الأجنحة المتكسرة-جبران خليل جبران

www.leb-university.com ملتقى طالب الجامعة اللبنانية


1

ليل جربانخجربان

األجنحة املتكسرة



2

1 توطئة

عندما فتح اغبب عيت بأشعتو السحرية، وؼبس نفسي ألوؿ كنت يف الثامنة عشرة من عمري

سلمى كرامة اؼبرأة األوىل اليت أيقظت روحي حملاسنها، ومشت وكانت. مرة بأصابعو النارية

.العلوية حيث سبر األياـ كاألحبلـ وتنقضي الليايل كاألعراس أمامي إىل جنة العواطف

علمتت عبادة اعبماؿ جبماؽبا، وأرتت خفايا اغبب بانعطافها، وىي اليت سلمى كرامة ىي اليت

.مسمعي أوؿ بيت من قصيدة اغبياة اؼبعنوية أنشدت على

أبدلت غفلة شبيبتو بيقظة ىائلة بلطفها، جارحة أي فىت ال يذكر الصبية األوىل اليت

يذوب حنينا إىل تلك الساعة الغريبة اليت إذا انتبو فيها بعذوبتها، فتاكة حببلوهتا؟ من منا ال

وربولت، وأعماقو قد اتسعت وانبسطت وتبطنت بانفعاالت فجأة رأى كليتو قد انقلبت

الكتماف، مستحبة بكل ما يكتنفها من الدموع والشوؽ لذيذة بطل ما فيها من مرارة



3

.والسهاد

وذبعل النفراده معت شعريا وتبدؿ . على حت غفلة يف ربيع حياتو لكل فىت سلمى تظهر

.وسكينة لياليو باألنغاـ وحشة أيامو باألنس،

واألسفار عندما ظبعت اغبب يهمس كنت حائرا بت تأثتات الطبيعة وموحيات الكتب

باردة شبيهة بسبات آدـ يف بشفيت سلمى يف آذاف نفسي، وكانت حياب خالية مقفرة

كرامة ىي حواء ىذا الفردوس عندما رأيت سلمى منتصبة أمامي كعمود النور، فسلمى

وأوقفتو كاؼبرآة أماـ ىذه القلب اؼبملوء باألسرار والعجائب، ىي اليت أفهمتو كنو ىذا الوجود

وانقياده، أما سلمى فأدخلتت إىل حواء األوىل أخرجت آدـ من الفردوس بإرادهتا. األشباح

اإلنساف األوؿ قد أصابت، والسيف جنة اغبب والطهر حببلوهتا واستعدادي، ولكن ما أصاب

أخافت بلمعاف حده، وأبعدل كرىا عن الناري الذي طرده من الفردوس ىو كالسيف الذي

.طعم شبار اػبت والشر جنة احملبة قبل أف أخالف وصية، وقبل أف أذوؽ



4

، وقد مرت األعواـ اؼبظلمة طامسة بأقدامها رسـو تلك األياـ، مل يبقى يل من ذلك واليـو

اؼبنظرة حوؿ رأسي، مثتة تنهدات اغبلم اعبميل سوى ذكريات موجعة ترفرؼ كاألجنحة غت

وسلمى ػػ سلمى .. أجفال األسى يف أعماؽ صدري، مستقطرة دموع اليأس واألسف من

من آثارىا يف ىذا العامل سوى اعبميلة العذبة قد ذىبت إىل ما وراء الشفق األزرؽ ومل يبق

فذلك القرب وىذا القلب . السرو غصات أليمة يف قليب، وقرب رخاـ منتصب يف ظبلؿ أشجار

السكينة اليت زبفر القبور ال تفشي غت أف. نبا كل ما بقي ليحدث الوجود عن سلمى كرامة

التابوت، واألغصاف اليت امتصت عناصر لك السر اؼبصوف الذي أخفتو اآلؽبة يف ظلمات1

غصات وأوجاع ىذا القلب فهي اليت تتكلم اعبسد ال تبيح حبفيفها مكنونات اغبفرة، أما

معلنة للنور أشباح تلك اؼبأساة اليت مثلها وىي اليت تنسكب اآلف مع قطرات اغبرب السوداء

.اغبب واعبماؿ واؼبوت

شبيبيت اؼبنتشرين يف بتوت، إذا مررب بتلك اؼبقربة القريبة من غابة الصنوبر فيا أصدقاء



5

وقفوا ادخلوىا صامتت، وستوا ببطء كيبل تزعج أقدامكم رفات الراقدين ربت أطباؽ الثرى،

قائلت يف ب اذكرول بتنهدة. متهيبت جبانب قرب سلمى وحيوا التاب الذي ضم جثماهنا

البحار، وىهنا ىهنا دفنت آماؿ ذلك الفىت الذي نفتو صروؼ الدىر إىل ما وراء: نفوسكم

ىذه اؼبدافن اػبرساء توارت أمانيو وانزوت أفراحو وغادرت دموعو واضمحلت ابتساماتو، وبت

روحو كل ليلة مستأنسة وفوؽ ىذا القرب ترفرؼ. تنمو كآبتو مع أشجار السرو والصفصاؼ

مع الغصوف على صبية بالذكرى، مرددة مع أشباح الوحشة ندابات اغبزف واألسى، نائحة

.صامتا يف صدر األرض كانت باألمس نغمة شجية بت شفيت اغبياة فأصبحت اليـو سرا

تضعوا أكاليل األزىار على قرب أستحلفكم يا رفاؽ الصبا بالنساء اللواب أحبتهن قلوبكم أف

منسي تكوف كقطرة الندى اليت تسكبها اؼبرأة اليت أحبها قليب ػ فرب زىرة تلقوهنا على ضريح

.أجفاف الصباح بت أوراؽ الورود الذابلة



6

الكآبة اػبرساء -

متأسفت على انقضائو، أما أنا أنتم أيها الناس تذكروف فجر الشبيبة فرحت باستجاع رسومو،أنتم تدعوف تلك السنت اليت . قيوده فأذكره مثلما يذكر اغبر اؼبعتوؽ جدراف سجنو وثقل

دبتاعب الدىر وىواجسو ويطت مرفرفا فوؽ رؤوس ذبيء بت الطفولة والشباب عهدا ذىبيا يهزأفوؽ اؼبستنقعات اػببيثة، سائرة كبو البساتت اؼبزىرة، أما اؼبشاعل واؽبمـو مثلما ذبتاز النحلة

ست الصبا سوى عهد آالـ خفية خرساء كانت تقطن قليب وتثور أنا فبل أستطيع أف أدعووتتكاثر نامية بنموه ومل ذبد منفذا تنصرؼ منو إىل عامل اؼبعرفة حىت كالعواصف يف جوانبو،

وفتح أبوابو وأنار زواياه، فاغبب قد عتق لسال فتكلمت ومزؽ أجفال دخل إليو اغبب .حنجرب فتنهدت وشكوت فبكيت وفتح

الشوارع اليت رأت ألعابكم أنتم أيها الناس تذكروف اغبقوؿ والبساتت والساحات وجوانبمشاؿ لبناف، فما أغمضت عيت وظبعت نبس طهركم، وأنا أيضا أذكر تلك البقية اعبميلة من

وىيبة، وتلك اعبباؿ اؼبتعالية باجملد عن ىذا احمليط إال ورأيت تلك األودية اؼبملوءة سحرا االجتماع إال وظبعت خرير تلك والعظمة كبو العبلء، وال صممت أذل عن ضجة ىذا

أذكرىا اآلف وأشوؽ إليها شوؽ ولكن ىذه احملاسن اليت, السواقي وحفيف تلك الغصوفيف ظلمة اغبداثة مثلما يتعذب الرضيع إىل ذراعي أمو ىي اليت كانت تعذب روحي اؼبسجونة



7

حرة يف اػببلء الوسيع ػػ وىي اليت البازي بت قضباف قفصو عندما يرى أسراب البزاة تسبحوتنسج بأصابع اغبتة وااللتباس نقابا من كانت سبؤل صدري بأوجاع التأمل ومرارة التفكت،

. الربية إال وعدت منها كئيبا جاىبل أسباب الكآبة اليأس والقنوط حوؿ قليب ػػ فلم أذىب إىلاؼبتلونة بأشعة الشمس إال وشعرت بانقباض متلف ينمو عبهلي وال نظرت مساء إىل الغيـوتغريدة الشحرور أو أغنية الغدير إال وقفت حزينا عبهلي موجبات معال االنقباض، وال ظبعت

.اغبزفالغباوة مهد اػبلود واػبلود مرقد الراحة ػػ وقد يكوف ذلك صحيحا عند الذين يقولوف إف

العمياء أمواتا ويعيشوف كاألجساد اؽبامدة الباردة فوؽ التاب، ولكن إذا كانت الغباوة يولدوفوالصيب . اؼبوت قاطنة يف جوار العواطف اؼبستيقظة تكوف الغباوة أقصى من اؽباوية وأمر من

الشمس ألف نفسو اغبساس الذي يشعر كثتا ويعرؼ قليبل ىو أتعس اؼبخلوقات أماـ وجووتريو ؿباسن الكائنات قوة خفية ربلق بو السحاب: تظل واقفة بت قوتت ىائلتت متباينتت

بالغبار وتتكو ضائعا من وراء ضباب األحبلـ، وقوة ظاىرة تقيده باألرض وتغمر بصتتو .خائفا يف ظلمة حالكة

فالوحدة . األعصاب تقبض على القلوب وتؤؼبها بالوحدة للكآبة آياد حريرية اؼببلمس، قويةونفس الصيب اؼبنتصبة أماـ عوامل الوحدة . حركة روحية حليفة الكآبة كما أهنا أليفة كل

البيضاء عند خروجها من الكماـ ترتعش أماـ النسيم، وتفتح وتأثتات الكآبة شبيهة بالزنبقةأوراقها دبرور خياالت اؼبساء، فأف مل يكن للصيب من اؼببلىي ما قلبها ألشعة الفجر وتضم

الرفاؽ من يشاركو يف األمياؿ، كانت اغبياة أمامو كحبس ضيق ال يرى يف يشغل فكرتو، ومن



8

.أنواؿ العناكب وال يسمع من زواياه سوى دبيب اغبشرات جوانبو غتأياـ حداثيت فلم تكن ناذبة عن حاجيت إىل اؼببلىي ألهنا كانت أما تلك الكآبة اليت اتبعت

افتقاري إىل الرفاؽ ألنت كنت أجدىم أينما ذىبت، بل ىي من أعراض متوفرة لدي، وال عن النفس كانت رببب إيل الوحدة واالنفراد وسبيت يف روحي األمياؿ إىل اؼببلىي علة طبيعية يف

واأللعاب، وزبلع عن كتفي أجنحة الصبا وذبعلت أماـ الوجود كحوض مياه بت اعبباؿيست يعكس دوئو احملزف رسـو األشباح وألواف الغيـو وخطوط األغصاف ولكنو ال هبد فبرا

.فيو جدوال متمبا إىل البحرفتلك السنة ىي من ماضي دبقاـ القمة من ىكذا كانت حياب قبل أف أبلغ الثامنة عشرة،

العامل، وأرتت سبل البشر، ومروج أمياؽبم، وعقبات اعببل، ألهنا أوقفتت متأمبل ذباه ىذا .وتقاليدىم متاعبهم وكهوؼ شرائعهم

اليأس، وتضعو احملبة يف يف تلك السنة ولدت ثانية واؼبرء إف مل رببل بو الكآبة ويتمحض بو .مهد األحبلـ، تظل حياتو كصفحة خالية بيضاء يف كتاب الكياف

رأيت يف تلك السنة شاىدت مبلئكة السماء تنظر إيل من وراء أجفاف امرأة صبيلة، وفيها، ومن ال يشاىد اؼببلئكة والشياطت أبالسة اعبحيم يضجوف ويتاكضوف يف صدر رجل ؾبـر

.العواطف يف ؿباسن اغبياة ومكروىاهتا يظل قلبو بعيدا عن اؼبعرفة ونفسو فارغة من



9

يد القضاء -

قد أنبت األزىار كنت يف بتوت يف ربيع تلك السنة اؼبملوءة بالغرائب وكاف نيسافوكانت أشجار اللوز . للسماء واألعشاب فظهرت يف بساتت اؼبدينة كأهنا أسرار تعلنها األرض

كأهنا حوريات دببلبس ناصعة قد والتفاح قد اكتست حبلل بيضاء معطرة فبانت بت اؼبنازؿ .بعثت ن الطبيعة عرائس وزوجات ألبناء الشعر واػبياؿتتطوؼ الربيع روح إلو غت معروؼ. الربيع صبيل يف كل مكاف ولكنو أكثر من صبيل يف سوريا

بأرواح اؼبلوؾ وعندما تبلغ سوريا تست ببطء متلفتة إىل الوراء مستأنسة. يف األرض مسرعةمرددة مع . سليماف اػبالدة متمبة مع جداوؿ اليهودية بأناشيد. واألنبياء اغبائمة يف الفضاء

.أرز لبناف تذكارات اجملد القدلألهنا زبلو فيو من أحواؿ الشتاء وغبار . أصبل منها يف ما بقي من الفصوؿ وبتوت يف الربيعبت أمطار األوؿ وحرارة الثال كصبية حسناء قد اغتسلت دبياه الغدير ب الصيف وتصبح .ضفتو ذبفف جسدىا بأشعة الشمس جلست على

اؼبسكرة وابتساماتو احمليية، ذىبت لزيارة صديق ففي يـو من تلك األياـ اؼبفعمة بأنفاس نيسافوبينما كبن نتحدث راظبت بالكبلـ خطوط آمالنا .يسكن بيتا بعيدا عن ضجة االجتماع

اػبامسة والستت من عمره تدؿ مبلبسو البسيطة ومبلؿبو وأمانينا دخل علينا شيخ جليل يف



10

فوقفت احتاما وقبيل أف أصافحو مسلما تقدـ صديقي وقاؿ اؼبتجعدة على اؽبيبة والوقار،ب لفظ اظبي مشفوعا بكلمة ثناء، فأحدؽ يب الشيخ ىنيهة "حضرتو فارس أفندي كرامة"

العالية اؼبكللة بشعر أبيض كالثلج كأنو يريد أف يستجع إىل المسا بأطراؼ أصابعو جبهتوأنت ابن "مفقود، ب ابتسم ابتسامة سرور وانعطاؼ واقتب مت قائبل ذاكرتو صورة شيء قدل

صرفت ربيع العمر برفقتو فما أعظم فرحي دبرآؾ وكم أنا مشتاؽ إىل لقاء صديق حبيب قدل ."أبيك بشخصك

العصفور إىل فتأثرت لكبلمو وشعرت جباذب خفي يدنيت إليو بطمأنينة، مثلما تقود الغريزةلوالدي متذكرا أياـ وؼبا جلسنا أخذ يقص علينا أحاديث صداقتو. وكره قبيل ؾبيء العاصفة

فكفنها الدىر بقلبو وقربىا يف الشباب اليت صرفها بقربو تاليا على مسامعنا أخبار أعواـ قضتالغريب اؼبشتاؽ إىل مسقط رأسو إف الشيوخ يرجعوف بالفكر إىل أياـ شبا م رجوع.. صدره

أبلغ قصائده فهم يعيشوف بالروح يف ويبيل إىل سرد حكايات الصبا ميل الشاعر إىل تنغيميلتفت واؼبستقبل يبدو ألعينهم متشحا بضباب زوايا اؼباضي الغابر ألف اغباضر ال يبر م وال

.الزواؿ وظلمة القرببت األحاديث والتذكارات مرور ظل األغصاف على األعشاب، وقف فارس وبعد ساعة مرتأنا : "وؼبا دنوت منو مودعا أخذ يدي بيمينو ووضع مشالو على كتفي قائبل كرامة لبلنصراؼ

."منذ عشرين سنة ولكنت أرجو أف أستعيض عن بعاده الطويل بزياراتك الكثتة مل أر والدؾ .فاكبنيت شاكرا واعدا بتتميم ما هبب على االبن كبو صديق أبيو

ال أعرؼ : "فارس كرامة استزدت صاحيب من أخباره فقاؿ بلهجة يساورىا التحذر وؼبا خرج



11

وىو واحد من القليلت الذين. يف بتوت قد جعلتو الثروة فاضبل والفضيلة مثريا رجبل سواه هبيئوف ىذا العامل ويغادرونو قبل أف يبلمسوا باألذى نفس ـبلوؽ ػػ ولكن ىؤالء الرجاؿ يكونوف غالبا تعساء مظلومت ألهنم هبهلوف سبل االحتياؿ اليت تنقذىم من مكر الناس

تشا و ولفارس كرامة ابنة وحيدة تسكن معو منزال فخما يف ضاحية اؼبدينة وىي. وخبثهموالدىا باألخبلؽ وليس بت النساء من يباثلها صباال وىي أيضا ستكوف تاعسة ألف ثروة

."الطائلة توقفها اآلف على شفت ىاوية مظلمة ـبيفةفارس : " األختة وظهرت على ؿبياه لوائح الغم واألسف ب زاد قائبل لفظ صديقي الكلمات

القلب كرل الصفات ولكنو ضعيف اإلرادة يقوده رياء الناس كاألعمى كرامة شيخ شريفأما ابنتو فتخضع فبتثلة إلرادتو الواىنة على رغم كل ما يف . كاألخرس وتوقفو مطامعهموقد . من القوى واؼبواىب وىذا ىو السر الكريو الكامن وراء حياة الوالد وابنتو روحها الكبتة

وىذا الرجل ىو مطراف. ىذا السر رجل يأتلف يف شخصو الطمع بالرياء واػببث بالدىاء فهم وىو رئيس دين يف ببلد األدياف. تست قبائحو بظل اإلقبيل فتظهر للناس كالفضائل

. اعبزار زبافو األرواح واألجساد وزبر لديو ساجدة مثلما تنحت رقاب األنعاـ أماـ. واؼبذاىبالعقارب واألفاعي وؽبذا اؼبطراف ابن أخ تتصارع يف نفسو عناصر اؼبفاسد واؼبكاره مثلما تنقلب

اؼبطراف دببلبسو وليس بعيدا اليـو الذي ينتصب فيو. على جوانب الكهوؼ واؼبستنقعاترافعا بيده األثيمة إكليل الزواج اغبربية جاعبل ابن أخيو عن يبينو وابنة فارس كرامة عن مشالو،

جسدا طاىرا جبيفة منتنة، جامعا يف قبضة فوؽ رأسيهما مقيدا بسبلسل التكهت والتعزلىذا كل ما أستطيع أف .. ترابية، واضعا يف صدر الليل الشريعة الفاسدة روحا ظباوية بذات



12

وابنتو فبل تسلت أكثر من ذلك ألف ذكر اؼبصيبة يدنيها مثلما أقولو لك اآلف عن فارس كرامة .".اؼبوت يقرب اؼبوت اػبوؼ من

والليايل بت وحوؿ صديقي وجهو ونظر من النافذة إىل الفضاء كأنو يبحث عن أسرار األياـ .دقائق األثت

غدا أزور فارس كرامة قياما : "لو فقمت إذا ذاؾ من مكال وؼبا أخذت يده مودعا قلت ."لوالدي بوعدي لو واحتاما للذكريات اليت أبقتها صداقتو

أوحت إليو فكرا فبهت يب الشاب دقيقة وقد تغتت مبلؿبو كأف كلماب القليلة البسيطة قدوشفقة وخوؼ ػػ نظرة نيب يرى يف جديدا ىائبل، ب نظر يف عيت نظرة طويلة غريبة ػػ نظرة ؿببة

قليبل ولكنو مل يقل شيئا فتكتو وسرت أعماؽ األرواح ما ال تعرفو األرواح، ب ارتعشت شفتاهإىل الوراء رأيت عينيو ما زالتا تتبعانت بتلك كبو الباب بأفكار متضعضعة، وقبيل أف ألتفت

مل أفهم معانيها حىت عتقت نفسي من عامل اؼبقاييس والكمية النظرة الغريبة ػػ تلك النظرة اليت .األعلى حيث تتفاىم القلوب بالنظرات وتنمو األرواح بالتفاىم وطارت إىل مسارح اؼبؤل

يف باب اؽبيكل -

الكتب العابسة علوت وبعد أياـ وقد مللت الوحدة، وتعبت أجفال من النظر إىل أوجو



13

حيث يذىب القـو للتنزه، مركبة طالبا منزؿ فارس كرامة، حىت إذا ما بلغت يب غابة الصنوبرفبر تظللو أشجار الصفصاؼ حوؿ السائق وجهة فرسيو عن الطريق العمومية فسار خببا على

نيساف اؼببتسمة بثغور ضبراء كالياقوت وتتمايل على جانبيو األعشاب والدوايل اؼبتعرشة وأزاىر .وزرقاء كالزمرد وصفراء كالذىب

وقفت اؼبركبة أماـ منزؿ منفرد ربيط بو حديقة متامية األطراؼ تتعانق يف جوانبها وبعد دقيقة .األغصاف وتعطر فضاءىا رائحة الورد والفل والياظبت

اغبديقة حىت ظهر فارس كرامة يف باب اؼبنزؿ خارجا للقائي ما سرت بضع خطوات يف تلكالبقعة اؼبنفردة قد أعلن لو قدومي ػػ فهش متأىبل وقادل متحبا إىل كأف ىدير اؼبركبة يف تلك

ونظت والد مشتاؽ أجلست بقربو وبدثت مستفسرا عن ماضي مستطلعا مقاصدي داخل الدارالفتياف فكنت أجيبو بتلك اللهجة اؼبفعمة بنغمة األحبلـ واألمال اليت يتل ا.. مستقبلي يف

أجنحة ذات للشبيبة.. قبل أف تقذفهم أمواج اػبياؿ إىل شاطئ العمل حيث اعبهاد والنزاعالكياف مغمورا ريش من الشعر وأعصاب من األوىاـ ترتفع بالفتياف إىل ما وراء الغيـو فتوف

والعظمة، ولكن تلك بأشعة متلونة بألواف قوس القزح ويسمعوف اغبياة مرتلة أغال اجملدعامل اغبقيقة ػػ وعامل األجنحة الشعرية ال تلبث أف سبزقها عواصف االختبار فيهبطوف إىل

.اغبقيقة مرآة غريبة يرى فيها اؼبرء نفسو مصغرة مشوىةالناعم تلك الدقيقة ظهرت من ستائر الباب اؼبخملية صبية ترتدي ثوبا من اغبرير األبيض يف

اظبي وبعد أف لفظ" ىذه ابنيت سلمى: "ومشت كبوي ببطء، فوقفت ووقف الشيخ قائبل بشخص إف ذاؾ الصديق القدل الذي حجبتو عت األياـ قد عادت وأبانتو يل: "شفعو بقولو



14

تريد أف فتقدمت الصبية إيل وأحدقت بعيت ىنيهة كأهنا" ابنو فأنا أراه اآلف وال أراهيدي تستنطقهما عن حقيقة أمري، وتعلم منهما أسباب ؾبيئي إىل ذلك اؼبكاف، ب أخذتجديدة بيد تضارع زنبقة اغبقل بياضا ونعومة، فأحسست عند مبلمسة األكف بعاطفة غريبة

.أشبو شيء بالفكر الشعري عند ابتداء تكوينو يف ـبيلة الكاتبساكتت كأف سلمى قد أدخلت معها إىل تلك الغرفة روحا علوية توعز الصمت جلسنا صبيعا

كثتا ما حدثت والدي عن : "وكأهنا شعرت بذلك فالتفتت كبوي وقالت مبتسمة والتهيب،معيدا على مسمعي حكايات شبا ما، فإف كاف والدؾ قد أظبعك بتلك الوقائع ال أبيك

."اللقاء ىو األوؿ بيننا يكوف ىذاسلمى روحية األمياؿ واؼبذاىب إف: "فسر الشيخ بكلمات ابنتو وانبسطت مبلؿبو ب قاؿ

."فهي ترى صبيع األشياء ساحبة يف عامل النفس عاد فارس كرامة إىل ؿبادثيت باىتماـ كلي، ورقة متناىية كأنو وجد يف سرا سحريا وىكذا

.يرجعو على أجنحة الذكرى إىل ربيع أيامو العابرةكاف ينظر إيل . مستجعا أشباح شبابو وأنا أتأملو حاؼبا دبستقبلي كاف ذلك الشيخ وبدؽ يب

الشجرة العالية اؼبملوءة دبآب الفصوؿ فوؽ غرسة صغتة مفعمة بعـز ىاجع مثلما زبيم أغصافشجرة مسنة راسخة األعراؽ قد اختربت صيف العمر وشتاءه ووقفت أماـ .وحياة عمياء

.وغرسة ضعيفة لينة مل تر غت الربيع ومل ترتعش إال دبرور نسيم الفجر. وأنوائو عواصف الدىرفصل من أما سلمى فكانت ساكتة تنظر إيل تارة وطورا إىل أبيها كأهنا تقرأ يف وجهينا أوؿ

.رواية اغبياة وآخر فصل منها



15

اغبدائق والبساتت، وغابت الشمس تاركة خياؿ قضى ذلك النهار متنهدا أنفاسو بت تلكقبالة ذلك اؼبنزؿ، وفارس كرامة يتلو علي أخباره فيذىلت قبلة صفراء على قمم لبناف اؼبتعالية

شبيبيت فأطربو، وسلمى جالسة بقرب تلك النافذة تنظر إليها بعينيها وأنا أترل أمامو بأغالتتحرؾ، وتسمع أحاديثنا وال تتكلم كأهنا عرفت أف للجماؿ لغة ظباوية تتفع عن اغبزينتت وال لغة خالدة تضم إليها صبيع أنغاـ البشر،. واؼبقاطيع اليت ربدثها الشفاه واأللسنة األصوات

وذبعلها سكوتا وذبعلها شعورا صامتا مثلما ذبتذب البحتة اؽبادئة أغال السواقي إىل أعماقهاأفكارنا فتقف أمامو ؿبتارة إف اعبماؿ سر تفهمو أرواحنا وتفرح بو وتنمو بتأثتاتو، أما. أبديا

سياؿ خاؼ عن العت يتموج بت ؿباولة ربديده وذبسيده باأللفاظ ولكنها ال تستطيع ػػ ىوتنبعث من قدس أقداس النفوس اعبماؿ اغبقيقي ىو أشعة. عواطف الناظر وحقيقة اؼبنظور

وتكسب الزىرة لونا وعطرا ػػ ىو تفاىم وتنت خارج اعبسد مثلما تنبثق اغبياة من أعماؽ النواةذلك . يولد ذلك اؼبيل اؼبتفع عن صبيع األمياؿ كلي بت الرجل واؼبرأة يتم بلحظة وبلحظة

روحي روح سلمى يف عشية النهار فجعلت فهل فهمت. االنعطاؼ الروحي ندعوه حبا ىي سكرة الشبيبة اليت ذبعلنا نتخيل رسوما التفاىم أف أراىا أصبل امرأة أماـ الشمس، أـ

فتونبت األشعة يف عيت سلمى واغببلوة يف ثغرىا وأشباحا ال حقيقة ؽبا؟ ىل أعمتت الفتوةوتلك اغببلوة وتلك الرقة اليت فتحت عيت لتيت أفراح والرقة يف قدىا، أـ ىي تلك األشعة

. أعلم بأنت شعرت بعاطفة مل أشعر ا قبل تلك الساعة اغبب وأحزانو؟ ال أدري ولكت دوء يشابو رفرفة الروح على وجو الغمر قبل أف تبتدئ عاطفة جديدة سبايلت حوؿ قليب

تولدت سعادب وتعاسيت مثلما ظهرت وتنساخت الكائنات ومن تلك العاطفة قد. الدىور



16

.بإرادة ذلك الروحانقضت تلك الساعة اليت صبعتت بسلمى للمرة األوىل وىكذا شاءت السماء وعتقتت ىكذا حت غفلة من عبودية اغبتة واغبداثة ألست حرا يف موكب احملبة، فاحملبة ىي اغبرية على

وتقاليدىم، وال الوحيدة يف ىذا العامل ألهنا ترفع النفس إىل مقاـ ساـ ال تبلغو شرائع البشر .تسود عليو نواميس الطبيعة وأحكامها

اآلف وقد : "مت فارس كرامة وقاؿ بصوت تعانقو رنة اإلخبلص وؼبا وقفت لبلنصراؼ اقتباؼبنزؿ هبب أف تأب إليو شاعرا بالثقة اليت تقودؾ إىل بيت أبيك وأف عرفت الطريق إىل ىذا

"كوالد وأخت لك ػػ أليس كذلك يا سلمى؟ ربتسبت وسلمى .نظرة غريب ضائع وجد رفيقا يعرفو فأحنت سلمى رأسها إهبابا ب نظرت إيل

النغمة األوىل اليت أوقفتت جبانب ابنتو أماـ إف تلك الكلمات اليت قاؽبا يل فارس كرامة ىيالسماوية اليت انتهت بالندب والرثاء ػػ ىي القوة اليت ىي استهبلؿ األغنية. عرش احملبة

.ىي اإلناء الذي شربنا فيو الكوثر والعلقم. النور والنار شجعت روحينا فاقتبنا منإىل أطراؼ اغبديقة فودعتهما وقليب ىبفق يف داخلي مثلما ترتعش وخرجت فشيعت الشيخ حافة الكأس شفتا العطشاف دببلمسة



17

الشعلة البيضاء-

وأجلس قباؽبا يف تلك اغبديقة وانقضى نيساف وأنا أزور منزؿ فارس كرامة وألتقي بسلمىكآبتها، شاعرا بوجود آياد خفية ذبتذبت متأمبل ؿباسنها، معجبا دبواىبها، مصغيا لسكينة

من معال صباؽبا وسرا علويا من أسرار روحها فكل زيارة كانت تبت يل معت جديدا . إليهاسطوره وأستظهر آياتو وأترل بنغمتو وال أستطيع الوصوؿ حىت أصبحت أماـ عيت كتابا أقرأ

.إىل هنايتواليت سبنحها اآلؽبة صباؿ النفس مشفوعا جبماؿ اعبسد ىي حقيقة ظاىرة غامضة إف اؼبرأةباحملبة ونلمسها بالطهر، وعندما كباوؿ وصفها بالكبلـ زبتفي عن بصائرنا وراء نفهمهاوسلمى كرامة كانت صبيلة النفس واعبسد فكيف أصفها ؼبن ال . اغبتة وااللتباس ضبابىل يستطيع اعبالس يف ظل أجنحة اؼبوت أف يستحضر تغريدة البلبل ونبس الوردة يعرفها؟الغدير؟ أيقدر األثت اؼبثقل بالقيود أف يبلحق ىبوط نسمات الفجر؟ ولكن أليس وتنهدة

أصعب من الكبلـ؟ وىل يبنعت التهيب عن إظهار خياؿ من خياالت سلمى السكوتإذا كنت ال أستطيع أف أرسم حقيقتها خبطوط من الذىب؟ إف اعبائع السائر باأللفاظ الواىية .يأىب أكل اػببز اليابس إذا كانت السماء ال سبطره اؼبن والسلوى يف الصحراء ال

. اعبسم تظهر دببلبسها البيضاء اغبريرية كأشعة قمر دخلت من النافذة كانت سلمى كبيلة



18

بطيئة متوازنة أشبو شيء دبقاطيع األغباف األصفهانية، وصوهتا منخفضا حلوا وكانت حركاهتا التنهدات فينسكب من بت شفتيها القرمزيتت مثلما تتساقط قطرات الندى عن تيجاف تقطعو

بأية ووجهها ػػ ومن يا ترى يستطيع أف يصف وجو سلمى كرامة؟. الزىور دبرور سبوجات اؽبواءاالصفرار الشفاؼ؟ ألفاظ نقدر أف نصور وجها حزينا ىادئا ؿبجوبا وليس ؿبجوبا بنقاب من

النفس الكبتة اؼبتأؼبة يف بأية لغة نقدر أف نتكلم عن مبلمح تعلن يف كل دقيقة سرا من أسرارىذا العامل؟ إف اعبماؿ يف وجو داخل اعبسد، وتذكر الناظرين إليها بعامل روحي بعيد عنللجماؿ، بل كاف غريبا كاغبلم أو سلمى مل يكن منطبقا على اؼبقاييس اليت وضعها البشر

. بريشة اؼبصور، وال يتجسم برخاـ اغبفار كالرؤيا أو كفكر علوي ال يقاس وال وبد وال يتسخومل يكن يف عينيها . ىالة الطهر احمليطة بو صباؿ سلمى مل يكن يف شعرىا الذىيب بل يف

. وال يف شفتيها الورديتت بل يف اغببلوة السائلة عليهما .الكبتتت بل يف النور اؼبنبعث منهماصباؿ سلمى مل يكن يف كماؿ . كيفية اكبنائو قليبل إىل األماـ وال يف عنقها العاجي بل يف

صباؿ . روحها الشبيهة بشعلة بيضاء متقدة ساحبة بت األرض والبلهناية جسدىا بل يف نبالةمن النبوغ الشعري الذي نشاىد أشباحو يف القصائد السامية والرسـو سلمى كاف نوعا وأصحاب النبوغ تعساء مهما تسامت أرواحهم تظل مكتنفة بغبلؼ من واألنغاـ اػبالدة،

.الدموع سلمى كثتة التفكت قليلة الكبلـ، ولكن سكوهتا كاف موسيقيا ينتقل جبليسها إىل وكانت

مسارح األحبلـ البعيدة، وهبعلو أف يصغي لنبضات قلبو ويرى خياالت أفكاره وعواطفو .منتصبة أماـ عينيو



19

الكآبة العميقة اعبارحة، أما الصفة اليت كانت تعانق مزايا سلمى وتساور أخبلقها فهيىيبة وغرابة، وتظهر أشعة نفسها فالكآبة كانت وشاحا معنويا ترتديو فتزيد ؿباسن جسدىا .الصباح من خبلؿ خيوطو كخيوط شجرة مزىرة من وراء ضباب

وجو الثال ما وقد أوجدت الكآبة بت روحي وروح سلمى صلة اؼبشا ة فكاف كبلنا يرى يفمنا نصفا يشعر بو قلبو ويسمع صوتو صدى ـببآت صدره فكأف اآلؽبة قد جعلت كل واحد .يف روحو لآلخر يلتصق بو بالطهر فيصت إنسانا كامبل، وينفصل عنو فيشعر بنقص موجع

بالشعور وتشاركها إف النفس اغبزينة اؼبتأؼبة ذبد راحة بانضمامها إىل نفس أخرى سباثلهافالقلوب اليت تدنيها باإلحساس مثلما يستأنس الغريب بالغريب يف أرض بعيدة عن وطنيهما ػػ

فرابطة اغبزف أقوى يف أوجاع الكآبة بعضها مع بعض ال تفرقها جة األفراح و رجتها،بدموعها يظل طاىرا وصبيبل النفوس من روابط الغبطة والسرور؛ واغبب الذي تغسلو العيوف

.وخالدا

العاصفة-

ونفسي جائعة إىل ذلك وبعد أياـ دعال فارس كرامة إىل تناوؿ العشاء يف منزلو، فذىبتالروحي الذي نلتهمو بأفواه اػببز العلوي الذي وضعتو السماء بت يدي سلمى ػػ ذلك اػببز



20

قيس العريب ودانيت الطليال أفئدتنا فتزداد جوعا ػػ ذلك اػببز السحري الذي ذاؽ طعمواػببز الذي عجنتو اآلؽبة حببلوة القبل وسافو اليونانية فالتهبت أحشاؤىم وذابت قلو م ػػ ذلك

.اؼبستيقظة لتفرحها بطعمو وتعذ ا بتأثته ومرارة الدموع وأعدتو مأكبل للنفوس اغبساسةعلى مقعد خشيب يف زاوية من اغبديقة وقد أسندت وؼبا بلغت اؼبنزؿ وجدت سلمى جالسة. األبيض كواحدة من عرائس اػبياؿ زبفر ذلك اؼبكاف رأسها إىل عمد شجرة، فبانت بثو اوؼبا حاولت . جلوس ؾبوسي متهيب أماـ النار اؼبقدسة فدنوت منها صامتا وجلست بقر اجامدتت فاستأنست بالسكوت ألف الشعور العميق غت الكبلـ وجدت لسال منعقدا وشفيت

ولكنت شعرت بأف . اؼبعنوية عندما يتجسم باأللفاظ احملدودة اؼبتناىي يفقد شيئا من خاصتوالسكينة مناجاة قليب اؼبتواصلة، وتشاىد يف عيت أشباح نفسي سلمى كانت تسمع يف

.اؼبرتعشة ىنيهة خرج فارس كرامة إىل اغبديقة ومشى كبونا مرحبا يب كعادتو باسطا يده إيل كأنو وبعد

يا ىلما)يريد أف يبارؾ ا ذلك السر اػبفي الذي يربط روحي بروح ابنتو ب قاؿ مبتسما مكحولة فقمنا وتبعناه وسلمى تنظر إىل من وراء أجفاف (ولدي إىل العشاء فالطعاـ ينتظرنا

عذبا يكتنف قد أيقظت يف داخلها شعورا جديدا " يا ولدي"بالرقة واالنعطاؼ كأف لفظة .ؿببتها يل مثلما ربتضن األـ طفلهاونتحدث ػػ جلسنا يف تلك الغرفة نتلذذ بألواف الطعاـ الشهية جلسنا إىل اؼبائدة نأكل ونشرب

وأرواحنا تسبح على غت معرفة منا يف عامل بعيد عن ىذا العامل، وربلم وأنواع اػبمور اؼبعتقة،ثبلثة أشخاص زبتلف أفكارىم . ونتأىب للوقوؼ أماـ ـباوفو وأىوالو دبآب اؼبستقبل



21

اغبياة وتتفق سرائرىم باتفاؽ قلو م باؼبودة واحملبة، ثبلثة من الضعفاء باختبلؼ مقاصدىم من شيخ جليل. يشعروف كثتا ويعرفوف قليبل وىذه ىي اؼبأساة اؼبستتبة على مرسح النفس األبرياء

قريبا شريف وبب ابنتو وال وبفل بغت سعادهتا ػػ وصبية يف العشرين من عمرىا ترى اؼبستقبلواؽبواجس مل يذؽ بعيدا وربدؽ بو لتى ما ىببئ ؽبا من الغبطة والشقاء ػػ وفىت كثت األحبلـ

واؼبعرفة ولكنو ال يستطيع وبرؾ جناحيو ليطت ساحبا يف فضاء احملبة. بعد طبر اغبياة وال خلهامنفرد عن اؼبدينة زبيم عليو سكينة ثبلثة جالسوف حوؿ مائدة أنيقة يف منزؿ. النهوض لضعفو

ويشربوف ويف أعماؽ صحوهنم وكؤوسهم قد ثبلثة يأكلوف. الدجى وربدؽ بو عيوف السماء .أخفى القدر اؼبرارة واألشواؾ

يف : "العشاء حىت دخلت علينا إحدى اػبادمات وخاطبت فارس كرامة قائلة ومل ننتو من ."مقابلتك يا سيدي الباب رجل يطلب

فسكت دقيقة ". يا سيدي أظنو خادـ اؼبطراف: "فأجابت". من ىو ىذا الرجل"فسأؽبا بسرعة ب التفت كبو . زببئو من األسرار وأحدؽ بعيت ابنتو نظت نيب ينظر إىل وجو السماء لتى ما

."دعيو يدخل"اػبادمة وقاؿ ىنيهة ظهر رجل بأثواب مزركشة وشارب معكوؼ الطرفت فسلم منحنيا فعادت اػبادمة وبعدقد بعثت سيادة اؼبطراف دبركبتو اػبصوصية ألطلب إليك أف تتكـر "قائبل وخاطب فارس كرامة

."فهو يريد أف يباحثك بأمور ذات أنبية بالذىاب إليوبشاشة وجهو وراء نقاب من التأمل والتفكت ب فانتصب الشيخ وقد تغتت مبلؿبو واكبجبت

أرجو أف أعود وألقاؾ ىنا، فسلمى ستجد بك "واغببلوة اقتب مت وقاؿ بصوت تساوره الرقة



22

ب التفت كبو " الليل، ويزيل بأنغاـ نفسو تأثت الوحدة واالنفراد مؤنسا يبعد بأحاديثو وحشة ."أليس كذلك يا سلمى؟" ابنتو وزاد مبتسما

نغمة الناي رقة قالت فأحنت الصبية رأسها وقد توردت وجنتاىا قليبل وبصوت يضارع ."سوؼ أجهد النفس لكي أجعل ضيفنا مسرورا يا والدي"

الشيخ مصحوبا خبادـ اؼبطراف، وظلت سلمى واقفة تنظر من النافذة كبو الطريق حىت وخرج اختفت اؼبركبة عن بصرىا وراء ستائر الظبلـ، واضمحل ارذباج الدواليب بتباعد اؼبسافة

وتشرب السكوف حرتقة سنابك اػبيل ب جلست قباليت على مقعد موشى بنسيج من اغبرير األخضر فبانت بأثوا ا الناصعة كزنبقة لوت قامتها نسمات الصباح على بساط من

.األعشابىل ىو الكبلـ ولكن. ومرت دقائق وكبلنا صامت حائر مفتكر يتقب اآلخر ليبدأ بالكبلـ

اػبارجة من الشفاه الذي وبدث التفاىم بت األرواح اؼبتحابة؟ ىل ىي األصوات واؼبقاطيعتلده األفواه وأطهر فبا واأللسنة اليت تقرب بت القلوب والعقوؿ؟ أفبل يوجد شيء أظبى فبا

النفس إىل النفس وتنقل نبس هتتز بو أوتار اغبناجر؟ أليست ىي السكينة اليت ربمل شعاع القلب إىل القلب؟

ذواتنا فنسبح يف فضاء الروح غت احملدود مقتبت من أليست ىي السكينة اليت تفصلنا عنأجسادنا ال تفوؽ السجوف الضيقة وىذا العامل ال يبتاز عن اؼبنفى اؼبؤل األعلى شاعرين بأف

البعيد؟تعاؿ لبرج إىل "سلمى إيل وقد باحت أجفاهنا بسرائر نفسها ب قالت دوء سحري ونظرت



23

."وقبلس بت األشجار لنرى القمر طالعا من وراء اعببل اغبديقةأليس األفضل أف نبقى ىهنا يا سلمى حىت يطلع القمر وينت " فوقفت مطيعا وقلت فبانعا إذا "وبجب األشجار واألزىار فبل نستطيع أف نرى شيئا فأجابت اغبديقة؟ أما اآلف فالظبلـ ."والرياحت عن العت فالظبلـ ال وبجب اغبب عن النفس حجب الظبلـ األشجار

غريبة ب حولت عينيها ونظرت كبو النافذة فبقيت أنا صامتا قالت ىذه الكلمات بلهجةب عادت وأحدقت يب كأهنا . لكل مقطع معت راظبا لكل معت حقيقة مفكرا بكلماهتا موردا ولكن سحر تلك . فحاولت استجاع كلماهتا من أذل بسحر أجفاهنا ندمت على ما قالت

األلفاظ إال ليعيدىا إىل أعماؽ صدري أكثر وضوحا وأشد تأثتا األجفاف مل يستجع تلك .بقليب متوجة مع عواطفي إىل آخر اغبياة وليبيقها ىناؾ ملتصقة

من فكر واحد أو من حاسة واحدة يف داخل كل شيء عظيم وصبيل يف ىذا العامل يتولدالغابرة كاف قبل ظهوره فكرا يف عاقلة رجل أو كل ما نراه اليـو من أعماؿ األجياؿ. اإلنساف

اليت أجرت الدماء كالسواقي وجعلت اغبرية تعبد الثورات.. عاطفة لطيفة يف صدر امرأة. بت تبلفيف دماغ رجل فرد عاش بت ألوؼ من الرجاؿ كاآلؽبة كانت فكرا خياليا مرتعشا . وخربت اؼبمالك كانت خاطرا يتمايل يف رأس رجل واحد اغبروب اؼبوجعة اليت ثلت العروش

مست اغبياة البشرية كانت ميبل شعريا يف نفس رجل واحد منفصل التعاليم السامية اليت غتتواحد أقاـ األىراـ وعاطفة واحدة خربت طروادة وخاطر واحد أوجد فكر. بنبوغو عن ؿبيطو

.واحدة أحرقت مكتبة اإلسكندرية ؾبد اإلسبلـ وكلمة



24

نظرة واحدة من أطراؼ . اجملد أو إىل اعبنوف فكر واحد هبيئك يف سكينة الليل ويست بك إىلكلمة واحد زبرج من بت شفيت رجل تصتؾ .أجفاف امرأة ذبعلك أسعد الناس أو أتعسهم

واحد لفظتها سلمى كرامة يف تلك الليلة اؽبادئة كلمة.. غنيا بعد الفقر أو فقتا بعد الغتكلمة واحدة . سفينة بت عبة البحار وطبقات الفضاء أوقفتت بت ماضي ومستقبلي وقوؼواػبلو وسارت بأيامي على طريق جديدة إىل مسارح معنوية قد أيقظتت من سبات اغبداثة

.اغبب حيث اغبياة واؼبوت إىل اغبديقة وسرنا بت األشجار شاعرين بأصابع النسيم اػبفية تبلمس وجهينا وقامات خرجنا

صامتت األزىار واألعشاب اللدنة تتمايل بت أقدامنا، حىت إذا ما بلغنا شجرة الياظبت جلسناصدرينا على ذلك اؼبقعد اػبشيب نسمع تنفس الطبيعة النائمة ونكشف حببلوة التنهد خفايا

.أماـ عيوف السماء الناظرة إلينا من وراء زرقة السماءذاؾ من وراء صنت وغمر بنوره تلك الروايب والشواطئ فظهرت القرى على وطلع القمر إذاوبات لبناف صبيعو من ربت تلك األشعة . كأهنا قد انبثقت من البلشيء أكتاؼ األودية .متكئ على ساعده ربت نقاب لطيف ىبفي أعضاءه وال ىبفيها الفضية كأنو فىت

مكاف خيايل، قد اضمحلت حقيقتو بذىاب داود وسليماف واألنبياء لبناف عند شعراء الغربىو لفظة شعرية ال اسم عببل ػػ لفظة ترمز عن . بسقوط آدـ وحواء مثلما اكبجبت جنة عدف

وتستحضر إىل الفكر رسـو غابات من األرز يفوح منها العطر والبخور، عاطفة يف النفسوالرخاـ تتعاىل باجملد والعظمة، وأسراب من الغزالف تتهادى بت الطلوؿ وأبراج النحاس

وأنا قد رأيت لبناف يف تلك الليلة مثل فكر شعري خيايل منتصب كاغبلم بت واألودية،



25

.واليقظة اليقظةمتشحة بالسحر واعبماؿ كذا تتغت األشياء أماـ أعيننا بتغيت عواطفنا، وىكذا نتوىم األشياء

.عندما ال يكوف السحر واعبماؿ إال يف نفوسناسلمى وقد غمر نور القمر وجهها وعنقها ومعصميها فبانت كتمثاؿ من العاج والتفتت إيل ؼباذا ال تتكلم ػػ ؼباذا ال ربدثت عن ماضي"متعبد لعشتوت ربة اغبسن واحملبة كبتتو أصابع

."حياتك؟أمل تسمعي متكلما " فنظرت إىل عينيها اؼبنتتت ومثل أخرس فاجأ النطق شفتيو أجبتها قائبل

اغبديقة؟ إف نفسك اليت مذ جئت إىل ىذا اؼبكاف ػػ أو مل تسمعي كل ما قلتو مذ خرجنا إىل ."وضجيج قبلي تسمع نبس األزىار وأغال السكينة تستطيع أف تسمع صراخ روحي

ظبعت صوتا ..نعم ظبعتك. قد ظبعتك"فحجبت وجهها بيديها ب قالت بصوت متقطع ."النهار صارخا خارجا من أحشاء الليل وضجة ىائلة منبثقة من قلب

فقلت بسرعة وقد نسيت ماضي حياب ونسيت كيال ونسيت كل شيء ومل أعرؼ سوى وأنا قد ظبعتك يا سلمى ػػ ظبعت نغمة عظيمة ؿبيية جارحة"سلمى وال أشعر بغت وجودىا

."تتموج ؽبا دقائق الفضاء وهتتز بارتعاشها أسس األرضعلى شفتيها القرمزيتت خياؿ ابتسامة ؿبزنة ب نبست قائلة فأغمضت سلمى أجفاهنا وظهر

شيء أعلى من السماء، وأعمق من البحر، وأقوى من اغبياة قد عرفت اآلف بأنو يوجد" ."ما مل أكن أعرفو باألمس وال أحلم بو قد عرفت اآلف. واؼبوت والزمن

. صديق وأقرب من األخت وأحب من اغببيبة منذ تلك الدقيقة صارت سلمى كرامة أعز من



26

.تكتنف قليب وحلما صبيبل هباور نفسي صارت فكرا ساميا يتبع عاقليت وعاطفة رقيقةإف احملبة . تتولد باؼبعاشرة الطويلة واؼبرافقة اؼبستمرة ما أجهل الناس الذين يتونبوف أف احملبة

الروحي وإف مل يتم ىذا التفاىم بلحظة واحدة ال يتم بعاـ وال جبيل اغبقيقية ىي ابنة التفاىم .كاملسلمى رأسها ونظرت كبو األفق البعيد حيث تلتقي خطوط صنت بأذياؿ الفضاء ب ورفعتأما . كنت يل باألمس مثل أخ اقتب منو مطمئنة وأجلس جبانبو يف ظبلؿ والدي لقد"قالت

قد شعرت بعاطفة غريبة ؾبردة من . شعرت بوجود أقوى وأعذب من العبلقة األخوية اآلف فقد ."عاطفة قوية عميقة ـبيفة لذيذة سبؤل قليب حزنا وفرحا . عبلقة كل

ىذه العاطفة اليت لبافها ونرذبف ؼبرورىا يف صدورنا جزءا من الناموس الكلي أليست"فأجبتها ."يست القمر حوؿ األرض واألرض حوؿ الشمس والشمس وما وبيط ا حوؿ اهلل؟ الذي

يدىا على رأسي وغرست أصابعها بشعري وقد هتلل وجهها وترقرقت الدموع يف فوضعتمن من البشر يصدؽ "تلمع قطرات الندى على أطراؼ أوراؽ النرجس ب قالت عينيها مثلمامن منهم يصدؽ بأننا يف الساعة اليت ذبيء بت غروب الشمس وطلوع القمر قد حكايتنا ػػ

من منهم يعتقد بأف نيساف الذي. العقبات واجتزنا اؼبعابر الكائنة بت الشك واليقت قطعنا ."صبعنا ألوؿ مرة ىو الشهر الذي أوقفنا يف قداس أقداس اغبياة؟

ويدىا ما برحت على رأسي اؼبنحت ولو زبتت يف تلك الدقيقة ؼبا قالت ىذه الكلماتوأكاليل الغار على تلك اليد اغبريرية اؼبتبلعبة بشعري ػػ ب أجبتها قائبل فضلت تيجاف اؼبلوؾ

بغت البشر ال يصدقوف حكايتنا ألهنم ال يعلموف بأف احملبة ىي الزىرة الوحيدة اليت تنبت إف"



27

ولكن ىل ىو نيساف الذي صبعنا ألوؿ مرة وىل ىي ىذه الساعة اليت. معاونة الفصوؿأستي أوقفتنا يف قدس أقداس اغبياة؟ أما صبعت روحينا قبضة اهلل قبل أف تصتنا الوالدة

تنتهي أماـ القرب، األياـ والليايل؟ إف حياة اإلنساف يا سلمى ال تبتدئ يف الرحم كما أهنا الاألرواح اؼبتعانقة باحملبة وىذا الفضاء الوسيع اؼبملوء بأشعة القمر والكواكب ال ىبلو من

."والنفوس اؼبتضامنة بالتفاىمعن رأسي تاركة بت مغارس الشعر سبوجات كهربائية يتبلعب ا ورفعت سلمى يدىا بلطف

فأخذت تلك اليد براحيت نظت متعبد يتربؾ بلثم اؼبذبح . مبوا وحراكا نسيم الليل فيزيدىاشفيت اؼبلتهبتت وقبلتها قبلة طويلة عميقة خرساء تذيب حبرارهتا كل ما يف ووضعتها على

.البشري من اإلحساس، وتنبو بعذوبتها كل ما يف النفس اإلؽبية من الطهر القلبعلينا ساعة كل دقيقة منها شغف وؿببة تساورنا سكينة الليل وتغمرنا أشعة القمر ومرت بنا األشجار والرياحت حىت إذا ما بلغنا تلك اغبالة اليت ينسى فيها اإلنساف كل شيء وربيط

الغيبوبة سوى حقيقة اغبب ظبعنا وقع حوافر وىدير مركبة تقتب منا مسرعة فانتبهنا من تلكبت اغبتة والشقاء اللذيذة وىبطت بنا اليقظة من عامل األحبلـ إىل ىذا العامل الواقف دبسته

.بت األشجار ننتظر وصولو فعرفنا بأف الوالد الشيخ قد عاد من دار اؼبطراف فنهضنا وسرناكبونا منحت الرأس بطيء اغبركة ونظت وبلغت اؼبركبة مدخل اغبديقة فتجل فارس كرامة وساركلتا يديو على كتفيها وأحدؽ بوجهها متعب رازح ربت ضبل ثقيل تقدـ كبو سلمى ووضع

ب انسكبت دموعو على وجنتيو . الضئيلتت طويبل كأنو ىباؼ أف تغيب صورهتا عن عينيوعما قريب يا سلمى، عما "وقاؿ بصوت ـبنوؽ اؼبتجعدتت وارذبفت شفتاه بابتسامة ؿبزنة



28

عما قريب تست بك سنة اهلل من . رجل آخر قريب زبرجت من بت ذراعي والدؾ إىل ذراعفتصبح ىذه اغبديقة مشتاقة إىل وطء قدميك ويصت ىذا اؼبنزؿ اؼبفرد إىل ساحة العامل الوسيع

."كلمتو يا سلمى فلتباركك السماء وربرسك والدؾ غريبا عنك، لقد لفظ القدروصبدت عيناىا كأهنا رأت شبح اؼبوت منتصبا ظبعت سلمى ىذه الكلمات فتغتت مبلؿبها

رماه الصياد فهبط على اغبضيض مرذبفا بآالمو ب شهقت وسبلملت متوجعة كعصفور. أمامهاماذا تقوؿ؟ ماذا تعت؟ إىل أين تريد أف "قائلة ػػ وبصوت تقطعو الغصات العميقة صرخت

."تبعث يب؟وبعد دقيقة مثقلة . أف تزيل بنظراهتا الغبلؼ عن ـببآت صدره ب شخصت بو كأهنا تريد

قد عرفت كل ... قد فهمت اآلف"بصراخ القبور قالت متأوىة بعوامل ذلك السكوف الشبيوحبك قضباف القفص الذي أعده ؽبذا الطائر اؼبكسور إف اؼبطراف قد فرغ من... شيء

."والدي؟ اعبناحت فهل ىذه ىي إرادتك يا. مبلؿبو اؼبضطربة فلم هببها بغت التنهدات العميقة ب أدخلها الدار وأشعة اغبنو تنسكب من

تتبلعب العواصف بأوراؽ فبقيت أنا واقفا بت األشجار واغبتة تتبلعب بعواطفي مثلمايبيل إىل استطبلع اػبصوصيات ب اتبعتهما إىل القاعة ػػ وكي ال أظهر دبظهر طفيلي. اػبريف

ب . كبو قبم المع يف قبة الفلك أخذت يد الشيخ مودعا ونظرت إىل سلمى نظرة غريق تلفتاغبديقة حىت ظبعت صوت الشيخ خرجت دوف أف يشعروا خبروجي ولكنت ما بلغت أطراؼ

دنوت منو أمسك بيدي، وقاؿ بصوت مناديا فالتفت وإذا بو يتبعت فعدت إىل لقائو، وؼبابالدموع، ولكنك سوؼ ذبيء إيل ساؿبت يا بت فقد جعلت ختاـ ليلتك مكتنفا "مرتعش



29

اؼبكاف خاليا إال من الشيخوخة احملزنة؟ إف أال تزورل عندما يصت ىذا. دائما ػػ أليس كذلكالذابلة كما أف الصباح ال يلتقي اؼبساء ػػ أما أنت الشباب الغض ال يستأنس بالشيخوخة

الصبا اليت صرفتها بقرب أبيك، وتعيد على مسمعي أخبار فسوؼ ذبيء إيل لتذكرل بأياـأليس كذلك؟ أال تزورل عندما تذىب سلمى، وأصبح .. أبنائها اغبياة اليت مل تعد ربسبت من

"اؼبنزؿ البعيد عن اؼبنازؿ؟ وحيدا منفردا يف ىذايده وىززهتا صامتا أحسست لفظ الكلمات األختة بصوت منخفض متقطع، وؼبا أخذتفارتعشت نفسي يف داخلي بقطرات الدموع السخينة قد تساقطت على يدي من أجفانو،

وتتصاعد كاللهاث إىل شفيت ب وشعرت كبوه بعاطفة بنوية عذبة ؿبزنة تتمايل بت ضلوعيأف دموعو قد استدرت الدموع من تعود كالغصات إىل أعماؽ قليب ػػ وؼبا رفعت رأسي ورأى

جبهيت، ب قاؿ ؿبوال وجهو كبو باب اؼبنزؿ أجفال اكبت قليبل وؼبس بشفتيو اؼبرذبفتت أعايل ."بت مساء اػبت يا.. مساء اػبت "

ما هترقو إف دمعة واحدة تتلمع عن وجنة شيخ متجعدة ؽبي أشد تأثتا يف النفس من كل .أجفاف الفتياف

أما دموع الشيوخ فهي . اؼبتعة إف دموع الشباب الغزيرة ىي فبا يفيض من جوانب القلوباألجساد الواىنة، الدموع يف ىي بقية اغبياة يف. من فضبلت العمر تنسكب من األحداؽ

الدموع على وجنة الشيخوخة فأشبو أما. أجفاف الشبيبة كقطرات الندى على أوراؽ الوردة .عندما يقتب شتاء اغبياة بأوراؽ اػبريف اؼبصفرة اليت تنثرىا األرياح وتذريها

اغبديقة وصوت سلمى يتموج واختفى فارس كرامة وراء مصارع الباب وخرجت أنا من تلك



30

خرجت من . ببطء على يدي يف أذل وصباؽبا يست كاػبياؿ أماـ عيت ودموع والدىا ذبفجبانيب لتجعل العامل كلو ذلك اؼبكاف خروج آدـ من الفردوس ولكن حواء ىذا القلب مل تكن

ثانية ىي الليلة اليت حملت فيها وجو خرجت شاعرا بأف تلك الليلة اليت ولدت فيها. . فردوسا .اؼبوت ألوؿ مرة

حبتة النار -

الكلمات اليت . يف نور النهار كل ما يفعلو اإلنساف سرا يف ظلمة الليل يظهره اإلنساف علنا

األعماؿ اليت كباوؿ . حديثا عموميا هتمسها شفاىنا يف السكينة تصت على غت معرفة منا

.وتنتصب يف منعطفات الشوارع اليـو إخفاءىا يف زاويا اؼبنازؿ تتجسم غدا،

اجتماعو بفارس كرامة، وىكذا كذا أعلنت أشباح الدجى مقاصد اؼبطراف بولس غالب من

.اليت بلغت مسمعي ضبلت دقائق األثت أقوالو وأحاديثو إىل أحياء اؼبدينة



31

اؼبقمرة ليفاوضو بشؤوف الفقراء ما طلب اؼبطراف بولس غالب مقابلة فارس كرامة يف تلك الليلة

أحضره دبركبتو اػبصوصية الفخمة ليطلب منو واؼبعوزين أو ىبابره بأمور األرامل واأليتاـ، بل

.غالب ابنتو سلمى عروسا البن أخيو منصور بك

اؼبطراف زوجة كاف فارس كرامة رجبل غنيا ومل يكن لو وريث سوى ابنتو سلمى، وقد اختارىا

بأمواؽبا الطائلة مستقبل البن أخيو ال عبماؿ وجهها ونبالة روحها بل ألهنا غنية موسرة تكفل

.بت اػباصة واألشراؼ منصور بك، وتساعده بأمبلكها الوسيعة على إهباد مقاـ رفيع

اجملد والسؤدد بل يفعلوف كل ما إف رؤساء الدين يف الشرؽ ال يكتفوف دبا وبصلوف عليو من

اؼبستبدين بو واؼبستدرين قواه وأموالو، إف يف وسعهم ليجعلوا أنسباءىم يف مقدمة الشعب ومن

بعد موتو أما ؾبد الرئيس الديت فينتقل بالعدوى إىل ؾبد األمت ينتقل باإلرث إىل ابنو البكر

وىكذا يصبح اإلنساف كأفاعي البحر اليت تقبض على اإلخوة وأبناء األخوة يف حياتو،

.بأفواه عديدة الفريسة دبقابض كثتة وسبتص دماءىا



32

بغت السكوت العميق عندما طلب اؼبطراف بولس يد سلمى من والدىا مل هببو ذلك الشيخ

ذاىبة إىل بيت جاره أو والدموع السخينة، وأي والد ال يشق عليو فراؽ ابنتو حىت ولو كانت

يفصلو ناموس الطبيعة عن إىل قصر ملك، أي رجل ال ترتعش أعماؽ نفسو بالغصات عندما

كآبة الوالدين لزواج االبنة تضارع إف. االبنة اليت العبها طفلة وىذ ا صبية ورافقها امرأة

.جديدا أما ذاؾ فيسلبها عضوا قديبا عزيزا فرحهم بزواج االبن ألف ىذا يكسب العائلة عضوا

واكبت أماـ مشيئتو قهرا عما يف نفسو من اؼبمانعة وكاف أجاب الشيخ طلب اؼبطراف مضطرا

بك وظبع الناس يتحدثوف عنو فعرؼ خشونتو وطمعو واكبطاط قد اجتمع بابن أخيو منصور

يقاـو أسقفا يف سوريا ويبقى ؿبسوبا بت اؼبؤمنت؟ أي أخبلقو، لكن أي مسيحي يقدر أف

يف الشرؽ ويظل كريبا بت الناس؟ أتعاند العت سهما وال رجل ىبرج عن طائعة رئيس دينو

وال تقطع؟ وىب أف ذلك الشيخ كاف قادرا على ـبالفة اؼبطراف تفقد أو تناضل اليد سيفا

مطامعو فهل تكوف ظبعة ابنتو يف مأمن من الظنوف والتآويل، وىل يظل بولس والوقوؼ أماـ



33

أوساخ الشفاه واأللسنة؟ أو ليست صبيع العناقيد العالية حامضة يف شرع بنات اظبها نقيا من

.آوى

.ىكذا قبض القدر على سلمى وقادىا عبدة ذليلة يف موكب النساء الشرقيات الناعسات

وىكذا سقطت تلك الروح النبيلة باغببائل بينما كانت تسبح ألوؿ مرة على أجنحة اغبب

.البيضاء يف فضاء سبلؤه أشعة القمر وتعطره رائحة األزاىر

تلك اػبزائن الوسيعة اليت يبلؤىا . يف أكثر اؼبواطن ؾبلبة لشقاء البنت إف أمواؿ اآلباء تكوف

ذلك اإللو العظيم الذي . وحرص األـ تنقلب حبوسا ضيقة مظلمة لنفوس الورثة نشاط الوالد

وسلمى كرامة ىي. الناس بشكل الدينار ينقلب شيطانا يعذب النفوس ويبيت القلوب يعبده

فلو مل يكن. كالكثتات من بنات جنسها اللواب يذىنب ضحية ثروة الوالد وأمال العريس

.فارس كرامة رجبل غنيا لكانت سلمى اليـو حية تفرح مثلنا بنور الشمس

وحب سلمى هبالست يف اؼبساء منشدا على مسمعي أغال السعادة وينبهت عند مر أسبوع



34

حب علوي ال يعرؼ اغبسد ألنو غت وال يوجع . لتيت معال اغبياة وأسرار الكياف الفجر

ميل قوي يغمر النفس بالقناعة، ؾباعة عميقة سبآل القلب. ألنو يف داخل الروح اعبسد

حلما عاطفة تولد الشوؽ ولكنها ال تثته، فتوف جعلت أرى األرض نعيما والعمر. باالكتفاء

على شاطئ فكنت أست صباحا يف اغبقوؿ وأرى يف يقظة الطبيعة رمز اػبلود، وأجلس. صبيبل

طلعات العابرين البحر وأظبع من أمواجو أغال األبدية وأمشي يف شوارع اؼبدينة وأجد يف

.وحركات اؼبشتغلت ؿباسن اغبياة و جة العمراف

كاألشباح واضمحلت كالضباب ومل يبق يل منها سوى الذكرى األليمة ػػ تلك األياـ مضت

أرى ا صباؿ الربيع ويقظة اغبقوؿ مل تعد ربدؽ بغت غضب العواطف ويأس فالعت اليت كنت

واألذف اليت كنت أظبع ا أغنية األمواج مل تعد تصغي لغت أنة األعماؽ وعويل .الشتاء

بغت والنفس اليت كانت تقف متهيبة أماـ نشاط البشر وؾبد العمراف مل تعد تشعر. اؽباوية

ليايل فما أحلى أياـ اغبب وما أعذب أحبلمها، وما أمر . شقاء الفقراء وتعاسة الساقطت



35

مساء إىل ويف هناية األسبوع وقد سكرت نفسي خبمرة عواطفي سرت. اغبزف وما أكثر ـباوفها

النفس مصلية منزؿ سلمى كرامة ػػ ذلك اؽبيكل الذي أقامو اعبماؿ وقدسو اغبب لتسجد فيو

بوجود قوة ويركع القلب خاشعا ػػ وؼبا بلغتو ودخلت إىل تلك اغبديقة اؽبادئة أحسست

خاؿ من العراؾ تستهويت وتستميلت وتبعدل عن ىذا العامل وتدنيت ببطء إىل عامل سحري

بت تلك األشجار واعبهاد، ومثل متصوؼ جذبتو السماء إىل مسارح الرؤيا وجدتت سائرا

وإذا سلمى جالسة على احملتبكة والزىور اؼبتعانقة، حىت إذا ما اقتبت من باب الدار التفت

الليلة اليت اختارهتا اآلؽبة ذلك اؼبقعد بظبلؿ شجرة الياظبت حيث جلسنا منذ أسبوع يف تلك

منها صامتا فلم ربتؾ ومل تتكلم كأهنا من بت الليايل وجعلتها بدء سعادب وشقائي ػػ فدنوت

أحدقت بعيت دقيقة وتنهدت تنهدة طويلة علمت بقدومي قبل قدومي، وؼبا جلست جبانبها

تعبث أوائل الليل بأواخر النهار، وبعد ىنيهة عميقة ب عادت ونظرت إىل الشفق البعيد حيث

نفوسنا إىل مواكب األرواح غت اؼبنظورة، حولت فبلوءة بتلك السكينة السحرية اليت تضم



36

باردة، وبصوت يشابو تأوه جائع ال يقوى سلمى وجهها كبوي وأخذت يدي بيد مرتعشة

أنظر إىل وجهي جيدا وتأملو طويبل واقرأ فيو أنظر إىل وجهي يا صديقي،"على الكبلـ قالت

."...أنظر جيدا يا أخي... أنظر إىل وجهي يا حبييب ...كل ما تريد أف تفهمو مت بالكبلـ

طويبل فرأيت تلك األجفاف اليت كانت منذ أياـ قليلة تبتسم فنظرت إىل وجهها ػػ نظرت

. الشحرور قد غارت وصبدت واكتحلت خبياالت التوجع واألمل كالشفاه وربتؾ كأجنحة

باألمس ثنايا الزنبقة البيضاء الفرحة بقببلت الشمس قد اصفرت رأيت تلك البشرة اليت كانت

رأيت الشفتت اللتت كانتا كزىرة أقاح تسيل عليهما اغببلوة . القنوط وذبلت وتربقعت بنقاط

كوردتت مرذبفتت أبقانبا اػبريف على طرؼ الغصن، رأيت العنق الذي كاف قد يبستا وصارتا

العاج قد اكبت إىل األماـ كأنو مل يعد قادرا على ضبل ما هبوؿ يف تبلفيف مرفوعا كعمود

.الرأس

يف نظري ػػ رأيتها صبيعها، ولكنها مل تكن: رأيت ىذه االنقبلبات اؼبوجعة يف مبلمح سلمى



37

تبيح أسرار الذات إف اؼببلمح اليت. إال كسحابة رقيقة توشح القمر فتزيد منظره حسنا وىيبة

أما الوجوه اليت . وأليمة اؼبعنوية تكسب الوجو صباال ومبلحة مهما كانت تلك األسرار موجعة

مهما كانت متناسقة ال تتكلم بصمتها عن غوامض النفس وخفاياىا فبل تكوف صبيلة

بلورىا عن لوف إف الكؤوس ال تستميل شفاىنا حىت يشف. اػبطوط متناسقة األعضاء

سبتزج بدقائقها اػبمر، فسلمى كرامة كانت يف عشية ذلك النهار كأس طافحة من طبرة علوية

اؼبرأة الشرقية اليت ال تغادر مرارة العيش حببلوة النفس ػػ كانت سبثل على غت معرفة منها حياة

وال تتؾ ذراعي أمها الرؤوؼ . اػبشن منزؿ والدىا احملبوب إال لتضع عنقها ربت نت زوجها

.إال لتعيش يف عبودية والدة زوجها القاسية

متأؼبا معها وؽبا، وبقيت ؿبدقا بوجو سلمى مصغيا ألنفاسها اؼبتقطعة صامتا مفكرا، شاعرا

ومل أعد أرى حىت أحسست أف الزمن قد وقف عن مسته والوجود قد اكبجب واضمحل

يدي، ومل أفق سوى عينت كبتتت ؿبدقتت بأعماقي، وال أشعر بغت يد باردة مرتعشة تضم



38

تعاؿ كباوؿ .تعاؿ نتحدث اآلف يا صديقي"من ىذه الغيبوبة حىت ظبعت سلمى تقوؿ دوء

منزؿ الرجل الذي لقد ذىب والدي إىل. تصوير اؼبستقبل قبل أـ وبمل علينا دبخاوفو وأىوالو

سببا لوجودي ليلتقي سيكوف رفيقا يل حىت القرب ػػ قد ذىب الرجل الذي اختارتو السماء

اؼبدينة هبتمع اآلف الشيخ بالرجل الذي انتقتو األرض سيدا على أيامي اآلتية، ففي قلب ىذه

السنت، ويف ىذه الليلة يتفق الوالد الذي رافق شبيبيت بالشاب الذي ستافق ما بقي يل من

جعبله بعيدا فما أغرب ىذه الساعة وما واػبطيب على يـو القراف الذي سيكوف قريبا مهما

الغابر، ويف ظبلؿ ىذه الياظبينة قد عانق اغبب يف مثل ىذه الليلة من األسبوع... أشد تأثتىا

أوؿ كلمة من حكاية مستقبلي يف دار اؼبطراف بولس روحي ألوؿ مرة بينما كاف القدر ىبط

وخطييب ليضفرا إكليل زواجي أراؾ جالسا جبانيب ويف ىذه الساعة وقد جلس والدي. غالب

وبـو مرفرفا فوؽ ينبوع ماء ىبفره ثعباف جائع وأشعر بنفسك متموجة حويل كطائر ظامئ

."أسرارىا ـبيف فما أظلم ىذه الليلة وما أعمق



39

سيظل ىذا "يف طفولتو فأجبتها وقد زبيلت القنوط شبحا مظلما قابضا على عنق حبنا ليميتو

يقبض عليو الثعباف اؼبخيف الطائر حائما مرفرفا فوؽ الينبوع حىت يضنيو العطش فتديو أو

."فيمزقو ويلتهمو

ليبق . ال يا صديقي فليبق ىذا الطائر حيا . ال"الفضية فقالت متأثرة وصوهتا يرذبف كاألوتار

اؼبساء، حىت ينتهي الربيع، حىت ينتهي العامل، حىت تنتهي الدىور ال ىذا البلبل مغردا حىت

."وبييت وال توقف جناحيو ألف حفيفهما يزيل الضباب عن قليب زبرصو ألف صوتو

."يقتلو يا سلمى واػبوؼ يبيتو الظمأ"فهمست متنهدا

إف ظمأ الروح أعذب من ارتواء "اؼبرتعشتت فأجابت والكبلـ يتدفق بسرعة من بت شفتيها

ولكن اظبع يا حبييب ػػ اظبعت جيدا ػػ أنا واقفة .اؼبادة وخوؼ النفس أحب من طمأنينة اعبسد

أنا مثل عمياء تتلمس بيدىا اعبدراف ـبافة . عنها شيئا اآلف يف باب حياة جديدة ال أعرؼ

أنا . والدي إىل ساحة النخاست فابتاعت رجل من بت الرجاؿ أنا جارية أنزلت ماؿ. السقوط



40

أجهلو وأنت تعلم أف احملبة واعبهالة ال تلتقياف ولكنت سوؼ أتعلم ال أحب ىذا الرجل ألنت

وأخدمو وأجعلو سعيدا سوؼ أىبو كل ما تقدر اؼبرأة الضعيفة أف هتب ؿببتو، سوؼ أطيعو

أمامك اغبياة طريقا وسيعة مفروشة باألزىار . أنت فلم تزؿ يف ربيع العمر الرجل القوي، أما

سوؼ زبرج إىل ساحة العامل حامبل قلبك مشعبل متقدا، سوؼ تفتكر حبرية، والرياحت،

تتكلم وتفعل سوؼ تكتب على وجو اغبياة ألنك رجل، سوؼ تعيش سيدا ألف فاقة وحبرية

ذبعلك عبدا، وأموالو ال تنزؿ بك إىل سوؽ النخاست حيث تباع البنات وتشتى، والدؾ ال

تقتف بالصبية اليت زبتارىا لنفسك من بت الصبايا فتسكنها صدرؾ قبل أف تسكنها سوؼ

.وتشاركها بأفكارؾ قبل أف تسانبها األياـ والليايل منزلك

ولكن أىهنا تفرقنا " أنفاسها ب زادت بصوت تتابعو الغصات وسكتت دقيقة كيما تستجع

أؾباد الرجل وتست يب إىل واجبات اؼبرأة؟ أىكذا ينقضي اغبلم سبل اغبياة لتذىب بك إىل

العذبة؟ أىكذا تبتلع اللجة نغمة الشحرور وتنثر الرياح أوراؽ الوردة اعبميل وتندثر اغبقيقة



41

كأس اػبمر؟ أباطبل أوقفتنا تلك الليلة أماـ وجو القمر وباطبل ضمنا الروح وتسحق األقداـ

ىذه الياظبينة؟ ىل تسرعنا بالصعود كبو الكواكب فكلت أجنحتنا وىبطت بنا إىل يف ظبلؿ

ىل فاجأنا اغبب نائما فاستيقظ غاضبا ليعاقبنا أـ ىيجت أنفسنا نسمات الليل اؽباوية؟

شبرا روبا شديدة لتمزقنا وذبرفنا كالغبار إىل أعماؽ الوادي؟ مل لبالف وصية ومل نذؽ فانقلبت

. ال وألف ال وال ال.. فكيف لبرج من ىذه اعبنة ػػ مل نتآمر ومل نتمرد فلماذا هنبط إىل اعبحيم

نفسينا ىو أقوى من إف الدقائق اليت صبعتنا ىي أعظم من األجياؿ، والشعاع الذي أنار

ذبمعنا على ذلك الظبلـ، فإف فرقتنا العاصفة على وجو ىذا البحر الغضوب فاألمواج

اؼبرأة ال يتغت من الزمن إف قلب.... الشاطئ اؽبادئ وإف قتلتنا ىذه اغبياة فذاؾ اؼبوت وبيينا

يبوت، قلب اؼبرأة يشابو الربية اليت وال يتحوؿ مع الفصوؿ، قلب اؼبرأة ينازع طويبل ولكنو ال

أشجارىا ووبرؽ أعشا ا ويلطخ صخورىا يتخذىا اإلنساف ساحة غبروبو ومذاحبو، فهو يقتلع

تبقى ىادئة ساكنة مطمئنة، ويظل فيو الربيع بالدماء ويغرس تربتها بالعظاـ واعبماجم ولكنها



42

واآلف قد قضي األمر فماذا نفعل؟ قل ماذا نفعل ... الدىور ربيعا واػبريف خريفا إىل هناية

نلتقي؟ ىل كبسب اغبب ضيفا غريبا أتى اؼبساء وأبعده الصباح، وكيف نفتؽ وأين ومىت

النفسية حلما أبانو الكرى ب أخفتو اليقظة؟ أربسب ىذا األسبوع ساعة أربسب ىذه العاطفة

افتح شفتيك . قضت بالصحو واالنتباه؟ ارفع رأسك ألرى عينيك يا حبييب سكر ما لبثت أف

أخربل، حدثت ىل تذكرل بعد أف تغرؽ العاصفة سفينيت أيامنا؟ ىل تكلم. ألظبع صوتك

يف سكينة الليل؟ ىل تشعر بأنفاسي متموجة على وجهك وعنقك؟ تسمع حفيف أجنحيت

بالتوجع منخفضة باؼبغصات؟ ىل ترى خيايل قادما مع ىل تصغي لتنهداب متصاعدة

الصباح؟ قل يل يا حبييب ػػ قل يل ماذا تكوف يل بعد أف خياالت الظبلـ مضمحبل مع ضباب

."وجناحا لروحي، ماذا تكوف؟ كنت نورا لعيت ونغمة ألذل

."مثلما تريدينت أف أكوف سأكوف يا سلمى"فأجبتها وحبات قليب تذوب يف عيت

أريدؾ أف رببت مثلما وبب الشاعر . أيامي أريدؾ أف رببت، أريد أف رببت إىل هناية"فقالت



43

يذكر اؼبسافر حوض ماء ىادئ رأى فيو خياؿ وجهو أفكاره احملزنة، أريدؾ أف تذكرل مثلما

تذكرل مثلما تذكر األـ جنينا مات يف أحشائها قبل أف قبل أف يشرب من مائو، وأريدؾ أف

يب مثلما يفكر اغباكم الرؤوؼ بسجت مات قبل أف يبلغو وأريدؾ أف تفتكر. يرى النور

وصديقا ورفيقا وأريدؾ أف تزور والدي يف وحدتو وتعزيو يف عفوه، أريدؾ أف تكوف يل أخا

."سأتركو وأصت غريبة عنو انفراده ألنت عما قريب

لروحك وقليب بيتا عبمالك سأفعل كل ذلك يا سلمى، سوؼ أجعل روحي غبلفا "فأجبتها

للربيع وسوؼ أحيي بك حياة سوؼ أحبك يا سلمى ؿببة اغبقوؿ. وصدري قربا ألحزانك

الوادي بصدى رنت األجراس اؼبتمايلة األزاىر حبرارة الشمس، سوؼ أترل باظبك مثلما يتل

الغريب اؼبستوحش وطنو احملبوب، والفقت فوؽ كنائس القرى؛ سأذكرؾ يا سلمى مثلما يذكر

أياـ عزه وؾبده واألست الكئيب ساعات اغبرية اعبائع مائدة الطعاـ الشهية، واؼبلك اؼبخلوع

الزارع بأغمار السنابل وغلة البيادر، والراعي الصاحل والطمأنينة، سوؼ أفتكر بك مثلما يفكر



44

."العذبة باؼبروج اػبضراء واؼبناىل

ونبضات قلبها تتسارع كنت أتكلم وسلمى تنظر إىل أعماؽ الليل وتتأوه بت اآلونة واألخرى

اغبقيقة خياال واليقظة حلما غدا تصت"وتتهامل كأهنا أمواج حبربت صعود وىبوط، ب قالت

."جداوؿ األحبلـ فهل يكتفي اؼبشتاؽ بعناؽ اػبياؿ ويرتوي الظمآف من

ويست يب إىل . بالراحة واؽبدوء غدا يست بك القدر إىل أحضاف العائلة اؼبملوءة"فأجبتها قائبل

وأنا إىل . جبمالك وطهر نفسك أنت إىل منزؿ يسعد. ساحة العامل حيث اعبهاد والقتاؿ

أنت إىل األنس . اغبياة وأنا إىل النزاع أنت إىل. مكامن أياـ تعذبت بأحزاهنا وزبيفت بأشباحها

. سأرفع يف وادي ظل اؼبوت سبثاال للحب وأعبده ولكنت. واأللفة وأنا إىل الوحشة واالنفراد

عند الفجر سينبهت اغبب من . وأشربو طبرا وألبسو ثوبا سأزبذ اغبب ظبتا وأظبعو منشدا

وعند الظهتة سيقودل إىل ظل األشجار فأربض مع . الربية البعيدة رقادي ويست أمامي إىل

ويف اؼبساء سيوقفت أماـ اؼبغرب ويسمعت نغمة وداع . من حرارة الشمس العصافت احملتمية



45

ويف الليل سيعانقت فأناـ حاؼبا بالعوامل. ويريت أشباح السكينة ساحبة يف الفضاء الطبيعة للنور

متمبت ويف الربيع سأمشي واغبب جنبا عبنب. العلوية حيث تقطن أرواح العشاؽ والشعراء

واألقحواف، شاربت بقايا بت التلوؿ واؼبنحدرات متبعت أثار أقداـ اغبياة اؼبخططة بالبنفسج

ساندين رأسينا إىل أغمار ويف الصيف سأتكئ واغبب. األمطار بكؤوس النرجس والزنبق

ويف اػبريف سأذىب . والنجـو القش مفتشت األعشاب ملتحفت السماء ساىرين مع القمر

وىي زبلع أثوا ا اؼبذىبة واغبب إىل الكرـو فنجلس بقرب اؼبعاصر ناظرين إىل األشجار

سأجلس واغبب بقرب اؼبواقد كبكي ويف الشتاء. متأملت بأسرار الطيور الراحلة إىل ساحل

الشبيبة سيكوف يل اغبب مهذبا حكايات األجياؿ مرددين أخبار األمم والشعوب ويف أياـ

سلمى إىل هناية العمر، إىل أف ويف الكهولة عضدا ويف الشيخوخة مؤنسا، سيظل معي يا

."اهلل هبيء اؼبوت، إىل أف ذبمعت بك قبضة



46

وتتطاير ب كانت األلفاظ تتصاعد مسرعة من أعماؽ نفسي كأهنا شعبلت من نار تنمو

عينيها كأف تتبدد وتضمحل يف زوايا تلك اغبقيقة، وكانت سلمى مصغية والدموع تنهمر من

.أجفاهنا شفاء ذبيبت بالدموع على الكبلـ

أجنحة ال يستطيعوف أف يطتوا إىل ما وراء الغيـو لتوا ذلك العامل إف اللذين مل يهبهم اغبب

فيو روحي وروح سلمى يف تلك الساعة احملزنة بأفراحها اؼبفرحة السحري الذي طافت

فهذه اغبكاية مل . يتخذىم اغبب أتباعا ال يسمعوف اغبب متكلما إف اللذين مل. بأوجاعها

فهموا معال ىذه الصفحات الضئيلة ال يبكنهم أف يروا ما يسيل بت تكتب ؽبم، فهم وإف

ولكن أي . واػبياالت اليت ال تلبس اغبرب ثوبا وال تتخذ الورؽ مسكنا سطورىا من األشباح

من طبرة اغبب يف إحدى كاساتو؟ أية نفس مل تقف متهيبة يف ذلك اؽبيكل بشري مل يرشف

حببات القلوب اؼبسقوؼ باألسرار واألحبلـ والعواطف؟ أي زىرة مل يسكب اؼبنت اؼبرصوؼ

الندى بت أوراقها، وأي ساقية تضل طريقها وال تذىب إىل البحر؟ الصباح قطرة من



47

ذاؾ رأسها كبو السماء اؼبزينة بالكواكب ومدت يديها إىل األماـ وكربت ورفعت سلمى إذا

شفتاىا وظهر على وجهها اؼبصفر كل ما يف نفس اؼبرأة اؼبظلومة من الشكوى عيناىا وارذبفت

ماذا أتت من . ماذا فعلت اؼبرأة يا رب فاستحقت غضبك: "ب صرخت قائلة. واألمل والقنوط

ىل اقتفت جرما ال هناية لفظاظتو ليكوف عقابك . ليتبعها سخطك إىل آخر الدىور الذنوب

بغت هناية؟ أنت قوي يا رب وىي ضعيفة فلماذا تبيدىا باألوجاع؟ أنت عظيم وىي تدب ؽبا

عرشك فلماذا تسحقها بقدميك؟ أنت عاصفة شديدة وىي كالغبار أماـ وجهك حوؿ

على الثلوج؟ أنت جبار وىي بائسة فلماذا ربار ا؟ أنت بصت عليم وىي تائهة فلماذا تذريها

فلماذا هتلكها؟ أنت توجدىا باحملبة فكيف باحملبة تفنيها؟ بيمينك ترفعها إليك عمياء

نسمة يف فمها. وبشمالك تدفعها إىل اؽباوية وىي جاىلة ال تدري أل ترفعها وكيف تدفعها

الشقاء فارسا على سبل السعادة تستىا راجلة ب تبعث. اغبياة ويف قلبها تزرع بذور اؼبوت

. لساهنا بالكآبة يف حنجرهتا تبث نغمة الفرح ب تغلق شفتيها باغبزف وتربط. ليصطادىا



48

األوجاع حوؿ بأصابعك اػبفية سبنطق باللذة أوجاعها وبأصابعك الظاىرة ترتسم ىاالت

. واؼبتاعب ملذاهتا، يف مضجعها زبفي الراحة والسبلمة وجبانب مضجعها تقيم اؼبخاوؼ

ؿباسن ـبلوقاتك بإرادتك ربيي أمياؽبا ومن أمياؽبا تتولد عيو ا وذالهتا، دبشيئتك تريها

جسد صبيل ودبشيئتك تنقلب ؿببتها للحسن ؾباعة مهلكة، بشريعتك تزوج روحها من

واؼبوت أنت تسقيها اغبياة بكأس اؼبوت.. وبقضائك ذبعل جسدىا بعبل للضعف واؽبواف

الرجل ب أنت سبؤل جوفها من خبز. أنت تطهرىا بدموعها وبدموعها تذيبها. بكأس اغبياة

وباحملبة أنت أنت يا رب قد فتحت عيت باحملبة. سبؤل حفنة الرجل من حبات صدرىا

بيضاء وحوؿ أنت زرعت يف قليب وردة. أنت قبلتت بشفتيك وبيدؾ القوية صفعتت. أعميتت

رجل ال ىذه الوردة أنبت األشواؾ واغبسك، أنت أوثقت حاضري بروح فىت أحبو وجبسد

أمينة أعرفو قيدت أيامي، فساعدل ألكوف قوية يف ىذا الصراع اؼبميت، وأسعفت ألبقى

."النهاية ليكن اظبك مباركا إىل. لتكن مشيئتك يا رب.. وطاىرة حىت اؼبوت



49

ىيكلها وسكتت سلمى وظلت مبلؿبها تتكلم، ب أحنت رأسها وأرخت ذراعيها والبفض

اغبضيض كأف القوى اغبيوية قد تركتها فبانت لناظري كغصن قصفتو العاصفة وألقتو إىل

أصابعها فأخذت يدىا اؼبثلجة بيدي اؼبلتهبة وقبلت. ليجف ويندثر ربت أقداـ الدىر

والشفقة فبقيت بأجفال وشفيت، وؼبا حاولت تعزيتها بالكبلـ وجدتت أحرى منها بالتعزية

قليب يف داخلي خائفا من صامتا حائرا متأمبل شاعرا بتبلعب الدقائق بعواطفي مصغيا ألنة

.نفسي على نفسي

تلك الليلة ألف اللوعة إذا عظمت تصت خرساء ومل ينبس أحدنا ببنت شفة يف ما بقي من

قربنبا الزلزاؿ يف التاب، ومل يعد أحدنا يريد أف يسمع فبقينا ساكتت جامدين كعمودي رخاـ

.قلبينا قد وىت حىت صار التنهد دوف الكبلـ يقطعها اآلخر متكلما ألف خيوط

وطلع القمر ناقصا من وراء صنت وباف بت النجـو كوجو انتصف الليل ومبت رىبة السكوت

السوداء بت مشوع ضئيلة ربيط بنعشو، وظهر لبناف كشيخ ميت شاحب غارؽ يف اؼبساند



50

األحزاف وىجر أجفانو الرقاد فبات يساىي الدجى ويتقب لوت ظهره األعواـ وأناخت ىيكلو

إف اعبباؿ واألشجار واألهنار . رماد عرشو بت خرائب قصره الفجر كملك ـبلوع جالس على

بتقلب اغباالت واألزمنة مثلما تتغت مبلمح وجو اإلنساف بتغيت تتبدد ىيئاهتا ومظاىرىا

فشجرة اغبور اليت تتعاىل يف النهار كعروس صبيلة يبلعب النسيم أثوا ا تظهر أفكاره وعواطفو،

اؼبساء كعمود دخاف يتصاعد كبو البلشيء، والصخر الكبت الذي هبلس عند الظهتة يف

قوي يهزأ بعاديات الزمن يبدوا يف الليل كفقت بائس يفتش الثرى ويلتحف الفضاء، كجبار

لباؽبا يف والساقية اليت نراىا عند الصباح متلمعة كذوب اللجت ونسمعها متمبة بأغنية اػبلود

ولبناف الذي اؼبساء ؾبرى دموع يتفجر من بت أضلع الوادي ونسمعها تندب وتنوح كالثكلى،

راضية قد باف يف ظهر منذ أسبوع بكل مظاىر اعببلؿ والرونق عندما كاف القمر بدرا والنفس

عرض السماء وقلب خافق تلك الليلة كئيبا منهوكا مستوحشا أماـ قمر ضئيل ناقص ىائم يف

.معتل داخل صدر



51

شبحت ىائلت ىذا باسط جناحية فوؽ رأسينا وقفنا للوداع وقد وقف بيننا اغبب واليأس

مرتاعا وذاؾ يضحك ساخرا؛ وؼبا أخذت يد وذاؾ قابض بأظافره على عنقينا ىذا يبكي

ولثمت مفرؽ شعري ب عادت وارسبت على سلمى ووضعتها على شفيت متربكا دنت مت

."يا رب وشدد صبيع األجنحة اؼبتكسرة أشفق"اؼبقعد اػبشيب وأطبقت جفنها ونبست ببطء

بنقاب كثيف يوشي مداركي اغبسية انفصلت عن سلمى وخرجت من تلك اغبديقة شاعرا

القائمة على جانيب الطريق مثلما يغمر الضباب وجو البحتة وسرت وخياالت األشجار

وأشعة القمر الضعيفة تتحرؾ أمامي كأهنا أشباح قد انبثقت من شقوؽ األرض لتخيفت

يف الفضاء كبو صدري، ترتعش بت الغصوف كأهنا سهاـ دقيقة تريشها أرواح اعباف الساحبة

كل ما يف . على جسدي السكينة العميقة زبيم علي كأهنا أكف سوداء ثقيلة ألقتها الظلمة

ىائبل، فالنور اؼبعنوي الذي الوجود وكل ما يف اغبياة وكل سر يف النفس قد صار قبيحا رىيبا

. كبدي بلهيبها متست نفسي بدخاهنا أرال صباؿ العامل و جة الكائنات قد انقلب نارا ربرؽ



52

وذبعلها نشيدا علويا قد استحالت يف تلك والنغمة اليت كانت تضم إليها أصوات اؼبخلوقات

.وأعمق من صراخ اؽباوية الساعة إىل ضجيج أروع من زؾبرة األسد

. بت السياج والسهم يف قلبو بلغت غرفيت وارسبيت على فراشي كطائر رماه الصياد فسقط

داخلي تردد يف اغبالتت كلمات وظلت عاقليت تتواح بت يقظة ـبيفة ونـو مزعج وروحي يف

."أشفق يا رب وشدد صبيع األجنحة اؼبتكسرة"سلمى

أماـ عرش اؼبوت -

الفتياف وآباء الصبايا، الفتياف إمبا الزهبة يف أيامنا ىذه ذبارة مضحكة مبكية يتوىل أمورىاالصبايا اؼبتنقبلت كالسلع من منزؿ إىل يرحبوف يف أكثر اؼبواطن واآلباء ىبسروف دائما، أما .نصيبهن زاويا حيث الظلمة والفناء البطيء آخر فتزوؿ جتهن ونظت األمتعة العتيقة يصت

اؼبرأة قليبل ولكنها أكثرت أوجاعها بتعميم مطامع الرجل، إف اؼبدينة اغباضرة قد أمبت مدارؾسعيدة فصارت اليـو سيدة تعيسة، كانت باألمس عمياء تست كانت اؼبرأة باألمس خادمة

كانت صبيلة جبهلها فاضلة ببساطتها . تست يف ظلمة الليل يف نور النهار فأصبحت مبصرة



53

بتفننها سطحية دبداركها بعيدة عن القلب دبعارفها، فهل هبيء قوية بضعفها فصارت قبيحةاعبماؿ باؼبعرفة والتفنن بالفضيلة وضعف اعبسد بقوة النفس؟ أنا من يـو هبتمع يف اؼبرأة

االرتقاء الروحي سنة يف البشر والتقرب من الكماؿ شريعة بطيئة لكنها فعالة، فإذا القائلت إف كانت اؼبرأة قد ارتقت بشيء وتأخرت بشيء آخر فؤلف العقبات اليت تبلغنا قمة اعببل الاليقظة زبلو من مكامن اللصوص وكهوؼ الذئاب؛ ففي ىذا اعببل الشبيو بالغيبوبة اليت تتقدـ

اآلتية ػػ يف ىذا اعببل ػػ يف ىذا اعببل القابض بكفيو على تراب األجياؿ الغابرة وبذور األجياؿبوجودىا عن ابنة اؼبستقبل، وسلمى كرامة الغريب بأميالو وأمانيو ال زبلو مدينة من امرأة ترمز

ولكنها كالكثتين الذين يعيشوف قبل زماهنم قد كانت يف بتوت رمز اؼبرأة الشرقية العتيدة،اختطفتها تيار النهر قد سارت قهرا يف مركب اغبياة ذىبت ضحية الزمن اغباضر ونظت زىرة

.كبو الشقاءمن سلمى فسكنا معا يف منزؿ فخم قائم على شاطئ البحر يف رأس وتزوج منصور بك

القـو واألغنياء، وبقي فارس كرامة وحده يف ذلك البيت اؼبنفرد بتوت حيث يقطن وجهاءانفراد الراعي بت أغنامو، ومضت أياـ العرس وانقضت ليايل األفراح بت اغبدائق والبساتت

يدعوه الناس عسبل تاركا وراءه شهور اػبل والعلقم مثلما تتؾ أؾباد اغبروب ومر الشهر الذي القتلى يف الربية البعيدة، إف رجة األعراس الشرقية تصعد بنفوس الفتياف والصبايا صباجم

مثل صعود النسر إىل ما وراء الغيـو ب هتبط م ىبوط حجر الرحى إىل أعماؽ اليم، بل ىي .آثار األقداـ على رماؿ الشاطئ ال تلبث أف سبحوىا األمواج



54

الربيع وتبله الصيف وجاء اػبريف وؿببيت لسلمى تتدرج من شغف فىت يف صباح وذىبأمو بامرأة حسناء إىل نوع من تلك العبادة اػبرساء اليت يشعر ا الصيب اليتيم كبو روح العمر

ال ترى غت الساكنة يف األبدية، فالصبابة اليت كانت سبتلك كلييت قد ربولت إىل كآبة عمياءوأنو . الدـ من قليب والولع الذي كاف يستدر الدموع من عيت قد انقلب وؽبا يستقطر. نفسها

السكينة أماـ السماء اغبنت اليت كانت سبؤل ضلوعي أصبحت صبلة عميقة تقدمها روحي يفباطبل كنت أشفق وأبتهل مستمدة السعادة لسلمى والغبطة لبعلها والطمأنينة لولدىا، ولكن

اؼبوت، أما بعلها وأصلي ألف تعاسة سلمى كانت علة يف داخل النفس ال يشفيها سوىاغبياة ىنيئة وال يقنعوف فكاف من أولئك الرجاؿ الذين وبصلوف بغت تعب على كل ما هبعل

دبطامعهم إىل هناية أيامهم؛ بل ويطمحوف دائما إىل ما ليس ؽبم وىكذا يظلوف معذبتيستلم يد ابنتو ووبصل على أمواؽبا وباطبل كنت أرجو الطمأنينة لفارس كرامة ألف صهره مل .بقي من ثروتو حىت نسيو وىجره بل صار يطلب حتفو توصيبل إىل ما

صورة مصغرة لنفسو كاف منصور بك شبيها بعمو اؼبطراف بولس غالب وكانت أخبلقو ونفسواؼبطراف يبلغ أمانيو مستتا بأثوابو ومل يكن الفرؽ بينهما إال دبا يفرؽ الرياء عن االكبطاط، كاف

الذىيب اؼبعلق على صدره، أما ابن أخيو فكاف البنفسجية وبشبع مطامعو ؿبتميا بالصليبيذىب إىل الكنيسة يف الصباح ويصرؼ ما بقي من كاف اؼبطراف. يفعل كل ذلك جهرا وعنوة

واليتامى وبسطاء القلب، أما منصور بك فكاف يقضي النهار منتزعا األمواؿ من األراملشهواتو يف تلك األزقة اؼبظلمة حيث ىبتمر اؽبواء بأنفاس النهار كلو متبعا ملذاتو مبلحقا



55

األحد أماـ اؼبذبح ويعظ اؼبؤمنت دبا ال يتعظ بو ويصرؼ أياـ الفساد، كاف اؼبطراف يقف يـوأما ابن أخيو فكاف يصرؼ صبيع أيامو متاجرا بنفوذ عمو بت . الببلد األسبوع مشتغبل بسياسة

كاف اؼبطراف يست ـبتبئا بستائر الليل، أما منصور بك . ومريدي الوجاىة طاليب الوظائف .بشجاعة يف نور النهار فكاف يبشي

القطعاف بت أنياب الذئاب وقواطع كذا تبيد الشعوب بت اللصوص واحملتالت مثلما تفتاؼبعوجة واألخبلؽ الفاسدة فتتاجع إىل اعبزارين، وىكذا تستسلم األمم إىل ذوي النفوس

ويسحقها بأقدامو مثلما تسحق مطارؽ اغبديد آنية الوراء ب هتبط إىل اغبضيض فيمر الدىر ...الفخار

اآلف أف أشغل ىذه الصفحات بالكبلـ عن أمم بائسة يائسة وأنا قد وماذا يا ترى هبعلتامرأة تاعسة وتصوير خياالت قلب وجيع مل يلمسو اغبب بأفراحو خصصتها لتدوين حكايةتراود الدموع أجفال لذكر شعوب خاملة ومظلومة وأنا قد وقفت حىت صفعو بأحزانو؟ ؼباذاامرأة ضعيفة مل تعانق اغبياة حىت احتضنها اؼبوت ولكن أليست اؼبرأة دموعي على ذكرى أياـ

األمة اؼبظلومة؟ أليست اؼبرأة اؼبتوجعة بت أمياؿ نفسها وقيود جسدىا ىي الضعيفة ىي رمزأوليست العواطف اػبفية اليت تذىب بالصبية اعبميلة . اؼبتعذبة بت حكامها وكهاهنا كاألمة

ظلمة القرب ىي كالعواطف الشديدة اليت تغمر حياة الشعوب بالتاب؟ إف اؼبرأة من األمة إىل .شحيحا دبنزلة الشعاع من السراج وىل يكوف شعاع السراج ضئيبل إذا مل يكن زيتوتداعب األنواء زبد مضت أياـ اػبريف وعرت الرياح األشجار متبلعبة بأوراقها الصفراء مثلما

تتصاعد بنفسي تارة البحر، وجاء الشتاء باكيا وأنا يف بتوت وال رفيق يل سوى أحبلـ



56

.فتبلغها الكواكب وتنخفض بقليب طورا فتلحده جبوؼ األرضعن سربو النفس الكئيبة ذبد راحة بالعزلة واالنفراد فتهجر الناس مثلما يبتعد الغزاؿ اعبريح إف

...ويتوارى يف كهفو حىت يربأ أو يبوتكرامة، تركت وحدب وذىبت لعيادتو ماشيا على فبر ففي ذات يـو ظبعت باعتبلؿ فارسأوراقها الرصاصية بقطرات اؼبطر، متنحيا عن الطريق منفرد بت أشجار الزيتوف اؼبتلمعة

.سكينة الفضاء العمومية حيث تزعج ضجة اؼبركباتشاحب الوجو بلغت منزؿ الشيخ ودخلت عليو فوجدتو ملقى على فراشو مضت اعبسد،

ذبوؿ فيهما أصفر اللوف، وقد غرقت عيناه ربت حاجبيو فباتتا كهوتت عميقتت مظلمتتقد تقلصت أشباح السقم واألمل، فاؼببلمح اليت كانت باألمس عنواف البشاشة واالنبساط

. ملتبسة واكفهرت وأصبحت كصحيفة رمادية متجعدة تكتب عليها العلة سطورا غريبةأصابعهما من ربت واليداف اللتاف كانتا مغلفتت باللطف واللدانة قد كبلتا حىت بدت عظاـ

.اعبلد كقضباف عارية ترتعش أماـ العاصفةعن حالو، حوؿ وجهو اؼبهزوؿ كبوي وظهر على شفتيو اؼبرذبفتت خياؿ وؼبا دنوت منو سائبل

اذىب ػػ اذىب يا بت "وبصوت ضعيف خافت خلتو آتيا من وراء اعبدراف قاؿ ابتسامة ؿبزنة، ."الغرفة وامسح دموع سلمى وسكن روعها ب عد ا إيل لتجلس جبانب فراشي إىل تلكالغرفة احملاذية فوجدت سلمى منطرحة على مقعد وقد غمرت رأسها بزنديها وأغرقت دخلتباؼبساند وأمسكت أنفاسها كيبل يسمع والدىا كبيبها، فاقتبت منها ببطء ولفظت وجههابصوت أقرب إىل التنهد منو إىل اؽبمس فاحتكت مضطربة ونظرت إيل بعينت اظبها



57

جامدتت كأهنا رأت شبحا يف عامل الرؤيا وال تصدؽ حقيقة وجودي يف ذلك شاخصتت .اؼبكاف

طبرة وبعد سكوت عميق أرجعنا بتأثراتو السحرية إىل تلك الساعات اليت سكرنا فيها من أرأيت كيف تبدلت األياـ؟"اآلؽبة مسحت سلمى دموعا بأطراؼ بناهنا وقالت متحسرة

أرأيت كيف أضلنا الدىر فسرنا مسرعت إىل ىذه الكهوؼ اؼبفزعة؟ يف ىذا اؼبكاف صبعناذلك الربيع يف قبضة اغبب ويف ىذا اؼبكاف هبعلنا اآلف الشتاء أماـ عرش اؼبوت فما أ ى

."النهار وما أشد ظلمة ىذا الليلأواخرىا ب عادت وستت وجهها بيديها كأف قالت ىذه الكلمات وقد ابتلعت الغصات

أف تراىا، فوضعت يدي على شعرىا قائبل ذكرى اؼباضي قد ذبسدت ووقفت أمامها فلم تشأىلمي نقف كاعبنود أماـ األعداء . الزوبعة تعايل يا سلمى ػػ تعايل ننتصب كاألبراج أماـ"

فإف صرعنا مبوت كالشهداء وإف تغلبنا نعيش .متلقت شفار السيوؼ بصدورنا ال بظهورنااؼبصاعب واؼبتاعب ؽبو أشرؼ من تقهقرىا إىل إف عذاب النفس بثبات أماـ... كاألبطاؿ

مرفرفة حوؿ السراج حىت ربتؽ ىي أظبى من اػبلد حيث األمن والطمأنينة فالفراشة اليت تظلوالنواة اليت ال ربتمل برد الشتاء وثورات العناصر . اؼبظلم الذي يعيش براحة وسبلمة يف نفقو

ىلمي نست يا سلمى بقدـ ثابتة على ... تفرح جبماؿ نيساف ال تقوى على شق األرض ولنأعيننا كبو الشمس كيبل نرى اعبماجم اؼبطروحة بت الصخور، ىذه الطريق الوعرة رافعت

األشواؾ، فإف أوقفنا اػبوؼ يف منتصف الطريق أظبعتنا أشباح الليل واألفاعي اؼبنسابة بتوالسخرية، وإف بلغنا قمة اعببل بشجاعة فتل معنا أرواح الفضاء بأنشودة صراخ االستهزاء



58

خففي عنك يا سلمى وجففي دموعك واخفي ىذه الكآبة الظاىرة على . واالستظهار النصر .وقومي قبلس جبانب فراش والدؾ ألف حياتو من حياتك وشفاءه بابتسامتك ؿبياؾ

أتطلب مت الصرب والتجلد ويف "نظرة ملؤىا اغبناف والرأفة واالنعطاؼ ب قالت فنظرت إيل دواء معت اليأس والقنوط؟ أيعطي الفقت اعبائع خبزه إىل اعبائع الفقت أو يصف العليل عينيك

."لعليل آخر وىو أحرى بالدواء؟ .والدىا ب وقفت وسارت أمامي منحنية الرأس إىل غرفة

يتكلف الراحة جلسنا أماـ مضجع الشيخ العليل وسلمى تتكلف االبتساـ وىدوء الباؿ وىومثل قوتت فكانا. والقوة، وكل منهما شاعر بلوعة اآلخر عامل بضعفو سامع غصات قلبو

ابنتو وابنة ؿببة متضارعتت تفنياف بعضهم بعضا يف السكينة، والد دنف يذوب ضت لتعاسةواؼبوت وأنا بينهما أربمل نفس راحلة ونفس يائسة تتعانقاف أماـ اغبب. متوجعة بعلة والدىا

عليهم بشدة حىت سحقتهم؛ شيخ ما يب وأقاسي ما ما؛ ثبلثة صبعتهم يد القضاء ب قبضتعنقها حد اؼبنجل، وفىت يشابو غرسة يبثل بيتا قديبا ىدمو الطوفاف وصبية رباكي زنبقة قطع

.أصابع الدىر ضعيفة لوت قامتها الثلوج، وصبيعنا مثل ألعوبة بتأودعو كل ما يف قلب وربرؾ الشيخ إذا ذاؾ بت اللحف ومد يده النحيلة كبو سلمى وبصوت

ضعي يدؾ يف يدي يا : "قاؿ األب من الرقة والرأفة وكل ما يف صدر العليل من السقم واألمل ."سلمى

لقد شبعت من السنت يا "قائبل فمدت يدىا وألقتها بت أصابعو فضمها بلطف ب زاد. وسبتعت بكل ما تربزه األياـ والليايل قد عشت طويبل وتلذذت بكل ما تثمره الفصوؿ. ولدي



59

وصبعت اؼباؿ كهبل وكنت يف ىذه األدوار سعيدا قد الحقت الفراش صبيا وعانقت اغبب فىت تبلغي الثالثة ولكنها أبقتك يل كنزا شبينا فكنت فقدت أمك يا سلمى قبل أف... مغبوطا

على وجهك مبلمح أمك مثلما تنعكس أشعة النجـو يف تنمت بسرعة مبو اؽببلؿ، وتنعكسومزاياىا بأعمالك وأقوالك ظهور اغبلي الذىبية من وراء حوض ماء ىادئ، وتظهر أخبلقها

واآلف قد صرت ... ولدي ألنك كنت مثلها صبيلة وحكيمة النقاب الرقيق، فتعزيت بك ياأجنحة اؼبوت الناعمة، فتعزي يا ولدي ألنت بقيت ألراؾ شيخا طاعنا وراحة الشيوخ بت

إف ذىايب اآلف مثل ذىايب غدا أو بعده، . سأبقى بك حيا بعد موب امرأة كاملة وافرحي أللأوراؽ اػبريف تتساقط وتتبدد أماـ وجو الشمس، فإف أسرعت يب إىل األبدية ألف أيامنا مثل ."..بأف روحي قد اشتاقت إىل لقاء أمك فؤلهنا علمت

اغبنت والرجاء والحت على وجهو اؼبنقبض أشعة لفظ الكلمات األختة بنغمة مفعمة حببلوةب مد يده بت اؼبساند احمليطة برأسو . األطفاؿ شبيهة بذلك النور الذي ينبثق من أجفاف

إطار من الذىب قد نعمت حدوده مبلمس األيدي وانتشل صورة صغتة قديبة يبنطقهااقتيب يا سلمى اقتيب مت "وبوؿ عينيو عن الرسم ب قاؿ بدوف أف. وؿبت نقوشو قبل الشفاه

."وانظري ظلها على صفحة من الورؽ يا ولدي ألريك خياؿ أمك، تعايلبت ناظرىا والرسم الضئيل، وبعد أف فدنت سلمى ماسحة الدموع من مقلتيها كيبل ربوؿوجهها، قربتو من شفتيها وقبلتو بلهفة أحدقت بو طويبل كأنو مرآة تعكس معانيها وشكل

ومل تزد على ىذه الكلمة بل عادت " أماه، يا أماه يا أماه، يا"مرارا متوالية ب صرخت قائلة .كأهنا تريد أف تثبت فيو اغبياة بأنفاسها اغبارة ووضعت الرسم على شفتيها اؼبرتعشتت



60

كلمة صغتة (يا أمي)وأصبل مناداة ىي (األـ)البشرية ىو لفظة إف أعذب ما ربدثو الشفاه. واغبب واالنعطاؼ وكل ما يف القلب البشري من الرقة واغببلوة والعذوبة كبتة فبلوءة باألمل

شيء يف ىذه اغبياة، ىي التعزية يف اغبزف، والرجاء يف اليأس، والقوة يف الضعف، األـ ىي كلويدا ينبوع اغبنو والرأفة والشفقة والغفراف، فالذي يفقد أمو يفقد صدرا يسند إليو رأسو ىي

.تباركو وعينا ربرسواألرض ترضعها حرارهتا وربضنها كل شيء يرمز ويتكلم عن األمومة فالشمس ىي أـ ىذه

نغمات أمواج البحر وترنيمة العصافت بنورىا وال تغادرىا عند اؼبساء إال بعد أف تنومها علىتلدىا وترضعها ب تفطمها واألشجار والسواقي، وىذه األرض ىي أـ لؤلشجار واألزىار

وأـ كل شيء يف الكياف . الشهية والبذور اغبية واألزىار تصت بدورىا أمهات حنونات لؤلشبار .اؼبملوءة باعبماؿ واحملبة ىو الروح الكلية األزلية األبدية

وقد شهقت متأثرة عندما رأت وسلمى كرامة مل تكن تعرؼ أمها ألهنا ماتت وىي طفلةزبتبئ يف قلوبنا مثلما زبتبئ النواة يف قلب أسرت إرادهتا ألف لفظة األـ" يا أماه"رظبها ونادهتا

اغبزف والفرح كما يتصاعد العطر من قلب الوردة األرض وتنبثق من بت شفاىنا يف ساعات .يف الفضاء الصايف اؼبمطر

سلمى ربدؽ برسم أمها ب تقبلو بلهفة ب تلزه صدرىا اػبفوؽ ب تتأوه متنهدة ومع كل كانت تنهدة تفقد جزءا من قواىا حىت إذا ماوىت اغبياة يف جسدىا النحيل ىوت وسقطت جبانب

قد أريتك يا ولدي شبح أمك على صفحة"فوضع كلتا يديو على رأسها قائبل . سرير أبيها ."من الورؽ فاصغي إيل آلظبعك أقواؽبا



61

العش عندما تسمع حفيف أجنحة العصفورة بت فرفعت سلمى رأسها مثلما تفعل الفراخ يفذاهتا اؼبعنوية قد استحالت إىل أعت ؿبدقة وآذاف القضباف، ونظرت إليو مصغية صاغرة كأف

.واعيةرضيعة عندما فقدت أمك والدىا الشيخ فحزنت لفقده وبكت كنت طفلة"فقاؿ والدىا

من جانب قربه حىت جلست جبانيب يف ىذه الغرفة بكاء حكيم متجلد ولكنها مل تعدإف . والدي يا فارس وأنت باقي يل وىذه ىي تعزييت قد مات)وأخذت يدي براحتيها وقالت األرزة بأغصاهنا اؼبتفرقة فإذا ما فقدت شجرة األرز غصنا قويا القلب بعواطفو اؼبتشبعة يباثل

سبوت بل ربوؿ قواىا اغبيوية إىل الغصن اجملاور لينمو ويتعاىل ويبؤل بفروعو تتأمل ولكنها الىذا ما قالتو والدتك يا سلمى عندما مات أبوىا وىذا ما . (مكاف الغصن اؼبقطوع الغضة ."عليك أف تقوليو عندما يأخذ اؼبوت جسدي إىل راحة القرب وروحي إىل ظل اهلل هبب

فقدت أمي والدىا فبقيت أنت ؽبا فمن يبقى يل إذا فقدتك يا"فأجابت سلمى متفجعة والدي؟ مات والدىا وىي يف ظبلؿ زوج ؿبب فاضل أمت ػػ مات والدىا فبقيت ؽبا طفلةأنت تغمر رأسها الصغت بثدييها وتطوؽ عنقها بذراعيها فمن يبقى يل إذا فقدتك يا والدي؟

."أيب وأمي ورفيق حداثيت ومهذب شبيبيت فبمن أستعيض إذا ما ذىبت عت؟ليس يل غت "ىذا وحولت عينيها الدامعتت كبوي وأمسكت بيمينها طرؼ ثويب وقالت قالتفهل أتعزى بو وىو متعذب مثلي؟ . الصديق يا والدي ولن يبقى يل سواه إذا ما تركتت ىذاال يتعزى كست القلب بالقلب الكست؟ إف اغبزينة ال تتصرب حبزف جارهتا كما أف اغبمامة ىل

ظهره ىو رفيق لنفسي ولكنت قد أثقلت عاتقو بأشجال حىت لويت.. تطت بأجنحة مكسورة



62

األخوة يشتؾ ىو أخ أحبو ووببت مثل صبيع. وظبلت عينيو بعرباب فلم يعد يرى غت الظلمة ."احتاقا باؼبصيبة وال ىبففها ويساعد بالبكاء فيزيد الدمع مرارة والقلب

تكاد كنت أظبع سلمى متكلمة وعواطفي تنمو وصدري يضيق حىت شعرت بأف أضلعيالوسائد أما الشيخ فكاف ينظر إليها وجسده اؼبهزوؿ يهبط ببطء بت. تتفجر حناجر وفوىات

دعيت " دوء ب بسط ذراعيو وقاؿ. واؼبساند ونفسو اؼبتعبة ترذبف كشعلة السراج أماـ الريح.. ىذه الكهوؼ لقد حملت عيناي ما وراء الغيـو فلن أحوؽبما كبو. أذىب بسبلـ يا ولدي

فبل لقد نادتت أمك يا سلمى. دعيت أطت فقد كسرت بأجنحيت قضباف ىذا القفصوتأىبت ىا قد طاب الريح وتبدد الضباب عن وجو البحر فرفعت السفينة شراعها.. توقفيت

روحي دعي جسدي يرقد مع الذين رقدوا، ودعي.. للمست فبل توقيفها وال تنزعي دفتهاقطرة من وال تسكيب.. قبليت قبلة رجاء وأمل.. تستيقظ ألف الفجر قد الح واغبلم قد انتهى

تذريف وال.. مرارة اغبزف على جسدي لئبل سبنع األعشاب واألزىار عن امتصاص عناصرهعلى وال ترظبي بزفرات األسى سطرا . دموع اليأس على يدي ألهنا تنبت شوكا على قربي

أحببتك قد... جبهيت ألف نسيم البحر يبر ويقرؤه فبل هبمل غبار عظامي إىل اؼبروج اػبضراء ."وترعاؾ باغبياة يا ولدي وسوؼ أحبك باؼبوت فتظل روحي قريبة منك لتحميكرماديت مكاف عينيو والتفت الشيخ إيل وقد انطبقت أجفانو قليبل فلم أعد أرى سوى خطت

. لسلمى مثلما كاف والدؾ يل أما أنت يا بت فكن أخا "ب قاؿ وسكينة الفناء تستؽ ألفاظو وال تدعها ربزف ألف اغبزف . النهاية كن قريبا منها يف ساعات الشدة وكن صديقا ؽبا حىت

أتل على مسمعيها أحاديث الفرح بل. على األموات غلطة من غلطات األجياؿ العابرة



63

سلو فيخربؾ عن مآب أيامي .. يذكرل قل ألبيك أف.. وأنشدىا أغال اغبياة فتسلوا وتتناسىأحببتو بشخص ابنو يف آخر ساعة من فقل لو إنت.. عندما كاف الشباب وبلق بنا الغيـو

."..حيابعلى جدراف الغرفة ب عاد فنظر إيل وإىل سلمى وسكت دقيقة وظلت أشباح ألفاظو تدب

ليطيل دبساحيقو ساعات سجت ألف أياـ العبودية قد ال تدعوا طبيبا "بوقت واحد وقاؿ نبسا ال " تعازيبو"تدعوا كاىنا إىل جانب فراشي ألف وال... مضت فطلبت روحي حرية الفضاءإف إرادة البشر ال ... تسرع يب إىل اعبنة إف كنت بارا تكفر عت ذنويب إف كنت خاطئا وال

أما بعد اؼبوت فليفعل األطباء ... اؼبنجمت ال وبولوف مست النجـو تغت مشيئة اهلل كما أف ."..فاللجة تنادي اللجة أما السفينة فتظل سائرة حىت تبلغ الساحل والكهاف ما شاؤوا

الليل اؼبخيف فتح فارس كرامة عينيو الغارقتت يف ظلمة النزاع ػػ فتحها آلخر عندما انتصفوحوؽبما كبو ابنتو اعباثية جبانب مضجعو، ب حاوؿ الكبلـ فلم يستطع ألف اؼبوت كاف مرة ػػ.. ىا قد ذىب الليل"تشرب صوتو فخرجت ىذه األلفاظ ؽباثا عميقا من بت شفتيو قد

."..سلمى.. يا.. يا سلمى .. الصباح وجاء .الروح ب نكس رأسو وابيض وجهو وابتسمت شفتاه واسلم

إليو فرأت ومدت سلمى يدىا وؼبست يد والدىا فوجدهتا باردة كالثلج فرفعت رأسها ونظرتفلم تتحرؾ جسدىا وجفت الدموع يف ؿباجرىا وجهو مربقعا بنقاب اؼبوت فجمدت اغبياة يف

تراخت أعضاؤىا ومل تصرخ ومل تتأوه بل بقيت ؿبدقة بو بعينت جامدتت كعيت التمثاؿ، بقالت دوء مثلما تتاخى طيات الثوب البليل، وىبطت حىت ؼبست جبهتها األرض ب



64

."أشفق يا رب وشدد صبيع األجنحة اؼبتكسرة"األبدية روحو واستجع التاب جسده واستوىل منصور بك على مات فارس كرامة وعانقت .تعاستها ترى اغبياة مأساة سبثلها اؼبخاوؼ أماـ عينيها أموالو وظلت ابنتو أستةأحبلمي وىواجسي، تتناوبت األياـ والليايل مثلما تتناوب النسور أما أنا فكنت ضائعا بت

الفريسة، فكم حاولت أف أفقد ذاب بت صفحات الكتب لعلت استأنس والعقباف غبمالدىر، وكم جربت أف أنسى حاضري ألعود بقراءة األسفار إىل خبياالت الذين طواىم

هبدل كل ذلك نفعا بل كنت كمن وباوؿ إطباد النار بالزيت، مسارح األجياؿ الغابرة فلممواكب سوى أشباحها السوداء وال أظبع من أنغاـ األمم غت الندب ألنت مل أكن أرى منكاف عندي أصبل من مزامت داود، ومراثي أرميا كاف أحب لدي من والنواح، فسفر أيوبالربامكة أشد وقعا يف نفسي من عظمة العباسيت وقصيدة ابن زريق نشيد سليماف ونكبة .اػبياـ ورواية نبلت أقرب إىل قليب من كل ما كتبو اإلفرنج تأثتا من رباعيات

بصتتنا فبل نرى غت أشباحنا الرىيبة وىكذا يصم اليأس آذاننا فبل نسمع كذا يضعف القنوط .قلوبنا اؼبضطربة غت طرقات

بت عشتوت واؼبسيح -



65

لبناف يوجد معبد صغت قدل ؿبفور بت تلك البساتت والتلوؿ اليت تصل أطراؼ بتوت بأذياؿوالصفصاؼ ومع أف ىذا اؼبعبد ال يف قلب صخرة بيضاء قائمة بت أشجار الزيتوف واللوز

عرفو من ؿبيب اآلثار واػبرائب يبعد أكثر من نصف ميل عن طريق اؼبركبات فقد قل مناآلثريت ليجعلو خلوة لنفوس اؼبتعبت ومزارا القديبة، فكأف اإلنباؿ قد أبقاه ؿبجوبا عن عيوف

.للمحبت واؼبستوحشتىذا اؼبعبد العجيب يرى على اعبدار الشرقي منو صورة فينيقية الشواىد والبيئات والداخل إىل

وىي سبثل . يف الصخر قد ؿبت أصابع الدىر بعض خطوطها ولونت الفصوؿ معاؼبها ؿبفورة عذارى عاريات واقفات 7اغبب واعبماؿ جالسة على عرش فخم ومن حوؽبا عشتوت ربة

فالواحدة منهن ربمل مشعاال والثانية قيثارة والثالثة مبخرة والرابعة جرة من يئات ـبتلفة، واػبامسة غصنا من الورد والسادسة إكليبل من الغار والسابعة قوسا وسهاما وصبيعهن اػبمر

.ناظرات إىل عشتوت وعلى وجوىهن سيماء اػبضوع واالمتثاؿصورة أخرى أحدث عهدا وأكثر ظهورا سبثل يسوع الناصري مصلوبا وإىل وعلى اعبدار الثال

وىذه الصورة البيزنطية األسلوب. اغبزينة مرل اجملدلية وامرأتاف ثانيتاف تنتحباف جانبو أمو .والقرائن تدؿ على كوهنا حفرت يف القرف اػبامس أو السادس للمسيح

الغريب كوتاف مستديرتاف يدخل منهما شعاع الشمس عند أصيل النهار وينسكب ويف اعبدار .كأهنما طليتا دباء الذىب على الصورتت

نقوش ووسامات قديبة الطراز قد ويف وسط اؼبعبد حجر من الرخاـ مربع الشكل على جوانبواألقدمت كانوا ينحروف اكبجب بعضها ربت كتبلت متحجرة من الدماء تدؿ على أف



66

.والزيت ذبائحهم على ىذا اغبجر ويصبوف فوقو قرابت اػبمر والعطروىيبة سحرية ومل يكن يف ىذا اؼبعبد الصغت شيء آخر سوى سكينة عميقة تعانق النفس

ومست الشعوب من تبيح بتموجاهتا أسرار اآلؽبة وتتكلم ببل نطق عن مآب األجياؿ الغابرةىذا العامل وتقنع وتستميل الشاعر إىل عامل بعيد عن. حالة إىل حالة ومن دين إىل دين

تقع عليو حواسو فتسم الفيلسوؼ بأف اإلنساف ـبلوؽ دين يشعر دبا ال يراه ويتخيل ما البالكبلـ واألنغاـ والصور والتماثيل لشعوره رموزا تدؿ دبعانيها على خفايا نفسو وهبسم خيالو

.وأصبل مشتهياتو بعد اؼبوت اليت تظهر بأشكاؽبا أقداس أميالو يف اغبياةالشهر فنصرؼ الساعات الطواؿ يف ىذا اؽبيكل اجملهوؿ كنت ألتقي بسلمى كرامة مرة يف

اؼبصلوب فوؽ اعبلجلة، مستحضرين إىل ناظرين إىل الصورتت الغريبتت مفكرين بفىت األجياؿالذين عاشوا وعشقوا وعبدوا اعبماؿ بشخص ـبيلتينا أشباح الفتياف والصبايا الفينيقيت

الطيوب على مذاحبها ب طوهتم األرض فلم يبقى عشتوت فحرقوا البخور أماـ سباثيلها وىرقوا .األبدية منهم سوى اسم تردده األياـ أماـ وجو

ذبمعت بسلمى ػػ كم يصعب علي اآلف أف أدوف بالكبلـ ذكرى تلك الساعات اليت كانتواليأس وكل ما هبعل تلك الساعات العلوية اؼبكتنفة باللذة واألمل والفرح واغبزف واألمل

أذكرىا وألرسم بالكبلـ الضئيل ولكن كم يصعب علي أف. اإلنساف إنسانا واغبياة لغزا أبديا .خياال من خياالهتا ليبقى مثبل ألبناء اغبب والكآبة

صدى كنا لبتلي يف ذلك اؽبيكل القدل فنجلس يف بابو ساندين ظهرينا إىل جداره مردديننفسينا ب نتدرج إىل إظهار ما يف أعماؽ. ماضينا مستقصيت مآب حاضرنا خائفت مستقبلنا



67

واحدنا اآلخر باسطا فيشكو كل منا لوعتو وحرقة قلبو وما يقاسيو من اعبزع واغبسرة، ب يصرب فيهدأ روعنا وذبف دموعنا أمامو كل ما يف جيوب األمل من األوىاـ اؼبفرحة واألحبلـ العذبةمنصرفت عن كل أمر إال وتنفرج مبلؿبنا ب نبتسم متناسيت كل شيء سوى اغبب وأفراحو

سلمى مفرؽ شعري بطهر وانعطاؼ ب تقبل. ب نتعانق فنذوب شغفا وىياما . النفس وأمياؽباعينيها وتلوي عنقها العاجي وتتورد فتمؤل قليب شعاعا وأقبل أطراؼ أصابعها البيضاء فتغمض

ب نسكت وننظر . الفجر على جباه الروايب وجنتاىا باضبرار لطيف يشابو األشعة األوىل يلقيها .اؼبتلونة بأنوار اؼبغرب الربتقالية طويبل كبو الشفق البعيد حيث الغيـو

العواطف وبث الشكوى بل كنا ننتقل على غت ومل تكن اجتماعاتنا مقتصرة على مبادلةواألفكار يف شؤوف ىذا العامل الغريب ونتباحث يف معرفة بنا إىل العموميات فنتبادؿ اآلراءحسناهتا وسيئاهتا وما تنطوي عليو من الصور اػبيالية مرامي الكتب اليت كنا نقرؤىا ذاكرين

سلمى عن منزلة اؼبرأة يف اعبامعة البشرية وعن تأثت األجياؿ واؼببادئ االجتماعية، فتتكلموميوؽبا وعن العبلقة الزوجية يف أيامنا ىذه وما وبيط ا من األمراض الغابرة على أخبلقها

إف الكتاب والشعراء وباولوف إدراؾ حقيقة اؼبرأة ولكنهم لآلف "أذكر قوؽبا مرة واؼبفاسد وإل يفهموا أسرار قلبها وـببآت صدرىا ألهنم ينظروف إليها من وراء نقاب الشهوات فبل يروف مل

غت خطوط جسدىا أو يضعوهنا ربت مكربات الكره فبل هبدوف فيها غت الضعف ."واالستسبلـ

يف قلب " وقوؽبا يل مرة أخرى وقد أشارت بيدىا إىل الرظبت احملفورين على جدراف اؽبيكلغوامض ىذه الصخرة قد نقشت األجياؿ رمزين يظهراف خبلصة أمياؿ اؼبرأة ويستجلياف



68

اعبالسة على نفسها اؼبتاوحة بت اغبب واغبزف ػػ بت االنعطاؼ والتضحية ػػ بت عشتوتوالشهرة ولكن ىي اؼبرأة إف الرجل يشتي اجملد والعظمة. العرش ومرل الواقفة أماـ الصليب

."اليت تدفع الثمناهلل وأسراب العصافت اؼبتطايرة بت تلك البساتت، ومل يدر باجتماعاتنا السرية أحد سوى

اؼبكاف اؼبدعو حبديقة الباشا ب تست اؽبويت على اؼبمرات فسلمى كانت ذبيء دبركبتها إىلالصغت فتدخلو مستندة على مظلتها وعلى وجهها لوائح األمن اؼبنفردة حىت تبلغ اؼبعبد

.متقبا مشتاقا بكل ما يف الشوؽ من اعبوع والعطش والطمأنينة فتجدل منتظرا شعرنا بوخز الضمت ألف النفس إذا تطهرت بالنار واغتسلت ومل لبف قط عت الرقيب وال

الناس عيبا وعارا وتتحرر من عبودية الشرائع والنواميس اليت سنتها بالدموع تتفع عما يدعوه .القلب البشري وتقف برأس مرفوع أماـ عروس اآلؽبة التقاليد لعواطف

سبعت قرنا إىل الشرائع الفاسدة فلم تعد قادرة على إدراؾ إف اعبامعة البشرية قد استسلمتاألولية اػبالدة، قد تعودت بصتة اإلنساف النظر إىل ضوء الشموع معال النواميس العلوية

لقد توارثت األجياؿ األمراض والعاىات . تستطيع أف ربدؽ بنور الشمس الضئيلة فلم تعدبعض حىت أصبحت عمومية بل صارت من الصفات اؼببلزمة لئلنساف النفسية بعضها عن

إليها كعاىات وأمراض بل يعتربوهنا كخبلؿ طبيعية نبيلة أنزؽبا اهلل على فلم يعد الناس ينظروف .ظهر بينهم فرد خاؿ منها ظنوه ناقصا ؿبروما من الكماالت الروحية آدـ فإذا ماسيعيبوف سلمى كرامة ؿباولت تلويث اظبها ألهنا كانت تتؾ منزؿ زوجها الشرعي أما الذينبرجل آخر فهم السقماء الضعفاء الذين وبسبوف األصحاء ؾبرمت وكبار النفوس لتختلي



69

بل ىم كاغبشرات اليت تدب يف الظلمة وزبشى اػبروج إىل نور النهار كيبل تدوسها .متمردين .العابرين أقداـ

جبانا وسلمى إف السجت اؼبظلـو الذي يستطيع أف يهدـ جدراف سجنو وال يفعل يكوفمن وراء نافذة كرامة كانت سجينة مظلومة ومل تستطع االنعتاؽ فهل تبلـ ألهنا كانت تنظر

ألهنا كانت ذبيء من السجن إىل اغبقوؿ اػبضراء والفضاء الوسيع، ىل وبسبها الناس خائنةاؼبصلوب؟ ليقل الناس منزؿ منصور بك غالب لتجلس جبانيب بت عشتوت اؼبقدسة واعبباروبلغت ذلك العامل ما شاؤوا فسلمى قد اجتازت اؼبستنقعات اليت تغمر أرواحهم الذئاب

عت فالنفس اليت وليقل الناس ما أرادوا. الذي ال يبلغو عوي الذئاب وفحيح األفاعيؿبتبكة فوؽ شاىدت وجو اؼبوت ال تذعرىا وجوه اللصوص، واعبندي الذي رأى السيوؼ

.األزقة رأسو وسواقي الدماء ربت قدميو ال وبفل باغبجارة اليت يرشقو ا صبياف

التضحية -

الناس أعايل اعبباؿ ففي يـو من أواخر حزيراف وقد ثقلت وطأة اغبر يف السواحل وطلبكتابا صغتا من سرت كعادب كبو ذلك اؼبعبد واعدا نفسي بلقاء سلمى حامبل بيدي

.تستميل روحي اؼبوشحات األندلسية اليت كانت يف ذلك العهد ومل تزؿ إىل اآلف



70

الليموف والصفصاؼ، بلغت اؼبعبد عند األصيل فجلست أرقب الطريق اؼبناسبة بت أشجارأبيات اؼبوشحات اليت وأنظر من وقت إىل آخر إىل وجو كتايب ىامسا يف مسامع األثت

ذكرى أؾباد اؼبلوؾ والشعراء تستهوي القلب برشاقة تراكيبها ورنة أوزاهنا وتعيد إىل النفسقصورىا ومعاىدىا وحدائقها كل ما والفرساف الذين ودعوا غرناطة وقرطبة وأشبيلية تاركت يفالدىر والدمع يف أجفاهنم واغبسرة يف يف أرواحهم من اآلماؿ واألمياؿ ب تواروا وراء حجب

.أكبادىمبقدىا النحيل بت األشجار احملتبكة وتقتب كبوي وبعد ساعة التفت فإذا بسلمى سبيس

يف العامل من اؽبمـو واؼبتاعب وؼبا بلغت باب اؽبيكل مستندة على مظلتها كأهنا ربمل كل ماالكبتتت فرأيت فيهما معال وأسرارا جديدة غريبة توحي وجلست بقريب نظرت إىل عينيها

.االستطبلع واالستقصاء التحذر واالنتباه وتثت حبظنول وىواجسي فوضعت وشعرت سلمى دبا هبوؿ يف خاطري فلم تشأ أف يطوؿ الصراع بت

ودعت أزود نفسي منك اقتب مت، اقتب مت يا حبييب اقتب"يدىا على شعري وقالت ."فقد دنت الساعة اليت تفرقنا إىل األبد

.تقولت يا سلمى وأية قوة تستطيع أف تفرقنا إىل األبد؟ ماذا"فصرخت قائبل القوة اػبرساء اليت تتخذ الشريعة . اليت فرقتنا باألمس ستفرقنا اليـو إف القوة العمياء"فأجابت .ترصبانا عنها قد بنت بأيدي عبيد اغبياة حاجزا منيعا بيت وبينك البشرية

أوجدت الشياطت وأقامتهم أولياء على أرواح الناس قد حتمت علي، أف ال أخرج القوة اليت ."اؼبنزؿ اؼببت من العظاـ واعبماجم من ذلك



71

."فصرت زبشت غضبو وانتقامو؟ ىل علم زوجك باجتماعاتنا"فسألتها قائبل أيامي فهو مشغوؿ عت بأولئك إف زوجي ال وبفل يب وال يدري كيف أصرؼ"فأجابت

النخاست فيتعطرف ويتكحلن ليبعن الصبايا اؼبسكينات اللواب تقودىن الفاقة إىل أسوؽ ."أجسادىن باػببز اؼبعجوف بالدماء والدموع

األجياؿ؟ إذا ما يصدؾ عن اجمليء إىل ىذا اؼبعبد واعبلوس جبانيب أماـ ىيبة اهلل وأشباح فقلت ."ىل مللت النظر إىل خفايا نفسي فطلبت روحك الوداع والتفريق؟

ال يا حبييب إف روحي مل تطلب فراقك ألنك شطرىا وال "والدمع يراود أجفاهنا ػػ فأجابت ػػولقد إذا كاف القضاء قد حكم علي أف أست على . عيناي النظر إليك ألنك نورنبا ملت

اغبياة مثقلة بالقيود والسبلسل فهل أرضى بأف يكوف نصيبك من القضاء مثل عقبات ."نصييب؟ ."اؼبعميات تكلمي يا سلمى وأخربيت عن كل شيء وال تتكيت ضائعا بت ىذه"فقلت

يتكلم، والشفاه ال أقدر أف أقوؿ كل شيء ألف اللساف الذي أخرستو األوجاع ال" فأجابت عليك من الوقوع اليت ختم عليها اليأس ال تتحرؾ وكل ما أقدر أف أقولو لك ىو أل أخاؼ

."يف شرؾ الذين نصبوا يل اغببائل واصطادول ."سلمى ومن ىم الذين زبافت علي منهم ماذا تعنت يا"فقلت

إف اؼبطراف بولس غالب قد صار يعلم "متددة فستت وجهها بيدىا وتأوىت ملتاعة ب قالت ."وضعت فيو بأنت أخرج مرة يف الشهر من القرب الذي

."وىل علم اؼبطراف بأنك تلتقت يب يف ىذا اؼبكاف"فقلت



72

ولكن الشكوؾ زبامره والظنوف " لو علم بذلك ؼبا رأيتت اآلف جالسة بقربك" فأجابتبأفكاره وقد بث علي العيوف لتقبت وأوعز إىل خدمو ليتجسسوا حركاب حىت صرت تتبلعب بأف للمنزؿ الذي أسكنو والطرقات اليت أست عليها نواظر ربدؽ يب وأصابع تشت إيل أشعر

."وآذانا تسمع نبس أفكاريال أخاؼ على نفسي ألف الغريق أنا"وأطرقت ىنيهة ب زادت والدمع ينسكب على وجنتيها

أف تقع مثلي يف أشراكو ال ىبشى البلل، ولكنت أخاؼ عليك وأنت حر كنور الشمسألنو أفرغ صبيع سهامو يف أنا ال أخاؼ من الدىر.. فيقبض عليك بأظافره وينهشك بأنيابو

قدميك وتوقفك عن ولكنت أخاؼ عليك وأنت يف ربيع العمر أف تلسع األفعى. صدري ."وأؾباده اؼبست كبو قمة اعببل حيث ينتظرؾ اؼبستقبل بأفراحو

ولكن . باألياـ والليايل إف من ال تلسعو أفاعي األياـ وتنهشو ذئاب الليل يظل مغرورا "فقلت لنتقي صغارة الناس وشرورىم؟ ىل اظبعي يا سلمى، اظبعيت جيدا، أليس أمامنا غت الفراؽ

"االستسبلـ إىل مشيئة عبيد اؼبوت؟ سدت أمامنا سبل اغبب واغبياة واغبرية فلم يبق غت ."أمامنا غت الوداع والتفرؽ مل يبق"فأجابت بلهجة يساورىا القنوط واغبسرة

" عن شعلة فتوب فقلت متهيجا فأخذت يدىا وقد سبردت روحي يف داخلي وتبدد الدخافتلك الساعة اليت صبعتنا حىت اآلف وكبن منذ.. لقد استسلمنا طويبل إىل أىواء الناس يا سلمى

عرفتك وكبن يف يد اؼبطراف بولس غالب مثل منذ. ننقاد إىل العمياف ونركع أماـ أصنامهمشاء فهل نبقى خاضعت لديو ؿبدقت بظلمة نفسو كرتت يلعب بنا كيفما أراد ويقذفنا حيثما

وىبنا اهلل نسمة اغبياة لنضعها ربت أقداـ اؼبوت؟ حىت يلوكنا القرب وتبتلعنا األرض؟ ىل



73

لبلستعباد؟ إف من ىبمد نار نفسو بيده يكوف كافرا بالسماء اليت وأعطانا اغبرية لنجعلها ظبل على الضيم وال يتمرد على الظلم يكوف حليف الباطل على اغبق وشريك ومن يصرب. أوقدهتا

وقد أحببتك يا سلمى وأحببتت واغبب كنز شبت يودعو اهلل النفس . األبرياء السفاحت بقتلأمامنا فهل نرمي بكنزنا إىل حظائر اػبنازير لتبعثره بأنوفها وتذريو بأرجلها؟. اغبساسة الكبتة

الضيق الذي حفزه العامل مسرحا وسيعا فبلوءا باحملاسن والغرائب فلماذا نسكن يف ىذا النفقوالسعادة فلماذا ال لبلع النت اؼبطراف وأعوانو؟ أمامنا اغبياة من اغبرية وما يف اغبرية من الغبطة

ونست إىل حيث الراحة والطمأنينة؟ قومي يا الثقيل عن عاتقينا ونكسر القيود اؼبوثوقة بأرجلنااهلل األعظم ىلمي نرحل من ىذه الببلد وما سلمى نذىب من ىذا اؼبعبد الصغت إىل ىيكل

ال تصل إليها أيدي اللصوص وال تبلغها ؽبات فيها من العبودية والغباوة إىل ببلد بعيدةبوشاح الليل فنعتلي سفينة تقلنا إىل ما وراء تعايل نسرع إىل الشاطئ مستتين. األبالسة

والتفاىم، فبل تنفثنا الثعابت بأنفاسها وال تدوسنا البحار وىناؾ كبيا حياة مكتنفة بالطهرسلمى فهذه الدقائق أشبن من تيجاف اؼبلوؾ وأظبى من سرائر ال تتددي يا. الطوارئ بأقدامها

النور فيقودنا من ىذه الصحراء القاحلة إىل حقوؿ تنبت األزاىر قومي نتبع عمود. اؼببلئكة ."والرياحت

رأسها وقد شخصت عيناىا بشيء غت منظور يف فضاء ذلك اؽبيكل، وسالت على فهزت ال ال يا"ابتسامة ؿبزنة تعلن ما يف داخل نفسها من الشدة واألمل، ب قالت دوء شفتيها

يبق حبييب، إف السماء قد وضعت يف يدي كأسا مفعمة باػبل والعلقم وقد ذبرعتها صرفا وملال فيها غت قطرات قليلة سوؼ أشر ا متجلدة ألرى ما يف قاع الكأس من األسرار فأنا



74

متنقبل أستحقها وال أقوى على احتماؿ أفراحها وملذاهتا، ألف الطائر اؼبكسور اعبناحت يدبربدؽ باألشياء بت الصخور ولكنو ال يستطيع أف يسبح ؿبلقا يف الفضاء، والعيوف الرمداء

عن السعادة ألف ذكرىا الضئيلة ولكنها ال تقوى على النظر إىل األنوار الساطعة، فبل ربدثت.. ولكن انظر رماد صدري.. كالشقاء يؤؼبت كالتعاسة، وال تصور يل اؽبناء ألف ظلو ىبيفت. اليت علمتت أف أضبيك حىت ومن نفسي أنت تعلم بأنت أحبك ؿببة األـ وحيدىا وىي احملبة

اتباعك إىل أقاصي األرض وذبعلت أف أميت ىي احملبة اؼبطهرة بالنار اليت توقفت اآلف عن. وتظل يف مأمن من لـو الناس وتقوالهتم الفاسدة عواطفي وأميايل لكي ربيا أنت حرا نزيها

احملبة .. احملبوب، أما احملبة غت اؼبتناىية فبل تطلب غت ذاهتا إف احملبة احملدودة تطلب امتبلؾالشباب وغفلتو تستكفي باللقاء وتقنع بالوصل وتنمو بالقبل واألعناؽ، اليت ذبيء بت يقظة

تولد يف أحضاف البلهناية وهتبط مع أسرار الليل فبل تقنع بغت األبدية وال أما احملبة اليتعندما عرفت باألمس أف .. بغت اػبلود وال تقف متهيبة أماـ شيء سوى األلوىية تستكفي بولس غالب يريد أف يبنعت عن اػبروج من منزؿ ابن أخيو ويسلبت اللذة الوحيدة اليت اؼبطراف

الببلد عرفتها منذ تزوجت، وقفت أماـ نافذة غرفيت ونظرت كبو البحر مفكرة دبا وراءه منخبياالت الوسيعة واغبرية اؼبعنوية واالستقبلؿ الشخصي، وزبيلت نفسي عائشة بقربك ؿباطةوذبعلهن روحك، مغمورة بانعطافك، ولكن ىذه األحبلـ اليت تنت صدور النساء اؼبظلومات

جعلتت يتمردف على التقاليد الباطلة ليعشن يف ظل اغبق واغبرية مل سبر يف خاطري حىت. الشمس أستصغر نفسي وأستضعفها وأرى ؿببتنا واىية ؿبددة ال تستطيع الوقوؼ أماـ وجو

خبلؿ فبكيت بكاء ملك أضاع ملكو وغت فقد كنزه، ولكت ما لبثت أف رأيت وجهك من



75

أماـ ىلمي يا سلمى نقف)دموعي وأبصرت عينيك ؿبدقتت يب فتذكرت ما قلتو يل مرة وىو كاألبطاؿ، األعداء متلقت شفار السيوؼ بصدورنا فإف صرعنا مبنا كالشهداء وإف تغلبنا نعش

حيث األمن ألف عذاب النفس بثباهتا أماـ اؼبصاعب واؼبتاعب ىو أشرؼ من تقهقرىا إىلترفرؼ حوؿ ىذه الكلمات قلتها يل يا حبييب عندما كانت أجنحة اؼبوت.. (والطمأنينة

فتقويت مضجع والدي، وقد ذكرهتا باألمس وقد كانت أجنحة اليأس تصفق حوؿ رأسي،الشدائد وتشجعت وشعرت وأنا يف ظلمة السجن بنوع من اغبرية النفسية اليت تستهوف

، متسعا كالفضاء، وقد جئت وتستصغر األحزاف، ورأيت حبنا عميقا كالبحر، عاليا كالنجـواألمر العظيم للحصوؿ اليـو إليك ويف نفسي اؼبتوجعة اؼبنهوكة قوة جديدة وىي اؼبقدرة على

الناس بعيدا عن على أمر أعظم ػػ تضحية سعادب بقربك لكي تبقى أنت شريفا بعرؼتغل قدمي كنت أجيء باألمس إىل ىذا اؼبكاف والقيود الثقيلة.. غدرىم واضطهادىم

كنت أجيء . الطريق الضعيفتت، أما اليـو فقد جئت شاعرة بعـز يهزأ بثقل القيود ويستقصرالتضحية وتعرؼ مثل طيف طارؽ خائف أما اليـو فقد جئت مثل امرأة حية تشعر بوجوب

كنت أجلس . اعبائعة قيمة األوجاع وتريد أف ربمي من ربب من الناس واألغبياء ومن نفسهااؼبقدسة ويسوع حذاءؾ مثل ظل مرذبف وقد أتيت اليـو ألريك حقيقيت أماـ عشتوت

وقد . ساعة النهار أنا شجرة نابتة يف الظل وقد مددت أغصال اليـو لكي تنتعش. اؼبصلوبليكن وداعنا كالنار اليت جئت ألودعك يا حبييب فليكن وداعنا عظيما وىائبل مثل حبنا ػػ

."تصهر الذىب لتجعلو أشد ؼبعانا ؾباال للكبلـ واالحتجاج بل نظرت إيل وقد أبرقت عيناىا فأحاطت ومل تتؾ يل سلمى



76

واتشحت مبلمح وجهها بنقاب من اؽبيبة واعببلؿ فبانت كمليكة توحي أشعتها بوجدالارسبت على صدري بانعطاؼ كل ما عهدتو فيها قبل الساعة وطوقت ب. الصمت والتخشع

شفيت قبلة طويلة عميقة ؿبرقة أيقظت اغبياة يف جسدي وأثارت عنقي بزندىا األمس وقبلتأف تتمرد على العامل بأسره (أنا)وجعلت الذات الوضعية اليت أدعوىا األسرار اػبفية يف نفسي

.الناموس العلوي الذي ازبذ صدر سلمى ىيكبل ونفسها مذحبا لتخضع صامتة أماـأشعتها األختة تبعد عن تلك اغبدائق والبساتت انتفضت سلمى وؼبا غربت الشمس وحملتونظرت طويبل إىل جدرانو وزواياه كأهنا تريد أف تسكب نور عينيها ووقفت يف وسط اؽبيكل

ب تقدمت قليبل وجثت خاضعة أماـ صورة يسوع وقبلت قدميو اؼبكلومتت على رسومو ورموزهىا قد اختت صليبك يا يسوع الناصري وتركت مسرات "نبست قائلة مرات متوالية ب

كللت رأسي باألشواؾ بدال من الغار، واغتسلت بدمي ودموعي بدال عشتوت وأفراحها؛ قدوذبرعت اػبل والعلقم بالكأس اليت صنعت للخمر والكوثر، فاقبلت بت من العطور والطيوب

بضعفهم وستل كبو اعبلجلة برفقة ـبتاريك اؼبستكفت بأوجاعهم اؼبغبوطت تابعيك األقوياء ."قلو م على كآبة

تتاكض سأعود اآلف فرحة إىل الكهف اؼبظلم حيث"ب انتصبت والتفتت كبوي قائلة ترى ظل اهلل مرة األشباح اؼبخيفة فبل تشفق علي يا حبييب وال ربزف من أجلي ألف النفس اليتاؼبؤل األعلى ال ال زبشى بعد ذلك أشباح األبالسة، والعت اليت تكتحل بلمحة واحدة من

."تغمضها أوجاع العاملاغبريرية وتركتت حائرا ضائعا مفكرا ؾبذوبا إىل وخرجت سلمى من ذاؾ اؼبعبد ملتفة دببلبسها



77

على العروش وتدوف اؼببلئكة أعماؿ البشر وتتلو األرواح مسارح الرؤيا حيث ذبلس اآلؽبة .اػبياؿ بأناشيد اغبب واغبزف واػبلود مأساة اغبياة وتتل عرائس

غمر الوجود بأمواجو القاسبة، وجدتت ىائما بت وؼبا صحوت من ىذه السكرة وكاف الليل قدصدى كل كلمة لفظتها سلمى، معيدا إىل نفسي حركاهتا تلك البساتت مستجعا إىل حافظيتيديها، حىت إذا ما اتضحت يل حقيقة الوداع وما سيجيء وسكناهتا ومبلمح وجهها ومبلمس

صبدت فكرب وتراخت خيوط قليب وعلمت للمرة األوىل بأف من أمل الوحشة ومرارة الشوؽعبدا لقساوة الشرائع اليت سنها آباؤه وأجداده، وأف القضاء الذي اإلنساف وإف ولد حرا يظل

وكم مرة . ؽبو استسبلـ اليـو إىل مآب األمس، وخضوع الغد إىل أمياؿ اليـو نتونبو سرا علويا تلك الليلة إىل ىذه الساعة بالنواميس النفسية اليت جعلت سلمى زبتار اؼبوت فكرت منذوكم مرة وضعت نبالة التضحية جبانب سعادة اؼبتمردين ألرى أيهما أجل . اغبياة بدال منولكنت لآلف مل أفهم سوى حقيقة واحدة وىي أف اإلخبلص هبعل صبيع األعماؿ وأصبل .وشريفة، وسلمى كرامة كانت اإلخبلص متأنسا وصحة االعتقاد متجسدة حسنة

اؼبنقذ -

العبلقة الروحية بينها وبت ومرت طبسة أعواـ على زواج سلمى ومل ترزؽ ولدا ليوجد بكيانو



78

.الفجر بت أواخر الليل وأوائل النهار بعلها ويقرب بابتسامتو نفسيهما اؼبتنافرتت مثلما هبمعاألنانية تصور ألكثر الرجاؿ دواـ اغبياة يف أجساد واؼبرأة العاقر مكروىة يف كل مكاف ألف

.خالدين على األرض األبناء فيطلبوف النسل ليظلوااالنتحار البطيء فيمقتها ويهجرىا إف الرجل اؼبادي ينظر إىل زوجتو العاقر بالعت اليت يرى ابك غالب كاف ماديا كالتاب ويطلب حتفها كأهنا عدو غدار يريد الفتك بو، ومنصور

يرث اظبو وسؤدده تكرىو بسلمى اؼبسكينة وقاسيا كالفوالذ وطامعا كاؼبقربة وكانت رغبتو بابن ..جهنمية وربوؿ ؿباسنها يف عينيو إىل عيوب

اغبياة فلم تثمر إف الشجرة اليت تنبت يف الكهف ال تعطي شبرا، وسلمى كرامة كانت يف ظلوسلمى كرامة كانت . لفراخو أطفاال؛ إف البلبل ال وبوؾ عشا يف القفص كيبل يورث العبودية

أزاىر األودية ىي أطفاؿ يلدىا سجينة الشقاء فلم تقسم السماء حياهتا إىل أستين؛ إفومبلمس االنعطاؼ يف ذلك اؼبنزؿ اغبب واغبنو، فسلمى كرامة مل تشعر قط بأنفاس اغبنوكانت تصلي يف سكينة الليايل الفخم النائم على شاطئ البحر يف رأس بتوت، ولكنهاالوردية دموعها ويزيل بنور عينيو خياؿ ضارعة أماـ السماء لتبعث إليها بطفل هبفف بأصابعو

.اؼبوت من قلبهامؤلت الفضاء صبلة وابتهاال وتضرعت مستغيثة حىت بدد وقد صلت سلمى متوجعة حىت

، فسمعت السماء ندائها وبثت يف أحشائها نغمة ـبتمرة باغببلوة والعذوبة صراخها الغيـو .زواجها لتصتىا أما وسبحو ذؽبا وعارىا وأعدهتا بعد طبسة أعواـ من

.لتثمر الشجرة النابتة يف الكهف قد أزىرت



79

.البلبل اؼبسجوف يف القفص قد ىم ليحوؾ عشا من ريش جناحيواليت طرحت ربت األقداـ قد وضعت يف مهب نسيم اؼبشرؽ ليحرؾ بأمواجو ما بقي القيثارة

.أوتارىا من .السماء سلمى كرامة اؼبسكينة قد مدت ذراعيها اؼبكبلتت بالسبلسل لتقبل موىبة

النواميس األزلية لتصتىا أما، وليس بت أفراح اغبياة ما يضارع فرح اؼبرأة العاقر عندما هتيئهاالفجر من اؼبسرة هبتمع بت أضلع اؼبرأة كل ما يف يقظة الربيع من اعبماؿ، وكل ما يف ؾبيء

.اليت أحرمها اهلل ب أعطاىاأشد سطوعا وأكثر ؼبعانا من األشعة اليت يبعثها اعبنت السجت يف ظلمة ال يوجد نور

.األحشاءبكرىا، وكأف وكاف نيساف قد جاء متنقبل بت الروايب واؼبنحدرات عندما سبت أياـ سلمى لتلد

اغبرارة أطفاؿ الطبيعة قد وافقتها وعاىدهتا فأخذت تضع ضبل أزاىرىا وتلف بأقمطة .األعشاب والرياحت

يتقب اؼبسافر طلوع كوكب الصباح، مضت شهور االنتظار وسلمى تتقب اػببلص مثلماوقد طاؼبا ظهرت األشياء القاسبة متلمعة وتنظر إىل اؼبستقبل من وراء دموعها فتاه مشعشعا

.من خبلؿ الدموعأشباح الظبلـ بت تلك اؼبنازؿ يف رأس بتوت، انطرحت سلمى على ففي ليلة وقد طافت

فانتصب اؼبوت واغبياة يتصارعاف جبانب فراشها، ووقف الطبيب مضجع اؼبخاض واألوجاعالعامل ضيفا جديدا، وسكنت حركة عابري الطريق والبفضت نغمة والقابلة ليقدما إىل ىذا



80

يسمع يف ذلك اغبي سوى صراخ ىائل يتصاعد من نوافذ منزؿ منصور أمواج البحر ومل يعد.. صراخ ؿببة البقاء يف فضاء البلشيء والعدـ.. اغبياة من اغبياة صراخ انفصاؿ.. بك غالب

صراخ سلمى الضعيفة اؼبنطرحة . احملدودة أماـ سكينة القوى غت اؼبتناىية صراخ قوة اإلنساف .اؼبوت واغبياة: جبارين ربت أقداـ

فتحت عينيها اؼبغلقتت باألمل ونظرت عندما الح الفجر ولدت سلمى ابنا، وؼبا ظبعت إىبللووؼبا نظرت ثانية رأت اغبياة واؼبوت ما .. الغرفة حواليها فرأت األوجو متهللة يف جوانب تلك

". يا ولدي"وأغمضت عينيها وصرخت ألوؿ مرة زاال يتصارعاف بقرب مضجعها فعادتأمو، أما الطبيب فظل ينظر بعينت حزينتت كبو ولفت القابلة الطفل باألقمطة ووضعتو حذاء

.واألخرى سلمى ويهز رأسو صامتا بت الدقيقةبولده، أما الطبيب فبقي وأيقظت نغمة الفرح بعض اعبتاف فجاؤوا دببلبس النـو ليهنئوا الوالد

.ينظر بعينت كئيبتت كبو الوالدة وطفلهاكبو منصور بك ليبشروه بقدـو وريثو ويبلؤوا أيديهم من عطاياه أما الطبيب فلبث وأسرع اػبدـ

.ينظر بعينت يائستت إىل سلمى وابنها واقفا ثديها ففتح عينيو ألوؿ مرة ونظر يف عينها ب وؼبا طلعت الشمس قربت سلمى ولدىا من

وأخذه من بت ذراعيها وانسكبت على وجنتيو فدنا الطبيب. اختلج وأغمضها آلخر مرة "زائر راحل؟ ىو"دمعتاف كبتتاف ب نبس يف سره قائبل

لببو ليعيش طويبل، مات الطفل وسكاف اغبي يفرحوف مع الوالد يف القاعة الكربى ويشربوفربدؽ ثانية فتى ب" أعطت ولدي ألضمو"وسلمى اؼبسكينة ربدؽ بالطبيب وتصرخ قائلة



81

.اؼبوت واغبياة يتصارعاف جبانب سريرىا .تنمو بت أيدي الفرحت دبجيئو مات الطفل ورنة الكؤوس

...ولد مع الفجر ومات عند طلوع الشمسالفجر ومات عند طلوع الشمس، فأي بشري يستطيع أف يقيس الزمن ليخربنا ماذا ولد معىي أقصر من الدىر الذي يبر بت . الساعة اليت سبر بت ؾبيء الفجر وطلوع الشمس كانت .األمم وتواريها ظهور

األمومة ولكنو مل يبق ولد كالفكر ومات كالتنهدة واختفى كالظل فأذاؽ سلمى كرامة طعم ..ليسعدىا ويزيل يد اؼبوت عن قلبها

بنهاية الليل وانقضت بابتداء النهار فكانت مثل قطرة الندى اليت حياة قصتة ابتدأت .ب ذبفهها مبلمس النور تسكبها أجفاف الظبلـ

.إىل سكينة األبدية كلمة لفظتها النواميس األزلية ب ندمت عليها وأعادهتا .األعماؽ لؤلؤة قذفها اؼبد إىل الشاطئ ب جرفها اعبزر إىل

.زنبقة ما انبثقت من كماـ اغبياة حىت انسحقت ربت أقداـ اؼبوت عزيز ترقبت سلمى قدومو ولكنو ما حل حىت ارربل وما فتح مصراعي الباب حىت ضيف .اختفى

حياة وىذه حياة اإلنساف بل حياة الشعوب، بل: جنت ما صار طفبل حىت صار ترابا ..الشموس واألقمار والكواكب

أعطت ابت "ب صرخت قائلة وحولت سلمى عينيها كبو الطبيب وتنهدت بشوؽ جارح



82

"..أعطت ولدي ألرضعو... ألضمو بذراعيقد مات طفلك يا سيدب فتجلدي وتصربي "رأسو وقاؿ والغصات زبرسو فنكس الطبيب ."بعده لكي تعيشي

هتلل فصرخت سلمى بصوت ىائل ب سكتت ىنيهة، ب ابتسمت ابتسامة فرح ومسرة، ب ."ميتا أعطت جثة ولدي، قربو مت"وجهها وكأهنا عرفت شيئا مل تكن تعرفو وقالت دوء

كبو فحمل الطبيب الطفل اؼبيت ووضعو بت ذراعيها فضمتو إىل صدرىا وحولت وجههااؼبؤدية إىل قد جئت لتأخذل يا ولدي، قد جئت لتدلت على الطريق"اغبائط وقالت زباطبو

."اؼبظلم الساحل، ىا أنذا يا ولدي فسر أمامي لنذىب من ىذا الكهفىامدين وبعد دقيقة دخلت أشعة الشمس من بت ستائر النافذة وانسكبت على جسدين

.منطرحت على مضجع زبفره ىيبة األمومة وتظللو أجنحة اؼبوت باكيا من تلك الغرفة، وؼبا بلغ القاعة الكربى تبدلت هتاليل اؼبهنئت بالصراخ فخرج الطبيب

والعويل، أما منصور بك غالب فلم يصرخ ومل يتنهد ومل يذرؼ دمعة ومل يفو بكلمة بل لبث .جامدا منتصبا كالصنم قابضا بيمينو على كأس الشراب

سلمى بأثواب عرسها البيضاء ووضعت يف تابوت موشى باؼبخمل ويف اليـو التايل كفنت

.أقمطة أكفانو وتابوتو ذراعي أمو وقربه صدرىا اؽبادئ الناصع، أما طفلها فكانتمشوا ببطء متلف يشابو طرقات القلوب يف صدور اؼبنازعت ضبلوا اعبثتت يف نعش واحد

.ال يعرفونت وال يدروف ما يب فسار اؼبشيعوف وسرت بينهم وىم



83

.ويعـز ووقف الكهاف حولو ينغموف ويسبحوف بلغوا اؼبقربة فانتصب اؼبطراف بولس غالب يرتلىذه أوؿ مرة رأيت فيها : قائبل : نبس أحد الواقفت وؼبا أنزلوا التابوت إىل أعماؽ اغبفرة

."واحد جسدين يضمهما تابوت :وقاؿ آخر

كأنو مل يفقد زوجتو وطفلو تأملوا بوجو منصور بك فهو ينظر إىل الفضاء بعينت زجاجيتت" ."يف يـو واحد

القبور من ردـ اغبفرة فأخذ اؼبشيعوف إذ ذاؾ وظل الكهاف يرتلوف ويسبحوف حىت فرغ حفار .أخيو يصربوهنما ويواسوهنما دبستعذبات الكبلـ يقتبوف واحدا واحدا من اؼبطراف وابن

وليس من يعزيت على مصيبيت كأف سلمى وطفلها مل يكونا أما أنا فبقيت واقفا منفردا وحدي .أقرب الناس إيل

اؼبشيعوف وبقي حفار القبور منتصبا جبانب القرب اعبديد ويف يده رفشو وؿبفره، فدنوت عاد :منو وسألتو قائبل

أتذكر أين قرب فارس كرامة؟" :وقاؿ" سلمى"قرب فنظر إيل طويبل ب أشار كبو

طفلها وفوؽ اعبميع قد يف ىذه اغبفرة قد مددت ابنتو على صدره، وعلى صدر ابنتو مددت" ."وضعت التاب ذا الرفش

:فأجبتو ."فما أقوى ساعديك... أيضا قد دفنت قليب أيها الرجل ويف ىذه اغبفرة"



84

...وراء أشجار السرو وؼبا توارى حفار القبور خانت الصرب والتجلد

"سلمى" فارسبيت على قرب ...أبكيها وأرثيها



85

الفهرس

1 ........................... توطئة ػ1األجنحة اؼبتكسرة ػ جرباف خليل جرباف 6 ....................................................... الكآبة اػبرساء - 9 ........................................................... يد القضاء - 12 ...................................................... يف باب اؽبيكل - 17 ....................................................... الشعلة البيضاء- 19 ............................................................. العاصفة-

30 ........................................................... حبتة النار - 52 .....................................................أماـ عرش اؼبوت - 64 ................................................ بت عشتوت واؼبسيح - 69 ............................................................ التضحية - 77 .............................................................. اؼبنقذ -



86

Documents

الأجنحة المتكسرة-جبران خليل جبران