65
Page 1 of 65

مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 1 of 65

Page 2: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 2 of 65

استهالل

.".. "ما ان تولد .... عليك ان تعيش

من رواية "ال قديسون وال مالئكة " اليفان كليما

Page 3: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 3 of 65

!!!.. حسرة

ألول م على العالبطء شديد، كمولود يفتح عينيه عينيه بفتح

،شعر بخدر يسري في جسده كله ،خفة عجيبة لم يعهدها مرة

من قبل ، كأنه روح تحررت من جسدها ، بحركة متثاقلة نظر

حوله ، فأذا بغرفة نومه قد صارت غارقة في ظالم دامس ،

. ظالم....ال فرق اغمض عينيه ثم فتحهما ، فركهما برفق ...

لم يدر ماذا يفعل ، ال بد وان التيار الكهربائي قد انقطع

كعادته في السنوات االخيرة ، فكر ان يظل في فراشه لحين

عودة التيار ، جعل يحملق في الظالم الحالك الذي غطى كل

حوله ، جالت في رأسه افكار عدة ، تذكر ليلة زفافه في ش يء

س ى لفقدان شريكة هذه الغرفة منذ خمسون عاما، شعر بأ

عمره بعد صراعها مع املرض الخبيث ، تذكر والدة ولده

الوحيد في هذه الغرفة ، يومها شعر أنه قد صار رجال مكتمل

الرجولة ، يومها شعر انه ال بد و ان يكون على قدر املسئولية

، ال بد وان يحقق في ولده " تامر" ما لم يستطع ان يحققه

.بنفسه

Page 4: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 4 of 65

ت مالمح وجهه ،شعر بغصة ومرارة في ورغما عنه ، تسمر

حلقه ،احس برجفة قوية تهز جسده الواهن ، سالت دمعة

من عينه ، لم يتصور ابدا ان يكون الجحود ونكران الجميل

جزاء رعايته لولده وشقائه الجله طوال هذه السنوات ،تساءل

في نفسه :هل كل االبناء جاحدون ام انه فشل في تربيه ولده

من املعتاد ان يهمل االبن اباه لشهور طويلة بدون الوحيد؟ هل

اتصال هاتفي على االقل ؟ يا لتعاسة االنسان ...ليته لم ينجب

.. ...ليته لم يتزوج ...ليته لم يولد

فجأة ، اضيئت انوار الغرفة ، دلف الى داخلها رجالن ، االول

رجل ممشوق القوام يرتدي بدلة انيقة ويحمل بين انامله

فخما ، الثاني رجل قصير يميل الى البدانة يرتدي جبة سيجارا

وقفطانا وعمامة ويحمل بين يديه طستا مملوءا باملاء الدافي

. ومن على كتفيه تدلى بشكير ابيض

نظر الرجل االنيق الى الجسد املسجى على الفراش وقد غطته

بطانية من مفرق شعره الى اخمص اصبعه ، اخذ نفسا عميقا

ثم وجه حديثه للرجل البدين قائال بلهجة شبه من سيجاره ،

Page 5: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 5 of 65

: آمرة

.يال يا موالنا انجز ، عايزين ندفنه قبل املغرب -

! حاضر يا " تامر " باشا

!تمت

Page 6: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 6 of 65

في ذمة هللا ....وطن

سادت االستوديو حالة من الجلبة والحركة في كل االتجاهات،

املصورون يجهزون كاميراتهم ويوزعونها على كافة زوايا

االستوديو، فني الكهرباء يفحص سبوتات اإلضاءة ويتأكد من

مة البرنامج راحت ترش شعرها املصبوغ دجاهزيتها للعمل، مق

ملنتصبة هيئته اباللون األصفر الفاقع باالسبراي لتحافظ على

. خالل تصوير الحلقة، الكل مشغولون وعلى عجلة من امرهم

فجأة ...غمرت املكان حالة من الصمت والوجوم ، دلف من

...رحب املخرجوعة من شباب امللحدين باب االستوديو مجم

ومقدمة البرنامج بالضيوف امللحدين بنوع من التقزز والفتور

بها ضيف البرنامج الدائم على عكس الحفاوة التي استقبلوا

الشيخ رمضان عبد ربه الذي اعتاد ان يختم حواره بعد نهاية

ا زنا على رضو كل حلقة مع املخرج بعبارة " ان شاء هللا نكون ح

"معاليك ياباشا

..ستاند باي ...ثري...تو ...وان

Page 7: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 7 of 65

املذيعة: مساء الخير اعزائي املشاهدين ،النهاردة معانا ومعاكم

ضيوف مختلفين ، ضيوف بيمثلوا ظاهرة شاذة وغريبة عن

.املجتمع املصري املعروف بحبه للدين و للتدين

:ة للضيوف ثم بدأت املذيعة في توجيه األسئل

لحاد؟لى دفعكم لالال ايهن اعرف ممك-

لى انا باإلضافة األديانا تزعمه مال دليل علمي على بساطة ، ب-

واقصاء ةلعنف والكراهياتحرض على استثناء بال األديان

.االخر

يلوح و يتفتف جعلو هاج وماجالشيخ ذلك حتي ان سمع ما

يته:على لح مه يتناثررذاذ فو ثم صرخ فيهم ، متعضابيديه م

ثر ير واالى البعلتدل ع باهلل، البعرةة اال حول وال قو ال -

ر.ل على املسييد

ال:قائ يخه للشية ثم وجه حديثامللحدين بسخر حد اسم تبا

Page 8: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 8 of 65

اعك االنشاء بته وبالش كالم فهمنقولنا كالم علمي يا موالنا -

.ده

انتفضت املذيعة من مكانها وصرخت وبدون مقدمات فجأة

:بشكل هستيري

استغفر هللا العظيم، ال حول وال قوة اال باهلل، ايه الكالم ده -

ياكفرة ، انتوا اكيد مجانين ، اإلسالم اعظم دين في العالم

والشعب املصري حيفضل مسلم ومتدين طول عمره

م خير امة أخرجت ...الرسول عليه الصالة والسالم قال "كنت

.معليك ه للناس "، اطلعوا بره االستوديو يا كفرة ...اتفووو

خرج الضيوف في حالة من الدهشة والذهول من موقف

املذيعة املفاجئ ، خلعت املذيعة امليكروفون وقطعة االيربيس

في اتجاه مخرجاملمتلئة ثم هبت واقفة وهرولت تهز اردافها

زوايا االستوديو مبتسما مما البرنامج الذي كان يقف في احد

: حدث ثم همست بابتسامة ماكرة

هاه ، ايه رايك يا أستاذ ؟ عجبتك؟-

اصلي يا نجمة ، حلقة حتكسر الدنيا ... باملناسبة .. اديني -

Page 9: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 9 of 65

وفيت بوعدي وعملتلك الحلقة اللي كنتي عايزاها ؟ ايه نظامنا

الليلة دي ؟

م فتها السفلى ثرفعت املذيعة حاجبها االيسر وعضت على ش

: همست بخفة ودالل

.ال يا حبيبي ، مش قبل ما أوقع عقد البرنامج الجديد -

!تمت

Page 10: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 10 of 65

اكذوبة اسمها ...الحب

هناك. ...تساقطت قطرات املطر الشتوية الباردة فوق اسطح

الطينية املغطاة بالقش والحطب ، ال يدري ما الذي املنازل

جعله يخرج في هذه الساعة املتأخرة من الليل ليقف في هذا

، الواهنة الزقاق العتيق ، وحيدا تحت أضواء أعمدة االنارة

ترتجف اذناه وانامله من شدة البرد ، كل ما يعرفه انه كان ال

ي ا ، حتى ولو رأبد وان يراها ، حتي ولو من خلف ستائر شرفته

ظلها يتحرك في ظالم غرفتها الدامس ، كان هذا كفيال بتهدئة

. نار شوقه وحنينه اليها

نعم ...هو طفل صغير مازال في العاشرة من عمره، ولكن شيئا

ما بداخله كان يجعله يتعلق من وقت ألخر بجارة له في الحارة

ء، الش ي او حتى معلمة له في املدرسة ، لم يكن يعلم كنه هذا

كل ما كان يعلمه ان قلبه كان يهفو لرؤية هؤالء ، وكم كانت

سعادته غامرة عندما كان يجلس على شاطئ ترعة قريته

ساعة الغسق ليفكر في احداهن وقد اخذ يراقب األضواء

املنبعثة من القري املحيطة وهي تتألآل خلف أشجار املوز

Page 11: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 11 of 65

. روالعصافي والنخيل التي جعلت تتراقص على انغام العنادل

كبر الفتى وتخرج من الجامعة ،صادف العديد والعديد من

الفتيات ، ولكن أحدا ما لم يلفت انتباهه ،كان يشعر وان

عطبا ما قد أصاب قلبه ، كما لو كان قد تعطل عن اعظم

مهامه ... الحب .. هل يمكن ان يتوقف القلب عن الحب؟ ام

هو فقط عدم وجود من يستحق ذلك الحب؟

ات صباح ...وفي بداية دورة جديدة في اللغة ، رآها امامه في ذ

غريب ما حدث له في ذلك اليوم ، هل من ...قاعة املحاضرات

املمكن ان ترى انسانا الول مرة فتشعر عندما تراه كما لوكنت

تنظر الى نفسك؟ شعور عجيب بالراحة وااللفة؟ فعال...يبدو

ف اخر في هذا الكون ان املقولة صحيحة...ان لكل انسان نص

.وسعيد حظه من يجد نصفه االخر

هي فتاة حسناء خمرية البشرة، فارعة الطول، تمتلك عينين

تشعان ذكاء ودالال ، تشعر وهي تضحك كما لو ان العالم كله

.ارجوحته الخشبيةطفل صغير يتقافز فوق

Page 12: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 12 of 65

انتهى اليوم األول من الدورة بدون ان يتحدث معها ، الحظ

حه للمحاضرة انها ال تنظر اليه اطالقا ، كانت فقط اثناء شر

.تكتفي بتسجيل ما كانت تسمعه منه

لم تكن ترتدي خاتم زواج في اصبعها ، حسنا .. البد وانها

عروس املستقبل ، حاول التقرب منها على مدار األسبوع األول

، ولكنها كثيرا ما كانت تصده بلطف ، لم يكن يدري ملا تتصرف

نظراتها املختلسة اليه تنبئ بأن شيئا ما بداخلها هكذا، ان

تجاهه، فلما هذا التجاهل والرفض؟

ولكن. رويدا رويدا ...اخذت الشدة تتحول الى لين والرفض

صارح كل منهما االخر بحبه ، ..يتحول الى اقبال ،وبعد شهور

شعر وكأن العالم كله قد صار ملكا له، أخيرا آن للحياة ان

تحقق الحلم واصبح هناك قلب ينبض من تبتسم ، أخيرا

.اجله

طلب منها اكثر من مرة ان يتقابال في مكان عام كي يتعرف كل

منهما على االخر قبل االرتباط، ولكنها دائما ما كانت ترفض،

كانت حجتها دائما انها تخش ى ان يراها احد معه فتسوء

Page 13: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 13 of 65

امر يسمعتها، الى ان اخبرته في يوم انها بحاجة للحديث معه ف

هام على شرط ان يكون هذا اللقاء بعيدا عن اعين الناس، لم

يفهم ما الذي كانت تقصده ، ولكن رغبته في معرفة ذلك االمر

الهام جعلته يستعير مفاتيح شقة احد أصدقائه واصطحبها

. الى هناك، لم يكن يتوقع انها ستوافق على هذا االقتراح

ة ، سألها بلهفة هناك...وبمجرد ان دلفوا من باب الشق

: وفضول

يا ترى ايه املوضوع املهم اللى اصريتي نتكلم فيه على انفراد؟-

:اكتس ى وجهها بابتسامة عذبة ثم ردت برقة وغنج

بجد مش عارف؟-

:نظر اليها باستغراب قائال

ال طبعا-

نظرت اليه نظرة عميقة وقد احمرت وجنتاها وملعت عيناها

: ثم همست قائلة

عارف ان من اول ما شفتك وانا نفس ي فيك؟انت مش -

.ثم طوقت عنقه بذراعيها املرمريين وهمت ان تقبله

تراجع للخلف مذعورا من هول املفاجأة ،اشاح بوجهه عنها ،

Page 14: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 14 of 65

:ثم تمالك اعصابه وتمتم قائال

ارجوكي انا مش عايز كده ، ياريت العالقة اللي بينا تفضل -

.نظيفة زي ما كانت دايما

التالي حاول ان يتصل بها كي يستفسر عن سر في اليوم

تصرفها الغريب فوجد تليفونها مغلقا فاضطر ان يستخدم

رقم تليفونها األرض ي املسجل في استمارة تقديمها في دورة

: اللغات ، التقط هاتفه و طلب الرقم

الو...صباح الخير ... ممكن أكلم االنسة "رحاب"؟-

بيسأل عليكي وبيقول االنسة ههههههه...الحقي ياماما، واحد -

!!!!!""رحاب

...تمت

Page 15: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 15 of 65

هو وهي ...ويوسف زيدان

ذكر كيف حدث ذلك ،تذكر ...او باألحرى هو ال يريد ان يتال ي

كان هذا منذ ما يقرب من عقدين من الزمان ،كانت معه امه

وشقيقته عندما رآها ألول مرة في منزل أهلها ، لم يستطع ان

يحدد كيف احس تجاهها ،هو شعور غريب ، مزيج من الفتور

والحيرة والتردد ، شعور باهت عديم املالمح ،هو الشعور

أجزاء من بانعدام الشعور، هي جامعية ،خلوقة ، تحفظ عدة

القرآن ،مقبولة املالمح ، من بيت طيب ، تجمع في صفاتها

معظم ما يتمنى غالبية الشباب الباحثين عن الزواج

واالستقرار،اما بالنسبة له ...فلم تكن سوى فتاة عادية.

كثيرا ما تمنى ان لو كان بال تجارب عاطفية، تبا لتلك

نساء العالم ، التجارب...لوالها لشعر ان زوجته هي اجمل

لوالها ألصبح للحياة طعم و لون ورائحة ، ولكنه كثيرا ما

تساءل في نفسه، هل التجارب العاطفية البد وان تكون سببا

في شقاء االنسان في حياته الزوجية؟ هل هذا الشقاء عقاب

Page 16: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 16 of 65

من هللا على تلك التجارب؟ ام ان االمر ال يعدو كونه مجرد

على فتاة أحالمه؟صدفة وعدم توفيق في العثور

مرت األيام والسنون بحلوها ومرها ، حدث نوع من االلفة

واالعتياد ،وخصوصا بعد ان رزقهم هللا بالبنين والبنات،

ولكنه في خضم ذلك كله ، كان يشعر دائما ان ثمة ش يء

ينقصه ،كان يشعر ان حياته تسير بشكل آلي رتيب ،ال توجد

ا ينتميان لعاملين أية جسور من التواصل والتفاهم ،هم

مختلفين ، هو يهوى القراءة والرسم واملوسيقى وهي تعشق

الغسيل والطبيخ ومشاهدة املسلسالت العربية والتركية

ومؤخرا الهندية، كان يشعر دائما ان سنين عمره تتبخر

وتتبدد كما يتبدد الشعر األسود الجميل من رأسه ويحل

من يأس وذبول . محله الشعر االشيب الكئيب بما يحمله

فكر اكثر من مرة في الزواج للمرة الثانية عل ذلك يعيد لروحه

حيويتها وشبابها ،ولكنه دائما ما كان يتراجع خوفا على

مستقبل أوالده ورغبة منه في ان تسير مركب الحياة في سالم.

Page 17: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 17 of 65

سألها يوما في محاولة منه إلدخالها الى عامله ونثر بذور املودة

فاهم :والرحمة والت

حبيبتي ، ايه رأيك في يوسف زيدان؟-

قطبت حاجبيها وردت بسرعة واندفاع وقد تناثرت قشور

حبات اللب على شفتيها وذقنها:

منه اوي ملا فسخ خطوبته من مي قطيعة تقطعه ، اتخنقت -

عز الدين!

!تمت

Page 18: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 18 of 65

!!!... سر األستاذ حسن

تسارعت دقات قلبه بشكل ينذر بالخطر، عرق غزير غطى

جبهته، قشعريرة تسري في بدنه ، شعور بالشلل يتخلل اطرافه

، هو اليدري ماذا تراه ان يفعل االن ، هل يدلف الى الداخل

نحو اسرته الصغيرة وليكن ما يكون ، اما يتخاذل عن واجبه

.ويترك الوظيفة الوحيدة املتاحة امامه االن

كانت الحياة تسير على ما يرام، شقة من غرفتين وصالة،

سيارة شاهين في حالة جيدة، زوجة جميلة من عائلة محترمة

وثالثة أطفال يشعون براءة وذكاء، الى ان انتكست حركة

عديدة فيالسياحة بشكل مفاجيء و اضطر ان يمكث لشهور

.منزله بال عمل وال مصدر دخل

واالن.... ثقب االمل الوحيد املتبقي امامه هو العمل كمدرس

لغة انجليزية في احدى املدارس الخاصة ذات السمعة السيئة

، لقد وجد الوظيفة بصعوبة ، فهو ال توجد لديه اية خبرة في

عر االتدريس ، لطاملا كره تلك املهنة ، هي مهنة تبعث على مش

متناقضة ، الشفقة واالحتقار ، شفقة على حال املدرس

Page 19: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 19 of 65

املادي واملعنوي وما يتعرض له من إهانة وضرب من الطالب ،

واحتقار ملا يقوم به بعضهم من تحرش جنس ي اواجبار للطالب

. على الدروس الخصوصية

عليه ان يدخل الى الصف ألول مرة، املفترض ...وها هو االن

على مستقبلهم فهم في املرحلة الثانوية، انهم طالب حريصون

ولكن الهرج واملرج واصوات الصراخ والضحك التي سمعها

اثناء توجهه للصف ال تنذر بخير ابدا ، ال بد وانهم طالب

سيئوا السلوك ،انها طبيعة املرحلة العمرية التي يعيشونها ، ال

هم أطفال وال هم بالغين ، تري ماذا سيحدث ؟

مع رباطة جأشه وكتم أنفاسه والقى بنفسه الى واخير...استج

داخل الصف ، نظر الطالب اليه في دهشة واستغراب ،تقدم

: اليه احدهم وسأله بلهجة ال تخلو من سخرية

ايه يا برنس، بتدور على حد ؟-

.انا مدرس اإلنجليزي الجديد-

انجليزي ...طيب جيف مي بقشيش ....هههههههههه _

لة ، سخرية واستهزاء من الطالب بشكل مرت األيام بخطى ثقي

Page 20: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 20 of 65

يومي ، كان اكثر ما يحرص عليه هو ان يقتصر االمر فقط

على السخرية واال يصل الى حد االيذاء البدني ...كثيرا ما شعر

باالس ى واالسف لحاله ، ولكنه كان يعزي نفسه بانه ليس

الوحيد ، كل معلمي ومعلمات املدرسة يتعرضون لالهانات

ء باشكال مختلفة ..اال مدرس واحد فقط ...االستاذ واالستهزا

حسن مدرس الزراعة...الوحيد الذي يمتلك قدر سحرية على

ضبط الصف ..الطالب يجلسون في حصته وكان على رؤوسهم

الطير..سأله اكثر من مرة عن سر تلك املهارة الفريدة في ضبط

... الصف وكان رده دائما

زم تكون شخصيتك قوية مع قوة الشخصية يا أستاذ ...ال -

طالبك ...امال انت فاكر ايه ؟

لم يقتنع ابدا بتلك اإلجابة، هل كل املعلمين واملعلمات

معدومي الشخصية واألستاذ حسن هو راسبوتين املدرسة ؟

ذات صباح ، مر بجوار احد الصفوف وكان األستاذ حسن

بداخله ، يتحدث بحماس وانفعال للطالب والكل يستمع

ت واهتمام غريبين ، حاول ان يسمع ما يقوله األستاذ بإنصا

Page 21: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 21 of 65

حسن ولكن لألسف لم يتمكن من ذلك نظر الن نوافذ الصف

.الزجاجية والباب كانوا مغلقين بأحكام

شعر بفضول شديد الن يعرف ما يحدث داخل الحصة ،

انتظر الي نهاية الحصة والتقي باحد طالب الصف الذي

:تجمعه به عالقة طيبة وسأله

انتوا ليه قاعدين ساكتين مع األستاذ حسن مع ان باقي -

الحصص بتقلبوها سيرك ؟

:تلفت الطالب حوله بريبة وحذر ثم قال هامسا

اقولك يا أستاذ بس توعدني ما تجيبش سيرة لحد ؟-

.عيب سرك في بير-

و تكبير العضطريقة سن كان بيشرح لنا النهاردة األستاذ ح-

.الذكري

!تمت

Page 22: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 22 of 65

الواجهات املضيئة..!

كانت تلك هي املرة االولى التي يسافر فيها الى باريس , مدينة

الجن واملالئكة , ارض الجمال والنور , كثير ما قرأ وسمع عنها ,

وها هي االن , حقيقة ماثلة امام عينيه , مضت االيام الثالثة

االولي بين حضور لجلسات املؤتمر في الصباح , وزيارة ملقاهي

اء , كان بداخله شغف وشوق لزيارة باريس الشهيرة في املس

االماكن التى تردد عليها العظماء , سارتر وسيمون دي بوفوار

وفولتير وغيرهم من الكتاب والفالسفة الذين تربى على

كتاباتهم.

ذات مساء , اقترح احد االصدقاء القيام بزيارة , زيارة غير

ه لم ترق ل عادية , زيارة لشارع امللذات , شارع املتعة والجمال ,

الفكرة , فقد آمن دوما بأن الجنس بال حب كجسد بال روح ,

كحديقة بال ورود , كسماء بال نجوم ....ونتيجة اللحاح

اصدقائه ..... وافق.

هناك...تآلآلت االضواء الوردية على الواجهات الزجاجية

للمحالت التي تراصت على امتداد الشارع , فتيات حسناوات

س والجنسيات , يتمايلن في رقة ودالل من مختلف االجنا

Page 23: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 23 of 65

خلف الواجهات الزجاجية املضيئة , ال ش ىء يستر اجسادهن

سوى قطعتين من املالبس الداخلية امللونة بألوان زاهية

جذابة ,تزاحم الشباب باندفاع وصخب امام الفاترينات ,

يسألون ويجادلون في تفاصيل االسعار والخدمة املقدمة ,

دبد لحال تلك الفتيات , ان االنسان ليشعر شعر باالس ى الش

بالحزن عندما يبيع تلفزيونا او ثالجة ملجرد ان تلك االشياء

كانت تنتمي اليه في يوم من االيام , فما بالك بفتيات يبعن

اجسادهن , اغلى ما يملكن , يبعنها الي كائن كان , الخير

دوالشرير,الصحيح واملريض ,االبرص واالجرب , فقط ملجر

امتالكه حفنة من املال.

فجأة , ملعت عيناه, واهتز فؤاده , لقد رآها , جمال مالئكي,

عيون زرقاء هدباء , شعر ذهبي المع تدلى بانسيابية على كتفيها

, جسد مرمري ناعم لو رأته فينوس الهة الجمال لغارت منه,

اقترب من الواجهة الزجاجية املضيئة حيث وقفت ..سألها :

دقيقة. 51يورو... 04ت بابتسامة ساحرة : بكم ؟ رد

دلف الى الداخل ، غرفة صغيرة توسطها سرير بالكاد يتسع

لشخصين , الستائر املخملية الحمراء احاطت بالسرير ,

Page 24: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 24 of 65

االنوار الوردية الخافتة انسابت بهدوء لتكسب املكان جوا

سحريا اشبه باحالم املراهقة , خلعت قطعتي املالبس برقة

دت يدها الطرية البضة الى درج ضغير بجانبها وغنج , م

,اخرجت منه واقيا ذكريا وراحت تفض غالفه , هنا , امسك

بيدها برفق واشار اليها ان تجلس بجانبه على السرير , سألها :

ملا انتي هنا ؟ قطبت حاجبيها واكتس ى وجهها بعالمات دهشة

مة ط كو طفولية , كرر السؤال : ملاذا توجد زهرة التيوليب وس

القاذورات؟ اطرقت برأسها لبرهة ثم نظرت البه وقد

اغرورقت عيناها بالدموع... همست : البعض يختارون

وظائفهم والبعض االخر يختارها الفقر والجهل لهم..ثم سالت

من عينها دمعة اشبة بحبة لؤلؤ تتراقص فوق طبق من

سح مالكريستال , نظر اليها نظرة عميقة دافئة , مد انامله لي

دمعتها برفق وحنو ...اخرج من جيبه ورقة فئة املائة يورو ,

وضعها في يدها ,طبع قبلة على جبينها ...وانصرف!

!تمت...

Page 25: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 25 of 65

جمهورية املظلومين

ارتسمت على وجهه الذابل اغمض عينيه ومال برأسه للخلف ,

ابتسامة هادئة , تذكر يوم تخرجه من كلية السياحة والفنادق

بتقدير امتياز ,ذلك اليوم الذي طاملا حلم به وسهر الليالي

سامح .الطوال من اجله , دائما ما حلم بلقب "دكتور" , د

فوزي , يا له من اسم موسيقي جميل , واالجمل منه حرف

. الدال الذي يسبقه

ولكن هيهات ..ابت الحياة اال ان تكون مأساة اغريقية ... لم

يتحقق حلمه , قتلته املحسوبية اللعينة كما قتلت كل ش ىء في

بالدنا...اختاروا ابنة احد اعضاء هيئة التدريس التي حصلت

! على جيدا جدا فى العام السابق

ه أبوكما هو الحال دائما , ال بد للحياة ان تستمر ,الحياة ال ت

الحياة ال تتوقف من اجل احد , الظاملون ماضون في , بأحد

,ال ش ىء يتغير لالفضل ,ظلمهم , واملظلومون يأنون أملا ويأسا

الكون برمته اشبة بكرة صغيرة تسبح بشكل عبثي في فضاء

!سرمدي مظلم

Page 26: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 26 of 65

ورغم شعوره بالهزيمة واالنكسار , دارت عجلة الحياة , عمل

بشرم الشيخ , نجح بعد عدة سنوات في بأحد الفنادق الفخمة

توفير مبلغ يسير من املال استطاع من خالله الزواج وشراء

ذلك الحي الشهير بجمهورية فيصل , " شقة في " فيصل

. الشعبية نظرا الكتظاظه املخيف بالسكان

ومرة ثانية , لم يتركه القدر وشأنه , وكأن مؤامرة كونية قد

سياسية بالبالد ادت النهيار حدثت اضطرابات , حيكت ضده

اصبح بال عمل ...اصبح ال ش ىء ..السياحة ...وانهياره هو ايضا

! ...زوجة وطفالن يعولهم " ال ش ىء"...تبا لتلك الحياة

اشارت عليه زوجته واقاربه ان يبيع شقته الصغيرة ويشتري

بثمنها ميكروباصا...رفض ...صرخ ...بكي ..تساءل والقهر

هل من العدل ان يعمل الشاب املجتهد خريج يعتصر قلبه :.

الجامعة سائقا للميكروباص ؟

فجأة , استيقظ على صوت اتاه من الخلف صائحا : يال يا

! اسطى " سامح " .....العربية كملت

. ! تمت

Page 27: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 27 of 65

خنوع

والناس من خوف الفقر في فقر ...ومن خوف الذل في ذل

محمد الغزالي

انطلقت دقات جرس املدرسة إيذانا ببدء اول يوم في العام

الدراس ي الجديد...عام جديد من الغربة والقهر وامللل

......واملال أيضا... دائما ما ولد لدي هذا اليوم الكثير من

املشاعر املضطربة واملتضاربة في آن واحد ... ....تدافع الطالب

الخليجيين واملقيمين في اتجاهات شتى يبحثون عن صفوفهم

الجديدة ليصطفوا في النهاية في طوابير متوازية ومتساوية في

علمون اقبلوا مبتهجين الساحة الداخلية للمدرسة...امل

يتبادلون التهاني والسالمات فضال عن القصص والطرائف

Page 28: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 28 of 65

التي جرت لهم خالل شهري االجازة الصيفية ...هناك ملحته

للمرة االولي....كان شابا في منتصف الثالثينات ،قمحي اللون

تميل بشرته الى السمرة وتش ي مالمحه بكم القهر واملعاناة التي

يطرق الحظ بابه وفي يده فرصة عمل في عانى منها قبل ان

كاكيا وقميصا مشجرا ذو الوان الخليج ، كان يرتدي بنطاال

زاهية و متنافرة وحذاء اسودا باهتا غطته االتربة وكأن

صاحبه قد اتي الى الخليج سيرا على االقدام ....كانت ترتسم

على قسمات وجهه عالمات القلق والتوجس واالضطراب

الفضول الى ان أسأل الزمالء عن الوافد الجديد، .....دفعني

اخبرني احدهم بانه زميلنا الجديد في قسم اللغة

العربية....االستاذ/ رجب أبو صميدة.

ومن األسبوع األول بدت عليه عالمات الجد واالجتهاد في العمل

Page 29: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 29 of 65

، وكثيرا ما كان يحمل اجندة في يده ليعطي انطباعا ملن حوله

ه الشاغل حتي اننا بتنا نسميه بأن العمل هو شغل

"االجنداوي" نسبة الى االجندة ...واكثر ماكان يلفت االنتباه هو

حرصه على ارضاء الرؤساء املباشرين وأعضاء اإلدارة العليا

بشتى الطرق.... الحظنا انا وغيري ذلك عن كثب وكنا نجده

امرا مبررا ...فأي معلم جديد البد له وان يثبت اقدامه

سة ويضع بصمته الخاصة واال كان مصيره انهاء خدماته باملدر

بال ادني تردد والعودة الي حياة الضنك واملعاناة.

كان كل ذلك عاديا ، أما ما لم يكن عاديا فهو محاولته التقرب

من رؤسائه بطرق مقبولة و غير مقبولة، بل ومهينة احيانا،

ة يقوم وتار فهو تارة يجلب لهم الهدايا بمناسبة وبدون مناسبة

بدور الجاسوس على زمالئه وتارة يحكي لهم القصص والنكات

Page 30: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 30 of 65

الجنسية ..وكان مع نهاية كل شهر ووصول رسالة إيداع راتبه

في البنك يزداد كبرا وحقارة ...كان يتعامل مع زمالئه على انه

اهم منهم وكان كلما تيقن من قوة عالقته برئيس له في العمل ،

،حتى انه كانت هناك روايات وغمز وملز تطلع للمستوى األعلى

عن قوة وحميمية عالقته مع مدير املدرسة الخليجي و مكوثه

في مكتبه لساعات طويلة واملكتب مغلق عليهم ....!!! كنا دائما

ما نشعر باإلهانة والخزي بسبب افعاله فهو في نهاية االمر

ارة دمحسوب علينا كواحد من بني جلدتنا وكنا على يقين ان اإل

تنظر له نظرة ازدراء و احتقار....او على األقل كنا نظن ذلك ..

وذات صباح ، دق جرس الهاتف في قسمنا ،قسم اللغة

العربية ، التقط رئيس القسم سماعة الهاتف ،وفوجئ بمدير

املدرسة على الطرف االخر، ازدرد ريقه بصعوبة بالغة وقال

Page 31: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 31 of 65

بصوت مضطرب:

صحة سعادتك ، أأمرني سيادتك.صباح الخير يا افندم ،ازي -

هال أستاذ، رجاء تسلم مفاتيح مكتبك و ملفاتك لألستاذ / -

رجب أبو صميدة.....رئيس القسم الجديد...!!!!

تمت !

Page 32: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 32 of 65

القرار

ضها بع .... االيام في الغربة مستنسخة من ال جديدرتابة , ملل ,

, حياة بال طعم وال لون وال رائحة , ليس البعض بعبقرية فذة

فيها ما يشعرك بالسعادة ... وال الحزن .... هي اشبه باملوت !

كثبرا ما خطر له ان بعود الى ارض الوطن , كثيرا ما تراجع ,

عن اناس اتخذوا تلك الخطوة لقد سمع من الحكايات الكثير

وندموا عليها اشد الندم ,منهم من افلح في العودة الى الغربة

ومنهم من ينتظر.

ولكن الى متى هذا التردد ؟ ايترك حياته تضيع سدى؟هل

الهدف من الحياة هو العيش الكريم وجمع االموال فقط ؟

وماذا عن دفء الصحبة وملة االهل ؟ ماذا عن روح الحياة ؟

اخيرا ...اتخذ القرار...هبطت الطائرة الى ارض الوطن بهدوء و

Page 33: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 33 of 65

وسالم ,اسرع الركاب ينزلون حقائبهم واغراضهم قبل ان

تتوقف الطائرة عن الحركة, لم يبال اي منهم بصراخ املضيفة

التي راحت تطلب منهم الجلوس لحين توقف الطائرة , تزاحم

لبعض الجميع في ممر الطائرة محاولين تخطي بعضهم ا

ملغادرة الطائرة وانهاء اجراءات ختم الجوازات بسرعة , تساءل

في نفسه : الم تغير الثورة في املصريين شيئا ؟اما زالوا مدمنين

للفوض ى و"الفهلوة"؟ وسرعان ما ابتسم حين تذكر ان هؤالء

هم املقيمون في الخارج, ومن الطبيعي ان يكون سلوكهم هكذا

د , هم ما زالوا على نسخة , هم لم يتم "فرمتطهم" بع

"الويندوز" الخاصة بما قبل الثورة , ال بد وان الثورة غيرت

الكثبر في سلوك املصريين الذين ينعمون بالعيش في ربوع

الوطن , وهذا هو ما حدث ابنائه كثيرا عنه ؟ البد وان كل ش ىء

Page 34: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 34 of 65

قد تغير الى االفضل ..ان الشعب املصري ذور السبعة االف

ارة سيعود لسابق عهده ويبهر العاالم كما ابهره سنة من الحض

قديما.

اثناء وقوفه في طابور ختم الجوازات , الجظ ان عالمات

االستياء والحنق قد كست وجوه الضباط وامناء الشرطة ,

انهم يختمون الجوازات بال ادنى اكتراث بالشخص االواقف

ريب!امامهم ,هم ال ينظرون اليه, اليعيرونه اي انتباه...غ

ذهب ليجلب عربة "ترولي" لنقل الحقائب , فوجد طابورا

طويال هناك , سأل : ملا هذا الطابور ...اجابه احدهم بدون ان

يلتفت اليه : منتظرين التروللي ياسيدي!

هنا...طلب منه ولده الصغير ان يذهب الى الحمام, استقبلتهم

Page 35: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 35 of 65

ينعلى باب الحمام سيدة مسنة ترتدي جلبابا وحجابا ازرق

غطاهما البلل والوسخ ...

حمدا هلل على السالمة ياباشا ...كل سنة وانت طيب ...-

اخرج من جيبه ورقة نقدية ودسها في يدها في صمت .

اووف ...ايه القرف ده ! -

سارع نحو صوت ولده الذي انبعث من الحمام , وجده قد

وقف في تقزز وقرق وسط بركة من املياة القذرة غطت ارضية

مام وعامت على سطحها املناديل الورقية املتسخة بلون الح

بني عجيب اشبه بلون بشرة املصريين.

بابا ...هي الثورة اللى انت كلمتني عنها ما -صاح الولد في أباه

جاتش الحمام؟

Page 36: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 36 of 65

ضحك االب ضحكة مدوية ما زال يتردد صداها في رأسه حتى

االن.

!تمت...

Page 37: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 37 of 65

في شرفتي ...سوف اظل.

اطل من شرفتي كل صباح على هذا العالم العجائبي، فيطرب

عيناي فرحا لرؤية خيوط البالبل وتلمعقلبي لشقشقة

شجرة اغصان بخجل بينتتسلل الذهبية،الشمس

....اشعر بالحب يغمر كل جوارحي .....ما الوارفة ، الصفصاف

اجمل هذا الكون وما اعظم من ابدعه!

في عربة مترو االنفاق، واثناء رحلتي اليومية الي مكان عملي،

التحم الركاب ببعضهم البعض بسبب االزدحام املعتاد في

ي الجومثل هذا الوقت من الصباح ،تصاعدت رائحة كريهة ف

بسبب رائحة العرق واالنفاس ، تنوعت اعمار واشكال الركاب

، فهذا شاب يحملق في هاتفه املحمول وهذه سيدة تصطحب

طفلتها الى املدرسة وهذا موظف يمسح حذائه بمنديل ورقي

وهذه سيدة عجوز لم تجد من يرفق بشيخوختها و يدعوها

ا ثوبا ابيض للجلوس، وكان بين هؤالء رجالن....احدهما يرتدي

قصيرا وقد تدلت من وجهه لحية طويلة غير مهذبة واخذ يقرأ

القران بصوت عال غير مبال بمن حوله ، وعلى مقربة منه

Page 38: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 38 of 65

وقف شاب ثالثيني يرتدي صليبا في عنقه واخذ ينظر اليه

نظرات تنم عن استياء وضجر ، اقترب املسيحي من املسلم

وقال له:

فانت في مكان عام.من فضلك اخفض صوتك قليال -

رفع املسلم راسه من املصحف ورد باستعالء :

هذا كالم هللا ومن حقي ان ارفع صوتي في أي مكان كيفما -

شئت.

دهش املسيحي لهذا الرد املفاجئ وزفر بحدة:

اذن من حقي ان اخرج انجيلي واقرأ فيه بصوت عالي مثلما -

فعلت.

على الفور انتفض املسلم ورد بغضب :

بك محرف وعقيدتكم باطلة يا من جعلتم من املسيح الها.كتا-

ارتعد املسيحي واحمرت اوداجه وصرخ قائال:

Page 39: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 39 of 65

اخرس ..اخرس يا من تشرب بول االبل وتضاجع الصغيرات -

وتنشر دينك بالقتل والذبح.

هنا تدخل شخص ثالث ارتسمت على مالمحه عالمات

ة:واثقجة بازدراء وقال بله إليهمالسخرية واالستهزاء، نظر

انتم تتجادلون في أمور ليس دابة،من أجهل أنتم االثنان -

عليها دليل والعلم الحديث اثبت تخلفكم وايمانكم

بخرافات وخزعبالت.

وهنا وقعت الواقعة ، و نشبت معركة حامية بعربة املترو

اصبت على اثرها بكدمة اسفل عيني اليمني علما بانني لم يكن

أشارك في الحوار بأي شكل من االشكال.لي ناقة وال جمل ولم

لم اذهب للعمل في هذا اليوم وعدت ملنزلي في حالة من الذهول

وااللم أيضا.

وقفت في شرفتي وسرحت بأعيني وقلبي في جمال األشجار

وزرقة السماء وانعكاسها على صفحة مياه النهر ... ثم

همست في نفس ي قائال:

Page 40: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 40 of 65

سوف اظل هنا في سحقا لكم وملا فعلتم بأربابكم، -

شرفتي.... مع خالقي.

!تمت....

Page 41: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 41 of 65

سقوط االله

سوى اللون الرمادي ، لقد سئمت يظلل سماء حياتها الش ىء

برد قلبها ويمأل خواء عقلها هناك ش يء يدفىءكل ش يء ،ما عاد

غير الفيسبوك ، ..نعم الفيسبوك ، حواراتها اليومية مع

اصدقائها وصديقاتها أصبحت طقسا مقدسا ، هي تعلم انهم

أصدقاء افتراضيون او على االصح وهميون ، منهم من تتظاهر

بانها امرأة وهى رجل و منهم من يدعي النبل والشرف وكل همه

جنسية على الويبكام . إقامة عالقة

ولكن لم يكن لديها بديل ، فزوجها مشغول دائما في عمله ،

وهي مهملة دائما وملقاة في ركن من اركان املنزل كقطعة اثاث

بالية ، ال أطفال ، ال عمل ، ال ش يء ، حالة من الفراغ املادي

والعاطفي ، حتي زوجها التي ظنت انها تحبه يوما لم يعد كما

اصبح مجرد عابر سرير . كان ،

فجاة، تغير كل ش يء في حياتها ، اصبح لكل ش يء لون وطعم ،

اصبح لحياتها معني ، كل هذا فقط ملجرد ظهور شخص في

Page 42: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 42 of 65

حياتها ، شخص بمفرده كفيل بأن يغير نظرة انسان الى العالم

، وحتى الى نفسه ، ولكنه لم يكن كمثله احد ، هو الكاتب

، هو األستاذ.والروائي والفيلسوف

لم تكن قد سمعت به من قبل، كان اول عهد لها به من خالل

احدى صديقاتها على الفيسبوك ، انضمت الى صفحته ، ومن

يومها اصبح هو كل حياتها ، مأل عاملها بفكره ومحاضراته

ورواياته ،قرات كل كتبه ، حفظت مقاطع من رواياته ، كانت

لثغته في حرف الراء تعشق طريقة القائه للشعر ، كانت

تشعرها بقشعريرة تسري في جسدها ، كثيرا ما سألت نفسها

:هل هي تعشقه ؟ ولكنها دائما ما كانت تضحك و تطرد من

ذهنها ذلك الخاطر ، فهو متزوج ولديه أوالد وقبل كل ش يء في

عمر والدها .

كان ال بد وان تراه ، وتكلمه وجها لوجه ، وتحاوره عقال لعقل ،

اجيه قلبا لقلب ، علمت من خالل صفحته على وتن

الفيسبوك بانه سيقيم حفل توقيع لروايته الجديدة في

احدى املكتبات الشهيرة بالزمالك .

Page 43: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 43 of 65

هناك رأته ، شعرت كما لو كانت تحلم ،تراقص قلبها فرحا

وغبطة ، ها هو األستاذ بشحمه ولحمه ، كثيرا ما كانت تخش ى

ئها على الفيسبوك ، تحلق بان يكون وهما كمعظم اصدقا

الشباب والبنات حوله في صخب وفرح ، منهم من كان يطلب

توقيعه على الرواية ، ومنهم من أراد ان يلتقط صورة تذكارية

معه ، كان امللهم ألناس كثيرون في زمن ندر فيه امللهمون.

اقتربت منه بخطى متئدة وقد غمر وجهها خجل انثوي ساحر

تسامة ساحرة ، مدت يدها تصافحه ، واكتست شفاهها باب

قبض على يدها بقوة وسالها :

اتقابلنا قبل كده ؟-

الء-

اوك ، ده الكارت بتاعي ، ابقي كلميني.-

اخذت منه الكارت وخرجت من املكتبة مسرعة تكاد تحلق في

تكاد ترقص وتغني مع عصافير السماء ، ألول ‘ سماء الزمالك

نه الحدى مريديه.مرة يعطي معبود رقم تليفو

Page 44: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 44 of 65

في املساء ، اخذت دشا ساخنا واعدت كوبا كبيرا من عصير

البرتقال البارد واستعدت لحوار فكري عميق مع معبودها

الذي تحول فجأة الى حقيقة :

مساء الخير ، ازاي حضرتك ؟-

اهال، ازيك ..كنت عارف انك حتكلميني .-

وحضرتك عرفت ازاي؟-

! النسوان كويس اوي في ..انا بأفهمههههههه.. -

!تمت ...

Page 45: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 45 of 65

حكاية "حازم"

كم انت كريه أيها الصيف بجوك الخانق وشمسك الحارقة،

كانت تلك هي الكلمات التي تترد في ذهني اثناء دخولي ملحطة

مترو االنفاق بمنطقة "الخلفاوي" ، زحام شديد اجتاح

املحطة ، ركاب صاعدون واخرون هابطون ، ال احد ينظر

الحد ، الكل مشغولون وهائمون على وجوههم كما لو كانوا

مخلوقات من "الزومبي"

اال وجه واحد ظل ينظر لي من وسط الحشود، شاب ثالثيني

حلو الطلعة جميل املظهر وقف يرقبني من على البعد، ولكن

ملا يحدق بي الشاب الوسيم هكذا ؟ ال بد وان هناك ثمة شبه

بيني وبين قريب له او صديق .

ا وجذب كموصل القطار ، تسابق الكل للركوب ، تدافع وشد

لو كانت مباراة لكرة القدم االمريكية ، المكان ملوضع ساق في

العربة ، الكل يشهق ويزفر العنا شدة الحر، ولكن ...ما هذا ؟

ثمة شخص يقف امامي ويكاد يلتصق بي بشكل غريب .

Page 46: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 46 of 65

لو سمحت ،ممكن تطلع ادام شوية ؟-

اوه ،انا اسف ..غصب عني ،حضرتك شايف الزحمة.-

انه الشاب الوسيم الذي كان يحدق بي على رصيف يا الهي ،

املحطة ، ولكن ملا يحاول االلتصاق بي هكذا ؟ تبا لذلك

الزحام اللعين.

للمرة الثانية ، الشاب الوسيم يرجع بقوة الى الخلف ويلصق

ظهره بصدري ، انه يحاول ان يعبث بجسدي ، يالهي ...لقد

بد وان اضع اتضحت الصورة االن ،هو واحد من هؤالء ، ال

حدا لهذه املهزلة، ولكن هناك مشكلة ، اذا حاولت ان ادفعه

بيدي لربما كان مختال نفسيا وحاول ان يضربني ،ومن الجائز

جدا ان يشبعنا الركاب نحن االثنين وابال من اللكمات

والركالت ..ال بد وان اتحمل هذا التحرش املنحط حتي يتوقف

القطار في املحطة القادمة.

Page 47: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 47 of 65

وقف القطار بهدوء في محطة "سانت تريزا" ، هبطت بسرعة ت

مذهوال مما حدث ، ولكن ذهولي تضاعف عندما رأيت الشاب

الوسيم امامي ، يبدو انه مجنون فعال.

اقترب مني وابتسم ابتسامة ساحرة كشفت عن اسنانه

البيضاء الجميلة.

مساء الخير ، انا اسمي "حازم" وكنت عايز اتعرف على -

ك.حضرت

وانا يا سيدي مش عايز اتعرف عليك...عن اذنك. -

انصرفت من امامه مهروال الى خارج املحطة غير مصدق ملا

حدث ، يا للغرابة !! لقد اتضح ان هؤالء األشخاص موجودون

في الحياة فعال، لقد كنت اظنهم موجودون روايات عالء

االسواني فقط.

م ، لم استطع منه ظل هذا املوقف مخيما على ذهني لعدة أيا

ولم استطع ان انس ى نظرات الضحك واالستهزاء التي فكاكا ،

صوبها لنا بعض الركاب املنتظرين على رصيف املحطة ، ال بد

Page 48: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 48 of 65

ملا تعاطفت حازم" ويعرفون حكايته ، ال ادري "وانهم يعرفون

مع هذا الشاب املدعو "حازم" ، لقد سمعت كثيرا بأن هؤالء

األشخاص ال يولدون "شواذا" ولكنهم يصبحون كذلك اذا ما

تعرضوا العتداء جنس ي في طفولتهم ، غالبا ما يكون من احد

األقارب او الجيران .

ولكني قرات على احد املواقع أيضا ان هناك بعض األبحاث

ان هؤالء األشخاص يولدون بجينات الشذوذ ، يا التي تؤكد

لتعاستهم ! انني ال استطيع ان أتصور كيف تكون حياتهم ، هل

لديهم القدرة على الزواج واالنجاب ، ام ان هذا االمر قد يكون

حائال دون سير الحياة في مجراها الطبيعي ، هم مساكين حقا

قار من ، ان هذا البالء يجعلهم عرضة للسخرية واالحت

املجتمع باكمله ، وكثيرا ما يتعرضون بسبب تلك اللعنة

لالختالط بنوعيات منحرفة من البشر لتلبية رغباتهم امللعونة،

سائق توتوك او صبي حالق، أي ذكر أيا كان.

وبينما انا غارق في التفكير في حكاية "حازم " ، انطلق صوت

امي من املطبخ مجلجال :

Page 49: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 49 of 65

بني ..االكل حيبرد.يال يا "حازم " يا ا-

!تمت ..

Page 50: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 50 of 65

والى اين؟ ملاذا؟

انطلق مسرعا الى خارج املستشفى يتصبب عرقا ورعبا، منظر

صديقه وهو مسجى على فراش املستشفى متأرجحا بين

و املوت أصابه بالهلع والحزن، هل من املعقول ان يخر الحياة

االنسان صريعا في اقل من ثانية بعد ان كان يمأل الوجود

صخبا وحياة؟

تقوقع على نفسه داخل حجرته ملدة أسبوع، ال يكلم أحدا وال

يكلمه احد، كان السؤال الوحيد املسيطر على ذهنه ...ملاذا؟

ب بعد املوت ؟ هل هللا موجود؟ ملاذا نحن هنا؟ والى اين سنذه

هل حقا سأموت؟ كيف لم يجل برأس ي هذا الخاطر من قبل ،

رغم ان املوت هو الحقيقة الوحيدة املؤكدة في هذا العالم.

حاولت زوجته ان تستفسر عما أصابه وغير حاله، لكنها لم

تفلح في ذلك ، خطر ببالها انه من الجائز ان يكون قد ارتبط

العمل ، وملا ال ، لقد تخطى سن األربعين منذ بزميلة له في

Page 51: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 51 of 65

عامين ، وهذه هي سن اليأس التي يحتاج فيها الرجل الن

يستعيد رجولته وينعش شبابه .

غريب جدا ان يشعر االنسان كما لو كان قد استيقظ فجأة

من ثبات عميق ، كيف لم يالحظ تلك التجاعيد التي بدأت

يب الذي التهم رأسه ، هي تزحف على وجهه ويديه ، وذلك الش

نذر املوت ال شك ، ذلك الشبح البغيض الذي يقف ملوحا

بمنجله في نهاية الدرب املظلم.

لم يعد هناك ش يء مبهر ، ال ش يء يبعث على الضحك ، حالة

من الفتور جثمت على قلبه وعقله ، اللون األبيض الكئيب

ملوت.الجدران املستشفى صار يحلق في االفق، لون الصمت و

هي حبكت القراءة دلوقتي يا واد يا محمد؟ ما تقوم -

اتخمد بقى ونام.

حاضر ياماما ...امري هلل ..اكمل قراءة الرواية بكره. -

!تمت

Page 52: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 52 of 65

!!! يوسف زيدان.... امللحد

القابع في شرفةالقى بجسده الواهن على الكرس ي الخشبي

شقته ، استسلم لنسمات الشتاء الباردة وهي تداعب خصالت

شعره األبيض املنساب على جبهته العريضة ، ما اجمل شمس

الغسق وهي تتوارى في خجل خلف البنايات العالية ، ثم تذوب

.رويدا رويدا في أحضان موجات البحر الهادر

قد ، وجد كتابا كانالحت منه نظرة الى الطاولة الكائنة بجانبه

شرع في قراءته منذ أيام بعنوان "الطريق الصوفي" للدكتور

يوسف زيدان، تناول الكتاب برفق وحنو كمن يحمل طفال

رضيعا ، راح يقلب في صفحاته حتى وصل الى الفقرة التي كان

قد توقف عندها منذ يومين، وجد انها تتناول فلسفة الشيخ

: "، لفت نظره املقطع القائلاألكبر "محيى الدين بن عربي

Page 53: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 53 of 65

نكر صاحبى إذا لم يكن دينى إلى دينه دانى لقد كنت قبل اليـوم أ

كل صورة فمرعى لغزالن ودير لرهبان وقـد صـار قلبى قابال

طائـــف قرآن وبيـت ألوثان وكعبة

وألواح توراة ومصحف

ـهـت أ ركائبه فالحب دينى وإيمانـى دين بدين الحب أنـى توج

ضم الكتاب الى صدره ثم تنهد بعمق وقد ارتسمت على وجهه

مال برأسه الى الخلف، اغمض عينيه ابتسامة راحة و سالم ،

في رقة وهدوء ، همس في نفسه قائال " يا هللا ، ما اجمل ان

يدين االنسان بدين الحب ، نعم ...هو الحل األمثل لكل

مشاكلنا ، فاالعتقاد باحتكار الحقيقة املطلقة هو اس البالء ،

في هذا العالم ال توجد حقيقة مطلقة ، التغير هو الش يء

د الغير متغير ، حقيقة االمس هي خرافة اليوم ، قمة الوحي

الجهل ان تعادي انسان ملجرد اختالفه معك في معتقدك ،من

الذي يحسم بأنك على صواب وانه على خطأ ؟ البد وان تقبل

Page 54: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 54 of 65

االخر املختلف ، وفي النهاية الحساب عند هللا "هو اعلم بمن

." اتقى

ة من عينه ، تذكر فجأة ، شعر بغصة في حلقه ،وانسابت دمع

شبابه سني شبابه االولي عندما انضم الى احد الجماعات

اإلسالمية واطلق لحيته ، تذكر كيف كان يحتد على والده

الراحل وكم اشتعلت الشجارات بينهما بسبب حرص والده

على قراءة كتب هيوم وسبينوزا وانجلز، كان يرى ان هؤالء

حرق كتبهم ويتوب الى الفالسفة ملحدين وان على والده ان ي

كم كنت اخرقا ، كيف جرؤت على ان انهر والدي ....هللا

واتخذ منه عدوا ملجرد اختالفي معه في وجهة نظر، يا لغبائي

ورعونتي....ها انا االن اقرا كتب كل هؤالء باإلضافة الى كتب

عتاة امللحدين امثال ريتشارد دوكنز وسام هاريس وكريستوفر

...رحمك هللا يا ابتي...كم اتوق الن اقبل يديك وقدميك هتشنز

.اعتذارا عما بدر مني من حماقة وجهل

هنا ...اقتحم عليه ولده املتشدد الشرفة فأبصر في يديه كتاب

Page 55: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 55 of 65

: يوسف زيدان فاستشاط غضبا وصاح به قائال

ايه ده يا بابا ، بتقرا كتاب ليوسف زيدان امللحد؟-

ه ملحد؟ليه يا ابني بتقول علي-

.النه انكر املعراج وده ش يء معلوم من الدين بالضرورة -

وماهو تعريفك للمعلوم من الدين بالضرورة؟-

:تلفت الشاب يمنة ويسارا ثم ازدرد ريقه وزفر في حدة

!!! لو سمحت يا بابا ...ما تغيرش املوضوع-

تمت !

Page 56: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 56 of 65

أبو حمص الترمساني"“الشيطان في منزل الشيخ مزامير

تفقد النوافذ واالبواب واطمئن انه قد اغلقها جميعا، همهم

،

، يدعو دعاء الخروج من املنزل " بسم الل

ى اللت عل

لتوك

ضل ،ضل أو أ

بك أن أ

ي أعوذ

هم إن

زل ، أو أظلم الل

زل أو أ

و أ

أ

" ....ثم اغلق الباب باملفتاح أ يجهل أو يجهل عل

م ، أو أ

ظل

و أ

وانصرف .

تلفتت "نور " يمنة ويسارا غير مصدقة انها قد باتت

بمفردها، شعرت كما لو ان املنزل قد صار حديقة غناء ، كما

لو أن روحا شريرة قد انصرفت للتو ، غريب تغير احساس

االنسان باملكان بتغير األشخاص املحيطين ، اسرعت الى

تالطاولة الخشبية الصغيرة في منتصف الصالة ، التقط

ريموت التلفاز ، اشعلته بفرحة ، أضاءت الشاشة على احدى

القنوات التي تخصصت في تصدير الصياح والصراخ واللحى

الشعثاء ،شعرت كما لو ان خفاشا قد قفز من الشاشة و

Page 57: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 57 of 65

التصق بوجهها ، ضغطت الزر بحركة ال ارادية لتغيير املحطة

كة االري الي محطة أخرى للموسيقى الكالسيكية ،تمددت على

برقة ونعومة ، فكت جدائل شعرها األسود الناعم لينساب

على صدرها وكتفيها في انسيابية ساحرة ،مدت يدها الي

الطاولة الصغيرة بجانبها ، تناولت رواية "نور " ليوسف زيدان

، كم تحب هذه الرواية ، فتحت الرواية على وردة حمراء ذابلة

لنظر فيها ، شعرت برجفة ، التقطت الوردة برفق ، دققت ا

تسري في جسدها ، تسارعت دقات قلبها على نحو غير معتاد ،

بدا لها كما لو انها قد صارت تماما كالوردة الذابلة ، وملا ال ؟

ألم تترك دراستها الجامعية من اجل الزواج ؟ ألم تتزوج من

انسان يختلف عنها في كل ش يء ؟ هي تعشق املوسيقى والشعر

هو ال يعلم عن الدنيا شيئا سوى الحالل والحرام ، ال واالدب و

تتذكر انها اشتركت معه في حوار فكري ابدا ، كثيرا ما حاولت

ان تدخله الى عاملها ولكنه دائما كان يحول كل ش يء الى حرام

Page 58: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 58 of 65

وحالل ومكروه ، حتى انها أصبحت تشعر كما لو كانت زوجة

عناكب.ملجلد قديم اصم غطته االتربة ويرقات ال

فجأة، صدر صوت وقع اقدام على باب الشقة ، دلف الى

الداخل رجل يرتدي جلبابا ابيض ويتدلى من على راسه شال

ابيض طويل ومن وجهه لحية سوداء كثة، اشبه ما يكون

بكفار قريش بعد اعتناقهم اإلسالم ،همهم يدعو دعاء دخول

لخروج ، املنزل تماما كما فعل في الصباح عندما دعا دعاء ا

انتبه فورا الى صوت املوسيقى املنبعث من التلفاز ، اسرع

يصرخ في زوجته النائمة على االريكة ، لم يالحظ انها في نومتها

بدت أشبه بمالك رقيق يسبح في عالم شفاف من الزنابق

والفراشات امللونة ، لم ينتبه للوردة الحمراء الذابلة التي

يقة او رواية "نور" التي وضعتها امسكتها بين اناملها الرق

بالقرب من قلبها ،صاح فيها بحدة :

بسم هللا ما شاء هللا، معازف في بيتي، مزامير الشيطان -

في بيت الشيخ أبو حمص الترمساني !

Page 59: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 59 of 65

استيقظت مفزوعة على صراخه واسرعت تخفي الوردة

والرواية تحت الطاولة ، اعتذرت له ووعدته بانها لن

"النكراء" ثانية ، سألها عما اذا كانت اعدت تكرر فعلتها

طعام الغداء فاجابته باإليجاب ، جلسا على املائدة

يتناوالن الطعام في صمت ووجوم ، سألها ان كانت قد

أدت صالة الظهر فأجابته بالنفي وعللت ذلك بانها

انشغلت بإعداد الطعام ، نظر اليها في استياء ثم لعق

رف الى غرفة النوم في سكون أصابعه متمتما وانص

،صاح فيها من غرفة النوم في غضب:

صلي الظهر وتعالي هنا بسرعة.-

حاضر -

صلت الظهر ، اطرقت برأسها في حزن ، شعرت كما لو

كانت مقدمة على جراحة بدون مخدر ، دلفت الى حجرة

النوم في وجل، وجدته قد ارتدى قميصا ابيضا من

،ومن تحته اطلت ارجله الكستور يصل حد الركبة

Page 60: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 60 of 65

الكثيفة الشعر واصابع اقدامه املعوجة ،بدا كما لو كان

تجسيدا نموذجيا النسان النياندرتال الذي تحدث عنه

"داروين " في نظريته ، اقترب منها في صمت ، التقط

مسواكا من جيبه ومرره على اسنانه جيئة وذهابا مرة او

هم ا يضمر لها من نمرتين ، ابتسم ابتسامة خبيثة تنم عم

، ملس بيده على شعرها ببرود ثم همهم :

اللهم ما جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا!-

تمت!

Page 61: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 61 of 65

جريمة في مسرح العرائس

الضياع ،كلهم ضائعون لم يجمعهم الثالثة سوى ش يء واحد ،

، كلهم فاقدون لهويتهم ، جثث هامدة ما زال فيها بقية من

نبض ، لم يشعر أي منهم بقيمة له في الحياة اال بعد ان اقترب

منه ، نعم ، الروائي املشهور ، ذلك الذي اعطى لحياتهم معنى

، وليته لم يفعل.

نلطاملا حلم بأ هرته ظروف الحياة ،األول، محامي فاشل، ق

يتخرج ويصبح وكيال للنائب العام ،كثيرا ما ارتدى بذته

السوداء وتأمل نفسه بشاربه الكث في املرآة ، انه يشبههم

تماما ، ولكن هيهات ، نس ي انه يعيش في بالد الظلم والظلمات

، تخرج ولم يجد امامه سوى اختيار من اثنين ، اما سائق

بة محامي . ميكروباص او عرضحالجي برت

الثاني : سيدة عزباء ، التربطها بالجمال عالقة من قريب او

بعيد ، لم تعش عالقة حب طوال حياتها ، كانت مشاعر الحب

لديها دائما من طرف واحد ، طرفها هي بالتأكيد ، تعاني من

Page 62: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 62 of 65

وحدة قاتلة ، التزور احدا وال يزورها احد ، الش ئ مهم في

فراغ الالنهائي.حياتها ، تدور في فلك من ال

الثالث : طالب في كلية االداب ،قسم علم النفس ،كليل النظر

، ضئيل الحجم ، يشعرك منظره بانه مازال طالبا في اإلعدادية

، يعلم تماما بان مستقبله حالك الظالم ، اقص ى ما يمكن ان

يحلم به هو العمل كأخصائي نفس ي في احدي املدارس النائية.

يعا ، نكل بأرواحهم ، الى ان التقوا حاصرهم الضياع جم

صدفة ، التقى ثالثتهم في احد صالونات الروائي املشهور، كان

ذلك هو لقائهم األول ، هناك تعارفوا ، بهرتهم األضواء

وكاميرات القنوات الفضائية ، عالم جديد تماما بالنسبة لهم ،

م هألول مرة يرون كاتبا مشهورا وجها لوجه ، لم يصدقوا انفس

حين مد الروائي يده ليصافحهم ، معقول ، اما زالوا أناسا

موجودين على قيد الحياة ، اما زالوا مرئيين للبشر ، لقد نسوا

هذا الشعور منذ زمن طويل ، شعورهم بالضياع جعلهم

يظنون انهم غير مرئيين ، وجودهم او عدمه ال يهم احد ،

الت الحياة.صاروا كما لو كانوا اشباح ألناس دهستهم عج

Page 63: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 63 of 65

ومنذ ذلك اليوم ، اصبح هوشغلهم الشاغل ، قبلتهم في الحياة

، ال هم لهم اال حضور ندواته ، وقراءة رواياته ، أصبح

التعليق على منشوراته والترويج ملحاضراته عبادة يومية ال

ينقصها اال الوضوء قبلها.

ال ينس ى املحامي ذلك اليوم عندما تهكم عليه وكيل النيابة

توك ليعمل عليه، يومها اخرج صورة كنصحه بأن يشتري تو و

من جيبه جمعته مع الروائي املشهور واشهرها في وجه وكيل

النيابة صارخا :

انت مش عارف انا مين؟ انا صديق الروائي املعروف شريف -

حمدان.

يومها ظل يحدق في الصورة طيلة اليوم، ولوهلة تخيل انه غير

فقط الروائي املشهور في الصورة، موجود في الصورة، انه

.وبجواره الش ىء ، يومها بكى كثيرا

دوام الحال من املحال، بعد تعدد اللقاءات وكما هو معلوم ،

والصالونات ، شعر الثالثة بان اهميتهم التي تخيلوها هي

Page 64: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 64 of 65

مجرد وهم في اذهانهم ، هم ال ش يء ، مامعني تحلقهم حول

م في الحياة ، ما هو الش يء الروائي أينما ذهب ، ما هي قيمته

الذي يميزهم عن غيرهم ، هم مجرد عرائس في يده يحركها

كيفما شاء ، انه يستغلهم بال هوادة ، ما زالت السيدة العزباء

تذكر كيف املح لها في يوم من األيام ان تحضر صديقتها

الحسناء له في منزله ، حتي الشاب كليل النظر لم يسلم من

ملا امره ان يراجع رواياته لغويا ويكمل بعض استغالله ، لطا

فقراتها أحيانا، حتي ان الشاب املسكين قارب على فقدان

بصره.

فاض بهم الكيل ، سئموا قذاراته ، قرروا ان يثأروا لكرامتهم

املسلوبة، حتى و لو خسروا وهج السهرات والبرامج

التلفزيونية ، ولكن كيف ؟

دناه عناوين الصحف الخبر افي صباح اليوم التالي ، تصدر

: الرئيسية

في شقته بالزمالك ""مصرع روائي شهير

Page 65: مجموعة قصصية بعنوان وطن في ذمة الله

Page 65 of 65

: مالحظات واالقتراحاتلل

ايميل :

[email protected]

فيسبوك :

https://www.facebook.com/profile.php?id=100001744828108