جواهر التفسير لسماحة الشيخ أحمد الخليلي مفتي عام سلطنة عمان الجزء الأول

شبكة الدرة السلميةwww.aldura.net

شبكة الدرة السلمية مكتبة الكتب السلمية

جواهر التفسير أنوار منبيان التنزيل

"الجزء الول "

تأليف : الشيخ أحمد بن حمد الخليلي حفظه ال تعالى

شبكة الدرة السلمية

www.aldura.net

[email protected]



المقدمة •

التفسير ومسالك المفسرين •

موقف الصحابة من التفسير حقيقة التفسير لغة واصطلحا

الفرق بين التأويل والتفسير شروط المفسر

مصادر التفسير•

أ- القرآن الكريمب- السنة النبوية

ج- أقوال الصحابةد- اللغة العربية

أطوار التفسير •

تفسير التابعينطبقات المفسرين من التابعين

أشهر المفسرين في القرن الثالث الهجريأثر العلوم الحديثة على التفسير

العناية بتمحيص روايات التفسيرتفسير المتصوفة

الحركة الصلحية وأثرها في التفسيرالكتشافات العلمية وأثرها على بعض المفسرين



نبذة من إعجاز القرآن الكريم•

شروط المعجزةثبوت العجاز القرآني

القرآن الكريم يتفق ومطالب كل عصراعتراف الحاقدين بإعجاز القرآن الكريم

حيرة العلماء في وجوه العجاز القرآني وأسراره

العجاز البياني : التاثير النفسي للقرآن الكريم على العرب ونتائجه•

تحول العرب من حياة الجاهلية إلى السلم الختلف في معرفة السر العجازي للقرآن الكريم

القرآن الكريم يقدر الجانب العقلي والجانب العاطفي من النساندقة التصوير القرآني دليل على أنه ممن أحاط بكل شيء علما

ألفاظ القرآن ومعانيه من أسرار العجاز البياني •من مميزات التعبير القرآني

سر ميزة التعبير القرآنيعجز العرب عن الطعن في القرآن أو معارضته

من دلئل العجاز في التعبير القرآنيما تمتاز به بلغة القرآن

العجاز التشريعي•

التشريع القرآني لم ينتج عن فكرة أو تجربةنظام العقوبات في السلمعدالة التشريع السلمي

من آثار التشريع السلمي في العقوبات

العجاز الجتماعي والخلقي •

صلة الجتماع بالخلقمقاييس الخلق في القرآن



هدف المقاييس الخلقيةمواقف المخالفين من النوع النساني

حماية السلم لتشريعاته الخلقيةمثل من تفوق السلم في فلسفة الجتماع

أثر هذه الفلسفة على السرة

العجاز الخبري•

العجاز الئتلفي•

العجاز العلمي•

القرآن يخاطب العقل في كل العصورالعلم الحديث ومعجزة القرآن

نماذج من العجاز العلمي

" ســـورة الفاتـــحة "•

من أسماء الفاتحة•

المكي والمدني من القرآن•

تفضيل بعض القرآن على بعض•

تحديد اليات في سورة الفاتحة•

بحث أقوال في البسملة•

الدليل على كون البسملة من الفاتحةمن فوائد افتتاح العمال باسم ال

مباحث العلماء في البسملة



) الرحمن الرحيم(•

)الحمد ل رب العالمين(•

)الرحمن الرحيم(•

)مالك يوم الدين(•

)إياك نعبد وإياك نستعين(•

)اهدنا الصراط المستقيم(•

)صراط الذين أنعمت عليهم(•

)غير المغضوب عليهم ول الضالين(•

تلوة الفاتحة في الصلة•

المبحث الول: في وجوب تلوة الفاتحة في الصلةالمبحث الثاني : في تلوة الفاتحة للمام والمأموم والمنفرد



مقدمـــة



الحمد ل الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل لـه عوجا، وجعله إلى كل خير منهجا ومن كل شر مخرجا، أنزله كتابا معجزا بيانه، شامل تبيانه، ساطعا برهانه، ل يرقى إلى شأوه كلم البشر، ول

تحيط بأسراره العقول والفكر، تتجلى في كل ظرف أسراره، وتسطع في كل أفق أنواره، أحمده حمد المستزيد من إفضاله، الراجي لمثبوته، المشفق من عقوبته، وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك

له وسع كل شيء علما وأوسع كل حادث حكما، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، جمعت رسالته ما تفرق في الرسالت وخلدت معجزته دون سائر المعجزات، صلى ال وسلم عليه وعلى آله

وصحبه الذين كانوا هداة البشرية، ومحاة المية، وأساتذة العالم وبناة التاريخ.

أما بعد:

فإن شرف النسان بتشريف ال له، وتفضيله إياه على غيره من الكائنات الموجودة في الرض، وبما أودع فيه من الملكات والطاقات التي تؤهله للخلفة في الرض والسيادة في الكون، ومن المعلوم أن

تكوين النسان تكوين عجيب، فهو يجمع بين الروح والجسم والعقل والقلب والضمير والغريزة، ولكل منها طبعه وخصائصه وضروراته ومطالبه، فضل عن كون أفراد الجنس النساني متشابكة

مصالحهم، متداخلة معاملتهم، وهذا كله يستوجب أن تسيطر على حياة النوع النساني قوة تنظم العلقة بين جوانب النسان المتنوعة في نفسه والمصالح المختلفة المشتركة بين بني جنسه، وليست

هنالك قوة ترشح لهذه المهمة أعظم من العقيدة السماوية التي ينبثق منها المنهج السليم لسلوك النسان في حياته، لجل ذلك أرسل ال رسله مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق"ليهلك من

( وقد توالت مواكب جميع المرسلين حاملة إلى42هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة" )النفال/ الخلق هداية الحق مشتملة- بجانب قضايا العقيدة- على حلول للمشاكل الخاصة التي تنوء بأثقالها المجتمعات التي تنزلت فيها تلك الرسالت سواء أكانت مشاكل اجتماعية أم خلقية أم غيرها، ولكن شعاع تلك الرسالت ما كان يمتد لكثر من أجيال محصورة ول يتعدى أحيانا شعوبا معينة، وأقاليم

محدودة لنها كانت موقوتة، ولم يرد لها الخلود.

وعندما أراد ال إسباغ نعمته على خلقه أرسل محمدا صلى ال عليه وسلم برسالة خالدة تشتمل على كل ما تحتاج إليه النسانية من تنظيم لحياتها وحلول لمشاكلها، وكما تشتمل على كل ما تتشوق إليه نفس النسان من تبيان حقائق غيبية ترتبط مصالح الناس بمعرفتها واعتقادها. ولخلود هذه الرسالة العظمى فقد جمعت في ظل بنائها المتين الواسع بين فئات البشر من غير تفرقة بين عربي وأعجمي،

ول بين أبيض وأسود، ول بين قريب وبعيد، ول بين قوي ومستضعف، ولن نستطيع أن نقدر هذه الرسالة حق قدرها، ونكتنه عظمتها وشأنها إل إذا استوحينا ذلك من إعلن الحق تعالى لمقام المرسل

( وهنا ل يملكه العقل إل أن107بها فقد قال عز وجل"وما أرسلناك إل رحمة للعالمين" )النبياء/ يقف وقفة الخشوع والتسليم أمام البيان الرباني عن عظمة الرسالة لم تكن مقصورة على البشر ول

على الرض وسكانها، وإنما هي شاملة للعالمين، والعالمون جمع عالم والعالم كل ما كان علمة ودليل على وجود الحق تعالى. وهذا يعني أن كل ذرة في هذا الكون مغمورة بهذه الرحمة، مشمولة بهذه النعمة، ولكن الهدف الساسي لهذه الرسالة إصلح النوع النساني، لنه الخليفة في الرض،

والصلح النفسي، وإصلح النسان يكون نفسيا واجتماعياوالقطب الذي تدور عليه رحي هذا الكون. فل توفر مطالبهو التنظيم الدقيق بين جوانب النسان المختلفة بحيث ل يطغى أثر جانب على آخر

الجسم على حساب الروح، ول تلبى مطالب الغريزة على حساب الضمير والعقل ول عكس ذلك، ولكن



تراعى مطالب الروح والجسد معا، وأشواق القلب وتطلعات العقل جميعا، حتى ل يحدث أي نشاز وأما الصلح الجتماعي فهو رعاية جميع مصالح الناس على اختلفهم منوتضاد بين جانب وآخر،

غير توفير لحد على حساب غيره، وهذا كله تنطوي عليه هذه الرسالة الخالدة.



والقرآن الكريم الذي أنزله ال على نبيه) عليه أفضل الصلة والسلم( هو منبع هذا الخير كله، ومطلع هذه الهداية التي أشرق نورها على قلوب الناس فبدد منها الظلمات، واستأصل منها الضللت، فمن

تمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى التي ل انفصام لها، فهو كلم ال رب العالمين "ل يأتيه الباطل ( ونجد من خلل تلوتنا لـه ما يدلنا42من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد " )فصلت/

على عظمة محتواه وعلى القصد من إنزاله فال تعالى يقو"ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين " ( ويقول: "الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط2)البقرة/

( ويقول "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين1العزيز الحميد" )إبراهيم/ ( ويقول:"ال نزل أحسن الحديث كتابا متشابها9يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا" )السراء/

مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر ال ذلك هدى ال يهدي ( ويقول "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا23به من يشاء ومن يضلل ال فما له من هاد" )الزمر/

( ويقول: "يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما29آياته وليتذكر أولوا اللباب" )ص/( .57في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين" )يونس/

ولقد وصف الرسول صلى ال عليه وسلم القرآن الكريم وصف العارف به، كيف ل؟ وهو الذي أنزل عليه ليبينه للناس، يقول تعالى" وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون"

( ولعل أجمع حديث لصفات القرآن ما رواه المام أحمد الترمذي عن المام علي بن أبي44)النحل/ ستكون من بعدي فتن كقطع الليل المظلم،طالب )كرم ال وجهه( أن النبي صلى ال عليه وسلم قال)

قيل يا رسول ال وما المخرج منها؟ قال كتاب ال تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه ال، ومن ابتغى الهدى في غيره

أضله ال، هو حبل ال المتين، ونوره المبين والذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم، وهو الذي ل تزيغ به الهواء ول تلتبس به اللسنة، ول تتشعب معه الراء، ول يشبع منه العلماء، ول يمله التقياء ول

يخلق على كثرة الرد، ول تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا" إنا سمعنا ( من علم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم بع عدل، ومن عمل به أجر1قرآنا عجبا" )الجن/

(.ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم

ومهما قيل في إسناد الحديث فإن البريق الذي يلمع من عباراته دليل على تألقه من مشكاة النبوة، فإن هذه الحاطة الدقيقة بصفات القرآن ل تكون إل ممن أنزل إليه، وقصارى ما يمكن أن يصل إليه فهمنا

من هذا الوصف الجامع للقرآن الكريم احتواء القرآن على كل ما يحتاج إليه النسان من عبر يستفيدها ممن مضى قبله، وخبر يتطلع إليه من وراء حجاب المستقبل الغيبي، وحكم يقيم عليه

علقته ببني جنسه، وأن كل من جانبه من جبار إعراضا عنه لبد لـه من قاصمة، وأنه فصل ليس بالهزل وكيف يكون هزل أو يحتوي عليه وهو كلم رب العالمين؟ وأنه حبل ال الذي ل ينقطع بمن

تمسك به، ونوره الذي ل يضل من استبصر به، وذكر منه ل تستولي الغفلة على من دأب عليه، وصراط مستقيم ل يزل من سلكه ول يضل. والحديث يتضمن التحذير من سوء العاقبة لولئك الذين يضربون بشريعة القرآن عرض الحائط، متمسكين بقوانين صاغتها عقول البشر القاصرة، وأنظمة

معوجة ل صلة لها بالفطرة النسانية، وهؤلء يحتويهم وعيد الحق في قوله"ومن أعرض عن ذكري ( وفي حديث عن ابن مسعود رضي ال124فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى" )طه/

عنه أخرجه ابن النباري النحوي ما يتفق مع محتوى الحديث السابق؛ فقد جاء فيه عن رسول ال إن هذا القرآن مأدبة ال فتعلموا من مأدبته ما استطعتم( إن هذا القرآن حبلصلى ال عليه وسلم)



ال، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة من تمسك به، ونجاة من اتبعه ل يعوج فيقوم، ول يزيغ فيستعتب، ول تنقضي عجائبه، ول يخلق عن كثرة الرد. فأتلوه فإن ال يأجركم على تلوته بكل حرف عشر حسنات، أما أني ل أقول"الم" حرف، ول ألفين أحدكم واضعا إحدى رجليه يدع أن يقرأ سورة البقرة، فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة، وإن أصفر البيوت من الخير

(، وفي قوله عليه أفضل الصلة والسلم )فتعلموا من مأدبته( دليل على أنالبيت الصفر من كتاب الهذه المأدبة بسطت لتكون غذاء الرواح والفكار ل لتكون غذاء المعدات والجسام.



فالقرآن الكريم أنزل ليكون نورا وهدى يقوم المنحرفين عن الجادة ويهدي الضالين عن الحق، وفي إن ال يرفع بهذاحديث أخرجه مسلم عن عمر رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال)

(، وهو يعني أن ال يرفع به الذين يهتدون بنوره، ويقفون عند حدودهالقرآن أقواما ويخفض آخرينويخفض به الذين يضلون عنه ويبغونه عوجا، ل يبالون بشيء من حلله وحرامه.

هذا وبما أن رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي اختاره ال من بين خلقه لنزال القرآن عليه أعلم الناس بمقاصد التنزيل ومسالك التأويل كان المرجع في بيان ما غمض من الكتاب وتفصيل ما أجمل،

وتوضيح ما استشكل، وهذه المهمة لم يتسور إليها من قبل نفسه، وإنما وكلت إليه من قبل ربه، فالتعالى يقول له"بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون" )النحل/

( وهو) عليه أفضل الصلة والسلم( لم يكن ينطلق في تبيان القرآن من هواه، وإنما كان ينطلق44 (4، 3في ذلك، وفي كل شيء من وحي ال"وما ينطق عن الهوى إن هو إل وحي يوحى" )النجم/

( يعني بذلك سنتهأل أني أوتيت الكتاب ومثله معهولذلك قال رسول ال عليه الصلة والسلم ) المطهرة التي فيها إيضاح ما انبهم من الكتاب، وتفصيل ما أجمل ومن ثم كانت أقواله وأفعاله

وتقريراته صلى ال عليه وسلم تشريعات لمته، تهدي للتي هي أقوم، وتكشف عما توارى عن الفهام من معاني القرآن، ومن هنا نجد في آيات الكتاب التأكيد الذي يلي التأكيد على اتباعه صلى ال عليه وسلم في أمره ونهيه والتأسي بأفعاله والتخلق بصفاته، يقول تعالى" وما آتاكم الرسول فخذوه وما

( ويقول سبحانه"قل إن كنتم تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال ويغفر لكم7نهاكم عنه فانتهوا" )الحشر/ ( ويقول"لقد كان لكم في رسول ال أسوة حسنة لمن كان يرجو ال واليوم31ذنوبكم " )آل عمران/

( .80( ويقول"من يطع الرسول فقد أطاع ال" )النساء/21الخر وذكر ال كثيرا" )الحزاب/

تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا أبدا، كتاب الوالنبي صلوات ال وسلمه عليه يقول )(.وسنتي

ونحن إذا عدنا نتصفح تاريخ السلف الصالح الذين تلقوا من رسول ال صلى ال عليه وسلم القرآن غضا طريا، فكان هجيرانهم آناء الليل وأطراف النهار نجد أنهم بالقرآن والسنة استطاعوا تحقيق الماني التي ل يكاد العقل يتصورها، فقد كان القرآن مصدر عزتهم وقوتهم، وبإدراكهم لذلك كانوا

يدأبون عليه تلوة وعمل ودراسة، وكانوا تتمثل فيهم صفات اليمان بالقرآن التي ذكرها ال تعالى في قوله"إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم ل يستكبر

(16، 15وتتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون " )السجدة/ وكانوا متفاعلين معه في أمره ونهيه، ووعده ووعيده، ومواعظه وأمثاله، قد أشربت قلوبهم حبه، وجرى في أرواحهم وعقولهم مجرى الدم في العروق، منعكسة آدابه وأخلقه على معاملتهم، فكان كل منهم صورة حية لهداية القرآن، متأثرين في ذلك بالرسول العظيم عليه أفضل الصلة والتسليم،

الذي تصفه أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها بقولها- كان خلقه القرآن- يصدرون في السلم والحرب والرضى والغضب والمكره والمنشط عن توجيهه ودللته، فكان الجندي منهم إذا انطلق

مجاهدا في سبيل ال يضع كتاب ال نصب عينيه، ل يرفع السيف ول يضعه إل بإشارته، وهذا الذي دعا أعداءهم إلى إكبارهم وخشية بأسهم فكانوا يتناقلون صفاتهم فيها بينهم في عبارات كلها ثناء ومدح، فعندما هزموا جيوش الروم حين زحفوا على أرض الشام اجتمع هرقل عظيم الروم بقادة جيشه لدراسة أسباب الهزيمة فوجد القادة متأثرين إلى حد بعيد بما وجدوه في جنود المسلمين



وقادتهم من صفات الرجولة والشهامة والورع والتقوى وتأثير القرآن عليهم، فبينما يصفهم واحد منهم بقوله " هم رهبان بالليل فرسان بالنهار ل يأكلون في ذمتهم إل بثمن، ول يدخلون إل بسلم،

يقضون على من حاربوا حتى يأتوا عليه"، إذا بآخر يبزه في الوصف إذ يقول " أما الليل فرهبان وأما النهار ففرسان يريشون النبل ويروونها ويثقفون القنا، لو حدثت جليسك حديثا ما فهمه عنك لما عل من أصواتهم بالقرآن والذكر"، وقد سلك هذا المسلك؛ مسلك أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم

كل الذين استقاموا على طريقتهم، وعاشوا على مبادئهم وماتوا في سبيلها.

- سمعناه على منبرالمام القائد أبو حمزة الشاري رحمه اللقد سمعنا علما من أعلم هؤلء وهو رسول ال صلى ال عليه وسلم يجلجل منه صوت الحق دفاعا عن أصحابه الذين باعوا أنفسهم ل

بكلمات وعاها الزمن، وخلدها التاريخ نقتصر منها على ما يلي:-

" لقد نظر ال إليهم في جوف الليل منحنية أصلبهم على أجزاء القرآن إذا مر أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه"، ونجد هذه

الصورة تتكرر في أخلف أولئك الذين مضوا على طريقهم فيعود هذا الوصف نفسه على لسانالشاعر الكبير العلمة أبي مسلم رحمه ال إذ يقول:-



فقدوبسبب هذا التفاعل العجيب مع روح القرآن استطاع السلف الصالح أن يبثوا هدايته في الرض، فتحوا القلوب الغلف، وأسمعوا به الذان الصم وبصروا به العين العمي، ودحروا بسلطانه القوى

، فقد دحروا قوة كسرى وقيصر وقهروا جيوشهما بقوةالكبرى التي كانت تقف في وجه الدعوة إليه القرآن الكريم، فأخذ نور هذا القرآن يسطع في آفاق الرض، ممزقا حجب ظلمات الجاهلية التي كانت ترين على قلوب الناس فدخلت المم في دين ال أفواجا، وتم ما وعد ال به المؤمنين من استخلفهم في الرض، وتمكين دينهم الذي ارتضاه لهم، وقد بقي هذا القرآن هو القلعة المتينة التي يحتمي بها السلم، ويأرز إليها في كل شدائده ومحنة التي تقذفه بها أحداث الزمن، ولول القرآن ما وصل إلينا

من السلم شيء، بل لول القرآن لم تبق لنا لغتنا العربية الفصحى متألقة عبر القرون، ولوله لم تخرج من محيطها الضيق في جزيرة العرب لتكون لغة الدين والدنيا، يجهد أبناء العجم في بنائها كأبر

أبنائها، خدمة لكتاب ال الذي شرف ال به لغة العرب، وحبا في النبي العربي الذي أنقذ ال به النسانية، ولول القرآن لما انسلخ العرب، من عاداتهم السيئة وتحرروا من أوهامهم المطبقة،

وخرجوا من مجتمعاتهم الضيقة التي كانوا فيها أشبه بالسباع المفترسة في غاباتها يأكل الكبير الصغير ويعدو القوي على الضعيف، فقد أخرجتهم هداية القرآن من هذا المحيط الضيق الذي كانوا يعيشون فيه إلى محيط الرض كلها، وحولتهم من جاهليتهم الحمقاء، وصيرتهم هداة البشر وقادة

المم، ينظرون بعين المودة من أحبائهم وبعين المهابة من أعدائهم.

إن القرآن هو الذي أرهف حسهم، ورقق طباعهم وصفى وجدانهم وحرك في نفوسهم مشاعر الرحمة للنسانية فكانوا مثال في طيب الخلق وحسن المعاملة حتى قال قائل من علماء الجتماع الغربيين "

ما عرف التاريخ فاتحا أرحم من العرب".

إن هذا القرآن هو الذي بعث في نفوسهم الهمم وأوقد في قلوبهم العزائم، فانطلقوا في أرجاء الرض، مستهدفين كل جبار عنيد وشيطان مريد، ولم يقفوا حتى وضعوا أقدامهم على هامات الكاسرة

والقياصرة ووطئوا بنعالهم على تيجانهم، فحرروا الشعوب المستضعفة المقهورة المحكومة بنيرالجبارين، وبطش الظالمين، وأبدلوها بالذل عزا، وبالخوف أمنا، وبالستكانة إباء.



وعندما أخذ المسلمون- وفي مقدمتهم العرب- ينأون عن القرآن وهدايته ويتبعون السبل المتفرقة كانت النكسة الليمة التي أصيبت بها النسانية كلها، إذ أخذت الجاهلية بزمام قافلة البشرية تقودها

إلى حافة النتحار، والمسلمون أنفسهم من ضمن الركب "إل المستضعفين من الرجال والنساء ( بل المسلمون صاروا بانحرافهم عن98والولدان ل يستطيعون حيلة ول يهتدون سبيل" )النساء/

طريق القرآن من أشد الناس شقاء وأتعسهم حالة، وألبسهم للذل وأوغلهم في التخلف ول غرو فقد أفلتوا سبب العز من أيديهم، وتفرقت بهم السبل بضللهم عن سبيل ال، واستولت على عقولهم

الظلمات لتعاميهم عن نوره المبين، فاختلف نتيجة ذلك عندهم الموازين، وتبدلت المقاييس، فأصبح المعروف عندهم منكرا والمنكر معروفا، والحق باطل والباطل حقا، والفضيلة رذيلة والرذيلة فضيلة،

والعز ذل والذل عزا لنهم لم يأخذوا بموازين القرآن ولم يستخرجوا منه مقاييس المور، وإذا تلي عليهم القرآن وذكروا بآياته خروا عليها صما وعميانا، واستعاضوا عن صوت القرآن أصوات القيان ومزامير الشيطان، وقصرت عند كثير منهم تلوته عند حدوث المصائب وقد تفتتح به برامج الذاعة

المسموعة والمرئية وتختتم وما يدور بين الفتتاح والختتام معظمه حرب على القرآن وهدم لماشيده، كما تفتتح وتختتم به الحفلت التي كثيرا ما تكون مجانبة لمره بعيدة عن هديه.

وإذا كان الصحابي الجليل ابن مسعود) رضي ال تعالى عنه( يرى أن تلوة القرآن مع ترك العمل به مؤدية بصاحبها إلى الوعيد الذي جاء في قوله تعالى"ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا

( فما بالك بأولئك الذين يحفظون عناوين الغاني المائعة124ونحشره يوم القيامة أعمى" )طه/ والقصص الماجنة أكثر مما يحفظون أسماء سور القرآن. ولقد قيل قديما" ل يصلح آخر هذه المة إل

ما أصلح أولها" فطريق العز لهذه المة طريق واحد وهو واضح ل غموض به ومستقيم ل التواء فيه، يتمثل هذا الطريق في هذا القرآن وهو المشار إليه بقولـه تعالى"وأن هذا صراطي مستقيما

( فما أحوج المسلمين اليوم إلى عودة153فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" )النعام/ حميدة إلى القرآن من جديد، وبناء هيكل حياتهم على أسس صلبة متينة من تعاليمه سواء ما يتصل

منها بالعقيدة أو العبادات أو الخلق أو المعاملت أو السياسة أو القتصار أو الدب أو الثقافة أو الجتماع، فالقرآن الذي أنزله ال ليسطع على العالم ما بقى الدهر، وليقود النسانية إلى الرشد، ل

يضيق بأي شيء من أطوار الزمن ول يأبه مشكلة تفرزها الحياة وصدق ال" ما فرطنا في الكتاب من ( وإذا كان العالم اليوم يقف على عتبة مرحلة جديدة يواجه فيها صحوة إسلمية38شيء " )النعام/

مشرقة، يتألق نورها في عقول شباب المسلمين فإن الواجب يفرض على جميع أفراد المسلمين أن يضافروا جهودهم- كل بحسب ما يملك- وأن يحشدوا جميع طاقاتهم المادية والمعنوية للمحافظة على

سير هذه الصحوة في مسلكها السليم وانتشارها بنور من وحي القرآن حتى ل يعتريها الشذوذ أوالنحراف.

لذلك رأيت لزاما علي أن أسهم في هذا العمل السلمي حسب طاقتي ولو بجهد متواضع وقد كنت من نحو عقد من السنين أحلم بأن أنال شرف خدمة القرآن لكن يصدني قصور نفسي وعظمة المر

المطلوب وعدم توفر الوقت الكافي لمثل هذا العمل الخطير فبقيت خلل هذه المدة مترددا بين طموح نفسي وشعوري بعجزها، حتى استخرت ال تعالى فتيسر لي إلقاء دروس في التفسير )بجامع قابوس

بروي( أمام طلب معهد إعداد القضاة وغيرهم وسائر المستفيدين، وكانت الفرص التي أتيحت لي للقيام بهذا العمل كأنما انتزعها القدر انتزاعا من قبضة الدهر فأهداها إلي أو اختلسها الجد اختلسا من بين رقابة الزمن، فمنحني إياها والحمد أول وآخرا ل الذي له الفضل والمنة وقد ابتدأت الدرس



الول بما سطره القلم هنا ثم واليت بعد ذلك الحديث عن التفسير والمفسرين وعن إعجاز القرآن الكريم راجيا من ال تعالى أن يوفقني لتمام ما قصدت حتى آتي على ما يمكنني بيانه من معاني آي

الذكر الحكيم من أول الفاتحة إلى خاتمة "الناس".

وقد اقترح علي أن أدون هذه الدروس بعد تفريغها من الشرطة لتعم فائدتها المستمعين والقراء، فاستجاب ضميري لهذا القتراح مع الصعوبات التي تكتنفه وإنما شجعني وقوف إخوان أعزة علي

بجانبي يسددون خطاي، ويأخذون بيدي، وإني لرجو من ال تعالى أن يوفقني لتمام هذا العمل على الوجه الذي يرضيه كما وفقني لبتدائه، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن يجعله سببا للفوز في

يوم الدين وأن يعم بنفعه جميع المسلمين.

هذا ومما هو جدير بالذكر أنني ل أتقيد في التدوين بنصوص عبارات الدروس وإنما أحافظ على روحها ومضمونها ذلك لن مجال التدوين يختلف عن مجال اللقاء الرتجالي، فل مناص عن تهذيب العبارات واختصارها بحسب ما يمكن وكان إلقاء أول درس من هذه الدروس بعد صلة المغرب من

هـ ومن ال التوفيق وعليه التكلن.1402ليلة الربعاء، السادس من المحرم الحرام عام

أحمد بن حمد الخليلي

هـ1402 صفر 10مسقط

التفسير ومسالك المفسرين



موقف الصحابة من التفسير

لقد أنزل ال سبحانه القرآن ليكون هدى للناس وشفاء لما في الصدور قال تعالى "ذلك الكتاب ل ريب ( وقال: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين2فيه هدى للمتقين" )البقرة/

( وقال"ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لول فصلت9يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا" )السراء/ آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين ل يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم

( وقال"يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم44عمى أولئك ينادون من مكان بعيد" )فصلت/ ( وهو سبحانه يريد من عباده أن57وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين" )يونس/

يدركوا طوايا هذا الكتاب من المعاني القيمة، إذ ل يمكنهم بدون ذلك أن يهتدوا بهداه ول أن يستنيروا بنوره ول أن يستشفوا بشفائه، ولقد قال التابعي الكبير الحسن البصري: ما أنزل ال تعالى آية إل ويجب من عباده أن يعلموا فيم أنزلت وماذا أراد بها....وقد كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه

وسلم أسبق الناس إلى الخير، لذلك كانوا سباقين في دراسة القرآن وتفهم معانيه والعمل بما فيه وقد روي عن ابن مسعود رضي ال عنه) أنهم كانوا يتعلمون من القرآن عشر آيات ل يغادرونهن إلى

غيرهن إل بعد أن يتقنوا ما فيها من العلم والعمل( وقد أعانهم على فهم معاني القرآن توقد أذهانهم وصفاء سرائرهم وطهارة وجدانهم وعمق فهمهم مع ما يتصفون به من ملكة في البيان تعينهم على

الفهم وكان النبي صلى ال عليه وسلم بين ظهرانيهم يرجعون إليه فيما أشكل عليهم من ألفاظ الكتاب فيفصل لهم المجملت التي يقتضي الحال تفصيلها ويضع بين أيديهم القواعد التي تمكنهم من فهم

سائر القرآن بالرجوع إليها فلذلك كان أصحابه رضي ال عنهم أعلم الناس بمعاني القرآن وبمجملهومفصله وناسخه ومنسوخة ومطلقه ومقيدة وخاصة وعامه.

ومع هذه الميزة التي يمتازون بها فإن كثيرا وقفوا هيابين أمام القرآن ولم يتجرأوا على الخوض في معانيه ولم يكد يذكر عنهم شئ من تفسيره إل النزر اليسير،لنهم يحذرون التقول على ال بغير علم

خشية الدخول في الوعيد الشديد الذي جاء به قول ال تعالى "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على ال

( ومن هؤلء الخليفتان الراشدان أبو بكر وعمر- رضي ال عنهما- فقد33ما ل تعلمون" ) العراف\ فقال أي(31ذكر عن الصديق أنه سأله سائل عن "الب " في قوله تعالى "وفاكهة وأبا" ) عبس/

ورويسماء تظلني وأي أرض تقلني وأين أذهب وماذا أصنع أن قلت في كتاب ال بغير ما أراد ال؟ عن عمر رضي ال عنه أنه تل الية فقال قد عرفنا كل ذلك فما "الب" ثم قال وما عليك يا ابن عمر أل تعرف "الب" ؟ أل فاتبعوا من مسالك المفسرين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم يجدر بنا أن نتعرف على حقيقة التفسير لغة واصطلحا ونستطيع فهم بعدهم ذلك بالرجوع إلى معاجم اللغة، وما

سجله علماء التفسير من معنى هذه الكلمة.

حقيقة التفسير لغة واصطلحا



هذه الكلمة تدل علىالفسر وهو البيان والكشف لقد جاء في معاجم اللغة أن التفسير مأخوذ من ومادة ذلك، ومنه قولهم فسرت الفرس أي عربته للنطلق، ومنه التفسرة، وهي الماء الذي ينظر فيه

الطبيب أو المنجم لقصد الستبانة، وإني لعجب مما قاله أبو حيان الندلسي في تفسيره الكبير " البحر المحيط " من أن التفسير لغة الستبانة والكشف، مع أن الستبانه هي طلب البيان وذلك أجدر

بالستفسار ل التفسير، ونجد غيره من المفسرين يتفقون مع اللغويين كصاحب القاموس وصاحباللسان على تفسير التفسير بالبانة أو البيان.

علم يبحث عن كيفية النطقوأما التفسير اصطلحا فقد عرفه أبو حيان في )البحر المحيط( بأنه؛ بألفاظ القرآن ومدلولتها وأحكامها الفرادية والتركيبية ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب

. ويبدو من كلم أبي حيان أنه يرى أنه ل يعرف التفسير اصطلحا أحد قبله إذ لم يجدوتتمات لذلك تعريفه عن أحد، وقد أورد نفس التعريف في تفسيره الذي اختصره من )البحر المحيط( وسماه )النهر الماد من البحر( وتابعه عليه تلميذه القيسي في تفسيره الذي سماه)الدر اللقيط من البحر المحيط( كما تابعه عليه العلمة اللوسي في تفسيره )روح المعاني( وزاد بعد قوله وتتمات لذلك " كمعرفة النسخ وسبب النزول وقصة توضح ما أبهم من القرآن ونحو ذلك" وهذه الزيادة مأخوذة من كلم أبي حيان نفسه عندما تكلم في تفصيل التعريف الذي رسمه والذي يلحظ أن هذا التعريف غير قاصر على علم

التفسير بل يتضمن معه علم التجويد والولى إفراد كل على حدة.

وقال التفتازاني في تعريفه "هو العلم الباحث عن أحوال ألفاظ كلم ال من حيث الدللة على مراد ال تعالى" ومثله قول الرازي " هو ما يبحث فيه عن مراد ال تعالى من قرآنه المجيد" ويلحظ على هذا وذاك عدم اشتمال التعريفين على أسباب النزول ومعرفة الناسخ والمنسوخ، لذلك أرى القرب منهما إلى مفهوم التفسير قول بعضهم هو علم بأصول تعرف به معاني كلم ال تعالى من الوامر والنواهي لدخول ما يحتاج إليه المفسر من معرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغير ذلك في مدلول كلمة

أصول، وعرفه الزركشي تعريفا مطول ينطوي على كل ما يلزم أن يجمعه المفسر من علوم وهو "علم يفهم به كتاب ال تعالى المنزل على نبيه صلى ال عليه وسلم وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو والتصريف والبيان وأحوال الفقه والقراءات ويحتاج إلى

معرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ" وعرفه الفناري بأنه " معرفة أحوال كلم ال تعالى من حيث القرآنية ومن حيث دللته على أنه يعلم أو يظن أنه مراد ال تعالى بقدر الطاقة البشرية" ونلحظ أن تعريف أبي حيان الندلسي يستهدف ألفاظ القرآن دون معانيه مع أن اللفاظ إنما هي وسيلة لدرك

المعاني ولعل تفرقة ابن الجوزي بين التفسير والتأويل التي سنوردها )إن شاء ال( بعد قليل أكثردللة على المقصود بالكلمتين وأكثر التصاقا بمفهومهما اللغوي.

الفرق بين التأويل والتفسير



أما التأويل لغة فهو مأخوذ من الول بمعنى الرجوع وذلك لن الذي يؤول الكلم يرده عما ينصرف إليه إلى ما يراد به بدللة القرآن التي تصحبه واختلف في التفرقة بينه وبين التفسير فقيل هما بمعنى وعليه أبو عبيدة وقيل بل يفترقان وهؤلء اختلفوا في التفرقة بينهما فقال الراغب التفسير أعم وأكثر

استعماله في اللفاظ ومفرداتها في الكتب اللهية وغيرها والتأويل في المعاني والجمل في الكتب اللهية خاصة، وقال الماتريدي؛" التفسير القطع بأن مراد ال كذا..والتأويل ترجيح أحد المحتملت بدون قطع وقيل التفسير ما يتعلق بالرواية والتأويل ما يتعلق بالدراية، وذكر ابن الجوزي اختلف

العلماء في التفرقة بين التفسير والتأويل ونقل عن المتقدمين والذين يميلون إلى العربية أنهم ل يرون فرقا بينهما ونقل عن المتأخرين والذين يميلون إلى الفقه أنهم يفرقون بينهما، وعبارته في التفرقة بين التفسير والتأويل أن التفسير إخراج الشيء من مقام الخفاء إلى مقام التجلي والتأويل هو نقل

الكلم عن وضعه فيما يحتاج إلى دليل لوله لم ينقل عن ظاهر لفظه، وهذه التفرقة في منتهى الوضوح كما أشرنا من قبل لول ما فيها من الشمول بحيث ل تنطبق على تفسير القرآن وحده

إنه إخراج معاني كتاب ال من مقام الخفاء إلى مقام التجلي لكان أدلوتأويله، فلو قال في التفسير وفرق بينهما اللوسي بأن التفسير إنما هو في المور الظاهرةعلى المطلوب ومثله القول في التأويل

التي يهتدي إليها عامة العلماء والتأويل هو إشارة قدسية ومعارف سبحانية تنكشف من سجف العبارات للسالكين وتنهل من سحب الغيب على قلوب العارفين، وهو في هذا ينطلق من نزعته

الصوفية التي كثيرا ما لمسنا أثرها في تفسيره، ولبد أن تتوفر شروط في المفسر حتى يستطيع القيامبعبء التفسير وقد أطال العلماء في بيانها وإنما نذكر منها ما يلي:

شروط المفسر



للتمكن من فهم مقاصد القرآن الذي جعله ال عربيامعرفة اللغة العربية وتصاريفها واشتقاقاتها، أول: واشترط الستاذ المام الشيخ محمد عبده أن تكون هذه اللغة التي يفسر بها هي لغة عصر نزول

القرآن لتجنب حمل ألفاظ القرآن على المصطلحات الحادثة من بعد، فإن علماء المة بعد ذلك العصر قد اصطلحوا على عبارات لم تكن تستعمل من قبل فيما اصطلحوا على استعمالها فيه، كاصطلحهم على التفرقة بين الداء والقضاء بأن الداء هو التيان بالعمل في وقته، والقضاء هو التيان به بعد

مضي وقته استدراكا لما فات، مع أن هذا الصطلح غير موجود في القرآن ول معروف في وقت ( وقولـه"فإذا200نزوله فل يصح أن يحمل عليه نحو قوله تعالى"فإذا قضيتم مناسككم" ) البقرة\

( لن القضاء في اليتين ل يختلف عن الداء نعم10قضيت الصلة فانتشروا في الرض ") الجمعة\ تحمل كلمات القرآن على المصطلحات الشرعية التي جاء بها القرآن نفسه إذا لم تدل قرينة على أن

المراد بها المعاني اللغوية الصيلة كاليمان والسلم والكفر والشرك والصلة والزكاة والصوموالحج.

: وهي شرط أساسي لتفسير القرآن، فإن من ل حظ له من علم النحو ل يمكنهمعرفة العرابثانيا: أن يرقى إلى فهم مقاصد التنزيل وقد كان وضع قواعد علم العراب لجل صون القرآن عن الخطأ فيه

كما تدل عليه قصة العرابي المشهورة.

: ويراد بها علم البلغة، فإن القرآن أبلغ كلم عرفته العرب وقد قهرهم ببيانهمعرفة الساليبثالثا: المعجز الذي أخذ على كل منهم شعاب نفسه، فلم يجد إل أن يسلم تسليما لكلماته وعباراته رغم

كفرهم بمعانيه، وقد كان إدراك العرب لبلغة القرآن بحسهم المرهف وطبعهم الصافي وقد غلظ الحس وتكدر الطبع بعد أن فقدت العربية قوتها في اللسن بسبب تأثير الشعوب المختلفة على أهلها فعاد

البيان، فنونا تدرس ل ملكات تطبع كما كان من قبل لذلك أصبح من الضرورة التي ل محيص عنها لمن أراد فهم القرآن أو تفسيره أن يدرس فنون البلغة من كتبها التي تغرس في النفس ملكة البيان

وتحيل على الوجدان والحس فهم أسرار البلغة ككتابي إمام البلغة عبد القاهر الجرجاني "دلئل العجاز وأسرار البلغة" و" الصناعتين" لبي هلل العسكري، أما كتب البلغة التي ألفت من بعد فقد كانت سببا لتعقيد هذا الفن لن دارسيها ل يعودون بشيء إل المصطلحات وحدها وقد يكونون

أكثر وعيا في الخطاب ممن لم يدرس البلغة فمن الصعوبة بمكان لمثال هؤلء أن يدركوا سرالعجاز في التعبير القرآني.

لجل فهم الغراض والمقاصد في كثير من آي الكتاب بينهم دركمعرفة أسباب النزولرابعا: مقاصدها بدون معرفة أسباب نزولها وذلك يقتضي الرجوع إلى كتب الحديث وتمحيص الثابت من

الروايات من غيره.

تصور الظروف التي صاحبت نزول القرآن والمحن التي اكتنفت المنزل عليه والعراقيل التيخامسا: وقفت في طريق دعوته إليه.

وهي المصطلح على تسميتها بأصول الفقهمعرفة القواعد التي تمكن من استنباط أحكامهسادسا: الباحثة عن الدلة الشرعية من حيث دللتها على الحكام الشرعية، والحكام الشرعية من حيث دللة

الدلة الشرعية عليها.



، لنه يفسر كلم ال فإذا لم يكن راسخ اليمان ثابت رسوخ عقيدة التوحيد في قلب المفسرسابعا:اليقين لم يؤمن من الضطراب والحيرة في تفسيره.

لتصور مقاصد الكتاب فيمعرفة الحكام الفرعية الشرعية المستخرجة من أدلتها التفصيليةثامنا: المر والنهي وهذا يتم بدراسة كتب الفقه التي ترد الفروع إلى أصولها وتقرن الحكام بأدلتها، ومن

المفسرين من يرى دخول هذا الشرط في بعض ما تقدمه ولعله يشير بذلك إلى علم أصول الفقهلضرورة اللمام ولو ببعض الحكام الفرعية لمن مارسه.

لتوقف معرفة بعض معاني القرآن على معرفة وجوه قراءاته.معرفة علم القراءاتتاسعا:

مصادر التفسير

للتفسير مصادر خاصة كغيره من العلوم وأهم مصادره أربعة:

أ‌- القران الكريم

أولها: الكتاب نفسه فإن أولى ما فسر به القرآن القرآن، فكم من آية مبهمة جاء كشف إبهامها في آية أخرى، وكم من عموم في آية خص بآية غيرها، وهكذا تقييد الطلق ونسخ المنسوخ قد يردان في

نفس آيات الكتاب .

ب‌- السنة النبوية



ثانيها: السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلة والسلم، ذلك لن رسول ال صلى ال عليه وسلم أعلم الناس بمقاصد التنزيل ومسالك التأويل ولول ذلك لما أمره ال ببيانه ووكله إليه في قوله"

( ولكن لبد من تمحيص الروايات والنظر44وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم " ) النحل/ في أسانيدها لتمييز الصحيح من غيره، وغالب ما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم في تفسير

القرآن مقطوع السانيد ولذلك قال أحمد بن حنبل: ثلث ليس لها أصول، التفسير والمغازي والملحم، ويقصد بذلك- كما قال المحققون من أصحابه- غالب المأثور من هذه الثلث وإل فقد ثبتت روايات صحيحة السناد متصلة بالرسول صلوات ال وسلمه عليه في بيان بعض اليات ومن المعلوم أن الكذب قد فشا حتى على النبي صلى ال عليه وسلم فنسب إليه ما لم يقله لذلك أخذ العلماء بالحيطة

والحذر في قبول الروايات.

ج‌- أقوال الصحابة



ثالثها: ما روي عن أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم من تفسير آيات الكتاب. ومن المعلوم أن الصحابة )رضي ال عنهم( قد تيسر لهم ما لم يتيسر لغيرهم من استقاء المعلومات من منبعها

الصافي، فقد كانوا يغدون ويروحون مع النبي صلى ال عليه وسلم يستفتونه فيما أشكل عليهم من أمر دينهم، ويستشيرونه فيما يتحيرون فيه من شئون حياتهم، وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يربطهم في دينهم ودنياهم باليمان ويصلهم بالقرآن، فلذلك تيسر لهم تلقي كثير من المعلومات التي

تتعلق بالتفسير من النبي صلى ال عليه وسلم فهم الحجة فيما رفعوه إليه، أما ما لم ينسبوه إليه فإما أن يجمعوا عليه وإما أن يؤثر عن بعضهم دون بعض فإن أجمعوا فإجماعهم حجة، وإن روي عن بعضهم فقيل إن ما يؤثر عن أي منهم في تفسير القرآن له حكم المرفوع وذلك لنهم إما أن يتلقوه عن النبي صلى ال عليه وسلم أو يستنتجوه برسوخ أقدامهم في اللغة العربية لغة القرآن وقد قال

بهذا الحاكم من علماء الحديث، واعترضه غير واحد منهم ابن الصلح وأبو الخطاب الحنبلي، ويرى هؤلء أن ذلك ليس على إطلقه وإنما هو مقصور على بيان أسباب النزول ففي ذلك يكون لقول

الصحابي حكم المرفوع لمكان ملبسته ظروف نزول الية، ويرى هؤلء أن قول الصحابي فيما عدا ذلك ل يختلف عن قول التابعين فمن بعدهم وخصوصا مع الختلف الذي كثيرا ما يحدث بين الصحابة

نتيجة اختلفهم في تصور المقصود من اليات المجملت، واعترض الشوكاني في تفسيره) فتح القدير( الذين يرون أن تفسير الصحابي حجة فيما كان من باب اللسان. وقال: أما ما ثبت من ذلك

رفعه إلى النبي صلى ال عليه وسلم فله حكم المرفوع والصحابي في اللسان له حكم غيره هذا وقد نبه غير واحد من جهابذة العلماء أن قول الصحابي " نزلت هذه الية في كذا" قد ل يعني أن ذلك هو سبب نزولها ولكنه يقصد دخوله في ضمن مدلولها، وقد أطالوا في ضرب المثلة لذلك، وقد حذر كل

من ابن تيميه والزركشي وأبي إسحاق الشاطبي والعلمة الدهلوي وغيرهم من أئمة التفسير من الوقوع في الوهم باعتبار أن كل ما يقول فيه الصحابي نزلت هذه الية في كذا له حكم المرفوع

وأوصوا بالتفطن لذلك والتفرقة بين قوله ذلك وبين ذكره سبب النزول بكل وضوح كأن يقول: إن السبب في نزول آية كذا كذا من الحدث، وقال ابن تيميه: إن البخاري أعطى ذلك حكم الرفع وخالفه

كثير من أئمة الحديث فأعطوه حكم الوقف على الصحابي الذي قاله ولعلنا نستطيع أن نستنتج من قول الحاكم في مستدركه بأن كلم الصحابي في التفسير لـه حكم الرفع أنه محمول على كلم الصحابي في أسباب النزول، خاصة نظرا إلى أن الحاكم نفسه قد صرح بذلك في علوم الحاديث فل مانع من حمل

إطلقه على التقييد الذي قيد به نفسه.

وقد ذكر بعض العلماء أن قول الصحابي نزلت آية كذا في كذا قد يكون اعتمادا على ما سمعه من رسول ال صلى ال عليه وسلم من النطق بالية على إثر تلك الحادثة فيظن الصحابي أن الحادثة

سبب لنزولها مع سبق بالية عليها وإن لم يحط بها ذلك الصحابي علما، وغاية ما في المر انطباق الية على حكم الحادثة كانطباقه على ما شاكلها، وقد يقصد به شمول الية لحكم الحادثة، وقد يخطر ببال أحدهم معنى الية عندما يتصور واحدة من هذه القضايا التي تدخل في ضمن حكمها فيقول إن الية قد نزلت فيها ول يقصد به إل ما ذكرناه من دخول تلك القضية في مدلول حكمها، ول ريب أنه

يجب على من يفسر أن يتفطن لهذه الدقائق ويفرق بين نص الصحابي على سبب النزول وقصده الدخول في عموم الحكم، ولكل عصر مصطلحاته فثم مصطلحات في عصر الصحابة قد تخفي على من

جاء بعدهم.

وقد يعرض الخلف بين الصحابة رضي ال عنهم في التفسير نتيجة اختلف المفهوم ولكنه أقل من



اختلف التابعين فمن بعدهم كما أوضح ابن تيميه، وقد يكون هذا الخلف شكليا وذلك أن تختلف عباراتهم باختلف اعتباراتهم، ومثل ابن تيميه لذلك باختلفهم في تفسير الصراط المستقيم فمنهم من

قال هو القرآن الكريم ومنهم من قال هو السلم وقال بعضهم هو السنة، وقال آخرون هو طريق العبودية ل سبحانه وروي عن بعضهم أنه اتباع أوامر ال تعالى، وهذا الختلف ليس جوهريا في ذاته فإن السلم وطريق العبودية ل واتباع أوامره أمور متفقة والقرآن والسنة، كل منهما مصدر

لذلك كله، وقد يأتي الختلف نتيجة اختلف ما يسبق إلى ذهن كل واحد من الصحابة من أفراد مدلولت ألفاظ القرآن، ومثل ابن تيميه لذلك بقوله تعالى"ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا

( فإن الظالم لنفسه هو32فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن ال" ) فاطر\ الذي ل يتجنب المنهيات ول يأتي المأمورات والمقتصد هو الذي يزيد على الواجبات من ضروب

الطاعات، ولكن نظر كل واحد من الصحابة الذين فسروا الية إلى بعض ما تتناوله ألفاظها فقال هو المراد منها، فمنهم من قال السابق هو الذي يؤدي الصلة في أول وقتها والمقتصد هو الذي يؤديها في أي جزء من الوقت والظالم لنفسه هو الذي يؤخر الصلة إلى وقت الصفرار، ومنهم من قال إن

الظالم لنفسه هو الذي يمنع الزكاة والمقتصد هو الذي يؤديها والسابق بالخيرات هو الذي يزيد عليها صدقات التطوع، فكل من هؤلء وأولئك نظر إلى دخول ما ذكره من المثلة في مدلول هذه الكلمات

على أني أرى أن ما يحكى عن كل منهم من أمثال هذه القوال ل يبعد أن يكون مصدره اعتبار المقامات التي حصلت فيها إجاباتهم عن معاني هذه الكلمات القرآنية فلعل السائل أو السامع في بعض

المواقف يكون أجدر بأن يحض على الصلة ويذكر مغبة تهاونه بها لعرف عنه من التهاون بأدائهاوقد يكون أجدر بأن يذكر بالزكاة لذات السبب نفسه.

وقد يأتي الختلف أحيانا بين الصحابة فمن بعدهم في المراد من اللفظ المشترك بحسب اختلف نظرتهم إلى القرائن التي تعين المراد وهذا كاختلفهم في المراد من القرء هل هو الحيض أو الطهر؟

والمراد من القسوة هل هو السد أو الرامي؟ والمشترك قد يكون اسما وقد يكون فعل وقد يكون حرفا، ومن العلماء من يرى جواز حمل المشترك على معنييه أو معانيه فل يمنع من حمله عليها مع عدم المانع، ومنهم من ل يرى ذلك ويرى احتمال تعدد نزول الية تارة لهذه وتارة لذلك، وفي حمل المشترك على معنييه أو معانيه نظر لنه وضع لكل من هذه المعاني وضعا جديدا والستعمال تابع

للوضع فل يجوز أن يستعمل في أي معنى إل على حده، ولجل هذه الدقائق التي في اللغة العربية لغة القرآن شدد العلماء في تفسيره على من لم يتقنها، فقد نقل البيهقى عن المام مالك أنه قال" ل أوتي برجل غير عالم بالعربية يفسر كتاب ال إل جعلته نكل"...وروي عن مجاهد نحو ذلك وقد سبق في

شروط التفسير اشتراط معرفة المفسر للغة العربية وتصاريفها واشتقاقاتها.

هذا وتفسير الصحابة أنقي من تفسير من بعدهم من أقوال أهل الكتاب لنهم كانوا يعتمدون في تفسيرهم على ما حفظوه عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أو على ما أوتوه من فهم في كتاب ال

ولم يكونوا يرجعون إلى مسلمة أهل الكتاب إل في حالت نادرة، لذلك قال العلمة ابن تيميه" إن النفس إلى ما يقولونه أسكن" وقد استظهر العلمة محمد رشيد رضا من كلمة أسكن أن تفسير

الصحابي غير مقطوع به، وذكر ابن تيميه أن ما يؤثر عن الصحابة في التفسير ل يحمل على أنه مما حفظوه عن أهل الكتاب، فإن الصحابة لم يكونوا يصدقون أهل الكتاب ول يكذبونهم في غير ما اتضح

حقه أو باطله عمل بقول رسول ال صلى ال عليه وسلم) إذا حدثكم أهل الكتاب فل تصدقوهم ولتكذبوهم، لكن قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا...الخ(.



وأصحاب النبي صلى ال عليه وسلم وإن كانوا أرسخ الناس قدما في التفسير فإن المشهورين بالتفسير منهم قلة وقد ذكر المراغي منهم عشرة وهم الخلفاء الربعة، ثم ابن مسعود وابن عباس

وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو موسى الشعري وعبدال بن الزبير، وما روي عن علي من الخلفاء أكثر مما روي عن الثلثة الباقين وقد ذكرنا عن العمرين أنهما كانا يتهيبان كثيرا من القول في

القرآن. وأكثر من روي عنه التفسير من الصحابة ابن عباس ويليه ابن مسعود، وقد قدم عليا في التفسير ابن عطية وتابعه القرطبي واعتبرا ابن عباس في المرتبة الثانية من مفسري الصحابة

وخالفهما في هذا العتبار الزركشي صاحب البرهان ومحمد بن المرتضى اليماني فقال:-

إن أجدر بالعتماد من تفاسير الصحابة- رضوان ال عليهم- عند اختلفهم هو تفسير ابن عباس نظراإلى أن رسول ال صلى ال عليه وسلم دعا ال له أن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل.

ونقل الزركشي عن الشافعي أنه كان يرى تقديم زيد بن ثابت فيما يتعلق بالفرائض لحديث )أفرضكم زيد( وقد أوضح العلمة محمد بن المرتضي اليماني في كتابه "إيثار الحق على الخلق" دواعي تقديم

ابن عباس رضي ال عنهما على غيره ولخصها في خمسة.

الول: أن رسول ال صلى ال عليه وسلم دعا له ال أن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل، وذلكموجود في الصحاح والسنن.

الثاني: أن ابن عباس لم يكن يستحل تفسير القرآن بالرأي.

الثالث: إقرار كبار الصحابة له بالمعرفة والنبوغ.

الرابع: أنه من أهل بيت النبوة.

الخامس: أنه وجد تفسير للقرآن كله يعزى إليه بالسانيد ولم يؤثر ذلك عن غيره، وبعد هذا قال العلمة اليماني، لجل ذلك خصصته بالذكر وقدمته على من هو أفضل وأعلم وأقدم وأكبر كالمام علي

بن أبي طالب وغيره من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم.

ومما ل يشك فيه أن صحابة النبي صلى ال عليه وسلم كان لهم القدح المعلى في معرفة تفسير القرآن بمخالطتهم للنبي صلى ال عليه وسلم ومعايشتهم ظروف نزول القرآن وعمقهم في اللغة

العربية، وعدم تأثرهم بالدخيل عليها فل غرو إن كانوا في التفسير نجوم سمائه ومعالم طريقه وينابيعفيضه فهم أدرى بما ثبت عن الرسول المين عليه أفضل الصلة والتسليم.



د- اللغة العربية



رابعها: اللغة العربية لنها وعاء القرآن وكثير منه ل تتوقف معرفة المراد به إلى النقل وإنما تكفي لذلك معرفة وفهم أصولها لذلك نرى أبا حيان الندلسي وغيره من المفسرين يشددون النكير على

الذين يقصرون تفسير القرآن على ما أثر عن الصحابة والتابعين حتى قال أبو حيان في البحر :"في الذي يدرس اللغة التركية ويتقن مفرداتها ويعرف مركباتها ويدرك مدلولت هذه المركبات لمعرفته

الدقيقة بأساليبها، هل عليه إذا جاءه كتاب باللغة التركية أن يرجع إلى " سنقرا" التركي أو "سنجرا" للستفهام عن مدلول الكتاب ول يكفيه ما عرفه بنفسه من مراده؟" ثم قال:" وهل الذي يقول ذلك يعد

من عقلء الناس؟ وقال كذلك: القرآن ل يلزم الرجوع في كل ما يشتمل عليه ما أثر عن الصحابةوالتابعين لن ال أنزله هداية لكل الناس ويسره للذكر.

وقسم العلمة ابن تيميه التفسير إلى قسمين: ما يحتاج إلى النقل ومال يحتاج وقسم المنقول إلى قسمين: إما أن يكون منقول عن المعصوم أو عن غيره فإن نقل عن المعصوم شيء وثبت سنده قطع

كل حجة وأخرس كل لسان.

وما نقل عن الصحابة فالنفس إليه أسكن مما نقل عن غيرهم ثم قسم ابن تيمية المنقول عن الصحابةالذين يختلفون فيه إلى قسمين:-

إما أن تمكن معرفة الصحيح منه أو ل...وقال إن غالب النوع الثاني مما ل يحتاج إليه في العتقاد ول في العمل ومثل لذلك باختلفهم في لون كلب أصحاب الكهف واسمه، واختلفهم في البعض من بقرة

بني إسرائيل الذي ضرب به الميت فعاش، واختلفهم في نوع ألواح سفينة نوح ومقاديرها.

ثم أوضح ابن تيميه أن ما يمكننا أن ننتفع بمعرفة الصحيح منه في العمل أو تقوية العقيدة يعود إلى النوع الثاني...ثم ذكر بعد ذلك ما ل تتوقف معرفة المراد منه على النقل وقال إنه كثير في القرآن

ولكنه ذكر عيبين كثيرا ما يتلبس بهما الذين يفسرون بالستدلل:-

أنهم يحملون اللفاظ ما ل تتحمله من المعاني حتى يمكنهم تسخيرها للدللة على مفاهيم معينةالول: فإن كانت هذه المفاهيم من الحق فخطؤهم مركب وارد من طريق الستدلل،قد أشربت بها أفكارهم،

وإن كانت من الباطل فخطؤهم مركب من خطأين، لنهم أخطأوا في الستدلل وفي المستدل عليه، ومثل للول بما يكون من الفقهاء والوعاظ والصوفية من الستدلل بآيات من القرآن على أمور حقه، ولكن ل تدل عليها اليات ومثل الثاني بما يكون من أهل المعتقدات الزائغة من حمل آيات القرآن على

ما يعتقدون مع دللتها على خلفه، وقال: إن كل ما يكون من باطل في كلم الفقهاء والصوفيةوالوعاظ فهو داخل في القسم الثاني.

إذ لبد في معرفة الخطابغفلتهم عن الظروف التي نزل فيها القران والمصدر الذي تنزل منهالثاني: من النظر إلى حال المخاطب والمخاطب، والجو الذي كان فيه الخطاب، وبما أن القران هو كلم ال

تعالى الذي خاطب به خلقه يجب أن تراعى في تفسيره عظمة الخالق سبحانه وكبرياؤه كيف والناس أنفسهم تختلف مقاصد خطابهم باختلف حالت المخاطبين واختلف مقامات الخطاب فخطاب السخط

غير خطاب الرضى وإن كانت العبارة واحد، وخطاب الضعيف غير خطاب القوي، لذلك يجب على المفسر أن يدرك هذه الدقائق فيتفطن لما إذا كان على التوبيخ أو على القرار؟ وإذا كان يستظهر منه



التحريم أو الباحة، ومما مثل به لذلك همزة الستفهام التي تفيد تارة التوبيخ وتارة التقرير وتارةالنفي وتارة طلب الفهم.

فحجتهم حديثان ، أولهما ما رواه النسائي والترمذي وأبوأما الذين ل يرون تفسير القرآن إل بالمأثور داود عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال:" من فسر القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ"، والثاني

ما رواه ابن عباس- رضي ال عنهما- عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال:" من فسر القرآنبرأي- وفي رواية من فسر القرآن بغير علم- فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه الترمذي وأبو داود.

ومن هنا نرى كثيرا من العلماء كانوا أميل إلى الحيطة والحذر في تفسير القرآن خوفا من الوقوع في الخطأ وخشية من استحقاق الوعيد، ولقد حدثت عن أحد مشايخنا أنه بدأ يؤلف تفسيرا للقرآن حتى إذا وصل إلى قوله تعالى: "ولو نقول علينا بعض القاويل لخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين

( قام إلى ما حرره فمزقه، ولكن نجد الجانب الخر من العلماء وهم الذين تشجعوا46، 45" ) الحاقة\ على القول في التفسير والتأليف فيه لهم ما يبرر اتجاههم ويؤيد مواقفهم، وقد تكلم عن الحديثين كل من ابن عطية والقرطبي وابن تيمية وأبي حيان والزركشي والماوردي واللوسي ومخلص ما قالوه

جميعا، إن الذي يفسر القرآن برأيه إما أن يكون جامعا لما يحتاج إليه المفسر من دراية في اللغة العربية ومعرفة بأسباب النزول وحفظ للمأثور فهذا ل حرج عليه إن فسر آية بما أنقدح في ذهنه من

معنى توحيه الدلئل وتسوقه القرائن ولو لم يسبق إليه شريطة عدم مخالفة ما صح عن الرسول صلى ال عليه وسلم، وإن كان بخلف ذلك فهو الجدير بهذا الوعيد لن الجاهل إن تسور على معنى القرآن

برأيه من غير أصل يعتمد عليه ول دليل يهتدي به فهو مخطئ ولو أصاب الحق، واستدل هؤلء لرأيهم هذا بما جاء في كتاب ال من تنبيه على الستنباط كما في قوله تعالى: " لعلمه الذين

( ، كما استدلوا أيضا بما روي عن المام على أنه سئل: هل خصكم83يستنبطونه منهم " ) النساء/ رسول ال صلى ال عليه وسام بشيء ؟ فقال:" ل إل بما في هذه الصحيفة وإل فهما يؤتاه العبد في

كتاب ال"، وبهذا يتضح رجحان القول بجواز التفسير بالرأي لمن جمع الشرائط التي يلزم توفرها في المفسر كما أسلفنا ولم يصدر رأيه عن هوى وإنما كان ناتجا عن النظر والتأمل في مصدر التفسير مع

مراعاة الظرف الذي نزلت فيه الية المفسرة.

أطوار التفسير



تفسير التابعين

لقد تلقى التابعون العلم عن أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وحملوه إلى من بعدهم محافظين عليه بكل دقة وأمانة، وقد كان مما تلقوه عنهم تفسير القرآن، ولكنهم دخلوا به طورا جديدا بسبب ما حصل من دخول الشعوب المختلفة في السلم حاملة معها ثقافاتها المتنوعة ومن هؤلء كثير من أهل

الكتاب، وقد كان التابعون يحرصون على الستفادة منهم في غير ما يتعلق بالعقيدة والعبادات، إذ العرب الذين بعث النبي صلى ال عليه وسلم بينهم كانوا أميين ل يحسنون القراءة ول الكتابة فلم يكن

لديهم ما عند الكتابيين من أنباء المم السالفة مع أنبيائها، ومن أخبار هذا الكون وخلقه وفنائه، والقرآن الكريم جاء ليربط الكائن البشري بهذا العالم الفسيح ليكون مسرح فكره ومبعث اعتباره وقد

جاءت آياته مشيرة إلى كثير من المور المتعلقة بطبيعة الكون وخلقه وفنائه بما في ذلك النسان نفسه، وبما أن هذه اليات كانت تتضمن هذه الحقائق إجمال فقد كان المسلمون بطبيعة الفطرة

البشرية التي تشوق إلى الحقائق الغيبية يشرئبون إلى معرفة تفاصيل ما جاء به القرآن وبما أن السنة النبوية لم توضح كل هذه المور إل ما يتعلق بالعقائد والعبادات والشرائع من أحكام القرآن، وإنما وكلت اكتشاف هذه الحقائق الكونية المشار إليها في الكتاب إلى ما يتوصل إليه النسان من

بحوث فإن هؤلء لم يجدوا أمامهم مصدرا لستقاء هذه المعلومات إل ما يقوله مسلمة أهل الكتاب.

ول نشك أنهم كانوا آخذين بالحيطة والحذر فيما يتعلق بأمور الدين ومن هنا نرى أقوال الكتاب قد تركت بصماتها على تفسير التابعين في اليات المتعلقة بخلق الكون أو بأنباء المم السابقة مع

. وهذا الذي دعا المحققين إلى تمحيص أقوالهم ولجل قلة نقل الصحابة عن أهل الكتاب قالرسلها ابن تيمية: )إن القلب إلى ما يقولونه أسكن( وقال من قال بأن قول الصحابي في التفسير له حكم المرفوع، ولم يعط هؤلء تفسير التابعي هذه الدرجة من القبول وإن حكى العلمة الزركشي في

"البرهان" قولين للمام أحمد في العتماد على تفسير التابعي، وذكر أن المفسرين كانوا ينقلون أقوال التابعين معتمدين عليها، والتابعون في نقلهم عن أهل الكتاب لم يكونوا غير معتمدين على أصل فقد أخرج البخاري عن ابن مسعود رضي ال تعالى عنه- عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال) بلغوا

عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ول حرج، ومن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار(.

غير أن بجانب هذه الباحة في التحديث عن أهل الكتاب نجد النهي عن تصديقهم أو تكذيبهم فيما حدثوا به ما لم يتبين حقه أو باطله فقد روى البخاري أيضا عن أبي هريرة- رضي ال عنه- أن النبي صلى ال عليه وسلم قال) إذا أنزل إلينا...الخ(، ومن هنا نفهم أن التحديث لجل الستشهاد ل العتماد

كما يقول الحافظ ابن كثير في مقدمة تفسيره، وقد أخذ المتأخرون من علماء التفسير وغيرهم يمحصون هذه الروايات تمحيصا علميا فاتضح لهم بطلن كثير منها وقد أدى بهم ذلك إلى تكذيب كثير

من أهل الكتاب الذين أسلموا ككعب الحبار ووهب بن منبه بسبب عزو هذه الروايات إليهم. وممن صرح بتكذيبهما العلمة السيد محمد رشيد رضا في تفسيره المنار معتمدا في ذلك على خلو نسخ التوراة الموجودة الن من كثير مما نسباه إليها وأبدى السيد رشيد رضا أسفه البالغ على اغترار الجرح والتعديل بهما، كما أبدى إعجابه بنباهة ابن تيميه الذي كان يميل إلى التحفظ من قبول ما

يرويان وقد كان ذلك قبل أن يتبين كذبهما فكيف وقد تبين، ونحن نرى في المسارعة إلى تكذيبهما شيئا من الخطورة فإنهما بإسلمهما قد جبا كل ما سبق منهما قبله، وللمسلم حقوقه وحرماته منها: عدم رميه بكبيرة ما لم يصح ارتكابه لها والكذب من الكبائر خصوصا إن كان في أمور الدين ورجال



الجرح والتعديل قد وثقوهما وقبلوا رواياتهما ول نشك أنهم كانوا ل يسارعون إلى التوثيق أما مانسب إليهما من عزو أشياء إلى التوراة ل توجد فيها فعلينا أن ننظر فيه من زاويتين:

، فإن الناس الذين كذبوا على رسول ال صلى ال عليهأسانيد تلك الروايات التي تتصل بهماالولى: وسلم ونسبوا إليه ما لم يقله وما لم يفعله ل يتورعون عن الكذب على كعب الحبار ووهب بن منبه

وغيرهما.

نسخ التوراة الموجودة بيننا من حيث كونها متفقة مع التوراة التي يعزو إليها كعب ووهب بنالثانية: منبه ما يعزوان أو مختلفة مع علمنا أن اليهود لم يكونوا يتورعون عن إضافة ما ليس في التوراة

، والقرآن نفسه قد أخبر بذلك عنهم، ولقد أحسن العلمة ابنإليها وحذف ما هو ثابت منه في أي وقتكثير فيما قاله في تفسيره عن قصص أهل الكتاب حيث قسم ما يحدثون به إلى ثلثة أقسام:-

القسم الول: ما اتضح حقه بموافقته الكتاب والسنة فهذا يجب قبوله.

القسم الثاني: ما اتضح لنا باطله بمخالفتهما فهذا يجب رفضه.

القسم الثالث: ما لم يكن من هذا القبيل ول ذلك فهذا يدخل تحت قول الرسول صلى ال عليه وسلم) إذاحدثكم أهل الكتاب فل تصدقوهم ول تكذبوهم(.

وفي هذا الوقت يمكن تمحيص هذه الخبار بالمحك العلمي أكثر من ذي قبل، فإن كثيرا مما حشا به المفسرون والسابقون تفاسيرهم من السرائيليات قد اتضح لنا بطلنه على ضوء العلم الحديث وإذا تسومح في نقل أولئك المفسرين لها في تلك العصور فإنه ل يتسامح في نقلها في هذا العصر بعدما وضح الصبح لذي عينين وخصوصا مع ظن الجهلة الغبياء أن هذه الخبار من صميم دين السلم

فإذا ظهرت لهم مصادمتها للعلم كان أثر هذه النتيجة السلبي على السلم والعياذ بال.

وفي مقابل هؤلء العلماء المحققين الذين يتشددون في نقل الخبار التي تشم عليها رائحة إسرائيلية نجد جماعة آخرين يبالغون في تبرير النقل عن أهل الكتاب من حيث إنهم كانت لديهم بقية من الكتاب

كما صرح بذلك القرآن فل يصح نسبة كل ما يقولونه إلى الكذب، كيف ورسول ال صلى ال عليه وسلم قد نهى عن تكذيبهم وتصديقهم، ومن هؤلء جمال الدين القاسمي- من علماء النصف الول من

القرن الرابع عشر الهجري- في تفسيره "محاسن التأويل" وقد عزز هذا الرأي بنقل كثير من كلم المتقدمين والمتأخرين الذين أباحوا التحديث عن أهل الكتاب واستدل بما روي عن بعض الصحابة أنهم كانوا يسألون مسلمة أهل الكتاب عن أشياء تخفى عنهم وكانوا يحدثون بما يقولونه لهم، كما

استدل بما روي عن عبدال بن عمرو بن العاص أنه رجع من بعض المغازي حامل زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يقرؤها فيحدث بما فيها، وممن نقل كلمهم القاسمي في تعزيز القول بجواز التحديث

فل بد من اشتراط عدم التصادم مععن أهل الكتاب العلمة البقاعي الدمشقي ومهما قيل في ذلك الكتاب والسنة من ناحية وعدم التصادم مع العلم الحديث من ناحية أخرى.



طبقات المفسرين من التابعين

والمفسرون في عهد التابعين على طبقات بحسب اختلف المدارس التي تخرجوا منها، وكانت على ،مدرسة حبر المة وترجمان القرآن ابن عباس رضي ال عنهما قمة هذه المدارس في علوم التفسير

لذلك اعتبر تلمذته في مقدمة المفسرين من التابعين وقد اشتهر منهم أربعة مجاهد وسعيد بن حبير لذلكمدرسة ابن مسعود رضي ال عنهوعكرمة وطاوس وهم من أهل مكة، وتلي مدرسة ابن عباس

كان أصحابه كعلقمة بن قيس والسود بن يزيد وإبراهيم النخعي والشعبي في المرتبة الثانية، ويلي هؤلء أهل المدينة أصحاب زيد بن أسلم، وإذا كان أصحاب ابن عباس على رأس قائمة المفسرين في

كان ضليعا بعلوم التفسير فإنه من أشهر منالمام أبا الشعثاء جابر بن زيدعهد التابعين فل ريب أن صحب ابن عباس ومن ألصق تلمذته به وأكثرهم أخذا عنه، وقد كان ابن عباس رضي ال عنهما

معتزا بتلميذه جابر بن زيد رحمه ال إلى حد بعيد، ومعترفا له بما يجدر أن يعترف به مثله ومما قالهعنه:

عجبا لهل العراق! يحتاجون إلينا وعندهم جابر بن زيد لو قصدوا نحوه لوسعهم علمه، هذا مع العلم بأن جل دراسة الناس في ذلك الوقت أو كلها تدور حول القرآن والحديث، وهما مقياس التقدم في العلم

ثم توالت جماعات التفسير بعد التابعين حاملة أمانة العلم، ومؤدية لهما على أحسن ما ينبغي حتى جاء العلمة أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الذي جمع في تفسيره الكبير ما تفرق من أقوال

المفسرين من قبل وقد بقي كتابه منهل ثر لكل المفسرين الذين جاءوا من بعده إلى وقتنا هذا لفوائده الجمة ونسبته القوال إلى أصحابها بالسانيد المتصلة بهم وإن كانت هذه السانيد ل تخلو من مقال

عند علماء النقد.

أشهر المفسرين في القرن الثالث الهجري



المام هود بنوفي عصر محمد بن جرير الطبري لمع ببلد المغرب كوكب وقاد من كواكب التفسير هو من جبال أوراس بالقطر الجزائري وهو من علماء القرن الثالث الهجريمحكم الهواري الباضي

وطريقته في التفسير قريبة من طريقة الطبري...ول يزال تفسيره مخطوطا في أربعة مجلدات وهود بن محكم الهواري- رحمه ال- مسبوق في التفسير من أحد كبار أئمة العلم والعمل من الباضية وهو المام عبد الرحمن بن رستم الفارسي الذي اشتهر في تراجمه أنه فسر القرآن كله، ولكن تفسيره لم

يعثر عليه في زماننا، والمام المذكور معدود في طبقة تابعي التابعين فإنه أخذ العلم عن أبي عبيدة بن مسلم بن أبي كريمة التميمي في النصف الول من القرن الثاني الهجري وأبو عبيدة)رحمه ال(- وإن

كان جل ما أخذه عن جابر بن زيد وجعفر بن السماك)رحمهما ال(- فإنه معدود في التابعين إذ جاء في بعض رواياته في المسند الصحيح لتلميذه الربيع بن حبيب)رحمه ال( سمعت جماعة من

الصحابة...وقد قال كثير من العلماء الذين ترجموا له أنه أدرك من أدركه جابر من الصحابة وهذا واضح، فإن البصرة كانت في زمانه مركز إشعاع وقد مات أنس بن مالك الصحابي الجليل بعد موت

جابر )رضي ال عنهما( ببضعة أيام فل ريب أن أبا عبيدة كان يتصل بهؤلء الصحابة العلم من التفاسير التي ألفت في وقت مبكرتفسير المام عبد الرحمن بن رستم للستفادة منهم لذلك نعتبر

من تاريخ النتاج العلمي في السلم.

أثر العلوم الحديثة على التفسير

وبعد هذه المرحلة التي ذكرناها من تاريخ التفسير تشعبت المسالك بالمفسرين نتيجة تدفق علوم جديدة على الساحة السلمية منها العلوم العربية بمختلف شعبها وعلوم الفلسفة والكلم والتصوف، وكانت همم الناس مختلفة التجاهات في أصناف هذه العلوم وقد ترك ذلك أثرا واضحا على التفاسير

لجل بيان إعجاز القرآن البياني، وممن نحا هذا المنحنىبالبلغةالتي أنتجوها فنجد بعضها قد عنى العلمة الكبير جار ال الزمخشري في تفسيره"الكشاف" فقد عني فيه ببحث السلوب البياني في

القرآن وما فيه من نكت طريفة ومعان لطيفة، وقد أجاد وأبدع في ذلك وإن لم يخل تفسيره من مقاصد كتفسير الزجاج "معاني القرآن" وتفسيره أبي حيانبالعرابكان يهدف إليها، ونجد بعضها قد عني

كما نجد جماعة من المذاهب الكلميةالندلسي"البحر المحيط" ونجد بعضها قد عنى بمناقشة وبحث أدلتها والنظر في أصولها ومن هؤلء المام القرطبي فيبالحكام الفقهيةالمفسرين قد عنوا

تفسيره "الجامع لحكام القرآن" الذي جمع فأوعى من أحكام الفقه ما جعله كثيرا ما يتجاوز حدود وحدها ومن هؤلء ابن العربي والجصاص وابن خويزآيات الحكامالتفسير وقد عنى بعضهم بتفسير

منداد وكذلك أبو الحواري العماني الذي فسر خمسمائة آية من القرآن تدور حول الحكام الفقهية ويرى بعض الباحثين نسبة هذا التفسير إلى شيخ أبي الحواري وهو العلمة أبو المؤثر الصلت بن

خميس.

العناية بتمحيص روايات التفسير



كمابتمحيص روايات التفسير وتفنيد الصحيح من غيره من أسانيدها وقد عني جماعة من المفسرين بالقصص فحشروا في وآخرون اشتغلوا بالوعظ والتذكير في القرآن وعني آخرونابن كثيرصنع

قطب، ومما يؤسف له أنتفاسيرهم ما يرفضه العقل ويصادمه النقل من أخبار جلها من كذب اليهود في تفسيره هيميان الزاد الذي ألفه في باكورة عمره ومستهل شبابه وثق بما نقله المفسرونالئمة

من قبله من هذه الخبار وقد تنبه لذلك بنفسه وأسف بعد فوات الفرصة بسبب انتشار الكتاب فاستدرك ذلك بتأليف تفسيرين آخرين خالصين مما يشوب الهيميان أحدهما "داعي العمل ليوم المل"

وثانيهما" تيسير التفسير" ومن حيث إن الهيميان من بواكير عمل مؤلفه- رحمه ال- كانت عنايته فيه بجمع ما قيل قبله أكثر من عنايته بالبحث والتمحيص، وقد سمعت أنه تمنى لو أمكنه جمع نسخ

هذا الكتاب لتمزيقها ولكن هيهات ذلك فقد ملك السهم قصده بعدما طبع وانتشر في أنحاء مختلفة وقد حاول أحد الكاتبين أن يجد من هيميان الزاد ثغرة يوجه منها سهمه المسموم إلى مؤلفه وإلى مذهب

المؤلف ظانا أنه يستطيع أن ينسج من حقده السود رداء يجلل به الشمس ليخفي ضوءها عن البصار ولو أن هذا الكاتب كان من طلب الحقيقة لحاول النظر في تفسيري القطب الخرين ومقارنة

ما فيهما بما في الهيميان ولو فكر فيما دونه المفسرون من قبل لعرف أن قطب الئمة صاحب الهيميان لم يحدث بدعا من المر في تفسيره بنفسه، وإنما كانت ثقته بأقوال العلماء من قبله على

اختلف مذاهبهم هي منشأ أسلوبه الذي اتبعه في الهيميان ولكن التعصب المذهبي البغيض هو الذيأعمى ذلك الكاتب عن هذه الحقائق الماثلة للبصار.

تفسير المتصوفة



وعني جماعة من المفسرين بالتصوف ولم يخل تفسيرهم من غلو مجانب للحق خصوصا عندما تحول التصوف من علم يعنى بتربية الضمير وتهذيب النفس والتزهيد في الدنيا والترغيب فيما عند ال إلى

علم أشبه بالفلسفات العقيمة التي ل تحل مشكلة ول تصلح فسادا في النفس وقد اختلط التصوف بالراء الباطنية كما يظهر أثر ذلك واضحا في التفسير الذي ينسب إلى محيي الدين بن عربي، وذكر

العلمة السيد محمد رشيد رضا أن نسبته الصحيحة إلى القاشاني الباطني الكبير.

وقد خلط جماعة من المفسرين بين التفسير بالمأثور والتفسير الصوفي، كما نجد ذلك في "روح المعاني" للعلمة اللوسي فبعد أن يورد أقوال السلف يتبعها بما ينسبه إلى السادة الصوفية من رموز

ل يكاد يفهم لها معنى، وكأنه يرى أن للقرآن باطنا وظاهرا، وهذا موضوع قد أطال فيه العلمة الشاطبي ومع انتقاده لهذا المسلك من التفسير حاول أن يبرزه أو يبرر أكثره، والقرآن الكريم كتاب أنزله ال محكما ليكون هدى للمتقين وذكرى للعالمين ولن يكون كذلك إل إذا كان بعبارات يفهمهما

الناس أما أن يكون القرآن لغزا من اللغاز المعماة فإنه وإن كان هداية فلن تكون في هذه الحالة عامة للناس، لذلك ل أرى وجها يبرر تفسير القرآن بالرموز الصوفية ومن تأمل وصف ال تعالى لكتابه في قوله"إنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح المين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين"

( ،أدرك أن القرآن الكريم خال من هذه المصطلحات المعقدة التي لم تكن192/195) الشعراءمعهودة عند العرب.

ومما يلحظ أن كثيرا من المفسرين قد عني بحشر مصطلحات الفنون التي يعنون بها في التفسير فاختفت معاني القرآن الحقيقية وراء ضباب هذه المصطلحات ومما ل نشك فيه أن جمهور الناس ل

تستسيغها أفكارهم ول تكتنهها أفهامهم.

الحركة الصلحية وأثرها في التفسير



الستاذ الماموبعد هذه الطوار التي مر بها التفسير جاء دور الحركة الصطلحية التي كان يتزعمها وقد تركت هذه الحركة آثارهاالسيد/ جمال الدين الفغاني بعدما أرسى جذورها أستاذه محمد عبده

بارزة في تفسير القرآن خصوصا بعدما قام الستاذ المام يلقي دروسه التفسيرية في الزهر الشريف، يقوم بدور تدوينها ونشرها في مجلة المنار وواصل بعدالسيد/ محمد رشيد رضاوكان تلميذه الكبير

موت أستاذه تفسير ما تبقى من القرآن إلى أن انتهى إلى سورة يوسف وطابع النزعة الصلحية واضح على هذا التفسير وعلى كل التفاسير التي أنتجتها عقول تلمذة مدرسة الصلح التي كان على

رأسها المام محمد عبده، وقد امتد شعاع هذه المدرسة إلى آفاق واسعة في الرض فتأثر الكثير من العلماء العاملين بمنهجها الصلحي يبدو أثر ذلك في دروسهم وتآليفهم ومن علماء التفسير الذين

الذي ظل يفسر القرآن الكريم لكثر من نصفالشيخ المام إبراهيم بن عمر بيوض نهجوا هذا المنهج قرن في مسجد القرارة في وادي ميزاب بالقطر الجزائري حتى اختتمه قبيل وفاته بقليل.

وإذا كان العتراف بالفضل لهله فضيلة فإننا نعترف للمدرسة الصلحية بفضل السبق في معالجة المشاكل المعاصرة على ضوء القرآن والوقوف في وجه التيارات الفكرية الوافدة من الغرب وتفنيد مزاعم المستشرقين وتلمذتهم ضد السلم ومكافحة الخرافات والوهام التي سيطرت على عقول

...ومن هنا كان ثناء أقطاب العلماء على هذه المدرسة ومسلكها في التفسير ومنالمسلمين آنذاك في مجلةالعلمة أبو إسحاق أطفيش )رحمهما ال( الذي نقل عنه تلميذه قطب الئمةهؤلء

إمام المسلمين العلمة محمد بن عبدال"المنهاج" إعجابه البالغ بتفسير المنار وثناءه عليه ونجد يثني على كتاب الوحي المحمدي للسيد/ محمد رشيد رضا في رسالته التي وجههاالخليلي)رحمه ال(

إليه، وإذا كنا في ثنائنا على المدرسة الصلحية متأثرين بالواقع ولسنا مندفعين وراء العواطف فإن ذلك ل يمنعنا من أن ننبه على بعض سلبياتها فإن نشأة هذه المدرسة كانت في ظرف حرج ومرحلة

دقيقة إذ كان السلم يعاني من أمرين:

، وقد انعكس أثر ذلكما أصيب به العلماء من الشلل الفكري والتبلد الذهني والتحجر العقليأولهما: على عامة المسلمين فسيطرت عليهم الوهام والخرافات واستولت عليهم البدع والضللت وكان ذلك

كله محسوبا على السلم ومعدودا من صميمه.

، ما رجعت به البعثات التعليمية التي ابتعثت إلى أوربا أفكار هدامة ومبادئ مصادمة للدينثانيهما: فإنهم ابتعثوا وهم خلو من تعاليم السلم فأعشى أبصارهم بريق الحضارة الوربية الخلب، واقتنعوا بالقشور عن اللباب إذ انصرفوا إلى الدب الوربي وتركوا العلوم الدارية والصناعية، وقد كان ذلك

نتيجة مخطط رهيب وضعته أوربا لقصد صرف المسلمين عن دينهم مع بقائهم عالة عليها في الدارة والطب والصناعة، وقد استغلت هذه الطائفة التي ابتعثت من بلد السلم ليكونوا معاول هدم لدينهم

وقيمهم وأخلقهم وكان أهم ما يسعى إليه هؤلء الشباب المثقفون هو هدم صرح اليمان بمعاول العلم الحديث تأسيا بأساتذتهم الوربيين الذين قضوا على السلطة الكنسية والعقيدة النصرانية بسلطان العلم

ول يصطدم، والقرآن الكريم من وجوه إعجازه المتنوعة العجاز العلمي كما اعترف الوروبيون أنفسهم بذلك وقد بلغ الحال بهذه الشبيبة أنها صارت ل تؤمن إل بما يخضع لمقاييس العقل وتجارب

العلم.

وفي هذا الظرف القاسي وبين هذين التيارين المتضادين نشأت مدرسة الصلح وكان أهم ما عنيت به



محاولة تحرير عقول المسلمين من الوهام والخرافات التي تحسب على السلم والتصدي للتهم التي وقد نتج عن ذلك محاولة تضييق نطاق الغيبيات في القرآن تلفيا لتهام السلمتوجه إلى الدين

بالتصادم مع العقل، ونرى أثر ذلك واضحا في تفسير المنار كالذي نراه فيما أمله الشيخ محمد عبده وفيما حرره تلميذه السيد/محمد رشيد رضا في قصة آدم في سورة البقرة حيث فسرا آدم بالجنس

البشري والشجرة بالشر والملئكة بملكات الخير والشيطان بملكة الشر، ونحو هذا ما جاء في سورة الفيل في تفسير جزء عم للشيخ المام محمد عبده مع أن العقل البشري مهما بلغ فإنه ل يتجاوز

حدوده التي أرادها ال له ول يتجاوز محيط النسان المحدود.

على أن كثير ما تؤثر عليه البيئة التي يتقلب فيها والمحيط الذي يستمد حكمه منه، ولذلك يتطور العقل بتطور الحياة فيتقبل ما كان يرفضه ويكذب ما كان يصدقه ولجل هذا القصور في طبيعة العقل كان الحكم في العقائد والعمال إلى الوحي ل إليه وإن كان يصلح في بعض الحيان أن يكون طريقا لستلهام بعض المعلومات ولو كان العقل وحده جديرا بسياسة النسان لما احتيج إلى الوحي ولقام ال به حجته على عباده دون إرساله مع أن الحجة إنما تقوم بالرسل لقوله تعالى" وما كنا معذبين

( وما منزلة العقل مع نفاذه وقوة إدراكه إل منزلة الشاهد وإذا15حتى نبعث رسول" ) السراء/ رفض ما نزل به الوحي فذلك دليل قصوره ل دليل قصور الوحي، واليمان بالغيب هو أساس هداية الناس واستقامتهم فإن ال تعالى يقول"ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب"

( فإذا حاولنا أن نفسر اليات الغيبية في القرآن بما يتفق مع مفاهيم البشر ومقاييس العقل2) البقرة/ سلبنا العقيدة السلمية أهم عنصر يتكون منها، ومع هذا الذي لحظته على مدرسة الصلحية فإنني أشكر لهلها ما قدموه من خدمة جليلة للسلم ول يفوتني أن أنوه بشكر أولئك الذين صححوا مسيرة

هذه المدرسة ونبهوا على سلبياتها كشهيد السلم الستاذ/ سيد قطب في تفسيره القيم "في ظللالقرآن".

الكتشافات العلمية وأثرها على بعض المفسرين



الكتشافات العلمية التي بهرت العقول وتجلى للناس كثيرالمدرسة الصلحية هذا وقد صحب نشأة من آيات ال في الفاق وفي أنفسهم كما وعد- سبحانه- بذلك فترك ذلك أثرا في تفسير القرآن، وقد

أفرط بعض المفسرين فحاول أن يخضع اليات القرآنية لتتفق مع النظريات العلمية وهنا تكمن الخطورة، فإن هذه النظريات معرضة للتغيير والتبديل وفي مقابل هذه الطائفة هنالك طائفة فرطت في النظر فحصرت تفسير القرآن في المأثور عن العلماء المتقدمين بقطع النظر عن دلئل العلم الحديث،

والمنهج المعتدل هو أن تفسر اليات الدالة على الكائنات بما يتفق مع الحقائق العلمية الثابتة ل النظريات المتطورة حذرا من تعويض القرآن لما تتعرض له النظريات من التبديل والتعديل هذا إن

كانت اليات تدل ألفاظها دللة واضحة على ما ظهر من خلل الكتشافات العلمية، أما إذا كانت دللتها على ذلك غير واضحة فبحسبنا أن نشير إلى احتمالها أن يكون المقصود بها ما دل عليه العلم حذرا من التقول على ال بما لم يرد ول نشك أن آيات الكتاب العزيز دالة على آيات الكون ومشيرة إلى ما

لم تصل إليه عقول الناس في عصر نزوله.

وقد جاء فيها الوعد باتضاح معانيها مما يكشفه ال- سبحانه- للناس من آيات في الفاق وفي أنفسهم لتقوم عليهم حجته وهذا واضح في قوله تعالى"قل أرأيتم إن كان من عند ال ثم كفرتم به من أضل

ممن هو في شقاق بعيد سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد أل إنهم في مرية من لقاء ربهم أل إنه بكل شيء محيط" ) فصلت

( وقد صدق ال وعده فإن اليات التي في النفس والفاق أخذت تتجلى للناس يوما بعد يوم52/54 لتقوم الحجة بإعجاز القرآن بما يتضح من بيان آياته التي تتحدث عن التكوين النساني وعن طبيعة الكون من خلل الكتشافات العلمية،وهذا الذي أدى بغير المسلمين من الذين درسوا القرآن ودرسوا علوم الكون إلى العتراف بأن القرآن ل يمكن أن يكون نابعا من قريحة بشر وأنه الكتاب السماوي الوحيد الذي بقي حسب ما أنزله ال، لم تتناوله أيدي العابثين بالتحريف والتبديل كما تناولت الكتب السماوية من قبل ومن هؤلء المعترفين بهذه الحقيقة التي ل تقبل الشك والجدل الطبيب الفرنسي

الدكتور "موريس بوكاي" في كتابه الذي سماه "العلم في التوراة والنجيل والقرآن" فقد اعترف فيه أن ما في التوراة والنجيل من اليات الكونية مع قلته متصادم مع الحقائق العلمية التي أثبتها

الكتشافات، بينما اليات العلمية في القرآن مع كثرتها بعيدة عن التصادم مع العلم.

وإذا كان هذا العتراف ممن لم يعتنق السلم فما أجدر المسلمين أن يدرسوا حقائق العجاز في القرآن من خلل دراستهم لياته ودراستهم لطبيعة هذا الكون، حتى يقيموا الحجة على البشر الضالين

الحيارى بصدق القرآن وبأنه حق ل يدنو منه الباطل وهدى ل يقترب منه الضلل ومع أنني ل أؤيد الجمود على أقوال العلماء المتقدمين في تفسير آيات الكون في القرآن فإنني كذلك لست أؤيد أولئك

الذين اندفعوا إلى حمل اليات القرآنية على كل ما شاع من النظريات في الوسط العلمي، وإنما أختار المسلك الوسط الذي أشرت إليه، وأرفض في تفسير القرآن كل طريقة ل تتفق مع روح القرآن ومع

أسلوبه العربي المبين كتفسير كلماته بالرقام لمنافاته وصف القرآن الذي جاء في قوله تعالى"بلسان( .195عربي مبين" ) الشعراء/

هذا وإذا كان المتقدمون قد بالغوا في حشر المصطلحات الفنية المتنوعة في التفسير حتى كادت فإن جل المفسرين في العصر الحديث اتجهوا اتجاها معاكساتختفي وراءها معاني القرآن ومقاصده،

والذي أميل إليه وأرجوا أن أوفق لـه هوفرفضوا إيراد هذه المصطلحات ولو اقتضته الضرورة،



وال تعالى وليالقتصار على ما اقتضت الضرورة ذكره منها للتوصل إلى الفهام بمعاني اليات التوفيق وهو حسبي وكفى.

نبذة من إعجاز القرآن



معنى العجاز الصطلحي ل يختلف عن معناه الوضعي فهو لغة بمعنى الغلبة من جهة لخرى حتى تصير الجهة المغلوبة عاجزة عما قدرت عليه الغالبة، والعجز ينقسم إلى أقسام، عجز الضعيف أمام القوي وعجز القوي أمام القوى وعجز القوى أمام الشاذ وعجز الكل أمام الخالق سبحانه وتعالى

الذي ل يعجزه شيء، والعجاز اصطلحا ما ييسره ال سبحانه على يد من يبعثه بدعوته من رسلهإلى خلقه من أمر خارق للعادة ل تتوصل إليه طاقات الخلق مصدق لدعوى الرسول.

شروط المعجزة:

واشترط القرطبي للمعجزة خمسة شروط:-

فلو جاء من يدعي الرسالة في أزمنة النبوات وقال آية نبوتيأن تكون مما ل يقدر عليه البشرالول: أن أعمل كذا مما هو مقدور للبشر كالحركة والسكون والكل والشرب والقيام والقعود لم يكن ذلك من

العجاز في شيء ولم يكن بالتالي دليل على صدق نبوته.

فلو قال مدعي الرسالة إن آية نبوته أن تطلع الشمس من المشرق أو أن تكون خارقة للعادةالثاني: أن تغرب من المغرب أو أن يتعاقب الليل والنهار أو أن يكون الشتاء باردا والصيف دافئا فليس ذلك

من العجاز في شيء، لنه من المألوف قبل دعواه بخلف ما إذا كانت آيته مما لم تجر به العادة كنبعالماء من بين الصابع وتحول العصا إلى ثعبان وخروج ناقة من صخرة.

فلو ظهر المر الخارق للعادة على يد من لم يدع النبوة لمأن تكون مقرونة بدعوى الرسالةالثالث: يكن ذلك معجزا وإنما ينظر في الذي يجري على يديه فإن كان صالحا فكرامة وإن كان كافرا فاستراج،

وإن كان من عامة الناس فمعونة.

فلو ظهر على مدعي النبوة أمر خارق للعادة دال على كذبة فذلك أن تكون مؤيدا لدعواهالرابع: تكذيب وليس بإعجاز وذلك نحو ما روي عن مسيلمة أنه تفل في بئر ليكثر ماؤها فجفت وتفل في

عين أعور لتبصر فعورت أختها.

فلو جاء أحد بمثل ما جاء به لم يكن ذلك معجزة لذلك نجد أل يقدر أحد على التيان بمثلهاالخامس: كتاب ال تحدى الكافرين بأن يأتوا بمثل القرآن إن كانوا صادقين فقد قال عز من قائل"أم يقولون

( وقال"أم يقولون افتراه قل33تقوله بل ل يؤمنون فليأتوا بحدث مثله إن كانوا صادقين") الطور/ ( وقال" قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من13فأتوا بعشر سور مثله مفتريات " ) هود/

( وقال"وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة38دون ال إن كنتم صادقين" ) يونس/( .23من مثله وادعوا شهداءكم من دون ال إن كنتم صادقين" ) البقرة/

وقد اقتضت حكمة ال أن تقترن دعوات المرسلين بمعجزات تتحدى المم وتبرهن على صدقهم إذتنزل منزلة قول الحق سبحانه- لو أسمعنا قوله-"صدق عبدي فصدقوه" .

كما اقتضت حكمته تعالى أن تتنوع هذه المعجزات بحسب الظروف التي كانت تحيط بتلك الرسالت



فمعجزة إبراهيم)عليه السلم( كانت تحول النار الموقدة بردا وسلما عليه، وذلك- كما استظهر بعض العلماء المحققين- بسبب كون عبدة النار على مقربة من هذا الحادث فثبت لهم به أن النار مصرفة

وهو دليل كونها مخلوقة فل تحق لها العبادة.

ومعجزة موسى عليه السلم كانت العصا التي أبطلت سحر الساحرين وذلك لن الزمن الذي نشأ فيه موسى كان السحر فيه قد بلغ شأوا بعيدا خصوصا في البقعة التي تنزلت فيها رسالة ال عليه وكان الناس على خبرة بطرق السحر وفنونه فاتضح لهم أن ما جاء به موسى هو أمر فوق السحر وأنه

ليس بمقدور الناس أن يأتوا بمثله، وكذلك بقية اليات التسع فإن أولئك القوم كانوا أهل زرع وكانوا على معرفة بما اعتيد حدوثه في الزرع من الفات ولكنهم لم يألفوا ولم يعرفوا مثل هذه الفات التي

شاء ال سبحانه أن تكون آيات مفصلت دالة على صدق رسالة موسى عليه السلم.

أما نبي ال عيسى عليه السلم فكانت معجزته إبراء الكمة والبرص وإحياء الموتى، وير كثير من العلماء ذلك إلى رقي الطب في عهده ومعرفة الناس بما يمكن علجه بالوسائل الطبية وما ل يمكن ومن حيث أن الطب لم يتوصل إلى مثل هذه المور دل ذلك على أن ما جاء به عيسى ليس هو من

الطب في شيء، وبالتالي ليس من مقدور البشر وإنما هو أمر إلهي يدل على صدق رسالته، غير أن العلمة أبا زهرة في كتابه)المعجزة الكبرى( يرى أن بني إسرائيل لم يكونوا أهل طب وإنما كانوا قوما

ماديين ل تتجاوز أفهامهم المادة إلى ما وراءها ول تصدق عقولهم بالمور الغيبية ولذلك كانت التوراة الموجودة بين أيدينا اليوم- وهي منسوخة من توراتهم المحرفة- يقل فيها ذكر المور الغيبية حتى أن الروح مفسرة فيها بالدم، ويرد أبو زهرة انتشار الفلسفة المادية بين السرائليين آنذاك إلى الفلسفة اليونية والفلسفة اليونانية اللتين كانتا تسيطران على عقولهم، ومن هنا يرى أبو زهرة أن اليات التي قرنت بها دعوة عيسى عليه السلم جاءت لبطال سلطان المادة، وتعزيز جانب الروح وهي ملئمة لجو الرسالة المذكورة فإن أولئك القوم المرسل إليهم ل يؤمنون إل بارتباط المسببات

بأسبابها ول يصدقون بإمكان النفصال بينما بسبب تأثير الفكرة المادية عليهم حتى أنهم كانوا يردون نشأة الكون إلى فلسفة مادية بحتة وذلك أنهم جعلوا حدوثه بمقتضى النظام القانوني من غير إرادة من الخالق، ومع أن هذه المعجزات كانت مقوية لجانب الروح على جانب المادة فهي أيضا مبطلة لقانون الترابط بين المسببات والسباب من تلقاء نفسها، وإنما تدل على أن ترابطهما بحكمة قوي

قاهر يدبرها ويصرفها وقد كانت ولدة عيسى عليه السلم من غير أب مع طهارة أمه وعفتها دليلعلى بطلن هذا الترابط عندما يشاء ال- سبحانه- وقوع أي أمر من غير سبب طبيعي مألوف.

ولست أجد أي مانع من الجمع بين رأي العلمة أبي زهرة ورأي العلماء الخرين الذين يرون أن رسالة عيسى كانت في وسط طب وحكمة، فإن دعوة عيسى عليه السلم كانت في القسم الشمالي من الشرق الوسط وكان نفوذ المبراطورية الرومانية ممتدا إليه، والروم كانوا أهل طب وحكمة كما هو

معروف عنهم ويدلنا على ذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم هم أن ينهى عن الغيلة لول أنهتذكر أن فارس والروم يفعلونها ول تضر بأولدهم.

وطبيعي أن تمتد الحضارة الرومانية إلى البقاع التي استعمرها الرومان ل سيما مع الحتكاك الذي يكون بين الحاكمين والمحكومين، والحتكاك نفسه هو الذي نقل إلى بني إسرائيل أن يعرفوا ما يمكن علجه بوسائل الطب وما ل يمكن هذا مع أن تلك الرض التي قامت عليها دعوة عيسى عليه السلم



هي ملتقى لحضارات متعددة عبر تاريخ طويل فل غرو إن كان أهلها على درجة من علم الطب.

الفارق بين معجزة النبيين السابقين ومعجزة القرآن الكريم

وبما أن تلك الرسالت التي جاء بها أولئك المرسلون كانت رسالت موقوتة بأزمنة محدودة فإن أثر معجزاتها كان محدودا أيضا ل يكاد يتجاوز الجيل الذي عايشها بخلف الرسالة العالمية الخالدة التي تسطع شمسها على الوجود ما بقي الدهر، وهي رسالة محمد عليه أفضل الصلة والسلم، ومن هنا

كانت معجزته خالدة خلود رسالته ل يزيدها تعاقب الجديدين إل تجددا ولقد أوضح النبي صلى ال عليه وسلم الفارق بين معجزته ومعجزات النبيين من قبله في قوله) ما من النبياء من نبي إل وقد

أعطي من اليات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه ال إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة( "رواه الشيخان وأحمد والنسائي" وقد أكرم ال رسوله صلى ال عليه وسلم بمعجزات أخرى صحت بها الروايات كنبع الماء من بين أصابعه غير أنها لم تكن في مقام

التحدي، وإنما هي إكرام من ال لعبده ورسوله صلى ال عليه وسلم أما إذا طلب قومه منه أن يأتيهم بآية فإنهم ل يردون إل إلى القرآن بدليل قوله تعالى"وما منعنا أن نرسل باليات إل أن كذب بها "

( وقوله"وقالوا لول يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الولى" ) طه/59) السراء/ ( وهذا لن ال-51( وقوله"أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم " ) العنكبوت/133

سبحانه- أراد أن يقيم دليل على صدق نبوته من نفس الرسالة التي بعث بها لتقوم حجتها على الدهر ولو كانت معجزته صلى ال عليه وسلم كمعجزات النبيين من قبله لتى عليها الدهر كما أتى على ما

قبلها وعادت نسيا فإنا ليس لنا من دليل على ثبوت تلك المعجزات إل القرآن الذي هو معجزة البد وبقية معجزاته صلى ال عليه وسلم لم نحط بها علما إل من تواتر الخبار بها بخلف القرآن فإنه

دليل نفسه إلى أن تقوم الساعة.

ثبوت العجاز القرآني



والعجاز القرآني ثابت بالعقل والنقل والتاريخ، فآيات التحدي فيه شاهدة وصريحة في دعوة المشركين إلى التيان بمثله إن كانوا صادقين بطريقة تثير حفائظهم وتلهب مشاعرهم وتؤجج

حماسهم ومع ذلك وقفوا حيارى خانعين، وطولبوا بأن يأتوا بعشر سور مثله وبسورة واحدة فقط فما الذي منعهم- وهم الذين كانوا يتلعبون بالبيان كما شاءوا ويتصرفون في أساليب البلغة كما أرادوا-

أن يحشدوا فرسان البلغة الذين ل يشق لهم غبار وأئمة البيان الذين كانوا كأنما خلقوا من مادته واستخلصت أرواحهم من روحه ليضافروا جهودهم على تلفيق سورة من مثل القرآن؟ وما الذي دعاهم إلى تشريع السنة دون إطلق اللسنة والتضحية بأرواحهم بدل من استعراض ملكاتهم لو

كانوا يحسون أنهم على مقدرة من معارضة الكتاب فيريحوا أنفسهم من هذا العنت الطويل والمحن المتلحقة أو ليس في ذلك ما يكفي دليل على هول المر الذي واجهوه وتعذر المطلب الذي طولبوا به، مع العلم أن الخصم ل يقر له قرار ول يهدأ له بال ول تطيب لـه نفس ما لم يتفوق على خصمه حتى ولو لم يتحده، فكيف والتحدي يقرع مسامعهم ويؤنب ضمائرهم، ويسفه آراءهم وما كان منهم

إل أن يصفوا هذا الصوت الذي أخرس ألسنتهم وختم على أفواههم تارة بالسحر وتارة بالكهانة وأخرى بالجنون ومع هذا فإن القرآن قد كتبت مصاحفه ونشرت في أرجاء الرض حاملة هذا التحدي،

ولو استطاع فرد أو شعب أو أمة معارضته والتيان بمثله لشتهر ذلك اشتهار القرآن نفسه ولكانتردة فعل تتمخض عن ارتداد مال يحصى عددا من اتباعه.

القرآن الكريم يتفق ومطالب كل عصر



ولقد ظل القرآن الكريم طوال أربعة عشر قرنا خلت منارة شامخة تسطع على الدنيا ل يهزها تتابع أعاصير الفكار المختلفة ول يرجها طغيان فيضانات المعارف المتنوعة التي محت كل رسم من رسوم

الفلسفات السابقة وأتت كل أثر من آثار الثقافات القديمة، بل كان ذلك كله مما يزيد برهانه وضوحا وإعجازه سطوعا، وأعجب من ذلك أن يواجه القرآن كل جيل من أجيال هذه القرون المتتابعة بما يحل مشاكله ويروي ظمأه ويشفي علله، فكأنما أنزل على كل جيل إنزال جديدا بقدر مقاييس عقله ومعايير فكره، وأطوار حياته ومطالب عصره حتى إنه ليخيل للناشئ في أي زمان وفي أي مكان أنه لم ينزل

إل ليشفي أمراض المجتمع الذي هو فيه لنه يراه كالثوب الذي فصل بقدر قامة مجتمعه، ذلك لن ال جعله نبعا نورانيا يروي كل نفس ويتدفق بكل دهر، ولعمري ما ألفاظ القرآن إل كلمات نورانية تجلت من الغيب فتألقت في أفق البيان كما تتألق النجوم في أفق الفضاء وإنما الفارق بين تلك وهذه أن تلك

تهدي البصار وهذه تهدي البصائر، وأن تلك من شأنها الفول وهذه ل تغور ول تزول، فالقرآن يصلنا بالغيب ويعكس لنا حقائق الوجود وينير لنا مهيع الحياة، ويمدنا بعطائه الذي ل ينفد بعبارات ل ترقى إليها ملكات البشر إل بقدر ما ترقى البصار إلى النجوم، وكلما حاول محاول سولت له نفسه أن يأتي

بمثله انتكس على أم رأسه وكان مثار السخرية والستخفاف إلى يوم الدين، ومن ثم أحجم كفرة قريش الماردون كعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة والوليد بن المغيرة وأبي جهل ابن

هشام عن القتراب من معارضته ولم تسول لهم انفسهم ذلك لنهم يدركون أنهم لو حاولوا ذلك لما كان منهم إل السفاف الذي يربأون بأنفسهم عنه ويأنفون من نسبته إليهم، وقد كان عند هؤلء

الكفرة الماردين من التفكير مالم يكن عند أولئك السخفاء المجانين الذي أعماهم الغرور واقتادهم الهوى إلى مهاوى المغامرات المردية كمسيلمة الكذاب، وسجاح وابن المقفع- إن صح ما حكى عنه

من ذلك- ولم يخرجوا من مغامراتهم إل بكلمات يخر منها حتى المجانين، واقترن اسم مسيلمة بلقب "الكذاب" ل ينفك عنه كأنه لم يعرف الكذب إل به .

وعندما نشأت الديانة البهائية الضالة الكافرة حاول البهائيون معارضة القرآن فألفوا مقالت لتكون – فيما يزعمون- مثل سور القرآن في الهداية والعجاز، فما كان من أمرهم إل أن شعروا بالهزيمة

والفضيحة فعادوا إلى ما ألفوه فمزقوه، وما تبقي بأيديهم من نسخ هذا التأليف حالوا بينه وبين أعينالناس خشية السخرية والستهزاء.

اعتراف الحاقدين بإعجاز القرآن



ولعل قائل يقول إن الشعور بإعجاز القرآن ناشيء عن العقيدة السلمية المتوارثة، أما غير المسلمينفقد ل يحسون بهذا الشعور.

وجوابنا لهؤلء أن عين الرضى إن كانت كليلة عن العيوب فإن عين السخط من شانها إبداء المساوئ، وقد كان العتراف بأعجاز القرآن من الحاقدين عليه ل يقل عن اعتراف المؤمنين به سواء

الذين عايشوا نزوله من الكفار المناوئين أو الذين جاءوا من بعدهم، ومن هذا القبيل ما رواه الحاكم وصححه والبيهقي في "دلئل النبوة " عن ابن عباس" رضي ال عنهما" أن الوليد ابن المغيرة جاء

إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وسمع منه القرآن، فكأنه رق له فلما عاد إلى قومه عاتبه أبوجهل وقال:له يا عم إن قومك يردون أن يجمعوا لك مال لنك أتيت إلي محمد لتعرض له .

فقال له : لقد علمت قريش أنني من أكثرها مال.

قال له: فقل فيه قول يبلغ قومك أنك منكر له.

قال لـه: وماذا عسى أن أقول فيه، إنكم لتعلمون أني أعلمكم بالشعر، رجزه وقصيده، وبشعر الجن، وإن لكلمه لحلوة وإن عليه لطلوة، وإنه لمغدق أسفلهوال ما يشبه هذا شيئا مما يقوله محمد،

ومثمر أعله، وإنه يغلب ول يغلب،وانه ليحطم ما دونه.

فلم يزل أبو جهل يفتل منه في الذروة والغارب حتى قال دعني أتفكر،ثم قال إنه لسحر يؤثر بأثره عن غيره فأنزل ال فيه:- "ذرني ومن خلقت وحيدا ...اليات..إلى قوله:- فقال إن هذا إل سحر يؤثر إن

( . 11-26هذا إل قول البشر سأصليه سقر" ) المدثر/

ومثل هذا العتراف كان من عتبة بن ربيعة عندما جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم ليعاتبه على ما كان منه من سب آلتهم وتسفية أحلمهم وتضليل آبائهم فأسمعه رسول ال صلى ال عليه وسلم أول

سورة "فصلت" فكان أثر ما سمع عميقا في نفسه، بالغا من حسه، فما كان منه إل أن جاء إلى قريش مدليا بنصيحته ليتركوا رسول ال صلى ال عليه وسلم وما يدعو إليه، ليقينه أن أمره ظاهر وحجته

بالغة وإذا كان هذا التأثير من القرآن الكريم على فصحاء العرب الذين ل يضمرون له إل الكراهية في عصر نزوله فإن تأثيره على أدباء العربية من غير المسلمين في العصر الحديث ل يقل عن تأثيره على أولئك، ولذلك لم يملكوا ألسنتهم فانطلقت معبرة عما وقر في قلوبهم من إعجازه الباهر، ومن

هؤلء " جبر ضومط" الديب النصراني الذي كان في الجامعة المريكية و"خليل مطران" و" إبراهيم اليازجي" ووالده " نصيف اليازجي" الذي نصح ابنه بحفظ القرآن لتقوية ملكته البيانية و"شبل

شميل" الذي كان كاثوليكيا ثم انتقل من الكاثوليكية إلى اللحاد وهو القائل:



وقد ذكر العلمة الكبير السيد/ محمد رشيد رضا أن كثيرا من أدباء النصارى يذهبون في لياليرمضان إلى بيوت أصدقائهم من المسلمين ليرهفوا حسهم، ويمتعوا ذوقهم بسماع آي الذكر الحكيم.

وليس العتراف بإعجاز القرآن البياني مقصورا على العرب وحدهم بل اعترف بذلك المنصفون أو بالحرى الذين حاموا حول النصاف من المستشرقين ومنهم مستشرق فرنسي رد على دعاة

النصرانية الذين زعموا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم تقترن رسالته بمعجزات كمعجزاتالنبيين من قبل، رد عليهم بما معناه:

إن محمدا كان يتلو القرآن والها مدلها خاشعا متصدعا فيفعل في جذب القلوب إلى اليمان به ما لمتفعله آيات النبيين من قبله.

حيرة العلماء في وجوه العجاز القرآني وأسراره



ومن حيث أن عظمة القرآن أسمى من مدارك الفهام حار العلماء في وجه إعجازه حتى بلغ المر ببعضهم أن ادعى أن أعجازه بالصرفة، وقد تعقب رأي هؤلء بالرد جل الذين كتبوا عن إعجاز القرآن

من المتقدمين والمتأخرين وقالوا عنهم إنهم كسالى ل يريدون أن يحملوا أنفسهم مؤونة البحث في وجوه العجاز، فلذلك اكتفوا بدعوى أن إعجازه يصرف الناس عن التيان بمثله، وقال عنهم السيد/

محمد رشيد رضا في المنار:

قد عجزوا عن إحالة قدح الفكر في استخراج أسرار هذا المر...واحتج عليهم القرطبي بالجماع لتفاق كلمة المسلمين قبل ظهور خلف هؤلء أن إعجاز القرآن بذاته وليس بالصرف عن التيان

بمثله، ورد عليهم المام أبو حيان الندلسي في "البحر المحيط" قائل: إنهم لم يتذوقوا بلغة القرآن العظيم ولم تبلغ أفهامهم شأو إعجازه وضرب لهم مثل المرأة التي رأت زوجها يواقع جاريته فلما عاتبته أنكر فقالت له إن كنت صادقا فاقرأ شيئا من القرآن فأنشدها أبياتا من الشعر ذكر فيها ال

ورسوله وكتابه فصدقته وكذبت عينيها ولم تفرق بين القرآن والشعر، وذكر عن أستاذه أبي جعفر أنرجل ممن أوتي حظا من العلوم السلمية وكان جامعا للعلوم القديمة قال له:

يا أبا جعفر إني ل أحس بفرق بين القرآن وسائر الكلم وذكر أن أحد شيوخه كان متضلعا بالمعقول وآخذا حظه من المنقول لكنه إن أراد أن يكتب فقرات بليغه كلف أحد طلبته إنشاءها وذكر عن آخر أنه كان يروي الشعر فتسقط كلمة من البيت ولربما سقط ربع البيت وهو ل يشعر باختلل الوزن، ثم قال

أين هؤلء من أولئك الذين يعرفون انكسار البيت لتسكين المتحرك أو تحريك الساكن.

ونجد العلمة أبا زهرة في كتابه "المعجزة الكبرى" يتفق مع غيره من المؤلفين في العجاز القرآني على إنكار مذهب الصرفة ولكنه يختلف معهم في تحديد سبب نشأته إذ ل يرده إلى الكسل كما يقول الخرون وإنما يرده إلى نزعة التجديد والرغبة في اتباع كل غريب، وقال إن فلسفة هؤلء تنساق

وراء الفلسفات المستوردة ل لجل أصالتها وإنما لجل غرابتها فهم عشاق لكل غريب، ومن هنا يرى أبو زهرة أن فكرة الصرفة التي قالها بعض السلميين هي وليدة فلسفة الديانة البرهمية الهندية

وذلك أن البراهمة يعتقدون أن فيدا- وهو الكتاب المقدس عندهم- ل يستطيع أحد أن يأتي بمثل الشعار والمقالت التي يجمعها ويردون ذلك إلى المنع ل إلى ذات تلك المقالت كما جاء ذلك في كتاب البيروني " ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة" فقد حكى- كما ذكر أبو زهرة- عن خاصة

البراهمة أنهم يقولون إنهم بإمكانهم أن يأتوا بمثل تلك المقالت والشعار، ولكن براهما منعهم منذلك وقد تساءل:

هل هو منع تكليفي أو تكويني؟ ورجح أنه تكويني ويرى أبو زهرة أن منشأ هذه الفكرة الغترار بمثل هذه الفلسفات المستوردة فقد أراد القائلون بالصرفة أن يطبقوا على القرآن ما قرءوه أو سمعوه عن فيدا، وأول من اشتهر بهذا المذهب إبراهيم بن سيار المعروف بالنظام وكان أول من رد عليه تلميذه

الجاحظ.

وحكى عن الشريف المرتضي من أئمة الشيعة أنه يرى رأي النظام لكنه يرد ذلك إلى جهل الناس بالعلوم التي يحتويها القرآن، ومفهوم قوله أنه لول الجهل لمكنهم التيان بمثله، ولبن حزم في كتابه " الفصل في الملل والهواء والنحل" كلم يفيد أنه يميل إلى القائلين بالصرفة، وإن تعجب فعجب أن



يجمع هذا المذهب بين المعتزلي الذي يعتمد على مقاييس العقل في العقائد والعمال بحيث يرفض النص إن خالف العقل أو يؤوله بما يتفق مع دلئله ومقتضياته، وبين الظاهري الذي هو أسير ظاهر النص ل يتجاوز نظره شكله إلى مضمونه هذا ويرى أبو زهرة أن مذهب ابن حزم الظاهري يقتضي

عدم النظر في إعجاز القرآن ما دام النص لم يأت ببيان وجه إعجازه، إذ في التفتيش عن وجوه العجاز تجاوز لحدود النص واقتحام إلى جهة النظر والقياس وهما مرفوضان في المذهب الظاهري

ومن العجب أيضا أن يرى العلمة السيد/ محمد رشيد رضا يرد في تفسيره "المنار" على مذهب الصرفة بينما نجده في مقدمته التي صدر بها كتاب "إعجاز القرآن" للستاذ الكبير مصطفى صادق

الرافعي يسوغ هذا المذهب إذ يقول:

إن القرآن قد ثبت إعجازه بالوجدان والبرهان فل يرقى إلى بيانه أي بيان ول يحيط بمقاصده تفسير، ومعرفة أسرار إعجازه تعني القدرة على استخراج هذه السرار والمقام مقام عجز مطلق...ومثل

للقرآن بالروح في الجسم والثير في المادة والكهرباء في الكون لن هذه الشياء تعرف بآثارها دون ماهيتها ومع ذلك فإن النفس تجد لذة عقلية عندما تكتشف بعض أسرارها وهكذا تشعر النفس بهذه

اللذة عندما تكتشف ناحية من العجاز القرآني.

هذا وقد أخذ الكاتبون قديما وحديثا يكشفون عما وصلت إليه أفهامهم من أسرار العجاز، وخصوصا الناحية البيانية، وقد أفرد كثير منهم هذا الموضوع بتآليف خاصة ولكن مهما قيل فإن أسرار العجاز تتجلى بين حين وآخر فلذلك كان الموضوع في كل زمن بحاجة إلى دراسة جديدة وأرجوا أن أوفق في

هذه النبذة الوجيزة ليضاح جوانب من وجوه العجاز وال ولي التوفيق.

العجاز البياني : التأثير النفسي للقرآن الكريم على العرب ونتائجه



لقد أنزل ال القرآن الكريم على النبي العربي صلى ال عليه وسلم بلغة العرب بعدما هذبتها اللسن وارتقت بها إلى أوجها الشامخ وكأنما كان كل طور من الطوار التي مرت بها تمهيدا لوصولها إلى

هذا المستوى الرفيع حتى تتهيأ لن تكون وعاء لكلم ال سبحانه والعرب عندما بعث النبي صلى ال عليه وسلم كانوا أرسخ في الضللة قدما وأعمى عن الحق قلبا، قد استولت على عقولهم العقائد

الفاسدة واستحكمت في نفوسهم العادات السيئة، فأصبح ذلك كله جزءا من طبيعتهم بحكم تأثير العامل الوراثي ومع هذا فقد كانوا يتصفون بحدة الذهن وصفائه ودربة اللسان وملكته فلذلك كانوا أقوى

الناس على تصور الحقائق من العبارات كما كانوا أقدرهم على تصويرها لن الفصاحة قد ترسخت في نفوسهم وطبعت عليها ألسنتهم واعتاد الجم الغفير منهم على مساجلت البيان شعرا ونثرا كما يحدث

ذلك في عكاظ وذي المجاز وغيرهما ولم يقفوا أبدا موقف الهيبة والقلق من خوض معركة الكلم، فلو كان القرآن الكريم من جنس ما ألفوا من الكلم في جزالته وتأثيره وعمق معناه لكان بإمكانهم أن

يحشروا من جزيرة العرب عشرات اللوف أو مئاتها من الشعراء النوابغ والخطباء المصاقع الذين محصتهم البلغة ومحصوها فأصبحت سيماهم التي يميزون ومفخرتهم التي بها يباهون غير أنهم

أدركوا بحسهم المرهف أن لهذا الكلم روحا ل توجد في كلمهم وسلطانا ل تجد النفس أمامه إل أن تستسلم وتنقاد وعمقا يصل إلى الفطرة النسانية فيوقظها من نومها ويصفيها من كدرها فل تجد

الفطرة مناصا عن التسليم لما يوحى به إليها والستجابة لندائه الذي يحولها إلى آلة سمع حساسة فلم يكن لديهم في وجه هذا البيان المدهش إل تجاهل ألسنتهم لما تحس به فطرهم وإنكارها للثر الذي

يشعرون به من أعماق نفوسهم، فكانوا أشد عنادا من الذي يكذب حسه وينكر نفسه.

وقد تستعلي أحيانا الفطرة على عنادهم فل تملك ألسنتهم إل العتراف بما للقرآن من أثر في نفوسهم كما حدث للوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة اللذين لم يملكا إل أن يصرحا بما يجيش في صدورهم أما

الذين تجردوا من هذه المكابرة فلم يكن منهم إل أن سلموا تسليما بمجرد ما قرع صوت القرآن مسامعهم إذ لم يقف حتى نفذ إلى أعماق وجدانهم كما كان من خبر أنيس وأبي ذر )رضي ال عنهما( ومثله ما وقع لعمر بن الخطاب رضي ال عنه بعد عدائه المستحكم للدعوة التي يرفع القرآن لواءها فإنه بعد قسوته البالغة على أخته وزوجها رق قلبه بعد قسوته عندما تل الصحيفة التي سطرت فيها

آيات بينات من الكتاب فأحس بروحها تسري في روحه وكأنما أخذت عليه مسالك نفسه فاستجاب لندائها وأسلس لها القياد وكانت منه تلك النقلة السريعة من الجهل إلى العلم ومن الكفر إلى اليمان ومن الغلظة إلى اللين ولم يكن أحد من قريش ينكر هذا التأثير النفسي للقرآن ولذلك كانوا يتواصون

بالتصامم عنه واللغو فيه خشية أن ينفذ إلى قلوبهم فتنجذب إليه وإلى عقولهم فتنقاد له.

وهذا الذي ذكره ال عنهم في قوله"وقال الذين كفروا ل تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون" ( ومع هذه المحاولت المختلفة لطفاء نوره وإخفات صوته فقد تألق ومزق بسطوعه26) فصلت/

ظلمات الجاهلية فما لبثت جزيرة العرب أن تحولت برمتها إلى السلم، كل ذلك في ظرف عقدين من السنين وهو أمر غريب في تاريخ الدعوات ومن درس تاريخ المم وحركات الصلح أدرك أن هذا

التحول ليس من مألوف البشر بل دعوات المرسلين السابقين لم يكن لها هذا الثر في المم وإن كانت مقترنة بمعجزات حسية والقرآن نفسه يقص علينا نبأ نوح الذي لبث في قومه ألف سنة إل خمسين

عاما يدعوهم إلى ال ويخوفهم عقابه فما كان منهم إل أن أعاروه آذانا صما ونبزوه باللقاب ورموه بالسخرية وموسى عليه السلم الذي شق لـه البحر شقا فجازه مع نبي إسرائيل ما كاد قومه يستقرون

( " وقالوا لن نؤمن لك138بعد اجتياز البحر حتى قالوا لـه"اجعل لنا إلها كما لهم آلهة" ) العراف/



( وظل يعاني منهم عنتا طويل مع كل اليات التي تتجلى لهم وبقوا55حتى نرى ال جهرة " ) البقرة/ في التيه أربعين عاما حتى نشأ جيل آخر لم يتلوث بما تلوث به ذلك الجيل العنيد وهذا يدلنا على نقل

أمة من طبيعتها في جيل واحد ليس من المور المألوفة ول يكون إل بمدد غيبي من عزيز حكيم.

تحول العرب من حياة الجاهلية إلى السلم

وقد كان تحول العرب في هذه المدة القصيرة من حياة الجاهلية إلى السلم تحول جذريا عميقا فقد انسلخوا من كل عقائدهم والعبادات والخلق والعادات التي كانوا عليها، حتى ليحسبهم النسان أنهم

أنشئوا نشأة أخرى أو أن دورة الزمن دارت عليهم فنشرتهم- بعد ما طوتهم- بأرواح غير أرواحهم وفطر غير فطرهم أو أن هذا القرآن الذي طهرهم من تلك العقائد الزائفة والخلق المذمومة والعادات

السيئة بدأ يسري في نفوسهم منذ قرون طويلة ينتقل معهم في أصلب الباء أبا بعد أب وكان على موعد منهم للخروج إلى عالم الشهود بعد أن صفاهم بنوره وطهرهم بسره فظهر كل منهم وكأنما هو

نسخة من هدايته، ولم يكتف أولئك القوم بنقلتهم هذه من الجاهلية إلى السلم وإنما شعروا بعظم المسئولية في واجب الدعوة إلى ال فانطلقوا في أرجاء الرض وكأن كل فرد منهم رسول إلى أمة فما

أسرع هذا التحول العجيب كيف كانوا بالمس القريب يحاولون طمس نور هذه الدعوة وإسكاتصوتها واليوم هم الذين يرفعون لواءها ويشقون بها كل طريق وعر ويذللون بها كل عقبة كئود.

الختلف في معرفة السر العجازي للقرآن الكريم



ونحن إذا أردنا أن نستجلي هذا السر العجازي في هذا القرآن شعرنا أننا إزاء خضم زاخر ل تستطيع القتراب منه، وأمام نور ساطع ل نقدر على فتح أبصارنا عليه، فالحقيقة القرآنية المطلقة أوسع من أن تحيط بها العقول البشرية المحدودة وإنما يتحدث كل إنسان بحسب ما أوتي من قوة فقدر على مد البصر إلى هذا النور الغيبي الباهر، ولذلك نجد الذين حاولوا الكشف عن هذا السر العجازي سلكوا

طرائق قددا منهم من رد العجاز إلى اللفاظ ومنهم من رآه من سر المعاني ومنهم من جعله من خصائص النظم الذي ينتظم المعاني واللفاظ والذين نظروا إلى اللفاظ منهم من رد العجاز إلى سر

التآخي بين الكلمات والتناسق بين الجمل ومنهم من راعى مع ذلك التناسب بين الحروف وفنية تركيبها بحسب مخارجها وصفاتها وإيحاءاتها وهذا الختلف بينهم قديم قدم الخوض في بيان إعجاز

القرآن يتضح مما كتبه الكاتبون في ذلك ابتداء بأبي عبيدة معمر بن المثنى والجاحظ والواسطي والرماني والخاطبي والعسكري والبقلني والخفاجي والجرجاني والزمخشري، ومرورا بالقاضي

عياض والرازي واليماني والسيوطي واللوسي، وانتهاء بالمام محمد عبده والسيد/محمد رشيد رضا والرافعي وأبي زهرة وعبد الكريم الخطيب ومحمد حفني شرف وشهيد السلم سيد قطب، ومنشأ الختلف تردد النظر بين المعاني واللفاظ فمن نظر إلى تلطم مبانيه بأنوار معانيه وقع في قرارة

نفسه أن معانيه منساقة للفاظه ثم ل يلبث إذا أمعن الفكر فيبقى مترددا بين انجذاب المعاني لللفاظ أو انجذاب اللفاظ لها، وهذا الترداد الطويل الذي يدأب عليه الفكر بين اللفاظ الساطعة والمعاني الجامعة يؤدي في النهاية إلى وقوفه بعد إعيائه عند نقطة معينة راجيا أن تكون هي الحقيقة المطلوبة والغاية

المنشودة.

القرآن الكريم يقدر الجانب العقلي والجانب العاطفي من النسان

ولعمري إن الذي يتجاذبه جمال المبنى وسمو المعنى في آيات القرآن ل يملك إل أن يسلم تسليما ( وقبل الحديث عن53ويقول"ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين" ) آل عمران/

بلغة القرآن بجمل الحديث عن بلغة القرآن بجعل الحديث عن أصل البلغة والذي أراه أن البلغة ل تكون إل بعمق التصور وفنية التصوير، فإن المعاني ل تحيا في العبارات حتى تحيا في النفس ولذلك

استحسن قول الخطل:-



وهذا يعني أن تترتب المعاني في الذهن بتصور عميق فإذا فاضت بعد على اللسان أو القلم خرجت مترتبة بحسب ترتبها في الذهن فتتمثل أمام السامعين أو القارئين وكأنما هي مشاهد حية وصور

ماثلة، وبهذا أمكن للبليغ أن يحول المعاني الذهنية والنفعالت النفسية والمشاهد الغائبة إلى حقائق مرئية وأمور محسوسة، وإذا كانت هاتان الصفتان هما منشأ بلغة البلغاء فإن القرآن الكريم- وهو

كلم الخالق سبحانه الذي ل تخفى عنه خافية والذي يهب النفوس القدرة على التصور ويمنح اللسنة موهبة التصوير- لجدر بأن يكون أعلى طبقة من كل بلغات البلغاء وأوفى دللة وأغرز معنى وأعمق أثرا وأسمى مقصدا وأرصن لفظا لنه صادر عن العليم بكل شيء والقدير على كل شيء ومن هنا كان

القرآن الكريم يقدر في خطابه للنسان الجانب العقلي والجانب العاطفي منه...وهذا مما يميزه عن سائر الكلم، ذلك لن إمتاع العاطفة بالحديث العاطفي وإقناع العقل بالكلم العقلي وبقدر ما يكون

المتكلم واقعا تحت تأثير أحد هذين المرين يكون متحررا من تأثير المر الخر، فحكمة الحكماء نابعة عن العقل ول أثر فيها لسلطان العاطفة وشعر الشعراء من وحي العاطفة ول أثر فيه للعقل ولذلك كان

في كلم الحكماء إقناع العقل وفي كلم الشعراء وإمتاع العاطفة فلو أمعنت النظر في قول الحكماء:

"الحكم على الشيء فرع تصوره" لوجدته ينجذب إليه عقلك انجذابا لنها حقيقة ل يماري فيها العقل لكنك ل تجد في قولهم هذا ما يحرك ما سكن من مشاعرك أو يؤجج ما خمد من عواطفك، ولو طرق

سمعك قول امرئ القيس:-

"قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل" لوجدت نفسك تفيض مشاعرها وتتحرك أوتار شعورها حتى ليكاد قلبك ينخلع من بين جنبيك فيطير مما استهواه من كلم يتدفق بفيض عاطفي لكنك لو فتشت من بين

هذا الكلم عن حقيقة تقدمها غذاء لعقلك فإنك لن تعود بشيء إل بما يعود به الظمآن الذي يلحق السراب ول تكاد تجد في كلم الناس ما يجمع بين طلبة العقل ومتعة الوجدان في آن واحد أما القرآن الكريم فبما أنه كلم ال المنزه عن النفعالت والتأثيرات الذي وجهه إلى الفطرة النسانية فهو يجمع في ثنايا عباراته بين ما يمتع الذوق ويرهف الحس وبين ما يغذي العقل ويرضي الضمير سواء كان خطابه في المر والنهي أو في الوعد والوعيد أو في القصص والمثال أو في الوعظ والتذكير، فلو

نظرت مثل إلى قول الحق سبحانه"الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل ال البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه

(275فانتهى فله ما سلف وأمره إلى ال ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" ) البقرة/ لوجدت من الحقائق التي ل يكابر فيها إل من كابر عقله مع ما تجده من جمال التعبير ودقة التصوير

مما يمتع ذوقك ويحرك شعورك ويبعث الكامن في وجدانك وانظر أيضا إلى قول ال سبحانه: "ول ( تجد ما يجمع لك بين طلبة8يجرمنكم شنآن قوم على أل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " ) المائدة/

عقلك ومتعة عاطفتك في هذه الكلمات القليلة ولو أن ألسنة الثقلين أديرت على كلم يجمع ما بين هذا المعنى الغزير وما اقترن به من جمال التصوير ولطافة التعبير وسلسة السلوب وسلمة التركيب لم

يتأت ذلك أبدا إل في هذه الحروف بعينها وبنفس هذا الترتيب وقل مثل ذلك في مطلق اليات بغيراستثناء.



دقة التصوير القرآني دليل على أنه ممن أحاط بكل شيء علما



وإذا أخذت تفكر فيما يجليه القرآن من معان ذهنية وحالت نفسية ومشاهد غائبة وأدركت من دقة تصويره لها عدم إمكان صدور هذا البيان إل ممن أحاط بكل شي علما فانظر إلى قول ال تعالى في المرائين الذين ينفقون أموالهم لكسب المحمدة والثناء من الناس " فمثله كمثل صفوان عليه تراب

( تشاهد هذه الصورة264فأصابه وابل فتركه صلدا ل يقدرون على شيء مما كسبوا" ) البقرة/ وكأنما هي ماثلة أمامك صورة الحجر الصلد الذي غطته طبقة خفيفة من التراب قد يظن أنه منبت فإذا أصابه الغيث ورجى خصبه ونباته إذا به يأتي على هذا التراب فيمحوه ويكشف عن هذا المنظر الكريه من الحجر فينقطع الرجاء من منفعته ويستحكم اليأس وتقابل هذه الصورة صورة مغايرة لها ضربها

ال مثل للذين ل يريدون بإنفاقهم إل وجه ال ول يبتغون إل مرضاته وهي في قوله"ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة ال وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها

( فانظر كيف يصور لك هذا الوصف بهذه الصورة265ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل " ) البقرة/ المحببة إلى النفس صورة جنة عالية على ربوة أرضها خصبة من طبيعتها النبات إن أصابها وابل ضاعفت إنتاجها وإن لم يصيبها وابل كفاها الطل لجودة الرض وخصوبة المناخ وهكذا تتجلى هذه

المعاني الذهنية المختلفة بين الذين يراءون الناس والذين ينفقون ابتغاء مرضاة ال في هذا التصويرالذي يوحي بما بين هاتين الطائفتين من البون الشاسع.

وتأمل قول ال تعالى"الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ( تشاهد هذا المنظر الكريه كأنما هو ماثل أمام ناظريك منظر رجل يطمح إلى القيام275" ) البقرة/

وكلما حاوله اعتراه من مس الشيطان ما يكبه على وجهه تارة ويلقيه على ظهره تارة أخرى، وتجد المشاهد الغائبة المألوفة وغير المألوفة تتمثل بين يديك إذا تلوت القرآن وسمعته فتأمل قصة أصحاب

الجنة التي جاءت في سورة القلم تجد نفسك كأنك بينهم وداخل في أعماق نفوسهم تستجلي منها حالتها وتتأمل انفعالتها وانظر في قول ال سبحانه"ويوم يحشر أعداء ال إلى النار فهم يوزعون

حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا ال الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ول أبصاركم ول جلودكم ولكن ظننتم أن ال ل يعلم كثيرا مما

( تجد نفسك كأنها واقفة أمام هذا المشهد الرهيب الذي لم يؤلف له نظير22، 19تعملون" ) فصلت/ مشهد الخصام بين النسان وجوارحه التي تسجل عليه أعماله لتعلنها عليه في ذلك اليوم هو أحوج ما يكون فيه إلى الستر، وتحس كأنك تسمع بأذنيك ما يدور من نقاش بين الجوارح وصاحبها وما تقطع به الجوارح هذا الحوار وتستأصل به هذا النقاش إذ تعلن أن ال هو الذي أنطقها وهو الذي

أنطق كل شيء بما جعل لـه من أسباب البيان وهو الذي خلق هؤلء أول مرة وإليه يرجعون فلم يبق ما يبعث على التعجب من نطقها وتأمل قول ال تعالى "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها

فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الرض واتبع هواه فمثله كمثل ( تجد نفسك أمام صورة حسية176، 175الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث " ) العراف/

لرجل أكرمه ال بما آتاه من آياته فصارت لـه لباسا جامعا بين الجمال والجلل ولكنه خلع ما ألبسه كالذي ينشق عن جلده فأتبعه الشيطان فأزاغه عن الصراط السوي الذي كان يهتدي إليه بما أوتيه من آيات والتصق بالرض ظانا أن التصاقه بها سبب الخلود فيها، ويتصور لك من قوله بالرض ظانا أن التصاقه بها سبب لخلوده فيها، ويتصور لك من قوله"واتبع هواه" إن الهوى أمامه وهو يعدو خلفه، كما تتصور لك تلك الحالة النفسية التي تجعله دائم اللهث من قوله"فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه

يلهث أو تتركه يلهث" وبالجملة فإن أي آية تتأملها من القرآن تجد فيها ما يملك شعاب نفسك



ويستهوي شعورك، من تصوير للحقائق وتجسيد للمعاني يجعلنك تلمس المعاني كالمحسوساتوتبصر الغائب كالشاهد.

ألفاظ القرآن ومعانيه من أسرار العجاز البياني

ولعلك إذا قلبت النظر بين ألفاظ القرآن ومعانيه تجد إعجازه يشع عليك منهما معا، فتترتب حروفه بما لها من صفات وإيحاءات وتناسق كلماته بما لها من شعاع يتألق من رصفها وترتيبها وتساوق

المعاني التي تسابق إلى النفس وقع ألفاظها في السمع كل ذلك من أسرار العجاز البياني في القرآن فقد قدر في ترتيب حروفه مخارجها ونبراتها وصفاتها وما يوحي به كل حرف من أثر في النفس كما قدر في ترتيب الكلمات التناسق العجيب بحيث تكون كل كلمة منها لقف أختها فل تجد ما بينها ما ينبو

إذ وصف كل حرفعنه السمع أو ينفر منه الطبع، وما أجمل وصف الستاذ الرافعي لحروف القرآن وما أروع المثل الذي ضربه للقرآن حيث جعل مثله مثلمنها بأنه يمسك الكلمة ليمسك بها الجملة،

نظام الكون في ترتيبه الدقيق وتناسقه العجيب بكل ما فيه من الذرة إلى المجرة، وإذا كان الستاذ الرافعي يراعي في هذا المثل الشبه بين نظام القرآن ونظام الكون في تناسقهما فإن هناك وجها آخر للشبه بينهما وهو ما يستجلي بين حين وآخر من أسرار آيات ال الكونية وآياته القرآنية سواء ما

يتعلق ببيان القرآن المعجز أو معانيه الباهرة ولنعد إلى ذكر بعض المثلة لما ذكرنا....

من مميزات التعبير القرآني



يقول تعالى مصورا عاقبة نوح وما أصابهم من الغرق"وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي ( إن كل من44وغيض الماء وقضي المر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين" ) هود/

أوتي نصيبا من الذوق والحس يشعر بتلوة هذه الية إن تلها أو تليت عليه بهاجس نفسي يستوقفه عند كل كلمة بل عند كل حرف منها وما ذلك إل لما فيها من دقة الترتيب وجمال التنسيق بين

الحروف وبين الكلمات وما يصحب ذلك من ترتب المعاني وتساوقها فكان كل حرف منها لـه إشاعة الخاص ويبدأ تجلي ما فيها من جمال وجلل بتصدير الية بالقول مبنيا للمجهول :وقيل" وما ولي ذلك

من نداء الرض باسمها الصريح بنا من أحرف النداء دون غيرها وأمرها بأن تبلغ الماء وإضافة الماء إليها وإتباع نداء الرض بنداء السماء بنفس الداة وأمرها بالقلع وإظهار النتيجة وهي غيض الماء وقضاء المر بصياغة فعل مبني للمجهول من كل منهما واستواء السفينة على الجودي وإعلن النهاية وهي بعد القوم الظالمين، ولو أن حرفا من هذه الحروف انتزع من مكانه لم يسد غيره مسده وبهذا يظهر أن البلغة كما تكون في الجمل تكون في المفردات أيضا مع الترتيب وإن كانت الكلمات

المفردة ل يتجلى جمالها ول يسطع ضياؤها إل إذا قرنت بما يناسبها بحيث تكون كل واحدة منها آخذة وإن شئت فانظر في قوله تعالى"والصبح إذا تنفس" )بحجزة أختها بحسب ترتب المعاني في النفس،

( تجد من الروعة والجمال باجتماع كلمتي الصبح والتنفس ما ل تجده لو جيء بأي كلمة18التكوير/ لتوضع مكان إحدى الكلمتين بهذا التأثر فإن كلمة الفجر إذا تنفس لم تخالط نفسك هذه الروعة ولم

تحس بهذا التأثر فإن كلمة الفجر وإن كانت رديفة لكلمة الصبح فهي تختلف معها في الشتقاق لنها مشتقة من النفجار وهذا يعني أن الفجر أول سطوع ينشق عنه ظلم الليل والصبح مأخوذ من

الصباح وهو سريان الضوء لتمزق رداء الظلم الذي يجلل الفضاء ولذلك كانت كلمة الصبح هنا أليق وأنسب من كلمة الفجر لقترانها بذكر التنفس والتنفس دليل الحياة لنه عبارة عن جذب النفاس إلى داخل الجسم وإخراجها منه وبدخول النفاس في الجسم تعطي الجسم مادة الحياة وخروجها استمرار للحياة وهذا ل يناسب ذكر الفجر كما يناسب ذكر الصبح لما تصوره جملة "والصبح إذا تنفس" من ذلك المشهد الذي ينساب فيه ضوء الصباح في الفضاء فيطوي رداء الظلم وتسري الحياة في عالم الرض فتغني الطيور وتحيا الحركة إذ ترى الناس بين آت وذاهب يغدون إلى أعمالهم والحيوانات

تنطلق من مرابضها ساعية وراء رزق ال، والشجار تستقبل أزهارها وأوراقها هذا الضياء استقبال العاشق لمعشوقه، ومثل ذلك قل في تناسب جميع الكلمات وتآخيها انظر إلى قوله تعالى"وكذلك أوحينا

إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط ال الذي له ما في السماوات وما في الرض أل إلى ال

( تجد هاتين اليتين مسبوقتين بذكر الوحي وكيفيته في قوله53، 52تصير المور" ) الشورى/ تعالى"وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا أو من وراء حجاب....الية" وهنا وجه الخطاب بأسلوب اللتفات إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم في قوله "وكذلك أوحينا إليك" يعني أنه سبحانه أوحى إلى عبده محمد صلى ال عليه وسلم بنفس الطريقة التي كان يوحي بها إلى النبيين من قبل ولم يقل عز من قائل وكذلك أرسلنا بدل من أوحينا لما في اليحاء من معنى لطيف فهو يدل على الخفاء الذي

ل يدل عليه الرسال.

والوحي إلى النبيين يكون بطريقة خفية بحيث ل يشعر من حولهم بما أوحي إليهم به وبين سبحانه أن الموحى به روح من أمره والروح أنسب بالوحي لما في الروح من اللطف والخفاء ويظهر أن الرجح تفسير الروح هما بالقرآن ل جبريل فإن الموحى به هو القرآن وحمله على جبريل- كما يقول كثير من

المفسرين- ل يتأتى إل إذا فسر أوحينا بأرسلنا وبين- سبحانه- في الية أن الروح الموحى به من



أمره فل دخل لهواء الناس ونزعاتهم فيما أوحي به ول تأثير لشيء عليه وفي التعبير بالروح أيضا ما يشعر بأن الموحى به سبب للحياة، كما أن الروح التي تنفخ في الجسم سبب لحياته، وإنما حياة

الناس بالروح الموحى به حياة معنوية فهي حياة العقول والفكار وحياة المشاعر والحاسيس ثم أتبع ذلك قوله"ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان" لظهار المنة على النبي صلى ال عليه وسلم الذي أكرمه ال بالوحي وهداه به ولم يكن يقرأ قبله من كتاب ول يعرف تفاصيل اليمان وإن وقر مجمل

اليمان في قلبه، إذ لم تؤثر حياة الجاهلية على عقله ول سلوكه ثم تل ذلك قوله "نهدي به من نشاء من عبادنا" لبيان أثر القرآن فهو نور من ال يشرق على العقول فيهديها ويطوي من النفس ظلمات

الطبع ثم بين- تعالى- تشريفه لرسوله صلى ال عليه وسلم بجعله هاديا إلى صراط مستقيم يهدي ببيان ما أنزل إليه من الكتاب يفصل مجملته ويوضح مبهماته وينشر طواياه فانظر إلى هذا التناسق بين الكلمات والتساوق في المعاني وما تجده من لذة وقع الكلمات في سمعك وأثر معانيها في نفسك، وتجد التآلف بين الحروف كالتآلف بين الكلمات وخذ مثل قوله تعالى عن أخوة يوسف"قالوا تال تفتأ

( تجد تصدير المحكى عنهم85تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين" ) يوسف/ بالقسم ولم يكن القسم بالباء أو الواو وإنما كان بالتاء وهي مقرونة بما يضاهيها من الحروف والكلمات في الشدة والندره، منها كلمة "تفتأ" التي تكررت فيها التاء وتلتها الهمزة وهي من

الحروف الشديدة أيضا، وجردت تفتأ من ل النافية لتخلص الشدة في التركيب ثم جاءت كلمة "تذكر يوسف" وتذكر فيها حرفان من حروف الشدة وهي التاء والكاف، ثم جاءت جملة"حتى تكون حرضا"

في هذا الموضع لتتم ندرة التعبير فإنها مع ثقلها نادرة الوقوع، وهذا التعبير القرآني يعكس الحالة النفسية التي كان عليها المحكى عنهم فإنهم كانوا يشعرون كلما طرق ذكر يوسف مسامعهم أو خطر على قلوبهم ببشاعة جريمتهم فتتصور لهم في سويداء قلوبهم وتتمثل لهم أمام سواد أعينهم وتجرد

لهم ضمائرهم سياطا من الملمة تلذعهم بوقعها في نفوسهم، فقد جنوا على أبيهم الشيخ الكبير الحاني وعلى أخيهم الناشئ الصغير الضعيف وهم يرغبون في التخلص من الحراج الذي يواجهونهكلما دار اسم يوسف على لسان ل سيما لسان أبيهم الذي ل ينفك عن ذكره ول تبارح نفسه ذكراه.

فل غرو إذ جئ بمثل هذه الكلمات الشديدة النادرة في الحكاية عنهم، وقل مثل ذلك فيما حكي عنهم من ( فإن الحكاية73قولهم"قالوا تال لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الرض وما كنا سارقين") يوسف/

قسمهم بالتاء تعكس انفعالهم وكذلك ما ذكر عن إبراهيم عليه السلم من قوله"وتال لكيدن أصنامكم ( فإن المقام مقام غضب وانفعال من أبي النبياء إبراهيم عليه57بعد أن تولوا مدبرين" ) النبياء/

السلم بسبب تعنت قومه في الكفر وإصرارهم عليه واتخاذهم النداد ل سبحانه.

سر ميزة التعبير القرآني



كيف تكون هذه الميزة للتعبير القرآني؟ وكيف يعجز العرب عن التيانوقد يتساءل بعض الناس مع أنه لم يأت بجديد من الحروف والكلمات فحروفه هي حروفهم التي ألفوها وكلماته هيبمثله؟

كلماتهم التي عرفوها وأرى أن ترك الجابة هنا للباحث الكبير الدكتور محمد دراز الذي أجاب عن بأن صنعة البيان كصنعة البنيان، فالمهندس الماهر ل يأتي بمادة جديدةمثله في كتاب "النبأ العظيم"

في البنيان ولكن يظهر تفوقه بحسن التصميم وباختيار النوع الجيد من مادة البناء وترتيبه للغرف والبهاء حتى تتسع المساحة الصغيرة من الرض لكثير من الحجر التي لم تكن لتتسع لها لول حسن

الترتيب وحتى يتخللها الضوء والهواء إلى غير ذلك من نحو خفة السقف ومتانة السس، فكذلك يكون التفاوت في صنعة البنيان في جودة المعاني وترتيب الكلمات وإل فالحروف هي الحروف

أن التفاوت بين، وأريد أن أضيف إلى ما يقوله العلمة دراز شيئا آخر وهو والكلمات هي الكلمات صنعة- تفاوت ل تمكن معه المقارنة فالناس يصنعون من مادة التراب أنواع الوعية الخزفية والجر وسائر المصنوعات المألوفة وهي كلها من أنواع الجمادات الميتة وال تعالى صنع من التراب نفسه النسان وجميع عناصر التراب موجودة في جسمه وقد نفخ ال فيه من روحه فسرت الحياة إلى كل خلية من خلياه وجعل فيه من الغرائز والطبائع والحاسيس والفكار ما يؤهله لن يكون خليفة في

الرض، وجعل فيه من عجائب التكوين ما يبهر الباحثين فجسمه يشتمل على مليين المليين من الخلياء ولكل خلية وظيفتها ولكل خلية مطالبها التي هيأها ال تعالى لها، وهكذا مثل الفارق بين كلم

ال وكلم الناس فالحروف هي الحروف والكلمات هي الكلمات ولكن لكلم ال روح تميزه ليست في كلم الناس، وبسبب هذه الروح كان هذا القرآن يسري في نفس أي إنسان سريان الروح في الجسم

والضوء في الفضاء والماء في الشجر.

ويتميز القرآن عن كل كلم بأنك ل ترى فيه أثرا للسأم ول تجد فيه ما يشير إلى الملل ولذلك ل تستطيع أن تفاصل بين عبارة وأخرى منه فهو كنهر من النور كل حرف منه لمعة نورانية ساطعة

بينما كلم الخلق تظهر فيه بـأحدهم جواد البيان فترى في كلمه السفاف الذي ل يقارن ببليغ كلمه فهذا امرؤ القيس من نوابغ شعراء الجاهلية تجد له كبوات في شعره ومثله المتنبي من كبار شعراء

المولدين وقل مثل ذلك في جميع الشعراء والخطباء والكتاب بدون استثناء.

عجز العرب عن الطعن في القرآن أو معارضته



وقد ترصد العرب للقرآن وأمعنوا النظر في حروفه حرفا حرفا علهم يجدون ما يأملون من مطعن، ولكن وجدوا كل جملة تبهرهم بتركيب كلماتها وتناسق حروفها وتآخي معانيها وجمال تصويرها

وسعة مدلولها بحيث ل تبقى خاطرة تخطر بالنفس إل وقد استوفتها في الدللة، والناس مهما أوتوا من ملكة البيان فبيانهم ل يفي بما في نفوسهم من التصورات فقد تتناسق في نفس أحدهم المعاني

الكثيرة فإذا جاء يعبر عنها أخفق في التعبير وجاء بيانه دون ما يرمي إليه وهذا لن فنية التصوير تكون دائما وأبدا أقل من عمق التصور وهذا أمر مشترك بين جميع البلغاء ل فرق فيه بين العرب

(.صوت النفس وصوت العقل وصوت الحسوغيرهم، وقد قسم أحد الكاتبين الكلم إلى ثلثة أقسام )

هو الكلمة التي تخرج حاملة معها نبرات حروفها مع ما توحيه تلك الحروف باختلففصوت النفس مخارجها وتعدد صفاتها من إيحاءات خاصة فهذه الكلمة هي خطوة من خطوات المعاني تتقدم بها إلى

النفس.

هو ما يشد النسان ويثير انتباهه من معان تؤدي بالعبارات البليغة التي تصل إلىوصوت العقل موضع القناع من العقل والوجدان من القلب.

هو أعمق أثر وأقوى تأثيرا من ذلك كله وهو أن يستولي الكلم على حس النسانوصوت الحس استيلء يجعل النفس تشعر أنها منساقة إلى هذا التعبير انسياقا ل تملك دفعه وتنجذب إليه انجذابا ل

تستطيع تصوره ول تصور أسبابه، ذلك لما في الكلم من روح غيبية فوق مدارك الفهام وهذا الصوت إن وجد في كلم الناس فهو نادر الوقوع ول يكون إل في كلمات معدودة أما أن يكون في جميع الكلم أوله وآخره فهو لم يعهد إل في القرآن وحده، فكل حرف من حروفه تسري فيه هذه

الروح الغيبية فتجعله نابضا بحياة ل توجد فيه لو أزيل من موضعه ووضع في أي موضع من كلم بلغاء البشر، وبهذه الروح التي يتميز بها القرآن مل قلوب العرب سر إعجازه فكان هذا العجاز

راسخا في قرارة كل نفس من نفوسهم وإن أنكروه بأطراف ألسنتهم وكان هذا الحساس ل ينفك عنهم فلو حاولوا أن يأتوا بأي كلم آخر ليعارضوه به لشعروا بذلك الحساس يسد عليهم مسالك التعبير ولو استطاعوا ترتيب المعاني الذهنية في نفوسهم بعمق تصورهم وسعة خيالهم لخانتهم ألسنتهم وتعثرت في نهج البيان وإذ عجز العرب- الذين كان البيان سجية من سجاياهم- عن معارضته فمن بعدهم من المولدين أوغل في العجز وإن تعمقوا في دراسة سر البيان واستجلوا لطائف التعبير إذ ليس التطبع

كالطبع "ليس التكحل في العينين كالكحل".

ولو حاول ذلك لبدا لهم عجزهم من حيث يتخيلون قدرتهم فلو اشتغلوا بالحروف ينظمونها مع رعاية مخارجها ونبراتها وإيحاءاتها لفاتتهم المعاني وجاءوا بكلم ل يجدون له معنى، ولو اشتغلوا بالمعاني وتحرروا من التقيد بأسلوب القرآن لوجدوا الطباع نافرة عن تقبل ما يقولون مع العلم أن الكلم البليغ

ل يوجد في فقرات قصيرة إل في بعض المثلة التي تضرب وتأثير هذه المثلة في النفس موقوف على شرحها وبيان المناسبات التي قيلت فيها وأين ذلك كله من كلم ال الذي تجد الفقرة منه تغوص

في أعماق النفس فتمتلك لبها بمجرد وصول حروفها إلى السمع.

ولم أكن أظن أحدا من الناس وإن غلظ طبعه ل يحس بالفارق بين القرآن وغيره إذا تليت آية منه في وسط أي كلم مهما بلغ من شأو في حسن التركيب وجزالة المعنى وقد سمعت أن امرأة أوروبية ل



تتفقه العربية أصغت إلى خطيب عربي كانت تتخلل خطبته آيات من القرآن فأخبرت الخطيب أنها شعرت بكلم من غير جنس كلمه يتخلل عباراته فأخبرها أن ذلك هو القرآن، وما أعجب إل من حال

الذين حرموا من هذا الذوق فل يحسون بالفرق بين القرآن وغيره مع معرفتهم باللسان العربيوانطلق ألسنتهم به.

من دلئل العجاز في التعبير القرآني

ومن دلئل العجاز في عبارة القرآن تميزه عن غيره من الكلم البليغ بكثرة الحتمالت فإن كلم البشر كلما كان أبلغ كان أدل على المطلوب وأبعد عن الحتمالت ولكن القرآن بما أنه صوت الغيب الموجه إلى مسامع الدهر يعي كل زمن من أزمنة الدهر من معانيه بقدر ما يكون فيه من مقاييس

الفكر وتطورات العلم ومن ثم تجد النسان في كل عصر يشعر إذا تل القرآن أن حقائقه تتجلى أكثر ما تتجلى في العصر الذي هو فيه فتجد العرابي البدائي الذي ما كان يتخيل المراصد الجوية ول درس

شيئا من الهيئة الكونية إذ تل قول ال تعالى"وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ل الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ول الليل

( يتصور منه المعاني التي تنطبق على فكره ،39، 37سابق النهار وكل في فلك يسبحون " ) يسن/ ويتسع لها أفقه العلمي ، كما تجد عالم الفلك الذي يستعين باللت المستحدثة المتنوعة على مهمته العلمية يتصور أن هذه اليات ما جاءت إل لتخاطب عقله وعقول نظرائه من العلماء الباحثين ومثل هذه اليات قول ال تعالى"تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وهو

( وقوله تعالى" يغشي62الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا" ) الفرقان/ ( وقوله" يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل "54الليل النهار يطلبه حثيثا " ) العراف/

( بل تجد صاحب كل تخصص علمي في كل عصر يستخرج من القرآن الحقائق العلمية5) الزمر/ بحسب ما أوتي من فهم وما وصل إليه من اكتشاف ول تجد ما يدل على التصادم بين نصوص القرآن ومدلولت العلم وإن اختلفت أطوار العلماء وتباينت مذاهبهم العلمية فكيف وسع هذا القرآن الدهر كله

وجاءت عباراته- مع بلغتها التي تنحط دونها بلغة البلغاء- منسجمة مع إفهام الناس المختلفةباختلف الطوار الثقافية.

ما تمتاز به بلغة القرآن



ومما يميز بلغة القرآن أنك تجد آياته تتناول الموضوعات المتعددة من غير تبويب وترتيب فبينما تجدها تأمر وتنهي تجدها تعد وتتوعد أو تعظ وتذكر أو تكشف عن طبيعة الكون أو تكوين النسان أو

تقص أنباء المم السالفة وأخبار النبياء إلى خلخلة في البلغة ولكن تجده طبقة واحدة في قوة التعبير وجزالة المعاني وانسجام اللفاظ وحسن التركيب بحيث ل يمكنك أن تفضل بيانه في جانب

عليه في جانب آخر، بينما كلم نبغاء البشر ل يتيسر له قدرها من البلغة في كل شيء ولذلك يتفاضل الشعراء والخطباء والكتاب باختلف الموضوعات التي يطرقونها فقد يفضل شاعر غيره في الوعظ أو

الرثاء أو الحماس أو الغزل أو الفخر ول تجد شاعرا واحدا بعينه يتفوق على الشعراء في جميع أغراض الشعر ومثلهم الخطباء والكتاب وبالجملة فإن وجوه العجاز في بيان القرآن أكثر من أن

وما قصدت بهذا النموذج اليسير الذي ذكرته إل تحريك الهمم وبعث العزائم في نفوس شبابناتحصى خصوصا إلى دراسة الدب منهم، علهم يصرفون همتهم إلى القرآن الكريم فإنهم- ول ريب- سيجدون منه النبع الذي ل ينقطع والنور الذي ل يأفل والكنز الذي ل يفنى وفي هذا ما يغنيهم عن المستنقعات

السنة من الدب الساقط كغزليات عمر بن أبي ربيعة، وخمريات أبي نواس، وغيرها من الدب المكشوف الداعر الذي تقذفه سموما قرائح الفساق الحاقدين على السلم والمناوئين لهله وما أكثر هؤلء في كل عصر خصوصا في عصرنا الذي تميعت فيه الخلق وانحدرت فيه القيم وحورب فيه

السلم بأنواع الشعارات التي ظاهرها الرحمة وباطنها شر أنواع العذاب ول يفوتني أن أهيب بشبابنا الذين يدرسون الطب والعلوم والجتماع والقتصاد وغيرها من فنون العلم أن يجعلوا محور دراستهم

القرآن الكريم حتى يكشفوا عن أسرار إعجازه التي ل تزال في الخفاء وأسأل ال لي ولهم ولكلالمسلمين التوفيق والعون والتسديد.

- العجاز التشريعي1



التشريع القرآني لم ينتج عن فكرة أو تجربة

لقد أنزل ال القرآن على محمد بن عبدال النبي العربي المي صلوات ال وسلمه عليه في بيئة أمية وعلى جزء من جزيرة العرب لم يمتد إليه شعاع الحضارة ولم تقم على ترابه دولة، ولم يخضع لسلطة

خارجية فكانت هذه البقعة بالذات أبعد بقاع جزيرة العرب عن معرفة نظام الحكم ومناهج التشريع والنبي صلى ال عليه وسلم الذي أكرمه ال باصطفائه لهذا المر العظيم لم يكن يخطر بباله البحث

عن الشئون السياسة ول المناهج القتصادية ول دراسة علم النفس، ول أي ناحية من النواحي التي تتصل بحياة الناس وإنما كانت نشأته كنشأة عامة شباب قريش من هذه الناحية وقد كان منطويا على

نفسه ل يطمح إلى الظهور ول يتطلع إلى منصب ولذلك لم يكن يشارك فصحاء العرب من الشعراء والخطباء في مجامعهم بسوق عكاظ أو غيره ليتألق كوكبه في أفق البيان شعرا أو نثرا ولم يكن

مهتما بالمنافسة في الوسط الذي يعيش فيه، فلذلك لم يكن يشترك في مجالس الشورى التي كانت تعقد في دار الندوة بمكة إل بالحضور والنصات اللهم إل ما كان منه صلى ال عليه وسلم من

مشاركته في حلف الفضول الذي كان يعتز به في السلم ويصفه بأنه أحب إليه من حمر النعم ويعلن أنه لو دعي إليه لجاب كل هذه النواحي تثبت لنا استحالة كون التشريع القرآني ناتجا عن فكره أو

صادرا عن تجربته فإنه من المعروف في تاريخ التشريع البشري أنه يحتاج إلى سلسلة من التجارب والدراسات في أحوال الناس النفسية والجتماعية كما يحتاج إلى أن تتضافر عليه جهود ذوي

الخبرات المتنوعة.

فالتشريع الروماني مثل هو وليد تجربة دامت زهاء ثلثة عشر قرنا وقد تضافرت على صياغته وإخراجه جهود كثير من النبغاء والمفكرين منهم )سولون( الذي وضع قانون أثينا )وليكورغ( الذي

وضع نظام أسبرطه فأني لعربي نشأ في أرض الحجاز بين الميين أن يضع في ظرف عقد من السنين نظاما تقوم عليه حياة النسان إلى أن يرث ال الرض ومن عليها مع أن كل التشريعات البشرية ل

تكاد تمر عليها فترة من الزمن حتى تتكشف عن ضروب من الخلل فتفتقر دائما إلى التبديل والتعديل ولو أخذنا بعد نزوله بالتشريع التي سبقت في الوضع نزول القرآن أو التي أحدثت بعد نزوله بالتشريع القرآني لرأينا تعذر المقارنة بينه وبينها ولو جازت المقارنة بين الذبالة بالتشريع القرآني لرأينا تعذر المقارنة بينه وبينها ولو جازت المقارنة بين الذبالة والغزالة أو بين الصريح والضراح وكيف تمكن

المقارنة بين ما كان من قبل ال الذي يعلم خفايا الطبائع كما يعلم ظواهرها وبين ما يكون من مخلوق عاجز ل يحيط علما بضرورات نفسه وما سيحدث من أطوار حياته فضل عن الحاطة بضرورات جميع البشر وأطوار حياتهم، ولعمري إن نظرة يلقيها العاقل على البيئة التي نشأ فيها رسول ال

صلى ال عليه وسلم تعود إليه باليقين القاطع بتعذر أن يضع النسان الناشئ فيها نظاما من النظمة البشرية سواءا كان إجتماعيا أو سياسيا أو إقتصاديا فكيف بتشريع محكم دقيق يتناول هذه الجوانب كلها بل يتناول المشاكل النسانية المعاصرة وغير المعاصرة مما تفرزه التطورات المتتالية إلى أن

تقوم الساعة بحلول شاملة عميقة الثر ل تقف عند ظواهر المور فحسب بل تأتي على كل مشكلة من أصلها لنها تغوص إلى أعماق فطرة النسان مراعية جميع خصائصها كما تراعي طبيعة الكون الذي جعل ال فيه مباءة للنسان والعلقة التي بين طبيعة الكون وفطرة النسان الذي هو محور التشريع

ومن مراعاة هذه الفطرة إعطاء كل نوع من الجنس البشري أحكامه التي تلبي ضروراته وتنسجم مع خصائص تكوينه فإن حكمة ال قد قضت أن يتنوع الجنس النساني كغيره إلى نوعين ذكر وأنثى ولكل منهما خصائص تكوينية ومطالب ضرورية ل يصح تجاهلها في بناء الحياة المدنية التي خص ال بها



النوع النساني إذ لو أعطيت المرأة أحكام الرجل في كل شيء لفاتت حكمة التنويع في الخلق، وكذلك لو أعطي الرجل أحكام المرأة ومن الجهل المركب والتعسف الظاهر ما ينادي به المفتونون بالنظريات

المستوردة من المساواة بين الرجل والمرأة لما في ذلك من التجاهل لخصائص الفطرة في كل منها فالرجل خلق ليكون ذكرا وطبع بطابع الذكورة والمرأة خلقت أنثى وطبعت بطابع النوثة وهذا التنويع

ليس محصورا في الجنس البشري ولكنه مشترك بين النسان والحيوان والجمادات والنباتات بدليل ( وقوله )سبحان الذي خلق الزواج كلها مما49قول ال)ومن كل شيء خلقنا زوجين ( ) الذاريات/ ( وفي طي هذا التنويع حكمة بالغة فإن كل36تنبت الرض ومن أنفسهم ومما ل يعلمون( ) يس/

واحد من النوعين يكمل النوع الخر.

والذين نظروا نظرة واقعية إلى طبيعة البشر أدركوا سر التفرقة بين الذكر والنثى في التشريع السلمي رغم نشأتهم في بيئة ترفض هذا المنطق وقد نعى هؤلء على قومهم جهلهم أو تجاهلهم لما

تتميز به كل واحدة من طبيعة الذكورة أو النوثة في الرجل والمرأة ومن هؤلء الكاتب الفرنسي المريكي الدكتور ألكسيس كاريل صاحب كتاب "النسان ذلك المجهول" الذي بين الفوارق التكوينية

بين الرجل والمرأة وقال إن المرأة ل تختلف عن الرجل باختلف العضاء التناسلية وبالولدة والرحم فحسب، بل الفارق بينهما جد عميق، فإن كل حجيرة في جسمها تحمل طابع جنسها وأضاف إلى ذلك

أن الرجل والمرأة يختلفان في العواطف والمشاعر والفكار كما أنه انتقد تسوية المرأة بالرجل في الثقافة منبها على وجوب مراعاة خصائص النثى في المناهج الدراسية لتعليم الفتيات وقد ذكرت

باحثة اجتماعية فرنسية أن المرأة تتميز بقوة العاطفة فلذلك تستولي العاطفة على كل جانبي دماغها بخلف الرجل فإنه وإن التهبت عاطفته ل تشغل إل جانبا منه والجانب الخر يبقى فارغا للتفكير وهنا

يظهر سر التشريع اللهي في شهادة النساء إذ اعتبرت المرأتان عن رجل وجاء تعليل ذلك في قوله ( وقد أوضح علماء التشريح عمق282تعالى) أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الخرى ( ) البقرة/

الختلف بين المرأة والرجل في تكوين الجسم...ومما قالوه أن جسم كل منهما يشتمل على ستين مليون مليون خلية وكل خلية من خليا الرجل عليها طابع الذكورة بخلف خليا المرأة فعلى كل خلية منها طابه النوثة، والختلف غير مقصور على الطبع بل هو حتى في الشكل كما شاهدناه في الصور المكبرة ول يقف الفرق بين الجنسين عند هذا الحد بل هو أعمق وأدق فهناك طبقة دهنية تغطي هذه

الخليا وهي الكروموسومات وتسمى الصباغ والجسيمات اللونية وهي من الدقة بحيث تقاس بالواحد على بليون من الملليمتر ومع هذه الدقة في الجسيمات فهي تختلف في المرأة شكل وطبعا عنها في الرجل والقرآن الكريم يوضح لنا هذا الختلف بين طبيعة المرأة وطبيعة الرجل فيما حكاه عن امرأة

( هذا ومن درس تاريخ36صالحة من بني إسرائيل من قولها) وليس الذكر كالنثى ( ) آل عمران/ المم وحضاراتها وعقائدها وأفكارها يرى أن المرأة لم تتبوأ مكانها الطبيعي إل في ظل نظام السلم فاليونان والرومان وغيرهم من المم المتحضرة دخلوا التاريخ وهم ينظرون إلى المرأة نظرة تقزز

واستهجان فقد كانوا يشكون في إنسانيتها ويعتبرونها رجسا من عمل الشيطان ويقيسون نزاهة النفس بالبعد عنها ول يولونها شيئا من الحقوق الجتماعية التي تفتقر إليها ثم أخذت نظرتهم إليها

تتطور شيئا فشيئا بتطور الفكر ونمو الوعي ولكنها لم تكد تقف عند نقطة العتدال حتى هوت بهم إلى الجانب الخر فإذا بهم يغالون في تمجيد المرأة ويكلون إليها من الواجبات الجتماعية والسياسية ما ل تتحمله طبيعتها وبلغ بهم الحال أن المومسات أصبحن عندهم يدرن سياسة المة، وأصبحت بيوت الدعارة هي مقر السياسة مما أدى بهم إلى تفكك روابطهم وانحلل مجدهم وتقلص عزهم وما العالم المتحضر في العصر الحديث من ذلك ببعيد أما إذا عدنا إلى التشريع القرآني فإنا نجد المرأة قد بوئت



مكانها اللئق وأعطيت حقوقها التي تقتضيها طبيعتها من غير إفراط ول تفريط ونجد هذه الرعاية منشريعة ال في القرآن تصحب المرأة منذ ولدتها إلى موتها بل تبقى لها حتى بعد الموت.



فلسلم كرم المرأة وهي وليدة وكرمها وهي ناشئة بين أبويها وكرمها وهي شابة يافعة وكرمها وهي زوج وكرمها وهي أم، فنجد القرآن الكريم يؤنب ذوي النفوس الجاهلية الذين يكرهون البنات

ويمتعصون إذا بشروا بهن في قوله)وإذا بشر أحدهم بالنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من ،58القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب أل ساء ما يحكمون( ) النحل/

( وفي هذا التأنيب البالغ ما يدل على أن السلم يوصي أن تستقبل النثى بما يستقبل به الذكر من59 الفرحة والستبشار فالنثى والذكر هبة من ال ) يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور(

( وفي تصدير ذكر الناث في الية على ذكر الذكور يخفى من لطف الشارة إلى واجب49) الشورى/ رعاية جانبهن واستقبالهن بالبشرى والفرحة ل بالسف والمتعاص فإن ذلك من عادات الجاهلية التي

جاء السلم ليستأصلها وجاء في الحديث الشريف عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أن من رزق بنات فرباهن وأحسن تربيتهن كن له يوم القيامة حجابا من النار، وكرمت المرأة في شبابها في ظل نظام السلم إذ منع تزويجها بمن تكره، كما جاء في الحديث" الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر

تستأذن في نفسها وإذنها صماتها" وإنما اشترط الولي في عقد زواجها حذر أـن تندفع وراء عاطفتها فتربط نفسها بمن ل تحمد أمره من بعد، وفي هذا أيضا رعاية لجانب المرأة ومحافظة على حقوقها

وجاء في كتاب ال وفي سنة رسوله عليه أفضل الصلة والسلم من الوصية بالمرأة وهي زوج ما لو حافظ عليه الناس لغمرت البيوت السعادة، ومل قلوب العائلت الطمئنان والستقرار فقد أمر ال تعالى الرجل بأن يعاشر أهله بالمعروف سواء أحبها أو كرهها إذ ل يقف كرهه لها أمام حقوقها

الزوجية، يقول تعالى ) وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل ال فيه ( وكما أمر ال تعالى أن تعاشر المرأة بالمعروف أمر أيضا أن يكون19خيرا كثيرا( ) النساء/

( وحذر من229تسريحها بإحسان حيث قال) فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ( ) البقرة/ مضايقتها حتى تلجأ إلى الفتداء من الرجل ولو بقسط مما آتاها من الصدق في قوله)وإن أردتم

استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فل تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف ( وفي قوله) ول21، 20تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا( ) النساء/

( .19تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ( ) النساء/

أما الم فهي التي رفعت بحكم السلم إلى مقام ل يرقى إليه غيرها حتى الب فال تعالى يقول)ووصيناالنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلثون شهرا ( ) الحقاف/

( فانظر كيف وصى النسان بكل والديه ثم أوضح ما كان من تضحيات من قبل الم ليقاظ15 المشاعر النائمة في نفس الولد وتحريك العواطف الساكنة نحو أمه التي قدمت تلك التضحيات

الجسيمة لجله، فقد تحملت مشقة الحمل وهو جنين وعانت من حضانته ورضاعه وهو طفل، فما أجدرها ببذل الوسع واستنفاذ الطاقة في برها، وإذا كانت دللة الية على تفوقها على الب في الحقوق غير صريحة فإن السنة النبوية قد جاءت بما يستأصل الشك وينفي اللبس، فقد أخرج

الشيخان أن رجل جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال له: أي الناس أحق مني يحسن الصحبة؟ قال له:"أمك قال له: ثم من؟ قال له: "أمك ،قال له: ثم من؟ قال له:"أمك"، قال له: ثم من؟ قال له:

"أبوك ثم القرب فالقرب".

فانظر كيف أكد الرسول صلى ال عليه وسلم على حق الم ثلث مرات ولم يذكر حق الب إل مرة واحدة معطوفا على حق الم التي تقتضي المهلة والترتيب، ونجد السلم ل ينسى المرأة من رعايتها

بعد موتها والنبي صلى ال عليه وسلم يضرب لنا المثل الحي في ذلك فقد كان يرعى السيدة خديجة



رضي ال عنها بعد موتها، فإذا ذبحت شاة في بيته يقول: )أرسلوا منها لصدقاء خديجة( فتقول لـه عائشة رضي ال عنها: ولم ذلك يا رسول ال؟ فيجيبها )إني لحب حبيبها( وقد صادف أن سمع النبي

صلى ال عليه وسلم في بيته بالمدينة صوت أختها هالى وكان يشبه صوت خديجة فأخذته الريحية وقال: )اللهم هالة( فأخذت الغيرة من أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها وقالت له: يا رسول ال ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين أبدلك ال خير منها؟ فغضب النبي صلى ال عليه

وسلم وقال: )وال ما أبدلني ال خيرا منها، وال ما أنت بخير منها، صدقتني إذ كذبني الناس، وآمنت بي إذ كفر بي الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني ال منها الولد دون غيرها من النساء

فجزاها ال عني خير جزاء اللهم اجز عني خديجة بنت خويلد(.

ونرى السلم الحنيف يحوط الحياة الزوجية بسياج من الحكام يضمن لها الهدوء والستقرار والطمئنان ويبدأ بالحض على الزواج تلبية لنداء الفطرة لما يترتب على معاكستها من أمراض نفسية

وعصبية وحذرا من انفجار الغريزة الذي يتبعه تحطم الخلق وتلشي الفضائل والقضاء على حياة المجتمع بانتشار الفساد وشيوع الرذيلة ونجد في كتاب ال المتنان على الناس بالحياة الزوجية في

قوله تعالى ) الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء ( ( وقوله)ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة1) النساء/ ( وجاء فيه ما يشير إلى المر بالزواج ويصرح بوجوب تيسيره في قوله تعالى21( ) الروم/

)وأنكحوا اليامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم ال من فضله ( ) النور/ ( وجاءت سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم مصرحة بالترغيب في الزواج حيث يقول عليه32

أفضل الصلة والسلم:) يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه لـه وجاء(. ومن مراعاة السلم للطبيعة البشرية وضروراتها أباح الطلق وهو مع

إباحته أبغض الحلل إلى ال، ولكن أبيح لما فيه من رفع المشقة عن الزوجين فقد تتنافر طبائعهما ويؤدي بقاؤهما مرتبطين بحبل الزوجية إلى معاناة حياة أشبه بالجحيم فجعل في الطلق فكاكا للرجل

والمرأة من حياة العذاب الذي ل يطاق وإباحة الطلق مقيدة بقيود تدل على أنه لم يبح إل لرفع الحرج( . 1فال تعالى يقول)ياأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة ( ) الطلق/



ولقد جاء في حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم إيضاح ما انبهم من مدلول الية وذلك عندما طلق ابن عمر رضي ال عنهما امرأته وهي حائض وجاء عمر رضي ال عنه إلى رسول ال صلى ال

عليه وسلم وأخبره بما حدث، فقال له النبي صلى ال عليه وسلم)مرة فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فإن شاء أمسك، وإن شاء طلق، فتلك العدة التي أمر ال أن يطلق لها النساء( وهذا يعني أن الطلق المباح هو في الطهر الذي لم يباشرها فيه الرجل، أما في الحيض أو الطهر الذي باشرها فيه فهو حرام، وقد استظهر العلماء علة ذلك فقالوا: "إن الرجل ل ينتفع بشيء من المرأة في حالى الحيض وقد يتقزز منها فل يبالي بتطليقها في هذه الحالة لتفه السباب، وعندما يباشرها بعد الطهر

ويقضي منها شهوته قد يزهد فيها أما في الطهر الذي لم يباشرها فيه فإن نفسه تكون إليها أميل وفيها أرغب، لطول عهده بها، وإمكان قضاء نهمته منها، فلن يطلقها في هذه الحالة إل لضرورة ل

محيض عنها، ومن دقة السلم في رعاية الحقوق الزوجية ولو بعد انحلل عقد الزواج ما شرعه من تربص المرأة بعد الطلق ليتم استبراء الرحم فل تختلط المياه فتختلط بالتالي النساب ولعطاء الرجل

فرصة لمراجعة المرأة إذا ما أحس بالندم ولم يصبر عنها وبعد انتهاء أمد التربص يكون كواحد من الخطاب تحل له بعقد جديد وشهادة شاهدين ولم يعط السلم الرجل فرصة لمضايقة المرأة فيتلعب

بحياتها الزوجية يطلق ثم يراجع كما يشاء بل جعل أقصى حد للطلق الذي تصح بعد المراجعة مرتين فإن طلقها بعدهما لم تحل له أبدا حتى تنكح رجل غيره نكاحا صحيحا ل يشوبه تدليس فل يصح أن

يتفق المطلق مع رجل آخر أو تتفق هي مع رجل على أن يتزوجها فيحللها للزوج الول وإنما يجب أن يكون قصد المرأة والرجل الذي يتزوجها بناء حياة زوجية جديدة ويشترط مع ذلك أن يدخل بها الزوج الثاني ويقضي منها رغبته من الستمتاع كما أصاب منها من قبله وفي هذا تأديب للمسيء من الرجل أو المرأة فإن كانت الساءة منه فبحسبه أدبا أن يرى المرأة التي كانت شريكة حياته في حضن غيره

من الرجال، وإن كانت هي مبعث الشقاق فإنها بانتقالها إلى الزوج الخر وتذوقها لونا جديدا من الحياة عنده قد يكسبها ذلك مرونة وعقل فإذا ما طلقها الخير وعادت إلى الول رجعت وقد انكسرتحدتها بما مر بها من تجربة الحياة فهذه نماذج من الحكام التي يحوط بها السلم السرة المسلمة.

وهناك العديد من الحكام التي ل يمكنني الن استعراضها وإنما أرجو إن وفقني ال أن أتحدث عنها عندما أصل إلى محلها من اليات التي جاءت بها وحسب العاقل ما أشرنا إليه دليل على عمق

التشريع السلمي الذي نزل به القرآن وتعذر كونه ناتجا عن فكر بشر ل سيما من كان في مثلالمحيط المكي الذي نزل فيه القرآن.

وإذا ألقينا نظرة إلى النظام المالي في السلم وجدناه أرقى نظام عرفته النسانية في جميع أدوار تأريخها لما يتجلى فيه من العدل ويتميز به من العتدال فهو بعيد عن عيوب الرأسمالية والشيوعية

ليس فيه ما في الرأسمالية من إعطاء الفرد حقه وإذابة ذاتيته في بوتقة المجتمع ولكنه نظام وسط ل إفراط فيه ول تفريط يعطي الفرد من الحرية بقدر مصالحه ومصالح أمته فله أن ينمي ثروته ما لم تكن هذه التنمية على حساب المة أو المجتمع وذلك واضح في تعليل قسمة الفيء التي جاءت في

( وفي نفس الوقت7سورة الحشر حيث قال تعالى: ) كي ل يكون دولة بين الغنياء منكم ( ) الحشر/ هو مطالب برعاية عدة حقوق منها حقوق القربين واليتامى والمساكين وابن السبيل والمكاتبين

ومطالب بالنفاق في سبيل ال وتأتي هذه الحقوق كلها مبينة في آية من كتاب ال مع ما تشتمل عليه تلك الية من العقيدة والخلق والعبادات والتربية العسكرية وهي قول الحق تعالى: )ليس البر أن

تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بال واليوم الخر والملئكة والكتاب والنبيين



وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس

( وفي عطف "أقام الصلة وآتي الزكاة" على177أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون( ) البقرة/ "آتي المال على حبه ذوي القربى...الخ" دللة على أن النفاق في السلم ينقسم إلى قسمين إنفاق منظم وإنفاق غير منظم فالول هو الزكاة التي تجب في أصناف مخصوصة من المال مع بلوغه حدا

معينا لصناف مخصوصة من الناس، والثاني هو سد حاجة المحتاجين من أموال الغنياء بقدر سداد عوزهم من غير التفات إلى مقادير مخصوصة في التيان ول نظر إلى جنس ما يدفع ول إلى حد ما

يبلغ إليه المال مضطرا بعد أن دفع زكاته وجب عليه أن يعطيه من بقية ماله بقدر ما يستعين به على دفع ضرورته حتى قال بعض العلماء "من كان ل يملك إل رغيفا ووجد جائعا مضطرا إليه وكان في

غنى عنه وجب عليه أن يعطيه الرغيف...وقد جاء في بعض الروايات عن رسول ال صلى ال عليه وسلم)إن في المال حقا سوى الزكاة( وإذا كانت الرواية مطعونا في إسنادها فإنها تعتضد بما دلت عليه هذه الية فأين هذه النظام من النظام الرأسمالي والنظام الشتراكي أما النظام الرأسمالي فإن الفرد يجد فيه حريته المطلقة في تنمية ثروته ولو على حساب غيره ولذلك يجتمع في هذا النظام

الغني المفحش والفقر المدقع ول ينبض قلب الغني بشيء من الرحمة على الفقير.

وبمثل هذه السباب تتأجج الحقاد في الصدور وتتولد السخائم في القلوب وتعشش البغضاء والكراهية في النفوس فتؤدي إلى النفجار عن النظام المعاكس وهو النظام الشيوعي ول يقل هذا النظام شرا

وخطورة عن الذي قبله فهو يأتي على الخضر واليابس بناره الحمراء التي ل تبقى ول تذر، ويبتلع الطارف والتليد من ثروات المة في جوفه المنهوم فيفقر الغني ويزيد الفقير فقرا ويسلب النسان الحرية والختيار ويحط قيمته بحيث ل تزيد عن النتاج لم يبال بمصيره الذي يرى فيه والسلم ل

يختلف عن الرأسمالية في تقييده حرية الفرد في التصرف في الثروة فحسب بل هو يختلف معها بما يفرضه من القيود على طرق اكتساب المال فيمنع كل استغلل يضر بالخرين ومن هذا الباب تحريم

الغش والرشوة والربا والحتيال كتحريم السرقة والختلس فال تعالى يقول:)ول تأكلوا أموالكم بينكم (188بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالثم وأنتم تعلمون( ) البقرة/

ويقول سبحانه)يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن تكون تجارة عن تراض منكم ول تقتلوا أنفسكم إن ال كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك

( ويقول سبحانه: )يأيها الذين آمنوا اتقوا ال وذروا ما بقي من الربا29على ال يسيرا ( ) النساء/ إن كنتم مؤمنين ،فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من ال ورسوله وان تبتم فلكم رءوس أموالكم ل

تظلمون ول تظلمون ،وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خيرا لكم إن كنتم تعلمون ( ) ( هذه اليات كلها تأتي لتقييد حرية الفرد في إكتساب المال فليس له أن ينمي280، 278البقرة/

ثروته من طريق الباطل والباطل في السلم هو كل مال يقره فيدخل في ذلك الغش والخداع والختلس وكل ما كان من شأنه أن يحس من أخذ منه المال بالضيم، وأباحت آية النساء التجارة

بشرط أن تكون عن تراض بين المتبايعين وحرمت آية البقرة الربا تحريما ل هوادة فيه حيث جعلته حربا بين الناس وربهم وفي هذا ما يضمن للفقراء والمحتاجين حياة الستقرار والطمأنينة بحيث ل

يهدد ثرواتهم القليلة جشع المكثرين من المال.

وكما يأمر السلم برعاية الفقراء يحض على رعاية اليتامى الذين فقدوا الكفيل الذي يقوم بتربيتهم ورعاية مصالحهم لئل يتولد في نفوسهم الشعور بالحرمان كما يأمر برعاية الرقاء ومساعدتهم على



فكاكهم من ربقة الرق ليتساووا مع الخرين في حياة الحرية ويوصي برعاية ابن السبيل وعونه وهو المنقطع عن أهله في سفر ل يريد به معصية، وإن كانت أمواله طائلة في بلده يوصي برعاية حق

الجوار ولو بين مسلم ومشرك، ويوصي بعون كل مستضعف حتى البهائم العجماء ففي الحديث )في كل ذي كبد رطبة أجر( وهناك كثير من الدقائق في نظام السلم المالي ل يتسع لها المقام أرجو أو

أوفق للتعرض لها في مواضعها من آي الكتاب.

نظام العقوبات في السلم



أما نظام العقوبات على الجنايات فنجده في السلم هو النظام الوحيد الذي يضمن المن ويحافظ على استقرار الحياة ولم تشرع العقوبات المتنوعة في السلم إل لردع الذين يشذون عن منهج الحياة

إسلمية السليم، وهؤلء هم الذين لم يجد فيهم الصلح التربوي بسبب شذوذ طبائعهم عن الفطرة النسانية السليمة والعقوبات في نظام السلم متنوعة منها ما رسمت له حدود ل يصح تجاوزها

ومنها ما وكل إلى نظر الحكام واجتهادهم والحدود المشروعة منها ما شرع لصون النفس ومنها ما شرع لصون العراض ومنا ما شرع لصون الموال فقد شرع لصون النفس حد الحرابة الذي نطق به قول ال تعالى: )إنما جزاء الذين يحاربون ال ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن يقتلوا أو

( واختلف أنواع33يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الرض ( ) المائدة/ العقاب باختلف أنواع الجرائم التي يرتكبونها كما سيأتي في محله إن شاء ال شرع لجل ذلك أيضا

القصاص وعلة مشروعيته ظاهرة في قوله سبحانه: )ولكم في القصاص حياة( ومع أن القصاص حق ثابت لولي الدم يحبب إليه التنازل عنه بعد أن يمكن منه إما إلى العفو المطلق أو إلى الدية وفي هذا ما

يعطي دليل على تفوق السلم على كل النظمة الخرى فهو يجيب إلى ولي الدم العفو لما فيه من شعور إنساني ولكنه ل يفرضه عليه لئل يشعر بحرمان من هو له ولئل يجد أيضا المجرمون الباب

مفتوحا أمامهم للعبث في الرض وسفك دماء البرياء.

[color=blue/[حــد الزنــا]colo]

وشرع لجل صون العراض حد الزنا وحد القذف أما حد الزنا فمنه ما نص عليه القرآن وهو الجلد الذي جاء في سورة النور في قوله تعالى: )الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ول

تأخذكم بهما رأفة في دين ال إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر وليشهد عذابهما طائفة من ( وقد بينت السنة أن هذا الحد مخصوص بالبكر من الزناة دون المحصن ومنه ما2المؤمنين( ) النور/

ثبت بسنة النبي صلى ال عليه وسلم القولية والفعلية وهو الرجم للزاني المحصن وهذا التشديد في الزنا لما فيه من الخطورة والفحش فهو من أسباب وأد النسل وانقراض كما أنه سبب لتفكك السر

وتصدع المجتمع واضمحلل المدنية، فهو يعود بالنسان إلى حالة يكون فيها أشبه بالبهيمة العجماء ومن هنا لم يكتف السلم بما فرضه من عقوبة على الزنا نفسه أن يعمل كعملهم والتشديد على

المحصن لفحش جريمته، وليس الحد الذي يعاقب به الزاني من المور الهينة، فل يقام إل بصحة شرعية إما باعتراف الزاني على نفسه بالزنا مرارا أمام الحاكم الشرعي مع ثبوت سلمة عقله

وهدوء باله بحيث ل يحوم حول قراره ريب وإما بشهادة أربعة عدول يشهدون أمام الحاكم الشرعي بأنهم رأوا عملية الزنا بين المتزانيين في منتهى الوضوح والنكشاف بحيث رأوا دخول اللة في اللة

كدخول الميل في المكحلة وإن قصرت الشهادة عن هذا العدد أو هذا الوصف اعتبر الشهود قذفةيستحقون حد القاذف.

[color=blue/[حد القذف]colo]

وأما حد القذف فهو ثمانون جلدة نص عليها القرآن في قذف المحصنات في قوله عز وجل :

)والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ول تقبلوا لهم شهادة أبدا ( وفي5، 4وأولئك هم الفاسقون إل الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن ال غفور رحيم( ) النور/



رفض قبول شهادة الذين يقذفون المحصنات عقاب أدبي لهم بجانب العقاب الحسي ليكون في هذا ردع لذوي النفوس الدنيئة واللسنة البذيئة عن هتك أعراض الناس والتلذذ بذكر مساوئهم أو نسبة

المساوئ إليهم وقد جاء النص في قذف المحصنات لن الجرائم الخلقية في النساء أفحش، ولن السفهاء كثيرا ما يتطاولون على أعراض النساء غير مبالين بما يعود من عار ذلك عليهن وعلى

أسرهن وفي هذا ما يدل على محافظة السلم على كرامة المرأة وشرفها وقد حمل المحصنون علىالمحصنات في الحكم بالسنة والجماع.

[color=blue/[حد السرقة]colo]

وشرع حد السرقة لصون أموال الناس عن أيدي العابثين الذين يؤثرون الدعة والكسل ما داموا تواتيهم الفرصة لسلب الناس ما جمعوه من المال بكد اليمين وعرق الجبين وهذا الحد مما نص عليه

أيضا الكتاب في قوله تعالى: )والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكال من ال ( ( وقد قيدت السنة هذا الطلق في الية فبينت نصابا للسرقة يجب معه الحد ول يحد فيما38) المائدة/

دونه كما بينت أن الحد مشروط بأن تكون السرقة من حرز كل ذلك من دلئل عمق السلم فيالتشريع.

[color=blue/[حـــد الخــمر]colo]

ومن حيث الخمر هي أم المعاصي وجماع الثم فقد جاء في السنة عقوبة شاربها بجلد أربعين ثم لما تفشى شرب الخمر في أوساط الناس في عهد عمر رضي ال عنه استشار أصحاب رسول ال صلى

ال عليه وسلم فأشاروا عليه أن يعاقب الشارب بأقل الحدود وهو ثمانون جلدة لما يترتب على شاربهامن الهذيان الذي يؤدي إلى القذف وهتك العراض واستقر على ذلك العمل.

عدالة التشريع السلمي



هذا ويراعى في إقامة الحدود أل تكون هنالك شبه ولو كانت ضعيفة فالشبه تسقط الحدود كما جاء في حديث )ادرءوا الحدود بالشبهات( كما تراعى فيها العدالة فل تقام على الضعاف دون القوياء بل

يساوى بين القوي والضعيف فيها، ولربما كانت العقوبة على القوي أشد منها على الضعيف كما هو الشأن في عقوبة الزنا في الحرار والمماليك وقد سرقت امرأة مخزومية في عهد رسول ال صلى ال

عليه وسلم فحكم النبي صلى ال عليه وسلم بقطع يدها وقد كبر ذلك على قومها فاستشفعوا إلى رسول ال بأسامة بن زيد- وكان حب رسول ال صلى ال عليه وسلم- فلم يكد يدلي بشفاعته إليه

ال عليهحتى غضب النبي صلى أتشفع في حد من حدود ال يا أسامة؟ إنما أهلك من كان قبلكم وسلم وقال أنهم إذا سرق فيهم القوي تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد( ثم قال عليه

أفضل الصلة والسلم)والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها( وفي هذا ما يؤكد العدالة الجزائية في السلم فل تفرقة ول محاباة ولكن عدالة ومساواة ل يلتفت معهما إلى قرب

وبعد ول إلى قوة وضعف ول إلى غنى وفقر ول إلى محبة وبغضاء ول إلى جنس وآخر بل يلتقي الجميع في ظل العدالة السماوية التي يرفع شعارها قول ال تعالى )يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين

(8ل شهداء بالقسط ول يجرمنكم شنآن قوم على أل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ( ) المائدة/ وقوله سبحانه )يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء ل ولو على أنفسكم أو الوالدين

والقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فال أولى بهما فل تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن ( وليست هذه العدالة في السلم شعارا يردد أو شارة135ال كان بما تعملون خبيرا( ) النساء/

ترفع، وإنما حقيقة يجدها كل من يتلمسها، وإذا كانت العدالة في سائر النظمة هي مجرد نظرية تذكر ول تبصر فإن اسلم قد أثبت صدق هذه العدالة بمنهجه الحق الذي كان عليه الرسول المين عليه

أفضل الصلة والتسليم وخلفاؤه الراشدون وكل من كان على هديهم ول أدل على ذلك مما أصاب النبي صلى ال عليه وسلم من النفعال بمجرد ما سمع شفاعة في حد من حدود ال أدلى بها من هو أحب الناس إليه وأحظاهم عنده، وقد اتفق أن سرقت درع بالمدينة وألقيت في بيت يهودي لجل المكر به حتى يغضب عليه النبي صلى ال عليه وسلم فما لبث أن نزل قرآن من ال يفضح المؤامرة ويبريء

اليهودي مما نسب إليه، هذا مع العلم بأن اليهود والمشركين أشد الناس عداوة للذين آمنوا، وقد روي أن رسول وفد إلى النبي صلى ال عليه وسلم من أكثم بن صفي- وهو أحد حكماء العرب- ليسأله عما

يدعوا إليه فقرأ عليه النبي صلى ال عليه وسلم آية من سورة النحل وهي قوله جل جلله)إن ال يأمر بالعدل والحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون(

( فلما رجع الرسول إلى أكثم تل عليه الية التي سمعها فقال أكثم" إن هذا إن لم يكن دينا90) النحل/ فهو أخلق وحض قومه على المسابقة إلى السلم ذلك لما رآه من العدالة ولمسه من المثل والقيم في

هذه الية الكريمة.

من آثار التشريع السلمي في العقوبات



وقد حققت عدالة السلم الماثلة في تشريعه الحكيم أمن النسانية واستقرارها في كل البقاع التي امتد إليها نفوذ الدولة السلمية في وقت لم تكن فيه أجهزة للمن ولم تعرف فيه مباحث أمن الدولة ول

مباحث التحقيقات الجنائية ول أجهزة المخابرات ول عدة عسكرية هائلة ول وسائل للكشف والستخبار وإنما كانت الشريعة السلمية وحدها تضفي على تلك النحاء المترامية من الرض المن

والطمئنان اللذين نعم بهما المسلم وغيره من مواطني الدولة السلمية وذلك كله من إعجاز هذا التشريع وهو دليل على أنه من عند ال تعالى إذ ليست فيه المفارقات والتناقضات التي في النظمة

البشرية وليس هو مجرد سياط لذعة وسيف صارم كما يحلو للبعض وإنما هو تربية للضمير النساني وربط للفرد بمجتمعه ووصل للنسان بخالقه ومن هنا كان كل فرد من المة يشعر بمسئوليته

في حفظ النظام والمحافظة على تنفيذ جميع بنود تشريعه وكانت النفوس سرعان ما تتفاعل مع مايقتضيه هذا التشريع ول تتردد في تقبله وتطبيقه عمليا ولو اقتضى ترك أحب شيء إلى النفوس.

فالعرب كانت الخمر عندهم من أحب الشياء إلى قلوبهم والنفاق فيها من أحسن السخاء عندهم كما دل على ذلك أشعارهم التي يفتخرون فيها بمعاقرة الخمر والقضاء على الطارف والتليد فيها ولكن لم يكد يقرع مسامعهم قول ال تعالى )يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجس

من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في ( حتى نزعوا91، 90الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر ال وعن الصلة فهل أنتم منتهون( ) المائدة/

القداح من الشفاه وأراقوا ما فيها من شراب كانت تصدى إليه أكبادهم، وتتشوق إليه قلوبهم ولم يكتفوا بذلك حتى قاموا إلى الدنان فحطموها فكانت الخمر التي هي من أعز الشياء عندهم تجري

أنهارا في زقاق المدينة ولم يكن شيء من ذلك خشية من صوت لذع أو سيف صارم أو سجن رهيب وإنما كان ذلك لما وقر في قلوبهم من اليمان واستقر فيها من حب ال وخوفه ورجائه وإن شئت

فقس ذلك إلى ما ذكره بعض الكاتبين أن الوليات المتحدة المريكية حاولت لمدة أربعة عشر عاما أن تحرم الخمر فلم تبق وسيلة من وسائل المدينة الحديثة كالصحافة والفلم إل استعملتها للكشف عن

مضار الخمر وتنفير الناس عنها، كما استعملت كل قسوة وشدة في العقوبة عليها وكان ما نشرته من الصحف عشرة مليين صحيفة وتكلفت في تفنيد هذا القانون ربع مليون جنيه ،وصادرت من الموال

أربعمائة وأربعة مليين من الجنيهات وعاقبت بالعدام ثلثمائة شخص وبالسجن خمسمائة ألف واثنين وثلثين ألفا وثلثمائة وخمسة وثلثين ومع ذلك فإن الناس ازدادوا إقبال على الخمر وتفننا في الحتيال على حصولها مما اضطر الحكومة المريكية إلى إلغاء قرارها وفي هذا ما يكفي دليل

على فشل النظمة البشرية وتعذر مقارنتها بنظام القرآن الذي يصلح النفوس ويحيي الضمائر، ويصقل الفطر ويغرس في القلوب مراقبة ال تعالى وفيما يحدث في زماننا هذا من الجرائم التي تقاس

بالثواني في أكبر دولة في العالم ترهب الدنيا بقوتها وتسع الرض بمخابراتها وتتفوق في التقنية والنتاج على غيرها، دليل واضح على أن القوة المادية ل تضفي على الناس الهدوء والستقرار ول

تكفي لصلح النفوس الفاسدة وتقويم السلوك المنحرف.

هذه نبذة عن العجاز التشريعي في القرآن وأرجوا إن شاء ال أن أوفق لتفصيل ما أجملته هنا عندماآتي بعون ال وتوفيقه إلى آيات الحكام في القرآن الكريم وال ولي التوفيق.



- العجاز الجتماعي والخلقي : صلة الجتماع بالخلق3

ل تمكن التفرقة بين الجتماع والخلق في السلم فإن الخلق هي أسس الجتماع بل أستطيع الجزم بأن العنصر الخلقي ل يعدم في أي جزء من التشريع القرآني والنبي صلى ال عليه وسلم قد حدد

الغاية من رسالته في قوله )إنما بعثت لتمم مكارم الخلق( وال تعالى عندما أثنى عليه صلى ال ( وما أجل هذا4عليه وسلم وصفه بالخلق العظيم حيث قال فيه )وإنك لعلى خلق عظيم( ) القلم/

الوصف وأعظم هذا الثناء وأفخم ها الشرف الذي ألبسه ال تعالى عبده ورسوله صلى ال عليه وسلم ليبقى متلوا على لسان الدهر ما بقي الزمن، وأهم ما نستفيده من هذه الية ومن ذلك الحديث أهمية

الخلق في السلم، وإذا تدبرنا آي القرآن وجدناها تهدف إلى بناء صرح المة السلمية على أسس متينة من الخلق ودعائم ثابتة من الجتماع ولذلك كان العنصر الخلقي ملموسا في كل جزئية من

جزئيات تشريعه، وبالجمال فإن القرآن الكريم جاء حاضا على مكارم الخلق وداعيا إليها فهو يدعو إلى الصدق والمانة والوفاء والكرم والعفاف والتواضع من غير ذل والترفع من غير استكبار وتجنب كل إساءت إلى الغير سواء أكانت باللسان أم اليد أم إشارة العين والرسول عليه أفضل الصلة والسلم

أجدر الناس بأن يتجسد فيه الخلق القرآني لن ال تعالى اصطفاه من بين خلقه بإنزال القرآن عليه ليبلغه الناس بلسانه وليترجم بفعله ومن ثم كان كما وصفته الصديقة ابنة الصديق أم المؤمنين عائشة رضي ال عن أبيها وعنها في قولتها التاريخية الصادقة عندما سئلت عن خلقه صلى ال عليه وسلم فقالت" كان خلقه القرآن الكريم" وبما أن النسان مدني بطبعه اجتماعي بفطرته تتداخل مصالح بني

جنسه وتتشابك معاملتهم- كان ميزان التعامل السليم فيما بينهم الخلق الفاضل.

مقاييس الخلق في القرآن



ومقاييس الخلق في القرآن، وفي سنة الرسول عليه أفضل الصلة والسلم ليست نابتة من التراب وإنما هي نازلة من السماء فل تستخرج من بيئات الناس فالبيئات كثيرا ما تتأثر وتتعفن وقد

تستحسن بيئة ما تستقبحه أخرى، وأفكار الناس كثيرا ما تتأثر بطبع البيئة وما يدور فيها، وإذا كان السلم قد أبقى بعض العدات التي كان عليها أهل الجاهلية فإن ذلك ل يعود إلى استحسان الجاهلية

وإنما يعود إلى استحسان الحسن بقطع النظر عمن يتلبس به من الناس، ومدار الخلق والجتماع في السلم على الطهارة فهو يدعوا إلى طهارة الضمير وطهارة الفكر وطهارة الوجدان وطهارة اللسان وطهارة واقع الحياة ومن هنا نرى اليات القرآنية والحاديث النبوية تحرص على طهارة المسلم في نفسه وطهارة صلته بالخرين وقد أحاط السلم السرة المسلمة بسياج يمنع تسرب أي تلوث إليها،

ولو أخذنا نستعرض اليات التي جاءت بذلك لطال بنا المقام ولكن نكتفي بذكر مثالين لما قلناهمرجئين البسط إلى وصولنا إلى تلك اليات في التفسير إن من ال علينا بالتوفيق.

أمثلتــــــــــــها

أولهما:- نظام الستئذان الذي يضبط الحياة السرية ضبطا محكما وهو ينقسم إلى نوعين :استئذان من في خارج الدار واستئذان ساكن الدار فعن النوع الول يقول الحق تعالى)ياأيها الذين آمنوا ل

تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا (28، 27فيها أحدا فل تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم ( ) النور/

وفي قوله عز من قائل)حتى تستأنسوا( إشارة إلى أن حكمة الستئذان حصول النس فإن دخول النسان بين أخيه من غير إذن منه هو مصدر للوحشة وسبب للجفوة لن من طبع النسان ستر

العورة والعورة كما تكون في البدن تكون في الطعمة وفي الملبس وفي الثاث.

وفي الهيئة التي يكون عليها مكان الستقبال لن من طبيعة النسان الرغبة في أن يظهر أمام غيره على أحسن حال، فإذا فوجئ بمن يلج عليه في بيته على أي حال كانت هذه المفاجأة مثار الوحشة

والنزعاج وال يريد لعباده الطهر والنقاء لذلك قال)هو أزكى لكم( فالستئذان وما يقترن به من التسليم ويستصحبه من النس مما يصفي القلوب من أكدارها ويسكن الوحشة والنزعاج وهذا النوع

من الستئذان حكمة العموم يشمل جميع طبقات الناس الذين يختلفون إلى بيوت غيرهم.

وإما النوع الثاني فقد قال ال فيه)ياأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلث مرات من قبل صلة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلة العشاء

( في هذه الية تعليم لنظام الدب58ثلث عورات لكم ليس عليكم ول عليهم جناح بعدهن ( ) النور/ والخلق في البيوت فليس للطفال والقرباء أن يندفعوا إلى داخل بيوت الباء والمهات والسادة متى أرادوا وإذا تسومح في دخولهم بدون استئذان في غير أوقات الحرج فإنه ل يتسامح في الوقات التي يكون فيها الدخول سببا للحرج ومثارا للنزعاج لذلك كانت هذه الثلثة الوقات عورات ل يباح فيها

للرفيق ول للطفل دخول البيوت إل بعد الستئذان ثلث مرات، وهي قبل صلة الفجر وقت النتباه من النوم، فإنه مظنة أن يكون النسان في هيئة ل يجب أن يشاهد عليها ووقت القيلولة في الظهيرة للعلة نفسها وبعد صلة العشاء عندما تتشوق النفس إلى الستراحة ويسرع النسان إلى الفراش فإن هيئة النوم غير هيئة اليقظة، وخصوصا النوم مع الهل والطفال الذين أعطوا هذا الحكم هنا يسلب منهم



(59بعدما يبلغون الحلم)وإذا بلغ الطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ( ) النور/ فليس حكم البلوغ كحكم الصبا وإنما على البالغين أن يستأذنوا في مطلق الوقات الستئذان العام الذي

سبق ذكره والسلم بهذه الداب البيتية يرعى الحالت النفسية والواجبات الخلقية فإن رؤية الطفل لبوية في بعض الحالت التي تكون بينهما قد تسبب ردة فعل نفسية وعصبية وخلقية في نفسه كما

يقرر ذلك علماء النفس، وقد اكتشف ذلك بعد قرون خلت منذ نزول كتاب ال بهذا الدب الرباني ودخول الناس فجأة من غير استئذان في بيوت غيرهم مما يسبب الريبة ويجر إلى الفساد فقد تتسلط

أبصارهم على عورات النساء فيجر إما إلى الطلق من قيود الفضائل والخلق أو إلى آلم نفسية وأمراض عصبية وقد أغلق السلم بحكمته البالغة هذا الباب بما سنه من الداب التي تطهر الوجدان

وتنظم العلقات فل تقوم إل على أساس الستقامة والطهر والعفاف.

ثانيهما الحجاب الشرعي الذي فرضه ال تعالى على النساء بعدما فرض على الرجال واجبات اجتماعية تشق عليهم مع تبرج النساء وعدم احتشامهن وهذا لن ال تعالى طالب الرجال بغض

البصار وحفظ الفروج حيث قال)قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ( والبصر هو أول نافذة من نوافذ الشيطان لذلك أمر ال30إن ال خبير بما يصنعون( ) النور/

بإغلقها مقاومة للشيطان وسد للمسالك عليه، وهذا لن من أطلق لبصره العنان لن يستطيع مقاومةمكايد الشيطان بعد دخوله عليه من هذه النافذة وقد أجاد أمير الشعراء في قوله:

نظــرة فابتسامة فســـلم فكــلم فمــوعد فلقـــاء

وحفظ الفرج ثمرة غض البصر لذلك أمر ال به بعد المر بمقدمته وهو غض البصر وقد أوضح ال سبحانه في الية أنه أراد لعباده بما فرض عليهم الطهارة والنقاء حيث قال )ذلك أزكى لهم( والسلم

بعيد عن التناقضات والمفارقات فل يكتفي أن حرم شيئا بسد بعض أبوابه دون بعض، ومن المعلوم أنه يتعذر على الرجال غض البصار في حالة عدم فرض قيود اجتماعية على النساء تكون عونا

للرجال على امتثال هذا الواجب لذلك أتبع ال سبحانه وتعالى ما أوجبه على الرجال عن غض البصار وحفظ الفروج بما فرضه على النساء في قوله)وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن

فروجهن ول يبدين زينتهن إل ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ول يبدين زينتهن إل لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني

أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ول يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى ال جميعا

( ليتم المطلوب من صيانة المجتمع السلمي وتنقيته من31أيها المؤمنون لعلكم تفلحون( ) النور/ الدران الشهوانية وقد ابتدأ ال )سبحانه( فيما أوجبه على النساء بغض البصار وحفظ الفروج لن

إرسال المرأة نظراتها غير المحتشمة قد يخلب لب الرجال فلذلك أمرها ال بالرزانة والحشمة في نظراتها وعدم حفظها لفرجها يعني بلوغ أقصى حدود الفساد من جانبها ومن جانب الرجل الذييتعامل معها ثم أتبع ما أوجبه عليها من صون جسمها بالحجاب الشرعي لتصون بذلك عفتها.

والسلم الحنيف ل يحارب الفطرة ولكن ينظمها لتصبح بناءة غير هدامة ومما ركز في فطرة المرأة حب الظهور بمظهر الجمال والزينة، وقد لبى السلم رغبتها ولكنه نظمها حيث أمرها أن تتجه

بمطلق زينتها إلى الرجل الذي تحرص كل امرأة عادة على كسب وده وهو شريك حياتها الذي يربطها



به رباط الزوجية المقدس، كما أباح لها أن تبدي بعض زينتها لذوي المحارم منها لما طبع ال تعالى عليه ذوي المحارم من عدم تأثرهم وهيجان غرائزهم برؤية ذوات محارمهم وإن كن متفننات في

الزينة أما سائر الرجال فل يحل للمرأة المسلمة أن تبدي لهم شيئا من زينتها إل ما ظهر منها واختلففي المقصود به فقيل الوجه والكفان وقيل ظاهر ثيابها.

هدف المقاييس الخلقية



والسلم الحنيف يريد بهذه القيود والداب أخذ المسالك على الفساد وإغلق أبواب الفتنة وسد منافذ الشيطان إلى النفس فالمرأة ذات أثر كبير على الرجل فقد تشعل نار الفتنة في قلبه بنظرة عابرة تنفلت منه فكيف إذا تتابع نظره إليها؟ وما بالك إذا التفت نظراتهما وتبادلت وحي الغرام؟ وقد تستيقظ الفتنة بنبرة صوتها وبرنة حليها وبنفحة طيبها لما يترتب على كل من ذلك من خواطر نفسية تؤرق النفس وتقض عليها مضجعها وقد تثير هذه المور أنواعا من الخيال تراود النفس بين لحظة وأخرى حتى تتركها تهيم في أودية الخيال السحيقة فتفقد اتزانها وهل كانت مآسي العشاق إل بمثل هذه السباب؟

وقد أوصد السلم هذه البواب بهذه القيود الجتماعية لتسير حياة الذكر والنثى سيرا سليما ل يستثير الغرائز ول يهيج العواطف وهي تأديب نفسي وتأديب اجتماعي لن أثره كما يظهر على النفس

ينعكس على المجتمع فتسوده الطهارة والعفة ومما ل يشك فيه أنه لو أمر الرجال وحدهم بغض البصار وحفظ الفروج وتركت النساء وشأنهن لكان ذلك من أكبر المفارقات وأقبح التناقضات، كيف

يمكن للرجال أن يخضعوا لهذه القيود الثقيلة وأجسام النساء العارية تتراقص من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم وأعينهن الفتاكة ترنو إليهم وأصواتهن الرخيمة تستفز مشاعرهم

وأصوات حليهن تداعب خيالهم؟

هذا وليست فتنة النظر تخشى على الرجال وحدهم فللمرأة قلب كما أن للرجل قلبا وقلب كل منهما معرض للتقلب وكثيرا ما كانت نظرة المرأة إلى الرجل مفتاحا لباب فتنة اصطلت سعيرها طوال

حياتها، وحفظ الفرج في كل منهما ثمرة لغض البصر، لذلك قرن ال سبحانه بين المر بغض البصر والمر بحفظ الفروج في خطابه للمؤمنين وخطابه للمؤمنات وهذه التعليمات صادرة عمن فطر الرجل

والمرأة وطبع كل منهما بخصائصه وهو العليم بما تنطوي عليه طبيعة كل منهما)أل يعلم من خلق ( فل تخضع هذه التعاليم للنقد ول للختبار وإنما على المؤمنين14وهو اللطيف الخبير( ) الملك/

والمؤمنات التسليم والطاعة)وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لهم ( أما أولئك الذين36الخيرة من أمرهم ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضلل مبينا( ) الحزاب/

يرددون نظريات دعاة الفساد ورواد الفجور، الذين ل يقيمون للفضيلة وزنا، ول يعرفون للعفة معنى، كفرويد ونظرائه فإنهم أشبه بالبغاء التي ل حيلة لها إل تقليد ما تسمع، ول نشك أن أولئك جل همهم

في الحياة تعرية النسان من ثوب الفضيلة وسلبه خصائص النسانية، ومن هنا أرادوا له عيشة البهيمة العجماء في عدم التقيد بالخلق ومن معاول هدمهم لصرح كرامة النسان ما يرددونه من النظريات القائلة" إن اجتماع الرجل بالمرأة وتبادلهما المزاح والفكاهات والحديث والمرح واطلع

الرجل باستمرار على مخابئ الفتنة وأماكن الغراء من المرأة كل ذلك مما يروح عن النفس ويطلقها من كبت الضغط الجنسي ويهذب الغزيرة الجنسية" مع منشؤها ما تحمله النفوس من حقد على القيم

النسانية والفضائل والخلق وقد كذبها الواقع التاريخي فإن البلد التي تحررت من جميع القيود الخلقية والجتماعية وانطلقت بغير حدود في الفساد وإرضاء العواطف والشهوات لم تردد بذلك إل

هيجان الشهوات الحيوانية في الرجال والنساء معا ...مع ما يتبع ذلك من جرائم كثيرا ما يذهب ضحيتها الطفال والبرياء ولقد قرأت منذ سنتين في إحدى الصحف السيارة أن أمريكيا اغتصبت أكثر من ثلثين طفل ثم قتلهم فهل كان بروز مفاتن النساء في تلك البلد واختلطهن بالرجال من غير قيود قانونية ول خلقية مهذبا للغريزة الجنسية أو مؤججا لنيرانها حتى خرجت بهم عن الفطرة إلى الشذوذ

بحيث صار الرجال ل يقتنعون بالنساء بل فيندفعون إلى الطفال يرزأونهم في رجولتهم المستقبلةوحياتهم الغالية كما يحصل الشذوذ أيضا في كثير من النساء.



مواقف المخالفين من النوع النساني

ومما ل نشك فيه أن أولئك الذين يرجون لمثل هذه النظريات في البلد اسلمية يهمهم أن تلقى المجتمعات السلمية مثل هذا المصير المؤلم بحيث يصير كل أحد مهددا في أطفاله ونسائه والنسان

تختلف طبيعته الجنسية عن الحيوان، فالحيوان ل تعدو رغبته مقدار طاقته فل تستفزه رؤية إناث جنسه إذا استنفد طاقته الجنسية بينما النسان يزيد ميل كل واحد من نوعي جنسه إلى النوع الخر عما أودع في طبيعته من الطاقة الجنسية ول في ذلك حكمة، فإنه بذلك يريد أن تكون حياة النسان حياة مدنية، وأول لبنة لبنائها التعايش الزوجي بين الذكر والنثى وطبيعة النسان تدعوا إلى التقليل

من المثيرات الجنسية لما يترتب على عكس ذلك من إنهاك قواه الجسمية والعقلية مع أنه مطالب بوظائف متنوعة في الحياة ويترتب على تأجيج الشهوات الحيوانية في النسان فساد بين الناس فل تبقى رحمة ول تعاطف بينهم وتفشي الزنا- والعياذ بال- في أي شعب أو مجتمع أو أمة من أحد فل

يأمن على عرضه أو على بيته ول يأمن أن يكون الولد الذين ولدوا على فراشه من ذرية قوم آخرين، كما أن ذلك من دواعي قلة النسل إذ المرأة التي تحمل من الزنا ل تبالي بالجهاض إما

للتخلص من العار أو للتخلص من تبعات تربية المولود التي ل يشاركها فيه أب شرعي له وكثيرا ما تتقي الزواني الحمل باستعمال الموانع الواقية منه وبهذا تتجلى حكمة ال فيما فرضه من القيود

الخلقية والجتماعية لصون العراض وحفظ النساب.

حماية السلم لتشريعاته الخلقية



هذا وإذا كان السلم يهدف بتشريعاته وأخلقه إلى الطهارة طهارة اللسان وطهارة الوجدان وطهارة واقع الحياة، فل غرو إذا وجدناه يقطع اللسنة البذيئة لئل تلغ في أعراض الناس فتؤذيهم أو تنتقض

شيئا من أقدارهم أو تسئ إلى العلقات والصلت فيما بينهم ولنسمع إلى ما يقوله الحق تعالى في ذلك)ياأيها الذين آمنوا ل يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ول نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ول تلمزوا أنفسكم ول تنابزوا باللقاب بئس السم الفسوق بعد اليمان ومن لم يتب

( .11فأولئك هم الظالمون( ) الحجرات/

فل مجال للسخرية بين الناس ل يسخر رجال من رجال ول نساء من نساء، فقد يكون المسخور منه عند ال خيرا من الساخر، ولو كان في هذه الدنيا أضعف وأفقر وأقل جاها عند الناس ممن سخر منه،

وفي هذا ما يمنع الناس أن يتطاولوا بما آتاهم ال على من يرونهم دونهم فل يهزأ غني بفقير ول قوي بضعيف ول شريف بوضيع ول أبيض بأسود إذ ل يعلم لعله عند ال خيرا منه، وكذلك النساء

ليس لمرأة أن تتطاول على غيرها بجمالها أو مالها، أو منزلتها أو أصالتها لن هذه المور كلها ل وزن لها عند ال وإنما الوزن للتقوى وهي منافية لها، ول يصح لحد أن يلمز أخاه لنه كأنما يلمز بذلك نفسه، ولذلك قال ال في الية)ول تلمزوا أنفسكم( وفي ذلك ما يوحي بوجوب ترابط المشاعر والحاسيس بين المسلمين فكل ما يصيب الفرد يصيب المجموعة واللمز هو الطعن باللسان ونبرات حروف هذه الكلمة تجسد وقع هذا الطعن كأنما يحسه القارئ أو السامع واقعا عليه وكثيرا ما يخلع

الناس على غيرهم ألقابا توحي بالسخرية وتؤذي أصحابها، فلذلك شدد ال تعالى في اللقاب في قوله )ول تنابزوا باللقاب( وأكد هذا المنع بقوله)بئس السم الفسوق بعد اليمان( فليس لحد أن يدعو أو

أن يذكر أخاه إل بأحب أسمائه إليه لن من واجب كل أحد أن يحب لخيه ما يحب لنفسه وبين- تعالى- خطورة الصرار على مثل هذه العمال حيث قال )ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون( ولجل المحافظة

على متانة الصلة بين المسلمين حرم اتباع الشكوك والظنون في قوله )ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا ( فل يحق لمسلم أن يظن بأخيه إل خيرا وإذا رأى منه شيئا حمله12كثيرا من الظن إ ( ) الحجرات/

على أحسن الظنون ما دام هنالك احتمالـ، كما حرم التجسس ول تقتصر هذه الحرمة على المسلم وحده، بل التجسس ممنوع على المسلم وغيره ليبقى كل إنسان آمنا في ظل السلم والتجسس إنما هو استكشاف للعورات وتنقيب عن المساوئ وهذا يتنافى مع طهر السلم وقداسته، ولجل عموم

حكم التجسس على المسلم وعلى غيره أطلق في الية حيث قال فيها الحق تعالى)ول تجسسوا( ولم يقل ول تجسسوا على أنفسكم أو ل تجسسوا على إخوانكم كما قال )ول تلمزوا أنفسكم ول تنابزوا

( لن لمز المشرك أو الفاسق بشركه12باللقاب( وكما قال)ي ول يغتب بعضكم بعضا ( ) الحجرات/ أو فسقه ل يمنع ما دام في ذلك تنفير عن الشرك والفسوق ما لم يفض إلى الزيادة عن الواقع كما أطلق في صدر السلم على عمرو بن هشام لقب أبي جهل مع أن كنيته كانت أبا الحكم وكما لقب

مسيلمة بالكذاب.

ومثل ذلك حكم الغيبة فهي حرام في المسلم وتحل غيبة المشرك والفاسق المجاهر بمعصية ال لجل التحذير من الشرك والفسوق ل لجل التلذذ بذكر المساوئ ومن ثم حرمت غيبة المستتر بستر ال

وإن كان فاسقا لن فسقه يضر به نفسه والسلم يبني أحكامه في العلقات بين أبنائه على ما يظهر من أعمالهم دون ما يختفي والغيبة التي نهت عنها الية فسرها الرسول عليه أفضل الصلة والسلم بقوله )ذكرك أخاك بما يكره( قيل له أرأيت إن كان في أخي ما أقوله؟ قال) إن كان فيه ما تقوله فقد

اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته( وال تعالى عندما حرم الغيبة في الية أكد التنفير عنها حيث



صورها في صورة هي من أبشع الصور يتقزز منها النسان بطبعه وذلك حيث شبه الغتياب بنهشالنسان لحم أخيه وهو ميت حيث قال ) أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ( ) الحجرات/

( وفي هذا التمثيل ما يجعل اللبيب كلما أراد لسانه تمزيق عرض أخيه يتصور هذه الصورة12 الشائنة الكريهة كأنها أمام ناظرية وقد جاء في الحديث أن رسول ال صلى ال عليه وسلم عندما أقام

الحد على ماعز بعد اعترافه بالزنى سمع أحد الصحابة يقول "انظروا إلى هذا أما كان الولى لـه أن يستر ما ستره ال فقد رجم كما يرجم الكلب" فسكت رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى رأى جيفة حمار فقال )أين فلن وفلن(؟ يريد القائل والمقول لـه- فأتياه فأمرهما أن يأكل من تلك الجيفة فقال غفر ال لك يا رسول ال أهذا مما يؤكل منه؟ قال لهما) ما أصبتما من أخيكما أعظم( ثم أخبر النبي

صلى ال عليه وسلم عن ماعز رضي ال عنه أنه يسبح في أنهار الجنة لقطع اللسن عن قالت السوءفيه ولتطهير النفوس عن الظن السيئ به.

وإذا كان النسان مطالبا بتطهير لسانه من أرجاس الغيبة مطلقا فإن قذف المحصنين والمحصنات أشد في النهي وأوغل في الثم لذلك شرع ال سبحانه وتعالى الحد في مقابل رمي المحصنات حيث

قال)والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ول تقبلوا لهم شهادة (4أبدا وأولئك هم الفاسقون إل الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فان ال غفور رحيم ( ) النور/

والنص قد جاء في رمي المحصنات لن فضيحة المرأة تزيد عن فضيحة الرجل لما ينعكس منها من الثر السيئ على أسرتها ومجتمعها بينما فضيحة الرجل تكون محسوبة عليه وحده ولن الوغاد

والسفلة كثيرا ما يتلذذون في مجالسهم بهتك أعراض النساء وحمل رمي المحصنين على رمي المحصنات بالسنة والجماع وكما فرض ال سبحانه عقوبتين صارمتين في الدنيا على رمي

المحصنات بالسوء وهما الحد وإسقاط الشهادة بين ال تعالى عقوبة هؤلء في الدار الخرة حيث قال )إن الذين يرمون المحصنات الغافلت المؤمنات لعنوا في الدنيا والخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم ال دينهم الحق ويعلمون أن ال هو

( ويراد بهذا وذاك أن تكون حياة المة السلمية قائمة على أساس25، 23الحق المبين( ) النور/ طهارة النفوس وطهارة اللسن وتبادل مشاعر الحب والتقزز من الفحشاء بحيث يأنف الناس من ذكرها فضل عن ارتكابها وهذا لن ذكر الفحشاء إن شاع بين الناس أصبحت أمرا عاديا ل يبالي

أحدهم بارتكابه بخلف ما إذا استعظم دلئل إعجاز الكتاب المبين فإن العقول البشرية ل تهتدي بنفسهاإلى هذه الدقائق فسبحان من أدهشت حكمته عقول المستبصرين.

مثل من تفوق السلم في فلسفة الجتماع



ومن تفوق في السلم الظاهر في فلسفة الجتماع ما يفرضه على الولد من رعاية حقوق الباء والمهات لتبقى الفروع موصولة بأصولها ولتبقى الجيال المتلحقة حلقات مترابطة في سلسلة واحدة

ل ينفك آخرها عن أولها ولم يجد في أي فلسفة أخلقية تعظيم البوة والمومة كما هو في السلم فال تعالى قد قرن بين حقوق الوالدين وحقه حيث قال )وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدين

إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلهما فل تقل لهما أف ول تنهرهما وقل لهما قول كريما (24، 23واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا( ) السراء/

وجمع بين شكرهما وشكره في قوله)ووصينا النسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في ( وفي طوايا هذه الكلمات القرآنية التي توصي14عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير( ) لقمان/

برعاية حقوق الوالدين من المعاني القيمة والشارات اللطيفة مال يمكن أن يفي به تعبير آخر ويكفينا أن نشير إلى قوله سبحانه)وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلهما فل تقل لهما أف ول تنهرهما وقل لهما قول كريما واخفض لهما جناح الذل من

( فإن بلوغ الكبر من الرجل والمرأة24، 23الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا( ) السراء/ قد يسبب صدور إيذاء منهما لم يقوم بأمرهما ولكن الولد في هذه الحال مطالب بالحتمال والصبر

وعدم التضجر والتأفف مما يلقاه منهما وخفض الجناح لهما وعدم مقابلة إساءتهما بمثلها وتذكر ما كان منهما من تربية له واحتمال ليذائه وصبر على بلواه من غير أن يتأففا أو يتضجرا ومن غير أن يخطر ببالهما حب التخلص منه وفي هذا التذكير ما يجعل اللسان يفيض بالضراعة والبتهال إلى ال

بأن يرحمهما كما ربياه صغيرا فإن ذلك غاية ما يستطيعه إذ ليس في وسعه أن يكافئهما على إحسانهما فقد أحسنا إليه وهما ل يشعران بالملل أو السأم مما يلقيان منه في طفولته بل كان يهشان

لـه ويبشان في وجهه مهما صدر منه من هفوة أو إيذاء لهما.

وإذا كان الوالدان مشركين فإن شركهما ل يمنع حقهما منه بل عليه أن يتلطف بهما ويطيع أمرهما ما لم يأمراه بعصيان الخالق تعالى فإنه "ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق" لذلك قال الحق تعالى بعد

التوصية بهما)وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فل تطعهما وصاحبهما في الدنيا( .15 ( ) لقمان/000معروفا واتبع سبيل من أناب إلي

وفي قصة إبراهيم عليه السلم التي ذكرها ال في سورة مريم مثل للولد الذين يبتلون بآباء كفرة أو فسقة، فقد كان إبراهيم متلطفا بأبيه في خطابه له مشفقا عليه من سوء المنقلب وشر المصير وقد

حكى ال ذلك كله في قوله تعالى> واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال لبيه يا أبت لم تعبد ما ل يسمع ول يبصر ول يغني عنك شيئا يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك

صراطا سويا يا أبت ل تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمان عصيا يا أبت إني أخاف أن يمسك ( ،ثم حكى ما كان من شراسة الب في45، 41عذاب من الرحمان فتكون للشيطان وليا( ) مريم/

الجواب وما كان من إبراهيم عليه السلم من العتزال لبيه بعد يأسه منه حيث قال)قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لرجمنك واهجرني مليا قال سلم عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون ال وأدعو ربي عسى أل أكون بدعاء ربي شقيا فلما اعتزلهم وما

يعبدون من دون ال وهبنا له إسحاق ويعقوب وكل جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم(.50، 46لسان صدق عليا( ) مريم/



أثر هذه الفلسفة على السرة

وفي هذه الحقوق التي يلقي ال مسئوليتها على الولد ما يكفي دليل لكل مستبصر على أن هذه التوصيات ل تصدر من فكر إنسان وإنما هي تنزل من حكيم حميد يعلم طوايا النفس وطبائعها فليس من الممكن أن تصدر من فكر إنسان نعرض لتأثير العواطف والعوارض الداخلية ولو وهب ما وهب

من الوعي والحكمة فضل أن تصدر من أمي لم يقرأ كتابا ولم يدرس أوضاع البشر وفي هذه التوصيات البالغة بحقوق البوين ما يمنح السرة في السلم القوة والمتانة ويضفي عليها السعادة والهناء، ولو ألقى إنسان نظرة اليوم إلى العالم المتحضر الذي أطغته المادة واستبدت به الشهوات

واستحكمت فيه النانيات فحلت وشائج الرحم وقطعت صلت القربى لم يجد لـه علجا إل إرشاد القرآن، ولو ألقى أحد نظرة إلى أي مجتمع غربي وما يعانيه من القطيعة بين الباء والمهات من

جهة وبين البنين والبنات من جهة أخرى وبين مطلق ذوي القربى لرأى أن المشكلة ل يمكن أن تحل بفلسفة بشرية فالمكتبات الغربية زاخرة بفلسفات الجتماع والخلق وعلم النفس ولكنها هل أغنت

شيئا عن النسان التعيس الحائر هناك، أما إذا قرأت مثل قول ال تبارك وتعالى)وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلهما فل تقل لهما أف ول تنهرهما وقل لهما قول كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم أعلم

بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للوابين غفورا وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ول تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا وإما تعرضن

عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قول ميسورا ول تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ول

تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا ول تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيل ول تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فل يسرف في القتل إنه كان منصورا ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئول وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويل

ول تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئول ول تمش في الرض مرحا إنك لن تخرق الرض ولن تبلغ الجبال طول كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ذلك مما

أوحى إليك ربك من الحكمة ول تجعل مع ال إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا ( ) السراء/ ( لوجدت في ثنايا هذه اليات علج كل مشكلة ينوء بها المجتمع الغربي في زماننا حتى إنه39- 23

ليخيل لك أن اليات المذكورة أنزلت لعلج مشاكل العصر خاصة ل سيما في المجتمع الغربي الذي يعاني من ضلل العقيدة وانحدار الخلق وطغيان المادة وغرور النفس والقطيعة بين القربين ولو اجتمعت طاقات البشر الفكرية على إنتاج شيء من هذه الحلول لرتدت خاسئة ولجاءت بالداء من

( فنور القرآن لم يسطع52حيث تظن أن الداوء فسبحان القائل : )وما هو إل ذكر للعالمين( ) القلم/ليقتبس منه شعب أو جيل دون آخر وإنما هو نور ال المبين الذي يسطع على جميع العالمين.

- العجاز الخبري4



إن القرآن الكريم حافل بالخبار الغيبية، وتنقسم إلى ثلثة أقسام: خبر عما مضى، وخبر عن حاضر، وخبر عن مستقبل، أما خبر عن الماضي فهو الخبار عن النبيين وما كان يلقاه المرسلون من عنت

قومهم، والمم الماضية وأحداثها المتنوعة مع أن هذه الخبار لم تكن معروفة في المحيط المي الذي نشأ وعاش فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو عليه أفضل الصلة والسلم لم يكن على اتصال

بأهل الكتاب اتصال يمكنه من معرفة ما في الكتاب من أخبار المم وتواريخها وأحداث النبيين مع قومهم، ولم يكن النبي صلى ال عليه وسلم يتلو قبل القرآن من كتاب ول يخطه بيمينه، وقومه كانوا

بعيدى العهد بالنبوات وأخبارها، وأهل الكتاب المنبثون في جزيرة العرب كانوا أشبه بالميين في الوصف، إذ جلهم كانوا معدودين في عوام أهل الكتاب، وقليل منهم كان يعنى بقراءة الكتاب كما

أوضح ذلك ابن خلدون في "العبر"، ومع هذا كله فقد جاء القرآن المنزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم بأخبار النبيين والمم التي ل مجال لتكذيبها، ول مكان لتقيدها لوضوحها وضوح الشمس في رابعة النهار، فضل عما جاء فيه من بيان كثير مما يخفيه أهل الكتاب وتفنيد كثير من مزاعمهم

وضللتهم وتبيين أحوال أحبارهم الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هو من عند ال ليشتروا به ثمنا قليل، وفي القرآن نفسه ما يدل دللة قاطعة على أن هذه الخبار لم تكن معلومة في المحيط الذي

نشأ فيه عليه أفضل الصلة والسلم، ففي سورة آل عمران نجد بعد قصة مريم ما يثبت أنها من الغيبيات التي لم تكن معلومة لقوم الرسول صلى ال عليه وسلم حيث قال تعالى)ذلك من أنباء الغيب

نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلمهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون( ) آل ( وفي سورة هود عليه السلم بعد ذكر قصة نوح يأتى قول ال سبحانه )تلك من أنباء44عمران /

/ سورة49الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ول قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين( ) هود(

مع العلم أن سورة هود من السور المكية، فلو كانت هذه النباء أو بعضها مما تعلمه قريش لبادرة إ لى تكذيب الرسول عليه أفضل الصلة والسلم ورد ما جاء به بإثبات أنها على علم بهذه الخبار أو

ببعضها، وفي سورة يوسف ما يؤكد أن قصة يوسف عليه السلم مع إخوته لم تكن معلومة لدى قريش، وذلك قول الحق تعالى)ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم

( ونحو ذلك ما جاء في سورة القصص بعد ذكر قصة موسى عليه102يمكرون( ) سورة يوسف/ السلم مع فرعون لعنه ال ومع بنى إسرائيل، فهل يبقى مع ذلك شك أن الرسول صلى ال عليه وسلم

موحى إليه بهذه الخبار لما أدخله أحبارهم ورهبانهم من التحريف والتبديل في الكتاب.

وقد حاول المشركون أن يجدوا ما يتشبثون به في تكذيب الرسول صلى ال عليه وسلم زاعمين تارة أن النبي صلى ال عليه الصلة والسلم يهذى بهذه الخبار التي في القرآن من قبل نفسه، وتارة أنه

يستند إلى من يلقنه إياها، وال تعالى يرد عليهم هذه الدعوى بقوله )ولقد نعلم أنهم يقولون إنما ( فأنى للعجمي أن16يعلمه بشر لسان الذى يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ( ) النحل/

يستطيع صياغة هذه القصص والخبار والمواعظ والمثال إلى ما وراء ذلك مما في القرآن هذا الصوغ العجيب الذي تلشت بين يديه بلغة بلغاء العرب، مع أن الرجل العجمي الذي زعموا أن

الرسول صلى ال عليه وسلم يستمد منه القرآن لم يكن يعرف من اللغة العربية ‘ل ما يدور من حديث المجاملت فحسب، وقد اختلف المفسرون في اسمه ووصفه، منهم من قال اسمه)يعيش(، ومنهم من قال اسمه )جبر( ومنهم من قال اسمه)بالعام( وقيل كان أعجميا بياعا بمكة وقيل كان قينا روميا وهذا الختلف ل يضير التفاق أنه لم يكن يحسن العربية كما يدل على ذلك القرآن نفسه، وإذا كان أولئك



المكذبون يتشبثون بهذه الدعوى الواهية في تلك العصور فإن ملحدة اليوم يعيدونها في صورة أخرى، فنجد في مقررات الروس الشيوعيين زعما بأن مسيلمة الكذاب- لعنه ال- كان من أساتذة

الرسول)عليه السلم( وأن كثيرا من سور القرآن من وضع مسيلمة، وإنما استأثر رسول ال صلى ال عليه وسلم بهذا المر دونه وزعموا أن القرآن الكريم تضافرت عليه جهود كثير من الناس لفوا بالكرة الرضية وأحاطوا بما فيها من العجائب واستظهروا ما أمكنهم من الخبار وكانت حصيلة ما

جمعوه هي مصدر ما في هذا القرآن من عجائب يتعذر على الفرد أن يحيط بها وهذا كله إنما هو ناجم عن مكابرة الحقيقة التي ل يمكن إنكارها وإل فكيف يمكن لبناء جزيرة العرب- في الوقت الذي تتعذر

فيه وسائل النقل التي تمكن من الدوران بالكرة الرضية- أن يحيطوا علما بأخبار الرض وعجائبهامع أنهم قليل ما كانوا يخرجون من جزيرتهم ولم يكونوا على علم بما يدور في العالم من حولهم.

وأحفظ أنني قرأت لمستشرق نصراني دعوى أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يكن على علم بأخبار النبيين كإبراهيم وموسى وعيسى قبل هجرته إلى المدينة المنورة وإنما بدأ يقتبس بعد الهجرة

أخبارهم من أهل الكتاب في المدينة وقد فات هذا المستشرق أن أكثر سور القرآن خبرا عن النبيين هي السور المكية ل المدنية كسورة يونس وهود ويوسف وإبراهيم والسراء والنبياء والقصص

وغيرها.

وأما خبر الحاضر فهو الخبار عن الشئون المعاصرة للرسول صلى ال عليه وسلم مما ل يمكن لبشر أن يجزم فيه بشئ كقوله تعالى: )غلبت الروم في أدنى الرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع

،2 ( ) الروم/00سنين ل المر من قبل ومن بعد ،ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر ال ينصر من يشاء ( فقد كان نزول هذه اليات في حال ما اشتد الصدام بين المبراطوريتين الكبيرتين آنذاك:3

المبراطورية الرومانية التي كان على رأسها قيصر، واندحرت جموع بني الصفر أمام الزحف الساساني وسر العرب المشركون لكون الروم يشاركون المسلمين في اليمان بكتاب سماوي بينما

الفرس كانوا مجوسا يجامعون مشركي العرب في اليمان بكتاب بعقيدة سماوية وساء المسلمين هذا النتصار الوثني على قوم من أهل الكتاب فأنزل ال تعالى هذه اليات تحمل بشرى إلى المؤمنين بأن المنتصرين ل يلبثون أن يندحروا وأن الروم المغلوبين سوف يظهرون على عدوهم في بضع سنين ولم يكن ذلك يدور بخلد أحد من الناس فمن الذي يستطيع أن يجزم بأن المغلوب سيصبح غالبا وأن

الغالب سينقلب مغلوبا؟ وقد كانت ثقة المؤمنين بالوحي ثقة ل تعادلها ثقة وهذا الذي دفع أبا بكر الصديق)رضي ال عنه( إلى مراهنة المشركين على ما وعد ال به وذلك قبل حرمة الرهان في

السلم فقد راهنهم على أربع قلئص لمدة سبع سنين فمضت السبع ولم ينتصر الروم على الفرس فشق ذلك على المسلمين فأمره رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يزايدهم في الرهان وأن يستزيدهم سنتين فلم تمض السنتان حتى جاءت الخبار بانتصار الروم على مجوس فارس وثبت ما وعد ال به المؤمنين من هذا النتصار الذي يفرحون به فلو أن هذا الوعد كان ناتجا عن تفكير إنسان يعتمد على مقاييس الناس في تجاربهم لكان ذلك معدودا من الوهام التي ل يعتمد عليها عاقل، فإن الحرب وإن

كانت سجال ينتصر فيها المغلوب ويهزم فيها الغالب فقد يكون النتصار في بعض المواقف لعدو على عدوه مفتاحا لنصر طويل حتى يتمكن الغالب من القضاء على المغلوب وقد حدث ذلك كثيرا في تاريخ الحروب القديمة والحديثة فل يمكن الجزم بظهور المغلوب على الغالب، وخصوصا مع تحديد الزمن

ببضع سنين إل بوحي ممن يعلم السر وأخفى، وتصديق الواقع للخبر في الزمن المحدد دليل جازمعلى أن هذا القرآن جاء بالخبر هو من عند ال تعالى فإن ذلك من معالم إعجازه البارزة.





أما خبر المستقبل فهو في القرآن كثير جدا ونكتفي بالشارة إلى بعض المواضع راجين من ال سبحانه أن يمن علينا بالتوفيق للطالة في شرح هذا العجاز عندما نصل إلى هذه المواضع في التفسير فمن ذلك ما في سورة الفتح من بشائر متعددة وأخبار متنوعة وكان نزول السورة على

الرسول صلى ال عليه وسلم في جو عابس مكفهر بعد ما كان المسلمون يكاد يستحكم في نفوسهم اليأس ويستولي على قلوبهم الشعور بالهزيمة وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أري في

منامه أنه داخل مع أصحابه المسجد الحرام وهو محلقون رءوسهم ومقصرون بعد تأدية الشعائر- ورؤيا النبيين حق- لن الشيطان ل يتمثل لهم، فاستنفر الرسول صلى ال عليه وسلم المؤمنين

ليذهبوا معه محرمين إلى البيت العتيق الذي تحدوهم إليه لواعج الشوق بعد طول عهدهم به لحيلولة المشركين بينهم وبينه وكان ذلك في العام السادس الهجري فاستبشر مرضى القلوب من أهل المدينة

بهذه المبادرة من المسلمين التي كانوا يتصورونها مغامرة جنونية ستؤدي بهم إلى الفناء، وكانت ألسنتهم تجري بما تفيض به قلوبهم المريضة من ظنون، فتردد أن قريشا قد غزت النبي- عليه أفضل

الصلة والسلم- في عقر داره ورزأته في كثير من أصحابه فكيف وهو يذهب بأصحابه إلى دارهم فهل ترضى النفة القريشية والحمية العربية التي تتأجج نارها في صدورهم أن يمر بهم خصومهم

ويطأوا ترابهم من غير أن يبيدوهم عن بكرة أبيهم؟ هذه الخواطر كانت تعتمل في نفوس المنافقين في المدينة ويتحدثون بها فيما بينهم هذا ولم يكد رسول ال صلى ال عليه وسلم والمؤمنون يستنشقون

عبير البيت الحرام ويشمون العرف الذكي من التربة الحرمية المقدسة حتى وقف بين أيديهم المشركون سدا منيعا يحولون بينهم وبين ما يطمحون إليه، وبركت ناقته صلى ال عليه وسلم مكانها

بالحديبية ولم تتقدم خطوة إلى المام وأخبر النبي صلى ال عليه وسلم أنها حبسها حابس الفيل ووافق )عليه أفضل الصلة والسلم( على أي خطة تسألها منه قريش فتمت بينه وبينهم المعاهدة

المعروفة بصلح الحديبية وكان ظاهر هذا الصلح استعلء المشركين على المسلمين إذ كان من بنوده، أن كان هارب من جانب المسلمين إلى المشركين فللمشركين أن يلجئوه وإن كانت هذه مصيبة نزلت

كالصاعقة على رؤوس المسلمين وقد كبر عليهم المر حتى أن الرسول صلى ال عليه وسلم كان يأمرهم ثلث مرات أن ينحروا هديهم ويحلوا إحرامهم بالحلق أو التقصير فتلكأوا في امتثال أمره مع

ما عرفوا به من المبادرة إلى طاعته صلى ال عليه وسلم فدخل مهموما على زوجه )أم سلمة( فأشارت إليه أن يخرج ول يكلم أحدا وينحر هديه ويدعو بحالقه فيحلق له، ففعل النبي صلى ال عليه

وسلم ما أشارت به عليه، فتبادر أصحابه إلى بدنهم ينحرونها ثم أحلوا إحرامهم بالحلق والتقصير وكاد بعضهم يقتل بعضا من الغم، وفي هذا الجو العابس نزلت هذه السورة على رسول ال صلى ال عليه وسلم تحمل بشائر المستقبل الباسم وحسبك بفاتحتها )إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك ال ما

تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك ال نصرا عزيزا((.3، 2، 1) الفتح/

وكان الصحابة رضي ال عنهم في منتهى التشائم فجاء أحدهم إلى النبي صلى ال عليه وسلم وقال له:أو فتح هو يا رسول ال؟ فقال له)أي وربي فتح وأي فتح( ولقد صدق ال وعد به رسوله )عليه

أفضل الصلة والسلم( إذ لم يمض شهران من صلح الحديبية حتى فتح ال عليه خيبر وغنم المسلمون غنائم كثيرة وقضوا على الخطر اليهودي الذي يهددهم في قلب جزيرة العرب وأخذ الناس

يدخلون في دين ال فوجا بعد فوج، ولم يمض عامان من تاريخ هذا الصلح حتى دخل في السلم أضعاف عدد المسلمين من قبل ويدل على ذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم خرج في عمرة الحديبية

بألف وأربعمائة ودخل صلى ال عليه وسلم مكة بعد سنتين ومعه عشرة آلف مقاتل.



وقد أخذت الدعوة السلمية بعد هذا الصلح تتدفق في أنحاء الجزيرة كالسيل التي وقد تخطت حدود الجزيرة حتى قرعت مسامع كسرى وقيصر عندما أوفد النبي صلى ال عليه وسلم وفوده حاملين كتبه

إلى كثير من ملوك الرض من بينهم المبراطوران الكبيران كسرى وقيصر وقد أقلقت هذه الدعوة قلب قيصر حتى شعر بعرشه يتزلزل من تحته، وبالرض تميد به وبسلطانه وقال قولته المشهورة

أمام أبي سفيان بعد أن سأله عن صفات النبي صلى ال عليه وسلم وأحوال دعوته :" لن كنت صادقا فيما تقول ليمكن موضع قدمي هاتين ولو كنت أعلم أنني أخلص إليه لتجشمت إليه حتى أغسل عن قدميه" أما جزيرة العرب فقد ملت سمعها هذه الدعوة وبلغت أقصى مكان منها وهو عمان لبعدها

عن مكة المكرمة، وقد أسلم أهلها عن بكرة أبيهم عندما وصلهم عمرو بن العاص رسول النبي صلى ال عليه وسلم وكان هذا كله هو الفتح الذي وعد ال به رسوله المين وقد أنجزه ال له في أقل من سنتين من نزول السورة وفي نفس هذه السورة كثير من الخبار عن المغيبات منها ما أخبره ال به عما سيقوله المخلفون في قوله)سيقول لك المخلفون من العراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا

( ،وهؤلء هم أسلم وغفار وغيرهم من العراب11يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ( ) الفتح/ حول المدينة وكانوا قد تلكأوا في الخروج مع الرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنين لما يتوقعونه

من عدم انفلتهم من قبضة قريش إذا وطئوا تراب مكة وقد أخبر ال رسوله صلى ال عليه وسلم عما كان يدور في أدمغتهم من ظنون في قوله كما أخبره- سبحانه- عما سيطمع فيه المخلفون من اللحوق بالمؤمنين لحراز المغانم التي تفيء إليهم بعد ذلك وما يجب أن يجابوا به حيث قال )سيقول المخلفون

إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلم ال قل لن تتبعونا كذلكم قال ال ( وهذه المغيبات التي ل15من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا ل يفقهون إل قليل( ) الفتح/

يدركها إل ال)سبحانه( وفي نفس السورة إنذار المخلفين بأنهم سيدعون إلى قوم أولي بأس شديد يقاتلونهم أو يسلمون وذلك مما وقع في عهد أبي بكر- رضي ال عنه- في حروب الردة مع بني

حنيفة وغيرهم، وفي سائر الحروب التي تلحقت بعد ذلك حتى ظهر دين ال في الرض ومن ضمن ما في السورة من المغيبات هذه البشارة التي يحملها إلى النبي صلى ال عليه وسلم وإلى المؤمنين

قول الحق تعالى)لقد صدق ال رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء ال آمنين محلقين ( ،ولم27رءوسكم ومقصرين ل تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا( ) الفتح/

يمض عام واحد حتى أقر ال عيون المؤمنين بدخولهم المسجد الحرام محرمين بعمرة القضية وهم آمنون مطمئنون محلقون رؤوسهم ومقصرون بعدما أحلوا الحرام وقد اشترك في هذه العمرة جميع

المؤمنين الذي صدوا عن المسجد الحرام في عمرة الحديبية وفي السورة نفسها وعد من ال للمؤمنين بغنائم متتابعة وقد تحقق ذلك وكانت غنائم خيبر في مقدمتها كما وعد ال فيها رسوله صلى ال عليه وسلم بظهور دينه على كل دين في قوله )هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره

( وقد أنجز ال هذا الوعد فعلت كلمة ال في الرض28على الدين كله وكفى بال شهيدا( ) الفتح/ وأشرق نور دينه الحق فمزق ظلمات الديان الباطلة وبجانب هذه الخبار الغيبية في السورة وعود

وبشائر أخرى في سائر القرآن، منها ما في قول الحق تعالى )وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم

وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ل يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون( ) ( والية نزلت بشارة للمؤمنين في ظرف حرج ووقت عصيب إذ كانت جزيرة العرب ترميهم55النور/

بأفلذ كبدها والدولة السلمية وليدة مهددة بالقضاء عليها في مهدها ولكن هذا الوعد وأمثاله مما كان ينزل به القرآن ينزل في قلوب المؤمنين السكينة ويبعث فيها الطمأنينة ويستثير العزائم ويوقظ



الهمم وكما أن المسلمين كانوا بمكة المكرمة مهددين من قبل رؤوس الكفر في نفوسهم ظلوا كذلك في المدينة المنورة مهددين في دولتهم الفتية ونظامهم الناشئ وكانوا ل يكادون يضعون أسلحتهم خشية أن تستباح بيضتهم، وتداس كرامتهم ل سيما والعرب تتناوشهم وقريش تؤلب عليهم، ويذكر أنه في هذا الظرف القاسي جاء رجل إلى النبي صلى ال عليه وسلم يسأله متى يأمنون فيضعون أسلحتهم؟ فبشره النبي صلى ال عليه وسلم بأنه سيعيش حتى يرى المل الكثير من الناس ليست بينهم حديدة، ونزلت الية تصديقا لما بشر به النبي" عليه افضل الصلة والسلم" والية مسبوقة بآيات مبشرات نزلت بمكة المكرمة، منها قول الحق سبحانه )إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم

( والؤمنون لثقتهم بوعد ال كانوا ل يخفون هذه البشائر عن أعدائهم51يقوم الشهاد( ) غافر/ المشركين، وقد اتخذ منها المشركون مادة للسخرية والستخفاف والهزء بالمؤمنين، فإذا رأوهم

مقبلين قالوا: جاءكم ملوك الرض الذين سيغلبون غدا ملك كسرى وقيصر، والنبي صلى ال عليه وسلم كان يبشر بهذا الوعد حتى في أحرج المواقف التي تضيق منها الصدور، ويضطرب فيها البال، فعندما خرج صلى ال عليه وسلم مهاجرا من مكة ومعه الصديق "رضي ال عنه " وكان المشركون يكادون يأخذون عليهما جميع المسالك بالرصد والتبع، إذ كانوا يعدون من يأتيهم به حيا أو ميتا بمائة

قلوص، كان رسول ال صلى ال عليه وسلم في هذه اللحظات الحاسمة ينظر إلى وعد ال القاطع بالنصر والتمكين وظهور هذا الدين على كل دين، حتى كأنه من ثقته بهذا الوعد ينظر إلى الموعود به أمام ناظريه، وعندما لحق به سراقه وصده ال تعالى عنه وطلب منه كتاب المان قال النبي صلى ال

عليه وسلم " كيف بك إذا لبست سوار كسرى؟" إن كل لبيب ليدرك بأدني تأمل أن هذا المنطق ليس منطقا بشريا عاديا وإنما هو منطق النبوة الخالدة والرسالة الصادقة، فالبشر العادي في مثل هذه

الساعات الحرجة تضيق به الرض بما رحبت، وتتبخر آماله، وتتصدع عزائمه، وتتلشى هممه، كيف وهو"عليه أفضل الصلة والسلم" تلفظه أرضه التي هي مسقط رأسه ومنبت آبائه، ومسرح خيالته،

ويخرج منها مع أحد أصحابه يقطعان رحلة الصحراء تزيد عن أربعمائة وخمسين كيلومتر، ويكاد يكون على كل تلعة أو هضبة رصد من المشركين، فضل عن الفواج التي خرجت من ورائهما آملة اللحاق بهما، لتشفي قريش غيظها منهما، فكيف يداعب خياله صلى ال عليه وسلم في هذه الحالة

أمل أن تفتح لصحابه ممالك كسرى، حتى يلبس رجل عادي ل يزال في ذلك الوقت على ملة الجاهلية سواري كسرى ؟ وإنما ذلك تعبير منه صلى ال عليه وسلم عن وعد ال الذي ل تبديل لكلماته ول

اختلف لميعاده.



ولقد أنجز ال تعالى هذا الوعد، فانطلق المسلمون في أرجاء الرض حاملين معهم لواء دعوة الحق، وأطاحوا بالمبراطورية الولى في العالم آنذاك، كما قضوا على السلطة القيصرية في أكثر

مستعمراتها، وكادوا يأتون عليها في كل مكان، وأذاقوا الشعوب المقهورة المحرومة التي كانت تئن تحت مطاة الظلمة وسياط العسف والجور نعمة العدل والحرية والكرامة، وعندما جئ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ة-رضي ال عنه – بخزائن كسرى وتاجه وسواريه دعا بسراقة وألبسه السوارين

وتحقيقا لما وعد به الرسول "عليه أفضل الصلة والسلم "، فمن الذي يصدق أن هذه الشراذم القليلة سوف تواجه في أن واحد أكبر دولتين في ذلك الوقت _ مثلهما كمثل روسيا وأمريكا في عالم اليوم-

وتتغلب عليهما، لول أن المر أمر إلهي والوعد وعد رباني؟ ولو قال قائل " إن الرسول صلى ال عليه وسلم كان يستدل بقرائن الحوال لما يقوله شأن الذكياء النابهين فإن ذلك يرده أن موازين العقل ومقاييس التجارب تقضي باستحالة أو شبه استحالة تحقق تلك الوعود، كيف لهذا العداد

القليلة من المؤمنين أن تواجه الدول الكبرى من غير أن تسند ظهرها إلى دولة ذات قوة كقوتها؟ فمن يصدق في عصرنا هذا أن جزيرة العرب مع ما يفيض فيها من الثراء ويتفجر منها من الطاقة تستطيع أنتحرش بإحدى الدولتين الكبريين في هذا العصر بغزوها في عقر دارها اعتمادا على قوتها فضل عن

التحرش بهما معا؟ مع إن أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم الذين رفعوا لواء الجهاد لم يجمعوا قواهم لغزو دولة واحدة فحسب حتى يتغلبوا عليها ثم ينقلبوا إلى غيرها، بل انقسموا لتواجه طائفة

منهم هذه القوة وتواجه الطائفة الخرى القوة الخرى، والعرب وإن عرفوا بالبأس وقوة المراس فإن ذلك ل يعني قدرتهم من قبل أنفسهم لمواجهة القوى العالمية ل سيما أن العرب لم تكن حروبهم حروبا

منظمة وإنما كانت حروبا قبلية ضيقة، والروم والفرس قد مارسوا الحروب وخبروها لمدة ثلثة قرون واعتادت جيوشهم النضباط العسكري وأبدى كل جيش من هذين الجيشين الكبيرين في المعارك التي دامت بينهما هذه المدة من مهارة الحرب وفنون القتال ما لم تكن قبائل العرب على خبرة به فأنى للجيش العربي أن يسحق جموع بني ساسان وبني الصفر وهو يتكون من القبائل المتفرقة التي دأبت

على التنافر والتناحر وعرفت بالنفة والباء بحيث يرفض كل قبيلة إمرأة القبيل الخر؟!.

وهل كان رسول ال صلى ال عليه وسلم- لو كان يستمد وعوده من مقاييس عقله- يثق في اجتماع كلمة العرب وتخلصهم من عاداتهم التي طبعوا عليها واستعلئهم على أنانيتهم التي عرفوا بها حتى يكونوا قوة تتحدى العالم بأسره؟ فلو كان هذا المنطق منطقا بشريا لعد من أول المر فاشل نظرا إلى

حالت القوم مع العلم أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يخرج بالجماعة المؤمنة معه ليخوض بها معركة خارج الجزيرة العربية حتى يقيس بها ما يمكن إحرازه على يد هذه الجماعة من نصر، اللهم

إل ما كان من معركة )مؤتة( التي كانت بين المسلمين والروم في آخر عهده صلى ال عليه وسلم وقد أكلت هذه المعركة قادة الجيش السلمي قائدا بعد آخر ولم يحقق المسلمون فيها نصرا ماديا وإن بعثت في نفوسهم العزائم وأحجت أشواقهم إلى الستشهاد في سبيل ال، ولعمري إن نظرة يلقيها العاقل إلى حال العرب وإلى ما وصلوا إليه من نصر على القوى العالمية لتعود إليه باليقين القاطع أنهم لم ينتصروا بقوتهم البشرية وإنما انتصروا بما وقر في قلوبهم من اليمان، والثقة بوعد ال

)سبحانه(. فقد كان هؤلء العراب الذين لم يتجاوزوا جزيرتهم القاحلة من قبل ولم يتعرفوا على ما عند المم من أنظمة السلم والحرب كانوا كأنما زويت لهم الرض من أطرافها تحت أقدامهم، فل

يمدون أيديهم إلى جزء منها حتى يستسلم ول يشيرون بسيوفهم ورماحهم إلى أي مملكة من هذه الرض الفسيحة حتى تتساقط أباطرتها من عليائهم فيخروا على وجوههم وهو إنجاز واضح لما وعد ال- سبحانه- به عباده المؤمنين الذين كانوا يستضعفون في الرض من النصر والقوة والظهور على



أعدائهم والستخلف في الرض وإنجاز ال هذا- الوعد لولئك المؤمنين في تلك العصور الغابرة ل يعني أنه لن تكون دورة ظاهرة نستجليها من نفس عبارات وعود ال. فال تعالى يقول: ) وكان حقا

( ويقول: ) ولينصرن ال من ينصره إن ال لقوي عزيز الذين إن47علينا نصر المؤمنين( ) الروم/ -40مكناهم في الرض أقاموا الصلة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ( ) الحج/

( ويقول عز من قائل: )إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد(41 ( فاليمان الراسخ في القلب المسيطر على الوجدان والجنان الموجه للجوارح هو السبب51) غافر/

القوى في النصر والتمكين وهذا اليمان يعني رفض جميع اللهة المختلفة التي تعبد من دون ال سواء كانت من البشر أم من الهواة أم من المطامع، وذلك واضح من قوله سبحانه: ) يعبدونني ل

( والسلف الصالح عندما فتحوا الرض فتحوها بعزائم اليمان وبسلم55يشركون بي شيئا ( ) النور/ اليقين ولم يكونوا يريدون علوا في الرض ول فسادا وإنما كل همهم إقام الصلة وإيتاء الزكاة والمر

بالمعروف والنهي عن المنكر ولذلك لم يكونوا يفتحون أعينهم على شيء من متاع الحياة الدنيا فلم يكن همهم جمع الغنائم بل تساوي التبر والتراب في ميزانهم وبمثل هذه المبادئ استحقوا النصر من ال فأصبحت الرض ترتجف من هيبتهم فقد صدقوا ال فصدقهم ال ونصروه فنصرهم وكانت قلوب

أعدائهم تجف من سماع أخبارهم وألسنتهم تلذ بذكر محاسنهم فسارت بأخبارهم الركبان وبهرت فتوحاتهم عظماء التاريخ من بعدهم حتى إن كبار القادة في العصر الحديث وقفوا حيارى مشدوهين

أمام عظمة تأريخهم وسعة فتحهم ومن هؤلء القائد الفرنسي نابليون القائل" لقد افتتح العرب نصف الكرة الرضية في ذلك الوقت وعدم وجود وسائل إعلم تمكنهم من بث دعوتهم في أوساط الشعوب

والمم إل الكلمة وحدها التي تخرج من لسان أحدهم فل تلبث أن تغزوا العقول وتستوي على القلوب لنها تستمد قوتها من صدقها فل تخرج الكلمة من أفواههم إل وقد صدقتها أعمالهم فتخرج نورا

يسطع يضيء شعاعه القلوب المظلمة ويفتح العقول المغلقة فل تلبث العقول والقلوب أن تتفاعل معها وتستجيب لندائها وقد اتصف أولئك المؤمنون فيما اتصفوا به بالصبر والحلم والناة والحكمة وكانت هذه الصفات مفاتيح المغاليق الرفيق العلى حتى صاروا يطرقون أبواب الصين في الشرق وأبواب فرنسا في الغرب ولول ما نكب به المسلمون من انحراف قادتهم السياسيين عن الحق وتنكبهم عن

الصراط السوي بإخلدهم إلى الدنيا وانغماسهم في الترف لخفقت رايات السلم في هضاب أوربا كلها ولنعمت النسانية بحضارة السلم التي تنضح بالرحمة وتفيض بالخير ويجد النسان البائس في ظله

الوارف راحة الضمير وطمأنينة النفس وهدوء البال. هذا وثم الكثير في القرآن من الخبار الغيبية التي فسرها الزمن تفسيرا واضحا ل غموض فيه يؤكد

إعجاز هذا الكتاب.

ولعل بعض الناس يتوهمون أن بإمكان البشر التنبؤ عن المستقبل اغترارا بما يقوله الدجالون من الفرى، والواقع أن الغيب ل فليس بإمكان المخلوق الحكم على المستقبل إل استنادا على إخبار ال تعالى وكثيرا ما باء الدجالون بالفشل عندما يكشف المستقبل عن إفكهم ويتضح بهذا البون الشاسع

بين خبرهم وخبر القرآن الكريم الذي ل يمكن إل أن يأتي المستقبل شاهدا على صدقه وإن وافقوا الحقيقة في خبرهم فذلك من الشاذ الذي ل حكم له وما هي إل مصادفة لم يحيطوا بها علما وقد سبق أن قال المنجمون إن عمورية لن تفتتح في عهد المعتصم إل عند نضج التين والعنب واقترحوا على

جيوش المسلمين أن ينتظروا إلى ذلك الوقت المحدد فلم يصغوا إليهم وتم الفتح قبل نضج التينوالعنب وقد حمل على هؤلء الدجالين الشاعر أبو تمام في قصيدته التي افتتحها بقوله:



والتاريخ في العصر يعتمد على الفلسفة العلمية التي لم تكن معلومة من قبل لدى المؤرخين القدامى ويستدل بالحفريات والثار على إثبات ما يثبته وإنكار ما ينكره، وقد جاء هذا المسلك في البحث من شواهد العجاز القرآني في قصصه ولسنا بحاجة إلى ما يثبت صدق القرآن فإن إيماننا القاطع بأنه

كتاب عزيز ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد ل يدع مجال للشك في كل ما يخبر به وإنما نريد بذلك إقامة الحجة على الجاحدين الذين ل يصدقون بالدليل إل إذا كان ماديا

ملموسا وفي هذا أيضا طمأنينة لقلوب المؤمنين كما حكى ال عن إبراهيم عليه السلم قوله) ولكن( . 260ليطمئن قلبي ( ) البقرة/

- العجاز الئتلفي5

لقد كان نزول القرآن الكريم في ثلثة وعشرين سنة: ثلث عشرة منها بمكة وعشر بالمدينة وكان يواجه في نزوله ظروفا مختلفة ويعالج مشاكل متنوعة ويقاوم تحديات متجددة وتأتي فيه ألوان من

القضايا، ففيه المر والنهي والوعد والوعيد والوعظ والتذكير والقصص والمثال وخبر الماضي والحاضر والمستقبل ومع ذلك فإن بعضه يشد بعضا ل تجد فيه ما يدل على التناقض أو يشير إلى

الختلف ولو كان كلم بشر لتعذر أن يصل إلى هذا الحد من الئتلف والترابط إذ ليس من المعقول أل يسجل على كلم إنسان في ظرف عقدين من السنين شيء من التناقض والختلف ل سيما وهو

يواجه أحوال متباينة.

ويتعرض لردود مختلفة ويتحدث عن موضوعات متعددة وتستطيع في الجلسة الواحدة أن تجد في كلم النسان كثيرا من الختلف والتناقض وتجد النبغاء الماهرين يؤلفون كتابا في موضوع بعينه

سواء أكان دينيا أم فلسفيا أم علميا أم أدبيا فإذا أخذت تقلب صفحاته وجدت فيه كثيرا من الختلف بل كل كاتب أو مؤلف كلما أعاد النظر فيما كتب أو ألف وجد كثيرا من النقائض التي تستدعي الصلح

بينما الكتاب العزيز ل يعثر أحد من المبصرين المنصفين بين سوره وآياته على ما يمكن أن يعد اختلفا أو تناقضا وال )سبحانه( يثير انتباهنا إلى ذ لك بقوله)أفل يتدبرون القرآن ولو كان من عند

( وإذا كان هنالك من المستشرقين من يزعم أنه عثر82غير ال لوجدوا فيه اختلفا كثيرا( ) النساء/ على شيء مما يعده تناقضا في القرآن فإن ذلك ناتج عن أحد أمرين إما قصر الفهم وضعف النظر في مدلولت اليات وإما الحقد الدفين الذي ينسج من الوهام والخيالت ما تصوره أقلم أولئك الحاقدين حقائق واقعة، ولقد فند كثير من علماء التفسير مزاعمهم وبددوا شبههم وأرجو التوفيق لبسط ذلك

في موضعه من التفسير إن شاء ال.

- العجاز العلمي : القرآن يخاطب العقل في كل العصور6



القرآن الكريم صراط هداية وكتاب دعوة ومنهج حياة، لم ينزله ال )سبحانه( لبحث دقائق علم الطب أو الفلك أو غيرهما وإنما أنزله ليكون نورا يضيء للنسانية طريق حياتها ،ويبصرها بما يضرها وما

ينفعها غير أن النسان هو جزء من الموجودات في هذا الكون كله رباط وثيق لنه في الحقيقة المحور الذي تدور عليه رحاه والكون كله صفحات مهيأة لدراسة النسان كل سطر من سطورها حافل بما ل يحصى عددا من آيات ال الشاهدة على وجوده الناطقة بتسبيحه وحمده، فل يكاد اللبيب الموفق يفتح عينيه على شيء يتلوه من هذه السطور حتى يمتلئ قلبه إيمانا بمبدع الكون الذي تسبح بحمده

كل ذرة في هذا الوجود وتسجد خاضعة لجلله وكبريائه فل يجد اللبيب الموفق مناصا من التجارب مع ذرات الكون في تسبيحها والتفاعل معها في سجودها ل وانقيادها لمره ول يشذ عن ذلك إل من

تكدرت فطرته وتعفنت طبيعته فأظلم عقله وحار فكره بسبب هذا كله جاء القرآن الكريم ليفتح عيني النسان على صفحات هذا الكون الواسع ويأخذ بيده ليطوف به في معارض هذا الوجود وكثيرا ما كان في ذلك يبصر النسان بما لم تنفتح عليه عيناه من قبل من حقائق كونية شاء ال)سبحانه( أل تخرج

للناس من طوايا الخفاء إل بعد أزمنة متطاولة من نزول الكتاب سواء كانت هذه الحقائق في ذات النسان نفسه أم في الرض التي جعلها ال مهده ومرتعه أم في سائر الجرام التي ترتبط بها الرض

بسنة الجاذبية أم في الفضاء السحيق الذي تسبح في خضمه الهائل هذه الجرام دون أن يحدث أي صدام بينها أو خلل في سيرها واكتشاف النسان لهذه الحقائق إنما هو اكتشاف لنوع آخر من إعجاز

القرآن الذي تحدث عنها قبل تصور النسان لها بأكثر من عشرة قرون ولكن بما أن القرآن هو خطاب الغيب الموجه إلى الدهر كله ل يتصادم في أخباره مع عقلية أي عصر من عصور هذا الدهر، فكل

عصر يفهم من لغته بقدر اتساع آفاق علمه وهذا من إعجاز بيانه كما ذكرنا من قبل ول يكاد التطور العلمي يتمخض عن حقيقة انطوى عليها سر الوجود إل وتجد القرآن الكريم إما دال عليها بوضوح عبارته أو موميا إليها بمجمل إشارته وقد وعد ال سبحانه بتجلية هذه الحقائق للناس لتستبين لهم حجة القرآن الذي دل عليها أو أشار إليها وليعلموا أنه من عند ال تعالى)قل أرأيتم إن كان من عند ال ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد ،سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين

لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهي،أل إنهم في مريه من لقاء ربهم أل انه

( ولعمري ما أبين دللة هذه اليات على ما اكتشفه الناس في54، 53بكل شيء محيط ( ) فصلت/ أنفسهم وفي الكون من حولهم من نواميس الخلق وأسرار الوجود التي يعد كل فرد منها شاهد صدق

على إعجاز القرآن فل يبقى معه مجال للشك وفي التأكيد المتتالي بأن ال على كل شهيد وأنه بكل شيء محيط دللة واضحة على أن مدلول الية أوسع وأشمل وأدق مما وصلت إليه أفهام الناس من

قبل هذه الكتشافات وما أحسن ما قاله الستاذ الرافعي "إن لم يكن العجاز في هذا التعبير ظاهرا بداهة فليس يصح في الذهان شيء وتشير بداية سورة الفرقان إلى انطواء القرآن الكريم على

عجائب الخلق في هذا الكون فقد جاء فيها)وقال الذين كفروا إن هذا إل إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزوراوقالوا أساطير الولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيل قل أنزله

( ففي هذا الرد على هذه المزاعم الباطلة6- 4( ) الفرقان/00الذي يعلم السر في السماوات والرض والشبهات الواهية بأن هذا القرآن الذي يزعمون افتراءه منزل ممن يعلم السر في السموات والرض

دليل على انطوائه على عجائب السموات والرض الدالة على عجز المخلوقين، ولو تضافرت جهودهمعن التيان بمثله وإنما هو تنزيل ممن يعلم أسرار الوجود ويحيط بدقائقه.



العلم الحديث ومعجزة القرآن

ولقد أخذت هذه الحقائق تتكشف برهة بعد أخرى بما ل يبقى معه شك في عجز المخلوقين عن مثله، وقد اتضح ذلك لغير المسلمين فأذعنت ألسنتهم وأقلمهم لمعجزة القرآن، وإن لم يحالفهم التوفيق فيتبعوا نوره ومن بين هؤلء الدكتور)موريس بوكاي( الذي سبق أن ذكرته وقد ألف في ذلك كتابا سماه "العلم في التوراة والنجيل والقرآن" أوضح فيه تعذر كون القرآن من عند الناس واستحالة كونه غير منه شيء، وأثبت فيه أن الكتابين السابقين قد أصابهما كثير من التحريف والتبديل وقد استبصر في بحثه هذا بنور العلم الحديث، هذا وقد وقف المفسرون حيال هذه الكتشافات مواقف متباينة فمنهم المفرط ومنهم المفرط ومنهم المعتدل أما المفرطون فهم مع تلك النظريات ولو لم

يحتملها لفظه وهم- وإن كانت لهم نية ما تتناسخ ويقضي بعضها على بعض أو يعدل بعضها بعضا فإذا فسر القرآن بشيء من هذه النظريات ثم نسخت النظرية بنظرية أخرى كان ذلك سببا لتعويض

القرآن للرد والتكذيب.

وأما المفرطون فهم قوم اقتصروا على آراء السلف في التفسير، وعصبوا أعينهم عن العلم الحديث ودلئله، وأما المعتدلون فهم الذين جعلوا القرآن هو الصل وحملوا عليه الحقائق العلمية التي دلت عليها آياته دللة واضحة دون النظريات التي قبلوه، وما كان مدلول عليه بها دللة غامضة قبلوه

بتحفظ، خشية تعريض كتاب ال للتعديل والتبديل، وفي نظري أن هذا المنهج هو المنهج الوسط، إذ ل سبيل لن نغمض أعيننا عن الحقائق العلمية الثابتة التي دل عليها القرآن أو أشار إليها، ونتمسك

بأقوال الماضين التي حشيت بكثير من السرائيليات الزائفة مع أن القرآن نفسه واضح في أن آيات ال الكونية ستتجلى للناس بصدقه وستقطع ألسنة الجاحدين بما يتكشف منها من الشواهد القاطعة بإعجازه، كما أنه ل سبيل للي أعناق اليات حتى تخضع لنظرية هذا أو ذك من قوم كثيرا ما يبنون نظرياتهم على نظرتهم المادية القاصرة إلى الكون والحياة، ومما ل شك فيه أن خوض هذا العباب المتلطم الرهيب يستلزم خبرة ودراية ولست جديرا بمثل هذا المر، فإني لم أتخصص في نوع من أنواع هذه العلوم، بل لم يكتب ال لي أن ألتحق بدراسة نظامية ولم أتمكن من الوقوف على مختبر

للنظر في حقيقة علمية وما بضاعتي من إل مزجاة، غير أني أستعين ال تعالى في التحدث عن نماذج من العجاز العلمي في القرآن بحسب ما وصل إليه من خلل مطالعاتي لما قاله الكاتبون

المتخصصون في الدراسات العلمية، وإلى القارئ الكريم ما نسخ للذهن منها:_ <<<<<<

نماذج من العجاز العلمي



-يقول تعالى)ولقد خلقنا النسان من سللة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة1 علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك ال

( هذه الية الكريمة فيها بيان مبدأ خلق النسان وأطواره،14-12أحسن الخالقين ( ) المؤمنون/ أنزلها ال على نبي أمي لم يكن يتلو من كتاب ول يخطه بيمينه ول يسمع محاضرات في علوم الجنة،

ولم يكن قومه على علم بأمر من هذه المور، ولم تكن أنفسهم تحدثهم بأن يتطلعوا إلى شئ من هذه السرار، وأول ما بدأت به الية بيان أن الطين هو العنصر الول الذي خلق منه النسان ودللتها على ذلك واضحة ل غبار عليها، وفي النسان نفسه شواهد جمة على صدق هذا الخبر فإن عناصر التراب

كلها موجودة في جسمه، ثم تل ذلك بيان سلسلة الطوار التي يمر بها الجنين في الرحم، مع بيان طبيعة الرحم التي لم يكن الناس على علم بها، إذ وصفته الية الكريمة بأنه قرار مكين، وما أدق هذا

الوصف وأكثر انطباقه على طبيعة الرحم التي لم تصل إليها عقول البشر إل في العصر الحديث، فالرحم تحيط به عظام الحوض التي تحفظ سلمة الجنين مما يصيب بطن أمه وظهرها من اللكمات

والهزات، وعلى بابه حماية الجنين تتكون من إفرازات التي تدفع عنه الجراثيم مثل الجنود المدافعين، وليس وصف أبلغ تصويرا لذلك من قول الحق تعالى )قرار مكين( فإن القرار موضع الستقرار

والطمأنينة، والمكين من المكانة وهي دالة على القوة والثبات،وتنتقل الية الكريمة من وصف الرحم إلى الكشف عن سلسلة الطوار التي يمر بها الجنين فيه، فل يلبث أن يتحول من نطفة إلى علقة

بسبب ما يكون من اتصال الحيوان المنوي بالبويضة وتعانقهما، وما يتبع ذلك من علوقهما بجدار الرحم وطعن البويضة له بخاصية حادة أودعت فيها فينفجر عن دم منهمر يسبح في خضمه هذا الكائن الجديد ويستمد منه غذاءه ونموه حتى يصل إلى المرحلة التالية وهي المضغة وتبقى هذه

المضغة بين جوانب الرحم أشبه في ترددها باللقمة التي يمضغها الكل، ثم يتكون منها الهيكل العظمي الذي يكسى بعد ذلك باللحم ، ولم يكن الناس يتصورون أن العظام تتكون قبل اللحم حتى اكتشف ذلك العلم الحديث، والقرآن الكريم قد سبق الكتشاف العلمي بثلثة عشر قرنا، وما أدق تصويره لذلك في

قوله)فكسونا العظام لحما( فإن الفاء للترتيب بها يدل على تأخر المعطوف عن المعطوف عليه .

والعلم الجديد يفسر لنا بوضوح مقصود الية حيث يقرر أنه ل تنبت خلية من خليا اللحم حتى تتكون جميع خليا العظام، وتبين الية تحول الجنين بعد ذلك إلى خلق آخر حيث تجتمع فيه صورة النسان وتنفخ فيه الروح، وفي هذا ما يشير إلى أن النسان يتميز عن غيره في الرحم بعد سلسلة الطوار التي يمر بها أول ..أما قبل ذلك فل يتميز جنين النسان عن غيره من الجنة، فهل يعقل أن يكتشف

عن هذه الحقيقة الغيبية رجل أمي نشأ في بيئة بدائية ل تعرف العلم ول تتصوره وفي عصر كان فيه البشر كلهم بعيدين عن تصور حقائق الكون على طبيعتها ما عدا المور الظاهرة، أو ليس في دراسة

هذه الية الكريمة ومقابلة ما فيها بالكتشافات العلمية ما يكفي دليل لمن استبصر أن هذا القرآن تنزيل من حكيم حميد، يعلم السر في السماوات والرض، ونحن إذا عدنا نفكر في المجتمع الذي نشأ فيه الرسول صلى ال عليه وسلم نجده مجتمعا منغلقا على نفسه بعيدا عن حضارات المم المعاصرة له بحيث ل يتصور ما يكون عند غيره حتى من وسائل الدفاع في الحرب، وفي قصة الخندق ما يكفي

دليل على ذلك فقد اقترح سلمان الفارسي" رضي ال عنه" على النبي صلى ال عليه وسلم والمؤمنين عندما رمتهم جزيرة العرب بأفلذ كبدها في حادثة الحزاب أن يحيطوا المدينة المنورة

بخندق يحمى أهلها من اقتحام خصومهم عليهم، وقد كان هذا الخندق مثار عجب المسلمين والمشركين إذ لم يألفوا مثل هذه الوسيلة في الدفاع، فهل يعقل من مثل هؤلء الناس أن يسابقوا

الزمن فيكتشفوا ما لم يكتشفه غيرهم إل بعد مرور ثلثة عشر قرنا.



( هذا التعبير صريح في أن43- يقول سبحانه ) وينزل من السماء من جبال فيها من برد ( ) النور/2 السحاب الذي نراه بأبصارنا في الرض كالبساط هو جبال من البرد، ول يستطيع النسان في الرض أن يكتشف ببصره طبيعة السحاب ويدرك أنه ركام كالجبال سواء كان يمشي على سهول الرض أو صاعدا على قمم الجبال، وإنما يكتشف طبيعة الراكب على الطائرة التي تمخر عباب الجو فيراه كما

وصفه القرآن جبال شاهقة بينها ما يشبه الشعاب والودية، ولم تكن الطائرة آنذاك معروفة فضل عن كونها موجودة، ولم يكن عند الناس منظار يمكنهم من رؤية السحاب على طبيعته، ولم تكن في مجتمع الرسول صلى ال عليه وسلم مدرسة لدراسة الطبيعة حتى يدرك هذه الحقيقة وقد أصبح

النسان العادي يبصر بأم عينيه هذه الحقيقة التي كشف عنها القرآن بمجرد ما يركب طائرة وتمر بهعلى سحاب.

( ويقول)سبحان الذي خلق الزواج49- يقول تعالى )ومن كل شيء خلقنا زوجين ( ) الذاريات/3 ( هاتين اليتين دللة ل تقبل الشك على36كلها مما تنبت الرض ومن أنفسهم ومما ل يعلمون( )يس/

تزاوج الكائنات بأسرها ل سيما آية الذاريات لن كلمة الشيء هي أعم العمومات وهي واضحة في أن ال جعل من كل شيء زوجين، ولم يكن الناس يدركون أن هذه السنة تتجاوز الناس والحيوانات

وبعض النباتات كالنخل إلى غيرها، وقد كشف العلم عما أخبر به القرآن فإن ذرة الهيدروجين وهي من أخف الذرات تتكون من جزء سالب وجزء موجب وبالتفاعل الذي يكون بينهما تتكون الطاقة،

والكهرباء ل تعطي معطياتها المتنوعة إل إذا التقى السائل الموجب بالسائل السالب وتفاعل وبافتراقهما يتوقف مفعولهما وتنعدم الطاقة الكهربائية ولي ببعيد أن يهتدي العلماء الباحثون إلى أن

المر أعم وأشمل فهم في طريقهم إلى فرض نظرية أن بداية الكون من هذه الذرات.



( وقد كشف العلم عن نسب دقيقة19- يقول عز وجل) وأنبتنا فيها من كل شيء موزون( ) الحجر/4 من عناصر الرض توجد في كل جنس ثمرة من الثمار بحيث ل تزيد من جزيء عنصر في ثمرة

واحدة عما في سائر جنسها، فلو زادت ذرة أو نقصت ذرة من تفاحة أو عنبة أو رمانة لتحولت إلى غير جنسها ويمكن من خلل هذه الية الكريمة وذلك يستوجب تأليف كتاب واسع حافل بدقائق علم

النباتات.

( ويقول) وخلق كل شيء فقدره تقديرا(49- يقول سبحانه)إنا كل شيء خلقناه بقدر( ) القمر/5 ( كل واحدة من هذه اليات ذات الحروف8( ويقول ) وكل شيء عنده بمقدار( ) الرعد/2) الفرقان/

القليلة والمعاني الواسعة تقر حقيقة نظام الكون بأسره فإن كل ما في الكون مقدر تقديرا دقيقا بحيث لو زاد أو نقص لدى إلى اختلل إما في التوازن العام أو التوازن الخاص فالنسان نفسه كل شيء فيه

بمقدار والرض التي هي مهده ومرتعه كل شيء منها بمقدار حجمها ووزنها وماؤها وقشرتها ودورانها ونسبة الكسجين فيها والمسافة التي تفصل بينها وبين الشمس وبينها وبين القمر وجميع

الكائنان المنبثة في هذا الفضاء الهائل الرهيب هي بمقادير معينة فجميع الجرام مقدرة تقديرا في حجمها ووزنها وسيرها والمسافات التي تفصل بينها وما أودع فيها من طاقات ولندع هذه الجرام الهائلة فإن الذرات الدقيقة التي ل تكاد تبصر حتى بالمجهر هي بمقادير معينة في كل ما فيها من

بروتونات ونيوترونات وإلكترونات ولنلق الضوء على الرض أول.

لقد هيأ ال تعالى الرض لن تكون قرارا للنسان وزودها بكل ما يحتاج إليه من ضرورات الحياة وكمالياتها وجهزها بما لم يجهز به غيرها من الجرام من وسائل الحياة والقرآن الكريم يفتح البصار

( فحجم الرض جعله ال بمقدار ولو85على ذلك إذ يقول)وفي الرض آيات للموقنين ( ) السراء/ كانت أصغر من حجمها لنخفضت جاذبيتها ولتعذرت الحياة عليها أو تعسرت فإن الضغط الجوي

عليها بطبيعة جاذبيتها المعهودة هو بمقدار خمسة عشر رطل على كل بوصة بحيث يحمل كل إنسان من الهواء اثنين وعشرين ألفا وثمانمائة وأربعين رطل، وإنما ل يشعر بهذا الحمل لتعادل الضغط من

كل جانب فمثله كمثل السابع في عمق الماء ل يشعر بثقل الماء عليه، ولو كانت الرض في ربع قطرها بحيث تكون في حجم القمر لنخفضت جاذبيتها إلى سدس جاذبيتها الحالية وتعذر أن تمسك

الماء والهواء من حولها ولدى ذلك إلى برودتها ليل إلى حد التجمد، وحرارتها نهارا إلى حد الحتراق ولو كانت أكبر من حجمها لزاد الضغط بمقدار زيادتها فلو كانت في حجم الشمس لتضاعفت

جاذبيتها إلى مائة وخمسين مرة ولبلغ ضغط الهواء زنة طن على كل بوصة وتعذرت نشأة الجسام ونموها وامتنع وجود العقل في النسان والقشرة الرضية هي بمقدار أيضا فلو كانت أسمك بنحو عشرة أقدام لمتص ثاني أكسيد الكربون الكسجين وتعذر نمو النبات وتعذرت بالتالي الحياة على

الرض وعمق البحر فيما بمقدار كذلك فلو كان أعمق ببضعة أقدام عما هو عليه لنجذب إليه الكسجين وتوقف النبات وتعذرت الحياة والبحر يغمر ثلثة أرباع مساحة الرض يحيط بالكرة

الرضية من جوانبها وهو يتعادل مع حجم الرض ومن فيها وما فيها، فإن هذا الغلف يحمي الرض وما عليها من الشهب التي تتقاذف في هذا الفضاء وتنطلق في سرعة رصاص البندقية بتسعين مرة،

بحيث لو مرت على إنسان لكان مرورها وحده كافيا في إهلكه لسرعتها وحرارتها الملتهبة ونسبة الكسجين في الرض بمقدار وسائل الحياة فإن النسان في هذه الحالة تعوزه النار التي يطبخ بها طعامه ولو ارتفعت إلى خمسين في المائة لدى هذا الرتفاع إلى خطورة بالغة بحيث لو لمع برق

لكفت شرارة منه لن تأتي على غابة بأسرها، ودوران الرض حول نفسها بمقدار فهي تدور بمقدار



ألف ميل في الساعة الواحدة وبهذا يكون الليل والنهار في ظرف أربع وعشرين ساعة تستكمل فيها الرض دورتها حول نفسها ولو قلت هذه السرعة إلى قدر مائتي ميل في الساعة لطال الليل والنهار

ولشتدت برودة الليل وحرارة النهار إلى حد أل يطيقهما النسان والمسافة بين الرض والقمر بمقدار مائتين وأربعين ألف ميل وذلك بقدر ما يحفظ توازن المياه في الرض لن للقمر تأثيرا في حركة الجزر والمد، فلو كان أبعد لغارت المياه ولو كان أقرب لفاضت على الرض والمسافة بينها وبين

الشمس بمقدار ثلثة وتسعين مليونا ولو كانت أبعد من ذلك لتجمدت الرض ولو كانت أقرب لصرتها بحرارتها التي ل تطاق وما يصل إلى الرض من الطاقة الشمسية جزء من مليوني جزء وهو بمقدار ما ينمي النباتات ويزيد الجسام بالطاقة الحرارية ولو زاد عن ذلك لشتد لهيب الحرارة في الجسام

وتأثرت النباتات ولو كان في مكان الشمس أحد النجوم الضخمة كالشعرى اليمانية أو السماك الرامح أو سهيل لتبخرت الرض فإن الشعرى اليمانية أكبر من الشمس بعشرين ضعفا وأقوى منها بخمسين

مرة، والسماك الرامح أضخم منها بثمانين مرة ونوره أقوى من نورها بثمانية آلف ضعف وسهيل أقوى منها بألفين وخمسمائة مرة، على أن هناك من العلماء المحدثين من يثبت أن الشعرى أكبر من

هذا القدر بأعداد هائلة وليس ذلك ببعيد.

( وإذا تجاوزنا49فلمر ما تمدح الخالق)سبحانه( في كتابه أنه ربها )وأنه هو رب الشعرى( ) النجم/ حدود الرض قليل إلى أخواتها كواكب المجموعة الشمسية نجد التناسق بينها مرتبطا بمقادير أحجامها ودورانها وطبائعها، فلكل منها حجمه الخاص ودورانه المقدر وتأثيره الدقيق في هذه

المجموعة وهي تسعة مع الرض تدور حول أمها الشمس ومعهن واحد وثلثون قمرا توابع لهن وثلثون ألفا من النجيمات وآلف من ذوات الذناب وأعداد هائلة من الشهب والشمس ليست بينهن

( ويقدر38ثابتة بل هي تجري كما أخبر ال تعالى عنها بقوله)والشمس تجري لمستقر لها ( ) يس/ دورانها حول نفسها بستمائة ألف ميل في الساعة الواحدة وكل هذه الجرام تابعة لها في هذا

الدوران، ولها دوران آخر مع كل توابعها على الحاشية الخارجية للمجرة وهي تبتعد عن هذه الحاشية بسرعة اثنى عشر ميل في كل ثانية وما هذه المجموعة الشمسية إل واحدة من المليين التي ل

تحصى من المجموعات التي تنتسب إلى نفس هذه المجرة التي تقع فيها مجموعتنا الشمسية وقطر هذه المجرة بمائة ألف سنة ضوئية والسنة الضوئية تقدر بستمائة مليون مليون من الميال لن

الضوء يقطع في الثانية الواحدة مائة ألف ميل وستة وثمانين ألف وثلثمائة ميل"أي ثلثمائة ألف كيلو متر" والمسافة بين الرض والشمس سبع دقائق بسرعة الضوء ويمكن أن يدور الضوء على الكرة الرضية في الحدود الستوائية سبع مرات في الثانية الواحدة، والرض تبعد عن مركزه هذه

المجرة بثلثين ألف سنة ضوئية وما هذه أيضا إل مجموعة من أعداد هائلة من المجرات يقدر " من500, 000, 000، 000, 000الفلكيون ما استكشفوه منها خمسمائة مليون مضروبة في "

المليين ويقدر بالتعادل النسبي ما في كل مجرة من النجوم مائة مليار ول تنس أن كل ما في هذه المجرات مقدر تقديرا دقيقا بحيث لو وقع أي خلل في شيء منها لدى إلى اختلل التوازن العام

للجرام الفلكية فينتج عن ذلك تهاويها وسقوط بعضها على بعض فيؤدي إلى تلشي الكون وهلك ما فيه، وذلك ما وعدنا به في الكتاب عند قيام الساعة فال تعالى يقول )إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب

( وفي هاتين اليتين إشارة واضحة إلى سنة الجاذبية التي تربط بين هذه2، 1انتثرت( ) النفطار/ الجرام وهي من إعجاز القرآن ودلئل صدق النبوة فإن الناس في ذلك العهد ما كانوا يتصورون

الجاذبية ول يخطر ببالهم نظامها الذي يربط بين الجرام الفلكية وهذه الدقة في مقادير الشياء في هذا الكون هي التي جعلها ال عامل في حفظ نظامه وأداء كل جزء منه مهمته وهي واضحة في كل



دقيق وجليل من طبيعة هذا الوجود من الذرة إلى المجرة فالمجرات على كثرتها الهائلة يوجد بينها هذا التقدير الدقيق في كل شيء منها فلو فكرنا في أبعد المجرات عنا لوجدناها مرتبطة بمجرتنا التي تنتسب إليها مجموعتنا الشمسية بحسب ما أودع ال) سبحانه( في كل منها من طبائع خاصة كانت

العامل المهم في التلؤم بينهما، حتى أصبح هذا الكون الفسيح وحدة متكاملة يشد بعضه بعضا ويكمل كل جزء منه غيره ومع أن علماء الفلك يختلفون في تقدير أبعاد المجرات بحسب ما يتسنى لهم من الكتشافات العلمية فإنهم متفقون على وجود هذا الترابط الدقيق وأذكر أنني منذ عشر سنين قرأت

كتابا عن الكون وجدت فيه أن أبعد مجرة يقدر بعدها عن الرض بخمسمائة مليون سنة ضوئية، وما لبثت إل قليل حتى اطلعت في مجلة )العربي( على مقال للدكتور أحمد زكي في المقاييس جاء فيه أن

أبعد مجرة عن الرض قد اكتشفت بأكبر منظار بينها وبين الرض نحو ألفي مليون من السنين الضوئية ولم ألبث بعد ذلك إل بضعة شهور حتى اطلعت على بحث آخر لحد العلماء المتخصصين جاء

فيه: أن أبعد مجرة عن الرض تبعد بحوالي خمسة آلف مليون سنة ضوئية وفي هذا ما يدل دللة واضحة على أن البشر لم يكتشفوا من هذا الكون إل زاوية صغيرة ) وما أوتيتم من العلم إل قليل(

( وهناك نظرية يكاد علماء الكون يطبقون عليها وهي تمدده المستمر بحيث لو قدر هذا85) السراء/ الكون أن يبقى ألف وثلثمائة مليون عام لصار ضعف ما هو عليه الن وما يدرينا إن كانت هذه

النظرية صادقة أن تكون الشارة إليها في قول الحق سبحانه )والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون( ) ( وإذا كنا نقف حائرين عندما ندرك الدقة في الجرام الفلكية الهائلة بحيث يكون كل واحد47الذاريات/

منها مقدار في حجمه ووزنه وطبعه ودورانه وطاقته والمسافة التي تفصل بينه وبين غيره فإن المر يكاد يكون أعجب عندما ندرك أن هذه الدقة توجد في أدق ما يعرفه الناس وهو الذرة فإن الذرات لها نفس السنة الكونية التي هي في الجرام الفلكية وحسبنا أن نعرف أن النظام الشمسي في المجموعة الشمسية هو نفسه نظام هذه الذرة المهنية التي ل تكاد تبصر حتى بأشعة المجهر، فإن اللكترونات تدور على نواة الذرة دورانا هائل يقدر بمليين المرات في الثانية الواحدة وكل ما في هذه الذرات

الدقيقة من بروتونات ونيترونات وإلكترونات مقدر تقديرا بحيث لو زاد شيء أو نقص لدى إلى الخلل في نظامها والخلل الذي يكون في الذرة يؤثر على غيرها فالرض مثل بكل ما فيها من نبات وإنسان وحيوان وهواء تتكون من عناصر هي نحو المائة أخفها الهيدروجين وأثقلها اليورانيوم، والعناصر تنقسم إلى جزيئات ، والجزيئات تنقسم إلى ذرات وزنة جرام واحد من ذرات اليورانيوم تقدر بألفي

مليون مليون مليون من الذرات، فما بلك بالهيدروجين الذي هو أخفها، وانك لتمتلكك الدهشة ويستولي عليك الستغراب إذا علمت أن عناصر كل مركب مقدرة تقديرا وجزيئات كل عنصر فيه

محدودة ل تزيد ول تنقص وذرات كل جزئ بمقدار، ولو كانت ثم زيادة أو نقص لكانت سببا للخلل،فسبحان من خلق كل شيء فقدره تقديرا.



ولنترك الذرات والمجرات ولننظر في تكوين النسان هذا النسان الذي أودع ال فيه عجائب الكون وجهزه بالطاقات المختلفة الحسية والمعنوية التي أهلته لحمل أمانة الخلفة في الرض ومكنته من

فرض إرادته فيها فإن هذا النسان نفسه خلق كل شيء منه بمقدار، وما أروع ذلك الشعور الذي يمتلك لب المؤمن وهو يتلو آيات ال تعالى على صفحات التكوين النساني بمنظار العلم بينما يسمع

(21، 20مناديا للحق يناده: )وفي الرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفل تبصرون( ) الذاريات/ والنسان عالم فسيح بل هو عوالم فطبيعته عالم ونفسه عالم وأفكاره عالم ومشاعره عالم وغرائزه

عالم وحواسه عالم بل الروح التي هي من أمر ربي. وما أعمق أسرار التكوين النساني وأكثر عجائبه وكل من يدرس أسرار هذا التكوين تأخذه الحيرة وتتملكه الدهشة وقد سبق أن ذكرت أن جسم كل إنسان ذكرا كان أو أنثى ينطوي على ستين مليون مليون خلية وهذه الخليا لم تخلق سدى، بل لكل خلية وظيفة في حياة النسان، والدماغ وحده الذي

هو مركز الحركة والحس في الجسم يشتمل على أربعة عشر مليار من الخليا: ألف مليون خلية منها وظيفتها الستقبال والتصدير وهي الخليا العصبية تمتد منها أسلك دقيقة إلى الجسم تدعى بالنسجة

العصبية بوساطتها نسمع ونرى ونتذوق ونتحرك ونحس إذ هي التي تؤدي إلى الدماغ الصوات والصور، فالذبذبات الضوئية يلتقطها مائة وثلثون مليونا من الخليا البصرية في كل عين، وهي

تقوم بدورها لنقلها إلى الدماغ والصوات تلتقطها عشرة آلف خلية لتؤديها إلى الدماغ كذلك وتنقل أنواع المذاقات إلى الدماغ ثلثة آلف خلية، وإذا لمست الجلد حرارة أو قاربته تولت ثلثون ألف

خلية نقلها إلى الدماغ ، وإذا لمست الجلد البرودة نقل ربع مليون خلية حسها إلى الدماغ فإذا شعر بها الدماغ اقشعر الجسم وتنفست الشرايين الدموية فتؤدي إليها الدورة الدموية مزيدا من الدم لسد

هذا الفراغ، والحرارة إذا ما زادت تولت مجموعة من الخليا نقلها إلى الدماغ فتفرز ثلثة مليين غدة من الغدد العرقية عرقا باردا يجري على الجسم وهذه الشياء كلها مقدرة تقديرا في النسان والطاقات

المتنوعة الموجودة فيه جعلها ال بمقادير معينة فالطاقة البصرية لو زادت عن هذا المقدار لكانت شاغل للنسان عن وظيفته الضرورية لرؤيته مال داعي إليه كالميكروبات الدقيقة، ولو نقصت لما

أمكنه أن يؤدي وظيفته الحيوية على ما يرام، والطاقة السمعية بمقدار حاجته من الصوات، ولو زادت لكان سببا لبلبلة فكره لما يتزاحم عليه من الصوات التي هو غني عنها ولو نقصت لتعسر عليه

القيام بمهامه وبالجملة فإن هذا الكون بأسره من ذراته الدقيقة آلة مجراته الواسعة ل يخرج شيء من نظافة عما أخبر ال به من أن كل شيء عنده بمقدار وكل ما يكتشف يأتي تفسيرا واضحا لهذه

اليات الكريمة وتلك من آيات ال التي وعد ال أن يريها عباده في النفس والفاق حتى يتبين لهم أنهالحق.

والقرآن الكريم في تشريعاته الحكيمة وقصصه وأمثاله يشير إشارات عابرة إلى حالت نفسية تكاد أحيانا تقرب من التصريح وهي أقصى ما يمكن أن يتوصل إليه أي باحث في الحوال النفسية والعالم النفساني عالم مظلم ل معالم فيه ول مرشد في مسالكه، وعندما رحل إليه علماء النفس دخلوه على جهل وتاهوا في أرجائه السحيقة، ولم يعودوا منه إل بفروض ونظريات كثيرة ما دلت التجارب على كذبها، ولو أنهم استصحبوا القرآن الكريم لنار لهم المسالك النفسية وبصرهم بالحقائق التي ل تأتي التجارب إل شاهدة على صدقها، ولو أن علماء المسلمين بحثوا علم النفس على ضوء القرآن الكريم

لعادوا بنتائج ما عاد بها غيرهم، ولكانت الحقائق بدل من الفروض والنظريات ولكن لمر أراده ال)سبحانه( تكاسل المسلمون عن القيام بهذا المر فصاروا أتباعا لغيرهم في الدراسات النفسية

ككثير من الدراسات وأرجو أن يوفق ال الجيل الناشئ للضطلع بهذا العبء وقد أردت بما أشرت



إليه هنا بعث عزائمهم لذلك وهذا النموذج اليسير من العجاز العلمي في القرآن لم أرد به إل إيقاظ همم شبابنا المتجهين إلى الدراسات العلمية ليجعلوا القرآن الكريم نصب أعينهم في كل ما يدرسون وأرجو أن يوفقني ال أن أعود إلى الموضوع بشيء من التوسع عندما أصل في التفسير- إن شاء ال- إلى اليات التي تشير إلى علم الكون في كتاب ال ولقد وددت أن أذكر ولو باختصار العجاز

الطبي في القرآن ولكني آثرت الشروع في التفسير وإرجاء ذلك إلى محله وال تعالى ولي التوفيق.

" ســـورة الفاتـــحة "

وتسمى فاتحة الكتاب ولها أسماء أخرى سوف نذكر-بعضها- إن شاء ال- فيما يأتي وأبدأ ببيان معنى السورة ومعنى الفاتحة...أما السورة فهي مأخوذة من السؤر وقيل من السور وعلى الول فهي غير مهموزة الصل وسميت بذلك تشبيها بسور المدينة الذي يحيط بها لحاطتها بما فيها من اليات وما

فيها من المعاني وقيل هي مأخوذة من التسور بمعنى الرتفاع أو من السورة بمعنى المنزلة والدرجةومنه قول النابغة:



وتسمية السورة من القرآن بذلك إما لمنزلتها وعلو شأنها وإما لنها ترفع قارئها والعامل بها وعلى أنها مأخوذة من السور فهي مهموزة الصل ولكن خففت الهمزة فأبدت واوا، وأطلقت عليها هذه

التسمية لن السؤر بقية الشيء وكل جزء من كل هذا لـه بقية وتسميات السور في القرآن توقيفية على رأي كثير من العلماء لثبوت الروايات بذلك إما مرفوعة إلى النبي صلى ال عليه وسلم أو

موقوفة على أصحابه)رضي ال عنهم( وبعض العلماء يكره بعض التسميات التي شاعت كسورة البقرة وسورة آل عمران، وسورة النساء وسورة المائدة، وسورة النعام ويرون أن الولى والحوط

أن يقال: السور التي ذكر فيها نحو السورة التي تذكر فيها البقرة والسورة التي يذكر فيها آل عمران، ويستدلون بحديثين أحدهما عن أنس والخر عن ابن عمر )رضي ال عنهما( ورد عليهم بأن حديث

أنس إما ضعيف وإما موضوع وحديث ابن عمر وإن ثبت سنده فهو موقوف عليه، والموقوف ل يعارض المرفوع والتسميات كما سبق صحت بها روايات منها الموقوف ومنها المرفوع منها حديث

ابن مسعود )رضي ال عنه( عند الشيخين أن النبي صلى ال عليه وسلم قال: "اليتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه" وحديث ابن عمر رضي ال عنهما- وإن صح سنده- ل

يقوى على معارضته المرفوع فضل عن كونه مجرد رأي صحابي ل يعتبر حجة مع مخالفة غيره منالصحابة له.

وسميت هذه السورة بالفاتحة، وبفاتحة الكتاب لنها أول القرآن تنزيل نزول ومن العلماء من يراها أوله نزول أيضا كما سيأتي إن شاء ال وبعضهم يصيف إلى ذلك مراعاة الترتيب في قراءة الصلة وفي التلقين لن الفاتحة ل تسبق بشيء من القرآن في الصلة ول في التلقين، واعترض على ذلك

اللوسي بأن مراعاة ذلك تستلزم التزام الترتيب القرآني في الصلة وفي التعليم بحيث ل يقرأ المصلي بعد الفاتحة إل البقرة وكذلك ل يلقن المعلم بعدها إل البقرة أيضا وقد يحاب على هذا العتراض بأنه

يكفي أل تسبق الفاتحة بشيء من القرآن في تلوة الصلة وفي تلقين الطفال إذ ل يلزم من جعلها فاتحة للقراءة في الصلة وفي التعليم مراعاة الترتيب فيما بعدها وتسميتها بفاتحة الكتاب لفتتاح القرآن بها والكتاب يصدق على كل هذا المجموع المنزل على نبينا صلى ال عليه وسلم للعجاز

المنقول عنه تواترا وعلى بعضه وإنما راعى اللوسي افتتاح المجموع بها دون البعض لن الكتاب ل يقصد منه المفهوم المشترك بين المجموع والبعض وأنت إذا نظرت إلى آيات القرآن نفسه تجد ما

يكفيك مؤنة الجواب على هذا الشكال فال تعالى بقوله في سورة إبراهيم ) كتاب أنزلناه إليك لتخرج ( وهي مكية والكتاب لم يكن مستكمل إنزاله حينما نزلت1الناس من الظلمات إلى النور ( ) إبراهيم/

هذه السورة وبهذا نستبين أنه ل مانع من إطلق اسم الكتاب على المفهوم المشترك بين المجموعوالبعض.

والفاتحة مؤنث الفاتح، وتطلق على مقدمة الشيء وتسمى بها آلة الفتح، ويرى بعض العلماء أن التاء هنا للنقل من الوصفية إلى السمية فإن الفاتحة مشتقة من الفتح ولكن بما أنها أطلقت على هذه السورة صارت علما لها، ومنهم من يراها للمبالغة وهؤلء ل يشترطون في دخول التاء على صيغة

المبالغة أن تكون على وزن علمة لدخولها على راوية ونابغة، والول مبالغة في الراوي والثاني



مبالغة في النابغ ومنهم من يرى أن الفاتحة مصدر بمعنى الفتح سميت به السورة لفتح القرآن بها، وأصح هذه القوال الول وأضعفها الخير ولكل منها وجه في اللغة وإنما تتفاوت الوجوه قوة وضعفا ولهذه السورة أسماء كثيرة عد القرطبي منها اثنى عشر اسما وقرن بذكرها أسباب التسميات وذكر

اللوسي لها عشرين اسما وأورد القطب) رحمه ال( في هيمانه نحو هذا العدد أو أكثر وكثير من هذه السماء مرفوع إلى الرسول صلى ال عليه وسلم وبعضها موقوف على أصحابه )رضي ال عنهم(

وبعضها منسوب إلى السلف من التابعين فمن بعدهم.

من أسماء الفاتحة

من هذه السماء أم الكتاب وأم القرآن، والتسميتان مرفوعتان فقد أخرج المام الربيع )رحمه ال( من طريق أنس)رضي ال عنه( أن النبي صلى ال عليه وسلم قال:" كل صلة ل يقرأ فيها بأم القرآن

فهي خداج" ورواه المام أحمد مسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة )رضي ال عنه( وروى الدراقطنى عن أبي هريرة)رضي ال عنه( أيضا أن النبي صلى ال عليه وسلم قال:" إذا

قرأتم الحمد ل رب العالمين فاقرءوا بسم ال الرحمن الرحيم فإنها أم الكتاب وأم القرآن والسبع المثاني وبسم ال الرحمن الرحيم إحدى آياتها" وكان بعض السلف يكره هذه التسمية روى ذلك عن

أنس وابن سيرين والحسن، وكان ابن سيرين يقول أم الكتاب اللوح المحفوظ ويتلو)وعنده أم الكتاب ( ( وروى مثله عن أنس وكان الحسن البصري يقول أم الكتاب آيات الحلل والحرام-7) آل عمران/

( وعن أنس وابن7وهي اليات المحكمات- ويتلو) منه آيات محكمات هن أم الكتاب ( ) آل عمران/ سيرين أم القرآن اللوح المحفوظ ومع ورود السنة الثابتة الصحيحة عن النبي صلى ال عليه وسلم تسقط جميع الراء المخالفة لها وإن جلت منزلة أصحابها، مما يعجب لـه أن يقول أنس)رضي ال عنه( بكراهة هذه التسمية وهو الذي ورى الحديث الناص عليها عند الربيع ومن أسمائها الشافية

لحديث "أنها تشفي من كل أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم رقى بها سيد حي مروا عليه فلما أخبر النبي صلى ال عليه وسلم قال "من أخبره أنها رقية؟" ومنها الكافية لنها تكفي عن غيرها ول يكفي

غيرها عنها، ومنا الوافية لجواز تجزئة غيرها من القرآن في الصلة دونها.

المكي والمدني من القرآن



والفاتحة مكية عند الجمهور وبعضهم حكى الجماع على ذلك ولعل من المستحسن أن أنبه علىالتفرقة بين المكي والمدني من القرآن فللعلماء في ذلك أقوال:-

أولها: أن المكي ما نزل بمكة والمدني ما نزل بالمدينة، سواء في المكي ما أنزل قبل الهجرة أم بعدهاكالذي أنزل في حجة الوداع وفتح مكة.

ثانيها: أن المكي ما أنزل في شأن أهل مكة ولو أنزل بالمدينة والمدني غير ذلك.

ثالثها: أن المكي ما أنزل بمكة والمدني ما أنزل بالمدينة وما أنزل في غيرها فهو غير مكي وغير مدني وهو ما نزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم في أسفاره، وروى "أنزل القرآن بمكة

والمدينة والشام" وبناء على القول الول والثالث فإن ما أنزل في ضواحي مكة كمنى وعرفات له حكمالمكي وما أنزل في ضواحي المدينة كأحد وبدر له حكم المدني.

رابعها: وهو الصحيح وعليه الجمهور: أن المكي ما أنزل قبل الهجرة سواء في مكة أم في غيرها والمدني ما أنزل بعد الهجرة سواء في المدينة أم غيرها ويتضح لك من هذا القول أن ما أنزل في

الحديبية وفي فتح مكة وفي حجة الوداع له حكم المدني والقرآن المكي يتميز طابعه عن المدني بمزيد العناية بالعقيدة لنه يواجه عنت المشركين وجحودهم وكثيرا ما يصميهم بقوارع الوعيد كما يتجلى

ذلك واضحا في قصار المفضل كالقمر والواقعة والحاقة والقارعة والمراسلت والنازعات، ويخرسهم بقواطع الدلة على وحدانية ال )سبحانه( وينذرهم سوء العاقبة التي انتهت إليها المم من قبلهم

بسبب تكذيبهم أنبياءهم وإصرارهم على الكفر وإن تعرض للعبادات فبإشارات عابرة نحو ما تجده في سورة المزمل في قوله تعالى: )وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة وأقرضوا ال قرضا حسنا وما تقدموا

( وإذا كانت الصلة قد فرضت20لنفسكم من خير تجدوه عند ال هو خيرا وأعظم أجرا ( ) المزمل/ في وقت مبكر في مكة المكرمة قبل أن تستقر على طريقة الصلوات الخمس التي فرضت ليلة السراء

فإن الزكاة لم تفرض تفصيل إل في المدينة المنورة، وأوجبت بمكة إجمال لتشويق الناس إليها وترغيبهم في معرفة تفصيلها والمحرمات عندما يرد ذكرها في القرآن المكي يرد بطريق الجمال

أيضا نحو قول ال تعالى)قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم والبغي بغير الحق ( وقد تجد فيه33وأن تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون( العراف/

ذكر بعض المحرمات بشيء من التفصيل والبيان إذا كانت موغلة في الفحش، كالذي نجده في سورة السراء من التحذير من قتل النفس بغير حق وقتل الولد والقتراب من الزنا، وتطفيف الموازين

والمكاييل وغيرها من المور التي توقف سلمة النسان على اجتنابها من أول المر.

أما القرآن المدني فهو ل يغفل جانب العقيدة ولكنه يعنى مع ذلك بالجوانب العسكرية والمدنية في حياة المة السلمية ويرجع ذلك إلى قيام الدولة السلمية التي تستوجب أنظمة سياسية واجتماعية

واقتصادية وعسكرية والعبادات أيضا عندما تذكر في القرآن المدني تذكر بشيء من التفصيل واليضاح ويضيف السيد محمد رشيد رضا في تفسيره "المنار" إلى ذلك أن القرآن المكي يتميز

بجزالة التعبير وبالدللة على المعاني الجمة بالقليل من الكلمات ويرد ذلك إلى أن القرآن في مكة كان يواجه قريشا وهم أفصح العرب لسانا، وأبلغهم بيانا، وإدراكهم لمضامين الكلم وأوعاهم لمقاصده

وأما القرآن المدني ففيه السهاب والتطويل خصوصا عندما يخاطب بني إسرائيل لنهم لم يكونوا عربا



أقحاحا، فل يدركون من مقاصد الكلم العربي الجزل ما تدركه العرب ل سيما قريش، وفي هذا نظر فإن القرآن طبقة واحدة في بلغته ول يتصور أن تكون عبارة أبلغ من عبارة فيه، وإنما تختلف الموضوعات التي يتطرق إليها فبعضها يقتضي الختصار وبعضها يستوجب السهاب، وبما أن

المدينة قامت فيها الدولة السلمية كان الحال يقتضي وضع السس لحياة المة، ومن المعلوم أن أمور المعاملت بل والعبادات تستوجب شيئا من التفصيل والطالة أكثر مما يستوجب الوعد والوعيد،

فل عجب إذا رأينا القرآن المكي وهذا من معالم بلغته فإن البلغة تقتضي الختصار تارة والطالة تارة أخرى باختلف المقامات على أنا إذا نظرنا إلى آيات التوحيد المدنية كأية الكرسي وخواتم البقرة وخواتم الحشر نجد فيها من جزالة اللفظ وغزارة المعنى ما ل يقل عما في نظائرها من اليات المكية،

وخطاب القرآن. وإن كان في وقت نزوله وبحسب عباراته- موجها تارة إلى قريش وتارة إلى بني إسرائيل وأخرى إلى غيرهم كمنافقي المدينة فإنه- بحسب معناه وبمقتضى مقاصده- يخاطب الثقلين

إلى أن يرث ال الرض ومن عليها، فل ينزل في شيء من عباراته إلى مستوى بلغة المخاطبين وقد أنكر المام الجويني على الذين يقولون بأن بعض القرآن أبلغ من بعض، وقال ما معناه: إن هؤلء

عندما يقولون اللفظ الفلني أبلغ من اللفظ الفلني يشيرون إلى أن كل اللفظين فيه حسن ولطف ولكن أحدهما أحسن وألطف من الخر، وهم عندما يقولون إن سورة الخلص أبلغ من سورة اللهب

يراعون ما في سورة الخلص من توحيد ال تعالى وما في سورة اللهب من الدعاة على الكافر بالخسران، ثم اعترضهم بما حاصله أن سورة الخلص جاءت بأبلغ عبارة ل يتصور أبلغ منها في

تنزيه ال عن الشريك والوالد والولد والكفء، وسورة اللهب جاءت كذلك بأبلغ عبارة ل يتصور أبلغ منها في الدعاء على الكافر بالخسران، فليست إحدى السورتين أبلغ من الخرى وهكذا ل تكون آية

أبلغ من آية فإن الموضوعات التي تتناولها اليات- وإن اختلفت- فالقرآن في تعبيره عنها طبقة واحدة ل تفاضل فيه من هذه الناحية، وإنما يتفاضل القرآن من حيث المحتوى فل مانع أن يقال إن آية

الكرسي أفضل من آية الدين، وسورة الخلص أفضل من سورة اللهب نظرا إلى المحتوى ل إلىالتعبير، وسيأتي إيضاح ذلك إن شاء ال.

وقد كان السبب في عدم تناول القرآن المكي لقضايا التشريع بالتفصيل والسهاب أن المجتمع المكي آنذاك لم يكن مجتمعا إسلميا فقد كان المسلمون مغمورين بالكثرة الكاثرة من المشركين الذين

يضيقون عليهم الخناق ويتفننون في طرق إيذائهم فلم تكن الظروف تسمح لهم بأن يكونوا مجتمعا إسلميا بالمعنى الصحيح فكان القرآن ينزل لشرح معالم العقيدة وإقامة الحجة على الجاحدين وكثيرا

ما كان بيتعرض لخبار النبيين وما كانوا يواجهونه من مؤامرات أعدائهم وما حصل بعد ذلك من ظهور كلمة ال وقطع دابر القوم الذين ظلموا وهو بذلك يهدف من ناحية إلى ترسيخ العقيدة في

نفوس المؤمنين وإيقاد جذوة المل في قلوبهم ويهدف من ناحية أخرى إلى إنذار القوم الكافرين الذي اغتروا بسلطانهم وانخدعوا بجمعهم، فقد أهلك ال من قبلهم من هو أشد منهم قوة وأكثر جمعا، أما

المجتمع المدني فقد كان مجتمعا إسلميا يتيسر فيه مال يتيسر بمكة من ممارسة الشعائر الدينية وتحكيم الشرائع الربانية فلذلك تجد في القرآن المدني مال تجده في القرآن المكي من تفصيل الشعائر

وتبيان الشرائع وقد يواجه أحيانا اليهود والمنافقين الذين بالمدينة بقواطع الحجج ولوامع البراهينالتي ل تقل قوة عن تلك الحجج والبراهين التي كان يواجه بها مشركي قريش بمكة.





وكون سورة الفاتحة مكية هو رأي الجمهور، وروي عن مجاهد أنه كان يقول بمدنيتها، وقال الحسين بن الفضل هذه هفوة من مجاهد لن العلماء على خلف قوله، وقال اللوسي: وقد تفرد به حتى عد

هفوة منه وقال الحافظ ابن حجر: وأعرب بعض المتأخرين. فنسب القول بذلك لبي هريرة والزهري وعطاء بن يسار ولعل الحافظ يشير بذلك إلى القرطبي الذي نسب القول بمدنيتها إلى هؤلء وغيرهم، وليست في ذلك غرابة فإن القرطبي لم ينفرد بهذه النسبة، فقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأبو

سعيد بن العرابي في معجمه والطبراني في الوسط من طريق مجاهد عن أبي هريرة قال:" رن إبليس حين نزلت فاتحة الكتاب وأنزلت بالمدينة". اللهم إل أن يقال: إن جملة "وأنزلت بالمدينة" أدرجها مجاهد في الرواية فقد ذكر ابن النباري في كتاب "الرد على من خالف مصحف عثمان"

بإسناده عن مجاهد قال:" إن إبليس )لعنه ال( رن أربع رنات، حين لعن وحين أهبط من الجنة وحين بعث محمد صلى ال عليه وسلم وحين أنزلت فاتحة الكتاب وأنزلت بالمدينة، وأخرج ابن أبي شيبة في

المصنف وعبد ابن حميد وابن المنذر وأبو نعيم في الحلية وغيرهم من طرق عن مجاهد قال: نزلت فاتحة الكتاب بالمدينة، وقول الجمهور أقوى حجة فلو ثبت عن أبي هريرة)رضي ال عنه( أنها نزلت بالمدينة ما كان في قوله حجة لن أبا هريرة رضي ال عنه كان إسلمه في العام السابع الهجري لم

يعايش نزول فاتحة الكتاب فل يقوى قوله على معارضة قول جمهور الصحابة رضوان ال عليهم الذين أسلم كثير منهم قبل نزولها وقد درج المفسرون على الستدلل لمكيتها بقول ال سبحانه:>

( بناء على أن المراد بالسبع المثاني87ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم <)الحجرات / الفاتحة كما صحت بذلك الرواية عن النبي صلى ال عليه وسلم وعن كثير من صحابته لتفاق الجميع أن سورة الحجر مكية وخالفهم اللوسي فقال بأن هذا الستدلل مخدوش، للختلف في السبع المثاني هل هي فاتحة الكتاب أو غيرها، فقد روى عن ابن عباس )رضي ال عنهما( أنها السبع الطول ولعدم استلزام تقدم الممتن به على المتنان فقد قال تعالى: )إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك ال ما تقدم من

(1ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك ال نصرا عزيزا ( ) الفتح/ والممتن به هنا مسبوق بالمتنان ثم أخذ اللوسي يناقش كلمه فاستبعد أن يكون إيتاء السبع المثاني متأخرا عن آية الحجر لتصديرها بقد مقرونة باللم، وكلهما يدل على التأكيد والتأكيد أليق بما حصل

منه بما ينتظر خصوصا مع التعبير بالفعل الماضي، وإن كان أحيانا يعبر به عن المستقبل لتحقق الوقوع نحو قوله تعالى: )إنا فتحنا لك فتحا مبينا( غير أنه رعاية للحتمالت السالفة رأى أن

الستدلل مخدوش واعتمد في الستدلل لمكيتها بالروايات الموقوفة على أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم ومما يجدر أن يقال أن الموقوف هنا بحكم الرفع للعلم أن كثيرا من الصحابة عايشوا نزول السورة وتلوها قبل الهجرة ولم يعرف منذ فرضت الصلة أنها كانت بدون تلوة الفاتحة ومن العلماء

من يرى أن السورة قد تكرر نزولها: أنزلت أول بمكة عندما فرضت الصلة،وثانيا بالمدينة عندما حولت القبلة وهو بحاجة إلى الدليل ول دليل وأورد عليه بعض العلماء بأن النزول إنما هو النتقال بالسورة من الغيب إلى الشهود والظهور ل يتكرر فما دامت السورة عندما أنزلت بمكة انتقلت من الخفاء إلى الظهور فل معنى لنزولها مرة أخرى إذ ل يعدو أن يكون تحصيل للحاصل وأجيب بأن تكرار النزول لجل تكرار الفوائد فيحتمل أن تكون نزلت أول بحرف ثم نزلت بحرف آخر وذلك أن تنزل أول بقراءة "ملم" ثم تنزل بقراءة "مالك" أو العكس ويحتمل أن تنزل مرة ببسملة وأخرى

بدونها فيكون في ذلك جمع بين المذاهب والروايات وتعقب اللوسي هذا الجواب بأنه مصحح للوقوع لو وقع وليس مثبتا له، ولعل القائلين بأنها نزلت بالمدينة يتعلقون بما أخرجه مسلم عن ابن عباس

)رضي ال عنهما( قال بينما جبريل قاعد عند النبي صلى ال عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه فرفع رأسه فقال"هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إل اليوم" فنزل منه ملك فقال" هذا ملك نزل



إلى الرض لم ينزل قط إل اليوم" فسلم وقال" أبشر بنورين أويتتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إل أعطيته" ووجه التعلق أن سورة البقرة مدنية بالجماع ونزول الفاتحة مع خواتيمها شاهد على مدنيتها والجواب عن هذا التعلق أن الملك لم ينزل

بالسورة ول بخواتيم البقرة وإنما نزل مبشرا بفضلهما وعظم ثواب من تلهما، أما نزول الفاتحة فقد كان بمكة ونزول خواتيم البقرة كان بالمدينة قبل نزول الملك بهذه البشرى على أن من العلماء من يرى أن الفاتحة هي أول القرآن نزول ونسبه الزمخشري في تفسيره سورة الفلق من )كشافه( إلى

أكثر المفسرين وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن قول أكثر المفسرين بخلفه وإنما هو قول قلة قليلة بالنسبة إلى الجم الغفير من المفسرين وغيرهم القائلين بأن الفاتحة مسبوقة بغيرها في النزول،

والظاهر أن القائلين في )دلئل النبوة( والثعلبي والواحدي من طريق يونس بن بكير عن يونس ابن عمر عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لخديجة "إني إذا

خلوت وحدي سمعت نداء فقد وال خشيت أن يكون هذا أمرا" فقالت معاذ ال ما كان ال ليفعل بك فوال إنك لتؤدي المانة وتصل الرحم وتصدق الحديث فلما جاء أبو بكر ولم يكن رسول ال صلى ال

عليه وسلم ثم أخبرته الخبر وقالت له يا عتيق اذهب بمحمد إلى ورقة بن نوفل فلما جاء رسول ال صلى ال عليه وسلم قال له أبو بكر)رضي ال عنه( اذهب بنا إلى ورقة قال له:" من أخبرك؟" قال له: خديجة فلما ذهبا أخبر رسول ال صلى ال عليه وسلم ورقة وقال له: "إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي ،يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الرض" فقال ل تفعل، إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني فلما خل ناداه: يا محمد قل بسم ال الرحمن الرحيم. الحمد ل رب العالمين

حتى بلغ. ول الضالين...الحديث وعلل السيوطي الحديث بإرساله وإن كان رجاله ثقات ونقل عن البيهقي احتمال أن هذا بعد نزول صدر )اقرأ باسم ربك( وجاء في بعض الروايات أنه سمع منه قبل ذلك يا محمد قل أشهد أن ل إله إل ال وأشهد أن محمدا رسول ال. ثم تل عليه الفاتحة. والستاذ المام الشيخ محمد عبده يميل إلى رأي القائلين بتقدم الفاتحة في النزول، وينزع منزعا غريبا في

الستدلل لذلك، وقد لخص السيد محمد رشيد رضا ما ألقاه في الزهر في دروس التفسير من بيانالستدلل لتقدم نزولها وألخص هنا هذا الملخص بشيء من الختصار.

قال: إن سنة ال في الكون- سواء أكان إيجاديا أم كونا تشريعيا- أن يبدأ في إظهار الشيء مجمل ثم يتبعه التفصيل وسنة ال في هدايته لعباده ل تختلف عن سنته في النبات كالشجرة الكبيرة الباسقة

الفروع الوارفة الظلل تجتمع أصولها في البذرة التي تنبت منها ثم تنمو بعد ذلك شيئا فشيئا بحسب ما تقتضيه سنة ال حتى تمتد فروعها وتؤتى ثمارها وذلك مثل هداية ال لعباده وبنى الستاذ المام على ذلك أن فاتحة الكتاب منطوية على الصول والغراض التي لجلها نزل القرآن وصرح بعد ذلك

أنه ل يذهب بما قاله مذهب القائلين بالشارة الزاعمين أن كل ما في القرآن مضمون في الفاتحة وكل ما في الفاتحة داخل في البسملة وكل ما في البسملة هو في الباء وكل ما في الباء مرموز إليه بالنقطة

لعدم صحة ذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أو عن صحابته )رضي ال عنهم( وإنما هو ن مخترعات الغلة الذين انتهى بهم الغلو إلى سلب القرآن خاصته وهي البيان وال الذي نزله يصفه:

( وأوضح الستاذ المام الغراض التي أنزل لجلها القرآن195)بلسان عربي مبين( ) الشعراء/ فحصرها في خمسة أغراض وهي: التوحيد والوعد والوعيد والعبادة وبيان سبيل السعادة وقصص

الذين عملوا بأوامر ال ووقفوا عند حدوده وأخذوا بأحكام دينه، والذين نبذوا أحكامه وتعدوا حدوده واستخفوا بوعده ووعيده في القرون العابرة وأوضح أن العناية بالتوحيد لن الناس كانوا في وقت نزول القرآن وثنيين وإن وجد فيهم من يدعي التوحيد، وأما الوعد والوعيد فلجل الضرورة إليهما



لتقويم انحراف الناس وإصلح فسادهم لن الوعد هو تبشير العاملين بمقتضى التوحيد بحسن المثوبة والوعيد هو إنذار المخالفين لما يقتضيه بسوء العقوبة والوعد يشمل بشارة الدنيا والخرة فقد وعد ال المؤمنين أفرادا وأمة بالستخلف في الرض والتمكين لهم إن استقاموا على الحق كما وعدهم

بالنعيم المقيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأوعد الكفار والمنافقين بخزي في الدنيا وشقاء يوم القيامة وأما العبادة فلتوقف حياة التوحيد في القلوب وثباته في النفوس عليها وأما سبيل السعادة

فللزوم تميزه عن سائر السبل وأما القصص والخبار فللعبرة ولتعاظ واتباع طريق المحسنينومجانبة مسالك الفجار والطلع على سنن ال في البشر.



وسعادة الناس في الدنيا والخرة تتوقف على معرفة هداية القرآن واتباعها وهي تتلخص فيما تقدم ذكره وتدل عليها الفاتحة دللة أجمال أما التوحيد ففي قوله تعالى: )الحمد ل رب العالمين( لن الحمد

كثيرا ما يكون في مقابل نعمة والية تشعر أن كل حمد وثناء محصوران في ال عز وجل وهذا يقتضي أن كل نعمة مصدرها الحق تعالى وتدخل في ذلك نعمة الخلق واليجاد والتربية والتنمية

والهداية والرشاد ولم يكتف باستلزام اللفظ لهذا المعنى بل صرح به في قوله)رب العالمين ( فإن كلمة "رب " تؤمي إلى التربية والنماء كما تدل على الملك والسيادة "والعالمون" جمع عالم والعالم

كل ما كان علمة ودليل على وجود الحق تعالى، وفي هذا تصريح بأن كل نعمة يجدها النسان في نفسه أو في الفاق هي منه) عز وجل( إذ ل يتصرف في الوجود بالعطاء والمنع ول بالشقاء

والسعاد، ول باليحاء والفناء إل هو، والتوحيد أعظم ما بعث لجله المرسلون وشرع بسببه الدين لذلك لك يكتف هنا بالشارة إليه بل زاده إيضاحا بقوله)إياك نعبد وإياك نستعين( فاستأصل جذور

الشرك وقضى على آثار الوثنية التي تفشت في الناس الذين كانوا يتخذون أولياء من دون ال يعتقدون أن لهم السلطة الغيبية ويدعونهم من دون ال في قضاء حوائجهم ودفع الضر عنهم، ويجعلونهم واسطة بينهم وبين ال يتقربون بهم إليه زلفى وكل ما في القرآن من آيات التوحيد

ومقارعة المشركين هو تفصيل لما أجمل هنا وأما الوعد والوعيد فالول منهما داخل في " بسم ال الرحمن الرحيم" لن ذكر الرحمة في أول آية من الكتاب وعد بالحسان إلى الخلق وقد تكرر ذلك مرة

ثانية في الية الثالثة للتنبيه على أن أمره بالتوحيد والعبادة من رحمته بنا لنه يعود بالمصلحة والمنفعة علينا ويدخل الوعد والوعيد في قوله )مالك يوم الدين( لن الدين الخضوع المطلق وذلك

اليوم تتلشى فيه السلطات المدعاة في الدنيا ول يبقى أحد سلطان ولو ادعاء وإنما السلطان والقوة والحول والطول ل )عز وجل( فل يبقى فيه مال يكون خاضعا لجلله مستسلما لمره راجيا رحمته

خائفا من عقابه وهذا يتضمن الوعد والوعيد...وقد يفسر الدين بالجزاء وهو إما ثواب للمحسنين وإما عقاب للمسيء وفي هذا وعد ووعيد وفي ذكر الصراط المستقيم فيما بعد إشارة إليهما، لن من سلكه

فاز ومن حاد عنه هلك وذلك يستلزم الوعد والوعيد وأما العبادة فقد ذكرت في مقام التوحيد بقوله)إياك نعبد وإياك نستعين( ثم جاء منطويا عليها وعلى المعاملت والسياسة بيان المر الرابع في

قوله)اهدنا الصراط المستقيم( إذ المراد بذلك أنه وضع لنا صراط نيرا واضحا تتوقف السلمة والسعادة على الستقامة عليه، ول تكون الشقاوة إل بالنحراف عنه وهذه الستقامة هي روح العبادة

لنها باعثة إليها ويتضح ذلك في قوله تعالى)والعصر إن النسان لفي خسر إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر()سورة العصر( فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر هما روح العبادة بعد توحيد ال عز وجل والتعلق بال خوفا ورجاء وطاعة وتقربا روح كل عبادة شرعت

في السلم والفاتحة بجملتها توجد جذوة هذه الروح ولمر ما ذكرت العبادة في الفاتحة قبل ذكر الصلة وأحكامها والصيام وزمانه فإن القصد من ذلك نفخ هذه الروح في نفوس المسلمين قبل أن يكلفوا العمال البدنية وقبل تفصيلها في سائر القرآن وما العمال البدنية إل وسيلة لحقيقة العبادة

وهي الفكر والعبرة والتعلق بال في كل شيء على أن ال وحده هو العليم بالوسائل المؤدية إلى تحقيق العبادة فلذلك شرع ما شرع من العمال البدنية المؤدية إلى مراقبة ال في سائر التصرفات

والعمال وخشيته ورجائه في كل لحظة وأما الخبار والقصص فهي تندرج تحت قوله تعالى )صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين( ففي الشطر الول من الية تصريح بأن هناك

من المم الغابرين أمة تمسكنت بالحق والتزمت به وفي هذا ما يبعث على النظر فيما كانوا عليه والعتبار به كما قال )سبحانه( داعيا نبيه إلى القتداء بمن تقدمه من النبياء)أولئك الذين هدى ال

( وفي الشطر الثاني تصريح بأن هؤلء إما ضال عن الحق مجانب90فبهداهم اقتده ( ) النعام/



لصراطه، وإما جاحد له ومعاند لمن يدعو إليه، فلذلك كان حريا بأن يغضب ال عليه ويجزيه وسائر القرآن يفصل هذا الجمال من أخبار المم التي تفيد العبر وتبين حال الذين أصروا على باطلهم في سبيله فاتضح مما تقدم أن الفاتحة قد اشتملت إجمال على الصول التي فصلها القرآن تفصيل ومن هنا يرى الستاذ المام أن إنزالها أول يتفق مع سنة ال في البداع وبما اشتملت عليه كانت حرية

بأن تسمى أم القرآن وأم الكتاب كما يقال للنواة أم النخلة لشتمالها على عناصر النخلة كلها حقيقة ل كما يقول بعضهم: إن المعنى في ذلك أن الم تتقدم على أولدها ويكونون من بعدها هذا ملخص ما

استدل به الستاذ المام على تقدم الفاتحة في النزول عن سائر القرآن وقد تعقبه تلميذه السيد محمد رشيد رضا بما حاصله أن هذا ل ينافي أن تكون سورة العلق سابقة على الفاتحة في النزول لنها

جاءت تمهيدا للوحي المجمل والمفصل، موجها خطابها إلى النبي صلى ال عليه وسلم بإعلمه بأنه سيكون- وهو أمي- قارئا بعناية ال ومخرجا للميين من أميتهم إلى العلم بالقلم أي الكتاب وفي هذا

استجابة لدعاء أبي النبياء إبراهيم عليه السلم )ربنا وابعث فيهم رسول منهم يتلو عليهم آياتك ( وفكرة احتواء الفاتحة على129ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم( ) البقرة/

مجمل معاني القرآن قد سبق بعض المفسرين إليها مع اختلف المنهج وإن كان المام محمد عبده قد أبدع أكثر مما أبدعوا في بيان وجه هذا الحتواء ومن هؤلء المفسرين الفخر الرازي في "مفاتيح

الغيب" واللوسي في"روح المعاني" وإنما يلحظ على الفخر الرازي اعتداده الزائد بالرقام كقوله في أعوذ بال عشرة آلف مسألة وفي بسم ال عشرة آلف مسألة أيضا وفي الحمد ل ألف مسألة وهكذا

في سائر آيات الفاتحة كما يلحظ على العلمة اللوسي أن نزعته الصوفية تؤدي به إلى أن يحمل عبارات القرآن مال تتحمله من المعاني ومما ينبغي أن نشير إليه اختلف السلف في أول ما أنزل من

القرآن فقد أخرج الشيخان عن عائشة رضي ال عنها أن أول ما أنزل سورة العلق وهو رأي الجمهور وأخرجا من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبدال رضي ال عنه أن سورة

المدثر أول ما أنزل وقد جمع بين هذين الرأيين بأن صدر سورة العلق أول ما أنزل من القرآن كله وسورة المدثر أول سورة أنزلت بتمامها ويحتمل أن تكون سورة المدثر أول ما نزل بعدها فتر الوحي

ثلث سنوات أو ثلثين شهرا.

وإذا كانت فاتحة الكتاب تندرج في عباراتها مجملت معاني القرآن الكريم فما أجدرها بتسمية أم القرآن وأم الكتاب كما قال الستاذ المام وفي هذا مع الروايات الصحيحة الدالة على تسميتها بذلك رد

على الذين يكرهون هذه التسمية على أن العرب قد عهد منهم تسمية كل جامع أما ومنه وقولهمللراية "أم" للتفاف الجيش حولها وفي ذلك يقول ذو الرمة:

يصف قناة عقدت على رأسها راية يلتف حولها الجند ويسمى ما اتقضى من سنى النسان "أما" ومنهقول الشاعر:



وتسمى الجلدة التي تجمع الدماغ "أم الرأس" لجمعها الدماغ وبهذا يتضح رجحان رأي من يرى تسمية الفاتحة بأم القرآن وأم الكتاب لجمعها مجمل ما في القرآن من المعاني وبسبب ذلك فضلت على غيرها من القرآن فقد أخرج المام أحمد والبخاري وأبو داود عن أبي سعيد بن العلى قال: كنت أصلي

في المسجد فدعاني رسول ال صلى ال عليه وسلم فلم أجبه، فقلت يا رسول ال إني كنت أصلي، ( ثم قال" لعلمنك سورة هي أعظم64فقال: ألم يقل ال)استجيبوا ل وللرسول إذا دعاكم ( ) النفال/

السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد" ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل لعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال:" الحمد ل رب العالمين هي السبع المثاني في

القرآن العظيم الذي أوتيته" وأبو سعيد راوي الحديث هو غير أبي سعيد الخدري الصحابي المشهور وقد التبس على كثير من المفسرين والصوليين فنسبوا القصة إلى أبي سعيد الخدري ومن هؤلء

الفخر الرازي والمام الغزالي والقاضي البيضاوي وآمدي والبدر الشماخي ونور الدين السالمي مع العلم أن أبا سعيد الخدري اسمه سعيد بن مالك ابن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن البجر وهو خدرة ولم يلقب أحد من هؤلء المعلى فضل أن يكون ذلك اسمه وأما أبو سعيد بن المعلى فقد قال عنه ابن عبد

البر في "التمهيد" ل يوقف على اسمه ويستغرب ذلك من ابن عبد البر مع أنه نفسه قال في الستيعاب :اسمه رافع وقيل الحارث بن نفيع ابن المعلى وقيل أوس بن المعلى كما يستغرب من ابن

عن أربع وستين سنة وتعقبه الحافظ ابن حجر في74عبد البر قوله في "الستيعاب" مات عام "الصابة" بأنه خطأ لنه يقضي أن يكون رسول ال قال لـه ذلك وهو ابن أشهر على أن ابن عبد البر

نفسه قد نسب في الستيعاب إلى بعض العلماء على أن أبا سعيد بن المعلى هذا أول من صلى إلى الكعبة عندما حولت القبلة وقد كان تحويل القبلة في السنة الثانية للهجرة وأشار الحافظ ابن حجر في "الفتح" إشارة عابرة إلى رده على ابن عبد البر في "الصابة" والتبس على الواقدي أبو سعيد هذا

بأبي سعيد مولى عبدال بن عامر بن كليب وهو مولى لقريش ليس أنصاريا وأبو سعيد بن المعلى من النصار،والظاهر كما يقول ابن حجر أن سبب اللبس عدم التميز بين الروايات فقد أخرج مالك في

الموطأ من طريق أبي سعيد مولى ابن عامر أن النبي صلى ال عليه وسلم نادى أبي بن كعب رضي ال عنه وهو يصلي فذكر الحديث ومن هنا جعل الواقدي الحديث من رواية أبي سعيد بن المعلى عن

أبي مع أن قصة أبي غير قصة أبي سعيد وإن أشبهتها وقد جاءت قصة أبي من رواية أبي هريرة عند أحمد والترمذي والحاكم وأبي داود النسائي وابن خزيمة وجمع البيهقي بين الروايتين بتعدد القصة

عند كل الصحابيين ،قال الحافظ ابن حجر ويتعين المصير إلى ذلك لختلف مخرج الحديثين وائتلف سياقهما وهو واضح في المخرج وأما في السياق فالحديثان متشابهان لتحادهما في السبب وهو أن كل من أبي سعيد وأبي خوطب في حال الصلة ولفظ حديث أبي "أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في

التوراة ول في النجيل ول في الزبور ول في الفرقان مثلها" ثم أخبره أنها الفاتحة والواقدي- كما ذكر الحافظ ابن حجر- ضعيف إذا انفرد فكيف إذا خالف؟ والحديث واضح في تفضيل بعض القرآن على بعض وهي مسألة اختلف فيها العلماء فذهب أبو الحسن الشعري وأبو حاتم محمد بن حبان

البستي المحدث المشهور والقاضي أبو بكر ابن الطيب إلى عدم جواز تفضيل شيء من القرآن على غيره منه، وروى هذا القول عن مالك وحكي عن يحيى بن يحيى أن تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ وهؤلء يحملون هذا الحديث وأمثاله على التفاضل في أجر التلوة ويقولون في نحو قوله صلى ال عليه وسلم" لم ينزل في التوراة ول في النجيل ول في الزبور ول في الفرقان مثلها" أن المراد منه أنه لم ينزل في هذه الكتب ما يعادل الفاتحة في أجر التلوة وبناء على منع التفضيل كان المام



مالك- فيما روى عنه- يكره أن تعاد سورة بعينها دون غيرها وذهب غيرهم إلى جواز التفضيل ومن قال به إسحاق بن راهوية وابن العربي والعز بن عبد السلم وابن الحصار والقرطبي وأيده الحافظ

ابن حجر استنادا إلى قوله تعالى: )ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن ال ( وعزاه القطب )رحمه ال( إلى المذهب وتعجب ابن الحصار ممن106على كل شيء قدير( ) البقرة/

يحكي الخلف مع ورود هذه النصوص التي تدل على التفاضل.

تفضيل بعض القرآن على بعض

وذكر القطب في )هيميانه( عن المام الغزالي في "جواهر القرآن" أنه قال ما معناه: إذا كانت نفسك تستوحش من تفضيل بعض القرآن على بعض ول تستطيع أن تفرق بين آية الكرسي وخواتيم سورة

الحشر وسورة الخلص وبين آية الدين وتنزع إلى التقليد فإن أولى الناس بالتقليد هو رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن وقد صرح بتفضيل بعضه على بعض ثم أورد بعض الحاديث الواردة في التفضيل وذكر العز بن عبد السلم أن التفضيل يكون باختلف المعاني التي

تحتويها اليات فنحو قوله تعالى: )شهد ال أنه ل إله إل هو والملئكة وأولوا العلم قائما بالقسط ( ( يشتمل على المعاني السامية من توحيد ال تعالى التي ل يشتمل عليها قوله عز18) آل عمران/

( وذكر القطب في )الهيميان( عن222وجل: )ويسألونك عن المحيض قل هوأذى...الية ( ) البقرة/ البيهقي أنه حكى عن الحليمى السباب التي تفضل بها سورة أو آية أختها منها زيادة المنفعة فإن

مقصودان لذاتهما والقصص والمثال يراد بها تأكيد المر والنهي ومنها استعجال المنفعة للقارئ فإن قارئ الخلص وآية الكرسي وخواتيم البقرة وخواتيم الحشر ينال بمجرد القراءة منفعتين عاجلة وآجلة، فالعاجلة: العتزاز بتلوة هذه اليات المشتملة على أسماء ال الحسنى وصفاته العلى من

المخاطر والجلة: ما يترتب على استحضار معانيها واعتقادها من الجر والمثوبة إذ تالي هذه اليات يؤدي عبادة بمجرد تلوتها عندما يستحضر مقاصدها فيرسخ بذلك عقيدته ويقوي إيمانه فتجتمع له

التلوة والعمل بخلف آيات العبادات البدنية فإنه ل يكون مؤديا لها بمجرد ما يتلوها وكذلك آيات الحكام وهكذا ومما ذكره الحلمى أيضا في أسباب تفضيل القرآن جميعه على جميع الكتب المنزلة من

قبل وإن كان الكل كلم ال أن التعبد بتلوته كالتعبد بالعمل به خلفها وأنه يجمع بين الدعوة والعجاز بينما الكتب السابقة قاصرة على الدعوة وحدها ومعجزات المرسلين الذين أنزلت عليهم

خارجة عنها.

هذه خلصة ما حكى عنه ويتضح لنا مما ذكرناه جواز تفضيل بعض القرآن على بعض بحسب اختلفمحتواه.



تحديد اليات في سورة الفاتحة

أما آيات سورة الفاتحة- التي نحن بصدد التقديم لتفسيرها- فسبع وقد حكى غير واحد الجماع على ذلك وإنما اختلفوا في تحديد هذه اليات السبع فقيل: "بسم ال الرحمن الرحيم" آية، و" صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين" آية واحدة، وقيل " بسم ال الرحمن الرحيم" ليست بآية منها، و" صراط الذين أنعمت عليهم" آية، و" غير المغضوب عليهم ول الضالين" آية. وسيأتي إن شاء ال عما قريب بحث مسألة البسملة بما فيه مقنع لمن أبصر وخرق الحسين بن علي الجعفي الجماع فزعم أنها ست آيات لنه لم يعد البسملة، وعد )صراط الذين أنعمت عليهم....الخ( آية ومثله صنيع عمرو ابن عبيد الذي زعم أنها ثمان آيات لنه عد البسملة آية وعد "أنعمت عليهم" آية كذلك وقيل :لم يعد البسملة ولكن عد)إياك نعبد( قال ابن حجر: وهذا أغرب القوال وتسمية الفاتحة بالسبع

المثاني موح بأن آياتها سبع، ومنهم من قال إن سبب تسميتها بذلك خلوها من سبعة أحرف وهي: الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء واعترض بأن التسمية تكون بالموجود في الشيء ل المفقود منه ومنهم من يعلل هذه التسمية بأنها تغلق عن تاليها أبواب النار السبعة وهو بحاجة إلى

ما يدل على أن ذلك سبب التسمية ول دليل.

بحث أقوال في البسملة



)بسم ال الرحمن الرحيم( اختلف في البسملة هل هي من خصوصيات هذه المة أو كانت للمم قبلها! فنقل أبو بكر التونسي إجماع علماء كل ملة على أن ال افتتح كل كتاب بها وهذه دعوى لم تعضدها

حجة إذ صحة الجماع متوقفة على ثبوت نقله وذهب آخرون إلى أنها من خصوصيات هذه المة واحتج له اللوسي بما ل طائل تحته والعجب من هؤلء كيف يغفلون عن كتاب سليمان الذي صدر بها

وقد حكاه ال في سورة النمل أما كونها من القرآن الكريم فهو مما أجمع عليه لعدم الختلف في كونها جزء آية من سورة النمل وقد أخطأ من نسب إلى أبي حنيفة وغيره القول بأنها ليست من

القرآن أصل، وممن وقع في هذه العثرة أبو السعود في تفسيره ومنشأ الخطأ التباس نفي كونها آية من الفاتحة ومن كل سورة صدرت بها بنفي قرآنيتها مطلقا على أن كتابتها في صدر السور إل سورة

براءة في المصحف المام بإجماع الصحابة )رضي ال عنهم( وتناقل المة لذلك جيل بعد جيل حجة قاطعة ل تدع مجال للريب في أنها آية من السور التي صدرت بها كيف والصحابة رضي ال عنهم

كانوا أشد ما يكونون حرصا على تجريد القرآن الكريم في كتابته في المصاحف من كل ما ليس منه. ولذلك جردوا مصاحفهم من عناوين السور فليس من المعقول أن يزيدوا في مائة وثلثة عشر سورة

ما ليس منها وهذه المسألة قد كثر فيها الخذ والرد حتى أن جماعة من العلماء أفردوا لها مؤلفات خاصة وخلصة ما فيها أنهم اختلفوا فيها مع إجماعهم أنها جزء من آية من سورة النمل فذهب إلى أنها آية من كل سورة صدرت بها من علماء السلف من أهل مكة، فقهائهم وقرائهم ومنهم ابن كثير وأهل الكوفة ومنهم القارئان المشهوران عاصم والكسائي وعزي إلى علي وابن عباس وابن عمر

وأبي هريرة من الصحابة وإلى سعيد بن جبير وعطاء والزهري وابن مبارك من التابعين وهو مذهبنا ومذهب الشافعي في الجديد وعليه أصحابه، ونسب إلى الثوري وأحمد في أحد قوليه وعليه المامية، وذهب جماعة إلى أنها آية مفردة أنزلت للفصل بين السور وليست من الفاتحة ول من غيرها ما عدا

سورة النمل وهو الذي عليه مالك وغيره من علماء المدينة والوزاعي وجماعة من علماء الشام ويعقوب من قراء البصرة وعليه الحنفية وذهب فريق آخر إلى أنها ليست آية مطلقا من هذه السور ولم تنتزل للفصل بينهما وإنما هي جزء من آية من سورة النمل ونسب هذا القول إلى ابن مسعود

وهو رأي لبعض الحنفية وقال حمزة من قراء الكوفة إنها آية من الفاتحة دون غيرها وهو رواية عن أحمد وتوجد أقوال أخرى هي إلى الشذوذ أقرب منها أنها بعض آية من الفاتحة فقط ومنها أنها بعض

آية من جميع السور ومنها أنها آية من الفاتحة وجزء آية من السور ومنها عكس ذلك وهذا الختلف استتبع الختلف في قراءتها في الصلة وفي الجهر والسرار بها كما سنوضحه إن شاء ال وحجة

القول الول ما ذكرناه من إجماع الصحابة واستقراء العمل على كتابتها في صدر كل سورة إل سورة التوبة، والكتابة حجة معتبرة عند جميع شعوب العالم والمدينة في العصر الحديث بل الكتابة الرسمية أقوى ما يعتمد عليه عندهم كما جاء ذلك في المنار وقد كانت كتابتها في المصحف المام الذي وزعت نسخة في المصار بأمر الخليفة الثالث وعلى مسمع ومرأى من سادات المهاجرين والنصار والذين اتبعوهم بإحسان ولم ينكر ذلك أحد منهم وقد كانوا أحذر ما يكونون عن إضافة أي شيء إلى القرآن

مما ليس منه وتوالت من بعدهم أجيال هذه المة وكلها مطبقة على كتابتها في صدر السور وعلى تلوتها مع القرآن وإن كان منهم من يزعم أنها آية أنزلت بانفراد للفصل بين السور ول يؤثر هذا

الزعم في الجماع العلمي ولو أن الناس أنصفوا لكفتهم هذه الحجة عن غيرها ولما أخذوا بالروايات الحادية الظنية في مقابل هذه الحجة المتواترة لقطيعة ولكنهم عولوا على الروايات فسلكوا طرائق

( وأصرح ما اعتمدوا53قددا )فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون( ) المؤمنون/ عليه من الروايات حديث أبي هريرة رضي ال عنه عند الربيع وأحمد ومسلم وأبي داود والترمذي

والنسائي قال: قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:" قال ال عز وجل قسمت الصلة بيني وبين



عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد الحمد ل رب العالمين قال ال حمدني عبدي فإذا قال الرحمن الرحيم قال ال أثنى علي عبدي، فإذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي، وقال مرة فوض إلى عبدي، فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال اهدنا

الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" ووجه استدللهم بالحديث عدم ذكر البسملة قالوا لو كانت من الفاتحة لذكرت في الحديث وهو كما ترى استدلل سلبي في مقابلة اليجابي القطعي المتواتر وهو إجماع الجميع على كتابتها وتلوتها في الفاتحة وغيرها من سور القرآن وأين هذه الحجة السلبية الخفية التي تحتمل ضروبا من التأويل من ذلك الحجة القطعية الظاهرة التي ل يمكن تأويلها بحال ويكفيك دللة على

ضعف هذه الحجة أن الحديث لم يذكر قسمة الفاتحة بل ذكر قسمة الصلة والصلة تشتمل على أذكار وأفعال متعددة وعلى قراءة من غير الفاتحة وكل هذه الشياء لم تذكر في القسمة الواردة في الحديث

وإنما ذكرت الفاتحة وحدها بل ذكر منها مال يشاركها فيه غيرها من السور والبسملة قد اشتركت فيها السور كلها ما عدا براءة وثم جواب آخر هو أن ما في البسملة من الثناء على ال بوصفه

بالرحمة مكرر في الفاتحة ومذكور في القسمة فل يقوى الستدلل السلبي الذي اعتمدوا عليه على معارضة القطعي هذا ولو سلمت المعارضة بين الحديث وما تدل عليه كتابة الفاتحة في البسملة

وغيرها وقد علمت أن ليست ثم معارضة وفي هذا يقول السيد محمد رضا:" إذا كان من علل الحديث المانعة من وصفه بالصحة مخالفة رواية لغيره من الثقات فمخالفة القطعي من القرآن المتواتر أولى

بسلب وصف الصحة عنه على أن هذا الحديث هو المعارض هو المعارض بالحاديث المثبتة لكون البسملة من الفاتحة" وللمام الفخر في تفسيره الكبير "مفاتيح الغيب" اعتراض على استللهم بهذا الحديث بما جاء من ذكر البسملة في بعض طرقه فقد أخرج الثعلبي بإسناده عن أبي هريرة أن النبي

صلى ال عليه وسلم قال:" يقول ال تعالى قسمت الصلة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد بسم ال الرحمن الرحيم قال ال سبحانه مجدني عبدي، وإذا قال الحمد ل رب العالمين قال ال تبارك

وتعالى حمدني عبدي، وإذا قال الرحمن الرحيم قال ال عز وجل أثنى علي عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال ال: فوض إلي عبدي.....الخ" وتابعه المام العلمة أبو مسلم في نثاره غير أنا لعدم

اطلعنا على إسناد هذا الحديث عند الثعلبي وعدم معرفتنا بصحته ل نستطيع العتماد عليه ونكتفيبما أسلفنا ذكره في الجابة على استللهم.

ومما اعتمدوا عليه حديث أبي هريرة عند أحمد وأصحاب السنن أن النبي صلى ال عليه وسلم قال:" إن سورة من القرآن ثلثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي تبارك الذي بيديه الملك" ووجه الستدلل أن سورة الملك هي ثلثون آية بدون البسملة وأجيب بأن البسملة لم تعد من السورة

للشتراك فيما بينها وبين غيرها والمراد بالثلثين آية اليات الخاصة بالسورة ويدل على ذلك ما ورى عن أبي هريرة أيضا أن سورة الكوثر ثلث آيات مع أن لحمد ومسلما والنسائي أخرجوا من حديث

أنس رضي ال عنه قال: بينما رسول ال صلى ال عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد إذ غفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما فقلنا ما أضحكك يا رسول ال فقال " نزلت علي آنفا سورة" فقرأ )إنا أعطيناك

الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو البتر( )الكوثر( وهذا الحديث دللته على أن البسملة من سورة الكوثر واضحة مع أنها لم تعد من آيات لما ذكر فكونها آية من سورة الفاتحة أولى وهو أصح من حديث أبي هريرة في سورة الملك لن البخاري أعله بأن عباس الجشمي رواية ل يعرف سماعه

عن أبي هريرة وتعلقوا بأحاديث عدم الجهر بالبسملة المروية عن أنس بن مالك قال:" صليت مع النبي صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم ال الرحمن



الرحيم" رواه أحمد ومسلم وفي لفظ " صليت خلف النبي صلى ال عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فكانوا ل يجهرون بسم ال الرحمن الرحيم" رواه أحمد والنسائي على شرط الصحيح

وأخرجه ابن حيان والدارقطني والطحاوي والطبراني وفي لفظ لبن خزيمة "كانوا يسرون" ولحمد ومسلم رواية أخرى بلفظ "صليت خلف النبي صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وكانوا

يستفتحون بالحمد ل رب العالمين ل يذكرون باسم ال الرحمن الرحيم في أول قراءة ول آخرها" ولعبد ال بن احمد في مسند أبيه عن شعبة عن قتادة عن أنس "صليت خلف رسول ال صلى ال

عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فلم يكونوا يستفتحون القراءة باسم ال الرحمن الرحيم" قال شعبة فقلت لقتادة أنت سمعته من أنس؟ قال نعم نحن سألناه عنه، وللنسائي عن منصور بن زادان عن أنس قال صلى بنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فلم يسمعنا قراءة بسم ال الرحمن

الرحيم، وصلى بنا أبو بكر وعمر فلم نسمعها منهما" وأنت ترى هذه الروايات عن أنس ل تخلو من اضطراب فتجدها تارة نافية لقراءة البسملة وتارة نافية للجهر بها وأخرى نافية لسماعها، ومثل هذا

الختلف ل تنهض به حجة كما صرح بذلك ابن عبد البر في " الستذكار" وهو من أجل أئمة المالكية، والمالكيون ل يرون قراءة البسملة في الصلة فضل عن الجهر بها، وهذه المسألة أي

مسألة السرار والجهر بالبسملة أو تركها رأسا مما وقع فيه الخلف واضطربت فيه الروايات عن الصحابة والتابعين فنجد الصحابي يروى عنه الجهر والسرار بها ولم نجد أحدا من الصحابة روى

عنه السرار وحده إل ابن مسعود رضي ال عنه، وممن روى الجهر بها عنهم في حال الجهر بالقراءة أبو بكر وابن الزبير وابن عباس وعمار بن ياسر، وأبى بن كعب وأبو قتادة وأبو سعيد

وأنس وعبدال بن أبى أوفى وشداد بن أوس وعبد ال بن جعفر والحسين بن على ومعاوية، وذكر الشوكانى في " نيل الوطار" عن الخطيب أن من قال بالجهر بها من التابعين أكثر من أن يذكروا

وأوسع من أن يحصروا منهم سعيد بن المسيب وطاوس وعطاء ومجاهد وأبو وائل وسعيد بن جبير وابن سيرين وعكرمة وعلى بن الحسين وابنه محمد بن على وسال بن عبد ال بن عمر ومحمد بن المنكدر وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ومحمد بن كعب ونافع مولى ابن عمر وأبو الشعثاء

وعمر بن عبد العزيز ومكحول وحبيب بن أبي ثابت والزهرى وأبو قلبة وعلى بن عبد ال بن عباس وابنه والزرق بن قيس وعبد ال بن معقل ابن مقرن، وممن بعد التابعين عبيد ال العمرى والحسن بن زيد وزيد بن على ابن الحسن ومحمد بن عمر بن على وابن أبي ذئب والليث بن سعيد وإسحاق

بن راهويه، وزاد البيهقي في التابعين عبد ال بن صفوان ومحمد بن الحنيفة وسليمان التيمى، ومن تابعيهم المعتمد ابن سليمان، وذكر البيهقى في الخلفيات أنه اجتمع آل رسول ال صلى ال عليه

وسلم على الجهر ببسم ال الرحمن الرحيم، ويؤيده ما جاء في كتب العترة وهو الذي عليه الشافعي واصحابه واتفق عليه أصحابنا، وذكر الخطيب عن عكرمة انه كان ل يصلى خلف من ل يجهر

بالبسملة، ويرى جماعة من العلماء السرار بها وهو المعمول به عند الحنفية والحنابلة، وقد روى عن جماعة من السلف من الصحابة والتابعين، ومالك ل يرى قراءتها سرا ول جهرا ونقل عنه

قراءتها في النوافل في فاتحة الكتاب وسائر القران، ومنهم من يرى جواز الجهر والسرار بها حكاه القاضى أبو الطيب الطبرى عن ابن أبى لبلى، وإذا تدبرت مجموعة الروايات استطعت أن تستخلص منها صحة القول بالجهر، فقد أخرج المام الشافعي بإسناده عن أنس بن مالك رضي ال عنه:قال

صلى معاوية بالناس في المدينة صلة جهر فيها بالقراءة، فلم يقرأ بسم ال الرحمن الرحيم، ولم يكبر في الخفض والرفع فلما فرغ ناداه المهاجرون والنصار يا معاوية نقصت الصلة – وفي رواية

سرقت الصلة- أين بسم ال الرحمن الرحيم؟ وأين التكبير إذا خفضت وإذا رفعت؟ فكان إذا صلى بهم بعد ذلك قرأ بسم ال الرحمن الرحيم وكبر. والحديث صحيح السناد كما أوضح العلمة المحدث أحمد



محمد شاكر في شرحه وتحقيقه لسنن الترمذي وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم.فأنت ترى كيف اجتمعت كلمة المهاجرين والنصار على إنكار عدم الجهر بالبسملة على معاوية بن أبي سفيان مع شدة بطشه وقوة شكيمته وليس ذلك إل لتركه واجبا ل يصح التساهل فيه والحديث ظاهر في أن العمل عند الصحابة رضي ال عنه قد استقر على الجهر بالبسملة وإل فكيف يعرفون أنه

لم يقرأها رأسا لو كانت مما يخفت في الصلة وفي هذا الحديث ما يرد على دعوى ابن العربي والقرطبي في انتصارهما لمذهبهما المالكي في عدم قراءة البسملة في الصلة بأن ذلك قد استقر عليه

العمل في مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم جيل بعد جيل من عهد النبي صلى ال عليه وسلم إلى زمن مالك ولعمري إن هذه الدعوى لبعيدة المنال، فإن حادثة المهاجرين والنصار مع معاوية

كانت بمدينة الرسول صلى ال عليه وسلم ول يبعد أن تكون في مسجده الشريف فمن أين لبن العربيوالقرطبي استقرار العمل في المسجد النبوي على عدم قراءتها.

هذا وقد حاول جماعة الجمع بين روايات أنس المختلفة بأن المقصود من قوله" كانوا ل يذكرون بسم ال الرحمن الرحيم" عدم جهرهم بها كما صرح بذلك في رواية "كانوا ل يجهرون" وأن المقصود

بقوله " كانوا يستفتحون بالحمد ل رب العالمين" الستفتاح بهذه السورة بما فيها البسملة على أن أنسا رضي ال عنه قد روى عنه عدم حفظه لقراءة النبي صلى ال عليه وسلم فيما أكان رسول ال

صلى ال عليه وسلم يستفتح بالحمد ل رب العالمين أو "بسم ال الرحمن الرحيم"؟ فقال: إنك سألتني عن شيء ما أحفظه وما سألني عنه أحد قبلك فقلت أكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي في النعلين؟ قال نعم، وذكر الشوكاني في "نيل الوطار" أن عروض النسيان في مثل هذا غير مستنكر،

فقد حكى الحازمي عن نفسه أنه حضر جامعا وحضره جماعة من أهل التميز المواظبين في ذلك الجامع، فسألهم عن حال إمامهم في الجهر والخفات- قال: وكان صيتا يمل صوته الجامع- فاختلفوا

في ذلك، فقال بعضهم يجهر وقال بعضهم يخفت وعقب على ذلك السيد محمد رشيد رضا في "المنار" بأن اختلف هؤلء المصلين لم يكن في صلة واحدة يل في جميع الصلوات ورد ذلك إلى الغفلة

والناس عرضة لها ل سيما الغفلة عن أول الصلة وعلل ذلك باشتغال الناس عن مراقبة قراءة المام بالدخول في الصلة وقراءة دعاء الفتتاح وحمل عليه روايات أنس في عدم الجهر بالبسملة أو عدم سماعها، إذ يرى السيد رشيد رضا مرد ذلك إلى بعد أنس عن الصفوف القريبة من المام واشتغاله

بدعاء الفتتاح والحرام فلذلك لم يسمع البسملة من الرسول صلى ال عليه وسلم وخلفائه الثلثة مع أنه من العادة أن يكون صوت القارئ خافتا في أول القراءة ورأى كل من الحافظ ابن حجر والشوكاني

أن رواية إثبات الجهر إذا وجدت قدمت على نفيه ل بمجرد تقديم رواية المثبت على النافي كما هي القاعدة، لن أنسا يبعد جدا أن يصحب النبي صلى ال عليه وسلم مدة عشر نين ويصحب أبا بكر

وعمر وعثمان فل يسمع منهم الجهر في صلة واحدة بل لكون أنس اعترف بأنه ل يحفظ هذا الحكم كأنه لبعد عهده به لم يذكر منه إل الجزم بالفتتاح بالحمد ل جهرا وهما يشيران بهذا إلى سؤال أبي سلمة أنس بن مالك عما كان رسول ال يستفتح به قراءته وقد سلف ذكره، وأنس بن مالك عما هو

نفسه الذي روى قصة المهاجرين والنصار مع معاوية وإنكارهم عليه عدم قراءته البسملة الذياستدلوا عليه بعدم جهره بها.

وروى البخاري عن أنس أنه سئل كيف كانت قراءة النبي صلى ال عليه وسلم فقال كانت مدا ثم قرأ بسم ال الرحمن الرحيم يمد ببسم ال ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم، وهو واضح في جهر رسول ال

صلى ال عليه وسلم بالبسملة.



ومما تعلق به القائلون بعدم كونها آية من الفاتحة حديث عبدال ابن مغفل عند الخمسة إل أبا داود قال سمعني أبي وأنا أقول بسم ال الرحمن الرحيم فقال يا بني إياك والحدث- قال ولم أر أصحاب

رسول ال صلى ال عليه وسلم رجل كان أبغض إليه الحدث في السلم منه- فإني صليت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فلم أسمع أحدا منهم يقولها فل تقلها إذا

أنت قرأت فقل الحمد ل رب العالمين...والحديث معلول بعبدال ابن مغفل فإنه مجهول ل يعرف ولميرو عنه إل أبو نعامة وإن صح فهو محمول على ما حملت عليه أحاديث أنس.

الدليل على كون البسملة من الفاتحة



أما أدلة إثبات كون البسملة من الفاتحة وإثبات الجهر بها فكثيرة قد تقدم ذكر بعضها من رواية أنس رضي ال عنه نفسه وذكر الفخر الرازي في تفسيره لذلك سبع عشرة حجة منها القوي ومنها

الضعيف وتابعه على الستدلل بها العلمة أبو مسلم في نثاره وحاول العلمة اللوسي نقض هذه الحجج حجة انتصارا لمذهبه الجديد الذي انتقل إليه وأبدى السيد محمد رشيد رضا في تفسيره المنار

استغرابه الشديد من صنيع اللوسي الذي حاول بكل وسيلة هدم الحجج الشامخة البنيان المتينة الركان من غير داع لذلك إل التعصب المذهبي على أن اللوسي نفسه كان من قبل شافعي المذهب

ولكنه اتبع مذهب الحناف تقربا إلى الدولة العثمانية حسبما يقول السيد رشيد رضا وسوف أرود )إن شاء ال( بعض هذه الحجج التي أراها صالحة للحتجاج بها وأذكر صورة من محاولة اللوسي

لنقضها كما أضم إليها بعض الحجج الخرى.

منها حديث أبي هريرة الذي أخرجه الطبراني وابن مردوية والبيهقي بلفظ "الحمد ل رب العالمين سبع آيات بسم ال الرحمن الرحيم إحداهن وهي السبع المثاني والقرآن العظيم وهي أم القرآن وهي

فاتحة الكتاب" وأخرجه الدارقطني بلفظ " إذا قرأتم الحمد ل فأقرءوا بسم ال الرحمن الرحيم إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبسم ال الرحمن الرحيم إحدى آياتها" والحديث واضح في أن

البسملة من الفاتحة ولكن اللوسي حاول قلب هذه الدللة الواضحة فقال ما معناه أن الرماد من الرواية الولى أن الحمد ل رب العالمين إلى آخرها سبع آيات كما يقول الحنفية وقوله صلى ال عليه وسلم" بسم ال الرحمن الرحيم إحداهن" أراد به إزالة توهم كونها ليست من القرآن لعدم تعرضه لها وقد جاءت عبارته بأسلوب التشبيه البليغ ومراده أنها كإحدى آياتها في كونها من القرآن وكذلك قوله

في الرواية الخرى" وبسم ال الرحمن الرحيم إحدى آياتها" وأنت ترى أن في هذا الكلم صرفا للعبارة عن ظاهرها وخروجا بالحديث عن دللته الواضحة فالنبي صلى ال عليه وسلم أراد التأكيد على أن البسملة من الفاتحة وقوله " الحمد ل رب العالمين" علم على هذه السورة فما الذي يدعو إلى زعم أن البسملة ليست بآية منها مع هذا التصريح في كلمه عليه أفضل الصلة والسلم بأنها إحدى آياتها وما الداعي لتقدير أداة التشبيه ولو كان المراد التشبيه لذكرت أداته لدفع اللبس فإن

حذفها ل يكون إل مع المن منه وفي هذا ما يكفي المستفيد دللة على طريقة اللوسي في الرد علىخصمه الرازي في هذه المسألة.

ومنها ما رواه الشافعي عن ابن جريج عن أبي مليكه عن أم سلمة أنها قالت:" قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم فاتحة الكتاب فعد " بسم ال الرحمن الرحيم" آية "الحمد ل رب العالمين" آية، "الرحمن الرحيم"آية، "مالك يوم الدين" آية، "إياك نعبد وإياك نستعين"آية، " اهدنا الصراط

المستقيم"آية ، " صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين" آية. وهذا نص صريح وجاء هذا الحديث عند أحمد وأبي داود بلفظ: "سئلت أم سلمة عن قراءة رسول ال صلى ال

عليه وسلم فقالت كان يقطع قراءته آية آية ، بسم ال الرحمن الرحيم، الحمد ل رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين،" وفي لفظ ابن النباري والبيهقي :" كانوا إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول بسم ال الرحمن الرحيم ثم يقف، ثم يقول الحمد ل رب العالمين ثم يقف، ثم يقول الرحمن

الرحيم ثم يقف، ثم يقول مالك يوم الدين" وفي رواية الدارقطني عن ابن أبي مليكه عن أم سلمة رضي ال عنها أيضا أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يقرأ الحمد ل رب العالمين، الرحمن الرحيم،

مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين، فقطعها آية آية، وعدها عد العراب، وعد )بسم ال الرحمن الرحيم(



آية ولم يعد )عليهم(" قال اليعمري: رواته موثقون وأخرجه أيضا ابن خزيمة والحاكم وفي إسناده عمر بن هارون البلخى: ضعفه الحافظ لكنه وثق عند غيره وغاية ما تشبث به اللوسي في

العتراض على هذا الدليل أمران أحدهما عدم ثبوت سماع أبي مليكه عن أم سلمه رضي ال عنها، ثانيهما أن غاية ما في الروايات قراءة النبي صلى ال عليه وسلم البسملة مع الفاتحة وهو دليل

قرآنيتها ل دليل كونها من الفاتحة والجواب عن العتراض الول بأن الذين أعلوا الحديث بالنقطاع كالطحاوي استدلوا برواية الليث عن ابن أبي مليكه عن يعلي بن مالك عن الترمذي من طريق ابن أبي

مليكه عن أم سلمة بل واسطة وصححه ورجحه على السناد الذي فيه يعلي بن مملك ويريد الحافظ بذلك رواية الترمذي للحديث وتصحيحه له في باب فضائل القرآن مع العلم أن الترمذي ذكر في باب

القراءة أن إسناده ليس متصل ولعل التصحيح لجل التصال وعدم التصحيح في الرواية غير المتصلةكما يقول الشوكاني في "نيل الوطار".

والجواب عن العتراض الثاني أن دعوى كون البسملة آية من القرآن بانفراد ليست من الفاتحة محتاجة إلى دليل إذ لو كانت كذلك لبينه رسول ال صلى ال عليه وسلم ومداومته قراءتها مع الفاتحة

باستمرار من غير أن يبين للناس استقللها عنها دليل على أنها جزء منها وهذه الراويات عن أم سلمة تدل على جهر النبي صلى ال عليه وسلم بالبسملة وإل فمن أين لها أن تصف قراءته لها لو

أنه كان يخفيها؟

ومنها حديث أبي هريرة عند النسائي قال نعيم المجمر صليت وراء أبي هريرة فقرأ "بسم ال الرحمن الرحيم" ثم قرأ بأم القرآن- وفيه- ويقول إذا سلم: والذي نفسي بيده إني لشبهكم صلة برسول ال

صلى ال عليه وسلم وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال على شرط البخاري ومسلم وقال البيهقي صحيح السناد وله شواهد وقال أبو بكر الخطيب فيه ثابت صحيح ل يتوجه إليه

تعليل.

ومنها حديث أبي هريرة أيضا عند الدارقطني عن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا قرأ وهو يؤم الناس افتتح ببسم ال الرحمن الرحيم. قال الدارقطني رجال إسناده كلهم ثقات وقال الشوكاني إن في

إسناده عبدال بن عبدال الصبحي روي عن ابن معين توثيقه وتضعيفه.

ومنها حديث علي كرم ال وجهه أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يقرأ بسم ال الرحمن الرحيم في صلته أخرجه الدارقطني وقال هذا إسناد علوي ل بأس به وهو وإن أعله الحافظ بأنه بين ضعيف

ومجهول يعتضد بالروايات الخرى التي في معناه على أن الدارقطني أخرج عنه بإسناد رجاله كلهم ثقات أنه سئل عن السبع المثاني فقال: الحمد ل رب العالمين قيل إنما هي ست فقال بسم ال الرحمن

الرحيم.. وأخرج الدارقطني عنه وعن عمار بن ياسر أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يجهر فيالمكتوبات ببسم ال الرحمن الرحيم وهو مع ضعف إسناده يعتضد متنه ببقية المتون.

ومنها حديث سمرة قال كان للنبي صلى ال عليه وسلم سكتتان. سكتة إذ قرأ بسم ال الرحمن الرحيم وسكتة إذا فرغ من القراءة..فأنكر ذلك عمران بن الحصين فكتبوا إلى أبي بن كعب فكتب أن صدق سمرة. أخرجه الدارقطني بإسناد جيد ول ينافيه ما أخرجه الترمذي وأبو داود وغيرهما عنه بلفظ

سكتة حين يفتتح وسكتة إذا فرغ من السورة لن المبين مقدم على المجمل.



ومنها حديث أنس قال: سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يجهر ببسم ال الرحمن الرحيم أخرجه الحاكم وقال رواته كلهم ثقات. وأخرجه الدارقطني عنه بلفظ: كان النبي صلى ال عليه وسلم يجهر

بالقراءة ببسم ال الرحمن الرحيم وله طريق أخرى عن أنس عند الدارقطني والحاكم بمعناه. ونحوهعن عائشة رضي ال عنها من طرق يشد بعضها بعضا.



ومن العجيب أن يزعم القرطبي أن هذه الروايات ليست فيها حجة لنها أحادية والقرآن ل يثبت بأخبار الحاد وإنما طريقة التواتر القطعي الذي ل يختلف فيه، وقد فات القرطبي أن هذه الروايات إنما هي

حجة تثبت كيفية قراءة النبي صلى ال عليه وسلم لها، وتؤكد من ناحية أخرى حجية قرآنيتها وكونها جزء من سورة الفاتحة أما أصل ثبوت قرآنيتها وكونها من الفاتحة فمن النقل المتواتر لها في

المصاحف التي نقلتها هذه المة جيل بعد جيل مجمعة على صحتها ولو كان ثبوت قرآنية البسملة متوقفا على تواتر أحاديث تروى عن النبي صلى ال عليه وسلم تنص على أنها من الفاتحة أو من القرآن لتوقف ثبوت قرآنية آية آية من أية سورة على مثل ذلك وأني لحد بذلك؟ وإنما ثبتت قرآنية

البسملة بنفس ما ثبتت به قرآنية بقية اليات وهو إثباتها في المصحف المام بإجماع الصحابة رضي ال عنهم وتواتر النقل جيل بعد جيل لكل ما اشتمل عليه ذلك المصحف من سور وآيات بما في ذلك البسملة وأعجب من كلم القرطبي قول ابن العربي:" ويكفيك أنها ليست من القرآن اختلف الناس فيها والقرآن ل يختلف فيه، وهو مقال في منتهى الخطورة لمصادمته الجماع القطعي فإن البسملة

مجمع على أنها جزء آية من سورة النمل ول يصح سلب شيء من سور القرآن صفة القرآنية بحال،ولو جاز أن تسلب آية الكرسي أو غيرها صفة القرآنية في بعض المواضع.

ولعل من أحسن ما قيل في هذا الموضوع ما قاله السيد محمد رشيد رضا في تفسيره "المنار" :إن اختلف الروايات الحادية في السرار بالبسملة والجهر بها قوي، وأما الختلف في كونها من

الفاتحة أو ليست منهل فضعيف جدا جدا، وإن قال به بعض كبار العلماء ذهول عن رسم المصحف المام القطعي للتواتر، والقراءات المتواترة التي ل تصح أن تعارض بروايات آحادية أو بنظريات

جدلية وأصحاب الجدل يجمعون بين الحث والسمين وبين الضدين والنقيضين وصاحب الحق منهم يشتبه بغيره وربما يظهر عليه المبطل بخلبته إذا كان الحن بحجته" وهو كلم نفيس جدا، وقد قال

قبله :" ول يغرن أحدا قول العلماء إن منكر كون البسملة من الفاتحة أو من كل سورة ل يكفر ومثبتها ل يكفر فيظن أن سبب هذا عدم ثبوتها بالدليل القطعي كل إنها ثابتة ولكن منكرها ل يكفر

لتأويله والشبهة تدر أحد الرده" وأنكر على اللوسي دعواه أن ثبوت البسملة بخط المصحف المتواتر دليل على كونها من القرآن دون كونها من الفاتحة وقال: هو من تمحل الجدل فل معنى لكونها آية

مستقلة في القرآن ألحقت بسوره كلها إل واحدة وليست في شيء منها ول في فاتحتها التي اقتدوا بها في بدء كتبهم كلها إنه لقول واه تبطله عباداتهم وسيرتهم وينبذه ذوقهم لول فتنة الروايات والتقليد فتعارض الروايات اغتربه أفراد مستقلون وبالتقليد فتن كثيرون)ول في خلقه شئون( وأبدى السيد

رشيد رضا استغرابه من اضطراب اللوسي في هذه المسألة فقد حكم وجدانه، واستفتى قلبه في بعض فروعها فأفتاه بوجوب قراءة الفاتحة والبسملة في الصلة وخالفه في كونها آية منها وقال ل ينبغي

لمن وقف على الحاديث أن يتوقف في قرآنيتها أو ينكر وجوب قراءتها ويقول بسنيتها فوال لو ملئت لي الرض ذهبا ل أذهب إلى هذا القول وإن أمكنني بفضل ال وتوجيهه كيف وكتب الحديث ملى بما يدل على خلفه وهو الذي صح عندي عن المام- يعنى إمامه أبا حنيفة- وأبدى اللوسي استشكال في

حاشيته على تفسيره ووصفه بأنه إشكال كالجبل العظيم وأجاب عنه بما ل يروي من ظمأ ول يشبع من مسغبة ووجه الشكال أن القرآن ل يثبت بالظن ول ينفي به، فكيف يمكن الجمع بين إثبات

المثبتين ونفي النافين للبسملة وحكى إجابة ارتضاها عن هذا الشكال ملخصها أن حكم البسملة كحكم الحروف المختلف فيها بين القراء السبع فهي قطعية الثبات والنفي معا، ولهذا اختلف القراء فأثبتتها

بعض وأسقطها آخرون وإن اجتمعت المصاحف على الثبات ومثل ذلك بالصراط وميطر فقد قرءا ( فإنه كتب24بالسين ولم يكتبا إل بالصاد وبقوله تعالى )وما هو على الغيب بضنين( )التكوير/



بالضاد وقرئ بها وبالظاء وأطال السيد محمد رشيد رضا في الرد عليه وتفنيد كلمه ومما قاله "إن الشكال الذي نظر إليه المفسر بعيني التقليد العمياوين فرآه كالجبل العظيم هو في نفسه صغير حقير

ضئيل قمئ خفي كالذرة من الهباء أو كالجزء ل يتجزأ من حيث كونه ل يرى ول يثبت إل بطريقة الفرض أو كالعدم المحض، ثم أخذ يجيب عن الشكال الذي فرضه اللوسي وملخص جوابه أنه لم

ينف أحد من القراء كون البسملة من الفاتحة نفيا صريحا تعضده رواية متواترة عن النبي صلى ال عليه وسلم وإنما كل ما يتعلق به النافون شبهة هدم رواية بعض القراء لها وشبهة تعارض الروايات

الحادية السالفة الذكر وثبوتها قطعي بالروايات المتواترة سائر آيات الفاتحة وعدم نقل الثبات للشيء ليس نفيا له رواية ول دراية وقد فرق العلماء بين عدم إثبات الشيء وبين إثبات عدمه كما هو معلوم بالضرورة ولو فرض أنه روى التصريح بالنفي لكان الواجب الجزم ببطلن هذه الرواية ومنشؤه التباس نفي الثبات بإثبات النفي لستحالة كون المتناقضين قطعيين معا ورواية الثبات ل يمكن فيها الطعن كيف وقد عززت بخط المصحف الذي هو بتواتره خطا وتلقينا أقوى من الروايات

القولية وأعصى على التأويل والحتمال ثم رد السيد محمد رشيد رضا على القائلين بأنها آية مستقلة بين كل سورتين للفصل بينهما ما عدا الفصل بين سورتي النفال وبراءة وملخص رده أنه مجرد رأي

أريد به الجمع بين الروايات الحادية الظنية المتعارضة والجمع بغيره مما ل إشكال فيه ممكن فلو كان المراد بها الفصل بين السور لم توضع في أول الفاتحة وهي أول القرآن ترتيبا ولم تحذف من

أول براءة لوجود العلة المقتضية للثبات ثم تعقب الجواب الذي نقله اللوسي وقال: ل يستغرب صدوره ول إقراره ممن يثبت الجمع بين النقيضين المنطقيين ويفتخر بأنه يمكنه توجيه ما يعتقد

بطلنه على أنه جواب عن إشكال غير وارد وبعبارة أخرى ليس جوابا عن إشكال إذ ل إشكال ثم قال عن الخلف بين القراء في مثل السراط والصراط ومسيطر ومصيطر وضنين وظنين إنه ليس خلفا بين النفي والثبات كمسألة البسملة بل هي قراءات ثابتة بالتواتر فأما ضنين وظنين فهما قراءتان

متواترتان- كمالك وملك في الفاتحة- كتبت قراءة الضاد في مصحف أبي وهو الذي وزع في المصار وقرأ بها الجمهور، وقراءة الظاء في مصحف عبدال بن مسعود وقرأ بها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ولكل منهما معنى وليستا من قبيل تسهيل القراءة لقرب المخرج ثم قال عن السراط

والصراط ومسيطر ومصيطر ل فرق بينهما إل تفخيم السين وترقيقه وبكل منهما نطق بعض العرب وثبت به النص فهو من قبيل ما صح من تحقيق الهمزة وتسهيلها ومن المالة وعدمها فل تنافي بين

هذه القراءات فيعد إثبات إحداهما نفيا لمقابلتها كما هو بديهي على أن خط المصحف أقوى الحجج فلوفرضنا تعارض هذه القراءات لكان هو المرجح ولكن ل تعارض ول الحمد.

هذا ما قاله السيد رشيد رضا في هذه المسألة وهو ناتج عن عمق فهمه وتوقد ذكائه ولعل الذين يقولون أن البسملة أنزلت للفصل بين السور يستدلون بما أخرجه أبو داود والحاكم وصححه على شرط الشيخين عن ابن عباس رضي ال عنهما قال: كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يعرف

فصل السورة- وفي رواية انتهاء السورة- حتى ينزل عليه" بسم ال الرحمن الرحيم".

ولكن ليس في الحديث ما يدل على أنها تنزل استقلل للفصل وإنما غاية ما فيه أن كل سورة تنزل كانت تصدر بالبسملة فيستدل بذلك النبي صلى ال عليه وسلم على انتهاء السورة التي قبلها

واستقباله سورة جديدة تنزل بعدها ولو كانت لمجرد الفصل لما أثبتت في أول الفاتحة- كما ذكرناه عنصاحب المنار- لعدم تقدمها بسورة قبلها.

هذا ويرى جماعة من العلماء الجمع بين الروايات الجهر والخفاء بما رواه الطبراني في الكبير



والوسط عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يجهر ببسم ال الرحمن الرحيم وكان المشركون يهزأون بمكاء وتصدية ويقولون محمد يذكر إله اليمامة- وكان

مسيلمة الكذاب يسمى "رحمن"- فأنزل ال تعالى)ول تجهر بصلتك( فتسمع المشركين فيهزءوا بك " ول تخافت بها" عن أصحابك فل تسمعهم....وقد قال في مجمع الزوائد إن رجاله موثقون وقال الحكيم الترمذي فبقي ذلك إلى يومنا هذا على ذكر الرسم وإن زالت العلة واعتمده القرطبي والنيسابوري في الجمع بين الروايات ويرى محمد رشيد رضا أن ترك الجهر كان في أول السلم بمكة وأوائل الهجرة

والجهر فيما بعده وفي نفسي من هذه الرواية ما يجعلني غير واثق من صحتها وذلك لمرين:

أولهما أن مسيلمة الكذاب لم يشتهر قبل الهجرة ول في أوائلها وإنما اشتهر بالتنبؤ بعد ذلك وعندئذ لقب برحمن اليمامة فيبعد أن يستخف المشركون بمكة المكرمة بقراءة النبي صلى ال عليه وسلم

عندما يسمعونه يذكر الرحمن معلقين عليه بأنه يقصد مسيلمة.

ثانيهما: لو كان صنيع المشركين هذا داعيا إلى إخفاء البسملة لئل يسمعوا اسم "الرحمن" فيهزءوا به لكان ذلك يستدعي إخفاء هذا السم في كل آية من الكتاب بما في ذلك قول الحق تعالى في الفاتحة "الرحمن الرحيم" ولم يذكر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه كان يتجنب إعلن اسم الرحمن خشية

استخفاف المشركين على أن هذا السم الكريم كثيرا ما كان يرد في القرآن المكي كقوله تعالى في سورة السراء: )قل ادعوا ال أو ادعوا الرحمن( وقوله في "طه" )الرحمن على العرش استوى( ،59وقوله في الفرقان) فاسأل به خبيرا وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان ( )الفرقان/

(.2، 1( وقوله في سورة الرحمن )الرحمان علم القرآن( )الرحمن/60

وإذا اتضح لك أن الراجح كون البسملة آية من الفاتحة ومن سائر السور إل براءة ووجوب تلوتها في الصلة مع الجهر بها في القراءة الجهرية فاعلم أنه لم يقل أحد من أصحابنا ول من غيرهم بتكفير

أو تفسيق المخالف في هذه المسألة، والذين يقولون بخلف قولنا يتفقون معنا على عدم تكفير أو تفسيق من يخالفهم اللهم إل ما ذكر عن أبي بكر الرازي من أن أقل ما في المسألة تفسيق المخالف

وقد رد عليه العلمة أبو مسلم رحمة ال في " نثاره" بما يكفي حجة للمستبصر.

من فوائد افتتاح العمال باسم ال



والفتتاح ببسم ال الرحمن الرحيم فيه تعليم للناس بأن يفتتحوا أعمالهم ببسم ال،وهذا يعنى أن تكون أفعالهم في حدود شرع ال ل تتجاوزه فتبقى دائرة في حدود الواجب والمندوب والمباح، كما أن يقصد

بها وجه ال سبحانه، والعبد عندما يفتتح أي عمل باسم ال يشعر أن عمله محكوم بشرع ال فليس له أن يتصرف كما يملى عليه هواه، وقد شهر عند الناس الفتتاح بأسماء الشخاص والمؤسسات أو

الشخاص المذكورة أسماؤهم، والمسلم عندما يفتتح باسم ال يلعن شرعيه عمله وهذا يتضح في مشروعة ذكر اسم ال عند ذبح، لن ذبح الحيوان إيلم له وهو قبيح في العقل ، لول أن ال سبحانه

خالق الحيوان ومالكه أباح في شرعه ذبح بعض الحيوانات والنتفاع بلحومها،فالذابح عندما يذكر اسم ال يلعن أن ذبحه لم يكن تعديا من قبل نفسه وإنما هو بقتضى الباحة الشرعية ممن خلقه وخلق

ذلك الحيوان.

مباحث العلماء في البسملة



وفي قول الحق سبحانه)بسم ال الرحمن الرحيم( مباحث كثيرة عني بها المفسرون في تفاسيرهم بحسب اختلفهم في العلوم التي يعنون بها، فالنحويون تهمهم المباحث العرابية، والبلغيون يعتنون بالمباحث البيانية، والفقهاء يعتنون بمسائل الفقه، وأول ما بدئ به " الباء" وهي تأتي لمعان ليست

كلها سائغة هنا وإنما يسوغ منها معنيات وهما الستعانة والمصاحبة ..أما الستعانة فقد رجحها طائفة من المفسرين والنحويين منهم الزمخشري وعولوا على مجموعة من الحجج منها حديث"

باسم ال الذي ل يضر مع أسمه شئ "، وتكلف اللوسي رد جميع حجج هؤلء حجة حجة والنتصار لقول الفريق الول ولست أجد كبير فائدة في هذا الختلف حتى أبحث ما هو الراجح من الرأيين؟

ولنما أتعجب من القرطبي في زعمه أن الباء للقسم، وأن المقسم عليه أن كل ما جاءت به السورة التي تلي البسملة هو حق من عند ال, وأعجب منه نسبة القرطبي هذا القول إلى العلماء مع أنه نفسه

حكى الختلف في متعلق الباء هل هو خاص أو عام وهو مما ينافي كونها للقسم على أنه يتبادر للنسان حالما يتلو بسم ال الرحمن الرحيم أن المراد بها غير القسم، وحاصل الختلف في متعلق

الباء أن بعض العلماء يراه خاصا توحى به قرائن الحوال فالقارئ عندما يتلو " بسم ال " يقصد أقرأ باسم ال, والذابح يقصد كذلك اذبح باسم ال والداخل يقصد أدخله باسمه والخارج يقصد أخرج

باسمه, وهكذا في الكتاب, والمسافر, وكل من يعمل عمل يبتدئه باسم ال تعالى وبعضهم يراه عاما ويقدره" أبتدئ" سواء في القراءة أو الكتابة أو الذبح أو أي شيء آخر، والذين يقدرونه خاصا

يستدلون له بالتصريح به في قول ال تعالى:- )اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق النسان من علق( ( وأنت ترى أن كل الوجهين ينافيان ما ذكره القرطبي من أن الباء للقسم، ولو كانت للقسم2)العلق/

لقدر المتعلق إما أقسم أو أحلف, ولم يذكر شيئا من ذلك القرطبي، ولم ينسبه إلى أحد، ومن العلماء من يرى أن المتعلق فعل أمر تقديره أقرأ وهو خطاب موجه إلى النبي صلى ال عليه وسلم وإلى كل قارئ والظاهر من كلم المام ابن جرير أنه يميل إلى هذا الرأي فقد ذكر بعد إيراده عن ابن عباس

رشي ال عنهما أن أول ما نزل به جبريل على النبي صلى ال عليه وسلم الستعاذة والبسملة وهذا يفهم منه أن مراده اقرأ باسم ال والختلف في جعل المتعلق خاصا أو عاما يرجع إلى الختلف في

وجهات نظر العلماء المختلفين فالذين قدروه خاصا راعوا ضرورة استحضار العمل الذي يقترن البدء فيه بالبسملة ويقول ابن جرير:-" إن ذلك يجري مجرى الشياء التي تعرف من غير أن تذكر كقول

القائل:- خبزا في جواب ماذا أكلت؟ فإنه يعلم بالضرورة أن مراده أكلت خبزا وكقول المهنئين بالزواج: "بالرفاء والبنين" فإن المراد واضح وهو تزوجت أو اقترنت بالرفاء والبنين وكذلك عندما يقرأ القارئ ويتلو "بسم ال" يعرف بالضرورة أن مراده باسم ال أقرأ وعندما يصنع الصانع ويتلو "بسم ال" يعلم بالضرورة أن مراده باسم ال أصنع...وهكذا، والذين قدروه عاما نظروا إلى مجيء

البسملة في أول القوال والفعال وجعلوه دليل على أن المراد التبرك بها في الفتتاح وللفريقين نقاشطويل وبحوث واسعة ل نجد جدوى في إيرادها هنا.

ومما كثر الخلف فيه السم والمسمى هل هما شيء واحد أو شيئان؟ وقبل التعرض لخلفهم يجدر بناأن نحدد معنى السم.

ويرى ابن سيده أن السم هو اللفظ الموضوع على الجوهر أو العرض ويقول الراغب هو ما يعرف به ذات الشيء وأصله ويرى أبو حيان أن السم هو اللفظ الذي يدل بمقتضى الوضع على موجود في

العيان إن كان محسوسا وفي الذهان إن كان معقول من غير أن يقترن جوهره بزمان ويرى السيد رشيد رضا أن السم هو اللفظ الذي يدل على ذات من الذوات كحجر وخشب وزيد أو معنى من



المعاني كالعلم والفرح، وتخصيص ابن سيده للسم بما وضع على الجواهر والعراض يمنع من شمول تعريفه لسماء ال الحسنى لن ذات ال تعالى ليست جوهرا ول عرضا وكذلك تعريف الراغب

لـه بأنه ما يعرف به ذات الشيء وأصله ل يصح اعتباره منطبقا على أسماء ال- وهي حقيقته الخاصة- ل يعرفها أحد من خلقه كما هي وإنما غاية ما يمكن التوصل إليه معرفة صفاتها أما تعريف

أبي حيان والسيد رشيد رضا فهما خاليان من العتراض ومن خلل تأملنا لجميع هذه التعريفات يمكننا أن ندرك أن السم هو غير المسمى ذلك لن السم لفظ يدل نطقا أو كتابة على المسمى

والمسمى حقيقة سواء أكانت محسوسة أم معقولة ومما يؤسف له أن كثيرا من العلماء أضاعوا جهودهم في بحث هذه المسألة ورد بعضهم على بعض بما ل طائل تحته وقد تعجب المام أبو حيان

من هذا الختلف وهو جدير بأن يتعجب منه ولول خشية اللبس لضربت صفحا عن بحث هذه المسألة من أصلها وإليك من تلخيصها وتحريرها ما يكفيك دليل لتستبصر في مثل هذه المقامات التي كثيرا ما

تنزلق فيها الفهام.

ل ريب أنك تدرك أنك إذا أدرت لسانك على ذكر اسم شيء ل يحضر ذلك الشيء بعينه فلو ذكرت زيدا أو محمدا أو عامرا أو سعيدا لحصل لك ذكر السم دون المسمى وإل للزم أن تروى غلتك إذا ذكرت اسم ماء بلسانك وأنت ظمآن وأن تحترق لسانك بمجرد ذكرك لسم النار ومع ظهور ذلك بداهة فغن

جماعة من العلماء أصروا على أن السم هو عين المسمى ومن هؤلء ابن الحصار والقرطبي واللوسي ونسبه الرازي إلى الشعرية والكرامية والحشوية ولم يكتفوا بالوقوف عند هذا الحد بل

أخذوا يشنعون على مخالفيهم فالقرطبي ينسب قولهم إلى أهل الحق ومفهومه أن قول مخالفيهم هو قول أهل الباطل، بل صرح ابن الحصار بأن القول الخر هو قول أهل البدعة، ولم يأل اللوسي جهدا في النتصار لقولهم هذا مستندا إلى فلسفات متنوعة ليست من القرآن ول من السنة في شيء وفي

مقابل هؤلء نجد المام ابن جرير الطبري والفخر الرازي وابن القيم والسيد محمد رشيد رضا يخالفونهم تمام المخالفة ويعدون القول بأن السم هو عين المسمى من الخطاء التي أوقع أصحابها فيها قلة فهمهم لمقاصد النصوص ولقطب الئمة رحمه ال كلم في )هيميانه( يفيد تعذر كون السم هو المسمى وحمل كلم أصحابنا بأن أسماء ال هي ذاته على أن مرادهم بذلك مدلول أسمائه ونحوه ما أفاده نور الدين السالمي رحمه ال في مشارقه ومنشأ اللبس الذي سبب الخلف أن القائلين بأن

السم هو عين المسمى رأوا أن ال تعالى أمر بذكره وتسبيحه في آيات من الكتاب وبكر اسم وتسبيح ( .. )واذكر اسم8اسمه في آيات أخرى فقد قال عز وجل: )واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيل( )المزمل/

(.. )فكلوا مما40( .. ) ومساجد يذكر فيها اسم ال كثيرا ( )الحج/25ربك بكرة وأصيل( )النسان/ (.. )وما لكم أل تأكلوا مما ذكر اسم ال عليه118ذكر اسم ال عليه إن كنتم بآياته مؤمنين( )النعام/

وقد فصل لكم ما حرم عليكم إل ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو (.. )والبدن جعلناها لكم من شعائر ال لكم فيها خير فاذكروا اسم ال119أعلم بالمعتدين( )النعام/

عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم (..وقال سبحانه: )ياأيها الذين آمنوا اذكروا ال ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيل36تشكرون( )الحج/

(.. )ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضل من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا42، 41( )الحزاب/ (.. )فإذا198ال عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين( )البقرة/

قضيتم مناسككم فاذكروا ال كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما ( .. )إن الدين عند ال السلم وما اختلف الذين أوتوا الكتاب200له في الخرة من خلق( )البقرة/

( ..19إل من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات ال فإن ال سريع الحساب( )آل عمران/



)فإذا قضيتم الصلة فاذكروا ال قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلة إن الصلة (.. ونحوه قوله في التسبيح: )قال إن كنت جئت بآية103كانت على المؤمنين كتابا موقوتا( )النساء/ ( ..1(..وقوله: )سبح اسم ربك العلى( )العلى/206فأت بها إن كنت من الصادقين( )العراف/

(.. )ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة74)فسبح باسم ربك العظيم( )الواقعة/ ( وقال14عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك ال أحسن الخالقين( )المؤمنون/

( .. )تبارك اسم ربك ذي1تعالى)تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا( )الفرقان/ ( .. وقد دعاهم هذا إلى الجمع بين هذه اليات بأن يجعلوا السم عين78الجلل والكرام( )الرحمن/

المسمى وأن يجعلوا ذكر ال وتسبيحه وذكر اسمه وتسبيح اسمه واحدا لن اسمه عين ذاته والصواب- كما يقول صاحب المنار- أن الذكر في اللغة ضد النسيان وهو ذكر القلب ولذلك قرنه ال

بالتفكير في سورة آل عمران حيث قال: )الذين يذكرون ال قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والرض..( وقال: )إل أن يشاء ال واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي

( كما يطلق الذكر على النطق باللسان لنه دليل على ذكر القلب24لقرب من هذا رشدا( )الكهف/ وعنوان له وذكر اللسان للسم دون المسمى كما هو الشأن في سائر السماء فإذا قال قائل نار، ل تقع

النار على لسانه فتحرقه وإذا قال الظمآن ماء ل يجري الماء على فيه فيروي ظمأه- كما ذكرنا من قبل- فالمراد من ذكر ال بالقلب تذكر جلله وعظمته وكبريائه ونعمه والمراد من ذكره باللسان ذكر

أسمائه الحسنى وإسناد الحمد والشكر والثناء إليها وهكذا يقال في التسبيح فالقلب واللسان يشتركان في التسبيح وإنما تسبيح القلب اعتقاد كما لـه وتنزهه عن كل ما ل يليق بعظمته وكبريائه وتسبيح اللسان إضافة التسبيح إلى أسمائه ولو لم ينطق بكلمة اسم ويدل على ذلك ما أخرجه المام الربيع

رحمه ال عن أبي عبيده عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي ال عنهم أنه لما نزل قول ال ( قال النبي صلى ال عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم"74تعالى)فسبح باسم ربك العظيم( )الواقعة/

ولما نزل قوله: )سبح اسم ربك العلى( قال:" اجعلوها في سجودكم" ورواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حيان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن عقبة بن عامر رضي ال عنه وروى أحمد

وأصحاب السنن الربعة وصححه الترمذي عن حذيفة رضي ال عنه قال: صليت مع النبي صلى ال عليه وسلم فكان يقول في ركوعه" سبحان ربي العظيم" وفي سجوده "سبحان ربي العلى" فظهر من هذا كله أن السم غير المسمى وأن ذكر كل منهما مشروع والفرق بينهما ظاهر وكذلك يقال في

التسبيح والتبارك فكما يعظم الحق سبحانه يعظم اسمه الكريم فل يذكر إل مقرونا بالحمد والشكر والثناء والتقديس وقد صرحوا أن تعمد إهانة أسماء ال تعالى في اللفظ والكتابة كفر لنه ل يمكن أن

يصدر ذلك من مؤمن.

هذا ملخص تحرير صاحب المنار لهذه المسألة وهو في منتهى الوضوح وفي غاية التحقيق.

ومما تعلق به القائلون بأن السم عين المسمى قول لبيد:



فقد قال القرطبي: استدل علماؤنا بقول لبيد هذا على أن السم هو المسمى واستدل أبو عبيده معمر بن مثنى بالبيت على أن اسم صلة زائدة أقحمت في بسم ال الرحمن الرحيم وأن الصل بال الرحمن

الرحيم وهو كلم مردود فإن اعتبار شيء من كلمات القرآن مقحما أمر ل يخلو من سوء أدب مع كلمال تعالى أما البيت فقد أجاب عنه ابن جرير بجوابين:

أولهما أن مراد لبيد به: عليكما اسم ال أي ألزماه فقدم المفعول على اسم الفعل فرفعه كما هيالقاعدة أل ينصب اسم الفعل المفعول به وإن تقدمه.

ثانيهما: أن مراده بقوله: ثم اسم السلم عليكما ثم بركة اسم السلم عليكما، كما يقال في ما يقصد تعويذه اسم ال عليه والقول باتحاد السم والمسمى نسبه غير واحد إلى سيبويه من أئمة اللغة

العربية وخطأ صاحب المنار هذه النسبة معول على ما قاله ابن القيم في )بدائع الفوائد( ما قال نحوي قط ول عربي أن السم عين المسمى وللفخر الرازي في تفسيره نقاش طويل يدحض به شبه القائلين

باتحادهما نرى الستغناء عنه بما ذكرناه.

وكلمة اسم على وزن فعل حسب أصلها وأصلها عند البصريين سمو مأخوذة من السمو لن السم يعلو مسماه بكونه عنوانا له ودليل عليه وقيل لن صاحبه بمنزلة المرتفع به، وقيل بأن السم يسمو

بالمسمى فيرفعه عن غيره وأصله عند الكوفيين وسم مأخوذة من السمة وهي العلمة لن السم علمة لمن وضع له، وعلى الرأي الول هو محذوف اللم على وزن إفع سكنت فاؤه فاجتلبت له همزة الوصل في ابتداء الكلم وعلى الثاني هو واوي الفاء حذفت فاؤه فاجتلبت له همزة الوصل ووزنه إعل ويدل للول تصريفه فإنه يصغر على سمي ل على وسيم ويجمع على أسماء ل على

أوسام والتصريف يرد الكلمات إلى أصولها وإنما كانت نظرة الكوفيين مبنية على أن المراد من وضع السماء للمسميات أن تكون علمة ودليل عليها ولم ينظروا إلى تصريف الكلمة بينما البصريون

عولوا على التصريف مع نظرهم إلى أن السم يظهر بمسماه والظهور هو في حقيقته سمو وارتفاع.

وفي إضافة اسم إلى لفظ الجللة خلف هل هي للعهد أو للجنس الذي يحمل على الستغراق؟ وهو مبني على أن الضافة تأتي لما تأتي له أل من المعاني وعلى الول فالمقصود اسم معهود من أسماء

ال والجدر أن يكون اسم الجللة لشيوعه وذيوعه وعلى الثاني فالمراد الفتتاح بجميع أسماء ال الحسنى والولى أن تكون الضافة هنا للبيان ووصف اسم الجللة هنا الرحمن الرحيم يؤكد ذلك،

وإنما كان الفتتاح باسم الجللة دون غيره لن جميع السماء تابعة له فلذلك يوصف بها ل توصف به، وفي افتتاح الكلم باسمه تعالى تفخيم له وتعظيم من شأنه وهذا مما جرت به العادة عند الناس

كما أشرنا من قبل فهم عندما يريدون أن يفتتحوا مشروعا جديرا بالعناية يفتتحونه باسم شخصمشهور كسلطان أو أمير أو باسم مؤسسة ذات شأن..

ويعني ذلك أنه لول صاحب السم لم يفتتح المشروع وبما أن القرآن الكريم جاء لتطهير العقيدة من جميع أدران الشرك ولوثات الزيغ فإنه علمنا كيف نخص اسم ال الرحمن الرحيم في افتتاح القوال

والعمال وهذا لن العبد عندما يقول )بسم ال الرحمن الرحيم( يعلن براءته من الحلول والطول وعدم قدرته على أي عمل إل بعون ال كما يعلن أن قيمة العمل تكون يقدر الخلص ل سبحانه وفي



الفتتاح باسمه تعالى إضفاء صفة الشرعية على العمل المفتتح ومن ثم قال العلماء "إن العمال غير الشرعية ل تفتتح باسم ال ولجل ذلك كرهوا افتتاح دواوين الشعار بالبسملة لما يكون فيها من

المجون والقوال المجانية للحق فالشعراء هم كما وصفهم ال بقوله: )والشعراء يتبعهم الغاوون ألم ترى أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما ل يفعلون إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا

،224ال كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون( )الشعراء/ ( وفي هذا الستثناء ما يدل على أن الشعر إن كان خالصا من الشوائب بعيدا عن المنكرات ل227

يمنع من افتتاح ديوانه بالبسملة.

)ال( اسم خالص ل يطلق إل على رب العالمين وقالوا في تعريفه: هو علم على ذات واجب المستحق لجميع المحامد لذاته واختلف في أصله فالجمهور يرون أن أصله إله فحذفت الهمزة وعوض عنها اللف واللم وأدغمت اللم في اللم ثم فخمت ولجل أن اللف واللم للتعويض اجتمعتا مع حرف

النداء ول تجتمع أداة التعريف في غير هذا السم مع يا إل مقرونة بأي، وأصل إله أله بمعنى عبد عند ابن جرير وجماعة من علماء العربية والتفسير وعضده ابن جرير بما رواه عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه قرأ)وقال المل من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الرض ويذرك وآلهتك قال

( وفسره بمعنى عبادتك وذكر127سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون( )العراف/ علماء العربية أن أله كعبد وزنا ومعنى يقال أله إلهة وألوهة وألوهية كعبد عبادة وعبودية وعبودة وقيل أصله أله على وزن سمع بمعنى تحير لن العقول تتحير في معرفة سبحانه ويرد على هذا أن الصل في الشتقاق أن يكون لمعنى في المشتق والحيرة إنما هي العبادة وقبل أصله من أله بمعنى فزع لن الخلق يفزعون إلى ال سبحانه)قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ول يجار عليه إن

( وقيل من أله بمعنى سكن لن النفوس تسكن إليه تعالى )الذين آمنوا88كنتم تعلمون( )المؤمنون/ ( وقيل هو مأخوذ من وله بمعنى28وتطمئن قلوبهم بذكر ال أل بذكر ال تطمئن القلوب( )الرعد/

تحير فيكون على هذا أصل إله وله وإنما أبدلت الهمزة واوا كما قيل في وشاح إشاح وقيل غير ذلك وهذه القوال كلها مبنية على التخمين الذي ل يشفي غليل والظاهر أن اسم الجللة غير مشتق

واللف واللم فيه لستا للتعريف فإن هذا السم الكريم هو أعرف المعارف فليس بحاجة إلى أن تجتلب لـه أداة تعريف والقول بعدم اشتقاقه محكي عن الخليل بن أحمد الفراهيدي مع حكاية القول الخر عنه

وذكر بعض المؤلفين أن الخليل رؤى في المنام بعد موته فقيل له ما فعل ال بك فقال رحمني بقولي إن اسم الجللة غير مشتق ولبن مالك النحوي الشهير في المقام تحرير" ما أظن أن شبهة تبقى معه

لمدعى اشتقاق هذا السم الكريم وأن أصله إله وحاصل ما يقوله أن يكفي في رد دعوى القائلين بالشتقاق أنهم ادعوا ما ل دليل عليه لن ال والله مختلفان لفظا ومعنى أما لفظا فلن ال عينه

حرف علة والله صحيح العين واللم وإنما فاؤه همزة فهما من مادتين وردهما إلى أصل واحد تحكم من سوء التصريف وأما معنى فلن ال لم يطلق في جاهلية ول إسلم على غير الحق تبارك وتعالى وأما الله فأصل وضعه لمطلق المعبود ولكنه خص بالمعبود بحق ومن قال أصله الله ل يخلو من

أمرين إما أن يقول أن حذف الهمزة كان ابتداء ثم أدغمت اللم أو يقول إن حركتها أزيلت وألقيت إلى اللم قبلها ثم حذفت على القياس والمران باطلن أما الول فبطلنه لجل دعوى حذف الفاء بل سبب ول مشابهة ذي سبب من اسم ثلثي ول يصح أن يقاس هذا الحذف على الحذف في يد وما شابهه لن الحذف في باب يد في الواخر ويترخص فيها مال يترخص في فاء الكلمة ثم ل يقاس على الحذف في

باب عدة لن الحذف فيه محمول على الحذف في المضارع من بابه وهو يعد ول على رقة بمعنى ورق لمشابهته عدة وزنا وإعلل ولول أنه بمعناه للحق بباب لثه وهو الثنائي المحذوف اللم وأما



)ناس( فليس أصله أناس فالناس من نوس والناس من النس ولو سلم أن أصلهما واحد فالحملعليه زيادة في الشذوذ وكثرة مخالفة الصل بل داع.

وأما الثاني فبطلنه لستلزامه مخالفة الصل من وجوه أحدها نقل حركة بين كلمتين على سبيل اللزوم ول نظير له )الثاني( نقل حركة همزة إلى مثل ما بعدها وهو يوجب اجتماع مثلين متحركين وهو أثقل من تحقيق الهمزة بعد ساكن، )الثالث( الرجوع إلى تسكين المنقول إليه الحركة وهو يبطل النقل لنه

يعود عمل كل عمل وهو مستقبح في كلمة فكيف بالكلمتين، )الرابع( إدغام المنقول إليه في ما بعد الهمزة وهو مجانب للقياس لن الهمزة المنقولة الحركة في تقدير الثبوت فإدغام ما قبلها في ما بعدها

كإدغام أحد المنفصلين وقد اعتبر أبو عمروا في الدغام الكبير الفصل بواجب الحذف كالياء في نحو)يبتغ غير( فلم يدغم.

فاعتبار غير واجب الحذف أولى والذين يزعمون أن أصله إله يقولون: إن اللف واللم عض منالهمزة ويرده أن المعوض والمعوض عنه ل يحذفان معا وقد حذفت اللف واللم في قول الشاعر:

وقالوا: )لهي أبوك( فحذ فوا لم الجر واللف واللم وقدموا الهاء وسكنوها فصارت اللف ياء وهذا يدل أن اللف كانت منقلبة لتحركها وانفتاح ما قبلها فلما وليت ساكنا عادت إلى أصلها وفتحتها بناء وسبب البناء تضمن معنى التعريف عند أبي علي ومهنى حرف التعجب إذ لم يقع في غيره وإن لم

يوضع له حرف عند ابن مالك هذا ملخص كلمه وهو في منتهى الجودة ولكن لعل خصومه يجدون ( حجة83في قول ال تعالى: )ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا( )الكهف/

يستندون إليها في حكم الثابت سواء كان واجب الحذف أو جائزه فإن كثيرا من أئمة التفسير والعربية نصوا على أن الصل )لكن أنا هو ال ربي( فحذفت ألف أنا وأدغمت نون لكن في نونها وممن نص على ذلك ابن جرير والزمخشري غير أن لبن مالك أن يقول كما يقول أبو حيان في )البحر المحيط(

بأن ذلك غير متعين لمكان أن تكون )لكن( مشددة هنا وحذف اسمها وهو ضمير المتكلم أي )لكنن أناهو ال ربي( كما حذف اسمها ضميرا في قول الشاعر:

فأصله )لكنني( وفي قول الخر:-

على رفع زنجي وتقديره )ولكنك زنجي(.



واختلفوا في الفرق بين الله وال فالسيد السند يرى أنهما علم لذاته تعالى، ولكن إله يطلق على غيره تعالى، وال ل يطلق على غيره سبحانه أصل وقال السعد : "إن الله اسم لمفهوم كلى هو

المعبود بحق وال علم لذاته وقال الرضى هما قبل الدغام وبعده مختصان بذاته تعالى ل يطلقان على غيره أصل إل أنه قبل الدغام من العلم الغالبة وبعده من العلم الخاصة، وأنت تدري أنه إذا أطلق

اسم الجللة لم يتبادر إلى ذهن أي حد من أي ملة كان إل أن المراد به الحي الدائم خالق كل شيء وأما الله فهو يطلق على المعبود وإنما خص في السلم بالمعبود بالحق سبحانه وتعالى، ولذلك إذا

أطلقه غير المسلم قد يتبادر أن المراد به غير ال تعالى وال سبحانه قد حكى في كتابه عن المشركين ( وقولهم)كاد6قولهم)وانطلق المل منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد( )ص/

ليضلنا عن آلهتنا لول أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيل( )الفرقان/ ( ولم يحك عنهم ما يدل على أنهم يطلقون اسم الجللة على غيره تعالى بل حكى عنهم ما يدل42

على أنهم يخصونه به سبحانه فقد قال تعالى: )ولئن سألتهم من خلق السماوات والرض ليقولن ال ( وفي هذا ما يدل على اختلف مفهوم الكلمتين عندهم25قل الحمد ل بل أكثرهم ل يعلمون( )لقمان/

فالله هو المعبود وال هو الخالق القادر على كل شيء وإنما انحصر معنى الله عند المسلمين في ال سبحانه لنه المعبود بحق وكل ما يعبد سواه فهو معبود بباطل وبهذا يتضح أن الله معناه كلي

ينحصر في فرد ولو لم يكن كذلك لما كان قول الموحد "ل إله إل ال" توحيدا إذا لو كان المعنى المتبادر من اللفظين واحدا من أول المر لكان ذلك بمثابة قول القائل " ل إله إل إله" وفي هذا ما

يؤيد رأي ابن مالك في أن كل واحد من اللفظين مستقل وضعا.

ومن أغرب ما قيل أن هذا السم الكريم ليس بعربي الصل وهو رأي ل يلتفت إليه ولعل من قال به حيره ائتلف العلماء فيه هل هو مشتق أو غير مشتق؟ وما هو أصل اشتقاقه فلم يستطع أن يخلص

من ذلك إل إلى القول بأنه أعجمي الصل.

وأما علمية هذا السم فقد استدل عليها بوجوه:-

أولها: أنه يوصف ول يوصف به قال ال تعالى: )ال ل إله إل هو الحي القيوم ل تأخذه سنة ول نوم له ما في السماوات وما في الرض من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ول

يحيطون بشيء من علمه إل بما شاء وسع كرسيه السماوات والرض ول يئوده حفظهما وهو العلي ( وقال: )هو ال الذي ل إله إل هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمان الرحيم هو255العظيم( )البقرة/

ال الذي ل إله إل هو الملك القدوس السلم المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان ال عما يشركون هو ال الخالق البارئ المصور له السماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والرض وهو

( وأما قراءة)الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى24، 22العزيز الحكيم( )الحشر/ ( في سورة إبراهيم بالجر فمحمولة على1النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد( )إبراهيم/

البيان.

ثانيها: أنه ل بد له من اسم تجري عليه صفاته فإن كل ما تتوجه إليه الذهان ويحتاج إلى التعبير عنه قد وضع لـه اسم سواء كان توقيفيا أو اصطلحيا فمن المستحيل أن يهمل الخالق تعالى الذي هو

مصدر الشياء جميعا فل يكون له اسم يجري عليه ما يعزى إليه وأسماء غيره ل تصلح لـه لنفراده تعالى بكونه واجب الوجود لذاته غير مماثل لشيء من مخلوقاته ول يصح أن يكون اسم جنس معرفا



لنه غير خاص وضعا وكذلك ل يصح أن يكون علما منقول من الوصفية لنه يستدعي أن ل يكون فيالصل مما تجري عليه الصفات.

ثالثها: أنه لو كان وصفا لجاز اتصاف غيره بأصل ذلك الوصف ولو مجازا إن كان من الصفات التي تجري على المخلوقين كالعلم والقدرة والمشيئة والحياة والسمع والبصر وذلك يمنع الكتفاء به في

التوحيد نحو )ل إله إل العالم القدير السميع العليم( لمكان أن يراد غير ال تعالى بهذه الصفات لعدمتعذر إطلقها على غير بخلف اسم الجللة لختصاصه به سبحانه.

ولسبب اختصاص ال تعالى بهذا السم الكريم وكونه علما على ذاته صرف جميع خلقه عن التسمي به, ولم تحدث أحدا نفسه- وإن كان من أعتى العتاه- أن يتسمى به أو يتسمى به غيره, فلو سئل أحد من أهل الجاهلية: هل اللت هي ال؟ أو العزى أو مناة؟ لنكر ذلك , ومن ثم قال غير واحد من أئمة

التفسير وغيرهم إن هذا السم هو المراد في قوله سبحانه: )رب السماوات والرض وما بينهما ( أما الله فلم يكن الناس في جاهليتهم يتورعون65فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا( )مريم/

من وصف غير ال به, لن أصله لمطلق المعبود, والسلم حصره في المعبود بحق كما ذكرنا فمن وصف به أي شئ غير ال تعالى فقد جعل ال ندا, ولذلك أنكر القرآن تسمية المشركين أصنامهم آلهة, ويرى السيد محمد رشيد رضا أنه أنكر عليهم تأليهها وعبادتها ل مجرد تسميتها، فقد سماها هو آلهة

في قوله: )وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون ال من ( قال ول يظهر في هذه الية قصد101شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب( )هود/

الحكاية, وفي كلمه هذا نظر فإن الله لو لم يمنع شرعا إطلقه على غير ال لما كان قول" ل إله إل ال" توحيدا، ونجد في القرآن الكريم النكار الذي يلي النكار على من يصف غير ال باللوهية وقد

تكرر ذلك في سورة النمل قال تعالى: )أمن خلق السماوات والرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا ( )أمن60به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أئله مع ال بل هم قوم يعدلون( )النمل/

يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الرض أئله مع ال قليل ما تذكرون( )النمل/ ( )أمن جعل الرض قرارا وجعل خللها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أئله62

( )أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والرض61مع ال بل أكثرهم ل يعلمون( )النمل/ ( وأما قوله: )وما ظلمناهم ولكن ظلموا64أئله مع ال قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين( )النمل/

أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون ال من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير ( فليس فيه ما يدل على إقرار هذه التسمية لنه مسوق مساق التهكم والستخفاف101تتبيب( )هود/

بهم، وهؤلء المشركون وإن استباحوا عبادة هذه الشياء فإنما يعتبرون العبادة وسيلة إلى ال فإنهم يقولون: )أل ل الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إل ليقربونا إلى ال زلفى إن

( أما لو سئلوا هل3ال يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن ال ل يهدي من هو كاذب كفار( )الزمر/ خلق شئ من هذه الصنام التي يعبدونها شيئا من هذه الكائنات لجابوا بالنفي, بدليل قوله تعالى : (25)ولئن سألتهم من خلق السماوات والرض ليقولن ال قل الحمد ل بل أكثرهم ل يعلمون( )لقمان/

.

) الرحمن الرحيم(



) الرحمن الرحيم( صفتان ل تعالى اشتقاقهما من الرحمة وهي انفعال نفسي يحمل صاحبه على الحسان إلى غيره وهو محال على ال بحسب المعنى المعروف في البشر لنه في البشر ألم يلم

بالنفس ل يشفيه إل الحسان وال تعالى منزه عن اللم والنفعالت وإنما يحمل وصف ال تعالى الرحمة على أثرها وهو الحسان ومثل هذا مألوف عند العرب وكون صفتي "الرحمن الرحيم"

مشتقين من الرحمة هو رأي الجمهور وذهب بعضهم إلى أن "الرحمن" اسم وليس بصفة وأنه غير مشتق لنه لو كان مشتقا من الرحمة لجاز اتصاله بالمرحوم فيقال: ال رحمن بعباده كما يقال رحيم

بعباده وأيضا لو كان مشتقا من الرحمة لم تنكره العرب حين سمعته إذ لم يكونوا ينكرون رحمة ربهم، وقد قال ال عنهم: )وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان أنسجد لما تأمرنا وزادهم

( واستدل ابن العربي بقولهم "وما الرحمن" ولم يقولوا ومن الرحمن على أنهم60نفورا( )الفرقان/ جهلوا الصفة دون الموصوف واعترضه ابن الحصار محتجا معليه بقوله تعالى: )كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمان قل هو ربي ل إله إل

( ويؤيد رأي الجمهور ما رواه الترمذي وصححه عن عبد30هو عليه توكلت وإليه متاب( )الرعد/ الرحمن بن عوف أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول)قال ال عز وجل أنا الرحمن خلقت

الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته( وليس في عدم اتصاله بذكر المرحوم ما يدل على عدم الشتقاق فإنه استلل سلبي في مقابلة الدليل الثبوتي وإنكار العرب

للرحمن ناشئ عن تعنتهم في الكفر وإصرارهم على التكذيب وإل فقد كانوا غير جاهلين به كيف! وقدورد في أشعارهم كما ذكره ابن جرير ومنه قول أحد الجاهلية الجهلء:

وقول سلمة بن جندب الطهوي:-

ومما يستغرب ما نسبه ابن النباري إلى المبرد وأبو إسحاق الزجاج إلى أحمد بن يحيى أن اسمالرحمن عبراني وليس بعربي واستدل لذلك بقول جرير:

وليس في ذلك ما يدل على عبرانيته إذ ل يلزم من استعمال أهل الكتاب له- لو صح- أل يكون عربيا ولعل القائلين باسميه "الرحمن" يستدلون بالسناد إليه في نحو قوله تعالى)الرحمان على العرش

( وهذا ل ينافي وصفيته لنه وإن كان صفة2، 1( )الرحمان علم القرآن( )الرحمن/5استوى( )طه/ مشتقة فهو مختص بال تعالى والصفات يسند إليها كثيرا وإن لم تكن مختصة فما بالك بالمختص؟

واختصاصه بال هو رأي الجمهور وحملوا قول الشاعر بني حنيفة في مسيلمة:-



على التعنت بالكفر.

واختلف في الفرق بين "الرحمن" و "الرحيم" فالجمهور على أن "الرحمن" أبلغ من "الرحيم" وهو مبني على أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى وأورد الزمخشري من هذا الباب نكتة لطيفة وذلك أنه ذكر أنه كان في طريقه إلى الحجاز فوجد محمل أكبر بقليل عن محامل تستعمل في العراق يسمى الواحد منها "الشقدف" فسأل أعرابيا عن اسم المحمل الذي رآه فقال لـه أليس ذلك يدعى الشقدف؟

قال لـه: بلى..قال: فهذا الشقداف، واستظهر منه الزمخشري أن طول السم لكبر المسمى وهذه القاعدة غير مطرده فإن حذرا أبلغ من حاذر وحروفه أقل وبناء على ما يقوله الجمهور قيل إن

"الرحمن" هو المنعم بجلئل النعم و"الرحيم" هو المنعم بدقائقها وقيل أن "الرحمن" هو المنعم بنعم شاملة تعم المؤمن والكافر والبر والفاجر و"الرحيم" هو المنعم على المؤمنين خاصة ومتعلق هذا

القول قوله تعالى)وكان بالمؤمنين رحيما( وانتقد الستاذ الشيخ محمد عبده هذين القولين وقال: "كل هذا تحكم في اللغة مبني على أن زيادة المبني تدل على زيادة المعنى ولكن الزيادة تدل على زيادة

الوصف مطلقا فصفة "الرحمن" تدل على كثرة الحسان الذي يعطيه سواء كان جليل أو دقيقا وأما كون أفراد الحسان التي يدل عليه اللفظ الكثر حروفا أعظم من أفراد الحسان التي يدل عليها اللفظ

القل حروفا فهو غير معنى ول مراد وقد قارب من قال: إن "الرحمن" المحسن بالحسان العام ولكنهأخطأ في تخصيص مدلول "الرحيم" بالمؤمنين.

وقيل "الرحمن" رحمن الدنيا والخرة "والرحيم" رحيم الخرة، وهو كسابقيه ل يستند إلى دليل ولعل عدم ظهور الحجة في التفرقة التي زعموها كان هو السبب في قول جماعة من المفسرين كالمحلي

والصبان: إن السمين الكريمين بمعنى وإنما جيء بالثاني تأكيدا للول وانتقد المام محمد عبده هذا الرأي قائل: "ومن العجيب أن يصدر مثل هذا القول عن عالم مسلم وما هي إل غفلة نسأل ال أن

يسامح صاحبها" ثم قال:" وأنا ل أجيز المسلم أن يقول في نفسه أ و بلسانه إن في القرآن كلمة تغاير أخرى ثم تأتي لمجرد تأكيد غيرها بدون أن يكون لها في نفسها معنى تستقل به نعم قد يكون في معنى

الكلمة ما يزيد معنى الخر تقريرا أو إيضاحا ولكن الذي ل أجيزه هو أن يكون معنى الكلمة هو عين معنى الخرى بدون زيادة ثم يؤتى بها لمجرد التأكيد ل غير بحيث تكون من قبيل ما يسمى بالمترادف

في عرف أهل اللغة فإن ذلك ل يقع في كلم من يرمي في لفظه إلى مجرد التنميق والتزويق وفي العربية طرق للتأكيد ليس هذا منها، وأما ما يسمونه بالحرف الزائد الذي يأتي للتأكيد فهو حرف

وضع لذلك ومعناه هو التأكيد وليس معناه معنى الكلمة التي يؤكدها فالباء في قوله تعالى: )ما أصابك من حسنة فمن ال وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسول وكفى بال شهيدا(

( تؤكد معنى اتصال الكفاية بجانب ال جل شأنه بذاتها وهو معناها الذي وضعت له79)النساء/ ومعنى وصفها بالزيادة أنها كذلك في العراب وكذلك معنى من في قوله: )الم ذلك الكتاب ل ريب فيه

( ونحو ذلك أما التكرار للتأكيد أو التقريع أو التهويل فأمر سائغ في أبلغ1، 2هدى للمتقين( )البقرة/ الكلم عندما يظهر ذلك القصد منه كتكرار جملة)فبأي آلء ربكما تكذبان( )الرحمن( ونحوها عقب ذكر كل نعمة وهي عند التأمل ليست مكررة، فإن معناها عند ذكر كل نعمة "أفبهذه النعمة تكذبان" وهكذا كل ما جاء في القرآن على هذا النحو( ويخلص المام بعد هذا الرد إلى اختيار القول باستقلل كل من

لفظي "الرحمن" و" الرحيم" بمعنى ويرد استخراج المعنى الذي تدل عليه كل واحدة من اللفظتين إلى



بنائها الحرفي فالرحمن على وزن فعلن وهذه الصيغة تدل على وصف فعلي فيه معنى المبالغة كفعال وهو مستعمل لغة في الصفات العارضة كعطشان وغرثان وغضبان وشبعان، و"الرحيم" على وزن

فعيل وهذه الصيغة تستعمل لغة في المعاني الثابتة كالخلق والسجايا نحو سميع وبصير وعليم وحكيم وحليم وجميل والقرآن كالكريم عندما يخبر عن صفات ال ل يخرج عن السلوب العربي البليغ وإنما تعلو صفات ال عن مماثلة صفات المخلوقين ومن هنا يرى الستاذ أن "الرحمن" يدل على من تصدر عنه آثار الرحمة بالفعل وهي إفاضة النعم على الخلق والحسان إليهم وأن "الرحيم" يدل على

مصدر هذه الرحمة ومنشأ هذا الحسان وهو بهذا يثبت أن "الرحمن" صفة فعلية و"الرحيم" صفة ذاتية ثابتة له تعالى ويؤكد بهذه التفرقة أنه ل يستغنى بأحد الوصفين عن الخر، ول يكون مجيء

الثاني لمجرد تأكيد الول ويرى أن العربي إذا سمع وصف ال جل ثناؤه بالرحمن وفهم منه أنه مفيض النعم، وواهب الحسان بالفعل ل يعتقد منه أن الرحمة من الصفات الواجبة له دائما، لن الفعل قد ينقطع إذا لم يكن صادرا عن صفة لزمة ثابتة وإن كان كثيرا ولكن عندما يسمع لفظ الرحيم يكمل اعتقاده على الوجه الذي يليق بجلل ال ويرضيه سبحانه ويعلم أن ل صفة ثابتة وهي الرحمة التي يكون عنها أثرها وإن كانت تلك الصفة على غير مثال صفات المخلوقين ويكون ذكرها بعد الرحمن

كذكر الدليل بعد المدلول ليكون برهانا عليه.

ورأي المام في التفرقة بين الرحمن والرحيم يتفق مع الجويني الذي حكى عنه اللوسي بأن فعلن لم تكرر منه الفعل وكثر، وفعيل لمن ثبت منه الفعل ودام وابن القيم يرى عكس ذلك فهو يرى أن

الرحمن صفة ذاتية ل تعالى والرحيم يدل على تعلقها بالمرحوم ويستدل لذلك بقول ال تعالى: )هو (43الذي يصلي عليكم وملئكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما( )الحزاب/ إنه بهم رحيم وعدم مجيء "الرحمن بهم" وأكد رأيه بقوله: )فعلت أن الرحمن هو الموصوف

بالرحمة ورحيم هو الراحم برحمته وعلى كل الرأيين فإن اجتماع الوصفين الكريمين يؤدي إلى مال يحصل لو أفرد أحدهما بالذكر ( وللمفسرين أقوال في "الرحمن الرحيم" غير التي ذكرنا نرى

الستغناء عن ذكرها لعدم اعتضادها بحجة مقبولة.

)الحمد ل رب العالمين(



)الحمد ل رب العالمين( الحمد والمدح ينتظمهما الشتقاق الكبير وهو اتحاد الحروف مع اختلف ترتيبها فالحاء والميم والدال الموجودة في الحمد هي نفسها حروف "المدح" ولكن بترتيب آخر

والزمخشري يقول بتآخيهما، واختلف الذين عنوا بشرح كلمه هل قصده بالتآخي: اتحاد معناهما أو اتحاد حروفهما مع ما ينتظم الكلمات المتنوعة التي تلتقي بالشتقاق من معنى لطيف قد يظهر مع

التأمل الخاطف وقد يخفى إل مع التأمل الطويل؟ فالحمد والمدح كالجذب والجبذ في اتحاد الحروف، ووجود معنى يجمع بينهما والذين فرقوا بين الحمد والمدح راعوا أن الحمد يكون على المور التي

للمحمود اختيار فيها، بخلف المدح، فقد يكون في المور الطبيعية كمدح الوجه بالحسن والقامة بالعتدال والدرة بالصفاء ول يسمى شيء من ذلك حمدا، وعرفوا الحمد أنه الثناء باللسان على

الجميل وقيده بعضهم بكونه اختياريا ومنهم من زاد على ذلك سواء تعلق بالفضائل أم بالفواضل على أن بعض العلماء يرى أن المدح أيضا ل يكون إل في المور الختيارية، وإن ورد على غيرها عد من

باب المجاز، وتقييد الثناء بكونه على الجميل يخرج الذم فإن الثناء قد يصدق عليه في نحو قولهم )أثنى عليه شرا( وتقييد الجميل بكونه اختياريا يخرج المحاسن الضطرارية كالتي أشرنا إليها وهي

التي تمدح- على رأي بعض- ول تحمد وقول بعضهم سواء تعلق بالفضائل أم بالفواضل يقتضي دخول الصفات التي تكون ذات أثر في الغير فيما يحمد عليه فإن الفضائل جمع فضيلة وهي صفة تقوم بنفس

الموصوف ل تتعداه إلى غيره، والفواضل جمع فاضلة وهي ما ينتقل أثره إلى الغير، فسجية الكرم فضيلة والكرم طبيعة قائمة بنفس الكريم ل تنتقل عنه وإنما ينتقل عنه أثرها وهو الحسان إلى الغير ويعبر عنه بالفاضلة والشجاعة طبيعة في نفس الشجاع ل تتعداه إلى غيره وإنما يتعدى أثرها عندما

تبعث صاحبها على نصرة المظلومين وإغاثة الملهوفين ويعبر عن هذا الثر بالفاضلة كذلك، واستشكل هذا التعريف بأنه يمنع دخول صفات ال فيما يحمد عليه وهي من أجل المحامد وسبب

المنع هو قيد الختياري وأجاب القطب رحمه ال في )التيسير( بأن هذا القيد يراد به إخراج المحاسن الضطرارية بأنها اختيارية لما يفهمه هذا الوصف من إمكان تخلي ال تعالى عنها فإنه ل يجوز لنا

أيضا أن نقول عنها إنها اضطرارية لما يقتضي ذلك من كون ال سبحانه مضطرا إليها- تعالى ال عن ذلك- ورأى القطب في )الهيميان( أن يستبدل قيد الختياري بغير الضطراري لئل يكون مانعا من

دخول صفات ال ويرى السيد الجرجاني في حاشيته على الكشاف أن كون الصفات مبدأ للختيارات يزيح المانع من دخولها وتابعه المفسر الشهير أبو السعود حيث قال عن الجميل اختياريا كان أو مبدأ له وحاصل ذلك أنه لما كانت صفات ال تعالى الذاتية كالحياة والعلم والقدرة والمشيئة سببا لحصول

أفعاله الختيارية كالخلق والنعام جاز حمده عليها بل وجب ذلك.

واختلف في الحمد والشكر هل هما متحدان؟ أم مختلفان؟ فذهب ابن جرير الطبري وأبو العباس المبرد إلى أنهما بمعنى واحد ونسبه ابن جرير إلى أن ابن عباس رضي ال عنهما وحكاه أبو عبد الرحمن

السلمي في كتاب "الحقائق" عن جعفر الصادق وابن عطاء قال القرطبي: وليس بمرضي واستدل له ابن جرير بصحة قولك: الحمد ل شكرا، وتعقبه ابن عطية بأنه دليل على خلف ما ذهب إليه لن قولك شكرا إنما خصصت به الحمد لنه على نعمة من النعم، وأنكر ابن كثير على سلفه ابن جرير

جعل الحمد والشكر بمعنى مستندا في هذا النكار على التفرقة التي أوردها المتأخرون بينهما وتعقبه الشوكاني في )فتح القدير( بأن كلم المتأخرين ليس بحجة على استعمال الكلمات العربية ول سيما أن

ابن جرير قد عضد رأيه بما رواه عن بعض السلف كما عضده بجواز مجيء الشكر مصدرا للحمد، وفي السنة ما يدل على أن الحمد قد يسد مسد الشكر فقد أخرج ابن جرير عن الحكم بن عمير- وكانت

له صحبة- قال: قال النبي صلى ال عليه وسلم: )إذا قلت الحمد ل رب العالمين فقد شكرت ال



فزادك( وأخرج عبد الرازق في "المصنف" والحكيم الترمذي في " نوادر الصول" والخطابي في "الغريب" والبيهقي في "الدب" والديلمي في "مسند الفردوس" عن عبدال بن عمرو بن العاص

عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال) الحمد رأس الشكر ما شكر ال عبد لم يحمده( وفيه انقطاع إل أن اللوسي ذكر أن له شاهدا يتقوى به وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عبد

الرحمن الحبلي قال: الصلة شكر والصيام وكل خير تفعله شكر وأفضل الشكر الحمد وأخرج الطبراني في "الوسط" بسند ضعيف عن النواس بن سمعان قال: سرقت ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال: )لئن ردها ال علي لشكرن ربي( فرجعت فلما رآها قال:)الحمد ل( فانظروا هل يحدث رسول

ال صلى ال عليه وسلم صوما أو صلة فظنوا أنه نسى، فقالوا يا رسول ال قد كنت قلتك )لئن ردها ال علي لشكرن ربي( قال: )ألم أقل الحمد ل( وإنما كان الحمد رأس الشكر وأفضله لنه إعلن

باللسان عن إنعام المنعم واللسان أقوى دللة من غيره وفيما أوردناه ما يؤكد ما قاله ابن عطية من أن الشكر أعم من الحمد فهو يشمل القول والعمل ويدل لذلك قول ال تعالى: )يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور(

( وقوله سبحانه: )ووصينا النسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن13)سبأ/ ( إذ ليس المطلوب القيام بحقوق عبادة ال كما أمر14اشكر لي ولوالديك إلي المصير( )لقمان/

ومعاملة الوالدين بالحسان وهو واضح في قوله سبحانه: )وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلهما فل تقل لهما أف ول تنهرهما وقل لهما قول كريما(

( وعرف بعض العلماء الشكر لغة بأنه فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعم23)السراء/ على الشاكر سواء كان قول باللسان أم اعتقادا ومحبة بالحنان أم عمل وخدمة بالركان واستدل لذلك

بقول الشاعر:



فإن مراده من هذا أن النعماء سخرت لهم يده يخدمهم بها ولسانه يثني عليهم به، والضمير المحجب يواليهم به وإذا القينا نظرة على هذا التعريف وجدنا بين الحمد والشكر عموما وجهيا فكل واحد منهما

أخص من وجه وأعم من آخر أما الحمد فهو أخص موارد وأعم متعلقا لن مورده اللسان وحده ومتعلقة النعمة وغيرها وأما الشكر فهو بعكس ذلك لن مورده اللسان والقلب والجوارح ومتعلقة

النعمة وحدها وهذا كما ذكرنا أن الحمد يكون على الفضائل كالشجاعة والكرم وغيرها وبعض العلماء جعل تعريف الشكر المذكور نفسه تعريفا للحمد العرفي فيكون بين الحمدين اللغوي والعرفي كالذي

بين الحمد والشكر اللغويين من العموم الوجهي ولست أدري ما هي حجة هؤلء في جعل الحمد العرفي أعم موردا من الحمد اللغوي بحيث يكون باللسان وغيره لما خلق لجله وهو شائع نظرا إلى

إن جميع آلء ال تعالى تستدعي طاعته والقيام بحسن عبادته ويؤكد ذلك قوله تعالى: )إنا هديناه ( وقوله على لسان سليمان عليه السلم: )قال الذي عنده3السبيل إما شاكرا وإما كفورا( )النسان/

علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ( على40ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم( )النمل/

إن بعض العلماء يرى أن الحمد ل يتصور أن يكون عمل لسانيا ل يشامله عمل القلب والجوارح لن حمد المحمود باللسان وحده من غير استشعار معناه بالقلب ول تصديق له بالجوارح يعد سخرية

واستخفافا وأجيب بأن استشعار معنى الحمد بالقلب وتصديقه بعمل الجوارح شرطان له وليسا من جوهره ومما يستغرب منه دعوى القرطبي: أن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الحسان وهو مردود بالحاديث الصحيحة التي

أوردها القرطبي نفسه في تفسيره منها ما رواه مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( إن ال ليرضى عن العبد أن يأكل الكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها(

وروى ابن ماجة عن أنس أيضا أن النبي صلى ال عليه وسلم قال )ما أنعم ال على عبد بنعمة فقال: الحمد ل إل كان الذي أعطاه أفضل مما اخذ(، وفي الكتاب العزيز ما يدل على أن الحمد يكون في

مقابل الحسان فال تعالى يقول تعليما لعباده كيف يحمدونه: )الحمد ل الذي أنزل على عبده الكتاب ( ويقول: )الحمد ل فاطر السماوات والرض جاعل الملئكة رسل1ولم يجعل له عوجا( )الكهف/

( وحكى1أولي أجنحة مثنى وثلث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن ال على كل شيء قدير( )فاطر/ عن أهل الجنة قولهم )وقالوا الحمد ل الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار

( ويستغرب من35- 34المقامة من فضله ل يمسنا فيها نصب ول يمسنا فيها لغوب ( )فاطر/القرطبي قول عقب هذا.

وعلى هذا الحد قال علماؤنا الحمد أعم من الشكر لن الحمد يقع على الثناء وعلى التحميد وعلى الشكر والجزاء مخصوص إنما يكون مكافأة لمن أولك معروفا فصار الحمد أعم في الية لنه يزيد

على الشكر فإن هذا الذي ذكره أخيرا يهدم ما بناه أول حيث اشترط في الحمد أن يكون من غير سبق إحسان اللهم إل أن يكون مراده أن الحمد يأتي تارة في مقابل نعمة وتارة بدونها كما صرح به ابن

عطية وكما يفيده تعريف الحمد الذي ذكرناه وإذا كان هذا هو مراد القرطبي فهو معنى صحيح ولكنعبارته لم تف بمطلوبه.

و"ال" في الحمد قيل هي للستغراق وعليه أبو حيان في )البحر( والقرطبي في تفسيره واللوسي "



مع بعض تردد" والفخر الرازي في )مفاتيح الغيب( والشوكاني في )فتح القدير( وقطب الئمة في)الهيميان( ونور الدين السالمي في )طلعة الشمي(.

وقيل هي للجنس وعليه الزمخشري وكثير من الذين تأثروا برأيه ووهم الزمخشري أصحاب الرأي الول، وحمل خصوم الزمخشري هذا التوهم على أنه أراد به النتصار لمذهبه الفاسد في خلق الفعال فإنه إذا جعلت جميع صنوف المحامد محصورة في ال عز وجل كما يستلزمه القول بالستغراق فات الزمخشري مطلوبه من جعل العباد الصالحين مستحقين لشيء من الحمد على أفعاله استقلل تاما،

والمام نور الدين السالمي رحمه ال في أول "طلعة الشمس" بحث نفيس في هذه المسألة أطال فيه مناقشة الزمخشري في رأيه غير أن السيد الجرجاني انتصر للزمخشري في حاشيته على "الكشاف"

بإيضاح ل يدع مجال للشك في أن الزمخشري لم يرد برأيه هذا نصرة مذهبه في خلق الفعال فإن اختصاص الجنس يستلزم اختصاص أفراده أيضا إذ لو وجد فرد منه لغيره ثبت الجنس له في ضمنه

وإنما اختار الزمخشري الجنس على الستغراق لنه يستفاد من جوهر الكلم ويستلزم اختصاص جميع الفراد فل حاجة في تأدية المقصود من إثبات الحمد له تعالى وانتفائه عن غيره إلى أن يلحظ

بمعونة المور الخارجية، بل يكون على ما اختاروه اختصاص الفراد بطريق برهاني فيكون أقوى منإثباته ابتداء.

وإذا كان إفراد الحمد على كل القولين مختصة بال سبحانه فإن في ذلك ما يفيد أن جميع النعم ل ( وفي تذكير53تصدر إل عنه)وما بكم من نعمة فمن ال ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون( )النحل/

النسان بذلك تحرير لرقبته من الذل لغير ال تعالى، ورفع للرؤوس حتى ل تتطأطأ لغير عزتهوكبريائه ورفع من معنوية النسان فل يتعلق قلبه بغير ال سبحانه.

وجملة "الحمد ل" قيل أنها خبرية يراد بها الخبار عن كون جميع المحامد ل سبحانه وقيل هي خيرية لفظا إنشائية معنى والظاهر أن معناها يحتمل الخبر والنشاء بحسب قصد المتكلم بها وأما

لفظها فخبري قطعا.

"الرب" مأخوذ من ربه يربه بمعنى نماه أو أصلحه أو ملكه ويقال أيضا رببه وربته ورباه ويطلقالرب على الملك كقول النابغة:-

ومنه قول الخر:-



ويطلق على المالك واستشهد له بقصة صفوان بن أمية مع أبي سفيان صخر بن حرب عندما نمى إلى أهل مكة بعد فتحها أن المسلمين هزموا في حربهم مع هوزان وكان أبو سفيان ل تزال الجاهلية

مترسبة في نفسه وكان صفوان ل يزال على شركه فسر أبو سفيان بما سمع وأخذت الحمية القريشية صفوان فغضب عليه وقال له "في فيك الكثكث لن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل

من هوزان" يعني لن تملكني رجل من قريش- يقصد به رسول ال صلى ال عليه وسلم- أحب إلى من أن يملكني رجل من هوزان ويطلق الرب على السيد والمصلح والمدبر وهذه المعاني قريب بعضها

من بعض وال تعالى يربي عباده باللء الظاهرة والباطنة التي يسبغها عليهم وهو مالك أمرهمومدبره وجابر كسرهم ومصلح شأنهم.

"العالمين" جمع عالم وفي العالم خلف! هل هو مأخوذ من العلم أو العلمة؟ فعلى الول يطلق على ما من شأنه العلم، فيقال عالم البشر وعالم الملئكة وعالم الجن وعالم

الشياطين، وعلى الثاني يطلق على كل ما كان علمة على وجود ال سبحانه فيشمل الكائنات كلها فإن كل ذرة في الوجود هي حجة قاطعة على وجوده سبحانه ودليل ساطع على صفاته اللئقة بجلله ومن

ثم يقول المام ابن أبي نبهان رحمهما ال:" إن كل ذرة في الوجود هي كلمة من كلمات ال سبحانه دالة على معرفته ناطقة بتوحيده وما عداها فهو كالشرح لتلك الكلمة" ونظرا إلى الختلف في

اشتقاقه كلمة " العالم" وما توحيه القرائن اختلف المفسرون في المراد بالعالمين هنا فقيل يراد به السماوات والرض وما فيها وما بينهما رواه ابن جرير عن حبر المة ابن عباس رضي ال عنهما

وروى عنه أن المراد بالعالمين النس والجن وهو محكى عن سعيد بن جبير ومجاهد واستدل لـه ( وقال الفراء وأبو1بقوله تعالى)تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا( )الفرقان/

عبيدة: يراد به العقلء وهم أربعة أمم النس والجن والملئكة والشياطين ونسبه صاحب المنار إلى المام جعفر الصادق وأصح هذه القوال القول الول لن أحسن ما فسر به القرآن القرآن نفسه، وال تعالى يقول: )قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والرض وما بينهما إن كنتم موقنين(

( وكل ذرة في الكون هي بحاجة إلى الرعاية والصلح والتنمية من قبل ال تعالى24، 23)الشعراء/ إذ لو تخلى سبحانه عن أي كائن في هذا الوجود في أقل من لحظة لما قر له قرار، وتربية ال سبحانه

تغمر كل كائن دقيقا كان أو جليل وما من شيء إل وهو ناطق بلسان حاله معلنا افتقاره إلى ال ذي الجلل ومن هنا ساغ أن يجمع العالم- مع صدقه على ما يعقل وما ل يعقل- جمع العاقل فيقال العالمون

إذ ل فرق بين العاقل وغيره في دللة حاله على احتياجه إلى واجب الوجود لذاته ويرى المام محمد عبده تغليب العاقل على غيره لنكته لحظتها العرب وهي أن لفظ العالم ل يطلق على كل كائن وموجود فيقال عالم الحجر وعالم التراب وإنما يطلق على كل جملة متمايزة لفرادها صفات تقربها من العاقل الذي جمعت جمعه إن لم تكن منه فيقال عالم النسان وعالم الحيوان وعالم النبات ثم قال ونحن نرى

أن هذه الشياء هي التي يظهر فيها معنى التربية الذي يعطيه لفظ رب لن فيها مبدأها وهو الحياة والتغذي والتولد، وهذا ظاهر في الحيوان ثم حكى عن أساتذة السيد جمال الدين الفغاني أن الحيوان شجرة قطعت رجلها من الرض فهي تمشي والشجرة حيوان ساخت رجله في الرض فهو قائم في

مكانه يأكل ويشرب وإن كان ل ينام ول يغفل.

ويتضح لك بما ذكرناه سابقا أن التربية تظهر في كل شيء وليس ظهورها محصورا في الصناف التي ذكرها الستاذ المام وللعلماء أقوال في جمع العالم مع أن العالم اسم جنس يستغرق جميع أفراده



من غير أن يجمع وأحسن ما يقال أنه أريد به جنس من أجناس العالم كالبشر أو الملئكة أو الجن أمابهذه الصيغة فل يبقى مجال لتوهم ذلك.

وتربية ال للعالمين تنقسم إلى قسمين: تكوينية وتشريعية. فالتكوينية ظاهرة على كل شيء ولنأخذ النسان مثل لذلك فإن ال أوجده من خلية مهنية حقيرة إذا نظرت بالمجهر لم تكد تبصر لدقتها

المتناهية ولكن لم تلبث أن تطورت بأطوار تربية ال المختلفة حتى خرج منها بشر سوي سميع بصير يفكر ويقدر ويدبر ويعلم ويريد يتميز بقدرات معنوية مع ما أوتيه من قوة حسية أهله كل ذلك للخلفة في الرض والضطلع بأمانة ثقلت على السموات والرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها

وكل ما يسره ال سبحانه للنسان من قوام جسده داخل في حدود تربيته التكوينية.

وأما التربية التشريعية فالنسان هو المستهدف بها وإن عم أثرها غيره وهي تتمثل في رسالت ال التي بعث بها رسله المصطفين لخراج الناس من الظلمات إلى النور وجمع شتاتهم وتوجيه عقولهم

وأفكارهم وتصفية فطرهم وطبائعهم وكما أن الخلق ل يكون إل من ال والبشر مهما أوتوا من قوة لن يخلقوا ذبابا فإن التشريع الصالح للنسانية ل يكون إل منه سبحانه وتعالى أما التشريعات البشرية فما

هي إل مصدر شقاء النسانية وبلئها إذ ل يمكن أن تؤلف بين الجناس المختلفة في العادات والظروف ول أن تجمع بين الرغبات المتباينة ول يصح أن تعتبر من التربية في شيء وكل من تسول له نفسه فيشرع من الحكام ما لم يأذن ال كمن تسول لـه نفسه بأنه يستطيع أن يشارك ال تعالى في

خلقه تعالى ال عن ذلك.

)الرحمن الرحيم(

)الرحمن الرحيم( سبق تفسيرهما وبقي النظر في إعادتهما وللمفسرين في ذلك آراء منهم من يرى هذه العادة دليل على أن البسملة ليست من الفاتحة إذ لو كانت من الفاتحة لما كان معنى لتكرار ما

جاء فيها من غير داع إلى ذلك ومن هؤلء ابن جرير الطبري فقد جعل من هذه العادة دليل على خطأ القائلين بأن البسملة من الفاتحة ثم التفت إلى ما جاء في القرآن مما ظاهره التكرار نحو قوله تعالى:

)فبأي آلء ربكما تكذبان( في سورة الرحمن وقوله: )الرحمن الرحيم( في سورة المرسلت وأجاب بأن ذلك إنما يكون مع الفاصل وما قبل في سورة الفاتحة ل يكفي لن يعد فاصل وبنى ذلك في رأيه على ما حكاه عن جماعة من أهل التأويل بأن في التركيب تقديما وتأخيرا والصل)الحمد ل الرحمن

الرحيم رب العالمين مالك يوم الدين( وبين سبب هذه الدعوى أن الصل في التركيب أن يكون كل شيء مع مناسبه وفي اليات وصف ال سبحانه بالربوبية والرحمة والملك والربوبية أليق أن تكون

بجانب الملك والرحمة بجانب اللوهية المستفادة من اسم الجللة، وذكر أن التقديم والتأخير مما ل يستنكر في الوضع العربي والشواهد عليهما قائمة في القرآن نفسه ومن سائر الكلم العربي وذكر من

القرآن شاهدا على ذلك قول ال تعالى: )الحمد ل الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا( ( فإن في التركيب- حسبما يقول- تقديما وتأخيرا والصل)الحمد ل الذي أنزل على عبده1)الكهف/

الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا( واستشهد لذلك من كلم العرب بقول جرير:



فالصل: طاف الخيال لماما وأين منك هو....وهذا الذي اعتمده ابن جرير ونسبه إلى جماعة من أهل التأويل نسبه أبو حيان في البحر المحيط إلى مكي وقال: لول جللة قائله لنزهت كتابي عن ذكره ثم

ذكر أبو حيان علو بلغة القرآن وجمال أسلوبه في تركيب كلماته ورصف جملة فل وجه للدعوى بأنه قدم فيه ما حقه التأخير أو أخر ما حقه التقديم وأضاف إلى ذلك بأن ال سبحانه وصف نفسه في

الفاتحة بالربوبية والرحمة وذكر فيها حمده وعبادته ووصف الربوبية يقتضي استحقاق الحمدووصف الرحمة يقتضي استحقاق العبادة وقد وضع كل واحد من الوصفين بجوار ما يلئمه.

هذا وضعف كلم ابن جرير أظهر من أن يحتاج إلى الكشف فإن عبارات القرآن الكريم ل يصح أن تحمل على خلف الصل إل لمر يقتضي الخروج عنه ول داعي هنا للتقديم والتأخير ول يصح أن يحمل التركيب القرآني الذي هو أبلغ تركيب في الكلم على ما قد يضطر الشعراء إليه في شعرهم

محافظتهم على الوزن والقافية فإن للشعر أحكاما ل تكون حتى للكلم المنثور وقد يفضي الضطراربالشعراء إلى التيان بتركيب ممجوج تأباه الفصاحة نحو قول الفرزدق:-



وقد أجمع علماء البلغة على رداءة هذا التركيب فهل يصح أن يحمل عليه أو على مثله شيء من التركيب القرآني الذي يتعالى عن الضرورات ويعلو على كل العبارات وأما قول ال تعالى في فاتحة

الكهف)الحمد ل الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما( فإن كل كلمة فيه قد جاءت في موضعها من غير تقديم ول تأخير فإن ال سبحانه ابتدأ بنفي العوج عن كتابه ثم أكد هذا النفي

بوصفه أنه قيم والتأكيد يأتي بعد المؤكد وقد اجتمع من نفي العوج عن الكتاب ووصفه أنه قيم نفي النقص عنه وإثبات الكمال له وإذا ألقينا نظرة على ترتيب كلمات الفاتحة الشريفة وجدنا كل كلمة جاءت في موضعها بحسب ما يقتضيه معناها وتصدير الفاتحة بعد البسملة بجملة)الحمد ل رب

العالمين( أمر تقتضيه الرسالة التي بعث بها النبي عليه أفضل الصلة والسلم وبعث بها النبيون من قبله فإن رسالت جميع المرسلين تلتقي على الدعوة إلى توحيد ال تعالى)وما أرسلنا من قبلك من

رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون( وقد كانت دعوة كل رسول يواجه بها قومه)لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا ال ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم(

( فل غرو إذا رأينا أم القرآن الكريم تصدر- بعد البسملة التي تشترك فيها مع غيرها من59)العراف/ السور- بجملة تستأصل جذور الشرك والوثنية من قلوب العباد وتغرس فيها شجرة التوحيد الخالص

كيف وقد جمعت الفاتحة مقاصد القرآن والتوحيد أسمى مقاصده وقد كان القرآن منذ بداية نزوله يواجه تلك الوثنية العاتية المتأصلة في نفوس العرب فما أنسب أن تكون بداية هذه السورة الكريمة

معنية ببناء صرح العقيدة الصحيحة التي ترجع إليها جزئيات العمال في السلم، إذ ما من شيء من أعمال المسلم التي يطالب بها إل وهو إما أن يكون مددا للعقيدة أو منبثقا منها، فالشعائر التعبدية كلها

وقود لمشكاتها وصقل لمرآتها والشريعة الجامعة التي شرعها ال هي مقتضياتها ولوازمها فإن انفراد ال سبحانه بالربوبية واللوهية يقتضي أن ل يستمد منهج الحياة إل منه ول ريب أن ذوي

الفطرة السليمة إذا قرع مسامعهم قول الحق سبحانه: )الحمد ل رب العالمين( وتصوروا معناه داخلت قلوبهم هيبة تجف منها نفوسهم وترتجف منها أوصالهم لما يدركونه من عظمة الخالق سبحانه الذي

يخضع لجلله كل كائن في الوجود ويذل لكبريائه كل عزيز وعظيم فل عجب إذا تلى ذلك بوصف الرحمن الرحيم لضافة الطمأنينة على هذه القلوب الواجفة وإنزال السكينة على هذه النفوس

المضطربة عندما تشعر بأن هذه الربوبية هي ربوبية رحمة وإحسان واللوسي الذي تشدد في إنكار كون البسملة آية من الفاتحة يتفق هنا معنا على ضعف هذه الحجة وأوضح أن هذا التكرار لفائدة وهي أن ذكرهما في البسملة تعليل للبتداء باسمه عز شأنه وذكرهما هما تعليل لستحقاقه تعالى

الحمد والرازي يرى أن حكمة التكرار تشويق القلوب إلى رحمة ال تعالى كأنه قيل: اذكر أني إله رب مرة واحدة، واذكر أني رحمن رحيم مرتين لتعلم أن العناية بالرحمة أكثر منها بسائر المور ثم لما بين الرحمة المضاعفة فكأنه قال: ل تغتروا بذلك فإني مالك يوم الدين ونظيره قوله تعالى: )غافر

( وتعقب اللوسي كلم3الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ل إله إل هو إليه المصير( )غافر/ الرازي بأن اللوهية مكررة أيضا يشير بذلك إلى ذكر اسم الجللة في البسملة وإعادته في جملة الحمد

ل وذكر المام محمد عبده نكتة ظاهرة في إعادة هذين الوصفين الكريمين وهي أن تربيته تعالى للعالمين ليست لحاجة به إليهم كجلب منفعة أو دفع مضرة وإنما هي لعموم رحمته وشمول إحسانه ثم أشار إلى النكتة التي ذكرناها من قبل وهي أن مراده تعالى بهذا التكرير أن يتحبب إلى عباده فعرفهم أن ربوبيته ربوبية رحمة وإحسان ليكون في ذلك حافز لهم على اكتساب مرضاته وتجنب ما يؤدي

إلى سخطه ..إلى آخر ما ذكر.



ويرى السيد رشيد رضا أنه ل وجه للبحث في عد ذكر "الرحمن الرحيم" في سورة الفاتحة تكرارا أو إعادة مطلقا وبين أن ذلك ظاهر على القول بأن البسملة ليست آية منها وأما على القول بأنها آية منه فيحتاج إلى بيان وأوضح وجهه وهو أن المراد من جعلها آية منها ومن كل سورة أن النبي صلى ال

عليه وسلم كان يلقنها ويبلغها الناس إعلنا منه بأن السورة التي صدرت بها منزلة من عند ال لتكون رحمة لخلقه بما تشتمل عليه من هداية وأنه عليه أفضل الصلة والسلم لم يكن له كسب فيها ول صنع وما هو إل مبلغ لها بأمر ال تعالى، فلذلك كانت مقدمة للسور كلها إل سورة براءة المنزلة بالسيف وكشف الستار عن نفاق المنافقين فهي بلء على من أنزل أكثرها في شأنه ل رحمة بهم، ثم

قال: وإذا كان المراد من موضوع هذه السورة بيان رحمة ال رحمة بعباده فل ينافي ذلك أن يكون من موضوع هذه السورة بيان رحمة ال تعالى مع بيان ربوبيته للعالمين وكونه الملك الذي يملك

وحده جزاء العاملين على أعمالهم وأنه بهذه السماء والصفات كان مستحقا للحمد من عباده كما أنه مستحق له في ذاته ولهذا نسب الحمد إلى اسم الذات الموصوف بهذه الصفات ثم أضاف إلى ذلك أن

الحاصل أن معنى الرحمة في بسملة كل سورة هو أن السورة منزلة برحمة ال وفضله فل يعد ما عساه يكون في أول السورة أو أثنائها من ذكر الرحمة مكررا مع ما في البسملة وإن كان مقرونا

( لن الرحمة في2، 1بذكر التنزيل كأول سورة فصلت)حم تنزيل من الرحمان الرحيم ( )فصلت/البسملة للمعنى العام في الوحي والتنزيل وفي السور للمعنى الخاص الذي تبينه السورة..الخ.

هذا وبما أن القرآن الكريم أنزله ال ليكون هدى للمؤمنين فإن كل كلمة منه تشع منها الهداية وبإمكان تاليه أن يستفيد بكل ما يتلوه في تهذيب نفسه وتربية ضميره وذكر صاحب "المنار" أن حظ

العبد من وصف ال تعالى بالربوبية أن يحمده تعالى ويشكره باستعمال نعمه التي تتربى بها القوى الجسدية والعقلية فيما خلقت لأجله مستشعرا عظم المنة من ال سبحانه تربية نفسه وتربية من يوكل

إليه تربيته من أهل وولد ومريد وتلميذ واستعمال نعمته بهداية الدين في تربية نفسه الروحية والجتماعية وكذا تربية من يوكل إليه تربيتهم وأن ل يبغي كما بغى فرعون فيدعي أنه رب الناس

وكما بغى فراعنة كثيرون ول يزالون يبغون بجعل أنفسهم شارعين يتحكمون في دين الناس بوضع العبادات التي لم ينزلها ال تعالى وبقولهم هذا حلل وهذا حرام من عند أنفسهم أو من عند أمثالهم

فيجعلون أنفسهم شركاء ال في ربوبيته قال تعالى: )أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن ( وفسر النبي صلى21به ال ولول كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم( )الشورى/

ال عليه وسلم اتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال بمثل هذا.

وذكر صاحب المنار أيضا أن حظ العبد من وصف ال بالرحمة أن يطالب نفسه بأن يكون رحيما بكل من يراه مستحقا للرحمة من خلق ال تعالى حتى الحيوان العجم وأن يتذكر دائما أن ذلك هو طريقه

إلى رحمة ال فإن النبي صلى ال عليه وسلم يقول: )إنما يرحم ال من عباده الرحماء( رواه الطبراني عن جرير بسند صحيح وقال: )الراحمون يرحمهم ال تبارك وتعالى ارحموا من في الرض يرحمكم من في السماء( رواه أحمد وأبو داود والحاكم من حديث ابن عمر وقال صلى ال عليه وسلم

)من رحم واو ذبيحة عصفور رحمه ال تعالى يوم القيامة( رواه البخاري في "الدب المفرد"والطبراني عن أبي أمامه وأشار السيوطي إلى صحته.



)مالك يوم الدين(



)مالك يوم الدين( في هذه الية الكريمة تقرير لحقيقة هامة جاء القرآن الكريم ليقررها بكثير من آياته وهي كلية من كليات العقيدة السلمية الصحيحة وضرورة من ضرورات الفكر النساني الذي تصدر

عنه التصرفات والعمال وتقوم على أساسه حياة النسان فإن اليمان باليوم الخر ليس هو من المور الهامشية التي ل صلة لها بعمق الفكر ول أثر لها في واقع الحياة ولكنه ركيزة أساسية في

بناء الحياة الفكرية والعملية ولذلك نجد اليمان به يأتي رديف اليمان بال في الذكر سواء في آيات الكتاب أو في أحاديث الرسول صلى ال عليه وسلم خصوصا عندما يستدعي الحال تأكيد أمر أو نهي

فكثيرا ما يأتي في القرآن)لمن كان يرجو ال واليوم الخر( أو ما يفيد مفاد هذا التعبير في حال التأكيد كما أنا نسمع كثيرا في حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم )من كان يؤمن بال واليوم

الخر...فليفعل كذا( أو )من كان يؤمن بال واليوم الخر فل يفعل كذا( وفي ذلك ما يكفي برهانا أن اليمان باليوم الخر كاليمان بال في عمق أثرهما في سلوك النسان وقوة تأثيرهما في توجيه ميوله

ورغباته وضبط غرائزه ونزعاته وهذا لن اليمان بال يعني اليمان بالمبدأ واليمان باليوم الخر يعني اليمان بالمصير وهل تبقى للنسان قيمة إن جهل المبدأ والمصير، وماذا عسى أن تكون حالة

هذا النسان الذي يعيش على هامش الحياة ل يستشعر حقوقا عليه لمبدئه ول مسئولية يخشى مغبتها في مصيره وإنما يلهو ويمرح ويأكل ويشرب ويسافد ويتناسل شأن البهائم التي ل عقل لها ول ضمير أما إذا أدرك واستيقن أن لـه مبدئا أخرجه من العدم واسبغ عليه صنوف النعم وبوأه في الرض ومكن

لـه فيها فإن إدراكه لذلك يحيي في نفسه شعورا لفتقاره إلى تحري مرضاة هذا المبديء الكريم الخالق العظيم فيدعوه ذلك إلى أن يستمد منه منهج حياته وميزانه الذي يعرف به الخير والشر والنفع

والضر ولكنه مع ذلك قد يتعامى عن قصد السبيل لما يتجاذبه من طبائع النفس ويتقاضاه من مطالب الحياة فهو واقع بين العواطف الملتهبة والغرائز الجارفة والمطالب المختلفة والدوافع المتنوعة فل

عجب إذ أنساه ذلك ما يجب عليه تجاه خالقه وتجاه الخلق ولكن إيمانه بالمنقلب الذي يلقى فيه جزاءه يجعله يستعلى على ضرورات حياته ورغبات نفسه ودوافع غرائزه فل يجعل العواطف أساسا لتعامله مع الناس ول الغرائز مقياسا للنفع والضر والخير والشر وحياة النسان في الرض حياة محدودة بل

حياة وهمية إذ ل يعرف أحدا مقدار بقائه فيها فهو ينتظر فراقها بين لحظة وأخرى فإذا لم يؤمن بحياة أطول يجازى فيها على عمله كان ذلك داعيا إلى التقاعس عن الخير واستغلل ما يمكن من المنافع العاجلة ولو على حساب الخرين وما الذي يدعوا النسان إلى التفاني في البر وهو غير واثق من

إسيفاء جزائه في هذه الحياة الدنيا ول راج حياة أخرى يطمع فيها أن يلقى أجر ما كسب وعدم اليمان بالمعاد مدعاة للقلق بسبب عدم وثوق النسان من التعمير في هذه الدنيا وهبة معمرا فيها فإنه ل بد له من يوم يواجه فيه الموت الكريه فهو يحسب حسابه باستمرار ليوم فنائه الذي يفرق ما جمع ويأتي على ما كسب وما الليل والنهار إل مطميته الدؤوب التي تسير به إلى ذلك اليوم وهذا يدعوه-

مع عدم إعتقاد المعاد- إلى التكاسل عن واجباته الجتماعية أما إذا وثق بأنه سيعاد كما كان مرةأخرى وسيوفى جزاء عمله فإن وثوقه بذلك سبب لطمأنينة نفسه ونشاطها في العمل.

والمشركون الذين كان القرآن يواجههم كانوا يؤمنون إيمانا جزئيا بال الخالق العظيم سبحانه وتعالى فال تعالى يقول عنهم: )ولئن سألتهم من خلق السماوات والرض ليقولن ال قل الحمد ل بل أكثرهم

( ولكنهم فاقدون اليمان بيوم البعث وهذا جعلهم يعيشون بل هدف ويحيون25ل يعلمون( )لقمان/ ( وقولهم3للشهوات الدنيئة فقد حكى ال تعالى عنهم قولهم: )أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد( )ق/

،17- 16، الصافات/82) أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون آباؤنا الولون( )المؤمنون/ ( وكان القرآن الكريم يواجههم بالمثال المختلفة التي يضربها لهم لتبديد شبههم48- 47الواقعة/



وتفريق أوهامهم فاسمع إلى قول ال تعالى: )ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الرحام ما نشاء

إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفل ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيل يعلم من بعد علم شيئا وترى الرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل

زوج بهيج ذلك بأن ال هو الحق وأنه يحي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية ل ريب ( وإلى قوله: )أولم ير النسان أنا خلقناه من نطفة7- 5فيها وأن ال يبعث من في القبور ( )الحج/

فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثل ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم قل يحييها الذيأنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون أو

-77ليس الذي خلق السماوات والرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلق العليم ( )يس/( تتصور تلك المعركة الحامية الوطيس معركة الجدال في اليوم الخر.81

وقوله تعالى: )مالك يوم الدين( جاء في هذه السورة الكريمة لقرن الترهيب بالترغيب فإن اليات السابقة آيات مبشرات وقد قضت سنة ال في كتابه أن يجتمع الوعد والوعيد غالبا في آية أو آيات

متجاورة لحكمة بالغة علمها ال تعالى فإن العباد بحاجة إلى تربيتهم بالترغيب والترهيب وإيقاظ الشعور بالخوف والرجاء في نفوسهم لينشطوا للعمال الصالحة بباعث الرجاء، وليحاذروا العمال

السيئة لداعي الخوف وفي الية قراءات:" قرأ عاصم والكسائي ويعقوب وخلف في مختاره )مالك يوم الدين( قال اللوسي: وهي قراءة العشرة إل طلحة والزبير وقراءة كثير من الصحابة منهم أبي وابن

مسعود ومعاذ وابن عباس والتابعين منهم قتادة والعمش".

وذكر ابن عطية في تفسيره عن مكي أنه نسبها- فيمن نسبها إليهم- إلى طلحة والزبير أيضا وقرأ باقي السبعة" ملك يوم الدين"، ونسبت إلى زيد وأبي الدرداء وابن عمرو وكثير من الصحابة

والتابعين وروى أحمد بن صالح عن ورش عن نافع "ملكي" بإشباع كسرة الكاف وروي عن أبي عمرو من السبعة "ملك يوم الدين" بتسكين اللم وثم قراءات أخرى منها: "ملك يوم الدين" بفتح

اللم فعل ماضيا، و"مالك" بالنصب و"مالكا" بالنصب والتنوين ، و"ملك" بالرفع والتنوين و"مالك.." بالرفع والضافة، و"مالك" بالنصب والضافة، و"مليك" على وزن عظيم وهي قراءات

شاذة ل يقرأ بها في الصلة وإنما المشهورة القراءتان الوليان.

وروي الترمذي في السنة عن أم سلمة رضي ال عنها أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يقرأ "ملك" بغير ألف، وأخرج نحوه ابن النباري عن أنس وأخرج أحمد والترمذي عن أنس رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقرءون "مالك" باللف وأخرجه

الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي ال عنه مرفوعا ورواه الطبراني في "الكبير" عن ابن مسعود رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم ونحوه عند سعيد بن منصور عن ابن عمر رضي ال

عنهما وأخرجه أيضا وكيع في تفسيره وعبد بن حميد وأبو داود عن ابن مرسل وأخرجه ابن الرزاق في تفسيره وعبد بن حميد وأبو داود عن ابن المسيب يرفعه أيضا إرسال إلى رسول ال صلى ال

عليه وسلم قال الشوكاني في تفسيره: وقد روي من طرق كثيرة فهو أرجح من الول وللعلماء خلف في ترجيح إحدى القراءتين على الخرى مع الجماع أن كلتيهما صحيحتان ثابتتان عن النبي صلى ال

عليه وسلم.



ذهب إلى ترجيح "ملك يوم الدين" طائفة منهم المبرد وأبو عبيد من أئمة العربية وعليه ابن جريرالطبري والزمخشري والجرجاني والقرطبي وقطب الئمة والمام أبو نبهان والسيد محمد رشيد رضا.

وذهب إلى ترجيح "مالك يوم الدين" طائفة أخرى منهم أبو حاتم وابن العربي وابن عطية والشوكانيوالمام محمد عبده ولكل حجة.

أما الولون فيحتجون لرأيهم بأن قراءة "ملك" هي قراءة أهل الحرمين وهو أجدر أن يقرءوا القرآن غضا طريا كما أنزل وبأنها تعتضد بقوله تعالى في وصف يوم الدين)لمن الملك اليوم( وبقوله تعالى في سورة الناس وهي آخر القرآن ترتيبا "ملك الناس" وبأن نفوذ الملك أعم من نفوذ المالك وبأنه

( والملك مأخوذة من26وصف ذاته المتعالية بالملك عند المبالغة في قوله)مالك المـلـك( )آل عمران/ الملك بالضم بخلف المالك فإنه من الملك بالكسر واعترض على الول بأن قراءة أهل الحرمين ل تدل

على الرجحان لنه لو سلم كون أوائلهم أعلم بالقرآن لم يسلم ذلك في عهد القراء المشهورين ومن المعلوم أن صحيح البخاري مقدم على موطأ ملك مع أن مالكا هو عالم المدنية على أن القراءات

المشهورة كلها متواترة وبعد التواتر المفيد للقطع ل يلتفت إلى أصول الرواة وقول بعضهم: ل يخفى أن أهل الحرمين قديما وحديثا أعلم بالقرآن والحكام مردود بأنه لو ثبت ذلك لقتضى ترجيح روايتهم على كل رواية والخذ برأيهم دون من سواهم واعترض على الثاني بأن عضد قراءة "ملك " بقوله

( يمنعه قوله سبحانه عن ذلك اليوم: )يوم ل تملك نفس لنفس16تعالى: )لمن الملك اليوم( )غافر/ ( فإنه أراد به يوم القيامة وهو يوم الدين ونفى المالكية عن غيره يقتضي إثباتها19شيـئا( )النفطار/

( فغن19له لن السياق لبيان عظمته تعالى، ويعضده قوله من بعد: )والمر يومئذ ل( )النفطار/ المقصود بالمر واحد المور ل الوامر واعتراض على الثالث بان ما في سورة الناس يختلف عما في

سورة الفاتحة لنه لو قريء هنالك "مالك الناس" لتكرر معناه مع ما في رب الناس وأما هنا فل تكرار لختلف المقام واعترض على الرابع بأنه ل يلزم أن يكون الملك أعم من المالك بل بينهما

العموم الوجهي ويتصور ذلك فيمن شمل ملكه مدينة فيها الكثير من الناس والممتلكات ولكن ل ملك له فيها- بالكسر- فهو ملك غير مالك بالنسبة إليها وأصحاب الملك- بالكسر- هم الذين لهم مطلق

التصرف فيما يمتلكون دون الملك واعترض على الخامس بان لهم مطلق التصرف فيما يمتلكون دون الملك واعترض على الخامس بان دعوى التكرار مدفوعة وهي أيضا لزمة على قراءة ملك إن فسر

الرب بالملك كما ذكره الجوهري وقد أوردنا بعض الشواهد لذلك في تفسير الرب واعترض على السادس بان قوله تعالى: "ملك الملك" أدل على المالكية منه على الملكية وإضافة المالك إلى الملك

تدل على أن المالك أبلغ من الملك لن الملك- بالضم- قد جعل تحت حيطة المالكية لنه أحد مملوكاته.

وأما الخرون فيحتجون أيضا بأدلة منها أن في قراءة مالك حرفا زائدا ولكل حرف في التلوة عشر حسنات كما جاء في الحديث فكانت قراءته أكثر ثوابا، ومنها أن المالك أقوى تصرفا في ملكه من

الملك في ملكه لن الملك هو الذي يدير أعمال رعيته العامة ول تصرف له بشيء من شئونهم الخاصة قال المام محمد عبده) وإنما تظهر هذه التفرقة في عيد مملوك في مملكة لها سلطان فل ريب أن مالكه هو الذي يتولى جميع شئونه دون السلطان( ومنها أن الملك ملك للرعية والمالك مالك للعبيد والعبد أدون حال من الرعية فوجب أن يكون القهر في المالكية أكثر منه في الملكية فوجب أن يكون

المالك أعلى حال من الملك ومنها أن الرعية يمكنهم التخلص عن كونهم رعية ملكهم باختيار أنفسهم وذلك بانتقالهم عن مملكته إلى مملكة أخرى وحملهم جنسية جديدة أما المملوك فل يمكنه إخراج



نفسه أن يكون مملوكا وهذا يدل على أن القهر أكمل منه في الملكية، ومنها أن المملوك مطالب بخدمة المالك وليس له أن يستقل بأمره دونه، ول يجب على الرعية خدمة الملك وهذا يعني أن

النقياد والخضوع في المملوكين أبلغ منها في الرعايا ومنها أن المالك يحق له بيع مملوكه ورهنه بخلف الملك فل يحق له بيع رعيته ومنه أن المالك يحق له بيع مملوكه ورهنه بخلف الملك فل

يحق له بيع رعيته ومنها أن المالك يضاف إلى العاقل وغيره، فيقال مالك الناس ومالك الدواب ومالك الرض ومالك الشجر أما الملك فل يضاف إلى مطلق هذه الشياء بل يضاف إلى الناس لنهم عقلء

ونحن إذا أمعنا النظر لم نجد فائدة في هذا الختلف فالقراءتان صحيحتان مشهورتان وكل واحدة منهما تؤكد معنى فال تعالى قد وصف نفسه في التنزيل بأنه ملك ومالك فقد قال: )هو ال الذي ل إله

إل هو الملك القدوس السلم المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان ال عما يشركون( ( وقال: )قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من23)الحشر/

(.26تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير( )آل عمران/

فل داعي إلى ترجيح إحدى القراءتين على الخرى مع ثبوتهما جميعا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وغنما أختار أن يلتزم القارئ في الصلة وفي غيرها القراءة التي اعتادها فل تكون قراءته للقرآن مركبة بعضها بقراءة قارئ وبعضها بقراءة قارئ أخر، فنحن هنا في المشرق نقرأ بقراءة

عاصم فعلينا أن نقرأ )مالك( في الصلة وفي غيرها إل إذا أراد أحدنا أن يقرأ في الصلة بقراءة أحد القراء السبعة الخرين فعليه أن يلتزم تلك القراءة في كل شيء ل في )ملك( فحسب وكذلك إذا أراد

أحدنا أن يتلو القرآن خارج الصلة بقراءة قارئ آخر فعليه أن يلتزمها من أول القرآن إلى آخره ل أن يقرأ بعضه بقراءة وبعضه بقراءة أخرى أما أهل شمال أفريقيا وغربها فهم يقرءون بقراءة نافع

فالولى بهم أن يقرءوا )ملك( لئل يخرجوا عن التركيب الذي ذكرته اللهم إل أن يزيد أحدهم أن يقرأ في صلة بعينها أو كل الصلوات أو في تلوة بعينها أو في جميع التلوات بقراءة قارئ أخر فله ذلك

على أن يلتزم ما تقتضيه تلك القراءة من أحكام أما إذا نظرنا إلى ما تدل عليه الكلمتان وجدنا أن كلمة مالك أبلغ في التنصيص على عدم وجود من يملك في ذلك اليوم شروى نقير إذ انفراد أحد بكونه ملكا

في زمان أو مكان ل يمنع من وجود ملك تحته بخلف ما إن )انفرد بكونه مالكا( ومن هنا قال أبو حاتم: إن مالكا أبلغ في مدح الخالق من ملك وملك ابلغ في مدح المخلوقين من مالك، والفرق بينهما أن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك وإذا كان ال مالكا كان ملكا وبهذا تعلم أن الخشوع الذي تثيره قراءة مالك ل يقل عما تثيره قراءة ملك وإن قال السيد محمد رشيد رضا في "المنار" بخلف ذلك مستدل لما يقوله بان الملك هو المتصرف في أمور العقلء المختارين بالمر والنهي والجزاء

والمراد بالية تذكير المكلفين بما ينتظرهم من الجزاء على أعمالهم رجاء أن تستقيم أحوالهم.



وإنما قلت بأن القراءتين جميعا تؤثران الخشوع في القلب بالسواء نظرا إلى أن المالك لذلك اليوم هو الذي وعد وتوعد ول إخلف لوعده أو وعيده ول تبديل لكلماته فليس معنى لما يقوله السيد رشيد

رضا من أن قراءة ملك أكثر تأثيرا في الخشوع ول يلزم من هذه القراءة أن يكون معناها تكرارا لما في رب العالمين لن ذكر الخاص بعد العام إنما هو دليل الهتمام به ول يعد من التكرار وذكر ابن

عطية والقرطبي في تفسيرهما عن أبي علي أن أبا بكر بن السراج حكى عن بعض من اختار القراءة بملك أن ال سبحانه قد وصف نفسه بأنه ملك كل شيء بقوله: )رب العالمين( فل فائدة في قراءة من

قرأ مالك لنها تكرير قال أبو علي: ول حجة في هذا لن في التنزيل أشياء على هذه الصورة تقدم العام ثم ذكر الخاص كقوله تعالى: )هو ال الخالق البارئ المصور له السماء الحسنى يسبح له ما في

( فالخالق يعم وذكر المصور لما في ذلك من24السماوات والرض وهو العزيز الحكيم( )الحشر/ التنبيه على الصنعة ووجود الحكمة وكما قال تعالى: )والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك

( بعد قوله: )الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة ومما رزقناهم4وبالخرة هم يوقنون( )البقرة/ ( والغيب يعم الخرة وغيرها ولكن ذكرها لعظمها والتنبيه على وجوب اعتقادها3ينفقون( )البقرة/

والرد على الكفرة الجاحدين لها وكما قال: )الرحمن الرحيم( فذكر الرحمن الذي هو عام وذكر الرحيم بعده لتخصيص المؤمنين به في قوله: )هو الذي يصلي عليكم وملئكته ليخرجكم من الظلمات إلى

(.43النور وكان بالمؤمنين رحيما( )الحزاب/

والضافة في مالك كالضافة في ملك ليست مجرد إضافة لفظية فالتعريف بها حاصل ولذلك جاز وصف اسم الجللة بها ويوم الدين وإن كان مستقبل فإنه لتحقق وقوعه نازل منزلة الشيء الكائن

وملك ال تعالى له أمر ثابت.

وكون ال تعالى مالك ذلك اليوم يعني أنه مالك لكل ما فيه لن الزمان كالمكان تقتضي الضافة إليه شمول ما ينطوي عليه وقد جاء ذكر يوم الدين في كثير من آيات الكتاب العزيز في معرض التخويف من الجزاء وبيان عاقبة القوم الظالمين من ذلك قوله سبحانه: )وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك

( وقوله: )ويوم تشقق19- 17ما يوم الدين يوم ل تملك نفس لنفس شيئا والمر يومئذ ل( )النفطار/ السماء بالغمام ونزل الملئكة تنزيل الملك يومئذ الحق للرحمان وكان يوما على الكافرين عسيرا(

( وقوله)يومئذ تعرضون ل تخفى منكم خافية فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول26- 25)الفرقان/ هاؤم اقرءوا كتابي إني ظننت أني ملق حسابي فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في اليام الخالية وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت

كتابي ولم أدر ما حسابي ياليتها كانت القاضية ما أغنى عني مالي هلك عني سلطاني خذوه فغلوه ثم ( وبين تعالى أن العبد32- 18الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه( )الحاقة/

يومئذ يتخلى عنه كل ما أوتيه في الدنيا من ملك وجاه وكل ما يكون سببا للعتزاز والفتخار فقد قال ال عز وجل: )ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرىمعكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون( )النعام/

( واخبر95- 94 ( وقال سبحانه: )لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا( )مريم/94 تعالى عن تقطع جميع الصلت والسباب يومئذ وتحول جميع المودات إلى عداوة ساخنة إل ما يكون

بين عبادة المتقين حيث قال: )فإذا نفخ في الصور فل أنساب بينهم يومئذ ول يتساءلون ( )المؤمنون/ ( وقال: )يوم يفر المرء من67( وقال: )الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين( )الزخرف/10

( وفي هذا يدعوا37- 34أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه( )عبس/



ذوي اللباب لنتهاز فرصة الحياة وتزود تقوى ال تعالى منها)الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فل رفث ول فسوق ول جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه ال وتزودوا فإن خير الزاد

( .197التقوى واتقوني يا أولي اللباب( )البقرة/

و)اليوم( لغة وقت طلوع الشمس إلى وقت غروبها، وشرعا من بين طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس ويطلق على مجموع الليل والنهار واستعير هنا لما بين ابتداء القيامة إلى استقرار أهل

الدارين فيهما و)الدين( يأتي لغة لمعان نقتصر منها على معنيين لصلتهما بالمراد في الية:

أولهما: الحساب على العمال والمجازاة عليها ومنه قولهم: كما تدين تدان وقول الشاعر:

وقول آخر:

ثانيها: القضاء ومنه قوله تعالى: )فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إل أن يشاء ال نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي

( وقول الشاعر:76علم عليم( )يوسف/



وفسر الدين في الية بالمعنى الول ابن عباس وابن مسعود من الصحابة رضي ال عنهم وعليه ابن جريج وقتادة حكى ذلك عنهم ابن جرير وغيره من المفسرين وروي عن ابن عباس رضي ال عنهما تفسيره بالمعنى الثاني وكلهما سائغ، وجاء الدين في القرآن بمعنى الجزاء في قوله: )يومئذ يوفيهم

( وقوله: )أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما25ال دينهم الحق ويعلمون أن ال هو الحق المبين( )النور/ ( ويدل عليه قوله تعالى: )إن الذين كفروا ينادون لمقت ال أكبر من53أئنا لمدينون( )الصافات/

( وقوله: )وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى10مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى اليمان فتكفرون( )غافر/( .28إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون( )الجاثية/

وقد يسأل سائل أليس ال مالكا لجميع اليام؟ فكيف يخص ملكه بيوم الدين؟

والجواب أن كل زمان داخل في حيطة ملك ال تعالى الواسع كدخول كل مكان وإنما خص يوم الدين بالذكر لن الذين يتعامون في الحياة الدنيا عن دلئل اختصاص ال تعالى بالملك فيدعون الملك

لنفسهم أو لغيرهم ويخشون غير ال تعالى ويرجون سواه يدركون في ذلك اليوم أن الملك ل تعالى وحده، فل يتطاول أحد على ادعاء الملك، ول يتعلق خوف أحد ول رجاؤه بغير ال ولذلك قال ال (16تعالى: )يوم هم بارزون ل يخفى على ال منهم شيء لمن الملك اليوم ل الواحد القهار( )غافر/

وفي حديث أبى هريرة رضي ال عنه عند الشيخين أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال:) يقبض ال الرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الرض؟( ومن هنا حرم

أن يوصف أي أحد غير ال بأنه مالك الدين أو ملك يوم الدين كما يحرم وصف غيره بأنه رب العالمين ومثلهما ملك الملوك وملك الملك فإنهما وصفان ل تعالى وحده ففي حديث أبي هريرة عند الشيخين

أيضا أن النبي عليه أفضل الصلة والسلم قال)إن أخنع اسم عند ال وجل تسمى ملك الملك- زاد مسلم- ل مالك إل ال عز وجل( وفي رواية أخرى )أغيظ رجل على ال يوم القيامة وأخبثه رجل كان

يسمى ملك الملك ل ملك إل ال سبحانه(.

أما الملك فيجوز إطلقه مجازا على غير ال كما في قوله تعالى حكاية عن بني إسرائيل: )ألم تر إلى المل من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل ال قال هل

عسيتم إن كتب عليكم القتال أل تقاتلوا قالوا وما لنا أل نقاتل في سبيل ال وقد أخرجنا من ديارنا ( وقوله: )وقال246وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إل قليل منهم وال عليم بالظالمين( )البقرة/

لهم نبيهم إن ال قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن ال اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم وال يؤتي ملكه من

( وفي الحديث )ناس من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل ال247يشاء وال واسع عليم( )البقرة/يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على السرة أو مثل الملوك على السرة(.

ولسائل أن يسأل أيضا أليست كل اليام جزاء وكل ما يلقيه الناس في هذه الحياة من البؤس هو جزاء على تفريطهم في أداء الحقوق والقيام بالواجبات التي عليهم؟ واترك الجابة لصاحب المنار الذي طرح هذا السؤال واجاب عنه بما معناه: أن الجزاء قد يقع في أيام الدنيا على جميع العمال خيرا كانت أم شرا ولكن ربما ل يظهر للمجزيين إل على بعضها دون جميعها وإنما يظهر الجزاء على

التفريط في العمل الواجب ظهورا تاما في الدنيا بالنسبة إلى مجموع المة ل إلى كل فرد من أفرادها



فكل أمة تنحرف عن صراط ال المستقيم ول تراعي سننه في خليقته ل ينتظرها إل مصير حاسم تلقى فيه العدل اللهي ما تستحقه من الجزاء كالفقر والذل وتبدد العزة وتلشي السلطة جزاء وفاقا أما الفراد فإن كثيرا من المسرفين الظالمين منهم يقضون أعمارهم في لجج الشهوات والملذات وقد

توبخهم ضمائرهم أحيانا ول يسلمون من المنغصات وقد يصيبهم النقص في أموالهم وعافية أبدانهم وقوة مداركهم ولكن كل هذا ل يقابل بعض أعمالهم القبيحة ل سيما أولئك الجبابرة المتسلطون الذين تشقى بأعمالهم السيئة شعوب وأمم وفي مقابل أولئك نرى المحسنين في أنفسهم وفي الناس يبتلون

بصنوف البلء ول ينالون الجزاء الذي يستحقونه على صنوف أعمالهم! نعم يكرمهم ال تعالى براحة ضمائرهم وسلمة أخلقهم وصحة ملكاتهم ولكن ليس ذلك كل ما يستحقون أما في ذلك اليوم فكل فرد من أفراد العاملين يوفى جزاءه كامل ل يظلم شيئا منه كما قال تعالى: )فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره

( . 8، 7ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره( )الزلزال/

)إياك نعبد وإياك نستعين(



)إياك نعبد وإياك نستعين( في هذه الية الكريمة يعلم ال عباده أن يفردوه بالعبادة وبالستعانة وهذه ثمرة التوحيد وجوهر اليمان واليات المتقدمة في السورة جاءت توطئه لها ومقدمة لها فيها فإن الله الحق الذي هو رب العالمين والمتصف بالرحمة والمالك للمر في الدنيا والخرة جدير بأن ل تتجه العبادة إلل غيره وأن ل يتعلق القلب بسواه ويرى الزمخشري أن الية الكريمة جاءت لتبين

الحمد المقصود في قوله تعالى: )الحمد ل( ويتقدمها سؤال مقدر تقديره كيف تحمدونه؟ فأجيب: )إياك نعبد وإياك نستعين( وسوغ السيد الجرجاني ذلك لن السؤال عن كيفية الحمد ل عن ماهيته فصح أن

يجاب عنه بالجابة المشتملة على الحمد وعلى غيره لن ضم غيره إليه نوع بيان لكيفيته أي حال حمدنا أن نجمعه بسائر عبادات الجوارح والستعانة في المهمات ونخص مجموعها بك وأورد السيد الجرجاني أيضا أنه صح كون العبادة بيانا للحمد من حيث إن أقصى غاية الخضوع يقتضي اعترافا

تاما بالنعام ووصفا للمنعم بصفات الجلل والكرام وهذا لن الحمد اصل العبادة ورأسها كما مر أنه رأس الشكر إذ حقيقة العبادة شكر المنعم الحقيقي أي إظهار النقياد له بقدر المكان غاية ما في الباب

أن الجواب يشتمل على زيادة في البيان ورجح السيد الجرجاني أن يكون قوله "إياك نعبد" استئنافا جوابا لسؤال يقتضيه إجراء تلك الصفات العظام على الموصوف بها أزل وأبدا كأن سائل يقول: ما

شأنكم مع هذا الموصوف؟ وكيف توجهكم إليه؟.

فأجيب بحصر العبادة والستعانة فيه واعترض المام أبو السعود ما يقوله الزمخشري "بأنه مع كونه ل حاجة إليه مما ل صحة له في نفسه فإن السؤال المقدر لبد أن يكون بحيث يقتضيه انتظام الكلم

وتنساق إليه الذهان والفهام ول ريب في أن الحامد بعد ما ساق حمده تعالى على تلك الكيفية اللئقة ل يخطر ببال أحد أن يسأل عن كيفيته على أن ما قدر من السؤال غير مطابق للجواب فإنه مسوق

لتعيين المعبود ل لبيان العبادة حتى يتوهم أنه بيان لكيفية حمدهم والعتذار بأن المعنى نخصك بالعبادة وبه يتبين كيفية الحمد تعكيس للمر وتمحل لتوفيق المنزل المقرر بالمفهوم المقدر ثم قال: وبعد اللتيا والتي إن فرض السؤال من جهته عز وجل فأتت نكته اللتفات التي أجمع عليها السلف

والخلف وإنن فرض من جهة الغير يختل النظام لبتناء الجواب على خطابه تعالى وبهذا هدم أبو السعود ما رجحه الجرجاني من أنه استئناف جوابا لسؤال يقتضيه إجراء تلك الصفات العظام على الموصوف بها، وأضاف )بأن تناسي جانب السائل بالكلية وبناء الجواب على خطابه عز وجل مما

يجب تنزيه ساحة التنزيل عن أمثاله( ثم قال: )والحق الذي ل محيد عنه أنه استئناف صدر عن الحامد بمحض ملحظة اتصافه تعالى بما ذكر من النعوت الجليلة الموجبة للقبال الكلي عليه من غير

أن يتوسط هنالك شيء آخر( وأرى أن أضيف إلى ما يقوله أبو السعود أن السورة الكريمة صدرت بحصر الحمد في ذات الحق تعالى وهو مشعر كما سبق بصدور جميع اللء عنه ثم تلي ذلك بوصفه تعالى أنه رب العالمين وفي هذا تصريح بما يستلزمه حصر الحمد فيه من كونه مصدر جميع اللء

كما أن فيه إيقاضا للشعور بعظمته تعالى المستوجبة لملء القلب بهيبته ثم أتبع بكونه مالك يوم الدين وهو اليوم الذي ينقلب جميع الناس إليه ليلقوا جزاء ما قدموا، وإجراء هذه الصفات العظيمة على ال باللسان مع استشعار معانيها بالقلب يجعل النفس تنساق انسياقا تلقائيا إلى منتهى الخضوع لهذا الرب

الجليل الموصوف بهذه الصفات صفات العظمة التي ل تليق بغيره وليس خضوع أبلغ من خضوع العابد فناسب المقام أن يفرد ال تعالى هنا بالعبادة وبالستعانة بصيغة الخطاب المشعرة بالخضوع والخروج بالكلم من أسلوب الغيبة إلى أسلوب الخطاب هو المعروف عند علماء البلغة باللتفات

ويكون أيضا بالخروج عن التكلم إلى الخطاب أو العكس وبالخروج عن الخطاب إلى الغيبة أو التكلم وهكذا...ول يعنينا هنا بحث مسائل اللتفات فإن ذلك من اختصاص علم البلغة وانما يعنينا بحث



النكتة التي يجاء به لجلها، وقد ذكر علماء البلغة نكتة عامة له وهي تطرية الكلم وتجديد نشاط السامع والمتكلم وقد تنضم إليها نكت خاصة بحسب المقامات، وللمفسرين والبلغين سباق في إظهار

النكت التي تناسب هذا المقام منهم من قال: لما ذكر الحقيق بالحمد ووصف بصفات العظمة التي تميزه عن غيره تعلقت معرفة القلب بمعلوم متميز خوطب بذلك ليكون أدل على الختصاص والترقي من البرهان إلى العيان، والنتقال من الغيبة إلى الشهود فكأن المعلوم صار عيانا والمعقول مشاهدا، والغيب حضورا وقيل: لما شرح ال تعالى صدر عبده بالسلم وأفاض على قلبه نور اليمان ترقى

بسلم الحمد المستجلب لمزيد النعم إلى مقام الحسان وهو )أن تعبد ال كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك( وأيضا حقيقة العبادة هو النقياد المطلق من النفس لحكام المعبود وصورة عدا النقياد وقالبه

السلم ومعناه وروحه اليمان وسره وغايته الحسان وباللتفات في )نعبد( يصل العبد عبر المرحلتين السابقتين إلى المرحلة الثالثة وذكر اللوسي "بأنه يحتمل أن يكون السر أن الكلم من أول السورة إلى هنا ثناء والثناء في الغيبة أولى ومن هنا إلى الخر دعاء وهو في الحضور أولى" وقيل

غير ذلك.

والعبادة لغة بمعنى الذي يقال: عبد إذا ذل وعبد إذ ذلل ومنه قوله تعالى: )أن عبدت بني إسرائيل()( ويقال طريق معبد إذا وطئته القدام حتى ذللته ومنه قول طرفة بن العبد:22الشعراء/

أما اصطلحا فللناس فيها مذاهب ترجع إلى المعنى اللغوي فابن جرير الطبري يفسرها بالخضوع والستكانة والذل مع القرار بالربوبية للرب المعبود وحده وروي عن ترجمان القرآن رضي ال

عنه"أن المراد بقوله سبحانه)إياك نعبد ( إياك نوحد ونخاف ونرجو" ورواه عنه أيضا ابن أبي حاتم وابن كثير يرى أن العبادة استكمال المحبة مع منتهى الخضوع والخوف وابن تيمية يرى أن العبادة

الجمع بين المحبة والخضوع والجهابذة العلماء في العصر الحديث أنظار في مدلول لفظ العبادة، فالمام أبو العلى المورودي يرى أن العبادة تتكون من عناصر منها الذعان التام من العابد لعلو

المعبود والنزول له عن حريته واستقلله وترك كل مقاومة وعصيان إزاءه والعتقاد بعلئه والعتراف بعلو شأنه وأن يكون قلبه مفعما بعواطف الشكر والمتنان على نعمه وأياديه بحيث يبالغ

في تمجيده وتعظيمه ويتفنن في إبداء الشكر على آلئه وفي أداء شعائر العبدية له ويرى العلمة المورودي أن هذا التصور ل ينضم إلى معاني العبدية إل إذا كان العبد ل يخضع لسيده رأسه فحسب بل يخضع معه قلبه أيضا، ويستمد السيد المورودي نظرته هذه في تفسيره العبادة من مدلول الكلمة

اللغوي فإن العربي بمجرد سماعه الحقيقة هي طاعة سيده المطلقة فإن تصور الطاعة بمجرد ذكر العبد والعبادة أمرا لبد منه وخلصة رأيه في العبادة أنها خضوع الظاهر والباطن والنقياد المطلق

من العابد للمعبود مع غمرة القلب بالشعور العبودي.



أما الستاذ الشيخ محمد عبده فيرى أن العبادة شعور خاص في القلب يستلزم الخضوع المطلق والنقياد التام من العابد للمعبود وفي ذلك يقول:ما هي العبادة؟ يقولون هي الطاعة مع غاية الخضوع

وما كل عبارة تمثل المعنى تمام التمثيل وتجليه للفهام واضحا ل يقبل التأويل فكثيرا ما يفسرون الشيء ببعض لوازمه ويعرفون الحقيقة برسومها بل يكتفون أحيانا بالتعريف اللفظي ويبينون الكلمة

بما يقرب من معناها ومن ذلك هذه العبارة التي شرحوا بها معنى العبادة فإن فيها اجمال وتساهل وأننا إذا تتبعنا آي القرآن وأساليب اللغة واستعمال العرب لعبد وما يماثلها ويقاربها في المعنى-

كخضع وخنع واطال وذل- نجد أنه ل شيء من هذه اللفاظ يضاهي عبد ويحل محلها ويقع موقعها.

ولذلك قالوا: إن لفظ العباد مأخوذ من العبادة فتكثير إضافته إلى ال تعالى ولفظ العبيد تكثر إضافته إلى غير ال تعالى لنه مأخوذ من العبودية بمعنى الرق وفرق بين العبادة والعبودية بذلك المعنى ومن

هنا قال بعض العلماء إن العبادة ل تكون في اللغة إل ل تعلى ولكن استعمال القرآن يخالفه.

يغلو العاشق في تعظيم معشوقه والخضوع له غلوا كبيرا حتى يفنى هواه في هواه وتذوب إرادته في إرادته ومع ذلك ل يسمى خضوعه هذا عبادة بالحقيقة ويبالغ كثير من الناس في تعظيم الرؤساء

والملوك والمراء فترى من خضوعهم لهم وتحريهم مرضاتهم مال تراه من المتحنثين القانتين دعسائر العابدين ولم يكن العرب يسمون شيئا من هذا الخضوع عبادة فما هي العبادة إذا؟.

تدل الساليب الصحيحة والستعمال العربي الصراح على أن العبادة ضرب من الخضوع بالغ حد النهاية ناشيء عن استشعار القلب عظمة للمعبود ل يعرف منشأها واعتقاده بسلطة له ل يدرك كنهها وماهيتها وقصارى ما يعرف منها أنها محيطة به ولكنها فوق إدراكه فمن ينتهي إلى أقصى الذل لملك

من الملوك ل يقال إنه عبده وإن قبل موطئ أقدامه ما دام سبب الذل والخضوع معروفا وهو الخوف من ظلمه المعهود أو الرجاء لكرمه المحدود اللهم إل بالنسبة إلى الذين يعتقدون أن الملك قوة غيبية سماوية أفيضت على الملوك من المل العلى واختارتهم للستعلء على سائر أهل الدنيا لنهم أطيب الناس عنصرا وأكرمهم جوهرا وهؤلء هم الذين انتهى بهم هذا العتقاد إلى الكفر واللحاد فاتخذوا

الملوك آلهة وعبدوهم عبادة حقيقية.

ويضيف الستاذ لتذكير النسان إلى ذلك فيقول: للعبادة صور كثيرة في كل دين من الديان شرعت لتذكير النسان بذلك الشعور بالسلطان اللهي العلى الذي هو روح العبادة وسرها ولكل عبادة من العبادات الصحيحة أثر في تقويم أخلق القائم بها وتهذيب نفسه والثر إنما يكون عن ذلك الروح

والشعور الذي قلنا إنه منشأ التعظيم والخضوع فإذا كانت صورة العبادة خالية من هذا المعنى لم تكن عبادة كما أن صورة النسان وتماثله ليس إنسانا خذ إليك عبادة الصلة مثل وانظر كيف أمر ال

بإقامتها دون مجرد التيان بها وإقامة الشيء هي التيان به مقوما كامل يصدر عن علته وتصدر عنه آثاره وآثار الصلة ونتائجها هي ما أنبأنا ال تعالى بها بقوله: )اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم (45الصلة إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر ال أكبر وال يعلم ما تصنعون( )العنكبوت/

وقوله عز وجل: )إن النسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إل المصلين ( ( وقد توعد الذين يأتون بصورة الصلة من الحركات واللفاظ مع السهو عن22- 19)المعارج/

معنى العبادة وسرها فيها المؤدي إلى غايتها بقوله: )أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ول يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلتهم ساهون الذين هم يراءون



( فسماهم مصلين لنهم أتوا بصورة الصلة ووصفهم بالسهو عن7- 4ويمنعون الماعون()الماعون/ الصلة الحقيقية التي هي توجه القلب إلى ال تعالى المذكر بخشيته والمشعر للقلوب بعظم سلطانه ثم

وصفهم بأثر هذا السهو وهو الرياء ومنع الماعون.

هذا كلم الستاذ في العبادة وهو يفيد معنى العبادة ل يتم إل مع استشعار عظمة المعبود التي ل تكتنه وقدرته التي ل تحد وهو صحيح بالنظر إلى العبادة الصحيحة الواجبة ل تعالى، ولكن ل يمنع ذلك أن يطلق اسم العبادة على تعظيم أحد لغيره تعظيما يخرج به عن حدود استحقاق البشر، ويدل على ذلك أن ال سبحانه وتعالى أخبر عن أهل الكتاب أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال مع

أنهم لم يكونوا يعتقدون لهؤلء الحبار والرهبان القدرة المطلقة التي ل تحد، والعظمة الباهرة التي ل تكتنه وروى المام أحمد والترمذي وابن جرير عن عدي بن حاتم أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يتلو قوله سبحانه: )اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا

( - وكان امرأ قد تنصر- فقال31إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون( )التوبة/ له أنهم لم يعبدوهم قال له:" بلى إنهم حرموا عليهم الحلل وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم، فذلك

عبادتهم إياهم" فإذا كان اتباع النسان على تحليله الحرام وتحريمه الحلل عبادة فما بالك بما يكونمن مخلوق لمخلوق مثله من تعظيم ل يليق إل بمقام اللوهية.

هذا والعبادة هي الغاية التي لجلها خلق النسان قال تعالى: )وما خلقت الجن والنس إل ليعبدوني( ( ومن هنا كانت فطرة كل إنسان داعية إليها لما تستشعره من الفراغ الروحي والخواء56)الذاريات/

النفسي بدونها ومن ثم كانت العبادة تلبية لنداء الفطرة الذي يجلجل من أعماق النفس النسانية وإنما الفطرة وحدها ل تستطيع أن تهتدي إلى العبادة الصحيحة ولذا فإن ال سبحانه أرسل رسله وأنزل

كتبه لتوجيه هذه الفطرة إلى الصراط المستقيم وما من رسول إل وكانت دعوته الولى في قومه إلى إفراد ال تعالى بالعبادة)وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدوني(

( والعبادة الخالصة ل تعالى توائم بين حركتي النسان الختيارية والضطرارية فجسم25)النبياء/ النسان تعد خلياه بمليين المليين وكل هذه الخليا تتحرك بحسب سنة ال فيها فإذا انقاد هذا

النسان وأذعن لربه العظيم وعبده حق عبادته حصل النسجام التام ما بين هذه الحركات الطبيعية في جسمه وحركته الختيارية التي ينساق إليها مختارا طاعة لموله ومن هنا نجد المام المحقق سعيد بن

خلفان الخليلي رحمه ال يعبر في إحدى قصائده النورانية عما يشعر به وهو يسبح ال سبحانه منتجاوب ألسنة ل تحصى فيه مع هذا التسبيح حيث يقول:-



ول تقف عبادة النسان عند هذا الحد بل توائم بين حركته وحركة كل شيء في هذا الكون الواسع الذي تسبح كل ذرة منه بحمد ال وتسبيحه خاضعة لجلله، )تسبح له السماوات السبع والرض ومن

فيهن وإن من شيء إل يسبح بحمده ولكن ل تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا( )السراء/ ( ،)ألم ترى أن ال يسجد له من في السماوات ومن في الرض والشمس والقمر والنجوم44

والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن ال فما له من مكرم إن ( ولذلك كانت عبادة ال الخالصة داعية للشعور بالنسجام مع الكون18ال يفعل ما يشاء( ) الحج/

واللفة مع الوجود فل ينظر إليه العابد نظرة نفرة وعداء وإنما ينظر إليه نظرة وئام ووداد.

أما إذا تخلى النسان عن عبادة ربه فإنه يشعر بعداوة الكون وخصومة الطبيعة له ولذلك تجد الغربيين الذي رانت على قلوبهم الجاهلية الحديثة ينظرون إلى الكون نظرة الخصومة والعداء ويتجلى

ذلك في عباراتهم فكثيرا ما يرد على ألسنتهم وأقلمهم قهر الطبيعة وقسوتها فإذا حقق أحدهم شيئا قالوا قهر الطبيعة أو تغلب عليها وإذا أصيب أحدهم بمكروه قالوا قست الطبيعة عليه، أما المؤمن

الذي يسبح بحمد ال ويسجد لكبريائه فهو ل يشعر بأية عداوة بينه وبين الطبيعة وإنما يشعر باللفة والمودة بينه وبينها لما يربطهما من الخضوع ل والتسبيح بحمده، ولما يتلوه على صفحاتها من

آيات بينات تزيد إيمانه رسوخا ويقينه ثباتا ومما يؤسف لـه أنه تردد ألسنة تلمذة الغرب المنتسبين إلى السلم هذه العبارات الوقحة بدون شعور بهاجس نفسي يؤنبهم على استعمالها وهذا إن دل على شيء فهو دليل على ما أصاب قلوبهم من المسخ وبصائرهم من الطمس وإذا كانت العبادة منشأ اللفة

والوئام بين العابد وجميع الكائنات فإن ذلك يقتضي أن تكون العبادة أوسع مدلول مما يظنه كثير من الناس من أنها منحصرة في الصلة والزكاة والصوم والحج وهذا هو الذي تدل عليه اليات

والحاديث.



أما اليات فأرى أن أؤخر الكلم عليها إلى أن أصل إليها إن شاء ال في مواضعها وأما الحاديثفبحسبي أن أذكر مثالين منها:

- قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" في كل ذي كبد رطبة أجر" وهو على أن النسان يتقرب إلى1ال سبحانه بالحسان حتى إلى البهيمة العجماء.

- يقول عليه أفضل الصلة والسلم:" في بضع أحدكم صدقة" قيله له يا رسول ال أيصيب أحدنا2 شهوته ويؤجر؟ قال:" أرأيت إن وضعها في حرام أم يكن يؤازر" قيل له بلى يا رسول ال قال:" كذلك

يؤجر إن وضعها في حلل" فانظر كيف يكون العمل الفطري الذي يلبي به النسان داعي الغريزةعبادة يؤجر عليها إن أحسن توجيهه واستصحب معه حسن النية.

وبهذا يتضح أن العبادة تقتضي الخضوع المطلق لمنهاج ال فل يحكم العابد إل به ول يحتكم إل إليه ولذلك حكم ال على من لم يحكم بما أنزل بالكفر والظلم والفسق حيث قال: )إنا أنزلنا التوراة فيها

هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والحبار بما استحفظوا من كتاب ال وكانوا عليه شهداء فل تخشوا الناس واخشوني ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل ومن لم يحكم بما

( وقال: )وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين44أنزل ال فأولئك هم الكافرون( )المائدة/ بالعين والنف بالنف والذن بالذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له

( وقال: )وليحكم أهل النجيل بما أنزل45ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الظالمون( )المائدة ( وأنكر على الذين يدعون47ال فيه ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون( )المائدة/

اليمان وهو يتحاكمون إلى غير شرعه في قوله: )ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن

( ونفى اليمان عن كل من لم يحكم رسوله صلى ال عليه وسلم60يضلهم ضلل بعيدا( )النساء/ الناطق بوحيه المبلغ لمره في قوله: )فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا

(.65في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما( )النساء/

والعبادة أسمى ما ينتسب إليه النسان ولذلك وصف ال عبده ورسوله محمدا صلى ال عليه وسلم بالعبودية في أعلى مقامات ذكره وهي صنو العبادة فقد قال في معرض ذكر إنزال الكتاب عليه وقال: )هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إل ال والراسخون في العلم

( وقال: )الحمد ل الذي7يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إل أولوا اللباب( )آل عمران/ ( وقال في معرض الحديث عن إبلغه الرسالة1أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا( )الكهف/

( وقال في الحديث1ودعائه ال)تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا( )الفرقان/ عن السراء برسول ال صلى ال عليه وسلم الذي ترتب عليه أن ينال من الكرام ما لم ينله أحد

قبله)سبحان الذي أسرى بعبده ليل من المسجد الحرام إلى المسجد القصى الذي باركنا حوله لنريه ( وهذا لن عبادة النسان لربه وعبوديته له تعنيان1من آياتنا إنه هو السميع البصير( )السراء/

تحرير رقبته من الذل لسواه وتخليص قلبه من الخضوع لغير عزته وقد غل بعضهم فادعى أن العبودية أشرف من الرسالة حكى ذلك الفخر الرازي في تفسيره ولم يتعرض له بشيء وحاصل ما

احتج به هذا القائل أن الرسالة انصراف عن الحق إلى الخلق، والعبودية انصراف عن اخلق إلى



الحق، والعبودية أيضا تجرد عن التصرفات والرسالة تلبس بها، وهذه فلسفة باطلة ل يجوز لمن يؤمن بال ورسله أن يقرها فالرسالة هي أشرف المقامات وأعلى الدرجات التي يوصل إليها بمحض

اصطفاء ال تعالى ول تنافي العبودية ولذلك وصف ال بهما أحب الناس إليه وأرفعهم عنده سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم وليست الرسالة- كما قال- انصرافا من الحق إلى الخلق وإنما هي

اضطلع بواجب أمانة الحق لبلغها إلى الخلق وإذا كانت تقتضي اشتغال بالتصرفات فإن تلك التصرفات هي من أقرب القربان إلى المرسل سبحانه فهي داخلة في حدود عبادته وأعظم الدلئل على

إخلص العبودية له.

والفخر واللوسي قسما العبادة إلى ثلث درجات تمشيا مع آراء كثير من العلماء:

الدرجة الولى: أن تكون العبادة ابتغاء ثواب ال وخشية عقابه وهي أضعف الدرجات وسماهااللوسي في تفسيره عبادة.

الدرجة الثانية: أن تكون لجل نيل الشرف بما فيها من التزلق إلى ال وهي درجة متوسطة عندهموسماها اللوسي عبودية.

الدرجة الثالثة: أن تكون لذات ال مع غض النظر عن كل ما سواه وسماها اللوسي عبودة.

وفي هذا التصنيف نظر إذ ل ستند إلى دليل من كتاب ول سنة وتعظيم ال سبحانه بالعبادة وإخلصهم لوجهه ل ينافيان ابتغاء ثوابه والحذر من عقابه كما ل ينافيان الرغبة في نيل شرف عبادته عز وجل وللمام نور الدين السالمي رحمه ال في معارجه بحث نفيس في هذه المسألة ناقش فيه كلم هؤلء الذين يقسمون العبادة من تلقاء أنفسهم أقساما، واستدل لرده بما جاء في اليات التي تصف النبياء أنهم كانوا يعبدون ال رغبا ورهبا، كقوله سبحانه: )فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه

( وهي في90إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين( )النبياء/ معرض مدحهم والبانة عن علو قدرهم ول ريب أن النبياء أرسخ في العبادة قدما وأسرع إلى كل خير سبقا من غيرهم فلو كانت العبادة التي تكون بباعث الخوف والرجاء أضعف من غيرها لكانت

عبادات النبياء غير مقرونة بهما على أن الخوف والرجاء هما السور المتين الذي يحوط أعمال البركلها.



وكما تطالب الية الكريمة الناس أن يفردوا ال سبحانه وتعالى بالعبادة تطالبهم بان يفردوه بالستعانة لن القوة المطلقة ل وكل ما يحدث في الكون فهو بأمر ال وكما أن ال تعالى قد تفرد بخلق الكون فهو متفرد بتدبيره فل معنى للتعلق بغيره والقرآن الكريم جاء ليقرر هذه الحقيقة بكثير من اليات

التي تخاطب الناس بالبرهان وتضرب لهم المثال منها قول ال سبحانه)قل من رب السماوات والرض قل ال قل أفاتخذتم من دونه أولياء ل يملكون لنفسهم نفعا ول ضرا قل هل يستوي العمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا ل شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل ال

( وقوله: )ولئن سألتهم من خلق السماوات والرض16خالق كل شيء وهو الواحد القهار( )الرعد/ ليقولن ال قل أفرأيتم ما تدعون من دون ال إن أرادني ال بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني

( ويبين لنا القرآن38برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي ال عليه يتوكل المتوكلون( )الزمر/ أن كل محاولة من المخلوقين لرد سراء أو ضراء كتبها ال لحد أو عليه لبد أن تبوء بالفشل الذريع

)ما يفتح ال للناس من رحمة فل ممسك لها وما يمسك فل مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم( () وإن يمسسك ال بضر فل كاشف له إل هو وإن يردك بخير فل راد لفضله يصيب به من2)فاطر/

( والنبي صلى ال عليه وسلم كان يربي أمته على107يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم( )يونس/ هذه العقيدة القرآنية لتتحول إلى واقع ملموس في أحوال المؤمنين ففي حديث ابن عباس رضي ال

عنهما عند الشيخين )إذا سألت فأسأل ال وإذا استعنت فاستعن بال(.

وهنا سؤال يفرض نفسه وهو أن النسان كائن اجتماعي يشترك مع غيره في المصالح والمنافع ول يمكنه الستقلل عن سائر بني جنسه فهو بحاجة دائما إلى من يعينه فإذا مرض احتاج إلى الطبيب

وإذا أفلس احتاج إلى من يقرضه أو يتصدق عليه، وإذا اضطر إلى حمل شيء ل يطيقه احتاج إلى من يعينه عليه، وهكذا فكيف يمنع من الستعانة بالناس؟ على أن القرآن نفسه يرشدنا إلى التعاون في

قوله: )ياأيها الذين آمنوا ل تحلوا شعائر ال ول الشهر الحرام ول الهدي ول القلئد ول آمين البيت الحرام يبتغون فضل من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ول يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا على الثم والعدوان واتقوا ال إن

( وأترك الجابة عن هذا السؤال لفيلسوف السلم المام محمد عبده2ال شديد العقاب( )المائدة/وتلميذه محمد رشيد رضا.

أما المام محمد عبده فيجيب بما معناه: أن أعمال الناس تتوقف ثمراتها ونجاحها على حصول السباب التي اقتضت الحكمة اللهية أن تكون مؤدية إليها وانتفاء ا الموانع التي جعلها ال بمقتضى

حكمته حائلة دونها، والنسان بما أوتي من علم وقوة مكن ال له من كسب بعض السباب ودفع بعض الموانع ولكن حجب عنه البعض الخر فيجب على الناس أن يقوموا بما فيه استطاعتهم من ذلك ويتقنوا أعمالهم بما في وسعهم وأن يتعاونوا ويساعد بعضهم بعضا ويفوضوا المر فيما وراء الكسب

إلى القادر على كل شيء ويلجأوا إليه وحده طالبين منه المعونة المتممة للعمل والمؤدية إلى جناء ثمرته وليس لهم أن يتعلقوا بما وراء السباب إل بمسببها سبحانه، ويتضح بهذا أن قوله تعالى:

)وإياك نستعين( متمم لمعنى قوله)إياك نعبد( لن هذه الستعانة هي فزع من القلب إلى ال وتعلق من النفس به وذلك من مخ العبادة، فإذا توجه بها العبد إلى غير ال كان ضربا من ضروب العبادة الوثنية التي انتشرت في زمن التنزيل وقبله وخصت بالذكر لئل يتوهم الجاهلون أن الستعانة بالذين اتخذوهم

أولياء من دون ال واستعانوا بهم فيما وراء السباب المكتسبة للناس هي كالستعانة بالناس في حدود استطاعتهم ضرب من استعمال السباب المسنونة، وما مثلها إل كمثل اللت المستعملة فيما



خصت به بخلف الستعانة بهم فيما وراء طاقاتهم البشرية كالستعانة في شفاء المريض بما وراء الدواء، وعلى غلبة العدو بما وراء العدة والعدد فإن ذلك مما ل يجوز أن يكون إل بال تعالى الذي

بيده السباب والمسببات وهو على كل شيء قدير وضرب المام محمد عبده مثل لذلك: الزارع عندما يبذل جهده في الحرث والعذق وتسميد الرض وريها فهو يمارس الوسائل المؤدية مع التوفيق إلى

حصول المطلوب ويستعين بال تعالى على النجاح طالبا منه منع الفات والجوائح السماوية والرضية، ومثل بالتاجر الذي يحذق في اختيار الصناف ويمهر في فن الترويج ويتوكل على ال فيما وراء ذلك، وخلص الستاذ المام من هذا إلى تفنيد حالة الذين يستعينون بأصحاب الضرحة والقبور على قضاء حوائجهم وتيسير أمورهم وشفاء أمراضهم ونماء حرثهم وزرعهم وهلك أعدائهم وغير

ذلك من المور التي ليست في استطاعة الحياء بله الموات وقال عنهم: إنهم عن صراط التوحيد ناكبون وعن ذكر ال معرضون واستخرج الستاذ المام من قوله تعالى: )وإياك نستعين( فائدتين

جليلتين قال فيهما)هما معراج السعادة في الدنيا والخرة(: أولهما: أن النسان مطالب بالعمال النافعة والجتهاد في إتقانها ما استطاع لن طلب المعونة ل

يكون إل على عمل بذل فيه المرء طاقته فلم يوفه حقه أو يخشى أن ل ينجح فيه فيطلب المعونة علىإتمامه وكماله.

فمن وقع من يده القلم على المكتب ل يطلب المعونة من أحد على إمساكه أما من وقع تحت عبء ثقيل يعجز عن النهوض به وحده فهو جدير بطلب المعونة من غيره على رفعه ولكن بعد استفراغ

القوة في الستقلل به ثم قال الستاذ بعد هذا التحرير: وهذا المر هو مرقاة السعادة الدنيوية وركنمن أركان السعادة الخروية.

ثانيها: ما يفيده الحصر المستفاد من تقديم المعمول على العامل من وجوب تخصيص الستعانة بال وحده فيما وراء ذلك قال: وهو روح التوحيد وكمال الدين الخالص الذي يرفع نفوس معتقدية

ويخلصها من رق الغبار ويفك إرادتهم من أسر الرؤساء الروحانيين والشيوخ الدجالين ويطلق عزائمهم من قيد المهيمنين الكذابين من الحياء والميتين فيكون المؤمن مع الناس حرا خالصا وسيدا كريما ومع ال عبدا خاضعا)يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع ال ورسوله فقد فاز فوزا

( .71عظيما( )الحزاب/



وأما السيد محمد رشيد رضا فيقول" إن عبادة ال تعالى هي غاية الشكر له في القيام بما يجب للوهيته واستعانته هي غاية الشكر له في القيام بما يجب لربوبيته أما الول فظاهر لنه هو الله

الحق فل يبعد بحق سواه وأما الثاني فلنه هو المربي للعباد الذي وهب لهم جميع ما تكمل به تربيتهم الصورية والمعنوية ،قال: ومن هنا تعلم أن إيراد ذكر العبادة والستعانة بعد ذكر اسم الجللة العظم واسم الرب الكرم إنما هو لترتبهما عليهما من قبيل ترتيب النشر على اللف والستعانة بهذا المعنى

ترادف التوكل على ال وتحل محله وهو كمال التوحيد والعبادة الخالصة ولذلك جمع القرآن بينهما في ( فهذه الستعانة هي ثمرة التوحيد واختصاص123مثل قوله تعالى: )وانتظروا إنا منتظرون( )هود/

ال تعالى بالعبادة فإن من معنى العبادة الشعور بأن السلطة الغيبية التي هي وراء السباب العامة الموهوبة من ال تعالى لعباده كافة هي ال وحده، كما تنطق به الية التي استشهدنا بها آنفا على

قرن العبادة بالتوكل فمن كان موحدا خالصا ل يستعين بغير ال تعالى قط فما كان من أنواع المعونة داخل في حلقات سلسلة السباب كان طلبه بسببه طلبا من ال تعالى ولكنه يحتاج في تحقيق ذلك إلى

قصد وملحظة وشهود قلبى وما كان غير داخل فيها يتوجه في طلبه إلى ال تعالى بل واسطة ولحجاب.

قال: وبهذا البيان تعلم أنه ل منافاة بين التوحيد والتوكل وبين الخذ بالسباب وإقامة سنن ال تعالى بل الكمال والدب في الجمع بينهما فالسيد المالك إذا نصب لعبيده وخدمه مائدة يأكلون منها غدوا

وعشيا وجعلهم خدما يقومون بأمرها ل يكون طلب الطعام منه إل بالختلف إلى المائدة، وإنما ينبغي أن ل يغفلوا بها وبخدمها عن ذكر صاحب الفضل الذي أنشأها بماله وسخر أولئك الخدم للكلين عليها ول عن حمده وشكره وهذا مثال مائدة الكون بأسبابه ومسبباته فالعبد إذا احتاج شيئا من الشياء التي

لم يجعلها سيده مبذولة لجميع عبيده في كل وقت طلبه منه دون سواه فإن أظهر الحاجة إلى غيره كان ذلك من قلة ثقته بموله حيث جعل ذلك الغير في مرتبته أو أجدر منه بالفضل قال: هذا في العبيد مع السادة الذين لهم نظراء وأنداد فكيف إذا كان العبد الذي يتوجه إلى غير موله ل يجد من يتوجه إليه سواه إل أمثاله من العبيد المحتاجين إلى المولى مثله لنه هو السيد الصمد الذي ليس له كفوا

أحد وأتبع ذلك قوله أن لفظ الستعانة يشعر بأن يطلب العبد من الرب تعالى العانة على شيء له فيه كسب ليعينه على القيام به وفي هذا تكريم للنسان بجعل عمله أصل في كل ما يحتاج إليه لتمام تربية

نفسه وتزكيتها وإرشاد لـه إلى أن ترك العمل والكسب ليس من سنة الفطرة ول من هدي الشريعة فمن تركه كان كسول مذلول ل متوكل محمودا وتذكير له من جهة أخرى بضعفه لكيل يغتر فيتوهم

بأنه مستغن بكسبه عن عناية ربه فيكون من الهالكين في عاقبة أمره هذا كلمه وهو ككلم أساتذة في إثبات كون الستعانة بال وعدم إشراك غيره فيها من لوازم اليمان ومقتضيات التوحيد، وإنما بين

كلميهما خلف لفظي فالستاذ المام يرى أن الستعانة فيما كان داخل في إطار السباب التي منحها ال عباده جائزة أن تكون بأولئك الذين أجرى ال السباب على أيديهم وعلى ذلك يحمل نحو قوله

تعالى: أما تلميذه )ياأيها الذين آمنوا ل تحلوا شعائر ال ول الشهر الحرام ول الهدي ول القلئد ول آمين البيت الحرام يبتغون فضل من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ول يجرمنكم شنآن قوم أن

صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا على الثم والعدوان ( السيد محمد رشيد رضا فهو ينظر إلى أن أولئك ليسوا2واتقوا ال إن ال شديد العقاب( )المائدة/

مستقلين بالسباب وإنما وهبهم ال تعالى من فضله التفوق فيها وسخرهم بحكمته لعانة المحتاجين إليها فالمستعين بهم إنما يستعين في الحقيقة بال واهب السباب ومقدرها فيجب على المؤمن أل

يغفل عن هذه الحقيقة عندما يطلب من غيره قضاء حاجته.



هذا وقد يفهم من كلمه في السباب العامة وقوله إنها موهوبة للناس كافة أنه يرى تكافؤ جميع الناس فيها وهو أمر ترده المشاهدة فإن الناس متباينون في المواهب منهم من وهب حصافة الرأي ومنهم من وهب قوة البدن ومنهم من وهب الحذق في أعمال خاصة وهذا لتكون حياة الناس قائمة

على أسس الجتماع ولو تساوى الناس في مواهبهم لستغنى كل أحد بنفسه واستكفى بموهبته ولكن ال سبحانه يريد بذلك تذكير الناس بفقرهم واحتياجهم لئل يغتر إنسان بما أوتي فيدعي أنه أوتيه

باستحقاق فتجد الملك بحاجة إلى الحجام والقين والحداد والطباخ كحاجته إلى المستشارين والوزراءفسبحان الغني الذي تفرد بالعزة والكبرياء.

وبهذا الذي حررناه تدرك خطورة ما يصنعه كثير من الناس من التعلق بغير ال سبحانه في طلب الحاجات التي لم يجعل ال قضاءها بيد الناس والعجب من ذلك أن يأتي أحدهم إلى ضريح طالبا من

صاحبه الميت البالي أن يعينه على ما ل يستعان عليه إل بال أو يأتي إلى صخرة صماء أو شجرة أو نهر أو أي شيء من هذا القبيل طالبا منه ذلك مع أن هذه الشياء ل تسمع ول تبصر ول تحس ول

تعقل وإذا كان النبي صلى ال عليه وسلم وهو أكرم الخلق منزلة وأعظمهم شأنا يقول له سبحانه في حياته)قل ل أملك لنفسي نفعا ول ضرا إل ما شاء ال ولو كنت أعلم الغيب لستكثرت من الخير وما

( فما بالك بغيره صلى ال عليه188مسني السوء إن أنا إل نذير وبشير لقوم يؤمنون( )العراف/ وسلم بل ما بالك بالموات والجمادات والنباتات هل من المعقول أن تلبي هذه الشياء لحد طلبا أو

تسمع له دعاء أو تستجيب له نداء؟ وإنما ذلك شأن العقول إذا ضلت والفكار إذا زاغت.

ولعمري ليس تفشي مثل هذه الضللت في هذه المة إل تصديقا لنبوة النبي صلى ال عليه وسلم حيث يقول كما ثبت في الصحيحين) لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى ولو دخلوا حجر ضب لدخلتموه(، وفي حديث أبي واقد الليثي عند الترمذي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما خرج إلى خيبر مر بشجرة للمشركين يقال لها" ذات أنواط" يعلقون عليها أسلحتهم فقيل له: يا رسول ال اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال النبي)سبحان ال هذا كما قال قوم موسى"

إجعل لنا إلها كما لهم آلهة" والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم(.



هذا وفي المقام مباحث:

الول:- في تقديم العبادة على الستعانة ولفكار العلماء تزاحم في استخراج حكمة ذلك وقد استظهرواوجوها:

أولها: أن العبادة أمانة كما قال تعالى: )إنا عرضنا المانة على السماوات والرض والجبال فأبين أن ( لذلك كانت أجدر بالعناية72يحملنها وأشفقن منها وحملها النسان إنه كان ظلوما جهول( )الحزاب/

فقدمت.

ثانيها: أن إسناد المتكلم العبادة إلى نفسه يوهم التبجح والعتداد بما صدر عنه فكان جديرا بأن يتبعما يدل على أن العبادة ل تتم إل بمعونة وتوفيق من ال وهذا يستفاد من جملة "وإياك نستعين".

ثالثها: أن العبادة قربة محصنة إلى ال تعالى أما الستعانة فقد تكون لمنفعة عاجلة.

رابعها: أن العبادة مطلوبة ل تعالى من العباد والستعانة مطلوبة للعباد من ال وتقديم ما كان لأولى مما كان للعباد.

خامسها: أن العبادة في جملتها واجبة ل على العبد ولذلك كانت هي الغاية من خلق النس والجن قال ( أما الستعانة فيختلف حكمها باختلف56تعالى: )وما خلقت الجن والنس إل ليعبدوني( )الذاريات/

حال المستعان عليه.

سادسها: أن العبادة أظهر مناسبة بذكر الجزاء فجيء بها بعده والستعانة أكثر التئاما مع طلبالهداية فجيء بها قبله.

سابعها: أن الستعانة ثمرة للعبادة فإن إخلص العبادة ل يستلزم إفراد بالستعانة, قال صاحب المنار:" ول ينافي هذا أن العبادة نفسها مما يستعان عليه بال تعالى ليوفق العابد للتيان بها على الوجه المرضي له عز وجل, ل منافاة بين المرين لن الثمرة التي تخرج من الشجرة تكون حاوية للنواة التي تخرج منها شجرة أخرى, فالعبادة تكون سببا للمعونة من وجه، والمعونة تكون سببا

للعبادة من وجه آخر, كذلك العمال تكون الخلق التي هي مناشئ العمال، فكل منها سبب ومسبب،وعلة ومعلول، والجهة مختلفة فل دور في المسألة".

ويرى ابن جرير أن الترابط الذي بين العبادة والستعانة يقتضي جواز تقديم أي منهما على الخر كما يجوز أن يقال: قضيت حقي فأحسنت إلي, أو أحسنت إلى فقضيت حقي, وستفاد مما قاله أنه ل يرى

ما يسوغ البحث في تقديم العبادة على الستعانة.

الثاني:- في تقديم المعمول وهو"إياك" على العامل وهو "نعبد" و " نستعين", وذكروا له وجوها:-

أولها: الدللة على الحصر والختصاص, ومن هنا فسره ابن عباس رضي ال تعالى عنهما بل نعبد



غيرك, ويراد به التبرؤ عن الشرك والتعريض بالمشركين.

ثانيها: أن المتقدم في الوجود أحق بالتقدم في الذكر، فال تعالى كان قيل كل موجود، ولذلك كانالنسب تقديم ذكره عن ذكر عبادته.

ثالثها: أن في تقديم ذكره تعالى تنبيها للعابد مناول المر على أن المعبود هو ال، فيوقظ ذلك الهمةفي نفسه ويقضي على الكسل والتواني.

الثالث:- في المجيء بصيغة الجمع دون الفراد في قوله )إياك نعبد وإياك نستعين( وفي أقوال: أولها: أن العبد يحتقر نفسه في مقام الخطاب ل عز وجل، ويستقل عبادته بجانب ما ل تعالى من منة

أسبغها عليه وحق يجب له تعالى على العبد, فيجدر به أن يخاطبه مع غيره وأن يوجه عبادته إليهمختلطة بعبادة العابدين.

ثانيها: أن النسان مع خضوعه لهل الدنيا وطلبه منهم ما يجدر طلبه من ال إن قال بمفرده إياك اعبد وإياك أستعين كان كاذبا، أما إن وجه الخطاب بصيغة الجمع الدالة على اشتراكه مع العابدينوالمستعينين كان أبعد عن الكذب, لوجود من أخلص له العبادة وقصر الستعانة عليه من بينهم.

ثالثها: أن صيغة الجمع أدعى إلى القبول والستجابة من صيغة الفراد لن المخاطب يحشر نفسه في زمرة المخاطبين، ول يعتد بخطابه بنفسه، وذكروا أنه مما يرشد إلى ذلك ما حكاه ال عن الذبيح

إسماعيل عليه السلم من قوله: )فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ( وما حكاه102ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء ال من الصابرين( ) الصافات/

(69عن الكليم عليه السلم من قوله: )قال ستجدني إن شاء ال صابرا ول أعصي لك أمرا( ) الكهف/ وقد صبر الذبيح لتواضعه بعد نفسه واحدا من جمع، ولم يصبر الكليم لفراده نفسه مع أنهما قال

جميعا " إن شاء ال".

رابعها: إن السلم دين وحدة واجتماع، وليس بدين تشتت وافتراق ولجل ذلك شرعت بعض العبادات تؤدي بطريقة جماعية ل على النفراد، وفي المجيء بصيغة الجمع هنا في هذه السورة التي يجب

على المسلم أن يكررها في كل ركعة من ركعات الصلة التي هي أهم عبادة في السلم تذكير بواجبالترابط بين المسلمين وإيقاظ لمشاعر الخوة والمودة بينهم.

الرابع:- في تكرار " إياك" وفيه آراء:-

أولها: أنه للتنصيص على أن طلب العون منه تعالى فإنه لو قال: " إياك نعبد ونستعين " لحتمل أنيكون إخبارا عن طلب العون من غير تعيين للجهة المطلوب منها.

ثانيها: أن العبادة هي قربة إلى ال تعالى ولو لم تكن مقرونة بالستعانة، والستعانة كذلك ولو لم تكنفي حال العبادة، ولو أفرد ذكر الضمير لوهم أنه ل يقترب إليه إل بالجمع بينهما.



ثالثها: أن في التكرار تعليما للناس بأن يجددوا ذكر ال عند كل حاجة تعن.

الخامس: في إطلق الستعانة وعدم تقييدها بمستعان فيه معين, وقد ذكروا لذلك نكته وهي قصد العموم لحتمال دخول كل ما يستعان عليه، والفعل المثبت وإن كان له حكم الطلق المخالف لحكم

العموم في عدم احتوائه جميع أفراد مدلولت لفظة دفعة واحدة, فإنه بعدم تقييده يقضي باحتمال قصد أي فرد من أفراد تلك المدلولت، ومن جهابذة المفسرين من يرى أن الستعانة هنا ليست على

إطلقها وإنما هي محصورة في العبادة, وممن جنح إلى هذه العلمة الزمخشري في كشافه حيث جعل الستعانة مبهمة أوضحها قول ال تعالى فيما بعد )إهدنا الصراط المستقيم( فكأنما المستعينون سئلوا

من قبل العلى العلى: كيف أعينكم؟ فقالوا: إهدنا الصراط المستقيم.

واللئق بعقيدة التوحيد عموم الستعانة في كل ما يطلب العون فيه وهذا ل يمنع أن تكون العبادات داخلة من باب الولوية فيما يستعان فيه، وقد أسلفنا حديث ابن عباس رضي ال عنهما الدال على أن

الستعانة بال شاملة لكل ما يطلب فيه العون، وقد نبه النبي صلى ال عليه وسلم على طلب العون من ال في أداء العبادة فقد أخذ يوما بيد معاذ رضى ال عنه وقال: وال إني لحبك أوصيك يا معاذ، ل

تدعن في دبر كل صلة أن تقول:" اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".

)اهدنا الصراط المستقيم(

الهداية تطلق على الدللة، وخصمها بعضهم بالدللة المصحوبة باللطف وأجيب عما عساه يتجه إلى ( الذي23هذا من سؤال عن قول ال تعالى: )من دون ال فاهدوهم إلى صراط الجحيم( ) الصافات/

تنافي الهداية فيه اللطف المزعوم بأن الية واردة مورد التهكم على حد )ياأيها الذين آمنوا إن كثيرا من الحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل ال والذين يكنزون الذهب

( وكما قال الشاعر:-34والفضة ول ينفقونها في سبيل ال فبشرهم بعذاب( ) التوبة/



والهداية في القرآن ذات مدلولت متعددة, فلذلك تأتي تارة مسندا فعلها إلى ال وحده ومنفيا عمن سواه, كما في قوله تعالى في خطاب الرسول صلى ال عليه وسلم : )إنك ل تهدي من أحببت ولكن

( وفي قوله: )وما أنت بهادي العمي عن56ال يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين( ) القصص/ ( وقوله: )ليس عليك هداهم ولكن81ضللتهم إن تسمع إل من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون( ) النمل/

ال يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلنفسكم وما تنفقون إل ابتغاء وجه ال وما تنفقوا من خير ( ويسند فعلها تارة إلى غيره تعالى كإسناده إلى الرسول272يوف إليكم وأنتم ل تظلمون( ) البقرة/

صلى ال عليه وسلم في قوله: )وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولاليمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم( ) الشورى/

( وإسناده إلى النبيين من قبله كما في قوله عز من قائل: )وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا52 ( وإسناده إلى القرآن73إليهم فعل الخيرات وإقامة الصلة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين( ) النبياء/

في قوله سبحانه: )إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن ( وتأتي تارة محصورة في المؤمنين وحدهم دون الكافرين كما في قوله9لهم أجرا كبيرا( ) السراء/

( وقوله : )هدى وبشرى2سبحانه في وصف القرآن: )ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين( ) البقرة/ ( وقوله سبحانه في وصف3( وقوله: )هدى ورحمة للمحسنين( ) لقمان/2للمؤمنين( ) النمل/

( وقوله: )والذين24المؤمنين: )وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد( ) الحج/ ( وقوله: )ومن يؤمن بال يهد69جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن ال لمع المحسنين( ) العنكبوت/

( وقوله: )فإذا لقيتم الذين كفروا17قلبه( وقوله: )والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم( ) محمد/ فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها

ذلك ولو يشاء ال لنتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل ال فلن يضل ( وقوله: )إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم4,5أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم( ) محمد/

(وقوله في النبيين: )أولئك الذين9ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم النهار في جنات النعيم( ) يونس/ ( وتأتي تارة90هدى ال فبهداهم اقتده قل ل أسألكم عليه أجرا إن هو إل ذكرى للعالمين( ) النعام/

شاملة للمؤمنين والكفار كما في قوله سبحانه: )إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا( ) النسان/ ( بل تأتي تارة نصا في الكفار وحدهم كما في قوله سبحانه10 ( وقوله: )وهديناه النجدين( ) البلد/3

)وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون( ) ( ومن هذا الباب قول ال تعالى: )ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا(17فصلت/(.3( وقوله: )والذي قدر فهدى( ) العلى/50) طه/

وقد استظهر أصحابنا رحمهم ال من هذا أن الهداية تنقسم إلى قسمين: هداية بيان, وهداية توفيق، فهداية البيان تعم المؤمن والكافر ويحمل عليها نحو قوله تعالى: )وأما ثمود فهديناهم( ، وأما هداية

التوفيق فهي محصورة في المؤمنين، ويحمل عليها نحو قوله عز وجل: )أولئك الذين هدى ال( ، وهداية البيان يصح إسناد فعلها إلى غير ال تعالى كما في قوله: )وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم(

فإن المراد بهدايته صلى ال عليه وسلم إلى الصراط المستقيم دعاؤه إليه المقرون ببيان معالمه، أما هداية التوفيق فليست من مقدور البشر وإنما هي من مقدور القادر على كل شيء الذي يصرف

القلوب كيف يشاء وإذا نظرنا إلى اليات التي أوردناها وجدنا أن الهداية أوسع مدلول وأكثر تشعبامما ذكره أصحابنا فمدلولها يشمل هداية الدين وغيرها ومتعلقها النسان



المخاطب بهداية الدين وغيره من المخلوقات، لذلك أميل إلى ما قاله بعض أئمة التفسير في القديموالحديث في تفسير الهداية وتقسيمها إلى أقسام:-

الول: هداية الوجدان الطبيعي واللهام الفطري وتكون للنسان وغيره منذ الولدة فالمولود يشعربحاجته إلى الغذاء فيصرخ طالبا له بفطرته ويلهم امتصاص الثدي بمجرد وصوله إلى فيه.

الثاني: هداية الحواس والمشاعر وهي تتميم للهداية المذكورة في القسم الول وهي أيضا مشتركة بين النسان وغيره، بل غير النسان أكمل فيها وفيما قبلها منه فإن حواس الحيوان وإلهامه تكمل له

بعد ولدته بقليل أما النسان فإنه يتدرج فيها في زمن طويل، ولذلك ل تظهر عليه عقب الولدة علمات إدراك الصوات والمرئيات وعندما يبصر ل يمكنه تحديد المسافات فيرى البعيد قريبا وتحدثه نفسه بأن يمد إليه يده وهذا الغلط في الحس ل ينفك عن النسان حتى بعد نموه وكماله أل تراه يرى

النجم نقطة في السماء وهو قد يكون أكبر من الرض بمليين المرات وهذان القسمان داخلن في ( وقوله: )والذي50عموم قوله تعالى: )ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا( ) طه/

( .3قدر فهدى( ) العلى/

الثالث: هداية العقل وهي خاصة بالنسان من بين الكائنات الحية المستقرة في الرض وهذا لن النسان ينوء بثقل أمانة الخلفة في الرض وهو كائن اجتماعي تتوقف مصالحه على التعارف

والتفاهم بين بني جنسه ولم يعط من قوة المشاعر الباطنة والظاهرة ما يكفيه للقيام بما تقتضيه الحياة الجتماعية كما أعطى النحل والنمل فإن ال قد وهبها من اللهام الفطري ما يكفيها لن تعيش مجتمعة يؤدي كل واحد منها وظيفة العمل لجميعها ويؤدي الجميع وظيفة العمل للواحد وهذا سبب الترابط بين

أفرادها ووجود النظام فيما بينها.



أما النسان فلم تكن لـه هذه الخاصية ولم يتوفر لـه هذا اللهام ومع ذلك فهو يتميز عنها بما منحه من شرف الخلفة في الرض والسيادة فيها وقد وهبه ال في مقابل ذلك هداية العقل التي هي أقوى

من هداية الحس والمشاعر، فإن العقل هو الذي يصحح أخطاء الحواس والمشاعر ويكشف عن أسباب هذه الخطاء فعندما يرى البصر الكبير صغيرا على البعد ويرى العود المستقيم معوجا في الماء

ويذوق الصفراوي الحلو فيحس منه المرارة ويحكم العقل في ذلك فيفند هذه الخطاء ويبين أسبابها( . 10وحمل بعضهم على هذه الهداية قول ال سبحانه)وهديناه النجدين( ) البلد/

الرابع: هداية الدين فإن العقل وحده ل يستطيع أن يقوم سلوك النسان المعوج ويهدي فكره المنحرف فإن أخطأ يتسلط عليه كما يتسلط على الحس وقد يتأثر عقل النسان بالجو الذي يعيش فيه والمحيط

الذي يتربى وسطه فيستحسن ما يستقبحه غيره ويستقبح ما يستحسنه سواه، وقد تستعلي عواطفه أو رغباته على العقل فتطمس نوره وتوهن قواه ولذلك ينساق كثير من الناس- مع ما أوتوه من قوة

التفكير- وراء شهواتهم وعواطفهم غير مبالين بالمصير الذي تؤديهم إليه بل يسخرون أحيانا طاقاتهم العقلية والحسية للوصول إلى ما يهدفون إليه من مقاصد دنئية بدل من استخدام العقل فيما يؤول إلى سعادة النسان الشخصية والنوعية ول تقف رغبات النسان عند حد معين ولذلك كثيرا ما تقتضي به

إلى التطاول إلى ما في يد غيره وعدم المبالة بإمتهان كرامة بني جنسه فيؤدي المر إلى التنازع والتدافع والتقاتل والتفاني ول تغني تلك الهدايات شيئا وهذا أمر مشاهد حتى في الشعوب والمم التي تعد نفسها أرقى من غيرها حضارة ول أدل على ذلك مما يحصل أحيانا في سلسلة الحروب الدولية، من إبادة شعوب أو استرقاقها وإهلك الحرث والنسل بالوسائل العلمية التي تستخدمها عقول ضلت سبيل الرشد وأخفقت في بناء مجتمع بشري ينعم بالسعادة والهناء والستقرار ومن ثم كان النسان

بحاجة إلى هداية أسمى من الهدايات السابقة الذكر تمل القلب خشية من سلطة غيبية أعلى وأجل من تصورات البشر ومدارك العقول والفكار وتضع حدودا للعمال ورسوما لكل ما تتطلبه حياة النسان فل يعدو أحد على غيره كما تصل النسان بالغيب الذي يتطلع إليه وما هو يبالغه إل من طريق هذه

الهداية.

هذا وقد أودع في غريزة كل إنسان الشعور بهذه القوة الغيبية التي ل يحاط بها علما والتي تهيمن على الوجود كله وإليها يرد النسان بفطرته كل مال يعرف له سببا لنها هي التي تهب كل موجود ما

يكون به قوام وجوده كما أودع في غريزة كل أحد بأن هذه الحياة الدنيا ليست هي الحياة النهائية التييحياها النسان ولذلك يتطلع كل أحد إلى حياة أوسع منها.

والهدايات الثلث السابقة ل تصل إلى تحديد ما يجب على النسان لذي القوة الغيبية الذي خلقه في أحسن تقويم وسخر له ما يحتاج إليه كما ل تصل إلى تحديد ما تكون به السعادة في الحياة الخرى ومن هنا كانت ضرورته إلى الدين وإفتقاره إلى توجيهه والهدايات الثلث السابقة مشتركة بين البر

(10والفاجر ويرى بعض المفسرين أنها يشار إليها جميعا بقوله تعالى: )وهديناه النجدين( ) البلد/ وبعضهم يرى دخول الهداية الرابعة ضمن هذه الشارة وهذه الهداية الرابعة- أعني هداية الدين- قد يشارك فيها الفاجر إذا فسرت بالبيان دونما إذا فسرت بالتوفيق كما أسلفنا من قبل وهداية التوفيق

تنقسم إلى ثلثة مراتب:-

المرتبة الولى: التوفيق لقبول الحق والعمل به وإليها الشارة بنحو قوله عز وجل: )ليس عليك



هداهم ولكن ال يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلنفسكم وما تنفقون إل ابتغاء وجه ال وما( .272تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم ل تظلمون( ) البقرة/

المرتبة الثانية: التوفيق للستمرار على الحق والستزادة منه وإليها الشارة بنحو قوله تعالى: ( فإن الجهاد نفسه ل69)والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن ال لمع المحسنين( ) العنكبوت/

يكون إل بهداية توفيقية من ال سبحانه وقوله: )والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم( ) محمد/ ( واختلف في هذه الهداية هل هي مكتسبة من العبد نظرا إلى أن العمل بسببها؟ نحو الجهاد الوارد17

في قوله عز وجل: )والذين جاهدوا فينا( أو هي هبة من ال لعبده نظرا إلى أن ال هو الذي أفاضها عليه والختلف بإختلف العتبارات ليس غير ولذلك تصح نسبة إكتسابها إلى العبد كما تصح نسبة

هبتها إلى ال تعالى.

المرتبة الثالثة: التوفيق لجوار ال سبحانه في جنات عدن وإليها الشارة بقوله عز وجل: )فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب

أوزارها ذلك ولو يشاء ال لنتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل ال فلن ( وقوله: )إن الذين6- 4يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم( ) محمد/

(9آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم النهار في جنات النعيم( ) يونس/ وهذه هي أسمى مراتب الهدايات وأرقى منازل المهتدين وجميع الهدايات السابقة سلم للصعود إليها

ووسائل للحصول عليها.

والصل في كلمة هدى أن تستعمل بمعنى المالة- هكذا نقل القرطبي في تفسيره- واستدل له بقوله ( أي ملنا وبحديث عائشة في الصحيحين:) خرج رسول ال156تعالى: )إنا هدنا إليك( ) العراف/

صلى ال عليه وسلم يتهادى بين رجلين( أي يتمايل من المرض ومنه الهداية لنها تمال من ملك إلى ملك والهدي للحيوان الذي يساق إلى الحرم لنه يمال به من مكان إلى مكان وفي الستدلل لذلك

بقوله تعالى: )إنا هدنا إليك( نظر فإنه من هاد يهود وليس من هدى يهدي.

ويتعدى فعل الهداية إلى المفعول الثاني بنفسه كما في هذه الية وفي قوله تعالى حكاية عن إبراهيم (43عليه السلم: )ياأبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا( )مريم/

ويتعدى إليه باللم نحو قوله سبحانه حكاية عن أهل الجنة: )ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم النهار وقالوا الحمد ل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لول أن هدانا ال لقد جاءت رسل

( ويتعدى إليه بإلى نحو43ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون( )العراف/( .24قوله عز وجل)وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد( )الحج/

وللعلماء آراء في التفرقة بين معنى الهداية إن تعدت بنفسها إلى المفعول الثاني ومعناها إن تعدت إليه بحرف، ولم تقم أدلة على صحة آرائهم بل قامت على دحض بعضها لذلك استغنيت عن ذكرها وطلب

الهداية هنا محمول على طلب المزيد منها أو على طلب التوفيق للستمرار عليها لن النسان عرضةللخطأ والضلل والتأثر بالمؤثرات الداخلية والخارجية وبهذا يجاب عما لو سئل:

أليس من حمد ال بمحامده ووصفه بصفاته وخصه بالعبادة والستعانة مهتديا؟ فلماذا يطلب منه



الهداية؟ وهل هو إل تحصيل حاصل؟.

والصراط الطريق ومنه قول الشاعر:



وأصله السراط بالسين لنه يشترط السابلة أي يبتلعها أو يشترطه السابل بالقطع ولذلك سمي لقمالنه يلتقم السالك أو يلتقمه السالك وأبدلت السين صادا لمكان الطاء.

وروى الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قرأ)الصراط المستقيم( بالصاد وروى البخاري في تاريخه وسعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن

عباس رضي ال عنهما أنه قرأ )السراط المستقيم( بالسين والقراءة بالسين أخرجها ابن النباري عن ابن كثير أحد القراء السبعة والرواية عنه مختلفة فقد روى عنه أيضا الصاد والمضارعة بينهما وبين الزاي وأخرج ابن النباري أيضا عن حمزة أنه كان يقرأ )الزراط( بالزاي الخالصة قال الفراء: وهي لغة لعذرة وكلب وبني القين وهذه القراءة وراها الصمعي عن أبي عمر وذكر ابن عطية وأبو حيان في تفسيريهما عن بعض اللغوين أنه قال ما حكاه الصمعي من هذه القراءة خطأ منه إنما سمع أبا

عمر يقرأ بالمضارعة فتوهمها زايا ولم يكن الصمعي نحويا فيؤمن على هذا.

ثم ذكر أن هذا الكلم حكاه أبو علي عن أبي بكر بن مجاهد وقد مر أن هذه القراءة أسندها ابن النباري إلى حمزة وهو أحد القراء السبعة وأنها لغة عذرة وكلب وبني القين فتخطئه يعض اللغويين للصمعي في نقلها عن أبى عمرو تسرع منه وأبو حيان الذي نقل هذه التخطئة كما نقلها ابن عطية نقل من بعد عن ابي جعفر الطوسي، وهو أحد أئمة التفسير من الشيعة المامية أنه قال:" الصراط

بالصاد لغة قريش وهي اللغة الجيدة وعامة العرب يجعلونها سينا والزاي لغة عذرة وكعب وبنيالقين" والجمهور قرءوا الصاد.

وللمفسرين أقوال في معنى الصراط ترجع إلى ما قاله ابن جرير: أجمعت المة من أهل التأويل جميعاعلى أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي ل اعوجاج فيه وهو كذلك في لغة جميع العرب. قيل: هو القرآن رواه ابن أبي حاتم وابن جرير عن علي كرم ال وجهه مرفوعا في فضائل القرآن:"

وهو حبل ال المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم" وقد تقدم الحديث بتمامه في مقدمة التفسير وهذا القول أخرجه ابن المنذر ووكيع وعبد بن حميد وأبو بكر النباري والحاكم

وصححه والبيهقي عن ابن مسعود.

وقيل هو السلم اخرجه وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه، عن جابر بن عبدال ونص ما رواه عنه أنه قال:)هو دين السلم وهو أوسع مما بين السماء والرض( وأخرج نحوه ابن جرير عن ابن عباس رضي ال عنهما وكذلك عن ابن مسعود وناس من الصحابة وروى

ابن جرير عن محمد بن الحنفية أنه قال: هو دين ال الذي ل يقبل من العباد غيره وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هو السلم ورواه عنه ابن جرير أيضا ويشهد لهذا التفسير قول ال تعالى: )قل

إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ،دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ( )النعام/ ( كما يشهد له ما أخرجه أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه والنسائي وابن جرير وابن163

المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب اليمان عن النواس ابن سمعان عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال) ضؤب ال مثل صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط داع يقول :يا أيها



الناس ادخلوا الصراط جميعا ول تفرقوا وداع يدعوا من فوق الصراط فإذا أراد النسان أن يفتح شيئا من تلك البواب قال ويحك ل تفتحه فإنك إن فتحته تلجه فالصراط السلم والسوران حدود ال

والبواب المفتحة محارم ال وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب ال والداعي من فوق واعظ التعالى في قلب كل مسلم( قال ابن كثير:- بعدما أورد بعض أسانيد الحديث- وهو إسناده حسن صحيح.

وقيل: هو السنة ذكره بعض المفسرين عن بعض الصحابة.

وقيل: هو رسول ال صلى ال عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي وابن عساكر عن عاصم الحول عن أبي العالية وجاء فيه عن عاصم الحول أنه ذكر للحسن البصري تفسير أبي العالية فقال: صدق ابو العالية ونصح وأحر الحاكم

وصححه عن أبي العالية عن ابن عباس مثله.

قال قطب الئمة رحمه ال في الهيميان:" ويقدر مضاف أي اهدنا اتباعهم وفيه تكلف بعيد وتجوز تسمية أشخاصهم طريقا ووجهه أنهم واسطة إلى الجنة لمن اقتدى بهم ممن أنعم ال عليه وعلى هذا

الخير يكون الخطاب لغيره صلى ال عليه وسلم وغير أبي بكر وعمر رضي ال عنهما قيل: وهوقوي في المعنى".

واخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي ال عنه قال: الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم وذكر القرطبي في تفسيره عن الفضيل بن عياض أنه قال: هو طريق الحج قال

القرطبي وهذا خاص والعموم أولى.

وهذه القوال كلها ما عدا الخير متحدة في المعنى وإن اختلفت في اللفظ فإن السلم يتمثل في تعاليم القرآن وهديه وسنة الرسول صلى ال عليه وسلم وهديه وهدى أصحابه رضي ال عنهم فل يختلف

تفسير من فسره بالقرآن عن تفسير من فسره بالسلم أو السنة أو الرسول صلى ال عليه وسلم وصاحبيه وإنما اختلفت العبارات لختلف العتبارات وقد أوردنا سابقا كلم ابن تيمية الذي أوضح

فيه أن مثل هذا ل يعد خلفا وانتقد الفخر الرازي تفسير الصراط المستقيم بالسلم أو القرآن نظرا إلى أن قوله تعالى: )صراط الذين أنعمت عليهم( بدل من "الصراط المستقيم" والبداية تقتضي صحة حلول

البدل محل المبدل منه فكأنه قيل: إهدنا صراط الذين أنعمت عليهم والمم السابقة لم يكن لها القرآن والسلم ورد عليه أبو حيان في البحر المحيط بأن هذا ل يتأتي له إل إذا صح أن الذين أنعم ال عليهم هم متقدمون قال:" وستأتي القاويل في تفسير الذين أنعم ال عليهم": ورد اللوسي على الفخر الرازي بما حاصله إن الفخر نفسه اختار فيما اختار من الوجوه التي ارتضاها أن الصراط المستقيم هو الوسط بين طرفي الفراط والتفريط في كل الخلق وفي كل العمال وأكد ذلك بقوله

( قال اللوسي:" فياليت شعري ماذا يقول لو قيل له143تعالى: )وكذلك جعلناكم أمة وسطا( )البقرة/لم يكن هذا للمتقدمين من المم وتلونا عليه الية التي ذكرها وسبحان من ل يرد عليه".



هذا وقد تقدم ما يدل على صحة تفسير الصراط المستقيم بالسلم منن القرآن والحديث ومما يؤكد ذلك قول ال تعالى: )وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم

( ول معنى لما يقوله الفخر من أن المم الماضية لم يكن لها153وصاكم به لعلكم تتقون( )النعام/ إسلم فإن السلم لم تختص به هذه المة فحسب بل هو مشترك بينهما وبين جميع المم التي اتبعت هدى أنبيائها فغن المرسلين ما بعثوا لتفريق الدين بل بعثوا لجمعه وتوحيده، وينص على ذلك قوله

تعالى: )شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ال يجتبي إليه من يشاء

( وإذا كانت شرائع النبيين قد اختلفت باختلف الظروف التي13ويهدي إليه من ينيب( )الشورى/ واجهوها وأحوال المم التي بعثوا فيها فإن أصول دينهم لم تختلف إذ لم يأت رسول إل ويدعوا إلى توحيد ال وعدم إشراك غيره في العبادة وهذا هو السلم عينه. ومما يدل على ما قلناه قول الحق

( وقد حكى ال128سبحانه: )ما كان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا وما كان من المشركين ( )البقرة/ عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم أنهما كانا يقولن- وهما يرفعان قواعد البيت العتيق:- وقال عز وجل: )ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن ال اصطفى لكم الدين فل تموتن إل وأنتم مسلمون(

( ونجد في القرآن الكريم نصا صريحا على أن النبيين الذين كانوا يحكمون بالتوراة كانوا132)البقرة/ من المسلمين فقد قال عز وجل: )إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والحبار بما استحفظوا من كتاب ال وكانوا عليه شهداء فل تخشوا الناس

(44واخشوني ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون( )المائدة/ فل معنى لقول من يقول: إن السلم من اختصاص هذه المة نعم إنزل السلم على هذه المة على أكمل وجوهه وأوسع أبوابه وأوضح طرقه ليكفي النسانية مشاكلها إلى أن يرث ال الرض ومنعليها ول إشكال في تفسير الصراط بالقرآن لتضمن القرآن الكريم ما جاء به النبيون من الهدى.

ويرى الستاذ المام الشيخ محمد عبده أن الصراط جملة ما يوصل إلى سعادة الدنيا والخرة من عقائد وآداب وأحكام وتعاليم ويرى أن سبب تسمية ذلك صراطا كون العقيدة الصحيحة وما تستلزمه

من أعمال صالحة بمثابة الطريق التي تفضي بسالكها إلى الغاية وهذا الذي يقوله ل ينافي تفسير الصراط بالسلم لدخول ما ذكره في ضمن مدلوله فإن السلم ينظم أعمال الدنيا والخرة بدليل قول ال تعالى: )قل إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي ل رب العالمين .ل شريك له وبذلك أمرت وأنا

( والمستقيم في عرف أهل الهندسة أقصر خط يصل بين نقطتين لسلمته163أول المسلمين( )النعام/ من العوجاج الذي يؤدي إلى الطول، وهو لزم للمعنى اللغوي ويقابله كل ما فيه انحراف لن كل من يمل عن الخط المؤدي للغاية المطلوبة بسهولة يكن أضل عن القصد وأبعد عن الغاية ممن يمشي في خط ذي تمعج وتعاريج لن الخير يمكنه الوصول إلى الغاية ولو بعد زمن طويل أما الول فكلما أوغل في السير ازداد بعدا عنها والسلم بتعاليمه السمحة ومنهاجه السليم يوصل سالكه إلى سلمة الدنياوسعادة الخرة، والذي يميل عنه يزيغ عن السلمة بقدر ميلولته وفسر )الصراط المستقيم( بقوله:-

)صراط الذين أنعمت عليهم(



)صراط الذين أنعمت عليهم(



فصراط هنا بدل من الصراط الذي ذكر من قبل وهذا النوع من البدل يعبر عنه النحويون ببدل الكل من الكل، وزعم بعضهم بأن "صراط" الثاني غير"الصراط" الول، وكأنه نوى فيه حرف عطف واختلف هؤلء في تعيينه فجعفر بن محمد يرى أنه العلم بال والفهم عنه، وبعضهم يرى أنه موافقة الباطن

للظاهر في إسباغ النعمة ومنهم من يرى أنه التزام الفرائض والسنن ودعوى أن "صراط" الثاني غير الول ما هي إل هروب من الواضح إلى المشكل وفائدة المجيء بالبدل والمبدل منه، التنصيص على

أن صراط هؤلء هو علم في الستقامة فلو قيل: إهدنا صراط الذين أنعمت عليهم ولم تحصل هذه الفائدة ومثال ذلك إذا أردت المبالغة في وصف أحد بالكرم والفضل فإنك تقول) هل أدلك على أكرم

الناس وأفضلهم فلن، فإنك بذلك جعلته علما على الكرم والفضل بحيث إذا ذكر تصور الكرم والفضل في أعلى مراتبهما بين يدي السامع وأمام ناظريه ولو جئت بأسلوب آخر وقلت: هل أدلك على فلن

أكرم الناس وأفضلهم لم تفد العبارة هذه المبالغة وكذلك هنا ذكر أول الصراط المستقيم ثم فسر بصراط الذين انعم ال عليهم ليكون نصا في أن هؤلء المنعم عليهم هم معالم الستقامة وأعلم العتدال

والرشد يهتدي بهم إلى مرضاة الرب تعالى.

واختلف في المقصود بهم فالجمهور يرون أنهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون أخذا من قوله تعالى: )ومن يطع ال والرسول فأولئك مع الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين

( ويعتضد ذلك بذكر الصراط المستقيم في هذا69والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا( )النساء السياق قبل هذه الية في قوله عز وجل: )ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إل قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لتيناهم من لدنا

( وهذا هو الذي رواه ابن جرير عن ابن68- 66أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما( )النساء عباس رضي ال عنهما وروي عنه: أنهم المؤمنون. وأخرج عبد ابن حميد عن الربيع بن أنس أنهم النبيون وقيل:هم قوم موسى وعيسى قبل النسخ والتبديل وقيل: هم المسلمون، وقيل أصحاب محمد

صلى ال عليه وسلم وروي عن أبي العالية أنهم محمد صلى ال عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر رضي ال عنهما وانتقد المام محمد عبده تفسير المنعم عليهم بالمسلمين محتجا بأن الفاتحة أول

سورة نزلت كما روى عن المام علي كرم ال وجهه وكما حققه المام محمد عبده نفسه.

وإن لم تكن أول سورة على الطلق فل خلف في أنها من أوائل السور ولم يكن المسلمون حال نزول السورة بحيث يطلب الهتداء بهداهم، لن هداهم معقود بالوحي، وتلك هي بداية الوحي ثم انهم هم

المأمورون بأن يطلبوا من ال أن يهديهم هذا الصراط صراط الذين أنعمت عليهم من قبلهم فهم قطعا غيرهم ورجح المام محمد عبده قول الجمهور أنهم هم الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين

والشهداء والصالحين وانتقاد المام موجه إلى الذين يزعمون أن هؤلء المنعم عليهم هم مسلمو هذه المة وهو ل ينافي أن يكون المعنيون- وإن كانوا قبل هذه المة- من المسلمين أيضا لما علمت من

أن السلم ليس محصورا في هذه المة وإنما هو دين جميع النبيين والصالحين وأوضح المام محمد عبده أن ما جاء من ذكر المنعم عليهم إلى آخره مجمل لما فصل في سائر القرآن من أخبار المم وبيان أحوالهم مما يقدر بثلثة أرباع القرآن تقريبا والمراد من ذلك توجيه النظار إلى العتبار

بأحوال المم في الكفر واليمان والشقاوة والسعادة إذ ل شيء- يهدي النسان كالمثلت والوقائع فإذا امتثل المسلمون المر والرشاد ونظروا في أحوال المم السالفة وأسباب علمهم وجهلهم ورقيهم وانحطاطهم وقوتهم وضعفهم وعزهم وذلهم وسائر ما يعرض للمم كان هذا النظر أثر إيجابي في

نفوس المسلمين يحملهم على القتداء بالصالحين من قبلهم واتباع أسباب العلم والرقي والقوة والعز،



ليتمكنوا في الرض واجتناب أسباب الجهل والنحطاط والضعف والذل التي تؤدي إلى الشقاوةوالهلك والدمار.

ثم أشار الستاذ محمد عبده إلى علم التاريخ وما فيه من الفوائد والثمرات وذكر أن العاقل تأخذه الدهشة والحيرة إذا سمع أن كثيرا من شيوخ الدين من أمة هذا كتابها يعادون التاريخ بإسم الدين

ويزهدون فيه غيرهم كما يرغبون بأنفسهم عنه زاعمين أنه ل حاجة إليه ول فائدة منه ثم قال وكيف ل يدهش ويحار والقرآن ينادي بأن معرفة أحوال المم من أهم ما يدعو إليه هذا الدين)ويستعجلونك

بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلت وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك( .6لشديد العقاب( )الرعد/

وأورد بعدها سؤل وهو: كيف يأمرنا ال باتباع صراط من تقدمنا؟! وعندنا أحكام وإرشادات لم تكن عندهم، وبذلك كانت شريعتنا أكمل من شرائعهم وأصلح لزماننا وما بعده؟ وأجاب عما ذكرنا من قبل

أن دين ال في جميع المم وأما الصول فل خلف فيها فاليمان بال وبرسله وباليوم الخر وترك الشر وعمل البر والتحلي بالخلق الفاضلة والتخلي عن العادات المذمومة كل من ذلك أمر مشترك بين الجميع لنقتدي بهم في القيام على أصول الخير وهو أمر يتضمن الدليل على أن في ذلك الخير

والسعادة على حسب طريقة القرآن في قرن الدليل بالمدلول والعلة بالمعلول والجمع بين السبب والمسبب وتفصيل الحكام التي هذه كلياتها بالجمال نعرفه من شرعنا وهدى نبينا عليه أفضل الصلة

والسلم.

وزاد السيد محمد رشيد رضا عما قال أستاذه أن في السلم من ضروب الهداية ما قد يعد من الصول الخاصة به ويرى أنه مما يقتضي الستدراك على ما قرره الستاذ الشيخ محمد عبده، وذلك نحو بناء

العقائد في القرآن على البراهين العقلية والكونية وبناء الحكام الدبية والعلمية على قواعد جلب المصالح والمنافع ودفع المضار ة والمفاسد ونحو بيان أن للكون سننا مطردة تجري عليها عوالمه

العاقلة وغير العاقلة وكالحث على النظر في الكائنات لقصد العلم والمعرفة لما فيها من الحكمة والسرار التي يرتقي بها العقل وتتسع بها أبواب تكميل لصول الدين الثلث التي بعض بها كل نبي مرسل لجعل بنائه رصينا مناسبا لرتقاء النسان والصول الثلثة هي اليمان الصحيح وعبادة ال

تعالى وحده وحسن المعاملة مع الناس ول خلف فيها في رسالت جميع المرسلين.

والنعام أطلق في الية الكريمة لن من رزق نعمة التوفيق للخير فكأنما استجمع جميع النعم، والخير بـأسره محصور في السلم فمن هدي إليه فقد جمع بين نعمة الحال والمآل وللعلماء رأيان في الكفرة

هل يقال فيهم: إن ال أنعم عليهم أو يمنع ذلك؟ فالمعتزلة يجيزون هذا الوصف في غير المسلمين وأكثر علماء الكلم من غيرهم يمنعونه ونجد الفخر الرازي في تفسيره )مفاتيح الغيب( يستدل للقائلين بالمنع بأنه لو جاز نحو هذا الوصف في غير المؤمنين لدى ذلك إلى دخولهم ضمنا في قوله سبحانه: )الذين أنعمت عليهم( وهذا يقتضي جواز أن يقول النسان في دعائه)إهدني صراط من أنعمت عليهم من القوم الكافرين( ولما امتنع ذلك بالجماع ثبت لدينا عدم صدق وصف النعام على غير المؤمنين وأنت إذا تدبرت ما جاء من تقييد في نفس هذه الية الكريمة إتضح لك بطلن ما يقوله الرازي فإن قوله سبحانه)غير المغضوب عليهم ول الضالين( وصف تقييدي للمنعم عليهم، يخرج مما يقتضيه إطلق لفظ النعام كل من لم يكن على طريقة أصحاب الصراط المستقيم المعنيين في الدعاء، ويدل



على ذلك ما جاء في القرآن من تذكير الناس- مؤمنهم وكافرهم- بآلء ال وقد يأتي الخطاب موجها إلى غير المؤمنين ومما ورد هذا المورد قول ال عز وجل: )ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم

والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء ( وقوله: )كيف22- 21فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فل تجعلوا ل أندادا وأنتم تعلمون( )البقرة/

تكفرون بال وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون هو الذي خلق لكم ما في (29- 28الرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم( )البقرة/

وقوله عز وجل: )يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين( ( وقوله سبحانه: )يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على47)البقرة/

( وقوله تعالى: )ليلف قريش إيلفهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا122العالمين( )البقرة/البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف( )سورة قريش( .

إلى ما وراء ذلك من آيات المتنان التي تعم المؤمن والكافر تارة وتخص الكافرين تارة أخرى، أما ما قيل من أن هذه العطايا التي بسطها ال للكفار ليست إنعاما عليهم وإنما هي استدراج ول تساوي شيئا

إذا قيست بما ينتظرهم من عقاب فالجواب عنه: أنها وإن كانت استدراجا فهي ل تنافي أن تكون إنعاما، كما نص عليه الكتاب في خطاب بني إسرائيل والعقاب العظيم الذي ينتظر الكفار ليس مترتبا على النعم وإنما هو مترتب على كفرهم بها وبواهبها سبحانه وتعالى، والكفر قد كان باختيارهم ولم

يكونوا عليه مكرهين.

والنعمة عرفها بعض العلماء بأنها الحالة التي يستلذها النسان وقسمها بعضهم إلى دنيوية وأخروية والدنيوية إلى روحانية وجسمانية فالروحانية نفخ الروح وإنارة العقل وإذكاء المشاعر والجسمانية

تكوين الجسم وتجهيزه بالطاقات المختلفة والحواس المتنوعة والخروية هي الفوز برضوان ال والسعادة بجواره في جنات عدن وهي تترتب على نعمة الهداية المترتبة على التوفيق لستخدام العقل

فيما يؤدي إلى الخير وبهذا التقسيم يتضح لك أن من النعم ما يكون مشتركا بين المؤمن والكافر ومنها ما يكون خاصا بالمؤمنين والمنعم عليهم هنا هم المؤمنون لنهم الذين وفقوا لسلوك صراط

الحق المؤدي إلى رضوان ال عز وجل وطريقهم هو طريق العز والنصر في الدنيا والفوز والسعادة في الدار الخرة فإن ال سبحانه قد وعد بالستخلف والتمكين للمؤمنين الملتزمين لنهج اليمان

)وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ل يشركون بي شيئا

(.55ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون( )النور/

)غير المغضوب عليهم ول الضالين(



الجمهور قرأوا بجر "غير", وابن كثير قرأ بنصبها، وروى عنه الجر, ول إشكال في قراءة النصب، لن "غير" يلزمها التنكير، وإن أضيفت إلى المعارف كمثل، وذلك أنك إذا قلت:رأيت غيرك فكل، ما سوى المخاطب يحتمل أن يكون المراد، وكذلك إذا قلت: رأيت مثلك فإن العداد المحتمل قصدها من

أمثاله ل تحصى، لكثرة وجوه المماثلة، وعليه فالنصب هنا على الحال، وأما قراءة الجر فلعلماء العربية فيها رأيان: أولهما أن تكون "غير" بدل من " الذين" أو بدل من الضمير في "عليهم "

والوجه الثاني ضعيف, وهذا الرأي مبني على جواز البدال بالمشتق وما في حكمه، ويرى أبو حيان ضعفه. ثانيهما: أن تكون "غير" صفة للذين وهو مبني على أحد أمرين إما اعتبار "الذين" في حكم

المعرف بلم الجنس، وهو المعبر عنه بالمعهود الذهني، فإنه يكون معرفة بالنظر إلى مدلوله وله حكم النكرة بالنظر إلى قرينة البغضية المبهمة، ولذلك يعامل معاملتها في الوصف بالجملة وهى في

حكم النكرة، نحو قول الشاعر:



وإما إعتبار "غير" في حكم المعرفة، نظرا إلى وقوعها بين معرفتين متضادتين، وفي مثل هذه الحالة تكتسب التعريف، نحو قولك: إلزم العلم غير الجهل، وقولك: أرغب في الحياة غير الموت، فإنه ل ضد للعلم غير الجهل، ول ضد للحياة إل الموت، وكذلك قول ال تعالى : )الذين أنعمت عليهم( فإن هؤلء

ل ضد لهم ما جاء بعد "غير".

وانتقد أبو السعود إعتبار "الذين" في حكم المعهود الذهني في البهام، لنه ل معنى لن يضاف بدل "الصراط المستقيم" إلى الموصول إل لشهرته وتميزه، المنافيين للبهام، فإن البدل يراد به إيضاح المبدل منه، أما الزمخشري فإنه سوغ كل واحد من العتبارين وابن جرير اعتبرهما في حكم الوجه

الواحد وأضاف إليه وجها آخر وهو تقدير "صراط" مضاف إلى "غير" وفي هذا تكلف ل يخفى على متأمل وأنت إذا نظرت في الرأي الول، وجدته ل يخلو من مسوغ فإن توغل "غير" في السمية كاف

لعطائها بعض أحكام الجوامد كالبدلية وإن كانت في حكم المشتق والوصف أيضا ليس بالضعيف لمكان اعتبار إكتساب "غير" هنا للتعريف بسبب وقوعها بين ضدين وقد علمت مما نقلناه عن أبي السعود بطلن دعوى أن السم الموصول في قوله)صراط الذين أنعمت عليهم( في حكم النكرة وبهذا تعلم عدم صحة ما قاله العلمة الساليكوتي وغيره في تسويغ تلك الدعوى مما حاصله أنه ل صحة

لرادة جنس المنعم عليهم من حيث هو إذ ل صراط له ول غرض يتعلق بطلب صراط من أنعم عليهم على سبيل الستغراق سواء أريد استغراق الفراد والجماعات أو المجموع من حيث المجموع

فالمطلوب صراط جماعة ممن أنعم عليهم بالنعم الخروية وهم طائفة من المؤمنين ل بأعيانها، فإن نظر إلى البغضية المبهمة المستفادة من لضافة الصراط إليهم كان كالنكرة وإن نظر إلى مفهومه

الجنسي أي المنعم عليهم كان معرفة، نقل ذلك العلمة اللوسي ولم يعقب عليه إل بقوله: ول يخلو من دغدغة وبطلنه يظهر من حيث أن صراط جميع المنعم عليهم صراط واحد وهو الذي ذكره ال

تعالى في قوله: )وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم ( وقد صوره النبي صلى ال عليه وسلم للذهان في صورة153وصاكم به لعلكم تتقون ()النعام/

المحسوس عندما خط خطا في الرض مستقيما ل عوج فيه وقال)هذا صراط ال( وخط عن يمينه خطوطا وقال) هذه السبل ما من سبيل إل وعلى رأسه شيطان يدعو إليه( ثم تل الية وهذا يعني أن

صراط أي فرد من المنعم عليهم هو صراط الجنس كله وليس لكل طائفة منهم صراط خاص حتى يقال بأن الصراط المقصود هنا هو صراط طائفة من المؤمنين، ويؤكد ذلك أن الصراط المبدل منه معرف

وما أريد بالبدل إل مزيد اليضاح فل معنى لمجيئه مبهما، ولو كان مبهما- كما قالوا- لما صح أنيكون علما على الستقامة ومجانبة النحراف والعوجاج.

و"غير" هنا أشربت معنى النفي فلذلك صح أن تقابل بل النافية ولو كانت للستثناء المحصن لما جازذلك.

و"الغضب" هو انفعال نفسي يدفع بصاحبه إلى النتقام وهذا ل يليق بجلل ال سبحانه المنزه عن جميع صفات المخلوقين فلذلك أول الغضب في مثل هذا المقام إما بمسببه القريب وهو إرادة النتقام

أو بمسببه البعيد وهو إنزال العقوبة ولفظة الغضب تدل على الشدة ولذلك يطلق العرب وصف الغضوب على الناقة العبوس، وعلى الحية الخبيثة ويسمون الدرقة من جلد البعير المطوي بعضه



على بعض "غضبة" كما يسمون بذلك الصخرة المتميزة في الجبل، ومنه قول الراجز: أو غضبه فيهضبة ما أمنعا.

و"الضلل" يطلق على الذهاب عن الطريق السوي ومنه قوله عز وجل : )وقالوا أئذا ضللنا في ( أي عبنا فيما بالموت، ومنه قول10الرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون ()السجدة/

العرب: ضل اللبن في الماء إذا إمتزج به.

وجيء بفعل النعام مسندا إلى ضمير الخطاب الموجه إلى ال بخلف الغضب والضلل لجل تعليمالعباد كيف يتأدبون في مخاطبته عز وجل.



وجمهور المفسرين: على أن المراد بالمغضوب عليهم اليهود وبالضالين النصارى وذكر ابن أبي حاتم أنه ل يعلم خلفا بين المفسرين في ذلك وهو من التفسير المأثور عن الرسول صلى ال عليه وسلم

فقد أخرج عبد الرزاق وأحمد في مسنده وعبد بن حميد وابن جرير والبغوي وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبدال بن شقيق قال: أخبرني من سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو بوادي القرى على

فرس له، ويسأله رجل من بني القين فقال: من المغضوب عليهم يا رسول ال؟ قال:)اليهود( قال فمن الضالون؟ قال:)النصارى( واخرجه ابن مردوية عن عبدال بن شقيق عن أبي ذر رضي ال عنه أنه سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن ذلك فأجابه بما ذكر، وأخرج البيهقي عن عبدال بن شقيق عن رجل من بني القين أنه أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم فسأله..الخ وأخرج وكيع وعبد بن

حميد وابن جرير عن عبدال بن شقيق قال: كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يحاصر أهل وادي القرى فقال له رجل..الخ، وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر

وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم قال: قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:) أن المغضوب عليهم هم اليهود وإن الضالين هم النصارى( وأخرج أحمد وأبو داود وابن حبان

والحاكم وصححه والطبراني عن الشريد قال: مر بي رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنا جالس هكذا، وقد وضعت يدي اليسرى خاف ظهري واتكأت على ألية يدي فقال:) أتقعد قعدة المغضوب

عليهم( وهذا تفسير مروي عن جماعة من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم منهم ابن مسعود وابن عباس رضي ال عنهما وروى عن الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وكثير من أئمة التابعين فمن بعدهم قال الشوكاني: والمصير إلى هذا التفسير النبوي متعين وهو الذي أطبق عليه

أئمة التفسير من السلف.

وعضد هذا التفسير باقتران ذكر اليهود بالغضب وذكر النصارى بالضلل في عدة آيات من الكتاب نحو قوله عز وجل: )بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل ال بغيا أن ينزل ال من فضله

( وقوله: )قل90على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ()البقرة/ هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال من لعنه ال وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد

( وقوله عز من قائل: )لعن الذين60الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل ()المائدة /كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ()المائدة/

( وقوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا ل تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا78 عن سواء السبيل( والولى- كما قال اللوسي: الستدلل بالحديث لن الغضب والضلل وردا في

القرآن لجميع الكفار على العموم قال تعالى: )من كفر بال من بعد إيمانه إل من أكره وقلبه مطمئن ( وقال:106باليمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من ال ولهم عذاب عظيم()النحل/

( وقال: )أم تحسب أن167)إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال قد ضلوا ضلل بعيدا()النساء/( .44أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إل كالنعام بل هم أضل سبيل ()الفرقان/

واليهود والنصارى جميعا جديرون بوصف الضلل حقيقون بالغضب، لذا يتوجه السؤال عن وصف اليهود "بالمغضوب عليهم" والنصارى "بالضالين" وأجاب عنه ابن جرير :بأن ال وسم لعباده كل

فريق بما تكررت العبارة عنه به وفهم به أمره ولم ير ابن عطية هذه الجابة تشفي غليل- وإنها لكذلك- لذلك عدل عنها إلى الجواب بأن أفاعيل اليهود من اعتدائهم وتعنتهم وكفرهم مع رؤيتهم

اليات وقتلهم النبياء بغير حق أمور توجب الغضب في عرف الناس فسمى ال ما أحل بهم غضبا والنصارى لم تصدر منهم هذه الشياء وإنما ضلوا من أول أمرهم دون أن يقع منهم ما يوجب غضبا



خاصا بأفاعيلهم في عرف الناس بل الغضب العام الذي يستحقه كل كافر فلذلك وصفت كل واحدة منالطائفتين بما وصفت به.

وتنقل الفخر الرازي تضعيف هذا التفسير لن منكري الصانع والمشركين أخبث دينا من اليهود والنصارى، فكان الحتراز عن دينهم أولى واختار الفخر أن يحمل المغضوب عليهم على كل خطأ في العمال الظاهرة وهم الفساق ويحمل الضالون على كل من أخطأ في العتقاد لن اللفظ عام والتقييد

خلف الصل وذكر وجها آخر وهو أن المغضوب عليهم الكفار والضالين المنافقون لن ال تعالى بدأ بذكر المؤمنين والثناء عليهم في أوائل سورة البقرة ثم ثنى بذكر الكفار وتوعدهم ثم ثلث بذكر

المنافقين وتصوير أحوالهم فيحتمل أن يكون المغضوب عليهم هم الكفار والضالون المنافقين كما أن المنعم عليهم المؤمنون ورد ذلك اللوسي بأنه ل قول لقائل ول قياس لقياس بعد قول رسول ال صلى

ال عليه وسلم الصادق المين وحكى القرطبي أن المغضوب عليهم هم متبعو البدع والضالين هم الذين ضلوا عن سنن الهدى وذكر عن السلمي في حقائقه والماوردي في تفسيره أنهما حكيا: بأن

المغضوب عليهم من أسقط فرض هذه السورة في الصلة والضالين من ضل عن بركة قراءتها.

قال القرطبي: وليس بشيء ونقل عن الماوردي قوله: وهذا وجه مردود لن ما تعارضت فيه الخباروتقابلت فيه الثار وانتشر فيه الخلف لم يجز أن يطلق عليه هذا الحكم.

ويرى بعض المفسرين أن المغضوب عليهم هم الذين نبذوا الحق وراء ظهورهم بعد معرفتهم به وقيام حجته عليهم والضالين هم الذين لم يعرفوا الحق رأسا أو عرفوه على غير وجهه الصحيح ومن

بين القائلين بذلك المام محمد عبده وأوضح أن المغضوب عليهم ضالون أيضا لنهم بنبذهم الحق وراء ظهورهم قد استدبروا الغاية واستقبلوا غير وجهتها فل يصلون منها إلى مطلوب ول يهتدون فيه إلى مرغوب ولكن فرقا بين من عرف الحق فأعرض عنه على علم وبين من لم يظهر له الحق فهو تائه بين الطرق ل يهتدي إلى الجادة الموصلة منها وهم من لم تبلغهم الرسالة أو بلغتهم على وجه لم يتبين لهم فيه الحق فهؤلء هم أحق باسم الضالين فإن الضال حقيقة هو التائه الواقع في

عماية ل يهتدي معها إلى المطلوب، والعماية في الدين هي الشبهات التي تلبس الحق بالباطل وتشبهالصواب بالخطأ.

وقسم المام محمد عبده الضالين إلى أقسام:-

الول: من حرموا بلوغ دعوة الرسالة إليهم أو بلغتهم على غير وجهها الصحيح فهؤلء لم يرزقوا من أنواع الهداية إل ما يحصل بالحس والعقل وحرموا رشد الدين ومن الطبيعي أن ل تستقيم أحوالهم في شئونهم الدنيوية ولو قدر أن استقامت على الوجه الصحيح فل محيص لهم عن الضلل فيما تكون

به نجاة الرواح وتتحقق به سعادتها في الدار الخرة على أن الدين المستقيم من شانه أنه يفيض على أهله من روح الحياة ما تكون به سعادتهم في الدنيا والخرة معا فمن حرم الدين حرم السعادتين وظهر أثر التخبط والضطراب في أعماله المعاشية وحل به من الرزايا ما يكون عادة نتيجة الضلل

والخبط وهي سنة ال في هذا العالم ولن تجد لسنته تبديل.





ويرى المام محمد عبده أن أمر هؤلء في الخرة إلى ال إن شاء عفا عنهم وإن شاء أخذهم ولن يساووا المهتدين في منازلهم. وزاد السيد محمد رشيد رضا على كلم أستاذه ان الذين حرموا هداية

الدين ل يعقل أن يؤاخذوا في الخرة على ترك شيء مما ل يعرف إل بهذه الهداية، وهو معنى كونهم غير مكلفين ونسبه إلى الجمهور المتكلمين واستدل له بقوله عز وجل: )من اهتدى فإنما يهتدي

لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ول تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسول (( .15)السراء/

وانتقد السيد محمد رشيد رضا من قال إنهم مكلفون بالعقل لعدم ظهور وجه لقوله إل إن أراد أن حالهم في الخرة تكون على حسب ارتفاع أرواحهم بهداية العقل وسلمة الفطرة لن الناس يتفاوتون

في إدراكهم وأعمالهم بسبب تفاوت استعدادهم الفطري والختلف وسائل تربيتهم.

ويرى السيد محمد رشيد رضا بهذا الجمع بين القولين في تكليفهم وهدمه أو الفصل بينهما وذكر أن ما يعطيهم ال تعالى إياه في الدار الخرة على حسب ما يكونون عليه من الخير أو الشر ومن

الفضيلة أو الرذيلة هو الجزاء المعادل على أعمالهم الختياريه ويزيدهم ال من فضله إن شاء.

هذه خلصة كلمهما وأنت تدري أن من المور التكليفية ما تكون طريقة معرفته العقل كمعرفة الخالق عز وجل وصفاته الواجبة وانتفاء أضدادها ولذلك يحيل القرآن الكريم إلى التفكر في ملكوت السماوات

والرض لجل الهتداء إلى معرفة الخالق وعظمته وتقوية اليمان به عز وجل ويشير القرآن الكريم إلى أن الذين يستفيدون من ذلك هم أولوا اللباب الذين يستخدمون ما وهبهم ال تعالى من طاقات

العقل والفكر في استجلء الحقيقة واستظهار الحق ومن ذلك قوله عز وجل: )إن في خلق السماوات والرض واختلف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل ال من السماء

من ماء فأحيا به الرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين ( وقوله عز من قائل: )إن في خلق السماوات164السماء والرض ليات لقوم يعقلون ()البقرة/

( والكفار الذين حرموا نعمة190والرض واختلف الليل والنهار ليات لولي اللباب ()آل عمران/ الهداية والدين قد طمسوا أنوار بصائرهم بما أخلدوا إليه من الكفر وجنحوا إليه من الضلل ولذلكحكى ال تعالى عنهم قولهم يوم القيامة: )وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير (

( .10)الملك/

إذا تدبرت ذلك، اتضح لك أن من لحت لـه معالم الحقيقة وانكشفت لبصيرته أعلم الحق فتعامى عنها مستمسكا بما ورثه من العقائد لن يكون سالما وكذلك الذي ل يكلف نفسه مؤونة البحث عن الحق والتفتيش عن الصواب أما الذي ينشد الحق ويتبع كل بارقة تلمع له من نوره ويحرص على أداء واجباته الجتماعية من غير تفريط فيها فلذلك الذي ترجى لـه السلمة عند ال على أن الحجة قد

قامت على الناس بما يسمعون عنه من أخبار النبوات وأحوال النبيين وما عليهم إل أن يفتشوا عن ضالتهم المنشودة وال ل يضيع علما عامل )والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن ال لمع

(.69المحسنين ()العنكبوت/

ونحن نسلم أن الشرع هو الحكم في العقائد والعمال ولكنا نرى وجوب استخدام العقل مع تعذر الوصول إلى الشرع وهذا يقضي أن يتجنب النسان كل ما يستحقه عقله قبل التوصل إلى حكمه



الشرعي ول ريب أن ذهب من ذهب من علمائنا- كالمامين أبي سعيد وابن بركة- إلى وجوب تحكيم العقل عند تعذر الوصول إلى الشرع حتى في المور العلمية ولهذه المسألة مباحث ليس من غرضنا

استيفاؤها فمن أرادها فليطلبها من مظانها ككتاب الستقامة للمام الكدمي ومشارق أنوار العقولللمام السالمي رحمهما ال.

الثاني: من بلغته الدعوة على وجه يؤدي إلى النظر فساق همته إليه واستفرغ جهده فيه ولكن لم يوفق إلى اليمان بما دعي إليه وانقضى عمره وهو جاد في الطلب وهذا القسم ل يتكون إل من أفراد

متفرقين في المم ول ينطبق على شعب بأسره من الشعوب فل يظهر له أثر سلبي في أحوال شعب أو أمة وما يكون لهما من سعادة أو شقاء في الحياة الدنيا أما منزلة صاحب هذه الحالة في الدار الخرة فقد نقل المام محمد عبده عن بعض الشاعرة انه ممن ترجى له رحمة ال تعالى وعزا صاحب هذا

الرأي مثله عن أبي الحسن الشعري وعز المام محمد عبده إلى الجمهور- بناء على رأيهم- إن مؤاخذته أخف من مؤاخذة الجاحد الذي أنكر التنزيل واستعصى على الدليل وكفر بنعمة العقل روضي

بخطة من الجهل.

هذا ملخص ما قاله في أصحاب هذا القسم ولكنني أستبعد حدا أن يتجه إنسان إلى الحق غير راغب عن شيء منه ول مؤثر لهواه عن بعض ما يقتضيه الحق ويستلزمه الرشد مستخدما كل الوسائل

الممكنة له في الوصول إليه، ثم يحال بينه وبينه لن ال تعالى يقول: وال ل يخلف الميعاد فل يتصور هذا بحال وإذا ضل النسان عن جملة الحق أو عن بعضه فما هو إل نتيجة تقصيره في البحث أو

اتباعه بعدما تبين له الهدى ومثل هذا ل يصح أن ترجى له رحمة ال لن رحمة ال إنما هي للمتقين.

الثالث: من بلغتهم الرسالة وصدقوا بها بدون نظر في أدلتها ول وقوف على أصولها فكانت عقائدهم نابغة من أهوائهم وهم أصحاب البدع المنحرفون في إعتقادهم عن هداية الوحي وهم الذين مزقوا

شمل المة لنحرافهم عن نهج سلفنا الصالح وأشار المام محمد عبده إلى طرف من آثار هؤلء في الناس فذكر أن الرجل منهم يأتي إلى دوائر القضاة فيستخلف بال العلي العظيم أنه لم يفعل ما نسب إليه فيحلف وعلمة الكذب بادية على وجهه فإذا أتاه المستحلف من طريق آخر وحمله على الحلف بشيخ من المشايخ الذين يعتقد لهم الولية لم يلبث أن يتغير لونه وتتزلزل أركانه ويرجع في قسمه

ويقول الحق مقرا بأنه فعل ما حلف أول بال أنه لم يفعله تكريما لسم ذلك الشيخ وخوفا منه أن يسلب عنه نعمة أو ينزل به نقمة إذا حلف باسمه كذبا ويرد المام محمد عبده هذا الضلل إلى الضلل

في اليمان بال وما يجب له من الوحدانية في الفعال ثم أشار بعد ذلك إلى الضللت المتنوعة التي عرضت على دين السلم وسلكت بهذه المة سبل معوجة ل توصل إلى حق ول رشد، وذكر أن من

أشنع هذه الضللت أثرا وأشدها ضررا خوض رؤساء الفرق منهم في مسائل القضاء والقدر والختيار والجبر والوعد والوعيد وتهوين مخالفة ال على النفوس ثم ذكر أنه لبد لم أراد تمحيص

العتقاد ومعرفة ما فيه من الضلل والرشاد من تنزيه القرآن عن إدخال أي شيء مما في أدمغة الناس من المعتقدات فيه وبدون ذلك ل يمكن معرفة الهداية من الضلل لختلط الموزون بالميزان فل

يدري ما هو الموزون به ثم أوضح أن معنى ذلك أن يكون القرآن أصل تحمل عليه المذاهب والراء في الدين ل أن تكون المذاهب أصل والقرآن هو الذي يحمل عليها ويرجع بالتأويل أو التحريف إليها

كما جرى عليه المخذولون وتاه فيه الضالون. الرابع: الذين ضلوا في العمال وحرفوا الحكام عما وضعت له نتيجة الخطأ في فهم مقاصد الشعائر



الدينية والواجبات الجتماعية التي فرضت في السلم وضرب المام محمد عبده لذلك مثل: الحتيال في الزكاة بتحويل المال إلى ملك الغير قبل حلول الحول ثم استراده بعد مضي جزء من الحول الثاني

هروبا من الزكاة المفروضة ويظن المحتال أنه بحيلته قد خلص من أداء الفريضة ونجا من غضب من ل تخفى عليه خافية ول يعلم أنه بذلك يهدم ركنا من أركان دينه ويعمل عمل من يعتقد أن ال قد

فرض فرضا وشرع بجانب ذلك الفرض ما يذهب به ويمحو أثره وذلك محال على ال سبحانه وتعالى.



ومثل هذا التحايل الذي ذكره الستاذ المام الحيل الربوية التي كثيرا ما يستخدمها الذين ل يرعون للدين حرمة ول يرقبون في مؤمن إل ول ذمة نحو ما تعارف عليه الناس من بيوع القالة فتجد

أحدهم إذا احتاج يبيع عقارا للخر بثمن معلوم ويشترط القالة إلى مدة معلومة ويتفق البائع والشاري على أن يستأجر البائع المبيع من المشتري في كل شهر بقدر معلوم من غير أن يتخلى عنه ويقبضه

المشتري وفي هذا العقد حرم متعددة:-

الولى: حرمة التذرع إلى الربا والتحايل على من ل تخفى عليه خافية وحرمة الربا لما فيه منالستغلل وابتزاز ثروات المحتاجين وهذا المعنى حاصل في هذه المعاملة.

الثانية: حرمة بيع ما لم يقبض وربح ما لم يضمن وقد صح النهي عن ذلك عن النبي صلى ال عليهوسلم.

الثالثة: حرمة بيعين في بيع ولليجار حكم البيع فاجتماع عقدته وعقدة البيع معا يضفي على هذاالعقد هذا الحكم نفسه.

الرابعة: حرمة الشرطين في بيع وهذا العقد ليس منطويا على الشرطين فحسب بل على ثلثة شروط:أولها شرط القالة ثانيها شرط الستئجار ثالثها اشتراط كون الستئجار بثمن معلوم ومثل هذا

قد تفشى في معاملت الناس نتيجة الجهل والستخفاف بأحكام ال تعالى.

وذكر الستاذ المام أن ثلثة أقسام من هذا الضلل أولها وثالثها ورابعها يظهر أثرها في المم فتختل فيها قوى الدراك وتفسد الخلق وتضطرب العمال ويحل بها الشقاء عقوبة من ال لبد من نزولها

بهم سنة ال في خلقه ولن تجد لسنته تحويل وذكر أن حلول الضعف ونزول البلء بأمة من المم من العلمات والدللت على غضب ال تعالى بما أحدثته في عقائدها وأعمالها مما يخالف سننه لهذا

علمنا ال تعالى كيف ندعوه بأن يهدينا طريق الذين ظهرت نعمته عليهم بالوقوف عند حدوده وتقويم العقول والعمال بفهم ما هدانا إليه وأن يجنبنا طرق أولئك الذين ظهرت فيهم آثار نقمة بالنحراف

عن شرائعه سواء كان ذلك عمدا وعنادا أو غواية وجهل وذكر أن المة إذا ضلت سبيل الحق ولعب الباطل بأهوائها فسدت أخلقها واعتلت أعمالها وقعت في الشقاء ل محالة، وسلط ال عليها من

يستذلها ويستأثر بشئونها ول يؤخر لها العذاب إلى يوم الحساب وإن كانت ستلقى منه نصيبها أيضا، فإذا تمادى بها ألغي، وصل بها إلى الهلك ومحا أثرها من الوجود، لهذا علمنا ال تعالى كيف ننظر

في أحوال من سبقنا، ومن بقيت آثارهم بين أيدينا من لمم لنعتبر ونميز بين ما تكون به سعادة المة أو شقاؤها، أما في الفراد فلم تجر سنة ال بلزوم العقوبة لكل ضال في هذه الحياة الدنيا، فقد

يستدرج الضال من حيث ل يعلم ويدركه الموت قبل أن تزول النعمة عنه وإنما يلقى جزاءه )يوم ل ( انتهى كلمه وهو بحث نفيس ولجل نفاسته19تملك نفس لنفس شيئا والمر يومئذ ل ()النفطار

حرصت على إيراد أقسام الضالين التي ذكرها وإن كنت أجنح إلى تفسير الضالين في الية بما أثر عنالنبي صلى ال عليه وسلم وعن السلف.

ويرى السيد محمد رشيد رضا الجمع بين التفسير المأثور والتفسير الذي عزاه إلى المحققين- ومنهم شيخه المام محمد عبده – بما حاصلة, أن ما ذكره المحققون ليس مخالفا للمأثور، لورود المأثور

مورد التمثيل ل التخصيص والحصر.





ونستفيد أمرين جليلين من قوله تعالى )صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولالضالين ( :

أولهما : وجوب الترابط والتلحم بين المؤمنين بحيث يكون أفرادهم كتلة منيعة, وتأتى أجيالهم حلقاتمتتابعة في سلسلة واحدة, يواصل كل جيل منها ما بدأه الجيل الذي تقدمه.

ثانيهما : وجوب نفرة المؤمنين عن أعداء الدين ومنابذتهم بحيث ل يلقون معهم على فكر ول خلقول سلوك.

وهذان المران هما المعروفان عند العلماء – وخاصة أصحابنا- بالولية والبراءة ولجل أهميتهما جاءت هذه السورة التي هي أكثر تكرارا على ألسنة المسلمين في الصلة وغيرها, مؤكد عليهما، فال

تعالى يعلم عباده أن يطلبوا منه، بأن يهديهم صراط الذين أنعم عليهم، من سلفهم الصالحين الذين استقاموا على الطريقة وقاموا النحراف، وأن يطلبوا بأن يوفقهم لمجانبة طرق أضدادهم من

المغضوب عليهم ول الضالين، وما أجملته الية الكريمة هنا قد فصلته وأكدته آيات أخرى في سائر القرآن منها قوله عز وجل: )والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة ويطيعون ال ورسوله أولئك سيرحمهم ال إن ال عزيز

( وقوله: )إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل ال والذين71حكيم()التوبة/ آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من وليتهم من شيء حتى

يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إل على قوم بينكم وبينهم ميثاق وال بما تعملون73،7بصير والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إل تفعلوه تكن فتنة في الرض وفساد كبير ()النفال/

( وقوله تعالى: )ياأيها الذين آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا2 بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بال ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي

وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو

( وضرب ال مثل لعباده المؤمنين إبراهيم عليه السلم ومن معه الذين أعلنوا2،1تكفرون()الممتحنة/ براءتهم من القوم الكافرين وإن كانوا من ذوي قرباهم حيث قال: )قد كانت لكم أسوة حسنة في

إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون ال كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بال وحده إل قول إبراهيم لبيه لستغفرن لك وما أملك لك

من ال من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ربنا ل تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ( ثم تلى ذلك ما يدل على وجوب التأسي بهم وعلى أن ذلك5،4ربنا إنك أنت العزيز الحكيم()الممتحنة/

لزم اليمان بال واليوم الخر حيث قال: )لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجوا ال واليوم ( ومفهوم هذا أن من لم يتأس بهم ليس من6الخر ومن يتول فإن ال هو الغني الحميد()الممتحنة/

الذين يرجون ال واليوم الخر وفي خاتمة الية مال يخفى من الوعيد لمن أعرض عن هذا المر واستخف بهذا الواجب وبين سبحانه أنه ليس من شأن المؤمن أن يوالي أحدا ممن عرف عداوته ل ولدينه، ولو كان أقرب قريب فقد قال عز وجل: )ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من

حاد ال ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها رضي ال عنهم ورضوا عنه

( وأكد سبحانه وتعالى أن من تولى كافرا22أولئك حزب ال أل إن حزب ال هم المفلحون ()المجادلة/



فله حكمه حيث قال: )ياأيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن ( وبين عز وجل أن هذه الموالة ل51يتولهم منكم فإنه منهم إن ال ل يهدي القوم الظالمين()المائدة/

تنشأ إل عن مرض نفساني عضال يستحكم في قلوب الذين ل يرجون ال واليوم الخر حيث قال: )فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى ال أن يأتي

( وحذر في هذا52بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين()المائدة/ السياق من الرتداد تعريضا بالذين اتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين وتنبيها على أن هذه

الموالة تؤدي إلى الردة والعياذ بال وذلك في قوله: )ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل ال

( ويأتي في هذا54ول يخافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم ()المائدة/ السياق نفسه بيان صفات القوم الذين يجب على المؤمن أن يرتبط بهم بحبل الولية وهم الذين

يجمعون بين اليمان الراسخ والعمل الصالح وذلك حيث يقول: )إنما وليكم ال ورسوله والذين آمنوا ( وأتبع ما يكشف عن عاقبة الترابط55الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة وهم راكعون()المائدة/

بين المؤمنين برباط الولية في قوله تعالى: )ومن يتول ال ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم ( ثم أتبع ذلك كله تأكيد التحذير من ولية جميع القوم الكافرين في قوله: )ياأيها56الغالبون()المائدة/

الذين آمنوا ل تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء(. 57واتقوا ال إن كنتم مؤمنين ()المائدة/

وفي هذا ما يكفي العاقل تنفيرا وتحذيرا من الندفاع وراء خطوات الكافرين وهم الذين ل يضمرون لهذه المة إل الحقد السود الدفين ول يريدون لها إل الذوبان في بوتقة اللحاد أو الغرق في خضم الفساد، ولذلك ينصبون كل ما يمكن من شراك المكائد لصطياد مرضى القلوب وضعاف اليمان من

هذه المة الذين يعيشون بريق المظهر وتستويهم نغمة التضليل والفساد وما الغاية من ذلك إلترغيبها في سفاسف المور وتزهيدها في معاليها هذا بجانب التآمر عليها في استقللها وثرواتها.

ول ريب أن غفلة هذه المة عن ذلك كله هو الداء العضال المستعصي على العلج وإذا ألقينا نظرة على طريقة السلف الصالح الذين مكن ال لهم في الرض واستخلفهم فيها نجد حياتهم تنم عن عمق

فهمهم لمقاصد لهم في الرض واستخلفهم فيها نجد حياتهم تنم عن عمق فهمهم لمقاصد هذه التوجيهات الربانية ولذلك كانوا ينأون بأنفسهم ويربأون بها عن الدنو حول ما يوهم مودة لعدائهم

أو إعجابا بشيء من أمرهم وذلك نتيجة التربية العلمية التي ربوا بها على هداية القرآن وإرشاده ونصحه وتعاليمه وكان على رأس من قام بهذه التربية في هذه المة رسول ال صلى ال عليه وسلم.

كما يتجلى ذلك في أقواله وأفعاله صلى ال عليه وسلم فقد بلغ الحال أن كان صلوات ال عليه وسلمه يحرص على مخالفة الكفار حتى في المور العادية ومن ذلك ما يروى أنه عليه أفضل الصلة

والسلم كان واقفا في حال دفن ميت وكان أصحابه وقوفا معه فمر بهم يهودي وقال: هكذا تصنع أحبارنا فقعد النبي صلى ال عليه وسلم وأمر أصحابه بالقعود مخالفة لمسلك اليهود وكثيرا ما كان

الرسول صلى ال عليه وسلم يقول لصحابه في معرض المر والنهي )خالفوا اليهود أو خالفوا المشركين( وذلك لئل يتأثر السلوك فتتأثر بالتالي العقيدة وهنا ل يملك المؤمن إل أن يقف خاشعا أما

عظمة السلم وعمق حكمته وسلمة تربيته ولكن يا السف الشديد أين هذه التعاليم القرآنية



والتوجيهات النبوية من أمة اليوم؟ التي أخذت تلهث وراء بهرجة الجاهلية الحديثة، واطئة بأقدامها على قيمها وأخلقها وعقيدتها فما أكثر أولئك الذين يقيسون التقدم الحضاري بمقياس التأثر بحياة

الغرب الجاهلية فأصبحوا يتأسون بالغربيين في مأكلهم ومشربهم وملبسهم ونومهم وحديثهم وجميع أمورهم المعاشية معتقدين بأن ذلك رمز الوعي وعنوان الترقي ول يدري هؤلء البله أن ذلك إن دل

على شيء فإنما يدل على الحماقة والتخلف والنحطاط والذوبان.

هذا وقد بلغ السلم من دقته في هذه المور أن كل ما أراد أن يصل إلى هذه المة من مواريث النبوات السابقة أوصله إليها بطريق الوحي ل بطريق العادات الجاهلية بل قطع أول صلتهم بالجاهلية رأسا لئل تبقى هذه المة عالة على غيرها من المم في شيء من عقيدتها ول في شيء من عباداتها

وعادتها ويكفي مثل لذلك تعظيم البيت الحرام الذي بقى عند العرب مما ورثوه عن أبي النبياء إبراهيم عليه السلم ولكن بما أن ذلك قد تلوث بلوثات الجاهلية صرف ال تعالى هذه المة أول حتى

عن التجاه إلى البيت الحرام في صلتها، لتتلقى جميع أمور دينها عن ربها سبحانه، من طريق الوحي، ل من طريق العادات الجاهلية ولما استقرت عقيدتها ورسخ إيمانها وصارت ل تتلقى إل عن ال تعالى أمرت من جديد باستقبال البيت الحرام وشرعت لها المناسك العظام بعدما محصتهم هداية ال ونجحوا في مرحلة المتحان ولذلك يقول ال تعالى: )وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء

على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إل لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إل على الذين هدى ال وما كان ال ليضيع إيمانكم إن ال

( وفي هذا ما يكفي لن يكون عبرة لولى اللباب نسأل ال العون143بالناس لرءوف رحيم ()البقرة/والتوفيق والتأييد والتسديد وهو حسبنا وكفى.

تلوة الفاتحة في الصلة



فاتحة الكتاب هي أم القرآن بالنص الثابت عن النبي صلى ال عليه وسلم وبما ذكرناه من اشتمالها على مجمل معاني القرآن ولذلك شرعت تلوتها في الصلة لتذكير المصلي بما تحتويه من المعاني

القيمة التي أنزل القرآن لتبيانها ول خلف بين المة في مشروعية تلوة الفاتحة في الصلة ولكنهماختلفوا في فرعين من فروع هذه المسألة نقسم الحديث عنهما إلى مبحثين:-

: لقد جاءت الحاديث الصحيحة عن رسول الالمبحث الول: في وجوب تلوة الفاتحة في الصلة صلى ال عليه وسلم دالة على مشروعية تلوة الفاتحة في الصلة بل على وجوبها منها ما أخرجه

الربيع رحمه ال عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أنس بن مالك رضي ال عنهم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم)من صلى صلة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج( ورواه الجماعة إل

البخاري وابن ماجه عن ابي هريرة رضي ال عنه. وعن عائشة رضي ال عنها قالت: سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول) من صلى صلة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج( رواه أحمد وابن

ماجه ورواه البيهقي من طريق علي مرفوعا )كل صلة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج( وفر الربيع رحمه ال الخداج بالناقصة وهي غير التمام، ومنها ما أخرجه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة

رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم أمره أن يخرج فينادي: )ل صلة إل بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد( وهو وإن أعل بجعفر ابن ميمون الذي قال النسائي عنه: ليس بثقة وقال أحمد: ليس

بقوي وقال ابن عدي يكتب حديثه في الضعفاء فإنه يعتضد بما أخرجه مسلم وأبو داود وابن حيان عن عبادة بن الصامت رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال) ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا( والحديث مروي عند الدارقطني بلفظ )ل تجزئ صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب( وقال إسناده صحيح وصححه ابن القطان أيضا ويعتضد بشاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بهذا

اللفظ أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما ورواه أحمد بلفظ ) ل تقبل صلة ل يقرأ فيها بأم القرآن( والحاديث في ذلك كثيرة يعزز بعضها بعضا منها حديث أنس عند أحمد والترمذي وحديث أبي

قتادة عند أبي داود والنسائي وابن عمر عند ابن ماجه وأبي سعيد عند أحمد وأبي داود وابن ماجهوأبي الدرداء عند النسلئي وابن ماجه وجابر عند ابن ماجه.

وجمهور المة يحملون هذه الحاديث على الوجوب حتى إن الفخر الرازي نقل عن ابي حامد السفرائيني انه حكى إجماع الصحابة رضوان ال تعالى عليهم على وجوب قراءة الفاتحة في كل

ركعة من الصلة وذكر جماعة عن أبي حنيفة والثواري والوزاعي ما يدل على عدم وجوب قراءتها وذلك أنهم قالوا: إن تركها عامدا في صلته كلها وقرأ غيرها أجزاه على اختلف عن الوزاعي في

ذلك وقال أبو يوسف ومحمد ابن الحسن صاحبا أبي حنيفة: أقله ثلث آيات أو آية طويلة: كآية الدين وذكر عن محمد بن الحسن أيضا أنه قال: أسوغ الجتهاد في مقدار آية ومقدار كلمة مفهومه نحو

الحمد ل ول أسوغه في حرف ل يكون كلما.

وذكر القرطبي عن الطبري أنه قال: يقرا المصلي بأم القرآن في كل ركعة فإن لم يقرأ بها لم يجزه إل مثلها في القرآن عدد آياتها وحروفها، ونقل القرطبي عن ابن عبد البر قوله: وهذا ل معنى له لن

التعيين لها والنص عليها قد خصها بهذا الحكم دون غيرها ومحال أن يجيء بالبدل منها من وجبت عليه فتركها وهو قادر عليها وإنما عليه أن يجيء بها ويعود إليها كسائر المفروضات المتعينات في العبادة وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح أن الحنفية يتفقون مع غيرهم على وجوب قراءة الفاتحة في الصلة لكن بنوا على قاعدتهم أنها مع الوجوب ليست شرطا في صحة الصلة لن وجوبها إنما ثبت



بالسنة والذي ل تتم الصلة إل به فرض والفرض عندهم ل يثبت بما يزيد على القرآن وقد قال تعالى: ( فالفرض قراءة ما تيسر وتعيين الفاتحة إنما يثبت20)فاقرءوا ما تيسر من القرآن ()المزمل/

بالحديث فيكون واجبا يأثم من يتركه وتجزيء الصلة بدونه.

وأتبع الحافظ ذلك قوله: وإذا تقرر ذلك ل يقتضي عجبي ممن يتعمد ترك قراءة الفاتحة منهم وترك الطمأنينة فيصلى صلة يريد أن يتقرب بها إلى ال تعالى وهو يتعمد ارتكاب الثم فيها مبالغة في تحقيق مخالفته لمذهب غيره والذي نسبه إلى الحنفية من وجوب الفاتحة في الصلة نص عليه

الكساني منهم في بدائع الصنائع وإنما حصر الوجوب في الركعتين الوليين من ذوات الربع والثلث وفي كلتا الركعتين من ذات الركعتين وذكر أن من تركها عمدا كان مسيئا ومن تركها سهوا لزمه

سجود السهو قال: وهذا عندنا- يعني الحنفية-.

وهذا التفصيل نسبة الفخر الرازي إلى أبي حنيفة نفسه وقال في الركعتين الخيرتين يخير المصلي إن شاء قرأ وإن شاء سبح وإن شاء سكت، ونسب الفخر إلى صاحب كتاب الستحباب أن القراءة واجبة

في الركعتين من غير تعيين وحكى عن ابن الصباغ أنه نقل في كتاب الشامل عن سفيان وجوب القراءة في الركعتين الوليين وكراهتها في الخريين والقول بالكتفاء بالتسبيح في الخريين منسوب

في بعض كتب أصحابنا إلى المام أبي معاوية عزان بن الصقر رحمه ال وحكى الفخر عن الصم وابن علية أن القراءة غير واجبة أصل وذهب الحسن البصري والحسن بن صالح بن حي إلى أن

قراءتها في ركعة واحدة مجزئة سواء كانت الصلة ثنائية أو ثلثية أو رباعية ونسبه القرطبي إلى المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي المدني وإلى أكثر أهل البصرة وحاصل المقام أن في المسألة

أقوال:-

أولها: قول الجمهور وهو اشتراط الفاتحة في كل ركعة من ركعات الصلة وحكى السفرائيني إجماع الصحابة عليه وذكر أنه قال به أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود ونسبه غيره إلى ابن عباس وأبي

هريرة وابن عمر وأبي بن كعب وأبي أيوب النصاري وعبدال بن عمرو بن العاص وأبي سعيد الخدري وعثمان بن أبي العاص وخوات بن جبير وعليه جمهور أصحابنا وبه قال مالك والشافعي

وهو المشهور عن أحمد ونسبه القرطبي إلى مشهور مذهب الوزاعي ونسبه الشوكاني إلى المعتزة.

ثانيها:عدم وجوب القراءة في الصلة أصل وهو قول الصم وابن علية.

ثالثها: وجوبها في ركعة من ركعات الصلة فقط وهو قول الحسن البصري ومن تابعه ونسب إلىداود وإسحاق والهادي والمؤيد بال.

رابعها: وجوبها في الركعتين الوليين والجتزاء بالتسبيح في الخرين وهو رأي الحنفية وبه يقول أبو معاوية عزان بن الصقر من أصحابنا غير أن الحنفية ل يرون بطلن الصلة بدونها، كما تقدم

بناء على تفرقتهم بين الفرض والواجب.

خامسها: الستغناء عن الفاتحة يغيرها من القرآن نحو ثلث آيات أو آية طويلة كآية الدين وهو رأي أبي يوسف ومحمد بن الحسن وسوغ محمد بن الحسن الجتهاد في آية أو كلمة مفهومة نحو )الحمد



ل( دون حرف ل يكون كلما وذكر ابن قدامة في المغنى عن أحمد رواية أنها ل تتعين وتجزيءقراءة آية من القرآن من أي موضع كان.

سادسها: اشتراط قراءة الفاتحة أو مثلها من القرآن في عدد آياتها وحروفها نسبه القرطبي إلىالطبري.

سابعها: وجوب قراءتها في الركعتين الوليين وكراهتها في الخريين وهو قول سفيان حسبما نقلهالفخر الرازي عن كتاب الشامل لبن الصباغ.

والصحيح من هذه الراء القول بوجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وهو الذي تقتضيه الحاديث التي أسلفنا ذكرها ويعضده إجماع الصحابة الذي حكاه أبو حامد السفرائني أما القول بإسقاط وجوب

( ومصادم20القراءة رأسا فهو مناف لدللة قوله تعالى: )فاقرءوا ما تيسر من القرآن ()المزمل/لنصوص الحاديث التي أسلفنا ذكرها.



وأما القائلون بالجتزاء بتلوتها في ركعة من ركعات الصلة فيرد عليهم قول النبي صلى ال عليه وسلم للمسيء صلته:" ثم افعل ذلك في صلتك كلها" بعد أن أمره بالقراءة. رواه الجماعة من طريق

أبي هريرة رضي ال عنه وفي رواية لحمد وابن حبان والبيهقي في قصة المسيء صلته أن النبي صلى ال عليه وسلم قال له :" ثم افعل ذلك في كل ركعة" كما يرد عليهم فعل النبي صلى ال عليه وسلم فقد أخرج البخاري عن أبي قتادة أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب...والنبي عليه أفضل الصلة والسلم تأتي أفعاله في العبادات تشريعا لمته يستوضح بها ما

انبهم ويستبان بها ما أجمل وقد قال:" صلوا كما رأيتموني أصلي" ول متعلق لهم في نحو قوله صلى ال عليه وسلم" ل تقبل صلة ل يقرأ فيها بأم القرآن" اعتبارا أن الستثناء من النفي إثبات فإذا

حصلت قراءة الفاتحة في الصلة مرة واحدة صحت الصلة لن سنته صلى ال عليه وسلم القولية والفعلية بينت أن هذه القراءة المطلوبة يجب أن تكون في كل ركعة من ركعات الصلة ل في ركعة

واحدة فحسب فاتضح بذلك أن صحة الصلة موقوفة على تلوة الفاتحة في كل ركعة وبهذا يرد علىالقائلين بالجتزاء بها في الركعتين الوليين من صلة رباعية أو ثلثية.

وأما القائلون بكفاية غيرها عنها- سواء القائلون بكفاية آية أو ثلث آيات أو مثل الفاتحة في مثل عدد آياتها وحروفها- فأحاديث اشتراط الفاتحة كافية في هدم رأيهم والكشف عن ضعفه ول حجة لهم في إطلق قوله تعالى)فاقرءوا ما تيسر من القرآن ( وقول النبي صلى ال عليه وسلم للعرابي المسيء

صلته:" ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" لن المجمل يحمل على المبين والمطلق يرد إلى المقيد على انه ورد في حديث المسيء أيضا عند أحمد وأبي داود وابن حبان بلفظ: " ثم اقرأ بأم القرآن"

وروى الشافعي بإسناده عن رفاعة بن رافع أن النبي صلى ال عليه وسلم قال للعرابي:" ثم اقرأ بأم القرآن وما شاء ال أن تقرا" وفي مثل هذا دليل على تعين الفاتحة وأن ما تيسر محمول على ما زاد

عليها، مع احتمال أنه لم يكن يحسن الفاتحة، والية الكريمة جاءت في سياق أمر النبي صلى ال عليه وسلم بقيام الليل وليست في الصلوات الخمس، وذكر بعض العلماء احتمال أنها نزلت قبل نزول

الفاتحة لنها نزلت بمكة المكرمة في صدر زمن الرسالة فليس فيها ما يدل على معارضة الحاديث أما ما يتعلقون به من حديث أبي سعيد بلفظ:" ل صلة إل بفاتحة الكتاب أو غيرها" فإن ابن سيد الناس يقول: ل يدري بهذا اللفظ من أين جاء وقد صح عن أبي سعيد عند أبي داود أنه قال: أمرنا أن نقرأ

بفاتحة الكتاب وما تيسر...وإسناده صحيح ورواته ثقات.

واما تعلقهم بحديث أبي هريرة عند أبي داود بلفظ:" ل صلة إل بقرآن ولو بفاتحة الكتاب" فيجاب عنه بأنه من رواية جعفر بن ميمون وقد سبق أن ذكرنا عن النسائي وأحمد وابن عدي تضعيفه وهو أيضا مردود بأن أبا داود أخرج من طريقه عن أبي هريرة بلفظ:" أمرني النبي صلى ال عليه وسلم أن أخرج فأنادي أنه ل صلة إل بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد" وليست تلك الرواية بأولى من هذه بل هذه أولى بما يشدها من الروايات الخرى التي هي أقوى سندا وأصح متنا على أنه يحتمل أن المراد

بقوله عليه أفضل الصلة والسلم- لو صحت الرواية- "ل صلة إل بقرآن ولو بفاتحة الكتاب"الجتزاء بقراءة الفاتحة وحدها في بعض الصلوات كصلة السر كما هو المذهب عندنا.

وبالجملة فإن كل ما يتعلق به المخالف في هذه المسألة وإما رواية واهية أو ذات احتمال والدليل إذا طرقه الحتمال سقط به الستدلل أما أدلتنا على ونجوب الفاتحة في كل ركعة فهي أقوى من أن تغمز

وأظهر من ان تؤول وإن حاول جماعة قلب الستدلل بها لصالح رأيهم ومن ذلك دعواهم أن قول



الرسول صلى ال عليه وسلم:" من صلى صلة لم يقرا فيها بأم القرآن فهي خداج" يدل على صحة الصلة بدونها لن غاية ما في الحديث أن الصلة دونها ناقصة وهو ل يدل على بطلنها ويجاب عن

ذلك بان الصلة المطلوبة شرعا هي الصلة المستكملة لشروطها وأركانها فإذا اختل شيء منها انهدم جميعا والخداج هو الصل اسم للقاء الناقة ولدها لغير تمام الحمل كما قال اللغويون وهو سبب من

أسباب هلك الحمل على ان الروايات الخرى التي جاءت تارة بلفظ "ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" وأخرى بلفظ " ل تجزيء صلة لمن لم يقرا بفاتحة الكتاب" صريحة في بيان المقصود

بالخداج.

وحاولوا كذلك قلب الدللة- من قوله صلى ال عليه وسلم" ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" زاعمين بان المراد نفي الكمال ل نفي الذات لن الذات قائمة غير منتفية ونفي الكمال يدل بمفهومه

على وجوب الحقيقة وأجاب عن ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح بما حاصله:إما ان يدعي هؤلء المراد بالصلة حقيقتها اللغوية، وإما أن يسلموا أن المراد بها معناها الشرعي والول غير مسلم لن ألفاظ

الشرع محمولة على مصطلحاته إذ هي المستوجبة للبيان ولم يبعث الشارع لبيان الموضوعات اللغوية ولكنه بعث لبيان الحقائق الشرعية وإذا ثبت أن الصلة المنفية هنا هي الصلة الشرعية

اتضح نفي حقيقتها من غير احتياج إلى ضمار الجراء ول الكمال لنه يؤدي إلى الجمال كما نقل عن القاضي أبي بكر وغيره حتى مال إلى التوقف لن نفي الكمال يشعر بحصول الجزاء فلو قدر الجزاء

منتفيا لجل العموم قدر ثابتا لجل إشعار نفي الكمال بثبوته فيؤدي إلى التناقض ول سبيل إلى إضمارهما معا لن الضمار إنما احتيج إليه للضرورة وهي تندفع بإضمار فرد فل حاجة إلى أكثر منه ودعوى إضمار أحدهما ليست بأولى من الخر قاله ابن دقيق العيد وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن هذا

الخير نظرا لنا إن سلمنا تعذر الحمل على الحقيقة فالحمل على أقرب المجازين إليها أولى من الحمل على أبعدهما ونفي الجزاء أقرب إلى نفي الحقيقة وهو السابق إلى الفهم ولنه يستلزم نفي الكمال من غير عكس، فيكون أولى وأيد الحافظ ذلك برواية "ل تجزيء" التي ذكرناها وبرواية " ل تقبل صلة ل يقرا فيها بأم القرآن" وإذا علمت وجوب قراءتها في كل ركعة من الصلة، فاعلم أن تركها

عمدا أو نسيانا أو ترك شيء منها مفض إلى بطلن الصلة على الصحيح وهو قول أصحابنا في العمد ونسيان أكثرها وقول أكثرهم في نسيان القل منها ووافقنا عليه الشافعي في الجديد وعليه ابن حزم الظاهري في المحلى وذهب الشافعي في قديمه إلى أن نسيانها ل يفسد الصلة واحتج بما روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: صلى بنا عمر بن الخطاب رضي ال عنه المغرب فترك القراءة فلما

انقضت الصلة قيل له تركت القراءة قال: كيف كان الركوع والسجود قالوا: حسنا، قال: فل باس واعتبر الشافعي حدوث هذه الواقعة بمحضر الصحابة من غير نكير منهم في حكم الجماع ثم رجع

عنه في الجديد كما ذكرنا أخذا بالدلة العامة التي تشمل العمد والسهو وأجاب عن قصة عمربجوابين:

أولهما: أن الشعبي روى أن عمر رضي ال عنه أعاد الصلة، وهي زيادة من الثقة حكمها القبولوالمثبت مقدم على النافي عند التعارض.

ثانيهما: احتمال أن يكون عمر رضي ال عنه لم يترك نفس القراءة وإنما ترك الجهر بها قالالشافعي: هذا هو الظن بعمر.



وضعف القرطبي ما روي عن عمر أنه اعتد بالصلة التي لم يقرا فيها بعدم إعادته لها وقال عنه: منكر اللفظ منقطع السناد لنه يرويه إبراهيم بن حارث التميمي عن عمر ومرة يرويه إبراهيم عن ابن سلمة بن عبد الرحمن بن عمر وكلهما منقطع ل حجة فيه وقد ذكره مالك في الموطأ وهو عند

بعض الرواة وليس عند يحيى وطائفة معه، لنه رماه مالك من كتابه بأخره وقال ليس عليه العمل لن النبي صلى ال عليه وسلم قال:" كل صلة ل يقرا فيها بأم القرآن فهي خداج" ثم ذكر القرطبي ما

روي عن عمر أنه أعاد تلك الصلة وقال: وهو الصحيح عنه وروى يحيى بن يحيى النيسابوري قال: حدثنا أبو معاوية عن العمش عن إبراهيم النخعي عن همام بن الحارث أن عمر نسي القراءة في

المغرب فأعاد بهم الصلة قال ابن عبد البر: وهذا حديث متصل شهده همام من عمر وروى ذلك من وجوه وروى أشهب عن مالك قال: سئل مالك عن الذي نسى القراءة أيعجبك ما قال عمر، قال: أنا

أنكر ان يكون عمر فعله- وأنكر الحديث- وقال: يرى الناس عمر يصنع هذا في المغرب ول يسبحونبه أرى أن يعيد الصلة من فعل هذا.

والمفهوم من كلم المالكية أن مالكا يرى رأينا في من يتركها عمدا وهو خلف ما ذكره عنه ابن حزم وغيره والعتماد على ما يرويه عنه أصحابه أولى اما في حالة النسيان فذكر ابن خويزمنداد البصري المالكي عدم اختلف قول مالك في بطلن صلة من تركها في ركعة من صلة ركعتين ولزوم العادة

عليه واختلف قوله في من تركها ناسيا في ركعة من صلة رباعية أو ثلثية فقال مرة يعيد الصلة وقال مرة أخرى يسجد سجدتي السهو وهي رواية ابن عبد الحكم وغيره عن مالك قال ابن

خويزمنداد: وقد قيل إنه يعيد تلك الركعة ويسجد للسهو بعد السلم قال ابن عبد البر: الصحيح منالقول إلغاء تلك الركعة والتيان بركعة بدل كمن أسقط سجدة سهوا وهو اختيار ابن القاسم.

المبحث الثاني : في تلوة الفاتحة للمام والمأموم والمنفرد



فاتحة الكتاب جامعة لما لم يجمعه غيرها من مجملت معاني القرآن وهذا سر مشروعية قراءتها في الصلة كما أسلفنا ومن هنا أطلق عليها اسم الصلة. أخرج المام الربيع عن أبي عبدية عن جابر بن

زيد عن أبي هريرة رضي ال عنه قال: قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:" يقول ال عز وجل فقسمت الصلة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل" وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:" إذا قال العبد الحمد ل فيقول ال حمدني عبدي فإذا قال العبد: الرحمن الرحيم

فيقول ال أثنى علي عبدي، وإذا قال العبد:)مالك يوم الدين( فيقول ال: مجدني عبدي فيقول: العبد إياك نعبد وإياك نستعين فيقول ال: هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سال فيقول العبد :اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين فيقول ال: هذه لعبدي ولعبدي

ما سأل(.

واخرج الحديث الجماعة إل البخاري وإبن ماجه بلفظ قال: رسول ال صلى ال عليه وسلم:) من صلى صلة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج( فقيل لبي هريرة إنا نكون وراء المام فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول) قال ال عز وجل قسمت الصلة بيني وبين

عبدي نصفين ولعبد ما سأل فإذا قال العبد: الحمد ل رب العالمين قال ال: حمدني عبدي...الخ(.

والحديث الول هنا حديث مستقل أخرجه المام الربيع رحمه ال من طريق أنس رضي ال عنه كما سبق وإطلق اسم الصلة على الفاتحة يدل على أهميتها في الصلة، وضرورة قراءتها، لتوقف صحة الصلة عليها، فهي بمثابة العمود الفقري فيها، وفي هذا ما يكفي حجة ليجابها على كل مصل، إماما كان أو مأموما أو منفردا، فإن الفاتحة في الصلة ل تقل أهمية عن الركوع والسجود ل يحملهما إمام

عن المأموم ، فأجدر أن يكون هذا الحكم على الفاتحة، ووجوب قراءتها على المأموم كالمام والمنفرد مروي عن جماعة من الصحابة رضي ال عنهم، منهم عمر بن الخطاب، فقد روى الدار قطني عن

يزيد بن شريك قال: وإن كنت أنا، قلت : وإن جهرت، قال: وإن جهرت. قال الدارقطني هذا إسناد صحيح، وأخرجه ابن حزم مسندا في المحلى عن يزيد بن شريك وعباية بن

رداد وخيثمة بن عبد الرحمن عن عمر رضي ال عنه وذكر الترميذي في جامعه أن أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم والتابعين يقولون بذلك، وعزاه إلى مالك بن أنس وابن المبارك والشافعي وأحمد واسحق، وصحح هذا الرأي القرطبي من المالكية في تفسيره، وعليه

جمهور أصحابنا، ونسب إلى الناصر من أهل البيت ورجحه الشوكاني.

وقيل: بعدم القراءة مطلقا خلف المام سواء أسر أو جهر، وهو قول: أبي حنيفة وأصحابه، وبه قال : ابن وهب وأشهب وابن عبد الحكم وابن حبيب من أصحاب مالك، وقال: بعض سلف مشارقتنا، حتى قال بعضهم: جمرة في عينه أحب إليه من أن يقرأ الفاتحة خلف المام، وعزي هذا القول إلى المام

ابن محبوب رحمه ال، وعزا إليه القطب رحمه ال في الشامل وشرح النيل رجوعه عنه.

وقيل: بالتفرقة بين الجهرية والسرية، فينصه لها المأموم من إمامه في الجهر ويقرؤها في السر، وهو مشهور مذهب مالك، ونسبه الشوكاني إلى زيد بن على والهادي والقاسم وأحمد بن عيسى وعبيد ال بن الحسن العنبري وإسحاق بن راهويه وأحمد، وذكر ابن قدامة في المغني أنه رواية

الجماعة عن أحمد، وعزاه أيضا إلى الزهري والثوري وابن عيينه وإلى إسحاق، واعتمده، من قبلهسلفه الخرقي في مختصره.



وذكر ابن حزم الظاهري اختلف أصحابه الظاهرية في ذلك، فمنهم من رأى وجوب القراءة مطلقا خلف المام، كما هو القول الول ورجحه هو وعزي إلى سلفه داود، ومنهم من فرق بين قراءتي السر والجهر كما هو القول الثالث، ويؤيد القول الول ، ما أخرجه الربيع عن عبادة بن الصامت

رضى ال عنه،قال: صلى بنا رسول ال صلى ال عليه وسلم صلة الغداة فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال ) لعلكم تقرءون خلف إمامكم ( قلنا أجل، قال: )ل تفعلوا إل بأم القرآن فإنه ل صلة إل

بها ( والحديث أخرجه عن عبادة أيضا أحمد والبخاري في جزء القراءة، وصححه ابو داود والنسائي والدار قطني وابن حيان والحاكم والبيهقي، من طريق ابن إسحاق قال: حدثني مكحول عن محمود بن ربيعه، عن عبادة ، وتابعه زيد بن واقد وغيره عن مكحول، وأخرجه أبو داود عن نافع بن محمود بن الربيع النصاري قال: أبطأ عبادة بن الصامت عن صلة الصبح، فأقام أبو نعيم المؤذن الصلة فصلى

أبو نعيم بالناس، وأقبل عبادة ابن الصامت وأنا معه حتى صففنا خلف أبي نعيم، وأبو نعيم يجهر بالقراءة، فجعل عبادة يقرأ بأم القرآن فلما انصرف قلت: لعبادة سمعتك تقرأ بأم القرآن وأبو نعيم

يجهر, قال: أجل " صلى بنا رسول ال صلى ال عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة فالتبست عليه، فلما انصرف أقبل علينا بوجهه فقال : هل تقرأون إذا جهرت بالقراءة فقال:بعضنا : إنا نصنع ذلك , قال: ) فل وأنا أقول مالي ينازعني القرآن فل تقرأوا بشئ من القرآن إذا جهرت إل

بأم القرآن( وأخرجه أبو عيسى الترمذي من حديث محمد بن إسحاق بمعناه وحسنه، وقال الدار قطني: هذا إسناد حسن ورجاله كلهم ثقات, وجاء في كثير من روايات الحديث) ل تفعلوا إل بأم القرآن فإنه ل صلة لمن لم يقرأ بها(وذكر الشوكاني من شواهده، ما رواه أحمد من طريق خالد الحذاء، عن ابي قلبة بن ابي عائشة عن رجل من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم قال: قال

رسول ال صلى ال عليه وسلم) لعلكم تقرأون والمام يقرأ(، قالوا: إنا لنفعل قال) ل إل أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب( وقال الحافظ: إسناده حسن ورواه ابن حبان من طريق أيوب عن أبي قلبة عن أنس وزعم ان الطريقتين محفوظتان وخالفه البيهقي فقال: إن طريق أبي قلبة عن أنس ليست محفوظة

وفي لفظ للدارقطني عن عبادة ان النبي صلى ال عليه وسلم قال:) ل يقرأن أحد منكم شيئا من القرآنإذا جهرت بالقراءة إل بأم القرآن( قال الدارقطني: رجاله كلهم ثقات.

فهذه الحاديث ناصة على ان للفاتحة حكما خاصا في الصلة فل يكتفي فيها بسماعها من المام بخلف غيرها وهذا لتوغلها في الوجوب أنها ركن من أركان الصلة ولذلك أطلق عليها اسم الصلة بالنص الصريح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما يحكيه عن رب العالمين لنها بمثابة القلب

منها.



واحتج القائلون بعدم القراءة خلف المام مطلقا أو فيما يجهر به بعموم قوله تعالى وبعموم روايات منها ما أخرجه الربيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي هريرة قال: انصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم من صلة جهر فيها بالقراءة فقال) هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟( قالوا: بلى يا رسول

ال فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:) ل فيما جهر به من الصلة( ورواه مالك في الموطأ والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حيان بلفظ) فغني أقول ما لي أنازع القرآن( وزيادة فانتهى الناس عن القراءة مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما يجهر

فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم من الصلوات بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول ال صلى ال عليه وسلم( وهذه الزيادة مدرجة في الخبر كما نقله الشوكاني عن الخطيب وذكر انه اتفق على ذلك

البخاري في التاريخ وأبو داود ويعقوب بن سفيان والذهلي والخطابي وغيرهم.

قال النووي: وهذا مما ل خلف فيه بينهم ومنها حديث أبي هريرة عند الخمسة إل الترمذي أن النبي صلى ال عليه وسلم قال:) إنما جعل المام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا( ليست

تصحيحه ولكن أبا داود قال في زيادة قوله)وإذا قرا فأنصتوا( ليست بمحفوظة ونسب الوهم فيها إلى أبي خالد ورد عليه المنذري بان أبا خالد هذا هو سليمان ابن حيان الحمر وهو من الثقات الذين احتج بهم البخاري ومسلم في صحيحهما، وأجاب عنه المام نور الدين السالمي رحمه ال بأن ذلك ل ينافي

وقوع الوهم منه لن أبا داود لم يدع كذبه وإنما ادعى وهمه وهو غير الكذب بل هو في معنى الغلط غير ان المنذري عزز ثبوت هذه الزيادة ونفي الوهم عن راويها أبي خالد، بعدم تفرده بها فقد تابعه عليها أبو سعيد محمد بن سعد النصاري الشهلي المدني نزيل بغداد وقد سمع من عجلن وهو ثقة وثقة يحيى بن معين ومحمد بن عبدال المخرمي وأبو عبد الرحمن الحمر ومحمد بن سعيد ونسب

المنذري إلى مسلم إخراج هذه الزيادة في حديث أبي موسى الشعري من رواية جرير ابن عبد الحميد عن سليمان التيمي عن قتادة وأقر الشوكاني نسبتها إلى رواية مسلم في صحيحه عن أبي موسى

الشعري ورأيت جماعة من العلماء عزوا إخراجها إلى مسلم من حديث أبي موسى منهم القرطبي في تفسيره والحافظ ابن حجر في فتح البارئ وعزا إليه ابن قدامة في المغنى إخراج حديث أبي هريرة الذي تقدم ذكره وقد راجعت أبواب القراءة في الصلة وأبواب صلة الجماعة من صحيح مسلم بابا باب، وتأملت ما فيها حديثا حديثا، فلم أجد ما عزوه إليه من رواية أبي موسى ول من رواية أبي

هريرة ول من رواية غيرهما، وإنما رأيت في باب ائتمام المأموم بالمام أربعة أحاديث أخرجها مسلم من رواية أنس وعائشة وجابر بن عبدال، وأبي هريرة رضي ال عنهم أما حديث أنس فلفظه" إنما

جعل المام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا فإذا سجد فاسجدوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال: سمع ال لمن الحمد فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى قعودا فصلوا قعودا أجمعون" وفي بعض طرقه عند زيادة" فإذا صلى قائما فصلوا قائما" ولفظ حديث عائشة "إنما جعل المام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا

رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا" ولفظ حديث جابر" إئتموا بأئمتكم إن صلى قائما فصلوا قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا" ولفظ حديث أبي هريرة" إنما المام ليؤتم به فل تختلفوا عليه

فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع ال لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين" وفي بعض الطرق في نفس صحيح مسلم زيادة

بعض ألفاظ في رواية ابي هريرة منها" إذا صلى قائما فصلوا قياما" وليس في شيء منها "وإذا قرأ فأنصتوا" ولم تأت في هذا الباب عن أبي موسى الشعري ولست أدري أين تقع هذه الرواية التي نسبوها إليه، مع العلم أن هؤلء الذين عزوا إخراج مسلم لهذا الحديث عن أبي موسى وتصحيحه حديث أبي هريرة معدودون في مقدمة أئمة الحديث رواية ودراية* هذا وقد أعل الدارقطني زيادة



"وإذا قرأ فأنصتوا" الواردة في رواية سليمان التيمي عن قتادة بأن الحفاظ من أصحاب قتادة لم يذكروها منهم شعبة وهشام وسعيد بن أبي عروبة وهمام وأبو عوانة ومعمر وعدي بن أبي عمارة

قال الدارقطني: فإجماعهم يدل على وهمه وقد روي عن عبدال بن عامر عن قتادة متابعة التيميولكن ليس هو بالقوي تركه القطان، لكن روى بعضهم تصحيحها عن أحمد بن حنبل وابن المنذر.

ومنها حديث" من كان له إمام فقراءة المام له قراءه" وهو حديث مرسل من طريق عبدال بن شداد عن النبي صلى ال عليه وسلم وإنما أسنده عن موسى بن أبي عائشة عن عبدال بن شداد عن جابر

بن عبدال عن النبي صلى ال عليه وسلم الحسن بن عمارة: وأبو حنيفة وقد ضعفهما الدارقطني الراوي للحديث قال: وروي هذا الحدي سفيان الثوري وشعبة وإسرائيل بن يونس وشريك وأبو خالد الدالني وأبو الحوص وسفيان بن عيينه وحريث ابن عبد الحميد وغيرهم عن موسى بن أبي عائشة

عن عبدال بن شداد مرسل عن النبي صلى ال عليه وسلم وهو الصواب وذكر الحافظ وغيره أنه مشهور من كلم جابر بن عبدال موقوفا عليه، وقد رواه مالك عن وهب بن كيسان عن جابر قال ابن

عبد البر:" ورواه يحيى بن سلم صاحب التفسير عن مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان عن جابرعن النبي صلى ال عليه وسلم وصوابه موقوف على جابر كما في الموطأ"

وليس في شيء مما احتجوا به ما يدل على صحة ما ذهبوا إليه أما الية الكريمة فإنها ليست نصا في الموضوع إذ يحتمل ان تكون القراءة المقصودة فيها خارج الصلة وهي مكية وتحريم الكلم في

الصلة كان في المدينة كما قال زيد بن الرقم: وليس ببعيد أن يكون المقصود بها المشركين الذين يرفعون أصواتهم عند تلوة القرآن حذر أن يصل إلى نفوسهم إن أنصتوا إليه فيستولي عليها وقد وري مثل ذلك عن سعيد بن المسيب ويشهد له قول ال تعالى: )وقال الذين كفروا ل تسمعوا لهذا

( ولو سلم أنها نزلت في قراءة الصلة فهي مخصصة26القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون()فصلت/ بالحاديث الناصة على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم والخصوص إن ثبت قدم على العموم ولو كان قرآنا لن العام ظني الدللة- وإن كان قطعي المتن- بخلف الخصوص وأما الحاديث فهي أيضا

عمومات محمولة على ما فوق الفاتحة لوجوب تقديم الخاص على العام ول تقوى هذه العمومات على معارضة الخصوصات الصريحة الواضحة وقد علمت ما في بعض تلك الحاديث من مطاعن لئمة

الحديث في أسانيدها فكيف تقوى على معارضة الروايات الصحيحة الصريحة في إيجاب تلوة الفاتحةعلى كل مصل؟.

هذا وإذا ثبت المر بقراءة الفاتحة خلف المام فإن ذلك ل يتقيد بحال سكوته إذ ليس في تلك الحاديث ما يدل عليه وقد اختلفت الشافعية في قراءة الفاتحة هل تكون عند سكتات المام أو عند قراءته قال الشوكاني: وظاهر الحاديث أنها تقرأ عند قراءة المام، وفعلها حال سكوت المام إن أمكن أحوط،

لنه يجوز عند أهل القول الول فيكون فاعل ذلك آخذا بالجماع- قال- وأما اعتياد قراءتها حال قراءة المام للفاتحة فقط أو حال قراءته للسورة فقط فليس عليه دليل بل الكل جائز وسنة نعم حال قراءة

المام للفاتحة مناسب من جهة عدم الحتياج إلى تأخير الستعاذة عن محلها، أو تكريرها عند إرادة قراءة الفاتحة إن فعلها في محلها أول وأخر الفاتحة إلى حال قراءة المام للسورة. انتهى كلمه

بتصرف.

ثم ذكر الشوكاني عن بعض الشافعية أنه بالغ فصرح بأنه إذا اتفقت قراءة المام والمأموم في آية



خاصة من آي الفاتحة بطلت صلته وذكر عن صاحب البيان من الشافعية أنه رواه عن بعض أهل الوجوه منهم قال: وهو من الفساد بمكان يغني عن رده وللحافظ ابن حجر بحث قيم في هذه المسالة

في الفتح فبعد أن ذكر حديث )وإذا قرأ فأنصتوا( أتى باحتمالين في المقصود به:-

أولهما: أن النصات المطلوب فيما عدا الفاتحة.

ثانيهما: أن ينصت إذا قرأ ويقرأ إذا سكت قال: وعلى هذا فيتعين على المام السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم لئل يوقعه في ارتكاب النهي حيث ل ينصت إذا قرأ المام ثم قال: وقد ثبت الذن بقراءة

المأموم الفاتحة في الجهرية بغير قيد، وذلك فيما أخرجه البخاري في جزء القراءة والترمذي وابن حبان وغيرهما من رواية مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة أن النبي صلى ال عليه وسلم

ثقلت عليه القراءة في الفجر..وأورد حديث عبادة الذي ذكرناه ثم قال: وله شاهد من حديث أبي قتادةعند أبي داود والنسائي ومن حديث أنس عند ابن حبان.

ويمكنك بهذا استظهار رجحان القول بقراءة الفاتحة ولو في حال قراءة المام وهو الذي عليه العمل عندنا، وذكر صاحب اليضاح وغيره من بعض أصحاب اختيار ما عليه بعض الشافعية من قراءتها

في سكتات المام.

وتلوة الفاتحة في الصلة أو في غيرها يجب أن تكون بحسب ألفاظها المنزلة فل تصح ترجمتها إلى أي لغة أخرى كالفارسية مثل لن ذلك يسلبها قرآنيتها وذهب أبو حنيفة إلى جواز قراءتها في الصلة

وغيرها باللغة الفارسية وهو رأي غير سديد، وقد أطال العلماء في الرد عليه وقد كنت أرغب في بحث هذا الموضوع هنا ولكني رجحت تأخيره إلى موضعه وهو ترجمة القرآن إلى اللغات الخرى، وأرجو أن أوفق لذلك عندما أصل في التفسير إن شاء ال إلى اليات التي تنص على عربية القرآن وقول أبي حنيفة مهجور عمل إذ لم يعمل به أي أحد حتى من أصحابه الذين يرون رأيه وبهذا كان

الجماع العملي من المة مخالفا لرأيه وهذا ما يسر ال إملءه في هذا الجزء المشتمل على مقدمات مهمة في التفسير والعجاز بجانب تفسير الفاتحة، أسأل ال أن يتقبله مني وأن يجزي الخير كل من أعانني عليه وأن يوفقني لمواصلة العمل الذي بدأته إلى نهايته إنه سبحانه ولي التوفيق وصلى ال

وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

--------------------------

· هذه الزيادة موجودة في صحيح مسلم في باب التشهد في الصلة أرشدني إليها أحد الخوان فوجدتها ونص ما في الصحيح:" وفي حديث جرير عن سليمان عن قتادة من الزيادة )وإذا قرأ فأنصتوا( وليس في حديث أحد منهم فال قال على لسان نبيه صلى ال عليه وسلم) سمع ال لمن حمد( إل في رواية أبي كامل وحده عن أبي عوانة قال أبو

إسحاق: قال أبو بكر ابن أخت أبي النضر في هذا الحديث...فقال مسلم تريد أحفظ من سليمان؟ فقال له أبو بكر فحديث أبي هريرة؟ فقال هو صحيح يعني ) وإذا قرا فأنصتوا( فقال: هو عندي صحيح فقال: لم لم تضعه ها هنا؟ فقال ليس

كل شيء عندي صحيح وضعته ها هنا إنما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه. قال النوري في شرحه: واعلم أن هذه الزيادة وهي قوله) وإذا قرا فأنصتوا( مما اختلف الحفاظ في صحته فروى



البيهقي في السنن الكبير عن أبي داود السجستاني أن هذه اللفظة ليست بمحفوظة وكذلك رواه يحيى بن معين وأبي حاتم الرازي والدارقطني والحافظ أبي علي النيسابوري شيخ الحاكم أبي عبدال قال البيهقي: قال أبو علي الحافظ: هذه اللفظة غير محفوظة قد خالف سليمان التيمي فيها جميع أصحاب قتادة واجتماع هؤلء الحفاظ على تضعيفها

مقدم على تصحيح مسلم ل سيما ولم يروها مسنده في صحيحه وال أعلم.

Documents

جواهر التفسير لسماحة الشيخ أحمد الخليلي مفتي عام سلطنة عمان الجزء الأول