكون بحسب الروح والقلب كاالتصاف بالكماالت العلمية والعملية

والتخلق باألخالق اإللهية.والظرف من قوله: «في كل حاالتي»: مستقر في محل نصب على أنه مفعول ثان الجعل

ألنه بمعنى صير المتعدي إلى مفعولين.وحتى: تعليلية مرادفة لكي، أي: اجعلني مشغوال بثنائك ومدحك وحمدك دائما كي ال

يداخلني فرح بما منحتني من الدنيا، وال حزن على ما منعتني فيها، وفي____________________

(١) تفسير الكشاف: ج ١ ص ٨.(٢) الفائق: في غريب الحديث ج ١ ص ٣١٤.

(٤٧٤)

Page 454: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________رواية: «منها» وهو األنسب.

قوله عليه السالم: «وأشعر قلبي تقواك» أي: غش قلبي بتقواك وألبسه إياها.قال في األساس: أشعره شرا: غشاه به (١).

واإلشعار: إلباس الشعار، وهو الثوب الذي يلي الجسد والدثار فوقه.قالوا: سمي شعارا ألنه يلي شعر الجسد، يقال: أشعره الشعار: إذا ألبسه إياه.

طاعته، وثقيل أمره ثقيل نفسي أشعرت الفصحاء: بعض قال المحكم: قال صاحب انتهى. ،(٢) العرض في فاستعمله

ويجوز أن يكون معنى أشعر قلبي تقواك: خالطه بها، من قولهم أشعره سنانا: إذا خالطه به،أو ألزق بقلبي تقواك، من قولهم: أشعر الرجل هما وأشعر الهم قلبه:

إذا لزق به كلزوق الشعار، وكل هذه المعاني راجعة إلى الشعار من حيث اتصاله ومالبستهلبدن اإلنسان. وإنما خص القلب بإشعاره التقوى ألنه مركزها الذي إذا ثبتت فيه وتمكنتظهر أثرها في سائر األعضاء، فهو الذي عليه مدارها ومنه عيارها، وال عبرة بما يظهر منآثارها على سائر الجوارح دونه ولذلك أضافها سبحانه إلى القلوب، فقال: «ومن يعظم

شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» (٣).قوله عليه السالم: «واستعمل بدني فيما تقبله مني» أي: في العمل الذي تقبله منى وقبولالله تعالى عمل العبد عبارة عن كون العمل بحيث يرضاه سبحانه أو يثيب عليه، واألول ألذ

عند العارفين من الثاني.شبه الفعل من العبد بالهدية، وإثابة الله تعالى عليه ورضاه بالقبول، ومدار القبول على

اإلخالص في العمل، حتى قيل: إن طلب القبول كناية عن جعله مقرونا باإلخالص.____________________

(١) أساس البالغة: ص ٣٣١.(٢) المحكم البن سيدة: ج ١ ص ٢٢٥.

(٣) سورة الحج: اآلية ٣٢.

(٤٧٥)

Page 455: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وفرغ قلبي لمحبتك واشغله بذكرك، وانعشه بخوفك وبالوجلمنك، وقوه بالرغبة إليك، وأمله إلى طاعتك، وأجر به في أحب السبل إليك، وذلله بالرغبة

فيما عندك أيام حياتي كلها.____________________

لشيء فعلته: لم فعلته، وال لشيء لم أفعله: أال فعلته، وال قال لشيء كان: ليته لم يكن، واللشيء لم يكن: ليته كان، وكان يقول لو قضي لكان (١).

وقد تقدم في الرياض السابقة كالم في الرضا، وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكالم عليه.وقد تقدم الكالم على محبة العبد لله تعالى ومحبته سبحانه للعبد في الروضة السادسة (٢)

بما يغني عن إعادته هنا.والمراد بتفريغ قلبه لمحبته جعله خاليا عن محبة غيره، بحيث ال يكون لغير محبته مدخل

فيه وال إلمام نزول به، بل تكون محبته مستفرغة عن االلتفات واالشتغال بغيرها.ولما كانت المحبة الصادقة مستلزمة لمحبة ذكر المحبوب ومالزمته بحيث ال يصير عنهلمحة، سأل عليه السالم أن يشغل قلبه بذكره الذي هو ملزوم لمحبته الصادقة، ثم لما كانمن لوازم صدق المحبة الرهبة والرغبة واالنقياد والطاعة وسلوك سبيل الرضا، سأل عليه

السالم سائر لوازمها ليتم له صدق محبته.وبيان ذلك: أن المحبة مع تصور هيبة المحبوب تقتضي الرهبة والخوف والوجل منه، ومعتصور رحمته ورأفته تقتضي الرغبة إليه والطمع فيما عنده، ومع تحري موافقته واإلذعان لهتقتضي طاعته واالنقياد له والسعي في سبيل مرضاته، ولما كان ثمرة الخوف الجهد في

اكتساب الخيرات، والمبادرة إلى سلوك طريق المبرات،____________________(١) احياء علوم الدين ج ٤ ص ٣٣٦.

(٢) ج ٢ ص ٢٥٥.

(٤٧٧)

Page 456: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والسعي في تالفي ما فات، سأل عليه السالم إنعاش قلبه به، أي: تداركه به مما تورط فيه

من الذنوب والتقصير.قال الزمخشري في األساس: نعشته فانتعش: إذا تداركته من ورطة (١).

والوجل بالتحريك: الفزع والخوف.والرغبة إلى الله تعالى: االبتهال إليه، والضراعة له، والمسألة منه.

وأمله إلى طاعتك: أي اصرفه إليها واعدل به نحوها، أو اجعله مائال إليها أي:محبا لها، من مال إليه: بمعنى أحبه.

وأجر به: أي اجعله جاريا وساعيا في السبيل التي هي أحب السبيل إليك، والمراد بهاالطرق الموصلة إليه تعالى.

ولما كانت سبيل الهدى متفاوتة بتفاوت العلم به سبحانه والمعرفة له تعالى، سأل عليهالسالم أن يسلك به أعظم السبل المحبوبة له المرضية عنده.

وذلل الدابة تذليال: راضها حتى سهلت وانقادت.ولما كان القلب جامحا عن الرغبة في اآلجل طامحا إلى الرغبة في العاجل، شبهه بالدابةالجموح، فاستعار له التذليل، وسأل أن يجعله سهال منقادا في سلوك طريق الزهد عن

المقتنيات الفانية، راغبا فيما عند الله من الرغائب الباقية.وقوله عليه السالم: «أيام حياتي كلها» متعلق بجميع األفعال المذكورة على طريق التنازع.

ولما كانت الكماالت البشرية قد تزول بعدم المحافظة ولذلك قال العارفون الخائفون:«ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا

» (٢) سأل عليه السالم أن يجعل ذلك مستمرا أيام حياته كلها، والله أعلم.____________________

(١) أساس البالغة: ص ٦٤٢.(٢) سورة آل عمران: اآلية ٨.

(٤٧٨)

Page 457: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

واجعل تقواك من الدنيا زادي، وإلى رحمتك رحلتي، وفي مرضاتك مدخلي، واجعل فيجنتك مثواي، وهب لي قوة أحتمل بها جميع مرضاتك، واجعل فراري إليك، ورغبتي فيما

عندك.____________________

التقوى في اللغة: بمعنى االتقاء، وهو اتخاذ الوقاية من المحذورات، وتاؤها منقلبة عن واو.وعند أهل الحقيقة: هي االحتراز بطاعة الله عن عقوبته.

وقيل: هي وقاية النفس عما يضر في اآلخرة من اعتقاد وعمل وخلق، وقد سبق الكالم عليهامبسوطا.

والزاد: الطعام الذي يتخذ للسفر، ولما كان الزاد إنما يعد لتقوى به الطبيعة على الحركاتالحسية، وكانت تقوى الله تعالى مما تقوى به النفس على الوصول إلى جنابه المقدس،اتحاد معه يقرب الذي المشابهة تمام من المعنيين بين لما الزاد، لفظ لها استعار المتشابهين، وبحسب قوة المشابهة يكون حسن االستعارة، وقد نطق التنزيل المجيد بهذه

االستعارة، حيث قال سبحانه: «وتزودوا فإن خير الزاد التقوى» (١).قال بعض العارفين: ليس السفر من الدنيا أهون من السفر في الدنيا، وهذا ال بد له من زاد،فكذا ذلك بل يزداد فإن زاد الدنيا يخلصك عن عذاب منقطع موهوم، وزاد اآلخرة ينجيكيبلغك دار الغرور، وزاد اآلخرة إلى متاع الدنيا يوصلك أبدي معلوم، زاد من عذاب السرور، زاد الدنيا سبب حظوظ النفس، وزاد اآلخرة سبب الوصول إلى عتبة الجالل

والقدس.إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى * وأبصرت بعد الموت من قد تزودا

ندمت على أن ال تكون كمثله * وأنك لم ترصد كما كان أرصدا (٢)____________________

(١) سورة البقرة: اآلية ١٩٧.(٢) الجامع ألحكام القرآن: ج ٢ ص ٤١٢.

(٤٧٩)

Page 458: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والرحلة بالكسر: اسم من االرتحال: قيل: وقد تضم، والصواب أنها بالكسر االرتحال،وبالضم الوجه الذي تقصده، يقال: قربت رحلتنا بالكسر أي: ارتحالنا، وأنت رحلتنا بالضمأي: المقصد الذي نقصد ونرتحل إليه، رحل القوم - من باب منع - وارتحلوا وترحلوا:ساروا. واستعار عليه السالم لفظ الرحلة لالنتقال إلى دار اآلخرة والمصير إليها ألن الرحلةعبارة عن قطع المراحل المحسوسة بقدم الجسم، واالنتقال إلى اآلخرة عبارة عن قطع

المراحل المعقولة بقدم العقل، فكان بينهما أتم المشابهة.والمرضاة الرضا، قال تعالى: «ابتغاء مرضاة الله» (١) أي: رضاه.

والمدخل: مصدر ميمي بمعني الدخول، يقال: دخلت الدار ونحوها دخوال، - من بابقعد - ومدخال: إذا صرت داخلها.

وفي: ظرفية مجازية.والمثوى: المنزل، من قولهم: ثوى بالمكان يثوي ثواء بالمد. إذا أقام.

وفي هذه الفقرات األربع من البديع مراعاة النظير ويسمى بالتناسب، وهو أن يجمع المتكلمبين لفظين أو ألفاظ متناسبة المعاني، كقوله تعالى: «والشمس والقمر والنجوم مسخراتبأمره» (٢)، فالشمس والقمر والنجوم متناسبة معنى، من حيث اشتراكها في وصف مشهورالزاد والراحلة والمدخل بين السالم الدعاء جمعه عليه والتناسب في اإلنارة، به وهو السالم: الرسول عليهم النوع قول بعضهم في آل ألطف شواهد هذا والمثوى. ومن

أنتم بنوطه ون والضحى * وبنو تبارك والكتاب المحكم____________________

(١) سورة البقرة: اآلية ٢٠٧.(٢) سورة األعراف: اآلية ٥٤.

(٤٨٠)

Page 459: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وألبس قلبي الوحشة من شرار خلقك، وهب لي األنس بك وبأوليائك وأهل طاعتك.____________________

وبنو األباطح والمشاعر والصفا * والركن والبيت العتيق وزمزمفإنه أحسن التناسب في البيت األول بين أسماء السور، وفي الثاني بين الجهات الحجازية.

والقوة: تعود إلى كمال القدرة، ويقابلها الضعف، والمراد سؤال إفاضة قوة على استعدادهليقوى بذلك على قهر النفس األمارة بالسوء، ويستعد للقيام بجميع مراضي الحق عز شأنه.

وقد تقدم الكالم على الفرار إليه سبحانه والرغبة فيما عنده في أوائل هذه الروضة.الوحشة من الناس: االنقطاع والنفور وبعد القلوب من المودات.

ورجل شر: أي ذو شر وقوم أشرار وشرار، والشر: السوء والفساد والظلم.واالنس بالضم: اسم من أنس به - من باب علم -: إذا سكن إليه ولم ينفر عنه.والمراد بشرار خلقه: أعداؤه وأهل معصيته كما تقتضيه المقابلة. وهم طبقات:

فمنهم: الكافر، ومنهم: المبتدع، ومنهم: أهل المعصية التي فيها إضرار الخلق كالظلموشهادة الزور، ومنهم: أهل الذنوب التي ال يتعدى ضررها كشرب الخمر وترك الصالةوكل هؤالء يجب النفور عنهم وعدم السكون إليهم ألن النفس سريعة الميل إلى الشرور،

فتميل إلى طبع الصاحب سريعا، فتستعد لصدور ما يصدر عنه من المنكرات.وبالعكس من ذلك إذا كان الجليس واألنيس وليا لله مطيعا له، زاهدا في الدنيا راغبا في

اآلخرة ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المرء مع دين خليله وقرينه (١).____________________

(١) الكافي: ج ٢ ص ٦٤٢ ج ١٠، وفيه: على دين خليله.

(٤٨١)

Page 460: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________خيرها وشرها، فقد قيل: سمي اإلنس إنسا ألنه يأنس ما يراه إن خيرا وإن شرا (١).

وهذه جملة كافية في هذا المعنى. واألخبار فيه كثيرة جدا.فمن ذلك ما روي عن عيسى بن مريم عليهما السالم أنه قال: صاحب الشر يعدي، وقرين

السوء يردي، فانظر من تقارن (٢).وقال لقمان البنه: يا بني من يشارك الفاجر يتعلم من طرقه، ومن يقارن قرين السوء ال يسلم

.(٣)وعن أمير المؤمنين عليه السالم: ال ينبغي للمرء المسلم أن يواخي الفاجر فإنه يزين له فعله،ويحب أن يكون مثله، وال يعينه على أمر دنياه وال معاده ومدخله ومخرجه من عنده شين

عليه (٤).وعنه عليه السالم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: انظروا من تحادثون، فإنه ليسمن أحد ينزل به الموت إال مثل له أصحابه إلى الله، إن كانوا خيارا فخيارا، وإن كانوا

شرارا فشرارا، وليس أحد يموت إال تمثلت له عند موته (.(٥

وعن أبي عبد الله عليه السالم: ال تصحبوا أهل البدع وال تجالسوهم، فتصيروا عند الناسكواحد منهم (٦).

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المرء على دين خليله وقرينه (٧).____________________

(١) الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص ١٩٢.(٢) الكافي: ج ٢ ص ٦٤٠ ح ٤.(٣) الكافي: ج ٢ ص ٦٤١ ح ٩.(٤) الكافي ج ٢ ص ٦٤٠ ح ٢.

(٥) الكافي: ج ٢ ص ٦٣٨ ح ٣.(٦) و (٧) الكافي: ج ٢ ص ٦٤٢ ح ١٠.

(٤٨٣)

Page 461: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وال تجعل لفاجر وال كافر علي منة، وال له عندي يدا، وألبي إليهم حاجة، بل اجعل سكونقلبي وأنس نفسي، واستغنائي وكفايتي، بك وبخيار خلقك، اللهم صل على محمد وآله،

واجعلني لهم قرينا، واجعلني لهم نصيرا.____________________

فجر العبد فجورا - من باب قعد -: عصى وفسق وكذب وزنى، فهو فاجر.قال الزمخشري في الفائق: وأصل الفجر: الشق، وبه سمي الفجر كما سمي فلقا، والعاصي

فاجر ألنه شاق لعصا الطاعة (١).وعرفوا الفجور بأنه هيئة حاصلة للنفس، بها تباشر أمورا على خالف الشرع والمروة.

وكفر بالله يكفر - من باب قتل - كفرا وكفرانا بضمهما: جحده، وأصل الكفر:التغطية والستر، يقال: الليل كافر ألنه يستر األشياء بظلمته، وفالن كفر النعمة:

إذا سترها ولم يشكرها.والكفر في الشرع: عبارة عن جحد ما أوجب الله تعالى معرفته، من توحيده وعدله ومعرفة

نبيه وما جاء به من أركان الشرع، فمن جحد شيئا من ذلك كان كافرا.وقيل: هو إنكار ما علم بالضرورة مجيء الرسول صلى الله عليه وآله به.

والمنة: النعمة، اسم من من عليه: بمعنى أنعم، أو من من عليه: بمعنى عدد له ما فعله معهمن الصنائع، مثل أن يقول: أعطيتك وفعلت لك، وهو تكرير وتعيير تنكسر منه القلوبفلهذا نهى الشارع عنه بقوله: «ال تبطلوا صدقاتكم بالمن واألذى» (٢)، ومنه قولهم: المنة

تهدم الصنيعة، وكال المعنيين محتمل هنا.واليد: النعمة واإلحسان، سميت باسم الجارحة ألن العطاء يكون بها.

____________________(١) الفائق ج ٣ ص ٩٠.

(٢) سورة البقرة: اآلية ٢٦٤.

(٤٨٤)

Page 462: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قال في األساس: ومن المجاز: لفالن عندي يد (١).

والباء من قوله: «بي»: لإللصاق، مثلها في قولهم: به داء.والضمير من قوله: «إليهم»: عائد إلى الفجار والكفار، والجمع مفهوم من اقتضاء النكرة في

سياق النفي للعموم.وقدم الفاجر على الكافر ألن الفاجر أكثر ألنه يعم الكافر وغيره، واقتداء بالقرآن المجيدحيث قدم الوصف بالفجور على الوصف بالكفر، فقال: «وال يلدوا إال فاجرا كفارا» (٢)،

هذا.ولما كانت النعمة واإلحسان مما يستعبد اإلنسان، والحر يصعب عليه أن يستعبد بالبر منوالكافر الفاجر منة ينزهه عن أن السالم بهما، سأل عليه والكافر فكيف الفاجر غير وإحسانهما، وال يضطره إلى الحاجة إليهما، وأيضا فإن القلوب مجبولة على حب من

أحسن إليها والميل إلى من أنعم عليها، كما قال أبو الطيب:وكل امرئ يولي الجميل محبب وكل مكان ينبت العز طيب (٣) فسأل عليه السالم أن اليجعل لفاجر وال كافر عليه نعمة وإحسانا لئال يميل قلبه إلى واحد منهما، وأن ال يكون له

إليهم حاجة فيضطر إلى التواضع لهم واستعطافهم.وفي الحديث عن أبي عبد الله عليه السالم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لوأهدي إلي كراع لقبلت وكان ذلك من الدين، ولو أن كافرا أو منافقا أهدى إلي وسقاما

قبلت وكان ذلك من الدين، أبى الله تعالى لي زبد الكافرين والمنافقين وطعامهم (٤).قال بعض العلماء: الزبد بسكون الباء الموحدة: الرفد والعطاء (٥)، وإنما لم يقبل

____________________(١) أساس البالغة: ص ٧١١.

(٢) سورة نوح: اآلية ٢٧.(٣) ديوان أبي الطيب المتنبي: ص ٣٥٤.

(٤) وسائل الشيعة: ج ١٢ ص ٢١٥، الكافي: ج ٥ ص ١٤١ ح ٢.(٥) مرآة العقول: ج ١٩ ص ١١٧.

(٤٨٥)

Page 463: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________هديتهم ألن للهدية موضعا من القلب، كما قال عليه السالم تهادوا تحابوا (١)، وال يجوز

أن يميل بقلبه إلى كافر أو منافق.وعنه صلى الله عليه وآله: ال تجعل لفاجر وال لفاسق عندي نعمة فإني أجد فيما أوحيت: التجد قوما يؤمنون بالله واليوم اآلخر يوادون من حاد الله ورسوله (٢) اآلية، وهو صريح

فيما ذكر.وعن أبي عبد الله عليه السالم أنه قال: اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع، وقووه بالتقيةواالستغناء بالله، إنه من خضع لصاحب سلطان أو لمن يخالفه على دينه، طلبا لما في يديهمن دنياه، أخمله الله ومقته عليه ووكله إليه، فان هو غلب على شئ من دنياه فصار إليه منه

شئ نزع الله البركة منه، ولم يؤجره على شئ ينفقه في حج وال عتق وال بر (٣).وهذا الحديث رواه شيخ الطائفة في أوائل كتاب المكاسب من التهذيب بطريق حسن أو

صحيح (٤).قوله عليه السالم «بك وبخيار خلقك» ظرف مستقر أي: كائنا بك، وهو مفعول ثان

الجعل.إلى كرمه وعطائه، واالبتهاج تعالى: االطمئنان به النفس القلب وانس ومعنى سكون بمشاهدة أنوار كبريائه. ولما كان اإلنسان مدنيا بالطبع فلم يكن له بد من معاشرة أبناءجنسه ومعاونتهم سأل عليه السالم أن يجعل ذلك بخيار خلقه احترازا عن شرارهم، كما

ورد في دعاء آخر: اللهم إني أسألك الغنى عن شرار الناس (٥).وفي الحديث: أن رجال قال ألبي عبد الله عليه السالم: جعلت فداك ادع الله أن يغنيني عن

خلقه، قال: إن الله قسم رزق من شاء على يدي من شاء، ولكن____________________

(١) الخصال: ص ٢٧ ح ٩٧.(٢) تفسير الكشاف: ج ٤ ص ٤٩٧.

(٣) و (٤) تهذيب االحكام: ج ٦ ص ٣٣٠ ح ٣٥.(٥) الكافي: ج ٢ ص ٥٨٧ ح ٢٥.

(٤٨٦)

Page 464: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وامنن علي بشوق إليك، وبالعمل لك بما تحب وترضى، إنك على كل شئ قدير، وذلكعليك يسير.

____________________سل الله أن يغنيك عن الحاجة التي تضطرك إلى لئام خلقه (١).

قوله عليه السالم: «واجعلني لهم قرينا واجعلني لهم نصيرا» القرين الصاحب والخليلالمقارن الذي يتبع أمر صاحبه ويوافقه عليه، من قرنت الشيء بالشيء: إذا شددته إليه

ووصلته به، فهو فعيل بمعنى مفعول كقتيل وجريح.والنصير: الناصر وهو المؤيد والمقوي، فعيل بمعنى فاعل.

وفي الحديث: من حق المؤمن على المؤمن النصرة له على من ظلمه (٢).والفرق بين القرين والنصير: أن القرين قد يضعف عن النصرة، والنصير قد يكون أجنبيا غير

مقارن.الشوق لغة نزاع النفس إلى الشيء وعرفا قيل: هو احتياج القلب إلى لقاء المحبوب.

وقال النصير الطوسي قدس سره في بعض رسائله: الشوق إدراك لذة المحبة الالزمة لفرطاإلرادة الممتزجة بألم المفارقة، وهو في حال السلوك بعد اشتداد اإلرادة يكون ضروريا،وربما كان حاصال قبل السلوك، وذلك إذا حصل الشعور بكمال المطلوب ولم تنضم إليهالقدرة على السير وقل الصبر على المفارقة، قال: وكلما ترقى السالك في سلوكه كثرالشوق وقل الصبر، حتى يصل إلى المطلوب فتخلص حينئذ لذة نيل الكمال (٣) من األلم

وينتفي الشوق (٤).وقد يسمي أرباب الطريقة مشاهدة المحبوب شوقا، باعتبار أن المشاهد طالب لمرتبةاالتحاد وهو لم يصل إليها بعد. وأتبع طلب الشوق بطلب العمل ألن العمل من لوازم

الشوق الصادق، فإن من صدق شوقه إلى محبوب أجهد نفسه في األعمال____________________

(١) الكافي: ج ٢ ص ٢٦٦ ح ١.(٢) وسائل الشيعة: ج ٨ ص ٥٤٥ - ٥٤٦ ح ١٠.

(٣) في (ج) الكالم.(٤) لم نتحققه.

(٤٨٧)

Page 465: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الموصلة إليه، وبالغ فيما يحبه ويرضاه ويكون عمله له بمقدار قوة شوقه إليه، فسأل عليهالسالم العمل له تعالى مما يحب ويرضى ليتم صدق شوقه إليه، ويصل إلى لذة الوصل

الخالصة من ألم الفراق.قوله عليه السالم: «إنك على كل شئ قدير وذلك عليك يسير» تعليل للدعاء، ومزيد

استدعاء لإلجابة.والمراد بالشيء هنا: الممكن موجودا كان أو معدوما بقضية اختصاص تعلق القدرة به، كما

مر بيانه في اول الروضة الثانية (١).والقادر: هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، والقدير: الفعال لكل ما يشاء ولذلكلم يوصف به غير الباري تعالى، ومعنى قدرته على الممكن الموجود حال وجوده: أنه إنشاء إبقاءه أبقاه عليه فإن علة الوجود هي علة البقاء، وقد مر تحقيقه في الروضة األولى فيشرح قوله عليه السالم: «وفتح لنا أبواب العلم بربوبيته» (٢)، وإن شاء إعدامه أعدمه،ومعنى قدرته على المعدوم حال عدمه: أنه إن شاء إيجاده أوجده، وإن لم يشأ لم يوجده.فيه المسؤوالت عليك هين ال صعوبة ما ذكر من أي: يسير» وقوله: «وذلك عليك

األسباب وتحقق الستغنائك عن قدرتك التامة، والله أعلم.

هذا آخر الروضة الحادية والعشرين من رياض السالكين في شرح صحيفة سيد العابدين،صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين، وقد وفق إلتمامها واجتالء بدر تمامها عصر

يوم الخميس لتسع خلون من شهر ربيع األول من شهور سنة إحدى ومائة وألف.بقلم مؤلفها العبد علي الصدر الحسيني، كان الله له وبلغه أمله.

____________________(١) ج ١ ص ٤٣٦.(٢) ج ١ ص ٣٢٠.

(٤٨٨)

Page 466: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الروضة الثانية والعشرون(٤٨٩)

Page 467: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

دعاء ٢٢وكان من دعائه عليه السالم عند الشدة والجهد وتعسر األمور

اللهم إنك كلفتني من نفسي ما أنت املك به منى وقدرتك عليه وعلى أغلب من قدرتيفاعطني من نفسي ما يرضيك عنى وخذ لنفسك رضاها من نفسي في عافية اللهم ال طاقةلي بالجهد وال صبر لي على البالء وال قوة لي على الفقر فال تحظر على رزقي وال تكلنيإلى خلقك بل تفرد بحاجتي وتول كفايتي وانظر إلى وانظر لي في جميع أموري فإنك إنوكلتني إلى نفسي عجزت عنها ولم أقم ما فيه مصلحتها وإن وكلتني إلى خلقك تجهمونيوإن ألجأتني إلى قرابتي حرموني وإن أعطوا أعطوا قليال نكدا ومنوا على طويال وذموا كثيرافبفضلك اللهم فأعنني وبعظمتك فانعشني وبسعتك فابسط يدي وبما عندك فاكفني اللهمصل على محمد وآله وخلصني من الحسد واحصرني عن الذنوب وورعني عن المحارم والتجرأني على المعاصي واجعل هواي عندك ورضاي فيما يرد على منك وبارك لي فيمارزقتني وفيما خولتني وفيما أنعمت به على واجعلني في كل حاالتي محفوظا مكلوءا

مستورا ممنوعا معاذا(٤٩١)

Page 468: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

مجارا اللهم صل على محمد وآله واقض عنى كل ما ألزمتنيه وفرضته على لك في وجه منوجوه طاعتك او لخلق من خلقك وإن ضعف عن ذلك بدني ووهنت عنه قوتي ولم تنلهمقدرتي ولم يسعه مالي وال ذات يدي ذكرته او نسيته هو يا رب مما قد أحصيته علىوأغفلته أنا من نفسي فأده عنى من جزيل عطيتك وكثير ما عندك فإنك واسع كريم حتى اليبقى على شئ منه تريد أن تقاصني به من حسناتي او تضاعف به من سيئاتي يوم ألقاك يارب اللهم صل على محمد وآله وارزقني الرغبة في العمل لك آلخرتي حتى أعرف صدقذلك من قلبي وحتى يكون الغالب على الزهد في دنياي وحتى اعمل الحسنات شوقا وأمنمن السيئات فرقا وخوفا وهب لي نورا أمشي به في الناس واهتدى به في الظلمات واستضئبه من الشك والشبهات اللهم صل على محمد وآله وارزقني خوف غم الوعيد وشوق ثوابالموعود حتى أجد لذة ما أدعوك له، وكآبة ما أستجير بك منه اللهم قد تعلم ما يصلحني

من أمر دنياي وآخرتي فكن بحوائجي حفيا اللهم صل على محمد وال محمد(٤٩٢)

Page 469: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وارزقني الحق عند تقصيري في الشكر لك بما أنعمت على في اليسر والعسر والصحةوالسقم حتى أتعرف من نفسي روح الرضا وطمأنينة النفس منى بما يجب لك فيما يحدثفي حال الخوف واألمن والرضا والسخط والضر والنفع اللهم صل على محمد وآله وارزقنيسالمة الصدر من الحسد حتى ال أحسد أحدا من خلقك على شئ من فضلك وحتى الأرى نعمة من نعمك على أحد من خلقك في دين او دنيا او عافية او تقوى او سعة او رخاءاال رجوت لنفسي أفضل ذلك بك ومنك وحدك ال شريك لك اللهم صل على محمد وآلهالرضا الدنيا واآلخرة في حال في الزلل الخطايا واإلحتراس من التحفظ من وأرزقني والغضب حتى أكون بما يرد علي منهما بمنزلة سواء عامال بطاعتك مؤثرا لرضاك على ماسواهما في األولياء واألعداء حتى يأمن عدوي من ظلمي وجوري ويأيس وليي من ميليوانحطاط هواي واجعلني ممن يدعوك مخلصا في الرخاء دعاء المخلصين المضطرين لك

في الدعاء إنك حميد «مجيد»(٤٩٣)

Page 470: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

شرح الدعاء الثاني والعشرينوكان من دعائه عليه السالم عند الشدة والجهد وتعسر األمور:

____________________اعلم أن الله جل شأنه امتحن عباده في هذه الدار بالخير والشر، والنفع والضرر، والغنىوالفقر، والقوة والعجز، والسراء والضراء، والشدة والرخاء، ليعلم العبد علما يقينا أنه عبدمدبر ناقص ضعيف، فيتبرأ من حول نفسه وقوتها، ويعتصم بحول مواله وقوته، فإذا حصلله الخير حمده وشكره واعترف بإحسانه وذكره، وإذا ألم به شر وأصابه دعاه باضطرارهفأجابه، ليعلم أنه العبد الذي دعا مواله فلباه وسأله فأعطاه، ويصير ذلك ذريعة إلى توجهنفسه بكليتها إليه، واالعتماد في كل أحواله عليه، ولذلك كان الدعاء أوثق ما يستعصم بهمن اآلفات، وأمتن ما يؤمن به من النكبات، وأعظم ما يتوسل (١) به أولوا األلباب إلى رب

األرباب.وفي كالم بعضهم: الدعاء مفتاح الحاجات، ومستروح أصحاب الفائقات (٢) وملجأالمضطرين، ومتنفس المكروبين، وكان من سنن األنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين، إذا

نزل بأحدهم كرب وبالء، فزع إلى الدعاء، وهذا معنى____________________

(١) (خ) يتوصل.(٢) (ج) النائبات.

(٤٩٥)

Page 471: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم إنك كلفتني من نفسي ما أنت أملك به مني، وقدرتك عليه وعلي أغلب من قدرتي،فأعطني من نفسي ما يرضيك عني، وخذ لنفسك رضاها من نفسي في عافية.

____________________قول أمير المؤمنين صلوات الله وسالمه عليه: إذا اشتد الفزع فإلى الله المفزع (١).

وألجل هذا كان سيد العابدين وأشرف الموحدين سالم الله عليه، يدعو بهذا الدعاء عندالجهد والبالء، فيقول: (٢). كلفته األمر تكليفا: حملته إياه على مشقة، من الكلفة بالضموهي المشقة، وسمي أمر الله تعالى ونهيه تكليفا، لما فيه من قهر الوهم والقوى البدنية عن

مقتضيات طباعها، وفي ذلك كلفة على النفس المتعلقة بالبدن.و «من» في قوله: «من نفسي»: مبينة ل «ما» من قوله: «ما أنت أملك به مني: والتقدير:

كلفتني ما أنت أملك به مني من صالح نفسي.المال ما المبهم في نحو «عندي من المبينة على إنما جاز تقديم «من» قال الرضي: يكفي»، ألن المبهم الذي فسر ب «من» التبينية مقدم تقديرا، كأنك قلت: عندي شئ من

المال ما يكفي (٣).ولما كان التكليف إنما يتعلق باألفعال دون الذوات، كان قوله: «من نفسي» على تقدير

مضاف، أي: من صالح نفسي كما ذكرنا.وملكت الشيء - من باب ضرب -: احتويته قادرا على االستبداد به، فمعنى «أملك بهمني» أقدر على االستبداد به مني، وعداه بالباء لتضمينه معنى أولى، وفي نسخة «له» وهو

األصل. ولما كان العبد مكلفا بصالح نفسه وتطهيرها من____________________

(١) وسائل الشيعة: ج ٤ ص ١٠٩٤ ح ٤.(٢) أي بدأ بالدعاء.

(٣) شرح الكافية في النحو: ج ٢ ص ٣٢٢.

(٤٩٦)

Page 472: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم ال طاقة لي بالجهد، وال صبر لي على البالء، وال قوة لي على الفقر، فال تحظر عليرزقي، وال تكلني إلى خلقك، بل تفرد بحاجتي، وتول كفايتي، وانظر إلي، وانظر لي في

جميع أموري.____________________

يقول: ادعوا لعمكم الكذاب (١).وقريب من هذا المعنى ما روي عن الصادق عليه السالم، أنه قال إلسحاق بن عمار حينأمره باستخارة: لتكن استخارتك في عافية فإنه ربما خير للرجل في قطع يده وموت ولده

وذهاب عقله (٢).العافية مع التقييد بقوله «في عافية» لدفع أن يكون رضاه سبحانه بغير وقال بعضهم:

إليه. انتهى. وشرط االستحقاق ال حاجة االستحقاق، والله أعلم وقال شيخنا البهائي قدس سره في المفتاح في معنى ما ورد في الدعاء «وخذ لنفسك

رضاها من نفسي»: أي أجعل نفسي راضية بكل ما يرد عليها منك (٣).الطاقة: اسم من أطقت الشيء إطاقة أي: قدرت عليه فأنا مطيق، مثل الطاعة اسم من أطاع.وعينها واو ألنها من الطوق وهو القدرة وخبر ل «إلى» ويجوز أن يكون بالجهد فيتعلق

بمحذوف.ولي: تبيين أو صفة لطاقة.

والباء: لالستعالء بمعنى على، أي: على الجهد، نحو: من ان تأمنه بقنطار، أي:عليه.

والجهد بالفتح: المشقة، وجهد الرجل فهو مجهود، ويقال: أصابهم قحوط من المطرفجهدوا جهدا شديدا، وجهد عيشهم بالكسر - من باب ضرب -: أي نكد واشتد،

الوسع والطاقة وقيل: والجهد بالضم في لغة الحجاز وبالفتح في غيرها: ____________________

(١) المحجة البيضاء: ج ٧ ص ٢٣٦. إال أن الحكاية منقولة عن سمنون.(٢) الكافي: ج ٣ ص ٣٧٢ ح ٧ وفيه: «ذهاب ماله».

(٣) مفتاح الفالح: ص ٢١٠.

(٤٩٨)

Page 473: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________المضموم هو الطاقة، والمفتوح هو المشقة والجهد بالفتح أيضا: المبالغة والغاية، وهومصدر من جهد في األمر جهدا - من باب نفع -: إذا طلب واستقصى حتى بلغ غايته في

الطلب، وإرادة هذا المعنى محتملة هنا.وفي رواية «بالجهد» مضموما، قال بعض المترجمين: ومعناه غير واضح.

قلت: هي لغة في الجهد بالفتح بمعنى المشقة، حكاها النووي في شرح مسلم، قال: وفيهفأصابهم قحط وجهد، بفتح الجيم، أي: مشقة شديدة وحكي ضمها (١) انتهى.

والبالء هنا: اسم من ابتاله الله بكذا أي: أصابه بما يكرهه ويشق عليه.والفقر: فقدان الكفاف.

وحظره حظرا - من باب قتل -: منعه، والمراد به المبالغة في التضييق والتقليل.ووكلت فالنا إلى فالن - من باب وعد - ألجأته إليه وفوضت أمره إليه فجعلته متوكال

ومعتمدا عليه، ومنه: ال تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا (٢).قال بعض العلماء: من اعتقد جزما أو ظنا بأن نفسه أو أحدا غير الله تعالى ممن ينسب إليهالتأثير والقدرة، هو المتمكن من الفعل وأنه تام القدرة على تحصيل مراده، فإن ذلك منأقوى األسباب المعدة ألن يفيض الله تعالى على قلبه صورة االعتماد على المعتمد فيه

والمتوكل عليه، وهذا معنى وكله الله إلى نفسه أو إلى خلقه (٣) انتهى.وتفرد باألمر: انفرد به ولم يشاركه فيه غيره، ومعنى تفرده تعالى بحاجته أن ال يجعل بينه

واسطة في قضائها، بل يقضيها له ابتداء من غير إمداد وإعانة من الخلق.____________________

(١) شرح صحيح مسلم للنووي: ج ١٧ ص ٣١.(٢) الكافي: ج ٢، ص ٥٨١، ح ١٥.

(٣) شرح نهج البالغة البن ميثم: ج ١ ص ٣١٢.

(٤٩٩)

Page 474: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

فإنك إن وكلتني إلى نفسي عجزت عنها ولم أقم ما فيه مصلحتها، وإن وكلتني إلى خلقكتجهموني، وإن ألجأتني إلى قرابتي حرموني، وإن أعطوا أعطوا قليال نكدا، ومنوا علي

طويال، وذموا كثيرا.____________________

تولى أمره: قام به دون غيره، وكفاه مؤنته كفاية: قام مقامه فيها وأغناه عن تجشم القيامبها.

ونظر الله تعالى إلى عبده مجاز عن رحمته له وإحسانه إليه وقد مر بيانه، ونظر له:رحمه ورئي له (١) وأعانه، ونظر في األمر، تفكر وتدبر فيه.

الرؤية، وبالالم بمعنى النظر إذا استعمل ب «إلى» يكون بمعنى اللغة: قال بعض أئمة الرحمة، وب «في» بمعنى الفكر، وب «بين» بمعنى الحكم، كقولك: نظرت بين القوم

أي: حكمت بينهم (٢) انتهى.فإن جعلت النظر من قوله عليه السالم: «وانظر إلي في جميع أموري» بمعنى الرحمةواإلعانة، كان المعنى وارحمني وأعني في جميع أموري، وإن جعلته بمعنى الفكر والتدبرفالمراد به هنا الزمه وهو االعتناء واالهتمام فإن الفكر والتدبير في األمر إنما يكون عناعتناء واهتمام به، فالمعنى وانظر ألجلي في جميع أموري، وكال الجارين متعلق بأنظر.

الفاء: للتعليل.وعجزت عنها: أي عن القيام بشأنها.

وأقام األمر: أداه كامال، ومنه إقامة الحدود.والمصلحة: واحدة المصالح، يقال: في هذا األمر مصلحة أي: خير.

وتجهمه وجهمه كمنعه: استقبله بوجه كريه، من قولهم: رجل جهم الوجه.____________________

(١) (الف وج) رثى.(٢) لم نعثر عليه.

(٥٠٠)

Page 475: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قال في القاموس: الجهم الوجه ككتف: الوجه الغليظ المجتمع السمج (١).

الباسر الخلقة وهو اللحم ضيق الزمخشري في األساس: وجه جهم: غليظ كثير وقال إذا استقبله بوجه مكفهر. الرجل وجهمته: الكريه، وتجهمت

وقيل: هو أن تغلظ له في القول، يقول: تجهمني بما أكره وجهمني به (٢) انتهى.وألجأته إلى كذا إلجاء. اضطررته إليه.

وحرمني معروفه - من باب ضرب - حرما وحرمانا بكسرهما: منعني، وفالن محروم غيرمرزوق.

وقليال: صفة لموصوف محذوف، وهو إما مفعول به أو مصدر، أي: شيئا قليال، أو عطاءقليال.

والنكد ككتف والنكد بفتحتين مثل بطل: العسر الذي ال خير فيه، وبالوجهين وردتالرواية في الدعاء وبهما قرئ قوله تعالى: «والذي خبث ال يخرج إال نكدا» (٣)، يقال:

نكد عيشهم - من باب تعب - إذا اشتد ولم يهنأ.وعطاء منكود أيضا: قليل غير مهنأ.

وطويال يحتمل أن يكون مفعوال مطلقا وأن يكون ظرفا، أي: منا طويال، أو زمنا طويال،ويحتمل أن يكون حاال من المن أي: منوا علي المن حال كونه طويال.

وكثيرا: إما مفعول مطلق أي: ذما كثيرا، أو حال أي: حال كون الذم كثيرا.ومدار هذا الفصل من الدعاء على بيان أن الله سبحانه إذا لم يتول أمر عبده وكفايته بنفسه،لم يقم بأمره أحد سواه ولم يكفه مئونته غيره، فهو إن وكله إلى نفسه وفوض أمره إليها،

كان عاجزا ضعيفا عن القيام بشؤونها وما يصلحها.____________________(١) القاموس المحيط: ج ٤ ص ٩٢.

(٢) أساس البالغة: ص ١٠٨.(٣) سورة األعراف: اآلية ٥٨.

(٥٠١)

Page 476: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

فبفضلك اللهم فأغنني، وبعظمتك فانعشني، وبسعتك فابسط يدي، وبما عندك فاكفني.____________________

روى ثقة اإلسالم في الكافي بسنده إلى ابن أبي يعفور، قال: سمعت أبا عبد الله عليهالسالم يقول وهو رافع يده إلى السماء: رب ال تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا ال أقل منذلك وال أكثر، قال: فما كان بأسرع من أن تحدر الدموع من جوانب لحيته، ثم أقبل عليفقال: يا ابن أبي يعفور إن يونس بن متى وكله الله عز وجل إلى نفسه أقل من طرفة عينفأحدث ذلك الذنب، فقلت: فبلغ به كفرا أصلحك الله؟ قال: ال، ولكن الموت على تلك

الحال هالك (١) انتهى.وإن وكله إلى غير نفسه من أجنبي استثقله وعبس في وجهه، أو قريب فإما أن يمنعه معروفهكاألجنبي، أو تعطفه عليه للقرابة فيمنحه قليال حقيرا، أو يمن عليه طويال ويذمه كثيرا وذلكلما جبلت عليه األنفس من الشح والبخل، ألن الشح غريزة في النفس مقتضية للحرص علىالمنع وحب المال وبغض اإلنفاق ولذلك قال تعالى: «ومن يوق شح نفسه فأولئك هم

المفلحون» (٢).الفاء: فصيحة، أي: إذا كان األمر كذلك فبفضلك أي: بإحسانك ال بغيره فأغنني.

والباء: متعلقة بأغنني، وأصل الكالم أغنني بفضلك، ثم قدم الجار والمجرور على الفعلإلفادة القصر، ثم ادخل عليه الفاء إلفادة، معنى السببية فصار بفضلك فأغنني، والمعنى: أنإغنائي ينبغي أن يكون مسببا عن فضلك والزما له، وقس عليه ما بعده، وإنما جاز عمل مابعد الفاء فيما قبلها هنا مع أنها للسببية، وهو ممتنع في غير هذا الموضع لوقوعها في غير

موقعها فهي كالزائدة.وقول بعضهم إن «بفضلك» متعلق بمحذوف، أي: عاملني بفضلك فأغنني،

____________________(١) الكافي: ج ٢ ص ٥٨١ ج ١٥.

(٢) سورة الحشر: اآلية ٩.

(٥٠٢)

Page 477: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وخلصني من الحسد، واحصرني عن الذنوب، وورعني عنالمحارم، وال تجرئني على المعاصي، واجعل هواي فيما عندك ورضاي فيما يرد علي منك،

وبارك لي فيما رزقتني، وفيما خولتني، وفيما أنعمت به علي.____________________

وكذا يقدر للباقي بعظمتك، وبسعتك، وبما عندك، متعلقات لكون األفعال بعدها مسببهعنها، ليس بشيء فإن هذا التقدير الذي ذكره يفوت معه معنى القصر، المقصود من تقديم

الظرف على متعلقه.ونعشه الله نعشا - من باب منع -: رفعه ونعشه أيضا: تداركه من مهلكة، ونعشه الله

وأنعشه: سد فقره، ونعش الربيع الناس: أغاثهم.وعظمته تعالى عبارة عن بلوغ قوة ألوهيته، التي هي شدة وجوده، إلى الال تناهي بل وراء

الال تناهي.وسعته تعالى عبارة عن كثرة مقدوراته التي ال نهاية لها.

وبسط اليد هنا كناية عن التوسعة في الخير والجدة.وما عنده تعالى عبارة عن خيرات الدنيا واآلخرة.

والكفاية هنا: بمعنى الغنى، أي: بما عندك فأغنني، ومنه: «وكفى الله المؤمنين القتال» (١)أي: أغناهم عنه.

خلص الشيء من التلف خلوصا - من باب قعد - وخالصا ومخلصا: سلم ونجى، ويعدىبالتضعيف فيقال: خلصه تخليصا أي: سلمه ونجاه.

والحسد: تمني زوال نعمة المحسود إلى الحاسد.وحصره حصرا - من باب قتل -: منعه وحبسه، والمراد به هنا حسم أسباب الذنوب بعدم

اإلعداد لها.____________________

(١) سورة األحزاب: اآلية ٢٥.

(٥٠٣)

Page 478: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________والورع بالتحريك: الكف عن محارم، يقال: ورع يرع بكسرتين ورعا بفتحتين ورعة مثل

عدة فهو ورع، وورعته عن األمر توريعا: كففته فتورع هو.الحرمة ال يحل الراء وضمها بمعنى بفتح والمحارم: جمع محرم كجعفر، أو محرمة

انتهاكها.وجرأ على الشيء جرأة مثل ضخم ضخامة واجترأ عليه: أسرع بالهجوم عليه من غير

توقف، واالسم الجرأة على وزنغرفة، وجرأته عليه بالتشديد فتجرأ هو، أي:

ال تجعلني مرتكبا للمعاصي من غير مباالة، والغرض طلب التوفيق لتركها واالحتراز منها.والهوى مقصورا: إرادة النفس، يكون في الخير والشر.

والرضا: سرور القلب.وقوله: «فيما يرد علي منك» أي: يتصل بي من حكمك ويجري علي من قضائك.

قال أهل العرفان: بداية الرضا من جملة المقامات يكتسبها العبد اكتسابا، ونهايته من جملةالمقامات يكتسبها العبد اكتسابا، ونهايته من جملة األحوال يوجبها الله تعالى إيجابا، ومنحلي بالرضا فقد لقي بالترحيب األوفى وأكرم بالتقريب األعلى، وال يكاد العبد يرضى عن

الله حتى يرضى الله عنه، كما قال الله تعالى:«رضي الله عنهم ورضوا عنه» (١)، فإذا كان العبد راضيا عن الله علم به أن الله راض عنه.قال موسى عليه السالم: إلهي دلني على عمل إذا عملته رضيت، قال: إنك ال تطيق ذلك يا

موسى، فخر موسى ساجدا متضرعا مخبتا، فأوحى الله إليه يا ابن____________________

(١) سورة المائدة: اآلية ١١٩.

(٥٠٤)

Page 479: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

واجعلني في كل حاالتي محفوظا مكلوء، مستورا ممنوعا، معاذا مجارا.____________________

عمران إن رضاي في رضاك بقضائي (١).قال بعضهم: الرضا: استقبال األحكام بالفرح.

وقال آخر: الرضا: باب الله األعظم وجنة الدنيا ومسرح العارفين.وروى ثقة اإلسالم في الكافي بسند صحيح عن علي بن الحسين عليهما السالم، قال: الصبروالرضا عن الله رأس طاعة الله، ومن صبر ورضي عن الله فيما قضى عليه فيما أحب أوكره، لم يقض الله عز وجل له فيما أحب أو كره إال ما هو خير له (٢)، وقد سبق مزيد

كالم على الرضا في الرياض السابقة.والبركة: النماء والزيادة، وبارك الله فيه: زاد فيه وأنماه فهو مبارك، واألصل مبارك فيه.

وخوله الله ماال بالتضعيف: أعطاه.وقال الجوهري: خوله الله الشيء: أي ملكه إياه (٣).

وفي القاموس: خوله الله المال: أعطاه إياه مفصال (٤).وكأنه الحظ فيه اشتقاقه من الخول بفتحتين، وهو ما أعطاك الله من النعم والعبيد واإلماء

وغيرهم من الحاشية.وأنعم الله عليه: أفاض عليه نعمته، يقال: أنعمها الله عليه وأنعم بها عليه، وعرفت النعمة

بأنها المنفعة المفعولة على جهة اإلحسان إلى الغير.حفظه حفظا - من باب علم -: منعه من الضياع والتلف، وصانه عن االبتذال.وكأله الله يكأله مهموزا بفتحتين كالء بالمد والكسر: حرسه ورعاه، والمراد

____________________(١) بحار األنوار: ج ١٣ ص ٣٥٨ ح ٦٨ مع اختالف يسير في العبارة.

(٢) الكافي: ج ٢ ص ٦٠ ح ٣.(٣) الصحاح: ج ٤ ص ١٦٩٠.

(٤) القاموس المحيط: ج ٣ ص ٣٧٢ وفيه: متفضال.

(٥٠٥)

Page 480: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، واقض عني كل ما ألزمتنيه وفرضته علي لك، في وجه منوجوه طاعتك، أو لخلق من خلقك، وإن ضعف عن ذلك بدني، ووهنت عنه قوتي، ولمتنله مقدرتي، ولم يسعه مالي، وال ذات يدي، ذكرته أو نسيته، هو يا رب مما قد أحصيتهعلي، وأغفلته أنا من نفسي، فأده عني من جزيل عطيتك، وكثير ما عندك، فإنك واسعكريم، حتى ال يبقى علي شئ منه، تريد أن تقاصني به من حسناتي، أو تضاعف به من

سيئاتي، يوم ألقاك يا رب.____________________

حفظه وحراسته من أسباب الهالك والنقصان في الدين والبدن، بما يخلقه ويفيض عليه مناألسباب المعدة للحفظ والحراسة.

وسترت الشيء سترا - من باب قتل -: أخفيته، وستر الله عليه: أخفى مساويه عن الخلقفلم يطلع عليها غيره.

ومنع فالن جاره: حماه من أن يضام، وقد منع فالن: صار ممنوعا محميا.وعاذ بالله يعوذ عوذا: اعتصم واستجار، وأعاذه الله: عصمه، وأجاره يجيره إجارة: آمنه مما

يخاف وحماه منه.قضيت الحج والدين: أديته، قال تعالى: «فإذا قضيتم مناسككم» (١) أي:

أديتموها، فالقضاء هنا بمعنى أداء، كما في قوله تعالى «فإذا قضيتم الصالة» (٢) أي:أديتموها، واستعمل الفقهاء القضاء في العبادة التي تفعل خارج وقتها المحدود شرعا،واألداء إذا فعلت في وقتها المحدود، وهو مخالف للوضع اللغوي، لكنه اصطالحي للتمييزبين الوقتين، والقضاء مصدر في الكل، والمراد به في الدعاء معناه اللغوي وهو األداء، أي:

وفقني ألداء كل ما ألزمتنيه.____________________

(١) سورة البقرة: اآلية ٢٠٠.(٢) سورة النساء: اآلية ١٠٣.

(٥٠٦)

Page 481: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وفرضته علي: يقال: ألزمته العمل أي: أوجبته عليه فالتزمه هو، وفرض الله األحكام - من

باب ضرب -: أوجبها، قيل: هو عطف تفسيري أللزمتنيه.و «لك»: ظرف لغو متعلق بفرضته، أو مستقر حال من مفعول فرضت، أي:

كائنا لك أو لخلق من خلقك.والوجه والجهة بمعنى، والهاء عوض من الواو، أي: في جهة من جهات طاعتك والظرف

مستقر حال من الظرف.والضعف بالضم والفتح: خالف القوة والصحة، ضعف ضعفا مثل قرب قربا، وضعف ضعفا

- من باب قتل - مثله، ومنهم من يجعل المفتوح في الرأي:والمضموم في البدن.

وذلك: إشارة إلى كل ما ألزمه وفرضه عليه أي: عن أدائه.وهن يهن - من باب وعد -: ضعف، فهو واهن في األمر والعمل والبدن، ووهنته: أضعفته،

يتعدى وال يتعدى، فهو موهون البدن والعظم.واألجود أن يتعدى بالهمزة فيقال: أوهنته، والوهن بفتحتين: لغة في المصدر، ووهن يهن

بكسرتين لغة.قال أبو زيد: سمعت من األعراب من يقرأ «فما وهنوا» بالكسر (١).

ونلت الشيء أناله نيال: بلغته.والمقدرة مثلثة الدال: القدرة والغنى واليسار وذات اليد، عبارة عما يملك من مال وأثاث.

وقوله: «ذكرته أو نسيته» جملتان حاليتان، أي: ذاكرا كنت له أو ناسيا.والكالم في قوة الشرط، أي: إن ذكرته أو نسيته ولذلك وجب ترك الواو وتجرد

____________________(١) المصباح المنير: ص ٩٣٠.

(٥٠٧)

Page 482: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الماضي عن «قد» ظاهرة ومقدرة، وقد تقدم الكالم على ذلك مستوفى في الروضة التي قبل

هذه، فليرجع إليه (١).وقول بعضهم: جملة «ذكرته» بيان ل «ما» في «كل ما ألزمتنيه»، أو خبر مبتدأ محذوف،

وتقديره: سواء ذكرته أو نسيته، خبط صريح.والضمير من «هو» عائد إلى المفروض الذي هو بصدد سؤال تأديته عنه، المقيد بضعفبدنه، ووهن قوته عنه، وعدم نيل قدرته عنه، وسعة ماله وذات يده له ذاكرا له كان أوناسيا، وهو مبتدأ خبره الظرف المستقر من قوله: «مما قد أحصيته»، أي: هو كائن مما قدأحصيته، والجملة مستقلة ال محل لها من اإلعراب، مقررة لمضمون ما قبلها من عدماألداء. وما قيل: من أنها حالية، يدفعه أن المبتدأ إذا كان ضمير صاحب الحال وجب كونالجملة بالواو، نحو: جاءني زيد وهو راكب، وال يجوز هو راكب، كما نقله الرضي عناألندلسي ولم يحك فيه خالفا، قال: ولعل ذلك لكون هذه الجملة في معنى المفرد سواء إذالمعنى جاءني زيد راكبا، فصدرت بالواو إيذانا من أول األمر بكون الحال جملة وإن أردت

معنى المفرد (٢) انتهى.والجملة في الدعاء لم تصدر بالواو باتفاق النسخ.

وأحصيت الشيء: حفظته وعلمته، أي: أحطت به كما وكيفا وزمانا ومكانا وعداه ب«على» لتضمينه معنى أثبت، أي: أحصيته مثبتا له علي.

وأغفلت الشيء إغفاال: تركته إهماال من غير نسيان.وقوله: «من نفسي» متعلق بأغفلته، أي: تركته إهماال من قبل التفريط الناشئ من نفسي، الموجب له غير ذلك يعني به إغفاله إياه قبل أن يضعف عنه بدنه وتهن عنه قوته، إلى غير

ذلك من األسباب التي ال يقدر معها اآلن على أدائه.

____________________(١) ص ٤٧٢.

(٢) شرح الكافية في الفقه: ج ١ ص ٢١١.

(٥٠٨)

Page 483: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقول بعضهم: الفعالن تنازعا في قوله: «من نفسي»، خبط، وجملة «وأغفلته» حال منمفعول أحصيت بإضمار «قد» أو بدونه على الخالف المشهور، كقوله تعالى: «أحصاه الله

ونسوه» (١)، فقوله: «ونسوه» حال من مفعول أحصى كما صرح به المعربون (٢).وقوله عليه السالم: «فأده عني» جواب الشرط، والفاء رابطة للجواب، وما قيل: من أنها

للسببية، جهل صريح.وأداه تأدية: أوصلة وقضاه.

وجزل الحطب جزالة مثل ضخم ضخامة لفظا ومعنى، فهو جزل مثل ضخم، ثم استعير فيالعطاء فقيل: أجزل له في العطاء إذا أوسعه.

وعطاء جزيل: أي واسع، والظرف لغو متعلق بأده، أو مستقر حال من مفعول أده، أي كائنامن جزيل عطيتك وكثير ما عندك من الفضل واإلحسان.

والفاء من قوله: «فإنك»: للتعليل.والواسع: الذي وسع غناه كل فقير ورحمته كل شئ.

والكريم: ذو الجود، وقيل: المقتدر على الجود، وقيل: العلي الرتبة، ومنه كرائم المواشي،وقيل: الغافر للذنوب.

وحتى: بمعنى كي التعليلية متعلقة بأده، أي: فأده كي ال يبقى.وقاصصته مقاصة - من باب قاتل -: إذا كان عليه دين مثل ماله عليك فجعلت الدين فيمقابلة الدين، واالسم القصاص مأخوذ من اقتصاص األثر، ويجب ادغام الفعل والمصدر

واسم الفاعل، يقال: قاصه مقاصة كما يقال: ساره مسارة ونحو ذلك.____________________

(١) سورة المجادلة: اآلية ٦.(٢) لم نتحققه.

(٥٠٩)

Page 484: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وارزقني الرغبة في العمل لك آلخرتي، حتى أعرف صدق ذلكمن قلبي، وحتى يكون الغالب علي الزهد في دنياي، وحتى أعمل الحسنات شوقا، وآمن

من السيئات فرقا وخوفا.____________________

وتضاعف: أي تزيد، من ضاعفت الشيء وضعفته وأضعفته إذا زدت عليه مثله إلى ما زادألن الضعف زيادة غير محصورة.

ويوم لقائه تعالى عبارة عن يوم الجزاء.قال التتفتازاني في شرح الكشاف: ال نزاع في امتناع مالقاة الله على الحقيقة (١)، لكنالقائلين بجواز الرؤية يجعلونها مجازا عنها بحيث ال مانع، كما في حق الكفار والمنافقين،وأما من ال يجوز الرؤية فيفسرها بما يناسب المقام، كلقاء الثواب خاصة، والجزاء مطلقا

والعلم المحقق المشبة بالمشاهدة والمعاينة.رزق الرغبة في العمل له تعالى عبارة عن جذب القلب بالهداية إلى إرادته ومحبته والمواظبة

عليه.والالمان من قوله: «لك وآلخرتي»: متعلقان بالعمل، وال يلزم منه تعلق حرفي جر بمعنىواحد بمتعلق واحد من غير إبدال وهو غير جائز ألن الالم األولى متعلقة بالعمل المطلق،والثانية متعلقة بالعمل المقيد ب «لك»، فال اتحاد في المتعلق. أو الالم األولى للبيان كما

في سقيا لك، والثانية للتعليل فال اتحاد في معنى الحرفين.ويحتمل أن يكون قوله: «آلخرتي» متعلقا ب «ارزقني»، ويحتمل أن يكون حاال من العملأي حال كونه آلخرتي، وأيا ما كان فالمقصود به االحتراز عن كون العمل لله ألجل الدنيا،كما نشاهده من اتخاذ كثير من الناس شعار الصالحين وأعمالهم ذريعة إلى إقبال الدنيا

عليهم، ونيل مطالبهم منها، ونجاح مساعيهم فيها،____________________

(١) ال يوجد لدينا هذا الكتاب.

(٥١٠)

Page 485: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وإليه اإلشارة بقوله تعالى: «من كان يريد حرث اآلخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد

حرث الدنيا نؤته منها وما له في اآلخرة من نصيب» (١)، ومثله قوله تعالى:«من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلها مذمومامدحورا. ومن أراد اآلخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا»

.(٢)روي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: معنى قوله تعالى:

«من كان يريد العاجلة» اآلية، من كان يريد ثواب الدنيا بعمله الذي افترضه الله عليه، اليريد به وجه الله والدار اآلخرة، عجل له ما يشاء الله عز وجل من عرض الدنيا وليس لهثواب في اآلخرة، وذلك أن الله سبحانه يؤتيه ذلك ليستعين به على الطاعة، فيستعمله في

معصية الله فيعاقبه عليه (٣).قال آمين اإلسالم الطبرسي في مجمع البيان: فإن قيل: هل يجوز أن يريد المكلف بعملالعاجل واآلجل معا؟ فالجواب: نعم، إذا جعل العاجل تبعا لآلجل، كالمجاهد في سبيل الله

يقاتل إلعزاز الدين ويجعل الغنيمة تبعا (٤).وقال النظام النيسابوري في تفسيره: ذكر الله سبحانه صنفين من الناس قاصد خيرات الدنيا

وقاصد خيرات اآلخرة، وهاهنا ثالثة أقسام اخر:األول: أن يكون طلب اآلخرة راجحا، فقيل: إنه غير مقبول أيضا لما روي أن النبي صلىالله عليه وآله قال حكاية عن رب العزة: أنا أغنى األغنياء عن الشرك، من عمل عمال أشركفيه غيري تركته وشريكه. وقيل: يعارض المثل بالمثل ويبقي القدر الزائد داعية خالصة

لطلب اآلخرة، فيقع في حيز القبول.الثاني: أن يكون طلب الدنيا وطلب اآلخرة متعادلين.

____________________(١) سورة الشورى: اآلية ٢٠.

(٢) سورة االسراء: اآلية ١٨ - ١٩.(٣) تفسير نور الثقلين: ج ٣ ص ١٤٥.(٤) مجمع البيان: ج ٥ - ٦ ص ٤٠٧.

(٥١١)

Page 486: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________الثالث: أن يكون طلب الدنيا راجحا، واتفقوا على أن هذين القسمين أيضا ال يقبالن، إال

أنهما على كل حال خير من الرياء المحض (١) انتهى.وحتى: بمعنى كي التعليلية أي: كي أعرف صدق ذلك من قلبي، و «ذلك» إشارة إلى ماذكر من الرغبة في العمل لله ألجل اآلخرة، وما فيه من البعد إيذان ببعد منزلته وعلو طبقته.ومن قلبي: متعلق بأعرف، أو بمحذوف حال من ذلك أي: كائنا من قلبي والغرض أن يجدمن نفسه صدق الرغبة في العمل لله لطلب اآلخرة، وصدق الرغبة في العمل إنما يتحققبصدق الرغبة في المعمول له، فكأنه عليه السالم سأل حصول االعتقاد الجازم واليقينالقاطع باألمور األخروية لتصدق رغبته في العمل لها فإن األمور الموعودة من متاع اآلخرة،وما أعده الله تعالى لعبادة العالمين له، الراغبين فيما عنده من الخيرات الباقية، أمور خفيتحقايقها على أكثر البصائر البشرية، فترى كثيرا منهم ال يخطر في باله أن يكون في اآلخرةأمر زائد على هذه اللذات البدنية الحاضرة، فهو يرغب في العمل لها ويجتهد في تحصيلهاإذ ال يتصور وراءها أكثر منها، ثم إن صدق بها على سبيل الجملة تصديقا لوعد الكريم،فإنه ال يتصور كثير تفاوت بين الموعود به والحاضر، بحيث يرجح ذلك التفاوت عند تركالحاضر لما وعد به، بل يكون ميل طبعه إلى الحاضر، وتوهم كونه أنفع وأولى به أغلبعليه، فيكون صدق رغبته فيه أتم، وإن تيقن بعقله أن األولى به واألنفع له واألبقى هو متاعاآلخرة، فتارة يطرأ على ذلك اليقين غفلة عنه ونسيان له، بسبب االشتغال باللذات الحاضرةواالنهماك فيها، وتارة ال تحصل الغفلة الكلية، بل يكون الوهم المذكور قويا فيعارض ذلك

اليقين، بحيث يوجب في مقابلته شبهة وشكا، فال تصدق معه الرغبة____________________

(١) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان ج ٢ ص ٤٤٧.

(٥١٢)

Page 487: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________في العمل لآلخرة والسعي لها، فسأل عليه السالم أن يجذب قلبه بالهداية إلى الرغبة فيالعمل الموجب للفوز األخروي، بحيث ال يعتريه في صدق الرغبة فيه جهل وال وهم وال

غفلة وال شبهة.والغلبة: القهر واالستيالء، يقال: غلبه - من باب ضرب - غلبا وغلبا بالتسكين والتحريكفهو غالب له، وإنما عداه ب «على» لتضمينه معنى االستيالء، أي: حتى يكون المستوليعلي الزهد في الدنيا فإن من صدقت رغبته في اآلخرة والعمل لها غلب عليه الزهد في الدنياومتاعها ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السالم إن الدنيا واآلخرة عدوان متفاوتان وسبيالنمختلفان، فمن أحب الدنيا وتوالها أبغض اآلخرة وعاداها، وهما بمنزلة المشرق والمغربوماش بينهما، كلما قرب من واحد بعد عن اآلخر، وهما بعد ضرتان إن أرضيت إحداهما

سخطت األخرى (١).وبيان ذلك: أن الطالب إلحداهما بقدر توجهه في طلبها وإمعانه في تحصيلها تكون غفلته

عن األخرى وبعده وانقطاعهعنها.

والزهد: فضيلة تحت العفة، وهو لغة: ترك الميل إلى الشيء، واصطالحا:إعراض النفس عن الدنيا وطيباتها، وقيل: هو ترك راحة الدنيا طلبا لراحة اآلخرة وقيل: هو

أن يخلو قلبك مما خلت منه يدك.والحسنات: ما ندب إليه الشارع.

والسيئات: ما نهى عنه.وقوله: «شوقا وفرقا وخوفا» يحتمل المصدرية والحالية والمفعول ألجله، أي:فأشتاق شوقا وأفرق وأخاف خوفا، أو مشوقا وفرقا وخائفا، أو ألجل الشوق

____________________(١) نهج البالغة: ص ٤٨٦. الحكم ١٠٣.

(٥١٣)

Page 488: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الشك به من الظلمات، وأستضئ في به الناس، وأهتدي في به أمشي نورا لي وهب والشبهات.

____________________وألجل الفرق والخوف.

والفرق بالتحريك: الخوف، يقال: فرق فرقا - من باب تعب - فهو فرق ككتف، وعطفالخوف عليه من باب عطف الشيء على مرادفه للتأكيد، وقيل:

هو عطف تفسيري.والمراد بالشوق: الشوق إلى ثواب الله تعالى وبالخوف: الخوف من عقابه.

قال بعض العلماء: إن الشوق والخوف إذا بلغا إلى حد الملكة، فإنهما يستلزمان دوام الجدفي العمل واإلعراض عن الدنيا، ومبدؤهما تصور عظمة الخالق، وبقدر ذلك يكون تصورعظمة وعده ووعيده وبحسب قوة ذلك التصور يكون قوة الشوق والخوف، وهما بابان

عظيمان لجنة النعيم، ونهجان واضحان للوصول إلى رضى الرب الكريم (١).فإن قلت: ما معنى األمن من السيئات ألجل الخوف؟ قلت: معناه عدم ارتكاب السيئاتفإن من ال يرتكب السيئات خوفا من العقاب عليها فإنه آمن من عقابها، فهو من باب

إطالق الالزم على الملزوم.وفي نسخة ابن إدريس رحمه الله: «وأفر من السيئات» بدال من آمن، وهو أظهر.

فيه تلميح إلى قوله تعالى في سورة اإلنعام: «أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشيبه في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها» (٢).

قيل: المراد بالنور اإليمان، وقيل: العلم، وقيل: الحجج البينة واآليات، وقيل:نور القرآن، واألقوال متقاربة.

____________________(١) شرح نهج البالغة البن ميثم: ج ٣ ص ٤١٥.

(٢) سورة األنعام: اآلية ١٢٢.

(٥١٤)

Page 489: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وعن أبي جعفر عليه السالم: «نورا يمشي به في الناس» إماما يؤتم به، «كمن مثله فيالظلمات ليس بخارج منها» قال: الذي ال يعرف اإلمام انتهى (١) وسمي اإليمان والعلموالحجة والقرآن واإلمام نورا، ألن الناس يهتدون بذلك ويبصرون به من ظلمات الكفروالجهل وحيرة الضاللة، كما يهتدي بسائر األنوار المحسوسة في الظلمات المحسوسة.والمراد بالناس في قوله تعالى: «يمشي به في الناس»، وكذلك في الدعاء، عامة الناس، أي:يمشي مستضيئا به فيهم فيميز بعضهم من بعض، أي: يميز بين المحق والمبطل والمهتدي

والضال منهم.الفاضلة واالعتقادات العلم واألخالق أولوا الناس، وهم الكمل من بهم المراد وقيل: الصائبة، فيمشي مستضيئا بذلك النور فيهم آمنا من جهتهم وال يمكنهم أن يعترضوا عليه.وقيل: يمشي به دليال وهاديا لهم إلى سبيل الحق، حتى يصلوا في سيرهم إلى الله تعالى

منتهى منازلهم ومستقر إقامتهم ودار مقامتهم.وجملة «يمشي» في اآلية و «أمشي» في الدعاء، إما مستأنفة ال محل لها من اإلعراب،واالستئناف مبني على سؤال نشأ من الكالم، كأنه قيل: فما ذا يصنع أو تصنع بذلك النور؟الناس، وإما صفة لقوله نورا، فهي في محل نصب على فقال: يمشي أو أمشي به في

الوصفية.والمراد بالظلمات االعتقادات الزائفة أو الجهاالت أو محدثات البدع، سميت ظلمات ألنصاحبها ال يهتدي لطريق الحق فهو كمن يمشي في الظلم المحسوسة فال يهتدي للطريق

وال يأمن من أن ينال، مكروها، وإنما وحد النور وجمع الظلمات____________________

(١) تفسير نور الثقلين: ج ١ ص ٧٦٣.

(٥١٥)

Page 490: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وارزقني خوف غم الوعيد، وشوق ثواب الموعود، حتى أجدلذة ما أدعوك له، وكآبة ما أستجير بك منه.

____________________ألن الحق واحد والباطل أكثر من أن يحصى.

الشك: االرتياب وهو خالف اليقين، وأصله اضطراب القلب والنفس.والشبهات: جمع شبهة، وهي ما يتوهم كونه حقا من األمور الباطلة، لتصوير الوهم لها فيصورة الحق، فتشبه الحق توهما وليست به ولذلك سميت شبهة، وقيل: هي عبارة عمايشبه الحق مما يحتج به ولهذا يسمي المتكلمون ما يحتج به أهل الحق دليال، وما يحتج به

أهل الباطل شبهة.وفي كالم أمير المؤمنين عليه السالم: وإنما سميت الشبهة شبهة ألنها تشبه الحق، فأماأولياء الله فضياؤهم فيها اليقين ودليلهم سمت الهدى، وأما أعداء الله فدعاؤهم الضالل

ودليلهم فيها العمى (١).و «من» في قوله: «من الشك والشبهات»: إما بمعنى في، أي: في الشك والشبهات نحو«إذا نودي للصالة من يوم الجمعة» (٢)، أو للبدل أي: أستضئ به بدل الشك والشبهات،

أو ابتدائية بتضمين أستضئ معنى أمتنع أو أتخلص، أي:أستضئ به ممتنعا أو متخلصا من الشك والشبهات، والله أعلم.

الغم في األصل: التغطية والستر، ومنه الغمام، سمي به الكرب والحزن ألنه يستر وجه اللذةويغطي على السرور، وقيل: ألنه يخفي الروح وذلك أن الغم إذا وقع لزمه تكاثف الروحالقلبي للبرد الحادث عند انطفاء الحرارة الغريزية، لشدة انقباض الروح واختفائه، فيحس فيالقلب بانفعال شبيه بالعصر والمرس ولذلك فسر بعضهم الغم بأنه ما يلحق اإلنسان بحيث

يغم قلبه، كأنه____________________(١) نهج البالغة: خطبة ٣٨ ص ٣٩.

(٢) سورة الجمعة: اآلية ٩.

(٥١٦)

Page 491: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________يضيق عليه ويقرب أن يغمى عليه. وفرق بينه وبين الهم بأن الهم ما يقدر اإلنسان على إزالتهكاإلفالس مثال، والغم ماال يقدر على إزالته كفوت المحبوب، وقيل: الغم شامل الجميع

أنواع لمكروهات، والهم بحسب ما يقصده.والوعيد: يطلق على التخويف والتهديد، فقيل: هو مصدر وعده بالشر.

قال الفيومي في المصباح: قالوا في الخير: وعده وعدا، وفي الشر: وعده وعيدا، فالمصدرفارق (١).

وقيل: هو اسم من اإليعاد.قال الفارابي في ديوان األدب: الوعيد اسم من أوعده يوعده إذا خوفه وتهدده (٢) ويطلق

تارة على العذاب الموعود، ومنه قوله تعالى: «كل كذب الرسل فحق وعيد» (٣).قال المفسرون: أي: فوجب وحل عليهم عقابي وعذابي الموعود به، مثل قوله:

«فحق عقاب» (٤) (٥).وكل من المعنيين محتمل هنا، والموعود: يحتمل أن يكون اسم مفعول صفة لمحذوف،

أي: ثواب الخير الموعود، ويحتمل أن يكون مصدرا بمعنى الوعد.قال صاحب المحكم: هو من المصادر التي جاءت على مفعول كالمخلوق والمرجوع

.(٦)فإن حملت الوعيد على معنى التهديد فاألنسب حمل الموعود على أنه مصدر، وإن

____________________(١) المصباح المنير: ص ٩١٦.

(٢) ديوان األدب للفارابي: ج ٣ ص ٢٣٦.(٣) سورة ق: اآلية ١٤.

(٤) سورة ص: اآلية ١٤.(٥) راجع روح المعاني: ج ٢٣ ص ١٧١ وج ٢٦ ص ١٧٧. وتفسير الكشاف:

ج ٤ ص ٧٦ وص ٣٨٢.(٦) المحكم في اللغة: ج ٢ ص ٢٣٦.

(٥١٧)

Page 492: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________حملته على معنى العذاب والعقاب فاألنسب حمله على أنه اسم مفعول.

وحتى: تعليلية.وأجد: من الوجدان، وهو إدراك الشيء بالقوى الباطنة، وتسمى مدركاتها وجدانيات.

واللذة إدراك ونيل لما هو عند المدرك كمال وخير من حيث هو كذلك، وهي حسيةوعقلية، فالحسية ما استند إلى

إحدى الحواس الظاهرة أو الباطنة، كطعم الحالوة عند حاسة الذوق، والنور عند البصر،وحضور المرجو عند الوهمية، واألمور الماضية عند القوة الحافظة تلتذ بتذكرها، والعقليةما استند إلى القوة العاقلة إذ ال شك أن للقوة العاقلة كماال وهو إدراكها المجردات اليقينية،وأنها تدرك هذا الكمال وتلتذ به وهو اللذة العقلية. إذا عرفت ذلك، فال شك أن من جملةما يدعو له عليه السالم ما تتعلق به اللذة العقلية، بل هو أعظم وأهم مما تتعلق به اللذةالحسية عند مثله عليه السالم، سواء كان في هذه النشأة أو في النشأة األخروية، وعلى هذافينبغي تعميم الوجدان بإدراك ما عدا الحواس الخمس الظاهرة، سواء كان بالحواس الباطنة

أو بالقوة العاقلة ليشمل الوجدان اللذة العقلية التي هي أعظم اللذات.فقد صرح أرباب العرفان بأن ألذ ثمار الجنة هي المعارف اإللهية، والنظر إلى وجه الله ذي

الجالل واإلكرام، وذلك من العقليات الصرفة (١).والكآبة: تغير النفس وانكسارها من شدة الهم والحزن، كأب كآبة - من باب علم -

واكتأب اكتئابا فهو كئيب ومكتئب.واستجار به: طلب أن يحفظه فأجاره، وهذه الحالة التي سألها عليه السالم هي

____________________(١) المحجة البيضاء: ج ٨ ص ٣٩.

(٥١٨)

Page 493: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم قد تعلم ما يصلحني، من أمر دنياي وآخرتي فكن بحوائجي حفيا.____________________

التي أشار إليها أمير المؤمنين صلوات الله عليه في خطبته التي وصف فيها المتقين بقوله:فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها يعذبون

.(١)قال بعض العلماء: وهو إشارة إلى أن العارف الموقن وإن كان في الدنيا بجسده، فهو فيمشاهدته بعين بصيرته ألحوال الجنة وسعاداتها وأحوال النار وشقاوتها، كالذين شاهدواالجنة بعين حسهم وتنعموا فيها، وكالذين شاهدوا النار وعذبوا فيها، وهي مرتبة عين اليقين

(٢) أو حق اليقين أو مرتبة علم اليقين على احتمال بعيد، والله أعلم.كلمة «قد» لتأكيد العلم بما ذكر المفيد لتأكيد االستجابة، كما في قوله تعالى:

«قد يعلم ما أنتم عليه» (٣).قال الزمخشري: دخلت «قد» لتأكيد العلم ويرجع ذلك إلى تأكيد الوعيد، وقيل: هي فيذلك للتقليل، أي: تقليل متعلق الفعل، أي: أن ما هم عليه هو أقل معلوماته سبحانه، وعلىهذا فمعناها في الدعاء: أن ما يصلحني أقل معلوماتك، والغرض أنه عندك حقير وعليك

يسير (٤).والدنيا: اسم لهذه الحياة لدنوها وبعد اآلخرة عنها.

وروى الصدوق في كتاب العلل عن أمير المؤمنين عليه السالم: سميت الدنيا دنيا ألنهاأدنى من كل شئ وسميت اآلخرة آخرة لتأخرها (٥)، انتهى.

____________________(١) نهج البالغة: ص ٣٠٣ الخطب ١٩٣.

(٢) شرح نهج البالغة البن ميثم: ج ٣ ص ٤١٦.(٣) سورة النور: اآلية ٦٤.

(٤) تفسير الكشاف: ج ٣ ص ٢٦٠.(٥) علل الشرائع ص ٢. وفيه «وسميت اآلخرة آخرة ألن فيها الجزاء والثواب

(٥١٩)

Page 494: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقني الحق عند تقصيري في____________________

قال بعض أكابر السادة في تعليقته: ودنيا ال تنون ألنها ال تنصرف (١).قال ابن الجوزي في تقويمه: والعامة تقول دنيا منونة، وفي القاموس: الدنيا نقيض اآلخرة،

وقد تنون، والجمع دني.ولعله عنى بذلك استعمال العامة لها بالتنوين (١) انتهى.

قلت: لم يعن صاحب القاموس بذلك استعمال العامة ولو عناه لنبه على أنه عامي، وإنماعنى ما حكاه ابن األعرابي من تنوينها على وجه الشذوذ، وأشار إلى الشذوذ ب «قد»التقليلية، وقد تقدم في الروضة التاسعة أن الدماميني قال في شرح التسهيل: حكى ابناألعرابي صرف الدنيا على وجه الشذوذ، وال يمكن أن تكون األلف للتأنيث مع الصرف،

فتجعل إذا ذاك لإللحاق (٣).وقال السيوطي في مزهر اللغة: روى ابن األعرابي دنيا منونا شبهوه بفعلل (٤) انتهى.

وحفى به - من باب علم - حفاوة: اعتنى به وبالغ في بره وإكرامه فهو حفي به، ومنه قولهتعالى: «قال سالم عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا» (٥) أي:

معتنيا بارا مبالغا في الشفقة علي واإلكرام لي، ومبنى التركيب على المبالغة واالستقصاء،ومنه إحفاء الشارب أي: استيصاله، واإلحفاء في المسألة أي:

اإللحاح فيها.الحق في اللغة: هو الثابت الذي ال يسوغ إنكاره، ويجيء في االصطالح لمعان:

لموجد الشيء على الحكمة، ولما يوجد عليها، واعتقاد الشيء على ما هو عليه، وللفعل أو____________________

(١) شرح الصحيفة الكاملة السجادية للسيد الداماد: ص ٢٣٣.(٢) أي: كالم ابن الجوزي.

(٣) و (٤): ال يوجد لدينا هذا الكتاب.(٥) سورة مريم: اآلية ٤٧.

(٥٢٠)

Page 495: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الشكر لك، بما أنعمت علي في اليسر والعسر، والصحة والسقم، حتى أتعرف من نفسيروح الرضا، وطمأنينة النفس مني بما يجب لك، فيما يحدث في حال الخوف واألمن،

والرضا والسخط، والضر والنفع.____________________

القول الواقع بحسب ما يجب وفي وقت يجب، وكل ما يجب لله أو لخلقه، كما يقال:الله حق، واإليمان به حق وفعله حق، وقوله حق، وهذا حق الله، أو حق زيد، والمراد به

هنا ما يجب لله عليه من التسليم ألمره واإلذعان لحكمه سبحانه.وقصر في األمر تقصيرا: توانى فيه، أي: لم يبادر إلى القيام به ولم يهتم بشأنه، والظرف منقوله: «عند تقصيري» إما لغو متعلق بارزقني، أو مستقر حال من الحق، أي: كائنا عند

تقصيري.والباء: للسببية، أي: بسبب ما أنعمت.

وعلى وفي: كالهما متعلق بأنعمت.وعطف العسر على اليسر والسقم على الصحة للتعميم، باعتبار كل صادر عنه تعالى منرخاء وشدة إذ الشدائد الالحقة من نعمة أيضا فإنها متى قوبلت بجميل الصبر أوجبتجزيل األجر، كما قال سبحانه: «وبشر الصابرين» (١)، وظاهر أن أسباب النعم نعم.والمعنى: ألهمني االعتراف بالحق من التسليم ألمرك واإلذعان لحكمك الجاري على وفقاليسر الحكمة، حال عدم قيامي بما يجب لك من الشكر على نعمك علي في حالتي

والعسر والصحة والسقم.وتعرفت ما عنده: تطلبت حتى عرفت.

والروح بالفتح: الراحة.والرضا: سرور القلب بمر القضاء، أي: جريانه.

والطمأنينة: فعليلة بضم الفاء وتشديد الالم األولى، كما نص عليه بحرق (٢) في____________________

(١) سورة البقرة: اآلية ١٥٥.(٢) (ج - الف) يحرق.

(٥٢١)

Page 496: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________شرحه الصغير لالمية ابن مالك، (١) قيل: هي مصدر، وقيل: اسم.

قال الجوهري: اطمأن الرجل اطمئنانا وطمأنينة أي: سكن (٢).وقال الفيومي في المصباح: اطمأن القلب: سكن ولم يقلق، واالسم الطمأنينة (٣).

وقشعريرة طمأنينة واشرأب واقشعر اطمأن في االرتشاف: وشذ في حيان أبو وقال انتهى. (٤) المصدر، موضع أسماء وضعت وقيل: هي وشرابيبة،

من فرارا همزوا لكنهم واسواد، احمار مثل األلف اطمأن في واألصل بعضهم: قال الساكنين على غير قياس، وقيل بدليل قولهم: طأمن الرجل ظهره بالهمز على فأعل، ويجوز

تسهيل الهمزة فيقال: طامن، ومعناه: حناه وخفضه (٥).و «من» و «الباء» من قوله: «مني بما يجب لك»: متعلقان بالرضا والطمأنينة على سبيل

التنازع، ويحتمل أن يكون قوله: «مني» بيانا للنفس.وفي: ظرفية مجازية، أو للسببية متعلقة بيجب.

وحدث الشيء حدوثا - من باب قعد -: تجدد وجوده فهو حادث وحديث، ومنه يقال:الرضا إذا تجدد وكان معدوما. والمعنى: كي أعرف من نفسي راحة به عيب حدث واطمئنان نفسي بالذي يجب لك، من التسليم ألمرك واإلذعان لحسن قضائك في جميع ما

يتجدد من الشؤون في حال الشدة والرخاء.واعلم أن مدار هذا الفصل من الدعاء على طلب مقام الرضا والتسليم في جميع األحوالعند التقصير في الشكر على جميع األحوال فإن الشكر على البالء كالشكر على النعمة حال

فوق الرضا، وهو حق ال ريب فيه إذا كان الشكر يستلزمالرضا

____________________(١) و (٤) ال يوجد لدينا هذا الكتاب.

(٢) الصحاح: ج ٦ ص ٢١٥٨.(٣) و (٤) المصباح المنير: ص ٥١٧.

(٥٢٢)

Page 497: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وارزقني سالمة الصدر من الحسد، حتى ال أحسد أحدا منخلقك على شئ من فضلك، وحتى ال أرى نعمة من نعمك على أحد من خلقك، في دينأو دنيا، أو عافية أو تقوى، أو سعة أو رخاء، إال رجوت لنفسي أفضل من ذلك، بك ومنك

وحدك ال شريك لك.____________________

دون العكس، فسأل عليه السالم االعتراف بالحق من التسليم لحسن تدبير الله تعالى له فيجميع أحواله، واإلذعان لحكمة أحكامه الجارية عليه، إذا حصل منه تقصير في الشكر على

ذلك، حتى تكون نفسه راضية مطمئنة بذلك ال ساخطة قلقة.وما قيل: من أن المراد بالحق الشكر، والمعنى: ارزقني الشكر عند تقصيري في الشكر،

فظاهر العبارة يأباه، والله أعلم بمقاصد أوليائه.ويحتمل أن يراد بالحق عند التقصير في الشكر معرفة أن ما يجب الشكر عليه صادر عنهسبحانه لتكون قائمة مقام الشكر، كما روي أن موسى عليه الصالة والسالم قال: يا ربكيف أشكرك وشكري لك نعمة أخرى توجب علي الشكر لك، فأوحى الله تعالى إليه: إذا

عرفت أن النعم مني رضيت منك بذلك شكرا (١).فيكون عليه السالم أراد بالحق هذه المعرفة القائمة مقام الشكر. وهذا المعنى قريب منالمعنى األول الذي ذكرناه ومستلزم له، وإن كان ذلك أوفق بألفاظ الدعاء وأشد التياما

بمدلول تمام الفصل.سلم سالمة: خلص من اآلفات.

والمراد بالمصدر: القلب، من إطالق المحل على الحال ألن القلب محله الصدر____________________

(١) المحجة البيضاء: ج ٧ ص ١٥١ - ١٥٢. واحياء علوم الدين: ج ٤ص ٨٥، ونحو ذلك ما ورد في الكافي: ج ٢ ص ٩٨ ح ٢٧.

(٥٢٣)

Page 498: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وهو مجاز مشهور، ومنه «وليبتلي الله ما في صدوركم» (١)، «وما تخفى صدورهم أكبر(٢)»، «والله عليم بذات الصدور» (٣)، أي: اجعل قلبي خالصا من آفة الحسد، كي ال

أحسد أحدا كائنا من كان.وهمزة أحد قيل: أصلية، فهو اسم موضوع لمن يصلح أن يخاطب، يستوي فيه المفردوالمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث. وقيل: مبدلة من الواو فهو بمعنى واحد، وعمومه

لوقوعه في حيز النفي.ومن خلقك: متعلق بمحذوف صفة ألحد، أي: كائنا من خلقك.

ومن: لبيان الجنس، وفائدته تأكيد العموم لداللته على التعميم بالقياس إلى الجنس دونطائفة مخصوصة.

وقوله: «إال رجوت» استثناء مفرغ من أعم األحوال أو أعم األوقات، محله النصب علىالحالية من فاعل أرى، بإضمار قد أو بدونها على الخالف المشهور، أي:

ال أرى نعمة في حال من األحوال أو وقت من األوقات إال حال كونى راجيا لنفسي أفضلمن ذلك.

قول بعضهم: االستثناء في «إال رجوت» منقطع ألنه إخراج لما دخل في حكم داللةالمفهوم إذ التقدير: ال يعرض لي عارض في وقت رؤية النعمة إال رجاء أفضل ذلك، خبط

واضح وغلط فاضح، وجهل بمعرفة النحو واإلعراب، والله الهادي إلى سبيل الصواب.تنبيه

دل قوله عليه السالم: «وحتى ال أرى نعمة» إلى آخره أن ترجي وتمني اإلنسان مثل نعمةغيره أو أفضل منها ليس من الحسد المذموم، بل يستحب ذلك

____________________(١) سورة آل عمران: اآلية ١٥٤.(٢) سورة آل عمران: اآلية ١١٨.

(٣) سورة التغابن: اآلية ٤.

(٥٢٤)

Page 499: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقد صرح العلماء بهذا المعنى.

قال بعضهم: اعلم أنه إذا أنعم الله على أخيك بنعمة، فإن أردت زوالها فهذا هو الحسدالمحرم الذي ذمه الله في غير موضع من كتابه المجيد، فقال: «أم يحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله» (١)، وقال: «ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكمكفارا حسدا من عند أنفسهم» (٢)، إلى غير ذلك من اآليات، وإن اشتهيت لنفسك مثلهافهذا هو الغبطة والمنافسة المشتقة من النفاسة، وليست بحرام لقوله تعالى: «وفي ذلكالنعمة دينية واجبة كاإليمان إذا كانت المتنافسون» (٣)، وقد تكون واجبة فليتنافس والصالة والزكاة، وقد تكون مندوبة في نحو اإلنفاق في سبيل الله وتشهي العلم والتعليم.وقال الراغب في الذريعة: الذي ينال اإلنسان بسبب خير يصل إلى غيره على سبيل التمنيأن يكون له مثله فهو غبطة، وإذا كان مع ذلك سعي منه في أن يبلغ هو مثل ذلك من الخيرأو ما هو فوقه فمنافسة، وكالهما محمودان، وإن كان مع ذلك سعي في إزالتها فحسد،قال عليه الصالة والسالم: المؤمن يغبط والمنافق يحسد، فحمد الغبطة، وقال تعالى: «وفيذلك فليتنافس المتنافسون» (١)، فحثنا على التنافس إذ هو الباعث لنا على طلب المحاسن،

وذلك كقوله تعالى: «سارعوا إلى مغفرة من ربكم» (٢)، انتهى كالم الراغب (٣).وقال النظام النيسابوري في غرائب القرآن ورغائب الفرقان: قد يطلق الحسد على المنافسة،

ومنه قوله صلى الله عليه وآله: ال حسد إال في اثنين، رجل آتاه الله____________________

(١) سورة النساء: اآلية ٥٤.(٢) سورة البقرة: اآلية ١٠٩.

(٣) و (٤) سورة المطففين: اآلية ٢٦.(٥) سورة آل عمران: اآلية ١٣٣.

(٦) الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص ١٨٢.

(٥٢٥)

Page 500: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ماال فهو ينفقه في سبيل الله، ورجل آتاه الله علما فهو يعمل به ويعلم الناس. وعلى هذا

يكون الحسد مراتب أربع:األولى: أن يحب زوال النعمة من المحسود وإن لم تحصل له، وهذه أخبث المراتب.

الثانية: أن يحب زوالها عنه وإليه كرغبته في داره الحسنة أو امرأته أو واليته، فالمطلوببالذات حصولها، فأما زوالها فمطلوب بالعرض.

الثالثة: أن ال يشتهي زوالها بل يشتهي لنفسه مثلها، فإن عجز عن مثلها أحب زوالها كلي اليظهر التفاوت بينهما.

الرابعة: أن يشتهي لنفسه مثلها، فإن لم يحصل فال يحب زوالها عنه، وهذا األخير هوالمعفو عنه إن كان في الدنيا، والمندوب إليه إن كان في الدين.

والثالثة منها مذموم وغير مذموم، والثانية أخف، واألولى أخبث، قال الله تعالى: «وال تتمنواما فضل الله به بعضكم على بعض» (١)، تمنيه لمثل ذلك غير مذموم، وتمنيه لعين ذلك

مذموم (٢)، انتهى.أو برجوت، متعلق وكالهما ابتدائية، ومن: السببية، أو لالستعانة الباء ومنك: بك

ومنك. بك كائنا أي: ذلك، من الحال على منصوب بمحذوف ووحدك: أي: منفردا غير مشفوع بك غيرك، واختلف فيه على مذاهب، فقال سيبويه، هومعرفة موضوع موضع النكرة (٣) وقال أبو علي الفارسي: هو مصدر منصوب على أنهمفعول مطلق للحال المقدرة، والتقدير: منفردا وحدك أي: انفرادك، فهو وإن قام مقام

الحال منتصب على____________________

(١) سورة النساء: اآلية ٣٢.(٢) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان: ج ١ ص ١٢٨.

(٣) شرح الكافية في النحو: ج ١ ص ٢٠١.

(٥٢٦)

Page 501: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم صل على محمد وآله، وارزقني التحفظ من الخطايا، واالحتراس من الزلل، في الدنياواآلخرة، في حال الرضا والغضب، حتى أكون بما يرد علي منهما بمنزلة سواء، عامالبطاعتك، مؤثرا لرضاك على ما سواهما، في األولياء واألعداء، حتى يأمن عدوي من ظلمي

وجوري، ويايس ولي من ميلي وانحطاط هواي.____________________

المصدرية، كما ينتصب على الظرفية ما قام مقام خبر المبتدأ من الظروف، نحو: زيدقدامك، وال يعرب اعراب ما قام مقامه (١).

وقال يونس (٢) وهشام: إنه منصوب انتصاب الظرف فيجري مجرى عنده، واألصل فيجاء زيد وحده على وحده، حذف الجار ونصب على الظرف (٣) وبنو تميم يعربونه

بإعراب االسم األول (٤).وقوله: «ال شريك لك» جملة حالية مؤكدة لما قبلها، والله أعلم.

التحفظ: االحتراز والتوقي.قال الزمخشري في األساس: عليك بالتحفظ من الناس وهو التوقي (٥).

واالحتراس مثله.والزلل: أصله في القدم، يقال: زل يزل - من باب ضرب - زلال إذا زلقت قدمه ولم يثبت،

ثم استعمل في القول والرأي.قال في األساس: ومن المجاز: زل في قوله ورأيه زلة وزلال، وأزله الشيطان عن الحق

واستزله (٦)، انتهى.____________________

(١) شرح الكافية في النحو: ج ١ ص ٢٠٢.(٢) لسان العرب: ج ٢ ص ٤٤٩. والمصباح المنير: ص ٨٩٤.

(٣) تفسير روح المعاني: ج ٨ ص ١٥٨.(٤) المصباح المنير: ص ٨٩٤.(٥) أساس البالغة: ص ١٣٣.(٦) أساس البالغة: ص ٢٧٤.

(٥٢٧)

Page 502: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________وقوله: «في الدنيا واآلخرة» أي: في أمور الدنيا واآلخرة، كقوله تعالى:«لعلكم تتفكرون في الدنيا واآلخرة» (١) أي: في األمور المتعلقة بهما.

وقوله: «في حال الرضا والغضب» ظرف مستقر حال من مفعول ارزقني، أي حال كونيفي حال الرضا وحال كوني في حال الغضب أو لغو متعلق باالحتراس والتحفظ على سبيل

التنازع.والباء من قوله: «بما يرد علي»: للمالبسة، والظرف مستقر حال من الضمير في أكون،

أي: حال كوني ملبسا بما يرد علي منهما، أي: من الرضا والغضب، قيل:أو من أمور الدنيا وأمور اآلخرة، وليس بشيء.وقول بعضهم: «بما يرد» متعلق بأكون، خبط.

والباء من قوله: «بمنزلة»: للظرفية متعلق بمحذوف وهو خبر أكون، أي: كائنا في منزلةسواء، أي: مستوية.

وسواء: اسم بمعنى االستواء نعت به كما ينعت بالمصادر مبالغة ولذلك يستوي فيه المذكروالمؤنث والمفرد والمثنى والجمع.

قال تعالى: «تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم» (٢)، «في أربعة أيام سواء للسائلين» (٣).وهو من قولهم: استوى القوم في المال إذا لم يفضل أحد منهم على اآلخر فيه، والغرضاالتصاف بالعدل وسالمة النفس من اآلفات، المقتضيين لمراعاة الحق واتباعه في حال

الرضا والغضب وعدم التجاوز عنه إلى الباطل، كما هو مقتضى الحمية الجاهلية.وقوله: «عامال بطاعتك» خبر ثان ألكون.

____________________(١) سورة البقرة اآلية ٢١٩ و ٢٢٠.

(٢) سورة آل عمران: اآلية ٦٤.(٣) سورة فصلت: اآلية ١٠.

(٥٢٨)

Page 503: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________ومؤثرا: خبر ثالث له، وهو اسم فاعل من آثره بالمد، أي: فضله واختاره وقدمه.

قال بعضهم يحتمل أن يكون المعنى مؤثرا لرضاك كائنا أو الكائن على ما سوى رضايوغضبي، ويحتمل تضمين مؤثرا معنى مرجحا فيفيد معناها، انتهى.

قلت: ال داعي إلى هذا التقدير والتضمين فإن اإليثار يتعدى ب «على» ألنه بمعنى التفضيلوالتقديم.

قال تعالى: «تالله لقد آثرك الله علينا» (١)، «ويؤثرون على أنفسهم» (٢).ثم تقديره «الكائن» ليس بصحيح فإن الجار والمجرور إذا لم يكن لغوا فهو بعد المعرفةيقدر في نحو «جاءني أن المحضة (٣) صفة، فال يجوز النكرة المحضة حال وبعد

الفرس. بل كائنا على الفرس، الكائن على الفرس» صاحبك على وقوله: «على ما سوى رضاي وغضبي» ليس بشيء بل الضمير من سواهما عائد إلى الرضاوالطاعة، أي: مؤثرا لرضاك وطاعتك على ما سواهما، فهو من باب حذف المعطوف معالعاطف لدليل، ودليل التقدير هنا ضمير المثنى ودليل المقدر قوله: «عامال بطاعتك»،وحذف المعطوف مع العاطف ليس بعزيز، فقد وقع كثيرا في فصيح الكالم، ومنه قولهتعالى: «ال يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل» (٤)، أي: ومن أنفق من بعده، دليلالتقدير أن االستواء إنما يكون بين شيئين، ودليل المقدر «أولئك أعظم درجة من الذين

أنفقوا من بعد وقاتلوا» (٥).وقوله تعالى: «ال نفرق بين أحد من رسله» (٦) أي: بين أحد وأحد، أو بين أحد

____________________(١) سورة يوسف: اآلية ٩١.

(٢) سورة الحشر: اآلية ٩.

(٣) في (ج) حال أو صفة.(٤) و (٥) سورة الحديد: اآلية ١٠.

(٦) سورة البقرة: اآلية ٢٨٥.

(٥٢٩)

Page 504: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________من رسله وبين الله بدليل «ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله» (١)، ومنه قوله تعالى أيضا:«ال ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا» (٢)، أي: ال ينفعنفسا إيمانها وكسبها، وهي من قبيل اللف التقديري. وبهذا التقدير تندفع شبهة المعتزلة،

من تمسكهم باآلية على أن مجرد اإليمان بدون أن يكون فيه كسب خير ليس بنافع.وحمل على هذا الباب آيات أخرى، قال الشريف المرتضى: من عادتهم أن يحذفوا ماتكون قوة الداللة عليه وسوقها إليه مغنيين عن النطق، وفي القرآن، وفصيح كالم العربالكتاب موسى آتينا «وإذ تعالى: قوله فمنه تحصى، لذلك ال كثيرة أمثلة وأشعارها

أراد: تعالى أنه أوضحها اآلية وجوه في ذكر وقد ،(٣) والفرقان» آتينا موسى الكتاب ومحمد الفرقان ألنه لما عطف الفرقان على الكتاب الذي أوتيه موسىعليه السالم، وعلمنا أنه ال يليق به ألن الفرقان ليس مما أوتيه موسى عليه السالم، وجب أن

يقدر ما يطابق ذلك (٤)، انتهى.قوله عليه السالم: «في األولياء واألعداء» متعلق ب «مؤثرا»، أي: مقدما لرضاك وطاعتكعلى ما سواهما في معاملة األولياء واألعداء، أي: ال أعامل أحدا منهم إال بما فيه طاعتك

ورضاك، فال أميل لولي وال أحيف على عدو تبعا لهوى نفسي.ومن قال: إن قوله: «في األولياء» خبر رابع ألكون بعد قوله بمنزلة سواء وعامال ومؤثرا،ويحتمل أن يكون في األولياء محله محل على ما سواهما، فقد خبط خبط عشواء، والله

المستعان.____________________

(١) سورة النساء: اآلية ١٥٠.(٢) سورة األنعام: اآلية ١٥٨.

(٣) سورة البقرة: اآلية ٥٣.(٤) أمالي المرتضى: ج ٢ ص ٢٥٨ نقال بالمضمون.

(٥٣٠)

Page 505: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________قوله عليه السالم: «حتى يأمن عدوي من ظلمي وجوري إلى آخره، تعليل لطلب كونهمؤثرا لرضاه تعالى وطاعته في األولياء واألعداء، أي: كي يأمن عدوي مما يخافه من ظلميله وجوري عليه بسبب العداوة، ويأيس وليي مما يطمع فيه من ميلي معه وانحطاط هواي

إليه بسبب الوالية.روي يأيس من أيس من باب تعب بتقديم الهمزة، وييأس من باب تعب أيضا بتقديم الياء،

وهما لغتان، وبعضهم يقول: األولى مقلوبة من الثانية، وقد تقدم.وانحطاط الهوى عبارة عن سرعة ميله وانحداره نحو من يهواه من قولهم: حطت الناقة في

سيرها وانحطت إذا أسرعت.قال الزمخشري في األساس: ناقة حطوط: سريعة السير، وحطت في سيرها وانحطت،

وحط في هواه وانحط، ويقال: أكل من حلوائهم فانحط في أهوائهم (١).وقال الكميت:

حطوطا في مسرته ومولى * إلى مرضاة خالقه سريعا (٢)وقال ابن األثير في النهاية في حديث سبيعة األسلمي: فحطت إلى الشاب أي:

مالت إليه ونزلت بقلبها نحوه (٣)، انتهى.وخفي هذا المعنى على بعضهم، فحمل االنحطاط على معنى القلة والنقص، من انحطالسعر إذا نقص، وزعم أن المعنى حتى يأيس وليي من قلة هواي ونقصانه في الحق.

وقال آخر: هو من حططت الشيء إذا أنزلته فانحط، والمعنى حتى يأيس وليي____________________

(١) و (٢) أساس البالغة: ١٣١.(٣) النهاية البن األثير: ج ١ ص ٤٠٢ وفيه: «إلى السلب».

(٥٣١)

Page 506: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

واجعلني ممن يدعوك مخلصا في الرخاء، دعاء المخلصين المضطرين لك في الدعاء، إنكحميد مجيد.

____________________من نزول هواي في األمر الباطل الذي يوافقه. وكل ذلك وإن كان في نفسه معنى صحيحا،لكنه غير مقصود بهذا اللفظ عند العرب، وال يريدون به إال المعنى الذي ذكرناه أوال،

وحمله على غير ذلك جهل بمصطلحاتهم ومواقع ألفاظهم، والله أعلم.هذا سؤال للتوفيق للدعاء في جميع األوقات ألنه - مع كونه عبادة - ينفع صاحبه إذا دعاعند نزول البالء وحال االضطرار، ويوجب كشفه سريعا، كما وردت بذلك أخبار كثيرةويسمى التقدم في الدعاء. وقد عقد له ثقة اإلسالم في الكافي بابا، وروي فيه بسند صحيحعن أبي عبد الله عليه السالم، قال: من تقدم في الدعاء استجيب له إذ نزل به البالء، وقيل:صوت معروف، ولم يحجب عن السماء، ومن لم يتقدم في الدعاء يستجب له إذا نزل به

البالء، وقالت المالئكة:إن هذا الصوت ال نعرفه (١).

وبسند حسن أو صحيح عنه أيضا عليه السالم، قال: من تخوف بالء يصيبه فتقدم فيه فيالدعاء لم يره الله عز وجل ذلك البالء أبدا (٢).

وعنه أيضا عليه السالم قال: إن الدعاء في الرخاء يستخرج الحوائج في البالء (٣).وعنه عليه السالم: من سره أن يستجاب له في الشدة فليكثر الدعاء في الرخاء (٤).

وعنه عليه السالم قال: كان جدي يقول: تقدموا في الدعاء فإن العبد إذا كان دعاء فنزل بهالبالء قيل: صوت معروف

، وإذا لم يكن دعاء فنزل به____________________

(١) الكافي: ج ٢ ص ٤٧٢ ج ١.

(٢) الكافي: ج ٢ ص ٤٧٢ ح ٢.

(٣) الكافي: ج ٢ ص ٤٧٢ ح ٣.

(٤) الكافي: ج ٢ ص ٤٧٢ ح ٤.

(٥٣٢)

Page 507: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

____________________البالء فدعا، قيل: أين كنت قبل اليوم (١).

وعن أبي الحسن األول قال: كان علي بن الحسين عليه السالم يقول: الدعاء بعد ما ينزلالبالء ال ينتفع به (٢).

قوله عليه السالم: «إنك حميد مجيد» تعليل لدعائه تعالى وسؤاله، أو الستدعاء توفيقهلدعائه في كل حال.

والحميد: قيل: فاعل ما يستوجب الحمد، وقيل: هو المحمود المثني عليه، والله تعالى هوالحميد بحمده لنفسه أزال، وبحمد عباده له أبدا.

ويرجع هذا إلى صفات الجالل.والعلو والكمال منسوبا إلى ذكر الذاكرين له، فإن الحمد هو ذكر أوصاف الكمال من

حيث هو كمال.والمجيد: قيل: الجميل أفعاله، وقيل: الكثير أفضاله، وقيل: الذي ال يشارك فيه من أوصاف

المدح.وقال في المقصد األسنى: هو الشريف ذاته، الجميل أفعاله، الجزيل عطاؤه ونواله، فكانشرف الذات إذا قارنه حسن الفعال سمي مجدا، (٣) وهو الماجد أيضا، ولكن المجيد أدل

على المبالغة، فكأنه يجمع معنى اسم الجليل والوهاب والكريم (٤)، والله أعلم.هذا آخر الروضة الثانية والعشرين من رياض السالكين، وقد وفق الله تعالى للفراغ منتسويدها ضحى يوم الخميس سلخ شهر ربيع الثاني من سنة إحدى ومائة وألف، ولله

الحمد.____________________

(١) الكافي: ج ٢ ص ٤٧٢ ح ٥.

(٢) الكافي: ج ٢ ص ٤٧٢ ح ٦.(٣) (ج) مجيدا.

(٤) المقصد األسنى للغزالي: ص ٨٨.

(٥٣٣)

Page 508: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

فهرس فواتح الجمل من أدعية الصحيفةفواتح األدعية الصفحة

الدعاء الثالث عشراللهم يا منتهى مطلب الحاجات... ١٢

ويا من ال يبيع نعمه باألثمان... ١٤ويا من يستغنى به وال يستغنى عنه... ١٥

ويا من ال تفني خزائنه المسائل... ١٦ويا من ال تنقطع عنه حوائج المحتاجين... ١٨

تمدحت بالغناء عن خلقك وأنت أهل الغنى... ١٩فمن حاول سد خلته من عندك... ١٩

اللهم ولي إليك حاجة قد قصر عنها جهدي... ٢٣ثم انتبهت بتذكيرك لي من غفلتي... ٢٧

وقلت سبحان ربي كيف يسأل محتاج محتاجا... ٢٨فقصدتك يا إلهي بالرغبة واوفدت عليك... ٢٩

وعلمت أن كثير ما أسألك يسير... ٢٩وإن كرمك ال يضيق عن سؤال أحد... ٣٠

اللهم فصل على محمد وآله واحملني بكرمك... ٣٣فما أنا بأول راغب رغب إليك فاعطيته... ٣٣

اللهم صل على محمد وآله وكن لدعائي مجيبا... ٣٤(٥٥٠)

Page 509: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وال تقطع رجائي عنك وال تبت سببي منك... ٣٤وتولني بنجح طلبتي وقضاء حاجتي... ٣٥وصل على محمد وآله صلوة دائمة... ٣٦

ومن حاجتي يا رب كذا وكذا ٣٧فضلك آنسني وإحسانك دلني... ٣٩

الدعاء الرابع عشريا من ال يخفى عليه أنباء المتظلمين... ٤٨ويا من قربت نصرته من المظلومين... ٤٩قد علمت يا إلهي ما نالني من فالن... ٥٠

اللهم فصل على محمد وآله وخذ ظالمى... ٥٢اللهم وصل على محمد وآله وال تسوغ له ظلمي... ٥٥

اللهم صل على محمد وآله وأعدني عليه... ٥٦اللهم صل على محمد وآله وعوضني من ظلمه لي... ٥٧

اللهم فكما كرهت الي أن أظلم فقني من أن أظلم ٥٩اللهم ال اشكو إلى أحد سواك... ٥٩

فصل على محمد وآله وصل دعائي باإلجابة... ٦٠اللهم ال تفتني بالقنوط... ٦٠

وعرفه عما قليل ما أوعدت الظالمين... ٦٣اللهم صل على محمد وآله ووفقني لقبول ما قضيت... ٦٤

اللهم وإن كانت الخيرة لي من عندك... ٦٧واعذني من سوء الرغبة وهلع أهل الحرص ٦٩

وصور في قلبي مثال ما ادخرت لي... ٦٩آمين رب العالمين ٧٠

(٥٥١)

Page 510: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

انك ذو الفضل العظيم وأنت على كل شيء قدير ٧١الدعاء الخامس عشر

اللهم لك الحمد على ما لم أزل أتصرف فيه... ٧٩فما أدري يا إلهي أي الحالين أحق بالشكر... ٨١

اوقت الصحة التي هنأتني فيها.... ٨٢تخفيفا لما ثقل على ظهري من الخطيئات... ٨٧

وفي خالل ذلك ما كتب لي الكاتبان... ٩٠اللهم فصل على محمد وآله وحبب الي... ٩٣

وأوجدني حالوة العافية... ٩٤انك المتفضل باإلحسان المتطول... ٩٦

الدعاء السادس عشراللهم يا من برحمته يستغيث المذنبون... ١٠٧

يا انس كل مستوحش غريب... ١٠٩انت الذي وسعت كل شيء رحمة... ١١١

وأنت الذي عفوه أعلى من عقابه... ١١٣وأنت الذي عطاؤه أكثر من منعه... ١١٤

وأنت الذي ال يرغب في جزاء من أعطاه... ١١٧وأنا يا إلهي عبدك الذي أمرته بالدعاء... ١٢٠

أنا الذي أوقرت الخطايا ظهره... ١٢٢وأنا الذي بجهله عصاك... ١٢٢

هل أنت يا إلهي راحم من دعاك... ١٢٤أم أنت متجاور عمن عفر لك وجهه... ١٢٦

(٥٥٢)

Page 511: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

إلهي ال تخيب من ال يجد معطيا غيرك... ١٢٧إلهي فصل على محمد وآله وال تعرض عني... ١٢٨

انت الذي وصفت نفسك - بالرحمة... ١٢٨قد تري يا إلهي فيض دمعي من خيفتك ١٣٠

كل ذلك حياء مني بسوء عملي... ١٣٢يا إلهي فلك الحمد فكم من عائبة سترتها... ١٣٤ثم لم ينهني ذلك عن أن جريت إلى سوء... ١٣٧

فمن اجهل مني يا إلهي برشده... ١٣٨ومن أبعد غورا في الباطل وأشد اقداما... ١٤٠

سبحانك ما أعجب ما اشهد به... ١٤٤واعجب من ذلك أناتك عني وإبطاؤك... ١٤٥

بل أنا يا إلهي أكثر ذنوبا واقبح... ١٤٧وانما اوبخ بهذا نفسي طمعا في... ١٥٠

اللهم وهذه رقبتي قد ارقتها الذنوب... ١٥٤يا إلهي لو بكيت إليك حتى تسقط اشفار... ١٥٥

وان كنت تغفر لي حين استوجب مغفرتك... ١٥٨إلهي فإذ تغمدتني بسترك فلم تفضحني... ١٦٠

اللهم صل على محمد وآله وقني من المعاصي... ١٦٢ان ذلك ال يضيق عليك في وسعك... ١٦٦

الدعاء السابع عشراللهم انا نعوذ بك من نزغات الشيطان... ١٨٦

وأن يطمع نفسه في اضاللنا... ١٩٠(٥٥٣)

Page 512: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم اخسأه عنا بعبادتك، واكبته... ١٩١اللهم صل على محمد وآله، واشغله عنا... ١٩٣

اللهم صل على محمد وآله، وأمتعنا من الهدى... ١٩٤اللهم ال تجعل له في قلوبنا مدخال... ١٩٦

اللهم وما سول لنا من باطل فعرفناه... ١٩٦اللهم واشرب قلوبنا إنكار عمله... ١٩٩

اللهم صل على محمد وآله، وحول سلطانه... ١٩٩اللهم صل على محمد وآله، واجعل آباءنا... ٢٠٠اللهم واعمم بذلك من شهد لك بالربويه... ٢٠٤

اللهم احلل ما عقد وافتق ما رتق... ٢٠٧اللهم واهزم جنده وأبطل... ٢٠٨

اللهم اجعلنا في نظم اعدائه، واعزلنا... ٢٠٩اللهم صل على محمد خاتم النبيين... ٢١٠

واسمع لنا ما دعونا به، وأعطنا... ٢١٣الدعاء الثامن عشر

اللهم لك الحمد على حسن قضائك... ٢٢١فال تجعل حظي من رحمتك ما عجلت لي... ٢٢٢

وان يكن ما ظللت فيه او بت فيه... ٢٢٥فغير كثير ما عاقبته الفناء... ٢٢٦

الدعاء التاسع عشراللهم اسقنا الغيث، وانشر علينا رحمتك... ٢٣٢

وامنن على عبادك بإيناع الثمرة... ٢٣٤(٥٥٤)

Page 513: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

تحيي به ما قد مات، وترد به ما قد فات... ٢٣٨سحابا متراكما هنيئا مريئا... ٢٣٩

اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا... ٢٤٢اللهم اسقنا سقيا تسيل منه الظراب... ٢٢٤

اللهم ال تجعل ظله علينا سموما... ٢٥٠اللهم صل على محمد وآل محمد وارزقنا من... ٢٥٢

الدعاء العشروناللهم صل على محمد وآله، وبلغ بايماني... ٢٦٦

اللهم وفر بلطفك نيتي، وصحح... ٢٨٩اللهم صل على محمد وآله، واكفني ما يستغلني... ٢٩٢

وأغنني وأوسع علي في رزقك، وال... ٢٩٣اللهم صل على محمد وآله وال ترفعني في الناس... ٣٠٢اللهم صل على محمد وآله، ومتعني بهدى صالح... ٣٠٧

وعمرني ما كان عمري بذلة في طاعتك... ٣١١اللهم ال تدع خصلة تعاب مني اال أصلحتها ٣١٤

اللهم صل على محمد وآل محمد، وأبدلني من بغضة... ٣١٩اللهم صل على محمد وآله، واجعل لي يدا على... ٣٢٨

اللهم صل على محمد وآله، وسددني ألن اعارض... ٣٣٢اللهم صل على محمد وآله، وحلني بحلية الصالحين... ٣٣٥

اللهم صل على محمد وآله واجعل أوسع رزقك... ٣٦٣اللهم واجعلني أصول بك عند الضرورة... ٣٦٥

اللهم اجعل ما يلقي الشيطان في روعي من التمني... ٣٦٨اللهم صل على محمد وآله، وال اظلمن... ٣٨٠(٥٥٥)

Page 514: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

اللهم إلى مغفرتك وفدت وإلى عفوك... ٣٨٢اللهم وأنطقني بالهدى وألهمني التقوى... ٣٨٤

اللهم صل على محمد وآله، ومتعني باالقتصاد... ٣٨٩اللهم خذ لنفسك من نفسي ما يخلصها... ٣٩٢

اللهم أنت عدتي ان حزنت، وأنت منتجعي... ٣٩٤اللهم صل على محمد وآله، وادرأ عني بلطفك... ٣٩٨اللهم صل على محمد وآله، وتوجنى بالكفاية... ٤٠٠

اللهم صل على محمد وآله، وامنعني من السرف... ٤٠٤اللهم صل على محمد وآله، واكفني مؤنة االكتساب... ٤٠٦

اللهم صل على محمد وآله، وصن وجهي باليسار... ٤١١اللهم صل على محمد وآله، وارزقني صحة في عبادة... ٤٢٤

اللهم اختم بعفوك أجلي، وحقق في رجاء رحمتك... ٤٢٩اللهم صل على محمد وآله، ونبهني لذكرك ٤٣٠

اللهم صل على محمد وآله كافضل ما صليت على أحد... ٤٣٤الدعاء الواحد والعشرون

اللهم يا كافي الفرد الضعيف، وواقي األمر المخوف... ٤٤٧ال يجير يا إلهي اال رب على مربوب... ٤٥١

اللهم انك ان صرفت عني وجهك الكريم... ٤٥٧إلهي أصبحت وأمسيت عبدا داخرا لك... ٤٦٣

اللهم صل على محمد وآله، وال تجعلني ناسيا لذكرك... ٤٦٩اللهم صل على محمد وآله، واجعل ثنائي... ٤٧٣

اللهم صل على محمد وآله، وفرغ قلبي لمحبتك... ٤٧٧واجعل تقواك من الدنيا زادي... ٤٧٩

(٥٥٦)

Page 515: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وألبس قلبي الوحشة من شرار خلقك... ٤٨١وال تجعل لفاجر وال كافر علي منة... ٤٨٤

وامنن علي بشوق إليك، وبالعمل لك... ٤٨٧الدعاء الثاني والعشرون

اللهم انك كلفتني من نفسي ما أنت أملك به مني... ٤٩٦اللهم ال طاقة لي بالجهد، وال صبر لي على البالء... ٤٩٨

فانك ان وكلتني إلى نفسي عجزت عنها... ٥٠٠فبفضلك اللهم فأغنني... ٥٠٢

اللهم صل على محمد وآله، وخلصني من الحسد... ٥٠٣واجعلني في كل حاالتي محفوظا مكلوء... ٥٠٥

اللهم صل على محمد وآله، واقض عني كل ما ألزمتنيه... ٥٠٦اللهم صل على محمد وآله، وارزقني الرغبة... ٥١٠

وهب لي نورا أمشي به في الناس... ٥١٤اللهم صل على محمد وآله، وارزقني خوف غم الوعيد... ٥١٦

اللهم قد تعلم ما يصلحني... ٥١٩اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقني الحق عند تقصيري... ٥٢٠

اللهم صل على محمد وآله، وارزقني سالمة الصدر... ٥٢٣اللهم صل على محمد وآله، وارزقني التحفظ من الخطايا... ٥٢٧

واجعلني ممن يدعوك مخلصا في الرخاء... ٥٣٢(٥٥٧)

Page 516: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

فهرس آليات٢ - سورة البقرةرقم اآلية الصفحة

٢ذلك الكتاب ٤٥٥

٣يؤمنون بالغيب ٢٦٧

٢٢وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ٢٣٦

٢٨كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا ٢٨

٣٢ال علم لنا اال ما علمتنا ١٥١

٤٩وفي ذلكم بالء من ربكم عظيم ٣١٨

٥١وواعدنا موسى ١٨٩

٥٣وإذا آتينا موسى الكتاب والفرقان ٥٣٠

٦١ضربت عليهم الذلة والمسكنة ٣٦٦

٦٧أعوذ بالله ان أكون من الجاهلين ١٢٣

٦٨ال فارض وال بكر عوان بين ذلك ١٣٢

١٠٩ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم ٥٢٥

١٤٤قد نرى تقلب وجهك في السماء ١٣٠

١٥٥وبشر الصابرين ٤٧٠

و ٥٢١١٧٨

يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ٢٦٧(٥٥٨)

Page 517: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

١٨٧الرفث إلى نسائكم ٤٦٩

١٩٠ال يحب المعتدين ٤٧

١٩٤فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ٤

و ٣٣٥١٩٥

وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ٢٦٦١٩٦

تلك عشرة كاملة ٤٣٢١٩٧

الحج أشهر معلومات ١٣٣١٩٧

وتزودوا فان خير الزاد التقوى ٤٧٩٢٠٠

فإذا قضيتم مناسككم ٥٠٦٢٠٧

ابتغاء مرضاة الله ٤٨٠٢١١

وكم آتيناهم من آية ١٣٤٢١٩

لعلكم تتفكرون ٥٢٨٢٢٠

في الدنيا واآلخرة ٥٢٨٢٢٤

وال تجعلوا الله عرضة اليمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ٣٤٥٢٣٧

وان تعفوا أقرب للتقوى وال تنسوا الفضل بينكم ٣٤٠٢٥٧

الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوتيخرجونهم من النور الى الظلمات ١٩٨

و ٢٧٢٢٦٠

ولكن ليطمئن قلبي ٢٧١٢٦٤

يا أيها الذين آمنوا ال تبطلوا صدقاتكم بالمن واألذى ٢٩٨

Page 518: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

٢٦٤ال تبطلوا صدقاتكم بالمن واألذى ١٥

و ٤٨٤٢٦٨

الشيطان يعدكم الفقر ١٩٠٢٧٦

يمحق الله الربا ٢٩٨٢٨٥

ال نفرق بين أحد من رسله ٥٢٩(٥٥٩)

Page 519: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

٢٨٦ال يكلف الله نفسا اال وسعها ٣٠

٢٨٦ربنا ال تؤاخذنا ان نسينا أو اخطأنا ١٢٧

٢٨٦ربنا وال تحملنا ما ال طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا ٤٥٥

٣ - سورة آل عمران٨

ربنا ال تزع قلوبنا بعد إذ هديتنا ٢٩٩و ٤٧٨

٢١فبشرهم بعذاب أليم ١٦٤

٣١ويغفر لكم ذنوبكم ٣٨٦

٣٧ان الله يرزق من يشاء بغير حساب ٤٠٧

٤٥يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح ابن مريم وجيها في الدنيا واآلخرة ٤١٦

٥٤ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ٣٢٩

٦٤تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ٥٢٨

٧٧وال ينظر إليهم ٣٦٧

٧٩كونوا ربانيين ٤٢٦

١٠٣فاصبحتم بنعمته اخوانا ٤٦٣

١٠٣وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها ٨٣

١١١وان يقاتلوكم يولوكم األدبار ثم ال ينصرون ١٩٤

١١٨وما تخفي صدورهم أكبر ٥٢٤

١٢٠وان تصبروا وتتقوا ال يضركم كيدهم شيئا ٣٨٦

١٣٣

Page 520: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ٥٢٥١٣٣

اعدت للمتقين ٣٨٧١٣٤

والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ٣٤٠(٥٦٠)

Page 521: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

١٤٦وما ضعفوا وما استكانوا ٤٦٧

١٥١سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب ٣٦٨

١٥٤أمنة نعاسا ٣٢٥

١٥٤وليبتلي الله ما في صدوركم ٥٢٤

١٦٧يقولون بأفواهم ما ليس في قلوبهم والله اعلم بما يكتمون ٢٧٨

١٨٦وان تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم األمور ٣٨٦

١٩٤ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ١٢٧

٤ - سورة النساء١

يا أيها الناس اتقوا ربكم ١٩٥٣

فانكحوا ما طاب لكم من النساء ٥٤٩

وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم ٢٤١٤

ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ١٥٩١٧

انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ١٢٣و ١٥٨

٢١وقد أفضى بعضكم إلى بعض ٤٦٩

٣٢وال تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ٥٢٦

٣٢واسئلوا الله من فضله ٢٠

٣٥ان يريدا إصالحا يوفق الله بينهما ٢٨٩

٤٨ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ١١٨

٥٤

Page 522: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ٥٢٥٥٨

ان الله يامركم ان تؤدوا االمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل٣٤٠

(٥٦١)

Page 523: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

١٠٣فإذا قضيتم الصالة ٥٠٦

١١٧ان يدعون من دونه اال اناثا ٤٠٤

١٢٣ليس بأمانيكم وال أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به وال يجد له من دون الله وليا

وال نصيرا ١١٨١٢٤

ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو انثى ٢٠٤١٥٠

ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله ٥٣٠٥ - سورة المائدة

٢شنآن قوم ٣٢٠

٢٥رب انى ال أملك اال نفسي وأخي ١٥١

٢٧انما يتقبل الله من المتقين ٣٨٦

٦٤وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ٣٢

٦٤بل يداه مبسوطتان ٤٥٧

٨٤وما لنا ال نؤمن بالله ٢٩٦

٨٩من اوسط ما تطعمون اهليكم ٢١٣

١١٠إذ أيدتك بروح القدس ٦٨

١١٩رضي الله عنهم ورضوا عنه ٥٠٤

٦ - سورة األنعام١

خلق السموات واألرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ١٣٧٣١

وهم يحملون اوزارهم على ظهورهم ١٥٥٨٢

الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم ٢٦٧

Page 524: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

(٥٦٢)

Page 525: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

١٢٢او من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس

بخارج منها ٥١٤١٢٢

نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ٥١٥١٥٨

ال ينفع نفس ايمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا ٥٣٠١٦٠

من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فال يجزى اال مثلها وهم ال يظلمون١١٧

٧ - سورة األعراف٤

وكم من قرية ١٣٤١٢

انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ٢٠٦١٣

فاهبط منها فما يكون لك ان تتكبر فيها ٣٠٦٣٨

ادخلوا في أمم ٣٣٦٥٤

والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ٤٨٠٥٦

وادعوه خوفا وطمعا ٢٨٦٥٧

ان رحمت الله قريب من المحسنين ٤٩و ٤٦٣

٥٧حتى إذا اقلت سحابا ثقاال سقناه لبلد ميت فانزلنا به الماء ٤٣٤

٥٨والذي خبث ال يخرج اال نكدا ٥٠١

٩٦ولو ان أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء واألرض ٢٥٢

١٥٠وألقى األلواح ٣٦٨

١٥٥ان هي اال فتنتك ١٥١

Page 526: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

(٥٦٣)

Page 527: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

١٥٦ورحمتي وسعت كل شيء ١١٢

١٦٩يأخذون عرض هذا االدنى ويقولون سيغفر لنا ١٨٩

١٧٩أولئك هم الغافلون ٢٨١

١٨٨قل ال أملك لنفسي نفعا وال ضرا اال ما شاء الله ٤٦٥

١٩٩خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين ٣٣٠

٢٠٠وأما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه هو السميع العليم ١٧٤

٢٠١ان الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ١٨٧

و ١٩٩٢٠٢

واخوانهم يمدونهم في الغى ثم ال يقصرون ١٨٧٨ - سورة األنفال

١واصلحوا ذات بينكم ٣٤٣

١فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم واطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين ٣٤٥

٢وإذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا ٢٧١

و ٢٧٢١١

إذ يغشيكم النعاس أمنة منه ٣٢٥٤٦

وتذهب ريحكم ٣٤٨٦٣

لو انفقت ما في األرض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم ٢٣٧و ٣٤٣

٩ - سورة التوبة٤

ان الله يحب المتقين ٣٨٦٧

كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ٢٨

Page 528: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

(٥٦٤)

Page 529: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

٢٩حتى يعطوا الجزيه عند يد ٣٢٨

٣٤فبشرهم بعذاب اليم ١٦٤

٤٩وان جهنم لمحيطة بالكافرين ١٨٣

١١٨ال ملجأ من الله اال إليه ٤٥٦

١٠ - سورة يونس١٢

وإذا مس اإلنسان الضر دعانا لجنبه او قاعدا او قائما ٨٥٣٧

وما كان هذا القرآن ان يفترى ١٤٨٦٣

و ٦٤الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي اآلخرة ١٦٥

و ٣٨٦٨٩

فاستقيما وال تتبعان ٢٩٦١١ - سورة هود

٧ليبلوكم ايكم أحسن عمال ٢٨٥

٢٧وما نراك اتبعك اال الذين هم اراذلنا بادي الرأي ٤٥٢

٥٢ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم

٢٤٩٥٦

ما من دابة اال هو آخذ بناصيتها ٤٦٠٧٤

وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ٢٥١٨٠

لو ان لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ٣٣١٨٨

وما أريد ان اخالفكم إلى ما انهاكم عنه ٣٣٤١١٢

فاستقم كما امرت ٣١٠

Page 530: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

(٥٦٥)

Page 531: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

١١٤ان الحسنات يذهبن السيئات ٨٨

١٢ - سورة يوسف١٧

وما أنت بمؤمن لنا ٢٦٧٣٧

ذلكما مما علمنى ربي ١٣٢٤٢

اذكرني عند ربك ٢٥٤٢

فلبث في السجن بضع سنين ٣٢٧٦

كذلك كدنا ليوسف ٣٢٩٨٥

تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضا او تكون من الهالكين ٥٩٨٦

قال انما أشكو بثي وحزني إلى الله ٥٩٨٩

هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ١٢٣٩١

تالله لقد اثرك الله علينا ٥٢٩١٠٨

قل هذه سبيلي ٤٣٢١٣ - سورة الرعد

٦وان ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ١٤٢

١٢يريكم البرق خوفا وطمعا ١٢٧

٢٩الذين آمنوا وعملوا الصالحات ٢٦٨

١٤ - سورة إبراهيم٥

وذكرهم بأيام الله ٨٩٧

لئن شكرتم الزيدنكم ٢٢٢٢٢

وما كان لي عليكم من سلطان اال أن دعوتكم

Page 532: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

(٥٦٦)

Page 533: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

فاستجبتم لي ١٤٢ و ٢٠٠٣٤

وان تعدوا نعمة الله ال تحصوها ٣٨٠١٥ - سورة الحجر

٣٤فاخرج منها فإنك رجيم ٢٢٦

٣٦انظرني إلى يوم يبعثون ١٨٠

٣٧قال انك من المنظرين ١٨٠

٣٨إلى يوم الوقت المعلوم ١٨٠

٣٩فبعزتك ال غوينهم أجمعين ١٩١

و ٢١٣٤٠

اال عبادك منهم المخلصين ١٩١٤٢

إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ١٨٦١٦ - سورة النحل

١٨وان تعدوا نعمة الله ال تحصوها ١١٤

٤٥أفأمن الذين مكروا السيئات ٣٢٩

٥٣ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون ١٠٨

٩٣ولتسئلن عما كنتم تعملون ٢٩٢

٩٦ما عندكم ينفد وما عند الله باق ٤٦٢

٩٨فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ١٨٦

١٠٦وقلبه مطمئن بااليمان ٢٦٧

١٢٨ان الله مع الذين اتقوا ٣٨٦

* * *

Page 534: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

(٥٦٧)

Page 535: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

١٧ - سورة االسراء٩

ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم ٦٦١٨

من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصالها مذمومامدحورا ٥١١

١٩ومن أراد االخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ٥١١

٢٠وما كان عطاء ربك محظورا ٤٥٨

٢٣وقضى ربك اال تعبدوا اال إياه ٤٦١

٤٥وإذا قرأت القرآن جعلنا بيتك وبين الذين ال يؤمنون باآلخرة حجابا مستورا ١٩٣

٨١جاء الحق وزهق الباطل ٤٣١

١٨ - سورة الكهف١٨

وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ٤٨٢٢٨

واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداةوالعشي يريدون وجهه ٢٨١

٢٨أغفلنا قلبه عن ذكرنا ٢٨١

٥١ما أشهدتهم خلق السموات واألرض ٢٣٥

٥١ما كنت متخذ المضلين عضدا ١١٠

٦٦هل اتبعك على ان تعلمن مما علمت رشدا ٣٣٢

٧٠ال تسئلني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ٣٣٢

٧٤نفسا زكية ٣٨٧

٧٧فانطلقا حتى اتيا أهل قرية استطعما أهلها

Page 536: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

(٥٦٨)

Page 537: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

فأبوا أن يضيفوهما ٢٣٨١

خيرا منه زكاة ٣٨٧١٩ - سورة مريم

٢٥وهزي إليك بجذع النخلة ٢٦٦

٤٧قال سالم عليك سأستغفر لك ربي انه كان بي حفيا ٥٢٠

٧١وان منكم إال واردها ٣٩١

٧٢ثم ننجي الذين اتقوا ٣٨٧

٩٥وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ٤٤٧

٢٠ - سورة طه ٥الرحمن على العرش استوى ٤٥٨

٢١سنعيدها سيرتها االولى ١٢٦

٣٩وألقيت عليك محبة مني ٣٦٨

٤٥إنا نخاف أن يفرط علينا ١١٩

٥٠ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ١١٢

٦٣ويذهبا بطريقتكم المثلى ٣٨٨

٦٨ال تخف انك أنت األعلى ١١٣

٨١كلوا من طيبات ما رزقناكم ٨٢

٨١وال تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ٣٦٧

٩٠يا قوم إنما فتنتم به ١٥٠

١٠٧عوجا وال أمتا ٤٥٥

١٢٠

Page 538: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل ادلك على شجرة الخلد وملك ال يبلى ١٩٠(٥٦٩)

Page 539: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

١٣١وال تمدن عينيك إلى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير

وأبقى ٢٩٤(٢١) سورة األنبياء

١وهم في غفلة معرضون ١٣٩

و ٤٦٩٣٥

ونبلوكم بالشر والخير فتنة ٦٠و ٤٧٠

٨٥وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين ٣٤٢

٩٠كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا ٢٨٦

١١٢قال رب احكم بالحق ٦٢

و ١٢٧(٢٢) سورة الحج

٣٢ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب ٤٧٥

(٢٣) سورة المؤمنون٨٨

قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير وال يجار عليه إن كنتم تعلمون ٤٥٢٩٩

و ١٠٠رب ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت ١٥٣

(٢٤) سورة النور١

سورة أنزلناها ١٣٥٢١

ما زكى منكم من أحد ٩٠٣٥

نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ٢٧٣٦٤

قد يعلم ما أنتم عليه ٥١٩(٥٧٠)

Page 540: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

(٢٥) سورة الفرقان٤٤

إن هم إال كاألنعام بل هم اضل سبيال ٢٨١٦٤

والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ٢٥٥٦٧

والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ٣٥١و ٣٩٠

٧٠فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ٣٨٠

(٢٦) سورة الشعراء٣٩

وقيل للناس هل أنتم مجتمعون ١٢٤٤٤

فالقوا حبالهم ٣٦٨٨٧

وال تخزني يوم يبعثون ٦٢١٥١

وال تطيعوا أمر المسرفين ٤٠٥٢٢٧

وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ٦٣(٢٧) سورة النمل

١٤وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ٢٦٩

٣٣واألمر إليك ١٥٥

٥٨وإذا بشر أحدهم باالنثى ظل وجهه مسودا ١٦٤

٦٢أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ٦٤

و ٤٤٦(٢٨) سورة القصص

١٣فرددناه إلى أمه ٣٢٥

١٥فوكزه فقضى عليه ١٣٥

Page 541: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

(٥٧١)

Page 542: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

٢٤رب اني لما أنزلت إلي من خير فقير ٢٣

٣٢اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ٢٤١

٧٠وله الحمد في األولى واآلخرة ١٩٣

(٢٩) سورة العنكبوت٥

من كان يرجو لقاء الله فان أجل الله آلت ١٥٩و ٤٥٠

٤٦آمنا بالذي انزل إلينا وانزل إليكم ٤٣٥

(٣٢) سورة السجدة٢٦

أو لم يهد لهم ٣٨٥(٣٣) سورة األحزاب

٢٥وكفى الله المؤمنين القتال ٤٤٧

و ٥٠٣٣٣

انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ٢١١و ٢١٢

٧٠يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قوال سديدا ٣٨٦

٧١يصلح لكم أعمالكم ٣٨٦

(٣٤) سورة سبأ١٢

ومن الجن من يعمل بين يديه ١٧٦(٣٥) سورة فاطر

٦ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ٢٠٥

٩والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه

(٥٧٢)

Page 543: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

إلى بلد ميت فأحيينا به األرض بعد موتها ٢٣٤١٥

يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ١٩٢٨

انما يخشى الله من عباده العلماء ١٣٠٤٣

وال يحيق المكر السيء اال بأهله ٣٢٩٤٥

ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجلمسمى فإذا جاء أجلهم فان الله كان بعبادة بصيرا ١٢٠

(٣٦) سورة يس١٢

ونكتب ما قدموا وآثارهم ١٤٧٣٩

والقمر قدرناه منازل ١٢٦٦٦

فاستبقوا الصراط ١٢٦(٣٨) سورة ص

١٤فحق عقاب ٥١٧

٢١وهل أتاك نبؤا الخصم إذ تسور والمحراب ٦٨

٢٢إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا ال تخف خصمان بغى بعضنا على بعض ٦٨

٤٨واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من األخيار ٣٤٢

٨٣اال عبادك منهم المخلصين ١٨٦

(٣٩) سورة الزمر١٦

ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون ٤٥١* * *

(٥٧٣)

Page 544: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

١٧فبشر عبادي ١٦٤

٦٧والسماوات مطويات بيمينه ٤٥٧

(٤٠) سورة غافر٧

ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ١١١٦٠

ادعوني استجب لكم ٢٠و ١٢٠

(٤١) سورة فصلت١٠

في أربعة أيام سواء للسائلين ٥٢٨٣٠

ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم المالئكة اال تخافوا وال تحزنوا وأبشروابالجنة التي كنتم توعدون ٣١٠

٥١وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ٢٤٣

(٤٢) سورة الشورى١٧

الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان ٣٣٨٢٠

من كان يريد حرث اآلخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله فياآلخرة من نصيب ٥١١

٢٧ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في األرض ٢٩٤

٣٠وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير ١١٣

٣٠فبما كسبت ايديكم ١٥٥

٤٠وجزاء سيئة سيئة مثلها ٤٧

و ٣٣٥(٥٧٤)

Page 545: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

(٤٣) سورة الزخرف١٩

وجعلوا المالئكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ٤٠٣(٤٥) سورة الجاثية

٢٣أفرأيت من اتخذ اله هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه ١٩٩

(٤٦) سورة األحقاف١٥

اركبوا فيها ٢٣٩٢٨

ذلك إفكهم ١٣٣٢٩

وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن ١٧٦٣٠

يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ٤٣٠(٤٧) سورة محمد

٢٢فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في األرض وتقطعوا ارحامكم ٢٠٢

(٤٨) سورة الفتح١

انا فتحنا ١٥١٢٦

وكانوا أحق بها وأهلها ١٢٤٢٩

رحماء بينهم ٣٢٧* * *

(٥٧٥)

Page 546: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

(٤٩) سورة الحجرات٩

وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ٢٦٧١٢

وال يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم ان يأكل لحم أخيه ميتا ٣٧٥١٣

ان اكرمكم عند الله اتقاكم ٣٨٦١٤

ولما يدخل االيمان في قلوبكم ٢٦٧١٤

قالت االعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ٢٦٨(٥٠) سورة ق

١٤كل كذب الرسل فحق وعيد ٥١٧

(٥١) سورة الذاريات٥٦

وما خلقت الجن واالنس اال ليعبدون ١٤٣و ٢٩٣

(٥٣) سورة النجم٤٢

وان إلى ربك المنتهى ١٣(٥٥) سورة الرحمن

٧والسماء رفعها ووضع الميزان ٣٣٨

٣٣يا معشر الجن واالنس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار السموات واألرض فانفذوا ال

تنفذون اال بسلطان ٤٦١(٥٧٦)

Page 547: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

٦٠هل جزاء اإلحسان اال اإلحسان ٣٥٠

(٥٦) سورة الواقعة٢

ليس لوقعتها كاذبة ٩٥١٠

والسابقون السابقون ٣٤٩١١

أولئك المقربون ٣٤٩٩٤

وتصلية جحيم ٢٧٥٩٥

ان هذا لهو حق اليقين ٢٧٥(٥٧) سورة الحديد

١٠ال يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل ٥٨

١٠ال يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد

وقاتلوا ٥٢٩(٥٨) سورة المجادلة

١قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ٣٤

٦احصاه الله ونسوه ٥٠٩

٢٢أولئك كتب في قلوبهم االيمان ٢٦٧

(٥٩) سورة الحشر٩

ويؤثرون على أنفسهم ٥٢٩٩

ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ٥٠٢* * *

(٥٧٧)

Page 548: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

(٦٢) سورة الجمعة٩

إذا نودي للصالة من يوم الجمعة ٥١٦١٠

فإذا قضيت الصالة فانتشروا في األرض وابتغوا من فضل الله ٨٣و ٨٤

(٦٤) سورة التغابن٤

والله عليم بذات الصدور ٥٢٤(٦٥) سورة الطالق

٢و ٣

ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث ال يحتسب ٣٨٦ و ٤٠٧ و ٤١١٣

ويرزقه من حيث ال يحتسب ٤٠٧٣

ومن يتوكل على الله فهو حسبه ١٢٨(٦٦) سورة التحريم

٨نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ٢٧٣

(٦٧) سورة الملك٤

ثم ارجع البصر كرتين ١٢١٣٠

قل أرأيتم أن أصبح ماؤكم غورا ٢٥٠(٦٨) سورة القلم

٤وانك لعلى خلق عظيم ٣٣٠

(٥٧٨)

Page 549: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

(٦٩) سورة الحاقه٧

سبع ليال وثمانية ايام حسوما ٢٥١(٧١) سورة نوح

٢٧وال يلدوا اال فاجرا كفارا ٤٨٥

(٧٢) سورة الجن١٦

السقيناهم ماء غدقا ٢٣٣١٦

وان لو استقاموا على الطريقة السقيناهم ماء غدقا ٣٥٩٢٠

قل انما ادعو ربي وال أشرك به أحدا ٤٠٤(٧٤) سورة المدثر

٥٦هو أهل التقوى ٩٧

(٧٦) سورة اإلنسان٢١

وسقاهم ربهم شرابا طهورا ٢٣٣(٧٨) سورة النبأ

٢١ان جهنم كانت مرصادا ٣٩١

٢٢للطاغين مآبا ٣٩١

(٧٩) سورة النازعات٣٦

وبرزت الجحيم لمن يرى ١٨٣(٥٧٩)

Page 550: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

(٨٠) سورة عبس١٥

بأيدي سفرة ٢٣٦١٦

كرام بررة ٢٣٦(٨٣) سورة المطففين

٢٦وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ٥٢٥

٣٦هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ١٢٥

(٨٤) سورة االنشقاق٢٤

فبشرهم بعذاب اليم ١٦٤(٨٥) سورة البروج

٢٠والله من ورائهم محيط ٤٥٤

(٨٩) سورة الفجر٥

هل في ذلك قسم لذي حجر ١٢٥١٤

ان ربك لبالمرصاد ٣٩١و ٣٩٢

٢١كال إذا دكت األرض دكا دكا ٤٠٢

٢٢وجاء ربك والملك صفا صفا ٤٠٢

(٩٠) سورة البلد١٠

وهديناه النجدين ١٤١* * *

(٥٨٠)

Page 551: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

(٩١) سورة الشمس٥

والسماء وما بناها ٥٤٩

قد أفلح من زكاها ١٥٢١٠

وقد خاب من دساها ٢٦٥(٩٤) سورة الشرح

٣الذي انقض ظهرك ١٣١

(٩٦) سورة العلق٦

ان اإلنسان ليطغى ٢٩٤و ٣٨٢

٧ان رآه استغنى ٢٩٤

و ٣٨٢١٦

واسجد واقترب ٤٥٦(١٠٠) سورة العاديات

٩إذا بعثر ما في القبور ١٨٤

١٠وحصل ما في الصدور ١٨٤

(١٠٢) سورة التكاثر٥

كال لو تعلمون علم اليقين ١٨٤٥

لو تعلمون علم اليقين ٢٧٥٦

لترون الجحيم ١٨٤ و ٢٧٥٧

ثم لترونها عين اليقين ١٨٤ و ٢٧٥* * *

(٥٨١)

Page 552: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

(١٠٤) سورة الهمزة٦

نار الله الموقدة ١٨٣٧

التي تطلع على االفئدة ١٨٣(سورة ١٠٨

الكوثر١

انا اعطيناك ١٥١(١٤٤) سورة الناس

١قل أعوذ برب الناس ١٨٦

(٥٨٢)

Page 553: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

فهرس األحاديثحرف األلف

القائل الصفحةالنبي (ص): آفة الحسب االفتخار ٣٠٢

الصادق (ع): اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع... ٤٨٦الصادق (ع): اتقوا الله وكونوا اخوة بررة... ٣٢٧في الحديث: اتقوا زلة العالم وال تقطعوه... ٤٤٩

جبرئيل (ع): اتيتك يا محمد بمكارم األخالق اجمعها... ٣٣٠في الحديث: احترزوا من الناس بسوء الظن ٣٢١

الصادق (ع): إذا اتهم المؤمن أخاه انماث... ٣٢١حديث قدسي: إذا أردت ان اجمع للمسلم خير الدنيا... ٤٣٣الصادق (ع): إذا أردت ان تعلم اشقي الرجل أم سعيد... ٣٥٢

االمام علي (ع): إذا اشتد الفزع فإلى الله المفزع ٤٩٦الصادق (ع): إذا دعيت لصلح بين اثنين... ٣٤٥

الصادق (ع): إذا صعد ملكا العبد المريض إلى السماء... ٩٣االمام علي (ع): إذا علمتم فاعلموا... ٤٢٧

االمام علي (ع): إذا كانت لك إلى الله حاجة... ٢٦٦السجاد (ع): إذا كان يوم القيامة جمع الله... ٣٣٥

النبي (ص): إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد... ٤١٦(٥٨٣)

Page 554: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

المعصوم (ع): استعينوا على انجاح الحوائج بالكتمان... ١٠النبي (ص): استقيموا ولن تحصوا ٣١٠

الباقر (ع): أشد الناس بالء األنبياء ثم األوصياء... ٢٢٣النبي (ص): إصالح ذات بالء األنبياء ثم األوصياء... ٣٤٥

المعصوم (ع): اطلبوا الحوائج إلى حسان الوجوه ١٠النبي (ص): اعوذ بعفوك من عقابك... ٤٥٦

النبي (ص): أفضل األعمال أحمزها ٢٨٤الصادق (ع): أفضل العبادة ادمان التفكر... ٣٧١الصادق (ع): أقرب ما يكون العبد من ربه... ٣٩

النبي (ص): أقرب ما يكون العبد من ربه... ٣٩الصادق (ع): اكتب بسم الله الرحمن الرحيم خطبة رسول الله... ٣٥٩

النبي (ص): أكثر ما تلج به أمتي الجنة تقوى الله... ٣٠٠االمام علي (ع): أكرم نفسك عن كل دنية... ٤١٧

النبي (ص): اال أخبركم بخير خالئق الدنيا واآلخرة... ٣٣٤النبي (ص): اال إن الروح األمين نفث في روعي... ٤١٠

موسى (ع): إلهي دلني على عمل إذا عملته رضيت... ٥٠٤المعصوم (ع): التمسوا الحوائج على الفرس الكميت... ١٠

النبي (ص): الظوا بياذا الجالل واإلكرام ٩٧السجاد (ع): اللهم اجعلني أسوة من قد انهضته... ٤٥٥

في الحديث: اللهم اعط كل منفق خلفا ٣٩٥النبي (ص): (في علي وفاطمة والحسنين (ع)) اللهم إن هؤالء... آل محمد... ٢١٢

عنهم (ع): اللهم اني أسألك الغنى عن شرار الناس ٤٨٦في الحديث: اللهم اني أعوذ بك من دعاء ال يسمع ٣٤

(٥٨٤)

Page 555: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

السجاد (ع): اللهم ان يكن الندم توبة إليك... ١٦٢االمام علي (ع): اللهم صن وجهي باليسار... ٤١١

النبي (ص): (في علي وفاطمة والحسنين (ع): اللهم ان هؤالء أهل بيتي... ٢١١النبي (ص): (في علي وفاطمة والحسنين (ع)) اللهم هؤالء أهلي... ٢١٢

النبي (ص): أما والذي نفسي بيده أنها لكما نزلت... ١١٨النبي (ص): انا سيد ولد آدم وال فخر ٣٠٢

الصادق (ع): ان أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس... ٣٦٢الباقر (ع): ان اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم خلقا ٣٠١

االمام علي (ع): ان أقل ما يلزمكم الله ان... ١٤٠الصادق (ع): ان االيمان أفضل من اإلسالم.. ٢٧٩

الصادق (ع): ان االيمان عشر درجات... ٢٧١االمام علي (ع): ان االيمان يبدو لمظة في القلب... ٢٧٣

الباقر (ع): إن البشرى في الدنيا الرؤيا الصالحة... ١٦٥النبي (ص): ان التواضع يزيد صاحبه رفعة... ٣٠٦

الصادق (ع): ان الخلق الحسن يميث الخطيئة... ٣٠١الصادق (ع): ان الدعاء في الرخاء... ٥٣٢

السجاد (ع): ان الدعاء والبالء ليترافقان... ٤٤٦الصادق (ع): ان الرجل ليذنب الذنب فيندم عليه... ٢٩٧

في الخبر: ان الشيطان قال يا رب ان عبادك يحبونك... ١٩٣المعصوم (ع): ان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ١٧٧

الصادق (ع): ان العالم إذا لم يعمل بعلمه... ٤٢٧(٥٨٥)

Page 556: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الصادق (ع): ان العلم الدائم القليل على اليقين أفضل... ٢٧٩الصادق (ع): ان الله إذا أحب عبدا غته بالبالء غتا ٢٢٣

الباقر (ع): ان الله إذا كان من أمره ان يكرم عبدا... ١١٨النبي (ص): ان الله تبارك وتعالى أحب شيئا لنفسه... ٤١٦

الصادق (ع): ان الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد... ٣٨في األثر: ان الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السالم لئن تدخل يدك... ٤٢٠

في الحديث: ان الله تعالى طيب ال يقبل اال طيبا ٢١٢الصادق (ع): ان الله تعالى لم يجعل للمؤمنين اجال... ٣١٣

النبي (ص): ان الله حرم من المسلم دمه... ٣٢١الصادق (ع): ان الله عز وجل أوحى إلى نبي من األنبياء... ٥٠

الصادق (ع): ان الله عز وجل جعل أرزاق المؤمنين... ٤٠٧الصادق (ع): ان الله عز وجل يعلم حاجتك وما تريد... ٣٨الصادق (ع): ان الله قسم رزق من شاء على يدي... ٤٨٦الصادق (ع): ان الله ليتعاهد عبده المؤمن بالبالء... ٢٢٣

الصادق (ع): ان الله وكل باالسعار ملكا يدبرها بأمره ٢٤٨السجاد (ع): ان الله وكل ملكا بالسعر يدبره بأمره ٢٤٧

في الحديث (ع): ان الله يمهل وال يهمل ١٢٠االمام علي (ع): ان المرض يحط السيئات ويحتها حت االوراق ٨٤

في الخبر: ان المريض يخرج من مرضه نقيا... ٨٥الصادق (ع): ان رسول الله صلى الله عليه وآله رفع رأسه... ٩٢

الصادق (ع): ان رسول الله صلى الله عليه وآله صلى بالناس الصبح فنظر إلى شاب...٢٧٧

النبي (ص): ان صاحب الخلق الحسن له... ٣٠٠(٥٨٦)

Page 557: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

في الحديث: انصر أخاك ظالما او مظلوما... ٤٤٩النبي (ص): انظروا من تحادثون... ٤٨٣

النبي (ص): ان عظيم البالء يكافي به عظيم الجزاء... ٢٢٤الصادق (ع): ان في الجنة منزلة ال يبلغها عبد... ٢٢٤

الصادق (ع): ان في السماء ملكين موكلين بالعباد... ٣٠٦االمام علي (ع): ان كل مترئس في هذه الدنيا... ١٣

االمام علي (ع): ان كمال الدين طلب العلم والعمل به ٤٢٦حديث قدسي: ان كنت تسأل عبادي فاسأل معادن الخير... ٤٢٠

السجاد (ع): ان لسان ابن آدم يشرف... ٣٥٧المعصوم (ع): ان لله عبادا خلقهم لحوائج الناس ١٠

الصادق (ع): ان لله عبادا في األرض من خالص عباده... ٢٢٣في الخبر: ان لله ملكا ينادي يا فاعل الخير... ٣٥٥

النبي (ص): انما االعمال بالنيات ٢٨٢و ٢٨٤

الصادق (ع): انما المؤمن بمنزلة كفة الميزان... ٢٢٤النبي (ص): ان مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح... ٢١٢

الصادق (ع): ان محمد بن المنكدر كان يقول ما كنت أرى علي بن الحسين... ٤٢١الباقر (ع): ان من أحب عباد الله إلى الله... ٢٩٨

حديث قدسي: ان من عبادي المؤمنين من ال يصلحه... ١١٥الصادق (ع): ان من كتبه الله سعيدا... ٤٢٩

النبي (ص): انه تعالى وعد على الطاعة عشر حسنات... ١١٩اليسع (ع): انه قد وهن العظم وضعف الجسم... ٣٤١

حديث قدسي: اني جعلت معصية آدم سببا لعمارة العالم ١٨٥الصادق (ع): اني ال ركب في الحاجة التي كفاها الله... ٨٤

(٥٨٧)

Page 558: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الصادق (ع): اول ما يفعل بالمعجب نزع ما اعجب به... ٢٩٧الباقر (ع): إياكم والتفكر في الله... ٣٧١

النبي (ص): إياكم والغيبة فان الغيبة أشد في الزنا... ٣٧٥الصادق (ع): إياكم وسؤال الناس... ٤١٧

النبي (ص): ايكم يحب أن يصح فال يسقم... ٨٦الرضا (ع): االيمان فوق اإلسالم بدرجه، والتقوى... ٢٧٩

الصادق (ع): االيمان وقر في القلوب... ٢٦٨حرف الباء

الكاظم (ع): (في رجلين يتسابان) البادي منهما أظلم... ٣٧٨المعصوم (ع): بالعدل قامت السماوات واألرض ٣٣٨

النبي (ص): البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ٣٦١حرف التاء

االمام علي (ع): تخليص النية من الفساد أشد... ٢٨٣المعصوم (ع): تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة... ٣٧٠

النبي (ص): تفكروا في الخلق وال تتفكروا في الخالق ٣٧١االمام علي (ع): التفكر يدعوا إلى البر والعمل به ٣٧٠

المعصوم (ع): تهادوا تحابوا ٤٨٦حرف الثاء

النبي (ص): ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس... ٣٥٥االمام علي (ع): ثالث موبقات نكث الصفقة... ٣٥٩

(٥٨٨)

Page 559: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

حرف الجيمالنبي (ص): الجار إلى أربعين دارا ٢٠٢

االمام علي (ع): جعل الله ما كان في شكواك حطا... ٨٦حرف الحاء

الباقر (ع): حد الجوار أربعون دارا من كل جانب... ٢٠٢الصادق (ع): حد اليقين ان ال تخاف مع الله شيئا... ٢٩١

في الخبر: الحزم سوء الظن بالناس... ٣٢١الصادق (ع): الحزم مساءة الظن ٣٢١

المعصوم (ع): حسن الملكة نماء وسوء الملكة شؤم ٤٠٥االمام علي (ع): الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة ٤٣٦

المعصوم (ع): حسنوا اخالقكم ٢٦٤االمام علي (ع): حق وباطل ولكل أهل... ٣٥٣

الصادق (ع): حمى ليلة كفارة لما قبلها وما بعدها ٨٥حرف الدال

السجاد (ع): الدعاء يدفع البالء النازل ومال ينزل ٤٤٦النبي (ص): دع ما يريبك إلى ما ال يريبك ٤٢٧

حرف الراءالصادق (ع): رأس طاعة الله الصبر والرضا... ٦٥

الصادق (ع): رب ال تكلني إلى نفسي طرفة عين... ٥٠٢الصادق (ع): رحم الله عبدا عف وتعفف... ٤١٧

(٥٨٩)

Page 560: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

الصادق (ع): رضوان الله والجنة في اآلخرة... ٤٣٧حرف الزاي

السجاد (ع): الزهد عشرة اجزاء أعلى درجة الزهد... ٦٥حرف السين

الصادق (ع): سئل النبي صلى الله عليه وآله ما كفارة االغتياب... ٣٧٦الصادق (ع): سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن جماعة من أمته... ٣٥٨

النبي (ص): سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر... ٣٧٨االمام علي (ع): سميت الدنيا دنيا ألنها أدنى... ٥١٩

حرف الشينالنبي (ص): شيبتني سورة هود ٣١٠

حرف الصادعيسى (ع): صاحب الشعر يعدي... ٤٨٣

السجاد (ع): الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله... ٦٥ و ٥٠٥في الحديث: صحة االبدان واالبصار يسأل الله العباد... ٤٢٥

الصادق (ع): صدقة يحبها الله إصالح بين الناس... ٣٤٥العسكري (ع): الصراط المستقيم في الدنيا هو... ٣٣٩

حرف الضاداالمام علي (ع): ضع أمر أخيك على احسنه... ٣٢١

الحسن (ع): ضقت ضيقا شديدا وكان عطاي من معاويه... ٢٥(٥٩٠)

Page 561: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

حرف الطاءاالمام علي (ع): الطمأنينة إلى كل احذ قبل االختبار عجز ٣٢١

النبي (ص): طوبى لمن تواضع ٣٠٥حرف العين

الحسين (ع): عاد أمير المؤمنين عليه السالم سلمان الفارسي... ٨٧الصادق (ع): العباد ثالثة قوم عبدوا الله عز وجل... ٢٨٧

أبو الحسن (ع): العجب درجات منها ان يزين للعبد... ٢٩٧الصادق (ع): عليك بالدعاء وأنت ساجد... ٣٩

حرف الفاءاالمام علي (ع): فاعل الخير خير منه... ٣٥٥

النبي (ص): فتب إلى الله يا حبيب ١١٣االمام علي (ع): فهم والجنة كمن قد رآها... ٥١٩

االمام علي (ع): فوت الحاجة اهون من طلبها إلى غير أهلها ٤٢٠حرف القاف

الصادق (ع): قال الله عز وجل لداود عليه السالم يا داود... ٢٩٧النبي (ص): (في رجل الح في المسألة) قد أوجب ان ختمه... ٢١٥

الصادق (ع): قنطرة على الصراط ال يجوزها... ٣٩٢الباقر (ع): قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا رسول الله رقى يستشفي بها...

١٧(٥٩١)

Page 562: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

حرف الكافالصادق (ع): كان أبي يقول اتقوا الظلم... ٥٠في الحديث: كان إذا حزبه أمر صلى... ٤٤٥

الصادق (ع): كان جدي يقول تقدموا في الدعاء... ٥٣٢الرضا (ع): كان علي بن الحسين عليه السالم يقول الدعاء... ٥٣٣

المعصوم (ع): كفى بالمرء فتنة ان يشار إليه باألصابع... ٣٠٤الصادق (ع): كل ذنب عمله عبد وان كان عالما... ١٢٣

االمام علي (ع): كم من متعب نفسه مقتر عليه... ٤١٠حرف الالم

النبي (ص): ال الفين أحدكم متكئا... ٣٨٠في الحديث: ال أحصي ثناء عليك... ٣٧٩

الصادق (ع): (البي بصير) ال أما انك ان أصبت... ٣٦٢الصادق (ع): البد للعبد من خالص النية... ٢٨١

النبي (ص): ال تجعل لفاجر وال لفاسق عندي نعمة... ٤٨٦الصادق (ع): ال تدعوا التجارة فتهونوا ٤١٢الرضا (ع): ال تستكثروا كثير الخير... ٣٥٤

االمام علي (ع): ال تصحب الفاجر فيزين لك فعله... ٤٨٢الصادق (ع): ال تصحبوا أهل البدع وال تجالسوهم... ٤٨٣

النبي (ص): (لعائشة) ال تقولي ذلك فان الله ال يحب الفحش... ٣٧٣النبي (ص): ال حسد اال في اثنين... ٥٢٥

االمام علي (ع): ال خير فيمن ال يغضب إذا أغضب... ٣٣١(٥٩٢)

Page 563: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

النبي (ص): ال يبلغ الرجل درجة المتقين... ٤٢٨الصادق (ع): ال يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى على محمد وآل محمد ٣٦

االمام علي (ع): ال ينبغي للمرء المسلم ان يواخي الفاجر... ٤٨٣الصادق (ع): لتكن استخارتك في عافية... ٤٩٨

النبي (ص): للفرس سهمان ٣٦١االمام علي (ع): لن يرغب المرء عن عشيرته... ٣٢٣

النبي (ص): لو أهدي الي كراع لقبلت... ٤٨٥الصادق (ع): لو جرى المعروف على ثمانين كفا... ٢٩٨

االمام علي (ع): لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ٢٧١النبي (ص): لوال ان الشياطين يحومون... ١٩٦

في الخبر: لوال انكم تذنبون لذهب الله بكم... ١٨٥الباقر (ع): لو يعلم السائل ما في المسألة... ٤١٧

الصادق (ع): لو يعلم المؤمن ماله في االجر... ٢٢٤االمام علي (ع): ليس الخير ان يكثر مالك وولدك... ٤٣٣

الرضا (ع): ليس العبادة كثرة الصالة والصوم... ٣٧١الصادق (ع): ليس يعني أكثركم عمال ولكن أصوبكم... ٢٨٥

في الحديث: ليغفرن الله تعالى يوم القيامة مغفرة... ١١٣في الحديث: لينتهين قوم عن ودعهم الجمعات ٣١٤

حرف الميمالصادق (ع): ما أحب الله قوما اال ابتالهم ٢٢٣

السجاد (ع): ما أحب ان لي بذل نفسي حمر النعم... ٣٤١االمام علي (ع): ما أرى شيئا أضر بقلوب الرجال... ٣٠٥

(٥٩٣)

Page 564: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

االمام علي (ع): ماء وجهك جامد يقطره... ٤٢٠النبي (ص): (البي الدرداء) ما سألني أحد من قبلك... ١٦٥

االمام علي (ع): ما عبدتك خوفا من نارك... ٢٨٥االمام علي (ع): ما البن آدم والفخر أوله نطفة... ٣٠١االمام علي (ع): ما البن آدم والفخر وانما أوله... ٣٠١الكاظم (ع): ما من بالء ينزل على عبد مؤمن... ٤٤٧

الصادق (ع): ما من جرعة يتجرعها العبد أحب إلى الله... ٣٤١النبي (ص): ما من مسلم عرض له مرض... ٨٤

في الخبر: ما يزال االوصاب والمصائب بالعبد ٨٥النبي (ص): ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة... ٣٠٠

النبي (ص): مثل الجليس السوء كمثل القين... ٤٨٢النبي (ص): المرء على دين خليله... ٤٨٢

النبي (ص): المرء على دين خليله وقرينه ٤٨٣النبي (ص): المرء مع دين خليله وقرينه ٤٨١

النبي (ص): المسعر هو الله ٢٤٧النبي (ص): معنى قوله تعالى (من كان يريد العاجله)... ٥١١

السجاد (ع): مكتوب في اإلنجيل: ال تطلبوا علم ما ال تعلمون... ٤٢٧النبي (ص): المكر والخديعة في النار ٣٢٩

االمام علي (ع): من آتاه الله منكم ماال فليحسن... ٤١٥النبي (ص): من آتاه الله وجها حسنا وخلقا حسنا... ٢٦٤في الحديث: من اثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة... ٤٧٣

النبي (ص): من أحب السبيل إلى الله تعالى... ٣٤٠االمام علي (ع): من أخذ العلم من أهله وعمل به نجا... ٤٢٧

الباقر (ع): من أفتى الناس برأيه... ٣٦٢(٥٩٤)

Page 565: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

النبي (ص): من أوتي قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا... ٤٣٦الصادق (ع): من تخوف بالء يصيبه فتقدم فيه في الدعاء... ٥٣٢

في الخبر: من تطيب لله جاء يوم القيامة... ٢٨٢الصادق (ع): من تقدم في الدعاء استجيب له... ٥٣٢

النبي (ص): من تواضع لله رفعه... ٣٠٦الصادق (ع): من دعاء ولم يذكر النبي صلى الله عليه وآله... ٣٦

النبي (ص): من رأى موضع كالمه من عمله... ٣٥٦الصادق (ع): من سره ان يستجاب له في الشدة... ٥٣٢

في الحديث: من سن سنة حسنة فله أجرها... ٣٤٩الصادق (ع): من صحة يقين المرء المسلم... ٢٩١

الصادق (ع): من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه... ٥٠النبي (ص): من عير مؤمنا بذنب لم يمت حتى يركبه ٣٥٠الصادق (ع): من فارق جماعة المسلمين قدر شبر... ٣٥٩النبي (ص): من كانت ألخيه قبله مظلمة في عرض... ٣٧٦

الصادق (ع): من كانت له إلى الله حاجة فليبدأ بالصالة... ٣٧النبي (ص): من كان على الحق وان كانوا عشرة ٣٥٨

االمام علي (ع): من كان له مال فاياكم والفساد... ٣٥١الصادق (ع): من كظم غيظا ولو شاء ان يمضيه... ٣٤١

الباقر (ع): من كظم غيظا وهو يقدر على إمضائه... ٣٤١النبي (ص): من لم يحسب كالمه من عمله... ٣٥٦

االمام علي (ع): من لم ينفعه الحق يضره الباطل ٣٠٩االمام علي (ع): من نصب نفسه للقياس لم يزل... ٣٦٢

في الحديث: من ينو الدنيا تعجزه ٥٤(٥٩٥)

Page 566: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

حرف النونالنبي (ص): نعم المال الصالح للعبد الصالح ٤١٥في الحديث: نعمتان مجهولتان اال من والعافيه ٨٩

الباقر (ع): (نورا يمشي به في الناس) إماما يؤتم به... ٥١٥النبي (ص): نية المؤمن خير من عمله ٢٨٤

حرف الهاءفي الحديث: الهدي الصالح والسمت الصالح جزء من... ٣٠٨

الصادق (ع): هل تعرفون طول البالء من قصره... ٤٤٦االمام علي (ع): هو الذي يتأله إليه... ١٣

حرف الواوالنبي (ص): وأعوذ بك منك ٤٥١

االمام علي (ع): والزموا السواد األعظم... ٣٥٨االمام علي (ع): وانما سميت الشبهة شبهة ألنها تشبه الحق... ٥١٦

حديث قدسي: وان من عبادي المؤمنين ال يصلح لهم... ١١٦االمام علي (ع): واني متكلم بعدة الله وحجته... ٣١٠

النبي (ص): وسبحانه من بار ما أطلبه... ٤٥٤حديث قدسي: وعزتي وجاللي ال أخرج عبدا من الدنيا... ١١٩

حديث قدسي: وعزتي وجاللي ومجدي وارتفاعي على عرشي القطعن... ٢١االمام علي (ع): وفروا إلى الله من الله ٤٥١

(٥٩٦)

Page 567: Riyaz Al-Salikeen

http://www.ShiaOnlineLibrary.com

االمام علي (ع): وال يقنطنك إبطاء اجابته... ٣٢االمام علي (ع): ولهي بما تعدك من نزول البالء بجسمك... ١٤٩

في الحديث: ومن يستغن بالله وعطائه يغنه الله ٢٩٣الصادق (ع): ويحه أما علم ان تارك الطلب... ٤١١

حرف الياءلقمان (ع): يا بني اكلت الحنظل وذقت الصبر... ٤١٢

االمام علي (ع): يا بني اني أخاف عليك الفقر فاستعذ بالله... ٤١٣الكاظم (ع): يا بني عليك بالجد... ٢٥

لقمان (ع): يا بني من يشارك الفاجر يتعلم طرقه... ٤٨٣موسى (ع): يا رب كيف اشكرك وشكري لك نعمة... ٥٢٣

حديث قدسي: يا عبادي لو أن اولكم واخركم... ١٦النبي (ص): يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص... ٤٦٨

الصادق (ع): يبارك له فيما آتاه ٤٠٧الصادق (ع): يبتلى المؤمن على قدر ايمانه وحسن أعماله ٢٦٨

الصادق (ع): يحق على المسلمين االجتهاد في التواصل... ٣٢٧النبي (ص): يعذب الله اللسان بعذاب... ٣٥٦

الصادق (ع): يعني األئمة وواليتهم... ٢١٢النبي (ص): يقول الله عز وجل للملك الموكل بالمؤمن... ٩٣

الباقر (ع): يقول: الشربنا قلوبهم االيمان... ٣٨٩الصادق (ع): اليقين يوصل العبد إلى كل حال سني... ٢٧٨

الباقر (ع): يوضع على جهنم صراط أدق... ٣٩٢(٥٩٧)