7
1

حكاية النورس والفراشة وحبة الرمل

Embed Size (px)

DESCRIPTION

قصة قصيرة للكاتب فريد أبوسرايا أبو سرايا بعنوان النورس والفراشة وحبة الرمل تتمحور حول المبدأ العلمي المعروف باسم تأثير الفراشة

Citation preview

Page 1: حكاية النورس والفراشة وحبة الرمل

1

Page 2: حكاية النورس والفراشة وحبة الرمل

2

................................ .. .. . ...................

. الرملحبة الفراشة وحكایة النورس و. ........ ..... .....

. فرید أبوسرایا : بقلم . ..... ........

وعلى تلك الرابیة . في إنتظار شحنھا بالبضائع المراكبالرملیة على میناء رست فیھ بعض الرابیة تطل

أعتاد الحمالون والبحارة تفریغ العربات من حمولتھا من برامیل الماء والخل والزیت ، ثم یھدھدون البرامیل

كأنھا تدرك وأمسبقة بھذا الطریق ، وكأن لھا معرفة المراكبأسفل المنحدر ، فتتدحرج إلى الشاطئ حیث ترسو

.بأنھا قد قامت بھذا العمل مرات عدیدة من قبل

Page 3: حكاية النورس والفراشة وحبة الرمل

3

تجوب طیور النورس أجواء المیناء ، ویتردد صراخھا في تلك األنحاء ، وكانت عندما تنشد الراحة من طیرانھا

قد تجدھا واقفة على رمال وأاألخرق تھبط على أي شئ تجده أمامھا ، فقد تقف على أشرعة السفن وأدقالھا ،

الشاطئ ، أو طافیة على میاه البحر وھي تغالب النعاس جراء ھدھدة األمواج إیاھا ، بید أن مكانھا المفضل ھو

أعلى الرابیة حیث تستمتع بالریاح التي تھب من البحر وھي ساكنة على األرض وسط أزھار النرجس البیضاء

التي تجوب أجواء المیناء ، لم یكن ھناك طائر النورسمن بین جمیع طیور . التي تنمو بكثرة على رمال الشاطئ

، وكأن ذلك النورس كان ) إدوارد لورنز ( واحد منھا یحب الرابیة أكثر من نورس یطلق علیھ البحارة اسم

ستغراب في لیس ھناك ما یدعو إلى االوفي واقع األمر ، ،یستمتع بتشمم زھور النرجس ویتلذذ برائحتھا الزكیة

:نفسھ قد أعجب بالنرجس ووصف دموع حبیبتھ بھ الوأواء الدمشقيسلوك إدوارد جونز ھذا ، إذا كان

وردا ، وعضت على العناب بالبـرد.. …وأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت

والمشبعة بالملح ، ولماذا ما ھي الفائدة التي یرتجیھا النرجس من الرمال شبھ القاحلة : یحق للسائل أن یتساءل

ینمو ھناك ویطلع أزھارا بیضاء في غایة الرقة والجمال ؟

Page 4: حكاية النورس والفراشة وحبة الرمل

4

ونیابة عن النرجس ، أقول أنھ طیور النورسآصالة عن : السؤال لقال ھذا لإلجابة عنطائر نورس لو تطوع

إن ما . قتات علیھا یلفي ذلك الرحم دماء تكن تجريلم حتى لوالبد للنرجس الجمیل أن ینبثق من رحم جمیل ،

البیئة الجمیلة بكثبان رمالھا الصغیرة ، ومیاه البحر الجمال المتجسد في یقیم أود النرجس ویشد عوده ھو

؟ عدا ھذه ، وإال فما الذي یفعل ذلكالبیضاء ، وأشعة الشمس الدافئة وأمواجھالزرقاء،

اإلغریقي الجمیل نرسیوس وھو یتأمل إنعكاس صورة أینما وجده ، فعندما غرق الصیاد بالجمال النرجسأرتبط

إن قدر .وجھھ على صفحة میاه غدیر ، لم تجد اآللھة سوى زھور النرجس لتعیده إلى الحیاة في صورتھا

.مع كل ما ھو جمیل ، حتى لو لم یكن فیما یتناغم معھ مصلحة لھ أو منفعة ترجى منھ والتآلفتناغم الالجمیل ھو

:ضوءا كاشفا على موضوع الجمال ، فیقول یغوفیكتور ھویلقي

وقلیلة ھي الوظائف التي تكون أكثر أھمیة من وظیفة أن یكون الكائن . الجمیل في دنیانا ھذه ، واجب الوجود

إن . اللطیف ال تلبث أن تغرق في عدم الیأس " الكولییري"فالغابة دون طیر . جمیال وظریفا على ھذه األرض

كل ھذا . وإرسال شعاعات من السعادة ، ورشحات من النور ، وأن یغلف القدر بأغشیة ذھبیةرشح الفرح ،

.فالجمال یحسن إلي باعتباره جماال فقط . یقدم إلیك أجل الخدمات وأروعھا أثرا

لم تبال . على الفور أفرغت حمولتھا على األرض محملة ببرامیل الزیت إلى أعلى الرابیة ، وعربة وصلت

عالمات تحاول أن تقرأ وكأنھا ، تحدق بعیونھا الحمراء في إتجاه البحر أخذتالنوارس بما یحدث حولھا ، بل

. تخبرھا بحالة الجو المرتقبة في األفقمرتسمة

صفت البرامیل في طابور طویل ، وكانت الطریق ممھدة أمامھا للوصول إلى الشاطئ ، ومن ثم إلى خن المركب

أخذ البحارة یدفعون البرامیل الواحد تلو اآلخر ، فتتدحرج بانتظام حتى تصل . طفو الزیت على الماء حیث سی

، فأستلقوا على الرمل ةأستبد التعب بالبحار نوبة من العمل الشاقبعد . خنالإلى الشاطئ ، ثم تحمل بعد ذلك إلى

على موئلھ المفضل ، ) إدوارد لورنز ( حط النورس في ھذه األثناء. لیلتقطوا أنفاسھم ویأخذوا قسطا من الراحة

أنعشت الراحة البحارة ، واستعادوا نشاطھم . ویمم وجھھ شطر البحر مستعذبا النسمات الندیة التي تھب منھ

تدحرج البرمیل أسفل . وحیویتھم فھبوا من جدید إلستئناف عملھم وقام أحدھم بھدھدة أحد البرامیل المعبأة بالزیت

من البرمیل المتدحرج ، وكرد فعل طبیعي دفع األرض ) إدوارد جونز ( در على سیره الرملي ، فجفل المنح

أثار تجفیل النورس الرمل، فأكسب ذلك . تحت ألواح البرمیل لكي ال یداس برجلیھ ورفرف بجناحیھ في الھواء ،

تغییر الذي أحدثھ النورس على منحدر من السھولة بمكان مالحظة ال لم یكن. جدیدة االمنحدر الرملي تضاریس

البرامیل ، ولكنھ كان تغییرا على أیة حال ، فقد یكون التغییر األولي ضئیال ولكن ما یتمخض عنھ في النھایة

. .شیئا وبیال

أن ھلن حبة رمل ضئیلة أسقطت على المنحدر الرملي أن تحرف برمیال كبیرا عن مساره المعتاد أو اھل بإمك

Page 5: حكاية النورس والفراشة وحبة الرمل

5

دینامیكیة ھوائیة جدیدة فأثرت ھذه بدورھا على البرمیل فجعلتھ خلقتھي التي ) إدوارد لورنز ( رفرفة جناحي

ینحرف قلیال عن مساره الذي أعتاد أن یتدحرج علیھ ؟

:بیت الشعر القائل ا قد تفعلھ حبة رمل ، ونحن دائما نرددملماذا نستغرب م

الشررومعظم النار من مستصغر .....كل الحوادث مبدأھا من النظر تسقط على الثلج المتراكم ، وندفة ثلج صغیرة تأتي على األخضر والیابس شرارة ضئیلة تندلع منھا نارا ھوجاء

وذرةعلى قمة جبل فتولد تیھورا جلیدیا ینزل على قریة وادعة في حضن الجبل فیتركھا وكأن لم تغن باألمس ،

، تقذف بنیوترون بطئ في منتھى الصغر فتنشطر محدثة تفاعال متسلسال ینتج 235یورانیوم صغیرة جدا من ال

وذرة ھیدروجین التي ھي أخف ذرات العناصر على بإذابة المفاعل النووي نفسھ ، تضبط حرارة كفیلة إذا لم

.الشمس قلب لھا إال فياالطالق تدمج بذرة ھیدروجین أخرى ، فینتج عن إندماجھما ذرة ھیلیوم وحرارة ال نظیر

قد ولد على إثر إنفجار أزلي یسمیھ ، نعرف عنھ شیئا نكاد الثم لماذا ال نتذكر أن وجودنا وكوننا العظیم الذي

تسمى المفردة ، وأن ھذا االنفجار قد حدث لكینونة صغیرة جدا Big Bangالفلكیون االنفجار العظیم

Singlurity ؟

.ونقتحمھ بأعیننا ، فیجب علینا أن نتذكر جیدا حجم المفردة ونستھین بھ ، غیر لصغر حجمھ ،عندما نزدرئ الص

:، یقول علي بن أبي طالب كرم اهللا وجھھ إلماملبیت من الشعر یلخص ھذه الفكرة

وفیك إنطوى العالم األكبر ..... وتحسب أنك جرم صغیر ذرة الھیدروجین ـ بالنسبة لیحدث ھذا كلھ أمام أعیننا ، ومع ذلك فإننا نستغرب أن تكون حبة رمل ـ الكبیرة جدا

لیس من الضروري أن یكون تأثیر . لشمس ـ ینحرف عن مساره بالنسبة لقادرة على جعل برمیل ـ الصغیر جدا

، وھو بنجامین فرانكلینلقد حدثنا .األشیاء الكبیرة كبیرا األشیاء الصغیرة صغیرا ، ولیس بدیھیا أن یكون تأثیر

:على أیة حال لیس بغریب عن الصواعق ، عن المسمار الصغیر الذي أدى فقدانھ إلى فقدان مملكة كاملة ، فقال

مسمار أضاع الحدوة ،الفقدان

وفقدان الحدوة أضاع الفرس ،

وفقدان الفرس أضاع الفارس ،

ضاع المعركة ، وفقدان الفارس أ

وفقدان المعركة أضاع المملكة ،

.كل ھذا بسبب فقدان مسمار صغیر في حدوة فرس

Page 6: حكاية النورس والفراشة وحبة الرمل

6

ضآلة الحجم ال تؤدي إلى فقدان األھلیة واالعتبار ، فیقول أن جوناثان سویفتیرى الكاتب اإلنجلیزي الشھیر

: تلكمعبرا عن فكرتھ

. والبراغیث الصغیرة تعضھا براغیث أصغر منھاالبراغیث الكبیرة تعضھا براغیث صغیرة ،

الحاملوعلى ذكر البراغیث ، ھناك إعتقاد خاطئ سائد في عقول الكثیر من الناس ، مفاده أن الجرذان ھي

ظھور الجرذان ھي التي ركبت على ، ولكن أصحاب ھذا االعتقاد ال یعلمون بأن البراغیث لجرثومة الطاعون

إن اإلقرار بنشر الجرذان . وھي بقفزاتھا الھائلة تنشر الوباء الفتاك الطاعون األسود ،التي تحمل جرثومة

تستخدمھا البراغیث للتنقل نقل، فالجرذان لیست إال وسیلة لمرض الطاعون ھو بمثابة نسبة الفضل إلى غیر أھلھ

ھذه الصورة الطبیعیة إسقاطمن الممكن . ، وألداء وظیفتھا القاتلة ةلمدمرمن مكان إلى آخر ، ولنشر رسالتھا ا

صحیح أن . لبراغیثلالفعال ھو بید أن التأثیر ، أن الثورة تقوم بھا الجرذان والقولعلى موضوع الثورات ،

ابن عمالق األدب األمریكي ، و ال یفوت. تقطف ثمارھا البراغیث ھي التي ولكنتقوم بھا الجرذان ، الثورة

: دلوه في بئر البراغیث ، ویقول بأن یدلي مارك توینالمسیسیبي ،

.باإلمكان تعلیم البراغیث تقریبا أي شئ بإمكان عضو الكونغرس أن یتعلمھ

كان المسبب ، فقد حدث السبب الذي جعل البرمیل ینحرف قلیال عن سبیلھ ، ومھما كان اإلنحراف ضئیال ما أیا

تدحرج البرمیل منحرفا عن سبیلھ األول ، ومضى في دربھ . أن البرمیل لن یصل أبدا إلى منصة الشحن إال

من فراشة زاھیة األلوان تحوم حول زھرة قرببالمر البرمیل . الجدید مبتعدا عن نقطة الشحن شیئا فشیئا

ینبثق جمیلة ، ولكن ھل لة ذلكمحصالبد أن تكون ففراشة جمیلة تحوم حول زھرة نرجس جمیلة ، . نرجس

القبح دائما من قبح ؟ قد تكون ھذه ھي القاعدة ، ولكن فیما یتعلق بالفراشات یولد، وھل الجمال دائما من جمال

أن جمال ، والعم فانیا بستان الكرزصاحب ، أنطون تشیخوفیخبرنا و، على اإلطالق لیست الحالةھذه فإن

:بھ، فیقول الیس أمرا مسلم الفراشات

: في الطبیعة ، تتحول شرنقة بشعة إلى فراشة جمیلة ، ولكن في حیاة البشر ما یجري ھو العكس

.تتحول الفراشة الجمیلة إلى شرنقة بشعة

مبتعدة عن البرمیل ابجناحیھحدث شيء عجیب وغریب فقد رفرفت الفراشة عند مرور البرمیل بالفراشة

الفراشة لما منمن المؤكد أنھ لو كانت ھناك عثة بدال. غیر البرمیل إتجاھھ مبتعدا عن الفراشة فالمتدحرج ،

، ولدارت حول البرمیل أبتعدت عن البرمیل ، ألن ما فیھ من زیت سیذكرھا حتما بالمصابیح ووھج أضواءھا

وبدأ إتجاھھما حدث بالفعل ھو أن البرمیل قد عدل .بدوره حول نجم المتدحرج كما یدور قمر حول كوكب یدور

ألغى . رویدأ رویدأ تدحرج البرمیل حتى وصل إلى منصة الشحن عند الشاطئ. كأنھ یعود إلى مساره القدیم

صل ووتأثیر الفراشة ، تأثیر حبة الرمل ، فتدحرج البرمیل وكأنھ لم یخضع إلى أي تأثیر خارجي على االطالق

من الرابیة إلى لمشواره ا في إكمال البرمیللیس من العسیر فھم أن یكون للفراشة دور .إلى وجھتھ المعھودة

Page 7: حكاية النورس والفراشة وحبة الرمل

7

عندما Monarch Butterfly، وھي مسافة قصیرة جدا إذا قورنت بالمسافة التي یقطعھا فراش الملك الشاطئ

إن قدر . بوسط المكسیك مادريسییرا جبال قضاء الشتاء فيلمن شمال الوالیات المتحدة األمریكیة ینبث

شبھ الناس في وقت البعث سبحانھ وتعالى ال یستحي أن یضرب بھا مثال ، فی المولىالفراشة ھو الذي جعل

. ) یوم یكون الناس كالفراش المبثوث (: بالفراش بقولھ

ذات مرة بأنھ فراشة ، قد حلم ، وھو من أشھر فالسفة الطاویة تشانغ تسيتروي كتب الفلسفة الصینیة بأن

: فتسأل

أم أنھ فراشة حلمت بأنھا رجل ؟ ھل ھو حقا رجل حلم بأنھ فراشة

الفراشة أم جناحيھل غیر البرمیل مساره بسبب رفرفة : یحق لنا أن نتساءل ھذا ، تشانغ تسيعلى حلم قیاسا

قد جعلت البرمیل یغیر مساره ، ویعود إلى سیرتھ األولى ؟ لجناحیھاأن الفراشة برفرفتھا

.برمیل أو فراشة : ھذا سؤال قد ال یستطیع اإلجابة عنھ في كامل الوجود إال شیئان ، وھما

وما توفیقي إال باهللا

فرید أبوسرایا

ھـ 1436 ذو القعدة 1م الموافق 2015أغسطس 16، األحد