صدام حسين مناضال ومفكرا وإنسانا الدكتور أمير اسكندر

مؤلف الكتاب الدكتور أمير اسكندر كاتب ومفكر عربي من طليعة الكتاب المصريين التقدميين المعروفين على نطاق . الوطن العربي الكبير

تخرجه، وعمل بجريدة المساء ، واشتغل بالصحافة منذ ١٩٥٦حزيران /تخرج في قسم الفلسفة بجامعة القاهرة في يونيو حيث فصل من عمله مع ١٩٧٣ عمل بجريدة الجمهورية القاهرية حتى عام ١٩٦٤، وفي عام ١٩٥٩القاهرية حتى عام

. مئة وعشرين كاتبا وصحفيا في مصر آنذاك . ر األوروبي تناقضات في الفكر المعاصر، حوار مع اليسا : أصدر عديدا من المؤلفات الفكرية والنقدية من أهمها

، ١٩٨٠بالفرنسية والعربية واإلنكليزية عام ) هاشيت(بداية صدر عن دار ) صدام حسين مناضال ومفكرا وإنسانا (كتاب Golden –غولدن بووكس سنتر ( نقله إلى اإلنكليزية مرة أخرى المترجم حسن سليم وصدر عن دار ١٩٩١وفي عام

Books Centre ( هذه الترجمة نص مبادرة السالم التي أطلقها الرئيس صدام حسين في في ماليزيا وقد أضيف إلى ، وكذلك نص رسالة السالم التي وجهها الرئيس صدام حسين إلى شعوب ١٩٩٠أغسطس عام /الثاني عشر من آب

، وكان قد صدر عن هذه الدار الماليزية كتاب الكاتب ١٩٩٠سبتمبر /الواليات المتحدة األمريكية في شهر أيلول ). صدام حسين الرجل، القضية والمستقبل (، تحت عنوان ١٩٩٠لصحافي المعروف فؤاد مطر أيضا باإلنكليزية عام وا

ليس هذا الكتاب مجرد سيرة ذاتية للرئيس صدام حسين رئيس جمهورية العراق، "فقرات مما جاء في مقدمة الكتاب إنه سيرة مناضل، "... "العالم العربي في هذا العصر ولكنه أوال وقبل كل شيء سيرة نضالية لواحد من أبرز قادة

وفي هذه المرحلة السياسية من تاريخ العالم، والعالم العربي بوجه خاص، التي ".. "ومسار تجربة، ومسيرة ثورةإن هذا الكتاب .. تختلط فيها األوراق، وتتداخل الخنادق، يبدو الوضوح الفكري والسياسي أهم من أي وقت مضى

عادة اكتشاف الحقيقة، وتقديمها إلى أولئك الذين يريدون بحق أن يعرفوها بعيدا عن التعصب والحقد محاولة إل ". واالنحياز المسبق

رحلة مناضل على طريق الثورة

طين رق من بيوت الشي نجم – ١ .. بالتناقضاحساسإ هي الصحراء تمنحنا امئدا

قه، سرعان ما يقطعه اقتراب السماء من األرض، أو اقتراب األرض من فاآهذا المدى الذي ال يحده حد، مهما ابتعدت هذا الدفء . هذا الوضوح الساطع كحد السيف سرعان ما يلفه الغموض وااللتباس مثل عباءة البدوي المسافر . السماء

وحشة كوحدة الحنون، هذا االنتماء الصميمي، هذه األلفة المتوهجة، سرعان ما تقتلعها جميعها من جذورها وحدة م ن ذلك الهدوء العميق والصمت إ. المحتضر، وقسوة صلبة مثل سنان الصخر، وال مباالة متجهمة كليل مدلهم بارد

ذ سرعان ما تتقاذفه الزوابع والرياح والعواصف الهوجاء، إالشامل والسكون الثابت له قناع األزل وليس له دوامه، لكائن الباطني األعظم، ظاهرها غير باطنها، وما يعلو سطحها ليس هو ن الصحراء هي ا إ. وكأنها لحظة نهاية العالم

.بالضرورة ما يدور في أعماقها ن كل أ للدهشة، ا وليس مثير ، نسان منذ ميالدهلم يكن غريبا أن تطرح الصحراء كل األسئلة الكلية التي أرقت وعي اإل

ومن هنا انبثق أول ،للحياة ول تفسير أها هنا ظهر الديانات التوحيدية الكبرى خرجت جميعها من ضميرها الهادر، ف .نسان، وعلى سطح هذه الرمال جرت بداية المحاوالت النظرية لتغيير العالم تأويل لإل

نها تختزن في ذاكرتها العميقة، عمق آالف إ ، على صحارى الشرق كلها زان لها امتياإأما هذه البقعة من الصحراء، ف نسانية القديمة، حضارة تسجيل الخبرة البشرية على ألواح الطين عظم الحضارات اإل السنين، ذكريات حضارة من أ

واكتشاف الكتابة، حضارة التحكم في الظاهرة االجتماعية، وضبط السلوك الفردي والجماعي، ووضع قوانين حمورابي، .حضارة سومر وآشور وبابل

عماقها، وانطوت على نفسها مئات السنين، تعاني أن الصحراء قد طوت، فيما طوت، كل تلك الحضارات في أومع ن تلك اللحظات لم تكن في جوهرها تعبيرا عن الموت النهائي، فوق سطحها، لمعنى إبداعي، ف هجير الجفاف الفكري واإل

لى االعتزال الصوفي، بمعنى ما من المعاني، حيث تكون المجاهدة أو المكابدة إنها كانت على العكس، أقرب إ ،الحضارةقصى غايات أنما نحو مزيد من االتحاد العميق الشامل مع إالذوبان أو التالشي، و إلى ، ال ا ومؤلماطريقا جديدا، شاق

.نسان، هو وحده سدرة المنتهى وغاية المطاف نساني حين يكون اإل النضال اإل ملت مشعل الرسالة، وعاشت فحاإلسالمن هذه البقعة من الصحراء، سرعان ما عادت من جديد، عندما ظهر إومن ثم، ف

أيام العباسيين أزهى لحظات الحضارة العربية، بل صارت هي نفسها حاضرة الحضارة العربية، في ذروة كمالها الحضاري في العالم أجمع، كان ذلك اتساقا اإلشعاع أهم وأغنى مراكز إحدى واكتمالها، وعندما أصبحت بغداد، أيامها،

. أمام إلى التي تتجلى في جوهر التقدم التاريخي واإلنسانيةاالجتماعية مع منطق القوانين الطبيعية و إن التاريخ يعرف في . أمام على الدوام إلى ميكانيكيا أو خطيا تقدما ذلك التقدم ال يعني، في جوهره أو شكله، أن غير

ن هذه الحركة تتحقق في النهاية عبر إ كان التقدم هو األفق النهائي لحركته، ف وإذا التعرجات والتراجعات، دائماطريقه

وهكذا حين بلغت الحضارة العربية أوج . روط شانتكاسات مؤقتة تقصر أو تطول في زمانها حسب عديد من العوامل وال األمة العربية في تاريخها من وحدة إليهفي تلك اللحظة، أقصى ما وصلت ،إطارهاكمالها واكتمالها، وتحقق في

، راحت تدك اإلنسانونها هوالكو والتتار، عاصفة عاتية من الرمال البشرية المعادية لحضارة وتكامل، دق أبواب حص ، وعادت الصحراء التي كانت قد أخفت وجهها وراء حقول العباسيين النضرة، اإلنسانوتهدم وتدمر، ارفع وأنبل ما بناه

الذي استطاع " دجلة"جماجم البشر، وصار الظهور من جديد، تختلط فيها كثبان الرمال ب إلىوبساتينهم المزهرة، اإلنسانية ذاكرة إن. يروضوا به الصحراء، ويشفوا بأمواجه أوارها، مثقال بمزيج ملتهب من الحبر والدم أنالعباسيون

بها التتار في النهر، وشكل اللونان األسود واألحمر، ألقى شالل أسود حين إلىالتي احتفظت بها مكتبات بغداد تحولت .واإلنسان لحظة من لحظات االنكسار التاريخي في مسيرة البشرية، المغزى العميق والالنهائي لوحد ة الكلمة في مرحلة طويلة من الظالم قد بدأت في تلك اللحظة، لم تتمثل ظلمتها في انهيار الثراء المادي والثقافي، االزدهار إن

طرق التجارة الدولية وضمور المدن العربية الزاهرة، أو تدفق الحضاري لألمة، فحسب، ولم تكن عالماتها الكئيبة تغير نما تمثلت أشد ظلمتها وأكثر عالماتها كآبة، في انفراط تكامل إ على قلب الوطن فقط، و - تتار الغرب-جحافل الصليبيين

الجسد الممزق، وحيد أن يعيد ت - آخر العباسيين -" الخليفة الناصر "ومهما حاول . األمة العربية نفسها، وتمزيق وحدتها من األلم والمعاناة، يبزغ عدة قرون، حتى إلى، ولسوف نحتاج لالستعادة السيكون األوان قد فات، والتاريخ لم يعد قاب

وآنذاك سيكون أوان المخاض الجديد قد آن، وستبدأ ،من مرارات النضال الطويل ضد تعرجات التاريخ وتراجعاته، نجم ".البعث "لحظة

وربما كان للتوافق التاريخي بين لحظة . العسيرة، ووسط آالمها العربية سين قد ولد في زخم تلك اللحظة صدام ح إنذلك . ميالده، وميالد البعث، داللة أعمق وأبعد من مجرد المصادفة العشوائية أو االتفاق الشكلي في الزمن بين لحظتين

يبحث عن بطل، سيكون صدام حسين قد اشتد عوده، ووقف في ألن المسرح عندما يكون قد تهيأ، والدور الهائم قد بدأ . الكواليس على تمام األهبة ليلبي نداء التاريخ بجدارة

لقد ولد . الذهب مالعقولم يفتح فمه ليتلقى . ، ولم يحط مهده بالورود والرياحين بهيجا ١٩٣٧لم يكن مولده في عام ومثل الكثرة الغالبة من قادة التاريخ . من صلب فالحين صغار فقراءيرافق ، مات أبوه قبل أن ترى عيناه النور، ولد يتيما

. يواجه تحديات الحياة بأن يصنع وجوده بنفسه أن الحقيقيين كان عليه من لحظة وعيه لنفسه وضعت السيدة صبحة طلفاح المسلط مولودها في ١٩٣٧في اليوم الثامن والعشرين من نيسان عام . كان ذلك في الربيع

).صدام ( طلفاح، وكان عمه حسن المجيد هو الذي أطلق عليه اسم خير اهللا، الحاج أخيها بيت ما كانت تقسم مناطق السكن في غالباوهي مكان تجمع أقارب صدام حسين حيث " الحارة "البيت يقع في منطقة تدعى

نة الصغيرة الواقعة على ضفة نهر دجلة في تلك المدي . المدن الصغيرة على هذا األساس وفق التقاليد االجتماعية الماضية ريدس، ومعناها قلعة غميونيا تي: من كلمة رومانية كانت تطلق عليها من قبل وهي " تكريت"اليمنى، والتي اتخذت اسمها

هذه المدينة تعرف من خالل المؤلفات أن اإلسالميةوتذكر دائرة المعارف . ربعة أبوابأدجلة، ويحيط بها سور مثمن له هجرية، على ٢٠ هذه المدينة قد حررت من السيطرة الرومانية عام أن، ويذكر البالذري "ريتغت"انية القديمة باسم السري

.يد القائد العربي عقبة بن فرقد صدام حسين الذي ولد في هذا البيت الطيني الذي إن ،ن شرف األصل ال يتوافق بالضرورة مع الثراء إومع ذلك ف

وهكذا كانت في األغلب واألعم -شب ال تكاد تقوى على حمله، من أصالب الفالحين الفقراء ينتصب على أعمدة من الخ ي على سفي تاريخ العرب الديني والسيا أسرة من أعرق األسر إلى ينتمي في الواقع -بيوت تلك المدينة الصغيرة

في شكلها األرومةحفظ تسلسل برسم األشجار التي ت اإلنسانفي تاريخ وإذا كان المؤرخون العرب يهتمون ،السواء بعد جذر إلى األسرة العلوية، ا تمتد جذرإنها األسروي، فإن تأمل شجرة األسرة التي انحدر منها صدام حسين يدلنا على

ولقاءاته قط هذه الحقيقة، ربما ألنه أحاديثه نفسه لم يذكر في وهو . ي اهللا عنه ض علي بن أبي طالب ر اإلماموتاجها العصرية باألصول التاريخية والدينية أمام من ال يملكون سواها، ويسعى ألن يجسد المعنى العلماني يرفض المزايد

. تكون كرامة المواطن مستمدة من كرامة الوطن، وأن ينبثق شرف المناضل من نضال الثورة أن: للكرامة والشرف يغدروا به ويخونوا عهده، حين أصبح القائد أننه في لحظة مواجهة مريرة وشاقة على النفس، مع الذين حاولوا أغير

ن هذه أوال شك ". نحن أحفاد علي: ")٨/٨/١٩٧٩ (حينذاك األول للمسيرة الثورية في وطنه، قال في خطابه الشهير بقدر ما حملت من داللة تاريخية - ربما لم يدركه الكثيرون ممن سمعوه -ا شخصياالعبارة، كانت تحمل معنى واقعي

.ومغزى سياسيألولى من حياته ما بين البيت الذي ولد فيه، بيت القد تنقل في السنوات العشر . لم يعش صدام حسين طفولة مريحة سهلة

خاله، وبيت عمه الحاج ابراهيم الذي تزوج من أمه بعد وفاة أبيه، كما تجري األعراف عادة، في مثل هذه الظروف، ولقد كان على مشاعر اليتم . ن يواجه قدره بنفسه أ منذ طفولته الباكرة، وكان عليه من البداية، . هناك في تلك المناطق

لى خارج نفسه، نحو إلى االنطواء النفسي واالنكفاء الحزين على الذات، أو تدفعه إن تدفعه أما إالدفينة في نفسه، عوامل البيئة االجتماعية وال شك أن - ولحسن الحظ ، عن وحدته الذاتية وتعويضااآلخرين، ليجد في اتحاده معهم، عزاء

ن صدام حسين رفض االنغالق والتقوقع الفردي، وواجه الحياة الشاقة العسيرة وهو إ ف-والجغرافية قد ساعدت في ذلك ولقد علمته صعوبات الحياة في بيئته األولى التي أحاطت به، حيث . في سنوات الطفولة الغضة كرجل، كمناضل بالفطرة

.ساسية سوف تالزمه طيلة حياته ونضاله أراء تطرح مرة ثمارها، ومرات تضن بها، معاني كانت أرض الفالحين الفقالصبر، الجلد على تحمل الصعاب، شدة المراس، االعتماد على النفس، الشجاعة، القدرة على اقتحام المخاطر، الصرامة

قبل ذلك، وبعده، حب الفقراء، وااللتصاق و. القاسية، الدقة في الحساب النفسي للمشاعر، االنضباط في السلوك األخالقي .ببسطاء الناس

لى أحاديث الذين كانوا إنصات صها من متابعة طفولته األولى، واإل ن مجموعة السمات النفسية التي يمكن استخال إا بمعناه-محيطين به في تلك المرحلة من حياته، تدلنا على أنه كان يملك في ذلك الوقت المبكر، الخصال األساسية

وهو ، في وطنه قياديا دورا كي يلعب لصورة الفارس العربي، الذي يعد نفسه، أو تعده األقدار، -النفسي واألخالقي ، ال يستقل عن تاريخه السابق، عن والدته، وحياته، لإلنسان الالحق هج السياسي نن ال إ: "نفسه قد قال ذات مرة

".وصعوبات حياتهوالواقع انه ابن ابراهيم الحسن زوج (" إدهام " أخاه األكبر -منه في تلك الطفولة الباكرة ن واحدا من الذين كانوا قريبين إ

ا محاطانه كان دائم أ يروى ،)قته مع صدام كاألخ الشقيق ألنهما عاشا الطفولة في بيت واحد أمه، ولكن موقعه وعال فضال عن أفراد أسرتهم -أن جيرانهم حتى ،بكوكبة من األطفال يقودهم، ويرتبط بهم، ويرتبطون به، على الدوام

غير أنه لم يكن ،جاءكم صدام ها قد: حينما كانوا يسمعون صياح األطفال وضجيجهم، كانوا يقولون على الفور -نفسها أما ،مهذبا في سلوكها نه كان على العكس، رقيق أ وأهل المنطقة يروون ،األولى" قاعدته الجماهيرية "مع ا وال شرس افظ

من رفاقه يرتدي ا فعندما كان يرى واحد ، يؤثرهم في أحيان كثيرة على نفسه اغيري: له فلعله كان أكثر من ذلك مع أطفا وحينما يسأله أهله أين سترتك يا ،لى بيته بدون سترة إسترة بالية أو ممزقة، كان يخلع سترته ويعطيها له، ويعود

وال ،أعطيتها لصديقي ألن سترته كانت غير الئقة : مطلوبا منه كانا ضروري ا يقول في بساطة، وكأنه أدى واجب ؟ صداممن كان لديه ثوبان : مه في تلك اللحظة الباكرة من طفولته قول المسيح ل من ع ..يأبه بعد ذلك بكلمات تأنيب تنهال عليه

ال ، بحقان فارسولكن الطفل الصغير الذي كان ينطوي في نفسه على أخالق الفروسية، كا . فليعط أحدهما لمن ليس له؟ من اكانت فرسه من أشد الكائنات الحية قرب . شيء كان يسعده، ويثير التوهج في عواطفه، سوى اعتالئه صهوة فرسه

نسان ن العالقة بين اإل إ .. كانت تحنو عليه ا في الحقول المجاورة كان يمتطيها ويركض بها، ويدللها، وهي أيض ،نفسه، من الحب والمودة واأللفة واإلنسان اإلنسان األحيان ما ال تبلغه العالقة بين ن تبلغ في بعض أوالحيوان يمكن

، يتلقى صدمة قاسية من أولى الصدمات في حياته أن ومع ذلك كان على الطفل الغض ..والصميمية والعطاء المجاني ريت حيث يتلقى الدراسة في وقد بلغه خبر موتها وهو في السنة الخامسة ابتدائي وكان يومها في تك ، فرسه قد ماتت إن

وألول مرة ال يستطيع ، بانتظار عودته أيام الجمع والعطلتين الربيعية والصيفية جة بيت خاله وكانت فرسه في قرية العو لحظة عميقة من الشعور بالوحدة والفقدان والغياب إنها ، أمام الموت دائما المرء يقف عاجزا إن ،السيطرة على انفعاالته

شرة أيام، كان أهله يعالجونه بالوصفات الطبية الشعبية علت يده على الفور، وبقي على هذه الحال أكثر من وش ،الشامل ويومها كانت سحابة داكنة من الحزن الغائر في النفس، تطل من ، السريان في ذراعه من جديد إلىحتى عادت الدماء

. ببريق الدمع الالمعتينعينيه ةن المديإلى من القرية -٢

كان على الطفل أن ينشأ في . المدارس، في ذلك الزمان إلىلم يكن من عادة األسر الفالحية الفقيرة أن ترسل بأبنائها ولم تكن . يكسب منها عيشهأنقريته، ويتعلم، فحسب أصول الفالحة، كي يساعد ذويه، ويكتسب المهنة التي يمكن

يخرج منهم رجال علم أنوآالف األطفال الذين كان يمكن . لزراعية في تلك المناطق ا ةالمدارس نفسها كثيرة وال منتشر دائما مجرد أرقام في جيش الفالحين الفقراء األميين المنسيين إلى وفن وسياسة، كانوا يتحولون في تلك السنوات وفكر

. من تفكير وتخطيط رجال الدولة الرجعية في العاصمة البعيدة من غيره، ة بأن تجعل من صدام حسين، الطفل اليتيم، ربما أكثر ينيئة المحيطة، قم ولقد كانت كل الظروف، وعوامل الب

ى وما يحيط بها من صحراء عاتية، رحيق حياته كلها، مأن تمتص األرض الظ أ من ذلك الجيل المنسي الضائع، و واحدا .كانت بعض فضائله مقاومة الظروف، والمحاولة الدؤوبة لتجاوزها باستمرار، أن وتخمد شعلة ذكائه، لوال

، زارهم "الشويش "رة من عمره، يعيش مع عمه الحاج ابراهيم في قرية تدعى ش، وكان حينذاك في العا ١٩٤٧في عام أساسية فارقة في عالمة، وكانت تلك الزيارة بما ترتب عليها - ابن عمها - ألمهقريبا، وكان تقريباطفل في مثل عمره

.تطور حياته حديثا بصدام يسمع من رفيقه وإذا الصغيران يتسامران، الطفالن ة، أمام البيت الطيني الصغير، جلس في الباحة الخارجي

نه في الصف أ المدرسة بانتظام، و إلىنه يذهب أ قال له رفيقه الطفل ، عما اعتاد أن يسمعه من رفاقه اآلخرين مختلفا ويشرح إليه غير، راح يكتب فوق التراب اسمه، ثم ينظر الص وبإصبعه يقرأ ويكتب، أنالثاني االبتدائي، ويستطيع اآلن

خمسة . ربعة،أما هذه فثالثة، أ... لف، باء، تاء أ هذا اسمي، وهذه ، انظر ،اددله حروف األبجدية ويكتب أمامه األع .لخا ١٠٠٠

مرة في ألولوعيه كان يتفتح في ومدهشا غريبا ساحرا عالمان إ ،سرح الطفل صدام، وغابت عيناه في األفق البعيد المدرسة ويتعلم كيف يكتب اسمه، وكيف يحفظ جدول الضرب ويعرف قواعد إلى يذهب أن ال بد أيضا هو ،تلك اللحظة

.ن يفهمها أالحساب، وعقد حاجباه، وبدت في عينيه نظرة تصميم حادة، لم يكن بوسع رفيقه ال ثمنا يواجه الرفض، وبدا له أن لكل يوم يمر أن اطبيعي وكان أسرته،في اليوم التالي، قرر أن يعرض األمر على

لقد فتحت المدارس أبوابها، وبدأ التسجيل للعام الدراسي، وخياله كله يتركز في تلك المقاعد التي ،يستطيع أن يعوضه ا العرض اهللا، ولكن هذ يجلس عليها التالميذ ليتعلموا، وعرض على أهله أن يذهب إلى بيت خاله في تكريت الحاج خير

رأيه هذا الرفض الزاجر لم يثنه عن قراره، واستقر أن غير ،قوبل مثل سابقه بالرفض الحازم مع غير قليل من الزجر . آخرعلى أن يوقف التفاوض مع أهله، وأن ينهج أسلوبا

القليل على عندما هبط الليل، وأرخى الظالم سدوله، انسل الطفل الصغير ذو العشرة أعوام من فراشه، وحمل متاعه التي يعرف أن له بها " الفتحة"، سلك طريقه نحو منطقة دائما كما هو شأنه ا كتفه، وخرج ليواجه قدره الجديد، وحيد

إلى سيكونون دليلي لمعرفة الطريق : قال في نفسه، الشركات هناك إحدى في حراسا بعض أوالد عمه الذين يعملون ، على األقدام، وصلها قبل أن تبزغ الشمس من وراء األفق ارة ساعتين سيروكانت الفتحة تبعد عن قريته مسي . تكريت قال لهم بعزم وتصميم ؟ماذا جرى . ما الذي جاء بك يا صدام؟ ، عندما دق في تلك الساعة المبكرة بابهم أقرباؤهودهش

، يحقق هدفه أنيع هناك تكريت، حيث يستطإلىنه في طريقه إنه قرر أن يلتحق بالمدرسة وأهله ال يريدون، ولذلك ف أ ولم يعترض أقرباؤه، ،ن أهلهم أجبروهم على أن يوقفوا مسيرتهم أ وذكرهم بأنهم هم أنفسهم كانوا من قبل في المدرسة و

يركبه أن منتصف الطريق، وأوصوا السائق إلى موقف السيارات، وأركبوه سيارة أجرة تأخذه إلى بل شجعوه، وصحبوه وكان أول مسدس يمتلكه ، ولم ينس أقرباؤه أن يزودوه بعدة األمن في الطريق، مسدس ،ت تكريإلى سيارة أخرى توصله

.في حياته سنوات أربع هذه الدار قبل إلى دار قديمة بيت خاله، حيث شاهد انتقالهم منإلى عندما بلغ تكريت، كان يعرف الطريق

، فدخلمفتوحا ووجد الباب ، هناكإلى وده بيت خاله دون دليل يق إلىعندما كان عمره ست سنوات وهكذا اهتدى ما الذي جاء بك يا صدام؟ وكيف جئت؟ ومن الذي أتى بك؟ وماذا جرى؟ وما ،واستقبلته الدهشة مرة أخرى في عيونهم

.أريد أن أتعلم : هي القصة؟ ببساطة، وبهدوء، وكأنه يدلي بقرار نهائي ال يرد، قال لهم أهلك إن ، فعلت يا صدامحسنا ، وتشجيعاترحيبامرة، على العكس لقي قراره أمامه هذه ال منتصبالم يجد الرفض

كانت النبرات . ال بد أن تسجل اسمك في صفوف الدارسين، وتداوم في مدرستك غدا . مخطئون، ال بد لك من أن تتعلم في متميزا ا خاله قد لعب دور التأثير الخاص ل أن والحق . إن فصال جديدا من حياته قد بدأ ،التي يسمعها جديدة في أذنيه

ثم دخل الكلية العسكرية بعد ذلك معلما، تخرج متعلماكان خاله أكبر رجل في العائلة، وكان لحسن حظه . مستقبله فلقد اعتقل في ثورة رشيد عالي الكيالني، وقضى في غياهب طويال، ن لم يستمر في عمله إوتخرج من كلية الضباط، و

كمثل أعلى جدير بأن يحتذى، وهو يذكر دائما إليه ، كان ينظر جميعانه مثل أفراد أسرته إولذلك ف السجن خمسة أعوام، ؟ راح؟ ولماذا راح أينا ال نراه، وكانت تحكي له ذ ولما؟ خاليأين: اآلن كيف كان يسأل أمه حين كان يعيش في كنفها

الذي اإلنجليزيعية العميلة، والحقد على االستعمار دروس تعلمها في الوطنية، والحقد على السلطة الرج أول ثم تعلمه الماضي، حيث تحكي له كيف إلى هذه الدروس آفاق ما كانت تمتد وكثيرا . كان جنوده يدنسون تراب الوطن حينذاك

مت إن أسرته قد . ل التركي وظلمه وظالمه العثماني الكان أجداده القدامى يقاومون في تلك المناطق الفالحية سطوة االحت في صراعها ضد األتراك كوكبة من الشهداء، كان منهم والد جده ألمه، واثنان من إخوته معه، كان أحدهما في الرابعة

. وقتلوا والد جده وإخوة جده االثنان جميعاعشر من عمره، والثاني في السادسة عشر، يوم اصطدم بهم األتراك وقتلوهم هو مضافاصبح للمعارك ضد األتراك بعد هذه الحادثة المروعة معنى آخر بل لقد أ ،ولم تتوقف معاركهم ضد األتراك

المناسبات قتلوا ثلة من الضباط والجنود األتراك وكان في مقدمة من تصدى إحدىاألخذ بثأر العائلة والعشيرة، وفي إلى، ففروا جميعا وحرقت بيوتهم ، وهكذا هجمت عليهم جحافل األتراك ،لألتراك في هذه المعركة جده ألمه طلفاح

لقد كانت أقاصيص مهده وطفولته، ،الجبال في شمال العراق، وبعد فترة عادوا من جديد ليواصلوا نضالهم ومقاومتهم هي أقاصيص النضال والمقاومة، وحكايات السجون والمعتقالت، ولسوف تتبلور كل هذه األقاصيص والحكايات لتشكل

الحقد على االستعمار، الحقد بنفس الدرجة على : وتقوده على مدى حياته كلها ستوجههأساسيةي وعيه المبكر معاني ف وسحق واإلذالل السلطة الرجعية الغاشمة، المقاومة من أجل تحرر الوطن، النضال من أجل تحرير المواطن من الفقر

.الكرامةخاله لمدة سنتين لمتابعة كريت في دار بغداد بقي وحده في ت إلىفي تكريت تابع دراساته االبتدائية، ولما انتقل خاله

والتحق بمدرسة الكرخ الثانوية، ، بغداد بعد أن أكمل السادس ابتدائي واألول المتوسط إلى الدراسة ثم انتقل بعد ذلك وكانت تلك المدرسة واحدة من القالع الوطنية في العراق كله، ولسوف تكون على الدوام مخزن الذخيرة البشرية التي

ضد االحتالل، وضد عمالئه وأذنابه، وسيجد في إطارها الملتهب، ذلك الشاب الصغير الذي تنتفض عروقه ستتفجر بالده، البيئة المؤاتية لتفتح مشاعره وطنية عارمة تدفعه إلى االستعداد في كل لحظة للتضحية بحياته نفسها من أجل

التغيير، على إمكانياتكانت اللحظة التاريخية حبلى بكل ولقد ،فكاره وتوجهاته السياسية ونزعاته القيادية الكامنة أو .صعيد الوطن الصغير، والوطن الكبير، وكان صدام حسين يومها في الصف الرابع الثانوي يتابع دراساته بتقدم ونجاح

. خرآ دورا واألقدار كانت تتجمع في األفق، وتضمر له ،غير أن بغداد حينذاك كانت تغلي فوق فوهة بركان الخاسرن والرها ز تمو١٤ -٣

داخله الشك في وحدة هذه األمة، ووحدة مصيرها، فإن عليه أن يستعيد فحسب صورة الوطن الكبير في إنسانا أن لو ئعها، هو إحساس الخمسينات، حتى يوقن بأن األساس األقوى واألعمق بين جماهيرها، والفكر األرسخ واألشمل بين طال

هبوا لنحرر وطننا إن : ينادي على العرب من قلب القاهرة ر عبد الناص فعندما كان جمال . الوحدة، وهو فكر الوحدة وفي . رجل واحد، وصوت واحد، وهدف واحد، من العراق حتى الجزائر إلى يتحولون جميعاونتوحد، كان العرب

المعركة تقترب من ، اشتد تصاعد حركة التحرر العربية، واتسع لهيبها، وكانت غمنتصف الخمسينات، بعد باندون

بعد أن ثقلت وطأة حملته على حلف بغداد تسليح النظام الوطني في مصر ترفضأمريكا . لحظاتها الحاسمة في مصر يسحب عرض تمويل السد العالي، والقاهرة تكشف عن خرقها الحتكار السالح بعقد صفقة التسلح ساالستعماري، وداال

بوقوفه في عيد الثورة المصرية عام قومياي، وعبد الناصر يدشن نفسه بطال الشهيرة ألول مرة مع المعسكر االشتراك ، ليفاجىء عالم االستعمار القديم المتهاوي، بل ويفاجىء العالم كله، بأن مصر المناضلة قد استردت من هذه ١٩٥٦

.رة اللحظة قناة السويس، وأن العرب قد اقتحموا التاريخ المعاصر من أوسع أبوابه، بقدرة وجدا كما أن التاريخ قد ، في كل أقطارهمجميعا وال أحد يمكنه أن يتصور عمق عاطفة االنتصار التي هزت وجدان العرب

سجل في يومياته، وفي مذكرات قادة أوروبا وأمريكا، أيامها، كيف كان االرتباك الذي ساد صفوف الدولتين لم تكن حملة السويس التي قادتها الدولتان االستعماريتان ومعهما وشديدا، وفرنسا شامال إنجلترااالستعماريتين القديمتين

حتفها في السويس إلى عمال أحمق من قوى لفظها تطور التاريخ، وقادها إال، "اسرائيل "ربيبة االستعمار وخادمته إحدى هي -نذاك وفي صفوف العالم الثالث الوليد آ - وربما كانت ردة الفعل العربية ،لتستخرج بنفسها شهادة وفاتها

لقد تحول المناخ ، بالنسبة للشعوباإليجابيات بعض أحيانا تكون للحماقات االستعمارية أن كان من الممكن ، لوإيجابياتهاطموحات وأهداف شعبنا العربي أكثر أن وبدا ،وملتهب مناخ وطني وقومي حارإلى العربي كله في تلك األيام المجيدة

وبحكم قوانين - براطوريات االستعمارية بحقمقق، ويمكن أن تتحقق، بعد أن صارت اإل جديرة بأن تتح في كل مكان . من ورق ا نمور -التاريخ نفسها

في ثانوية الكرخ طالبافي ذلك المناخ الوطني والقومي الحار والملتهب، ولد صدام حسين السياسي المناضل، أيامها كان شعلة من الحناجر إلى والصحف، فتتحول بغداد كلها اإلذاعاتتنقلها على مصر يفي بغداد، وإذا بأنباء العدوان الثالث

، بعنف ال مثيل له، جنود نظام نورى السعيد العميل تواجه الصارخة، واأليادي المضمومة، واألجساد المتراصة التي ، ومساندة مصر المناضلة حلف بغداد، وإسقاط النظام الذي ينفذ مخططات االستعمار، وتأييد بإسقاطوالرجعي، وتطالب

، بخطى واثقة ويقينية، راح يقترب ا فشيئا وشيئ ،أن وعي المناضل الشاب كان قد بدأ يتبلور، ومعالم طريقه أخذت تتحدد . من المسرح الذي ينتظره، والذي سوف يلعب عليه الدور التاريخي، الذي هو دوره

في تلك ، في حزب البعث العربي االشتراكيمنخرطار قالئل حتى كان صدام حسين هلم يمض بعدها أكثر من أش وفي كواليس األحزاب ،المرحلة كان العراق كله ينتظر، في أية لحظة انفجار البركان الذي ما ينفك يطلق حممه

وأيامها كان العراق ،١٩٥٧ شباط عام -قد بدأت في التشكل منذ فبراير" جبهة االتحاد الوطني "السياسية كانت معالم حزب البعث العربي االشتراكي، الحزب الشيوعي العراقي، حزب االستقالل، الحزب : خمسة أحزاب سياسية هي يضم

. ومن تلك األحزاب الخمسة تشكلت الجبهة ،الوطني الديموقراطي، الحزب الديموقراطي الكردستاني كل القوى الوطنية وجماهير هي التي أجمعت " تلك الجبهة من أهداف؟ كانت تلك األهداف إليه ما الذي كانت تسعى

الشعب على حدها األدنى والتي يمكن تلخيصها بالتحرر الكامل من النفوذ االستعماري وبناء اقتصاد وطني مستقل تصفية كاملة، وبإبعاد الرأسمالية االحتكارية المرتبطة باالستعمار عن الحكم، اإلقطاعومزدهر وتقدمي، وبتصفية للتخطيط الوطني التقدمي، وبتحقيق صيغة ديموقراطية مالئمة للظروف وإخضاعها لعاملة، ومنعها من اضطهاد الطبقة ا

الوطنية، وبإرساء الوحدة الوطنية بين العرب واألكراد، على أسس ديموقراطية راسخة، وببناء جيش قوي مقاتل، واعد عال في النضال العربي ضد االستعمار الف وباإلسهاماده لمعركة فلسطين واألجزاء السليبة األخرى من الوطن العربي،

". والصهيونية والرجعية وبتحقيق صيغة وحدوية عملية وفعالة مع األقطار العربية المتحررة قد عربيا تاريخيا انتصارن إ ، انفجر البركان، وسمع دويه في أربعة أركان األرض ١٩٥٨ تموز عام - يوليو ١٤في

لشعب العراقي عبر أحزابه السياسية وجيشه الوطني، وسقط النظام الرجعي ا تحقق من خالل الوحدة النضالية بين ر في المنطقة العربية، وبدا مامن صروح االستع خرآالعميل، وعلق الشعب رؤوسه على أعواد المشانق، واندك صرح

كان في زيارة يومها قرر جمال عبد الناصر، و ، يصير في مراكزه األساسية أرضا محررة أن المشرق العربي يوشك أن فها هو النظام الذي عاداه عميقا، ا كان الحدث التاريخي الضخم قد هزه هز ، القاهرةإلى فوراليوغوسالفيا، أن يعود

ولكن الرئيس تيتو نصحه بأال يتوجه ،وجعل من أرضه قاعدة للهجوم على مصر يسقط تحت أقدام الجماهير العربية وقد استفزتها - فاألساطيل االستعمارية تتحرك بعنف،ريق البحر كما جاء لى مصر عن ط إمباشرة من يوغوسالفيا

القاهرة، وفي عاصمة إلى موسكو، ومن موسكو إلى اتجه عبد الناصر " بريوني " في مياه البحر األبيض، من -األحداث ى الجمهورية العراقية هو إن أي اعتداء عل "الجمهورية العربية المتحدة أعلن قائدها بقوة وحزم، وبنشوة تاريخية عارمة

".اعتداء على الجمهورية العربية المتحدة هائل حلم الوحدة بين ي فبعد أن تحقق بزخم جماهير ،كان العرب أيامها يعيشون أمجد اللحظات في تاريخهم المعاصر

لوحدوية علم الدولة ا إلى، ها هي نجمة ساطعة جديدة توشك أن تنضاف ١٩٥٨ شباط عام -وسوريا في فبراير مصرقررت قواه الحية ولم تكن الوحدة في مفهومها الطبيعي والمنطقي، تبدو عصية على التحقق بالنسبة ألي قطر . الجديدة

من وجوه التحرر، وكان النضال التحرري ينطوي آخر وجها كانت الوحدة ،حتى النهاية ن تحارب االستعمار أالمناضلة .في جوهره على نضال وحدوي

حد كبير صورة الوضع الذي كانت عليه الحركة إلى، كانت قيادتها تعكس ١٩٥٨عام يوليو -ورة تموز وحين تفجرت ث فالطابع ،القومية العربية من ناحية، وشكل الواقع الخاص للحركة السياسية الوطنية داخل العراق من ناحية أخرى

داخل العراق يمي في حركة النضال السياس القومي الذي وسم الثورة في بداياتها لم يكن مصدره ثقل االتجاه القو

نما كان يستمد روحه ومنطقه واندفاعه من المد القومي على صعيد الساحة العربية بأجمعها، والذي جعل من إفحسب، و .نضال كل قطر على حدة حلقة في النضال الكلي للوطن العربي بأسره

عن التزامها باالرتباط القومي إعالنهاياتها األولى هو ولقد كان من أبرز سمات ذلك الطابع القومي للثورة في بدا باألهداف القومية العربية للشعب في القطر العراقي، وانعكس ذلك في أيضاالمصيري مع األمة العربية، والتزامها

شكل خاص لالتجاه القومي في أول حكومة تشكلت بعد قيام الثورة، بينما كان تمثيل الحزب الشيوعي ب التمثيل المتميز .المحسوبة عليه "الديموقراطية " يعتمد على بعض العناصر ما هي تقويمات األحزاب السياسية المختلفة للثورة فيما انعكس على مواقفها وسلوكها : لءويجدر بنا هنا أن نتسا

تناقض ثم لى حد التعارض ثم الإ خمسة مواقف عكست بعد الثورة خمسة تقويمات مختلفة كان اختالفها إنالنضالي؟ .بعد يوما التناحر يزداد يوم

للطموح القومي العربي للقطر العراقي، تحقيقا القيادة القطرية لحزب البعث العربي االشتراكي اعتبرت الثورة إن * وانطلق ، درجة الوحدة إلى وفي مقدمته حينذاك تكثيف العالقة مع الجمهورية العربية المتحدة الفتية والوصول بها

نمو حركة الثورة العربية في أي قطر ال يتحقق أن وهو ي المحوراأليديولوجي ي هذا التقويم من مفهومه الحزب ف صيغها إحدى من خالل حركة الثورة العربية، ولقد كانت دولة الوحدة تمثل في تلك الفترة إالبمستوى الطموح

ي النهاية موتها، ألنها ستكون في تلك اللحظة للثورة يعني ضمورها وذبولها وف ي االنكفاء القطرأن ذلك ،التاريخية - يهدد مصالحها خطرا وفي مقدمتها القوى البورجوازية التي تجد في الوحدة - فريسة سهلة لقوى الرجعية المحلية

ولقد اعتبرت نشرة . وعمالئها اإلمبرياليةبنفس القدر الذي تكون به عرضة للمحاصرة واالحتواء والخنق من جانب ١٩٥٩ آذار عام - األمانة العامة للقيادة القومية لحزب البعث العربي االشتراكي في مارس آنذاكلية أصدرتها سرية داخ

ن الفروق التي خلقها إ"وذكرت ". التحرر من االستعمار والرجعية يرشح القطر العراقي لالنضمام إلى دولة الوحدة إن" المصالح االقتصادية والسياسية للرجعية الداخلية إن وضع التجزئة ليست هي التي تحول دون ذلك فحسب، بل

الوحدة عملية ثورية يتطلب تحقيقها تخطي كل إن"وأكدت ". واالستعمار هي التي تعارضها وتحاربها بتصميم ووعي ".االعتبارات المحلية والمصالح المرتبطة بالتجزئة

ه الوطنية للمشكالت الداخلية التي تعانيها جماهير القومي لم يحجب عن الحزب رؤيت يغير أن هذا المنطلق األيديولوج من أهداف أساسيا ا الزراعي الجذري الذي كان هدف اإلصالح الشعب داخل القطر العراقي، والتي تمثلت في إلحاحه على

ن بقية القوى الوطنية قبل الثورة، وفي تركيزه على المطالبة بالديموقراطية في العمل السياسي، فضال بطبيعة الحال ع .األهداف التي أجمعت عليها القوى الوطنية في مجموعها

أما الحزب الشيوعي العراقي الذي يصدر تقويمه للوضع داخل القطر من منطلق أيديولوجي مغاير، فلقد كانت له * على مواقفه الفكرية والعملية المتعارضة مع حزب البعث العربي االشتراكي، سواء على الصعيد القومي العام، أو

. الصعيد القطري المحلي على ومهيمنا طاغيا يوعي العراقي شعار الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة، الذي كان ش من البداية رفض الحزب ال

أن - على طريقته-ولم ينس" االتحاد الفيدرالي: " هوا ضامراورفع بدال منه شعار. المسرح السياسي داخل العراق كله قد ال -ا ضمور ثم عاد مرة أخرى وخفض االتحاد الفيدرالي إلى شعار آخر أكثر ،"لصداقة السوفيتية وا "ليه إيضيف

".التضامن العربي " وهو شعار -ترفضه حتى الدول العربية الرجعية ة العربية وكأن الوحد ، "واجبنا صيانة الجمهورية واالستقالل الوطني : " في ظاهره هو براقا داخليا اوبالمقابل رفع شعار

واعتبر الحزب الشيوعي هذا الشعار بمثابة المبدأ األعلى الذي ، لالستقالل الوطني تبديدا تمثل تهديدا للجمهورية أو ينبغي أن تشتق منه سائر المبادىء األخرى، وتصدر عنه كافة الخطوات التنفيذية حتى على صعيد تغيير البنية

- فبراير١٦ي للحزب الشيوعي العراقي في ساهللا عضو المكتب السيا ر عبد لقد كتب عام ،االجتماعية الداخلية نفسها فراط في الحديث عن دولة عربية واحدة، مثلما هو مجد ليس من المجدي في أيامنا هذه اإل : " يقول١٩٥٩شباط عام

أو قريب يسيراا إن تحقيق حلم العرب في توحيد أمتهم ليس أمر،الحديث عن أمة متحررة، تستطيع أن تصون استقاللها وواقع ،المنال، إن البلدان العربية ال تسير على وتيرة واحدة، ال في حركة تطورها العام، وال في مسيرتها نحو الوحدة

ص موقفه النظري الذي لى استخال إ ثم ينتهي ،"الحياة يدل على أن البلدان العربية ستستمر في مسالك متعددة متباينة ، وإن الظروف ان التجزئة أصبحت واقع إ: " العملية الصادرة عن الحزب الشيوعي بعد ذلك انبنت عليه كل المواقف في وقف سوريا عن سيرها ا سلبيا المصرية مردود - لقد أعطت تجربة الوحدة السورية ،الخاصة ال يمكن تجاهلها

".لى الوراء إ الحثيث في طريق التطور العام، وردها خطوات عديدة إن : " يقول١٩٥٨ أيلول عام - سبتمبر٣ عن المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي نفسه بتاريخ صدر ابل إن بيان

قتصاد والرأسمال التفكير في االنضمام للجمهورية العربية المتحدة، يقلق جماهير الشعب، ألن االنضمام لن يوفر لال ادلة للتعاون االقتصادي بين العراق والجمهورية عازدهار والتطور، ولن يوفر شروط كافية لال االوطني العراقي فرص ".ف درجة تطور كل منهما ال الختاالعربية المتحدة، نظر

قليمية أمرا كانوا يعتبرون التجزئة اإل - في حزبهم الرسمي - من النصين السابقين إن الشيوعيين العراقيين ا ويبدو واضح في االنضمام للوحدة العربية التي كانت قائمة بالفعل في -رد التفكير مج-وإن التفكير . تجاوزه ال يمكن تخطيه أو انهائي

ولكن أية جماهير تلك؟ الجماهير التي ،ذلك الوقت بين قطرين ليسا متساويين في درجة تطورهما، يقلق جماهير الشعب يدافع حزب شيوعي ومن الطريف أن ،تخشى أن تهدد الوحدة طموحاتها االقتصادية؟ جماهير الرأسمال الوطني العراقي

تطورها وازدهارها حتى يمكن التفكير " البورجوازيات العربية " وأطرف منه انتظار أن تحقق ،عن طموحات الرأسمالية وال أحد يمكن أن يصدق أن جماهير الشعب هي ،في الوحدة العربية بحسب المغزى الذي ينطوي عليه المفهوم السابق

لم - الجماهير الكادحة - فجماهير الشعب الحقيقية ،ضيفت لها صفة الوطنية أ حتى لو جماهير الرأسمالية أو البورجوازية ومن العبث أن نتصور قيام وحدة شعبية . يكن لديها ما تخسره، أو يمكن أن تخسره في المستقبل، حتى تخشى من الوحدة يمكن أن يقال أنها ستكون وحدة أقل ما ، عربية على أساهـا وحدة البورجوازيات العربية المتكافئة في درجة التطور

وعلى الرغم من أن هذا المفهوم للوحدة ". جماهير الشعب"لفرض مزيد من االستغالل على ) بكسر الغين(المستغلين الذي كان يتبناه الحزب الشيوعي العراقي يصدر في جوهره عن المفهوم الستاليني للقومية والوحدة، والذي يعتبر القومية

والوحدة إنجازا للبورجوازية، على طريقة أوروبا في القرن التاسع عشر، فالواقع أن الحزب الشيوعي ظاهرة رأسمالية، إنه يمكن أن - برفضه للوحدة وتأييده ودعمه للنزعات الفردية المطلقة لدى عبد الكريم قاسم -العراقي كان يتضور

لقد كان رفض شعار الوحدة يجد في نفس ، بهااردبعد ذلك منف فيها، ثم يغدوا فعليايقترب من السلطة ويصبح شريك . للقائلين به ا واحتضانا وتحبيذا، وأهم من ذلك تشجيعا طيبا، كما كانوا يدعونه حينذاك، صدى مريح "الزعيم األوحد"

الكريم ولقد تصورت قيادة الحزب الشيوعي آنذاك، إنها يمكنها تحقيق هدفها عن طريق التحالف المصيري مع عبد وهو أمر واضح التناقض مع أساس مفهومها -قاسم، واالنتقال إلى االشتراكية دون المرور بالمرحلة البورجوازية

-متكافىء للبورجوازية العراقية مع البورجوازيات العربية األخرى من التطور الال انطالق االظاهري لرفض الوحدة ، التي لم تكن قد وجدت ١٩٥٦ لشيوعي السوفييتي عام مستلهمة في ذلك إحدى مقوالت المؤتمر العشرين للحزب ا عدم حتمية المرور بالمرحلة الرأسمالية من التطور، : "فرصتها المتحان مصداقيتها في التطبيق التاريخي بعد، وهي

.١١/٣/١٩٥٩) اتحاد الشعب ("بالنسبة للبلدان المتخلفة، وتحقيق ذلك بقيادة الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي ولم يشغلوا أنفسهم بتأكيد جبهة ،ك لم يهتم الشيوعيون بتدعيم تحالفاتهم باألحزاب الوطنية األخرى داخل العراق ولذل

حتى إنهم في ، كان الهم األساس هو ما أسموه صيانة الجمهورية واالستقالل الوطني ،الثورة االتحاد الوطني بعد قيام إنما يخضع هذا المطلب الجوهري لمهمة أعظم : "ي الجذري قالوا صالح الزراعردهم على مطالبة القوى الوطنية باإل

صالح الزراعي سوف تخضع لهذه المهمة وأهم، وهي مهمة صيانة الجمهورية واستقاللها، وكل خطوة في ميدان اإل اعية وفي ردهم على مطالبة القوى الوطنية بالديموقراطية في العمل السياسي لتحقيق أهداف الشعب االجتم ". األساسية

إن هذه الخالفات والتناقضات، سواء في المصالح أو األفكار، هي بالتأكيد في : "التي قامت من أجلها الثورة كتبوا يقولون فات في الريف فمهما بلغت الخال. المرتبة الثانية من خطورتها الموضوعية، على مسيرة الثورة، وتقدم البالد واستقرارها

فات ثانوية، وممكنة الحل في إطار لمدينة، بين العمال وأرباب العمل، فإنها تبقى خالبين الفالحين والمالكين، وفي ا ". المصلحة المشتركة، ولمصلحة صيانة الجمهورية وأمنها واستقرارها

اتخذ مواقف يسارية منعزلة في معالجة الوضع "لى االعتراف بأنه إولسوف يعود الحزب الشيوعي، بعد ذلك، د، ووقع في خط المبالغة في قوته الذاتية والتقليل من دور السلطة والقوى الوطنية في صيانة الديموقراطي في البال

الجمهورية، إذ اعتبر نفسه وعبد الكريم قاسم، وحدهما، القادرين على صيانة الجمهورية، وبذلك استبعد القوى الوطنية الذي لم تسلك قيادة الحزب الشيوعي حتى - ذاتي غير أن هذا النقد ال . ذات الدور الفعال والمؤثر في مجرى األحداث

بقوة، والجسور كانت قد أخذت بدأت تظهر فالصدوع كانت قد . كان قد فات أوانه -بعد صدوره حسب مقتضياته ولسوء الحظ لم تدرك قيادة الحزب الشيوعي العراقي، في ،تتهاوى، والمأساة التاريخية كانت قد راحت فصولها تتكامل

وسط أوهام االقتراب من السلطة، ونشوة الهيمنة المؤقتة، الخادعة، على المؤسسات السياسية الجماهيرية، ذلك الوقت، كل القوى القومية والتقدمية في أيضا ، وإنه ليس العراق وحده هو الذي سوف يدفعه، بل ستدفعه فادحاإن الثمن سيكون

.المشرق العربي بأسره العقم الفكري، والفراغ األيديولوجي الذي كان يعانيه، جعله يفقد توازنه ويسقط في ن إ، فاالستقالل بالنسبة لحزب *

، األمر الذي بدا معه وكأن مهمة هذا الحزب قد انتهت تاريخيا بقيام الثورة، بينما ،الشلل واالرتباك أمام اندفاع األحداث .أفواجا اندفع ما تبقى من قواعده نحو االنخراط في حزب البعث

للطبقة ممثال الحزب الوطني الديموقراطي، فإنه وجد الفرصة مواتية له للنمو المؤقت واالنتشار النسبي، بوصفه أما* يهدده على المدى االستراتيجي، نه كان يرى في نمو الحزب الشيوعي خطرا أ وعلى الرغم من ،الرأسمالية المتوسطة

يرى في شعارات الوحدة العربية الخطر األكثر إلحاحا نه كانإويحد من طموحاته الطبقية كما كان يتصورها، ف نه كان يفتقر إلى التماسك أومباشرة، مما دفع بتناقضه مع البعث إلى األمام، وبتأجيل تناقضه مع الشيوعيين، غير . األيديولوجي الواضح، وال يتمتع بوحدة الموقف السياسي دائما، حتى على صعيد قيادته العليا

ك هي السمات العامة التي ميزت مواقف األحزاب الخمسة التي كانت تمارس نشاطها في الساحة السياسية وإذا كانت تل ، فإن المحصلة المباشرة لمجمل هذه المواقف هو تصدع الجبهة ثم انفراطها ١٩٥٨ يوليو -العراقية بعد ثورة تموز

.عملياجانب القوى الوطنية لوضع ميثاق عمل مشترك يحفظ ، من ١٩٥٨ تشرين الثاني -إن محاولة قد جرت في شهر نوفمبر

:استمرارية العمل الجبهوي انطوى على المبادىء األساسية التالية إن العراق جزء من األمة العربية، وإنه سيسعى إلى بلوغ أفضل الروابط مع الجمهورية العربية المتحدة في ) ١(

. المستقبل، وذلك لتحقيق الوحدة العربية الشاملة

الخاص بالحقوق ١٩٥٨يوليو عام / تموز ٢٧ إن الجبهة ستسعى لتطبيق ما جاء في الدستور المؤقت الصادر في )٢( .القومية للشعب الكردي

.ضرورة اتباع سياسة وطنية من قبل الحكومة وتحقيق مطالب الشعب بالتحرر السياسي واالقتصادي من االستعمار ) ٣(ية، وعلى ضرورة قيام حياة ديموقراطية سليمة، تعطي لألحزاب السياسية حق األكيد على دعم الثورة والجمهور ) ٤(

.العمل السياسي بصورة علنية ومع ذلك، فماذا كانت النتيجة العملية أو التجسيد الواقعي لهذا الميثاق؟ لقد دعا حزب البعث العربي االشتراكي إلى دعم

، ات والقوميات والمذاهب على أساس مبادىء الثورة وأهدافها النضال المشترك ووحدة الصف بين جميع األحزاب والهيئ إلى أوهامه التي غير أن الحزب الشيوعي وقف من هذه الدعوة موقفا سلبيا، واستقبل الميثاق الجديد بفتور، مشدودا

في الوقت الذي لم ،زينت له إمكانية احتواء عبد الكريم قاسم، واالنفراد بالسلطة من خالل دكتاتوريته الفردية المطلقة ثقال أساسيا يرجح كفة -"البارتي" ربما باستثناء الحزب الديموقراطي الكردستاني -تكن األحزاب األخرى تشكل

.الميزان، المجنونة في الشوارع، مثل أفاع مسعورة، تزحف في غابة ال تطأها قدم "الحبال"كان الرهان الخاسر قد بدأ، وانطلقت

. إنسان . ة تسقط في األفول، لقد حانت ساعة الصلب، والعراق سوف ينزف دمه إن شمس الثور

قرالغة اروث العار ش-٤

بيد أن العنف ، هي الثورات التي وقعت في مراحل التاريخ المختلفة، وسلكت طريق العنف، وتذوقت طعم الدم كثيرةرورة لشجرة الثورة حتى تمد جذورها، والدماء التي سالت كانت، بمعنى ما من المعاني، ض ، ضد أعدائها موجهاكان

.وتعلى غصونها، وتؤتي ثمارها تاريخه، كان أشبه بكابوس مرعب في ليلة ن غير أن ما حدث في العراق، خالل تلك المرحلة المأساوية الحزينة م

زة، أن تدفع كيف يمكن النحرافات الفكر، وجموده، وانغالقه على مقوالته الجاه ال يمكنه أن يتصور أحدا إن ،مظلمة والغريب في األمر أن ذلك جرى في ظل الشعارات التي ،بآالف البشر إلى أشكال جديدة، همجية، من المذابح الجماعية

التقدمية، لم اإلنسانية جمعاء، وفي مقدمتها اإلنسانية إن ،االشتراكية: البشرية إليه تكثف أجمل وأنبل ما تحاول أن تصل ما ارتكبه من جرائم في حق الديموقراطية - الداخلية وفي الحرب العالمية الثانية اتهإنجاز رغم كل -تغفر لستالين

وكان للتقرير الذي أدلى به خروشوف في . والحرية وضد من وصفهم بأنهم أعداء التطور االشتراكي بين جماهير شعبه مرة، حجم تلك الجرائم جلسة مغلقة من جلسات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، وكشف فيه ألول

عقولهم وقلوبهم مشدودة إلى الفردوس االشتراكي الذي كان من كانت ت املوأبعادها، وقع الصاعقة على كل من ك واالنهيارات واالنقسامات التي حدثت على أثره في كثير من األحزاب ،"األممية"يحرسه جوزيف ستالين نيابة عن

، على المستوى الجماعي والمستوى الفردي، عن يقظة حادا تراجيديا تعبيرانت الشيوعية في أربعة أطراف العالم، كا الوعي بين أحباب االشتراكية في كل مكان، واكتشافهم فجأة أنهم إنما كانوا يتعبدون لجسد بغير روح، وإنه ليس بالخبز

.أيضا، وإنما بالحرية والديموقراطية اإلنسان وحده يحيا وعلى الرغم من أن هذا ، ألول مرةاإلنسان جرى في إطار تجربة تاريخية كانت تقتحم عبودية ومع ذلك، فإن ذلك كله

ما قدم وما أكثر-نه جوهرها، فإنه على األقل يمكن أن يقدم كتفسير أما انطوت عليه من نقيض لما يفترض ال يبرردفع بالثورة العراقية التحررية، بعد ولكن ما الذي ،لما أصاب التجربة التاريخية من مطاعن في صميمها -كتفسير

كل السواعد الوطنية، وتالحم كل األكتاف الحزبية، إلى تلك الحصة؟ لماذا شهور قليلة من قيامها بنجاح، وبتضامناندفعت، أو دفع بها، بهذه السرعة إلى مشارف مستنقعات الدم التي أوغلت فيها؟ وكيف تحولت كل أهدافها ومثلها النبيلة

بين ة ومرار حقدا إلى تلك الصراعات الدامية التي تقطر - وكلها وجوه لمنظور واحد -ية والوحدة واالشتراكية في الحر .جنود الخندق الواحد، وأبناء الحلم الواحد؟

-، في يوليو"كركوك"، ثم ما حدث بعد ذلك في مدينة ١٩٥٩ آذار عام -في مارس" الموصل "إن ما حدث في مدينة ي التاريخية في آستطيع أن يصفه إال الراسخون من مؤلفي روايات الرعب، أو كبار كتاب الم ، ال يس ١٩٥٩تموز

، "االستعمارية"، بل وال حتى شركات النفط "الرأسمالية االحتكارية "أو " ةيالرجع "أو " قطاعاإل" ولم يكن ،التاريخ البشري قوى الوطنية والقومية هي التي تسقط بين عقد حمامات الدم الوطنية، على العكس، كانت ال " شهداء"أو " ضحايا"هم

قطاع يشد على يدي الرجعية، ات والشوارع بأجسادها المنهكة، بينما كان اإل قالحبال المجنونة، وترصف الطر .والرأسمالية االحتكارية تشرب أنخاب الدم مع الشركات االستعمارية

، في اليوم "مهرجان السلم الكبير " لقوته تحت عنوان اير كبالقد حاول الحزب الشيوعي أن يقيم في الموصل استعراض الفتة كتب عليها من المواطنين في قطار مجاني يغادر العاصمة حامال ا، وحشد له آالف ١٩٥٩ آذار -السادس من مارس

هلموا إلى الموصل : "، وظل ينشر على صفحات جريدته شعارات تحريضية من قبيل "لى الموصل إم قطار السال"".. م يغادر بغداد مساء اليوم قطار السال"، "إلى المدينة الباسلة مدينة األمجاد الثورية "، "شتراك في مهرجان السلم الكبير لال

.وبالطبع لم يكن السالم العالمي في خطر، وال الحرب العالمية على األبواب وكان من ، والقومية األخرى من مظاهر الصراع العنيف، الالمبرر، ضد القوى الوطنية اكان المهرجان مظهر

واجتمع ضباط . أن تحدث صدامات بين الشيوعيين والقوى القومية ذات الثقل في المدينة - وذلك كان هدفه -الطبيعي

لى بغداد، ومقابلة عبد إالوهاب الشواف بالسفر الجيش بعدها، وقرروا تكليف آمر اللواء الخامس العقيد الركن عبد غير أن قاسم كان . لى إخماد الفتنة قبل أن تستيقظ إرة عن الوضع في المدينة، حتى يسارع عطائه صوالكريم قاسم، إل

كما -في واد آخر، وكان يسعده أن تستنفد القوى الوطنية نفسها في الصراع ضد بعضها البعض حتى يزداد استقراره ت ال تطيب الجراح، والموقف يزداد ، ولم يقدم حال للموقف المتوتر سوى بضع كلماافلم يفعل شيئ. في حكمه-يتوهم .اتوتر

يعيد ولكنه يعود كما عاد في المرة األولى صفر اليدين من أي قرار ،ومرة أخرى يذهب الشواف إلى بغداد ليلتقي بقاسم الوهاب النبيل عبد ي إلى أخ "كتب عليها " للزعيم األوحد "الوضع إلى نصابه، وإن كانت حقيبته قد احتوت صورة

وزراء يستقيلون، ضباط كبار يحالون على ،بينما الموصل تغلي، وبغداد نفسها تزلزل فيها األرض زلزالها .. "الشواف العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس قضاة محكمة الشعب ، تسلط سيوفها على رقاب الناس " المقاومة الشعبية "التقاعد،

لصراع ضد القوميين في العراق، وضد دولة الوحدة في يحول القاعة إلى صالة مسرحية تؤدى فيها كل ليلة مسرحية ا . الجمهورية العربية المتحدة

فإذا بقاسم يتجاهل كل دواعي الموقف المتوتر الذي جاء إليه ،ويذهب الشواف مرة ثالثة إلى بغداد، ويلتقي بقاسم أيضا كتب عليها " مدالية"في جيب الشواف س ويد ،لم يقله ألحد من قبله إنه سيفشي إليه بسر ا من أجله، ويقول له هامس

: ستكون العودة إلى فلسطين؟، قال قاسم تى م، ولكن متى يا سيادة الزعيم ، إلى أين؟ إلى فلسطين بالطبع ،"عائدون" ". سأعلن ذلك في الوقت المناسب أو -العراق يندفع ن أ في حد ذاته على أن سفينة البالد صارت هي نفسها بدون ربان، و كان هذا المشهد العبثي دليال

وفي شوارع الموصل وطرقاتها، كانت قوى الوطن مقسومة على نفسها، وقسم منها ، نحو المجهول -تدفعه قوى خفيةبالحبال التي تتلوى " يسحل" إنه قادر على أن يسحق اآلخرين، وأن - أو من خبث الزعيم -تزين له قرباه من قلب الزعيم

.في الهواء كل من يقف في طريقه في هذا المناخ العصيب المتوتر، بعد أن ، عقد المهرجان الكبير .. جرى بعد ذلك هو النتائج الطبيعية لمقدمات المأساة ما

بمناسبة انعقاد ٦ و ٥لى الشواف تطلب منه بقاء القطعات العسكرية في ثكناتها يومي إ أرسل مكتب الزعيم األوحد برقية خرى تطلب من آمر المنطقة العسكرية استمرار بقاء القطعات العسكرية أرسلت برقية أ ا أيض٧ وفي يوم ،المهرجان

.داخل ثكناتها وبعدما تم المهرجان وانفض، حاولت القوى القومية أن تقوم بالمقابل بالتعبير عن وجودها الحقيقي في المدينة، واعترض

كي -ء في ثكناتها حتى يعقدوا مهرجانهم التي كانت لديها أوامر بالبقا -الشيوعيون وطالبوا بنزول القوات العسكرية ، وإذا بطلقات الرصاص تنهمر عليها، اتفض التجمع القومي، ولكن التظاهرة القومية سارت في المدينة وازدادت اتساع

ومظاهرة ،لى الحركة القومية إونيران الحرائق تتصاعد من المكتبات والمحالت والمقاهي المملوكة لعناصر تنتسب وهي منطقة " باب البيض" وعند منطقة في المدينة تسمى ،ها الشيوعيون تحاول أن تحاصر المظاهرة األولى مقابلة يقود

بدأت المظاهرة الشيوعية تفقد أعصابها، فأخذ أفرادها يهاجمون البيوت، ويخرجون -كامل يهيمن عليها القوميون بشكل .وحده هو السيد المطاع لى الطرقات المجنونة حيث العنف إساكنيها منها، ويلقون بهم

لى الشوارع، وأعلنت منع التجول في المدينة، بعد أن إ نزلت ،لم يكن ثمة مفر من أن تبدأ قوات الجيش القيام بواجبها . لحرائق الدم والنار اصارت نهبضة مسلحة، وأن ر منع التجول أن يقوموا بانتفا ثبال رأس يديرها، قرر الضباط الذين اجتمعوا بالشواف على أ وفي بالد

أس فرقته المسلحة، بيان ر آذار، أعلن الشواف على - وفي مارس ،يكونوا الرأس الذي يستطيع أن يمسك بدفة البالد .واألخير... انتفاضته األول

لم يكن لهذه الحركة تخطيط دقيق، ولم يكن لها تنظيمها الذي يساندها في المواقع العسكرية األخرى، وشاء حظها العاثر ، فأرسل قاسم طائراته لقمع الحركة في مهدها، وجرح الشواف من جراء القصف الجوي، وحاول ا يكون ظرفها مواتيأال

طلقت عليه رصاصة، وعلقت جثته وسط العراء كشاهد أ لى المستشفى بنفسه ليداوي جراحه، وفي الطريق إ أن يذهب .ين والقوميين حزين على قمة المأساة التي بلغها الصراع الدامي بين الشيوعي

على مصراعيها، انطلق جنون العنف بفتح أبواب السعير ا وبعد أن ضربت حركة الشواف في رأسها، كان ذلك إيذان كعمالق أعمى يضرب في كل اتجاه، وصارت شوارع المدينة غابة من الحبال التي تسحل األجساد البريئة حتى تفارقها

تنق شيوخ ونساء وأطفال، وصلبت األجساد على أعمدة الكهرباء ومن الحياة، وتحطمت أبواب، وتهدمت بيوت، واخ ذا بها إ بينما شوارع بغداد تتدفق عليها مظاهرات غريبة لم يكفها ما جرى في الموصل ف ،بينها أجساد العذارى عاريات

بعد : "لى تقول لسان حال الحزب الشيوعي العراقي تصدر في صفحتها األو " اتحاد الشعب " وصحيفة ! إعدم ! إعدم: تهتفالوهاب الشواف جاء يوم الثالثاء ليال دور اآلخرين، فبدأت الجماهير الغاضبة أن شهدت الموصل أمس سحل جثة عبد

وبعده بقليل نداء من المنظمات النقابية التابعة للحزب الشيوعي . ...."منذ المساء بسحل جثثهم في الشوارع ليكونوا عبرة إن كل مدينة وكل قرية وكل شبر من أرض العراق ستلقن كل من يقدم على التجاوز على ،اسنقلب العراق جحيم : "يقول

، ثم بعد ذلك بيومين، وفي مجال تقويم ١٣/٣/١٩٥٩) اتحاد الشعب. (" أبلغ من درس الموصل اجمهوريتنا، درسالزعيم " لمناضل البرزاني ا" تحيي "اتحاد الشعب "، التي خاضها الشيوعيون في الموصل كتبت جريدة "الثورية "التجربة

العصاة الخونة زمرة الشواف ذا كان وجود المناضل البرزاني في كردستان أثناء حدوث تمرد : "قطاعي الكردي قائلة اإل

/١٨/٣) اتحاد الشعب" (أثر كبير في زيادة اندفاع األكراد للمساهمة في قمع العصيان وقتل مؤامرة الشواف في مهدها ١٩٥٩ .

والمآسي من فرط ،"محكمة المهداوي"قتل والسحل في الشوارع والطرقات، بدأ مهرجان أخر في وبعد مهرجان الفلم يحدث قط في أية محكمة في العالم، حتى في محاكم مجرمي الحرب . مأساويتها تتحول أحيانا إلى مهازل مضحكة

راخ عصبي مجنون، وهي تلوح في الهواء ن وقفت الجماهير في قاعة المحكمة لتقول بصأ "نورمبرغ"العالمية الثانية في الذين مهما كان خالفهم مع الحكم القائم فهم -بينما كان فريق من الضباط القوميين ، !"إعدم ! إعدم: "بحبال في أيديها

يقفون في قفص االتهام، وينتظرون أن يفرغ رئيس المحكمة من سبابه -وطنيون من قمة رأسهم حتى أخمص أقدامهمدة العربية والجمهورية المتحدة وجمال عبد الناصر، حتى يتلو عليهم وسط التكبير والتهليل، الحكم للقومية والوح

.باإلعدامبالعاصمة بغداد، انتصبت المشانق لتقطف رؤوس رجال من ألمع وأشرف من حملوا السالح في " أم الطبول "وفي ساحة

. الجيش العراقي دفاعا عن شرف الوطن وكرامة المواطن حدث في البصرة بعد ذلك، حدث نظيره بصورة أعنف وأكثر شراسة في كركوك، وكالهما مأساة أخرى تنسج على ما

ن عبد الكريم قاسم نفسه في لقائه مع وفد المنظمات المهنية والنقابية التابعة للحزب أ حتى ،منوال مأساة الموصل تروا الفوضى التي وقعت تجاه إخواننا المواطنين سأوزع عليكم اآلن بعض الصور ل"الشيوعي قال ألعضائه مستفزا

التركمان، انظروا هل يبيح أحد منكم لنفسه أن يقوم مقام السلطة ويعتدي على أبناء الشعب، ويجرهم من بيوتهم، وينكل إن ،شيافيهم هذا التنكيل الوحشي الفظيع؟ إن الذين يدعون بالحرية، والذين يدعون بالديموقراطية، ال يعتدون اعتداء وح

/٥/٨) اتحاد الشعب ("حوادث كركوك لطخة سوداء في تاريخنا، هل فعل مثل ذلك هوالكو؟ أهذه مدنية القرن العشرين؟ ١٩٥٩ .

جاء الحزم في كركوك مثاال آخر رائعا على : "كتب قائلة ت-٢٠/٧/١٩٥٩– )اتحاد الشعب (ومع ذلك كانت جريدة إن قوى الجمهورية اليقظة أظهرت قدرتها : "وفي مكان أو تقول ". هوريةاألسلوب الوحيد المجدي في سحق أعداء الجم

اتحاد (". الجبارة، فأنزلت ضربتها القوية الحازمة في كركوك، بنفس الطريقة المحنكة عند سحقها مؤامرة الشواف .. ١٩٥٩/ ٢٢/٧) الشعب

قول لم يتردد على لسان كارل ماركس هذا ال ("إن اإلنسان هو أثمن رأسمال "وال بد أن كارل ماركس الذي كان يقول ).. وحده، ولكن ولكن على ألسنة معظم الماركسيين في العالم، ومع ذلك كثيرا ما نقضه بعض الماركسيين أنفسهم

قد تململ في قبره في تلك الساعات الحزينة التي ارتكبت فيها كل هذه الخطايا باسمه، وال شك أنه أعاد ترديد قوله لو كانت هذه هي الماركسية، فكل ما أعرفه أنني : " يتبرأ به من الذين يعلقون على مشجبه جرائمهم الشهير الذي كان ).. ٥٠٦ دار التقدم، المجلد الثالث، ص -بالفرنسية– انجلز، األعمال المختارة، موسكو –ماركس (". لست ماركسيا

اإلرهاب دار شرخ في ج - ٥ دم؟ هو الرابح، من الذي كسب في سباق ال من

الكريم قاسم على مذبح دكتاتوريته الفردية، حتى يصبح الشيوعيون لقد أريد للقوميين أن يكونوا الذبيحة التي تقدم لعبد لم يفته أن الشيوعيين " فرق تسد"الذي كان يجيد في تلك المرحلة لعبة " الزعيم األوحد "ولكن . وحدهم سدنة المعبد وكهانه

وإذ ا كان قد ساندهم في . منه لعبتهم، مثلما يتصور هو أن بوسعه أن يجعل منهم لعبته يتصورون أن بوسعهم أن يجعلوا بميزان القوى ايقافهم عند حد ال يتخطونه، حتى يظل محتفظ نه سيسارع إلإضرب البعثيين واالجتهاد في تصفيتهم ف

بل إن ،شاركة الرسمية في السلطة لى الم إولم يستطع الشيوعيون، رغم كل ما بذلوه، أن يصلوا . المتوازنة بين يديه على ا إال منهم، بعد أن أعلن الحزب الوطني الديموقراطي تجميد نشاطه احتجاج االساحة السياسية بدت خالية تمام

صالحهم، ألنه يضع على عاتقهم وحدهم كل انهيارات الوضع ممارساتهم الخاطئة، ورغم ذلك كان هذا الفراغ في غير . في البالد السياسي واالقتصادي

كان . بالنسبة لهماإليجابي بالمعنى د تلك كانت لحظة من لحظات الجزر السياسي بالنسبة للقوى القومية، ولم تعد لحظة م من فرط خيالئه على قمة السلطة، بينما جماهير الشعب ما تزال تعاني، على كل مترنحا وحيداالطاووس المختال يمشي

.وتفاقما البالد، حدة آفاق التي تزيدها الفوضى الضاربة أطنابها في الدائمة، آالمهاالمستويات، الكريم في مدينة تكريت، وكان من رجال السلطة وأنصار عبد " سعدون الناصري "في تلك المرحلة، قتل شخص يدعى

لرصين الذي كان قاسم المتحمسين، فلم تجد أجهزة األمن من تعلق عليه مسؤولية قتله سوى أكتاف ذلك الشاب الهادىء ا ال بسبب مفهوم سوى إنه ،صدام حسين: قريته كلما انتهت أيام الدراسة ليمارس حياة الفالحين مع أقاربه إلىيعود

.مناضل بعثي تعرفه أرض منطقته حيث يلتقي، وهو العضو الحديث في حزب البعث العربي ، سجن السراي ،إنه يدخل السجن اآلن ألول مرة في حياته

اآلمن حتى إن السجن قد أصبح هو المكان الوحيد ، كانت اللحظة شديدة السواد ، من رفاقهمتالحقة، بموجات االشتراكي؟ من يتصور أن ر من يتصو،بالنسبة للمناضلين من مغبة القتل العشوائي أو السحل المجاني في الشوارع والطرقات

من رفاقهم، يقضون سحابة يومهم مناضلين السجناء يتوسطون لدى شرطة السجن حتى تدخل معهم وراء القضبان ما وراء القضبان من جديد؟ إلى بيوتهم حتى تطلع الشمس فيفزعون إلى الظالم ، ثم ينسحبون عائدين تحت جنح آمنين

محكمة الشعب أي محكمة إلىوذات صباح جاء من يخبره بأن قضيته قد سحبت من محكمة العرف العسكري األول .يريدون إعدامه مع المتهمين معه من أقاربه ورفاقه فأيقن أنهم ،المهداوي

واتفق مع شخص ،وكان رد الفعل األول في نفس صدام هو أن يحاول الخالص بالقوة من هذا الكمين الذي يدبر له مسدسات يستعينون بها على محاولة تخليص أنفسهم قبل - التحقيق إلى أثناء ذهابهم -أن يجلب له " يعوني رفاع "يدعى ، وشرح لرفيقيه في القضية الخطة التي يدبرها ، لمقصلة المهداوي سائغا طعامادأ المحاكمة، ويجد نفسه مع رفاقه أن تب

غير أنه ، أما خاله وعمه اللذان كانا متهمين معهم فلم يفاتحهما ، شابان مثله ،كان أحدهما ابن عم أمه، والثاني ابن عمه وبعد فترة قصيرة، ،رد السلطة بخاله وعمه، وهما ال يستطيعان الهرب أن تنف خشيعاد فتريث في تنفيذ الخطة، إذ

العرف العسكري األول، فألغى قراره باستخدام إلى وكان المد القومي قد بدأ يشتد مرة أخرى، أعيدت أوراق القضية .لتي ألصقت به وبقي في السجن ستة أشهر، ثم أفرجت عنه المحكمة وبرأته من التهمة ا ،القوة للخالص من المحاكمة

إلى " العوجة" من ، القرية، وكل مساء كان يخرج ليكتب على جدران البيوت، ومباني المؤسسات شعارات البعث إلىعاد وبعض هذه الكلمات ما تزال تحتفظ به ،كان المارة يقرأون كل صباح كلمات جديدة ال يعرفون من كتبها " تكريت "

.جدران تكريت حتى اآلنحيث كان ما زال يعيش مع " العوجة"، وهو في قريته )عطا حسين السامرائي (يوم رفيق حزبي اسمه وأقبل عليه ذات

. إن الحزب يريدك في بغداد : عمه ووالدته، وقال له بيت مسؤوله الحزبي، وكان يومها عبد الخالق إلى في الصباح التالي سلك طريقه على الفور نحو العاصمة، واتجه

، على عاتقهإلقاءها لم تكن لديه صورة واضحة عما يريده الحزب منه، وال المهمة التي يريد ولكن مسؤوله ،السامرائي الجهة الحزبية التي طلبتك، وهناك إلى عليك أحمد طه العزوز، وكل ما أعرفه أنه سيأخذك سيمر: قال له السامرائي

.سيقولون لك ما هو الواجب الذي يترتب عليك أن تؤديه نظر إليه أياد بعمق وقال له ". أياد سعيد ثابت "وصحبه الى شخص أخر اسمه " أحمد طه العزوز "به بعد ساعات طرق با

هو ضرب عبد الكريم قاسم، فهل أنت مستعد؟ " الواجب: "بصوت هادىء رزين واضح النبرات .بالطبع أنا مستعد: على الفور أجاب صدام حسين بصوت فيه رنين فرح

فمثل هذه المهمة الكبيرة عندما توكل إليه هو الحزبي الحديث العهد بنضاالت . لهتكريما "بالواج "لقد اعتبر تكليفه بهذا .الحزب، ال بد وأن تنطوي على تقدير خاص له

من بيت أسرته هاربا عليه، فلقد امتلك أول مسدس وهو في العاشرة من عمره حين كان غريبالم يكن استخدام السالح بعض التدريب، إلى ولكن استخدام المدفع الرشاش كان يحتاج ، عنهمرغما دخل المدرسة تكريت كي يإلىفي طريقه

".الحصوة "فأداه بسرعة، في منطقة تعرف باسم مكتبه بوزارة الدفاع أو أثناء عودته من إلىكان عبد الكريم قاسم قد اعتاد أن يسلك شارع الرشيد في ذهابه من بيته

استأجر الحزب شقة في شارع . للعمليةمسرحا ولذلك كان ال بد أن يكون شارع الرشيد ".العلوية" بيته في إلىمكتبه وفي الخارج، كان هناك من يراقب الطريق ليعرف ،الرشيد، أقام فيها صدام حسين ورفاقه الذين يشاركونه تنفيذ الخطة

من قادما، وإذا كان "شكري " كلمة السر من ناحية الباب الشرقي ستكونقادما كأن فإذا ،االتجاه الذي سوف يسلكه قاسم والفرق بين االثنين هو رصيف الشارع الذي سوف تمر بجانبه سيارة ،" محمود"ناحية وزارة الدفاع ستكون كلمة السر

.ةشحتى تكون تحت مرمى البنادق الرشا " الزعيم األوحد"شباب واقفة على رصيف شارع الرشيد ، كانت مجموعة من ال ١٩٥٩ تشرين أول عام /كتوبرأفي السابع من شهر

كانت عيونهم كلها مركزة على السيارات التي تعبر الطريق، ،الموازي التجاه السيارات الذاهبة ناحية الباب الشرقي طويلة تبدو " جاكتة" وكان المرء يستطيع أن يميز بينهم ذلك الشاب النحيل الذي يضع على أكتافه ،وأيديهم فوق الزناد

يسمح ىخاله استعارها من دوالب مالبسه دون أن يدري حت " جاكتة" كانت ، وهي بالفعل لم تكن له ،ت له وكأنها ليسوكانت مهمة هذا الشاب في تنفيذ الخطة، أن يحمي رفاقه الذين . لى جانبهإ طولها الظاهر بتغطية الغدارة التي يحملها

غير أنه ،خر من ينسحبآ عد تأدية واجبهم، ويكون هو ، وأن يغطي انسحابهم ب "الزعيم"سوف يطلقون النار على سيارة ، أطلق عليه الرصاص ا رأس،عندما وجد نفسه وجها لوجه أمام الدكتاتور، لم يتمالك نفسه، نسي التعليمات كلها

غدارتيهما، ولكن اثنين منهما تعطلت ،كانوا خمسة . وانهمرت النار على السيارة من الغدارات والرشاشات األخرى هذه باسم شهداء الموصل، ،كل عنف الجماهير المكبوت في صدرها " الزعيم األوحد " األخريات يلقين على سيارة فبقيت

وهذه باسم شهداء البصرة، وهذه باسم شهداء كركوك، وهذه باسم شهداء بغداد، وهذه باسم كل الشيوخ والنساء واألطفال تختفي أفاعي الحبال المسعورة التي تزحف في غابة ال يمكن أن ىت وهذه ح ، فداء لجنون السلطة االذين ماتوا موتا مجاني

أما هذه فمن أجل بعث هذه األمة، من أجل حريتها ووحدتها وغدها األفضل، من أجل الدفاع عن اإلنسان،يعيش فيها . وال خوف وال مذلة أحالم البسطاء بحياة ليس فيها فقر

انسحبت المجموعة، وانسحب من ،ال بد أن يكون قد لقي حتفه هل مات؟ لقد نفد الرصاص من غدارات الشباب، و من شرطة المرور يحتمي بسيارة ويرمي برصاصه ا كان واحد،ورائها صدام، وإذا به يسمع طلقات رصاص تطاردهم

أصابته الطلقة ، خلف السيارةا التفت إليه وقبل أن يحاول إطالق الرصاص عليه، رماه الشرطي واختفى سريع ،عليهملى سيارة تنتظرهم بالشارع إ كان يريد فقط آنذاك أن يؤمن انسحاب المجموعة ،بها لحظتها في رجله، ولكنه لم يشعر وكان واحد من أفراد المجموعة قد أصيب، وصدره ينزف، وال ، شارعي الرشيد والكفاح ا الفرعي الذي يقطع عرضي

.يكاد يقوى على السير

د به السيارة التي يفترض أن تنتظرهم، وجدوا السيارة ولم يجدوا السائق، ووقفوا لى المكان الذي توج إعندما وصلوا لن : لى كريم الشيخلي وقال له إ صدام حسين نظر،ينتظرون لحظات أطول من الدهر، وبينهم سمير النجم صدره ينزف

وبالفعل سحب ، في الطريق ال بد أن نأخذ سيارة بالقوة من هذه السيارات الموجودة ،ننتظر هنا أكثر من هذا الوقت ،لى سيارته، وصل علي حسون قائد سيارتهم إ وقبل أن يصعدوا ا،غدارته على أحد السائقين وتوقف الرجل مذعور

.لى المقعد األمامي، واتخذ صدام مكانه خلف السائق إوصعد كريم الشيخلي . وضعوا سمير النجم داخل السيارة بسرعة الذي سوف يختبئون فيه حسب تعليمات " رالوك " كان علي حسون يعرف مكان ،ونلم يكن يعرف إلى أين سوف يذهب

لى إ بدا أن رفاقه يميلون ،لى المستشفى إإنني أموت، يجب أن تحملوني : قال وهو في قمة األلم غير أن سمير ،القيادة على االتجاه أيضا افق هو ه و أنفيه، وك والسائق نفسه أخذ ينحرف بسيارته عن الطريق الذي كان يسير ، الخضوع لرأيه

المستشفى، لكزه صدام بيده من خلف إلى : قال علي حسون ، أين؟إلى : قال: وجهتهمإلى فجأة تنبه صدام ، المستشفى إلى .ني سوف أطلق عليك النار من الخلف إوإال ف الوكر إلىسر في طريقك : مقعده وقال لهن ما سوف ينكشف أمرهم، وتكون الكارثة ليس بالنسبة لهم إذ سرعا ، المستشفى هو الجنون بعينه إلى كان الذهاب

ن الموت إ وإذا كان الموت ينتظرهم أو ينتظر بعضهم في الوكر، ف ،كأفراد فحسب، وإنما بالنسبة للتنظيم الحزبي كله ن الوكر مباشرة، وأ إلى يتجهوا أنصدام ولذلك قرر ، المستشفىإلىسوف يطبق عليهم بالقطع إذا حاولوا الذهاب

.يتجاوز آالم رفيقه النازف، حتى ال ينزف الحزب كله حي(، في منطقة الكرادة الشرقية ٧٢١أمام بيت مسور يحمل على بابه رقم

أربع غرف في : البيت الذي كان يحتوي على طابقينإلى دخلوا ،وقفت السيارة وهبط منها ركابها) من أحياء بغدادلى يسار البيت، حيث مدخل الحديقة، كان ثمة مستودع أرضي، إ و،لعلوي طابقه األرضي، وغرفة واحدة في الطابق ا

خالد علي "عندما دخلوا الردهة، وجدوا، . غ تومسون، وستن وسترلن طراز الرشاشاتمجموعة من : السالحفيه يختبىء الذين وبعد برهة قصيرة لحق بهم اثنان من ،وكان عضو قيادة أيامها في حزب البعث العربي االشتراكي " صالح

حاتم حمدان العزاوي، وأحمد طه : لى هذا المكان إقلتهم أ اشتركوا معهم في العملية ولم يركبا معهم في السيارة التي .العزوز

، الدم ينزف من صدره، والطبيب الذي كان من المفترض أن يلحق بهم، لم يأت بعد ،كانت حالة سمير النجم تتدهور مواجهة الوضع كما هو بشجاعة، بل بقسوة، تتطلب في بعض اللحظات، مثلما هي وكان ال بد من ،وهو لن يأتي أبدأ

.هذه اللحظة، قوة تفوق صخر الجرانيت في صالبته هذا البيت المعزول في شارع جانبي من جوانب هذا الحي الهادىء، يضم اآلن بداخله خمسة شبان حاولوا مواجهة

م، وها هو اآلن يطاردهم، في كل شبر من المدينة المذهولة، ويسن كل الموت عينه على قارعة الطريق، ولكنه أفلت منه لم تصب رصاصة واحدة من كل ، ما عساهم يفعلون اآلن؟ إن عمليتهم لم تنجح ،مخالبه الحادة لينشبها في أجسادهم

بل والفجر ما زال لم تتمزق ظلمات الليل، ولم تبد بعد تباشير الصباح، ، صابة قاتلة جسد الدكتاتور األوحدإرصاصاتهم الحاكم . ذاعة تعلن نجاة الزعيم من محاولة اغتياله، وسط جو هستيري مشحون بالقلق ومحطات اإل ، خلف األفق ابعيد

عيون الشرطة العلنية والسرية تثقب كل . خرآمنع التجول في المدينة بشكل مطلق حتى إشعار العسكري العام يقرر سوف تصدر ، وغدا)الزعيم المفدى(الغتيال " بالمؤامرة الكبرى" عمن قاموا ا بحثجدار في الطرقات والشوارع واألزقة،

إن الرصاصات اآلثمة التي أطلقها أمس الخونة المتآمرون من عمالء االستعمار، والطامعون "كل صحف السلطة قائلة /٨/١٠اتحاد الشعب "(ة ضد جمهوريتنا تكن إال نذيرا بالمؤامرة المبيت على ابن الشعب البار الزعيم عبد الكريم قاسم لم

الجبهة القومية زمرة من الخونة .يجب غلق الحدود بوجه المتآمرين الهاربين : وستضيف إلى ذلك توصياتها ). ١٩٥٩البعث وحكام القاهرة . جريمة حزب البعث ومخططه التآمري . قوميون وأعداء . تعمل في خدمة االستعمار والطامعين

...الخ ... الخ . أدوات تنفيذ المؤامرة والملتفين حوله يزكون " ابنه البار"وهي بالطبع سوف تتجاهل آالف الجرائم التي ارتكبت بحق جماهير هذا الشعب من

آالف المعذبين في ، شهداء كركوك، وبغداد ، ضحايا البصرة ،مشانق الموصل . فيه جنون السلطة الفردية المطلقة من يذكر اآلن نيران الجحيم التي ،جاني بالشبهات في الشوارع والطرقات بشاعات القتل الم ،السجون والمعتقالت

. ؟اصطلى بها شعب بأسره وهؤالء الشبان الذين يناهزون الورد في عمره هل كانوا حقا مغامرين، متآمرين، يسلكون طريق اإلرهاب الفردي؟ إن

كانوا ،زع من براثن الدكتاتور السلطة لنفسه أحد ا منهم لم يكن يفكر، وما كان بوسعه أن يتصور لحظتها، انه ينت وقبل ذلك، وبعده، ، آخر لوطنهم انهم يصنعون فجرأ وكانوا يتصورون فحسب ،يستشعرون فداحة الظلم الذي يلحق بهم

وعندما ،كانوا رفاقا منضبطين، ملتزمين، في حزب أصدرت لهم قيادته العليا أوامرها، وتصوروا األمر أكبر من حقيقته قد محكمة المهداوي، ويرتفع الستار عن أزالم السلطة وهم يتبارون في تدبيج قصائد التدله بدكتاتورها األوحد، ورجم تنع

معارضيه بقوارص السباب، لن يتوانى صوت البعث عن تحمل مسؤولية العملية بغض النظر عن وجهات النظر التي العمل الحزبي، وقد يصل النضال الشعبي إلى أعمال عنف إن النضال الشعبي هو أسلوب . "تدعو إلى ما هو أفضل منها

ثورية، قد ترافقها حوادث قتل، وهذا أمر طبيعي، ولكن القتل المجرد كعملية اغتيال مثل االغتيال السياسي أسلوب ...يتنافى مع عقيدة الحزب ويهدده باالنحراف

وقت تقديره لبطولة الرفاق الذين ساهموا في تنفيذها إن الحزب حينما يخطىء محاولة االغتيال، فإنه يعلن في نفس ال "نضال . (" السيما وإن جرأتهم خالل المحاكمة، لم تمنع ظهور موقفهم المتمسك بعقيدة الحزب واإلخالص ألهدافه ،بجرأة

). ١٣٥البعث الجزء السابع صفحة أو من الزاوية األيديولوجية الخاصة ومع ذلك، وبصرف النظر عن تقويم تلك العملية من الناحية السياسية العامة،

قد هزت : لحزب البعث، فإن األمر الذي ال يمكن إنكاره أن المحاولة التي جرت ببسالة على أيدي هؤالء الشبان الصغار لقد أذكت ، وكانت بمثابة المسمار األول في نعشه،بعمق أركان النظام الدكتاتوري الذي كان متسلطا على رقاب الشعب

ورفعت الغطاء من فوق القمقم الذي احتبس بداخله المارد ،آلمال المحبطة في إمكانية الخالص منه من جديد ا شراقات النور الجماهيري المغلل، إنها كانت في أضعف اإليمان شرخا هائال في جدار الخوف، كان جديرا بأن يسمح إل

. اآلتي بأن تتسرب من خالله حريس الجرالف اةلح ر-٦

نهض صدام حسين من فراشه فجأة وهو يحس بجمرة موقدة قبل ساعة من طلوع الفجر ،أن ينام حتى الصباح لم يستطع أدرك أن الرصاصة داخل ساقه هي التي تتسبب في كل ، من قبل طمثله ق ألم حاد مرعب، لم يستشعر ،تتلظى في ساقه يجب أن ،نتظار ليس هناك معنى لال،أن تذهب إليه لى هنا، أو إ أين الطبيب؟ ما من طبيب يمكن أن يأتي ،ما يعانيه اآلن

.رادته الفوالذية أن يجري العملية لنفسه إ قرر على الفور ب ،تكون طبيب نفسك كيف يمكن له. بهت الرفاق الذين تحلقوا حوله بعد أن تحسسوا أنينه المكتوم

. ي أنتظر الطبيب الذي يأتي وال يأت أنا ال: أن يستخرج الرصاصة من جسده بنفسه؟ قال لهم بصوت خفيض حبسه األلم هل لديك الشجاعة لتقوم بالعملية أم أقوم بها أنا؟ من األفضل أن أمد ساقي هكذا : وقال له ونظر ألحمد طه العزوز

وكيف يمكنني أن أجريها؟ بأي أداة؟ نظر إليه صدام بثبات وقال : قال أحمد، أما إن لم تستطع فسأفعلها أنا ،وتجريها أنت بدأ بقص اللحم الذي يغطي الطلقة على شكل صليب اأحضر شفرة حالقة جديدة، ومقص، : يتحدث عن شخص آخركأنه

. هذا كل شيء ،وبعد القص عقم المقص وأدخله داخل الجرح وأخرج الطلقة + ه صدام، لى وج إ عندما انتهى أحمد طه العزوز من إجراء العملية، كانت يداه ترتجفان، وعيناه ال تقويان على النظر

صب كمية من اليود فوق الجرح، ووضع بداخله كمية من القطن، ولفه بأطباق كثيفة من الشاش، ثم تنفس الصعداء، ومرت لحظات قصيرة، ولكنها ثقيلة، وبطيئة، مثل دهر، وقد . غماء من شدة األلم وكان صدام حسين قد غلبه اإل .وتوقف

. اآلناطبيعييء صار كل ش : فتح عينيه ونظر إليهم وقال ولكنه ما لبث أن ،تركزت على وجهه عيون الرفاق يا رفاق أنا لن أبقى : بعد برهة تحامل على نفسه ونهض من مقعده وقال لهم

ما عدا سمير النجم الذي ال يستطيع بصدره النازف أن افي الوكر بعد اآلن، واقترح عليهم أن يتركوا الوكر جميع معه، وليس بالضرورة يظل معه داخل الوكر، وإنما من الممكن " الدورية"قوم بدور يغادره، على أن يبقى شخص واحد ي

متجول، وبين الحين واآلخر، يمر عليه في أن يتابعه بشكل غير مباشر، كأن يجلس أمام الدار ويتخفى في شخصية بائع ، فأغلب الظن أنه سيكون عرضة وفي كل األحوال ال يمكن االستمرار في هذا الوكر . الداخل ليلبي طلباته واحتياجاته

ومن الخير بل من الواجب أال يقعوا فريسة سهلة في أيدي السلطة، حيث ينتظرهم واجب إعادة الكرة ،لهجمات الشرطة .كما كانوا يفكرون

خرج إلى الطريق وسار باتزان محاوال أن يمتص األلم الحاد الذي ،قال كلمته ومشى. لم ينتظر حتى يحسموا تردداتهم كانت هذه هي المرة األولى التي ينام فيها خارج .اهللا طلفاح نحو بيت خاله الحاج خيرايمزق ساقه، بين أسنانه، متجه

أين كنت؟ لماذا تأخرت؟ أين نمت البارحة؟ قال في : وكان من الطبيعي أن تستقبله العيون باألسئلة المحرجة ،.دارهم إلى البيت، فنمت في أحد الفنادق، ولكنهم الحظوا أنه يعرج على ساقه صار منع التجول ولم أتمكن من الوصول : هدوءلما صار الركض في الشوارع سقطت على األرض وأنا أركض حتى أصل إلى البيت في الوقت : فقال على الفور،قليال

ى غرفته في الطابق المزيد من األسئلة وصعد إل اوتركهم متجنب ... وهي اآلن تؤلمني قليال ،المناسب ومع ذلك لم أتمكن .الثاني حتى ينام

:اللطيف غرفته وهو يحاول االستلقاء على الفراش وقال له فجأة دخل خاله عبد لم يمت؟ أ - هه- من هو؟ - . عبد الكريم قاسم -

عقدت الدهشة لسانه، ولكنه تمالك نفسه، وقال في ال مباالة مصطنعة وكأن :يعنيه األمر ال

به؟ وما أدراني أنا -وأنت ترتدي جاكتتي وتطلق النار على صدام، أتنكر علي أنا؟ لقد رأيتك بعيني من شرفة حازم البكري بشارع الرشيد -

.عبد الكريم قاسم، رئيس الوزراء وهو يعبر الطريق، كل هذا وتنكر؟ أنا أريد بعض حقن . تعاوننيأنما دمت قد رأيتني فأرجو : قال له صدام

وبالفعل بدأ يتعاطى الحقن حتى يكف ، في اللوزتينا سأقول للمضمد أن لدي التهاب ، حتى يشفى جرحي- األنتي بيوتيك- .الجرح عن إيالمه

على األقل يذهب في البداية ثم يطلب إجازة من ،وكان عليه أن يعود إلى مدرسته، حتى ال يلفت االنتباه إليه بتغيبه ولم يكن بوسعه االستمرار العادي في ،نهائي بالمدرسة الثانوية كان حينذاك في الصف ال ،الدراسة بحجة المرض

.الدراسة حتى ال يتعرض ألسئلة الطالب األشد إحراجا حول الجرح الذي يتلظى دق ساقه . من باب المدرسة، حامال كتبه، وجد أمامه فجأة عبد الخالق خارجاعندما كان

:قال له على الفور بت؟ قل لي هل تعرف أياد سعيد ثا - . ال أعرفه. ال- هل تعرف خالد علي صالح؟ - . ال أعرفه. ال- هل تعرف سمير النجم؟ - . ال أعرفه. ال- كانوا في جميعا طيب، أنا ال أريد أن أسألك اآلن عمن تعرف أو ال تعرف، المهم إنني أريد أن أقول لك إن هؤالء -

بأي منهم انتبه عالقة كانت لديك فإذا... ر، وقبض عليهم كلهمأحد األوكار بالكرادة الشرقية، وقد هاجم البوليس الوك .لنفسك

ماذا عليه أن يفعل اآلن؟ حث . بساعات وقع الرفاق كما توقع لهم في أيدي السلطة بعد خروجه من الوكر . هكذا إذن ثم ،عض رفاقه عديدة له مع ب صوراصور كان يضم " ألبوم " وسحب ، دخل إلى غرفته مباشرة ،خطاه مسرعا نحو البيت

وكان يضم كذلك مجموعة من الصور المشتركة، أيضااهللا ابن خاله وسحب البوم صوره غرفة عدنان خيرإلىدخل وبعد أن غادر البيت بربع ساعة، هاجمت البيت مفرزة ، ثم قرر أن يغادر البيت في نفس اللحظة جميعا،وأحرق الصور

. الشرطةالخالق السامرائي، صلته بالحزب، حتى د ي كان يقيم به عب ذلفندق الصغير ال مضى صوب جسر الشهداء ليحوم حول ا

قفز ، بسلم حافلة نقل الركاب افي الطريق صادفه زميل كان متعلق . يستفسر منه عن إمكانيته في معاونته على الهروب ال يعرف شيئا عما منه وجاء إليه يحييه بصوت عال حيث يتطلب األمر إخفاض الصوت حتى يكاد أن ال يسمع، وهو

وفي تلك اللحظة وإذا بشابان قد جفت شفاهما من اللهاث وهما يتمتمان بكلمات استطاع أن يفهم ،يجري في هذه اللحظة قال لعبد الخالق الذي ، لم يعد هناك ما يمكن إخفاؤه بعد أن اقتحمت الشرطة بيته ،منها أن الشرطة قد داهمت بيت خاله

امة عن األحداث وطلب إليه أن يتوجه إلى بيت قريب من بيت خاله، ومن هناك يرسل سيدة إلى ة عرالتقاه في الفندق فك ، ونقاط التفتيش المنتشرة في الطرقات اكان ما زال ساري البيت تجلب له بطاقة هويته، ألن منع التجول المؤقت الذي

ن حسب مسافة الطريق والوقت الذي يمكن أن وقال له بحزم بعد أ ،يمكن أن تقوده إلى مخافر الشرطة بالصدفة المطلقة :تستغرقه

. لن تجدني قبل أن تنتهي إذا لم تحضر ، سأنتظرك في هذا المقهى أربعين دقيقة فقط -ومضت الدقائق األربعون ولم . فالوقت نهار، والعيون مفتوحة، وكل االحتماالت قائمة،كانت أطول الدقائق في عمره . ومضى في طريقه،الفور يأت، فخرج من المقهى على في أحد أطراف بغداد، كان يذهب إليه مع خاله كي يصطادا قريبا فجأة تذكر أن لديه ،لم يكن يعرف إلى أين يتوجه ولم يكن قريبه ، طرق الباب ففتحت له زوجته ،حث خطاه في اتجاهه دون أن يتردد . الطيور في الحقول المجاورة

واهللا يا : فبادره صدام قائال ،وعندما جاء الرجل دهش للحظة لمجيئه، ولكنه رحب به ، فطلب إليها أن ينتظره ،بالمنزلعمي أنت تعرف أن الظروف معقدة اآلن وقد يختلط فيها الحابل بالنابل في كيل التهم وتوجيه الضربات، مما يتطلب أن

فهل يمكنني أن أنام الليلة ،وأود أن أصل إلى تكريت دون أن يعرف أحد . أبتعد عن وجه مركز السلطة في بغداد . عندك؟

وارتدى دشداشة بالية، ووضع ، نزع سترته وتركهامالبس، في الصباح طلب إلى الرجل أن يقدم له أعتق ما لديه من ولطخ حذاءه بالطين حتى ، وعلى أكتافه وضع عباءة سوداء مليئة بالثقوب ،ن عنها بلىعلى رأسه عقاال وشماغا ال يقال

. صغيرة قال له إنها يمكن أن تفيده في الطريق اومضى، بعد أن استعار منه سكين ... ودع الرجل ، وايبدو عتيقحيث ) إحدى المناطق القائمة في أطراف بغداد ( وطلب إلى السائق أن يقوده إلى منطقة الصليخ ،استوقف سيارة أجرة

ورته المنعكسة في المرآة أمامه، واستلفت نظر السائق إلى ص ،يمكن أن يسلك طريقه، بعد الوصول إليها، نحو تكريت تعجب . عمي أنا أشتغل عامل هنا : ماذا تفعل في بغداد؟ أجابه صدام بلهجة األعراب الريفيين : قال له. منظره انتباهه

عندك حق، ولكني أقول لك أن لدي أقرباء في : قال له صدام ا؟أنت تشتغل عامال وتركب تاكسي : وقال له الرجل أكثر قال . الصليخ، وأنا ال أعرف مكانها جيدا، ولذلك قررت أن أركب سيارة أجرة، لم يكن أمامي سوى هذه الطريقة منطقة هذا أوفر لك، أعطاه أجره، وصعد، ،الصليخ ى يا بني سأوصلك إلى محطة األوتوبيس الذي يمكن أن تركبه حت : السائق

د أطراف المدينة، وبدأ يتطلع بعينيه من حواليه حتى يعرف وهناك هبط عن ،إلى األوتوبيس الذي قاده إلى منطقة الصليخ . على قدميه نحو قريته في تكريتاسوف يسلكه ماشي بداية الطريق الذي والليل البارد يوشك ، والحقول الواسعة على جانب الطريق تلوح له خضراء داكنة في ساعة الغروب ،كان الوقت شتاء

. تنضح باأللم العنيف الذي يحول بينه وبين متابعة السير في تلك الساعة القلقة وساقه المجروحة ،أن يهبط عند األفق حتى ا ظل واقف ، مضى نحوها ولم يكن بجانبها أحد ،وفجأة سمع صهيل فرس على مسافة قريبة منه في الحقل المجاور

هل تبيعها؟ ، هذا الفرس عمي أريد أن أشتري : بعد برهة جاء الفالح صاحب الفرس فبادره صدام قائال ،يأتي صاحبها وسلك طريقه بمحاذاة النهر، ،وامتطى الفرس . أعطاها له ا،دينار نعم أبيعها، طلب سبعة عشر : قال الرجل بعد لحظة

.بعد أن تأكد أن هذا الطريق سوف يقوده مباشرة إلى تكريت .، متاع الطريق ا، واشترى لفرسه شعير ا وتمرااشترى لنفسه خبز

فالسير في الليل كان يمكن أن يعرضه ،ذا ما هبط الليل كان يتوقف إ ف،ه من مطلع الشمس حتى الغروب بفرس يرسكان ييا : في الليلة األولى طرق باب واحد من العربان وقال له ،لنقاط التفتيش على طول الطريق، وهو ال يحمل معه هوية

وفي الليلة . وفي الصباح الباكر سحب فرسه وواصل السير ،، لم ينمه منذ أياما عميقاأخي أنا ضيفك هذه الليلة، ونام نوم وضع رسن الفرس بيده واستلقى على . الثانية لم يصادف بيوت األعراب في طريقه، فقرر أن ينام على جانب الطريق

ا ف فلقد كان ضي ،وفي الليلة الثالثة كان حظه أسعد . أشرقت الشمس، فنهض من مرقده وتابع مسيرته ى حتااألرض منهكعرابي عرس في تلك الليلة، وذبيحة، وكان لدى اإل". سامراء" من بيوت الشعر على مشارف اعرابي يسكن بيت إعند

ر معدته أكل الخبز الجاف والتمر، وعند طلوع الفجر ضم عباءته ص من لحم األغنام بعد أن ع افتعشى عشاء جيد ، اء، وتركها قبل أن ترتفع الشمس في كبد السماءرسامطراف أ المثقوبة حول جسده، وأرخى الزمام لفرسه، واخترق

. منها تعاونه، وتعاون فرسه على العطش بالطريق افاشترى عدد" ابطيخ"حين يبيعون وفي الطريق، وجد فال ، في منطقة تتوسط ما بين سامراء والدور " الدور "لى وادي جنوب إ عندما أوشكت الشمس على المغيب كان قد وصل

وفجأة وجد سيارتين توجهان ،لى عظامه ويلسع بأسواطه جسده إ والبرد يتسلل ،قد أخذ منه كل مأخذ وكان التعب وإذا به ،في طريقه وكأنه لم يلتفت إليهما ولم يكن بوسعه أن يتوقف، فظل يغذ السير ،مصابيحهما الكشافة إلى عينيه

ومع ذلك حاول أن ،ة وال بد له من التوقف قف وإال رميتك، حينذاك أدرك أنها سيارات حكومي : يسمع من يصيح به وما هي إال ،المتعبة لم تستجب له يوجه فرسه نحو المناطق الوعرة المجاورة في التالل المحيطة بالمكان، ولكن فرسه

.لحظات حتى كانت السيارتان تحيطان به من كال االتجاهين، والرشاشات مصوبة إلى وجهه يقصدونني، وعلي أن أتماسك حتى النهاية، سحب عباءته على ساقه حتى تخفي ء قال في نفسه، ربما اليرغم كل ش

يا : صرخ به الضابط من السيارة ،الشاش الذي يربط جرحه، ونظر إليهم في هدوء أعصاب واتزان كامل دون أن يتكلم ولد لماذا هربت؟

نحن هنا كمين : ا ترمونني؟ قال الضابط أنتم لماذ: وأجابه بسرعة . ابذكائه الحاد أدرك على الفور أنه ليس مقصود أنت ليس لك : هكذا إذن، ما أعجب المفارقة، قال له بثبات أكثر ... للمهربين، وأنت أرسلوك حتى تراقب لهم الطريق

وأفضل طريقة بالنسبة لك حتى تتأكد من ، وهذا الشك الذي انتابك ال محل له ا،أنا لست مجرم . الحق في أن ترميني إلى مركز الشرطة حتى الصباح، وحينذاك سوف أدلك على أهلي أين يسكنون، وأنا ماذا أفعل، قال له شخصيتي، خذني

، يابا نحن هنا العربان ال نحمل هوية: بنفس الهدوء والثبات قال له بلهجة مشوبة بالسخرية .عطني هويتك اإذن : الضابط: طقة ماذا أفعل بالهوية؟ استراحت قسمات الضابط وقال له إلى المدينة حتى أحمل هوية، أنا في هذه المن اأنا لست ذاهب

ما هو : واضح األمر اآلن، غير أنه واصل أداء الدور الذي يقوم به، وقال للضابط في شيء من االستخفاف ،أجل في طريقكيمضايا بني : الواضح يابا؟ خذوني إلى مركز الشرطة وأنتم تعرفون، ولكن أحد الجنود اقترب منه وقال له

. هناا بالطريق فلن تقول له إنك شاهدت كمين ا ولكن أقسم لنا إنك إذا وجدت أحد ،بسالم صوب مدينة صغيرة اسمها الى الوراء، متوجه إبااللتفات ركض بها دون أن يفكر ،سحب فرسه وركبها وانطلقت

بضع - حيث يعيش أهله -"العوجة " قرية التي تبعد عن " العوينات "، تقع على ضفة النهر المقابلة لمنطقة يقال لها "الدور" .كيلومترات قليلة

، ليها منذ أربع سنوات إكانت الساعة الحادية عشر قبل منتصف الليل، وهو يجتاز شوارع المدينة التي لم يكن قد قدم لم يكن ، للحظة وانتابه القلق ، صعد الدم إلى رأسه ،وإذا به يجد نفسه وجها لوجه أمام الشرطة الواقفين أمام باب المخفر

: فما عساه يفعل اآلن؟ قرر مواجهة الموقف على طريقته الدائمة ، أن يستدير عائدا من حيث جاء - وقد رأوه -بوسعه فإذا بهم، من فرط دهشته، يردون التحية ،لقى عليهم بالسالم أ و، حاذى الحراس الواقفين ىحت را لكز فرسه وس،االقتحام

ترجل من على ،إلى قرب حافة النير، حيث وجد مقهى ما تزال به بقية من رواده خترق الطريق ووصل ابأحسن منها، ينقل العابرين من ضفة النهر التي تقع عليها الدور العبارة هي زورق كبير (ارة؟ بيابا أين الع : فرسه، وسأل أحد الرواد

د الرواد اآلخرين الذي كان يملك وأشار إليه الرجل بالتوجه إلى أح ). إلى الضفة األخرى حيث توجد منطقة العوينات رفع ). فقطاكان ثمن العبور خمسين فلس (أريد أن أعبر أنا والفرس يا عمي وهذا نصف دينار، : فقال له. ارةبتلك الع

يا عمي هذا ... ممنوع بالليل، ألم تسمع عن منع التجول؟ ،ال أستطيع العبور : الرجل عينيه إلى وجهه في تثاقل وقال له لم يرد أن يعطيه . هللالحمد : تصلب الرجل في موقفه الرافض وقالا،أيض ال... يا عمي هذا دينار ونصف؟ ال. دينار إن العبارة ال يستطيع أن يحركها إال ثالثة ،وحده ووقف لحظة يفكر فمضى إلى ضفة النهر . حتى ال يشك به أكثر

خروجه من الحدود قبل أن نطقة أهله حتى يتدبر أمر في م فماذا يفعل؟ ال بد أن يكون قبل مطلع الفجر ،رجال أقوياء ثم نظر إلى الضفة األخرى البعيدة للنهر، وقد ، نظر إلى فرسه مرة أخرى ، عليه الهروب اويصبح عصي يستفحل الخطر

ال بد وأن يكون هناك بعد ساعات قليلة مهما كلف ،م إال من بضع التماعات خفيفة تنعكس عليها من النجوم لفها الظالأن يبلغ : قدره ا وقرر أن يواجه هو أيض ، ألقى عنان الفرس من يده وقبلها في جبينها، وتركها لتمضي مع قدرها ،األمر

في ا حادلما عرض النهر، في هذه الساعة الباردة المتأخرة من الليل، وجرحه ما زال يفرز أ ا الضفة األخرى سابح . ساقه، ال يطيقه إنسان عادي

أما السكين ، خلع مالبسه كلها ولملمها في عباءته وكورها فوق رأسه وربطها بحبل حول رقبته ،ما من خيار أخر اهللا وحده يعلم من منحه تلك القوة التي تفوق قوة البشر في ، ثم ألقى بجسده في النهر ،الصغيرة فقد وضعها بين أسنانه

بس فوق رأسه مثقلة بالماء تدفع بجسده كومة المال تلك الساعات العصيبة التي كان يصارع فيها الموج بجرحه النازف و كم بقي من عرض النهر؟ ، ويتشبث بإرادة الحياة ، يتحداه، ويعاند الموج ، وهو يقاوم،المنهك أكثر من مرة نحو األعماق

لى وجرحه يعاديه ويسحب ساقه إ ا، فشيئا قواه تخور شيئ ، ، على النفس والجسد ا ضاغط هذا الظالم كله يطبق ثقيال وهذا الحبل الذي يلتف حول عنقه ، فوق السطح امن جديد خفيف ويطفو، يرفض الموت، ولكنه يقاوم السقوط ،الخلف

ويربط كومة المالبس الممزقة التي سترت جسده، وسترت هويته على طول الطريق، لماذا ال يقطعه اآلن ويستريح من ومع ذلك ال بد من الصمود ، إنه صحراء من الثلج ا، يعرفه تمام ال ليس هذا دجلة الذي ، إن عرض النهر ال ينتهي ؟،ثقله

.ومواجهة كل قوى الموت فأدرك أن ا صلباوهم بأن يستل السكين من بين أسنانه ويقطع الحبل الملتف حول رقبته لوال أنه أحس بقدمه تمس شيئ

، بعد الحياة عن االشاطىء الذي كان بعيد هزيمته أمام إرادة خارقة تتشبث بالحياة، و عمق النهر بدأ يتضاءل معلنا رفع رأسه فوق الماء، ومأل رئتيه المجهدتين بهواء الليل البارد، وطرقت أذنيه أصوات ،الموت، صار على مرمى حجر

ولم تمض سوى لحظة حتى كان جسده العاري يرتعش من شدة البرد وهو يسير ،الكالب النابحة في الحقول المجاورة .نواءوكأنه طائرة صغيرة تهبط إلى األرض وسط العواصف واأل فوق اليابسة،

هكذا، فارتدى ا ثم تذكر أنه ال يمكن أن يسير على الشاطىء عاري ،ألقى بنفسه فوق وصل الشاطىء، كي يلتقط أنفاسه يؤذن له طرق الباب ثم دفعه دون أن ، صغيرا أمامه ا طيني ا ومضى خطوات إلى األمام فوجد بيت ،مالبسه وهي مبللة

أسود، ا أطلت عليه امرأة في نحو الخمسين من عمرها، قصيرة القامة ترتدي لباس ،كعادة أهل الريف في هذه المناطق مبلل المالبس يهتز جسده اهتزازات واضحة، وتطقطق أسنانه بصوت ا وجدت أمامها شاب ،وعلى وجهها وشم أخضر

حرامي، حرامي، إذبحوه، وأسرع : لفعل المباشر راحت المرأة تصرخ برد ا ،مسموع، في هذه الساعة المتأخرة من الليل تمالك على الفور ،يلحق بها من الداخل رجل يحمل في يده عصا غليظة رفعها في وجهه ويريد أن يهوي بها عليه

شاهدون ؟ أت اما هي القصة؟ أنتم من أنتم؟ ألستم عرب : وصاح في الرجل ، نسي البرد والجوع وخوار الجسد ،صدام نفسهحرامي، حرامي، واستدار، وهم بأن يخرج، ولكن الرجل وقد استفاق إلى : على هذا الحال وتصرخون في وجهه واحدا

. طبيعة الموقف رفض خروجه، وأصر على أن يبقيه في الدار بسه ة مال وظهرت مالبسه الداخلية نظيفة ال تتالءم مع قدم وقذار ،أشعلوا النيران، وخلع مالبسه الخارجية وجففها

ولكنها بمكر فطري قالت له معلقة على كك، لى هذا التعارض الغريب، وراحت تنظر إليه بتش إ وتنبهت المرأة ،الخارجية . كله على اهللا يا خالة : أجابها في اقتضاب". ي وياما يوطيلكله على اهللا يا ولدي، ياما يع : "مظهره

لى أن الشاش الذي كان إ وتنبه ،أن يرتدي مالبسه المجففة ليخرج وهم ب،عاد الدم إلى عروقه، واستعاد نفسه من جديد لى المرأة، ونظرت إليه، إ وإذ رأى الرجل الجرح في ساقه نظر ،يربط جرحه قد سقط منه دون أن يدري في الطريق

من الساقية كما الحق إنك لم تجرح وأنت تقفز : إلى أهلي، قاال له : إلى أين تمضي؟ قال : قاال له. اوكأنهما قد فهما أمر وال بد أن وراءك بلوى كبيرة، ونحن لن نتركك حتى الصباح كي نعرف ، أنت قد عبرت النهر سباحة ،قلت لنا منذ قليل

كتم حنقه وقال ؟أتراه إذن قد خاض كل هذا النضال المضني كي تسلمه العجوز ورجلها فريسة سهلة للشرطة ... حقيقتك هذا الذي تقوالنه صحيح، وإنني قد ارتكبت جرائم كبيرة مع عشيرة من لنفترض أن نعم صحيح،: لهما في هدوء

هذه فهل تتحملون أنتم وزر ،العشائر، وانهم يطاردونني، ويمكن أن يظفروا بي عندما يطلع النهار عندكم هنا، ويقتلونني في أمان اهللا، خرج في الهزيع ذهب اآلن ا ،ال واهللا: يا بني : قة لكم باألمر؟ قاال في صوت واحدالنتيجة، وأنتم ال عال

قامته في بغداد أن إ وجهته مدرسة العوينات االبتدائية التي سمع أثناء ااألخير من الليل وسار وحده على الطريق متخذ وفجأة وجد أمام عينيه ،حتى يجدها لم يكن يعرف الطريق إليها، ولكن كان عليه أن يسير ، بهاايعمل حارس" إدهام "أخاه

وعرف إدهام . أنا، أنا صدام : من بالباب؟ قال صدام : وإذا بصوت إدهام يعلو من الداخل ، طرق الباب ، مدرسةالفتة ال .صوته من خلف الباب

هيا ،ليس هذا وقت بكاء أنظر: تمالك صدام نفسه، وقال له ،فتح الباب ورآه أمامه، جذبه إلى صدره وراح يقبله ويبكي أنت ، وتستطلع الجو هناك ،هذه الطريق وأنت تمضي في الطريق األخرى الموازية من أنا أسير،بنا نذهب إلى دارنا

فإذا كانت ، سأنتظرك في األدغال المجاورة للبيت ، فمن المحتمل أن تكون الشرطة قد داهمت البيت ،ءيتعرف كل ش .الشرطة تطوقه سأذهب وأختفي في مكان آخر

وإن الشرطة جاءت ،الكريم قاسم مه أن محاولة جرت الغتيال عبد كل ما كان يعل ،لم يكن إدهام يعرف ما جرى بدقة دخل ، في العمليةاا كنت مشتركنأ: وصدام لم يقل له سوى عبارة مقتضبة، ممن تبحث عنهمولم تجد أحدا وفتشت الدار

لقد جاء صدام : له قال ، فدهش والده لمجيئه في هذه الساعة - عم صدام وزوج أمه -"الحاج إبراهيم"إدهام إلى بيت أبيه ، أم الاينتظرني في األدغال حتى استكشف إذا ما كان البيت مطوق : وأين هو؟ قال إدهام : وهذه هي قصته، قال الوالد

أما ،عندما دخل صدام إلى البيت احتضنته أمه وحبست دموعها . نادي عليه اآلن، ليس هناك شيء،كما ترى: قال لهكان يعرف أن الساعة هي ساعة التدبير . على تبديد القلق ا، باعثا، مهيبااألعصاب، قويالحاج إبراهيم فلقد كان متماسك

خذ هذا الطعام، وهذا الماء، وفي الساعة الرابعة قبل طلوع : قال له،الذكي البعيد عن العواطف التي يكبحها في نفسه )يل العثمانا الجيش التركي أثناء االحتال مالجىء عسكرية كان قد أعده(، األتراك "سوبرات"الشمس بقليل تذهب إلى

وإنما تمكث في حقل األذرة حتى آتي إليك وأصحبك ، إلى هنا ا وبعد ذلك ال تأتي رأس ،وتمكث هناك حتى السابعة مساء . إلى الدار بعد أن أتأكد من أنه غير مطوق أو مراقب أو به غريب وال ينبغي أن يراك

عندما يطلع النهار، تذهب إلى سامراء، : دهام قال إلا أن يخرج في الرابعة صباح ولكنه قبل ،استجاب صدام لخطة عمه . قل له صدام موجود - إذا وجدته -وتبحث عن شخص اسمه عطا حسين السامرائي أو علي النقيب، وأي منهما

كغطاء ،ء ليصلحها في الصباح، فك إدهام قطعة من ماكينة مياه كانوا يملكونها، وحملها معه، وكأنه ذاهب إلى سامرا وأسر في ، انتظره حتى عاد ا، قالت له زوجته سيأتي في الخامسة عصر ، دق باب عطا السامرائي، ولم يجده ،لمهمته

. لقد انتهت مهمتك ،ذهب أنت واسترح ا قال له عطا، لقد كنا نبحث عنه طيلة األيام السابقة، اآلن أ،أذنيه بالنبعبد الخالق : شخاصأعسكرية يقودها عطا حسين السامرائي ويصحبه ثالثة في الساعة السابعة جاءت سيارة جيب

. في أطراف القرية، وأرسلوا إلى صدام أخاه حتى يلتقي بهم االسامرائي، حمود العواد، حسين المحمود، ووقفت بعيد ولم ينس وهو ،مةفاحتضنته أمه ورفعت وجهها إلى السماء تطلب له السال ودخل هو إلى الدار ،أقبل عليه عمه يودعه

أما النخلة التي زرعها فكانت قد ،بذرتها بالقرب منه يغادر البيت أن يلقي بناظريه على شجيرة التوت التي كان قد بذر . أخضرابدأت تورق سعف

وهو ، من الشرطة اخر سوف يصحبه في طريقه إلى الحدود السورية ألنه مطلوب أيض آ اقال له رفاقه أن هناك رفيق كان ،أنا أحمله على أكتافي وأوصله إلى سوريا : عندما علم أن صدام حسين سيكون رفيقه في رحلة الهروب يقول .فاتك الصافي : اسمه

كان، بعد ذلك عدة أيام ا بل مكث مختفي،لم يتخذ طريقه على الفور إلى سوريا باسم مستعار امد سلطان يعيش متخفي وكان في المنطقة رجل يدعى مح ،ال بد من البحث عن دليل يقودهما في الطريق

،في القرية ألن البوليس كان يبحث عنه التهامه بارتكاب جريمة قتل، ولذلك لم يعرفه سوى قلة يثق بهم باسمه الحقيقي ن محمد سلطان أولقرب المنطقة من الحدود السورية ف ". نجم اهللا أبو عبد"أما سكان المنطقة فكانوا يعرفون أن اسمه هو

في ، مرة أخرى إلى قريته ا ما قطعه على دراجته البخارية متسلال عبر الحدود وعائد اعرف الطريق إليها، وكثير كان ي ا هذه المرة ذهب إلى سوريا وعاد، ليتكشف الطريق، فإذا بالشرطة تتكالب عليه، وتمسك به، فادعى أن لديه أغنام

دالء الذين يعرفون هذه تسللون بين الحدود عن طريق األ وكانوا يعرفون أن هناك من ي -عبرت الحدود، فقالوا له ."اواحد"وترجع "اثنين"، ال أن تذهب ا وتعود واحد اهذه المرة تذهب واحد "-ا الطرقات جيد

فنصحهم بأن يأخذ صدام وراءه على دراجته . كرر العملية، ولكن الشرطة كانت ما تزال منتشرة على طول الطريق من الحدود السورية ولكن من اوهي قريبة أيض وهي المنطقة المعروفة اآلن بسد الثرثار " (الثرثار "البخارية إلى منطقة

ألن المسافة تستغرق ،ومن هناك يذهب إلى سوريا مع الدليل على ظهر دابة ) من الطريق األول ا ناحية أخرى أشد بعد . على األقدام استة أيام سيرخارية، وخلفه صدام حسين، وفاتك الصافي، ومضى بها إلى منطقة الثرثار، حيث وجدوا اهللا النجم دراجته الب ركب عبد

اهللا النجم مع دحام على اتفق عبد ،"دحام الشمران "الدليل المتفق معه على أن يصحبهما إلى الحدود السورية، وكان اسمه وزودهم بالخبز والتمر، ،ألخرى صغيرة، واشترى دابتين، إحداهما كبيرة، وا ا دفع له خمسة وأربعين دينار ،كل شيء

وتحركت القافلة الصغيرة في طريقها إلى الحدود السورية، عبر الطرق الصحراوية غير المأهولة، ،وتمنى لهم السالمة .والتي ال يعرفها سوى أمثال هذا الدليل الذي اختلطت سنوات عمره بحبات الرمال

ن الحدود السورية ستكون هي وجهته إف الجدي فوق كتفه األيسر إذا وضع ،كان يهتدي في طريقه بنجمة الليل كان الليل هذه المرة هو رفيقه، رفيقهم، ، وما كانوا يسيرون في النهار، حتى ال تكتشفهم دوريات الشرطة ،الصحيحة .األمين

ان الدابة الصغيرة، دحام يركب الدابة الكبيرة، وصدام ورفيقه يركب ،سبعة أيام بلياليها وهم يطوون رمال الصحراء أضواء ، ما أكثر ما لقيتهم المفاجآت في الطريق ، على قدميه ا ينفرد بها أحدهما، ويمضي اآلخر الليل سير اوأحيان

ما ا كثير- الذي لم يكن يعرف هوية من يصحبهم -دحام نفسه. سيارات الشرطة تمزق أستار الظالم التي يتخفون بها ر التي عحة خبز، أو رائحة قهوة عربية على البعد، يريد أن يتبعها حتى بيوت الشعرضهم للمخاطر ألنه قد شم رائ

.عراب، وتطول ليالي السفر، ويمتد الطريق يسكنها األ إن الحدود تبدو له اآلن ،سبعة أيام بلياليها وهم يقاومون برد الصحراء، وقلة الزاد، ويزرعون الرمال أماال في الوصول

ما أكثر الشواطىء األخرى التي سوف يصارع من ،الذي كان يصارع أمواج النهر حتى يبلغهبمثابة الشاطىء اآلخر . أجل أن يلقي عليها بمراسيه

أنظر ما نوع هذه التربة؟ ،أعطني كمية من تراب هذه األرض : من فوق دابته العالية وقال " دحام"في الليلة السابعة نظر .لقد وصلنا داخل الحدود : قال على الفور ،ليهإل دحام االستماع لم يواص ... فيها حصو وبها : قال له فاتك

وفي ، قضوا ليلتهم في ضيافتهم ،اتجهوا إلى خيام األعراب القريبة، فأيقنوا أنهم عرب سوريون . ... اصحيح، أخيرالعراقية -أول مركز على الحدود السورية " كمال البو " اتجهوا إلى - وألول مرة يسيرون في نور الصباح -الصباح

- للمنطقة الشرقية، فاستقبلهم على الفور ا عسكري ا وهناك اتصلوا بأمين الحافظ، وكان قائد ،"دير الزور "ومنها إلى ، وشرب قهوة عربية، ولكن ليس في بيوت الشعر ا وأكل دحام خبزا حار -وكانت لديه معلومات عن قرب وصولهم

.التي يسكنها األعراب هذه المرة

، غادر الشام، ١٩٦٠ شباط عام - وفي الحادي والعشرين من شهر فبراير ،ثة أشهركث صدام حسين ثال في الشام م .وهبطت طائرة تحمله إلى عاصمة الجمهورية العربية المتحدة، في مطار القاهرة الدولي

جديد منح ودة الروع -٧

صمة لكل المناضلين العرب، القادمين من كل يومها، كانت القاهرة كشأنها دائما في مراحل المد الوطني والقومي، عا مالهم في أن ينتهي القهر واالستغالل والتبعية لألجنبي آركن فيه، تفتح لهم ذراعيها، وتحتضن قضاياهم، وتحنو على

بأقطارهم، وفي أن يصبح هذا الوطن الكبير الممتد من األطلسي حتى الخليج، دولة واحدة ديموقراطية واشتراكية، يحيا ولقد مر معظمهم من هنا، عرفتهم مقاهيها ونواديها وفنادقها وساحاتها وشوارعها . وسعيد ظلها شعب واحد، حرفي

ساسة وقادة جيوش ورؤساء دول ، قد عرفوها وأحبوها وتعلقوا بها، وبناسها الطيبين ا وهم أيض،وأحياؤها الجميلة عليهم المدينة العريقة برحيقها العذب، وهم لم يبخلوا عليها سابقين والحقين، وكتاب ومفكرين وشعراء وفنانين، لم تبخل

إلى أقطارهم ستظل في أعماقهم، حية على الدوام، ذكريات األيام التي اوعندما سوف يعودون يوم . كذلك بعطر الوفاء .هصروا زهراتها على ضفاف النيل

اب مصر كلها من شمالها إلى جنوبها، من وج . ث سنوات وبضعة شهور من عمره في القاهرة لقد عاش صدام حسين ثال كان حينذاك، في بداية قدومه إليها، في الثالثة والعشرين من عمره شاب طويل، ،وأسوان االسكندرية حتى األقصر

ولم تكن ظروفه في ،نحيل، وسيم الطلعة، مهندم الثياب، يملك عينين نفاذتين مثل بلورتين من الماس تشعان ذكاء ويقظة أتاحت له أن يتم دراساته الثانوية، فالتحق بمدرسة قصر النيل الخاصة، بالصف الخامس، حتى يحصل على العراق قد

ااستأجروها جميع" فيال" في - مثله-عدام وسكن مع عدد من رفاقه المناضلين والهاربين من أحكام اإل،الشهادة التوجيهية .، وبدأ فصال جديدا من حياته "الدقي"في حي ل بعض أترابه الذين يتركون أقدامهم تسحبها دوامات المدينة الالهية، بكل ما تتيحه من أفانين المتعة الشخصية لم يكن مث إلى درجة الحزن، منشغال بدروسه تارة، وبتحوالت ا إلى حد الصرامة، مهموم ا كان في معظم أحواله جاد ،وفنونها

يتأمل مياه النهر " قصر النيل كازينو" ليجلس في يمضي وحيدا السياسة تارة أخرى، إلى المدى الذي كان يدفعه إلى أن ويقضي ساعة السمراء وهي تجري أمامه بغير انقطاع، أو يسلك طريقه إلى إحدى الحدائق العامة يجوس بين أشجارها،

حيدة التي كان المتعة الو ،أو ساعتين تحت ظاللها، ثم يعود إلى بيته ليتابع وقائع حياته اليومية، مثل عقارب الساعة يتذوقها، غير القراءة، والتجوال في حدائق المدينة، والترحال إلى مواطن اآلثار المصرية القديمة، كانت لعبة

يحفظ أسماء عدد - ذلك ألن تاريخ هذه اللعبة ا، وربما ال يثير الغرابة أن نتذكر اآلن أنه كان العبا ماهر ،"الشطرنج"على الرقعة الصغيرة، " قواتهم" برعوا في تحريك - كان من بينهم جمال عبد الناصر من القادة في الشرق والغرب كبير

وكأنهم يتدربون على تحريكها، فيما بعد، في ساحات الحروب والمعارك، وفيما عدا ذلك كان صدام يخلو إلى نفسه بين اهللا أو إلى خاله الحاج خير ،مهليكتب بضعة أسطر، مع مسافر إلى العراق، إلى عمه الحاج إبراهيم، وأ الحين واآلخر

. أو إلى واحد أو أخر من إخوته ،طلفاحقالئل من ذهابه إلى القاهرة بعث برسالة إلى عمه يقول له فيها إنه يريد أن يتزوج، وإن اختياره وقع على بعد شهورواهللا زين ما فعل : "ها، قال وعندما وصلت الرسالة إلى الحاج إبراهيم، وعرف فحوا . اهللا طلفاح ساجدة خير : ابنة خاله

فالزواج عند كل األسر المحافظة في بالدنا كلها، وخصوصا الزواج المبكر، هو الواقي من شر الغواية، "... الولد .والعاصم ضد الفتن

. اهللا، وطلب منه يد ابنته إلى بيت الحاج خير - بعد االتكال على اهللا -حمل الحاج إبراهيم الرسالة في جيبه، وتوجه ن شاء اهللا عندما يعود إلى وطنه العراق سوف يتزوجان، أما اآلن فهي خطيبته إواستجاب الخال على الفور، وقال

أما هي، ساجدة، فلقد ومضت فرحة عميقة في ، ألمهالنبأ ارتاح قلب العم، ولملم عباءته، ونهض ليزف . الموهوبة السمه كان صدام رفيق عمرها، منذ أن هرب من بيت . تى ال يراها أحد حا الدمع دارتهما سريع نعينيها، غلفتها قطرتان م

بيتهم إال ومن يومها وهو لم يغادر، رغبته المتأججة في أن يلتحق بالمدرسة عمه في القرية، وطرق باب بيتهم حامال ونضجه، من تكريت إلى بغداد، وصاحبت نموه وتفتحه - أو تنقل معها- ولقد شبت هي معه، وتنقلت معه ،ليعود إليه

، قلما كانت تفصح عنه ا وإكبار وتقديرااوراقبت نضاله وهو يتصاعد مع صعود وعيه، وأضمرت له في قلبها احترام م، بعد محاولة اغتيال قاسم، نه استطاع اجتياز الحدود بسال أ وعندما عرفت منذ شهور ،كعادة البنات في األسر المحافظة

وها هي ، واستشعرت السالم في أعماقها، وتمنت له أن يعود إلى وطنه منتصرا ت روحها القلقة،مأنطاوإنه اآلن آمن، .ذي اآلن، قد صارت خطيبته، فمتى تراه يعود؟

فهناك خلف األفق، عما قليل، سوف ، شاطىء في بحر بال ا ولن يظل شراعه سابح ،لن تطول السنوات بالفارس المسافر فهو يثق في ،وهو نفسه يحس في داخله بأن ذلك اليوم لن يكون بعيدا ،مرساته ويعود كل قارب إلى،ء الفنارييض

.ن هذه هي إرادة ا لتاريخ أ بقوى حزبه، ويدرك فوق ذلك ب ا راسخاشعبه، ويؤمن إيمان ومع ذلك، فإن المناضل الحقيقي يمارس نضاله على الدوام، مهما كان المكان الذي يدفع إلى البقاء فيه بعض سنوات

ىءوما فت. بمجرد هبوطه أرض القاهرة انضوى تحت لواء التنظيم الحزبي في مصر ،ا كان صدام حسين وهكذ،عمره في لجنته القيادية التي ما كانت تشرف على التنظيم داخل مصر ايتصاعد في مراتبه، بتصاعد نضاله، حتى صار عضو

، وقطاع غزة، والسودان، والجزيرة العربية وحدها، وإنما على التنظيمات األخرى المنتشرة في شمال أفريقيا العربي .كذلك

،وكان ال بد وأن يلفت النشاط الكبير الذي يمارسه، وتمارسه خاليا وفرق تنظيمه كلها، أنظار أجهزة األمن المصرية في تلك الفترة، بسرعة سرطانية، وتبحث عن ممارسة نفوذها وسيطرتها، - لسوء الحظ -وهي أجهزة كانت تتضخم

عن طريق بعض - بحكم تضخمها نفسه-ة في بعض األحيان عن نفوذ وسيطرة الدولة في توجيهاتها المركزية المستقل ومع أن ،جراءات الكريهة إزاء المناضلين العرب الذين اتجهوا لالحتماء بالخيمة المصرية، من قهر الطغاة في بالدهم اإل

أنفسهم، فان صورتها ووقعها على المناضلين العرب كانت تلك الممارسات الكريهة كانت تقع على المواطنين المصريين .أبشع وأشد نكرا

ا،، وإن أوراقه قد قرئت، ولعلها صورت أيض ا ركنابين الحين واآلخر، كان صدام يعود إلى بيته فيجده قد فتش ركن ستجوب، وتوضع تلداخلية، و ستدعى واحد من الرفاق إلى مبنى المباحث العامة البغيض بوزارة ا توبين الفينة والفينة

، آخرا حتى أوشكت القاهرة بالنسبة لهم أن تصبح سجن ، بين المطرقة والسندان، بين الترغيب والترهيب اإرادته رهنعدام فقرر خمسة من المحكومين باإل . وكان ال بد من وضع حد لكل هذه السخافات التي تمارسها أجهزة المباحث العامة

كتبوا رسالة واضحة، بأنه إذا استمرت هذه ،هورية، ويضعوا أمامها صورة لما يجري لهمأن يتصلوا برئاسة الجم . عدامالحمالت البوليسية غير المفهومة، فإنهم سوف يسلمون أنفسهم للسلطات العراقية التي تنتظرهم لتنفذ بهم حكم اإل

وبعد ،العلي، مدحت إبراهيم جمعة صدام حسين، كريم الشيخلي، حاتم العزاوي، طه ياسين : ووقع الرسالة خمسة عن رفاقه ممثل لرئاسة الجمهورية، وقال له الكلمات المناسبة اوصول الرسالة بفترة قصيرة، استقبل الشيخلي مندوب

أنتم بالتأكيد ،ال. واهللا نحن ال نعلم، إنه خطأ األجهزة التي تتصرف بدون تعليمات : التي تقال عادة في مثل هذه الظروف على األقل صارت أكثر تحضرا، أو أشد خفاء ،المهم أن المتاعب بعدها، أصبحت أقل وطأة .. الخ ...ي وطنكمأحرار ف

يؤكد بعض األشخاص الذين كانوا قريبين من رئاسة الجمهورية في القاهرة حينذاك أن كل تلك (مما كانت قبلها، مسؤولين في رئاسة الجمهورية، ويضيف بعضهم المضايقات تمت من جانب جهاز المباحث العامة المصرية دون علم ال

الذي فصل من حزب البعث العربي االشتراكي لعب دورا مهما في استعداء جهاز المباحث " فؤاد الركابي "قائال إن .؟)العامة على رفاقه السابقين

وأسوان، وما كاد يدخل إلى األقصر - كلية الحقوق - كان صدام حسين عائدا من رحلة مع كليته ،لم تطل األيام بعدها صدام، : فوق رأسه، حتى دق جرس التليفون، وإذا بكريم الشيخلي يدق عليه الباب ويصيح " الدوش "إلى الحمام، ويفتح

قال كريم وهو يمسك بسماعة التليفون ويصرخ في نشوة ، من الباب ليرى رفيقه، ويعرف ما جرى افتح جانب. صدام :بأعلى صوته

.؟ هل تسمعني ،أقول، ثورة في العراق ... ثورة في العراق .. . قد قامت ثورة في العراقل. .. صدام... صدام يمكان حرب بال ثورةة الن سفي-٨

الكريم قاسم الدكتاتوري الفردي، لم تلق أية مقاومة عندما بدأت التحركات في بعض القطعات العسكرية ضد حكم عبد هي -لضباط الذين يتبعونه إلى وزارة الدفاع، وهناك دارت معركة محدودة مع حفنة قليلة من ا فقاسم قد تقهقر،عسكرية

. بين أنصاره داخل الوزارة، وكل القوى العسكرية والمدنية الثائرة عليه -المعركة الوحيدة وحتى ، ولم تكن أهداف الثورة المجيدة قد تحقق منها إال النذر اليسير ،كان نظامه قد تهالك تحت وطأة تناقضاته الداخلية

ولم يكن قد بقي من القوى الوطنية داخل البالد، سوى الحزب ،، يتأرجح على حافة هاويةاهذا النذر اليسير بات مهدد له، تحت وهم إمكانية احتوائه وترشيد النظام بعد ذلك، ا نصيرا لحكمه ومؤازر- أو باألحرى قيادته-الشيوعي العراقي

على البالد، - حزب البعث العربي االشتراكي ا وخصوص- القوى القومية لحاح الخوف من سيطرة إمن جانب، وتحت .في حالة انهيار حكمه، وما سوف يترتب على ذلك من تصفية ا لحسا بات

وحينما بدت اللحظة وشيكة، والح فيها بوضوح أن نظام قاسم يهوى على عروشه، بضربة من قوى البعث وحده، وهو ، القاتل في تاريخهاطأ وارتكبت قيادة الحزب الشيوعي ساعتها الخ ،لنسبة لهماستشعر الشيوعيون فداحة الخطر با

من الفداحة بحيث سوف تدوم آثاره سنوات طويلة بعد وقوعه، حتى بعد أن يصحح الحزب طألسوء الحظ كان خ .الشيوعي رؤيته األيديولوجية بعد ذلك بسنوات

: ا الشهير الذي تقول فيه لقد أصدرت قيادة الحزب الشيوعي يومها، منشوره . أيها المواطنون، إلى السالح لسحق المؤامرة االستعمارية الرجعية "

. يا جماهير شعبنا المجاهد العظيم . أيها العمال والفالحون والمثقفون وسائر القوى الوطنية والديموقراطية

دنا إلى قبضة رجاع بال إل اطرة على الحكم، تمهيد مرين بمحاولة يائسة للسي آقامت زمرة تافهة من الضباط الرجعيين المت مذبحة بين أبناء جيشنا الباسل لتنفيذ ذاعة في أبي غريب، وهي تحاول أن تثير فسيطرت على اإل،االستعمار والرجعية

."غرضها السافل الدنيء في السيطرة على الحكم ."لخونة المارقين إلى الشوارع يا جماهير شعبنا األبي المجاهد، لكنس بالدنا من ا " إلى تشكيل لجان الدفاع عن االستقالل الوطني، إلى ،إلى السالح للدفاع عن استقاللنا الوطني وعن مكاسب شعبنا "

إننا نطالب الحكومة ... إن الشعب بقيادة القوى الديموقراطية سيلحق العار والهزيمة بهذه المؤامرة السافلة ،األماممن بيان الحزب الشيوعي العراقي الذي صدر في . ("والمتآمرين شوارع، إلى سحق المؤامرة إلى األمام، إلى ال ،بالسالح ). ٨/٢/١٩٦٣بغداد

الكريم قاسم نفسه، وقد كان لسبب بسيط هو أن عبد ،، ولم تقدم لهم السالح "الحكومة"وبطبيعة الحال لم تستجب لهم أن يضع السالح في أيدي الشيوعيين الذين لم يكن يثق بهم يتصور أن بوسعه قمع الحركة الثائرة ضده بمفرده، ما أراد

ولسبب أكثر بساطة وهو إنه لم تكن ،رغم كل ما قدموه له من مساندة ودعم، إلى حد النزول في الشوارع للدفاع عنه نت محاصرة آنذاك يمكنها أن تعطي أو ال تعطي السالح، فالحكومة التي هي عبد الكريم قاسم في النهاية كا " حكومة"ثمة

.في وزارة الدفاع تحارب معركتها األخيرة، المعزولة، الخاسرة في خاتمة المطاف : وأعلى نبرة ا آخر أشد حماس ا وأصدرت بيان ،غير أن قيادة الحزب الشيوعي لم تفقد األمل

."إلى السالح لقمع مؤامرة االستعمار والرجعية " استولوا على السالح من مراكز الشرطة، وفي أي مكان ،خونة دون رحمة مرين الآاسحقوا المت ... أيها الشعب العظيم "

."ء االستعماروجد فيه، وهاجموا المتآمرين عمال إن الزعيم عبد الكريم، والعبدي، والمهداوي، وسائر الضباط المدافعين عن استقاللنا الوطني يمسكون اآلن بدفة قيادة "

."الجيش ."ة االستقالل الوطني لصيان واإلقدامالحزم والجرأة "من بيان آخر أصدره . (" إلى الهجوم في كل أنحاء بغداد والعراق لسحق جيوب عمالء االستعمار المتآمرين ،إلى السالح"

). ١٩٦٣/ ٨/٢الحزب الشيوعي العراقي في نفس اليوم فيفة كانوا يملكونها، وحمل أفرادها أسلحة خ ،واستجابت بالفعل بعض تجمعات الشيوعيين لهذه النداءات المحمومة

ولكن ،عطاء المقاومة دفعة تشجيع ومساندة إلووجهوا نيرانها إلى القطعات العسكرية الموالية للثورة الناشئة، كمحاولة ،هذه المحاوالت، لم تكن في الواقع سوى عمليات انتحارية، مجانية، ليس لها بكل المقاييس ما كان يمكن أن يبررها

وفضال . الفردية واالستقالل الوطني، ليس هو بحال من األحوال الدفاع عن قاسم ودكتاتوريته فالدفاع عن الجمهورية عن ذلك، وأهم منه، إن االستقالل الوطني لم يكن في خطر، والجمهورية لم تكن تتعرض في تلك اللحظة للسقوط، فالذي

وريته وإرهابه الفردي، وبعد ذلك كله تأتي الكريم قاسم فقط، والذي كان يسقط بالفعل هو ديكتات كان في خطر هو عبدخفاق والفشل؟ فما معنى الزج بقاعدة الحزب الشيوعي في نضال يائس، دام، محكوم عليه منذ البداية باإل . حسابات القوى

من أجل ماذا؟ إن قاسم نفسه كان يحاول من وراء الستار أن يلعب بكل القوى على المسرح السياسي كما يلعب الممثل نه أوالدليل على ذلك . على شيء سوى استمرار حكمه، وبقائه في مقعده اولم يكن حريص . سرح العرائس بالدمىفي م

ء بقوة ى ولكنهم في عمق أوهامهم، وإحساسهم الخاط ،حاول ضرب الشيوعيين أنفسهم أكثر من مرة، وبأكثر من طريقة لدكتاتورية الفردية، خلف سراب لم يصلوا، وما كان لم تكن لهم بالفعل، ظلوا يتابعون اللعبة، هائمين في صحراء ا

.نتحار الجماعي والنتيجة هي ذلك المهرجان الفاجع لال ،بوسعهم، أن يصلوا إليه قط ساة، وتكتمل فصوال، أن نتعرف لمأسي الكبرى في التاريخ؟ وما هي الجدوى في النهاية، بعد أن تقع ا المآكيف تحدث

ولكن ما جريمة الضحايا الذين سقطوا بالمئات . لكي نتجنب وقوعها مرة أخرى؟ ربما أ؟ على أسبابها وأصولها ودواعيها ل صو باآلالف على أرصفة التاريخ دون شاهد حتى ليذكر بقبورهم؟ من يعرف اآلن أسماء الذين سقطوا في المو أ

الوطن عن أبنائه، مهما وكركوك والبصرة وبغداد، في صراع دام، مجاني، بين أبناء الوطن الواحد؟ من الذي يعوض أو االنحراف أة الخط طأندمت، واستنكرت، واستغفرت، حفنة من المخطئين أو المنحرفين دفعت بهم إلى الهاوية تحت و

أو حتى الجريمة؟ ومع ذلك فإن التاريخ من فرط مفارقاته يبدو عبثيا في بعض األحيان، إن الذين أطلقت عليهم منشورات الحزب

عضاءه أ، صفات التآمر والخيانة، والعمالة لالستعمار، ودعت ١٩٦٣ شباط - فبراير٨ء في صبيحة الشيوعي الهوجا لرفع السالح في وجوههم، وسحقهم، هم أنفسهم الذين سوف يجلس إليهم قادة الحزب الشيوعي العراقي، بعد ذلك بعشر

مية التقدمية، ومن المستحيل أن يتصور ، ميثاق الجبهة الوطنية والقو ١٩٧٣ تموز -سنوات، ليعقدوا معهم في يوليو العمالة "، ونبذوا "الخيانة"، ورفضوا "تآمرهم"، قد تابوا عن "ء االستعمارعمال"، و"الخونة"، و"المتآمرين "المرء أن معهم، بل نص " تقدمية"و" قومية"و" وطنية"، حتى أن قادة الحزب الشيوعي قد ارتضوا أن ينخرطوا في جبهة "لالستعمار

.ها على أنها تحت قيادتهم، أي قيادة حزب البعث العربي ا الشتراكي ميثاقومع ذلك فما أشد فداحة الثمن الذي تدفعه الشعوب، . لغإنه التاريخ، الذي هو مأساوي في جوهره، كما كان يقول هي

/ ٢٠/٢(ي يومها لقد ذكر ميشيل عفلق األمين العام لحزب البعث العربي االشتراك . دائما البسطاء س وجماهير النا :موقف البعث من الشيوعية قائال ) ١٩٦٣

لى الماركسية هي نظرة تقدير، ونحن كاشتراكيين نقتبس أشياء إليس لنا موقف سلبي من الشيوعية كعقيدة، فنظرتنا "زاب كثيرة من الماركسية، أما بخصوص التعايش مع األحزاب الشيوعية في األقطار العربية فاألمر يختلف، فهذه األح

. كة الشعبيةحرمن األحيان على عدم تفهم الحركة القومية العربية، ووقفت في أكثر األحيان بوجه هذه ال برهنت في كثيروالحقيقة أن هذه األحزاب، بالنسبة لحركة التحرر والوحدة االشتراكية، ال يمكن تصنيفها في اليسار، بل هي تقف في "

الصف اليميني، ألنها عائق في . الجماهير وتقدمها وجه تحرر

كان الشيوعيون معادين، بصراحة، للوحدة التي هي مطلب جماهيري، وقد باشروا مذابح وأعماال همجية لصد هذا " من االنزالق في موقف احزب البعث العربي االشتراكي، حذر جد : على القول، بأن الحزب االتيار، وأنا حريص جد

جريدة الجماهير (..."بيل لتدخل االستعمار والرجعية واستغاللها الموقف معاد للشيوعية، لمعرفته بأن هذا خير س .)١٩٦٣/ ٢٠/٢العراقية

موقف الثورة من الذين حملوا السالح " فلقد أعلن أن ٨/٢/١٩٦٣ للوزراء صبيحة اأما أحمد حسن البكر الذي كان رئيس :بوجهها ال يعني أن الثورة تحارب الشيوعية كعقيدة، وقال

ح في وجه يدعو فيه أعضاءه وأنصاره إلى حمل السال ساعات األولى للثورة، نشر الحزب الشيوعي العراقي بيانا ن الم"لقد كنا أمام ... بادة، وكان الموقف الذي اتخذته الثورة موقف دفاع عن النفس ادي فيه صراحة بالتقتيل واإلنالثورة، وي ... تراجع عن كل قيمنا ومبادئنا ونترك الثورة ألن الشيوعيين قاوموها إما أن نقف بقوة ضد الردة، وإما أن ن : أحد أمرين

.."..وقد اخترنا الحل األول، ألنه الحل المنطقي والمعقول ي معين، في قطر معين، أثبتت التجربة إنه سوقائية ضد تنظيم سيا إننا ال نحارب الشيوعية كعقيدة، وإنما نتخذ تدابير "

."العربية ضد الثورة العربية والوحدة إننا كيساريين عرب، نناضل ضد االستعمار، وال ننسى المواقف الودية التي وقفها االتحاد السوفييتي من بعض القضايا "

... " الخاصة العربية، وخاصة في المراحل األخيرة من تاريخنا القومي، ولكننا مصرون على بناء تجربتنا االشتراكية ) ".٤/١٩٦٣/ ١٤جريدة الجماهير العراقية (

طريقها وسط الصخر، وتحارب على أكثر من تحاول أن تحفر مهما يكن األمر، فلقد مضت الثورة في عمرها القصير .جبهة، وتسعى ألن تحقق األهداف التي قامت من أجلها

ماهير في طريق التحويل االشتراكي للمجتمع على أساس ديموقراطي، وبمشاركة الج اقدم لقد أكدت على أهمية السير "الشعبية، واعتبرت العمال والفالحين والمثقفين الثوريين من عسكريين ومدنيين، والبورجوازية الصغيرة، هي القوة التي

."تصنع بتحالفها الثورة االشتراكية في مرحلتها األولى ة خطوة ال بد منها، لنمو ، واعتبرت الثورة الزراعي اإلنتاج الديموقراطية العمالية لوسائل اإلدارةكما أكدت على أهمية "

".اقتصاد سريع، وانتبهت إلى أن إشراك الفالحين في تنفيذ الثورة الزراعية، شرط أساسي لنجاحها الذاتي والشعبي واستقاللها - العمالية والفالحية والمهنية والنسوية -وأكدت كذلك على أهمية حرية المنظمات الشعبية "

".مصالح تلك الفئات والطبقات عن السلطة كضرورة يمليها الدفاع عن الزراعي والتصنيع اإلصالح الشهور القليلة التي تشكل عمر الثورة قد حفلت بمنجزات كثيرة في حقول "وهكذا فإن

بالعمل الشعبي، معتمدة على سواعد الفالحين والعمال والجنود إنجازها والتخطيط، كما حفلت بمشاريع عديدة تم ك بتشريع ل الثورة على تأمين مصالح الطبقات الكادحة، وفي طليعتها الطبقة العاملة، وذ وحرصت. والمثقفين الثوريين

نص من خطاب الرئيس احمد حسن البكر بمناسبة ("القوانين التقدمية، وحماية هذه الطبقات من االستغالل والتعسف .)٢/١٩٧٠/ ٩ - جريدة الثورة العراقية - شباط ٨ذكرى ثورة

كانت تحاول أن تسير ، كانت ما تكاد تمضي خطوة حتى تتعثر بعدها ، لم تستطع أن تواصل طريقها ومع ذلك فإن الثورة عالم في أوروبا االشتراكية، العلنية والسرية، لم تكف فأجهزة اإل ،الحصار وااللتباس : على حبل مشدود بين هاويتين

لصراع الذي جرى بين الشيوعيين والثورة ة المعلومات التي يقدمها لها الشيوعيون العراقيون وبتأثير ا طأتحت والجديدة، عن مهاجمة النظام الذي لم يكن قد شب بعد عن الطوق، فضال بطبيعة الحال عن هجوم القوى االستعمارية

. بعد يوم ا وجدت الثورة نفسها محاصرة داخل حدودها، واألسوار ترتفع حولها يوم ا فشيئاوشيئ. والرجعية عليه فإن السلطة الجديدة التي تسلمها حزب البعث العربي االشتراكي بمفرده ألول مرة، محاوال أن يطبق ومن جانب آخر

بعد يوم كذلك تفقد وحدة قيادتها، وتتسلل إليها اأفكاره ويصنع تجربة خاصة بالمعنى السياسي واأليديولوجي، كانت يوم ومن ثم ،في نفس الوقت " الحكيم والحازم"، وربما "الحكيم الربان"وكانت تفتقر إلى . والتكتل واالنقسام ككعوامل التف

تشرين -من نوفمبر بدأت تنزلق من قمتها إلى منحدر سحيق، سوف تهوى بداخله، في جملتها، صبيحة الثامن عشر لتي الجماجم ا ا للذين رفعوه، محطمام عارف على البعثيين ويستأثر بالحكم وحده، متنكرثاني، حينما ينقلب عبد السال

.رهحملته إلى كرسي الرئاسة ذات يوم، منذ تسعة أش .ومرة أخرى، يتجلى التاريخ مأساويا في جوهره

ه التزم بن لرار ذا القه -٩

وظل يعمل فيه ،"مكتب الفالحين المركزي " في احينما هبط صدام حسين بغداد، بعد قيام الثورة، ألحقه الحزب عضو .١٩٦٣ تشرين الثاني عام - نوفمبر١٨ف في م عار حتى وقع انقالب عبد السال

وفي الشهور األخيرة من عمر الثورة القصير، استطاع بذكائه، أو لنقل بحسه التاريخي المرهف، أن يلتقط ظواهر طافية بأن في أعماقه ا ثم ما لبث استغرابه أن أصبح استرابة، ثم غدت االسترابة يقين ،على سطح الحياة السياسية تثير استغرابه

.الثورة تمضي إلى حتفها ال محالة وما ،حساس بأن الثورة تقفز نحو مصيرها المجهول والمحتوم يثير قلقه، ويدفعه اإل" الربان الحكيم والحازم "كان غياب

حساس طبيعة المناقشات التي جرت في المؤتمر القطري الخامس لحزب البعث الذي انعقد في العراق عزز لديه ذلك اإل وأسوأ ما في األمر أن االنقسام لم يكن ينهض على ركيزة أساسية أو ،لقد تبين له أن القيادة منقسمة على نفسها ،حينذاك

ثم تكشفت له فداحة الكارثة المقبلة حينما عجز المؤتمر عن حسم الصراع الناشب بداخله، على الرغم من ،أيديولوجية بل إن قطبي الصراع في ،قادر على الحسم، وال القيادة القومية بقادرة ال المؤتمر ،حضور ممثلين للقيادة القومية جلساته

إذن فالمعنى الوحيد الذي يمكن أن يستخلص هو أن سفينة الثورة . نتخبان بتساوي األصوات في نهاية المؤتمريالمؤتمر أو األصح أن -انبين تشدها من جانبيها قوتان متوازيتان، وما من ربان يستطيع أن يحسم أو يثقل كفة واحد من الج

. ال مفر منها وانقسامها إلى شطرين بات قدر -لى جانبه إيجعل كفة الحزب بمبادئه وتقاليده غير أنه على األقل كان يملك ، كان مجرد عضو عادي ساعتها، يده بعيدة عن زمام القيادة ،ولم يكن بوسعه أن يصمت

ذان أ ومع ذلك بدت كلماته غريبة الوقع في ،فوق التكتالت والشلل الشجاعة والمقدرة، ووضوح الرؤية، ونزاهة االرتفاع بما يؤمن به من مبادىء فقط، ويهاجم التكتل والشللية معتصما ذلك الذي يأتي إلى مثل هذا المؤتمر فمن هو،سامعيها

ر جاء يدعو إلى والمصالح الشخصية والضغائن الذاتية، ويتحدث بهذه النبرة الموضوعية عن وحدة الحزب، وكأنه مبش .الصالة قوما ضالين؟

إلى المؤتمر القطري، ولكنه رغم كل ما أحيط لقد مارس هذا الدور عبر كل المؤتمرات الحزبية التي حضرها وصوال ساعدته على الوصول إليه اللعبة التكتلية ،به في المؤتمر القطري، استطاع أن يصل إلى المؤتمر القومي باالنتخاب

عن أصوات أعضاء المحافظات الذين بدوا في تلك اللحظات العصيبة حيارى رق فيها اآلخرون، فضالنفسها التي غوعندما وقف في المؤتمر القومي الذي عقد في . مبدئية مضيعين ال ناقة لهم وال جمل فيما يدور حولهم من صراعات ال

رى للهجوم على من اعتبره مسؤوال عن دفع بل انب ،دمشق، كرر نفس قناعاته فيما يتعلق بتشخيص الموقف في بغداد كما ظهر - فلقد كان صالح السعدي ، لسر القطراعلي صالح السعدي، بوصفه أمين : رتطام بالصخورسفينة الثورة لال

رجل العبارات الثورية الفارغة، وما أكثر ما قتلت ، رجل االندفاع الطفولي بغير حسابات - أمامه في قاعة المؤتمر اجلي .ة الثورية الفارغة، روح الثورة العبار

إنني ال أعتقد أن المؤتمر : " وقال كلمات كالنبوءة -يومها وقف صدام حسين أمام كل أعضاء المؤتمر القومي السادس ولم يمض بعدها إال شهر ونصف شهر، حتى كان عبد "... القومي القادم سينعقد والثورة مستمرة في القطر العراقي

بته الغادرة، ويفتح أبواب السجون والمعتقالت للبعثيين، ويسعى بحماس محموم لتصفية السالم عارف يضرب ضر . بمقاليد السلطة - عبر انقالبه -البعث، وينفرد وحده

قبل االنقالب بأربعة . كانت األيام القليلة السابقة على االنقالب بالغة الداللة على ما يجري وما سوف يجري بالنسبة له ومحسن شعالن وسيد حسين جبر، وإذا حين مع بعض رفاقه، من بينهم أحمد العزوز في مكتب الفالاأيام، كان جالس

رفعوا أيديكم وسلموا، وبسرعة البرق سحب صدام مسدسه ا: بشخصين يدخالن عليهم، وقد صوبا رشاشاتهما نحوهم وبدا أن أي . أة جمدت أصابعهما ولكن المفاج . . ما هي القصة؟ ال أحد يجيب . وصوبه نحوهما االذي كان يحمله دائم

ولم يكن بوسعهما إال أن يجريا ،هذه المسافة الصغيرة سوف يؤدي إلى مقتل الطرفين من أحد الجانبين عبر إطالق للنار وعندما انتشر النبأ زيفت . حين في اتحاد بغداد للفال ا وهما يطلقان النار خلفهما فأصابا فالحا اسمه ياسين كان عضو

. وقتل أخر الوا إن صدام هو الذي أطلق النار على الحرس القومي، فأصاب واحد الحقيقة وقا، متجها إلى ناحية الكرخ على الضفة األخرى للنهر، وكان إلى جانبه "نغالفولكس فا"وبعدها بيومين كان يركب سيارته

. قف، قف: وجهه وإذا بالحرس القومي يعترض طريق السيارة ويرفع رشاشاته مرة أخرى ،أحمد طه العزوز وتحدث معه، وبعد ذلك تنبه الدليمي إلى أن من - وكان ذلك أول لقاء بينهما -"لطيف الدليمي "وعندما توقف، جاءه

وركب لطيف معهما ، فطلب إلى أعضاء الحرس القومي المتحلقين حوله أال يوجهوا لهم أية كلمة نابية ، لهابالسيارة رفاق القيادة العامة للحرس القومي استجابة ألمر صادر منها باعتقال صدام حسين وأحمد لى مقر إبالسيارة وأوصلهما

وإذا برفيق له ، ظل ساعتين جالسا في مقعده ومعه رفيقه، دون أن يقول له أحد كلمة ا، ولكنه هناك لم يجد أحد ، العزوزلقيادة وقد ارتدى مالبس الحرس القومي، يدخل على مقر ا -الكريم قاسم رفيقه في عملية اغتيال عبد -هو حاتم العزاوي

أفهم من هذا أن : أريد أن يقول لي أحد ماذا فعل صدام، ولم يجبه أحد، فعاد يقول : وصرخ بأعلى صوته ،وبيده غدارة وخرج مع رفيقه إلى الطريق، وهو ... إذن تفضل معي : فنظر إلى صدام وقال له ،ليس هناك مشكلة معه، ولم يجبه أحد

ولم يمض سوى يومين حتى كانت مدافع عبد .رهابي المشحون يمهد بالضرورة لعمل مشين أن هذا الجو اإل ايزداد يقين .السالم عارف مصوبة إلى صدر الحزب بكامله

تتمركز القاطع الذي " رمضان ١٤" تشرين الثاني كانت سرية من كتيبة الدبابات األولى المعروفة باسم - نوفمبر١٩في اهللا ابن الحاج خير " اهللا عدنان خير" وكان من بين ضباط هذه الكتيبة ، ذاعةلجمهوري ومقر اإلر اصيفصل بين الق

أكثر سنوات عمرهما في ا في نفس البيت، وعاشا مع ا آخر لصدام تربيا مع ا وكان عدنان أخ ،طلفاح، خاله، ووالد زوجته من زمالئه وهناك تعرف على عدد كبير . االنقالب ما كان صدام يزوره في مقر الكتيبة قبل أ وكثير،تكريت أو بغداد

، فما كان منه إال أن توجه إليهم حيث كانوا يحرسون الطريق المهم بين الموقعين المؤثرين، غداة االنقالب ،الضباط وبغض النظر عن ، التصحيح يقوم به الحزب نفسه ،ليست هذه حركة تصحيح كما يزعمون : شرح لهم الموقف بصراحة

. هذه بوضوح مؤامرة على الحزب ،قيادة، فإن الحزب ينبغي أن يواصل مسيرته ويصحح أخطاءه من داخله أخطاء ال . ولم يكن هو في موقع قيادي يسمح له بحسم الموقف ،إننا حاضرون، فقط نريد موقفا حاسما : باقتناعاقالوا جميع

له مشاعر الضباط واستعدادهم لحماية وشرح " كرالرفيق أحمد حسن الب ": "أبي هيثم"في اليوم التالي تمكن من لقاء ا لقد استخدموك اليوم، وغد : وقال له كلمات قاطعة " حردان التكريتي " وبعدها تمكن من لقاء ،الحزب وضرب المؤامرة

واقتنع حردان بعد ، السالم عارف وطاهر يحي ورشيد مصلح سوف ينتهي دورك، أراد أن يفصل بينه وبين عبد ومضى إلى مؤتمر للضباط عقد في مديرية االستخبارات العسكرية، ودخل مع عبد السالم عارف ،اشساعتين من النق

: السالم عارف يرد عليه وعبد،باق هذه حركة تصحيح داخل الحزب، وحزب البعث : في مشادة كالمية، حردان يقول

-بي هيثم أ منسقا في ذلك مع -ااشر مب ابعدها بدأ صدام يوجه حردان توجيه . قومية وحزب البعث انتهى" ثورة"هذه ولى تقرر نقل كتيبة الدبابات األ،سرعأحداث كانت غير أن األ،نحو العمل على حشد الحزبيين الستعادة شرعية الحزب

.ءين تساند األمل في القيام بأي ش أ وفقدوا القوة التي يمكن ،لى البصرة إ فمضى ، على العكس أوقد التحدي الجذوة في قلب صدام حسين ،ء أبدأغير أن األمل في قلوب الثوار الحقيقيين ال ينطفى

من رفاقه الذين يعرفهم، في التجمع والتماسك وإعادة ا فاتح عدد ،وسط الظلمة يتحسس طريقه كي يجسد األمل من جديد ة من خمسة عشر اهللا سلوم، وحاتم العزاوي، وتهيأت له مجموع كان بينهم فاتك الصافي، وعبد ،بناء الحزب مرة أخرى

لحضور المؤتمر، افيختوقرر أن يذهب م . حلول موعد انعقاد المؤتمر القومي السابع في دمشق ا وبدا وشيك ا،رفيقفي حياته، ولكن هذه المرة داخل الجديد وستبدأ من هذه اللحظة مرحلة االختفاء ، السورية -متسلال من الحدود العراقية

.حدود الوطن نفسه وكان هناك ، حدثه عن ظروف العراق، وما جرى للحزب في العراق ،ميشيل عفلق : قى بمؤسس الحزب في دمشق الت

، وبدا أن المؤتمر سوف يضيع وسط مناقشات عقيمة بين وجهات نظر متعارضة بل متناقضة ا،علي صالح السعدي أيض وهذه هي - واقترح صدام ،راقييحمي استمرار الحزب في القطر الع وأغلب الظن أنه لن يستطيع الوصول إلى قرار

وقبل ميشيل عفلق وجهة نظره بعد أن ، أال يحضر العراقيون المؤتمر بكافة أجنحتهم، بدون استثناء -صورة الوضع .اقتنع بها

وسأواصل عملي، وسآخذ ،سأدخل العراق مرة ثانية : وعاد صدام حسين والتقى بالرفيق المؤسس مرة أخرى وقال له مؤقتة حتى تقرر القيادة القومية أمرها في " نواة قيادية" الضرورية للكفاح السري، وسأسعى لتشكيل معي وسائل الطباعة

فالذين انشقوا على ،أال أكون أنا واحدا من أعضائها " واقترح ،صورة القيادة التي تراها لتوجيه العمل داخل العراق من أجل صدام حسين، غير إنني ا واحد ارالحزب يركزون كل هجومهم علي، ولست أريد أن نخسر حتى وال نصي

." رهن إشارة هذه القيادة بكل جهد أستطيع للقيام به اسأكون دائم ،عادة تشكيل أجهزة الحزب ، ويسعى بحماس إل"أبي هيثم" وبدأ يقيم جسورا سرية مع ، إلى بغداد اوتسلل مرة أخرى عائد

علي "أعلن فيه فصل ) القيادة القطرية المؤقتة ( باسم ال، أصدر بيان وعندما وجد قرار القيادة القومية قد تأخر في الوصو وبدا سريعا أن مد االنشقاق ينحسر، وأن الموجات ،القادمة ، وحدد اتجاه العمل للمرحلة "حازم جواد"و" صالح السعدي

وبعدها جاء قرار القيادة القومية . يقاعات حثيثةإ با فشيئاالمؤيدة للشرعية الحزبية، والمساندة للقيادة القومية، تتصاعد شيئ صدام حسين، أحمد حسن : وتضم عضويتها - للسر ا أمين-الكريم الشيخلي عبد : بتعيين قيادة قطرية جديدة تتشكل من

.البكر، محمد صبري الحديثي، حسن العامري العسكري بالسفارة العراقية في كان عبد الكريم الشيخلي أيامها معاون الملحق ،وبدأت شرعية القيادة تتخذ كامل أهابها

لى العراق، واتخذ موقعه في القيادة إ وعندما وقع انقالب عارف ترك منصبه، وذهب إلى سوريا، ومنها تسلل ،لبنان .الجديدة للحزب

وكانت ، للسر، ولم يحمل مسؤولية أخرى ا كان الشيخلي أمين ،وتوزعت بين أعضاء القيادة الجديدة مسؤوليات كل عضو وتولى محمد صبري الحديثي . رئيس الوزراء السابق بحيث حاصرت حركته إلى حد بعيد " أبي هيثم"قابة مشددة على الر

أما صدام حسين فلقد ،مسؤولية مكاتب العمال ونشاطات االتصال الخارجي، وتسلم حسن العامري مسؤولية فرع بغداد ري المركزي، وفرع بغداد العسكري، ومكتب االتصال المكتب الفالحي، والمكتب العسك : وضعت على عاتقه مسؤوليات

ضافة إلى بمعنى أخر كل التنظيمات العسكرية في فقراتها األساسية باإل ، الخارجي مع التنظيمات العسكرية خارج بغداد . لضباط االحتياط من رفاق وأنصار الحزب ا وشكل بعد ذلك مكتب ،مكتب الفالحين

انات ومنشورات القيادة القطرية، وأعيد طبع بيانات القيادة القومية ثانية في بغداد، انتشرت مرة أخرى بي ، وبدأ العمل مكاناتهم المالية الذاتية داخل القطر، أخذوا يشترون قطع إومن الدعم المالي الذي كانت تقدمه لهم القيادة القومية، ومن

عبد"، واآلخر ألغراض االختفاء في بيت "حمودحسين م"أحدهما لخزن السالح في بيت ": مركزين" واتخذوا لهم ،السالح ."نديم الياسين " و"طالل الفيصل "، وكذلك بيت "اهللا خليل

وري ضد نظام عبد السالم عارف، يداعبهم من جديد مع النمو المطرد في قوة التنظيم، ثوعاد األمل في القيام بعمل . كامالاواجتمعت القيادة لتدرس خطتها، وتقدر الموقف تقدير

وأخذوا يصنعون قنابل يدوية محلية من مادة ، فطلبوا السالح من القيادة القومية ، كان السالح الذي يملكونه ما زال قليال الكريم الشيخلي يصنعانها بأيديهما بعد أن يجمع مادتها رفيق لهما اسمه وكان صدام حسين وعبد" ت. نأ. ت "ـلا ويشاركهما في هذه الفعالية صبي صغير اسمه -قة صدام حسين وهو زوج شقي -من صيادي السمك " غالب محمود"

.من أمه شقيق صدام برزان وهو لداخل، وقيادتها لتطويق اى وحدات الحرس من علوكانت الخطة تقتضي الهجوم على القصر الجمهوري، والسيطرة

الكريم مصطفى نصرت وتوجه صدام مع رفيق له اسمه عبد ، وكان في الحرس الجمهوري رفاق لهم ، نفسه القصردامية وكانت مهمته تتركز في تسهيل دخول الفرقة الص . فوافقس،وفاتحا أحد الرفاق الضباط في كتيبة الدبابات بالحر

للعملية، كانت تفترض وصول شحنة السالح من سوريا قبلها، وتحددت ساعة صفر.لى داخل الحرس، والباقي عليها إ .١٩٦٤ أيلول -أي قبل الخامس من سبتمبر

سبتمبر أي قبل -ولكن فجأة اكتشفت الخطة، ووقع هجوم صاعق على أعضاء الحزب أنفسهم، في الرابع من أيلول وجن جنون . نفسه، وكشف أمرها وتأخرت شحنة السالح فلم تصل إال في السادس من الشهر . بيوم واحد الموعد المقرر

لقاء القبض على القيادة التي وبدأت حملة مسعورة إل ا،قالسلطة، فلقد أدركت أن الحرس الجمهوري نفسه بات مختر وشل التنظيم الحزبي من أثر الضربة ،اعترف عليها بعض الذين قبض عليهم ووقعوا تحت طائلة التعذيب الوحشي

.المفاجئة، وبات عليه أن يبدأ من جديد ، ويحسبان حساباتهما مرة أخرى، وإذا في إحدى األمسيات جلس صدام حسين مع عبد الكريم الشيخلي يتدارسان الوضع

لكي أبيت في الوكر الذي نخفي فيه : إلى أين؟ قال ، فنهض صدام يريد أن يذهب ،بالساعة تبلغ الواحدة بعد منتصف الليل وفي تلك ،إن دوريات الشرطة نشطة في هذه األيام ومن األفضل أن تقضي بقية الليل عندي : قال له عبد الكريم ،السالحلكن ال صدام وال كريم كان يعرف أن وكر السالح المركزي (. هوجم بالفعل وكر السالح وأنقذ صدام بالمصادفة الليلة

.)قد داهمته السلطة ختفاء لعبد الكريم ا، فيه مركز طباعة، ومركز ا رئيسيا السالح نفسه، وكان وكر " وكر"لى إفي اليوم الثاني ذهب

هبط من السيارة، وذهب ناحية باب البيت ودق . لشيخلي نفسه وطالل الفيصل وفي صحبته بالسيارة كان ا ،الشيخلي. قف، ال تتحرك: خاصرته، ومن خلف الباب صوت يصرخ فيه نحوا مصوبا وإذا به فجأة يجد مدفعا رشاش ،الجرس

ردة إلى حد ال قوية، وبااإذن فقد وقع الصيد الثمين فريسة سهلة في أيدي أعدائه، غير أن صدام الذي يملك أعصاب أليس هذا بيت محمد؟، صرخ الصوت من الداخل مرة : لم يحدث ا على وجهه وسأله وكأن شيئ ا ثلجيايصدق، وضع قناع

أخي، ما هي قصتكم؟ : إرفع يدك، وبنفس األعصاب القوية والصوت المحايد أجابه صدام ،أقول لك ال تتحدث : أخرى الذي يحمله، -يمد يده بسرعة الى المسدس وفي نفس الوقت كان . الدنيا؟رشاشات؟ ما هذا؟ أال توجد حكومة؟ هل سابت

فوجىء . إرم الرشاشة يا كلب : وما أن وضع يده على الزناد حتى صرخ في الشرطي وهو يسحب طلقة من مسدسه ال يعمل، فلما أدرك الجندي أن مسدسه ، سحب الثانية ولم تنطلق ، من مكانه، بيد أن الرصاصة لم تنطلق الشرطي وقفز

غير أنه من فرط مفاجأته األولى لم يسحب عليه رشاشه، بل بدا مرتبكا بعض ،به يخونه، عاد إليه وقد تيقن إنه فاز وما أن شاهداه في هذا الوضع ، فأخذ صدام يتراجع إلى الخلف نحو السيارة التي كان يجلس بها كريم وطالل ،الشيء

ط مفاجأتهم ومن ثم هبط من السيارة طالل وكان يحمل غدارة نسي أن عن البيت من فر احتى تحركت السيارة بعيديضع فيها مخزن عتادها، سحب صدام طلقة ثالثة ووجهها إلى الشرطي الذي يالحقه ولكنها مرة ثالثة لم تنطلق، فأخذ

قرر أال يركض وبيده المسدس حتى ابتعد قليال عن الشرطي، وسحب طلقة رابعة، ولكنه بدال من أن يوجهها إليه، وركب ، بحياتها نحو البيت، الئذ ايصيبه وقد ابتعد خطره، فأطلقها فوق رأسه، فإذا بالشرطي يركض إلى الخلف متوجه

.السيارة ومضت به مع رفيقيه " صدام": اعتقل أعضاء القيادة الواحد بعد اآلخر ،رهاب األسود وخيمت على سماوات العراق أيامها سحابات داكنة ثقيلة من اإل

، عبد الكريم الشيخلي، حسن العامري، ومعهم معظم كوادر الحزب المتقدمة، وأعداد ضخمة من األعضاء "أبو هيثم"أمله، كان ... على أكتاف صدام حسين، ولكنه لم يفقد قط حماسه وال جرأته الخارقة وال ا وبات العبء فادح ،واألنصار

مال الذين يتوجهون إلى مصانعهم ومعاملهم، إلى ما قبل الثامنة يبدأ حركته ساعة الفجر، ويخرج إلى الطريق مع الع في تلك . داء واجبه حتى ما قبل منتصف الليل وفي الليل عندما تهبط الظلمة وتلف المدينة، كان يخرج أل ا،صباح

ير وكان قد برع على كل حال في تغي .ة دوريات األمن أخف، وإمكانات الحركة السريعة أكبر أالساعات تكون وط وكان يشتري سيارات . هيئته، والتنكر الحاذق، حتى إن بعض رفاقه ما كانوا يعرفونه إال بعد أن يبدأ في المباسطة معهم

، ويبدل أرقامها، ويستخدمها، ثم يبدلها" خردة"قديمة جسر الجمهورية في طريقه نحو الباب الشرقي في بغداد، يعبر وذات يوم، وهو

ي ف، ويتطلع إليه بانتباه وتركيز ويتحدث "مقدم"ه يجد أمامه سيارة شرطة بداخلها ضابط برتبة ، إذا ب"زودياك"في سيارة وعلى الفور استيقظت في نفسه كل غرائز اليقظة والحذر والدفاع عن ،جهاز الالسلكي بسيارته ويشير على سيارته

قال لرفيقه غالب . ن مسدسه الذي ال يفارقه وكان يحمل في سيارته على الدوام رشاشا وقنبلتين يدويتين فضال ع ،الحياةوتقدمت ... هيء الرشاش، وافتح زجاج النافذة قليال، ولكن ال تطلق حتى أقول لك انتبه، : محمود الذي كان يصحبه

سيارته وتقدمت معها، محاذية لها تماما، سيارة الشرطة، وعندما بلغتا نقطة عبور المشاة، إذا بالضابط داخل السيارة داء أويطلب إليه أن يوقف سيارة صدام، ولكن الشرطي اقترب من الضابط، وانشغل في على شرطي المرورينادي

التحية العسكرية له، وفي لمح البصر انفلتت سيارة صدام ومضت مسرعة، وغابت وسط الزحام، بينما كان الشرطي ، "نغفولكس فا "في بغداد، في سيارة " رمضان ١٤"في اليوم التالي، كان يجتاز ساحة . يتلقى سباب ضابطه ألنه لم يفهم

أ، فاضطر صدام أن يسحب مسدسه هو أيض ،ذا بقائدها يسحب مسدسه عليهإ ف،وتزاحمت سيارة أحد العابرين مع سيارته ذا الرجل يوقف سيارته ويهبط منها إ ف،هذا واحد آخر عرفني، وأغلق زجاج سيارته، وظل جالسا خلف المقود : قال

ال تتقدم وإال قتلتك، ماذا تريد يا رجل؟ : نحوه بخطى ثابتة، صرخ فيه صدام على الفوراسدسه متجه حامال بيده م قال له في سذاجة ممجوجة ،أبعدني عن شرك، ولكن الرجل المسكين لم يكن يعرف طبيعة الموقف الذي يضع نفسه فيه

رمي مسدسك، أمجنون هذا؟ ا: د عليه الرجل ذهب لم أزاحمك، رايابا : أنت زاحمتني، قال له صدام: في تلك اللحظة -اف الممتاز د اله -ذا بصدام إ وخطى الرجل خطوة، ف ،إذا خطوت خطوة واحدة إلى األمام سأطلق النار : قال له صدام

وجرى إلى ا سقط الرجل على األرض ثم نهض مسرع ، حتى يخيفه دون أن يقتله ايطلق طلقته من فوق رأسه تمام وبالمقابل ، واشتد توتر الموقف، وزادت قوات األمن من هجماتها على كل بيت تظنه فيه ،سبيلهسيارته، ومضى إلى

وفي تلك اللحظة جاءته رسالة من القيادة القومية ،راح هو يغير أوكاره وأساليبه، بهدوء أعصاب، وثقة، وأمل ال يخمد . هذا قرار -طة النظام ويدخل السجن تطلب منه أن يغادر العراق، ويتجه نحو دمشق، حتى ال يقع في أيدي شر

ولكن هذا القرار وحده لن ،يا رفيق، أنا في كل حياتي ملتزم": نظر صدام حسين إلى مندوب القيادة القومية وقال له ألتزم به، لن أنفذه، إن االلتزام به سوف يؤذي أعضاء الحزب المتبقين ويحط من روحهم المعنوية، في وقت هم أحوج

." وتحياتي للقيادة القومية ،هذا ردي . يا رفيق. شد أزرهم، ويساندهم، وينفخ في أعماقهم جذوة األمل فيه إلى من يغير أن القيادة القومية، وقد واجهها بهذا العناد الصلب، اقترحت عليه أن يقوم بتسجيل كلمة بصوته تذاع من راديو

. أن يقول في تسجيله إنه في دمشق، قال بل أنا في بغداد وأعجبته الفكرة، ولكنه بدال من . دمشق وكأنه هو الذي يذيعها ياتهم في محنتهم القاسية في وويعاونهم في رفع معن وأذيع التسجيل من راديو دمشق، لكي يسمعه المعتقلون البعثيون

لى عا قلبت المدينة رأس ، واندفعت قوات األمن بشكل محموم للبحث عنه ،اشتد الحصار . غياهب السجن والمعتقالت وضعت في أركان الشوارع والساحات عرباتها المسلحة المزودة ،لترى ما تحته قلبت كل حجر، فتشت كل ركن،عقب

وسقط في النهاية واحد لم يصمد ، استجوبت مئات وآالف الناس، وأغرتهم وأرهبتهم ، شكت في كل شخص،بالالسلكي. من كل جانب ا، وإذا به يجد نفسه فجأة مطوق "جهادطارق "إن صدام حسين في بيت . واعترف. أمام التعذيب الوحشي

التي يسقط فيها الفارس في حبائل العدو؟ هل انتهى كل شيء وال بد من أن يرفع يديه حتى ا هل جاءت اللحظة أخير توضع فيها السالسل ويقيد من الخلف؟

، من طلقات مسدسه ا ي تطوقه فأطلق عدد ولكن هل تجدي المقاومة؟ أراد اختبار القوة الت ،ومع ذلك ال بد من المقاومة ال معنى للمقاومة المستحيلة هذه المرة، والتي لن ينجم عنها إال .. ال،فإذا بسيل من الرشاشات يجاوبه، من كل ركن

ضافة إلى ما سيتحمله أصحاب الدار الذين يأوونه من عقاب عندما تسيل الدماء ضحايا قد تكون بريئة من الشرطة باإل السالم عارف، وبحياة حزب البعث وبصوت مدو مجلجل هتف بسقوط عبد ... ال مفر. ب دارهم أو في فنائه على أبوا

.وسلم. العربي االشتراكيلى الطابق األعلى، حيث كان يقف، بدأ بعض ضباطها يكشفون عن وضاعتهم وانحطاط إ عندما صعدت القوة العسكرية

فإذا به ،، وأمها، هما أخت وأم رفيقه طارق جهاد امرها خمسة عشر عام خلقهم، بتوجيه عبارات مهينة إلى صبية كان ع ينتفض كمن مسه مس وسحب قنبلة يدوية كانت موضوعة في كيس من الورق فوق الطاولة المجاورة دون أن يلتفت

فانتبه قائد إذا تكررت هذه العبارات الوقحة، أنظروا هذه القنبلة، سأقتلكم وأقتل نفسي، : إليها أحد وصرخ بالضابط .الحملة إلى خطورة الموقف فأمر الضابط بالكف عن بذاءاته

قالوا ،كانتا لديه، وأعطاهما للشرطة " الروثمان "من سجائر " خرطوشتين "دخل إلى غرفته، وارتدى مالبسه، وسحب .لقد انتهى التدخين بالنسبة لي . ال: هذه سوف تفيدك، قال لهم ..ال: في ادعاء التمنع

انبالقضكل م حط تتى ت ح– ١٠

أ، فها قد ا وهو يصفق بيديه طرب ا يسير في غرفته جيئة وذهاب- المدير العام - كان رشيد محسن ،في مبنى األمن العام . في الشباك اوقعت الفريسة أخير

تتبدى فيهما ونظر إليه بعينين ،عندما دخل عليه غرفته، حاول أن يطامن فرحه، ويصطنع الهدوء وقليال من الالمباالة :الشماتة وقال له

. صدام، لماذا أعطيت سجائرك للجنود - . حتى ال تدفعوا لي بسيجارة من تحت الباب - ال أعتقد أننا ،خوان في القيادة تحدثوا إلي بكل صراحة عن كل شيء آه، واآلن يا صدام، كل شيء قد انتهى اآلن، اإل -

هذه األمور كيف صارت؟ -: يا صدام أن تشرح لي -يمحتاجون لسماع كالمك، ومع ذلك، من الضرور وقد تظن ، وما دمتم تعرفون يا رشيد كل شيء فماذا يفيدكم كالمي؟ إسمع، سوف أحكي لك قصة ال تأبه بها أنت اآلن-

. طولم تغب عن بالي ق ولكنك ستدرك فيما بعد ما أقصده منها، إنها قصة سمعتها وأنا صغير، ،أنها ليست قابلة للتنفيذ ، تهم بحادث قتل أحد األشخاص المقربين من الحكم ا هل تسمعني؟ انتبه، يحكى أن أحدهم في زمن الحكم العثماني ،هه

التي كانت معروفة لديهم إلى حد أنهم كانوا واستخدموا معه كل وسائل التعذيب ،فقبضوا عليه وساقوه إلى التحقيق لى إ فقادوه ، وعجزوا عن أن يستنطقوه بكلمة ،عه هكذا سنة كاملة وظلوا يفعلون م ،يسلخون من جلده ويقلعون أظافره

المحاكمة، فأفرجت عنه المحكمة، وكان ذلك الرجل من الموصل، وعندما خرج من السجن، توجه إلى الحمامات العامة األحمر وهو نوع من الطين " (عمي تريد جيالني؟: " فإذا برجل آخر يغتسل في الحمام يقول له،كي يستحم في الموصل

عمي، : "فقال له ولكن الرجل عاد ،يابا فضلك، وأخذ من الرجل قطعة منه : أجابه الرجل ) كان يستخدم بدال من الصابون عمي، هذا ماذا : وبينما هو يفعل قال له،يابا فضلك، فغسل له ظهره : فأجابه " أتريدني أن أساعدك وأغسل لك ظهرك؟

يكون؟ . نعم: ؟ أليس كذلك؟ رد عليه الرجل قائال "فالن" هل أنت . .أه) ار التعذيب واضحة عليهفلقد كانت آث(لماذا هكذا ظهرك؟

. تحكي لي كيف قتلت ذلك الرجل؟ فالتفت إليه السجين السابق وصفعه أال: فسأله مرة أخرى : رجل وقال أي إنسان أنت؟ هذا الرجل يساعدك وتضربه؟ فنظر إليهم ال : وهنا صاح فيه الذين كانوا يستحمون بجانبه

لماذا ضربته؟ إن هذا الرجل يريد أن يعرف مني ما لم تستطع الحكومة أن تعرفه بعد أن عذبتني ،أنتم لم تسمعوا القصة .سنة كاملة

ولكن ، واآلن؟ هل فهمت؟ إنني أحكي لك هذه القصة يا رشيد، وبعدها حاولوا، وافعلوا ما بوسعكم أن تحاولوه أو تفعلوه .سمي لن أقوله لكم ا تىه األساليب معي، سوف تسألونني بعدها ما هو اسمك؟ لن تعرفوه؟ ح إذ تستخدمون مثل هذ

خوان في القيادة اعترفوا بدون أي ضغط أو نحن لسنا هكذا أبدا، اإل ، فيهاا مبالغاال بد إنك سمعت قصص. ال. ال- .ياديإكراه، ستشاهد أنت بنفسك كريم الشيخلي ويحدثك كيف جرت األمور بشكل اعت

فتصوروا أنه إذا تحدث مع صدام فإنه سوف . ة تعذيب قاسي، فضعف في التحقيق طأكان كريم الشيخلي قد تعرض لو بل وحتى كريم نفسه تصور أنه يمكنه أن يجنب رفيقه قساوة التعذيب ،يقنعه بتجنب الصمود معهم والتعرض للتعذيب

لسبب آخر، هو أن ا كان يريد أن يلتقي بكريم أيض " صدام" غير أن .ا وبالفعل رتبوا لقاء بينهم ،ويقنعه بعدم التشدد معهم يعرف منه طبيعة ما جرى، وحدود تصورات الرفاق داخل السجن، ويرفع من روحه المعنوية التي استطاعوا تطويقها

.في التحقيق :وبعد أن تمت المقابلة اقتيد صدام مرة أخرى إلى غرفة رشيد محسن مدير األمن العام

.. صدام... ها- .. هل ما زلت تذكر القصة التي حكيتها لك؟ ،ي الذي قلته لك في المرة السابقة م واهللا أنا ال زلت عند كال - ..أنظر، إن طاهر يحي يريد رؤيتك .. صدام -دي يعني تضعون الحديد في ي ، إليه ا أنتم تستطيعون بالطبع أن تقودونني قسر ، طاهر يحي رئيس وزراء ، طاهر يحي -

وأعتبر كل هؤالء خونة، طاهر ا،أما أنا فأقول لك إنني ال أريد أن أرى وجه طاهر يحي مطلق . وتأخذونني إلى مكتبه الكريم قاسم أنظر، أنا في لحظة من حياتي حملت غدارتي وأطلقت نيرانها على عبد... م عارفعبد السال... يحي

قل لعبد السالم عارف نا لم أحقد في حياتي على إنسان، ولكن ولم يكن عندي حقد عليه، أ ،وضربته في شارع الرشيد .يهشم الجماجم التي رفعته، هو إنسان بال خلق وال قيم نسان الذي إن ذلك اإل ،إنني أحقد عليه حتى العظم

.. على هواك يا صدام -نفرادية، على مقعد صغير، ا وقاده الشرطة إلى أسفل مبنى األمن العام حيث وضعوه في زنزانة . وانقطع الحوار بينهما

سبعة أيام . سبعة أيام كاملة ، وقد قيدوا يديه من الخلف بسلسلة من الحديد، وربطوا طرفها في قضبان النافذة العالية كاملة، على هذا الحال، ولم ينطق بحرف، فوجدوا أن ال فائدة من االستمرار، فقادوه إلى سجن التاجي، حيث بدأ التحقيق

.العاديهل كنتم تعدون للقيام بثورة؟ لم : القادر الجنابي عندما سأله المحقق عبد ،في التحقيق يكسب المحققين إلى صفه كان

بل نحن كنا نعتبره ،، ال عالقة له بشيء "أحمد حسن البكر " ولكن مسؤولية ذلك تقع علي وحدي، إن ،نعم: ينكر، قالتم أ وإذا كنتم قد سمعتم خالفا لذلك، فلقد أخط .رس يطه بأي نأتمنه أو نح ن صديقا لعبد السالم عارف، ولذلك لم نك

أن يبعد أية شبهة عن ذلك الرجل الذي أحبه وقدره وأراد أن يحمل عنه أية تهمة توجه - متجاوزا-كان يريد... كيدتأبال ..لى كاهله وحده، وحمل عبئها وحده ع كل األمور الخطرة وضعها ،له

ومن النادر أن يدخل إلى ، معادنهم الثمينة أو الرديئة خلف قضبانه وأبوابه المغلقة تتكشف ،إن السجن بوتقة الرجال من ذي قبل وهو كان من معدن الذهب فضائله، بل لعل صالبته ولمعانه يتبديان أكثر ا إذ -السجن مناضل، دون أن يؤكد

..وحيد وسط الحصار ال يلتقي بالجدران الرمادية المتجهمة، وقضبانها السوداء وكأنه،وعندما دخل صدام حسين إلى السجن، بدا وكأنه يعزفه

، بل على العكس ولم يكن أكبر الرفاق سنا" األبوة"الكئيبة، وطاقاتها الصغيرة العالية، على مضض، تفتقت فيه غرائز ه، والذي يؤنب، وأخذ يفكر في الجميع، ويعامل الجميع، وكأنه األب الذي يحنو، والذي يوج . وفتوةاكان من أكثرهم صب

..والذي يربي أبناءه في ا لنهاية خترق أذنيه، داخله شعور اوحينما أغلق عليه باب الزنزانة ألول مرة، واصطكت المتاريس الثقيلة بصوت ثقيل، كئيب،

فكرة الموت لم تحوم أبدا . لم يرد بخلده للحظة أنه سوف يموت ،غريب، مبهم، أشبه بالحدس الباطني، بأنه لن يموت عدام عليه، كان يقول في نفسه على وحتى عندما كان يخطر بباله احتمال الحكم باإل،بأجنحتها السوداء على روحه

.نني سوف أهربإإذا لم يعدمونني بسرعة ف : الفورنهم سوف يساعدونه على الهرب، إن ثمة فرصة لتهريبه و أغير أن الرفاق بالخارج حينما أرسلوا إليه، بعدها، يقولون

إن الخطة . ج من رفاق السجن وال واحد، وال بد من أن تصبروا علي قليال رلن يخ إنني لو هربت : ض، أجابهم قائالرف .. مكتب بغداد العسكري ، تتركز على تهريب المكتب العسكري- هناك لديه خطة ا ودائم -

- الذين تبقوا ال السجناء جميعنق وعندما تم الهروب، تقرر. . أعدت الخطة وهرب أعضاء مكتب بغداد العسكري وفعال ).١( إلى سجن رقم -وكان قد أفرج عن عدد منهم

ن الطعام لتحسين أحوالهم، ا ع وكعادة السجناء السياسيين في كل سجون العالم، بدأوا إضراب ا،كان قد تبقى سبعون سجين وبدأت . خ من داخله لمعظم مطالبهم وللمطالبة بالصحف والكتب والزيارات، واستجاب النظام المتهاوي الذي كان يتفس

ار كان هكل ن". روائع األدب العالمي"ت الفكر في عبر رحالا فشيئاساعات النهار الطويلة، وراء القضبان، تقصر شيئ .. ما أكثر ما قرأ صدام في تلك النهارات الطويلة من كتب األدب والفكر والفن ،يبدأ برواية وينتهي بنهايتها

وراح يقوي معنويات . اء التنظيم داخل السجن على الفور نلقد تولى إعادة ب . وب كانت ما تزال تخايلهولكن فكرة الهر علي " ويسعى ألن يجعل من الصف الواقف أمام ممثل السلطة، مدير السجن ،ن ضعف، ويمسح جروح من نزفم بأن ال يستجيب الرفاق ا قرار-ها وكان هو مسؤول -وأصدرت القيادة داخل السجن . رانيتي غ من الصخر ال اسور" شقاأل

محاوالت : شكلة؟ إنه األسلوب المتشابه في كل سجون العالم مألسئلة علي األشقر اللزجة عندما يقول لهم من عنده منكم .. إلى هاوية االستزالم للسلطة ايقاع بالفرائس السهلة، وبعدها الطريق المنحدر دائم الترويض النفسي، ثم اإل

قال له صدام حسين، السجين صدام حسين في سجن . واحدا، يتحدث بصوت واحد السجن أمامه رجال فجأة وجد مدير لن يجيبك أحد بعد اآلن من ،لدينا تنظيمنا وتقاليدنا وأوامرنا وطاعتنا . انحن هنا حزب أيض يا علي األشقر): ١(رقم

قد جرى ا غريباشقر وقد أحس أن ثمة شيئ يومها مضى علي األ ،هؤالء الرفاق عندما تسأل، فال تتعب نفسك، وامض ..لهؤالء السجناء

إن يكسبوا جنود الحراسة لصفهم، بحيث أنهم اكانوا قد استطاعو . ب موضع التنفيذ وثم قرر أن يبدأ في وضع خطة الهر لتالي، ويتناقشون، وكان الرفاق يجتمعون با ، طيلة الليل - أي أبواب الزنازين -كانوا يسمحون لهم بفتح األبواب الداخلية

.ويتدبرون أمرهم وبالفعل ،لقص القضبان الحديدية مع النساء القادمات للزيارة " مناشير"لى الرفاق بالخارج كي يحضروا له، إوأرسل

، وبعدها، راحت القضبان "حماد شهاب"، أخت الرفيق الراحل )أم محمد إسماعيل( وصلت المناشير مع سيدة تدعى .تتهاوى

. في األيام التي يعلو فيها صوت الريح، ويهطل المطر ا، خصوص "الراديو "قضبان يتم بعد أن يرفعوا صوت كان قص ال وعندما كانوا ينتهون من انتزاع قسم من القضبان كانوا يتركونها ،وكان ذلك يجري في سرية، حتى على بعض الرفاق

ء من القص أن يهجم على الحارس الواقف بجانب وكانت الخطة تقتضي بعد االنتها. نتزاع الباقيامصلبة حتى يتم وراء ا واحد -النافذة إثنان من الرفاق األقوياء، وينتزعون منه بندقيته، ثم يسحبونه إلى الداخل، وبعد ذلك يقوم الباقون

ناك وه . وينزلون من الجهة األخرى - أو العنبر الثاني - بعبور الباحة، ثم يقفزون فوق سطح المعتقل الثاني -اآلخروتقرر أن يكون تسلسل العبور . من فوقهازفقيأخذون معهم فراش النوم ويلقون بها على األسالك الشائكة، ثم يبدأون بال

.وهكذا... القيادة في البداية ثم أعضاء الجهاز الخاص ثم الضباط : حسب التسلسل الحزبي بدأت تشمل الضباط المعتقلين، من جراء وكاد كل شيء أن يتم حسب الخطة الموضوعة، لوال أن موجة من العفو

. فراج عن المعتقلين، ومشاعر التذمر والسخط التي راحت تتزايد وسط قواعد الجيش اشتداد الحملة في الخارج لإل فراج عن بقية الضباط ومن سوف يشملهم العفو، حتى لم يبق من السبعين وقرروا التوقف عن تنفيذ الخطة حتى يتم اإل

. أن خطتهم لم تعد قابلة للتنفيذ اخر، وبات واضح آوتقرر نقلهم إلى عنبر . معتقال سوى سبعة ،غير أنهم قرروا البدء في وضع خطة جديدة، تقوم هذه المرة على إقناع الجنود المرافقين لهم في الذهاب إلى المحكمة

ومن حسن . يعون تدبير أمر الهروب، وهناك على األقل رفاق يستطاوفي الخارج اآلن تنظيم بدأ يعاود نشاطه بقوة نسبي . ، ثم كل أسبوع بعد ذلك مرل األ و كل أسبوعين في أ ،أكثر في زيارة أقاربهم لهما حقوق االحظ أن المعتقلين كسبوا أيض

ولكنه دون أن ،، لم يكن عمره قد تعدى بضعة شهور ايأتي معها أيض" عدي" كان ،تأتي وحدها لزيارته " ساجدة "ولم تكن يضع في صدر الطفل " هيثم أبو"في الخارج كان . ان يمارس في كل مرة يأتي لزيارة أبيه عمال نضاليا مجاني يدري كابسه بسرعة، وعندما يحمل األب طفله بين يديه، ويحتضنه، كان يسحب الرسالة من بين مال ،رسالة إلى صدام الصغير

، وهكذا استمر "أبي هيثم"إلى " صدام"من : رهودون أن يلمحه أحد من الحراس، يضع مكانها رسالة أخرى في صد . ي الصغير الذي لم يكن يتكلم عد التواصل بين الحزب في الخارج، والحزب في الداخل، عبر

: أرسل له صدام يقول . هذه المرة " سعدون شاكر "وعن طريق الرسائل المتبادلة، نظمت عملية الهروب الجديدة مع لى المحكمة أمام األمر إ وسنضعهم ونحن في طريقنا ، غسيل دماغ شاقة ومستمرةاستطعنا إقناع الجنود بعد عمليات

.. وعليك أن تنتظرنا في المكان المحدد واليوم المحدد ،الواقع واستطاعوا إقناع الجنود . صدام حسين، وكريم الشيخلي، وحسن العامري : لى المحكمة إوفي ذلك اليوم كانوا في طريقهم

واتفقوا مع سعدون شاكر أن ينتظرهم بسيارته . بشارع أبي نواس لتناول طعام الغداء " جندولال"لى مطعم إبالذهاب . وتكون السيارة مفتوحة األبواب . إلى الشارع العام اه باب عندما يفتح، يفضي رأس ل و، خارج الباب من جانب المغسل

..ويتم الهربذا حاول الجنود المقاومة في أخر لحظة، تنتزع منهم بالقوة رشاشاتهم، إف ويحاول إقناعهما - وكانا إثنين فقط- والثالث يبقى مع الجنود ،واتفق الثالثة على أن يهرب في البداية إثنان منهم

م، وإذا لم يقبال فانه سيعود معهما إلى السجن، عذا قبال، فن إ ف،، بعد أن يعدهما بالتكريم عندما تنجح الثورة اباالختفاء معسن آلعامري أن يكون الرفيق الثالث، وعندما فتح الباب الخلفي للمطعم، باب المغسل، كانت سيارة ووقع االختيار على ح

دخل فيها بسرعة صدام حسين، وكريم الشيخلي، ودار محركها على الفور، ،سعدون شاكر واقفة مفتوحة األبواب صر على العودة به إلى السجن مرة ، فلقد رفض حارسه فكرة الهروب بشدة، وأ "حسن العامري " أما ثالثهم ،وانطلقت .أخرى

صفراء ذات " أوبل"في شوارع بغداد المكتظة ساعة خروج العاملين من المصالح والدواوين، لم يلتفت المارة إلى سيارة عدام، وهي تقطع المسافات بسرعة هائلة، متوجهة سطح أسود، يركبها ثالثة شبان، إثنان منهما يطاردهما الحكم باإل

ثم تتحرك ثانية بنفس السرعة " كريم الشيخلي"وهناك تتوقف قليال، ويهبط منها ". اليرموك " منعزل في حي صوب بيتوبعد قليل . من جانب الشرطة ا من أن يكون مؤشراالجديد مع رفيقه، تحسب " الوكر"أن يأوي إلى " صدام"بعد أن رفض

.ي هذه اللحظة تتوقف، ليهبط منها الرجل الذي قرر أن يواجه مصيره وحده ف وفجأة ومضت في عينيه صورة . إلى أين يتوجه؟ ال بد من البحث عن مكان آخر ال يعرفه أحد ؟واآلن؟ ماذا عساه يفعل

ولكن أين تراهما اآلن؟ في المرة األخيرة التي زارته فيها من وراء القضبان سألها عن ،، الصغير"عدي"و" ساجدة"ل، قالت له أن أصحاب البيت الذي كانت تستأجره لتقيم فيه مع طفلها، ألقوا بأثاث لح في السؤا أ فلما ،أحوالها، فصمتت

ةدالبيت في الطريق، بعد أن عرفوا بأمر القبض على زوجها، وقالوا لها نحن ال نريد أن تسكن في بيتنا عائلة مطار

دخاله إلى البيت مرة إ بنقله أو ب وظل األثاث ملقى في الطريق طيلة اليوم، ال يسمحون لها . خشية من السلطة اسياسيوفي النهاية حملت أغراضها ومضت تطرق بيت أبيها، هي وطفلها، لتقيم فيه حتى يعود الغائب من وراء . أخرى

ا حق . ومع ذلك فهو ال يستطيع أن يتوجه في هذه الساعة ليراها، وليرى طفله ،لشد ما تعذبت هي أيضا . مااالغياهب يوم إنها حرية ، حريته عبء يحمله على كاهله وهو يقطع شوارع هذا السجن الكبير ،ن حريته مطاردةولك. حر،إنه اآلنإن حريته ليست . تتحطم القضبان، وتنهدم كل األسوار، ويسترد المجتمع كله حريته المغتصبة ى حت، مرتهنة،مؤجلة

.ا حريته هي حرية الناس جميع ،منفصلة عن حرية المجتمع ،فجأة وقد وجد نفسه بالقرب من بيت صديق قديم للحزب، ظل وفيا لصداقته ولم يرتبط بعضويته أبدأ ته أفاق من تأمال

. من في هذه الساعات الحرجة آلعل بيته ، ١٩٦٦ تموز عام -، في ساعة العصر، من يوم الثالث والعشرين من يوليو "فاروق عبد سعيد السامرائي "وطرق باب

.صدام حسين : ، ويستعد اآلن لتحطيم أغالل المجتمع كله المناضل الذي حطم أغالله الخاصة عادة بناء خطواته الثابتة إل ا من اآلن فصاعد ولسوف تبدأ من هذه الساعة ملحمة أخرى من مالحم حياته، وسيخطو

بعنف، التنظيم الحزبي، وتنقية الفكر الحزبي، بعد أن أوشكت العواصف العاتية، القادمة من دمشق هذه المرة، أن تهزه .وتقتلعه من جذوره

جر الفة ساعبت عندها اقتر - ١١

نقرأ ١٩٧٤في التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر القطري الثامن لحزب البعث العربي االشتراكي في العراق عام :هذه الفقرة

، ١٩٦٨) يوليو(ز تمو١٧ طبيعة وحجم حركة الحزب السياسية قبل تسلمه السلطة في ا موضوعياتقدير لكي نقدر" تشرين ١٨وبعدها، ال بد من العودة إلى أوضاع الحزب في القطر العراقي والوطن العربي في الفترة الواقعة بين

.١٩٦٨ يوليو - تموز ١٧ و١٩٦٣ نوفمبر -الثانيا من إن حزب البعث العربي االشتراكي، وعلى الصعيدين القطري والقومي عانى بمرارة في المرحلة المشار إليه "

ضافة إلى المهمات مشكلة االنشقاق ومواجهة أثار فشل تجربة الحزب في قيادة السلطة السياسية في العراق وسوريا، باإل مهمات النضال ضد االستعمار والصهيونية والقوى الرجعية والدكتاتورية والتعرض نتيجة ذلك إلى شتى ... الدائمة

.وفي كل أرجاء الوطن صنوف االضطهاد سقطت تجربة الحزب في القطر العراقي التي كانت معقد آمال الحزب وجماهيره في ١٩٦٣ تشرين الثاني ١٨ففي "

وكان سقوطها ذا طابع مأساوي أصاب الحزب وجماهيره بصدمات نفسية خطيرة، إضافة إلى ،القطر والوطن العربي . استشهدوا وهم يقاومون الردة ببسالة من مناضلي الحزب الذين الخسارة الجسيمة بفقدان مكتسبات الثورة والكثير

، وبعد سنتين وبضعة أشهر من النكسة األولى التي حدثت في القطر العراقي أصيب ١٩٦٦ فبراير - شباط ٢٣وفي "الحزب بصدمة خطيرة ثانية عندما أقدمت الزمرة الشباطية في القطر السوري على تدبير انقالب عسكري ضد سلطة

فبراير نشأ وألول مرة، وضع استثنائي خاص بالغ الخطورة - شباط ٢٣ وبردة ، القوميةمثلة بالقيادةتالحزب الموالتعقيد، ذلك هو وضع السلطة المفروضة على الحزب بقوة السالح وبأساليب المناورة والتضليل والتزييف والتي تدعي

لشعارات تطويره في الميادين وبنشاط واسع النطاق، تمثيلها للحزب، وتجسيدها افي الوقت نفسه بضجيج عال جد .التنظيمية واأليديولوجية والسياسية

ا وأفقي اامتد في الحزب كله عمودي انشقاق خطير ) شباط ٣٣رين و ش ت١٨(وقد أعقب كال من النكستين المذكورتين " والسياسية والنفسية وكانت اآلثار التنظيمية . وأثار في صفوفه صراعات تنظيمية وفكرية حادة وحاالت خطيرة من البلبلة

التقرير السياسي للمؤتمر ("لهذين االنشقاقين على فرع الحزب في القطر العراقي ذات ثقل خاص، وبالغ الخطورة ). ٢٠ – ١٩، بغداد دار الثورة صفحة ١٩٧٤القطري الثامن عام

الحرية بعد هروبه من ين أول نسمات سي واأليديولوجي، تنفس صدام ح سي والنفسفي هذا المناخ التنظيمي والسيا ..السجن

بل إنه طلب ، في سوريا١٩٦٦ فبراير - شباط ٢٣والغريب إنه عندما كان وراء أسوار السجن، توقع قيام حركة سيقوم انقالب على القيادة القومية، وسيقود االنقالب : فقال له" شفيق الكمالي" من القيادة القطرية، فزاره احينذاك مندوب

بناه على تحليالته لما كانت تنشره الصحف اوكان قوله ذاك استقراء ذكي ... جموعته العسكرية وم" صالح جديد" التي أعطتها القيادة القومية لهم بدون -"األغطية الفنية " أو -"األخطاء الفنية"البيروتية حينذاك، وعلى تقويمه لبعض

فعندما تشكلت ،زارة التي ترأسها أيامها صالح البيطار مبرر، في تدابيرها وإجراءاتها، التي اتخذتها، ومنها تشكيل الو .هذه الوزارة صار لديه يقين كامل بأن االنقالب واقع ال محالة

أزمة ارتجاج فكري " وإنه يعيش ا وتنظيميا وضوح اليقين أن الحزب في العراق ممزق نفسي اإن ما بدا أمامه واضح وكانت . كان االنقسام مغطى بنقاب شفاف من الوحدة الخارجية الظاهرية ، وإنه منقسم على نفسه في الداخل وإن "حادة

ولم تكن القيادة نفسها موحدة . فبراير، على مستوى القيادة أو القاعدة - شباط ٢٣األغلبية، كما رآها، تقتفي آثار تيار وتضم ) لجنة قيادة التنظيم (تسمى كانت القيادة وقتها . في االتجاه المطلوب ا صائبابحيث يمكنها أن توجه األمور توجيه

وكانت . عبد الخالق السامرائي، وحسن الذهب، وحسين السامرائي، وسمير النجم، وجعفر قاسم حمودي : في عضويتها

قد سبقتها قيادتان أخريان، إحداهما كان أمين سرها طارق عزيز وهي لم تدم سوى بضعة أسابيع، واألخرى كانت . وشفيق الكمالي، وفاتك الصافي، وشكري الحديثي عبد الخالق السامرائي، : تضم

أحمد حسن البكر، وصدام حسين بوصفهما عضوين في القيادة : شرافتخضع إل) لجنة قيادة التنظيم ( وكان المفترض أن حين - في القيادة القومية وهو داخل السجن، وصلته ذات يوم رسالة من طارق عزيز اولقد انتخب صدام عضو . القوميةإن مسألة القيادة : " له وأجاب على الرسالة يومها قائال ، يقول له فيها أنه رشح في القيادة القومية - لسر القطر اأمينكان

ي وإذا لم يعدمونن ، السجن من أجلكم اآلن، كما يفعله رفيق طليق، أنا داخل ا أنا ال أفعل شيئ ،ليست مسألة هيبة أو أبهة ولكن ... اختاروا من يفيدكم في النشاط الفعلي ، أنا ال أفيدكم في هذه الظروف ،فلن أخرج من السجن قبل مدة طويلة

.اعتذاره لم يقبل وطرح الرفاق اسمه في المؤتمر، وفاز بعضوية القيادة القومية وهو وراء القضبان لية، ودأب ال أن يعمل كعادته بهمة عا لم يكن أمامه، وهو يرى الوضع العام للحزب على هذه الصورة المتردية، إال

اجتمع على الفور مع عبد الخالق السامرائي، وكريم الشيخلي، وانتهوا إلى رأي مفاده . يهمد، وحماس ال يفتر قط لى القيادة القومية التي كانت في تلك إ، بدون الرجوع "قيادة قطرية"وإعالن وجود " لجنة قيادة التنظيم "ضرورة حل

ن اثنين من أ وفضال عن ضرورة المبادرة ف ،كانت المبادرة واجبة . شباط ٣٣انقالب بعد " غير موجودة "أو " غائبة"الفترة . القيادة القومية موجودان داخل العراق يمكنهما أن يمثال سلطتها، حتى تعود مرة أخرى بكاملها إلى الوجود الفعلي

أحمد حسن البكر الذي كان يتعذر عليه ضافة إلى وكانت القيادة القطرية الجديدة تتشكل من الرفاق الثالثة المجتمعين باإل .في كثير من األحيان حضور االجتماعات التنظيمية لشدة تركز المراقبة البوليسية عليه

وبدأت القيادة الجديدة تواجه حملة واسعة النطاق من جانب أصحاب االنقالب السوري لشق وحدة الحزب بعد أن بات استثنائي تحضره كافة يرحت القيادة على الفور ضرورة عقد مؤتمر قوم فط. متعذر عليهم االستيالء عليه بكامله

٢٣ في انقالب ا شباط، كما يقول كلمته أيض ٢٣األطراف المتنازعة، ويقول كلمته في تقويم تدابير القيادة القومية قبل .شباط نفسه، ويحدد مصير كل طرف

ولكن النشرة ،ن يقبله القابضون على زمام األمور في سوريا ل" المنطق المبدئي "وكانت القيادة القطرية تعرف أن هذا ومع ذلك لم يلق السوريون .الداخلية التي حملت على صفحاتها هذا الرأي استقطب الجانب األعظم من الكادر الحزبي

عامل معهم على ويطلبون الت " القيادة القومية الشرعية "باال لألمر، وأخذوا يبعثون بمندوبيهم إلى العراق مفترضين أنهم التنظيم الحزبي داخل العراق، بالكاد يلملم صفوفه المتنازعة الممزقة ولكنه ... بحقا وكان الموقف عصيب .هذا األساس تحاربه بكل وسائلها - سلطة األسرة العارفية - صوب الوحدة التنظيمية والفكرية، والسلطة القائمة داخل البالد ايتقدم حثيث

نها الممثل الشرعي الوحيد للقيادة القومية تنسق مع السلطة العارفية أالسورية الرسمية التي تدعي البوليسية، والسلطة عالمية عبر حمالت نفسية رهيبة ضده، متهمة إياه جهزتها اإل أخطط محاربته، فضال عن إنفاق أموال الدولة وتوجيه

من ا كبيرا استخدمت القيادة القطرية في البداية قدر . .اليمينية والرجعية : بالتهم التقليدية التي يصطنعها كل انقالبكان الهجوم . المرونة، لكي تتمكن من رأب الصدوع داخل التنظيم الحزبي، وإعادة صياغة وحدته الفكرية والنفسية

سيكون مثل ،سراع بعملية االنقسام داخل التنظيم العنيف والوصول إلى حد المواجهة الصريحة مع السوريين يعني اإل . يكسب المبدأ ويخسر القضية اهذا الموقف مغامر

االنتخابات : ولم تمض سوى فترة قصيرة، حتى تزايد ضغط السوريين، وتالحق مندوبوهم إلى العراق يحملون شعار وكان صدام حسين قد توقع أن يطرح السوريون هذا الشعار، وناقش األمر مع رفيقيه في . داخل التنظيم في العراق

لظروفه األمنية اصعب ، وكان االجتماع بالرفيق أحمد حسن البكر يالركيم الشيخلي، وعبد الخالق السامرائ عبد: القيادةعارض شعار االنتخابات كثير . فحسباولم يكن قد مضى على خروجهم من السجن سوى أربعة وخمسين يوم . الخاصة

رض هذا الشعار اآلن ويقف أمامه سوف يسحق، إن من سيعا ": ولكن صدام حسين قال لهم بوضوح ،من أعضاء الحزب والتنظيمي بوضوح ي فالبعض يريد االنتخابات بحسن نية ألنه يود أن يغرف الخط السياس ،تجاهنااويسحق معه كل

ولكن في كل األحوال ستتوقف النتائج على مدى ما تبذله القيادة ،وتميز، والبعض يريدها بالطبع غطاء للتخريب وتبلورواستقر الرأي في النهاية على أن تدعو القيادة القطرية قيادات الشعب والقيادات الرأسية والكادر . " من نشاط وأنصارها

وتقترح عليه تشكيل لجنة من بين صفوفه . ، وتطرح أمامه الصورة بتفاصيلها، وبوضوح وصراحة االمتقدم عموما، وال تصبح صحيحة إال بعد تصديقها، وكل ما يجري ال بعلمهإلألشراف على االنتخابات، بحيث ال تجري االنتخابات

. وفي هذه الحالة تعتبر القيادة القطرية منحلة لحين إجراء االنتخابات ٦كأنه لم يكن خالفا لذلك يعتبر أن ينزال - لالئحة الحزب ا طبق-ال يجوز عضاء هذه القيادة اثنين من أعضاء القيادة القومية أوعلى الرغم من أن بين

القاعدة ويدخال عملية االنتخابات مرة أخرى داخل القطر العراقي، فقد أصر صدام حسين على أن الوضع ال يتحمل إلى .وجود الحزب نفسه داخل العراق اآلن التشبث بالشرعية التنظيمية أو القانونية، وأن ما هو أهم هو

لالنتخاب، إال وحضره ان أثناء عملية التحضير وبعدها، لم يعقد اجتماع أو ندوة أو مؤتمر ألعضاء الحزب، في أي مك ، من استفزازات، "العراقيين " ورغم كل ما واجهه في تلك االجتماعات من المندوبين السوريين وأنصارهم ، صدام حسين

ء بصبر غريب، وأعصاب فوالذية ال تتأثر، يش نه تحمل كلإوتهجمات، ومحاوالت كريهة لكسر صالبة مواقفه، ف كان . ولم يكن في تلك األيام يتمتع بصحة موفورة وال حتى صحة عادية. يمان باالنتصار في النهايةاإلوإرادة عميقة

في معدته، حاداايعاني التهاب وهو - في فترة االنتخابات-، إلى حد أنه ذهب لحضور ندوة حزبية اوضعه الصحي مزري أصر على أن يحمله رفاقه ويضعوه في . مها في العراقحتى إنه تصور نفسه قد أصيب بالكوليرا التي كانت منتشرة أيا

ا وجد القوة في نفسه إذف. على أريكة ا فيبقى ممدد- حيث كانت تعقد الندوة -"صالح عمر العلي "لى بيت إالسيارة وينقلوه

بثقت في ولكنه عندما وصل إلى هناك، ووجد نفسه وسط حمية النقاش، ان ،ليتكلم فلسوف يفعل، وإال فليسمع على األقل ..فظل يتكلم حتى انتهى االجتماع وحقق نتائجه المرجوة . نفسه قوة داخلية غريبة

. لما كان يريده المندوبون السوريون اوجاءت النتيجة معاكسة تمام . فرع بغداد: لى النقطة الحاسمةإووصلت االنتخابات ، ولكنه لم يملك إال أن اخرج المندوب السوري منزعج ف،انتخبت القائمة التي تدين بالوالء للتيار الذي يمثله صدام حسين

إحنا ) "هكذا كان اسمه (أبو رياض، : فردها له صدام بأحسن منها وقال له ... واهللا يا عمي أنتم رجال : يقول لصدام .. "رجال للحزب وليس على الحزب

عبد الرحمن - وتم عقد المؤتمر في بيت . المؤتمر القطري النتخاب القيادة القطرية الجديدة هاوكان ال بد أن ينعقد بعد شراف على إجراء وتولى صدام حسين رئاسة المؤتمر، وإدارة المناقشات، واإل . ليال" أبي غريب"سهيل، في منطقة

.االنتخاباتولم يكن قد . ومن بين أعضاء المؤتمر كان ثمة مجموعة من المتأثرين بقيادة االنقالب السوري، والمتفقين مع خطهم

وجرت مناقشات واسعة حول حضور أو عدم . . انشقاق رسمي بعد، بين التنظيم في العراق ونظيره في سوريا حدث، الذي يريد السوريون عقده اآلن، واتفق على أن يذهب المندوبون العراقيون ويطرحوا وجهة "المؤتمر القومي "حضور

والواقع أن التيار الذي .، ليقول كلمته في كل شيء نظرهم بعقد مؤتمر قومي استثنائي تحضره األطراف المتنازعة كلها ن يكسب بهذا االقتراح فسحة من أ كان يريد -ا غالبا والذي صار عبر عملية االنتخاب تيار -كان يمثله صدام حسين

ال فلقد كانت لديه قناعة بأن االنتخابات التي جرت ال ترضي السوريين، والقياديين الذين انتخبوا . الزمن، وال أكثر سوف لن تجد أمامها حال - التي تدعي شرعية تمثيل القيادة القومية -يحظون بموافقتهم، وأغلب الظن أن القيادة السورية

. عنها ترضى به وعنه يتوافق معها سوى حل هذه القيادات المنتخبة، وتعيين بديال احمد : وكانت ممثلة في،ة الجديدة في تلك الليلة انتخبت القيادة القطري . ولقد كان هذا هو ما جرى بعد ذلك حتى بتفاصيله

حسن البكر، صدام حسين، كريم الشيخلي، صالح مهدي عماش، طه الجزراوي، عبد الخالق السامرائي، صالح عمر .اللة سلوم العلي، عزة مصطفى، عبد

بقرار ا السوريين فقد قدم اقتراح في تلك الليلة لما يمكن أن تؤدي هذه النتائج إليه من جانب اوألن صدام حسين كان يقظ بحل اإذا اختلفت القيادتان القومية والقطرية، وأدى هذا االختالف إلى أن تصدر القومية قرار : "إلى المؤتمر يقول

وعلى هذا األساس تدعو إلى عقد مؤتمر ،ن هذه القيادة في القطر العراقي ال تعتبر منحلة إال أمام مؤتمرها إالقطرية، ف ".ئي قطري وتطلب منه أن ينتخب قيادة جديدة استثنا

، جماع وافقوا باإل- بمن فيهم الذين كانوا يسيرون على نهج القيادة السورية -والطريف في األمر أن جميع المؤتمرين وبعد . على تنظيم الحزب في العراق" المدعاة "وكان مغزى هذا القرار، في الواقع، هو إلغاء كل سلطات القيادة القومية

.. ، من إذاعة دمشق "فصلهم"، نبأ "المنتخبة" شهر ونصف فقط من انتهاء المؤتمر، سمع أعضاء القيادة القطرية الجديدة ا مؤتمر- لقرار المؤتمر السابق ا طبق-وعقدوا . فلم ينتظروا على الحديد حتى يبرد، طرقوه على الفور وهو ساخن

. مرة أخرى أعاد انتخاب القيادة القطرية نفسها، ااستثنائي ووقع االنشقاق الرسمي السافر في ، القديمة، العداء الرسمي السافر لدمشق وحكومتها -ومن يومها أعلنت القيادة الجديدة

وبدت خريطة القيادة . وبدأت داخل العراق حمالت مكثفة لتوعية أعضاء التنظيم وتثقيفهم في هذا االتجاه ،الحزب مسؤولية فرع ا وتولى أيض -"نائبأ ألمين السر " صدام حسين -" للسراأمين "البكر أحمد حسن : حينذاك على هذه الصورة

أحمد حسن البكر، وصالح مهدي عماش، وطه : بينما تضمن التنظيم العسكري . بغداد، والتنظيم النسائي، والفالحي .تب االتصال الخارجيوتسلم صالح عمر العلي مكتب العمال، وتولى عبد الخالق السامرائي مسؤولية مك . الجزراوي

هو ا حركي اسما الذي كان يطلق عليه فيما مضى -أما مسؤولية الجهاز الخاص . وعزت مصطفى، المكتب المهني يتكون من المدنيين الذين يقومون بدور " ادامي صاجهاز" فقد تم تشكيله بطريقة أخرى، على أساس أن يكون -"حنين"

.صدام حسين نفسه : يتهمحدد في تنفيذ الثورة، وتولى مسؤول وسار العمل الحزبي على طريقه الجديد بهمة ونشاط وتقدم دائب، واضعا نصب عينيه أن ينهض في العراق بثورة قريبة، معتمدا على قواه الذاتية، وتحالفاته المدروسة بعناية، وتغلغله في التنظيمات والمؤسسات الجماهيرية، وعلى

مثلة في القوات المسلحة، وقبل ذلك كله، وبعده، على مبادئه المحددة، ووضوحه رأسها المؤسسة العسكرية المت . األيديولوجي والفكري

. وشيئا فشيئا، بدأ العد التنازلي، واقتربت ساعة الصفر

طروادةناحص و موز ت١٧ -١٢ لذاتها، النسبة له، هدف ولكن ما من مناضل ثوري، حقيقي، تكون السلطة با .ما من مناضل ثوري ال يبحث عن السلطة

أداة تمكن الثوريين أصحاب الرؤية الشاملة المتكاملة من تغيير ، ذريعة ، وسيلة اائم د السلطة . أو غاية في حد ذاتها بهذا المعنى، مشروع ومبرر، ما دام بوسعه أن يقود .طريق يؤدي إلى السلطة على و،المجتمع تغييرا شامال ومتكامال

.ق المبادىء وتجسيد الحلم في النهاية إلى تحقي تزحف وحدها، " جماهير"وفي كل الثورات التي تحققت حتى اآلن في عالمنا، بورجوازية كانت أو اشتراكية، ليس هناك

قيادة - في الثورات الناجحة على األقل -اوإنما هناك دائم . وتجتاح النظام القديم، وتقيم على أنقاضه سلطة نظامها الجديد فكما ،والقيادة بالنسبة للجماهير هي بمثابة الرأس من الجسد . في لحظة الثورة بالعبء األكبر واألخطر طليعية تنهض

وحيوية الثورات، مثلما هي . أن يتحرك جسد بغير رأس ا نه من المستحيل أيض إأن ليس ثمة رأس يتحرك بغير جسد، ف مع عمق االرتباط الجدلي بين اا، وتتناسب طرديحيوية الجسد البشري، تتألق بالوحدة العضوية بين قمتها وقاعدته

.المركز الموجه واألطراف المستجيبة ، قناعة مبنية على حسابات التحليل ١٩٦٨ ولقد تكاملت لدى القيادة الحزبية في العراق، في تلك األيام الحافلة من عام

الحادة نفسها، وإن الحركة الثورية داخل البالد، العلمي والجماهيري، بأن النظام القائم يتهاوى من داخله، بفعل تناقضاته ولم تعد لحظة الثورة نفسها تتطلب . مكاناتها الذاتية، على النهوض بعبء التغيير السياسي واالجتماعي إباتت قادرة بلمحتدمة إلى التي تخطط، وتقرر، وتقيم تحالفاتها المؤقتة أو الدائمة، وتقود التناقضات ا " الحكيمة والحازمة "سوى القيادة غير أن حكمتها ال ينبغي أن تتمثل فقط في الفهم العميق لتناقضات اللحظة الثورية على المستوى النظري، . حلها الثوري

في القدرة على امتالك فن أساليب العمل الثوري نفسه، أي التمكن من - بدرجة ال تقل عن ذلك خطورة وأهمية -وإنماواألسلوب الذي اختارته هو أن يسقط النظام من داخله، من المواقع التي يأتمنها، . يفن صناعة الثورة في الواقع العمل

مؤقتين من بين أعمدة النظام نفسه، يعاونون في مهمة "حلفاء " عن اومن الموقع الذي يأتمنه، ولذلك جرى البحث سريع .لحزبجهزة ا أالتغيير، في نفس الوقت الذي كان يجري فيه التركيز على بناء وتدعيم

. إلى بغداد -السالم عارف إليها حيث كان يقيم بعد أن أبعده عبد - من أوروبا"حردان التكريتي "وفي تلك الفترة وصل ري، هومج بين القيادة، وإبراهيم الداود، الذي كان قائد ا للحرس ال - فلتر-واسطة " حردان"وجرى االتفاق على أن يكون

الذي " حردان"ولقد كان اختيار . نقطة التهاب الثورة داخل بنية النظام نفسه -ادة لخطة القي ا طبق-ذلك الذي سوف يصبح أي -في مثل هذه التحالفات المؤقتة التي تخضع في الطرف اآلخر منها " امطمئن"قة تنظيمية بالحزب لم تكن له عال

. إليها طمعها أو طموحها خصية واألهداف الذاتية التي يتطلع ش لطبيعة المصالح ال -طرف أعمدة السلطة القائمة من المناضلين الحزبيين، المجربين، " الجهاز الخاص"استكملت القيادة بناء : وتمت في الوقت نفسه عمليات موازية مهمة

وبخطة صبورة متأنية تم شراء المالبس العسكرية التي سوف ،وجرى تجميع لقطع السالح . االمعروفين لها شخصي جهاز الخاص لحظة اقتحام القصر الجمهوري، ووضعت جميعها في مخابىء سرية لعضاء ا يرتديها أعضاء القيادة وأ

.جرى ترتيبها في بيت أحمد حسن البكر، وصدام حسين وكعملية تغطية ضرورية حتى ال يلتفت النظام إلى أية حركة غير عادية من جانب الحزب، كانت الخطة تقتضي إغراق

ندوات واسعة تناقش مسألة كانت مطروحة في الساحة السياسية العراقية أيامها معظم أعضاء الجهاز الحزبي، في عقد في ويجري توزيع بعض الرفاق القياديين على هذه الندوات ؟ من يوافق؟ ومن يعترض ؟ هل نشترك بالحكم أم ال : وهي

.كي يوجهوا النقاش في اتجاه رفض المشاركة في الحكم تجميع رفاق محددين في أماكن محددة كانت ثالثة : تجري بسرعة وسرية بالغة خرى أفي ذلك الوقت تكون ثمة عملية

ماكن على التحديد، هي بيت أديب المفتي، وبيت كريم الندا، وبيت سعد الراوي، يكونون على أهبة االستعداد للتحرك أ . يوليو بحي الكرخ - تموز ١٤" كازينو"فلقد تقرر أن يتجمع أعضاؤه في " الجهاز الخاص "أما . شارة البدء إعند

لغاء جانب من الخطة وهو الخاص بعقد الندوات وإدارة إ كما تم ،لغي أفي ذلك الوقت غير أن التوقيت المقرر ، جلس أعضاء القيادة في ١٩٦٨ تموز عام -من يوليو وفي السادس عشر . المناقشات، وتم تحديد ساعة أخرى للصفر

كان ذلك في ،رة النهائية لخطتهم قبل التنفيذ بأربعة وعشرين ساعة بيت الرفيق أحمد حسن البكر، يتدارسون الصو . بالضبط االساعة الحادية عشر صباح

وهنا عارضه صدام ،لندع وضع خطة التنفيذ للرفاق العسكريين فهم أقدر : وبينما هم يتناقشون إذا برفيق منهم يقول ليس ذلك لعدم ثقتي بقدرة ، مسؤوليتها أمام كل االحتماالت الخطة تضعها القيادة كقيادة تتحمل ..ال: "حسين بقوة قائال

، وهذا ما "ة القيادية هي التي ينبغي أن تضع كل شيء، وتتحمل مسؤولية كل شيء سالرفاق العسكريين، وإنما ألن المؤس .جرى بالفعل

ون القيادة مخططة وهو ضرورة أال تك ، آخر، بالغ األهمية، أثاره هذه المرة صدام حسين نفسه اغير أن موضوع أي أن تشارك بكل أعضائها في عملية تنفيذ الثورة من لحظة انطالقها حتى استكمال عملية ا،فحسب، وإنما منفذة أيض

إلى - غير القياديين -األول لكي يرفع حماس الرفاق الحزبيين : وكان يحكمه في ذلك اعتباران . االستيالء على السلطة ا لقلة من العسكريين، وامتياز هو أال تصبح الثورة في حالة نجاحها فضال - ولعله األهم -أما الثاني. أعلى مستوى ممكن

، في األجواء غير الصحية ١٩٦٣فما زالت أصداء األسئلة التي ثارت بعد ثورة رمضان . لهم يتيهون به على غيرهمذاك من الرفاق أين كان؟ مثل هذه وأنت أين كنت ساعة الثورة؟ وهذا أو : التي صاحبت بعض ظروفها، ترن في أذنيه

. من جديد األسئلة التي كان يتقاذفها الرفاق القياديون فيما بينهم أيامها، ال ينبغي أن تطرح هذه المرة، أو تعود للظهور وعلى أيديهم يتحقق مصيرها، ، هم أنفسهم ينبغي أن يكونوا أدوات تنفيذها ، إذن فكل أعضاء القيادة سيكونون في المقدمة

. احتماالتهااأيديهم يواجهو وبن إصراره إفي حالة فشل الثورة، ف " المغامرة بالقيادة "ورغم بعض االعتراضات الطفيفة التي أثارها بعض الرفاق حول

سوف : وبعده جرى استعراض سريع لعناصر الخطة. على األمر، ثبت رأيه، ووضعه في صيغة قرار ال يقبل النقض ١٤" كازينو"ين في أربعة أماكن للتجمع، بينما يتجمع أعضاء الجهاز الخاص في حدائق يتجمع عدد من الرفاق المحدد

، وعند ساعة الصفر سوف يتسلم الرفاق في كل أماكن تجمعهم األوامر الخاصة بواجباتهم ،بالكرخ تموز -يوليو وهناك على باب ،جمهوري وسيتوجهون جميعا ناحية القصر ال ،وستكون القيادة بكامل هيئتها على رأس حركة التنفيذ

الضابط بالحرس الجمهوري أيامها، ويسهل لهم " سعدون غيدان"كتيبة الدبابات الخاصة بالحرس الجمهوري سينتظرهم

فتح أبواب الكتيبة، واقتحام القصر، ومن هناك سوف تتحرك الدبابات التي سوف يستولون عليها لتصوب نيرانها تجاه . على التسليم لقوى الثورة القصر، وتجبر عبد الرحمن عارف

".حماد شهاب "ولكن هل يقتل عارف أم ال يقتل؟ تلك مسألة كانت قد اتفق عليها بين صدام حسين والفريق الراحل "كرة الحديد "كان حماد شهاب قائد اللواء المدرع العاشر الذي يعتبر بمثابة

وكان آمر اللواء نفسه ،ن الرفاق الضباط واألصدقاء وفي ذلك اللواء كان لحزب البعث عدد م ،في يد الجيش العراقي . أحمد حسن البكر، وصدام حسين : غير بعيد في عالقاته الشخصية من بعض قادة الحزب وعلى رأسهم " حماد شهاب"

وهو أنه . قي، يضعه فوق كل اعتبار وكان يحكمه في ذلك اعتبار أخال ا،ولكنه عندما فوتح في أمر الثورة تردد كثير يثير وفي كل مرة كان أحمد حسن البكر ،لى جانبه في حالة قيام أية حركة ضدهإلعبد الرحمن عارف بأن يكون تعهد

وذهب ،ولكن صدام استأذن رفيقه البكر في أن يناقشه بنفسه . معه قضية المشاركة في الثورة، كان يرد عليه بنفس الرد أبو رعد ترى لماذا ال توافق : "قال له. قيه من حرجه األخال إليه بالفعل وطرح معه القضية بطريقة حاول بها أن يخلص

تكون مع الشعب العراقي هذا الذي ولكن لماذا ال. نا معكأ - يقصد عبد الرحمن عارف -على المشاركة؟ أنت قلت له ة ذالل كل يوم؟ أال تستحق كرامة هذا الشعب، وتاريخه، ومستقبله كطاقة ثورية في خدم أهين، وتمزق، ويخضع لإل

األمة العربية، بعدما أصابها من اندحار شنيع في الخامس من حزيران، أن تتخلى عن التزامك به الذي قطعته على ل ث عندما يتخلى الطرف اآلخر عن التزامه بالقيم السامية والم ا وخصوص ، بين التزام والتزامانفسك؟ ثم إن هناك فارق

ومع ذلك، فنحن من أجل هذا الوعد الذي قطعته له، . .ه القيم والمثل؟ فأين هو التزام عبد الرحمن عارف بهذ . الشريفة ويلقي هذه العصا من يده، ويتخلى عن السلطة حتى تأخذ ، يكفينا شره فقط ،، ولن نمسه بسوء اسوف نبقي عليه حي

هل تعطيني : ل له ما رأيك إذن يا أبا رعد؟، نظر إليه حماد شهاب وقا،مجراها الطبيعي، وتسلك الثورة طريقها األموروعاد صدام بعدها، ... هذه كلمة رجال يا أبا رعد : قال له صدام حسين . الرحمن عارف؟ بأال يقتل عبد ا أكيد ا وعد

سيأخذ مكانه ضمن خطة الثورة في يوم التنفيذ، وأخبر رفيقه البكر بأن حماد شهاب قد وافق، وأن اللواء المدرع العاشر وكان دخول هذا اللواء ضمن خطة التنفيذ، عامال . لحفاظ على عبد الرحمن عارف حيا مع االلتزام بالوعد الخاص با

وكان هذا اللواء يعسكر في منطقة يقال . على الحسم في نجاحها، فكرة الحديد سوف تكون في النهاية هي األقدر اأساسي صوب العاصمة ا تبليغه بموعد الثورة، متجه وتم االتفاق على أن يتحرك هذا اللواء، عند . عن بغداد ا، بعيد"الورار"لها،

.ليحيط بها كما يحيط بالمعصم السوار غير أن صدام حسين، في لحظة من لحظات الشفافية والتنبؤ بما يمكن أن يحدث في المستقبل، أدرك أنه من الممكن أن

تحت بعاد هذا اللواء عن بغداد، مؤقتا، أن يحاول إ ايحاول طرف من األطراف الذين تتحالف معهم قوى الثورة تحالف حجة أن الثورة نجحت، وأن عليه أن يعود إفى مواقعه األولى بعد انفضاض الحاجة إليه، ويكون ذلك إيذانا بحركة

في أذن الرفيق البكر أن يجري التشديد قي التنبيه على اللواء المدرع ر فأس،مضادة من جانبهم لالستيالء على الثورة ،خر، بأن الثورة نجحت وأن عليه أن يعود إلى سابق موقعه آتقدم نحو بغداد حتى لو بلغه طرف أو بضرورة ال العاشر

.بعد يوم واحد كما حدسها " النبوءة "فلسوف تتحقق . لهام باإلا، لما سوف يجري، شبيه ا مبكراولعله كان إدراك واألوامر على وشك أن . . ساعة الصفر تحددت ..الرفاق مستعدون . .الخطة جاهزة للتنفيذ . . اآلناء أصبح منتهي شيكل

.تصدر من القيادة بالبدء في التنفيذ، بعد ساعات قليلة ثم ، ويذهب أحمد حسن البكر ليرى من يدق الباب في هذه اللحظة الشديدة الحرج والخطورة ،ولكن جرس الباب يدق

البالغ، حامال بيده رسالة طرحها أمام أعضاء يعود لهم بعد برهة، وقد بدا على وجهه القلق العنيف والتعب النفسي :الضابط باالستخبارات العسكرية " أحمد مخلص"سمعوا هذه الرسالة التي جاء بها ا : القيادة المجتمعين وهو يقول

د التوقيع عب ... أن أشارككم ا وأتمنى أيض ، تمنياتي لكم بالتوفيق، بلغني إنكم ستقومون بثورة بعد ساعات ،أخي أبو هيثم " .".االستخبارات العسكرية الرزاق النايف مدير

وبدا أن كل شيء قد ، دارت رؤوسهم، ومادت األرض من تحت أقدامهم، وكأن كرة الحديد قد مستهم ،وأسقط في يدهم كل الخطط والترتيبات والنضاالت الطويلة باتت هشيما ،كل اآلمال الكبيرة تتقوض في لحظة . صار اآلن قبض الريح

ا خطير ا تهديد ا إن الحزب كله أصبح في هذه الساعة مهدد ، أكبر وأفدح فشيئاا بل إن الكارثة تلوح شيئ ،رياحتذروه ال .عدام ن الجالسين هنا اآلن، سوف يواجهون بعد لحظات، عقوبة اإل أبالتصفية الشاملة، فضال بطبيعة الحال عن

،، وكأنهم يتحركون في قفص حديدي صغير ايئة وذهابونهض بعض الرفاق من أماكنهم، وأخذوا يمشون في الغرفة ج القليلة الحاسمة التي حملتها الرسالة، وانطلق واحد منهم، وقد بدت أمامه النهاية المفجعة واضحة وضوح السطور

، دمرة والتي أدت إلى هذه النهايات الم ، التي كان يوافق عليها منذ لحظة - تلك التحالفاتا في وجه اآلخرين، مديناصارخمر لواء الحرس الجمهوري هو الذي قاد إلى إفشاء أسرار الثورة، وأفضى إلى هذه آ" الداوود "واعتبر التحالف ص مع

.الكارثةال بد ، يليق برجال يوشكون على القيام بثورة والعجز، في النهاية، ال ،ولكن اآلن؟ ليست هذه الساعة، ساعة لوم أو ندم

.المخرج؟لى إ ولكن من يقود ،من مخرج: وقال في حسم مطلوب ومفتقد في تلك اللحظة ، وأوقف المناقشات التي تولول بعبارات اللوم والندم ،تكلم صدام حسين

:كمن يتلو قرارا أكمل ولكنه،ونظر إليه الجميع وقد عقدت الدهشة ألسنتهم . أنا أقترح أن نقبل مشاركته: عه حردان التكريتي وصالح مهدي عماش أو اثنان منهما، ويقولون له وم أقترح أن يذهب إليه الرفيق أحمد حسن البكر "

بعد الثورة، ويعرضان عليه الموقع الذي يرضيه ،من قبل إنك تريد أن تشاركنا وما كنا نتصور ... حياك اهللا. نحن نقبل

إنني إذ أقترح ،ذلك بعد أثناء الدخول إلى كتيبة الدبابات أو ا هو تصفيته فور ،ولكن بشرط ، فيما عدا رئاسة الجمهوريةهذا الرجل قد شاركنا العمل وفق صيغة طبيعية ولو كنا متأكدين نني أدرك بأنه ما كان من الممكن أن نفعله لو أن إهذا ف

يريد أن يطعن الحزب خدمة لجهة ما مثلما طعنه وهو،وإنما فرض علينا. نقاذ الشعبمن وطنيته وإنه يريد المشاركة إل ندفع عنهما وأن ،فانه ألمر مشروع وأخالقي أن ال يغدر الحزب والثورة مرة أخرى م عارف ولذلك من قبل عبد السال

. ومن اآلن نتفق ، األذى في حالة الرفض وأن ندفع عنهما األذى في حالة القبول عليكم ترشيح إنني أقترح ،إنني أخجل منها ولكن هذه المهمة ال أظن ،إنني أخجل أن أقترح نفسي في يوم ما ألية مهمة

من دخول ا ويترك له اختيار اللحظة المناسبة، اعتبار ،بهذه المهمة، بدون مناقشة بالتفاصيل الرفيق صدام حسين للقيام ، غير جائز أن يوضع موضع ايراها ويعتبر هذا القرار نهائي كتيبة الدبابات وما بعدها، لتصفيته، وبالطريقة التي

".المناقشة في المستقبل ورفعوا أيديهم بالموافقة على قراره . وكأنه قد انتشلهم من غرق - أو قراره - الحاضرون بعد أن انتهى من كلماته وأفاق .جماعباإل

. مع الثورة - بعد ساعات -وانفض االجتماع على موعد

مكتح لك والم تثورة ال-١٣ في بيته، وأخذ يخرج ي السر بأخ فتح صدام حسين الم ١٩٦٨ تموز - يوليو ١٧في تلك الساعات األولى من صباح

حتى عدي الصغير . تقف إلى جانبه وتساعده " ساجدة" وكانت ، بس العسكرية، وبعض األسلحة والقنابل اليدوية منه المال هذه المرة لم يكن يحمل الرسائل في صدره، بل كان يجري ليمسك بقنبلة يدوية تتدحرج هنا أو هناك، ا،كان ساهر

.لعبة بكتفه، وهو يظنها ليجلبها ألبية ويتعلقبالتحرك، بينما كان أعضاء وكان الرفاق الذين حددتهم القيادة، في األماكن التي خصصت لتجمعهم، ينتظرون األمر

، حيث سوف تنطلق منه بعد لحظات فرقة الهجوم األولى على "كريم الندي"القيادة نفسها، قد تكامل عددهم في منزل وبينهم كان يقف المالزم صدام حسين، ،"الزائفة "بسهم العسكرية الحقيقية أو في مالاع كانوا جمي،القصر الجمهوري

. الذي أصر على أن يصحبه وهو في الثامنة عشر من عمره - أخوه -"برزان" يقف المالزم اوخلفه تماموإلى جواره " ريتيحردان التك "بيضاء يقودها صاحبها " مرسيدس"في الثانية وخمسة وأربعين دقيقة، تحركت سيارة

وتحرك من ورائها مباشرة لوري عسكري ،"الندي"، ومن خلفهما صالح مهدي عماش، من أمام بيت "أحمد حسن البكر "كان يحمل صدام حسين، وبقية أعضاء القيادة، فضال عن مجموعة قليلة من الرفاق اآلخرين، بينهم برزان، وجعفر

ذي زعم أنه خبير وقتها في قيادة الدبابات، حتى ال تفوته المشاركة في الجعفري، وذياب العلكاوي، وعزت الدوري ال .الهجوم على القصر

وما أن اقترب الموكب من باب كتيبة الدبابات حتى الح ،وكان أحمد حسن البكر هو قائد الحملة، وعلى رأس الموكب هؤالء ..قف: بباب الكتيبة، في الحرس الخاص "سعدون"صاح . وفجأة،وجه سعدون غيدان وهو واقف ينتظرهم

.إلى األمام ... إفتح الباب دعهم يدخلون ..جماعتناوبدأ الرفاق يحركونها ويسلمونها لآلخرين، ثم ". راجاتهاك" تقدموا نحو الدبابات في ، أصبحوا داخل الكتيبة ،فتح الباب

من القاعة المجاورة وجاؤوا وعندما سمع صوت الدبابات نهض الضباط والجنود ، ليحركوا غيرها ايعودون سريعوقادوهم إلى القاعة مرة أخرى، .. تجمع.. تجمع..تجمع: وفجأة صاح بهم صدام حسين، ومن خلفه برزان ،يركضون

يحمل بندقية ا فاذا ببرزان يلمح جندي ،ما ظهر دبابة على الفور، ومعهما ذياب العلكاوي ل وتس،ثم عادا مسرعين بو "ـإعطي المسدس ل : "فقال له. ورآه صدام ،ها منه عنوة بعد أن ألقاه على األرض فانتزع،إلى جانبه" كالشنكوف"

سحب برزان المسدس "، أنت معنا،مالزم برزان ما يعرفك. ابني، أنت معنا فعال، ابني هللاخليل يا بوأ معنا هللا يا،"خليل أن هذا الجندي يعرف كيف يقود - لحسن الحظ - واكتشفوا،وأعطاه للجندي الذي أخذ منه مدفعه والجندي لم يغضب

.الدبابة ، وبدأت تطلق نيرانها ،ر، وقفت الدبابة صوقاد بهم الدبابة بالفعل، وفي الطريق ما بين باب الكتيبة، والباب النظامي للق

ابني: " قال له صدام ، علمه الجندي الذي أخذت بندقيته عنوة منة ،وتعلم صدام حسين ساعتها كيف تطلق نيران الدبابة سيدي : "؟ قال له الجندي "ن الدوشكة للرمي ملو ما تعلمني شلون يستع ،أترى إني ضابط مشاة، ما أعرف استخدام الدبابة

ولكن الجندي الذي لم يكن يفهم من األمر ،" وهذه اعتيادية هكذا ،، وهذا تضغط عليه من هنا كلهذا فقط تسحبه بهذا الش يريد يسوي انقالب على ) للوزراء االذي كان رئيس (طاهر يحي : " له صدام قال" سيدي ماذا في األمر؟ : "شيئا عاد يسأله

".بارك اهللا فيكم: "قال الجندي". وإحنا نفزع له ونفك عنه الحصار ،عبد الرحمن عارف، على الرئيس التكريتي وعندما اقتربت الدبابة من الباب النظامي، بدأت تطلق نيرانها على مبنى القصر، وفي نفس الوقت كان حردان

".أن يسلم نفسه "يتصل تليفونيا بعبد الرحمن عارف ويطلب إليه . وتوقف إطالق النار ،بأن ال تمس حياته بعد فترة قصيرة خرج عبد الرحمن عارف، وأعلن تسليم نفسه، طبقا للوعد

١٧ أجمع نبأ قيام ثورة وعند الفجر أعلنت إذاعة الجمهورية العراقية على الشعب العراقي، واألمة العربية، والعالم احمد حسن " الرئيس" وانتقل ، باسم مجلس قيادة الثورةا يوليو المجيدة في القطر العراقي، وبيانها األول، موقع -تموز للمخطط الذي كان قد وضع من قبل، واحتل عبد ا وتألفت الوزارة الجديدة، طبق ،لى مكتبه في القصر الجمهوريإ رالبك

رئيس الوزراء، وإبراهيم الداوود منصب وزير الدفاع، وحردان التكريتي رئيس أركان الجيش، الرزاق النايف منصب . وصالح مهدي عماش منصب وزير الداخلية

١٣ بدلة المالزم العسكرية وارتدى بذلته المدنية العادية، وحمل بدال من الرشاش مسدسه عيار نوخلع صدام حسي .العادي

على معظم المواقع داخل ايسيطرون تقريب كان الضباط الرجعيون،ية عبد الرزاق النايف ولم تكن اللحظة مواتية لتصف في منطقة أبي غريب على حدود بغداد بعد أن رفض أوامر عبد ابينما كان اللواء المدرع العاشر معسكر . القصر

ا بوصفه رئيس - التكريتي يجري وبدأ حردان ، الرزاق النايف بالعودة إلى موقعه السابق كما توقع صدام حسين بالضبط بعض التغييرات في مواقع الضباط، وينقل ضباط الصف المنتسبين من خارج بغداد إلى بغداد نفسها، وبعدها -لألركان

، وصار الوضع أفضل بالمعنى امة أيضصبقليل التحقت دفعة أخرى من ضباط الصف بمواقعها الجديدة في داخل العا .النسبيكان يجتمع مع أعضاء قيادة فرع بغداد، . ، في تلك األيام، كما لم يكن كذلك قط في حياته ا، قلقان مهمومكا " مصدا"ولكن

لفة امتح" جهة"ويوجههم باتجاه وحدة الحزب والتركيز عليها، ويشير إلى أن الحزب ليس وحده في الثورة، وإن هناك . للهوى اسيرات تبع ويالت والتف تأمعه، دون أن يوضح هذه الجهة حتى ال تكثر ال

في ا نه لم يكن عضو إمر اللواء المدرع العاشر، ف أفرغم أنه كان . ا كان مهموما، وقلق ا، أيض"حماد شهاب "غير أن ه صدام في هذا الوضع النفسي في األيام األولى للثورة، سحبه من يده، وكانا جالسين بغرفة آ وإذ ر ،مجلس قيادة الثورة

إنهم ، في مجلس قيادة الثورة؟ ا لماذا أنت لست عضو : قال له صدام . لردهة الخارجية يتمشيان في القصر، وخرجا إلى ا ذا قبلوا إ ف،إما أن تكون عضوا بالمجلس أو أن تقلب الدنيا : ، وقل لهم ا أدخل عليهم غرفة االجتماع فور ،اآلن مجتمعون

بمجلس قيادة ا وخرج منها عضو ،في التوودخل حماد شهاب غرفة االجتماع ... أيضا " زين" وإذا رفضوا ،"زين" .الثورة

س جالصحيح إنه في مكتب رئيس الجمهورية ي . زمانه، والخوف على الثورة لم يزايله قط ومع ذلك، ظل الهم والقلق يال ن الجديد، السافر هذه المرة، يمثلو " حصان طروادة "الرفيق أحمد حسن البكر، ولكن أولئك الذين تسللوا إلى الثورة في

كل لحظة تمر، في ،ترسخ أقدامهم بل إن كل لحظة تمر . لها في أي وقت ا حقيقيا جدية على الثورة، وتهديد ا أخطارن تاريخهم الخاص غير النظيف، يلقي بظالله على إ وفضال عن ذلك ف ،وجودهم، هي لحظة مخصومة من عمر الثورة

،ف ما جرى، وما يجري، إلى حركة شبيهة بأي انقالب عسكريأفق الثورة، ويحيلها في الوجدان العام الذي لم يكن يعر ن استمرارهم كان يعني ببساطة إعقام الثورة، ووقفها عن النمو، بل ودفعها إلى الوراء كلما أمكن، إمن ذلك ف وأكثر

الكريم قاسم يريد عبد الرزاق النايف اآلن، صراحة، وفي فحتى شركة النفط الوطنية التي تأسست في عهد عبد .اجتماعات مجلس الوزراء، أن يحلها

قامت من أجلها؟ لم يكن الوصول للسلطة من عها أن تحقق من أهدافها التي سفما عساه يبقي للثورة بعد ذلك؟ وماذا بو من الشهداء على طريق نضاله، ودرس، ا والحزب الذي ناضل عشرات السنين، ودفع مئات أو ألوف ،أجل السلطة لذاتها الثنين من المتطفلين اوقاد، وشارك بقيادته كاملة في تنفيذ الثورة، كيف يمكن له أن يظل أسير وخطط، وقرر،

ء، ال على الثورة فقط، بل على الشعب العراقي نفسه، بجماهيره المذلة، المهانة، المضحية، والباحثة في الثورة والدخال .ها النهائي؟ صعن خال

وكل ساعة، بل كل لحظة، تحمل ،وم بعد ياكان القلق يتصاعد في نفسه يوم أنتم قمتم بثورة، ولكن : " تقول له،تنظر إلى وجهه وتتعجب " أم عدي "،لى نفسه مخاوف جديدة على الثورة ومصيرها إ

وعندما يخرج من باب بيته، يلقاه جاره ،ءيولكنه يتخلص من الرد وال يعلق بش " ماذا بك؟ ،وجهك ليس وجه منتصر .وهو يتجاهل السؤال وال يرد " يقولون مشبوه عبد الرزاق النايف هذا ،أبو عدي : "فيسأله بطريقة عفوية

ال يفكرون اآلن، ويتدبرون أمورهم، -ء والمتطفلين وأذنابهم الدخال -"اآلخرين "ولكن حتى متى؟ وما هو الضمان في أن الثورة، فلسوف يبادر أعداؤها للخالص من أصحاب الثورة الحقيقيين؟ إن الزمن في خدمة المبادر، وإن لم تبادر

.مسبالح . ال يرحم؟امن يستطيع أن يغسل يديه من الدم، ويقتلع من قلبه أشواك الندم، وهو يواجه تاريخ ... وحينذاك

هبعش رةثود ترس الفارس ي- ١٤

الليل، وكأنه يحاول أن يزيح ، سرعان ما كان يفيق منه، ويفتح عينيه في ا متقطعا قلقا لم ينم فيها إال نومايوم إثني عشر .تلك كانت من أقسى أيام حياته . في منامهامن أمامهما كابوس

وطلب ، من بيته في الصباح اخرج مبكر. منزع وما بقي في قوس الصبر ،من ذلك نتظار أكثر لم يعد ثمة معنى لال . .اليادة يجلسون في أماكنهم فيما عدا الرئيس أحمد وبعد فترة قصيرة كان كل أعضاء الق ،عقد اجتماع سريع للقيادة القطرية

عزة مصطفى، ا وفيما عدا أيض . حسن البكر الذي كان منصبه الجديد يحول دون خروجه من القصر في ذلك الوقت اهللا سلوم، اللذين سافرا إلى القاهرة قبل قيام الثورة، وعندما عرفا بتوقيتها، بعد أن زعم كل منهما أن لديه عمال وعبد .اك ال يستطيع أن يؤجله هن

إنني لم أجتمع بكم، يا رفاق، : " قال لهم صدام حسين ، لم تتردد فيه سوى بضع كلمات قليلة حاسمة ا قصيراكان اجتماع فهذا القرار ال ،لكي نعيد مناقشة القرار الذي اتخذناه في اليوم السابق على الثورة، بشأن تصفية عبد الرزاق النايف

...".لة تعتمد على الجانب الفني السريع أردت فقط أن أقول لكم إنه قد حان الوقت، والمس ولكنني أ،يناقش وانفض االجتماع السريع ، هو الوقت المناسب ا غد: قال. .ا واختر الوقت الذي تراه مناسب ..اإننا موافقون تمام : قالوا

.الطارىء قبل ا غدي، ويطلب إليهم التواجد في القصر الجمهور اصيبعد االجتماع، بدأ يتصل بمجموعة من الرفاق، يثق بهم شخ

. برزان، جعفر الجعفري، سعدون شاكر، صالح صالح، كامل ياسين، عجاج األحمد الهزاع : وكان من بينهم . الظهيرة .وطلب منهم أن يسمحوا لهم بالدخول في الموعد المحدد ثم اتصل بحراسة الباب الخارجي للقصر

-ثين من تموز وما كادت شمس الثال، كأنها تحمل فوق كل لحظة من لحظاتها جبال من الصخر ،قيلةومرت ليلة بطيئة ثلى مكتب رئيس الجمهورية الرفيق إ ودخل على الفور ، للتوجه نحو القصر أيوليو تبزغ، حتى كان صدام حسين يتهي

وشرح له صدام ، لى قرار القيادة فوافق ع ، وعرض عليه ما تم في اجتماع القيادة نهار األمس ،أحمد حسن البكر .تناول طعام الغداء في هذا اليوم الخطوط العريضة لما سوف يحدث بعد

،ولكن قبل أن يدخلوا إلى غرفة الطعام ... ، ذبحه حماد شهاب، وجلبه إلى القصر اكان طعام الغذاء يومها غزاال مشوي اليوم .. ستتم اليوم ... أبو رعد هذه المسألة ": ال له وقاتوقف صدام حسين مع حماد شهاب قليال، وانتحى به جانب

ثم "... كل شيء قد ضبط : " هل ضبطت األمور كلها؟ قال أبو عدي : قال أبو رعد وهو يضحك ،"سأتخلص من هؤالء عندما نخرج من غرفة الطعام، وتراني أدخل إلى مكتب الرئيس، ال : في حسمانظر في عينيه نظرة مباشرة وقال سريع

أدخل رعيل الدبابات إلى ،ر ص توجه إلى اللواء المدرع العاشر على الفور، وطوق الق ، ليس لك حاجة بها،نتتدخل أ ومن المحتمل أن ،ذا حاول االنفالت سأقتله إ ف، ألن عبد الرزاق النايف ال ينبغي أن يفلت ،داخل السياج الخارجي للقصر

ا بالوالء له، بما في ذلك الحراسات الداخلية في القصر تدين كله فوحدات القصر . تحدث مضاعفات، ونقتل نحن هناذا حدثت تلك المضاعفات، إ ف، مسلحين بالرشاشات يحيطون به اضافة إلى حراسه الشخصيين وهم اثني عشر حارس باإل

".نك تستطيع أنت ومن يتبقى من الحزب، أن تتسلموا السلطة، وتتوكلوا على اهللا أوقتلنا هنا، فم كان الرئيس أحمد حسن البكر يجلس وإلى جانبه عبد الرزاق النايف وحردان التكريتي، وصدام على مائدة الطعا

طعام اليوم غزال : وكان حماد شهاب يضحك وهو يقول ،حسين، وحماد شهاب، وسعدون غيدان، وصالح مهدي عماش . كله

نظر إليه صدام حسين ،وهو ال يعرف كان حردان التكريتي يسير إلى جانبه ، وخرج من الغرفة سريعا ،انتهى الطعام ، صعدا الدرج المؤدي إلى مكتبه ،اليوم؟ أبا عدي نتفاهم : قال حردان،"لة منتهيةأأبو سعد اليوم، تكون المس : "وقال له

ا،حسن : نقال حردا". لة ال تحتاج إلى تفاهم أ المس ، أبو سعد: " نظر إليه صدام في عينيه مباشرة، وقال له ،جلسا لحظة . أنت تريد أن تقوم بالعملية في هذا النهار ،أبو عدي : ومع ذلك عاد يقول ،ال يتوقع أن تتم العملية في نفس اليوم ولكنه كل : قال له صدام، الحرس كله يدين بوالئه لعبد الرزاق النايف ؟ كيف يمكن إتمامها في هذا الظهر، سوف تقتلنا،أخوي

.شيء تم ترتيبه ال اظن أنه اقتنع بتأجيل العملية إلى ساعة أخرى غير هذه الظهيرة، وهبط الدرج مسرع في مكتبه، وهو ي اتركه جالس

: قال لهم دون أن ينظر إلى وجوههم ، وقعت عينه على الرفاق الذين واعدهم ،دخل غرفة المرافقين . يلوي على شيء غيدان، ودخل مباشرة إلى واجتاز بسرعة غرفة السكرتير، وكان يقف بها إلى جانب السكرتير سعدون ... إتبعوني

أما عبد الرزاق النايف ، أمامه ا وصالح مهدي عماش جالس ، إلى مكتبهاجالس كان الرفيق البكر،مكتب رئيس الجمهورية . وظهره نحو الباب الخارجي للغرفة افكان جالس

لماذا؟ فلما : يف إليه وقالالتفت النا . إرفع يديك: سحب صدام حسين مسدسه، ووجهه نحو عبد الرزاق النايف وصاح به ال تخف أنت وأطفالك لن : قال له صدام ،عندي أربعة أطفال : إليه، وضع يديه على عينيه وقال هارأى المسدس موج

أنت تعرف إنك دخيل على الثورة، وإنك حجر عثرة في طريق ، عبد الرزاقا، طبيعيايحدث لكم شيء إذا سلكت سلوك انتزع مسدسه من . إن قرار الحزب هو إزاحتك من طريقه ،ن أجلها دم القلب حتى رأيناها وهذه الثورة دفعنا م ،الحزب

ووقف صالح مهدي عماش يريد تخفيف الموقف ،جانبه، وهو يسمع المسدسات في أيدي رفاقه من خلفه تسحب طلقاتها دون أن يحاول سلى مقعده، فجل توجه إليه صالح عمر العلي وجره من يده، وأجلسه ع ... انتظروا ودعونا نتفاهم : قائال

.التحرك مرة أخرى ماذا تريدون مني؟ سحبه صدام : قال عبد الرزاق النايف بعد أقل من لحظة

أما الذي عليك ، هذا هو ما لك علينا ، نحن لن نقتلك ،عبد الرزاق : يقول له من يده، ودخل به إلى الغرفة المجاورة، وهو فأين تريد أن تتوجه؟ ، وال بد لك من أن تخرج من العراق ،ركة تدفعنا إلى قتلك لنا فهو أن ال تحاول أن تتحرك أية ح

في أية سفارة؟ .أذهب إلى لبنان : قال النايف .لى الجزائر إطيب : قال النايف ،ال: قال صدام .إذن إلى المغرب : قال النايف..ال: قال صدام .موافقون : قال صدام

ونظر إلى برزان فقطع السلك على الفور ،نعم سيدي: رد عليه عامل السويتش رفع صدام حسين سماعة التليفون، ف . أنتما تقفان هنا إلى جانبه وال تتحركا من هذا المكان حتى لو انتقل الكون من موضعه : وجعفر الجعفري، وقال لهما

هل . عليه النار فورا وإذا حاول أن ينهض من مقعده، أو إذا سمعتم صوت إطالق نار في الخارج، ومقاومة، أطلقوا .. نعم سمعتها: سمعت يا عبد الرزاق األوامر؟ قال

سحب صالح مهدي عماش من يده، وخرج به من المكتب إلى ،خرج من الغرفة بعد أن أغلقها وتوجه إلى مكتب الرئيس أبو : قال سعدون ، وهو ال يدري ماذا جرى ، فاندفع نحوه صدام وقبله ،غرفة السكرتير، فوقعت عيناه على سعدون غيدان

هذا صالح مهدي عماش ، أبو سمرة ،انتهينا من عبد الرزاق النايف حسب اتفاقنا : ما هي القصة؟ قال له صدام ،عديوكان طه الجزراوي قد توجه إلى وزارة . فذهبا رأسا،إلى كتيبة الدبابات وتجلسان هناك معك، تذهبان اآلن مباشرة

بينما كان اللواء حماد شهاب يحيط ،ن أن يكون واجبه في مقر وزارة الدفاع من صدام حسي اغلالدفاع، حيث كان مب . رشالسياج الخارجي للقصر بدبابات اللواء المدرع العا

ا توجه صدام مسرع ... يء كان يجري بهدوء، وحزم، وسرعة غريبة، وكأنها مشاهد مثيرة في فيلم سينمائي شكل صدام حسين اق النايف ما زال في فناء القصر الجمهوري وقد أوعز وكان الحرس الخاص بعبد الرز ،صوب الرفاق

وجد كل منهم من ألقى به على األرض بضربة سريعة وشد إلى الرفاق باعتقالهم وتجريدهم من السالح وفي لمح البصر . وثاقه بعد أن جرد من سالحه

و ازال على الدرج من الدور األعلى وه رآه صدام ن... ذلك كله جرى، وحردان التكريتي ال يدري إن كل شيء قد تم كل شيء قد تم ،حسبتك قد توجهت إلى مقر القوة الجوية : لماذا؟ قال له صدام : أين أنت؟ قال ، حردان: قال له،يتمخطر

ركض أبو سعد إلى غرفة المرافقين، واتصل بمقر القوة الجوية، وبعد ... إمض على الفور وأطلق طائراتك ،اآلن . ات السالح الجوي تحوم في سماء بغداد لحظات كانت طائر

ولكي كيف يتم نقل عبد الرزاق النايف من القصر؟ كيف يتم . بدقة وإحكام ونجاح ء يسيريحتى هذه اللحظة كان كل ش غير عادي ا الجمهوري الذي كان يدين له بالوالء أو أي جندي في كتيبة الدبابات بأن ثمة شيئ شدون أن يستشعر الحر

. على األقل حتى يتم إخراجه من العراق هذه الليلة .. .قد حدث لهجهز لنا طائرة في معسكر الرشيد لتنقل عبد الرزاق النايف سفيرنا في : نظر صدام حسين إلى حردان التكريتي وقال له

ر وتذكر سنخرج أنا وأنت اآلن من القص ، عبد الرزاق : "ثم توجه إلى الغرفة التي يجلس بها النايف وقال له ... المغرب ، وسنمر على الحرس في طريقنا، سيؤدون لك التحية، فتؤديها لهم بشكل عادي ،ي في مكانه تحت السترة سأن مسد

وبالطبع ، تركب أنت أوال وأنا إلى جانبك ، فنركبها،وسنتوجه إلى سيارتك الرسمية التي يرفرف عليها العلم على جانبها على نفسك، وتموت على " تتكوم" إنك سوف يمنك داخل السيارة تعن أنت تعلم أن أية حركة أو أية كلمة سوف تبدر

. موافق: قال النايف "هل أنت موافق؟ . الفور الجمهوري س لجنب، بينما الحر اخرج عبد الرزاق النايف وإلى جانبه صدام حسين من الغرفة، وهما يسيران بهدوء جنب

في وهم ال يعلمون أن هذه هي المرة األخيرة ،انضباط عسكرييؤدي التحية لرئيس الوزراء، وهو يرد عليهم التحية، ب دخل فيها أوال ثم جلس إلى ،وعند الباب الخارجي كانت أبواب السيارة مفتوحة ... حياته التي يتلقى فيها مثل هذه التحية

لرفاق قد توجه بينما كان قسم من ا ،وفي المقعد األمامي جلس إلى جانب السائق صالح عمر العلي . جانبه صدام حسين . إلى معسكر الرشيد ليصاحبوا السيد السفير الجديد إلى مقر عمله في المغرب

وجعفر الجعفري، في معسكر الرشيد، كانت الطائرة قد أدارت محركاتها، وعند سلمها وقف برزان وسعدون شاكر واتخذ ،زاق النايف إلى الطائرة وصعد عبد الر . وعدنان شريف، ينتظرون المسافر الذي لن يعود إلى بغداد مرة أخرى

وقبل أن يهبط صدام من الطائرة أخرج مسدس عبد الرزاق النايف الذي كان قد انتزعه منه، ،الرفاق مقاعدهم من حوله عندما . أما الطلقات فسوف يعطيها لك سعدون شاكر عندما تصلون إلى هنالك ،مسدسك هذا هو : وقال له . وسلمه إليه

كان الكابوس الرهيب قد . سقطت من عينيه ا سماء بغداد، أخرج صدام حسين منديله، ومسح دموع ارتفعت الطائرة في . وفوق األرض استعادت الثورة روحها ،، فوق السحاب ا، بعيدامضى بعيد

ولم يكن الداوود ، بقي إبراهيم الداوود : ونظر إليه وقال ، دخل مكتب الرئيس،عادت به السيارة إلى القصر الجمهوري فاتصل حردان . ١٩٦٧كان في األردن يفتش قطعات من الجيش العراقي متواجدة هناك منذ حرب . يومها في العراق

الذي لم يكن -"النقيب" ولكن ، اعتقلوا اآلن إبراهيم الداوود : وقال له" حسن النقيب "-التكريتي بضابط بعثي سابق اسمه قرر صدام على الفور إرسال طائرة إلى هناك، بها عدد من ساعتها، كان يدعي أنه ال يسمع- عما جرىايعرف شيئ

. لقاء القبض عليه بعد أقل من ساعة الرفاق، على رأسهم صالح صالح، إل كانت ، وأخرج من جيبه بهدوء ورقة وضعها أمام الرفيق أحمد حسن البكر ،ثم جلس على مقعده أمام مكتب الرئيس

. كان قد أعده من قبل الذي " يوليو- تموز ٣٠بيان " الورقة تتضمن ولكنه الحظ ،تناول الرئيس الورقة، وقرأها، وأخذ يعيد كتابة البيان بخط يده

ماذا تعني بهذه العبارة؟ قال أبو : فسأله. أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة : أن التوقيع هو تابع الرفيق البكر ، للقوات المسلحة ا عامادي عماش يكون قائد إنه ال حردان التكريتي وال صالح مه يعدي في حسابات

٣٠ وفي تمام الساعة السابعة من مساء ،ذاعة صوب مبنى اإل ا ثم نهضا، وخرجا من الغرفة، وتوجها مع ،كتابة البيانعلى العالم و ، انطلقت أمواج األثير لتعلن على جماهير الشعب العراقي، وعلى األمة العربية، ١٩٦٨ تموز -يوليو

يوليو قد تطهرت، وأن حزب البعث العربي االشتراكي في العراق، قد استعاد -أجمع، أن ثورة السابع عشر من تموز .شعبه، واسترد ثورته

): المحرر(مالحظة من رئيس تحرير

للدكتور أمير ) ساناومفكرا وإن .. مناضال.. صدام حسين(فصال من كتاب ) ١٤(لقد نشرنا فقط القسم األول والذي يضم فصول، إضافة إلى ) ٧(فصال، والقسم الثالث ) ١٨(اسكندر، وسنعمل على نشر القسم الثاني من الكتاب والذي يضم

العدد الكبير من الصور التي تحتويها صفحات الكتاب وهي صور للرئيس صدام حسين مع زعماء ورؤساء الدول الصحفية وبعض كلمات الرئيس صدام حسين فيما يتعلق بالقضايا العربية العربية والغربية، والحوارات والمقابالت

ثورة في الفكر وفكر في الثورة، (والدولية، وأفكاره وآرائه إزائها، حيث يطالعنا القسم الثاني من الكتاب تحت عنوان التاريخ : ( رأيه في بأفكاره التي تتضمن) صدام حسين وجدل الماضي والمستقبل .. الجهاد األصغر، والجهاد األكبر

: ، نقرأ)صدام حسين وخصوصية التجربة االشتراكية (، وتحت عنوان )مراجعات ثورية.. ، والدين والتراث )وبعث األمةالعوامل األساسية للتنمية (، )تحديدات منهجية: التنمية(، )النفط وكسر التبعية لإلمبريالية (، )الطريق الخاص لالشتراكية (

صدام حسين وشمولية (، وتحت عنوان )التنمية من أجل اإلنسان (، )حزب فوق دور التكنوقراط دور ال (، )االقتصاديةالجبهة الوطنية (، )الديمقراطية والتقدم للشعب الكردي (، ) الديمقراطية نظرة شمولية للحياة: (نطالع) قضية الديمقراطية، نطالع )حسين ومتغيرات لعبة األمم صدام (، وتحت عنوان )الشيوعيون ينقضون التزاماتهم (، )هدف استراتيجي

معنى التوظيف السياسي (، )أوروبا والقبضة األمريكية (، )نظرية تعدد األقطاب(، )التوازنات الدولية بين لحظتين (كل هذه ).. معنى عدم االنحياز(، )الخليج العربي والصحراء الغربية (، )استراتيجية التحرير وسياسة المراحل (، )للطاقة

.. درت في كتب وكراسات ونشرت في العراق وفي أرجاء العالم العناوين ص أما في القسم الثالث من الكتاب وهو مخصص لحوارات وأحاديث الرئيس صدام التي أجراها الدكتور أمير اسكندر مع

دام هكذا تكلم ص ( إبان فترة انعقاد مؤتمر قمة عدم االنحياز في بغداد، وتحت عنوان ١٩٨٢الرئيس صدام حسين عام ، )هموم البناء االشتراكي(، )إشكالية األصالة واالغتراب (، )ماذا تعني الخصوصية؟: (، نطالع الحوارات التالية )حسين

مستقبل نظرية تعدد األقطاب (، )عن الديمقراطية والماركسية والحزب الشيوعي(، )ما هو مستقبل العمل الوحدوي؟ ( ).. من يوميات المواطن صدام حسين (، )الدولية

الجدير بالذكر أن عشرات كتب وكراسات كلمات الرئيس صدام حسين باللغة العربية التي تناولت مجمل القضايا والمواقف السياسية فيما يتعلق بقضية فلسطين، ودول عدم االنحياز، والعالقات الدولية، ودور منظمة الدول المصدرة

الخطابات الرسمية، قد ترجمت إلى عدد من اللغات العالمية، كما ، قضايا الدين األدب والعلم وغيرها، عدا )أوبك (للنفط .. جمعت هذه الكتب بالعربية في مجلدات

، )القلعة الحصينة (، و)زبيبة والملك : (وأخيرا نشير إلى أن الرئيس صدام حسين كان قد أصدر ثالث روايات أدبية هي يتم ينشر روايته الرابعة وعليها اسمه الصريح بعد أن انتهى ، وقعها باسم لكاتبها، وكان من المقرر أن )رجال ومدينة(و

. ٢٠٠٢من كتابتها في النصف األخير من عام أمريكي على العراق ومن ثم غزوه في العشرين من -ومع تسارع األحداث وبدء العدوان الهمجي البربري الصهيو

بقادرين على الحصول على كل تلك الكتب ، لم نعد٢٠٠٣إبريل /مارس ومن ثم احتالله في التاسع من نيسان /آذاروالكراسات، لذلك نعمل على الحصول عليها من عدد من األخوة واألصدقاء في أرجاء العالم لنعيد نشرها، ليعرف القاصي والداني حقيقة أسباب غزو العراق واحتالله، مع أن ذلك معروف لكل ذي بصيرة ولكل متابع لمجريات

، ١٩٧٢يونيو /ية وفي العراق تحديدا، منذ تأميم شركة نفط العراق في األول من حزيران األوضاع في البالد العربلتحقيق السيادة الوطنية العراقية الكاملة على أرضه، والسيطرة الفعلية على موارده النفطية، فابتدأت قوى الشر العالمية

ظام في العراق، الذي أعلن من جانبه في الثامن من المتمثلة في شركات النفط الكبرى في العالم تدعم استهداف تغيير الن ، نهاية احتكار تلك الشركات وأمم كل حصصها المتبقية في شركة نفط البصرة فتحقق ١٩٧٥ديسمبر /شهر كانون األول

ومية له مبدأ السيادة الكاملة على موارد العراق الطبيعية ومنها النفط والغاز، ووضعت تلك الموارد في خدمة التنمية الق االجتماعية واالقتصادية، فأقام صروح الصناعات البتروكيماوية، وأنشأ أسطوال لنقل النفط العراقي الخام وأسطوال لنقل المنتجات النفطية إلى أرجاء بالد العالم، وتحقق للعراق بناء صروح الصناعات المختلفة العلمية والمدنية والعسكرية

الطبية، والمختبرات العلمية لألمراض البشرية والحيوانية، إضافة لبناء المدارس إضافة لمصانع األدوية، والمنتجات والجامعات، وحملة محو األمية، وغير ذلك من البنى التحتية في مختلف المجاالت الصناعية المعروفة، ومنها صناعة

إضافة للثورة الزراعية وصناعتها الثالجات والتلفزيونات والفيديو، وصناعة السيارات وإطاراتها على مختلف أحجامها، من جرارات ولوازمها، وغير ذلك الكثير مما يمكن أن نورده في هذا الملخص عن العراق في ظل قيادة الرئيس صدام

: حسين التعجيل في الوصول إلى مستوى اقتصادي متقدم، وزيادة دخل الفرد، ورفع مستوى معيشته بما يحقق الرفاهية – ١

. ماعيةوالعدالة االجت إحداث نهضة زراعية هدفت إلى زيادة وتنويع اإلنتاج الزراعي واستخدام األساليب التكنولوجية الحديثة فيه، إلى – ٢

. جانب تطبيق العالقات اإلنتاجية االشتراكية المتقدمة

ية شاملة في زيادة اإلنتاج الصناعي بما غطى االستهالك المحلي، وترك فائضا للتصدير، وإحداث ثورة تنمو – ٣ . القطاع الصناعي وفي مختلف المجاالت الصناعية

السيطرة الكاملة على التجارة الداخلية والخارجية، وتوسيع قاعدة التصدير، وربط االستيراد بتوفير احتياجات – ٤ . اتيالمتطلبات من السلع والمواد االستهالكية بمتطلبات اإلنتاج المحلي تحقيقا للوصول إلى االكتفاء الذ

عزز دور القطاع العام في جميع فروع االقتصاد في الصناعة والتنمية، ودعم القطاع الخاص، حيث وفر له – ٥ . اإلمكانيات ليؤدي دوره في عملية التنمية االقتصادية والصناعية

. ركز على تأمين العمل الكامل لجميع القادرين عليه في كافة المجاالت اإلنتاجية الوطنية – ٦ بدأ العمل على تنسيق مشاريع العراق التنموية والقومية مع مشاريع التكامل االقتصادي العربي، بإقامة المشاريع – ٧

المشتركة العراقية والعربية حيث بدأ في األردن واليمن ومصر وفي عدد آخر من البالد العربية، توجت في إقامة . ١٦/٢/١٩٨٩مجلس التعاون العربي في

الخدمات الثقافية والعلمية المجانية في كافة مراحلها وإلزامية التعليم فازدهر العلم وازداد عدد العلماء وفر كافة – ٨وحملة الشهادات والتخصص في المجاالت الصحية، واالجتماعية، بين كافة أبناء العراق دون استثناء، حيث وصل

. افة المجاالت العلميةالعراق نهاية حقبة الثمانينات إلى مصاف الدول المتقدمة في ك ١٩٧٩عربية الصنع كاملة كما أعلن الرئيس صدام حسين في نهاية عام -وكان من المقرر أن يصدر أول سيارة عراقية

أمريكية المتكالبة على -، وهذه كانت الشرارة األولى واألساسية للحرب مع ايران، التي تآمرت مع قوى الشر الصهيو إلى عصر ما قبل الصناعة كما أعلن السيء الذكر جيمس بيكر، كما فعلت أجهزة قوى تدمير العراق ومحاولة إعادته

إبريل/ من نيسان الخامس في ) ٢تموز(و) ١تموز (أو ) أوزيراك (أمريكية على تدمير قطع ومعدات مفاعل -الشر الصهيو . قبل أن يتم شحنهما للعراق العراقيينالمفاعلين حيث تم تفجير )السين سومير(، في ميناء تولون الفرنسي ١٩٧٩عام