1

المقدمة :

إن حقوق اإلنسان والحري��ات العام��ة ليس له��ا تعري��ف مح��دد ب��ل هن��اك العدي�د من التعريف�ات ال�تي ق�د يختل�ف مفهومه��ا من مجتم�ع إلى آخ�ر أو من ثقافة إلى أخرى، الن مفه��وم حق��وق اإلنس��ان أو ن��وع ه��ذه الحق��وق يرتبط��ان باألساس بالتصور الذي نتصور به اإلنسان، لذلك سوف نستعرض مجموعة من

التعاريف لتحديد هذا المصطلح . يعرفها رينية كاسان وهو أحد واض��عي اإلعالن الع��المي لحق��وق اإلنس��ان بأنها )فرع خاص من الف��روع االجتماعي��ة يختص بدراس��ة العالق��ات بين الن��اس اس��تناداً إلى كرام��ة اإلنس��ان وتحدي��د الحق��وق وال��رخص الض��رورية الزده��ار شخص��ية ك��ل ك��ائن أنس��اني، وي��رى البعض ان حق��وق اإلنس��ان )تمث��ل رزم��ة منطقية متضاربة من الحقوق والحقوق الم�دعاة(، أم��ا ك��ارل فاس��اك فيعرفه��ا بانها )علم يهم كل شخص وال سيما اإلنسان العامل الذي يعيش في اطار دولة معينة، والذي إذا ما كان متهم بخ��رق الق��انون أو ض��حية حال��ة ح��رب، يجب أن يستفيد من حماية القانون الوطني والدولي، وان تكون حقوق��ه وخاص��ة الح��ق في المساواة مطابقة لضرورات المحافظة على النظام العام(، في حين يراهاً الفرنسي ايف ماديو بأنها )دراسة الحقوق الشخصية المعرف بها وطنياً ودولي��ا وال��تي في ظ��ل حض��ارة معين��ة تض��من الجم��ع بين تأكي��د الكرام��ة اإلنس��انية

وحمايتها من جهة والمحافظة على النظام العام من جهة أخرى(. وجميع التعريفات اآلنفة الذكر تعكس وجه��ة نظ��ر الكت��اب األج��انب، أم��ا فيما يخص الكتاب العرب فان محمد عبد المل��ك متوك��ل يعطي تعريف��اً ش��امال وواسعا إذ يعرفها بأنها)مجموعة الحقوق والمطالب الواجبة الوفاء لكل البش��ر

في��ذهب إلى الق��ول رض��وان زي��ادة على قدم المساواة دونما تمييز بينهم(، أما ب��ان حق��وق اإلنس��ان )هي الحق��وق ال��تي تكُف��ل للك��ائن البش��ري والمرتبط��ة بطبيعته كحقه في الحياة والمس��اواة وغ��ير ذل��ك من الحق��وق المتعلق��ة ب��ذات الطبيعة البشرية ال��تي ذكرته��ا المواثي��ق واإلعالن��ات العالمي��ة(. وي��رى األس��تاذ باسل يوسف ان حقوق اإلنسان )تمثل تعبيراً عن ت��راكم االتجاه��ات الفلس��فية والعقائد واألديان عبر التاريخ لتجسد قيم إنسانية عليا تتناول اإلنسان أينما وجد دون أي تمييز بين البشر ال سيما الحقوق األساسية التي تمث��ل ديموم��ة وبق��اء

اإلنسان وحريته(.

2

اما األمم المتح��دة فق��د ع��رفت حق��وق اإلنس��ان بانه��ا)ض��مانات قانوني��ة عالمية لحماية األفراد والجماعات من اجراءات الحكومات التي تمس الحريات األساسية والكرامة اإلنسانية، ويلزم ق��انون حق��وق اإلنس��ان الحكوم��ات ببعض األشياء ويمنعها من القيام باشياء أخرى(، أي ان رؤية المنظمة الدولية لحقوق اإلنسان تقوم على أساس انها حقوق أصيلة في طبيعة اإلنسان والتي بدونها ال

يستطيع العيش كإنسان. وتكفل القوانين وتضمن األنظمة التشريعية في معظم بالد العالم ص��يانة حقوق اإلنسان. وعلى الرغم من ذلك فإن هذه األنظمة ال تكون، دائماً، فعال��ة، وتعجز معظمها عن إقرار بعض حقوق اإلنسان. إال أن المعايير العالمية تض��من

إقرار هذه الحقوق عندما تعجز الحكومات عن حمايتها.

المبحث األول : التنظيم الدستوري للحقوق والحريات العام��ة في القانون االساسي الفلسطيني وموقف الدساتير العربية من ه��ذه

الحقوق والحريات .

إن حقوق اإلنسان والحريات العامة، هي الحق��وق والحري��ات المس��تحقة حق�وق اإلنس�ان والحري�ات لكل شخص لمجرد كون�ه إنس�انا ، ويس�تند مفه��وم

على اإلق��رار لجمي��ع أف��راد األس��رة البش��رية من قيم��ة وكرام��ة أص��يلة العامة فيهم، فهم يستحقون التمتع بحريات أساسية معينة. وبإقرار هذه الحريات فإن

3

المرء يستطيع أن يتمتع باألمن واألمان، ويصبح قادراً على اتخاذ القرارات التيتنظم حياته.

المطلب األول : التنظيم الدستوري للحقوق والحريات العام��ة فيالقانون االساسي الفلسطيني

تعتبر الحقوق والحري��ات العام��ة من المس��ائل األساس��ية ال��تي تتض��منها الدساتير ، مثلها مثل األسس العامة للدولة والسلطات الثالث وأجه��زة الحكم. وقد خصص القانون االساسي الفلس��طيني فص��ال مس��تقال للحق��وق والحري��ات

العامة. وقد تناول في حوالي خمسين م��ادة الحق��وق والحري��ات المختلف��ة ال��تي تمنح لألفراد والجماعات، واألسس التي تستند إليها ه��ذه الحق��وق والحري��ات ، يؤكد القانون االساسي على مبدأ المساواة في الحق��وق بين كاف��ة المواط��نين الفلسطينيين، دون تمييز بس��بب الع��رق أو الل��ون أو الن��وع أو ال��دين أو ال��رأي

( كما يؤكد القانون مبدأ تكافؤ الف��رص25السياسي أو الثروة أو المركز )مادة بين االف��راد في التمت��ع بكاف��ة أن��واع الحق��وق والحري��ات المدني��ة والسياس��ية

(.27واالقتصادية واالجتماعية والثقافية )مادة ال شك أن مبدأ المساواة يعتبر المبادئ الدستورية األساسية الذي تستند إليه جميع الحقوق والحريات، وال��ذي يتص��در جمي��ع إعالن��ات الحق��وق العالمي��ة والمواثيق الدستورية ، كما يشكل مبدأ المس��اواة المفت��اح الرئيس��ي للوص��ول إلى الديمقراطية الحقيقية، إذ أن المجتمع الذي تنعدم فيه المس��اواة وتس��وده روح التمييز يصل به األمر في النهاية إلى إنكار حقوق كث��يرة ومنه��ا الح��ق في

الحرية. أن مبدأ المساواة ال يهدف إلى إزالة مظاهر التمييز بين األفراد لألسباب السابقة فقط، وإنما يهدف كذلك إلى تحقيق العدالة للجميع وتمتعهم ب��الحقوق

والحريات على قدم المساواة . يذكر أيضا أن الحقوق والحريات ليست مطلق��ة وإنم��ا من المف��ترض أن تتوازن م��ع بعض�ها البعض، فعلى س�بيل المث��ال، ال ب�د من الموازن�ة بين حري�ة

التعبير عن الرأي وحماية المواطن من التشهير به واإلضرار بسمعته .

4

الحق��وق والحري��ات ال��تي ينص عليه��ا الق��انون االساس��ي يمكن تقس��يمها إلىاألنواع األربعة التالية:

حقوق وحريات شخصية: ك��الحق في الحي��اة، واألمن الشخص��ي، وحري��ة التنقل، وحرمة السكن، وسرية االتصاالت.

حقوق وحري��ات سياس��ية: كح��ق االنتخ��اب والترش��يح، تش��كيل األح��زاب السياس��ية واالنض��مام إليه��ا، وحري��ة التجم��ع والتظ��اهر، وح��ق تك��وين

الجمعيات والنقابات.حقوق اجتماعي�ة واقتص��ادية: كح��ق الملكي��ة، والعم��ل، وت�ولي الوظ�ائف

العامة، والتعليم، والخدمة االجتماعية.،حقوق وحريات فكرية: كحرية العقيدة والعب��ادة، وحري��ة الفك��ر وال��رأي

وحرية التعبير.الحقوق والحريات الشخصية:

(٢٩يقر القانون االساسي الحق في الحياة لكل إنسان دون تمييز )مادة ويضيف القانون أن الحياة ليست محال للتجارب العلمية والطبية وال يخضع أحد

حق (. ٣٠للعالج الطبي دون رضاه )مادة أيضا الشخصية الحقوق ومن األمن الشخصي، الذي يع��ني ح��ق الف��رد ب��أن يعيش بأم��ان دون خ��وف من أن يقبض علي��ه أو يحبس كنتيج��ة إلج��راءات تعس��فية، واطمئنان��ه إلى أن ذل��ك لن يحدث إال بناء على ق��رار من الهيئ��ات القض��ائية. وق��د ورد أن األمن الشخص��ي يكفله الدس�تور، حيث ال يج��وز القبض على أح�د أو تفتيش��ه أو حبس�ه أو تقيي�د حريته بأي قي��د، أو منع��ه من التنق��ل إال ب��أمر قض��ائي تطبيق��ا ألحك��ام الق��انون

( .39)مادة ويؤكد القانون االساسي على هذا الحق في نص��ه على من��ع تقيي��د حري��ة الفرد "إال بالحدود التي يقررها القانون، ويعامل المحكوم بسلب حريته معاملةإنسانية الئقة، ويع��اقب الق��انون على التعس��ف في اس��تعمال الس��لطة")م��ادة

41.) ويكف��ل الق��انون االساس��ي حري��ة اإلقام��ة والتنق��ل كإح��دى الحري��ات الشخصية، حيث نص على أن لكل مواطن حرية اإلقامة والتنقل داخل ال��وطن

(.٣٢وخارجه والعودة إليه )مادة

5

وفي المقابل نص المشرع على إمكانية من��ع الم��واطن من التنق��ل ب��أمر (. ويقر حرم��ة المس��اكن، وينص على٣٩قضائي تطبيقا ألحكام القانون )مادة

عدم جواز دخولها أو تفتيشها إال بأمر قض��ائي مس��بب، وفي أثن��اء النه��ار وفق��ا أحكام الق��انون، ال��ذي ينظم ط��رق الطعن فيه��ا وإل��زام الدول��ة ب��التعويض عن األض��رار الناتج��ة عن التعس��ف فيه��ا، كم��ا ينظم الق��انون الح��االت االس��تثنائية

( ، ويمكن أن يق��ال نفس الش��يء بالنس��بة٤٧لحماية المصلحة العام��ة )م��ادة لحرية المراسالت وس�رية االتص�االت الخاص��ة بش�ؤون الف��رد وأس�رته، إذ نصالمشرع على أنه ال يجوز المساس بها "إال في األحوال التي يحددها القانون".

الحقوق والحريات السياسية:

ويقصد بها الح��ق في المش��اركة في الحي��اة السياس��ية، أي الح��ق ال��ذي يخول لألف��راد المش��اركة في حكم أنفس��هم ، وترتب��ط ه��ذه الحق��وق بمف��اهيم التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة واالنتخابات النزيه��ة وح��ق إب��داء

الرأي في القضايا السياسية وغيرها. واألص��ل أن يق��وم ح��ق المش��اركة في الحي��اة السياس��ية على مب��دأ المس�اواة بين جمي�ع المواط�نين في ممارس�ة ه�ذه الحق�وق دون تمي��يز، مم�ا يفسح المجال ألي مواطن بالوصول إلى أي من المناص��ب السياس��ية كرئاس��ة الدولة أو عضوية البرلمان، طبقا للشروط التي يحددها القانون. يؤكد المشرع أن لألفراد ممارسة الحقوق والحريات العامة، والمشاركة في الحياة السياسية

مباشرة بالطريقة والشروط التي ينظمها الدستور والقوانين. وي��ذكر المش��رع من ه��ذه الحق��وق ح��ق االنتخ��اب والترش��يح، وح��ق المساهمة في النش��اطات السياس��ية وتك��وين األح��زاب السياس��ية واالنض��مام إليه��ا، وحري��ة التجم��ع والتظ��اهر س��لميا دون حم��ل الس��الح، وحري��ة تك��وين

( مب��دئيا، يش��كل ه��ذا٦٧الجمعيات العلنية، والحق في تق��ديم الع��رائض )م��ادة النص الح���د األدنى من الحق���وق والحري���ات السياس���ية ال���تي ينبغي أن تمنح لمواط��ني أي��ة دول��ة تق��ر ح��ق المش��اركة السياس��ية ، كم��ا أن ه��ذه الحق��وق والحري��ات، كم��ا أورده��ا الق��انون االساس��ي ، تعت��بر عن��اوين رئيس��ية ليس من السهل الحكم على مدى ديمقراطيتها قبل التعرف على تفاصيلها في الق��وانين التي ستنظمها، بمعنى أن القانون االساسي يقر هذه الحقوق من ناحية مبدئية

ليس إال.

6

إن قانون االنتخابات، مثال، هو ال��ذي س��يحدد ش��روط االنتخ��اب وش��روط الترش��يح، وتقس��يم ال��دوائر االنتخابي��ة، ودور األح��زاب السياس��ية، وغيره��ا من الش��روط والمواص��فات ال��تي س��يكون له��ا ال��دور الرئيس��ي في تق��دير م��دى المس��اواة في ممارس��ة ه��ذه الحق��وق وم��دى الحري��ات الممنوح��ة لألف��راد

والجماعات ونفس األمر بالنسبة لباقي الحقوق والحريات. فقانون األحزاب السياسية سيحدد مدى الحري��ات الممنوح��ة على ص��عيد التعددية السياسية، وقانون االجتماعات العامة سيحكم على مدى حرية التجمع والتظاهر، وكذلك قانون الجمعيات والمنظمات األهلي��ة بالنس��بة لحري��ة تك��وين

الجمعيات.

الحقوق االجتماعية واالقتصادية:

تتعل��ق ه��ذه الحق��وق بعم��ل الم��واطن ونش��اطه، وهي تتض��من حق��وق الملكية والعمل وتولي الوظائف العامة والتعليم والرعاية الصحية واالجتماعية.يؤكد الق��انون االساس�ي أن المص��ادرة العام��ة لح�ق الملكي�ة محظ�ورة )م��ادة

( ، كم��ا تط��رق إلى ك��ل من الملكي��ة العام��ة والملكي��ة الخاص��ة، فالملكي��ة53 العام��ة ينظمه��ا الق��انون بم��ا يض��من حمايته��ا وأن تك��ون في خدم��ة مص��لحة

الشعب، ومن ضمنها أموال الوقف التي تنظم وتدار وفقا لقانون. والملكية الخاصة مصونة وتمارس بم��ا ال يتع��ارض والمص��لحة العام��ة وال ت��نزع أو يس��تولى عليه��ا إال للمنفع��ة العام��ة وبم��وجب ق��انون ومقاب��ل تع��ويض

االساسي(. ٥١عادل، وال تصادر إال بحكم قضائي )مادة القانون أشار وقد أيضا إلى حق العمل وما يتعلق ب��ه وي��ترتب عن��ه من حق��وق والتزام��ات ، فمن ناحية ينص المشرع على الحق في العمل، وحرية تكوين الجمعي��ات في نط��اق

( ومن ناحية ثانية ينص على حق العامل في االحتج��اج٥٥عالقات العمل )مادة واإلض��راب بم��ا ال يتع��ارض وأحك��ام الق��انون، على أن ينظم الق��انون عالق��ات

( ، كما٥٧العمل بما يكفل العدالة للجميع ويوفر الرعاية واألمن للعمال )مادة نص المشرع على حق المواطنين غير القادرين على العمل وال�ذين ال يملك��ون

7

وسائل العيش الضرورية، في أن يتكفل المجتمع بنفقات معيشتهم الض��رورية، وذكر منهم المواطنون غير القادرين جسديا أو عقليا، مع النص على حقهم في

( ويتعل��ق ب��الحق٥٩إعدادهم مهنيا وتنمية قدرتهم على العمل المناسب )م��ادة في العمل أيضا حق تولي الوظائف العامة.

وقد نص القانون االساسي على حق كل فلس��طيني في ت��ولي الوظ��ائف العام��ة بالتس��اوي على أس��اس االس��تحقاق والج��دارة ووفق��ا للق��انون المنظم

( ، ويعتبر ح��ق ت��ولي الوظ��ائف العام��ة من الحق��وق٥٨للوظيفة العامة )مادة التي تخضع لمبدأ المساواة في الفرص، وهي تعني التسليم لجمي��ع المواط��نين بالحق في تولي الوظائف العامة، دون أن يتس��بب اختالف الجنس أو ال��رأي أو اللغة أو اللون في استبعاد أحد من تقلد وظيفة عامة ما دامت الش��روط ال��تي

فمنحددها القانون قد توافرت فيه. والكفاءة الجدارة أهمية إلى إضافة المف��ترض أن تتض��من المس��اواة في ت��ولي الوظ��ائف العام��ة ثالث��ة أم��ور، هي المساواة بين المرشحين لدخول الوظائف العام��ة، والمس��اواة بين الم��وظفين العموميين في مزايا والتزامات الوظيفة العامة، والمساواة بين الرجل والمرأة في تولي الوظيفة العامة. ومن الحقوق في هذا اإلطار ح��ق التعليم ال��ذي نص عليه القانون االساسي باعتباره حقا لكل مواطن وتكفله الدولة وتشرف علي��ه

( ، كما ينص القانون االساسي على ح��ق الف��رد في الرعاي��ة الص��حية62)مادة والخدمة االجتماعية ومعاشات العجز والشيخوخة ورعاية األسرة، وخاصة أس��ر الش��هداء واألس��رى، ورعاي��ة الج��رحى والمتض��ررين خالل مس��يرة النض��ال الوطني، باالضافة إلى مجانية الرعاية الص��حية األساس�ية لغ��ير الق�ادرين مالي��ا

(.٦١ و ٦٠)المادتان الحقوق والحريات الفكرية:

وهي الحق��وق والحري��ات ال��تي يغلب عليه��ا الط��ابع الفك��ري والعقلي لإلنسان، كحرية العقيدة والعبادة وحرية الرأي ، وكذلك الحريات التي تستخدم للتعب��ير عن ال��رأي أو الموق��ف أو العقي��دة كحري��ة الص��حافة واإلعالم، وحري��ة التعبير عموما ، يشير الق��انون االساس��ي إلى حري��ة العقي��دة والعب��ادة وحرم��ة األم��اكن المقدس��ة وممارس��ة الش��عائر الديني��ة، ويكف��ل الوص��ول إلى أم��اكن العبادة بما ال يخل بالنظام الع��ام أو يش��كل مساس��ا أو إهان��ة برس��الة س��ماوية

(. 46)مادة

8

كما يشير إلى حرية الفك��ر وإب��داء ال��رأي ، ق��وال وكتاب��ة ، وفق��ا للق��انون ال��ذي ال يج��وز أن يقي��دها إال بم��ا يض��من اح��ترام حق��وق اآلخ��رين أو لحماي��ة

وينص القانون االساسي(. ٤٨المصلحة العامة والنظام واآلداب العامين )مادة على أن يحمي القانون حرية الصحافة والطباعة والنشر واإلعالن، ويضيف أن��ه ال يجوز تعطيلها إال بأمر قض��ائي تطبيق��ا للق��انون، وال يج��وز إخض��اعها للرقاب��ة

(.٤٩اإلدارية )مادة

خالصة القول، أن القانون االساسي نص على ضمان الكثير من الحق��وق والحريات في المجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعي�ة والفكري�ة. غ��ير أن هذه الحقوق والحريات تظل مقيدة كم��ا ت��دل العب��ارات ال�تي ت��ذيل النص��وص، مثل: "في حدود القانون"، "بما ال يخل بالنظام الع��ام أو اآلداب العام��ة"، "في حدود المصلحة العامة"، "بما ال يتعارض مع المنفعة العامة"، وغيره��ا. إن ورود مثل هذه العبارات في النصوص قد يعطي األجهزة واإلدارات التنفيذية المعني��ة مدخال لوضع القيود غير الم�بررة على ممارس�ة الحق�وق والحري��ات، إلى الح�د الذي يتم فيه االعتداء عليها بصورة موجع��ة ، ه��ذا ب��الطبع في ظ��ل غي��اب دور فعال لقضاء مستقل يتولى مهمة تفسير مثل هذه العب��ارات الفضفاض��ة، آخ��دا بعين االعتبار أولوية صيانة حقوق األفراد وحرياتهم ، فهو عملياً يش��ابه إلى ح��د

كبير موقف الدساتير العربية فيما يتعلق بتنظيم الحقوق والحريات العامة .

المطلب الث��اني : موق��ف الدس��اتير العربي��ة من تنظيم الحق��وقوالحريات العامة :

الذي اصدرته إحدىHUMAN DEVELOPMENT REPORTجاء تقرير المنظم��ات المتخصص��ة في االمم المتح��دة )برن��امج االمم المتح��دة للتنمي��ة ( ليوضح الحال الذي وصل إليه ضمان حق��وق اإلنس��ان في ثم��ان وثم��انين دول��ة في العالم ، وقسم دول العالم إلى ثالث مجموعات : االولى تضم الدول عالية الحماية للحرية ، والثانية : للدول متوسطة الحماية للحري��ة ، والثالث��ة : لل��دول منخفضة الحماية للحريات ، حيث حازت دولتان عربيتان فقط على موضع قدم في دول المجموعة الثانية ، وس�بع دول عربي��ة اخ�رى في المجموع�ة الثالث�ة ،

حيث احتلت اثنتان منهما المركز االخير وقبل االخير بجدارة .

9

ومع النقد الذي تم توجيهه للمؤشرات المستخدمة في هذا البحث إال انه يوض��ح إلى ح��د كب��ير المرك��ز ال��ذي يحتل��ه االهتم��ام بض��مان حق��وق وحري��ات

اإلنسان في سلسلة اهتمامات الدولة العربية المعاصرة . أما في االطار النظ��ري الق��انوني الص��رف ، فعن��د تن��اول دس��اتير ال��دول العربية لموضوع الحريات والحقوق يمكن مالحظة ام��ور اساس��ية في أس��لوب

معالجتها لهذا الموضوع المهم : اهتدت اغلب الدساتير ب��الحقوق والحري��ات والض��مانات ال��تي وردت في-1

االعالن الع��المي لحق��وق اإلنس��ان ، والعه��د ال��دولي الخ��اص ب��الحقوق المدني��ة والسياس��ية ، والعه��د ال��دولي الخ��اص ب��الحقوق االقتص��ادية واالجتماعي��ة والثقافي��ة ، فإش��تملت اغلبيته��ا على الحق��وق والحري��ات المنصوص عليه��ا في ه��ذين العه��دين واالعالن ، ونالح��ظ ذل��ك ح��تى في

دساتير الدول التي لم توقع أو تصادق على تلك الوثائق ابداً . كان للنظام السياسي أو االيديولوجية السياسية المهيمنة في هذه الدول-2

دور كبير في تحديد الحقوق والحريات العام��ة المتض��منة في الدس��تور ، وتوضيح األولويات بين هذه الحريات ، كما كان لها دور في خل��و دس��اتير هذه الدول من بعض الحقوق والحريات أو تقييد تلك التي تع��د متعارض��ة

مع االسس االيديولوجية للنخبة الحاكمة. خصصت أغلب هذه الدساتير باباً مستقالً عند تعرضها للحقوق والحري��ات-3

العام��ة تحت عن��اوين مختلف�ة )حق��وق..وواجب��اتهم( )الحري��ات والحق��وق والواجب��ات العام�ة( ) الحق�وق والواجب�ات العام��ة( )الحق�وق والواجب�ات االساسية( )حقوق وواجبات المواط��نين االساس��ية( ، وإن لم يمن��ع ذل��ك من ذكر حقوق وحري��ات اخ��رى في أب��واب مختلف��ة من الدس��تور وع��دم

حصرها في هذا الباب. إن اي��راد ه��ذه الدس��اتير للحق��وق والحري��ات العام��ة في ص��لب مواده��ا-4

اضفى عليه��ا س��مواً على التش��ريعات العادي��ة ، مم��ا ألغى إمكاني��ة قي��ام ج��دل ح��ول قيمته��ا القانوني��ة ، كم��ا أن وض��عها ض��من قواع��د قانوني��ة

دستورية أبعد عنها صفة عدم اإللزام أو كونها قواعد اخالقية مجردة . إن موقف الدساتير العربية في شأن الحقوق والحريات العام��ة في ظ��ل

االحوال االستثنائية، يمكن ايجازه في النقاط التالية:

10

لم يتناول ب��التنظيم حال�ة الط��وارئ في ب��اب مس�تقل ، ب��ل ت��ركت ذل�ك لمواد دستورية وردت ضمن باب االحكام العامة أو االحكام االنتقالية.

لم يورد أي منها تحديداً لفترة حالة الطوارئ في مض��مونه ، وت��رك ذل��ك للقانون العادي .

اش��ترط البعض منهم موافق��ة الس��لطة التش��ريعية على ف��رض حال��ة الطوارئ أو تمديدها .

خولت السلطة التنفيذي��ة متمثل��ة بالمل��ك أو رئيس الجمهوري��ة س��لطات مطلقة لمخالفة احكام أي قانون معمول به .

لم تنص على م��بررات اعالن حال��ة الط��وارئ ، وت��ركت ذل��ك للمش��رع العادي .

اجازت هذه الدساتير بطريق غ��ير مباش�ر المس�اس ب�الحقوق االساس�ية لألفراد ، بتعليقها أو مخالفتها ، وذلك لعدم استبعادها الحق��وق االساس��ية غير القابلة للتنظيم التشريعي من ضمن اختصاص��ات الس��لطة التنفيذي��ة

في حالة الطوارئ . وإذا انطلقنا من الجانب النظري الفقهي إلى الجانب العملي التط��بيقي ، فإننا نالحظ أن الكثير من الدول العربية تس��يطر فيه��ا الس��لطة التنفيذي��ة على السلطة التشريعية ، هذا ما لم تقم االولى بدمج الثانية فيه��ا دمج��اً فعلي��اً يج��ل بمب��دأ الفص��ل بين الس��لطات ، حيث نجم عن ه��ذا أن النص��وص الدس��تورية المقررة للحقوق والحريات قد افرغت إلى حد كبير من مضمونها عن��د إحالته��ا

للمشرع مسألة تنظيم تلك الحقوق والحريات . فهناك من األنظمة التي صدقت أو وقعت على العهدين الدوليين ، بشأن حقوق اإلنسان المدنية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية ، تم��ارس في قوانينها الوطنية م��ا يتن��اقض م��ع توقيعه��ا وتص��دقيها ، كاحتفاظه��ا بق��وانينً تسري بأثر رجعي أو تعدادها ألفعال كثيرة تكون عقوبتها االعدام مما يعد تعديا على حق أساسي لإلنسان وهو حق الحياة ، أو اتخاذها للتعذيب وسيلة روتيني��ة الستخالص االعترافات بحيث أصبح يعرف في ادبيات منظمات حقوق اإلنس��ان

بالتعذيب المنهجي. واص��درت دول اخ��رى ق��وانين تنظم حقوق��اً وحري��ات دس��تورية أحيلت للمشرع العادي بطريق��ة تنتقص من اص��ل الح��ق إن لم تجع��ل ممارس��ته دون ج�دوى ، فق�انون ينظم ح�ق االجتم�اع الع��ام والتجم�ع يش�ترط وج�وب اخط�ار

11

االدارة ، ويشترط حضور مندوب عنها ويخ��ول االدارة س��لطة فض االجتم��اع أو منعه السباب مرنة متسعة التفسير ال يمكن اعتباره قانون��اً منظم��اً له��ذا الح��ق

بقدر ما هو تدخل وتقويض ومصادرة له . بل إن دستوراً عربياً لم يتوان في تقييد حريات اساس��ية واس��تبعادها في بعض األحوال من األف��راد ، فالدس��تور– بحس��ب القاع��دة العام��ة – يق��رر ه��ذهً الحريات ويحميها ، أما الشكوى من التعدي عليها باالنتقاص والتقييد فهي غالب��ا ما تأتي من القوانين العادية ، ولكن الحال في ظ��ل ه�ذا الدس�تور الع�ربي أن�ه

بذاته قيد هذه الحريات وحرم فئة من األفراد منها . كما أن إعالن حالة الط��وارئ أو االحك��ام العرفي��ة في العدي��د من ال��دول العربي�ة ولم�دة طويل�ة يقل�ق أولئ��ك الم�دافعين عن حري�ات وحق�وق اإلنس�ان العامة ، فلقد اضحت هذه الحالة دستوراً ثاني��اً في بعض ال��دول ، فكم��ا ت��ذكره د.بدرية العوضي فإن : " الخطر الحقيقي العالن حالة الط��وارئ العام��ة يك��ون ذلك ن��اتج عن التخ��وف غ��ير الحقيقي لوجوده��ا أو اس��تمرارها لف��ترة تزي��د عن تواجد الخطر الحقيقي ، بغرض حماية األنظمة الحاكمة من المعارضة الشعبية أو عندما يحاول النظام الجديد فرض س��يطرته على مق��درات الدول��ة ، وب��دون

موافقة أو رضاء المواطنين .

المبحث الث��اني : التنظيم الدس��توري كقي��د على حري��ة المش��رعالعادي وفي ظل االحوال االستثنائية

إن المواثي��ق الدولي��ة واالقليمي��ة ، تج��يز للق��انون الوط��ني تنظيم ه��ذه الحقوق والحريات ، كذلك فإن إحالة الدستور تنظيم أغلب الحق��وق والحري��ات العامة إلى المشرع الع��ادي ، تجع��ل س��لطات التش��ريعات الوطني��ة ذات أبع��اد

واسعة .

12

لكن تطرح أمامنا اسئلة عديدة في هذا الخصوص : ه�ل ه��ذه الس��لطات مطلق�ة أم مقي��دة ؟ولم�اذا تنظيمه�ا بالق�انون؟وه��ل تع�ني االحال�ة الدس�تورية إطالق ي��د المش��رع ؟وم��ا م��دى س��لطة المش��رع في تنظيم��ه له��ذه الحق��وق والحريات ؟وما هي مبررات التقييد أو التنظيم ؟وهل تستوي سلطات المشرع

العادي في الظروف الطبيعية بسلطاته في الظروف االستثنائية ؟ المطلب األول : التنظيم الدس��توري كقي��د على حري��ة المش��رع

العادي

إن المواثيق الدولية واالقليمية عندما تعاملت بواقعية مع مفهوم الحقوق والحريات العام��ة ، واج��ازت تنظيمه��ا ، فإنه��ا لم تقب��ل ب��ذلك إال لض��مان ه��ذه

الحقوق وعدم انتهاكها وحمايتها قانونياً. لذا أوجدت مبررات البد من االستناد إليها عند قي��ام الس��لطة التش��ريعية في الدولة بسن قانون ينظم حق��اً من حق��وق اإلنس��ان ، وه��ذه الم��بررات هي النظام العام والسالمة العامة وحماية االمن الق��ومي وحماي��ة حق��وق وحري��ات االخرين والصحة العامة واالداب العامة ، فالبد من مراعاة ه��ذه الم��بررات في

القانون الوطني . إن األص��ل في ه��ذه الحق��وق ينظمه��ا الدس��تور ، ويتص��دى لض��مانها وكفالته��ا ، ولكن العتب��ارات عملي��ة تم اقراره��ا في ص��لب الدس��تور ، واحال��ة موض��وع تنظيمه��ا إلى المش��رع الع��ادي ، فتنظيم الحق��وق والحري��ات القابل��ة للتنظيم التشريعي يجب أن يكون بقانون تصدره السلطة التشريعية ، وال يترك ذلك ألدوات اقل درجة كمرس��وم بق��انون تص��دره الس��لطة التنفيذي��ة أو الئح��ة

تصدرها ادارات الدولة. أما لماذا بقانون ؟ فذلك انطالقأ من المبادئ المتعارف عليها تقلي��دياً من كون السلطة التشريعية تنفرد بصفة التمثيل للشعب والتعب��ير عن ارادت��ه ومن ثم ك��انت هي االولى واالج��در بتنظيم الحق��وق والحري��ات العام��ة ، وال يتص��ور عندها في الوضع المثالي الفلس��في أن تق��وم الس��لطة الممثل��ة له��ذا الش��عب بإصدار قوانين تبيح التعدي على هذه الحقوق والحريات أو تتعارض مع االق��رار

الدستوري لها.

13

من هنا فإن اصدار قوانين منظمة لحقوق اإلنسان يؤكد الدولة القانوني��ة والتي هي أحد اهداف الدساتير المعاصرة ، ففي هذه الدول��ة تخض��ع س��لطاتها

الثالث للقانون . لكن يجب لفت االنتباه إلى نقطة مهمة وهي أن وج��ود الدول��ة القانوني��ة بحد ذاته ليس ضمانة كافية للحقوق والحريات إذا لم تح��دد مض��امين الق��وانين

التي تخضع لها أجهزة الدولة . من هذه النقطة ننطلق لنناقش م��اهي ص��الحيات المش��رع عن��د تنظيم��ه للحقوق والحريات العامة وماهي ح��دود س��لطته الدس��تورية في مواجه��ة ه��ذه الحقوق المحالة إليه ، فالسلطة التشريعية وإن كان يفترض تمثيلها للشعب إال

أنه ال يؤمن عليها فتنة الجور أو التجاوز في سلطاتها التشريعية. إن اول م���ا يجب على المش���رع مالحظت���ه عن���د اس���تخدامه لس���لطته الدس��تورية هي الم��بررات ال��تي نص��ت عليه��ا المواثي��ق الدولي��ة واالقليمي��ة كمحددات له عند تنظيمه للحقوق والحري��ات ، إن ك��انت دولت��ه طرف��اً فيه��ا أو اعتبارها كموجهات عامة له يستعان به��ا ، ك��ذلك ف��إن احال��ة تنظيم الحق��وق ال

تعني اطالق يده دون ضوابط ، بل البد أن يراعي عند تنظيمه لها : ض��وابط الدس��تور والكفال��ة الدس��تورية للحري��ة أو الح��ق في ح��دودها-1

الموضوعية ، فالقانون المنظم لحرية تك��وين الجمعي��ات والنقاب��ات يجب أن يراعي مب��دأ الحري��ة في االنض��مام أو ع��دم االنض��مام، فال يج��بر ف��رد

بااللتحاق بجمعية أو نقابة. أن ال يصل تنظيم المشرع للحق أو الحرية إلى حد االه��دار او المص��ادرة-2

الكليه لها.3-ً أن ال يفرض قيوداً على الحق او الحرية تؤدي إلى جعل ممارستهما أم��را

شاقاً على األفراد .أن ال ينتقص من اصل الحق أو الحرية .-4

وثار خالف حول هل سلطة المشرع في تناوله للحقوق والحري��ات تقتصر على التنظيم أم تمتد للتقييد واالنتقاص ؟وهل سلطة المشرع هنا تقديرية أم مقي��دة ؟ فيف��رق البعض بين المص��طلحات الثالث��ة الس��ابقة ، بحيث يقرر أن "االنتق��اص ين��ال من أص��ل الح��ق ذات��ه أو الحري��ة ذاته��ا ، فيح��ول دون التمت��ع به��ا كامل��ة ، بينم��ا يقتص��ر التنظيم على وض��ع بعض

الترتيبات االجرائية الكافلة لتمتع الجميع بذات الحقوق والحريات .

14

أما التقييد فمقتض��اه ف�رض قي��ود اجرائي�ة معين��ة تجع��ل اس��تخدامالحق او الحرية شاقاً مرهقاً على الناس .

وينبني على هذه التفرقة أمران اثنان : أن المشرع ليس له سلطة سوى سلطة التنظيم وال يمنع إال ما هو ض��ار-1

من التصرفات . أنه ال يجب التوقف عند حد مطالبة المشرع بعدم اه��دار الح��ق والحري��ة-2

اهداراً تاماً ، كي يعد تشريعه سليماً ، بل قد يقوم المشرع كما هو الحال في دول كثيرة بتقييد الح��ق او الحري��ة تقيي��داً ش��ديداً يح��رم األف��راد من التمتع به��ا أو ينتقص من اص��ل الح��ق والحري��ة بحيث يمن��ع اح�د وجوده��ا على األفراد ، ل��ذا الب��د من مطالبت��ه بع��دم التقيي��د أو االنتق��اص لس��المة

التشريع الصادر بشأن حقوق اإلنسان وحرياته . إضافة إلى ذلك ، فقد تباينت االراء حول مدى سلطة المشرع ، ه��ل هي تقديرية أم مقيدة ، فذهب فريق من الفقه ، وعلى رأسه د.عبد الحميد مت��ولي إلى ان سلطة المشرع هي سلطة تقديرية ، ولكن اليرد عليها سوى قيد واح��د عند تنظيمه لحرية أو حق معين ، وه��و ع��دم اه��دارها أو الغائه��ا كلي��ة، ويوض��ح رأيه بالقول : فالدستور حين يخول للمشرع حق تنظيم حرية من الحريات انما يخول له الحق في أن ينتقص من هذه الحرية ، فإن من له حق التنظيم الحدى الحريات كلن له حق وضع قيود على تلك الحرية ، والقيود تنظ��وي بداه��ة على االنتقاص من الحرية ... الواق��ع ان��ه حين يق��رر اح��د الدس��اتير أو اح��دى وئ��اثق اعالن الحقوق مبداُ حري��ة من الحري��ات ، ثم يخ��ول المش��رع ح��ق تنظيم ه��ذه الحرية ، فإن المشرع ليس عليه من الناحية القانونية سوى قيد واحد هو ع��دم الغاء أو هدم تلك الحرية أما ما عدا ذلك من قي��ود فأنه��ا قي��ود سياس��ية بحت��ه

يرجع االمر فيها للبرلمان وحده تحت رقابة الرأي العام وحده. ومن ثم يعد التشريع مخالف��اً للدس��تور م��تى خ��رج عن النص الدس��توري والغى أو اهدر الحرية التي هو بصدد تنظيمها،وهذا الرأي ال يعتم�د التفرق��ة في

العبارات السابقة الذكر)تقييد،انتقاص, تنظيم(. وذهب فريق اخر يمثله ال��دكتور عب��د ال��رازق الس��نهوري إلى أن س��لطة المشرع العادي تقديري�ة يمكن أن يس�ئ اس�تخدامها ، فينح�رف في اس�تعمال وظيفته التشريعية ، واالنح��راف بالس��لطة عن��د ه��ذا الفري��ق يك��ون في مج��ال الحريات القابلة للتنظيم التشريعي دون قي��ود دس��تورية ص��ريحة ، فكم��ا ي��ذكر

15

الدكتور السنهوري : " أما الحريات والحق��وق العام��ة ال��تي نص الدس��تور على تنظيمها بقانون ، فإن المشرع قد خول من شأنها س��لطة تقدري��ة ليق��وم به��ذا التنظيم على أال ينحرف في الغرض الذي قصد إليه الدس��تور وه��و كفال��ة ه��ذه الحريات والحقوق العام��ة في ح��دودها الموض��وعية ، ف��إذا نقض��ها المش��رع او

انتقص منها وهو في صدد تنظيمها كان تشريعه مشوباً باالنحراف ... والمعيار هنا موضوعي فلس��نا في حاج��ة من ج��ل ان نثبت من أن هن��اك انحرافاً في استعمال السلطة إلى الكشف عن النويا المس��تترة ال��تي اق��ترنت بالتشريع في وقت اصداره ، بل يكفينا ان نتبين على وجه موضوعي محض أن الحق العام الذي ينظمه التشريع قد اصبح يعد هذا التنظيم منتقصاً من اطراف

، بحيث ال يحقق الغاية التي قصد إليها الدستور. فالتشريع المنظم للحرية أو الحق المتج��اوز س��لطته الدس��تورية ، وذل��ك بنقضه او انتقاصه لها ، انما يعد عند هذا الفريق باطالً ليس لمخالفته للدس��تور فقط ، وانما النحراف المشرع عن سلطته التقديري��ة في تنظيم ه��ذا الح��ق أو

هذه الحرية . أما د.محمد عصفور فقد ذهب في دفاعه عن الحقوق والحري��ات العام��ة إلى حد اعتباره سلطة المشرع في تنظيمه للحقوق والحريات القابل��ة للتنظيم التش��ريعي س��لطة مقي��دة ونفى كونه��ا س��لطة تقديري��ة، فالس��لطة التقديري��ة للمشرع في هذا المجال المهم تعتبر بحسب رأيه النواه له��دم فك��رة ض��مانات الحقوق والحريات التي أرستها الدساتير ، ومن ثم فالمش��رع المتج��اوز نط��اق

سلطته الدستورية يكون مخالفاً للدستور في تشريعه . وعن��د ال��ترجيح بين ه��ذه الم��ذاهب الثالث ، فإنن��ا نمي��ل إلى رأي العمي��د السنهوري ، وذل��ك الن الدس��تور ق��د ت��رك المج��ال في الفئ��ة الثالث��ة للمش��رع لتنظيم هذه الحريات وفق سلطته التقديري��ة ، وذل��ك بش��رط ع��دم اه��دارها أو

االنتقاص منها او تقييدها بقيود تجعل التمتع بها شاقاً. المطلب الث��اني : التنظيم الدس��توري كقي��د في ظ��ل االح��وال

االستثنائية :

إن دور الدساتير في االح��وال العادي��ة ق��د يك��ون تنظيم حق��وق وحري��ات معينة تنظيماً نهائياً ، او تقرير حق و حرية واستحالة تنظيمها من قبل المش��رع العادي اال بضوابط دستورية محددة ، او وفق سلطته التقديرية ال��تي ال تتج��اوز

16

روح الدستور واهدافه ، لكن في االوضاع االستثنائية التي قد تمر بها الدول ، ال يجدي مثل هذا ال��ترتيب االعتي��ادي في مواجه��ة تل��ك الظ��روف ، مم��ا يس��تلزم

وضع بنيان قانوني خاص للتعامل مع هذه الظروف . ولق��د اج��ازت المواثي��ق والعه��ود الدولي��ة واالقليمي��ة لل��دول اعالن حال��ة الطوارئ ، او االحكام العرفية في بعض الظروف ال��تي ق��د ته��دد كي��ان الدول��ة ومن ثم يجوز له��ا في ه�ذه الحال�ة االس�تثنائية تقيي��د بعض الحق�وق والحري�ات العامة ، فالمادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياس��ية اج��ازت

ذلك ولكن بشروط محددة وهي ممارسة هذه االجازة :. ًفي الحاالت التي تهدد كيان االمة والتي قد تم االعالن عنها رسميا. أن يمارس تقييد الحقوق والحريات العامة في اضيق الحدودأن ال تمس الترتيب����ات المتخ����ذة طائف����ة من الحق����وق او االعم����ال

المحظورة ، بحيث يتم اجازتها بحجة حالة الطوارئ ، ومن ه��ذه الحق��وق الح��ق في الحي��اة ، حظ��ر التع��ذيب او المعامل��ة الغ��ير انس��انية الحاط��ة بالكرامة ، حظر الرق واالستعباد ، عدم اجازة رجعي��ة العقوب��ات ، حري��ة

االعتقاد . كذلك فاالتفاقي��ة االوروبي��ة لحق��وق اإلنس��ان تق��رر لل��دول االط��راف في وقت الحرب أو الطوارئ العامة التي تهدد حياة االمة اتخاذ بعض التدابير ال��تي تمس الحق��وق والحري��ات العام��ة بش��روط مح��ددة ، وحظ��رت مخالف��ة بعض الحقوق المش��ابهة للحق��وق ال��واردة في العه��د ال��دولي ، ح��تى في ظ��ل ه��ذه الحالة االستثنائية ،أما االتفاقية االمريكية لحقوق اإلنس��ان فم��ع اجازته��ا لتقيي��د الحقوق والحريات في حالة الطوارئ ، إال انها وسعت من نطاق الحقوق ال��تي ال يجوز تعليقها او المساس بها ، فضمت إليه��ا ح�ق الجنس��ية وح��ق المش�اركة في الحكم وحق الضمانات القض��ائية العادي��ة ، أم��ا الميث��اق االف��ريقي لحق��وق اإلنسان والشعوب والميثاق الع��ربي لحق��وق االنس��ان، فق��د خال من أي��ة م��واد

منظمة لموضوع اعالن االحكام العرفية . لق��د تج��اوز المش��رع الع��ادي في العدي��د من ال��دول العربي��ة في ظ��ل الظ��روف العادي��ة س��لطته الدس��تورية ، فقي��د أو انتقص من حري��ات وحق��وق األف��راد ، وك��ان إلحال��ة تنظيم ق��انون الط��وارئ واالحك��ام العرفي��ة كامل��ة إلى المش��رع الع��ادي اث��راً س��يئاً وانعكاس��اً غ��ير محم��ود على حق��وق اإلنس��ان في الوطن العربي ، ففي ظ��ل حال��ة الط��وارئ ، يغ��دو للس��لطة التنفيذي��ة س��لطة

17

تشريعية ، وقد يتعدى ذلك إلى سلطة قضائية ، فعبارات النص��وص الدس��تورية المتعلقة بإعالن حالة الطوارئ فضفاضة ، والقانون المنظم له��ا يمنح الس��لطة التنفيذي��ة س��لطات واس��عة ، ته��در مب��دأ فص��ل الس��لط وس��يادة الق��انون ، فاللرئيس سلطة اعتقال األفراد ادارياً لمدة طويلة وله الحق في انشاء محاكم اس��تئنافية ال تعت��بر قض��اء طبيعي��اً كمح��اكم الث�ورة ومح��اكم امن الدول�ة العلي��ا ومحاكم االمن القومي ، متعدية السلطة التنفيذية بذلك على اختصاص القض��اء

العادي وموسعة لسلطاتها على حساب المحاكم الجنائية العادية .

الخاتمة :

منذ زمن بعيد ، والمواطن المسحوق يشارك المفكر المستنير في وض��ع رك��ائز واس��س لحق��وق اإلنس��ان وال��دفاع عنه��ا ، ح��تى اص��بح انس��ان الق��رن العشرين يتمتع بهذه الحقوق والحريات ، عالماً لها ولحدودها ، ومن ثم لم تع��د هناك مشكلة أو ازمة في تعداد هذه الحقوق والحريات العام��ة وتص��نيفها ، في ظ��ل النظ��ام الق��انوني ال��دولي أو الوط��ني ، ولم يع��د هن��اك حاج��ة للت��ذكير بأهميتها ، بإعتبارها جزء من الكيان البشري ، تم منحه من الخالق قب�ل تدوين�ه في الدس��اتير والمواثي��ق الدولي��ة ، لكن المش��كلة أو االزم��ة تكمن في مج��ال

ضمانها وكفالتها . إن الدساتير الوطنية قررت هذه الحقوق والحريات العامة بفئاته��ا الثالث في نصوصها ، ولكن ما اعطي بيد ، تم سحبه بيد اخرى ، ف��الحقوق والحري��ات المقررة للفرد بشكل دستوري ، قام المشرع الع��ادي بس��حبها عن��د تنظيمه��ا ،

بموجب االجازة الدستورية سواء في الظروف العادية او االستثنائية. ومن هنا كان الدور الملقى على عاتق البش��رية الي��وم وه��و ض��مان ه��ذه الحقوق والحريات ووضع اسس تمنع انتقاصها ، ويكون ذلك على مراتب عدة ، فالبداية البد وان يكون لكل قطر نظام وطني لحماي��ة حق��وق اإلنس��ان يتك��ون من ضمانات دستورية ونصوص تشريعية وحماية قضائية وادارية وتعليم لحقوق

18

اإلنسان في النظام الدراسي ، وتوزيع للمعلومات التي تعرف الشعب بحقوق��هكإنسان.

ومع ذلك البد من تظافر الجهود االقليمية العربية لتقرير حماي��ة وض��مانه هذه الحقوق ، مسترشدة بذلك بالمواثيق والعه��ود الدولي��ة ونص��وص الش��ريعة االسالمية ، وان يتم تطبيق ذلك عن طريق ميثاق عربي لحقوق اإلنسان وألي��ة

مراقبة لهذا الميثاق واجهزته كفيلة بتحقيقه. إن ض��مان حق��وق اإلنس��ان االساس��ية ام��ر حتمي اليج��اد من��اخ سياس��ي صحي وتق��دم اقتص��ادي الب��د من��ه في وطنن��ا الع��ربي ، ف��إن اك��ثر دول الع��الم احترام���اً لحق���وق مواطنيه���ا هي اكثره���ا تق���دماً على المس���توى الص���ناعي واالقتصادي والتقني ، كما ان اكثر دول الع��الم انتهاك��اً للحق��وق والحري��ات هي

االكثر تخلفاً واقلها نمواً.الئحة المصادر :

د.ابراهيم عبد العزيز ش��يحة ، المب��ادئ الدس��تورية العام��ة ، ال��دار-1الجامعية ، بيروت

أمير سالم ، البناء القانوني االستبدادي وحركة حقوق اإلنس��ان في-21990مصر

د.حسن السيد نافعة ، الجامع��ة العربي��ة وحق��وق اإلنس��ان ،ش�ؤون-313عربية العدد

د. ك���ريم كش���اكش ، الحري���ات العام���ة في األنظم���ة السياس���ية-41970المعاصرة

د. محم���ود بس���يوني ، الوث���ائق العالمي���ة واالقليمي���ة ،المجل���د-51988االول،بيروت

د.وجدي جابري��ل ، حماي��ة الحري��ة في مواجه��ة التش��ريع ،الق��اهرة-61989

1982د.حسن علي ، حقوق اإلنسان ، وكالة المطبوعات ،الكويت -7 د.عب�������د الحمي�������د مت�������ولي ، الوس�������يط في الق�������انون-8

1956الدستوري،االسكندرية ، للحقوق -9 الدستوري ،التنظيم الركن محمد محمد د.

1994والحريات ،االمارات قراءة في القانون االساسي الفلسطيني ، عزيز كايد-10

19