com.zahraaa.www

nezarj3far@hotmail.com

إھداء .دوما... الى أبي

, الذین یعبرون بأقدارھم دون انحناء, الرائعین والى شرفاء ھذه األمة ورجالھا .متشبثین بأحالم الخاسرین

.تقیم كي...یوم تعثر بك قدري,عبورك الجامح, فتنة عبورك الشامخ والیك في

أحالم ..الحقیقة عابرة سبیل ھي"

."وال شيء یستطیع أن یعترض سبیلھا زوال یمیلإ

الفصل األول

رتبت لھما المصادفة موعدا , عاشقین في ضیافة المطر, األولى كنا مساء اللھفة .للخوف خارج المدن العربیة

.العشاق ظنا منا أن باریس تمتھن حراسة, نسینا للیلة أن نكون على حذر .ال بد أن یحتمي خلف أول متراس متاح للبھجة, إن حبا عاش تحت رحمة القتلة

أثناء اعتقادنا أن الفرح فعل مقاومة؟ , أكنا إذن نتمرن رقصا على منصة السعادة بعض الحزن من لوازم العشاق؟ أم أن

كیف تفكك لغم الحب بعد یصبح ھمك. في مساء الولع العائد مخضبا بالشجن

.بوحا ن أن تتشظىدو, وتعطل فتیلھ الموقوت, عامین من الغیاب ."بك ما زلت مریضا"كما لو تقول " أحبك"تود لو قلت , بعنف معانقة بعد فراق

كمرض عصي , كعواطف تترفع عن التعبیر, ترید أم تقول كلمات متعذرة اللفظ .التشخیص على

ال , جاءت ال ألنھا أخیرا, ال ألنكما معا, ال ألنك في بیتھ. تود لو استطعت البكاء بل لجمالیة البكاء أمام شيء فاتن لن یتكرر, وال لكونك سعیداألنك تعیس .كمصادفة

.وأعقاب سجائر,التاسعة والربع

.التي رطبت كبریت حزنك وقبل سیجارة من ضحكتھا الماطرة كیف ثغرھا في غیابك بلغ سن الرشد؟, كنت ستسألھا

؟ من رأت ماذا فعلت بشفتیھا في غیبتك: كنت ستستفسر, قبلة لم تقع وبعید صوتھا؟ لمن قالت كالما كان لك؟ عیناھا؟ لمن تعرى

تطارحك الرقص كما لو كانت ,ھذه المرأة التي على ایقاع الدفوف القسنطینیةاالضطراب الكوني من لتحدث ھذا, الذي یدوزن وقع أقدامھا ما. تطارحك البكاء

حولك؟ كل إلىشعر بانتماءك ت .وأنت عند قدمیھا ترتل صلوات االستسقاء. كل ذاك المطر .بسبب النساء كل الدموع المنھطلةإلى, كل أحزاب البكاءإلى. أنواع الغیوم

ال یرقص , یدمع وماذا تفعل بكل ھذا الشجن؟ أنت الرجل الذي ال یبكي بل. ھي ھنا

.ال یغني بل یشجى, بل یطرب .وما بروایةمتربصا د, غیر ھاجس التفاصیل ال ینتابك, أمام كل ھذا الزخم العاطفي

!للغباء تبحث عن األمان في الكتابة؟ یاالى ذاھبا, قررت أن تصبح من نزالء الروایة, ال وطن لك وال بیت, أألنك ھنا كما یذھب, كما یذھب الكثیرون الى النساء, كما یذھب آخرون الى الرقص, الكتابة

األغبیاء الى حتفھم؟ قلم؟أتنازل الموت في كتاب؟ أم تحتمي من الموت ب

عاجزین على . على مرمى خدعة من المخدع, في غرفة الجلوس متقابلین كنا

.الغیرة تحت سریر صار لغیرنا انتزاع فتیل قنبلةمجردة من مؤامرة األشیاء ,كانت تلزمنا مناطق منزوعة الذكریات, لموعدنا ھذا

إذا كنت ,البیت بالذات فلماذا جئت بھا إلى ھذا. بعیدة عن كمین الذاكرة, علینا تخاف أن یتسرب الحزن إلى قدمیھا؟

فقبلھا لم یحدث أن . وھذه حالة جدیدة في الحب. قدمیھا ذلك أن بي شغفا إلى .تعلقت بأقدام النساء

.لحظة تمشي على حزن رجل, تعودت أن تخلع الكعب العالي لضحكتھا ھي ما, لع صمتھاوبدون أن تخ, كما تنحني زنبقة برأسھا, أنثوي لكنھا انحنت ببطء

.وراحت تواصل الرقص حافیة مني ,خلعت ما علق بنعلیھا من دميوغوایة قدمیھا عندما تخلعان أو ,أكانت تعي وقع انحنائھا الجمیل على خساراتي

تنتعالن قلب رجل؟, في ذلك الزمن الجمیل للسینما" ریتا ھاورث" كان یذكرني بمشھد, شيء ما فیھا

بذلك البطء , إصبعا إصبعا, الساتان الطویلین منوھي تخلع قفازیھا السوداوین .خلعت شیئا فتدوخ كل رجال العالم بدون أن تكون قد, المتعمد

غبي ھل من ھنا جاء شغف المبدعین بتفاصیل النساء؟ ولذا مات بوشكین في نزال .دفاعا عن شرف قدمي زوجة لم تكن تقرأه

أرید أن أحتفظ بتفاصیلھ , وكنت لجمالیتھ .في حضرتھا كان الحزن یبدو جمیال

كما , التي ترقص على أنغام الرغبة أمعن النظر إلى تلك األنثى, متقدة في ذاكرتيخسارات عمري عند حافیة من الرحمة بینما أتوسد, على خوان المنتصرین

.قدمیھا

لكأنھا تذھب الى كل حب حافیة ,مباغتة كل التوقعات, كما الحیاة جاءت, ھي ذي .الخطایا أو ذاھبة صوبھا لكأنھا خارجة لتوھا من بركة, مین دومامبللة القدفأصبحت أنتسب , قرابتي بھا ھذه المرأة التي لم أعد أعرف, كم اشتقتھا! اشتقتھا

.الى قدمیھاأن , العرق الالمع على عري ظھرھا إن أطلت النظر إلى, وأنا خائف. ھي ذي

.یصعقني تیار األنوثةتتركك , تمنحك فرصة تصورھا, تمضي مولیة ظھرھا أةكامر. ھكذا, ھي أشھى

.مشتعال بمسافة مستحیلھا تمیتني امرأة . تمر دون أن تلتفت, الرجل الذي یحب مطاردة شذى عابرة سبیل أنا

, ولھذا اقتنیت لھا ھذا الفستان األسود من الموسلین. أوھامي من الخلف تحتضنھا

ني أمام مساحة یطل منھا ضوء وتسمر, الفتحة التي تعري ظھره بسبب شھقة .عتمتھالم , اقتنیتھ بسبب تلك االھانة المستترة التي اشتممتھا من جواب بائعة أو ربما

أن ینتمي , أن بامكان عربي ذي مظھر ال تفوح منھ رائحة النفط تكن تصدق تماما .االقتناء الى فحش عالم

سانت فوبور" الى عندما قادتني قدماي, كنت أتجول مشیا قادما من األوبرا

ما احتطت من شارع تقف على جانبیھ سیارات فخمة في انتظار نساء" . أونوریھوال توجست من محالت ال تضع في واجھاتھا سوى , محمالت بأكیاس فائقة التمیز

.أصال, لم أكن أعرف ذلك الحي . أو ثوبین ثوب واحد علیھا العربون الذي البائعة ببطاقة عندما أمدتني, عرفت اسم الحي في مابعد .دفعتھ ألحجز بھ ذلك الثوب

الجزائري تشتري فستان سھرة " النیف" بمنطق, المشوبة بالجنون بتلك األنفة. أنت الذي تضن على نفسك باألقل, الجزائر لعدة شھور یعادل ثمنھ معاشك في

ن كما لتنجو م, تلك الجائزة التي حصلت علیھا أفعلت ذلك رغبة منك في تبذیر مال منھ؟ لعنة؟ أم لتثبت للحب أنك األكثر سخاء

وال تعرف في غیابك ماذا, أن تشتري فستان سھرة المرأة لم تعد تتوقع عودتھاأھي رشوة منك للقدر؟ أم معابثة منك للذاكرة؟ فأنت تدري , فعل الزمن بقیاساتھا

سود ولكن األ, الفستان الذي بنیت علیھ قصة من الموسلین لم یوجد یوما أن ھذا .شيء یصلح ذریعة لكل

.ولذا ھو لون أساسي في كل خدعة

لم أجد سوى ذریعة من , أكثر من سنتین منذ, أذكر یوم صادفتھا في ذلك المقھىمرتدیة , رأیتھا مرة في حفل زفاف سائال ان كانت ھي التي. الموسلین لمبادرتھا

.ثوبا طویال من الموسلین األسود . "ربما"ولكنھا قالت " ال"كانت ستقول أظنھا. ارتبكت

." نعم" أحرجھا أن تقول ذكریات , مع امرأة , لكنني كنت أحب أن أختلق. نكن التقینا بعد لم, في الواقع

.ذاكرة ال منطق لھا أحب كل. ماض لم یكن .خزانتھا بدأنا منذ تلك اللحظة نفصل قصة على قیاس ثوب لم یوجد یوما في

.شعرت أنني أعرفھ, ل شھرین في واجھة محلعندما استوقفني ذلك الفستان قب أو كأنھ حدث لھا أن, لكأنھ كان یطالب بجسدھا أن یرتدیھ. أحببت انسیابھ العاطفي

ریثما, المرأة أخرى " الجسد المشجب" ثم علقتھ على , ارتدتھ في سھرة ما .تعود

جوبةفأجبت بأ. كنت مرتبكا كرجل ضائع بین مالبس النساء, عندما دخلت المحل غبیة عن األسئلة البدیھیة لتلك البائعة المفرطة في األناقة قدر فرطھا في التشكك

.بنیتي

Dans quelle taille voulez-vous cette robe Monsieur ?

اللھفة؟ امرأة كیف لي أن أعرف قیاس امرأة ما سبرت جسدھا یوما اال بشفاهأعرف .طبقات السفلیة لشھوتھاأعرف ال. أقیس اھتزازاتھا بمعیار ریختر الشبقيوفي أي زمن جیولوجي استدار حزام , في أي عصر تراكمت حفریات رغباتھا

, ولم أعد ... أعرف كل ھذا. وعلى أي عمق تكمن میاه أنوثتھا الجوفیة ,زالزلھا !قیاس ثوبھا أعرف,منذ سنتین

فلم یكن في . زتيحو أو أال یكون ثمن ذلك الثوب في, لم تفاجأ البائعة كثیرا بأمیتي

.المبلغ وال بقدرتي على دفع ذلك, ھیئتي ما یوحي بمعرفتي بشؤون النساءمصمم غیر أنھا فوجئت بثقافتي عندما تعمدت أن أقول لھا بأنني غیر معني باسم

حتى لكأنھ ترك لھذا, بقدر ما یعنیني تواضعھ أمام اللون األسود, ھذا الفستانوأنني أشتري ضوء ظھر عار , في مكمن الضوء, ھاللون أن یوقع الثوب نیابة عن

!فستان بثمن :قالت كمن یستدرك

.أنت رجل ذواقة -القتناعي أن الذوق لمثلھا یرقى وینحط بفراغ وامتالء ,وألنني لك أصدق مدیحھا

:قلت, محفظة نقودالمھم لیس الشيء بل إسقاطات الضوء . بل قضیة ضوء, قضیة ذوق ھي لیست -

وقرر خطفھا من زوجھا الشاعر بول ایلوار Gala ور دالي أحبسالفاد. علیھ .1949 لحظة رؤیتھ ظھرھا العاري في البحر صیف

حدثا شراء مثل ھذا الثوب لیس, سألتني مندھشة لحدیث لم یعودھا علیھ زبائن

.في میزانیتھم ھل أنت رسام؟ -

:قلت لكنني" . بل أنا عاشق" كدت أجیب .أنا مصور... ال -في باریس لحصولي مادمت موجودا, " كبیر" كان یمكن أن أضیف أنني مصور و

نلتھا فلم یكن في تلك الصورة التي. على جائزة أحسن صورة صحافیة عامئذ ولذا ھي لن تفھم أن یكون ھذا. ما یغري فضول امرأة مثلھا, مناصفة مع الموت

أن أنفق علیھا ما حصلت الثوب األسود ھو أحد االستثمارات العاطفیة التي أحببت .من تلك المكافأة علیھ

یرتدیھا؟ وإنني سأراه, من قال إن األقدار ستأتي بھا حتى باریس

في وھي تراقص, ھي أشھى ھكذا. تتفتح داخلھ كوردة ناریة. ھاھي ترتدیھ .ھو الحاضر بیننا بكل تفاصیل الغیاب, حضوري رجال غیري

قرابة " للزاندالي" لوجد , أنا وھو, معاالمرأة ترقص لنا لو رأى بورخیس تلكعلى إیقاع الغیرة " فكر حزین یرقص" انھ , التانغو كما, بالرقص األرجنتیني

.لفض خالفات العشاق .كانت الھة إغریقیة ترقص حافیة لحظة انخطاف. لم تعد امرأة , في لحظة ما

ص حول ترق, أنھا كانت الھة تحب رائحة الشواء البشري بعد ذلك سأكتشف .تشتھي غیرھم قربانا محرقة عشاق تعاف قرابینھم وال

جیولوجي واھتزت حدث اضطراب, كلما تحرك شيء فیھا , لكأنھا كانت قسنطینة .وال یمكنھا أن ترقص إال على جثث رجالھا, الجسور من حولھا

.الفكرة لم تفارقني عندما حاولت فیما بعد فھم نزعاتھا المجوسیة ھذهمراقصة قتالھا؟ أتلك النار , في كتاب, تلك المرأة روائیة تواصل نماالذي صنع م أشعلت قلمھا بحرائق جسد عصي على االطفاء؟, أخرى التي خسارة بعد

باضرام النار في مستودعات التاریخ التي سطا ,أم ھي رغبتھا في تحریض الریح علیھا رجال العصابات؟

, لطغاة وقطاع طرق التاریخعندما تنازل ا, أحب شجاعتھا في الواقع كنت, وال أفھم جبنھا في الحیاة. البارود في كتاب ومجازفتھا بتھریب ذلك الكم من

.زوج عندما یتعلق األمر بمواجھةعدم الى حد, وغبائھا خارج األدب, كما ال أجد تفسیرا لذكائھا في روایة, تماما

ییز بین من ھو مستعدعلى التم, وھي التي تبدو خبیرة في النفس البشریة, قدرتھاانھ عماء . ومن ھو مستعد أن یبذل حیاتھ من أجل قتلھا, للموت من أجلھا

.سذاجة طفولتھم األبدیة المبدعین في, نفسھا مأخذ األدب ھي ال تأخذ. ربما كان عذرھا في كونھا طفلة تلھو في كتاب

.وحدھا النار تعنیھا. وال تأخذ الكتابة مأخذ الجدواصلي اللھو بالنار من أجل , لن أنتزع منك أعواد الثقاب: " ومالھا ی قلت, ولذا

."القادمة الحرائق

الخطرة تحت سوى آخر طریق لتمریر األفكار, ذلك أن الروایة لم تكن بالنسبة لھا .مسمیات بریئة

ماذا تراھا , نقاط التفتیش وعلى, ھي التي یحلو لھا التحایل على الجمارك العربیة وكتبھا السمیكة؟, ھا الثقیلةتخبئ في حقائب

مرتبة بنیة , كروایة نسائیة , كثیرة الجیوب السریة. سوداء دائما. حقائبھا أنیقة .كحقیبة امرأة ترید إقناعك أنھا ال تخفي شیئا ,تضلیلیة

.البؤساء من المغتربین ولكنھا سریعة االنفتاح كحقائبال یدري , أتعبھا الترحال بةلحقی, غیر محكم اإلغالق, أكل كاتب غریب یشي بھ قفل

, الغرباء یتدفق محتواھا أمام, وال في أي محطة من العمر, صاحبھا متىعلیھ؟ فیتدافعون لمساعدتھ على لملمة أشیائھ المبعثرة أمامھم لمزید من التلصص

.وغالبا ما یفاجأون بحاجاتھم مخبأة مع أشیائھ أن یثبت أنھ سطا على ال یمكن ألحد. محترم سارق. الروائي سارق بامتیاز

كفضولنا أمام , ھنا فضولنا أمام كتاباتھ من. تفاصیل حیاتھ أو على أحالمھ السریة .الكھربائي لألمتعة حقائب الغرباء المفتوحة على السجاد

یومھا على سریر كنت, یوم انفتحت حقیبة تلك المرأة أمامي ألول مرة , أذكر

أن ,زمیلي في الجریدة, ل عبد الحقعندما خطر على با, المرض في المستشفى .كتابھا.. یھدیني ذلك الكتاب

وأنا أحاول التقاط , الیسرى كنت أتماثل للشفاء من رصاصتین تلقیتھما في ذراعي . 1988صور للمتظاھرین أثناء أحداث أكتوبر

والغضب ینزل الى , البالد تشھد أول تظاھرة شعبیة لھا منذ االستقالل كانت .ومعھ الرصاص والدمار والفوضى, مرة الشوارع ألول

عن , أعلى أحد المباني الرسمیة أتلقیت تینك الرصاصتین من, لم أعرف یومھا أم كانوا , أصوبھ نحوھم قصد أم عن خطأ؟ أكان العسكر یظنون أنني أمسك سالحا

نحوي قصد عندما أطلقوا رصاصھم, یدرون أنني ال أمسك بغیر آلة تصویري .باتاغتیال شاھد إث

مصادفة جاءني عبد الحق أم عن, أعن قصد: كما سوف لن أدري یوما, تماما .بذلك الكتاب

األخرى؟ أكان حدثا أم حادثا آخر في أكان ذلك الكتاب ھدیة القدر؟ أم رصاصتھ .حیاتي؟ ربما كان االثنان معا

."بل الذعر ھو أول احساس فاجأني أمام ذلك الكتاب , وال االعجاب ,لیس الحب

وكنت مذعورا أمام تلك الرؤى " . بدایة ذعر یكاد ال یحتمل لیس الجمال سوى .االرتطام المدوي باآلخر أمام ذلك, الفجائیة الصاعقة

كان .. الجمال وكیف ال أخشى حالة من. أي شيء جمیل ھو في نھایتھ كارثة .یزمني عمر من البشاعة لبلوغھامنذ الصفحة األولى . ح ذلك الكتابوأنا أفت ,كنت أدخل مدار الحب والذعر معا

.مرضي تبعثرت أشیاء تلك المرأة على فراش قطعة, تفرغ حقیبتھا وتعلق ثیابھا أمامك. كانت امرأة ترتب خزانتھا في حضرتك

.أو تدندن أغنیة لدیمیس روسوس, وھي تستمع الى موسیقى تیودوراكیس, قطعة, تشعر بوجودك في غرفتھا تبدو كأنھا ال, شھوة التلصص على امرأة كیف تقاوم

ذاكرتھا؟ مشغولة عنك بترتیبناصیة تدعوك الى الجلوس على, وعندما تبدأ في السعال كي تنبھھا الى وجودك

واذ بك تكتشف أنھا , وتروح تقص علیك أسرارا لیست سوى أسرارك, سریرھا, وجواربك, وعطرك , وأدوات حالقتك, منامتك, من حقیبتھا ثیابك كانت تخرج

.اخترقا ذراعك وحتى الرصاصتین اللتینویصبح .عندھا تغلق الكتاب خوفا من قدر بطل أصبحت تشبھھ حتى في عاھتھ

كالبراكین . كیف التعرف على امرأة عشت معھا أكبر مغامرة داخلیة, ھمككیف تسنى " لتسألھا , وأنت ترید أن تراھا فقط. كل شيء حدث داخلك ,البحریة

"بك؟ لھا أن تمأل حقیبتھا

.ثمة كتب علیك أن تقرأھا قراءة حذرةوجملھا المواربة , مخبأ بین ثنایا ثیابھا النسائیة أفي ذلك الكتاب اكتشفت مسدسھا

القصیرة؟ولكن یحدث أن تطلق . شخصا وحدھا تعرفھ, لتردي أحدا قتیال لكأنھا كانت تكتب جریمة حبر بین تملك تلك القدرة النادرة على تدبیر كانت. النار علیھ فتصیبك

كل ذلك یحدث أثناء . فضولھ في جنازة غیره وعلى دفن قارئ أوجده, جملتین !انشغالھا بتنظیف سالح الكلمات

كما تلفلف األم , بذلك القدر من العنایة, أراھا تكفن جثة حبیب في روایة كنت .حمامھ األول رضیعا بعد

تعني ھي حتما, "كتبفي حیاة الكاتب تتناسل ال: " عندما تقول امرأة عاقر خشیة أن, أن أقیم في أحشائھا, وأنا كنت أریدھا أن تحبل مني " تتناسل الجثث"

.أنتھي جثة في كتاب "اإلخصاب إنھا ھنیھة.. احبلي : " كنت مع كل نشوة أتصبب لغة صارخا بھا

.اعتذار وكانت شفتاي تلعقان لثما دمع العقم المنحدر على خدیھا مدرارا كأنھ لم أعرفھا مع زوجتي التي كنت لسنوات أفرض علیھا تناول حبوب منعأحاسیسفكرة أن أترك ابني . مھووسا بخوفي أن أغتال فتتكرر في طفلي مأساتي, الحمل

كنت أستیقظ , حتى انني في الفترة التي تلت اغتیال عبد الحق, تعذبني یتیما كانت .صوت بكاء رضیع مذعورا كما على

كان . سواھا وھي التي لم أحلم باإلنجاب من, األبوة فعل حباكتشفت أن ,مع حیاة ."حمل كاذب"لي معھا دوما

بل كل إجھاض لیس سوى . نجھضھ فإننا, " حمل كاذب"إن كنا ال ننجب من , لكنلحاجتنا الى مقبرة تنام وما خلقت الروایات إال, نتیجة حمل تم خارج رحم المنطق

.فیھا أحالمنا الموءودة

.فألنھا ماتت , جلس الیوم ألكتبإن كنت أ .عدت ألمثل تفاصیل الجریمة في كتاب, بعدما قتلتھا

ال أدري من أي مدخل , في اختیار الزاویة التي یلتقط منھا صورتھ كمصور یتردد .من الزوایا العریضة للحقیقة, التقطت صورھا من قرب أكتب ھذه القصة التي

وال تعود الى وجھھا , التصویر معكوسةتلتقطھا آلة وبمنطق الصورة نفسھا التيیلزمني تقبل فكرة أن كل شيء یولد , مختبر الحقیقي اال بعدما یتم تظھیرھا في

قبل أن , ألننا التقینا بھم, كذلك ھم, وان الناس الذین نراھم معكوسین, مقلوبا .البشر تتكفل الحیاة بقلب حقیقتھم في مختبرھا لتظھیر

ولدوا لقد. وال جدوى من االحتفاظ بھم, ھا فاجعة الضوءإنھم أفالم محروقة أتلفت .موتى

, یمكننا بالنسیان اذن. لیس ثمة موتى غیر أولئك الذین نواریھم في مقبرة الذاكرة .عادوا ھنا فنستیقظ ذات صباح ونقرر أنھم ما, أن نشیع موتا من شئنا من األحیاءقلمیة م وفاة داھمة بسكتةأن نخترع لھ, بامكاننا أن نلفق لھم میتة في كتاب

مباغتة كحادثنحتاج أن . الموتى كما نبكي, وال یعنینا ذكراھم لنبكیھا, مفجعة كحادثة غرق, سیر

نحتاج .من تشابك ذاكرتنا بھم, من رسائلھم, من ھدایاھم, نتخلص من أشیائھم .ثم ننسى, على وجھ السرعة أن تلبس حدادھم بعض الوقت

التمثاال لحبیب تواصل تلمیعھ بعد , یلزمك رفاة حب, عشقیة لتشفى من حالة

یلزمك قبر ورخام . البریق الذي انخطفت بھ یوما مصرا على ذیاك, الفراق .الیك وشجاعة لدفن من كان أقرب الناس

,ال تحتفظ بحب میت في براد الذاكرة, أنت من یتأمل جثة حب في طور التعفن .لمثل ھذا خلقت الروایات, أكتب لیجاور " أجاب أحدھم . یكتبون ك األجوبة الطریفة لكتاب سئلوا لماذاأذكر تل

كي أضرب " ورد ثالث , "كي أسخر من المقابر" وأجاب آخر , " األحیاء األموات . "موعدا

, أن ابتكرت خدیعة موتھا أن تضرب موعدا المرأة سبق, اال في كتاب, أین یمكنك .المعاشرة رغم بؤسب, مصرا على إقحام جثتھا في موكب األحیاء

وتترك, ألیس في ھذه المفارقة سخریة من المقابر التي تضم تحت رخامھا .األموات یمشون ویجیئون في شوارع حیاتنا

كانوا یرمون الى النار الرسائل , األوائل سكان فرنسا) الغولیین(وكنت قرأت أن

أشواقھم محملة بسالماتھم و وبمكاتیب. التي یریدون إرسالھا الى موتاھم .وفجیعتھم

, أكل ذلك الرماد. بامكانھا انقاذ الحریق وحدھا. تصلح ساعي برید, وحدھا النار جمیل؟ من أجل صنع كتاب, الذي كان نارا

, صفحة ال بد أن تجمع رمادھا صفحة, حرائقك التي تنطفئ كلما تقدمت في الكتابة .كتاب مانا منفال توجد وسیلة أكثر ض, وترسلھ الى موتاك بالبرید المسجل

الى لمتعة رمي كتاب, تعلم اذن أن تقضي سنوات في انجاز حفنة من رماد الكلمات غیر مھتم بكون البحر ال یؤتمن على, أن تبعثر في البحر رماد من أحببت, البحر .تماما كما القارئ ال یؤتمن على كتاب, رسالة

وقد تقع في أیدي . رزجاجة والقائھا في البح فكتابة روایة تشبھ وضع رسالة فيناسیا أن یضیف أنھ في , غراھام غرین یقول. أصدقاء أو أعداء غیر متوقعین

بعد . قعر محیط النسیان أغلب الظن ستصطدم بجثث كانت لعشاق لنا یقبعون فياال أن نشغل أیدینا ما كان لنا. أن غرقوا مربوطین الى صخرة جبروتھم وأنانیتھم

أن یباھوا بأنھم ,بامكانھم بعد ذلك. الة حتف انقاذھمحتى ال تمتد, بكتابة روایة .المعنیون برفاة حب محنط في كتاب

لیس , وكتابا نوزع آالف النسخ منھ, موجودا ھو حب لم یعد, ام حبا نكتب عنھ .سوى رماد عشق ننثره في المكتبات

یھم نھدیھم ما ال یساو. حریقا ال رمادا, نھدیھم مخطوطا ال كتابا, نحبھم الذین .بأحد عندنا

, ھانكسا بعد زواجھ من السیدة, وھو عائد من روسیا, بلزاك في أواخر عمره

المرأة األرستقراطیة التي تراسل معھا ثماني عشرة سنة ومات بعد زواجھ منھاكان یقول لھا والخیول تجر كھولتھ في عربة تمضي بھ من ثلوج , بستة أشھر :باریس روسیا الى

وعندما سیتعذر علي. سأشتري لك مصاغا أو ثوبا, توقف فیھافي كل مدینة ن " ."سأقص علیك أحدوثة لن أنشرھا, ذلك

قد یكون قص , الرجعة كان طویال وألن طریق, وألنھ أنفق مالھ للوصول الیھا .علیھا قصصا كثیرة

وابتكرھا من أجل امرأة ما , التي لم یقرأھا أحد أجمل روایات بلزاك ھي تلك, حتما .لتحكیھا موجودة ھناعادت

بامكانھ الیوم أن أكتب ھذا الكتاب من أجل الشخص الوحید الذي لم یعد, ربما لھذا

.قلمھا وقصة أنا, ذلك الذي ما بقي منھ اال ساعة أنا معصمھا, یقرأهلم كأني, والتي مذ أصبحت لي, ساعتھ التي لم أكن قد تنبھت لھا یوما كانت لھ

.مت أن أشالء األشیاء أكثر ایالما من جثث أصحابھافمنھ تعل. أعد أرى سواھاال أحب " قال . وكان علیھ أن یتعلم كیف یجید موتھ, الذي أجاد الحب ھو

تمجیدا مني , فقد قصدت السریر دوما لمنازلة الحب, سریر مضاجعة الموت فيوأشیاء ال أدري , وترك لي كغیره شبھة حب. ایاه لكنھ مات على السریر". للحیاة

.ماذا أفعل بھا

وأنا منذ أیام منھمك في مقایضة . على الطاولة التي أكتب علیھا ساعتھ أماميتائھا في تقاطع . وقتا اضافیا یكفي لكتایة كتاب. افتراضیا أھدیھ عمرا. عمري بھا

ألفھم بأیة مصادفة أوصلنا الحب معا الى تلك , بوصلة صوتھ ال أملك اال, أقدارنا .المرأة

الى تھكمھ , الى حواراتنا المحفوظة الى األبد في تلك األشرطة تعبأستمع دون . حتى عندما كنا نلوذ بالكالم, ذلك البیاض الذي كان بیننا الى, الصامت بین الجمل

. كیف أخذتھ وتركت صوتھ؟ حتى لكأن شیئا منھ لم یمت ,یا الھ الكائنات! صوتھ !ضحكتھ تلك

فاجعتان ؟ وھل تستطیع أن تقول انك القدر عندما تتزامن كیف ترد عنك أذى !أو من دون أن تبكي, تضحك شفیت من عشق تماما من دون أن

.لیس البكاء شأنا نسائیا

أو على الحزن إذن أن یستعید حقھ في , یستعیدوا حقھم في البكاء ال بد للرجال أن .التھكم

صا بقدر أم ككاتب كبیر تكتب ن, أتبكي بحرقة الرجولة: تحسم خیارك وعلیك أنفالموت كما الحب أكثر عبثیة من أن تأخذه مأخذ ! والسخریة كبیر من االستخفاف

.الجدأن أفقدك في , وحدث لفرط تواتره. غریب األطوار, وحمیمیتھ أللفتھ, لقد أصبح

فأصبحت تستند الى روزنامتھ لتستدل على , لفجائعك فترات ما التسلسل الزمني. معتمدا على التراتب الزمني لموت أصدقائك , أو على حادث ما, منعطفات عمرك

أن ,مع العمر نزعتك الى الغضب كما لجمت, وعلیك اآلن أن تردع نزعتك للحزنأو بسبب , امرأة تكتسب عادة التھكم والضحك في زمن كنت تبكي فیھ بسبب

.أو خیانة صدیق, قضیةوإنما دوما , جر فیككلؤم لغم ال ینف, بك الموت یحوم حولك إیغاال بالفتك,مرة أخرى, یلعب معك لعبة نیرون. تتوقع حین ال, لیصیبك حیث ال ترى, یخطئك. بجوارك

أصحابھ لیطعنھ ویقول انھ كان یمزح كلما انقض على أحد, الذي كان یضحك .بخنجره فأخطأه !لیصیب غیرك فالموت یمازحك ما دام یخطئك كل مرة, اضحك یا رجل

الفصل الثاني

لسرقتھ نسخة نادرة ألحد دواوین بول سجن جان جنیھ , 1942في مارس .شراءھا ,وھو الفقیر المشرد, بعد أن تعذر علیھ, فرلین

جنیھ أجاب" أتعرف ثمن ھذه النسخة التي سرقتھا؟:"وعندما سئل أثناء التحقیق بل أعرف... ال:"الذي لم یكن قد أصبح بعد أحد مشاھیر األدب الفرنسي المعاصر

."قیمتھا ألحسن صورة, عندما بلغني أنني حصلت على جائزة العام, ذكرت ھذه الحادثةت

ربما ألنني عندما سرقت تلك . في فرنسا" فیزا الصورة"صحفیة في مسابقةلم أكن أعرف كم سیكون سعرھا في سوق المآسي , الموت الصورة من فك

كون وأعرف كم یمكن لصورة أن ت, قیمتھا ولكنني حتما كنت أعرف. المصورة .ذراعي الیسرى عطبا في, وقد كلفتني قبل عشر سنوات, مكلفة

من وثمة, ثمة من یثرى بصورة, في صور الحروب التي أصبحت حرب صور

.یدفع ثمنا لھاإن كان لك ,تمنحك راحة البال, وحدھا صورة الحاكم الذي ال یمل من صورتھ

تاریخ وفي, ي المأساةلكنك متورط ف. شرف مطاردتھ یومیا في تنقالتھ اللتقاطھا لیلتقط لحظات إعدام, كان ینادى فیھ للمصور كما في الیمن السعید في الخمسینات

, أیامھا. الثوار وتخلید مشھد رؤوسھم المتطایرة بضربات السیوف في الساحات وعلى المصور األول واألوحد في البالد أن یبدأ بھ, الرؤوس أھم إنجاز كان قطع

.مھنتھ

.العبثي تصبح مصورا في زمن الموت, نزل علیك صاعقة الصورةت, ذات یومثمة مخاطرة في . مشروع قتیل یبحث عن صورتھ وسط الدمار, كل مصور حرب

, ولن یرمم خرابك عندذاك. كأنھ دمارك الداخلي. تكون مصورا للموت البشع أن .حصولك على جائزة حتى فرحة

:" یؤكدون ,ھذا المجد الداميالمشاھیر من مصوري الحروب الذین سبقوك إلى ال: لكنك تقع على اكتشاف آخر". أنت لن تخرج سالما وال معافى من ھذه المھنة

واقفا وسط برك , وأنت تتعامل مع الرؤوس المقطوعة, یمكنك أن تكون محایدا .عدستك الدم لتضبط

یب الغر وكل أنواع الموت, مولع بالضحایا, أنت متورط في تغذیة عالم نھم للجثث .في بشاعتھ

.دكتاتوریة الفرجة تفرض علیك مزیدا من الجثث المشوھةأن , مما یجعلك دائم الخوف على صورك أن تبرد, یریدون صورا بدم ساخن إنھم

تتدفق صور , ھناك حیث من حنفیة المآسي, قبل أن ترسلھا یتخثر دمھا ویجمد .الوكاالت اإلفناء البشري على

لقد . البرادات أو أن ینتظروا في, أن یذھبوا إلى المقابربإمكان الموتى, أثناء ذلك ولن تدري أخلدتھم. وجمدت صورتھم إلى األبد على عدستك, توقف بھم الموت

.أم أ،ك تعید قتلھم ثانیة, بذلك .سوى احتمال موتك ال تصور, ال یخفف من ذنبك إال أنك خلف الكامیرا

". أنت تعمل؟ لصالح من: " في أمركالجمیع یشتبھ . لكن ھذا ال یرد الشكوك عنكجرائمھم أم بنقلك بشاعة, لتمجید إنجازات القتلة ومنحھم زھوا إعالمیا, أأنت ھنا

وحق البقاء في الحكم؟ إلى أي حزب من أحزاب , تمنح اآلخرین صك البراءة ! إلى األعداء.. تنتمي؟ ولصالح من من القتلة ترسل صورك القتلى

عن , عن جائزة لم تسع إلیھا, عن ذنوب لم تقترفھا ذاروستقضي وقتك في االعت, عن صدیقك الذي قتل, من الصحافیین وال بیت لغیرك, بیت محترم تعیش فیھ

بعد أن عجز عن أن یكون من .. حزیران قتل امرأتھ وانتحر13واآلخر الذي ذات .سماسرة الصورة

إنھا ككل . ث ال تتوقعھاتعثر علیھا حی, الحب كما, كنت دائم االعتقاد أن الصورة

.المصادفة ھدیة.. األشیاء النادرة وأنا في طریقي إلى, المصادفة ھي التي قادتني ذات صباح إلى تلك القریة

.برغم تحذیر البعض, آتیا من قسنطینة بالسیارة, العاصمةومازالت مذھولة , استوقفتنا قریة لم تستیقظ من كابوسھا كنت مع زمیل عندما

.اأمام موتاھ

, بعد أن عاد الموت لیختبئ في الغابات المنیعة المجاورة, من خوف لم یكن ثمةولن یخرج إال في غارات لیلة على قریة , وسبایاه من العذراوات محاطا بغنائھ

مذ , البدائیة التي اختارھا بنیة معلنة للتنكیل بضحایاه شاھرا أدوات قتلھ, أخرىإن ھم استعملوا السالح , ن الثواببمزید م "المجاھدین"صدرت فتوى تبشر

, وبقر البطون, الرؤوس لقطع, من فؤوس وسیوف وسواطیر, األبیض الصدئ .وتقطیع الرضع إربا

حتى المواشي . تركوا خلفھم شیئا یشي بالحیاة ألنھم قلما, قلما كان القتلة یعودون .تتساوى فیھا أخیرا باإلنسان وتموت میتة, كانت تجاوز جثث أصحابھا

ربما ألن لھا مخزونا عاطفیا في .انت القرى الجزائریة أمكنة تغریني بتصویرھاك

مع قوافل , السبعینات ذاكرتي مذ كنت أزورھا في مواكب الفرح الطالبي فيبحضور رسمي لالحتفال بافتتاح قریة یتم تدشینھا غالبا, الحافالت الجامعیة

.ضمن مشروع ألف قریة اشتراكیة, لرئیس الدولةلذا عز علي أن أصور موتھم , بأنني قد عرفتھم فردا فردا لي دائما إحساسكان

أكیاس من النایلون؟ مكومین أمامي جثثا في, البائسأن أكون شاھد تصویر ما أحزنني, ھم الذین أولموا لنا بالقلیل الذي كانوا یملكون

.على والئم رؤؤسھم المقطوفةمن یصدق النوایا , ات المبیتة الشنیعةوبالمیت ,في زمن الھوس المرئي بالمذابح

جثث القتلى ببراءة مھنیة؟ لیست الحسنة لمصور تتیح لھ الصورة حق مالحقةالمصور یفضل على نجدتك ھي التي تجعل, بل أخالق الصورة, أخالق المروءة

.تخلید لحظة مأساتكقناص بإمكان المصور ال, الفوتوغرافي في محاولة إلقاء القبض على لحظة الموت

."الصفقة الصورة"مواصلة إطالق فالشاتھ على الجثث بحثا عن وللجثث درجات تفضیل لم تكن ألصحابھا في, فھو یدري أن للموت مراتب أیضا

.حیاتھم ,وأخرى من الدرجة الثانیة. ألغلفة المجالت, ثمة جثث من الدرجة األولى. ولن یشتریھا أحد,وثمة أخرى لن تستوقف أحدا . للصفحات الداخلیة الملونة

.یطاردك نحس أصحابھا إنھا صور !فصور قم..أیھا المصور. ھاھوذا الموت ممد أمامك على مد البصر

..ثم رأیتھ

الذھول؟ الصغیر الجالس وحیدا على رصیف, ماذا كان یفعل ھناك ذلك تجاوز عددھا ما. خمس وأربعون جثة. كان الجمیع منشغلین عنھ بدفن الموتى

.رة قریة أن تسع من أموات فاستنجدوا بمقبرة القریة المجاورةیمكن لمقبلدفن أكثر من , كان یلزم ثالث مقابر موزعة على ثالث قرى, بن طلحة في مذبحة

وترك لفرط تخمینھ بعض , الموت ھذه المرة كان أكثر لطفا فھل. ثالثمائة جثة فكیھ؟ األرواح تنجو من بین

أخبرني أحدھم أنھم عثروا. صل غیبوبة ذھولھكان الصغیر جالسا كما لو أنھ یواحیث تسلل من . علیھ تحت السریر الحدیدي الضیق الذي كان ینام علیھ والده

. وانزلق لیختبئ تحت السریر, الذي كان یتقاسمھ مع أمھ وأخویھ مطرحھ األرضيوھي حیلة ال تنطلي . التي دفعت بھ ھناك إلنقاذه من الذبح أو ربما كانت أمھ ھي

, قامت أم بإخفاء بناتھا تحت السریر, في قریة مجاورة حیث انھ, ئما على القتلةدانظرا لبؤس الغرفة التي كان السریر یشغل نصف ,غیر أنھم عثروا على مخبئھن

ساحة الحوش حیث قتلوھن وسحبوھم نحو, فشدوھن من أرجلھن, مساحتھا .ونكلوا بجثثھن

حزنا من أن یبكي؟ لیكون أكثر, ماذا تراه رأى ذلك الصغیرالفارغتین اللتین وال لغة لھ إال في نظرات عینیھ, لقد أطبق الصمت على فمھ

كلبھ الذي حتى انھ لم ینتبھ لجثة. تبدوان كأنھما تنظران إلى شيء یراه وحدهأن في انتظار, والملقاة على مقربة منھ, سممھ اإلرھابیون لیضمنوا عدم نباحھ

.ر ویتكلفوا بعد ذلك بمواراة الحیواناتینتھي الناس من دفن البشألنھ , أو خجال , ربما خوفا. یضم ركبتیھ الصغیرتین إلى صدره كان یجلس وھو

وما زالت اآلثار واضحة على , نومھ أرضا تحت السریر تبول في ثیابھ أثناء .سروالھ البائسإلى جدار كتبت علیھ بدم أھلھ شعارات لن یعرف كیف یفك ھو اآلن مستند

فھو لن یعرف بدم من , وألنھ لم یغادر مخبأه.القراءة بعد ألنھ لم یتعلم, طالسمھاوبحروف مازال , بكلمات كتبت بخط عربي رديء, جرائمھم بالتحدید وقع القتلة

أم بدم أحد إخوتھ؟, أم أبیھ , أمھ أبدم. یسیل من بعضھا الدم الساخنلیقع بین فكي , فكي الموتبین وال حتى بأیة معجزة نجا من. ھو لن یعرف شیئا

, الموت في مكان مجاور تركت, وال ألي سبب, وأنت ال تعرف بأیة قوة. الحیاةودموع ,وصخب الدمار في صمتھ, ورحت تصور سكون األشیاء بعد الموت

.الناجین في خرسھم النھائي .الطفل رآه حد الخرس بل ما تتصور أن ذلك, لك تكن تصور ما تراه أنت

أمام موقف حضرني قول مصور أمریكي, ألتقط صورة لذلك الطفلعندما كنت "كیف تریدوننا أن نضبط العدسة وعیوننا ملیئة بالدموع؟:"مماثل

ال تحتاج إلى آلة تصویر فائقة , أنك كي تلتقط صورتك األنجح, بعد ألصدق ولم أكن .حاجتك إلى مشھد دامع یمنعك من ضبط العدسة بقدر, الدقة

, بل إلى فیلم باألبیض واألسود, األلوان قنیات متقدمة في انتقاءال تحتاج إلى ت .األشیاء مادمت ھنا بصدد توثیق األحاسیس ال

صورة عندما علمت بنیلي تلك الجائزة العالمیة عن أفضل, أول فكرة راودتني

.للبحث عن ذلك الطفل, ھي العودة إلى تلك القریة, صحفیة للعام, لتأخذ أحیانا بعدا إنسانیا, بعد آخر وتتزاید یوما, ليلقائي بھ تلح ع كانت فكرة .شكل مشاریع فوتوغرافیة أصور فیھا عودة تلك القریة إلى الحیاة وأحیانا أخر

كنت قد قررت أن أخصص نصفھ , على مال تلك الجائزة حتى قبل أن أحصلأن , ونویت بیني وبین نفسي. محنة یتمھ لمساعدة ذلك الصغیر على الخروج من

.أستطیعھ بالقدر الذي, أتكفل بھ مادمت حیاكونھ أیتمنا المشترك؟ أم: ال أدري ماالذي كان یجعلني متعاطفا مع ذلك الطفل

أصبح ابنا آللة التصویر بالتبني؟كانت تفوح منھ رائحة وماالذي جعلني أستعجل التخلص من شبھة مال

كأنني كنت أرید .رینلجریمة كان جرمي الوحید فیھا توثیق فظاعات اآلخ,مریبة .نفسھا باقتسامھ مع الضحیة, مما علق بھ من دم , تبییض ذلك المال وغسلھ

طبعا كانت تحضرني قصة زمیلي حسین الذي من أربع سنوات حصل على الجائزة

, سقط شالھا لحظة ألم, عن صورتھ الشھیرة المرأة تنتحب, العالمیة للصورة. حد استدراجك للبكاء, ة وعزالء أمام الموتوشاح حزنھا جمیلة ومكابر فتبدت في

.لمایكل أنجلو" العذراء النائحة "لكأنھا تمثالنفسھ أمام أكثر من ثالثمائة وجد, عند وصولھ إلى قریة بن طلحة, وكان حسین

صورة لتلك المرأة فتوجھ إلى مستشفى بن موسى حیث أخذ. جثة ممدة في أكفانھا .المذبحة لھ إنھا فقدت أوالدھا السبعة في تلكوالتي قیل , التي فاجأھا تنتحب

ماكانت اكتشف حسین أن المرأة, عندما انتشرت الصورة وجابت العالم, بعد ذلك .أم األوالد بل خالتھم

الحرب كانت تختصر في فكل عبثیة. كان قد أخذ صورة للموت في كامل خدعتھحیث ا مصادفةوأطفال وجدو, صورة المرأة وجدت مصادفة حیث عدسة المصور

.براثن الموت

خدعة المصادفات كالھما. فیھ كثیر من التفاصیل العبثیة, كما الحب, الموت .المتقنة

وال طالبت , ضد القتلة التي لم تقم دعوى, أما األكثر غرابة فكون تلك المرأة جاء من , ألقاربھا السبعة الدولة بمالحقة الجزارین الذین نحروا األجساد الصغیرة

عندما , بفجیعتھا وثراءه" مجده"نعھا بأن ترفع دعوى على المصور الذي صنع یق. العربي اكتشفت أن للصورة حقوقا في الغرب ال یملكھا صاحبھا في العالم

فتطوعت جمعیات لرفع الدعاوى على المجالت العالمیة الكبرى التي نشرت !ور الموتبذریعة الدفاع عن حیاء الجزائري وھو ینتحب بعد مر ,الصورة

فالنجاح أكبر جریمة یمكن . أن یرى جزائریا آخر ینجح ال أصعب على البعض من .لكنھ لن یغفر لك نجاحاتك, للقتلة جرائمھم ولذا قد یغفر. أن ترتكبھا في حقھ

ازدادت أسباب حقده , ازدادت قرابتھ منك ,بحكم المھنة أو بحكم الجوار, وكلما .تنجح حیث أخفق ھو ,لھ في كل شيءألنھ ال یفھم كیف وأنت مث, علیك

إلنقاذك من لو غرقت لجازف بحیاتھ, جارك الذي لعبت وتربیت معھ منذ الطفولةویبقى ,وستذھب إلى الجامعة, ورسب فیھا, لكنك لو نجحت في البكالوریا. الغرق

ستخرج من مسدسھ الرصاصة ستردیك , وذات یوم . ھو مستندا إلى حائط اإلخفاق

.بنجاحاتكمكفنا قتیال

, األكثر انتشارا أسفل الصفحة األولى من الجریدة, عندما ظھر خبر نیلي الجائزةفي وتاله, "جثة كلب جزائري تحصل على جائزة الصورة في فرنسا" تحت عنوان

,"فرنسا تفضل تكریم كالب الجزائر" الغد مقال آخر في جریدة بالفرنسیة عنوانھ .األمر یتجاوز مصادفة االتفاق في وجھة نظروأن , أدركت أن ثمة مكیدة تتدبر

.وانتھى األمر, لعنة النجاح قد حلت بي كانتأن خلف ذلك الكم من الحقد والتجني ألكتشف, كان ال بد أن یمر بعض الوقت, لكن

لینتقل إلى العمل في كان جاري في قسنطینة وتوسطت لھ". صدیق"جھد , طعنات األعداء فوفر علي بكیده كل, ھافي الجریدة نفسھا التي أعمل فی, العاصمة

بعدما ,وجعلني أرى في جثة ذلك الكلب من الوفاء ما یغني عن إخالص األصدقاء .قدمت لھ من الخدمات ما یكفي ألجعل منھ عدوا

:ذلك لیشغلني في طرحھ اآلخر غیر أن الموضوع عاد بعد

؟الكلب تراھم منحوا الجائزة لصورة ذلك الطفل؟ أم لجثة ذلك وتم إتالف الحیاة, وماذا؟ وقد صدرنا إلى العالم مذابحنا على مدى سنوات

بعد أن أصبحت في ندرتھا أكثر وقعا على أنفسھم , الشعوریة ألناس أكثر من جثثنا اإلنسان؟ من جثة

جثة لو أن ضمیر اإلنسان المعاصر أصبح حقا یستیقظ عندما یرى, ألیست كارثة وال قرابة, و مھتما بجثة إنسان آخر ال یرى شبھا بھوال یبد, كلب یذكره بكلبھ

.عالم جثث تتقاتل. ومتخلفا عن عالمھ.. ألنھ من عالم یراه مختلفا, معھبحثا عن جواب في , حد قراري العودة إلى تلك القریة, األسئلة شغلتني تلك

.المركب تفاصیل ذلك الموت

***

بعدم , حتطنا طبعا لمفاجآت الطریقا .قصدت رفقة زمیل تلك القریة, ذات صباح ینصبھ , قبضة حاجز أمني مزور أخذنا بطاقاتنا المھنیة معنا فیما لو وقعنا في

" ممن یعملون في , بالسیارة اإلرھابیون الصطیاد من یضطر لسلوك تلك الطرقاتولو , علیھا ختم رسمي أي أحد یملك بطاقة, أي باختصار, الكافرة" دولة الطاغوت

فیذبحونھ إن لم تكن ,أو أي مخلوق ال تروق لھ ھیئتھ, زباال في البلدیةكان یعمل .خدماتھ أو یصطحبونھ إلى مخابئھم إن كان ممن یحتاجون إلى, لھم حاجة بھ

وأصبحت مشابھة تماما لحواجز, كانت ظاھرة الحواجز المزورة عمت وانتشرت, م العسكریة وأسلحتھمالذین سطا اإلرھابیون على بزاتھ, رجال األمن الحقیقیین

وأظھروا ھویاتھم , فان ھم اطمأنوا إلى حاجز. أوقع الناس في بلبلة وحیرة مما

كذلك العجوز الذي استبشر خیرا بحاجز , یفاجأون بھ مزورا ویقتلون قد, الحقیقیة :للعسكریین بمودة وقال, أوقفھ

الكالب ما ھمش ھنا الیوم؟.. واش - : یھ النارعل فرد علیھ أحدھم وھو یطلق

!إحنا ھم الكالب -وكان , وقوعھم في قبضة حاجز مزور وان ھم لم یحملوا أوراقھم الثبوتیة خشیة

, وعوملوا على ھذا األساس ,اتھموا بأنھم إرھابیون, الحاجز لرجال أمن حقیقیینمدعین أنھم موظفو ,بعد أن أصبح اإلرھابیون أیضا یتنقلون بدون أوراق ثبوتیة

.ندون في الخدمة العسكریةأو مج.. دولةوال بطاقة , یتنقلون بال ھویة في جیوبھم, على سالمتھم حفاظا, وھكذا كان الناس

وال مفكرة تشي بمواعیدھم وأسماء رفاقھم , حوزتھم عمل وال أوراق ثبوتیة في .فتفضح مھنتھم

إنجازا تفاءلت , وبدون حادث یستحق الذكر, تلك القریة بسالم كان وصولي إلى

.شیئا مما كنت أبحث عنھ ھناك لوال أنني لم أجد, بھ .كبیوت موتاھم, كانت قلوب الناس موصدة

والبیوت جمیعھا , كیف أستدل على ذلك البیت: في مھب األسئلة, تائھا وكنت ھناك بؤسھا؟ متشابھة في

وقد غسلوا الجدران, كیف أتعرف على ذلك الجدار الذي كان یستند إلیھ الطفل في محاولة لغسل ذاكرة القریة من دم أبنائھا؟, ثرتھاخوفا من ثر

واألجوبة متناقضة في اقتضابھا؟ البعض یقول إن , الطفل ومن أسأل عن ذلكوآخر یقول إن أحد أقاربھ حضر واصطحبھ إلى . بھ جمعیة لرعایة الیتامى تكفلت

لكلب بعد أن رآھم یحملون جثة ا, ملتاعا وآخر یجزم أن الطفل اختفى. قریة أخرىأو لعلھ ال یرید أن . ھذا الطفل وآخر لم یسمع بوجود. ویدفنونھا في حقل بعید

.وال صبر لھ على فضولي, یسمع بوجودي. الأحد یثرثر ھنا. شیئا یغرقنا في الصمت, تجعلنا نفقد دائما شیئا متأخرا الصدمة

.سمذ طلیت بماء الكل, أصابھا الخرس, الجدران التي كانت تھذي بالقتلة حتى

والذین كانوا . أن القرویین الذین كانوا یحتفون بالغرباء أصبحوا یخافونھم أحزننيویتحلقون حولھم في السبعینات أصبحوا یقفون ببالھة لیتفرجوا , إلیھم یتحدثونلكأن . حتى انك ال تدري بماذا تكلمھم, قادمون إلیھم من عالم آخر وكأنھم, علیھم

لغة المذھول . ة اخترعھا لھم القھر والفقر والحذربل ھي لغ ,لغتھم ما عادت لغتك .قدره من أمره مذ اكتشف

عندما في زمن الوحوش البشریة تضعك , التضاریس ھي التي تختار قدركأنت حتما على . وعلى مشارف الغابات واألدغال, عند أقدام الجبال الجغرافیة

.حتفك مرمى قدر من یدفنون, القرى النائیة مالمح واحدةأصبحت لسكان تلك ,في عزلتھم عن العالم

.بأكملھا اثر غارة لیلیة تختفي بعدھا من الوجود قریة, فیھا في الیوم ذاتھ

كل یوم التي یتناولون فیھا, مستنسخ من حیاتھم الرتیبة ,في عبثیتھ, انھ موت ,ویرتادون مقھى واحدا, وجبة واحدة من الطبق الواحد نفسھ لكل أفراد العائلة

فیھ الكبار والصغار السجائر الردیئة نفسھا المصنوعة محلیا من العرعار یدخن حیث الطبیب الواحد , )الدشرة( وعندما یمرضون یذھبون إلى مستوصف ,الجبلي

.لكل األمراض والدواء الواحد, حتى . الواحد وكل جمعة كانوا یلتقون في المسجد الوحید لیصلوا ویتضرعوا لإللھ

.دوا علیھم وحدانیتھم وقتلوھم باسم رب آخرجاءھم القتلة فأفسویموتون حربا بعد أخرى نیابة عن , منذ أجیال یكررون الحیاة ذاتھا لكأنھم

.في المكان الخطأ نفسھ لوجودھم, اآلخرینفقط لتكون , االستشھاد لكأنھم جاھدوا ضد فرنسا ودفعوا أكبر ضریبة في قسمة

, علم جزائري یرفرف علیھا" لى الشعبمن الشعب وا" لھم بلدیة كتب علیھا شعارحتى تتركھم خلفك صامدین. وتتكفل بتوفیر قبر لجثثھم المنكل بھا بأید جزائریة

.في أكواخھم الحجریة البائسة مع مواشیھم الھزیلة, الموت المقبلال صور ألسالفھم وأجدادھم تغطي جدران , ال تكاد تشبھھم في شيء ھؤالء الذین

تود لو ضممت رائحة . ألنھم منحدرون من ساللة التراب ,تكأكواخھم كما في بیولكنھم ال یمدون . أیدیھم الخشنة المشققة لو صافحت بحرارة, عرقھم إلى صدرك

.ولیت وجھك وحده الموت یمد لك لسانھ حیثما. لك یدا

لغابة كانت على فقد فاجأني منظر موجع. انتابني حزن ال حد لھ, أثناء مغادرتي, السلطات وتم بعد زیارتي األخیرة حرقھا حرقا تاما من قبل, القریةمشارف تلك

.القتلة بذریعة حمایة المواطنین من, إلجبار اإلرھابیین على مغادرتھا ,یموت جیل من األشجار, في كل حرب أثناء تصفیة حساب بین جیلین من البشر

.في معارك یتجاوز منطقھا فھم الغابات, ألحد كي یجیب جبال أصبح أصلع وال وقت. یسأل الشجرمذھوال " من یقتل من؟"

ومرة , للمجاھدین من تقیة مرة ألن فرنسا أحرقت أشجاره حرقا تاما كي ال تترك .لإلرھابیین من مالذ ألن الدولة الجزائریة قصفتھ قصفا جویا شامال حتى ال تترك

.ةواقف حتى األشجار لم یعد بإمكانھا أن تموت: باستطاعتنا أن نبكي ؟ ماذا یستطیع الشجر أن یفعل ضد وطن یضمر حریقا لكل من ینتسب إلیھ

أدغال إنھ یولد بیننا في. لم یعد العدو یأتینا في البوارج: وبإمكان البحر أن یضحك .الكراھیة

بتلك الكآبة التي ,ال أدري لماذا أصابني منظر األشجار المحروقة على مد البصر

.تصیبك لحظة تأبین أحالمكأعادتني جثثھا المتفحمة إلى زمن جمیل . األشجار لكأن شیئا مني مات باغتیال تلك

."السد األخضر" العسكریة في بناء قضى فیھ آالف الشباب من جیلي خدمتھم

. لحمایة الجزائر من التصحر سنتان من أعمار الكثیرین ذھبتا في زرع األشجاریتقدم والصحراء الجزائري: "كان الشعار الذي یطاردك في كل مكان آنذاك

."تتراجع !أكان كل ذلك نكتة؟

تسربت من أصابع , وكانت لنا أحالم رمال ذھبیة .مشتعلین كنا بزمن النفط األول .ویتقدمون أسرع من لھاث الصحراء إلى جیوب الذین كانوا یبتلعون البالد

ال , حركةوطن من الرمال المت إنھا خدعة التائھ بین كثبان! یا لسراب الشعارات !منھ وال على واحة تلوح, تعول على وتد یدق فیھ

كل كیف وصلنا إلیھ؟ بل كیف اخترقنا الرمل وتسرب إلى.. ھوذا النصف الخالي

إنھ التصحر. بل أصبحت الصحراء فینا, شيء؟ لم نعد على مشارف الصحراء .العاطفي

لفزیون عندما ترك لنا بومدین على شاشة الت1978حدث ذلك ذات دیسمبر .ورحل, ابتسامتھ الغامضة تلك

ویده التي تعود أن , أقل حدة ونظرتھ الثاقبة, كانت مالمحھ أقل صرامة من العادةرفع الجزائر من كانت منھكة لفرط ما حاولت, یمررھا على شاربیھ وھو یخطب

.مطبات التاریخ التي - موسكو الذي قالوا لھ في ھو, فلم یكن عنده یومھا ما یقولھ. لم یقل شیئا

من الواضح . وعاجل إن موتھ حتمي- قصدھا للعالج من مرض نادر وسریع الفتكأن عانى بعد, ولیختبر حبنا لھ, أنھ عاد كحصان سباق مجروح لیموت بین أھلھ

وعفویة.. في بدایاتھ من الجفاء العاطفي لشعب كان یفضل علیھ طلة بن بلة .طیبتھ

جعلتھ وحیاتھ النضالیة التي صقلت كبریاءه, لحیاءأصولھ الریفیة التي أورثتھ ا فمات كبیرا میتة تشبھ غموض شخصیتھ السریة, یصر على ھیبة الموت وحشمتھ

.المعقدةالرجل الذي كنا نودع جثمان, وبینما العالم یحتفل بأعیاد المیالد, دیسمبر29ذات

ال كان لنزاھتھالرجل الذي , ولدت على یده مؤسسات الجزائر وأحالمھا الكبرىتربوا ولكنھ ترك لنا أجھزة وصیارفة. أو قریبا, وال عرفنا لھ أھال, یمتلك حتى بیتا

رحل. ورھن مستقبلنا لعدة أجیال , سیتكلفون بقمع أحالمنا وإفقارنا , تحت برنسھ .مودعا بجداول الدموع التي لم یدري أنھا ستتحول بعده إلى أنھار دماء

فالجزائري . لكأن موتھ إشاعة ومرضھ مكیدة. ي مؤامرةكفاجعة تخف بكاه الناسعندما یتعلق األمر , نفسھ أال یصدق أن ثمة موتا طبیعیا تعلم من حكم بومدین

.برجال السیاسةككل رجاالت الجزائر الذین لفقت لھم میتات وانتحارات , مكفنا باألسئلة ولذا رحل .وللتاریخ.. انتقامیة عابرة للقارات وتصفیات

والثراء من , الموت بسبب طبیعي :ثمة أمران ال یصدقھما الجزائري, الواقعفي تجعلھ , على عجائب الحكم فآلیة التفكیر لدى الجزائري الذي كان شاھدا. مال حالل

الجماعي انھار وبسبب ھذا الریب, وكل من أثرى سرق, یعتقد أن كل من مات قتل .توابتلعتنا كثبان الخیانا, السد األخضر للثقة

وكان العالم ال یتجاوز أفق , كنا في العشرین. إلى جزائر السبعینات یحدث أن أحن

, فقد كنا نصدر الثورة واألحالم. نعتقد أن العالم كلھ كان یحسدنا لكننا كنا, حینا .منبھرین بشعب أعزل ركعت أمامھ فرنسا ألناس مازالوا

, نتحلق حولھا كل مساءواألبیض العالم كان جھاز تلفزیون یبث صورا باألسود .غیر مصدقین معجزة ذلك الصندوق العجیب

كانت الجارات تتقربن إلینا بإرسال , أول من أدخل التلفزیون إلى الحي وألننا كنا .كي نسمح لھم بمشاھدة التلفزیون معنا, عصرا مع أوالدھن طبق من الحلوى

وجعلتنا نتعلم , مت شملنامتداخلة بحكم فرحة اإلستقالل التي ل كانت لنا أنماط حیاةبالنسبة " غنیمة استقالل" في بنایة وأصبحت, بالسكینة المساكنة دون أن ننعم

الذي بحكم مسؤولیتھ عن توزیع , بالنسبة ألبي وضریبة نزاھة وحماقة, للبعضأصر على اإلقامة في شقة , بعد اإلستقالل األمالك الشاغرة التي تركھا الفرنسیون

ولن یغادرھا إال بعد ثالثین , عمره إنھ سیقضي قیھا ما بقي منلإلیجار غیر دار , تدھورت بھا حالة البنایة بالسرعة التي, بعد أن تدھورت صحتھ, سنة إلى قبره

, األولى لإلستقالل وتعطل بھ دوالب القدر كما تعطل مصعدھا نھائیا بعد السنوات .لیقضي شیخوختھ في لھاث صعود طوابقھا الخمسة

بینما كان الجیران مشغولین بالتفرج على , األول لإلستقالل زمنفي ذلك الأن تنفح , أترقب بصبر مراھق, من الجانب اآلخر للشقة كنت, وعلینا.. التلفزیون

التي كانت تسكن مع زوجھا الذي حضر مع مئات ,نافذة تلك السیدة البولونیةفي " ثورة الصناعیةال" للنھوض بـ ,المھندسین التقنیین من الدول االشتراكیة

.. سیحدثونھا في حیاة الفتیان جاھلین الثورات الصغیرة األخرى التي, الجزائر .والفتیات

صبیة تقع في حب من جاؤوا من كل ,الخارجة لتوھا من الحرب, كانت الجزائرالعاطفیة األولى العابرة للقارات وتعرف مغامراتھا, العالم لتھنئتھا وإدارة شؤونھا

ولدت بینھا وبین من خالل آالف قصص الحب التي.. واللھجاتوالجنسیاتأساتذة الفلسطینیین والعراقیین والمصریین واللبنانیین الذین جاؤوا لیعملوا

كما لیقتسموا معھا , والذین وقعوا تحت سطوة اسمھا, ومھندسین ومستشارین .وتقتسم معھم ما فقدت من عروبتھا, شرف تاریخھا بعض

بحكم الجغرافیة التي وضعت تلك المرأة الشقراء .اء الحب بولونیاج, بالنسبة ليولكن بمسافة , من الجانب اآلخر في بنایة تطل على شقتنا, في مرمى بصري

بالمباني الرسمیة تحترم وجاھة ذلك الشارع الذي ھندستھ فرنسا بما یلیق .المجاورة لھ من فخامة

وتقوم بتجفیف شعرھا أمام , األبیض شاھدتھا ذات صباح ترتدي روب الحمامكانت تدري أن العیون تتجسس ربما ألنھا. لم یكن یبدو منھا شیئا عاریا. المرآة .عن غیر قصد لكنھا كانت شھیة بشعرھا المبلل وحركاتھا المغریة. علیھا

النسائیة التي لتصبح مع العمر رمزا للغوایة, یومھا اختزنت ذاكرة فتوتي صورتھا وإنما تظل مشروع عري.. عندي أال تبدو المرأة عاریةأصبح من شروطھا

.مواربكان مشتعلة بجمیع القضایا التي, من الكتلة االشتراكیة" الرفیقات" ككل , كانت

.یقذفھا بركان السبعینات من كل القاراتوبتلك القضایا العالمیة األكبر من , مشتعال بھا ,وكنت في عمر االكتشافات األولى

.لة بشریة مثليأن تحملھا نممقابلة لغرفة . وجدتني أقیم في غرفة نوم, عندما تزوجت بعد ذلك بعدة سنوات

ومرتعا , كثیرا ما تأملت بیتا كان لسنتین مختبر تجاربي األولى. غرفتھا كانت.. أن یضعھ القدر مقابال لما سیصبح حیاتي الزوجیة الفائقة التعقل قبل, لجنوني .والبرودة

, فتتعلم على یدھا أن تكون رجال, تأتیھا فتى مرتبكا خجوال, ة أولىثمة امرأ ,دوما .وتختبر فیھا سطوة رجولتك, ستبھرھا بما تعلمتھ, بعد ذلك بسنوات ثم أخرى

فإن كنت اكتسبت . جسدك أن یكون أبلھ وغبیا في حضرتھا على, وحدھا زوجتكسبتھا بعد وإن كنت ك. استعراضھا أمامھا عن حیاء ستتحاشى, خبراتك قبلھا

, ولذا یتسرب إكسیر الشھوة في ما بینكما .ستتفادى استعراضھا عن ذكاء, الزواج .وتسقط األجساد في وھدة التآخي

: ولم أعد أذكر اآلن من قال. وقعت فیھا" حفرة نسائیة"أول " أولغا " كانت

.. فتاریخ الرجل ھو تاریخ السقوط. أول حفرة نسائیة تصادفھ یسقط الرجل في" ."الحفرفي

ما تذكرت ضاحكا قول جدتي أثناء حدیثھا عن أبي الذي كثیرا ما بذر لكنني كثیرا, من تمسك بأذناب البقر :" تفنن في نصبھا لھ " فخاخ"بسبب ثروتھ في النساء

."!الحفر رمین بھ في

بحثا عن ,ما یلقي بفتى في أول حفرة نسائیة یصادفھا, بل الیتم, لیست الشھوة .عساه ینجبھ من جدید, رحم یحتویھ

.واألشیاء.. بقدر ما كانت تعنیني الحیوانات ,لم تكن تعنیني النساء" أولغا"قبل المرأة التي احتضنت طفولتي األولى , ألبي النساء جمیعھن كن یختصرن في جدتي

.فراشھا لعدة سنوات مذ غادرت سریر أمي رضیع وانتقلت للنوم فيواحدا بعد اري كعابر سریر ستتلقفھ األسرةبدأت مشو, على فراشھا األرضي

.اآلخر حتى السریر األخیر

إلى ,كل سيء سیدور حولھ , ذلك وبدون أن تعي. ثمة شيء في طفولتك حدث .آخر لحظة من حیاتك

بل , لیست عالقتك مع اللغة وحدھا التي ستتضرر" أمي " ألنك لم تناد امرأة یوما .كل عالقاتك باألشیاء

" یمكن أن أختصر حیاتي بجملة بدأ بھا سیرتھ الذاتیة في كتابھ " روسو" مثلوكان ذلك بدایة ما سأعرفھ . مجیئي إلى الحیاة كلف أمي حیاتھا " : "اعترافات ."من مآسأختار لي كل فترة أما . وأنا أقیم عالقة أمومة مع ما یحیط بي, المبكر منذ یتمي

.ي أنني لست طفلھاوتذكرن, تصدمني فیھ األشیاء حتى الیوم الذيفذلك . أرخمیدس على نظریتھ وھو داخل حمامھ كما عثر, اكتشفتھا, األمومة

حدث أن ولد في , فضاء مائي كجنین الوعاء األبیض الكبیر الذي یحتویني فيكنت أقضي فیھ كل وقتي فقد. جعل من مغطس الحمام أمي, داخلي إحساسا غریبا

فرغت دماء أمي كما أتوقع أن تكون قد, ھرافضا مغادرتھ خشیة أن یفرغ من مائ .وھي تنزف بي لحظة الوالدةكتلك القطة التي , تكون لھا قرابة بي حتى عندما ال, یحدث لألمومة أن تؤلمنيحجري وأنا أطالع كتبي وأجلسھا في, وأحنو علیھا, كنت في طفولتي أطعمھا

.علیھا یديترفض أن أحملھا أو أمرر , ثم أصبحت فجأة شرسة, المدرسیة وأمرتني أن أتركھا, نھرتني جدتي, وقد تركت آثار مخالبھا على یدي, ذات یومفبكیت ألنني أدركت أنھ في یوم ما . ألنھا حبلى وال تحب أن یقربھا أحد, وشأنھا .وستتخلى عني, لھا صغارا حقیقیون سیصبح

ھم ال تفرط في وعلى كثرت. واحدا تتفقدھم واحدا, تلعقھم, بعد ذلك رأیتھا ترضعھم .بین فكیھا وتظل تبحث عنھ لتعود بھ محموال من عنقھ ,واحد منھم

مادمت أحد وتطالب اهللا بحق التساوي بھ, یجعلك تغار من حیوان, كالعقم, الیتم .مخلوقاتھ

تحمل صغیرھا بین كیف تستطیع القطة أن: أسئلتي الوجودیة بدأت مع القطة

یحدث ا ھي تخفي صغارھا عن أبیھم الذيأنیابھا من دون أن تؤذیھ؟ وھل حقعندما یجوع أن یأكلھم؟ وھل اآلباء جمیعھم قساة وغیر مبالین؟ وھل ثمة قطط

أمومة من نساء یحملن أثداء تذر اللبن وتضن بالرحمة؟ أكثروأصبحت أكثر " أسئلة القطة" كبرت, یتم األوطان وخبرت, عندما كبرت, بعد ذلك :وجعا

بأبنائھ أذى ال یلحقھ حیوان بنسلھ؟ ھل الثورات أشرس حقھل یمكن لوطن أن یلمھما كثر , من غیر جوع؟ وكیف ال تقبل قطة من القطط في التھامھا ألبنائھا

بینما , حتى ترضعھم وتجمعھم حولھا وال ترتاح, أن یبتعد أحدھم عنھا , صغارھا أوساخھم بأمرھم؟ وھل في طمر یرمي وطن أوالد إلى المنافي والشتات غیر معني

بطونھم المنتفخة عار, ھي أكثر حیاء من رجال یعرضون بدون خجل, تحت التراب بخمیرة المال المنھوب؟

."وحدھا األسئلة ترى, األجوبة عمیاء " فـ, لم أبحث لھذه األسئلة عن جواب

الفصل الثالث

!باریس ذات أیلولبخمول من توقف , لحیاةقررت بدءا أن أنشغل بتبدید ا. خریف كأنھ شتاء كنا في

.فحلت بھ متاعب عمر, الجري ألول مرة عنالصداقات التي ما كانت ,الخسارات, تلك االنكسارات , وكل ذلك الھدر. األربعونالتي استوت على ...وتلك الشھوات, االنتصارات التي ماكانت انتصارات, صداقات

.نار الصبر الخافتةأحلم بنساء ال , صباحاتي المتأخرة في. رباءكنت أود لو استطعت اختبار طیش الغ

نساء عابرات لضجر ,یشجعنك بدون كالم على اقتحامھن, أعرف لھن أسماءجواز مرور وقد سلبك الرعب الھارب منھ, ولكن كیف تعبر ممالك المتعة. عابر

.وعلیك أن تعیش بإثم الشھوات غیر المحققة, رجولتكأتململ في , بي ألسفار كاذبة نحو صدرھاكنت أعد حقائ ,في كل سریر, لكأنني .أستقر فیھ ,بحثا عن حزن أنثوي أرحم, الحزن

بدءا بتلك ,كان الحزن حولي یفخخ كل ما یبدو لغیري فرحا, برغم سعادتي بالسفر

الجائزة التي تجعلك تكتشف بسخریة مرة أنك تحتاج إلى أسابیع من مھانةالستالم جائزة صورة ال یستغرق , سكي تتمكن من السفر إلى باری, اإلجراءات .أكثر من لحظة, باإلنترنت إلى العالم كلھ وصولھاوعولمة الصور ال تعني . ال لصاحبھا, للصورة ھي تأشیرة" فیزا الصورة"ذلك أن

!منح البشر حق األشیاء في التنقل ."أم صورة التقطتھا؟.. أنت : من األھم إذن " وقت لك لتسأل نفسك ال

ساللم معدنیة تتلقفك لتقذف بك نحو . مدینة برغبات صاخبة تنتظرك .تمشغول أنویحدث وسط األمواج , فتختلط بالعابرین والمسرعین والمشردین ,قاطرات المترو

أو عاطال عن . ال ذاك الذي یكنس شوارع الغربة. بموطنك أن ترتطم, البشریةوأجھز القتلة على , فخرتكإنما وطنا آخر كان م. والریبة یتسكع مثیرا للحذر, األمل

.أحالمھوأن تلك الرصاصة التي صوبھا , الجزائر سبقتك إلى باریس بعد ذلك ستعرف أن

نزفھا یتدفق ھنا بعشرات الكتاب والسینمائیین جعلت, اإلرھابیون نحو رأسھاوأن الفوج الجدید من جزائریي , والباحثین والرسامین والمسرحیین واألطباء

بقي في الجزائر من مثقفین على یس عدة جمعیات لمساندة ماقام بتأس, الشتات .قید الموت في قبضة اإلرھاب

ورغبة . قصدت المركز الثقافي الجزائري تسقطا ألخبار الوطن بعد وصولي بأیام

.الجزائریة التي ال تصل كل عناوینھا إلى فرنسا في اإلطالع على الصحافةد لتأبین فاخر للثقافة بذریعة االحتفاء شی كان المبنى على جمالھ موحشا كضریح

للذین في الزمن , بالعملة الصعبة أو لعلھ شید بذریعة وھب االسترزاق. بھا .الصعب كسدت بضاعتھم في دكاكین الوطن

, ولم ینقذني یومھا من الصقیع. برودتھ تشجع على تصفح ھموم البالد ماكانت .ة في باریستعلن عن نشاطات ثقافیة متفرق سوى ملصقات كانت

وكذلك عنوان , إحدى المسرحیات اكتفیت بأن أسجل في مفكرتي تاریخ عرض .جزائریین الرواق الذي یقام فیھ معرض جماعي لرسامین

األقدار الغریبة أن كل, ماكنت ألظن وأنا أقصد بعد یومین ذلك الرواق یوم االفتتاح

.عقب ا علىلتقلب قدري رأس, ستتضافر الحقا انطالقا من ذلك المعرض أمام عربات القسطل المشوي, كوقوفك تحت البرد, كانت القاعة تستبقیك بدفئھا

صنعھا الرسامون أنفسھم , دفء لھ رائحة ولون وكلمات. في شوارع باریسوبوضعھم , بفضلھم بین اللوحات بصور المبدعین الذین اغتیلوا ,إلحراجك عاطفیا

وإرفاقھم دلیل اللوحات بكلمة تحثك أال , الدفتر الذھبي علما جزائریا صغیرا جواروإھمال من تركوا خلفھم من یتامى , بالنسیان تساھم في اغتیالھم مرة ثانیة

.وثكالىأسافرت حتى ھنا لتجد . تندم على زیارتك المعرض تكاد. تشعر برغبة في البكاء

كل ھذه الصور في انتظارك؟كأنھم كانوا . تل من في الجزائرحول من یق, النقاش یومھا بین بعض الزوار احتدم

وتعذر على مزاجي غیر . تعذر علي مجادلتھم. یلتقوا كي یختلفوا ینتظرون أن .تجاھل ذلك الكم من االستفزاز المتراشق بھ بین الجمل المھیأ لمزید من الحزن

.الحقا في یوم من أیام األسبوع قررت العودة. لم أطل البقاء

لوجودي في , الرواق ذات ظھیرة ل أن أقصد ذلكأذكر أنني قضیت عدة أیام قب .محطة مترو غیر بعیدة عنھ

عدا . ال شيء من ضجیج االفتتاح. یومھا ھادئا ومسالما كان كل شيء فیھ یبدو .علیك صخب اللوحات في خبث تآمر صمتھا

عندما استوقفت نظري مجموعة لوحات معروضة , رحت أتجول في ذلك المعرضرسومة في ساعات مختلفة من النھار بجاذبیة تكرار مربك جمیعھا جسورا م تمثل

:ثالثة أو أربعة منھا للجسر نفسھ كل. في تشابھھراشد بأقواسھ الحجریة وجسر سیدي, أقدم جسور قسنطینة, جسر باب القنطرة

وحده . بین الودیان وجسر الشالالت مختبئا كصغیر, العالیة ذات األقطار المتفاوتة كان مرسوما بطریقة مختلفة على, على جسور قسنطینةأ, جسر سیدي مسید

لوحة فریدة تمثل جسرا معلقا من الطرفین بالحبال الحدیدیة على علو شاھق .السماء كأرجوحة في

أو, كأنني عرفتھا في زمن ما, وقفت طویال أمام لوحات لھا عندي ألفة بصریةتنحرف بك , عاطفیةكانت على بساطتھا محملة بشحنة . شاركت الفنان في رسمھا

.أو تشطرك, حتى لكأنھا تخترقك ,إلى ذاتك

, كتلك المدن التي نسكنھا ,وأخرى تعبرنا, أن ثمة جسورا , وأنا أتأملھا, فكرت ."الجسد ذاكرة" حسب قول خالد بن طوبال في , واألخرى التي تسكننا

صحافیا ھال أدري كیف أوصلني التفكیر إلى ذلك الكائن الحبري الذي انتحلت اسم

من رصاص اإلرھابیین المتربص , وكنت أوقع مقاالتي محتمیا بھ. لعدة سنوات كما زعمت مؤلفة تلك, واثقا بأن ھذا الرجل لم یوجد یوما في الحیاة, قلم بكل

.الروایة

حتى إنھ لم ,ولتشابھنا في أشیاء كثیرة, الفكرة التي راودتني لفرط حبي لشخصیتھذراعھ وإنھ أصبح رساما بعدما فقد, ونھ یكبرني بجیلیكن یختلف عني سوى في ك

أصبحت أعیش , بدون أن أفقد ذراعي, بینما , الیسرى في إحدى معارك التحریرتمنعني من تحریكھا بسھولة مذ تلقیت رصاصتین أثناء تصویر تلك إعاقة

.المظاھراتیسرق وراح ھذه المرة , بسخریة أنھ قد یكون شخص آخر قرأ ذلك الكتاب فكرت

مستندا , ویرسم تلك الجسور التي كان خالد بن طوبال مولعا بھا ,لوحات الرجلبقدر ما , لكن اللوحات ماكانت تبدو تمرینا في الرسم. الروایة إلى وصفھا في تلك

وجع یلمس فیھ الرسام بریشتھ ممكن األلم أكثر من ھي تمرین على الشفاء من .كما لیدلك علیھ, مرة

.ناء الصخرة وعشاقھا المسكونین بأوجاعھاأحد أب إنھ حتما

فقصدت المشرفة على , مباغتا في إلحاحھ خلقت تلك اللوحات لدي فضوال .بمعلومات عن الرسام أحاول مد حدیث معھا كي تزودني, المعرض

ینسدل شعرھا ,وھي تدلني على سیدة أربعینیة جمیلة القوام, غیر أنھا قالت :األحمر بتموجات على كتفیھا

.بإمكانھا إمدادك بما تحتاجھ من معلومات ,ھا ھي السیدة المكلفة بتلك اللوحات -الحرارة التي یتحدث بھا الناس إلى بعضھم وبتلك, قدمت لي المرأة نفسھا بمودة

:قالت. الطابع التضامني اإلنساني البعض في فرنسا في مثل ھذه المناسبات ذات- Bonjour.. Je suis Francoise.. que puis – je pour vous?

."ماذا تستطیعھ ھذه المرأة من أجلي" أكن أعرف بعد لم :فأجبتھا

.أتمنى لو أعرف شیئا عن صاحبھا. اللوحات إني مھتم بھذه - :ردت السیدة بحماسة

.أحد كبار الرسامین الجزائریین ,إنھا لزیان - :قلت معتذرا

. أعمالھ قبل الیوماألسف لم أشاھد لكنني مع.. سمعت بھذا االسم - :ردت

كما . ولذا تنفد لوحاتھ بسرعة, الرسم أیضا ومقل, إنھ ضنین العرض. أتفھم ھذا - .معظم لوحاتھ بیعت, ترى :أمام مجموعة الجسور وأنا أقف, قلت

دورة النور بین . اللوني غریب ھذا األثر الذي یتركھ في النفس وقع ھذا السلم -أن األلوان ال مع, ك ترافق الجسر في دورة نھارهلوحة وأخرى تعطیك إحساسا أن

.إنھا ذاتھا, تتغیر :قالت

فاقتصد في , في البدء لم یكن لدیھ مال. الحاجة ألنھ تعلم االختزال اللوني من أیام - .فرسم بألوانھ جسرا, لثالثة ألوان أو أربعة كان لھ بالكاد ما یكفي. األلوان

:واصلت المرأةبیكاسو في أول ھجرتھ إلى فرنسا رسم . بدایات متقشفة كل الرسامین لھم -

: ورأى النقاد سببا واحدا لمرحلتھ الزرقاء تلك ,لوحات غلب علیھا اللون األزرقفان غوغ رسم . ألوان أخرى وحدد خیاره إن فقر المھاجر الجدید منعھ من شراء

.حوزتھ سوى اللون األصفر أكثر من لوحة لحقول الشمس ألنھ لم یكن فيكان مشغوال كلیا بذلك لوال أن ذھني, كنت سأبدي لھذه المرأة إعجابي بثقافتھا

في طریقة وكعادتي رحت أفكر. وأحزن لبؤسھ, الرسام الذي بدأت أتعاطف معھ .تمكنني من مساعدتھ

:قلت لھاال یملك ثمن شراء , مساعدة رسام موھوب كھذا أال یكون أحد فكر في.. ال أفھم -

ألوان للرسم؟ :ضحكت السیدة وقالت

عن ھذه اللوحة التي رسمھا قبل , كنت أحدثك عن بدایاتھ.. األمر لیس ھكذا -أشارت بیدھا إلى لوحة . یوم كان یعالج في تونس أثناء حرب التحریر أربعین سنة

."المعلق الجسر" . 1956تونس : في أسفلھا كتب: دققت في اللوحة

ولكنني استبعدتھا خشیة أن , عبرتنيفكرة مجنونة .شيء ما بدأ یشوش ذھني :قلت. أشكك في قواي العقلیة

كم عمره إذن؟.. ظننتھ شابا - .إنھ ستیني - الجسور؟ وما الذي أوصلھ إلى ھذه - حدث أن, سنوات10غالبیة ھذه اللوحات رسمھا منذ ! ھوسھ بقسنطینة طبعا -

. من ذلك الجنونھذا بعض ما بقي . مر بفترة لم یكن یرسم فیھا سوى الجسور .في معارض سابقة معظمھا بیعت .مخیف أن أقع على اكتشاف, إن أنا واصلت األسئلة, خشیت فجأة

:سألتھا وكأنني أھرب من مفاجأة ال أدري عواقبھا الجسور ھذه؟ وماذا یعرض غیر لوحات -

مختلفة قالت مشیرة إلى لوحة تمثل شباكا بحریة محملة بأحذیة بمقاییس وأشكال

:و عتیقة ومنتفخة بالماء المتقاطر منھاتبد .وأعجب أال تكون بیعت حتى اآلن, لوحاتھ إلي إنھا من أحب. ھذه اللوحة -

:قالت موضحة, لم أفھمھا وأمام ما بدا مني من عدم إعجاب بلوحةخرجوا في , 1961 أكتوبر 17ھذه رسمھا زیان تخلیدا لضحایا مظاھرات -

عائالتھم للمطالبة برفع حظر التجول المفروضباریس في مظاھرة مسالمة مع. فألقى البولیس بالعشرات منھم موثوقي األطراف في تھر السین, على الجزائریین

, وظلت جثثھم وأحذیة بعضھم تطفو على السین لعدة أیام, الكثیرون غرقا مات .یعرف السباحة لكون معظمھم ال

:ا بتاریخيقلت وأنا أقاطعھا حتى ال أبدو أقل معرفة منھأن یبعث , المسؤول آنذاك عن األمن في باریس Papon ما استطاع.. أدري -

فأنزل عشرین ألفا من رجالھ لیرموا , كما فعل مع الیھود قبل ذلك بھم إلى المحرقةأتعرف .. محمد" كان البولیس یستوقف الواحد منھم سائال . "السین" بھم إلى وعندھا . كما لو كان یدفع عنھ شبھة" ال"المسكین وغالبا ما یجیب" السباحة؟

كان السؤال لمجرد توفیر جھد " . السین" یكتفي البولیس بدفعھ من الجسر نحو !شد أطرافھ بربطة عنقھ

:فرحة ھذه المرة واصلت المرأة بنبرةلھذه إن جمعیة لمناھضة العنصریة استوحت من ھذه اللوحة فكرة تخلیدھا -

أكتوبر بإنزال شباك في نھر السین 17ى لمظاھرات قامت في آخر ذكر. الجریمةثم أخرجت الشباك التي امتألت أحذیتھا المھترئة . على أحذیة بعدد الضحایا تحتوي .تذكیرا بأولئك الغرقى, وعرضتھا على ضفاف السین للفرجة ,بالماء

بل , تلك اللوحة التي ماعادت مساحة لفظ نزاعات األلوان فقدت صوتي فجأة أمام

.التاریخ مساحة لفظ نزاعات ونصفھا, شعرت برغبة في أن أضم إلى صدري ھذه المرأة التي نصفھا فرانسواز

ثم أعود إلى, أن أبكیھا, أن أؤلمھا, أن أصفع شیئا فیھا, أن أقبل شیئا فیھا. فرنسا .ذلك الفندق البائس ألبكي وحدي

أبدأت لحظتھا أشتھیھا؟وتركتني أمام تلك , معتذرة الرتباطھا بموعدوفاجأتني ,قطعت فرانسواز تفكیري

.تغادر القاعة اللوحة مشتت األفكار أتأملھا

وال فارقني ,لم یفارقني إحساس متزاید بالفضول تجاه ذلك الرسام, في المساءمع وأفسدت عالقة ود أقمتھا, منظر تلك اللوحة التي أفضت بي إلى أفكار غریبة

.نھر السین .الجثة فالشباك عذابنا ال. تعمد رسم ما یتركھ الموتىھذا الرسام , حتما

بما مثقلة, مھملة كأقدارھم, تعمد أن یضعك أمام أحذیة أكثر بؤسا من أصحابھا كما تتحلل, تلك األحذیة التي تتبلل وتھترئ بفعل الماء. علق بھا من أوحال الحیاة

. أصحابھاإنھا سیرة حیاة األشیاء التي تروي بأسمائھا سیرة حیاة. جثة

ھؤالء الذین انتعلوھا بدون أن , السھرة متأمال في أقدار أحذیة الذین رحلوا قضیتما توقعوا أن تخونھم . أنھم ینتعلون حذائھم یومھا لمشوارھم األخیر یدروا

. ولكنھم تمسكوا بھا كقارب, ما كانت قوارب نجاة, طبعا .أحذیتھم لحظة غرقثم لفظت , ت مسافات ال أحد یعرف وجھتھامش ,أحذیة من زوج وأخرى من واحدة( كانوا یومھا ثالثین ألف متظاھر . أصحابھا أنفاسھا األخیرة عندما فارقت أقدام

ألفا إلى المعتقالت والمالعب التي سیق منھم اثنا عشر). وستین ألف فردة حذاءما عاد , من علة النسیان الذي عانى دائما" السین" غیر أن . حجزت إلیوائھم

.عرف بالتحدید عدد من غرق یومھا منھمی

وتركوا , ضفاف السین بعد لیلة غرق فیھا كل ھؤالء البؤساء رحت أتصورفھذه علیھا آثار جیر وأخرى آثار وحل . باستنطاقھا أحذیتھم یتسلى المارة

أدھانا؟ أم بناء؟ أم زباال؟ أم عامال في , صاحبھا ماذا ترى كان یعمل... وثالثة؟ فال مھنة غیر ھذه "بیجو"تركیب سیارات ي السمر العاملة علىطوابیر األید

.فرنسا كان یمارسھا الجزائري آنذاك في, حذاء فردة ما عادت. أحذیة كان ألصحابھا آمال بسیطة ذھبي مع الفردة األخرى

مرمیة على, كصدفة أفرغت ما في جوفھا, إنھا ذلك األمل الخالي من الرجاءإال عندما یشطر إلى , ال یصبح أصدافا فارغة من الحیاةذلك أن المحار. الشاطئ .ویتبعثر فرادى على الشاطئ ,نصفین

أقصد في الغد أ،, بعد أرق ذھب بي في كل صوب, كان آخر ما توصلت إلیھالمعرض وألساھم في ذلك, كسبا لصداقة فرانسواز, الرواق ألشتري لوحة األحذیة

.الخیري بشراء لوحة وجدتني أعشقھامشروعي اآلخر فأن ألتقي بفرانسواز أما. كان ھذا مشروعي العلني, ي الواقعف

.الرسام وأواصل استنطاقھا أكثر عن ذلك, مرة أخرى

أتنقل بحافة , عشت منقطعا عن العالم, عاما ونصف عام في سریر التشرد األمنيطبوعات إلى ثكنة تم تحویلھا ألسباب أمنیة إلى بیت للصحافة یضم كل الم خاصة

.ال أغادرھا إال إلى إقامتي الجدیدة, باللغتین الجزائریةكان مسكنا من نوع . وال زنزانة, وال نزال , بیتا فما كان, كان مكانا یصعب تسمیتھ

" المحمیون" وأصبح یتقاسمھ , كان منتجعا في شاطئ" محمیة" مستحدث اسمھ فما كانت القضیة أن . نةاإلھا تحتمي فیھ من سقف الخوف بسقف. ورجال األمن

.كرامة بل أن تكون لك, یكون لك سریر وباب یحمیك من القتلة كنت أدري أنھا تقیم, أیام الخوف والغبن والذعر الیومي, في صیف مازافران

على النصف اآلخر من , على الشاطئ المالصق لي, بمحاذاتي في بیتھا الصیفيحیث توجد محمیة بنجوم , )وبرنادي الصن(في شاطئ , المناقض لبؤسي العالم

.لكبار القوم محجوزة فیالتھا, أكثرألحتمي من أنا الذي اختار ذلك المنفى. وكان في ھذا عذاب لم أحسب لھ حسابا

.فقدت وإذ األمن العاطفي ھو أول ما, أكثر من احتمائي من القتلة, حبھا

دائما ولكن, حاذاتيأمن ھناك تغذت كراھیتي لھا ونما تمردي علیھا؟ أن تكون بم ھي التي ال یفصلني عنھا, ال شيء یوصلني إلیھا, في الجھة األخرى المناقضة لي

.وال ذعر.. وال بحر, وال رمل, وال شمس, مطر

عسى . أنتظرھا بوحشة فنار بحري في لیل ممطر أحیانا كنت أخرج إلى الشرفة .إلي قوارب الشوق الشتوي تجنح بھا

. باندھاش نظرتھا. بارتعاد لوعتھا عند اللقاء. الجمیلةأحلم بشھقة المباغتة یوافق طرفي \أقلب طرفي في السماء لعلھ" كعمر بن أبي ربیعة . بضمتھا األولى

عساه یعمدنا على , ممنیا نفسي بالمطر, ثم أذھب إلى النوم". حین تنظر طرفھا .غفلة من الموت والقتلة ملة العشق في

من محمي من قبل أن یتحول, األمنیة بعض الوقتمراد الذي قاسمني غرفتي الداخل كان یعجب من وقوفي طویال في الشرفة وینادیني إلى. السلطة إلى طریدتھا

.ألشاطره كأسا وشیئا من الطربكثیرا ما أزعجھ , ھواة الصخب وال من, ولكوني ما كنت من مدمني الشرب

نحو الداخل قائال یسحبنيوخرج إلى الشرفة ل, وأساء فھم أعذاري, اعتذاري :بتذمر ال یخلو من خفة دم تمیزه

واش راك تخمم؟ شوف أنا ما على بالیش . بوھا حیاة یلعن.. یا راجل واش بیك - ..یقودوا یروحوا كلھم.. بالدنیا

عالقة یرى بحرا ال یدري كیف یقیم معھ. كان مراد یمثل نكبة الجزائري مع بحره ولذا كنا نسكن مدینة. توجس وریبة وسوء فھم تاریخيفبین البحر وبینھ. سلیمة

.ویبادلھا البحر عدم االكتراث, شاطئیة جمیلة تولي ظھرھا للبحرأو ربما أدركت أنني كنت " .. البحر وحید كأعمى" بورخیس ھناك أدركت قول

!البحر

***

ثم ,على رقمي في باریس عندما ھاتفتھ في الصباح عاتبني ألنھ تعب في الحصولنسیتھ مذ حصلت بسخریتھ الجزائریة المحببة إلى قلبي راح یمازحني مدعیا أنني

أصبحت حتى, على جائزة لجیفة كلب بدل أن أصور وسامتھ التي دوخت األوربیات .لدى رؤیتھ.. سیارة اإلسعاف تسیر وراءه إلخالء من یقعن مغمى علیھن

كیفاش ندیر قل ..ھز في البناتأنا نمشي وھي ت.. یا خویا وراي" األمبیالنس " - !باباك؟ لي یرحم

وربما كان مدینا لوجوده. مراد كان یفوت الفرصة على الموت باالستخفاف بھ ,باستخفافھ أیضا بالجمال, ومدینا لجمال یشع منھ, على قید الحیاة بمرحھ الدائم

.متجاوزا بذلك عقدة خلقتھوسامتي النسبیة لن تغطي كرني أنلیذ" الدحدوح" وفي ھذا السیاق كان یسمیني

الفرنسي سیرج وكانت لھ في ھذا نظریة تستند إلى مقولة المغني. على بشاعتھ فبرغم بشاعتھ حصل". إن البشاعة أقوى من الجمال ألنھا أبقى" غاسبور

غاسبور على فاتنات ما كن في متناول غیره وكأن القبح عندما یتجاوز ضفاف .النادر ضربا من الجمال المثیر للغوایةیصبح في فیضھ ,الدمامة

" قول بروست , قد یشرحھ من الطرف اآلخر. فھمي وكان في األمر منطق یتجاوزلذا كان مراد یراھن على خیال ". خیال لھم لندع النساء الجمیالت للرجال الذین ال

.الرصینات بمباغتھن بممازحتھ الفاضحة محطما خجل العوانس والنساء, اإلناث

بعد أن أبدى اھتمامھ , موعدا في الرواق ضربت لھ, في أحد لقاءاتي بھ الحقاالتي تتقاسم معظمھا فكرة الجسور كنا نتجول بین اللوحات. بزیارة معرض زیان

. فرانسواز التي عرفتھ بھا قبل ذلك عندما انضمت إلینا, واألبواب العتیقة المواربةجدي استعرض فیھ سعة بعد حدیثو. كیف وجد المعرض, راحت تسألھ بتردد

:ثقافتھ الفنیة أضاف فجأةلكني كمتلق أجد , المأساة التي تحملھا لوحاتھ وأدري, كجزائري أفھم وجع زیان -

ولو كان لي أن أختار . المواربة رمزا أنثویا في ھذه الجسور الممدة وھذه األبواب ."النساء " عنوانا لھذا المعرض لسمیتھ

:نا یشرح فكرتھوراح أمام عجبما ھو . خلفھ كل أنوثة مغلولة بقید االنتظار الباب الموارب ھو الغشاء الذي تقبع -

فذلك ھو , أما بعضھ المغلق, للولوج مشروع منھ لیس سوى تلك الدعوة األبدیةإنھا قضیة . بابا عصیا على االنفتاح لذا لم أعرف للنساء.. التمنع الصارخ لإلغواء

.صبروقت یتواصى بال

كأنما بدأت أبوابھا . شعرت بارتباك أنوثتھا. وفرانسواز صمت مفاجئ نزل علینا أنا .الرجل الذي لم تكن تولیھ اھتماما في البدء باالنفتاح أمام ذلك

فقد اعتاد أن یقحم الجنس في , التحلیل الفرویدي ال أدري من أین جاء مراد بذلكاء مرافعة سیاسیة دفاعا عن أثن حتى إنھ ذات مرة راح یقنعنا. كل شيء

أن ینجزوا من االنتصارات أن الجزائریین ككل العرب ما استطاعوا, الدیمقراطیةبینما , مالیین البشر فدفعوا من أجل فحولة االستقالل, غیر تلك الشعارات المذكرةمراد في ولذا كان ھوس. استخفافھم بنسائھم, استخفوا بالشعارات المؤنثة

عساھا تجد طریقھا إلى" الحریة" و " الدیمقراطیة" یر كلمات المطالبة بتذك .اإلنجاز العربي

األمور بھذه متحججا بانتماء زیان لجیل ال یرى, عندما حاولت معارضة فكرتھ :قال, الطریقة

, مھما اجتھدت, أبدا اإلبداع ولید أحاسیس ودوافع ال شعوریة وأنت لن تدري - .سمھا أو بقصیدة نظمھاماذا كان یعني مبدع بلوحة ر

:قلتحیاتھ ھي المفتاح . تدرك ما أراد إیصالھ إلیك, إن كنت تعرف حیاة المبدع -

.ألعمالھ السري :عندما اشتد بنا النقاش قال متھكما

عنك حریة الرأي إن كنت ترفض عدم تطابقي كیف تحارب الذین یمنعون, بربك - ."التي یكون نقیضھا حقیقة كذلك الحقیقة في الفن ھي" معك في تفسیر لوحة؟

, إبعاد ھذا الرجل عن فرانسواز كنت على قناعة بضرورة, أكثر من قناعتي برأیھ

بعد ذلك عندما جلسنا في خاصة أنھ, حتى ال یفسد علي ما كنت أخطط لھ منذ شھرشبھا بین نوعیة راح بمزاح ال یخلو من الجدیة یوضح لي ما یعتقده, المقھىكاألبواب ,فھو یرى األوربیات مثال. ا یقابلھا من أجناس النساءوم, األبواب

العربیات بینما تشھر, الزجاجیة للمحالت العصریة التي تنفتح حال اقترابك منھا .في وجھك وقارھن كأبواب خشبیة سمیكة لمجرد إیھامك أنھن منیعات ومحصنات

لزجاجیة للفنادق التي یتبعن بطء األبواب اللولبیة ا,حتى ال تستسھلھن, وثمة من وأخریات ! بك دورة كاملة كي تجتاز عتبة كان یمكن أن تجتازھا بخطوة تدور

ولكنھن یتركن لك المفتاح , كثیر األقفال واأللسنة, مصفح یحتمین بباب عصري .غیر قصد كما عن.. تحت دواسة الباب

نتظار خلف اال لكنھ كان یكره مھانة. كان األمر بالنسبة إلیھ قضیة صبر ال أكثروإلى ,كان یحتكم إلى حاسة الفراسة لیعرف نوعیة المرأة التي أمامھ. باب موصد

! خبرة اللصوص في اكتشاف أي نوع من األبواب علیھ أن یتحدى استعصاءه, وحاجتي إلى ما أدخلھ إلى حیاتي من حركة, فرحي بوجوده معي وكنت على

وراتھ الفحولیة التي بدأت تحوم حول تفادیا لمنا, متباعدة قررت أن أجعل لقاءاتنا .فرانسواز

كما ألتأكد من أنھا ما , قصدت الرواق بحثا عن فرانسواز, الیوم التالي في صباح

.القدر من اشتھائھا إیاي زالت على ذلكالنوم في شراشف وال كان یروق لي. لم أكن یوما رجال للمغامرات العابرة

.لسببین وأصبحت تعنیني, عنیني لسببولكن فرانسواز كانت ت. المصادفة ھي المعبر اإلجباري ألي, قد أكون تعلقت بھا لحطة شرود عاطفي من أجل رجل

. لكنني اآلن أریدھا بسبب رجل آخر قررت أال أدعھ یأخذھا مني. طریق یوصل إلیھ .ألنھ یمتلك جسارة لیست من طبعي فقط

***

إن أنا استسلمت , بالذنب اسكان في حوزتي ذرائع جمیلة تعفیني من اإلحس .لعروضھا المواربة

تطرحھا علیك , النوایا الخبیثة ألسئلة بریئة في الواقع لم یكن لي مفر من تلك .تستنتج من كالمھا أو ھكذا.. امرأة تضمر لك متعة شاھقة

مذھوال ال أدري وتركتني, فرانسواز فتحت بجملة واحدة بوابة الشھوات الجھنمیة أم باالستسالم لھا؟, أبمقاومتھا. الحممكیف أوقف سیل

.خیار من الخیارین كان احتمال ندمي قائما فأمام أيحتى ال تتنبھ إلى كونك , تتغابى أحیانا علیك في الجنس أن, لتنجو من أسئلتك .تلھیك عن خیبات أكبر ألنك تحتاج إلى خیبة صغیرة ,تذھب نحو المتعة

كي تقصد النزوات , وتناسیھ إلى غبائھ وفسقھ, ولذا أنت تحتاج إلى أكاذیب الجسد .المسروقة من دون شعور بالذنب

ولأللم اللذیذ المخدر الذي , للمتعة التي تھیئك لأللم أنت في حاجة إلى اإلذعانال طریق لمعرفة الموت " عنیف للمركیز دي ساد مستندا إلى قول, یھیئك للموت

."أفضل من ربطھ بمخیلة فاسقةلتوقظ صخب حواس ذكوریة تعودت , ج حتما إلى تلك المخیلةستحتا وأنت

أنت المسكون . أن تضرم النار في رغبات مؤجلة دوما تحتاج. االستكانة قھرایستعدون لمواجھة الموت بالصالة , موتھم بنزوات الذین یذھبون كل صباح نحو

.أخرى وباآلثام األخیرة أحیانا, حینا

مشوبة كان یحمل فرحة" وقت ممتع" از لقضاء غیر أن قبولي دعوة فرانسو قبل ذلك, حتى إنني. خشیة أن تخونني فحولتي عند اللقاء, بذعر لم أعرفھ من قبل

تذكرت مغنیة أوبرا شاھدتھا تقول في مقابلة تلفزیونیة إنھا في اللیلة التي, بلیلةقد فقدت تسبق حفالتھا تعیش كابوسا مزعجا ترى فیھ نفسھا تقف على المسرح و

وتجلس في سریرھا لتجرب صوتھا , مما یجعلھا تستیقظ مذعورة كل مرة ,صوتھا .ثم تخلد إلى النوم, إلى قوتھ كي تطمئن, إلى أقصاه

من فقدان مباغت وذلك الخوف المرضي, تراني بلغت عمر الذعر الذكوريھاشھ إد أمام الشخص الذي ترید, في تلك اللحظة األكثر احتیاجا لھا, للفحولة

ال یدري لفرط صمت أعضائھ كیف , بالذات؟ أكل رجل ھو مغني أوبرا مذعور !صوت رجولتھ یختبر

مغریا ومثیرا شیئا, فرانسواز وجدت في تمنعي وعدم استعجالي االنفراد بھا

عن قبول خاصة بعدما اعتذرت. ومثیرا أیضا لالحترام, للتحدي األنثوي الصامت ,بعا من طیبتھا في استضافتي بعض الوقت في بیتھاعرضھا الذي أظنھ كان نا

:قالت مثبتة حسن نوایاھا. لتوفر علي مصاریف اإلقامة المكلفةیحدث أن یقیم فیھا لبعض الوقت األصدقاء العابرون عندي غرفة إضافیة -

آخر من شغلھا زوجة مدیر معھد الفنون .ومعظمھم من معارف زیان, لباریسكانت فكرة ھذا . داخل المعھد التي اغتیل زوجھا وابنھاالجمیلة في الجزائر

ولھذا ارتأیت , منھا المعرض لدعم عائالت المبدعین من ضحایا اإلرھاب بمبادرة .المحنة أن أستقبلھا في بیتي لحاجتھا إلى دعم نفسي كبیر بعد ھذه

لم تكن فرانسواز تدري أنھا قالت العبارة التي كانت تكفي إلقناعي بأي شيء

.عرضھ علي بعد اآلنت :سألتھا مندھشا

وھل زیان یقیم في بیتك؟ - :ضاحكة أجابت

البیت فعندما عاد إلى الجزائر ترك لي. وإن شئت أنا من یقیم في بیتھ, أجل - لقد كان األمر. ثم عرضت علیھ بعد ذلك أن أتقاسم معھ اإلیجار, لفترة طویلة

بل أن یشغلھ أحیانا عندما یزور یدفع نصف إیجار البیت مقا. یناسبني تماماولم یعد بإمكانك العثور بسعر , فھذا البیت جمیل. إنني محظوظة حقا .باریس

!كھذه تطل على نھر السین معقول على شقة :سألتھا. لم أعد أصدق ما أسمع

جسر میرابو؟ وھل الشقة تطل على - :ردت متعجبة

ھل زرتھا؟ - .سبق أن زرتھا في روایة يكنت سأبدو مجنونا لو أخبرتھا أنن

:فأجبت بھدوء كاذب .وتمنیت لو كان األمر كذلك, الجسر قلت ھذا ألنني أحب ھذا.. ال -الشقة كلما شعرت برغبة في رؤیة ذلك ولذا بإمكانك أن تزور.. إنھ فعال كذلك -

.الجسر :سألتھا فجأة مجازفا بكبریائي

قت في بیتك؟أما زال عرضك قائما باستضافتي لبعض الو - ..طبعا -

:ثم واصلت- Oh.. mon Dieu.. comme tu me rappelles Ziane c'est fou.. tout ca pour un pont!

كانت في خطئھا وربما". كل ھذا بسبب جسر" لم یكن . كانت على خطأ.. طبعا ."یا إلھي كم تذكرني بزیان" مادامت قد صاحت , على صواب .جسر... بالنسبة لكلینا مجردالجسر ماكان ذلك أن ھذا

:أضافت .أتمنى أن أراك ھناك. معرض زیان بعد یومین سیكون افتتاح.. بالمناسبة -

:مفاجآت بعد اآلن أجبتھا وأنا أفكر في كل ما ینتظرني من .سأحضر.. حتما -

الفصل الرابع

في فقد كان , لحضور افتتاح معرضھ الفردي ذھبت, برغم درایتي بعدم حضوره .الذي أحتفظ بھ لحدث كھذا األمر ما یغریني بإستھالك احتیاطي الحزن

یعدو احتفاظ الرسام بحقھ األمر ال. ال أظن مرضھ ھو الذي أفسد علي لقاءنا األول .لوحاتھ حتى لو كان حفل زفاف, في أن یخلف موعدا

ائھألنھ بضوضائھ وأضو, فرانسواز قالت أنھ یكره حضور یوم افتتاح معرض لھما عاد لھ من صبر على مالطفة ومسایرة من یحرصون على حضور . یوم للغرباء

أكثر من حرصھم على تأمل أعمال أخذ بعضھا أعواما من عمر , االفتتاح شعائرأن طلب منھا أن تتولى مع إدارة الرواق , حدث في أحد معارضھ بل أنھ. الرسام

, ألنھ یكره أن یعلق لوحاتھ, انواختیار أماكنھا على الجدر أمر تعلیق اللوحات .ذلك كغریب حتى یمكنھ زیارة نفسھ بعد

.ال مالذ لھ سوى البیاض, ھو الھارب األبديفسقط في .. تمارض كي یجد ذریعة لإلنسحاب المتعالي أیكون. كان لھ ما أراد

براثن المرض الحقیقي؟ لة لفراشات تخفت البھجة المظل. كل شيء یأخذ لونھ األول, غیاب الرسام في

بإفتقاد شيء لم , ینتابك شعور بالفقدان. إمتھنوا طقوس اإلفتتاحات الضوء وأناسیحجبك عنھ حضوره في غیابھ , األسى من أجل رجل لن تراه یجتاحك. تمتلكھ بعد

.غیابھ الرائع.. المریعذلك . أن یساء تفسیر كالمھ, أنھ یكره أن یساء فھم حضوره, ستدرك الحقا رجل ."إنھم موسیقیون صامتون كل الوقت. رسامیین ال یجیدون فن الكالمال " أن

, في صالة تضج بلوحاتھ, كبیانو أسود مركون مغلقا على صمتھ ,وھو ھناكغیوم نفسھ , متدفقا على الجدران, متناثرا, مبعثرا ,ازدحمت بغیابھ الصاخب

.المنھطلة على الزوارذلك أن ھذا المعرض في . الخسائر بفرشاةوھو یواجھ, تملك إال أن تتعاطف معھ ال

لیس سوى , الحزن على الجسور واألبواب التي تصھل بھا اللوحات فن بعثرة .الجمیلة إعادة اعتبار للخسارات

أطارد أن: فكرة واحدة كانت تزداد رسوخا داخلي, عندما غادرت ذلك المعرض ھو الذي یتقن, مة سرهكي أواصل تباعا لمل, طیف ھذا الرجل حتى بیت فرانسواز

.أیضا فن بعثرة الغیاب

***

الصغیر الذي كنت أقیم فیھ منذ غادرت الفندق, كما لو كنت بطال في روایة, تماماكنت أظنھ لیس موجودا وأعددت حقیبتي لسفر مفاجئ نحو بیت, ما یقارب الشھر

!إال في كتابء حیث أحل یكن على أھبة نسا مع, مع مدن یشطرھا جسر, متعاقد أنا مع الجسور

.عبورأقیم . صوب بیت ھو بیتھ ,أذھب على خیول الشك الھزیلة, بذرائع العشاق

حتما مع تلك حیث التقى ھذا الرسام, فوق ذاكرة اآلخرین, مستوطنة غیر شرعیة .الكاتبة

.الجمیلة كیف ترصد ذبذبات بیت تدخلھ كما تدخل معتقال للكآبة

الستئناف حیاة كأنك موجود. فتستأنف حیاة بدأتھا في كتاب,تفاجئك ألفة األمكنة .اآلخرین

متلمسا كل , طریقة برایل تفتحھ كما تفتح كتابا مكتوبا على. تدخلھ كبطل في روایةأنك تعیش لحظة أو باألحرى لتتأكد, لتتأكد من أن األشیاء حقیقیة, شيء فیھتعرفھا أشیاء تومي لك أنك. يولست ھنا لمواصلة التماھي مع بطل وھم, حقیقیة

.لحظات تتوھم أنك عشتھا وھي لیست كذلك. وھي لیست كذلك : فأیھما فیك األحزن. فإذا بكتاب یلفق لك حیاة, الحیاة تلفقك كتابا وكنت تظن أنانطلت علیھ خدعة الروایة؟ أم العاشق الذي انطلت علیھ خدیعة القارئ الذي

مؤلفتھا؟تعاشر جثة , ما دمت بفرح غریب تفعل األشیاء األكثر ألماسعید إذن؟ ولماذا أنت

باحثا في التفاصیل المھملة عما یشي بخیانة , األشیاء الفاضحة تضاجع رمم, حب .من أحببت

حاجتك أن تغار؟ كحاجتك إلى النوم .. معابثة للذاكرة؟ أم تذاك على األدب؟ أم أھي, كحاجتك إلى األغطیة الخفیفة,أسرة علقت بشراشفھا رائحة رجال سبقوك على

كحاجتك إلى البكاء على وسادة , استعادت أنفاسھا على صدر غیرك للھاث امرأة .وكانت وسادة لرأسین ,تنام علیھا وحیدا

.شیئا غیرة متأخرة ال تستطیع حیالھا. ال أسوأ من غیرة عاجزة

البیت في ذلكوقررت التوقف عن التفتیش , ال أدري متى أصبت بكآبة المخدوعین أن أفك شیفرة ذلك" شارلوك ھولمز"على طریقة , بعد أن حاولت كثیرا, عن شيء

.مقارنا تفاصیلھ بموجودات الكتاب, الكتابمعھا حوارا استنطاقیا بحثا عن احتماالت بحثت طویال عن شفاء األشیاء كي أقیم

.مااختلست في مكان عن متع قد تكون, عن احتماالت خالف, لقاءآخر كلمة قالھا كنت أرید أن أعرف, لطائرة سقطت" العلبة السوداء" كما أمام

بالذات؟ في من أي علو ھوى ذلك الحب؟ في أي مكان. العشاق قبل حدوث الكارثة أي غرفة تبعثرت شظایا المحبین؟ وھل نجا من تلك الكارثة العشقیة غیر ذلك

الكتاب؟

موضحة ,في الغرفة المجاورة لغرفتھا, فاءبكثیر من االحت, فرانسواز وضعتني :ثم أضافت بلھجة مازحة. أنھا الغرفة التي كان یشغلھا زیان كمرسم

, قل شھرین كانت اللوحات في كل مكان . بإمكانك أن تفرد أشیاءك: محظوظ أنت - .لم یكن صالحا لالستعمال حتى ھذا السریر :سألتھا متعجبا

وماذا فعلتما بھا؟ -ویعرض ما بقي في حوزتھ , زیان ببعضھا في المعرض الجماعي الخیري شارك -

الفردي الحالي الذي یذھب نصف ریعھ للجمعیة الخیریة من لوحات في معرضھأحیانا كان یرفض . إنھ دائما متطرف. بإبقاء بعضھا حاولت عبثا إقناعھ. نفسھا

.. تصور. ة منھاالمرة رفض أن یبقي على واحد وھذه, لسنوات بیع لوحة واحدةولو لم یكن أھداني إیاھا لعرضھا ,لم تبق سوى اللوحات المعلقة على الجدران

ووجد لوحة , على قید الحیاة أظنھ أراد أن یتخلص منھا وھو. لعلھ المرض. للبیعأنت ال " رسام آخر كان یردد قول. لمن ال یعنیھ سوى أن یعلقھا على حائط زھوه

قلبھ بل على ل عندما یمتلكھا من لن یعلقھا على جدرانتفقد لوحة عندما تبیعھا ب ."حائط بیتھ قصد أن یراھا اآلخرونألنھ , ھو الذي جعلھ یعرضھا جمیعھا للبیع ,ربما خوفھ من أن یقع في ید ھؤالء

اللوحات المعروضة لكل ھؤالء الرسامین أو, واثق من أن الذین سیشترون لوحاتھأناس بقلب كبیر رغم اإلمكانات ھم حتما, لجددالمعروفین منھم وا,الجزائریین

.القلیلة لبعضھم

1987نومھا باللوحة التي رسمھا لھا زیان سنة كانت فرانسواز تحتفظ في غرفة .معھد الفنون الجمیلة عندما تعرف علیھا أول مرة كمودیل في

ال, لریشة زیان كانت الرسمة ال تخلو من مسحة حیاء تعود حتما, على عریھاتحمل وتغطي جدران غرفة نومھا بأكثر من لوحة, المرأة كانت تحترف التعري

.تواقیع فنانین آخرینلفرط اختالف . لكل فرشاة لكأنھا أنثى. بدت لي فرانسواز امرأة ال یملھا رسام

قبیلة من كنت تشعر معھا وكأنك تسلم نفسك إلى, شخصیتھا بین لوحة وأخرى .النساء

في تحد مع وال كانت لي رغبة أن أدخل, األمر ما یغریبنيرغم ذلك لم یكن في رجال انتقائیا في, فقد كنت على جوعي الجسدي. الرجال الذین سبقوني إلیھا

ما وجدت في , أنا المولع بانحسار الثوب على جسد متوھم, حرماني كما في متعتي .المكشوف مكمن فتنتي جسدھا

أو أعري , نصفھا أكسو. ق نصف ثوبھافي انزال" فینوس" كنت أرید امرأة كـ أو أتكفل بإصالح, امرأة نصفھا طاھر ونصفھا عاھر. نصفھا اآلخر حسب رغبتي

.فبكل نصف فیھا كنت أقیس رجولتي. إفساد أحد نصفیھا

كانت امرأة بفصلین یعاشر . كانت اختبارا سیئا للرجولة, المقیاس فرانسواز بھذاوكانت . وخریف شفتیھا الشاحبتین, رھا المحمرربیع شع: أمامك أحدھما اآلخر

أضاجع امرأة ال تغریني شفتاھا الرفیعتان بتقبیلھما؟ كیف: مشكلتي األولى ثغرھاالذي حتما سبقني إلى , شفتیھا بالتفكیر في زیان كنت أجد شجاعتي في مواجھة

فھل اكتشف قبلي أن. مستحضرا حیاة, فرانسواز أخالھ مثلي كان یعاشر. ذلك !المضاجعة؟ زیف القبلة أكثر بؤسا من زیف

, إلیھ كان السریر في ذلك الموعد األول مزدحما بأشباح من سبقوني, حتما .ووحدي كنت أشعر بذلك محاوال استنطاق ذاكرتھ

" أحقا ترید لذلك . تتوقع منھا خرق قاعدة الكتمان ,أسرة تراكمت فیھا الخطایا وینطق؟ ..أن یكسر قانون الصمت" المخدع

.سریر جمیعنا عابري, حیث حللنا, ما دمنا, صمت األسرة إحدى نعم اهللا علیناكان لكن. ولم یبتكرا لغتھما المشتركة بعد, أدري ارتباك جسدین یلتقیان ألول مرة

.واضحا أننا ما كنا نملك األبجدیة نفسھا للتحاورال تخلو من نوایا ففي كل صراخ مراوغة . الحب كنت أكره امرأة تصرخ لحظة

. أو یغمى علیھا, أن تبكي امرأة: احتمالین كنت ال أعرف للمتعة إال. الغش النسائيمحلق فارد جناحیھ وال یسمع لتحلیقھ كطائر. فال متعة دون بلوغ وعي اإلغماء

.المتعة حالة غیبوبة شاھقة الصمت. خفقاتنتفض , ء كقطةكانت تمو. فرانسواز ال تعرف صمت كائنین لحظة توحد كانت

. وكلبوءة تختبر ذلك العصیان الشرس في مواجھة الذكورة ,تتلوى كأفعى, كسمكةرجال ال یدري كیف یتدبر لجاما لتلك المھرة وكنت. كانت كل إناث الكائنات

.الجامحة

, وكنت أحتاج فجأة إلى وحدتي. مذاق الفاكھة المجففة كان للحب مع فرانسواز .في الفناء دخین سیجارةحاجة رجل مھموم إلى ت

.وھا أنا أرتعد عاریا كجذع شجرة جرداء. انتھى الحبإنھا . بعده تعتریك رغبة ملحة في البكاء, من فعل حب ال حب فیھ ال أكثر كآبة

وأنت لست حزینا من . قد تكون خانتك منذ ذلك الحین كثیرا خیانتك األولى المرأةال , ینقصك شيء ما, تشعر فجأة بالخواء, تلك المتعة بعد. بل من أجلك.. أجلھا

.تدري ما ھوآثار ما علق بك من , كما بإسفنجة, ستمحو, بنزوتك األولى تلك كنت تظن أنك

إذا بك , لو كنت تمرر إسفنجة لتنظیف سبورة من الطباشیر كما, ولكن. زرقة األلم .وتلوثا تزید اللوح ضبابیة

ال بد أن:" عن معاشرة زوجھا مكرھةألیست ھي التي قالت مرة أثناء حدیثھا كما توضع في بعض األماكن " ممنوع التلویث" توضع على أبواب غرف النوم

."ذلك أننا نلوث دائما بمن ال نحب.. التدخین شارات لمنععلى عجل؟ أالنك لفرط ما عاشرت جسدك لماذا مارست الحب إذن؟ ولماذا كنت

جسد غیره؟ لتعامل معلم تعد تعرف ا, مكتفیا بمتعتھ السریة

االنتماء إلى أذكر ذلك الصدیق الذي قضى في سجن عربي ستة عشر عاما بتھمةكم . طویال من محامیة أحبتھ وانتظرتھ, تزوج في األعوام األخیرة, حزب محظور

ال یكون فیھ للحارس حق, من األعوام قضیا یمنیان النفس بلقاء حمیمي جمیل !التلصص على وشوشة متعتھما. قرروا أن یھدوه الحریة ذات عید, فجأة, ھكذا . وذات یوم أطلق سراح الرجل

أنھ في تلك وما كان یدري. ألقوا بھ أمام السجن مع صرة تضم بؤس متاعھالسجین إال عندما احتضن بولع, األقبیة الرطبة قد فقد وإلى األبد عنفوان فحولتھ

.تلك المرأة التي حلم بھا طویال, العاشقمكتشفا أنھ ما عاد قادرا على , بعنة عبودیتھ ارتطم, ناء تحسسھ لجسد الحریةأث

!بصلة معاشرة أحالم ال تمت إلى جسده بعد أن أخفقت الحیاة في ترمیم ما ألحقتھ, منذ مدة سمعت بخبر انفصالھما

.المعتقالت العربیة من عطب بحبھما

وأنت تتنكر لك , در بك الجسدأن یغ علیك أن تتوقع, أثناء ھدر عمرك في الوفاء .لجسدك فوفاؤك لجسد آخر ما ھو إال خیانة فاضحة. أعضاؤه

مقتاتین, ندخل في سبات طویل لشتاء عاطفي, بغروب آخر یوم في خریف القلببدسم الذكرى ومجزون األمل الذي ما فتئنا كحیوانات القطب الشمالي نجمعھ

.لمواسم البؤس الجلیدیة تحسبا .لألمنیات لن یسعفك اختباؤك تحت الفرو السمیك.. ذات جلید

تتقلص فحولتك العاطلة من التمتع. یضمحل قلبك العاطل عن الحب.. رویدا .قد اضمحل, وإذا كل عضو فیك لم تستعملھ, واإلمتاع

لكن زمن , وحده بإنجازاتك الفحولیة الخارقة تدري أنك مدین في الماضي للحب .العشق ولى

". إلى األبد" االحتراس من حب یؤسس نفسھ على كلمة ة علمتكخیباتك السابق .حب حتى الموت, الموت مات وھمك بحب حد, حب بعد آخر

!كل مأساتك اآلن تدور حول ھذا االكتشاف

***

فلم , والتبضع بالمواد الغذائیة قصدت السوق المجاور لملء البراد, في الیوم التالي .ون اإلنفاق علیھبد, یكن بإمكاني اإلقامة في بیت

كنت أتجول مكتشفا مساحیق فرح نھایات األسبوع على وجھ باریس المرتجفة عندما استوقفني محل جزار یزین خطاطیفھ الحدیدیة برؤوس الخنازیر ,بردا

.حاملة بین أسنانھا قرنفلة ورقیة حمراء ,الوردیة المعلقةن یوضع في فم خنزیر؟ أم للقرنفل أ متسائال أھي إھانة, بقیت للحظة أتأملھا

جزار؟ اإلھانة أن یتحول رأس كائن حیا إلى مزھریة لدى

أوربا یوم كان جیراننا األوربیون اآلتون من, أعادني المشھد إلى السبعینات لنھایات األسابیع التي یذھبون فیھا, ال ینفكون یخططون بحماسة ولھفة, الشرقیة

.لغابات المنتشرة على مشارف العاصمةزرافات الصطیاد الخنازیر البریة في امذ أصبح القتلة ینزلون مدججین , ال أحد یجرؤ على القیام بجولة صید ,الیوم

لیصطادوا ضحایاھم من البشر من , وأدوات قطع الرؤوس بالسواطیر والفؤوستاركین للخنازیر البریة مھمة قطع أرزاق من بقي ویرحلون, بین القرویین العزل

...محاصیلھم بإفساد وإتالف, یاةعلى قید الحوقتا یأخذ من الصیادین آنذاك, كان اصطیاد رأس خنزیر ومطاردتھ في الغابات

وجھدا أكثر مما یأخذه الیوم قطع رؤوس عائلة بأكملھا من القرویین الذین یعرف .القتلة تماما مواقع أكواخھم وال یجدون صعوبة في ذبحھم كالنعاج

لكن . تمأل الصیادین األوربیین آنذاك زھوا, خنزیر واحدبرأس وكانت العودةیلزمھم كثیر من الرؤوس كي یضمنوا فرحة وجودھم صیادي الطرائد البشریة

یشترون برؤوس اآلخرین صدارة خبر تتناقلھ فھم, على الصفحات األولى للجرائد .وكاالت األنباء

وأخرى , لالستثمار,البشریة المعروضة لإلشھار أ ھكذا ولدت ظاھرة الرؤوس, ألمراء الموت عندما وجدوا متسعا من الوقت كتلك التي حدث, للفرجة أو للعبرة

وفخخوھا لتكون جاھزة , أعیاد المیالد أن زینوا بھا أشجار القریة كما أشجار .قریبھ رأس" قطف"لتنفجر في أول من یحاول

وتلك, التاریخالتي بسقوطھا یسقط وطن في مطب" الرؤوس الكبیرة"في حرب

وتلك النكرة التي لن یسمع, الصغیرة التي یلزم منھا الكثیر لتصنع خبرا في جریدةحتى وأنت أمام واجھة جزار في , ال تستطیع إال أن تتحسس رأسك, بقطافھا أحد

باقات من , الذي كان یتفتح في طفولتك, وتحزن من أجل القرنفل البلدي .باریسمذ قصفت , الشذى الذي ما عدت تشتمھ في الورودبذلك, الصغیرة القرنفالت

.العالم المتحضر أعمارھا إكراما لقصابيمتنقال وسط ,انتصاب وفي حالة, في مدینة كان ھنري میلر یتجول فیھا جائعا

تغادر عساھا, غیر مبصر سوى أجساد نسائیة من رخام" التویلري, " حدائق لم أكن أنا سوى الرؤوس المعلقة في ,عریھا الرخامي وترافقھ إلى فندق تشرده

.ألي سبب كان, مكان أيیصمد أمام غوایة في ھیئة ال, المنتشرات على أرصفة اللیل) بیغال(حتى مومسات

أجسادھن لم أستطع وأنا أعبر شارعھن أن أقیم مع, التلصص على عریھن رجل د آخر تناقلتفقد كن یذكرنني بمشھ. أیة عالقة فضول, العاریة تحت معاطف الفرو

مشھد لو رآه زوربا ألجھش . تفاصیلھ الصحافة العالمیة لمومسات البؤس العربيال , لنساء علقت رؤوسھن على أبواب بیوتھن البائسة في مدینة عربیة ,راقصا

, وریثما یكبر الجیل اآلتي من الشھداء. لتبتكر لرجالھا أخرى تخرج من حرب إاللتسكنھا أرامل , ومن لقمة عیشھا, من أثاثھاو, رجالھا كانت تفرغ البیوت من

.الحروب وأیتامھا. الجمیالت الصغیرات ال یترملن. یا صدیق األرامل ال تحزن.. زوربا, تھتم لكن ال

وحدھن البائسات الفقیرات یمتن غسال . قصور سادة الحروب العربیة إنھن یزینن الخمسین التي وبإمكان رؤوسھ. أزواجھن فداء لھ كما مات, لشرف الوطن

بإمكانھا أن تبقى معلقة , االتحاد النسائي قطعت بمباركة ماجدات فاضالت یمثلنكي یعتبر بھا الفقراء , الید التي قطعتھا على األبواب یوما كامال تأكیدا لطھارة

وتجرأوا على تمني شیئا آخر , "الغذاء المتعة مقابل" الذین جازفوا بقبول مذلة

.عید میالد القائد غیر إضافة جماجمھم لتزیین كعكةفي ھذه الدنیا كل حیث . المطار یخطئ من یعتقد أننا عندما ندخل مدنا جدیدة نترك ذاكرتنا في

ویقیم مع آخرین في مدن ال یتقاسمھا, یقصد مدینة محمال بأخرى, یذھب .ویتجول في خراب وحده یراه, بالضرورة معھم

الصغیر من العالم فسیالحقك الخراب أینما لركنوما دمت خربت بیتك في ھذا ا "وال كنت تظن أن حقیبتك , الشاعر ولكنك لم تكن قد سمعت بعد بقول ذلك". حللت

.سافرت و إال ما كنت. محملة بھذا الكم من الجماجم أنت الذي مازلت ال تدري بعد إن كانت الكتابة فعل تستر أم فعل, فاكتب إذن .ل أو فعل انبعاثإذا كانت فعل قت, انفضاح

في , لكن من تنازل أیھا الكاتب بقلم, بجملة تتمنى لو أطلقت النار على كل الطغاة .الجماجم نزال كل غرمائك فیھ یتربعون على عروش من

أن تصوب , كان علیك قبل أن تھجم على األوراق أن تختار كلماتك بعنایة مالكم

.أن تكتسب تلك الموھبة. زفةبأدنى قدر ممكن من المجا, ضرباتك إلى القتلةغیر معني بما تسببھ , تسعى إلى سالمة صاحبھا وراءتھ, موھبة كتابة كتب غیبیة

وال جبن كاتب ال یمكن لقارئ أن یأتمنھ على حیاتھ أو , ردیئة من أضرار روایة .لدمھ یوصیھ ثأراالجالس وحده الحبر شبھة أیھا. لتحاول الثأر لكل الدم العربي بكتاب.. من تكون

كما ینظف محارب سالحا, أكتب لتنظیف مرآبك من خردة العمر. على الشبھات .قدیما

تمد ..تدق بعده في معصمك, وال وقت لك إال ساعتھ.مازال للقتلة متسع من الجاه .یدك بما یلزمھا من القوة للكتابة

!ما حل بتلك اللوحة قد ال تجد الشجاعة لتقص علیھ, وبرغم ھذا

یقیم الدنیا ویقعدھا بحثا ھاتفت مراد حتى ال, ن من إقامتي عند فرانسوازبعد یومی .بذلك یعد أن تركت الفندق دون إخباره, عني في باریس

واقترحت علیھ أن نلتقي في. تحاشیت طبعا إعطاءه تفاصیل عن إقامتي الجدیدة .الیوم التالي

:معتذرا ليلكنھ فاجأني بذلك الخبر الذي ما توقعتھ أبدا حین قال .وھا أنا أرتعد عاریا كجذع شجرة جرداء. انتھى الحب

سیحضر . سأكون مشغوال بانتظار ناصر عبد المولى. أراك غدا لن أستطیع أن - .لكن إن شئت سنلتقي جمیعا بعد غد.. بعض الوقت من ألمانیا لإلقامة عندي

:سألتھ غیر مصدق ناصر؟ أي - أنت تدري أنھ یقیم منذ سنتین في. عبد المولىابن الشھید الطاھر.. ناصر -

حصل على حق اللجوء . ألمانیا بعد أن اتھم بانتمائھ لجماعة إسالمیة مسلحةلكن لیس بإمكانھ طبعا العودة إلى الجزائر ولذا سیحضر إلى . ھناك السیاسي

واتفقنا .. التقیت بھ مطوال في ألمانیا. التي لم یرھا منذ سنتین باریس للقاء والدتھ, باریس عند استئجاري شقة كي یتمكن من اإلقامة عندي أن یبرمج مجیئھ إلى

.اإلقامة في الفندق فھو ألسباب أمنیة یفضل عدمأختھ رفقة وحتمیة مجيء, خبر مجيء ناصر: وھكذا كان مراد یزف لي خبرین

.باریس فلم یكن من المعقول أن تأتي والدتھ بمفردھا إلى. والدتھا . صاعقة المفاجأةأذھلتني

مفكرة حیاتي موعد معھا؟ كان في أحقا ستأتي تلك المرأة التي ما

.مجیئھا بعدما لفرط انتظارھا ما عدت أنتظر, ستأتي , بجثتي وجوارھا شيء شبیھ, تمددت فیھما جثة الوقت بیننا, سنتان من االنقطاع

,ح مظلة الھبوطفقد أحببتھا لحظة دوار عشقي كمن یقفز في الفراغ دون أن یفت. كما یلقي یائس بنفسھ من جسر بدون النظر إلى أسفل, تركتھا كما أحببتھا.. ثم

!وحب.. ابن قسنطینة حیث الجسور طریقة حیاة وطریقة موت أما كنتكأنني . خشیة أن تتخلى ھي عني, تخلیت عنھا,یوما رجل تلك التي لم یتخل عنھا

."فراق قد كان خوف فراق و\ھجر رب ھجر قد كان من خوف" القائل .تخلیھا عني خوفي الدائم من, أكثر إیالما من التخلي نفسھ

عندما , العاطفیة عكس العشاق الذین یستمیتون دفاعا عن مواقعھم ومكاسبھم

.وأترك لمن أحب فرصة اختیاري من جدید, أغار أنسحبة أن تھجرني ما كان لي أن أتقبل فكر. الخسارات االختیاریة بامتیاز كنت رجل

.آخر امرأة إلى رجلامرأة كیف لي أن أطمئن إلى. أنا الذي لم أتقبل فكرة أن یكون أحد قد سبقني إلیھا

.تزرع داخلي مع كل كلمة حقوال من الشك :أجبتھا, أحبھا أذكر یوم سألتني ألول مرة إن كنت

.ما أدریھ أنني أخافك.. ال أدري -فمثلھا ال یمكن لرجل أن یحب بعدھا , سیلي حبھاالذي في الواقع كنت أخاف التیھ

.بھا دون أن یقاصص نفسھوكان .فكرت أنني ال یمكن أن أواجھ الخوف منھا إال باإلجھاز علیھا ھجرا, یومھا

فقد حدث أن. اعتماد طریقتھا في القتل الرحیم داخل كتاب جمیل: ثمة احتمال آخر بحرص أم على اختیار اللوازم المدرسیةأشیاء انتقتھا . أھدتني ما یغري بالكتابة

.لطفلھا یوم دخولھ األول إلى المدرسةفي مكتبة في قسنطینة تشتري صادفتھا, وكنت بعد موت عبد الحق بأسبوعین

كانت تمسك بیدھا دفترا .ظروفا وطوابع بریدیة لتبعث رسالة إلى ناصر في ألمانیا :فجأة سألتني. اقالت مازحة إنھا اشترتھ ألنھ تحرش بھ, أسود

ھل ستكتب شیئا جمیال؟, إن أھدینك إیاه - :قلت

.ستحتاجین إلیھ أكثر مني ..ال أظنني سأفعل -

أقالم سیالة من نوع توجھت إلى البائع تطلب منھ عدة, لم تعر جوابي اھتماما". أرید منك طفال " كما لو قالت" أرید منك كتابا" قالت وھي تمدني بھا . معینأم كانت كما تستبقي امرأة زوجا بطفل؟, كانت ترید أن تستبقیني بكتابفھل

تھیئني للفراق الطویل؟ :سألتھا متوجسا مراوغة ما

الھدیة؟ ما مناسبة ھذه - :ردت مازحة

إني ألدك متى .. میالدك سأفترض أنھ عید. بإمكاننا متى شئنا أن نخترع مناسبة - .شئت من المرات

.لھا كخدعة أبوتي, ھا الجمیلةكانت األمومة خدعت :أمدتني بالدفتر وقالت

- Bon anniverssaire! فلیس في اللھجة .. إال بالفرنسیة أو بالفصحى لم یكن بإمكانھا أن تقول ھذه األمنیةبینما . تتمنى بھ ألحد عید میالد سعیدا الجزائریة صیغة وال تعبیر بإمكانك أن !.والمواساة تفیض ھذه اللھجة بمفردات التعازي

عید وجدتھا تصلح بدایة لكتاب یشرع جزائري في كتابتھ یوم. ضحكت للفكرة والذي نسیت أمره, لكنني لك أكتب شیئا على ذلك الدفتر الذي أھدتني إیاه. میالده

واألصح , ولم أعثر علیھ إال منذ مدة قریبة". مازافران" عندما ذھبت لإلقامة في .أنا الذي بحثت عنھ أنني

. یؤذیك أحد إلى حد الكتابة بل ال بد أن, ال یكفي أن یھدیك أحد دفترا وأقالما, تكتبلفنحن . بالحقد الالزم للكتابة لوال أنھا زودتني, وماكنت ألستطیع كتابة ھذا الكتاب

.بل ضده, ال نكتب كتابا من أجل أحد

ض الورق في وكل ھذا الوقت المكفن ببیا. وساعة یده في معصمي. أمامي دفترھافي . بالشراسة نفسھا, أكتب عنھا كما كنت أمارس الحب سرا معھا وأنا. متناوليوعندما كان ینتھي , اشتھائي إیاھا عنیفا ألنني أرفضھا في الیقظة كان یأتي, الحلم

ثم أحزن , ویجھش جسدي سرا بالبكاء, كنت أصرخ باسمھا ,ذلك الفسق الحلمي .أعضائي التي تأتمر بأمرھا أكره كل, وأكره یدي لساعات

ذلك أنھ یلزمني الكثیر من ,بالعنف نفسھ أستحضرھا على الورق. بالید إیاھا أكتبلن یعرف كیف ,ومن لم ینجح في مقاربة أنثى. الفحولة لمواجھة عري البیاض

. اتفق البعض یأخذ الكتابة عنوة كیفما. فنحن نكتب كما نمارس الحب. یقارب ورقةإال بعد كالناقة التي ال تدر لبنا, أنھا ال تمنحك نفسھا إال بالمراودةواآلخر یعتقد

.فیقضي أعواما في مالطفتھا من أجل إنجاز كتاب, إبساسعندما تكتب على إیقاع الموت , وتجامل قارئا, تالطف ورقة لكن كیف لك أن

.على إخباره بما حدث مصرا, لشخص ما عاد موجودا ؟!ید األموات حزناما نفع العلم الذي یز

, ولكن بدون لھفة وال شغف, حیاتي مع فرانسواز قد بدأت ھادئة وجمیلة كانت

الندم المدفون , تلك الخیبة الصامتة, الذي یلي ضجة الجسد یؤثثھا ذلك الصمت .تحت الكلمات

یضع قبلة على الشفتین , یدخن سیجارة, كان الندم الجمیل یأخذ حماما ,كل صباحكان یلھو , الذي كان یدري أن الوحدة أفضل من سریر السوء الندم. الشاحبتین

فمن عادة النوم أن یثرثر كثیرا قبل الحب . لیكذب ندمھ كما, باختبار سریر جدید !نادما على ما لیس حبا كي یقنع نفسھ أنھ لیس, وبعده

.ى المعھدتكون نھضت باكرا إل ربما. فلم أجد فرانسواز, استیقظن في الیوم التالي

. الوحیدة الموجودة بالبیت األنثى, قررت أن أتناول قھوتي الصباحیة مع فینوستبدو كأنثى ,كانت في وقفتھا تلك في ركن من الصالون بحجم امرأة حقیقیة, یدیك تنتظر لھفة, تستیقظ من نعاسھا الجمیل على أھبة التبرعم األنثوي األخیر

.أرضا وتصبح امرأةلتسقط مالءتھا , أو أوامر من عینیكملفوفة بانسیاب یغریك بالبحث , تخفي نصف الحقیقة, البیت كانت مثل أشیاء ذلك

.الحجري عما تحت ثوبھاالتي والمرأة. سوى أنھ ھو الذي اقتناھا ألنھا أنثاه, أنت لن تعرف شیئا عنھا

من أنولكن ذلك لن یمنعھا. إنھا أكثر منھ عطبا,بإمكانھ أن یعیش معھا بدون عقد .تكون األنثى األشھر واألشھى

الحواس ألنھا تمثل بھجة وأفھم أن یكون رودان قال إن لھا القدرة على إلھابوھي إلھة الحب , ألنھا .تستیقظ بمزاج رائق كل صباح, ھي دائمة االبتسام. الحیاة

!إنھا أنثى بشھوات مترفعة. لم تتلوث برجل, والجمالفي , ن عمرھن كشجرة المطاط التي تزین الصالونھي أسعد من نساء یقضی حتما

!مرة كل أسبوع... علیھا صاحب البیت بالسقایة انتظار أن یتكرم

أجیل نظري في جغرافیة . التباس جسدي معھا الأدري كم من الوقت قضیت في .فیھا بلغز رغباتھا؟ أتأمل جمالیة أنوثة تحیط كل شيءالحیاة ومن تلك, من الساعات المھملة,في حیاة المصور كثیر من الوقت الصامت

.البیضاء التي تسبق الصورةولذا بإمكانھ أن یقضي ساعة في تأمل ,یخلق عنده وقتا للحلم, ذلك الضجر المتیقظ

انعكاس ضوء منار بحري على أو. أو حركة الریح العابثة بستائر نافذة.. شجرة ."مازافران " یلفي ل.. كذاك الذي كنت أقضي ساعات في تأملھ, البحر

ثوبھا كانزالق, لكن وحدھا فینوس تعطیك اإلحساس أن الجمال كما الحب والبھجة .الحیاة وتأملت, إن توقفت عن الركض قلیال, أشیاء قد تكون عند قدمیك, الحجري

مع أجمل من وقت لیلي قضیتھ, كان ذلك الوقت الصباحي الذي قضیتھ معھا, ولذا .غیرھا

ھي لن .ككل األشیاء الشامتة صمتا في ذلك البیت. ھا بعد ذلكلم أحاول استنطاق

ماجدوى أن أنتزع منھا اعترافات مخادعة؟. تقول أكثر .وحده شكي یرى. لن أرى شیئا, علیھا حیث أنا قریب منھا غریب

فقدت حتى تلقائیة فھم أنني . على رؤیتھا في خلوتي األولى باألشیاء فقدت القدرة

.. وإذ بي الشيء العابر بھا , شیأتني لقد. أصبحت بعض ذاكرتھاأثناء استنطاقھا .علي وھي الكائن المقیم الثابت الشاھد. كغیري

بعد ساعة من الذھول الشارد أمامھا تركت فینوس وخرجت إلى الشرفة أكتشف ."جسر میرابو" المنظر وألقي تحیة الصباح على

بإمكاني أن أكون , ق إال في الروایاتالتي ال تصد استنادا إلى روایة تلك الكاتبة ..ذات مطر واثقا على األقل من أنھما وقفا ھنا

علیھا شیئا من بعد أن قرأ, وأنھ قبلھا طویال ھنا على مرأى من الجسر, كما الیوم .قصیدة السیاب

حبھما؟ وتحت قدمیھ األبدیتین أما زال الجسر یذكر قبلة جزائریین ائتمناه علىعندما طفت 1961 م یؤتمن على أرواح الجزائریین ذات أكتوبریجري نھر ل

عشرات الجثث التي ألقیت إلیھ مكبلة؟

.الحزن مجراه لو أن للسین ذاكرة لغیر وستمئة مفقود وغریق, اثنا عشر ألف معتقل فاضت بھم المالعب والسجون

ي تعبرتوقف قدرھم فوق الجسور الكثیرة التي لم تول النظر لجثثھم الطافیة وھ .تحتھا

.الجمیل أفھم عجز خالد في تلك الروایة على إقامة عالقة ود مع ھذا المنظرالمحملة عبر فذاكرة المیاه. وال أنا على خالف معھ" السین" لست عاتبا على نھر

وال یمكنھا, ال تستطیع أن تفرق بین الھویات, العصور بجثث من كل األجناس.. إلى ھذا النھر باسم الثورة1789لذي ألقوا سنة التمییز بین جثث الفرنسیین ا

.الجزائریین الذین ألقوا إلیھ على مسافة قرنین بتھمتھا وجثث .المصب جمیعھا دفعتھا في اتجاه شكي في. وال أشك سوى في النوایا الطیبة للجسور, أنا أثق في براءة األنھار

سیة اسم أحد خطبائھا فعندما أعطت الثورة الفرن. الشعارات الكبیرة للثورات .في األمر خدعة ما كان, لجسر

نحن ھنا بإرادة " میرابو الذي وقف في البرلمان الفرنسي لیقول جملتھ الشھیرةسیكون شاھدا أكان یدري أنھ بعد قرنین". الشعب ولن نغادر إال على أسنة الرماح

على حرب ضد إرادة شعب آخر؟. عمري المزدحمة بأحزان اآلخرین اطرةغیر دار أین أمضي بق, أغلقت النافذة

كمن لفرط جوعھ , باریس وإذ بي حتى ھنا في. حیث أحل تطل شرفتي على فاجعة. ,ذاكرة الفقدان حینا أصنع تعاستي من. ال یعرف الجلوس إلى مائدة الحیاة العامرة

.وحینا من ذاكرة الحرمانذلك أنني مذ دخلت . سنواتالذي أقام فیھ خالد ل ونزلت أكتشف الحي, أخذت حماما

بول إستر الذین یلتقطون دائما شیئا من كأبطال, بیتھ استعاد زیان اسمھ األول, متقصیا, أجمع غباره في الشوارع .أتعقب آثاره, كنت أتسقط أخباره, الطرقات

كما لو كانت دلیال , بتلك الروایة مستعینا, سائال كل مكان قد یكون عنى لھ شیئا . لمعالم سبقني إلى زیارتھاسیاحیا

.وأسطو على سحره متماھیا معھ حیث أمر, االفتتان ببطل روایة كنت أختبر أم أتشمم رائحة حب؟.. رجل أكنت أتعقب آثار

كما لو كنت , أعیش المواقف أحیانا كنت. كانت المسافات تبدو واھیة بیني وبینھ

كنت أضاجع نساءه . والمقاھيمقتفیا أثره في األسرة والشوارع والمعارض. ھوجسر أتأمل. أعطي مواعید في المقھى الذي كان یرتاده. في سریر كان سریره أجالس أنثاه الرخامیة, أحتسي قھوة أعددتھا في مطبخھ, میرابو من شرفة بیتھ

وكثیرا .. وفي المساء أخلد إلى النوم على سریر ترك علیھ بعض رائحتھ, المفضلة. یال في تلك المرأة نفسھا التي منعتھ منذ سنوات من النومأفكر طو. أرقي من

غریبا حقا؟ ألیس األمر .ما زلت على لھفة االنتظار ویأس اللقاء, ألسباب أجھلھا

سأضع الیوم یدي , المرأة التي بذریعة تعقب غیرھا ما كنت أقتفي أثر سواھا تلكوعدا مع رجل ینام في فقد أھدتني مصادفات الحیاة الموجعة م. سرھا على مكمن

.ادعت أنھ ال یوجد سوى في كتابھا ( Ville juive)سریر بمستشفى !بسبب مؤلفیھم.. یمرضون ذلك أن أبطال الروایات غالبا ما

والنتائج , التي ستتم بعده أیا كان نوعیة العالقة, كنت أعي أن موعدي مع زیان

القدر من الحیطة د لھ بذلكوعلي أن أستع. ھو حدث في حیاتي, التي ستنجم عنھفرانسواز حتى ال أفسده بعد أن أخذ مني األمر شھرا في مطاردة, العاطفیة

.ولو على سریر المرض.. إلقناعھا بضرورة أن أتعرف علیھ

الفصل الخامس

.وقصدتھ اشتریت باقة وردفادیت ت .إنھ ال یلیق برسام كرس حیاتھ إللغاء ھذا اللون. تحاشیت اللون األبیض

وتوقظ غیرة عاشق أدركھ, أیضا أناقة تجعلني أبدو أقل لیاقة في حضرة مرضھ .الحب في سن الشك

خاصة أن ,حتى یصدق ذریعتي لزیارتھ. ولم أنس أن أحضر لھ معي بعض مقاالتي .توقیعھا یحمل اسم خالد بن طوبالن ألمل فیھا شيء یذكرك بآخر دیوا كان , 8بدون أن تكون غرفتھ تحمل الرقم

.فكل غرف المرضى رقم في مملكة البیاض, دنقل

أردیة / تاج الحكیمات أبیض/ لون المعاطف أبیض/ كان نقاب األطباء أبیض "أنبوبة / قرص المنوم/ أربطة الشاش والقطن/ لون األسرة/ المالءات /الراھبات ."اللبن كوب/ المصل

ئة كألوان قزح بعدلكن بابتسامة سمراء وطلة مضی. كان في ضیافة البیاض

.ظھیرة توقف فیھا المطر .بیننا واضعا شیئا من األلوان, نھض یسلم علي بحفاوة

.تفضل... أھال خالد - :فاكتفیت باحتضانھ مرددا. سالمھ لم أعرف بأي اسم وال بأیة صیغة أنادیھ كي أرد

.حمد اهللا ع سالمتك.. أھال - .لیستقبلني بھذه الحرارةتكون فرانسواز قالت لھ متسائال ماذا .ھا ھو إذن. جلس قبالتي

.یرتدي ھم العمر بأناقة كان, جینات األندلسیین تلك الوسامة القسنطینیة المھربة منذ قرون في, كان وسیما

, السواد وشعر على رمادیتھ ما زال یطغى علیھ, بحاجبین سمیكین بعض الشيء ترك آثاره على غمازة كأخدود, وابتسامة أدركت بعدھا أن نصفھا تھكم صامت

.نحتھا الزمن على الجانب األیمن من فمھلفرط , لرجل أحبتھ النساء, ونظرة منھكة ,وكانت لھ عینان طاعنتان في اإلغراء

.ازدرائھ للحیاةإنھ منتصف الیأس . وینتظره صقیع الشتاء, الخریف مسرع بھ. كم عمره؟ ال یھم

جاذبیة من , یبدو في أوج جاذبیتھ. یبتسم ذاوھو لھ, منتصف الموت األول. الجمیل .الحقا وھذا سأفھمھ. یعرف الكثیر ألنھ خسر الكثیر

وتعلمت الجلوس خلف المنضدة, على الكرسي المقابل لسریره العالي صغرت

.المنخفضة للسؤالأسئلة لن كیف تطرق ذاكرة ذلك الرجل طرقا خفیفا؟ كیف تأخذ منھ أجوبة عن

جئت بذریعتھا؟ولكنك, تطرحھاأو انتھازیا , أو أنانیا, أن تبدو غبیا بدون, كیف تفتح نافذة الكالم في غرفة مریض

.تسابق الموت على سرقة أسراره :یعتذر قلت كمن

صحتك إن شاء اهللا. آسف أن یتم لقاؤنا في المستشفى. تمنیت ھذا الموعد كثیرا - .في تحسن :رد مازحا

.عص على الشفاءبي صبر مست..ال تھتم - :قلت

ثم عندما فوجئت , أنا أحب أعمالك الفنیة ولي تواطؤ مع كثیر من لوحاتك.. بدءا -فأنا بمناسبة مرور ذكرى . في باریس طلبت من فرانسواز أن تجمعني بك بوجودك

مجموعة حوارات مطولة مع شخصیات جزائریة ساھمت في ثورة نوفمبر أعد .معك حوارا جمیال ي سأنجزلي إحساس أنن.. حرب التحریر :قال مبتسما

ونشترك في حب , االھتمامات ذاتھا لنا, فنحن حسب ما بلغني . أعتقد ذلك أیضا - .الكثیر من األشیاء

, یكفي ألدرك أنھ اكتسب منذ زمن حدس الحقیقة لم أكن أعرف عنھ لحظتھا ما .النساء.. ن یعني بھا ربما كا, ھنا" األشیاء " وأن, وتدرب على فن التغابي الذكي

:أعطي رسمیة للقاء قلت وأنا أستأذنھ فتح المسجل كيوبطوالت تلك فأنت خضت حرب التحریر وعایشت معارك.. تعنیني ذاكرتك كثیرا -

ماذا بقي لك من ذكرى رجاالت وأبطال تلك الحقبة؟.. الفترة :مازحا ردالكبیرة البطوالت. صغیرةال وجود إال للبطوالت ال. أنت تالحق ذاكرة مضللة -

.أساطیر نختلقھا ال حقاوتلك المعارك , وال بعضالتك ال بسالحك.. أكبر المعارك تخوضھا ببسالة الضمیر

أسطورة النصر ھي التي یستبسل فیھا الناس البسطاء النكرة الذین یصنعونض المر ولن یسألھم صحافي على سریر.. والذین لن یأتي على ذكرھم أحد, الكبیر

.عن ماضیھم

:وجھتھ حاولت مسایرة. فاجأني المنطلق العكسي الذي بدأ بھ حوارنا وینفذھا األبطال ویجني, لكنك توافق من یقول إن الثورات یخطط لھا الدھاة -

ثمارھا الجبناء؟شيء من ثم رد بعد, ابتسم وأصلح من جلستھ وكأن الحوار أصبح فجأة یعنیھ

:الصمت, مراحلھا ر تجربتي في ھذه الثورة التي عایشت جمیعإن كان لي أن أختص -

الثورة ,الیوم بالنسبة لي. فبتصحیح ھذه المقولة القابلة للمراجعة في كل عمر, التاریخ عبر, دائما. تخطط لھ األقدار وینفذھا األغبیاء ویجني ثمارھا السراق

الموت في, بتھاال عدالة في ثورات تتسلى األقدار بقسمة أنص. حدثت األشیاء ھكذا أتدري. وشھداء ربع الساعة األخیرة, بین مجاھدي الساعة األخیرة, والغنیمة

عندما یتعانق الطرفان في , في المعركة األخیرة, عبثیة منظر الشھید األخیر .جثة آخر شھید تبرم أول صفقة حضرتھ؟ فوق

لكنني كنت , إضافة لك علیھا كانت أسئلتھ أجوبة مغلقة ال. بقیت مالزما صمتيیطابق ماضي خالد عساني أعرف إن كان لھ ماض, أبحث عن مدخل یوصلني إلیھ

:سلكت إلیھ طریقا متعرجا. في تلك الروایة أي ماض كان ماضیك؟.. تلك البدایات كیف عشت.. وأنت -

:بانتصاراتھ كمحارب عجوز بدأ یستخف, أجاب ساخرا.. الجمع حب التحدث عن الماضي بصیغةأ, إجالال لألحالم القدیمة غیر المحققة -

أما. نسیت أن أكون أنا" أنا" في ماضي المغفلین الذي كان عیبا فیھ أن تقول

من الطبیعي أن یتحدث أي زعیم عصابة عن نفسھ , فبجسارة اللصوص, الیوم !الجمع بصیغة

.قال جملتھ األخیرة وھو یضحك, وفصاحة التھكم, ھ بالغة الصمتأكسب الحزن الذي. كان لھ جمالیة الحزن الھادئ

.البكاء بحیث كان إن ضحك أدركت أنھ یدعوك إلى مشاركتھ :قلت ألعیده إلى الحدیث عن نفسھ

.یعطیك حق أن تكون فردا ومتفردا لكن اسمك كأحد كبار رسامي الجزائر - :أجاب بنبرة ساخرة

عندما تبلغ ھذا ..بموھبتك وإنما بحكم الشیخوخة والمرض ذاك الحق ال تكتسبھ -ألن " أنا"تصبح من جدید . وحیدا وأعزل: بدءا تعود كما كنت, السریر األخیر

.الجمیع انفضوا من حولكأنت الذي قضیت عمرا , والتفكیر بالمفرد, تتدرب على الكالم بالمفرد علیك أن

" ألن , ولكن , ال ألھمیتك وال ألھمیة كرسي تجلس علیھ, الجمع تتحدث بصیغةوالموت من , كان جیل األحالم الجماعیة. على أیام جیلك لم تكن موجودة" نااأل

.أجل ھدف واحدوال حتى جریمة قتل , وال الخیانة, وال الوصولیة, تنقصنا أحیانا األنانیة لم تكنوكانت تلك فجیعة حیاة نضالیة محكوم علیھا . كانت تنقصنا السخریة .الرفاق

منذ زمن . الذكاء والحلم على أیامنا ضربا من التمردمما جعل ,باالنضباط والجدیة !ولذا أوصلني القھر إلى ھنا.. كریات الضحك وأنا أعاني من نقص في

:معلقا قلت. لم أعرف كیف أواصل الحدیث إلیھ .كل یواجھھا بما استطاع.. إنھا الحیاة - :قال, اري للرفضتركب القطار البخ. عن قناعاتھ حیث استطاع كل یتخلى.. تقصد -

وتدري أنك مسافر فیھ عمرا واقفا , بعد اآلخر وترى رفاقك خلسة یترجلون الواحدبإمكانك أن تفعل إن كنت لم تولد على أیام ولكن ماذا. وأنك آخر من ینزل,

!القطارات السریعة :فسألتھ, إلى حیث یوصلنا كالمھ كان الحوار یمضي بنا

تك؟رحل أیة محطة تمثل في.. والغربة - :قال, الغربة قصاص, إنھا قاطرة أركبھا حتى الوصول األخیر.. الغربة لیست محطة -

ازداد الصقیع, بلد كلما احتضنك. یكمن في كونھا تنقص منك ما جئت تأخذ منھا ولذا تذھب نحو الغربة. ألنھا في كل ما تعطیك تعیدك إلى حرمانك األول. في داخلك

.بكفتنكشف باغترا... لتكتشف شیئا وبماذا انكشفت؟ - .بل بما یوجد في أطرافھا وال تراه, التي تراھا ال بھذه. انكشفت بعاھتي -

لیواصل الحدیث إلى نفسھ عن , استطرد صمتا كما لو أنھ, صمت فجأة عن الحدیث .أشیاء ال ترید البوح بھا

كأنھ استشعر عاھتي غیر , رأیتھ یتأمل ذراعي الیسرى. صمتھ بكلمة لم أقاطع أم كان یعرف بعاھتي؟.. حدس المعوقین أكان یملك. الظاھرة

:أردف مواصال كالمھوحده یعاني من . ھذا أمر ال یفھمھ إال من فقد أحد أطرافھ .أنت لن تفھم ھذا -بل . إحساس ینتابھ بأن العضو المبتور ما زال موجودا "ظاھرة األطراف الخفیة"

.. ویشعر بحاجة إلى حكھ.. إنھ یؤلمھ. دكامل الجس ھو یمتد في بعض األوقات إلى !أو تقلیم أظافر ید ال توجد

. واألوطان التي غادرناھا واألشخاص الذین اقتلعوا منا. األشیاء التي فقدناھا كذلك. إنھم یتحركون في أعصاب نھایات أطرافنا المبتورة. ال یعني اختفاءھم غیابھم

وال .. كما یعیش صدیق رحل.. كما تعیش امرأة.. كما یعیش وطن ,یعیشون فینا, فیزداد صقیع أطرافنا, الغربة یسكنوننا وال یساكنوننا وفي. أحد غیرنا یراھم !وننفضح بھم بردا

جسدي قشعریرة كلمات قالھا بھدوء كمن یتسلى بإطالق النار على سرت في .فیصیبك.. نفسھ". ذاكرة جسد " یختصر لي حیاتھ من خالل السیرة الذاتیة لید أصبحت لیتمھا كان

كیف أعتقد أنني ال أفھم ھذا؟. األعضاء إنھ یتمھناك حیث . الطرف المعطوب من ذراعھ أو في تقبیل ذلك. شعرت برغبة في البكاء .تبدأ خساراتنا المشتركة

!خالد إنھ.. یا إلھي

في حب استعالئھ على األلم وانتقائھ, في حب لغتھ, وقعت في حب ذلك الرجلألنھا تشع من , في حب وسامة تبتكر جمالھا كل لحظة بدون جھد,معزوفة وجعھ

.لقد خلق لیكون كائنا روائیا. وأدركت أن تكون حیاة قد أحبتھ إلى ذلك الحد .داخلھتطرح علیھ . وإلى ما یضیفھ الصمت لجملة, دائم التنبھ إلى جرس الكلمات كان

: بقولھیبدأ غالبا, منك ویصوغھ في سؤال آخر فیأخذه, سؤاال ..تقصد -

, لكن بقلم الرصاص دائما, ھو یصححك. تلك یكمن جوابھ وفي صیغتھ التساؤلیةھو فقط رجل , ھو لیس معلما. أحمر في حوزتھ ال قلم, بصوت أقل نبرة من صوتك

التي تجعل من مجالستھ متعة لم " الھزلیة الحقیقة"یملك تلك , یسخر كبورخیس .تعرفھا من قبل :مقاالتي حقال وھو یتصف

ھي وبرغم ھذا" الكتابة ھي التجذیف بید واحدة. " تدري؟ أحسد كل من یكتب -ربما ألنك كي تبحر ال بد أن , لقد فقدت الرغبة في اإلبحار. لیست في متناولي

حتى الرسم توقفت عن ممارستھ منذ . وال وجھة لي, لك مرفأ تبحر نحوه یكون .سنتین" ذلك أنني تذكرت قول بیكاسو , شرتھ العاطفیةاعترافھ ھذا بموجز عن ن أمدني

, فقد ارتبطت كل مرحلة فنیة عنده" الرسم أي أن تعود إلى الحب أن تعود إلى

بدخول امرأة , وربما كانت كل مرحلة فنیة عنده. حیاتھ بدخول امرأة جدیدة فيل فقد كانت حیاة كلما سألتھا خال, الكتابة عكس ذلك وربما كانت. جدیدة في حیاتھ

الكتابة إعمال قطیعة مع " لماذا ال تكتب؟ أجابت السنتین اللتین قضیناھما معا ."سأكتب عندما نفترق ..الحب وعالج كیماوي للشفاء منھ

:قلت .الفترة أال تكون قد رسمت كل ھذه.. مؤسف حقا -

:أجابوأنا ما عدت . المقبل وسیلة الضعفاء أمام الحیاة لدفع األذى, الرسم كما الكتابة -

ال . لیخسره األقوى ھو الذي ال یملك شیئا. أحتاجھا ألنني استقویت بخساراتي لم یحدث أن كنت على ھذا القدر من الخفة. أنا رجل سعید. تنغش بھیئتي

.واالستخفاف بما كان مھما قبل الیومو تخلع بدلة نھارك أو تخلع ذراعك أ علیك في مساء الحیاة أن تخلع ھم العمر كما

كل . تقلع عن األحالم وأن, أن تعلق خوفك على المشجب, أعضاءك اإلصطناعیة !الذین أحببتھم ماتوا بقصاص أحالمھم

عندما ما عاد لدیھ ما . كانت تكمن في كونھ أصبح حرا .أدركت فجأة سر جاذبیتھ .یخسره أو یخاف علیھ

كما , م اآلخرینال لحك, یدرك جمالھ كلما فاجأ نفسھ یتصرف محتكما لمزاجھ وھوخفتھ اكتسبھا مما . ألنھ خفیف ومفلس, وال تستطیع إال أن تحسده .عاش من قبل

وبإمكانھ أن یقول لكل من یصادفھ من معارف ما . من نفاق أثق بھ الناس أنفسھم .قبل لم یجرؤ على قولھ من

ن كا والجار الذي, كرأیھ في الرسام غیر الموھوب الذي كان ینافقھ مادحا أعمالھ, والصدیق الذي كان یسكت عن اختالساتھ عن حیاء, یجاملھ اللحیة عن خوف

.المنافق الذي كان یدعي أمامھ الغباء والعدو :سألتھ

ھذا؟ أال تخشى أال یبقى لك صدیق بعد - :ضحك

, وطنك عندما تغادر. أصدقائي سقطوا من القطار. ما كان لي صدیق ألخسره -اختبار , النجاح كما الفشل. ولصدیق كان عدوا, تولي ظھرك لشجرة كانت صدیقة

والذي سیعادیك ألن ضوءك , للذي سیتقرب منك لیسرق ضوءك, لمن حولك جیدنذر حیاتھ إلثبات عدم شرعیة , حین فشل في أن ینجح والذي, كشف عیوبھ

.نجاحك. ألن متاعھم ھو سقط متاعك, شيء ال یستحق الحسد الناس تحسدك دائما على

التشرد مكسب وعلیك أن تدفع ضریبتھ نقدا كأنما, لغربة یحسدونكحتى على ا

یعنیني كثیرا أن أختبر الناس . صدیقا وأنا رجل یحب أن یدفع لیخسر, وحقداالبعض تبدو لك صداقتھ ثمینة .وأعرف كم أساوي في بورصة نخاستھم العاطفیة

وآخر , فیھیشتمك فرنك یكسبھا من مقال500وھو جاھز لیتخلى عنك مقابل عدوك لفرط وآخر أصبح, یستدین منك مبلغا ال یحتاجھ وإنما یغتبط لحرمانك منھ

نكران ثمة خدمات كبیرة إلى الحد الذي ال یمكن الرد علیھا بغیر" ما أحسنت إلیھ ماذا تستطیع ضد النفس البشریة؟, ولذا ال بد أن تعذر من تنكر لك". الجمیل

وكیف تعیش بدون أصدقاء؟ -تلك الضفادع . أكبر بھم أصبح ھمي العثور على أعداء كبار.. ال حاجة لي إلیھم -

أصغر من , مستنقع الصغیرة التي تنقنق تحت نافذتك وتستدرجك إلى منازلتھا فيعلیك وتعكر.. لكنھا تشوش علیك وتمنعك من العمل. أن تكون صالحة للعداوة

وھذا في حد ذاتھ مأساة , حتى قامات األعداء تقزمت, إنھ زمن حقیر. حیاتككیف تریدني .. لرجل مثلي حارب لثالث سنوات جیوش فرنسا في الجبال بالنسبة

یترفع سیفك عن منازلتھا؟ أن أنازل الیوم ضآلة أنت إذن تعیش وحیدا؟ -

:رد مبتسما. إني صدیق الجمیع ولكن ال صدیق لي, أنا موجود دائما لكل من یحتاجني ..أبدا -

كان شاعرا فلسطینیا توفي منذ سنوات في بیروت أثناء االجتیاح فقدتھآخر صدیق. أحدا بعده لیشغل تلك المساحة الجمیلة التي كان یمألھا داخلي لم أجد. اإلسرائیلي

.وجدت من یتطابق مع مزاجي ووجعي ما. معھ مات شيء مني :سكت قلیال ثم أضاف

لقد كان في . لكأنك تذكرني بھ. دأتحدث فیھا ھكذا ألح تدري؟ ھذه أول مرة -وكان شاعرا غیر معروف ولكنھ مذھل في انتقائھ ,عمرك تقریبا ووسیم ھكذا مثلك

ما زالت في .. سأطلعك على بعض قصائده ,عندما أغادر المستشفى. الكلمات .حوزتي

:قال فجأة كمن یعتذر" ون حسب أحدھم فالرسام, عادة أنا ضنین في الكالم.. تحدثت كثیرا قد أكون -

."الصمت أبناء :قلت وأنا أمازحھ

!..فالمصورون أبناء الصبر.. ال تھتم - :أضاءت وجھھ ابتسامة قال وقد

!أنت تتكلم مثلھ.. یا إلھي.. جمیل ھذا -لكنني لم أقل " ألن رجال تلك المرأة جمیعھم یتشابھون.. طبعا " كدت أقول لھ

:وسألني, یھضمني بحرارة إل .وقفت ألودعھ. شیئا متى ستنشر ھذه المقابلة؟ -

:أجبتھ بمحبة فأنا أرید عمال عمیقا یحیط بكل, لقاءاتنا ستتكرر إن شئت.. تنتھ بعد لتنشر لم -

.شخصیتك

:قال مازحاوأغریتھ بأن یلملم أشالء ما التقیت بكاتب إال.. ال تقل لي إنك ستعد كتابا عني -

!ذاكرتي في كتاب :قلت. عنیھااستنتجت أنھ ی

مھنتي , أنا مصور.. الكتابة تكفین الوقت بالورق األبیض. أنا لست كاتبا , ال - .كما تثبت فراشة على لوحة.. تثبیت اللحظة, بجثة الوقت االحتفاظ

:الباب قال وھو یرافقني نحو .أنت ال تكفن سوى نفسك بذا أو ذاك.. في الحالتین -

:شیئا ثم واصل كمن تذكرلقد . أن تأتیني في المرة المقبلة بالصورة التي حصلت بھا على جائزةال تنس -

.أخبرتني فرانسواز أنك مصور كبیر .سوى بابتسامة نصفھا تھكم "كبیر"لم أعلق على صفة , كأنني بدأت أشبھھ

.المذھل من األلوان وغادرت المستشفى ملیئا بذلك الكم. تركتھ للبیاض

.إلى تسجیل حوارنا وجدتني أعید االستماع, بیتعندما عادت فرانسواز إلى الفلم . أفرغھ ألمتأل بھ أجبتھا أنني. سألتني إن كنت أفرغ الشریط قصد كتابة المقال

كمن سبقني , وال توقعت یومھا أنني. یكن في الواقع في نیتي أن أكتب أي مقال !سأرتق أسمال ثوب ذاكرتھ في كتاب, إلى ذلك الرجل

***

حد , المصادفات المفجعة في سخائھا قررت الحیاة أن تغدق علیك بتلك,دفع واحدةلقائي بزیان حتى كنت في لم أكن أصدق. إرعابك من سعادة لم تحسب لھا حسابا

.الیوم التالي أتعرف على ناصر مصادفة حقا؟.. من مصادفات أخرى أكان في األمر وما سیلیھ

ومشیئتھ ھي ما نسمیھ ". مشیئتھ المصادفة ھي اإلمضاء الذي یوقع بھ اهللا " .قدرا

لن أعرف . العالم أمر مذھل في تزامنھ وكان في تقاطع أقدارنا في تلك النقطة من .مقالبھا یوما إن كان ھبة من الحیاة أو مقلبا من

كل ما أدریھ أنني مذ غادرت الجزائر ما عدت ذلك الصحافي وال المصور الذيأو في فیلم سینمائي یعیش على أھبة مباغتة؟ , أصبحت بطال في روایة. كنتھ

.لفرح طارئ أو لفاجعة مرتقبة.. ما جاھزا ألمر

عواصم الحزن وضواحي الخوف ھا نحن نتواعد في, نحن من بعثرتھم قسنطینة .الباریسي

أجل اسم أكبر من أن یقیم ضیفا من, حتى من قبل أن نلتقي حزنت من أجل ناصروألن البعض صنع من , اسمھ ن أباه لم یورثھ شیئا عداأل, في ضواحي التاریخ

عائلیة تربي في خرائبھا وأدار البالد كما یدیر مزرعة, الوطن ملكا عقاریا ألوالده .بینما یتشرد شرفاء الوطن في المنافي, القتلة

وضمة منھ احتضنت فیھا , وجمیال كان لقائي بھ. كما تصورتھ كان .جمیل ناصر .فقد كان نصفھ سي الطاھر ونصفھ حیاة ,ب معاالتاریخ والح

وكان دائم البحث عن مناسبة یحتفي .كان یحب لم شمل األصدقاء. بدا مراد أسعدنا .فیھا بالحیاة

بدفء من استعاض باألثاث الجمیل عن خسارة كانت شقتھ على بساطتھا مؤثثة . یتوقفعلى نواح داخلي ال ومن استعان بالموسیقى القسنطینیة لیغطي, ما

:سألتھ متعجبا متى استطعت أن تفعل كل ھذا؟ - :مازحا رد !أثناء انشغالك بالمعارض التشكیلیة -

.فھمت ما یقصد من أین أحضرتھا؟, القسنطینیة واألغاني -الشیخ ریمون وسیمون تمار تجد في األسواق كل األغاني من. اشتریتھا من ھنا -

.األشرطة ون في فرنسا معظم ھذهیھود قسنطینة ینتج. حتى الفرقاني رحت أسأل ناصر عن أخباره وعن سفره من ألمانیا إلى باریس إن كان وجد فیھ

.مشقة :رد مازحا

المھذبة التي تقدم أقصد اإلھانات: ثم أضاف! كانت األسئلة أطول من المسافة - .إلیك من المطارات على شكل أسئلة

:قال مراد مازحا "!وجھ الخروف معروف.. " تدیر یا خویا واش -

:رد ناصر الذئب؟ معروف بماذا؟بأنھ -

:أجاب مرادھنا على . سببا لغضبك وال أدري. فالذئاب كثیرة ھذه األیام, إن لم تكن الذئب -

أما عندنا فحتى . اآلخرین وال تشكل خطرا على. األقل ال خوف علیك ما دمت بریئا !البريء ال یضمن سالمتھ

:رارد ناصر متذمفي الجزائر یبحثون عنك . ال غیر, وذا وآخر, نفاضل بین موت وآخر نحن -

في أوربا بذریعة إنقاذك من . عذابك یدوم زمن اختراق رصاصة .لتصفیتك جسدیاویطیل من عذابك أن العري ال یقتل بل یجردك من , لحظة القتلة یقتلونك عریا كل الناس وتقیم بینھم لكنك لن تكون أنك تمشي بین تشعر. حمیمیتك ویغتالك مھانة

ال خصوصیة . وسحنتك ودینك, اسمك أنت عار ومكشوف بین الناس بسبب, منھمبشھادة الكامیرات أنت تحب وتعمل وتسافر وتنفق. لك برغم أنك في بلد حر

.وأجھزة التنصت وملفات االستخبارات

:قال مراد .لك أیضا في بالدك وھذا یحدث -

: وقف لیسألناوكما لینھي الجدل جماعة؟ واش تحبوا تاكلوا یا -

.لجلسة وإنما رغبة في تغییر نقاش ال یصلح بدایة, ال لجوعي. سعدت بالسؤال ضحكت في أعماقي لما ینتظر ناصر المسكین من مجادالت ومشاكسات یومیة مع

امتناعھ عن تناول الكحول : مراد الذي أقصى تضحیة قد یقوم بھا إكراما لضیفھوقبل أن نجیبھ قصد مراد المطبخ وعاد بصحن من الصومون وآخر . ضرتھح في

:قال وھو یضعھا على الطاولة. والمخلالت من األجبان .قبل العشاء.. ھزوا قلبكم -

نطلب بیتزا إلى البیت حتى ال نتحول إلى فئران بیضاء في مختبر مراد اقترحت أن .للطبخ :ناصر ممنیا نفسھ بولیمة قال.. الھمبرغر األماني في فمي تأتي اما ستعد لنا أطباق قسنطینیة تغیر مذاقعندما -

..كم اشتقت ألكلنا :رد علیھ مراد مازحا

.رجل من الطبخ الجزائري وإال أصبحت حقا إرھابیا دعك یا - :مواصال بمزاح

قد صدر كتاب مؤخرا في أمریكا یثبت عالقة بعض أنواع األكل أتدري أنھ -اطلع علیھ مسؤولونا لوجدوا أنھ من واجب الحكومة أن لو.. ت اإلجرامیةبالنزعا

الجزائریون بذریعة أن اإلرھاب عندنا یتغذى أوال من تتدخل بعد اآلن في ما یأكلھ .المطبخ الجزائري

:لنبرتھ الجادة سألتھ ونظرا أحقا ما تقول؟ -

:أجابمثل الشعب " المشوشطة" مھووسا بأكل الرؤوس أرأیتم شعبا.. طبعا -

" جزائریا ماذا ترید أن تأكل حتى یطالبك الجزائري؟ حتى في فرنسا ما تكاد تسألاللحم الحالل لیفوز برأس مشوي ترى الجمیع وقوفا لدى جزار". ببزلوفأصبح طبقھ المفضل لوبیا وإن لم یجده, أو رأسین یعود بھما إلى البیت.. لخروف

المطبخ الجزائري أن غاندي نفسھ اتبع لشھر واحد ریجیمواهللا لو ". بالكراوع" لباع عصاه ومعزاه واشترى" كراوع" وتعشى " بوزلوف" المعاصر وتغذى

!كالشینكوفنموذج لشعب إنھ. یا لجمال روحھ المرحة. قاتلھ اهللا. ضحكنا كثیرا لكالم مراد

.أنقذتھ سخریتھ من الموت :قلت مواصال جدلھ المازح

استھالكنا الزائد للكراوع ال نفكر سوى بالھروب ومغادرة الجزائر سببربما ب - .وجھة نحو أیة

:قاطعني مستشھدا بمثل قسنطینيما فینا فیر .. مثل الراس المشوشط " أصبحنا" بوزلوف"وبسبب إقبالنا على -

!"اللسان

بذریعة عالقة األكل , طلبناه بالھاتف یوصل ما) ساعي البیتزا( حین جاء وھي بحكم , ولدت في بلد المافیا خاصة أن البیتزا. الجزائري بالنزعات اإلجرامیة

!جیناتھا اإلیطالیة لیست بریئة إلى ھذا الحد, لم ینسني الموضوع الذي كان وحده یعنیني, الفرح الجمیل النادر الذي جمعنا ذلك

:ناصر إلى مزید من األخبار قائال فاستدرجتوالئم األمومة أن یرضى صعب على الذي تربى على, آن للحاجة أن تحضر -

ھذا العمر من وإن كان یعز على نفسي ما ستتحملھ المسكینة في. بشریحة بیتزا .عذاب السفر

:ثم واصلت سائال ھل ستقیم ھنا معك ؟ -ال أدري بعد كیف .. لكنھا ستزورني ھنا حتما. ستسكن مع أختي في الفندق ..ال -

.األمور ستتم .تفاصیل والباقي كان مجرد. لشيء الوحید الذي كنت أرید معرفتھقال ا

بدون أن تكتمل, وكیف لھذه المصادفات العنیفة في سخائھا! ھي ستأتي إذن

.مجیئھا وبدون شيء على ذلك القدر من صاعقة المفاجأةبعیدا أفكر في مصادفة قد تجمعني بھا أو ذریعة رحت. دخلت في حالة شرود

. بوجودي ھناتعطیھا علما أن أعرف في أي فندق ستقیم؟ وإذا كان زوجھا سیرافقھا أم ال؟ كیف لي

طریقة أستدرج بھا ناصر للحدیث عن زوجھا عساه یبوح كنت ال أزال أبحث عن :مراد شھوة شتمھ وقال موجھا الحدیث إلى ناصر عندما لم یقاوم, ببعض أخبارھا

الرخیص؟ واش جاي معاھا ھذاك - :غابسألتھ بت

عمن تتحدث؟ - :قال !ترفع وضیعا إن النجوم ال.. زوج أختھ -

:أجاب ناصرأقارب بعض الضحایا السلطات یخاف إذا زار فرنسا أن یطالب.. ال أظنھ سیأتي -

حرب نظرا لجلسات ومحاكمتھ كمجرم, الفرنسیة بمنعھ من العودة إلى الجزائروحدھم أوالده . التي تمت بأمر منھوبعض االغتیاالت, التعذیب التي أشرف علیھا

.یسافرون لمتابعة أعمالھ في الخارج :بتذمر أشعل مراد سیجارة عصبیة وقال

كیف ال یثرون لو لم یكن لھم مدخول من الجثث ومصلحة, الحرب استثمار جید -

فعندما ال تدور آلة الموت . في إبقاء اآلخرین مشغولین عنھم بمواراة موتاھم.. فمن بربك األكثر إرھابا واألكثر تدمیرا لھذا الوطن. دور لصالحھمكانت ت بأمرھم !القتلة ھم أم

, الرجلین خفت أن یتعكر جو سھرتنا بخالفات في وجھات نظر ال أظنھا جدیدة على .ولكن ما كان الوقت مناسبا لھا

السؤال الذي كان یعنیني ویشغلني استفدت من فتح الموضوع ألطرح على ناصر :قلت.. دائما

استطاعت أختك العیش مع ھذا الرجل وكیف لم ولكن ال أفھم كیف.. اعذرني - تطلب الطالق منھ حتى اآلن؟

:شيء من الصمت رد ناصر بعد .ألن مثلھ ال یطلق بل یقتل -

. یستعرض كل سیناریوھات الموت المبیت راح ذھني للحظات. عبرتني قشعریرة ث؟أیمكن لشيء كھذا أن یحد.. یا إلھي

نظرت إلى . أفكاري السوداویة إلى تذكر ضرورة عودتي إلى باریس أوصلتنيكنت أخاف . وقفت مستعجال الذھاب. الثانیة عشرة إال ربعا فوجئت بأنھا, الساعة

لكن مراد نصحني بالبقاء . لك لیال من مفاجآت قاطرات الضواحي وما تحملھ .ال تتكرر وأغراني بسھرة قد. لقضاء اللیلة عنده

فكرت في فرانسواز التي لم أخبرھا بعدم عودتي إلى. ترددت في قبول عرضھوأنھ قد ال یكون من مكان ... ثم فكرت في أنني لم أحضر لوازمي معي. البیت .جمیعا لنومنا

:لكن مراد حسم ترددي قائال !تخممش كل شيء كاین یا سیدي غیر ما -

یتكرر فأنا لم أنس لحظة أنھ أخحدثا قد ال , وجدت في قضائي لیلة مع ناصر .المرأة التي أحب

. سأطلب فرانسواز بدون أن أخبره أنني, استأذنت مراد في إجراء مكالمة ھاتفیة .باغتني بخبث السؤال, لكنھ بعد ذلك

جاي؟ قلتلھا ماكش.. واش - :سألت بتغاب

شكون؟ - :رد

!متاعك" اللبة " -ربما بسبب شعرھا األحمر أو .. اللبؤةفرانسواز شیئا من ال أدري كیف وجد في

.شراسة مثیرة ربما بسبب ما رآه فیھا من :قلت مغیرا الموضوع بطریقة مازحة

!واألسود" اللبات" یرحم باباك إبعد عني .. الوطن أنا ھارب یا خویا من أدغال - .نوریولھم الزنباع وین ینباع.. ھنا رانا.. واش بیك ولیت خواف -

أم .. للعسكر.. لإلرھابیین": الزنباع أین یباع"ان یرید أن یري ال أدري لمن ك

..لفرانسواز :أجبتھ مازحا ألحسم الجدل

!أنا یا خویا راجل خواف.. وري زنباعك للي تحب -بدا . بعد أن انتھى من أداء صالة العشاء, البیت انضم إلینا ناصر مرتدیا عباءة

. منھ ال عالقة لھا بعباءتھ البیضاءتشع أحببت فیھ طھارة. كأنھ أكبر من عمرهوال أصابتھ تشوھات . یتعفن ویتلوث لم تستطع الغربة أن تجعلھ, مازال نقیا. یبدو مبعثرا على أرض الحریة .كان معذبا بذنب وجوده خارج الجزائر. المغتربین

عن قناعاتھ بصوت كان یدافع. لكنھ لم یفقد رصانتھ وال كان لھ كالم ناري :سأل. وأحیانا بصمتھ. منخفض

عم تتحدثان؟ - :قلت

ھل عیب في أن یخاف المرء؟. أقول لھ إنني خواف كنت - :قلت كما ألبرز لھ خوفي .شعرت أنني خیبت ظنھ. صمت ولم یرد

خاصة في . یغادرني ما عاد الخوف, صدقني لفرط ما عشت مع عدو ال یرى -بي وأنا قعت أن أحدا یتربصتو, كلما غادرت بیتي ألرمي بكیس الزبالة. اللیل

لینقض أو أن أحدا ینتظرني في ركن من الشارع.. أنزل الطوابق المعتمة للبنایةلكنھ ,لم أكن أعرفھ, ذلك أنني كل مرة أتذكر سینمائیا كان یدعى علي التنكي. علي

تصور أن. أغتیل في الحي الذي أسكنھ بینما كان ذاھبا لیال لیلقي بكیس الزبالةبأعمار موضوعة في أكیاس الزبالة على , تبط ذكرى شخص في ذھنك بالقمامةتر

كان قد انتھى لتوه من تصویر فیلم , كما لیجمعھا زبال القدر, العاشرة الساعة ."الفراشة لن تطیر بعد اآلن " عنوانھ

:قاطعني مراد على بالك وشحال في الساعة؟.. الحكایات خلینا من ھاذ.. یرحم باباك -

.ا جمیعنا إلى الساعةنظرن :واصل

لي زافیرات متاع السریكات ولي زافیرات " حبس یا راجل من .. راھي الوحدة -!" جبت كط یوانسني ولى یبرك في عینیھ" ھاذي اللي كالوا فیھا " الكتیالتت متاع

!ولیت تخوف فینا.. یا راجل توانسنا قلنالك اقعد .زمان انفجرنا ضاحكین أنا وناصر كما لم نضحك من

وھو شخصیة كومیدیة شعبیة ) المفتش الطاھر( لفظ مراد كالمھ على طریقو اشتھر على طریقة كولمبو بمعطفھ المضاد للمطر وبدور , في السبعینات توفي

.. أي السرقات" الكتیالت" و " السریكات " في قضایا رجل التحري المختصعلى طریقة " كافا"اف الممیزة في تحویل الق وصنعت شھرتھ لھجتھ. والجرائم

.كاللي" وقال لي "كلبا"الفظا القلب . أھل مدینة جیجلفأخافني بعینیھ جئت بالقط لیؤنسني" وكان مراد یستشھد بمثل شعبي معناه

أخیفھ بعد أن استبقاني ألؤنسھ فرحت حسب قولھ" اللتین تبرقان في العتمة !كیس الزبالةبأخبار القتلى الذین اغتیلوا لیال وھم یلقون

:قال ناصر وھو یستعید جدیتھ, ذعر العجائز من عواقب الفرح وكأنما أصابھ !عندي بالزاف ما ضحكتش ھكذا ..اهللا یجعلھا خیر -

:رد مراد متھكما ..یموت وواحد خایف یضحك واحد خایف.. یاواهللا مھابل -

!إضحك یا راجل آخرتھا موت

. وم كان یحاضر إلقناعنا بالفرح كفعل مقاومةی" . مازفران " كان ھذا شعارنا أیاموھم مستغرقون . الجزائر أن الناس ال وقت لدیھم للحیاة فبالنسبة إلیھ مشكلتنا في

نسوا لماذا , انشغالھم بالبحث عن ذریعة لموت جمیل حتى أنھم في. في االستشھادفال ھؤالء . نحن بالبقاء أحیاء نسینا أن نحیا بینما أثناء انشغالنا. ھم یموتون

.بحیاتنا ھنئوا بموتھم وال نحن نعمنا كانت تنقصنا البھجة حتى صار ضروریا حسب قولھ أن. حتما كان على حق

یؤسس المرء خلیة سریة لتعاطي الفرح سرا في بیتھ بصفتھ نشاطا محظورا أذكر ذلك األستاذ الذي روى لي كیف كان مرة جالسا في . الجزائر لسنوات في, الجامعة مع صدیقین یتجازبون أطراف الحدیث ویضحكون ى رصیفمقھى عل

ماذا : " أفغاني وسأالھم بنبرة عدائیة عندما توقف أمامھم رجالن في زيولم یذھبا . على أحد الجالسین ولم یشفع لھم إال أن تعرف أحدھما". یضحككم؟

!"یضحكوا ما یزیدوش یعاودوا" حتى أخذا منھم عھدا بأنھم الطغاة وجد فیھا ما یؤكد نظریتھ بأن, ت تلك الحادثة الغریبة لمرادعندما روی

.یجدون دائما في فرح الرعیة خرقا لقوانین القھر وتعدیا على مؤسسة العسففأي دكتاتور . ولذا إن أكبر معارضة ألي دیكتاتور في العالم ھي أن تقرر أن تبتھج

د میالده أو ذكرى وصولھ إلىعلیھ أن یفرح الناس إن لم یرتبط فرحھم بعی یعز .الحكم

. قسنطینیة كان مراد أثناء ذلك قد توجھ إلى آلة التسجیل ووضع شریطا ألغنیة

نسیتھا وقبل أن نستجمع أفكارنا عال صوت تلك األغنیة الراقصة التي كأنني ماتكاد أغنیة من تلك األغاني التي. مع أنني لم أستمع إلیھا منذ زمن بعید, یوما جسد نساء شاھدتھن في طفولتك بشعرھن. ویكاد یكون لھا جسد, ون لھا رائحةتك

المنفلت یرقصن منخطفات حتى اإلغماء في أثوابھن الجمیلة المطرزة بخیوط .الذھبیرقص كأنھ یراقص نفسھ على موسیقى , والسیجارة في طرف فمھ, مراد وقف

یتحرك نصفھ األعلى , تخلو من رصانة الرجولة وإغرائھا رقصة ال. الزنداليبینما , حركة یضبطان إیقاع التحدي الذي یسكنھ بكتفین یھتزان كأنھما مع كل

.شھواتھ واإلیقاع السري لجسده یتماوج وسطھ یمنة ویسرة ببطء یفضح مزاج .وفھمت لماذا تشتھیھ النساء .أجمل مما كان یوما. بدا لي فجأة أجمل مما ھو

مرة على التلفزیون أثناء زوجھا الذي شاھدتھال أدري كیف أعادني رقصھ إلى

.نقل حفل مباشرجالسا في الصفوف األمامیة , العسكریة كان بھیئة من یدعي الوقار یرتدي مھابتھ

عندما تلتھب القاعة بصوت مكتفین, مع أولئك الذین ھم أھم من أن یطربواضع والتكرم على متوا بجھد" ألیف یا سلطاني والھجران كواني" الفرقاني مرددا

المثبتة بغراء المغني بتصفیق رصین خشیة أن تتناثر من على أكتافھم نجومھم !ھیبتھم الزائفةھو حتما فاقد للقدرة , الطرب إن رجال ال یتنتفض منتصبا في حضرة. أشفقت علیھ

!على االرتعاش في حضرة النشوة .البارد في سریرھا شكرت یومھا حضوره

كأنما كانت الموسیقى .ذلك یزداد وسامة كلما ازداد وقع الدفوفكان مراد أثناء

.یعرفھ وكأن جسده في انتشائھ یبتھل لشيء وحده. تدق احتفاء برجولتھ قسمطینة ھي غرامي...............باسم اهللا نبدى كالمي

إنتـي والوالدیـــن...............منامـي نتفكرك فيوتمضي األغنیة ) اهللا( مع نھایة كل بیت مغنيكانت األصوات والدفوف ترد على ال

:اسما في ذكر أحیاء قسنطینة وأسواقھا اسما رحبة الصوف قلبي مجروح.................على السویقة نبكي وانوح

رحـت یا الزیـن خسـارة.................. الـواد والقـنـطرة باب. ت جاھال ما سیكون قدرك معھاھذه األغنیة التي مازل, مؤامرة لكأنھا تحیك لك

تضعك أمام االنطفاء . طربا یفضي بك إلى حزن, شجن تھدیك شجى یفضي بك إلى .بوزر خساراتك ألنھا تذكرك, الفجائي لمباھج صباك

وضعنا ذاك دعوة ھي في, برغم إیقاعھا الفرح, أأراد مراد حقا إبھاجنا بأغنیة

لالنخراط في ولم نعد نصلح, ادة الفرحمعلنة للبكاء؟ أو ربما نحن من فقدنا ع !حزب البھجة الذي یدعونا إلیھ عنوة

انتھت سھرتنا . لمراقصتھ احتفاء بمباھجنا المؤجلة عبثا حاول مراد استدراجنا .خسارات لم ندر كیف نتدبر أمرھا بأحاسیس متناقضة تخفي, كما بدأت

بعد ذلك أن أتقاسم علي وعندما كان. احترمت حزن ناصر المترفع عن اإلفشاءلشخصین ونمت تركت لھ األریكة التي تحولت إلى سریر, معھ غرفة أصبحت للنوم

وكنت رجل الشھوات األرضیة. كان لھ مقام التاریخ وسطوتھ. على فراش أرضي .والحزن المنخفض الذي نام دوما عند أقدام قسنطینة

***

وقلبك الذي استیقظ مقلوبا, وأنت عابر سریر حیث نمت, صباح الضواحي الباردة, كمزاج الكراسي المقلوبة فجرا على طاوالت المقاھي الباریسیة, رأسا على عقب

.من یمسح أرضھ من خطى الذین مشوا بوحل أحذیتھم على أحالمك ینتظر

أوراق خریف العشاق؟ من یكنس رصیف حزنك منعن جانب یغفو بحثاأكان لمزاجي عالقة بلیلة قضیتھا على فراش أرضي أتقلب

علیھ أرقي؟مع أخ امرأة حلمت أن أتقاسم غرفة نوم, أنا الذي كنت أختبر أغرب المصادفات

!أن أقضي معھا لیلةتماما عند , أرضا على فراش الحرمان أیمكن أن تأخذ قسطا من النسیان عندما تنام

أقدام ذاكرتك؟ق للھروب منھا وال جدران حیث كنت؟ وماذا أتسل أین أنجو من امرأة تطاردني

لسجنھا؟

كما تتحدث النساء عندنا مع بعضھن , الثرثرة قلیال مع ناصر واصلت, قبل النوم .البعض بین طابقین

استدار ناصر صوب جھتي وسألني , وبعد أن توقعتھ غفا, عتمة ما قبل النعاس في :فجأة

كیف تركت قسنطینة؟ -أن یغفو على أو كأنھ أراد, ینفضح بھخشیة أن. شعرت أنھ أجل السؤال األھم

!ذكراھا كما یغفو غیره على ذكرى حبیبة :وجدتني أقول لكن. أردت أن أدثره بشيء جمیل

كلما ماتت .ال مالءة في قسنطینة. لقد خلعت أخیرا حداد صالح باي. ھي بخیر - .عجوز كفنت بمالیتھا وولد حجاب جدید مع صبیة

أظنھ غفا وھو یضم إلى صدره . ت لحزننا مزیدا من الكالمأضف وال أنا. لم یقل شیئا .برائحتھا مالءة أمھ المضمخة

وأنزلق تحت ,كنت أفكر وقتھا في امرأة ھي الوریثة الوحیدة لذلك الحداد الجمیل

.فراش غیابھا, أخفي ثوبھا كما نخفي ,تلك التي بعد كل زیارة یتجدد عبقھا, سریري لم یخل منھا

الوحدة قمیص ویعودني في.. أزور رائحتھا. ثیابنا تحت الوسادة, لیلة العید .نومھا

.قارورة الجسد لقمیص نوم سرق كل عبق األنوثة المعتقة في, عامان من الوفاءآثار أحالم وعلى سریري, كل صباح, وأستیقظ. كنت أواظب على اشتھائھا كل لیلة

.مخضبة بھا أخرى؟ تذھب بھاأستأتي إذن تلك التي تجيء بھا مصادفة و وال عدت إلى سلة المھمالت بحثا عن, وأنا الذي لم یحدث أن التفت إلى الخلف

.شيء سبق أن ألقیتھ فیھا .بانكسارھا أرمم ما تھشم مني, عشت أجمع بعضھا في اآلخرین

ناصر بعد أن زودت, وھأنذا أعثر على آخر حیلة الستدراجھا إلى فخ المصادفةخاصة بعدما أخبرتھ , واثقا تماما أنھ سیحدثھا عنھ,ببطاقة عن معرض زیان

.وبیعھ في ھذا المعرض آخر لوحاتھ بمرضھ :قال ناصر متأثرا بالخبر

مم یعاني؟.. مرضھ كم یحزنني - .لكنھ ال یدري.. من السرطان -

:قال متھكمایھ أن لقد علم بأكثر مما كان یجب عل. أنت حتما ال تعرفھ جیدا! یدري؟ مثلھ ال -

.یعرف منذ متى تعرفھ؟ -كان یزورنا عرفتھ في صغري األول عندما. كأنني عرفتھ دوما.. منذ زمن بعید -

وعدت فإلتقیت بھ في قسنطینة, ثم أضعتھ بعض الوقت, في تونس بعد وفاة أبي.. ال أفھم حتى الیوم كیف قبل أن یحضر ذلك الزفاف. بمناسبة زفاف أختي حیاة

لكن كان لھ دوما في قلبي شيء من ذكرى .. حیدة التي اختلفنا فیھاالمرة الو كانت .أبي ھیبة

مازحا سألتھ. ذھب ناصر لیأخذ حمامھ الصباحي ویحلق ذقنھ, عندما استیقظنا

:ونحن نتناول قھوة الصباح ھل حلقت لحیتك خوفا من المضایقات؟ -

:یحرك قھوتھ بتأن رد وھوأفضل " اهللا عنھ أنا أحب قول اإلمام علي رضي. قھاماكانت لي یوما لحیة ألحل -

. السبعینات كتلك اللحیة التي حكمتنا في, بعض اللحى عدة تنكریة". الزھد إخفاءه فقصتھ معروفة لدى رجال جیلھ الذین یروون أنھ یوم, أنت حتما تعرف صاحبھا

اھا منذ فأخف, كان شابا تلقى ضربة بالموسى في وجھھ في أحد مواخیر قسنطینة .بلحیة غطت عاره بھیبة ذلك الحین

وقال متأسفا إنھ كان ,سألني بعد ذلك عن عنوان المستشفى الذي یتعالج فیھ زیان .وأختھ لوال أنھ مشغول باستقبال والدتھ.. یتمنى أن یذھب لیعوده الیوم

كان علي بعد اآلن أن أنتظر, وقد نصبت فخاخ المصادفة في كل مكان, ھكذا فالصورة كما . أو بصبر مصور ینتظر ساعات لیصطاد صورة, بصبر صیادمجیئھا .تمنح نفسھا إال لعاشق جاھز أن یبذر في انتظارھا ما شاءت من العمر ال, المرأة

وتسعد أیضا , فمراد من النوع الذي تسعد عندما تلتقي بھ, سعیدا عدت إلى البیت .إلى سكینتك عندما تفارقھ وتعود

الذي رقص ذاك: استعرت منھ شریطین. عد إلى سكینتي خالي الیدینغیر أنني لم أ كما, اعتاد الحزن عندي أن یرافق كل فرحة. وآخر كنت أنوي البكاء علیھ, علیھ

یصاحب فنجان القھوة كوب الماء المجاني الذي یقدمھ لك نادل عندما تطلب قھوة .فرنسا في

.شعرت أنھا افتقدتني. احتفت فرانسواز بعودتي :ضحكت. إنھ ھایص وحایص كعادتھ قلت لھا. سألتني عن مراد

- Il est marrant ce type..

. لم یكن لیثیر شكوكي بعد, حسب قولھا" لطیفا" أو" طریفا"وأن یكون ھذا الرجل .فخاخ المصادفة كنت دائم التفكیر في إحكام, في الواقع

:المعرض عةقلت حتى أھیئھا لتواجدي المكثف بعد اآلن أكثر في قا ھل من إزعاج إن ترددت ھذین الیومین على الرواق؟ إنني أحتاج أن أرى -

.وأن ألتقي بزوار المعرض ألكتب عن زیان بطریقة أكثر حیویة, اللوحاتوسألتني عنك , كارول تجدك لطیفا. طبعا ال إزعاج في ذلك.. جمیلة فكرة -

.البارحة حقا؟ بأیة مناسبة؟ -. ألزور والدتي قد أسافر في نھایة األسبوع إلى جنوب فرنساأخبرتھا أنني -

.سألتني إن كنت ستسافر معي فأجبتھا أنك على األرجح لن تأتي, مفوتا علي فرصة لقائي بحیاة, لو عرضت علي ذلك, أنني ما كنت رافقتھا برغم

.لي الخبر بتلك الطریقة آلمني أن تزفال یعطیني حق وھذا, ضعة أیام فقطفأنا أقیم معھا منذ ب, ثم عدت وعذرتھا

.مالحقتھا وإحراجھا أمام والدتھا

, علیھا صور مختلفة األحجام , في الصالون اتجھت فرانسواز نحو طاولة ركن :إیاھا قالت وھي تریني, وعادت بواحدة لسیدة ستینیة

أبي في أتردد علیھا كثیرا لمواساتھا منذ فقدت. أعز مخلوق عندي.. إنھا ماما - .السنة الماضیة

.یؤسفني ذلك - :استطردت تأملتھا بمحبة ثم. أخذت منھا الصورة

.ھي أجمل من أن تطوقي ابتسامتھا بھذا البرواز الفضي الضخم - .اشتریتھ قبل سنتین من سوق البراغیث. قدیم وثمین.. أحبھ - تأطیر الناس الذین نحبھم ال یحتاجون إلى. ال یلیق بھا ربما كان ثمینا لكنھ -

أن یشغلنا اإلطار عن النظر إلیھم ویحول بیننا إھانة. صورھم في براویز غالیةألنھا لیست لوحة فنیة وإنما ذكرى اإلطار ال یزید من قیمة صورة. وبینھمالجمیل أن تبقى . بذاكرتنا لذا ھو یشوش عالقتنا الوجدانیة بھم ویعبث, عاطفیة

.افیة الزجاجصورھم كما كانت فینا عاریة إال من شف :ثم قالت, فرانسواز مأخوذة بكالمي صمتت

.مصور ھذا المنطق ال یدركھ إال. ربما كنت على حق - :صححت لھا

!أو محب - :جمیلة ثم واصلت واجدا في اقتناعھا مناسبة اللتفاتة

بأال میزیھا, إن كانت األعز عندك. أتسمحین أن أھدیك بروازا لھذه الصورة - .یئاتضیفي إلیھا ش

:طوقتني بذراعیھا وقالت وھي تضع قبلة على خدي- Tu sais que je taime.. toi.

:قلت مدعیا التعجب- C'est vrai ca?

" أتدري أنني أحبك؟" سؤال جمیل كیف ترد علة امرأة تطوقك باعتراف في صیغةفي تفضي بك إلى السریر متفادیا أسئلة أخرى قد" أحقا ھذا؟" إال بسؤال آخر

.وضح النھار مع امرأة دائمة االشتعال :أداعبھا قلت وأنا

وبدون لكن بھدوء. واحدا.. سأجیب عنھا واحدا. أجلي أسئلتك إلى المساء - !صراخ إذا أمكن :ضحكت وقالت

!سأحاول.. أیھا اللعین - .لم أطمئن علیھ منذ یومین. بعد الظھر سأزور زیان -خذه إلیھ . حتما اإلطالع علیھ عرضھ سیسعدهفقد صدر مقال جید عن م.. حسن -

كانت نھایة أسبوع مثمرة .أخبره أیضا أن ثالثا من لوحاتھ بیعت البارحة. معك .بالنسبة للرواق

:ثم أضافتمن ناحیة یذھب . أفرح أم أحزن عندما تباع لھ لوحة لم أعد أدري أیجب أن -

قوم بمجزرة تجاه أعمالھ أخرى أشعر كأنھ ی ومن ناحیة.. ریعھا في عمل خیريأنا لم أسمع بمذبحة فنیة .. شھر بتصفیتھا جمیعھا خالل معرضین بینھما أقل من

.غریبة كھذه :أجبتھا وأنا أتنھد

!یعي ما یفعل أتمنى أنھ -

*** .كانت الساعة الثانیة ظھرا عندما قصدتھ

.سألتھا عن وضعھ الصحي. غادرت غرفتھ صادفت ممرضة :قالت

.في تحسن - :ثم واصلت

.كنت من أقاربھ أقنعھ بعدم مغادرة المستشفى ھذا األسبوع إن - بذلك؟ لماذا ؟ ھل طالب ھو - لكن الطبیب. یرید أن یزور معرضھ ویجمع لوحاتھ عند انتھاء المعرض.. أجل -

ھل ھو رسام؟.. یخشى أن یتسبب ھذا الجھد في انتكاس صحتھ .رسام كبیر -

. أحملھا في یدي عسى ذلك یمنحھ حظوة خاصة لدیھمالمجلة التي كنت أریتھا :برؤیة صورتھ وعنوان المقال قالت مكتفیة

.فالفنانون مفرطو الحساسیة ,یحتاج إذن لعنایة أكثر. یبدو كذلك.. فعال -سریره یسلم علي نھض من. أضاءت وجھھ فرحة المفاجأة, عندما دخلت علیھ

.يوجلس قبالتي على الكرسي الجلد. بحرارة

:بادرني !حسبتك نسیتني ..وینك - .انشغلت ببعض األمور.. طبعا ال -

وماكنت ألخبره طبعا بوصول حیاة . في باریس لم أشأ أن أخبره بوجود ناصر .ووالدتھا الیوم

:واصلت .حتى الممرضة تجد صحتك في تحسن.. الیوم أفضل أراك - أرى لوحاتي مرة أخیرة أحب أن. المعرض لكنني سأكون أحسن لو زرت.. ربما -

.وأن أجمع ما بقي منھا, قبل أن تباع :بالمجلة مددتھ

عن" سثزء" بالمناسبة أرسلت لك فرانسواز معي مقاال صدر في مجلة - .مقال جید.. اطلعت علیھ في المترو. معرضك

.سأقرؤه الحقا - :شيء آخر قد یسعده قلت وأنا أبحث عن

أن أحضرھا وطلبت مني, منحوني جائزة علیھاأحضرت لك أیضا الصورة التي - .لك

:وراح یتأملھا بعض الوقت, أخذھا مني. دبت فیھ حماسة مفاجئة أو كأنھ یمتد إلى ما یبدو حیاة برغم أنھ ال, الموت فیھا یجاور الحیاة. مؤثرة حقا -

.یمثل فیھا سوى جثة كلب .حواراتنا منمستأذنا منھ فتح المسجل حتى ال أفوت شیئا , قاطعتھ

:أجاب بشيء من التعجبفي . منحوك جائزة على ھذه الصورة أفھم أن یكونوا[ ثم واصل. ] افعل إن شئت -

ككلب تجده میتا ,الحرب یصبح موت حیوان موجعا في فجیعة موت إنسانجثتھ . بیتك مضروبا على رأسھ بالحجر بعد أن قتلھ اإلرھابیون لیتمكنوا من دخول

.مشروع جثتكأیام حرب التحریر ھي منظر جثث الحیوانات التي كنا, ثمة صورة تحضرني اآلن

وعلقت في أثناء اجتیازنا الحدود الجزائریة التونسیة نصادف جثثھا تكھربت أو تبعثرت أشالؤھا وھي تمر فوق, أثناء محاولتھا اجتیاز خط موریس, األسالك

ولم یخطئ إحساسي إذ . و عطبيدوما كنت أرى فیھا إحدى احتماالت موتي أ. لغمولذا . تتشابھ, كل جثث الكائنات التي كانت حیة.وذھب یوما بذراعي انفجر لغم

یفعلون . كلب أو قط ما كانوا یسرعون إلطعامھ یوم كان حیا الذین یسرعون بدفن .رفاتھم ذلك ألنھم یروا في جثتھ

خاصة من الصحافة. عذبتني التأویالت الكثیرة لھذه الصورة. یسعدني رأیك - ال.. الجزائریة التي رأت بعضھا أن فرنسا كرمت في ھذه الصورة كالب الجزائر

.موتاھا :أجابني مبتسما

. من التأویالت إال ما یضرك مع أن البعض ال یأخذ. وھذا أیضا تأویل فیھ صواب -

غربي حقیقة أن اإلنسان ال ولكنھم ھنا یستندون إلى. لمتعة إفساد فرحتك بالنجاحوالمشردین مما جعل المتسولین, أكثر شفقة على الحیوان منھ على اإلنسان

مع تراھم جالسین على األرصفة. یخرجون إلى التسول بصحبة كلب وأحیانا كلبین سمعت. كالبھم الضخمة النائمة أرضا بعدما أدركوا أن الكلب شفیعھم لدى المارة

وإن , یتصدقون على كلبھ ولیس علیھأحدھم یقول مرة على التلفزیون إن الناس في بالد یحسن فیھا . فقبلھ كان یموت جوعا, لیس رأفة بھ وإنما بكلبھ إحسانھم

ال صورة طفل بائس .. من المنطقي أن یكرم جثة كلب, ال لصاحبھ اإلنسان للحیوان !جواره

یم لكنھا أضافت إلى إعجابي بھ انبھارا بمنطقھ السل. بحزن إضافي أصابتني حججھ :بعد شيء من الصمت كأنھ وقع على اكتشاف جدید في التحلیل وھو یقول

إنھا شھادة عن وفاة , الختیارھم ھذه الصورة ثمة مع األسف احتمال آخر -اإلنسان والكالب في الجزائر بعد سبع متمثلة في وحدة مصیر, الثورة الجزائریة

راحة للضمیر الفرنسي فیھا إ .وأربعین سنة من االستقالل, سنوات من النضال .وتشف مستتر

:فاجأنا قلت بنبرة أسى قاطعا صمت حزن بل كیف أتخلص من مال ھذه. ما عاد یعنیني أن أعرف شیئا عن ھذه الصورة -

.الجائزة بعمل یعود ریعھ لضحایا اإلرھاب :ثم أضفت وقد تذكرت شیئا

.ثالث من لوحاتك بیعت البارحة: بالمناسبة - :قال بسعادة

.أظنھا ستباع جمیعھا. ال یھم.. أیا منھا بیعت ال أدري.. جمیل - :قلت بعد شيء من الصمت

في ھذا الفقدان الكامل . أفھم أن یتخلى رسام عن كل لوحاتھ دفعة واحدة ال - .بالفاجعة وإصرار على الخسارة والفوري إشعار

أتعتقد ھذا؟ -وبحزن ھاتف , بدون توقفلكنھ واصل .صمت حتى ظننت أنھ لن یضیف شیئا

:یرن طویال وال یرفعھ أحدعلیك أال . ألنك لم تمتلك شجاعة التخلي عنھا, تتخلى األشیاء عنك أن.. الفاجعة -

إنھ فن تقدیر الخسائر . فأنت ال تغتني بأشیاء ما لم تفقد أخرى .تتفادى خساراتك. ع لي سوى خساراتيال متا" أنا كصدیقي الذي كان یردد , ولذا .التي ال بد منھا

أحب . أؤثر الخسارات الكبیرة على المكاسب الصغیرة,"متاع أما أرباحي فسقط .واحدة المجد الضائع مرة

لو تدري لبلغت عمق رحم. لو تدري كم من األمور الغریبة كنت شاھدا علیھا .الحكمة

:ثم واصل, صمت قلیال حیث كان یعرض الرسام ,القاعة شب حریق لیال في, نوفمبر الماضي16في -

لكنھ . أعرف ھذا الرجل أنا ال). لیل( المغربي المھدي القطبي أعمالھ في مدینة

خالصة أصبح صدیق فجائعي عندما قرأت في الصحف أن معرضھ ذاك كان یضم .خمس وعشرین سنة من أعمالھ الفنیة

أعوام إنجاز لوحات أخذت منھ أجمل ثالثون سنة قضاھا في باریس مثابرا علىأن یحضره الزوار زارتھ حرم فیھا نفسھ من كل شيء لینجز معرضا بدل, عمره .النیران

ربما في . حضروا بدل النار لیت اللصوص ھم الذین, قد تقول, في ھذه الحالةالحین واآلخر سرقات ألشھر ھكذا عودتنا األخبار التي تنقل لنا بین. األمر عزاؤك

یحددھا قدر اللوحات بل ال, قسمة ونصیب, الحریقغیر أن السرقات كما. اللوحاتلوحات بیكاسو أو فان ولذا أنت لن تسمع یوما بنار التھمت, قدر أصحابھا وشأنھم

!كما لن تسمع بسارق غامر بسرقة لوحاتي.. غوغ :یتمتم قلت كمن

!غریب ھذا األمر - :قال متھكما

اسمع . إلى أعدائھا وسارقیھااللوحات بنفسھا ثمة أقدار أكثر غرابة تذھب فبھارجل . في أوربا منذ عشرین سنة لي صدیق عراقي یقیم: ھذه القصة العجیبة

. یتحدث إال عنھا ال, ال یرسم إال مدینتھ. مھووس بالبصرة كھوسي بقسنطینةیرفض وعلى حاجتھ كان. یعرض الكثیرون علیھ شراء لوحاتھ تلك, وكان لشھرتھ

فأھدي, ذلك الیوم الذي یتحرر فیھ العراق من طغاتھإنني أحتفظ بھا ل: " ویقول ."مكانھا الحقیقي, یومھا لوحاتي إلى متحف البصرةمشھورة بولعھا باقتناء األعمال الفنیة وحبھا ذات یوم زارتھ سیدة كویتیة ثریة

غیر , وعبثا حاولت إغراءه بشراء لوحاتھ .لمساعدة المبدعین العرب في المنافيقبل , منھ في تقدیر تلك السیدة للفن وثقة, أن تتشرد لوحاتھ بعدهأنھ أمام خوفھ

فتسلمھا " تتحرر البصرة" عرضھا في أن تحتفظ بھا وتبقى في حوزتھا حتى .بنفسھا إلى متحف المدینة

بعد سنة من حیازتھا . لسینمائي أن یتصوره غیر أن الذي حدث ال یمكن حتىأثناء احتاللھم قصرھا وقعوا على و ,قامت جیوش صدام بغزو الكویت, اللوحات

اختفت أخبارھا مع فأخذوھا غنیمة حرب إلى العراق حیث, لوحات الرسامعلیھ وربما تكون أعدمت نیابة عن صاحبھا المحكوم. المختفین والمخطوفین

أو قد تكون, أو ربما تكون زینت قصور الطغاة أنفسھم! باإلعدام منذ عشرین سنةفھكذا كان یفعل النازیون الذین كانوا عندما . الخردةبیعت بسعر رخیص في سوق

إذالل رسام كبیر یصادرون لوحاتھ ویبیعونھا بأسعار زھیدة ال تتجاوز یریدون !ماركا أحیانا الثالثین

طاعنا عندما تبلغ عمرا, ثمة حكمة ال تبلغھا إال في عز وحدتك وغربتك.. كما ترى لتھون علیك, تدرك قیمة ما بقي في حوزتكتلزمك خسارات كبیرة ل. في الخسارة

أن تقوم بفرز ما, عندھا تدرك أن السعادة إتقان فن االختزال. الفجائع الصغیرةوقتھا تكتشف أن معظم . وما یلزمك لما بقي من سفر, بإمكانك أن تتخلص منھ

وألنني وصلت . بل ھي حمل یثقلك, تحیط بھا نفسك لیست ضروریة األشیاء التي

حتى اللوحة األحب إلى قلبي . أبیع جمیع لوحاتي القناعة قررت أنإلى ھذهأنا حجزتھا , في الواقع, أنھا محجوزة وضعت علیھا إشارة توھم, عرضتھا للبیع

الوحیدة التي یعنیني أ، أعرف لمن إنھا. خشیة أن یشتریھا من لیس أھال لھا .بیت أم على حائط, ھل ستعلق على جدار قلب. ستكون عندما تبدأ في االختزال تكتشف أن عمرك كلھ قد یختصر في إنجاز, ھایةفي الن یرثھ منك بحكم. فأن تترك إنجاز عمرك لقریب ال یقدر قیمتھ, أما األكثر ألما. واحد

.صلة الدم ال صلة الفنفنانون وكتاب قد الذي قد یكون, ھل یجوز أن أترك أعمالي البن أخي اإلرھابي

.ن یقتل بشرا ال یؤتمن على شيءقتلوا على یده؟ إن م .ذلك الصمت الذي یحدث فیك أثرا أكثر من الكلمات, صمت ثم فجأة

:جمعت شجاعتي وقلت لھ. بعیدا ذھب بي التفكیر وقتھا إیاھا؟ ھل تبیعني.. أرید أن أشتري منك ھذه اللوحة -

:أجاب بذكاء من عثر على مخرج. فوجئ بسؤالي !كیف أثق في حبك للوحة ال تعرفھا. وحة أتكلمل ولكنك ال تدري عن أیة -

:أجبتھوقفت أتأملھا طویال في المعرض ولم . وھذه اللوحة خاصة ..أنا أحب كل أعمالك -

!أفھم أن تكون بعتھا :ثم قال بنبرة متعجبة, من جلستھ أصلح

من أعمالي علیھا إشارة تعرفھا؟ كیف لك أن تعرفھا؟ ثمة سبع عشرة لوحة - !و إنھا بیعتحمراء تق

:أجبتھ بعناد جمیل ! لوحة؟17عندك أنني عرفتھا من بین أال یشفع لي -

:األخیر رد مستسلما وقد حشرتھ في المربع !فھي لك.. إن دلیتني علیھا حقا -

:كبیرا في ھزیمتھ كمن یرید أن یكون, ثم أضاف بعد صمت !ھي لك بدون مقابل.. أقصد - .مال تلك الجائزة نبل مقابل كل ما بقي لي م -

:ثم واصلت في محاولة إلقناعھ بمكاسبھوأنت تملك لوحة .. ماال أرید أن أتخلص منھ في عمل خیري أملك. صفقة جمیلة -

والناس الذین , وأنت , أنا , تصنع سعادتنا نحن الثالثة بھذا. ال تدري لمن تتركھا .لھم سیذھب ریع ھذه اللوحة

: ذھنيوفكرة مجنونة تعبر, ثم أضفت .وربما تصنع سعادة شخص رابع - من؟ - !المرأة التي قد أھدیھا إیاھا -

:رأیھ غیر أني استدركت خشیة أن أجعلھ یعدل عن !ككل نساء قسنطینة.. إنھا سیدة الجسور.. ال تخش على لوحتك -

أو قلت أكثر مما یجب أن أقول في جلسة , دفعة واحدة لھ كل شيء لعلي قلت .واحدة

ویعرف .. حزن محارب تخلت عنھ زوجتھ وھو في الجبھة, حزینا للحظةبدا لي .ذلك

متھكما حتى لكأن , متغابیا كما یلیق, ذكیا كما ینبغي, ذاك لكنھ كان في مشھده .بالسخریة حزنھ یدافع عن نفسھ

:كفنار بحري في لیل ممطر, قال بصوت خافت اإلضاءة. الجسر ال یصلح لتعمر بمحاذاتھ بیتا. تحب امرأة تحب الجسور ال.. یا مغبون -

كأن ترفع الكلفة بینك . أن تبني بیتا على طرف جسر. لمأواك ھو ال یصلح سقفا !وبین الھاویة

ذكیا ذكاء المرض األخیر الذي .مریضا بحكمتھ المتھكمة حتى لكأنھ یعاني منھا كان .یجعلك تتنبھ لما لم تكن تراه من قبل. فرصة التفكیر یمنحك

یستعید المرض حدس األطفال في معرفة من . طفال أألن المرض یعید اإلنسان یحبھم ومن یكذب علیھم؟

لكن ماذا كان یعرف عني ھذا الرجل . أنھ أحبني منذ اللقاء األول كنت واثقاھو الذي لم أصادف أحدا , صدیق كما لو كان ینتظر مجیئي المحتفي بي كقریب أو

كان یتحدث , لكن. أعذاري الصحفیة في طلب مقابلة قھو لم یصد, یعوده؟ حتمابدون أن یغفل أثناء , وصدیقا أحیانا أخرى ..إلي كما لو كان یحادث صحفیا حینا .ذلك الغریم الذي كان یتوجسھ في

:شبھ معتذر سألتھ .لنفسي إن كان یزعجك أن أھدي ھذه اللوحة لشخص آخر سأحتفظ بھا -

:لكالم الذي لم أختبر صدقھ إال الحقاوقال ذلك ا, ضحك متھكماأنت لست سوى ید . فلست من یقرر قدرھا, حتى أن تكون اللوحة لك.. تھتم ال -

وأحیانا , كل شيء یغیر ید صاحبھ. ستتناوب علیھا أید كثیرة في عمر أشیاءكل شيء لك سینتقل إلى , مقتنیاتك, بیتك, وظیفتك, امرأتك .یستبدلھا بید عدوه

ولذا علیك باكرا أن تتمرن على تقبل . تدري بذلك المھم أال. أم أبیتغیرك شئت .الخیانة

:یحرك كتفھ األیسر مشیرا إلى ذراعھ المبتورة صمت قلیال ثم واصل وھوعلیك أال تعجب أن , وھي من لحمك ودمك وتتخلى عنك, عندما تھجرك أعضاؤك -

؟بلوحة فما بالك.. یتخلى عنك حبیب أو قریب أو وطن وأفلست وأنا أراه, أنني شخت في لحظات, شعرت كأنما الحزن رفعني إلى عمره

.یستعرض خساراتھ :قلت

.الحكمة لم أعرف قبلك رجال على ھذا القدر من.. أحسدك - :رد بتھكمھ الموجع

.. سأنتھي إلى مصیر الجاھل مادمت: " سأجیبك بقول أحبھ في الكتاب المقدس - "فلماذا كنت حكیما؟

:ألول مرة نت على وشك مغادرتھ حین نادانيك ...خالد -

:تستخف بذكائھ ثم واصل ممازحا كمن ال یعنیھ جوابك بقدر ما یعنیھ أال أما زال اسمك خالد؟ - ..أحیانا - ؟..أخرى وأحیانا -

:قلت متھربا من سؤالھي الواقع ف.. الذي یشبھني أكثر االسم.. في معظم األحیان اسمي خالد بن طوبال -

.أخذتھ من روایة :لیوفر علي جھد البحث عن ذریعة قاطعني قائال كما, وقبل أن أواصل

رصیف األزھار لم یعد " حداد أتدري لماذا انتحر خالد بن طوبال في روایة مالك - :قلت معتذرا" یجیب؟

.منذ زمن بعید ونسیت أحداثھا قرأت ھذه الروایة, في الواقع - :قالعدا انتحار بطلھا في , شيء تقریبا ال یحدث فیھا. یرة من مائة صفحةروایة صغ -

أن وریدة زوجتھ , الجرائد عندما علم أثناء وجوده في فرنسا من, آخر الروایةالعودة إلى قسنطینة مستعجال, التي یعشقھا وقاوم من أجلھا كل إغراءات مونیك

أمرھا عندما وانفضح, ینھربت أثناء غیابھ مع أحد المظلیین الفرنسی, لیراھافي شخص غیره كان فكر. ولذا یلقي خالد بنفسھ من القطار. ماتت معھ في حادثیولد بعاھة , لكن القسنطیني الذي أمھ صخرة وأبوه جسر, طریقة أخرى للموت

وتلك , مسكونا بشھوة القفز نحو العدم, حامال بذرة االنتحار في جیناتھ ,روحیة .تغریك باالستسالم للھاویةالھائلة التي الكآبة

كان . إنما علمھ بھا, خالد بن طوبال لیست الخیانة ھي التي كانت سببا في موت, ألن وریدة التي .. الروایات یدري غیر أن خالد بن طوبال في كل, علیھ أال یدري

" قرانھا على الریح عقدت." حسب تعبیر مارغریت دوراس في إحدى روایاتھامرة : مرتین وفي كل الروایات یموت خالد. ة مع مظلي جدیدتخونھ في كل روای

!ومرة بذكائھ.. بسبب جیناتھ القسنطینیةوبین , رجل ینصب لك بین الكلمات فخاخ الصمت ماذا كان علي أن أفھم من كالم .األلغام صمت وصمت یھدیك مفك تأویل

:سألني فجأة ھل أنت قسنطیني؟ -

:قلت كمن یعترف بخطیئة ..أجل - كل حب. ال تحب امرأة تحب الجسور.. ما دام لیس في إمكانك تغییر جیناتك -

.قسنطیني یقف على حافة المنحدرات العاطفیةوعبثا حشرت . اكتسب فطنة المرض لكنھ, فقد غفلة الصحة.. یا لھذا الرجل

.إیاه حواسي أللتقط ما یمكن أن یشي بما جئتھ متقصیا

.عنھا وال أنا سأسألھ, ھو لن یكاشفني,كان بھ ورع عاطفي, كرجال جیلھبیننا لكننا منذ البدء جعلنا التغابي. ربما یكون تعرف علي بذكاء القلب وحدسھ

.أو میثاق كبریاء, میثاق ذكاء .یعرفھ عني سعادتي بما لن, كنت سعیدا بما ال أعرفھ عنھ

.كالنا یعرفھ الوحید الذي كان, وھذا األمر, ألن كالنا خالد بن طوبال, كنا ھناك

على وصول أم حتى اتصلت بمراد متذرعا باالطمئنان, ما كدت أعود إلى البیت .ناصر وسالمتھا

:قال .األمسیة معھما وناصر سیبقى لقضاء, وصلت ظھرا صحبة أختھ -

:سألني بعد ذلك. تنفست الصعداء متى نراك؟ -

:قلت لھ شبھ معتذر. على عجل وجدتني فجأة . ھذه األیامسأكون مشغوال -

:ثم أضفت .الحالة مخلطة شویة -

:ودعني مراد مازحا أو ناصحا وھو یقول ."تصفى خلھا " -

خلطة وال مجال ألزید علیھا". مخلطة بكراع كلب" طبعا ما كان یدري أنھا كانت !أخرى

األضرار ومن كیف بإمكاني بعد اآلن وبالقدر األدنى من: كان السؤال األول

مصادفة خلقتھا, أن أدیر عالقات متداخلة متشابكة مع بعضھا البعض, اتالشبھحتى أصبحت تحتاج إلى شرطي القدر لتفادي حوادث , تواجدنا جمیعا في باریس

!المصادفات سیرأن أثیر وال, كنت ال أرید أن أفقد احترام ناصر, فبقدر إصراري على رؤیة حیاة

.ر عالقة جمیلة تجمعني بفرانسوازوال أن أخس, شكوك زیان أو أسبب ألمھمع امرأة , أیضا مصیبة الدخول في مدار حب محفوف بالمخاطر والمجازفات ثمة

وتسبقھا حیث حلت عیون المخبرین وأجھزة , فتنة الشائعات تالحقھا دائما !خائف منھا علیك.. علیھا منھا وأنت دوما خائف. التنصت

یا .. لغوایاتك الجمیلة المكلفة یا, لھ ومخبریھبما, أن تحب امرأة یحكم زوجھا بلدا !لجنونك یا رجل

كان جسدي سبقني وراح یبحث عنھا في .لم أستطع لیلتھا معاشرة فرانسواز. كأني ما خلعت یوما انتظارھا, ترقبي كیف لي أن أنام وأنا بكامل. عناوین الفنادق

تالك المؤقت لھا؟عذبني االم أكنت أفتقدھا ألقاصص نفسي باشتیاقھا بعد أنمنھا ھذه المرة أیضا إال غبار وأنني لن أمتلك, وأنا الذي أعلم أنھا ما عادت لتبقى

لماذا تراني على عجل؟. السفر

***

.استیقظت في الصباح بمزاج جمیلأبدأ النھار بإقامة عالقة جمیلة أن, قررت أن أذیب الفرحة في فنجان قھوة

قمیصي مفتوحا لریاح وأترك, طة عنق الوقتأن أفك رب, وكسولة مع الحیاة .المصادفة

نظرا , لن تغادر الفندق باكرا واثقا أنھا, قصدت المعرض في حدود الثانیة عشرة .لعادتھا الصباحیة الكسولة

ولم یكن من , كان الیوم األول لوجودھا في باریس.یومھا منت أشك أن تحضر. حال خروجھا إلى المدینة, رض خالدلمشاھدة مع الطبیعي أن تأتي إلى الرواق

.لمرورھا لم أكن أرید أن أفوت أي احتمال, لكنانفراط في مخادعة الزمن خشیة, كنت مستعدا أن أجلس طویال على كرسي الوقت

.ال أرتجي ثوابا غیر لھفة القبلة األولى. حبات مسبحة الصبرعندما یتعلق , لھدر الجنونيبي ولع بكل أنواع ا. التبذیر الجمیل في الحب أحب ذلك

.عاطفیة األمر بغایة .بحكم مھنتي, وكنت قبل كل ھذا رجال طاعنا في الصبر

أنا .. أنتظرھا تائھا بین تلك اللوحات؟ خطر لي أننا كنا ننتظرھا معا أوحدي كنت

.وھذه أیضا مصادفة عجیبة أخرى. وھو أنا. ولوحاتھمنن جدید باستبدالھ بي في كل نسجھاكأنما الحیاة تفكك نسیج قصتھ وتعید

عن ظھر .. عن ظھر قلب ھكذا حدثت األشیاء في تلك الروایة التي أحفظھا. موقف !مقلب

عساھا تأتي وتزور ,"ذاكرة الجسد"ھكذا كان ینتظرھا ھو نفسھ في بدایة .معرضھ ثانیة بمفردھا

داخل ھذه كان یروح ویجيء , واألمل بنفس اإلصرار والیأس, بالترقب نفسھكان حسب . الیوم معرضھ األخیر والتي تشھد, القاعة التي قدم فیھا أول معرض لھ

."الخیانة في أزمنة.. وفیا لألمكنة"قولھ رجال لتأخذ "حنین" كم مر على ھذا المعرض من لوحات قبل أن تعود , منذ ذلك الحین

كما الجسر المرسومكما لو أ، الزمن بالنسبة لھا ظل معلقا , مكانھا على جدار .علیھا

سعادتي ھذا الصباح تعود أیضا ألنني اشتریتھا بعد أن عقدت تلك الصفقة .أنھ ال یملك سواي وریثا لھا, أدرك دون أن أشرح لھ أكثر.المجنونة مع زیان

مقابل , أختبر فرحة أ، أفلس, وأنا في ھذه القاعة ملك متوج بھا.. إذن ھي لي !جدار أسمیتھا قسنطینةمصلوبة على قطعة قماش

.كان الوقت یمر رتیباقررت أن أقصد المقھى على الرصیف . على وجودي في القاعة مرت ثالث ساعات

.قھوة المقابل ألحتسي لكنني بعد. حتى ألمحھا في حالة قدومھا. اخترت طاولة بمحاذاة واجھة زجاجیة

.بعض الوقت فوجئت بمراد یدخل الرواقطوال الوقت وأفسد علي لقائي بھا فربما ظل معي. ا كنت ھناكحمدت اهللا ألنني م

.لو جاءتوال كان مھتما , المعارض أكثر من مرة فما كان من تقالیده زیارة, عجبت لمروره .أو بصاحبھا.. بلوحات زیان

أو , لكنھ بدا كما لو أنھ جاء لسبب آخر. العتقدت أنھ غیر عادتھ ولو أطال البقاء .ما كان سوى فرانسواز ربما.لمالقاة شخص ما

, قبلة على خدھا وھو یطبع, اقتنعت بذلك وأنا أراھا تودعھ عند الباب بحمیمیة .بینما ذراعھ تخاصرھا بمودة تتجاوز البراءة

وھو ما توقع أن أكون ھنا قبالة . غادرت الرواق إلى البیت ھي حتما حسبتني .خیانتھ

, متى أنوي العودة إلى الجزائر, دائم ليوأدركت سر سؤالھ ال, كآبة عبرتني سحابة, إرسال شيء معي بعدما تأكد أنني ال أملك سوى تأشیرة سیاحیة بذریعة أنھ یرید

بقدر ما كان یرى بن ..أما ھو فلم یكن یرید اإلقامة عندھا .وأنني أقیم في بیتھا !"أحمر" مشروع جواز سفر .. فرنسا وربما فخذیھا أوراق إقامتھ في

كما .. أحضره لي النادل مجانا مع القھوة ذلك الذي.. الماء على عجلبلعت كوب

.لیساعدني على ابتالع غصة .بعد ذلك بدون أن أعود إلى الرواق كما كنت أنوي غادرت المقھى

انشقت السماء فجأة بسیول من األمطار كأنھا .قصدت المترو عائدا إلى البیت .متقدما في وحل األحاسیس اإلنسانیة أمشي.. كنت دون مظلة. تبكي نیابة عني

:وھي تخلع معطفھا قالت بتذمر, عندما عادت فرانسواز في المساء !كرھت المطر یا إلھي كم) .. نیس( أتمنى أال أجد ھذا الطقس في انتظاري في -

:سألتھا متى تنوین السفر؟ - .األسبوع وأعود اإلثنین صباحا سأقضي ھناك نھایة.. صباح الجمعة -

.أعددت بروازھا الزجاجي دون إطار مددتھا فقط بصورة والدتھا كما. لم أقل شیئا :قبلتني على خدي موشوشة

- Oh merci.. elle est mieux ainsi.! :األحمر قلت أنا أعابث شعرھا

في الماضي كان حزني یعود لعجزي على جعل الرائحة ترى على.. تدرین - .ورت آلة تصویرياآلن لم أعد أحزن مذ ط. الصورة

:قالت مصدقة كیف؟ !حقا -

:أجبت متھكما

سألتقطھ بعدسة في ما أطبقت شفتیك عنھ. بإمكانك أال تتكلمي.. اآلن مثال - .داخلي

:ولذا لم أعجب وھي تجیبني, لم أتوقع منھا أن تفھم أتكون اخترعت الصورة الفاضحة؟ - !اخترعت فاجعة الصورة.. ال -

. وحده كان سیفھم جملة على ھذا القدر من وجع السخریة. ى خالدإل اشتقت فجأةوھو من سبقني إلى تقاسم ھذا البیت مع ".. فاجعة اللوحة " فھو من اخترع قبلي

!النشرة الجویة ال تتفجع سوى أمام.. امرأة .غیابھا إن كانت تفضل أن أقیم في مكان آخر أثناء, سألتھا بعد ذلك :قالت محتجة

!كیف فكرت في شيء كھذا.. أبدا -وسأغادر الشقة . سأعود بعد أسبوعین أو ثالثة إلى الجزائر ..في جمیع الحاالت -

.ال أرید أن یعلم بإقامتي ھنا. المستشفى حتما قبل خروج زیان من :أضفت

خلوي یمكنك أن تطلبینني علیھ ألنني ال أرد على أنوي شراء ھاتف..وبالمناسبة - .فھو یعرف صوتي, زیان على الخط خشیة أن یكون,الھاتف كما تعلمین

أثناء غیابي بإمكانھم أن یتركوا من یتصلون بي, في جمیع الحاالت.. فكرة جیدة - .لي رسالة صوتیة على الھاتف

وجدتني عاجزا عن ضمھا بدون , تقاسمنا السریر نفسھ للنوم عندما, بعد ذلك .داء بالھة الحواسالرفیعتین بدو استج أو تقبیل شفتیھا, مشقة

بذلك , علیھا اللیل كما ینزل علینا مالیین البیوت ینزل: كان عزائي أن كل مساءال یدري كیف یھربون من وأن مالیین الناس غیري, القدر من نفاق المعاشرة

.إلیھم وشایة اللیل الفاضحة الغترابھم الجسدي عن أقرب الناس .الزوجیة فال بفضل ذرائع فراشتذكرت زوجتي التي إستطاعت أن تسرق مني ط

یحدث أن تصطدم بشخص ینام جوارك أو أن تالمس شیئا, ففي حوادث السریر .منھ وجد في متناول جسدك, مرتكبا حادثا عاطفیا للسیر قد تتعثر بحب امرأة, أثناء تسكعك في أزقة األقدر

!سریر ولكن امرأة أخرى ھي التي تحبل منك إثر حادث فلیس العید. ارتیاب من البھجة المضللة للعید, ي سوء ظن بالفرحدوما كان ل

.تماما كعید انتظاري إیاھا, سوى االستعداد لھكانت المدینة مزدانة كما لتستخف . إلى الرواق عندما غادرت البیت ظھرا متجھا

.بيھم التجار دوما على عجل كي یبیعوك عیدا لیس أسریعا جاءت نھایة السنة؟ أم

.غفلة من كل األعیاد فنحن نصنع أعیادنا الحقیقیة في. عیدك, قسنطینة وال الجزائر ألیست ھي من كانت تقول إننا نحتاج إلى مدینة ثالثة لیست

نلتقي فیھا دون , العربیة مدینة خارج خارطة الخوف. وال مدینتھا, ال تكون مدینتي ذعر؟

للیل ینزل على , المشویة ءلبائع الكستنا, وحب ینتمي للشتاء, ھي ذي باریس .إلیھا لواجھات مرشوشة برذاذ الثلج, لمطر یظل یھطل, عجل

علینا كي لو تكوم الثلج عند باب بیت انغلق, یا إلھ الشتاء, لو أثلجت وھي ھناجوار عندما یتساقط في الخارج ونكون معا, أختبر تلك العدوانیة الجمیلة للثلج

.مدفأة األشواق

في الرواق مبعثرا بین وأنا أنتظرھا, والثلج واصل تساقطھ داخلي. لكنھا لم تأت .االنتظار مدافعا عن ھشاشة الممكن بمزید من, ارتیاب االحتماالت

حتى أن امرأة جمیل معھا, غیابھا الشھي الصقیعي, كانت لغیابھا الرھیب المحرق .تخلف موعدا

أطمئن على ء زیان عسانيعاودتني الحاجة إلى لقا, عندما یئست من مجیئھالمصادفة لن داعیا اهللا كي ال یجمعني بھا عنده تفادیا, أخباره وأتسقط أخبارھا .یخرج منھا أحدنا سالما

.قصدتھ كانت الساعة الرابعة بعد الظھر عندما

ذبذبات كانت في الغرفة. فاجأتني باقة ورد منتقاة بذوق راق جوار طاولة سریره .ورود الصفر والبنفسجیةخلقتھا ال, بھجة

.ضاحكا على خرائبھ ربما سعادة المتكئ. وجدتھ سعیدالیكون حزینا ساخرا إلى ال تدري ما الذي سرق منھ بالتحدید. بدا لي خفیفا ومفلسا

.ذلك الحدفوضع على الطاولة . یغادر سریره لكنني طلبت منھ أال. ھم بالنھوض الستقبالي

:لتقبیلھ وقال وأنا أنحني. یقرأهالمجاورة كتابا كان وین راك غاطس؟.. توحشناك یا راجل.. أھال -

:السعادة التي یرى فیھا المریض اعتداء على حزنھ أجبت كمن یرد عنھ شبھة .بالك على.. راني غاطس في المشاكل -

یحمل كما من الشكوى والتذمر التي لست. كان جوابا على الطریقة الجزائریةبحكم أنھ غارق " على بالو" ما دام الذي یستمع إلیھا , لشرح أسبابھامضطرا !لكونھ جزائریا.. المشاكل نفسھا حتما في

:وكما لیفھم مصدر مشاكلي فاجأني سائال أنت متزوج؟ ھل -

:قلت ساخرا أحیانا - وأحیانا أخرى؟ - .عاطفي متشرد -

:أضفت ممازحا كما ألطمئنھ

! ألزم جغرافیتي..لكنني رجل حذر - :ضاحكا ردوال , مغامرا أي أنھ ما كان, أنت تذكرني بصدیق كان یحترف المغامرة المحسوبة -

" االستقامة وكنت أقول لھ عندما یدعي, كان یخاف األمراض الشائعة. كان وفیاال ,كالسالم المبني على الرعب النووي, إن الوفاء المبني على الرعب الوبائي

أو مخلصا كما.. كن خائنا بجدارة, وال تحد عنھ.. فاختر صفك یا رجل. ھیعول علی "!لو بك مس من وفاء

أعطاني الحق في أن .كانت تلك المرة األولى التي سألني فیھا عن حیاتي الخاصة :قلت. أطرح علیھ السؤال نفسھ

وھل أنت متزوج؟ - :ضاحكا ردالخیانة ج الناجح یحتاج إلى شيء منفالزوا. ألنني أكره الخیانة رفضت الزواج -

من فال أكثر كآبة. بقدر ما ھي مدینة لھ بوجودھا, إنھ مدین لھا بدوامھ. إلنقاذه .أو بامتالكھ لك إلى األبد.. إحساسك بامتالك أحد

أقبل بامتالك شخص ومطالبتھ بالوفاء األبدي لي فكیف, أنا أرفض امتالك شيءعلى أن أكون من رعاة الضجر الزوجي في دراال أظنني قا. بحكم ورقة ثبوتیة .شراشف النفاق

:أضاف بعد شيء من الصمت أما األتعس فشھوة مكفنة. أجمل شيء في الحیاة وفاء مغلف بالشھوة.. تدري -

!بالوفاء وھو جالس بین قواریر األدویة, من أین لھ صفاء الذھن لیصل إلى حكمة كھذه

مع من؟ومتى خبر ھذا؟ و. ومصل الكلمات .یبدو غیر حزین ولكنھ كان. كان لعینیھ جمالیة تعب مزمن

.أراك سعیدا الیوم - رد ضاحكا

وحده , تتعذب؟ ال تصدق أن العذاب یجعلك أقوى وأجمل حقا؟ وما جدوى أن -فكل عذاباتك تأتي , على الذاكرة تحیة حذرة علیك أن تلقي. النسیان یستطیع ذلك .من التفاتك إلى نفسك

دققت في ذلك الكتاب الموجود على الطاولة , لنفسھ كوب ماء ما راح یسكبعند :عنوانھ. كتابا صغیرا لیس على غالفھ ما یلفت النظر كان, المجاورة لسریره

- Les jumeaux de Nedjma. جعلني , رأیت كتابا قبل الیوم على طاولتھ ما, لكن فضولي الكتشاف مطالعات رجل

.المفاجأة التي كانت تنتظرني داخلھ غیر متوقع, تصفحھأمد یدي تلقائیا أل

.وكأنھ فوجئ بتصرفي بدا. لم یقل شیئا وأنا آخذه عن الطاولةوإذ بي أمام إھداء ,ثم فتحت الكتاب تلقائیا على الصفحة األولى, تأملت العنوان

!بخطھا

ریاء أحرجني كب. صمتا كلمات لم أقرأھا بعد أن أحسست أن نظراتھ تراقبني .الكبیر ربما كان یختبر قلة ذوقي أو وقاحتي في التجسس على سره. صمتھ

.اكتفیت بقراءة التاریخ المكتوب على اإلھداءوأدركت من أین جاءت باقة الورد الجمیلة . الصباح استنتجت أنھا زارتھ ھذا

عندما , فھمت أیضا ذكاء تلك الطرفة. سریره وعلبة الشوكوالطة الفاخرة جوار :أن یضیفني منھا ل لیقنعني بفضائل الشوكوالطة مصرا علىقاتساعدك على بل للذتھا, الشوكوالطة ال تعطیك نشوة وطاقة لإلبداع فحسب -

حتى إن. مسھلة علیك الموت لحظة تلقیك رصاصة, ابتالع أي مذاق مر یرافقھا ,لتي انتحر بھاھامنغواي عندما كتب لزوجة أبیھ طالبا منھا أن تبعث ببندقیة أبیھ ا

!كي ینتحر.. أرسلتھا إلیھ مرفوقة بعلبة شوكوالطة لعلمھا أنھ یریدھا !ھذا الرجل وجمال تھكمھ یا لذكاء

یراني أعید الكتاب إلى قال وھو, كما لیذھب بكالمنا منحى بعیدا عن تلك المرأة :مكانھ

. یاسینعن موت كاتب فیھ تفاصیل مذھلة لم أكن أعرفھا. إنھ كتاب جمیل -, "نجمة " عشت معھ كل والدة, في سجن الكدیا1945 ماي 8سجنت معھ في

, أعمارنا بأحالم وطنیة أكبر من, بخیبات عاطفیة مدمرة, كنا جیال بحیاة متشابھةنتشابھ كنا. بأمھات مجنونات من فرط خوفھن علینا, بآباء لم نتعرف علیھم یوما .ختلف بعد ذلك إال في موتناولم نعد ن. تقریبا جمیعنا في كل شيء

. أخذ سیجارة لم یشعلھا. یده إلى جارور الطاولة الصغیرة الموجودة على یمینھ مد :ثم قال. ممسكا بھا كما لو كان أشعلھا ظلعندما قرأت في ھذا الكتاب . المتوقعة أنتمي إلى جیل النھایات الغریبة غیر -

موت ابن عمھ مصطفى فت معتفاصیل موت كاتب یاسین في فرنسا التي تصادیحدث ال" فكرت في قول مالرو , ثم كیف شیعت جنازتھ في الجزائر, كاتب

."بل ما یشبھھ, لإلنسان ما یستحقھ .ومسرحي ومعارض ومحرض وساخر موت موجع ومشاغب, موت یاسین كحیاتھ

حدث 1989أكتوبر 29في ) غرونوبل( یوم مات یاسین في مدینة .. تصوربثتھا ولكن نشرة األخبار ذلك المساء كانت تتضمن فتوى. لجزائرزلزال في ا

أصدرھا المفتي محمد الغزالي رئیس المجلس اإلسالمي لجامعة, اإلذاعة الوطنیةیعلن فیھا أن مثل ھذا الرجل لیس , ومستشار الرئیس بن جدید آنذاك, قسنطینةولكن . رة إسالمیةویحرم بحكمھا دفنھ في مقب, یواریھ تراب الجزائر أھال ألن

حملت نعشھ . موتھ یستخف بالفتاوى وبكل أنواع السلطات یاسین ظل حتى بعد .رجل تحمل نعشھ فرقة مسرحیة بكاملھا ,ألول مرة. النساء كما الرجال

, التي كانت تنقل جثمانھ504" البیجو " كانت نكتتھ األخیرة أن تعطلت سیارة الـالمشیعین یترجلون ویذھبون بھ إلى مما جعل,لكثرة الممثلین الذین كانت تحملھم

والزغارید ونشید األممیة الذي كانوا المقبرة على األقدام وسط زمامیر السیارات .ینشدونھ باللغة البربریة

ولم . وال الرسمیون شیئا إلسكات كاتب یاسین حیا وال میتا لم یستطع اإلمامفمبر تاریخ اندالع الثورة یجعلھ یدفن في أول نو یستطیعوا منع القدر أن

والدیمقراطیة والزغارید إلى المقابر كما كان أول من أدخل الفوضى. الجزائریة !والسجون أدخلھا قبل ذلك إلى المعتقالت

:قلت متعجبا .قبل لم أسمع بھذه التفاصیل من.. إنھ لموت طریف حقا -

:قال ساخراأقداره كما عرفھ لموت في غرابةإنما تشكیلة ا, لیس ھذا الطریف في حد ذاتھ -

مجاھدي لي صدیقان كالھما من رجال التاریخ وكبار: تصور یا رجل. جیلنا ھل تصدق ھذا؟ أنت سمعت حتما. أحدھما مات قھرا واآلخر مات ضحكا, الثورة

بعبد الحفیظ بوالصوف؟ .الثورة كان مدیر االستخبارات العسكریة أثناء.. طبعا - ت ھذا الرجل الصلب المراس الذي اشتھر بغموضھ وأوامره التيأتدري كیف ما -

إثر 1980ال رحمة فیھا في التصفیات الجسدیة لألعداء كما للرفاق؟ توفي سنة قلبیة فاجأتھ وھو یضحك ضحكا شدیدا على نكتة سمعھا من صدیق عبر أزمة

!الھاتف رافضا أي منصب قیادي ,انسحب من الحیاة السیاسیة نھائیا بعد االستقالل كان قد !بإمكانھ أن یموت ضاحكا وأصبح

الذي مات بعد ذلك رفیق سالحھ, ألیست نھایتھ أفضل من نھایة سلیمان عمیراترفیق ,حزنا بسكتة قلبیة أثناء معركة الفاتحة على جثمان محمد بوضیاف

سالحھما اآلخر الذي سقط مغتاال؟أورث نحس . جیلنا شھیدا میتة األبطال لم ینج من ھذه اللعنة حتى من مات من

بولعید الذي اغتیل ابنھ عبد الوھاب كالشھید البطل مصطفى بن, جیلھ إلى ذریتھاغتیل أبوه على أیدي نھار , 1995 آذار 22وھو في الخمسین من عمره في حاجزا وھو في بعد أن نصب لھ اإلرھابیون, الفرنسیین قبل تسعة وثالثین سنة

ذكرى لیشارك ككل سنة في التأبین الذي یقام في" باتنة" بلدتھ طریقھ إلى .استشھاد أبیھ

, مصطفى بن بولعید رجل مثل. ربما كانت في ھذه المیتة بالذات كل فاجعة جیلنا أي وطن ھذا؟ ..تھدیھ الجزائر جثمان ابنھ في یوم استشھاده, أحد رموز مقاومتنا

قال وأنا , المسجل تبھ إلى أنني كنت فتحتان. توقف في تلك اللحظة شریط التسجیل

:أقلب الشریط !راه یسجل "الحلوف" التاریخ .. خلیك م التسجیل یا راجل -

:قلت مازحا في محاولة للتخفیف من مرارتھ .أرید نشر ھذه المقابلة كشھادة عن تلك المرحلة. أنشر التاریخ یسجل لكن أنا -

:رد بتھكم مر, الجزائري یعیش جدلیة تدمیر الذات. حلة لم تنتھ یا رجلمرحلة؟ تلك المر أیة -

تظن . إلبادة نفسھ والتنكیل بھا عندما ال یجد عدوا لینوب عنھ في ذلك ھو مبرمجكان لھم الفضل في بدعة قتل الكتاب والقضاة واألطباء والسینمائیین أن اإلرھابیین

وأنا كنت .. في قتل مثقفیھاالجزائر لھا تقالید .. والمحامین والمسرحیین والشعراء, المجاھدین عندما في خدعة ھدفھا إلحاق ضرر نفسي بالمقاومة في صفوف

بأن بین رجالھ من یعملون مخبرین لصالح الجیش أوحت فرنسا للعقید عمیروشبقتل ألف وثمانمائة من , محاكمة سریعة وبعد, 1956فقام في یولیو . الفرنسي

فورا وجھت أصابع ."La bleuite " ة باسمفي حادثة تاریخیة شھیر, رجالھ, دراساتھم لیلتحقوا بالجبھة أي إلى المتعلمین الذین تركوا, االتھام إلى المثقفین

أما . التحریر تثق في والئھم والذین بسبب علمھم وثقافتھم الفرنسیة لم تكن جبھةألمیین في القرویین وا القتلة الذین انقضوا علیھم فكانوا رفاقھم من المجاھدین

والیوم أیضا لم . بالمعرفة والذین منذ البدء لم یغفروا لھم تمیزھم عنھم, معظمھمعلیھ في اإلیمان كل جاھل یثأر لجھلھ بقتل مثقف بعد المزایدة. یتغیر شيء

ضد وھا نحن في ما بقي لنا من ضحایا اإلرھاب. والتشكیك في والئھ للوطن .المثقفین

:توقف لیسألني فجأة اشتریت تلك اللوحة؟ھل -

أشعل السیجارة التي , أخرج والعة. فتح الجارور یبحث عن شيء ,وقبل أن أجیب .الوقت كان ممسكا بھا طوال

:وبدون أن أقول لھ شیئا أجاب متھكما من تعجبي لتدخینھ في المستشفى .أنا أنتمي إلى جیل من الرجال المجبولین بالعصیان.. ال تھتم -

:أخرى بصیغةثم أعاد سؤالھ ماذا ستفعل بتلك اللوحة؟ - .أسبوعین أو ثالثة سآخذھا معي إلى قسنطینة عندما أعود بعد -

:ثم أردفت خشیة أن یكون قد غیر رأیھ .بإمكانك أن تراھا عندما تزور قسنطینة .ستبقى بتصرفك -نذ آخر مرة زرتھا م. فیھا أحد وال شيء لم یبق لي. لم أعد أتردد على قسنطینة -

مدینة لم تعد تصلح إال شعرت أنھا.سنة ونصف ألحضر جنازة ابن أخي حسان, ھرمة تعبة بدت لي جسورھا. صورة على بطاقة بریدیة أو جسرا على لوحة

كسحنة من, كأفواه تعرت عن أسنانھا, كأنھا شاخت وتساقطت عنھا حجارتھاي الخطى أحیانا متثاقل.. مسرعین حینا, یعبرونھا بمالمح تعرت من تعابیرھا

.كمن ینتظر فاجعة, تائھین حائرین ,أخرى .ربما ألنك زرتھا في ظرف حزین -رافضا عقد میثاق مع . دوما غادرتھا مفجوعا. یوما معھا موعد سعید ما كان لي -

ال أرید أن أكون ھناك عندما تخلع قسنطینة . على كل شيء الوحل الذي أتى .ھاویةال وتنزلق نحو وھد.. حجارتھا

فبموتھ مات, صدقني منذ اغتیال بوضیاف أصبحت أكره حتى السفر إلى الجزائرما ظنوا , عندما جاؤوا بھ متضرعین كي ینقذ الجزائر ویكون رئیسھا. شيء فینا

ما كان , على ھزالھ, الرجل الذي جبلتھ السجون والمنافي وخیانات الرفاق أن ذلك .لى جثة كي نتعلم من جثتھصفقة فوق الجثث فحولوه إ یصلح إلبرام

علینا بعده؟ بإمكاننا اآلن أن نواصل التراشق أال ترى كل ذلك الحجر المتساقطصوب أي :" صار " من قتل بوضیاف؟ " ما عاد السؤال. بذلك الكم من األسئلة

"التاریخ؟ مصب ذاھب بنا الوحل؟ صوب أي وحل ذاھب بنا

.ساد بیننا صمت الفاجعةنحو السریر كمن یحتضن صخرة خشیة اتجھت. حدثت األشیاءال أدري كیف, ثم

.وفاجأني البكاء.. ضممتھ, أن یجرفھ السیل كانت دموع مؤجلة تجمعت داخلي كغیمة مثقلة تبحث عن جو مناسب, حتما

.لتھطل :قلت كمن یبرر حماقة

.نشتیك.. خالد - .لبكاءوال تعجب أن یكون حبھ ذریعتي ل ,لم یحتج ألنني نادیتھ خالد

أو , ضمني دون أن یفھم ما بي .تصرف كما لو كان من عادة الرجال أن یبكوا :قال, فقط من مثلھ یدمع, لكنھ لم یبك, ربما أدرك أكثر مما قلت

!خلقت األحالم كي ال تتحقق.. ال تحزن -. وأنا أصطدم بالفراغ الذي خلفتھ ذراعھ الناقصة أثناء ضمھ لي اقشعر جسدي

بإمكان رجل بذراع وحیدة أن یضم إنسانا كیف. تھا كیف ضمھاكنت أختبر لحظأم أبكیھ فیھا؟ أو أنني أبكي نفسي .. فیھ لم أعد أدري أكنت أبكیھا. آخر إلى صدره

.بینھماأشم . لكأنھا ما زالت بیننا. الكرسي مكاني ھي التي كانت ھنا وجلست على ھذا

.عطر غیابھا

أوقع المزھریة بحركة من یده وھو , ره لیودعنيیغادر سری عندما أراد بعد ذلك أن .الطاولة یحاول االستناد إلى

.انحنیت متأسفا أرفعھا من األرض وأجمع الورود :حماقة قال كمن یعتذر عن

ما مررت بشيء إال. في الفترة األخیرة أصبحت مصابا بعمى األطراف -ھ ورد فقط وھو إن.. ستحضر الممرضة للملمتھ.. دعك من جمعھ. واصطدمت بھ

!للذبول آیل :ثم أردف بتھكم وحده یتقنھ

.تلتقطھا حاذر أن.. حتى وإن سقطت ذراعي - .أنت تعاكس قصیدة محمود درویش - سقطت ذراعي فالتقطھا "

"جنبك فالتقطني وسقطت :قاطعني مواصال

"..واضرب عدوك بي " - أتعرفھا؟ - :مبتسما رد: یقول كان دوما. یدة المفضلة لصدیقي زیادكانت القص! أعرفھا؟ كم أعرفھا -

ألنني مع". إن سقطت سألتقطك بذراعي الوحیدة.. ال تھتم" فأعلق . لیتني كاتبھالكنك إن التقطت . زیاد كنت أعرف كم العدو الذي سأقذف بجسده في اتجاھھ

ستقذفھا؟ ذراعي فعلى من :واصل بسعادة

.أشعار زیاد بالمناسبة عندما أغادر المستشفى سأطلعك على بعض - أما زالت في حوزتك حتى الیوم؟ - .مشكلتي دوما كانت إرث الشھداء.. أفرط بھا قد أفرط بلوحاتي وال.. طبعا -

.أكثر سعادة أو أكثر حزنا من العادة افترقنا دون أن أدرك إن كان یومھاوطلب . في السجائر مضرة لھ یدخن ویدرك أن.كان یتصرف باستخفاف المفلس

الطائرات لملء مني أن أحضر لھ قارورة ویسكي صغیرة من تلك التي تقدم فيدواءه وینسى أن یأخذ. غیر معني بأنھ ممنوع من تناولھا مع دوائھ, كأس واحدة

ویأكل أشیاء قد تتدھور بھا صحتھ عسى بھا. ألنھ یدري أن ال جدوى من الدواء . معنویاتھ التي ال تتغذى سوى بالمحظوراتترتفع

وال بالشوكوالطة , لم تكن لھا عالقة بباقة الورد غیر أن السعادة, أظنھ كان سعیداوال , حبات منھا في جیبي وھو یودعني والتي وضع, الفاخرة التي أحضرتھا لھ

.البندقیة من زوجة أبیھ كما تلقى ھامنغواي, بذلك الكتاب الذي تلقاه منھافقد كان , األربعاء سعادتھ كانت بسبب سماح الطبیب لھ بمغادرة المستشفى یوم .لوحاتھ یخطط لمشاریع كثیرة أولھا زیارة معرضھ وجمع ما بقي من

بعد أن فكان سببھا السري على األرجح كون المرأة التي أحبھا عادت, أما مرارتھ .شفي منھا لتعوده وتتفرج علیھ في بشاعة مرضھ األخیر

ینھیھا ویھرب , عندما یشعر بأنھ أصبح بشعا في عالقة ھو نفسھ قال مرة إنھلكن أین كان بإمكانھ أن یھرب وھو رھین . وطنا حتى عندما یكون الطرف اآلخر

سریر المرض؟الزائدة العاطفیة وراح یختبر قدرتھ على تجمیل البشاعة أتوقع أن یكون استأصل

ر لي فیھ مازحا لعدم استطاعتھ مغادرة سریره اعتذ كذلك الیوم الذي. بالسخریةعلى ظھره ووجود ذراعھ الوحیدة كالعادة والجلوس معي بسبب استلقائھ

.موصولة إلى أنبوب مصل الدواء :قال متھكما

ظل ھكذا ). كابیال سیستینا( في ھذا الوضع تماما رسم میكیل أنجلو سقف كنیسة -. لعدة أشھر ویده الیمنى مرفوعة إلى السقفوھو ممدد عاریا على السقالة یرسم

وكان . االستعانة بالمساعدین ویصر على إنجاز رسم السقف وحده كان یرفضوكان البابا یتسلق ". وأرسم لوحة.. في الجحیم أعیش" ألوجاع جسده یقول

!ومباركتھ السلم الخشبي ویصعد للتجسس علیھ

إلى رني بقول جمیل لمناضل سیقوھو ما یذك! أحیانا یكرم المرء في وضع مھین یكفي" فأجاب جالده " ھل لیك ما تقولھ قبل الموت؟" فسئل قبل إعدامھ . الشنق

."فخرا أن أموت وقدماي فوق رؤوسكمكوني ھنا أضاجع الموت في إنما في. لیست المھانة أن أكون في ھذا الوضع

!قصدت السریر دوما لمنازلة الحب. سریر

لبن" توأما نجمة" إلى البیت توقفت في مكتبة بحثا عن كتاب في طریق العودة .كان بي فضول أن أعرف لماذا أھدتھ إیاه. عمار مدیان الذي كان زیان یطالعھ

كدت أعود إلى البیت وینتھي العشاء الخفیف الذي فاجأتني فرانسواز بإعداده وما .منھا وذھبت إلى غرفة النوم مستعجال مطالعتھ حتى اعتذرت

تبد فرانسواز سعیدة أن تراني أتركھا وأختلي رغم انشغالھا ببرنامج تلفزیوني لمفأنا لم أعرف امرأة إال واعتبرت الكتاب ,كان األمر غریبا حقا. بنفسي للمطالعة

مواھب نسائیة أن تسرقني من وجربت بما أوتیت من. غریمھا األول في البیتویجعل , ما یزید الطین بلة كان. ھانة ألنوثتھاالقراءة كما لو أن في انشغالي بھا إ

الكتب التي أحبھا إلى كنت دوما أدعو. عادتي القراءة في السریر, من الكتاب ضرةیمكن مجالستھن في ال, غرفة نومي العتقادي أن الكتب الجمیلة كالنساء الجمیالت

.مخدع في.. وال بد أن تراودك الرغبة في أ، تخلو بھن, الصالون تدافع عن صیتھا, الون خلق لتلك الكتب الوقورة الرصینة المصطفة في مكتبةالص

وتعوض عن بلوغھا سن الیأس األدبي بتجلیدھا الفاخر وخطھا , بثقل وزنھا .الذھبي .بدون قصد أؤنث الكتب كنت

كنساء المصادفات كتب االنتظار والضجر التي. تلك السھلة التي تندس في جیبكأرضا وأخرى للمؤانسة ترافقك إلى سریرك لتنھي لیلھا. تصلح لقراءة واحدة

وأخرى صقیلة الورق فاخرة. نائمة على بطنھا كامرأة بعد لیلة حب, منھكةقد تنقل إلیك .. تتربص بجیبك كبغایا أمستردام خلف واجھة زجاجیة, الطباعة .الرداءة عدوى

بعض ھذه .ع الكتبأعتقد أنني خالل سنوات طویلة ما أقمت عالقة جمیلة سوى م

مما, العالقات كانت تضاھي في شغفھا وطقوسھا شیئا شبیھا بالخیانة الزوجیةخاصة عندما كنت أقضي وقتا , جعلني أتعاطاھا أحیانا سرا متبرءا من شبھتھا

بمطالعة كتاب یعطیني من متعة , منشغال عن زوجتي النائمة جواري طویال ! یعطیني جسدھا الذي أعرفھ عن ظھر زوجأكثر مما ,المعرفة والمباغتة

وبصفتي االبن البكر سكنتھ مع زوجة أبي وأختي في ذلك البیت الذي في البدء

إلى غرفة نوم مھیأة أصال لتكون فضاء كنت أجد متعة في تسریب كتاب, المطلقة !أو باألحرى من األخریات, اآلخرین نسائیا تھرب إلیھ زوجتي أشیاءھا من

مدعیا حاجتي المھنیة إلى , الزوجیة یرا أثناء تھریبي كتابا إلى مخدعحدث كثالتحریر على حیلة فوق كل أن تذكرت أبي الذي عثر أثناء حرب, مطالعتھ

, نشاطھ النضالي مستفیدا من, الشبھات تمكنھ من إحضار عشیقاتھ إلى البیتأنا وجدتي ,غلق علینافكان ی. وإقامتنا بمفردنا في بیت شاسع على الطراز العربي

متحججا باستقبال المجاھدین الذین, في إحدى الغرف الكبیرة, وزوجتھ العروس یعودون بعدھا إلى.. في بیتنا" مشاورات" كانوا یقضون بین الحین واآلخر لیلة

!الجبال

غیر على, وبرغم ذلك لفت انتباھي أن أبي. كان عمري ال یتجاوز الست سنوات بعد أن كان في الماضي یكتفي بأن, غلق علینا باب الغرفة بالمفتاحأصبح ی, عادتھ

: " یسعل بصوت عال كلما دخل البیت مع رجل غریب مرددا وھو یسبقھ بخطواتفتسرع النساء إلى أول غرفة ویغلقن علیھن الباب حتى یمر ". الطریق ..الطریق .الرجال

فرأیتھ یدخل , تعلوه سوى بقلیلتأملت من ثقب الباب الذي لم تكن قامتي ذات مرةغیر أن , عندما أخبرت زوجة أبي بذلك بدت مندھشة. بمالءة سوداء مع امرأة

مدعیة أن العادة جرت أن یتنكر , ململمة الفضیحة جدتي تدخلت لتنھرني .المجاھدون في زي النساء

تتجسس , بدأت زوجة أبي التي لم تقتنع بالزي التنكري للمجاھدین من یومھا .وترى نساء بھیئات مختلفة یعبرن كل مرة وسط الدار ,رھا من ثقب الباببدو

فھي لم تجرؤ حتى على إخباره بأنھا , من تصرفاتھا ولكن اكتشافھا لم یغیر شیئافتستبدل بشرف , ویعیدھا إلى بیت أھلھا خشیة أن یغضب, تدري أنھ یكذب علیھا

. في طوابیر المطلقاترقما الزواج من أحد وجھاء قسنطینة مذلة أن تكون

" القادمین لتوھم , "المجاھدات " ھكذا واصلت إعداد أشھى الطعام للمجاھدین وفي جھازھا من وفرش سریرھا بأجمل ما, "من الجبال الشامخات الشاھقات

بینما كان, والمضي للنوم جوار صغیرتھا في غرفة الضیوف, شراشف مطرزةوربما كانت . ھا الزوجي على أمتار منھاأبي یخوض معاركھ التحریریة في سریر

تبحث عن وجوه وأسماء لنساء فاجرات یدخلن بیتھا , تقلبھا في فراشھا أثناء .وعفة الجھاد لیضاجعن زوجھا في حضرتھا تحت حشمة المالیة

أنني یوم وضعت عیني على ثقب المفتاح كي أفھم, كان یلزمني بلوغ سن التأمل

البیت العتیق سوى صورة لتقالید التي لم یكن ذلكلم أكن أكتشف سوى قسنطینة .نفاقھا

, المجاھدین لیسوا منزھین عن الخطیئة وأن, دفعة واحدة أدركت أن اآلباء یكذبونوأن النساء القابعات في , الشبھات وأن النساء الالئي یلبسن مالیات لسن فوق

لیست بریئة من الضحیة " وأن, بیوت الظلم الزوجي لسن مخدوعات إلى ھذا الحد !"دمھا

ساھم " زوربویا" آنذاك جانبا أصبحت مع العمر أرى في تصرفات أبي, بعد ذلك

.في خلق أسطورتھ النضالیة والعشقیةخاض معاركھ ضد االستعمار وضد المؤسسة . ثقافتھ رجال لكل الجبھات كان بحكم

كان . حاح جدتي ال غیروانتسب إلیھا استجابة إلل, یؤمن بھا یوما الزوجیة التي لمفجاءتھ بإحدى القریبات من , تتكفل بتربیتي بعد وفاة والدتي ال بد لھ من زوجة

.بیوت وأمھات صالحات الالئي ھیئن لیكن رباتكان لھ ضعف .عشقھ للحریة أوصلھ إلى اإلعجاب بنساء متحررات, في الواقع

سیة عرف بھا أھلساعدتھ وسامة أندل. دائم تجاه األجنبیات لكونھن متعلماتكمدرسة فرنسیة نظم . على اكتساح القلوب الشقراء والسمراء, قسنطینة األوائل

أو تلك األرملة الیھودیة التي كان زوجھا حارسا في , األولى تغزال بھا أشعارهوكانت جدتي تتردد على بیتھ كلما , عندما كان والدي سجینا ھناك سجن الكدیا

وعندما بعد سنتین عرف العالم المجاعة . ى أبي في السجنإل أرادت أن ترسل شیئاالفرنسیة بتوزیع قسائم المساعدات الغذائیة على وكلف أبي من طرف اإلدارةیزورھا لیزودھا خلسة ھي وبعض عونھ من كان, سكان قسنطینة من المسلمین

.تتجاور فیھ األجناس واألدیان في ذلك الزمن الذي كانت, المعارف والجیرانونساء على , باألرامل والعوانس اعتاد أن یحیط نفسھ. كان زوربا على طریقتھ

.وشك أن تذبل ورودھن ولیس لھن بستاني سواه

بدون تمییز بین أعمارھن أو دیانتھن أو , مسؤوال عن كل نساء األرض كانمعنیا بتعلیمھن وإدارة مستقبلھن إلى , عن أجسادھن وأحالمھن مسؤوال, جمالھن

ومسؤوال عن كل جیاع األرض أینما وجدت أفواھھم , التكفل بتزویجھنحدوالمستعمرین أینما وجدت أرضھم وعن كل المظلومین. وبطونھم ولقمتھم

یعنیھ أن یمتلك بقدر ما فلم یكن". مات ما خلى.. عاش ما كسب" ولذا . وقضیتھم .كان یعنیھ أن یحیا

نشغل نحن جزأھا األكبر بینما . ستأجرھاواسعة ا وكان بعد االستقالل یقیم في شقةالفخم حیث یستقبل ضیوفھ من السیاسیین صالونھ الذھبي: یحیا ھو بین غرفتین

اشتراھا من معمرین فرنسیین وغرفة نوم فاخرة, ورفاق قدامى یتناقصون كل عامبخزانة , القرن الماضي ربما كانت تعود لنھایة, غادروا الجزائر عند االستقالل

جوارھا . كبیرة منقوشة بالید بحفر صغیر على شكل دوال تغطیھا مرایاضخمة بمجسمات سریر عال یسند رأسھ لوح بذات النقوش وینتھي جانباه من األعلى

وعلى جانبي السریر طاولتان, نحاسیة لمالكین كأنما یطیران أحدھما صوب اآلخرأربعة جواریر بمماسك یقابلھ خزانة أثاث ب, صغیرتان تغطیھما لوحتان رخامیتان

.جمیلة تعلوه مرآة أخرى تحیط بھا النقوش ذاتھا نحاسیة

القلیلة االستقبال , كتلك الغرف القلیلة االستعمال كان. كان الصالون قصاص أبيبابھ الذي ال یفتح إال في المناسبات بأن الرفاق من یذكره. والمھیأة لزوار لن یأتوا

.حولھ انفضوا, التي كانت مملكتھ وما بقي من جاھھ والتي كان ینام فیھا وحده أما غرفة النوم

ولذا وجدتني , كان مستبعدا بیعھا ألسباب عاطفیة. أنا فقد أصبحت بعده قصاصي .سریرھا أبدأ حیاتي الزوجیة على

ما أصعب أن تبدأ. تفسد علیك زمانك, كان في الغرفة رائحة توقظ زمن الموتىوینام على یساره دائما إلى حد , ان أبوك یشغلھ وحدهحیاتك الزوجیة على سریر ك

الزمن مع الجسد حافرا لحدا داخل الفراش الصوفي بحیث ما عاد بإمكانك تواطأ .إال وتدحرج أحدكما نحو اآلخر, شخص أن تتقاسمھ مع

ال .. خزائنھا الثقیلة لألنتیكا كانت غرفة فاخرة تصلح بسریرھا العالي وأبواب .غیاب الحب في حیاتھ أرادھا أبي فخمة إلى ذلك الحد لیعوض بھاوربما . للحب

ولكنھا كانت . سواه وال اشترى تلك الغرفة بالذات لیراھا أحد, ما كان أبي ثریاأن األثریاء قصد إقناعك, تذكرني بغرف نوم فاخرة مؤثثة بإثم واضح في التبذیر

!لیسوا عشاقا سیئین

المسنین المليء بكوابیس النوم غیر ي سریرذات یوم تبدأ حیاتك الزوجیة فالتصرف بحیاة سبقك إلیھا أن تتدرب على, ألسباب عاطفیة غبیة, وعلیك. المریح. بكریستال الثریا.. الجدران بأوراق.. بالستائر.. رائحتھ ھنا علقت بالخشب. أبوك

أكانت كل تلك .ال تدري حتى متى ستظل رائحتھ تتسرب إلیك, وأنت مدھوش رفة سریرا لرائحتھ؟الغ

. كما لو كنت عابر سریر, نزال تمر بھ كما لو كانت, كنت تظن لك فیھا حیاة مؤقتة, تجتاحك رائحة الغیاب, تتوقعھا األقل في اللحظة التي, ذات یوم, ولكن حیث تنام

حد , البدء عالقتك بجسد زوجتك وتستیقظ فیك تلك الرائحة التي أفسدت علیك منذمجيء صغیر یعاني خشیة, ھا تناول حبوب منع الحمل لسنواتجعلك تفرض علی

!"تشوھات األسریة لألسرة" من

حیث أصبح لشھواتي , الھروب إلى بیت عبد الحق كنت أجد فرحتي بعد ذلك في, أن تخترع حیاتك األخرى المزورة فعلیك بال توقف. سریر غیر شرعي مع حیاة

.یھاإنقاذا لحیاتك الحقیقیة التي ال وھج فلتكنس ما خلفت النساء , تزوجت امرأة لتقوم باألشغال المنزلیة داخلي وكنت

مستنجدا بالزواج الوقائي عساه یضع متاریس , دمار في حیاتي األخریات من .وإذ في ذلك الزواج اغتیال للحیاة ,تجنبني انزالقات الحیاة

, الصامت للضعفاءذلك االبتزاز ,ذلك أن ثمة من یبتزك بدون أن یقول لك شیئا .ورقة ثبوتیة الذي یجیز لھ التصرف بحیاتك مذ وقعت في قبضتھ بحكم

ثمة . اإلیذاء إنما باستحواذه علیك حد, بدون أن یقصد إیذاءك, ثمة من ینال منكأن تشعر, بحكم أنھ شریك لحیاتك, من یربط سعادتھ بحقھ في أن یجعلك تعیسا

من المواجھة غیر الجمیلة مع شخص لم وال بد , الحیاة معھ أصبحت موتا لك .ولكنھ یغتالك ببطئ, یخنك لم, یؤذك

تفادیا منك , مثلتھ لسنوات ترید أن تستقیل من دور الزوج الصالح والسعید الذيالذي كان یمكن أن ترید أن تتنازل عن أوسكار التمثیل. للشجارات والخالفات

فأنت , لقلة حیلتك ال". اة الزوجیةالحی" تحصل علیھ في البطولة الرجالیة في فیلم , ولكنك متعب .ما زلت قادرا على مزید من األكاذیب التي تبتلعھا امرأة دون جھد

تعیشھ والرعب الیومي الذي, والحیاة أقصر من أن تقضیھا في حیاكة األكاذیب .أكبر من أن تزید علیھ الخوف من زوجتك

تأجیال لقرار ) مازفران( مة في أذھب لإلقا ربما لكل ھذه األسباب اخترت أن

.یعز علي إیالمھا االنفصال عن زوجتي التي برغم كل شيء كانتلحق بي قبل أن, نجحت یومھا في قراءة ذلك الكتاب الصغیر الذي اشتریتھ

.وتمنعني من إنھاء صفحاتھ األخیرة.. فرانسواز وتنزلق تحت األلحفةوأخرى دون الجمیع . تعاشرھنوأنا أفكر في نساء تعیش معھن وال ضممتھا

تحتاج لكي . أن تفكر بھا في ذروة عزلتك.. في غفوتك تحتاج أن تعاشر طیفھا .أنھا ما زالت على قید ذكراك وأنھا حتما ستأتي أن تعلم, تبقى على قید الحیاة

.عانقت غیرھا ونمت متوسدا موعد, فرانسواز وأنا أتقاسم سریرا مع, لیلتھا

الفصل السادس

.ثم جاءت .تدفق ضوئھا المباغت انخلعت أبواب الترقب على

.وتوقف العالم برھة عن الدوران.. دخلت .الخفقان كما اللتقاط األنفاس من شھقة توقف القلب دقة عن

..أیتھا العنایة اإللھیة .إعصار یتقدم في معطف فرو ترتدیھ امرأة !أال ترفقت بي .خذوا علما أنھا جاءت.. األلب الیا جب.. أیھا المطر.. أیتھا السماء ..التقینا إذنوالذین بنوا بینھا جسورا لتتصافح من , تلتقي أخطأوا وحدھا الجبال ال: الذین قالوا

.في قوانین الطبیعة ال یفھمون شیئا, دون أن تنحنيوعندھا ال تتصافح إنما ,الجبال ال تلتقي إال في الزالزل والھزات األرضیة الكبرى

.ل إلى تراب واحدتتحونلتقي حیث رتبت لنا المصادفة موعدا في أكان بوسعنا تفادي الكارثة؟ ھا نحن

.كلعنة.. آخر معاقل الحزن .كفاجعة.. سیدتي الجمیلة عمي صباحا

كان النظر إلیھا بعد ھذا كل ما أردتھ. كیف یمكن فك االشتباك مع عینیھا.. ھي ذيكان آخر . رأتني تساقط زھرھا دھشة عندما. كانت تبدو كشجرة لیمون. الغیاب

في معرض رسام أنكرت وجوده خارج, مكان توقعت أن تراني فیھ ھو باریس

.كتاب :قالت

.شيء ال یصدق - .ھي حیاة ندین بھا لمصادفة اللقاءات -

:باندھاش جمیل ال یخلو من الذعر ردت !ما توقعت أبدا أن أراك ھنا.. یا إلھي -

:مازحا قلت .اذا أفعل إذا كان كل شيء یعیدك إليم -

: " وكنت أجبتھا مصححا آنذاك" شيء یعیدني إلیك كل" كنت ألمح لقولھا مرة ."وكل شيء یبقیني فیك

:بذكاء قالت معلقة !ظننتك غیرت عنوان إقامتك منذ ذلك الحین -

:سترتي أجبت وأنا أمازحھا نافضا .بككلما ھممت بمغادرتك تعثرت : كما ترین -

:ثم واصلت .أجمل ما یحدث لنا ال نعثر علیھ بل نتعثر بھ.. بالمناسبة -

ھو الذي نعثر علیھ أثناء بحثنا عن .. أجمل حب" قولھا كنت ھنا أیضا أصحح ."شيء آخر

حتى أصبحت إحدى متعك فیھ , تمكن منك حد اختراق لغتك كیف الفكاك من حب ھتك أسرار اللغة؟

, أطیرھا, أخاصرھا, لكأنني كنت أراقصھا بالكلمات. ةحالة لغوی النشوة معھا .وكانت خطى كلماتنا دوما تجد إیقاعھا منذ الجملة األولى .ألملمھا, أبعثرھا

منتعلین , یتزلجان على مرایا الجلید في ثیاب احتفائیة كنا في كل حوار راقصین .موسیقى الكلمات

:قالت ذات مرة .أحلم أن أفتح باب بیتك معك -

:أحالمھا خطوتین إلى الوراء وأنا أعید, أجبتھا على إیقاع التانغو .فألقاك.. وأحلم أن أفتح الباب -

إنھ . ھاھي ذي تفتح باب قاعة لتزور معرضا فتلقاني. لنا األدوار لكن الحیاة قلبتبدوارھا المحموم وجملھا المتخاصرة في , أزمنة الفالس بل, لیس زمن التانغو

, كتوتر شفتین قبل قبلة, متداخلة, بجمل منتشیة اك خطوتھا األولىوارتب, تداخلھالتبلغ , ویلزمھا سبع قبالت أخرى. وبعض قبل ..المرأة بلغت في غیابي ثالثین سنة

30میالدي على یدیھا ذات , االعتبار عمر حزني الموثق في شھادة ال تأخذ بعین !ىمقھ في.. أكتوبر على الساعة الواحدة والربع ظھرا

.على حافة ربع الساعة األخیرة: األشیاء معھا تبدأ كما تنتھي

وكنا بعد سنتین من الغیاب یتصفح أحدنا اآلخر . تتأملني بارتباك المفاجأة كانت

.وندخل صمتا في حوارات طویلة لحدیث لم یكن ,على عجل .أحد سألتھا إن كان في رفقتھا

:ردت .حضرت بمفردي -أدعوك لنشرب شیئا معا في تلقي نظرة على المعرض ثمحسنا إذن أقترح أن -

.المقھى المجاورأردت أن أحافظ على جمالیة المسافة .تعمدت أن أتركھا تقوم بجولة بمفردھا

.أكثر من جسر وألتجسس على ذاكرتھا المعلقة فوق, ألراھا بوضوحطویال مھارأیتھا تقف أما. ذھبت صوب تلك اللوحة, بعد بضع لوحات, كما توقعت

.كما ألول مرة منذ عشر سنواتسألتھا إن كانت . دلیل اللوحات كانت تجیل النظر في. كما من دون قصد قصدتھا

.أحبت تلك اللوحة :قالت كما إلخفاء شبھة

.أرى علیھا إشارة حمراء. أعجب فقط أن یكون الرسام باعھا كنت - .الفرصة إن كانت تعرف الرسام سألتھا مستفیدا من

:قالتوحسب التاریخ . یحتفظوا بلوحتھم األولى لكن من عادة الرسامین أن. أبدا.. ال -

!بقیة اللوحات أكثر من ربع قرن بینھا وبین, ھي أول لوحاتھ, المكتوب علیھا ھل كان یعنیك شراؤھا؟ -

:التردد قالت بعد شيء من ..ال أدري -

:ثم واصلتال أستطیع التركیز على شيء .. غیرھا تاروعلي أن أخ, في جمیع الحاالت بیعت -

.لوحتین سأعود مرة ثانیة الختیار لوحة أو. وأنت معي :قلت مستدرجا إیاھا العتراف ما

ما الذي جاء بك إلى ھنا؟ بربك.. مازلت غیر مصدق أننا معا -. باختیار صیغة ألسئلتي لم أكن مھتما, أنا الذي كنت أملك سوء الظن بأجوبتھا

ولذا . المباغتة ملك إغراء الصمت المفاجئ عن اعتراف كادت تطیره ریحكانت ت .األسفل إلى.. بین جملتین تنحسران كذبا كانت تشد فستان اللغة صمتا

لعلمھ أمدني أخي ناصر ببطاقة إعالن عن ھذا المعرض.. إنھا مصادفة ال أكثر - ذلك الحین أتابع سنوات وما عدت منذ10غادرت باریس منذ ... أنني أحب الرسم

.الحیاة الثقافیة ھنا .حیاتھا لم أفھم سر إصرارھا على إنكار وجود ھذا الرجل ذات یوم في

أكان ذلك بسبب عاھتھ؟ أم كھولتھ؟ أم كانت فقط ككل الكتاب ال تحب انفضاح شخصیاتھا في واقع الحیاة؟

ا جعلھا تتوقع مم, زیان طبعا كان واضحا أن ناصر لم یأت على ذكري معھا وال

ربما اعتقدت أن , بطلھا ونظرا الختالف اسم الرسام عن اسم. وجودي ھنا مصادفةالمستشفى خاصة أنھا كانت واثقة من وجود زیان في, الكذبة انطلت علي .واستحالة لقائي بھ

رحت بسرعة الفرحة ربما ولدت لحظتھا في ذھني تلك الفكرة المجنونة التي !نكرانھا عد أن قررت أن أھیئ لذاكرتھا مقلبا بحجمب, أخطط لتفاصیلھا

النظر دائمة, بدت لي كثیرة الصمت سھوا, عندما خلوت بھا بعد ذلك في المقھىكأنھا , إلى الرواق الذي كنا نراه خلف الواجھة الزجاجیة على الرصیف اآلخر

.إنھا لم تتغیر. تستعید شیئا أو تتوقع قدوم أحد كانتأثناء استعدادھا , تواصل معك حب رجل أحبتھ قبلك لكأنھا, حبھامتداخل الوقت .لحب من سیلیكوال , لم تعد تعرف ھلع النساء في بدایة كل حب, حالتھا العشقیة لفرط دیمومة

.العواطف حداد العشاق أمام یتمھذا من أین لك! یا لغباء حدادك الشعبي, أنت الذي قد یأخذ معك حداد حب سنتین

ال یكاد یموت ملك إال ویعلن مع مواتھ اسم من, امرأة لھا حداد ملكيالصبر على سیعتلي عرش قلبھا؟

لم أرتد : " ساخرة أجابت. سألتھا مرة عن سبب أال تكون كتبت سوى كتاب واحد

, على شيء لتكتب ال بد أن تدخل في حالة حداد على أحد أو, سوى حداد حب واحدما . الباذخ وال وقت لنا لمثل ھذا الھدر, بنا العمرالحیاة تزداد قصرا كلما تقدم

خیانة.. وربما كانت تعني أن الوفاء لشخص واحد." الحداد إال خیانة للحیاة !تحاشت قول ذلك ألنني كنت وقتھا ذلك الشخص الواحد الذي كانت تحبھ. ألنفسنا :سألتھا وأنا أشعل سیجارة, أحضر النادل طلباتنا عندما

السنتین؟ ا خالل ھاتینھل كتبت شیئ - .كان باستطاعتي عبر ھذا السؤال وحده أن أعرف ما حدث بعدي

" أظنھا أدركت بذكاء , على األقل في استباقھ أسئلة أخرى. سؤالي حتما باغتھا .كنت أسألھا إن ھي لبست حدادي بعض الوقت.. العشقیة "شیفرتنا

:ردت بصوت غائب ..ال -

األلم شعرت بلسعة. أي تبریر یمكن أن یغیر وقعھا, مةلم تضف شیئا على تلك الكل .وبوجع االعتراف الذي تلقیتھ كإھانة لحبنا

الجمیل ما یكفي إلضرام نار الكلمات في كتاب؟ ألم یبق من اشتعاالت ذلك الزمنالرجل الذي كنت أذكرھا , خالد بن طوبال أھي لم تحبني إذن؟ وما أحبت في سوى

.الروائیة نھ أحد ابتكاراتھابھ والذي كانت تقول إقلبھا الرجل الذي توھمتھ أنا وكان سیلیني في عرش, أم ترى أحبت في عبد الحق لو أن الموت لم یسبقھا إلیھ؟

.الفقدان الذي ھو مداد الكتابة .حب یحیلھا إلى حب وال وقت لدیھا للفقدان :سألتني بعدما طال صمتي

فیم تفكر؟ -. كنت أفكر أن الحداد یلیق بك". الحداد یلیق بإلكترا" مسرحیة عنوانھا في -

.قد تكتبین أشیاء جمیلة, بعض الشيء جربي الحدادأثناء إدارتك . تعطیك وھما كاذبا بالكسب إنھا كالقمار. عدلت عن كتابة الروایات -

كل روایة تضیف إلى عمر . أن تحیا أقصد تنسى.. اآلخرین تنسى أن تدیر حیاتكحیاة بحجة تدبیر كمن یجھد في تبذیر. تسرقھ من عمر كاتبھااآلخرین ما

.شؤونھا :سألتھا ساخرا

على نفسك جھد إدارة حیاتھم؟ ألھذا تقتلین أبطالك دائما لتوفري - :ردت مازحة

وال بد أن تقتلھم , یتركون لك حیزا للحیاة ثمة أبطال یكبرون داخلك إلى حد ال -بعض الروائیین یموتون على ید أبطالھم .ل مؤلفیھممثل ھؤالء بإمكانھم قت. لتحیا

.القتل ألنھم ما توقعوا قدرة كائن حبري على :واصلت بعد شيء من الصمت

ما قست علیھ رجال إال و ازدادت .لو لم أقتلھ في روایة لقتلني.. خالد مثال -اآلخرین ویشوش حیاتي جمالھ یفضح بشاعة. كان ال بد أن یموت. فجیعتي

.طفیةالعایشاركنا استنشاق , الحیاة على قید- برغم ذلك-راودتني رغبة أن أقول لھا إنھ

.ھواء ھذه المدینة !المواجھة لم یكن آن بعد أوان تلك. لكنني صمت .لھا لم یزدني حدیثي معھا إال اشتھاء, برغم ذلك, لم أدر لماذا

إضافة .تك اللتھامھاتفتح شھی, كاتبة مشغولة عن كتابة الروایات بالتھام الحیاة تعطیك ذریعة إضافیة الستدراجھا, إلى أن امرأة على ذلك القدر من الكذب الروائي

!إلى موعد تسقط فیھ أقنعتھا الروائیة.. نسیت لماذا افترقنا. مآخذي علیھا نسیت كل. وأنا شارد بھا عنھا. ھا ھي ذي

أضیئي : " كنت سأقول . ھبالتطرف نفس ,فورا, وھا أنا أریدھا اآلن. لماذا كرھتھااستجداء ال یلیق بامرأة ال تحب لكنني وجدت في تلك الصیغة" نفق الترقب بموعد

. تسمح لھا سوى بتحدید الوقت قلبت جملتي في صیغة ال. إال رجال عصي العاطفة :قلت

أي ساعة أراك غدا؟ - أأنت على عجل؟ - .أنا على امتالء -

:ت تعمدتھاأضفت كما ألصحح زلة لسان كن .الكالم إلیك في جعبتي كثیر من -

:قالت .لكتابة روایة لماذا تتبدد في المشافھة؟ بما كان ما في جعبتك یصلح -

, امرأة مغویة .فتنة امرأة تكید لك بتواطؤ منك. كان لھا دھاء األنوثة الفطري

مك یوھ ,جمالھا في نصفھا المستحیل الذي یلغي السبیل إلى نصف آخر, مستعصیة .أنھا مفتوحة على احتمال رغباتك

تتعاقد معھا على اإلخالص وتدري أنك .الفاتنة كما بال قصد. ھي المجرمة عمدا .ستمطر أو متى ال یمكن أن تتوقع في أي أرض. تبرم صفقة مع غیمة

من , الفسق تتقمص نساء من أقصى العفة إلى أقصى. امرأة لھا عالقة بالتقمص .ى اإلجرامأقصى البراءة إلى أقص

:قلت .مغلقة حواراتنا تحتاج إلى غرفة -

:ردت .ال أحب الثرثرة على شراشف الضجر -

:سیقنعھا أجبتھا بما كنت واثقا أنھ .ھیأت لك موقدا أنت حطبھ.. لن تضجري -

لكنني واصلت بنبرة . فوحدي كنت أعرف ما أعنیھ ,لفظت ھذه الجملة وأنا ابتسم :أخرى

إن لم یھزمك الحنین إلي , بمفردك؟ نحن في باریس المطركیف تقاومین ھذا - !أحضرت في حقائب سفرك من یتكفل بتدفئتك إال إذا كنت, ستھزمك النشرة الجویة

.غرقت ألول مرة في صمت طویل :ثم واصلت كأنھا تحادث نفسھا.. صوتھا نبرة حزن لم أعھدھا منھا الحظت في

..اهللا سامحك - .ولم تضف شیئا

ربما لفرط . لشراستي معھا ولم أجد سببا, بحزن من أساء إلى الفراشاتشعرتأكون إال على ذلك لم أستطع أن. ربما إلدراكي بامتالكي المؤقت لھا. حبي لھا

.القدر من العنف العشقي : قلت معتذرا

.إیالمك سامحیني لم أكن أقصد :قالت بعد صمت

عیون زوجي . لقاء معك ألدفع مقابلیؤلمني أنك ما زلت ال تعي كم أنا جاھزة -بسببك في وأنا أجلس إلیك في مقھى غیر معنیة إن مت.. مبثوثة في كل مكان

.فلكوني عدلت عن الحب وتخلیت عن الكتابة, أنا التي أن لم أمت بعد. حادث حب .الشبھتان اللتان لم یغفرھما لي زوجي

. دت وضعھا وأخذت األخرىأع, الزواج بدا لي خاتم, أمسكت بیدھا قصد تقبیلھا :طبعت قبلة طویلة علیھا وتمتمت كما لنفسي

...حبیبتي - :سألتھا وأنا أرفع شفتي عن یدھا

دونھ؟ كیف سمح لك أن تسافري من - :قالت

نحن ھنا . النسائي جئت مع والدتي بذریعة أن أراجع طبیبا مختصا في العقم -

أمي بدون أخاف أن تموت. لیراناحضر من ألمانیا خصیصا . لنلتقي بأخي ناصر .غیابھ ھرول العمر بھا سریعا منذ, أصبحت ھذه الفكرة ذعري الدائم.. أن تراه

:قلت وأنا ممسك بیدھابل , ال بسبب یتمي فحسب. أنھا أمي كثیرا ما شعرت. كم تمنیت أن ألتقي بوالدتك -

أننا خرجنا من الرحم أحیانا أشعر .ألحاسیسي المتداخلة المتقاطعة دوما مع جسدك. ومن حقي أن أستوطنھ وأحیانا أن جسمك ھو الذي لفظني إلى الحیاة. نفسھ

!إلى جسدك أطالب باللجوء العاطفي.. أعطیني تصریحا لإلقامة فیھ تسعة أشھركأنھا وارتبكت خصالت شعرھا حتى بدت, ابتسمت وعال وجنتیھا احمرار العذارى

.صغیرتيالتي ال یمكن أن أحب تلك األنوثة المترفعة. وحینا حیاءھا, اكنت أحب جرأتھا حین

.تستبیحھا عنوة إال بإذن عشقي :ببطء قالت وھي ترفع خصلة شعرھا

.معك أرید حمال أبدیا - :أجبت ممازحا

أتدرین خسارة أال تتكرري في . طفلة جمیلة مثلك لن أستطیع إذن أن أستولدك - !العالم األنوثة فيأنثى أخرى؟ ستتضائل كمیة

تسربت وال أفھم أال تكون, بل أدري خسارة أن أتحسس بطني بحثا عنك كل مرة - وحدھا المرأة. ال بد أن تكون امرأة لتدرك فجیعة بطن لم یحبل ممن أحب. إلي

.تدرك ذلك :سألتھا بعد صمت

حیاة ھل أحببتني؟ -كل . بي عنھ استخفافا بكوفي جوا, استخفافا بي أرى في سؤالك. لن أجیبك -

إن خدش حمیمیة اآلخر ال . نصف كاذبة المشاعر التي تستنجد بالبوح ھي مشاعر .تتأتى إال بالتعري الدمیم للبوح

تعلمتھ منك في ذلك الزمن البعید أیام كنت أستجدي منك اعترافا بحبي ھذا كالملصمت ھو ذلك وحده ا. شھي للبوح ال یخلو من توابل الریاء أي طبق:" فتجیب

".الكذب الشيء العاري الذي یخلو من :قلت مندھشا

متى حفظت كل ھذا؟ -ألعق من صحن االنبھار , بصبر قطة, أقدام أریكتك في تلك األیام التي عشتھا عند -

:قلت مازحا. كل ما تتفوه بھ تحولني إلى كرة صوفیة تلعب بھا حینا وأحیانا, وعندما كانت تشبع تلك القطة -

ثم لعقت .. كم غرست مخالب سادیتك في طیبوبتي. تنتف بمخالبھا خیوطھا أخرى .في إیالمي جراحي إمعانا

, تأخرھا وعندما رأیتھا تنظر إلى ساعتھا معلنة. ضحكنا بتواطؤ الزمن الجمیل :قلت

.ال بد أن تتدبري لنا موعدا.. أرید أن أراك -

سیلحق بي أحدھما حتما حیثما . ا معاأستطیع التحایل على ناصر وآم ال أظنني - .أذھب :ضاحكا قلت

ولماذا أنت روائیة إذن؟ -

***

الجزائریین من المترددین على افترقنا في المقھى خشیة أن نصادف أحد التجار .بعد أن تركت لھا رقم ھاتفي الجوال, المعرضقصد المترو عائدا كنت أ, وبینما كانت تنتظر سیارة أجرة. تسبقني بخطوات تركتھا

.خوفا على جمال فرحة قد أنفضح بھا إلى البیت .وجدتھا تعد حقیبة سفرھا .الفرحة األخرى كانت سفر فرانسواز صباح الغدفي النوم كي ال ترغب سوى, كانت مجھدة بعد یومین من العمل في المعھد

.تستطیع االستیقاظ باكراولم أكن سعدت بأنھا لم , حیاة عندكان عقلي كلھ . سعدت بأنھا لم تتحرش بي

ولم , عقلي كلھ عند حیاة كان. ولم أكن بي, كان عقلي كلھ عند حیاة. تتحرش بي !أكن أدرك أن عقلھا أیضا كان عند رجل آخر

ثم فكرت أن أطلب ناصر . لم أستطع النوم. تلك اللیلة أمام التلفزیون سھرت طویال .عن والدتھ لیاقة لالطمئنان

مراد ألن وأصر على دعوتي یوم السبت للعشاء عند. یا بي كأنھ افتقدنيبدا محتف !والدتھ ستحضر لتعد لھم أكال قسنطینیا

:األسى قال بشيء من. سألتھ عن صحتھاقادة إن العذاب النفسي الذي عرفتھ اما على ید الفرنسیین أیام كان أبي أحد -

تصور أن تتحمل.. ذا العمر بسببيال یعادل ما تالقیھ في ھ, الثورة المالحقیینألن وطنھ مغلق في وجھھ وعلیھا أن , عجوز في سنھا مشقة السفر لترى ابنھا

.میتا أم متشردا تختار أتریده .ألما لم أشأ أن أقص علیھ ما بذریعة مواساتھ كان سیزیده

من علیھ رغم ما كانت, ذكرني كالمھ بما سمعتھ یوما عن والدة أحمد بن بلة التي فعندما اعتقلوا ابنھا. أذھلت الفرنسیین بشجاعتھا, ضعف بنیة وقصر قامة

فاجأتھم بأن لم تقل لھ وھي , وساقوھا إلیھ قصد إحباط معنویاتھ وتعذیبھ برؤیتھاوأدركوا أنھا بذلك المثل الشعبي " الطیر الحر ما یتخبطش" مكبال سوى تراه

.صفورا ینتفض خوفا في ید العدوأن یكون نسرا كاسرا ال ع كانت تحثھ على

فبعد استقالل الجزائر خرج بن بلة زعیما . تعد لھا امتحانا آخر لكن الحیاة كانت. معتقالت وطنھ مشرعة في انتظاره سبع عشرة سنة أخرى من سجن العدو لیجد

یومھا وإلھانة . سوى بعد سنتین من اعتقالھ لم یسمح لتلك األم العجوز برؤیتھبردا على مرأى من كالب حراسة تم تعریتھا وتفتیشھا وتركت ترتجفابنھا ماتت بعد فترة وجیزة من ,لم تصمد كھولتھا أمام مجرى ھواء التاریخ. الثورة

القدرة على مسخ جراء نزلة القھر بردا على مرمى العیون الالمبالیة لوطن لھ .النسور الكواسر إلى عصافیر مذعورة

ویطیر , سنة لتفتح لھ الزنزانة على مضض خمس عشرةكان علیھ أن ینتظر .قبرھا كعصفور مھیض الجناح لیحط باكیا على

طلبت كنت. ال أدري كیف وصلت إلى ھذا الكم من األلم نھار كنت فیھ األكثر سعادة, مسكونون نحن بأوجاعنا. وإذا بي أبكي بسبب أمھ, ناصر طمعا في رائحة أختھ

.طیع إال تحویل الحب إلى حزن كبیرعندما نحب ال نست فحتى

وأودعھا , باكرا كي أتناول فطور الصباح مع فرانسواز في الیوم التالي استیقظتأتلقى تعلیماتھا األخیرة حول إدارة شؤون البیت و, بما یقتضیھ الموقف من حرارة

بعدما رافقتھا ألحمل عنھا حقیبتھا حتى باب عندما عدت إلى البیت. في غیابھاتتقاطع مع نظرات البواب الفضولیة التي ال لبنایة انتابني شعور غریب ونظراتيا

.تخلو من عدائیة صامتةكالمھاجرین , بل أسترق إقامتي فیھ, كنت ال أقیم في ھذا البیت أحسست كما لو

أقیم عالقة غیر شرعیة مع مسكن علي أثناء . أجرب المساكنة .الذین ال أوراق لھمعلي أال أفتح الباب . ألفت نظر الجیران أو أثیر انتباھھم أال, یھمكوثي المختلس ف

على " ھو" خشیة أال یكون , وال أرد على الھاتف ,ألنني لست ھنا أحد, ألحدوعندما سیدق ذلك . فوق ألغام الذاكرة فأنا موجود ھنا في المكان الخطأ. الخط

ني كنت موجودا في الوقت بعدھا أن سأكتشف, الھاتف طویال بعد ذلك ولن أرد علیھ !الخطأ أیضا

إیاه المصادفات في تقاطعھا الغریب كان یمألني وحده ذلك المشروع الذي أھدتني

ھذا البیت إلرغامھا على االعتراف ذلك أنني قررت أن أستدرجھا إلى. حماسة .حقا وأن ذلك الرجل وجد, بأنھا ذات یوم مرت من ھناأحابیل وكانت تعني أن للذاكرة, حیل إحداھا الكتابةسبق لھا أن قالت إن للذاكرة

ھي التي, وكانت یومھا توھمك بذلك لتھرب تلك الحقیقة في كتاب. إحداھا الكذب( بتمثال , كیف كان لھا أال تصف بیتھ بكل تفاصیلھ, تحب توثیق جرائمھا العشقیة

بالشرفة , بلوحات الجسور المعلقة على الجدران. في ركن من الصالون (فینوس .بالمرسم الذي تكدس على رفوفھ الكثیر من تعب العمر, میرابو المطلة على جسر

.قدر اإلقامة في الغرف السریة لكتابھا, یكون لقارئ یوما ذلك أنھا ما توقعت أن

ولذا قررت أن أقضي نھاري في . االمتیاز الذي أھدتني إیاه الحیاة كنت أعي ذلك .أقحمت فیھا كبطل من أبطالھا, ي متاھات روایةباحتجازي ف البیت متمتعا

. شيء ال یتوقف عن انتظار شيء منھا. ینتظر صوتھا في الواقع كان شيء فيكنت أنتظر صوتھا كما . غیر ذلك البیت وكنت ال أعرف لي مكانا یلیق بتوتري

غیر , مقعد الوقت المھدور فعندما تكون جالسا على. اعتدت أن أنتظر صورةصورة لمشھد لن وتھدیك الحیاة, تجد األشیاء في انتظارك, ر لشيء البتةمنتظ

.یتكررتأتي الصورة مثل لحظتھا. دون أن تعرف بأنك تنتظر. أن تنتظر دون أن تنتظر

محتمل تأتي عندما یكون المكان ملیئا بشيء. مثل ھاتف.. مثل امرأة, حب .المجيء

. ضجیجھا أشیاء یالمسني في صمتھأعیش بین غبار. وكنت ملیئا بذلك البیت ورحت بدوري أوثق زمني, ولذا أحضرت آلة تصویري. ویذكرني أنني عابر بینھا

ذلك أنني اعتدت أن أطلق سیال من الفالشات على كل ما . العابر في حضورھا .مھدد بالزوال كأنني أقتلھ ألنقذه أشعر أنھ

. قاف انسیاب الوقت في لقطةوإی ,من جثة الوقت تعلمت اقتناص اللحظة الھاربة .فالصورة ھي محاولة یائسة لتحنیط الزمن

كأن آلة التصویر التي . فاجأني إحساس باألبوة, امتأل ذلك الفیلم بالصور عندما

.حیاتي غدت أنثى تحمل في أحشائھا أوالدي كانت رفیقة, ةیتقاطع فیھا الظل والضوء لیصنعا صور فتلك اللحظة الغامضة الخاطفة التي

.رجل وامرأة تعادل في معجزتھا اصطیاد ھنیھة اإلخصاب بین ربما ألنني بسبب عقدة یتمي كنت. ال أدري من أین خطرت لي ھذه الفكرة

.دائم البحث عن رحم أأتمنھ على طفلي, مھووسا ببطون النساء وصدورھن

حزن نساء یدارین بحیاء فاجعة . لھا غضاضة بطن لم ینجب, كفینوس ھي كانتمعھا كنت أصلي آللھة اإلخصاب كي تحرر أنوثتھا في كل تطابق. لخواءا

المنتصبة دوما تتمرد على فكرة أن كانت ذاكرتي. المغتصبة في أسرة العسكر .یشیخ بطنھا من غیر انفضاح بي

فمنذ موت الفاشیة ما عادت . أنت لن تحبلي من سواي:" مازحا ذات مرة قلت لھاكتلك المرأة التي قرأت أنھا قالت , سلمات لسطوة طغاتھنمست ,النساء تحبل قسرا

عندما رأیت موسیلیني یمر في موكب شعرت أنني " للقوة بفعل الجاذبیة الخارقةالموصدة لألمیرات أذابت نیران العشق شموع حتى البطون, الیوم." حبلت منھ

رحام یثیر شھیة اإلخصاب لدى األ وما عاد اللقاح األزرق. أختامھا الملكیة .المتوجة

.لھا لفرط انشغالي بھا كدت أنسى انتظاري

كنت ما أزال أستعیدھا عندما انتفض القلب ورن ذلك الشيء الذي كان ینتظر .صوتھا لیصبح ھاتفا

.حیث تركتھ في غرفة النوم, ركضت أبحث عن الھاتف الجوال جمع الحطب؟أمنھمك أنت في. لماذا تأخرت في الرد.. صباح األشواق.. أھال -

!بذلك القلیل أیقظ رذاذ صوتھا كل األعاصیر الجمیلة داخلي كیفیشن , أعزل أنا أمام سلطان صوت ببضع كلمات ونصف ضحكة ..یا إلھي بالشویة

.علیك غارة عشقیة

:مستھال كغمزة للذاكرة لقبا كنت أنادیھا بھ, سعیدا بصاعقة الفرحة أجبتھا .ال یمكننا إنقاذ النار إال بمزید من الحطب" یا حمالة الكذب " سیدتي -

:"قیس ولیلى" شوقي في ردت على طریقة أحمد أم تشعل البیت نارا؟.. أجئت تطلب نارا.. ویلك -تعالي كي یشتعل .. ال موقد لك سواي. أیتھا القطة الضالة تحت مطر باریس -

!نارا البیتما وكان كل, ان لھ رائحة وملمسوك, كان لصوتھا جسد. تمنیت لو حادثتھا طویال

.أحتاجھ ألبقى على قید الفرحوإنھا لن تتمكن من , اآلخرین لكنھا قالت إن ذلك الھاتف كان مسروقا من غفلةلي فجأة خبرا كصاعقة لكنھا زفت. لقائي الیوم بسبب محاصرة ناصر ووالدتھا لھا

:عشقیةالمعقول أن أترك ناصر منسیكون من الصعب أن ألتقي بك في النھار فلیس -

تصور . معك لكني عثرت على حیلة تمكنني من أن أقضي لیلة الغد. واما وحدھا .من األسھل أن أراك لیلة كاملة على أن أراك نصف ساعة في النھار

:غیر مصدق فرحتي قلت كیف استطعت أن تتدبري معجزة كھذه؟ -. نجازھا مواھبي الروائیةلكني حسب نصیحتك وظفت إل .إنھا ھدیة المصادفة -

.واصلت ضاحكةال یمكن لروائي یفشل في اختراع . األكاذیب بذرت طاقتي األدبیة في مثل ھذه -

. أن ینجح بعد ذلك في تسویق أكاذیبھ في كتاب, الناس إلیھ كذبة تنطلي على أقرب !یومي الروایة تمرین

البیت ألضعھا أمامفكرت أنھا حتما ال تدري أنني أجيء بھا إلى ھذا . ضحكت !ھذا إذا افترضنا أنني أقرب الناس إلیھا.. كذبة لم تنطل علي

:الفضول سألتھا بلھفة وما الفكرة التي أسست علیھا عملك الروائي؟ -اما . ومبنیة على شيء من الحقیقة ككل األكاذیب المتقنة إنھا فكرة بسیطة -

ومن . ض أصدقائھ عشاء قسنطینیاھناك لتعد لھ ولبع ستذھب غدا حیث یقیم ناصروأنا امرأة متزوجة أن أرافقھا إلى بیت رجل وال یمكنني. األرجح أن تنام ھناك

ولذا اقترحت أن . وحدي في الفندق كما ال یمكنني أن أبقى. غریب وأنام عندهھي في الواقع ابنة عمي . مدة إنھا قریبة لم ألتق بھا منذ. أقضي اللیلة عند بھیة

دائم السفر بحكم تسكن باریس لكن زوجھا. نت أقیم عنده أیام دراستيالذي ككذبة زیارتي لقد ھاتفتھا ورتبنا معا, ولن یكون ھنا طوال ھذا األسبوع, أعمالھ

.ھي دوما متواطئة معي مذ كنا نعیش معا منذ عشر سنوات. لھالكنني . مرادأن الموضوع یتعلق بالعشاء الذي دعاني إلیھ ناصر في بیت استنتجت

.تظاھري بالتغابي طبعا بقیت على :أضافت بعد ذلك بنبرة جادة

على أال یكون فیھ طبعا , في مكان آخر اختره أنت أفضل أال نلتقي في فندقي بل -

.جزائریین :قلت ضاحكا

إنھم في كل مكان في الفنادق الفاخرة كما في ".. تھرب یاللي وراك الموت وین " .ھذا أأمن. أقترح أن تحضري إلى البیت الذي أقیم فیھ .أرخص الفنادق

:الحي قالت كما لتطمئن على مستوى وأین یوجد ھذا البیت؟ -

:تحاشیت أن أدلھا على عنوانھ ."للسین" إنھ في مكان ھادئ على الضفة الیسرى .ال تقلقي - .للمجيء أعطني العنوان وسآخذ تاكسي - في أیة ساعة.. خرج المترو وأرافقك إلیھأفضل أن أنتظرك في مقھى عند م -

تتوقعین المجيء؟ .السابعة والنصف تقریبا - .مقھى میرابو عند مخرج محطة المترو سأنتظرك ابتداء من السابعة في -

لكنني قلت قاطعا . رد فعل ما صمتت برھة كما لو أن اسم المقھى أثار لدیھا :الطریق إلى شكوكھا

ال تجبني . نحن خارج خریطة الخوف العربیة . كسنجابةال تظلي ھكذا مذعورة - .من الجمال عندما تھدیك الحیاة مصادفة على ھذا القدر

الجمیلة في اعتدنا أن تكون كل األشیاء. ربما لجمالھا تخیفني ھذه المصادفة - .حیاتنا مرفقة باإلحساس بالخوف أو اإلحساس بالذنب

ما كانت , فعلى بساطتھا. أن یبقى كذلكوكان علیھ . تمرین خطر كان الحب معھا .ككل النساء.. المجازفة امرأة تملك حق

عبرت في مكالمة واحدة شعرت أن كل الفصول قد, عندما أغلقت جھازي النقال

ورذاذ حزنھا وأنني تائھ بین إشراقة ضحكتھا وغیم صمتھا, عبر ذبذبات صوتھا .السري

.في جموحھا ولیدة مشاعر عنیفةحرك في ذلك الھاتف أحاسیس متناقضة

امرأة تحرض لفرط إسعادك كانت. بعد انقطاع صوتھا كان ینتابني حزن ال مبرر لھ .الحزن علیك

إنني أحتاج . ألشتریھ لیت صوتھا یباع في الصیدلیات: عاودتني تلك األمنیة ذاتھارة وم, الریق مرة على. أحتاج أن أتناولھ ثالث مرات في الیوم. صوتھا ألعیش

.ومرة عندما یھجم علي الحزن أو الفرح كما اآلن, قبل النومأو , ھذا الذي لم یستطع حتى اآلن أن یضع أصوات من نحب في أقراص أي علم

عندما نصاب بوعكة عاطفیة بدون أن یدري , نتناولھا سرا في زجاجة دواء .نحتاجھ صاحبھا كم نحن

الفصل السابع

كانت كراس تنتظر لقاء , الضفة الیسرى لنھر السین قبالة, على یمین الذكریاتخلف واجھة , وكان ثمة أنا, المسائي وطاوالت تحتسي الضجر, المصادفات

مرمى بیت خارج من أنتظرھا على. زجاجیة لمقھى في زاویة مھیأة لشخصین .كتاب

, بشيء من الھیل ولي رغبات, لھا ھنا عاشق على أحر من موقد. وھي ستأتي .یأتي بھا نادل الحزن المھندم, ن غیر سكروقھوة م

وقفت أسلم علیھا . خلف زجاج الترقب حین فاجأني برق طلتھا كنت شاردا بھا .فباریس تجیز لك سرقة القبل. دون تفكیر واضعا قبلتین على خدیھا

:تستعید أنفاسھا قالت وھي. سحبت كرسیا وجلست قبالتيالسفلي المزدحم دة التنقل في ذلك العالمفقدت عا.. ضعت في متاھات المترو -

!قبل ما الذي أوصلك إلى ھنا؟ ما سمعت بھذه المحطة من.. بالبشر وفھمت كم كان یلزمھا من حقائب. كنت أصدق فیھا بیاض الكذب. طبعا لم أصدقھا

.لتھریب كذبة واحدة .ظننتك تحسنین التنقل بالمیترو.. آسف -

:الكرسي المجاوریدھا على ردت وھي تضع حقیبة .العنوان خفت أن تكون أخطأت في إرشادي إلى, في لحظة ما -

:أجبت مبتسما !الخطأ وإن كنت أحب العودة معك إلى جادة.. طبعا لم أخطئ -

ثم قالت ,كما لتحاول فك إشارة كنت أبعثھا إلیھا بین الكلمات, راحت تتأملني لبرھة :بعصبیة أنثویة

!ل لي أشیاء ال تفھمما زلت تتعمد أن تقو - :ضاحكا قلت

.بك صوابي الوحید أنني تعثرت.. كنت أعني أنني عشت عمرا على خطأ.. أبدا - .النصف اآلخر ستكتشفھ الحقا. اكتفیت بأن أوصل إلیھا نصف ما أقصد

:متوسلة قالتیكفیني .ال قوة لي على البحث بین الكلمات.. ال ترھقني بجھد إضافي.. أرجوك -

قمت بھ من جھد حتى ال تغیر أما أو ناصر رأیھما ویصطحباني معھما إلى ذلكما .العشاء

.المقھى اعتذرت وقالت إنھا تفضل أن تغادر, عندما حضر النادل لیسألھا ماذا ترید بھ؟ أكانت على عجل كي نختلي؟ أم كانت على قلق متوجسة شیئا قد أفاجئھا

.دفعت ثمن قھوتي وغادرنا المقھى

.تراني أسلك طریقا كنھا تعرفھ متباطئة الخطى وھي, بدت لي مندھشة :سألتھا إن كان ثمة ما یزعجھا

تنتظرك , اعتدت على مدن شكاكة. بأمان في شارع لیس إال نسیت كیف أسیر -توقعك في قبضة . وأخرى عدائیة, وأخرى متربصة ,خارج بیتك بعیون فضولیة

.الخوفسألتھا إن كانت . إلى البیت عندما فاجأنا المطر لمؤديكنا نسلك منعطف الشارع ا

:تحمل مظلة .عجلتي نسیتھا لفرط.. ال - .البیت لكن ال یھم نحن لسنا بعیدین عن.. وأنا نسیتھا لفرط فرحتي -

:واصلت التحرش بھا وأنا أراھا تسبقني بخطوات ھل أنت على عجل؟ -

:دھابشيء من العصبیة وھي تغطي شعرھا بحقیبة ی ردت ..أنا على بلل -

.الخطى نحو تلك البنایة وأنا أفكر في فصاحتھا المواربة اكتفیت بإسراعوھي تراني أضغط على األرقام السریة التي تفتح وقفت جواري باندھاش صامت

:تغابیت وھي تسألني, أسألھا ما الذي یدھشھا وھذه المرة أیضا لم. باب البنایة أتسكن ھنا؟ -

:أجبت مازحا .دوما كنت أقیم في شوارع جانبیة لجادة حبك -

:سحبتھا من یدھا قائال .أحسست أن المفاجأة سمرتھا عند الباب .ال تبقي ھكذا على ناصیة األسئلة.. تعالي -

:ثم استفاق.. سألتني بنبرة من كان یمشي نائما لكنھا إلى أین نحن ذاھبان؟ -واضعا , تعال على رؤوس األصابع" , "بحیرة البجع" ما یقول مقطع من تدرین -

كي تستأثر وحدك , ال تبوح بسر المكان الذي أقودك إلیھ یدا على فمك كي ."اسمك بالجواھر المرصعة على

:ردت متذمرة !شعرا أھو وقت بحیرة البجع؟ أطرح علیك سؤاال فتجیبني -

:أجبتھا ونحن ندخل المصعد .لجمیلةا حضورك یورطني دائما في األشیاء -

نظرھا كان. لم تكن مشغولة بلحظة خلوتنا األولى, عندما انغلق المصعد علینا .یتسمر على لوحة األزرار التي تحمل أرقام الطوابق

ولكنھا واصلت النظر إلى . نحو أي طابق كنت آخذھا ربما بدأت تتأكد لحظتھا .وجود خطإ في اللحظة األخیرة كأنھا تراھن على احتمال, اللوحة

:أضغط على زر المفاجأة متمادیا في التغابي المزعج وأنا, قلت كما دون قصد .السابع إنھ یقیم في الدور, الحب لھ دائما حضور متعال -

.بالحقیقة وال أنا نظرت في عینیھا بحثا عن آثار صدمة ارتطامھا, لم تعلق بكلمة

كما لتطمئن قد المكانشعرت وأنا أنیر البیت أن نظرتھا تتف, عندما فتحت الباب

.على سالمة األشیاءوعندما تكون انتبھت إلى ,كانت اللعبة مشابھة للوحة یتنكر رسامھا لملھمھ

آنذاك مقاومة الرغبة وال یمكنك, تقودك خطى القدر یوما إلى مكمن سره, تصدیقھلكل تفاصیل والمطابق, وھذا البیت الخارج من كتابھا. في وضعھ أمام كذبتھ

بحجة كنت أحب تلك اللحظة التي أفحم فیھا امرأة. یلیق بمواجھة كھذه, ا لھوصفھ .ثم أتفرج على عریھا أمام الحقیقة, ال تتوقعھا

ما دام لم یبد علیھا أي رد فعل . التغابي إلى أقصاھا قررت أن أمضي في لعبة .صارخ

البیت؟ ھل أعجبك - :ردت وھي تختار كلماتھا بعنایة

.فیھ دفء جمیل - :لثیابھا المبللة أضفت وأنا أتنبھ

.كھذا أو أن ترتدي معطف فرو لیوم.. كان علیك أن تحملي مظلة -تعمدت ارتداء ھذا الجاكیت خوف أن یتسبب لي معطف فاخر بمشاكل في -

.یقال إن االعتداءات وعملیات النشل كثرت ھذه األیام .المیترو :شفتیھا قلت وأنا أضع أول قبلة على

!سنتین ل إنك ھنا في مأمن؟ ال أكثر سطوا من عاشق انتظرومن قا - :وھي تقول, تاركا؟ لھا ابتالع أكاذیبھا, بقبلة ابتلعت زینة شفتیھا

.كم انتظرت ھذا الیوم.. اشتقتك -وال تجرؤ على سؤالي كیف ,كانت ال تزال تحت وقع إرباك المكان, في الوقع

.وال ماذا أفعل ھنا, وصلت إلى ھذا البیتألنھ , مالمحھا بعد مباغتة القبلة األولى التي یتغیر بعدھا وجھ اآلخر فرحت أتأمل .كان من قبل ال یعود كما

:قلت متحاشیا إرباك الموقف .قبل أخرى وتصبحین على مشارف العشرین بعض.. أنت تصغرین مع كل قبلة -

:ردت وھي تتجھ نحو الصالون .الیوم لي عمر شفتیك. .أدراك أنني أحب ذلك العمر ومن -

:مر قلت بسخریة ال تخلو من تھكم وغدا؟ -

:أجابت وقد باغتھا السؤال .ھواجسي لیست اآلخرة من.. غدا؟ ال أدري -

:قلت مازحا .بسرعة سأعطیك إذن من القبل ما یجعلك تبلغین سن الجحیم -

لي رغبة كانتفي الواقع ما. كنت أتعمد ممازحتھا تخفیفا لحرج اللحظات األولى .سوى تأملھا

الصالون متأملة وھي تتنقل في, أنظر إلیھا, جلست على األریكة قبالة الموقد

.بشيء دون أن تعلق, تمثال فینوس واللوحات المعلقة على الجدران .كنت سعیدا بتأملھا. لم أقاطع خلوتھا األولى بالذاكرة

وھي , جارتي البولونیة" غاأول" شيء منھا كان یذكرني بـ .كانت مبللة كقطة .خشیت علیھا أن تمرض. األبیض تنشف شعرھا في روب حمامھا

.بإمكانك أن تجففي شعرك في الحمام - :ابتسامة غائبة ابتسمت

:وقبل أن تتوجھ نحو الحمام تذكرت شیئا فأردفت قائال .بإمكانك ارتداؤه, لدي فستان لك.. شئت أن تغیري ثیابك إن -

:ئيردت بلؤم نسا فستان لصاحبة البیت؟ أھو -

.الصالون قد تكون رأت صورا لفرانسواز وأخرى ألمھا على طاولة ركن في :أجبت متجاھال استفزازھا

.بل اشتریتھ لك.. ال -وعدت بعد حین حامال ذلك الفستان األسود في كیسھ , وسط الصالون تركتھا واقفة

:أناولھا إیاه قلت وأنا. الفاخر .وأن یكون مقاسك.. أن یعجبكأتمنى -

:مندھشة قالت وھي تأخذه متى اشتریتھ؟ -

:أجبت مازحاحتى قبل أن أتوقع , منذ أكثر من شھرین لن تصدقي لو قلت لك إنني اشتریتھ -

.لقاءك :راحت تفرده بإعجاب واضح

.لقد خربت حتما میزانیتك, كیف فكرت أن تشتریھ لي.. جمیل حقا .. جمیل - .إنھ استثمار عاطفي جید ,تميال تھ -أكنت ستھدیھ .. یا مھبول لو لم أحضر إلى باریس وال التقینا ماذا كنت ستفعل بھ -

لزوجتك؟وسعید أن تكوني أنت من .. الحب اشتریتھ ألرشو بھ القدر إنھ ثوب, قطعا ال -

.ترتدیھ ال أخرى :ردت بغیرة نسائیة واضحة

ثمة أخرى؟ وھل - .من علمتني أننا نفصل كل حب من قماش حب آخرإنما أنت .. ال - .ذھبت صوب المرآة ووضعتھ على جسدھا لترى إن كان یناسبھا. تعلق لم

:قائال طمأنتھا .األسود یلیق بك -

:قالت وھي تھم بإعادتھ إلى الكیس .إنھ فستان سھرة.. أن أرتدیھ في البیت ھو أجمل من - فیھ إن لم یكن ھنا؟ سأراكأین . وفي باریس.. ونحن في سھرة -

.بدت مقتنعة .وترتدیھ اقترحت علیھا أن تذھب إلى الغرفة المجاورة

أخذتھ ,ثم بدون أن تقول شیئا. تأملت للحظة وجھي المنعكس أمامھا في المرآة !ومضت صوب الغرفة التي كان واضحا أنھا تعرف الطریق إلیھا

وأقاصص نفسي , تبر صبري علیھاأم أخ.. أختبر معرفتھا بالبیت أكنت أرید أن .لذاكرتھا في تلك الغرفة بانتظارھا وھي تتعرىارتداءه أمامي في عادة أو أن أقترح عن, أن ألحق بھا, كان بإمكاني عن لھفة

.إنقاذا لجمالیة اللحظة, لكنني لم أفعل. الصالون أنھا كفاكھة تدري, كنت أسعد بمتعة تأجیل متعتي, الجسد وجوعھ رغم استعجال

.قضمھا ولكنك تؤجل, لك كانت تلك. حاولت أن أستعین على انتظارھا بالبحث عن شریط یلیق بالمناسبة

.األغنیة ما زالت داخل جھاز الكاسیت .الزر والضغط على.. اكتفیت بإعادتھا إلى البدایة

قسمطینة ھي غرامي.........باسم اهللا نبدى كالمي الوالدین اهللاإنتي و......... منامي نتفكرك في

كأنھا .. حتى أطلت كبجعة سوداء, ظننت أو ھكذا, جلست رفقة قسنطینة أنتظرھا

.بھا قسنطینة وإذا. في كل ما ترتدیھ ما ارتدت سوى مالءتھا

.وكنت أتأمل غرابة فتنتھا التي ال منطق لھا, وقفت قبالتيوھذا . نت األبھىكا. ولكنھا كانت األشھى, قطعا ما كانت األجمل. تكن األجمل لم

.كغرابة صوتھا الذي یحدث اضطرابا كونیا بكلمة, تفسیر لھ أمر الوھي تدور في ذلك الثوب نصف استدارة على إیقاع , قسنطینیة سألتني بلھجة

:الموسیقى تشتیھ؟ - :أجبتھا وقد استیقظ في كل ذلك الشوق! ؟ یا للسؤال"ھل أحبھ " !إنتي نشتیك -

في, في التوقف, طریقتھا في االلتفات, ة التي تتحرك بھادوما أحببت الطریقفي رفع طرف ثوبھا بید واحدة وكأنھا , في انسیاب الشال على شعرھا, االنحناء .طریقتھا في اإلیاب.. طریقتھا في الذھاب. بتالبیب سرھا تمسك

خوفا من أعین , كانت تزورني فیھ متنكرة في عباءة أمھا في ذلك الزمن الذي

أذكر قولي لھا أنني أحبھا في , المتربصین بالنساء ضولیین ونوایا اإلرھابیینالف, علیك أن تحب الثوب الذي ترتدیھ لیحبك " :تلك العبایة السوداء أجابت یومھابعض الناس ال یقیمون عالقة . فیھ قبیحا فتبدو, وإال سیبادلك الالمباالة والنفور

والبعض تراھم , حتى في أناقتھم جمیلینولذا ھم یبدون غیر , حب مع ما یرتدون ."وال یملكون سواھا ألنھم یرتدون بذلة یحبونھا, على بساطة زیھم متألقین

الحد؟ أتراھا أحبت ھذا الثوب حتى لتبدو فاتنة فیھ إلى ھذاإلى أم ھي أحبت فتنة ھذا الموقف وغرابة لقائنا معا في بیت یعیدھا عشر سنوات

.لىمتاھتھا العاطفیة األو

. ممزوجة بحسرات االشتیاق إلى قسنطینة ,كانت كلمات األغنیة امتدادا لخساراتناذبذبات الخوف من رغبات تولد وكانت الموسیقى بإیقاع دفوفھا تبث في الجو

.حزن آخر تبدو معھا الرغبة في الرقص عبورا إلى, مشاعر عنیفة لعربي یمنحك كلخارج خارطة الخوف ا" محمیة عاطفیة" ألن وجودك في

::قلت لھا.. الصالحیات في اختبار جنونك .اشطحي لي.. حیاة -

:ردت بخجل نساء قسنطینة في زمن مضى. وفاجأني حیاؤھا ,فاجأھا طلبي .قدام راجل عمري ما شطحت.. ما نقدرش -

:أجبتھا بما یضاھي حیاء أنوثتھا من رجولة ذا موش لي لمنو؟وھاذا الزین إ.. راجلك أنا.. أنا مانیش راجل -

" فال أظن أحدا قبلي سألھا . جسدھا طویال تراني لفظت كلمة السر التي انتظرھا ؟"إن لم یكن لي أنا.. لمن جمالك

لم . راح جسدھا یتھادى, قسنطینة عندما ترقص ألول مرة في حضرة رجل بحشمةارتھا في كانت إث. وال كان في حركتھا من غنج, تكن تتمایل لم, تكن تتلوى

. األنوثة التي تحت صخب الموسلین ترقص وكأنھا تبكي في تلك, إغرائھا الموارب .الشجن على أغنیة محملة بذلك الكم من

,كان في الجو براعم جنون لشھوات مؤجلة أزھرت أخیرا خارج بساتین الخوف .لكن في بیت متورط في حزننا أكثر من أن نفرح فیھ

.بنشوة الحزن المتعالي, كنا نمارس الحب رقصا, رحناف بدا لي كأنما الستحالة

طربا , جالسا قبالتھا, صامتا كنت. الذي یضرم الحزن وقبلھا لم أكن خبرت الرقصدمائي تصھل . منتشیا بھا لفرط جوعي إلیھا ,حزینا لفرط طربي, لفرط حزني .قدمیھا لتنتھي كرما یعتصر تحت وقع, تجاھھا دوما

في كل رغبة شيء من العنف. قدمیھا المخضبتین بدم الرجالأحببت فصاحة .المستتر

أم ألنھ ال یلیق بقسنطینة الرقص بكعب عال؟, ألھذا خفت كعبھا". في الرقص كما في العبادة ال نحتاج إلى حذاء.. اخلعي نعلك یا سیدتي " :قلت

.وقوف فینوس منتصبة تواصل انتعال ابتسامتھا األبدیة فقد تنبھت إلى

فیوم جيء بھا . من الذھاب حافیة إلى لویس الثامن عشر أن تكون آلھة لم یعفھاوجد من بین متملقیھ من , یلیق بمقام آلھة للجمال لیستقبلھا رسمیا بما, إلیھ

, تتواضع وتأتیھ حافیة لتؤدي لھ طقوس الطاعة أوصلھ االجتھاد إلى المطالبة بأن

.كما في األساطیر القدیمةیقال إن , الیسرى كانت مغطاة بقطعة قماش متدلیة من وسط جسدھا وألن قدمھا

.اللوفر قاموا بتبدیل قدمھا الیمنى بقدم بدون خف خبراء الترمیم في متحفما استطاعوا أن یجعلوا تمثالھا ینحني وال . تھكما "فینوس" من یومھا تزداد

.ملك یدیھا المبتورتین تصفقان لحاكم أوغیر أن الرقص . صت اآلن كأنثى على ھذه الموسیقىوھي تود لو أنھا رق

لھیبة نسائھ في , ال یرقص بفوطة تلف حول ردفین لجسد نصف عار القسنطیني .رقص القسنطینیات یضاھي طقوس العبادة یكاد, حضورھن الخرافي

.أروع من أن یوصف .إنھ یا إلھة الجمال شيء أجمل من أن یتعرى

" مع إنسان سعید نحن ال نستطیع الرقص" , حجریةاحزني قلیال إذن یا سیدتي الأجمل , وحدك أثقل من أن ترتدیھ, والبسي ثوبا من المخمل المطرز بخیوط الذھب

ضعي حول خصرك حزاما قضت أمك عمرا في جمع صكوكھ. من أال یراك فیھ أحدمرري في قدمیك المخضبتین بالحناء خلخاال . كي تلبسیھ لیلة عرسك, الذھبیة

وتعالي على , وال یرى منھ سوى واحد حین تجلسین, حین تمشین مع رنتھتس .لتتعلمي الرقص القسنطیني ھودج الشھوات المتھادي

على إیقاع خلخال , الشھوات وتواصل الرقص حافیة, انحنت حیاة تخلع حذاءھا

.أوھامي لكن عندما راح. إزعاج الجیران لم أنتبھ لحظتھا إلمكان, لفرط انخطافي بھا

یكون أحدھم اتصل توقعت أن, الھاتف یرن بعد ذلك بإلحاح في غرفة النوم .احتجاجا على صوت الموسیقى

.مكتفیا بالنظر إلى الساعة, أجیب فضلت أال, عمال بتعلیمات فرانسوازالوقت الحضاري المباح لضجیج أظننا تجاوزنا. كانت التاسعة والربع بعد الشجن

.السھر .المسجل أخفض صوت الموسیقى توجھت نحو. شارف نھایتھكان الشریط على م

:سألتني وھي تجلس قبالتي على األریكة على الھاتف؟ أال ترد - .ال -

:قالت بمكر األنوثة .اإللحاح الھاتفي صفة أنثویة ..ربما أحد یصر على محادثتك -

:قلت متجاھال تلمیحھا !لھاتفیقطع صالتھ لیرد على ا ال.. المحب كالمتعبد - .إذا كان مثال ینتظر ھاتفا إال.. وال یقطع عبادتھ أیضا لینظر إلى الساعة -

وأضعھا على طاولة , معصمي أجبتھا وأنا أفك الساعة من. ضحكت لمنطق غیرتھا :قریبة

ھاجس . یخاف أن تفاجئھ ساعتھ ألنھ كالعاشق, بل ال ھاجس للمتعبد إال الساعة -

كما , أن العشاق برغم, ألن الزمن ھاجس عشقي,الموت یواجھنا أمام كل حبالزمن ال یحتاجون إلى ساعة لكونھم بدخولھم إلى الحب یخرجون من, الموتى

!المتعارف علیھ :واصلت مازحا

!اآلن إلى ساعتك أتحداك أال تنظري بعد.. خلعت ساعتي - :ردت ضاحكة

.جھد تھزمني دائما بدون.. علیك اللعنة - :مھا إليصححتھا وأنا أض

!بل بجھد غبائك العاطفي -قبلة تأخرت كثیرا حتى لكأن علیھا أن تغطي نفقات عامین من .رحت أقبلھا طویال

.. برغم حملك أثناءه, بإمكانھا أن تعید إلیك عمرا أفلت منك فوحدھا اقبل. االنتظار !ساعة في معصمك

األریكة نفسھا؟ھل قبلھا أحد قبلي على ھذه : برغبة في أن أسألھا شعرتقلت وأنا أعابث . فاستبدلتھ بآخر أكثر إلحاحا, أعرف الجواب غیر أنني كنت

:شعرھا قبلك رجل بعدي؟؟ ھل.. حیاة -

قلت . رذاذھا ضحكة ماطرة تجاھلت, ردت علیھ بضحكة ماكرة. فاجأھا السؤال :موضحا

.. أو متى حدث ھذاكیف ال یعنیني أن أعرف من یكون وال.. ال أرید نصا روائیا - أرید أن أعرف فقط ھل حدث؟

.ولمرة تمنیت لو أنھا كذبت, یكون في صدقھا إیالمك ھي عادة ال تصدق إال عندماتوضع على , لم تملك سوى كلمات كضمادات الصقة كنت أنتظر منھا جوابا لكنھا

.عجل لوقف نزیف :آخر براءة لذمتھا قالت إذ وجدت في سؤال

ما , بدوري دعني أتذاكى وأسألك" الذكاء ھو تقاسم األسئلة" قلت مرة إن - عالقتك بھذه المرأة التي تغطي صورھا كل مكان في ھذا البیت الذي تستقبلني

فیھ؟جئت وأنا. فالذكاء ما كان بالنسبة إلیھا تقاسم األسئلة بل قلبھا. ضحكت لسؤالھا

,ھا ھي تقلب األدوار.. بھا إلى ھنا كي أرغمھا على االعتراف بحقیقة وجود خالد .وتبدأ باستنطاقي عن فرانسواز

فھي ال . األمر جانبا طریفا آخر خاصة أ، في, قررت أن أتراشق معھا بجمر الغیرة

العتقادھا أنھ , أعرف شیئا عنھ أو أنني, تتوقع حتى اآلن أن أكون التقیت بخالدواز من صورھا فرانس لكنھا حتما تعرفت على. ترك ھذا البیت منذ سنواتمنھا وال تفھم كیف ھذه المرأة استطاعت أن تسرق. المرسومة على اللوحات .الرجلین األھم في حیاتھا

.صدیقة أقیم عندھا منذ أشھر - :مستدركا بلؤم ثم واصلت

!تعثرت بك لكن في كل امرأة مررت بھا. بعدك" الحفر النسائیة" تلقفتني - :ردت بضحكة تخفي لھیب الغیرة

, لكثرة ما تعثرت بي في كل حفرة. غیبتي ال داع لسؤالك إذن ماذا فعلت في - بذلك؟ ھل استمتعت, أتوقع أن تكون قضیت الوقت أرضا

في كل تحتاج إلى تقاریر ترفعھا إلیھا, كانت أنثى ال تختلف عن األجھزة البولیسیة د متعتھا فيوككل المخابرات كانت تج. لقاء عن كل أنثى مارست الحب معھا قبلھا

.التدقیق بالتفاصیلبتفاصیلھا ھي فھي تدري أن قصة ال تبوح. تجاھلت فضولھا, تمادیا في إیالمھا

.ذاكرة لھا ووحدھا المغامرات العابرة تغذي آذان األسرة التي ال, قصة عشقیةوأجمل من فھل كان حبھا أكبر. ربما لھذا ھي لم تبح یوما بحبھا لخالد وال لزیاد

یحكى خارج كتاب؟أن, وقعت على مفارقة عجیبة, لھا كلما ازدادت یقینا بخیاناتي, أثناء تأملي ولعھا بي

عیون بقیة النساء یجعلھ األشھى في, وأنا اكتشف أن وفاء رجل المرأة واحدة !لدیھا بینما خیانتھ إیاھا تجعلھ شھیا, الالئي یصبح ھدفھن اإلیقاع بھ

ثم أصبح, مثلي خسرھا في الماضي لفرط إخالصھ لھاتذكرت خالد الذي قد یكون تماما كما أصبح فنانا جدیرا باالھتمام في, جدیرا بغیرتھا مذ تلقفتھ فرانسواز

!لتتلقفھ ھنا صاالت العرض الباریسیة, مذ غادرھا, الجزائرھم ربما علی.. إننا نحتاج إلى األكاذیب الصغیرة إلنقاذ الحقیقة وھكذا الذین یقولون

.أو المرأة.. سواء لوطن, إلنقاذ الوفاء, شيء من الخیانة أن یضیفوا حاجتنا إلى

مستفیدا من جلوسنا عند العشاء متقابلین , للحدیث عن خالد حاولت أن أستدرجھا :للوحة علیھا جسر

أتحبین ھذه اللوحة؟.. دوما كانت الجسور ثالثنا - :أجابت وقد فاجأھا سؤالي

بسببي ونحن على " عمي أحمد" مذ اغتیل سائقي . جسورعدت أحب ال ما -خاصة أن لي جدا انتحر بإلقاء نفسھ من جسر سیدي ,كرھت الجسور, الجسر. تعنیني أصبحت تحضرني بین الحین واآلخر وھذه الحادثة التي لم تكن, راشد

اء إیفیل أننا لم نسمع بأحد انتحر بإلق البارحة مثال فكرت وأنا أعبر جوار برجاألعلى لالنتحار بقدر ما یعنیھ زخم فالمنتحر ال یبحث عن المكان, نفسھ من برج

ینتھز فرصة ذلك الزخم , موتھ ھو یختار الجسر ألنھ یرید أن یشھدنا على. الحیاةألنھ برغم كل شيء ال ,عساھا تنتحر بانتحاره, الحیاتي لكي یقضي على الحیاة

.یصدق أنھا ستستمر بعدهرحت أستدرجھا لحوار ظننتھ . أشیاء جادة عندما تتحدث في, جملكانت تبدو أ :سیكون كذلك

لماذا تشغل كل روایاتك؟ اشرحي لي ھذا اللغز الذي , إن كنت تكرھین الجسور -

!لم أفھمھ :الساخرة وردت عادت إلى مراوغتھا

على أن تشرح تفاصیل روایة كأن تنسى السعر:" ثمة مقولة جمیلة لبروست - .مثلھ ال أملك شروحا ألي شيء كتبتھ. "ھدیة

:علقت مازحا !الھدیة" إیتیكیت" أفھم تماما أن تكوني امرأة ملتزمة بـ ..طبعا -

, سؤالي كان بسبب لوحة زیان اشتریتھا تمثل جسرا , وبالمناسبة- ثم واصلت .إیاھا وكنت أنوي أن أھدیك

:قاطعتني . في بیتيقد ال أعلقھا أبدا. أرجوك ال تفعل -

:وجدتني أتحدث مثل فرانسواز أجبتھا وقد .جدران بیتك ال على.. كنت سأھدیك إیاھا لتعلقیھا على قلبك -

:قالت .ما عاد في حوائط قلبي مكان ألعلق علیھ شیئا -

.انتابتني بعدھا حالة كآبة. محاولتي األخیرة الستدراجھا للحدیث عنھ كانتوجعي في حضرتھا؟ امرأة ال أریدھا وال أرید أن أشفى أحبھا؟ أم أحب أكنت حقا

.ألمي بھا شيء مطھر یرفعني إلى قامة األنبیاء كان في طفرة, منھا :قالت وقد الحظت حزني

احتفظ أنت باللوحة ما دامت . یكفیني ھذا الفستان ھدیة منك.. ھكذا ال تحزن - .أصبحت أتشاءم من الجسور ,اعذرني. تعجبك

:اللحمة وقلت وأنا أتأملھا وھي تقطع شریحةأشعلت سیجارة أما زلت تبحثین عن آباء لروایاتك؟ -

:ردت ضاحكة ..ما زلت - !"بال أمك" وستكتبینھا .. وجد أمھا.. وأمھا.. روایتك التالیة سأكون أباھا -

ضحكت وھي . لنا قاموس من الغزل الجزائري ال غنى لنا فیھ عن المسبات كان :شراستنا العشقیة وقالت وھي تقبلني تستعید مفردات

..متاعك ویلعن بو الروایة.. نشتیك یلعن بوزینك - كنت أفكر لحظتھا أن بعد كل متعة كان الحب یحصي عدد األطفال الذین لم

ولكن بعد كل حرمان جسدي كان األدب یفرك كفیھ مستبشرا بعمل . أستولدھا إیاھمأن تنجب بحرمانھا , ة في الكتابة على االنكتابوال بد لھذه المرأة المقصر .روائي

.بیتھ, قررت أال یخرج قلمھا سالما من ھذا البیت. نصھا األجمل الیوم منيوضعت على الطاولة سلة الفواكھ وصحن الفراولة التي كنت بعد العشاء عندما

:مازحا قلت, أحضرتھا لعلمي بحبھا لھاإحدى قرأت أن. فقد تشعل حربا عالمیةبرغم كونھا عزالء .. احذري الفراولة -

الرسائل المشفرة التي كانت توجھھا إذاعة المقاومة الفرنسیة التي كان یشرف حزیران 5كانت تحمل مساء , علیھا دیغول في لندن أثناء االحتالل األلماني

وكان ذلك إعالنا " أرسین یحب المربى بالفراولة:" الرسالة المشفرة ھذه1944 !جیوشھم على الشواطئ الفرنسیة لحلفاءبإنزال ا

:قالت متعجبة ؟..حقا -

:قلت مازحاوربما لھذا . إنما في حمرة غوایتھا.. خطورتھا لیست في قوتھا.. تخافي ال -

على غیر بقیة الفواكھ ھي غیر مكترثة بأن . إلیھا مقاومتھا یصعب على الناظر . سافرة ولذا ھي سریعة العطبإنھا فاكھة. تلتحف بغالف أو, تحمي نفسھا بقشرة

.تمرغ حبة الفراولة في صحن السكر كانت عیناھا تتبعان یدي وھي :المتعمد قلت وأنا ألقمھا إیاھا بذلك البطء

والمتعة ,بل تلقم, الخطیئة ال تقضم. ال أدري من ألصق للتفاح شبھة الخطیئة - .لیست سوى في كمیة المواربة بین الفعلین

كي أعلمھا فضائل الصمت في حضرة , الكالم كنت توقفت عن, ةفي الحبة الثانی .الفراولة

حتى ال نجد , التفكیر في متعة ال یمكن لھا أن تدوم تركت لثغرھا أمر مواصلةتراجیدیا .. فاإلفراط في الملذات. لنشفى منھا أنفسنا یوما مثل زوربا نتقیأھا

.إغریقیة !وأنني ألقمھا فاكھة الفراق, ف التنفیذأعدھا لمتعة مع وق تراھا أدركت أنني كنت

أكان یمكن أن , ولكن, الحب على التخلي عنا ھنا حیث قادنا لم أتوقع أن یجرؤ

لم یكن لھم الوقت الكافي , البیت المزدحم بأشباح عشاق یحدث شیئا بیننا في ذلك .أشیائھم لتغییر شراشفھم وجمعكنا . لفرط تذاكینا قلنا كالما غبیا. تناتحدثنا لغة لیست لغ. ما كانت ھي وال كنت أنا

أللمنا بنصفھا محتفظین, كي ال نقول أكثر من نصف الحقیقة, نتكلم ثم نصمت فجأة .اآلخر

أما كان یحق لصبرنا .نغالب نعاس األجوبة, كنا نعاند تعب األسئلة, طوال السھرة من سریر تتمدد علیھ رغباتنا المؤجلة؟

وأنت اآلن تستطیع النوم . یص نومھا ضمن لوازم نومكقم ,امرأة كانت رائحتھا .بعدھا وال أنت تدري ماذا ستفعل, معھا

كل ..ال تغادري" تستبقیھا لحظة الفراق قائال , وكنت في تاریخ بعید لحبكمایبكیھا كل شيء . وھا أنت یتیم في حضرتھا" أعضائي تشعر بالیتم عندما تغیبي

.ترى فیك والال سأفسدك إمتاعا حتى" أنت تغدق علیھا بتلك اللذة الشاھقة و, وكنت تقول لھا

. وكنت تظن عندما افترقتما أنك ما عدت تصلح المرأة بعدھا" تصلحي لرجل غیريفھل استدرجتھا إلى ھنا الستخراج . أنت تكتشف أنك لم تعد تصلح حتى لھا وھا

السریري لحب كان حیا بغیابكما؟ شھادة الموت

ضممتھا إلى صدري طفلة . الفتیل أنثى منزوعة, ي ذاك السریرتمددت جواري ف, " ھل ستعیش معي؟" فزعة كذلك الزمن الذي كانت تسألني فیھ, تلوذ بي, ودیعة

, "سأعشش فیك " فأطمئنھا ورأسي یتململ بحثا عن المكان األدفأ في صدرھا ."ننشطر حتما لن" فأجیب بسذاجتھم " حقا لن نفترق؟" فتلح بذعر العشاق

مكان وأنا أكرر صمتا الحركة ذاتھا بحثا عن, انتابني خوف مفاجئ بفقدانھا. ویصطدم وجھي بموسلین ثوبھا األسود الذي لم تخلعھ. لرأسي في صدرھا

.الموت سیسرق أحدنا من اآلخر وأننا قد ال نلتقي أبدا شعرت أنأو ماذا لو اغتالھا , "ظیفةن" لو دبر لھا زوجھا میتة ماذا. عاودني ما قالھ ناصر

.اإلرھابیون مثال .إنما قصاص العیش بعدھا, ھاجسي احتمال موتي أنا لم یكن

فأنت ال یمكن أن تدرك . امتحانا فاضحا لعشقي إیاھا ,كانت فكرة موتھا الحقیقیة

وأحاسیسك , وتتأمل ردود فعلك, الغیاب إن لم تتمثل محنة, مدى حبك لشخص .نھاألولى أمام جثما

, تسارعت نبضات قلبي. كدت أموت حقا, موتھا الحقیقي علي یوم رحت أختبر وقعثم , طلبت رقمھا. في التنفس ظننتھا ستودي بي وفاجأتني حالة اختناق وضیق

غیر أني عندما , كنا في قطیعة طویلة. الحیاة قطعت الخط ألتأكد من أنھا على قیدموت أن یختلسني في غفلة منھا لل كان یمكن. استعدت أنفاسي حقدت علیھا

لتشید بھا صرح ضریحي ..وتواصل بعدي تبذیر كلمات ضنت بھا علي في حیاتي .في روایة

بنا صورھا المرسومة على تحیط, كنا متمددین بثیابنا في غرفة فرانسواز .اللوحات

:سألتني بنبرة ما قبل البكاء وھي تلتصق بي ھا؟أم أنت تفكر ب.. أما عدت تحبني -

.لم أجبوحدھا التي ال نقولھا تنجو من , حیة في مثل ھذه الحاالت ال تصل الكلمات

.الرصاص الطائش للبوح :وأنا أقبلھا وقلت. ضممتھا إلى صدري

!تصبحین على كتاب.. نامي حبیبتي -

***

.استیقظنا صباحا على فاجعة الضوء .الضوء أول فاجعة: الصورة كما في تحمیض :قالت مذعورة

كم الساعة؟ - :أمازحھا قلت وأنا

!بأمر منك قررت أال أنظر إلى الساعة.. ال أدري -

:طاولة النوم وصاحت نظرت إلى ساعة قرب .إنھا الثامنة والربع! یا إلھي -

.الحمام تصلح من ھیئتھا نھضت من السریر نحو .ھكذا فجأة نفذ الوقت

سریر غیر مرتب للیلة حب . بعدلم تغسل وجھھا یوم ماكر یتربص بسعادة تتثاءب .امرأة أخرى عبور خاطف لرائحتھا على مخدع. لم تكن

:ثیابھا قالت وھي تعید ذلك الفستان األسود إلى كیسھ بعد أن ارتدت أبإمكانك أن تطلب لي تاكسي؟ - .امضي ثم.. ابقي لتناول قھوة الصباح معي - .أفضل أن أعود اآلن ھذا أأمن.. ال أستطیع -

.انتظرت صباحا أبدأه معھا فكم. ني ذلك كثیراأحزن :قلت وأنا أرافقھا النتظار التاكسي

كم تمنیت .. اختراعات اإلنسان إن لم یخترع آلة إلیقاف الزمن بعد ما جدوى كل - .الصباح یوما معا أن نتناول فطور

:علقت بنبرة تشي بمرارة خیبتھاإن كان سینفق ما كسب من , ف الزمناإلنسان آلة إلیقا وما جدوى أن یخترع -

!والعشاء وقت لمجرد تناول الفطور .كانت على حق. تلقیتھ بابتسامة صامتة, أحببت ذكاء تلمیحھا

حین عثرت على , لحظتھا أضع یدي في جیب سترتي لشدة البرد الصباحي كنت

.التي أعطاني إیاھا زیان عندما زرتھ في المستشفى حبات الشوكوالطة, كنت ما أزال أفكر في الطریقة المثلى لتنفیذھا . فكرة ماكرة أسعدتنيراودتني

فلم یبق أمامي إال أن , الشارع تتجھ نحونا عندما لمحت سیارة األجرة في آخر :قائال بحبتین منھا وأمد لھا, أقبلھا مودعا

تبقي تناولیھا حتى ال, إنھا شوكوالطة أھداني إیاھا صدیق زرتھ في المستشفى .لى خواءع

, ماركتھا الممیزة حتما تعرفت علیھا من. ظلت لبرھة تتأمل قطعتي الشوكوالطة .لكنھا لم تقل شیئا

أن تفھم ما الذي أوصلني حتى بدون, ركبت التاكسي وھي تحت وقع المفاجأةالشوكوالطة التي وما الذي أوصل إلى جیبي تلك, غرفة زیان في المستشفى

.أحضرتھا لھاألخیرة في جولة شطرنج بفرحة من فاز في اللحظة, نا عائد إلى البیتوأ, شعرت .جمیل فینا لكن فرحتي لم تخل من مرارة موجعة ترافق وعینا بموت شيء. شاقة

***

.بل لتشعرك بفداحة رحیلھا, ھي ما جاءت لتبقى. ال تحزن أجلك تبتكر من, تذھب إلى الحب بعدة ساحر, تفعل ضد امرأة ماذا تستطیع أن

, استحضار أخرى, إخفاء بعضھا, أمامك قلب األشیاء تمارس, فنونا خداعیةوتشطرك في , تضعك في صندوق زجاجي .وتحویل كل ما ھو حولك إلى وھم كبیر

ثم تعید . من رجل آخر واآلخر نسخة, واحد ھو أنت, استعراض سحري إلى اثنین .إلصاق جزءیك في كتاب

ثریا أم فقیرا؟ سعیدا أم تعیسا؟ أتراك أنت یدیھاال تدري أخرجت من بین, ساحرةأم منادیل .. أرنبا مذعورا.. حمامة بیضاء أم غیرك؟ أخرجت من قبعة خدعتھا

ملونة للدموع؟أن الحب ساحر یبدأ استعراضھ بخدیعة , ساعتي من جدید خطر لي وأنا أضع

.المعصمیة تجرید ضحایاه من ساعاتھم الساعة؟ یمكننا النظر إلى, وخدع الحواة, شى أباطیل السحرھل فقط عندما تتال

.إنھا التاسعة والنصف صباح أحد

الذي ال , مأتم الحب لمواجھة بیاض الوقت قھوة مرة سوداء أتناولھا وحدي في .أدري كیف أنفقھ في یوم ممطر كھذا

ثم رحت أخفي آثار ما لم یحدث في بیت غادرت , شیئا من الموسیقى وضعت .الحلم خلفھا صافقة باب, ائرتھز

والنساء ,دوما كنت أكره األسرة التي ال رائحة لھا. بدأت بتفقد غرفة النوملكن ھذه المرة كان علي أن أحتاط . المھووسات بنشل غسیلھن على حبل التشاوف

لكأنھا غابت فقط كي تترك لي ما . ففرانسواز ستعود غدا . وشایة األنوثة من .ت لنصب سرداق عزائيالوق یكفي من

وأن الخیبات الكبرى , مصادفة عندما نراجع حیاتنا نجد أن أجمل ما حدث لنا كان

.السعادة تأتي دوما على سجاد فاخر فرشناه الستقبالقبل عدا االستعداد لمغادرة ھذا البیت, قررت عن أسى أال أخطط لشيء بعد اآلن .ي أیضا أال أترك ما یشي بمروريفعل. خروج زیان یوم األربعاء من المستشفى

خشیة أن أتركھا في , ذھبت إلخفاء أشرطة األغاني القسنطینیة, وقبل أن أنسى .فیستنتج أنني أقمت ھنا, التسجیل جھاز

وأنھ قال لي وھو , أزره منذ یومین تذكرت أنني لم, أثناء تفكیري في كل التفاصیلمكانھا بشيء من لو جاؤوهإنھ كان یفضل , یمدني بقطع الشوكوالطة تلك

:مازحتھ, " قلب اللوز" أو " الزالبیة" .بعیدا رمضان ما زال - خاصة تلك, إنھ یقضي وقتھ في اشتھاء المأكوالت. لكن المریض یشبھ الصائم -

.المرتبطة بذاكرة طفولیة أو عاطفة

لفرنسیة المغاربیة التي ال تعترف بالعطل ا وجدت في فكرة الذھاب إلى أحد األحیاءأفضل ما , قبل أن أعوده في المستشفى ,ألشتري لھ شیئا من الحلویات الجزائریة

.كان یتزاید تجاھھ خاصة أن شعوري بالذنب, یمكن أن أفعل في یوم أحد

یحمل من الجزائر بحثا عن كل ما یمكن أن, ألھذا رحت أجول في السوق العربي في كیس؟

بعد أن قال لي , وآخر لي ,یفا من الكسرة لھورغ, اشتریت علبة صغیرة من التمر .بسرعة البائع إن سیدة تعد ھذه األرغفة كل یوم وإنھا تنفذ

عجبت لذلك العالم الذي كنت أجھلھ عن جزائر أخرى نقلت بكامل منتوجاتھاعدا أمك " وتذكرت قوال ساخرا لمراد . وعاداتھا إلى حي احتلتھ الوجوه السمر

." البلد كل شيءتجد في ھذا ..وأبیكأقنعت نفسي ". ملكي كسكي" توقفت بعد ذلك في مطعم شعبي یدعي تقدیم

تحین ساعة كنت في الواقع أرید أیضا ھدر بعض الوقت حتى. لجوعي أنھ كذلك .الزیارات

, حركة غیر عادیة كان في المستشفى, وصلت إلى المستشفى عند الساعة الثانیة

.أیام العطلبسبب الزیارات التي تتزاید " سعدت أیضا لـ. زیان بوحشة أكبر ھذا الیوم بالذات سعدت لمجیئي حتى ال یشعر

مرة أحضر لھ أكال بدل الصحافة التي ال تزیده كانت ھذه أول, "حمولتي الوطنیة .إال ھما

لكنني , ثم فتحتھ كعادتي متقدما خطوة نحو األمام, المباغتة طرقت الباب بفرحة, ھزیلة. أنبوب الدواء تشغل مكانھ في ذاك السریر مشدودة إلىفوجئت بعجوز مطالبة , مكانھا حین رأتني تعبیر یستجد بي حل, لھا نظرات فارغة, شاحبة اللون

.أدركتھ بشيء ما لم تفصح عنھ وال أنا .مسرعا قبل أن أعتذر وأغادر الغرفة, بقیت برھة مذھوال أنظر إلیھا

أثناء كنت. 11أسأل عن مریض الغرفة رقم , الطابققصدت مكتب الممرضات في

فقد یكونون قد اصطحبوه إلجراء فحوصات أو للتصویر , ذلك أھدئ من روعيذلك أنني تذكرت أنھ قال لي مرة منذ , أو ربما غیروا غرفتھ لیس أكثر ,الشعاعي

أن قبل, "قد أنقل إلى جناح آخر, قد ال تجدني في ھذه الغرفة " أكثر من أسبوعین ."ھنا عابر سریر أنا" یعلق مازحا

إن كنت من لكنھا سألتني, توقعت أن تدلني الممرضة على الرقم الجدید لغرفتھ :قالت". نعم" أجبت . أقاربھ

حوزتنا لنخبركم بتدھور مفاجئ لصحتھ لیلة لقد اتصلنا بالرقم الھاتفي الذي في -ولم یتصل بنا أحد وعاودنا , أقاربھ وتركنا رسالة صوتیة نطلب حضور, البارحة

.جدوى االتصال على الرقم نفسھ ھذا الصباح دون :بین الذعر والعجلة سألتھا

متى كان ھذا؟ - .صباحا عند العاشرة والنصف -

كان ذلك الوقت الذي خرجت فیھ ألشتري حاجیات لألكل قبل أن تغلق المحالت .الغذائیة ظھر األحد

:ھاعادت إلى دفتر كبیر كان أمام .البارحة عند التاسعة والربع مساء االتصال األول كان -

:استعجلتھا اآلن؟ وھل بإمكاني أن أراه -

:ردت بنبرة من تدرب أعواما على مواساة الغرباء-Je suis desolee monsieur..Il est decede.

, اجعةقام القلب بترجمتھ الفوریة إلى لغة الف. الخبر بالعربیة بدا لي كأنھا لفظتنزلت , تالھا بعد ذلك من واجب المواساة في كلمة واحدة واختصر كل الجملة وما .أحرف علي كصاعقة من ثالثة

لم أفھم كیف أن ثالثة أحرف مجتمعة في ذلم السیاق تصبح برغم انسیابھا حتى لكأن التاء المفتوحة في آخرھا لیست سوى. الموسیقي مؤلمة إلى ذلك الحد

.تابوتھذه . التوقیت وال بھذا, لكنني لم أتوقعھ أن یأتي سریعا, ال موتھ قائماكان احتم

القدر لھا إصرار. المصادفات مجتمعة باتت أكثر تعسفیة من أن تكون مصادفات .في عبثیتھ :قالت بتأثر

. كان یبدو سعیدا بخروجھ. بیومین أمر مؤلم أن یموت قبل مغادرتھ المستشفى -لیلة أمس في قسم العنایة قیل لي ھذا الصباح إنھ قضىأنا نفسي فؤجئت عندما

.الفائقةإن , أمامھا بدون أن أقول شیئا سألتني بعد ذلك وھي تراني أقف لحظات مذھوال

ألوقعھا إن كنت أنوي استالم أمدتني بورقة". ال"أجبتھا . كنت أرید أن أراهالفاخرة فوق كومة علبة الشوكوالطة, لمحت في الخزانة التي فتحتھا. أشیائھ .أجبتھا إنني أفضل أن أترك ذلك فیما بعد. ثیابھ

كأن دموعي تجمدت في , مشلول األحاسیس, وغادرت المستشفى مذھوال تركتھا

."ھو"كان براد یحوي اآلن ما. إلیھ وما عاد في حاجة,بكل ما أحضرتھ لھ. أخذت المیترو محمال بالكیس ذاكفي إحدى المحطات على أحد , بالتصدق بھ, حاولت أن أتخلص منھ بعد ذلك

كان یفضل . ولم یبد حماسة في أخذه مني, فارتاب في أمره, المیترو مشرديفوجدتني أعطیھ الكیس , یشتري بھا نبیذا, من عشرة فرنكات قطعة نقدیة, مكانھ

.نوایاي وعشرة فونكات ألقنعھ بحسن

أعددتھا كنت, لكذبة أخیرةما ترك لي فرصة , ھو سید التھكم والصمت الملتبس .ألبرر انشغالي عنھ

كان یحتاج إلى . خوفا علیھ ربما كان یحتاج إلى تلك الكلمات التي احتفظت بھا .فأعفاني بموتھ من مزید من الكذب, الحقیقة

.العبور إلى سریره األخیر بینما كنت أنا أشغل سریره األول قرر

لي فرصة ألھدیھ ولو بعض قطع من وما ترك , وأشیاءه ,نساءه, أھداني بیتھوما بقي لھ سوى ..بساطة من شبع غربة, البسیطة وأحقق أمنیتھ األخیرة, الزالبیة

.جوع الوطنكم من . ذلك الغیاب الشارد الذي یسبق اكتمال الغیاب تھكم, أستعیده متھكما

ذا مذ أصبح بیننا كل ھ, لو لم أكن منھك القول ,األشیاء كنت سأقولھا لھ الیوم األبیض؟ منذ متى وھو ذاھب صوب الصمت. البیاض

بصدمة الواقع الذي. شعرت وأنا أدخلھ بھول الفاجعة, عندما وصلت إلى البیت .یدفعك تحت عجالت قطار ركبتھ بنیة الحلم .سباق ارتمیت على أریكة الصالون منھكا كحصانإلى ا الذي أوصلنيأن أجلس ألفھم م. كان علي بدءا أن أتوقف عن الركض قلیال

علمي؟ أكنت أمازح القدر دون, أنا الذي كنت ألھو بممازحة األدب, ھذا البیت رحت أتأمل مشھدا كأنني لست. أدخلني الموقف لغرابتھ في حالة ذھول من أمري

.كأنني شاھدتھ في زمن ما.. بطلھ. القصةأمكنة كثیرة من تلك وجدتني أتماھى معھ في, یوم قرأت سیرة ذلك الرسام

یتذاكى مع ولكن من. تمنیت أن أكرر حیاتھ بما تستحق اإلعادة من ذكاءتخرج من ؟ المكتوب الذي بدأ بالنسبة لي بذلك الكتاب الذي ال یمكن أن"المكتوب"

.قراءتھ سالماتحمل اسما یعني عكسھ ؟ تلك المرأة التي كانت"حیاة"أمنھ جاءت اللعنة؟ أم من

ة ما یرون فیھ شرا بنقیضھ؟كعادة العرب في تسمی اللعنة تكمن في الجسور التي ما زال إحداھا معلقا قبالة ھذه األریكة؟ أم ترى

أمامھا عاش زیان حقیقة موت زیاد الذي لم یكن یفصلھ عن التطابق بھ سوى ھنا .حرفحضرة ھذه الجسور أجھش راقصا على إیقاع زوربا بذراعھ الوحیدة یوم وفي

.أخیھ الوحید یالأخبروه باغتقتامتھا المادة التي تضمر في, أمصادفة إذا كانت الجسور مبنیة من اإلسمنت

مذ ,كمن یدبر لك مكیدة؟ طالما شككت بنوایا الجسور, غضبا مكتوما وشرا صامتا .ال أحد یدري ألي الطرفین ینتمي, اكتشفت في كل ھارب شبھة جسر

. لما ظنھ وطناكان مھربا. ھاربا لكن زیان لم یكن

. یعتقد الجسر أنھ وطن ثمة جثتك وما, بین ما یعتقده جسرا, یالغباء الرجلبعمق المسافة التي تفصلك بل, فالجسر ال یقاس بمدى المسافة التي تفصل طرفیھ

.عن ھاویتھذلك أنك منذور , سیزیف محكوم علیك أن تكون, عندما تولد فوق صخرة

.تفاع أحالمكلفرط ار, للخسارات الشاھقة.. كتاباتھ.. مشاریعھ.. شعاراتھ.. وحمل أحالمھ, الوھم نحن من تسلق جبال

كیف تدحرجنا بحمولتنا جیال بعد آخر نحو . القمة وصعد بھا الھثا حتى, لوحاتھ منحدرات الھزائم؟

الذي وقع منا في السفح؟ من یرفع كل

أمام تلك القلعة المحصنة عندما دخلت فرنسا بعد سبع سنوات من الوقوف ذلیلةیعتادوا على مذلة راح خیالة قسنطینة وفرسانھا الذین لم, كعش نسر في األعالي

آنذاك كان. یقفزون بخیولھم من على الجسور عائدین إلى رحم الودیان. األسر آخر نصر لرجال ال مفخرة لھم سوى أنھم, الموت قفزا نحو منحدراتھا الشدیدة

.أبناء الصخرةتطفو , التاریخ وأصبح وادي الرمال مجرى لنفایات, انتھى زمن الموت الجمیلبھم

جثث أبنائھا الجمیلین, فیھ مع قمامة المدینة وأخبار لصوصھا المحترمین .والبائسین

حتى ذلك الحزام األمني" جسور الموت" ال شيء یستطیع أن یمنعك من تسلق قد . بھ خصر الجسور لتصبح أعلىأحاطوا , بعد أن كثرت حاالت االنتحار, الذي

حیث أنت في , ولكن ال یمنع الموت أن یطل علیك, تطل على الموت یمنعك أن .خیباتك حضیض

,ووجدت في جلوسي أمامھا. بدأت أتطیر من ھذه اللوحات, مثل حیاة, فجأة

.استفزازا صامتا لقدر ال قوة لي على مواجھتھثم تذكرت اللوحة التي . وأنھا ستبقى ھنا, قریبا سعدت أنني سأغادر ھذا البیت

فكرت أن أكلف فرانسواز . انتھاء المعرض اشتریتھا وما زالت معروضة حتى .زیان برفقة تلك اللوحة ثم فكرت في غرابة سفري مع جثمان. بإحضارھا

زیان التي علي أن أقوم وأشیاء, أوصلني التفكیر إلى حقیبتي التي ال بد أن أعدھاتاریخ ألنني ال أدري متى سیكون سفري إلى قسنطینة حسب, سرعةبفرزھا ب .الرحالت

عندما كان علي ,ووجدتني أستعید ما كنت عشتھ منذ سنتین بعد اغتیال عبد الحقالفترة التي أن أجمع أشیائي في بیتھ الذي كنت أقیم فیھ بین الحین واآلخر في تلك

ال والتي كان عبد الحق بدوره, اكان فیھا الصحافیون یغیرون عناوینھم یومی .یعرف عنوانا ثابتا مذ استشعر خطر اغتیالھ

بینما تركت , ألنني لم أكن معنیا سوى بجمع أشیائي ,ربما كان األمر أھون یومھا

أن وجعي كان بسبب كل ما كانت حیاة قد غیر. لزوجتھ عذاب التكفل بأشیائھینقسم إلى أشیاء عبد الحق لبیتأصبح ا, حتى إن زیارة بعد أخرى.أحضرتھ, وتأتي بھا, من بیتھا التي كانت تھربھا, وتلك األشیاء األخرى الفاخرة, البسیطة

أنھا تؤثث شقة غیر مدركة, ال عالقة لھا بفخامة مسكنھا, مشفقة على بؤس شقة !صدیقي

العشقي الذي ولكن كنت أحببت سوء الفھم, في البدء كنت سأشرح لھا الحقیقة .وإغراء تلك العالقة الملتبسة التي تجمعنا, طنا فیھتور

, أن یعرف وتیرة زیاراتھا من مستجدات البیت, كلما مر, عبد الحق وكان بإمكان

, ولوازم مطبخ, ومنافض من الكریستال, وشراشف أنیقة ,من مناشف جمیلة .وروب للحمامحتى , علیھ یداھاأراھا تأتي من بیتھا محملة دائما بكل ما تقع بدأت أتعود أن

بل حدث لفرط . وعلب السجائر.. وألواح الشوكوالطة ..األجبان المستوردةأھدتني ثیابا ومصاغا اشترتھ نیابة عني أن, إجرامھا العاطفي المغلف بالعطاء

!لزوجتي, في اشتھائك, في انشغالھا بك, خوفھا علیك في. كانت امرأة سخیة في كل شيء

.یالمكوحتى في إ.. في إمتاعكألنك تعي أن ال , السخاء العشقي الذي تشعر عندما تفقده بفاجعة الیتم األول ذلك

, ذلك أنك أثناء انبھارك بھا. بعدھا ستحبك بذلك الحجم وال بتلك الطریقة امرأة, وتفسدك وتخربك وتدللك وتشكلك, المرأة تعیث فیك عشقا وفسقا وكرما كانت تلك .مرأة عداھاتعود تصلح ال بحیث لن

أأتركھا في البیت . األشیاء أصبح السؤال ماذا أفعل بتلك, عندما مات عبد الحق

ألقاصص بھا أو آخذھا إلى بیتي, لتتصرف بھا زوجة عبد الحق كیفما اتفق نفسي؟

لتلك معایشتي الیومیة, فأصعب من اختراع قصة مقنعة لزوجتي عن مصدرھا وتعیدك إلى ذلك, كرى تحرض الشجون علیكاألشیاء التي ارتبط كل شيء منھا بذ

.الجحیم غیر المدرك لسعادة كانت تحمل في فرحتھا بذور تعاستك اآلتیةما عرفت امرأة بعدھا إال . كان عشق تلك المرأة قصاصا جاریا, جاریة كمثل صدقةوما , وما استعملت شیئا أھدتك إیاه إال وعذبت نفسك بھ. قصاصك وكان فیھا

.إال وھجم علیك الصقیع ..صدرك غیرھاضممت إلى . تعطیك امرأة بعدھا كیف تنجو من وجع المقارنة؟ ھي التي أغدقت علیك بما لن

ما یعطیك ذلك أن العشق وحده في كل, أكانت تضمر لك في كل ما أعطتھ ألما .یضمر قصاصھ المستقبلي

الحب بعد رحیل أم ما یتركھ ما یتركھ لك الموتى حین یرحلون؟, ما األرحم إذن األحیاء؟

.غرفة زیان أفتح ورشة الموت وذھبت صوب, أطفأت في منفضة األلم أسئلتي

***

األشیاء التي تظنك تنالھا ھس ذي تلك. ھي ذي الحیاة بأشیاء موتھا التي ال تموت .ألنھا ستعیش بعدك, فتنال منك

وغرفة نومھ التي , كما كنت أمام أشیاء أبیك . الموقف نفسھ في كل موت أنت أمامروب البیت , منامتھ,بدالت وثیاب وأشیاء رجل من عمره بخزانة تضم, أورثك إیاھا

, الداخلیة ذات الماركة الفرنسیة نفسھا دائما ثیابھ, واآلخر الحریري, السمیكأدویتھ المكدسة ألشھر , كنزاتھ, ساعتھ ,نظاراتھ, خف البیت الصوفي, مفكرتھ .لھ عمرا أطول ائھ كمیات أكثر یشتريظنا منھ أنھ بشر, مقبلة

تفھم أنك , زیان واآلن أمام أشیاء, ثم في بیت عبد الحق, في غرفة نوم أبیك

.تساوي أرخص من أي شيء تملكھ 500أن تعیش بعدك؟ كیف لساعة ثمنھا فرنكات10كیف لمنفضة ثمنھا .. وإال

یف لسریر؟ كیف قلبك؟ ك فرنك أن تواصل عقاربھا الدوران غیر آبھة بتوقف لموتك؟ لكرسي؟ كیف لحذاء؟ كیف لجورب ما زال علیك عرق قدمیك أال یكترث

تفقد وأن تلك التي كدت, وكیف أن األشیاء التي كلفتك األكثر ھي أول من یخونك ما تكاد تفرق الحیاة حتى تذھب لغیرك؟, بسببھا حیاتك

لتلك , رھیب الباردالحضور ال, أواجھ الحضور الظالم كیف: السؤال نفسھ یعود بردت جثتھ بعد؟ األشیاء غیر المعنیة بموت ما

ببراءة حضورھا األلفوي وأنا تعلمت أال أنخدع" ال أكثر خبثا من البراءة" طبعا , لم یعودوا ھنا إن أصحابھا, أال أصدق حزنھا الشامت الذي یقول لك. الصامت

جندي كما یذھب حذاء, عدائھموقد تذھب إلى أ. وإنھا على یتمھا ستعیش بعدھم .میت إلى عدوه البائس في ساحة قتال یكسوھا الثلج

.وامض, اغلق الباب خلفك. األشیاء بموتك ترید أن تختبر

بدون , یده بقفازه الترابي على أشیائك أول سارق ماكر ھو ذلك الغبار الذي سیضع . بحكم الغیابستصبح لھ ,دون أن یلفت انتباه أحد. أن یحركھا من مكانھا

تمرین لما سیقع بعد لیس سوى, الغبار الذي یتقدم مكتسحا كل مكان تغیبت عنھ .موتك

إنما , ال بحیاء الغبار ,ألولئك الذین سیسطون علیھا, بعدھا ستمضي تلك األشیاء, أثناء احتضارھا عندما كانت تلك العجوز, كما في قصة زوربا, بوقاحة اللصوص

, أشیائھا یتسابقون إلى سرقة, لذین جاؤوا بذریعة مواساتھاترى بعینیھا الناس ا .العمر مستفیدین من عجزھا عن الدفاع بعد اآلن عما حافظت علیھ حتى آخر

جھدھا غیر داریة أین علیھا أن تنفق. المؤلم إغالقھا عینیھا على مشھد الفقدان !جاجاتھا رأبالتشبث بآخر أنفاسھا؟ أم باإلمساك بآخ. الھزیل لحظة االحتضار

, معنیا بشيء لیس من نصیب الذي رحل وما عاد, الدور األكثر تعاسة, في الموت

.إنما من نصیب الذي سیرى قدر األشیاء بعدهواألمر . فرانسواز ستتحمل طویال جثث األشیاء في بیتھا ال أظن, على حزنھا

لزمھا من وھو ما ی, أكثر من ساعتین أو ثالث حسب معرفتي بھا لن یأخذ منھا .تسلمھا ألول عربي یدخل بیتھا في انتظار أن, وقت لجمع أوراق زیان وكتبھ

الطابق السفلي جوار صندوق لیأخذ مكانھ في, أما ما بقي فقد تضعھ في أكیاسانتظار المرور التالي في, قد تحتفظ بھ في المرآب, أو في أحسن الحاالت, القمامة

.إلنسانیةللصلیب األحمر لجمع المساعدات اوكأنھا نذرت نفسھا لمساعدة , مھووسة بالمبادرات الخیریة ذلك أن فرانسوازقلبھا وعلى سریرھا حسب مستجدات المآسي في یتناوبون على, بؤساء البشریة

.تدخل ضمن نشاطاتھا الخیریة حتى كان یبدو لي أن معاشرتھا زیان. العالم, اإلغاثة لھذه الجھة أو تلك یة نداءتسارع لتلب, حسب نشرات األخبار, وكنت أراھا

أحذیة وستائر وما بلي أو لم یبل من, جامعة ما زاد عن حاجتھا من ثیابمقصورة في أكیاس كبیرة من البالستیك تقوم بإنزالھا ووضعھا جوار, وشراشف

.في انتظار أن یجمعھا الصلیب األحمر, البواب

ذاجة الغربیین في التعامل مع الطیبة الممزوجة بس كان في فرانسواز شيء منویقسم العالم إلى خیر , إعالمي یبسط األشیاء والذي یتحكم فیھا منطق, اآلخر .ضروري والزم وغیر, وحضاري ومتخلف, وشریر

أنني اعترفت لھا, "سراییفو" یوم رأیتھا تنزل بتلك األكیاس لتتصدق بھا لضحایا بسرعة وقدرتھا على رمي أحسدھا على شجاعتھا في التخلص من كل شيء

غیر معنیة بذاكرة األشیاء , بدون ندم أو تردد أو حنین, للصدقة األشیاء في كیس, وتمنیت لو استطعت مثلھا أن أجمع ذاكرتي في صرة ,وال بقیمتھا العاطفیة

.وأضاھیھا خفة.. حمولتي وأضعھا عندالباب كي أتخلص من

:سألتني ي لم تعد من حاجة لكم بھا؟وماذا تفعلون إذن باألشیاء الت -

:مازحا أجبت نحتاج, وتعتق, ألنھا حتى عندما تھترئ, لیس في حوزتنا أشیاء ال نحتاجھا -

بل ألننا نحب أن , ال عن بخل, حضورھا المھمل في خزائننا أو في مرآب خردتنا, على أن نتصدق بجثث أشیائنا, ونفضل أن نتصدق بالمال, أنفسنا بالذاكرة نثقل ؟!ألیس في األمر كارثة: ثم واصلت ضاحكا. دائما بیوت كبیرة ا یلزمناولھذ

, تركة أخرى في انتظارك, فتفضل أیھا العربي المثقل بحمولتك! الكارثة ھا ھي ذي

وترك لك ما خالھ , بھذه الغربة الفضفاضة لرجل ضاق بھ الوطن فماذا ستفعلصور أخذھا مع أناس قد , وأخرى عن تاریخ الجزائر كتبا في الشعر: وطنا

, نسخة قدیمة لمصحف, أو ما زالوا أحیاء ربما ماتوا, یكونون أھال أو أصدقاءتذاكر سفر , وصفات طبیة, وأسماء مفكرات لعدة سنوات علیھا عناوین ومواعید

" شانیل" عطر ملصقات صغیرة لھا ذكرى وحده یعرفھا كقارورة, مستعملة مغرورقة في حزن, قي في خزانة المالبسقابعة في ركن, النسائیة الفارغة .النسائیة إنھ الوفاء األنثوي یجھش اعتذارا عن كل الخیانات. فقدانھا العطري

تنام في . أھال تحیط نفسك بغرباء تسمیھم. تجمع حولك أشیاء بدیلة تسمیھا وطنا

ألناس تحمل في جیبك دفتر ھاتف بأرقام كثیرة. سریر عابرة تسمیھا حبیبة ومقھى ترتاده كما, تبتكر أعیادا ومناسبات وعناوین وعادات. میھم أصدقاءتس

.تزور قریبا. تخالھا برنسا حتى لتكاد, تصبح الغربة فضفاضة علیك, أثناء تفصیلك لوطن بدیل

وال , مراحل فالغربة یا رجل فاجعة یتم إدراكھا على. وطن كأنھ غربة, غربة كوطنعمرا الق ذلك التابوت على أسئلتك التي بقیت مفتوحةإال بانغ, یستكمل الوعي بھا

منفیا وال كم ستصبح, ولن تكون ھنا یومھا لتعرف كم كنت غریبا قبل ذلك, بأكملھ !بعد اآلن

حذاء أسفل عندما لمحت, كنت ما أزال أفكر كیف أتصرف بكل تلك األشیاء

.الخزانةیملك حذاء آخر ذھب بھ فھو حتما.ما بقي لھ ھنا, أو باألحرى, كان حذاءه الوحید

.إلى المستشفىقد یكون تركھ لمناسبة . لسفرتھ األخیرة ال أدري لماذا اختار ذلك الحذاء دون ھذا

, بدا لي أكثر حزنا من اآلخر, ذلك وبرغم. فھو حذاء جدید كأنھ لم ینتعلھ, أجمل .أو یغتال.. داألنظار إلیھ فیطر یخاف أن یلفت, مختبئا أسفل الخزانة كیتیم

أثمة یتم لألحذیة أیضا؟عندما مددت یدي . متالصقین كرجلي ذلك الصغیر المرعوب بدا لي زوجا الحذاء

والذي , منظر ذلك الطفل الذي أخذت لھ صورة استعدت, ألخرجھما من مخبئھماوجد أنھ فقد كل , استیقظ في الصباح وعندما, قضى لیلة مختبئا تحت السریر

.صبح یتیما إلى األبدوأنھ أ,أھلھأمام ذلك الحذاء الذي كسا الغبار , قررت أمام ورشة الموت أال أبكي أنا الذي

.أنھار باكیا وجدتني, لمعتھعالم ما والتسكع في, أحزنني ھتك أسراره. وحشمة التغافل, ھو رجل المسافة

. السریة رةبذریعة أنھ لم یعد ھنا لیحمي أشیاءه الصغی, توقع أن یدخلھ غریب بعده وتثرثر مع أول عابر, بل راحت تغتابھ, تلك األشیاء التي لم تحفظ حرمة غیبتھ

.سبیل

بعض وكان علي أن أغادر الغرفة وأنتظره, وأذكر عندما زرتھ في إحدى المرات ,راح یعتذر لي عن انتظاري, الوقت في الخارج ریثما تنتھي الممرضة من خدمتھ

ي یعطي ألي شخص الحق في أن یستبیح جسدك ویحدثني عن مذلة المرض الذ .حمیمیتك وینتھك

:قالال . أربعین سنة ھذه أول مرة أدخل فیھا المستشفى مذ بترت ذراعي منذ أكثر من -

التي ما أنقذني أنني تعودت في الحیاة أن أواجھ النظرات. أحب مھانة المرض .افلم أفعل غیر مواصلة ذلك ھن.. تعري عاھتي بأن أتغابى

:ثم واصل تتكفل الحیاة بتعلیمك, عندما تعیش یتیما. التغابي ھو بعض ما اكتسبتھ من الیتم -

ألن أول شيء تدركھ ھو أنك , تعلمك الدونیة. أشیاء مختلفة عن غیرك من الصغارومن بعدھم ضربات , وأنھ ال أحد یرد عنك ضربات اآلخرین, شأنا من سواك أقل

, وعلیك أن تدافع عن نفسك بالتغابي, قدر وحدك كصفصافةمھب ال أنت في.الحیاة

وأنك تدري أن لھم .. فتتظاھر بأنك لم تسمع, آخرون عندما یستقوي علیك أطفال .لك آباء یدافعون عنھم وال أب

:ثم واصل.. صمت بعض الوقتقا واث.. عنیفا أو مسالما.. أو بخیال سواء أكان كریما, كل اكتسب شیئا من دونیتھ-

.عائلة عازبا أو رب.. في الناس أو مرتابا .النفسیة یتداوى منھا حسب استعداداتھ, كل یتیم ھو مریض بدونیة سابقة

إنھا دونیة عاریة معروضة للفرجة. یتم األعضاء.. لكن أعلى درجات الیتمألنك ما رأیت أحدا إال وذھب نظرك مباشرة إلى ما , ال شفاء منھا, والفضول

!وھنا كم یلزمك من التغابي لتكذب على نفسك.. وینقصك أنت ..یملكھ

إن ثلث الحكمة " متذكرا قوال لمعاویة بن أبي سفیان .. ھذا أستعید اآلن كالمھ ."تغافل وثلثیھا, فطنة

فجأة بین وأقع, ذلك أنھ ما كان لي أن أدرك ثلثي حكمتھ إال وأنا أجمع أشیاء موتھ نسخة, تبدو منھكة لفرط تداولھا" فوضى الحواس"حاجاتھ على نسخة من كتاب

ذلك أن السعر مكتوب بقلم الرصاص . من األرجح أن یكون اشتراھا, بدون إھداءكانت تختصر كل , وفي األرقام الثالثة تلك. بالفرنك الفرنسي.. األولى على صفحتھاتى في إلى غریب ال مكان لھ ح, أحالتھ حبیبتھ من قلب كتاب كان سیده فجیعة رجل

كي یعرف ما أخبارھا مطاردا خیانتھا , فرنكا140یدفع . األولى إھداء الصفحة .بین السطور

!وكان یواجھني بالتغابي ذاتھ, یعرف إذن من أكون كان

رحت من دھشتي أتصفح الكتاب . وسمرتني مكاني ,نزلت علي صاعقة االكتشافباحثا عما یمكن أن , فھ لتويوكأنني أكتش وأعید قراءة صفحات منھ كیفما اتفق

.یكون قد تسقطھ عني .أال یشتري كتابا لھا صدر بعد أن افترقا, لتقصي أخبارھا كیف لھ في محاولةواستنطاق ضحایاھا في , تحترف توثیق جرائمھا, العربیة وھي التي كاألنظمة

ذاكرة " بقدر ما كان ھو في, مفضوحا بالنسبة إلیھ كیف لھا أال تجعلني. كتاب .جاھال فقط علم اآلخر بذلك, اآلخر كل شيء وإذ بواحدنا یعرف عن, "الجسد

رحت أحاول أن , فسیفساء األسرار الصغیرة بترتیب, كمن یحاول فك سر كبیر

. وأي تفصیل بالذات جعلھ یتعرف علي ,في أي موعد بالذات أدرك من أكون, أفھم لي موعدا معھ؟ وھي تطلب, زأمن االسم الذي أعطتھ لھ فرانسوا

مثال من عاھة ترى لو لم أقدم نفسي على أنني خالد بن طوبال أكان سیتعرف عليالروایة ذراعي الیسرى التي ال تتحرك بسھولة؟ أم كان سیعرفني ألنني كما في

شیئا ومن قسنطینة؟ وألفترض أنني عندما زرتھ في المستشفى لم أقل لھ...مصور وریبة الرجولة؟, أكان سیتعرف علي بحدس المحب, طالقعلى اإل

وھذا , وعرف من ذلك الكتاب كل شيء عن عالقتي بحیاة, تعرف علي قد یكون, ثم

..النھایة لیس مھما فيبحیاة أكان على علم أنني أقیم في بیتھ؟ وأساكن صدیقتھ؟ وأنني التقیت, لكن

ص لي لحظة كان یحتضر؟واصطحبتھا إلى ھذا البیت؟ وأنھا كانت ترق تلك اللحظة بالذات ألن یموت فیھا إمعانا منھ في التغابي؟ أیكون اختار

وال أرى سببا لتدھور , أن یكون في توقیت موتھ مصادفة ما زلت غیر مصدق

یشي بأن حیاتھ في خطر , التقیت بھ قبل ذلك بیوم فال شيء عندما. مباغت لصحتھ .اأو أنھ یعاني من انتكاسة م

الذي , وأعرف خبث ذلك المرض بالذات. إنني لم أره ممازحا ومرحا كذلك الیوم بلوالكل من حولك . إحساسا بالتعافي, إعطاؤك قبل أن یفتك بك, مكره من بعض

.ألنك فعال ستبدو في أحسن حاالتك ,سیقولون لك ذلكوقیت أن اإلنسان یختار ت غیر أني من عمي أعرف أیضا. أعرف ھذا من أبي

اندالع الثورة تاریخ, وإال كیف استطاع أن یموت في أول نوفمبر بالذات. موتھ الجزائریة التي كان أحد رجالھا؟وھو عالم وضع في بدایة , قام بھا متشنیكوف وجدت تأكیدا لھذا المقال أبحاثا

تثبت أن اإلنسان ال یموت إال إذا , الجسم القرن العشرین نظریة في وظائف خالیا .استجابة لمطلب نفسي ملح وأن موتھ العضوي لیس سوى, راد حقا ذلكأ

بحیاة عمي برصاصة تأخر وإذا صدقت ھذه النظریة تكون الثورة الجزائریة أودتبإطالق رصاصة وأكون أنا من أقنع زیان یومھا, مفعولھا القاتل أربعین سنة

.الرحمة على نفسھ واشتھاء الموت حد استحضاره

ولذا ما كادت فرانسواز تعود إلى البیت , إال لتزید من حزني رة لم تكنھذه الفك .إذا كانت أخبرت زیان بإقامتي عندھا أم ال حتى بادرتھا سائال عما

:أجابت متعجبة ..طبعا ال - :واصلت ثم .إخباره ما كان لي أن أنسى ذلك بعد إلحاحك علي بعدم -

:تمتمت !شكرا-

.للموتى إلھي ما أصعب اإلساءةیا . وتنفست الصعداء :وھي تتعجب ألمري قائلة, واصلت فرانسواز

ھذا األمر كان . وھو ما كان یتدخل في حیاتي. عالقات زیان یعرف بأن لي - أنت قلق؟ فلماذا.. واضحا بیننا منذ البدء, الحاالت لكن في مثل ھذه. لو أنا شرحت لھا أسباب قلقي, كم كان سیطول الكالم

تأثرھا ھذا برغم. أكتشف كم ھي غریبة عني وكم الكالم معھا یأخذ بعدا عبثیاكنت :البالغ عندما وقع علیھا الخبر حتى أنھا انھارت على األریكة باكیة مرددة

-ce n'est pas possible...Oh mon Dieu..

كیف أنني لم أعرف بنداءات , تستمع إلى الرسائل الھاتفیة قبل أن تسألني وھي .مستشفىال

لكنھا أجابت بما . أنني كنت ذلك المساء خارج البیت, فاجأني سؤالھا أجبتھا وقد ."ربما كنت یومھا تتعشى عند مراد.. صحیح آه" , فاجأني أكثر

وأنھما , عبارتھا أنھا على اتصال دائم معھ وأنا أستنتج من, بقیت صامتا للحظات .یتھاتفان كل یوم

معن التفكیر في غدر صدیق أثناء انشغالي بتفاصیل موت أل لم یكن الظرف مناسبا, فثمة موتى نواریھم التراب, أتأكد من أن للموت تنوعھ كان جمیال أن. صدیق آخر

.مخازیھم وآخرون أحیاء نطمرھم في وحلفخیانة .لكنھ ال یغفر خیانة صدیق. كنت رجال بإمكانھ أن یتفھم خیانة زوجة

.اإلصرار أما خیانة الصدیق فھي غدر مع سبق, ةالزوجة قد تكون نزوة عابر وقد تكون فرانسواز فسرت. وضعت تلك الجملة بیننا مسافة من جلید الجفاء

بدون أن تعرف حجم المقبرة التي , برودتي تجاھھا بعد ذلك بفاجعة موت زیان .قلبي أحملھا في

مراد مكاني ة سیحتل فیھاوأنا أفكر في اقتراب لیل, اكتفیت لیال بضمھا إلى صدري .المقیم.. عابرا لھذا السریر

***

التالي ألقضي بعض ما تأخر من غادرت البیت باكرا صباح الیوم. ألنني لم أنم .إلى الجزائر واستعدادا لعودة وشیكة, نظرا لمستجدات الظرف, مشاغلي

وأن ,ریةأخبرت فرانسواز أنني زرت مكتب الخطوط الجزائ, عندما عدت مساء سألتھا إن كان بإمكاني االعتماد علیھا في. ثمة رحلة إلى قسنطینة بعد ثالثة أیام

:ثم واصلت بعد شيء من الصمت. اإلجراءات اإلداریة وتكفلي أنا باألمور األخرى . ألف فرنك32نقل الجثمان یكلف -

:سألتني فرانسواز المبلغ؟ ھل تملك ھذا -

:وأجبتھا.. وجدتني أبتسم !معي اشتریت تلك اللوحة بما كان.. ال -

:قالت بتذمروالنصف اآلخر الذي نصف ریع لوحاتھ ذھب إلى الجمعیات الخیریة.. یا للحماقة -

محجوز قانونیا كل شيء بعد اآلن, فبحكم موتھ. یعود إلیھ ال نستطیع التصرف فیھ .ومجمد في انتظار حصر الورثة

:واصلت وھي تشعل سیجارةأصر زیان على أن تباع . إنھا أغلى لوحة بیعت. ما اشتریت تلك اللوحة كلیت -

ربما وضع سعرا غالیا لھا . معقولة حتى تكون في متناول الجمیع لوحاتھ بأسعار .إلیھ ألنھا األحب

بقي أردت أن أضع فیھا ما. ھو لم یطلب مني شیئا. بل أنا من وضع سعرا لھا -

.وأرتاح.. لجائزةفي حوزتي من مال تلك ا :قالت بعد شيء من الصمت

وأن ثمنھا , من العجیب أن یكون زیان أراد ائما االحتفاظ بھذه اللوحة أال ترى - .تكالیف نقل جثمانھ إلى قسنطینة؟ یساوي تقریباكأنني , انتابني شعور بالذعر. الفكرة یا إلھي من أین جاءت بھذه: اقشعر جسدي

ذھب تفكیري . اشتریت بھا قبري أو كأنني, رقت منھ قبرهبشرائي تلك اللوحة س .واستعدت تطیر حیاة من الجسور, في كل صوب

:وجدتني أسأل فرانسواز, أن أشرح لھا ھواجسي وبدون مشتر لھا؟ أتعتقدین أننا ستعثر في یومین على -

:ردت بدون أن یبدو علیھا أسف أو عجب لقراريیكفي أن نرفع عنھا اإلشارة التي تدل . امت معروضةممكنا ما د قد یكون ذلك -

یملك قائمة بأھم الزبائن الذین یعنیھم اقتناء لوحات ھذا كل رواق.. أنھا بیعت .بھم في مثل ھذه الحاالت وھو یتصل. الفنان أو ذاك

, أي القرارین كان صائبا ولذا ما عدت أدري. كان بیعھا كاالحتفاظ بھا یحزنني

غیري یقدر قیمتھا وألن ال أحد, ألنني أحببتھا, شتریتھا من ماليخاصة أنني ا .العاطفیة

أم , المبلغ لنقل جثمان زیان ممن أستدین: وكان السؤال في حالة احتفظت بھاأمن مراد وال رغبة لي ,ناصر وھو أكثر نزاھة من أن یفیض حسابھ بھذا المبلغ

.بالقلیل عدني سوىوال أظنھ سیسا, بعد اآلن في التعامل معھوكنت .المبلغ أظنھا قادرة على تأمین ھذا. كان الحل الوحید ھو االتصال بحیاة

قضاه وأن في األمر إھانة لعمر, سأسعد بذلك لوال أن ال مال لھا سوى مال زوجھا أو االستنجاد بدولة لیست, زیان رافضا التلوث بمال اللصوص ذوي الیاقات البیض

ن علم وطني یغطى بھ جثمان مبدعیھا ممن اغتیلوا مسؤولة سوى عن تأمی فكیف أفكر في طلب مساعدة من السفارة؟. أیدي اإلرھابیین بالعشرات على

كم ھیأوا لھ من أبواب واطئة یستدعي مروره منھا , والترفع كان رجل التورعفي أألن قامتھ أصبحت اآلن . عن ذلك االعتداد بالذات والتنازل, انحناء كبریائھ باب أبى المرور منھ حیا؟ بإمكانھ أ یمر من, انبطاح تابوت

فلن , مؤتمنا على رفات ھذا الرجل وجدتني. لم یكن األمر یتطلب الكثیر من التفكیرسیسعد إن أنا تسولت ثمن نقل وال أخالھ. أتصرف إال بما یلیق بما أعرفھ عنھ

.موتا كریما من لھوقد تصدق حیا بما كان سیض, جثمانھ من اآلخرینعلى , لوحاتھ ألیس أكرم لھ أن یسافر على نفقة إحدى, ھو رجل الحزن المتعالي

األوطان أو كرما وتصدقا من قراصنة, أن تنقل رفاتھ على حساب أحد المحسنین المنھوبة؟

:قطعت فرانسواز تفكیري قائلة. كارول كسبا للوقتعلي أن أخبر فورا, للبیع إن كنت ترید أن تعرض اللوحة-

والناس في مواسم ,خاصة أننا في نھایات السنة ,فأحیانا ال تتم األمرو بسرعة

.مثل ھذه المشتریات عندما تكون غالیة نسبیا األعیاد ال یملكون ماال إلنفاقھ في :الشرفة أجبتھا وأنا أشعل سیجارة وأذھب صوب

..اطلبیھا -

قد أكون تكلمت أثناء . من لیل كلھ كوابیسفي الصباح التالي استیقظت متعبا .الصالون مما اضطر فرانسواز للنوم على أریكة. نومي أو تقلبت كثیرا

.واعتذرت لھا محرجا, وضعت قبلة على خدھا :ردت بلطف

Ce n' est pas grave.. .الحد لماذا كنت مضطربا إلى ذلك, ثم سألتني

:لقھوةأجبتھا وأنا أتجھ صوب المطبخ ألعد ا .كان حلما مزعجا -األرجح أن تكون قصة اللوحة وحواري مع فرانسواز وأشیاء زیان التي من

لتولد ذلك الحلم الذي , تراكمت جمیعھا في ال شعوري, فرزھا قضیت البارحة فيباجتیاز جسر من جسور قسنطینة إال وصاح بي كنت أرى فیھ نفسي ما ھممت

.الناس على جانبیھ أال أفعلصارخین , یھربون أشیاءھم من بیوتھم البائسة المعلقة على المرتفعات كان الناس

والجمیع مذعورون , أن األرض تنزلق وأن الجسور جمیعھا ستنھار بمن ال یدري .یسلكون للھروب من قسنطینة ال یدرون أي جسر

قرأتھ یعود لذلك المقال الذي ,وجدت لھذا الحلم سببا آخر, ألنني رجل منطقي

الیوم لیطفو على سطح وأظنھ عاد,عندما كنت في الجزائر ونسیتھ منذ ذلك الحین .الشعور

ممازحا بلھجة أبن العاصمة وقال, أمدني بتلك الجریدة بالفرنسیة, وكان زمیل ليتلقاو رواحكم قاع كاش نھار تقوموا. إتھلكت علیكم یا خو قسمطینة راحت"

."تحت, تنزلق في قسنطینة یعلن بخط كبیر بالفرنسیة أن األرضعنوان المقال كان

"ماذا تنتظر الحكومة؟" مسبوقا بعنوان أصغر یسأل مؤكدا أن ظاھرة انزالق األرض التي تتعرض لھا , مرعبا في معلوماتھ المقال كان

وأن أكثر من مائة ألف نسمة على , متقدمة بعدة سنتیمترات سنویا ,المدینة تتزایدلفقر أصحابھا الوافدین من كل , الخطر في المساكن التي قل یعیشون داخلاأل

مما زاد من األخطار التي تھدد , المنحدرات الصخریة بنیت كیفما اتفق على, صوب . قوسا حجریا27وقوفھ على جسر سیدي راشد الذي لم یشفع لھ

وبرغم . مخاطریلھو بال ھو الذي مذ بناه الرومان, مصیر جسر القنطرة لیس أفضلصالح باي فجلب ظل معطال خمسة قرون حتى جاء, اعتباره من أعجب البناءات

قبل أن یھدمھ, لھ مائة عامل من أوربا لبنائھ تحت إشراف مھندس إسباني .الفرنسیون ویعیدون في القرن التاسع عشر بناء الجسر القائم حالیا

ى مجده بإعادة بناء جسورھا غیر أو حكمھا حاكم إال وبن, قسنطینة غاز ما غزا

إلى ما , مما جعل آمال القسنطینیین معلقة كجسورھم! قبلھ معترف بمن بنوھاوالكندیون والیابانیون الذین تقول الجریدة إنھم سیقرره الخبراء األمریكیون

سنة محصنة كعش 2500مدینة تعیش منذ سیتشاورون حول أحسن طریقة إلنقاذ .وأفسدھا البشر معجزة أبدعھا الحجر.. ليالنسر في األعا

.كوابیس النھار كان یكفي ما ینتظرھا من. لم أحك شیئا من كل ھذا لفرانسوازاإلجراءات ذھبت فرانسواز لتتابع, تقاسمنا روزنامة التفاصیل المزعجة للموت

أنا ذھبت بینما, بما في ذلك المرور على المستشفى واستالم أشیاء زیان, اإلداریة .ومراجعة الخطوط الجزائریة, ألنھي بعض ما تأخر من مشاغلي

:قالت بسعادة. فاجأني ھاتف منھا عصرا

ألنھ , أؤمن لك المبلغ نقدا نجحت في أن. بیعت اللوحة. حسنا أن أكون وجدتك -.. لن تجدني. على اإلطالق فلیس أمامك وقت, ماكان بإمكانك أن تمر الستالم المبلغ

.تتولى األمركارول س .بقیت صامتا. خسارة لم أدر إن كانت تزف لي مكسبا أو

:قالت .أال ننجح في بیعھا قبل عدة أیام كان یمكن. نحن محظوظون! ال تقل لي إنك نادم -

.االحتماالت لم أشأ أن أدخل في جدل. كان كل شيء حسم :قلت مختصرا الحدیث

.أنا آت.. حسنا -أدركت أنني سأرى . أحاسیس متناقضة وأنا في طریقي إلى الرواق انتابني بعد ذلك

رأیت حیاة ألول مرة , في ذلك المكان,بدون أن أنسى أنني ,تلك اللوحة آلخر مرة .بعد عامین من القطیعة

الذكرى األجمل ثم األخرى األكثر ألما؟, لمكان أن یجمع في ظرف أیام كیف .مرة إلدراكك في ما بعد أنك فقدت فیھ وطناو, أنك استعدت فیھ حبیبا مرة لظنك

كیف . حین ال أتوقعھ, كان یأتیني متنكرا في النسیان, إمعاني في إغفال الحب لفرط

. وھو لیس بینك وبین شخص واحد, دفعة واحدة, قتل الحب مرة واحدة تستطیع .لھ عالقة بھ إنھ بینك وبین كل ما

التي علیھ صورة إحدى لوحات زیانعند باب الرواق قابلني ملصق المعرض ووقد وضع على أعلى زاویتھ الیسرى وشاح حداد , تمثل بابا عتیقا نصف مفتوح

.وقفت أتأملھ لحظات كأني أرید أن أتأكد من صدق الحدث. الرسام موت یعلن

كانت متأثرة لموت زیان الذي عرفتھ منذ مجیئھ إلى . كارول بمودة استقبلتنيمعبرة عن ألمھا ألنھ لن یكون ھنا عند انتھاء المعرض , مكتبھا دعتني إلى. فرنسا :وقالت, بالمبلغ الذي دفعتھ یوم اشتریت اللوحة أمدتني. كعادتھ

.لفترة لم تستمتع حتى بامتالكھا, آسفة - :قلت

غیرت ھذه . علي أو تعودت ھي, ربما كنت تعودت علیھا. قد یكون ھذا أفضل -من دون حتى ,انتقلت من ملكیة إلى أخرى, ن أن تغیر مكانھااللوحة صاحبھا دو

!أن تنتبھ لذلكأفكر في أنني أستعید بذلك وأنا, تركتھا شاكرا. لم أحاول أن أعرف من اشتراھا

حصلت علیھا ألمول بأفضل بل ثمن تلك الجائزة التي كأنني, ال ثمن اللوحة, المبلغحتى صار بإمكانھ زدھر الموت عندنا وأثرىلقد ا. صورة للموت فاجعة موت آخر

!أن یمول نفسھ

ال أظنھ كان . أرى أحدا من الزوار لم یفاجئني وأنا أقوم بجولة في المعرض أال .للموت وال وقتا.. وقتا الرتیاد المعارض

بإعداد والناس مشغولون, من نھایة سنة, كانت الساعة الرابعة ذات بدایة أسبوع قبضتھا؟ ل تعمد أن یستفید من انشغال الحیاة عنھ حتى یتسلل منفھ. أفراحھم

تلك شعرت أنني أمتلك كل. بل سعدت ألنھ كان لي وحدي. لم أحزن لخلو المعرضوحدھم األثریاء یرفضون . في انتظار أن أخسرھا جمیعھا, اللوحات لبعض الوقت

.عملیة امتالكھم للوحة بعیون القلب أن تتمأن , الوحید الذي تمنیتھ ولم یحدث ألنني كنت ھناك ألفعل الشيء,كنت سعیدا

.أتجول في ھذا المعرض مع زیانفال یمكن أن یخلف موعدا مع لوحات تتشوق إلنزالھا من , سیحضر ذلك أنھ حتما

.إلى كنف رسامھا أزامیل الصلب والعودةلنتحدث طویال نتوقفویمكننا أن . وھو یملك أخیرا كل الوقت. الجمیع مشغول عنھ

, لھ انشغالي وال أدري بماذا أبرر, لوال أنني أنا الذي ال وقت لي, أمام كل لوحة .مكاتبھا وضرورة أن أتركھ بعد حین قبل أن تغلق الخطوط الجزائریة

مھبول أثمة.. ماذا أنت ذاھب لتفعل في ذلك البلد" سیلعن ھذه الخطوط ویسألني ."ناك؟یذھب لقضاء رأس السنة ھ

سیودعني كعادتھ قائال , استبقائي أكثر ثم عندما لن یستطیع. ولن أجد ما أجیبھ بھ ."إن كان لدیك وقت" الصمت مضیفا بعد شيء من, "سنواصل الحدیث غدا"

.كانت ھذه طریقتھ في الترفع عن استجداء زیارةلم یبق من . لقد انتھى وقت الزیارة الكبرى. أزفت ساعة الرحیل یا صدیقي لكن

أنت . مات الوقت یا عزیزي. یغطي تلك الزیارات المبرمجة للمشافي الوقت حتى ما ."المجمد الوقت" اآلن في

أكان یعرف ذلك؟

أشیاء تخلى عنھا أو تخلت كأنھ یرسم, كان في رسمھ األخیر زاھدا في الحیاة .عنھ

بضربات لونیة خفیفة , ةبمودة العشر ولكنھ ظل یعاملھا, جثث أشیاء ما عادت لھ

.علیھ من خنجرھا ھي التي ما خافت, كأنھ یخاف علیھا من فرشاتھككل ھذه . الفاجعة أو باألحرى خیانتھا الصامتھ أمام, كان یرسم فاجعة األشیاء

.األبواب التي تشغل عددا من لوحاتھ وأخرى ,أبواب موصدة في وجوھنا. مذ لم نعد نفتحھا أبواب عتیقة لونھا الزمن

وأخرى من , قطة ذات قیلولة على عتبتھا أبواب آمنة تنام. مواربة تتربص بنا .سترنا قماش تفصل بین بیتین تشي بنا أثناء ادعائھا

وإذ وأخرى ضیقة نھرب إلیھا, أو ید تھم بطرقھا, أبواب تنتظر خلفھا وقع خطى مخلوعة تسلمنا إلىوأخرى. فتحرض العدوان علینا, ونحتمي بھا, بھا تفضي إلینا

أو نموت غدرا على عتباتھا مخلفین فردة , نغادرھا على عجل مرعوبین.قتلتنا رمزا للموت؟, في وحدتھا, أولیست فردة الحذاء .حذاء

سألت فرانسواز عن سر ھذه الحوارات . ألول مرة عندما رأیت كل ھذه اللوحات

عندما یدخل رسام في " قالت. باألبوا المطولة التي یبدو أن زیان أقامھا معأن ثمة حدثا أو وجعا یعني, مرحلة ال یرسم فیھا فترة سوى الموضوع نفسھ

."ارتبط بذلك الموضوعفیوم احتدم النقاش بیني , كانت تعرف ذلك لم أسألھا أي وجع وراءھا وال أظنھا

ساء یرى فیھا مراد سوى أفخاذ ن وبین مراد حول لوحات األبواب التي لم یكنبنظریتھ كأنھا تشاركھ الرأي بدت النبھارھا, مواربة أحیانا أخرى, مشرعة حینا

.صمتاأخالني وقعت , تفاصیلھا الصغیرة وأنا وحدي أتنقل بینھا متمعنا في.. اآلن فقط

یوم أخبرتني بمرض زیان ,على فاجعة الجواب من خالل حدیث بعید مع فرانسوازالسرطان الذي ن أخیھ دمره حتى أظنھ السبب فيإن اغتیال اب" عندما قالت

دائما بعد معروف أنھ یأتي.. السرطان لیس سوى الدموع المحتبسة للجسد. أصابھ "فاجعة

العتقادي أن تفاصیل بقیت أتحین الفرصة ألسأل زیان عن تفاصیل موت ابن أخیھ

.تلك المیتة دمرتھ أكثر من الموت نفسھیلة العجیبة لموت الجزائري عندما قال زیان بتھكم التشك كنا نتحدث مرة عن

:أسودیختار فیھ الواحد في قائمة , اصدار كاتولوغ للموت العربي أصبح ضروریا -

مستفیدا من جھد أمة تفوقت في تطویر ثقافة .موتھ المیتات المعروضة طریقةدات كردیة مرشوشا كالحشرة بالمبی فقد تختار بدل أن تموت میتة. الموت

آللھ الموت نفسھ أو أحد أن یكون لك شرف الموت بالمسدس الذھبي, الكیماویةوتدور بأحشائك في , الجائعة وقد تفضل بدل أن تسلم حیا لتنھشك الكالب. أبنائھ

وتتمدد فیھ بملء أن تحفر بنفسك قبرك, ساحة سجن كما حدث في سجون مغاربیة .المفضل ق في وضعك النھائيفیذبحك اإلرھابیون وأنت مستل, إرادتك

, الموت ثمة أنظمة عربیة تقدم تسھیالت في. إمكانك أیضا أن ال تموت دفعة واحدة

,إن كنت صحافیا, فتلقمك إیاه ابتداءا من قلع األظافر وحرق األصابع باألسید .وانتھاء بسمل العیون وبقر البطون حسب مزاج سفاحك

:معت شجاعتي وقلتج .كان یتحدث بمرارة االستخفاف كیف حدث ذلك؟.. سمعت باغتیال ابن أخیك, آسف -

:باغتھ السؤال قال وقد سلیم؟ -

:ثم واصل بعد شيء من الصمت .آخرھا كانت بالرصاص ..مات أكثر من مرة -

لھ حریة أن تركت, لم أضف شیئا. كان واضحا أنني وضعت یدي على وجع طازج .یصمت أو أن یواصل

:حزنا تدفقوكإناء یطفح . التي عایشتھا في ھذا العمر كانت میتة سلیم ھي األكثر ألما من بین كل المیتات -

شاب وجد . الوحید ما كان لھا ھذا الوقع على نفسي حتى موت أبیھ وھو أخي فراح یدرس لیال نھارا 88أباه في مظاھرات نفسھ یتیما عندما قتل رجال األمن

إنھ لتفوقھ استطاع دخول المدرسة حتى, وأخویھلیستطیع بسرعة إعالة أمھفأرسلتھ الدولة لفرنسا لمدة ستة ,كان شابا مولعا بالعلم. العلیا لتكوین الكوادر

إلى أجھزة الجمارك في كي یتمكن من إدخال نظام المعلوماتیة, أشھر للدراسة .قسنطینة

وبعدما , ي الدولةقتل موظف عندما استلم وظیفة كان اإلرھابیون قد بدأوا فيفأعطوه , بالمطالبة بسكن أمني بدأ إلحاحھ, استشعر بالخطر إثر اغتیال زمیلین لھتصور مسكنا أمنیا دون , إلیھ لم یكن مرتاحا. بیتا منفیا على مشارف جبل الوحش

, معاشھ لتصفیح الباب أصبح كل ھم سلیم توفیر مبلغ من! بمحاذاة غابة.. ھاتفشاء الحصول على وكان باستطاعتھ لو, بالنسبة إلیھ ثروة صغیرةفقد كان المبلغ

. فرنسا أضعافھ لو أنھ طالب بعمولة على عشرات المعدات التي كلف بشرائھا منالنھب ولذا في زمن. مترفعا وقنوعا وكان یحب الجزائر, لكنھ كان نزیھا بالوراثة

ھ كي یتمكن في لھاث الكدحالمؤدلج وشرعة اللصوصیة كان یقتطع مبلغا من مرتب .أن یظفر بباب یحمیھ من القتلة, الیومي

كانت الساعة الحادیة عشرة لیال عندما . باألمان لكنھم جاؤوه عندما اعتقد أنھ ظفرمطمئنین . تماما بعد بدء منع التجول بقلیل ,حطت كتیبة الموت خلف بابھ المصفحإذ ال , تفیدین من حالة البلبلة السائدةومس ,إلى أن ال أحد سیأتي بعد اآلن لنجدتھ

األمن ھم الذین یحاولون دخول بیت أحد یدري في ھذه الحاالت إن كان رجال .یھاجمون بیتا ألحد ضحایاھم أو األرھابیون ھم الذین, تحصن فیھ اإلرھابیون

باب تحكمھ من الطرف كما في فیلم أمریكي للرعب یقف فیھ الضحیة أعزل خلفاألبواب جاؤوا بعدة الموت وكل اآللیات المتطورة لفتح,وش بشریةاآلخر وح

.فال یفعل مطمئنا إلى بابھ المصفح, صارخین بھ أن یفتحأربع ساعات ونصف والموت خلف . كانوا ھم الموت. صحبتھم لم یكن الموت في

" وزمجرة المعاول بالشتائم والمسبات أن یفتح الباب یتحداه على إیقاع الفؤوس

."یا عدو اهللا.. كافر جیناك یا.. یا رخیص.. یا قوادحلیشفع لھ نحیب لم. فیرد القلب خلف الباب بالدعوات عسى یحمیھ رب األبوابوال ال سمع البولیس. زوجتھ وال عویل صغیره وال جاء أحد لنجدتھ من الجیران

وبعد أن. بسمع اهللا برغم األصوات المدویة لآلالت التي كانوا یفتحون بھا البا فكلما تقدم الوقت وازداد الموت. بدأ یستعد لموتھ األخیر, مات سلیم أكثر من مرة

.ازداد القتلة عصبیة وازداد وعیدھم بالتنكیل بھ, اقترابا منھمن أین , الخائف من كل شيء وعلى كل شيء. كان یرتجف ھو الذي كل ما فیھ

, ین تأتیھ الحكمة لحظة خوفویرتاح؟ من أ تأتیھ شجاعة الضعف لیفتح الباب یفتح الموت علیھ الباب؟ لیعرف كیف علیھ أن یتصرف؟ ماذا ینقذ قبل أن

فجلس منھارا . المرتجفتن ما استطاع أن یحمل ابنھ ذا السنوات الثالث بین ذراعیھكل مرة بشيء كان یوصي امرأتھ, بینما كان ابنھ متمسكا برجلھ, على كرسي

. بالرحمة ل أمھ عنھ وأن تطلب منھا أن تسامحھ وأن تدعو لھمرة أن تقب. یتذكرهاستدان ومرة أن تعتذر لزمیل لھ. ومرة أن تسلم علي وأن توصیني بعد اآلن بابنھ

.من الجمارك" دیة" طالبا منھا سداده إن ھي حصلت على , منھ ماال :رأیت زیان یدمع ألول مرة وھنا

, برد دینھ بعد موتھ مرأتھ في ظرف كذاكرجال على حاجتھ یوصي ا.. تصور - .یموتون بینما سادة لھم مدخول من الجثث ینھبون وطنا والناس

وكیف قتل سلیم؟ -. كان منھارا على ركبتیھ, الباب على الثالثة والنصف فجرا نجح الموت في خلع -

یھخارج البیت وأطلقوا عل سحبوه. راح یتضرع لھم حتى ال یقتلوه أمام صغیرهالباب المحكم ألربع مرضاة لصبر الموت الذي أھین أمام ذلك, وابال من الرصاص

.ساعات ونصفالالحقة مع اإلسمنت الذي تشبث أصبحت معركتنا في األیام. كان جسده مخرما

.بدمائھ

ھذه اللوحات یوجد في قصة رجل وضع كل إن كان مفتاح شیفرة, أتساءل اآلن لم یشتر بذلك الباب سوى تمدید وإذ بھ, ب لیرد عنھ الموتمدخراتھ في تصفیح با

.كل باب موت متربص ألم یكن زیان یرید فقط أن یوحي أن وراء. لعذاب موتھألفتح حوارا مع كل وال كان لدي الوقت, ما كان في القلب متسع لمزید من األلم

مع امرأة عدشعرت أنني أذھب إلى مو. ذھبت مباشرة نحوھا ھي. لوحة على حدة فھل تنتمي. كما عندما كنت أذھب إلى مواعید حیاة. أصبحت متزوجة من غیري

أم من .. اللوحات أیضا إلى مؤسسة الخاتم واإلصبع؟ ھل ھي ملك من یمتلكھا, من یحبھا؟ أم من یملك المال فیشتریھا؟ وماذا لو كانت لمن خسرھا یراھا؟ ملك

!یشتھیھا ألنھ وحده منید في فما أنا إال. ري تفادي ھذه الخسارة؟ بإمكاني أن أؤجلھا فقطأكان في مقدو

وجمیعنا یملكھ إلى, وتلیني إلیھ أخرى, تسبقني إلیھ ید, حیاة كل شيء أمتلكھ .حین

مع ن, كما یستشیر القاضي عند الطالق األطفال, األفضل كان أن نستشیر األشیاء مع أمھم؟ أم مع أبیھم؟, یریدون أن یذھبوا

لھا حق اختیار مالكھا؟ كم من المشاكل كانت أال یكون, تجن في حق األشیاءأي .ویقتتلون علیھ.. استفتینا ما یختلفون حولھ ,ستحل لو أننا بدل استفتاء البشر

كأنني بطول النظر , ألنني ما استطعت أن أحتفظ بھا كأنني أعتذر لھا, وقفت أتأملھا

, كما تھرب عروس لیلة زفافھا " خطیفة " إلیھا أحاول اغراءھا بأن تلحق بي .وتلتحق بمن تحب

, فقد أصلح أن أكون لھا عشیقا, لي الدور األجمل صار, اآلن وقد أصبحت لغیريتمشط شعرھا وتمد من علو , حضن التاریخ قرنا في25كقسنطینة الجالسة منذ ي قدمیھا المتدلیتین ویحن, یتغزل بھا كان یلزمھا عشیق. عرشھا حدیثا مع النجوم

ال زوجا سادیا یعود كل مساء .. كي تنام یغطیھا لیال بالقبل, یدللھا, في الودیان !ضربا بمزاج سيء فیتشاجر معھا ویشبعھا

تكون ھذه أنثى أكثر فتنة من أن" ألم یقل عبد الحق متحسرا على قدر قسنطینة فكیف أوثقوھا. األجنة العشوائیةوأكثر أسطورة من أن تحبل بكل ھذه, امرأة ألحد

."وأنكروا علیھا أن تتململ انزالقا لحظة اغتصاب.. إلى ھذه الجبال

أكثر جبنا من أن تحسم , كنساء قسنطینة, كانت. وھي في مناظرة صامتة كنا أنا, الذي ینظر إلیك تلك النظرة المخترقة, ذلك النوع من اللوحات وكانت من. قدرھا

بل , بدت لي كأنھا ما عادت جسرا, في لحظة ما, إلى لوحة ا بدوركفتتحول أمامھحین رسم غلیونا وسمى " ماغریت" إنھا ذكرتني بـ حتى. أنا الذي مسخت جسرا

."ھذا لیس غلیونا" لوحتھ یلزم زیان عمر آخر لیدرك أن ھذا الشيء الذي رسمھ منذ أكثر من ثالثین أكانالوطن لیس مكانا " ذلك أن . وال مدینة وال وطناجسرا وال امرأة ما كان, سنة

."فكرة في الذھن على األرض إنھونفقد نحارب ونموت ونفقد أعضاءنا, ال من أجل أرض, إذن من أجل فكرة ھل الوطن تراب؟ أم ما یحدث لك فوقھ؟. أقرباءنا وممتلكاتنا

ونغتال ونموت في المنافي ونھان من أجل فكرة؟ أنسجن ونشردكي , حتى بموتنا نبیع أغلى ما في حوزتنا أجل تلك الفكرة التي ال تموتومن

الوطن الذي ما كان لیوجد لوال تلك حتى نعود إلى ذلك, نؤمن تذكرة شحن لرفاتنا !الفكرة المخادعة

ھذه اللوحة ھي األھم دون غیرھا لدى زیان؟ لم أجد ماالذي جعل: كنت أفكر

كل لوحة , ال نرسم لوحاتنا بالشيء نفسھ نحن" :جوابا إال في قولھ ذات مرةجغرافیة . األشیاء بیدي أو بقلبي منذ زمان توقفت عن رسم". نرسمھا بعضو فینا

ھو خریطة ترحالي ھذا المعرض. التشرد الوجداني علمتني أن أرسك بخطايأذھب إلى "بیكاسو كان یقول. أنت ال ترى على اللوحات إال آثار نعلي. الداخلي

اللوحة أنا ال أدخل". تاركا حذائي عند الباب,رسم كما یذھب المسلم إلى الصالةالم ."أرسم.. بكل ما علق بنعلي من غبار التشرد. إال بأتربة حذائي

ومن كل قلبھ قصد أن یتمدد علیھا , اللوحة التي رسمھا زیان بقلبھ ,إذن, كانت .النوم كجسر ویخلد إلى

لھ الریح. رجل عاش في مھب الجسور. الجسربھا بدأت وانتھت قصة العجوز وكلھا وكل ھذه األبواب المخلوعة التي تؤثث الجدران في غیابھ وتعبث بھا الریح

ما عاد .. ال تطرق كل ھذا الطرق: " لكأنھا تقول لمن توقف عندھا, المساء في ."ھنا الرسام

یجیب مام لوحةتصورتھ كلما توقف أ. ھو الذي كان یعكس أسئلتھ جسورا وأبوابا

:بجدیتھ العابثة على سؤال لھا لماذا توقفت عن الرسم؟ - "ترسم یعني أن تتذكر أن.. " ألنسى - لماذا تخلیت عن األلوان المائیة؟ -أن ترسم أي أن تعترف بحقك .. الزیتیة تسمح لك بتصحیح أخطائك ألن األلوان -

.في الخطأ ل ھذا البیاض؟لماذا أنت ملفوفا بك.. السواد یا سید -طلبوا من ماري أنطوانیت وھم یقودونھا إلى یوم. ألن األبیض خدعة األلوان -

.خلعتھ وارتدت ثوبھا األكثر بیاضا ..أن تغیر فستانھا األسود, المقصلة لماذا أنت على عجل؟ - .ونعلي یتحسس تراب وطن آخر أمشي في بالد - ولماذا حزین أنت؟ - .البطوالت في حق نفسي كل تلكنادم ألني ارتكبت - الیتم؟ ماذا نستطیع من أجلك نحن لوحاتك المعلقة على جدار - !حتى أتوھم الموت واقفا.. اسندوني إلى أعمدة الكذب! متعب -

***

بكثیر وبقارورة عطر ملفوفة, عدت إلى البیت محمال بزجاجة خمر فاخرة, مساء .ازمن الشرائط الجمیلة ھدیة لفرانسو

وأنت الذي ال تملك ثقافة . كان یذكرك بذلك كل شيء. كنا في أعیاد نھایة السنةتنفق ما بقي من ثمن تلك التذكرة في تبضع علیك أن, إمعانا منك في األلم, الفرح .مبھج

.سألتني إن كنت أحضرت التذاكر. لي الباب فوجئت فرانسواز بحمولتي وھي تفتح :طمأنتھا

.لك ھذا العطر:ثم واصلت. نعم - :قالت وھي تقبلني

في خضم ھذه األحزان؟, كیف فكرت في ھدیة. شكرا -

.لیس أمامي إال الیوم ألشكرك على كل شيء -. بما یقتضیھ الموقف من تطرف الحزن قررت للیلة أن آخذ إجازة من المآسي

لصة أو أن أعیش تعاسة خا رغبة في. إحساس عصي على اإلدراك ینتابني دائماأن أطھو حزني ,أحب في الحالتین أن أدفع باللحظة إلى أقصاھا. سعادة مطلقة

الخسارات أحب أن أجلس إلى مائدة, بكثیر من بھارات الجنون وتوابل السخریة أن أستمع إلى موسیقى, أن أحتسي نبیذا فاخرا, بكل ما یلیق بھا من احتفاء

.إلى شيء عدا نشرات األخبارأنا الذي لم یكن لي وقت ألستمع , جمیلةبإمكانھ أن ینزع وھم التضاد بین , ذلك التھكم المستتر, السخریة وحدھا تلك

.والخسارة الربح, الموت والحیاة

االتصال بھ وكنت أجلت, طلبت ناصر ألخبره بوفاة زیان, قبل أن أجلس إلى كأسيبالنسبة لذي انتھى أمرها, حتى ال أجدني مضطرا إلى الحدیث مع مراد, إلى الیوم

فقد أصبح موت. وحتى ال ینقل ناصر الخبر إلى حیاة فتفسد علي قدسیة حزني, لي .زیان قضیتي وحدي

:صاح ناصر من ھول الخبركان .. خویا مش معقول كنت معاه غیر ھاذ الجمعة یا.. إنا هللا وإنا إلیھ راجعون -

كان سید .. لغالي وتخلي الرخیصتدي ا الدنیا بنت الكلب.. یبان ال بأس علیھ .الرجال

قسنطینة وأننا سنكون في المطار عند السادسة أخبرتھ أن الجثمان سینقل غدا إلى .على روحھ إن كان یرید أن یقرأ الفاتحة, مساءا

. إلى ألمانیا وبدا متأسفا لغیاب مراد الذي سافر قبل یومین. قال إنھ سیأتي طبعاال " قلت. سألني إن كان سیحضر أحد من السفارة. زفھ ليكان ھذا أجمل خبر

."موعدنا إذن غدا" قال ". أعتقد

, فقصدت المطبخ أعد سلطة. البیت كانت فرانسواز أثناء ذلك طلبت بیتزا إلى" . حالل" من جزارة التي اشتریتھا قبل یومین" النقانق" وأقلي صحنا من

یتناول معھ إال اللحم ري حتى وھو یحتسي نبیذا أالفلتناقضاتھ الغریبة یصر الجزائ !الحالل

:الطاولة قالت فرانسواز وھي تراني أضع الصحن على األول؟ أتدري أن زیت القلیة عدوك. كم في ھذا الصحن من مواد دسمة.. یا إلھي -

كان إذا, وأین أضع أعدائي اآلخرین إذن, كیف لي أن أرتب سلم العداوات. ابتسمت ,وغدر السجائر, ومكیدة الزبدة, وأین ھي عداوة الزیت! لدسم ھو عدوي األولا

من غدر األصدقاء وحسد الزمالء وظلم األقرباء , ودسائس الملح, ومؤامرة السكرالرفاق ورعب اإلرھابیین ومذلة الوطن؟ ألیس كثیرا كل ھذه العداوات على ونفاق !واحد شخص

:متعجبا سألتھ. ق باب غرفتھ كي یشعل سیجارةتذكرت زیان یوم طلب مني أن أغل أولیس التدخین ممنوعا في المستشفى؟ -

:رد مبتسمالكن كما قال أمل دنقل لطبیبھ وھو على سریره . بل یعادل ارتكاب جریمة ..طبعا -

ثم أنت ال تستطیع یا رجل أن تعیش وتموت ". القانون لیخترق خلق:" األخیر !وتخاف سیجارة.. جبانا في السابعة والستین من عمرك كونوال أن ت, مطیعا

. في جارور الطاولة الصغیرة القریبة من سریره تأملت یومھا منفضتھ المخبأةكأنھ لم , كحرائق أخمدت على عجل, كاملة كانت مألى بأعقاب سجائر تكاد تكون

.یسحب منھا سوى نفس واحد

ما كان في المنفضة من وجود . متعة إشعالھاكما یتلف السجائر ل, الحیاة كان یبددألذا ال تفارقھ , إن رجال بید واحدة ال یمكن أن یستعمل علبة كبریت .ألعواد ثقاب

النار؟ الرغبة في إضرام :قال متھكما

وقد یلحقون . مضرون وحدھم األشخاص. ال تصدق أن األشیاء مضرة بالصحة -على تحذیرك التي تصر وزارة الصحة, بك من األذى أكثر مما تلحق بك األشیاء

أن , باألشیاء تعلمت أن أستعیض عن الناس, ولذا كلما تقدم بي العمر. من تعاطیھاتكید فھي على األقل ال, أحیط نفسي بالموسیقى والكتب واللوحات والنبیذ الجید

وال نافقكواألھم من ھذا أنھا ال ت. إنھا واضحة في تعاملھا معك. وال تغدر بك, لك .تھینك وال یعنیھا أن تكون زباال أو جنراال

:واصل ساخرامدة أن زباال في فرنسا فقد ذراعھ بعدما علق قفازه في أسنان مكبس قرأت منذ -

فكرت أن . كان یحاول دفع النفایات الضخمة بیده بعیدا في جوفھا بینما, الشاحنةوھو ینازلھا للحصول على " القذرة"یاة ذراعھ في معركة الح ھذا الرجل الذي فقد

وجاھة ضابط فقد ذراعھ في معركة من أجل اإلستیالء لن تكون لھ, لقمة نظیفةالجنرال أنطونیو لوبیز دي . یساویھ أصحابھا فاألعضاء تساوي ما. على الوطن

أقام جنازة رسمیة مھیبة , دكتاتوریا ثالث مرات سانتانا الذي حكم المكسیك حكمافبین ذراع الزبال وساق . حرب الفطائر قھ الیمنى التي فقدھا في ما یسمىلسا

. اإلعاقة سوى أمام األشیاء نحن لسنا متساوین في. الجنرال فرق خمس نجوم !تكن ترى نجومھ وحدھا لم.. فالرجل الخشبیة التي كانت تحمل ذلك الجنرال

. صوتھ لم یفارقني ك أنذل. كانت حكمة ذلك الرجل ھي ما یذھلني, أكثر من فنھ

تكمن في تلك وسعادتي الیوم. كان یأتي في كل مناسبة ملتبس اإلضاءات في جملةالسریر وھو ممدد في ذاك, یوم كان, األشرطة التي سجلت علیھا جلسات حواراتنا

.یحدثني عن قناعات سكن فیھا مع العمر, مربوطا إلى أكسیر الذاكرةیتقدم , بین غیوم اللغة وصحو الصمت, ذاكصوتھ. وترك لي صوتھ رجل مات

.على فن إزالة خدع الحیاة الفتاكة وألغامھا یدربك, ككاسحة أوھام. كانت تنقص كأسي, أغنیة كمكعبات الثلج ,وقفت أبحث عن أغنیة تناسب مزاجي

ذلك أن الحزن في ھذه , سماعھا استأذنت فرانسواز في. كنت أریدھا عربیة

. ال یكون إال عربیاالحاالت كالطربلكنني قلت , ما كانت لي رغبة في أن أشرح لھا األغنیة. كلماتھا سألتني عن

:بمجاملة .أحبھا وتخلت عنھ.. أغنیة یتوجھ فیھا المغني المرأة قاسیة إنھا -

. وتذبحك فیھا الكمنجة ذھابا وإیابا, أغنیة تحیك لك مؤامرة بكاء كیف أترجم لھا :تحمل كما كافیا من الشجن لتقول بھا, كلمات أیة, أیة لغة

."أوالد عرشي یتامى وعلیك انخلي.. آآآه یا ظالمة " -لكأن كل . الفرقاني شعرت أن ال عجب في تشابھ حیاة بھذه المرأة التي یبكیھا

ھي المتھم األول . سواھا ھو ال یبكي وال یشكو, أغنیة في العالم أیا كان من یغنیھا, فیلم عاطفي الجاني في كل, الخائن دوما في كل قصة, غاني الحبفي كل أ

.وبإمكانك إلباسھا كل الجرائم العشقیة عبر التاریخ :فرانسواز سألتني

أكل األغاني العربیة حزینة ھكذا؟ - :أجبتھا كمن ینفي تھمة

.لیس دائما.. ال - :ردت كأنھا تجاملني

.وتمتعھم بذلك السخاء العاطفي العربقد یكون ھذا الحزن سر رومنطیقیة - :قلت متھكما

نحن . الأكثر سخاء من الیتامى, یتمنا ال حزننا سخاؤنا العاطفي یا عزیزتي سببھ -الیتیم كما یقول زیان ... التاریخ عنا ونحن ھكذا مذ تخلى, على كثرتنا أمة یتیمة,

العطر الذي - ن الصمت واصلت بعد شيء م-بالدونیة ال یشفى أبدا من إحساسھحتى عندما نجحت كوكو شانیل . على ذلك دلیل" 5"شانیل رقم " أھدیتك إیاه عطرھا األول الرقم الذي كانت وأطلقت على.. لم تشف من عقدة یتمھا, واشتھرت

القارورة في خطوطھا الحظي بساطة. تحملھ في دار األیتام التي تربت فیھاوشفاف إلى ذلك ذلك أن الیتم عار. مة أو طالءالمربعة دون أي نقوش أو فخا

ابتكارھا عطرا إن معجزة شانیل لیست في. بل رقما. حتى أنھ ال یحمل اسما . الحد .بل في جعلھا من الیتم عطرا ومن الرقم اسما, شذیا :فرانسواز مندھشة قالت

.لم أكن أعرف ھذا.. عجیب - لم تكن تعرفھ حتى مارلین مونرو التي كانت وربما .ھذا أمر ال یعرفھ الكثیرون -

بضع " أجابت " ماذا ترتدین للنوم؟" سئلت مرة حتى إنھا عندما, ال تتعطر بغیره .أنھا لم تكن ترتدي شیئا وفھم من كالمھا". 5قطرات من شانیل رقم

یا إلھي من أین لك ھذه المعلومات؟ - :مازحا قلت

مونرو أحدثك عن مارلین: ثم واصلت بنبرة أخرى. ھذه یا عزیزتي ثقافة الیتم - كانت تملك, یحكى أنھا لفرط إحساسھا بالیتم. ألنني تذكرتھا الیوم في المعرض

قد فاجأني ھذا. أن تمیز یتیما من بین أربعین شخصا, القدرة عند دخولھا أي مكان

ن یمتلك كان بإمكان أي زائر للمعرض بدون أ, اإلحساس الیوم وأنا أدخل الرواق .أن یكتشف یتم تلك اللوحة بین كل اللوحات, الحاسة ھذه

ما كنت قبل الیوم . تخلفھ في قلب أي ناظر إلیھا مرعب ذلك اإلحساس الذي .ماكان في المعرض زوار لیلحظوا ذلك ..على كل. ألصدق یتم اللوحات

:قالت فرانسواز . لم یسمعوا بموت زیان بعدوالكثیرون.. باألعیاد الناس مشغولون, ال تقلق - :واصلت بتذمر ثم 20 ألف فرنك؟ كسب 50أتدري أن الرواق قد باع تلك اللوحة بـ .. بالمناسبة -

كان یكفي أن تتصل . دون حتى أن تتحرك اللوحة من مسمارھا ألف فرنك من .لیتضاعف السعر, وتخبره أن الرسام مات كارول ھاتفیا بأحد زبائنھا

:قلت بغضبلیصنعوا ثروتھم من فن لم یستطع , ینتظرون موت الرسام .كر سماسرة الفنونم -

.یضمن بھ موتا كریما وال أن, صاحبھ التعیش منھ :سألتھا بفضول

الثمن؟ من اشتراھا بھذه السرعة وبھذا -انتفخت وقد, كنت أتوقع أن یكون المشتري أحد أثریاء المھجر الجزائریین الذین

درجوا على تبییض سمعتھم بالتسابق إلى شراء كل ما, ال المنھوبحساباتھم بالمفال أرى غیر أحدھم بإمكانھ أن یدفع خمسین , یعرض لكبار المبدعین الجزائریین

وقد سمعت أحد ھؤالء یقول مرة في , لشراء لوحة تعرض علیھ بالھاتف ألف فرنكأثبت ". نفاقھ ثقافةوإ, إن كسب المال موھبة" المفاجئ بالفن مجلس مبررا ولعھ

لم یبق علیھ إال أن یثبت بما یقتني أنھ " موھوب " بما اختلس من أموال أنھ !مثقف

:توقعاتي وھي تقول غیر أن فرانسواز فاجأت كلمنھا مجموعة یملك لوحات نادرة" األرجل السوداء" إنھ فرنسي ثري من ذوي -

اشترى مؤخرا. موأخرى لمحمد راسی ," Les orientalistes " من لوحاترسام یھودي قسنطیني یعتبر .. حتما سمعت بأطالن. لوحات ألطالن عرضت للبیع

إشتھر بولعھ بقسنطینة وبسجنھ .. مات في الستینات, الفن التجریدي أحد وجوه .مساندتھ للحركات التحرریة أكثر من مرة بسبب

:كنت ال أزال تحت وقع الدھشة عندما واصلتولكن لم یكن من , نھ كان یرید أن یشتري لوحات أكثر لزیانأخبرتني كارول أ -

.ألنھا بیعت قبل وفاة زیان, عدا لوحتك أنت طبعا, بیع شيء بعد اآلن حق الرواق :بدا علي من حزن قامت وجلست جواري تواسیني ثم أمام ما

ومعروف عنھ ھوسھ بكل ما لھ عالقة إنھ رجل یحب الفن, ال تحزن ھكذا - .بقسنطینة

أظنھ . أحضر لھ أشیاء صغیرة من ھناك زیان عندما عاد ألول مرة إلى قسنطینة .من ھذا القبیل أو أنھما درسا معا أو شیئا, كان صدیق طفولتھ

:سألتھا وقد ضاع صوتي

لھ؟ أتعتقدین أن زیان كان سیبیعھا :قالت

وال إحساسھ ول .فزیان كان یرفض في جمیع الحاالت بیعھا ألي كان, ال أظن ذلك -لكنھ ما ,أظنھ كان یود االحتفاظ بھا لنفسھ. بالموت وثقتھ فیك لما باعھا حتى لك

. سنتین ابن أخیھ اغتالھ اإلرھابیون بطریقة شنیعة منذ. وجد أحدا لیورثھ إیاھا أما.أو مات, وابن أخیھ اآلخر اختفى قبل سنوات ویعتقد أنھ التحق باإلرھابیین

.88 منذ عشر سنوات في أحداث أخوه الوحید فقد اغتیلویأتمنھ على .. یجد في آخر عمره أحدا یطمئن إلیھ ال أصعب على فنان من أن ال

.أعمالھ :قلت بتھكم الحسرة

أطلقت على المعمرین الفرنسیین الذین " األرجل السوداء" تدرین أن تسمیة -, رن التاسع عشرلالستیطان في الجزائر بعد الغزو الكولونیالي أوساط الق أرسلوا. ینتعلون أحذیة سوداء سمیكة أثناء إشرافھم على المزارع و األراضي إذ كانوا

وال توقع أن یأتي . ما توقع أن یواصل انتعال التاریخ أبا عن جد حتما ھذا الثريبعد أن انقرض أھلھا في الحروب .. لھذه اللوحة من قریب سواه یوم ال یبقى فیھ

أن ینتھوا من اإلجھاز على بعضھم البعض فیحظى نتظاركان علیھ ا. العبثیة .بمیراث كامل

:قالت .لعلھا لم تفھم كالمي وبشيء من, علیك أن تنتظر فقط. األمر قضیة وقت ال غیر, في سوق الفن -

یكفي أن . أنت تحصل في النھایة على أیة لوحة تریدھا, وبما یلزم من مال, الصبرك ضربة حظ وتستفید من لحظة غفلة كما ھذه أحیانا تصادف. الفرصة تقتنص .الناس بأعیادھم وقبل أن ینتشر خبر موت الرسام أثناء انشغال, المرة

:الخمر قلت وأنا أسكب شیئا من !ما التاریخ إال نتاج لحظات الغفلة.. حتما -

فلم البكاء؟ , وال وجدتني مرغما على تسلیم مفاتیح غرناطة ,ما كنت أبا عبد اهللا .ما دمت اخترتھا بنفسي, للشماتة ھا خسارات غیر قابلةإن

ثم تعود مذعورة إلى , عجل عندما كانت تزورني حیاة لساعة أو ساعتین علىأن أربحك لساعات أرفض. ال یعنیني أن أمتلكك بالتقسیط:" قلت لھا مرة, بیتھا

أنا , الحي أنا لست بقال. تلك األرباح الصغیرة ال تثریني, تذھبین بعدھا لغیري ."أرید معك ربحا مدمرا كخسارة. عاشق یفضل أن یخسرك بتفوق

كتلك الجائزة التي مذ ربحتھا وأنا , أدري أن أرباحا فادحة تتوالد خساراتھا لم أكن .بھا خساراتي أشتري

بذراعھ رقص بین خرائبھ, في ھذا المكان عینھ, أعادني الموقف إلى زیان الذي قي مشوه في تلك اللیلة التي تخلى فیھا عن أكثر لوحاتھكبطل إغری, الوحیدة

.لفرانسواز وذھب لیدفن أخاهأنا الذي جئت فرنسا , األخیر كم تمنیت أال أتماھى معھ في ھذا المشھد العبثي

التي تسلم لوحة وتستلم فقط ألكون الید, أكان القدر قد جاء بي. ألستلم جائزة جثمانا؟

.وجلست أشرب نخبھوضعت موسیقى زوربا .مساء یا خالد عم

, مما عرفت اآلن وقد أصبحت جزءا من ھذا الخراب الجمیل الذي ال یشبھ شیئا .الموتى فارقص غیر معني بأن تفسد سكینة. ستحتاج إلى الرقص كثیرا یا صدیقي

ال جدوى من النظر. أنت تعیش في منطقة عزالء من الزمن. ال تقل تأخر الوقت .بل لتضع رفات الوقت بیننا, لیست ھنا لتدلك على الوقت, تكإلى ساع

ترى , ما عدت معنیا بالزمن, عندما أصبح كل ذلك الوقت. شيء انتھى اآلن كلذاھب , دخلت منطقة غیاب األلوان. بإمكانك أن ترسمھا لم یعد, األشیاء بوضوح .صوب التراب

انك أن تذھب إلیھ على بإمك) وطنك؟. (أسمیتھ وطنك, تتوق إلیھ تراب كنت

ففي ضیافة , ال جدوى من أناقتك. كعادتك قبل موعد دون أن تستعد, حسابكلذراعك التي كلما , ولن یوجد من یتنبھ لعطبك ,الدیدان تتساوى األجساد یا صدیقي

.تعریت أخفیتھا عن اآلخرینن ودیدان أصبحت ولیمتھا تھزأ من نساء أحببنك وترفعت ع, یحتفي بك تراب

وجئت الیوم تھدي جسد , إغراء عاھرة إسمھا الحیاة كنت ترفض. إمتاعھن .شیخوختك للحشرات

كل خطیئة . كل ما ینسب لغیرك في الفسق أنت فاعلھ, بعد اآلن ,أیھا األحمقكل امرأة . كل حكمة یلفظھا رجل أنت قائلھا. مقترفھا یحاسب علیھا غیرك أنت

.مخدعھا أنت من تسلل إلى, تحبل .وارقص فقم, أنت أكثر حكمة من أي وقت مضى, ن وقد أصبح كل شيء خلفكاآل

.وستخوننا معا.. ألن امرأة أحببتھا خانتك معي, ارقص .لك قد صار لسواك ألن بیتا كان

.ألن لوحات رسمتھا ذھبت إلى أید لم تتوقعھا .ووطنا عشقتھ تخلى عنك, مجدتھا تنكرت لك ألن جسورا .بعدك ستعیش, ء سخیفة احتقرتھاألن أشیا

.ألن حسان سیكون قریبا منك بعد اآلن .سقطوا في خندق الكراھیة ولن یكونوا في جنازتك ألن أوالده الذین ربیتھم

عنك كما كانت اآللھة اإلغریقیة تزور عن رؤیة ألن قسنطینة التي عشقتھا أشاحت ..الجثث

نادیتھا وأنا أرفع بعض . حون السفرةالمطبخ حاملة ص نھضت فرانسواز نحو

:الشيء من موسیقى زوربا .فعما قریب سنواجھ مطبات شاھقة, تعالي للجلوس جواري.. أرجوك كاترین -

:محتجة قالت

.ولنني لست كاترین - :أجبتھا بنبرة مازحة

.لو قرأتھا ألدركت أنني أنا أیضا لست خالد. تلك الروایة أنت لم تقرئي.. صحیح - :للجلوس جواري قالت بعدما عادت

أنت ثمل ألیس كذلك؟ -الحقیقة یا عزیزتي تؤخذ من ھذیان تعتقدین ھذا؟ ألنني قلت لك الحقیقة؟ -

وكذلك أنا أصبحت , بالقرعة أتدرین أن الطوارق یختارون أسماءھم. السكارى .خالد مصادفة

:بكالمي واصلت أمام اندھاشھا المستخف فشلنا نحن الصحافیین في العثور على, ؤوس وحصاد األقالمفي موسم قطف الر -

كل اختار اسمھ الجدید حسب ما . أسماء مستعارة نختفي خلفھا من اإلرھابیین .أنا انتحلت اسم بطل في روایة أحببتھا. أسماء صادفھ من

:واصلت بعد شيء من الصمتفي . ن تلك قصة أخرىولك. إنما زیان, خالد بن طوبال لیس أنا, شئت الحقیقة إن -

ففي . بینما أصبح ھذا اسمي فس الحیاة, ھذا اسمھ في تلك الروایة الواقع كانولذا أثناء انتقالنا بین االثنین , إلى استعارة أسماء لیست لنا الروایة أیضا نحتاج

.إنھا لعبة األقنعة في كرنفال الحیاة. ندري من نكون كثیرا ما ال نعود ولكن ما اسمك؟ -فكلما مر شيء مني بك , ما دمت تعرفین لقب فمي وكنیة یدي. یغیر اسمي وماذا -

.علیك ترك إمضاءة ولكن ما االسم المكتوب على أوراقك الثبوتیة؟.. جمیل -افترضي أننا التقینا في تلك . تكوني رجل بولیس یدقق في ھویة عابر ال أحب أن -

یفرض فیھا على , ل بلوغ وھم السعادةالبحریة التي من أج المنتجعات السیاحیةفتطلق علیھم أسماء بعض , خالل فترة اإلقامة الزبائن التخلي عن أسمائھم

أي قصاص أن تحملي . وأحیانا أرقام ال غیر المحارات البحریة أو اآللھة الیونانیة !اسمك قیدا مدى العمر

لكرة یستدل علیھم العبو ا. عربیة یعیش فیھا الناس بال أسماء أحسد سكان بالد, المسؤولون یحملون أسماء وظائفھم, یحملون أسماء مناطقھم النواب, بأرقامھم

األموات لھم مقبرة جماعیة یضع علیھا الزوار , جوقة المطربون ال یغنون إال فياختزلوا أسماءھم جمیعا في اسم , في منتجع التاریخ إنھم. الرسمیون إكلیال للجمیع

ال ". ال أحد"ثمة نعمة في أن تكون . اختزال الحكم عملیة. احوارجل واحد وارتأو یأتي الموت ویبعثرك في كل , األسماء إال عندما یأتي حاكم ویؤمم كل, تتوفر لك

.شيء

أفكر في بورخیس عندما یقول في نھایة كتابھ وكنت. كان زوربا بدأ ینتفض رقصاكما عولیس قریبا أصبح العالم , حدأ كنت ھومیروس وقریبا أصیر ال" " الخلد" ."ألنني أكون قد مت, كلھ

فزوربا رقصة تصبح , ذراعي على كتف زیان ونبدأ الرقص سویا قررت أن أضع .فاتحین ذراعیھما الحتضان العدم.. بعنفوان الخاسرین أجمل عندما یؤدیھا رجالن

تصبح , دما تموتكما عن, عندما ترقص . شيء فارقص انتھى اآلن كل, ھیا زیان .المقابر ارقص كي تسخر من. سید العالم

.أما كنت ترید أن تكتب كتابا من أجلھا؟ ارقص ألكتبھ عنك .وتعال من دون حذاء, رجلین لرقصتك األخیرة تدبر

!أحذیة في الرقص كما في الموت ال نحتاج إلى

الفصل الثامن

.القرابات الموت یضع ترتیبا في فموعدھا األخیر مع زیان تم في, تعود فرانسواز غریبة, شرةبرغم تلك الع ,ودعتني بمودة لم تكن یوما حبا, بعدھا أقلتني إلى المطار بسیارتھا. المستشفى

.كل أھلھ, أنا الموجود في حیاتھ مصادفة, ومضت ألصبحأقنعتھا , لكنني بذرائع دینیة كاذبة, الجثمان عرضت علي أن تحضر مراسم رفع

وكنت أرید لجمالیة ذلك , ناصر كنت أتوقع حضور حیاة صحبة. بعدم الحضور .المشھد التراجیدي أال یفسده أحد علینا

بعد وقوفي طویال في طوابیر األحیاء , انتھیت من تسجیل حقیبتي الصغیرة عندما

من حرامات وطاوالت كي , والمحملین بكل أنواع الحموالت وأغربھا المتدافعینعائدین بھا كغنائم , وسجاد وحقائب بؤس من كل األحجام للورد وطناجروأحواض

ال طوابیر بشریة تزاحمني وحیث كل شيء سقط ذھبت إلى حیث, غربة إلى الوطنالحمولة التي تسافر مختومة ومرقمة مع مذ أصبح فیھا البشر ھم األمتعة و, متاع

.البضائع في جوف الطائرةفي . ة إلیداع ما ھو جاھز للشحن إلى كل الوجھاتالقاعة المخصص وقفت في تلك

, الصنادیق الضخمة التي تنقلھا اآلالت نحو الطائرات جھة منھا كانت تتكدسمما كان , وقبعاتھم الصفر لجرھا في عربات مكشوفة ویھرع عمال بثیابھم الزرق. یديجانبا من القاعة مفتوحا لمجرى ھواء جل ویترك, یحدث أحیانا أصواتا قویة

.فقصدتھا أنتظره, القاعة أحدھم نبھني أن أقصد الجھة األخرى من

..ثم جاءمكلال , حلما في تابوت من خشب, أكتافھم غرباء یحملونھ على, ھاھم یأتون بھ

ال تسرعوا " أكاد أصیح بھم , بسخریتھ لھ جنازة تلیق, بكبریاء الخاسرین یجيء, ھو الواثق كالتأمل. تستعجلوه ال, د المتمھلھو المتئ". بنعشھ فتتعثرون بضحكتھ

كما , ضفة إلى أخرى یجتاز قدره من, انصتوا لتھكمھ وھو یعبر لوحتھ األخیرة .الممر محموال من أناس ال یدرون كم رسم ھذا, یجتاز جسرا

فیھندس , الجمیل أما العبور, ال ھم للمھندسین إال العبور األمین. وھو یبني جسرا

.یملك وحده حق ھندسة خطى القدر, و بشاعتھ مھندس أكبرجمالھ أ حق لھ أن, عاش عمره على سفر. ال توقظھ, یا إلھ العبور األخیر, إلھ الجسور یا

.یستریح .األخیر فأھده راحة سریره الضیق, عابر سریر ھو حیثما حل, یا إلھة األسرة

.نومھ تدعھم یخلعون بابفال , ال قبور آمنة في انتظاره, وأنت یا إلھ األبواب ولم یبق لي أمام الحزن إال, اكتشفت أنني فقدت القدرة على البكاء, في حضرتھ

.ذلك األنین األخرس للحیتان في عتمة المحیطات !التھكم: دائما أمام الحیاة كان أمام الموت یفعل ما كان یفعلھ

.بتسامأشاطره اال رحت, وعندما لم أجد في العین دمعا یلیق بسخریتھ

ھي؟ تلك المرأة أكانت, ھي. إذن جاءت. جاءت, كانت رفقة ناصر, فجأة لمحتھامعطف فرو مرتدیة, القادمة بخطى بطیئة یلف شعرھا شال من الموسلین األسود

.ما أحببت ترف حدادھا الفاخر, برغم البرد القارس, طویلكان یكفي أن , اللوحةفكرت أن معطفھا یساوي أكثر من ثمن تلك ,قبل أن تقترب

.اآلن ببرد أقل تستغني عنھ لیشعر خالدخزانتھا فھل لیس في" نجمة"لتصبح , كان یكفیھا معطف داكن ووردة حمراء

معطف بسیط یلیق بفاجعة كبیرة؟تلك الغریبة الجمیلة الھاربة , "نجمة " حتما كانت. أقنعت نفسي بأنھا لم تكن ھي

كان لھا كل وجوه النساء ولھا كل مثلھا. التاریخمن القصائد والواقعة في قبضة, ارتدتھا حدادا على صالح باي إال أنھا الیوم خلعت مالیتھا السوداء التي, األسماء

.التاریخ وارتدت معطف فرو اقتناه لھا أحد قطاع طرق من یحاسب زوجة قرصان إن ھي ارتدت شیئا من غنائمھ؟

أألن قدمیھا المخضبتین بالحناء تعبتا؟, ببطء ال یشبھ خطوتھا كانت تتقدم

.كي تبلغ ھذا الجثمان منذ زفافھا وھي تمشيالمرأة ذات معطف . نحوي مدت یدھا. كان أولى أن أعرفھ بھا. عرفني ناصر بأختھ

.مصافحة عساھا تخفي تردد أكفنا وارتباكھا لحظة, لم تقل شیئا, الفرو لم نكن. اشینا أن تطول بیننا النظراتتح, بل من أجلھ ھو. لیس من أجل ناصر

.نرید أن نشھده میتا على ما كان یعلمھ حیا .مستخفین بذكاء الموتى, العشقیة كنا نتبرأ من ذاكرتنا, في حضرتھ

قال كلمات في . خده بخدي التصقت دمعة على. ضمني ناصر طویال إلى صدرهكأنھ أصبح , عاد ھو ھو أیضا ماكأنھ, بدا لي كأنھ شاخ. وبكى, بیاض الكوما

.الثورة كانت ھكذا مالمح أبیھ كما خلدتھا صور. الطاھر عبد المولى

جاء بھ أي قدر عجیب, یوم كان في قسنطینة, ناصر الذي رفض أن یحضر زفافھا

أكان لقاؤنا حولھ آخر رغبة أراد! لیحضر جنازة خالد ھنا في باریس, من ألمانیا فك الساخر للموت؟أن یخطفھا من ال

.حتى لكأنھ وصیة, ذكیا في انتقاء شھوده ,مباغتا في توقیتھ, موتا مكثفا في دقتھفي المصادفة شيء من . المكان مصادفة أشك أننا كنا جمیعنا ھناك في ذلك

.الفوضى ال یتقنھا الموتیھ رنیھ یوجد ما یسم. وال سوء تدبیر في ھذا العالم الجائر ,ال یوجد سوء ترقیم

كما في , إنھ الموت المشاغب الجبار". الدقة فوضى" شار في إحدى قصائده .تراجیدیا إغریقیة

أي ملھاة أن تكون شاھدا ! شیئا على ھذا القدر من الفاجعة أي مأساة أن تخلف !علیھ

.بأحالم ذات أقدار ملحمیة, أمام أسطورة رجل عادي واقفین كناوبھذا االسم , اجتمعنا حولھ استعاد اسمھ األول فمنذ.رجل یدعى خالد بن طوبال

.وكشف أسماءنا الموت غیر اسمھ. یعود إلى قسنطینة :أذكر یوم سألني بتھكم ذكي

أما زلت خالد؟.. خالد - :أكاد أسأل المرأة ذات المعطف الفرو مثلھ

أما زلت حیاة؟.. حیاة - ."نجمة" ھذا المكان أصبحت ذلك أنھا مذ دخلت

الظالمة , الفاجعة, الجرح المرأة, المقدسة, المشتھاة, جمة المرأة المعشوقةن" , "بعد كل اغتصاب العذراء. " الوفیة الخائنة, المتوحشة, المغتصبة, المظلومة

ال یجتمعون إال یقتتل الجمیع بسببھا ولكنھم" التي " ابنة النسر األبیض واألسود ."حولھا

. األم التي تخلت عنك .البنت التي لم تنجبھا. كھي الزوجة التي تحمل اسم عدوحتى لكأنھا ما , فجائعھ متزامنا مع, ھي المرأة التي ولد حبھا متداخال مع الوطن

.كانت یوما سوى الجزائر

, كأحد أشھر قصص الحب الجزائري, األسطوري في بعدھا" نجمة" ذلك أن قصة ا قسنطینة والمدن المحیطة بھا فیھ التي دفعت1945 مایو 8ولدت إثر مظاھرات

.تطالب بالحریة أكثر من ثالثین ألف قتیل في أول مظاھرة جزائریةوكان , السجن یقاد مع اآلالف إلى, كان كاتب یاسین یومھا في عامھ السابع عشر

عناوین في طریقھ إلى معتقلھ األول یرى شبابا مكبلین تجرھم شاحنات إلى . الطریق بالرصاصوآخرین یعدمون في, مجھولة

كان العسكر یأتون كل مرة الصطحاب , ضاقت بأسراھا وفي الزنزانة الكبیرة التي .أبدا رجال لن یراھم أحد بعد ذلك

جنت كانت أمھ قد. عندما غادر كاتب یاسین السجن بعد أشھر لم یجد بیتا لیأویھ

خالیھ قصد الشاب بیت.وأدخلت إلى مستشفى األمراض العقلیة, ظنا منھا أنھ قتلغیر أن ,اغتالوه ذھب إلى بیت جده القاضي فوجد أنھم,المدرسین فوجد أنھما قتال

.یحبھا الطامة كانت عندما علم أنھم في غیابھ زوجوا ابنة عمھ التي كانمن عمرا, اغتصبت تلك المعشوقة التي لن یشفى من حبھا أبدا, في لحظة سھو

فكلما سقط الحجاب عن امرأة في . كل النساء" نجمة" أصبحت فیھ الھذیان من تحت كل المالیات ومن تحت كل " نجمة" كاتب یاسین تظھر مسرحیات .األسماء

عید میالد لھ وبعد وفاة أمھ عن عمر إلتھم فیھ الجنون الصامت ألم یقل في آخرلجثث الحقیقیة وقتلت ھناك مع ا45 مایو 8ولدت في " : سنة من حیاتھا36

" ثم ولدت من جدید مع , مصح المجانین بجوار أمي التي انتھى بھا األمر في, سعید بحزني بھا, استحالتھ الحب الموجع في, أحبھا ذلك الحب األول, "نجمة ."كمجنون, لم أكتب سواھا, أكتبھا

وما , لم یتوقع أن تلك المرأة التي أحبھا منذ خمسین سنة, المسرحي ھو الكاتب

ستأتي لتحضر العرض الوحید واألخیر لمشھد , شیخوختھا عاد یعرف مالمح .األول منذ نصف قرن یوم رآھا في مسرحیة حیاة بدأ فصلھا, موتھ

ووحده الموت یوزع , القدر یرتجلھ, فما كان لیصدق أن النص األخیر ألي مسرحي, ا تسبق رفع الستارثالث ال دقات, فیھ األدوار على الناس بین متفرجین وممثلین

جھة من المسرح ال في أیة, فالقدر ال ینبھك عندما یحین دورك ببدء المسرحیة .وال من سیكون الحضور یومھا, ستكون

عندما زارت زیان , المحتمیة من الذاكرة بفروھا, باستحیاء ھي الباكیة اآلن, وھي

وتطلعھ علیھ , رهأكانت تدري أنھا تھدیھ قد, الكتاب في المستشفى وأھدتھ ذلك كنبوءة؟

ماذا كان " حتما سیعجبك, أحببت ھذا الكتاب" الصفحة األولى وعندما كتبت علىغیر ذلك الموت الغرائبي لصدیقھ , ما ترید إطالعھ علیھ "توأما نجمة" في كتاب

ستجد نفسھا مصادفة " نجمة" لتتوقع أنھا مثل وما كانت ھي الروائیة, یاسینفسلمتھ للغربة , ورسمھا كمجنون یر لموت رجل عشقھاتحضر المشھد األخ

.والشیخوخة والمرضما كان یمكن لحیاة أن تحضر , "نجمة" مثل . الموقفین لم تفارقني فكرة تطابق

بینما كان , الفرق أن ناصر یقف ھنا مع المشاھدین .جنازة خالد لوال وجود أخیھا ! األموات كھذهقاعة ترانزیت في, أخو نجمة مسجى جوار حبیبھا

, وابن عمھ مصطفى كاتب لكاتب یاسین" الممسرح" في ذلك الموت العجیب

كانا رجلي یزید من غرابتھ أن الرجلین. شيء یتجاوز الخیال المسرحي نفسھ كان مصطفى كاتب الذي عرفتھ شخصیا مدیرا للمسرح الوطني في. مسرح

تب یاسین یتزعم المسرح المعارضبینما كان كا. السبعینات قبل أن یفتك بھ الداء

.ویقدم عروضھ بالعامیة واألمازیغیة في التجمعات العمالیةومن بعدھا , نحیال وعصبیا ویعرف جغرافیة السجون والمعتقالت وإذا كان یاسین

كان مصطفى كاتب تقیا ورصینا ووسیما , العقلیة والخانات عناوین المصحات .زاده شعره الفضي وابتسامتھ الھادئة تمیزا, نطینیةقس وسامة أرستقراطیة

معتقداتھما ومزاجھما منقطعین عن بعضھما إنقطاعا كأنھ وكانا بحكم اختالف

حتى ذلك الیوم الذي جاء بھما الموت كل من مدینة ,كل یدور في مجرتھ. قطیعةخیر إلى مطار مرسیلیا قبل سفرھما األ ووضعھما متجاورین في قاعة كھذه في

.الجزائروالذي كان یدیر . كانوا في التوابیت. المنصة لم یكن الممثلون ھذه المرة على

فالفضاء المسرحي كان أكبر , المسرح الممثلین في ھذا المشھد األخیر كان خارج, من تنافس بین الممثلین وھذه المرة لم یكن. من أن یقدر على إدارتھ البشر

لن ینھض , للتصفیق وألنھ ال مكان, ھو الموت, الموتفالنجم األوحد في مسرحیة .الممثالن لتحیة الجمھور قبل انسحابھما األخیر

) جنوب فرنسا( الذي جعل كاتب یاسین یموت في مدینة غرونوبل ألیس القدر ھو 29وابن عمھ مصطفى كاتب یموت بعده بیوم واحد في , 1989 أكتوبر 28یوم

= كاتب + كاتب " الجرائد عنونت الخبر إن إحدىحتى . أكتوبر في مرسیلیا ."مكتوب

مطار مرسیلیا لیتم نقلھ على الطائرة نفسھا ھكذا جيء بجثمان كاتب یاسین إلى .مع مصطفى كاتب

مدیان في ذلك الكتاب كیف أنھ وجد نفسھ وھو الصدیق األقرب یحكي بن عمار

ذلك الحدث العجیب الذي شاھدا ومشاھدا, لجثمانھ إلى كاتب یاسین والمرافقإلى , البضائع وتوابیت الموتى في مطار مرسیلیا تحولت خاللھ قاعة ترانزیتوكل شيء شبیھ بمسرح , فیھا حقیقي كل شيء, خشبة ال حدود لھا وال ستائر

.إغریقيحاملة في یدھا , داخل معطف غامق طویل شاھد فجأة امرأة تتقدم بخطى بطیئة

.طویل وردة ذات ساق, از أسودالمختفیة في قف تخفي, وقبة المعطف التي كانت ترفعھا, كان وجھھا یختفي خلف نظارات سود

.الكثیر من مالمحھاتوقفت . كل منھما وراحت تقرأ االسم المكتوب على, تقدمت المرأة نحو النعشین

بدون , مث, النعش انحنت وقبلت طرف, عند التابوت الذي كان ینام داخلھ مصطفىبقیت . للخشب مررت یدھا على نعش یاسین في مالمسة سریعة, أن تخلع قفازیھا

.وابتعدت ,ثم وضعتھا على نعش أخیھا مصطفى, بعض الوقت ممسكة بتلك الوردة !"نجمة.. " كانت

, ویأتون لوداع المؤلف ,كأبطال الروایات والمسرحیات الذین یغادرون نصوصھموإلى رمز , أسطورة لم تكن ھناك لوداع الكاتب الذي حولھالكنھا , "نجمة" جاءت

, النساء ومن اسمھا اسما لكل, الشاعر الذي صنع من وجھھا ألف وجھ. لوطن .وأدخل قصتھا في روائع األدب العالمي

قد تكون نسیت منذ ذلك , في عامھا السبعین ,ھي زلیخة كاتب. جاءت لوداع أخیھاواحد للحیاة واآلخر , باسمین فھي كانت تعیش, "نجمة" الزمن البعید أنھا

أنھا , أمام جثمان یاسین ولذا ما توقعت أن تقوم الحیاة نفسھا بتذكیرھا. لألسطورة !تشیخ فوحدھا األساطیر ال".. نجمة" مازالت , برغم شیخوختھا

لفرط حتى تجعلك, واألدب حینا, یا للحیاة عندما تبدأ في تقلید المسرح حینا

.بیتھا تبدو كاذباغرائ" تدعى تارة حیاة وتارة ,من یصدق شیئا غریبا عن امرأة كزھرة تولیب سوداء

نعش رجل توقف عن لتقف أمام, في آخر مشھد, تأتي دائما في آخر لحظة". نجمة .الھذیان بھا لفرط ما انتظرھا

أو , ابوتكسوى جھد تمریر یدھا بالقفاز على ت ال تكلف نفسھا, امرأة كأنھا وطن .الحاالت وضع وردة على نعشك في أحسن

!كم مرة یجب أن تموت لتستحق دفء صدرھاالصومالي نور الدین فرح مبررا ھجرتھ المعاكسة من أوربا كنت أفكر في الكاتب

وأكاد ". إلى ھذا تحتاج الجثة, إني بحاجة ماسة إلى الدفء ":إلى أفریقیا قائالفي رحلة عودتھ إلى صقیع , ألغطي بھ نعش خالد عطفھاأخلع عن تلك المرأة م

, استبقیھ بدمع أكثر, استبقیھ بقبلة, "نجمة " ال تكوني, أكاد أصرخ بھا. الوطن أجمل من فضیحة الموت للعشاق؟ ھل. انفضحي بھ قلیال, قولي إنك أحببتھ

كما , بوتمرریھا عند أعلى التا ,یدك التي تكتب, یدك التي تقتل, ضعي یدك علیھ

.ھناك حیث مكمن یتمھ, لو كنت تدلكین كتفھ. وال عاد معرضا إلى شيء, لم یعد یخشى أحدا. تخافي علیھ من فضیحة جمیلة ال

وقفصھ الصدري , عیناه المغمضتان تحفظان السر. لفضول األشیاء إنھ معروض .فغطیھ, موحش وبارد مذ غادرتھ ,الذي كنت عصفورتھ

الصندوق الخشبي الذي یضمھ كما إرمي بنفسك فوق ھذا, دة ذعراأیتھا المترد, یضمك إلیھ بذراع واحدة ,یوم كان یالعبك,كنت ترتمین طفلة صغیرة على حجره

.یستبقیك ملتصقة إلى صدره. إلثمیھ.. من كان لك سواه؟ إلثمي صندوقھ من لك بعده؟.. ھوذا ممدد أمامكالموت ال یعترف ,موصل للحرارة خشب غیرال تصدقي أن ال. سیعرف ذلك حتما .بنظریات الكیمیاء

, الرغبات األخیرة التي نسرقھا من فوق جثة الموت واختبري تلك, غافلي األحیاء .الجثث تلك القبل التي توقظ

وتلك ,وتلك الزئبقیة, أعرف منطقتھا البركانیة, أنا الذي أعرف تماما جغرافیتھاوتضاریس حزنھا المدروس كي ال , تھا الجلیدیةكنت أكتشف مساح, الناریة .حده یتجاوز

.وأنا أراھا في حزنھا الرصین ذاك, امتلكني یقین النھایة !جلیدھا أنھا ھكذا ستواجھ جثماني إن أنا مت أدركت أمام

ابتعدنا ثالثتنا نحو ركن قصي من , على روحھ عندما انتھینا من قراءة فاتحة

دفاتر صغیرة سجل علیھا زیان أفكارا ألمدھا بكیس فیھاغتنمت الفرصة. الصالةأظنھا كانت , بھا في ظرف وأوراق أخرى كان یحتفظ, مبعثرة على مدى سنوات

.خط زیان والختالف خطھا عن, نظرا لصیغتھا الشعریة المتقنة, لزیاد, لسنوات كما احتفظ بھما زیان, بدون إھداء, وضعت أیضا في الكیس كتابیھا

كما أھدتھ" توأما نجمة" ولم أنس طبعا كتاب . اضعا سطورا على بعض الجملو .إیاه قبل أیام في آخر زیارة لھا

واثقا بأن واحدة ستسارع بإلقاء ,ھكذا أكون قسمت تركة خالد بین امرأتینوأخرى وقد فقدت , المادیة ولن تحتفظ سوى باللوحات لقیمتھا, معظمھا في الزبالة

.ستصنع من خسارتھا كتابا.. تاللوحاغیر واع أنني سأقع في فخ تلك الساعة في ما بعد , سوى بساعتھ لم أحتفظ لنفسي

لكأن عقارب الوقت التي وھبت , الحیاة انطالقا من الموت فكیف یمكن مقاربة, .وفي كل دورة تستعجلك الفناء, ضدك تدور, سمھا لعقارب ساعتك :الكیس مدي أختھ بذلكقلت كما ألبرر لناصر

شاءت قد تستفید منھا السیدة حیاة إن, إنھا بعض أوراق وكتابات تركھا زیان - .أن تكتب شیئا عنھ

.الجرائد ال تھتم ستتكفل الصحافة بعد اآلن بتكفینھ بورق -موقفا حتما لم تتوقع. وال حاولت أن تلقي نظرة على محتویاتھ, لم تفتح الكیس

:لكنھا توجھت إلي ألول مرة وسألتني, ذاعجیبا كھ ماذا فعلتم بھا؟ ,بالنسبة للوحاتھ -

:قلت .أظنھا بیعت في معظمھا-

:قال ناصرتلك اللوحة التي , أول فكرة خطرت ببالي بعد المكالمة, أخبرتني بموتھ عندما -

نك دفعت في البدء ظننتك مجنونا أل. ومراد كیف أقنعتھ أن یبیعك إیاھا حكیت لي أناثم بعد ذلك فكرت أن ثمة أشیاء ال تعوض ویجب على المرء أن , تملك فیھا كل ما

.عندما تعرض علیھ ال یفكر في الثمن :سألت بفضول

عن أیة لوحة تتحدثان؟ - :ناصر وقبل أن أرد أجاب

.عن لوحة رسمھا سي زیان في بدایاتھ وكانت تعز علیھ كثیرا - .یدتمثل جسر سیدي مس إنھا

:قالت بتھذیب یضع بیننا مسافة للبراءة الكاذبةأیمكنك أن تترك لي ھاتفا أو عنوانا أكاتبك علیھ إن احتجت شیئا . أن أراھا أتمنى -

یخص أعمال زیان؟ في ماتعرف فھي, كانت ھذه آخر حیلة عثرت علیھا لتطلب عنواني في حضرة أخیھا

.عاداتي في االختفاء المفاجئ من حیاتھا :أتغیر أجبتھا بطریقة تفھم منھا أنني لم

... ثم إنني- مضیفا بعد شيء من الصمت-فلیس لي عنوان ثابت بعد, آسف - !بعت تلك اللوحة

:صرخ االثنان بتعجب بعتھا؟ وعالش؟ - "وعالش؟ "

فقد یكون زیان یسترق السمع . بعتھا" لماذا" المكان مناسبا ألشرح لھما لم یكن" و " كیفاش؟" ذلك أن السؤال سیتوالد ویصبح . جعة واحدة تكفیھوفا ,إلینا

"لشكون؟ " و" بقداش؟العربیة فعندھا سأصبح خائنا باع الجزائر واألمة, وبكم لیست شیئا قیاسا بلمن

فحتما ثمة مؤامرة , وبسببي سقطت غرناطة وضاعت القدس, جمیعھا للغربخاصة أن معظم , االشتراك مع المستشفىدبرھا الرواق ب, األمة العربیة حیكت ضد

وھل ما یحدث لنا منذ قرون خارج المؤامرة؟. الیھود األطباء ھم من" ولم أجد شیئا ألجیب بھ عن سؤالھما , مني جوابا كانا مازاال مذھولین ینتظران

كتاب من ھذا الحجم لتجیب عن سؤال من كلمة فأحیانا یلزمك كتابة". وعالش؟ "ا؟لماذ:" واحدة

!فأفقدتھا الفاجعة صوتھا.. تلك اللوحة ھل صدمھا حقا فقدان

صوت المضیفة على المیكروفون یطالب عندما عال, أظنھا كانت ستقول شیئا, 701الرحلة رقم ,المسافرین إلى قسنطینة على متن الخطوط الجزائریة

.43بااللتحاق بالبوابة رقم فما عاد ثمة ما , للتأھب لمغادرة المكانذریعة بدت كأنھا وجدت في ذلك النداء

.یقال" مكبرات الصوت تقول, محطات السفر والمطارات في: " حضرني قول مالك حداد

."ذلك أن السیدات ال یغادرن أبدا "...على السادة المسافرین التوجھ إلىفال , أما الیوم. قابعات في البیوت ,فعلى أیامھ كانت النساء ممنوعات من السفر

.قت لھن لمرافقة حبیب یسافر في تابوتو :ناصر إلى صدره وقال ضمني

لكن .. نروح معالك لو كنت نقدر ندخل للجزائر واهللا. ویحمیك, ربي یعظم أجرك - .ھاك على بالك

لمحتھ یمسح دموعا دون . دعاء ثم وقف أمام الجثمان لحظات متمتما بكلمات كأنھا .أن یرفع یده الیمنى عن النعش

ناصر شیئا فیھا؟ ھل ذكرھا نداء المیكروفون أنني أنا وھذا ھل أیقظ دعاء

وأنھا فقدتنا نحن االثنین؟ ,المسجى مسافران معا .مجھشة بالبكاء رأیتھا ألول مرة أمام جثمانھ. مدت یدھا نحوي مودعة

, ةالباھظ, الشاھقة كنت أحتقر تعاسة الذین ال یجرؤون على االقتراب من السعادةضیاعھ فالحب الكبیر یختبر في لحظة, التي ال تملك للسطو علیھا إال لحظة

.القصوى, من مجیئھم تلك اللحظة التي تصنع مفخرة كبار العشاق الذین یأتون عندما نیأس لیحجزوا, ویخطفون سائق سیارة لیلحقوا بطائرة ویشتروا آخر مكان في رحلة

.للمصادفة مقعدا جوار من یحبونبھا ذات یوم على قطار لرائعون الذین یخطفون قدرك بالسرعة التي سطواا

.عمركأو یحجز لھ مكانا , مسار رحلتي كنت أرید حبا یأتي دقائق قبل إقالع الطائرة فیغیر

.ومضت.. لكنھا تركتني معھ. جواريمن استطعت أن أؤمن لھ ث. وخالد ظل یكفنھ البرد بیننا. فقط بكت .لم تقل شیئا

.أن أتدبر لھ معطفا وما استطعت, تذكرة

.منادیل للوداعات الكبیرة وال, إنھ وعي الفراق. كان المیكروفون یكرر النداءأما . شخصا بین األمتعة حملوه لیقبع ھناك. عندما جاؤوا لنقلھ, وحدي كنت معھ

.أنا فولجت الطائرة متاعا بین الركاب .نأخذ الطائرة نفسھا أنا وھوبرغم أننا كنا ,افترقنا ھناك

ال أدري كیف أوصد الباب خلف رجل عاش ,وبقیت مرتعدا, ذھب آخر رفاق الریح, كأسماك الصومون, غربة في كل. واقفا فوق جسر, كما مات في مھب التاریخ

لیس , لكن .سالكا جسرا للوصول, تبحث عن مجرى مائي یعیدك من حیث جئت .الوطن لم تبتدع إال بسبب خدیعة اسمھا, نھ كالمواطنةإ, بسبب النھر وجد الجسر

.ما عاد جسرك جسرا یا صاحبي, فنم نومة لوحة

***

.استعادت المطارات دورھا المعتاد .وتنفرط مسبحة العشاق ,في كل مطار ینتصر الفراق

التي تكفل القدر تلك, مرددة رقم رحلتك, مطارات تنادي علیك في استرسال محموم .األخیرة في مكتب السفریات الذي اختصاصھ رحلتك, فسھ بحجزھا لكبن

اإلشارات وكل ھذه, ما جدوى كل ھذه النداءات الملحاحة إذن لتذكیرك بوجھتكال ,في صندوق محكم اإلغالق, أیھا المسافر وحیدا, المضیئة لتوجیھك نحو بوابتك

.وكل الممرات توصل حیث أنت ذاھب, تذكرة في جیبكوتستقر في , إنھا ساعتان ونصف فقط. وتصل مسافة جسر, ل الضفتینیا رج

.وطن لك قبر في ضیق, على مرمى قدر, حفرتكمحتم بصمتھ , وتدري أن تحتك ینام الرجل الذي كان توأمك, تجلس على مقعدك

.إھانة الحقائب والصنادیق التي ألقي بینھا من .إنھ صندوق في حمولة طائرة. الذي كان وال الرسام, ما عاد الرجل الذي كان

أصبح یقیم منذ اآلن في العالم إنما كونھ, لیس الصندوق الذي یفرق بینكمالك ذلك الحضور . فوقھ بینما ما زلت أنت تجلس وتمشي وتروح وتجيء, السفلي

.المتعالي للحیاةحجزت لھ بنفسي , السفر مع جثمان میت .لو یحدث أن عرفت موقفا غریبا كھذا

.معھ أو باألحرى حجزت لنفسي تذكرة, كرة معيتذ

وصاحبھ الذي یروي كیف وجد نفسھ لمصادفة" توأما نجمة" أستعید كتاب . المرافق لجثماني كاتب یاسین ومصطفى كاتب من مرسیلیا إلى الجزائر, غریبةعزائي في احتمال أن یكون قد عرف ألما مضاعفا أللمي ما دام سافر مع وأجد

.جثمانینتقودني األفكار إلى تلك األخبار التي نقلتھا الصحف في الثمانینات عن طائرات ثموراحت , حولتھا الضرورة إلى طائرات للنعوش, عربي مخصصة لنقل البضائع بلد

في رحالت مكوكیة أحالم آالف المصریین الذین قصدوا ذلك البلد ألسابیع تنقلأغلقت , ھین في صنادیق محكمة اإلقفالوعادوا منھ مشو ,للعمل بنوایا وحدویة

عندما أعلن رسمیا في لیلة ظلماء , التنكیل بھا على أحالمھم المتواضعة التي تمفتح موسم , األبطال من حربھم ضد الجیران وفي خضم اإلحتفاالت بعودة الجنود

أثناء انشغال أبناء الوطن .. النساء إصطیاد الغرباء الذین اتھموا بإنتھاك شرف .بالدفاع عن األمة العربیة

الذي ال تدري , الموت مفردا ومثنى وجمعا. بالجملة وبالتجزئة إنھ الموت العربيوھم یطاردون المضیفة , أن تسافر في طائرة ال یدري ركابھا أمامھ ھل أكثر ألماأم أن تكون قائد طائرة عربیة ال مضیفات , رجال میتا أن تحتھم, بصغائر الطلبات

!ركابھا أموات؟ ألن جمیع, وال خدماتفیھا

:" سألھ أحدھم مرة ,العربیة" الممالك" یذكرني الموقف بصدیق ینتمي إلى إحدى وأنا من :" مزایدا فرد علیھ الثاني, "من المھلكة:" أجاب ساخرا " من أین أنت؟دون , بلد اآلخر فقد تعرف كالھما على. وضحك االثنان على النكتة, "أم المھالك

!أن یتفقا على أي منھما كان أكثر ھالكا من اآلخروفي ھذا المطار بإمكانك أن تختبر حجم األذى الذي ألحقھ . مھلوك.. ولدي ھالك یا

.األخضر القتلة بجوازك وطابور, وسمرتك, تفضحك ھیئتك, مثیر للریبة حیث حللت. ذھب عنفوانك

.مثالكوالكالب المتدربة على شمشمة أ, المتدافعینوالجزائریون , طائرة فرنسیة وقتل بعض ركابھا مذ قام اإلرھابیون باختطاف

وعلیك أن تقف أعزل أمام , بھم وباء كما لو أن, یخضعون لحجر أمني في المطار

والنظرات , الفاضحة لنوایاك والكامیرات, جبروت األجھزة الكاشفة لكل شيء .شكل أسئلة تطرح علیك فيواإلھانات المھذبة التي , الثاقبة ألحاسیسك

تستااااااااھل ما الذي جاء بك؟فكیف وقد اعتدت . سوى رقم في طوابیر الذل لست, من ردھة إلى ممر إلى معبر

؟"طائرتك " المذلة أن تطالب باحترام أكثر على متنتجار أن تكون لك جسارة, وعلیك أن تدخل في سباق الفوز بكرسي, ال رقم لمقعدك

.ي التدافعالحقائب فثمة من أرسلوا أناسا بااآلالف .ال بد من االقتتال للفوز بھ, أي كرسي, فالكرسي

!كرسیا من دون عناء وأنت ترید, واالنفراد بھ, إلى المقابر للجلوس علیھالكل محمل . شيء ولكنھم سبقوك واحتلوا كل, وترید مكانا تضع فیھ حقیبة یدك

أكثر , یده والجمیع حریص على ما في, ظة بالعمر الغاليبالحقائب البائسة المكت .العطب ال یدري أن ال شيء سوى اإلنسان سریع, من حرصھ على نفسھ

قضیت فحتى إن. أین كنت إذن سأضع تلك اللوحة لو كنت أحضرتھا معي, أتساءل

ماذا كانت تستطیع أن تفعل أكثر مما , نصف الرحلة في إقناع المضیفة بأھمیتھاالتي , غیرھا في موقف كھذا؟ فأنا لم أنس تلك الكاتبة المقیمة في المھجر لفع

, كیف أنھا عندما عادت لزیارة الجزائر, التلفزیون الجزائري تحكي شاھدتھا علىما , فیھا كتاباتھا ومخطوط روایتھا الجدیدة, ال تفارقھا ومعھا حقیبة صغیرة

ملیئة برھط غریب من تجار الواصلة من سوریا وال وجدوا في تلك الطائرةأي مكان یضعون فیھ , لدخول الشام األرصفة الذین ال یحتاجون إلى تأشیرة

, بعض من تعرف علیھا من الركاب فتطوع مضیف للتكفل بھا عندما أبلغھ, الحقیبة .سنوات أنھا حقیبة كاتبة لم تعد لوطنھا منذ سبع

مرحاض" كرمت بوضعھا في في منتصف الرحلة جاء من یخبرھا أن حقیبتھاالمضیف قال إنھ كان شخصیا یقوم بإخراجھا وإعادتھا إلى مكانھا في ". الطائرةولوال معزتھا واحترامھ , ألنھم أوصوه خیرا بھا, بعد مرور كل راكب ,الحمام

وألصر على إنزالھا مع بقیة الحقائب إلى , "بیت األدب" في لألدب لما وضعھا !ارتاحو ..جوف الطائرة

ماذا تقول لوطن یھینك بنیة صادقة في االحتفاء بك؟

مرمیة أرضا في , ھي صورة حقیبة الكاتب, التي تمنیت لو التقطتھا إحدى الصوربینما تسافر بضائع المھربین , أربع ساعات من الطیران مرحاض الطائرة بعد

.الموجودة فوق رؤوس أصحابھا الصغار مصونة محفوظة في الخزائنوأعطاني , أمام الغرباء لجاء من یقول إنني أھین وطني, نشرت صورة كتلكلو

وحق , إسكاتك وحق, ذلك أن الوطن وحده یملك حق إھانتك, درسا في الوطنیة .وحق حبك على طریقتھ بكل تشوھاتھ العاطفیة, قتلك

وصلنا إلى شيء على ھذا القدر من الغرابة؟ كیف حدث ھذا؟ وكیف

إنما في مكان آخر حیث كان , لیس في طائرة فالجواب. بك أحد ھناال تنتظر أن یجی .إقالعھا األول

لماذا حصلت على تلك الجائزة دون : آخر عمرك أن تجیب علیك بعد اآلن وإلى

لذلك الطفل وذلك الكلب دون سواھما؟ لماذا بعت غیرك؟ لماذا أخذت تلك الصورة سواه؟ تلك اللوحة لذلك الشخص دون

من أنت حتى تغیر, باإلجابة على أسئلة یحتكر غیرك الرد علیھاأنت مطالبمجرى التاریخ أو مجرى نھر لست فیھ سوى قشة یجرفھا التیار إلى حتمیة

المصب؟وكیف أصبحت الوصي على ھذا الجثمان وأنت , ال تعرف حتى ماذا تفعل ھنا أنت

.متعب بنوایا یحرسھا القتلة ,مثقل بالوصایا, فرحتك إلنقاذ الجزائر ت محمد بوضیاف عائدا إلى الوطن في طائرةتتمنى لو كن

ملوحتان بتوعد القتلة لو أن یدیك ممدودتان لتحیة المستقبلین, لو أن ال حقائب لكفتح ملفا إال وفتح وما, لكن ھو نفسھ عاد مرتدیا كفنھ. واللصوص الكبار المھیبین

.معھ قبره, حول أقنعة األوكسجین تابع شروح المضیفةو, فاربط حزام األمان یا رجل

.وصدریة النجاة

***

, أما الفتاة التي جلست على شمالي, ستجلس جواري اخترت بنفسي العجوز التي .استلطفتني مقارنة بالخیارات الرجالیة األخرى قد تكون. فھي التي اختارتني

, یزیدونك ھما وغمانفسك مربوطا جوار من س فمھم في رحلة طویلة كھذه أال تجدنفسھ محجوزا مع أناس ال ووجد, فینتابك إحساس من توقف بھ المصعد

الحمیمیة المستباحة وعلیھ أن یتقاسم معھم حدوده اإلقلیمیة وأجواءه, یستلطفھم .بحكم المكان

العجوز على حمل الكیس قمت بمساعدة تلك, وكنت بعد عبورنا نقطة التفتیشحملھ وراحت أو كیف أصرت ھي على, كیف حملوھا إیاهالكبیر الذي ال أدري

.تتوقف كل حین لتستریح قلیال من عبئھ

ال . ال أقاوم دعواتھن وبركاتھن, رائحة عرق عباءاتھن وال أقاوم, أحب عجائزناتعطیك في بضع كلمات زادك من الحنان , األمومة أقاوم لغتھن المحملة بكم من

.وبعض عمر.. لعمر .ربي یزین سعدك.. ربي یسترك ویھز عنك ھم الدنیا.. ولیدي شك یایعی -

, وإذ بي حمال وعتال ومرافق لھا, عاطفیة مع عجوز كلمات وأقع في ورطة .قسنطینة ومسؤول عن إیصالھا حتى

.أھي عقدة یتمي؟ دوما خطفتني العجائز وغیرن وجھتي

دتني أحمل وزرھا عنھا مدعیا أن إال ووج, واحدة تنوء كھولتھا بقفة فما صادفتالذي لم , مرة تسبب لي األمر في صفعة تأدیبیة من أبي. وجھتي وجھتھا تصادف

.العودة من المدرسة یصدق عذر تأخري فيوقضیت , البیت كانت العجوز ذاھبة صوب رحبة الصوف لبیع أرغفة أعدتھا في

.األخرى تھا بیديوقف, ساعة أمشي جوارھا حامال محفظة المدرسة بید .كانت تلك الصفعة الوحیدة التي تلقیتھا في حیاتي من أبي

وجاءت إلى باریس , العجوز الجالسة جواري تسافر ألول مرة بمفردھا كانت

وقبل أن تقلع الطائرة كنت عرفت تقریبا . وضعت مولودھا األول لزیارة ابنتھا التي .حیاتھا كل شيء عن لھ صبر, الذي ینقصھن ھو رجل مشدود الوثاق إلى كرسيكل , ال سر للعجائز

.االستماع إلى خیبات كھولتھنالمضیفة فیما یخص وترید أن تفھم كل شروحات, كانت مرعوبة من الطائرة

تعود من ثم. صدریة النجاة وقناع األوكسجین وحزام األمان ومخارج الطوارئ وتواصل ثرثرتھا عن صھرھا, اهللارعبھا وتستسلم للمكتوب وتقول إن األعمار بید

وابنھا الذي یسعى إلى الحصول على أوراق , الذي اشترى محل قصابة في فرنسابعد أن كره العیش في قسنطینة التي كانت مالذ الفقیر , باریس لإلقامة في

وأصبح , كان المحتاج یقصدھا لعلمھ بثراء أھلھا وكرمھم .فأصبحت مدینة الفقراء .الفقراء الذین جاؤوھا من كل صوب وأفقروا أھلھا مع آالفاآلن یقیم فیھا

وھججونا من .. ھاذو اللي كالو الدنیا" وماجوج جوج" منین جاو یا ولدي -على بالك أنا بنت . بقاو غیر الرعیان. وشكون یا حسرة راحوا دار شكون.. البالد

شكون؟فأنا لم . أیة شجرة تنحدرومن, ھذه العجوز ابنة من ولم أكن على استعداد ألعرف

وھو كل ما , أن تمنع عجوزا من التباھي بأصلھا ولكن ال یمكن, أكن ھناك ألخطبھا .بقي لھا في زمن الذل

اشتھر عمھا بإنشاء أول شركة إلنتاج . العائالت العریقة في قسنطینة كانت من تتقبل فكرة وأفھم أال, كان ممن یضرب بھم المثل وجاھة وغنى .التبغ في الجزائر

وال , ولم یغتن عن إرث أبا عن جد, لرجل اغتنى في الغربة أن تنتھي ابنتھا زوجة :ولكن".. بني عریان"و " الرعیان" مع فكرة أن تتقاسم الطائرة

..ندیرو ھذي الدنیا یا اما واش -

, "السعیدة المدینة" أطلق القدامى على قسنطینة اسم , في غمرة اندھاشھم بھاما قیل في فھي لن تقرأ یوما, ذه العجوز األمیة كم وفرت علیھا أمیتھا من ألموھ

بثراء قسنطینة المكابرة ال تدري ماذا تفعل. ھي فقط ترى ماآلت إلیھ. قسنطینة .ماض تمشي في شوارعھ حافیة

وھذیان األزقة , الضجر المتفاقم قسنطینة الفاضلة التي تحرسھا اآلثام ویحكمھا .المالیات مومة المثقلة بالغرائز المعتقة تحتالمح

الخوف , الشھوانیات الشھیات, ما زال یرعب نساءھا الجمیالت التعیسات. لم تتغیر, على یساري ھي تجلس صامتة, ولذا. المزمن من نمیمة أناسھا الطیبین الخبثاء

.وأنا قدري حیث أذھب أن أقع بین فكي حبھاسمعت الفتاة ألول مرة , المضیفة تعرض علینا الجرائد تمر, بعد ذلك, عندما

" الشعب" لم یبق من نصیبي سوى ". الحریة" و" الوطن"تنطق لتطلب جریدتي .العناوین تقاسمنا بالتساوي أكاذیب". المجاھد"و

تمثال قول ساخر لبرنارد شو معلقا على, یحضرني دائما في مثل ھذه المواقفوھو " إن األمم تصنع تماثیل كبیرة لألشیاء التي تفقدھا أكثر"الحریة في أمریكا

.والدمار ما یفسر وجود أكبر قوس عربي للنصر في البلد الذي مني بأكبر الخسائر

نفتقده إلى نذھب حتى إضافة ما, إمعانا منا في تضخیم خسارات ندعي اكتسابھا, "شعبیة ھوریة دیمقراطیةجم"وألن الجزائر خرجت إلى الوجود . أسماء أوطاننا

وتفوقنا منذ البدء, فقد حسمنا منذ االستقالل مشاكل الشعب وقضیة الدیمقراطیة !في ما یخص الحریات على أیة دولة أوربیة تحمل اسما من كلمة واحدة

وتتوارث منذ األندلس فن تجمیل الھزائم والجرائم , بخساراتھا أمة تحتفي .امعھ بالتعایش اللغوي الفاخر

باسمھا وعندما نفقد مدینة نسممي, عندما نغتال رئیسا نسمي مطارا باسمھوعندما نخنق في الشعب ,وعندما نخسر وطنا نطلق اسمھ على فندق, شارعا .نسمي باسمھ جریدة, ونسرق من جیبھ قوتھ ,صوتھ

وافذھا كانت امرأة غامضة كبیوت ن. أیة كلمة لم نتبادل. انشغلنا بتصفح الجرائد

أنوثتھا المربكة التي توقظ الرواسب وكان جمیال الجلوس بمحاذاة, إلى الداخل .مشربیات النوافذ وتجعلك تكتشفھا من, العاطفیة المتراكمة فیكالذي لم أقاوم أنا, ماذا لو كان الحب یجلس على یساري: عبرتني فكرة مجنونة

.بلغز كل شيء فیھاوال جمالیة أنوثة تحیط, یوما إغراء امرأة صامتة بدا على العجوز حماسة بددت فجأة خوفھا من, عندما جاؤوا بوجبة العشاء

عن اھتزاز الطائرة كما , وأوقفت سیل األسئلة التي كانت تطاردني بھا, الموتالستئذاني في , بل إنھا استفادت من فقدان شھیتي لألكل. من النافذة تبدى لھا

.صینیتي تناول بعض ما في كما لو أنھا ,كانت الغادة القسنطینیة التي على یساري تأكل بدون لھفة, ثناء ذلكأ

, لیأكلن كذلك الزمن الذي كانت النساء یختبئن عن األنظار, تأكل بحیاء مترفع وأن أي جوع, وكأن كل متعة لھا عالقة بالجسد ال بد أن تمارسھا النساء سرا

.جسدي ال یلیق بامرأة إشھاره

بتوزیع بعض األلحفة على المسنین وقامت المضیفة, أخفتت األضواء, العشاءبعد , عضلة الثرثرة بین فكیھا فطلبت لحافا للعجوز عسى النوم أن یخدر, واألطفال

.جویة وتكف مع كل مطب ھوائي عن التبؤ لنا بكارثة .تعتقد أن ال أخطر من طائرة محلقة في السماء, مسكینة ھي

كما , وینتطرك أرضا عند سلم الطائرة, الموت قد یدبر لك مقلبا آخر أنال تدريوبخدماتھ , الصیدالني المعروف في العاصمة بحبھ للحیاة, العزیز حدث مع عبدفقام بنقلھ للدرجة األولى وأوصى , الطائرة كان من معارفھ قائد. الكثیرة للناس

بحیث , كي الواحدة بعد األخرىیسقینھ كؤوس الویس فرحن, المضیفات بھ خمراوالجزائر غیر قادر على الوقوف على كان بعد ساعتین من الطیران بین باریس

حتى تدحرج من سلمھا وما كاد یضع قدمیھ على أول درج للطائرة. رجلیھاألسفل لیموت بعد وانتھى جسده في, الحدیدي الضیق الذي كان یھتز تحت قدمیھ

وأول من نزل ,فلكونھ كان من ركاب الدرجة األولى. اغیومین إثر نزیف في الدم !السلم لم یكن أحد لیسبقھ ویحول دون تدحرجھ حتى الموت

كان یتمادى , الطائرة یدري أنھ بتغییر درجتھ من الثانیة إلى األولى فھل كان قائد من الدرجة األولى؟" شھید" إیصالھ إلى مرتبة في تدلیلھ حد

وال تتحایل لتقفز , علیك أن تحترم قانون المراتب ,الحیاةكما في , في الطائرة

علیك أن تعرف منذ البدء أین یوجد . ھالكك فربما كان في ذلك المكسب, مرتبة !مع الحقائب.. تحایل قد یحیلك إلى أسفل فأي. في األولى أم في الثانیة, مكانك

فالمأساة , الحبیمین أم على شمال على: علیك أیضا أن تتأكد أین یوجد مقعدك .المقاعد تبدأ عندما یتسلى القدر بفوضى ترقیم

تلك وإلى, إلى عطرھا الخفیف, كنت دائم التنبھ إلى الفتاة الجالسة جواري

لتستیقظ, یكفي شيء من الضوء الخافت. الرغبات الصامتة التي تولد في العتمة .الحواس وتصبح النساء أجمل مما ھن علیھ

فتساوینا بسكان العالم , أما حلكة التعتیم ,وقظ الوھم الجمیل فیناقلیل من العتمة ی .السفلي

آه ..وتحتك, تجاملك من فوق أنوثتھا, بكعب عال ابتسامة. لم أستطع أن أغفو .الجالس بین التقاطع المربع للحیاة والموت أنت, تحتك ثمة ما یمنعك من االبتسام

بینما مرت أخرى , وزیع بطاقات النزولوباشرت بت ,فجأة أشعلت المضیفة األضواء

.لجمع األلحفة من الركاب. لمحتھا تطویھ وتخفیھ في كیسھا, أن العجوز لم تسلم لحافھا إلى المضیفة الحظت

.الموت لم یمنعھا من السطو على تفاھات الحیاة خوفھا من في أو ینجون من حریق شب, كارثة جویة إنھا كأولئك الذین تنجو طائرتھم من

ما یكادون یعودون للحیاة حتى , الویالت وبعد أن یكونوا عرفوا كل أنواع, بیتھم .بھا من تلف یباشرون البحث عن أمتعتھم والتحسر على ما لحق

الوطن فالذین ینھبون. شركة الطیران" نتف" بل لمجرد , ھي تأخذه ال لحاجتھا مساھمة, رة أو إتالفھاأعطوا للبسطاء حق سرقة األشیاء الصغی, فوق بالمالیین

.منھم بالتنكیل بوطن حماتھ لصوصھ

النائم تحت في المكان األكثر بردا في فیم قد ینفعھا ھذا اللحاف الصغیر؟ ذلك .أحوج منھا إلیھ, الطائرة

لو أنا أخبرتھا بوجوده؟ ھل كانت ستتفرغ للدعاء , شھیتھا لألكل أكانت ستفقدلو أنھا علمت أن ال شيء یفصلھا عن , فةسرقة األلح والصلوات وتقلع عن

تنتقل لإلقامة تحت؟ وأنھا في أیة لحظة قد, الموتثمة , یمرون بھ أن یرفضوا التفكیر في أن في كل موقع, من عادة الجالسین فوق .طابق سفلي یتربص بھم

:سألتني العجوز لقسمطینة؟ واش آولیدي وصلنا =

:أجبتھا .ماما زال ثلث ساعة ونوصلو آ -

ربما أن لھ ترف السفر , ھو ال استمارة لھ. واستمارتھا باشرت بملء استمارتي ."فوقھ"تذكرة لراكب یجلس بتذكرة تساوي أضعاف ثمن أیة

فلماذا إذن , كان یساویھ حیا أضعاف ما, إنھ یساوي میتا. حتما في األمر مزحة ما ھو بارد وحزین إلى ھذا الحد؟

كھذا عمرا بأكملھ یعود فیھ محموال على أكتاف السحب إلى مطیرا ألم ینتظر یوما قسنطینة؟ .بلغھا أخیرا ھاھوذا

مرتعدا كعصفور ,صغیرك العائد من براد المنافي. آ المیمة جیتك بیھ..قسمطینة

لفرط ما ,ولیدك المغبون. كان علیھ أن یقضي عمرا من أجل بلوغ صدرك. ضمیھلھ لفرط ما أصبح زیان ما وجد, كان خالد ما عاد زیانلفرط ما, ھو لك ما عاد ھو

.مستقرا غیر قبر أخیھعادت من خنساء لنستدل على ما. ما عدنا ندري أیا منا صخر, نحن أبناء الصخرة

سنواصل .. یا اما لكن ما علیھش". صخر"كلنا في ھذه الطائرة . قبرنا بدموعھا .توسیع المدافن

:وقالت, كقلعة المحصنة بالصمتفجأة نطقت تلك الفتاة

ھل بإمكاني أن أستعیر قلمك؟- :أجبتھا وأنا أمدھا بالقلم

..حتما - .الصمت لكني فتحت مظلة. وحزن موسیقى تنھطل, كان في صوتھا غیم و رذاذ

یوصلني إلى متحاشیا دربا متعرجا قد, كنت مغلقا في وجھ ریاح الرغبات المباغتةلیس ,ففي قسنطینة ذات المنعطفات الكثیرة, الكرسي المالصقامرأة جالسة على

!المسار دائما لولبي.. ثمة طریق مستقیم یوصلك إلى مبتغاك

وانكفئت " شكرا"لم تقل سوى . بعد أن انتھت من ملء استمارتھا أعادت لي القلم .في صمتھا

:جارتي بفضول العجائز سؤالھا تكفلتوإال نوصلوك معانا أنا , یا بنتي یجي یالقیك في ھاذا اللیلإن شاء اهللا كاین اللي -

.الحالة ماھیش ملیحة ھاذ األیام. وابني :شاكرة ردت

.راح یجي خویا یالقیني.. یعطیك الصحة - .وأنھا تعیش مع أھلھا استنتجت أنھا لم تكن متزوجة

ت على كن. علبة سجائر طلبت منھا. كانت المضیفة تمر لحظتھا بعربة البضائع

. عندھا ذلك العطر عندما سمعت الفتاة تسألھا إن كان یوجد, وشك أن أدفع ثمنھا .وتواصل معابثتي, شعرت أن الحیاة تستفزني, بقیت مندھشا

إلى , األمر شيء یتجاوز جمال مصادفة تطابق في اختیار نوع عطر بالذات كانیائھ بقارورة فارغة ھو الذي كان یحتفظ بین أش. تابوتھ تحتنا ھول تصادف وجود

.لھذا العطر نفسھمن أین لھ تلك القارورة؟ وعلى أیة أنثى انسكبت؟ ومنذ متى وھو : عاد السؤال ما

كما یحتفظ یتیم بشيء وحده یعرف قیمتھ؟ بل غدا سؤاال آخر إقشعر لھ یحتفظ بھا كان ھو الذي طلب ذلك العطر ألنھ الیوم أحوجنا إلیھ؟ ماذا لو: جسديبل , لم یتحرر بالموت من الحیاة فحسب, حیث ھو ,نھ في العالم السفليغیر أ

حاجتھ إلى عطر یسكبھ في قارورة الیتم فما. تحرر بھ من محنة یتمھ واغترابھ الفارغة؟

لھ رائحة ال , یخاف على شذى فرحة أن تنضب ال. إنھ الیوم األقل یتما بیننا .بدیةاأل إنھا رائحة, یستطیع الزمن أن ینال منھا

توقظ ھو یحتاج ذلك العطر للجم رائحة, في عزلة جثمان ینفضح برائحتھ, أم تراه .وتشي ببشاعة رجل كان حریصا على جمالیة الحضور, شراھة الدیدان

ال یصبح كذلك إال بانصھاره . العطر في قارورة ھو مشروع شذى رائحة غیر أن .طي على تلك الرائحةولذا ما عاد بإمكان عطر أن یغ .بكیمیاء الجسد

.عطر تأخر فناب عنھ الموت ال شيء غیر اعتذار, الرائحة

راودتني فكرة أن , الفتاة عندما عادت المضیفة لتقبض ثمن قارورة العطر من .عطرا في غیابھ على یتم ننفضح بھ, إكراما لتھكم رائحتھ, أھدیھا إیاه

كعادة البائسین تظنني أتحرش بھاو, خشیة أن ال تطمئن لعذري, غیر أنني لم أفعل .عندما یظفرون بأنثى مربوطة إلى جوارھم, من الرجال

ال أسعى سوى لمالمسة صمتھا؟.. مالمسة جثمانھ بعطر أكنت بذریعة

مستمتعا باالرتباك اللذیذ أمام شيء شبیھ . الذي قالتھ كنت سعیدا بذلك القلیلیننا بعمق االلتباس حفرة لغرس شتلة مھیئا ب, أقصاه ذاھبا بالصمت إلى. بالحب

نسج أكثر من بدایة قصة قد تكون لي مع ھذه تأخذني سنة التفكیر إلى. الشھوات .المرأة

دواره , جمال الخوف العاطفي, البدایات أصابني رعب, فوق ھول النھایاتمن أین لي بكمامة تصد , الرغبة إن إستطعت تأمین مظلة تقیني رذاذ. وإغراؤه ر الغوایة النفاذ؟شذى عط

لكن ما . یشوش بعض الوقت على اشتھائي لھا, لرائحتھ كان العبور الخاطف

.علي استطاع أن یلغي سلطة عطرھا ذلك أن في ھذه, یسبقھ غبار الماضي, كان الحب یتقدم نحوي كوقع حوافر الجیاد

.لكنني أتشممھ, شيء منھا الأعرفھ بعد. المرأة شیئا من تلكألول مرة في ذلك المقھى ذات ثالثین أكتوبر عند الساعة وم رأیتھاتلك التي ی

االصطدام العشقي بین كوكبین سیتشظیا انخطافا شعرت بصاعقة, الواحدة والربع .أحدھما باآلخر

أني قلت لھا وأنا , االنبھار بفاجعة على ذلك القدر من جمال الدمار من ھول, أذكرألنھا لم , أشكر الدورة الدمویة للكرة األرضیة..سیدتي: " الجلوس أستأذنھا في

."الیوم تجعلنا نلتقي قبل

تالقیھا من یدیر سیر الكواكب؟ من یبعدھا ویقربھا؟ من یبرمج, في مجرة الحبوتصادمھا؟ من یطقئ إحداھا ویضيء أخرى في سماء حیاتنا؟ وھل ینبغي أن

المرء بجثمان لیقع في الحب؟ یتعثربمن قتلناھم حتى نستطیع , أحببنا دوما نتعثر بجثمان من, حب جدیدفي سعینا إلى

ولذا في كل عثراتنا . جسرا لكأننا نحتاج جثمانھم, مواصلة الطریق نحو غیرھمأجسادنا مثخنة وتنھض, على الصخرة نفسھا, نقع في المكان نفسھ, العاطفیة

للحب , العشاق قتك في نصحفال تھدر و. بخدوش تنكأ جراح ارتطامنا بالحب األول !أخطاء أبدیة واجبة التكرار

مخترقة مسام , داخلة في خیاشیم ذاكرتي أأكون ما شفیت منھا؟ لكأنھا امرأة .أتعثر بعطرھا أینما حللت. قدري

.إنھا الحیاة".. حیاة " ما كانت

یھا بغرف فنادق ینغلق ف ,بمدن جدیدة نزورھا معا, كم حلمت بطائات تأخذني إلیھابأماس نتحدث ,بصباحات آخذ فیھا حمامي فتناولني شفتیھا منشفة, الباب علینا

.. بھا عن األحالم المغدور, عن العسكر, عن اهللا, فیھا طویال عن الحب والموت .وعن األوطان الخادعة

یرافقني إلى , قھوتي بصوتھا یتناول معي, حلمت برقمھا یظھر على شاشة ھاتفيفي كل یضمني حزام أمان, یركب معي الطائرات, الشوارعیجتاز معي, مكتبي .صوت یأخذ بیدي, یطمئن علي, یطمئنني, یطاردني بخوف األمھات, مقعدلیس ثمة غیر ھذه الجثث التي . دوما كانت لي مع ھذه المرأة متع مھددة ,لكن

.وتضحك ملء موتھا مني, تسترق السمع إلي, تسافر معي إحداھا. بیننا .أنت تتعثر بمقبرة .ب كذاك ال تتعثر بجثةفي ح

أن تقوموا ظھور الرجاء" عندما فاجأني صوت المضیفة, كنت منشغال بذكراھا

."التدخین وأن تكفوا عن.. أن تبقوا أحزمتكم مربوطة..مقاعدكم, حزامھا ساعدتھا على ربط. بدأت العجوز على یمیني تطالبني باالھتمام بھا

قسنطینة حتى ال تزداد رعبا إن ھي نظرت إلى, الصغیرة للنافذةوأنزلت الستارة .من فوق

.ما تشوفیش لتحت یاما -كي أنسى , على یساري, أنظر أنا أیضا جواري أن. كنت أرید أن تطلق سبیلي قلیال

, من ھذا الموعد الشاھق في غرائبیتھ أن أسرق اللحظات األخیرة. العالم السفلي .كلحظة ھبوط طائرة ,ومخیفا, جاء حضوره متأخرا ألقول شیئا لعطر

التي تنزل بھا لكن الطائرة حطت على األرض بتلك السرعة االرتطامیة القصوىیعد ولم, كان أزیر محركاتھا یعلو وھي تسرع بنا على مدرج المطار. الطائرات

.بإمكان أحد تبادل أي حدیث

.للحظة مرتطما بتراب قسنطینةا إلى نعشھ الذي یرتج, ذھب تفكیري عندهإنھ . أملك إالأن أأتمنھا علیھ وال. ھنا ینتھي مھرجان السفر. ھنا نفترق أنا وھو

.حضنھا والوقت غیر مناسب للإلرتماء في, اللیل وال أحد یجرؤ على إیقاظ حارس الموتى الذي, باكرا تذھب إلى النوم قسنطینة

.ارتدى منامة الغفلة خوفا من القتلةالتي في غیبتك عششت وتناسلت , الدیدان علیك أن تعرف أنك منذ اآلن في حمایة

.فوق التراب وتحتھالتي جمعت ثروتاه من موائد تعففك وترفعك حیا , البشریة أن تتفھم جشع الدیدان

لتقتات بما بقي من جسد سبق أن , علیك الیوم أخرى وستحرض. عما كان ولیمتھا .أطعمت بعضھ للثورة

نقدم لھا بھاء أجسادنا , الدیدان وإكراما لنھمھا لمزید من الشھداء خر بمآثرنفا .والء قرابین

,منذور یا صدیقي كجسدك لدیدان الوطن, فعمرك المسفوح بین ثورتك وثروتھمكما تربي , التي یتولى مزارعو تخصیب الموت تربیتھا وتھیأة التربة األفضل لھا

.والمرجانأخرى في أحواضھا اللؤلؤ بالد

. ال أدري من منا األعظم خوفا. أنا ومنھك األحالم, مستسلم ھو للنعاس األخیرتظاھري , تعففي عن إیذاء حلمھ ,سیدتي قسنطینة التي ال تستیقظ إال لجدولة موتنا

ال . تدققي في أوراقھ كثیرا ال. أحضنیھ كذبا وعودي إلى النوم, باإلكتراث بھوقد حل فیك امنحي واآلن, حل كان اسمھ القسنطینيحیثما , تسألیھ عن إسمھ

محجوزة ما دامت كل الشوارع واألزقة, إسمھ لصخرة أو شجرة عند أقدام جسر

.أسماؤھا لقدامى الشھداء والخسارات القادمة

.على صخب صمت تقاسمتھ طوال الرحلة معھ كان أزیر الطائرة یغطيوجوار .. الحیاة مقعدا فوق رائحة ماذا أستطیع ضد قدر حجز لي في سفریات

.یستقالن الطائرة نفسھا, عطرالمتشبثة بذراعي تشبثھا بالحیاة كانت تصلني دعواتھا وابتھاالتھا وحدھا العجوز

.المذعورةالساعة اآلن تشیر . الحرارة في الخارج ست درجات:" صوت المضیفة یعلن كان

لقد حطت بنا . ء أحزمتكم مربوطةالرجاء إبقا. والنصف لیال إلى الحادیة عشرة ."قسنطینة.. بوضیاف الطائرة في مطار محمد

م2002 یولیو 10إنتھت في صباحا.. الساعة العاشرة والنصف