88

مسالك السعادة

  • Upload
    -

  • View
    44

  • Download
    10

Embed Size (px)

DESCRIPTION

مسالك السعادة

Citation preview

٥ ادةمسالك السع

املقدمةاحلمد هللا الواحد القهار، العزيز الغفار، الذي أيقظ من اصطفى من خلقه، فأدخله يف مجلة األخيار، ووفق من اختار مـن خلقـه، فجعله من األبرار، وبصر من أحبه من خلقه للحقائق، فزهـدوا يف هذه الدار، فاجتهدوا يف مرضاته، والتأهب لدار القرار، وأشهد أن

.هللا وحده ال شريك له، وأشهد أن حممدا عبده ورسولهال إله إال ا :أما بعد

فإن أصدق احلديث كتاب اهللا ـ تعاىل ـ وخري اهلدي هدي "، وشر األمور حمدثاهتا وكل حمدثة بدعة وكـل بدعـة حممد، :وبعد". ضاللة

فإنين ملا نظرت غفليت عن اكتساب الزاد املبلغ ليـوم املعـاد، فيما ال ينفعين يف معادي عزمت على مجع ورأيت أوقايت قد ضاعت

واحلكماء يف بيان أمـر ما تيسر من الكتاب والسنة وكالم العلماءالدنيا متضمنا أهم األدوية، والعالج من القلق النفسي، ممـا لعلـه يكون سببا نافعا يل وإلخواين، راجيا الثواب من املوىل ـ سبحانه

مشوقا للقـارئ، وتعاىل ـ وحرصت أن يكون العرض واألسلوب .وبعيدا عن السأم يف التعبري والترتيب

فيا أيها القارئ له إن وجدت زلال، فاصفح عنه، فقـد أىب اهللا أن يتم إال ما يسره، وإين ألسأل اهللا أن جيزي من أعانين على مجع مادته ومن عاون يف إخراجه خريا، وما كان من توفيق فمـن اهللا،

الك السعادةمس ٦

تقصري فمن أنفسنا، ونسـأل اهللا وحنمده على ذلك، وما كان من .املغفرة

وف الرحيم رب العرش العظيم أن جيعله ؤأسأل اهللا العظيم الر .خالصا لوجهه الكرمي

وصلى اهللا على حممد، وآله وصحبه أمجعني املؤلف

* * * * *

٧ ادةمسالك السع

تقدمياحلمد هللا، مث احلمد هللا، على ما يسره يل من تصنيف رسـاليت

ا انصراف أكثر الناس إىل الدنيا، وعزوفهم هذه، وقد كان الباعث هلواهللا أسـأل أن . من الـدنيا )١(عن اآلخرة، حىت جتاوزوا نصيبهم

ينفعين وإخواين من املسلمني، وحسيب منـهم دعـوة صـاحلة، أو نصيحة صادقة، وألجل هذا كتبت، لنلتقي يف طريق مـن طـرق

، فكل )مسالك السعادة(اخلري، ودرب من دروب احملبة، لنلتقي يف إنسان على وجه البسيطة يسعى إىل السعادة، قد خيتلف النـاس يف مذاهبهم، ومبادئهم وغاياهتم، إال غاية واحدة، إهنا طلب السعادة، ولكن كثريا منهم خيطئ هذه الطريق، وكم من مستقيم ضل عـن الطريق، وفاجأه هادم اللذات، فلم حيقق السعادة يف الدنيا، ولـن

ومنهم من أصاب كثريا منها فعاش عيشة هنيئة حيققها يف اآلخرة،وحيي حياة طيبة، ومنهم ما هو بني بني، حبسب ما وفق لـه اهللا، ولكن يأىب اهللا إال أن يتم نوره، فانبعث الكثريون مـن غفلتـهم، وأحسوا بالتقصري يف حق اهللا، وآخرون سئموا حياة الشقاء وضنك

م يف جنـب اهللا العيش، فتوجهت ركائبهم نادمني على تفـريطه وعصياهنم، وها هم يتلمسون طريقهم من الظلمات إىل النور بإذنه

ولقد تكفل اهللا ملن التـزم بدينـه أن . ويهديهم إىل صراط مستقيممينحه احلياة السعيدة، الصافية من األكدار، وأن يؤمنه من اخلـوف واجلزع، وأن يعيش عيشة هنيئة مفعمـة بالسـكينة والطمأنينـة،

.مما أباح اهللا من الطيبات (١)

الك السعادةمس ٨

ـ والراحة فمن تبع هداي : النفسية، يقول احلق ـ تبارك وتعاىل ].٣٨: سورة البقرة، اآلية[ فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون

إن هذه اآلية الكرمية تشري إىل مقومات السـعادة يف الـدنيا واآلخرة، إنه االلتزام هبذا الدين، وتطبيقه يف واقع احلياة، وجماهـدة

فالسعيد هو الذي يتقي . لنفس وتطويعها لالستقامة على منهج اهللا .اهللا ربه، ويلتزم هذا الدين، فهو حيصل خريي الدنيا واآلخرة

ولســت أرى الســعادة مجــع مــالــعيد ــو السـ ــي هـ ــن التقـ ولكـ

لقد ظن قوم السعادة يف الغىن، ورخاء العيش، ووفرة النعـيم، د اليت ارتفع فيهـا مسـتوى املعيشـة، ورفاهية احلياة، لكن البال

وتيسرت ألبنائها مطالب احلياة املادية مـن مأكـل، ومشـرب، وملبس، ومسكن، ومركب مع كماليات، ال تزال تشكو من تعاسة احلياة، وحتس بالضيق، واالنقباض، وتبحث عـن طريـق آخـر للسعادة، وأكرب شاهد على ذلك واقع احلياة يف أوربا على الـرغم

قدم العلمي الذي تعيشه، وإن من مظاهر التعاسة اليت تعيشها من التأوربا تفشي االنتحار، وتفكك األسر، ومترد األبناء علـى اآلبـاء، وانتشار املخدرات، واملسكرات، واللجوء إليها للتخلص من مهوم

.الدنيا، وواقع احلياة

إن أوربا مل تصل إىل هذه احلالة إال ملا طرحت الدين جانبـا تمت بتحقيق مطالب اجلسد على حساب الروح، فأظلم قلبها، واه

وضلت الطريق فضيعت اهلدف، وتلك نتيجة طبيعية لكل من حاد

٩ ادةمسالك السع

عن جادة الصواب، وتنكر هلذا الدين، وما يعيشه كثري من املسلمني اليوم من قلق وهم واكتئاب وكدر وأمراض نفسية وعصـبية وأرق

بعد عن هذا الدين، والتعلق بغـري يف النوم ما هو إال نتيجة طبيعية لل .اهللا من هوى وشهوة عاجلة

فاإلنسان مهما توافرت له سبل الراحة واملعيشة فلن جيد لـذة احلياة وطيب العيش إال إذا وثق صلته باهللا، وعلق قلبه به، ومتسك

في بيـوت أذن اللـه أن ترفـع : بدينه واعتز به، وأقام الصالةرجـال لـا * فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ويذكر

تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكـاة الله أحسن ليجزيهم * يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار

ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب ].٣٨ - ٣٦: سورة النور، اآليات[

إن اإلنسان بدون الركون إىل اهللا والتعلق به وااللتجـاء إليـه يصبح حيوانا يتبع غرائزه ويعشق ذاته ويدور حول منفعته، عكس

سلم الصادق الذي ينطلق من تعاليم دينه فيحسب للناس اخلـري املويكره هلم الشر ويشمر ساعديه يف مساعدة بائسهم ويكشف عن

.ساقيه لإلسراع بقضاء حاجات ملهوفهم :أخي املسلم

إن من أهم ما يتميز به املسلم واملسلمة اللذان تعلق قلبامها باهللا تلـك الراحـة النفسـية وطبقا يف حياهتما شرعه وامتثال أمـره

واالطمئنان القليب فال ترامها إال مبتسمني حىت يف أحلك الظـروف

الك السعادةمس ١٠

وأقسى احلاالت، فهما يدركان أن ما أصاهبما مل يكن ليخطئهمـا وأن ما أخطأمها مل يكن ليصيبهما، فال يتحسران لفوت حمبوب وال يتجهمان حللول مكروه فرمبا كان وراء احملبـوب مكـروه ووراء

وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسـى ه حمبوب املكرو .أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون

ال تغرمها زخارف الدنيا وإن كانا ال يتركان نصيبهما منـها ا بالغصـص والنكـد، ال ملعرفتهما أن الدنيا بقصر عمرها وامتالئه

تستحق أن يغضب اإلنسان من أجلها وال أن يتحسر لفوت شـيء منها فهي ال تساوي شيئا مع اآلخرة دار القرار حيث النعيم األبدي فيما ال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على قلب بشر واقرؤوا

أعين جزاء بمـا فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة: إن شئتم .كانوا يعملون

إن لذة احلياة ومجاهلا وقمة السعادة وكماهلا ال تكون إال :أخييف طاعة اهللا اليت ال تكلف اإلنسان شيئا سوى االستقامة على أمـر اهللا وسلوك طريقه ليسري اإلنسان يف احلياة مطمئن الضمري مرتـاح

طلق احمليا، يعفو عمن ظلمه ويغفر البال هادئ النفس، دائم البشر، حيب قضاء حاجات . زلة من أساء إليه، يرحم الصغري ويوقر الكبري

الناس ويكون يف خدمتهم ، ويتحمل أذاهم مث ال يفرط يف صـغري وال كبري من اهللا، بل حيرص على كل عمل يقربه إليه ويدنيه منـه

وت رأى فيه فإذا نزلت به املصائب تلقاها بصرب ورضا، وإذا جاء امل .خالصا من نكد الدنيا ورحلة إىل دار اخللود

١١ ادةمسالك السع

:أخي احلبيبيف هذه الصفحات جمموعة إرشادات، وثلة توجيهات عنـدما تطبقها يف واقع حياتك وحترص على التشبث هبا وتندم على فواهتا ستنقلب حياتك من شقاء إىل راحة، ومن تعاسة إىل سعادة، بـل

هلا نظرة أخرى، وقـد دفـع إىل ستحس للحياة طعما آخر وتنظركتابتها حب اخلري وابتغاء األجر والرغبة يف اإلصالح، فإىل تلـك

.املسالك وفقك اهللا* * * * *

تعريف السعادة

هي ضد الشقاوة، وأهل التربية وعلماء النفس، : عند أهل اللغةذلك الشعور املستمر بالطمأنينة والبهجة : يقولون بعبارة موجزة هي

القلب وسروره، وهذا الشعور يأيت نتيجة لإلحساس الدائم وراحةخبريية الذات وخريية احلياة، وخريية املصري، واحلياة السعيدة هـي اهلدف األمسى لكل إنسان، وقد اختلف الناس يف مفهوم السـعادة،

ومنهم مـن يراهـا يف . فمنهم من يرى أهنا يف املال واجلاه والثراءستقرار، ومنهم من يرى أن السعادة تكون صحة البدن، واألمن واال

يف املسكن الواسع واملأكوالت اللذيذة والزوجة الصاحلة، وبعضهم يرى أن السعادة يف اإلميان والعمل الصاحل، وال مانع من دخول ما

: ذكر يف مفهوم السعادة، ويالحظ أن السعادة تنقسم إىل قسـمني ة أخروية دائمـة ال سعادة دنيوية مؤقتة بعمر قصري حمدود، وسعاد

الك السعادةمس ١٢

انقطاع هلا، وأن السعادة يف الدنيا واآلخرة إمنا هي للمؤمنني املتقني، ـ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهـو : كما قال ـ تعاىل

ا مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كـانو ].٩٧: سورة النحل، اآلية[ يعملون

واحلياة الطيبة يف الدنيا راحة القلب، وطمأنينة النفس، والقناعة برزق اهللا، وإدراك لذة العبادة، وأعين ما جيده املسلم مـن راحـة النفس، وسعادة القلب، وانشراح الصدر، وسعة البال أثناء العبـادة

تفاوت من شخص إىل شـخص وعقب االنتهاء منها، وهذه اللذة ت .حسب قوة اإلميان وضعفهـ لقد كان رسول اهللا، : ، يقول لبالل ـ رضي اهللا عنـه

ملا جيده فيها من اللذة والسعادة القلبية، . »أرحنا بالصالة يا بالل«، لصالة الليل، دليل على ما جيده يف الصالة من األنس وإطالته،

ها جمموعة يف طاعة اهللا ورسوله، والسرور مبناجاة ربه، والسعادة كلومن يطع الله ورسـوله : والشقاوة كلها يف معصية اهللا ورسوله

ومن يعص ، ]٧١: سورة األحزاب، اآلية[ فقد فاز فوزا عظيما: سورة األحـزاب، اآليـة [ الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا

٣٦.[ ** * * *

١٣ ادةمسالك السع

أسباب زوال احلزن واالكتئابإن ماديات احلياة وزينتها اليت بدت وأظهرت مفاتنها بـأهبى مظاهر الزينة قد أغرت النفوس والقلوب فتهافتت سوائدها، وقـد عاد هذا األمر على واقع القلوب باهلزمية وسرت يف أوصاله أمراض

ـ ت والقلـق، القلوب، حىت عرفنا يف دنيانا العقد النفسية، والكبوالعزلة، وما إىل ذلك من رصيد األمراض النفسية فـإذا تعـرض القلب لفنت السراء والضراء فال يثبت إال أصحاب البصرية، الـذين عمر اإلميان قلوهبم فاستنارت قلوهبم بنور اإلميان، فأدركـت مـا ينفعها وما يضرها، وانعكست آثاره على اجلوارح ، ومعرفته بذلك

يحصل له من االبتهاج واللذة ما يدفع عنه الكـرب توجب حمبته، ف .واهلم، وجيلب له الفرح والسرور

فالشخصية اإلميانية إذا أصاهبا شيء مـن الـوهن والضـعف ففي ذلك إحساس عميق بالطمأنينة . رجعت إىل اهللا، والتجأت إليه

والرضا مبا أصابه، ألن عقيدتنا حنن املسلمني يف القضاء والقـدر، اإلنسان أن األمور مفروغ منها، ومكتوبة متنعنـا مـن عندما يعلم

اليأس والقنوط، وجيب على املسلمني أن يتمسكوا بسـنة نبـيهم، وما آتـاكم : ويعملوا هبا، وذلك ألن اهللا ـ عز وجل ـ يقول

: سورة احلشر، اآليـة [ الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، فقد فاز فـوزا عظيمـا، ك هبدي الرسول، فمن استمس]. ٧

!ومن أعرض فقد خسر خسرانا مبينا، كان أكمل اخللق يف كل صفة واملقصود أن رسول اهللا،

الك السعادةمس ١٤

حيصل هبا انشراح الصدر واتساع القلب، وقرة العني وحياة الروح، وأكمل اخللق متابعة له أكملهم انشراحا ولذة وقرة عني، وعلـى

، يف ذروة ال العبد من انشراح صدره فهو، حسب متابعته له ينالكمال من الشرح ورفع الذكر ووضع الوزر، وألتباعه من ذلـك حبسب نصيبهم من اتباعه، وهلم نصيب من حفظ اهللا هلم وعصمته إياهم، ودفاعه عنهم، إعزازه هلم، حبسب نصيبهم مـن املتابعـة،

جد غـري فمستقل ومستكثر، فمن وجد خريا فليحمد اهللا، ومن و .)١(ذلك فال يلومن إال نفسه

إننا نرى بعض االضطرابات : يقول بعض املعاجلني النفسانيني النفسية ليست بسبب عوامل بيولوجية أو اجتماعية بقدر ما هـي بسبب اخلواء الروحي الذي حيتاج إىل تروية باملعاين العميقة لإلميان،

ج هذا اجلانـب، واملناهج الصحيحة للعبادات، ومبجرد أن يتم عالتتغري حاالت هؤالء املرضى، فهذا اجلانب الروحي أمهله املعـاجلون النفسانيون من املسلمني، فينبغي أن يكون عالج األمراض النفسية، عالجا جيمع بني اجلوانب البيولوجية والنفسية، وبـني اجلوانـب

.الروحية من جهة أخرى* * * * *

من حديث ) ٢٥٧٧(اقتباس من احلديث القدسي الطويل املخرج يف صحيح مسلم (١)

. عنهأيب ذر رضي اهللا

١٥ ادةمسالك السع

الشجاعةيتذوق اخللجات اإلنسانية املنبثقـة اإلنسان احلكيم، هو الذي

من الفرح، واحلب، والصفاء، والثراء، والسالم، ليسـعد ويعـيش بعيدا عن املنغصات واملكدرات، فالسعادة من صميم هذه الـدنيا، والذين يقاسون ويتأملون ما هم إال الـذين انتفـت شـجاعتهم، وجتسمت خماوفهم، وأصبحوا يعيشون بأنفـاس الهثـة، وعيـون

حظة، وقلوب قانطة، هؤالء الذين يتخبطـون يف مصـاعبهم، جاويعيشون يف رعب ال يرمي، جيب أن يراجعوا أنفسهم، ويفعلوا مـا هو خليق هبم، لكي تتبدل نظرهتم إىل احلياة، ويتغري موقفهم مـن احلياة، وبذلك يعثرون على الضمانة، فال خيافون، وال يرتعشـون،

تطرف هلم عـني، أو خيـتلج ويواجهون احلياة بشجاعة، دون أنإحساسهم باخلوف، واجلزع، ففكر ـ أيها الصديق ـ يف السعادة،

... فكر يف مشتقاهتا، الفرح، والسرور، واحملبة، والصحة، والسـالم فكر باستمرار لتجد أن هلذا التفكري انعكاسا، وجتاوبا، ال تفكر يف

.املرض، ال تفكر يف العجز، وال تفكر يف الوهناملخاوف أبعدها حنها عن نفسك، وأقـم الصـرح كل هذه

الشامخ املوطد يف قلبك، وإال كنت كمن يستجلب الشقاء، كنت كالباحث عن حتفه بظلفه، ولكن الشجاعة ال تعين دوام الـتمين، ألن األماين ال حدود هلا، فهي تتجدد كل ساعة مع التطور احلثيث

عد ألن اخلـوف فكن شجاعا لتس. واإلغراق يف ابتداع الكمالياتكن شجاعا ألنـك . جيلب للناس أمراضا نفسية، وجسمانية قتالية

الك السعادةمس ١٦

بالشجاعة وحدها تواجه احملن، وبالشجاعة وحدها تتغلب عليهـا، .وبالشجاعة تبلغ وطرك من السعادة

ويف سجل التاريخ اإلسالمي مناذج رائعة يف حيـاة أبطـال ئك الرجـال، اإلسالم، تشهد هلم بضروب الشجاعة املتعددة، وأول

الذين علت هبم كلمة اهللا يف األرض، فأعزهم اهللا باإلسالم، وأعـز ، القدوة احلسنة فقد كان، اإلسالم هبم، ولنا يف رسول اهللا،

.)١(، أحسن الناس وأشجع الناس* * * * *

االهتمام بعمل اليوم احلاضرومن أسباب دفع القلق واشتغال القلب بـبعض املكـدرات،

لفكر على االهتمام بعمل اليوم احلاضر، وقطعه احلزن فيما اجتماع امضى على األمور اليت ال ميكن ردها، ال استدراكها، كفوات أمـر دنيوي، ألن هذه الدنيا ال تساوي شيئا بالنسبة لآلخرة، قال عليـه

ما الدنيا يف اآلخرة إال مثل ما جيعل أحـدكم «: الصالة والسالمهبذا االسم " الدنيا"وما مسيت . )٢(»يرجعأصبعه يف اليم فلينظر مب

إذ الدنيا وما . إال لدناءهتا وهواهنا، ولو عرفوا حقيقتها هلانت عليهمفيها من املظاهر اليت تسلب العقول، وتبهر العيون، ومتلك القلوب، أهون على اهللا ـ عز وجل ـ من جناح البعوضة فعندما يفقد شيئا

لـو «: ـ كر قول الرسول ـ منها ال حيزن احلزن الشديد ويتذ

.من حديث رواه البخاري ومسلم (١) .رواه مسلم يف صفة الدنيا واآلخرة (٢)

١٧ ادةمسالك السع

كانت الدنيا تعدل عند اهللا جناح بعوضة ما سقى كـافرا منـها فانظر هل جلناح البعوضة قدر أو قيمة، بـل هـل . )١(»شربة ماء

للبعوضة كلها قيمة، ومع هذا فالدنيا ال تعدل جناح هذه البعوضة ولو كان هلذه الدنيا أدىن قدر ملنع اهللا ـ عز وجل ـ الكافر مـن شربة املاء من هذه الدنيا، ألن الكافر عدو اهللا، والعدو ال يعطـى شيئا مما له قدر عند املعطي، ولكن ملا كانت هـذه الـدنيا هبـذه

ولكـن . احلقارة، فقد أعطاها اهللا ـ عز وجل ـ هلؤالء الكفـار ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ] سورة

فينبغي على اإلنسان أن يتغلب علـى احلـزن، ]. ٣: احلجر، اآليةما أصاب من مصيبة في :: ولذلك يقول اهللا ـ سبحانه وتعاىل

الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحـوا بمـا لكي* على الله يسري

: سورة احلديد، اآليتان[ آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور٢٣، ٢٢.[

فكم من إنسان ابتلى بالقلق ومالزمة األكدار، فحلـت بـه ، األمراض املتنوعة، فصار دواؤه الناجع نسيان الذي كدره وأقلقـه

واشتغاله بعمل من األعمال، أو علم من العلوم النافعة فإهنا تلـهي القلب عن اشتغاله بذلك األمر الذي أقلقه ورمبا نسي بسبب تلـك األسباب اليت أوجبت له اهلم فإن مجع القلب على ذلـك يوجـب تكميل األعمال، وأن جيتهد فيما ينفعه يف الدين والدنيا، ويسأل اهللا

.رواه الترمذي بسند صحيح (١)

الك السعادةمس ١٨

احرص على ما ينفعـك «: قال، . تعني بهجناح مقصده، ويسواستعن باهللا وال تعجزن وإذا أصابك شيء فال تقل لو أين فعلت كذا، كان كذا، وكذا، ولكن قل قدر اهللا وما شاء فعل، فإن لو

، بني األمر باحلرص علـى ، فجمع، )١(»تفتح عمل الشيطانالنقياد للعجـز األمور النافعة يف كل حال، واالستعانة باهللا وعدم ا

الذي هو الكسل الضار، وبني االستسالم لألمور املاضية، ومشاهدة قسم ميكـن حتصـيله أو : قضاء اهللا وقدره، وجعل األمور قسمنيفهذا يبـدي فيـه العبـد . حتصيل ما ميكن منه، أو دفعه أو حتقيقه

ال ميكن فيه ذلك فهذا يطمئن له، جمهوده، ويستعني مبعبوده، وقسمسلم، ويسعى يف إزالة األسباب اجلالبة للهموم، وذلـك ويرضى وي

بنسيان ما مضى وجماهدة القلب عن التفكري فيها، وكذلك جياهـد قلبه ملا يستقبله مما يتومهه من فقر، أو خوف، أو غريها من املكاره اليت يتخيلها يف مستقبل حياته، ويعلم أن األمور املستقبلية جمهولة،

ر، وآمال، وآالم، إهنا بيد العزيز احلكـيم، ما يقع فيها من خري وشوليس بيد العباد منها إال السعي يف حتصيل خرياهتا، ودفع مضراهتا،

إذا أمسـيت فـال : "وكان ابن عمر ـ رضي اهللا عنهما ـ يقول تنتظر الصباح، وإذا أصبحت ال تنتظر املساء، وخذ من صـحتك

ع اهلمـوم وال شك أن هذا يـدف . )٢("ملرضك، ومن حياتك ملوتكويهوهنا ويزيل من شدهتا وخصوصا إذا شغل نفسه مبدافعتها حبسب مقدوره مع اعتماده يف ذلك على اهللا وحسن الثقة به، ومىت اعتمد

.٢٨٢٢: ، ومسلم١١/٢٧٤متفق عليه، عند البخاري (١) .رواه البخاري (٢)

١٩ ادةمسالك السع

القلب على اهللا وتوكل عليه ومل يستسـلم لألوهـام وال ملكتـه اخلياالت السيئة ووثق باهللا وطمع يف فضله انـدفعت عنـه تلـك

ثري من األسقام، وتبدل عسره يسرا، وخوفـه اهلموم، وزالت عنه كيروى أن أحد الصاحلني قد امتأل صدره ضيقا ونكدا ومها من . أمنا

البالء الذي هو فيه، وتعذرت عليه األمور حىت كاد يقنط، فكـان :ميشي وهو يقول

أرى املــــوت ملــــن أمســــىــلح ــه أصـ ــذل لـ ــى الـ علـ

:فهتف به هاتف يسمع صوته وال يرى شخصه قائالـ ــ ــرء الـ ــا املـ ــا أيهـ أال يـ

ذي اهلـــــم بـــــه يـــــربح ــر ــك األمــ ــاق بــ إذا ضــ

ــرح ــر يف أمل نشــــ ففكــــــرون ــر مقــ ــإن العســ فــ

بيســــرين فــــال تــــربح قال فواصلت قراءهتا يف صاليت فشرح اهللا صدري، وأزال مهي

.)١(وكريب وسهل أمري* * * * *

.يعين سورة االنشراح (١)

الك السعادةمس ٢٠

كباتتقدير أسوأ االحتماالت سبب يف ختفيف النواإلنسان إذا أصيب مبصيبة فتصورها أكرب مما هي عليه، مث علم حجمها احلقيقي يطمئن ويرتاح ، فمثال إذا أصيب رجـل مـا يف حادث سيارة وأغمى عليه، وقد تصور أن كل عائلته قد ماتت يف احلادث فعندما يستيقظ يصاب حبزن شديد، ولكن عندما خيرب بأنه

فما حصل . احلمد هللا: مثال فسيقولمل ميت من أوالده سوى اثننيهلذا الشخص أنه كان حتت غم شديد، مث ملا اكتشـف أن األمـر

.أهون مما تصوره هانت عليه مصيبتهفإذا أصيب أحد مبصيبة فعليه أن يقارن مصيبته باألسوأ حاال،

، فقد روت عائشـة ويتذكر املصيبة الكربى، وهي وفاة النيب، ، بابا بينه وبـني فتح رسول اهللا، : لتـ رضي اهللا عنها ـ قا

الناس أو كشف سترا فإذا الناس يصلون وراء أيب بكر فحمـد اهللا . على ما رأى من حسن حاهلم ورجاء أن خيلفه اهللا بالذي رآهـم

أيها الناس أيما أحد من الناس أو من املـؤمنني أصـيب «: فقال، فإن أحدا من فليتعظ مبصيبته يب عن املصيبة اليت تصيبه بغريي

.)١(»أميت لن يصاب مبصيبة أشد عليه من مصيبيتفإذا أصيب أحد مبصيبة ما فعليه أن يتلقـى ذلـك بطمأنينـة ويوطن نفسه على احتمال املكاره، ويعلم أن ما يأتيه هو من عنـد اهللا، وأن ذلك وقع من اهللا ابتالء ليمتحن صربه ورضاه وشكواه إليه

ولنبلونكم بشيء : قال ـ تعاىل ـ. لدعاءوتضرعه وابتهاله إليه با

.وفيه موسى بن عبيدة ضعيف. أخرجه ابن ماجة (١)

٢١ ادةمسالك السع

من الخوف والجوع ونقص من الأموال والـأنفس والثمـرات الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه * وبشر الصابرين

ولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هـم أ* راجعون ].١٥٧ - ١٥٥: سورة البقرة، اآليات[ المهتدون

فال يأس وال خوف، وال قنوط ، بل تسليم واسترجاع، فهـذا البلسم الروحي للمشكالت اليت تقعد من ال يعرف اهللا، وتكـون

راضه، ويعلم اإلنسان أن اهللا ابـتاله سببا يف سخطه وزيادة حدة إعيف الدنيا رمحة ومحية، لئال يسكن إليها ويطمئن هبا، وأن املصـائب

إن اهللا إذا أحب قوما «: قد تكون عالمة على حمبة اهللا له قال، .، وأن يرغب يف النعيم املقيم إىل جواره)١(»ابتالهمبتاله ليعافيه، فساقه إىل ذلك بسياط االبتالء ، فمنعه ليعطيه وا

وأماته ليحييه، وطوىب ملن جيتهد يف طاعة ربه، مقرا بفضله، شاكرا .له أنعمه

* * * * *

.١٧٠٢: يح اجلامعصح: رواه أمحد (١)

الك السعادةمس ٢٢

النظر إىل من هو أسفل: قال رسول اهللا، : عن أيب هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ قال

وال تنظـروا إىل مـن هـو )١(انظروا إىل من هو أسفل منكم«وهذا يعين . )٢(»عمة اهللا عليكمفوقكم، فإنه أجدر أن ال تزدروا ن

إذا حلت أسباب اخلوف، والفقر، والعدم ملا يرجوه من احملبوبـات فإنه ينظر إىل من هو أسوأ حاال منه، فالفقري ينظر إىل من هو أفقـر منه، فيدرك نعمة اهللا عليه، ويف احلديث ـ أيضا ـ دواء الـداء،

ؤثر ذلك فيـه ألن الشخص إذا نظر إىل من هو فوقه مل يأمن أن يحسدا، ودواؤه أن ينظر إىل من هو أسفل منه، ليكون ذلك داعيا له

صحبت األغنياء فلم أجد أحدا : "قال عون بن عبد اهللا. إىل الشكرأكرب مها مين، أرى دابة خريا من دابيت، وثوبا خـريا مـن ثـويب،

". وصحبت الفقراء فاسترحتطنة الدينية والدنيوية وكلما تأمل اإلنسان نعم اهللا الظاهرة والبا

رأى ربه قد أعطاه خريا كثريا، ودفع عنه شرورا متعددة، فـاملؤمن حقا هو الذي يعتز مبا آتاه اهللا من نعمة اهلداية إىل اإلميان والتوفيـق إىل الطاعة، وعليه بالصرب عن التطلع إىل دنيا اآلخرين، واالغترار مبا

ملغرورين منهم، فإن مـا ينعمون به من مال وبنني، وخباصة الطغاة ابأيديهم إمنا ظاهره نعمة، وباطنه نقمة، وهذا ما وصف به القـرآن أهل البصرية من قوم موسى الذين خرج عليهم قارون يف زينتـه

.يف متع احلياة وأمور الدنيا (١) .رواه البخاري ومسلم (٢)

٢٣ ادةمسالك السع

يا : وفخامة موكبه، فقال الذين يريدون احلياة الدنيا يف متن وحتسرسـورة [، و حـظ عظـيم ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذ

أما موقف أهل العلم واإلميان وذوي البصرية ]. ٧٩: القصص، اآليةـ وقال الذين أوتوا : والصرب فقد ورد ذكرهم يف قوله ـ تعاىل

العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاهـا ].٨٠: سورة القصص، اآلية[ ابرونإلا الص

* * * * *

الك السعادةمس ٢٤

معرفة اإلنسان نفسهوأعين بذلك أن يعرف اإلنسان أنه ملك هللا ـ تعـاىل ـ أوال وآخرا، واهللا هو الذي خلقه من عدم، ومنحـه احليـاة واحلـس واحلركة، ووهب له السمع والبصر والفؤاد، وأسبغ عليـه نعمـه

حة وقوة فهي من اهللا، وإن كان له ظاهرة وباطنة، إذا كان لديه صمال فهو من اهللا، وإن كان عنده ولد، فهو من اهللا، وصدق اهللا إذ

].٥٣: سورة النحل، اآلية[ وما بكم من نعمة فمن الله: يقولفإذا نزل باملرء نازل سلبه شيئا مما عنده، فإمنا استرد صاحب

للمودع أو املستعري أن يسـخط امللك بعض ما وهب، وال ينبغي على املالك إذا استرد يوما من الدهر، وديعته، أو عاريته، وقدميا قال

:لبيبــع ــون إال ودائ ــال واألهل ــا امل وم

والبــد يومــا أن تــرد الودائــع : ومعىن الصرب عليها. فالرجل كل الرجل من يصرب على العافيةعنـده، وعسـى أن أال يركن إليها، ويعلم أن كل ذلك مستودع

يسترجع على القرب، وأال يرسل نفسه يف الفرح هبا وال ينهمك يف التنعم، واللذة، واللهو، واللعب، وأن يرعى حقـوق اهللا يف مالـه باإلنفاق، ويف بدنه ببذل املعونة، ويف لسانه بالصدق، وكـذلك يف

، ويعلم أن املال ظل زائـل، وعاريـة )١(سائر ما أنعم اهللا به عليه

.الغزايل ٦٩ص ١إحياء علوم الدين ـ جـ (١)

٢٥ ادةمسالك السع

تردة، وال يبايل مبظاهر األهبة، والزينة اليت يتمتع هبـا أصـحاب مس* أيحسبون أنما نمدهم به مـن مـال وبـنني : الثروات منهم

سـورة املؤمنـون، [ نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ].٥٦، ٥٥: اآليتان

* * * * *

الك السعادةمس ٢٦

لقدراإلميان بالقضاء وااإلميان بالقضاء والقدر يكسب اإلنسان املؤمن الكـثري مـن الصفات احملمودة، فالنعمة ال تبطره واملصيبة ال تزعزع إميانه، ألنـه يعلم أن كل ذلك من تقديره وتدبريه ـ سبحانه وتعـاىل ـ وال يكون شيء إال بإرادته، وال خيرج شيء عن مشيئته، وال حميد عـن

خط يف اللوح املسطور، خلق اخللق، تجاوز ماالقدر املقدور، وال يخلق : وأفعاهلم، وقدر أرزاقهم، وآجاهلم، يهدي من يشاء حبكمته

].٢: سورة الفرقان، اآلية[ كل شيء فقدره تقديراوأن اهللا ـ تعاىل ـ إذا حكم وقضى أحب أن يرضى به، فإنه ال

ى أن اهللا ـ تعـاىل ـ قـال راد لقضائه، وال معقب حلكمه ، ويرويا داود إنك تريد وأريد ، وإمنا يكون ما أريد ، «: لداود، عليه السالم

فإن سلمت ملا أريد كفيتك ما تريد ، وإن مل تسلم ملا أريد أتعبتـك فمن رضي بقضاء اهللا جرى عليه . »فيما تريد، مث ال يكون إال ما أريد

عليه وحـبط عملـه، وكان له أجر، ومن مل يرض بقضاء اهللا جرى واإلميان بالقدر، والرضا بالقضاء هو الذي عصم املسلمني من اآلفـات اليت تصيب أنفس املالحدة مما جيعلهم إذا أصابتهم مصيبة ضاقت الدنيا يف وجوههم، وختلصوا من دنياهم يف محق ونزق، وال ترى ذلك بـني

: ل، يقـو املسلمني ولنا يف رسول اهللا أسوة حسنة، حيث كـان، .)١(»آمنت بالقدر خريه وشره وحلوه ومره«

* * * * *

.٤١، ٤٠: ١: أخرجه الطرباين يف الكبري كما يف اجملمع (١)

٢٧ ادةمسالك السع

الصربالصرب أكثر أعمال اإلميان وأعزها، وجعله اهللا حصنا حصينا ال يهدم، وجندا غالبا ال يهزم، فهو والنصر أخوان، فالنصر مع الصرب،

.والفرج مع الكرب، والعسر مع اليسرال حيظـى هبـا إال وجعل اهللا النجاة من النار، والفوز باجلنة

ـ . الصابرون إني جزيتهم اليـوم بمـا : قال اهللا ـ عز وجل وأخرب ]. ١١١: سورة املؤمنون، اآلية[ صبروا أنهم هم الفائزون

إن الإنسان لفي * والعصر : ـ سبحانه وتعاىل ـ مؤكدا بالقسم آمنوا وعملوا الصالحات وتواصـوا بـالحق إلا الذين * خسر

].سورة العصر[ وتواصوا بالصبروالصرب يعطي للمسلم فرصة يفكر فيما ينفعـه، ويتـروى يف أمره، فال يقدم إال على ما هو حمقق النفع، وينري له الطريق، ويأخذ

را علـى الصـواب، بيده إىل أجنح املقاصد، فال يزال مهتديا مستموحتمل املكاره بنفس املؤمن املطمئنة، راضيا بقضاء اهللا، وتلك نعمة

.كربى :أخي العزيز

تذكر وأنت تالقي املكاره وتتقلب من شدة إىل شدة، وميسك إنه من يتق ويصبر فإن الله لـا : ما حل بك من الكروب واحملن

ولو فتشـت ]. ٩٠: سورة يوسف، اآلية[ ننييضيع أجر المحسيف بالد العامل مدنا وقرى بل وبيوتا ، ملا وجدت فيها أحدا خاليـا من البالء على اختالف أنواع الباليا، وأن يف ذلـك مصـلحة ال

الك السعادةمس ٢٨

يعلمها إال اهللا، وأن أمر الرضا والصرب على البالء من األمور الـيت وأن هللا على العبد عبوديـة يف رفع من شأهنا اإلسالم ومدح أهلها،

عافيته ويف بالئه، فعليه أن حيسن صحبة العافية بالشكر، وصـحبة البالء بالصرب، وذلك بتلقي احملاب واملسار بقبول هلا وشكر عليها، وبتلقي املكاره بالصرب اجلميل واحتساب األجر والثواب عند اهللا ـ

ديث الصـحيح ، عن هذا يف احل تعاىل ، كما عرب رسول اهللا، عجبا ألمر املؤمن إن أمره كلـه خـري، إن «: الذي رواه مسلم

أصابته سراء شكر فكان خريا له، وإن أصابته ضراء صرب فكان .)١(»خريا له، وليس ذلك ألحد إال للمؤمن

فخري عيش أدركه السعداء بصربهم، وترقوا إىل أعلى املراتـب .بشكرهم

* * * * *

.رواه مسلم (١)

٢٩ ادةمسالك السع

التداوييستخدم كل األساليب السـابق ) املسلم(سي إن الطبيب النف

إن مرضك وحالتك معروفـة، ومثلـك : ذكرها، ويقول للمريضكثري، وهناك من هو أشد منك بالء وأسوأ حاال، وهذا املرض لـه عالج فريتاح املريض من كالم الطبيب، واملتأمـل يف النصـوص الشرعية اليت وردت يف التداوي ال جيد أي تعارض بـني العـالج

وهي اليت تكون باآليات القرآنيـة، : "االستشفاء بالرقية الشرعيةو". واألذكار الواردة، والثابتة يف السنة، وغريها مما ليس فيه شـرك

".كاألدوية، والكهرباء، وغري ذلك: "وبني العالج باألسباب املادية: ، بالتـداوي فقـال وحض اإلسالم على التداوي وأمر،

إن اهللا مل يضع داء إال ووضع له داء غـري تداووا يا عباد اهللا ف« .ويف الصحيحني عن أيب هريرة. )١(»داء واحد، اهلرم

ما أنـزل اهللا مـن داء إال «: ـ قال رسول اهللا ـ : قال .)٢(»وأنزل له شفاء

لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الـداء بـرئ «: وقال، ـ سباب من فإن ارتباط املسببات باأل. )٣(»بإذن اهللا ـ عز وجل

سنة اهللا يف خلقه، بل ال تتم حقيقة التوحيد إال مبباشرة األسـباب اليت نصبها اهللا مقتضيات ملسبباهتا قدرا وشرعا، وحنـن نعلـم أن

).٢٩٣٠: (صحيح اجلامع رقم: رواه أمحد واحلاكم (١) .يف الطب ١٠/١١٣: أخرجه البخاري (٢) ).٥١٦٤(رواه أمحد واحلاكم صحيح اجلامع رقم (٣)

الك السعادةمس ٣٠

أنا مؤمن بقدر اهللا، وسريزقين اهللا ولدا بدون زوجة، : الرجل لو قال كما أنه لو قال أنا أؤمن بقـدر اهللا، !! لو قال هذا لعد من اجملانني

ولن أسعى يف طلب الرزق، مث مل يتخذ أي سبب للرزق لعد ذلك فاإلميان بالقدر ال ينايف األسباب الشرعية أو احلسـية، !! من السفه

وليس من التوكل ترك األسباب كترك العمل وكسب الـرزق، أو إمنا التوكل أن تأخذ باألسـباب، . ترك التداوي والعالج من املرض .خالقك يف النتائج وعليك أن تتوكل بقلبك على

تقويـة لـنفس املـريض . »لكل داء دواء«: ويف قوله، والطبيب، وحث على طلب ذلك الدواء، والتفتيش عليـه، فـإن املريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله، تعلق قلبه بـروح الرجاء، وبردت عنه حرارة اليأس، وانفتح له باب الرجاء، ومـىت

رارته الغريزية، وكان ذلـك سـببا لقـوة قويت نفسه، انبعثت حاألرواح احليوانية، والنفسانية، والطبيعية، ومىت قويت هذه األرواح

.قويت القوى اليت هي حاملة هلا، فقهرت املرض ودفعتهوكذلك الطبيب، إذا علم أن هلذا الداء دواء أمكنـه طلبـه

ـ ريض والتفتيش عليه، فإن علمه الطبيب واستعمله، وصادف داء امل .أبرأه بإذن اهللا ـ تعاىل ـ

* * * * *

٣١ ادةمسالك السع

العالج الديينالعالج الديين يبدو مفيدا يف بـث الطمأنينـة، وزرع الثقـة بالنفس، وتقوية شخصية اإلنسان املؤمن الذي ال يكون هنبا للقلـق وال تساوره الشكوك، والوساوس، وأساليب العالج الدينية كثرية،

ادات اليت أمر اهللا عبـاده بااللتجـاء وكلها مستمدة من أنواع العبإليها، مثل الدعاء واإلحسان، واخلوف والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، واخلشوع واخلشية، واإلنابة، واالسـتعانة، واالسـتعاذة،

وهي القراءة والنفث باآليات واألذكار الـواردة : والعالج بالرقىشرك، وأما ما يزيده بعض والثابتة يف الكتاب والسنة، مما ليس فيه

.الناس من ضرب، وخنق وغري ذلك، فليس له سند يف الشرع* * * * *

الك السعادةمس ٣٢

اإلقبال على القرآن يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في

].٥٧: سورة يونس، اآلية[ الصدور وهدى ورحمة للمؤمننيقل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ،]سورة فصلت، اآلية :فليقرأه املسلم وليستشفي به، ويعمل مبا فيه لينعم بالراحـة ]. ٤٤

.النفسية والطمأنينة القلبيةالقرآن كالم ريب، وإنين ألستحيي أن : قال أحد العلماء العاملني

فهذا القرآن يهدي لليت هـي مير علي يوم ال أنظر إىل كالم ريب، أقوم، ويبشر املؤمنني الذين يعملون الصاحلات، وينذر من كان حيا، ألن تلك اآليات تنزل بردا وسالما على قلب املؤمن، فال تعصف به رياح الفتنة، ويرد على الشبهات اليت يثريها أعداء اإلسـالم مـن

الصحيحة، اليت الكفار واملنافقني، ويزود املسلم بالتصورات، والقيم يستطيع من خالهلا أن يقوم باألوضاع من حوله، واملوازين اليت هتيئ له احلكم على األمور فال يضطرب حكمه، وال تنـاقض أقوالـه أفعاله، فهو حبل اهللا املتني، والنور املبني الذي ال يأتيه الباطل مـن بني يديه وال من خلفه، من متسك به عصمه اهللا، ومن اتبعه أجنـاه

سائلني اهللا أن يساعدنا . اهللا، ومن دعا إليه هدي إىل صراط مستقيمعلى االهتداء واالستقامة على صراطه، فهـو اهلـدى، والضـياء،

: والعالج، والشفاء للناس عامة، واملؤمنني خاصة، وما ذاك إال أنـه تنزيل من حكيم حميد ]٤٢: سورة فصلت، اآلية.[

٣٣ ادةمسالك السع

ــا آي الك ــن تالي ــداويا فك ــاب م ت

ــه ــى دوائ ــي أرج ــل داء فه ــا ك هبــرت ــوم تفج ــابيع العل ــه ين فمن

وما فاض من علـم فمـن عـذب مائـه ــة ــوب ورمح ــفاء للقل ــدى وش ه

ــفائه ــى بش ــفي ذو العم ــن اهللا يش م* * * * *

الك السعادةمس ٣٤

الصالة والسالم على سيد األنام، وهي من أجنح األعمال وأرجح األقوال، وأزكـى األحـوال

وأحظى القربات، وأعم الربكات، واحملافظ عليها تكفيه مهه، وتعينه إن اهللا ـ تعاىل «: على قضاء حوائجه، وجناح مقاصده، قال،

فقد آذنته باحلرب، وما تقرب إيل )١(من عادى يل وليا : ـ قالعبدي بشيء أحب مما افترضت عليه، وما زال عبدي يتقرب إيل

ا أحببته كنت مسعه الذي يسمع به، وبصره بالنوافل حىت أحبه فإذالذي يبصر به، ويده اليت يبطش هبا ورجله اليت ميشي هبا، ولـئن

.)٢(»سألين أعطيته ولئن استعاذين ألعيذنه* * * * *

.الويل ـ القريب من اهللا باتباع أوامره واجتناب نواهيه (١) .٢٩٧ – ١١/٢٩٢رواه البخاري ـ (٢)

٣٥ ادةمسالك السع

صالة الضحىصالة الضحى وأقلها ركعتان إىل مثاين ركعات، ووقتـها إذا

، أهنا ول اهللا، فقد جاء عن رس. حلت الصالة النافلة إىل الزوالسبب لبقاء النعمة وسعة الرزق، وحفظ الصحة، وهي صالة الشكر

.على العافية، وتدفع عن صاحبها بالء يومه ذلك* * * * * الصدقة

فقد جاء أهنا تبارك يف املال، وحتفظه من املصائب، وتزيـد يف الرزق، وتبارك يف العمر، وجتلب الصحة، وهي درع قوي حيفـظ

الدهر، وحوادث الزمان، ومن سارع بتقدميها كانـت من عاديات .حصنا عظيما من شر ذلك اليوم ألن البالء ال يتخطاها

* * * * *

الك السعادةمس ٣٦

الدعاء: ومنه ما يكون وقائيا، ومنه ما يكون عالجيا، الدعاء الوقائي

اللهم إين أعوذ بك من اهلم واحلزن، والعجز والكسل، والبخل « .)١(»جالواجلنب، وضلع الدين وغلبة الر

: ، أنه قـال ما صح عن رسول اهللا، : ومن الدعاء العالجياللهم إين عبدك وابن أمتك : ما أصاب عبدا هم وال حزن فقال«

ناصييت بيدك ماض يف حكمك عدل يف قضاؤك، أسألك بكـل اسم هو لك مسيت به نفسك أو أنزلته يف كتابك أو علمته أحدا

عندك أن جتعل القرآن من خلقك أو استأثرت به يف علم الغيبإال : الكرمي ربيع قليب ونور صدري وجالء حزين وذهاب مهـي

.)٢(»أذهب اهللا مهه وحزنه وأبدله مكانه فرحا :دعاء لتفريج اهلم والغم

يا علي أال أعلمـك دعـاء إذا «: ، قال ولفظه أن النيب، أصابك غم أو هم تدعو به ربك فيستجاب لك بإذن اهللا ويفرج

وصل ركعتني وامحد اهللا وأثن عليه وصل على نبيك توضأ: عنكاللـهم أنـت : ، واستغفر لنفسك وللمؤمنني واملؤمنات، مث قل

حتكم بني عبادك فيما كانوا فيه خيتلفون، ال إلـه إال اهللا العلـي العظيم، ال إله إال اهللا احلليم الكرمي، سبحان اهللا رب السـموات

هللا رب العـاملني، اللـهم السبع ورب العرش العظيم ، احلمـد

.٤/٢٠٧٩مسلم (١) .البخاري ومسلم (٢)

٣٧ ادةمسالك السع

كاشف الغم مفرج اهلم، جميب دعوة املضطرين إذا دعوك رمحن الدنيا واآلخرة ورحيمهما ، فارمحين يف حاجيت هـذه بقضـائها

فإذا هلج اإلنسان . )١(»وجناحها رمحة تغنيين هبا عن رمحة من سواكهبذه األدعية بقلب حاضر ونية صادقة، مع اجتهاده فيمـا حيقـق

حقق اهللا له ما دعاه ورجاه وعمل له، وانقلب مهـه فرحـا ذلك، إن ربكم حيي كرمي يستحي من عبـده أن «: وسرورا قال،

.)٢(»يرفع إليه يده فريدها صفراإنه : وقبل هناية احلديث عن العالج الديين، نقول وباهللا التوفيق

من ابتعد عن دين اهللا وارتكب املعاصي وظلم نفسه أظلـم قلبـه وإن يف القرآن الكرمي والسنة الوقائية والعالج حلاالت . ل فكرهواخت

احلزن واالكتئاب وخاصة ما كان منها ألسباب خارجية، وهذا من رمحة اهللا ـ سبحانه وتعاىل ـ بعباده إذ إنه ـ سبحانه ـ جعـل القرآن شفاء ورمحة للمؤمنني، وما عليهم سوى العودة إليـه وإىل

.ا بسعادة وراحة الدارين، ليفوزو سنة املصطفى، * * * * *

.رواه األصبهاين من حديث أنس ـ رضي اهللا عنه ـ (١) .٢٧٦٦: سنن الترمذي (٢)

الك السعادةمس ٣٨

التجايف عن الدنيا فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغـرنكم باللـه الغـرور .

].٣٣: سورة لقمان، اآلية[فلتكن الدنيا لكم معربا لآلخرة، وال جتعلوها مهكم، وتركنـوا

خرة وهي الباقية، فـإن الـدنيا إليها وهي الفانية، وتعرضوا عن اآلاحـذروا . ليست بدار إقامة، وإمنا نزل آدم إليها عقوبة فاحذروها

هذه الدار الغرارة، اخليالية اليت قد تزينت خبدعها وفتنت بغرورها، وخيلت بآماهلا وشوقت خلطاهبا، فأصبحت كـالعروس اجمللـوة،

هلا عاشـقة، فالعيون إليها ناظرة، والقلوب عليها واهلة، والنفوس وهي ألزواجها كلهم قاتلة، فال الباقي باملاضي معترب، وال بـاألول مزدجر، والعارف باهللا حني أخرب عنها مدكر، وإن صاحب الـدنيا كلما اطمأن منها إىل سرور أشخصته إىل مكروه، أمانيها كاذبـة، وآماهلا باطلة، وصفوها كدر، وعيشها نكد، وقد حقر اهللا ـ عـز

ا بالنسبة لآلخرة إىل ما أعده اهللا وادخـره لعبـاده وجل ـ الدني ـ قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير : الصاحلني، فقال ـ تعاىل

: قال احلسن ـ رمحه اهللا ]. ٧٧: سورة النساء، اآلية[ لمن اتقى .يعين أن متاعها قليل" رحم اهللا عبدا صحبها على حسب ذلك"

ـ عز وجل ـ للدنيا عدة أمثلة يف القرآن الكرمي وضرب اهللالبيان هوان أمرها وحقارة شأهنا، يف أبلغ وصف وأدق تصوير، فمن

ـ إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من : ذلك قوله ـ تعاىل ناس والأنعام حتى إذا السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل ال

٣٩ ادةمسالك السع

أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليهـا أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالـأمس

].٢٤: سورة يونس، اآلية[ قوم يتفكرونكذلك نفصل الآيات لففي هذه اآلية الكرمية ضرب اهللا ـ تبارك وتعـاىل ـ مـثال لزهرة احلياة الدنيا وزينتها، وسرعة انقضائها وزواهلا بالنبات الذي أخرجه اهللا ـ عز وجل ـ من األرض مباء أنزل من السـماء ممـا

أنواعها، وأصنافها، وما يأكل الناس من زروع ومثار على اختالفحتـى إذا أخـذت : تأكل األنعام من أب وقضب، وغري ذلك

أي حسنت مبـا . وازينتأي زينتها الفانية . الأرض زخرفهاوظـن خرج يف رباها من زهور نضرة خمتلفة األشكال واأللوان

أي على . قادرون عليها أنهمالذين زرعوها وغرسوها أهلهاجزازها وحصادها، فبينما هم كذلك، إذ جاءهتا صاعقة، أو ريـح شديدة باردة، فأيبست أوراقها، وأتلفت مثارها، وهلذا قال ـ تعاىل

أي كأهنا مـا . أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا: ـأي نبني احلجـج . ك نفصل الآياتكذلكانت حينا قبل ذلك

فيعتربون هبذا املثل، وتفلتها عنهم فإن . لقوم يتفكرونواألدلة، .من طبعها اهلرب ممن طلبها، والطلب ملن هرب منها

وقال بعضهم ـ الدنيا مثل إناء مملوء عسـال رأتـه الـذباب جعل يتنـاول مـن فأقبلت حنوه، فبعضها قعد على حافة اإلناء، و

العسل، حىت أخذ حاجته وطار، وبعضها محله الشره إىل أن رمـى بنفسه يف جلة اإلناء ووسطه، فلم يدعه انغماسه فيه أن يهنأ إال قليال حىت هلك يف وسطه، إن هذه الدنيا خضرة حلوة، متيل النفس إليها،

الك السعادةمس ٤٠

واجلاهل بعاقبتها يتنافس يف حتصيلها غافال عن آخرته، ناسـيا، أو متجاهال أن هذه الدنيا فانية زائلة، مثلها مثل طعام ابن آدم الـذين أحسن صنعه، وكثرت ألوانه وأصنافه، وهو مع طيبه ونعومته، قـد

.استحال إىل الغائط والبول، وهكذا الدنياإمنا الدنيا ألربعـة «: ، قال واعلم يا أخي املسلم أن النيب،

تقي فيه ربه، ويصـل فيـه عبد رزقه اهللا ماال وعلما فهو ي: نفروعبد رزقه اهللا تعاىل . رمحه، ويعمل فيه حقا، فهذا بأفضل املنازل

لو أن يل مـاال : ـ علما ومل يرزقه ماال فهو صادق النية، يقوللعملت بعمل فالن فهو بنيته فأجرمها سواء، وعبد رزقه اهللا ماال

ـ ه، وال ومل يرزقه علما، خيبط يف ماله بغري علم، وال يتقي فيه ربيصل فيه رمحه، وال يعمل هللا فيه حقا، فهذا بأخبث املنازل، وعبد

لو أن يل ماال لعملت فيـه : مل يرزقه اهللا ماال وال علما فهو يقولوال شك أن املسلم إن . )١(»بعمل فالن فهو بينته، فوزرمها سواء

أراد النجاة والفوز باآلخرة فعليه أن جيعل عمله خالصا لوجـه اهللا، جيعل نيته طلب اآلخرة، ويعزف عن طلب الدنيا ألنه إن أراد وأن

.غري ذلك فسيتمتع يف هذه الدنيا الفانية وخيسر آخرته الباقيةفاحرص يا أخي على ما يصلح دنياك وال يضـر آخرتـك، واحذر أن تقع فيما يبطل عملك من شرك أو رياء أو غري ذلـك،

أن من جعـل مهـه واطلب العون والتوفيق دائما من اهللا، واعلماآلخرة وفقه اهللا وجاءته الدنيا وهي راغمة، وأما من جعـل مهـه

.حسن صحيح: رواه الترمذي وقال (١)

٤١ ادةمسالك السع

من كـان : الدنيا شتت اهللا أمره ومل يؤته يف الدنيا إال ما كتب لهيريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لـا

أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما *يبخسون ، ١٥: سورة هود، اآليتان. [صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون

فانظر ماذا أخرجت هؤالء من أجر، وأفسـدت عملـهم، ]. ١٦من أسـفه وجعلتهم أول الداخلني إىل النار، وأن عاشقها، وحمبها

الناس، وأقلهم عقال، فهو يعذب يف الدنيا بتحصـيلها، ومنازعـة أهلها، وهو أشد عذابا يف قربه، ويوم لقاء ربه، وهنا قصة عجيبـة البن حجر العسقالين ـ رمحه اهللا ـ خرج ابن حجر، يوما وكان

فإذا برجل يهودي يف حالة رثة فقال اليهودي . رئيس القضاء مبصر: كيف تفسـر قـول رسـولكم : ر، فقال لهفوقف ابن حج: قف

، وها أنت تراين يف حالـة )١(»الدنيا سجن املؤمن، وجنة الكافر«فقـال ابـن ! رثة، وأنا كافر، وأنت يف نعيم وأهبة مع أنك مؤمن؟

أنت مع تعاستك وبؤسك تعد يف جنة ملا ينتظرك يف اآلخرة : حجرأدخلين اهللا إن: من عذاب أليم، إن مت كافرا، وأنا مع هذه األهبة

اجلنة، فهذا النعيم الدنيوي يعد سجنا باملقارنة مع النعـيم الـذي أشهد أن ال : فقال. نعم: قال! أكذلك؟: فقال. ينتظرين يف اجلنات

.إله إال اهللا وأشهد أن حممدا رسول اهللامن هو على حمبة الدنيا متهالك، أما علمت أنك عن قليل فيا

فأعرض عنها بقلبك قبل . بوب تاركهالك ، أما تيقنت أن الدنيا حم

.رواه مسلم (١)

الك السعادةمس ٤٢

أن تعرض عنك، واستبدل خريا منها قبل أن تستبدل بـك فـإن نعيمها متحول، وأحواهلا متقلبة، ولذاهتا فانية، واعمل بقية عمـرك يف أيام قصار أليام طوال، واخرج منها خروج األحرار، قبـل أن

.خترج منها على االضطرار* * * * *

القناعة بالقليلكانت هذه الدنيا هي املمر واملعرب إىل اآلخرة، وجب التزود ملا

منها بالقدر الذي يصل به اإلنسان إىل اآلخرة، ولذلك وجب على املرء أن يقنع مبا آتاه اهللا ـ عز وجل ـ وليعلم أن الغىن إمنا هو غىن

ليس الغىن «: النفس، وليس كثرة املال واملتاع، كما قال النيب، وذلك ألن كثريا . )١(»ض، ولكن الغىن غىن النفسعن كثرة العر

ممن وسع اهللا عليه يف املال ال يقنع مبا أويت فهو جيتهد يف االزديـاد لغري حاجة، ويلح يف الطلب، ويلحف يف السؤال، وال يبايل من أين

!! يأتيه أمن احلالل أم من احلراممث إذا فاته املطلوب حزن وأسف، فكأنه فقري لشدة حرصـه،

كن املتصف بغىن النفس يكون قانعا مبا رزقه اهللا، وال حيرص على لاالزدياد لغري حاجة، استغىن مبا أويت وقنع به، ورضي وعلـم بـأن

بالفالح يف الـدنيا الذي عند اهللا خري وأبقى، وقد حكم النيب والفوز يف اآلخرة للمسلم الذي رزق حالال بقدر احلاجة وقنع به،

قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه «: والسالمفقال عليه الصالة

.متفق عليه (١)

٤٣ ادةمسالك السع

، زاهدا يف الدنيا، وحذر أصحابه منها، وكان، . )١(»اهللا مبا آتاهمبنكيب أخذ رسول اهللا : فعن ابن عمر ـ رضي اهللا عنه ـ قال

وقال عبد . )٢(»كن يف الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل«: فقالى حصري فقام وقـد أثـر يف ، عل اهللا بن مسعود نام الرسول،

مايل «: لو اختذت لك وطاء؟ فقال، : فقلنا يا رسول اهللا. جنبهوللدنيا ما أنا يف الدنيا إال كراكب استظل حتت شـجرة مث راح

.)٣(»وتركهاوإن الذي جند بيانه يف غري موضع من القرآن الكرمي أن الـدار

األبـدي حليـاة اآلخرة هي دار القرار، وهي دار احليوان أي املقاماإلنسان، وأننا ما بعثنا يف هذه الدنيا الفانية إال لالختبار، من منـا يثبت نفسه أهال لوراثة جنة اهللا ونعيمها مستخدما ما أدين يف هذه الدنيا من املتاع القليل والتصرفات احملدودة والفرص الضيقة؟ لـيس

لصـناعات اختبارنا يف هذه الدنيا يف إبراز مهاراتنـا يف تسـيري ا والتجارات وال يف إحداث مدنية راقية رائعة، وإمنا هو يف أداء حق خالفة اهللا يف ودائعه، والزهد يف الدنيا طريق املـؤمنني، وسـبيل العابدين ، وهو عبارة عن انصراف الرغبة عن الشيء إىل ما هـو خري منه، وأن تكون مبا يف يد اهللا أوثق منك مبا يف يدك، وأن تكون

ب املصيبة إذا أصبت هبا أرغب منك فيها لـو مل تصـبك، يف ثواوليس املقصود من الترهيب يف الدنيا العزوف عنها، ولبس املرقعات

.رواه مسلم (١) .رواه البخاري، والترمذي (٢) .روه الترمذي وقال حديث حسن (٣)

الك السعادةمس ٤٤

واالعتكاف عن اخللق وأكل اخلشن من الطعام، لكـن لإلسـالم مفهوما للزهد، فاإلسالم دعا إىل العمل وحث على اجلمال، وأباح

الضـرب يف األرض حسـب املزاح الربيء والترويح عن النفس، وفلتكن الدنيا يف يدك لتستعني هبا على طاعة اهللا، وال . املعيار اإلهلي

جتعلها يف قلبك فيقسو، واعلم أخي املسلم ـ رمحين اهللا وإياك ـ من أصبح ومهه الدنيا شتت اهللا عليـه أمـره، «: ، قال أنه،

ا إىل وفرق عليه ضيعته، وجعل فقره بني عينيه، ومل يأته من الدنيما كتب له، ومن أصبح ومهه اآلخرة مجع اهللا له مهه وحفظ عليه

. )١(»ضيعته، وجعل غناه يف قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمةوال ينبغي أن حنرم ما أحل اهللا لنا من الطيبات بدعوى الزهد، فكم ضل أقوام من تلك الفتنة الشيطانية فحرموا ما أحـل اهللا، مث

بأهنم ما فعلوا ذلك إال ليكونوا من الزاهـدين، ادعوا زورا وهبتانا وقد . )٣(»قاهلا ثالثا )٢(هلك املتنطعون«: قال، عليه الصالة والسالم

يسمع بعضهم ذم الدنيا يف القرآن اجمليد واألحاديث فريى أن النجاة من الدنيا تركها، وال يدري ما الدنيا املذمومة فيخرج على وجهـه

معة واجلماعة، وخييل له أن هذا من الزهد، إىل اجلبال، ويبعد عن اجلفكيف يذم ما من اهللا ـ تعاىل ـ به وما هو ! والدنيا ال تذم لذاهتا

ضرورة يف بقاء اإلنسان وسبب يف إعانته على العبادة من مسـجد إمنا املذموم تناول الشيء على !! يصلي فيه ومطعم ومشرب وغريه

.ابن ماجة والترمذي (١) .املتشددون يف غري موضع التشدد: املتنطعون (٢) .رواه البخاري ومسلم (٣)

٤٥ ادةمسالك السع

م يقلل الطعام حـىت وجه اإلسراف ال على مقدار احلاجة، وبعضه. يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا: ييبس بدنه

فينبغي على اإلنسان الرفـق بنفسـه، ]. ٢٨: سورة النساء، اآلية[فليأخذ ما يصلحها، وجينبها الشبع، واإلفراط يف تناول الشـهوات،

أيها املسـلم الكـرمي ـ فإن ذلك يؤذي البدن والدين، فاكبح ـ .مجاح نفسك، وال تطلق هلواك العنان، واهللا يرعاك

* * * * *

الك السعادةمس ٤٦

قصر األمل وحتسني العملإن حب الدنيا يندر من يسلم منه، وهو منبعث مـن طـول

األيام بني يدي، وأفعل كذا، وبعد غـد : األمل، ألن اإلنسان يقولادى به األيـام يف سأفعل، وأمتتع بالدنيا، وباب التوبة مفتوح وتتم

مجع ما جيمعه من مال وبناء، وحنو ذلك، وتتشعب به آماله حـىت .يفاجئه هادم اللذات

وطول األمل سبب شقاء مجع كبري من الناس حـني خيدعـه الشيطان فيصور له أن أمامه عمرا طويال، وسنني متعاقبة، يبين فيها

هذه اآلمال، آماال شاخمة، فيجمع مهته ملواجهة هذه السنني، ولبناء وينسى اآلخرة، وال يتذكر املوت، وإذا ذكره يوما برم منه، ألنـه ينغص عليه لذاته، ويكدر عليه صفو عيشه، وقد حذرنا الرسـول،

اتباع : إن أشد ما أخاف عليكم خصلتان«: ، أشد حتذير فقالوأمـا . اهلوى، وطول األمل فأما اتباع اهلوى فإنه يصد عن احلق

فإذا أحب اإلنسان الدنيا أكثـر . )١(»حب الدنيا طول األمل فإنهمن اآلخرة آثرها عليها، واشتغل بزينتها، وزخرفها، وملذاهتا عـن بناء مسكنه يف اآلخرة يف جوار ربه، يف جنته مع الذين أنعـم اهللا عليهم من النبيني والصديقني والشهداء، والصاحلني وحسن أولئك

حب املال، : ويكرب معه اثنتانيكرب ابن آدم، «: وقال، . رفيقاويف هذا احلديث كراهة احلرص علـى طـول . )٢(»وطول العمر

.٤/٤٥٣: د ضعيف، العراقي على األحياءرواه ابن أيب الدنيا بسن (١) .متفق عليه (٢)

٤٧ ادةمسالك السع

ذلـك لـيس مبحمـود، واحلكمـة يف العمر، وكثرة املال، وأن يص هبذين األمرين أن أحب األشياء إىل ابن آدم نفسه، فهو صالتخ

راغب يف بقائها، فأحب لذلك طول العمر، فكلما أحس بقـرب حبه له، ورغبته فيه، واإلنسان أرغب يف حب املال، نفاد ذلك اشتد

وال يقنع بالقليل، بل دائما يطلب الزيادة، ولذلك جاء عن الـنيب، مسعت النيب، : ، عن ابن عباس قال لو كان البن «: ، يقول

آدم واديان من مال البتغى ثالثا، وال ميأل جـوف ابـن آدم إال .)١(»التراب، ويتوب اهللا على من تاب

ويظهر قصر األمل يف املبادرة إىل األعمال الصاحلة، واغتنـام أوقات العمر، فإن األنفاس معدودة واأليام مقدرة، وما فات لـن

بـادروا «: ، حني قال يعود، وعلى الطريق عوائق كثرية بينها، باألعمال سبعا هل تنظرون إال فقرا منسيا أو غىن مطغيا أو مرضا

أو موتا جمهزا أو الدجال فشر غائـب )٢(مفسدا أو هرما مفندا .)٣(»ينتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر

املؤمنني إىل ما يبعد عنـهم طـول وقد أرشد رسول اهللا األمل ، ويبصرهم حبقيقة الدنيا، فأمر بتذكر املوت، وبزيارة القبور، وبتغسيل املوتى، وتشييع اجلنائز، وعيادة املرضى، وزيارة الصاحلني،فإن كل هذه األمور توقظ القلب من غفلته، وتبصره مبا سيقدم عليه

:وسنتكلم عن ذلك بإجياز. فيستعد له

.رواه البخاري ومسلم (١) .أي عجز ينسب به صاحبه لنقص العقل: مفندا (٢) .رواه الترمذي وقال حديث حسن (٣)

الك السعادةمس ٤٨

أما ذكرت املوت دائما فإنه يزهد يف الـدنيا، ويرغـب يف -أ اآلخرة، فيحمل على االجتهاد، يف العمل الصاحل، وعدم الركون إىل

ريرة عن النيب، الشهوات احملرمة يف الدنيا الفانية، وقد روى أبو هوعن ابـن عمـر . )١(»أكثروا من ذكر هادم اللذات«: ، أنه قال

من أكيس الناس، وأكرم النـاس يـا : قال رجل من األنصار: قالأكثرهم للمـوت ذكـرا، وأشـدهم «: رسول اهللا؟ فقال،

استعدادا له، أولئك هم األكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامـة ن أمل يكونوا أقوياء األبـدان ميلكـون اإلنسامث يفكر . )٢(»اآلخرة

األموال ويأمرون وينهون، واليوم قد تسلط الدود على أجسـادهم فنخرها، وعلى عظامهم فبددها، هذا هو مصرينا يا معاشر الغافلني، واللحود بيوتنا بعد الترف واللني، والقيامة جتمعنا وتنصب املوازين،

ن الوالدون وما ولدوا؟ أين واألهوال عظيمة، فأين املفكر احلزين، أيالذين ملكوا ونالوا؟ أما حل املوت فحل ما عقدوا، عاينوا واهللا كل

أين املتيقظون !! ما قدموا ووجدوا، فمنهم أقوام شقوا وأقوام سعدوا! وجتمعون ما ال تأخـذون ! وهم نائمون؟ أتبنون ما ال تسكنون؟

!! ا تؤدونوطول ليلكم ترقدون والفرائض م!! طول هناركم تلعبونوأمـا الصـالة !! واحلق فيها ما خترجون!! أما األموال فتجمعون

لو حصل لكم كل ما حتبون، ومنا !! وإذا صليتم تنقرون! فتضيعونال ! مجيع ما تؤتون، ونلتم ما تشتهون، أينفعكم حـني ترحلـون؟

كم تركوا من : فإنه لغريكم حني تطرحون!! تفرحوا مبا تفرحون

.٢٤٠٩الترمذي برقم (١) .٤/٤٥١: ، وابن أيب الدنيا يف اإلحياء٤٢٥٩ابن ماجة برقم (٢)

٤٩ ادةمسالك السع

ونعمـة كـانوا فيهـا * وزروع ومقام كرمي * عيون جنات و ].٢٧ - ٢٥: سورة الدخان، اآليات. [فاكهني

سـورة .[ثم إنكم بعد ذلك لميتـون : كونوا كيف شئتموحيملون على األعناق وال يسمون ركبانا، ]. ١٥: املؤمنون، اآلية

اد، وال يسمون ضيفانا، متقاربني يف القبور وال وينزلون بطون األحل .يسمون جريانا، أو ليس قد رأينا كيف ينقلون وال كفانا

هو املـوت مـا منـه مـالذ ومهـرب مىت حـط ذا عـن نعشـه ذاك يركـب

ــة ــيقني حقيق ــني ال ــاهد ذا ع نشــه مضــى طفــل وكهــل وأشــيب علي

ــا ــران القلــوب كأنن ولكــن عــال الــ ــا ق ــامب ــاه يقين ــذب.. د علمن نك

نؤمــل أمــاال ونرجــو نتاجهــا ــرب ــه أق ــا نرجي ــردى مم ــل ال وع

ونبين القصـور املشـمخرات يف اهلـوى ويف علمنــا أنــا منــوت وختــرب

إىل اهللا نشـــكو قســـوة يف قلوبنـــا ويف كــل يــوم واعــظ املــوت ينــدب

ه سيصل إىل أم أن! مث يفكر اإلنسان هل له أن يسلم من املوت؟ما وصل إليه أولئك فيستعد لتلك الدار، ويتأهب باألعمال الصاحلة

!!فإهنا العملة النافعة يف اآلخرة؟

الك السعادةمس ٥٠

أما زيارة املقابر، فإهنا عظة بليغة للقلـوب، فـإذا رأى - ب اإلنسان املساكن املظلمة احملفورة، ورأى هذه النهاية اليت حيثو فيها

حلدا ضيقا، وإغالقه عليه بلبنات أهل امليت عليه التراب بعد إدخالهمث يرجعون عنه ويقتسمون أمواله، ويتملكون خمصصاته، . من طني

وتزوج نساؤه، وينسى بعد مدة يسرية بعد أن كان صاحب الكلمة يف البيت، يؤمر فيطاع، وينهى فال يعصى، فإذا زار املقربة، وتفكر

إهنـا تـذكر زوروا القبـور ف «: يف ذلك أدرك فائدة قوله، .)١(»املوت

أما تغسيل املوتى وتشييع اجلنائز فإن تقليب اجلسد علـى - ج خشبة املغسلة عظة بليغة، إذ هو يف حال حياته ال يستطيع أحد أن يقلبه وال أن يدنو منه إال بإذنه، ورمبا كان شديد الـبطش عظـيم اهليبة، وقد صار باملوت جسدا خامدا ال حراك به، يقلبه الغاسـل

.شاءكيف ي

أما زيارة الصاحلني فإهنا توقظ القلب وتبعث اهلمـة، فـإن - د الزائر يرى الصاحلني وقد اجتهدوا يف العبادة، وتنافسوا يف الطاعة، ال غاية هلم إال رضا اهللا، وال هدف هلم إال يف ذلك الطريق الشـريف،

واصبر نفسك مـع : وقد أرشد اهللا نبيه أن يصرب نفسه مع هؤالءذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك ال

عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنـا ].٢٨: آليةسورة الكهف، ا[ واتبع هواه وكان أمره فرطا

.٩٧٦مسلم رقم (١)

٥١ ادةمسالك السع

:أخيــافال ــت غ ــوى اهللا إن كن ــك بتق علي

يأتيك بـاألرزاق مـن حيـث ال تـدري فكيـــف ختـــاف الفقـــر واهللا رازق

ــر ــري واحلــوت يف البح ــد رزق الط فقــوة ــأيت بق ــرزق ي ــن أن ال ــن ظ وم

ما أكـل العصـفور شـيئا مـن النسـر ــدري ــدنيا فإنــك ال ت ــن ال ــزود م ت

إذا جــن ليــل هــل تعــيش إىل الفجــر فكم من صحيح مـات مـن غـري علـة

وكم من سقيم عاش حينـا مـن الـدهر وكم من فىت أمسـى وأصـبح ضـاحكا

وأكفانه يف الغيب تنسج وهـو ال يـدري ــني ــا وألفـ ــاش ألفـ ــن عـ فمـ

ــرب ــري إىل الق ــوم يس ــن ي ــد م فالبقرت وسـرت بآماهلـا قرر يا أخي عينيك بطاعته بدال مماأف

وأمانيها على حمبته ، فإن الفائزين بذلوا األحزان يف الدنيا فورثوهـا دوام السرور، أطالوا البكاء يف الدنيا فدام يف اآلخرة فرحهم، تعبوا ونصبوا فورثوها راحة األبد، رفضوا الشـهوات فرجـوا حـورا مقصورات، فجمعوا مجيع مكـارم األخـالق، وجـانبوا دنـاءة

ق، فعليه يتوكلون، ومنه حيذرون، ورضاه ورمحته يرجـون، األخال

الك السعادةمس ٥٢

فالعاقل من كان قلبه بني الرغبة والرهبة والرجـاء واخلـوف، وال يتمادى به الرجاء واألمل على التقصري واألمن من عذاب اهللا، كما ال جيوز أن يتمادى به اخلوف إىل حال القنوط من رمحة اهللا، وهلذا

ـ وأن * عبادي أني أنا الغفـور الـرحيم نبئ: قال ـ تعاىل ]. ٥٠، ٤٩: سورة احلجر، اآليتـان . [عذابي هو العذاب الأليم

عباد اهللا ما هذه الغفلة وأنتم مستبصرون، وما هذه الرقدة وأنـتم مستيقظون، كيف نسيتم الزاد وأنتم راحلون، أين ما كانوا قبلكم؟

فلـا يسـتطيعون ن، أما رأيتم كيف نازهلم املنـون؟ أال تتفكرو]. ٥٠: سورة احلجـر، اآليـة . [توصية ولا إلى أهلهم يرجعون

عباد اهللا أين الذين سادوا وشادوا أوطانا، وحكموا وأحكموا بنيانا ومجعوا فحشدوا أمواال وأعوانا؟ عوضوا بأربح اهلـوى خسـرانا،

زاز الكرب والتجرب هوانا، وأخرجوا من ديـارهم بعـد وبدلوا بإع .اجلموع وحدانا، وما استصحبوا مما مجعوا إال أكفانا

فيا من قد بقي من عمره القليل، وال يدري مىت يقع الرحيـل، والروح تنزع والكرب ثقيـل، . كأنك بطرفك حني املوت يسيل

سـبيل، أم يف والنقلة قد قربت وأين املقيل؟ أيف اجلنة ونعيمها والسليا من تعد عليـه أنفاسـه ! اجلحيم وأنكاهلا وأغالهلا وبئس املقيل؟

.استدركها ، يا من ستفوته أيامه أدركهاــا ــاء هل ــا ال بق ــانق دني ــن يع ــا م ي

ــفارا ــاه س ــبح يف دني ــي ويص ميســة ــدنيا معانق ــذي ال ــت ل ــال ترك ه

ــارا ــردوس أبك ــانق يف الف ــىت تع ح

٥٣ ادةمسالك السع

اخللـد تسـكنها إن كنت تبغـي جنـان ــارا ــأمن الن ــك أن ال ت ــي ل فينبغ

* * * * *

الك السعادةمس ٥٤

أسباب السعادةإن لذة احلياة وكماهلا وقمة السعادة كلها، ال تكون إال للذين آمنوا وعملوا الصاحلات، وأخرب اهللا ووعد من مجع بـني اإلميـان والعمل الصاحل باحلياة الطيبة يف هذه الدار وباجلزاء احلسـن يف دار

ـ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو : القرار قال ـ تعاىل مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كـانوا

].٩٧: سورة النحل، اآلية. [يعملونوالعمل باألركان، واإلميان هو اإلقرار بالقلب والنطق باللسان

يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان، واألعمال الصـاحلة داخلـة يف مسماه، وشرط يف صحته، وإذا تتبعنا كتاب اهللا وسنة رسوله،

، وجدنا أن اإلميان يشتمل على معنيني البد من وجودمها يف املؤمن الصادق، األول هو تصديق خرب اهللا ـ تعاىل ـ وأخبار رسوله،

هو االلتزام باألوامر والنواهي اليت أمـر اهللا هبـا عبـاده : ين، الثاالتصديق : "الصادقني، وقد جاءت اآليات الكرمية جامعة بن املعنيني

ـ ". والعمل : وذلك يف وصف املؤمنني، ومن ذلك قوله ـ تعـاىل تابوا وجاهدوا إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم ير

سورة . [بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقونوهبذه اآلية يتحدد معىن اإلميـان بشـقيه، ]. ١٥: احلجرات، اآلية

فاإلميان هو التصديق باهللا ورسوله، وعدم الشك يف ذلـك، وهـو ، وال شك أن اجلهاد يستلزم مـا اجلهاد باملال والنفس يف سبيل اهللا

دونه من أعمال اإلسالم ألن اجلهاد، هو الـذروة مـن أعمـال

٥٥ ادةمسالك السع

اإلسالم، فال ينبعث للجهاد يف سبيل اهللا تارك للعمـل الواجـب، كالصالة والزكاة واحلج مثال، ورتب اهللا على الصـادق رضـوانه والفالح والسعادة ودخول اجلنة، والنجاة من النـار، وأخـرب ـ

نه ـ أن األميان املطلق تنال به أرفع املقامات يف الدنيا وأعلى سبحاـ والذين آمنوا بالله ورسـله : املنازل يف اآلخرة فقال ـ تعاىل

والصديقون ]. ١٩: سورة احلديد، اآلية. [أولئك هم الصديقون منـازل هم أعلى اخللق درجة بعد درجة األنبياء يف الـدنيا، ويف

: ويفسر ذلك ويوضحه ما ثبت يف الصحيحني عنـه، . اآلخرةكمـا تـراءون )١(أن أهل اجلنة ليتراءون أهل الغرف يف اجلنة «

يا : الكوكب الشرقي أو الغريب يف األفق لتفاضل ما بينهم، فقالوابلى والذي : قال. رسول اهللا تلك منازل األنبياء ال يبلغها غريهم

وإمياهنم بـاهللا . )٢(»منوا باهللا وصدقوا املرسلنينفسي بيده رجال آوتصديقهم للمرسلني إميانا متضمنا القيام بأصول الدين وفروعـه، فطوىب مث طوىب ملن كان على هذا الوصف املتضمن من النعيم، ما ال

.عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على قلب بشره ذكرا كـثريا يا أيها الذين آمنوا اذكروا الل] . سـورة

].٤١: األحزاب، اآليةإن ذكر اهللا عنصر أساسي يف حياة اإلنسان املسلم وإن مـن داوم على ذكر اهللا يعش مطمئن القلب، وحييا حياة ملؤها السعادة

من (لفظ مسلم واللفظ املتفق عليه من طريق أيب سعيد هو ـ ) يف اجلنة(وله ق (١)

).فوقهم .١٤٥، ٨/١٤٤، ومسلم ـ ٤/١١٩صحيح البخاري ـ (٢)

الك السعادةمس ٥٦

فذكر اهللا يشرح الصدور، وينري القلوب، وينمي احلسنات، ويرفع وهو خفيف على اللسـان، . الدرجات، ويكفر اخلطايا والسيئات .وثقيل يف امليزان وحبيب إىل الرمحن

أال أنبئكم خبري أعمالكم وأزكاها «: قال، عليه الصالة والسالمعند مليككم وأرفعها يف درجاتكم وخريا من إنفـاق الـذهب والفضة، وخريا لكم من أن تلقوا عدوكم فتضـربوا أعنـاقهم

.)١(»ذكر اهللا: قال«. هللابلى يا رسول ا: قالوا» ويضربوا أعناقكم؟أخي املسلم اذكر ربك بلسانك وقلبك قائما وقاعدا، وعلـى

.جنبك يذكرك اهللا مبغفرته ، ويثين عليك عند مالئكتهإن لذكر اهللا تأثريا عظيما يف حياة املسلم الروحيـة والنفسـية

فاحرص يا أخي أن تذكر اهللا كل حـني )٢(واجلسمية واالجتماعيةالـذين : ت فقد مدح اهللا عباده املخلصني بقولهعلى أي حالة كن

سورة آل عمـران، . [يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ].١٩١: اآلية

.أعانك اهللا على ذكره وشكره وحسن عبادته :ولتكن منكم أمة

لقد حصر اهللا ـ سبحانه وتعاىل ـ الفـالح يف الـدعاة إىل مرين باملعروف، والناهني عن املنكر، فقال ـ عز وجـل اخلري، واآل

.رواه الترمذي (١)ميكن معرفة بعض الفوائد يف الكتاب الرائع الوابل الصيب من الكلم الطيب البن (٢)

.القيم

٥٧ ادةمسالك السع

ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بـالمعروف : ـسورة آل عمران، . [وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون

املنكر، عبادة من أعظم واألمر باملعروف والنهي عن ]. ١٠٤: اآليةالعبادات، وشعرية عظيمة من شعائر اإلسالم، وقربة مـن أجـل القربات، ودعامة راسخة من دعائم اجملتمع الرباين، دلت على ذلك

. النصوص، وشهد به التاريخ، ونطق به الواقعاسم جامع لكل ما حيبه اهللا ـ تعاىل ـ من : واملعروف شرعا

اسم جامع لكل ما : واملنكر يف الشرع. هطاعته، واإلحسان إىل عبادعرف بالشرع والعقل قبحه، من معصية اهللا ـ تعـاىل ـ وظلـم

.عبادهواألمر والنهي فطرة يف نفس كل إنسان، حىت لو كان يعـيش

فإما أن تـأمره . منفردا معتزال الناس، فالبد أن تأمره نفسه وتنهاهلك، تأمره باملنكر باملعروف، وتنهاه عن املنكر، أو على الضد من ذ

وتنهاه عن املعروف، أو تأمره خبليط من هذا وذاك، وتنـهاه عـن ولذلك قيل نفسك إن مل تشغلها باخلري شغلتك بالشر، ومـا . مثله

فأوىل بـاجملتمعني . دام اإلنسان الواحد املنفرد يتعرض لألمر والنهي أن يكون بينهم أمر وهني، سواء كانوا اثنني أو أكثر من ذلـك، أو جمتمعا كامال أو أمة، ويوم جتد األمة املسلمة من رجاهلا من جيهـر باحلق، ويصارح باحلقيقة دون خوف أو وجل بل بشجاعة، فـإن اجملتمع اإلسالمي سوف تنقشع عنه أسباب الفتنة والضياع، وتتبدل صورته متاما، واألمر باملعروف والنهي عن املنكر هو سبب خرييـة

ئصها وميزاهتا اليت من اهللا ـ تعـاىل ـ هذه األمة، وهو من خصا

الك السعادةمس ٥٨

ـ . عليها من بني سائر األمم كنتم خيـر أمـة : قال ـ تعاىل أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون

].١١٠: سورة آل عمران، اآلية. [باللهه يجعل له مخرجاومن يتق الل] . سورة الطالق، اآليـة :٢٠:[

عبارة عن كمال توقي اإلنسان عمـا : التقوى يف الشرع هييضره يوم القيامة بفعل املأمورات اليت تستوجب رضى اهللا وثوابه، وجتنب املنهيات اليت تستتبع غضب اهللا وعقابه، وكذا حفظ النفس

يتم ذلك إال بترك بعض املباحات، عما يؤمث، بترك احملظورات، وال إن احلالل بـني وإن احلـرام بـني «: ملا روي عن الرسول،

وبينهما أمور مشتبهات ال يعلمهن كثري من الناس ، فمن اتقـى الشبهات فقد استربأ لدينه وعرضه، ومن وقع يف الشبهات وقع يف احلرام كالراعي يرعى حول احلمى يوشك أن يقع فيـه ، أال

ل ملك محى ، أال وإن محى اهللا حمارمه ، أال وإن يف اجلسد وإن لكمضغة إذا صلحت صلح اجلسد كله وإن فسدت فسد اجلسـد

.)١(»كلهوالتقوى هي أساس الدين وعماده املتني، الذي يرتكز عليـه،

فال يكون اإلميان كامال، وال يكون الدين حقا بدون . ومنه ينطلقع اإلنسان عن ارتكـاب املعاصـي تقوى، فهي مثرة اإلميان اليت متن

وإيذاء اآلخرين، وإذا سار اإلنسان يف هذا الطريق النري فإن عاقبتـه

.رواه البخاري ومسلم (١)

٥٩ ادةمسالك السع

قال ـ . السعادة والفالح، وبسببها يستحق املسلم التكرمي عند ربهـ وكواعب أترابا * حدائق وأعنابا * إن للمتقني مفازا : تعاىل

ووعـد اهللا ]. ٣٤ - ٣١: سورة النبأ، اآليات. [هاقاوكأسا د* من اتقاه باخلروج من كل شدة وضيق، وبالرزق من حيث ال خيطر على باله، وال يدور يف حسبانه، ومن مقتضيات التقـوى صـدق

: التوكل على اهللا، وااللتجاء إليه، والتقوى وصية اهللا جلميع خلقـه وتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقـوا ولقد وصينا الذين أألمته وهي وصية رسوله ]. ١٣١: سورة النساء، اآلية. [اللهإذا بعث أمريا على سرية أوصـاه يف -عليه الصالة والسالم -كان

خاصة نفسه بتقوى اهللا، ومبن معه من املسلمني خريا، وملا خطـب جة الوداع يوم النحر أوصى الناس بتقـوى ، يف ح رسول اهللا،

اهللا ـ عز وجل ـ وبالسمع والطاعة، وملا وعظ الناس قـالوا لـه .كأهنا موعظة مودع

روي أن عابدا يقال له مهام جاء إىل أحد العـارفني، . وختاماهم الـذين : صف يل املتقني حىت كأين أنظر إليهم، فقال: وقال له

اد، ومشيهم التواضع، غضـوا منطقهم الصواب، وملبسهم االقتصأبصارهم عما حرم عليهم، ووقفوا أمساعهم على العلم النافع هلـم، نزلت أنفسهم يف البالء، كاليت نزلت يف الرخاء، لوال أجل اهللا الذي كتب هلم مل تستقر أرواحهم يف أجسادهم طرفة عني، شـوقا إىل

قلـوهبم عظم اخلالق يف أنفسهم، فصغر ما دونه يف أعينهم، . رهبمحمزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم حنيفة، وحاجتهم خفيفـة، وأنفسهم عفيفة، صربوا أياما قصرية، أعقبتهم راحة طويلة، جتـارة

الك السعادةمس ٦٠

راحبة، سريها هلم رهبم، أرادهتم الدنيا فلم يريدوها، وأسرهتم ففدوا أنفسهم منها أما الليل فصافون أقدامهم، يرتلون أجـزاء القـرآن

ا مروا بآية فيها ختويف أصغوا إليها مبسامع قلوهبم، وظنوا ترتيال، فإذأن زفري جهنم وشهيقها يف أصول آذاهنم، فهم جاثون على ركبهم، يطلبون من اهللا فكاك رقاهبم، أما النهار فحلماء، علماء أبرار أتقياء، قد براهم اخلوف بري القداح، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى

يرضون من أعماهلم بالقليل، وال يسـتكثرون وما بالقوم مرض، الالكثري، فهم ألنفسهم متهمون، ومن أعماهلم مشفقون، إذا زكـي

أنا أعلم بنفسي من غريي، وريب : أحدهم خاف ما يقال له فيقولأعلم بنفسي مين اللهم ال تؤاخذين مبا يقولون، واجعلين أفضل ممـا

.واغفر يل ما ال يعلمون. يظنونن جيعلنا ممن يستمعون وصية التقوى، فيعملون هبا، نسأل اهللا أ

.وممن يسمعون القول فيتبعون أحسنهوتوكل على الله وكفى بالله وكيلا] . ،سورة األحـزاب ]:٣: اآلية

التوكل هو قطع االستشراف باليأس من املخلوقني، يعين يفوض يع ما يهمه من أمـر دينـه اإلنسان أمره كله هللا، فإن اهللا كافيه مج

ودنياه، فعن ابن عمر ـ رضي اهللا عنه ـ قال مسعت رسـول اهللا، لو أنكم توكلون على اهللا حق توكله لرزقكم كما «: ، يقول

ومعناه تـذهب أول . )١(»يرزق الطري تغدو مخاصا وتروح بطانا

.٢٣٤٥: ه الترمذي وقال حديث حسنروا (١)

٦١ ادةمسالك السع

.النهار ضامرة البطون من اجلوع، وترجع آخر النهار ممتلئة البطونرع أثىن على املتوكلني، وإمنا يظهر تأثري التوكل يف حركة والش

اإلنسان وسعيه إىل مقاصده، فكم من إنسان بدأ عمله معتمدا على قوته فخذله اهللا وأمرضه، وكم من إنسان مل يرض بقضاء اهللا فمنع من رمحة اهللا، وكم من إنسان مل يرض مبا اختاره اهللا فخسر الدنيا

نسان توكل على اهللا فأتت له الـدنيا وهـي وكم من إ! واآلخرةراغمة، فالتوكل هو االعتماد على اهللا يف كل أمر من أمورك، وهو الثقة باهللا، واإلميان بقدرته، وقوته وعلمه، ولكي يتم املعىن احلقيقي للتوكل، فالبد ملن توكل على اهللا أن يبذل األسباب، فهذه هي سنة

متحققا يف أكثر من موضع مـن اهللا ـ سبحانه ـ وجند هذا املعىن ـ : القرآن والسرية النبوية، فها حنن نقرأ قوله ـ سبحانه وتعـاىل

وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى] . سورة األنفال، اآليـة :، حفنة من التراب وألقاهـا وذلك عندما أخذ الرسول، ]. ١٧

لت كل ذرة منها يف عـني يف وجوه الكفار يف إحدى املعارك فدخأحدهم وكانت من أسباب االنتصار، نـرى أن اهللا ـ سـبحانه

وهو رمي هذه -بذلك السبب وتعاىل ـ أراد نصر رسول اهللا ولكن الناصر احلقيقي هو اهللا ـ سبحانه وتعاىل -احلفنة من التراب

، بعد توكله على اهللا ما زاد علـى بـذل ـ إذ إن الرسول، وكذلك احلال يف عصا موسى، عليه السالم، فهنيئـا السبب شيئا،

ورجاء أن يكون من السبعني ألفا . للمطبق هلذا املعىن اإلمياين الكبريالذين يدخلون اجلنة بغري حساب كما جاء يف الصحيحني والـذين

.وعلى رهبم يتوكلون: جاء من صفاهتم

الك السعادةمس ٦٢

وقال ربكم ادعوني أستجب لكم] .ة غافر، اآليـة سور :٦٠:[

الدعاء مفتاح كل خري سلمه اهللا إىل عباده املؤمنني، فمن شاء استفتح كما قال علي ابن أيب طالب ـ رضي اهللا عنه ـ يف وصية

واعلم يا بين أن اهللا ـ سبحانه ـ جعل مفاتيح : "... البنه احلسن ".اخلري يف يدك فمىت شئت استفتحت أال وهو الدعاء

الدعاء الذي ال يكلفك سوى مد يـديك، -ي يا أخ -فالزم وتوجه بقلبك إىل خالقك، ليفتح لك أبـواب فضـله ورمحتـه، وليعلمك ما ينفعك يف دنياك وآخرتك فأقبل علـى اهللا، بصـدق،

وتـذليل وقلب حاضر، ونية صادقة، فطلب األمور ونيل املعـايل، الصعاب كل ذلك متوقف على دعائك لربك الذي وعدك باإلجابة

أن نكون ممن آخر دعواهم أن احلمد هللا رب -تعاىل -أل اهللا نس .العاملنيوقل رب زدني علما] .١١٤: سورة طه، اآلية:[

السر يف رقي األمم، وتقدمها، وقوهتا، وازدهارها، : هو العلم،فأي أمة أخذت بالعلم فإننا جندها أمة رقت إىل اجملد، ودخلت إليه

، لذلك وجب على كل إنسان مسلم تعلم العلـم من أوسع أبوابهواألخذ بأسبابه، حىت تتوافر له حياة طيبة، كرمية، ولقـد حـض اإلسالم على العلم، ونزلت أول سورة من كتاب اهللا تـدعونا إىل

، والتعليم أمر حممود، وليس املراد من التعليم نيل الشهادات )١(العلم

.سورة العلق (١)

٦٣ ادةمسالك السع

بل ملعرفة أمـور الـدين، ! وبلوغ املراتب، واحلصول على الوظيفة. وإدراك أحكامه، وإجادة القرآن الكرمي، حىت تعبد اهللا على بصرية

:والعلم علمانالعلم الديين ـ وهو يوصل إىل معرفـة اهللا وتوحيـده، -١

ومعرفة أمره وهنيه، ومعرفة نبيه، عليه الصالة والسالم، ومعرفة دين ام، والفـرض اإلسالم باألدلة، كذلك هو تبيان احلـالل واحلـر

والواجب، واملندوب واملباح، واملكروه واحملرم، حىت يعبد املسـلم ربه على هدى، وحىت ال يقع يف الضاللة أو البدعة، وحىت يتعلم غري

.املسلم مفهوم اإلسالم، لعله يهتدي وما أحسن العلم الـذي يـورث التقـى

ــه ــى مسائ ــد أعل ــي يف اجمل ــه يرتق بــد العــ ــم عن ــا العل ــدهوم املني حب

ســوى خشــية البــاري وحســن لقائــه ومــن أعظــم التقــوى النصــيحة إهنــا

مــن الــدين أصــبحت مثــل أس بنائــه فللــه فانصــح بالــدعاء لدينــه

وطاعتـــه مـــع خوفـــه ورجائـــه ــه ــطفى باتباع ــحا للمص ــن ناص وك

ــه ــل والئ ــب أه ــع ح ــرته م ونص أال إن هــدي املصــطفى خــري مقتضــى

ــائه ــورى يف اقتض ــالح لل ــل ص وك

الك السعادةمس ٦٤

فبالســـنة الغـــرا متســـك فإهنـــاــه ــوم لقائ ــد اهللا ي ــذخر عن ــي ال ه

فالعلم الديين يورث التقوى،ويبعث يف النفس خشية اهللا ويعدها

والنصيحة هي اليت فرضها اهللا على العامل الذي ينفع بعلمه، . للقائهنا كانـت النصـيحة ويبصر هبا الناس، فزكاة العلم نشره، ومن ه

تقوى، ألهنا خشية من التقصري يف الدعوة للدين، وإيقاف النـاس وطريق معرفة الدين . وحرامه، وتذكريهم بعذابه وثوابه. على حالله

كتاب اهللا ـ تعاىل ـ واتباع سنة نبيه، عليه الصالة والسالم، قوال .وفعال، ومن يفعل ذلك يكن يوم القيامة من الفائزين

رح الصدر ويوسعه حىت يكون أوسع مـن الـدنيا، فالعلم يشواجلهل يورثه الضيق، واحلصر واحلبس فكلما اتسع علـم العبـد انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل علم، بل للعلم املوروث عن

، وهو العلم النافع، فأهله أشـرح النـاس صـدرا، الرسول، .وأوسعهم قلوبا، وأحسنهم أخالقا وأطيبهم عيشا

ض جناحك لمن اتبعك من المـؤمنني واخف] . سـورة ]:٢١٥: الشعراء، اآلية

، خبفض جناحـه ألولئـك الـذين لقد أمر اهللا رسوله، يستجيبون لدعوته، كما خيفض الطائر جناحيه حني يهم بـاهلبوط، وهي صورة حسية معربة، يكىن هبا عن اللني والتواضع، والتواضـع

خالق اإلسالمية هو تطامن النفس البشرية لقوة إمياهنا يف مفهوم األ

٦٥ ادةمسالك السع

باهللا وشعورها جبالل عظمته، ويقينها بأن الكربياء على العباد مـن خصائص األلوهية، وتتطامن نفس املؤمن مع أخيه املؤمن، تواضـعا ولينا ورفقا، لتتآلف قلوهبم على حمبة اهللا، وتتوثق عرى أخوهتم على

.دينهألنبياء واملرسلني، ونعت املتقني واملهتدين الذين والتواضع خلق ا

ففـازوا بسـعادة الـدنيا . عرفوا احلق فاتبعوه، والباطل فاجتنبوهوالتكرب خلق اجلبابرة الظاملني، والكفرة حشر الناس حتت . واآلخرة، وقد وجه الكتاب الكرمي والسـنة النبويـة املطهـرة لوائه،

األنفس والسماوات واألرض، على املسلمني إىل النظر إىل اآلفاق وسبيل العلم املؤدي إىل مزيد من اإلميان، وهـذا يسـمى بـالعلم الدنيوي، وهو فرض على الكفاية، إذا قام به من يكفي سقط عـن الباقني، كالطب واهلندسة، والتعليم، وكل ما يـؤدي إىل اإلميـان

ة وحيقق واليقني ويدعو إىل اهللا من أنواع العلوم ويقدم للبشرية راحهلا من نفع، ويدفع عنها من ضر، فقد حث اإلسالم على تعلمهـا

من طلـب «: بشرط تعلمها لوجه اهللا، قال، عليه الصالة والسالمالعلم ليجاري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه أدخلـه

فاحذر السخرية بغري املتعلم، والترفع على من هـو . )١(»اهللا النارعلمك وبالا عليك، وليكن التواضـع إال صاردونك يف التعلم، و

. وخفض اجلناح سبيلكجعل فدية وإن من مظاهر احتفاء اإلسالم بالعلم أن النيب

.٢١٣٨: صحيح سنن الترمذي (١)

الك السعادةمس ٦٦

بعض أسرى بدر من املشركني أن يعلم كل واحد منـهم بعـض ).١(صبيان املسلمني القراءة

وتكربوا على عباد . وامللحدون، الذين استكربوا عن عبادة اهللا فلم ينقادوا للحق الذي جاءت به الرسل، سوف يهينـهم اهللا اهللا

إن «: ويذهلم جزاء ما قدموا ألنفسهم من العلو والفساد، قال اهللا أوحى إيل أن تواضعوا حىت ال يفخر أحد على أحد وال يبغي

، فيجب على املسلم لزوم التواضـع، وجمانبـة )٢(»أحد على أحديا يف الدنيا واآلخرة فـإن التواضـع التكرب لريفعه اهللا حسيا، ومعنو

يكسب السالمة، ويورث األلفة واحملبة، وعلى املسلم أن جيعل كبري املسلمني مبنزلة أبيه، فيحترمه ويتواضع له، وجيعل صغري املسـلمني مبنزلة ابنه فريمحه، ويعطف عليه، وجيعل نظريهم له أخا، فيعامله مبا

أسوة حسنة، حيث كان حيب أن يعامله به، ولنا يف رسول اهللاهني املؤنة، لني اخللق، كرمي الطبع، مجيل املعاشرة، طلق الوجـه، بساما متواضعا من غري ذلة، جوادا من غري سرف، رقيق القلـب،

.لني اجلانب هلم. رحيما بكل مسلم، خافضا اجلناح للمؤمننيواستغفروا ربكم ثم توبوا إليه] .٩٠: د، اآليةسورة هو:[

اعلم ـ أخي العزيز ـ أن اهللا ـ عز وجل ـ عظيم املغفرة، ويقبل توبة عبده املنيب إليه، ومل يقنط منه ، بل فتح باب التوبـة

.على مصراعيه وذلك فضل اهللا ورمحته على عباده

.من حديث ابن عباس ٢٢١٦أخرجه أمحد يف املسند برقم (١) .رواه مسلم (٢)

٦٧ ادةمسالك السع

مث إن ربنا ـ تبارك وتعاىل ـ قد بني أن التوبة هـي طريـق ـ وبوا إلى اللـه جميعـا أيهـا وت: الفالح فقال ـ سبحانه فالتوبـة ]. ٣١: سورة النور، اآلية. [المؤمنون لعلكم تفلحون

ليست خاصة ملن أذنب بل عامة يف حق مجيـع املـؤمنني الـذين وهـو - يريدون الفوز والفالح يف الدنيا واآلخـرة، وكـان

واهللا إين «: يقول -ا تأخراملعصوم، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وم، )١(»ألستغفر اهللا وأتوب إليه يف اليوم والليلة أكثر من سبعني مرة

وهذا ال يعين العدد بالتحديد وإمنا كثرة االستغفار والتوبة، وبني فالبد لكل مسلم من )٢(»أن التائب من الذنب كمن ال ذنب له«

: رويه عن ربه يقولفيما ي جتديد التوبة بني احلني واآلخر، وعنه ـ بن آدم إنك مـا دعـوتين ورجـوتين ا يا«: قال اهللا ـ تعاىل

بن آدم لـو بلغـت ا غفرت لك على ما كان منك وال أبايل، يابـن آدم لـو ا ذنوبك عنان السماء مث استغفرتين غفرت لك، يا

أتيتين بقراب األرض خطايا مث لقيتين ال تشرك يب شيئا ألتيتـك أس املسلم وال يقنط من رمحة اهللا، فإنه ال فال يي. )٣(»بقراهبا مغفرة

.يقنط من رمحة اهللا إال القوم الكافرونفنحن ! أخي املسلم إن هذه اخلطايا ما سلمنا منها، ولن نسلم

املذنبون، أبناء املذنبني وإن العبد مهما قوي إميانه وعال يقينه، البد طان من هفوات منه، وصغائر يلم هبا، ولكن اخلطر أن نسمح للشي

.فتح ١١/١١٠: رواه البخاري (١) .وإسناده صحيح ٤٢٥٠: ابن ماجة (٢) .رواه الترمذي وقال حديث حسن (٣)

الك السعادةمس ٦٨

!أن يستثمر ذنوبنا، ويرايب يف خطايانا، أتدري كيف ذلك؟يلقي يف روعك أن هذه الذنوب خندق حياصـرك، يلقـي يف روعك أن هذه الذنوب تسلبك أهلية العمل للدين، أو االهتمام به، وهكذا يضخم الوهم يف نفسك، وهذه ـ يا أخي ـ حيلة إبليسية

.تنطلي عليهينبغي أن يكون عقلك أكرب وأوعى من أن نسأل اهللا ـ تعاىل ـ أن مين علينا باإلميان املكـني، والعمـل الصاحل، والتوبة النصوح، وأن يعيذنا من رين القلـوب، وغشـاوة

.الذنوب، إنه ويل ذلك والقادر عليه* * * * *

٦٩ ادةمسالك السع

جهاد النفسإن من أعظم النعم اليت أنعمها اهللا على اإلنسان العقل، ألنـه

إلله، وملا أنعم اهللا على هذا العامل اإلنسي بالعقـل اآللة يف معرفة اافتتحه اهللا بنبوة آدم عليه السالم، فكان يعلمهم من وحـي اهللا ـ عز وجل ـ فكان على الصواب إىل أن انفرد قابيل هبـواه فقتـل أخاه، مث تشعبت األهواء بالناس فجعلهم يف ضالل، مث إن األنبيـاء

األمراض بالـدواء الشـايف، فأقبـل جاؤوا بالبيان الكايف، وقابلواالشيطان خيلط بالبيان شبها وبالدواء مسا، فبعـث اهللا ـ سـبحانه

، شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إليـه بإذنـه وتعاىل ـ حممدا ، يوجه األمة إىل طريق السـعادة يف وسراجا منريا، عاش النيب

أن أكمـل اهللا الدنيا واآلخرة، بالقول والعمل إىل أن لقي ربه بعدالدين، وأمت النعمة على املسلمني فلما مات، عليه الصالة والسالم، هنض إبليس يزخرف ويزين، وبدأت البدع يف الظهور، وهلذا فـإن

مـن «: فقـال . ، أمرنا باتباع سنته، وهنانا عن االبتداع النيب، فالواجـب علـى . )١(»أحدث يف ديننا هذا ما ليس منه فهو رد

ته منذ زمـن آدم اويأخذ حذره من عدوه الذي أبان عدالعاقل أن عليه السالم، وال يطلق لنفسه امليل وراء شهواته، وعليه بالصرب عن االستجابة ملتاع احلياة الدنيا وزينتها، وأن يضـبط نفسـه عـن االسترسال والركون إليها، وقمع الشهوات وجماهدة نفسه وقهرها

ـ عن هواها، قال ابن القيم ـ رمحه ا دافع اخلطـرة فـإن مل : "هللا

.رواه البخاري (١)

الك السعادةمس ٧٠

تفعل صارت شهوة، فإن مل تفعل صارت عزمية، فإن مل تـدافعها صارت فعال، فإن مل تدركه بضده صارت عادة، فيصعب عليـك االنتقال منها، وذلك ألن النفس بطبيعتـها متيـل إىل الشـهوات واللذات واهلوى، فال تغرنك نفسك باألماين والغرور، وإن رضيت

". عت هواها قادتك إىل النار وبئس القرارعنها واتبوذلـك . )١(»حفت اجلنة باملكاره، وحفت النار بالشهوات«

ألن اجلنة حتتاج للعمل الدؤوب املرتكز على اإلميان الصحيح، كما حتتاج إىل مدافعة النفس وكفها عن الشهوات، والتـزود بالعمـل

البها، فمطالبها الصاحل، وعدم االستغراق يف الدنيا، واجلري وراء مطكثرية ال تنتهي، ويكفي اإلنسان منها ما قل وأدى به إىل الشـكر، فكثرة النعيم قد جتر إىل حب الدنيا، والتعلق هبـا، والـدخول يف احملرمات، واقتراف املنكرات، فشهوات الدنيا تستهويه، وتغريـه، ومناهلا يف هذا العصر ميسور، بينما القابض على دينه كالقـابض

مجرة من نار، ألن اإلنسان حماط باملفاسد، وجبهات الشهوات على مفتوحة عليه من كل جانب، والسعيد من عصمه اهللا، وسدد خطاه للخري، واتبع سبل السالم، وليس لإلنسان من حل إال اتباع اجلماعة مجاعة اخلري واإلميان، ليبقى ضمنها يتلقى النصائح مـن إخوانـه،

به الشهوات، وال تدامهه احملرمـات، وينصح هو بدوره فال تنفردواإلنسان حمتاج إىل قوة إميان ليتغلب على النفس األمارة بالسـوء وليكبح الشهوات، وحمتاج إىل اجلهد والصرب وااللتزام واإلقبال إىل

.رواه مسلم (١)

٧١ ادةمسالك السع

أن يفوز جبنات اهللا اليت أعدت للمؤمنني املتقني، أما النار فـدخوهلا فاحملرمات تستهوي النفـوس سهل ألن متع الدنيا ميسرة لقاصدها

الضعيفة اخلالية من اإلميان، وهنا يتوىل الشيطان قياد هذا اإلنسان، فريتاد به كل حمرم، وحيبب إليه كل منكر، حىت ال يـرى أمامـه مسلكا إال طريق احلرام، والبغي والفجور، وينقله من خبيـث إىل

ز عن خبيث ليلقى بعد ذلك ربه، وقد محل أوزارا على أوزار، تعج .محلها اجلبال الراسيات

يــا أيهــا العاصــي إىل كــم يف اهلــوىــد ــام املوع ــى مق ــا ختش ــهو م والل

الصــرب عــن شــهوات نفســك توبــةــد ــهوة مل ترق ــالط ش ــت وغ فاثب

ــه ــواك تركت ــاك إذا ه ــد هن حتمــد ــاش األرغ ــعد باملع ــعد تس ــا س ي

إن شئت نيل الفخـر فاصـرب واصـطرب ــا ــدإن املفـ ــق األبعـ خر يف الطريـ

وقد تنفر النفس يف بداية طريق اجملاهدة، ولكن إذا مشرت عن ساعد اجلد وكانت عندك تلك اإلرادة، والعزمية القوية، فسـتناهلا بإذن اهللا، وواجب املسلم أن حياسب نفسه، ويعاقبها على التفريط،

أن ويعاتبها على التقصري، وكيف ال حياسب املسلم نفسه وهو يعلم اهللا يعلم خائنة األعني وما ختفي الصدور، وأن حماسبة النفس جتعلك

اهتا، ومواطن الضـعف فيهـا، فتبـدأ على علم بعيوب نفسك وذ

الك السعادةمس ٧٢

بوصف الدواء هلا، ومعاجلتها من هذه األمور، وتتخلص من هـذه العيوب، وجتعلك دائم االستعداد ليوم القيامة تعد الزاد وتسـتكثر

أنه ليس للمرء يف الدنيا مقام وال عليها قرار، منه، وليعلم كل مسلم فاآلخرة خري ملن اتقى وال تظلمون فتيال، يوم القيامة يوم احلسـرة

يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ومـا : والندامةسـورة آل . [عيداعملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا ب

ومجلة وتفصيال، لئال يكون للناس علـى اهللا ]. ٣٠: عمران، اآليةـ وآثـر * فأما من طغى : حجة بعد الرسل، قال اهللا ـ تعاىل

وأما من خاف مقـام * فإن الجحيم هي المأوى * الحياة الدنيا سـورة . [فإن الجنة هي المأوى* س عن الهوى ربه ونهى النف

].٤١ - ٣٧: النازعات، اآلياتفراجع نفسك ـ يا أخي ـ واختذ قرارا شجاعا يرضـي اهللا ورسوله، جعلنا اهللا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسـنه،

ـ ة لنكون من الذين سبقت هلم من رهبم احلسىن، فأحلهم دار املقاممن فضله، ال يبغون عنها حوال، وهم فيهـا اشـتهت أنفسـهم

.خالدون* * * * *

٧٣ ادةمسالك السع

وصف اجلنة والتحذير من النارعباد اهللا، اتقوا اهللا، وسارعوا إىل مغفرة مـن ربكـم وجنـة عرضها السماوات واألرض، أعدت للمـتقني، سـارعوا إىل دار

لى قلـب النعيم، فيها ماال عني رأت، وال أذن مسعت، وال خطر ع .بشر

فغاية ما يتمناه املسلم هو الفوز باجلنة، دار النعيم، والكرامة، والنجاة من النار، دار الشقاء، والعذاب، واإلهانة، وهذا هو الفوز

ومن يطع اللـه العظيم، املترتب على الفوز بطاعة اهللا ورسوله، ]. ٧١: األحزاب، اآليةسورة . [ورسوله فقد فاز فوزا عظيما

، أسباب وقد تضمن كتاب اهللا ـ تعاىل ـ وسنة رسوله، دخول اجلنة والنجاة من النار، وأوصاف كل من أهل اجلنة وأهـل

ـ كيف يقدر قدر دار غرسها : "النار، قال ابن القيم ـ رمحه اهللا اهللا بيده، وجعلها مقرا ألحبابه، ومألها من رمحتـه، وكرامتـه،

ضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بامللك الكـبري، وروأودعها مجيع اخلري حبذافريه، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص، فإن سألت عن أرضها وتربتها، فهي املسك والزعفران، وإن سألت عن سقفها، فهو عرش الرمحن، وإن سألت عن بنائها، فلبنة مـن

ظاهرها من باطنها، وباطنها فضة ولبنة من ذهب، فيها غرف يرى من ظاهرها، للمؤمن فيها خيمة من لؤلؤة واحدة، جموفة، طوهلـا ستون ميال، فإن سألت عن ارتفاعها، فانظر إىل الكوكب الطالع أو الغارب يف األفق الذي ال تكاد تناله األبصار، وإن سـألت عـن

الك السعادةمس ٧٤

أبـدا، أهنارها، ففيها أهنار من ماء غري آسن، أي مل يتغري وال يتغريوأهنار من لنب مل يتغري طعمه حبموضة، وال فساد، وأهنار من مخـر لذة للشاربني، وال يصدع الرؤوس، وال يزيل العقول، وأهنار مـن عسل مصفى، جتري هذه األهنار من غري حفر سـواق، وال إقامـة

. أخدود، يصرفوهنا كما يشاؤونممـا فإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخريون، وحلم طـري

يشتهون، يعطى الواحد منهم قوة مائة يف الطعام والشراب، ليأكلوا من مجيع ما طاب هلم، ويشربوا من كل ما لذ هلم، ويطول نعيمهم بذلك، مث خيرج طعامهم، وشراهبم جشاء ورشحا مـن جلـودهم كريح املسك، فال بول ، وال غائط، وال خماط، هلـم فيهـا أزواج

، أنشأهن اهللا إنشاء، فجعلهن أبكـارا، مطهرة من احليض والنفاسكلما جامعها زوجها عادت بكرا، وجعلهن عربا، والعروب هـي املرأة املتوددة إىل زوجها، أترابا على سن واحد، عن علي ـ رضي

إن يف اجلنة جملمعا للحور «: قال رسول اهللا، : اهللا عنه ـ قال ن حنن اخلالدات العني يغنني بأصوات مل يسمع اخلالئق مبثلها، يقل

فال نبيد، وحنن الناعمات، فال نيأس، وحنـن الراضـيات فـال فيها ما تشتهيه األنفـس، . )١(»نسخط، طوىب ملن كان لنا وكنا له

وتلذ األعني، وهم فيها خالدون، ال يبغون عنها حـوال، وال هـم عنها خمرجون، ينادي مناد إن لكم إن تصحوا فال تسقموا أبـدا،

ا فال متوتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فـال هترمـوا وإن لكم أن حتيو

.أخرجه الترمذي (١)

٧٥ ادةمسالك السع

أبدا، وفوق ذلك كله ما حيصل هلم من النعيم برؤيـة رهبـم الـرب الرحيم، الذي من عليهم حىت أوصـلهم بفضـله إىل دار السـالم والنعيم، فإهنم يرونه عيانا بأبصارهم، وسالمه علـيهم، وتـنعمهم

يم اجلنة، وذلك هـو برؤيته، وفوزهم برضاه الذي هو أكرب من نعإن اهللا يقول ألهـل «: وقال، عليه الصالة والسالم. الفوز العظيم

لبيك ربنا وسعديك، واخلري كله يف . فيقولون: يا أهل اجلنة: اجلنةوما لنا ال نرضى يـا رب : هل رضيتم؟ فيقولون: يديك، فيقول

أال أعطـيكم : وقد أعطيتنا ما مل تعط أحدا من خلقك، فيقـول وأي شيء أفضل من ذلـك، : ذلك، فيقولون يا ربأفضل من

. )١(»فيقول أحل عليكم رضواين فال أسخط عليكم بعده أبـدا أخي أال حتب أن تكون يف طيب جوار اهللا يف جنتـه، يف روح ال يزول، ونعيم ال يبيد، فوق األماين ما تشتهيه األنفس، وتلذ األعني،

ق عنـد مليـك وقرة عني ال تنقطع يف جنات وهنر، يف مقعد صد .مقتدرفيا عباد اهللا، اتقوا اهللا تعاىل، اتقوا ذلـك بامتثـال أوامـره،

واجتناب نواهيه، فإنه ال جناة لكم من النار إال هبذا، اتقوا النار فإهنا دار البوار والبؤس، ودار الشقاء والعذاب الشديد، دار من ال يؤمن

خلف وغريهم من باهللا واليوم اآلخر، دار فرعون وقارون، وأيب بن طغاة اخللق وفجارهم، ولئن سألتم عن مكاهنـا فإهنـا يف أسـفل

طعام أهلها الزقوم، وهو . السافلني، وأبعد ما يكون عن رب العاملني

.رواه مسلم (١)

الك السعادةمس ٧٦

شجر خبيث مر املطعم كريه املنظر، ال يسمن وال يغين من جوع، هذا هو طعامهم إذا جاعوا، فإذا أكلوا منـها التـهبت أكبـادهم

وإن يسـتغيثوا يغـاثوا بمـاء : ثون طلبا للمـاء عطشا، مستغيوهو الرصاص املـذاب ]. ٢٩: سورة الكهف، اآلية. [كالمهل

يشوي وجوههم حىت تتساقط حلومها، فإذا شـربوا علـى كـره .وضرورة قطع أمعاءهم ومزق جلودهم

عباد اهللا، اتقوا النار، فإن حرها شديد، قد ضوعفت على نار ا كلها بتسعة وستني جزءا، يصالها اجملرمون، فتنضخ جلودهم، الدني

ويبدهلم اهللا جلودا غريها ليذوقوا العذاب، كلما أرادوا أن خيرجـوا منها أعيدوا فيها، عذاهبم فيها دائم ال يفتر عنهم، وهم فيه مبلسون، يتكرر عليهم فال يسترحيون، ويسألون اخلالص منه ولو ساعة، فال

ال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف وق: جيابونقالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينـات * عنا يوما من العذاب

سورة. [قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلالفلن يستجاب هلم ألهنم، مل يسـتجيبوا ]. ٥٠، ٤٩: غافر، اآليتان

قالوا : للرسل حينما دعوهم إىل اهللا، فكان اجلزاء من جنس العملربنا أخرجنا منها فإن * ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالني

]. ١٠٧، ١٠٦: سورة املؤمنـون، اآليتـان [ .عدنا فإنا ظالموناخسئوا فيهـا ولـا : فيقول اهللا هلم على وجه اإلهانة واإلذالل

فحينئذ ييأسون مـن ]. ١٠٨: سورة املؤمنون، اآلية. [تكلمونخالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولـا : كل خري ويعلمون أهنم

تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا اللـه يوم* نصريا

٧٧ ادةمسالك السع

فال تزهد ]. ٦٦، ٦٥: سورة األحزاب، اآليتان. [وأطعنا الرسولايف البعد عن النار، وال تستهن بطيب اجلوار، واطلع بقلب فارغ إىل

طيـب مـا إىل انفساح سعتها وبرد طيب نسيمها، وإىل... اجلنةيفوح من روائحها، وإىل حسن بناء قصـورها، وهبجـة حليهـا، وحريرها، وتأللؤ نورها على أسرهتا وحجاهلا، وحسـن وجـوه أهلها، ونضرة النعيم على وجوههم، وقرهبم من مليكهم، ويقينهم برضا اهللا ـ عز وجل ـ عنهم، مث أشرف بوجه قلبك علـى دار

عذبني فيها، والنريان ملتهبة من اهلوان، واخلزي، وإىل قبيح صور املفوق رؤوسهم، وأسافل أقدامهم، وإىل حياض احلميم تفور معـدة بشدة عطشهم، وبقوا بالغم والكرب ال يتنفسون إىل حلول غضب

.اهللا عليهمفانظر عواقب من أطاع واتقى، وعواقب من أساء وعصـى،

ادر أمرك يف قارن بني هؤالء وهؤالء، وازن بني النعيم والعذاب، وبـ لا يسـتوي أصـحاب النـار : الدنيا وتأمل قوله ـ تعاىل

سورة احلشـر، . [وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ].٢٠: اآلية

.وأين تلك الدرجات من تلك الدركات؟هنا جنات خالدين فيها، وهناك نار جهنم خالدين فيها، هنـا

ورحيان وجنة نعيم، وهناك سالسل وأغالل وسعري وسقر، هنا روحماال عني رأت، وال أذن مسعت، وال خطر على قلب بشر، وذلـك من النعيم، وهناك ما ال عني رأت، وال أذن مسعت، وال خطر على

الك السعادةمس ٧٨

ربنا آتنا يف الدنيا حسنة "قلب بشر، من اجلحيم وأصناف العذاب، ".رويف اآلخرة حسنة وقنا عذاب النا

* * * * *

٧٩ ادةمسالك السع

نصائح على طريق اجلنة أقبل على اهللا ـ تعاىل ـ بإخالص وأفرده ـ سـبحانه

ـ بالعبادة، والدعاء، وطلب األرزاق واحلاجات وال تشرك معـه .غريه

تقرب إىل اهللا تعاىل ـ مبا افترض عليـك مـن صـالةوتزينها باخلشوع، وزكاة مطهرة، وصيام األتقياء، وحج مـربور،

.ةوعمرة صاحل

،اتبع رسولك يف كل األمور، وسـر يف حياتـك ،كلها على منهاجه، مينحك ربك اهلداية والفالح، وتكون ممن يشفع

.فيه يوم القيامة

سابق وسارع إىل التوبة النصوح، واألعمال اليت تقربك .من موالك، وال تسوف فإن القلوب سريعة التحول

األحـوال، استحضر عظمة اهللا دائما، وراقبه يف كـلواعلم أنه ـ سبحانه ـ مطلع عليك فال جيدنك حيث هنـاك، وال

.يفتقدنك حيث أمرك

اهتم نفسك دائما بالتقصري، وال تزك لنفسك عمال، وال .تظهر عمال عملته يف اخلفاء

ليكن لك ورد قرآين كل يوم ـ على األقل ـ جزء من .ة تقرؤهاكتاب اهللا ـ تعاىل ـ، فإن منزلتك يف اجلنة عند آخر آي

ليكن لسانك دائما رطبا بذكر اهللا ـ تعاىل ـ، وحافظ

الك السعادةمس ٨٠

على أذكار الصباح واملساء، فإن أقرب الناس إىل اهللا ـ تعـاىل ـ الذاكرون اهللا كثريا والذاكرات، والذي ال يذكره ـ تعاىل ـ فهو

.وامليت سواء

أحبب يف اهللا؛ وأبغض يف اهللا، فتلك أوثق عرى اإلميان.

عروف؛ ولو بكلمة طيبةكافئ على امل.

أحبب للمؤمنني ما حتب لنفسك، واكره هلم ما تكـره .لنفسك، وأد احلقوق كاملة، وأسأل اهللا الذي لك

كن هينا، لينا، متواضعا للمؤمنني، شديدا على الكافرين .الظاملني

،اذكر املوت دائما واستحضر ساعة النـزول إىل القـربلصراط، واجلنة والنار، وأعـد وختيل احلشر واحلساب، وامليزان، وا

.لذلك اليوم عدته املناسبة

ابك على خطيئتك، وألزم نفسك جمالس اخلري من ذكر .اهللا ـ تعاىل ـ وحلقات العلم وقراءة القرآن

زر املرضى، واتبع اجلنائز، وأفش السالم، وغرب قـدمك .دائما يف سبيل اهللا

،ليكن لك مع اهللا ـ تعاىل ـ وقفـة بالليـل تناديـه وتناجيه، وتسأله ـ سبحانه ـ من مفاتح رمحته، وليكن بالنهار مع

.اهللا صوم وذكر وتسبيح

ادع إىل اخلري، وأمر باملعروف؛ وانه عن املنكر، ولـيكن

٨١ ادةمسالك السع

.الصرب دائما رائدك يف كل األمور

،تطلع دائما إىل اجلهاد يف سبيل اهللا، وحدث نفسك به .فهو ذروة سنام اإلسالم

تذكرك اآلخرة، وصـل ذوي القـرىب، زر القبور فإهنا .وارحم الضعفاء

أطب مطعمك، وحتر احلالل، فإن اهللا ـ تعاىل ـ طيب .ال يستجيب إال للطيبني، وال يرحم إال الطاهرين

ال جتلس يف مواطن التهم والريبة، وانظر من جتالس، فإن .املرء على دين خليله

نزه لسانك عن الكذب والغيبة والنميمـة، والطعـن يف .الناس والفحش يف القول، فإن اهللا ال حيب الفاحش البذيء

حافظ على بصرك واحبسه عن النظر احملرم؛ وال تتبـع .عورات الناس، وال جتعله يدور على الناس حسدا وطمعا

ال تسع إال يف حالل، أو يف مرضاة اهللا ـ تعاىل ـ وال .متدن يدك بطشا واعتداء على خلق اهللا

ى ما آتاهم اهللا من فضله، وانظـر إىل ال حتسد الناس عل .من هو دونك، فإن ذلك أحرى أال تزدري نعمة اهللا عليك

انظر إىل من هو أنشط منـك يف العبـادة، وسـارع .باألعمال الصاحلة فاملؤمن ال يرضى حىت يكون مستقره اجلنة

عش دائما بني اخلوف والرجاء ومن نفسـك باجلنـة

الك السعادةمس ٨٢

علم أن لكل عمل أجره حىت تنشط يف وزكها باألعمال الصاحلة، واالقيام باألعمال، وانظر إىل كل ما سواها على أنه سـراب، فـإن

.حقيقة اجلنة ال يعلمها إال اهللا ـ تعاىل واعلم أنه إذا فاتتك اجلنة، فقد فات كل شيء، وإن ملكـت الدنيا، وما عليها وإنك إن أحرزت اجلنة، فقد فزت بكل شـيء،

.ياة صفرا من كل شيءوإن كنت يف هذه احل !وهذا هو الطريق أيها السائرون*

وهذا هو طريقهـا واضـحا، : فإىل دار النعيم اليت عرفها لكممعبدا عليه أعالمه، وفوقه أنواره، وها أنتم يف مبتداه، فسريوا حثيثا

!!إىل منتهاه، حيث أبواب اجلنة مفتحة أيها السالكون :، يف قوليه إليكم الطريق كما رمسه رسول اهللا،

تركتكم على احملجة البيضاء ليلها كنهارها، ال يزيـغ « -١ .»عنها إال هالك

ومن يأىب يا رسول : كلكم يدخل اجلنة إال من أىب، قيل« -٢إنه ـ . »من أطاعين دخل اجلنة، ومن عصاين فقد أىب: اهللا؟ فقال

عليه الصالة والسالم ـ يف هذين احلديثني قد بني الطريق ورمسـه ضحا لكل ذي بصرية، فهلم أيها اإلخوان لنسري سويا، إخوانـا وا

!!.متحابني، وأصدقاء متعاونني، فهيا بنا هيا بنا :أخي املسلم أخي الكرمي

قد يكون ما مضى كالما مجيال، ونصائح مهمة، ولكن ذلـك

٨٣ ادةمسالك السع

كله سيبقى حربا على ورق، ما مل ينقل إىل حيز التنفيذ، ويـدخل تباع النصح بالقبول، والقول بالعمـل، واهللا عامل الواقع، فهيا إىل ا

.معكم ولن يتركم أعمالكم* * * * *

الك السعادةمس ٨٤

وختاما :أخي املسلم

إين أناديك إىل نعمة اهلداية، ولذة الطاعة، عجـل يـا أخـي احلبيب بالتوبة، مادام باهبا مفتوحا، عجل وال تؤجل فإن األمر جد

. )١(لشمس من مغرهباكل اجلد، وإن للتوبة بابا ال يغلق حىت تطلع ايا عبادي إنكم ختطئون بالليل والنهار وأنا أغفـر «: وينادي اهللا

فهال اسـتغفرت واهللا . )٢(»الذنوب مجيعا، فاستغفروين أغفر لكميبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتـوب

ئبـا واهللا ال يتخلى عن عبده إذا جاء مقبال عليه، تا. )٣(مسيء الليلإليه، واهللا حيب االعتذار، فهال أقبلت واهللا يفرح إذا تـاب العبـد

اهللا أشد فرحا بتوبة عبده «: قال، عليه الصالة والسالم. وأقبل إليهحني يتوب إليه من أحدكم كان على راحلتـه بـأرض فـالة ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منـها فـأتى شـجرة

ن راحلته فبينما هو كذلك، إذ هـو فاضطجع يف ظلها قد أيس ماللهم أنت : هبا قائمة عنده فأخذ خبطامها مث قال من شدة الفرح

.)٤(»أخطأ من شدة الفرح! عبدي وأنا ربكواعلم ـ يا أخي ـ أن الذنب حيـدث للتائـب الصـادق

انكسارا وذلة بني يدي اهللا ـ تعاىل ـ وأنني التائبني حمبوب عنـد

).٢٧٦٠(رواه مسلم (١) .رواه مسلم (٢) .٢٧٥٩(رواه مسلم (٣) .رواه مسلم (٤)

٨٥ ادةمسالك السع

املؤمن واضعا ذنبه نصب عينيه، فيحـدث لـه اهللا، وال يزال العبد انكسارا وندما، فيعقب الذنب طاعات وحسنات كثرية، حـىت إن

مل أوقعه يف هذا الذنب، ولذلك فـإن ليتين يا: الشيطان رمبا يقولبعض التائبني قد يرجع بعد الذنب أحسن مما كان قبلـه، حبسـب

ائـدون الع«: توبته، وتأمل هذه القصة اليت ذكرها صاحب كتابأن شابا تويف أبوه، فأصبحت أمه تسـهر علـى : وهي. »إىل اهللا

رعايته وتربيته، وتشتغل باخلدمة يف بيوت اجلريان لكي جتمـع لـه فلما كرب هذا الشاب سافر للدراسة يف اخلارج، مث . وإلخوانه املال

عاد حيمل شهادة عالية، ولكن بعد أن غسل دماغـه، واحنرفـت ، ونسي فضل األم، فلمـا أراد الـزواج، أفكاره، وتغريت أخالقه

عرضت عليه أمه فتاة طيبة صاحلة، لكنه مل يقبلها، وانطلق يبحـث عن فتاة من بيئة مترفة، وبالفعل تزوج فتاة من هذا النوع، وأسكنها مع أمه يف البيت، وبعد ستة أشهر من الزواج دخل البيـت يومـا

سـتطيع أال : تفوجد زوجته تبكي، فسأهلا عن سبب بكائها، فقال. البقاء مع أمك يف هذا البيت، ال أطيق الصرب عليها أكثر من ذلك

فغضبت غضبا أنساين حق أمي، فطردت أمـي : يقول هذا الشاب. يا ولدي أسعدك اهللا: من البيت، فغادرت وهي تلتفت إيل وتقول

.يا ولدي أسعدك اهللاوبعد أن ذهب عين الغضب، وعاد إيل شعوري، : يقول الشاب

هبت أحبث عن أمي فلم أجدها، فرجعت إىل البيت، واستطاعت ذزوجيت بذكائها ومجاهلا أن تنسيين أمي الغالية فانقطعت أخبارهـا

.عين

الك السعادةمس ٨٦

وبعد فترة أصبت مبرض خبيث، دخلت على إثره املستشـفى، فلما علمت أمي بذلك جاءت تزورين يف املستشـفى، وكانـت

هلا ارجعي، ابنـك زوجيت عندي، فقابلت أمي عند الباب وقالتليس هنا، ماذا تريدين منا؟ اذهيب عنا، حنن ال نريدك، فخرجت أمي من املستشفى، وبعد مدة خرجت من املستشفى، وما لبثت صحيت أن تدهورت مرة أخرى فعدت إىل املستشفى، وفقدت وظـيفيت، وتراكمت علي الديون، وختلى عين أصدقائي، وهرب الناس مـن

.. أنا ال أريدك طلقـين : يام قالت يل زوجيتحويل، ويف يوم من األ: ليس لك وظيفة، وال مكانة يف اجملتمع، فأنا ال أريـدك، يقـول

فكانت تلك صفعة شديدة علي، لكين كنت أستحقها فعال، لقـد خرجت أهيم على وجهـي، .. أيقظتين من السبات الذي كنت فيهاألربطة يف أحد . لكن أين؟.. وأحبث عن أمي، ويف النهاية وجدهتا

تعيش على صدقات احملسنني، وقد أثر فيها البكاء، فبدت شـاحبة ضعيفة، وما أن رأيتها حىت ألقيت بنفسي عند رجليها، وبكيـت بكاء مرا، وما كان منها إال أن شاركتين يف البكـاء، واختلطـت أصواتنا، وظللنا على هذا احلال ساعة أو أكثر مث أخذهتا معـي إىل

وأنـا اآلن : سي أن أطيعها ما حييت، يقـول البيت وآليت على نف .أمي ـ حفظها اهللا : أعيش أحلى وأسعد أيامي مع حبيبة العمر

:وختاما للحديث عن التوبةروي أن أحد الصاحلني كان يسري يف بعض الطرقات، فـرأى بابا قد انفتح وخرج منه صيب يستغيث ويبكي، وأمه خلفه تطـرده

ودخلت، فذهب الصيب غـري حىت خرج فأغلقت الباب يف وجهه

٨٧ ادةمسالك السع

بعيد، مث وقف مفكرا فلم جيد له مأوى غري البيت الذي أخرج منه، وال من يؤويه غري والدته فرجع مكسور القلب حزينا فوجد الباب مغلقا فتوسده ووضع خديه على عتبة الباب ونام ودموعـه علـى خديه، فخرجت أمه بعد حني، فلما رأته على تلك احلال مل متلـك

يا ولدي أين : أن رمت بنفسها عليه والتزمته وهي تبكي وتقولإال ذهبت عين ومن يؤويك سواي، أمل أقل لك ال ختالفين وال حتملـين على عقوبتك، خبالف ما جلبين اهللا عليه من الرمحة بك والشـفقة

اهللا أرحـم «: يقول عليك، مث أخذته ودخلت، ولكن الرسول . )١(»بعباده من هذه بولدها

ن تقع رمحة الوالدة من رمحة اهللا اليت وسعت كل شـيء؟، فأي .واهللا لن يتخلى عن عبده إذا جاءه يسعى مقبال إليه

أرأيت لو أن ولدا كان يعيش يف كنف أبيه يغذيـه بأطيـب الطعام والشراب ويلبسه أحسن الثياب، ويربيه أحسـن التربيـة،

يوما يف حاجة، ويعطيه النفقة، وهو القائم مبصاحله كلها، فبعثه أبوهفخرج عليه عدو يف الطريق، فأسره وكتفه وشد وثاقه مث ذهب به إىل بالد األعداء، وصار يعامله بعكس ما كان يعامله به أبوه فكان كلما تذكر تربية أبيه، وإحسانه إليه املرة بعد املرة، هتيجت من قلبه

أسر لواعج احلسرات، وتذكر ما كان فيه من النعيم، فبينما هو يف عدوه يسومه سوء العذاب ويريد ذحبه يف هناية املطاف، إذ حانـت منه التفاتة حنو ديار أبيه، فرأى أباه منه قريبا فسعى إليه وألقى بنفسه

.رواه مسلم (١)

الك السعادةمس ٨٨

انظر إىل ولـدك ! يا أبتاه! عليه وانطرح بني يديه، يستغيث يا أبتاهوما هو فيه، والدموع تسيل على خديه، وهو قد عانق أباه والتزمه،

عدوه يشتد يف طلبه حىت وقف على رأسه وهو ملتـزم لوالـده وممسك به، فهل تقول إن والده سيسلمه يف هذه احلال إىل عـدوه

وخيلي بينه وبينه؟فما ظنك مبن هو ارحم بعبده من الوالد بولده، ومن الوالـدة بولدها، إذا فر عبد إليه، وهرب من عدوه، وألقى بنفسـه طرحيـا

يـا رب : ثرى أعتابه، باكيا بني يديه، يقـول ببابه، ميرغ خده يفارحم من ال راحم له سواك فقريك وسائلك، أنت معـاذه وبـك

اللهم أنت ريب ال إلـه « مالذه، ال ملجأ وال منجا منك إال إليك،إال أنت خلقتين وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت

بذنيب أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء .)١(»فاغفر يل فإنه ال يغفر الذنوب إال أنت

ـ قل يا عبادي الـذين أسـرفوا : أخي يقول اهللا ـ تعاىل على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا

].٥٣: رة الزمر، اآليةسو. [)٢(إنه هو الغفور الرحيمفيا أخي املسلم، إين لك حمب، وعليك مشفق، ولك ناصـح،

رواه البخاري، ويف هذا احلديث من بديع املعاين وحسن األلفاظ ما حيق له أن (١)

.يسمى به ـ سيد االستغفارق التائبني، وفيها هني عن القنوط من رمحة اهللا ـ تعاىل ـ وإن وهذه اآلية يف ح (٢)

عظمت الذنوب، وفيها دليل على سعة رمحة اهللا ـ تعاىل ، وفيها دعوة جلميع العصاة من الكفرة وغريهم إىل التوبة واإلنابة ، وإخبار بأن اهللا تعاىل يغفر الذنوب

.مجيعا ملن تاب منها ورجع عنها وهو التواب الرحيم

٨٩ ادةمسالك السع

فهيا إىل فعل اخلريات، وكسب احلسنات، ورفقة الصاحلني، واحذر .الزيغ بعد الرشاد، والضاللة بعد اهلداية، رمحين اهللا وإياك

نسأل اهللا أن يوفقنا للتوبة النصوح، مادامت التوبة ممكنة، وباهبا ا، واهللا أسأل أن حيييين وإياك احلياة الطيبة حياة السـعداء، مفتوح

ويوفق عامة املسلمني، ويأخذ بأيديهم، ويهدي شباهبم، ويتـوب على تائبهم، وأن يغفر لنا ذنوبنا مجيعا، ويرزقنا الصرب، واليقني حىت

.نقضي هذه احلياة الدنيا فيما حيبه اهللا ـ تعاىل ـ ويرضاهحلبيـب ـ ورمحـه اهللا وبركاتـه، والسالم عليك ـ أخي ا

وأستودعك اهللا الذي ال تضيع ودائعه، وآخر دعوانا أن احلمـد هللا رب العاملني، وصلوات اهللا وسالمه على خري خلقه وأنبيائه، نبينـا

.حممد وعلى آله وأصحابه، وأتباعه إىل يوم الدين الفقري إىل عفو اهللا ورمحته

أخوكم حسن صابر حسن سليمان

٩٠٩٩٠ب .ص الرياض ـ* * * * *

الك السعادةمس ٩٠

فهرس كتاب مسالك السعادة

٥ ...................................................... املقدمة ٧ ....................................................... تقدمي ١١ ............................................. ريف السعادةتع

١٣ .............................. أسباب زوال احلزن واالكتئاب ١٥ ................................................... الشجاعة ١٦ ................................. بعمل اليوم احلاضر االهتمام

٢٠ ............. تقدير أسوأ االحتماالت سبب يف ختفيف النكبات ٢٢ ...................................... النظر إىل من هو أسفل ٢٤ ........................................ معرفة اإلنسان نفسه

٢٦ ...................................... اإلميان بالقضاء والقدر ٢٧ ...................................................... الصرب

٢٩ .................................................... التداوي ٣١ ............................................... العالج الديين

٣٢ ......................................... اإلقبال على القرآن ٣٤ ............................. الصالة والسالم على سيد األنام

٩١ ادةمسالك السع

٣٥ .............................................. صالة الضحى ٣٥ .................................................... الصدقة ٣٦ ..................................................... الدعاء

٣٨ ........................................... التجايف عن الدنيا ٤٢ .............................................. القناعة بالقليل

٤٦ ................................... ني العملقصر األمل وحتس ٥٤ ............................................. أسباب السعادة ٦٩ ............................................... جهاد النفس

٧٣ .............................. النار وصف اجلنة والتحذير من ٧٩ ..................................... نصائح على طريق اجلنة

٨٤ .................................................... وختاما ٨٦ ............................. :توبةوختاما للحديث عن ال

٩٠ ............................... فهرس كتاب مسالك السعادة

* * *