555

Click here to load reader

ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

  • Upload
    rasha

  • View
    736

  • Download
    77

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

الجسد ذاكرة

مستغانمي أحالم

... إهداء

.. حداد مالك إلى بلغة يكتب أَّال+ الجزائر استقالل بعد أقسم الذي قسنطينة ابن

.. لغته ليست ليصبح صمته بسلطان متأثرا ومات.. البيضاء الصفحة فاغتالته

وقهراH صمتاH يموت أن قرر كاتب العربية, وأول اللغة شهيدHلها وعشقا .

... أبي وإلى هذا أخيراH له , فيقرأ العربية يتقن "هناك" من يجد عساه

. ... كتابه الكتاب

أحالم

األول الفصل

:ما زلت أذكر قولك ذات يوم

Page 2: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

". كل ما لم يحدث الحب هو ما حدث بيننا. واألدب هو" :يمكنني اليوم, بعد ما انتهى كل شيء أن أقول

على فجيعتنا إذن فما اكبر مساحة ما لم يحدث . إنها تصلح هنيئا لألدب .اليوم ألكثر من كتاب

...وهنيئا للحب أيضا

يحدث... ما أجمل الذي فما أجمل الذي حدث بيننا ... ما أجمل الذي لم .لن يحدث

عن حياتنا إال عندما نشفى قبل اليوم, كنت اعتقد أننا ال يمكن أن نكتب .منها

.أن نتألم مرة أخرى عندما يمكن أن نلمس جراحنا القديمة بقلم , دون

.حقد أيضا عندما نقدر على النظر خلفنا دون حنين, دون جنون, ودون

Q ؟ أيمكن هذا حقا .نحن ال نشفى من ذاكرتنا

.نكتب, ولهذا نحن نرسم, ولهذا يموت بعضنا أيضا ولهذا نحن

أتريد قهوه ؟- .عتيقة غائبا, وكأنه يطرح السؤال على شخص غيري يأتي صوت

.للحزن لم أخلعه منذ أيام معتذرا دون اعتذار, على وجه

...يخذلني صوتي فجأة .أجيب بإشارة من رأسي فقط

فتنسحب لتعود بعد لحظات, بصينية قهوة نحاسيه كبيرة عليها إبريق، .وسكريه, ومرّشc لماء الزهر, وصحن للحلويات, وفناجين

Q في مدن أخرى تقدم القهوة جاهزة في فنجان, وضعت جواره مسبقا .معلقه وقطعة سكر

.كل شيء ولكن قسنطينة مدينه تكره اإليجاز في إنها تفرد ما عندها دائما .تماما كما تلبس كل ما تملك. وتقول كل ما

.تعرف .ولهذا كان حتى الحزن وليمه في هذه المدينة

Q لفنجان القهوة وكأنني أفسح أجمع األوراق المبعثرة أمامي , ألترك مكانا ..مكانا لك

مسودات قديمة, وأخرى أوراق بيضاء تنتظر منذ أيام بعض الكلمات بعضها .الحياة, وتتحول من ورق إلى أيام فقط... كي تدب فيها

..والذاكرة إلى النسيان, ولكن, كلمات فقط, أجتاز بها الصمت إلى الكالم

Page 3: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.حبك تركت السكر جانبا, وارتشفت قهوتي مره كما عودنية . ولحظتها فقط, شعرت cفكرت في غرابه هذا الطعم العذب للقهوة المر

cة, ورحت أطارد دخان أنني قادر على الكتابة عنك فأشعلت سيجارة عصبي منذ سنوات, دون أن أطفئ حرائقها مرة فوق الكلمات التي أحرقتني

.صفحه

للذاكرة؟ هل الورق مطفأة. .نترك فوقه كل مرة رماد سيجارة الحنين األخيرة , وبقايا الخيبة األخيرة

cا يطفئ أو يشعل اآلخر ؟ من من.الذكر... معك فقط سأبدأ الكتابة ال ادري ... فقبلك لم اكتب شيئا يستحق

Q على الكلمات التي سأنكتب بها, فمن حقي أن أختار وال بد أن أعثر أخيرا .اليوم كيف أنكتب. أنا الذي أختر تلك القصة

قصه كان يمكن أن ال تكون قصتي, لو لم يضعك القدر كل مره مصادفه, .منعطفات فصولها عند

من أين جاء هذا االرتباك؟

البيضاء المستطيلة, بتلك المساحة وكيف تطابقت مساحة األوراق مسنده جدار مرسم الشاسعة البياض للوحات لم ترسم بعد.. وما زالت

كان مرسمي ؟

األلوان. وتحول العالم إلى جهاز وكيف غادرتني الحروف كما غادرتني قبلها؟ تلفزيون عتيق, يبث الصور باألسود واألبيض فقط

.ويعرض شريطا قديما للذاكرة, كما تعرض أفالم السينما الصامتة

Q, أولئك الرسامين الذين كانوا ينتقلون بين الرسم كنت أحسدهم دائما وكأنهم ينتقلون من غرفه إلى أخرى داخلهم. كأنهم, والكتابة دون جهد

..ينتقلون بين امرأتين دون كلفة

!كان ال بد أال أكون رجال المرأة واحدة

.األكثر بوحا واألكثر جرحاً .. ها هوذا القلم إذن

توضع الظالل على ها هو ذا الذي ال يتقن المراوغة , وال يعرف كيف .األشياء . وال كيف ترّش األلوان على الجرح المعروض للفرحة

,وها هي الكلمات التي حرمت منها , عارية كما أردتها , موجعه كما أردتهاuمt رعشة الخوف تشلc يدي , وتمنعني من الكتابة؟ فtل

Q. وأن تراني أعي في هذه اللحظة فقط ، أنني استبدلت بفرشاتي سكينا

Page 4: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.الكتابة إليك قاتله.. كحبك

ة. شعرت أنني على ارتشفت cقهوتك المرة, بمتعه مشبوهة هذه المر .ابدأ بها هذا الكتاب, وشك أن اعثر على جمله أولى

.جمله قد تكون في تلقائية كلمات رسالة : مثال كأن أقول

أكتب إليك من مدينه ما زالت تشبهك, وأصبحت أشبهها. ما زالت الطيور"Q هنا تعبر .هذه الجسور على عجل, وأنا أصبحت جسرا آخر معلقا

..".اليوم ال تحبي الجسور بعد :أو شيئا آخر مثل

..أمام فنجان قهوة ذكرتك"

بد أن تضعي ولو مرة قطعة سكر في قهوتي . لماذا كل هذه كان الة..؟ الصينية.. من أجل قهوة cمر."

...كان يمكن أن أقول أي شيء رسائل وبطاقات, نكتبها خارج ففي النهاية, ليست الروايات سوى

. أمرنا المناسبات المعلنة.. لنعلن نشرتنا النفسية, لمن يهمهم

وطقوسنا. ولذا أجملها, تلك التي تبدأ بجمله لم يتوقعها من عايش طقسنا .وربما كان يوما سببا في كل تقلباتنا الجوية

.كل تلك التي لم تتوقعيها . تتزاحم الجمل في ذهني ..وتمطر الذاكرة فجأة

وأشرع نافذتي ألهرب منك إلى السماء. فأبتلع قهوتي على عجل.والمارة الخريفية.. إلى الشجر والجسور

إلى مدينة أصبحت مدينتي مرة أخرى . بعدما أخذت لي موعدا معها .آخر هذه المرة لسبب

.ها هي ذي قسنطينة.. وها هو كل شيء أنت, من النافذة نفسها التي سبق أن دخلت منها منذ وها أنت تدخلين cإلي

الباعة, وخطى النساء الملتحفات سنوات. مع صوت المآذن نفسه, وصوت ...بالسواد, واألغاني القادمة من مذياع ال يتعب

..".يا التفاحة .. يا التفاحة ... خبريني وعالّش الناس والعة بيك" .تستوقفني هذه األغنية بسذاجتها

Q لوجه مع الوطن تذكرني دون مجال للشك بأنني في مدينه . تضعني وجهاQ عربيه فتبدو السنوات التي قضيتها في باريس Q خرافيا .حلما

Page 5: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

زال يحمل هل التغزل بالفواكه ظاهره عربية؟ أم وحده التفاح الذي ماcي به، في أكثر من بلد عربي .نكهة خطيئتنا األولى, شهيc لحدcc التغن

وماذا لو كنت تفاحه؟ .ال لم تكوني تفاحه

Q كنت المرأة التي أغرتني بأكل التفاح ال أكثر. كنت تمارسين معي فطريا أن أتنكر ألكثر من رجل يسكنني, ألكون لعبة حواء . ولم يكن بإمكاني

!معك أنت بالذات في حماقة آدم

سي خالد..واّش راك اليوم ..؟ أهال-

وفاجأه وقوفي الصباحي,. يسلcم عليc الجار, تسلcقت نظراته طوابق حزني .خلف شرفة للذهول

المتجهة نحو المسجد المجاور . وما يليها أتابع في نظرة غائبة, خطواته عجلى, متجهة جميعها من خطوات, لمارة آخرين, بعضها كسلى, وأخرى

.نحو المكان نفسه

.الوطن كله ذاهب للصالة

.والمذياع يمجد أكل التفاحة

مقابال المآذن يرصد القنوات وأكثر من جهاز هوائي على السطوح, يقف أكثر من طريقه, األجنبية، التي تقدم لك كل ليله على شاشة تلفزيونك

!_عصريه_ ألكل التفاح

.أكتفي بابتالع ريقي فقط .لم أكن أحب الفواكه. وال كان أمر التفاح يعنيني بالتحديد في الواقع

وما ذنبي إن جاءني حبك في شكل خطيئة؟. كنت أحبك أنت

.كيف أنت.. يسألني جار ويمضي للصالة . فيجيب لساني بكلمات مقتضبة، ويمضي في السؤال عنك

كيف أنا؟فعلته بي سيدتي.. فكيف أنتu ؟ أنا ما

Q، وإذا بها تأخذ تدريجيا , مالمح مدينه وتضاريس يا امرأة كساها حنيني جنونا .وطن

وكأنني اسكن غرف ذاكرتي المغلقة, وإذا بي اسكنها في غفلة من الزمن .من سنين

Page 6: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

كيف حالك؟ .وراثيا كل موسم يا شجرة توت تلبس الحداد

....يا قسنطينية األثواب واألحزان واألحباب .. أجيبي أين تكونين يا قسنطينية الحب ... واألفراح

.اآلن؟

...ها هي ذي قسنطينه .باردة األطراف واألقدام. محمومة الشفاه, مجنونة األطوار

!تشبهينها اليوم أيضا ... لو تدرين ها هي ذي .. كم!.دعيني أغلق النافذة:يقول كان مارسيل بانيول

"Q " .تعوcد على اعتبار األشياء العادية .. أشياء يمكن أن تحدث أيضا

,أليس الموت في النهاية شيئا عاديا. تماما كالميالد, والحب, والزاجوالمرض, والشيخوخة, والغربة والجنون, وأشياء أخرى ؟

العادية التي نتوقعها فوق العادة, حتى تحدث. فما أطول قائمة األشياء وأن الحياة لسبب أو آلخر ستوفر, والتي نعتقد أنها ال تحدث سوى لآلخرين

.علينا كثيرا منها, حتى نجد أنفسنا يوما أمامها

عندما ابحث في حياتي اليوم, أجد أن لقائي بك هو الشيء الوحيد الخارق.cالشيء الوحيد الذي لم أكن ألتنبأ به، أو أتوقع عواقبه علي .Q للعادة حقا

�ني كنت اجهل وقتها أن األشياء غير العادية, قد تجر معها أيضا كثيرا من ألن .األشياء العادية

....ورغم ذلك؟ ما زلت أتساءل بعد كل هذه السنوات, أين أضع حبك اليوم

أفي خانة األشياء العادية التي قد تحدث لنا يوما كأية وعكه صحية أو زلةأو نوبة جنون؟.. قدم

Q؟ أم .. أضعه حيث بدأ يوما

كوكب, لم يتوقع وجوده الفلكيون. أو كشيء خارق للعادة, كهدية من .زلزال لم تتنبأ به أية أجهزة للهزات األرضية

.أكنتu زلة قدم .. أم زلة قدر ؟

cر مسار حياتي أقلcب جريدة الصباح بحثا عن أجوبة مقنعه لحدث "عادي" غي .وجاء بي إلى هنا

Q أسود بيدي أتصفح تعاستنا بعد كل .هذه األعوام , فيعلق الوطن حبرا

تصفحتها وإن كان ليس للسبب هناك صحف يجب أن تغسل يديك إن أكثر تألقا نفسه في كل مرة. فهنالك واحده تترك حبرها عليك .. وأخرى

Page 7: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.تنقل عفونتها إليك

جرائدنا وكأنها تستيقظ كل يوم أألنc الجرائد تشبه دائما أصحابها, تبدو لي ونزلت به إلى مثلنا, بمالمح متعبه وبوجه غير صباحي غسلته على عجل،

الشارع. هكذا دون أن تكلف نفسها مشقة تصفيف شعرها, أو وضع ربطة .مناسبة.. أو إغرائنا بابتسامة عنق

.1988أكتوبر 25 .الحياء عناوين كبرى.. كثير من الحبر األسود. كثير من الدم. وقليل من

.هناك جرائد تبيعك نفس صور الصفحة األولى.. ببدلة جديدة كل مرهة cهنالك جرائد.. تبيعك نفس األكاذيب بطريقة أقل ذكاء كل مر....

.أخرى، تبيعك تذكرة للهروب من الوطن.. ال غير وهنالك .الجريدة إذن.. وألذهب لغسل يدي وما دام ذلك لم يعد ممكنا, فألغلق

ذلك منذ شهرين تقريبا. آخر مره استوقفتني فيها صحيفة جزائرية, كان نصف عندما كنت أتصفح عن طريق المصادفة, وإذا بصورتك تفاجئني على .صفحه بأكملها, مرفقه بحوار صحافي بمناسبة صدور كتاب جديد لك

تسم�ttttر نظري أمام ذلك اإلطار الذي كان يحتويك. وعبثا رحت أفكc يومهاQ, على عجل. وكأنني أنا الذي رموز كالمك . كنت Q، متلعثما أقرأك مرتبكا

التي كنت تتحدثين لآلخرين, عن قصة كنت أتحدث إليك عني, ولست أنت .ربما لم تكن قصتنا

ذلك اليوم! كيف لم أتوقع بعد تلك السنوات أي موعد عجيب كان موعدنا .مجلة ال اقرأها عادة أن تحجزي لي موعدا على ورق بين صفحتين, في

cه قانون الحماقات، أليس كذلك؟ أن أشتري مصادفة مجلة لم أتعوcد إنcعلى عقب Q شراءها، فقط ألقلب حياتي رأسا

وأين العجب؟ تكوني امرأة من ورق. تحب وتكره على ورق. وتهجر وتعود على ورق. ألم

ة cقلم وتقتل وتحيي بجر. فكيف ال أرتبك وأنا أقرأك. وكيف ال تعود تلك الرعشة المكهربة لتسري

جسدي، وتزيد من خفقان قلبي، وكأنني كنت أمامك، ولست أمام في.صورة لك

Q بعدها، وأنا أعود بين الحين واآلخر لتلك الصورة، كيف عدتu تساءلت كثيراأنا الذي تحاشيت كل الطرق المؤدية إليك؟ هكذا لتتربصي بي،

يلتئم. وكاد القلب المؤثث بذكراك أن كيف عدت.. بعدما كاد الجرح أنQ وأنت تجمعين حقائب Q فشيئا ، وتمضين فجأة لتسكني يفرغ منك شيئا cالحب

Q آخر .قلبا

Page 8: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..غادرت قلبي إذن مدينة جاءها في زيارة سياحية منظمة. كلc شيء موقوت كما يغادر سائح

Q، حتى ساعة الرحيل، Q، حتى المعالم فيها مسبقا ومحجوز فيها مسبقا سيشاهدها، وعنوان السياحية التي سيزورها، واسم المسرحية التي

.المحالت التي سيشتري منها هدايا للذكرىإلى هذا الحد؟ فهل كانت رحلتك مضجرة

.ها أنا أمام نسخة منك، مدهوّش مرتبك، وكأنني أمامكQ يلف وحشة تفاجئني تسريحتك الجديدة. شعرك القصير الذي كان شاال

به؟ ليلي.. ماذا تراك فعلت

Q عند عينيك. أبحث فيهما عن ذكرى هزيمتي األولى .أمامك أتوقف طويال

ذات يوم.. لم يكن أجمل من عينيك سوى عينيك. فما أشقاني وما!بهما أسعدني

Q.. أم أن نظرتي هي التي تغيرت؟ أواصل البحث في هل تغيرت عيناك أيضا عن بصمات جنوني السابق. أكاد ال أعرف شفاهك وال ابتسامتك وجهك

.الجديدة وحمرتك

Q بأمي. كيف تصورتك تلبسين ثوبها Q.. أن وجدت فيك شبها كيف حدث يوما العنابي، وتعجنين بهذه األيدي ذات األظافر المطلية الطويلة، تلك الكسرة

مذاقها منذ سنين؟ التي افتقدت

!أيc جنون كان لك.. وأية حماقةQ cر الزواج حقا Q، هل غي cر ذاكرتك أيضا مالمحك وضحكتك الطفولية، هل غي

الغجرية؟ ومذاق شفاهك وسمرتك

وهل أنساك ذلك "النبي المفلس" الذي سرقوا منه الوصايا العشر وهو.طريقه إليك.. فجاءك بالوصية الحادية عشرة فقط في

Q آخر. ولبست ها أنت ذي أمامي، تلبسين ثوب الردcة. لقد اخترت طريقاQ كذلك الذي Q آخر لم أعد أعرفه. وجها نصادفه في المجالت وجها

Q لبيع شيء ما، قد يكون واإلعالنات، لتلك النساء الواجهة، المعدات مسبقاQ ضد التجاعيد .معجون أسنان، أو مرهما

لتروcجي لبضاعة في شكل كتاب، أسميتها أم تراك لبست هذا القناع، فقطوذاكرة جرحي؟.. "منعطف النسيان" بضاعة قد تكون قصتي معك

وقد تكون آخر طريقه وجدتها لقتلي اليوم من جديد, دون أن تتركي .بصماتك على عنقي

Q لنا . عندما سألتك مرة لماذا Q قديما اخترتu الرواية يومها تذكرت حديثا .بالذات. وإذا بجوابك يدهشني

Page 9: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

:الصدق فيها من نسبة التحايل قلت يومها بابتسامة لم أدرك نسبة

وأتخلص من بعض األثاث.. كان ال بد أن أضع شيئا من الترتيب داخلي" وال يمكن أن القديم . إن� أعماقنا أيضا في حاجة إلى نفض كأيc بيت نسكنه

..أبقي نوافذي مغلقه هكذا على أكثر من جثة لنقتل األبطال ال غير, وننتهي من األشخاص الذين أصبح إننا نكتب الروايات

Q على حياتنا فكلما كتبنا عنهم فرغنا منهم... وامتألنا بهواء. وجودهم عبئا ..." .نظيف

:من الصمت وأضفت بعد شيء

.في الحقيقة كل رواية ناجحة, هي جريمة ما نرتكبها تجاه ذاكرة ما" وربما تجاه شخص ما, على مرأى من الجميع بكاتم صوت. ووحده يدري

الرصاصة كانت موجcهة إليه أن� تلك الكلمة...

بد أن تسحب من والروايات الفاشلة, ليست سوى جرائم فاشلة, ال أصحابها رخصة حمل القلم, بحجة أنهم ال يحسنون استعمال الكلمات, وقد يقتلون خطأ بها أيc احد .. بمن في ذلك أنفسهم , بعدما يكونون قد قتلوا

Q ... القراء !".ضجرا

cة شكوكي يومها .. وكيف لم أتوقع كل جرائمك كيف لم تثر نزعتك الساديالتي تلت ذلك اليوم, والتي جربت فيها أسلحتك األخرى؟

.يومها انك قد توجهين يوما رصاصك نحوي لم أكن أتوقع

انبهاري اآلخر بك. فنحن ال نقاوم, ولذا ضحكت لكالمك, وربما بدأ يومها !في هذه الحاالت , جنون اإلعجاب بقاتلنا

:ورغم ذلك أبديت لك دهشتي . قلت

الكاتب في أن يعيش مرة ثانيه قصه كنت اعتقد أن الرواية طريقه_ .أحبها.. وطريقته في منح الخلود لمن أحب

: وكأنc كالمي فاجأك فقلت وكأنك تكتشفين شيئا لم تحسبي له حسابا

وربما كان صحيحا أيضا, فنحن في النهاية ال نقتل سوى من أحببنا.- !ذلك خلودا أدبيا . إنها صفقه عادلة . أليس كذلك؟ ونمنحهم تعويضا عن

عادله ؟

الطغاة في عدلهم أو ظلمهم؟ ومن يناقش نيرون يوم احرق من يناقشQ لشهوة Q لها, وعشقا اللهب . وأنت, أما كنت مثله امرأة تحترف روما حباالعشق والحرائق بالتساوي؟

Page 10: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cأين بنهايتي القريبة، وتواسينني مسبقا على فجيعتي أكنت ...لحظتها تتنب

تتالعبين بالكلمات كعادتك, و وتتفرجين على وقعها عليc, أم كنتQ باندهاشي ا cالدائم أمامك, وانبهاري بقدرتك المذهلة, في وتسعدين سر

.خلق لغة على قياس تناقضك

...االحتماالت كانت ممكنه كل

عليها بالخلود, فربما كنت أنا ضحية روايتك هذه, والجثة التي حكمت.وقررت أن تحنطيها بالكلمات... كالعادة

فقط, ومراوغتك التي تشبه الصدق. فوحدك و ربما كنت ضحية وهمي التي ظلت تطاردني, تعرفين في النهاية الجواب على كل تلك األسئلة

.بعناد الذي يبحث عن الحقيقة دون جدوى

الكتاب؟ متى كتبتu ذلك

كتبته أقبل زواجك أم بعده؟ أقبل رحيل زياد .. أم بعده؟ أكتبته عني .. أم عنه؟ أكتبته لتقتليني به.. أم لتحييه هو ؟

Q، وتقتلينا cا معا Q من أجل رجل لم لتنتهي من Q بكتاب واحد... كما تركتنا معا معاواحد ؟

QQ أن تعودي فجأة عندما قرأت ذلك الخبر منذ شهرين,. لم أتوقع إطالقا, ليصبح كتابك محور تفكيري, ودائرة مغلقه أدور فيها بذلك الحضور الملح�

.وحدي

الذي حدث, أن اذهب للبحث عنه في فال كان ممكنا يومها بعد كل وال كان ممكنا أيضا. المكتبات , ألشتري قصتي من بائع مقابل ورقه نقدية

يعنيني تماما أن أتجاهله وأواصل حياتي وكأنني لم اسمع به , وكأن أمره ال.

الم أكن متحرقا إلى قراءة بقية القصة؟

انتهت في غفلة مني , دون أن أعرف فصولها األخيرة. تلك قصتك التي بعدما كنت شاهدها األول. أنا الذي كنت,., التي كنت شاهدها الغائب

دائما في قصة لم يكن حسب قانون الحماقات نفسه. الشاهد والشهيد .فيها من مكان سوى لبطل واحد

يعد بإمكاني اليوم أن أقرأه. فتركته هنا على ها هوذا كتابك أمامي.. لم موقوتة, أستعين بحضوره الصامت طاولتي مغلقا كلغز, يتربص بي كقنبلة

.لتفجير منجم الكلمات داخلي ... واستفزاز الذاكرة

Page 11: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..كل شيء فيه يستفزني اليوم .. عنوانه الذي اخترته بمراوغه واضحة وابتسامتك التي تتجاهل حزني . ونظرتك المحايدة التي تعاملني وكأنني

.الكثير عنك قارىء, ال يعرف

.كل شيء.. حتى اسمك فهو مازال يقفز إلى الذاكرة قبل, وربما كان اسمك األكثر استفزازا لي

.أن تقفز حروفه المميزة إلى العين

�عزف على آلة واحدة من اسمك �سمع كموسيقى ت �قرأ وإنما ي الذي .. ال ي.واحد أجل مستمع

كيف لي أن أقرأه بحياد, وهو فصل من قصة مدهشه كتبتها الصدفة,الذي تقاطع يوما؟ وكتبها قدرنا

.يقول تعليق على ظهر كتابك إنه حدث أدبي..أضع عليه حزمة من األوراق التي سودتها في لحظة هذيان وأقول وأنا

تصمت إلى األبد أيها الرجل . فما أعجب ما يحدث حان لك أن تكتب.. أو" !"هذه األيام

البرد الموقف, ويزحف ليل قسنطينة نحوي من نافذة وفجأة.. يحسم .بدوري تحت غطاء الوحدة غطاءه, وانزلق للوحشة. فأعيد للقلم

الذي يشبهها والذي مذ أدركت أن لكل مدينة� الليل الذي تستحق, الليل أتحاشى وحده يفضحها, ويعري في العتمة ما تخفيه في النهار, قررت أن

. النظر ليال من هذه النافذة

وتفضح للغرباء أسرارها , حتى, كل المدن تمارس التعري ليال دون علمها .عندما ال تقول شيئا.أبوابها وحتى عندما توصد

وألن المدن كالنساء, يحدث لبعضهن أن يجعلننا نستعجل قدوم الصباح. ...ولكن

"soirs, soirs.que de soirs pour un seul matin"..

هذا البيت للشاعر "هنري ميشو" ورحت اردده على نفسي كيف تذكرت ..بأكثر من لغة

"أمسيات كم من مساء لصباح واحد .. أمسيات"

كنت أتوقع منذ سنين أمسيات كيف تذكرته, ومتى تراني حفظته؟ .. ترانيبائسة كهذه, لن يكون لها سوى صباح واحد ؟

Page 12: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

بعض الشيء في ذاكرتي عن القصيدة التي اخذ منها هذا البيت, وإذا أنقب" ..بعنوانها "الشيخوخة

فيخيفني اكتشافي فجأة وكأنني أكتشف معه مالمح وجهي الجديدة. فهلQ بليل طويل واحد. وبعتمة داخليه تجعلنا تزحف الشيخوخة هكذا نحونا حقا

ونسير ببطء, دون اتجاه محدد؟, نتمهل في كل شيء

الشيخوخة أم من أيكون الملل والضياع والرتابة جزءا من مواصفاتمواصفات هذه المدينة ؟

الوطن بأكمله هو الذي يدخل تراني أنا الذي ادخل الشخوخة.. أم ترى اليوم سن اليأس الجماعي؟

القدرة الخارقة, على جعلنا نكبر ونهرم في أليس هو الذي يملك هذه؟ بضعة اشهر, وأحيانا في بضعة أسابيع فقط

cك شبابي, وكان مرسمي قبل اليوم لم أكن اشعر بثقل السنين, كان حب التي ال تنضب, وكانت باريس مدينه أنيقة, يخجل الواحد طاقتي الشمسية

ولكنهم طاردوني حتى مربع غربتي, . أن يهمل مظهره في حضرتها .وأطفأوا شعلة جنوني ... وجاؤوا بي حتى هنا

اآلن نحن نقف جميعا على بركان الوطن الذي ينفجر , ولم يعد في أن نتوحد مع الجمر المتطاير من فوهته, وننسى نارنا وسعنا , إال

كل تلك األناقة واللياقة. الوطن نفسه الصغيرة... اليوم ال شيء يستحق !أصبح ال يخجل أن يبدو أمامنا في وضع غير الئق

ال أصعب من أن تبدأ الكتابة, في العمر الذي يكون فيه اآلخرون قد انتهوا.قول كل شيء من

الكتابة ما بعد الخمسين ألول مرة ... شيء شهواني وجنوني شبيه بعودة.المراهقة

شيء مثير وأحمق , شبيه بعالقة حب بين رجل في سن اليأس, وريشة .حبر بكر

!األول مرتبك وعلى عجل... والثانية عذراء ال يرويها حبر العالم ما كتبته حتى اآلن, مجرد استعداد للكتابة فقط, وفائض شهوة سأعتبر إذن

.حملت منذ سنين بملئها ... لهذه األوراق التي

.ربما غدا ابدأ الكتابة حقا األشياء الهامة في حياتي بتاريخ ما .... يكون غمزة أحب دائما أن ترتبط

.لذاكره أخرى

الفكرة من جديد, وأنا استمع إلى األخبار هذا المساء أغرتني هذه بالزمن, أن غدا سيكون أول نوفمبر ... واكتشف، أنا الذي فقدت عالقتي

هذا الكتاب ؟ فهل يمكن لي أال أختار تاريخا كهذا, ألبدأ به

Page 13: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

سنه على انطالق الرصاصة األولى لحرب34غدا ستكون قد مرت التحرير, ويكون قد مر على وجودي هنا ثالثة أسابيع, ومثل ذلك من الزمن

...دفعه من الشهداء على سقوط آخرcعه بنفسي وادفنه هنا . كان احدهم ذلك الذي حضرت ألشي

بين أول رصاصه , وآخر رصاصه, تغيرت الصدور, تغيرت األهداف .. وتغير .الوطن

.ولذا سيكون الغد يوما للحزن مدفوع األجر مسبقا عسكري, وال من استقباالت, وال من تبادل لن يكون هناك من استعراض

....تهاني رسميه .ونكتفي بزيارة المقابر ... سيكتفون بتبادل التهم

.الوطن غدا لن ازور ذلك القبر . ال أريد أن أتقاسم حزني مع .أفضل تواطؤ الورق, وكبرياء صمته

أنني قد اكتب أخيرا شيئا مدهشا, لن كل شيء يستفزني الليلة.. واشعر.. أمزقه كالعادة

التي تعود بي , بعد كل هذه السنوات إلى هنا, فما أوجع هذه الصدفة .انتظاري, بتوقيت الذاكرة األولى للمكان نفسه , ألجد جثة من أحبهم في

.يستدرجني إلى دهاليز الذاكرة. يستيقظ الماضي الليلة داخلي ... مربكاذاكرتي هذا المساء ؟ فأحاول أن أقاومه, ولكن, هل يمكن لي أن أقاوم

..أغلق باب غرفتي واشرع النافذة...غير نفسي. وإذا النافذة تطل علي أحاول أن أرى شيئا آخر

قسنطينه ملتحفه مالءتها تمتد أمامي غابات الغاز والبلوط, وتزحف نحوي يوما القديمة, وكل تلك األدغال والجروف والممرات السرية التي كنت

اعرفها والتي كانت تحيط بهذه المدينة كحزام أمان, فتوصلك مسالكها وغاباتها الكثيفة, إلى القواعد السرية للمجاهدين, وكأنها تشرح, المتشعبة

.ومغارة بعد أخرى, لك شجرة بعد شجره.الصمود إنc كل الطرق في هذه المدينة العربية العريقة, تؤدي إلى

وإنc كل الغابات والصخور هنا قد سبقتك في االنخراط في صفوف .الثورة

...هنالك مدن ال تختار قدرها ...الجغرافيا, أال تستسلم فقد حكم عليها التاريخ, كما حكمت عليها

.ولذا ال يملك أبناؤها الخيار دائما

أن أشبه هذه المدينة حد التطرف ؟ فهل عجب 

الطرق, واخترت أن تكون ذات يوم منذ أكثر من ثالثين سنه سلكت هذه الوحيدة تلك الجبال بيتي ومدرستي السرية التي أتعلم فيها المادة

الممنوعة من التدريس. وكنت ادري انه ليس من بين خريجيها من دفة

Page 14: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

قدري سيكون مختصرا بين المساحة الفاصلة بين الحرية .. ثالثه, وان .والموت

الذي اخترنا له اسما آخر أكثر إغراءQ، لنذهب دون خوف وربما ذلك الموت .لشيء آخر غير حتفنا بشهوة سريه, وكأننا نذهب

اسم؟ وكيف لماذا نسينا يومها أن نطلق على الحرية أيضا أكثر مناختصرنا منذ البدء حريتنا.... في مفهومها األول ؟

يمشي إلى جوارنا, وينام ويأخذ كسرته معنا على عجل. كان الموت يومها .والسعادة المبهمة التي ال تفارقنا .. تماما مثل الشوق والصبر واإليمان

األيام تعود قاسيه دائما, ال كان الموت يمشي ويتنفس معنا.. وكانت يتوقع احد موتهم تختلف عما سبقتها سوى بعدد شهدائها, الذين لم يكن

على الغالب.. أو لم يكن يتصور لسبب أو آلخر, أن تكون نهايتهم, هم بالذات, قريبه إلى ذلك الحد .. ومفجعه إلى ذلك الحد. وكان ذلك منطق

.أكن قد أدركته بعد الموت الذي لم

عنهم بالجملة. ما زلت اذكرهم أولئك الذين تعودنا بعد ذلك أن نتحدث لحقهم وكأن� الجمع في هذه الحالة بالذات، ليس اختصارا للذاكرة , وإنما

.علينا لم يكونوا شهداء.. كان كل واحد منهم شهيدا على حده. كان هناك من

.استشهد في أول معركة, وكأنه جاء خصيصا للشهادة المسروقة إلى أهله بيوم واحد, بعدما قضى وهناك من سقط قبل زيارته

.لها عدة أسابيع في دراسة تفاصيلها, واإلعداد .وهناك من تزوج وعاد .. ليموت متزوجا

.لكي يتزوج ... ولم يعد وهناك من كان يحلم أن يعود يوماcاألتعس هم أولئك في الحروب, ليس الذين يموتون هم التعساء دائما, إن .الذين يتركونهم خلفهم ثكالى, يتامى, ومعطوبي أحالم

Q بعد آخر، وقصة بعد أخرى اكتشفت Q، شهيدا ..هذه الحقيقة باكرا نفسها، أنني ربما كنت الوحيد الذي لم يترك خلفه واكتشفت في المناسبة

Q Q، وأٍخ� فريد يصغرني بسنوات، وأب سوى قبر طريc ألم ماتت مرضا وقهرا.مشغول بمطالب عروسه الصغيرة

�م.. وحده لقد كان ذلك المثل الشعبي على حقc "إن الذي مات أبوه لم يتيت".يتيم الذي ماتت أمه

Q، وكنت أعي ذلك بعمق في كل لحظة. فالجوع إلى الحنان، وكنت يتيما مخيف وموجع، يظل ينخر فيك من الداخل ويالزمك حتى يأتي عليك شعور

.بأخرى بطريقة وبطريقة أو

Page 15: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

أكان التحاقي بالجبهة آنذاك محاولة غير معلنة للبحث عن موت أجملQ على كل خارج Q حقدا تلك األحاسيس المرضية التي كانت تمألني تدريجيا

شيء؟

الثورة تدخل عامها الثاني، ويتمي يدخل شهره الثالث، ولم أعد أذكر كانت أية لحظة بالذات أخذ الوطن مالمح األمومة، وأعطاني اآلن بالتحديد، في

.واالنتماء المتطر�ف له ما لم أتوقcعه من الحنان الغامض،

المبروك منذ بضعة وربما كان الختفاء "سي الطاهر" من حينا بسيدي .أشهر، دور في حسم القضية، واستعجالي في أخذ ذلك القرار المفاجئ

فلم يكن يخفى على أحد أنه انتقل إلى مكان سري في الجبال المحيطة هناك مع آخرين إحدى الخاليا األولى للكفاح بقسنطينة ليؤسس من

.المسلح

الليلة ليزيد من ارتباكي، ومن منكما" من أين عاد اسم "سي طاهر.استدرجني لآلخر؟

Q، وعلى بعد شارعين مني شارع مازال يحمل من أين عاد.. وهل غاب حقااسمه؟

".االسم هناك شيء اسمه "سلطة وهناك أسماء عندما تذكرها، تكاد تصلح من جلستك، وتطفئ سيجارتك.

.تتحدث عنها وكأنك تتحدث إليها بنفس تلك الهيبة وذلك االنبهار األول تكاد

ظلc السم )سي طاهر( هيبته عندي. لم تقتله العادة وال المعاشرة، .. ولذا السجن المشترك، وال سنوات النضال، إلى اسم عاديc ولم تحوله تجربة

Q كيف تحيط نفسها بذلك الحاجز لصديق أو لجار. فالرموز تعرف دائما والممكن والمستحيل، في الالمرئي، الذي يفصل بين العادي واالستثنائي،

.كل شيء..له ها أنذا أذكره في ليلة لم أحجزها

Q صالة Q من سيجارة أخيرة، يرتفع صوت المآذن معلنا وبينما أسحب نفسا..الفجر. ومن غرفة بعيدة يأتي بكاء طفل أيقظ صوته أنحاء كل البيت

وأحسد األطفال الرضcع، ألنهم يملكون وحدهم حق الصراٍخ فأحسد المآذن،.الحياة حبالهم الصوتية، وتعل�مهم الصمت والقدرة عليه، قبل أن تروض

سنواته األولى في تعلم النطق، وتقضي ال أذكر من قال "يقضي اإلنسان!".الصمت األنظمة العربية بقية عمره في تعليمه

Q كالنسيان .وكان يمكن للصمت أن يصبح نعمة في هذه الليلة بالذات، تماماQ فالذاكرة في مناسبات كهذه ال تأتي بالتقسيط، وإنما تهجم عليك شالال

.ال تدري من المنحدرات يجرفك إلى حيثcة وكيف لك لحظتها أن توقفها دون أن تصطدم بالصخور، وتتحطم في زل

ذكرى؟

Page 16: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

وها أنت ذا، تلهث خلفها لتلحق بماض� لم تغادره في الواقع، وبذاكرة.تسكنها ألنها جسدك

.جسدك المشوه ال غير

من منبر إلى آخر، بحجة أو بأخرى، ليدينوا وتدري أنc هناك من يلهثون اآلنQ فيه. عساهم يلحقون Q كانوا طرفا بالموجة الجديدة، قبل أن يجرفهم تاريخا.الطوفان. فال تملك إال أن تشفق عليهم

Q لتوه من مستنقع.. وأال ما أتعس أن يعيش اإلنسان بثياب مبللة.. خارجاQ في !انتظار أن تجف يصمت قليال

Q يأتي )سي طاهر( الليلة .صامتاQ كما يأتي .الشهداء صامتاQ.. كعادته .صامتا

.وها أنت ذا مرتبك أمامه كعادتك

Q الخمس عشرة سنة التي تفصلكما، أكبر من عمر لقد كانت دائماQ بحد Q بحد ذاتها، لرجل كان يجمع إلى السنوات. كانت عمرا ذاتها، ورمزا

اختلط بجمعية العلماء، ودرس جانب الفصاحة التي كان يتميز بها كل من.في قسنطينة، فصاحة أخرى.. هي فصاحة الحضور

سي طاهر( يعرف متى يبتسم، ومتى يغضب. ويعرف كيف يتكلم، )كانQ كيف يصمت وكانت الهيبة ال تفارق وجهه وال تلك االبتسامة. ويعرف أيضا

Q Q لمالمحه كل مرة الغامضة التي كانت تعطي تفسيرا .مختلفا

الناس إن اَّالبتسامات فواصل ونقاط انقطاع.. وقليل من" أولئك الذين ما زالوا يتقنون وضع الفواصل والنقط في

".*كالمهم

سجن ) الكديا( كان موعدي النضالي األول مع )سي طاهر(. كان فيQ باألحاسيس Q مشحونا المتطرفة، وبدهشة االعتقال األول، بعنفوانه.. موعدا

.وبخوفه

Q بعد آخر، يدري أنه وكان )سي طاهر( الذي استدرجني إلى الثورة يوماQ على سنواتي مسؤول عن وجودي يومها هناك. وربما كان يشفق سرا

Q، الست عشرة، على طفولتي المبتورة، وعلى ) أمcا( التي كان يعرفها جيدا.ويعرف ما يمكن أن تفعله بها تجربة اعتقالي األول

Q لمن يريد سماعه: "لقد ولكنه كان يخفي cي كل شفقته تلك، مرددا عن".خلقت السجون للرجال

سجن )الكديا( وقتها، ككل سجون الشرق الجزائري يعاني فجأة من وكان

Page 17: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

التي قدcمت فيها قسنطينة1945 ماي 8مظاهرات فائض رجولة، إثرQ في دفعة أولى من عدcة وسطيف وضواحيها أول عربون للثورة، متمثال

اآلالف من آالف من الشهداء سقطوا في مظاهرة واحدة، وعشرات المساجين الذين ضاقت بهم الزنزانات، مما جعل الفرنسيين يرتكبون أكبر

حماقاتهم، وهو يجمعون لعدة أشهر بين السجناء السياسيين، وسجناءQ الحق العام، في Q عدد نزالئها العشرين معتقال .زنزانات يجاوز أحيانا

الثورة تنتقل إلى مساجين الحق العام الذين وجدوا وهكذا، جعلوا عدوى باالنضمام إلى الثورة التي فرصة للوعي السياسي، ولغسل شرفهم

اآلن على استشهد بعد ذلك من أجلها الكثير منهم. ومازال بعضهم حتى قيد الحياة، يعيش بتكريم ووجاهة القادة التاريخيين لحرب التحرير، بعدما

تكفcل التاريخ بإعادة سجلc سوابقهم العدلية.. لعذريته األولى. بينما وجد السجناء السياسيين _ في تلك الحماقة االستعمارية _ فرصة للتعرف بعض

Q Q للتشاور والتفكير في أمور الوطن.. والتخطيط على بعض، ووقتا كافيا.للمرحلة القادمة

عندما أذكر تلك التجربة، تبدو لي لكثافتها ودهشتها، وكأنها أطول.. اليوم لم تدم بالنسبة لي سوى ستة أشهر فقط. قضيتها مما كانت. رغم أنها

آخرين لصغر سننا وألنه كان هناك هناك قبل أن يطلق سراحي أنا واثنين�ا .من يهمهم أمرهم، أكثر من

Q، ألجد البرنامج وهكذا عدت إلى Q دراسيا ثانوية قسنطينة، بعدما أخلفت هاما..واألدب الفرنسي في انتظاري نفسه وكتب الفلسفة نفسها

cبين، بين مساجين وحدهم بعض رفاق الدارسة كانوا ما يزالون ضمن المتغي.وشهداء

Q أن تتخرج منها أول دفعة أغلبهم طلبة في الصفوف العليا التي كان مقررا.من المثقفين والموظفين الجزائريين المفرنسين

ذلك شرفهم، أولئك الذين راهن البعض على خيانتهم، فقط ألنهم وكان والثقافة الفرنسية، في مدينة ال يمكن ألحد فيها أن اختاروا الثانويات

.وهيبتها في القلوب والذاكرة يتجاهل سلطة اللغة العربية،

بعد تلك المظاهرات، فهل عجب أن يكون من بين الذين سجنوا وعذcبوا سياسي الكثير منهم، هم الذين كانوا بحكم ثقافتهم الغربية يتمتعون بوعي

.مبكر، وبفائض وطنية.. وفائض أحالم

تنتهي لصالح فرنسا والحلفاء، أنc فرنسا والذين أدركوا، والحرب العالميةQ لم تكن حربهم، وأنهم دفعوا آالف استعملت الجزائريين، ليخوضوا حربا

.عبوديتهم الموتى في معارك ال تعنيهم، ليعودوا بعد ذلك إلى

كان في مصادفة وجودي مع )سي الطاهر( في الزنزانة نفسها شيء بحد ذاته، وتجربة نضالية ظلtت تالحقني لسنوات بكل تفاصيلها، أسطوري

Page 18: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cر قدري. فهناك رجال عندما تلتقي بهم وربما كان لها بعد لك أثر في تغي.تكون قد التقيت بقدرك

Q في كل� شيء، وكأنه كان يعد نفسه منذ البدء، )كان سي الطاهر( استثنائيا.رجل ليكون أكثر من

Q. كان فيه شيء من ساللة طارق بن زياد، واألمير لقد خلق ليكون قائدا.الطارق، وأولئك الذين يمكنهم أن يغيروا التاريخ بخطبة واحدة عبد

الذين عذcبوه وسجنوه لمدة ثالث سنوات يعرفون ذلك وكان الفرنسيونcولكنهم كانوا يجهلون أن .Q سي الطاهر( سيأخذ بثأره منهم بعد ذلك )جيدا

يقوم بها المجاهدون في بسنوات، ويصبح الرأس المطلوب بعد كل عملية.الشرق الجزائري

Q، ليضعني مع )سي أيc صدفة.. أن يعود القدر بعد عشر سنوات تماماة cطاهر( في تجربة كفاحية مسلحة هذه المر!

.وفي شهر أيلول بالذات، التحقت بالجبهة.. 1955 سنة ستكون الحاسمة، وكنت في عامي كان رفاقي يبدأون سنة دراسية

.الخامس والعشرين أبدأ حياتي األخرىcة أذكر أن� استقبال )سي طاهر( لي فاجأني وقتها. لم يسألني عن أي

دراستي. لم يسألني حتى كيف أخذت قرار تفاصيل خاصة عن حياتي أو إليه. ظل� يتأملني قبل أ، التحاقي بالجبهة، وال أيc طريق سلكت ألصل

�ه كان ينتظرني هناك منذ سنة .يحتضنني بشوق وكأن:قال ثم..!جئت-

Q :وأجبته بفرح وبحزن غامض معا!جئت-

�ى في فرحته؛ فكنت كان ) سي Q حت Q، يكون موجزا الطاهر( هكذا أحياناQ معه في حزني Q موجزا .أيضا

توفيت سألني بعدها عن أخبار األهل، وأخبار ) أمcا( بالتحديد، فأجبته أنها منذ ثالثة أشهر. وأعتقد أنه فهم كلc شيء، فقد قال وهو يربت على كتفي،

:شبيه بالدمع يلمع في عينيه وشيء -Q .رحمها الله، لقد تعذبت كثيرا

Q إلى حيث ال أدري ثم ذهب في ..تفكيره بعيدا والتي رفع بها أمي إلى بعدها حسدت تلك الدمعة المفاجئة في عينيه،

مرتبة الشهداء. فلم يحدث لي أن رأيت )سي الطاهر( يبكي سوىQ بين يديه، ألتمتع Q بعد ذلك أن أمدد جثمانا الشهداء من رجاله. وتمنيت طويال

.موتي بدمعة مكابرة في عينيه ولو بعد

Page 19: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

أتفانى في إثبات ألكلc هذا تقلصت عائلتي فجأة في شخصه، ورحتQ على رجولتي أ, على موتي؛ بطولتي له، وكأنني أريد أن أجعله شاهدا

Q على أنني لم أعد أنتسب إلى أحد غير هذا الوطن، وأنني لم أترك شاهداQ امرأة خلفي سوى قبر المرأة كانت أمي، وأٍخ� يصغرني اختار له أبي مسبقا

.ستصبح أمه

ة، وكأنني أتحداه أو كأنني أريد كنت cألقي بنفسي على الموت في كل مر رفاقي الذين تركوا خلفهم أوالدهم وأهلهم ينتظرون بذلك أن يأخذني بدل

.عودتهم..ويسقط آخرون، وكأن الموت قرر أن يرفضني وكنت كل مرة أعود أنا

ناجحة اشتركت فيها، قد بدأ وكان )سي طاهر( بعد أكثر من معركةQ يعتمد علي� في المهمات الصعبة، ويكلفني بالمهمات األكثر تدريجيا

خطورة، تلك التي تتطلب مواجهة مباشرة مع العدو. ورفعني بعد سنتين إلى رتبة مالزم ألتمكن من إدارة بعض المعارك وحدي، وأخذ القرارات

.يقتضيها كل ظرف العسكرية التي

التي كنت بدأت وقتها فقط أتحول على يد الثورة إلى رجل، وكأن الرتبة.أحملها قد منحتني شهادة بالشفاء من ذاكرتي.. وطفولتي

Q تلك الطمأنينة النفسية التي ال تمنحنا وكنت آنذاك Q وقد بلغت أخيرا سعيدا.الضمير إياها سوى راحة

لم أكن أعي أنc طموحاتي ال عالقة لها بالمكتوب وأنc القدر كان يتربص في ذلك الوقت الذي كنت أعتقد فيه أن ال شيء بعد اليوم يمكن أن بي

.السابق يعيدني إلى حزني

Q وجاءت تلك المعركة الضارية التي دارت على مشارف "باتنة" لتقلب يوما..كل شيء

فقد فقدنا فيها ستة مجاهدين، وكنت فيها أنا من عداد الجرحى بعدما اخترقت ذراعي اليسرى رصاصتان، وإذا بمجرى حياتي يتغير فجأة، وأنا

الجرحى الذين يجب أن ينقلوا على وجه السرعة أجد نفسي من ضمن العالج بالنسبة لي.. سوى بتر ذراعي إلى الحدود التونسية للعالج. ولم يكن

هناك من مجال اليسرى، الستحالة استئصال الرصاصتين. ولم يكن للنقاّش أو التردد. كان النقاّش فقط، حول الطرق اآلمنة التي يمكن أن

.نسلكها حتى تونس، حيث كانت القواعد الخلفية للمجاهدين

..آخر وها أنذا أمام واقع

ها هو ذا القدر يطردني من ملجأي الوحيد، من الحياة والمعارك الليلية، ويخرجني من السرية إلى الضوء، ليضعني أمام ساحة أخرى، ليست

ساحة لأللم فقط.. وشرفة أتفرج منها على ما. للموت وليست للحياةQ من كالم )سي طاهر( يومها، يحدث في ساحة القتال. فلقد بدا واضحا

ة ثانية cأنني قد ال أعود إلى الجبهة مر.

Page 20: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

األخير، حاول )سي طاهر( أن يحافظ على نبرته الطبيعية، في ذلك اليوم قبل معركة جديدة. ولكن هذه المرة كان وراح كما كان يودعني كل مرة

.القدر يدري أنه يعدcني لتحمل معركتي مع

Q على غير عادته، ربما.. ألنه ليس هناك من تعليمات غير أنه كان موجزا خاصة تعطى في هذه الحاالت.. وربما ألنه كان يتكبد يومها أكبر خسارة

معركة واحدة عشرة من خيرة رجاله بين جرحى وقتلي. بشرية ويفقد في جانب، قيمة كلc مجاهد وحاجة الثورة وكان يدري، والثورة مطوقة من كل

.إلى كل رجل على حدة

Q ..ذلك اليوم ولم أقل له شيئا

Q مرة أخرى .كنت أشعر، لسبب غامض، أنني أصبحت يتيما. كنت أنزف، وكان ألم ذراعي ينتقل كانت cدمعتان قد تجمدتا في عيني

Q إلى جسدي كله، ويستقر في حلقي غصة. غصcة الخيبة واأللم.. تدريجيا.والخوف من المجهول

Q بين ساعة كانت األحداث تجري مسرعة أمامي، وقدري يأخذ منحىQ جديدا وهو يعطي تعليماته األخيرة، كان يصل( وأخرى، ووحده صوت )سي طاهر

.العالم إلي� حيث كان، ليصبح صلتي الوحيدة مع

Q حضوره األخير، عندما جاء يتفقدني قبل وبرغم ذلك، مازلت أذكر تماما سفري بساعة، ووضع ورقة صغيرة في جيبي وبعض األوراق النقدية، وقال

cوهو ينحني علي Q :وكأنه يودعني سرا تشفى لقد ق�دcر لك أن تصل إلى هناك.. أتمنى أن تذهب لزيارتهم حين"

Q أن تقوم وتسلcم هذا المبلغ إلى )أمcا( لتشتري به هدية للصغيرة، وأود أيضا بتسجيلها في دار البلدية لو استطعت ذلك.. فقد يمر وقت طويل قبل أ،

..".زيارتهم أتمكن منQ ليضيف شبه مرتبك وهو يلفظ ذلك وعاد بعد لحظات وكأنه نسي شيئا

..ألول مرة االسم

cلها".. عني.. لقد اخترت لها هذا السم.. سجلها متى استطعت ذلك وقبQ على )أمcا (.."وسلcم كثيرا

وأنا في لحظة نزيف بين كانت تلك أول مرة سمعت فيها اسمك.. سمعته في الموت والحياة، فتعلقت في غيبوبتي بحروفه، كما يتعلق محموم

..لحظة هذيان بكلمة..كما يتعلق رسول بوصية يخاف أن تضيع منه

.غريق بحبال الحلم كما يتعلق.بين ألف األلم وميم المتعة كان اسمك

والم التحذير. فكيف لم أحذر اسمك الذي ولد وسط.. تشطره حاء الحرقةQ يحل الحرائق األولى، شعلة صغيرة في تلك الحرب. كيف لم أحذر اسما

Page 21: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q. كيف لم أحذر هذا االسم المفرد _ ضده ويبدأ بـ "أح" األلم واللذة معاQ !ليقتسم الجمع كاسم هذا الوطن، وأدرك منذ البدء أن الجمع خلق دائما

:الوصية بين االبتسام والحزن، يحدث اليوم أن أستعيد تلك

cلها عني.." وأضحك من القدر، وأضحك من نفسي، ومن غرابة" قب.المصادفات

غلcفت ثم� أعود وأخجل من وقار صوته، ومن مسحة الضعف النادرة التيQ ال هموم له Q مهيبا Q، رجال جملته تلك، هو الذي كان يريد أن يبدو أمامنا دائما

..سوى هموم الوطن، وال أهل له غير رجاله

cه رجل ضعيف؛ يحن� ويشتاق وقد يبكي ولكن، في حدود لقد اعترف لي أنQ. فليس من حقc الرموز أن تبكي Q دائما Q الحياء، وسرا .شوقا

Q.. تراه لم يحنc إليها، هي العروس التي لم يتمتع بها إنه لم يذكر أمكu مثالQ .غير أشهر مسروقة من العمر وتركها حامال

�ب قضية ولماذا هذا االستعجال المفاجئ؟ لماذا ال ينتظر بعض الوقت ليرت؟ غيابه أليام، ويقوم هو نفسه uبتسجيلك

..بالذات لقد انتظر ستة أشهر، فلماذا ال ينتظر أسابيع أخرى.. ولماذا أنا

أيc قدر جعلني أحضر إلى هناك بتوقيتك؟

. هذا السؤال، دهشت له وآمنت بالمكتوب كلما طرحت على نفسي أن يهرب ليوم أو ليومين فقد كان بإمكان )سي طاهر( برغم مسؤولياته

ودورياتها إلى تونس. ولم تكن قضية عبور الحدود بحراستها المشددة وكمائنها لتخيفه، وال حتى اجتياز )خط موريس( المكهرب والمفروّش

والممتد بين الحدود التونسية الجزائرية من البحر إلى الصحراء، باأللغام، بعد ثالث مرات، وهو رقم قياسي بالنسبة لعشرات والذي اجتازه فيما

.امتداده المجاهدين الذين تركوا جثثهم على

أكان حبc )سي طاهر( لالنضباط، واحترامه للقوانين هو الذي خلق عندهQ أنه أب منذ شهور ذلك الشعور بالقلق بعد ميالدك، وهو يكتشف عاجزا

Q، ولم يتمكن حتى من تسجيلها؟ لطفلة لم يمنحها اسماQ، أن تضيعي منه إن هو لم يرسخ أم كان يخاف، هو الذي انتظرك طويال

وجودك وانتسابك له على ورقة رسمية عليها ختم رسمي؟

يتشاءم من وضعك القانوني هذا، ويريد أن يسجل أحالمه في دار أكان تحولت إلى حقيقة.. وأن� القدر لن يعود ليأخذها البلدية، ليتأكد من أنها

Q كاآلخرين بعد محاولة زواج منه، هو الذي كان حلمه في النهاية أن يصبح أباية؟ cفاشلة لم يرزق منها ذر

Page 22: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q.. وال أدري cا إذا كان )سي الطاهر( في أعماقه يفضcل لو كان مولوده صبي فيما بعد، أنه حاول أن يتحايل على القدر وأن يترك أدري فقط، كما علمت

Q Q احتياطيا Q احتمال مجيء أنثى. وربما فعل قبل سفره اسما لصبي،متجاهالQ بعقلية عسكرية، وبهاجس وطني دون أن يدري.. فقد كانت ذلك أيضا

Q بتلك الجملة التي Q ما سمعته أحاديثه وخططه العسكرية تبدأ غالبا كثيرا.."يرد�دها "الزمنا رجال يا جماعة

Q في كلc شيء في تلك( إذن، لهذا كان )سي طاهر Q ومتفائال يبدو سعيدا..الفترة

cر الرجل الصلب .أصبح أكثر مرونة وأكثر دعابة في أوقات فراغه. فجأة تغيQ داخله، Q شيء ما كان يتغير تدريجيا ويجعله أقرب إلى اآلخرين، وأكثر تفهما

.ألوضاعهم الخاصة بسهولة أكثر تسريحات لزيارة خاطفة يقومون بها فقد أصبح يمنح البعض

cرته األبوcة المتأخرة، إلى أهلهم، هو الذي كان يبخل بها على نفسه. لقد غيQ لمستقبل Q جاهزا ..أجمل التي جاءت رمزا

uمعجزة صغيرة لألمل.. كانت أنت.

مالك روايتي من شعري تواطؤ عن مأخوذة مميز بخط المكتوبة الجمل* .يجيب يعد لم األزهار رصيف" غزالة" و "سأهبك حداد

..طلع صباح آخر الذي يدخل وها هو ذا النهار يفاجئني بضجيجه االعتيادي، وبضوئه المباغت

Q مني Q عني، فأشعر أنه يختلس شيئا .النور إلى أعماقي غصبا.اللحظة.. أكره هذا الجانب الفضولي والمحرج للشمس في هذه

قصتي معك شريط مصور أخاف أن يحرقه. أريد أن أكتب عنك في العتمة..السرية الضوء ويلغيه، ألنك امرأة نبتت في دهاليزي

..ألنك امرأة امتلكتها بشرعية السرية.كلc الستائر، وأغلق نوافذ غرفتي ال بد أن أكتب عنك بعد أن أسدل

األوراق المكدسة أمامي، ورغم ذلك.. يسعدني في هذه اللحظة منظرcفة والتي مألتها البارحة، في ليلة نذرتها للجنون. فقد أهديتها لك مغل

..بصورة مهذبة في كتاب

..وأدري

Page 23: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

�ك تكرهين األشياء Q.. وأن ال شيء أدري أن �ك أنانية جدا Q.. وأن المهذcبة جدا.أنت.. وجسدك أنت يعنيك في النهاية، خارج حدودك

cدتي Q من الصبر سي .ولكن قليال

ي أمامك ذاكرتي األخرى. صفحات أخرى ال صفحات أخرى فقط.. ثم أعر�Q.. وشهوة Q. فالكتب كوجبات.. بد منها، قبل أن أمألك غرورا Q وجنونا وندما

Q.. وإن كنت .. ال بدc لها من مقدcمات أيضا cالمقدمات" الحب" cأعترف أن .القصة ليست مشكلتي اآلن بقدر ما يربكني البحث عن منطلق لهذه

من أين أبدأ قصتي معك؟ غير المتوقعة ومع مقالب ولقصتك معي عدcة بدايات، تبدأ مع النهايات

.القدرQ عند وعندما أتحدث عنك.. عمcن تراني أتحد�ث؟ أعن طفلة كانت تحبو يوما

امرأة قدمي.. أم عن صبية قلبت بعد خمس وعشرين سنة حياتي.. أم عن تكاد تشبهك، أتأملها على غالف كتاب أنيق عنوانه "منعطف النسيان" ..

؟: وأتساءل uأنت ..Q أتراها حقا

وعندما أسميك فبأي اسم؟�رى أدعوك بذلك االسم الذي أراده والدك، وذهبت بنفسي ألسجله نيابة ت

الذي حملته خالل ستة عنه في سجالت البلدية، أم باسمك األول، ذلكأشهر في انتظار اسم شرعي آخر؟

"..حياة"

هكذا.. ليس هذا اسمك على كل حال. إنه أحد أسمائك فقط.. سأدعوك�ك به إذن مادام هذا االسم الذي عرفتك به، واالسم الذي أنفرد فألسمين

وغير المسجcل على صفحات بمعرفته. اسمك غير المتداول على األلسنة،.الكتب والمجالت، وال في أيc سجالت رسمية

م�نحته لتعيشي وليمنحك الله الحياة والذي قتلته أنا ذات يوم، االسم الذيQ �نادuكu وأنا أمنحك اسما Q آخر، ومن حقي أن أحييه اليوم، ألنه لي ولم ي رسميا

.يه رجل قبلي

اسمك الطفولي الذي يحبو على لساني، وكأنك أنت منذ خمس وعشرين لفظته، عدت طفلة تجلس على ركبتي وتعبث بأشيائي وتقول سنة. وكلما

Q ال أفهمه ..لي كالما.لك لحظتها كلc خطاياك فأغفر

وإذا.. كلما لفظته تدحرجت إلى الماضي، وعدت صغيرة في حجم دمية.بك ابنتي

هل أقرأ كتابك ألعرف كيف تحولت تلك الطفلة الصغيرة إلى امرأة؟Q أنك لن تكتبي عن طفولتك.. وال عن سنواتك األولى �ني أعرف مسبقا .ولكن

Page 24: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

تملئين ثقوب الذاكرة الفارغة بالكلمات فقط، وتتجاوزين الجراح أنت سر تعلقك بي؛ أنا الذي أعرف الحلقة المفقودة بالكذب، وربما كان هذا

ات قليلة في حياتك، من عمرك، وأعرف ذلك األب الذي لم تريه سوى مر� أزق�ttتها دون عشق، وتلك المدينة التي كنت تسكنينها وال تسكنك، وتعاملين

.وتمشين وتجيئين على ذاكرتها دون انتباه

تعلقتu بي لتكتشفي ما تجهلينه.. وأنا الذي تعلcقت بك ألنسى ما أنت التيQ لحبنا أن يدوم؟ كنت أعرفه.. أكان ممكنا

Q في قصتنا من البدء حتى Q ثالثا عندما ال نتحدث كان )سي طاهر( طرفاد Q بغيابه، فهل أقتله مرة ثانية ألتفر� بك؟ عنه، كان بيننا حاضرا

�ى بعد ربع قرن، وما أوجع آه لو تدرين.. لو تدرين ما أثقل حمل الوصايا، حت الشهوة التي يواجهها أكثر من مستحيل وأكثر من مبدأ فال يزيدها في

!اشتهاء ... النهاية إال

..كان السؤال منذ البداية ذاكرتي، وألغي عمره من عمري، ألمنح كيف لي أن ألغي )سي طاهر( م

cنا فرصة والدة طبيعية؟ حب سيبقى وقتها، لو أخرجتك من ذاكرتنا المشتركة وحولتك ولكن.. ما الذيإلى فتاة عادية؟

Q فوق العادة كان والدك Q فوق العادة .. وقائدا .رفيقاQ في حياته وفي موته فهل أنسى ذلك؟. كان استثنائيا

مستقبلهم، لم يكن من المجاهدين الذين ركبوا الموجة األخيرة، لضمنوا ( وأبطال المعارك األخيرة. وال كان من شهداء المصادفة،62مجاهدي )

.فاجأهم الموت في قصف عشوائي، أو في رصاصة خاطئة الذين

ومن عجينة العربي بن مهيدي، ومصطفى بن كان من طينة ديدوّش مراد،.ينتظرون أن يأتيهم بولعيد، الذين كانوا يذهبون إلى الموت وال

cه والدك.. وسؤالك الدائم يعيد السمه هيبته Q؟ فهل أنسى أن Q وشهيدا حياQ cك حدc الجنون. ويبقى صدى سؤالك مائال حدثني... "فيرتبك القلب الذي أحب

.."عنه

جاهز سأحدثك عنه حبيبتي.. فال أسهل من الحديث عن الشهداء. تاريخهمQ كخاتمتهم. ونهايتهم تغفر لهم ما يمكن أن يكونوا قد ومعروف مسبقا

.أخطاء ارتكبوا من(..سأحد�ثك عن )سي طاهر

تاله تاريخ آخر يصادر األحياء. فوحده تاريخ الشهداء قابل للكتابة، وماQ.. فهناك عالمات وسيكتبه جيل لم يعرف الحقيقة ولكنه سيستنتجها تلقائيا

.ال تخطئ

Page 25: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q على عتبات االستقالل. ال شيء في يده غير مات )سي طاهر( طاهرا سالحه. ال شيء في جيوبه غير أوراق ال قيمة لها.. ال شيء على أكتافه

.سوى وسام الشهادة..الرموز تحمل قيمتها في موتها

يحملون قيمتهم في رتبهم وأوسمتهم ووحدهم الذين ينوبون عنهم،cة، وما مألوا به جيوبهم على عجل من حسابات ية الشرفي cسر.

cز لدشرة بأكملها ست ساعات من الحصار والتطويق، ومنن القصف المرك ليتمكن قتلته من نشر صورته على صفحات جرائد الغد كدليل على

قة" الذين أقسمت فرنسا انتصاراتهم الساحقة على بين و "الفال� cأحد المخر ..أن تأتي عليهم

Q Q لقوة عظمى، كانت ستخسر أكان حقا موت ذلك الرجل البسيط انتصارا!بأكملها؟ بعد بضعة أشهر الجزائر

.ثماره ، دون أن يتمتع بالنصر وال بقطف1960استشهد هكذا في صيف ها هو رجل أعطى الجزائر كلc شيء، ولم تعطه حتى فرصة أن يرى ابنه

..جواره يمشي إلى.أو يراك أنت ربما طبيبة أو أستاذة كما كان يحلم

cك ذلك !الرجل كم أحب

بجنون أبوcة األربعين.. بحنان الذي كان يخفي خلف صرامته الكثير من الحنان، بأحالم الذي صودرت منه األحالم، بزهو المجاهد الذي أدرك وهو

Q بعد اليوم يرى مولده .األول، أنه لن يموت تماما

ات القليلة التي كان cيحضر فيها إلى تونس لزيارتكم مازلت أذكر المر .خلسة ليوم واحد أو ليومين

Q لسماع آخر األخبار، وتطورات األحداث على وكنت وقتها أسرع إليه متله�فا نفسه حتى ال أسرق منه تلك الجبهة. وأنا أجهد نفسي في الوقت

برفقة عائلته الساعات القليلة النادرة، التي كان يغامر بحياته ليقضيها.الصغيرة

Q آخر ال .أعرفه كنت أندهش وقتها، وأنا أكتشف فيه رجال رجل بثياب أخرى، بابتسامة وكلمات أخرى، وبجلسة يسهل له فيها

.ركبته طوال الوقت لمالعبتك إجالسك على

الشحيح كل قطرات كان يعيش كل لحظة بأكملها، وكأنه يعتر من الزمنQ، ساعات يعرفها معدودة؛ ويمنحك السعادة؛ وكأنه يسرق من العمر مسبقا

Q من الحنان زادك لعمر كامل .مسبقا وكان حضر ليشهد أهم. 1960كانت آخر مرة رأيته فيها، في يناير سنة

أمنيته حدث في حياته؛ ليتعرف على مولوده الثاني "ناصر"، فقد كانتQ.. وحد�ثته Q بكر. يومها لسبب غامض تأملته كثيرا �رزق يوما السرية أن ي

Page 26: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q.. وفضcلت أن أتركه لفرحته تلك، ولسعادته المسروقة. وعندما عدت قليالQ في الغد، قيل Q أنه سيعود قريبا cه عاد إلى الجبهة على عجل مؤكدا لي إن

.لمدة أطول..يعد ولم

انتهى بعد ذلك كرم القدر البخيل. فقد استشهد )سي طاهر( بعد بضعةة ثانية أشهر دون cأن يتمكن من رؤية ابنه مر.

.تدخلين عامك الخامس كان ناصر آنذاك ينهي شهره الثامن، وأنت

Q يموت ويولد كلc يوم1960وكان الوطن في صيف وتتقاطع مع. بركانا..موته وميالده، أكثر من قصة، بعضها مؤلم وبعضها مدهش

Q كما جاءت قصتي التي تقاطعت يومها معك وبعضها يأتي .متأخراQ وحولت مسار حياتي بعد عمر بأكمله، بحكم قصة فرعية، كتبت مسبقا

.. شيء قد يكون اسمه القدر، وقد يكون العشق الجنونيQ كلc مبادئنا وقيمنا .السابقة ذاك الذي يفاجئنا من حيث ال نتوقع، متجاهال

Q؛ Q.. في تلك اللحظة التي ال نعود ننتظر فيها شيئا وإذا به والذي يأتي متأخرا.يقلب فينا كلc شيء

الكالم، أن أقاوم هذه فهل يمكن لي اليوم، بعدما قطعت بيننا األيام جسورQ، كما عشتهما معك ودونك، بعد الرغبة الجنونية لكتابة هاتين القصتين معا

..ذلك بسنوات

Qوغيرة ..Q Q.. وحقدا Q.. وحلما .وخيبةQ.. وفجائع حدc الموت.. رغبةQ.. وعشقا

cين االستماع ..إليc أنت التي كنت تحب.وتقلبينني كدفتر قديم للدهشة

Q من كان ال بد أن أكتب من أجلك هذا �سعا الكتاب، ألقول لك ما لم أجد مت.العمر ألقوله

cوك ألسباب مختلفة، وخنتهم ألسباب مختلفة أخرى سأحدثك عن الذين .أحب

�ين الحديث عنه وتراوغين؟ سأحدثك حتى عن زياد، أما كنت تحب

.اختار كلc منا قدره لم يعد من ضرورة اآلن للمراوغة.. لقد

cنا، والتي Q في حب أصبحت بعد سأحدثك عن تلك المدينة التي كانت طرفاQ في فراقنا، وانتهي فيها مشهد خرابنا الجميل .ذلك سببا

ستتحدثين؟ فعمc تراك�ا أحببت؟ �ا تراك كتبت؟ مtن» من عن أيc رجل من

cا ستقتلين؟ ومن.. من، وذاكرة بأخرى، cبحب Q cا ولمن تراك أخلصت، أنت التي تستبدلين حب

Q بمستحيل؟ ومستحيال

Page 27: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

وأين أنا في قائمة عشقك وضحاياك؟األولى، ألنني أقرب إلى النسخة األولى؟ تراني أشغل المكانة

التي لم يحوcلها االستشهاد إلى تراني النسخة المزورة لـ )سي طاهر( تلكنسخة طبق األصل؟

المزوcر؟ تراني األبوة المزورة.. أم الحب.جهد أنت التي _كهذا الوطن_ تحترفين تزوير األوراق وقلبها.. دون

:كان "مونتيرالن" يقولQ عن قتل من تدcعي كراهيته،" �ك تكرهه: أنت تعهcر إذا كنت عاجزا فال تقل إن

!".هذه الكلمة

cه كان ال بدc أن أكتب دعيني أعترف لك أنني في هذه اللحظة أكرهك، وأنQ. دعيني أجرcب ..أسلحتك هذا الكتاب ألقتلك به أيضا

فربما كنت على حق.. ماذا لو كانت الروايات مسدcسات محشوcة بالكلمات.القاتلة ال غير؟

Q؟ Q أيضا ولو كانت الكلمات رصاصا�ني لن أستعمل معك Q بكاتم صوت، على طريقتك ولكن .مسدسا

.كلc هذه االحتياطات ال يمكن لرجل يحمل السالح بعد هذا العمر، أن يأخذQ قدر اإلمكان Q مدويا ..أريد لموتك وقعا

أكثر من شخص، كان ال بد أن يجرؤ أحد على إطالق النار فأنا أقتل معكQ .عليهم يوما الكتاب حتى النهاية، بعدها قد تكفcين عن كتابة الروايات فاقرأي هذا

.الوهمية..من جديد وطالعي قصتنا

Q بعد آخر، فلم يحدث ألدبنا التعيس هذا، أن عرف دهشة بعد أخرى، وجرحا..قصة أروع منها

Q أجمل .وال شهد خرابا

الثاني الفصل

Q للدهشة ..كان يوم لقائنا يوما القدر فيه هو الطرف الثاني، كان منذ البدء الطرف األول. أليس لم يكن

مدن أخرى، من زمن آخر وذاكرة أخرى، ليجمعنا في هو الذي أتى بنا منللرسم؟ قاعة بباريس، في حفل افتتاح معرض

.صعيد يومها كنت أنا الرسام، وكنت أنت زائرة فضولية على أكثر من

Page 28: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q يشعر لم تكوني فتاة تعشق الرسم على وجه التحديد. وال كنت أنا رجالQ. فما الذي قاد خطاك هناك ذلك بضعف تجاه الفتيات الالئي يصغرنه عمرا

Q أمام وجهك؟ اليوم؟.. وما الذي أوقف نظري طويال

Q تستوقفه الوجوه، ألن وجوهنا وحدها تشبهنا، وحدها تفضحنا، كنت رجالQ على أن أحبc أو أكره بسبب .وجه ولذا كنت قادرا

وبرغم ذلك، لست من الحماقة ألقول إنني أحبتك من النظرة األولى..أقول إنني أحبتك، ما قبل النظرة األولى يمكنني أن

إلى مالمحك المحببة إليc كان فيك شيء ما أعرفه، شيء ما يشدنيQ امرأة تشبهك. أو كأنني كنت Q، وكأنني أحببت يوما tQ منذ األزل مسبقا مستعدا

Q .ألحبc امرأة تشبهك تماما وثوبك األبيض المتنقcل من لوحة إلى كان وجهك يطاردني بين كلc الوجوه،

..أخرى، يصبح لون دهشتي وفضولي

cث وحده تلك القاعة المألى.. بأكثر من زائر وأكثر من واللون الذي يؤث.لون

cه بالضرورة هل يولد- Q من لون� لم نكن نحب !_الحبc أيضاcي، وراح يتحدث بالفرنسية مع فتاة أخرى وفجأة اقترب اللون األبيض من

..لم أالحظها من قبل

�ما ألن األبيض Q، يكون قد غط�ى على كل رب Q حالكا Q طويال عندما يلبس شعرا..األلوان

:وهو يتأمل لوحة قال األبيض

-Je prefere l'abstrait!..

:له وأجاب اللون الذي ال لون

-moi je prefere comprendre ce que je vois.

اللون الذي ال لون له، عندما يفضcل أن يفهم كلc ما ولم تدهشني حماقة..يرى

!األبيض فقط.. فليس من طبعه أن يفضcل الغموض أدهشني اللون

.انحزت للون األبيض قبل ذلك اليوم، لم يحدث أنQ لوني المفضل.. فأنا أكره األلوان .الحاسمة لم يكن يوما

.ولكنني آنذاك انحزت إليك دون تفكير:وكأنني أواصل جملة بدأتها أنتu ووجدتني أقول لتلك الفتاة،

Page 29: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

-cما نفهمه الفن هو كل ما يهزنا.. وليس بالضرورة كل!

Q، كانت Q بشيء من الدهشة، وقبل أن تقولي شيئا عيناك نظرتما إليc معا تكتشفان في نظرة خاطفة، ذراع جاكيتي الفارغة والمختبئ كمcه بحياء في

.سترتي جيب

.كانت تلك بطاقة تعريفي وأوراقي الثبوتية

:مصافحة وقلت بحرارة فاجأتني مددت نحوي يدك

cئك على هذا- ..المعرض كنت أريد أن أهن

وقبل أن تصلني كلماتك.. كان نظري قد توق�ف عند ذلك السوار الذي.يزين معصمك العاري الممدود نحوي

�عرف من ذهبها األصفر المضفور، ومن كان إحدى الحليc القسنطينية التي ت الماضي، جهاز نقشتها المميزة. تلك "الخالخل" التي لم يكن يخلو منها في

.عروس وال معصم امرأة من الشرق الجزائري

Q عنه. وفي عمر لحظة، عادت مددت يدي إليك دون أن أرفع عيني تماماQ إلى الوراء. إلى معصم أمcا( الذي لم يفارقه هذا السوار )ذاكرتي عمرا

.قط

نظري سوار كهذا؟ وداهمني شعور غامض، منذ متى لم يستوقف�ما منذ أكثر من ثالثين سنة !لم أعد أذكر.. رب

�ما دون أن أدري، بكثير من اللباقة سحبت يدك التي كنت أشدc عليها ربuه فجأة وكأنني أمسك بشيء ما، .استعدت

..وابتسمت لي

.رفعت عيني نحوك ألول مرة.في نصف نظرة تقاطعت نظراتنا

Q بيدك .كنت تتأملين ذراعي الناقصة، وأتأمل سوارا..ذاكرته فوقه كان كالنا يحمل

Q وكان يمكن لنا أن نتعرف على بعضنا بهذه الطريقة فقط. ولكن كنت لغزاQ. فرحت أراهن على اكتشافك. أتفحصك ال تزيده التفاصيل إال غموضا

Q Q.. كأنني أعرفك وأتعرف عليك في آن واحد مأخوذا .مرتبكا

.الذي يبهر، ذلك الجمال الذي يخيف ويربك لم تكوني جميلة ذلك الجمال

cة، ولكن بتفاصيل غير عادية، بسر³ ما يكمن في مكان ما من كنت فتاة عادي

Page 30: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

�ما في جبهتك العالية وحاجبيك السميكين والمتروكين على وجهك.. ربcما في ابتسامتك الغامضة وشفتيك المرسومتين استدارتهما الطبيعية. ورب

cة لقبلة .بأحمر شفاه فاتح كدعوة سري.ولونهما العسليc المتقل�ب أو ربما في عينيك الواسعتين..وكنت أعرف هذه التفاصيل

:وجاء صوتك بالفرنسية يخرجني من تفكيري قلت أعرفها.. ولكن كيف؟

..هذه القمة من اإلبداع يسعدني أن يصل فنان جزائري إلى- :ثم أضفت بمسحة خجل

Q معارض فنية، في الحقيقة.. أنا ال أفهم- Q في الرسم، ولم أزر إال نادرا كثيراcا في ولكن يمكنني أن أحكم على األشياء الجميلة، ولوحاتك شي مميز.. كن

كهذه... لقد كنت أقول هذا حاجة إلى شيء جديد بنكهة جزائرية معاصرة.البنة عمي عندما فاجأتنا

مني لتصافحني، وتقد�م لي نفسها، وكأنها بذلك وعندما تقدمت تلك الفتاةQ في وقفتنا، وذلك الحوار الذي وجدت نفسها خارجه بعدما ستصبح طرفا

..تجاهلتها منذ البدء دون أن أدري

فني بنفسها قالت وهي cتعر:

..اآلنسة عبد المولى. إني سعيدة بلقائك-

.لسماع ذلك االسم انتفضتQ إلى تلك الفتاة التي صافحتني بحرارة ال تخلو من شيء ونظرت مدهوشا

..من الغرور تفحصتها وكأنني أكتشف وجودها، ثم عدت ألتأملك عساني أجد في

Q لدهشتي .مالمحك جوابا..عبد المولى.... عبد المولى..جواب لتلك المصادفة وراحت الذاكرة تبحث عن

Q .كنت أعرف عائلة عبد المولى جيدا أحدهما )سي طاهر( استشهد منذ اكثر من عشرين. إنهما أخوان ال أكثر

Q فقط Q وبنتا .سنة، وترك صبيا سي الشريف( تزوج قبل االستقالل، و قد يكون له اليوم عدة أوالد )واآلخر..وبنات منكما ابنة )سي الطاهر(... تلك التي حملت� اسمها وصية من الجبهة فمن

Q في سجل� حتى تونس.. ونبت عن أبيها في دار البلدية، لتسجيلها رسمياالوالدات؟

cلتها نيابة من منكما تلك الصغيرة cلتها نيابة عن أبيها، وال عبتها ودل التي قبعنه؟

؟... من منكما uأنت

Page 31: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.. ال uك أنت� .تلك وبرغم بعض الخطوط المشتركة لمالمحكما، كنت أشعر أن.بك أو هكذا كنت أتمنى، وأنا أحلم قبل األوان بقرابة ما تكون جمعتني

.Q cب إليc مسبقا Q لوجهك المحب وأندهش لهذه المصادفة، وأجد فجأة تبريرا.كنت نسخة عن )سي طاهر(، نسخة أكثر جاذبية لقد

.كنت أنثى

تكوني أنت الطفلة التي رأيتها آلخر مرة في تونس سنة ولكن.. أيعقل أن رحت أطمئن عليكم كالعادة، وأتابع ( غداة االستقالل، عندما1962)

سي الشريف( من )بنفسي تفاصيل عودتكم إلى الجزائر؟ بعدما اتصل بي قسنطينة، ليطلب مني بيع ذلك البيت الذي لم يعد هناك ضرورة لوجوده،

ب إليه أسرته الصغيرة، cة سنوات ليهرcوالذي اشتراه )سي الطاهر( منذ عد فرنسا عن الجزائر في الخمسينيات، بعد عدة أشهر من عندما أبعدته

.السياسي السجن قضاها بتهمة التحريض

كم كان عمرك وقتها؟ إلى هذا الحد.. خالل أيعقل أن تكوني تغيرت إلى هذا الحدc.. وكبرت

!عشرين سنة؟

بعمرك، وربما أرفض رحت أتأملك مرة أخرى، وكأنني أرفض أن أعترف أن أعترف بعمري وبالرجل الذي أصبحته منذ ذلك الزمن الذي يبدو لي

Q .اليوم غابرا

الزمن وهذا ما الذي أوصلك إلى هذه المدينة.. وإلى هذه القاعة في هذااليوم بالذات؟

Q لسبب ال عالقة له بك ..يوم انتظرته طويال..ألف حساب لم تكوني ضمنه وحسبت له

.مفاجأتي وتوق�عت فيه كل المفاجآت إال أن تكوني أنت

فجأة أذهلني اكتشافي، وخفت من مواجهة عينيك اللتين كانتا تتابعان بشيء من الدهشة ارتباكي. فقررت أن أطرح سؤالي بالمقلوب، وأنا

األخرى التي قدcمت لي نفسها. كنت أعرف أنني أواصل حديثي مع الفتاةQ .من منكما.. أنتu إذا عرفتها سينحل اللغز، وأعرف تلقائيا

فقد كان إلحداكما اسم أعرفه منذ خمس وعشرين سنة، وعليc فقط أن.أتعرف على صاحبته

:سألتها

المولى؟ هل لديك قرابة بسي الشريف عبد- :أجابت بسعادة وكأنها تكتشف أن أمرها يعنيني

عليه الحضور اليوم بسبب وصول وفد من الجزائر إنه أبي.. لقد تعذر- Q. وقد رنا أن البارحة.. لقد حدcثنا عنك كثيرا cأثار فضولنا لمعرفتك لدرجة قر

Page 32: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

!نأتي مكانه اليوم لحضور االفتتاح

كالم تلك الفتاة على تلقائيته يحمل لي جوابين. األول أنها لم تكن كان(.تخلف )سي الشريف أنت، والثاني سبب

،Q أم كنت الحظت غيابه وتساءلت عن سببه، هل كان المانع شخصياQ.. أم تراه كان لسبب� ما يتحاشى الظهور معي؟ سياسيا

تقاطعت منذ سنين عندما دخل دهاليز اللعبة كنت أدري أنc طرقنا الصفوف األمامية. ورغم ذلك السياسية، وأصبح هدفه الوحيد الوصول إلى

Q. لم يكن بإمكاني أن أتجاهل وجوده معي في المدينة نفسها فقد كان جزءا.من شبابي وطفولتي.. وكان بعض ذاكرتي

محض، كان الشخصية الجزائرية الوحيدة التي ولذا، وألسباب عاطفية.دعوتها

�ن، لم ألتق به منذ عدة سنوات، Q منذ ع�ي ولكن أخباره كانت تصلني دائماQ في السفارة الجزائرية، وهو منصب ككل المناصب قبل سنتين، ملحقا

Q من الوساطة واألكتاف .العريضة "الخارجية"، يتطلب كثيرا

وكان بإمكان )سي الشريف( أن يشق طريقه إلى هذا المنصب وألهم منه بماضيه فقط، وباسمه الذي خلcده سي الطاهر باستشهاده. ولكن يبدو أن

Q بمفرده لضمان الحاضر، وكان عليه أن يتأقلم مع الماضي لم يكن كافيا..للوصول كلc الرياح

خطر ببالي كلc ذلك، وأنا أحاول بدوري أن أتأقلم مع كل المفاجآت واالنفعاالت التي هزتني في بضع لحظات، والتي كانت بدايتها أنني وددت

فتاة جميلة تزور معرضي ال غير.. فإذا بي أسلcم على أن أسلم على!ذاكرتي

..األولى معك وعدت إلى دهشتي اللوحة إلى كل التفاصيل األولى التي لفتت نظري إليك منذ البدء. إلى تلك

Q أمامها. لقد كان هناك أكثر من قدر، أكثر من بالذات التي توقفت طويال.مكتوب.. أكثر من مصادفة

uأنت.. لوحاتي. تتأملين بعضها، تتوقفين أكنت أنت.. في قاعة تتفرجين فيها على

بيدك لتتعرفي على عند بعضها اآلخر، وتعودين إلى الدليل الذي تمسكيهأسماء اللوحات التي تلفت نظرك األكثر؟

uأنت.. أنت.. نور آخر يضيء كل لوحة تمرين بها، فتبدو األضواء الموجهة تراك

Page 33: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.موجcهة نحوك.. وكأنك كنت اللوحة األصلية نحو اللوحات، وكأنها

..أنت إذنQ. تتأملينها بإمعان أكبر، تتوقفين أمام لوحة صغيرة لم تستوقف أحدا

.اسمها في قائمة اللوحات تقتربين منها أكثر، وتبحثين عن

ام ولحظتها سرت في جسدي قشعريرة مبهمة. واستيقظ فضول cالرس ..المجنون داخلي

ليc..؟ من تكونين، أنت الواقفة أمام أحبc لوحاتيQ ال يصلني Q وأنت تتأملينها.. وتقولين لرفيقتك كالما رحت أتأملك مرتبكا

.شيء منهما الذي أوقفك أمامها؟

لوحتي األولى وتمريني لم تكن أجمل ما في القاعة من لوحات، كانت..األول في الرسم فقط

حاضرة في معرضي األهم هذا، ولكنني أصررت هذه المرة، على أن تكون.ألنني اعتبرتها برغم بساطتها، معجزتي الصغيرة

منذ خمس وعشرين سنة، وكان مر� على بتر ذراعي اليسرى أقلc رسمتها.من شهر

لإلبداع وال لدخول التاريخ. كانت محاولة للحياة فقط، لم تكن محاولةQ والخروج من اليأس. رسمتها كما يرسم تلميذ في امتحان للرسم منظرا

:ليجيب على ورقة األستاذ

".إلى نفسك ارسم أقرب منظر"

بعض إنها الجملة التي قالها لي ذلك الطبيب اليوغسالفي الذي قدم مع األطباء من الدول االشتراكية إلى تونس، لمعالجة الجرحى الجزائريين،

على عملية بتر ذراعي وظل يتابع تطوراتي الصحية والذي أشرف.والنفسية فيما بعد

يسألني كل مرة أزوره فيها عن اهتماماتي الجديدة، وهو يالحظ كان.المستمر إحباطي النفسي

Q ليحتفظ بي الطبيب في مستشفى، وال كنت معافى بمعنى لم أكن مريضا.ألبدأ حياتي الجديدة الكلمة

Q في الوقت Q لذلك الوطن وغريبا Q كنت أعيش في تونس، ابنا نفسه؛ حراQ في الوقت نفسه Q وتعيسا Q في الوقت نفسه؛ سعيدا .ومقيدا

الذي رفضه الموت ورفضته الحياة. كنت كرة صوف متداخلة.. كنت الرجل يجد رأس الخيط الذي يحلc به كلc فمن أين يمكن لذلك الطبيب أن

عقدي؟

Page 34: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

ة، وهو يكتشف cالكتابة أو وعندما سألني ذات مر cثقافتي، هل كنت أحب من الغرق، الرسم، تمسكت بسؤاله وكأنني أتمسcك بقشه قد تنقذني

Q الوصفة الطبية التي كان يعدها لي .وأدركت فورا

:قالات على إن- cالعملية التي أجريتها عليك، أجريت مثلها عشرات المر

Q، وإذا كانت العملية ال جرحى كثيرين فقدوا في Q أو ذراعا الحرب ساقا شخص إلى آخر، حسب عمر تختلف، فإنc تأثيرها النفسي يختلف من

الثقافي، المريض ووظيفته وحياته االجتماعية.. وخاصة حسب مستواه فوحده المثق�ف يعيد النظر في نفسه كلc يوم، ويعيد النظر في عالقته مع

cر شيء في حياته ..العالم ومع األشياء كلما تغي

ت بي أكثر من حالة لقد أدركت هذا من تجربتي في cهذا الميدان. لقد مر قد أخلc بعالقتك بما هو من هذا النوع، ولذا أعتقد أن فقدانك ذراعك

الكتابة أو حولك. وعليكم أن تعيد بناء عالقة جديدة مع العالم من خالل..الرسم

قيود كلc ما عليك أن تختار ما هو اقرب إلى نفسك، وتجلس لتكتب دون يدور في ذهنك. وال تهمc نوعية تلك الكتابات وال مستواها األدبي.. المهم

..الكتابة في حد ذاتها كوسيلة تفريغ، وأداة ترميم داخلي

Q قادر على أن يصالحك مع وإذا كنت تفضcل الرسم فارسم.. الرسم أيضاcر في cرت وأصبحت األشياء ومع العالم الذي تغي نظرك، ألنك أنت تغي..تشاهده وتلمسه بيد� واحدة فقط

أجيبه ذلك اليوم بتلقائية.. إنني أحبc الكتابة، وأنها األقرب وكان يمكن أنQ طوال حياتي، سوى القراءة التي تؤدي إلى نفسي، مادمت لم أفعل شيئا

Q إلى الكتابة .تلقائياQ بمستقبل ناجح.. في كان يمكن أن أجيبه كذلك، فقد تنبأ لي أساتذتي دائما

!الفرنسي األدبQ ولهذا أجبته دون تفكير، أو ربما بموقف اكتشفت فيما بعد أنه كان جاهزا

:في أعماقي..أفضل الرسم-

..قبل اليوم لم تقنعه جملتي المقتضبة فسألني إن كنت رسمت..".قلت: "ال

cشي إليك قال: "إذن ابدأ برسم أقرب شيء إلى نفسك.. ارسم أحب."..

: "وعندما ودcعني قال بسخرية األطباء عندما يعترفون بعجزهم بلباقة!".ارسم.. فقد ال تكون في حاجة إليc بعد اليوم

Q أريد أن أخلو لنفسي بين تلك الجداران عدت يومها إلى غرفتي مسرعا

Page 35: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q لجدران مستشفى الحبيب ثامر" الذي كان "البيضاء، التي كانت استمرارا.تونس حتى ذلك الوقت، المكان الذي أعرفه األكثر في

رحت يومها أتأمل تلك الجدران على غير عادتي، وأنا أفكر في كل ما.. كلc يمكن cأن أعلق عليها من لوحات بعد اليوم. كل وجوه من أحب

.تركته خلفي هناك األزقة التي أحب.. كلc ما

Q، وربما لم أنم. كان صوت ذلك الطبيب يحضرني نمت في تلك الليلة قلقا بفرنسيته المكسرة ليوقظني "ارسم". كنت أستعيده داخل بدلته البيضاء، يودعني وهو يشدc على يدي "ارسم". فتعبر قشعريرة غامضة جسدي وأنا

سورة للقرآن. يوم نزل جبرائيل عليه السالم على أتذكر في غفوتي أولQ من الرهبة.. "ماذا محمد ألول مرة فقال له "اقرأ" فسأله النبي مرتعدا

cك الذي خلق" وراح يقرأ عليه أول أقرأ؟" فقال جبريل "اقرأ باسم رب سورة للقرآن. وعندما انتهى عاد النبي إلى زوجته وجسده يرتعد من هول

...".ما سمع. وما كاد يراها حتى صاح "دثريني.. دثريني

برجفة الحمcى الباردة. وبرعشة ربما كان سببها كنت ذلك المساء أشعر اللقاء الذي كنت أعرف أنه آخر توتري النفسي يومها، وقلقي بعد ذلك

Q بسبب ذلك الغطاء الخفيف الذي كان لقاء لي مع الطبيب. وربما أيضا غطائي الوحيد في أوج الشتاء القارس، والذي لم يمنحني مستأجري

.البخيل غيره

التي وكدت أصرٍخ وأنا أتذكر فراّش طفولتي. وتلك "البطانية" الصوفية كانت غطائي في مواسم البرد القسنطيني، كدت أصرٍخ في ليل غربتي..

Q ليلتها، ال لقسنطينة وال "دثريني قسنطينة.. دثريني.." ولكن لم أقل شيئا البائس. احتفظت بحم�اي وبرودتي لنفسي. صعب على لصاحب الغرفة

..حتى لنفسه بالبرد رجل عائد لتوه من الجبهة، أن يعترف

أوراق نقدية انتظرت فقط طلوع الصباح ألشتري بما تبقى في جيبي من ما أحتاج إليه لرسم لوحتين أو ثالث. ووقفت كمجنون على عجل أرسم

..الحبال" في قسنطينة "قنطرة

Q، ألقف بتلقائية ألرسمه وكأنني أكان ذلك الجسر أحبc شيء إليc حقاوقفت ألجتازه كالعادة؟ أم تراه كان أسهل شيء للرسم فقط؟

..أدري ال أدري أنني رسمته مرات ومرات بعد ذلك، وكأنني أرسمه كل مرة ألول

.وكأنه أحب شيء لدي كل مرة. مرة

كثير من التفكير خمس وعشرون سنة، عمر اللوحة التي أسميتها دون "حنين". لوحة لشاب في السابعة والعشرين من عمره، كان أنا بغربته

.وبحزنه وبقهره

Page 36: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

قرن وها أنا ذا اليوم، في غربة أخرى وبحزن وبقهر آخر.. ولكن بربع إضافي، كان لي فيه كثير من الخيبات والهزائم الذاتية.. وقليل من

.االستثنائية االنتصارات

على ها أنا اليوم أحد كبار الرسامين الجزائريين، وربما كنت أكبرهم اإلطالق؛ كما تشهد بذلك أقوال النقاد الغربيين الذين نقلت شهادتهم

.على بطاقات دعوة االفتتاح بحروف بارزة

خريف في غرفة صغيرة ها أنا اليوم... نبيc صغير نزل عليه الوحي ذات.بائسة، في شارع "باب سويقة" بتونس

كالعادة.. وكيف ال وال كرامة لنبي في وطنه؟ ها أنا نبي خارج وطنه العاهة أن يكون "ظاهرة" وأن ها أنا "ظاهرة فنية؟، كيف ال وقدر ذي

Q ولو بفنه؟ يكون جبارا..ها أنا ذا

ذلك الطبيب الذي نصحني بالرسم ذات مرة؟ والذي صدقت فأين هو اليوم؟ إنه الغائب الوحيد في هذه القاعة نبوءته ولم احتاج إليه بعد ذلك

فيها لوحاته قبلي. أين هو الشاسعة التي لم يسبق أليc عربي أن عرض..الدكتور "كابوتسكي" ليرى ماذا فعلت بيد� واحدة

Q ماذا فعل بيدي األخرى ذلك !الذي لم أسأله يوما

( توقيعي57وجوار تاريخ رسمها )تونس وها هي "حنين" لوحتي األولى،Q كما وضعته أسفل اسمك، الذي وضعته ألول مرة أسفل لوحة. تماما

، وأنا أسج�لك في دار1957وتاريخ ميالدك الجديد، ذات خريف من سنة ..البلدية ألول مرة

بالي ذلك من منكما طفلتي.. ومن منكما حبيبتي؟ سؤال لم يخطر على..اليوم، وأنا أراك تقفين أمام تلك اللوحة ألول مرة

Q _ ببضعة أيام.. وتصغرك في الواقع.. لوحة في عمرك تكبرينها _ رسميا.ببضعة أشهر ال غير

كانت بدايتي مرتين.. مرة يوم أمسكت بفرشاة ألبدأ معها مغامرة لوحة أنت أمامها، وإذا بي أدخل في مغامرة مع الرسم.. ومرة يوم وقفت

...القدر

على مفكرة مألى بمواعيد وعناوين ال أهمية لها، وضعت دائرة حول تاريخ ، وكأنني أريد أن أميزه عن بقية األيام. قبل ذلك1981اليوم: نيسان ذلك

.سنواتي الماضية ما يستحق التميز اليوم، لم أجد في ال تستحق الذكر. فقد كانت أيامي مثل أوراق مفكرتي مألى بمسودات

Page 37: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q كي ال أتركها بيضاء، فقد كان اللون األبيض Q وكنت امألها غالبا يخيفني دائما.عندما يكون على مساحة ورق

فيها ما يستحق الدهشة. جميعها ثماني مفكرات لثماني سنوات، لم يكن غربة كنت أحاول. صفحة واحدة لمفكرة واحدة ال تاريخ لها سوى الغربة

أن أختصرها بعملية حسابية كاذبة، تتحول فيها السنوات إلى ثماني مفكرات ال غير، مازالت مكدسة في خزانتي الواحدة فوق األخرى...

تواريخها الميالدية أو الهجرية.. إنما حسب أرقام سنوات مسجلة ال حسب.االختيارية هجرتي

الدائرة. أضع دائرة حول تاريخ ذلك اليوم، وكأنني أغلق عليك داخل تلك.كأنني أطوقك وأطارد ذكراك لتدخلي دائرة ضوئي إلى األبد

Q كنت أتصرف عن حدس مسبق، وكأن هذا التاريخ سيكون منعطفاQ أن للذاكرة؛ كأنه سيكون ميالدي اآلخر على يديك. وكنت أعي وقتها تماما

Q الوالدة على يدك كالوصول إليك أمر لن يكون .سهال

يشهد على ذلك غياب رقمك الهاتفي وعنوانك من تلك الصفحة التي لم تحمل في النهاية سوى تاريخ لقائك. فهل كان من المنطقي أن اطلب تكن

لقائنا األول أو صدفتنا األولى تلك.. وبأي مبرر وبأية منك رقم هاتفك في تبدو ملفcقة عندما يطلب رجل من فتاة حجة سأفعل ذلك، وكلc األسباب

جميلة رقم هاتفها؟

الجلوس إليك.. في التحدث واالستماع إليك.. كنت أشعر برغية فيف على النسخة األخرى لذاكرتي cولكن كيف أقنعك بذلك؟. عساني أتعر

كيف أشرح لك في لحظات أنني أعرف الكثير عنك، أنا الرجل الذي تقابلينه ألول مرة، والي تتحدثين إليه كما نتحدث بالفرنسية للغرباء بضمير

..فال أملك إال أن أجيبك بنفس كالم الغرباء بالجمع.. الجمع

على لساني، وكأنني أتحدث لك بلغة ال أعرفها.. كانت الكلمات تتعثر يومهاcا. أيعقل بعد Q عن عشرين سنة أن أصافحك وأسألك بلغة بلغة ال تعرف شيئا

..فرنسية محايدة

-Mais comment allez-vous mademoiselle?

:فتردين عليc بنفس المسافة اللغوية

-Bien.. je vous remercie..

.وتكاد تجهش الذاكرة بالبكاء.. تلك التي عرفتك طفلة تحبو ترتعش ذراعي الوحيدة وهي تقاوم رغبة جامحة الحتضانك، وسؤالك تكاد

..افتقدتها بلهجة قسنطينية

Page 38: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

واشك..؟-

�ي كيف أنت أيتها.. آه واشك.. أيتها الصغيرة التي كبرت في غفلة من الزائرة الغريبة التي لم تعد تعرفني. يا طفلة تلبس ذاكرتي، وتحمل في

Q كان ألمي؟ معصمها سوارا

مالمح )سي الطاهر( دعيني أضمc كلc من أحببتهم فيك. أتأملك وأستعيدcتك. في ابتسامتك ولون عينيك. فما أجمل أن يعود الشهداء هكذا في طل

ما أجمل أن تعود أمcي في سوار بمعصمك؛ ويعود الوطن اليوم في!أن تكوني أنت.. هي أنت مقدمك. وما أجمل

..أتدرين الجمال.. رغب في إذا صادف اإلنسان شيء جميل مفرط في)

..(البكاء.ومصادفتك أجمل ما حلc بي منذ عمر

ة واحدة.. ونحن وقوف تتقاسمنا األعين كيف أشرح لك cهذا مر cكل واألسماع؟

Q إليك دون أن أدري.. أنني كنت انتظرك كيف أشرح لك أنني كنت مشتاقادون أن أصدق ذلك؟

.نلتقي وأنه ال بد أن..أجمع حصيلة ذلك اللقاء األول

فيها أنا أكثر مما تحدثت أنت. ربع ساعة من الحديث أو أكثر. تحدثت أستبقيك حماقة ندمت عليها فيما بعد. كنت في الواقع أحاول أن

.بالكلمات. نسيت أن أمنحك فرصة أكثر للحديث

Q وأنا أكتشف .. كنت على استعداد لمناقشتي كنت سعيدا cشغفك بالفن Q Q في كل لوحة، كان كل شيء معك قابال للجدل. وأم�ا أنا فكنت طويال

شهيتي لحظتها ال أرغب سوى في الحديث عنك. وحده وجودك كان يثير.للكالم

مع وألنه لم يكن في الوقت متسع ألسرد عليك فصول قصتي المتقاطعة قصتك، اكتفيت بجملتين أو ثالث عن عالقاتي القديمة بأبيك.. وعن

!وعن لوحة قلت إنك أحببتها، وقلت لك إنها توأمك.. طفولتك األولى

االقتضاب.. وكثير من الذكاء. تركت بين الكلمات اخترت جملي بكثير منQ من نقط االنقطاع.. إلشعارك .بثقل الصمت الذي لم تمأله الكلمات كثيرا

.في يوم واحد على عجل لم أكن أريد أن أنفق ورقتي الوحيدة معك ثانية. كنت أريد أن أوقظ فضولك لمعرفتي أكثر، لكي أضمن عودتك لي

Q هنا طوال فترة المعرض؟" أدركت وعندما سألتني "هل ستكون موجودا أول امتحان معك، وأنا أجعلك تفكرين في لقائي مرة أنني نجحت في

:عالقة له بزالزلي الداخلية ثانية. ولكنني قلت بصوت طبيعي ال

Page 39: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

أضفت وأنا أكتشف أن سأكون هنا بعد الظهر في أغلب األحيان.." ثم"Q عنها :جوابي قد ال يشجعك على زيارة قد أكون غائبا

األرجح أن أكون هنا كل يوم، فستكون لي مواعيد كثيرة مع ومن"..".واألصدقاء الصحافيين

Q كان في ذلك الكالم شيء من الحقيقة. ولكنني لم أكن في الواقع مضطرا للبقاء طوال الوقت في المعرض. كنت فقط أحاول أال أجعلك تعودين عن

.ما قرارك لسبب:قلت وأنت تتحدثين لي فجأة بطريقة األصدقاء القدامى

المعرض يوم االثنين القادم.. إنه اليوم الذي ال دروس لي قد أعود لزيارة" اليوم عن فضول فقط.. ويسعدني أن أتحدث فيه. في الحقيقة أنا حضرت

..".إليك أكثر

Q في ذلك تدخلت ابنة عمك، وكأنها تعتذر، وربما تتحسر ألنها لن تكون طرفا:اللقاء

األكثر مشاغل بالنسبة لي.. لن يمكنني أن أرافقك، خسارة.. إنه اليوم"Q في يوم :آخر." ثم التفت نحوي سائلة ولكن قد أعود أنا أيضا

"متى ينتهي المعرض؟":قلت

..".أي بعد عشرة أيام.. نيسان25في ":صاحت

.."عظيم.. سأجد فرصة للعودة مرة أخرى".الصعداء تنفست

.أسهل المهم أن أراك مرة واحدة على انفراد، وبعدها سيصبح كلc شيء

.تزودت منك بآخر نظرة، وأنت تصافحينني قبل أن تنسحبي..دعوة لشيء ما كان في عينيك

..كان فيهما وعد غامض بقصة ما المحبب.. وربما نظرة اعتذار مسبقة كان فيهما شيء من الغرق اللذيذ

.بسببهما عن كل ما سيحل بي من كوارث بعد ذلك

Q بشال وكنت أعي في تلك اللحظة، وذلك اللون األبيض يوليني ظهره ملتفcاQ ليختلط بأكثر من لون، أنني سواء شعره األسود.. ويبتعد عني تدريجيا

.لم أرك بعد اليوم، فقط أحببتك.. وانتهى األمر رأيتك أم

Q عند مروره.. غادرت القاعة إذن مثلما Q يشق الطريق انبهارا .. ضوءا uجئت Q في انسحابه كما في .قدومه متألقا

Q من مشاريع األحالم .يجر خلفه أكثر من قوس قزح.. وذيال

الذي أعرفه عنك؟ ما

Page 40: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

نفسي أنك شيئان أو ثالثة.. أعدتهما على نفسي بعد ذلك عدة مرات، ألقنعQ كذاك الذي يضيء في األمسيات الصيفية، Q" عابرا Q مذنبا لم تكوني "نجما

ويختفي قبل أن يتمكن الفلكيون من مطاردته بمنظارهم، والذي يسمونه"!النجم الهارب.. "في قواميس الفلك

بهذه ال.. لن تهربي مني، وتختفي في شوارع باريس وأزقتها المتشعبة السهولة. أعرف على األقل أنك تعدين شهادة ما في المدرسة العليا

في السنة األخيرة للدراسة، وأنك في باريس منذ أربع للدراسات، وأنكcفي باريس أي منذ سنتين. معلومات سنوات، وتقيمين عند عمك منذ عين

.طريقة قد تكون هزيلة، ولكنها تكفي للعثور عليك بأية

ال كانت األيام الفاصلة بين يوم الجمعة ويوم االثنين تبدو طويلة وكأنها تنتهي. وكنت بدأت في العدc العكسي منذ تلك اللحظة التي غادرت فيها

أعدc األيام الفاصلة بين يوم الجمعة ويوم االثنين. تارة أعدcها القاعة، رحت أيام، ثم أعود وأختصر الجمعة الذي كان على وشك أن فتبدو لي أربعة

فتبدو لي المسافة أقصر وأبدو أقدر على ينتهي، واالثنين الذي سأراك فيه،.واألحد التحمل، إنها يومان فقط هما السبت

والسبت ثم أعود فأعدc الليالي.. فتبدو لي ثالث ليال� كاملة، هي الجمعةQ طولها، كيف سأقضيها؟ ويحضرني ذلك واألحد، أتساءل وأنا أتوقع مسبقا

:الشعري القديم الذي لم أصدcقه من قبل البيت

Q ال أعد اللياليا أعدc الليالي ليلة بعد ليلة *** وقد عشت دهرا

Q، عندما نبدأ في استبدال مقاييسنا الخاصة، ترى أهكذا يبدأ الحب دائما عالقة لها بالمقاييس المتفق عليها، وإذا بالزمن فترة من العمر، ال

بالوقت؟

متأخرة كما في ذلك اليوم، سعدت وأنا أرى "كاترين" تدخل القاعة. جاءت كنت أتوقع. أنيقة كما كنت أتوقع. داخل فستان أصفر ناعم، تطير داخله

:كفراشه. قالت وهي تضع قبلة على خدي

الطريق كالعادة في مثل هذا لقد وصلت متأخرة.. كان هناك ازدحام في- .الوقت

لباريس. وكانت المواصالت تتضاعف كانت كاترين تسكن الضاحية الجنوبية باريس وضواحيها، والتي في نهاية األسبوع، في تلك الطرقات الرابطة بين

اللقاءات لم يكن ذلك السبب الوحيد لتأخرها. كنت أعرف أنها تكره العامة، أو تكره كما استنتجت أن تظهر معي في األماكن العامة. ربما

يراها بعض معارفها وهي مع رجل عربي، يكبرها بعشر سنوات، تخجل أن!وينقصها بذراع

Page 41: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q عن األضواء، كانت Q في بيتي أو بيتها، بعيدا تحب أن تلتقي بي، ولكن دائماQ عن العيون، هنالك فقط كانت تبدو تلقائية في مرحها وفي تصرفها وبعيدا

Q لنتناول وجبة غداء في المطعم المجاور، ليبدو معي. ويكفي أن ننزل معا.همcها الوحيد أن نعود إلى البيت عليها شي من االرتباك والتصنع، ويصبح

Q ما يكفينا من األكل لقضاء وهكذا تعودت عندما تحضر أن أشتري مسبقاQ Q. لم أعد أناقشها وال أقترح عليها شيئا كان ذلك أوفر. يوم أو يومين معا

وأكثر راحة لي، فلماذا كلc هذا الجدل؟

من العادة وهي تمسك ذراعي وتلقي نظرة قالت كاترين بصوت أعلىQ على اللوحات المعلقة التي كانت تعرفها :جميعا

.برافو خالد، أهنئك.. رائع كلc هذا.. أيها العزيز-

Q ما، كانت تتحدث هذه المرة وكأنها تريد أن يعرف اآلخرون تعجبت شيئا.حبيبتي.. أو أي شيء من هذا القبيل أنها صديقتي أو

cر سلوكها فجأة، هل منظر ذلك الحشد من الشخصيات الفنية ما الذي غي المكان، أنها والصحافيين الذين حضروا االفتتاح.. أم أنها اكتشفت في هذا

Q دون أن تدري، وأن� ذراعي الناقصة التي كانت منذ سنتين تضاجع عبقرياQ ال عالقة له Q فريدا Q فنيا كانت تضايقها في ظروف أخرى، تأخذ هنا بعدا

الجمالية؟ بالمقاييس

اكتشفت لحظتها، أنني خالل الخمس والعشرين سنة التي عشتها بذراع.واحدة، لم يحدث أنني نسيت عاهتي إال في قاعات العرض

كانت فيها العيون تنظر إلى اللوحات، وتنسى أن في تلك اللحظات التي األولى لالستقالل.. وقتها كان تنظر إلى ذراعي. أو ربما في السنوات

الناس. كانوا للمحارب هيبته، ولمعطوبي الحروب شيء من القداسة بينQ بتقديم أي يوحون باالحترام أكثر مما يوحون بالشفقة. ولم تكن مطالبا

.شرح وال أي سرد لقصتك

cتفسير كنت تحمل ذاكرتك على جسدك، ولم يكون ذلك يتطلب أي.

بحياء اليوم بعد ربع قرن..، أنت تخجل من ذراع بدلتك الفارغ الذي تخفيه في جيب سترتك، وكأنك تخفي ذاكرتك الشخصية، وتعتذر عن ماضيك لكل

.لهم من ال ماضي

.يدك الناقصة تزعجهم. تفسد على البعض راحتهم. تفقدهم شهيتهم.الزمن لك، إنه زمن لما بعد الحرب ليس هذا

Q ما للبدالت األنيقة والسيارات الفخمة.. والبطون المنتفخة. ولذا كثيرا المقهى تخجل من ذراعك وهي ترافقك في الميترو وفي المطعم وفي

Page 42: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cوفي الطائرة وفي حفل تدعى إليه. تشعر أن الناس ينتظرون منك في كل ة أن cتسرد عليهم قصتك مر.

Q تخجل Q واحدا الشفاه من كلc العيون المستديرة دهشة، تسألك سؤاال".طرحه: "كيف حدث هذا؟

بيدك الفريدة الذراع المعلقة ويحدث أن تحزن، وأنت تأخذ الميترو وتمسك:العبارة للركاب. ثم تقرأ على بعض الكراسي تلك

..".أماكن محجوزة لمعطوبي الحرب والحوامل"ة، من بقايا شهامة، تجعلك تفضcل ال ليست هذه األماكن cلك. شي من العز Q بيد � معلقا .واحدة البقاء واقفا

إنها أماكن محجوزة لمحاربين غيرك، حربهم لم تكن حربك، وجراحهم ربما.كانت على يدك

.أما جراحك أنت.. فغير معترف بها هنا..عجيبة ها أنت أمام جدلية

تعيش في بلد يحترم موهبتك ويرفض ج�روحك. وتنتمي لوطن، يحترم ويرفضك أنت. فأيهما تختار.. وأنت الرجل والجرح في آن واحد.. جراحك

التي ليس هذا الجسد المعطوب سوى واجهة لها؟ وأنت الذاكرة المعطوبة

السابق. كنت أهرب منها بالعمل أسئلة لم أكن أطرحها على نفسي في.الدائم فقط، والخلق المتواصل، وذلك األرق الداخلي

Q وكأنه يواصل الركض كان داخلي شيء ال ينام، شيء يواصل الرسم دائماQ بذراعين، أو Q عاديا بي ليوصلني إلى هذه القاعة، حيث سأعيش أليام رجال

Q فوق العادة باألحرى ..رجالQ يسخر من هذا العالم بيد واحدة. ويعيد عجن تضاريس األشياء بيد رجال

.واحدة

للفرجة على ها أنا ذا في هذه القاعة إذن.. وها هوذا جنوني معلcق الجدران. تتفحصه العيون وتفسره األفواه كيفما شاءت.. وال أملك إال أن

Q Q ساخرا أبتسم، وبعض تلك التعليقات المتناقضة تصل مسمعي. وأتذكر قوال":كونكور "لـ

!".متحف ال شي يسمع الحماقات األكثر في العالم.. مثل لوحة في"

Q وكأنها تتحدث لي وحدي هذه المرة :جاء صوت كاترين خافتا..إنني أرى هذه اللوحات وكأنني ال أعرفها، إنها هنا تبدو مختلفة.. عجيب-

:وأنا أواصل فكرة سابقة كدت أجيبها

Page 43: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q مثل" Q.. إنها تماما األشخاص. إنهم إن للوحات مزاجها وعواطفها أيضا!"يتغيرون أول ما تضعينهم في قاعة تحت األضواء

.هذا ولكنني لم أقل لها:قلت لها فقط

cلها ونمسح اللوحة أنثى كذلك.. تحبc األضواء وتتجمل لها، تحب أن- ندل به... الغبار عنها، أن نرفعها عن األرض ونرفع عنها اللحاف الذي نغط�يها

..بها تحبc أن نعلقها في قاعة لتتقاسمها األعين حتى ولو لم تكن معجبة

..إنها تكره في الواقع أن تعامل بتجاهل ال غير:قالت وهي تفكر

صحيح ما تقوله.. من أين تأتي بهذه األفكار؟ أتدري أنني أحب االستماع- Q للحديث عندما نلتقي إليك؟ ال أفهم Q وقتا .كيف ال نجد أبدا

Q.. أضافت بنوايا أعرفها وهي وقبل أن أعلcق على سؤالها بجواب مقنع جدا..تضحك

-Q كلوحة؟ متى ستعاملني أخيرا

:قلت وأنا أضحك لسرعة بداهتها.. ولشهيتها التي ال تشبع

..المساء إذا شئت هذا-

cي مفاتيح البيت، وطارت كفراشة داخل فستانها وعندما أخذت كاترين من.األصفر نحو الباب

المعلقة بعناية على قالت وكأنها شعرت فجأة بالغيرة من كل تلك اللوحات:الجدران، والتي ما زال بعض الزوار يتأملونها

.متعبة بعض الشيء.. سأسبقك أنا-

Q متعبة إلى هذا الحد، أم أصبحت فجأة cي.. أكانت حقا تغار عليc أو تغار من.فهمها أم جاءتني بجوع مسبق؟. كالعادة، لم أحاول أن أتعمق في

Q Q أن أختصر معها يوما أو كنت أريد فقط أن أستعين بها ألنسى. كنت سعيدا يومين من االنتظار.. انتظارك أنت! وكنت في حاجة إلى ليلة حبc بعد

.والركض إلعداد كلc تفاصيل هذا المعرض شهر من الوحدة،

.لحقت بكاترين بعد ساعةQ ألسباب كثيرة. أحدها لقائي العجيب بك وكلc ما عشته من كنت متعبا

ات نفسية ذلك cاليوم هز.

Page 44: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

:قالت وهي تفتح لي الباب -Q ..إنك لم تتأخر كثيرا

:أداعبها قلت وأناQ إلى البيت.. الوحي ال- كان في ذهني مشروع لوحة.. فعدت مسرعا

Q كما تعلمين ينتظر !كثيرا..ضحكنا

البهجة الثنائية، تلك السعادة كان بيننا تواطؤ جسدي ما، يشيع بيننا تلك!الجنون السرية التي نمارسها دون قيود.. بشرعية

ولكن شعرت لحظتها وهي جالسة في األريكة المقابلة لي تشاهد األخبار،Q على وشك أن Q( أحضرته معها، أنها امرأة كانت دائما وتلتهم )سندويتشا

ة _ كذلك _ لن تكونها تكون حبيبتي، cوأنها هذه المر!

امرأة تعاني من عجز عاطفي، إن امرأة تعيش على "السندويتشات" هيQ ما .يلزمه من أمان ومن فائض في األنانية.. ولذا ال يمكنها أن تهب رجال

Q .ليلتها، ادcعيت أنني لست جائعاQ وربما Q عن االنتماء لزمن "السندويتشات في الحقيقة كنت رافضا ".عاجزا

..وبرغم ذلك التفاصيل التي كانت تستفزc بداوتي في أول حاولت أال أتوقف عند تلك

.األمر

Q عن أوجه االختالف بيننا. أن تعوcدت منذ تعرفت على كاترين أال أبحث كثيراcي. بل إنني أحترم طريقتها في الحياة، وال أحاول أن أصنع منها نسخة من

Q ربما كنت أحبها ألنها تختلف عني حدc التناقض .أحيانا

فال أجمل من أن تلتقي بضدك، فذلك وحده قادر على أن يجعلك تكتشف نفسك. وأعترف أنني مدين لكاترين بكثير من اكتشافاتي، فال شيء كان

المرأة في النهاية، سوى شهوتنا المشتركة وحبنا المشترك يجمعني بهذه.للفن

Q Q وكان كافيا .لنكون سعيدين معا بالتساؤالت. في البدء تعودنا مع مرور الزمن أال نزعج بعضنا باألسئلة وال

وال تأقلمت بصعوبة مع هذا النمط العاطفي الذي ال مكان فيه للغيرة.لالمتالك

cة.. وعدم االلتزام ي cبشيء تجاه ثم� وجدت فيه حسنات كثيرة، أهمها الحر ..أحد

ة في األسبوع، كما يحدث أن تمرc عدة cأسابيع قبل كان يحدث أن نلتقي مر Q بشوق وبرغبة مشتركة cا نلتقي دائما .أن نلتقي.. ولكن كن

Page 45: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

كاترين تقول "ينبغي أال نقتل عالقتنا بالعادة"، ولهذا أجهدت نفسي كانتQ عندما تأتي، وأن أنسى حتى ال أتعود عليها، وأن أكتفي بأن أكون سعيدا

ت من هنا عندما cترحل أنها مر.

في تلك المرة حاولت أن أستبقيها لقضاء كلc نهاية األسبوع معي، وسعدت.أن تقبل عرضي بحماس

Q مع ساعتي الجدارية في انتظار يوم كنت في الوقع أخاف أن أبقى وحيدا.االثنين

الوقت بدا لي ورغم أنc كاترين ظلcت معي حتى عشية يوم األحد، فإنQ، وربما بدا لي أكثر ألنها كانت معي. فقد بدأت فجأة أستعجل ذهابها طويال

.وكأنني سأخلو بك عند ذلك..كانت أفكاري تدور حول سؤال واحد

لك لو انفردت بك يوم االثنين؟ من أين أبدأ معك الحديث.. ماذا أقولالعجيبة، قصcتنا؟ وكيف أقصc عليك تلك القصة

cتها؟ كيف أغريك بالعودة من جديد لسماع بقي

االثنين، لبست بدلتي األجمل لموعدنا المحتمل. اخترت بذوق ربطة صباح المفضcل، واتجهت نحو قاعة المعرض نحو الساعة عنقي. وضعت عطري

.العاشرة

�سع من الوقت ألشرب قهوتي الصباحية في مقهى مجاور. كان أمامي مت وحتى القاعة نفسها لم تكن تفتح فلم يكن يعقل أن تأتي قبل تلك الساعة،

.أبوابها قبل العاشرة

أول من يطأها في ذلك الصباح. كان في الجو عندما دخلت القاعة، كنت أضواء موجهة نحو اللوحات، شحنة غامضة من الكآبة. لم يكن هناك من

.وال أيc ضوء كهربائي يضيء السقف.الجدران ألقيت نظرة خاطفة على

ها هي لوحاتي تستيقظ كامرأة، بتلك الحقيقة الصباحية العارية دون زينة".وال مساحيق وال "رتوّش

.صاخبة هاهي امرأة تتثاءب على الجدران بعد أمسية.اتجهت نحو لوحتي الصغيرة "حنين" أتفقدها وكأنني أتفقدك

قسنطينة.. كيف أنت يا جسري المعلق.. يا حزني المعلcق صباح الخير"".منذ ربع قرن؟

cت عليcة رد cاللوحة بصمتها المعتاد، ولكن بغمزة صغيرة هذه المر..بتواطؤ فابتسمت لها

!"إننا نفهم بعضنا أنا وهذه اللوحة "البلدي يفهم من غمزةcة مكابرة مثل صاحبها، عريقة مثله، تفهم بنصف غمزة وكانت !لوحة بلدي

Page 46: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

أتلهcى ببعض المشاغل التي كانت مؤجcلة منذ البارحة. طريقة رحت بعدهاغ لك فيما بعد. وكان صوت داخليc مثل أخرى لكسب الوقت، cوالتفر

ويمنعني من التركيز على أي يالحقني أثناء ذلك، ليذكرني أنك ستأتين،.شيء

..ستأتي وأكثر.. ومرc صبح ومرc مساء ولم ستأتي.. ردcد الصوت ساعة وساعتين

uتأت.

كثيرة، حاولت أن أنسى أنني حاولت أن أنشغل بلقاءات وتفاصيل يومية..هنا النتظارك

Q وتحدثت آلخر دون أن تفارق عيناي الباب. كنت أترقcبك في قابلت صحافيا..كل خطوة

.يأسي وكلما تقدcم الوقت زاد

!وفجأة فتح الباب ليدخل منه.. سي الشريف

Q cما �رت أغنية فرنسية يقول نهضت إليه مسل وأنا أخفي عنه دهشتي. تذك..".أمcك كالعادة مطلعها "أردت أن أرى أختك.. فرأيت

!ع السالمة يا سيدي.. عاّش من شافك-

يحتضنني ويسلcم عليc بحرارة. وأعترف برغم خيبتي أنه لم قالها وهو.أسلcم عليه مثل تلك المرة يحدث أن شعرت بسعادة وأنا

المشترك الذي وقبل أن أسأله عن أخباره قال وهو يقدcم لي ذلك الصديق:كان يرافقه

شفت شكون جبتلك معايt؟-

:دهشة إلى أخرى صحت وأنا أنتقل من

Q سي مصطفى واّش راك.. واّش هاذ الطلة- ..أهال

:بمودة وهو يحتضنني بدوره قال

كيفاّش؟ واّش آسيدي.. لو كان ما نجيوكش ما نشوفوكش وإال-

رحت أجامله.ز وأسأله بدوي عن أخباره وإن كنت أدري أنc في مرافقةQ على أنه مرشح لمنصب سي الشريف له وفي مبالغته في تكريمه دليال

.اإلشاعات وزاري ما كما تقول

Page 47: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q :عاتبني سي الشريف بودc أحسسته صادقا

ة يا أخي.. أيعقل أن- cر في زيارتي مرc Q دون أن تفك نسكن هذه المدينة معا.وعنواني معروف عندك واحدة؟. أنا هنا منذ سنتين

:والجد تدخcل سي مصطفى ليضيف بتلميح سياسي بين المزاح

واّش راك مقاطعنا.. وإال كيفاّش هاذا الغيبة..؟-

:بصدق أجبته

Q.. ولكن ليس من السهل على شخص سكنته الغربة أن يجمع- ال أبداcئة يتخذها اإلنسان" أشياءه هكذا ويعود.. في الحقيقة "المنفى عادة سي

..عادة سيئة هنا وقد أصبحت لي أكثر من

Q ضحكنا.. وتشعcب بنا الحديث في مواضيع أخرى تطرقنا إليها عبورا..ومجاملة فقط

يقومان بجولة وكان ال بد أن يتوقcفا بعد ذلك أمام إحدى اللوحات وهما لمشاهدة المعرض. ألفهم سرc زيارة سي مصطفى لمعرضي، والتي تعود

cي. قال لكونه :يريد أن يشتري لوحة أو لوحتين من

cا.. أريد أن أحتفظ منك بشيء للذكرى- �ك بدأت الرسم يوم كن أال تذكر أن�ى لوحاتك Q في تونس؟ مازلت أذكر حت األولى.. لقد كنت أول من أريته معا

لوحاتك وقتها.. هل نسيت؟

.. وكم tكنت أتمنى لحظتها لو أستطيع ذلك. شعرت بشيء من ال لم أنس ..الفترة اإلحراج وهو يستدرجني لتلك

Q لي ولسي الشريف منذ أيام التحرير. Q مشتركا كان سي مصطفى صديقا كان ضمن المجموعة التي كانت تعمل تحت قيادة سي الطاهر. بل، فقد

Q من الجرحى الذين نقلوا معي للعالج إلى تونس، حيث قضى وكان واحدا الجبهة، ليبقى حتى االستقالل ثالثة أشهر في المستشفى عاد بعدها إلى

.في صفوف جيش التحرير، ويعود برتبة رائد

يومها بشهامة وأخالق نضالية عالية. وكنت في الماضي أكنº له كانQ Q وودcا Q رصيده عندي.. كلما امتأل رصيده احتراما كبيرين. ثم تالشى تدريجيا

وأكثر من عملة، مثله مثل من سبقوه إلى تلك اآلخر بأكثر من طريقة..بتقسيم مدروس للوليمة المناصب الحلوب التي تناوب عليها البعض

رفيق سالحي ولكن كان أمره هو بالذات يعنيني ويحزنني. فقد كان لسنتين كاملتين.. وكان بيننا تفاصيل صغيرة جمعتنا في الماضي وال يمكن

.للذاكرة رغم كلc شيء أن تتجاهلها

Page 48: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q، تلك ضة في لعلc أكثر تلك التفاصيل تأثيرا المصادفة التي جعلت الممر� بها، والتي جف عليها تونس تعطيني وأنا أغادر المستشفى ثيابه التي وصل

cام .دمه منذ عدcة أي

تعريفه التي تكاد ال تقرأ، من آثار بقع كان في جيب سترته يومها بطاقة فيما بعد.. ولكنه عاد بعد ذلك الدم عليها. والتي احتفظت بها ألعيدها إليه

وربما دون أن يسأل إلى الجبهة دون أن يدري حتى أنها كانت في حوزتي،Q إلى مكان ال يحتاج فيه إلى بطاقة .تعريف عنها. فقد كان ذاهبا

عثرت مصادفة على تلك البطاقة ضمن أوراقي القديمة.1973سنة Q للرحيل وكنت ..آنذاك أجمع أشيائي استعدادا

إليه، فقد كنت أدري أن� تلك الهوية لم تردcدت بين أن أحتفظ بها أو أعيدها أواجهه بالذاكرة.. دون أيc تعد في الواقع هويته. ولكنني كنت أريد أن

.تعليق

المنفى أن أنهي عالقاتي بتلك وربما كنت أريد كذلك وأنا على أبواب أنهي عالقاتي من بلد إلى آخر، وكأنني1975البطاقة التي رافقتني منذ

Q هو وأشياءه خارج الذاكرة ..بالوطن، وأضعه أخيرا

مصطفى وأنا أخرج من جيب سترتي تلك البطاقة يومها دهش سي.وأضعها أمامه، بعد ست عشرة سنة

الذي ارتبك لحظتها.. أم أنا؟ أهوQ كان Q شعرت فجأة وأنا أنفصل عنها أنني أعطيته شيئا Q بصدري؛ شيئا ملتصقا

cي، ربما ذراعي األخرى، أو أيc شيء كان لي ..من!أنا كان

ولكنني وجدت آنذاك في فرحته عزائي.. وفي احتضانه لي بذلك العنفوانQ ما بإمكانية إيقاظ ذلك األول Q، مكافأة للذاكرة ووهما الذي جمعنا يوما

.داخله الرجل اآلخر

ها هو سي مصطفى بعد سنوات، يتأمل لوحة لي وأتأمله. لقد مات فيهQ عليه؟ "الرجل اآلخر".. فكيف راهنت يوما

Q في هذه اللحظة، ال شيء يعنيه سوى امتالك لوحة لي؛ وربما كان مستعداQ في هذه أن يدفع أيc ثمن مقابلها. فمن المعروف عنه أنه ال يحسب كثيرا

الحاالت، مثله مثل بعض السياسيين واألثرياء الجزائريين الجدد الذينQ شاعت وسطهم عدوى اقتناء اللوحات الفنية، ألسباب ال عالقة لها غالبا

، وإنما cوبهاجس االنتساب للنخبة بالفن ..Q .بعقلية جديدة للنهب الفنيc أيضا

سخاءQ معي أنا بالذات، لألسباب نفسها التي تجعلني اليوم وربما كان أكثرQ له .أكثر رفضا

Page 49: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

ر cأن يستبدل بتلك البطاقة المهترئة، لوحة )أكواريل( يفاخر بها.. لقد قر !باأللوان المائية.. ولو بعد ربع قرن فهل يتساوى الدم

الشريف دون أن يأخذا على سعدت بعدها وأنا أتخلص منه ومن سي بسببه. فال خاطرهما.. ودون أن أتنازل عن ذلك المبدأ الذي حدث أن جعت

يمكن لي أن آكل من الخبز الملوcث. هناك من يولدون هكذا بهذه!التي ال شفاء منها تجاه كلc ما هو قذر الحساسية

أنتهي منهما بسرعة.. خشية أن تأتي كنت في الواقع على عجل. أريد أن.في تلك اللحظة ويكونا هناك

Q Q بين األحاسيس التي استدرجتني إليها سي مصطفى وكنت قلقا ومبعثرا هاجس قدومك، الذي أرهقني انتظاره منذ بعد كلc تلك السنوات.. وبين

.بعده أيام.. ولكنك لم تأتي.. ال أثناء ذلك وال

من أين هجمت عليc كلc تلك الكآبة بعد ذلك؟ بخطى مثقلة، محبطة، إلى البيت، بعدما كانتا قد وإذا بقدميc تقودانني

.الجارف حملتاني إلى هنا، على أجنحة الشوق

ة أخرى.. لو انتهى ذلك المعرض ولم cتعودي؟ ماذا لو لم أرك مر. ماذا لو كان حديثك عن زيارتك المحتملة مجرد مجاملة، أخذتها أنا مأخذ

الجد؟

cب الهارب؟ كيف يمكن لي وقتها أن أطارد نجمك المذن

cاها سي الشريف وهو يودcعني كانت وحدها تلك البطاقة التي أعطاني إيQ من األمل في Q األرقام السرية تبعث شيئا نفسي. فقد كنت أعرف أخيرا

هاتفي قد يجمعني بك. ولكنc التي توصلني إليك، فنمت وأنا أخطط لمبررQ.. ولذا ما كدت الحب عندما يأتي ال يبحث له عن مبرر، وال يأخذ له موعدا

حتى في اليوم التالي أدخل القاعة وأجلس في الصالون ألطالع جريدتي،.رأيتك تدخلين

Q بك .كنت تتقدمين نحوي، وكان الزمن يتوقف انبهاراQ أن يهبني وكان Q قبل ذلك اليوم.. قد قرر أخيرا الحبc الذي تجاهلني كثيرا

Q أكثر قصصه ..جنونا

الثالث الفصل

Page 50: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..إذن التقينا

:قالت

Q.. آسفة، أتيت متأخرة عن موعدنا- ..يوم مرحبا

:قلت

.بعمر ال تأسفي.. قد جئت متأخرة عن العمر-

:قالت

كم يلزمني إذن لتغفر لي؟-

:قلت

!يعادل ذلك العمر من عمر ما-

Q لي .وجلس الياسمين مقابال

Q أقل يا ياسمينة تفتحت Q أقلc حبيبتي.. عطرا !على عجل.. عطرا

Q Q.. هو عطر الوطن لم أكن أعرف أنc للذاكرة عطرا .أيضا

Q جلس الوطن وقال بخجل :مرتبكا

ماء.. يعيشك؟ عندك كأس-

.وتفجرت قسنطينة ينابيع داخلي

.. ودعي لي مكانا هنا.. ارتوي من ذاكرتي سيدتي uهذا الحنين لك cفكل uلك Q ..مقابال

�حتسى، على .مهل، قهوة قسنطينية أحتسيك كما ت

نفسه.. ولكن أمام فنجان قهوة.. وزجاجة كوكا جلسنا. لم يكن لنا الظمأ.كانت لنا الرغبة نفسها في الحديث

Page 51: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

:قلت معتذرة

أحضر البارحة، ألنني سمعت عمcي يتحدث لشخص على الهاتف أنا لم- أن أؤجcل زيارتي لك إلى اليوم حتى ال ويتفق معه على زيارتك، ففضcلت

..ألتقي بهما

Q أمامه أجبتك وأنا أتأملك بسعادة :من يرى نجمه الهارب أخيرا

-Q ..خفت أال تأتي أبدا

:أضفت ثم

Q آخر، إنc األشياء التي نريدها- تأتي أمcا اآلن فيسعدني أنني انتظرتك يوماQ !متأخرة دائما

تراني قلت وقتها أكثر مما يجب قوله؟

الصمت بيننا وارتباك االعتراف األول.. عندما قلت وكأنك ساد شي من:فضولي تريدين كسر الصمت، أو إثارة

أتدري أنني أعرف الكثير عنك؟-

Q Q ومتعجبا :قلت سعيدا

Q؟- وماذا تعرفين مثال

:أجبت بطريقة أستاذ يريد أن يحير تلميذه

..كثيرة قد تكون نسيتها أنت أشياء-

:قلت لك بمسحة حزن

Q. مشكلتي في الواقع أنني ال أنسى ال أعتقد أن أكون- !نسيت شيئا

:أعu ساعتها كلc عواقبه القادمة عليc أجبتني بصوت بريء، وباعتراف لم

Q أمcا أنا فمشكلتي أنني أنسى.. أنسى- كل شيء.. تصوcر.. البارحة مثال أسبوع نسيت مفتاح نسيت بطاقة الميترو في حقيبة يدي األخرى. ومنذ

الباب.. البيت داخل البيت، وانتظرت ساعتين قبل أن يحضر أحد ليفتح لي.إنها كارثة

:قلت ساخرا

Page 52: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q إذن ألنك تذكرت موعدنا- !هذا شكرا

:أجبت باللهجة الساخرة نفسها

Q.. كان احتمال- موعد فقط.. ال بدc أن تعلم أنني أكره لم يكون موعدا ألتزم به.. األشياء األجمل، اليقين في كلc شيء.. أكره أن أجزم بشيء أو

cما تبقى Q.. ورب .كذلك تولد احتماال

:سألتك

لماذا جئتu إذن.؟-

تتسكعان في مالمح وجهي، وكأنهما تبحثان عن تأمcلتني.. وراحت عيناك..مثقلة بالوعود واإلغراء جواب لسؤال مفاجئ.. ثمc قلت في نظرة

!ألنك قد تكون يقيني المحتمل-

Q_ لم أكن أعرف بعد ضحكت لهذه Q صارخا Q أنثويا الجملة التي تحمل تناقضامtتك_ وقلت وقد uأنه س Q Q رجاليا Q وزهوا :مألتني عيناك غرورا

.أجزم أنني سأكون يقينك أمcا أنا فأكره االحتماالت.. ولذا-

:قلت بإصرار أنثى على قول الكلمة األخيرة

!إنه افتراض.. محتمل كذلك-

Q .وضحكنا كثيرا

Q وكأنني أضحك ألول مرة منذ سنوات. كنت أتوقع لنا بدايات كنت سعيداQ ومواقف كثيرة لمبادرتك في هذا اللقاء أخرى، وكنت قد أعددت جمال

.كهذه األول. ولكن اعترف أنني لم أكن أتوقع لنا بداية فقد تالشى كلc ما أعددته ساعة قدومك.. وتبعثرت لغتي أمام لغتك التي

.أدري من أين تأتين بها لم أكن

Q. كان هناك تلقائية كان في حضورك شيء من المرح والشاعرية معا وبساطة تكاد تجاور الطفولة، دون أن تلغي ذلك الحضور األنثوي الدائم..

تملكين تلك القدرة الخارقة على مساواة عمري بعمرك، في جلسة وكنتcتك قد انتقلتا إليc عن طريق العدوى. كنت ما واحدة. وكأن فتوcتك وحيوي

:فاجأني كالمك أزال تحت وقع تصريحاتك تلك، عندما

أريد أن في الواقع.. كنت أريد أن أرى لوحاتك بتأن³ أكثر، لم أكن-

Page 53: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..Q أتقاسمها في ذلك اليوم مع ذلك الحشد من الناس.. عندما أحبc شيئا!أنفرد به أفضل أن

ام.. وأجمل cما كانت هذه أجمل شهادة إعجاب يمكن أن تقولها زائرة لرس Q في فرحتي أو يمكن أن تقوليه لي أنت ذلك اليوم. وقبل أن أذهب بعيدا

:أضفت أشكرك

ف عليك منذ زمن بعيد. لقد كانت جدتي- ما عدا هذا.. كنت أود أن أتعر�Q Q عنك عندما تذكر أبي. يبدو أنها كانت تحبك كثيرا ..تحدثني أحيانا

:بلهفة سألتك

.وكيف هي )أمcا الزهرة(؟ إنني لم أرها منذ زمان-

:حزن قلت بمسحة

لقد توفيت من أربع سنوات، وبعد وفاتها انتقلت أمي لتعيش مع أخي- cر موتها ناصر في العاصمة. وجئت أنا إلى باريس لمتابعة دراستي. لقد غي

�تنا في الواقع.. حياتنا بعض الشيء ..فهي التي رب

انغرست في قلبي حاولت أن أنسى ذلك الخبر. كان موتها شوكة أخرى يومها. فقد كان فيها شيء من )أمcا(، من عطرها السري، من طريقتها فيcة تعصيب رأسها على جنب بالمحارم الحريرية، وإخفاء علبة "النفcة" الفضcي

الممتلئ. وكانت لها تلك الحرارة التلقائية التي تفيض بها في صدرها الكلمات التي تعطيك في جملة واحدة ما يكفيك من األمهات عندنا، تلك.الحنان لعمر بأكمله

Q، وكان على الزمن أن يكون ولكن الوقت لم يكن للحزن. كنتu معي أخيرا.للفرح فقط

:لك قلت

-Q cها كثيرا Q أحب ..رحمها الله.. لقد كنت أنا أيضا

عندئذ، أن تضعي نهاية لموجة الحزن التي فاجأتني. خشية أن تراك أردتQ نحو ذاكرة لم .نكن مهيأين بعد لتصفحها تجرفنا معا

cقي برنامج زيارتك عندما نهضت :فجأة وقلت أم فقط كنت تريدين أن تطب

أيمكنني أن ألقي نظرة على لوحاتك؟-

.لمرافقتك وقفت

رحت أشرح لك بعضها والمناسبات التي رسمتها فيها عندما قلت وأنت

Page 54: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cتنقلين فجأة عينيك من اللوحات إلي:

ال أقول لك هذا مجاملة، أتدري أنني أحب طريقتك في الرسم؟. أنا- نحن ولكن أعتقد أنني لو كنت أرسم لرسمت هكذا مثلك.. أشعر أننا

االثنين نرى األشياء بإحساس واحد.. وقلc ما أحسست بهذا تجاه إنتاج.جزائري

لون ما الذي أربكني األكثر لحظتها؟. أترى عيناك اللتان أصبح لهما فجأة آخر تحت الضوء، واللتان كانتا تتأمالن فجأة مالمحي وكأنهما تتأمالن لوحة

لي.. أم ما قلته قبل ذلك والذي شعرت أنه تصريح عاطفي وليس أخرىQ؛ أو هكذا Q فنيا cل لي. توقف سمعي عند كلمة "نحن انطباعا �يت أو خي تمن

Q Q.. حتى إنها عنوان االثنين". إنها بالفرنسية تأخذ بعدا Q فريدا Q عاطفيا موسيقيا Nous ) رومنطيقيين في فرنسا لمجلة عاطفية تصدر لمن تبقى من

deux. )

:أخفيت ارتباكي بسؤال ساذج

ترسمين؟ وهل-

:قلت

.ال أنا أكتب-

وماذا تكتبين؟-

Q وروايات؟ أكتب- !قصصا

Q وروايات- ...!قصصا

أسمع.. فقلت وكأنكu شعرت بإهانة من مسحة ردcدتها وكأنني ال أصدق ما:العجب أو الشك في صوتي

..لي أول رواية منذ سنتين لقد صدرت-

:سألتك وأنا أنتقل من دهشة إلى أخرى

لغة تكتبين؟ وبأي-

:قلت

..بالعربية-

Page 55: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

!بالعربية؟-

:دهشتي، وربما أسأت فهمها حين قلت استفزتك

العربية هي لغة قلبي.. وال يمكن كان يمكن أن أكتب بالفرنسية، ولكن- .األشياء أن أكتب إال بها.. نحن نكتب باللغة التي نحسc بها

..ولكنك ال تتحدثين بغير الفرنسية-

..العادة إنها-

:قلتها ثم واصلت تأمل اللوحات قبل أن تضيفي

التي نتحدث بها ألنفسنا وليست تلك التي نتحدث بها المهم.. اللغة- !لآلخرين

Q من الترتيب في أفكاري رحت أتأملك Q، وأنا أحاول أن أضع شيئا ..مدهوشا

كلc هذه المصادفات، في مصادفة واحدة؟ وكلc هذه أيمكن أن تجتمع وأحالمي الوطنية األولى، في امرأة.. األشياء التي كانت قناعاتي الثابتة

الطاهر ال غير؟ لو واحدة.. وأن تكون هذه المرأة هي أنت.. ابنة سيQ من هذا Q في حياتي، لما تصورت أكثر إدهاشا إنها. تصو�رت لقاء مدهشا

أكثر من مصادفة، إنه قدر عجيب، أن تتقاطع طرقنا على هذا النحو، بعد.قرن ربع

: أعادني صوتك إلى الواقع وأنت تتوقفين عند إحدى اللوحات

Q، أليس كذلك؟ أنت- قلc ما ترسم وجوها

:وقبل أن أجيبك قلت

..نتحدث إلى بعض إال بالعربية.. سأغير عاداتك بعد اليوم اسمعي.. لن-

:بالعربية سألتني

هل ستقدر؟-

:أجبتك

-Q ..عاداتي معك سأقدر... ألنني سأغير أيضا

:األوامر أجبتني عندئذ بفرح سري المرأة اكتشفت فبما بعد أنها تحب

Page 56: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

�رني فقط لو حدث- سأطيعك.. فأنا أحب هذه اللغة.. وأحب إصرارك. ذك.ونسيت

:قلت

!لن أذكرك.. ألنك لن تنسي ذلك-

لحظتها أجمل الحماقات. وأنا أجعل تلك اللغة التي كان لي وكنت أرتكبQ آخر في قصcتنا المعقcدة معها أكثر من صلة عشقية، ..طرفا

:عدت ألسألك بالعربية

منذ قليل؟ عمc كنت تتحدثين-

:قلت

Q كنت أعجب أال يوجد في معرضك سوى هذه اللوحة التي- �ل وجها تمثQ؟ Q.. أال ترسم وجوها نسائيا

:قلت

Q ثم انتقلت إلى موضوعات أخرى. في كنت في فترة أرسم- وجوها به المساحات الصغيرة الرسم، كلما تقدم عمر الفنان وتجربته، ضاقت

.وبحث عن طرق أخرى للتعبير

Q يوحي في الحقيقة أنا ال أرسم Q.. أرسم فقط شيئا الوجوه التي أحبها حقاQ cتها.. تماوج شعرها.. طرفا cها. بها.. طل من ثوب امرأة.. أو قطعة من حلي

نفارقها. تلك التي تؤدي إليها تلك التفاصيل التي تعلق في الذاكرة بعدماQ Q.. فالرسام ليس مصورا Q يطارد الواقع.. دون أن تفضحها تماما فوتوغرافيا

نفسه، ولهذا هو ال إنc آلة تصويره توجد داخله، مخفية في مكان يجهله هو.يرسم بعينيه، وإنما بذاكرته وخياله.. وبأشياء أخرى

وعيناك تنظران المرأة يطغى شقار شعرها على اللوحة وال يترك قلتQ للون آخر سوى :حمرة شفتيها غير البريئتين مجاال

إلى هذا الحدc؟ وهذه المرأة إذن.. لماذا رسمت لها لوحة واقعية-

:ضحكت وقلت

..بواقعية هذه امرأة ال ترسم إال-

ولماذا أسميت لوحتها "اعتذار"؟-

Page 57: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

-Q ..لصاحبتها ألنني رسمتها اعتذارا

cة قد ألغت ي cاتفاقنا قلت فجأة بلهجة فرنسية وكأن غضبك أو غيرتك السر :السابق

Q أتمنى أن يكون قد أقنعها هذا االعتذار.. فاللوحة جميلة- .حقا

:ثم أضفت بشيء من الفضول النسائي

!الذنب الذي اقترفته في حقها ولكن هذا يعود إلى نوع-

cة رغبة في أن أقصc عليك قصة تلك اللوحة، في لقائنا لم أكن أشعر بأي أو على األول. كنت أخاف أن يكون لتلك القصة تأثير سلبي على عالقتنا،

نظرتك لي. فحاولت أن أتهرب من تعليقك الذي يستدرجني بحيلة إلىQ أمام تلك اللوحة مزيد من التوضيح، وأتجاهل عنادك في الوقوف طويال

.بالذات

يمكن أن تقاوم فضول أنثى تصرc على معرفة شيء؟ ولكن.. هل

:أجبتك

Q ما، تكشف عن جانب من عقدي لهذه اللوحة- قصة طريفة شيئاcما لهذا .السبب ورواسبي القديمة، وهي هنا رب

ورحت أقصc ألول مرة قصة تلك اللوحة التي رسمتها ذات يوم، بعدما مرة، كما أفعل بين الحين واآلخر، إحدى جلسات الرسم في حضرت

يدعوني هناك بعض أصدقائي األساتذة، كما مدرسة الفنون الجميلة، حيثامين، أللتقي .بالطلبة والرسامين الهواة يفعلون عادة مع بعض الرس�

وبينما كان جميع. كان الموضوع ذلك اليوم هو رسم موديل نسائي عار��ر الطلبة متفرغين لرسم ذلك الجسد من زواياه المختلفة، كنت أنا أفكQ في قدرة هؤالء على رسم جسد امرأة بحياد جنسيc، وبنظرة مدهوشا

Q أو مزهرية على طاولة، أو جمالية ال غير، Q طبيعيا وكأنهم يرسمون منظراQ في ساحة .تمثاال

الواضح، أنني كنت الوحيد المرتبك في تلك الجلسة. فقد كنت أرى، من عارية هكذا تحت الضوء تغير أوضاعها، تعرض جسدها ألول مرة، امرأة

العيون؛ وربما في محاولة إلخفاء بتلقائية، ودون حرج أمام عشراتQ. ولكن ريشتي التي تحمل رواسب عقد رجل من ارتباكي رحت أرسم أيضا

Q أو كبرياء ال أدري.. بل راحت جيلي، رفضت أن ترسم ذلك الجسد، خجالQ آخر، لم يكن في النهاية سوى وجه تلك الفتاة كما يبدو من ترسم شيا

Page 58: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

انتهت تلك الجلسة، وارتدت تلك الفتاة التي لم تكن زاويتي.. وعندما بجولة كما هي العادة لترى كيف سوى إحدى الطالبات ثيابها، وقامت

أرسم سوى رسمها كلc واحد، فوجئت وهي تقف أمام لوحتي، بأنني لم وجهها. قالت بلهجة فيها شيء من العتاب وكأنها ترى في تلك اللوحة إهانة

Q Q: "ال، لقد ألهمتني كثيرا cاه؟" فقلت مجامال ألنوثتها: "أهذا كلc ما ألهمتك إي الدهشة، ولكني أنا أنتمي لمجتمع لم يدخل الكهرباء بعد إلى دهاليز من

امرأة أشاهدها عارية هكذا تحت الضوء، رغم أنني رجل نفسه. أنت أو�لQ أن يحترف الرسم.. فاعذريني. إن فرشاتي تشبهني، إنها تكره أيضا

!".رسم تتقاسم مع اآلخرين امرأة عارية.. حتى في جلسة

Q آخر لم كنت تستمعين إليc مدهوشة، وكأنك تكتشفين فيc فجأة رجال عنه جدcتك. كان في عينيك فجأة شي جديد، نظرة غامضة ما، تحدثك

ربما سببه غيرة نسائية من امرأة مجهولة، شيء من اإلغراء المتعمcد،Q بالنسبة إليك سرقت في يوم ما اهتمام رجل لم يكن حتى اآلن .مهما

Q أن تثير رحت أتلذcذ بذلك الموقف العجيب الذي لم أتعمده. كنت سعيدا فيك الغيرة هذا الصمت المفاجئ، وهذه الحمرة الخفيفة التي علت

cسعان بغضب مكبوت. فاحتفظت لنفسي ببقية وجنتيك، وجعلت عينيك تت هذه الحادثة تعود لسنتين، وأن� صاحبتها ليست القصة.. لم أخبرك أن

Q آخر.. يبدو سوى كاترين، وأنه كان عليc فيما بعد أن أقدم لجسدها اعتذاراQ لدرجة أنها لم تفارقني منذ ذلك !الحين أنه كان مقنعا

أذكر اليوم بشيء من السخرية، ذلك المنعطف الذي أخذته عالقتنا فجأةQ! كنت أتوقع أن بعدما حدcثتك عن تلك اللوحة.. عجيب هو عالم النساء حقا

وأنت تكتشفي تلك العالقة السرية التي تربطك بلوحتي تقعي في حبي، هويتك. وإذا بك تتعلقين بي بسبب األولى "حنين". لوحة في عمرك وفي

!خطأ لوحة أخرى المرأة أخرى، تعبر الذاكرة

.انتهى موعدنا األول عند الظهر

Q. كنت أشعر أننا كان عندي إحساس ما إنني سأراك مرة أخرى.. ربما غدا هناك كثير من األشياء التي في بداية شيء ما، وأننا كلينا على عجل. كان

Q في النهاية. نحن أغرينا بعضنا فقط لم نقلها بعد، بل إننا لم نقل شياcا، عن سذاجة أو عن ذكاء، نمارس اللعبة نفسها Q، بحديث محتمل. كن معا

Q عندما سألتني وأنت تودcعينني :ولذا لم أتعجب كثيرا

QQ؟ هل ستكون هنا- Q صباحا غدا

:قلت لك بسعادة من ربح الرهان

-Q .طبعا

Page 59: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

:قلت

Q، سيكون لنا- Q في الوقت نفسه تقريبا �سع أكثر للحديث. سأعود إذن غدا مت..لقد مرc الوقت بسرعة اليوم دون أن ننتبه لذلك

أعلcق على كالمك. كنت أدري أن ال مقياس للوقت سوى قلبينا. ولذا لمQ من فرحة إلى فالوقت ال يركض بنا Q أيضا إال عندما يركض بنا القلب الهثا

Q بفرح أخرى، ومن دهشة إلى أخرى.. ولذا وجدت في كالمك اعترافار يc.. توقعت أن يتكر� cمشترك سر.

:لك يومها وأنا أود�عك عند باب القاعة أذكر أنني قلت

Q.. أريد أن- .أقرأك ال تنسي كتابك غدا

:قلت متعجبة

أتتقن العربية؟-

:قلت

-Q .سترين ذلك بنفسك.. طبعا

uقلت:

..سأحضره إذن-

cب ثم أضفت بابتسامة ال :تخلو من كيد� نسائي محب

!المتعة مادمت تصرc على معرفتي.. لن أحرمك من هذه-

.بالتحديد وانغلق الباب خلف ابتسامتك تلك، دون أن أفهم ما كنت تعنيه

ذهبت بالغموض الضبابي الذي جئت به.. نفسه. وبقيت عند عتبة ذلك

� الباب الزجاجي، أتأملك تندمجين بخطى المارة وتختفين مرة أخرى كنجمQ؟ هارب.. و أنا !أتسال بشيء من الذهول.. ترانا التقينا حقا

***

..التقينا إذن

Page 60: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.الذين قالوا "الجبال وحدها ال تلتقي".. أخطأواQ، لتتصافح دون أن تنحني أو تتنازل عن شموخها.. والذين بنوا بينها جسورا

Q في .قوانين الطبيعة ال يفهمون شيئا وعندما ال الجبال ال تلتقي إال في الزالزل و الهزات األرضية الكبرى،

.تتصافح، وإنما تتحول إلى تراب واحد..التقينا إذن

Q، وكنت أنا وحدثت الهزة األرضية التي لم تك متوقcعة، فقد كان أحدنا بركانا.الضحية

Q جرف كلc شيء في طريقه، يا Q بركانيا امرأة تحترف الحرائق. ويا جبال.تمس�كت به وأحرق آخر ما

تربتك من أين أتيت بكل تلك األمواج المحرقة من النار؟ وكيف لم أحذر.المحمومة، كشفتي» عاشقة غجرية

Q في كيف لم أحذر بساطتك وتواضعك الكاذب، Q قديما cر درسا وأتذك تواضع هضبة.." الجغرافية: "الجبال البركانية ال قمم لها؛ إنها جبال في

فهل يمكن للهضاب أن تفعل كلc هذا؟

تحذcرنا من ذلك النهر المسالم الذي يخدعنا هدوؤه كلc األمثلة الشعبية العود الصغير الذي ال نحتاط له.. وإذا به فنعبره، وإذا به يبتلعنا. وذلك

.يعمينا

من لهجة "يؤخذ الحذر من مأمنه". ولكن كلc أكثر من مثل يقول لن بأكثر الحماقات، فال منطق للعشق تحذيراتها لن تمنعنا من ارتكاب المزيد من

Q كبرت .حماقاتنا خارج الحماقات والجنون. وكلما ازددنا عشقا

ألم يقل )برنارد شو( "تعرف أنك عاشق عندما تبدأ في التصرف ضد!"مصلحتك الشخصية

cية ألول وكانت حماقاتي األولى، أنني تصرفت معك مثل سائح يزور صقل مرة، فيركض نحو بركان )إتنا(، ويصل�ي ليستيقظ البركان النائم بعين

Q، على مرأى من السواح المحملين واحدة من نومه، ويغرق الجزيرة نارا.الفوتوغرافية.. والدهشة باآلالت

أجمل من بركان وتشهد جثث السواح التي تحولت إلى تراب أسود أنه ال يتثاءب، ويقذف ما في جوفه من نيران وأحجار، ويبتلع المساحات

.في بضع لحظات الشاسعة

Q بجاذبية مغناطيسية ما.. بشيء شبيه وأنc المتفرج عليه يصاب دائماQ أمامها. يحاول أن بشهوة اللهب، يشدcه لتلك السيول النارية، فيظل منبهرا

Page 61: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cر في ذهول كلc ما قرأه عن قيام الساعة، وينسى بحماقة عاشق، أنه يتذك!قيام ساعته.. يشهد ساعتها

يشهد الدمار حولي اليوم، أنني أحببتك حتى الهالك؛ وأشتهيك.. حتى االحتراق األخير. وصد�قت جاك بريل عندما قال "هناك أراض محروقة

ال يمنحك نيسان في أوج عطائه". وراهنت على ربيع تمنحك من القمح ما.السنوات العجاف هذا العمر القاحل. ونيسان هذه

Q أن أزايد Q جرف من حولي كلc شيء.. ألم يكن جنونا على جنون يا بركانا السواح والعشاق، وكلc من أحبوك قبلي.. فأنقل بيتي عند سفحك، وأضع

.عند أقدام براكينك، وأجلس بعدها وسط الحرائق.. ألرسمك ذاكرتي

Q.. أن أرفض االستعانة بنشرات األرصاد الجوية، والكوارث ألم يكن جنونا عنك أكثر مما يعرفون. نسيت وقتها أن الطبيعية، وأقنع نفسي أنني أعرف

، وأنc ما أعرفه cعنك ال عالقة له بالمنطق المنطق ينتهي حيث يبدأ الحب .وال بالمعرفة

.التقت الجبال إذن.. والتقينا.قرن من الصفحات الفارغة البيضاء التي لم تمتلئ بك ربع

.التي أنفقتها في انتظارك ربع قرن من األيام المتشابهة على ركبتي كانت ربع قرن على أو�ل لقاء بين رجل كان أنا، وطفلة تلعب

.أنت.يرك ربع قرن على قبلة وضعتها على خدك الطفولي، نيابة عن والد لم

cة ذراعه، وفي المجن أنا الرجل المعطوب الذي ترك في المعارك المنسي..المغلقة قلبه

cتي، والمدينة التي لم أكن أتوقع أن تكوني المعركة التي سأترك عليها جث سأنفق فيها ذاكرتي.. واللوحة البيضاء التي ستستقيل أمامها فرشاتي،

cارة مثلك. تحمل في لونها كلc األضداد .لتبقى عذراء.. وجب

.لم أعد أدري كيف حدث كلc هذا؟

إلى كان الزمن يركض بنا من موعد إلى آخر، والحبc ينقلنا من شهقة.أخرى، وكنت أستسلم لحبك دون جدل

تقف في وجه القدر؟ كان حبك قدري.. وربما كان حتفي، فهل من قوة

cا نلتقي في تلك Q، كن القاعة نفسها في كان لقاؤنا يتكرر كل يوم تقريبا ساعات مختلفة من النهار، فقد شاءت المصادفات أن يصادف معرضي

الربيع المدرسية. وكنت تملكين ما يكفي من الوقت لزيارتي كلc عطلةcدوام جامعي يوم. فلم يكن لك أي.

Page 62: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

كان عليك فقط أن تتحايلي على اآلخرين بعض الشيء، وربما على ابنة.عمك أكثر، حتى ال ترافقك لسبب أو آلخر

Q Q، "إلى الغد": ترانا نرتكب كنت أتساءل كل مرة وأنا أودعك مرددا تلقائياQ،. أكبر الحماقات ويزداد تعلقنا ببعض كلc يوم cا وربما ألنني كنت أكبرك سن

الشاذ كنت أشعر أنني تحمل وحدي مسؤولية ذلك الوضع العاطفي.وانحدارنا السريع والمفجع نحو الحب

Q كنت أحاول الوقوف في طريق ذلك الشالل الذي كان يجرفني ولكن عبثا بشهية رجل لم إليك بقوة حبc في الخمسين، بجنون حبc في الخمسين،

.يعرف الحبc قبل ذلك اليوم

وينحدر بي إلى أبعد نقطة في كان حبك يجرفني بشبابه وعنفوانه، المطاف، الجنون الالمنطق.. تلك التي يكاد يالمس فيها العشق، في آخر

..أو الموت

العميقة داخلي، إلى تلك وكنت أشعر وأنا أنحدر معك إلى تلك المتاهات األغوار التي الدهاليز السرية للحب والشهوة، وإلى تلك المساحة البعيدة

Q، وأنني Q سلcم القيم تدريجيا �ر دون لم تطأها امرأة قبلك، أنني أنزل أيضا أتنكQ بأكمله أن أن أدري لتلك المثل التي آمنت بها بتطرcف، ورفضت عمرا

.عليها أساوم

Q ال يتجزأ، ولم يكن هناك في قاموسي من لقد كانت القيم بالنسبة لي شيا فرق بين األخالق السياسية، وبقية األخالق.. وكنت أعي أنني، معك، بدأت

�ر .لواحدة ألقنعك بأخرى أتنكQ آنذاك ..تساءلت كثيرا

أنفرد بك في جلسة شبه بريئة، في قاعة تراني كنت أخون الماضي، وأناتؤثثها اللوحات والذاكرة؟

cن» عرفت من رجال، وأكثرهم نخوة ومروءة، وأكثرهم تراني أخون أعزtم شجاعة ووفاءQ؟

cس تراني سأخون سي الطاهر قائدي ورفيقي وصديق عمر بأكمله. فأدنcته األخيرة؟ ذكراه وأسرق منه زهرة عمره الوحيدة.. ووصي

!أحد�ثك عن الماضي أيمكن أن أفعل كلc ذلك باسم الماضي، وأنا

Q، في تلك الجلسات التي Q أسرق منك شيئا كنت أحد�ثك ولكن.. أكنت حقcاQ عنه؟ .فيها طويال

Q، كانت هيبة اسمه Q. كانت ال.. لم يحدث هذا أبدا حاضرة في ذهني دائماQ Q في تربطني بك وتفصلني عنك في الوقت نفسه. كانت جسرا وحاجزا

Page 63: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..الوقت نفسه

ذاكرتي. أن أفتح لك دفاتر وكانت متعتي الوحيدة وقتها، أن أودعك مفاتيحة، ألقرأها أمامك صفحة.. صفحة. وكأنني cأكتشفها معك الماضي المصفر

.وأنا أستمع لنفسي، أقصها ألول مرة

بطريقة مخيفة. كنت أنا الماضي الذي كنا نكتشف بصمت أننا نتكامل والذي أحاول أن أودعه تجهلينه، وكنتu أنت الحاضر الذي ال ذاكرة له،

.بعض ما حمcلتني السنوات من ثقل

Q كبحر كنتu فارغة كإسفنجة، Q ومثقال .وكنت أنا عميقا

� أكثر ..رحت تمتلئين بي كلc يومQ، وأنني كلما كنت أجهل ساعتها أنني كنت كلما فرغت امتألت بك أيضا

Q من الماضي، cي. وإذا بنا نحمل ذاكرة وهبتك شيا حوcلتك إلى نسخة منQ Q وأزقة مشتركة، وأفراحا �ا مشتركة، طرقا Q مشتركة كذلك. فقد كن وأحزانا

Q معطوبي حرب، وضعتنا األقدار في رحاها التي ال ترحم، فخرجنا كلº معا.بجرحه

Q في األعماق. لقد Q و جرحك خفيا بتروا ذراعي، وبتروا كان جرحي واضحا�ا Q.. وأخذوا من أحضانك أبا.. كن أشالء طفولتك. اقتلعوا من جسدي عضوا

.حرب.. وتمثالين محطcمين داخل أثواب أنيقة ال غير

طلبت فيه مني ألول مرة، أن أحد�ثك عن أبيك. أذكر ذلك اليوم الذي�ك جئت لزيارتي من البدء.. بهذه النية واعترفت بشيء من االرتباك، أن

المرارة التي فقط. كان في صوتك شيء من الحزن المكابر.. شي من.اكتشفتها فيك ألول مرة

:قلت

أبي لشارع كبير، وأن أحمل ثقل اسمه الذي ما فائدة أن يمنح اسم- اليوم. ما فائدة ذلك إذا كنت يردده أمامي المارة والغرباء عدة مرات في

شخص واحد قادر ال أعرف عنه أكثر مما يعرفون، وإذا كان ال يوجد بينهمQ؟ على أن يحدcثني عنه حقا

Q :قلت لك متعجبا

Q؟ ألم يحدثك- عنه عمcك مثال

:قلت

أمامي، يأتي كالمه وكأنه عمcي ال وقت له لهذا.. وعندما يحدث أن يذكره-

Page 64: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

أخيه، وال أقرب لخطبة تأبينية يتوجه بها لغرباء يستعرض أمامهم مآثر..يتوجه فيها إليc ليحدثني عن رجل هو أبي قبل كلc شي

أعرفه عن أبي، ليس تلك الجمل الجاهزة لتمجيد األبطال الذي أريد أنcى والشهداء، والتي تقال في كلcمناسبة عن الجميع؛ وكأن� الموت سو

Q نسخة .طبق األصل فجأة بين كلc الشهداء، فأصبحوا جميعا

Q عن أفكاره.. بعض تفاصيل حياته.. أخطاءه يهمني أن أعرف شيئا وحسناته.. طموحاته السرية.. هزائمه السرية. ال أريد أن أكون ابنة

بدعة يونانية. أريد أن أكون ابنة لرجل عادي بقوcته ألسطورة، األساطير ففي حياة كلc رجل خيبة ما وهزيمة ما،. وبضعفه، بانتصاراته وبهزائمه

Q في انتصار آخر .ربما كانت سببا

cشيء من الصمت بيننا حل.. بين كنت أتأملك وأغوص في أعماق نفسي. رحت أبحث عن الحدc الفاصل

Q، وال كنت أنت آلهة cا هزائمي وانتصاراتي. لم أكن في تلك اللحظة نبيcا فقط تمثالين أثريين قديمين محطمtي األطراف، يحاوالن.. إغريقية كن

فرحت أستمع إليك وأنت ترم�مين ما في. ترميم أجزائهما بالكلمات.أعماقك من دمار

:قلت

أشعر أنني ابنة لرقم فقط، رقم بين مليون ونصف مليون رقم يحدث أن- أو أصغر، ربما كتب اسم بعضها بخط أكبر أو آخر. ربما كان بعضها أكبر

Q أرقام .لمأساة ما أصغر من خطc آخر، ولكنها جميعا

uوأضفت:

Q، هذا ال يعني- Q كبيرا Q. لقد أورثني مأساة أن يكون أبي أورثني اسما شيئاQ في ثقل اسمه، وأورث أخي الخوف الدائم من السقوط، والعيش مسكونا

بهاجس الفشل، وهو االبن الوحيد للطاهر عبد المولى الذي ليس من حقه في الدراسة وال في الحياة، ألنه ليس من حق الرموز أن أن يفشل

دراسته الجامعية وهو يكتشف عبثية تتحطم. والنتيجة، أنه تخلى عن الماليين. ربما كان على تكديس الشهادات، في زمن يكدcس فيه اآلخرون

.محترمة حق، فالشهادات هي آخر ما يمكن أن يوصلك اليوم إلى وظيفة

إلى لقد رأى أصدقاءه الذين تخرجوا قبله، ينتقلون مباشرة إلى البطالة أور أن ينتقل إلى التجارة. ورغم أنني tموظ�فين برواتب وأحالم محدودة، فقر

رأيه، إال أنه يحزنني أن يتحول أخي وهو في عزc شبابه، إلى تاجر أشاطرهQ Q وشاحنة وهبتها له الجزائر كامتياز بصفته ابن شهيد. صغير يدير محال تجاريا

Q كهذا ال أعتقد أن أبي كان !يتوق�ع له مستقبال

Page 65: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

:قاطعتك في محاولة لتخفيف تذمرك

Q كهذا. لقد ذهبت أبعد من أحالمه؛ إنك إنه لم- Q لك مستقبال يتوقع أيضاQ يقدcس العلم والمعرفة، ويعشق الوريثة لكلc طموحاته ومبادئه. كان رجال

لها بالخرافات والعادات البالية التي أرهقت العربية، ويحلم بجزائر ال عالقة اليوم هذا الحظ االستثنائي، جيله وقضت عليه. إنك ال تعين أن يكون لك

الدراسة والعمل في وطن يمنحك فرصة أن تكوني فتاة مثق�فة، يمكنها..وحتى الكتابة

:أجبت بشيء من السخرية

مدينة للجزائر بثقافتي أو بعلمي، ولكن الكتابة شي آخر لم يمنc قد أكون- cا.. كنت به أحد عليc. نحن نكتب لنستعيد ما أضعناه وما سرق خلسة من

وحياة عادية، أن يكون لي أب وعائلة أفضuل أن تكون لي طفولة عادية الدفاتر. ولكن أبي أصبح كاآلخرين؛ وليس مجموعة من الكتب وجزمة من

Q لكل الجزائر، ووحدها الكتابة أصبحت ملكي.. ولن يأخذها �ي أحد ملكا !من

إلى أذهلني كالمك. مألني بأحاسيس متناقضة. أحزنني، ولكنه لم يوصلنيQ تثير اإلعجاب حد الشفقة عليك. إن� امرأة ذكية ال تثير الشفقة. إنها دائما

Q بك، بجرحك المكابر، بطريقتك االستفزازية حتى في حزنها. وكنت معجبا كنت تشبهينني أنا الذي كنت أرسم بيد ألستعيد يدي. في تحدcي هذا الوطن

Q عاديا بذراعين اثنتين، ألقوم بأشياء األخرى. كنت أفض�ل لو بقيت رجال ال تتأبط غير الرسوم عادية يومية، وال أتحول إلى عبقري بذراع واحدة،

.واللوحات

Q وال Q وال نبيا Q. لم أجاهد لم يكن حلمي أن أكون عبقريا Q ومرفوضا Q رافضا فنانا ولكن القدر أراد لي من أجل هذا. كان حلمي أن تكون لي زوجة وأوالد،

بتروا حياة أخرى، فإذا بي أب ألطفال آخرين وزوج للغربة والفرشاة.. لقدQ أحالمي .أيضا

:قلت لك

.أعماقنا هو لنا ولن تطوله يد أحد لن يأخذ أحد منك الكتابة.. إن ما في-

uقلت:

سوى الفراغات المحشوة بقصاصات ولكن ليس في أعماقي شيء- .وبينها من قرابة الجرائد.. بنشرات األخبار، وبكتب ساذجة ليس بيني

Q :ثم أضفت وكأنك تودعينني سرا

أحبc جدcتي أكثر من أي شخص آخر.. وأكثر حتى من أتدري لماذا كنت-

Page 66: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q من الوقت لتحد�ثني عن كل� أمcي؟ إنها الوحيدة التي كانت تجد متسعاQ، وكأنها ترفض الخروج منه. كانت شيء.. كانت تعود إلى الماضي تلقائيا

.أغانيه تلبس الماضي.. تأكل الماضي.. وال تطرب سوى لسماع

كانت تحلم بالماضي في زمن كان اآلخرون يحلمون فيه بالمستقبل. ولذاQ ما تحدcثني عن أبي دون أن أطلب منها ذلك، فقد كان أجمل ما في كثيرا

العابر. وكانت ال تتعب من الحديث عنه، كأنها تستعيده ماضيها األنثوي ذلك بحسرة األم التي ترفض أن تنسى بالكلمات وتستحضره. كانت تفعل

لي عنه أكثر مما تقوله أنها فقدت بكرها إلى األبد.. ولكنها لم تكن تقول البارc الذي لم أم عن ابنها. كان الطاهر هو األجمل.. هو األروع.. هو االبن

Q بكلمة .يجرحها يوما

Q. سألتها "أمcا.. لماذا تبكين وقد يوم االستقالل بكت جدcتي كما لم تبك يوما أنتظر االستقالل ليعود لي استقل�ت الجزائر؟" قالت: "كنت في الماضي

Q الطاهر، اليوم أدركت أنني لم أعد أنتظر ".شيئا

cة التي قرأتها يوم مات أبي لم تزغرد جدcتي كما في قصص الثورة الخيالي فيما بعد. وقفت في وسط الدار وهي تشهق بالبكاء وتنتفض عارية الرأس

tاني لمن مرددة بحزن بدائي: " يا وخيدتي.. يا سوادي.. آه الطاهر أحنcيتني.. نروح عليك ".أطراف خل

وكانت أمي تبكي بصمت وهي تحاول تهدئتها، وكنت أنا أتفرج عليهماQ كان ات.. رجال Q لم أره سوى مر� Q أنني أبكي رجال وأبكي دون أن أفهم تماما

.أبي

Q فيc تلك العواطف الغامضة، لماذا كان ذكرك لـ ) أمcا الزهرة( يثير دائماcالتي كانت جميلة ودافئة قبل ذلك اليوم، والتي أصبحت فجأة موجعة حد

البكاء؟

cتني بقدر ما أحببتها والتي مازلت أذكر مالمح تلك العجوز الطيبة التي أحبQ بين بيتها وبيتنا. كان لتلك المرأة طريقة قضيت طفولتي وصباي متنقال

، اكتشفت بعدها أنها طريقة مشتركة لكلc األمهات عندنا. واحدة في cالحب cك باألكل، فتعد من أجلك طبقك المفضل وتالحقك باألطعمة، إنها تحب

.الذي انتهت لتو�ها من إعداده وتحمcلك بالحلويات، وبالكسرة والرخسيس

للمطبخ، ولذا كنc يعشن لقد كانت تنتمي لجيل من النساء نذرن حياتهن�، يهبن فيها من جملة ما يهبن cفائض األعياد واألعراس كوليمة حب

ي لم يجد له من تعبير آخر خارج cوجوع سر tوحنانهن .. .األكل أنوثتهن�

اس cلقد كن� في الوقع يطعمن كل يوم أكثر من مائدة.. وأكثر من "تر.." وينمن كل ليلة دون أن ينتبه أحد إلى جوعهنc المتوارث من

�ما وفاءQ عصور..اكتشفت هذه الحقيقة Q فقط، يوم وجدت نفسي رب مؤخرا

Page 67: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q عن حبc امرأة تعيش على األكل الجاهز، وال وليمة لها غير لهن�_ عاجزا!جسدها

:خدوّش طفولتي البعيدة سألتك وأنا أهرب من تلك الذكريات هربي من

Q كيف عاشت بعد- وفاة سي الطاهر؟ وأمك.. إنك لم تحدcثيني عنها أبدا

uقلت:

cما كانت في- أعماقها تعتب على الذين لقد كانت قليلة الحديث عنه.. رب..لرجل زوجوها منه، فقد كانوا يزفcونها لشهيد وليس

Q نشاطه السياسي، وتدري أنه سيلتحق بالجبهة بعد كانت تعرف مسبقاcة، ولن يزورها إال خلسة بين الحين ي cالزواج، وسيدخل في الحياة السر

Q، فلماذا هذا الزواج إذن؟ ولكن كان ال بدc واآلخر، وقد ال يعود إليها إال جثمانا؛ كان في الجوc رائحة صفقة ما. فقد كان أهلها لذلك الزواج أن cيتم

المولى، صاحب االسم والثروة الكبيرة. وال فخورين بمصاهرة الطاهر عبد القادمة. وربما كانت جدتي بأس أن تكون أمي زواجه الثاني أو أرملته

عة باكية تعرف أنه خلق ليستشهد فراحت تزور األولياء والصالحين متضر�Q يوم كانت حبلى c كما كانت تزور سابقا cة.. تماما Q ذري به طالبة البنها أخيرا

Q cا ..آنذاك أن يكون مولودها صبي

:سألتك

-cهذه القصص؟ من أين تعرفين كل

:قلت

Q. تصور أنها يوم كانت حبلى- بأبي لم تفارق منها هي.. ومن أمي أيضا مزار )سيدي محمد الغراب( بقسنطينة، حتى إنها كادت تلده هناك.. ولذا

Q Q به.. ثمc سمcت عمي ) محمد الشريف( تباركا سمtته ) محمد الطاهر( تباركاQ بعدها عرفت أن� نصف رجال تلك المدينة أسماؤهم هكذا.. وأن�.. به أيضا

Q لألسماء، وأنt معظمهم يحمل أسماء أهل تلك المدينة يولون Q كبيرا اهتماماQ. األنبياء أو األولياء الصالحين وهكذا كادت تسمuيني "السيدة" تباركا

cة التي كانت تزورها في تونس كلc مرة محملة بالشمع بالسيدة المنوبي الفاياّش(. والسجاد والدعوات، متنقلة بين ضريحها ومزار )سيدي عمر

Q من كل شيء.. Q تماما ربما سمعت به، ذلك الولي الذي كان يعيش عاريا جعل السلطات التونسية تقوم بربط قدمه إلى سلسال حديدي وهو ما

Q Q، حتى ال يغادر البيت عاريا كما تعوcد أن يفعل.. وهكذا كان يعيش مقيدا النساء الالتي يتسابقن لزيارته، يدور ويصرٍخ وسط غرفة فارغة، إال من

المعروضة للفرجة.. بعضهن للتبارك به.. وأخريات لمجرد اكتشاف رجولته ولفضول النساء الملتحفات بـ )السفساري( والمتظاهرات بالحشمة

Page 68: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

!.الكاذبة

QQ ..سألتك ضاحكا

.وهل زرته أنت؟-

uقلت:

-Q Q.. لقد زرته بعد ذلك مع كلc واحدة منهن� على انفراد؛ وزرت أيضا طبعا المنوبية"، المرأة التي كدت أحمل اسمها، لوال أن� أمي أنقذتني "السيدة

وقررت أن تسميني "حياة" في انتظار مجيء أبي، الذي من تلك الكارثة،.اختيار اسمي يعود إليه القرار األخير في

cر اللسان توق�ف القلب عند هذا االسم.. وركضت الذاكرة إلى الوراء. تعثQ وفاجأك سؤالي :وهو يلفظ هذا االسم بعد ربع قرن تماما

أناديك "حياة"؟ هل يسعدك أن-

..قلت متعجبة

!أليس أجمل؟.. لماذا.. أال يعجبك اسمي الحقيقي-

:قلت

اسم كهذا في بال إنه حقا أجمل.. حتى إنني تعجcبت وقتها كيف خطر- والدك. كنت أسمعه ألول مرة ولم يكن في حياته آنذاك ما يمكن أن يوحي

باسم جميل كهذا.. وبرغم ذلك أحبc أن أسم�يك "حياة" ألنني قد أكون الذي يعرف اليوم هذا االسم. أريد أن يكون بيننا ككلمة الوحيد مع والدتك

cرك بعالقتنا ، ليذك cطفلتي بطريقة ما سر ..Q .االستثنائية، وبأنك أيضا

uقلت .. uضحكت:

Q من فترة الثورة، ولذا أنت تشعر برغبة في أن أتدري- أنك لم تخرج أبداQ Q حركيا حتى قبل أن تحبني. وكأنك ستدخلني بذلك في العمل تعطيني اسما

cة مهمة تراك تعد لي؟ السري.. أي

ضحكت بدوري لمالحظتك التي فاجأتني بواقعيتها. تراك بدأت تعرفيننيهذا الحد؟ إلى

:قلت

cة المبتدئة أنه ال بدc من أكثر- Q اعلمي أيتها الثوري من اختبار. لنكل�ف أحدا

Page 69: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

استعدادتك بمهمة فدائية. ولذا سأبدأ في مرحلة أولى بدراستك، ومعرفة!الخاصcة

***

Q قصcة Q، ألقصc عليك أخيرا أحسست لحظتها، أنc الوقت قد أصبح مناسبا األخير في الجبهة، ذلك اليوم الذي لفظ فيه سي الطاهر اسمك يومي

�فني إذا ما وصلت إلى تونس على قيد أمامي ألول مرة، وهو يود�عني ويكل.عنه الحياة أن أقوم بتسجيلك نيابة

وتلك الليلة التي عبرت فيها الحدود الجزائرية التونسية، بجسد محموم وذراع تنزف، وأنا أرد�د لنفسي بهذيان الحمcى، اسمك الذي أصبح وسط

وكأنه اسم لعملية أخيرة كلفني بها سي الطاهر، كنت إجهادي ونزيفي،Q أريد أن أحقق طلبه األخير، وأطارد Q شرعيا حلمه الهارب، فأمنحك اسما

Q.. ال عالقة له بالخرافات ..واألولياء رسميا

أذكر ذلك اليوم الذي وقفت فيه ألول مرة أدق باب بيتكم في شارع التوفيق بتونس. أذكر تلك الزيارة بكل تفاصيلها وكأن ذاكرتي كانت تقرأ

Q ما .سيكتب لي معك، فأفرغت مساحة كافية لها مسبقا

انتظرت أمام بابكم الحديديc في ذلك اليوم الخريفيc من شهر أيلول،..لي طويلة األخضر، قبل أن تفتح )أمcا الزهرة( الباب بعد لحظات بدت

Q آخر .غيري مازلت أذكر تلك الشهقة في نظرتها، كأنها كانت تنتظر شخصا

توقفت مدهوشة أمامي، تفحcصت معطفي الرمادي الحزين ووجهي النحيل الشاحب. توقفت عند ذراعي الوحيدة التي تمسك علبة الحلوى، وذراع

.الفارغة التي تختبئ ألول مرة بحياء داخل جيب معطفي معطفي األخرى اغرورقت عيناها بالدموع، وراحت تبكي دون أن وقبل أن أنطق بأية كلمة

�ر حتى في دعوتي إلى دخول .البيت تفك

cلها.. بشوق السنوات التي لم أرها فيها.. بالشوق الذي حمcلني انحنيت أقب..فجيعتها إياه ابنها.. وبشوق )أمcا( التي لم أتعو�د بعد سنتين ونصف على

واشك أمcا الزهرة؟-

..بدورها زاد بكاؤها وهي تحتضنني وتسألني

Page 70: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

واّش راك يا ولدي..؟-

Q Q بلقائي، أم حزنا على حالتي، وعلى ذراعي التي تراها أكان بكاؤها فرحا ابنها ورأتني.. أم فقط مبتورة ألول مرة.. أكانت تبكي ألنها توقعت أن ترى

Q في يده البهجة، Q قد دقc هذا الباب، ودخل حامال Q من األخبار، ألن أحدا وشيئا�ما لم يدخله رجل منذ شهور؟ لبيت رب

..يا ولدي جوز ع السالمة.. جوز-

Q وتمسح دموعها. ثم أعادت وهي قالتها وهي تشرع باب الدار أخيرا تسبقني "جوز..جوز.." بصوت عال� كإشارة موجهة ألمك التي ركضت عند

ولم أرt غير ذيل ثوبها يسبقني، ويختفي خلف باب سماع هذه الكلمات،.مغلق على عجل

البيت.. بدوالي العنب التي تتسلcق جدران حديقته الصغيرة، أحببت ذلك.سوداء على وسط الدار وتمتد لتتدلى عناقيد ثريات

كامرأة فضولية شجرة الياسمين التي ترتمي وتطلc من السور الخارجي،Q بجدران بيتها، وراحت تتفرج على ما يحدث في الخارج، ضاقت ذرعا

Q.. ورائحة لتغري المارة بقطف زهرها.. أو جمع ما تبعثر من الياسمين أرضا منه، فتبعث معها الطمأنينة، ودفء غامض يستبقيك الطعام التي تنبعث

.هناك:غرفة تطل على وسط الدار مرددة سبقتني )أمcا الزهرة( إلى

..اقعد يا ولدي.. اقعد-

cي علبة الحلوى وتضعها على الصينية النحاسية قالتها وهي تأخذ من.خشبية المستديرة والموضوعة على مائدة

Q على ذلك المطرح الصوفي حتى ظهرت أنت في وما كدت أجلس أرضا الغرفة صغيرة كدمية، وحبوت مسرعة نحو العلبة البيضاء تحاولين طرف

وفتحها. وقبل أن أتدخل أنا كانت )أمcا الزهرة( قد أخت سحبها إلى األرض مكان آخر وهي تقول: "يعطيك الصحة يا منك العلبة وذهبت بها إلى

..".يكفينا وليدي.. وعالّش عييت روحك يا خالد يا بني.. وجهك

ياحة الخشبية، الموضوعة على cثم عادت ونهرتك، وأنت تتجهين نحو الش cة صغيرة فوق كانون، والتي كانت ثيابك الصغيرة البيضاء منثورة شكل قب

.. وعندها حبوت تحوي في خطوتين مترددتين، ويداك فوقها كي cتجف .بي الصغيرتان أمامك تستنجدان

لحظتها شعرت بهول ما حلc بي، وأنا أمدc نحوك يدي الفريدة في محاولة

Page 71: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q عن التقاطك بيدي الوحيدة المرتبكة، لإلمساك بك. لقد كنت عاجزا.لمالعبتك دون أن تفلتي مني ووضعك في حجري

Q أن يكون لقائي األول بك هو امتحاني األول وعقدتي األولى، أليس عجيبا الذراع وأن أنهزم على يدك في أصعب تجربة مررت بها منذ أصبحت رجل

..!الواحدة.. من عشرة أيام ال أكثر

":وبصحن "الطمcينة عادت )أمcا الزهرة( بصينية القهوة

الطاهر؟ قل لي يا خالد يا ابني وراسك.. واّش راه-

قالتها قبل أن تجلس حتى على المطرح.. كان في سؤالها مذاق الدمع. حلقها غصcة السؤال الذي يخاف الجواب.. فرحت أطمئنها. أخبرتها وفي

وأنه اآلن في منطقة الحدود وأن صحته جيدة ولكنه أنني كنت تحت قيادته.لصعوبة األوضاع ولمسؤولياته الكثيرة ال يستطيع الحضور هذه األيام،

العدو قرر أن يطرق المناطق لم أخبرها أن المعارك تشتد كل يوم، وأن تحركاتنا.. الجبلية، ويحرق كل الغابات، حتى تتمكن طائراته من مراقبة

وأنه تم إلقاء القبض على مصطفى بن بولعيد، ومعه مجموعة من كبار والمجاهدين، وأن ثالثين منهم قد صدر في حقهم الحكم باإلعدام، القادة

مجموعة من الجرحى والمشوهين الذين مات اثنان وأنني أتيت للعالج مع..منهم قبل أن يصال

cر مجرى لقد قال لها منظري أكثر مما تتحمله امرأة في سنها، فرحت أغي األوراق النقدية التي أرسلها معي سي الطاهر، الحديث.. أمددتها بتلك

Q وطلبت منها حسب وصيته أن تشتري لك بها هدية، ووعدتها أن أعود قريبا أمcا الزهرة بصعوبة، لتسجيلك، بذلك االسم الذي اختاره لك، والذي رددته

وبشي من الدهشة، ولكن دون تعليق. فقد كان لما يقوله سي الطاهر.بالنسبة لها صفة القداسة

وجئت فجأة وكأنك انتبهت فجأة أن الحديث يعنيك، فتسلcقت ركبتي لتجلسي في حجري بتلقائية طفولية، ولم أتمالك لحظتها احتضانك بيدي الوحيدة.. ضممتك إليc، وكأنني أضمc الحلم الذي أضعت من أجله ذراعي

أخاف أن يهرب مني وتهرب معه أحالم ذلك الرجل الذي لم الثانية؛ كأنني.يسعد بعد باحتضانك

أقبلك وسط دموعي وفرحتي وألمي وكلc تناقضي، نيابة عن سي رحت أوالدهم منذ التحقوا بالجبهة، ونيابة عن آخرين، طاهر وعن رفاق لم يروا

يحتضنون فيها بدل البنادق، ماتوا وهم يحلمون بلحظة بسيطة كهذه،.أطفالهم الذين ولدوا وكبروا في غفلة منهم

�لك نيابة عني.. وأن أبكي أمامك نيابة عني. نيابة عن نسيت يومها أن أقب

Page 72: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

سأتحول إليه على يدك بعد ربع قرن. نسيت أن أسجcل جوار الرجل الذيQ.. وأن أطلب Q.. وأعوامك القادمة اسمك اسمي مسبقا ذاكرتك مسبقا

Q.. أن أحجز عمرك، وأوقف عدcاد السنوات الذي كان يركض بي نحو مسبقا!السابعة والعشرين.. وأنت تدخلين شهرك السابع

أستبقيك هكذا على حجري إلى األبد، تلعبين وتعبثين وبأشيائي، نسيت أنQ ال .أفهمه.. وال تفهمينه وتقولين لي كالما

بإيجاز متعمcد، وأترك لم تقاطعيني مرة واحدة، وأنا أقصc عليك تلك القصة.تفاصيلها المتشعبة لي

الذي وقفت فيه ألكتب على 1957 أيلول15توقفت فقط عند ذلك اليوم .سجلc رسمي اسمك النهائي

توضيحي، وال عل�قت يومها بكلمة واحدة، على قصcة لم تسأليني أيc سؤال ال أحد وجد في تلك القصة ما يستحق لم يقصها عليك أحد قبلي. ربما ألن

.التوقف

وراحت غيوم مكابرة تحجب نظرتك. استمعت إلي� بذهول، وبصمت مخيف في ذلك عني.. كنت تبكين أمامي ألول مرة، أنت التي ضحكت معي

Q .المكان نفسه كثيرا الحقيقة الموجعة، على ترانا أدركنا لحظتها، أننا كنا نضحك لنتحايل على

نفسه؟ شيء ما كنا نبحث عنه، ونؤجcله في الوقت

بذراعي نظرت إليك خلف ضباب الدمع.. كنت أودº لحظتها، لو احتضنتكQ. ولكنني بقيت في الوحيدة، كما لم أحضن امرأة، كما لم أحضن حلما

وبقيت في مكانك، متقابلين هكذا.. جبلين مكابرين، بينهما جسر مكاني،ي من الحنين cوالشوق.. وكثير من الغيوم التي لم تمطر سر.

cرت تلك اللوحة، وكأنني تذكرت الفصل األهم استوقفتني كلمة جسر، وتذك،Q عساني أصدcق من قصة، كنت أرويها لك وربما أرويها لنفسي أيضا

:غرابتها. وقفت وقلت

-Q .تعالي سأريك شيئا

.سؤال تبعتني دون:وقفت أمام تلك اللوحة. قلت لك وأنت تنتظرين مدهوشة ما سأقوله

أتدرين.. يوم رأيتك تقفين أمام هذه اللوحة، في ذلك اليوم األول، سرت- جسدي. شعرت أن بينك وبين هذه اللوحة قرابة ما أجهلها. قشعريرة في

Q منها، ولذا أتيت ألسلcم عليك عساني أكتشف خطأ ولكنني كنت متأكدا

Page 73: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.حدسي.. أو صوابه

:متعجبة قلت

Q في حدسك؟- وهل كنت مصيبا

:قلت

المكتوب على هذه اللوحة؟ ألم تالحظي التاريخ-

..أجبت وأنت تبحثين عنه أسفلها

..ال-

:قلت

بأسبوعين إنه قريب من تاريخ ميالدك الرسمي. أنت تكبرين هذه اللوحة_ uفقط. إنها توأمك إذا شئت!

:قلت مدهوشة

!هذا عجيب.. عجيب كل-

:نظرت إلى اللوحة وكأنك تبحثين فيها عن نفسك، فقلت

قنطرة الحبال؟ أليست هذه-

:أجبتك

القرابة األخرى التي إنها أكثر من قنطرة.. إنها قسنطينة. وهذه هي- .تربطك بهذه اللوحة

..معك يوم دخلت هذه القاعة، دخلت قسنطينة- cتك.. في مشيتك.. في لهجتك.. وفي سوار كنت تلبسينه- .دtخtلtت في طلQ ثم قلت- :فكرت قليال

Q أن ألبسه في بعض- - المناسبات.. آ.. تعني "المقياس".. يحدث أحيانا.ولكنه ثقيل يوجع معصمي

:قلت

Q. لقد لبسته "أمcا" عدة سنوات متتالية،ولم تشك ألن الذاكرة ثقيلة- دائما!إنها العادة فقط.. من ثقله. ماتت وهو في معصمها

Page 74: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q كنت. لم أعتب عليك. كان في صوتي حسرة، ولكن لم أقل لك شيئا تنتمين لجيل يثقل عليه حمل أي شيء. ولذا اختصر األثواب العربية

عصرية من قطعة أو قطعتين. واختصر الصيغة والحليc القديمة بأثواب على عجل. واختصر التاريخ والذاكرة القديمة، بحلي خفيفة تلبس وتخلع

cة، واسم أو اسمين في الشعر كلها بصفحة أو صفحتين في كتب مدرسي..العربي

إال في المناسبات، لن أعتب عليك، نحن ننتمي ألوطان ال تلبس ذاكرتها بين نشرة أخبار وأخرى. وسرعان ما تخلعها عندما تطفأ األضواء،

.وينسحب المصوcرون، كما تخلع امرأة أثواب زينتها

:لم تتعمديه قلت وكأنك تعتذرين عن خطأ

هذا؟ إذا شئت سألبس ذلك السوار من أجلك.. أيسعدك-

Q ما، رغم تلقائيته، وربما كان Q شيئا فاجأني كالمك. كان الموقف جزيناQ بحزن .مضحكا

التي كنت هنا أعرض عليك أبوتي، وكنت تعرضين عليc أمومتك. أنت الفتاة!كان يمكن أن تكون ابنتي، والتي أصبحت دون أن تدري.. أمcي

أجيبك لحظتها بكلمة واحدة، أختصر فيها كل تناقضات وكان يمكن أن أشعر به تجاهك من عواطف متطرفة.. موقفنا ذلك، وأختصر فيها كل ماQ آخر .وجامحة. ولكنني قلت شيئا

:قلت

Q أن تلبسيه من أجلك أنت- .يسعدني ذلك، ويسعدني أيضا

Q من الماضي الذي تبحثين عنه، وال من ال بد أن تعي أنك لن تفهمي شيئا قسنطينة بعاداتها وتلتحمي بها. إننا ال ذاكرة أب لم تعرفيه، إذا لم تفهمي

.بريدية.. أو لوحة زيتية كهذه نكتشف ذاكرتنا ونحن نتفرج على بطاقة.بها نحن نكتشفها عندما نلمسها، عندما نلبسها ونعيش

Q، لقد أصبحت عالقتي به فجأة عالقة عاطفية. لقد كان في هذا السوار مثالQ لألمومة دون أن أدري. اكتشفت هذا يوم رأيتك تلبسينه، ذاكرتي رمزا

تلبسيه. وتظل كل تلك األحاسيس التي فجرها داخلي نائمة وكان يمكن أالQ في حاجة إلى أن في دهاليز النسيان. هل تفهمين اآلن.. أن الذاكرة أيضا

Q؟ نوقظها أحيانا

Q منذ كم كنت أحمق.. كنت Q كان نائما دون أن أدري، أوقظ داخلي ماردا فتاة إلى مدينة. وكنت تستمعين سنين. وكنت أحوcلك في حمcى جنوني من

في جلسة تنويم لي بانبهار تلميذة، وتتلقcين كلماتي كما يتلقcى شخص

Page 75: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.مغنطيسي، تعاليمه وأوامره من منوم يفعل به ما يشاء

.يومها قدرتي على ترويضك، وعلى السيطرة على نارك المحرقة اكتشفت

ي أن cرت في سر أحولك إلى مدينة شاهقة.. شامخة، عريقة.. عميقة، وقر�.القراصنة لن يطأها األقزام وال

..حكمت عليك أن تكوني قسنطينة ما.بالجنون وكنت أحكم على نفسي

***

Q أطول ذلك اليوم.. وافترقنا مثقلين Q وقتا ات النفسية، قضينا معا cبالهز فة، التي عشناها خالل أربع ساعات من cمشحونين باالنفعاالت المتطر

Q، ووسط صمتنا . قلنا الكثير، وسط دموعنا المكابرة أحيانا cالحديث المستمر Q أخرى المخيف .أحيانا

Q ربما ألنني رأيتك تبكين ألول مرة. كنت أحتقر الناس الذين ال كنت سعيدا دموع لهم، فهم إما جبابرة.. أو منافقون. وفي الحالتين هم ال يستحقون

.االحترام.كنت المرأة التي كنت أريد أن أضحك وأبكي معها

.اكتشفته ذلك اليوم وكان هذا أروع ماcرت لقاءنا األول، الذي بدأناه دون تخطيط بالتعليقات الساخرة. يومها تذك

Q يقوم: "أقصر طريق ألن تربح امرأة هو أن Q فرنسيا cرت مثال تضحكها"، تذك..وقلت ها أنذا ربحتها دون جهد

يشجcع على الربح السريع، وعلى اليوم اكتشفت حماقة ذلك المثل الذي التي قد ضحكت في المغامرات العابرة التي ال يهمc أن تبكي بعدها المرأة

.البداية

..لم أربحك بعد نوبة ضحك وأنت تستمعين إلى قصcتك التي كانت قصcتي ربحتك يوم بكيت أمامي

Q. ثم� في تلك اللحظة التي تأملت فيها تلك اللوحة بتأثر واضح. وكنت أيضاcما على وشك أن تضعي قبلة على خدcي، أو تحضنيني في لحظة حنان رب

�ك لم تفعلي .مفاجئ.. ولكن

وكأننا نخاف أن تتحول تلك القبلة وافترقنا مثل العادة، ونحن نتصافح،.النائمة العابرة على الخدc، إلى فتيلة تشعل البراكين

Page 76: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cا نفهم بعضنا بصمت متواطئ. كان حضورك يوقظ رجولتي. كان عطرك كندانني من سالحي cني ويستدرجني إلى الجنون. وعيناك كانت تجر cيستفز

Q حتى عندما تمطران .حزنا

وصوتك.. آه صوتك كم كنت أحبه.. من أين جئت به؟ أيc لغة كانت لغتك؟..أيc موسيقى كانت موسيقاك

يمكن أن تكوني ابنتي، كنت دهشتي الدائمة، وهزيمتي المؤكدة، فهل كانQ آخر غير ذاك بالنسبة أنت التي لم يكن يمكن في المنطق أن تكوني شيئا

.لي

في ورحت أقاومك بحواجز وهمية أضعها بيننا كلc مرة، كما توضع حواجزQ خلقت للتحدي وربح الرهان. كنت تقفزين ساحة سباق، ولكنك كنت فرسا

Q .مرة واحدة، بنظرة واحدة عليها جميعا

Q هنا Q هناك، لتنتهي عند.. كانت نظراتك تتسكع فوقي، تتوقف أحيانا وأحيانا.عينيc أو زرc قميصي المفتوح كالعادة

:تتأملينني أكثر قلت مرة وأنت

الفوضوي فيك شيء من زوربا. شيء من قامته.. من سمرته.. وشعره- .المنسcق. ربما كنت فقط أكثر وسامة منه

:أجبتك

تضيفي كذلك، أنني في سنه، وفي جنونه وتطرفه، وأنc في يمكن أن- Q من وحدته.. من Q إلى أعماقي شيئا حزنه ومن انتصاراته التي تتحول دائما

.هزائم

:قلت متعجبة

أتعرف عنه كل ها... أتحبه؟-

:أجبت

..ربما-

:قلت

cر أكثر في حياتي؟- أتدري أنه الرجل الذي أث

�رت إما أنك Q من الرجال.. أو لم أدهشني اعترافك. فك لم تعرفي كثيراQ Q من الكتب. وقبل أن أقول شيئا :واصلت بحماسة تقرئي كثيرا

Page 77: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

فاته غير المتوقعة.. عالقته العجيبة بتلك- cالمرأة.. يعجبني جنونه وتصر فلسفته في الحب والزواج.. في الحرب والعبادة، وتعجبني أكثر طريقته

cر قصة الكرز، يوم كان يحبc الكرز في أن يصل بأحاسيسه إلى ضدcها. أتذكQ وقرر أن cأه. كثيرا Q حتى يتقي Q.. كيرا �شفى من ولعه به بأن يأكل منه كثيرا ي

كفاكهة عادية. كانت تلك طريقته في أن يشفى من بعد ذلك أصبح يعامله.تستعبده األشياء التي يشعر أنها

:قلت

..ال أذكر هذه القصة-

:قلت

رقصته تلك وسط ما يسميه بالخراب الجميل؟ إنه شيء وهل تذكر- cز في الهزائم مدهش أن يصل اإلنسان بخيبته وفجائعه حدc الرقص. إنه تمي

Q، فليست كلc الهزائم في متناول الجميع. فال بد أن تكون لك أحالم أيضا بعواطفك تلك إلى فوق العادة، وأفراح وطموحات فوق العادة، لتصل

..ضدcها بهذه الطريقة

أن أجد في ذلك "الخراب الجميل" كنت أستمع إليك بانبهار وبمتعة. وبدل من نزعة سادية، الذي كنت تصفينه لي بحماسة، ما يمكن أن يثير مخاوفي

أو مازوشية ما قد تسكنك، رحت أنقاد لجمال فكرتك فقط، وأقول دون:من التفكير كثير

زوربا صحيح.. جميل ما تقولين. _ ثم أضفت_ لم أكن أدري أنك تحبين- !إلى هذا الحد

:قلت ضاحكة

Q. يوم قرأتها شعرت سأعترف لك بشيء.. لقد أربكتني هذه- القصة كثيراQ Q. كنت أريد أن أحبc رجال كهذا.. أو أكتب بشيء من الغبطة والحزن معا

Q، ولهذا ستطاردني هذه القصة حتى رواية كهذه، ولم يكن ذلك ممكنا.منها بطريقة أو بأخرى أشفى

Q :قلت ساخرا

Q من- الشبه بيني وبينه، فقد تحققين األمنيتين يسعدني إذن أن تجدي شيئاQ ..معا

cبة وقلت تأملتني بشيء من الشيطة :المحب

Page 78: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.معك أريد أن أحقق إحدى األمنيتين فقط-

cهما وأضفت قبل أن :أسألك أي

-Q .لن أكتب عنك شيئا

آ.. لماذا..؟-

أريد قتلك، أنا سعيدة بك.. نحن نكتب الروايات لنقتل األشخاص ألني ال- Q علينا.. نحن نكتب لننتهي منهم الذين أصبح وجودهم ..عبئا

Q في نظرتك اإلجرامية" لألدب وقلت لك ونحن "يومها ناقشتك طويال:نفترق

Q أن أطcلع على- !روايتكم األولى.. أو "جريمتك األولى"؟ أيمكنني أخيرا

:ضحكت وأجبت

Q.. شرط- !أال تتحول إلى محق�ق جنائي أو طرف� في تلك القصcة طبعاQ تراك كنت تتنبئين بما- Q أنني لن أكون معك قارا ينتظرني، وتدرين مسبقا

Q بعد اآلن .محايدا

:التالي أحضرت لي تلك الرواية. قلت وأنت تمدcين نحوي الكتاب في اليوم

Q من المتعة في قراءتها أتمنى أن تجد- ..شيئا

Q :قلت مازحا

!ضحاياك متعتي وأتمنى أال يفسد عدد-

:أجبت باللهجة نفسها

!الجماعية ال.. اطمئن.. فأنا أكره المقابر-

..كيف نسيت هذه الجملة األخيرة قصcتك الجديدة هذه، التي تروج لها المجالت عندما أتذكرها اآلن، أقتنع أن

�ما كان زياد.. وربما والجرائد، لن تكون سوى ضريح فردي لبطل واحد رب�ا بميتة !كهذه؟ كان أنا.. فمن ترى المحظوظ من

Q على هذا السؤال، وعلى أسئلة أخرى وحده كتابك قد يحمل جوابا.تطاردني

أنني ولكن.. لماذا يثير كلc ما تكتبيه لديc أكثر من سؤال؟ ولماذا أشعر

Page 79: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

طرف في كل قصصك الواقعية والوهمية، حتى تلك التي كتبتها قبلي؟

Q عليك، أو ألنك يوم أهديتني كتابك ترى Q تاريخيا ألنني أتوهم أن لي حقا تضعي عليه أيc إهداء، وقلت ذلك التعليق المدهش الذي لم األول ذاك، لم

:أنسه"Qإهداء cا الذين نحبهم فمكانهم ليس في إننا نخطcللغرباء فقط.. وأم

..".صفحات الكتاب الصفحة البيضاء األولى، وإنما في

Q من يومها أسرعت إلى ذلك الكتاب ألتهمه في سهرتين. رحت أركض الهثا صفحة إلى أخرى، وكأنني أبحث عن شيء ما غير الذي أقرأه. عن شيء

Q حتى قبل أن نلتقي. عن شيء ما قد يكون قد تكونين Q مثال كتبته لي مسبقا.تكن قصتنا يربطنا من خالل قصة لم

Q، ولكن أليس في الحياة مصادفات مدهشة كتلك أدري أن� ذلك كان جنونا ، وبقيت تنتظرك ربع قرن1957اللوحة التي رسمتها ذات أيلول من سنة

؟ دون أن أنها uكانت لك.. بل إنها كانت أنت

cئي لي في كتابك ذاك، سوى مرارة وألم وكان ذلك محض أوهام.. لم تخبة. غيرة جنونية من رجل من ورق، cقد وغيرة حمقاء، ذقت نارها ألول مر �ثت به فراغ أيامك Q، أث Q خياليا Q.. وقد يكون مخلوقا يكون مرc بحياتك حقا

.الصفحات فقط وبياض

واحدة عن ولكن أين هو الحد الفاصل بين الوهم والواقع؟ لم تجيبيني مرةQ.. قلت :ذلك السؤال.. رحتu تعمcقين حيرتي بأجوبة أكثر غموضا

-cفي كل ما نكتبه.. هو ما نكتبه ال غير، فوحدها الكتابة هي إن cالمهم ستبقى، وأمcا الذين كتبنا عنهم فهم حادثة سير.. أناس األدب.. وهي التي

أو آلخر.. ثم واصلنا الطريق معهم أو توقفنا أمامهم ذات يوم لسبب�.بدونهم

:قلت

تكون عالقة الكاتب بملهمه مبسcطة إلى هذا الحد. إن ولكن ال يمكن أن- ..إنه مدين له بشيء.. الكاتب ال شيء دون من يلهمه

..قاطعتني

أراغون" عن عيون "إلزا" هو أجمل من "مدين له بماذا..؟.. إن ما كتبه- قباني عن ضفائر عيون "إلزا" التي ستشيخ وتذبل.. وما كتبه نزار

cعليه أن يبيض Q "بلقيس" أجمل بالتأكيد من شعر غزير كان محكوما ويتساقط.. وما رسمه ليونارد ديفانشي في ابتسامة واحدة للجوكاندا، أخذ

ابتسامة ساذجة للمونوليزا، وإنما في قدرة ذلك الفنان قيمته ليس في

Page 80: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

متناقضة، وابتسامة غامضة تجمع بين الحزن المذهلة على نقل أحاسيسبالمجد إذن؟ والفرح في آن واحد.. فمن هو المدين لآلخر

كان حديثنا يأخذ منحى آخر ربما أردته أنت في محاولة للهرب من:الحقيقة. فأعدت عليك السؤال بصيغة أكثر مباشرة

أم ال؟.. هل مرc هذا الرجل بحياتك-

:ضحكت.. وقلت

جريمة. وفي 60 عجيب.. إن في روايات "أغاتا كريستي" أكثر من- من القتلى. ولم يرفع أيc مرة روايات كاتبات أخريات أكثر من هذا العدد

. ويكفي قارئ صوته ليحاكمهن على كل تلك الجرائم، أو يطالب بسجنهن� قصة حب واحدة، لتتجه كل أصابع االتهام نحوها، وليجد أكثر كاتبةQ أن تكتب

دليل على أنها قصتها. أعتقد أنه ال بد للنقاد من من محقق جنائي أكثر منQ هذه القضية Q يفوق أن يحسموا يوما Q، فإما أن يعترفوا أن للمرأة خياال نهائيا

Q خيال الرجال، وإما أن يحاكمونا !جميعا

:ضحكت لحجتك التي أدهشتني ولم تقنعني. قلت

Q لم في انتظار أن- يحسم النقاد هذه القضية، دعيني أكرر عليك سؤاالQ؟ تجيبيني عنه.. هل مرc هذا الرجل بحياتك حقا

:قلت وأنت تعبثين بأعصابي

..الكتاب المهم أنه مات بعد هذا-

آ.. ألنك قادرة على أن تقتلي الماضي هكذا بجرة قلم؟-

:وأنت تواصلين مراوغتك قلت

Q لنصنع أضرحة- ..ألحالمنا ال غير أيc ماض�؟.. نحن قد نكتب أيضا

الرجل كان في أعماقي شعور ما بأن تلك القصة كانت قصتك، وأن ذلكQ .قد مرc بحياتك.. وربما بجسدك أيضا

تبغه. أكاد أكتشف أشياءه مبعثرة بين كنت أكاد أشمc بين السطور رائحة من مذاق قبلته.... صفحات كتابك. في كلc فقرة شيء منه.. من سمرته..من ضحكته.. من أنفاسه.. ومن اشتهائك الفاضح له

Q.. أم أنت التي أبدعت في وصفه؟ أم تراه محض تراه أبدع cك حقا في حبQ اختراع نسائي، كسته لغتك Q، صنعت لها بعد ذلك ضريحا رجولة وأحالما

Page 81: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q.. على مقاسه. وأنا، بأيc منطق رحت أطالع ذلك الكتاب، في زيc جميال وأبحث بين عاشق متنكر ببدلة شرطي أخالق. وإذا بي أنقcب بين الكلمات

الفواصل، عساني أكتشفك متلبسة بقبلة ما.. هنا، أو أكتشف األحرف.اسمه هناك األولى من

cرت أنك في باريس من أربع سنوات، وأنك Q.. تذك ذهب تفكيري بعيداcن في باريس، أي منذ سنتين فقط. فماذا تراك تقطنين عند عمك منذ ع�ي

كلc الفترة التي كنت فيها بمفردك؟ فعلت قبل ذلك في

Q Q ومتعبا مثلك.. اعترفت لك في ما بعد، أن أرهقني كتابك ذاك، كان ممتعاcرت منذ قرأتك وأنني أشكc في أن Q على عالقتي بك قد تغي أكون قادراQ لسالح الكلمات .الصمود بعد اليوم.. فأنا لم أكن مهيأ

uقلت Q :فقط وكأن� األمر ال يعنيك تماما

!كان عليك أال تقرأني إذن-

:بحماقة أجبتك

..لفهمك ولكنني أحب أن أقرأك. ثم أنا ال أملك طريقة أخرى-

:أجبت

Q هكذا.. الكاتب إنسان يعيش- على حافة مخطئ.. أنت لن تفهم شيئاخين ال غير.. إنه cالحقيقة، ولكنه ال يحترفها بالضرورة. ذلك اختصاص المؤر

Q من الكذب المهذcب. والروائي في الحقيقة يحترف الحلم.. أي يحترف نوعاcة الناجح هو رجل .يكذب بصدق مدهش، أو هو كاذب يقول أشياء حقيقي

Q ثمc أضفتu بعد شيء من التفكير.. أعذب الكذب كان كذبك، وأكثره ألما في ذاكرتك. أنت لن تبوحي لي كذلك. قررت يومها أال أنقcب بعد ذلك

هناك من شي بشيء. ربما ألنك أنثى تحترف المراوغة. وربما ألنه ليس.يستحقc االعتراف

الطفلة التي عرفتها. كنت تريدين فقط أن توهميني أنك لم تعودي تلكcفي الواقع.. كنت فارغة، وكان كذبك في مساحة فراغك. وإال ما سر

تعلcقك بي، ولماذا كنت تطاردين ذاكرتي باألسئلة، وتسدرجينها للحديث لماذا كلc تلك الشراهة للمعرفة، كلc تلك الرغبة في عن كلc شيء؟

وما كرهت من أشياء.. أكانت الذاكرة مقاسمتي ذاكرتي وكلc ما أحببتعقدتك؟

***

Page 82: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

من أسبوعين فقط، وليس ال بد لمعرضي أن ينتهي، لننتبه أننا نعرف بعضنا أيام؟ كيف منذ أشهر كما كان يبدو لنا. فكيف فرغنا من ذاكرتنا في بضعة

Q، أن نحزن ونفرح ونحلم بتوقيت �منا في بضع ساعات قضيناها معا تعلواحد؟

كيف أصبحنا نسخة من بعضنا.. وكيف يمكن لنا أن نغادر هذا المكان، الذيQ من ذاكرتنا؟ كيف..؟ وهو الذي وضعنا لعدة أيام، خارج حدود أصبح جزءا

والمكان، في قاعة شاسعة، يسكنها الصمت ويؤثثها الفن، وربع الزمانوالجنون؟ قرن من المعاناة

cا لوجة وسط عدة لوحات أخرى .كنcبة األطوار، Q ثم كنا لوحة متقل متعدcدة األلوان، رسمتها المصادفة يوما

بوضعي الجديد ذاك وأنا أتحول من واصلت رسمها يد األقدار. وكنت أتلذذ.أكثر صاحب ذلك المعرض، إلى لوحة من لوحاته ال

لم يحدث، مثل تلك المرة، أن شعرت بحزن وأنا أرفع تلك اللوحاتcقة على الجدران، لوحة بعد أخرى، وأجمعها في الصناديق ألترك المعل

ام آخر، سيأتي بلوحاته.. بحزنه وبفرحه وبقصص أخرى القاعة فارغة لرس�.ال تشبه قصcتي

.أيامي معك كنت أشعر أنني أجمع.لآلخر فجأة، توقفت يدي وهي على وشك أن ترفع تلك اللوحة التي تركتها

تأملتها مرة أخرى، شعرت أنها ناقصة. لم يكن على مساحتها سوى جسر يعبرها من طرف إلى آخر، معلcق نحو األعلى بحبال من طرفيه كأرجوحة

.حزن األرجوحة الحديدية هوcة صخرية ضاربة في العمق تعلن تناقضها وتحت

.لسماء استفزازية الهدوء والزرقة الصارٍخ مع المزاج الصافي

حاجة إلى تفاصيل جديدة لم أشعر، قبل تلك اللحظة، أن هذه اللوحة في.بها تكسر هذا التضاد، وتؤثث عري اللونين اللذين ينفردان

في الواقع، لم تكن "حنين" لوحة، كانت رؤوس أقالم ومشاريع أحالم تجاوزتها األحداث بخمس عشرة سنة من الحنين والدهشة وليس فقط

.الزمن بربع قرن من

cزها عن األخريات. كنت فجأة على عجل .حملتها تحت إبطي، وكأنني أميQ بفرشاة وألوان أخرى، أريد أن أجلس أمامها بعد كل تلك السنوات، محمال

Q حجارة "قنطرة الحبال" ألنفخ الحياة والضجيج فيها، وأنقل إليها أخيراQ. ولكن كان في Q.. حجرا ذهني المبعثر لحظتها هاجس آخر يطغى على حجرا

Page 83: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

وأين؟... كلc شيء: كيف يمكن أن نلتقي بعد اآلن

Q. وها نحن محاصران بكل انتهت عطلتك الجامعية مع نهاية معرضي تقريبا مستحيالت الزمان والمكان. مالحقان بكل العيون التي قد تسرق سرنا.

ال نعرفهم.. ويعرفوننا. أيc جنون.. وأيc قدر كان قدري بكل أولئك الذين عاهتي؟ ولماذا كل هذا الحذر.. ولماذا أنت معك! ولماذا وحدي تفضحني

ذات يوم وأنا بصحبتك، بالذات؟ كان مجرد احتمال لقائي بسي الشريف يجعلني أعدل عن هذه الفكرة، وأشعر فجأة بحرج الموقف، وبذلك

.االرتباك الذي سيفضحني ال محالة

Q، وأن نتفق .على برنامج جديد اتفقنا على أن تطلبيني هاتفيا

cك Q أ، أزورك في حي الجامعي. كان ذلك هو الحل الوحيد. فلم يكن ممكنا.فقد كانت ابنة عمك تتابع دراستها معك في الجامعة نفسها

Q من هذه؟ أكان يمكن Q أكثر تعقيدا .لنا أن نجد ظروفا

***

أطول نهاية أسبوع على اإلطالق، كانت تلك التي قضيتها في انتظار هاتفك.االثنين صباح

.يوم األحد دقc الهاتف

cك أنت فربما نجحت في سرقة لحظات. أسرعت إليه وأنا أراهن أنcكانت كاترين على الخط .Q أخفيت عنها خيبتي.. تحدcثينني فيها.. ولو قليال

ورحت أستمع لها وهي تثرثر حول مشاغلها اليومية، ومشروع سفرها القادم إلى لندن.. ثم سألتني عن أخبار المعرض وقالت وهي تنتقل من

:آخر موضوع إلى

Q عن معرضك في مجلة أسبوعية.. من المؤكد أنك- Q جيدا لقد قرأت مقاال اطلعت عليه.. إنه بقلم روجيه نق�اّش، يبدو أنه يعرفك.. أو يعرف لوحاتك

Q .جيدا

:لم أكن أشعر برغبة في الحديث.. قلت لها باقتضاب

..صديق قديم نعم، إنه-

.تخلcصت منها بلباقة

ذلك اليوم. ربما كانت حاجتي للرسم لم أكن أشعر بأية رغبة في لقائها

Page 84: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q بكu يومها، تفوق حاجاتي الجسدية األخرى.. وربما كنت .فقط ممتلئا

.عدت إلى مرسمي مثقل الخطى

تشكيلة من األلوان، ألبدأ في وضع لمسات على كنت شرعت في إعداد.تلك اللوحة

أمامها إلى ذلك الرسام المبتدئ الذي كنته منذ ولكنني ارتبكت. تحولت.خمس وعشرين سنة

الجديدة لك، هي التي أضفت عليها هذه الصبغة المربكة؟ ترى قرابتها

Q ألنني كنت أجلس أمام الماضي ال غير.. ألضفي على أم تراني كنت مرتبكاالرتوشات"؟ "الذاكرة_ وليس على لوحة_ بعض

كنت أشعر أنني على وشك أن أرتكب حماقة. وأدري_رغم رغبتي المضادةQ العبث بالماضي، وأن أية محاولة لتجميله، للمنطق_ أنه ال ينبغي أبدا

.محاولة لتشويهه ليست سوى

كان كلc.. كنت أدرك هذا.. ولكن هذه اللوحة أصبحت تضايقني فجأة هكذاQ حدc السذاجة، فلماذا ال أواصل رسمها اليوم، ولماذا ال شيء فيها مبسcطا

cي ال أكثر؟ أعاملها بمنطق فن

لوحاته؟ كان يعود ألم يقضu ) شاغال( خمس عشرة سنة في رسم إحدىQ عليها، Q جديدا Q أو وجها Q بين لوحة وأخرى ليضيف شيئا بعدما أصر� إليها دائما

طفولته؟ على أن يجمع فيها كلc الوجوه واألشياء التي أحبها منذ

Q أن أعود إلى هذه اللوحة، أن أضع على هذا الجسر أليس من حقي أيضا بعض خطى العابرين، وأرّشc على جانبيه بعض البيوت المعلcقة فوق

Q Q، الصخور، وأسفله شيئا Q أحيانا من ذلك النهر الذي يشق المدينة، بخيالQ أخرى Q أحيانا cا Q زبدي Q أن أضع عليها بصمات ذاكرتي.. ورقراقا ألم يعد ضروريا

Q عن نقلها في Q األولى، التي كنت عاجزا Q مبتدئا السابق، يوم كنت رساماQ ال غير؟ وهاويا

cرت لحظتها روجيه نقcاّش، صديق طفولتي.. وصديق ال أدري كيف تذك.غربتي

Q منذ ذكرت ولعه بقسنطينة، وتعلقه بذكراها، هو الذي لم يعد إليها أبدا الجالية اليهودية التي كانت تريد مع أهله، ومع فوج من1959غادرها سنة

Q في بلد آخر Q آمنا .أن تبني لها مستقبال

Q لك يحدث أن زرته مرة في بيته، دون أن يصرc على أن يسمعني شريطاQ للمطربة حات جديدا اليهودية "سيمون تمcار" وهي تغني المالوف والموش�

مرتدية ذلك الثوب القسنطيني الفاخر، القسنطينية بأداء وبصوت مدهش،cن غالف شريطها الذي أهدوها إياه في أول عودة لها هناك.. والذي .يزي

Page 85: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

زوجها في منذ بضعة أشهر أخبرني روجيه أن سيمن ماتت مقتولة على يد.إحدى نوبات غيرته، فقد كان يتهمها بحبc رجل عربي

Q.. أجابني.. "ال أدري.." ثم أضاف بمرارة ما.. " سألته إن كان ذلك حقا".قسنطينة أدري أنها كانت تحب

Q كان يحبها.. وكان حلمه السري أن يعود إليها ولو مرة واحدة، وروجيه أيضا أو يأتيه أحد على األقل بثمرة واحدة من شجرة التين التي كانت تطال

..غرفته والتي كانت في حديقة بيته منذ أجيال نافذة

Q وأنا أستمع إليه، يقصc عليc وكنت أشعر بمزيج من السعادة واإلحراج معا ربع قرن من البعد أيc نبرة بلهجته القسنطينية المحببة التي لم يطمس

!فيها، شوقه إلى تلك المدينة.. لقاتلة

إحراجي كل ما قام به روجيه لمساعدتي منذ سنوات، عندما وكان يزيد فقد كان له من الصداقات والوساطات،. وصلت إلى باريس ألستقر فيها

Q من المعامالت ما يمكن أن يسهcل عليc_دون أن أطلب منه_ كثيراQ في وضعي .والمشكالت التي تواجه رجال

تعد ولو مرة واحدة لزيارة قسنطينة؟ أنا ال أفهم ذات مرة سألته "لماذا لم في ذلك الحيc ويذكرونها بالخير.." خوفك، إن الناس مازالوا يعرفون أهلك

الناس هناك، بل أال أذكر وقتها أنه قال لي "ما يخيفني ليس أال يعرفني بيتي منذ أعرف أنا تلك المدينة.. وتلك األزقcة.. وذلك البيت الذي لم يعد

..".عشرات السنين

Q ثم أضاف: "دعني أتوهم أن تلك الشجرة مازالت هناك.. وأنها تعطي تينا وذلك.. كل سنة، وأن ذلك الشباك مازال يطلc على ناس كنت أحبهم

الزقاق الضيق مازال يؤدي إلى أماكن كنت أعرفها.. أتدري.. إن أصعب.."اإلطالق هو مواجهة الذاكرة بواقع مناقض لها شيء على

مكابرة، فأضاف بشيء من المزاح "لو كان في عينيه يومها لمعة دموع أن أواجه ذاكرتي حدث وغيرت رأيي، سأعود إلى تلك المدينة معك، أخاف

..".وحدي

لم يطرح معي ذلك اليوم، وبعد عدة سنوات، أذكر كالمه فجأة_ هو الذيQ _الموضوع بعد ذلك أبدا

Q في التحايل على ذاكرته؟ تراه نجح حقا وماذا لو كان على حق؟ يجب أن نحتفظ بذكرياتنا في قالبها األول

األولى وال نبحث لها عن مواجهة اصطدامية مع الواقع يتحطم وصورتها كواجهة زجاجية.. المهم في هذه الحاالت إنقاذ بعدها كل شيء داخلنا

.الذاكرة

Page 86: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

وشعرت أن هاتف كاترين أنقذني بطريقة غير أقنعني ذلك المنطق،.ارتكابها مباشرة من حماقة كنت على وشك

Q هنا، لن يكون لتلك اللوحة أية قيمة تأريخية بعد اليوم، إذا أضفت إليها شيئاQ هناك.. ستصبح لوحة لقيطة لذاكرة مزوcرة.. وهل أو طمست فيها شيئا

عندئذ� أن نكون أجمل؟ يهم

cرت أنه رغم ذلك ال بد أن نظرت إلى خشبة األلوان التي كانت بيدي. فكQ بهذه األلوان.. وبهذه الفرشاة العصبية التي كانت تترقcب مثلي أفعل شيئا

.لحظة الخلق الحاسمة

cة لم تخطر .ببالي وفجأة وجدت الحلc في فكرة بسيطة ومنطقي

رفعت تلك اللوحة عن خشبات الرسم، ووضعت أمامها لوحة بيضاء ورحت أرسم دون تفكير، قنطرة أخرى، بسماء أخرى، بواد� آخر جديدة،

.وبيوت وعابرين

هذه المرة، أتوقف عند كل التفاصيل وأكاد أبدأ بها، وكأن أمر الجسر رحت النهاية، بقدر ما تعنيني الحجارة والصخور التي يقف لم يعد يعنيني في

تبعثرت أسفله، مستفيدة من رطوبة )أو عفونة( عليها. وتلك النباتات التي حفرتها خطى اإلنسان وسط األعماق. وتلك الممرات السرية التي

من الجسر المسالك الصخرية. منذ أيام )ماسينيسا( وحتى اليوم، في غفلة العجوز الذي ال يمكن له في شموخه الشاهق، أن يرى ما يحدث على علو

!من أقدامه متر700

يولد بين أليس التحايل على الجسور هو الهدف األزلي األول لإلنسان الذيالمنحدرات.. والقمم؟

وأدهشني أكثر، كون أدهشتني هذه الفكرة التي ولدت في ذهني مصادفة؛ ربع هذه التفاصيل التي تشغلني اليوم بإلحاح، لم تكن تلفت انتباهي منذ

.قرن، يوم رسمت هذا الجسر نفسه ألول مرة

Q بالخطوط العريضة لألشياء ترى ألنني كنت في بدايتي األولى، محكوما يتجاوز رغبتي في إدهاّش ذلك كأيc مبتدئ، وأن طموحي آنذاك، لم يكن

واحدة؟ الدكتور_ أو إدهاّش نفسي_ ورفع أثقال التحدي بيد�

Q ألحد. أريد فقط وإنني اليوم بعد ذلك العمر.. لم يعد يعنيني أن أثبت شيئا أن أعيش أحالمي السرية، وأن أنفق ما بقي لي من وقت في طرح

Q.. ليس في متناول الشباب. أسئلة.. كان الجواب عليها في الماضي ترفا�ه وال في متناول.. ذلك المناضل أو �نت ..المجاهد المعطوب الذي ك

Q نعيشه ربما ألن الوقت آنذاك لم يكن للتفاصيل، بل Q جماعيا كانت وقتا.بالجملة، وننفقه بالجملة

Page 87: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q للقضايا الكبرى.. والشعارات الكبرى.. والتضحيات الكبرى. ولم كان وقتا.الهوامش أو الوقوف عند التفاصيل الصغيرة يكن ألحد الرغبة في مناقشة

!الثورات تراها حماقة الشباب.. أم حماقة

Q من الليل Q كبيرا ولكنني. أخذت مني تلك اللوحة، كل أمسية األحد، وقسماQ وأنا أرسم، وكأنني كنت أسمع صوت الدكتور "كابوتسكي" كنت سعيدا

".لي بعد ذلك العمر "ارسم أحبc شيء إلى نفسك يعود ليقول.باالرتباك نفسه وها أنا أطيعه وأرسم اللوحة نفسيها،

Q في الرسم. كان Q في ولكن ما رسمته هذه المرة، لم يكن تمرينا تمريناcالحب.

نسخة أخرى كنت أشعر أنني أرسمك أنتu ال غير. أنت بكل تناقضك. أرسمQ.. أكثر تعاريج. نسخة أخرى من لوحة كبرت معك .عنك أكثر نضجا

�ما بشهوة ورغبة كنت أرسم تلك اللوحة بشهية مدهشة للرسم. بل ورب..سرية ما

!شهوتك تتسلcل يومها إلى فرشاتي، دون أن أدري؟ فهل بدأت

***

Q في اليوم التالي، جاءني صوتك في الساعة التاسعة .تماما

.جاء شالل فرح، وشجرة ياسمين تساقطت أزهارها على وسادتي أكتشف صوتك على الهاتف، وأنا في فراشي بعد ليلة مرهقة من كنت

cلني قبلة صباحية العمل. شعرت أنه يشرع .نوافذ غرفتي، ويقب

هل أيقظتك.؟-

!توقظيني.. أنت منعتني البارحة من النوم ال أكثر ال أنت لم-

:المزاح والجدc قلتu بلهجة جزائرية بين

..عالّش.. إن شاء الله خير-

:قلت

..حتى ساعة متأخرة من الليل ألنني رسمت-

Page 88: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

وما ذنبي أنا؟-

!الملهم.. يا ملهمتي ال ذنب لك سوى ذنب-

:أعصابك صحت فجأة بالفرنسية كعادتك عندما تفقدين السيطرة على

-ah.. non!

uثم أضفت:

!لها من كارثة معك أتمنى أنك لم ترسمني.. يا-

وأين هي الكارثة إن كنت قد رسمتك؟-

:عصبي واصلت بصوت

أأنت مجنون؟ تريد أن تحولني إلى لوحة تدور بها القاعات من مدينة إلى- ج عليها كل من يعرفني؟ cأخرى، يتفر!

من فرط سعادتي، وربما كنت أشعر برغبة صباحية في مشاكستك، ربماQ مثل Q، وال أعرف كيف أكون سعيدا .اآلخرين ألنني مجنون حقا

:قلت لك

ة.. إن الناس الذين بلهموننا هم أناس- cمر uتوقفنا أمامهم ذات أما قلت يوم لسبب أو آلخر، وأنهم ليسوا سوى حادثة سير. فإن أكون رسمتك ال

Q في طريقي ال غير Q، سوى أنني صادفتك يوما !يعني شيا

:صحت

-tأحمق؟. تريد أن تقنع عمي وتقنع اآلخرين أنك رسمتني بعدما أأنت Q أمام ضوء أحمر.. إننا ال نرسم صادفتني مرة على رصيف، واقفة مثال

!معروف سوى ما يثيرنا.. أو ما نحبه.. هذا

تراك كنت تستدرجينني إلى ذلك االعتراف، وتدورين حوله، أم كنت من الحماقة لتصدcقي زعمي بأنني ال أدري ذلك. لكنني وجدت في تلك الفرصة

بني منك في الصباحية، وفي cذلك الخيط الهاتفي الذي كان يفصلني ويقر .لمصارحتك آن واحد.. مناسبة

:قلت

cك- .!لنفترض إذن أنني أحب

Page 89: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

الكلمات عليك، وأتوقع عدة أجوبة لكالمي. ولكنك قلت كنت أنتظر وقع:بعد لحظة صمت

!إذن.. أنني لم أسمع ولنفترض-

..أدهشتنيQ إذا كنت تجيدين ذلك التصريح" أقل أو أكثر مما توقعت، أم "لم أفهم تماما

وأنت تدرين أنك تلعبين أنك كعادتك تتالعبين بالكلمات بمتعة مدهشة،.آخر بأعصابي ال غير، وتقذفينني من سؤال.. إلى تساؤل

أين نلتقي؟-

.بجدية كان هذا هو السؤال األهم الذي قررنا أن نجيب عليه

Q في عنوان مكان آمن يمكن أن نشرب فيه قهوة، أو نتناول تناقشنا طويالQ .فيه وجبة الغداء معا

.ولكن باريس ضاقت بنا

األماكن التي يرتادها الطلبة. وكنت ال أرتاد غير كنت ال تعرفين غير نلتقي في أحد المقاهي المجاورة المقاهي القريبة من حييc. قررنا أن

.لبيتي والتي تقدم وجبات غداء

.إحدى حماقاتي الكبرى وكنت أقترف

Q Q لذاكرتي مجاورا Q لعنوان بيتي، لم أكن أعرف وقتها أنني أختار عنوانا تماما.وأنني بذلك سأمنح الذكريات حق مطاردتي

اآلن، كيف أصبح ذلك المقهى العنوان الدائم لجنوننا. وكيف لم أعد أذكرQ يشبهنا، بعدما تعوcد أن يختار لنا زاوية جديدة كلc مرة، تتالءم أصبح تدريجيا

..شهرين من السعادة المسروقة مع مزاجنا المتقلcب، خالل

وحسب ساعات دراستك كنا نلتقي هناك في أوقات مختلفة من النهار،.وبرنامج أعمالي

Q كل صباح في الساعة التاسعة، وأنت في تعودت أن تطلبيني هاتفياcفق كل صباح على برنامج لك اليوم الذي لم بعد طريقك إلى الجامعة. ونت

.لنا فيه في النهاية من برنامج سوانا

Q بعد آخر cك، أصطدم بالحجارة والصخور، كنت أتدحرج يوما نحو هاوية حب أحبك. وال أنتبه إلى آثار وكل ما في طرقي من مستحيالت. ولكنني كنت

Page 90: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

قبلك الجراح على قدمي، وال إلى آثار الخدوّش على ضميري الذي كانcور ال يقبل الخدّش. وكنت أواصل نزولي معك بسرعة مذهلة نحو إناء بل

.العشق الجنوني أبعد نقطة فيcك. على األقل حتى تلك الفترة التي وكنت أشعر أنني غير مذنب في حبQ فيها بحبك، بعدما أقنعت نفسي أنني ال أسيء إلى أحد بهذا كنت مكتفيا

.الحب

وقتها لم أكن أجرؤ على أن أحلم بأكثر من هذا. كانت تكفيني تلك العاطفةQ, وحزناه الجارفة التي تعبرني ألول مرة، بسعادتها المتطرفة أحيانا

Q ..أخرى المتطرف أحيانا

.كان يكفيني الحبمتى بدأ جنوني بك؟

التاريخ وأتساءل.. ترى أفي ذلك اليوم الذي يحدث أن أبحث عن ذلكة؟ رأيتك فيه ألول مرة؟ أم في ذلك اليوم cالذي انفردت بك فيه ألول مر .مرة؟ أم في ذلك اليوم الذي قرأتك فيه ألول

أم ترى يوم وقفت فيه بعد عمر من الغربة، ألرسم فيه قسنطينة.. كأول!مرة

.ترى يوم ضحكتu أم يوم بكيت.. أم عندما uصمت� أعندما تحد�ثت.

!أعندما أصبحتu ابنتي.. أم لحظة توه�مت أنك أمي؟.التي أوقعتني؟ أيc امرأة فيك هي

كنت معك في دهشة دائمة. فقد كنت شبيهة بتلك الدمية الروسية الخشبية التي تخفي داخلها دمية أخرى. وهذه تخفي دمية أصغر، وهكذا

!واحدة تكون سبع دمى داخل

كنت كلc مرة أفاجأ بامرأة أخرى داخلك. وإذا بكu تأخذين في بضعة أيام مالمح كل النساء. وإذا بي محاط بأكثر من امرأة، يتناوبن عليc في

Q حضورك وفي غيابك، cهن جميعا .فأقع في حبcك بطريقة واحدة؟ أكان يمكن لي إذن أن أحب

.امرأة.. كنت مدينة لم تكوني

مالمحهن؛ في ثيابهن� مدينة بنساء متناقضات. مختلفات في أعمارهن� وفي؛ نساء من قبل جيل أمي ؛ في خجلهن� وفي جرأتهن� إلى وفي عطرهن�

uأيامك أنت.

uنساء كلهن أنت.

Page 91: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

ابتلعتني كما تبتلع المدن المغلقة عرفت ذلك بعد فوات األوان. بعدما.أوالدها

..مدينة تسكنني منذ األزل كنت أشهد تحولك التدريجي إلى

Q بعد يوم مالمح قسنطينة، كنت أشهد تغيرك المفاجئ، وأنت تأخذين يوما تزورين تلبسين تضاريسها، تسكنين كهوفها وذاكرتها ومغاراتها السرية،

cابي من القطيفة، في لون أولياءها، تتعطرين ببخورها، ترتدين قندورة عن أمcا"، تمشين وتعودين على جسورها، فأكاد أسمع وقع خلخالك "ثياب

.الذاكرة الذهبي يرنc في كهوف

.لألعياد أكاد ألمح آثار الحناء على كعب قدميك المهيأتين

وكنت أنا أستعيد لهجتي القديمة معك. كنت ألفظ التا "تساء" على.الطريقة القسنطينية

Q "ياال" كما لم يعد الرجال ينادون cال .النساء في قسنطينة كنت أناديك مدل

قسنطينة دون غيرها، كنت أناديك بحنين "يا أميمة" بذلك النداء الذي ورثته.عن أهل قريش من عصور

دني عشقك من cوكنت، كنت عندما يجر Q سالحي األخير، أعترف لك مهزوما�و uشتيك.. يعن ب uك على طريقة عشاقنا "ن »ن ي tز."!

تلك الكلمة التي كان أصلها "أشتهيك" والتي اختصروها منذ زمان لتخفي.معناها األصلي، وتتحول إلى كلمة ودc ال غير

تعترف بالشهوة وال تجيز الشوق؛ إنما تأخذ فقسنطينة مدينة منافقة، الQ على صيتها، كما تفعل .المدن العريقة خلسة كل شيء، حرصا

Q اق.. ولذا فهي تبارك مع أوليائها الصالحين.. الزانين أيضا cوالسر!

Q يدcعي البركات، Q، وال شيخا cا Q، وال كنت ولي لتباركني ولم أكن سارقا.قسنطينة

ام؛ بتطرف وحماقة cأحبك بجنون رس ،Q Q عاشقا رسام، كنت فقط، رجال خلقك هكذا كما يخلق الجاهليون آلهتهم بيدهم، ثم يجلسون لعبادتها،

.القرابين لها وتقديم

cي cينه في حب !وربما كان هذا، أكثر ما كنت تحب

:قلت لي ذات يوم

Q مدهشة. إنهم ام. قرأت عن الرسامين قصصا cني رسc كنت أحلم أن يحب

Page 92: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q بين كلc المبدعين. إنc جنونهم متطرف.. مفاجئ ومخيف. ال األكثر جنوناQ أو عن الموسيقيين. لقد قرأت يشبه في شيء �قال عن الشعراء مثال ما ي

غوغان... دالي.. سيزان.. بيكاسو وآخرين.. حياة فان غوغ.. دوالكرواامين كثيرين لم يبلغوا هذه الشهرة. أنا ال أتعب cمن قراءة سيرة الرس.

فهم. تهمني تلك في الواقع شهرتهم ال تعنيني بقدر ما يعنيني cبهم وتطرc تقل فجأة خروجهم عن اللحظة الفاصلة بين اإلبداع والجنون. عندما يعلنون

Q، المنطق واحتقارهم له. وحدها تلك اللحظة تستحقc التأمل واالنبهار أحيانا.حياتهم فهم يفعلون ذلك لمجرد تحدcينا وتعجيزنا بلوحة ليست سوى

�تهم في إنتاجهم. وهنالك آخرون، هنالك مبدعون، يكتفون بوضع عبقريQ، بنفس العبقرية، فيتركون لنا سيرة ون على توقيع حياتهم أيضا cيصر

..للتكرار أو التزوير فريدة، غير قابلة

Q يمكن أعتقد أن مثل هذا الجنون ينفرد به الرسامون. وال أظن أن شاعراQ في لحظة يأس واحتقار للعالم، أن يصل إلى ما وصل إليه فان غوغ مثال

..عندما قطع أذنه ليهديها إلى غانية أذكر اسمه، والي شنق أو ما فعله ذلك الرسام المجهول الذي لم أعد

قضى نفسه، بعدما عل�ق في سقف غرفته، لوحة المرأة التي أحبها والتيQ Q في رسمها. وهكذا توحcد معها على طريقته.. ووقcع لوحته وحياته معا أياما

.واحدة مرة

:قلت�

على تعذيب إن ما يعجبك في النهاية، هو قدرة الرسامين الخارقة- .أنفسهم، أو على التمثيل بها.. أليس كذلك؟

uأجبت:

ولكن هنالك لعنة ما تالحق الرسامين دون غيرهم؛ وهنالك جدلية ال.. ال- cما زاد عذابهم وجوعهم وجنونهم، زاد ثمن لوحاتهم.. تنطبق إال عليهم فكل

خيالية، وكأن عليهم أن ينسحبوا لتحلc حتى إن موتهم يوصلها إلى أسعار.هي مكانهم

.رأيك لم أناقشك في

Q أعرفه، ولكن فاجأني .منك رحت أستمع إليك وأنت ترددcين كالما

لم أتساءل يومها، إن كنت تحبينني الحتمال جنوني، أو لشيء آخر. وال أنcتك الالشعورية تحويلي إلى لوحة ثمينة أدفع ثمنها من حطامي .تكون ني

Q، من قيمة أية لوحة سأرسمها كيفما كان، تحت تأثير هل سيزيد عذابي حقا

Page 93: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

جنوني؟ جوعي أو نوبة

عند اكتفيت بالتساؤل.. أين يبدأ الفنc ترى؟.. وأين تبدأ النزعة الساديةاآلخرين؟

وإنما بطبع كنت أعتقد أن هذه الجدلية ال عالقة لها باإلبداع وال بالفن،.اإلنسان ال أكثر

اآلخرين، ونعتقد، عن نحن ساديون بفطرتنا. يحلو لنا أن نسمع عذابات.أنانية، أن الفنان مسيح آخر جاء ليصلب مكاننا

يحزننا و يسعدنا في آن واحد. قصcته قد تبكينا، ولكنها لن تمنعنا من عذابهQ أمامنا. بل إننا النوم، ولن Q أو قهرا تدفعنا إلى إطعام فنان آخر، يموت جوعا

تتحول جراح اآلخرين إلى قصيدة نغنيها، أو لوحة نجد من الطبيعي أن.نفسه نحتفظ بها، وقد نتاجر بها، للسبب

Q على الرسامين دون غيرهم؟ فهل الجنون ق�صر حقا

Q Q بين كل� المبدعين، وكل المسكونين بهذه الرغبة أليس هو قاسما مشتركاcة في الخلق؟ المرضي

Q، بأطوار فالذي Q عاديا ال يمكن بحكم منطق اإلبداع نفسه، أن يكون إنسانا عاديc. بمقاييس عادية للكسب والخسارة.. للسعادة عادية وبحزن وفرح

.والتعاسة

Q لسلوكه إنه إنسان متقلcب، .مفاجئ، لن يفهمه أحد ولن يجد أحد مبررا.زياد كان ذلك أول يوم حدcثتك فيه عن

:قلت

-Q Q كان يدرس في الجزائر. كان سعيدا Q فلسطينيا بحزنه لقد عرفت شاعراQ بدخله البسيط كأستاذ لألدب العربي، وبغرفته الجامعية وبوحدته؛ مكتفيا

نت أحواله المادية، cين. حتى ذلك اليوم الذي تحسc الصغيرة، وبديوانين شعريcها وحصل على شقة وكان على وشك الزواج من إحدى طالباته التي أحب

Q تزويجها منه بجنون، والتي قبل أهلها .أخيرا

ر فجأة أن يتخلى عن كل شيء، ويعود إلى بيروت cليلتحق بالعمل عندما قر ..الفدائي

Q حاولت إقناعه بالبقاء. لم أكن أفهم حماقته تلك، وإصراره على عبثاcأي" Q Q أن يحقق أحالمه. وكان يجيب ساخرا الرحيل عندما أوشك أخيرا

د.. فعندها لن cأحالم.. أنا ال أريد أن أقتل داخلي ذلك الفلسطيني المشر cشيء أمتلكه من قيمة يكون ألي."..

: ويضيف وهو ينفث دخانه على مهل وكأنه يختفي خلفه كي يبوح لي بسر³

Page 94: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

أخاف.. "ثم.. ال أريد أن أنتمي المرأة.. أو إذا شئت ال أريد أن أقيم فيها..".السعادة عندما تصبح جبرية. هنالك سجون لم تخلق للشعراء

cته تزورني راجية أن أقنعه بالبقاء، وأنه مجنون ذاهب وكانت الفتاة التي أحبQ، لم تكن هناك حجة واحدة إلى الموت وإلى حتفه المؤكد. ولكن عبثا

المفاجئ، أصبح يجد في حججي ما إلغرائه بالبقاء.. بل إنه في تطرفه.يزيده إغراءQ بالرحيل

Q في أذكر أنه قال لي يومها بشيء من السخرية، وكأنه يعطيني درسا:الحياة

المكان ونحن في قمة نجاحنا. إنه الفرق هناك عظمة ما، في أن نغادر"!".االستثنائيين بين عامة الناس.. والرجال

Q من Q كهذا، هو أقلc جنونا رسام قطع سألتك إن كنت تعتقدين أنc شاعراأذنه؟

Q عليه. واستبدل بحياته Q، دون لقد استبدل براحته شقاءQ لم يكن مرغما موتاQ عليه .أن يكون مجبرا

Q وليس Q. إنها طريقته لقد أراد أن يذهب إلى الموت مكابرا Q ومكرها مهزوما�هزم، وهو Q ال ي Q شيئا .الموت في أن يهزم مسبقا

:سألتني بلهفة

هل مات؟-

:قلت لك

يمت.. أو على األقل مازال على قيد الحياة حتى تاريخ بطاقته ال.. إنه لم- cاألخيرة التي بعث إلي Q .بها في رأس السنة، أي منذ ستة أشهر تقريبا

Q ذهبت إليه ساد بيننا شيء من الصمت، وكأن ..أفكارنا معا

:قلت لك

Q غير مباشر- في مغادرتي الجزائر؟ معه تعلcمت أنه ال أتدرين أنه كان سببا يسكنوننا، وأنه ال بد أن نضcحي يمكن أن نتصالح مع كل األشخاص الذين

طينتنا األولى، ألننا بأحدهم ليعيش اآلخر. وأمام هذا االختبار فقط نكتشفQ إلى ما نعتقد أنه األهم.. وأنه نحن ال .غير ننحاز تلقائيا

:قلت وأنت تقاطعينني

Page 95: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

فرنسا؟ صحيح.. نسيت أن أسألك لماذا جئت إلى-

:الخيبات أجبتك وتنهيدة تسبقني، وكأنها تفتح أبواب صدر أوصدته

قد ال تقنعك أسبابي.. ولكنني مثل ذلك الصديق، أكره الجلوس على- القمم التي يسهل السقوط منها. وأكره خاصة أن يحولني مجرد كرسي

.آخر ال يشبهني أجلس عليه إلى شخص

عليc، لقد كنت بعد االستقالل أهرب من المناصب السياسية التي عرضت.والتي كان الجميع يلهثون للوصول إليها

أن أقوم فيه بشيء من التغيرات دون كنت أحلم بمنصب في الظل يمكنcنت كمسؤول عن كثير من الضجيج ودون كثير من المتاعب. ولذا عندما عي

النشر والمطبوعات في الجزائر، شعرت أنني خلقت لذلك المنصب. فقد قضيت كلc سنوات إقامتي في تونس في تعلcم العربية والتعمق فيها،

القديمة كجزائري ال يتقن بالدرجة األولى سوى الفرنسية. وتجاوز عقدتي الثقافة، ال أنام قبل أن أبتلع وجبتي وأصبحت، في بضع سنوات، مزدوج

.من القراءة بإحدى اللغتين

بالكتب ومع الكتب. حتى إنني كدت في فترة ما أنتقل من كنت أعيشQ الرسم إلى الكتابة، خاصة أن الرسم، كان في نظر البعض آنذاك، شبيها

الفني، التي ال عالقة لها بالشذوذ الثقافي، وعالمة من عالمات الترف.بظروف التحرير

Q بالكلمات عندما عدت إلى الجزائر بعدها، كنت .ممتلئاQ كذلك بالمثل والقيم، ورغبة وألن الكلمات ليست محايدة، فقد كنت ممتلئا

cر العقليات والقيام بثورة داخل العقل الجزائري الذي لم تغير فيه في تغيQ .الهزات التاريخية شيئا

Q لحلمي الكبير الذي ال أريد أن أسمcيه "الثورة ولم يكن الوقت مناسباQ الثقافية". بعدها لم تعد هاتان الكلمتان مجتمعتين أو متفرقتين تعنيان شيئا

.عندنا

�رتكب عن حسن نية. فلقد بدأت التغيرات كانت هناك أخطاء كبرى ت بالمصانع، والقرى الفالحية والمباني والمنشآت الضخمة، وترك اإلنسان

.إلى األخير

فكيف يمكن إلنسان بائس فارغ، وغارق في مشكالت يومية تافهة، ذيQ، أو يقوم بأية عقلية متخلفة عن العالم بعشرات السنين، أن يبني وطنا

زراعية، أو أية ثورة أخرى؟ ثورة صناعية أو

اإلنسان نفسه، ولذا أصبح لقد بدأت كلc الثورات الصناعية في العالم من

Page 96: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q( وأصبحت أوربا ما هي عليه .اليوم اليابان )يابانا

وحدهم العرب راحوا يبنون المباني ويسمcون الجدران ثورة. ويأخذون.األرض من هذا ويعطونها لذاك، ويسمcون هذا ثورة

إلى أن نستورد حتى أكلنا من الخارج.. الثورة عندما ال نكون في حاجةcرها الثورة عندما يصل المواطن إلى مستوى اآللة .التي يسي

التي كان صوتي يأخذ فجأة نبرة جديدة، فيها كثير من المرارة والخيبة تراكمت منذ سنين. وكنت تنظرين إليc بشيء من الدهشة وربما من

.وأنا أحدثك ألول مرة عن شجوني السياسية اإلعجاب الصامت،

:سألتني

فرنسا إذن؟ ألهذا جئت إلى-

:قلت

كهذه، ألنني ذات ال.. ولكنني جئت ربما بسبب أوضاع هي نتيجة أخطاء�- رت أن أخرج من الرداءة، من تلك الكتب الساذجة التي كنت cيوم قر

Q إلى قراءتها ونشرها باسم األدب والثقافة، ليلتهمها شعب جائع مضطرا.العلم إلى

cبات فاسدة مرc وقت استهالكها. كنت أشعر أنني كنت أشعر أنني أبيعه معل مسؤول بطريقة أو بأخرى عن تدهور صحته الفكرية، وأنا ألقcنه األكاذيب

من مثقف إلى شرطي حقير، يتجسcس على الحروف بعدما تحوcلت فقد كنت أتحمل وحدي مسؤولية.. والنقاط، ليحذف كلمة هنا وأخرى هناك

.ما يكتبه اآلخرون إلى مكتبي إلقناعه بحذف فكرة أو كنت أشعر بالخجل وأنا أدعو أحدهم

.رأي كنت أشاركه فيه

ذلك الشاعر الفلسطيني الذي حدcثتك عنه، والذي.. ذات يوم، زارني زياد.لم أكن التقيت به من قبل

اتصلت به ألطلب منه حذف أو تغيير بعض الكلمات التي جاءت في وكنت لي قاسية تجاه بعض األنظمة.. وبعض الحكام ديوانه، والتي كانت تبدو

Q إياهم بكل العرب بالذات، والذين كان يشير إليهم بتلميح واضح، ناعتا.األلقاب

Q نظرته ذلك .اليوم لم أنسt أبدا توقcفت عيناه عند ذراعي المبتورة لحظة، ثم رفع عينيه نحوي في نظرة

:وقال مهينة

Page 97: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cدي.. ردc لي ديواني، سأنشره في" ".بيروت ال تبتر قصائدي سي

شعرت أن الدم الجزائري يستيقظ في عروقي، وأنني على وشك أن مكاني ألصفعه. ثم هدأت من روعي، وحاولت أن أتجاهل نظرته أنهض من

.االستفزازية وكلماته

ما الذي شفع له عندي في تلك اللحظة؟cته الفلسطينية، أو تلك الشجاعة التي لم يواجهني بها كاتب قبله، ترى هوي

cته الشعرية؟ فقد كان ديوانه أروع ما قرأت من الشعر في أم ترى عبقري كاألنبياء هم ذلك الزمن الرديء. وكنت أؤمن في أعماقي أن الشعراء

Q على حق .دائما

وأيقظتني بخجل. لقد كان ذلك تلق�يت كلماته كصفعة أعادتني إلى الواقع،Q من سنوات الشاعر على حق، كيف لم أكتشف أنني لم أكن أفعل شيئا

سوى تحويل ما يوضع أمامي من إنتاج إلى نسخة مبتورة مشوcهة مثلي؟

Q، وأنا ألقي نظرة غائبة على غالف تلك المخطوطة: قلت له متحدياQ "سأنشره لك ".حرفيا

كان في موقفي شيء من "الرجولة"، تلك الرجولة أو الشجاعة التي كان ال يمكن لموظف مهما كان منصبه أن يتحلى بها، دون أن يغامر بوظيفته،

Q ألن الموظcف في cا !النهاية هو رجل استبدل برجولته كرسي

Q من سبب لي ديوانه عند صدوره بعض المتاعب. شعرت أن هناك شيئا.الزيف الذي لم أتحمcله

فضح أنظمة دموية قذرة، مازلنا باسم الصمود ووحدة ما الذي يمنعني من، نصمت على جرائمها؟ ولماذا cنا أن ننتقد أنظمة دون أخرى الصفcمن حق

بواخرنا؟ حسب النشرات الجوية، والرياح التي يركبها قبطان

Q. هل أغير وظيفتي ألستبدل بدأ شيء من اليأس والمرارة يمألني تدريجياQ في لعبة أخرى؟ بمشكالتي مشاكل أخرى، وأصبح هذه المرة طرفا

أفعل بكل ما كدcست وجمعت من أحالم طوال سنوات غربتي ماذا األربعين، وبذراعي المبتورة، وبذراعي ونضالي، وماذا أفعل بسنواتي

األخرى؟

العنيد الذي يسكنني، ويرفض أن يساوم ماذا أفعل بهذا الرجل المكابر يعيش ويتعلم الجلوس على على حريته، وبذلك الرجل اآلخر الذي ال بد أن

.المبادئ.. ويتأقلم مع كل كرسي

.أحدهما ليحيا اآلخر... وقد اخترت كان ال بد أن أقتل

Page 98: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q في .حياتي كان لقائي بزياد منعطفا

Q ما اكتشفت بعدها أن قصص الصداقة القوية، كقصص الحب العنيفة، كثيرا.تبدأ بالمواجهة واالستفزاز واختبار القوى قوية وبذكاء وحساسية مفرطة، فال يمكن لرجلين يتمتع كالهما بشخصية

لغة العنف رجلين حمال السالح في فترات من حياتهما.. وتعودcا على.والمواجهة، أن يلتقيا دون تصادم األول.. وذلك التحدي المتبادل لنفهم أننا وكان ال بد لنا من ذلك االصطدام

.من طينة واحدة

Q بعدها أصبح زياد Q صديقي الوحيد الذي أرتاح إليه حقا .تدريجياQ عن كان نلتقي عدة مرات في األسبوع، Q، نتحدث طويال نسهر ونسكر معا

، نشتم الجميع ونفترق cعن الفن Q .سعيدين بجنوننا السياسة، وكثيرا

�ين . كان عمره ثالثين سنة، وديوانين، ما يقارب1973كنا في سنة الست.قصيدة، وما يعادلها من األحالم المبعثرة

Q من الخيبات، وكرسيين وكان عمري بعض اللوحات، Q من الفرح وكثيرا قليالQ، تنقcلت بينها منذ االستقالل، بشيء من الوجاهة، بسائق وسيارة.. أو ثالثا.وبمذاق غامض للمرارة

رحل زياد بعد حرب أكتوبر بشهرين أو ثالثة. عاد إلى بيروت ذات يوم،Q فيها قبل قدومه إلى الجزائر لينضمc إلى الجبهة الشعبية .التي كان منخرطا

والتي كان ينقلها من بلد إلى آخر. ترك لي ترك لي كلc كتبه المفضcلةQ من الذكريات، وتلك الصديقة التي كانت تزورني فلسفته في الحياة، وشيئا

Q لتسأل عن أخباره، تلك التي كان يرفض أن يكتب لها، وكانت ترفض أحيانا.أن تنساه

:قلت وأنت تخرجين من صمتك الطويل

لم يكتب لها؟ ولماذا-

:قلت

يريد أن تنساه وتتزوج ربما ألنه كان يكره التحرّش بالماضي.. وربما كان- Q آخر غير .قدره بسرعة، كان يريد لها قدرا

:سألتني

وهل تزوجت؟-

Page 99: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

:قلت

أخبارها منذ عدة سنوات، ومن األرجح أن تكون ال أدري.. لقد فقدت- الجمال. ولكن ال أعتقد أن تكون قد تزوجت. لقد كانت على قدر كبير من

Q مثل زياد ..أن تنساه نسيته، من الصعب على امرأة عرفت رجال

Q في أفكارك .شعرت في تلك اللحظة، أنك ذهبت بعيدابدأت تحلمين به؟ تراك كنت قد

وأنا أردc بعد تراني قد بدأت يومها باقتراف حماقاتي، الواحدة تلو األخرى، في ذلك على أسئلتك الكثيرة حوله، بأجوبة تثير فيك فضول األنثى والكاتبة

آن واحد؟

Q، وعن ديوانه األخير، الذي كتب قصائده كما حدcثتك عن قصائده كثيراQ Q أو قريبا cعوا حبيبا .يطلق بعضهم الرصاص في األعراس والمآتم ليشي

Q اسمه الشعر، ويقسم أنه لن يكتب بعد اليوم كان Q قديما cع صديقا هو يشي.بسالحه سوى

في الواقع، لم يكن ذلك الرجل يكتب. كان فقط يفرغ رشاشه المحشوQ .وثورة في وجه الكلمات غضبا

!في شيء كان يطلق الرصاص على كل شيء حوله.. بعدما لم يعد يثق

Q !آٍخ.. كم كان زياد مدهشا

Q، وأنني كنت أحمق. كان ال بد أن ال بد أن أعترف اليوم أنه كان Q حقا مدهشا..تلتقي أحدثك عنه وأنا أتوهم أن الجبال ال

لماذا كنت أحدثك عنه بتلك الحماسة، وبتلك الشاعرية؟

أريد التقرب إليك به، وأقنعك من خالله أن لي قرابة سابقة بالكتاب أكنتبذلك في عينيك؟ والشعراء، فأكبر

اليوم أم كنت أصفه لك في صورته األجمل، ألنني كنت أعتقد حتى ذلك..أنني أشبهه، وأنني كنت أصف لك نفسي ال غير

Q ..ولكن.. ربما كان كل هذا حقاQ، أن تكتشفي العروبة في رجال استثنائيين، كما لم تنجب كنت أريد أيضا

.األمة هذه

Page 100: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

رجال ولدوا في مدن عربية مختلفة، ينتمون إلى أجيال مختلفة، واتجاهاتQ لهم قرابة ما بأبيك.. بوفائه وشهامته، سياسية مختلفة، ولكنهم جميعا

..وعروبته بكبريائه

.جميعهم ماتوا أو سيموتون من أجل هذه األمة تنغلقي في قوقعة الوطن الصغير، وأن تتحولي إلى منقcبة كنت ال أريد أن

.مدينة واحدة لآلثار والذكريات، في مساحة

فكل مدينة عربية اسمها قسنطينة. وكل عربي ترك خلفه كل شيء وذهب..ليموت من أجل قضية، كان يمكن أن يكون اسمه الطاهر

.به وكان يمكن أن تكون لك قرابة كنت أريد أن تمألي رواياتك بأبطال آخرين أكثر واقعية، أبطال تخرجين

.مراهقتك السياسية، ومراهقتك العاطفية معهم من

Q مثل زياد.. لما أحببت ألم أقل لك ذلك اليوم _بحماقة_ "لو عرفتu رجاال أبطال وهميين. هنالك في بعد اليوم "زوربا" ولما كنت في حاجة إلى خلق

cاب هذه األمة أبطال جاهزون بفوقون خيال ..".الكت

لم أكن أتوقع يومها أن يحصل كل الذي حصل، وأن أكون أنا الذي سيتحوcلcا ذات يوم إلى منقب يبحث بين سطورك عن آثار زياد، ويتساءل من من

..ضريحك األخير، وروايتك األخيرة أحببت أكثر، ولمن بنيتألي.. أم له؟

قبلة على خدcي. وقلت بلهجة جزائرية ونحن في ذلك اليوم، وضعتu فجأة:على وشك أن ننهض للذهاب

.."انحبك.. خالد"

توقف كل شيء لحظتها حولي، وتوقف عمري على شفتيك. وكان يمكنcلك.. أو أردc عليك بألف.. ألف أحبك أخرى وقتها .أن أحتضنك، أو أقب

دهشتي، وطلبت من النادل قهوة أخرى، وقلت لك ولكنني جلست من:أول جملة خطرت آنذاك في ذهني

"لماذا اليوم بالذات؟"

:أجبتني بصوت خافت

إنها أول مرة منذ ثالثة أشهر تحدثني فيها عن. ألنني اليوم أحترمك أكثر- أكن أتصور أنك حضرت إلى نفسك. اكتشفت اليوم أشياء مدهشة. لم

Q عن الشهرة أو الكسب باريس لهذه األسباب. عادة يأتي الفنانون هنا بحثا الصفر ال أكثر. لم أتوقع أن تكون تخليت عن كل شيء هناك، لكي تبدأ من

Page 101: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..هنا

Q لكالمك :قاطعتكu مصح�حا

Q لم أبدأ من الصفر.. نحن ال- Q عندما نسلك طريقا نبدأ من الصفر أبداQ. إننا نبدأ من أنفسنا فقط. أنا بدأت .من قناعاتي جديدا

فجأة شعرت يومها أننا ندخل مرحلة أخرى من عالقتنا، وأنك عجينة تأخذ.كل قناعاتي، وشكل طموحاتي وأحالمي القادمة

Q cرت جملة قرأتها يوما :في كتاب عن الرسم ألحد النقcاد تقول تذك

cة عن نفسه. إنه إنc الرسام ال يقدم لنا من خالل لوحته" صورة شخصيQ عن نفسه ويكشف لنا الخطوط العريضة لمالمحه يقدم لنا فقط مشروعا

".القادمة

.وكنتu أنتu مشروعي القادم ومدينتي القادمة. كنت أريدك األجمل، أريدك كنت مالمحي القادمة،

.األروعQ آخر، ليس Q آخر، ليس قلبي، كنت أريد لك وجها Q، وقلبا وجهي تماما

جسدي وروحي من وبصمات أخرى، ال عالقة لها بما تركه الزمن على.بصمات زرقاء

ذات يوم مرسمي، يومها عرضت عليك بعد شيء من التردcد، أن تزوري.ألريك ما رسمته في األيام األخيرة

Q أن تقبلي عرضي دون تردد أو خوف. فقد كنت أحرص على وكنت سعيداQ إذا ما أال تسيئي الظنc بي. وكنت قررت أن ألغي ذلك العرض نهائيا

.ضايقك

عليها زيارة مدينة ولكنك فاجأتني وأنت تصيحين بفرح طفلة ع�رض:لأللعاب

Q أن أزوره- !أو... رائع يسعدني حقا

Q لتخبريني أن عندك ساعتين وقت الظهر، في اليوم التالي، طلبتني هاتفيا.خاللهما يمكنك أن تزوريني

.وضعت السماعة.. ورحت أحلم، أسبق الساعات، وأسبق الزمن

Q سيحدث هذا؟ أنت في بيتي.. أحقا

Q ستدقcين جرس هذا الباب، ستجلسين على هذه األريكة، ستمشين هنا أحقا

Page 102: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.أمامي

؟ uأنت Q .. أخيرا uأنت

Q سأجلس إلى Q لن يالحقنا نادل أخيرا Q لك. أخيرا جوارك، وليس مقابال روcاد المقهى، وال عيون الغرباء من بطلباته وخدماته. لن تالحقنا عيون

.المارة

Q يمكننا أن نتحدث، أن نحزن ونفرح، دون أن يكون من شاهد على أخيرا.تقلباتنا النفسية

Q، وأنا أجهل أنني أشرع قلبي رحت من فرحي أشرع الباب لك مسبقا.للعواطف والزوابع

بك إلى هنا، أن أفتح لك عالمي السريc اآلخر، أن أيc جنون كان.. أن آتي.البيت أحوcلك إلى جزء من هذا

cتي في انتظارك، والذي قد يصبح جحيمي .بعدك هذا البيت الذي أصبح جنQ وأحمق كأيc عاشق� ال يرى أبعد أكنت عندئذ� أعي كلcc هذا؟ أم كنت سعيدا

موعده القادم؟ من

Q ال أريد غير إطالعك على لوحتي األخيرة.. تساءلت بعدها.. إن كنت حقاcة للجنون ي cوعلى حديقتي السر.

cرت كاترين، وتلك اللوحة التي رسمتها لها اعتذارا ألنني ذات يوم، كنت تذكQ آخر غير وجهها، Q عن أن أرسم شيئا بينما كان اآلخرون يتسابقون في عاجزا

.الجميلة رسم جسدها العاري، المعروض للوحي في قاعة للفنون

cرت يوم عرضت عليها أن تزورني ألريها تلك اللوحة ..تذك

Q بعد ذلك في عالقة غير بريئة لم أتوقع أن تكون تلك اللوحة البريئة، سببا.سنين دامت

cة التعقcل، ورغبة سرية أليس في دعوتي لك لزيارة مرسمي، شيء من قلالستدراج الظروف ألشياء أخرى؟

وهي تستسلم لي في تراني كنت أفعل ذلك، وأنا أستعيد جملة كاترين، ذلك المرسم، وسط فوضى اللوحات المرسومة، واللوحات البيضاء

cكئة على الجدران، وتقول لي بإشارة متعمدة :المت

..بالحب هذا مكان يغري-

:فأجبتها بشيء من الواقعية

Page 103: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..اليوم لم أكن أعرف هذا قبل-

فهل كان مرسمي يغري بالحب؟ أم أن في كل مكان للخلق جاذبية مابالجنون؟ تغري

فبيننا من. ولكن، ورغم هذا كنت أدري أنك لم تكوني كاترين.. ولن تكونيها..الحواجز ما لن يحطمه أيc جنون

الزيارة، أستعيد ذلك اليوم، وكأنني اليوم، بعد ستc سنوات على تلكاته النفسية cالمتقلبة أعيشه مرة أخرى، بكل هز.

ها أنت تدخلين في فستان أبيض )لماذا أبيض؟(، يسبقك عطرك إلى.الطابق العاشر. يسبقك القلب إلى المصعد ويهرول أمامك

(.على خدك.. وإذا بي أصافحك )لماذا أصافحك؟ ها أنا أكاد أضع قبلة

Q أسألك هل وجدت البيت بسهولة فتأتي الكلمات بالفرنسية )لماذا أيضاcة أو ي cجرأة أكثر، داخل تلك اللغة بالفرنسية؟( تراني كنت أبحث عن حر

الغريبة عن تقاليدي وحواجزي النفسية؟

.األريكة جلستu على تلك:قلت وأنت تلقين نظرة عامة على غرفة الجلوس

!أتصور بيتك هكذا. إنه رائع ومؤثث بكثير من الذوق لم أكن-

:سألتك

تتصورينه إذن؟ كيف كنت-

:أجبتني

.بفوضى.. وبأشياء أكثر-

Q قلت لك :ضاحكا

cرة، بأشياء كثيرة مبعثرة ألكون- لست في حاجة إلى أن أسكن شقة مغبامين. أنا مسكون بالفوضى، cإنها فكرة أخرى خاطئة عن الرس .Q cانا فن

بالضرورة. إنها طريقتي الوحيدة، في وضع شيء من ولكنني ال أسكنها.الترتيب داخلي

الشقة الشاهقة، ألن الضوء يؤثثها وهو كل ما يلزم لقد اخترت هذه

Page 104: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

بالفوضى وإنما بالضوء ولعبة الظل للرسام، فاللوحة مساحة ال تؤثث.واأللوان

.ودعوتك للخروج إلى الشرفة فتحت نافذتي الزجاجية الكبيرة،

:قلت

الذي يربطني بهذه المدينة. من هنا، من انظري هذه النافذة، إنها الجسر- cبة شرفتي أتعامل مع سماء باريس .المتقل

كل صباح تقدم لي باريس نشرتها النفسية، فأجلس هنا في الشرفة.ألتفرج عليها وهي تنقلب من طور إلى آخر

Q أن أرسم أمام هذه النافذة، ويحدث أن أجلس في الخارج يحدث كثيرا بدموع مدينة تحترف ألتفرج على نهر السين، وهو يتحول إلى إناء يطفح

.البكاء

Q Q منه في آن واحد. يحلو لي الجلوس هنا على حافcة المطر قريبا ومحميا.منظر المطر يستدرجني ألحاسيس متطرفة

"ليشعر أنه في عنفوان الشباب عند نزول المطر إن اإلنسان"

: تصلين لتمطر، وقلت بالعربية عندئذ�، نظرت إلى السماء وكأنك

وأنت؟.. إن المطر يغريني بالكتابة-

".وكنت على وشك أن أجيبك " وأنا يغريني بالحب

Q إلى .السماء. كانت صافية زرقاء كسماء حزيران نظرت طويال

.ألنني تعودت أن أراها رمادية كان زرقتها تضايقني فجأة، ربما

ي، لو أمطرت لحظتها؛ cلو تواطأت معي ورمتك وربما ألنني تمنيت في سر .إلى صدري عصفورة مبللة

Q من كل .هذا ولم أقل لك شيئا

.نقلت نظرتي من السماء إلى عينيك.شعرت أنني أتعرف عليهما. كنت أراهما ألول مرة في الضوء

.أجمل من العادة ارتبكت أمامهما كأول مرة. كانتا أفتح من العادة، وربما

البراءة، كان فيهما شيء من العمق والسكون في آن واحد. شيء من

Page 105: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..والمؤامرة العشقية

Q تراني أطلت النظر إليك؟ سألتني بطريقة من يعرف :الجواب مسبقا

لماذا تنظر إليc هكذا؟-

.كموسيقى عزف منفرد كان صوتك بالعربية يأتي

:وجدت الجواب في قصيدة، حفظت مطلعها ذات يوم

عيناك غابتا نخيل ساعة السحرالقمر أو شرفتان راح ينأى عنهما

:سألتني مدهوشة

Q؟. عجيب- !أتعرف شعر السياب أيضا

:في جواب مزدوج قلت

".أعرف "أنشودة المطر-

تلك اللحظة بالذات، وكأنني أصبحت في عرت أنك ربما أحببتني أكثرQ cاب أيضا .نظرك السي

:فيها ببيت شعر، أو بمقولة ما باللغة العربية، سألتني وككل مرة أفاجئك

هذا؟ متى قرأت-

:أجبتك هذه المرة

Q عزيزتي سوى القراءة. ثروة- اآلخرين تعدc باألوراق أنا لم أفعل شيئا كلc ما النقدية، وثروتي بعناوين الكتب. أنا رجل ثري كما ترين.. قرأت

Q كما نهبوا كل ما وقعت عليه يدهم !.وقعت عليه يدي.. تماما

وأنت تحدقين في ذلك الجسر الحجري الرمادي، الذي يجري بعدها قلت:استثنائية تحته نهر السين بزرقة صيفية

أنت محظوظ بهذا المنظر، جميل أن تطلc شرفتك على نهر السين، ما- اسم هذا الجسر؟

:قلت

Page 106: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q أن " أبولينير- cد هذا الجسر في" إنه جسر ميرابو. اكتشفت أخيرا قد خلQ به. قصائده، عثرت على بعضها منذ أيام في ديوان له. يبدو أنه كان مولعا

إن الشعراء مثل الرسامين لهم عادة ال تقاوم في تخليد كل مكان سكنوهQ، أو عبروه بحب. بعضهم خلcد ضيعة مجهولة، وآخر مقهى كتب فيه يوما

.مصادفة، وإذا به يقع في حبها إلى األبد وثالث مدينة عبرها

:سألتني

الجسر؟ وهل رسمت أنت هذا- -Q :أجبتك متنهدا

Q ونخاف أال نراه ال.. ألننا ال نرسم بالضرورة ما نرى.. وإنما- ما رأيناه يوماQ. وهكذا قضى )دوالكروا( عمره في رسم مدن مغربية لم بعد ذلك أبدا

يسكنها سوى أيام، وقضى )أطالن( عمره في رسم مدينة واحدة.. هي.قسنطينة

Q لم أكن أعي هذه الحقيقة قبل أن أقف منذ شهرين في هذه الغرفة مقابال.لهذه النافذة، ألرسم بشيء من التوتر االستثنائي لوحتي األخيرة

Q كانت Q آخر وواديا عيناي تريان جسر ميرابو ونهر السين. ويدي ترسم جسرا.أخرى آخر لمدينة

.وعندما انتهيت، كنت رسمت قنطرة سيدي راشد ووادي الرمال.. ال غير.وأدركت أننا في النهاية ال نرسم ما نسكنه.. وإنما ما يسكننا

:بلهفة سألتنيهل يمكن أن أرى هذه اللوحة؟-

:قلت وأنا أقودك إلى مرسمي

-Q .طبعا

وقفت أمام تلك الغرفة الشاسعة المألى باللوحات. رحت تنظرين إلىQ بدهشة طفل في مدينة سحرية. الجدران، وإلى ما اتكأ من اللوحات أرضا

:باالنبهار نفسه ثم قلت

Q قبل- ..اليوم كم هو رائع كلc هذا.. أتدري؟ لم يحدث أن زرت مرسما

".اليوم كنت أودc أن أقول لك " ولم يحدث أن زارته امرأة قبلك، قبل

cرتني بمرور امرأة أخرى من ولكن لوحة كاترين المستندة على الجدار ذك:هنا. ذهب فكري عندها بعض الوقت عندما قلتu فجأة

Page 107: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

حدcثتني عنها؟ وأين هي اللوحة التي-

على أخذتك إلى الطرف اآلخر للقاعة، كانت اللوحة ما تزال منتصبة خشبات الرسم، وكأنها تلغي بوضعها المميز ذاك، كل اللوحات األخرى

.حولها المبعثرة

هنالك عالقة عشقية ما بين أيc رسام ولوحته األخيرة. هنالك تواطؤ عاطفي صامت، لن يكسره سوى دخول لوحة عذرا أخرى إلى دائرة

.الضوء

الكاتب ال يعرف كيف يقاوم النداء الموجع للcون األبيض، فالرسام مثل.اإلبداعي كلما وقف أمام مساحة بيضاء واستدراجه إياه للجنون

اللون األبيض وإغراء كل كيف إذن، ما زلت أقاوم منذ شهرين تحدياللوحات التي أشهرت في وجهي بياضها؟

Q بعد لوحتي هذه، وفضcلت أن أبقيها هكذا ولماذا، رفضت أن أرسم شيئا أنها كانت سيدتي، وسيدة كل ما حولي على الخشبات نفسها، ألشهد لها

جدار كما تحال عشيقة من لوحات، وكأنني أرفض أن أحيلها إلى ركن أو.عابرة

تعطنيه حتى النساء؟ أيمكن ذلك.. وهي التي أعطتني من النشوة، ما لم

Q.. مع !الوطن ربما.. ألنه لم يحدث قبلها أن مارست الحب رسما

:قلت وأنت تتأملينها

ولكنها تختلف عنها، في الكثير من" إنها مشابهة للوحتك األولى "حنين- استعملتها، إنها تعطيها التفاصيل.. وخاصة في األلوان الترابية الخام التي

Q.. وحياة أكثر .نضجا

:إليك قلت وأنا أنقل نظري منها

-uلقد بعثت فيها الحياة.. إنها أنت.

أنا؟-

يوم قلت لك على الهاتف، لقد سهرت البارحة حتى ساعة أتذكرين- cهمتني يومها بالجنون وخفت أن أكون قد. متأخرة من الليل ألرسمك ات

Q ولن يعرف أحد أنك عبرت فضحت مالمحك. ال تخافي، لن أرسمك أبداQ حياتي ذات يوم. إن للفرشاة شهامة .أيضا

Page 108: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

:وأضفت

أنت، ووحدك أنت مدينة.. ولست امرأة، وكلما رسمت قسنطينة رسمتك..ستعرفين هذا

:كاترين قلت فجأة وأنت تشيرين بنظرة من عينيك إلى لوحة

وهي؟-

عناد النساء كان في سؤالك شيء من عناد األطفال وأنانيتهم، وشيء منcوغيرتهن.

:قلت وأنا أرفع تلك اللوحة من األرض

Q؟ هل تزعجك- .هذه اللوحة حقا

:أجبت بشيء من الكذب الواضح

..ال-

:وأنا أشعر أنني قادر في تلك اللحظة على أن أرتكب أي جنون واصلت

..أمامك إذا شئت سأتلفها-

:صحت

!ال، أأنت مجنون-

:قلت بهدوء

Q بالنسبة لي. إنها امرأة عابرة، لست- Q.. وهذه اللوحة ال تعني شيئا مجنونا.عابرة في مدينة

:قلتu بابتسامة مربكة وأنت تتأملينها

أليس كذلك؟.. إنها مدينتك األخرى-

اللوحة؟ من أين جئت بتلك الرصاصة األخيرة، لتطلقيها على تلك

:اعترفت لك بتلميح واضح

األخرى.. أو إذا شئت سريري اآلخر ال.. ليست مدينتي، إنها وسادتي- !فقط

Page 109: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q من الحمرة قد عال وجنتيك، وأن عواطف وأحاسيس شعرت أن شيئاcرت .في لحظات متناقضة قد عبرتك، وتركت آثارها على مالمحك التي تغي

:ثم تمتمت بهدوء وكأنك تتحدثين إلى نفسك

!يهم ال-...

:قلت لك وأنا أمسكك من ذراعك

امرأة واحدة تستحق أن تغاري منها في ال تغاري من هذه اللوحة. هنالك- ..هذا البيت، هي هذه

الذي أشرت إليه. كان ثمcة تمثال ينتصب على األرض نظرت نحو المكان.في حجم امرأة

:بتعجcب قلت

هذه.. لماذا هذه؟-

:قلت

ارتحت لها حتى اآلن، والتي قاسمتني معظم ألنها المرأة الوحيدة التي- مصغرة. وقررت منذ سنوات غربتي. كنت في السابق أملك منها نسخة

.سنتين أن أهدي نفسي تمثالها في حجمه األكبر

نوبات جنوني. ولكنني لم أندم على اقتنائها، إنها تشبهني كانت تلك إحدىQ. أنا بذراع واحدة وهي بال ذراعين. لقد فقدنا أطرافنا في أزمنة كثيرا

Q، لن تمنعنا عاهتنا من الخلود مختلفة، ألسباب مختلفة. ولكننا صامدان .معا

.لم تعلcقي على كالمي

تصدقي ذلك. أن يعيش رجل مع تمثال المرأة، ضرب من يبدو أنك لمQ، وكانت المرأة فينوس ال الجنون أليس كذلك؟ حتى لو كان اما cالرجل رس

!غير

بالعبقرية التي تالمس الجنون. ولكنك المشكلة معك.. أنك كنت مأخوذةQ على جنوني، كنت أعقل من أن تكشفيها. ولذا كلما أردت أن أعطيك دليال

Q .لم تكوني تصدقيني تماما تسترقين النظر إلى لوحة كاترين، وكأنها وحدها رحتu فقط بحماقة أنثى،.فهمك تعنيك. ورحت أنا أحاول

Page 110: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

ما الذي كان يزعجك في تلك اللوحة؟ هل وجودها في تلك اللحظة بينناcرك بمرور امرأة أخرى في حياتي؟ أم شقرة بحضورها الصامت الذي يذك

واإلغراء االستفزازي لشفتيها وعينيها المختفيتين خلف تلك المرأة،خصالت شعر فوضوي؟

تغارين من اللوحة أم من صاحبتها؟ وكيف يكون من حقك أن أكنت رسمتها المرأة، دون أن يكون لي الحق في أن تعاتبيني على لوحة واحدة

Q أحاسبك على كل ما كتبته قبلي، وعلى ذلك الرجل الذي عذcبتني به صدقاQ؟ أم كذبا

Q ثم قلت. عادت عيناك إلى اللوحة األخيرة :تأملتها قليال

!إذن هذه.. أنا-

:قلت

تكوني أنت، ولكن هكذا أراك، فيك شيء من تعاريج هذه ربما لم- شموخها، من مخاطرها، من مغارات المدينة؛ من استدارة جسورها، من

أنوثتها وإغرائها وديانها، من هذا النهر الزبديc الذي يشطر جسدها، من.السري ودوارها

:قاطعتني مبتسمة

يمكن لك أن تجد قرابة بيني وبين هذا الجسر؟ أنت تحلم.. كيف- أنني ال أحب سوى الجسور كيف خطرت فكرة كهذه بذهنك؟! أتدري

مرشوشة الخشبية الصغيرة تلك التي نراها في بطاقات نهاية السنة، بالثلج والفضة، تعبرها العربات الخرافية. وأما جسور قسنطينة الجديدة

المعلcقة في الفضاء، فهي جسور مخيفة.. حزينة. ال أكر أنني عبرتها مرة أو حاولت مرة واحدة النظر منها إلى أسفل.. إال شعرت واحدة راجلة،

.والدوار بالفزع

:قلت ال يقاوم؛ ولكن الدوار هو العشق؛ هو الوقوف على حافة السقوط الذي-

هو التفرج على العالم من نقطة شاهقة للخوف؛ هو شحنة من االنفعاالت واألحاسيس المتناقضة، التي تجذبك لألسفل واألعلى في وقت واحد، ألن

Q أسهل من الوقوف على قدمين خائفتين! أن أرسم لك السقوط دائماQ كهذا، يعني أن أعترف لك Q شامخا أنك دواري. إنه ما لم يقله لك جسرا

.رجل  قبلي

cي قسنطينة وتكرهي الجسور؛ وتبحثي عن اإلبداع، وأنت أنا ال أفهم أن تحب المدينة. ولوال شهقة الدوار، لما تخافين الداور. لوال الجسور لما كانت هذه

.أحبc أحد.. أو أبدع

Page 111: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

،cلم تنتبهي له من قبل برغم كنت تستمعين إلي Q وكأنك تكتشفين شيئا.بساطته

:قلت غير أنك

ربما كنت في النهاية على حق، ولكنني كنت أفضل لو رسمتني أنا وليس- cدها، هذا ها أن يخل cالجسر. إن أي امرأة تتعرف على رسام، تحلم في سر

Q كما أنc أيc رجل يتعرف على أن يرسمها هي.. ال أن يرسم مدينتها؛ تماماQ، وليس عن شيء آخر له عالقة به. إنها كاتبة، يتمنى أن تكتب عنه شيئا

.تفسير لها النرجسية.. أو الغرور أو أشياء أخرى ال

.فاجأني اعترافك. شعرت بشيء من الخيبة

مزوcرة عنك إذن؟ أحقc أنه ليس بينك وبين هذا الجسر هل رسمت نسخة طبق األصل عن ذاكرتي.. وأن حلمك من قرابة؟ أكانت هذه اللوحة نسخة

أن تتحولي إلى في النهاية، أن تصبحي نسخة أخرى عن كاترين ال غير،وجهه؟ لوحة عادية، مفضوحة المزاج، ووجه بكثير من المساحيق، يشبه

فt من هذه العقدة؟ tش» ترانا لم ن

:اليأس قلت لك بشيء من

.إذا كان هذا ما تريدين.. سأرسمك-

:ما أجبتني بصوت فيه خجل

أعترف أنني منذ البداية، كنت أحلم أن ترسمني أنا.. وأن أحتفظ بهذه- ..اللوحة عندي كذكرى، شرط أال تضع عليها توقيك إذا أمكن

الضحك، أو على األرجح برغبة في الحزن، وأنا أكتشف شعرت برغبة في.لألشياء ذلك المنطق العجيب

كان من حقي إذن أن أوقع الرموز واللوحات التي ليس بينها وبينك من شبه. وأما أنت فليس في وسعي أن أضع أسفل رسمك توقيعي. أنت

أحببتها، لن يقترن اسمي بك ولو مرة واحدة، حتى المرأة الوحيدة التيفي أسفل لوحة؟

يشترون توقيعي فقط، وليس لوحاتي. وهناك أنت التي هناك إذن الذين.توقيع تريدين لوحتي دون

وهنالك أنا.. المجنون العنيد الذي يرفض هذا المنطق الجديد لألشياء،

Page 112: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

ويرفض باسم الحبc أن يحولك إلى لوحة لقيطة، ال نسب لها وال صاحب.cاها .أية ريشة وأي رسام يمكن أن تتبن

cرك صمتي.. قلت شبه معتذرة :حي

ترسمني؟ هل يزعجك أن-

Q :قلت ساخرا

األصل عن وطن ما، ال.. كنت أكتشف فقط مرة أخرى، أنك نسخة طبق- وطن رسمت مالمحه ذات يوم. ولكن آخرين وضعوا إمضائهم أسفل

Q لمثل هذه المناسبات. فمن األزل، انتصاراتي. هنالك إمضاءات جاهزة دائماQ من يكتب التاريخ، وهنالك من يوقcعه، ولذا أنا أكره كان هنالك دائما

.للتزوير اللوحات الجاهزة

تراك فهمت كل ما قلته لك لحظتها؟

السياسي. لقد كان كلc ما يهمcك في النهاية، بدأت أشكc فجأة في وعيك.هو موضوع لوحتك ال غير

:تغادرين المرسم قلت وأنت

إلى أتدري أننا لن نلتقي لمدة شهرين؟ سأسافر األسبوع القادم- ..الجزائر

:صحت وأنا أستوقفك في الممر

تقولين؟ أحق  ما-

:قلت

Q عطلتي الصيفية مع والدتي في- Q أنا أقضي دائما الجزائر. وال بدc أن طبعا.باريس أعود األسبوع القادم مع عمي وعائلته.. لن يبقى أحد هنا في

Q وسط الممشى. أمسكت بذراعك وكأنني أمنعك من وقفت مذهوال:وسألتك بحزن الرحيل،

وأنا..؟-

Q. أعتقد أننا- سنتعذcب بعض الشيء.. إنه فراقنا أنت.. سأشتاق إليك كثيراcبسرعة األول. ولكن سنحتال على الوقت ليمر.

Page 113: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

:ثم أضفتu بلهجة من يريد أن يحل مشكلة، أو ينتهي منها بسرعة

Q.. سنبقى على اتصال- .ال تحزن.. يمكنك أن تكتب لي أو تطلبني هاتفيا

.حافة البكاء كنت على كطفل أخبرته أمه أنها ستسافر دونه. وكنت أنت تزفcين لي ذلك الخبر،

.بشي من السادية التي أدهشتني. وكأن عذابي يغريك بشيء ما

ثوبك كطفل وأجهش بالبكاء؟ هل أمسك بأطراف على العيش هل أتحدث إليك ساعات، ألقنعك أنني لن أقدر بعد اليوم

أدمنتك؟ بدونك، وأن الزمن بعدك ال يقاس بالساعات وال باأليام، وأنني

Q Q لصوتك عندما يأتي على الهاتف؟ عبدا كيف أقنعك أنني أصبحت عبدا لضحكتك، لطلتك، لحضورك األنثوي الشهيc، لتناقضك التلقائيc في كل

عبد  لمدينة أصبحت أنت، لذاكرة أصبحت أنت، لكل. شي وفي كل لحظةQ .شي لمسته أو عبرته يوما

الحزن يهجم عليc فجأة، وأنا واقف هكذا في ذلك الممر أتأملك كان.يصدق بذهول من ال

Q. بحثت في وكنت قريبة مني حد االلتصاق، كما لم يحدث أن كنته يوما مالمحك عن شيء يفضح لي في تلك اللحظة عواطفك؛ لكنني لم أفهم

Q .شيئا

عطرك الذي كان يخترق حواسي ويشلc عقلي، هو الذي جعلني أتراه كنت أعي فقط أنك بعد لحظات ستكونين عندئذ� ال أتعمcق في البحث؟

.بعيدة، بقدر ما كنت ساعتها قريبة

.وجهك نحوي رفعتcة Q لم أعد أذكره. ولكن قبل أن أقول أي كلمة، كنت أريد أن أقول لك شيئا

كانت شفتاي قد سبقتاني وراحتا تلتهمان شفتيك في قبلة محمومة ذراعي الوحيدة تحيط بك كحزام، وتحولك في ضمة واحدة مفاجئة. وكانت.إلى قطعة مني

Q بين يدي كسمكة خرجت لتوcها من البحر، ثم استسلمت انتفضت قليالcإلي.

Q أسود، كان شعرك الطويل Q غجريا الحالك، ينفرط فجأة على كتفيك شاال بشراسة العشق الممنوع. بينما راحت ويوقظ رغبة قديمة إلمساكك منه،

شفتيك المرسومتين شفتاي تبحثان عن طريقة تتركان بها توقيعي علىQ للحب .مسبقا

..كان ال بدc أن يحدث هذا

Page 114: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

الظالل على عينيك، والحمى على شفتيك بدل أحمر أنت التي تضعينQ في وجه أنوثتك؟ ها هي سنواتي الشفاه، أكان يمكن أن أصمد طويال

Q الخمسون تلتهم شفتيك، وها هي الحمcى تنتقل إليc، وها أنا أذوب أخيرا.في قبلة قسنطينية المذاق، جزائرية االرتباك

حرائقك.. باردة  ق�بل الغربة لو تدرين. باردة  تلك الشفاه ال أجمل من.الدفء. بارد  ذلك السرير الذي ال ذاكرة له الكثيرة الحمرة والقليلة

cئ رأسي في عنقك. أختبئ. دعيني أتزود منك لسنوات الصقيع دعيني أخبQ في حضنك Q حزينا .طفال

الهارب لحظة واحدة، وأحلم أن كل هذه دعيني أسرق من العمر.المساحات المحرقة.. لي

،Q !قسنطينة فاحرقيني عشقاQ جسدك كان، cات توت نضجت على مهل. عبقا cتين شفتاك كانتا، كحب شهي

.ياسمين تفتحت على عجل كشجرة والحواجز جائع أنا إليك.. عمر من الظمأ واالنتظار. عمر من العقد

والتناقضات. عمر من الرغبة ومن الخجل، من القيم الموروثة، ومن.المكبوتة. عمر من االرتباك والنفاق الرغبات

.على شفتيك رحت ألملم شتات عمري قبلة منك اجتمعت كلc أضدادي وتناقضاتي. واستيقظ الرجل الذي في

Q مراعاة Q رفيق أبيك قتلته طويال .لرجل آخر، كان يوما.رجل  كاد يكون أباك

ºوأحييت آخر على شفتيك و�لدت� ومت Q .في وقت� واحد. قتلت رجال

هل توقcف الزمن لحظتها؟Q بين عمرينا، هل ألغى ذاكرتنا بعض الوقت؟ هل سوcى أخيرا

..ال أدري أدريه، أنك كنت لي، وأنني كنت أريد أن أصرٍخ لحظتها كما كلc الذي كنت

لسان فاوست "قف أيها الزمن.. ما في إحدى صرخات "غوته" على!".أجملك

كالعادة. يتآمر عليc كالعادة. وكنت ولكن الزمن لم يتوقف. كان يتربص بي ارتباكك، وتذكيري بضرورة بعد لحظات تتأملين ساعتك في محاولة إلخفاء

.عودتك إلى الجامعة

.أخيرة الستبقاك عرضت عليك فنجان قهوة في محاولةQ من الترتيب في مظهرك، وتصففين قلت وأنت أمام المرآة تضعين شيئا

:شعرك وتعيدين جمعه

QQ إذا أمكن- Q باردا ..أفضل شيئا

Page 115: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

الصالون وذهبت إلى المطبخ. تعمدت أال أستعجل في العودة، تركتك في.قبلي على شفتيك وكأنني فجأة أخجل من آثار

الكتب، وعندما عدت بعدها، كنت أمام المكتبة تلقين نظرة على عناوينQ، سألتني وأنت Q صغيرا cبين بعضها. ثم سحبت من أحد الرفوف كتابا وتقل

:إلى غالفه تنظرين

عنه؟ أليس هذا الديوان لصديقك الشاعر الذي حدcثتني-

Q Q في ذلك الموضوع مخرجا :الرتباكي أجبتك بسعادة وأنا أجد أخيرا

-cتجدينه على الرف Q .نفسه نعم.. هناك ديوان آخر له أيضا

:قلت

.اليوم هل اسمه زياد الخليل؟ لقد سمعت هذا االسم قبل-

Q صورته على ظهر الكتاب. تقرئين بعض قلبتu الكتاب. رأيتك تتأملين طويال:السطور.. ثم قلت

أقرأهما على مهل أيمكن لي أن أستعير منك هذين الديوانين؟. أفضcل أن- .هذا الصيف، فليس لي ما أطالعه

:بحماقة أجبتك بحماسة، أو

تأثيرهما طبعا، إنها فكرة جيدة.. أنا واثق أن هذين الديوانين سيتركان- على كتاباتك. ستجدين أشياء رائعة خاصة في الديوان األخير "مشاريع

cالقادم". إنه أجمل ما كتب زياد للحب.

كنت وقتها في سعادة طفلة. رحت بسعادة تخفين الكتابين في حقيبة يدكcتها .تعود إلى بيتها بلعب� أحب

Q، لم أكن أعي في ذلك الحين، أنني سأكون بعد ذلك لعبتك األخرى، طبعاQ على مجرى قصتنا وأن هذين الكتابين سيتركان .تأثيرهما أيضا

Q وجهك العادي ومالمحك .الطبيعية كنت تستعيدين تدريجياQ أم cي لم تمرc بك. فهل كان ذلك تمثيال حقيقة؟ وكأن زوبعة حب

حاولت أن أنسى خيبتي معك، أمام تلك اللوحة التي كانت السبب األولQ أن أخفcف من خيبتك في . زيارتك. حاولت أيضا

:قلت

Page 116: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..تسليتي في هذا الصيف سأرسمك، ستكون لوحتك-

:ثم أضفت دون أية نية خاصة

مرة أخرى لتجلسي أمامي، حتى أتمكن من رسمك. أو يجب أن تزوريني- .مالمحك تعطيني صورة لك أنقل عنها

Q لديك :قلتu وكأن الجواب كان جاهزا

cسع من- الوقت ألعود إليك هذه األيام، وليس في لم يبقt أمامي مت الموجودة على ظهر كتابي، حوزتي أية صورة. يمكنك أن تستعين بصورتي

.في انتظار أن أعود

Q، إذا كان في جوابك شيء من أعترف أنني لم أفهم في ذلك الحين أيضا أنك كنت تجيبيني بتلقائية التلميح لي بأنك لن تعودي إلى هذا البيت، أم

بريئة ال أكثر؟

أرسمك؟ ألست أنت التي كنت تلحcين عليc أنفلماذا حوcلت هذه اللوحة إلى قضية شخصية أنا وحدي معنيc بها؟

أناقشك كثيرا. كنت أدري أنني في جميع الحاالت سأرسمك. ربما ألنني لمQ، وربما ألنني ال أعرف كيف سأقضي الصيف ال أعرف كيف أرفض لك طلباQ دون استحضارك ولو .رسما

ذهبت ذلك اليوم بعدما وضعت قبلتين على خدcي، ووعدتني بلقاء قريب.Q بعد قبلتنا أن نتصافح لم ..يعد ممكنا

cر في Q ما قد تغي Q بعد اليوم لذلك كنت أعي أنc شيئا عالقتنا، ولم يعد ممكنا يعود إلى قلب الزجاجة التي المارد الذي انطلق فجأة من أعماقنا، أن

.أغلقناها عليه ألسابيع كاملة

معك في بضع لحظات من الحب إلى العشق. من كنت أعي أنني أنتقل الصعب، بعد اليوم، أن العاطفة البريئة إلى الشهوة، وأنه سيكون من

.أنسى مذاق قبلتك، وحرارة جسدك الملتصق بي للحظات

Q؟ أم خمس دقائق للجنون ال غير؟ كم دامت قبلتنا تلك.. دقيقتين؟ ثالثا

تفعل تلك الدقائق القليلة كل الذي حلc بي بعد ذلك؟ أيمكن أن

خمسين سنة من عمري؟ أيمكن أن تلغي خمس دقائق،

ذكرى سي وكيف لم أشعر بعدها بأيc إحساس بالندم، بأيc خجل تجاه

Page 117: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.للخيانة الطاهر؟ أنا الذي كنت أقترف يومها أول خيانة بالمفهوم األخالقي

.ال.. لم يكن في قلبي سوى الحب

Q بالعشق، Q. فلماذا أفسد كنت ممتلئا Q سعيدا بالشهوة، بالجنون. كنت أخيراستوصلني إلى التعاسة؟ سعادتي بالندم، بالتساؤالت التي

نقترفه.." ولم يكن في ال أذكر من قال " الندم هو الخطأ الثاني الذي القلب مساحة أخرى ولو صغيرة، يمكن أن يتسلل منها شيء آخر غير؟

cالحب.Q .ألم يكن كلc ذلك جنونا

Q إلى ذلك الحدc، وأنا أدري أنني لم كيف سمحت لنفسي أن أكون سعيداQ في النهاية، سوى بضع دقائق للفرح المسروق، وأن أمتلك منك شيئا

Q من العمر.. للعذاب؟ أمامي متسعا

الفصل الرابع

كان لرحيلك مذاق الفجيعة األولى. والوحدة التي أحالتني في أيام إلىQ مرتبة ..لوحة يتيمة على جدار، تحضرني جملة تبدأ بها رواية أحببتها يوما

الله! فهو عظيم بقدر ما أنا وحيد. إني ألرى المؤلف فيبدو لي ما أعظم".."كلوحة

Q. فما أكبر وكنت أنا في عزلتي ووحدتي، ذلك المؤلف وتلك اللوحة معاQ على جداره، في انتظارك وأبرد ذلك الكون الذي cقا !كنت معل

والعاطفية في الوقت نفسه. كنت أدخل بعدك منحدرات الخيبات النفسيةQ كل معرض لي. وكنت وأعيش ذلك القلق الغامض، الذي يسبق ويلي دائما

Q بجردة ألفراحي وخيباتي .أقوم تلقائياQ. لم تهتم به غير صحافة فرنسية مختصcة كالعادة. وبعض انتهى معرضي إذا

.المجالت العربية المهاجرة

أن أقول إنه حصل على تغطية إعالمية كافية، وأن الذين كتبوا ولكن يمكن.فني عربي في باريس عنه أجمعوا على أنه حدث

جريدة. وحدها الصحافة الجزائرية تجاهلته، عن إهمال ال غير، كالعادةQ ومجلة أسبوعية واحدة، كتبتا عنه بطريقة مقتضبة. وكأنهما تعانيان فعال

.الصفحات، وليس من قلة المواد الصحافية من قلة

الذي وعدني بالحضور إلى باريس بينما لم يحضر ذلك الصديق الصحافي،

Page 118: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

نفسها. ورغم أنني لقضايا شخصية، وإلجراء مقابلة مطوcلة معي بالمناسبة رجل غير مولع باألضواء، والجلوس لعدة ساعات إلى صحافي للحديث عن

Q من الحديث نفسي، فإنني كنت أتمنى أن تتم تلك المقابلة، ألتمكن أخيراQ إلى Q.. القارئ الجزائري مطوcال .الشخص الوحيد الذي كان يعنيني حقا

ليخبرني أنه اضطر للبقاء في الجزائر، لتغطية مهرجان عبد القادر طلبني ازدهرت هذه األيام، ألسباب غامضة يعلمها ما من أحد المهرجانات التي

.الله.. وآخرون

هناك من مقارنة بين مهرجان أو ملتقى رسمي، ولم أعتب عليه.. ليس وبين أي معرض مهما كان اسم يتم إعداده واإلنفاق عليه بالعملة الصعبة

.صاحبه، والسنوات التي أخذتها منه تلك اللوحات

.النهاية ال يمكن حتى أن أعتب على الصحافة الجزائرية في

للوحات الفنية من متعة أو ترفيه للمواطن ماذا يمكن أن يقدم معرض االنتحار، وال وقت له للتأمل الجزائري الذي يعيش على وشك االنفجار، بل

Q ألغنية الراي(. يمكن أن )أو التذوق، والذي يفضcل على ذلك مهرجاناQ على تلك األغاني الشعبية يرقص.. ويصرٍخ.. ويغني فيها حتى الفجر، منفقا

المشبوهة، ما تجمcع في جيبه من دينارات، وما تراكم في جسده منليبيدو"؟"

Q، والتي كعملتنا يدري أين تلك "الثروة" الوحيدة التي يملكها شبابنا حقا.ينفقها خارج األسواق السوداء.. للبؤس

.غيره بعضهم أدرك هذا قبل

، وفي عزc الفراغ والبؤس الثقافي الذي كان يعيشه الوطن،1969سنة أحدهم في بضعة أيام، أكبر مهرجان عرفته الجزائر وإفريقيا، كان اخترع

اإلفريقي األول"، دعيت إليه قارة وقبائل إفريقية بأكملها اسمه "المهرجانQ_ في شوارع الجزائر لمدة أسبوع كامل على لتغني وترقص _عارية أحيانا

!شرف الثورة

أنفقت وقتها، على مهرجان للفرح ظلc األول واألخير. كم من ماليين محاكمة قائد تاريخي كان أثناء ذلك، وكانت أهم إنجازاته التعتيم على

.الثورة نفسها يستجوب ويعذcب رجاله في الجلسات المغلقة.. باسم

Q، ودون أن تكون لي صداقة ما بذلك القائد، الذي كان اسمه الطاهر أيضاQ، بدأت Q أيضا Q وقائدا Q مجاهدا وال أيc عداء خاص لذلك الحاكم الذي كان يوما

أعي لعبة السلطة، وشراهة الحكم. وأصبحت أحذر األنظمة التي تكثر منQ ما المهرجانات Q تخفي شيئا !.والمؤتمرات.. إنها دائما

Page 119: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

ذلك الحين، ويولد أول مذاق فهل هي مصادفة أن تبدأ مشكالتي منللمرارة في حلقي يومها؟

بعد أشهر، اعتذر لي بأسف صادق، ووعدني عندما التقيت بذلك الصديق.أال يفوcت معرضي القادم

cتc على Q وقلت رب :كتفه ضاحكا

التاريخ سيذكر ال يهم.. بعد أيام لن يذكر أحد اسم ذلك المهرجان. ولكن- !اسمي ال محالة ولو بعد قرن

:الجد قال لي بمزاح� ال يخلو من

أتدري أنك مغرور؟-

:أجبته

Q" فنحن ال نملك الخيار يا صاحبي. إننا "أنا مغرور لكي ال أكون- محقورا فقدنا غرورنا وكبريائنا، ستدوسنا ننتمي إلى أمة ال تحترم مبدعيها وإذا

!أقدام األميين والجهلة

Q؟ تساءلت بعدها أأكون Q حقا مغرورا

Q إال لحظة أقف أمام اكتشفت بعد شيء من التفكير، أنني ال أكون مغرورا لوحة بيضاء وأنا ممسك بفرشاة. كم بلزمني من الغرور لحظتها ألهزم

وأفضc بكارتها، وأتحايل على ارتباكي بفائض رجولتي، وعنفوان بياضهافرشاتي؟

..ولكن حتى أرتمي ما أكاد أنتهي منها، وأمسح يدي من كل ما علق بها من ألوان

Q، وأنا أكتشف أنني الوحيد الذي على األريكة المجاورة، وأتأملها مدهوشا..كان يعرق وينزف أمامها

!مخيف وأنها أنثى عربية تتلقى ثورتي ببرود وراثي

..cقت إحداهن cولذا، حدث في لحظات انهياراتي وخيباتي الكبرى أن مز .وألقيت بها في سلة المهمالت، بعدما أصبح وجودها يضايقني

السذاجة والبرودة بحيث تخلق عندك عقدة رجولة.. هنالك لوحات هي من!وليس فقط عقدة إبداع

ذلك، لن يعرف أحد هذا. وربما لن يتوقع ضعفي وهزائمي السرية ورغم

Page 120: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.أحد 

لن يروا غير انتصاراتي، معلcقة على الجدران في إطار جميل. فاآلخرونQ في ركن من مرسمي وقلبي، بعيدة وأما سالل المهمالت، فستبقى دائما

.عن األضواء

Q أو عليه أن فالذي يجلس أمام مساحة بيضاء للخلق، ال بدc أن يكون إلها.يغcير مهنته

Q غير أأكون Q؟ أنا الذي حولني حبك إلى مدينة إغريقية، لم يبق منها قائما إلهاالشاهقة المتآكلة األطراف؟ األعمدة

كل يوم؟ شهران.. هل يفيد شموخي، وملح حبك يفتت أجزائي من الداخل وال شي سوى رقم هاتفي مستحيل.. وكلمات تركتها لي تجفc لها

.الفرشاة

.وإذا بالصمت يصبح لوني المفضل

.والكتابة كما أردتها أنت كنت أدرى جدلية الرسم

تقتلينها بالكلمات. وكنت كنت تفرغين من األشياء كلما كتبتu عنها، وكأنك تفاصيلها المنسية. كلما رسمت امتألت بها أكثر، وكأنني أبعث الحياة في

Q بها، وأنا أعلقها من جديد على جدران .الذاكرة وإذا بي أزداد تعلقا

Q، بعدما أسكنتك قلبي؟ أن أرسمك، أليس يعني أن أسكنك غرف بيتي أيضا

رت في البدء أال أرتكبها. ولكنني اكتشفت ليال بعد آخر عبثية cحماقة قر .قراري

لماذا كان الليل هزيمتي؟

ألن للفن طقوس الشهوة السرية أألنني كلما خلوت بنفسي خلوت بك، أمQ في ذلك الزمان الخارج عن Q ليال ..الزمن التي تولد غالبا

والخارج عن القانون؟

تلغيه العتمة والفاصل بين على حافة العقل والجنون.. في ذلك الحد الذي..الممكن والمستحيل

..كنت أقترفك

.بشفتي حدود جسدك كنت أرسم.أرسم برجولتي حدود أنوثتك

..الفرشاة أرسم بأصابعي كل ما ال تصله

Page 121: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cر يك وألبسك وأغي cبيد واحدة كنت أحتضنك.. وأزرعك وأقطفك.. وأعر .تضاريس جسدك لتصبح على مقاييسي

..يا امرأة على شاكلة وطن

بطولة أخرى. دعيني بيدu واحدة أغير مقاييسك للرجولة امنحيني فرصة للذcة! كم من األيدي احتضنتك دون دفء! ومقاييسك للحب.. ومقاييسك

عنقك، وإمضاءها أسفل كم من األيدي تتالت عليك.. وتركت أظافرها على.جرحك. وأحبتك خطأ.. وآلمتك خطأ

.والقراصنة.. وقاطعوا الطرق. ولم تقطع أيديهم أحبك السراق

.أصبحوا ذوي عاهات ووحدهم الذين أحبوك دون مقابل،

.لهم كل شيء، وال شيء غيرك لي

ليلة. فمن سيأخذ طيفك مني؟ من سيصادر جسدك أنت لي الليلة ككل سيمنعني من من سريري؟ من سيسرق عطرك من حواسي؟ ومن

استعادتك بيدي الثانية؟ السرية لالنقالب على أنت لذcتي السرية، وجنوني السري، ومحاولتي

.المنطق

وتأتين في ثياب كلc ليلة تسقط قالعك في يدي، ويستسلم حراسك لي، نومك لتتمددي إلى جواري، فأمرر يدي على شعرك األسود الطويل

cله القطر. ثم يستجيب جسدك المبعثر على وسادتي، فترتعشين كطائر بل.النائم لي

هذا.. وما الذي أوصلني إلى هذا الجنون؟ كيف حدث

اإلدمان، صوتك الذي كان يأتي شالل ترى صوتك الذي تعودت عليه حدحبc وموسيقى، فيتدحرج قطرات لذة عليc؟

"هاتف يسأل "واشك؟ حبك

Q بلحاف من القبل. يترك جواري عينيه قنديل شوق، عندما يدثرني ليال.تنطفئ األضواء

شيخوختي. فيعيدني يخاف عليc من العتمة، يخاف عليc من وحدتي ومنQ يصدcقها األطفال cي. إلى الطفولة دون استشارتي. يقصc عليc قصصا يغن

.لي أغنيات ينام لسماعها األطفال

�رى أكان يكذب؟ هل تكذب األمهات Q؟ ت أيضا

Page 122: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

!هذا ما ال يصدقه األطفال

جنوني؟ ما الذي أوصلني إلى

cهذا؟ ترى قبلتك المسروقة من المستحيل. وهل تفعل القبل كل.

Q ولم أصدcق ..أذكر أنني قرأت عن ق�بل غيرت عمرا

Q للجبروت كيف يمكن لنيتشه فبلسوف القوة والرجل الذي نظر طويال واحدة، سرقها مصادفة في زيارة سياحية إلى والتفوق أن يقع صريع قبلة

من كاتب وشاعر في عصرها. المرأة التي أحبها أكثر" Lou " معبد، صحبةQ وبكاها أمام ل فيها طويال cهذا الجسر كان أحدهم " أبولينير" الذي تغز

Q السم الذئب Q في اسمها المطابق بالفرنسية تماما "Loup " نفسه، واجداQ قاطعا على قدره معها؟ دليال

أن تصحب معك العصا" فقد أما )نيتشه( القائل "عندما تزور امرأة ال تنسQ، وبدون إرادة. حتى إن أمه Q محطما، ضعيفا Q "لم كان أمامها رجال قالت يوما

يتزوجها.. أو تترك هذه المرأة أمام ابني سوى اختيار من بين ثالثة: إما أنQ !".ينتحر.. أو يصبح مجنونا

أخجل من ضعفي معك، وأنا لست كان هذا حال "نيتشه" يوم أحب. فهلQ للقوة، ولست شمشون الذي فقد شعره وقوته األسطورية فيلسوفا

بسبب قبلة؟

على شفتيك؟ هل أخجل من قبلتك، وهل أندم عليها، أنا الذي بدأ عمري

ال أدري كيف شفي "نيتشه" من امرأة لم يتزوجها. هل انتحر أم أصبحQ؟ مجنونا

cبات نفسية متناقضة، كدت أدري فقط، أنني قضيت شهرين وسط تقلQ يشبه الجنون، ذلك الجنون الذي كان يغريك، وكنت أالمس فيها شيئا

،Q لين لي به كثيرا cوتعتبرينه الصك الوحيد الذي يشهد للفنان بالعبقرية تتغز.

Q فليكن.. سأعترف لك اليوم، بعد كل تلك السنوات، أنني وصلت معك يوما.الالعقل إلى ذلك الحد المخيف من

Q اللعبة التي لم تكوني قد حصلت Q فقط، أم ألهديك ال شعوريا أكان عشقا.عليها بعد: ذلك الرجل المجنون الذي تحلمين به

Q وقتها، أن استعدت .قصتي معك فصال فصال حدث كثيرا

قصة كنت كل مرة أقع على استنتاجات متناقضة. مرة يبدو لي حبك

Page 123: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q منذ قرون، منذ.. Q مسبقا Q ربما كان مقدرا أسطورية أكبر منك ومني. شيئا(.قسنطينة مدينة تدعى )سيرتا كانت

Q استوقفتك ذاكرته وأغراك جنونه بقصة ومرة أتساءل، ماذا لو كنت رجالما؟

تحلمين بارتكابها في كتاب ماذا لو كنت مجرد ضحية لجريمة أدبية ما،قادم؟

فيك، فأذكر أنني كنت" ثم فجأة تطغى طفولتك على الجانب "اإلجراميQ نسخة عن والدك. وأنني بسبب قبلة حمقاء نسفت إلى األبد ذاك أيضا

.الجسر السري الذي كان يجمعنا

نومي وأتجه إلى مرسمي. آنذاك، كنت أقرر االعتذار منك. وأستيقظ منQ أمام لوحتك البيضاء وأتساءل: من أين أبدأك؟ أجلس طويال

Q صورتك، على ظهر روايتك التي أهديتنيها دون إهداء. أكتشف أتأمل طويالQ لوجهك الجديد والقديم أن وجهك ال عالقة له بالصورة. فكيف أضع عمرا

Q. كيف أنقل عنك نسخة دون أن أخونك؟ معا

العجيب الذي كان أتذكر وسط ارتباكي ) ليوناردو دافنشي(، ذلك الرسامQ على أن يرسم بيده اليمنى ويده اليسرى باإلتقان نفسه. بأي يد تراه قادراأنا؟ رسم )الجوكندا( ليمنحها الخلود والشهرة؟ وبأي يد يجب أن أرسمك

يدي؟ ماذا لو كنت المرأة التي ال ترسم إال باليد اليسرى، تلك التي لم تعد

خطر ببالي مرة أن أرسمك بالمقلوب. وأجلس ألتفرج عليك عسانيQ سرك. فربما كانت هذه الطريقة الوحيدة لفهمك أكتشف .أخيرا

تلك للوحة مقلوبة في معرض. سيكون فكرت حتى في إمكانية عرض".اسمها "أنت

يعجبون بها، دون أن يتعرف أحدهم تماما سيتوقف أمامها الكثيرون. وقد.عليك

!النهاية؟ أليس هذا ما تريدين في

***

يأتي صوتك ذات صباح مرc أكثر من أسبوع، وأكثر من نشرة جوية قبل أن:دون مقدمات

Page 124: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

كيف أنت؟-

:يتوقع هدية صباحية كتلك. وارتبك الكالم اندهش القلب الذي لم

وينك؟-

cل لي. ولكنك أجبتني بضحكة أعرف كان صوتك يبدو Q أو هكذا خي قريبا:مراوغتها

!تحزر حاول أن-

:أجبتك كمن يحلم

هل عدتu إلى باريس؟-

:وقلت ضحكت

أي باريس.. أنا في قسنطينة. جئت هنا منذ أسبوع ألحضر زواج إحدى- القريبات.. وقلت ال بد أن أطلبك من هنا. طمcني عنك ماذا تفعل في هذا

تسافر إلى أيc مكان؟ الصيف.. ألم

:اختصرت عذابي في بضع كلمات قلت

جدc متعب.. كيف لم تتصلي بي حتى اآلن؟.. إنني متعب-

شيخ يطلب منه كتابة فقلت وكأنك طبيب سيكتب وصفة لمريض، أو:حجاب أو تعاويذ سحرية

Q.. يجب أن تعذرني. أنت ال تدري كم سأكتب لك.. والله سأكتب لك- قريبا لنفسه في هذه المدينة ولو الحياة هنا مزعجة وصعبة. إن الواحد ال يخلو

..لحظة. حتى الكالم على الهاتف مغامرة بوليسية

وماذا تفعلين؟-

المدينة ال شيء.. أنتقل من بيت إلى آخر، ومن دعوة إلى أخرى. حتى- ..لم أتجول فيها على قدمي، لقد عبرتها بالسيارة فقط

Q ثم أضفت وكأنك Q هاما :تذكرت فجأة شيئا

جسورها ال غير. لقد أتدري.. أنت على حق. إن أجمل ما في قسنطينة،- ..ذكرتك وأنا أعبرها

Page 125: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

:تحبينني؟" ولكنني سألتك بحمافة كنت أود تلك اللحظة لو سألتك "هل

.هل تحبينها؟-

Q يستدعي أجبتني بعد شيء من الصمت، وكأنني طرحت عليك سؤاال:التفكير

..أحبها ربما بدأت-

:قلت

-Q ..شكرا

:المكالمة ضحكت.. قلت وأنت تنهين

!أيها األحمق.. لن تتغير-

***

عينيه لينظر إلى الباطن.. وما المرء يفتح شباكه لينظر إلى الخارج.. ويفتح..".الحرية النظر سوى تسلقك الجدار الفاصل بينك وبين

في ذلك الصباح، أشعلت سيجارة صباحية على غير عادتي. وجلست على شرفتي أمام فنجان قهوة، أتأمل نهر السين، وهو يتحرك ببطء تحت جسر

.ميرابو

ني ذلك الصباح دون مبرر. تذكرني cكانت زرقته الصيفية الجميلة، تستفز .فجأة بالعيون الزرق التي ال أحبها

العداء على هذا النهر؟ أترى ألنه ال نهر في قسنطينة.. أعلنت

.عجل نهضت دون أن أكمل سيجارتي. كنت فجأة على

فليكن.. عفوك أيها النهر الحضاري. عفوك أيها الجسر التاريخي. عفوكQ آخر غير هذا Q سأرسم جسرا .صديقي )أبولينير(. هذه المرة أيضا

Q بك، بصوتك القادم من هناك، ليوقظ من جديد تلك كنت هذه المرة ممتلئا.المدينة داخلي

أكن قد لمست الفرشاة من ثالثة أشهر. وكان داخلي شيء ما على ألم

Page 126: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

بأخرى. كل تلك األحاسيس والعواطف وشك أن ينفجر بطريقة أو تراكمت داخلي كقنبلة المتضاربة، التي عشتها قبل رحيلك وبعده، والتي

.موقوتة

Q .وكان ال بد أن أرسم ألرتاح أخيرا

ملء يدي.. ملء أصابعي. أرسم بيدي الموجودة وبتلك المفقودة. أرسم بتناقضي وجنوني وعقلي، بذاكرتي ونسياني. حتى ال أرسم بكل تقلباتي،

.إال من السواح والحمام أموت قهرا ذات صيف، في مدينة فارغة

.سيدي راشد وهكذا بدأت ذلك الصباح لوحة لقنطرة جديدة، قنطرة

حياتي، لم أكن أتوقع يومها وأنا أبدأها، أنني أبدأ أغرب تجربة رسم في وأنها ستكون البداية لعشر لوحات أخرى، سأرسمها في شهر ونصف دون

Q توقف، إال Q مخطوفا لسرقة ساعات قليلة من النوم، أنهض منها غالبا.بشهية جنونية للرسم

Q يصعب إيقافه كانت .األلوان تأخذ فجأة لون ذاكرتي، وتصبح نزيفا

لوحة حتى تولد أخرى، وما أنتهي من حيc حتى يستيقظ ما كنت أنتهي من..حتى تصعد من داخلي أخرى آخر، وما أكاد أنتهي من قنطرة،

Q Q، جسرا Q.. حجرا Q،.. كنت أريد أن أرضي قسنطينة حجرا Q.. حيا Q.. حيا جسرا.كما يرضي عاشق جسد امرأة لم تعد له

Q cل ترابها.. كنت أعبرها ذهابا Q بفرشاتي، وكأنني أعبرها بشفاهي. أقب وإياباQ ملونة. وأحجارها وأشجارها ع عشقي على مساحتها ق�بال cووديانها. أوز

Q Q.. وحبا Q.. وجنونا .حتى العرق أرشها بها شوقا

.بها وكنت أسعد وذلك القميص يلتصق بي، بعد ساعات من االلتحام

العرق دموع الجسد. ونحن في ممارسة الحب كما في ممارسة الرسم، ال جسدنا من أجل أية امرأة. وال من أجل أية لوحة. الجسد يختار لمن نبكي.يعرقQ أن تكون قسنطينة، هي اللوحة التي بكى لها جسدي وكنت .سعيدا

من الصيف، كنت ما أزال أتوقع رسالة منك، في ذلك الشهر األخيرQ من القوة والحماسة اللتين افتقدتهما خالل الشهرين تعطيني شيئا

.الماضيين لغيابك. عندما فاجأتني رسالة من زيادQ حتى قبل أن أفتحها كانت .رسائله القادمة من بيروت تدهشني دائما

مرة، كيف وصلت هذه الرسالة إلى هنا؟ من أي مخيم أو كنت أتساءل كل يكون قد كتبها؟ أي صندوق أودعها، من أية جبهة، تحت أي سقف مدمر

Page 127: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

صندوق بريدي.. وكم من ساعي بريد تناوب عليها حتى تصل هنا، داخلبالحي السادس عشر بباريس؟

Q بحب خاص. كانت تذكرني بزمن حرب التحرير، يوم كنا كنت أعاملها دائما.نبعث الرسائل ألهلنا مهربة تحت الثياب

من الرسائل لم تصل، وماتت مع أصحابها! وكم من الرسائل وصلت كم.قصص تصلح ألكثر من رواية بعد فوات األوان. هنالك

.السنة آخر رسالة لزياد كانت تعود لما يقارب

Q، وموجزة كان يحدث أن يكتب لي هكذا دون مناسبة، رسائل مطوcلة أحياناQ أخرى، كان يسمcيها "إشعار بالحياة ".أحيانا

التي يريد أن يخبرني بها فقط أنه مازال في البدء ضحكت لهذه التسمية.على قيد الحياة

صمته الطويل، وانقطاع رسائله. فقد كان يحمل لي بعدها أصبحت أخاف.احتمال إشعار بشيء آخر

المرة، كان يريد أن يخبرني أنه قد يحضر إلى باريس في بداية أيلول. هذهQ مني ليتأكد من وجودي في باريس في هذه وأنه ينتظر Q سريعا جوابا

.الفترة

.رسالته.. وأسعدتني وأدهشتني فاجأتني

كدت أذكره معكu ذهب تفكيري إليك وقلت "طويل عمر هذا الرجل.. ما حتى حضر". ثم تساءلت تراك قرأت أشعاره؟ وهل أعجبتك؟ وماذا

فعلك إذا قلت لك إنه سيحضر إلى باريس، أنت التي خفت أن سيكون ردt بقصته؟ يكون قد مات، وأبديت اهتماما

Q Q. وكنت أستعيد توازني تدريجيا .كذلك كان الصيف ينسحب تدريجيا

تلك لقد أنقذتني تلك اللوحات من االنهيار. كان ال بد أن أرسمها ألخرج من.المطبات الجنونية التي وضعت عليها قدميc معك

Q من كنت قد وزني. ولكن لم يكن ذلك يعنيني. أو ربما لم أكن فقدت كثيرا إلى اللوحات، وأنسى أن أنظر إلى وقتها ألنتبه له، بعدما أصبحت أنظر

.نفسي في مرآة

وزن في أيام، هو الذي ربحته من مجد كنت أعتقد أن الذي خسرته منQ أمامي: إحدى إلى األبد. ولذا كان يحلو لي أن أتأمل نزيفي cقا وجنوني معل

Page 128: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.عشرة لوحة لم تعد تكفيها جدران البيت

تعلcقي بها، كذلك، لكوني كنت أدري وأنا أضع فرشاتي آلخر مرة وربما جاء قد تمر عدة أشهر قبل أن أشعر برغبة جديدة في وأنا أنتهي منها، أنه

.الرسم

.من ذاكرتي.. وارتحت فقد كنت فرغت مرة واحدة.للسعادة كنا على أبواب أيلول. وكنت سعيدا أو ربما في حالة ترقcب

Q.. كنت أنتظر الخريف كما لم أنتظره من قبل. كانت الثياب ستعودين أخيرا الشتوية المعروضة في الواجهات تعلن عودتك. اللوازم المدرسية التي

.المحالت، تعلن عودتك تمأل رفوف

.كانت تحمل حقائبك والريح، والسماء البرتقالية.. والتقلبات الجوية.. كلها

..ستعودين

.مع المحافظ المدرسية مع النوء الخريفي، مع األشجار المحمرة،

..ستعودين

زحمة السيارات، مع مواسم مع األطفال العائدين إلى المدارس، مع.اإلضرابات، مع عودة باريس إلى ضوضائها

.الغامض.. مع المطر مع الحزن

.مع بدايات الشتاء.. مع نهايات الجنون

لي.. يا معطفي الشتوي.. يا طمأنينة العمر المتعب.. يا أحطاب ستعودين.الثلجية الليالي

أكنت أحلم؟. كيف نسيت تلك المقولة الرائعة ألندريه جيد "ال تهيئأفراحك!" كيف نسيت نصيحة كهذه؟

األعاصير والدمار. كنتu كنتu في الواقع امرأة زوبعة. تأتي وترحل وسطQ لي Q لغيري وبردا .معطفا

.بدل أن تدفئني كنتu األحطاب التي أحرقتني

uكنت أنت.

..وكنت أنتظر أيلول إذن

Page 129: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q بصدق مطلق. ماذا تريدين مني بالتحديد. ومن أنتظر عودتك لنتحدث أخيراوما اسم قصتنا هذه؟.. أكون أنا بالنسبة إليك

.أخطأت مرة أخرى

.كان وقتا لجنون آخر. لم يكن الوقت للسؤال وال للجواب

..زياد كنت أنتظر األمان. وجئت، زوبعة صادفت زوبعة أخرى، اسمها

.وكانت األعاصير

خمس سنوات بباريس. ربما لم يتغير زياد منذ آخر مرة رأيته فيها، منذ الذي زارني أصبح فقط أكثر امتالءQ، أكثر رجولة مع العمر، من ذلك الوقت

1972Qفيه ألول مرة في الجزائر سنة Q فارعا في مكتبي. يوم كان شاباQ بوزن .أقل، وربما بهموم أقل أيضا

Q بفوضوية مهذبة. وقميصه Q مازال شعره مرتبا المتمرد الذي لم يتعود يوماQ بزر� أو زرين. وصوته Q دائما Q، على ربطة عنق، مفتوحا Q وحزنا المميز دفئا

Q، حتى عندما يقول أشياء عادية. فيبدو وكأنه شاعر يوهمك أنه يقرأ شعرا.أضاع طريقه وأنه يوجد خطأ حيث هو

أنه لم يصل بعد إلى وجهته النهائية، وأنه في كل مدينة قابلته فيها، شعرت.يعيش على أهبة سفر

Q كان حتى عندما Q على حقائبه. لم يكن يوما يجلس على كرسي يبدو جالساQ حيث كان، وكأن المدن Q ال مرتاحا التي يسكنها محطات ينتظر فيها قطارا

.يدري متى يأتي

Q ها هوذا.. كما Q بالذاكرة، ومرتديا Q بأشيائه الصغيرة ومحمال تركته، محاطا.هويته األخرى سروال الجينز نفسه، كأنه

ة، من عمان cومن.. كان زياد يشبه المدن التي مر بها. فيه شيء من غز .بيروت وموسكو.. ومن الجزائر وأثينا

cاب.. من الحالج، كان يشبه كلc من أحب. فيه شيء من بوشكين، من السي.وتيودوراكيس من ميشيما.. من غسان كنفاني.. ومن لوركا

Page 130: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q ما قاسمت زياد ذاكرته، حدث أن أحببت كل ما أحب ومن وألنني كثيرا.أحب، دون أن أدري

.كنت في حاجة إليه في تلك األيام

أستقبله، أنني افتقدته طوال هذه السنوات دون أن أدري، شعرت وأنا

Q وأنني بعده لم ألتقu بشخص� .يمكن أن أدعوه صديقا

قناعاتنا القديمة ظلcت ها هو زياد. باعدتنا األيام وباعدتنا القارات. ووحدها.تجمعنا

يحدث لزياد أن فقد احترامي ولذلك لم تزل في القلب مكانته األولى. فلم.لسبب أو آلخر خالل كل هذه السنوات

Q هذه األيام؟ أليس هذا Q نادرا أمرا

..جاء زياد

Q لشهرين في وجه اآلخرين،حتى في وجه واستيقظ البيت الذي ظلc مغلقا.كاترين نفسها

Q، وبحضوره راح زياد يمأله بحضوره، بأشيائه وفوضاه، بضحكته العالية أحياناQ. فأكاد أشكره فقط، ألنه أشرع نوافذ هذا البيت، السري الغامض دائماcه .كله واحتل غرفة من غرفه.. وربما احتل

Q إلى عاداتنا القديمة التي تعود إلى خمس سنوات، عندما زارني ع�دنا تلقائيا.ألول مرة في باريس

Q. جلسنا وتحدثنا في الموضوعات رحنا من جديد إلى المطاعم نفسها تقريباcر منذ ذلك الحين. لم يسقط نظام  Q، فال شي تغي عربي واحد نفسها تقريبا

من تلك األنظمة التي كان زياد يراهن على سقوطها منذ عرفته. لم يحدثcر خريطة هذه األمة أيc .زلزال سياسي هنا أو هناك، ليغي

Q للزالزل والرمال المتحركة. ولكن من تراه سيبتلع وحده لبنان أصبح وطنافي النهاية؟

السؤال الذي حاولنا أن نتنبأ به بأكثر من جواب. وكان النقاّش كان هذا هوQ في القضية الفلسطينية، وفي خالفات فصائلها، يصبc في النهاية دائما

لبنان، والتصفيات الجسدية التي والمعارك التي حدثت بين عناصرها في.الخارج راح ضحيتها أكثر من اسم فلسطيني في

Page 131: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

كان حديث زياد ينتهي كالعادة بشتم تلك األنظمة التي تشتري مجدها بالدم الفلسطيني، تحت أسماء مستعارة كالرفض والصمود.. والمواجهة.

غضبه بكل النعوت الشرقية البذيئة، التي أضحك لها وأنا فينعتها في فورة.مرة أكتشف بعضها ألول

Q أن لكل ثوcار قاموسهم الخاص، الذي تفرزه ثورتهم وأكتشف أيضا الخاصة، فأستعيد بحنين، مفردات أخرى لزمن� آخر وثورة ومعايشتهم

.أخرى

األسبوع هو أجمل األيام التي قضيتها مع زياد، والتي حاولت ربما كان هذا أذكر غيرها، حتى ال أشعر بالمرارة وال بالحسرة بعد ذلك ولعدة سنوات أال

.صواب على كل ما عشته بعدها عن خطأ أو عن

كل ما مرc بي من ألم.. من غيرة ومن صدمات، وأنا أضعكما ذات يومQ لوجه، دون أية مقدمات أو توضيحات خاصة هكذا ..وجها

..".صديقة كاتبة.. ال بد أن أعرفك عليها له قلت: "سنتغدcى غدا مع

على طريقته الخاصة وهو يعود لم يبد عليه اهتمام خاص بكالمي. قالQ عن لقراءة جريدته: " أنا أكره النساء عندما يحاولن ممارسة األدب تعويضا

Q، أو امرأة في سن ممارسات أخرى.. أتمنى أال تكون صديقتك هذه عانسا!"اليأس.. فأنا ال صبر لي على هذا النوع من النساء

!فكرته.. وأبتسم لم أجبه. رحت أتعمق في

Q للغداء في ذلك المطعم نفسه.. فأنا على الهاتف قلت لك: "تعالي غدا.."أحمل لك مفاجأة ال تتوقعينها

uقلت:

"أليس كذلك؟.. إنها لوحتي"

!"أجبتك بعد شيء من التردد: "ال.. إنها شاعر

***

..التقيتما إذنQ ويمكن أن أقول هذه المرة :أيضا

Q الذين قالوا وحدها الجبال ال تلتقي أخطأوا. والذين بنوا بينها" جسوراQ في قوانين الطبيعة .لتتصافح دون أن تنحني، ال يفهمون شيئا

Page 132: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

تلتقي إال في الزالزل والهزات األرضية الكبرى. وعندها ال الجبال ال".واحد تتصافح، بل تتحول إلى تراب

Q.. فأين العجب، إذا كنت هذه المرة Q التقيتما إذن.. وكان كالكما بركانا أيضا!أنا الضحية

..مازلت أذكر ذلك اليوم

Q في وصلتu متأخرة بعض الشيء، وكنت مع زياد قد طلبنا مشروبا..انتظارك

uودخلت..

يحدcثني عن شيء ما عندما صمت فجأة، وتوقفت عيناه عليك كان زياد.المطعم وهو يراك تجتازين باب

..فاستدرت بدوري نحو الباب.. ورأيتك تتقدcمين نحونا في ثوب� أخضرQ .أنيقة، مغرية، كما لم تكوني يوما

cا Q.. وقف زياد ليسلcم عليك وأنت تقتربين من وبقيت أنا من دهشتي جالسا.كان من الواضح أنه لم يتوقcعك هكذا

Q ها أنت ذي ..أخيرا

Q ما يسمcرني إلى ذلك الكرسي، وكأن تعب كلc األسابيع أحسست أن شيئا.الماضية، وكلc عذابي بعدك قد نزل عليc فجأة، ومنع رجليc من الوقوف

Q!؟ ها أنت Q.. أهذه أنت حقا ذي أخيرا

نفسك لزياد، وكان هو وقبل أن أفكر في تعريفكما ببعض، كنتu قد قدcمتفك بنفسه عندما قاطعته قائلة cبدوره على وشك أن يعر:

دعني أحزر.. ألست زياد خليل؟-

Q قبل أن يسألك :ووقف زياد مدهوشا

؟ كيف- uعرفت

استدرتu نحوي عندئذ� وكأنك تكتشفين وجودي هناك، فوضعت قبلتين على:خدcي وقلت وأنت توجcهين الحديث إليه

..الرجل أنت تملك شبكة إعالن قوية في شخص هذا-

Page 133: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

:ثم سألتني وأنت تتفحcصين مالمحي

الذي حدث لك في هذه العطلة؟ لقد تغيرت بعض الشيء.. ما-

Q :تدخcل زياد ليقول ساخرا

Q غير لقد رسم إحدى- عشرة لوحة في شهر ونصف.. إنه لم يفعل شيئا ينام.. أعتقد أنني لو لم أحضر إلى هذا. نسي حتى أن يأكل ونسي أن

Qوإعياء Q وسط لوحاته.. كما لم باريس لمات هذا الرجل الذي أمامك جوعا!يعد الرسامون يموتون اليوم

بشيء من الذعر، وكأنك كنت تخافين أن وبدل أن تسأليني سألت زياد:صورتك أكون قد رسمت إحدى عشرة نسخة من

ماذا رسم؟-

cهها إليcأجابك زياد بابتسامة وج:

Q من الجسور لقد- ..رسم قسنطينة.. ال شيء سوى قسنطينة.. وكثيرا

Q وتجلسين صحتu وأنت تسحبين :كرسيا

Q منها. ال.. أرجوكم ال تحدثوني عن قسنطينة مرة أخرى.. إنني عائدة- توا إنها مدينة ال تطاق.. إنها الوصفة المثالية لكي ينتحر المرء أو يصبح

Q !مجنونا

cكالمك إلي uهتcثم وج:

المدينة؟ متى تشفى أنت من هذه-

!"منك كان يمكن أن أقول لك لو كنا على انفراد "يوم أشفى

:ولكن زياد أجاب ربما نيابة عني

آنستي.. ولهذا نحن نرسم.. ولهذا نحن نحن ال نشفى من ذاكرتنا يا- Q ..نكتب.. ولهذا يموت بعضنا أيضا

Q في كل شيء رائع Q وشاعرا .زياد.. كان مدهشا

Q دون جهد. ويحب ويكره .دون جهد. ويغري دون جهد كان يقول شعرا

.أستمع لما تقولينه له كنت أنظر إليه وهو يسألك "أنتu جزائرية إذن؟". وال

Page 134: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

وأنني لم أقل بدا لي في تلك اللحظة أن الحديث كان يدور بينكما فقط،.كلمة واحدة منذ قدومك

Q فقط في تلك الجلسة الغريبة .للقدر كنت طرفا

.كنت أنظر إليك.. وأبحث في تفاصيلك عن شرح لما حلc بي

Q: "ما هو أجمل شيء فيك؟ سألتك "يوما

.ابتسمت بإيماء غامض ولم تجيبي

!تكوني األجمل، كنت األشهى. فهل هناك من تفسير� للرغبة لم

Q ربما كان زياد يشبهك ..أيضا

كلc اكتشفت ذلك مع مرور األيام، وأنا أنظر إليكما وأنتما تتحدثان أمامي.مرة

Q شي من السحر الغامض فيه.. من الجاذبية التي ال عالقة لها كان أيضا بالجمال. وكانت فكرة تشابهكما أو تطابقكما هذه تزعجني.. بل وأزعجتني

cهتني إلى تدهور صحتي وشحوب لوني، ربما من اللحظة األولى. عندما نب.وتألق مثير للغيرة بينما كنت أراكما أمامي في صحcة

سوى شبح ترى بدأت الغيرة تتسلل إلي اللحظة.. وأنا أكتشف أنني لستبينكما، ووجه حشر خطأ في لوحتكما الثنائية؟

cهي يومها tب tن tت أنني وصلت إلى تلك الحالة بسببك. ولذا لم تعتذري لي، لم تQ إليه بل وأكثر من ذلك كنت تتحدثين Q إليc.. وكثيرا .قليال

:قلتu له

Q ما "لقد أحببت ديوانك األخير- مشاريع للحب القادم"؛ لقد ساعدني شيئا مقاطع منه حفظتها لفرط ما على تحمل هذه العطلة البائسة. هنالك

..أعدت قراءتها

:زياد ورحت تقرأين أمام دهشة

cص بي الحزن ال تتركيني لحزن المساء" تربسأرحل سيدتي

اليوم بابك قبل البكاء أشرعير بي للبقاء cفهذي المنافي تغر

Page 135: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

انتظار وهذي المطارات عاهرة في..."تراودني للرحيل األخير

Q ألول .مرة كنت أستمع إليك تقرئين شعرا

كان في صوتك موسيقى آللة لم تخلق بعد أتعرف عليها ألول مرة في.نبرتك التي خلقت في البدء للفرح.. فإذا بها عزف لشيء آخر حزن

إليك بشيء من الذهول، وكأنه فجأة يجلس خارج الزمن وكان زياد يستمع.وخارج الذاكرة

Q قرر أن يجلس على شيء آخر غير حقائبه ليستمع إليك كأنه .أخيرا.. راح :يقرأ بقية تلك القصيدة وكأنه يقرأ لك طالعه ال غير وعندما سكت�

"uوطن ومالي سواكوتذكرة للتراب.. رصاصة عشق بلون كفن

وال شيء غيرك عنديcلعمر قصير.. مشاريع حب"!

في تلك اللحظة.. شعرت أن شحنة من الحزن المكهرب وربما الحبQ قد سرت بيننا، واخترقتنا نحن الثالثة .المكهرب أيضا

Q به. كنت أشعر أنه يسرق مني كلمات كنت أحب زياد.. كنت مبهوراQ الحزن، وكلمات الوطن، وكلمات الحب ..أيضا

.كان زياد لساني، وكنت أنا يده كما كان يحلو له أن يقول

Q وكنت !أشعر في تلك اللحظة.. أنك أصبحت قلبنا.. معا

***

.كان يجب أن أتوقع كل الذي حدث

يمكن أن أوقف انجرافكما بعد ذلك؟ فهل كان

Q بذلك العالم الفيزيائي الذي Q عن كنت شبيها Q، ثم يصبح عاجزا يخترع وحشا.السيطرة عليه

Q كنت أكتشف بحماقة أنني صنعت Q فصال قصتكما بيدي. بل وكتبتها فصال.أبطالي بغباء مثالي، وأنني عاجز عن التحكم في

Page 136: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q يصغرني باثنتي عشرة سنة، ويفوقني كيف يمكن أن أضع أمامك رجالQ وإغراءQ، وأحاول أن أقيس نفسي به أمامك؟ حضورا

التي كانت تجمعكما بتواطؤ، وأمنع كاتبة كيف يمكن أن أفكc صلة الكلمةQ تحفظ أشعاره عن ظهر قلب؟ أن تحبc شاعرا

وكيف أقنعه هو الذي ربما لم يشفt بعد من حبه الجزائري السابق، أالأنت التي جئت لتوقظي الذاكرة، وتشرعي نوافذ النسيان؟ يحبك

Q كيف حدث هذا.. وكيف أتيت بكما ألضعكما أمام قدركما.. الذي كان أيضا!قدري

:المساء قال لي ذلك

Q، فربما بدأت- الكتابة إنها رائعة هذه الفتاة.. ال أذكر أنني قرأت لها شيئا بعدما غادرت الجزائر حسب ما فهمت. ولكنني أعرف هذا االسم.. لقد

Q عليc سبق أن .قرأته في مكان ما.. إنه ليس غريبا

:قلت له وقتها

تقرأ هذا االسم وإنما سمعته فقط. إنه اسم لشارع في الجزائر أنت لم- .عبد المولى( الذي استشهد أثناء الثورة يحمل اسم أبيها )الطاهر

Q وضع زياد جريدته ونظر إليc دون أن .يقول شيئا

Q في تفكيره .أحسسته ذهب بعيدا

Q يكشف كل الهوامش المثيرة للقائكما في تلك الظروف.. تراه بدأ أيضاQ أمامها؟ وكل التفاصيل العجيبة التي ال يمكن أن يبقى محايدا

.شعرت برغبة في الكالم عنك أكثر

أحدثه عن سي الطاهر. كدت أخبره أنك ابنة قائدي كنت على وشك أن العجيبة معك. أنت التي كان يمكن وصديقي. كدت أقصc عليه حتى قصcتي

!حبيبتي أن تكوني ابنتي، قبل أن تصبحي فجأة بعد ربع قرن

كدت أحكي له قصة لوحتي األولى )حنين( وتصادفها مع ميالدك. وقصة..لوحاتي األخيرة وعالقتها بك.. وسبب تدهور صحتي وجنوني األخير

.سر قسنطينة كدت أشرح له

ك لي كما نحتفظ بسر كبير نتلذcذ بحمله cألحتفظ بسر ºمتtوحدنا؟ أكان أص

Page 137: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.لحبك نكهة العمل السري ومتعته القاتلة؟

أعترف له دون أن أدري أنك حبيبتي، هو الذي لم أنم تراني كنت أخجل أنQ والذي تقاسمت معه كل شيء؟ أخجل منه يوما

�قتسم، قررت منذ البدء أن تكوني ألحدنا �خلق لي فقط؟.. أألنك حبc لم ي

cه أعن صداقة أو حماقة، كنت أريد أن أمنحه فرصة حبك الذي قد يكون حبQ من السعادة المسروقة من الموت المحتمل الذي كان األخير، وأياما

حين.. وفي كل مدينة؟ يتربص به في كل

زيارة سياحية. ماذا جاء زياد يفعل في باريس؟ من الواضح أنه لم يأت في ربما جاء ليقوم ببعض االتصاالت السرية، يلتقي ببعض الجهات.. يتلقى أو

..يعطي تعليمات ال أدري

Q ما. كان يتحاشى أخذ مواعيده Q شيئا على الهاتف، وكان ال ولكنه كان قلقاQ .يغادر البيت بمفرده إال نادرا

Q أي سؤال حول سبب زيارته لباريس. كان هناك شيء ولم أطرح عليه يوما أحترم أسرار اآلخرين عندما من بقايا فترة كفاحية في حياتي، تجعلني

.يتعلق ذلك بقضايا نضالية

يحترم صمتي. ولهذا نقلنا سرنا وصمتنا حتى كنت أحترم سره، وكان.قصتنا المشتركة معك

Q ما بيني وبينك؟ أكان بحدسه المفرط يتوقع شيئا وجود حبc ملتهب كهذا في أم تراه أمام تظاهري بالالمباالة، لم يتوقع

.أحشائي

Q على رؤوس األصابع، وكيف يمكن أن يتوقع ذلك، وأنا أنسحب تدريجياQ لمزيد من التوسcع؟ ألترك له المجال تدريجيا

أدعه يجيب على الهاتف نيابة عني. يتحدث إليك ويدعوك إلى البيت كنت.نيابة عني

؟ وكنت uلتcتأتين، وأحاول أال أسأل نفسي لمن جئت.. ولمن تراك تجم

Q يوم زرت البيت بعد ذلك ألول مرة ربما كان أكثر .األيام وجعا

للوحاتي لتنتبهي إليها. رحت تنتقلين من غرفة إلى كان ال بد أن ينبهك زياد يستوقفك ذلك الممر، وال ذكرى قبلة أخرى وكأنك تعبرين غرف بيتك. لم

Q على عقب .قلtبت حياتي رأسا

Q، فقلت لك أكانت تلك Q، أم عندما فتحت )خطأ؟( بابا اللحظة هي األكثر ألما

Page 138: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q "هذه غرفة زياد". فوقفت أمام ذلك الباب نصف المفتوح، لحظات موضcحا.كل لوحاتي مجتمعة بدت لي أطول مما قضيته من وقت أمام

:نفسها قلت وأنت تعودين إلى الصالون وتجلسين على تلك األريكة

ال أفهم أن تكون رسمت كل هذه الجسور.. جنون هذا.. كان يكفي لوحة- ..اثنتان أو

أعن قناعة أم عن لياقة تطوع زياد ليجيبك نيابة عني، بعدما الحظ وقع، والحظ تلك الخيبة التي أفقدتني صوتي cكلماتك علي:

اللوحات.. لقد حكمت عليها من النظرة األولى.. أنت لم تتأملي هذه- تشابهت. هنالك أرقام سرية تفتح لغز وفي الرسم، اللوحات ال تتطابق وإن

عنه للوصول إلى ذلك كل لوحة.. شيء شبيه بـ )الكود( ال بد من البحث..اإلشعار بشيء ما يريد أن يوصله إلينا صاحبها

بنفس هذه السرعة أمام لوحة )العبي الورق( الشهيرة، لما لو مررت أمام طاولة، ولما انتبهت إلى كونهما الحظت سوى العبين جالسين

أراد أن ينقله لنا يمسكان بأوراق بيضاء يخفيانها على بعض. إن ماcفق Q للعبة الورق بل مشهد من التزوير المت عليه.. "سيزان" ليس مشهدا

Q .وربما المتوارث مادام أحد الالعبين أكبر من الثاني سنا

:يواصل زياد كالمه قاطعته قائلة وقبل أن

-Q في الرسم.. أم أن عدوى من أين تعرف كل هذا.. هل أنت خبير أيضاخالد انتقلت إليك؟

:وقال ضحك زياد واقترب منك بعض الشيء

ليس هذا ميدان خبرتي على اإلطالق.. إنه ترف ليس في متناول رجل- مثلي.. بل إن جهلي في الفن سبفاجئك. أنا ال أعرف غير قلة قليلة من

أعمالهم عن طريق المصادفة.. وفي الكتب المختصة الرسامين اكتشفتQ.. ولكنني أحب بعض المدارس الحديثة التي تطرح أسئلة من خالل غالبا

..أعمالها

ني. أحب الفن الذي الفن للفن ال يقنعني، والجوكندة cالمحترمة ال تهز بلوحات خالد يضعني في مواجهة وجودية مع نفسي، ولهذا أعجبت

Q .األخيرة.. إنها أول مرة يدهشني فيها حقا

الجسر لوحة بعد أخرى في فرح� ثم في حزن متدرج لقد توحcد مع هذاQ Q حتى العتمة، وكأنه عاّش يتوقيته يوما Q كامال ..أو عمرا

Page 139: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q من الجسر سوى شبحه البعيد تحت خيط في اللوحة األخيرة ال يظل بادياQ، عالمة من الضوء. كل شيء حوله يختفي تحت الباب فيبدو الجسر مضيئا

cقة إلى السماء. ال ركائز تشدc أعمدته إلى أسفل، ال شيء استفهام معل! وال على يساره، وكأنه فقد فجأة وظيفته األولى كجسر يحدcه على يمينه

أم بداية الليل؟ أتراه يحتضر أم يولد مع خيط أترى بداية الصبح عندئذQ cقا Q الفجر؟ إنه السؤال الذي يبقى معل كالجسر لوحة بعد أخرى، مطاردا

ألن أي شيء بلعبة الظلc والضوء المستمر، بالموت والبعث المستمر،.معلcق بين السماء واألرض هو شيء يحمل موته معه

Q لم يخطر ببالي لحظة كنت أسمتع إلى Q، وربما اكتشفت شيئا زياد مدهوشا.اللوحات رسم كل هذه

أحقÁ ما قاله؟

Q مني. مثل كل النقاد من المؤكد أن زياد كان يتحدث عن لوحاتي خيراQ مدهشة ألعمال فنية قمت بها أنت بكل بساطة، الذين يعطونك شروحا

Q ال Q وبسيطا Q صادقا دون أية تساؤالت فلسفية، فيضحكونك إذا كنت فناناQ، إذا تهمcك Q وجنونا الرموز والنظريات المعقcدة في الفن. وقد يمألونك غرورا

الكثيرين الذين يأخذون أنفسهم مأخذ الجد، ويبدأون عندئذ� كنت مثل!جديدة بالتنظير بمدرسة فنية

.قبل كان في تحليل زياد حقيقة هامة أدهشتني ولم أنتبه لها من

لقد كنت أعتقد وأنا أرسم تلك الجسور أنني أرسمك، ولم أكن في الواقعQ ومنذ Q عن وضعي المعلcق دائما أرسم سوى نفسي. كان الجسر تعبيرا

.عليه قلقي ومخاوفي ودواري دون أن أدري األزل. كنت أعكس

.يوم فقدت ذراعي ولهذا ربما كان الجسر هو أول ما رسمت

cر في حياتي منذ ذلك الحين؟ فهل تعني كل هذه الجسور، أن ال شيء تغي

ربما كان هذا هو األصح.. ولكن ليس هذا كل شيء. وقد كان يمكن لزيادQ رمز الجسر بأكثر من طريقة.. ولكن من المؤكد أنه لن أن يفلسف أيضا

المعروفة، ألن رموزنا تأخذ بعدها من حياتنا فقط، يذهب أبعد من الرموزcثنايا ذاكرتي وزياد في النهاية لم يكن يعرف كل.

cالجسور ولم يكن زار تلك المدينة التي تعرف وحدها سر!

Q، قرأت عنه أنه قضى عدة سنوات Q يابانيا معاصرا cرت حين ذاك رساما تذك..Q ئل مرة لماذا األعشاب دائما وهو ال يرسم سوى األعشاب. وعندما س�

العشب فهمت الحقل.. ويوم فهمت الحقل أدركت سر قال: "يوم رسمت

Page 140: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..".العالم

.مفتاحه الذي يفتح به لغز العالم.. عالمه وكان على حق. لكل�

وألبرتو مورافيا يوم فهم الرغبة،. همنغواي فهم العالم يوم فهم البحر وبودلير يوم فهم والحالج يوم فهم الله، وهنري ميلر يوم فهم الجنس،

.اللعنة والخطيئة

Q وفان غوغ.. تراه فهم حقارة العالم cته، عندما كان يجلس محموما وساديcاد معصوب الرأس أمام تلك النافذة التي لم يكن يرى منها.. غير حقول عب

لوحة الشمس الشاسعة فال يملك أمام إرهاقه إال أن يرسم أكثر منللمنظر نفسه؟

البسيطة ألن يده المحمومة لم تكن تقدر على رسم أكثر من تلك الزهور.الساذجة

وإنما لينتقم ولكنه.. كان يواصل الرسم برغم ذلك، ال ليعيش من لوحاته.لها ولو بعد قرن

cمت بعدها كلcاألرقام القياسية في ألم يقل ألخيه تلك النبوءة التي حط ثمن لوحة )عباد الشمس(: "سيأتي يوم يفوق فيه ثمن لوحاتي.. ثمن

".حياتيQ؟ .تساءلت وأنا أصل إلى هذه الفكرة: هل الرسامون أنبياء أيضا

أربط هذه الفكرة بتعليق زياد "كل شيء معلcق يحمل موته ثم رحت.."معه

cة نبوءة تحمل كلc اللوحات التي رسمتها في درجة وإذا بي أسأل نفسي، أي أمtو»ت أم ميالد تلك المدينة؟ أصمود متقدمة من الالوعي والجنون؟

جوية وأكثر من ريح جسورها المعلقة منذ قرون في وجه أكثر من نشرةQ في دمار هائل مفاجئ، في تلك اللحظة التي ال مضادcة؟ أم سقوطها جميعا

!التاريخ يفصل فيها بين الليل والنهار سوى خيط باهت للغفلة.. غفلة

كنت تحت تأثير تلك الرؤية المذهلة، عندما جاء صوتك لينتزعني من.هواجسي

cهين حديثك إليcوأنت توج uقلت:

أنك لم تزر قسنطينة منذ عدة أتدري خالد.. إن من حسن حظك- تريد أن تشفى سنوات.. وإال لما رسمت من وحيها أشياء جميلة كهذه. يوم

!منها عليك أن تزورها فقط.. ستكفc عن الحلم

Q، لم أكن أدري Q بقتل ذلك طبعا آنذاك، أنك ذات يوم ستتكلcفين شخصياQ الحلم، وتوصليني في ما بعد حتى أعتاب .قسنطينة مكرها

Page 141: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q Q سابقا Q جاء هذه المرة أيضا .لوقته.. كالنبوءة تدخcل زياد ليقول كالما

:قال بشيء من العتاب المهذcب

قتل حلم هذا الرجل؟. هنالك أحالم نموت على يدها، لماذا تصرين على- Q ولو بوهمه ..دعيه سعيدا

تعلcقي على كالمه، وكأن أحالمي لم تعد تهمك بالدرجة األولى. سألته لم:فقط

وأنت.. ما هو حلمك؟-

:قال

-Q ..ربما مدينة ما أيضا

الخليل؟ هل اسمها-

Q :قال مبتسما

Q أسماء أحالمنا.. وال- ننتسب لها ال.. نحن ال نحمل دائما.اسمي الخليل ومدينتي اسمها غزة

ومنذ متى لم تزرها؟-

-Q ..منذ حرب حزيران.. أي منذ خمس عشرة سنة تماما

:ثم أضاف

cا في يضحكني- الذي يحدث لخالد اليوم، كان يقنعني في الماضي يوم كنQ. لم يكن يفهم أن تطاردني تلك الجزائر بالزواج والعيش هناك نهائيا

وها هو اآلن يصل إلى كالمي. المدينة إلى درجة إخراجي من كل المدنQ Q بمدينة، مطاردا .بها من تلقاء نفسه، ويصبح بدوره مسكونا

Q من العجيب أنه لم يحدcثني عنها أي مرة.. وكأنه لم يكن يوليها اهتماما!قبل. هنالك أشياء شبيهة بالسعادة ال ننتبه لوجودها إال بعدما نفتقدها

Q معك ربما Q أنني كنت سعيدا كان ذلك ما حدث لي.. فقد كنت أعي تدريجيا الصيفية.. وقبل مجيء زياد.. وقبل أن يتحول حبنا من قبل تلك العطلة

األطراف كل زواياه متساوية، ومن لعبة عشق ثنائي عنيف إلى حب مثلث فيها كل المربعات السوداء شطرنج يحكمها العبان متقابالن، ويمأل الحب

Page 142: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

نجلس حولها والبيضاء، بقانون المد والجزر العشقي، إلى لعبة طاولة، المشتركة، نحن الثالثة، بأوراقنا المقلوبة، وأحزاننا المقلوبة، بنبضات قلبنا

cص ببعضنا ونخلق قوانين جديدة للحب.. نزوcر بذاكرتنا المشتركة، نترب األوراق التي نملك النسخ نفسها منها، نحتال على منطق األشياء ال ليربح

الجولة، وإنما لكي ال يكون بيننا من خاسر، وحتى تكون نهايتنا أقلc أحدناQ من .البداية وجعا

Q أن زياد كان يشعر أنني أحبك بطريقة أو بأخرى. ولكنه لم يكن كان واضحا يعي جذور ذلك الحب ومداه. ولذا كان ينساق إلى حبك دون تفكير ودون

.بالذنب شعور

لم يكن ألحدنا وعي كامل لينتبه إلى أن العشق اسم ثنائي ال مكان فيه لطرف ثالث. ولذا عندما حوcلناه إلى مثلث، ابتلعنا كما يبتلع مثلث

البواخر التي تعبره خطأ؟ "برمودا" كل

.كيف وصلنا إلى هنا

الديار الغريبة عن طقوسنا؟ أيc قدر بعثرنا ثم أعاد أيc ريح حملتنا إلى هذه وأعمارنا وتواريخنا المتفاوتة، ومعاركنا جمع أقدارنا المتناقضة المبعثرة،

Q في معركة نخوضها مع بعضنا ضد وأحالمنا المتباعدة، وأوقفنا هنا، أطرافابعضنا دون وعي؟

خاطرة، أدهشتني بتطابقها مع أحاسيسي بعد أشهر قرأت بين أوراق زياد:هذه، كتب فيها

خسرناها في زمن المعارك الفاشلة، فأيc الهزائم عشقنا جولة أخرى"Q إذن؟ أكثر إيالماcكان كل Q .الذي حصل مقدرا

.شعبين كنا ألرض واحدة.ونبيين لمدينة واحدة

.المرأة واحدة وها نحن قلبانQ؟ Q لأللم. )هل يسعنا العالم معا (.كل شيء كان معدcا

Q كجرحنا. رصاصة مستديرة ها نحن Q مستديرا Q عربيا نتقاسم كبرياءنا رغيفا مربع أحمر، يتدرب فيه القدر على إطالق الرصاص الرأس.. أطلقوها على

Q ..كالدوcار.. حتى تصل مركز الموت على دوائر سوداء تصغر تدريجيا.حيث الرصاصة ال تخطئ

.ترحم حيث الرصاصة ال.."وحيث سيكون قلب أحدنا

Q في غرفته ليكتب. وكنت كان زياد في تلك األمسيات الشتائية، يسهر أحيانا..أرى في ذلك عالمة ال تخطئ

Page 143: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q ليعود إلى الكتابة بهذه الشراهة، هو الذي لم يكتب ال بد أن يكون عاشقاQ منذ عدة .سنوات شيئا

Q، وصوت موسيقى خافتة ينبعث من غرفته حتى ساعة كنت أبتسم أحيانا.متأخرة من الليل

Q. كأن زياد كان يريد أن يمأل رئتيه بالحياة، أو كأنه لم يكن يثق بها تماماQ .ويخاف إن هو نام أن تسرق منه شيا

Q إلى األشرطة نفسها التي ال أدري من أين أحضرها، كان يستمع دائماQ بها أنا على وجه التحديد، كالموسيقى الكالسيكية.. والتي لم أكن مولعا

.وشريط لفيفالدي وآخر لتيودوراكيس

Q سهرة كاملة بمفردي أمام وكنت أقول لنفسي وأنا أقضي أحيانا:التلفزيون

Q. هنالك جنون الصيف.. وهنالك جنون الشتاء. انتهى إنه يعيش" جنونه أيضا!".جنونه جنوني وبدأ

ولكن.. كيف يمكن لي أن أعرف درجات جنونه هذا؟ من أين آتي بمقياسللزلزال، أعرف منه ما يحدث في أعماقه بالتحديد؟

كتابات سرية ال يدري بها غير الورق. بينما يعلcق كيف يمكن ذلك، ونوباته.تشهد ضدي.. وتفضحني جنوني على الجدران إحدى عشرة لوحة

Q؟ فهل انتهى جنوني حقا

Q cة ال.. أصبح فقط جنونا Q ال عالقة له باإلبداع. أصبح أحاسيس مرضي داخليا.واليأس أبذcرها هباءQ في الغيرة

cر زياد بدلته، شعرت أنه يتوقع قدومك، وإذا جلس ليكتب فهو كان إذا غي..يكتب لك، وإذا ترك البيت فهو على موعد معك

األسباب التي جاء من أجلها زياد إلى نسيت في زحمة غيرتي، حتى.باريس، ولقاءاته.. وهواجسه األخرى

.ثم جاء ذلك السفر الذي كدت أنساه..

Q على اإلطالق. فقد كان عليc أن أترككما ربما كانت تلك أكثر تجاربي ألماQ في مدينة واحدة. وربما Q في بيت� واحد هو عشرة أيام كاملة معا غالبا

Q لصعوبة لقائكما خارج البيت .بيتي.. نظرا

Page 144: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q سافرت Q، لنضع شيئا يومها وأنا أحاول أن أقنع نفسي أنها فرصة لنا جميعاcب لتحسم هذه األمور من الترتيب في عالقتنا، وأنه كان البد ألحدنا أن يتغي

Q الغامضة بيننا .نهائيا

Q في أعماقي بهذا المنطق، أو على األقل بهذا Q، لم أكن مقتنعا القدر طبعاcالعنيد الذي جعل القرعة تقع علي.

Q Q. ولكن ما فمن الواضح أن القدر كان منحازا لكما. وكان ذلك يؤلمني كثيراQ لي :الذي كان أشدc إيالما

أنك مع رجل آخر، أم أن يكون ذلك الرجل هو زياد ال سواه، أم أن أدريفي غرف لم أتمتع بك فيها؟ أن تتم خيانتي في بيتي

معك؟ وهل ستوقفه إلى أيc حدc ستذهبين معه.. وإلى أي حدc سيذهب هوQ من قيم؟ ذاكرتنا المشتركة.. وكل ما جمعنا يوما

uالكثير عن زياد.. ولم أقل لك األهم قلت لك.

cتي السرية، أوراق Q خلي .انتمائي السرية كان زياد يوما

Q يا cسر Q لعمر� آخر. كان هزائمي وانتصاراتي، حججي وقناعاتي، كان عمرافهل سيخونني زياد؟

Q كنت قد بدأت أعتب عليه، وربما أحقد عليه .مسبقا

Q غير ذلك معك، أنا الذي نسيت في جنون غيرتي، أنني لم أفعل شيئاQ صديقي.. Q قائدي، وكان يوما Q لسي الطاهر، لرجل� كان يوما cرت أيضا تنك

Q لرجل أودعك cة ذات يوم ومات شهيدا .عندي وصي

من منا األكثر خيانة إذن؟

cز التنفيذ.. أم أنا الذي لم أنفcذها ألنني هو الذي قد يضع أحالمه ورغباته حيلذلك؟ لم أجد فرصة

cى في غفوتي.. أم هو أنا الذي أنام وأصحو معك من شهور، وأغتصبك حتستكونين له بإرادتك؟ الذي

Q. تغريك وتربكك، تمألك هنالك مدن كالنساء، تهزمك أسماؤها مسبقا

Page 145: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

دك ذاكرتها من كل مشاريعك، ليصبح الحب كل cبرنامجك وتفرغك، وتجر.

وتتناول.. هنالك مدن.. لم تخلق لتزورها بمفردك. لتتجول وتنام وتقوم فيهاQ .فطور الصباح وحيدا

..كحسرة هنالك مدن جميلة كذكرى، قريبة كدمعة، موجعة

!هنالك مدن.. كم تشبهك

غرناطة؟.. فهل يمكن أن أنساك في مدينة اسمها

cك يأتي مع المنازل البيضاء الواطئة، بسقوفها القرميدية الحمراء.. كان حب مع عرائش العنب.. مع أشجار الياسمين الثقيلة.. مع الجداول التي تعبر

.غرناطة.. مع المياه.. مع الشمس.. مع ذاكرة العرب

واألصوات والوجوه، مع سمرة األندلسيات كان حبك يأتي مع العطور.وشعرهن الحالك

قيثارة محمومة كجسدك.. مع قصائد لوركا الذي مع فساتين الفرح.. مع.أحبه تحبينه.. مع حزن أبي فراس الحمداني الذي

Q.. فهل كل المدن العربية أنت ..كنت أشعر أنك جزء من تلك المدينة أيضاوكل ذاكرة عربية أنت؟

Q.. مر الزمان وأنت مازلت كمياه غرناطة، رقراقة الحنين تحملين طعماQ ال عالقة له بالمياه القادمة من األنابيب والحنفيات .مميزا

الزمن، وصوتك مازال يأتي كصدى نوافير المياه وقت السcحر، في مر المهجورة، عندما يفاجئ المساء غرناطة، وتفاجئ ذاكرة القصور العربية

..لتوه غرناطة نفسها عاشقة لملك عربي غادرها

cلها !كان اسمه "أبا عبد الله". وكان آخر عاشق عربي قب

كنت ذلك الملك الذي لم يعرف كيف يحافظ على عرشه؟ ترانيQ مثله؟ تراني أضعتك بحماقة أبي عبد الله، وسأبكيك يوما

Q وغرناظة تسقط في غفلة منه ابك مثل: "كانت أمه قد قالت له يوماQ، لم تحافظ عليه مثل الرجال Q م�ضاعا .."النساء م�لكا

Q لم �علن الحرب.. أسألك؟ فهل حقا أحافظ عليك؟. وعلى من أ

.. وأنتما ذاكرتي cتي على مtن» .وأحب.. وأنت مدينتي وقلعتي .على مtن»

Page 146: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

uمt الخجل؟ فل

ملك عربي واحد.. حاكم عربي واحد، لم يبكu منذ أبي عبد الله هل هناكمدينة ما؟

!قسنطينة.. هذا زمن السقوط السريع فاسقطي

Q يومها.. هذا ما لن أعرفه Q هل سقطت حقا .أبدا

ولكن أعرف فقط تاريخ سقوطك األخير، سقوطك النهائي الذي كنتQ .عليه بعد ذلك شاهدا

cك، وأن تأخذي مالمح تلك فأيc جنون كان أن تزيد المسافات من حبQ. وإذا بي كمجنون أجلس كلc ليلة ألكتب لك رسائل كانت تولد المدينة أيضا

وشوقي وغيرتي عليك. كنت أقصc لك فيها تفاصيل يومي من دهشتي.الدهشة وانطباعاتي في مدينة تشبهك حد

:كتبت لك مرة

.طراز أندلسي أريد أن أحبك هنا. في بيت� كجسدك، مرسوم على"Q يشبهك في cك بيتا �سكن حب cبة، وأ تعاريج أريد أن أهرب بك من المدن المعل

.أنوثتك العربية

Q تختفي وراء أقواسه ونقوشه واستداراته ذاكرتي األولى. تظلcل حديقة بيتا شجرة ليمون كبيرة، كتلك التي يزرعها العرب في حدائق بيوتهم

.باألندلس

فيها أريد أن أجلس إلى جوارك، كما أجلس هنا على حافة بركة ماء تسبحQ .سمكات حمراء، وأتأملك مدهوشا

البلدي األخضر قبل أن أستنشق جسدك، كما أستنشق رائحة الليمون.ينضج

cشجرة أمر cمة.. أمام كل cبها، أشتهيك أيتها الفاكهة المحر"..

كنت أريد كم من الرسائل كتبت لك.. هل يمكن لكاتبة أن تقاوم الكلمات؟ أن أطوقك بالحروف، أن أستعيدك بها، أن أدخل معكما حلقة الكلمات

وجهي بتهمة الرسم فقط، فرحت أخترع من أجلك رسائل لم المغلقة في في ذهني فجأة بعد خمسين سنة من تكتب قبلك المرأة. رسائل انفجرت

. الصمت

Page 147: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

أن أدري، بعد أن انتقل عشقي لك تراني بدأت يومها أكتب كتابي هذا دون قبلك كتبت لنساء. إلى هذه اللغة التي كنت أكتب بها رسائل ألول مرة

.عبرن حياتي أيام الشباب والمراهقة

.في البحث عن الكلمات لم أكن أجهد نفسي آنذاكQ بحريتها للقول دون عقد.. وال كانت اللغة الفرنسية تستدرجني تلقائيا

.خجل

أستسلم معك رحت أكتشف العربية من جديد. أتعلم التحايل على هيبتها،.إلغرائها السري، إليحاءاتها

األنوثة.. لحاء الحرقة.. لهاء رحت أنحاز للحروف التي تشبهك.. لتاء..خال أسمر النشوة.. أللف الكبرياء.. للنقاط المبعثرة على جسدها

Q؟ امرأة ننحاز إليها دون غيرها، نتعلم البكاء والضحك.. هل اللغة أنثى أيضاوالحب على طريقتها. وعندما تهجرنا نشعر بالبرد وباليتم دونها؟

قرأت تلك الرسائل؟. هل شعرت بعقدة يتمي وخوفي من مواسم تراكالصقيع؟

تراها جاءت في غير وقتها؟ أأدهشتك أم

كل المسام، ويصبح كان ال بد أن أكتبها لك قبل أن يتسلل زياد إليك من.لغتك

الحب؟ فهل تفيد رسائل الحب عندما تأتي متأخرة عن

ألم يحب سلفادور دالي وبول إيلوار المرأة نفسها؟

Q راح بول إيلوار يكتب لها أجمل الرسائل.. وأروع األشعار.. ليستعيدها وعبثا منه. ولكنها فضcلت جنون دالي المجهول آنذاك.. من دالي الذي خطفها

موتها منحازة لريشة دالي فقط الذي على قوافي بول إيلوار. وظلcت حتى غيرها طوال تزوجها أكثر من مرة بأكثر من طقس، ولم يرسم امرأة

.حياته

يهزمون الشعراء الواقع أن الحب ال يكرر نفسه كل مرة، وأن الرسامين الcر في ثياب الكلمات Q.. حتى عندما يحاولون التنك .دائما

***

غصcة الزمتني طوال تلك عندما عدت بعد ذلك إلى باريس، كان في الحلق

Page 148: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

الجميلة أو األيام، وأفسدت عليc متعة نجاح ذلك المعرض. واللقاءات.المفيدة التي تمcت لي أثناءه

توقcف. عاطفة جديدة للغيرة والحقد كان هناك شيء داخلي ينزف دونcرني كلc لحظة أن Q ما يحدث هناك الغامض الذي ال يفارقني ويذك .شيئا

Q بعودتي؟(. أمدcني Q سعيدا بالبريد الذي استقبلني زياد بشوق. )أكان حقاQ خالل وصل أثناء غيابي وبورقة سجcل عليها أسماء الذين طلبوني هاتفيا

.تلك األيام

.فيها أمسكتها دون أن ألقي عليها نظرة. كنت أدري أنني لن أجد اسمك

ثم راح يسألني عن المعرض.. عن سفرتي وأخباري العامة، ويحدثني عنرته بارتباكه لحظتها آخر cالتطورات السياسية بشيء من القلق، الذي فس

.آلخر أمامي لسبب أو

كنت أستمع إليه وأنا أتفقد بحواسي ذلك البيت كما في خرافة الغول الذيQ عن إنسان قد يكون تسلcل كان كلما عاد إلى بيته، راح يتشمcم األجواء بحثا

..مغارته أثناء غيابه إلى

ذلك، دون كنت أشعر أنك مررت بهذا البيت. إحساس غامض كان يؤكد لي.أن أجد في الواقع حجة تثبت لي شكوكي

يعقل أن تمر عشرة أيام دون أن تلتقيا.. وأين ولكن هل تهم الحجccة؟.. هلالتقيتما هل ستكتفيان بالحديث؟ يمكن أن تلتقيا في مكان غير هذا؟ وإذا

Q Q للكبريت.. وكان زياد عاشقا Q يعبد اللcهب كنتu منجما !مجوسيا

Q في وجه نيرانك.. أنت المرأة التي يحلم فهل كان يمكن أن يصمد طويالQ؟ الرجال أن يحترقوا بها ولو وهما

عن فرح� ما، عن سعادة� ما أجد فيها الحجة رحت أبحث في مالمح زياد.القاطعة على أنك كنت له

.على وجهه أي شعور خاص، غير القلق ولكن لم يبد�

:فجأة حدثني عنك قال

Q غداءنا األخير لقد طلبت- Q لنتناول معا ..منها أن تأتي غدا

:الدهشة صحت بشيء من

لماذا األخير؟-

Page 149: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

:قال

..األحد ألنني سأسافر-

ولماذا األحد؟-

Q قلتها وأنا أشعر بشيء من الحزن والفرح .معا

:أجاب زياد

Q أن. ألنني يجب أن أعود.. كنت أنتظر فقط عودتك ألسافر- لم يكن مقرراQ وال بدc أن Q كامال ..أعود أبقى هنا أكثر من أسبوعين. لقد قضيت شهرا

:ثم أضاف بشيء من السخرية

.الباريسية قبل أن أتعود على الحياة-

كان تراك أنتu الحياة الباريسية التي كان يخاف أن يتعود عليها؟ تراهQ فلم يعد أمامه يهرب مرة أخرى من حب� آخر أم أن مهمته قد انتهت أخيرا

الرحيل؟ غير

مر يوم السبت وسط مشاغل عودتي، وانشغال زياد بترتيب تفاصيل.سفره

حاولت أن أتحاشى الجلوس إليه ذلك المساء. ولكن كان يوم األحد يتربصQ لوجه نحن الثالثة في ذلك الغداء الحاسم Q وجها .بنا ويضعنا أخيرا

رتها على طريقتي بأنها شعور يومها cقابلتني بحرارة لم أتوقعها. فس Q على طبق من شعر على بالذنب، )أو ربما باالمتنان(. ألم أقدم لك حبا

!طاولة هي.. بيتي؟

شكرتني على رسائلي، وأبديت إعجابك بأسلوبي.. وكأنك أستاذة قدم ثمQ Q لها تلميذ نصcا .إنشائيا

أزعجني شكرك العلني، وشعرت أنك حدcثت زياد عنها وربما أريته إياهاQ .أيضا

Q عندما واصلت :كنت على وشك أن أقول شيئا

Q إلى هذا الحد؟ وهل تمنيت لو كنت معك- هناك.. هل غرناطة جميلة حقاQ بيت غارسيا لوركا في خوانتا فاكيروس(.. أليس هذا اسم )زرت حقا

..ضيعته كما قلت؟ حدcثني عنه

Page 150: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q وجدت في Q مثيرا طريقتك في بدء الحديث معي من الهوامش، شيئاQ للدهشة، وربما للتفكير .أيضا

ت بنا، وبعد عشرة أيام cأهذا كل ما وجدت قوله بعد كل الزوابع التي مر من الجحيم الذي عشته وحدي؟

Q عن حياة ال أدري كيف خطر عندئذ� في ذهني شهد لفيلم شاهدته يوما..لوركا

:قلت لك

لوركا؟ أتدرين كيف مات-

uقلت:

..باإلعدام-

:قلت

.. وكان يمشي عندما ال.. وضعوه أمام سهل- uشاسع وقالوا له امش Q دون أن يفهم Q ما الذي حدث له أطلقوا خلفه الرصاص، فسقط ميتا .تماما

يتوقcعه، ويذهب إنه أحزن ما في موته. فلم يكن لوركا يخاف الموت، كانQ على األقدام كما نذهب لموعد� مع صديق.. ولكن كان يكره فقط إليه مشيا

!أن تأتيه الرصاصة من الظهر

الصدر. رفع عينيه نحوي، شعرت آنذاك أن زياد تلقي كلماتي كرصاصة فيQ ولكنه صمت .أحسسته على وشك أن يقول شيئا

.بعضنا دون كثير من الكالم كنا نفهم

إيالمه يعزc عليc أكثر من ندمت بعدها على إيالمي المتعمد له. فقد كان عشته من ألمك. ولكن كان هذا أقل ما يمكن أن أقوله له بعد كل ما

.عذاب بسببه

Q .وربما كان أكثره أيضا

وجبة صمت مربك تتخلله أحيانا أحاديث مفتعلة، تحول غداؤنا فجأة إلى لترطيب الجو.. وربما للمراوغة. ولكن كنتu تخترعينها أنتu بفطرة� نسائية

Q .عبثا

Page 151: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cور قد .انكسر بيننا. ولم يعد هناك من أمل لترميمه كان هناك شيء من البل

:سألتكu بعدها

ستأتين معي لنرافق زياد إلى المطار؟ هل-

uأجبت:

إلى المطار.. قد ألتقي بعمي هناك، إذ أنه يحدث ال.. ال يمكن أن أذهب- الجزائرية. ثم إنني أكره المطارات.. أن يمر بمكتب الخطوط الجوية

ألننا في الحقيقة ال وأكره مراسيم الوداع. الذين نحبهم ال نودعهم،.نفارقهم. لقد خلق الوداع للغرباء.. وليس لألحبة

Q "نحن ال كانت تلك إحدى طلعاتك العجيبة المدهشة كقولك السابق مثال للغرباء وأما الذين نحبهم فهم جزء من الكتاب وليسوا نكتب إهداءQ سوى

.."األولى في حاجة إلى توقيع في الصفحة

ولماذا الوداع؟

هل هناك من ضرورة لوداع آخر؟

Q سواه كنت .أراك طوال وجبة الغداء تلتهمينه بنظراتك وال تأكلين شيا

Q عند كلc شيء كانت عيناك تودcعان جسده قطعة قطعة. تتوقcفان طويالQ .عدة.. لزمن لن يبقى لك فيه سوى الصور فيه، وكأنك تختزنين منه صورا

لي، أو ألن كلماتي الموجعة وكان هو يتحاشى نظراتك، ربما مراعاة نظراته الحزينة إلى أفقدته رغبة الحب.. ورغبة األكل كذلك. وجعلته يحوcل

.أعماقه وإلى ما بعد السفر

Q عنكما، Q كخيبتي. وكنت أنا ال أقل حزنا cا Q وفردي ولكن حزني كان فريداQ كموقفي من قصcتكما .العجيبة متشعcب األسباب غامضا

Q. فقد كنت أطمع في عودتك وربما زاده رفضك مرافقتي إلى المطار توتراQ بك. ألفهم منك دون كثير من األسئلة، إلى معي على انفراد ألخلو أخيرا

على محو تلك األيام من ذاكرتك، والعودة إليc دون أيc مدى كنت قادرة..جروح أو خدوّش

Q. ولكنني كنت كنت أدري أن Q إليه. وربما جسدك أيضا قلبك قد أصبح منحازا أنك في النهاية ستعودين إليc، ألنه لن يكون أثق بمنطق األيام. وأعتقد

وحنينك األول ألبوة كنت أنا نسخة.. هناك سواي.. وألنني ذاكرتك األولى.أخرى عنها

Page 152: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.وأنتظرك فرحت أراهن على المنطق

..رحل زياد

Q .بيتي وعاداتي األولى قبله ورحت أستعيد تدريجيا

Q ولكن بمرارة غامضة. فقد كنت تعوcدت على وجوده معي، كنت سعيدا وكنت أشعر بشيء من الوحدة المفاجئة وهو يتركني وحدي لموسم

.لتلك األيام الرمادية، والسهرات الطويلة المدهشة الشتاء؛

.فجأة كما امتأل به رحل زياد.. وفرغ البيت منه

والتي تركها لم يبق سوى تلك الحقيبة التي قد تشهد على مروره من هنا، أسفل الخزانة بعدما جمع فيها أوراقه وأشياءه، والتي رأيت في بقائها

.عندي مشروع عودة محتملة، قد تكونين أنت أحد أسبابها

سعادتي كانت تفوق حزني، وأنني كنت أشعر ولكن البد أن أعترف أن.منه أنني أستعيدك وأنا أستعيد ذلك البيت الفارغ

Q بحضورك بطريقة أو بأخرى، وأنني كنت أشعر أن هذا البيت سيمتلئ أخيرا.سأخلو فيه بك وأنا أخلو لنفسي

Q أنك Q. ألم تعترفي مرارا تحبينه.. تحبين طريقة سأعيدك إليه تدريجياcعليه؟ ترتيبه.. تحبين ضوءه.. منظر نهر السين الذي يطل

أن ترى كنت تحبين فقط زياد، وحضوره الذي كان يؤثث كل شيء..!األشياء أحلى ويجعل

صوتك في البدء.. كنت أتوقع هاتفك. كنت أتمسك به، أستنجد به، ولكنQ أمام دهشتي Q تدريجيا .كان ينسحب أيضا

Q، قبل أن ينقطع كان هاتفك يأتي مرة كل أسبوع، ثم كلc أسبوعين، ثم نادراQ .نهائيا

Q كقطرات Q أنك تطلبينني مجاملة كان يأتي شحيحا الدواء. وكنت أشعر أحيانا.معلنة لمعرفة أخبار زياد فقط، أو عن ضجر، أو ربما بنية غير

Page 153: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

مباشرة بعنوان البيت، وكنت أنا أثناء ذلك، أتساءل "تراه كان يكتب إليكأخباره؟ ولهذا لم تكوني في حاجة إلى أن تسأليني مرة عن

Q أنه لن يكتب إليك، وأن عليك مثله أن تتعلمي أم أنه كعادته أخبرك مسبقاQ cقين تلك العقوبة عليc أيضا !.النسيان. فرحت تطب

.الحلول في كل شيء كان زياد يكره أنصاف

Q ما Q كأي رجل يحمل بندقية. ولذا كان يكره أيضا كان يسمcيه كان متطرفاQ "أنصاف الملذات" أو "أنصاف العقوبات "!سابقا

الحاسمة. فإما أن يحب ويتخلى عندئذ� عن كل شيء كان رجل االختيارات ينتظره هناك أهم. وعندها لن يكون ليبقى مع من يحب، أو يرحل ألن الذي

.والذكرى من مبرر لتعذيب النفس باألشواق

Q بعد ذلك، ماذا عساه اختار؟ تساءلت طويال

Q كما تصرف منذ سنوات في الجزائر مع تلك تراه تصرcف هذه المرة أيضا..منها الفتاة التي كان على وشك الزواج

cر هذه المرة، ربما بحكم العمر.. وربما فقط ألنك أنت، وألن أم أنه تغي.الذي حدث بينكما لم يكن قصة عادية تحدث بين شخصين عاديين

Q استدراجك للحديث عنه، عساني أصل إلى نتيجة كنت أحاول أحيانا.للعبة.. والتأقلم معها تساعدني على تحديد القواعد الجديدة

cين أن أحدثك عنه، ولكن وكنت تراوغينني كعادتك. كان من الواضح أنك تحب.دون أن تبوحي لي بشيء

بين الجد والمزاح، وبين الحقيقة كنت تناقضين نفسك كل لحظة. تمزجين..والكذب، في محاولة للهروب من شيء ما

Q أبيض أستمع إليه بفرشاتي، وألوcن جمله بألوان أكثر كان كالمك كذباQ مع كل ما .أعرفه عنك تناسبا

بالقلق تعودت أن أكسو ما تقولينه لي بالبنفسجي، باألزرق.. والرمادي،.الذي يخيم على كل ما تقولينه

Q لرسوم متتالية على تعودت أن أجمع حصيلة ما قلته لي، وأصنع منها حوارا.وكالم لم نقله ورق، أضع عليها أنا التعليقات المناسبة لحوار آخر

Page 154: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q تلك العالقة الغامضة التي بدأت تربطك لعلني وقتها بدأت أكتشف تدريجيا.في ذاكرتي بذلك اللون األبيض

Q .أبيض لم يكن كالمك وحده كذبا

كنت امرأة تملك قدرة خارقة على استحضار ذلك اللون في كل أشكالهQ بدأت دون أن أدري وبحدس غامض أخرج وأضداده. أو لعلني وقتها أيضا

Q من ألوان لوحاتي، وأحاول االستغناء عنه، في محاولة هذا اللون نهائيا.مجنونة إللغائك

Q معك. منذ ذلك اليوم الذي رأيتك فيه طفلة تحبو بينما كان Q متواطئا لونا الطفولية البيضاء تجفc فوق خشبات منصوبة فوق كانون. غمزة أثوابها

cأ لي معك على نار� باردة، أكثر من ثوب أبيض مسبقة للقدر الذي كان �هي .ي

Q مثلك يدخل في تركيب كلc األلوان وكل األشياء. فكم من كان األبيض لونا منه! وكم من اللوحات سألغي إن أنا األشياء يجب أن أدمcر قبل أن أنتهي

!قاطعته

واأللوان.. ( أن أنتهي منك. ولكني كنت في )كنت أحاول بكل األشكالQ في طا cحبك الحقيقة أزداد تور.

:اعترفت لك مرة على الهاتف.. في لحظة يأس

..الرمال المتحركة، لم أعد أدري أين أقف فيها أتدرين.. حبك صحراء من

uالموجعة أجبتني بسخريتك:

قف حيث أنت.. المهم أال تتحرك. فكل محاولة للخالص في هذه- الحاالت، ستجعل الرمال تسحبك أكثر نحو العمق. إنها النصيحة التي

لكل من يقع في بالوعة الرمال المتحركة.. كيف ال يوجهها أهل الصحراء!تعرف هذا؟

أن أحزن.. ولكنني ضحكت. ربما ألنني أحب سخريتك يومها كان ال بد.قلما نلتقي بامرأة تعذcبنا بذكاء الذكية حتى عندما تكون موجعة، فنحن

Q بقدر ما هو وربما ألنك كنتu تزفcين لي احتمال موت كنت أراه جميال..حتمي

Q، لم أكن قد Q رائعا Q شعبيا cرت مثال cهت له من قبل" "الطير الحر ما تذك تنبcطش !".ينحكمش، وإذا انحكم.. ما يتخب

أشعر آنذاك أنني ذلك الطائر المكابر الذي ينتسب إلى ساللة وكنت�صطاد، تصبح الصقور والنسور التي ال يسهل اصطيادها، والتي عندما ت

Page 155: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cط كما يفعل طائر شهامتها في أن تستسلم بكبرياء، دون أن تقاوم أو تتخبcصغير وقع في فخ.

:المثل الشعبي، صحتu دهشة عندما أجبتك يومها بذلك

!ما أجمله.. لم أكن أعرفه-

:تنهيدة أجبتك وسط

Q للصقور وال للنسور.. إنه- زمن ألنك لم تعرفي الرجال.. ليس هذا زمنانة التي تنتظر في الحدائق العمومية cللطيور المدج!

ت على ذلك cالحديث. وها أنا أذكره اليوم مصادفة، ست سنوات مر :وأستعيد نصيحتك األخيرة

!".المهم أال تتحرك.. قف حيث أنت"

والزوابع.. والرمال كيف صدcقت يومها أنك كنت تخافين عليc من العواصف المتحركة. أنت التي أوقفتني هنا في مهب الجرح عدة سنوات، ورحت

ضين cوتحر ..cتنفخين حولي العواصف وتحركين أمواج الرمال تحت قدمي .عليc القدر

..لم أتحرك أنا

Q بحماقة عند عتبات قلبك لسنوات .عدة ظللت واقفا

كنت اجهل أنك تبتلعينني بصمت، أنك تسحبين األرض من تحت قدمي.أنزلق نحو العمق وأنني

.لتغتالني كنت أجهل أن زوابعك ستعود كل مرة، وحتى بعد غيابك بسنوات

واليوم.. وسط األعاصير المتأخرة يأتي كتابك ليثير داخلي زوبعة منQ فة والمتناقضة معا cاألحاسيس المتطر.

"uمنعطف النسيان" قلت..

يأتي النسيان..أسألك؟ من أين

***

Page 156: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

مازلت أذكر ذلك اليوم من فبراير، عندما جاء صوت سي الشريف على.ليدعوني إلى العشاء في منزله الهاتف،

فهمت منه فقط أنه دعا. فوجئت بدعوته، ولم أسأله حتى عن مناسبتها.آخرين للعشاء، وأننا لن نكون بمفردنا

Q بفرحي أعترف أنني كنت Q ومرتبكا .سعيدا

مرة واحدة خجلت من نفسي ألنني منذ لقائنا األخير لم أطلبه سوى بمناسبة العيد، برغم إلحاحه عليc أن أزوره ولو مرة في المكتب، لنأخذ

Q قهوة .معا

Q ربما كان أحمق .فجأة، أخذت قرارا

.ألهديها إياه قررت أن آخذ إحدى لوحاتي

أتوقعها؟ ألم يهدني اليوم تلك الفرحة التي لم أعد

بالعمالت سأثبت له دون كالم، أن لوحاتي ال تتداول إال بعملة القلب وليس.المشبوهة

.بعد ذلك وجدت لهذه الفكرة حسنة أخرى

Q على جدار سأكون cقا Q في ذلك البيت الذي تسكنينه ولو معل .حاضرا

.حملت لوحتي وذهبت إلى ذلك العشاء في اليوم التالي،

Q عن تلك البناية. كان القلب يركض بي، يسبقني في ذلك الحي الراقي بحثاQ .عيناي.. أم قلبي: حتى أنني لم أعد أذكر من اهتدى إلى بيتك أوال

عندما دخلتها شعرت أن عطرك كان يتربص بي عند المدخل..وفي.المصعد.. وأنك كنت هنا تقودين وجهتي بعطرك فقط

الباب. رحبc بي بعناق حار، زادت حرارته استقبلني سي الشريف عند.بصعوبة رؤية تلك اللوحة الكبيرة التي كنت أحملها

Q أن تكون هدية له. تردد قبل أن بدا لي في تلك اللحظة أنه لم يصدق تماما.."لك يأخذها مني، لكنني استوقفته ألقول له: "هذه لوحة مني.. إنها هدية

Page 157: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q وغبطة نادرة. وراح ينزع عنها الغالف على رأيت فجأة على وجهه فرحاQ في اليانصيب .عجل، بفضول من ربح شيئا

:معلcقة وسط الضباب إلى السماء ثم صاح وهو يرى منظر تلك القنطرة

!هذي قنطرة الجبال-

Q عانقني وقال وهو يربت على كتفي وقبل أن أقول :شيئا

!تعيش.. يعطيك الصحة.. تعيش آ حبيبي-

Q ربما لم لم أتمالك نفسي من تقبيله بالحرارة نفسها، ألنه أهداني شيئا.ينتبه لثمنه عندي

لوحتي رافقني سي الشريف إلى الصالون وهو يمسك ذراعي بيد، ويمسك باليد األخرى. واتجه بي نحو ذلك المجلس ليقدcمني إلى ضيوفه، كأنه يريد

يشهد الجميع على امتنانه لي. أو ربما على عالقتنا وصداقتنا الوطيدة، أنQ عني أنني ال أجود بها في هذا الزمن المبتذل.. إال على التي كان شائعا

.القلcة

أمامي عدة أسماء لعدة وجوه، صافحت أصحابها وأنا أتساءل من لفظ.يكون معظمهم

أكن أعرف منهم غير واحد أو اثنين، وأما البقية فكانوا ما أسمcيه لم أو "النبتات السيئة". كما يسمي الفرنسيون تلك النبتة.. النبتات الطفيلية

حوض أو أية تربة، وإذا بها تمد جذورها التي تنمو من الالشيء، في أي ذات يوم على كل فجأة وتضاعف أوراقها وفروعها، حتى تطغى وحدها

.التربة

Q أملك الحاسة القوية التي تجعلني أتعرcف على هذا ال أدري لماذا كنت دائما وهيآتهم النوع من المخلوقات أينما كانوا. فهم على اختالف أشكالهم

Q يفضحهم، بذلك الزيف والرياء المفرط Q مشتركا ومناصبهم يمتلكون مظهرا وبمظاهر الغنى والوجاهة الحديثة التي لبسوها على عجل.. وبذلك

.الحديث الذي يوهمك أنهم أهم مما تتوقع القاموس المشترك في

المتبادلة فقط، كانت كافية ألستنتج نظرة خاطفة واحدة، وبعض الجمل وجهاء المهجر، الذين نوعية ذلك المجلس "الراقي" الذي يضم نخبة من

.يحترفون الشعارات العلنية.. والصفقات السرية

..أنني كنت في كوكب ليس كوكبي من الواضح

Page 158: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

من الفخر والمودة راح سي الشريف يطلع ضيوفه على تلك اللوحة بشيءQ ..معا

:والتفت إليc ليقول لي

حققت لي اليوم أمنية عزيزة عليc. كنت للذكرى أريد أتدري خالد.. لقد_ cي أن يكون في بيتي شيء لك. ال تنس أنك صديق طفولتي وابن حي"كوشة الزيات".. أتذكر ذلك الحيc؟

الشريف. كان فيه شي من هيبة قسنطينة وحضورها، كنت أحب سي من سي الطاهر، من صوته شيء من الجزائر العريقة وذاكرتها، شيء

cته ..وطل

كل شيء. ولكن حتى وكان في أعماقه شيء نقيc لم يلوcث بعد برغم..متى

أخاف أن يتسلل كنت أشعر أنه محاط بالذباب وبقذارة المرحلة. وكنت.إليه العفن حتى العمق ذات يوم

Q من سي أخاف عليه، وقد أخاف على ذلك االسم الكبير الذي يحمله إرثا.الطاهر من التدنيس

Q لذلك الواقع الموجع ترى أكان شعوري ذلك Q منطقيا Q، أم استنتاجا حدساQ به؟ الذي كنت أراه محاطا

فهل سينجو سي الشريف من هذه العدوى؟ وماذا عساه أن يختار؟ في سيسبح.. مع أي تيار وضد أي تيار.. وال حياة لألسماك الصغيرة أية بحيرة

العكرة التي تحكمها أسماك القرّش؟ المعزولة في هذه المياه

أنc سي الشريف قد اختار كان الجواب أمامي ولم أنتبه في تلك السهرة،.بحيرته العكرة وانتهى األمر

:سيجاره الكوبي قال جاري األنيق خلف

Q برسومك.. وطلبت أن يتصلوا بك لتساهم- Q معجبا في بعض لقد كنت دائما.مشاريعنا.. ولكنني ال أذكر أنني شاهدت لك أي لوحات عندنا

أدري آنذاك من هو محدثي.. وال عن أية مشاريع كان يحدثني. لم أكن نفسه بصيغة الجمع، ألفهم أنه شخصية ولكن كان يكفي أن يتحدث عن

.فوق العادة

cه إلى Q وكأن سي الشريف تنب :أنني أجهل هوية محدcثي فتدخل موضحا

Page 159: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cر الوجه إن )سي..( مولع بالفن، وهو مشرف على- مشاريع كبرى ستغي.الثقافي للجزائر

cه إلى :شيء ثم أضاف وكأنه تنب

ولكنك لم تزر الجزائر منذ عدة سنوات.. صحيح أنك لم ترt بعد تلك- .. cبات الثقافية والتجارية الجديدة.. ال بد أن تتعرف عليها ..المرك

..أجبه ولم

Q ال أدري .كنت أراه يتدحرج أمامي من سلcم القيم، غباءQ أو تواطؤا فاحتفظت لنفسي بما سمعته عن تلك.. "المنشآت" وكل ما جاورها من

�نيت Q على العموالت والصفقات، وتناوب عليها معالم وطنية ب QQ حجرا حجراQ.. على Q وصغارا اق كبارا cمرأى من الشهداء الذين شاء لهم حظهم أن السر Q.. لتلك .الخيانة يكون مقامهم مقابال

Q شبه بسيط، لوال بدلته Q و رجال Q.. ها هو إذن )سي...( يبدو طيبا األنيقة جدا وحديثه الذي ال يتوقف عن مشاريعه القريبة والبعيدة، التي تمر جميعها

.بباريس وبأسماء أجنبية مشبوهة، تبدو مخجلة في فم ضابط سابق

تراه ظاهرة ثقافية في عالم العسكر.. أم ظاهرة عسكرية.. ها هو إذن..في عالم الثقافة

Q مذ شاع وباؤه أم Q طبيعيا أن "الزواج المنافي للطبيعة" أصبح رمزاQ" في أكثر من !قيادة أركان عربية "رسميا

Q من ذلك العسل كان الجميع يتملقونه، ويجاملونه، عساهم يلحسون شيئاQ من العملة الصعبة، في زمن القحط الذي كان يتدفق بين يديه نهرا

..والجفاف

وكنت أتساءل طوال تلك السهرة، ماذا كنت أفعل وسط ذلك المجلسالعجيب؟

Q لي مع Q نادرا الوطن، كنت أتوقع أن تكون تلك الدعوة، أو على األقل موعدا.أستعيد فيه مع سي الشريف ذكرياتنا البعيدة

Q من تلك السهرة. ناب عنه جرحه، ووجهه الجديد ولكن الوطن كان غائبا.المشوه

فيها بالفرنسية.. عن مشاريع سيتم كانت سهرة في فرنسا.. نتحدث فهل حصلنا على.. معظمها عن طريق جهات أجنبية.. بتمويل من الجزائر

Q؟ !استقاللنا حقا

Page 160: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q وله انتهت تلك السهرة في حدود منتصف الليل. فقط كان )سي...( متعباQ .ارتباطات ومواعيد صباحية.. وربما ليلية أيضا

.المال السريع الكسب، يعجcل في فتح شهيتنا ألكثر من ملذcات إن

Q ذلك المساء. لقد كنت في الواقع محطc وكان يمكن أن أكون سعيدا..التعمق فيها اهتمام الجميع ألسباب لم أشأ

أن بل ربما كنت النجم الثاني في تلك السهرة مع )سي...( الذي فهمتQ الدعوة كانت على شرفه، وأنني دعيت لها، ألنه كان يحب أن يكون محاطا

Q على ولعه باإلبداع.. وذوقه غير العسكري في سهراته !بالفنانين دليال

Q.. وأنه حدثني يومها عن آرائه الفنية في والواقع أنه كان Q ومجامال لطيفا الرسامين الجزائريين بالذات. بل وقال مجاالت مختلفة، وحبه لبعض

Q، إنه يحسد سي الشريف على تلك اللوحة، وأنني إذا كنت آخذ معي مازحا..للجزائر لوحة حيث أذهب، فسيدعوني إلى بيته عند زيارتي

.ضحكت من مزاحه

Q بما فيه الكفاية بعد ذلك ألكون على حافة البكاء، وأنا ولكنني كنت حزينا أوصلتني إلى أنفرد بنفسي ذلك المساء في سريري، وأتساءل أي حماقة

ذلك البيت؟

ألمح حتى طرف بيت كنت أتوقعه بيتك، وإذا بي أدخله وأغادره دون أن.ثوبك، وهو يعبر ذلك الممر الذي كان يفصلني.. عن عالمك

:اليوم التالي، دقc الهاتف. توقعتك أنت، وكانت كاترين.. قالت في صباح

..صباحية.. وأجمل األماني لك قبالت-

:وقبل أن أسأل عن المناسبة أضافت

.اليوم عيد )السان فالنتان( القديس الذي يبارك العشاق- .. cرت أن أطلبك بدل أن أبعث إليك بطاقة.. ماذا تريد أن أتمنى لك في فك

عيد الحب؟

:تردcدي أضافت بلهجة ساخرة أحبها دهشتي.. أو وأمام

!اليوم اطلب أيها األحمق.. فالدعوات تستجاب-

..ضحكت

Page 161: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q من النسيان فقط. ولكنني قلت Q كدت أقول لها أطلب شيئا Q مشابها شيئا:لذلك

قديسك طلبي أريد أن أحال إلى التقاعد العاطفي.. أيمكنك أن تبلcغي- !هذا

:قالت

بركاته إلى األبد.. هل با لك من مجنون.. أتمنى أال يسمعك فيحرمك من- أتعبك موعدنا األخير إلى هذا الحد؟

.كاترين. ثم وضعت تلك السماعة ألبكي معك يومها ضحكت مع

.الذي لم أكن سمعت به من قبل كنت أكتشف ألول مرة ألم ذلك العيد

حتى على تلك الزيارة، لم يأت هاتفك حتى ليشكرني على تلك اللوحة، أوcبت عنه .وذلك الموعد المتعمد الذي حضرته وتغي

..الحب إذن جاء عيد

كلc فيا عيدي وفجيعتي، وحبي وكراهيتي، ونسياني وذاكرتي، كلc عيد وأنت..هذا

اق، ويتبادلون فيه cون والعشc البطاقات للحب عيد إذن.. يحتفل به المحبcدتي؟ واألشواق، فأين عيد النسيان سي

Q Q بأعياد السنة، في بلد يحتفل كلc يوم هم الذين أعدcوا لنا مسبقا تقويما قدcيسيهم الثالثمائة والخمسة بقديس جديد على مدار السنة.. أليس بين

والستين.. قديس واحد يصلح للنسيان؟

الفراق هو الوجه اآلخر للحب، والخيبة هي الوجه اآلخر للعشق، مادامعاة البريد عن العمل، لماذا ال يكون هناك عيد للنسيان يضرب فيه س�

�منع فيه اإلذاعات من بثc األغاني وتتوقف فيه الخطوط الهاتفية، وت!العاطفية.. ونكفc فيه عن كتابة شعر الحب

كتب "فيكتور هوغو" لحبيبته جوليات دروي يقول: "كم هو منذ قرنين تكرار كلمة واحدة "أحبك" وكم هو خصب ال الحب عقيم، إنه ال يكف عن

"..الكلمة نفسها ينضب: هنالك ألف طريقة يمكنه أن يقول بها

ب معك ألف طريقة لقول cالكلمة دعيني أدهشك في عيد الحب.. وأجر ..الواحدة نفسها في الحب

Page 162: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

وأعشقك بالعواطف المتناقضة دعيني أسلك إليك الطرق المتشعcبة األلف،.والذاكرة األلف، وأنساك وأذكرك، بتطرcف النسيان

ف الحرية والعبودية.. بتناقض العشق cوأخضع لك وأتبرأ منك، بتطر .والكراهية

cدعيني في عيد الحب.. أكرهك.. بشيء من الحب.

أكرهك يومها؟ تراني بدأت

مدهشة، ومتى ولدت داخلي تلك العاطفة بالتحديد، وراحت تنمو بسرعةوأصبحت تجاور الحب بعنفه؟

Q ترى إثر خيباتي المتكررة معك، بعد كل تلك األعياد التي أخلفتها مرورا يسكنني، ذلك الجوع بذكرى لقائنا، أم بسبب ذلك التوتر الغامض الذي كان.الدائم إليك، الذي كان يجعلني ال أشتهي امرأة سواك

Q كنت أقدcم له كنت Q كنت أتحايل على جسدي. عبثا أريدك أنت ال غير، وعبثا.غيرك. كنتu شهوته الفريدة.. ومطلبه الوحيد امرأة أخرى

Q ربما، عندما كنت في لحظة حبc أمرر يدي على شعر كاترين. األكثر إيالماcي وإذا بيدي تصطدم بشعيراتها القصيرة الشقراء، cة حب فأفقد فجأة شهي

يفرّش وأنا أتذكر شعرك الغجري الطويل الحالك، الذي كان يمكن أن.بمفرده سريري

cرني بامتالئك، وخطوط جسدها المستقيمة المسطcحة كان نحولها يذك.تذكرني بتعاريجك وتضاريس جسدك

cرني كطفل� وكان عطرك يأتي بغيابه حتى حواسي ليلغي عطرها، ويذك!ألمي يتصرف بحواسه األولى، أن ذلك العطر لم يكن العطر السري

.كنت تتسللين إلى جسدي كلc صباح وتطردينها من سريري

ألمك السري، وشهوتك المتراكمة في الجسد قنبلة موقوتة، يوقظنيQ بعد .آخر ورغبة ليلية مؤجcلة يوما

Q، أم الشوق هو الذي ال Q حقا ينام؟ هل تستيقظ الرجولة باكرا

..أجيبيني أيتها األنثى التي تنام ملء جفونها كل ليلة

وtحدهمt الرجال ال ينامون؟ أ

Page 163: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

أكاد أعترف ولماذا يرتبك الجسد، وأكاد أجهش على صدر غيرك بالبكاء، لها أنني عاشق امرأة أخرى، وأنني عاجز أمامها ألن رجولتي لم تعد

!وإنما تتلقى أوامرها منك فقط ملكي،

!متى بدأت أكرهك

لبست فيه كاترين ثيابها، مدcعية بمجاملة كاذبة ترى في ذلك اليوم الذيQ ما لتتركني وحدي في ذلك .السرير الذي لم يعد يشبع نهمها موعدا

Q أن: يوم اكتشفت وأنا أذرف دمعة رجالية مكابرة أنه يحدث للرجولة أيضا الكبرياء الرجالي.. تنكcس أعالمها، وترفض حتى لعبة المجاملة.. أو منطق

.وأننا في النهاية لسنا أسياد أجسادنا كما نعتقد

تساءلت بشيء من السخرية المرة، إن كان ذلك القديس )السان يومهاQ إلى عاشق فالنتان( قد استجاب لدعوتي بهذه السرعة.. وحوcلني حقا

!متقاعد

آنذاك، وشعرت بشيء من المرارة أذكر أنني لعنتك.. وحقدت عليك ذراعي، كان يمكن أن المجاورة للبكاء.. أنا الذي لم أبك حتى يوم بترت

cي آخر ما أملك .أبكي يومها وأنت تسرقين من!رجولتي تسرقين

..".ذات يوم سألتك "هل تحبينني؟

uقلت:

!أدري.. حبك يزيد وينقص كاإليمان ال-

Q كإيمانك يمكن أن أقول اليوم، إن حقدي عليك كان يزيد ..وينقص أيضا

:يومها أضفت بسذاجة عاشق

-uمؤمنة؟ وهل أنت

uصحت:

Q.. أنا أمارس كل شعائر اإلسالم- وفرائضه.. طبعا

وهل تصومين؟-

Q أصوم.. إنها طريقتي في تحدcي هذه- المدينة.. في التواصل مع طبعا

Page 164: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.الوطن.. ومع الذاكرة

لم أكن أتوقcعك هكذا. كان في مظهرك تعجcبت لكالمك. ال أدري لماذا.شيء ما يوهم بتحررك من كل الرواسب

:أبديت لك دهشتي قلتu عندما

قضية ال تخصc كيف تسمcي الدين رواسب، إنه قناعة؛ وهو ككل قناعاتنا- ..سوانا

Q في هذه القضايا. اإليمان كالحب عاطفة سرية ال تصدق المظاهر أبدا درعنا نعيشها وحدنا في خلوتنا الدائمة إلى أنفسنا. إنها طمأنينتنا السرية،

.السرية.. وهروبنا السري إلى العمق لتجديد بطرياتنا عند الحاجة

Q ما يكونون قد أفرغوا أما الذين يبدو عليهم فائض من اإليمان، فهم غالبا الداخل ليعرضوا كل إيمانهم في الواجهة، ألسباب ال عالقة لها أنفسهم من

!بالله

!أجمل كالمك يومها ما كان

صباحات كان يأتي ليقلب ثنايا الذاكرة، ويوقظ داخلي صوت المآذن في.قسنطينة

كتاتيب كان يأتي مع الصلوات، مع التراتيل، مع صوت )المؤدcب( في قسنطينة القديمة. فأعود إلى الحصير نفسه أجلس عليه باالرتباك

أردcد مع أوالد آخرين تلك اآليات التي لم نكن نفهمها بعد، الطفولي نفسه،cا ننسخها على Q من ولكننا كن ذلك اللوح ونحفظها كيف ما كان، خوفا

تتربص بأقدامنا لتدميها عند "الفاالقة". وتلك العصا الطويلة التي كانت.أول غلطة

.لم أصم من سنين كان يأتي ليصالحني مع الله، أنا الذي

ضني ضد هذه المدينة التي تسرق cكان يصالحني مع الوطن، ويحر cي كلc من.يوم مساحة صغيرة من اإليمان.. ومن الذاكرة

.أيقظت مالئكتي وشياطيني في الوقت نفسه كنتu يومها المرأة التي ساحة يتصارع الخير والشر فيها.. ثم راحت تتفرج عليc بعدما حوcلتني إلى

!دون رحمة

***

Page 165: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.للمالئكة في ذلك العام.. كان النصر

قررت أن أصوم وقتها ربما بتأثير كالمك، وربما أيضا للهروب منك إلى".الله. أما قلت "العبادة درعنا السرية

..إذن قلت سأحتمي من سهامك باإليمان

رحت أحاول أن أنساك وأنسى قطيعتك.. وأنسى حتى وجودك معي في.نفسها المدينة

أحاول.. كم من األيام قضيتها في تلك الغيبوبة الدينية. بين الرهبة والذهولQ .بترويض جسدي على الجوع أن أروcضه على الحرمان منك أيضا

أستعيد سلطتي على حواسي التي تسللت إليها، وأصبحت كنت أريد أن.وحدك تتلقي أوامرها منك

Q أنا، مكانته األولى قبلك .كنت أريد أن أعيد لذلك الرجل الذي كان يوما.هيبته.. حرمته.. مبادئه.. وقيمه التي أعلنت عليها الحرب

ذلك بعض الشيء ولكنني لم أنجح في نسيانك أعترف أنني نجحت فيQ .أبدا

وأنا أكتشف أنني كنت أثناء ذلك أعيش. كنت أقع في فخc آخر لحبك.بتوقيتك ال غير

.اإلفطار معك. وأصوم وأفطر معك كنت أجلس إلى طاولة الرمضانية، وأتسحcر أتسحcر وأمسك عن األكل معك، أتناول نفس أطباقك

.بك.. ال غير

cد معك في كلcسوى التوح Q .شي دون علمي لم أكن أفعل شيئا

..إذن كنت في النهاية كالوطن. كان كلc شيء يؤدي إليك

Q حتى بصدcه وبصمته cك متواصال .مثله كان حب

Q .بإيمانه وبفكره مثله كان حبك حاضرا

Q؟ فهل العبادة تواصل أيضا

***

Page 166: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

انتهى رمضان. وها أنا أنزل من طوابق سموcي العابر، وأتدحرج فجأة نحو.ذلك الشهر الذي كنت أملك أكثر من مبرر للتشاؤم منه. حزيران

، ذكريات موجعة أخرى ارتبطت67عدا حزيران فقد كان في ذاكرتي ما بعضه في سجن للتحقيق الذي قضيت71بهذا الشهر، آخرها حزيران

..بعد والتأديب، يستضاف فيه بعض الذين لم يبتلعوا ألسنتهم

(أما أول ذكرى مؤلمة ارتبطت بهذا الشهر فكانت تعود إلى سجن )الكديةQ في قسنطينة مع مئات المساجين إثر مظاهرات ماي الذي دخلته يوما

.محاكمتنا في بداية حزيران أمام محكمة عسكرية حيث تمcت1945

،Q Q؟ أيc حزيران كان األكثر ظلما وأية تجربة كانت األكثر ألما

الذي أوصلتني أجوبتي إلى أصبحت أتحاشى طرح هذه األسئلة، منذ اليوم.جمع حقائبي ومغادرة الوطن

Q Q لسجنه؛ الوطن الذي أصبح سجنا Q لزنزانته؛ ال اسم رسميا ال عنوان معروفاQ، معصوب وال تهمة واضحة لمساجينه، والذي �قاد إليه فجرا أصبحت أ

Q بمجهولين، يقودانني إلى وجهة مجهولة Q. شرف ليس العينين محاطا أيضا.في متناول حتى كبار المجرمين عندنا

Q بحماسه وعنفوانه وتطرف أحالمه أنه سيأتي هل توقعت يوم كنت شابادني فيه cجزائري مثلي من ثيابي.. بعد ربع قرن، يوم عجيب كهذا، يجر

المرة( زنزانة وحتى من ساعتي وأشيائي، ليزجc بي في زنزانة )فردية هذهة cأدخلها باسم الثورة هذه المر..

دتني cمن ذراعي الثورة التي سبق أن جر!

cر من ذلك الشهر الذي أكثر من سبب وأكثر من ذكرى كانت تجعلني أتطي.قضم الكثير من سعادتي على مرc السنوات

أكثر، ليردc على تشاؤمي بكل تلك تراني في ذلك العام تحرcشت بالقدرواحد؟ الفجائع المذهلة التي حلcت بي في شهر

أم فقط، كان ذلك هو قانون الفجائع والكوارث التي ال تأتي سوى دفعة".واحدة "كي تجuي تيجبها شعرة.. وكي تروح تقطcع السالسل

cة الحياة، التي يكفي لمصادفة رفيعة كشعرة أن تأتيك كانت تلك عبثي.تتوقcعه بالسعادة والحب والحظc الذي لم تكن

ولكن.. عندما تنقطع تلك الشعرة الرفيعة، فهي تكسر معها كلc السالسل

Page 167: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q أنها أقوى من أن تكسرها شعرة Q إليها، معتقدا !التي كنت مشدودا

أنتبه إلى أن لقاءك ذات يوم، بعد ربع قرن من النسيان، كان تلك قبلها لم كشعرة التي عندما جاءت جرت معها سعادة العالم المصادفة الرفيعة

األحالم، وسحبت من تحتي بأكمله، وعندما رحلت قطعت كل سالسل.سجاد األمان

cسنوات، تعود اليوم لتكسر آخر تلك الشعرة التي ها هي ذي وبعد ست ، بعدما اعتقدت أنني في cالسقف علي c82حزيران أعمدة بيتي، وتهد

دفعت ما يكفي من الضريبة لينساني القدر بعض الوقت، بعدما لم يبق..قائم في حياتي، يمكن أن أخاف عليه من السقوط شيء واحد

:األولى في قانون الحياة كنت أجهل حين ذاك المادة

".غير إن مصير اإلنسان إنما هو خالصة تسلسالت حمقاء.. ال"

***

اليأس القاتل، عندما طعم المرارة الغامضة، ومذاق82كان لبداية صيف ة واحدة cيجمع بين الخيبات الذاتية القومية مر.

»ن: خبر صمتك المتواصل، وخبر الفجائع العربية وكنت .أعيش بين خبري

cص بي هذه المرة من طريق آخر. فقد جاء اجتياح إسرائيل كان قدري يترب وإقامتها في عاصمة عربية لعدة المفاجئ لبيروت في ذلك الصيف،

عربي.. جاء أسابيع.. على مرأى من أكثر من حاكم.. وأكثر من مليون.ينزل بي عدcة طوابق في سلcم اليأس

Q انفرد Q صغيرا بي وقتها وغطcى على بقية األخبار. فقد مات أذكر أن خبراQ Q على اجتياح الشاعر اللبناني خليل حاوي منتحرا cة، احتجاجا بطلقات ناري

أن يتقاسم هواءه إسرائيل للجنوب الذي كان جنوبه وحده، والذي رفض..مع إسرائيل

cز كان لموت ذلك الرجل الذي لم أكن قد سمعت به من قبل، ألم ممي.فريد المرارة

Q يحتجc به سوى موته Q يكتب عليه.. فعندما ال يجد شاعر شيئا وال يجد ورقاQ .علينا سوى جسده.. عندها يكون قد أطلق النار أيضا

..ذهب قلبي طوال تلك األيام عند زياد

Page 168: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q يقول Q: "كان قديما الشعراء فراشات تموت في الصيف". كان وقتها مولعاQ بالروائي الياباني "ميشيما" الذي Q بطريقة أخرى احتجاجا Q أيضا مات منتحرا

..على خيبة أخرى

من وحي أحد عناوين ميشيما: "الموت في الصيف"، أم تراه قالها يومها بسرد قائمة بأسماء الشعراء الذين أنها فكرة مسبقة مادام يدافع عنها

اختاروا هذا الموسم ليرحلوا؟

إليه آنذاك، وأحاول أن أقابل نظرته التشاؤمية للصيف بشيء كنت أستمعQ: "يمكنني أن من السخرية، خشية أن ينقل . فأقول له مازحا cعدواه إلي

Q عشرات األسماء لشعراء لم !".يموتوا في الصيف أسرد عليك أيضا

Q من يموتون بين صيفين» Q.. هناك أيضا فال أملك إال! " فيضحك ويردc: "طبعا!".أن أجيبه: "يا لعناد الشعراء.. وحماقتهم

الذاكرة. ورحت أتساءل فجأة أين يمكن أن يكون في هذه عاد زياد إلىاأليام؟

في أية جبهة.. في أي شارع، وكل الشوارع مطوقة، وكل.. في أية مدينةللموت؟ المدن مقابر جاهزة

منذ رحل لم تصلني منه سوى رسالة واحدة قصيرة، يشكرني فيها على ضيافتي. كان ذلك منذ رحيله.. منذ ثمانية أشهر. فماذا تراه أصبح منذ ذلك

الحين؟

Q وسط المعارك والكمائن، Q عليه حتى اآلن. فقد عاّش دائما لم أكن قلقاQ يخافه الموت أو يحترمه، فلم يشأ أن يأخذه والقصف العشوائي. كان رجال

.بالجملة

وبرغم ذلك كانت عاطفة غامضة ما توقظ مخاوفي. ورحت أتشاءم وأناQ cر كالمه عن الصيف.. وموت ذلك الشاعر منتحرا .أتذك

Q؟ ماذا لو لم يكونوا ماذا لو كان الشعراء يقلcدون بعضهم في الموت أيضاQ فراشات فقط؟ لو كانوا مثل حيتان cون الموت جماعيا البالين الضخمة يحبذاتها؟ في المواسم نفسها.. على الشطآن

Q صيف Q خلفه مسودcة روايته1961لقد انتحر )همنغواي( أيضا األخيرة تاركا"."الصيف الخطر

والشعراء الذين لم فأية عالقة بين الصيف وبين كلc هؤالء الروائيينيتالقوا؟

Page 169: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q في تلك الفكرة، وكأنني أستدرج بها القدر أو كان ال بد أال أتعمcق كثيرا منها بعد، أتحداه، فيعطيني في ذلك الصيف تلك الصفعة التي لم أنهض

.برغم مرور السنوات

***

..مات زياد

من مربع صغير في جريدة إلى العين.. ثم وها هو خبر نعيه يقفز مصادفة غصcة في حلقي، فال أصرٍخ.. وال إلى القلب.. فيتوقcف الزمن. يتكوcر النبأ

.أبكي

.الفجيعة أصاب بشلل الذهول فقط، وصاعقة

كيف حدث هذا؟. وكيف لم أتوقع موته ونظراته األخيرة لي كانت تحملأكثر من وداع؟

وأنا مازالت حقيبته هنا، في خزانة غرفتي تفاجئني عدة مرات في اليوم.أبحث عن أشيائي

كثير من الزاد لقد عاد هناك دون أمتعة. أكان يعرف أنه لن يحتاج إلى لرحلته األخيرة، أم كان يفكر في العودة ليستقرc هنا ويعيش إلى جوارك

كما كنت أتوهم تحت تأثير غيرتي؟

الصمت بيننا في األيام لم أسأله يومها عن قراره األخير. لقد سكن لي بأمر األخيرة. وأصبحت أتحاشى الجلوس إليه. وكأنني أخاف أن يعترف

.أخشاه أو بقرار أتوقعه

Q بحقيبة يد Q وهو يسافر محمcال Q فقط: لم يقل شيئا صغيرة. قال لي معتذرا أن مضايقات "أال يزعجك أن أترك هذه األيام الحقيبة عندك.. أنت تدري

المطارات كثيرة هذه األيام، وال أريد أن أنقل أشيائي مرة أخرى من مطار.."إلى آخر

ثم أضاف بما يشبه السخرية: "خاصة أن ال شيء ينتظرني في المطار!".األخير

.الموت لم يخطئ حدسه إذن.. لم يكن في انتظاره سوى رصاصة

..مازلت أذكر قوله مرة: "لنا في كل وطن مقبرة.. على يد الجميع متنا.."باسم كل الثورات وباسم كلc الكتب

Page 170: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

!هويته فقط ولم تقتله قناعاته هذه المرة.. قتلته

.نخب ضحكته سكرت ذلك المساء

Q.. ذلك .الذي ال يعادله حزن نخب حزنه المكابر أيضا

.نخب رحيله الجميل.. نخب رحيله األخير

..المساء بكيته ذلك

Q من رجولتنا .ذلك البكاء الموجع المكابر الذي نسرقه سرا.أي رجل فيه كنت أبكي األكثر وتساءلت

uمt البكاء؟ ول

Q كما Q في معركة ما كما لقد مات شاعرا أراد.. ذات صيف كما أراد. مقاتالQ .أراد أيضا

.حتى بموته لقد هزمني

cرت وقتها تلك المقولة الرائعة للشاعر والرسام "جان كوكتو الذي" تذكQ، فتوجه إلى بيكاسو وإلى Q سيناريو فيلم يتصور فيه موته مسبقا كتب يوما

القالئل الذين وقفوا يبكونه، ليقول لهم بتلك السخرية الموجعة أصدقائه:يتقنها التي كان

ال تبكوا هكذا.. تظاهروا فقط بالبكاء.. فالشعراء ال يموتون. إنهم"!".يتظاهرون بالموت فقط

عناد.. ليقنعني وماذا لو كان زياد يتظاهر بالموت فقط؟ لو فعل ذلك عنQ في الصيف ويبعثون في كل الفصول؟ أن الشعراء يموتون حقا

uوأنت..

وسط قصة أخرى تراك تدرين؟ هل أتاك خبر موته؟ أم سيأتيك ذات يوموأبطال آخرين؟

Q من وماذا ستفعلين يومها؟ أستبكينه.. أم تجلسين لتبني له ضريحا كلc الكلمات، وتدفنيه بين دفcتي كتاب، كما تعودت أن تدفني على عجل

Q؟ من أحببت وقررت قتلهم يوما

العنق والبدالت الفاخرة، بأية هو الذي كان يكره الرثاء، كراهيته لربطاتلغة سترثينه؟

Page 171: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.هزمني في الواقع.. لقد هزمك زياد كما وضعك أمام الحد الفاصل بين لعبة الموت.. والموت. فليس كل األبطال

.للموت على الورق قابلين

.رواية هنالك من يختارون موتهم وحدهم.. وال يمكننا قتلهم لمجرد

.وكان يكذب.. كبطل جاهز لرواية

Q فقط بعد أكثر كان يكابر ويدcعي أن فلسطين وحدها أمcه. ويعترف أحيانا مقابر جماعية لمذبحة أولى من كأس، أن ال قبر ألمه، تلك التي دفنت في

(.كان اسمها )تلc الزعتر

Q تذكارية، ورفعوا عالمات النصر ووقفوا بأحذيتهم على وإنهم أخذوا صوراcتها جثث.. قد تكون بينها .جث

.ولحظتها فقط كان يبدو لي أنه يبكي

uمt البكاء زياد؟ فtل

Q. وها أنت Q مجهوال cة. في كلc مذبحة تركت قبرا في كل معركة كانت لك جث ذا تواصل بموتك منطق األشياء. فال شي كان في انتظارك غير قطار

.الموت

( أو82من أخذ قطار تلc الزعتر، وهنالك من أخذ قطار )بيروت هنالك..وشاتيال قطار صبرا

cم أو في بقايا وهناك من هنا أو هناك، مازال ينتظر رحلته األخيرة، في مخي..بيت، أو في بلد عربي ما

.وبين كلc قطار وقطار.. قطار

cموت وموت.. موت بين كل.

أمام كلc فما أسعد الذين أخذوا القطار صديقي. ما أسعدهم وما أتعسنا!نشرة أخبار

أصبحت ظاهرة". بعدهم كثرت "وكاالت السفريات" و "الرحالت الجماعية..عربية يحترفها كلc نظام على طريقته

cة بعدهم أصبح الوطن مجرد cا سك محطة. وأصبحت في أعماق كلc منQ ما.. يحزننا أن نأخذه .ويحزننا أن يسافر دوننا.. حديدية تنتظر قطارا

Page 172: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..رحل زياد إذن

cة في ركن خزانته، منذ عدة شهور، تغطcي وإذا بحقيبته السوداء المنسي.الوحيد، حتى أنني ال أرى غيرها فجأة على كل أثاث البيت، وتصبح أثاثي

وأنني على موعد معه. عندما عندما أعود إلى البيت. أشعر أنها تنتظرني على صدري، أترك بيتي، أشعر أنني أهرب منها وأنها كانت بلغزها جاثمة

.دون أن أدري

أطفئ جهاز ولكن كيف الهروب منها وهي تتربص بي كل مساء، عندماQ ألدخن سيجارة قبل النوم فيبدأ ..العذاب التلفزيون، وأجلس وحيدا

بها؟ وأعود إلى السؤال نفسه: ماذا داخل هذه الحقيبة.. وماذا أفعل

Q cر ماذا يفعل الناس عادة بأشياء الموتى. بثيابهم مثال أحاول أن أتذك وحاجاتهم الخاصة. فتعود )أمcأ( إلى الذاكرة ومعها تلك األيام المؤلمة التي

.وتلت وفاتها سبقت

cر ثيابها وأشياءها، أتذكر )كندورتها( العنابي التي لم تكن أجمل أثوابها، أتذك. فقد تعودت أن أراها تلبسها في كل cولكنها كانت أحب أثوابها إلي

.المناسبات

شيء كانت الثوب الذي يحمل األكثر عطرها ورائحتها المميزة، رائحة فيهاcق. مزيج من من العنبر، شيء من عرقها، وشيء شبيه بالياسمين المعت

.بدائية، كنت أستنشق معها األمومة عطور طبيعية

أمcا( فقيل لي بشيء من )سألت عن تلك )الكندورة( بعد أيام من وفاة الالتي حضرن االستغراب إنها أعطيت مع أشياء أخرى للنساء الفقيرات،

.إلعداد الطعام في ذلك اليوم

ولكن خالتي الكبرى قالت: "إن أشياء.." صرخت: "إنها لي.. كنت أريدها عدا بعض األشياء الميت يجب أن تخرج من البيت قبل خروجه منه.. ما

".الثمينة التي يحتفظ بها للذكرى أو للبركة

Q وكأنها ولدت به،(.. ومقياس )أمcا ذلك السوار الذي لم يفارق معصمها يومابه؟ ماذا تراهم فعلوا

.لم أجرؤ على السؤال

ان الذي لم يكن يتجاوز السنوات cمما كان أخي حس Q العشر، ال يعي شيئا.يحدث حوله سوى وفاة )أمcا( وغيابها النهائي

Page 173: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

رن كل شيء. كأن ذلك وكنت cبحشد من النساء الالتي كن يقر Q محاطا:لهن البيت أصبح فجأة

أين )مقياس( أمcا؟ من األرجح أن يكون قد أصبح من نصيب إحدى ربما استحوذ عليه أبي مع بقية صيغتها ليقدcمها هدية لعروسه الخاالت، أو

.الجديدة

عدت إلى هذه الذكرى وتفاصيلها، ازدادت عالقتي بهذه الحقيبة كلماQ .تعقيدا

لبعض األشياء على بساطتها، قيمة ال عالقة لها بمقاييس اآلخرين فقد كان فماذا أفعل بحقيبة تركها صاحبها منذ ثمانية أشهر دون. للتركة والمخلفات

ومات؟.. أية وصية أو توضيح خاص

هل أتصدق بها على الفقراء، مادامت أشياء الموتى يجب أن تلحق بهم، أمأحتفظ بها كذكرى من صديق مادمنا ال نحتفظ إال باألشياء الثمينة؟

أم أمانة؟.. أهي عبء

بحملها وإذا كانت عبئا.. لماذا أخذتها منه دون مناقشة، لماذا لم أقنعهQ؟ معه، بحجة أنني قد أترك باريس مثال

بموت صاحبها إلى وصية. فهل نتصدcق بوصايا وإذا كانت أمانة.. ألم تتحولعابر سبيل؟ الشهداء.. هل نضعها عند بابنا هدية ألول

Q بهاجس تلك الحقيبة أنني وكنت أدري خالل تلك األيام التي عشتها مسكونا أرهق نفسي هباءQ، وأن محتواها وحده يمكن أن يحدد قيمتها وصفتها،

ما يمكن أن أفعله بها. ولذا بدأت أخافها فجأة، أنا الذي لم ويحدد بالتاليQ من .قبل أكن أعيرها اهتماما

ترى أكان موت زياد هو الذي أضفى عليها ذلك الطابع المربك، أم أنني فيك، تحمل شيئا عنك كنت أخاف أن cالحقيقة، كنت أخاف أن تحمل لي سر

أعرفه؟

***

.الشكc كان ال بد أن أفتح تلك الحقيبة.. ألغلق أبواب أخذت ذلك القرار ذات ليلة سبت، بعد مرور أسبوع على قراءتي خبر

.زياد استشهاد

كان هناك احتمال آخر فقط، ال يخلو من الحماقة، كأن آخذها إلى مقر

Page 174: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

المنظمة وأسلcمها ألحدهم هناك، ليتكفcل بإرسالها إلى أقرباء زياد في لبنان..مكان آخر أو في

cر أنه لم يعد لزياد من ولكنني عدلت عن هذه الفكرة الساذجة وأنا أتذك أهل في لبنان. فلمن سيسلcمها هؤالء.. وعند أية قبيلة وأية فصيلة سينتهي

مصيرها؟

بأبوcة من سيكون "أبوها".. وهنالك أكثر من "أبو" يعتقد أنه ينفرد وحده القضية الفلسطينية، وأنه الوريث الشرعي الوحيد للشهداء.. وأن اآلخرين

خونة؟

ومن أدراني على يد من مات زياد؟

على يد المجرمين األعداء؟ أما كان على يد المجرمين "اإلخوة".. أم يمكنهم قتلنا تحت تسمية يقول: "لقد حوcلوا "القضية" إلى قضايا.. حتى

.."أخرى غير الجريمة

الشباب الفلسطيني قتل برصاص فبأية رصاصة مات زياد.. وخيرةفلسطيني.. أو عربي ال غير؟

.ارتجفت يدي وأنا أفك أقفال تلك الحقيبة.. في ذلك المساءc cر أنني أملك يدا .واحدة شيء ما جعلني أتذك

يتركها لي لم تكن الحقيبة مغلقة بمفتاح وال بأقفال جانبية. وكأنه تعمcد أنQ، في دعوة صامتة .للدخول شبه مفتوحة كما يترك أحد الباب مواربا

المتأخر شعرت بشيء من االرتياح لهذه "االلتفاتة"، ولهذا اإلذن السابق أو..عن أوانه، الذي منحه لي زياد لدخول عالمه الخاص دون إحراج

فعل ذلك ألنه كان يكره األقفال المخلوعة، واألبواب المفتوحة عنوة تراهوألقدام العسكر؟ كراهيته للمخبرين

Q كهذا؟ أم ألنه كان يتوقcع يوما

لم تمنع قشعريرة من أن تسري في جسدي، وفكرة كل هذه االفتراضات..أخرى تعبرني

Q أنه ذاهب إلى الموت. وهذه الحقيبة كانت معدcة لي لقد كان يعرف مسبقا أن أفتحها منذ عدة شهور. فهي لم تعد موجودة منذ البداية. وكان بإمكاني

.البيت بالنسبة إليه منذ أن غادر هذا

.إنها طريقته في قطع جذور الذاكرة.. كالعادة

Page 175: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

الفوقي للحقيبة، بعد أن وضعتها على طرف السرير.. رفعت النصف.فيها وألقيت نظرة أولى على ما

Q، وأنا أرى ثيابه أمامي، ألمس كنزته وإذا بالموت والحياة يهجمان عليc معا..الصوفية الرمادية، وجاكيته الجلدي األسود الذي تعوcدت أن أراه به

أنا أملك حجة حضوره، وحجة موته.. وحجة حياته. وها هي رائحة الحياة هاQ وبالقوة نفسها من ثنايا تلك الحقيبة والموت تنبعثان .معا

.بقاياه ها أنا معه ودونه.. أمام

cثياب.. ثياب.. أغلفه خارجية لكتاب بشري.

.من زجاج واجهة قماشية لمسكن انكسر المسكن وظلcت الواجهة، ذاكرة مثنية في حقيبة، فلماذا ترك لي

.الواجهة؟

بين الثياب قميص حريري سماوي اللون، مازال في غالفه الالمع.الشفاف.. لم يفتح بعد. أستنتج دون جهد أنه هدية منك

موسيقية، أحدها لتيودوركيس، واألخرى مقطوعات ثم ثالثة أشرطةQ وأنا أتذكر أن زياد كلما سافر ترك لي أشرطة كالسيكية أضعها جانبا

Q Q أيضا cقا Q معل cا Q.. وحب Q.. وثيابا .وكتبا

هذه هي المرة األولى التي يترك أشياءه مجموعة في حقيبة، مرتبة ولكنQ لسفر ما. كأنه بعناية وكأنه أعدها لنفسه وجمع فيها مل ما يحب استعدادا

وحيث كان يريد أن يرتدي جاكيته األسود أراد أن يأخذها معه حيث سيذهب!تيودوركيس المفضcل.. ويستمع إلى موسيقى

ة أولى. ترتعش cوفجأة تقع يدي على روايتك أسفل الحقيبة. فأصاب بهز يدي، تتوقف لحظات قبل أن تمسك بالكتاب. أجلس على طرف السرير

Q قبل أن أفتحه. وكأنني Q ملغوما .سأفتح طردا

.أتصفح الكتاب بسرعة. وكأنني ال أعرفه

Q عن اإلهداء، فتقابلني ثم Q.. وأركض إلى الصفحة األولى بحثا cر شيئا أتذك دون كلمة واحدة. دون توقيع أو إهداء. فأشعر بنوبة حزن.. ورقة بيضاء

.للبكاء تشلc يدي، وبرغبة غامضة

cا أهديت نسختك المزوcرة؟ وكالنا يملك نسخة دون توقيع؟ لمن من

Page 176: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

_من منا أوهمته أنه يسكن الصفحات الداخلية للكتاب_ كما يسكن قلبكوأنه ليس في حاجة إلى إهداء؟

Q_ لدرجة ر أن يأخذ معه هذه وهل صدcقك زياد.. هل صدcقك _هو أيضا cأنه قر !الرواية ليعيد قراءتها، حيث سيذهب.. هناك

تلك الصفحة البيضاء كافية إلدانتك. كانت تقول بالكلمات التي لم كانتQ بعد ذلك أال أجد أية كان تكتب، أكثر مما يمكن أن تكتبي.. فهل كان مهما

الحقيبة؟ رسالة لك في تلك

.ذلك لقد كنتu امرأة تتقن الكتابة على بياض.. ووحدي كنت أعرف

ما عدا روايتك لم أجد سوى مفكرة سوداء متوسطة الحجم موضوعةQ_ كسرc عميق أسفل .الحقيبة_أيضا

البرتقالية" التي كان يستعملها ما كدت أرفعها حتى وقعت منها "البطاقة أكتوبر( الشهر األخير الذي )زياد للتنقلc بالميترو. داخلها قصاصة بتاريخ

.رحل فيه

أفكر إال في اإلطالع على تلك أنظر على تلك البطاقة على عجل، وأنا ال..المفكرة. ولكن صورته تستوقفني

..الموتى مربكة صور

Q Q. فجأة يصبحون أكثر حزنا وأكثر ومربكة أكثر صور الشهداء. موجعة دائماQ من صورتهم .غموضا

.منهم فجأة.. يصبحون أجمل بلغزهم، ونصبح أبشع.فجأة.. نخاف أن نطيل النظر إليهم

!نتأمcلهم فجأة.. نخاف من صورنا القادمة ونحنQ ذاك الرجل tم» كان وسيما .ك

cة التي ال تفسير لها. ها هو حتى في صورة تلك الوسامة الغامضة المخفي.يمكنه أن يكون مميزا سريعة تلتقط له في ثالث دقائق، بخمسة فرنكات،

Q، بذلك الحزن الغامض الساخر. وكأنه يمكنه أن يكون حتى بعد موته مغريا.يسخر من لحظة كهذه

أحببته قبلك بطريقة أخرى. كما وأفهم مرة أخرى أن تكوني أحببته. لقدQ نعجب به ونريد أن نشبهه، لسبب أو آلخر فنكثر من الجلوس. نحب شخصا

الجمال إليه والخروج برفقته والظهور معه. وكأننا نعتقد في أعماقنا أن والجنون والموهبة والصفات التي تبهرنا فيه قد تكون قابلة للعدوى

Page 177: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.إلينا عن طريق المعاشرة واالنتقال

Q. أية فكرة حمقاء كانت تلك! لم أكتف أنها كانت سبب كارثتي إال مؤخراQ..( "ال تبحث Q لكاتب فرنسي )رسام أيضا Q رائعا عن عندما قرأت قوال

!"الجمال..ألنك عندما تجده، تكون قد شوcهت نفسك

Q غير .هذه الحماقة ولم أكن فعلت شيئا

..المفكرة أعدت بطاقته وصورته إلى الحقيبة، ورحت أقلcب تلك

Q قد يفاجئني، قد يعكر مزاجي ويشرع الباب كنت أشعر أنها تحمل شيئاللعواصف المتأخرة عن مواسمها. فماذا تراه كتب في هذا الدفتر؟

Q. وكنت أشعر أن الحقيقة هنا كنت أدري أن الحقيقة تولد صغيرة دائما..فخفت المفكرة. كانت صغيرة في حجم مفكرة جيب

بحثت عن سيجارة أشعلها. واستلقيت على ذلك السرير ألتصفح جرحي..على مهل

وآخر. كانت الصفحات تتالى مليئة بالمقاطع الشعرية المبعثرة بين تاريخQ صفحتين أو بالكتابات الهامشية.. ثم بقصائد أخرى تشغل وحدها أحيانا

Q ثم خواطر قصيرة من بضعة سطور مكتوبة وسط الصفحة بلون. ثالثاQ.. وكأنه كان يريد .أن يميزها عن بقية ما كتب أحمر دائما

Q وربما ألنها كانت أهم من .الشعر ربما ألنها لم تكن شعرا

من أين أبدأ هذه المفكرة؟.. من أي مدخل أدخل هذه الدهاليز السريةQ بالتسلل إليها عساني أكتشفك فيها؟ لزياد، التي حلمت دائما

تستوقفني، فأبدأ في قراءة قصيدة. أحاول فك لغز كانت العناوين الرموز تارة، ووسط التفاصيل الكلمات المتقاطعة.. أبحث عنك وسط

Q أخرى Q أحيانا .األكثر اعترافا

Q عن حجج ثم ال ألبث أن Q إلى صفحة أخرى، بحثا أتركها وألهث مسرعا تقول لي باألسود واألبيض.. ما الذي أخرى، عن إيضاحات أكثر، عن كلمات

.حدث

االنفعال واألحاسيس المتطرفة ولكنني كنت في الواقع على درجة من عن التمييز بين المتناقضة التي كانت تكاد تشلc تفكيري، وتجعلني عاجزا

.ما أقرأ وما أتوهم قراءته

أمامي بأشيائها المبعثرة، وبذلك الدفتر كان منظر تلك الحقيبة المفتوحة

Page 178: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q به تجعلني أخجل من نفسي في تلك األسود الصغير الذي كنت ممسكاcة زياد Q غير تشريح جث المبعثرة اللحظة. وكأنني بفتحها لم أفعل شيئا

بأشيائها وأشالئها على سريري، ألخرج منها هذا الدفتر الذي هو قلبه ال.غير

Q لك، والذي هاهو اليوم حتى بعد موته بواصل قلب زياد الذي نبض يوماQ.. نبضه Q.. حزنا بين يديc على وقع الكلمات المشحونة حسرة وخوفا

..وشهوة

ي شفتيك على جسدي" cمررcروا غير تلك السيوف علي cفما مر

لهب أشعليني أيا امرأة منQ بنا الحب يوما cيقر

Q يباعدنا الموت يوما..تراب ويحكمنا حفنة من

بنا شهوة للجسد cتقرQ ثم يوما

جسد يباعدنا الجرح لمcا يصير بحجمتوحدت فيك

أيا امرأة من تراب ومرمر..سقيتك ثم بكيت وقلت

..عشقي أميرةأميرة موتي

تعالي!؟

كل مرة، بشك³ جديد كل كم من مرة قرأت هذا المقطع. بأحاسيس جديدة وأين يبدأ.. مرة، وتساءلت بعجز من ال يحترف الشعر.. أين ينتهي الخيال

الواقع؟

أين يقع الحد الفاصل بين الرمز والحقيقة؟

Q باألرض كانت كل Q ملتحما جملة تلغي التي سبقتها. وكانت المرأة هنا جسداQ إلى حد لم يعد فيه .الفصل أو التمييز بينهما ممكنا

:وبشهوتها المفضوحة ولكن كانت هناك كلمات ال تخطئ بواقعيتها

"مرري على جسدي شفتيك""لهب أشعليني أيا امرأة من""تقربنا شهوة للجسد""توحدت فيك"

Q من أ بها زياد نفسه؟ أكانت الثورة إذن حشوا cالكلمات ال أكثر بر

Page 179: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cة كبرياء.. مراوغة كان يفضcل أن يهزمه الموت وال تهزمه امرأة. قضي..".شخصية.. "أميرة موتي.. تعالي

Q. وأنت تراك جئت في ذلك اليوم؟ ها هو الموت جاء أخيرا

رت على cأمر ..Q جسده شفتيك.. أأشعلته.. أتوحcد فيك.. هل انفرد بك حقاوهل..؟

فتاريخ هذه القصيدة يصادف تاريخ. من األرجح أن يكون ذلك قد حصل.سفري إلى إسبانيا

.بعاطفة غريبة ال عالقة لها بالغيرة كان القلب قد بدأ يطفح

cر طعم المرارة نحن ال نشعر بالغيرة من الموات.. ولكننا ال يمكن أن نغي.في هذه الحاالت

يستوقفهما اللون األحمر، من أن تقرأ هذه فهل أمنع عيني اللتين.الخاطرة.. دون دموع

العمر الكثير لم يبق من"أيتها الواقفة في مفترق األضداد

..أدرياألخيرة ستكونين خطيئتي

.أسألكحتى متى سأبقى خطيئتك األولى

cسع ألكثر من بداية لك مت.وقصيرة كل النهاياتإني أنتهي اآلن فيك

Q يصلح !"ألكثر من نهاية فمن يعطي للعمر عمرا

..تستوقفني بعض الكلمات، وتستدرجني إلى الذهولQ بدم وردي خجول يتدحرج على ورق.. ويأخذ Q شبيها الحبر األحمر فجأة لونا

..".األولى ليصبح لون "خطيئتك فأسرع بإغالق تلك المفكرة وكأنني أخاف إن أنا واصلت قلب الصفحات،

!أفاجئكما في وضع� لم أتوقعه أن

.بعيد.. يحضرني كالم قاله زياد مرة في زمن بعيد

Q آلدم، ألنه يوم قرر أن يذوق التفاحة لم Q كبيرا يكتف قال: "أنا أكنc احترماcها. ربما كان يدري أنه ليس هناك من أنصاف خطايا بقضمها، وإنما أكلها كل

أنصاف ملذcات.. ولذلك ال يوجد مكان ثالث بين الجنة والنار. وعلينا وال

Page 180: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q !"للحسابات الخاطئة_ أن ندخل إحداهما بجدارة _تفاديا

Q بفلسفة زياد في الحياة. فما الذي يؤلمني اليوم في كنت آنذاك معجباأفكار شاطرته إياها؟

تفاحته هذه المرة من حديقتي السرية؟ أم كونه راح ترى كونه سرقاختياره وارتاح؟ يقضمها أمامي.. بشهية من حسم

ال تملك األشجار إال"Q أن تمارس الحب واقفة أيضا

نخلة عشقي.. قفي يا وحدي حملت حداد الغابات التي

أحرقوهاالركوع ليرغموا الشجر على

"واقفة تموت األشجار"تعالي للوقوف معي

cع فيك رجولتي أريد أن أشي.."إلى مثواها األخير

.المفكرة فجأة بدأت أشعر بحماقة فتح تلك

.أتعبتني تأويالتي الشخصية لكل كلمة أصادفها

بالندم. فأنا برغم كل شيء ال أريد أن أكره زياد اليوم. ال وبدأت أشعر.أستطيع ذلك

منحه الموت حصانة ضد كراهيتي وغيرتي. وها أنا صغير أمامه وأمام لقد.موته

Q إلدانته، سوى كلماته القابلة ألكثر من تأويل. فلماذا ها أنا ال أملك شيئاتأويلها األسوأ؟ أصرc على

االغتصاب لماذا أطارده بكل هذه الشبهات، وأنا أدري أنه شاعر يحترف اللغوي، نكاية في العالم الذي لم يخلق على قياسه، بل ربما خلق على

فهل أطلق النار عليه بتهمة الكلمات؟. حسابهQ.. وال قدر له سوى قدر األشجار. فهل أحاسبه حتى لقد ولد هكذا واقفا

cه؟ على طريقة موته.. وعلى طريقة حب

Q وأذكر اآلن أنني .عرفته واقفا

أبديت له أذكر ذلك اليوم الذي زارني فيه في مكتبي ألول مرة، عندما.بعض مالحظاتي عن ديوانه، وطلبت منه أن يحذف بعض القصائد

Page 181: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

صمته، ثم نظرته التي توقفت بعض الوقت عند ذراعي المبتورة، قبل أذكرQ في تغيير مجرى حياتي. قال أن يقول تلك الجملة التي كانت بعد ذلك سببا

cلي ديواني. سأطبعه في بيروت لي: "ال تبتر قصائدي..سيدي، رد"..

أصفعه بيدي الثانية غير لماذا قبلت إهانته يومها، دون رد؟ لماذا لمالمبتورة وأرمي له بمخطوطه؟

األشجار ووحدتها، في زمن كانت فيه األقالم أألنني احترمت فيه شجاعةسنابل تنحني أمام أول ريح؟

Q Q غادرني واقفا .عرفت زياد.. وواقفا

.هذه المرة أما مخطوط تركني كأول مرة. ولكن دون أيc تعليق.صمتها لقد أصبح بيننا _منذ ذلك الحين_ تواطؤ الغابات... واليوم

cب ذلك الدفتر وأعدcفجأة استيقظت داخلي بقايا مهنة سابقة. ورحت أقل صفحاته وأتصفحها بعيني ناشر. وإذ بحماس مفاجئ يدبc في قلبي ويغطcي

.األحاسيس. وقرار جنوني يسكنني على بقية

أسمcيها "األشجار" أو سأنشر هذه الكتابات في مجموعة شعرية، قدQ آخر قد أعثر عليه أثناء .ذلك "مسودات رجل أحبك".. أو عنوانا

Q آخر ال صيف المهم.. أن تصدر هذه الخواطر األخيرة لزياد. أن أمنحه عمراQ من القدر الذي يطاردهم كما يطارد فيه.. فهكذا ينتقم الشعراء دائما

..الفراشات الصيف

إنهم يتحوcلون إلى دواوين شعر. فمن يقتل الكلمات؟

***

..أدري أنقذني دفتر زياد من اليأس دون أن

مشروع. فقد حدث في تلك منحني مشاريع أليام كانت فارغة من أي أن قضيت ساعات بأكملها وأنا أنسخ قصيدة، أو أبحث عن عنوان األيام

تلك الخواطر والمقاطع المبعثرة، لوضعها ألخرى، وأحاول ترتيب فوضى.في سياق صالح� للنشر

Q كنت أشعر بلذcة ..ومرارة معا

وأدها لذcة االنحياز للفراشات، وبعث الحياة في كلمات� وحدي أملك حق

Page 182: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.في مفكرة، أو منحها الخلود في كتاب

..ومرارة أخرى

التنقيب في أوراق شاعر مات، والتجول في دورته الدموية، في مرارة عالمه المغلق السري دون تصريح وال رخصة نبضه وحزنه ونشوته، ودخول

.اإلضافة والحذف منه، والتصرف نيابة عنه في االختيار وفي

Q كنت أملك صالحية كهذه..؟ ومن يمكن أن يدcعي أنه لسبب أو آلخر أحقاcل بمهمة كهذه؟ موك

Q على الحكم بالموت على كلمات اآلخرين، ويقرر ولكن من يجرؤ أيضااالستحواذ عليها وحده؟

cاب نكهة حزن كنت أدري في أعماقي، أنه إذا كان لموت الشعراء والكت�عزى لكونهم وحدهم عندما إضافية، تميزهم عن موت اآلخرين، فربما ت

يموتون يتركون على طاولتهم ككل المبدعين، رؤوس أقالم.. رؤوس.ومسودات أشياء لم تكتمل أحالم،

.يحزننا ولذا فإن موتهم يحرجنا.. بقدر ما

.أما الناس العاديون، فهم يحملون أحالمهم وهمومهم ومشاعرهم فوقهم إنهم يلبسونها كل يوم مع ابتسامتهم، وكآبتهم، وضحكتهم، وأحاديثهم،

.معهم فتموت أسرارهم

في البدء، كان سر زياد يحرجني، قبل أن يستدرجني إلى البوح، وإذا.بكتاباته تخلق عندي رغبة ال تقاوم للكتابة

التي كنت أشعر أن كلماته ال تطال رغبة كانت تزداد في تلك المرات النصف اآلخر للقصة، أعماقي، وأنها أقصر من جرحي. ربما ألنه كان يجهل

.تلك التي كنت أعرفها وحدي

الكتاب؟ متى ولدت فكرة هذا

Q بإرث زياد الشعريc، في ذلك ترى في تلك الفترة التي قضيتها محاصرا اللقاء غير المتوقع لي مع األدب والمخطوطات التي انفصلت عنها منذ

وظيفتي.. منذ عدة سنوات في الجزائر؟ انفصالي عن

Q أم في لقائي غير المتوقع اآلخر، مع مدينة حجز لي القدر نفسه موعداQ معها؟ متأخرا

Q لوجه مع قسنطينة، دون سابق إنذار، أكان يمكن لي أن أجد نفسي وجها

Page 183: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..وجنون وخيبة دون أن تنفجر داخلي الدهشة، شالالت شوق

!فتجرفني الكلمات.. إلى حيث أنا

الفصل الخامس

مازلت أذكر ذلك السبت العجيب.. عندما رن الهاتف ذلك المساء بتوقيت نشرة

.األخبار

كان سي الشريف على الخط بحرارة وشوق أسعداني في البداية،.من رتابة صمتي الليلي ووحدته وأخرجاني

Q بحد ذاته والصلة الوحيدة التي ظلت تربطني بك، كان صوته عندي عيدا.بعدما سدcت كل الطرق الموصلة إليك

Q Q احتمال لقاء� بك بطريقة أو بأخرى وكنت أستبشر خيرا .به. إنه يحمل دائما..لي أكثر من هذا ولكنه هذه المرة كان يحمل

Q عن انقطاعه عني منذ سهرتنا األخيرة، بسبب راح سي الشريف يعتذر أوال مشاغله الكثيرة، وزيارات المسؤولين التي ال تتوقف إلى باريس.. قبل أن

:يضيف

إنني لم أنسك طوال هذه الفترة.. لقد علcقت لوحتك في الصالون"Q وأصبحت Q كبيرا أتقاسم معك البيت.. أتدري، لقد تركت التفاتتك تلك أثرا

أكثر من حاسد.. وكل مرة ال بد أن أشرح لآلخرين في نفسي، وخلقت لي".الشباب صداقتنا وعالقتنا التي تعود إلى أيام

..كنت أستمع له وكان القلب قد ذهب بحماقة على عجل إليك

Q كان يكفي أن أعرف أن تلك المكالمة تأتي من بيت� أنتu فيه، ألعود عاشقاQ بكل اق وحماقاتهم مبتدئا cانفعاالت العش.

:سألني ولكن صوته أعادني إلى الواقع عندما

..أتدري لماذا طلبتك الليلة؟ إنني قررت أن أصحبك معي إلى قسنطينة- ..لقد أهديتني لوحة عن قسنطينة وأنا سأهديك سفرة إليها

Page 184: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q صحت با cمتعج:

قسنطينة.. لماذا قسنطينة؟-

:بشرى قال وكأنه يزفc لي

..لحضور عرس ابنة أخي الطاهر-

.التفكير ثم أضاف بعد شيء من

..ناديا ربما تذكرها. لقد حضرت افتتاح معرضك منذ شهور مع ابنتي- ..

شعرت فجأة أن صوتي انفصل عن جسدي، وأنني عاجز عن أن أجيب.واحدة بكلمة

أيمكن للكلمات أن تنزل صاعقة على شخص بهذه الطريقة؟

Q عن اإلمساك بسماعة؟ أيمكن للجسد أن يصبح إثر كلمة، عاجزاQ واحدة يحدث في لحظات كهذه، أن ..أتذكر فجأة أنني أملك يدا

Q وحلست Q مجاورا .عليه سحبت بقدمي كرسيا

Q وربما الحظ سي الشريف صمتي وحدوث شيء ما.. فقطع ذهولي :قائال

يا خويا.. ما الذي يخيفك في سفر� كهذا؟ لقد جاء ذكرك منذ أيام في- جلسة مع بعض األصدقاء في األمن، وأكدوا لي أنه ال توجد أية تعليمات

بإمكانك أن تزور الجزائر متى شئت. لقد تغيرت األمور في شأنك، وأنQ منذ مجيئك، وال بد أن تعود إلى الجزائر ولو في زيارة خاطفة.. إنني كثيرا

حسابي.. فما الذي يقلقك أتحمل مسؤولية عودتك.. ستسافر معي وعلىإلى هذا الحد؟

:لتوتري أجبته وأنا أبحث عن مخرج

Q بعد لزيارة كهذه.. وأفضcل أن- Q نفسيا تكون الحقيقة أنني لست مستعدا..في ظروف أخرى

:قال

Q أحسن من هذه للعودة- أنا واثق من أنني إذا لم.. أنت لن تجد ظروفاك هكذا من يدك هذه المرة، فقد تمضي عدة سنوات أخرى قبل cأن أجر

تعود إليها. هل ستقضي عمرك في رسم قسنطينة؟ ثم أال يسعدك حضورQ، لقد عرفتها طفلة ويجب أن تحضر زواج ابنة سي الطاهر؟ إنها ابنتك أيضا

Page 185: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

لوجه أبيها، يجب أن تقف معي في ذلك اليوم عرسها للبركة.. افعل هذا..مكان سي الطاهر

يعرف نقطة ضعفي، ويدري مكانة سي الطاهر عندي. كان سي الشريفك ما تبقcى داخلي من وفاء cلماضينا وذاكرتنا المشتركة فراح يحر.

.والالمعقول كان في ذلك الموقف شيء من السريالية

..والبكاء كنت أقف على الحد الفاصل بين العقل والجنون، بين الضحك

Q وهذه هي" المشكلة. لقد عرفتها طفلة.." ال يا صديقي! عرفتها أنثى أيضاQ.." ال لم تكن ابنتي، كان يمكن فقط أن تكون زوجتي.. "إنها ابنتك أيضا

.يمكن أن تكون لي كان

:سألته

لمن ستكون؟-

:قال

لـ )سي....( لقد سهرت معه المرة الماضية.. ال أدري ما رأيك أعطيتها- �قال عنه فيه، ولكنني أعتقد أنه .رجل طيب برغم ما ي

.يتوقعه كان في جملته األخيرة جواب مسبق على رد� كان

!سي....( إذن وال أحد غيره)

"Q صفته المميزة األولى؟ أعرف أنا أكثر رجل طيب.." هل الطيبة هي حقا.زوجها من رجل طيب كان يمكن إذن أن يصبح

ولكن )سي....( كان أكثر من ذلك. كان رجل الصفقات السرية والواجهات األمامية. كان رجل العملة الصعبة والمهمات الصعبة. كان رجل العسكر..

Q أو ال يكون؟. ورجل المستقبل فهل مهم بعد هذا أن يكون طيبا

Q في ذلك تجمعت في الحلق أكثر من غصة، منعتني من أن أبدي رأيي فعالQ فقط Q واحدا Q أن: الشخص، وأسأل سي الشريف سؤاال تراه يعتقد حقا

Q؟ بإمكان رجل ال أخالق له.. أن يكون طيبا

cألنني كنت بدأت ال أفرق كثيرا بينه وبين "صهره" وأنا أم تراني صمت Q آخر.. هل يمكن لشخص يتصاهر مع رجل قذر.. أن أسأل نفسي سؤاال

Q؟ Q حقا يكون نظيفا

أخرستني الصدمات المتتالية في مكالمة واحدة.. فقدت فجأة شهية الكالم

Page 186: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

:ألكثر من تفسير فاختصرت كل الكالم في جملة واحدة قابلة

..كل شيء مبروك-

:التقاليد رد سي الشريف حسب

..الله يهنيك.. ويبارك فيك-

:امتحان ثم أضاف بسعادة من نجح في

-Q فالزواج إذن سنراك..راني نعوcل عليك.. سنسافر بعد عشرة أيام تقريباcفق على تفاصيل15سيكون في Q كي نت .سفرك يوليو.. أطلبني هاتفيا

.انتهت المكالمة، وبدأت مرحلة جديدة من حياتيQ خروجك منه. ولكن.. هل بدأ عمري اآلخر الذي أعلنت يومها رسميا

Q؟ خرجت حقا

أصبحت فارغة إال مني. كانت كل المربعات أحسست أن رقعة الشطرنج واحدة أمسكها وحدي.. بيد� بلون واحد ال غير.. وكل القطع أصبحت قطعة

!واحدة

أن أعرف ذلك؟ لقد تقلصت فهل كنت الرابح أم الخاسر الوحيد.. كيف ليQ الرقعة، ومعها مساحة األمل والترقب، حسمها طرف آخر، كنا نلعب جميعا

!منذ البدء نيابة عنه: إنه القدر

Q ما أستسلم له دون كنت أحقد على ذلك القدر Q، ولكن كنت كثيرا أحيانا يعرف كلc مرة، إلى أي حد مقاومة. بلذcة غامضة وبفضول رجل يريد أن

عادلة، وأن يمكن لها القدر أن يكون أحمق، ولهذه الحياة أن تكون غير تكون عاهرة ال تهب نفسها سوى لذوي الثروات السريعة، وألصحاب

..المشبوه الذين يغتصبونها على عجل السلوك

نفسي بتفاهة اآلخرين. وأجد وعندها كنت أجد سعادتي النادرة في مقارنةQ على انتصارات أخرى ليست في .متناول الجميع في هزائمي الذاتية، دليال

Q تراني في لحظة جنون كهذه قبلت أن أحضر عرسك، وأن أكون شاهداعلى مأتمي، وعلى الحقارة التي يمكن أن يصلها البعض دون خجل؟

Q بتفوق، وأصرc في غياب السعادة أم تراني ككل cا المبدعين، كنت مازوشي المطلق، وأن أذهب معك إلى أبعد نقطة في المطلقة، أن أعيش حزني

ليشفى منك؟ تعذيب النفس، فأمارس كيc هذا القلب بنفسي

.كرهتك ذلك اليوم بشراسة لم أكن عرفتها من قبل

Page 187: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

عواطفي مرة واحدة إلى عاطفة جديدة، فيها مزيج من المرارة انقلبتQ والغيرة والحقد.. وربما .االحتقار أيضا

ما الذي أوصلك هنا؟

Q مثل الشعوب، Q بإغراء.. وبضعف ما تجاه وهل النساء حقا يشعرن دائما!منه؟ البدالت العسكرية.. حتى الباهتة

ما زلت حتى اليوم أتساءل.. كيف قبلت يومها أن أذهب إلى قسنطينةعرسك؟ لحضور

Q أن دعوتي لم تكن مجرد نية حسنة، والتفاتة ود كنت أعرف مسبقا.لرجل تجمعني به أكثر من قرابة وصداقة

Q للذاكرة Q السم من ولكن كانت قبل كلc شيء، استغالال Q سيئا واستعماال.القذارة األسماء القليلة التي ظلcت نظيفة في زمن انتشر فيه وباء

كان سي الشريف يدري أنه يسقوم بصفقة قذرة، وأنه يبيع بزواجه اسم..أخيه، وأحد كبار شهدائنا مقابل منصب وصفقات أخرى

Q وأنه يتصرف باسمه، بطريقة .لم يكن ليقبلها لو كان حيا

أنا صديق سي الطاهر وكان يلزمه أنا.. وال أحد غيري ألبارك اغتصابك،.الوحيد ورفيق سالحه

.الذي بقي من ذلك الزمن الغابر أنا الهيكل المفتت األطراف األخير،

�سكت بحضوري ضميره ويعتقد أن سي الطاهر كانت تلزمه مباركتي، ليQ .سيغفر له، هو الذي عاّش من اسمه طويال

الدخول في تلك اللعبة؟ لماذا قبلت دون نقاّش أن أسلمك فلماذا قبلتألظافرهم؟

أن مباركتي قضية شكلية، لن تقدم ولن تؤخر في شيء، وأنه أألنني أدري لكنت من نصيب )سي....( آخر من السادة....( لو لم يزوcجك من )سي

.الجدد

Q ستحملين فماذا يهم في النهاية، أي اسم !من أسماء األربعين لصا

استسلمت إلغراء قسنطينة، لماذا قبلت السفر.. ألكل هذا أم ألننيي الذي كان يالحقني ويطاردني من األزل، كما cيطارد نداء ولندائها السر

Page 188: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

الحوريات في الجزر المسحورة أولئك البحارة الذين نزلت على بواخرهم..اآللهة لعنة

Q معك، حتى ولو كان ذلك Q عن أن أخلف موعدا مناسبة أم تراني كنت عاجزازواجك؟

Q أخذته هنالك قرارات وليدة ضدها، فكيف يمكن لي اليوم أن أفسcر قراراخارج المنطق؟

متفجcرتين في كنت كعالم فيزيائي مجنون، يريد أن يجمع بين صيغتين الوقت نفسه: أنت.. وقسنطينة، صيغتين صنعتهما بنفسي في نوبة شوق

وجنون، قست قدرتهما التدميرية كال على انفراد، وأردت أن وعشقQ كما تجرcب .قنبلة ذرية في صحراء أجربهما معا

ني cفي انفجار داخلي واحد.. يهز Q وحدي.. يدمرني أردت أن أعيشهما معاQ آخر.. وأشالء وحدي.. وأخرج بعده من وسط الحرائق والدمار، إما رجال

.رجل

Q اسمها "شهوة اللهب"؟ ألم تقولي مرة إن هناك رغبة سرية تسكننا جميعا

.اكتشفت بعدها بنفسي التطابق بينك وبين تلك المدينة

Q، شيء من اللهيب الذي لم ينطفئ.. وقدرة خارقة على كان فيكما معا..الحرائق إشعال

Q، كنتما تتظاهران بإعالن الحرب على المجوس. إنه زيف ولكنكما معاالمدن العريقة المحترمة.. ونفاق بنات العائالت.. أليس كذلك؟

***

نبرة حزن أو فرح جاء صوتك يوم االثنين هكذا دون مقدمات. دون أية.مميزة.. دون ارتباك وال أي خجل واضح

،cثين إليcبدأناه البارحة، كأن صوتك لم ورحت تتحد Q وكأنك تواصلين حديثاcة أشهر يعبر هذا الخط الهاتفي منذ أكثر .من ست

!ما أغرب عالقتك بالزمن.. وما أغرب ذاكرتك

-Q خالد.. هل أيقظتك؟ أهال

قلت بصوت كان يمكن أن أقول ال، وكان من األصح أن أقول نعم. ولكنني

Page 189: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

:من يخرج من غيبوبة عشق

..؟- uأنت!

Q وقلت ضحكت.. تلك الضحكة :الطفولية التي أسرتني يوما

!صورتي؟ أعتقد أنني أنا.. هل نسيت-

:ثم أضفت أمام صمتي

كيف أنت؟-

..أصمد أحاول أن-

تصمد في وجه من.؟-

..في وجه األيام-

:الصمت.. وكأنك شعرت بذنب� ما قلت بعد شيء من

..كلنا نحاول ذلك-

uثم أضفت:

هل أخباري هي التي أزعجتك؟-

cين عجيب سؤالك. عجيب كذاكرتك. كعالقتك بمن !تحب

:قلت

cبات األيام- .أخبارك ليست سوى جزء من تقل

:ببراءة كاذبة أجبت

كنت أتوقع أن تستقبل خبر زواجي بطريقة أخرى. لقد سمعت عمي- يتحدث إليك أمس على الهاتف، وتعجبت أن تكون قبلت المجيء إلى

Q، وقررت أن قسنطينة دون مناقشة أو تردد. لقد أسعدني ذلك كثيراcعلي Q فأنا أريد أن تحضر إلى هذا.. أطلبك.. استنجت أنك لم تعد عاتبا

..العرس.. من الضروري أن تحضر

أعادتني كلماتك إلى مكالمتي السابقة مع سي الشريف، ال أدري لماذا.كان يقنعني أنك ابنتي وإلى ذلك الموقف العجيب، عندما

Page 190: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

والالعقل، بين شعرت مرة أخرى أنني أقف على الحد الفاصل بين العقل..البكاء والضحك

:سألتك بشيء من المرارة الساخرة

Q على حضوري- ..أتمنى أن أفهم سر إصراركم جميعا

uقلت:

Q. ولكنني أدري أنني سبب إصرار عمي- على حضورك ال يهمني إطالقاcبت عن ..المجيء سأكون تعيسة لو تغي

:أجبتك بتهكم

هل السادية .. آخر هواياتك؟-

uبنبرة فاجأتني قلت:

.لقد أحببت هذه المدينة من أجلك-

Q، وأنا أعترف لك "لقد أجبتك بتلك الطريقة نفسها التي أجبتني بها يوما..".ينبغي أال تقرأني أحببتك يوم قرأتك" فقلتu "كان

:قلت�

cيها- ..إذن كان ينبغي أال تحب

..جسدي وإذا بجوابك يدهشني.. يوقظني.. ويبثc شحنة كهربائية في

!ولكنني أحببتك- ...

Q دون جدوى. فهل أشكرك أم أبكي. أم ها هي الكلمة التي انتظرتها عاماالعذاب إذن؟ أسألك لماذا اليوم.. لماذا اآلن.. ولماذا كلc هذا

:سألتك فقط

وهو؟-

Q أجبتني وكأنك تتحدcثين عن شيء :ال يعنيك تماما

.إنه قدر جاهز-

Page 191: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

:قاطعتك

Q غير هذا.. كيف قبلت لكل شخص القدر- الذي يستحقcه. كنت أتوقع قدرابه؟ أن ترتبطي

uقلت:

تصلح للسكن، أنا ال أرتبط به.. أنا أهرب إليه فقط من ذاكرة لم تعد- ..بعدما أثثتها باألحالم المستحيلة والخيبات المتتالية

غي اسم والدك في مزبلة كهذه.. ولكن- cلماذا هو.. كيف يمكن أن تمر Q؟ أنت لست امرأة فقط، أنت وطن، أفال يهمcك ما سيكتبه التاريخ يوما

:المرة أجبتu بشيء من السخرية

وحدك تعتقد أن التاريخ جالس مثل مالئكة الشر والخير على جانبينا،- ليسجcل انتصاراتنا الصغيرة المجهولة.. أو كبواتنا وسقوطنا المفاجئ نحو

Q. إنه يمحو فقط. األسفل !التاريخ لم يعد يكتب شيئا

بالضبط. ولم أناقشك في نظرتك لم أسألك ما الذي تريدين محوه..الخاطئة للقيم

:سألتك

تريدينه مني على التحديد؟ ما الذي-

:تريد قلتu كأنك طفلة يسألونها عن أيc حلوى

..أريدك-

رجل واحد، وأنه خطر بذهني لحظتها أنك ربما كنت امرأة عاجزة عن حبQ رجالن. كانا في الماضي زياد وأنا. وأصبحا اليوم أنا .واآلخر.. يلزمك دائما

:عاد صوتك يقول

أردتك واشتهيتك حدc الجنون.. خالد.. أتدري أنني أحببتك.. إنه حدث أن- Q.. ولكنني قررت أن أشفى دني من عقلي يوما cمنك.. كانت شيء فيك جر

cة، أنت نفسك قلت هذا cنا عالقة مرضي ..عالقة حب

uسألتك:

Page 192: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

لماذا عدت اليوم إذن؟-

uقلت:

أن تباركنا تلك المدينة ولو عدت ألقنعك بالمجيء إلى قسنطينة. أريد- Q، لقد تواطأت معنا وأوصلتنا إلى جنوننا هذا.. مرة واحدة.. تباركنا ولو كذبا

ولكن سأكون لك. أدري أننا لن نلتقي فيها.. قد ال نتحدث.. وقد ال نتصافح ما دمنا فيها. سنتحداهم على مرأى منها.. ووحدها ستعرف أنني أمنحك

ليلتي األولى.. أيسعدك هذا؟

أولى كنت قادرة على كم من ليلة أولى كنت تملكين؟ كم من ليلة وهمية لي أن تهبي على بياض، كما وهبتu روايتك األولى.. نسختين مزوcرتين

.ولزياد.. موقcعتين على بياض

كذبتك األولى؟ لمن لمن ستكونين بعد كل ليلة وهمية؟ ومع من بدأتcتك الملغومة األولى؟ أهديت هدي

cه نفسي آنذاك بأثيوبي جائع عندما أذكر كالمك اليوم، أضحك وأنا أشب لن يذوقها، ويسألونه بعدها يسردون عليه قائمة من األطباق الشهية التي

..كيف وجدها.. وإذا كان ذلك يسعده

أضحك، بل ربما بكيت وأنا أجيبك بحماقة عاشق.. ولكن وقتها لم.."."يسعدني

كنت تمنحينني ليلةQ وهمية، عليc أن أتنازل عنها مباشرة لم أنتبه إلى أنكQ لرجل آخر، سيستفيد منها !فعليا

لي؟ ولكن هل يهم ذلك.. مادمت أتنازل عن شيء ليس في جميع الحاالت

Q عزيزتي وهكذا الماضي.. ندعوه في المناسبات ليتكفcل هكذا التاريخ دائما.بفتات الموائد

�نصب الموائد نتحايل على الذاكرة، نرمي لها عظمة تتلهى بها، بينما ت.لآلخرين

Q من Q من األوهام.. كثيرا Q، نهبها كثيرا cبة، وهكذا الشعوب أيضا األحالم المعل..إليها من السعادة المؤجلة، فتغضc النظر عن الوالئم التي لن تدعى

وانسحب ولكن لم أعu كل هذا إال بعد فوات األوان. بعدما رفعت الموائد،.الجميع ألبقى وحدي.. أمام فتات الذاكرة

:قلت�

Page 193: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..أراكu أريد أن-

uصحت:

Q اآلن.. وربما كان هذا- أفضل. يجب أن نبحث عن ال.. لم يعد لقاؤنا ممكناQ Q لقصcتنا. لتكن قسنطينة لقاءنا وفراقنا معا فال داعي.. نهاية أقل وجعا

.لمزيد من العذاب

cين ة سك cهكذا إذن.. قررت قتلي حسب األصول، بجر ..Q Q وإيابا واحدة، ذهابا!أغباني في لقاء� وفراق� واحد. فما أرأفك بي.. وما

Q في الحلق، لم أطرحه عليك cقا .يومها أكثر من سؤال ظلc معل

..أكثر من لوم.. أكثر من عتاب.. أكثر من رغبة

انتهى كما جاء خارج الزمان، وأنا بين الصحوة واليقظة ممدد ولكن هاتفك.فراشي بذهول في

Q في ذلك الصباح أم أنني حتى أنني تساءلت بعدها: هل طلبتني حقافقط؟.. حلمت

..ها نحن مثل أطفال إذن.على األرض لنرسم قوانين لعبة جديدة نمحو كل مرة آثار الطباشير

cسخ ثيابنا ونصاب بخدوّش ونحن نتحايل على كل شيء لنربح كل شيء. فتت.نقفز على رuج»ل واحدة من مربع مستحيل إلى آخر

Q من األحالم كل مربع Q شيئا .فخc نصب لنا، وفي كل مربع وقفنا وتركنا أرضا

أن نعترف أننا تجاوزنا عمر النط على رuج»ل واحدة، والقفز على كان ال بد.مربعات الطباشير الوهيمة الحبال، واإلقامة في

..أخطأنا حبيبتي

.والحب ال يكتب بطالء األظافر الوطن ال يرسم بالطباشير، طباشير وأخرى تمسك أخطأنا.. التاريخ ال يكتب على سبورة، بيد تمسك

..ممحاة

Page 194: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.والمستحيل والعشق ليس أرجوحة يتجاذبها الممكن

نسينا. دعينا نتوقف لحظة عن اللعب. لحظة عن الجري في كل االتجاهاتcا القط، ومtن الفأر.. ومن منا سيلتهم .مtن» في هذه اللعبة مtن» مuن

Q .نسينا أنهم سيلتهموننا معا

cسع للكذب. ال شيء أمامنا سوى هذا المنعطف األخير. ال لم يعد أمامنا مت.شيء تحتنا غير هاوية الدمار

Q فلنعترف .أننا تحطcمنا معا

..لستu حبيبتي

مشروع قصcتي القادمة وفرحي أنتu مشروع حبي للزمن القادم. أنت.القادم.. أنتu مشروع عمري اآلخر

cي من شئتu من الرجال، واكتبي ما شئتu من.. في انتظار ذلك أحب..القصص

Q في كتاب. وحدي أعرف أبطالك وحدي أعرف قصcتك التي لن تصدر يوما.ورق المنسيين وآخرين صنعتهم من

وحدي أعرف طريقتك الشاذة في الحب، طريقتك الفريدة في قتل من.لتؤثثي كتبك فقط.. تحبين

.أخرى أنا الذي قتلتني لعدة أسباب غامضة، وأحببتك ألسباب غامضة

أنا الرجل الذي حوcلك من امرأة إلى مدينة، وحولته من حجارة كريمة إلى.حصى

Q .ال تتطاولي على حطامي كثيرا

عمق هذا الوطن حجارة لم تقذفها لم ينته زمن الزالزل، وما زال في.البراكين بعد

..كفاك كل ما قلته من كذب. دعينا نتوقف لحظة عن اللعب

.أعرف اليوم أنك لن تكوني لي

.أنحشر معك يوم الحشر حيث تكونين، ألكون نصفك اآلخر دعيني إذن،

Page 195: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q Q لي إلى جوارك، ما دامت كل األماكن محجوزة دعيني أحجز مسبقا مكاناcرتك مألى ..بالمواعيد حتى آخر أيامك حولك هنا، وما دامت مفك

..يا امرأة على شاكلة وطن

Q؟ أيهمc بعد اليوم أن نبقى معا

.حقيبة صغيرة فقط لمالقاة الوطن

شي سوى بدلة سوداء لحضور حفل زفافك. زجاجتي» وسكي.. وال.قمصان.. وشفرات حالقة

رات الموت، وتنسى أن تنتج شفرات حالقة هنالك cأوطان تنتج كل مبر!

.أعود إلى الوطن على أصابع الجرح.حساب دون أمتعة شخصية، دون زيادة في الوزن وال زيادة في

Q، ولكن من سيحاسبنا على ذاكرة نحملها وحدها الذاكرة أصبحت أثقل حمالبمفردنا؟

Q على جرحي األخير أعود إليه على عجل .مشيا

الغياب، وها هوذا الرجوع المفاجئ. كنت أتوقع لقاءQ غير عشر سنوات من..هذا

Q. فيحدث للذاكرة في مثل كنت سأحجز لي Q في الدرجة األولى مثال مكانا.الجلوس في الكراسي الخلفية هذه المناسبات، أن ترفض

Q، ولكن، ال يهم سيدتي.. كانت كل الكراسي األمامية محجوزة مسبقاQ بأمر ..ألولئك الذين حجزوا كراسي الوطن أيضا

.منه إذن، على كرسي جانبي للحزن فألعد إليه كما جئت

في خزائننا من عمر. ما في نغادر الوطن، محمcلين بحقائب نحشر فيها ما.أدراجنا من أوراق

Q ..أحببناها، وهدايا لها ذكرى نحشر أبوم صورنا، كتبا

cونا.. رسائل cا نحشر وجوه من أحببنا.. عيون من أحب كتبت لنا.. وأخرى كن.كتبناها

صغير سيكبر بعدنا، دمعة آخر نظرة لجارة عجوز قد ال نراها، قبلة على خد

Page 196: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.على وطن قد ال نعود إليه

Q لغربتنا، ننسى عندما يضعنا الوطن عند بابه، عندما يغلق نحمل الوطن أثاثا نظرة على حقائبنا، دون أن يستوقفه دمعنا.. قلبه في وجهنا، دون أن يلقي

.بعدنا ننسى أن نسأله من سيؤثثه

.فقط وعندما نعود إليه.. نعود بحقائب الحنين.. وحفنة أحالم

نعود بأحالم وردية.. ال "بأكياس وردية"، فالحلم ال يستودر من محالت.تاتي" الرخيصة الثمن"

Q في السوق السوداء هنالك إهانات. عار  أن نشتري الوطن ونبيعه حلما!أصعب على الشهداء من ألف عملة صعبة

.صغيرة، هنا في الالمكان ها أنذا.. بحقيبة يد�

بي من ذاكرة إلى في هذه النقطة المعلقة بين األرض والسماء. والهاربة.أخرى. أجلس على مقعد في الدرجة الثانية للنسيان

cك. على ارتفاع تصعب معه الرؤية، ويصعب معه أحلcق على تضاريس حب األوان: تراني أرتكب آخر حماقات عمري، النسيان. وأتساءل رغم فوات

أنا الذي لم أشف بك. وأهرب منك إلى الوطن؟ أحاول أن أشفى منك بهمنه؟

الفارغ إلى ها هي اللوحة التي أحضرتها هدية لعرسك تشغل مكانك.جواري

Q _ أنا وأنت Q معا ..ها نحن نسافر _ أخيرا

طائرة واحدة ألول مرة. ولكن ليس للرحلة نفسها.. وال لالتجاه نأخذ.نفسه

..قسنطينة ها هي

Q إلى الوراء .ساعتان فقط ليعود القلب عمرا

cه إلى أنها تشرع معه القلب على تشرع مضيفة  باب الطائرة، وال تتنباآلن؟ مصراعيه. فمن يوقف نزيف الذاكرة

cاك الحنين، من سيقف في وجه الرياح المضادة، من سيقدر على إغالق شب.ليرفع الخمار عن وجه هذه المدينة.. وينظر إلى عينها دون بكاء

Page 197: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..قسنطينة إذن ها هي األخير، وها أنذا أحمل بيدي الوحيدة حقيبة يد، ولوحة تسافر معي سفرها

.بعد خمس وعشرين سنة من الحياة المشتركة

الناقصة عن قسنطينة، في لقاء ليليc مع اللوحة ها هي "حنين"، النسخة..األصل

Q تكاد مثلي تقع من على Q.. ودهشة.. وارتباكا .سلcم الطائرة تعبا

تتقاذفنا العبارات التي تنهى وتأمر. وكل تتقاذفنا النظرات الباردة المغلقة،..الرمادية الباهتة هذه الوجوه المغلقة، وكل هذه الجدران

فهل هذا هو الوطن؟

..قسنطينة

اميمة.. واشك؟ كيف أنتu يا

..العودة أشرعي بابك واحضنيني.. موجعة تلك الغربة.. موجعة هذه

.يذكرني بارد  مطارك الذي لم أعد أذكره. بارد  ليلك الجبلي الذي لم يعد

Q cريني يا سيدة الدفء والبرد معا .دث

Q Q.. أجلي بردك قليال .أجcلي خيبتي قليال

.والوحدة قادم  إليك أنا من سنوات الصقيع والخيبة، من مدن الثلج

QQ في مهب الجرح .فال تتركيني واقفا

بالعربية، وبعض الصور الرسمية، وكل تلك كانت اإلشارات المكتوبةQ لوجه مع الوجوه المتشابهة السمراء، تؤكد لي أنني Q أقف وجها أخيرا

.العربية الوطن. وتشعرني بغربة من نوع آخر تنفرد بها المطارات

، وأذاب جليد اللقاء cعندما أطل Q Q مفاجئا ان مألني دفئا cوحده وجه حس .األول.. مع ذلك المطار

جزائرية مازحة وهو وعندما احتضنني، وأخذ عني حمولة يدي، وقال بلهجة:يحمل عني تلك اللوحة

الطابلوهات..؟" ثم أضاف "آ سيدي.. هذا نهار واّش.. مازلت تنقcل في"

Page 198: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..!".هنا مبروك من هو اللي قال نشوفك

.بي شعرت أن قسنطينة أخذت فجأة مالمحه، وأنها أخيرا جات ترحcب

وهل كان حسان غير تلك المدينة نفسها. غير حجارتها.. قرميدها..ومدارسها.. وأزقcتها وذاكرتها؟ وجسورها

cى ودرس، وهنا أصبح مدرcسا Q في. هنا ولد، وهنا ترب لم يغادرها إال نادرا.زيارات قصيرة إلى تونس أو إلى باريس

لزيارتي من سنة إلى أخرى، لكي يطمئنc عليc وليشتري كان يحضر ما فتئت تكبر وتتضاعف. وكأن حسان بالمناسبة بعض لوازم عائلته التي

العائلة، بعدما يئس من قرر أن يتحمل بمفرده مسؤولية عدم اندثار اسم و ال تزويجي وأدرك بعد محاوالت إغراء فاشلة، أنه لن يكون لي بنات

.بنون.. ما عدا تلك اللوحات التي تنفرد بحمل اسمي

الرجل الفارع القامة، المهذcب المظهر، والذي أكتشف اليوم، أن هذاQ بحماسة األساتذة وعنادهم وتكرارهم، وكأنه يواصل حديثه يتحدث دائما

.لتالميذه وليس لآلخرين، هو أخي.. ال غير

!أجهل هذا؟ ال أكنت

أن قرابته ولكن في هذا اليوم االستثنائي األلم والخيبة.. والفرحة! أشعر بي تصبح األرض الصلبة الوحيدة التي يمكن أن أقف عليها وسط زالزلي

الداخلية، والصدر الوحيد الذي كنت لوال الكبرياء، بكيت عليه في تلك.اللحظة

ات أن انتظرته أنا في مطار cعشر سنوات.. حدث خاللها في بعض المر (.أورلي الدولي)

أشعر آنذاك كانت األدوار معكوسة. كان هو القادم.. وأنا المنتظر. وكنت� به، ولكن كنت أحرص عليه. فقد أنني أقوم بواجب عائلي لست� ملزما

تلك إحدى فرصي القليلة أللعب دور "األٍخ الكبير" بكل مسؤولياته كانتQ في أدائه. فقد عشت في الواقع وواجباته. ذلك الدور الذي لم أوفcق دائما

ان، حسان cعن حس Q Q بعيدا الذي كنت أدرك جوعه للحنان ويتمه دائماcر.. وتعلقه العاطفي بي .المبك

�راه لهذا Q تزوcج باكرا على عجل، وراح يكثر من األوالد ليحيط نفسه ت أيضاQ بتلك العائلة Q عن أخيرا Q في طفولته، والتي كنت عاجزا التي حرم منها دائما

.وغيابي المتنقcل من منفى إلى آخر.. أن أعوضها له بحضوري العابر

Page 199: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

مقاييسي السابقة، ويشعرني برغم فلماذا يقلب لقائي بحسان اليوم كل وأنه في هذه اللحظة فارق العمر، وبرغم أوالده الستة، أنني األٍخ األصغر

..يكبرني بسبع سنوات، وربما بأكثر

حقيبتي ويمشي أمامي، ويسألني عن تفاصيل ترى ألنه هو الذي يحملدني من سفري.. أم أن هذا المطار الذي يستفزc رجولتي cوكبريائي يجر

هذه وقار عمري. فأترك حسان يتصرف فيه نيابة عني، وكأن تجربته معcبة، جعلته اليوم يبدو أكبر ..المدينة ومعايشته لطباعها المتقل

Q وكراهية.. حنانا أم تراها قسنطينة.. تلك األم المتطرفة العواطف، حبا بوطأة قدم واحدة على ترابها، إلى ذلك الشاب وقسوة، هي التي حوcلتني

سنة؟ المرتبك الخجول الذي كنته قبل ثالثين

نظرت إليها من زجاج سيارة كانت تنقلني من المطار إلى البيت،أتراها تعرفني؟: وتساءلت

�دخل المخبرين وأصحاب األكتاف العريضة هذه المدينة الوطن، التي تcة.. وتدخلني مع طوابير الغرباء وتجcار واأليدي القذرة من أبوابها الشرفي

.الشنطة.. والبؤساء

تتأملني؟ أتعرفني.. هي التي تتأمل جوازي بإمعان.. وتنسى أن

Q: "من أحبc أوالدك إليك؟" قالت: "غائبهم حتى ئلت أعرابية يوما يعود.. س�".ومريضهم حتى يشفى.. وصغيرهم حتى يكبر

يعد.. ومريضها الذي لم يشف وصغيرها الذي لم وكنت أنا غائبها الذي لم..يكبر

سمعت بقول تلك األعرابية. فلم أعتب عليها. ولكن قسنطينة لم تكن قد!العربي عتبت على ما قرأت من كتب التراث

..لم أنم تلك الليلة حسان، وكأنها تعدc وليمة، والذي أكان ذلك العشاء الذي أعدته عتيقة زوجة

سبب قلقي، بعدما استسلمت له بشهية أكاد أقول تاريخية، هو الذي كانتناولت الكثير من أطباقه التي لم أذق معظمها من سنين؟

السبب هو صدمة لقائي العاطفي اآلخر مع ذلك البيت، الذي ولدت أم أنcيت، والذي على جدرانه وأدراجه ونوافذه وغرفه وممراته، كثير فيه وترب

وأيام عادية أخرى، تراكمت ذكراها.. من ذاكرتي، من أفراح ومآتم وأعياد تلغي كل شيء في أعماقي لتطفو اآلن فجأة.. كذكريات فوق العادة

عداها؟

Page 200: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

د ذاكرته؟ ها أنا أسكن ذاكرتي وأنا أسكن هذا البيت، فكيف ينام من cيتوس

كندورة مازال طيف الذين غادروه يعبر هذه الغرف أمامي. أكاد أرى ذيلا( العنابي يمر هنا، ويروح ويجيء بذلك الحضور السري لألمومة. cأم(

يطالب بالماء للوضوء، أو يصيح من أسفل الدرج "الطريق.. وصوت أبيcه النساء في البيت أنه قادم صحبة رجل غريب، وأن عليهن الطريق" لينب

.البعيدة أن يفسحن الطريق ويذهبن لالختباء في الغرف

أبي أكاد أرى خلف الجدران الجديدة البياض آثار المسمار الذي علق عليهQ شهادتي االبتدائية منذ أربعين سنة. ثم جوارها بعد سنوات شهادة يوما

..أخرى

..وبعدها ال شيء

ومشاريع أخرى، انتهت اهتمامه بأشياء أخرى، توقcف اهتمامه بي ليبدأQ في ذهنه Q لالستهالك، ومعدا .منذ مدة بموت )أما( وزواجه الذي كان جاهزا

أكاد أرى جثمان )أما( يخرج مرة أخرى من ها الباب الضيق يليه حشد من.قراء القرآن.. ونساء يحترفن البكاء في المآتم

Q آخر يعود بعد أسابيع، بعروس صغيرة هذه المرة.. ونساء أكاد أرى موكبا.يحترفن الزغاريد والمواويل

cلت فيها حسان وودعته قبل أن ألتحق بالجبهة ثم تلك .الليلة التي قب

Q. كان حسان وهو في عامه الخامس لم يسألني ليلتها إلى أين كنت ذاهبا.بسنوات عشر، قد سبق عمره

cه أن يصمت ويحتفظ كان مثلي جعله اليتم يكبر على عجل.. وعلcمه ذل.لنفسه باألسئلة

:سألني

وأنا؟- ..

:نفسه وأجبته بالذهول

Q يا حسان.. انتظرني- ..مازلت صغيرا

:صوت )أما( وخوفها المرضيc عليc فقال وكأنه يتقمcص فجأة

..عندك على روحك.. آ خالد-

Page 201: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.بالبكاء وأجهش

Q .ها هو الوطن الذي استبدلته بأمي يوما على شفائي من عقدة الطفولة، من يتمي ومن كنت أعتقد أنه وحده قادر

.ذلcي

بعد أكثر من صدمة وأكثر من جرح، أدري.. أن اليوم.. بعد كل هذا العمر،cة Q. هنالك مذل �تم األوطان أيضا األوطان، ظلمها قسوتها، هنالك هناك ي

.جبروتها وأنانيتها

.لها.. أوطان شبيهة باآلباء هنالك أوطان ال أمومة

***

.الصباح لم أنم ليلتها حتى ساعة متقدمة من

أغفو كان للقائي الليلي مع تلك المدينة مذاق مسبق لمرارة ما. وما كدتQ وراح حتى أيقظني من غفوتي أصغر أوالد حسان، الذي استيقظ باكرا

.يطالب بحضن أمه، ووجبته الصباحية يبكي بكاء رضيع

.قول ما يريد دون كالم حسدت براءته وجرأته الطفولية.. وقدرته على

.لغتي في ذلك الصباح، وفي أول لقاء لي مع تلك المدينة، فقدت شعرت أن قسنطينة هزمتني حتى قبل أن نلتقي، وأنها جاءت بي إلى هنا،

!بذلك ال غير لتقنعني

.ولم أشعر برغبة في مقاومة قدري

وا cقبلي، وصنعت من جنونهم بها أضرحة للعبرة لقد هزمت من مر.

..المجانين وأنا آخر عشاقه

قسنطينة أنا ذا العاهة اآلخر الذي أحبها، أنا"أحدب نوتردام" اآلخر، وأحمق اآلخر.. ما الذي أوصلني إلى جنون كهذا؟ ما الذي أوقفني عند أبواب قلبها

Q؟ عمرا

..وكانت تشبهك

Page 202: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

لتوcها من التاريخ، تحمل اسمين مثلك، وعدة تواريخ للميالد. خارجة.باسمين: واحد للتداول.. وآخر للتذكار

Q .سيرتا". قاهرة كانت.. كمدينة أنثى "كان اسمها يوما

Q.. في غرور !العسكر وكانوا رجاال

ينيسا.. ويوغررطة.. وقبلهم cصيفاكس.. ماس cآخرون من هنا مر.

cهم وخوفهم وآلهتهم .تركوا في كهوفها ذاكرتهم. نقشوا حب

Q تركوا تماثيلهم وأدواتهم، وصكوكهم النقدية، أقواس نصرهم وجسورا..رومانية

.رحلوا و..

لم يصمد من الجسور سوى واحد. ولم يبق من أسمائها سوى اسمQ "قسطنطن" "قسنطينة ".الذي منحه لها من ستة عشرة قرنا

المغرور، الذي منح اسمه لمدينة لم تكن أحسد ذلك اإلمبراطور الروماني.ألسباب تاريخية محض حبيبته بالدرجة األولى.. وإنما اقترن بها

.وحدي منحتك اسما لم يكن اسمي

أن أعاكس قانون الحماقات هذا. وأنادي تلك المدينة وربما لذلك، يحدثcتها .األولى "سيرتا" ألعيدها إلى شرعي

".تماما.. كما أناديك "حياة

.قسطنطين ككلc الغزاة.. أخطأ

.اسمنا المدن كالنساء.. نحن ال نمتلكها لمجرد أننا منحناها

لقد كانت "سيرتا" مدينة نذرت للحب والحروب، تمارس إغراء التاريخ،Q من علوc صخرتها cص بكل فاتح سبق أن ابتسمت له يوما .وتترب

..بالفتوحات الوهمية كنسائها كانت تغري

!ولكن لم يعتبر من مقابرها أحد

الرومان.. والوندال.. والبيزنطيين.. والفاطميين.. والحفصيين.. هنا أضرحةQ تناوبوا علها قبل أن تسقط في يد والعثمانيين.. وواحد وأربعين بايا

Page 203: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.الفرنسيين

.فرنسا سبع سنوات بأكملها على أبواب قسنطينة هنا وقفت جيوّش

، لم تفتح هذه المدينة الجالسة على1830 فرنسا التي دخلت الجزائر سنةQ جبليا تركت1837صخرة، إال سنة فيه نصف جيشها، وتركت ، سالكة ممرا

.فيه قسنطينة خيرة رجالها

جسر حول تلك المدينة، وكثرت الطرقات منذ ذلك اليوم، ولد أكثر من.المؤدية إليها

Q أكبر من الجسور، ألنها تدري أن ال شيء تحت ولكن، كانت الصخرة دائما!الجسور سوى الهاوية

ها ها هي cمدينة تتربص بكل فاتح.. تلف نفسها بمالءتها السوداء وتخفي سر .سائح عن كل

تحرسها الوهاد العميقة من كل جانب، تحرسها كهوفها السرية وأكثر من.وليc صالح، تبعثرت أضرحتهم على المنعرجات الخضراء تحت الجسور

أقرب جسر لبيتي ولذاكرتي. أعبرها تلقائيا وكأنني أرسمها،.. هنا القنطرةQ على األقدام، بين الدوار المبهم والتذكار وكأنني أعبر حياتي، أجتاز مشيا

.العمر من طرف إلى آخر

Q على هذا الجسر. السيارات والعابرون وحتى كل شيء كان يبدو مسرعاQ ما .كان ينتظرهم على الطرف اآلخر الطيور، وكأن شيئا

قد يكون تركه خلفه، ربما كان بعضهم يجهل آنذاك أن الذي يبحث عنه، وأنه في الحقيقة، ال فرق بين طرفي الجسر. الفرق الوحيد هو ما في

.فوقه.. وما تحته

والتي ال تلك الهاوية المخيفة التي يفصلك عنها حاجز حديدي ال أكثر، ..يتوقف أحد لبنظر إليها، ربما ألن اإلنسان بطبعه ال يحب أن يتأمل الموت

.كثيرا

.وحدي تستوقفني هذه الهاوية الموغلة في العمق

أتيتها بأفكار مسبقة وذاكرة متوارثة؟ أم سلكت هذا الطريق، ترى ألننيجسر؟ ألنفرد بهذه المدينة على

***

Page 204: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q مع ذاكرتك على هنالك حماقات يجب عدم ارتكابها، كأن تأخذ موعدا.جسر

Q ..منذ سنين خاصة عندما تتذكر فجأة، تلك القصة التي نسيتها تماماQ من جسر ربما كان هذا.. بعدما قصة جدك البعيد الذي رمى بنفسه يوما توعده أحد البايات بالقتل.. عندما جاءه خبر خيانته وتآمره عليه مع بعض

قسنطينة لإلطاحة به. هو الذي كان مبعوثه ورسوله الخاص.. ورجل وجهاء.ثقته

يومها أضعف من أن يقف بمفرده في وجه ذلك األمر القاطع كان جدcيQ أكبر من Q بالقتل. وكان أيضا �قاد ليقف بين يدي ذلك الباي ذليال ..أن ي

إليه.. كان جدي جثة في هوة سحيقة ولذا عندما أرسل الباي من يحضره.شرف قتله كهذه، أسفل وادي الرمال، فقد رفض أن يمنح الباي

سمعت هذه القصة مرة واحدة من فم أبي، يوم سألته عن سر هذا االسم.الذي نحمله

Q يبدو أنه كان ال يحب رواية هذه الحادثة. فقد كان االنتحار في حدc ذاته عاراQ في مجتمع قسنطيني متدين. ولهذا هاجرت عائلتنا بعد ذلك إلى وكفرا

غرب الجزائر مستبدلة باسم نكرة اسمها األول. ولم تعد إلى قسنطينة إال� لمدينة أخرى بعد جيل .وأكثر، باسم

.أعيد نظري إلى أسفل في هذا الجسر المعلcق على ارتفاع مئة ماذا تراني جئت أبحث هنا،

Q من جوف األرض، والذي تعبره أسراب الغربان على عجل؟ وسبعين مترا

Q وذا تراني أبحث عن بقايا جدc ما، كان اسمه أحمد.. يقال إنه كان وسيماQ Q كل شيء من هنا.. ليترك حزنه وجرحه إرثا مال� وعلم كبير، وأنه رمى يوما

.لتلك العائلة

..هذه هي قسنطينة

Q من القيل مدينة ال يهمها غير نظرة اآلخرين لها، تحرص على صيتها خوفا�عد والهجرة والقال الذي تمارسه بتفوق. وتشتري شرفها بالدم تارة.. والب

.تارة أخرى

cرت؟ تراها تغي

وأنا شاب بعائلة غادرت قسنطينة فجأة إلى مدينة أذكر أنني سمعتcيها "الفرقاني" اليوم، أخرى، بعدما شاع أن إحدى األغاني التي ما يزال يغن

Page 205: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q في إحدى ال cبناتها قد نظمها أحدهم تغز!ويظل السؤال.. ما الذي جئت أفعل هنا فوق هذا الجسر؟

مع ذاكرتي، أم فقط مع لوحتي في هذا الصباح؟ تراني على موعدcع ها أنا أقف أمامها اليوم دون فرشاة وال ألوان، وبال قلق أو خوف من مرب

.القماّش األبيض

امها وال مبدعها. أنا جزء منها. أنا لست خالقها في هذه cاللحظة. لست رس Q من .تفاصيلها وتضاريسها ويمكنني أن أصبح حتى جزءا

وكأنني أجتاز يمكنني أن أجتاز هذا الحاجز الحديدي الذي يفصلني عنها،.إطار لوحة.. كأنني أخترقها ألسكنها إلى األبد

الوادي الصخري العميق نقطة بشرية، قطرة للون� ما.. أتدحرج نحو هذا.أرسمه.. فرسمني على لوحة� أبدية، لمنظر أردت أن

ام، أن يتوحد مع لوحته في مشهد cواحد؟ أليست هذه أجمل نهاية لرس

كنت أدري في تلك اللحظة وأنا أنظر إلى الوهاد العميقة تحتي، إلى تلك األنفاق الصخرية التي يشطرها نهر الرمال ببطء زبديc، أن "الهاوية

تستدرجني إلى العمق، في موت شبقيc أخير، ربما كان األنثى" كانت قسنطينة، ومع ذاكرة جدc بدأت أشعر فرصتي األخيرة للتوحد الجسديc مع

.بتواطؤ غامض معه

هي التي أشعرتني عندئذ� بالدوار، وأنا معلcق ترى شهوة السقوط والتحطمعلى ذلك الجسر وحدي؟

أشعر فجأة بالخجل من هذه المدينة.. وأكاد أعتذر لها. وحدهم وإذا بي بالدوار. فمتى بالتحديد وضعتني قسنطينة في الغرباء هنا يشعرون

خانتهم؟

Q للموت ورغم ذلك أعترف، أنني لم .أكن يومها مستعدا

Q منيc بالحياة. ولكن ألنني وصلت بذلك الحزن الجارف العميق ليس تمسكا.أخرى الذي اجتاحني منذ وطئت هذه المدينة، إلى عاطفة غامضة متطرفة

.لقد وصلت بمرارتي وخيبتي حد الطمأنينة والسعادة المبهمة

تعلcمت أن أسخر من استفزاز األشياء لي، وأقابل تلك المواجهة مع فلقد.التهكم المرc الذاكرة بشيء من

Q عن الجنون في مدينة تكاد تحترفه! ألم آت هنا إثر قرار� جنوني، ربما بحثاQ بهذه اللعبة الموجعة، وأحرص على أن أعيش ولذا بدأت أتلذcذ سرا

cة متعمcدة. فربما كانت خيبتي اليوم مع هذه المدينة، هي صدماتي بمازوشي.القادمة منجم جنوني وعبقريتي

Page 206: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

وبرغم ذلك قررت فجأة أن أهرب من ذلك الجسر الذي كان بداية جنونيQ .يوما

Q وحولته إلى ديكور لحياتي، cرت منه، أن الذي أولعت به طويال فجأة تطي.بعدما أحطت نفسي بأكثر من نسخة منه

كنت تلك السفوح الجبلية أيكون ذلك اإلحساس جاءني، وأنا ألمح من حيثQ مرشوشة بشقائق النعمان.. وأزهار النرجس المنثور بين التي كانت يوما

الستقبال الممرات الخضراء، والتي كان أهل قسنطينة يأتون إليها كل سنة الربيع.. محمcلين بما أعدcته النساء لتلك المناسبة من "براج" وحلويات

تبدو اليوم حزينة، وكأن أزهارها غادرتها لسبب غامض؟ وقهوة.. والتي

محمد الغراب( الذي يعود فجأة إلى الذاكرة. أم تراه منظر مزار )سيديQ في كتاب تاريخي عن قسنطينة. وإذا بي أستعيد ما قرأته عنه مؤخرا

.فتعبرني قشعريرة غامضة

أدري اللعنة التي الحقت صالح باي أكبر بايات ماذا لو الحقتني دون أن هو الذي كان يريد أن يختم قسنطينة على اإلطالق بسبب هذا الجسر؟

وهبها لتلك المدينة، إنجازاته المعمارية الهائلة، وإصالحاته المختلفة التي المدينة بإصالح جسر القنطرة، اللسان الترابي الوحيد الذي كان يربط

.بالخارج، والجسر الوحيد الذي صمد من بين خمسة جسور رومانية

أسطورة شعبية، إن هذا الجسر كان أحد أسباب هالك )صالح باي( تقول..المفجعة ونهايته

cعون بشعبية فقد قتل فوقه )سيدي محمد(، أحد األولياء الذين كانوا يتمت كبيرة. وعندما سقط رأس الرجل الولي على األرض، تحول جسمه إلى

Q نحو دار صالح باي الريفية التي كانت على تلك غراب، وطار متوجهاQ إياه Q عن نهاية الولي السفوح. ولعنه واعدا بنهاية ال تقل قسوة وال ظلما

.الذي قتله

Q من ذلك فما كان من صالح cرا باي إال أن غادر بيته وأراضيه إلى األبد، تطي.المدينة الغراب، واكتفى بداره في

هكذا أطلق الناس على ذلك المكان اسم "سيدي محمد الغراب"، ليبقى قرنين مزار المسلمين واليهود في قسنطينة، يأتونه في نهايات بعد

Q وردية، األسبوع وفي المواسم، لقضاء أسبوع كامل يرتدون خالله ثياباQ عن Q متوارثة جيال جيل، فيقدcمون له ذبائح الحمام، يؤدون بها طقوسا

كانت تستحمc ويستحمcون في المياه الدافئة لبركته الصخرية حيث السالحف، ويعيشون على شرب "العروق" ال غير، واالستسالم لنوبات

بدائية، في حلقات جماعية يؤدونها في الهواء الطلق.. على وقع رقص".الفقيرات "بندير

ولكن قسنطينة، لم تحقد على بايها الذي وهبها الكثير من الوجاهة.والرفاهية

Page 207: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.سوcت فقط بطيبة أو بجنون.. بين القاتل والقتيل

محمد الغراب( أشهر مزار وليc قسنطيني على صنعت من )سيدي.وليc اإلطالق، في مدينة يحمل كل شارع فيها اسم

Q حكمها، اسم صالح باي وحده، فكتبت وخلcدت من بين واحد وأربعين باياcت فجيعة موته في أجمل أغنية رثاء. ومازالت فيه أجمل أشعارها، وغن

!مع مالءات نسائها السوداء.. دون أن تدري تلبس حداده حتى اليوم

..هذه هي قسنطينةcتها، ال مقاييس ال فرق بين cها وكراهي لعنتها ورحمتها، ال حاجز بين حب

.معروفة لمنطقها.الخلود لمن تشاء، وتنزل العقاب بمن تشاء تمنح

Q أو فمن عساه يحاسبها على جنونها، ومن عساه يحسم موقفه منها، حباQ أو براءةQ.. دون أن يعترف أنها تحمل في كل الحاالت كراهية.. إجراما

ضدcها؟

***

أكثر في ذاكرتها، في كل يوم كنت أقضيه في تلك المدينة، كنت أتورط تمتد فرحت أبحث في سهراتي مع حسان، وأحاديثنا الجانبية الطويلة، التي

Q حتى ساعة متأخرة من الليل.. عن وصفة أخرى للنسيان .بنا أحيانا

Q عن طمأنينة أخرى خارج أبحث في ذلك الجو العائلي الذي افتقدته طويال.فضائها

في ذلك البيت العائلي الذي أعرفه ويعرفني، تأثير على كان لوجوديcتي في تلك األيام. وربما كان سندي السريc الذي لم أتوقcعه. لقد نفسي

دهاليز طفولتي البعيدة، ألصبح كنت أعود إليه كل ليلة، وكأنني أصعد نحوQ من جديد ..جنينا

� وهمية، Q منذ ثالثين سنة أختبئ في جوف أم .مازال مكانها هنا فارغا

يوم أقام عندي لبضعة أشهر في يحدث في تلك الليالي أن أذكر زياد،.البيت الجزائر، عندما رفض مستأجره أن يجدcد له عقد إيجار

تعوcدت وقتها أن أترك له سريري، وأنام على فراّش آخر وضعته على.في غرفة أخرى األرض

Q أنني أفعل ذلك مجاملة وكان زياد يحتج ويشعر بشيء من اإلحراج، معتقدا.له

cد له كل مرة، أنني اكتشفت بفضله أنني أسعد أكثر بالنوم على وكنت أوكcرني بطفولتي وبنومي إلى جوار األرض. فقد كان ذلك الفراّش األرضي يذك

Page 208: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

سنوات، على ذلك المطرح الصوفي الذي ما زلت أذكر لونه أمي لعدة كانت تخصcصها )أمcا( كل خريف، لغسل األزرق. بل وتلك األيام التي

األثاث األساسي لغرفة الصوف وتجديد تلك المطارح الصوفية التي كانت.نومي

cيت لو طلبت من عتيقة أن تضع لي في المستقبل Q على األرض، تمن فراشاQ كما تفعل مع أوالدها الذين ينامون في الغرف األخرى، على فراّش تماما

أرضي مشترك يوحي بالدفء والرغبة باالنزالق تحت أغطيته الصوفية تثير غيرتي وحنيني لزمن� لم أعد أدري لبعده، إن كنت عشته الجميلة التي

Q.. أم cلته حقا .تخي

ولكن أيعقل أن أطلب هذا الطلب من عتيقة؟ هي التي أعطتني أجمل بيتها، غرفة نومها العصرية المعدcة الستقبال الضيوف، أكثر منها غرف

للحب؟.. لقضاء ليال� زوجيةQ لجنوني هذا. فقد كانت لو فعلت هذا فلربما أحرجتها، ولما وجدت تفسيرا

Q Q في سهرتنا، وتحاول أن تستنجد بي، بصفتي رجال عتيقة تشارك أحياناQ Q قادما من باريس، ألقنع أخي بالتخلي عن هذا البيت العربي متحضcرا

في العيش. وتكاد تعتذر لي عن كل القديم، وهذه الطريقة المتخلcفة.ونادرة.. األشياء التي كانت تبدو في نظري جميلة

معاكسة وألنني لم أكن أملك القدرة على إقناعها برأيي، وال الجرأة على رأيها، كنت أكتفي باالستماع إلى نقاشها مع حسان، ذلك النقاّش الذي يكاد

Q إلى شجار قبل أن تنسحب هي إلى النوم، ويعلcق حسان شبه يتحول أحيانا:معتذر

يمكن أن تقنع امرأة تشاهد مسلسل )داالس( على التلفزيون، أن ال"Q كهذا وتحمد الله.. ال بد أن يوقفوا هذا المسلسل، ماداموا تسكن بيتا

Q Q محترما ..".وحياة أفضل.. عاجزين عن منح الناس سكنا

.كنت أحسد قناعة حسان. وأعجب بفلسفته في الحياة

Q عليك أن تنظر إلى من تحتك. فإذا كان في كان يقول: "لكي تكون سعيدا ونظرت لمن ليس في يده شيء، ستسعد وتحمد الله. يدك قطعة رغيف،

Q ونظرت لمن في يدهم قطعة "كعك" فأنت لن وأما إذا رفعت رأسك كثيراQ فقط.. وتتعس !".باكتشافك تشبع، بل ستموت قهرا

وهكذا ففي نظر حسان أن العيش في بيت كهذا برغم كل سلبياته التيQ مزعجة، بتفاصيلها الصغيرة التي تجاوزها العصر، يظل أفضل تبدو أحيانا

Q مما يعانيه Q واسعا آالف الناس. بل وعشرات اآلالف الذين لم يجدوا بيتاQ ما يتقاسمون مع كهذا يسكنونه بمفردهم مع أوالدهم وزوجتهم. بل كثيرا

Q لعائلتين لعدة سنوات أهلهم وأقاربهم، الشقة الضيقة التي تكون .بيتا

Page 209: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..هكذا كان حسان نظرة عمودية، فقد تعلم كل ما تعلمه في لقد كانت نظرته إلى األشياء"

..".صباه على سبورة بالحائطQ Q إلى عقليته كموظف محدود وكان سعيدا بتلك النظرة التي قد تعود أيضا

!األحالم الدخل.. ومحدودuمt يمكن أن يحلم أستاذ للعربية يقضي يومه في شرح النصوص األدبية، فtبcاب والشعراء القدامى على تالميذه.. وتصحيح أخطائهم وسرد سيرة الكت

Q من الوقت _أو الجرأة_ لشرح ما كان النحوية واإلنشائية، وال يجد متسعا أخطاء أكبر ترتكب على مرأى منه باسم كلمات يحدث أمامه، وتصحيح

.الشعارات والمزايدات؟ خرجت فجأة من اللغة، لتدخل قاموس ولكنه. كان في أعماق حسان مرارة غامضة تبدو على كل تفاصيل حياته

.كان يحتفظ بها لنفسه

Q في مشكالت Q وغارقا cة وزوجته من الواضح أنه كان متعبا أوالده الست هو فلم الشابة التي تحلم بحياة أخرى غير حياة قسنطينة المغلقة. وأما

يكن يجرؤ على الحلم، أو باألحرى كان يحلم آنذاك بالعثور على شخص!ليحصل على ثالجة جديدة.. ال غير يتوسط له

وأنا أكتشف أننا لم نكن عندما عرفت أمنيته البسيطة الصعبة، حزنتcفين عن أوربا وفرنسا فقط، كما كنت اعتقد، وإال لهان األمر.. وبدا متخل

cا cا عليه منذ نصف قرن وأكثر. يوم كن cفين عما كن Q. لقد كنا متخل تحت منطقيا.االستعمار

.يومها كانت أمنياتنا أجمل.. وأحالمنا أكبر

تتأمل وجوه الناس اليوم وأن تسمع أحاديثهم وأن تلقي نظرة يكفي أن.ذلك على واجهات المكتبات لتفهم

Q يصدcر األحالم.. مع كل نشرة أخبار إلى كل شعوب cا وطنا .العالم يومها كن

وكانت هذه المدينة بمفردها تصدcر من الجرائد والمجالت والكتب ما الQ Q.. وال عدا .تصدcره اليوم المؤسسات الوطنية ال نوعا

المفكرين والعلماء.. والشعراء والظرفاء والكتاب، ما يومها كان لنا منQ Q وغرورا .بعروبتنا يمألنا زهوا

في اليوم.. لم يعد أحد يشتري الجرائد ليحتفظ بها في خزانة، إذ لم يعد.الجرائد ما يستحق الحفظ

Q لقد أصبح البؤس الثقافي. ولم يعد أحد يجلس إلى كتاب ليتعلcم منه شيئاQ لقد كانت. " ظاهرة جماعية، وعدوى قد تنتقل إليك وأنت تتصفcح كتابا

Q يتكلم كما cا فصيحا Q على صواب في ذلك العهد، وكان الواحد من الكتب دائما..".تتكلم الكتب

Page 210: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q.. مثلها مثل الجرائد. ولذا تقلcص صدقنا.. واليوم أصبحت الكتب تكذب أيضا وماتت فصاحتنا، منذ أصبح حديثنا يدور فقط حول المواد االستهالكية

!المفقودة

عندما قلت يومها هذا الكالم لحسان، ظل يتأملني بذهول وكأنه اكتشفQ لم ينتبه له من قبل.. ثم قال بشيء من الحسرة :شيئا

Q صغيرة ال عالقة لها بقضايا العصر. صحيح.. لقد خلقوا لنا- أهدافا للبعض الحصول على شقة وانتصارات فردية وهمية، قد تكون بالنسبة

أو صغيرة بعد سنوات من االنتظار.. أو قد تكون الحصول على ثالجة، التمكن من شراء سيارة.. أو حتى دواليبها فقط! وال أحد عنده متسع من

..واألعصاب ليذهب أكثر من هذا، ويطالب بأكثر من هذا الوقت

Q إلى نحن متعبون.. أهلكتنا هموم الحياة اليومية المعقcدة التي تحتاج دائماcر في أشياء أخرى، عن. وساطة لحل تفاصيلها العادية فكيف تريد أن نفك

غير.. وما عدا هذا ترف.. لقد أيc حياة ثقافية تتحدث؟ نحن همcنا الحياة ال ال فيه مع أوالدها تحولنا إلى أمة من النمل، تبحث عن قوتها وجحر تختبئ

..أكثر

:سألته بسذاجة

الناس؟ وماذا يفعل-

Q :قال مازحا

والبعض اآلخر ينتحر،.. الناس..؟ ال شيء.. البعض ينتظر.. والبعض يسرق- !والحجة نفسها.. هذه مدينة تقدم لك االختيارات الثالثة بالمبررات نفسها

يومها خفت على حسان من تلك المدينة.. وانتابتني فجأة قشعريرة.مبهمة

:سألته دون تفكير.. وكأنني أسأله أي الوصفات الثالثة أختار

وهل لك أصدقاء هنا تلتقي بهم.. وتخرج معهم؟-

يسعد الهتمامي المفاجئ بكل تفاصيل أجابني وكأنه يعجب لسؤالي، أو:حياته

الثانوية.. ما عدا هذا ليس لي لي أصدقاء معظمهم مدرسون معي في- القديمة التي أحد.. لقد فرغت قسنطينة من أهلها، ورحلت كل العائالت

.عرفناها

Page 211: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

تستقر في وراح يسرد عليc أسماء عائالت كبيرة هاجرت أو راحت العاصمة أو في الخارج، لتترك تلك المدينة آلخرين.. جاء معظمهم من

.المدن الصغيرة المجاورة القرى و

والتي أخذت بعد قبل أن يضيف تلك الجملة التي لم تستوقفني ساعتها،:ست سنوات كل أبعاد القدر األحمق، قال

المدينة األصليون، ال يزورونها سوى في األعراس.. لقد أصبح سكان هذه- !أو في المآتم

Q وقبل أن cر شيئا :أعلcق على كالمه، أضاف وكأنه تذك

الطاهر.. من المؤكد أنه سيأتي بعد غد� سأعرفك على ناصر ابن سي- Q بطولك وبضخامتك، وهو يتردد لحضور زواج أخته. سترى.. لقد أصبح رجال

ر أن يستقر في قسنطينة. إنه cمنذ بضعة أشهر، منذ قر cالوحيد الذي علي قام بهجرة معاكسة. لقد رفض حتى منحة إلى الخارج.. تصور! ال أحد

هذا.. عندما سألته لماذا لم يسافر مثل اآلخرين ويهرب من هذا يصدcقQ.. كل أصحابي الذين البلد، قال لي: "أخاف إن سافرت أال أعود أبدا

..".سافروا لم يعودوا

cرني بك، وكأنه سمة عائلية. ضحكت وأنا أكتشف هذا التطرف الذي يذك الحديث الذي كان يؤدي إليك بطريقة.. أو وشعرت برغبة في إطالة ذلك

..بأخرى

:سألته

اآلن؟ وماذا يفعل-

Q وشاحنة يعودان عليه بدخل- Q تجاريا لقد أعطوه بصفته ابن شهيد محالQ Q في مواصلة دراسته، ثم أحيانا Q، يفكر أحيانا Q مترددا كبير. ولكنه مازال ضائعا

غ للتجارة. والحقيقة أنني عاجز عن نصحه. فمن المؤسف أخرى cفي التفر دراسته العليا، ألنه سيظل يشعر بذلك النقص طوال أن ينقطع إنسان عن

تفيد الشهادات اليوم في شيء حسب حياته.. ومن ناحية أخرى، لم تعدQ بشهادات عليا عاطلين عن العمل، وآخرين جهلة قوله، وهو يرى شبابا

Q يتنقcلون في سيارات مرسيدس ويسكنون فيالت فخمة.. ليس هذا زمناطارة.. فكيف يمكن أن تقنع اليوم صديقك أو حتى cللعلم.. إنه زمن الش

Q تلميذك بالتفاني ..في المعرفة؟. لقد اختلت المقاييس نهائيا

:قلت لحسان

اإلنسان ما هو هدفه الحقيقي في الحياة.. هل المال هو المهم أن يعرف

Page 212: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

وتوازنه الداخلي؟ مشكلته األولى.. أم المعرفة

Q :ردc حسان مازحا

. ال أحد فينا.. توازن..؟ عن أي توازن تتحدث- cنحن شعب نصف مختل إن المشكل الحقيقي هو.. يدري ما يريد بالضبط.. وال ماذا ينتظر بالتحديد

إنه. هذا الجو الذي يعيشه الناس، وهذا اإلحباط العام لشعب� بأكمله يفقدك شهية المبادرة والحلم والتخطيط ألي مشروع. فال المثقفون

الجاهلون وال البسطاء وال األغنياء. قل لي يرحم والديك.. ماذا سعداء.. والQ يعمل تحت إشراف مدير يمكن أن تفعل بعلمك إذا كنت ستنتهي موظفا

معرفته، وإنما.. لكثرة معارفه جاهل، و�جuد في منصبه مصادفة ليس لسعةQ.. سوى وعرض أكتافه.! وماذا يمكن أن تفعل بأموالك في قسنطينة مثال

أن تدفعها عمولة لتحصل على شقة غير صالحة للسكن في معظمcي فيه "الفرقاني"؟ أما إذا كان كل ما تملكه األحيان.. أو Q بها يغن تقيم عرسا

ألف دينار.. فيبقى أمامك أن تدفعها "شراب قهوة" ال يتجاوز العشرين آخر، ليبيع جوازات سفر إلى لمسؤول محليc يختبئ خلف أيc موظcف

. وهكذا يمكنك أن تؤدي فريضتك وتحجز لك غرفة صغيرة cفي الحج !اآلخرة.. بعدما ضاقت بك الدنيا

Q :صحت عجبا

Q تقول- هل يبيعون جوازات سفر إلى الحج بمليونين!؟.. واّش.. أحقا

Q.. ألن الحكومة حددت عدد- الحجاج كل عام بسبب تكاليفهم الباهظة طبعا عدة مرات ألسباب ال بالعملة الصعبة، بعدما اكتشفت أن معظمهم يسافر

يكون عالقة لها بالحج، وإنما ألغراض تجارية محض. وإال كيف تفسر أنQ على سلوكه Q دون أن يكون ذلك واضحا بعضهم قد حج ست مرات أو سبعا

Q "سوكارجي" ال تفارق الخمرة بيته، وأعرف آخر وأخالقه؟ أنا أعرف حاجاQ للترافيك و"البزنيس".. وتغيير العملة الصعبة في األسواق متفرغا

عام للحج. يمكنهم أن يحصلوا على السوداء.. هؤالء مازالوا يسافرون كل المبلغ ألقوم بتأدية عشرين ألف دينار بسهولة. وأما أنا فمن أين لي هذا

الشهر؟ فريضتي، ودخلي ال يتجاوز األربعة آالف دينار في

:قلت له وأنا أنتقل من دهشة إلى أخرى

الحج؟ عالّش.. هل تنوي-

Q؟ لقد عدت إلى الصالة منذ سنتين ولوال- Q.. ولم ال.. ألست مسلما طبعاQ. كيف يمكن أن تصمد أمام كل هذا المنكر وهذا إيماني ألصبحت مجنونا

وحدها التقوى تعطيك القدرة على الصمود.. انظر الظلم دون إيمان؟ النتيجة وربما الشباب أكثر من حولك: لقد توصcل جميع الناس إلى هذه

نفسه أصبح غيرهم ألنهم الضحية األولى في هذا الوطن.. وحتى ناصر

Page 213: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..يصلcي منذ عاد إلى قسنطينة، ربما لهذا السبب وربما ألن الدين كالكفرQ! والله يا خالد.. لو رأيتهم يوم الجمعة يتجهون إلى المساجد عدوى أيضا

تضيق بهم جدرانها.. وتفيض بهم الشوارع.. لوقفت معهم باآلالف حتى!لماذا تصلي دون أن تتساءل

لم أجد شيئا أعلcق به على كالم حسان في تلك السهرة العجيبة، التيQ ببدء Q بوجودي، وسعيدا Q. فقد كان حسان سعيدا طالت بنا حتى الثانية صباحا

Q بعد كل هذه العطلة الصيفية التي تسمح له بالسهر والتحدث إليc طويال.باعدتنا السنوات التي

Q Q فتركته يتحدث.. ويعري أمامي هذا الوطن الذي كنت كسوته حنينا وعشقاQ .وجنونا

هذا أكان يخاف عليc من خيبتي،ويخشى أن يفقد فرحة عودتي إليه وإلىQ عن الحديث لينتقل بي إلى الوطن مرة أخرى، عندما كان يتوقف أحيانا

Q بطريقة غير مباشرة إلى الدين وإلى موضوع آخر؟ كأن يستدرجني مثال بالتوبة، وكأن وجودي في فرنسا بحد ذاته قد التقوى واإليمان. ويغريني

Q .أصبح ذنبا وكفرا

.حسان؟ أهذا هو

لم أمنع نفسي ساعتها من االبتسام وأنا أتذكر أنني أحضرت له معي..زجاجتي» ويسكي كالعادة

ألخصها، أن تساءلت ليلتها وأنا في فراشي عن ذنوبي. حاولت أن أحصرها.. فلم أجدها أكبر من ذنوب غيري، بل وربما وجدتها أقل

..بدرجات

Q.. وال Q.. وال كافرا.. وال كاذبا Q.. وال مقامرا Q لم أكن مجرما Q.. وال خائنا cيرا ..سك.آخر لم تكن لي زوجة وال سرير شرعي استبدلت به

Q ما يمكن أن أسمcيه "السنوات خمسون سنة من الوحدة. نصفها تماما.المعطوبة" تلك التي قضيتها بذراع� واحدة، مشوcه الجسد واألحالم

cي األول لتلك الجارة اليهودية كم أحببت من النساء؟. لم أعد أذكر. منذ حب الممرضة التونسية التي أغرتني. إلى نساء أخريات.. التي أغريتها. إلى تلك

تناوبن على سريري ألسباب جسدية لم أعد أذكر أسماءهن وال مالمحهن،QQ ..منهن محض، وذهبن محمالت بي ألبقى فارغا

uأنت uوجئت... المرأة uالوحيدة التي لم أمتلكها، أكبر ذنوبي على اإلطالق كنت أنت

Q .والذنب الوحيد الذي لم أقترفه حقا معك، هي ما يمكن أن أسميه "ذنوب اليد اليمنى".. اليد لقد كانت ذنوبي

Page 214: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

!واستحضرتك بها.. واغتصبتك بها.. وهما.. الوحيدة التي رسمتك بها

يترك لي سواها!؟ فهل سيعاقبني الله على ذنوب يد� لمcب الرذيلة، الفضيلة في أال !تشتهيها ال أذكر من قال: "ليس الفضيلة تجن

Q Q فاضال .وأعتقد أنني بهذا المفهوم فقط.. لم أكن رجال.. وأال أبدأ رذيلتي معك. كان لحبك طعم فقد كان uال بد أال أشتهيك أنت

cبها، والتي كنت أنزلق نحوها دون المحرمات والمقدسات التي يجب تجن.تفكير

Q في قصتي معك، أن تكون المبررات التي لقد كان األمر المدهش حقا أعدل عن حبك. ولهذا ربما جعلتني أحبك، هي التي كان يجب أن تجعلني

نفسه كنت أحبك وأعدل عن حبك.. أكثر من مرة في اليوم. وبالتطرف.كل مرة

Q في النهاية هنا، سوى البحث عن حد� لهذا المدc والجزر وأنا ال أفعل شيئا.العاطفي الذي أعيشه معك كل لحظة

ال يمكن أن يقرر بمفرده الشفاء من كنت أدري أن العاشق مثل المدمن،Q كل يوم أكثر نحو الهاوية. ولكنه ال دائه، وأنه مثله يشعر أنه ينزل تدريجيا

نقطة في يمكن أن يقف على رجليه ويهرب، مادام لم يصل إلى أبعد.الجحيم، ويالمس بنفسه قعر الخيبة والمرارة القصوى

Q في ..تلك الليلة وكنت سعيدا تلك السعادة الغامضة المرة، ألنني كنت أدري أن كل شي سوف يحسم

.اليومين القادمين، وأنني بطريقة أو بأخرى سأنتهي منك في

السهرة منهمكة في إعداد نفسها للحدث كانت زوجة حسان في تلك.الحمام، ثم إلى ليلة الحنة الهام، ولمرافقة الموكب النسائي في الغد إلى

بهمومها النسائية، وبما وكانت كثيرة الحركة ومشغولة عنا وعن أوالدها العادة ستأخذه في حقيبتها من ثياب للحمام، حيث ستستعرض النساء مثل

كل شيء حتى ثيابهن الداخلية.. ليتظاهرن بغناهنc الكاذب في معظم ليقنعن أنفسهن فقط، أنهن مازلن برغم كل شيء قادرات األحيان.. أو

Q مثل تلك العروس التي يرافقنها.. والتي يتأمcلنها على إغراء رجل، تماماcبحسد سري.

Q تبدأ طقوس أفراحك.. وينتهي ذلك الزمن الذي سرقناه من فليكن.. غدا.الزمن

.انتظار غدك أجمل األحالم إذن سيدتي في

Page 215: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

!ولتصبح على خير.. أيها الحزن

***

.بي في الشوارع يوقظني الحب المضاد في هذا الصباح الصيفي.. ويرمي

قررت حال استيقاظي أن أهرب من البيت، ومن حديث عتيقة الذي ال ينقطع عن مراسيم الحفل، وعن أسماء الشخصيات والعائالت الكبيرة

Q لتحضر ذلك الحدث الذي لم تشهد قسنطينة مثله منذ التي جاءت خصيصا.سنوات

:لتواصل حديثها ولكنها لحقت بي حتى الباب

والطائرة على بالك.. يقال إنهم حضروا كل شيء من فرنسا.. منذ شهر- تنقل لوازم العرس.. لو رأيت جهاز العروس وما لبسته البارحة.. يا

..!"قال لك "واحد عايش في الدنيا.. وواحد يوانس فيه.. حسرة

:الباب، وكأنني أغلق بعنف أبواب قلبي أجبتها وأنا أغلق خلفي

Q. ويمكنهم أن يجلبوا إليه كما ما عليهش.. البلد لهم والطائرات- أيضا!أخذوا منه ما شاؤوا

أين أهرب؟

.أنا أوصدت الباب خلفي، وإذا ال شي أمامي.. سواي ها

أفواج المارة الذين يجوبون الشوارع هكذا رميت بخطاي دون تفكير وسط.كل يوم دون جهة محددة

تملك الخيار بين أن تمشي، أو تتكئ على جدار، أو تجلس في هنا.. أنت يتكئون أمامك.. على حائط الرصيف مقهى لتتأمل الذين يمشون أو

..المقابل

..رحت أمشي

Q حول هذه المدينة الصخرة، دون شعرت في لحظة ما، أننا نطوف جميعاQ.. ماذا يجب أن نفعل بغضبنا، ماذا يجب أن نفعل ببؤسنا.. أن ندري تماما

.جيوبنا الفارغة وعلى من نرمي هذا الحصى الذي امتألت به

جم في هذا الوطن؟ من؟ ذلك الجالس فوق cالجميع.. أم من األو»لى بالر

Page 216: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

أولئك الجالسون فوقنا؟

".األصفار تدور حول نفسها.. "حضرني لحظتها عنوان رواية لمالك حداد

Q لكل هذه الدوائر التي تحولنا تمنيت لو أنني قرأتها، عساني أجد تفسيرا.إليها

Q في تونس لجمل مغمض ثم قادتني أفكاري إلى مشهد شاهدته يوما العينين، يدور دون توقف في ساحة )سيدي بوسعيد(، ليستخرج الماء من

.أمام متعة السواح ودهشتهم بئر

ليتوهم أنه يمشي إلى استوقفني يومها عيناه اللتان وضعوا عليهما غمامةQ، ويموت دون أن يكتشف أنه كان يدور في حلقة مفرغة.. وأنه األمام دائما

Q حول نفسه !قضى عمره دائرا

يكاد ينتهي من دورة حتى يبدأ أخرى تدور ترانا أصبحنا ذلك الجمل الذي الاليومية؟ به بطريقة أو بأخرى حول همومه الصغيرة

Q من الوعود بغد� أفضل، ليست �رى هذه الجرائد التي تحمل لنا أكياسا ت سوى رباط عينين، يخفي عنا صدمة الواقع وفجيعة الفقر والبؤس الحتمي

مرة يتربص بنصف هذا الشعب؟ الذي أصبح ألول

مستقيم ال يعود بي وأنا.. تراني لم أعد أعرف المشي إلى األمام في خطQ إلى الوراء.. إلى هذا الوطن الذاكرة؟ تلقائيا

tيc المستقيمات، وهذا الوطن.. من أين له هذه القدرة الخارقة على ل!وأصفار.. وتحويلها إلى دائرة

.ها هي الذاكرة سياج دائري يحيط بي من كل جانب أضع قدمي خارج البيت. وفي كل اتجاه أسلكه تمشي إلى تطوcقني أول ما

..البعيدة جواري الذكريات

فأمشي نحو الماضي مغمض العينين.. أبحث عن المقاهي القديمة تلك التي كان لكل عالم أو وجيه مجلسه الخاص فيها، حيث كانت تعد القهوة

الحجري وتقدم بالجزوة.. ويخجل نادل أن يالحقك بطلباته. على الوجاق.عنده كان يكفيه شرف وجودك

في ذلك الزمن كان البن باديس المقهى الذي كان يتوقف عنده، وهو في(.طريقه إلى المدرسة. كان اسمه )مقهى بن بامينة

حيث كان مجلس بلعطcار وباشتارزي وحيث( وكان هنالك )مقهى بو عرعورQ وأنا أمر بهذا .الطريق كنت ألمح أبي أحيانا

Page 217: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

ذكراه؟ أين ذلك المقهى ألحتسي فيه هذا الصباح فنجان قهوة نخب

Q سوى بأسماء رواده؟ كيف أجده.. في كيف أعثر على مقهى لم يكن كبيرا هذا الزمن الذي كبرت فيه المقاهي وكثرت، لتسع بؤس المدينة. وإذا بها

كوجوه الناس؟ متشابهة وحزينة

لم يعد يميزها شيء. حتى تلك الهيبة التي كانت سمة أهل قسنطينة،Q اليوم QQ وباهتا Q، أصبح نادرا .وذلك الشاّش والبرنس المتألق بياضا

أول ما لفت نظري ذلك الصباح، ذلك الزيc الموحcد لتلك المدينة ربما كان بحزن غامض. ذلك اللون القاتم المتدرج والمشترك التي تستيقظ كما تنام

.بين الجنسين.بمالءاتهن السوداء التي ال يبدو منها شيء سوى عيونهن النساء ملفوفات

الرمادية أو البنية التي ال تختلف عن لون بشرتهم.. والرجال في بدالتهمQ عند خياط واحد وال لون شعرهم. والتي يبدون .وكأنهم اشتروها جميعا

ضوء، أو لون زاه� لفستان� أو لبدلة� وقلما كان يبدو من بين الحشود نقطة.صيفية

تلك المدينة، بعيون رسام ال تلفت نظره تراني كنت أنظر ذلك الصباح إلى أم تراني كنت أراها. سوى األلوان، ويكاد ال يرى سواها في كل شيء

فقط بعيون الماضي وخيبة الحاضر؟

الرجال الضائعين مثلي في تلك المدينة. رميت بنفسي وسط أمواج.أشبههم شعرت ألول مرة أنني بدأت

Q ورجولة ال أدري ماذا أفعل بها. فال أملك إال أن أمشي مثلهم أملك وقتاQ ببؤسي الحضاري.. وبؤسي ساعات في الشوارع كما يمشون.. محمال

.اآلخر الجنسي

cها نحن نتشابه فجأة في كل شيء. في لون شعرنا ولون بدلتنا وجر .أحذيتنا وخطانا الضائعة على األرصفة

Q؟. نتشابه في كل شيء، وأنفرد وحدي بك ولكن هل يغير ذلك شيئا

تخلcفي دون علمي. حبك الذي استدرجني حتى هذه المدينة، أعادني إلى رمى بي وسط هذه الجموع الرجالية، التي تسير ببطء تحت الشمس

الصيفية، دون وجهة محددة، ودون أن تدري ماذا تفعل بتلك األشعة التيQ في تختزنها األجساد ا cالمحمومة في النهار، وتنفقها األيدي البائسة سر

.الفردية الليل.. في الملذات

Page 218: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q أخرى .تتوقف فجأة خطواتي أمام جدران بيت ال يشبه بيوتا

كانت أكبر "دار مغلقة" يرتادها الرجال. وكان لها ثالثة أبواب تؤدي إلى هنا.مختلفة شوارع وأسواق

Q مغلقة مشرعة، مدروسة ليتسلل إليها الرجال لقد كانت في الواقع دارا.من أية جهة، ويخرجوا منها من أية جهة أخرى

Q من المدن والقرى المجاورة، كان الرجال يؤمونها من كل صوب، هربا.التي ال ملcذات فيها وال نساء

Q من كل المدن المجاورة وكانت النساء الجميالت والبائسات، يأتين أيضا المصفرة، التي ال يخرجن منها إال عجائز ليختفين خلف هذه الجدران

األيتام في موسم توبتهن لينفقن ثروتهن في الصدقات والحسنات، وتطهير.األخيرة

..!ورجولته هنا أنفق أبي ثروته

سبب أحاول أال أتوقف عند ذلك البيت االستثنائي، الذي كان لعدة سنواتQ .حزن أمي السري، وربما موتها قهرا

Q سرc نشوتي السرية، وأحالمي المكبوتة أيام وكان لعدة سنوات أيضاQ من أن ألتقي صباي، يوم كنت أحلم به وال أجرؤ على دخوله، ربما خوفا

Q بمغامراتي العابرة Q ألنني كنت مكتفيا المسروقة بأبي هناك، وربما أيضا..فوق السطح تارة، أو في غرف المؤونة التي قلما يفتحها أحد

لم يعد أبي هناك ليمنعني احتمال وجوده في هذا "البيت" من اليوم.الدخول

Q كما يفعل أيc لقد رحل بعدما ترك تاريخه بامتياز خلف هذه الجدران، تماما.على أيامه فلسطيني ثري ومحترم

cل تلك ألم تكن جدتي تقول وقتها لتعلم أمي الصبر، وتعودها على تقبز على أكتافهم cالخيانة بفخر: "إن ما يفعله الرجال.. طر."!

ز cا( دون أن يدري وكان أبي يطرcعلى جسد )أم Q Q ووشما .مغامراته جرحا

..لست أدري" ماذا أصبح هذا "البيت�قال إنهم أغلقوه وربما ظل له باب واحد فقط.. بعدما أغلقت أبوابه ي

Q األخرى، في إطار سياسة تقليص الملذات في هذه المدينة، أو احتراما التي نبتت على صدر هذه الصخرة، والتي يرتفع صوتها لعشرات المساجد

cر ..الناس بمزايا اإليمان والتوبة مجتمعة مرات في اليوم، ليذك

Page 219: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

المدينة، أقف في الحد الفاصل وكنت في تلك اللحظة، كمعظم رجال هذه السري لتلك بين شهوة الجسد وعفة الروح. يتجاذبني إلى أسفل النداء

الغرف المظلمة الشبقية.. حيث تحلو الخطايا.. ويسمو بي إلى أعلى ذلكQ تكبيرها، ورهبة آذانها الذي النداء اآلخر، لتلك المآذن التي افتقدت طويال

إلى الصالة، فيخترق بقوته دهاليز نفسي، ويهزني ألول مرة منذ كان يدعو.سنوات

Q كهذه المدينة، وبدأت أعي أن لقد أصبحت في Q مزدوجا بضعة أيام رجال.باألضداد من مدن بريئة. ومدن فاجرة ليس في هذا العالم المسكون

Q ..فقط هنالك مدن منافقة.. وأخرى أقل نفاقا

وليس هناك من مدن بوجه واحد.. وحرفة واحدة. وقسنطينة أكثر المدنQ Q.. وتناقضا .وجوها

التي ها هي مدينة تستدرجك إلى الخطيئة. ثم تردعك بالقوة نفسها.تستدرجك بها

يغري كل شيء هنا دعوة مكشوفة للجنس.. شيء ما في هذه المدينة بالحب المسروق: قيلوالتها التي ال تنتهي.. صباحاتها الدافئة الكسلى..

cقة بين الصخور.. أنفاقها السرية وليليها الموحش المفاجئ. طرقاتها المعل منظر جبل الوحش وما حوله من ممرات متشعcبة.... الموبوءة الرطوبة

.المغارات واألنفاق المختبئة غابات الغار والبلcوط.. وكل تلك

المتوارثة هنا من ولكن.. عليك أن تكتفي بالتفرج على عادات النفاق ..أجيال، وتتحاشى النظر إلى هذه المدينة في عينيها حتى ال تربكها

!وترتبك

فالجميع هنا يعرفون أن خلف شوارعها الواسعة تختبئ األزقcة الضيقة الملتوية، وقصص الحب غير الشرعية، واللذة التي تسرق على عجل خلف

السوداء الوقور، تنام الرغبة المكبوتة من قرون. باب.. وتحت مالءتها القسنطينية المنفردة، وتمنح الرغبة التي تعطي نساءها تلك المشية

.عيونهن تحت )العجار(، ذلك البريق النادر النساء هنا منذ قرون، على حمل رغبتهنc كقنبلة موقوتة، مدفونة تعوcدت

من كبتها إال في األعراس، عندما تستسلم النساء في الالوعي. ال تنطلق يستسلمن للحب، بخجل ودالل في لوقع البندير، فيبدأن الرقص وكأنهن

الزندالي".. فتستيقظ "البداية. يحركن المحارم يمنة ويسرة على وقع.أنوثتهن المخنوقة تحت ثقل ثيابهن وصيغتهن

.إغرائهن المتوارث يصبحن أجمل في.الحب تهتز الصدور وتتمايل األرداف، ويدفأ فجأة الجسد الفارغ من

تشبc فيه فجأة الحمى التي لم يطفئها رجل. ويتواطأ البندير الذي تسخنهQ مع الجسد المحموم، فتزيد الضربات فجأة قوة وسرعة. النساء مسبقا

Page 220: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

النساء، وتتطاير خصالت شعرهن، وينطلقن في حلبات وتنفك ضفائرQ ولذة في حفلة جذب وتهويل، يفقدن الرقص كمخلوقات بدائية تتلوى وجعا

أجسادهن، من خاللها كل عالقة بما حولهن، وكأنهن خرجن فجأة من.السابق ذاكرتهن وأعمارهن، ولم يعد يمكن أحدا أن يعيدهن إلى هدوئهن

وكما في طقوس اللذة.. وطقوس العذاب، يدري الجميع أنه ال يجب وقف ضربات البندير، وال قطع وقعها المتزايد، قبل أن تصل النساء إلى ذروة ال

ولذتهن، ويقعن على األرض مغمى عليهن، تمسكهن نساء من شعورهن والعطر الجاهز لهذه المناسبات.. خصورهن، وترشهن أخريات بالريحة

Q إلى وعيهن .حتى يعدن تدريجيا

Q في قسنطينة هكذا تمارس !النساء الحب.. وtه»ما

وقبلت صفقتها السرية، مقابل قسنطينة التي أغرتني.. بليلة حب وهمية،.شيء من النسيان

منعطف يتربص بي جرح؟ فأين النسيان قسنطينة.. وفي كل

هل الحنين وعكة صحية؟.مريض أنا بك قسنطينة

بتها للشفاء، فقتلتني الوصفة كان cموعدنا وصفة جر.المسموح بها في هذه الحاالت؟ تراني تجاوزت معك جرعة الشوق

بائع األقدار لم أشتركu في صيدلية جاهزة في طريق، ألرفع دعوى على.الذي وضعك في طريقي

..مقاييسي لقد صنعتك أنا بنفسي، وقست كل تفاصيلك علىcزاني وجنوني، من عبادتي وكفري ..أنت مزيج من تناقضي، من ات

.طهارتي وخطيئتي. وكل عقد عمري أنت.الفرق بينك وبين مدينة أخرى.. ال شيء

كنت فقط المدينة التي قتلتني أكثر من مرة لسبب مناقض لألول.. لعلك.كل مرة

الفاصل بين جرعة الشفاء وجرعة الموت هذه المرة؟ وفي فأين الحد�بتلع دفعة واحدة، بعدما كان مواسم الخيبة، تصبح الذاكرة Q ي Q مرا مشروبا

�حتسى على Q ي Q مشتركا مهل؟ حلما

.بها هنا تبدأ الذاكرة المشتركة، وشوارع يسكنها التاريخ وينفرد.بعضها مشيتها مع سي الطاهر وأخرى مع آخرين

تذكر عبوره. وها أنذا أتوحد بخطاه هنا شارع يحمل اسمه.. وشوارعQ Q لم نكمله معا .وأواصل طريقا

العروبة معي من حيc إلى آخر. ويملؤني فجأة شعور غامض تمشي.بالغرور

Page 221: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.تنتمي لهذه المدينة، دون أن تحمل عروبتها ال يمكن أن

.من التحدcي والعنفوان العروبة هنا.. زهو ووجاهة وقرون.موته مازالت لحية )ابن باديس( وكلمته تحكم هذه المدينة حتى بعد

Q على يده، cكئا Q وقاره، مت يفكر مازال يتأملنا في صورته الشهيرة تلك. ملتحيا�لنا إليه بعده .في ما أ

النشيد غير الرسمي. ومازالت صرخته التاريخية تلك بعد نصف قرنQ .الوحيد.. الذي نحفظه جميعا

العروبة ينتسب» شعب الجزائر مسلم *** وإلىمن قال حاد عن أصله *** أو قال مات فقد كذب»

Q له *** رام المحال من الطلب» أو رام إدماجا

.نمت صدقت نبوءتك لنا يا ابن باديس.. لم

cتنا للحياة. فماذا نفعل أيها العالم الفاضل؟ فقط ماتت شهي

Q. كيف يموت شعب يتضاعف كل عام؟ ال أحد توقcع لنا الموت يأسا

وبك الصباح قد اقترب» *** يا نشء أنت رجاؤنا

مذ حجز الجالسون ذلك النشء الذي تغنيت به.. لم يعد يترقب الصباح،Q. إنه يترقب البواخر والطائرات.. وال يفكر سوى فوقنا.. الشمس أيضا

.بالهرب أمام كل القنصليات األجنبية تقف طوابير موتانا، تطالب بتأشيرة حياة

.الوطن خارج دار التاريخ وانقلبت األدوار. أصبحت فرنسا هي التي ترفضنا، وأصبح

"!على "فيزا" إليها ولو أليام.. هو "المحال من الطلب الحصول

Q.. متنا Q. فوحدها اإلهانات تقتل الشعوب لم نمت ظلما .قهرا

قسنطينة. كان يكفي أن ينطلق في زمن ما كنا نردد هذا النشيد في سجن.سياسيين من زنزانة واحدة، لتردده زنزانات أخرى، لم يكن مساجينها

كان لكلماته قدرة خارقة على توحيدنا. اكتشفنا مصادفة هناك صوتنا.الواحد

Q ترتعد الجدران لصوته. قبل أن ترتعد أجسادنا تحت Q واحدا كنا شعبا.التعذيب

Page 222: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

هذا هل بحc صوتنا اليوم.. أم أصبح هناك صوت يعلو على الجميع. مذ أصبحالوطن لبعضنا فقط؟

***

37الشارع، وألتقي بعد ولدت كل هذه األفكار في ذهني وأنا أعبر ذلكQ أراها من الداخل .سنة مع جدران سجن كنت يوما

Q آخر لمجرد أننا ننظر إليه من الخارج، وهل ولكن هل يصبح السجن شيئاالذاكرة اليوم، وهل يمكن لذاكرة أن تلغي أخرى؟ يمكن للعين أن تلغي

Q من .ذاكرتي األولى التي لن تمحوها األيام كان سجن "الكديا" جزءا

قدميc على الوقوف، فأدخله من وها هي الذاكرة تتوقف أمامه وترغم ألقيc مع خمسين ألف سجين1945جديد كما دخلته ذات يوم من سنة

. ماي الحزينة الذكر8عليهم القبض بعد مظاهرات

Q Q، قياسا .إلى الذين لم يدخلوه يومها وكنت أكثر حظا

الشرق الجزائري خمسة وأربعون ألف شهيد سقطوا في مظاهرة هزcتاطة cكله بين قسنطينة وسطيف وقالمة وخر.

Q لحرب وكانوا أول دفعة رسمية لشهداء الجزائر. جاء استشهادهم سابقا.التحرير بسنوات

أنساهم؟ هل

أأنسى أولئك الذين دخلوه ولم يخرجوا منه، وظلcت جثثهم في غرف التعذيب؟ وأولئك الذين ماتوا بأكثر من طريقة للموت، رفاقنا الذين

وحدهم؟ اختاروا موتهم

هنالك إسماعيل شعالل. كان مجرد عامل في البناء. وكانت له مهمة حفظ وثائق "حزب الشعب" وأرشيفه السري. وكان أول من تلقcى زيارة

الذين دقcوا باب غرفته الصغيرة الشاهقة صارخين االستخبارات العامة"."البوليس..افتح

يفتح إسماعيل شعالل الباب.. فتح نافذته الوحيدة. ورمى بنفسه وبدل أنه في وديان قسنطينة العميقة على وادي الرمال، ليموت cهو وسر.

إسماعيل دون دموع، هو أيمكن اليوم، وحتى بعد نصف قرن، أن أذكرالذي مات حتى ال يبوح بأسمائنا تحت التعذيب؟

Page 223: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

صوت )عبد الكريم بن وطاف( الذي كانت صرخات تعذيبه تصل وهنالكQ يخترق Q ويبعث فيه الشحنات الكهربائية حتى زنزانتنا، خنجرا جسدنا أيضا

cيين نفسها. وصوته يشتم بالفرنسية معذcبيه ويصفهم بالكالب والنازيQ بين صرخة .وأخرى والقتلة.. فيأتي متقطcعا

"criminels.. assassins.. salauds.. nazis"

.باألناشيد الحماسية والهتاف فيرد عليه صوتنا

.ويصمت صوت بن وطاف

أقرب صديق إلى سي الطاهر، أحد رجال التاريخ( وهنالك )بالل حسين.المجهولين، وأحد ضحاياه

Q. لم يكن رجل علم ولكن على يده تعلcم جيل بأكمل كان بالل نجcاراcه القائم تحت جسر )سيجي راشد( مقرc االجتماعات الوطنية. فقد كان محل

.السرية

Q إلى ثانوية قسنطينة، أذكر أنه كان يستوقفني cه متجها وأنا أمرc بمحلQ فيعرض عليc قراءة جريدة "األمة" أو Q سريا .منشورا

Q لالنخراط في "حزب الشعب ويضعني". وكان خالل سنتين يهيؤني سياسيا أمام أكثر من امتحان ميداني، كان ال بد لكل عضو أن يمر به قبل أن يؤدي

االنخراط في الحزب. ويبدأ نشاطه في إحدى الخاليا التي كان قسم.يحددها بالل

ذلك المحل الذي ال أثر له اليوم، كان يلتقي القادة السياسيون. في تعليماته األخيرة. وفيه نوقشت الشعارات التي( ويعطي )مصالح الحاج

Q على �تبت ليال .الالفتات لتكون مفاجأة فرنسا رفعها المتظاهرون، وك

راشد( كما خطط وعندما انطلقت تلك المظاهرة من فوق جسر )سيدي لها بالل ألسباب تكتيكية، يسهل معها تجمع المتظاهرين ثم تبعثرهم من

كل الطرقات المؤدية للجسر. أدهشت القوات الفرنسية بدقتها ونظامها�لقي القبض عليه يومها.. ومن عذcب غير المتوقع. وكان بالل أول من أ

.للعبرة

كغيره. قضى سنتين في السجن والتعذيب. ترك ولم يمت بالل حسين.فيهما جلده على آالت التعذيب

Q على أذكر Q حتى أن يضع قميصا أنه ظلc لعدة أيام عاري الصدر، عاجزا بجراحه المفتوحة، بعدما رفض طبيب المستشفى جلده، حتى ال يلتصق

.تحمل مسؤولية عالجه

Page 224: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q عليه بالنفي والرقابة المشددة. وعاّش بالل حسين ثم خرج محكوماQ في المعارك Q حتى االستقالل. ولم يمت مناضال Q مطاردا المجهولة، مالحقا

Q في عامه الواحد ، في الشهر نفسه1988 ماي 27والثمانين في إال مؤخرا.الذي مات فيه ألول مرة

Q من المال والبنين مات Q، وأعمى، ومحروما .بائسا

لصديقه الوحيد، أنهم عندما عذcبوه تعمدوا اعترف قبل موته ببضعة أشهر.األبد تشويه رجولته، وقضوا عليها إلى

..وأنه في الواقع مات منذ أربعين سنة

أنصاف المسؤولين لمرافقته إلى مثواه األخير. يوم وفاته، جاء حفنة منQ بماذا كان .يعيش، وال لماذا ال أهل له أولئك الذين لم يسألوه يوما

الرسمية، دون أدنى شعور مشوا خلفه خطوات.. ثم عادوا إلى سياراتهم.بالذنب

سنة كاملة، بحياء رجل من لم يكن أحد يعرف سره الذي احتفظ به أربعين.جيله ومن طينته

الكتمان؟ فهل كان يستحق ذلك السر، كل ذلك

..كان بالل حسين آخر الرجال في زمن الخصيان

..زمن عميت فيه البصائر وكان المبصر في

فهل أنسى بالل حسين؟

***

(..ها هوذا سجن )الكديا

Q لم نكن أتأمله كما Q مزعجا نتأمل جدران سجن أول، دخلناه كما ندخل حلما.مهيأين له

QQ آخر، كان جالدوه هذه المرة مرت سنوات كثيرة، قبل أن أدخل سجنا يكن له من عنوان معروف، ليعرف طيف )أمcا( جزائريين ال غير. ولم

هنا في الماضي، باكية طريقه إليc فيأتيني كما كانت تأتي لزيارتيعة لكل حارس cمتضر..

Page 225: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

مؤلمة، وأخرى مدهشة عرفها هذا ها هوذا سجن )الكديا(.. كم من قصص.ثورة السجن، الذي تناوب عليه أكثر من ثائر، ألكثر من

. عاد هذا1945 ماي 8.. أي عشر سنوات بالضبط بعد أحداث 1955سنة للصدارة، بدفعة جديدة لسجناء استثنائيين كانت فرنسا تعدc لهم السجن

Q Q عقابا .استثنائيا

الثورة .. المعدة النتظار الموت. كان ثالثون من قادة8في الزنزانة رقم ورجالها األوائل، ينتظرون موثقين، تنفيذ الحكم باإلعدام عليهم، بينهم

بن بولعيد والطاهر الزبيري ومحمد اليفا وإبراهيم الطيب رفيق مصطفى.وآخرون ديدوّش مراد وباجي مختار

Q للموت يومها، حتى أن حالق مساجين الحق العام، كان كل شيء معدا الشهيد القائد مصطفى بولعيد في الصباح، أنهم غسلوا المقصلة أخبر

".نفذوا "باألمس، وأنه حلم أنهم

»ن بالنسبة لمصطفى بن بولعيد، الذي كان وكانت هذه الكلمة تحمل معنيي يعدc منذ أيام خطة للهرب من )الكديا(.. وكان شرع مع رفاقه منذ عدة

سري تحت األرض، أوصلهم في المرة األولى إلى أيام، في حفر ممر من جديد، ليصلوا بعد ذلك إلى ساحة مغلقة داخل السجن. فأعادوا الحفر

.خارج السجن

المغرب، وبين الساعة السابعة والثامنة ، بعد صالة1955 نوفمبر 10يوم آخرون من رفاقه، قد مساءQ بالتحديد، كان نصطفى بولعيد ومعه عشرة

يغادرها أحد هربوا من )الكديا(، وقاموا بأغرب عملية هروب من زنزانة لم.ذلك اليوم.. سوى إلى المقصلة

وا معه، شهداء في بعد ذلك سقط القائد مصطفى بولعيد cوبعض من فر برحيلهم كتب معارك أخرى ال تقل شجاعة عن عملية فرارهم، فتصدcروا

.التاريخ الجزائري، وأهم الشوارع والمنشآت الجزائرية

cوا بالزنزانة، دون أن يتمكنوا من بينما �ف�ذ حكم اإلعدام، في من ظل ن.الهروب

يبق اليوم من السجناء األحد عشر الذين هربوا من الكديا، سوى اثنين ولم ومات الرجال الثمانية والعشرون الذين جمعتهم الزنزانة. على قيد الحياة

Q، لقدر� كان Q رقم ثمانية يوما Q أن يكون.. واحدا .مقررا

ذاكرتي، وذهبت كلما وقفت أمام الجدران العالية لهذا السجن تبعثرت ألكثر من وجه، ألكثر من اسم، وألكثر من جالد. وشعرت برغبة في فتح

Q Q واحدا أبواب سجون أخرى مازالت مغلقة على أسرارها، دون أن تجد كاتباوا بها يردc دين من cمر.

Page 226: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.أسابيع وقتها كنت أحسد ذلك الرفيق الذي جمعتني به زنزانة هنا لبضعة

. وربما كان ياسين يصغرني كنا آنذاك.. أنا وهو، أصغر معتقلين» سياسيين».ببضعة أشهر

Q فقط .كان عمره ستة عشر عاما

cي، فقد رفضوا أن يطلقوا سراح ورغم أنهم أطلقوا سراحي لصغر سنQ. يحلم بالحرية.. وبامرأة ياسين. وبقي في سجن )الكديا( أربعة عشر شهرا

عمرها.. وكان تكبره بعشر سنوات، كانت في السادسة والعشرين من"!اسمها "نجمة

الدراسة، راح ياسين يكتب وبينما عدت أنا بعد ستة أشهر من السجن إلى".بعد عدة سنوات رائعته "نجمة

التي ولدت فكرتها األولى هنا. في ذلك الليل تلك الرواية الفجيعة،.واألحالم الوطنية الكبرى الطويل، وفي مخاض المرارة والخيبة

Q بالرفض Q. كان مسكونا Q دائما وبرغبة في أذكر أن ياسين كان مدهشا.التحريض والمواجهة

نستمع إليه، ونجهل وقتها ولذا كان ينقل عدواه من سجين إلى آخر. وكناQ، اكبر ما أننا أمام )لوركا( الجزائر، وأننا نشهد ميالد شاعر سيكون يوما

.أنجب هذا الوطن من مواهب ياسين في منفاي اإلجباري اآلخر مرت عدة سنوات، قبل أن ألتقي بكاتب

.بتونس.يتغير اكتشفت بفرح ال يخلو من الدهشة أنه لم

Q الحرب مازال يتحدث بذلك الحماس نفسه، وبلغته الهجومية نفسها، معلنا.كل من يشتمc فيهم رائحة الخضوع لفرنسا أو لغيرها على

اإلهانات المهذبة، وضد قابلية البعض لالنحناء.. لقد كانت له حساسية ضد!الفطري

محاضرة في قاعة كبرى بتونس، عندما راح فجأة يهاجم كان يومها يلقي.التونسية بالتحديد السياسيين العرب، والسلطات

.ولم يستطع أحد يومها إسكات ياسين بعدما قطعوا عليه صوت الميكروفون، فقد ظل يخطب ويشتم حتى

.القاعة وأطفأوا األضواء ليرغموا الناس على مغادرة

يومها دفعت في جلسة تحقيق مع البوليس ثمن حضوري في الصف..".وهتافي على ياسين "تعيش.. آ ياسين األمامي

Page 227: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

صفcقوا. ولكن بعض من كان يعنيهم األمر لم ينتبه أحد وقتها إلى وجوه منQ Q.. انتبهوا إلى يدي الوحيدة المرفوعة تأييدا .وإعجابا

Q يومها اكتشفت البعد اآلخر لليد الواحدة. فقدر صاحبها أن يكون معارضاQ، ألنه في جميع الحاالت.. عاجز عن التصفيق !ورافضا

Q سأسميه ياسين احتضنته بعدها .."وقلت: "ياسين.. لو رزقت ولدا

والمتعة، كأنني أقول له أجمل ما يمكن أن وشعرت بشيء من العنفوان.نقوله لصديق أو لكاتب

وهو يربت على كتفي بيد� عصبية كعادته عندما يربكه فضحك ياسين.اعتراف ما

Q وقال Q لم تتغير.. مازلت مجنونا !"بالفرنسية: "أنت أيضا.أخرى وضحكنا لنفترق لعدة سنوات

Q لذاكرتنا المشتركة، أم فقط، كنت أريد cا أن تراني كنت أريد أن أكون وفي أعوcض بذلك عن عقدتي تجاه "نجمة"، الرواية التي لن أكتبها، والتي كنت

Q. بأحالمي وخيباتي، بمالمح أشعر أنها بطريقة أو بأخرى، كانت قصcتي أيضا حافة اليأس والجنون، الراكضة بين السجن واألولياء )أمcا( الواقفة على

محمد الغراب، والعموالت لحارس السجن الصالحين، تقدcم الذبائح لسيدي الحين واآلخر بقفcة األكل الذي اليهودي، الذي كان جارنا.. حتى يأتيني بين

السجن بعد ستة أشهر، تعدcه لي. )أمcا( التي كدت ال أعرفها عندما غادرت تطلب والتي أمام انشغال أبي عني وعنها، بتجارته وعشيقاته، أصبحت ال

من الله إال عودتي لها. وكأنني الشيء الوحيد الذي يمكن أن يبرر وجودها،.والشاهد الوحيد على أمومتها وأنوثتها المسلوبة

Q بقصة واحدة، بجنون األمهات المتطرفات في نعم كنا في النهاية جيال وبقصص حب وهمية، وخيبات الحب، بخيانة اآلباء المتطرفين في القسوة،

آخرون على عاطفية، يصنع منها البعض روائع عالمية في األدب، ويتحول.يدها إلى مرضى نفسانيين

Q بكتابة هذا الكتاب، سوى محاولة الهروب من صنف تراني ال أفعل شيئاالمرضى إلى صنف المبدعين؟

..العالم منذ ذلك اللقاء.. منذ ذلك الوداع آه ياسين.. كم تغيرQ على :لسان ذلك البطل أنت الذي أنهيت روايتك قائال

Q أيها الرفاق.. أيc شباب عجيب ذاك الذي" !."عشناه وداعا

!بكثير لم تكن تتوقع وقتها، أن عمرنا سيكون أعجب من سنوات شبابنا

Page 228: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q سيكون عرسكu إذن ..غداQ أحاول أن أنسى ذلك، وأمشي في شوارع قسنطينة، يسلcمني زقاق وعبثا

.إلى آخر.. وذاكرة إلى أخرى

قلتu إنك لي مادمنا في هذه المدينة؟ أما

أي زقاق من هذه المدينة أين تكونين اآلن إذن؟ في أي شارع.. فيcرني بحضورك وغيابك الدائم، المتشعcبة الطرقات واألزقة كقلبك، والتي تذك

وتشبهك حد االرتباك؟

..لستu لي

اآلن لليلة حبك القادمة. يعدcون جسدك لرجل آخر ليس أدري أنهم يعدcونك.ألنسى الذي يحدث هناك أنا. بينما أهيم أنا على جرحي

Q كان يومي، كيوم Q كان يومك، كيوم عروس، وفارغا .موظcف متقاعد مليئا

Q لآلخر. وها نحن Q مخالفا نعيش بمفcكرتين منذ زمان أخذ كلc واحد منا طريقا، إحداهما للفرح وأخرى للحزن. فكيف أنسى ذلك؟ متناقضتين»

كل الطرق تؤدي إليك، حتى تلك التي سلكتها للنسيان، والتي كنت كانتcصين لي .فيها تترب

كلc".. كلc المدارس والكتاتيب العتيقة.. كل المآذن.. كلc "البيوت المغلقة السجون.. كل المقاهي.. كل الحمامات التي كانت تخرج منها النساء

للحب، كل الواجهات التي تعرض الصيغة والثياب الجاهزة أمامي جاهزات التي ألقيت نفسي في سيارة أجرة، ورحت للعرائس. وحتى.. تلك المقبرة

حارسها ألتعرف على أرقام أبحث فيها عن قبر )أمcا(، وأستعين بسجالت.غير الممرات التي كانت توصل إليها.. أوصلتني إليك ال

ا(.. لماذا قادتني قدماي إليها ذلك اليوم بالذات، في ليلة عرسك) cأم بالذات؟ أرحت أزورها فقط.. أم رحت أدفن جوارها امرأة أخرى توهمcتها

Q أمي؟ يوما

كقلبي، عند قبرها الرخامي البسيط مثلها، البارد كقدرها.. والكثير الغبار تسمcرت قدماي، وتجمcدت تلك الدموع التي خبأتها لها منذ سنوات الصقيع

.والخيبة

ا(.. شبر من التراب، لوحة رخامية تخفي كل ما كنت أملك cها هي ذي )أم

Page 229: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cاة.. من كنوز. صدر األمومة الممتلئ.. رائحتها.. خصالت شعرها المحنcتها ..".ضحكتها.. حزنها.. ووصاياها الدائمة.. "عندك يا خالد يا ابني.. طل

.عوcضتها بألف امرأة أخرى.. ولم أكبر( أمcأ)

أرتوu. عوcضت حبها بأكثر من قصة عوcضت صدرها بألف صدر أجمل.. ولم.حب.. ولم أشف

Q غير قابل للتكرار .لوحة غير قابلة للتقليد وال للتزوير. كانت عطرا األصل عنها؟ لماذا رحت فلماذا في لحظة جنون تصوcرت أنك امرأة طبق

أطالبك بأشياء ال تفهمينها، وبدور لن تطاليه؟

.الحجر الرخاميc الذي أقف عنده أرحم بي منك هذا.بالبكاء لو بكيت اآلن أمامه.. ألجهش بدوره

دت حجره البارد، لصعد من تحته ما يكفي من الدفء لمواساتي cلو توس.Q "واّش بيك آ ميمة..؟ لو ".ناديته )يا أمcا..( ألجابني ترابه مفجوعا

أخاف حتى على تراب )أمcا( من العذاب، هي التي كانت حياتها ولكن كنت.غير مواسم للفجائع ال

cما زرتها أن اخفي كنت أخاف عليها حتى بعد موتها من األلم، وأحاول كل.عنها ذراعي المبتورة

Q؟ ماذا لو كان للموتى عيون أيضا

المقابر ال تنام.. كم كان يلزمني من الكالم وقتها ألشرح لها ماذا لو كانتبعدها؟ كل ما حلc بي

.لم أجهش ساعتها بالبكاء، وأنا أقف أمامها بعد كلc ذلك العمرQ فيما بعد نحن .نبكي دائما

رت فقط يدي على ذلك الرخام، وكأنني أحاول أن أنزع cعنه غبار مر .السنين وأعتذر له عن كل ذلك اإلهمال

..فاتحة على ذلك القبر ثم رفعت يدي الوحيدة ألقرأ

يدي الوحيدة بدا لي وقتها ذلك الموقف، وكأنه موقف سريالي. وبدت..الممدودة للفاتحة وكأنها تطلب الرحمة بدل أن تعطيها

.وأخفيت يدي.. فتنهcدت

.والرخام.. ألقيتها داخل جيب سترتي.. وألقيت بخطاي خارج مدينة التراب

Page 230: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

***

الدائمة له، للقاء كل كان ترقب حسان وزوجته للعرس، واستعداداتهما الذين سيحضرونه من شخصيات وعائالت كبيرة، يجعلني أستمع لهما

Q، وكأنني أستمع إلى أطفال يتحدثون عن "سيرك"، سيحلc بمدينة لم أحياناجون من قبل يزرها سيرك cوال مهر.

.وكنت لذلك أشفق عليهما.. وأعذرهما

قسنطينة في النهاية، مدينة ال يحدث فيها شيء ما عدا لقد كانت ينتظران "السيرك عم�ار"، واحتفظت لنفسي األعراس. فتركتهما لفرحتهما

.بخيبتي

Q في Q برنامجه من كان كل شيء استثنائيا ذلك اليوم. وكنت أعرف مسبقا.أحاديث السهرة

حاجاته في الصباح، ثم يصلcي صالة الظهر في سيذهب حسان لقضاءQ إلى حضور( المسجد، وبعدها سيمر بي صحبة )ناصر لنذهب جميعا

.العرس

لترافق العروس إلى أما عتيقة فقد تأخذ األوالد وتذهب منذ الصباح الحالق. ثم تبقى هناك لتقوم مع نساء أخريات بخدمة الضيوف وإعداد

.الطاوالت

كنت أشعر برغبة� في البقاء في سريري في ذلك الصباح، وعدم مغادرتهQ للسهر والمتاعب قبل الظهر، ربما بسبب متاعب البارحة، وربما استعدادا

..تنتظرني في ذلك اليوم األخرى التي

Q وربما فقط ألنني لم أعد أدري أين يمكنني أن أذهب، بعدما قضيت أسبوعاcص بذاكرتي في كل وأنا أهيم على وجهي في تلك المدينة التي كانت تترب

..شارع. وكنتu تختبئين لي فيها خلف كل منعطف

السرير هو المكان الوحيد الذي يمكن أن وجدت بعد تفكير قصير، أن.بلذcة وليس بألم أهرب منك إليه. أو على األقل ألتقي فيه معك

..ولكن

Q على استحضارك اليوم.. في هذه اللحظة التي كنت أدري هل سأجرؤ حقاQ لرجل آخر؟ أنك تتجمcلين فيها استعدادا

استحضارك في هذا الصباح.. وهل سيغفر لك جسدي هل سأجرؤ على

Page 231: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q في لحظة نزوة كلc خياناتك السابقة Q في حقا والالحقة؟ كان ذلك جنونا!!جنون

النهاية، عندما قلت: "سأكون لك ولكن أليس هذا الذي كنت تريدينه في..".في تلك الليلة

.في ذلك الصباح كنت أشعر برغبة في امتالكك وكأنني أريد أن أسرق منك كل شيء، قبل أن أفتقدك إلى األبد. فبعد

اليوم لن تكوني لي، وستنتهي هذه اللعبة الموجعة الحمقاء التي لم تكن.قبلك هوايتي

Q كان لقائي معك ذلك الصباح .موجعا.الغامضة فيه كثير من الشراسة والمرارة

.فيه كثير من الحقد والشهوة الجنونية..لو كنتu لي

ذلك الصباح.. في ذلك السرير الكبير الفارغ البارد دونك. آه لو كنتu لي بذكريات الطفولة المبتورة.. وشهوة الشباب في ذلك البيت الشاسع

.المكبوت الذي مر على عجل

لي.. المتلكتك كما لم أمتلك امرأة هنا. العتصرتك بيدي الوحيدة لو كنت لحوcلتك إلى قطع.. إلى مواد أولية.. إلى بقايا امرأة... في لحظة جنون

إلى أي شيء غيرك أنت، أي شيء أقلc.. إلى عجينة تصلح لصنع امرأةQ Q وجبروتا Q وكبرياءQ.. أقلc ظلما .منك غرورا

أنا الذي لم أرفع يدي الوحيدة في وجه امرأة، ربما كنت ضربتك ذلك اليوم..حدc األلم، ثم أحببتك حد األم، ثم جلست إلى جوار جسدك أعتذر له

cل كل شيء فيك، أمحو بشفتيc حمرة أطرافك المخضcبة بالحناء، أقبtل، عساك مك بشراسة الق�ب cألوش Q عندما تستيقظين تكتشفينني مرسوما

ال يرسم إال على على جسدك كالوشم، بذلك اللون األخضر الوحيد الذي!الجسد

وأمتلكك قبله، أم من أين جاءني كلc ذلك الجنون؟ أكنت أريد أن أنفرد بك كنت أدري يومها بحدس� أو بقرار� مسبق أنني أنفق معك آخر رعشات

اللذcة، وأنني سأضعك خارج هذا السرير بعد اليوم إلى األبد؟

معك مجرد شهوة. لو كانت لحسمتها يومها بطريقة أو لم تكن مشكلتي.بأخرى

.يمكن أن يمتلكها رجل دون جهد هنالك أكثر من امرأة هنا

.رجل هنالك أكثر من باب نصف مفتوح ينتظر أن يفتحه

Page 232: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q في هذه البيوت العربية هناك جارات تتقاطع خطواتي بهنc مرارا.وأدري رغبتهن السرية في الحب المشتركة،

المحتشمات.. والمبالغات تعلمت مع الزمن، أن أفكc رموز نظرات النساء.في اللياقة والمفردات المؤدبة

.نظرتهن ودعوتهن الصامتة إلى الخطيئة ولكنني كنت أتجاهل

عن مبدأ.. أم عن حماقة لم أعد أدري اليوم.. إن كنت أتصرف كذلكوشعور غامض بالغثيان؟

وأحتقر أزواجهن الذين يسيرون كالديوك.. كنت في الواقع أشفق عليهن..المغرورة دون مبرر

البيت دجاجة ممتلئة متشحcمة لم يقربها أحد ربما سوى أنهم يمتلكون في!عن قرف

cة ومدجcنة حسب التقاليد وال يتوقع صاحبها أنc جناحيها أو أخرى شهيQ القصيرين.. مازاال يمارسان !القفز.. فطريا

!يا لحماقة الديوك

Q، فمع من إذا كانت كل النساء عفيفات هنا، وشرف كل الرجال مصونا المجالس الرجالية يزني هؤالء إذن؟ وكلهم دون استثناء يتبجcح في

بمغامراته؟

أن هناك من يضحك أليس كل واحد منهم يضحك على اآلخر.. وال يدري!عليه؟

!المتوارثة.. بنزاهة كم أكره ذلك الجو الموبوء بالنفاق.. وتلك القذارة

، أن أستعيد قولك مرة، cعندما أبديت لك يحدث عندما تتقاطع نظراتي بهن Q عن ذاكرة دهشتي مما جاء في روايتك األولى.. ورحت أستجوبك بحثا

.مشبوهة

uقلت:

"Q تكتب هي امرأة ال يوجد شيء تحت الكلمات. إن امرأة.. ال تبحث كثيرا منذ فوق كل الشبهات.. ألنها شفافة بطبعها. إن الكتابة تطهcر مما يعلق بنا

!"لحظة الوالدة.. أبحث عن القذارة حيث ال يوجد األدب

المتوارثة أمامي في كل مكان، في عيون معظم النساء وكانت القذارة.الجائعات ألي رجل كان

Page 233: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q لالنفجار.. أمام أول في Q قابال عصبية الرجال الذين يحملون شهوتهم تراكما.أنثى

ولكن كان عليc أن أقاوم رغبتي الحيوانية ذلك اليوم. وأال أترك تلك.تستدرجني إلى الحضيض المدينة

أعاشر امرأة فهنالك مبادئ ال يمكنني التخلcي عنها مهما حدث. كأن.متزوجة، تحت أي مبرر كان

Q آخر قد أضيف وربما كان هذا سر حزني اآلخر. فقد كنت أدري أن مستحيالQ بعد .اليوم إلى مستحيالت أخرى يومها، وأنك لن تكوني لي أبدا

Q من يدي اليمنى ذلك اليوم .لم أكن خجوال

االرتياح، وأنا أكتشف أنني برغم كل ما حلc بي مازلت شعرت بشيء من.أحترم جسدي

هذه الحاالت، أال نفقد احترام جسدنا ونحن نمنحه ألول عابر المهم في.سبيل

cاه.. وإن رفض أن ينسى ذلك؟ فأين يمكن أن نسكن بعد ذلك إن نحن أهن

cجهت نحو النافذة وأشرعتها وكأنني أفتحها ليخرج رميت فجأة بالغطاء، وات.النور إلى تلك الغرفة طيفك منها إلى األبد، ويدخل

cية تتسلل إليc في هذه المدينة المسكونة بالجنc والسحرة، ماذا لو كنت جنQ عجيبة، تعدني بألف حلc مع العتمة، تنام إلى جواري، تقصc عليc قصصا

cي؟ سحري لمأساتي.. ثم تختفي مع أول شعاع وتتركني لهواجسي وظن

Q يومها من سريري.. من غرفتي وذاكرتي. وهرب من هل خرج طيفك حقا!أدري تلك النافذة؟ ال

cما .فتحتها أدري فقط أن قسنطينة، دخلت من تلك النافذة نفسها، التي قل

وإذا باألذان يفاجئني من أكثر من مئذنة في آن واحد، ويسمcرني في.مكاني أمام األقدام المسرعة في كل االتجاهات

Q في حركة دائمة كامرأة وكان جسر )سيدي راشد( يبدو بدوره منهمكاQ بهمومه اليومية، .وبحماس نهايات األسبوع تستعد لحدث� ما.. مأخوذا

Q Q شبيها بالخيانة.. وجدت في انشغاله عن حزني ذلك الصباح بالذات شيئا.وعدم العرفان بالجميل

دtد»ت النافذة قررت بدوري أال أجامله.. فأغلقت في وجهه tوجهي.. ور..

Page 234: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

األلوان.. تكاد توازي وفجأة.. انتابتني رغبة جارفة للرسم. زوبعة شهوةQ فا cوتطر Q .رغبتي الجنسية السابقة وتساويها عنفا

أعد في حاجة إلى امرأة.. شفيت من جسدي وانتقل األلم إلى أطراف لم..أصابعي

النهاية لم يكن السرير مساحة للذcتي وال لطقوس جنوني. وحدها تلك في المشدودة إلى الخشب كانت قادرة على إفراغي من المساحة البيضاء

.ذاتي

.لعنتي، أبصق مرارة عمر� من الخيبات فيها أريد أن أصبc اآلن لهذه المدينة الملتحفة أفرغ ذاكرة انحازت للون األسود.. مذ انحزت

Q_ تحت مثلث _حماقة_ بالسواد منذ قرون، والتي تخفي وجهها _تناقضا.أبيض لإلغراء

Q أيتها المدينة Q أيها المثلث المستحيل.. سالما التي تعيش مغلقة وسط سالما(.ثالوثها المحرم ) الدين – الجنس – السياسة

عباءتك السوداء.. ابتلعت من رجال. فلم يكن أحد يتوقcع أن تكون كم تحت..برمودا( وشهيته لإلغراق )لك طقوس مثلث

الصباح. والغيظ يملؤني كانت األفكار الرمادية تتوالد في ذهني في ذلكQ كلما تقدcمت الساعة واقترب وقت قدوم حسان وناصر لمرافقتي تدريجيا

.إلى ذلك البيت، ألحضر عرسك من أن أحلق ذقني أو وكان غيظي وخيبتي قد شال يدي ومنعاني حتى

.أستعد لذلك الفرح المأتم بعصبية مدمن تنقصه رشفة كنت أذهب وأجيء فجأة في تلك الغرفة

.أفيونه

cة اليوم إلمساك فرشاة، كيف لم أتوقع أن أشعر بهذه الحاجة المرضيQ وبهذه الرغبة الجارفة للرسم؟ تلك الرغبة التي ال تقاوم، والتي تصبح ألما

Q ينتقل من عضو إلى آخر؟ Q جسديا في أطراف األصابع، وتوترا

Q.. أو كنت أريد أن أرسم.. وأرسم.. حتى أفرغ من كل شيء. وأقع ميتاQ .ونشوة مغمى عليc إرهاقا

Qوال قناطر. ربما رسمت نساء Q من األرجح أنني هذه المرة لن أرسم جسورا بمالءات سوداء.. ومثلثات بيضاء.. وعيون كاذبات، واعدات بفرح ما.

Q مثل اللون األبيض فاللون األسود لون .كاذب في معظم األحيان.. تماما

Q، وأموت Q أمام لوحة بيضاء وقد ال أرسم شيئا Q، عاجزا .هكذا واقفا

Page 235: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

ببياض، وننسحب على رؤوس فهل أروع من أن نوقcع مساحة بيضاءQ في النهاية، ووحدها األقدار توقcع حياتنا، األصابع، مادمنا لم نوقcع شيئا

وتفعل بنا ما تشاء؟

المراوغة؟ لماذا التحايل على األشياء إذن.. لماذا

أما كنتu لوحتي؟ ما فائدة أن أكون رسمتك ألف مرة، مادام آخر سيضع توقيعه عليك اليوم، سيضع بصماته على جسدك، واسمه جوار أوراقك

الثبوتية؟

وماذا تفيد عشرات المساحات التي غطيتها بك، أمام سرير سيحتويcد أنوثتك األبدية؟ جسدك.. ويخل

Q من سيضع توقيعه نيابة عني أيc جدوى لما أرسمه.. إذا كان هناك دائماكالعادة؟

***

الهاتف، وأخرجني للحظة في تلك اللحظة المتقدمة من اليأس، دقc فجأة ألردc من وحدتي وهواجسي. فرحت أسرع نحو الغرف البعيدة األخرى،

.عليه

:كان حسان على الخط. سألني دون مقدمات

تعمل..؟ واّش راك-

:أجبته بشيء من الصدق

-Q Q شيئا ..ما كنت غافيا

:قال

Q وتنتظرني منذ مدة. كنت- Q إذن.. توقعت أن تكون جاهزا أريد أن حسناcه أخبرك أنني قد أتأخر بعض الوقت. هنالك مشكل صغير يجب أن .أحل

Q :سألته متعجبا

أيc مشكل؟-

:قال

Page 236: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..طلع لي ناصر اليوم؟ إنه ال يريد أن يحضر عرس أخته تصور بماذا-

Q قلت وأنا أزداد :فضوال

لماذا؟-

:قال

يلتقي بالضيوف وال بالعريس.. وال حتى إنه ضد هذا الزواج.. وال يريد أن- !بعمcه

:سألته كدت أقاطعه "معه حق".. ولكنني

وأين هو اآلن؟-

:قال

إنه يفضcل أن يقضي يومه هناك بدل أن لقد تركته في المسجد. قال لي- ..."!يقضيه مع هؤالء "القوcا

ضحكت من قلبي. ولم أستطع أن أمنع نفسي من التعليق وألول مرة:بصوت عال�

".!والله "نستعرف بيه.. رائع ناصر-

:والعجب ولكن حسان قاطعني بصوت� فيه شيء من العتاب

..واّش بيك هبلت إنت تاني.. عيب.. شفت واحد ما يروcحش لعرس أختو- ..واّش يقولوا الناس

..يرحم والديك الناس.. الناس.. يقولوا واّش يحبوا.. خلينا يا راجل-

Q قال :وقبل أن أقول له شيئا

عليم حال ما انتهي. سنتحدث في هذا ابق في البيت إذن.. سأمر- من الناس )... على الموضع فيما بعد، فأنا أحدثك من مقهى، وحولي كثير

..!(.بالك

:ثم أضاف

Q أعدcته- ..لك عتيقة ستجد في المطبخ أكال

Page 237: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.وضعت السماعة. وعدت إلى غرفتي

كنت فقط أشعر بشيء من الظمأ الصباحي،. لم أكن في حاجة إلى أكل الهاتف، مذاق السعادة وبشيء من المرارة التي صار لها فجأة بعد ذلك

.الغامضة

Q آخر يشاركني لقد مألني موقف ناصر غبطة. شعرت أن هناك شخصا..طريقته حزني دون علمه، ويقف معي ضدc هذا الزواج، ولكن على

.فحل  ناصر، جدير بأن يكون ابن سي الطاهر

ولكن أتوقع أن يكون )راسو خشين..( مثل أبيه. أن يكون. لم ألتقu به بعدQ Q ومباشرا .مثله عنيدا

Q في تغيير رأيه Q مثله فلن ينجح حسان أبدا .وإذا كان فعالQ، التي ال يمكن ألحد مازلت أذكر عناد سي الطاهر وقراراته النهائية دائما

.عنها أن يزيحه

Q من الدكتاتورية، وغرور القائد. ثم وقتها كنت أجد في تلك المواقف شيئا مع الزمن، أدركت أنه كان ال بد للثورة في أيامها األولى من رجال� مثل

بذلك العناد، وتلك الثقة المطلقة بالنفس، حتى يفرضوا سي الطاهر،Q بالجاه والسلطة، إنما للمc شمل رأيهم وسلطتهم على اآلخرين، ليس حبا

الشخصية، وحتى ال تموت الثورة وعدم ترك مجال للخالفات واالعتبارات..تلك الشعلة األولى وتبعثرها الرياح

..الطاهر فجأة. في لحظة لم أحجزها له عادت ذكرى سي

cته، موجعة كتلك الرصاصات التي Q، وعادت طل أفرغوها في جسده يوما.وأودت به قبل أن يشهد استقالل الجزائر بأشهر

t؟ أين هو ليحضر هذا اليوم االستثنائي الذي سيخلف موعده أيضافرحتين؟ أكان قدره أن يخلف

Q لزمنه، وكأنه أدرك أنه لم يخلق للزمن اآلتي. كنت رحل كما جاء، سابقاcوكu لن يحضروا عرسك هذا .أعي بشيء من المرارة، أن كلc الذين أحب

فرحك كل الذين كنتu فرحتهم. سي الطاهر وزياد.. وناصر سيتغيب عنQ .أيضا

عليc تلك القرعة، وقادتني األقدار إليك؟ لماذا وحدي وقعت

الذاكرة والحنين.. وذلك الحب الجنوني ولماذا استدرجتني حتى هنا، باسمQ.. "سأكون المستحيل، وقلت تلك الجملة التي مألت جيوب األحالم وهما

Page 238: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..".لك مادمنا في قسنطينة

وجئت؟.. كيف صدcقتك

..وكنت أدري انك تكذبين، وتهدينني الغيوم البيضاء.. لصيف طويل. ولكنمن يقاوم مطر الكذب الجميل؟

الجوية. لكن عندما هنالك أكاذيب نحاول أن نصدcقها حتى نحرج النشراتتنهطل األمطار داخلنا.. من يجفف دمع السماء؟

cة، وكنت أعرف ذلك في الواقع .كنتu امرأة سادي هتلر ابنة في هذا العالم.. أذكر ذلك اليوم الذي قلت لك فيه: "لو خلcف

!".لكنتu ابنته الشرعية

cار واثق من قوcته. وعلcقت أنا ضحكتu يومها. ضحكت.. ضحكة حاكم جب حبك، أنا الهارب من حكم بسذاجة الضحية: "ال أدري ما الذي أوصلني إلى

..!".طاغية الجبابرة.. أيمكن بعد هذا العمر أن أقع في حبc امرأة

ابتسمت فجأة.. ثم قلت بعد شيء من الصمت: "مدهش أنت عندماQ هذه الفكرة تتحدث، ..".تفجcر فيc أكثر من موضوع للكتابة.. سأكتب يوما

!ذات يوم.. صحيح أنها تصلح لرواية اكتبيها إذن

.ملجئي الوحيد، ألنسى خيبتي معك في ذلك الصباح، كانت الخمرة

ونافذة تطل على المآذن في تلك الغرفة التي يؤثثها سرير فارغ، نجاة والجسور، وطاولة فارغة من لوازم الرسم، لم أجد لي من طوق

سوى بضع أوراق وأقالم فقط، وزجاجة ويسكي أحضرتها لحسان قبل أن في حقيبتي تنتظر. فأحضرتها ورحت أشرب ذلك الصباح يتوب، ومازالت

.قسنطينة نخب زياد وسي الطاهر.. ونخب

Q. فكتبت أعلى الصفحة، دون كثير من cرت مسرحية أعجبت بها يوما تذك".التفكير "كأسك يا قسنطينة

Q لي في هذه المدينة التي تمنع عنك وضحكت لهذا الدور الذي كان جاهزا.الخمرة، وتوفر لك كل أسباب شربها

أنني كنت أخطc خالصة خيبتي كلمتين قد تصلحان لم أكن أدري وقتها،Q لهذا الكتاب، الذي ربما ولدت .فكرته يومها عنوانا

.الكاذب كانت بي رغبة لتحديك وتحدcي هذه المدينة.. وهذا الوطن

Page 239: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

رفعت كأسي المآلى بك.. نخب ذاكرتك التي تحترف مثله النسيان. نخب.عينيك اللتين خلقتا لتكذبا

.الدموع نخب فرح الليلة الجاهز للبكاء.. نخب بكائي العاجز عنQ إلى العبادة. ها أنت تخونينني أنت التي صالحتني مع الله، وأعدتني يوما

cين دمي، وتطلقين عليc رصاص الغدر ..ليلة جمعة.. تحل

Q يا ترى.. فلماذا ال أسكر اليوم !من أكثرنا كفرا

وحزني في الواقع، لم تكن الخمرة هوايتي. كانت مشروب فرحي التطرف. ولذا ارتبطت بك وبتقلباتك الجنونية. ففي كل مرة شربت فيها

.لحدث� ما في قصتنا التي ال تنتهي كنت أؤرٍخ

وأرتكب جنوني األخير. فال.. وها أنا أفتح على شرفك زجاجتي األخيرةcعك أعتقد أنني قد أسكر بعد اليوم. ألنني سأغسل يدي منك اليوم.. وأشي

.على طريقتي

هذه اللحظة في أحد وحده أمر ناصر يعنيني اآلن، أخيك الذي يصلي في الليلة.. مساجد هذه المدينة، لينسى مثلي، أنهم سيتناوبون على وليمتك

..وأن هناك من سيتمتع بك في غفلة� منا

!ال غير.. في الواقع.. كنت أسكر نخبه

..إيه ناصر

.أنا.. وأنت.. وهذه المدينة

معنا في التطرف والجنون. مدينة "سادية" تتلذذ بتعذيب مدينة تواطأت ووضعتنا كما تضع سلحفاة بحرية أوالدها عند. أوالدها. حبلت بنا دون جهد

..األمواج والطيور البحرية شاطئ وتمضي دون اكتراث، لتسلمهم لرحمة

�روا.." يقول" الفكرون" في ذلك المثل "إفكروا.. وإال الله ال يجعلكم تفك.الشعبي وهو يتخلى عن أوالده

.نبحث عن قدرنا بين الحانات والمساجد.. وها نحن بال أفكار

حتى ال تهرب، قلبوها في محاولة ها نحن سلحفاة تنام على ظهرها. قلبوها..انقالب على المنطق

في المدن العريقة، حيث نولد ونموت وسط فكم يشبه الميالد الموت!مجرى الهواء والرياح المضادة

Page 240: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

!أكبر يتم السالحف في هذه المدينة وما

Q أكتب أمام تلك الطاولة عندما جاء حسان بعد ذلك، وفاجأني جالسا وأمامي زجاجة ويسكي نصف فارغة، كاد يشهق من العجب. وظل ينظرQ أطلقته cا Q، أو جن Q وكأنني بفتح تلك الزجاجة أخرجت له ماردا إلي مدهوشا

.البيت في

:حاولت أن أمازحه فسألته بسخرية

ترt زجاجة كهذه قبل اليوم؟ لماذا تنظر إليc هكذا.. ألم-

أمامي، وذهب بها إلى ولكنه دون أي رغبة في المزاح أخذ الزجاجة منQ لم يكن .يصلني المطبخ، وهو يسبc ويتحدث لنفسه كالما

:ناصر وعندما عاد قال لي بنبرة فيها شيء من اليأس وبقايا من متاعب

cخذة وأنتما واحد التي يصلي.. وواحد- التي يا أخي واّش بيكم.. البالد متيسكر.. كيفاّش نعمل معاكم؟

عدة سنوات "البالد توقف سمعي عند ذلك التعبير الذي لم أسمعه منذQ cخذة" والذي يعني أن البالد قائمة قاعدة.. أو تشهد حدثا Q، والذي مت استثنائيا

.هو في الواقع تعبير جنسي محض

قدرة هذه المدينة على زجc الصور ابتسمت وأن أكتشف مرة أخرى..مدهشة الجنسية في كل شيء. وذلك ببراءة

:رفعت عيني نحوه وقلت له بشيء من السخرية المرة

الجزائر يا حسان.. البعض يصلcي.. والبعض يسكر.. واآلخرون هذه هي- .."!البالد أثناء ذلك "ياخذوا في

.النقاّش ولكن حسان لم يبد� على استعداد للتمادي معي في

Q على ربما ألنه بعد ذلك الوقت الذي قضاه في إقناع ناصر لم يعد قادرا:المزيد من المناقشة. فقال وهو يقاطعني

وتطير عنك هذه السكرة.. ثم سأذهب ألحضر لك القهوة، حتى تفيق- ك منذ tسنوات. يجب أال نتحدث. إن الناس ينتظروننا هناك وبعضهم لم ير

!تذهب إليهم في هذه الحالة

:سألته عندما عاد بعد لحظات بالقهوة

Page 241: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

ماذا فعلت مع ناصر؟-

:قال

وقت العشاء إرضاءQ لخاطري فقط، ولكنه لن لقد وعدني أنه سيمر هناك- Q. وبرغم ذلك أشك في أن يحضر Q. ال أفهم عناده هذا.. إنه يمكث طويال فعال

يقف في عرسها أمام ال يملك سوى أخت واحدة في النهاية.. وال يمكن أال.الناس

!جنون

حسب تعبير حسان. ولكن كنت أحتسي تلك القهوة حتى يطير سكري،Q، وأنا أستمع Q أو جنونا .إليه كنت أشعر في الواقع أنني أزداد سكرا

كتلك اللحظة التي سألته فيها عن سبب مقاطعة ناصر لهذا العرس، وإذانا إلى أكثر من موضوع cبالحديث يجر.

:قال

Q من اسم سي إنه على خالف مع عمه. فهو- يعتقد أنه استفاد كثيراcما اهتم بمصير زوجة أخيه وأوالده. وهذا العرس ال هدف له الطاهر، وأنه قل

cة ومطامع سياسية محض.. فهو ضد اختيار عمه لهذا غير أسباب وصوليQ. فالجميع يتحدcث عن العموالت Q وأخالقيا العريس السيئ الصيت سياسيا التي يتقاضاها في صفقاته المختلفة.. وعن حساباته في الخارج.. وعن

الجزائريات.. واألجنبيات. إضافة إلى كون هذا الزواج زواجه عشيقاتهQ ..يقارب عمرهم عمر عروسه الجديدة الثاني، وأن له أوالدا

:سألته

Q؟ وهل تجد أنت هذا الزواج- طبيعيا

:قال

بمنطق األشياء ال أدري بأي منطق تريد أن أحكم عليه. من المؤكد أنه- ..عندنا زواج طبيعي. إنه ليس أول زواج من هذا النوع، ولن يكون األخير

cوا بطريقة أو إن لمعظم الرجال المهمcين هنا أكثر من عشيقة. وكلهم تخلQ بأخرى عن زوجاتهم وأوالدهم، ليتزوجوا من عروس جديدة أصغر عمرا

Q وثقافة من Q عندنا زادوا له وأكثر جماال األولى.. إنك ال تستطيع أن تمنع رجالQ حصل على نجمة على أكتافه، من أن يزيد امرأة في بيته، أو تمنع رجال

.عن فتاة أحالمه منصب جديد لم يحلم به، من أن يبدأ في البحث

:وأضاف

Page 242: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

بالضرورة القضاء على أنا حاولت فقط أن أقنع ناصر أن عمه لم يقصد- مستقبل أخته بهذا الزواج. بل إن أي شخص سواه كان سيرحcب بهذهQ.. إنها الطريقة الوحيدة ليحل مشكالته المصاهرة.. ويسعى إليها الهثا

Q من المتاعب ومشكالت ابنته ..مرة واحدة، ويوفر عليها كثيرا

:سألته

وخطبها منك هذا الرجل، أكنت زوcجته منها؟ لو كانت لك بنت-

:قال

Q.. ولم ال؟ إن- الزواج حالل.. الحرام هو ما يمارسه بعضهم بطرق� طبعا زوجته.. أو أخته لتحضر له ورقة من عصرية. كأن يرسل أحدهم ابنته أو

عنه، وهو يعلم أن ال أحد إدارة، أو تطلب شقcة أو رخصة لمحل تجاري نيابةQ بال مقابل. لقد خلق البسطاء بأنفسهم عملة أخرى هنا يعطيك شيئا

!للتداول ويقضون بها حاجاتهم.. هات امرأة.. وخذ ما تشاء

:بذهول تمتمت

أحق ما تقول؟-

:أجاب

مدينة.. وفي العاصمة بالذات.. حيث إنه ما يحدث اآلن في أكثر من- على شقة أو خدمة يمكن ألي فتاة تمرc بمكتب ما في الحزب أن تحصل

ع الشقق cويعرف اسم من يوز ،Q أخرى.. والجميع يعرف العنوان طبعا والخدمات على النساء والشعارات على الشعب بالتساوي.. يكفي أن ترى

..الالتي يدخلن هناك لتفهم كل شيء منظر الفتيات

:سألته

بها؟ ومن أدراك-

Q :قال متذمرا

هناك منذ بضعة أشهر من؟ لقد سمعته بأذني وشاهدته بعيني يوم ذهبت- Q في الحزب.. عساه يساعدني في الخروج من Q موظcفا سلك ألقابل صديقا

Q التعليم. تصور.. حتى البواب لم يكلف نفسه مشقة الحديث إليc.. وعبثا له أنني قادم من قسنطينة لهذا الغرض. وحدهن النساء كن رحت أشرح

اّش" أجابني.. جديرات بالعناية هناك cري "لألٍخ الفرcوعندما أبديت تذم الزائرات موظفات في بشيء من العصبية، و"التشناف" أن معظم

Page 243: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

تمر أمامي االتحادات الحزبية.. أو مناضالت. وكدت أسأله وأنا أرى إحداهنcبأي "عضو" ناضلن على التحديد..؟" ولكنني سكت".

روح.. كل شي أصبح يمر بالنساء اليوم. بالسهرات.. إيه.. يا ولدي الخيار لزوcجت ابنتي من واحد يمكنه المجالس الخاصة. ولذا لو كنت أملك

مثلي يعيش معها في بهاتف أن يأتيها بكل شيء. على أن أعطيها لواحد تدقc على البؤس كما أعيش أنا.. أو يدخل في هذه الحلقة القذرة.. ويبعثها

مئة باب؟

المرارة التي ربما الحظ وقتها آثار الصدمة المدهشة على مالمحي.. وتلك:أسكتتني من الهول، عندما أضاف وكأنه يستدرك ليخفف من خيبتي

على كل حال.. لن يحدث هذا. حتى لو عرضت ابنتي على )سي....(- بها. إنهم ال يتزوجون إال من بعضهم. ففالن ال فمن المؤكد أنه لن يقبل

في دقيقنا.!" ويضمنوا ألنفسهم التنقل يريد إال بنت فالن، حتى "يبقى زيتنا أن يستطيع شابÁ من كرسي سلطة إلى آخر، فكيف تريد في هذا الجو

بسيط أن يبني حياته؟ كل البنات يبحثن عن المسؤولين والمديرين والرجال الجاهزين.. وهؤالء يعرفون ذلك فيزيدون من شروطهم كل مرة..

.العوانس يزيد كل يوم.. إنه قانون العرض والطلب بينما عدد

Q تعذر سي الشريف. المهم أن يستر إذا رأيت األمور بهذه العين، فإنك حتماQ Q قدر اإلمكان بنت أخيه، ويضمن لها ولنفسه مستقبال .سعيدا

Q ألمالك الدولة.. فماذا Q وناهبا تريد أن تفعل؟ كلهم أما كون العريس سارقااق ومحتالون. هنالك من انفضحت أموره، وهنالك من عرف كيف cسر

!يحافظ على مظهر محترم.. فقط

.أصبت بذهول وأنا أستمع إليه

Q على كدت أقول له إنه في النهاية على حق. وربما كان سي الشريف أيضا.أدري حقc.. ال

عقلي وأقتنع ولكن كان هناك شيء ما في هذا الزواج، يرفض أن يدخل.به

السادس الفصل

.لعرسك لبست بدلتي السوداء!يمكن أن يلبس لألفراح.. وللمآتم. مدهش هذا اللون

Page 244: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

لماذا اخترت اللون األسود؟Q، وأصبحتu أنتu مذهبي وطريقتي. ربما ألنني يوم أحببتك أصبحت صوفيا

.وربما ألنه لون صمتي.لغته. قرأت يوما أن األسود صدمة للصبر لكل لون

Q أنه لون يحمل نقيضه. ثم سمعت Q، قرأت أيضا مرة مصمم أزياء شهيرا: يجيب عن سر لبسه الدائم لألسود قال

Q بيني وبين اآلخرين إنه لون يضع" ".حاجزا

ولكني سأكتفي بقول. ويمكن أن أقول لك اليوم الكثير عن ذلك اللون.مصمم األزياء هذا

Q بيني وبين كل الذين سألتقي فقد كنت في ذلك اليوم أريد أن أضع حاجزا.فرحك بهم، كل ذلك الذباب الذي جاء ليحط على مائدةQ Q بيني وبينك أيضا .وربما كنت أريد أن أضع حاجزا

ألواجه بصمت ثوبك األبيض، المرشوّش بالآللئ لبست طقمي األسود،Q ..في دار أزياء فرنسية والزهور، والذي يقال إنه أعدc لك خصيصا

هل يمكن لرسام أن يختار لونه بحياد؟Q cدت لي المرآة ذلك. ونظرة حسان،. وكنت أنيقا Q. أك فللحزن أناقته أيضا

وقال بلهجة جزائرية أحبها، وهو يتأملني: الذي استعاد فجأة ثقته بي،..!".إهلكهم.. "هكذا نحبك آ خالد

cولكني صمت ..Q .نظرت إليه.. كدت أقول له شيا

المشرع للسيارات، وأفواج القادمين، استقبلني سي الشريف عند الباب..باألحضان

-Q Q.. زارتنا البركة.. يعطيك الصحة اللي جيت.. راك أهال سي خالد.. أهال.اليوم فرحتني

:اختصرت ذلك الموقف العجيب مرة أخرى في كلمة. قلت

..مبروك كل شيء-

.السهرة وضعت قناع الفرح على وجهي. وحاولت أن أحتفظ به طوال تلك

يمتلئ البيت زغاريد. ويمتلئ صدري بدخان السجائر التي أحرقهاQ االبتسامات الكاذبة. Q. ويتعلم وجهي تلقائيا وتحرقني. يمتلئ قلبي حزنا

اآلخرين. أجالس من أعرف ومن ال أعرف. أتحدث في الذي فأضحك مع أخلو بك لحظة واحدة.. حتى ال أفاجئك أدري والذي ال أدري. حتى ال

.داخلي.. فأنهار

Page 245: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cلني بشوق صديق قديم لم يلتق به منذ مدة أسلcم على العريس الذي :يقب

!موّش هاذا العرس.. ما كناّش شفناك هاك جيت للجزائر آ سيدي.. كان-

يتحدث إليc مجاملة على أحاول أن أنسى أنني أتحدث لزوجك، لرجل..الليل عجل، وهو يفكر ربما في اللحظة التي سينفرد فيها بك في آخر

التي أتأمل سيجاره الذي اختاره أطول للمناسبة.. بدلته الزرقاء الحريرية يلبسها _أو تلبسه_ بأناقة من تعوcد على الحرير. أحاول أال أتوقف عند

.أحاول أال أتذكر. أتلهcى بالنظر إلى وجوه الحاضرين. جسده

cين ..وتطل

في موكب نسائي، يحترف البهجة والفرح، كما أحترف أنا الرسم تدخلين.والحزن

مرة، بعد كل أشهر الغيبة تلك، تمرين قريبة وبعيدة، كنجمة أراك ألول األثواب والخطى، وسط الزغاريد ودقcات البندير. هاربة. تسيرين.. مثقلة

Q أركض في بيوت قسنطينة القديمة. وأغنية تستفزc ذاكرتي، وتعود بي طفالQ في مواكب نسائية أخرى.. خلف عروس أخرى.. لم أكن أعرف عنها شيئا

.يومذاك

العرائس، والتي كانت آه كم كنت أحب تلك األغاني التي كانت تزفc بها!تطربني دون أن أفهمها. وإذا بها اليوم تبكيني

عي" cعند سماع شر Q الباب يا أم العروس.." يقال إن العرائس يبكين دائما.األغنية هذه

تراك بكيت يومها؟

دمعي وحشد الحضور. فعدلت كانت عيناك بعيدتين.. يفصلني عنهما ضباب.عن السؤال

.األخير اكتفيت بتأمcلك، في دورك

ها أنت ذي تتقدcمين كأميرة أسطورية، مغرية شهية، محاطة بنظرات.االنبهار واإلعجاب.. مرتبكة.. مربكة، بسيطة.. مكابرة

ه كالعادة.. تحسدك كل النساء ها أنت ذي، يشتهيك كل cرجل في سر ..حولك كالعادة

.أواصل ذهولي أمامك_ وها أنذا _ كالعادة

Page 246: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cي ألصحاب النجوم .والكراسي األمامية وها هوذا "الفرقاني".. كالعادة.. يغن

القرار يصبح صوته أجمل، وكمنجته أقوى عندما يزفc الوجهاء وأصحاب.والنجوم الكثيرة

صوت� واحد تعلو أصوات اآلالت الموسيقية.. ويرتفع غناء الجوقة في:لترحب بالعريس

..يا ديني ما أحاللي عuرسو.. بالعوادة"..يقطعلو عادة الله ال

"وانخاف عليه.. خمسة. والخميس عليه

.وتتساقط األوراق النقدية.. تعلو الزغاريد

تدفع كما تقبض على ما أقوى الحناجر المشتراة. وما أكرم األيدي التي!عجل

..ها هم هنا

.كالعادة.. كانوا هنا جميعهم

على أصحاب البطون المنتفخة.. والسجائر الكوبية.. والبدالت التي تلبس.أكثر من وجه

أصحاب كل عهد وكل زمن.. أصحاب الحقائب الدبلوماسية، أصحاب المهمات المشبوهة، أصحاب السعادة وأصحاب التعاسة، وأصحاب

.الماضي المجهول

..هم هنا ها

اق cاق سابقون.. ومشاريع سر cوزراء سابقون.. ومشاريع وزراء. سر. مديرون وصوليون.. ووصوليون يبحثون عن إدارة. مخبرون سابقون..

cرون في .ثياب وزارية وعسكر متنك

..ها هم هنا

أصحاب العقول الفارغة،. أصحاب النظريات الثورية، والكسب السريع.الجمع والفيالت الشاهقة، والمجالس التي يتحدث فيها المفرد بصيغة

Q حول الوالئم Q كأسماك القرّش. ملتفون دائما ها هم هنا.. مجتمعون دائما..المشبوهة

!"الحارة أعرفهم وأتجاهل معظمهم "ما تقول أنا.. حتى يموت كبار

Page 247: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.أعرفهم وأشفق عليهم

علمهم وفي جهلهم. في صعودهم ما أتعسهم في غناهم وفي فقرهم. في!السريع.. وفي انحدارهم المفجع

.ذلك اليوم الذي لن يمدc فيه أحد يده حتى لمصافحتهم ما أتعسهم، في

العرس عرسهم. فليأكلوا وليطربوا. وليرشقوا في انتظار ذلك.. هذا كما في كل عرس قسنطيني الوراق النقدية. وليستمعوا للفرقاني يردد

".أغنية "صالح باي

cى �غن cر أهل هذه المدينة بفجيعة تلك التي مازالت منذ قرنين ت للعبرة، لتذك..ألحد )صالح باي( وخدعة الحكم والجاه الذي ال يدوم

cى اليوم بحكم العادة للطرب دون أن تستوقف كلماتها �غن والتي أصبحت تQ ..أحدا

كانوا سالطين ووزراء *** ماتوا وقبلنا عزاهم»هم.. ال غناه�م» نالوا من المال cثرة» *** ال عز� ك

�و قالوا العرب قالوا *** ما نعطيو» صالح وال .."مال

من أتذكر وأنا أستمع لهذه الكلمات، أغنية عصرية أخرى وصلتني كلماتهال بصالح آخر "صالح.. يا صالح.. وعينيك cمذياع بموسيقى راقصة.. تتغز

..".عجبوني

Q وليس.. إيه يا قسنطينة، لكل زمن "صالحه".. ولكن ليس كل "صالح" باياQ !كل حاكم صالحا

Q أمامي.. أهذا هو الوطن Q؟ ها هوذا الوطن اآلخر أخيرا حقا

في كل مجلس وجه أعرف عنه الكثير. فأجلس أتأمcلهم، وأستمع لهم.ويتذمcرون يشكون

.ال أحد سعيد منهم حسب ما يبدو

Q الذين يبادرونك بالشكوى، وبنقد األوضاع.. وشتم المدهش أنهم هم دائما.الوطن

!الظاهرة عجيبة هذه

Q على كل شيء. كأنهم ليسوا Q خلف مناصبهم زحفا كأنهم لم يركضوا جميعاQ في ما حلc به من كوارث Q من قذارة الوطن. كأنهم ليسوا سببا ..جزءا

Page 248: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q منذ ذلك اليوم الذي زارني أسل�م على )سي مصطفى(. لقد أصبح وزيرا.ورفضت أن أبيعه إياها. فيه ليشتري مني لوحة

..رابح لقد نجحت تكهcنات )سي الشريف( إذن، فقد راهن على حصان

:أسأله مجاملة

واّش راك سي مصطفى؟-

:بالشكوى فيبدأ دون مقدمات

..!رانا غارقين في المشاكل.. على بالك-

مصادفة، مقولة لديغول: "ليس من حق وزير أن يشكو.. تحضرني وقتها،Q فال أحد أجبره على أن يكون !".وزيرا

..أحتفظ بها لنفسي وأقول له فقط

..بالي إيه.. على-

كعمولة نعم.. كنت )على بالي..( بتلك المبالغ الهائلة التي تقاضاها في كندا لتجديد معدcات إحدى الشركات الوطنية الكبرى. ولكنني كنت أخجل أن

ذلك، ألنني أدري أن الذين سبقوه إلى ذلك المنصب.. لم يفعلوا أقول له.منه أحسن

اكتفيت فقط باالستماع إليه وهو يشكو، بطريقة تثير شفقة أي مواطن..مسكين

Q Q عني بالحديث مع صديق قديم.. كان أستاذا بينما كان حسان مشغوالQ في دولة عربية !للعربية.. قبل أن يصبح فجأة.. سفيرا

ذلك؟ كيف حدث

يقال إنه ردc دين.. وقضية "تركة" وصداقة قديمة تجمع ذلك األستاذ بوالد!إحدى الشخصيات.. وأنها ليست "الحالة الدبلوماسية" الوحيدة

Q والذي كان مدير إحدى المؤسسات( مثل )سي حسين الذي أعرفه جيداQ Q الثقافية، يوم كنت أنا مديرا cن سفيرا للنشر. وإذا به بين ليلة وضحاها يعي

الداخل. فتكفلوا بلفcه بضعة أشهر في الخارج.. بعدما طلعت رائحته في!علم الجزائر وبعثه إلى الخارج مع كل التشريفات الدبلوماسية خلف

Page 249: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.ها هوذا اليوم هنا.. في جوcه الطبيعي

قضية احتيال وتالعب بأموال الدولة في الخارج، ليعاد لقد استدعي إثر.ولكن على كرسي جانبي هذه المرة.. دون ضجيج إلى وظيفة حزبية

Q في هذه الحاالت.. سلة مهمالت cة هنالك دائما !شرفي

cر الثورة وكل ما في مجلس آخر، مازال أحدهم ينظcر ويتحدث وكأنه مفك سيليها من ثورات. وإحدى ثورات هذا الشخص.. أنه وصل إلى الصفوف

غ لتقديم طالباته إلى مسؤول األمامية في ظروف cمشبوهة، بعدما تفر ..الصغيرات عجوز مولع بالفتيات

..هذا هو الوطن

السيرك عمcار".. سيرك ال مكان "وها هو عرسك الذي دعوتني إليه. إنهجين، ولمن يحترفون األلعاب cالبهلوانية.. والقفز على فيه إال للمهر

tم المراحل.. والقفز على الرقاب.. والقفز على .القuي

سيرك يضحك فيه حفنة على ذقون الناس، ويروcض فيه شعب بأكمله على.الغباء

Q عندما لم يحضر هذا الكرنفال !فكم كان ناصر محقا

بحدس� ما أنه لن يحضر.. ولكن أين هو اآلن.؟ كنت أدري

cر صالته.... تراه مازال يصلي في ذلك المسجد لكي ال يلتقي بهم. وهل تغيQ؟ cر سكري شيئا أو يغي

cويلبسون آه يا ناصر! كف Q عن الصالة يا ابني. لقد أصبحوا يصلcون أيضاQ. فأثناء ذلك ها هوذا.. ثياب التقوى. كفc عن الصالة cر قليال وتعال نفك

.الوليمة الذباب يحطc على كل شيء، والجراد يلتهم هذه

كلما تقدم الليل، تقدم الحزن بي، وتقدم بهم الطرب. وانهطل مطر األوراق النقدية عند أقدام نساء الذوات، المستسلمات لنشوة الرق، على

..أشهر أغنية شعبية وقع موسيقى

�و *** فوق فراّش حرير" »ن انبات �و إذا صاح الليل وtي .."ومtخدcات

..أمان.. أمان

..إيه آ الفرقاني غtن�

Page 250: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

لهذه األغنية بأزمة السكن، كما قد يبدو من الوهلة األولى. إنها ال عالقةة الحريرية التي ليست في متناول فقط تمجيد لليالي cالحمراء واألسر

.الجميع

.."عين ما تبكيش ع اللي ماتوا ع اللي ماتوا.. يا"

.أمان.. أمان

.لسي الطاهر.. وال لزياد لن أبكي.. ليست هذه ليلة

Q ليست للشهداء وال للعشاق. إنها ليلة الصفقات التي يحتفل بها علنا.بالموسيقى والزغاريد

cة» *** يا" uندراّش» للغير وإال ليc خارجة من الحمcام» بالريحي .."ل

.أمان.. أمان

السؤال. اآلن أعي أنكu للغير ولستu لي. تؤكد لن أطرح على نفسي هذا بك، ويرافقك بالزغاريد إلى ليلة ذلك األغنيات، وذلك الموكب الذي يهرب

cك الشرعية .حب

ين بي، عندما cتمرين.. وأنت تمشين مشية العرائس تلك، أشعر وعندما تمر cة وإنما بقدميك المخضcبتين" أنكu تمشين على جسدي، ليس "بالريحي

Q ..يوقظ الذاكرة بالحناء.. وأن خلخالك الذهبي يدcق داخلي، ويعبرني جرسا

..قفي

Q! ما هكذا تمرc القصائد !على عجل قسنطينة األثواب مهال

ز بخيوط الذهب، والمرشوّش بالصكوك الذهبية، معلcقة شعر cثوبك المطر Q بعد آخر على القطيفة العنابي. وحزام الذهب الذي كتبتها قسنطينة جيال

.لتتدفcقي أنوثة وإغراءQ، هو مطلع دهشتي يشد خصرك،.شعر� عربيc هو الصدر والعجز في كل ما قد قيل من

..فتمهcلي أموت دون أن يكون دعيني أحلم أن الزمن توقcف.. وأنك لي. أنا الذي قدQ من أجلي .لي عرس، ودون أن تنطلق الزغاريد يوما

!لو سرقت كل هذه الحناجر النسائية، لتبارك امتالكي لك كم أتمنى اليوم ذلك البطل الخرافي الذي يهرب بالعرائس" لو كنت "خطcاف العرائس

، لجئتك أمتطي الريح cبيضاء.. وخطفتك الجميالت ليلة عرسهن Q وفرسا..منهم

كل شارع عبرناه وليc يحرق لو كنتu لي.. لباركتنا هذه المدينة، ولخرج من

Page 251: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

!قسنطينة.. البخور على طريقنا.. ولكن ما أحزن الليلة ما أتعس أولياءها الصالحين.. وحدهم جلسوا إلى طاولتي دون سبب

Q.. واضح Q أماميا cا ..وحجزوا لذاكرتي األخرى كرسي

..عليهم واحدا واحدا وإذا بي أقضي سهرتي في السالم

Q يا سيدي راشد ..سالماQ يا سيدي مبروك.. يا سيدي محمد الغراب.. يا سيدي سليمان.. يا سالما

cابة.. يا سيدي عبد المؤمن.. يا سيدي مسيد.. يا سيدي سيدي بوعن..بومعزة.. يا سيدي جليس

Q يا من تحكمون شوارع هذه .المدينة.. أزقcتها وذاكرتها سالما فال تتخلوا عني.. أما كان.. قفوا معي يا أولياء الله.. متعب أنا هذه الليلة

منكم أبي؟

Q عن جtد؟ أبي يا "عيساوي" أباcة أنت الذي كنت في تلك الحلقات المغلقة، في تلك الطقوس الط�رقي

Q.. فيتخرق العجيبة، تغرس في جسدك ذلك السفود األحمر الملتهب ناراتكون عليه قطرة دم؟ جسدك من طرف� إلى آخر، ثم تخرجه دون أن

ر حديده الملتهب والمحمcر كقطعة جمر، cفينطفئ أنت الذي كنت تمر .جمره من لعابك، وال تحترق

.أنزف علcمني الليلة كيف أتعذcب دون أن.علcمني كيف أذكر اسمها دون أن يحترق لساني

الذي كنت تردد مع جماعة "عيساوة" في علcمني كيف أشفى منها، أنتQ :باللهب حلقات الجذب والتهويل، وأنت ترقص مأخوذا

.."أنا سيدي عيساوي.. يجرح ويداوي"

من؟.. من يداويني يا أبي

..وأحبها

.أحبها.. وأنها لي في هذه الساعة المتأخرة من األلم، أعترف أنني مازلت أتحدcى أصحاب البطون المنتفخة.. وذلك صاحب اللحية.. وذلك صاحب

الصلعة.. وأولئك أصحاب النجوم التي ال تعدc.. وكل الذين منحتهم الكثير...في حضرتي اليوم واغتصبوها

.أتحداهم بنقصي فقطcي، بكل ما أخذوه بالذراع التي لم تعد ذراعي، بالذاكرة التي سرقوها من

cا .من

Page 252: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.أحبها دون مقابل أتحداهم أن يحبوها مثلي. ألنني وحدي

عجل. وأدري أنه في هذه اللحظة، هناك من يرفع عنها ثوبها ذاك على يخلع عنها صيغتها دون كثير من االهتمام ويركض نحو جسدها بلهفة رجل

.يضاجع صبية في الخمسين

.حزني على ذلك الثوب.. حزني عليه

زته، cوكم من النساء تناوبن عليه، ليتمتع اليوم برفعه كم من األيدي طر كيفما كان، وكأنه ليس ذاكرتنا، كأنه رجل واحد. رجل يلقي به على كرسي

.ليس الوطنبأكملها، لينعم بها رجل واحد؟ فهل قدر األوطان أن تعدcها أجيال

التفاصيل. وكيف اكتشفت أتساءل الليلة.. لماذا وحدي تستوقفني كل هذهقبل؟ اآلن فقط، معنى كل األشياء التي لم يكن لها معنى من

أتراه ع�شق هذا الوطن.. أم البعد عنه، هو الذي أعطى األشياء العاديةقداسة ال يشعر بها غير الذي حرم منه؟

وتغتال قداسة األشياء كان أحد الصحابة أألن المعايشة اليومية تقتل الحلم من مراسيم الحج، حتى ينصح المسلمين بأن يغادروا مكة، حال انتهائهم

بحكم تبقى لتلك المدينة رهبتها وقداستها في قلوبهم، وحتى ال تتحول العادة إلى مدينة عادية يمكن ألي واحد� أن يسرق ويزني ويجور فيها دون

رهبة؟

إنه ما يحدث لي منذ وطئت قدماي هذه المدينة. وحدي أعاملها كمدينة.العادة فوق

Q. أسأل عن Q جسرا أعامل كل حجر فيها بعشق. أسلم على جسورها جسراQ Q.. واحدا ..أخبار أهلها، عن أوليائها وعن رجالها، واحدا

أتألها وهي تصلي، وتزني وتمارس جنونها وال أحد أتأملها وهي تمشي،.الجميع بالهرب منها يفهم جنوني وسرc تعلcقي بمدينة يحلم

هل أعتب عليهم؟

ويجيئون على ذاكرة التاريخ.. وعلى هل يشعر سكان أثينا أنهم يمشونأسطوري؟ تراب مشت عليه اآللهة، وأكثر من بطل

هل يشعر سكان الجيزة في بؤسهم وفقرهم، أنهم يعيشون عند أقدموأن الفراعنة مازالو بينهم، يحكمون مصر بحجرهم وقبورهم؟ معجزة،

Page 253: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

قرأوا تاريخ اليونان والفراعنة، في كتب التاريخ، وحدهم الغرباء الذين ويأتون من أطراف العالم لمجردc االقتراب يعاملون تلك الحجارة بقداسة،

.منها

واقترفت حماقة االقتراب من األحالم حتى تراني أطلت المكوث هنا،Q بعد آخر، وخيبة بعد أخرى، أشفى من سلطة اسمها االحتراق، وإذا بي يوما

، وأفرغ من وهمي الجميل.. ولكن ليس دون الم؟ cعلي.هذه اللحظة، ال أريد لهذه المدينة أن تكون أكثر من رصاصة رحمة في

cل تلك الزغاريد التي انطلقت في ساعة متقدcمة من الفجر، ولذا أتقب كآخر طلقة نارية تطلقها في وجهي هذه لتبارك قميصك الملطcخ ببراءتك،

Q.. مذهول. المدينة، ولكن دون كاتم صوت.. وال كاتم ضمير فأتلقاها جامدا المعروض النظرات كجثة، بينما أرى حولي من يتسابق للمس قميصك

.للفرجة

Q على عجزي Q ها هم يقدمونك لي، لوحة ملطcخة بالدم، دليال اآلخر. دليال.على جريمتهم األخرى

. ليس من حق مشاهد cلمصارعة الثيران، أن ولكنني ال أتحرك وال أحتج بيته وال يغير منطق األشياء، وينحاز للثور. وإال كان عليه أن يبقى في

Q لتمجيد "الموتادور "!يحضر "كوريدا" خلقت أساسا المشحون بالزغاريد والزينة وموسيقى "الدخلة".. شيء ما في هذا الجو

cرني بطقوس الكوريدا. وذلك الثور والهتافات أمام ثوب موقcع بالدم، يذكQ على وقع موسيقى Q جميال راقصة يدخل بها الساحة، الذي يعدcون له موتا

Q باللون cنة للقتل، مأخوذا األحمر.. وبأناقة ويموت على نغمها بسيوف� مزي!قاتله

cا الثور؟ أنتu أم أنا الم�صاب بعمى األلوان، والذي ال يرى اآلن غير من مناللون األحمر.. لون دمك؟

cك، بكبرياء حيوان ال يهزم إال خuدعة، ويدري أنه ثور يدور في حلبة حب.المسبق محكوم عليه بالموت

Q .الواقع أن دمك هذا يربكني، يحرجني، ويمألني تناقضا

Q لمعرفة نهاية قصتك معه، هو الذي أخذك مني، تراه أما كنت أتحرق دائماشيء؟ أخذ منك كل

سؤال كان يشغلني ويسكنني حد الجنون، منذ ذاك اليوم الذي وضعت فيه.زياد( أمامك. ووضعتك أمام قدرك اآلخر)

أبراجك العالية، واستسلمت تراك فتحت له قالعك المحصcنة، وأذللتإلغراء رجولته؟

Page 254: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

له؟ تراك تركت طفولتك لي، وأنوثتك

cلزج.. طري Q ..ها هو الجواب يأتيني بعد عام من العذاب. ها هو أخيرا.أحمر.. ورديc.. عمره لحظات

،Q Q، محرجا uمt الحزن؟ ها هو الجواب كما لم أتوقcعه، مقحما فل

Q بظني، وأنه ما الذي يؤلمني األكثر هذه الليلة.. أن أدري أنني ظلمت زيادامات دون أن يتمتع بك، وأنه في النهاية كان هو األجدر بك الليلة؟

أن تكوني فقط، مدينة فتحت اليوم عنوة بأقدام العسكر، ككل مدينة أمعربية؟

Q، أم كوني ما الذي يزعجني أكثر الليلة؟ أن أكون قد عرفت لغزك أخيراQ، ولو أدري أنني لن أعرف Q بعد اليوم، ولو تحدcثت إليك عمرا عنك شيئا

قرأتك ألف مرة؟

uعذراء إذن، وخطاياك حبر على ورق؟ أكنت

أهديتني كتابك وكأنك تهدينني فلماذا أوهمتني إذن بكل تلك األشياء؟ لماذاQ للغيرة؟ خنجرا

Q بعد cمتني أن أحبكu سطرا سطر.. وكذبة بعد أخرى.. وأن أغتصبك لماذا عل!على ورق

..فليكن

.أنك من بين كل الخيبات.. كنت خيبتي األجمل عزائي اليوم،

***

يسألني حسان: لماذا أنت حزين هذا الصباح؟

سعيد اليوم؟ أحاول أال أسأله: ولماذا هو

Q ما cر نوعا مزاجه. أدري أن غياب ناصر ومقاطعته البارحة للعرس، قد عك ولكنه لم يمنعه من أن ينسجم مع أغاني "الفرقاني"، وأن يضحك..

Q .من الناس الذين لم يلتق بهم من قبل ويحادث كثيرا

Q ما، Q شيئا .لسعادته الساذجة تلك كنت أالحظه. وكنت سعيدا

Q تلك األبواب التي �فتح له أخيرا Q أن ت قلما تفتح للعامة، كان حسان سعيدا وأن يدعى لحضور ذلك العرس الذي يمكنه اآلن أن يتحدث عنه في

Page 255: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

المجالس أليام؛ ويصفه لآلخرين الذين سيالحقونه باألسئلة، عن أسماء من..ق�د�م من أطباقي.. وما لبست العروس حضروا وما

Q أن تنسى أنها استعارت صيغتها والثياب التي حضرت ويمكن لزوجته أيضا على الجميع بها العرس من الجيران واألقارب، وتبدأ بدورها في التفاخر

Q فيه، فقط بما رأته من بذٍخ� في ذلك العرس، وكأنها أصبحت فجأة طرفاج على خيرات اآلخرين ألنها cدعيت للتفر.

:قال فجأة

Q للغداء عنده. ال تنسt أن تكون في البيت إن سي الشريف يدعونا- غداQ ..وقت الظهر لنذهب معا

:بصوت غائب قلت له

Q سأعود إلى باريس- .غدا

:صاح

-Q .. ما الذي ينتظرك.. كيف تعود غدا cآخر على األقل Q ابقt معنا أسبوعاهناك؟

لي بعض االلتزامات، وأنني بدأت أتعب من إقامتي حاولت أن أوهمه أن.في قسنطينة

:يلحc ولكنه راح

Q ثم- ..سافر يا أخي عيب.. على األقل احضر غداء سي الشريف غدا

:أجبته بلهجة قاطعة لم يفهم سببها

.نروcح فرات.. غدوة-

كان يحلو لي أن أحدcثه بلهجة قسنطينية. كنت أشعر مع كل كلمة ألفظها،.أنه قد يمر وقت طويل قبل أن ألفظها مرة أخرى

:عدم رفض تلك الدعوة قال حسان وكأنه يقنعني بضرورة

-Q cا لصداقتنا والله سي الشريف ناس مالح.. مازال برغم منصبه وفيQ. ربما يفرجها الله القديمة. أتدري أن البعض يقول هنا إنه قد يصبح وزيرا

..علينا في ذلك اليوم على يده

..وكأنه يقولها لنفسه قال حسان هذه الجملة األخيرة بصوت شبه خافت،

Page 256: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

!مسكين حسان

عليه بعد ذلك. أكان من السذاجة بحيث مسكين أخي الذي لم يفرجها الله الشريف ال بدc أن يتلقcى يجهل أن ذلك العرس هو صفقة ال غير، وأن سي

Q من الدرجة األولى cاطا Q ما مقابله. نحن ال نصاهر ضب دون نوايا.. شيئا.مسبقة

أما بالنسبة لما يمكن أن يربح حسان من وراء منصب سي الشريف.المحتمل.. فمجرد أوهام

حسان.. وينال المؤمن يبدأ بنفسه، وقد تمر سنوات قبل أن يصل دور.بعض ما يطمح إليه من فتات

Q :سألته مازحا

Q سفيرا؟ هل بدأت- تحلم أن تصبح أنت أيضا

Q ما :قال وكأن السؤال قد جرحه نوعا

يا حسرة يا رجل.. "اللي خطف.. خطف بكري.." أنا ال أريد أكثر من أن- cة مؤسسة ثقافية أو أهرب من التعليم، وأن أستلم وظيفة محترمة في أي

وعائلتي حياة شبه عادية.. كيف تريد أن إعالمية، أية وظيفة أعيش منها أنا عن أن أشتري سيارة. من نعيش نحن الثمانية بهذا الدخل؟. أنا عاجز حتى

cر تلك السيارات الفخمة التي كانت أين آتي بالماليين ألشتريها؟. عندما أتذك مصطفcة أمس في ذلك العرس، أمرض وأفقد شهية التعليم. لقد تعبت منcر الزمن هذه المهنة، أنت ال تشعر بأية مكافأة مادية أو معنوية فيها. لقد تغي

Q".. اليوم حسب تعبير زميل لي "كاد "الذي كاد فيه المعلم أن يكون رسوالQ( وخرقة ال أكثر )المعلم أن يكون .شيفونا

" و لقد أصبحنا ممسحة للجميع. فاألستاذ يركب الحافلة cمع تالميذه. و "يدز cع" مثلهم. ويشتمه الناس أمامهم. ثم يعود مثل زميلي هذا، ليعدc "يطب

دروسه ويصحcح االمتحانات في شقcة بغرفتين، يسكنها ثمانية أشخاص.وأكثر

Q بحكم وظيفته أو واسطاته.. يمكنه أن بينما هناك من يملك شقcتين وثالثاQ أخرى . يستقبل فيها عشقياته أو يعير مفاتيجها لمن سيفتح له أبوابا

cك الراقي صحcة عليك يا خالد.. أنت تعيش بعيدا عن هذه الهموم، في حي.!بالكش واّش صاير في الدنيا بباريس.. ما على

المرارة غصcة في الحلق، آه حسان.. عندما أذكر حديثنا ذلك اليوم، تصبح

Page 257: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q وحسرة Q، تصبح دمعا، تصبح ندما .تصبح جرحا

.أن أساعدك أكثر، صحيح كان يمكن

Q يا خالد مادمت هنا، ألست Q؟ ألم تفقد كنت تقول: "اطلب شيئا مجاهداQ.. اطلب قطعة أرض.. أو ذراعك في هذه الحرب؟ اطلب محال تجاريا

Q. هذا حقك. وإذا شئت دعه لي ألستفيد شاحنة، إنهم لن يرفضوا لك شيئا أنا وأوالدي.. أنت يحترمونك ويعرفونك، وأما أنا فال منه وأعيش عليه

حقك من هذا الوطن. إنهم ال يتصدcقون يعرفني أحد. إنه جنون أال تأخذ لم يقم بشيء في عليك بشيء. أكثر من واحد يحمل شهادة مجاهد وهو

.."الثورة. أنت تحمل شهادتك على جسدك

أن هذا هو الفرق الوحيد بيني وبينهم. لم تكن إيه حسان.. لم تكن تفهمQ اليوم، بعد كل هذه السنوات، وكل هذا العذاب، أن تفهم أنه لم يعد ممكنا

.وطنية أطأطئ رأسي ألحد.. ولو مقابل أية هبة

ربما كنت فعلت هذا بعد االستقالل. ولكن اليوم مع مرور الزمن، أصبح.ذلك مستحيال

لم يبق من العمر الكثير أخي. لم يبق من العمر الكثير، ألطأطئ رأسي.قبل الموت

Q كشوكة في ضميرهم. أريد أن يخجلوا أريد أن أبقى هكذا أمامهم، مغروسا عندما يلتقوا بي، أن يطأطئوا هم رؤوسهم ويسألوني عن أخباري، وهم

.أعرف كل أخبارهم، وأنني شاهد على حقارتهم يعرفون أنني

!آه لو تدري حسان

لذcة أن تمشي في شارع مرفوع الرأس، أن تقابل أيc شخص لو تدريQ، دون أن .تشعر بالخجل بسيط أو هامc جدا

هناك من ال يستطيع اليوم أن يمشي خطوتين على قدميه في الشارع، بعدما كانت كل الشوارع محجوزة له. وكان يعبرها في موكب من

.الرسمية السيارات

Q لحسان. وعدته فقط كمرحلة أولى أن أشتري له سيارة. لم أقل شيئا له: "تعال معي، واختر سيارة تناسبك. تأخذها معك من فرنسا. ال قلت

..".هذه الحالة بعد اليوم أريد أن تعيش هكذا في

الذي كان فرح حسان يومها كطفل. شعرت أن ذلك كان حلمه الكبيرQ عن طلبه مني. ولكن كيف لي أن أعرف ذلك Q عن تحقيقه، وعاجزا عاجزا

أزره منذ سنوات؟ وأنا لم

Page 258: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q من عندما أذكر حسان اليوم، وحدها تلك االلتفاتة تبعث في قلبي شيئا.السعادة، ألنني أسعدته بعض الوقت، ومنحته راحة لبضع سنوات

.أكن أتوقع أن تكون األخيرة سنوات.. لم

:عاد حسان إلى موضوعه قال

Q؟ هل أنت مصر- Q على السفر غدا حقا

:قلت له

Q نعم.. من األرجح أن أسافر- ..غدا

:قال

يسيء تفسير إذن ال بد أن تطلب سي الشريف اليوم، لتعتذر منه. فقد- ..موقفك.. ويأخذ على خاطره

Q فوجدته على حقc. قلت :لحسان فكرت قليال

..اطلب لي رقم سي الشريف ألعتذر إليه-

األمور هناك. ولكن سي الشريف راح يرحcب بي.. كنت أتوقع أن تتوقف..ولو في ذلك الحين ويحرجني بلطفه، ويلحc ألحضر لزيارته

:قال

نراك قبل أن تسافر.. ثم يمكنك أن تعال إذن وتغدc معنا اليوم.. المهم أن- Q ..هذا المساء تقدم هديتك بنفسك للعروسين قبل أن يسافرا أيضا

لم يكن هناك من مخرج. وجدت نفسي مرة أخرى، أواجه قدري معك. أنا الذي قررت السفر على عجل، حتى أنتهي من العيش في هذه األجواء

.بطريقة أو بأخرى حولك التي كانت تدور كلها

توقcفت أمامها ها أنا مرة أخرى ألبس بدلتي السوداء نفسها، أحمل لوحةQ وكانت سبب كل ما حلc بي بعد ذلك. وأذهب مع حسان إلى ..الغداء يوما

uها هما قدماي تقودانني مرة أخرى نحوك. كنت أدري أنني سألتقي بك هذه المرة. كان هناك حدس مسبق يشعرني أننا لن نخلف هذا الموعد

.اليوم

الذي قاله سي الشريف ذلك اليوم؟ ما الذي قلته ومن قابلت من ما.أطباق على تلك السفرة.. لم أعد أذكر الناس؟ وماذا قدم لنا من

Page 259: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

يهمني شيء في تلك اللحظة، كنت أعيش لحظات حبك األخيرة. ولم يكن!نفسه سوى أن أراك.. وأن أنتهي منك في الوقت

ولكن.. كنت أخاف حبك. كنت أخاف أن يشتعل حبك من رماده مرةQ أخرى. فالحب Q حتى في لحظات موته.. يظلc خطرا الكبير، يظلc مخيفا

.يحتضر حتى وهو

..وجئت

Q، أكثر Q، أكثر اللحظات جنونا اللحظات سخرية، كانت أكثر اللحظات وجعا، وأضع على وجنتيك قبلتين uبريئتين، وأنا تلك التي وقفت فيها ألسلم عليك Q كل المفردات الالئقة بذلك الموقف .العجيب أهنئك بالزواج، مستعمال

لم كم كان يلزمني من القوة، من الصبر ومن التمثيل، ألوهم اآلخرين أننية عابرة، وأنكu لم تكوني المرأة التي قلبت cبك قبل اليوم، سوى مر uألتق

Q على عقب؟ حياتي رأسا المرأة التي تقاسمني سريري الفارغ منذ عدة أشهر، والتي كانت حتى

!البارحة.. لي

إضافي، كم كان يلزمني من التمثيل، ألهديك تلك اللوحة، دون أي تعليق قصتي معك دون أية إشارة توضيحية، وكأنها لم تكن اللوحة التي بدأت بها

.خمس وعشرين سنة منذ

معجبة وكم كنتu مدهشة أنتu في تمثيلك، وأنتu تفتحينها وتلقين نظرة عليها، وكأنك ترينها ألول مرة! فال أستطيع إال أن أسألك يتواطؤ سري

Q جمعنا :يوما

هل تحبين الجسور؟

Q Q ويخيم بيننا فجأة صمت قصير، يبدو لي طويال كلحظة تسبق حكما.باإلعدام.. أو العفو

uقبل أن ترفعي عينيك نحوي وينزل حكمك cعلي:

!نعم أحبها-

!كلمتين كم من السعادة منحتني لحظتها في

cشعرت أنك تبعثين لي آخر إشارة حب.

مشروع لوحة قادمة. أكثر من ليلة وهمية.. شعرت أنك تهديني أكثر من

Page 260: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cة لذاكرتنا cين وفي المشتركة.. ولمدينة تواطأت وأنك رغم كل شيء ستظل.معنا، ومدcت كل هذه الجسور.. لتجمعنا

Q؟ في تلك اللحظة التي كان رجل آخر فيها إلى.. ولكن أكنت حبيبتي حقا لم تشبعهما ليلة حب كاملة، في تلك اللحظة التي جوارك. يلتهمك بعينين

ستزورينها في شهر العسل، كان فيها الحديث يدور حول المدن التيcعك بصمت، لسفرك األخير عن ..قلبي وكنت أنا أشي

قابلتك لقد كانت تلك هزيمتك األولى معي.. انتهى كل شيء إذن. ها أناQ، أكان هذا اللقاء يستحق كل ذلك االنتظار، كل ذلك األلم؟ أخيرا

Q! وكم هو اليوم مدهش ومسطcح في واقعه! كم كم كان حلمي به جميالQ بانتظارك، !وكم هو فارغ.. موجع بحضورك كان مليئا

تستحق كل ذلك الوجع، أكانت نصف النظرة التي تبادلناها بين نظرتين،كل ذلك الشوق والجنون؟

،Q .وتتلعثم الكلمات.. تتلعثم النظرات تريدين أن تقولي لي شيا

.أعرف فكc رموزك الهيروغليفية لقد نسيت عيناك الحديث إليc.. ولم أعدندري؟ فهل عدنا يومها إلى مرتبة الغرباء، دون أن

..افترقنا التمثيل، وألم قبلتان أخيرتان على وجنتيك. نظرة.. نظرتان.. وكثير من

.سري صامت

Q كلمات المجاملة والتهاني والشكر .األخير تبادلنا جميعا

البيت تبادلنا عناويننا، بعدما أصرc زوجك على أن يعطيني رقم هاتفه في.وفي المكتب في حالة ما احتجت إلى شيء

.المسبق وانصرفنا كل بوهمه.. وقراره

Q إلى تلك البطاقة التي كنت عندما عدت إلى البيت بعد ذلك، نظرت طويال أتحسcسها طوال الطريق بشيء من الذهول.. ومذاق ساخر للمرارة.

.قلبي إلى جيبي تحت اسم ورقم هاتفي جديد وكأنك انتقلت معها من

Q، ودون كثير من التردد.. أو التعمcق قها فورا cرت أن أمز cفي التفكير، قر Q على أن ينتهي كل شيء مادمت أملك القدرة على ذلك، ومادمت مصمما

Q، وكما أصبحت أريد أنا .اليوم هنا في قسنطينة.. كما أردتu يوما

***

Page 261: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

هاتفك فجأة ليخرجني من ما الذي كنت تريدينه ذلك المساء؟ عندما جاءدوامة أفكاري وأحاسيسي المتناقضة؟

الهاتف وقال: "هناك امرأة تريد أن تتحدث إليك.." حين مدc حسان نحوي.أنتu توقcعت كل شيء إال أن تكوني

:سألتكu بدهشة

ألم تسافري بعد؟-

uقلت:

بعد ساعة.. أردت أن أشكرك على اللوحة.. لقد وهبتني سعادة سنسافر- ..لم أتوقcعها

:لكu قلت

Q.. لقد أعدت لكu لوحة كانت جاهزة لكu منذ خمس- أنا لم أهبك شيئاQ. وأما أنا فلي هدية أخرى وعشرين سنة.. إنها هدية قدرنا الذي تقاطع يوما

..تعجبك، سأقدمها لك ذات يوم فيما بعد أتوقع أن

أحد السمع إليك أو يسرق قلتu بصوت خافت وكأنك تخافين أن يسترق:منكu تلك الهدية

ستهديني؟ ماذا-

:قلت

.إنها مفاجأة.. لنفترض أنني سأهبك غزالة-

uمدهوشة قلت:

!إنه عنوان كتاب-

:قلت

-Q عندما نحب فتاة نهبها اسمنا. عندما نحب. أدري.. ألنني سأهبك كتاباQ. وعندما نحب كاتبة Q. سأكتب من أجلك رواية.. امرأة نهبها طفال .نهبها كتابا

واالرتباك.. شيء من الدهشة أحسست في صوتك بشيء من الفرح

Page 262: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

:منك والحزن الغامض. ثم قلتu فجأة بنبرة عشقية لم أعهدها

خالد.. أحبك.. أتدري هذا؟-

وحزني، ونبقى هكذا لحظات دون وانقطع صوتك فجأة، ليتوحد بصمتي:كالم. قبل أن تضيفي بشيء من الرجاء

Q.. لماذا ال تجيب؟.. خالد- قل شيئا

:قلت لك بشي من السخرية المرة

..األزهار لم يعد يجيب ألن رصيف-

هل تعني أنك لم تعد تحبني؟-

:غائب أجبتك بصوت

Q بالتحديد.. إنه عنوان لرواية أخرى للكاتب- !نفسه أنا ال أعني شيئا

قبل ماذا قلت لك بعدها، ال أذكر. من األرجح أن يكون هذا آخر ما قلته لك.أن أضع السمcاعة، ونفترق لعدة سنوات

***

".هنا ال تطرقي الباب كل هذا الطرق.. فم أعد"

وثنايا ال تحاولي أن تعودي إليc من األبواب الخلفية، ومن ثقوب الذاكرة،cة، ومن الشبابيك التي أشرعتها العواصف .األحالم المطوي

..تحاولي ال

فأنا غادرت ذاكرتي. يوم وقعت على اكتشاف مذهل: لم تكن تلك الذاكرة لي، وإنما كانت ذاكرة مشتركة أتقاسمها معك. ذاكرة يحمل كل منا نسخة

.نلتقي منها حتى قبل أن

.ال تطرقي الباب كل هذا الطرق سيدتي.. فلم يعد لي باب

تخلcت عني الجدران يوم تخلcيت عنك، وانهار السقف عليc وأنا أحاول لقدب أشيائي cالمبعثرة بعدك أن أهر.

.فال تدوري هكذا حول بيت كان بيتي

Page 263: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

cي، ولم ال تبحثي عن نافذة تدخلين منها كسارقة. لقد سرقت كلc شيء منcالمغامرة يعد هناك من شيء يستحق.

..ال تطرقي الباب كلc هذا الطرق الموجع

Q هاتفك يدقc في كهوف الذاكرة الفارغة دونك، ويأتي الصدى موجعاQ .ومخيفا

الوادي بعدك، كما يسكن الحصى جوف "وادي أال تدرين أنني أسكن هذاالرمال"؟

..إذن تمهcلي سيدتي

ين على جسور قسنطينة. فأية زلة قدم سترميني بسيل� cلي وأنت تمرcتمه .الحجارة. وأي سهو منك سيرميك هنا عندي لتتحطمي معي من

cرة في ..ثياب أمي.. في عطر أمي وفي خوف أمي عليc يا امرأة متنك

.أنا مثلها بين صخرتين وبين رصيفين متعب أنا.. كجسور قسنطينة. معلcق

األمهات أنت، وأحمق العشاق أنا؟ فلماذا كل هذا األلم..؟ ولماذا.. أكذب

أنا ال أسكن هذه المدينة.... ال تطرقي أبواب قسنطينة الواحد بعد اآلخر.إنها هي التي تسكنني

.هي لم تحملني مرة.. وحدي أنا حملتها ال تبحثي عني فوق جسورها،

cي، وتأتني الهثة cى ال تسألي أغانيها عن بخبر� قديم _جديد، وأغنية كانت تغنcى لألفراح ..للحزن فصارت تغن

�و قالوا" العرب قالوا *** ما نعطيو» صالح وال مال.."باي البايات قالوا العرب هيهات *** ما نعطيو» صالح

.قوله أعرف عن ظهر قلب ما قاله العرب، وما لم يجرؤوا اليوم على

وأدري.. كان "صالح" ثوب حدادك األول حتى قبل أن تولدي. كان آخرcته األخيرة: "يا حمودة.. آٍخ يا وليدي تها بايات قسنطينة.. وكنت أنا وصي

..".الدار.. آه.. آه الله لي في

أي دار يا صالح.. أي دار توصيني بها؟

Page 264: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

سوق العصر( وشاهدت دارك فارغة من ذاكرتها. سرقوا حتى )لقد زرتبوا ممراتها وعبثوا بنقوشها.. وظلcت. أحجارها، وشبابيكها الحديدية cخر

Q يبول الصعاليك ا cمصفر Q .والسكارى على جدرانه واقفة، هيكال

أيc وطن هذا الذي يبول على ذكرته يا صالح؟

وطن هذا؟ أي

ها هي ذي مدينة تلبس حداد رجل لم تعد تذكر اسمه. وها أنت ذي طفلة..ال أحد يعرف قرابتها بهذه الجسور

وجهك الخمار، وال تطرقي الباب فانزعي "ماليتك" بعد اليوم.. وارفعي عن..كل هذا الطرق

.أنا فلم يعد صالح هنا.. وال

..افترقنا إذن

..الذين قالوا الحب وحده ال يموت، أخطأوا كتبوا لنا قصص حب بنهايات جميلة، ليوهمونا أن مجنون ليلى والذين

Q في قوانين القلب محض استثناء عاطفي.. ال .يفهمون شيئا

Q Q، كتبوا لنا أدبا فقط إنهم لم يكتبوا حبا

العشق ال يولد إال في وسط حقول األلغام، وفي المناطق المحظورة. ولذاQ في النهايات الرصينة الجميلة ليس ..انتصاره دائما

!الخراب الجميل فقط إنه يموت كما يولد.. في

..افترقنا إذن

Q. يا وردة البراكين، ويا ياسمينة نبتت على حرائقي فيا خرابي الجميل سالماQ .سالما

األرضية! لقد كان خرابك األجمل سيدتي، لقد كان يا ابنة الزالزل والشروٍخ..خرابك األفظع

Q بأكمله داخلي، تسللت حتى دهاليز ذاكرتي، نسفت كل شيء قتلت وطنا..فقط بعود ثقاب واحد

Page 265: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

!من علcمكu اللعب بشظايا الذاكرة؟ أجيبي

Q_ بكل هذه األمواج المحرقة من النار. من _من أين أتيت هذه المرة أيضادمار؟ أين أتيت بكل ما تال ذلك اليوم من

..افترقنا إذن

Q. ال كنتu عاشقة.. وال كنتu لم تكوني كاذبة معي.. وال كنتu صادقة حقاQ Q. ال كنتu ابنتي.. وال كنتu أمي حقا .خائنة حقا

.فقط كهذا الوطن.. يحمل مع كل شيء ضده كنت

أتذكرين؟

في ذلك الزمن األول، يوم كنت تحبينني وتبحثين في ذلك الزمن البعيد،.فيc عن نسخة أخرى ألبيك

:مرة قلت

Q، كما ننتظر األولياء الصالحين.. كما- Q.. انتظرتك كثيرا ننتظر انتظرتك طويالQ يا خالد.. أنا في حاجة إليك Q مزيفا !األنبياء.. ال تكن نبيا

"..وقتها أنكu لم تقولي أنا أحبك. قلتu فقط "أنا في حاجة إليك الحظت

بالضرورة األنبياء. نحن في حاجة إليهم فقط.. في كل نحن ال نحب.األزمنة

:أجبتك

-Q ..أنا لم أختر أن أكون نبيا

:قلت مازحة

!رسالتهم، إنهم يؤدcونها فقط األنبياء ال يختارون-

uأجبتك:

-Q cتهم أيضا cف.. قد. وال يختارون رعي ولذا لو حدث واكتشفتu أنني نبيc مزي!الردcة يكون ذلك ألنني بعثت لرعية تحترف

:ضحكت.. وبعناد أنثى يغريها التحدcي قلت

Page 266: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..لفشلك المحتمل معي، أليس كذلك؟ أنت تبحث عن مخرج- Q كهذا. هات وصاياك العشر وأنا .أطبقها لن أمنحك مبررا

cقي وصايا نبي، أضعف Q يومها. كنت أجمل من أن تطب نظرت إليك طويال أن تحملي ثقل التعاليم السماوية. ولكن كان فيك نور داخلي لم من

..بذرة نقاء لم أكن أريد أن أتجاهلها.. أشهده في امرأة قبلك

فينا؟ أليس دور األنبياء البحث عن بذور الخير

:قلت

Q واسمعيني.. لقد جئتك بالوصية- الحادية عشرة دعي الوصايا العشر جانبا..فقط

:ضحكت وقلت بشيء من الصدق

!النبي المفلس.. أقسم أنني سأتبعك هات ما عندك أيها-

وأقول لك: "كوني لي. لحظتها شعرت برغبة في أن أستغلc قسمكcل فقط.." ولكن لم يكن ذلك كالم نبي. وكنت دون أن أدري قد بدأت أمث

أمامك الدور الذي اخترته لي.. فرحت أبحث في ذهني عن شيء يمكن أن:يباشر وظيفته ألول مرة.. قلت يقوله نبي

بالضرورة بغرور، ولكن بوعي احملي هذا االسم بكبرياء أكبر.. ليس- ليس من حق عميق أنك أكثر من امرأة. أنت وطن بأكمله.. هل تعين هذا؟

م.. هذا زمن حقير، إذا لم ننحز فيه إلى القيم سنجد cالرموز أن تتهش في خانة القاذورات والمزابل. ال تنحازي لشيء سوى المبادئ.. ال أنفسنا

Q سوى !ضميرك.. ألنك في النهاية ال تعيشين مع سواه تجاملي أحدا

:قلت

!فقط؟.. أهذه وصيتك لي-

:قلت

Q كما تتوهcمين- ستكتشفين ذلك.. ال تستهيني بها.. إن تطبيقها ليس سهال..بنفسك ذات يوم

المفلس.. وتستسهليها كان ال بد أال تسخري يومها من وصية ذلك النبي..!إلى هذا الحد

Page 267: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.السفر. على ذلك اللقاء، ذلك الوداع مرcت ستc سنوات على ذلك

Q. حاولت خاللها أن ألملم جرحي وأنسى حاولت منذ عودتي، أن أضع شيئا األول، دون ضجيج وال من الترتيب في قلبي. أن أعيد األشياء على مكانها

cر مكان لوحة، وال مكان القيم تذمcر، دون أن أكسر مزهرية، دون أن أغي.القديمة التي تكدcس الغبار عليها داخلي منذ زمن

Q حاولت أن أعيد الزمان .إلى الوراء، دون حقد وال غفران أيضا

يجعلنا بسعادة عابرة، نكتشف كم كنا ال.. نحن ال نغفر بهذه السهولة لمن دون أدنى شعور تعساء قبله. ونغفر أقل، لمن يقتل أحالمنا أمامنا

.بالجريمة

.ولذا لم أغفر لك.. وال لهم

أتعامل معك ومع الوطن بعشق أقل. واخترت الالمباالة حاولت فقط أن.عاطفة واحدة نحوكما

يحدث ألخبارك أن تصلني عن طريق المصادفة، وأنا أستمع إلى من كان صعوده المستمر.. وعن صفقاته وشؤونه السرية يتحدث عن زوجك، عن

.المجالس والعلنية التي تشغل أحاديث

Q تارة في جريدة، وتارة في وكان يحدث ألخبار الوطن أن تأتيني أيضا مجالس أخرى. وتارة عندما زارني حسان بعد ذلك آلخر مرة ليشتري تلك

..وعدته بها السيارة التي

أن وكل مرة، كنت أواجه كل ما أسمعه بالالمباالة نفسها التي ال يمكنcدها سوى اليأس األخير .يول

وجوده. أصبح أمره وحده بدأت أتعلcق بحسان فقط، وكأنني اكتشفت فجأة اكتشفت يهمني بعدما وعيت أنه كل ما تبقcى لي في هذا العالم، وبعدما

تلك الحياة البائسة التي كان يعيشها، والتي كنت أجهل كل شيء عنها قبل.إلى قسنطينة زيارتي

Q بانتظام. أسأله عن أخباره وعن األوالد، وعن البيت أصبحت أطلبه هاتفيا الذي كان ينوي أن يقوم فيه ببعض اإلصالحات، والذي وعدته أن أتكفcل

.بمصاريف ترميمه وتجديده

يحدثني تارة عن كانت معنوياته تنخفض وترتفع من هاتف إلى آخر. كان

Page 268: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

بعض مشاريعه، وعن بعض االتصاالت التي يقوم بها ليتم نقله إلى.العاصمة.. ثم يعود ويفقد فجأة حماسه

:مكالمته كنت أعرف ذلك عندما يسألني في آخر

متى ستأتي يا خالد؟-

.إشارة ضوئية تطلب النجدة مني أشعر عندئذ� أنه باخرة تغرق، وتبعث

قد أزوره في الصيف وبرغم ذلك، كنت أسايره فقط، وأعده كل مرة أنني القادم. وكنت أعرف في أعماقي أنني أكذب، وأنني قطعت الجسور مع

.الوطن حتى إشعار آخر

القطار يسير في في الواقع، أصبحت عندي قناعة بانعدام األمل. كانQ.. أي Q معها أن نفعل شيئا شيء، االتجاه المعاكس، وبسرعة لم يكن ممكنا

.غير الذهول وانتظار كارثة االصطدام

Q، في وكنت أحزم حقائب القلب.. وأمضي دون أن أدري في اتجاه� آخر أيضا.االتجاه المعاكس للوطن

Q ربما رحت أؤثث غربتي Q آخر لي، وطنا بالنسيان. أصنع من المنفى وطناQ، عليc أن أتعود العيش .فيه أبديا

بدأت أتصالح مع األشياء. أقمت عالقات طبيعية مع نهر السين.. مع جسر ميرابو.. مع كل المعالم التي كانت تقابلني من تلك النافذة، والتي كنت

.معاداة لها دون سبب أعيش في

الجنونية.. اخترت لي أكثر من عشيقة عابرة. أثثت سريري بالملذcات بنساء كنت أدهشهن كل مرة أكثر، وأقتلك بهن كل مرة أكثر، حتى لم يبق

.منكu في النهاية شيء

فه وحماقاته وإضرابه عن كل cلذة نسي هذا الجسد شوقه لك، نسي تطر .ما عدا لذcتك الوهمية

.األولى تعمدت أن أفرغ النساء من رموزهن

Q، فقد كذب ..من قال إن هناك امرأة منفى، وامرأة وطنا

مساحة للنساء خارج الجسد. والذاكرة ليست الطريق الذي يؤدي إليهن. ال!طريق واحد ال أكثر.. يمكنني أن أجزم اليوم بهذا في الواقع هنالك

QQ ال بد أن ..أقوله لك اليوم اكتشفت شيئا

Page 269: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

لحظة جنون الرغبة محض قضية ذهنية. ممارسة خيالية ال أكثر. وهم نخلقهQ لشخص واحد، ونحكم عليه بالروعة المطلقة لسبب غامض نقع فيها عبيدا

.عالقة له بالمنطق ال

لعطر.. رغبة تولد هكذا من شيء مجهول، قد يعيدنا إلى ذكرى أخرى..رائحة أخرى.. لكلمة، لوجه آخر

الجسد، من الذاكرة أو ربما من رغبة جنونية تولد في مكان آخر خارج وإذا بك األروع، الالشعور، من أشياء غامضة تسللت إليها أنتu ذات يوم،

uوإذا بك األشهى، وإذا كل النساء أنت.

Q يوم قتلت قسنطينة في داخلي؟ أفهمت لماذا قتلتك تلقائيا

.سريري ولم أعجب يومها وأنا أرى جثتك ممدة في

.لم تكونا في النهاية سوى امرأة واحدة

هذا الكتاب إذن؟ وسأجيبك أنني أستعير ستقولين: لماذا كتبت لي.كتاب ال غير طقوسك في القتل فقط، وأنني قررت أن أدفنك في

كريهة فهناك جثث يجب أال نحتفظ بها في قلبنا. فللحب بعد الموت، رائحة�ع»د الجريمة Q، خاصة عندما يأخذ ب .أيضا

واحدة في هذا الكتاب. قررت هكذا أن الحظي أنني لم أذكر اسمك مرة.الذكر أتركك بال اسم. هنالك أسماء ال تستحق

لنفترض أنك امرأة كان اسمها "حياة"، وربما كان لها اسم آخر.. فهل مهمQ؟ اسمك حقا

نذكرهم وحدها أسماء الشهداء غير قابلة للتزوير، ألن من حقهم علينا أن بأسمائهم كاملة. كما من حق هذا الوطن علينا أن نفضح من خانوه، وبنوا

على دماره، وثروتهم على بؤسه، مادام ال يوجد هناك من مجدهم.يحاسبهم

إشاعة ما إن هذا الكتاب لك. أؤكد لك سيدتي تلك وأدري.. ستقول.اإلشاعة

Q عن أشياء أخرى، إن هذا الكتاب ليس سيقول نقcاد يمارسون النقد تعويضا.بمقاييس األدب رواية، وإنما هذيان رجل ال علم له

Q جهلي، واحتقاري لمقاييسهم. فال مقياس عندي سوى أؤكد لهم مسبقا

Page 270: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

، وأن أبكيك أنت، لحظة uمقياس األلم، وال طموح لي سوى أن أدهشك أنت ..قراءة هذا الكتاب تنتهين من

.فهناك أشياء لم أقلها لك بعد

وأحرقي ما في خزانتك من كتب� ألنصاف الكتاب،.. اقرئي هذا الكتاب.العشاق وأنصاف الرجال، وأنصاف

بتعقcل، من الجرح وحده يولد األدب. فليذهب إلى الجحيم كل الذين أحبوك..دون أن ينزفوا.. دون أن يفقدوا وزنهم وال اتزانهم

ة، لطفلة تصفcحيني بشيء cحين ألبوم صور مصفرcمن الخجل.. كما تتصف uكانت أنت.

ضة لالنقراض والموت كما تطالعين cلمفردات قديمة معر Q .قاموسا

،Q Q سريا Q في صندوق بريدك كما تقرأين منشورا .عثرت عليه يوما

.افتحي قلبك.. واقرأيني

Q أريد أن أحدثك عن سي الطاهر وعن زياد وعن آخرين.. عن كل كنت يوما.ما كنت تجهلين

مات حسان.. ولم يعد اليوم وقت للحديث عن الشهداء.. أصبح كل ولكن.شهيد واحد منا مشروع

Q إال عندما تكون cة". ولم يحزنني أال أهبك غزالة. "الغزالن ال تكون غزالنا حي.يبق لي ما يمكن أن أهديكu اليوم

الواحد بعد اآلخر، بطريقة أو بأخرى. لقد أخذت مني كل من أحببت، ترتيب كل من أحببت. وتحول القلب إلى مقبرة جماعية ينام فيها دون

Q .وكأن قبر )أمcا( قد اتسع ليضمهم جميعا

شاهد قبر لسي الطاهر.. لزياد ولحسان. شاهد قبر ولم أعد أنا سوى.للذاكرة

حماقة القدر، الكثير عن ظلمه وعن عناده، عندما كنت أدري الكثير عن.يصرc على مالحقة أحد

Q كذلك يمكن أن يحدث؟ ولكن أكان يمكن لي أن أتوقع أن شيئا القدر األحمق ما فيه الكفاية، وأنه حان لي بعد كنت اعتقد أنني دفعت لهذا

فجيعة زياد، وفجيعة زواجك، أن أرتاح هذا العمر، وتلك السنوات التي تلت

Page 271: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q .أخيرا

أخي، أخي الذي لم يكن لموته من فكيف عاد القدر اليوم ليأخذ مني ميتة سي منطق. ال كان في جبهة، وال كان في ساحة قتال ليموت

Q Q بالرصاص.. أيضا .الطاهر، وميتة زياد، رميا

***

يحملها خط هاتفي ، جاء خبر موته هكذا صاعقة88ذات يوم من أكتوبر .مشوّش، وصوت عتيقة الذي تخفيه الدموع

Q ظلت تجهش بالبكاء :وتردد اسمي، وأنا أسألها مفجوعا

"واّش صار..؟- "

ت البالد، والتي كانت الجرائد كنت على علم بتلك cاألحداث التي هز بنقلها مصور، مفصلة، مطوcلة، باهتمام ونشرات األخبار الفرنسية تتسابق

.ال يخلو من الشماتة وأدري أنها مازالت وهي في يومها الثاني مقتصرة كنت أعرف تفاصيلها،

الذي حدث؟ على العاصمة. فمن أين لي أن أتوقcع

Q :كان صوت عتيقة يردد مقطcعا

..قتلوه قتلوه.. آ خالد.. يا وخيدتي-

Q :وصوتي يردد مذهوال

كيفاّش.. كيفاّش قتلوه؟-

حسان؟ كيف مات

Q كأحالمه .هل مهم السؤال، وموته كان أحمق كحياته، ساذجا

كل الجرائد ألفهم كيف مات أخي، بين الحلم والحلم.. بين الوهم أقرأ.والوهم

الذي ذهب به إلى العاصمة ليقابل "جماعة" هناك، هو الذي لم يزر ماQ العاصمة إال .نادرا

.ذهب هكذا في نهاية أسبوع.. ليبحث عن نهايته

Page 272: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

.قسنطينة، ولم توصله جسورها الكثيرة إلى شيء ضاقت به

خيوط". ستوصلك الطرق القصيرة "قالوا له: "في العاصمة ستكون لك!".هناك.. ولن توصلك الجسور هنا

Q" من قبل "فالن" آخر صدcق حسان، ..وذهب إلى العاصمة ليقابل "فالنا

Q أن تحل Q هذه المرة، بعد عدة سنوات من وكان مقررا قضيته أخيراQ سلك التعليم، لينتقل إلى العاصمة الوساطات والتدخالت، ويغادر نهائيا

Q في مؤسسة إعالمية cن موظفا .ويعي

.الذي حسم "ملفه" هذه المرة ولكن القدر هو

خاطئة، على رصيف بين "فالن" و "فالن" مات حسان، خطأ برصاصة.الحلم

!تحلم فالحلم ليس في متناول الجميع أخي.. كان عليك أال

Q "إن الشقاء يعرف كيف يختار صفاته" ولهذا اختارني أنا، واختار لي أحقا.كل هذه الفجائع المذهلة، ألنفرد بها وحدي

..أهبك غزالة أنا الذي لم أكن أحلم سوى بأن

الخراب؟ كيف لي أن أفعل ذلك.. وأنت تهبينني كل هذا الدمار.. كل هذا

***

.البال ويعود فجأة، حديث قديم بيننا إلى

ت عليه اليوم ست سنوات. في ذلك الزمن الذي كنت تجدين cحديث مر Q بيني وبين "زوربا". الرجل الذي أحببته األكثر حسب تعبيرك، فيه شبها

.بكتابة رواية كروايته، أو حب رجل مثله والذي كنتu تحلمين

كتلك، اكتفيت بتحويلي إلى نسخة ترى ألنك كنت عاجزة عن كتابة رواية أحبها بأكلها حتى منه، وجعلتني مثله أتعلم أن أشفى من األشياء التي

..التقيؤ

..أرقص من ألمي جعلتني أعشق الخراب الجميل، وأتعلم كطائر يذبح أن

Q بحماس� مدهش لم يثر ها هوذا الخراب الجميل، الذي حدcثتني عنه يوماuشكوكي، يوم قلت:

Page 273: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

في الخيبات مدهش أن يصل اإلنسان بفجائعه حد الرقص. إنه تميز"Q. فليست كل الهزائم في متناول الجميع. ال بد أن تكون لك والهزائم أيضا أحالم فوق العادة، وأفراح وطموحات فوق العادة، لتصل بعواطفك تلك

..".الطريقة إلى ضدها بهذه

!آه سيدتي لو تدرين

الخراب الذي تتسابق قنوات كم كانت أحالمي كبيرة. وما أفظع هذا!التلفزيون على نقله اليوم

وما أحزن جثة أخي الملقاة على رصيف، يخترقها ما أفظع هذا الدمار،!رصاص طائش

تنتظرني اآلن في ثالجة الموتى ألتعرف عليه، وأرافقه ما أحزن جثته، وهيQ إلى قسنطينة .جثمانا

..هي ذي قسنطينة مرة أخرى ها تعيدنا إليها ولو تلك األم الطاغية التي تتربص بأوالدها، والتي أقسمت أن

.جثة

Q. في تلك اللحظة التي اعتقدنا فيها أننا ها هي قد هزمتنا، وأعادتنا إليها معا.شفينا منها، وقطعنا معها صلة الرحم

سيغادرها إلى العاصمة.. وال أنا سأقدر على الهرب منها بعد ال حسان..اليوم

Q ها نحن ..نعود إليها معا

.أحدنا في تابوت.. واآلخر أشالء رجل

cأيتها الصخرة.. أيتها األم الصخرة وقع حكمك علي..

Q.. فأشرعي مقابرك، وانتظريني. سآتيك بأخي Q صغيرا افسحي له مكانا على جوار أوليائك الصالحين، وشهدائك، وباياتك.. كان حسان كل هذا

.طريقته

Q ..كان غزاال

جي على cكل هذا الخراب الجميل في انتظار ذلك.. تعالي سيدتي وتفر!

Q فبعد قليل سيحضر زوربا ليمسك بكتفي ولنبدأ الرقص .معا

Page 274: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..تعالي

عندما يفلسون ال بد أال تخلفي هذا المشهد، سترين كيف يرقص األنبياءQ .حقا

Q، كما اشتهيت أن أرقص في تعالي.. سأرقص اليوم كما لم أرقص يوما..عرسك ولم أفعل

ذراعي المفقودة قد سأقفز وكأن جناحين» قد التصقا بقدمي فجأة، وكأن.نبتت من جديد لتصبح ذراعي

Q في طقوس "عيساوة تعالي.. وليعذرني أبي الذي لم ".أشاركه يوما جسده من في حفل جذبه ورقصه الجنوني، وغرسه ذلك السفود في

.طرف إلى آخر.. بنشوة األلم الذي يجاور اللذة

وليس لأللم وطن على التحديد. فليعذرني األنبياء للحزن أكثر من طقس،!الصالحون واألولياء

يحزنون، ماذا ليعذروني جميعا. ال أدري ماذا يفعل األنبياء بالتحديد عندمايفعلون في زمن الردcة؟

هل يبكون أم يصلون؟

Q أنا قررت أن Q. الرقص عبادة أيضا ..أرقص. الرقص تواصل أيضا

.واحدة سأرقص لك فانظر أيها األعظم.. بذراع

واحدة يا ما أصعب الرقص بذراع� واحدة يا ربي! ما أبشع الرقص بذراع�..ربي! ولكن

.ستعذرني أنت الذي أخذت ذراعي األخرى

Q.. ستعذرني .أنت الذي أخذتهم جميعا

Q !ستعذرني.. ألنك ستأخذني أيضا

Q؟.. أن ترى تلك مقولة خلقت لتعلمنا الصبر فقط، هل المؤمن مصاب حقاامتالك شهادة بالتقوى؟ لتبيعنا بدل مصائبنا فرح

..فليكن

Page 275: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q لك أيها األعظم، أنت الذي ال �حمد على مكروه سواه شكرا .ي

.واألتقياء منهم.. أنت الذي ال تخصc بمصابك سوى المؤمنين من عبادك

!اعترف أنني لم أكن احلم بشهادة حسن سلوك كهذه

Q أفرغ Q يونانيا .منك سيدتي وأمتلئ لحنا

.المتطرف تتقدم موسيقى "زوربا" نحوي، دعوة للجنون

تأتي على شريط تعودت االستماع إليه بمتعة غامضة. وإذا بذلك اللحن�عده األول الحقيقي .القادم اليوم وسط الخراب والجثث، يأخذ فجأة ب

فجأة من أريكتي وهو يفاجئني، وأصرٍخ كما في تلك القصة "هيا فأنتفض..".الرقص زوربا.. دربني على

يكون ها هوذا "الخراب الجميل" الذي جعلتنا نشتهيه. لم أكن أعتقد أنQ إلى هذا الجد Q إلى هذا الحد.. موجعا !بشعا

Q تزحف موسيقى تيودراكيس Q.. جرحا .نحوي. وتخترقني نغمة.. نغمة. جرحا

.بكاء بطيئة.. ثم سريعة كنوبة

.خجولة.. ثم جريئة كلحظة رجاء

.أمام كأس حزينة.. ثم نشوى كتقلبات شاعر

.مترددة.. ثم واثقة كأقدام عسكر

في غرفة شاسعة، تؤثثها اللوحات فأستسلم لها. أرقص كمجنون.والجسور

الصخرة الشاهقة، لرقص وسط وأقف أنا وسطها وكأنني أقف على تلك حجارة الخراب، بينما جسور قسنطينة الخمسة تتحطم وتتدحرج أمامي

.نحو الوديان

!إيه زوربا

وكانت تحبك أنت. وكنت أريد أن تزوجت تلك المرأة التي كنت أحبها،.أجعلها نسخة مني، فجعلتني نسخة منك

زياد.. ذلك الصديق الذي اشترى هذا الشريط ألنه ربما كان يحبك ومات

Page 276: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q كهذا، ويعد لي على طريقته أيضا من اجلها، وربما ألنه كان يتوقع لي يوما.القادم كل تفاصيل حزني

.أحزان وربما يكون تلقcاه هدية منها.. وورثته أنا في جملة ما أورثني من

Q باإلغريق، وباآللهة .اليونانية ومات حسان.. أخي الذي لم يكن يهتم كثيرا

.كان له إله واحد فقط، وبعض األسطورات القديمة سوى الفرقاني.. وأم كلثوم.. وصوت عبد الباسط عبد مات وال حب له

.الصمد

.الحصول على جواز سفر للحج.. وثالجة وال حلم له سوى

Q. لقد أهداه الوطن ثالجة ينتظرني فيها لقد تحققت نصف أحالمه أخيرا.األخير بهدوء كعادته، ألشيعه هذه المرة إلى مثواه

.لو عرفك، ربما لم يكن ليموت تلك الميتة الحمقاء

بتمعcن، لما نظر إلى قاتليه بكل االنبهار، لما حلم بمنصب في لو قرأك..أجمل العاصمة، بسيارة وبيت

Q، لرفض أن Q.. لشتمهم كما لم يشتم أحدا لبصق في وجه قاتليه مسبقا:يصافحهم في ذلك العرس، لقال

Q. امألوا جيوبكم أيها القوcادون.. السراقون.. القتلة. لن- " تسرقوا دمنا أيضا بأية عملة شئتم.. سيبقى لنا بما شئتم. أثثوا بيوتكم بما شئتم.. وحساباتكم

سنعمcر هذا الدم والذاكرة. بهما سنحاسبكم.. بهما سنطاردكم.. بهما".الوطن.. من جديد

Q آه زوربا.. مات زياد وها هوذا حسان يموت Q أيضا .غدرا

.آه لو تدري يا صديقي، لم يكن أحدهما ليستحق الموت

Q حد السذاجة. كان يخاف حتى أن يحلم، كان Q كزئبق، وطيبا حسان نقيا.قتلوه وعندما بدأ يحلم

وكان زياد.. آه كان يشبهك بعض الشيء. لو رأيت ضحكته، لو سمعتهQ عليهما يتحدث.. يكفر.. يلعن.. يبكي.. يسكر.. لو عرفتهما، لرقصت.. حزنا

.لم ترقص من قبل الليلة كما

Q لن تحضر الليلة. ربما ، كما ولكن ال يهم.. أدري بأنك أنت أيضا cألنك مت

Page 277: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

في تلك الرواية، بعد أن لعنت الكاهن الذي جاء ليناولك القربان المقدس..قبل الموت

Q على هذه األرض. ألنك بطل خرافي Q أبدا لزمن أو ربما ألنك لم توجد يوما كان الناس يبحثون فيه عن خرافة كهذه. عن آلهة إغريقية جديدة، تعلcمهم

.والتحدي.. وعبثية الحياة الجنون

Q؟ فهل مهم أن تتغيب الليلة، كما تغيبوا جميعا

Q في النهاية عن كل ما يمكن لن أعتب عليك يا صديقي. أنت لست مسؤوال!أن يرتكب من حماقات بسبب رواية

وقتلوا من رفاقك ولكن أجبني فقط.. أنت الذي قتلت من األتراك،الكثيرين. هل هناك من فرق بين القتلة؟

سي الطاهر.. وعلى يد اإلسرائيليين مات زياد.. على يد الفرنسيين مات.اليوم وها هو حسان يموت على يد الجزائريين

فهل هناك درجات في االستشهاد؟ وماذا لو كان الوطن هو القاتل والشهيدQ؟ معا

فكم من مدينة عربية دخلت التاريخ بمذابحها الجماعية، ومازالت مغلقة!على مقابرها السرية

!مواطنين كم من مدينة عربية أصبح سكانها شهداء.. قبل أن يصبحوا

الشهداء؟ فأين تضع كل هؤالء.. في خانة ضحايا التاريخ، أم في خانة

!وما اسم الموت عندما يكون بخنجر عربي

***

:صاحت ما كادت كاترين تراني في ذلك الصباح حتى

!إن لك وجه رجل يستيقظ من ليلة سكر-

:والتلميح الواضح ثم أضافت بشيء من السخرية

الحالة؟ ماذا فعلت أمس أيها الشقي، لتكون في هذه-

:قلت

Page 278: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

!ال شيء.. ربما لم أنم فقط-

على الصالون، وتبحث بفضول امرأة عن آثار تدلها قالت وهي تلقي نظرة:السهرة على نوعية من قضيت معهم

هل استقبلت أصدقاء أمس؟-

.أجيبها: نعم ابتسمت لسؤالها، شعرت برغبة في أن

..نفسه يحدث للحزن عندما يجاور الجنون، أن يبدأ هكذا في السخرية من

:واصلtت»»

وهل قضوا الليلة هنا؟-

:قلت

..رحلوا.. ال-

:أضفت� بعد شيء من الصمت

Q أصدقائي يرحلون- !دائما

وربما لم يقنعها كالمي، أو زاد في فضولها فقط. فراحت تواصل بعينيها البحث وسط فوضى الغرفة، والحقيبتين المفتوحتين في الصالون عن

.شيء ما

هكذا دائما: ال يرين أبعد من أجسادهن، ولذا لم يكن في إمكان النساء.زياد وحسان وزوربا.. في ذلك البيت كاترين أن تكتشف آثار

Q .تعيش على هامش حزني في الحقيقة.. لقد كانت كاترين دائما.حب وال ربما اقتنعت دون كثير من الكالم أنني أستيقظ من ليلة

Q لوجودها عندي في تلك اللحظة :سألتني وكأنها ال تجد فجأة مبررا

لماذا طلبتني على عجل؟-

:قلت

..ألسباب كثيرة-

:فجأة ثم أضفت

Page 279: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

كاترين.. هل تحبين الجسور؟-

:التعجب قالت بنبرة ال تخلو من

!السؤال ال تقل لي إنك أحضرتني في هذا الصباح لتطرح علي هذا-

:قلت

.ال.. ولكن أود لو أجبتني عليه-

:قالت

Q في- Q كهذا قبل اليوم. لقد عشت دائما ال أدري.. أنا لم أسأل نفسي سؤاال..فيها. ما عدا باريس ربما مدن ال جسور

:قلت

..أال تحبيها. يكفي أن تحبي رسمي ال يهم.. فأنا أفضcل في النهاية-

:أجابت

Q أحب ما ترسمه.. لقد- Q على انك رسام استثنائي طبعا ..راهنت دائما

:قلت

.اللوحات لك فليكن إذن.. كل هذه-

:صاحت

مدينتك.. قد تحنc إليها أأنت مجنون؟ كيف تهبني كل هذه اللوحات؟ إنها- Q .يوما

:قلت

بعد اليوم، أنا عائد إليها. أهبها لك، ألنني لم يعد هناك من ضرورة للحنين- ..تضيع أدري أنك تقدcرين الفن، وأنها معك لن

:قالت كاترين وصوتها يأخذ نبرة جديدة لحزن وفرح غامض

Q كهذا سأحتفظ- Q شيئا Q.. فلم يحدث لرجل أن أهداني يوما ..بها جميعا

Page 280: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

Q تحت األثواب قلت وأنا ألقي نظرة أخيرة على جسدها المختبئ داما:الخفيفة الفضفاضة

..يحدث المرأة قبلك أن منحتني غربة أشهى ولم-

:قالت

-Q وتشتاق إلى إحدى هذه اللوحات.. اعلم أنك ستجدها أخاف أن تندم يوماQ عندي .دائما

:قلت

..ربما سيحدث ذلك.. فنحن في جميع الحاالت نندم على شيء ما-

:اكتشفت جدية الموقف تقاطعني وكأنها

-Mais ce n'est pas possible .. هكذا ال يمكن أن نفترق!

من أو� كاترين.. دعينا نفترق على جوع. لقد حكم علينا التاريخ أال نشبع- Q.. وال نحب بعضنا تماما.. ألكثر من سبب. إنك تملكين اليوم بعض تماما

نسخة مني.. علcقي على جدرانك ذاكرتي، حتى ولو كانت ذاكرة أكثر منQ Q فيها مضادة.. لقد كنت أيضا !طرفا

.ال تفهم كاترين لماذا كل هذه الرموز اليوم

الحديث الغامض الذي لم أعوcدها عليه؟ ولماذا هذا

يفهم. جسدها يخرج عن وربما فهمت، ولكن جسدها كان يرفض أنQ Q. جسدها موظف فرنسي يحتج دائما. يطالب دائما بالمزيد.. الموضوع دائما

.يفرط في حرية التعبير، في حرية اإلضراب

..ولكن

سآتي بالكلمات التي ستشرح لها حزني؟ من أين

Q، إن حسان من أين سآتي بالصمت الذي سيقول لها دون أن أقول شيئا يعد لهم هناك في مدينة أخرى، ينتظرني في ثالجة، وأن أوالده الستة لم

.غيري كيف أشرح لها سر قدميc الباردتين، والصقيع الذي يزحف نحوي كلما

تقدمت بي الساعات، وكلما راحت يداها تفتحان أزرار قميصي دون انتباه...العادة بحكم

Page 281: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

..كاترين.. ليس لي شهية للحب، اعذريني- وماذا تريد إذن؟- .أريد أن تضحكي كالعادة- لماذا أضحك؟- .ألنك عاجزة عن الحزن- وأنت؟- ..وأنا سأنتظر أن تذهبي ألحزن. حزني مؤجل فقط كالعادة- لي هذا اليوم.؟ ولماذا تقول- ..ألنني متعب.. وألنني سأرحل بعد ساعات- ..تسافر. لقد ألغوا كل الرحالت إلى الجزار ولكن ال يمكنك أن- تقلع. ال بد أن أسافر اليوم أو سأذهب، وأنتظر في المطار أول طائرة-

..غدا. هناك من ينتظرني

لها: "لقد مات أخي.. أخي الوحي يا كاترين.." وأجهش كان يمكن أن أقول.أبكي أمام أحد يومها بالبكاء. فقد كنت في حاجة إلى أن

Q على ذلك معها. لعلها عقدة قديمة فالحزن قضية.. ولكن لم أكن قادراQ وطنية ..شخصية، قضية أحيانا

أواصل حديثي كالعادة. لعلني ولذا احتفظت بجرحي داخلي. وقررت أن.أكبر في يوم آخر سأخبرها بذلك. ولكن ليس اليوم. الصمت اليوم

.شعرت فجأة أنني أسأت للفراشات

:قلت

كانت قصتنا جميلة، أليس كذلك؟ كانت معقدة بعض كاترين.. لقد- Q، على الشيء.. ولكنها جميلة برغم ذلك. لقد كنت المرأة التي كانت دائما

ما عجزت كل وشك أن تكون حبيبتي. وربما سينجح الفراق في تحقيق..سنوات القرب هذه من تحقيقه

هل ستحبني عندما نفترق؟-

Q. إنه منطق األشياء. لقد كان- ال أدري.. من المؤكد أنني سأفتقدك كثيراcر عاداتي لي معك أكثر ..من عادة. وال بد لي بعد اليوم أن أغي

وهل ستعود؟-

قبل مدة طويلة.. ال بد أن أتعلم اآلن الوجه اآلخر للنسيان. الغربة ليس- Q ليس Q أن نجتاز الجسر الذي سيفصلنا عنها أمc أيضا ..سهال

الجسور؟ خالد.. لماذا تحيط نفسك بكل هذه-

Page 282: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

على أنا ال أحيط نفسي بها.. أنا أحملها داخلي. هناك أناس ولدوا هكذا- uدوا وسط . و�ل تين» cق. جاؤوا إلى العالم بين وصيفين» وطريقين» وقارcجسر معل

الرياح المضادة، وكبروا وهم يحاولون أن يصالحوا بين األضداد مجرى. اكتشفت داخلهم. ربما كنت من cهؤالء.. في الحقيقة دعيني أبوح لك بسر

كراهيتي لكل شيء له طرفان، ووجهتان، أنني ال أحب الجسور. وأكرهها.اللوحات واحتماالن، وضدان. ولهذا تركت لك كل هذه

كنت أود إحراقها، راودتني هذه الفكرة. ولكن لست في شجاعة طارق بنار لباخرته في معركة حربية، يظلc أسهل من cزياد. ربما ألن إحراق بح

..للوحاته في لحظة جنون إحراق رسام العودة إلى وبرغم ذلك، أريد أن أحرقها حتى أقطع على قلبي طريق

.الخلف

.االتجاهين ال أريد أن أقضي حياتي، وأنا أسلك هذا الجسر في..أريد أن أختار لقلبي مسقطه األخير

الجالسة فوق صخرة، وكأنني أفتحها من أريد أن أعود إلى تلك المدينة..اسمه جديد. كما فتح طارق بن زياد ذلك الجيل، ومنحه

.منذ غادرتها أضعت بوصلتي. قطعت عالقتي بالتاريخ وبالجغرافية.. .ووقفت سنوات على نقطة استفهام، خارج خطوط الطول والعرض

يقف العدوc؟ أيهما أمامي وأيهما ورائي؟ أين يقع البحر وأين أمامي سوى زورق الغربة.. وال شيء وراء البحر سوى الوطن.. وال شيء

..وال شي بينهما سوايسوى الحدود اإلقليمية للذاكرة؟ على من أعلن الحرب وال شيء حولي

Q نظرت إليc كاترين، ولم تفهم ..شيئا

QQ ضحية سوء فهم وقصر نظر. فافترقنا كما التقينا لقد كانت عالقتنا دائما..Q Q.. دون أن نحب بعضنا تماما منذ أكثر من قرن، دون أن نعرف بعضنا حقا

Q بتلك الجاذبية الغامضة نفسها ولكن .دائما

***

uوقلت:

".هو كل ما لم يحدث الحب هو ما حدث بيننا.. واألدب"

..نعم ولكن

Page 283: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

أخرى، ال عالقة لها بالحب وال بين ما حدث وما لم يحدث، حدثت أشياء.باألدب

سوى الكلمات. ووحده الوطن فنحن في النتيجة، ال نصنع في الحالتين.حبره يصنع األحداث. ويكتبنا كيفما شاء.. مادمنا

Q في زمن غادرت الوطن في زمن لحظر التنفس.. وها أنا أعود إليه مذهوال.آخر لحظر التجول

بالحداد أتذكر وأنا أواجه وحدي هذه المرة مطار تلك المدينة الملتحفةQ قاله حسان منذ ست سنوات واستوقفتني كلماته دون سبب .واضح كالما

قال: "إن قسنطينة فرغت من أهلها األصليين. لقد أصبحوا ال يأتونها سوى".في األعراس و في المآتم

لهذه المدينة التي يذهلني اكتشافي.. ها أنا أصبحت إذن االبن الشرعيQ مرتين .جاءت بي مكرها

فما الفرق بين االثنين؟ لقد مات. مرة ألحضر عرسك.. ومرة ألدفن أخي.العرس أخي في الواقع مثلما متc أنا منذ ذلك

..قتلتنا أحالمنا

.الكبيرة هو ألنه أصيب بعدوى األحالم الفارغة

Q حداد .أحالمي وأنا ألنني غادرت وهمي.. ولبست نهائيا

يسألني جمركيc عصبي في عمر االستقالل لم يستوقفه حزني وال استوقفته ذراعي.. فراح يصرٍخ في وجهي، بلهجة من أقنعوه أننا نغترب

Q ما في حقائب غربتنا فقط لنغنى، وأننا Q شيئا ب دائما cنهر..

ح أنت؟- cبماذا تصر

.جسدي ينتصب ذاكرة أمامه.. ولكن لم يقرأني كان

Q يحدث للوطن أن يصبح cا .أميcة بحقائب أنيقة كان آخرون لحظتها يدخلون من األبواب الشرفي

.دبلوماسية

وكانت يداه تنبشان في حقيبة زياد المتواضعة، وتقعان على حزمة من:األوراق.. فتكاد دمعة مكابرة بعيني تجيبه لحظتها

Page 284: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

ح بالذاكرة.. يا- cابني أصر..

ولكنني أصمت.. وأجمع مسودcات هذا الكتاب المبعثرة في حقيبة، رؤوس.أقالم.. ورؤوس أحالم

1988 باريس _ تموز

: الكتاب غالف على

الجسد( ألحالم مستغانمي، وأنا جالس أمام بركة قرأت رواية )ذاكرة.بيروت السباحة في فندق سامرالند في

بعد أن فرغت� من قراءة الرواية، خرجت» لي أحالم من تحت الماء األزرقQكسمكة دولفين جميلة، وشربت معي فنجان قهوة وجسدها يقط�ر ماء..

وأنا نادراQ ما أدوٍخ أمام رواية من الروايات وسبب الدtو»خtة. روايتها دوcختني يشبهني إلى درجة التطابق، فهو مجنون، ومتوتر، أن النص الذي قرأته

وشهواني.. وخارج على القانون مثلي. واقتحامي، ومتوحش، وإنساني ، الرواية اإلستثنائية ولو أن أحداQ طلب مني أن أوقع اسمي تحت هذه

..المغتسلة بأمطار الشعر.. لما ترددت لحظة واحدة

�ني( دون أن تدري.. لقد كانت هل �ب tكت كانت أحالم مستغانمي في روايتها )ت الورقة البيضاء، بجمالية� ال حدc لها.. وشراسة� ال حدc لها.. مثلي تهجم على

cله جنون� ال حد...

الرواية قصيدة مكتوبة على كل البحور.. بحر الحب، وبحر الجنس، وبحر اإليديولوجية، وبحر الثورة الجزائرية بمناضليها ومرتزقيها، وأبطالها

..ومالئكتها وشياطينها، وأنبيائها وسارقيها وقاتليها،

Page 285: ذاكرة جسد-احلام مستغانمي

الجسد فحسب، ولكنها تختصر تاريخ الوجع هذه الرواية ال تختصر ذاكرة..الجزائرية التي آن لها أن تنتهي الجزائري، والحزن الجزائري، والجاهلية

في رواية أحالم، قال لي: وعندما قلت لصديق العمر سهيل إدريس رأيي عنها، فسوف ال ترفع صوتك عالياQ.. ألن أحالم إذا سمعت كالمك الجميل

cجن� ...ت

�جنc.. ألن األعمال اإلبداعية الكبرى ال !!يكتبها إال مجانين أجبته: دعها ت

1995 / 8 / 20لندن نزار قباني

__________________

من لكم إهداء الكتاب هذاالمطابع حديث منتدى

الساخر موقعwww.alsakher.com