28
725 )2( خيةلتاري ا خزانة فلسطبيصلي حتى الغزو اللعبا ا الع نابلس)م1099-750/هـ492-132( غزة- الفرال. عبد الحميد ج د

يبيلصلا وزغلا ىتح سيابعلا صرعلا في سلبان )م1099-750 ...†ابلس...728 سلبان ةنيدم في خيراتلا ةكرح تايلجت رتمؤم

  • Upload
    others

  • View
    12

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

خزانة فلسطني التاريخية )2(725

نابلس يف العرص العبايس حتى الغزو الصليبي

)132-492هـ/750-1099م(

د. عبد الحميد جامل الفراين-غزة

726 مؤمتر تجليات حركة التاريخ يف مدينة نابلس

تتناول هذه الدراسة بالبحث أحوال مدينة نابلس منذ سقوط الخالفة األموية يف سنة 132هـ/750م، وحتى

غزو الصليبيني لبالد الشام سنة 492هـ/1099م، وتستعرض هذه الدراسة األحوال السياسية، واالجتامعي،

واالقتصادية، والعلمية يف مدينة نابلس يف تلك الفرتة التاريخية املهمة من التاريخ اإلسالمي، وستظهر

الدراسة مدى األهمية الكبرية للمدينة يف تلك الفرتة التاريخية، بادئة الحديث عن جغرافية املدينة،

وأهمية موضعها، وموقعها، ثم دراسة الجوانب السياسية، واستعراض االحوال الحضارية املختلفة للمدينة

حتى طرق الصليبيني لها، واحتاللها، لتنتقل بعد ذلك إىل مرحلة جديدة دامت نحو 88 سنة، حتى تحريرها

عىل يد املسلمني، عقب انتصارهم يف حطني يف العام 583هـ/ 1187م.

وسيتم تقسيم الدراسة إىل عدة محاور رئيسة تفي مبتطلبات البحث، وتصل بنا إىل النتائج املرجوة، وهذه

املحاور هي:

• أوال: جغرافية مدينة نابلس.

• ثانيا: األحوال السياسية ملدينة نابلس.

• ثالثا: األحوال االجتامعية.

• رابعا: األحوال االقتصادية.

• خامسا: األحوال العلمية والثقافية.

الدراسةأوال: جغرافية مدينة نابلس:

تقع مدينة نابلس عىل دائرة عرض:32 14 شامل خط االستواء وعىل خط طول:35 15 شرقي غرينتش،

وتنتشر مباني املدينة عىل ارتفاع يتراوح بين 940 – 450 متر فوق مستوى سـطح البحر وأعىل قمم

جبال نابلس جبل عيبال الذي يرتفع بمقدار 940 متر عن سطح البحر وجبـل جرزيم )الطور( وارتفاعه

881 متر عن سطح البحر حيث تقوم مدينـة نـابلس بـين هـذيين الجبلين)1(.

ويأيت موقع نابلس يف الوسط الرشقي من فلسطني الكربى مبا يعرف بالضفة الغربية لنهر األردن، وتتمتع

مبوقع جغرايف مهم، فهي تتوسط املرتفعات الجبلية الفلسطينية وجبال نابلس، وتعد حلقة يف سلسلة املدن

الجبلية من الشامل إىل الجنوب وتقع عىل مفرتق الطرق الرئيسية التي متتد من “العفولة” و”جنني” شامال

حتى الخليل جنوبا ومن “نتانيا” و”طولكرم” غربا حتى جرس دامية رشقا. وتقع املدينة عىل مفرق مركزي

ملدن الضفة الغربية مام جعلها مركزا تجاريا مهام، مام ساعدها لتحتل عاصمة الشامل منذ القدم)2(.

ويحد املدينة من الشامل جبل عيبال وقرية عصيرة الشاملية، ومن الجنوب جبل جرزيم وقرية كفر قليل،

ومن الغرب والشامل الغربي قرى زواتا وبيت ايبـا وبيت وزن ورفيديا، أام من الشرق والجنوب الشرقي

فيحدها كل من سهل بالطة وعسكر ووادي الباذان وقرى روجيب وبيتا وسالم ودير الحطب وعزموط)3(.

)( انظر: موسوعة املدن الفلسطينية، منظمة التحرير الفلسطينية، 1990م، دار الثقافة, دمشق، ص706. 1

)( موسوعة املدن الفلسطينية، ص706. 2

. )( البيشاوي، سعيد عبد اهللا: نابلس األوضاع السياسية واالجتامعية والثقافية واالقتصادية خالل الحروب الصليبية, ط1، 1991م، عامن، ص36 3

خزانة فلسطني التاريخية )2(727

وتبعد املدينة حوايل 114 كم من عامن وحوايل 42 كم من ساحل البحر األبيض املتوسط وحوايل 70 كم

عن القدس)4(.

وموضع املدينة هذا أكسبها أهمية، وزاد عالقتها بإقليمها، وجعلها مرتبطة بالتجارة املحيطـة، وأصـبحت

محطة للممرات واملواصالت بين املدن، ومن الجدير ذكره أن الوادي الذي يفصل بـين جبلـي عيبال

وجرزيم ال يتجاوز امتداده 1200 متر فقط)5(.

وتنترش الينابيع يف املدينة وحولها وتستخدم يف أغراض الرشب والري ويرتكز كثري من الينابيع يف جبل

“جرزيم” وفيه 22 ينبوعا وأشهر العيون رأس العني وعني الصبيان وغريها)6(.

ثانيا: األحوال السياسية ملدينة نابلس:

الحكم العبايس املبارش )264-132هـ/878-750م(:

نجح العباسيون يف السيطرة عىل فلسطني بعد هزميتهم لألمويني يف معركة الزاب الكربى سنة

)132هـ/750م()7(، فام أن وصل القائد العبايس صالح بن عيل)8(، إىل فلسطني حتى انخرط زعيمه الحكم

)( األغا، نبيل خالد: مدائن فلسطين، دراسات ومشاهدات، ط1، 1993م، بيروت، ص296. 4

)( األغا: مدائن، ص296. 5

.http://www.magfarah.com/archive/240-2010-04-02-15-19-27 :انظر: موسوعة املدن الفلسطينية، ص706. مجلة فرح )( 6

)( معركة الزاب الكربي: وقعت يف عام 132هـ املوافق 25 يناير 750م قرب نهر الزاب األكرب، وهو أحد روافد نهر دجلة، ويقع يف شامل 7

العراق، وتعد إحدى املعارك الفاصلة يف التاريخ اإلسالمي، وقعت املعركة بني عبد الله بن عيل بن عبد الله وهو عم أبو العباس عبد

الله السفاح، ومروان بن محمد الخليفة األموي، حيث التقي الجيشان يف منطقة الزاب بني املوصل وأربيل، فانهزم جيش مروان،. انظر:

اليعقويب، أحمد بن أيب يعقوب: تاريخ اليعقويب، بريوت، دار صادر، )د.ت(، ج2، ص345. الطربي، محمد بن جرير: تاريخ األمم وامللوك

وصلة تاريخ الطربي لعريب بن سعد القرطبي، بريوت-لبنان، دار الرتاث – بريوت، ط2، )1387هـ/1967م(، ج7، ص409. املسعودي، عيل بن

الحسني بن عيل: مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق: محمد عبد الحميد، الرياض- اململكة العربية السعودية، مكتبة الرياض الحديثة،

)1393هـ/1973م(، ج3، ص261. مسكويه، أبو عيل أحمد بن محمد بن يعقوب: تجارب األمم وتعاقب الهمم، تحقيق: أبو القاسم إمامي،

طهران-إيران، رسوش، ط2، )1420هـ/2000م(، ج3، ص323. ابن األثري، أبو الحسن عيل بن أيب الكرم محمد بن محمد: الكامل يف التاريخ،

تحقيق: عبد الله القايض، بريوت-لبنان، دار الكتب العلمية، ط2، )1415هـ /1995م(، ج5، ص69. ابن كثري، أبو الفداء إسامعيل بن عمر:

البداية والنهاية، تحقيق: عيل شريي، بريوت- لبنان، دار إحياء الرتاث العريب، )1408هـ/1988م(، ج10، ص46. وانظر: الثعالبي، عبد العزيز:

سقوط الدولة األموية وقيام الدولة العباسية، تقديم وتحقيق: حامدي الساحيل، بريوت، دار الغرب اإلسالمي، )1995م(، ص215-211. أبو

حبيب، سعدي: » مروان بن محمد وأسباب سقوط الدولة األموية »، دمشق، دار الفكر، )1402هـ/1982م(، ص127-122. دراوشة، حسن

محمد حسن: مروان بن محمد )72هـ/691م132-هـ/749م( دراسة تاريخية يف أبعاد الرصاع عىل الحكم، إرشاف جامل جودة، أطروحة

ماجستري، غري منشورة، كلية الدراسات العليا، قسم التاريخ، جامعة النجاح- نابلس، )1428هـ/2007م(، ص106. أبو شبيكة، إبراهيم أحمد

حسن: » خالفة بني أمية عند عيل بن الحسني املسعودي 132-41هـ/750-661م دراسة تاريخية منهجية »، إرشاف: رياض مصطفى شاهني،

ص103.

)( صالح بن عيل )96 151-هـ/768-714م(: صالح بن عيل بن عبد الله بن عباس الهاشمي: األمري، عم السفاح واملنصور، وأول من ويل 8

مرص من قبل الخلفاء العباسيني. تعقب مروان بن محمد ملا فر من الشام، وقتله ببوصري سنة )132هـ/750م( فواله السفاح مرص يف أوائل

سنة )133هـ/750م( فأقام سبعة أشهر وأياما، فتك فيها بكثريين من أشياع بني أمية، وكان شجاعا حازما، مولده بالرشاة )من أرض البلقاء(

ووفاته بقنرسين. ترجمته يف: الكندي، أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب املرصي: الوالة والقضاة، تحقيق: محمد حسن إسامعيل، وأحمد

فريد املزيدي، بريوت – لبنان، دار الكتب العلمية، )1424هـ/2003م(، ص74. ابن عساكر، أبو القاسم عيل بن الحسن بن هبة الله: تاريخ

دمشق، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنرش والتوزيع، )1415هـ/1995م(، ج23، ص357. الصفدي، صالح الدين

خليل بن أيبك بن عبد الله: الوايف بالوفيات، تحقيق: أحمد األرناؤوط وتريك مصطفى، دار إحياء الرتاث – بريوت، )1420هـ/2000م(، ج2،

ص16، ص153. ابن تغري بردي، يوسف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي، أبو املحاسن، جامل الدين: النجوم الزاهرة يف ملوك

مرص والقاهرة، وزارة الثقافة واإلرشاد القومي، دار الكتب، مرص، ج1، ص328، 332؛ مورد اللطافة يف من ويل السلطنة والخالفة، تحقيق:

نبيل أحمد، القاهرة، دار الكتب املرصية، )د. ت(، ج1، ج1، ص112. الزركيل، خري الدين بن محمود بن محمد بن عيل بن فارس الدمشقي:

» األعالم )قاموس تراجم ألشهر الرجال والنساء من العرب واملستعربني واملسترشقني( »، دار العلم للماليني، )ربيع أول 1423هـ/ أيار ) مايو(

2002م(، الطبعة: الخامسة عرش، ج3، ص192.

728 مؤمتر تجليات حركة التاريخ يف مدينة نابلس

بن ضبعان بن روح بن زنباع)9( تحت لواء الخالفة العباسية، وثار عىل وايل فلسطني)10(. وما أن متت

السيطرة الفعلية التامة للعباسيني عىل فلسطني، حتى قاموا بالتصفية الكاملة لألمويني يف بالد الشام؛

فصودرت أموالهم وممتلكاتهم، وتعرضوا للتنكيل والعقاب، ولعل ما حدث عند نهر أيب فطرس)11( كان من

أكرب الشواهد عىل ذلك)12(.

)( الحكم بن ضبعان بن روح بن زنباع الجذامي: من أهل فلسطني، وقد سيطر عليها حني هرب مروان بن محمد من جيوش العباسيني، ومل 9

ميكنه املقام بها وتابع عبد الله بن عيل فلام قتل مروان أرسل صالح بن عيل أيب عون عبد امللك بن يزيد ومحمد بن األشعث الخزاعي إىل

الحكم بن ضبعان، فهرب إىل بعلبك فدل عليه، فأخذ فبعث به عبد الوهاب بن إبراهيم اإلمام أمري دمشق إىل صالح بن عيل فقتله. انظر: ابن

عساكر: تاريخ، ج15، ص10.

)( ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم: املعارف، تحقيق: دكتور ثروت عكاشة، القاهرة - مرص، دار املعارف، ) د. ت(، ص372. 10

البالذري: أحمد بن يحيى بن جابر بن داود: جمل من أنساب األرشاف، تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركيل، بريوت- لبنان، دار الفكر،

)1417هـ/1996م(، ج9، ص196، ص320. املسعودي: مروج، ج3، ص261. الطربي: تاريخ، ج7، ص440. ابن األثري: الكامل، ج5، ص74.

العصامي، عبد امللك بن حسني بن عبد امللك امليك: سمط النجوم العوايل يف أنباء األوائل والتوايل، تحقيق: عادل أحمد عبد املوجود، عيل

محمد معوض، بريوت – لبنان، دار الكتب العلمية، )1419هـ/1998م(، ج3، ص346. ابن خلدون، عبد الرحمن بن خلدون: العرب وديوان

املبتدأ والخرب يف أيام العرب والعجم والرببر ومن عارصهم من ذوي السلطان األكرب، املعروف بتاريخ ابن خلدون، بريوت – لبنان، منشورات

مؤسسه األعلمي للمطبوعات، )1391ه /1971م(، ج3، ص127. انظر: أبو شبيكة: خالفة، ص103.

)( نهر أيب فطرس: بضم الفاء، وسكون الطاء، وضم الراء، وسني مهملة: موضع قرب الرملة من أرض فلسطني. العزيزي، الحسن بن أحمد 11

املهلبي: الكتاب العزيزي أو املسالك واملاملك، جمعه وعلق عليه ووضع حواشيه: تيسري خلف، التكوين للطباعة والنرش والتوزيع،

2006م، ص106. ياقوت، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي: معجم البلدان، بريوت – لبنان، دار صادر، ط2،

)1416هـ/1995م(، ج5، ص315.

)( انظر: ابن حبيب، أبو جعفر محمد بن حبيب: املحرب، تحقيق: إيلزة ليخنت شتيرت، بريوت – لبنان، دار اآلفاق الجديدة، )د.ت(، ص 12

486-485. الجاحظ، أبو عثامن عمرو بن بحر بن محبوب: الرسائل السياسية، بريوت – لبنان، دار ومكتبة الهالل،)د. ت(، ص423. الفسوي،

أبو يوسف يعقوب بن سفيان: املعرفة والتاريخ، تحقيق: أكرم ضياء العمري، بريوت – لبنان، مؤسسة الرسالة، )1401هـ /1981م(، ط2،

ج2، ص458. ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري: اإلمامة والسياسة، تحقيق خليل املنصور، بريوت - لبنان، دار الكتب

العلمية،)1418هـ/1997م(، ص 296؛ املعارف، ص372. اليعقويب: تاريخ، ج2، ص355. املربد، أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد األكرب الثاميل

األزدي: التعازي واملرايث واملواعظ والوصايا، تقديم وتحقيق: إبراهيم محمد الجمل، مراجعة: محمود سامل، نهضة مرص للطباعة والنرش

والتوزيع، )د.ت(، ص177. التميمي، محمد بن أحمد بن متيم: املحن، تحقيق: عمر سليامن العقييل، الرياض – السعودية، دار العلوم،

)1404هـ/1984م(، ص278. الطربي: تاريخ، ج7، ص441-440. املسعودي، عىل بن الحسني: التنبيه واإلرشاف، تصحيح: عبد الله إسامعيل

الصاوي، دار الصاوي، القاهرة - مرص، )د.ت(، ص285؛ مروج ، ج3، ص361. الصويل، محمد بن يحيى: أشعار أوالد الخلفاء وأخبارهم، مطبعة

الصاوي، )1355هـ/1936م(، ص307. األوراق قسم أخبار الشعراء، القاهرة، رشكة أمل، )1425هـ /2004م(، ج3، ص307. العزيزي، املسالك

واملاملك، ص106. ابن عساكر: تاريخ، ج9، ص310، ج31، ص54، ج45، ص79. ابن األثري: الكامل، ج5، ص78. ياقوت: معجم البلدان، ج5،

ص315. الذهبي، محمد بن أحمد: تاريخ اإلسالم ووفيات املشاهري واألعالم، تحقيق: د. عمر عبد السالم تدمري، بريوت، دار الكتاب العريب،

ط2، )1413هـ/1993م(، ج8، ص340، ص531. ابن خلدون: تاريخ، ج3، ص132-131. ابن تغري بردي: النجوم، ج1، ص257، ج2، ص7.

العصامي: سمط النجوم، ج3، ص346. وانظر: شيخو، رزق الله بن يوسف بن عبد املسيح بن يعقوب: » مجاين األدب يف حدائق العرب »،

بريوت – لبنان، مطبعة اآلباء اليسوعيني، )1331هـ/1913م(، ج4، ص56. فوزي، فاروق عمر، وحسني، محسن محمد: » الوسيط يف تاريخ

فلسطني يف العرص اإلسالمي الوسيط »، دار الرشوق، عامن - األردن، )1419هـ /1999م(، ص71.

خزانة فلسطني التاريخية )2(729

وتأيت سيطرة العباسيني عىل فلسطني ترسيخا للعالقة القدمية للقبائل العربية بفلسطني)13(، وقد تم ترجمة

وترسيخ هذه العالقة بالسيطرة التامة عىل هذه البالد، ومن ضمنها: مدينة نابلس.

ومل تذكر أي من املصادر أي معلومة قد تفيدنا حول األحوال السياسية يف نابلس ذات بال غري ما ذكر من

أن السامرة قد تعرضوا ملضايقة أمري فلسطني وواليها: عبد الوهاب بن إبراهيم، وذلك يف عهد املنصور،

ومن هذه املضايقات أنه أمر “ متويل نابلس “ بحرق معبد السامرة، كام أنه فرض عليهم املال بسبب

حرقه، وأوقع بني النصارى والسامرة؛ بأن حرق كنيسة لهم فاتهموا السامرة بذلك، كام أنه حلق رأس رئيس

الطائفة، وفرض عليه غرامة كبرية ساعده عىل أدائها أبناء طائفته)14(.

ومن املؤكد أن هذا السلوك مل يكن يعرب عن سياسة الخالفة، كام أن ظلم هذا األمري مل يكن مقترصا عىل

طائفة دون أخرى، إمنا ابتيل به جميع أهل فلسطني، ووصفته املصادر اإلسالمية بأنه “عسف أهلها”)15(،

و” خربها... ومل تحمد واليته “)16(، وملا اتصل خربه بالخليفة وتحقق من أمره عزله عن إمارة فلسطني.

ويف معرض حديثه عن فتنة األمني واملأمون ذكر أبو الفتح السامري: أن “ السامرة وغريهم ] كانوا [ يف

شدة عظيمة وهائلة “)17(.

وقد تم يف عام )246هـ/860م( تخفيف الجزية عن السامرة من قبل الخليفة املتوكل يف قرية بيت

ماما من كورة نابلس، بعد أن اشتكوا له عجزهم عن أداء الجزية عىل خمسة دنانري، فخففها عنهم،

وصارت ثالثة دنانري، وقرية بيت ماما واحدة من الضياع التي هجرها أصحابها يف أول عهد الرشيد

)193-170هـ/808-786م()18(.

)( انظر: ابن سعد، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالوالء البرصي البغدادي: الطبقات الكربى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، 13

بريوت – لبنان، دار الكتب العلمية، )1410هـ/1990م(، ج1، ص61. ابن حبيب، محمد بن حبيب: املنمق يف أخبار قريش، املحقق: خورشيد

أحمد فاروق، بريوت، عامل الكتب، )1405هـ/1985م(، ص44-43؛ املحرب، ص162. البالذري: أنساب، ج1، ص58، 63، 64، 92، ج4، ص15.

اليعقويب: تاريخ، ج1، ص244. املطهر املقديس، املطهر بن طاهر: البدء والتاريخ، بور سعيد- مرص، مكتبة الثقافة الدينية، )د.ت(، ج4، ص129.

ابن عبد الرب، يوسف بن عبد الله: االستيعاب يف معرفة األصحاب، عيل محمد البجاوي، دار الجيل، بريوت- لبنان، )1412هـ/1992م(، ج3،

ص1269. ابن األثري أبو الحسن عيل بن محمد بن، عز الدين: أسد الغابة يف معرفة الصحابة، تحقيق: عيل محمد معوض، عادل أحمد عبد

املوجود، بريوت- لبنان، دار الكتب العلمية، )1415هـ/1994م(، ج4، ص394. ابن خلكان، أحمد بن محمد: وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان،

تحقيق: إحسان عباس، بريوت- لبنان، دار صادر، )1317ه/1900م(، ج1، ص61. اليافعي، عبد الله بن أسعد: مرآة الجنان وعربة اليقظان

يف معرفة ما يعترب من حوادث الزمان، وضع حواشيه: خليل املنصور، بريوت – لبنان، دار الكتب العلمية، )1417هـ/1997م(، ج3، ص177.

الجندي، محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي: السلوك يف طبقات العلامء وامللوك، تحقيق: محمد بن عيل بن الحسني األكوع الحوايل، صنعاء

اليمن، مكتبة اإلرشاد، )1416هـ/1995م(، ج1، ص150. الذهبي: تاريخ اإلسالم، ح3، ص182. ابن كثري: البداية، ج7، ص41. ابن نارص الدين،

محمد بن عبد الله: توضيح املشتبه يف ضبط أسامء الرواة وأنسابهم وألقابهم وكناهم، بريوت – لبنان، مؤسسة الرسالة، )1414ه/1993م(، ج6،

ص12. وانظر أيضا: عيل، جواد: » املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم »، دار الساقي، ط4، )1422هـ/2001م(، ج7، ص72. األفغاين، سعيد: »

أسواق العرب يف الجاهلية واإلسالم »، دمشق، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1379هـ، ص100، 105، 106، 156. سحاب، فكتور: » إيالف قريش،

رحلة الشتاء والصيف »، بريوت – لبنان، كمبيو نرش، للدراسات واإلعالم والنرش والتوزيع، بريوت – لبنان، املركز الثقايف العريب، )د.ت(، ص205،

214، 248. سالمة، عواطف أديب: » قريش قبل اإلسالم دورها السيايس واالقتصادي والديني »، إرشاف عبد الر حمن الطيب األنصاري،

الرياض- اململكة العربية السعودية، دار املريخ، )1414هـ/1994م(، ص232. عبد الكريم، خليل: » قريش من القبيلة إىل الدولة املركزية »،

بريوت – لبنان، مؤسسة االنتشار العريب، القاهرة – مرص، سينا للنرش والتوزيع، ط2، )1417هـ/1997م(، ص51، 56.

.Narayan, B.k. , mohammaed: The prophe of Islam- A flame in the Desert, Ist edition 1978, New Delhi, p17

)( السامري: كتاب التاريخ، ص182. 14

)( الجهشياري: الوزراء، ص99. 15

)( ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج37، ص303. 16

)( كتاب التاريخ، ص184. 17

)( البالذري: فتوح البلدان، ص163. ياقوت: معجم البلدان،ج1، ص522. 18

730 مؤمتر تجليات حركة التاريخ يف مدينة نابلس

2. الحكم العبيدي )الفاطمي( )492-359هـ/-970 1099م(:استفاد العبيديون من الضعف واالضطراب الذي كانت تعانيه األرسة اإلخشيدية يف مرص والشام بعد وفاة

كافور فاحتلوا مرص)19(، ثم أرسلوا القائد جعفر بن فالح)20( إىل الشام ألخذها من اإلخشيديني، فوصل

الرملة حيث ألحق الهزمية بالحسن اإلخشيدي بالطواحني)21(، و” نهب الرملة “)22( وأساء إىل أهلها،

فقصده النابليس)23( )ت:363هـ/973م( الزاهد، واستكفه عن النهب فكف، ثم استخلف جعفر ابنه عىل

الرملة)24(، وواصل زحفه شامال وملك طربية، وبذلك دخلت القوات )الفاطمية( فلسطني، واستولت عليها

يف سنة )359هـ/970م()25(.

ويبدو واضحا دور ذلك الفقيه النابليس يف مقاومته للسيطرة الفاطمية، وما كان يحتله من مكانة مرموقة

يف املجتمع النابليس، وهو ابن نابلس التي لطاملا قاومت الغزاة.

)( انظر: الطربي: تاريخ، ج11، ص429. ابن مسكويه: تجارب، ج6، ص295. الصنهاجي، محمد بن عيل بن حامد بن عيىس القلعي، أبو عبد 19

الله: أخبار ملوك بني عبيد وسريتهم، تحقيق: د. التهامي نقرة, د. عبد الحليم عويس، دار الصحوة – القاهرة، )د.ت(، ص84. املراكيش، عبد

الواحد بن عيل: املعجب يف تلخيص أخبار املغرب من لدن فتح األندلس إىل آخر عرص املوحدين، املحقق: الدكتور صالح الدين الهواري، صيدا-

بريوت، املكتبة العرصية، )1426هـ/2006م(، ص251. ابن األبار، محمد بن عبد الله: الحلة السرياء، املحقق: الدكتور حسني مؤنس، القاهرة،

دار املعارف، الطبعة: الثانية، 1985م، ص 108. ابن عذاري: البيان املغرب، ج1، ص221. وانظر: جامل الدين، عبد الله محمد: » الدولة

الفاطمية قيامها بالد املغرب وانتقالها إىل مرص إىل نهاية القرن الرابع الهجري مع عناية خاصة بالجيش »، القاهرة، دار الثقافة، 1991م، ص

.132

)( جعفر بن فالح الكتامي أبو الفضل: من رجال الدولة العبيدية، وقائد الجيوش العبيدية التي وجهت للسيطرة عىل بالد الشام. ترجمته. 20

ابن األبار: الحلة، ص304. ابن خلكان: وفيات، ج1، ص361. الذهبي: تاريخ، ج26، ص201. الصفدي: أمراء، ص43. ابن تغري بردي: النجوم،

ج4، ص58 ابن العامد الحنبيل: شذرات، ج4، ص308. وانظر: تامر، عارف: » املعز لدين الله الفاطمي، واضع أسس الوحدة العربية الكربى »،

بريوت، دار اآلفاق الجديدة، 1982م، ص 140. جامل الدين: الدولة الفاطمية، ص 144.

)( األزدي: أخبار، ج2، ص401. ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج13، ص130. ابن عذاري، محمد بن محمد املراكيش: البيان املغرب يف أخبار 21

األندلس واملغرب، تحقيق ومراجعة: ج. س. كوالن، إ. ليفي بروفنسال، دار الثقافة، بريوت – لبنان، )1404هـ/ 1983م(، ط3، ج1، ص221.

الصنهاجي: أخبار ملوك بني عبيد، ص84. املقريزي: اتعاظ، ج1، ص123. وانظر: النخييل، درويش: » فتح الفاطميني للشام يف مرحلته األوىل

من 358هـ إىل 362هـ )دراسة يف املصادر واملراجع(«، اإلسكندرية, مؤسسة الثقافة الجامعية, )1979م(، ص135. الحياري، مصطفى: » اإلمارة

الطائية يف بالد الشام »، عامن- األردن، وزارة الثقافة والشباب، )1397هـ/1977م(، ص42. رسور، محمد جامل الدين: » سياسة الفاطميني

الخارجية »، القاهرة – مرص، دار الفكر العريب للطبع والنرش والتوزيع، )د. ت(، ص118.

)( ابن القالنيس: ذيل، ص1. 22

د بن أحمد بن سهل بن نرص الرميل الشهيد المعروف بابن النابليس، حدث عن: سعيد بن هاشم الطرباين، ومحمد )( النابليس: أبو بكر محم 23

بن الحسن بن قتيبة، ومحمد بن أحمد بن شيبان الرميل، وعنه: متام الرازي، والدار الدارقطني، عبد الوهاب امليداين، وعيل بن عمر الحلبي،

وغريهم، كان نبيال جليال، رئيس الرملة، هرب إىل دمشق فأخذ منها، ومبرص سلخ. انظر ترجمته وأخباره يف: ابن القالنيس: ذيل، ص97. الكتاين،

عبد العزيز بن أحمد: ذيل تاريخ مولد العلامء ووفياتهم، املحقق: عبد الله أحمد سليامن الحمد، الرياض، دار العاصمة، )1409هـ(، ص97.

ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج1، ص10؛ ج51، ص 50. أبو شامة: الروضتني، ج2، ص20. ابن منظور، محمد بن مكرم: مخترص تاريخ دمشق،

املحقق: روحية النحاس، رياض عبد الحميد مراد، محمد مطيع، دمشق – سوريا، دار الفكر للطباعة والتوزيع والنرش، )1402هـ/1984م(،

ج21، ص275. الذهبي: تاريخ اإلسالم، ج26، ص312-311. ابن الوردي: تاريخ، ج1، ص268. الصفدي: الوايف بالوفيات، ج2، ص34. ابن كثري:

البداية والنهاية، ج11، ص314. املقريزي: اتعاظ، ج1، ص211.

)( ابن القالنيس: ذيل، ص1. 24

)( املصدر نفسه. أبو الفداء: املخترص، ج2، ص109. الداواداري: كنز، ج6، ص125. املقريزي: اتعاظ، ج1، ص123. انظر: حسن وارشف، حسن 25

إبراهيم حسن وطه أحمد رشف: » املعز لدين الله »، القاهرة، مكتبة النهضة املرصية، ط ٢، ١٩٦٣م، ص94. تامر: املعز لدين الله، ص، -120

.121

خزانة فلسطني التاريخية )2(731

ويبدو أن النابليس قد استمر يف مقاومته للفاطميني، فقد كانت غالبية جيش جعفر بن فالح ذلك األمري

الرببري العبيدي يف فلسطني من عنارص بربر كتامة، وقد ترك لهم كامل الحرية يف الترصف، والتعدي عىل

الناس، ومعاملتهم أسوء معاملة، والعبث باألمن)26(.

وبشكل عام فقد كانت الصفات السابقة للكتاميني، من حيث معاملتهم السيئة للناس، ضمن الصفات

العامة التي اتصف بها عنارص املغاربة من الشيعة؛ الذين كانوا ضمن صفوف الجيش املغريب، مام دعى

شيخ نابلس والرملة أبو بكر النابليس إىل أن يحرض األهايل عليهم قائال: “ لو أن معي عرشة أسهم لرميت

تسعة يف املغاربة، وواحدا يف الروم “)27(، وهذا الترصيح الخطري من قبل ذلك الشيخ األعزل مل يأت من

فراغ، فهو يدلل داللة قطعية عىل كراهية املجتمع الفلسطيني للعنرص املغريب الشيعي الداعي لحكم

الفواطم، وعرب عنه هذا الشيخ كواحد من أبناء ذلك املجتمع املقهور، ذلك القهر الذي تجاوز الحدود،

حتى متنى الواحد منهم قتال املغاربة قبل قتال الروم، فاملغاربة - صنيعة العبيديني - كام ذكر النابليس

)شاهد العيان(.

فقد استبدلوا املذهب السني الذي كان سائدا يف معظم بالد الشام باملذهب الشيعي اإلسامعييل، ومل

يكتفوا بذلك؛ بل قاموا بقتل العلامء والصالحني، باإلضافة إىل جرائم التعدي، والنهب، ونرش الفوىض،

وإشاعة الخوف.

وقد استخدم العبيديون شتى السبل، وكافة األساليب إلجبار األهايل عىل اعتناق مذهبهم، وبطشوا بكل

من عارضهم، فهذا أبو بكر النابليس )ت: 363هـ/973م(، قد “ سجنه بنو عبيد، وصلبوه عىل السنة “)28(،

وأجروا معه تحقيقا قاسيا، سئل فيه عن سبب معارضته لهم ؟ “ فقال: ألنكم؛ غريتم امللة، وقتلتم العلامء،

والصالحني، فأمر أن يشهر)29( ثالثة أيام، ويرضب كل يوم ألف سوط، ثم يسلخ)30( يف اليوم الثالث، ففعل

)( املقريزي: اتعاظ، ج1، ص23. انظر: تامر: تاريخ، ص 139. زكار: تاريخ، ص 73. 26

)( الكتاين: ذيل تاريخ، ص97. ابن القالنيس: ذيل، ص10. ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج51، ص51. الذهبي: تاريخ اإلسالم، ج26، ص311. سبط 27

بن الجوزي: مرآة، ص186. الصفدي: الوايف، ج2، ص34. املقريزي: اتعاظ، ج1، ص210.

)( ابن عساكر: تاريخ دمشق ، ج51، ص50. 28

)( التشهري: يف اللغة مأخوذ من شهره، مبعنى: أعلنه وأذاعه، وشهر به: أذاع عنه السوء، وشهره تشهريا فاشتهر. والشهرة: وضوح األمر، وال 29

يخرج استعامل الفقهاء له عن املعنى اللغوي، وهو نوع من أنواع التعزير، أي أنه عقوبة تعزيرية، إذا علم الحاكم أن املصلحة فيه، وهذا

الحكم هو بالنسبة لكل معصية ال حد فيها وال كفارة يف الجملة، و يجوز يف نكال التعزير أن يجرد من ثيابه، إال قدر ما يسرت عورته، ويشهر

يف الناس، وينادى عليه بذنبه إذا تكرر منه ومل يتب. وكان التشهري يحدث قدميا باملناداة عىل املجرم بذنبه يف األسواق واملحالت العامة حيث

مل تكن هناك وسيلة أخرى. انظر: املاوردي، أبو الحسن عيل بن محمد بن محمد بن حبيب البرصي البغدادي: األحكام السلطانية، القاهرة،

دار الحديث )د.ت(، ص324. األعرج، أبو الفضل محمد بن عبد الوهاب بن عبد اللطيف األعرج: تحرير السلوك يف تدبري امللوك، املحقق: فؤاد

عبد املنعم أحمد، مؤسسة شباب الجامعة، )1982م(، ص59. األحمد نكري، القايض عبد النبي بن عبد الرسول: دستور العلامء أو جامع العلوم

يف اصطالحات الفنون، عرب عباراته الفارسية: حسن هاين فحص، لبنان- بريوت، دار الكتب العلمية، )1421هـ/2000م(، ج1، ص202. عامر،

عبد العزيز: » التعزير يف الرشيعة اإلسالمية » القاهرة، دار الكتاب العريب، )1374هـ(، ص387-193. عودة، عبد القادر: » الترشيع الجنايئ

اإلسالمي مقارنا بالقانون الوضعي »، بريوت، دار الكاتب العريب )د.ت(، )د.ط(، ج1، ص704. املوسوعة الفقهية الكويتية، ج12، ص40، 45.

)( السلخ: من أساليب التعذيب التي استخدمها العبيديون، وظلت مستمرة حتى العصور الالحقة، فكان يتم سلخ الجسد والرأس، وغالبا ما 30

يرتافق السلخ مع الحشو، حيث يستخدم القطن أو التنب، أو املالبس يف حشو الجثة بعد سلخها. انظر: الصرييف: الخطيب الجوهري عيل بن

داود الصرييف: إنباء الهرص بأبناء العرص، تحقيق حسن حبيش، القاهرة، دار الفكر العريب، )1970م(، ص234، 402. السخاوي، شمس الدين

محمد بن عبد الرحمن السخاوي ت902هـ/1497م: وجيز الكالم يف الذيل عىل دول اإلسالم، تحقيق: بشار معروف وآخرون، مؤسسة الرسالة،

)د.ط(، )1995م(، ج3، ص1178. انظر: الرفاعي، هالة نواف يوسف: » السجون يف مرص يف العرص اململويك، )923-648هـ/1517-1250م( »،

رسالة ماجستري، الجامعة األردنية، كلية الدراسات العليا، )2008م(، ص196.

732 مؤمتر تجليات حركة التاريخ يف مدينة نابلس

به ذلك، فقتلوه، ثم سلخوه، وحيش جلده تبنا، وصلبت جثته أياما “)31(.

ولقد مترد بنو الجراح عىل العبيديني )الفاطميني(، وتزعمهم حسان بن املفرج)32( يف بداية حكم الظاهر

إلعزاز دين الله)33()427-395هـ/1036-1005م(، فام كان من الخليفة الظاهر إال أن أرسل الدزبري)34(،

لحربه، فأنشأ حسان مع زعامء القبائل العربية ومن بينهم املرداسيني يف حلب تحالفا، كان من بني رشوطه،

إخراج العبيديني من بالد الشام، وأن تكون املنطقة من الرملة إىل مرص لحسان بن الجراح)35(، فالتقوا مع

الدزبري سنة )415هـ/1025م(، فهزموه حتى عسقالن)36(، وأخذ حسان الرملة)37(، وطالب بإضافة القدس

ونابلس إىل إقطاعه حتى يكف عن القتال؛ فوافق الدزبري عىل نابلس، ومل يجب إىل القدس)38(.

وقد كافأ الدزبري أعوانه يف بيت جربين)39( مبنحهم إقطاع حسان بن مفرج، وأمواله؛ فقام حسان بقتل

أعوان الدزبري)40(، فرد الدزبري مبهاجمة ابن الجراح يف نابلس مستغال مرضه، فلام علم حسان بذلك نهض

ومعه ثالث آالف مقاتل، فانحرف الدزبري نحو الرملة، فلحق به حسان، واشتبك معه عىل باب الرملة ثالثة

أيام بلياليها، بعد ما هاجم حسان طربية، ونهبها، وقتل من فيها من املغاربة، وفر منها واليها إىل عكة،

)( ابن القالنيس: ذيل، ص97. ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج1، ص10؛ ج51، ص50. أبو شامة: عيون، ج2، ص20. ابن منظور: مخترص تاريخ 31

دمشق، ج21، ص275. الذهبي: تاريخ اإلسالم، ج26، ص311. ابن الوردي: تاريخ ، ج1، ص268. الصفدي: الوايف بالوفيات، ج2، ص34. ابن

كثري: البداية والنهاية، ج11، ص314. املقريزي: اتعاظ، ج1، ص211. انظر: القططي، عبد الرؤوف: » السجون يف مرص وبالد الشام يف الدولتني

األيوبية واململوكية »، رسالة ماجستري غري منشورة، إرشاف األستاذ الدكتور: رياض مصطفى شاهني، غزة، الجامعة اإلسالمية، كلية اآلداب، قسم

التاريخ واآلثار، )2012م(، ص177.

)( حسان بن املفرج بن دغفل بن الجراح: ابن شبيب بن مسعود بن أسعد بن مزر بن سامل بن سعد بن سميع بن حوط ابن معبد بن عيىس 32

بن أفلت بن سلسلة بن عمرو بن سلسلة بن غنم بن ثور بن معن الطايئ، أمري كبري من آل الجراح، لقبه الفاطميون بعدة الدولة ورضيعها،

تحالف مع املرداسيني بزعامة صالح بن مرداس الكاليب يف حلب ضد الدولة العبييدية. ابن العديم: بغية، ج5، ص2239.

)( الظاهر إلعزاز دين الله )427-395ه/1036-1005م(: أبو هاشم، عيل بن الحاكم بأمر الله منصور بن ]العزيز نزار بن المعز معد[ . 33

العبيدي. املغريب األصل، المرصي الفاطمي، الرابع من خلفاء بني عبيد مبرص. بويع بالخالفة بعد قتل أبيه الحاكم يف شوال سنة إحدى

عرشة وأربعامئة، وله من العمر ستة عرش سنة ومثانية أشهر وخمسة أيام، وكان فيه عدل وكرم وشجاعة. انظر: ابن القالنيس: ذيل، ص134.

املقريزي: اتعاظ، ج2، ص124. اس ابن تغري بردي: مورد، ج1، ص278.

)( الدزبري: أمري الجيوش املظفر، سيف الخالفة، عضد الدولة، أبو منصور، نوشتكني أو أنوش تكني بن عبد الله الرتيك. اشرتاه بدمشق سنة 34

أربع مائة القائد تزبر الديلمي، فرأى منه فرط شهامة وإقدام، وشاع ذكره، فقدمه للحاكم، وقيل: بل نفذ الحاكم بطلبه يف سنة ثالث وأربع

مائة. وجعل بني املامليك الحجرية، فقهرهم واستطال، فرضبه واليهم، ثم لزم الخدمة، وتودد إىل األمراء، فارتضاه الحاكم، وأعجب به، فأمره،

وبعثه إىل دمشق سنة ست، ثم أعيد إىل مرص، ثم بعث واليا عىل بعلبك، وحس نت سريته، ثم منن غزة

قل إىل قيسارية، ثم ويل فلسطني، ثم عاد إىل دمشق، ثم رد إىل حلب ودخلها، فأحسن إىل الرعية، وعدل، ثم تغري، مات بعد أيام من جامدى األوىل،

سنة ثالث وثالثني بحلب، ودفن يف الرتبة التي له يف القدس مع أوالده. ابن القالنيس: تاريخ دمشق، ص127-116. الذهبي: سري، ج17، ص511؛

تاريخ اإلسالم، ج29، ص394. الصفدي، صالح الدين خليل بن أيبك )ت 764هـ/1362م(: أمراء دمشق يف اإلسالم، تحقيق: صالح الدين املنجد،

بريوت، دار الكتاب الجديدة، ط2، )1983م(، ص32.

)( املسبحي محمد بن عبيد الله: أخبار مرص يف سنتني )415-414هـ(، تحقيق: وليم ج.ميلورد، الهيئة املرصية العامة للكتاب، 1980م، ص247. 35

ابن العديم: بغية، ج5، ص2242؛ زبدة، ص127، 129. ابن خلدون: تاريخ، ج4، ص272. املقريزي: اتعاظ، ج2، ص152، 156-155. انظر:

جودة: مدينة الرملة، ص158. الحياري: اإلمارة، ص51. رسور: سياسة، ص141. عبد املوىل، محمد أحمد: » بنو مرداس الكالبيون يف حلب

وشامل الشام »، اإلسكندرية، دار املعرفة الجامعية، )1985م(، ص24.

)( ابن العديم: زبدة، ص127. املقريزي: اتعاظ، ج2، ص162. 36

)( ابن القالنيس: ذيل، ص118. ابن العديم: بغية، ج5، ص2242؛ زبدة، ص127. أبو الفداء: املخترص، ج2، ص141. ابن خلدون: تاريخ، ج4، 37

ص272. املقريزي: اتعاظ، ج2، ص132. ابن تغري بردي: النجوم، ج4، ص248؛ مورد، ج1، ص278.

)( املقريزي: اتعاظ، ج2، ص157. 38

)( بيت جربين: بليد بني القدس وغزة، وبينه وبني القدس مرحلتان، وبني غزة أقل من ذلك. ياقوت: معجم البلدان، ج1، ص519. 39

)( املقريزي: اتعاظ، ج2، ص 150. 40

خزانة فلسطني التاريخية )2(733

ووصلت نجدة من حلفاء حسان، ويف املقابل طلب الدزبري نجدة من القاهرة، فوصلت إليه لنرصته)41(.

والتقى حسان وحلفاؤه بالدزبري مرة أخرى سنة )419هـ/1029م(، فهزمهم)42(، ثم وقع لقاء فاصل بني

حسان والدزبري يف سنة )422هـ/1032م( نفسها، فهزم حسان، ونهبت أمواله وهرب إىل بالد الروم)43(. “

وأخذت معاقله وصار طريدا رشيدا “)44(، حتى وفاة الدزبري سنة )433هـ/1041م()45(، فأعاد السيطرة

عىل فلسطني، غري أنه ما لبث أن توىف يف نفس السنة)46(، لتعود السيطرة املبارشة للعبيديني عىل فلسطني

مرة أخرى.

ويبدو من األحداث السابقة، مدى االضطرابات التي شهدتها فلسطني إبان عهد العبيديني، لطبيعة

مذهبهم املخالف ملذهب أهل فلسطني، وهذا بطبيعة الحال كان له تأثري عىل مجمل األحوال الحضارية

فيها.

يف ظل األحوال السياسية املضطربة السابقة، وصل السالجقة، ونجحوا يف السيطرة عىل الرملة، والقدس

سنة )463هـ/1070م()47(، وبقية أجزاء فلسطني، وطرد العبيديني منها، ما عدا طربية، وعسقالن، وعكة)48(.

وعملت الدولة العبيدية عىل إعادة سيطرتها عىل فلسطني، فاستنجد السالجقة، بتاج الدولة تتش)49(

)( املصدر نفسه، ج2، ص152. 41

ية. انظر: ابن القالنيس: ذيل، ص119-118. ابن الجوزي: املنتظم، ج15، ص202. ابن األثري: )( يف موقعة األقحوانة عىل شاطيء بحرية طرب 42

الكامل، ج8، ص168. ابن العديم: زبدة، ص131. ابن خلكان: وفيات، ج2، ص487. النويري: نهاية، ج28، ص206. الذهبي: تاريخ، ج28،

ص270، ج28، ص480. املقريزي: اتعاظ، ج2، ص176. ابن خلدون: تاريخ، ج4، ص272. انظر: عياش، حسن: » حركات األحداث يف دمشق

خالل الحكم الفاطمي »، 468-359هـ/1075-969م »، مجلة جامعة النجاح لألبحاث )العلوم اإلنسانية(، املجلد23، عدد 2، )1430ه/2009م(،

ص369.

)( ابن األثري: الكامل، ج8، ص201. أبو الفداء: املخترص، ج2، ص166. املقريزي: اتعاظ، ج2، ص180. 43

)( مسكويه: تجارب، ج7، ص283. 44

)( ابن القالنيس: ذيل، ص127. ويذكر أن الدربزي تويف عام 336هـ. أبو الفداء: املخترص، ج2، ص141. الذهبي: سري، ج17، ص512؛ تاريخ، 45

ج29، ص394. ابن الوردي: تاريخ، ج1، ص337.

)( أبو الفداء: املخترص، ج2، ص166. انظر: سعيد: آل ربيعة، ص34، 35. 46

)( ابن القالنيس: ذيل، ص166. ابن األثري: الكامل، ج8، ص410. ابن ميرس، تاج الدين محمد عيل )ت: 677هـ/ 1278م(: املنتقى من أخبار 47

مرص، تحقيق أمين فؤاد سيد، القاهرة، املعهد الفرنيس لآلثار الرشقية، د.ط.1981م، ج2، ص44. الذهبي: العرب، ج2، ص314؛ تاريخ، ج31،

ص14. ابن خلدون: تاريخ، ج3، ص473. ابن تغري بردي: النجوم، ج5، ص87. العليمي، األنس، ج1، ص305. انظر: الغامدي، عيل محمد

عيل: » بالد الشام قبيل الغزو الصليبي 491-463هـ/1098-1070م »، الرياض، املكتبة الفيصلية، )د.ط(، )1984م(، ص144-142. الفراين، عبد

الحميد جامل: املقاومة الشعبية لالحتالل الصليبي يف بالد الشام، غزة- فلسطني، مكتبة اليازجي، 2008م، ص60. خرايشه، سليامن: » فلسطني

يف العرص السلجوقي »، مجلة دراسات العلوم اإلنسانية واالجتامعية، مجلد)24(، ملحق، (1997م)، ص659. وقد انفرد الفارقي، أحمد بن

يوسف بن عيل بن األزرق،: تاريخ آمد وميافارقني، نرش بدوي عبد اللطيف عوض، بريوت - دار الكتاب اللبناين، ط2، )1394هـ/1974م(،

ص192. بأن دخول أتسز الرملة كان يف (473هـ)، وهذا مخالف لإلجامع.

)( ابن األثري: الكامل، ج8، ص390. ابن خلدون: تاريخ، ج3، ص473. الزهراين، محمد مسفر: » نظام الوزارة يف الدولة العباسية )590-334هـ( 48

العهدان البويهي »، بريوت، مؤسسة الرسالة، ط3، 1986م، ص48.

)( تاج الدولة تتش: )أبو سعيد( بن محمد ألب أرسالن بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق، من ملوك السالجقة، وصاحب البالد 49

الرشقية، ولد سنة )458هـ/1066م( وقتل سنة )488هـ/1094م( ويلقب أيضا بتاج امللوك، وامللك املظفر. انظر: الحسيني، أخبار، ص72،

76-75. ابن األثري، الكامل، ج8، ص418، 430-428، 503-502. البنداري، تاريخ، ص84-83. ابن خلكان، وفيات، ج1، ص295. ابن كثري، البداية

والنهاية، ج12، ص140.

734 مؤمتر تجليات حركة التاريخ يف مدينة نابلس

السلجوقي سنة )471هـ/1078م()50(، فنجح تتش بإعادة السيطرة السلجوقية عىل فلسطني)51(، وأسند

حكمها لألراتقة سنة )479هـ/1086م()52( التخاذها حاجزا بينه وبني الفاطميني يف مرص)53(.

وقد نجح العبيديون باستالب فلسطني من األراتقة باألمان، فسيطروا عىل القدس بعد حصار دام أربعني

يوما، يف )489هـ/1096م()54(، وبقيت الرصاعات قامئة بني العبيديني والسالجقة بني مد وجزر حتى احتالل

الصليبيني القدس من العبيديني )الفاطميني( سنة )492هـ/1099م()55(. ومل يعد للمسلمني أي نفوذ أو

سيطرة عىل فلسطني حوايل 88 عاما شهدت خالله ترديا يف جميع املجاالت، حتى أذن الله بتحريرها

وعودتها ألصحابها الرشعيني عام )583هـ/1187م(.

ثالثا: األحوال االجتماعية:فئات السكان:

تعددت فئات السكان يف فلسطني، فكان سكانها “ أخالط من العرب والعجم”)56(، عرفتهم عرب تاريخها

الطويل، فكان فيها مزيجا من األجناس البرشية، املختلفة األعراق، والديانات، والطوائف، وميكن القول

أن كل كيان سيايس قام عىل أرض فلسطني، أم كان بينه وبني فلسطني صلة، ترك عىل أرضها أقلية، أم

)( ابن القالنيس: ذيل، ص182. ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج7، ص348. ج11، ص35. ابن األثري: الكامل، ج8، ص418. األصفهاين، عامد الدين 50

محمد بن محمد الكاتب: تاريخ دولة آل سلجوق، تحقيق لجنة إحياء الرتاث العريب يف دار اآلفاق الجديدة، بريوت - دار اآلفاق الجديدة،

)1400ه/1980م(، ط3، ص72. أبو الفداء: املخترص، ج2، ص193. املقريزي: اتعاظ، ج2، ص320. املقفى، ج2، ص223. ابن تغري بردي:

النجوم، ج5، ص155.

)( ابن القالنيس: ذيل، ص183. اليافعي: مرآة، ج3، ص100. انظر: الحياري، مصطفى: » القدس يف زمن الفاطميني والفرنجة »، عامن األردن، 51

املعهد املليك للدراسات الدينية، )1994م(، ص13.

)( ابن األثري، الكامل، ج9، ص19. سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان، ج8، ق1، ص239. ابن خلكان، وفيات، ج1، ص191. ابن تغري بردي: 52

النجوم، ج5، ص115. خرابشة، فلسطني، 663.

)( النقاش، زيك: » العالقات االجتامعية والثقافية واالقتصادية بني العرب واإلفرنج خالل الحروب الصليبية »، بريوت، منشورات دار الكتاب 53

اللبناين للطباعة والنرش، )1378هـ/1958م(، ص17-16. خليل، عامد الدين: » اإلمارات األرتقية يف الجزيرة والشام » )812-465هـ/ -1072

1409م( أضواء جديدة عىل املقاومة اإلسالمية للصليبيني والترت، بريوت، مؤسسة الرسالة،1980م، ص66. خرابشة، فلسطني، 663.

)( ابن األثري: الكامل، ج9، ص19. ابن خلكان: وفيات، ج1، ص179. ابن العربي: تاريخ، ص197. أبو الفداء، املخترص، ج2، ص211. النويري: 54

نهاية، ج28، ص256. الذهبي: تاريخ، ج34، ص16. ابن تغري بردي: النجوم، ج 5، ص. 591. الدواداري: الدرة، 6، ص. 447. ويذكر أنه كان

يف491هـ. ابن خلدون: تاريخ، ج5، ص21. املقريزي: اتعاظ، ج3، ص22.

)( ابن الجوزي، جامل الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عيل بن محمد: فضائل القدس، حققه وقدم له: الدكتور جربائيل سليامن جبور، 55

بريوت – لبنان، دار اآلفاق الجديدة، ط2، )1400هـ/1980م(، ص125. ابن األثري: الكامل، ج10، ص201. ابن خلكان: وفيات، ج1، ص179. ابن

العربي: تاريخ، ص197. ابن العديم: زبدة، ص245. أبو الفداء: املخترص، ج2، ص211. النويري: نهاية، ج28، ص256. الذهبي: تاريخ، ج34،

ص16؛ العرب، ج2، ص365. العمري، أحمد بن يحيى بن فضل الله القريش العدوي شهاب الدين ابن فضل الله: مسالك األبصار يف ماملك

األمصار، أبو ظبي، املجمع الثقايف، )1423هـ/2002م(، ج24، ص280. ابن الوردي: تاريخ، ج2، ص11. اليافعي: مرآة، ج3، ص118. ابن تغري

بردي: النجوم، ج5، ص148؛ مورد، ج1، ص214؛ املنهل الصايف واملستوىف بعد الوايف، حققه ووضع حواشيه: دكتور محمد محمد أمني، تقديم:

دكتور سعيد عبد الفتاح عاشور، القهرة – مرص، الهيئة املرصية العامة للكتاب )د. ت(، ج7، ص382. املقريزي: اتعاظ، ج3، ص23؛ املواعظ،

ج2، ص196. وانظر: الزبدة، عبلة املهتدي: » القدس تاريخ وحضارة »، بريوت - دار نعمة للطباعة، )1421هـ/2000م(، ص100. قاسم، قاسم

عبده: » أثر الحروب الصليبية يف العامل العريب، بعض مظاهر الحياة اليومية يف مرص يف عرص سالطني املامليك -مطبوع ضمن موسوعة الحضارة

العربية واإلسالمية »، بريوت - املؤسسة العربية للدراسات والنرش، )1407هـ/1987م(، ص170. الحميدي، عبد العزيز بن عبد الله: » التاريخ

اإلسالمي مواقف وعرب )ما بعد الخلفاء الراشدين( »، اإلسكندرية، دار الدعوة، )2004م(، ص322.

)( اليعقويب: أحمد بن إسحاق )أيب يعقوب( بن جعفر بن وهب بن واضح )املتوىف: بعد 292هـ(: البلدان، بريوت، دار الكتب العلمية، ط1، 56

)1422ه(، ص167.

خزانة فلسطني التاريخية )2(735

أثرا عرقيا)57(، ومنذ بدء حركة الفتوح اإلسالمية املباركة كانت فلسطني تضم خليطا متنوعا من العنارص

السكانية، وكانت العنارص العربية “من لخم، وجذام، وعاملة، وكندة، وقيس، وكنانة “)58(، تشكل مجمل

هذه العنارص)59(، التي كانت إما عربية متوطنة قبل الفتح اإلسالمي، أم عربية بدوية وفدت إىل فلسطني

بعد فتحها عىل يد املسلمني، فاستقرت فيها، وخالل الفتوحات اإلسالمية ازدادت القبائل العربية الوافدة

إىل جنوب الشام، وتتابع وصولها خاصة يف العهد األموي والعبايس)60(.

وإىل جانب األجناس العربية وفدت أجناس تركية، غلب عليها الطابع العسكري، وفدت إىل فلسطني

مع بدء الحكم الطولوين، زد عىل ذلك العنارص الرشقية من خراسان واملغربية من بالد املغرب، التي كانت

تصل فلسطني تباعا وفق الحالة السياسية، مام جعل سكان فلسطني كام يقرر اليعقويب: “ أخالط من

العرب، والعجم “، الذين غالبا ما اندمجوا مع بعضهم البعض، مام أسهم يف إعادة تشكيل، وتكوين البنية

االجتامعية يف فلسطني خالل الفرتة التاريخية موضوع الدراسة، بعد أن عانت من عدم االستقرار نظرا

للتغريات السياسية املتالحقة آنذاك.

ومهام يكن من أمر، فقد كانت فلسطني مكانا لتجمع نسيج متنوع من األجناس املختلفة من العرب والرتك

واملغاربة، وغريهم من املوايل، وهذه األجناس، أم العنارص كانت تدين إما باإلسالم، أم بغريه من الديانات

واملعتقدات، فكان يطلق عىل العجم، أم العرب منهم ممن يدين بغري اإلسالم: أهل الذمة.

ولعل السبب يف هذه الرتكيبة السكانية املتعددة األجناس واألعراق يرجع إىل أمرين رئيسيني: أولهام

يتمثل يف املوقع املتوسط لبالد الشام وامتدادها الشاسع، وثانيهام يتجسد يف الرثاء التاريخي نتيجة تعدد

الحضارات التي منت وازدهرت يف ربوع الشام عامة وفلسطني بشكل خاص)61(.

وقد توزعت القبائل العربية يف فلسطني، ومن القبائل العربية اليمنية نشري إىل قبيلة بني األشعر، وقد

سكنوا يف قرية كوكب نابلس)62(. كام سكن يف قرية جامعني)63( قرب نابلس بنو عذرة وهم فخذ من قبيلة

كلب، وكانت قبيلة لخم من القبائل العربية اليمنية التي شكلت رشيحة مهمة من رشائح السكان، وقد

استقرت يف فلسطني)64(، يف مناطق متفرقة، وكان تركيزهم مع من خالطهم من كنانة “ حول الرملة إىل

)( انظر تفاصيل ذلك يف: بورتر، هاريف: » مخترص التاريخ القديم »، القاهرة، مكتبة مدبويل، )1991م(، ص92، وما بعدها. مقلد، عبد الفتاح: 57

» الكنعانيون وتاريخ فلسطني القديم »، العريب للنرش والتوزيع، القاهرة، 2003م، ص195، وما بعدها. غالب، محمد السيد: » سكان فلسطني

ودراسة تاريخهم الجنيس »، الجمعية املرصية للدراسات التاريخية، املجلة التاريخية املرصية، مجلد )5( 1956م، ص135-142.

)( اليعقويب: البلدان، ص167. 58

)( انظر: الحويري، محمود محمد: » األوضاع الحضارية يف بالد الشام يف القرنني الثاين عرش والثالث عرش من امليالد »، القاهرة، دار املعارف، 59

1400هـ/ 1979م، ص15. قاسم، قاسم عبده: » بعض مظاهر الحياة االجتامعية يف بالد الشام عرص الحروب الصليبية، عامل الفكر، )1994م(،

ص 364. محمود، حسن أحمد: » الساميون القدماء »، ضمن كتاب حضارة مرص والرشق القديم ، القاهرة، )د.ت(، ص377. عباس، إحسان:

» تاريخ بالد الشام من ما قبل اإلسالم حتى بداية العرص األموي »، عامن، مطبعة الجامعة األردنية، )1410هـ/1990م(، ص58. العاين، عبد

اللطيف عبد الرازق: » إدارة بالد الشام يف العهدين الراشدي واألموي »، رسالة ماجستري غري منشورة، إرشاف: صالح أحمد أحمد العيل، جامعة

بغداد، كلية اآلداب، قسم التاريخ، 1968م، ص17. غالب: سكان فلسطني، ص136.

)( انظر: عاقل، نبيه: » فلسطني من الفتح العريب اإلسالمي إيل أواسط القرن )الرابع الهجري/ العارش امليالدي( »، املوسوعة الفلسطينية، هيئة 60

املوسوعة الفلسطينية، القسم الثاين الدراسات الخاصة، املجلد الثاين الدراسات التاريخية، ص294.

)( انظر: قاسم: بعض مظاهر الحياة االجتامعية، ص 364. 61

)( ابن حبان: الثقات، ج4، ص 387. 62

)( الدباغ: القبائل، ص43. 63

)( الدنيوري: األخبار الطوال، ص172. ابن مزاحم، نرص بن مزاحم املنقرى: وقعة صفني، تحقيق ورشح عبد السالم محمد هارون، املؤسسة 64

العربية الحديثة، ط2، )1382هـ(، ص207.

736 مؤمتر تجليات حركة التاريخ يف مدينة نابلس

كون بطن من لخم، س بن شبيب بن الس نابلس “)65(، ومن بطون لخم: جديلة )جزيلة( بن عدي بن أرش

وسكنت يف نابلس)66(، ومن القبائل العربية اليمنية نذكر كذلك: قبيلة مرض، وكانت تقطن يف نابلس)67(.

ونذكر من القبائل القيسية: بنو كنانة، وقد كان استقرارهم يف فلسطني)68(، منذ الفتح اإلسالمي)69(، وكانت

منازلهم متتد من الرملة حتى مدينة نابلس)70(. ومن القبائل القيسية أيضا: قبيلة شيبان، وقد تواجد بطن

منهم يف نابلس)71(.

وفضال عن القبائل العربية التي تم متيزها ومعرفة أماكن تركزها، ومراكز تواجدها، فإن كثريا من العنارص

العربية التي انترشت يف أنحاء فلسطني، ومنها نابلس، ومل متيز لنا الكثري من املصادر نوع االنتامء القبيل

لها، وال إلسامئها؛ بل اكتفت بالقول أنها من العرب، ومع ذلك فإنها أعطتنا إشارات مهمة حول انتشار

وكثافة العنارص العربية يف فلسطني بغض النظر عن اسم القبيلة، أو العشرية.

فعىل سبيل املثال ال الحرص؛ ما أشار إليه اليعقويب)72( من أن سكان نابلس، كانوا يتألفون من العرب)73(.

أما املوايل فإنه ال تذكر العنارص العربية إال ويذكر املوايل: وهم من العجم الذين اعتنقوا اإلسالم، وأصبحوا

يشكلون إحدى طبقات املجتمع، وعرفوا باملوايل؛ ألنهم يدينون للعرب بالوالء)74(.

وعليه فقد استقر املوايل يف نفس املناطق التي كانت تنزلها، أم نزلتها القبائل العربية جنبا إيل جنب،

وازدادت أعدادهم بالتكاثر، باإلضافة للمولدين من آباء عرب، وأمهات من املوايل، وقد عرفوا بأوالد

الرساري، وقد متتع املوايل بالحرية كأسيادهم العرب يف الحياة العامة)75(.

وممن عد من املوايل، املسلمون من غري العرب الذين كانوا يف فلسطني قبل الفتح، وتحالفوا مع القبائل

العربية لتثبيت مكانتهم يف املحيط االجتامعي، فكانوا يوالونهم، ويتعاونون معهم، ويعدون أنفسهم جزءا

منهم)76(، وكان منهم بني نبه، واألزرق من الروم، وبني روبيل من اليهود، وهم: “من عجم الشام ممن

كان رغب يف اإلسالم من قبل الريموك، ومن أهل قيسارية وغريهم”)77(، وبعد إسالمهم شاركوا يف فتح

)( ابن الحائك: صفة، ص131. 65

)( الكلبي: نسب، ج1، ص206. ابن دريد: االشتقاق، ص376. الدارقطني: املؤتلف واملختلف، ج1، ص 522. ابن نارص الدين: توضيح املشتبه، 66

ج2، ص242. ابن عبد به: العقد الفريد، ج3، ص349. ابن حزم: جمهرة، ص477. مرتىض الزبيدي، أبو الفيض محمد بن محمد بن عبد الرزاق

الحسيني امللقب مبرتىض: تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: مجموعة من املحققني، دار الهداية، )د. ت(، ج28، ص 204.

)( العمري: مسالك، ج4، ص358. القلقشندي: صبح األعىش ، ج1، ص392. 67

)( ابن حزم: جمهرة، ص180. 68

)( ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج73، ص350. 69

)( ابن الحائك: صفة، ص130. 70

)( سلفه األصبهاين: معجم السفر، ص206. الذهبي: تاريخ اإلسالم، ج23، ص331. 71

)( البلدان، ص328-329 . 72

)( البالذري: فتوح، ص193-192. الدومنيك، بلدانية، ص26. 73

)( حتى، فيليب: تاريخ سوريا ولبنان وفلسطني، ترجمة د. كامل اليازجي، ط بريوت، دار الثقافة، 1959م، ج2، ص98. فيصل، شكري: 74

املجتمعات االسالمية يف القرن االول الهجري، بريوت، دارالعلم للماليني، ط3، 1973م، ص112. عاقل: فلسطني، ص299. البدور: فلسطني،

ص219. أبو الرب: فلسطني، ص186.

)( ابن قتيبة: عيون األخبار، ج1، ص312. املربد، محمد بن يزيد بن عبد األكرب الثامىل األزدي، أبو العباس: الفاضل، القاهرة، دار الكتب 75

املرصية، ط3، )1421هـ(، ص106. انظر: عيل, أحمد إسامعيل: » تاريخ بالد الشام منذ ما قبل امليالد حتى نهاية العرص األموي »، دار دمشق

للنرش والتوزيع, )د،ط(، )1984م(، ص321.

)( انظر: الدباغ: املوجز، ص146. 76

)( املقريزي: املواعظ، ج1، ص298. 77

خزانة فلسطني التاريخية )2(737

مرص، مع عمرو بن العاص)78(.

وقد خلف عهد بني أمية وغريهم من القبائل، مجموعات من املوايل، وكان موايل بني أمية محل إعجاب

لدى العباسيني، واعتربهم الخليفة املهدي مام تفوق به األمويون عليهم)79(.

و ازداد عدد املوايل يف بالد الشام بشكل عام، ومنها: فلسطني، بعد إدخال العباسيني لهم كعنرص رئييس يف

الجيش؛ الذي كان يرابط يف جميع البالد الشامية، وبسبب تعيني الكثري من املوايل كوالة يف هذه البالد)80(،

كصالح بن يحيى موىل الخليفة املأمون، الذي أصبح واليا عىل فلسطني عام )217هـ/832م()81(.

ورغم انخرط املوايل يف الحياة املجتمع، إال أن األمر مل يخل من نظرة االزدراء بحقهم، إذ مل يعدوا عربا

خلصاء)82(، وظهر ذلك جليا من خالل الحوار الذي دار بني أبو جعفر املنصور، والعامل الليث بن سعد )ت:

175هـ/791م(، حني زار املنصور القدس يف عام )141هـ/785م(، وقد أعجب املنصور مبا رأى من شدة

ذكائه، فعرض عليه أن يوليه إمارة مرص، فاعتذر الليث متعلال بضعفه، وأنه “رجل من املوايل “)83(.

ومهام يكن من أمر، فقد شكل املوايل جزء من النسيج السكاين يف نابلس)84(، “ فأهلها أخالط من

العرب والعجم “)85(.

األحوال المذهبية والطائفية:وإذا ما انتقلنا للحديث عن األحوال الدينية املذهبية والطائفية لفئات السكان يف نابلس كغريها من البالد

الفلسطينية، نجد تعدد مذاهبهم، وطوائفهم وفرقهم، و قد شكل املسلمون من أهل السنة، والجامعة عىل

ما يبدو الغالبية العظمى من فئات السكان)86(، وكانت “ مذاهبهم مستقيمة “)87(، ومتنوعة، فكان فيها:

“ مذهب أصحاب الحديث، والفقهاء شفعوية “)88(، “ وأقل ما ترى به فقيها له بدعة “)89(، “ ومذهب

الشافعي الجهر بالبسملة، والقنوت يف الفجر، يف النصف األخري من شهر رمضان يف الوتر، وغري ذلك، ما عدا

طربية التي حاول واليها األمر بالجهر بالبسملة، فتظلموا منه إىل “ كافور اإلخشيدي )357-292هـ/-905

967م(، واستبشعوا ما فعله “)90(، وكانوا يجلسون بني الصالتني وبني العشائني)91(، و “ بني كل سالمني

)( ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج2، ص247. العليمي: األنس، ج1، ص283. 78

)( املصدرين السابقني. 79

)( انظر: عاقل، نبيه: فلسطني، ص299. 80

)( مل ترد له ترجمة يف املصادر املدونة، وقد نقش اسمه األول »صالح«، عىل فلس رضب يف القدس عام )217هـ/832م(، وبقية املعلومات من: 81

القييس: ناهض عبد الرزاق: الفلس العريب اإلسالمي، ص117.

)( التميمي: املحن، ص 222. الذهبي: تاريخ اإلسالم، ج6، ص14. ابن خلدون: املقدمة، ص 135-136. 82

)( الفسوي: املعرفة والتاريخ، ج1، ص 123. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، ج13، ص6. ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج50، ص367. الذهبي: 83

تاريخ اإلسالم، ج11، ص308.

)( ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج36، ص117. 84

)( البلدان، ص179. وانظر: ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج36، ص117. 85

)( املقديس: أحسن، ص179. 86

)( املصدر نفسه، ص179. 87

)( يقصد بقوله شافعية: أصحاب مذهب اإلمام محمد بن إدريس الشافعي. 88

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص183. 89

)( املصدر نفسه، ص180. 90

)( املصدر نفسه، ص182. 91

738 مؤمتر تجليات حركة التاريخ يف مدينة نابلس

من الرتاويح وبعض يوترون بواحدة وكان وترهم يف القديم ثالثا، ...، وإذا قام اىل كل ترويحة نادى منادى

الصالة رحمكم الله، ويصلون بإيليا ست ترويحات “)92(. ويف الفرتة العبيدية )الفاطمية( أضحى نصف

سكان نابلس، شيعة)93(.

ومام أحدثه العبيديون خالل حكمهم لفلسطني ما يسمى بصالة الرغائب)94(، فقد نقل عن “ أبو محمد

املقديس، قال: مل يكن عندنا بالقدس قط صالة الرغائب هذه التي تصىل يف رجب وشعبان، فأول ما حدثت

عندنا يف سنة )448هـ/1056 م(، قدم علينا يف القدس رجل من نابلس يعرف بابن أيب الحمراء، وكان حسن

التالوة، فقام فصىل يف املسجد األقىص ليلة النصف من شعبان، فأحرم خلفه رجل، ثم انضاف إليه ثالث

ورابع، فام ختم إال وهم جامعة كبرية، ثم جاء يف العام القابل فصىل معه خلق كثري، وشاعت يف املسجد،

وانترشت الصالة يف املسجد األقىص، وبيوت الناس ومنازلهم، ثم استقرت كأنها سنة “)95(.

وقد استخدم العبيديون شتى السبل، وكافة األساليب إلجبار األهايل عىل اعتناق مذهبهم، وبطشوا بكل

من عارضهم، فهذا أبو بكر النابليس )ت: 363هـ/973م(، قد “ سجنه بنو عبيد، وصلبوه عىل السنة “)96(،

وأجروا معه تحقيقا قاسيا، سئل فيه عن سبب معارضته لهم ؟ “ فقال: ألنكم؛ غريتم امللة، وقتلتم العلامء،

والصالحني، فأمر أن يشهر)97( ثالثة أيام، ويرضب كل يوم ألف سوط، ثم يسلخ)98( يف اليوم الثالث، ففعل

)( املصدر نفسه، ص182. 92

)( املقديس: أحسن، ص179. 93

)( صالة الرغائب: الرغائب جمع رغيبة وهي العطاء الكثري. انظر: ابن فارس: مجمل اللغة، ج1، ص388. الجوهري: الصحاح، ج1، ص77. وهي 94

تصىل يف ليلة أول جمعة رجب وشعبان، بني صالة املغرب والعشاء ويسبقها صيام الخميس ، وضعها عيل بن عبد الله بن جهضم وضعها

عىل رجال مجهولني مل يوجدوا يف جميع الكتب، رواها عنه الفقيه أبو القاسم عبد الرحمن ابن إمام أصبهان أيب عبد الله محمد بن إسحاق

بن مندة. انظر: ابن دحية الكلبي، أبو الخطاب عمر بن حسن األندليس: أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعني يف رجب، تحقيق: محمد

زهري الشاويش، تخريج: محمد نارص الدين األلباين، املكتب اإلسالمي، )1419هـ/1998م(، ص54. القاسمي، محمد جامل الدين بن محمد

سعيد بن قاسم الحالق: » إصالح املساجد من البدع والعوائد »، خرج أحادثه وعلق عليه: محمد نارص الدين األلباين، املكتب اإلسالمي، ط5،

)1403هـ/1983م(، ص98، 266. وانظر بالتفصيل: السحيمي، سليامن بن سامل: األعياد وأثرها عىل املسلمني، املدينة املنورة، اململكة العربية

السعودية، عامدة البحث العلمي بالجامعة اإلسالمية، ط2، 1424هـ/2003م، ص347-355.

)( الطرطوىش، محمد بن الوليد بن محمد بن خلف القرىش الفهرى األندليس، أبو بكر املاليك: الحوادث والبدع، املحقق: عيل بن حسن 95

الحلبي، دار ابن الجوزي، ط3، 1419هـ/1998م، ص133-132. ابن دحية الكلبي، أبو الخطاب عمر بن حسن األندليس: ما وضح واستبان يف

فضائل شهر شعبان، قرأه وعلق عليه: جامل عزون، الرياض ، مكتبة أضواء السلف، )1424هـ/2003م(، ص-44 45. السحيمي: األعياد، ص347.

)( ابن عساكر: تاريخ دمشق ، ج51، ص50. 96

)( التشهري: يف اللغة مأخوذ من شهره، مبعنى: أعلنه وأذاعه، وشهر به: أذاع عنه السوء، وشهره تشهريا فاشتهر. والشهرة: وضوح األمر، وال 97

يخرج استعامل الفقهاء له عن املعنى اللغوي، وهو نوع من أنواع التعزير، أي أنه عقوبة تعزيرية، إذا علم الحاكم أن املصلحة فيه، وهذا

الحكم هو بالنسبة لكل معصية ال حد فيها وال كفارة يف الجملة، و يجوز يف نكال التعزير أن يجرد من ثيابه، إال قدر ما يسرت عورته، ويشهر

يف الناس، وينادى عليه بذنبه إذا تكرر منه ومل يتب. وكان التشهري يحدث قدميا باملناداة عىل املجرم بذنبه يف األسواق واملحالت العامة حيث

مل تكن هناك وسيلة أخرى. انظر: املاوردي، أبو الحسن عيل بن محمد بن محمد بن حبيب البرصي البغدادي: األحكام السلطانية، القاهرة،

دار الحديث )د.ت(، ص324. األعرج، أبو الفضل محمد بن عبد الوهاب بن عبد اللطيف األعرج: تحرير السلوك يف تدبري امللوك، املحقق: فؤاد

عبد املنعم أحمد، مؤسسة شباب الجامعة، )1982م(، ص59. األحمد نكري، القايض عبد النبي بن عبد الرسول: دستور العلامء أو جامع العلوم

يف اصطالحات الفنون، عرب عباراته الفارسية: حسن هاين فحص، لبنان- بريوت، دار الكتب العلمية، )1421هـ/2000م(، ج1، ص202. عامر،

عبد العزيز: » التعزير يف الرشيعة اإلسالمية » القاهرة، دار الكتاب العريب، )1374هـ(، ص387-193. عودة، عبد القادر: » الترشيع الجنايئ

اإلسالمي مقارنا بالقانون الوضعي »، بريوت، دار الكاتب العريب )د.ت(، )د.ط(، ج1، ص704. املوسوعة الفقهية الكويتية، ج12، ص40، 45.

)( السلخ: من أساليب التعذيب التي استخدمها العبيديون، وظلت مستمرة حتى العصور الالحقة، فكان يتم سلخ الجسد والرأس، وغالبا ما 98

يرتافق السلخ مع الحشو، حيث يستخدم القطن أو التنب، أو املالبس يف حشو الجثة بعد سلخها. انظر: الصرييف: الخطيب الجوهري عيل بن

داود الصرييف: إنباء الهرص بأبناء العرص، تحقيق حسن حبيش، القاهرة، دار الفكر العريب، )1970م(، ص234، 402. السخاوي، شمس الدين

محمد بن عبد الرحمن السخاوي ت902هـ/1497م: وجيز الكالم يف الذيل عىل دول اإلسالم، تحقيق: بشار معروف وآخرون، مؤسسة الرسالة،

)د.ط(، )1995م(، ج3، ص1178. انظر: الرفاعي، هالة نواف يوسف: » السجون يف مرص يف العرص اململويك، )923-648هـ/1517-1250م( »،

خزانة فلسطني التاريخية )2(739

به ذلك، فقتلوه، ثم سلخوه، وحيش جلده تبنا، وصلبت جثته أياما “)99(.

وسكن يف مدينة نابلس طائفة السامرة، وقد عرفت هذه الطائفة بهذا االسم لسكناها مدينة شمرون

)سمرون( أو )السامرة(، وهي: مدينة نابلس، وتعرف أيضا باألمساسية)100(، وهي من طوائف اليهود التي

انشقت عن فرقة القرائني، فـ” القراؤون والربانيون ينكرون كون السامرة من اليهود، ويعدوهم مبتدعة

أو كفارا “)101(، ألنهم “ ينكرون كثريا من رشائعهم، وال يقرون بنبوة من كان بعد يوشع بن نون مثل:

داود، وسليامن، وزكريا، ويحيى، وغريهم يزعمون أنهم ليس لهم يف التوراة اسم “)102( ويف أيديهم توراة

» مخالفة للتوراة التي يف أيدي سائر اليهود يف التواريخ، واألعياد، وذكر األنبياء »)103(، ويتميزون بأن

لهم اعتقادات، وطقوس دينية، واجتامعية تخالف سائر اليهود، فعقيدتهم مبنيه عىل التجسيم)104(، كام

أن » لهم عبادات تخالف ما عليه اليهود، ولهم كنائس يف كل بلد تخصهم ]...[، ومذاهبهم ممتزجة من

اليهودية، واملجوسية، ]..[، وال يدخلون حد القدس منذ أيام داود النبي عليه السالم، ألنهم يدعون إنه

ظلم، واعتدى، وحول الهيكل املقدس من نابلس إىل إيليا، وهو القدس، وال ميسون الناس، وإذا مسوهم

اغتسلوا »)105(، كام أنهم يختصون بلبس العاممة الحمراء)106(.

وفضال عن اختالفهم العقدي عن طوائف اليهود، فقد كان لهم مذاهبهم الخاصة بهم، فكان هناك مذهب

يقال له: الكوشان )Kushanians(، واآلخر الدوستان )Dustanians ()107(، وإن كانت املصادر املتاحة ال

تبني سبب هذه التسميات، إال أنها تفرق بينهام؛ بأن الكوشانية يقرون باآلخرة، وأن الثواب والعقاب فيها،

أما الدوستانية فتعتقد أن الثواب والعقاب يف الدنيا، فضال عن اختالفات أخرى يف األحكام والرشائع)108(،

كقول أحد الصنفني: بقدم العامل)109(.

رسالة ماجستري، الجامعة األردنية، كلية الدراسات العليا، )2008م(، ص196.

)( ابن القالنيس: ذيل، ص97. ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج1، ص10؛ ج51، ص50. أبو شامة: عيون، ج2، ص20. ابن منظور: مخترص تاريخ 99

دمشق، ج21، ص275. الذهبي: تاريخ اإلسالم، ج26، ص311. ابن الوردي: تاريخ ، ج1، ص268. الصفدي: الوايف بالوفيات، ج2، ص34. ابن

كثري: البداية والنهاية، ج11، ص314. املقريزي: اتعاظ، ج1، ص211. انظر: القططي، عبد الرؤوف: » السجون يف مرص وبالد الشام يف الدولتني

األيوبية واململوكية »، رسالة ماجستري غري منشورة، إرشاف األستاذ الدكتور: رياض مصطفى شاهني، غزة، الجامعة اإلسالمية، كلية اآلداب، قسم

التاريخ واآلثار، )2012م(، ص177.

)( املقريزي: املواعظ، ج4، ص384 . 100

)( القلقشندي: صبح األعىش ، ج13، ص271. 101

)( املطهر املقديس: البدء، ج4، ص34. وانظر: نشوان الحمريي، نشوان بن سعيد الحمريى اليمني: الحور العني، املحقق: كامل مصطفى، 102

القاهرة، مكتبة الخانجي، )1948م(، ص145. ابن كثري: البداية والنهاية، ج1، ص372. القلقشندي: صبح األعىش، ج13، ص271. املقريزي:

املواعظ، ج4، ص384.

)( البكري: املسالك، ج1، ص121. املطهر املقديس: البدء، ج5، ص30. ابن الجوزي: املنتظم، ج1، ص412. ابن العربي : تاريخ مخترص الدول، 103

ص69. وانظر: القلقشندي: صبح األعىش، ج13، ص272. املقريزي: املواعظ، ج4، ص384.

)( ابن العربي: تاريخ مخترص الدول، ص69. 104

)( املقريزي: املواعظ، ج4، ص384. وانظر: القلقشندي: صبح األعىش، ج13، ص272. 105

)( القلقشندي: صبح األعىش، ج13، ص363. 106

)( االبالذري: فتوح، ص159. املسعودي: مروج الذهب، ج1، ص59؛ املسعودي: التنبيه، ص182. البكري: املسالك، ج1، ص21. أبو الفداء: 107

املخترص، ج1، ص88. املقريزي: املواعظ، ج4، ص384.

.Jams A. Montgomery, The Samarians, p.258 .217الشهرستاين: امللل، ج1، ص )( 108

)( البكري: املسالك، ج1، ص121. املقريزي: املواعظ، ج4، ص384. 109

740 مؤمتر تجليات حركة التاريخ يف مدينة نابلس

وتتخذ السامرة من جبل جرزيم )كريزيم()110(، أم )غريزيم()111( بنابلس قبلة لها)112(، » ويوجهون إليه

موتاهم »)113(، وتعتقد أن نابلس هي القدس)114(، ويحجون إىل جبل الطور املرشف عىل نابلس)115(،

وفيها كهف تحته عني يعظمونها)116(، ولهم فيها » كنيسة حسنة »)117(.

ويف فرتة الدراسة وقع خالف كبري بني الطائفة السامرية، وكان سبب ذلك أنهم اختلفوا حول التقويم

وتحديد موعد صيامهم، فانقسموا إىل قسمني، ثم حكموا بينهم مجموعة منهم رجحت صواب تقويم عىل

آخر، وبذلك انتهى الخالف بينه)118(.

وقد كان مركز السامرة الرئيس، وأكرث تواجدهم يف نابلس، » وبها كنائسهم »)119(، ولهم فيها حارة خاصة

بهم)120(، وهذا ما حدا بعدد من والرحالة والجغرافيني الجزم بأنه: » ليس للسامرة مكان من األرض إال بها

»)121(، وأطلقوا عليها اسم » مدينة السامرة »)122(، ومركزها قرية بيت ماما)123(.

وأورد املسعودي عام )332هـ/943م(، أن السامرة كانوا يسكنون » يف قرى متفرقة، مثل: القرية املعروفة

بعارا، بني الرملة وطربية، وغريها من القرى إىل مدينة نابلس”)124(، وقد وافقه البكري)125( بقوله: » فأما

السامرية ذرية السامري فهم يف وقتنا هذا- وهي سنة )332هـ/943م( يف قرى متفرقة ببالد فلسطني

واألردن إىل نابلس »، وأيدهم البشاري املقديس املعارص للحكم العبيدي، فذكر أن تواجد السامرة يف

فلسطني بشكل عام، وميتد حتى طربية)126(.

وكان تقدير الجزية يرتك أحيانا للوايل » يزيد عليهم بقدر يرسهم، ويضع عنهم بقدر حاجتهم »)127(، وقد

تم يف عام )246هـ/860م( تخفيف الجزية عن السامرة من قبل الخليفة املتوكل يف قرية بيت ماما من

)( ياقوت: معجم البلدان، ج5، ص 248. القزويني: آثار البالد، ص277. 110

)( اإلدرييس: نزهة، ج1، ص356. 111

)( الشهرستاين: امللل، ج1، ص 218. القلقشندي: صبح األعىش، ج13، ص271. املقريزي: املواعظ، ج4، ص384. 112

)( القلقشندي: صبح األعىش ، ج13، ص271. 113

)( اليعقويب: البلدان، ص167. ابن شداد: األعالق الخطرية، ج1، ص110. املقريزي: املواعظ، ج4، ص384. العليمي: األنس الجليل، ج1، ص241، 114

ج2، ص75.

)( العزيزي: املسالك، ص105. ياقوت: معجم البلدان، ج4، ص47. ويسميه املقريزي: طور بريك. انظر: املواعظ، ج4، ص 384. 115

)( القزويني: آثار البالد، ص277. 116

)( اإلدرييس: نزهة، ج1، ص356. وانظر: ابن الوردي: خريدة، ص101. الحمريي: الروض، ص571. 117

)( أبو الفتح السامري :كتاب التاريخ، ص183. 118

)( املقريزي: املواعظ، ج4، ص384. 119

)( الذهبي: تاريخ اإلسالم، ج42، ص37. ابن كثري: البداية والنهاية، ج13، ص34. 120

)( االصطخري: املسالك، ص58. ابن حوقل: صورة، ج1، ص172. اإلدرييس: نزهة، ج1، ص356. 121

)( االصطخري: املسالك، ص58. ابن حوقل: صورة، ج1، ص172. اإلدرييس: نزهة، ج1، ص356. العمري: مسالك، ج3، ص461. ابن الوردي: 122

خريدة، ص101. الحمريي: الروض، ص571.

)( البالذري: فتوح البلدان، ص159. 123

)( مروج الذهب، ج1، ص59. 124

)( االصطخري: املسالك، ج1، ص121. 125

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص179. وانظر: نصار، أمل هشام أحمد: » املقديس البشاري، أبو عبد الله، محمد ابن أيب بكر )ت: 126

380هـ/990م(: أحسن التقاسيم يف معرفة األقاليم، دراسة يف األحوال االقتصادية واالجتامعية والدينية واإلدارية والعمرانية »، رسالة ماجستري

غري منشورة، إرشاف: عدنان ملحم، نابلس، جامعة النجاح الوطنية، ص171.

)( ابن املناصف: محمد بن عيىس بن محمد بن أصبغ، أبو عبد الله بن املناصف األزدي القرطبي: اإلنجاد يف أبواب الجهاد وتفصيل فرائضه 127

وسننه وذكر جمل من آدابه ولواحق أحكامه، املحقق: )مشهور بن حسن آل سلامن ومحمد بن زكريا أبو غازي( )ضبط نصه وعلق عليه

ووثق نصوصه وخرج أحاديثه وآثاره(، مؤسسة الريان، دار اإلمام مالك، ص 551.

خزانة فلسطني التاريخية )2(741

كورة نابلس، بعد أن اشتكوا له عجزهم عن أداء الجزية عىل خمسة دنانري، فخففها عنهم، وصارت ثالثة

دنانري، وقرية بيت ماما واحدة من الضياع التي هجرها أصحابها يف أول عهد الرشيد )193-170هـ/-786

808م()128(.

المالبس واألزياء: وإذا ما انتقلنا للحديث عن جانب آخر من جوانب الحياة االجتامعية يف نابلس، أال وهو اللباس، فإننا نجد

أن مالبسهم، وأزيائهم مل تختلف يف املجتمع النابليس عن غريه من املجتمعات اإلسالمية كثريا، مع اختالف

بسيط يف بعضها، وقد تعددت املالبس واألزياء يف املجتمع النابليس، وكان لكل فئة من فئاته ملبسها

الخاص بها، وزيه الذي مييزه عن غريه من السكان، فللمسلمني لباسهم، وألهل الذمة من النصارى، ولليهود

لباسهم أيضا، كام اختلف اللباس والزي يف بالد الشام عامة، وفلسطني خاصة، باختالف املستوى الديني،

واالجتامعي، والسيايس، واالقتصادي، كام كان لكل صاحب مهنة زيه الخاص به، » فللقضاة زي، وألصحاب

القضاة زي، وللرشط زي، وللكتاب زي، ولكتاب الجند زي »)129(.

وكانت العاممة عىل الرأس زيا عاما لهم جميعا؛ ولكنها مختلفة كام قدمنا حسب املستوى واملهنة فـ »

للخلفاء عمة، وللفقهاء عمة، وللبقالني عمة، ولألعراب عمة، وللصوص عمة، ولألبناء عمة، وللروم والنصارى

عمة، وألصحاب التشاجي عمة »)130(، وكان يتم نسج بعض العاممات من القطن)131(.

وإىل جانب العاممة لبس الرجال عىل رؤوسهم القالنس)132(، وكان الناس أيضا متفاوتون فيها، وباإلجامل؛

فقد كانت قلنسوة القضاة والعلامء طويلة، وقلنسوة التجار لطيفة، وكان بعض الناس يعتم بدل القلنسوة،

وبعضهم يلف العاممة عىل قلنسوة طويلة)133(، واتخذ القضاة القالنس العظام حتى يف الحر الشديد)134(،

وخاصة » إذا دخلوا عىل الخلفاء وعىل األمراء، وعىل السادة والعظامء؛ ألن ذلك أشبه باالحتفال،

وبالتعظيم واإلجالل، وأبعد من التبذل االسرتسال، وأجدر أن يفصلوا بني مواضع أنسهم يف منازلهم،

ومواضع انقباضهم »)135(. أما الزهاد فإنهم مل يلبسوا العاممة، أو غطاء للرأس أصال)136(.

وقد حاولت الجهات الرسمية ممثلة بالخليفة املنصور توحيد لباس الرأس لرعيته يف أواخر سني خالفته،

عام )153هـ/769م(، فألزم الناس بلبس القالنس الطويلة، وكان الناس يحاولون تثبيت طولها املفرط

بالقصب والورق، وكانوا يلبسونها السواد)137(، لكن ذلك مل يستمر طويال)138(.

)( البالذري: فتوح البلدان، ص163. ياقوت: معجم البلدان،ج1، ص522. 128

)( الجاحظ: البيان والتبيني، ج3، ص78. 129

)( املصدر نفسه، ج3، ص78. وانظر: املقريزي: اتعاظ الحنفاء، ج1، ص243. 130

)( أبو نعيم األصبهاين: حلية األولياء، ج7، ص383. 131

)( املصدر نفسه، ج8، ص10. 132

)( عباس: تاريخ، ص١٦٣. 133

)( الجاحظ : البيان، ج3، ص80 . 134

)( املصدر نفسه، ج3، ص77. 135

)( السلفي، معجم، ص٣٣9. 136

)( الذهبي: تاريخ اإلسالم، ج٩، ص٣٥٦. ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة، ج ٢، ص ٢٠. طقوش: تاريخ الخلفاء، ص ٢٢٩. 137

)( ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج ٦، ص ٤٤٦. 138

742 مؤمتر تجليات حركة التاريخ يف مدينة نابلس

ويف عهد املعتصم بالله لبس الوايل دراعة)139(، وقميصا مبطنة وخفا، ولبس القايض السواد شعار العباسيني،

الذب استمر يف العهد الطولوين واإلخشيدي، وكان عىل رأسه قلنسوة سوداء طويلة مع طيلسان، مييزانه

عن غريه من الناس)140(، وقد أحدث بعده املستعني، لبس األكامم الواسعة، فجعل وسعها ثالثة أشبار،

وصغر القالنس، وكانت قبله طواال)141(، وقد لبس الخطباء يف عسقالن الطيلسان)142(.

أما بالنسبة لباقي لباس الجسم فقد كان ألهل فلسطني » تجمل يلبسون األردية كل عامل وجاهل »)143(.

وقد اقترص لبس الدراعة عىل أهل القرى والكتبة)144(، وكان الشعراء يلبسون الويش، واملقطعات)145(،

واألردية السود، وكل ثوب مشهر)146(، كام ولبس أهل فلسطني نوع من املالبس كانت تسمى املامطر

لتقيهم من األمطار)147(.

وقد اختلف لباس الفئات السكانية، فكان للبدو لباسهم الخاص، وللحرض سكان املدن لباسهم، وللفالحني

لباسهم، فلباس األعرايب كان الطرطور الطويل، والقباء ذا العذبة الطويلة)148(، أما اللباس الكامل للرجل

العريب املسلم فكان يتألف من قميص، ورداء، وقباء، ورساويل، وعاممة، وقلنسوة، وخفني)149(، برشط أن ال

تكون من الحرير)150(، وشاع لبس الربانس بني رجال العلم بفلسطني)151(، ومتيز لباس القرويني من الفالحني

يف نابلس بأنه كان » كساء واحد حسب بال رساويل »)152(، وحتى الطبقات االجتامعية؛ فإن اللباس كان

)( الدراعة: ثوب من صوف وجبة مشقوقة المقدم. وانظر: مصطفى، إبراهيم، و أحمد الزيات، وحامد عبد القادر، ومحمد النجار: » املعجم 139

الوسيط »، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار الدعوة، ج1، ص280.

)( الطربي: تاريخ، ج11، ص43. وانظر: حسن: تاريخ، ج2، ص414، ج3، ص309. الدباغ: املوجز، ص377. 140

)( املسعودي: مروج، ج2، ص453. القرماين، أحمد بن يوسف: أخبار الدول وآثار األول يف التاريخ، تحقيق: د. أحمد حطيط، د. فهمي سعد ، 141

بريوت، عامل الكتب، )1992م(، مج2، ص122،124.

)( ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج ٦، ص ٤٤٦. 142

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص183. 143

)( املصدر نفسه. 144

)( املقطعات: قال الكسايئ: الثياب القصار. قال: وسميت األراجيز مقطعات لقرصها. وقال شمر: املقطعات من الثياب: كل ثوب يقطع من 145

قميص وغريه، أراد أن من الثياب األردية واملطارف، واألكسية والرياط التي مل تقطع وإمنا يتعطف بها مرة ويتلفع بها أخرى، والعامئم ونحوها؛

ومنها القمص والجباب والرساويالت التي تقطع ثم تخاط؛ فهذه هي املقطعات. انظر: األزهري، محمد بن أحمد بن الهروي أبو منصور:

تهذيب اللغة، املحقق: محمد عوض مرعب، بريوت، دار إحياء الرتاث العريب، )1422هـ/2001م(، ج1، ص129. وانظر: الزمخرشي، محمود

بن عمرو: الفائق يف غريب الحديث واألثر، املحقق: عيل محمد البجاوي - محمد أبو الفضل إبراهيم، لبنان، دار املعرفة، ط2، ج3، ص208.

املطرزي: املغرب يف ترتيب املعرب، ص388. املقطعات من الثرياب – القصار. ابن سيده: املخصص، ج1، ص394. املقطعات الثياب املقطوعة

سابغة كانت أو مضارا. انظر: ابن الجوزي: غريب الحديث، ج2، ص253.

)( الجاحظ: البيان والتبيني، ج3، ص78-79. 146

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص183. 147

)( املصدر نفسه، ص183. 148

)( الجاحظ: البيان، ج 3، ص114. 149

غدي، )( ابن فرقد، محمد بن الحسن: الكسب، املحقق: د. سهيل زكار، النارش: عبد الهادي حرصوين – دمشق، 1400هـ، ص 114. الس 150

املؤلف أبو الحسن عيل بن الحسني بن محمد الحنفي: النتف يف الفتاوى، املحقق: املحامي الدكتور صالح الدين الناهي، عامن – األردن،

دار الفرقان، بريوت- لبنان، مؤسسة الرسالة، ط3، )1404هـ/1984م(، ص248. الرسخيس، محمد بن أحمد: املبسوط، بريوت، دار املعرفة،

)د.ط(، )1414هـ/1993م(، ج9، ص3. السمرقندي، محمد بن أحمد بن أيب أحمد، أبو بكر عالء الدين: تحفة الفقهاء، بريوت – لبنان، دار

الكتب العلمية، ط2، )1414هـ/1994م(، ج3، ص341. الكاساين، أبو بكر بن مسعود: بدائع الصنائع يف ترتيب الرشائع، بريوت- لبنان، دار

الكتب العلمية، ط2، )1406هـ/1986م(، ج5، ص130. املرغيناين، عيل بن أيب بكر: منت بداية املبتدي يف فقه اإلمام أيب حنيفة، القاهرة، مكتبة

ومطبعة محمد عيل صبح، ص 221.

)( ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج6، ص 433، ج38، ص80. 151

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص183. 152

خزانة فلسطني التاريخية )2(743

فيه اختالف بسيط، فكان الخز والوىش من لباس األمراء وامليسورين، أما عامة الناس، فقد لبسوا األردية،

والرساويل، والعامئم من الوىش، والبعض لبس الخز األحمر، ودراعة خز حمراء)153(، ولبس بعض الزهاد،

والعباد قميص كرابيس)154( إىل نصف ساقيه، وعاممة، وقلنسوة صغرية، وثياب رثة)155(، ولبس بعضهم

الفرو يف الشتاء، ومل يكن تحته قميص، وبدون خفني، وال عاممة)156(.

أما مالبس النساء فيبدو أنها مل يجر عليها تغيري كبري منذ صدر اإلسالم)157(، فقد كانت أزياؤهن وفق

الرشوط العامة من حيث الحشمة، وسرت سائر البدن، حيث كان لباس املرأة الكامل املكون من إزار،

ودرع، وخامر)158(، ومالءة فضفاضة، وقميص مشقوق عند الرقبة، وتغطي رأسها مبنديل، ويلبسن الخالخل

يف أرجلهن، واألساور يف املعاصم، والزنود)159(، وكانت هذه املالبس تصنع من الصوف، وخاصة للنساء

الزاهدات)160(.

ولقد وصف ابن العريب )ت: 543هـ/1148م( النساء يف نابلس، فقال: » لقد دخلت نيفا عىل ألف قرية فام

رأيت نساء أصون عياال وال أعف نساء من نساء نابلس، ...، فإين أقمت فيها فام رأيت امرأة يف طريق نهارا؛

إال يوم الجمعة فإنهن يخرجن إليها حتى ميتلئ املسجد منهن، فإذا قضيت الصالة وانقلنب إىل منازلهن

مل تقع عيني عىل واحدة منهن إىل الجمعة األخرى. وقد رأيت باملسجد األقىص عفائف ما خرجن من

معتكفهن حتى استشهدن فيه »)161(.

كذلك كان للسيدات الحرائر زي، ولإلماء زي خاص بهن)162(، فلبست املرأة املسلمة الحرة الخامر،

والجلباب، أو الثوب، ومنعن اإلماء من التشبه بالحرائر يف لباسهن، فلم يسمح لهن بلبس الجلباب،

والخامر، وكن يخرجن كاشفات الرأس)163(، وقد خرج وايل فلسطني إبراهيم بن صالح » يف طلب الصيد ..

ومعه جواريه مرخيات شعورهن, منكشفات »)164(.

وكان عامة سكان فلسطني ينتعلون الخف يف الشتاء)165(، » وال يتخففون يف الصيف إمنا هي نعال

الطاق)166()167(.

من املالحظ مام سبق أ نواع مختلفة من اللباس، والزي، فالرأس لباس، وللجسم لباس، ومل يقترص هذا

)( ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج16، ص100. 153

)( الكرابيس: الثياب خشنة فاريس معرب. الجوهري: الصحاح، ج3، ص970. 154

)( أبو زرعة: تاريخ، ص451. 155

)( الكرابيس: الثياب الخشنة فاريس معرب. الجوهري: الصحاح، ج3، ص970. 156

)( الدباغ: املوجز، ص ٢٧8. أبو شاملة: فلسطني، ص131. 157

)( ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج6، ص309. ص446. 158

)( حسن: تاريخ، ج2، ص 429، ج3، ص443، 445. الدباغ: املوجز، ص151، 278. 159

)( ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج ٥٥ ، ص ٢٢٥. 160

)( أحكام القرآن، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلق عليه: محمد عبد القادر عطا، بريوت – لبنان، دار الكتب العلمية، ط3، 1424هـ/2003م، 161

ج3، ص569. القرطبي، محمد بن أحمد: الجامع ألحكام القرآن أو تفسري القرطبي، تحقيق: أحمد الربدوين وإبراهيم أطفيش، القاهرة، دار

الكتب املرصية، ط2، 1384هـ/1964م، ج14، ص181.

)( الجاحظ: البيان، ج 3، ص96. 162

)( الربهان فوري: كنز، ج 20، ص 47. 163

)( أبو نعيم األصبهاين: حلية األولياء، ج8، ص7، بترصف بسيط. 164

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص١8٣. 165

)( الطاق: الكساء. ابن منظور: لسان العرب، ج10، ص233. 166

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص١8٣. 167

744 مؤمتر تجليات حركة التاريخ يف مدينة نابلس

التنوع واالختالف عىل جسم الشخص وحده؛ بل تعداه ليشمل الفئات، والطبقات االجتامعية املختلفة.

ومهام يكن فقد اشرتك الجميع يف االلتزام بالرشع يف لباسهم، ومل تستطع الدول املختلفة التي حكمت يف

تلك الفرتة أن تفرض زيا موحدا؛ ولكنها استطاعت يف بعض األحيان أن تلزم موظفيها بالتزيي بلباس خاص،

أو تجعل لونا خاصا بسياستها، هو: اللون املفروض عىل ذلك املوظف.

ويف القدس سوق » به املصابن التي يعمل فيها الصابون »)168(، كام ازدهرت هذه الصناعة يف الرملة من

الزيت الذي كان ينقل إليها من نابلس)169(.

األطعمة:تشكل األطعمة مظهرا من أهم مظاهر الحياة االجتامعية، حيث كان للمجتمع الفلسطيني كثري من

العادات الخاصة التي متيزها عن غريها؛ وبعض العادات املشابهة لعادات املجتمع املرصي والشامي، فقد

وجد عندهم الكثري من األطعمة، والطرق املتعلقة بصناعتها، والتي اختلفت عن بقية املجتمعات.

وقد تنوعت أسامء األطعمة وفق تنوع املناسبة االجتامعية، وحسب نوع االحتفال، واملحتفى بهم فكان

»طعام الضيف: القرى، طعام الدعوة: املأدبة، طعام الزائر: التحفة، طعام اإلمالك: الشندخية، طعام العرس:

الوليمة، طعام الوالدة: الخرس، وعند حلق شعر املولود: العقيقة، طعام الختان: العذيرة، طعام املأتم:

الوضيمة، طعام القادم من سفر: النقيعة، طعام البناء: الوكرية، طعام املتعلل قبل الغذاء: السلفة واللهنة،

طعام املستعجل قبل إدراك الغداء: العجالة، طعام الكرامة: القفي والزلة »)170(.

واعتمد املجتمع الفلسطيني يف صناعة األطعمة عىل ما كانت تنتجه أراضيهم من محاصيل غذائية

كالحبوب، والبقوليات، والخرضوات، وما تقدمه املوايش من حليب، باإلضافة إىل اللحوم بأنواعها)171(، كام

كان الصيد من املصادر املهمة لألطعمة ملا تقدمه من لحوم مختلفة من الطيور والحيوانات)172(.

وكان الخبز املصنوع من الدقيق، يعد من أهم األطعمة، وكان يصنع بأشكال متنوعة: كالسميذ، والدرمك،

والجردق، والجرمازج، والكعك)173(، وقد شهد املقديس برباعة أهل قرية عاقر الفلسطينية يف عمل الخبز،

وأنه » ليس مثل خبزهم »)174(؛ أي يف الجودة، والطعم الشهي.

ويعد الكعك من أهم األنواع املصنوعة من الدقيق، هو نوع من الخبز اليابس, ويحمل يف األسفار أيضا،

زخاصة يف موسم الحج)175(، حيث يبقى مدة طويلة محافظا عىل طعمه ونكهته)176(، وكان يتم حشية

)( العليمي: األنس، ج2، ص54، 356. 168

)( العليمي: األنس، ج2، ص356. 169

)( الثعالبي: فقه اللغة، ص 182. بترصف . 170

)( القلقشندي: صبح األعىش، ج4، ص92-90. وانظر: سلوم: األهمية، ص204. 171

)( كشاجم: ديوان، ص299-298، 250-249. وانظر: الشيزري، عبد الرحمن بن نرص: نهاية الرتبة الظريفة يف طلب الحسبة الرشيفة، مطبعة 172

لجنة التأليف والرتجمة والنرش، )د.ت(، )د.ط(، ص29.

)( الثعالبي، عبد امللك بن محمد: فقه اللغة ورس العربية، املحقق: عبد الرزاق املهدي، إحياء الرتاث العريب، ) 1422هـ/2002م(، ص209. 173

وانظر: السيوطي: عبد الرحمن بن أيب بكر: املزهر يف علوم اللغة وأنواعها، املحقق: فؤاد عيل منصور، بريوت، دار الكتب العلمية، )1418هـ/

1998م(، ج1، ص218.

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص176. 174

)( الطربي: تاريخ، ج6، ص175. 175

)( عيل: املفصل، ج14، ص261. 176

خزانة فلسطني التاريخية )2(745

بالسكر، ويف بغض املناسبات حيش الكعك بالدنانري عوضا عن السكر، وكان يطلق عليه » افطن له »)177(،

وكانوا يصنعون خبزهم عىل شكل أقراص من شعري مبلح)178(. وقد شارك الرجال يف بعض أعامل النساء

املتعلقة باألطعمة، فكانوا يف بعض األحيان، وخاصة يف حال كونهم يف رحلة عامة، يقوموا مبهام طحن

الحبوب، ثم العجن والخبز لصناعة الخبز)179(.

وبعد طحن الحبوب كان يتم نقله للخبازين، وقد كانت لهم حوانيت خاصة مرفوعة السقوف، ولها

منافس، واسعة يخرج منها الدخان، لئال يترضر بذلك الناس، وكان املحتسب » يأمرهم بنظافة أوعية املاء

وتغطيتها، وغسيل املعاجن ونظافتها، وما يغطى به الخرب، وما يحمل عليه، وال يعجن العجان بقدميه،

وال بركبتيه، وال مبرفقيه؛ ألن يف ذلك مهانة للطعام، ورمبا قطر يف العجني يشء من عرق إبطيه، وبدنه، فال

يعجن إال، وعليه ملعبة، أو بشت مقطوع األكامم، ويكون ملثام أيضا؛ ألنه رمبا عطس أو تكلم، فقطر يشء

من بصاقه، أو مخاطه يف العجني، ويشد عىل جبينه عصابة بيضاء، لئال يعرق فيقطر منه يشء يف العجني،

ويحلق شعر ذراعيه لئال يسقط منه يشء يف العجني، وإذا عجن يف النهار، فليكن عنده إنسان يف يده مذبة

يطرد عنه الذباب، هذا كله بعد نخل الدقيق باملناخل السفيقة مرارا »)180(.

ونظرا لحاجة الناس الشديدة للفرانني لطهي األطعمة، وخبز العجني، فقد انترشت األفران يف الدروب،

واملحال وأطراف البلد، وكان املحتسب » يأمرهم بإصالح املداخن، وتنظيف بالط الفرن يف كل ساعة،

من اللباب املحرتق، والرشر املتطاير، والرماد املتناثر، لئال يلصق يف أسفل الخبز منه يشء، ويجعل الفران

بني يديه إجانة نظيفة للامء، فإذا فرغ من الخبز أراق ما بقي فيها؛ ألنه إذا بقي فيها تغريت رائحته، ثم

يغسلها من الغد، ويتعاهد جرف الدف الذي بني يديه؛ ألن العجني يلصق عليه، وإذا كرثت عنده أطباق

العجني للناس، أخرج خبز كل واحد منهم بعالمة يتميز بها عىل غريه، لئال يختلط الجميع فال يعرف،

وينبغي أن يكون له مخبزان: أحدهام - للخبز، واآلخر - للسمك، ويجعل السمك مبعزل عن الخبز، لئال

يسيل يشء من دهنه عىل الخبز، وال يأخذ من العجني زيادة عام جعل له »)181(.

ويستخدمون لطهي هذه األطعمة، وخبز العجني » األفران والطوابني التي تحفر يف األرض املفروشة

بالحىص، وتوقد بالزبل من حولها، وكانت إذا احمرت توضع فيها األرغفة)182(. وقد انترشت يف مدينة

الخليل األفران، حيث كانت تصنع املعجنات من القمح والشعري)183(. و كان الفقيه الزاهد أبا الفتح نرص

بن إبراهيم بن نرص املقديس » يقتات من غلة تحمل إليه من أرض كانت له بنابلس، وكان يخبز له منها

كل ليلة قرص يف جانب الكانون »)184(.

)( املقريزي: اتعاظ، ج3، ص162. ابن حجر، أحمد بن عيل: رفع اإلرص عن قضاة مرص، تحقيق: الدكتور عيل محمد عمر، القاهرة - مكتبة 177

الخانجي، )1418هـ/1998م(، ص427.

)( أبو نعيم األصبهاين: حلية األولياء، ج7، ص385. 178

)( املصدر نفسه، ج7، ص385 . 179

)( الشيزري: نهاية الرتبة، ص22. 180

)( املصدر نفسه، ص24. 181

)( املصدر نفسه. 182

)( العليمي : األنس، ج2 ، ص270. 183

)( ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج62، ص16. ابن منظور: ج26، ص126. 184

746 مؤمتر تجليات حركة التاريخ يف مدينة نابلس

وقد برع أهل فلسطني يف إعداد األطعمة املختلفة، فكانوا » يطبخون العدس، والبيسارة »)185(، ويطبخون

العجة بالبيض)186(.

كام كانوا يطبخون أطعمة متنوعة ال تختلف كثريا عن األطعمة التي كان يأكلها املسلمون يف الواليات

اإلسالمية املختلفة، وكان من بينها، طعام: املضرية)187(، واللبنية)188(، واألطرية)189(.

كام كانوا يصنعون يف نابلس أنواعا مختلفة من الحلويات، من الخروب وتسمى القبيط)190()191(.

رابعا: األحوال االقتصادية:الزراعة:

تقوم الزراعة بدور كبري وأسايس يف حياة اإلنسان، منذ أن تحول من حياة الرعي، والصيد، إىل حياة الزراعة

األكرث تطورا واألوفر غذاء، وستبقى الزراعة هي التحول األعظم يف حياة بني البرش، فـ” هي مادة أهل

الحرض وسكان األمصار والمدن، واالستمداد بها أعم نفعا، وأوىف فرعا »)192(؛ وذلك العتامد الناس قدميا يف

غذائهم والكثري من حاجاتهم عىل الزراعة، وما ينشأ عنها من محاصيل، ويتفرع عنها من أنواع كثرية من

حبوب وفواكه وخضار)193(.

ويرى املاوردي )ت: 450هـ/1058م( أن أوجه الكسب املعروفة هي: » مناء زراعة، ونتاج حيوان، وربح

مون » معايش الناس عىل أربعة أقسام: زراعة وصناعة تجارة، وكسب صناعة »)194(، ويؤكد ذلك قول الأم

وتجارة وإمارة »)195(.

وألن الزراعة مثلت وما زالت أهم مصدر من مصادر االقتصاد املحيل يف فلسطني)196(، فإننا نلمس اهتامما

واضحا من سكان فلسطني بهذا الركن األسايس من أركان االقتصاد الثالثة: الزراعة، والصناعة، والتجارة،

ونلحظ ذلك من العدد الكبري للقرى والضياع الزراعية املوجودة يف فلسطني)197(.

وتدلل النصوص عىل أن أغلب سكان فلسطني، وخاصة املناطق الجبلية الشاملية والوسطى منها، كانوا

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص183. 185

)( الشيزري: نهاية الرتبة، ص35. 186

)( املضرية: طبيخ اللحم باللنب البحت الرصيح الذي قد حذى اللسان حتى ينضج اللحم وتخرث املضرية، ورمبا خلطوا الحليب بالحقني وهو 187

حينئذ أطيب ما يكون. انظر: الرازي: مختار الصحاح، ص 295. وانظر: ابن منظور: لسان العرب، ج5، ص178.

)( الشيزري: نهاية الرتبة، ص 34. 188

قيق أشبه بالكنافة، يتخذه أهل الشام. األزهري: تهذيب اللغة، ج14، ص8. الخوارزمي مفاتيح العلوم، )( األطرية: طعام كالخيوط يتخذ من الد 189

ص191. ابن منظور: لسان العرب، ج15، ص7.

)( القبيط: هو الناطف؛ ألنه ينطف قبل إسترضابه، أي: يقطر قبل خثورته. انظر: األزهري: تهذيب اللغة، ج13، ص247. ابن منظور: لسان 190

العرب، ج9، ص336.

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص167. 191

)( املاوردي، عيل بن محمد: أدب الدنيا والدين، دار مكتبة الحياة، )د.ط(، )1986م(، ص211. 192

)( انظر: البدور: فلسطني، ص33. 193

)( املاوردي: أدب، ص210. 194

)( املصدر نفسه، ص211. 195

)( أبو شاملة: فلسطني، ص134. 196

)( املقريزي: اتعاظ، ج2، ص181. 197

خزانة فلسطني التاريخية )2(747

ميارسون حرفة الزراعة، فالصف الثاين من تضاريس فلسطني » ذو قرى وعيون ومزارع »)198(، وهذا ما

جعل اإلدرييس يجزم بأن » ديار فلسطني حسنة البقاع »)199(؛ بل إنها » أزىك بلدان الشام »)200(.

وقد اشتهرت نابلس بخصوبة أرضها وازدهار الزراعة فيها، وكانت تعتمد يف ري مزروعاتها عىل مياه

الري، ألن املياه تتوافر فيها بصورة دامئة)201(، وأشار املقديس )ت: 380هـ/990م( إىل وجود نهر جار يف

نابلس)202(.ويف بالطه من أعامل نابلس عني تسمى عني الخرض)203(، وهذا ما جعل نابلس » من أخصب

بالد الشام” )204(.

وتعد نابلس من أهم املناطق التي اشتهرت بزراعة الزيتون يف فلسطني ألن الله سبحانه وتعاىل خصها

بالشجرة املباركة وهي الزيتون)205(، فكانت » معظم األشجار فيها الزيتون »)206(، فهي » كثرية الزيتون

»)207( بل هي أكرث بالد الشام زيتونا)208(، وقد سميت إحدى املناطق التابعة لها باسم عسكر الزيتون؛ ألنه

» يكرث عنده الزيتون »)209(؛ ألن » معظم األشجار بضواحيها الزيتون »)210(. كام اشتهرت نابلس بزراعة

أنواع متعددة من الفاكهة)211(.كام زرع يف نابلس والذي اشتهر بالبطيخ النابليس، وهو » طيب عجيب

»)212(، أصفر » زائد الحالوة عىل جميع بطيخ األرض”)213(.

وازدھرت زراعة قصب السكر يف مناطق عديدة من فلسطني، ويف نابلس يف مزارع واسعة)214(. وانترشت يف

نابلس أشجار الخروب، أو الخرنوب)215(.

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص186. 198

)( نزهة، ج1، ص356. 199

)( اإلصطخري: املسالك، ص56. ابن حوقل: صورة، ص171. 200

)( اإلصطخري: املسالك، ص56. ابن حوقل: صورة، ج1، ص171. املقديس: أحسن، ص162، 164. العزيزي: املسالك، ص94. خرسو: سفر 201

نامه، ص19. البكري: املسالك، ج1، ص466. اإلدرييس: نزهة، ج1، ص356. بورشارد، وصف، ص167. أبو الفداء، تقويم، ص339. العمري،

مسالك، ج3، ص319، 235، 552. القلقشندي: صبح، ج4، ص103، 107. السخاوي، شمس الدين أبو الخري محمد بن عبد الرحمن بن محمد:

البلدانيات، املحقق: حسام بن محمد القطان، السعودية، دار العطاء، 1422هـ/2001م، ص198. وانظر: أبو الرب: فلسطني، ص27. أبو شاملة:

فلسطني، ص134.

)( أحسن التقاسيم، ص174. 202

)( الهروي: اإلشارات، ص30. ياقوت: معجم، ج1، ص478. 203

)( اإلصطخري: املسالك، ص58. 204

)( شيخ الربوة: نخبة، ص200. 205

يار بكري: تاريخ، ج1، ص88. )( الدر 206

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص174. 207

)( شيخ الربوة: نخبة، ص200. 208

)( ياقوت: معجم، ج4، ص123. 209

)( العليمي: األنس، ج2، ص75. 210

يار بكري: تاريخ، ج1، ص88. )( املصدر نفسه، ج2، ص75. الدر 211

)( ابن بطوطة: تحفة، ج1، ص256. 212

)( شيخ الربوة: نخبة، ص200. 213

)( البيشاوي: نابلس، ص218. 214

)( ابن بطوطة: تحفة، ج1، ص254. 215

748 مؤمتر تجليات حركة التاريخ يف مدينة نابلس

الثروة الحيوانية:وقد تبع اهتامم السكان يف نابلس بالزراعة، عنايتهم بالرثوة الحيوانية؛ نظرا لالرتباط الوثيق بينهام، حيث

يعتمد الفالح عليها، فكانت مواشيه: » اإلبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمري »)216(. وقد كان الرعاة

يرعون األغنام يف املناطق الربية القريبة من األودية، كوادي عارا)217(.

ويرى املاوردي أن العمل يف الرتبية الحيوانية، عمل أهل البادية الذين مل تستقر بهم دار، ومل تضمهم

أمصار، فاحتاجوا إىل األموال املتنقلة معهم فاقتنوا الحيوان؛ ألنه ينتقل بنفسه ويستغني عن العلوفة برعية

ثم هو مركوب ومحلوب)218(.

ويف إشارة ابن الجوزي حول الزلزلة التي حدثت سنة )425هـ/1033م( ما يفيد بوجود أعداد كبرية

من األبقار واألغنام يف إحدى القرى املجاورة ملدينة نابلس)219(. ومن األمور العجيبة ما ورد يف سنة

)444هـ/1052م( من » أن بغلة بنابلس ولدت يف بطن حجرة سوداء بغال أبيض »)220(. ورغم ما يف الرواية

من غرابة مستبعد حدوثها؛ إال أنها إشارة عىل عناية أهل نابلس يف فرتة الدراسة برتبية املاشية، ومنها

البغال.

وقد كان يعتمد يف تغذية الحيوانات عىل األعالف)221( التي يتم صناعتها من مخلفات املحاصيل الزراعية

بعد حصادها.

الصناعة:

صناعة الزيت:ازدهرت صناعة استخراج الزيت كإحدى الصناعات الغذائية االستخراجية، فاستخرج الفلسطينيون الزيت

من الزيتون؛ فنظرا لكرثة الزيتون نجد أن الفلسطينيني قد صنعوا الزيت)222( من مثار الزيتون، وتأيت نابلس

عىل رأس املدن الفلسطينية شهرة بهذه الصناعة املهمة)223(.

صناعة الصابون:أما الصابون فقد اشتهرت مدينة نابلس بصناعته يف فرتة الدراسة، ويبدو أن أهايل نابلس قد مهروا يف

هذه الصناعة بحيث أن الصابون النابليس كان وما يزال مناطق األردن وفلسطني من أفضل أنواع الصابون

املعروفة وكان يصدر إىل مرص والشام والجزيرة وإىل جزائر البحر الرومي)224( املتوسط، ويرجع السبب

)( القلقشندى: صبح، ج4، ص91. وانظر: ابن الجوزي: املنتظم، ج15، ص239. بورشارد ، وصف ، ص71، ص171. املقريزي: السلوك، ج2، 216

ص20، ص21، ص33 ؛ ج6، ص65-64. ابن تغرى بردي, النجوم,ج7 ,ص77. السيوطي: تاريخ, ج1, ص471. فابري: رحلة، ق4 ، ج38، ص1249،

ص1250. الطراونة: مملكة، ص170.

)( التنوخي، املحسن بن عيل: الفرج بعد الشدة تحقيق: عبود الشالجى، بريوت، دار صادر، 1398هـ/1978م، ج4، ص182. 217

)( املاوردي: أدب، ص 212. 218

)( املنتظم، ج15، ص240. 219

)( الدمريي: حياة، ج1، ص200. 220

)( الصفدي: الوايف، ج6، ص119. انظر: رسور: دولة بني قالوون، ص161. نعريات: إقطاعية، ص154. 221

)( هذا الزيت ورد يف سورة النور: » الله نور السموات واألرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، املصباح يف زجاجة كأنها كوكب دري يوقد من 222

شجرة زيتونة ال رشقية وال غربية يكاد زيتها ييضء لو مل متسسه نار نور عىل نور يهدي الله بنوره من يشاء ويرضب الله األمثال للناس والله

بكل يشء عليم » ]النور:35[.

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص174. 223

)( شيخ الربوة: نخبة، ص200. 224

خزانة فلسطني التاريخية )2(749

يف ذلك إىل كرثة زيت الزيتون يف هذه املدينة)225( باإلضافة للخريات املرتاكمة التي اكتسبها العاملون

يف هذه الصناعة عىل مر الزمن وإتقانهم لها وحرصهم عىل املحافظة عىل جودتها، ومام يؤكد انتشار

صناعة الصابون يف عموم فلسطني ما أشار إليه املقديس من أن الزيت والصابون كان يرتفع )يصدر( من

فلسطني)226(.

ج- صناعة المالبس:ويبدو أن نابلس قد ازدهرت فيها صناعة املالبس من الكتان، ولكنها كانت بطبيعة الحال أقل جودة من

الكتان الجيزي املرصي، لذا حذر الشيزري الكتانني من خلط » الكتان النابليس باملرصي »)227(.

التجارة:كانت الصادرات النابلسية متنوعة ومتعددة، وكان البز والزيت من أهم الصادرات التي كان يتم نقلها

بكميات كبرية إىل العراق، فيذكر ابن حوقل مثال أنه قد تم القبض عىل تجار معهم ما يساوي قيمته

املليون دينار من » أحامل بز وأطواف زيت إىل ما عدا ذلك من متاجر الشام »)228(. فقد كان إنتاج نابلس

وغريها من املدن الفلسطينية من الزيت وافرا بحيث كان يحمل منه إىل جامع بني أمية يف دمشق يف كل

سنة ألف قنطار)229()230(، كانت تحفظ يف خزانة الزيت)231(. وقد بلغ من جودة وشهرة الزيت النابليس

مون كان يرسل من فلسطني إىل بغداد عاصمة العباسيني » أن يحمل إىل الديار العراقية)232(، ويف عهد الأم

من الزيت ثالمثائة ألف رطل »)233(، كام كان يحمل إىل مرص والشام والرباري مع العربان)234(، كام حمل

الزيت الفلسطيني من نابلس إىل الحجاز)235(، وكان مقدار ما يحمل منه إىل املسجد النبوي » زيادة عىل

مائة قنطار »)236(، وقد وصل األمر إىل أبعد من ذلك بحيث كان الزيت الفلسطيني، وخاصة النابليس

يصدر إىل مختلف األقاليم اإلسالمية التابعة لدولة الخالفة العباسية، من حدود الصني رشقا، وحتى أقىص

حدود لها غربا)237(، وكان يطلق عليه: الزيت الركايب)238(.

)( ابن بطوطة: تحفة، ج1، ص255. 225

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص180. 226

)( الشيزري: نهاية، ص70. 227

)( صورة، ج1، ص180. ابن العديم: بغية، ج1، ص123. 228

)( القنطار: قيل وزن أربعني أوقية من الذهب وقيل مائة أوقية ذهب وقيل غريه انظر: ابن منظور، لسان، ج5، ص118. 229

)( شيخ الربوة: نخبة، ص200. 230

)( ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج51، ص56. 231

)( القزويني، آثار، ص206. 232

)( ابن خلدون: تاريخ، ج1، ص226. 233

)( ابن بطوطة: تحفة، ص255. 234

)( شيخ الربوة: نخبة، ص200. السمهودي، عيل بن عبد الله: وفاء الوفاء بأخبار دار املصطفى، بريوت، دار الكتب العلمية، 1419هـ، ج2، 235

ص201.

)( شيخ الربوة: نخبة، ص200. السمهودي: وفاء الوفاء، ج2، ص201. 236

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص180. 237

)( ألنه كان يحمل من الشام عىل اإلبل، وهي الركاب، وواحد الركاب راحلة.أدب الكاتب = أدب الكتاب البن قتيبة )ص: 66( ابن قتيبة: 238

عيون، ج3، ص318. ياقوت، معجم البلدان، ج3، ص63. القزويني: آثار، ص206. الدمريي: حياة، ج1، ص513. ويرضب به املثل ىف الجودة

والنظافة. انظر: الثعالبي: مثار، ص532.

750 مؤمتر تجليات حركة التاريخ يف مدينة نابلس

خامسا: األحوال العلمية والثقافية:ازدهرت يف نابلس حالة ثقافية وعلمية، كتلك التي ازدهرت يف فلسطني بشكل عام يف فرتة الدراسة،

وأنجبت مدينة نابلس عدد من العلامء املتخصصني، واشتهر من علامء نابلس قبل الغزو الصليبي: محمد

بن أحمد بن سهل، أبو بكر الرميل الشهيد املعروف بابن النابليس )ت: 363هـ/973م(، وقد صف بأنه

د ابن أحمد بن شيبان » كان نبيال جليال”)239(، وكانت شهرته يف الحديث، حيث روى الحديث عن محم

)240(. واشتهر أيضا نرص بن إبراهيم النابليس، الذي كان يجتمع للمناظرة يف املدرسة النرصية ل الرميل الخال

الشافعية يف القدس، وقد زارها العامل األندليس، القايض أبو بكر بن العريب سنة )485هـ/1092م(، وقد

اجتمع مع علامء الشافعية، حيث كانوا مجتمعني بها للمناظرة، فقال: »عمدت إىل مدرسة الشافعية،

فألفيت بها جامعة من علامئهم يف يوم اجتامعهم للمناظرة عند شيخهم القايض الرشيد، يحيى)241( الذي

كان استخلفه عليهم شيخنا اإلمام الزاهد، نرص بن إبراهيم النابليس املقديس، وهم يتناظرون عىل عادتهم

.)242(«

ومن علامء نابلس أيضا: » ياسني بن عبد العزيز بن ياسني النابليس)243( املقرئ)244(.

ويف نابلس كان املحدث: عيل بن يحيى بن رافع بن العافية أبو الحسن النابليس املعروف بأيب الطيب

املؤذن، وقد روى عن الفتح نرص بن إبراهيم » وقدم دمشق فاستوطنها بعد أخذ الفرنج خذ لهم الله

نابلس »)245( سنة )492هـ/1099م(.

وكان للمظاهر العمرانية أيضا نصيبا من أحوال نابلس يف العرص العبايس، فبنيت الجوامع، واملساجد، فكان

يف ظاهر مدينة نابلس )246( » الجامع القديم وغريه من الجوامع واملساجد »)247(، ويف عهد املعتصم بالله

تم تأسيس جامع الخرضاء يف نابلس عىل أنقاض كنيس سامري تم هدمه خالل فتنة املربقع اليامين، وقد

أعاد السامريون بناؤه مرة أخرى يف عهد الخليفة العبيدي العزيز بالله)248(، ويف سيلون من قرى نابلس

مسجد يسمى السكينة)249(.

)( الذهبي: تاريخ اإلسالم، ج26، ص310. 239

)( ابن عساكر: تاریخ دمشق، ج51، ص 49. ياقوت: معجم البلدان، ج5، ص248. 240

)( هو: يحيى بن املفرج أبو الحسني اللخمي املقديس، أسن تالميذ الشيخ نرص بن إبراهيم املقديس انتقل إىل اإلسكندرية وقت استيالء اإلفرنج 241

عىل بلدهم وأصبح عىل قضاء اإلسكندرية. انظر: سلفه األصبهاين: معجم السفر، ص63، 421. الصفدي: الوايف، ج27، ص186. السبيك: طبقات،

ج7، ص335. القييس: توضيح، ج1، ص489.

)( قانون التأويل، ص434-433. مع القايض، ص204-203. انظر: عباس: فصول، ص56؛ رحلة ابن العريب، ص80؛ عبد املهدي: الحركة، ص21؛ 242

العسيل: معاهد، ص98.

)( املقرئ ياسني بن عبد العزيز بن ياسني النابليس، كان عميد بيت املقدس، دخل إصبهان يف أيام النظام وكان يكرمه وسافر معه إىل سمرقند، 243

ثم عاد للقدس، وكان مقدما بني أهله قدميا، ثم سكن اإلسكندرية بعد استيالء الصليبيني عىل الشام وتأهل بها، كان من أهل القرآن والصالح

حنبيل املذهب، وقد صحب شيوخ القدس، ومنهم: يونس اإلصبهاين، وأبو الروح القائني، وأبو بكر الهمذاين، وأبو الفتح الزنجاين، وأبو بكر

الطويس، وأقرانهم. معجم السفر، ص463.

)( معجم السفر، ص463-464. 244

)( ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج 43، ص272. 245

)( القزويني: آثار، ص277. 246

)( السخاوي: البلدانيات، ص293. 247

)( انظر حول هذا املوضوع: عثامنة: فلسطني، ص161. املغريب، عبد الرحمن: » جامع الخرضاء وأوقافه يف نابلس من الفرتة اململوكية وحتى 248

وقتنا الحارض »، مجلة جامعة النجاح لألبحاث )العلوم اإلنسانسة(، مجلد )22(، )2(، 2008م، ص572.

)( القزويني: آثار، ص205. 249

خزانة فلسطني التاريخية )2(751

ومن الناحية العمرانية والجاملية فإننا نجد أن مدينة نابلس يف العرص العبايس كانت » مبلطة »)250(،

وكانت بيوت املواطنني ودورهم عىل رأس املنشآت العمرانية يف املدن بعد الجوامع، وكانت تبنى من

الحجارة املنحوتة أو الطوب)251(، وهي فسيحة)252(، ومتقنة البناء)253(، كام هو الحال يف نابلس)254(.

الم وذكر العليمي أن يف مدينة نابلس و” ضواحيها مشاهد كثرية تنسب اىل جامعة من األنبياء عليهم الس

.)255(«

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص174. 250

)( املصدر نفسه، ص166. 251

)( املصدر نفسه، ص164. انظر: حسن: عبيد الله املهدي، ص330. 252

)( املقديس: أحسن التقاسيم، ص166. 253

)( املصدر نفسه، ص174. 254

)( األنس، ج2، ص75. 255

752 مؤمتر تجليات حركة التاريخ يف مدينة نابلس

النتائج:ويف الختام فقد توصلت الدراسة بعد توفيق الله عز وجل إىل عدد من النتائج، والتي كان من أهمها:

- حكمت نابلس خالل فرتة الدراسة العديد من القوى السياسية، ابتداء من العباسيني، ثم الطولونيني،

واإلخشيديني، ثم خضعت للحكم العبيدي )الفاطمي(، وتخللها عدد من الثورات، كام قام حكم فلسطيني

عريب آلل الجراح، ثم حكمها السالجقة، وعاود العبيديون السيطرة عليها، ثم خضعت لالحتالل الصليبي،

وقد كان لهذه التقلبات السياسية تأثري واضح باإليجاب أم السلب عىل املظاهر الحضارية يف فلسطني.

- تنوعت فئات املجتمع النابليس، وشكل العرب املسلمون األكرثية السكانية للفئات السكانية يف فلسطني

يف فرتة الدراسة، يليهم النصارى والسامرة، ثم أقلية يهودية ال تكاد تذكر، واستمر قدوم الوافدين إىل

فلسطني، لكنه مل يؤثر يف البنية السكانية، القامئة يف األصل عىل أكرثية من املسلمني.

- تقبل الفلسطينيون أصحاب األرض التنوع العرقي، والديني، والطائفي، واملذهبي يف بالدهم، وتعاملوا

معهم كام أمر الله عز وجل، وقد أحسنوا إليهم وأنصفوهم، كام متتع أهل الذمة حرية مامرسة شعائرهم

الدينية وعاداتهم الخاصة، يف جو من السلم املجتمعي الذي مل يعكر صفوه سوى بعض الحوادث القليلة.

- متيز املجتمع النابليس بعاداته وتقاليده التي ال يزال يحتفظ بالكثري منها حتى وقتنا الحارض، وكانت

تقوم عىل مبادئ اإلسالم وأحكامه، ومتيزت باحرتام فئات املجتمع املختلفة، وحفظ حقوقهم، إىل جانب

مساهمتها يف بناء الهوية الشخصية له.

- تنوعت األنشطة االقتصادية يف فلسطني يف فرتة الدراسة، وكان أساس وعامد هذا االقتصاد: الزراعة،

والصناعة، والتجارة، مع األخذ بعني االعتبار تفاوت نسبة هذه الركائز يف البنية االقتصادية.

- حبى الله سبحانه وتعاىل أرض نابلس بتنوع مناخي كان له تأثري واضح عىل تنوع اإلنتاج الزراعي،

فأنتجت العديد من األصناف النادرة، والجيدة ، التي كانت تحمل إىل مناطق واسعة من العامل املعروف

آنذاك، ونظرا لغزارة اإلنتاج الزراعي، فقد برع الصانع النابليس يف الصناعة واستفاد من إمكانيات الطبيعية،

وقد تعددت هذه الصناعات، واتسعت مجاالتها يف نابلس، وشملت الصناعات الغذائية، والكياموية،

والنسيجية، مام كان يحتاجه أهل فلسطني.

- أدى املوقع املتوسط ملدينة نابلس، إضافة إىل أهميتها الدينية، دورا مهام يف قيام حركة تجارية نشطة

ومتطورة.

- شهدت نابلس خالل فرتة الدراسة تطورا عمرانيا، حيث بنيت العديد من املنشآت الدينية، واملدنية،

والجنائزية.

- مل تتأثر الحياة العلمية يف نابلس كثريا مبا كانت تحياه البالد من اضطرابات سياسية، إذ شهدت معظم

مدنها حركة علمية نشطة، مستفيدة من مرياث السابقني.

- أسهم علامء نابلس يف معظم العلوم الدينية والعقلية، شملت القراءات، والتفسري، والحديث، والفقه،

واللغة واألدب والتاريخ.

- كان علم الحديث األكرث انتشارا بني أهل نابلس، وقد أنجبت عددا كبريا رمن املحدثني األعالم الذين

انترشت روايتهم يف كتب الصحاح، كام زارها عدد كبري من مشهوري علامء الحديث ليأخذوا رواية أهلها.