Transcript
Page 1: برتولد بريخت--الانسان هو الانسان

ونشر

العن و

ثامد ال

عد- ال

ية ربو

ى ترؤ

57

برتولد بريخت: »اإلمِْنَساُن ُهَو اإلمِْنَسان«

خالد صفدي

في تلميذًا كان منذ املصادر،2 تشير كما األدبّية، بريخت حياة بدأت بني األولى وقصصه قصائده نشر حيث األملانّية، املدينة أوغسبورغ، السنوات 1913 - 1918، وانتهت مبوته سنة 1956. هذه الفترة ذات العشرين: القرن خالل األساسيني احلدثني على حتتوي لكونها أهمّية احلرب العاملّية األولى واحلرب العاملّية الثانية. وبالنسبة لبرتولد بريخت، فقد ظهر موتيف احلرب في إنتاجه منذ البداية.3 كما أن هذا املوتيف بقي التي اإلنسان هو اإلنسان، ظاهرًا في أعماله الالحقة، ومنها مسرحّيته في يزال ال وهو األولى العاملّية احلرب أعقاب في ،1926 سنة كتبها 1933 السنوات بني وأمريكا أوروبا في منفاه فترة تبدأ أن قبل أملانيا،

.1948 -

اإلنسان هو إن سنوات العشرينّيات، التي كتبت في منتصفها مسرحّية اإلنسان، تشكل الفترة التي عانت فيها أوروبا من نتائج احلرب العاملّية األولى. فقد خرجت أملانيا من احلرب في حالة صعبة: انتهت املعركة في احلديثة اجلمهورّية وقيام ،1918 سنة األملانّية القيصرّية بسقوط التي أملانيا، على القاسية بشروطها السالم معاهدة كانت ثم برلني. عقدت في فرساي في أعقاب احلرب سنة 1919. إضافة إلى ذلك، فقد ظهرت في اجلمهورّية اجلديدة قوى داخلّية عّدة: الشيوعيون الذين النظام إلى تطّلعوا الذين الّرجعّيون الروسّية؛ الثورة بنجاح تأّثروا .1920 سنة جديدة كقّوة ظهروا الذين النازّيون ثم السابق، امللكي كما أن الضغوطات الفرنسّية على أملانيا من أجل تسديد التزاماتها التي اإللزاس ملنطقتي الفرنسي باالحتالل انتهت فرساي معاهدة فرضتها

واللورين.4

إّن التغيير الذي طرأ على املبنى االجتماعي في أملانيا شّكل أرضّية لظهور بناء الفن طريق عن األدباء حاول لقد جديدة.5 وأدبّية فكرّية تّيارات أيضًا تطّرق الواقع. وهكذا حياة مثالّية، كان من الصعب حتقيقها في عن وعّبر آنذاك، األملاني احمليط في السائد الوضع إلى نفسه بريخت موقفه منه. ومن هذا املنطلق أيضًا، ميكن التعامل مع مسرحّية اإلنسان هو اإلنسان، كعمل يعكس موقف الكاتب جتاه موضوع احلرب، األمر

الذي سنقوم بالتعليق عليه فيما بعد.

مرحلة في نفسه املوضوع تعالج أخرى أعمااًل بريخت كتب ولقد الحقة، وبالتحديد في األجواء التي وّلدتها احلرب العاملّية الثانّية.6 هذه الفترة كانت أكثر صعوبة بالنسبة لبريخت، ألنها شّكلت جزءًا من فترة متنّقاًل في أرجاء أوروبا وأمريكا مبتعدًا عن احلكم منفاه، حيث عاش النازي الذي ساد أملانيا آنذاك.7 ومن اجلدير بالذكر أيضًا أنه في أعقاب اهتمامها حول مسألة ترّكز فكرّية تّيارات الثانية ظهرت العاملّية احلرب

قيمة احلياة، وهل يجدر باإلنسان أن يحياها.

الطويل مقاله يفتتح مثاًل، الالمعقول، فكرة رموز أحد كامو، ألبير الذي أطلق عليه اسم »أسطورة سيزيف« بقوله:

»هناك مشكلة فلسفّية مهمة وحيدة، هي االنتحار. فاحلكم بأن احلياة تستحق أن ُتعاش، يسمو إلى منزلة اجلواب عن السؤال األساسي في

الفلسفة«.8

ويقول كامو:

الرديئة هو عالم باألسباب تفسيره حّتى ولو الذي ميكن العالم »إن مألوف. ولكن من الناحية األخرى، جند أن اإلنسان يحّس بالغربة في كون يتجّرد من األوهام والضوضاء، ونفيه هذا هو بال عالج ما دام قد ُحرم من ذكريات وطن مضيع، أو من أمل أرض موعودة. بالضبط هو ومشهده، املمّثل وحياته، اإلنسان بني الطالق وهذا

الشعور بالالجدوى«.9

بعض وكتب منفاه فترة بريخت عاش االجتماعي التوّتر هذا مثل في أعماله.10 إن هذه الظروف جعلته يتابع نضاله ضد النازّية وهو في منفاه، الذي فبريخت أملانيا. وطنه في يزال ال وهو بدأه قد كان الذي األمر التصدي له: لقد شارك املشاركة في أراد العالم النازّية يهدد رأى خطر في حترير صحف تهتم مبعارضة احلكم النازي، كما شارك في مؤمترات عقدت لهذه الغاية في مناطق مختلفة من أوروبا.11 ولعّل األهم من كل

ذلك هو أعماله األدبّية التي أبدعها في هذا املجال، ومنها مسرحّياته.

أشغلت مسألة العالقة بني األدب واملجتمع أبحاثًا كثيرة في مجال النقد األدبي؛ ذلك أن هناك من يرى في الظروف السائدة في املجتمع عاماًل مهمًا يؤثِّر على األدباء الذين يحيون فيه ويكتبون بإيحائه، ويعكسها بالتالي إنتاجهم األدبي.1 هذا األمر يبدو مالئمًا أيضًا عندما نتحّدث عن برتولد

بريخت، الكاتب األملاني الذي تداخلت حياته مع األحداث التي طرأت على املجتمع األوروبي بشكل عام، واألملاني بشكل خاص.

Page 2: برتولد بريخت--الانسان هو الانسان

رؤى تربوية - العدد الثامن والعشرون

58

اإلنسان هو اإلنسان

منذ البداية تأتي كلمات األغنية االفتتاحية لتصف حالة من عدم اليقني، اإلنسان تصّرفات في الّتمّعن املسرحّية: تعاجلها التي للفكرة ولتمّهد حني يقع حتت تأثير قوى معّينة، وبيان أن اإلنسان ما هو في حقيقة األمر نتيجة لعوامل حتيط به. ميكن فعل كّل شيء باإلنسان، وذلك عن إال طريق تفعيل مؤّثرات مختلفة تتعلق باملكان والزمان. كما أنه ال يوجد إنسان يختلف عن اآلخر في هذه الصفة، ألن كل الناس متشابهون في

ذلك. هكذا نقرأ:

كان هناك زمن حيث نعم تعني نعم وال تعني العندما كان جون هو جون وشمت هو شمت

عندما كان األسود أسَود والثلج كان فقط ثلجًاوأنا كنُت أنا، أنت أنت، عندما هو كان هو

لكننا، هذه األّيام، نغّني أغنية أخرىاملفتاح املوسيقّي اآلن نسبّي

واليسار هو ميني والصحيح غالبًا خطأ.12

الواردة في االفتتاحية التالية، أما الهدف من املسرحّية فتحدده األقوال أيضًا:

الشخص غاي، غالي قّصة لقّصتنا، باهتمام انتبهوا فقط ...«حتّول رمّبا أو حتّول، الذي املخلص، احملب الّزوج البسيط، باني جندي، مناضل، مواطن، إلى األمر، نهاية في شكاًل،

إمبراطورّية...« )ص: 121(.

هذه األقوال، التي ترد على لسان قائد اجلوقة العسكرّية، توحي بوجود عالقة بني أحداث املسرحّية وبني الواقع. وهدف بريخت هو لفت أنظار

اجلمهور إلى تلك العالقة.

التي كلكوا في البريطاني للجيش معسكر في املسرحّية أحداث تدور يعمل الذي البسيط الّرجل تتحّدث عن غالي غاي، الهند. وهي في حّمااًل في امليناء، والذي ُتفَتَتح املسرحّية بحواره مع زوجته حول حجم سمكة يوّدان شراءها من أجل إعداد وجبة طعام. حتّذر الزوجة زوجها من بائعات السمك، ومن اجلنود الذين يتعّرضون للناس والذين تصفهم بأنهم »أسوأ أناس في العالم«. وهذا ما يحدث فعاًل: فأثناء ذهاب غالي غاي تتعّرض له مجموعة تتكّون من ثالثة جنود خبَّأوا زميلهم الرابع، جاريي جيب، بعد محاولتهم السطو على معبد من أجل احلصول على إذ أن جاريي جيب فقد إليه من »الويسكي«. مال لشراء ما يحتاجون األمر احملاولة، تلك أثناء املعبد، بصندوق التصق شعره، من جزءًا

الذي يشكل دلياًل على اشتراكه بتلك الفعلة.

وملّا كان على اجلنود األربعة أن ميتثلوا أمام رئيس الكتيبة في املساء، وإاّل انكشف أمرهم، لذلك قّرروا أن يّتخذوا من أّي رجل ميّر بهم، وهو في وأثناء دوره. فيؤدي املختبئ، للجندي بدياًل غالي غاي، احلالة هذه على الضغط من مختلفة أشكااًل نرى املسرحّية، امتداد وعلى ذلك،

بفقدانه ينتهي الذي األمر املطلوب، الدور تأدية أجل من غاي غالي لهويته احلقيقية ويؤدي إلى بلبلة في تعريفه لألشياء من حوله.

إن أجواء احلرب تشّكل منذ البداية خلفّية ألحداث املسرحّية. فإذا كانت املسرحّية ترصد تصرفات اإلنسان حني يقع حتت تأثير عوامل مختلفة، به. حتيط التي احلرب بأجواء احلالة هذه في تتمّثل العوامل هذه فإن وهذا األمر لم يكن محض صدفة، بل إنه متعلق إلى مدى كبير باحلياة الشخصّية للمؤّلف، إذ أن أجواء احلرب التي أحاطت حياة بريخت هي التي بلورت مواقفه ضّدها، وهي التي أدت به إلى أن يبحث بتعمق حالة

اإلنسانّية في زمن احلرب.

ولكي يخلق بريخت اإلحساس بأجواء احلرب في املسرحية، فإنه يلجأ إلى بلورة شخصيات متثِّل تصرفات أشخاص حّددت احلرب مصائرهم. التي الوحيدة فاملرأة بيغبيك: األرملة عنها تعّبر الشخصيات هذه مثل لدى املألوفة الشخصيات إحدى يبدو، كما هي، الوقت طيلة تتجّول بريخت.13 هذه الشخصّية تتجّول دائمًا في الطرقات، وتعمل في مجال الطعام، واجلنس، والتجارة. ومع أن بريخت ال يعلمنا كيف أصبحت بيغبيك أرملة، فإن مثل هذه الشخصّية تبدو مالئمًة حلالة احلرب، حيث تفقد النساء أزواجهن في كثير من األحيان. ومنذ بداية ظهورها يشير لقائها الذي ميكن مالحظته خالل إلى طبيعتها، األمر أسلوب حديثها على مكافأته تود عندما ،)133-131 )ص: غاي غالي مع األّول

مساعدته لها فتقول له:

يفوق بأسلوب باجلميل عرفانها ترد كيف تعلم رمّبا السّيدة »ولكن متعَة أكِل الّسمك« )ص: 132(.

وكذلك عندما تخاطبه في نهاية ذلك اللقاء متذّمرة:

»يبدو أّنه ال جدوى من إضاعة وقتي معك لدقيقٍة أكثر في أحاديث ال طائل منها« )ص: 133(.

إن مثل هذه األقوال من شأنها أن توحي إلى ماهّية الدور الذي تؤّديه األرملة بيغبيك في املسرحّية. ومن اجلدير بالذكر أننا ال جند ِحَياًل مركّبة عند عرض الشخصّية، بل إنها تعرض نفسها مباشرة، وببساطة، حال ظهورها على

املسرح. هكذا، في موضٍع آخر، تعّرف بيغبيك نفسها للجنود:

عربة هي وهذه بيغبيك، األرملة أنا اجلنود! جميع يا اخلير »مساء اجلعة خاّصتي. إنها مرتبطة بقطارات اجلنود الّضخمة، وهي ترحل والنوم الّشرب، فيها ميكنك وألنه الهند. في حديد سّكة كّل إثر والّسفر في الوقت نفسه؛ فإن هذه العربة تدعى بار األرملة بيغبيك اجلّوال. ومن حيدرأباد حّتى رانغون، الكّل يعلم كيف أن كثيرًا من

اجلنود يجدون فيها ملجًأ عندما ال ُيعاملون جّيدًا« )ص: 134(.

غير أساليب استخدام عن وعوضًا املكّثف، املباشر األسلوب بهذا مباشرة في العرض، تشرح األرملة بيغبيك دورها بشكل واضح ومحّدد أمام جمهور املشاهدين؛ وتساهم في بلورة األجواء التي يسعى بريخت

إلى جتسيدها.

Page 3: برتولد بريخت--الانسان هو الانسان

ونشر

العن و

ثامد ال

عد- ال

ية ربو

ى ترؤ

59

ليست الشخصّية وحدها هي التي تخلق اإلحساس بأجواء احلرب، بل إن هناك عناصر أخرى تتآلف لتؤدي املهمة نفسها، مثل عنصر املكان: في املهمة العناصر أحد تشكل بيغبيك األرملة تقودها التي فالعربة

املسرحّية. وعملّيًا، عند هذه العربة يجري قسم كبير من األحداث.

إن وصف تلك العربة يرد على لسان األرملة بيغبيك في بداية الصورة الرابعة:

»من سمرقند إلى قندهارلوكاديا بيغبيك صديقتك األفضل

وفي بارها االحتفالّي اجلّوالميكنك التدخني، والنوم، والّشرب لسنوات بال نهاية

في بار األرملة بيغبيك اجلّوالميكنك أن تنال كل مبتغاك بِعلكة

هذه العربة تتدحرج عبر الهند القدميةعن ]كناية امُلسّنة ُأّمك من يصلك تتناوله الذي املشروب حيث

اجليش[« )ص: 134 – 135(

أحداث فيها جتري التي اخللفّية يعكس أنه إلى باإلضافة الوصف، هذا م يقدِّ إنه فترة احلرب؛ أثناء أيضًا تصرفات اجلنود فإنه يعكس املسرحّية، هو للجنود بالنسبة األهم فاألمر احلرب. إّبان جيش ملعسكر صورة “البار”، احلانة، وكل ما يتعّلق بها، األمر الذي يتكرر في أكثر من موضع، حّتى أن اجلنود يعتبرون ذلك شرطًا أساسّيًا ألدائهم العسكري. كما أنهم

يعتبرون ذلك عاماًل لتعزيز شجاعتهم أثناء احلرب، يقول جيّسي:

»مثلما يجب أن مُتأل بالوقود الّدبابات الفائقة القّوة التابعة للملكة، الالمتناهية، اللعينة اإللدورادو طرق في تتدحرج وهي ُترى كي على الرغم من أنها ال غنى عنها؛ هكذا هو شرب الويسكي بالنسبة

للجندي البريطاني« )ص: 126(.

هذه األقوال تساهم في بلورة أجواء احلرب ووصف تصرفات اجلنود. هذه على بريخت لدى تقتصر ال الصورة هذه أن بالذكر اجلدير ومن املسرحّية، بل إنها “موتيف” يتكرر في أعماله األخرى.14 ومع أن هناك من يرى أن هذه الظاهرة تعكس التمّرد الكائن في شخصّية بريخت ضد البرجوازّية،15 فإنها في سياق املسرحّية قد تأتي لتؤّكد أيضًا مدى عدم اقتناع اجلندي نفسه بالدور الذي يؤديه، إذ أنه ال يتمّكن من أدائه إال إذا

غّيب وعيه.

املؤثِّرات

على وتنطوي فرضّية ذات مسرحّية اإلنسان هو اإلنسان مسرحّية إن الظروف ما هّيئت إذا باإلنسان أنه ميكن فعل كّل شيء نظرّية، مفادها لذلك. أي أن بريخت ينطلق مسبقًا من نظرّية معّينة يسعى إلى إثباتها. رؤيته لُتَجّسد تعمل شخصّيات داخلها في ويوِجُد حاالت يخلق إنه

وفكرته.16

منذ البداية، وقبل ظهور شخصّية غالي غاي، نلتقي مع عبارات تعكس

فكرة املسرحّية وتتضح دالالتها فيما بعد. هكذا مثاًل يقول أوريا، أحد اجلنود، لزمالئه عند محاولة اقتحام املعبد:

اجلندّية ببطاقات اإلضرار ممنوع جندّيتكم. بطاقات هاتوا »متامًا، بأّي شكل من األشكال، وال في أّي وقت من األوقات. وملاذا؟ ألن الشخص ميكن استبداله في كل وقت، ولكن بطاقة اجلندّية مقّدسة،

وإاّل، فال يوجد شيء مقّدس« )ص: 128(.

العسكري. اجلهاز في أساسّية قيمًة يشّكل ال كإنسان، اإلنسان، إن الذي اإلطار أي اجلهاز، ذلك في يؤديه الذي الدور هو األهم فاألمر الذي الدور يؤدي أن بإمكانه جندي كل أن ومبا ويشغله. فيه يوضع يؤديه أي جندّي آخر، لذلك فاملهم هو احملافظة على اإلطار الذي متّثله

في هذه احلالة بطاقة اجلندي.

هذه األقوال تشّكل حّتى اآلن مقّدمة لألحداث التالية في املسرحّية، إذ الشخصيات أداء خالل ومن األحداث تلك خالل من ستنعكس أنها تخطيط عند مثاًل يحدث ما هذا بلورتها. في أيضًا هو يساهم الذي

اجلنود حتويل غالي غاي إلى شخصّية حتل مكان جيب:

أوريا؟ نحن ال منلك غير يا ننتهي من ذلك أن »بولي: كيف ميكننا وثائق جيب.

جيّسي: إنها كافية. إنها ستصبح »جيب« جديدًا ...بولي: لكن ماذا سيقول عندما نحّوله جلندّي؟

جيّسي: إن شخصًا كهذا يتحّول من تلقاء نفسه. َألِق به في ُنقعِة ماء ينمو اجللد بني أصابعه خالل يومني« )ص: 153(.

إن الظروف التي حتيط باإلنسان هي التي حتّدد ماهّيته، وهذا، بحسب بريخت، يعني بالتالي أنه ميكن فعل كل شيء باإلنسان عن طريق إدخاله

إلى حاالت مختلفة ومالئمة للنتائج املطلوبة.17

هذه الفكرة تتكّرر خالل املسرحّية، وبخاّصة على لسان اجلنود:

»أوريا )إلى بولي(: قبل أن تغرب الشمس سبع مّرات أكثر، يجب أن يتحّول هذا الشخص إلى شخص آخر.

بولي: هل هذا سينجح يا أوريا؟ حتويل رجل إلى رجل آخر؟)ص: آخر« شخص أّي بقدر جّيد شخص كّل نعم، أوريا:

.)158

وتصل الفكرة إلى ذروة انعكاسها عند محاولة اجلنود الضغط على غالي غاي وتوريطه في عملّية بيع فيل اصطناعي، قاموا هم بتركيب هيئته،

على أنه فيل حقيقي )ص: 164-185(. هكذا نقرأ:

»غالي غاي: هل يقولون إنني غالي غاي هذا؟جندي: إنهم يقولون إن ذلك غير مؤّكد أكثر

غالي غاي: نعم، إّنه غير مؤّكد أكثر. أهو كذلك؟بيغبيك )إلى غالي غاي(: ليس هذا يا صاحبي: إن الشخص ليس

شخصًا« )ص: 170(.

Page 4: برتولد بريخت--الانسان هو الانسان

رؤى تربوية - العدد الثامن والعشرون

60

وفي مرحلة الحقة يتساءل غالي غاي:

»من أنا؟ شيء وال شيء. ال شيء إلى أن يناديني شخص آخر بشيء ما« )ص: 183(.

تتعّلق قيمتها ألن وذلك محّددة، قيمة حتمل ال ذاتها بحد فاألشياء القيم كل فإن وعليه، اإلنسان؛ إليها يضفيها التي املختلفة باملفاهيم نسبّية. وسواء اتفقنا مع بريخت أم ال، فإن النتيجة التي يخلص إليها

في هذا السياق هي أن قيمة اإلنسان أصبحت تساوي ال شيء.

ردود الفعل

إذا كان الطرف األّول في معادلة بريخت يرّكز على القوى الفاعلة على اإلنسان، فإن الطرف اآلخر منها يرصد تصرفاته حني يقع حتت تأثير هذه

القوى. هكذا مثاًل، ومنذ البداية، يقول غالي غاي لبيغبيك:

»لم أكن ألصّدق أنني سُأحجز عشر ساعات تقريبًا بسبب إزعاج غير متوّقع، في حني أردت فقط شراء سمكة والعودة إلى البيت. ولكن في اللحظة التي أبدأ فيها بالتدحرج أغدو كقطار املسافرين« )ص:

.)132 – 131

فإذا كان غالي غاي، الذي يقول هذه األقوال، ال يعرف في هذه املرحلة ماذا سيحدث له فيما بعد؛ فإن املؤلف نفسه على علم بذلك. وعملّيًا، فإن هذه األقوال تالئم سياق األحداث التالية، التي تصف وضع اإلنسان الذي يخّطط لفعل شيٍء ما، ثم ال يلبث أن تهاجمه أحداث غير متوّقعة متنعه من

فعل ما يريد، وفي احلالة التي أمامنا فإنها تؤدي به إلى مأزٍق غير متوّقع.

يخاطب حيث الفيل، بيع عملّية بدء عند بعد، فيما يتكرر األمر هذا غالي غاي نفسه قائاًل:

»لقد اعتادت ُأّمي القول لي إن املرَء ال يعرف شيئًا على وجه التأكيد. غير أم مؤّكدًا أكان سواء شيئًا، تعرف ال غاي، غالي يا ولكنك، أنت اآلن متلك الصباح لشراء سمكة، وها لقد ذهبت هذا ذلك.

فياًل؛ ومن يعلم ماذا َسَيلُد الغد؟... « )ص: 165(.

فترة إّبان حالتنا وفي الواقع، في يحدث ما إلى بريخت يرمز بهذا احلرب، حيث ال يستطيع اإلنسان أن يتوّقع ماذا ميكن أن يحدث معه. ومن اجلدير بالذكر أن غالي غاي نفسه ال يعرف كيف ُجذب إلى هذا االجتاه غير املتوّقع. فعندما يصل إلى الوضع الذي يفقد فيه هويته متامًا، وعندما يسأله جيّسي »كيف حدث ذلك؟«، يقول: “أنا ال أعلم. لقد

كّنا ندّخن ونشرب، ثّم انطلقت روحي بالّثرثرة” )ص: 171(.

وبشكٍل مشابه يقول اجلنود واصفني حالة غالي غاي:

»جندّي: انظروا، سُتطلُق الّناُر على َرُجل.جندّي ثاٍن: إّنها ستكون خسارة، إّنه ليس هِرمًا بعد.

جندّي ثالث: إنه ال يعلم حّتى كيف حدث له ذلك« )ص: 173(.

إّن ما يجري على املسرح، من وجهة نظر بريخت، هو مثال ملا يحدث في املجتمع األوسع الذي متلؤه التناقضات، األمر الذي يبدأ ببساطة ثم ينتهي إلى فقدان الهوّية وهدم مقّوماتها. فغالي غاي في البداية، ال يرى في العملّية، أي القيام بدور جيب، سوى عمل معروف بسيط، هكذا

يقول:

»إّنه مجّرد عمل معروف صغير، رُجٌل لَرُجل، مبعنى - ال يضرُّ أبدًا. ث نفسي: لقد قّدمُت إنني أشرب الويسكي كما لو كانت ماًء وُأحدِّأن العالم؟ في هذا يهّم ما أليس هذا الّسادة عرضًا جّيدًا. لهؤالء ُتطلَق بالونًا صغيرًا - “جاريي جيب” - ليس أصعب من قول “مساء الّناس - سهٌل جّدًا!« يتمّناه الذي ُجل الرَّ اخلير”؛ وعندها ستكون

)ص: 140 - 141(.

الفاعلة الضغوطات تشّدد على املسرحّية، في بريخت، نظرّية أن ومبا الذي األمر الضغوطات، تلك إلى يتطّرق فإنّه لذلك اإلنسان، على

ينعكس بصوٍر متعددة خالل املسرحّية:

غاي غالي إلقناع املاّدي الضغط استخدام إلى اجلنود مييل البداية منذ تنعكس املادي اجلانب تأثير إلى فاإلشارة جيب. جاريي دور بأداء باالنضمام إقناع غالي غاي يحاول الذي مثاًل، أوريا أقوال من خالل رفاٍه أنها حياة اجليش على في اجلندي له حياة فيصّور املجموعة، إلى

ومتعة:

»حياة اجلندّي ممتعة. كّل أسبوع نتلّقى حفنَة نقود استثنائّية للتجوال ع عبر الهند ... انظر إلى هذه البّطانّيات الصوفّية املريحة، إنها ُتَوزَّمجانًا لكّل جندي. انظر إلى هذه البندقّية التي حتمل ماركة إيفريت أند كو. وأّمنا -كما ُنطلق على اجليش كدعابة- أّمنا متنحنا أدوات الّصيد. وعندما نصطاد، فإن فرقًا موسيقّية عسكرّية متنوعة تعزف

واحدة تلو األخرى...« )ص: 154(.

“نعم، نعم هذا ما قد حدث. يعني وفي موضٍع آخر يقول غالي غاي: على املادي الضغط أهمّية يعكس الذي األمر ،) 137 )ص: بسيجار” اإلنسان، ورمبا يعكس أيضًا مستوى ما يتطّلع إليه اإلنسان البسيط بالذات،

وهو ما يتمّثل باحلصول على “سيجار” مقابل أدائه دورًا ليس له.

أيضًا جذب يحاول هو بولي، عندما لسان ترد على أقوااًل مشابهة إن غالي غاي إلى اجليش عن طريق إغرائه بالبدلة العسكرية )ص: 136(،

وكذلك على لسان أوريا نفسه عندما يخاطبه قائاًل:

البريطانّية العسكرّية ثياَب ُنلبسَك أن لنا اسمح النهاية، هذه »إلى املوّقر« )ص: 137(.

اجلنود حياة بأن االقتناع على بعد، فيما غاي، غالي يوشك وعندما بًا: ممتعة، يقول له أوريا ُمَرغِّ

الّزي اجلميل، سوف يتوّجهون »وبدون ضّجٍة زائدة، وبفضل هذا إليك طيلة الوقت كسّيد. الّسّيد جيب« )ص: 154(.

Page 5: برتولد بريخت--الانسان هو الانسان

ونشر

العن و

ثامد ال

عد- ال

ية ربو

ى ترؤ

61

غالي في عملّية حتويل املاّدي الضغط أهمّية ليدّلل على يأتي ذلك كل القول إن بريخت يتخذ من شخصّية الرجل غاي إلى جندي. وميكننا ما يكون وهكذا للمجتمع. املعّقدة التركيبة لتحليل انطالقة البسيط يجرى لغالي غاي ليس حدثًا شخصّيًا، بل حدث يعكس حالًة عامة أكثر

شموليًة وقائمًة في املجتمع اإلنساني الواسع.

أما الضغط النَّفسي فيبلغ ذروته خالل عملّية بيع الفيل، حيث يصل غالي غاي إلى ذروة فقدان هوّيته، حّتى أّنه يتنّكر لزوجته، األمر الذي انتهى لديه بتدمير الذات. إن غالي غاي يشعر خالل تلك العملّية مبا تنطوي البيت إلى والرجوع تركهم من بتمكينه اجلنود ويطالب خطر من عليه )ص: 166 - 167(. ولكنه ال ينجح في ذلك، كما أنه ال يتمّكن من الّرجوع إلى شخصّيته احلقيقّية. لقد فقد هوّيته ودخل في طريق ال منفذ له. وجتدر اإلشارة إلى أن غالي غاي يرى أن ما حدث له ليس منطقّيًا، يحدَث أن ميكن »ال قائاًل: فيصرخ باإلعدام، عليه احلكم بعد وذلك

حا له تهمته: ذلك«، وعندها يجيبه أوريا موضِّ

»إّنه يحدث. وانتبه يا صاحبي، ألّنك، أّواًل، سرقَت وبعَت فياًل وهو فياًل بعَت ثانيًا، وألّنك، سرقة. ُيعتبر وهذا للجيش، تابعًا ثالثًا، ال متلك اسمًا وال ُيعتبر احتيااًل. وألّنك، ليس فياًل، وهذا بطاقة هوّية، حيث ميكن أن تكون جاسوسًا أو حّتى محتااًل قد أعطى

اسمًا خاطئًا خالل نداء الطابور العسكري« ) ص: 171(.

فعلى الرغم من احلالة غير املنطقّية التي َوجدت الشخصّية نفَسها فيها، املأزق من اخلروج غالي غاي إن محاولة القائم. الوضع فإن هذا هو جيّسي يطلب فعندما عليه. احلكم صدور بعد جناح، ودون تتكّرر، يتوّجه هو وكأمنا غاي، غالي يجيبه “تقّدم!”، ويقول اللعبة متابعة

بأقواله إلى اإلنسانّية:

سمكة؛ شراَء أردُت لقد رُجلكم. لسُت أنا تقّدم؟ تعني، »ماذا هل يوجد هنا أّي سمك؟ ما هذه املدافع املتدحرجة في املدى؟ وما سوف أتزحزح. لن اخلارج؟ في الصاخبة تلك املعركة موسيقى أن يجب كّله هذا مزّيفًا. كان لو حّتى نعم، بالعشب؛ أمتّسك جيّسي، أوريا، أحد؟ هنا يوجد ال ملاذا ولكن ُأصّر! أنا يتوقف،

بولي، ساعدوني!« )ص: 172(.

ال الوراء إلى العجلة إرجاع في غاي غالي محاوالت فإن ذلك، ومع تنجح، وتستمر األحداث ليصل إلى حالة فقدان الهوّية؛ وهي احلالة التي التي تتم بشكل رمزي، والتي تشير الذروة من خالل عملّية دفنه، تصل أي شخصّية اجلديدة، الشخصّية واستمرار احلقيقّية الشخصّية زوال إلى اجلندي. إن عملّية دفن غالي غاي جتري أمام عينيه، بينما هو ال يعلم كيف غالي غاي، إن يوقفها. يعرف كيف أنه ال كما احلالة، إلى هذه وصل الذي ميّثل اإلنسان في املجتمع املعاصر، احملارب، يصل إلى حالة كل ما

فيها ليس مؤّكدًا بالنسبة له، وفي مرحلة معّينة يتوّجه إلى اجلنود قائاًل:

جرى ماذا أعرف ال بأنني أعترف أنا أعترف. أنا »اسمعوا، لي. صّدقوني، أنا رُجٌل -ال تضحكوا اآلن- ال يعرف من هو«

)ص: 174(.

هذا الشعور يتكرر عندما يخاطب غالي غاي اجلنود قائاًل: “أنتم هناك، هل ميكنكم رؤيتي أساسًا؟ أين أنا؟” )ص: 183(. كما أن عملّية دفن وهذا الشخصّية، انفصال من حالة إلى لتشير تأتي احلقيقّية الشخصّية الشعور يظهر لديه عندما يقول فيما بعد: »... ومن أنا؟ أنا اثنان: هناك

اثنان مّني« )ص: 182(.

فيما رأيه عن غاي غالي فيه يعّبر حوار سياق في تأتي األقوال هذه يحدث مؤّكدًا أن كلَّ الناس متساوون وال يوجد فرق بني إنسان وآخر، ألن األشياء بحد ذاتها ال قيمة لها، والناس هم الذين يضفون لألشياء قيمتها )ص: 180 – 185(. هكذا يقول: »ما هو الّرُجل؟ شيٌء وال شيء. ال شيء إلى أن يناديه أحٌد بشيء ما ... » )ص: 183(. وفيما بعد، وعندما ُيطلب منه رثاء نفسه، تأتي أقواله لتجمل ما حدث له منذ حواره مع زوجته في بداية املسرحّية حول حجم السمكة التي سيشتريها ثم دفن إلى جندي، ومن باجليش وحتوله التحاقه الغداء وحّتى لوجبة

شخصّيته احلقيقّية )ص: 184(.

حول شخصّيات املسرحّية

إن الصفات اخلاصة بشخصّية غالي غاي، مثاًل، محّددة مسبقًا. هذه النتائج ذات واالختبارات املواقف من سلسلة في تدخل الشخصّية خالل تتغير نظر وجهة ذات شخصّية هنا توجد فال أيضًا. املتوقعة مراحل املسرحية. إن ما يتغّير هو تصرفات الشخصّية فقط. هذا يعني أيَّة رؤية فيها، دون ُتوَجد التي املواقف تتصّرف بحسب الشخصّية أن محّددة مسبقًا؛ وهي بهذا املعنى شخصّية يسّخرها بريخت كقالب لفكرة

املسرحّية.

من املهم التأكيد على أن بريخت يستعمل عناصر احلبكة بشكل بسيط. التي ينطلق النظرّية إثبات العناصر تساهم في وعلى الرغم من أن هذه إلى مدى معنّي. هذا تبدو بسيطة، بل ومضحكة فإنها الكاتب، منها األمر ينعكس بشكل واضح من خالل أحداث مختلفة، مثل عملّية بيع الفيل، التي تعتمد في األساس على افتراضات تبدو صحيحة في إطار

معطيات املسرحّية فقط.18

أما شخصّية األرملة بيغبيك فإنها ال تشارك في األحداث بشكل مباشر. وبفضل هذا املوقع الذي تتخذه تتحّول إلى شخصّية ذات رؤية ووجهة نظر. وطيلة الوقت ترد على لسانها أقوال تتضّمن تأمالتها في سائر الشخصيات، وهي تعّبر عن أفكارها في الغالب بواسطة مقطوعات من الشعر. هكذا تفعل في افتتاحّية املسرحّية، وهذا ما يتكّرر بعد ذلك. املختلفة املراحل تالئم مونولوج في كل أقوالها أن االنتباه يلفت ومما ننا من اعتبار تلك األقوال إجمااًل لألحداث التي في املسرحّية، ما ميكِّجتري على املسرح من جهة، وتعليقات على تلك األحداث من جهة

أخرى.

إن وجود شخصّية األرملة بيغبيك خارج أحداث احلبكة وعدم مشاركتها وهكذا، املهمة. هذه ألداء يخّولها ما هو األحداث تلك في املباشرة ميكننا القول إن جزءًا مهمًا من األبعاد الفكرّية للمسرحّية يرد على لسان

تلك الشخصّية. في إحدى املقطوعات الغنائّية تقول مثاًل :

Page 6: برتولد بريخت--الانسان هو الانسان

رؤى تربوية - العدد الثامن والعشرون

62

ومن شخصّيات املسرحّية ما يستخدمه بريخت إلبداء موقفه السلبي من القيم في السلبي اجلانب إظهار يحاول يفعل عندما معّينة. هكذا قيم أمام جمهور يعرض الذي الكاهن به يقوم ما الدينّية عن طريق عرض هو الصندوق عليه يحتوي ما بأن إقناعهم ويحاول صندوقًا املؤمنني “الله” الذي يؤمنون به )ص: 25-28(. وبذلك يريد بريخت أن يرمز إلى أن ما يؤمن به الناس ميكن أن يكون شيئًا ال قيمة له، وهذا بال شك

تقليل من شأن القيم الدينّية.

املسرحّية، أحداث على تطغى التي هي احلرب أجواء دامت وما لها أخرى اجتماعّية قيم إلى شخصياته خالل من يتطرق بريخت فإن امللقب فيرتشايلد السيرجنت شخصّية تبدو هكذا باملوضوع. عالقة خمسة قتله بسبب اللقب هذا عليه أطلقوا والذي الدم”، “قاشوش بـِ بريخت يرى السياق، هذا في احلرب. زمن في التوالي، على هنود أن ما يعرف مبفاهيم احلرب على أنه بطولة، ميكن أن ُينظر إليه باملفهوم

اإلنساني على أنه إجرام.

احلرب أجواء يعكس أدبّيًا عماًل اإلنسان هو اإلنسان مسرحّية وتبقى بهدف االجتماعية احلالة يعرض بريخت ومسرح بريخت. رآها كما أن يعني هذا املجتمع. إلصالح أداة املسرح أن باعتبار إصالحها؛ اجتماعية قوى إنها بل خفّية، ليست اإلنسان على تؤّثر التي القوى

وسياسّية ميكن تغييرها.

خالد صفديكاتب من الناصرة

»َألِق نظرًة على نهر الكنجحيث يجري من بينار إلى البحر

هل أستطيع أن أسبح عكس ذلك التّيار؟ أبدًامن ميكنه حّتى محاولة ذلك؟ ليس أنا...« )ص: 142(.

هذه األقوال ترمز إلى ما حدث لغالي غاي، بعد أن فقد إمكانّية العودة إلى الوراء.19 إن فكرة األشياء الزائلة تتكرر على لسان األرملة بيغبيك، والهدف من هذه الفكرة هو التأكيد على أن األمور تسير دائمًا في اجتاه

ن من إرجاع عجلة حركتها إلى الوراء. واحد دون التَّمكُّ

في مونولوج آخر تتوّجه األرملة بيغبيك إلى اجلمهور، وتقول:

»اإلنسان هو اإلنسان؛ هذا اعتقاد السّيد برتولد بريختولكن ذلك شيء بإمكان أّي شخص أن يذكره

السّيد بريخت يضيف إلى ذلك:ميكنك فعل ما تريد بالكائن البشري

فّككه كما سّيارة. َأعد بناَءه قطعًة قطعةكما سترى، لن يكون لديه ما يخسره ...ورجاًء ال تفقد اجلانب األخالقي للقضّية:إّن هذا العالَم مكاٌن خطير« )ص: 160(.

عليها تنطوي التي الفكرة تعكس أنها إلى باإلضافة األقوال، هذه إلى املباشر التوجه طريق عن التعزيز من نوعًا تتخذ فإنها املسرحّية،

اجلمهور والتحدث باسم بريخت نفسه.

الهوامش

1 انظر:Rene’ Wellek and Austin Warren , Theory of Lliterature, London, 1966, pp. 94 - 109. The Beginnings : Augsburg and Munich“ الفصل: انظر 2 Fredric Ewen, Bertold Brecht, his :1908-1920” في كتابlife, his art and his time, London, 1970 , p: 55 - 713 انظر: Ewen ، p: 58 ، حيث يشير إلى أن بريخت منذ بداياته كان ينشر

قصائد تتحّدث عن موضوع احلرب.ترجمة احلديث، العصر في أوروبا تاريخ فيشر، هربرت انظر: ذلك عن 4أحمد جنيب هاشم، الطبعة الثالثة، 1958، ص: 533 - 570. ومن امللفت للنظر أن فيشر، كمؤّرخ، عندما يتحّدث عن نتائج احلرب، يخلص إلى نتائج تتعّلق بالوضع األملاني ميكنها أن تالئم اخللفّية التي انطلق منها فيما بعد أدباء املّرة احلقيقة، »وتبّلجت يقول: أعمالهم، وبخاّصة عندما في بريخت مثل تلو املّرة، بأن احلرب أمر غاية في خطورة الشأن، فال ينبغي أن تترك شؤونها لرجال احلرب وحدهم... وال ريب أن جانبًا ليس بالقليل من سقطة أملانيا مكانًا يشغلوا بأن احلرب لرجال سمحت بأنها احلقيقة إلى يعزى أن يجب أعظم مما يّتفق مع مصلحتها وحياتها القومّية« )ص: 538-539(. كما أن وصفه لفواجع احلرب ميكنه هو أيضًا أن يالئم تلك األجواء، انظر هناك ص:

.544–542

مثاًل: انظر الفترة، تلك في أملانيا في ظهرت التي املختلفة التّيارات حول 5في موضوع تركز الذي التعبيري التّيار أن يرى Ewen, P 72-80، وهو احلرب والسالم هو الذي عكس الوضع القائم في تلك الفترة أكثر من غيره. وبريجيتا باومان باربارا كتاب في التعبيرّية« “عصر الفصل انظر كذلك عالم سلسلة شريف، هبة د. ترجمة: األملاني، األدب عصور أوبرله، املعرفة، الكويت: املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب، 2002، ص: مسرحّية اإلنسان هو كتبت حيث العشرينّيات، أدب وعن .300 - 281

اإلنسان، انظر هناك ص: 301 - 318.في شفايك ومسرحّية ،1939 سنة كتبها التي شجاعة األم مسرحّية مثل 6

احلرب العاملّية الثانّية.أملانيا تاريخ شيرر، وليم مثاًل: انظر النازي، احلكم ظل في الوضع عن 7الهتلرّية، نشأة وسقوط الرايخ الثالث، تعريب: خيري حماد، بغداد: مكتبة املثنى 1966. وعن أدباء املنفى، انظر الفصل “األدب األملاني في املهجر” في

كتاب عصور األدب األملاني، ص: 319 – 336.8 ألبير كامو )1955(. أسطورة سيزيف، نقله إلى العربية: أنيس زكي حسن،

بيروت: منشورات دار مكتبة احلياة، ص: 11.9 أسطورة سيزيف، ص: 14.

Ewen, “The poet speaks about exile” في كتاب: الفصل انظر 10

PP. 291-300.

Page 7: برتولد بريخت--الانسان هو الانسان

ونشر

العن و

ثامد ال

عد- ال

ية ربو

ى ترؤ

63

داروين، وهو االنتخاب الطبيعي )Natural Selection( الذي ورد لدى يرى أن ما يربط بني مسرحّية اإلنسان هو اإلنسان وبني نظرّية داروين العلمّية إّنه بل ليس شيئًا محّددًا مسبقًا، اإلنسان إن مصير القائلة الفكرة في يكمن في محيطه، الطارئة والتغييرات اإلنسان بني املستمرة املالَءمة لعملّية نتيجة

انظر:Ronald Speirs, Brecht early plays, Atlantic High lands, N.J : Humanities - press, PP 130-131.فإن الطبيعي، االنتخاب عملّية بخالف أنه التعقيب ميكننا السياق هذا في عملّية املالَءمة تأتي هنا بشكٍل واٍع من الطرفني. أضف إلى ذلك أن مالَءمة استمرارّية إلى تسعى داروين، بحسب حوله، من للظروف احلّي الكائن برفضه انتهت حوله من للظروف غاي غالي مالَءمة أن حني في وجوده؛

لنفسه، بل وبانعدام وجوده.حيث عملّية، ليست املسرحّية هذه أن البعض رأى نفسها األسباب لهذه 18

يصعب على اإلنسان الذي يعيش في عصرنا أن يقتنع بأن احلرب هي شيء جّيد، كما حدث مع غالي غاي، انظر:

Eric Bently, The Brecht Commentaries, New – York, Grove press, 1981, P78.انظر كذلك: Ronald Speirs, p 118، حيث يتنّبه هو أيضًا إلى البساطة التي مّيزت املسرحّية. وعلى الرغم من ذلك، ميكننا القول إنه في مثل هذه البساطة رمبا يكمن عمق الفكرة في املسرحّية. ولعّل بريخت أراد من خالل ذلك التأكيد على أن األمر يبدأ بهذه البساطة ثم ال يلبث أن ينتهي إلى مأزق

مرّكب.19 باإلضافة إلى ذلك، فإن مثل هذه األقوال اعُتبرت أنها اقتباسات من الفلسفة

الفكرة هذه بني يربط حيث ،Ewen, p 137 انظر: القدمية، اليونانّية وبني ما ورد على لسان الفيلسوف اليوناني هيراقليطس ]540 ق. م[ الذي يتجدد املاء ألن نفسه، النهر في مّرتني تخطَو أن تستطيع ال “إنك قال:

باستمرار”.

Battle against the“ 11 حول نضال بريخت ضد اإلرهاب، انظر الفصل

نشاط يعرض حيث ،Ewen, PP 301-330 كتاب: في ،”terrorبريخت في هذا املجال، مبا في ذلك األعمال األدبّية التي كتبها لهذا الهدف. Exile and Anti –“ النازّية، انظر الفصل: وحول نضال بريخت ضد

Nazism” في كتاب:Ronald Gray, Brecht; The dramatist, Cambrige University press, New - York, 1978, pp. 90 - 108.12 A Man’s A man and The Elephant Calf, Early plays

by Bertold Brecht, Edited by Eric Bently, Grove press, New york, 1964, P. 122.

فيما يلي ُيشار إلى أرقام الصفحات إلى جانب كل اقتباس من املسرحّية.األم كمسرحّية األخرى، مسرحّياته في مشابهة، وبصفات تظهر، أنها إذ 13

شجاعة على سبيل املثال.14 كما في مسرحّية األم شجاعة على سبيل املثال أيضًا، حيث نلتقي مع العناصر

نفسها تقريبًا ومنها البار/العربة.15 أنظر مثاًل :Ewen, p 82، حيث يقول معّلقًا على هذه الظاهرة:

”His revulsion from sentimentality _ though not entirely from sentiment – takes the form of deliberate and brutal obscenity, almost a call to debauchery – sex, cigars, alcohol, opium. but it also represents a challenge to smug and solid borgeois morality… “.

16 من اجلدير بالذكر أن املصادر عن بريخت تشير إلى أن مثل هذه الفكرة بدأت

لديه منذ سنة 1921، حيث بدأ يفّكر ببناء مسرحّية حول شخصّية حتمل االسم غالغي )Galgei( )الذي تطّور لديه إلى غالي غاي(، والذي يعني كتلة من الذي كاملاء متامًا تغيير، لكل نفسه يالئم أن ميكنه إنسان شكل على اللحم

.Ewen, pp. 134-135 :يّتخذ شكل اإلناء الذي ُيسكب فيه، انظر17 في كتابه عن بريخت يربط Ronald Speirs بني هذه الفكرة وبني مصطلح

من ورشة »املسرح في التعليم«.