علي ومناوئوه

الدكتور نوري جعفر

ومناوئوه علي

الدكتور نوري جعفر

: قدم له

األستاذ عبد الهادي مسعود

بوزارة الثقافة واإلرشاد القومي ومدير الفهارس العامة بدار الكتب المصرية

: راجعه وعلق عليه

السيد مرتضى الرضوي

(مع رجال الفكر في القاهرة) : مؤلف كتاب

الطبعة الرابعة

م 6791هـ ـ 1396

بسم اهلل الرحمن الرحيم

(ول تفرقوا واعتصموا بحبل الله جميعا )

قرآن كريم

4 الصفحة

(علي ومناوئوه)" القاهرية حول كتاب : كلمة مجلة "المسلم" وجريدة "المساء

كنت قد راجعت (الفكر في القاهرة مع رجال) م لنشر كتابي 4391هـ موافق 4931في رحلتي إلى القاهرة عام نوري جعفر وعلقت عليه في الهامش بعض التعاليق التي كان يجب التنبيه للدكتور (علي ومناوئوه) : كتابالطبعة هي الطبعة الثالثة كما ت أهملتها في الطبعة الثانية لضيق الوقت آنذاك وهذهواإلشارة إليها وكن عليها

. تجدها كاملة والحمد هلل

والعشرين الصادر في ذي القعدة عام الغراء في عددها الرابع في السنة الخامسة مجلة المسلم وقد نشرت : هـ الكلمة التالية 4931

: علي ومناوئوه

للدكتور نوري جعفر بتقديم (ومناوئوه علي) : بالقاهرة كتاب مطبوعات النجاح ضوي في سلسلةأصدر السيد الر السيد مرتضى الرضوي ، وهو حديث مفصل عن الفتنة الكبرى بين علي األستاذ عبد الهادي مسعود وبتعليق

. واهتمام بالغ ،بتحقيق حديث في نحو مئتي صفحة من القطع الكبير ، وطباعة فيها عناية واضحة ومعاوية

: م الكلمة التالية 4391عام / ديسمبر 82وقد نشرة جريدة المساء القاهرية في عددها الصادر يوم السبت /

في تعليق السيد (اهلل تعالى عنه رضي)في طهران أصدرت بحثا تاريخيا عن اإلمام علي مكتبة النجاحالكتاب في مئتي صفحة ويتناول د الهادي مسعود .المصري عب مرتضى الرضوي وتقديم العالم اإلسالمي

(صلى اهلل عليه وسلم) اإلسالم ، وما كان بين رجال الشورى وأهل الحل والعقد بعد وفاة الرسول تاريخ صدورومعاوية ، وبين أهل العراق وأهل الشام ، وما كان من ويعرض لنا المؤلف خاصة ما دار من حروب بين علي

إلى حكم معاوية للخالفة من بعده فانتقل نظام الحكم في اإلسالم من الشورى واإلجماع ليمقتل علي وتو . السيف والقوة ، واالستبداد

مرتضى الحاج سيد محمد الرضوي

5 الصفحة

بسم اهلل الرحمن الرحيم

عديدة عن شخصيات لقد كان من واجبي أن اعترف على نفسي بالتقصير أو القصور ، إذ كتبت ترجماتعليه )اإلسالمي ، وعلى رأس هؤالء اإلمام علي أوربية أو أجنبية ولم أتمكن من الكتابة عن عظماء التاريخ

. (السالم

والمالبسات التي مرت وال تزال تمر ولم يكن بد ـ كما يحدث غالبا ـ أن ألقي بظالل هذا العتاب على الظروفأمام جمهور أحبه كل الحب ـ بل أحبه إلى حد العشق ـ وهو تقصيربي ألدفع عن نفسي هذا القصور وال

. األقطار العربية واإلسالمية الشقيقة جمهور القارئين في

، وكان ذلك (علي ومناوئوه) : وتقدم إلى األستاذ مرتضى الرضوي ال كتب مقدمة لكتاب الدكتور نوري جعفرم ، فقلت مالنا ومناوئيه 4391ر الثامن أغسطس الشه هـ الموافق أواخر 4931في منتصف شهر شعبان القضائي ـ أيها القارئ الكريم ، كما وأنني لست منهم على التحقيق ، ولقد أقبل الموسم ولست منهم وال شك أيها

مما قد يشغلنا عن كثير مما يتوجب بذل الجهد الصديق المرتضى ـ ولنا فيه معارك على ساحة مجلس الدولة ، . والعقيدة واإليمان ن قضايا الفكروالوقت فيه م

فتى في اإلسالم وفارس فرسانه كنت أتوق إلى الكتابة عن اإلمام علي بن أبي طالب منذ أمد بعيد ، وهو أولصلى اهلل عليه )تمهيدا لي وتمهيدا للقراء أن أكتب عن الرسول ، وكنت وال زلت أتوق ألن تكون الكتابة عنه

. (وسلم وآله

6 صفحةال

الحكم اإلسالمي في ظل اإليمان والكتابة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كتابة عن اإليمان وكتابة عنالمسلمين على مر العصور ، من حضر منهم في عهد علي ، وكتابة عن اإلسالمية الصحيحة ، ودفاع عن

اهلل صلى)سول اهلل محمد بن عبد اهلل بعده أو قبله ، منذ نزلت الرسالة على ر ، ومن حضر (عليه السالم) . (عليه وآله وسلم

العظيم . وكان علي بن أبي كان علي أن أنتظر سانح فرصة ألسجل بعض ما خطر في ذهني عن هذا الرجلقد اشتهر بالفروسية والشجاعة واإلقدام فهل كانت شهرته قاصرة : اإلصابة كما ورد في (عليه السالم)طالب

!فحسب ؟ المجال على هذا

أول فتى دخل في اإلسالم ، لقد أجمع الرواة ـ وترى ذلك متواترا طبقة عن طبقة ـ أن علي بن أبي طالب هونما يكاد يكون وسارت الركبان بهذا الحديث يسوقونه على أنه ميزة لعلي ، بمعنى أنه لم يعش الجاهلية ، وا

!ب ؟كانت هذه هي ميزته فحس مسلما منذ أدرك ، فهل

. كان علي ابن عم الرسول األعظم ومتبناه

صلى اهلل عليه وآله )عن الرسول وكان علي أخا لرسول اهلل والرسول ، أخوه ـ كما يروي الرواة الثقات ـ نقال . عمه علي نفسه ، حيثما كان يتحدث عن ابن (وسلم

. (صلى اهلل عليه وآله وسلم)اهلل د محمد بن عبدوكان بمنزلة هارون من موسى ، غير أنه لم يكن ثمة نبي بع

. (1) وكان هو وزير النبي وخليفته من بعده

ـــــــــــــــــ

. (الطبعة األولى) 281 / 1مسند اإلمام أحمد : . 403/ 9الصحيحين : انظر : المستدرك على (1). أسباب 13ـ 12/ 49ر الفخر الرازي : تفسي . (طبعة مصر) 84خصائص اإلمام علي للحافظ النسائي :

الطبعة ) 401. حياة محمد لألستاذ محمد حسين هيكل : (مؤسسة الحلبي طبعة) 491النزول للواحدي : . 8914جريدة السياسة المصرية : ملحق عدد . (األولى

7 الصفحة

اإلشارات الالمحة للكشف هذه وتلك نصوص قاطعة عن الرسول ، قاطعة الداللة على إمامة علي ، فهل تكفي عن أحقيته في اإلمامة عليه اإلسالم ؟

، بل إن عمر نفسه كان (كنا نتحدث عن أن أفضل أهل المدينة هو علي)قال ابن مسعود في شأن اإلمام : ، وهناك جوانب أخرى عديدة (لوال علي لهلك عمر) : يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن ، وكان يقول

... وللعالم كله على السواء نجليها ألنفسنايجب أن

بين المسلمين أن انتهى لقد نقض بعض الذين بايعوا عليا ، ونقضوا ما عقدوا عليه العزم وكانت الحروب (عليه السالم)الحق ، إذ لو انتصر الحق لكان علي صراعها بانتصار األقوياء ، ولم تنته المعارك بانتصار

والدهاء نصره فوق كيد الكائدين ، وقوة المال والسالح ، وسطوة البغي والغرض ، وكان هو الحقيقة المجسدة ، . واإلغراء

اإلسالم في نفوس الناس ، وال وألمر ما أراد اهلل أن تدخل دولة المسلمين في محنة كبرى ، ولما تستقر أصولة صدر اإلسالم ، ومن المعلوم الذي في أول دراسة لنا لقضي سرت روحه في دمائهم على الوجه الذي كنا نظنه

يكن ـ كما في نفوس الباحثين أن نعلم أن اإلسالم هو صحوة المستقبل للعالم كله ، ولم يجب أن يكون بديهةإطاره المكاني هو العالم كله ، واإلطار الذي كنا نتخيل أحيانا ـ دعوة الزمن الذي ظهر فيه وحده ... ألن

صلوات اهلل)األزمنة والعصور ـ هو كل األزمنة وكل العصور ، منذ ظهر الرسول يتحرك من خالله ـ من حيث

. حتى يرث اهلل األرض ومن عليها (عليه

انتقلت إلى معاوية بن أبي سفيان وبين معاوية أن السلطة قد (عليه السالم)ولقد علمنا من الصراع بين علي ، وفلقت رأسه ، (عليه السالم)جسد عم الرسول حمزة نهشت بن حرب ... وأمه هند آكلة األكباد .. التي

لحقدها على الرسالة وأهلها حينذاك . واستبد معاوية بالناس ، وأحال شفاء وأكلت كبده ؛

8 الصفحة

.. ونحن نعلم من هو (يزيد) الخالفة ملكا عضوضا ، واستحصل من الناس ، جبرا وقسرا ، على عهد البنهألنه وارث القسوة والفجر ، ومستمد الفساد من شجرة الفساد .. ؛ (يزيد)عجبا أن يكون هو ! وما كان (يزيد)

. الرجال ونحن ال نجري األبحاث ـ مع األسف الشديد ـ عن شجرة الرجال ، وأصول ... والعرق دساس

من خالل هذا العائالت ويمكن لقد عمل اليهود ـ من خالل كل الجهود ـ على تدمير علم األنساب لتختلطاإلسالم طبقة من اليهود يدعون اإلسالم ليفسدوا فيه ، وكانوا االختالط أن يندس في وسط كل قطر من أقطار

. يدعو للفتنة يناصرون كل من

عقيدة اإلسالم ما مارسه بنو أمية ولكن بنية اإلسالم القوية رغم كل ما مر بها لم تتوقف عن النماء ولم يزعزع . من طغيان

محاولين إيقاع الفتنة في دولة ... قد أحاط المفسدون بحكام الدولة اإلسالمية ليحولوا بينهم وبين كل إصالحولتصدع على عهد علي ، ومن قبله كان الثائرون يحاصرون بيت عثمان المسلمين . لقد قيل : إن بناء الجماعة

!أو ذاك : مصير اإلسالم والقرآن ؟ ، فهل قرر هذا

كان من قبلها ؛ ذلك أن بنية ن الخالد مر بهذه المحنة وبغيرها من المحن وخرج منها أقوى مماإن هذا الديأكلت الحروب بين علي وخصومه عددا كبيرا من المسلمين . العقيدة أقوى من أن تحطمها الرضوض واآلالم

وكان ن كان يقتضي ذلك ،يحدث ذلك على وجه من الوجوه ، إال أن اتساع الملك والسلطا ولم يكن متوقعا أنالغليان التي أحاطت بالدين الجديد يقتضي غيره من ألوان الصراع ... وكانت هذه المحن ـ في رأيي ـ هي درجة

المجاورة ، وأمام الفتوحات الوسيعة المدى ، بما تحتويه من أفكار فحفظت الشعب أن ينهار أمام الحضارات . ان واألحجامواتجاهات متعددة مختلفة األلو جديدة ،

9 الصفحة

اإلسالم علي بن أبي طالب إن علينا أن ندرس كل أولئك حين ندرس شخصية هذا البطل العظيم في تاريخالوحدة بين المسلمين ، وتفرقهم في اآلراء والمذاهب . وعلينا أن نعلم : أن انفصام عرى (عليه السالم)

رأي خصمه ، وكل يصارع في سبيل عقيدته هذه أو تلك ،بالقول وبالعمل على واألحزاب ؛ كل ينصر رأيه

دالئل صحة ، ال دالئل وهن أو بالفكرة حينا وبالسلوك أحيانا . وعلينا أن ندرك أن هذا كله وغيره ليس إالعلى الموت ، ما دام ال يفضي إلى انشقاق في صفوف األمة ، هزيمة ، وأن الصراع دائما يدل على اليقظة ال

. بين الطوائف ة عدائيةأو مواجه

الرسول دعوة وفكرة أكثر منه دولة وقد اكتمل الدين حينما اكتمل نزول القرآن ، ولقد كان اإلسالم على عهدذا كان النبي قد أقام دولة على أساس من التشريع القرآني ، فقد كانت (عليه وآله وسلم صلى اهلل)وسلطانا ، وا

النمو واالزدهار ، وبقي أن تكتمل حال ، ولكنها كانت نواة قوية ، قابلة دائما على دولة صغيرة الحدود على أيةسلطانها على هذه األسس السليمة . كانت نواة في مثل صالبة الدولة بعد ذلك فتوسع من آفاقها وتنشر من

ـ دور من أدوار عندهم لواءها نفر من المؤمنين األتقياء ال يبالون أين يكون الموت ، إذ هو ـ يحمل (الجرانيت)أحدا وال دولة من الدول ، وال حكومة من الحياة ، ومرحلة من مراحل الوجود ، فهم ال يخشون شيئا وال

نما يذيعون نظريتهم في مجال الفكر وفي مجال التطبيق على السواء ، وقد بدأ صفوة المسلمين الحكومات ، وا النظرية والعقيدة ، إلى بناء الدولة الوليدة ، على أساس من، يتوقون (عليه السالم)رأسهم علي ، وعلى

... لم تتدخل العقيدة في مسرى دمائهم واختلفت اآلراء بين الصفوة وبين عامة من المسلمين ، ممن

محن تكبر في عينه هو ، وأن كانت الدولة وليدة في المهد ، وقد تعرض الوليد لكل ما يتعرض له الوليد من . لألصلح ، وأن الخلود لإليمان ين الزمن ، الذي اثبت دائما أن البقاءصغرت في ع

10 الصفحة

وللنشأة الجديدة ثورات وحركات مرت دولة المسلمين في محنة كبرى فآذت المحنة دولتهم ، ولم تنل من دينهم ، ... دث ، وأحداثوما أحاط به ، وبالمسلمين من حوا وصراعات ، سنرى جوانب منها حين ندرس اإلمام ،

. وسنرى جوانب منها حين نطالع صفحات هذا الكتاب

عبد الهادي مسعود

القاهرة

م 4391/ سبتمبر / 1هـ . 4941شعبان / / 18

11 الصفحة

مقدمة المؤلف

حالت ـ مع األسف الشديد ـ بيني ا كثيرة قدخالجتني فكرة البحث في هذا الموضوع منذ زمن بعيد ، غير أن أمور الحكومة العراقية إعفائي عن الخدمة ـ بالشكل المعروف ـ وبين إخراجها إلى حيز الوجود ، وعند ما قررت

االمتعاض ، شديدان ، فطفت أبحث عن وسائل تعينني على التعبير عن ذلك األلم وهذا ساورني ألم وامتعاضالتعبير ، وقد شجعني على ذلك عامل أشار إليه ها إال أحد الجوانب االيجابية لذلكوما هذه الدراسة في جوهر

قلت ألبي جعفر)البصرة قبل زهاء سبعمئة عام ذكره ابن أبي الحديد حين قال : أبو جعفر ابن أبي زيد نقيب

.. فضحك والفصاحة ؟ . النقيب ما سبب حب الناس لعلي .. دعني في الجواب من حديث الشجاعة والعلمالمستحقون فال ريب في أن أكثرهم محرومون ! نحو عالم وقال : ... إن أكثر الناس موتورون في الدنيا . أما

وليس له .. الدنيا ، ويرى جاهال غيره مرزوقا وموسعا عليه . وشجاع قد أبلى في الحرب يرى أن الحظ له فيوعاقل سديد التدبير قد قدر عليه رزقه ، وهو . .. عظيم عطاء يكفيه .. ويرى غيره ، وهو جبان ، مالكا لقطر

. الخيرات يرى غيره أحمق مائقا تدر عليه

المستحقين المحرومين . ومعلوم فإذا عرفت هذه المقدمة فمعلوم أن عليا كان مستحقا محروما ، بل هو أميرجليل الخطر كامل الشرف جامع وعلي رجل عظيم القدر .. أن الذين ينالهم الضيم يتعصب بعضهم لبعض

محروم محدود قد جرعته الدنيا عالقمها .. وعال عليه من هو دونه .. ثم كان في للفضائل .. وهو مع ذلك

ونساؤه ، وتتبع أهله وبنوه بالقتل آخر األمر أن قتل هذا الرجل الجليل في محرابه ، وقتل بنوه وسبي حريمه . (1) (وزهدهم وعبادتهم وسخائهم وانتفاع الخلق بهم فضلهموالطرد والتشريد والسجون ، مع

ـــــــــــــــــ

. بالقال يدنف : أي يجهز عليه (1)

12 الصفحة

كبار المؤرخين المسلمين من طفقت إذن أبحث في هذا الموضوع المعقد الشائك ، وقد أنار أمامي سبيل البحثكذلك ـ من حيث تحليل تلك الحوادث وتفسيرها ـ فريق من سبيليحيث تدوين الوقائع التاريخية ، كما أنار

: المحدثين ، فانقسمت هذه الدراسة من حيث وحدة موضوعها إلى ثالثة أقسام الكتاب المصريين

:بثالثة فصول قصة الخالفة منها القسم األول بحثت في *

. مسألة الوصية : إلى األول الفصل ـ تطرقت في

على ما أرى ـ والرسول مسجى على فراش الموت ، ، الذي بدأ ـ حديث السقيفة : إلى الثاني الفصل ـ وفي . بخالفة أبي بكر كما هو معروف ثمان ، الوانتهى بمقتل ع

. خالفة اإلمام : الثالث الفصل ـ وبحثت في

: ، ويقع في ثالثة فصول أيضا (قميص عثمان) : من الكتاب فيتضمن البحث فيما سميته الثاني القسم أما *

. أصحاب الجمل / حركة الناكثين : منها إلى األول الفصل ـ تطرقت في

. صفين أصحاب / تمرد القاسطين : إلى لثانيا الفصل ـ وفي

. ومصرع اإلمام مسألة التحكيم وخروج المارقين : إلى الثالث الفصل ـ وفي

بين علي ومناوئيه ما لقد ساقني البحث ، في معرض التحدث عن قميص عثمان ، إلى االعتقاد بأن الصراعثالية ، تستمد أصولها من القرآن وسنة الرسول ، سار م وهو في جوهره إال صراع بين فلسفتين : فلسفة خلقية

ماتها من حياة العرب في جاهليتهم ، انغمس . عليها اإلمام في حكمه فيها وفلسفة ملتوية غادرة ، تستمد مقوقصة الصراع الذي حدث بين النبي مناوئوه إلى األذقان . ولعل الصراع بين علي ومناوئيه يعيد إلى الذاكرة

ذاوكفار كان النصر قد كتب للنبي في نزاعه مع مناوئيه العتصامهم باألوثان قريش تحت زعامة األمويين . وا . رداء اإلسالم (1) النصر لم يكن في متناول اإلمام لتقمص مناوئيه ، فإن

ـــــــــــــــــ

ء إبطاال يدرسون سيرتهم هؤال معاوية ومن هم على شاكلته . ومن المحزن حقا أن يتخذ بعض الناس من (1)أن تتحلى بمكارم األخالق التي جاء بها الدين الحنيف ، للناشئة في الوقت الذي يريدون من تلك الناشئة

. يدعو إليها الدين والغدر الذي سار عليه معاوية ضدان ال يجتمعان فاالستقامة التي

13 الصفحة

عمه بعقائد آبائهم الكامنة هم على شاكلتهم قد حاربوا ابن فكان خصوم الرسول المندحرين من األمويين ومنهند آكلة األكباد ، وأبوه أبو سفيان أول المشركين في كل حرب ، وراء ستار اإلسالم . فمعاوية ـ مثال ـ هو ابن

أخفى منطو عليه ، و فتنة ، لم ترفع على اإلسالم راية إال وكان صاحبها . تظاهر باإلسالم غير ورأسهم في كلفقد . (1) روح اإلسالم قبل أن يصيب أبا تراب الكفر غير مقلع عنه ، ويلوح لي أن غدر معاوية قد أصاب

نطاق ضيق من خشية اهلل ، ومبادئ انفسح باغتيال علي المجال واسعا أمام قوى الشر التي حبسها اإلمام فيمع بين قلب الخليفة الكبير وقلوب رعاياه ، اإليمان التي كانت تج الدين الحنيف ؛ فتالشت من القلوب حرارة

والء الناس بوسائل فاسدة الوالة والحكام بتطبيق مبادئ اإلسالم على شئون الحياة ، وعمدوا إلى كسب واستهانروح اإلسالم وانطوت مبادئه على نفسها بدال من أن تسير من الرشوة والمالينة أو اإلرهاب والتجويع ، فذرى

وتدني واالنتشار . وكانت حصيلة ذلك انتشار التذمر واإللحاد في جسم المجتمع العربي عفي طريق التوس فبرز االستهتار والظلم والخروج على القرآن المستويات الخلقية الرفيعة بين الحكام والمحكومين على السواء ،

رعايا . واختفى القائلون بالحق وراء، واالنقياد والملق والنفاق من جهة ال وتعاليم الرسول من جهة الحاكمين

، وصار الوصوليون (رافضة)و (ملحدين)و (زنادقة)سحب المطاردة واالضطهاد ، فأصبح المطالبون بحقوقهم فجريرة معاوية ـ إذن ـ أكبر من مجرد غدره باإلمام ؛ ألنها أصابت والمنافقون أصحاب الحظوة والكلمة النافذة ،

. ظام للحكم ومجموعة من المثل العليا ومكارم األخالقاإلسالم من حيث هو ن صرح

. الدراسة ذلك ما يتصل بالقسمين األول والثاني من هذه

سيرة للقارئ مقتطفات من سيرة اإلمام رواها كبار المؤرخين المسلمين ، ونماذج من فيروي الثالث القسم أما *بالمثل العليا التي جاء بها محمد ؛ والتي البحث متأثرا معاوية أثناء نزاعه مع الخليفة . وبما أني كتبت هذا

وبخاصة ما يتصل منها بتوزيع العدالة االجتماعية بين الناس وبالتحلي حرص علي على تطبيقها في الحكم ، األخالق ، بمكارم

ـــــــــــــــــ

. (الناشر) (عليه السالم)اإلسالم وعلي ال مجال للتفكيك بين (1)

14 حةالصف

واألمراء أنتقد الذين خرجوا على تلك المثل في األقوال وفي األعمال من الحكام فال عجب إن وجدني القارئويقتلون يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق إن الذين ) : والوالة . قال تعالى في سورة آل عمران

أعمالهم في الدنيا والخرة وما * أولئك الذين حبطت فبشرهم بعذاب أليم مرون بالقسط من الناس الذين يأ . (22، 21 : 3) (لهم من ناصرين

قال رسول اهلل)اص قال : صحيحه بأسانيد مختلفة عن عبد اهلل بن عمرو بن الع وذكر مسلم بن الحجاج في

منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة أربع من كن فيه كان) : (صلى اهلل عليه وآله وسلم)ذا خاصم فجر : من نفاق حتى ينزعها ذا وعد اخلف ، وا ذا عاهد غدر ؛ وا . (1) (إذا حدث كذب ، وا

أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما اتخذوا) : افقينوالمنافقون ؛ كما وصفهم اهلل في سورة المن

علي ومناوئيه ، وسوف نتخذ هاتين اآليتين والحديث اآلنف الذكر مقياسا للحكم على (3 : 63) (كانوا يعملون . (قميص عثمان) أثناء البحث في

. ، لكل زمان حقه وباطله ، ولكل زمان علي ومناوئوه حق وباطل ، أبديان سرمديان

1956 / 4/ 4بغداد في :

جعفر نوري

ـــــــــــــــــ

. 18، ص 4انظر : صحيح مسلم ، ج (1)

15 الصفحة

[ هـ 53ـ 66قصة الخالفة ] : القسم األول

16 الصفحة

قصة الخالفة

هـ 53ـ 11

. ـ الفصل األول : مسألة الوصية 1

. ـ الفصل الثاني : حديث السقيفة 2

. (هـ 65ـ 66)أ ـ أبو بكر الصديق

. (هـ 35ـ 65)ب ـ عمر بن الخطاب

. (هـ 53ـ 35)ج ـ عثمان بن عفان

. (هـ 04ـ 53)ـ الفصل الثالث : خالفة اإلمام 3

69الصفحة

مسألة الوصية [ : الفصل األول]

من حيث كونها تستند إلى دينية الخالفة ـ بنظر فريق من المسلمين ـ مركز ديني ودنيوي في آن واحد . فهييتعلق بصالتهم في جميع مظاهرها من جهة ، ومن حيث كون تعاليم اإلسالم في تصريف شئون الناس فيما

فيما دنيوية يع أمور الدين ومن جهة أخرى . وهيالخطأ كعصمة األنبياء ، عالما بجم صاحبها معصوما مننما هو مكلف ، بنص من النبي ووحي من اهلل ، يتصل بكون الخليفة شخصا ال ينزل عليه الوحي ، وا

. على سنن الحياة والنهوض بالرسالة النبوية وبثها بين البشر كافة بالمحافظة على تعاليم الدين وتطبيقها

واألهمية ؛ فال غرابة والحالة هذه ، ساس ظاهرة تأتي بعد مرتبة النبوة مباشرة في القدسيةفالخالفة على هذا األاهلل نبيه محمدا بالنص على والية خليفته من بعده : وهذا الخليفة هو على ما يقول حملة هذا الرأي ، أن أمر

اإلمام عليا حقه ذه ـ قد سلبعلي بن أبي طالب . غير أن قسما من المسلمين ـ حسب وجهة النظر ه اإلماماإلمام عليا ـ مع هذا بنظر هؤالء ـ هو الخليفة في الخالفة حينما نقلها منه إلى غيره من الصحابة ، ولكن

ن لم يمارس منصبه هذا بحكم طبيعة الظروف التي عاش فيها الحقيقي للمسلمين بعد . الرسول ، وا

دينيا ؛ هو أن الرسول ، بعد أن لمسلمين في اعتباره الخالفة منصبا واألساس الذي يستند إليه هذا الفريق من ا، كان البد له من تولية شخص يأتي من بعده في الكفاءة والخلق ليقوم فارق الحياة الدنيا تاركا تعاليمه الدينية

ول وبين الرس أمور الناس ، وذلك ألن الغاية من نزول الدين ليست محصورة على تطبيقه في عهد بتصريفـ كما ذكرنا ـ أقرب الناس إليه من حيث قريش أو العرب وحدهم ، والبد لتطبيق تعاليمه بعد وفاته من شخص

. األخالق فهمه ألصول الدين واتصافه بمتانة

61الصفحة

ية الحيو أمر المسلمين ، بعد وفاة الرسول ، إلى الصدف والظروف في هذه المسألة وليس من المعقول أن يتركوأن قصة اختيار المسلمين لخليفتهم . التي يتوقف عليها مصير الشريعة السمحاء من حيث التطبيق واالنتشار

الخطر والمجازفة ؛ فمن هم الذين يوكل إليهم اختيار الخليفة الجديد ؟ بعد النبي ، أمر على جانب كبير منأبي بكر وعمر الفئة ؟ هل هي مقصورة علىجميع المسلمين ؟ أم فئة خاصة منهم ؟ ما خصائص هذه هل هم

كما سنرى ؟ أليس استبعاد علي وبني هاشم وأبي عبيدة في بادئ األمر ونفر من األنصار اجتمعوا في السقيفةوالزبير ، الفارسي ، وأبي ذر الغفاري ، والمقداد بن األسود ، وعمار بن ياسر وسعد بن عبادة وابنه ، وسلمان

بجعل (وهم من خيرة أصحاب النبي)وبريدة .. وغيرهم ، بن سعيد ، وحذيفة بن اليمانوخالد ، بن العوام اقتصارها على رأي فئة خاصة من الصحابة ، غير كاملة الشروط ؟ الخالفة ، وفي حالة

وعنعنات قبلية جاهلية لم هل يمكن أن يتوصل المسلمون إلى اختيار أفضلهم للخالفة مع ما بينهم من أحقاد صلها اإلسالم كما سنرى ؟يستأ

هل كان الرسول راغبا في إثارة تلك العصبيات ؟

كيف يجري اختيار الخليفة : بالتصويت الشفوي ؟ أم بالكتابة ؟

كم من المسلمين يستطيعون أن يقرءوا ويكتبوا آنذاك ؟

تغرق من الوقت ؟ وكيف يس أين يجري االنتخاب ؟ أفي الحواضر والبوادي ؟ وكيف يمهد لذلك االنتخاب ؟ وكم تصرف شئون المسلمين أثناء فترة االنتخاب

تلك أسئلة محيرة ... ؟

الباحثين موضوع الخالفة لقد مر بنا ذكر رأي فريق من المسلمين في قضية خالفة الرسول . وقد لخص أحد : (1) والوصية من وجهة النظر هذه بقوله

ـــــــــــــــــ

الطبعة األولى ، مطبعة الغري في مد األميني النجفي ، الغدير في الكتاب والسنة واألدب ،عبد الحسين أح (1) . 44ـ 2م ، ص 4311النجف ،

67الصفحة

فقدم المدينة خلق كثير رسول اهلل الخروج إلى الحج في سنة عشر من مهاجره ، وآذن في الناس بذلك ، أجمع ولم يحج غيرها منذ هاجر إلى أن توفاه اهلل ... ... يها : حجة الوداعيأتمون به في حجته تلك التي يقال عل

راجعا إلى المدينة .. ووصل غدير خم من الجحفة التي تتشعب فيها طرق ولما قضى مناسكه وانصرف

(أنزل إليك من ربك الرسول بلغ ما يا أيها) : المدنيين والمصريين والعراقيين ، نزل عليه جبرائيل عن اهلل يقولإن اهلل ) : علي فرفعها .. فقال وأمره أن يقيم عليا علما للناس .. ثم قام الرسول خطيبا .. وأخذ بيد .. (1)

اليوم أكملت ) : اآلية ثم نزلت .. (2) (من كنت موله فعلي موله) والوالية لعلي ، .. (المؤمنين مولي وأنا مولىتمام النعمة ... والولية لعلي من على إكمال الدين (4) [ الحمد هلل ]: ، فقال رسول اهلل (3) (م دينكم لك وا

. (بعدي

قد أشار إلى احتفال قسم من المسلمين القدامى بذكرى عيد الغدير (5) ومن الطريف أن نذكر هنا أن المقريزي : حين قال

المقتدى بهم ، وأول ما عرف في مشروعا ، وال عمله أحد من سالف األمة اعلم أن عيد الغدير لم يكن عيدا )

بابويه ، كان أحدثه في سنه اثنتين وخمسين وثالثمئة ، فاتخذه الشيعة اإلسالم بالعراق أيام معز الدولة علي بنازب قال : كنا مع البراء بن ع حينئذ عيدا ، وأصلهم فيه ما خرجه اإلمام أحمد في مسنده الكبير من حديث من

: سفرتنا فنزلنا بغدير خم ونودي في (صلى اهلل عليه وآله وسلم)رسول اهلل

ـــــــــــــــــ

. 79المائدة : اآلية (1)

. انظر : عبقات األنوار ، مجلد : حديث الوالية (2)

. 9المائدة : اآلية (3)

(الناشر) . ما بين المعقوفين سقط من األصل (4)

. 923ـ 822/ 4الخطط : (5)

34الصفحة

ألستم : اهلل تحت شجرتين فصلى الظهر ، وأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال الصالة جامعة ، وكسح لرسولاللهم وال من من كنت موله فعلي موله ، : قالوا : بلى .. قال بالمؤمنين من أنفسهم ؟ تعلمون أني أولى

(1) الخطاب فقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولى : فلقيه عمر بنقال . واله وعاد من عاداه

على ثالثة أميال من الجحفة يسرة الطريق وتصب فيه عين وحوله شجر كثير (خم وغدير) . كل مؤمن ومؤمنة

، ويصلوا في يحيوا ليله بالصالة ومن سننهم في هذا العيد ، وهو أبدا اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، أن .الجديد ويعتقوا الرقاب ، ويكثروا من عمل البر ومن الذبائح . ولما صبيحته ركعتين قبل الزوال ، ويلبسوا فيه

في سنة تسع وثمانين وثالثمئة الشيعة هذا العيد بالعراق أرادت عوام السنة مضاهاة فعلهم ونكايتهم فاتخذوا عملمن السرور واللهو وقالوا : هذا يوم دخول رسول اهلل الغار هو وأبو وا فيهبعد عيد الغدير بثمانية أيام عيدا أكثر

. (2) (أخبار بغداد وبالغوا في هذا اليوم في إظهار الزينة .. ولهم في ذلك أعمال مذكورة في . بكر

ن ن كان مبنيا على الدي والخالفة ، بنظر فريق آخر من المسلمين : مركز دنيوي صرف من حيث وجوده ، وا مستلزماتها ، وعلى هذا األساس فليس هناك نص صريح من حيث األسس النظرية التي ينبغي أن يسير وفق

. خليفة للمسلمين ؛ النتفاء الضرورة الدينية إلى ذلك من جانب الرسول على توليته

ـــــــــــــــــ

(الناشر) . إلخ .. مولي ومولى : وفي نسخة (1)

. في ربيع األول : هشام ، والسيرة الحلبية ، والبخاري . وعيد الهجرة يراجع : سيرة ابن (2)

36الصفحة

كما سنرى ، الختيار (1) المسلمين يجتمعون ، بعد وفاة الرسول في سقيفة بني ساعدة ولهذا السبب نجد بعض

ء إذن هم الخلفاء فعلي ، فهؤال الخليفة لتسلم هذا المنصب الرفيع . فاختير أبو بكر ، ثم عمر ، فعثمان ،منزلتهم الدينية ، على ما يقول حملة هذا الرأي ، والحجة الراشدون ، مرتبون حسب تسلسهم الزمني وحسب

بعد وفاة الرسول هذا الفريق من المسلمين هي : أن التعاليم الدينية قد أصبحت كاملة وواضحة التي يستند إليهاعلى شئون الحياة . وقد وضع هذا الرأي ـ بشكله رف على تطبيقها، ولم تكن هناك ضرورة سماوية لتعيين المش

الخالفة اإلسالمية ـ كنظام من نظم الحكم ـ هي في حقيقتها )حين قال : (2) المعاصرين المعتدل ـ أحد الكتابد يستقبل ربه ، لم يوص ألح رأي ، وليست وليدة نص ديني ثابت ال يحتمل التأويل . ورسول اهلل ، وهو وليدة

ن بدرت منه في أوقات شتى إشارات وتلميحات تاه أصحابه في تفسيرها عقب بعده بالحكم وصية صريحة ، وا كحديث والترجيح . وثمة أحاديث فيها من الصراحة ما قد يرسم لنا صورة المستخلف وفاته ، بين االحتمال

. وحديث خاصف النعل (3) الغدير

الفريقين المختلفين ، فهو يتفق مع ، في نظرية الخالفة ، موقفا وسطا بينوهناك فريق ثالث من المسلمين وقف دنيويا خالصا وينكر وجود النص الدال بصراحة على وصية النبي الفريق الثاني في اعتبار الخالفة منصبا

هذا ـ يعتبر مع للمسلمين من بعده ، على الشكل الذي ذكره الفريق األول من المسلمين ، ولكن ـ لعلي خليفة . اإلطالق عليا أولى بالخالفة من أبي بكر ؛ ألنه أفضل المسلمين على

ـــــــــــــــــ

والمداولة باألمور الباطلة ، ومجازا السقيفة اسم إليوان كبير كانت تجتمع فيه العرب في الجاهلية للمشورة (1) . (الناشر) (سقف)ند ، مادة : اللغات ، طبعة اله يطلق على الكالم التافه ، انظر : غياث

، 1م ، ج 4319لجامعين بالقاهرة ، ل عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب ، لجنة النشر (2) . 401ص

يران ولبنان جزءا طبع في العراق 44راجع : الغدير ، للشيخ األميني ، صدر منه (3) . وا

33الصفحة

كافة .. على أن بيعة أبي بكر صحيحة اتفق شيوخنا) : (1) الباحثين حين قال وقد لخص هذا الرأي أحدنما كانت باالختيار الذي ثبت باإلجماع وبغير اإلجماع كونه طريقة إلى شرعية ، وأنها لم تكن عن نص وا

فضل من أبا بكر أ واختلفوا في التفضيل . فقال قدماء البصريين كأبي عثمان وعمرو بن عبيد : أن اإلمامة ،الخالفة . وقال البغداديون قاطبة ـ قدماؤهم علي .. وهؤالء يجعلون ترتيب األربعة في الفضل كترتيبهم في

لى هذا المذهب ذهب من البصريين أبو علي محمد بن عبد ومـتأخروهم : إن عليا .. أفضل من أبي بكر : وا

القضاة أبو الحسن عبد الجبار بن البصري .. وقاضيالوهاب الجبائي ، والشيخ أبو عبد اهلل الحسين بن علي وذهب كثير من الشيوخ إلى الوقف فيهما ، وهو قول أبي حذيفة . .. أحمد .. وأبو محمد الحسن بن متوية

ن ذهبا إلى التوقف بينه وبين واصل بن عطاء ، أبي بكر وعمر وأبي الهذيل محمد بن الهذيل العالف . وهما وا إليه شيوخنا البغداديون من تفضيله فضيله على عثمان . وأما نحن فنذهب إلى ما يذهب.. قاطعان على ت

. (عليهم

، إلى القول في موضوع الخالفة : أن الذي استقر عليه (2) الذكر ، في موضع آخر وقد ذهب الباحث اآلنفتركوا الجماعة ، وأنهماختالف كثير بين قدمائهم في التفضيل وغيره : أن عليا أفضل رأي المعتزلة بعد

نما كانت ن لم يكن هناك نص يقطع الغموض ، وا يماء ال يتضمن شيء األفضل لمصلحة رأوها ، وا إشارة وا ن عليا نازع ثم بايع . ولو أقام على االمتناع لم نقل بصحة البيعة وال لزومها . منهما صريح النص ، وا

: يقولون وبالجملة أصحابنا

ـــــــــــــــــ

. (الطبعة األولى ـ مصر) 9/ 4ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (1)

(الناشر) . 198/ 8شرح النهج : (2)

35الصفحة

ن شاء واله غيره ، فلما رأيناه إن األمر كان له وكان هو قد وافق المستحق والمتعين ، فإن شاء أخذه لنفسه وا . (رضىعلى والية غيره ، اتبعناه ورضينا لما

بأحقيته بالخالفة دون أن يعترف أي أن هذا الفريق من المسلمين يقول : بأفضلية علي على أبي بكر وبالتاليخالفة أبي بكر سابقة لخالفة علي من الناحية الزمنية الواقعية بالنص على وصية الرسول له ، وبذلك تصبح

الناحية الشرعية خالفة اإلمام سابقة لها من كما يقول المشرعون المعاصرون ، في حين أن (دوفاكتو)أو . (دوجوري)

محور الخالف ، وأساس الفرقة بين طوائف المسلمين ، وقد تفرعت عنه خالفات كان موضوع الخالفة وما زال

إلى اليوم (صلى اهلل عليه وسلم) أخرى كثيرة ، نظرية وعملية ، وما زالت قائمة بين المسلمين منذ وفاة الرسولفي الخالفة هي النظرية السلمية وما عداها فاختالق وبهتان ، وليس . وتعصب كل فريق لرأيه ، واعتبر نظريته

يستلزم إهمال النظريتين الباحث من سبيل لتقريب وجهات النظر المختلفة ؛ ذلك ألن التسليم بأحدها أمام

ذا أغفل الباحث أمر التحدث عن وصية ي الخالفة من بعده على الشكل الذي يقول النبي لعلي ف األخريين ، وا نرى ـ من ونظر إلى مسألة الخالفة من الناحية الزمنية الصرفة ، فليس لديه ـ على ما فيه فريق من المسلمين

كان قد أهمل أمر التفكير فيمن يخلفه (وسلم صلى اهلل عليه)األدلة القاطعة ما يدعوه إلى التسليم بأن الرسول . المسلمين تصريف شئونمن بعده في

األثير ، يقول ابن (القرطاس والدواة)جملة قضايا تاريخية مهمة ، وفي مقدمتها قضية وهنا تتوارد إلى الذهن

لكم أكتب (2) ائتوني بدواة وبيضاء : اشتد برسول اهلل مرضه ووجعه فقال) : (1)

ـــــــــــــــــ

. 849/ 8الكامل في التاريخ : (1)

علم ، وهو في مرض موته ، ما حدث (صلى اهلل عليه وآله وسلم)ية ائتوني بدواة وبيضاء : أن النبي قض (2)أحداث يخشى على اإلسالم منها ، فقد كثرت القالة حول الخالفة في المجتمع اإلسالمي من تطورات ، ووقوع

غلبية، أو يعود األمير للمجتمع في األ (بغدير خم)تنفيذ أمره من بعده : من

30الصفحة

يعيدون فتنازعوا ـ وال ينبغي عند نبي تنازع ـ فقالوا : إن رسول اهلل يهجر ، فجعلوا ، أبدا كتابا ل تضلون بعديأن يخرج المشركون من جزيرة : ، فأوصى بثالث فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه ! دعوني : عليه . فقال

. ، وسكت عن الثالثة عمدا أو قال : نسيتها و مما كان يجيزهمالعرب ، وأن يجازي الوفد بنح

اشتد : حدثنا سفيان عن سليمان األحول عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس)فقال : (1) وذكر البخاريع ـ فقالوا عند نبي تناز ، فتنازعوا ـ وال ينبغي أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ائتوني : برسول اهلل وجعه فقال

، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه ! دعوني : فقال ! : ما شأنه ! أهجر ؟ استفهموه ، فذهبوا يرددون عليه، وسكت اخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم : وأوصاهم بثالث ، قال

. عن الثالثة ، أو قال : فنسيتها

، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد اهلل ن عبد اهللوحدثنا علي ب

ـــــــــــــــــ

الفكرة ؟ وهل هناك مجموعة تسعى لكسب األكثرية ألخذ الحكم ؟ وما هو موقف الساحقة التي تعارض تلك

. األنصار وكبار الصحابة من هذا األمر ... إلخ

الفرقة بعد االجتماع يؤلمه وقوع مثل هذه األشياء التي تؤول باألمة إلى (عليه وآله وسلماهلل صلى)فكان النبي أن يقرر مصير األمة وأن يجدد موقفها ؛ ليقطع بذلك (وسلم صلى اهلل عليه وآله)، والعداوة بعد اإلخاء ، فأراد

الحديث ، أراد أن يضع لألمة نظاما ... ائتوني بدواة :للخالف المؤدي إلى الضالل ، فقال كل طريق يوصل .وتحديد الشخصية التي تليق بأن تخلفه في منصبه يسيرون عليه دوما في قضية الخالفة

آمال األمة ، ولكن حدث ما ومن البديهي ، وما ال يقبل الشك ، أن عليا هو تلك الشخصية التي تتجسد فيها، أبعد الذي قلتم :فقال لهم متأثرا (اهلل عليه وآله وسلم صلى)حدث ! فما أعظم من ذلك الموقف على النبي

االلتزام به ، أال وهو العناية بأهل ومات واأللم يحز نفسه ، ولكن أراد أن يطوق األمة بواجب ال مفر لهم منبيتي . واخرجوا اليهود أوصيكم بأهل بيتي خيرا ، اهلل اهلل في أهل ) :(وسلم صلى اهلل عليه وآله)بيته ، فقال

(الناشر) .كما سيأتي (صلى اهلل عليه وآله وسلم)وهي آخر ما تكلم به (جزيرة العرب من

.(طبع مصر) 492، 499/ 1صحيح البخاري : 1( )

33الصفحة

، لبيت رجالوفي ا (صلى اهلل عليه وسلم)ابن عباس قال : لما حضر رسول اهلل ابن عبد اهلل بن عتبة ، عن، فقال بعضهم : إن رسول اهلل قد غلبه الوجع وعندكم هلموا أكتب لكم كتابا ل تضلوا بعده : .. فقال النبي

. قوموا : فاختلف أهل البيت واختصموا . فلما أكثروا اللغو واالختالف قال رسول اهلل ! القرآن وحسبنا كتاب اهلل

حضرته الوفاة وكان معه في البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، أن الرسول عندما) : (1) وذكر ابن سعد، فقال عمر : إن رسول اهلل قد غلبه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا ل تضلوا بعده هلموا أكتب لكم كتابا : قال

. قوموا عني : فاختلف أهل البيت واختصموا . فلما كثر اللغط واالختالف ... قال النبي ! كتاب اهلل

على ذلك ؟ وهل تجيز آداب المجاملة أو العرف أو الدين أن يقول عمر : إن فما الذي حمل عمر يا ترى

وهل يتفق موقف عمر مع قوله الوجع قد غلب النبي وعندنا كتاب اهلل فهو حسبنا ؟ وما قصده بذلك القول ؟؟ وممن يلفت النظر حقا (2) (إل وحي يوحىوما ينطق عن الهوى * إن هو ) : تعالى في وصف النبي بأنه

يذكر المؤرخون ـ قد سألوه قبيل وفاته عن كثير من في هذا الموضوع الخطير : أن أصحاب النبي ـ على ماعن ) : (3) أقل وجاهة من موضوع الخالفة ، فقد سألوه على ما يحدثنا ابن خلدون األمور التي تبدو بنظرنا

... في ثيابي ، أو ثياب مصر ، أو حلة يمانية : وسألوه عن الكفن ؟ فقال . األدنون من أهلي : لمغسله ؟ فقا

فهل من المعقول أن يغيب عن أذهانهم موضوع االستفسار . (أهلي : وسألوه عمن يدخل القبر معه ؟ فقال .

(نفسها المصدر نفسه والصفحة)يغفله النبي نفسه ؟ ويستطرد ابن خلدون بعد الذي ذكرنا عن الخالفة ؟ أو أنفتنازعوا وقال بعضهم : ائتوني بدواة وقرطاس ، أكتب لكم كتابا ل تضلوا بعده ؟ : ثم قال النبي)فيقول :

. (دعوني ! فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه : أهجر ؟ ثم ذهبوا يعيدون عليه ، فقال

ـــــــــــــــــ

. 74ـ 70/ 1الطبقات الكبرى (1)

. 1، 9النجم : (2)

عاصرهم من ذوي السلطان األكبر : كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن (3)8 /839 .

31الصفحة

على يكتب ؟ ولماذا امتنع القوم عن تلبية الطلب ؟ هل أراد أن يثبت النص الشفوي ترى ماذا أراد الرسول أنودفعا لاللتباس ؟ ثم أيجوز أن يقال ة ، حسب وجهة نظر بعض المسلمين ، بالكتابة زيادة في التأكيد ،الخالف

بنظرهم في (1) قالها بالتتابع في آن واحد ؟ أي أن الرسول كان يهجر : بأن الرسول يهجر في واحدة من ثالثراج المشركين من جزيرة العرب ومجازاة إخ مسألة الدواة والقرطاس فقط على حين أنه لم يكن كذلك بنظرهم في

نفذ أبو بكر الجزء الخاص من وصية الرسول هذه فيما يتصل بجيش الوفد بمثل ما كان يجيزهم فيه ؟ لقدالدواة المشركين في جزيرة العرب ، في حين أن الرسول قال ذلك في الوقت الذي طلب فيه أسامة ومحاربة

. والقرطاس

بن الخطاب في أوائل ا أن ابن عباس قد روى محاورة طريفة جرت بينه وبين عمرومن الطريف أن نذكر هن، عليك دماء البدن إن كتمتها .. هل بقى في نفس يا عبد اهلل)عهده بالخالفة ، ملخصها : أن عمر قال له :

: ال عمرقلت : نعم ، قال : أيزعم أن رسول اهلل نص عليه ؟ قلت : نعم . فق علي شيء من أمر الخالفة ؟

ولقد كان يربع في أمره وقتا ما ، لقد كان في رسول اهلل من أمره ذروه من قول ، ال يثبت حجة وال يقطع عذرا ،من ذلك إشفاقا وحيطة على اإلسالم .. فعلم رسول اهلل أني علمت ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت

ذا صحت هذه الرواية . (2) فأمسك ما في نفسه أمر فإن عمر يبدو كأنه أحرص على اإلسالم من نبيه ! وهووا . كان المفروض في عمر أن ال يهبط إليه

ذا أغفلنا ؛ لغرض سهولة البحث بقدر ما يتعلق األمر بموضوع الخالفة من الناحية الدنيوية ، أمر االستشهاد وا الفريق بالنصوص التاريخية التي ينفرد بذكرها

ـــــــــــــــــ

الخنا والقبيح من القول ، ومنه هو (بالضم)في مادة هجر : الهجر (817/ 1)قال ابن األثير في النهاية (1)

(الناشر) . ما شأنه ! أهجر ؟ .. والقائل كان عمر : حديث مرض النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم

تاريخ )طاهر صاحب كتاب د ابن أبيوذكر هذا الخبر أحم 39/ 9 (شرح نهج البالغة)ابن أبي الحديد (2) . في كتابه مسندا (بغداد

39الصفحة

أن اهتمامنا في النصوص التي يذكرها الفريق الثاني من المسلمين ، أصبح بمقدورنا األول من المسلمين وركزنا : التالي نجعل دراستنا لهذا الموضوع تسير في هذا المرحلة من مراحلها باالتجاه

أن نتصدى لإلجابة على هذا ذي حال بين علي والخالفة بمعناها الزمني بعد وفاة الرسول ؟ وقبلترى ما المن األدلة المقنعة ما يحول بيننا وبين االعتقاد باندثار كثير السؤال يجمل بنا أن ننبه القارئ إلى أن ليس لدينا

أو بتحريف عرضية ، أو مقصودة ، التاريخية المهمة المتعلقة بالنقطة موضوع البحث بطريقة من النصوصاألموية . ولكننا مع هذا ؛ تمشيا بعض آخر ، أو وضع نصوص تاريخية معاكسة وبخاصة في صدر الدولة

اعتمدنا قدر المستطاع على النصوص التاريخية التي تذكرها مع وحدة البحث وعدم تشتيت موضوعه ، قد . والسير أمهات كتب التاريخ

، فقد الطالبيين باللسان والسيف والقلم ، منذ وفاة الرسول ، فتكاد ال تقع تحت حصر اء علىأما حوادث االعتدوأتباعهم وسيلة يتقربون بها من الفئة اتخذ الوصوليون من رجال الدين والقضاة واألمراء من انتقاص الطالبيين

ا على ذلك . وفي معرض التحدث وقد شجعتهم الفئة الحاكمة بدوره !! الحاكمة في العهدين األموي والعباسيروى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف ) : (1) الجانب من جوانب الموضوع يقول أحد المؤرخين عن هذا

كتب معاوية إلى عماله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمة ممن روى شيئا : المدائني في كتاب األحداث قالعليا ويبرءون منه ويقعون لخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنونفضل أبي تراب وأهل بيته ، فقامت ا من

. فيه وفي أهل بيته

وأهل بيته شهادة . وكتب إليهم : وكتب معاوية إلى عماله في جميع اآلفاق : أال يجيزوا ألحد من شيعة عليوفضائله فادنوا مجالسهم وأهل واليته والذين يرون مناقبه أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه ،

أكثروا واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل واسمه واسم أبيه وعشيرته . ففعلوا ذلك حتى وقربوهم وأكرموهم ،

ـــــــــــــــــ

. (الطبعة المصرية األولى) 47/ 9ابن أبي الحديد شرح النهج : (1)

31الصفحة

ليهم من الصالت .. ثم كتب إلى عماله : أن الحديث عن عثمانلما كان يبعثه إ في فضائل عثمان ومناقبه ،

والخلفاء األولين ، وال تتركوا قد كثر .. فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابةويت واتوا بمناقض له في الصحابة .. فقرأت كتبه على الناس فر خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إال

. (والوالة مناقب الصحابة مفتعلة ال حقيقة لها .. ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة أخبار كثيرة في

ولإلجابة العوامل التي حالت بين علي وبين ارتقائه منبر النبي بعد وفاته مباشرة ، لقد مر بنا االستفسار عنالرسول ومواقفه من الرسول ، ومن اإلسالم ةعلى ذلك ينبغي لنا أن نستعرض صفات اإلمام منذ نشأته إلى وفا

. والحرب ، عسانا نعثر على مفتاح قفل الخالفة ، وموقف الرسول منه في حالتي السلم

: نجيب عن السؤالين التاليين إننا نحاول بعبارة أخرى أن

هل كان اإلمام كفؤا للخالفة بعد الرسول ؟ ـ

ذا كان كذلك فما الذي ـ ا ؟حال بينه وبينه وا

التطرق إلى يستلزم (= أهلية اإلمام للخالفة بعد وفاة الرسول مباشرة)هذا الموضوع والبحث في الشق األول منالمناسبة من اإللمام بموقف أبويه من النبي ومن ظروف مالزمته للدعوة اإلسالمية منذ نشوئها . والبد في هذه

حالتي السلم والحرب . وبما أن مواقف أبي طالب الرسول ومن اإلسالم في رسالته قبل ذكر مواقفه هو منسنكتفي بذكر نماذج من فاطمة بنت أسد من النبي معروفة لدى من لهم أدنى إلمام بتاريخ الرسول فإننا وزوجه

: ذلك على سبيل التمثيل ال الحصر

البطش طالب كفار قريش في صدر الدعوة اإلسالمية عن بصدد التحدث عن صد أبي (1) ذكر ابن هشامفراقهم وعيب آلهتهم ورأوا أن قريش أن رسول اهلل ال يعتبهم من شيء أنكروه عليه من لما رأت)بالرسول أنه :

فلم يسلمه لهم ، مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب : عتبة ، عمه أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه إن ابن أخيك قد أبو سفيان بن حرب بن أمية . فقالوا : يا أبي طالب ،ربيعة ابن عبد شمس ، و وشيبة ابنا

ـــــــــــــــــ

. 893ـ 897/ 4سيرة النبي محمد : (1)

37الصفحة

ما أن تخلي بيننا وبينه فنكفيكه . فقال لهم أبو طالب . سب آلهتنا وعاب ديننا قوال رقيقا فإما أن تكفه عنا وا قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذالن رسول ال ، ثم إنهم مشوا له ثانية فردهم ، ثم إنوردهم ردا جمي

في قريش وأجمله بن الوليد بن مغيرة فقالوا : يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد : أنهد فتى اهلل ، مشوا إليه بعمارة . (!أتعطونني ابنكم أغذوه وأعطيكم ابني تقتلونه ؟ ! .... فخذه وأسلم إلينا ابن أخيك فقال : لبئس ما تسومونني

ال يحبه ولده لما توفي عبد المطلب قبض أبو طالب رسول اهلل .. وكان يحبه حبا شديدا ) : (1) وقال ابن سعد . (طالب صبابة لم يصب مثلها بشيء قط . وكان ال ينام إال إلى جنبه ويخرج فيخرج معه . وصب به أبو

في حديث عن موقف أبي طالب في حماية الرسول ضد قريش : أن قريشا عندما رأت (2) ثيرويذكر ابن األ

يكرهون من منع المسلمين عنهم اإلسالم يفشو ويزيد ... وعاد إليهم عمرو بن العاص ... من النجاشي بماوبني المطلب وال يبتاعوا كتابا يتعاقدون على أن ال ينكحوا بني هاشم وأمنهم عنده ، ائتمروا في أن يكتبوا بينهم

األمر على أنفسهم ... فأقاموا شيئا . فكتبوا بذلك صحيفة ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا لذلك منهم (صلى اهلل عليه وسلم)هاشم وبني المطلب ، وأقام رسول اهلل على ذلك سنتين أو ثالثا ، فاعتزل الناس بني

وكان أبو طالب ) فأكلت األرضة الصحيفة وأخبر النبي عمه بذلك (شعب ثالث سنينومن معهما بال وأبو طالبفأخبرهم أبو طالب أن األرضة أكلت (قريش ال يشك في قوله ، فخرج من الشعب إلى الحرم فاجتمع المأل من

: صحيفتهم ... وأنشد

أمر الصحيفة عبرة = متى ما يخبر غائب القوم يعجب و قد كان في

منهم كفرهم و عقوقهم = وما نقموا من ناطق الحق معرب محا اهلل

فأصبح ما قالوا من األمر باطال = ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب

عليه بعد وفاة عمه أبي طالب حتى قال رسول اهلل فال عجب أن اشتد كفار قريش

ـــــــــــــــــ

. 404/ 4الطبقات الكبرى : (1)

. 78ـ 13/ 8خ : الكامل في التاري (2)

54الصفحة

. (1) (نالت قريش شيئا مني أكرهه حتى مات أبو طالب ما) : (وسلم صلى اهلل عليه وآله)

سنين ، وعهد به إلى بعد والدته بثمان أن عبد المطلب جد النبي توفي) : (2) خلدون والخالصة كما يقول ابنرضاعه وشبابه ومرباه عجبا . وتولى حفظه وكالءته وكان شأنه فيابنه أبي طالب فأحسن واليته وكفالته .

وذلك قبل أبو طالب وخديجة ،). ثم توفي (الجاهلية وعصمته * من التلبس بشيء منها من مفارقة أحواللقاء القاذورة في الهجرة بثالث سنين ، فعظمت المصيبة وأقدم عليه سفهاء قريش باإلذاية واالستهزاء ، وا

. (3) (الهمص

. وموقفه من الرسول ومن دعوته ذلك ما يتعلق بأبي طالب

علي ، فيتضح بما صنعه الرسول عند وفاتها حزنا عليها لما أبدته من عطف عليه أما موقف السيدة فاطمة أم

ن علي وأسبق نساء العالمي وعلى رسالته . فقد تقدم رسول اهلل عند موت فاطمة بنت أسد زوج أبي طالب وأمثم نزل إلى القبر فسواه بيده الكريمة فاضطجع إلى جوارها إلى اإلسالم بعد خديجة فألبسها فوق كفنها قميصه ،

. (4) (فيه

متنقال بينه المشبع بالعطف على النبي واإليمان برسالته حيث نشأ ابن أبي طالب وترعرع ذلك ما يتعلق بالبيت . يجة أم المؤمنينوبين بيت الرسول نفسه وفي كنف السيدة خد

، مواقف اإلمام نفسه في حماية الدعوة اإلسالمية وصاحبها من مؤامرات كفار قريش أما إذا نظر الباحث إلىوالتي أهلته بدورها لتسنم ذلك تلك المواقف التي دلت على كفاءته لتسلم خالفة الرسول بعد وفاته من جهة ،

المنصب الرفيع

ـــــــــــــــــ

(الناشر) ذاتية (ص)ذهب الشيعة اإلمامية إلى أن عصمة النبي ي (*)

. 79ـ 13/ 8ابن األثير ، الكامل في التاريخ : (1)

عاصرهم من ذوي السلطان األكبر : كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن (2)8 /494 .

. 420، 493/ 8المصدر نفسه : (3)

. 90/ 4عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : (4)

56الصفحة

يصبح أمر بحيث (تتزاحم بالمناكب وتتدافع بالراح)تلك المواقف المشرفة كثيرة العدد من جهة أخرى ، فإنه يجدذكر أهمها يجمل بنا وقبل أن نتطرق إلى . من أصعب األمور (الختيار بعضها لالستشهاد به)الموازنة بينها

بين علي واإلسالم من جهة ، وبينه وبين النبي من جهة أخرى ، أن نشير إلى الظروف الخاصة التي ربطتلقد مأل الدين ) : األمر بصلة اإلسالم بعلي ، أو صلة علي باإلسالم يمكننا أن نقول مع العقاد وبقدر ما يتعلق

يخالطه شوب بكدر صفائه ويرجع به إلى عقابيله ، ة سابقة ، ولمالجديد قلبا لم ينازعه فيه منازع من عقيدن الدين الجديد لم يعرف قط أصدق فبحق ما يقال : إن عليا كان المسلم الخالص على سجيته المثلى ، وا

. (1) (إسالما منه وال أعمق نفاذا فيه

لم .. وظل بعد إسالمه في حجروعلي عنده صبي فأس)يقول الدكتور طه حسين : فقد بعث النبي على ما

فامتاز بين السابقين األولين بأنه نشأ .. النبي يعيش بينه وبين خديجة أم المؤمنين ، وهو لم يعبد األوثان قط . (2) (بأنه نشأ في منزل الوحي بأدق معاني هذه الكلمة نشأة إسالمية خالصة . وامتاز كذلك

ويده ، فتعتبر ئة اإلسالمية الصافية في اإلمام ، في عقله وقلبه ولسانهتركتها هذه البي أما اآلثار العميقة التي . النفس وعلم االجتماع من أوليات األمور المسلم بها عند الباحثين الحديثين في علم

: اإلسالم ونبيه وصدى ذلك عند الرسول وموقف الرسول منه ، فيتجلى فيما يلي وأما أروع مواقفه في نصرة

إلى النبي يوم أزمع كفار قريش على قتله ، األمر الذي اضطره إلى الهجرة من مكة ه في فراشـ في مبيت 1عليا قبل هجرته أن ينام على المدينة . وفي معرض التحدث عن ذلك يقول ابن هشام : إن رسول اهلل أمر

ار قريش . أي أن أخبره بخروجه من مكة تفاديا لبطش كف فراشه ويتسجى ببرده الحضرمي األخضر بعد أناللحاق أن رسول اهلل قد صار له شيعة وأنصار من غيرهم .. وأنه مجمع على)ـ لما علمت قريشا ـ بعبارة أخرى

بهم .. تشاوروا ما يصنعوه في أمره ،

ـــــــــــــــــ

. 49العقاد ، عبقرية اإلمام : (1)

. 414: (عثمان بن عفان) 4الفتنة الكبرى ، ج (2)

53الصفحة

دار الندوة : عتبة وشيبة وأبو سفيان من بني أمية .. فتشاوروا في حبسه أو واجتمعت لذلك مشيختهم في

جلدا فيقتلونه جميعا ؛ فيتفرق دمه في إخراجه عنهم ، ثم اتفقوا على أن يتخيروا من كل قبيلة منهم فتى شابا . واستعدوا لذلك من ليلتهم ... فلما رأى أرصادهم على باب حرب جميعهم القبائل وال يقدر بنو عبد مناف على

. (1) (، أمر علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه ويتوشح ببرده منزله

علي بمكة يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس ... فأقام أن)وقد أمر النبي عليا فقطع اإلمام (2) (فرغ منها لحق برسول اهلل عن رسول اهلل الودائع ... حتى إذاثالث ليال وأيامها حتى أدى

. (3) المسافة بين مكة والمدينة وحده ماشيا حتى ورمت قدماه

آخى بين أصحابه من المهاجرين واألنصار حيث أخذ بيد علي بن أبي طالب وقال ـ مؤاخاة الرسول له حين 2

. (4) هذا أخي :

ونبيه أثناء حروبه ضد الكفار ، وبخاصة في موقعة أحد حيث تعرض الرسول ه عن اإلسالمـ في دفاع 3

لقد صدقني فواهلل) : قائال ورسالته ألعظم محنة عسكرية ... وقد ناول علي سيفه لفاطمة عند رجوعه من أحد : ، ثم أنشد يقول اليوم .. كما صدق سهل بن حنيف سيفه كذلك على ما ذكر الرسول

اطم هاك السيف غير ذميم = فلست برعديد و ل بمليمأف

لعمري لقد قاتلت في حب أحمد = و طاعة رب بالعباد رحيم

ـــــــــــــــــ

. 31/ 8ابن هشام ، سيرة النبي محمد : (1)

ي والبربر ومن عاصرهم من ذو ابن خلدون ، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم (2) . 429/ 8السلطان األكبر :

. 91/ 8ابن األثير ، الكامل في التاريخ : (3)

. 444، 32، 31/ 8ابن هشام ، سيرة النبي محمد : (4)

55الصفحة

(1) وسيفي بكفي كالشهاب أهزه = أجذ به من عاتق وصميم

حدثنا أحمد : حدثني محمد بن الحسين قال)النبي إلى مكة عندما نزلت سورة براءة .. ـ في إرساله من قبل 4اآليات إلى رأس األربعين ، يعني من سورة لما نزلت هذه)بن المفضل قال : حدثنا أسباط عن السدي قال :

بكر وأمره على الحج ، فلما صار فبلغ الشجرة من ذي الحليفة اتبعه بعلي براءة ، فبعث بهن رسول اهلل مع أبي

يا رسول اهلل ، بأبي أنت وأمي انزل : فقال (صلى اهلل عليه وآله وسلم)رجع أبو بكر إلى النبي فأخذها منه ، ف . (2) (... غيري أو رجل مني ل ، ولكن ل يبلغ عني : في شأني شيء ؟ قال

اإلسالم فلم وكان أرسل قبله خالد بن الوليد إليهم يدعوهم إلى)مبعوثا من قبل النبي ـ في خروجه إلى اليمن 5أصحابه ففعل . وقرأ علي كتابا من رسول اهلل يجيبوه ، فأرسل النبي عليا وأمره أن يعقل خالدا ومن سار من

. (3) (... كلها في يوم واحد على أهل اليمن ، فأسلمت همدان

اهلل بن أبي غزوة تبوك حيث خلفه على أهله في المدينة عندما تخلف فيها عبد ـ في موقف النبي منه في 6

: (5) اإلمام أبو الحسن مسلم بن الحجاج في صحيحه وقد قال . (4) (المنافق فيمن تبعه من أهل النفاق

ـــــــــــــــــ

. 284 / 8. المسعودي ، مروج الذهب : 411/ 9الطبري ، تاريخ األمم والملوك : (1)

. 411/ 9الطبري ، تاريخ األمم والملوك : (2)

. 81/ 8ابن األثير ، الكامل في التاريخ : (3)

. 90/ 8ابن األثير ، الكامل في التاريخ : (4)

. 989/ 8صحيح مسلم : (5)

50الصفحة

سعيد التميمي وأبو جعفر محمد بن الصباح وعبد اهلل القواريري وسريح بن يونس .. عن حدثنا يحيى بن يحيى)مني بمنزلة أنت : اهلل لعلي بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : قال رسولبن المسيب ، عن عامر بن سعد

. هارون من موسى غير أنه ل نبي بعدي

يا : عن سعد بن أبي وقاص قال : خلف رسول اهلل عليا في غزوة تبوك ، فقال وحدثنا أبو بكر بن شيبة ،ون مني بمنزلة هارون من موسى ، غير أن تك أما ترضى : قال رسول اهلل ، تخلفني في النساء والصبيان ؟

. (أنه ل نبي بعدي

حدثنا قتيبة بن سعيد ... عن أبي)غزوة خيبر . قال اإلمام مسلم في صحيحه : ـ في موقف النبي منه في 7

قال ... يحب اهلل ورسوله ألعطين هذه الراية رجال : قال يوم خيبر (صلى اهلل عليه وسلم)هريرة ، أن رسول اهلل رجاء أن أدعى لها . قال : فدعا رسول عمر بن الخطاب : ما أحببت اإلمارة أال يومئذ . قال : فتساورت لها

. (1) (أبي طالب فأعطاه إياها علي بن (صلى اهلل عليه وسلم)اهلل

في هذه ذكرها بأهلية اإلمام لتولي منصب الخالفة بعد وفاة الرسول مباشرة ال بد من وهناك أمور أخرى تتصل : المناسبة

يمانه به إيمانا صافيا ، بيده أ ـ تفهمه جوهر الدين لمامه به من جميع أطرافه وا وقلبه ولسانه . فقد اإلسالمي وا ال يطلع أحد من الناس على ما (ص)رسول اهلل كان علي محظوظا من دون الصحابة بخلوات كان يخلوها مع

ذا لم يسأل ابتدأه النبي بالتعليم والتثقيف ، اليدور بينهما ، وكان كثير السؤ ولم للنبي عن معاني القرآن ... وا يسأله ، وهم الذين يحبون أن يجيء يكن أحد من أصحاب النبي كذلك ، بل كانوا أقساما ، فمنهم من يهابه أن

. األعرابي أو الطارئ فيسأله وهم يستمعون

ـــــــــــــــــ

. 981 / 8صحيح مسلم : (1)

53الصفحة

وفهم الفهم قليل الهمة في النظر والبحث . ومنهم من كان مشغوال عن طلب العلم ومنهم من كان بليدا بعيدعنده من الموقع ما يضيع وقته بالسؤال المعاني إما بعبادة أو دنيا . ومنهم المبغض الشانئ الذي ليس للدين

. (1) عن دقائقه وغوامضه

في تنفيذ أوامره المهمة التي تتصل بجوهرة العقيدة اإلسالمية ، واعتماده عليه رسول إياه فيب ـ إشراك البذلك تدريبه وتهئيته لتولي شئون المواقف الحاسمة من تاريخ التبشير بالدعوة اإلسالمية ، فكأن الرسول أراد

. المسلمين من بعده

بأمثال تلك كبار الصحابة ، وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر ،الثانية أن الرسول لم يعهد ل يقابل ذلك من الناحيةقام أثناء خالفته بعمل مشابه لما ذكرنا فيما األمور الخطيرة . ومما يؤيد وجاهة ما ذهبنا إليه أن أبا بكر قد

الخالفة من بعده ، فقد هيأه إلى تسنم كرسي الخالفة من بعده عن الطريق يتصل بعمر بن الخطاب الذي ولي

. اعه له كثيرا من األمور المهمة المتصلة بسياسة الدولة العلياإيد

. بترشيح الرسول عليا للخالفة من بعده ، ويتعلق هذا األمر بقضية جيش أسامة ج ـ وهناك أمر ثالث يتصل

: (2) وتفصيل ذلك على ما يقول ابن سعد

ة من مهاجر رسول اهلل ، أمر رسول اهللألربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشر ولما كان يوم االثنين ،)

سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل ، ) : بالتهيؤ لغزو الروم ، فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقالق عليهم وأسرع (3) على أهل ابني فقد وليتك هذا الجيش ، فأغر صباحا ن وحر السير وتسبق األخبار ، وا

. (وقدم العيون والطالئع أمامك لبث فيهم وخذ معك اإلدلءظفرك اهلل فأقلل ال

ـــــــــــــــــ

. (طبعة مصر األولى) 49/ 9، شرح نهج البالغة : ابن أبي الحديد (1)

. 1، 9/ 1ابن سعد ، الطبقات الكبرى : (2)

فعلى على وزن (ون والقصربالضم ثم السكون وفتح الن)المطبوع . ]والصحيح : أبنى كذا وجدناه في (3)قال الحموي في معجم البلدان : وفي . كحبلى . موضع بالشام من جهة البلقاء بفلسطين بين عسقالن والرملة

. [(ع)شبكة اإلمامين الحسنين . قرية بمؤتة (أبنى)كتاب نصر :

51الصفحة

: قال بح يوم الخميس عقد ألسامة لواء بيده ، ثمبرسول اهلل فحم وصدع ، فلما أص فلما كان يوم األربعاء بدئ

فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن الحصيب . (اهلل ، في سبيل اهلل ، فقاتل من كفر باهلل اغز باسم)واألنصار ، فيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ... فتكلم قوم مع وجوه المهاجرين (1) األسلمي وعسكر بالجرف

عصب على هذا الغالم على المهاجرين األولين ؟ فغضب الرسول غضبا شديدا ، فخرج وقد أيستعمل وقالوا :فما مقالة قد بلغتني عن بعضكم في ! أما بعد ، أيها الناس) : رأسه عصابة ... فصعد المنبر ... وقال

وايم اهلل ، إن كان لإلمارة لقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله . تأميري أسامة ، ولئن طعنتم في إمارة أسامةنهما لمحالن لخليقا ، ن ابنه من بعده لخليق لإلمارة ، إن كان لمن أحب الناس إلي وا لكل خير ، وا

. (فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم

انفذوا بعث ) : اهلل وجعل يقول ثم نزل فدخل بيته وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع األول ... وثقل رسول . (أسامة

برسول اهلل وجعه فدخل أسامة معسكره والنبي مغمور مغمى عليه .. فطأطأ أسامة فلما كان يوم األحد اشتد

، قال : فعرفت أنه يدعو لي ، فقبله ورسول اهلل ال يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعها على أسامةهو يريد الركوب ... توفي رسول اهلل ... أي أن رسول فبينما ورجع أسامة إلى معسكره فأمر الناس بالرحيل ،

وأوعب مع أسامة ... قبيل وفاته ببضعة أيام بعثا إلى الشام وأميرهم أسامة بن زيد مواله اهلل قد بعث

ـــــــــــــــــ

مراصد : : محل بينه وبين المدينة ثالثة أميال من ناحية الشام ، قاله في (ثم السكون بالضم)الجرف (1) (الناشر) . 987/ 4: (طبعة عيسى الحلبي ـ القاهرة)االطالع

59الصفحة

أبو بكر وعمر . فبينما الناس على ذلك ابتدأ رسول اهلل مرضه ... فتأخر مسير المهاجرون األولون منهم

مة فضرب بالجرف وخرج أسا ... أسامة ... فخرج النبي عاصبا رأسه من الصداع ... وأمر بإنفاذ جيش أسامةعند أي أن الرسول (1) (شدة مرضه عن إنفاذ أمر اهلل العسكر وتمهل الناس وثقل رسول اهلل ... ولم تشغلهضرب على الناس ... بعثا إلى الشام وأمر عليهم ) : (2) رجوعه من حجة الوداع على ما يقول ابن خلدون

فلسطين تخوم البلقاء والداروم إلى األردن من أرض حارثة ، أمره أن يوطئ الخيل مواله أسامة بن زيد بنالناس على ذلك ابتدأ رسول اهلل بشكواه ومشارف الشام ، فتجهز الناس وأوعب معه المهاجرون األولون . فبينما

تكلموا في إمارة لقد بلغني أن أقواما : اهلل عاصبا رأسه من الصداع وقال التي قبضه اهلل فيها ... وخرج رسولنه لحقيق أسامة ، إن يطعنوا في إمارته لقد طعنوا في إمارة أبيه من ن كان أبوه لحقيقا باإلمارة وا قبله ، وا

. (بها . انفروا

بأمر النبي على الرغم من إلحاح الرسول على تنفيذ أمره . وقد ذكر أسامة غير أن جيش أسامة لم يصدعفال يتكلم ، فجعل (3) اصمت معي إلى المدينة فدخلنا عليه وقدلما ثقل رسول اهلل هبطت أنا ومن )أنه : نفسه

. (4) (يرفع يده إلى السماء ثم يضعها علي فعلمت أنه يدعو لي

والغريب في األمر هو : إلحاح الرسول على ضرورة مسير جيش أسامة إلى

ـــــــــــــــــ

. 841/ 8الكامل في التاريخ : ابن األثير ، (1)

/ 8من ذوي السلطان األكبر : بر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهمالع (2)871 .

(الناشر) . يتكلم إلى حين وفاته كان (ص)هذا مخالف لرأي أكثر العامة والخاصة ، ألنهم ذكروا أن النبي (3)

. ابن األثير ، المصدر نفسه (4)

51الصفحة

النبي على الرغم من مرضه ، وأعجب من ذلك هو تلكؤ القوم وتملصهم عن تنفيذ أمر وجهها إياه الوجهة التيعلى إنفاذ الجيش في تلك اللحظة الحاسمة ، فكأن هناك أمرا خفيا يتنازع عليه الطرفان . ترى لماذا ألح الرسول

عمر واستثنى علي بن أبي طالب ؟ الصحابة وفي مقدمتهم أبو بكر و من حياته ؟ لماذا وضع في الجيش كبارأوامره ؟ هل رغب أسامة قائدا للجيش رغم احتجاج كبار الصحابة ؟ لماذا أحجم القوم عن تنفيذ ولماذا جعل

. تلك أسئلة محيرة دون شك الرسول في إخالء الجو لعلي ؟ وشعر القوم بذلك فأحجموا ؟

أكثر الدواة والقرطاس ؟ ومما يجعل هذا األمر المعقد مسألة جيش أسامة وبين رواية ثم هل هناك من صلة بينوأثناء االنشغال بجيش أسامة ، ولكن إشارته (1) تعقيدا ، هو : أن الرسول قد فقد قدرته على النطق قبيل وفاته

ي اإلسالم للتعبير عن رغبته في إنفاذ ذلك الجيش الذي لو نفذ لتغير مجرى التاريخ باليد إلى أسامة أبلغ وسيلة . تغيرا كبيرا

ـــــــــــــــــ

(الناشر) . قدرته على الكالم لم يكن ليفقد (ص)راجع تعليقنا على هامش الصفحة المتقدمة من أن النبي (1)

57الصفحة

. السقيفة الفصل الثاني : [ حديث ]

أ ـ أبو بكر الصديق

من لخالفة بعد الرسول ـ هذا إذا نظرنا للخالفةأن نقول : إن عليا كان مهيئا ل وفي ضوء ما ذكرنا نستطيعن صالته بالرسول وباإلسالم ، وصالت اإلسالم والرسول . به ، تؤهله لذلك جوانبها الزمنية ـ وا

وكان أن عليا كان أقرب الناس إليه ، وكان ربيبه ،)السقيفة بعد وفاة النبي : ولو احتج المسلمون أثناءعقبه ، وكان صاحب لوائه ، وكان ن أخاه ، بحكم تلك المؤاخاة ، وكان ختنه وأباخليفته على ودائعه ، وكا

نفسه . لو قال (ص)هارون من موسى بنص الحديث عن النبي خليفته في أهله ، وكانت منزلته منه بمنزلةعليا للخالفة ... واختاروا عليا بحكم هذا كله ، لما ابعدوا وال انحرفوا . وكان كل شيء يرشح المسلمون هذا كله

المسلمين ، وحسن بالئه في سبيل اهلل ، وسيرته التي لم قرابته من النبي ، وسابقته في اإلسالم ، ومكانته بين . (1) (وشدته في الدين ، وفقهه بالكتاب والسنة ، واستقامة رأيه تعرف العوج قط ،

الناس علي بن أبي طالب .. أول) : (2) العسقالني أهم خصائص اإلمام حين قال وقد لخص ابن حجر إسالما في قول كثير من أهل العلم ، ربى في حجر

ـــــــــــــــــ

. 419، 418: (عثمان بن عفان) 4الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (1)

. 108، 104/ 8اإلصابة في تمييز الصحابة : (2)

04الصفحة

أل ترضى أن : ه المشاهد إال غزوة تبوك ، فقال له بسبب تأخيره له بالمدينةمع النبي ولم يفارقه ، وشهد ، وكان لواؤه بيده في أكثر المشاهد . ولما آخى النبي أصحابه قال له ... تكون مني بمنزلة هارون من موسى

ل لعلي . وقال نق ومناقبه كثيرة حتى قال اإلمام أحمد بن حنبل : لم ينقل ألحد من الصحابة ما . أنت أخي :عنده علم من شيء من مناقبه من الصحابة غيره : كان سبب ذلك بغض بني أمية له . فكان كل من كان

لنصرة من حدث بما فيه ال يزداد إال انتشارا ... ولم يزل بعد النبي متصديا يثبته . وكلما أرادوا إخماده وهددواألدفعن الراية غدا إلى رجل يحب اهلل ورسوله : ل يوم خيبرالعلم والفتيا ... ومن خصائص علي قول الرسو

براءة على فدفعها لعلي . فقال عمر : ما أحببت اإلمارة إال ذلك اليوم ... . وبعثه يقرأ ... ويحبه اهلل ورسولهعلى رداء فوضعه وأخذ . والخرة علي وليي في الدنيا : وقال .. ل يذهب إل رجل مني وأنا منه : قريش وقال

ولبس ثوبه . (1) ( ... ليذهب عنكم الرجس أهل البيت إنما يريد الله ) : علي وفاطمة وحسن وحسين ، وقالاألبواب إال باب وسد . بعدي أنت ولي كل مؤمن : ونام في مكانه ، وكان المشركون قصدوا قتل النبي ... وقال

ولما .. موله من كنت موله فعلي : طريقه ، ليس له طريق غيره . وقال ا ، وهوفيدخل المسجد جنب (2) علي

فقل تعالوا ندع أبناءنا) : نزلت هذه اآلية

ـــــــــــــــــ

. 99األحزاب : (1)

(الناشر)في وفاء الوفاء . ذكره السمهودي . اال باب علي سد األبواب حديث2( )

06الصفحة

: دعا رسول اهلل عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال (1) (... ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم وأبناءكم

ما : بإسناد قوي عن عمران بن حصين في قصة قال فيها رسول اهلل وأخرج الترمذي . ... اللهم هؤلء أهلي . (مني وأنا من علي ، وهو ولي كل مؤمن بعدي عليا تريدون من علي ؟ إن

ودون ارتقاء منبر النبي بعد وفاته مباشرة ؟ فما الذي حال إذن دونه

تستلزم أن يتطرق الباحث إلى ذكر ظروف وفاة الرسول ؛ وانشغال اإلمام إن اإلجابة على هذا السؤالوموقف عمر بن صار في سقيفة بني ساعدةوتجهيزه ودفنه والصالة عليه من جهة ، وباجتماع األن بتغسيله

لى قول ذكره عمر ، على ما يظن ، وتردد على ألسنة بعض الخطاب من ذلك كله من جهة أخرى ، وا . للهاشميين القرشيين يتضمن كرههم أن تجتمع النبوة والخالفة

سيله وتكفينه والصالةهـ وانشغل علي بأمر تغ 44توفي في داره بالمدينة سنة وخالصة األمر : أن الرسول

واألحداث الجسام ، وفي مقدمتها عليه . وكان الجو السياسي خارج دار النبي آنذاك نشطا مملوءا بالمفاجآت

بمسجد المدينة وتشاورا في أمر الخالفة ، واجتمع سعد بن مسألة خليفة الرسول . اجتمع عمر بأبي عبيدةزمر أخرى رج في أمر الخالفة أيضا . واجتمعت في أماكن شتىساعدة يشاور األوس والخز عبادة بسقيفة بني

النبي ، وكان منهمكا بإعداد الجثمان تتحدث في هذا األمر الخطير . على حين أن اإلمام عليا قد الزم دار . (2) من أهل البيت المفجوعين ، ومنهم أبو بكر لوضعه في مثواه األخير ، يساعده نفر

بعد أن بلغه خبر وفاة الرسول ، (3) أبا بكر قد قدم من السنحومما يلفت النظر أن

ـــــــــــــــــ

. 74آل عمران : (1)

إعداد جثمان الرسول في مثواه ليساعد اإلمام علي في (ص)أبو بكر لم يكن من المفجوعين بوفاة النبي (2)نما دخل دار الرسول مع رجال الفكر في )الخالفة . راجع كتابنا : األخبار ويدبر أمر ليتطلع (ص)األخير ، وا

(الناشر) . (القاهرة

شبكة اإلمامين "ما استعجم السنح ـ بالضم ، ثم السكون ]وقيل : بضم أوله وثانيه ، كما في "معجم (3)رث إحدى محال المدينة ، كان بها منزل أبي بكر ، وهي منازل بني الحا : ، وآخره حاء مهملة [ (ع)الحسنين

طبعة عيسى الحلبي ـ ) 745 / 8الخزرج ، بعوالي المدينة . ابن عبد الحق البغدادي ، مراصد االطالع : بن (الناشر) . (القاهرة

03الصفحة

. عمر بن الخطاب قد بقي خارج الدار فدخل دار النبي في حين أن

أبا بكر لمقابلة عمر للتشاور باب دار النبي رجل أوفده ابن الخطاب يدعو وفي زحمة تلك الظروف طرقاجتمع األوس والخزرج في أمر عظيم ، فخرج أبو بكر والتقى بصاحبه وسارا معا إلى السقيفة ، حيث معه

الجثمان واأللم يحز نفسه على وفاة الرسول . وساور بسعد بن عبادة . استمر اإلمام المفجوع منهمكا في أمرمع النبي ، وبالمهمة السرية التي قدم عمر متكتما من أجلها للتداول يتصل بإرث العباس عم النبي قلق شديد

رفض ذلك بشدة احتراما لجالل الموقف أبي بكر دون سواه ممن في الدار ، فهم بمبايعة اإلمام ، غير أن عليا ... اإلمام بالخالفة أيضا فنهره ... ثالث مرات الرهيب .. وتقدم أبو سفيان لمبايعة

النبي األنصار بابن عبادة في السقيفة لم يكن في ابتدائه راميا لالستئثار بتراث للباحث أن اجتماع ويلوحاألمر ، فقد رافق اجتماع السقيفة شيء من بقدر ما كان راميا لتقرير منزلتهم في العهد الجديد . ومهما يكن

لجراح ، غير أنه انتهى بمبايعة أبي بكر حضره أبو بكر وأبو عبيدة بن ا التأزم واالمتعاض ، وبخاصة عندما . الشكل المعروف على

حينذاك ـ قد أن األنصار من األوس والخزرج ـ وفيهم سعد بن عبادة الذي كان مريضا : (1) وخالصة ذلكتقرير مصيرهم في العهد الجديد ، فقال سعد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول مباشرة للتداول في

: بن عبادة لبعض بنيه

ـــــــــــــــــ

تاريخ األمم " : موجودة في أمهات كتب التاريخ اإلسالمي ، وهي هنا ملخصة عن الطبري هذه الخالصة (1) . "والملوك

05الصفحة

، ويردده على مسامع الناس ال يستطيع أن يسمع المجتمعين صوته لمرضه ، وأمره أن يتلقى منه قوله نهإإن لكم سابقة )بعد ذلك . قال سعد ـ يخاطب الحاضرين ـ : فكان سعد يتكلم ويستمع إليه ابنه ، ويرفع صوته

يدعوهم في اإلسالم ليست لقبيلة من العرب ... إن رسول اهلل لبث في قومه بضع عشرة إلى الدين ، وفضيلة تى أراد بكم خير الفضيلة وساق إليكم الكرامةفما آمن من قومه إال قليل ، ح ، إلى عبادة الرحمن وخلع األوثان

غيركم . ثم توفاه اهلل وهو عنكم وخصكم بدينه ، فكنتم أشد الناس على من تخلف عنه ، وأثقلهم على عدوه من . (الناس وأوالهم به راض .. فشدوا أيديكم بهذا األمر فإنكم أحق

إلى السقيفة ، وخطب أبو بكر ر ـ كما ذكرنا ـ وخرجاوأتى الخبر عمر فأتى باب منزل النبي واستدعى أبا بكونحن عشيرة رسول اهلل .. وأنتم ، المهاجرين أول الناس إسالما إنا معاشر المسلمين)في المجتمعين فقال :

خواننا في كتاب اهلل موشركاؤنا في الدين ، وفيما كنا فيه من خير فأنتم أحب الناس إلينا وأكرمه أنصار اهلل .. وا انتقاض هذا واختالطه على علينا .. وأنتم المؤثرون على أنفسهم حين الخصاصة ، وأحق الناس أن ال يكون

فكالهما قد رضيت لهذا وكالهما أراه له أهال ، فقال عمر وأبو أيديكم ، وأنا ادعوكم إلى أبي عبيدة أو عمر ،الحباب بن المنذر من الناس بهذا األمر .. فقامينبغي ألحد من الناس أن يكون فوقك .. فأنت أحق عبيدة : ما

أيديكم .. واهلل ما عبد اهلل عالنية إال عندكم ، فأنتم أهل يا معاشر األنصار ، املكوا عليكم)الجموع فقال : ليكم كانت الهجرة .. فإن أبي هؤالء ، فمنا أمير ومنهم أمير اإليواء . (والنصرة ، وا

.. فقال عمر : هيهات

عبادة ، وكان حاسدا له ، رأى بشير بن سعد الخزرجي ما اجتمعت عليه األنصار من تأمير سعد بن فلما : وكان من سادات الخزرج ، قام فقال

00الصفحة

ن كنا) سالمنا إال رضا اهلل وطاعة نبينا .. إن أيها األنصار إنا وا محمدا ذوي سابقة فإنا لم نرد بجهادنا ، وا . (مه أحق بميراث أمره .. فاتقوا اهلل وال تنازعوهمرجل من قريش وقو

ابسط .. واهلل ، ال نتولى هذا عليك)عمر وأبو عبيدة ، بايعوا أيهما شئتم ، فقاال : هذا)فقام أبو بكر وقال : ذر : سعد فبايعه .. فناداه الحباب بن المن . فلما بسط يده وذهبا يبايعانه .. سبقهما إليه بشير بن (يدك نبايعك

. (! واهلل ما اضطرك إلى هذا األمر إال الحسد البن عمك !عقاق ؟ يا بشير ، عقق)

من رؤساء الخزرج قد بايع ، قام أسيد بن حضير ، وهو رئيس األوس ، فبايع ولما رأت األوس أن رئيسا

وحمل سعد بن عبادة ، وهو أسيد . حسدا لسعد أيضا ومنافسة له أن يلي األمة ، فبايعت األوس كلها لما بايعثم خرج إلى الشام فاغتيل في أواخر خالفة أبي بكر ، وقد اتهم . مريض ، فأدخل إلى منزله فامتنع عن البيعة

. بتدبير مؤامرة االغتيال خالد بن الوليد

اطبهمالبراء بن عازب دار النبي وفيها جثمان الرسول وحوله علي وأهل بيته فخ وبعد االنتهاء من ذلك قصد

لى)قائال : يساره ابن الجراح ، ال يمر بهم أحد وال لقد شهدت أبا بكر بعد السقيفة بعيني : إلى يمينه عمر ، وا . (1) (أبى ـ فمسحوها على يد أبي بكر يمرون بأحد إال قدموا يده ـ شاء أم

ال تخلو من أمور وأحداث تسترعي انتباه الباحثين تلك قصة السقيفة ، وهي قصة

ـــــــــــــــــ

. 413/ 4المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : عبد الفتاح عبد (1)

03الصفحة

معان ويتأمل النتيجة التي أدى إليها ذلك االجتماع الذي أسفر عن ارتقاء فمن يتصفح اجتماع السقيفة بدقة وا الخطير . مر بن الخطاب في هذا الموضوعال يسعه أن يغفل الدور الحاسم الذي لعبه ع ، أبي بكر منبر النبي

تهيئة الجثمان ووضعه في مثواه األخير وال ندري لماذا أحجم ابن الخطاب عن دخول دار النبي والمساهمة فيحينما رأى اجتماع األوس والخزرج في السقيفة ، لالتصال مباشرة بأبي . ولماذا أحجم ثانية عن دخول الدار ،

ليقابله خارج الدار ؟ أن يمكث بباب دار النبي ويرسل شخصا غيره يدعو أبا بكر لماذا فضل عمر بكر ؟البيت ومن أصحاب الرسول ؟ هل كان وجود أبي ولماذا اقتصرت المشاورة على أبي بكر دون سواه من أهل

كان خارجها طليقا يتصل ويفاوض ، من األمور التي وقعت مصادفة ؟ أم بكر داخل دار النبي وبقاء عمرعلى من فيها لضمان وفق خطة معينة اتفق عليها الرجالن ؟ هل بقي أبو بكر في دار النبي رقيبا موضوعا

الموجودين خارجها لتحديد هذا االتصال في حالة عدم مفارقتهم إياها ولمعرفة من يتصل بهم من األشخاصالحادثة ، وبين جيش أسامة وقضية وجوده هناك ؟ هل هناك عالقة بين هذه حدوثه ، أو لمنع حدوثه بمجرد

كانا يتناجيان في مسجد والقرطاس ؟ ما هي األمور التي تم االتفاق عليها بين عمر وابن الجراح عندما الدواةأبو بكر على األنصار بأفضلية المهاجرين ؟ هل كان أبو المدينة قبل أن يدعي إليهما أبو بكر ؟ لماذا احتج

ذا ا ، أم الذين حضروا السقيفة ـ هو وعمر وأبو عبيدة ـ لكسب معركةإطالق بكر يعني المهاجرين الرئاسة ؟ وا اإلسالم كان المهاجرين أولى بميراث النبي من غيرهم ؛ لسابقتهم في

01الصفحة

قريش ؟ وعلي أولى من ولكونهم عشيرة النبي على حد قول أبي بكر ، أفال يصبح الهاشميون أولى منكلمته التي ذكرناها ـ كان ينحصر في السابقة إلى قياس الفضل ـ الذي وضعه أبو بكر فيالجميع ؛ ألن م

في ذلك النبي ؟ لماذا رشح أبو بكر صاحبيه للخالفة دون سائر المهاجرين ؟ ما حقه اإلسالم وفي القرابة مناعته أن يدعو األنصار يكن باستط الترشيح ؟ ما أثر رضائه عن عمر وأبي عبيدة من الناحية الشرعية ؟ ألم

ال بد من حصر الخالفة في المهاجرين ؟ لماذا اقتصر ترشيحه إلى مبايعة من يرتضونه من المهاجرين إذا كانذلك صدفة أم عبيدة ؟ ولماذا رفض عمر وأبو عبيدة هذا الترشيح ؟ ورشحا أبا بكر ؟ هل حدث على عمر وأبي

أسامة وبمناجاة عمر وأبي عبيدة في مسجد األحداث عالقة بجيش أنه كان جاريا وفق اتفاق سابق ؟ هل لتلكالسقيفة أثناء المسير إلى السقيفة ؟ أين كان المهاجرون اآلخرون أثناء اجتماع المدينة ؟ وباجتماعهما بأبي بكراللحظة عفوا ؟ أم كانت هناك أياد خفية أثارته في تلك ، األوس والخزرج ، ؟ هل حصل التنابز بين األنصار

؟ هل كان باستطاعة أبي بكر أو عمر أن يقترحا على األنصار تأجيل البت في أمر الحاسمة من التاريخ

الدواة والقرطاس وبجيش أسامة ؟ الخالفة إلى ما بعد االنتهاء من دفن جثمان الرسول ؟ هل لذلك صلة بحديث . ... تلك أسئلة تسترعي انتباه الباحثين

على ابن الخطاب إن الذي يؤخذ)يها ذات صلة وثقى بشخصية عمر بن الخطاب وعندي أن اإلجابة علنه وضع أبا بكر في كفة الترجيح حقا أنه دعا أبا بكر من دار النبي ولم يدع معه أحدا من آل الرسول .. وا

ري عليهاعبيدة ابن الجراح كأنه وكل بقلوب المسلمين يكشفها ، وبألسنتهم يج دون مشورة رجل واحد غير أبي

الكالم رغم

09الصفحة

وسبقهم عليه باإلسالم .. ولقد كانت في الرجل دفعة ال مراء ، عرفت فيه إبان تخلفه عن كثيرين منهم

فيقتله .. تلك كانت دفعة عمر إسالمه وشركه .. استبدت به جاهليته ذات ليلة ... فأقسم ليمشين إلى محمدلم يأت عليها .. حتى في حضرة الرسول كانت تملكه .. الم .. ولكنهعرفت فيه كبعض خلقه ، راضها اإلس

فإن عمر لم يتحر مشورة رجل واحد من المسلمين قبل أن يبعث رسوله إلى دار .. وكذلك كان يوم الحديبية

(1) (ستصير إليه قيادة اإلسالم النبي يدعوا صاحبه إليه .. لم يتحر مشورة مسلم واحد في ترشيح الرجل الذي

.

* * *

للظروف التي أحاطت بوفاة الرسول وبيعة أبي بكر ، وهناك أمر آخر يتعلق أشد لقد مر بنا وصف مجمل

زعماء قريش من علي بعد وفاة التعلق بموضوع تحويل الخالفة عن علي أشار إليه الجاحظ فيما يتصل بموقف . الرسول ال بد من ذكره في هذه المناسبة

وسفك دماءها وكشف عن )ضد قريش كان قد وترها كما يقول الجاحظ : وبه مع النبيفاإلمام في حر ثالث جاهليا .. وقد وليس اإلسالم بمانع من بقاء األحقاد في النفوس .. هب أنك كنت من سنتين أو .. منابذها

ض ذلك القاتل إسالمك يذهب عنك ما تجده من بغ قتل واحد من المسلمين ابنك أو أخاك ثم أسلمت ، أكانللطمع اإلسالم صحيحا .. ال كإسالم كثير من العرب ـ فبعضهم تقليدا ، وبعضهم وشنآنه ؟ .. هذا إذا كان

لعداوة قوم آخرين من أضداد والكسب ، وبعضهم خوفا من السيف ، وبعضهم عن طريق الحمية واالنتصار علي وبسيف غيره فإن العرب بعداهلل بسيف اإلسالم وأعدائه . واعلم أن كل دم أراقه رسول

ـــــــــــــــــ

. 421/ 4المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : عبد الفتاح عبد (1)

01الصفحة

بعلي وحده ، ألنه لم يكن في رهطه من يستحق في شرعتهم وعادتهم أن يعصب وفاته عصبت تلك الدماء . (1) (تلك الدماء إال علي وحده به

وصيته حال بين علي والخالفة بعد وفاة الرسول مباشرة ، إذا استثنينا النص على ا ذكرنا أن الذييتضح مممسئولية هذا المنصب الخطير ، ولكنه الذي يقول به فريق من المسلمين ، ليس هو شيئا متعلقا بأهليته لتحمل

جثمان الرسول ، وعن تنازع بعض خاصة نتجت عن انشغال اإلمام ب كان ، كما رأينا ، نتاج ظروف اجتماعية

. واألنصار لالستئثار بتراث الراحل العظيم كبار المهاجرين

كان ذلك أدنى إلى .. ولو أنصف الناس حق اإلنصاف ألرجئوا البيعة حتى يتم لهم مواراة جثمان الرسولن سلطان محمد بينهم المهاجرين واألنصار ال يتنازعو الصواب ـ إن لم يكن هو الصواب ـ أن يترك القوم من

ومهما يكن من األمر فقد نحي اإلمام علي . (2) فراشه لم يغيبه عن عيونهم مثواه ومحمد ما زال مسجى على تعاون مع أبي بكر بقلبه ولسانه ويده في جميع األمور التي تتصل بجوهر عن الخالفة ، ولكنه مع ذلك ،

محمدا نذيرا للعالمين .. فلما مضى ، أما بعد ، فإن اهلل بعث) : اإلسالم والمحافظة عليه ، استمع إليه يقولما كان يلقى في روعي ول يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا األمر من تنازع المسلمون األمر بعده ، فواهلل

نه . يبايعو (3) على فالن عن أهل بيته ، ول أنهم منحوه عني من بعده ، فما راعني إل انثيال الناس بعدهإن لم انصر اإلسالم وأهله ، أن فأمسكت بيدي حين رأيت راجعة الناس قد رجعت عن اإلسالم ... فخشيت

. (4) (علي أعظم من فوت وليتكم التي هي متاع أيام قالئل أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به

ـــــــــــــــــ

. (طبعة أولى) 829/ 9، شرح نهج البالغة : ابن أبي الحديد (1)

. 421/ 4عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : (2)

. كناية عن أبي بكر بن أبي قحافة (3)

. (مصر الطبعة األولى ـ) 471: 471/ 1ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (4)

07الصفحة

ن بعده إال في األمور التي ساقه اجتهاده الشخصيبكر أو مع الذين جاءوا م ولم يختلف اإلمام مع أبي

تذكرنا بعض المواقف الغليظة إليها حرصا على اإلسالم كذلك . ويتجلى كبر نفس اإلمام في هذا الباب إذافقد )بتأثير من عمر ، وبخاصة في قضية ميراث فدك : التي وقفها منه أبو بكر في صدر خالفته ، ربما

الخطاب وهو يسير إلى دار فاطمة ... لطلب البيعة ألبي بكر . وهل على ألسنة ابن سبقت الشائعات خطوات

. (1) !! وفيها علي وصحبه الناس عقال يمنعها أن تروي قصة حطب أمر به ابن الخطاب فأحاط بدار فاطمة

وفي عوها ،حجازية قريبة من المدينة ، سكنها اليهود منذ زمن بعيد وعمروها وزر وخالصة قصة فدك : قريةفدك خالصة للنبي من دون السنة السابعة للهجرة أعلن سكانها خضوعهم للرسول ـ دون حرب ـ فأصبحت

(ركاب على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ول وما أفاء الله ) : المسلمين وفق منطوق اآلية الكريمة، فدك في حياته البنته فاطمة ـ بعد أن غرس فيها بيده الكريمة إحدى عشرة نخلة سول، وقد وهب الر (2)

حيث انتزعها منها أبو بكر بعد فكانت السيدة فاطمة هي التي تتصرف بفدك منذ أن وهبها لها أبوها حتى وفاته . توليته الخالفة مباشرة

بلى ، كانت في أيدينا فدك) : نيف حين قالفي إحدى رسائله إلى عثمان بن ح وقد أشار إلى ذلك اإلمام

. (3) (... من كل ما أظلته السماء ، فشحت بها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين

ـــــــــــــــــ

. 847/ 4المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : عبد الفتاح عبد (1)

. 7الحشر : (2)

. (الطبعة األولى ـ مصر) 92 / 1ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (3)

34الصفحة

وكان على الخليفة ، وقد . فالسيدة فاطمة إذن تستحق ميراث فدك من ناحيتين ، هما : الميراث ، والنحلةمجاملة للرسول ولها ، ويقترح ـ في حالة اختالفه معها ـ إنفاق ارتأى انتزاعها منها ، أن يبقيها تحت تصرفها

أباها ، وأن النبي لم ه الخير التي يتفق عليها الطرفان ، هذا إذا سلمنا جدال بأنها ال ترثوجو بعض غلتها في . يهبها إياها في حياته

ر أن ينتزعها من السيدة ، أن يستبقيها كما كان على الخليفة كذلك ، من الناحية القانونية العرفية ، وقد قرومن الطريف أن نذكر قبل التصدي للبحث في طبيعة النزاع بين . في يدها إلى أن يثبت له عدم أحقيتها بها

الملك قسمها في قضية فدك ، أن فدك بقيت بيد الخلفاء الراشدين ، فلما استولى معاوية على الزهراء وأبي بكر، ةابنه ، وهو أمر على جانب كبير من الغراب مثالثة بين : مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان بن عفان ويزيد

في خالفته فوهبها البنه عبد العزيز الذي وهبها بدوره البنه عمر الذي غير أنها قد أصبحت خالصة لمروانأول ظالمة ردها ، فلما : عند توليته الخالفة ألوالد فاطمة . وكان رده إياها ، على ما يقول المؤرخون ردها

لك إلى سقوط دولتهم . فلما جاء العباسيون وبقيت كذ ولى يزيد قبضها منهم فصارت في أيدي بني مروان ،المأمون ثم قبضها المنصور ، وردها ابنه المهدي ، وقبضها الهادي والرشيد ، وردها ردها السفاح إلى أهلها ،

وبعد ذلك ضاعت معالمها على .. بعد أن ناظره في أمرها شيخ طاعن في السن ، ثم قبضها المعتصم . المؤرخين

نويلوح مما ذكرن شاء قبضها عنهم ؛ وفق : ا أن فدك كانت وسيلة بيد الخليفة ، إن شاء ردها ألهلها وا الطالبيين في زمانه من األحداث السياسية العامة في الدولة مزاجه الخاص وحالته النفسية من جهة ، وموقف

. من جهة أخرى

36الصفحة

ويشير ، عهد المأمون بشكل يدعو إلى التأملورثة السيدة فاطمة قد حصل في ولما كان إرجاع فدك إلىذكره فيها وال غموض ، إلى حق السيدة في فدك ؛ لذلك نرى هنا إثباته بالشكل الذي بصراحة ، ال لبس

وكتب بذلك إلى قثم ، أمر المأمون .. برد فدك إلى ولد فاطمة ، عشرة ومئتين ولما كانت سنة) : (1) البالذريبمكانة من دين اهلل وخالفة رسوله والقرابة به أولى من ينة : أما بعد ، فإن المؤمنينبن جعفر عامله على المد

أعطى وسلم لمن منحه منحة وتصدق عليه بصدقة منحته وصدقته . وقد كان رسول اهلل استن سنته ونفذ أمرهختالف فيه .. فرأى أمير معروفا ال ا فاطمة بنت رسول اهلل فدكا وتصدق بها عليها . وكان ذلك أمرا ظاهرا

با إلى اهلل بإقامة حقه وعدله المؤمنين أن يردها إلى ورثتها لى رسول اهلل بتنفيذ أمره ، ويسلمها إليهم تقر وا به إلى عماله . فلئن كان ينادى في كل موسم بعد أن قبض وصدقته . فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتابة

ألولى بأن يصدق كانت له صدقة أو عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدته ، أن فاطمة يذكر كل من اهلل رسوله : أنيأمره برد ، مولى أمير المؤمنين ، المبارك الطبري قولها فيما جعل رسول اهلل لها . وقد كتب أمير المؤمنين إلى

من الرقيق والغالت وغير إليها وما فيها فدك على ورثة فاطمة بنت رسول اهلل بحدودها وجميع حقوقها المنسوبةبن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومحمد بن عبد ذلك إلى : محمد بن يحيى بن الحسين

بها ألهلها . بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لتولية أمير المؤمنين إياهمها القيام اهلل بن الحسنلى رسوله واعلمه من من طاعتهفأعلم ذلك من رأى أمير المؤمنين وما ألهمه اهلل ووفقه له من التقرب إليه وا

. قبلك

ـــــــــــــــــ

. 47، 46 فتوح البلدان ص (1)

33الصفحة

وأعنهما على ما فيه ، بن عبد اهلل بما كنت تعامل به المبارك الطبري وعامل محمد بن يحيى ومحمدوقد كتب ذلك في يوم األربعاء لليلتين خلتا من ذي . (اهلل . والسالمعمارتها ومصلحتها ووفور غالتها إن شاء

. هـ 840القعدة سنة

إلى حديث انفرد بذكره (ناحية الميراث)في موضوع فدك من (1) السيدة فاطمة وتصدي أبو بكر للرد علىكذلك بذكر حديث بو بكروقد انفرد أ . (نحن معاشر األنبياء ل نورث . ما تركناه صدقة) : على ما يبدو ، هو

ما قبض نبي إل ودفن ) : رسول اهلل يقول آخر عندما اختلف المسلمون في محل دفن النبي فقال : سمعت

في ـ على ما يذكر الطبري ـ يخبرنا أن الكثيرين من أنبياء بني إسرائيل قد دفنوا في حين أن التاريخ (حيث قبض . غير األماكن التي قبضوا فيها

أشد االستغراب ، وكانت هي دون شك أولى من غيرها بسماعه ؛ ألنه يخصها ربت السيدة من ذلكوقد استغإلى أبي بكر مطالبة مما يخص أبي بكر . كما أن عليا لم يسمعه كذلك ؛ بدليل أن فاطمة لم تخرج أكثر

ذن منه كذلك . وال ندري حديث إلى أبي بكر دون لماذا همس الرسول بهذا ال بميراثها من فدك إال بعلم منه وا يصبح أبو بكر طرفا في النزاع على هذا الميراث الذي يتصل بفاطمة وبنيها أشد سائر المسلمين ؟! وقبل أن

!! االتصال

. بنظر فاطمة ـ أنه يتنافى هو وكثير من اآليات القرآنية الصريحة في هذا الباب ومما يضعف هذا الحديث ـ

ـــــــــــــــــ

باثنتين وسبعين ليلة ـ السيدة فاطمة من موقفه ، ولم تكلمه إلى أن توفيت ـ بعد وفاة أبيها متعضتوقد ا (1) . يغضبني ما يغضبها فاطمة بضعة مني : قال (وسلم صلى اهلل عليه)وذكر البخاري في الصحيح أن النبي

(الناشر)

35الصفحة

: ستثنى األنبياء من ذلك ، قوله تعالى في سورة النساءبشكل مطلق ، دون أن ي فقد جاء في ذكر الميراث

الميراث الذي وقع بالفعل لألنبياء الذين وجاء في ذكر . (1) (الله في أولدكم للذكر مثل حظ األنثيين يوصيكم )منطق الطير وأوتينا أيها الناس علمنا ود وقال ياوورث سليمان داو ) : النمل سبقوا محمدا قوله تعالى في سورة

وهن العظم قال رب إني) وخاطب زكريا ربه في سورة مريم . (2) (الفضل المبين من كل شيء إن هذا لهو ني خفت الموالي من ورائي مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن وكانت امرأتي عاقرا فهب بدعائك رب شقيا * وا

. (3) (يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا * لي من لدنك وليا

شتها ألبي بكر بمحضر جماعة من الصحابة ، ثم ختمتإلى ذلك كله في مناق لقد أشارت السيدة فاطمة

تلقاك يوم حشرك ... فنعم الحكم اهلل ... والموعد فدونكها مخطومة مرحولة ،) : محاورتها مع الخليفة قائلة أبي ؟ يخسر المبطلون ... يا ابن أبي قحافة ! أفي كتاب اهلل أن ترث أباك ول أرث القيامة ، وعند الساعة

وأولو) : اهلل ونبذتموه وراء أظهركم ؟ ألم تسمع قوله تعالى ، أفعلى عمد تركتم كتاب (ئت شيئ ا فريا ج لقد )

أخصكم اهلل بآية أخرج أبي منها ؟ أم تقولون : أهلي ملتين ل ؟ (األرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله

أبي وابن عمي من أهلي ملة واحدة ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه منأولست أنا وأبي يتوارثان ؟ ؟

الخليفة مصر على رأيه تركت األمر وأعرضت عنه . ويلوح للباحث أن السيدة ولما رأت السيدة فاطمة أن

فاطمة كانت عارفة منذ البداية أن الخليفة سوف

ـــــــــــــــــ

. 44النساء (1)

. 47النمل (2)

. 7، 1مريم (3)

30الصفحة

أنها لم تعرف من حيث ال يعيد لها فدك ، وأنها ذهبت إليه إللقاء الحجة عليه ، ولعل ذلك راجع إلىعلى سلب الخالفة من صاحبها الشرعي بنظرها لهو األساس بشرعية خالفته ، فالشخص الذي له القدرة والجرأة

! أقدر على سلب فدك وأمثالها

عامة ، أمكنه أن يقول : إن أمعن الباحث في الحديث الذي ذكره أبو بكر في ضوء سيرة الرسول بصورةإذا نحن ) : التي جاء بها اإلسالم ، فما عرف عنه أنه قال الرسول لم يستثن نفسه من الخضوع للقواعد العامة

ده ! فهل لقضية فدك جانب فكيف يعزل عن ميراث فدك وح (األنبياء ال نصلى أو ال نصوم ... إلخ معاشرالتي إخضاع السيدة فاطمة وزوجها ألوامر الخليفة إلرغامها على االعتراف بخالفته سياسي ؟ هل قصد بذلك

بذلك حرمان علي من التمتع قابالها بالصدود واالمتعاض ؟ وهل لهذا الموضوع جانب اقتصادي ؟ هل قصدكتفيا من الناحية االقتصادية وليصرفه ذلك عن المطالبة م بواردات فدك ، وهي مورده الوحيد ؛لكيال يصبح

لمواجهة لموضوع فدك جانب مالي يتصل بوضع الدولة اإلسالمية آنذاك وحاجتها إلى المال بالخالفة ؟ هليتعلق بمحاولة تضعيف موقف آل النبي الذين اتهموا باالرتداد عن دفع الزكاة ؟ هل لقضية فدك جانب معنوي

قد حرمهم كل شيء حتى ميراثه من فدك ، فتضعف حجتهم بالمطالبة سلمين ، فيقال : إن النبيعند عامة الماستشهد به لموضوع فدك أكثر من عامل واحد ؟ ثم لماذا وضع الرسول ـ إن صح الحديث الذي بالخالفة ؟ هل

الهدف الذي كان يرمي األنبياء كافة ؟ ما الخليفة ـ صيغته بهذا الشكل من اإلطالق بحيث جعله يشمل معاشركان يخشى أن تتصرف السيدة فاطمة بعوائد فدك في غير أوجهها السليمة إليه الرسول من هذا الحديث ؟ هل

ذا كان األمر كذلك فلماذا وضعها تحت تصرفها في حياته ؟ ؟! وا

33الصفحة

من ننا عثرنا على نقاش رائعأن ننبه القارئ إلى أ (ناحية النحلة)لبحث فدك من ويجمل بنا قبل أن نتصدىاألول : ينفي أن (1) الحديد حيث الفكرة واألسلوب حصل بين قاضي القضاة والشريف المرتضى ذكره ابن أبي

يتضمن إال وراثة العلم والفضل األنبياء ، والثاني : يثبته . يدلل األول على رأيه بأن ما ورد في القرآن ال يورثوالعقار أو ال ، ومن ثم العلم والفضل من باب التجوز ؛ وأن إلرث يتضمن المال. ويبرهن الثاني على أن ا

واالتساع ، اللغة وما يتصل بها من المشتقات تعني ميراث األمور المعنوية من باب التجوز كلمة ميراث فيحمل يقتصر عليه ، بل يجب أن ن وأن الداللة إذا دلت في بعض األلفاظ على معنى المجاز فال يجب أن

ذا فرضنا جدال أن الميراث يقتصر على معناها على الحقيقة التي هي األصل إذا لم يمنع من ذلك مانع . وا ! يكون آل النبي ، بحكم ذلك الميراث ، أولى من غيرهم بالخالفة العلم والفضل أال

. (ناحية الميراث) ذلك ما يتصل بموضوع فدك من

فطلب ، فقد ذكرت السيدة فاطمة ألبي بكر أن رسول اهلل قد وهبها فدك ، (ناحية النحلة) أما ما يتصل به منالرسول ـ فلم يلتفت إلى ذلك وبدا كالمتشكك الخليفة منها البينة على ذلك ، فقدمت له عليا ، وأم أيمن ـ مربية

السيدة فاطمة ؛ فليس من المتوقع أن تكذب (2) أن يسمو بها عن التشكك في شهادة سيدة ، قمين بأبي بكر، وفي مسألة تافهة كفدك ، أو أن تكذب أم أيمن العجوز الجليلة التي على أبيها بعد موته بعشرة أيام فقط

أم أيمن التي خرجت مهاجرة إلى رسول اهلل من مكة إلى المدينة وهي ، الرسول من المهد إلى اللحد رافقتأبي لى النبي وأم أسامة بن زيد !! أو أن يكذب ابنأم أيمن زوج زيد بن حارثة مو ، معها زاد ماشية وليس

!! طالب

ـــــــــــــــــ

. 409ـ 92/ 1البالغة : شرح نهج (1)

. 847/ 4عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : (2)

31الصفحة

. (1) اطمة وأذهب عنهما الرجسأن يتذكر أن اهلل قد أنزل قرآنا في علي وف وال ندري كيف فات أبا بكر

ناقة الخليفة برواية فاطمة وحدها كما اكتفى أبوها قبل ذلك حين نازعه أعرابي في وقد كان المتوقع أن يكتفيوجعلها شهادتين ؛ فسمى : ذا ادعى كل منهما أنها ناقته . فشهد خزيمة بن ثابت للرسول فأجاز شهادته

ـ ال يحتاج إلى شهود ذلك ؛ ألنها روت رواية عن أبيها ، طمة ـ مع هذاالشهادتين ، ولكن موضوع السيدة فا

من شكها في رواية أخرى . وأن السيدة فاطمة لم تطلب منه البينة على ما ادعاه على الرغم كما روى أبو بكر . صحته

: الدعوى أما الشهود فموقعهم في

أجل مسمى فاكتبوه ... لذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلىيا أيها ا) : سورة البقرة استمع إلى قوله تعالى فيوالحجة التي نستند إليها في أهمية . (2) (رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان واستشهدوا شهيدين من

حيث صدقها ـ ال يقل ، على أسوأ الفروض ، عن موقع خزيمة بن سول ـ منشهادة فاطمة أن موقفها عند الر الحق وقول الشيء نفسه على أم أيمن ، وابن أبي طالب الذي لم يعرف عنه قط إال اتباع ثابت . ويصدق

رسول اهلل ونعله وعمامته في يد علي الصدق . فموقف أبي بكر غريب في بابه : وأغرب منه أنه ترك سيفشهادة قامت . كما أنه لم ينتزع من علي الخاتم والسيف اللذين وهبهما يل النحلة ، بغير بينة ظهرت والعلى سب

فاطمة بعد موته ، وال بحجر النبي أثناء مرضه . ولم يطالب كذلك بثياب الرسول التي مات فيها فأخذتها له . رسول اهلل التي بقيت بيد نسائه

ـــــــــــــــــ

. 99: األحزاب (1)

. 828البقرة : (2)

39الصفحة

ـ البينة على دعواه حين زعم أن رسول اهلل وعده (1) ـ على رواية البخاري ولم يطلب أبو بكر من جابر . المال ، بل سلمه إياه عند ما ورده مال من قبل العالء بن الحضرمي بإعطائه مقدارا معينا من

ادعى البينة ـ عندما قدم عليه مال من البحرين ـ من أبي بشير المازني حينيطلب كما أن أبا بكر أيضا لمنما دفع له حفنتين أو ثالثا من ذلك المال إذا جاءنا شيء فائتنا : أن النبي قال له . ، وا

ذا كان النبي ال يورث ، وما تركه صدقة ، فكيف يجوز أن يوارى جثمانه في الحجرة التي كانت تسكنها وا

. مباشرة بحكم ذلك الحديث وجته عائشة بنت الخليفة ؟ ألن تلك الحجرة قد أصبحت صدقة بعد وفاة الرسولز

يدفنون الحديث وبين الحديث اآلخر الذي انفرد بذكره أبو بكر القائل بأن األنبياء ثم كيف نوفق بين ذلكعلى تناقضهما ؟ (الحديثين)تويات مح حيث يقبضون ؟ أفي الحديث ناسخ ومنسوخ ؟ ثم كيف نفذ الخليفة

يمكننا أن نقول : إن النبي يموت في أحد موضعين : ما كان يملكه قبل وبقدر ما يتعلق األمر بالحديث الثانيألنه أصبح صدقة على وما كان يملكه غيره من الناس . وال يجوز أن يدفن جثمانه في المحل األول ! وفاته

الثاني ألن ملكيته عائدة لغيره . كيف السبيل إلى ال يجوز دفنه في المحل رواية أبي بكر عن النبي ، كماال الحرج ؟ ثم كيف جاز ألبي بكر نفسه أن يطلب بدفن جثمانه قرب النبي ؟ في أرض الخروج من هذا المأزق

ذا كان دفن جثمان النبي على الشكل الذي لحديث الذي ذكرناه مستندا إلى ا حق له بها من الناحية الشرعية ؟وا في طلب دفنه بجوار النبي ؟ هل قال النبي : يدفن الخليفة ذكره أبو بكر ، فإلى أي حديث يستند أبو بكر

األول قريبا مني ؟

ـــــــــــــــــ

. 180 / 3 : صحيح البخاري (1)

31الصفحة

بعد تفسير آيات الميراث ، وأغرب منه أن كثيرا من المفسرين قد تكلفوا فيما كل ذلك غريب في بابه ،

على العلم والفضل ، دون فزعموا للرد على من طعن بصحة الحديث بأن الوراثة المذكور في القرآن مقصورةوهو أمر يخالف ما ألفه الناس من قديم الزمان ، سائر األمور . ولسنا نعلم كيف يورث العلم والفضل ،

تماع ؟النفس وعلم االج ويتعارض مع أبسط مبادئ علم

الوقت الخليفة يحرم السيدة فاطمة ميراث فدك ليطبق الحديث الذي انفرد بذكره ، في وأغرب من ذلك كله أنبضعة مني ، من آذاها فاطمة) : نفسه الذي يخالف فيه حديثا آخر أجمع الرواة على صحته باعتراف أبي بكر

اإلضافة إلى كل ما ذكرنا ـ كيف فات أبا بكر أن ب وال ندري ـ . (1) (فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى اهللالعاص بن الربيع زوج زينب بنت خديجة زوج النبي حين أسر في بدر مع يتذكر موقف الرسول من أبي

لى القارئ تلك القصة على رواها ابن األثير .. المشركين : (2) وا

. (3) زوج زينب بنت خديجةالعاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس وكان في األسآرى أبو)

ـــــــــــــــــ

(الناشر) . في صحيحه أخرجه البخاري (1)

. 31ـ 39/ 8الكامل في التاريخ : (2)

ففعل قبل أن يوحى إليه ، فلما وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة زوج رسول اهلل ، فسألته أن يزوجه زينب (3)مشركا ، ولم يستطع الرسول في بادئ األمر أن يفعل شيئا تجاه عاصأوحى إليه آمنت به زينب وبقى أبو ال

سراحه كما أو زوجها المشرك . فلما هاجر إلى المدينة ووقعت بدر وأسر أبو العاص وأطلق زينب المسلمةر فأرسل الرسول زيد بن حارثة مواله ورجال آخ ذكرنا ، أخبر النبي بأنه سوف يرسل إليه زينب إلى المدينة ،

. فلما قدم أبو العاص أمرها باللحاق بالنبي ففعلت ذلك . من األنصار ليصحبا زينب من مكة

37الصفحة

األسآرى ، بعثت زينب بفداء أبي العاص زوجها بقالدة لها كانت خديجة أدخلتها فلما بعثت قريش في فداء

وتردوا عليها الذي لها أن تطلقوا أسيرهاإن رأيتم : معها ، فلما رآها رسول اهلل رق لها رقة شديدة ، وقالتاجرا إلى الشام بأمواله ، فأطلقوا لها أسيرها وردوا القالدة ... فلما كان قبل الفتح خرج أبو العاص فافعلوا

اهلل فأخذوا ما معه وهرب منهم ، فلما كان الليل أتى إلى وأموال رجال قريش . فلما عاد لقيته سرية لرسولأيها ) : زينب . فلما كان الصبح خرج رسول اهلل إلى الصالة فنادت زينب من صفة النساء على المدينة فدخل

ذا : الناس ، إني قد أجرت أبا العاص .. فقال رسول اهلل إن رأيتم أن تردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك ، وا نرده عليه ، فردوا ماله كله حتى قالوا : يا رسول اهلل . الذي أفاء عليكم وأنتم أحق به أبيتم فهو فيء اهلل

. (1) (الشظاظ

ال ترث أبيها ، وأن النبي لم يهب نقول : ألم يكن باستطاعة أبي بكر ـ في حالة التسليم معه بأن السيدة فاطمةأشرنا إليه ؟ مع وجود الفارق الكبير بين الحالتين ، فقد وهب المسلمون فدكا لها ـ أن يتخذ موقفا كهذا الذي

حالة التسليم بصحة ألبي العاص المشرك ، وكانوا ـ دون شك ـ على استعداد تام لوهب حقوقهم ـ في همحقيكن تصرف الرسول مع أبي العاص ـ في الحالتين ـ اإلجراءات التي اتخذها الخليفة ـ إلى ابنة الرسول . ألم

!! ةبكر لها ـ في هذه الحالة ـ منسجما مع السن سنة ! فهل يعتبر ترك أبي

ـــــــــــــــــ

. شظاظ على وزن كتاب ، وهو : خشبة عقفاء تجعل في عروتي الجولقين (1)

60 الصفحة

ب ـ عمر بن الخطاب

نه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى .. فسدلت (1) أما واهلل لقد تقمصها) ابن أبي قحافة ، وا

فصبرت على طول المدة .. فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعدهدونها ثوبا .. حتى إذا مضى األول لسبيله . (إذ عقدها لخر بعد وفاته ، لشد ما تشطرا ضرعيها وشدة المحنة .. فواعجبا بينما هو يستقيلها في حياته

عمر نفسه الخالفة التي تسلمها أبو بكر بجهود عمر ـ كما ذكرنا في حديث السقيفة ـ إلى وهكذا كان ! انتقلتاستدعى قبل وفاته عبد الرحمن بن بعد وفاة صاحبه . وقبل أن يوصى أبو بكر بالخالفة من بعده لعمر ،

: تخليفه عمر بن الخطاب ، فسألهما رأيهما في عمر عوف وعثمان بن عفان الستشارتهما في موضوع

المركز األول يحتل مع العلم أن عمر كان (2) (أفضل من رأيك فيه) فكان جواب األول : أن عمر

ـــــــــــــــــ

فسدلت : أرخيت ... جعلها كالقميص مشتملة عليه ، والضمير للخالفة ، ولم يذكرها للعلم بها : تقمصها (1) وتدلوا بها ول تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) : قوله تعالى من (فأدلى بها) : ... ومضى لسبيله : مات ... وقوله

إليهم رشوة . وأصلها من أدلت الدلو في البئر أرسلتها ... كان علي أي تدفعوها (422البقرة : ) (إلى الحكام ابن أبي الحديد ، شرح . العدول عنه إلى غيره إخراج لها إلى غير جهة االستحقاق ... من باب االستعارة يرى

. (طبعة األولىال) 79ـ 10/ 4نهج البالغة :

. 893/ 4عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : (2)

16الصفحة

عند أبي بكر ، فكيف به إذا كان أحسن من رأى أبي بكر فيه !؟

. (1) (أن سريرته خير من عالنيته ، وأن ليس فينا مثله)وكان جواب الثاني :

اتجاه الخليفة فجاماله ، وعلى أي حال فقد نان حقا بما قااله ، أم أنهما عرفاوال ندري فيما إذا كان الرجالن يؤم . لعمر كما هو معروف أمر أبو بكر عثمان أن يكتب عهده

عليه قبل أن يذكر اسم ويذكر المؤرخون أن أبا بكر عندما كان يملي عهده البن الخطاب على عثمان أغمىذلك من االتجاه العام لمجرى األمور . فلما أفاق ! مستدال على ابن الخطاب ، وأن عثمان وضعه من نفسه

. قرأ العهد عثمان عليه ، فأقره واستحسنه ، أبو بكر

؟ ولو فرضنا أن أبا بكر نعلم كيف أجاز عثمان لنفسه ذلك ؟ أينسجم ذلك العمل مع أوليات مبدأ األمانة لسناو العهد سليما من الناحية الشرعية ؟ وال ندري لماذا استشار أبو ارقد توفي أثناء تلك اإلغماءة ، فهل يجوز اعتب

أمر الخالفة بعده الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان دون سائر الصحابة ، ولماذا فكر أبو بكر في بكر عبد آله صلى اهلل عليه و )بالذات ـ في حين أن الرسول من الناحية المبدئية العامة ـ بغض النظر عن تولية عمر

أبي بكر ، لم يفكر في هذا األمر ؟ ، من وجهة نظر (وسلم

ذا كانت مصلحة المسلمين تستلزم ذلك ، فهل يكون أبو بكر أحرص من النبي عليها (صلى اهلل عليه وسلم) وا ذا كان ترك الرسول أمر الخالفة من بعده للمسلمين أنفسهم ـ حسب وجهة نظر بعض المسلمين ـ سنة ، ، وا

لعمر يتفق مع السنة ؟ فهل إيصاء أبي بكر

سواه من المسلمين ؟ والشيء ثم لماذا سأل أبو بكر : عبد الرحمن وعثمان عن رأيهما في عمر بالذات دون : الذي ال يرقى إليه الشك هو

ـــــــــــــــــ

. 810/ 4عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : (1)

13الصفحة

يستطاع حقا حين استخلفه .. ولكن األسلوب الذي انتهجه عند االختيار كان أسلوبا أن أبا بكر رأى لعمر عليه)الواجبة ، بل بدأ كأنه اضمر التثبيت ، وشاء وسمه بالهنات واألخطاء ! فإن الشيخ لم يتناول األمر بالصراحة

ي الخطأ الذي وقع فيه عمر من قبل عند وفاة الرسولالرسول ، ووقع بهذا ف تدبيره على غير علم من آل بيت

. (1) (، الذي كان أولى بالرعاية وبالحساب من سواه (عليا )اسقط أبو بكر من حسابه ..

النبي حقا ، كما سلف أن ذكرنا ، أن أبا بكر الذي كان يذهب مذهب القائلين بأن ومما يلفت النظر في األمر لمسلمين قد أوصى بالخالفة من بعده لعمر !؟ترك أمر الخالفة من بعده ل

* * *

لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم .. فيا هلل وللشورى ! متى اعترض الريب حتى إذا مضى الثاني)

. (2) (!! في مع األول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر

قيل له : يا (4) لما طعن عمر بن الخطاب) : (3) على ما يذكر ابن األثير قال عمر بن ميمون األسدي ، : ، لو استخلفت ؟ فقال أمير المؤمنين

ـــــــــــــــــ

. 238 / 1 : ، اإلمام علي بن أبي طالب المقصود عبد الفتاح عبد (1)

. (الطبعة األولى) 79ـ 10/ 4ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (2)

. 91/ 9الكامل في التاريخ : (3)

لى القارئ ما ذكره ابن خلدون في مسألة مصرع الخليفة الثاني (4) العبر وديوان المبتدأ والخبر في كتاب)وا

كان للمغيرة بن شعبة مولى ) (978/ 8ذوى السلطان األكبر : أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم منإليه وقال : الخراج ، فلقى يوما عمر في السوق فشكا اسمه أبو لؤلؤة ، وكان يشدد عليه في من نصارى العجم

يوم ، قال : وما صناعتك ؟ قال : نجار ، أعدني على المغيرة ؛ فإنه يثقل علي في الخراج درهمين في كل بالكثير على هذه الصنائع .. وقد بلغني أنك تقول : أصنع رحى حداد ، نقاش ، فقال : ليس ذلك

15الصفحة

هذه عبيدة حيا الستخلفته ، وقلت لربي إن سألني : سمعت نبيك يقول : إنه أمين ؟ لو كان أبو من استخلفإن سالما شديد )سمعت نبيك يقول : : األمة . ولو كان سالم مولى حذيفة حيا الستخلفته وقلت لربي إن سألني

. (الحب هلل

على حد تعبير ابن الخطاب ، (أمين هذه األمة)نه حيا الستخلفه عمر ، ال لكو وعندي لو أن أبا عبيدة كان

وألصبح الخلفاء الراشدون ولكن ألنه كان ثالث أصحاب السقيفة ، ولتأخر بذلك استخالف عثمان بن عفان ،على الشكل الذي (الخليفة الرابع)األحداث في عهد عثمان خمسة ـ في حالة وصول الخالفة لعلي ـ وجريان

. (الخليفة الثالث)هو و جرت عليه في عهده

النبي عمر وبين دفع الخالفة إلى أبي عبيدة بعد وفاة الرسول مادام قد سمع قول وال ندري ما الذي حال بينلوا الخالفة إلى ابن الجراح ، أو إلى سالم !! أو أن اآلنف الذكر ! وأن يقترح على األنصار في السقيفة أن يحو

ألن األنصار أن يبايعوا عمرا أو أبا عبيدة : إننا نبايع أبا عبيدة أو سالما منيقول ألبي بكر آنذاك حين طلب دون أن يقول فيه الرسول ما قاله في الرسول قال فيهما كذا وكذا !! ولماذا بايع ابن الخطاب أبا بكر بالخالفة

بعده إلى أبي عبيدة بدال من عمر على أبي بكر أن يسلم الخالفة من أبي عبيدة أو في سالم ؟ ولماذا لم يقترح (1) نفسه ؟ عمر

ـــــــــــــــــ

رحى ، قال : أصنع لك رحى يتحدث الناس بها . وانصرف . فقال عمر : توعدني تطحن بالريح ، فاصنع لي

. (الخنجر ، فضرب عمر العلج !! فلما أصبح الصباح خرج عمر إلى الصالة ... ودخل أبو لؤلؤة وبيده

. باالمتناع عن أداء الزكاة ن سالما قتل في أوائل خالفة أبي بكر أثناء حرب الذين اتهمواأل (1)

10الصفحة

ذا كانت شروط الخالفة ال تخرج عن توافر حب الشخص هلل أو كونه أمين هذه األمة بشهادة الرسول فعلي وا ما ذكره اإلمام مسلم وم خيبر علىأبي طالب أولى من غيره ؛ فكيف غاب عن ذهن عمر قول رسول اهلل ي بن

لعلي ؟ وتسليمه الراية (... الراية غدا رجال يحب اهلل ورسوله ألعطين هذه) : (1) في صحيحه

استدعى عمر بن الخطاب قبيل وفاته علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وسعد بن ومهما يكن من شيء فقد

تشاوروا ثالثة أيام ، وليصل بالناس إذا مت)عوام ، وقال لهم : أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن الوعليكم أمير منكم ، وليحضر عبد اهلل بن عمر مشيرا .. وطلحة بن عبيد صهيب ، وال يأتين اليوم الرابع إال

سين األنصاري : اختر خم شريككم في األمر . فإن قدم الثالثة فاحضروه أمركم . وقال ألبي طلحة (2) اهللرجال منهم . وقال للمقداد بن األسود : إذا وضعتموني رجال من األنصار فاستحث هؤالء الرهط حتى يختاروا

الرهط في بيت حتى يختاروا رجال منهم .. فإن اجتمع خمسة وأبى واحد فاشرخ فاجمع هؤالء (3) في حفرتي

ن اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب رءوسهما . وا رجال وثالثة رجال ، فحكموا ن رضى ثالثةرأسه بالسيف . وا واقتلوا الباقين إن رغبوا عما (4) الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف عبد اهلل بن عمر ، فإن لم يرضوا فكونوا مع

. اجتمع عليه الناس

جنازته صلى عليه صهيب ، فلما دفن جمع المقداد أصحاب فلما مات عمر وأخرجت

ـــــــــــــــــ

. 881/ 8صحيح مسلم (1)

. وكان غائبا عن المدينة آنذاك (2)

. تذكر ان جثمان الرسول لم يوضع في حفرته وعقد اجتماع السقيفة المشهور (3)

استخالفه عمر ، وما صنعه تذكر شهادة عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان عند أبي بكر بشأن (4) . عثمان عند كتابته عهد أبي بكر لعمر

13الصفحة

فقال عبد الرحمن : أيكم يخرج منها نفسه .. على أن يوليها أفضلكم ؟ فلم يجبه ... الشورى ... وطلحة غائب

قد رضينا ، وعلي ساكت ، : أحد ، فقال : فأنا أنخلع منها ، فقال عثمان : أنا أول من رضى ، وقال القوم

، ول تتبع الهوى ، ول تخص ذا رحم ، ول لتؤثرن الحق أعطني موثقا : فقال : ما تقول يا أبا الحسن ؟ قال . (2) فأعطاه الموثق المطلوب (1) تألوا األمة نصحا

وسنة أبايعك على كتاب اهلل)الحاضرين نظر ابن عوف إلى علي بن أبي طالب وقال : وبعد نقاش طويل بينفعدل عنه . رسوله واجتهاد رأيي اهلل وسنة بل على كتاب : رسوله وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر ، فقال علي

قوله ... فعل ذلك عبد الرحمن ثالثا . إلى عثمان ، فعرض عليه ذلك ، فقال : نعم ، فعاد على علي . فأعادوأن عثمان ينعم باإلجابة ، صفق على يد عثمان وقال : السالم عليك يا فلما رأى عليا غير راجع عما قاله ،

(3) ألنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه واهلل ما فعلتها إل : ويقال : إن عليا قال المؤمنين .. أمير

.

ـــــــــــــــــ

. 97، 91/ 9 (الكامل في التاريخ :) ابن األثير (1)

ومن ثم . المواثيق في أمثال هذه األمور الخطيرة لغرض الحصول على الغاية المرجوة وما أكثر إعطاء (2)الخالص إلى وضع تلك المواثيق ظنا منهم بدأ التسويف والمماطلة واالنحراف ، وما أكثر الذين يدفعهم إيمانهمي

. يخرجوا عليها فإن غيرهم ال يستطيع أيضا أن يخرج عليها أنهم ما داموا ال يستطيعون أن

عليه )ويظهر من كالم اإلمام . (الطبعة األولى) 79ـ 10/ 4ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (3) (الناشر) وعمر حول تولي الخالفة أن اتفاقا سابقا كان بين أبي بكر (السالم

11الصفحة

سيرة عفوا أم أنه أمر مبيت قبل االجتماع ؟! أليس القصد من وضعه شرط اتباع فهل فعل ذلك عبد الرحمن هذا يحتاج إلى مناقشة وتدقيق على أن موضوع الشورى مع الشيخين يتضمن سلفا إخراج علي من الموضوع .

.

: يجمل بنا أن نشير إلى األمرين التاليين وقبل أن نتصدى لمناقشته

أن عمر : رواية تتعلق بتصريح لعمر بن الخطاب أثناء انشغاله في قضية الشورى فحواه (1) ـ ذكر الطبري 1ذكرنا ، قال لبعض عائديه من اة أبي عبيدة وسالم كمالما طعن ورفض أمر االستخالف ، وندم على وفإني كنت قد أجمعت قبل مقالتي لكم أن أنظر فأولي رجال ) الصحابة وفيهم علي ـ قبل تعيين رهط الشورى ـ

أن يحملكم على الحق ـ وأشار إلى علي ـ أمركم هو أحراكم

فيضمه إليه ويصيره تحته ، كل غضة ويانعةورهقتني غشية فرأيت رجال دخل جنة ثم غرسها ، فجعل يقطف . أريد أن أتحملها حيا وميتا فعلمت أن اهلل غالب على أمره ومتوف عمر ، فما

زيد بن عمرو بن نفيل منهم ، . سعيد بن (إنهم من أهل الجنة)عليكم هؤالء الرهط الذين قال رسول اهلل : ذين الرجلين : علي وعثمان ، فإن ولي عثمان فرجل فيه لين ه ولست مدخله .. وما أظن أن يلي األمر إال أحد

ن ولي علي . (ففيه دعابة ، وأحرى به أن يحملهم على طريق الحق . وا

استدعى قبل أن يبت في أمر الشورى كال من الزبير وطلحة ـ قبل أن عمر كان قد (2) ـ وكتب مؤرخ آخر 2 المدينة ـ وسعد وعبد الرحمن سفره من

ـــــــــــــــــ

. 91، 91/ 1تاريخ األمم والملوك : (1)

. (الطبعة األولى ـ مصر) 490/ 9ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (2)

19الصفحة

. أنت يا زبير ! ... يوما إنسان ويوما شيطان ما)وعلي وعثمان ، وقال :

رواية لمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب ـ وفيرسول اهلل ساخطا عليك بالك وما أنت يا طلحة ! فقد ماتاهلل محمدا أحق ببنات أعمامنا منا ! أخرى : ألست القائل : إن قبض محمد أنكح أزواجه من بعده ، فما جعل

قال شيخنا . (1) (أبدا بعده تؤذوا رسول الله ول أن تنكحوا أزواجه من وما كان لكم أن ) : فأنزل اهلل فيك قولهفكيف تقول (مات وهو راض عن الستة إن رسول اهلل)أبو عثمان الجاحظ : لو قال لعمر قائل : أنت قلت

. .. قلتها ، لكان قد رماه بمشاقصة لطلحة : إنه مات ساخط عليك للكلمة التي

قانب تقاتل به وصاحب قنص وقوس ، وما أما أنت فصاحب مقنب من هذه الم : ثم أقبل عمر على سعد فقال ! والخالفة وأمور الناس زهرة

! وهذه األمرة (زهرة)فقال : ليس يصلح هذا األمر لمن فيه ضعف كضعفك وما ثم أقبل على عبد الرحمن

. هلل أنت لوال دعابة فيك ! أما واهلل لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح : ثم أقبل على علي فقال

معيط هيها إليك ، كأني بك قد قلدتك قريش هذا األمر فحملت بني أمية وبني أبي : أقبل على عثمان فقالثم . (على رقاب الناس وآثرتهم بالفيء

ذا أمعنا النظر في قضية وبين الشورى ، على الشكل الذي ذكرناه ، اتضح لنا أن عمر قد حددها تحديدا دقيقا وا المرء في هذا االشتراط هو رغبة عمر مشروطة ال مطلقة . وأول ما يتبادر إلى ذهن رأيه فيها فجعلها شورى

أمر ـ دون شك ـ على جانب كبير من الوجاهة في حصول اإلجماع بين رجال الشورى ، وهو

ـــــــــــــــــ

. 19األحزاب : (1)

11الصفحة

ا ـ أي أنه جعل الشرط نفسه مشروطا إن جاز هذاأن عمر قد قيد الشرط أيض من الناحية المبدئية ، غير

ورءوس المخالفين ـ في حالة التعبير ـ فأمر المشرف على شئون الشورى أن يشرخ رأس من يخالف األكثرية ، . المخالف للنصف الذي فيه عبد الرحمن أبو عوف انقسام المؤتمرين فيما بينهم إلى نصفين ـ للرأي

عمر إلى إيثار ابن عوف بذلك سوى عالقات شخصية بين الرجلين ذكر الطبري عولسنا نعرف السر الذي دف

الخطاب على ما يبدو أية أهمية لألسس التي يستند إليها من يخالف رأي أكثرية طرفا منها ! ولم يعر ابن (1)

عناق سنة الرسول ضرب أ المجتمعين ، أو رأى النصف الذي ينحاز إليه ابن عوف . وهل يجيز القرآن أوالرهط الذي فيه عبد الرحمن بن عوف ؟! فكيف وهؤالء رجال من المسلمين لمجرد أنهم يجتهدون برأي يخالف

النبي بشهادة عمر نفسه ؟! فقد استباح ابن الخطاب دماءهم بعد ثالثة أيام فقط المسلمين من خيرة أصحاب

. من بدء التداول في أمر الشورى الذي يتوقف عليه مصير المسلمين

ـ أمر خالفة المسلمين من بعده ، كما فعل أبو بكر ، يخالف سنة الرسول الذي مات ثم ألم يكن تفكير عمر فينسأل عن حق هؤالء الرهط في من وجهة نظر عمر ـ ولم يوص بالخالفة ألحد من بعده ؟ ثم أال يجوز لنا أن

ذا لنبي عنهم ـ إذا فرضنا صحة ذلك ، مع كان مجرد رضا ا تقرير مصير الخالفة دون سائر المسلمين ؟ وا للشورى كما سلف أن ذكرنا قد أشار إلى غضب الرسول على طلحة ـ كافيا لترشيحهم العلم أن بعض المؤرخين

المهاجرين واألنصار ؟ ، فلماذا لم يدخل عمر آخرين ممن كان الرسول راضيا عنهم من

ـــــــــــــــــ

الجاهلية . وكان ابن عوف من أكابر المترفين في 478/ 1. و 14، 80/ 1والملوك : تاريخ األمم (1)الرسول ـ على ما يذكره الرواة ـ أن يلبس الحرير واإلسالم ، وكان مترفا في طعامه ولباسه وسكنه ، وقد سمح له

. لحكة كانت في جلده

17الصفحة

ذا كان سعيد بن عمرو بن استثناه ـ باعتراف عمر نفسه كما ذكرنا ـ فلماذا نفيل حائزا على شروط الشورى وا رأيه ؟ عمر وحرمه من المساهمة في هذا األمر العظيم ؟ وحرم رجال الشورى من

فقد كان علي معروفا ، ومن الغريب أن يصف عمر عليا بالدعابة ، ولم نسمع أحدا غير عمر وصفه بذلك

وقد روى عن ابن عباس أنه قال : .. لوم ضرورة لمن سمع أخبارهبالرزانة والبعد عن المزاح والدعابة . هذا معبالكالم . وهذا ال يكون إال من شدة التزمت والتوقر وما يخالف كان أمير المؤمنين إذا أتى هبنا أن نبدأه

. (1) والفكاهة الدعابة

اعتبرهم سالم ، فلماذابين رجال الشورى من حيث موقعهم من الرسول وأثرهم في اإل ثم أال يوجد تفاوت كبيرعائلية ومصلحية بين رجال الشورى . عمر على درجة واحدة من األثر في هذا الباب . ثم أليست هناك روابط

ألم يقل عمر للزبير : إنك يوما شيطان ويوما إنسان ... ولطلحة . أال تؤثر تلك الروابط على سالمة االختيارموقفه من الشورى غاية .. . فمن ذا يستطيع أن يقول : إن عمر لم يحدداهلل فيه من قرآن . ولسعد . ما أنزله

الطرق إلى والية الناس ... لقد ألب عمر على علي التحديد ، ولم يقطع على علي ـ بالتلميح أو التصريح ـ ادتيم وقد نافس شيخها أبا بكر ، وهذا طلحة التيمي ! . ومن له بمحو األحق أحقاد قريش . فمن لعلي برضى

، وعبد الرحمن بن عوف األموية من بني هاشم ، وهذا عثمان ! وقد ضمت الشورى أيضا سعد بن أبي وقاص . أمية ، وكال الرجلين من زهرة ولكليهما نسب موصول ببني

. حمنة بنت سفيان أتى األول من ناحية أمه

ـــــــــــــــــ

. (الطبعة األولى ـ مصر) 490/ 9ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (1)

94الصفحة

. (1) أم كلثوم بنت عقبة أخت عثمان وأتى الثاني من ناحية زوجه

ابن الخطاب لرجل الشورى . أليست صيغتها توحي بترشيح عمر عثمان لوالية ولنعد ثانية إلى نص عبارة

حاسم في إبعاد علي عن ملالمسلمين . وهل الدعابة المزعومة في علي ـ على فرض وجودها جدال ـ عاعلى الحق الواضح . ثم إذا كان عمر ـ على ما يروي الخالفة على الرغم من أنه يحملهم ـ بشهادة عمر نفسه ـ

فلماذا أمور المسلمين رجال هو أحراهم أن يحملهم على الحق ـ وأشار إلى علي ـ الطبري ـ قد ارتأى أن يولي . الطبري ألم به على ما ذكر هو حسب روايةأقلع عن ذلك ال لشيء وجيه سوى طيف

جديرة بأن يتلكأ عندها برهة ذهن المتدبر ؛ ألن فيها ... خروجا على مبدأ أن قصة الشورى)والخالصة :

يكن وفق هواه ... وفيها تعسف الشورى .. وتحكم الفرد في الجماعة ... وفي نفر اختاره وفق تقديره ، إن لم . (2) (ليسوا سواء ... وفيها تكتل القوى العصبية اهر المزايا والفوارق بأنهمالتسوية بين ستة تج

. بشكل عام ذلك ما يتصل بأمر الشورى

ابتدأ فأخرج مكر به عبد الرحمن أنه)اجتماع رجالها بعد وفاة الخليفة ، فإن أول شيء أما ما يتصل بتفاصيلإيثاره للحق ، وزهده في الوالية ، لما أخرج قال : إنه لوالنفسه من األمر ليتمكن من صرفه إلى من يريد ، لي

تصرف ابن عوف قد حصل عفوا ، ومن وحي الساعة ، أم أنه أمر وال ندري فيما إذا كان . (3) (نفسه منها ! وفاة الخليفة متفق عليه قبل

ـــــــــــــــــ

. 897، 891/ 4المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : عبد الفتاح عبد (1)

. 481، 489/ 4المصدر نفسه : (2)

. (الطبعة األولى ـ مصر) 498/ 9ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (3)

96الصفحة

الخالفة منوطا به ، وقد ثم إن عبد الرحمن بإخراجه نفسه من الموضوع قد حصل على امتياز خاص جعل أمرما زال (= الخالفة)؛ ذلك ألنه أخرج نفسه من أمر يخسر شيئا في الواقع حصل على ذلك االمتياز دون أن

مبتوت فيه . فلماذا إذن وقف ابن عوف موقفه المعروف فخلع نفسه من الخالفة ـ إلى وقت خروجه منه غير

ي موقفه من تؤثر صلة نسبه بعثمان ف وهو أمر ال يملكه قبل عملية الشورى وفي حالة انتخابه للخالفة . ثم ألمباإلضافة إلى القرآن وسنة (سيرة الشيخين)علي على ما سماه علي . ولماذا اشترط عبد الرحمن أن يسير

أم على القرآن والسنة حسب اجتهاد كل ، الشيخان على القرآن وسنة النبي وسيرة الشيخين الرسول . هل سار . منهما .. كما أراد علي أن يسير

كثيرة فيما بينهما . وبقدر ما ؟ ألم يختلف الشيخان اختالفات (سيرة الشيخين)سمه ثم هل هناك شيء محدد اعن سيرة عمر ـ في كثير من القضايا ـ يمكننا أن نذكر بعض يتعلق األمر باختالف سيرة أبي بكر في الخالفة

: التمثيل ال الحصر األمثلة على سبيل

النبي في بعض التصرفات را ما تختلف سيرته عن سيرةويجمل بنا قبل ذلك أن نشير إلى أن عمر نفسه كثيآنذاك عوامل رجحت لديه من ذلك مثال طريقته في تقسيم العطاء بين المسلمين ، إذ ال بد أن حضرته ، العامة

السالفة قد غابت عنه ، وكان أجدى به .. أن يعدل رأيه . ولكن مما ال ريب فيه أن عوامل أخرى أقوى منن رسول اهلل ـ صاحب خير اآلراء ـ كان يسير على ليه أمره .. ولكنهعما حزم ع . نقيضه رأى رأيا فالتزمه ... وا

وكذلك نحا نحوه الخاص فلم يجعل الناس سواسية عند التقسيم ، فبينما نسمع

93الصفحة

ولعل ) . (1) ده يخالفهالسابقة إلى اإلسالم على غيرهم .. إذ بابن الخطاب من بع الصديق يأبى أن يفضل أهلكلما فاتت آونتها واتسع أمامه مجال آفة عمر كانت دفعته ـ تلك التي أوقفته دائما مواقف أنكرها من نفسه

عاد فنقضه إذ يتروى . وقد طالما دفعته الرغبة في اإلصالح إلى سن التفكير ... وقد طالما أفتى بالحكم ثم . (2) (أمام شرعة أعلى جرت على لسان غيرهفإذا بها ال تلبث أن تتقوض .. الشرعة

: مثال باالستناد إلى قناعته الشخصية ثم عاد فأقلع عنه إذا تغيرت قناعته من ذلك ، وطالما عمل عمال

رأسه ، أمير المؤمنين ، إن فالنا ظلمني فأعدني عليه ، فرفع في السماء درته وضرب يا)أ ـ أتاه رجل فقال : أتيتموه : أعدني !! فانصرف الرجل ر وهو معرض لكم ، وحتى إذا شغل بأمر المسلمينوقال : تدعون عم

فألقى إليه المخفقة فقال : اقتص ، قال : بل أدعه هلل ولك ، . يتذمر . فقال عمر : علي بالرجل ، فجيء بهما تدعه لي ، قال : أدعه هلل قال : ليس رادة ما عنده ، وا قال : انصرف . ثم جاء ،كذلك ، بل تدعه إما هلل وا

يا ابن الخطاب ، كنت وضيعا فرفعك اهلل ، : حتى دخل منزله .. فصلى ركعتين خفيفتين ، ثم جلس فقالعلى رقاب الناس ، فجاء رجل ليستعديك على من ظلمه فضربته ، ماذا تقول وكنت ضاال فهداك ... ثم حملك

. (3) (غدا لربك

ـــــــــــــــــ

. 40، 3/ 8المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : فتاح عبدعبد ال (1)

. 814، 810/ 4المصدر نفسه : (2)

. (الطبعة األولى ـ مصر) 39/ 9ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (3)

95الصفحة

: يهبن عدي بن نفيلة على ميسان ، فبلغه عنه الشعر الذي قال ف استعمل عمر : النعمان)ب ـ

ومن مبلغ الحسناء أن حليلها = بميسان يسقى من زجاج و حنتم

إذا شئت غنتني دهاقين قرية = وصناجة تحدو على كل منسم

فإن كنت ندماني فباألكبر اسقني = ول تسقني باألصغر المتثلم

لعل أمير المؤمنين يسوءه = تنادمنا بالجوسق المتهدم

: فكتب إليه

. ولك .. وايم اهلل إنه ليسوءني ، فأقدم فقد عزلتكأما بعد .. فقد بلغني ق

ني لشاعر فلما قدم عليه قال : يا نما هو شعر طفح على لساني ، وا فقال ! أمير المؤمنين ، ما شربتها قط ، وا . (1) (عمر : أظن ذاك ، ولكن ال تعمل لي عمال أبدا

: قالقريش على عمل ، فبلغه عنه أنه ج ـ استعمل عمر رجال من

واسق باهلل مثلها ابن هشام = اسقني شربة تروي عظامي

قال : ؟ فضم إليه بيتا آخر ، فلما مثل بين يديه قال : أنت القائل : اسقني ... فأشخصه إليه ، وفطن القرشي : بعده ؟ قال نعم يا أمير المؤمنين ، فهال أبلغك الواشي ما بعده . قال : ما الذي

إنني ل أحب شرب المدام = ء غمامعسال باردا بما

. (2) (فقال : ارجع إلى عملك

ـــــــــــــــــ

. 32/ 9، شرح نهج البالغة : ابن أبي الحديد (1)

. 32/ 9المصدر نفسه : (2)

90الصفحة

ذلك ستحسنالشام عن سيرته وما يصنعه بالقرآن واألحكام ؟ فأجابه بما يرضيه ، فا د ـ سأل عمر أحد أمراءأمير المؤمنين ، إني رأيت البارحة رؤيا فلما ولى ، رجع فقال : يا)منه واقره على عمله ، وأمره بااللتحاق به ،

يقتتالن ومع كل واحد منهما جنود من الكواكب ؟ فقال : فمع أيهما كنت ؟ أقصها عليك . رأيت الشمس والقمر

والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية وجعلنا الليل ) : قالمع القمر . فقال : عزلتك ! ألن اهلل : قال

. (1) (النهار مبصرة

الصلح في الحديبية بينه وبين سهيل بن عمرو كان في الكتاب : أن من خرج من هـ ـ لما كتب النبي كتاب

غضب عمر وقال ألبي بكر : ما يخرج من المشركين إلى النبي يرد إليهم ،المسلمين إلى قريش ال يرد ، ومن أفعل ما : وقال : عالم نعطي الدنية في ديننا ! فقال رسول اهلل ... هذا ؟ ... ثم جاء إلى النبي فجلس بين يديه

. (2) (ا أبد وقال : واهلل ، لو أجد أعوانا لما أعطيت الدنية)فقام عمر مغضبا ... يأمرني به ربي

وعبد الرحمن بن عوف ليال يطوفان في المدينة ، فرفع لهما مصباح ، فقال ... خرج عمر بن الخطاب)و ـ

قال : انطلق فقد عرفته ، فلما عمر : ألم أنه عن المصابيح بعد النوم ؟ فانطلقنا فإذا قوم على شراب لهم ،ة على شراب ؟ قال : وما أعلمك يا أمير المؤمنين ؟ البارح أصبح أرسل إليه . قال : يا فالن كنت وأصحابك

. (3) (قال أو لم ينهك اهلل عن التجسس ؟ فتجاوز عنه : قال : شيء شهدته

ـــــــــــــــــ

. : االسراء 48اآلية : 32/ 9، شرح نهج البالغة : ابن أبي الحديد (1)

. 43/ 9المصدر نفسه : (2)

. 90/ 9في التاريخ : ابن األثير ، الكامل (3)

93الصفحة

. عمر نفسه حسب اختالف وضعه النفسي ذلك ما يتعلق باختالف سيرة

تقسيم سيرته عن الرسول فيمكننا أن نذكر األمثلة التالية ، باإلضافة إلى طريقته في أما ما يتعلق باختالف : الغنائم التي مر بنا ذكرها

قريبا من سبع ، فطاوله أهلها وماكثوه وقتلوا المسلمين ، فحاصرهم رسول اهللفي سنة غزا رسول اهلل خيبر)ـ 1إن لنا بالعمارة والقيام على النخل علما : شهر ، ثم إنهم صالحوه على حقن دمائهم ... ثم قالوا لرسول اهلل

نا ، فأقرهم رسول اهلل بن الخطاب ... أجالهموعاملهم على الشطر من الثمر ... فلما كانت خالفة عمر فأقر

. (1) (وقسم خيبر بين من كان له فيها سهم من المسلمين

دفع ... حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار : أن النبي حدثنا عمر الناقد ،)ـ 2 وأبي بكر . فلما ذلك حياة رسول اهلل خيبر إلى اليهود يعملونها على نصف ] ما [ خرج منها ، فلم يزل على

وقووا على عمارة األرض أجلى اليهود إلى الشام وقسم األموال بين كان عمر وكثر المال في أيدي المسلمين . (2) (المسلمين

اهلل عنوة القرى ، فدعى أهلها إلى اإلسالم ، فامتنعوا عن ذلك وقاتلوا ، ففتحها رسول أتى رسول اهلل وادي)ـ 3عليه أهل خيبر ، فقيل : إن عمر رض في أيدي اليهود ، وعاملهم على نحو ما عامل.. وترك النخيل واأل

. (3) (أجلى يهودها وقسمها بين من قاتل عليها

: التالية سيرة عمر عن سيرة أبي بكر فنذكر منها ، باإلضافة إلى ما ذكرناه ، الحوادث وأما ما يتعلق باختالف

ـــــــــــــــــ

. 97فتوح البلدان : ص ،البالذري (1)

. 93المصدر نفسه : ص (2)

. 19المصدر نفسه : ص (3)

91الصفحة

سبخة واألقرع بن حابس إلى أبي بكر فقال : يا خليفة رسول اهلل ، إن عندنا أرضا جاء عيينة بن حصين)أ ـ ولعل اهلل أن ينفع بها بعد اليوم ؟ فقال ، ليس فيها كأل وال منفعة ، فإن رأيت أن تقطعناها لعلنا نحرثها ونزرعها

ما ترون ؟ قالوا : ال بأس ، فكتب لهما كتابا ، وأشهد فيه شهودا ، ولم يكن : أبو بكر لمن حوله من المسلمين

فقال : إن رسول اهلل كان .. عمر حاضرا ... فلما سمع عمر ما في الكتاب أخذه منهما ... فمحاه ، فتذمران اهلل قديتألفكما واإل أعز اإلسالم فاذهبا ... فذهبا إلى أبي بكر يتذمران . وجاء عمر سالم يومئذ ذليل ... وا

لك خالصة حتى وقف على أبي بكر فقال : أخبرني عن هذه األرض التي أقطعتها هذين ، أهي وهو مغضب ،ص بها هذين دون جماعة على أن تخ أم بين المسلمين عامة ؟ قال : بين المسلمين عامة ، قال : من حملك

(1) (!فأشاروا بذلك ؟ فقال : أفكل المسلمين أوسعهم مشورة ورضا ؟ المسلمين ؟ قال : استشرت الذين حولي ،

.

من حديث فدك : أن أبا بكر حينما قابلته السيدة فاطمة وذكرت له أن فدك لها نحلة ب ـ ذكر بعض الرواة فيعلى ما يذكر أولئك الرواة ـ قد صادفها ب لها كتابا بذلك ، غير أن عمر ـالرسول ، اقتنع بذلك بعد تردد ، فكت

أبي بكر ، فذكرت له الكتاب ، فطلبه منها ومزقه ، والم أبا بكر على ذلك في الطريق عائدة إلى دارها من عند ؟

ية مهمة ؛ ونرىواضحا في قضية خالد بن الوليد مع مالك بن نويرة ، وهي قض ج ـ ويبدو اختالف السيرتين

األخطاء االجتماعية والدينية في وجوب ذكرها بشيء من التفصيل . فقد ارتكب خالد ـ على ما نرى ـ سلسلة من : هذه القضية

ـــــــــــــــــ

. (الطبعة األولى) 402/ 9، شرح نهج البالغة : ابن أبي الحديد (1)

99الصفحة

الدينية ن الخليفة ، وقاتلهم دون أن يكون هناك مبرر للقتال من الناحيةدون أمر م فقد سار إلى مالك وصحبهبشكل يتنافى هو والعفة والشرف وكبر ، وأمر بقتل مالك بشكل من الغدر ال يجيزه اإلسالم . ونكح زوج مالك

اء غير أن أبا بكر عفا عنه ! فامتعض عمر من ذلك وعزله أثن النفس ... فاستحق بذلك أكثر من عقوبة ،لى : القارئ ملخص القصة المذكورة خالفته . وا

وبها مالك بن نويرة (2) سار خالد بعد أن فرغ من فزارة ، وأسد ، وطيء ، يريد البطاح) : (1) ذكر ابن األثيرإن ما هذا بعهد الخليفة إلينا ، إن الخليفة عهد إلينا : قد تردد عليه أمره . وتخلف األنصار عن خالد ، وقالوا

هذا مالك بن .. وأسبرنا بالد القوم أن نقيم حتى يكتب إلينا ، فقال خالد : أنا األمير (3) بزاخة نحن فرغنا منإذا نزلوا أن يؤذنوا (4) قد أوصاهم أبو بكر نويرة بحيالنا ، فأنا قاصد إليه ومن معي من المهاجرين .. وكان

ن لم يؤذنوامنزال ، فإذا أذن القوم ، فكفوا عنهم . فقاتلوهم ، وا

ـــــــــــــــــ

. 819، 818/ 8التاريخ : الكامل في (1)

: (809/ 4طبع عيسى الحلبي ـ القاهرة : ) الطالع مراصد البطاح كغراب : وهو منزل لبني يربوع . وفي (2) (الناشر) . حهانظر الهامش ، مصح (أسد بن خزيمة : ماء في ديار بني (بالضم)بطاح )

وقال أبو عمرو : لبني أسد . : قال األصمعي : ماء لطيء ، بأرض نجد (بالضم ، والخاء معجمة)بزاخة (3) : قال القعقاع يذكر يوم بزاخة . ، فيه كانت وقعة المسلمين مع طليحة في الردة

البزاخة خالد = أثار بها في هبوة الموت عثيرا ويوما على ماء

(الناشر) . (طبعة عيسى الحلبي ـ القاهرة) 438/ 4ش مراصد االطالع :هام انظر

إال في قضية مالك بن نويرة التي لم فيما يتصل بموقفهم من الذين امتنعوا عن أداء الزكاة باليسير إليهم ، (4) . يثبت للخليفة آنذاك امتناعه

91الصفحة

ن أجابوا إلى داعية ن أبوا فقاتلوهم اإلسالم فسألوهم عن الزكاة وا فجاءت خالدا . ، فإن اقروا فاقبلوا منهم . وا . فاختلفت السرية فيهم الخيل بمالك بن نويرة في نفر معه من بني ثعلبة ابن يربوع ،

أمر بهم خالد فحبسوا في ليلة باردة ال وكان فيهم أبو قتادة فكان فيمن شهد أنهم قد أذنوا وصلوا . فلما اختلفواخالد أم فنادى ادفئوا أسراكم ـ وهي في لغة كنانة القتل ـ ... فقتلوهم ... فتزوج ا شيء ، فأمر خالد مناديا يقوم له

وأكثر عليه في ذلك ، فقال : هيه يا عمر تميم ، امرأة مالك . فقال عمر ألبي بكر : إن سيف خالد فيه رهق ،ل فأخطأ فارفع لسانك عن لى أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه ، فعذره وتجاوز خالد . فدخل خالد ع !! تأو

ويسأله أن يرد عليهم سبيهم ؟ ، وعنفه في التزويج . وقدم متمم بن نويرة على أبي بكر يطلب بدم أخيه عنه . (المال فأمر أبو بكر برد السبي ، وودى مالكا من بيت

فقال له عمر : ما (2) يرة دخل على عمر بن الخطابنو أن متمم بن)ـ (1) البالذري وقد روي ـ على ما يقولعيني الصحيحة ، وما رأيت (3) عيني الذاهبة بلغ وجدك على أخيك مالك ؟ قال : بكيته حوال حتى أسعدت

نارا

ـــــــــــــــــ

. 108، 107 فتوح البلدان (1)

: أثناء خالفته حيث انشده مرثيته المشهورة التي يقول فيها (2)

وكنا كندماني جذيمة حقبة = من الدهر حتى قيل: لن يتصدعا

فلما تــفرقنا كأني ومالكا = لطول اجــتماع لم نبت ليلة معا

(75 / 9) (سعد)، مادة : (المقاييس)اإلسعاد ال يكون إال في البكاء قاله في : أسعدت عيني الذاهبة (3)

(صححهم). (طبعة عيسى الحلبي ـ القاهرة)

97الصفحة

. (مكانه عليه ، ألنه كان يوقد ناره إلى الصبح ، مخافة أن يأتيه ضعيف فال يعرف إال كدت انقطع لها أسفا

: معنا ، في رواية ابن األثير ، جملة مخالفات قام بها خالد بن الوليد البد أن القارئ قد الحظ

. ن يتلقى بذلك أمرا من الخليفةإلى قتال مالك دون أ ـ فقد سار ، كما ذكرنا ، 1

الزكاة ـ الذي وضعه أبو بكر لمعالجة مشكلة المسلمين الذين اتهموا باالمتناع عن دفع ـ أهمل المبدأ العام 2مؤذن من جيش المسلمين ، فإن أذن ذلك المبدأ الذي يتلخص ، كما ذكرنا ، بأن يؤذن في وقت الصالة

يجوز قتالهم ابتداء . ثم يسألون عن أمر الزكاة . فإن أقروا ـ أي اعترفوا الزكاة فال المتهمون باالمتناع عن دفع

نما بوجوبها ـ حرمت على خالد وصحبه دماؤهم وأموالهم . أي أن الخليفة لم يشترط أخذ الزكاة من القوم وا ن . وقد شهد أبو قتادة ـ كما أرواحهم وأموالهم من عبث العابثي اشترط إقرارهم بها . فإذا أقروا بذلك ، صانوا

مجرد األذان الذي جعله أصحاب مالك بن نويرة قد أذنوا وأقاموا وصلوا ـ أي أنهم ذهبوا إلى أبعد من ذكرنا ـ بأن . الخليفة كافيا لتحريم قتالهم

أصبحوا اعته ، وقدوكان باستط (1) غدرا بذلك الشكل الشنيع فأدفأهم ـ على لغة كنانة ـ ـ أن خالدا أمر بقتلهم 3صرارهم في أسره وتحت رحمته ، أن يرسلهم إلى الخليفة بعد أن يتأكد من خروجهم على مبادئ اإلسالم ، وا

. على ذلك الخروج ، ليفعل الخليفة بهم ما يشاء

بادئ م امرأة مالك ، في الوقت الذي قتل فيه زوجها ـ وفي هذا ما فيه من خروج على ـ وتزوج خالد أم تميم ، 4 . الدين الحنيف وتدن عن المستويات الخلقية الرفيعة

ـــــــــــــــــ

األزور ... عند ضرار بن)قتلهم ، ألنه حبسهم (ادفئوا أسراكم)أن خالدا قصد بعبارة : مما ال شك فيه (1) . 892/ 8. ابن خلدون ، كتاب العبر : (وكان كنانيا

80 الصفحة

: التالية ى مأساة مالك ـ من زاوية أخرى ـ أمكننا أن نالحظ فيها األمورإذا نظرنا إل على أننا

ألنه يتضمن التريث تردد أمر الزكاة على مالك كما يقول ابن األثير . والتردد غير االمتناع ، لقد (أ)جوز قتاله ـ ال ي وهي فترة وسطى بين االمتناع واالنصياع . فإذا حصل االمتناع ، فإنه ـ مع ذلك ، واإلحجام

. يكون حصوله نتيجة لالنتقاض على العقيدة اإلسالمية برأينا ، إال إذا كان االمتناع مشروطا ال مطلقا ـ أي أن

قومه بني يربوع من قبل يؤيد وجاهة ما ذهب إليه ابن األثير : أن مالكا الذي كان واليا على صدقات وممامن قومه وقال لهم : تربصوا بها حتى يقوم قائم بعد ذ الصدقةالنبي ، لما بلغته وفاة الرسول أمسك عن أخ

: أمره ، وقد صرح بذلك في شعر النبي وننظر ما يكون من

وقال رجال : سدد اليوم مالك = وقال رجال : مالك لم يسدد

الدين دين محمد : = أطعنا وقلنا فإن قام باألمر المجدد قائم

أن يقوم باألمر من يدفع له لصدقة في أيدي قومه رفقا بهم وتقربا إليهم إلىمالك ـ إذن ـ أنه استبقى ا فصرح . (1) (ذلك

به والشفقة عليه ، تجاوز أبو بكر عن خالد ـ رغم إصرار عمر على ضرورة معاقبته ـ بدافع الرأفة لقد (ب)أخطأ خالد باعتراف أبي على ابن الوليد . فقد ولكن ذلك التجاوز قد حصل على حساب إقامة الحدود الدينية

واعتذر عنه . وال ندري أيجوز الصفح عن المجرم إذا ندم واعتذر ؟ بكر ، وأخطأ خالد وأقر بخطئه

ـــــــــــــــــ

. 421/ 1ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (1)

16الصفحة

ي التي جعلت عليا يمتنع عن إلزام نفسه هذه الحادثة وأمثالها ه وهل يجوز االجتهاد في معرض النص ؟! ولعل . سيرة الشيخين حين عرض عليه ذلك عبد الرحمن بن عوف أثناء الشورى بالسير وفق

خالد أنه أمر برد السبي وودى مالكا من بيت المال عندما قدم عليه ومما يؤيد عدم قناعة أبي بكر ببراءة (ج)إذا جاز ألبي بكر من رد عليهم سبيهم . على أننا ال نعلم فيمانويرة يطالبه بدم أخيه ويسأله أن ي متمم بن

!! عن جريمة شخصية ارتكبها ابن الوليد الناحية الدينية أن يدفع من بيت مال المسلمين تعويضا

خالد بن الوليد ، وما جرى لهم بعد األسر ، وموقف عمر من أما كيفية وقوع مالك وبعض صحبه أسرى بيد : بقوله (1) الرواة أحد ذلك ، فقد لخصه

القوم تحت الليل راعوهم ، فأخذ القوم السالح . فقال أصحاب خالد إن السرية التي بعث بها خالدا لما غشيت)السالح معكم !! فلما المسلمون . فقال أصحاب مالك : ونحن المسلمون . فقال أصحاب خالد : ما بال : نحن

أبو قتادة خالد بن الوليد : أن القوم نادوا باإلسالم ، وأن هم خالدا ، فحدثوضعوا السالح ربطوا أسارى ، فأتوا بال يسير تحت لواء خالد فلم يلتفت خالد إلى قوله ، وأمر بقتلهم وتقسيم سبيهم . وحلف أبو قتادة أن . لهم أمانا

خالدا عن قتل مالك فلم فأخبره الخبر ، وقال : إني نهيت في جيش أبدا . وركب فرسه شاذا إلى أبي بكر ،ن عمر لما سمع ذلك تكلم فيه عند يقبل قولي ، وأخذ أبي بكر فأكثر بشهادة األعراب الذين غرضهم الغنائم ، وا

. ، وقال : إن القصاص وجب عليه

ـــــــــــــــــ

. (الطبعة األولى) 421/ 1ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (1)

13الصفحة

وقال : يا عدو نفسه ! عدوت على امرئ مسلم فقتلته ، ونزوت على ... دخل خالد المسجد قام إليه عمرفلما بن نويرة من وجد واهلل لنرجمنك بأحجارك . وقد روي أيضا : أن عمر لما ولي جمع من عشيرة مالك ... امرأته

فرد ذلك عليهم جميعا . وقيل : إنه ونسائهم ، منهم ، واسترجع ما وجد عند المسلمين من أموالهم وأوالدهمدمشق وبعضهن حوامل فردهن على أزواجهن ، فاألمر ظاهر في خطأ خالد ، ارتجع بعض نسائهم من نواحي

. (تجاوز عنه وخطأ من

فسروا اآلية التي وردت أنهم (1) الزكاة على ما يحدثنا بعض الرواة وكانت حجة مالك وأصحابه في تأجيل دفعبأنها (2) (عليهم إن صالتك سكن لهم من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل خذ ) : لتوبةفي سورة ا

تكون سكنا لهم ، ليأخذ صدقة من أموالهم يزكيهم بها . وتلك تتضمن ضرورة صالة النبي عليهم صالةيزكيهم بأخذ ي غير النبي ؛ ألن غير النبي ـ بنظرهم ـ ال يطهر الناس وال، ال تتحقق ف الصفات ، برأيهم

ترددوا في إعطاء الزكاة إلى غير النبي إلى : الصدقة منهم ، وال تكون صالته سكنا لهم ، أي أنهم بعبارة أخرى اس من أسس الدين ؛، وهو أمر دون شك ، ال يعنى عدم اعترافهم بالزكاة كأس أن يثبت لهم وجود من يمثله

لوا ، وربما اخطئوا ، كما تأول خالد فأخطأ ألنهم لم يجحدوا وجوبها ، ولكنهم قالوا : إنه وجوب مشروط . فتأو . .. برأي أبي بكر

ذا كان أبو بكر قد تجاوز عن خالد ألنه ل الخطأ ، أفال يجوز أن يقال عن أولئك ، على أسوأ الفروض : وا تأولو إنهم !! ا فأخطئواتأو

ـــــــــــــــــ

. : الطبعة األولى بمصر 421/ 1ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (1)

. 409التوبة : (2)

15الصفحة

روا بضحاياهم وخدعوهم تحت ستار الدين ، يتضح من كل ما ذكرنا أن خالد بن الوليد وأصحابه قد غرأبي قتادة أن م ـ بعد ذلك ـ على الشكل الذي ذكرناه . ويلوح للباحث في شهادةأوال وقتلوه فجردوهم عن السالح

، قد أخذ بشهادة األعراب الذين غرضهم خالدا ؛ لمرض في نفسه ، ربما كان له صلة بأم تميم زوج مالك لغلظة والنفاقأبعد ما تكون عن جوهر الدين . وقد وصفهم اهلل في كتابه با الغنائم والسلب والنهب ، وهي أمور

. \

لم يؤيدوا خروج مالك وصحبه على مبادئ الدين ، أو منعهم هذا مع أن المؤرخين ـ كما سلف أن ذكرناها ـمن الغدر !! وجوبها ، فهم إذن ال يستحقون القتل إطالقا ، فكيف به وقد وقع بذلك الشكل الزكاة أو جحودهم

كانوا مخطئين في تفسير اآلية التي ذكرنا في واإلرشاد ، هذا إذا إن الشيء الذي كانوا بحاجة إليه هو التنبيهن خالدا ـ بشهادة عمر كذلك ـ قد قضية الزكاة . أما مالك نفسه ، فقد كان مسلما بشهادة عمر بن الخطاب ، وا

. اعتدى عليه ونزى على زوجه

ل بموضوع المتهمين باالمتناع عن دفع المناسبة لتعلقه بمبدأ عام يتص وهناك أمر آخر ال بد من ذكره في هذه حدثنا يحيى بن بكير ؛ حدثنا الليث) : (1) ال بموضوع مالك بن نويرة حسب ما ذكره البخاري حين قال الزكاة ،

لما توفي النبي واستخلف أبو بكر : ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني عبيد اهلل بن عتبة أن أبا هريرة قالأمرت أن أقاتل ) : أبا بكر ، كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اهلل من العرب ، قال عمر : يا ، وكفر من كفر

(عصم مني ماله ونفسه إل بحقه وحسابه على اهلل الناس حتى يقولوا : "ل اله إل اهلل" ، فمن قال ذلك فقد !؟

تقل شناعة عما وهناك أمور أخرى اقترفها خالد بن الوليد ال

ـــــــــــــــــ

. (طبعة مصر) 10/ 2صحيح البخاري : (1)

10الصفحة

: ذكرنا

إقامته في الشام في أواخر خالفة أبي بكر ، أو مساهمته بذلك منها : اغتياله سعد بن عبادة وهو في محل . االغتيال

دثنا ابن حميد قال)حين قال : (1) ومنها : ما رواه الطبري مد بن إسحاق قال : حدثنا سلمة ، عن مح : ح جزيمة قال : لما أمرنا خالد بوضع السالح ، قال رجل منا يقال له جحدم حدثني بعض أهل العلم عن رجل من

ضرب األعناق . واهلل ال أضع ويلكم يا بني جذيمة ! ما بعد وضع السالح إال اإلسار ثم ما بعد اإلسار إال :فقالوا : يا جحدم ؛ أتريد أن تسفك دماءنا ! أن الناس قد اسلموا .. سالحي أبدا . قال : فأخذه رجال من قومه ،

بهم خالد عند ذلك فكتفوا ، يزالوا به حتى نزعوا سالحه ، ووضع القوم السالح لقول خالد ؛ فلما وضعوه أمر فلم : ء وقالانتهى الخبر إلى رسول اهلل رفع يديه إلى السما ثم عرضهم على السيف ، فقتل منهم من قتل . فلما

إلى هؤلء يا علي ، اخرج : ثم دعا علي بن أبي طالب ، فقال . اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد، فخرج علي ومعه مال قد بعثه رسول اهلل به ، القوم فانظر في أمرهم ، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك

ق شيء من دم وال مال إال وداه ، بقيت معه بقية مناألموال ، حتى إذا لم يب فودى لهم الدماء وما أصيب من

ال ، قال : فإني أعطيكم هذا البقية : المال ، فقال لهم على حين فرغ منهم : أبقى لكم دم أو مال لم يرد ؟ قالوا قالال يعلم وال تعلمون ، ففعل ، ثم رجع إلى رسول اهلل فأخبره الخبر . ف من هذا المال احتياطا لرسول اهلل مما

. (أصبت وأحسنت :

! به وقد انتقل الرسول إلى الرفيق األعلى فإذا كان هذا عمل خالد في زمن النبي ، فكيف

ـــــــــــــــــ

. 481/ 9تاريخ األمم والملوك : (1)

13الصفحة

ل فأخطأ ومع ذلك كله ، فقد تجاوز عنه أبو بكر ، أبي بكر ، في هذه فاختلفت سيرة (على حد تعبيره)ألنه تأو ما يقول ابن األثير الخطيرة ، عن سيرة عمر الذي عزل خالدا . فقد كان أول كتاب كتبه عمر ـ على القضية

ها (1) خالفة أبي عبيدة ابن الجراح بتولية جند خالد ، وبعزل خالد ؛ ألنه كان عليه ساخطا في إلى أبي)ـ موجعمال أبدا . وكتب إلى أبي عبيدة .. : أن انزع قال عمر : ال يلي خالد ليبكر كلها ، لوقيعته بابن نويرة ... و

. (ماله عمامته عن رأسه وقاسمه

من حيث التوافق (سيرة الشيخين)هناك شيء يصح أن يدعى وفي ضوء ما ذكرنا نستطيع أن نقول : أن ليسـ حين عرض عليه د األسباب التي أدت باإلمامالتصرفات العامة الدينية والزمنية ؛ ولعل ذلك أح التام في جميع

. وعلي بموقفه هذا ، قد (سيرة الشيخين)الثالث ابن عوف الخالفة وقت الشورى ـ إلى عدم الموافقة على الشرطما تصبح بحد ذاتها سنة تتبع ، لعدم وجود ما يبرر اتباعها من الناحية الدينية من أن (سيرة الشيخين)استبعد

. وسنة الرسول هما دستور اإلسالم بنظره دام القرآن

المناسبة ، هو أن جواب اإلمام ، بالصيغة التي ورد فيها ، كان يدل ـ وهناك أمر آخر ال بد من ذكره في هذهااللتزام بها أثناء تسلم قاطعة وصريحة ـ على التهيؤ لتحمل المسئولية ، وعدم نثر الوعود التي ال يمكن داللة

بشيء يستحيل عليه أن يعمل وفق مستلزماته بعد تسلمه . فعلي ال يريد أن يلزم نفسه مقدما المنصب الخطير فيها مع ذكرناها . ولعل الشيء الذي يبدو غريبا في أمر الشورى هو قبول علي االشتراك الخالفة لألسباب التي

ر أن عليا صرح بأنه يدخل عندما نتذك علمه بأفضليته وأحقيته بالخالفة . غير أن ذلك االستغراب يزول الشورى ،

ـــــــــــــــــ

. 839/ 9الكامل في التاريخ : (1)

11الصفحة

(من قبل يقول : إن النبوة والخالفة في بيت واحد ال تجتمعان وكان)ألن ابن الخطاب قد أهله اآلن للخالفة (1) .

ألن اإلمام كان على يقين من أن كال من الشيخين قد متوقعا ؛ ذلك أما موقفه من شرط ابن عوف ، فأمر كانوبسيرة الشيخين . حدود اجتهاده الشخصي ، وأنه من غير الممكن أن يلتزم هو بالكتاب والسنة سار في

الذي كان ينعم باإلجابة البن عوف حتى كسب وتتجلى روعة موقفه هذا إذا ما تذكرنا موقف زميله عثمان !سنرى ـ على الكتاب والسنة ، بله سيرة الشيخين ؟ ر ـ كماالخالفة ، ولكنه لم يس

ـــــــــــــــــ

. 82/ 4عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : (1)

19الصفحة

ج ـ عثمان بن عفان

فتله ، وأجهز ، وقام بنو أمية يخضمون مال اهلل خضم اإلبل نبتة الربيع .. إلى أن انتكث فقام ثالث القوم)الضبع إلي ، ينثالون علي من جانب حتى لقد عليه عمله ، وكبت به بطنته ... فما راعني إل والناس كعرف

حولي كربيضة الغنم ، فلما نهضت باألمر نكثت طائفة ، ومرقت وطئ الحسنان ، وشق عطفاي مجتمعين . (1) (آخرون أخرى ، وقسط

عمر وبالشكل الذي وصفناه في قصة عد وفاةارتقى عثمان بن عفان منبر النبي ب

ـــــــــــــــــ

. 79ـ 10/ 4ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (1 )

الخضم أكل الشيء الرطب ، : الخضم : أكل بكل الفم ، وضده القضم وهو : أكل بأطراف األسنان . وقيلال يختلف ، وهو : أنهم على قدم عظيمة من التهم وشدة التفسيرين ـ والقضم أكل الشيء اليابس . والمراد ـ على

انتقض . وأجهز عليه : وامتالء األفواه . قال أبو ذر عن بني أمية : يخضمون ونقضم . وانتكث قتله األكلسقط بوجهه ، والبطنة : اإلسراف في الشبع . وثالث القوم عمله : ثم قتله . وكبت به بطنته ، كبا الجواد : إذا

االحتكاك منهم والعطفان : الجانبان من المنكب إلى الورك ... والمعنى . خدش جانباي لشدة . ... نعثماوينثالون : يتتابعون .. . وكربيضة الغنم . في االزدحام واالزدحام ... وعرف الضبع ثخين ، ويضرب به المثل

ثين ، فهم أصحاب الجمل . والقاسطينوجئومهم بين يديه .. . فأما طائفة الناك : يصف شدة ازدحامهم حوله ،

. أصحاب صفين . والمارقين : أصحاب النهروان :

11الصفحة

هو : تعيين ذويه وأقربائه من األمويين وآل أبي معيط مستشارين . وأول عمل قام به الخليفة الجديد (الشورى)محاربة اإلسالم رة غليظة معروفة فياألمصار ، وبخاصة أولئك الذين كانت لهم أو آلبائهم سي ، وأمراء على

وأهل بيته وتعاليمه ، زرعها أمية بن عبد شمس ونبيه ، األمر الذي أورثهم أحقادا من الجاهلية على الرسول بعدهما : أبو سفيان ، وزوجه هند بنت عقبة ، ونجلهما معاوية الذي حارب النبي ونجله حرب ، وتعهدها من

. ن قتل أخ له ، وأسر آخر كما سنرىفي بدر مع أبيه فهرب بعد أ

وعلى مروان بن الحكم ـ إلى تقويض دعائم الخالفة اإلسالمية ، وقد أدى اعتماد عثمان على أولئك النفر ـتبناها اإلسالم ، وأراد عثمان وعلي من بعده ، وبالتالي إلى اندحار مبادئ العدالة االجتماعية التي وطوح بحياة

. ومواقعهم الجغرافية بين الناس على اختالف أجناسهمالرسول الكريم بثها

عليهم عثمان في تدوير شئون المسلمين ـ كما سنرى ـ بذور الفساد وقد زرعت تصرفات األمويين الذين اعتمدالخليفة الثالث ـ الخلق العربي عند الحكام والمحكومين على السواء ، فأصبح الحكام بعد مصرع والتفسخ فيوالدس وأضرابها من الرذائل السياسية والخلقية يستعملون شتى أساليب الغدر والمواربة والكذب كما سنرى ـ

الفاسد من جهة ، ولإليقاع بخصومهم من جهة أخرى . وألف المحكومون ـ إال ما لكسب والء الجماهير لحكمهم

. وفقا لها كهمندر ـ هذه التصرفات الملتوية ، مع توالي األيام ، واستحسنوها وكيفوا سلو

نما نحن بصدد البحث في في الخلق العربي واإلسالمي ، (1) األمويين وبما أننا ال نؤرخ في هذه الدراسة أثر وا الدور الذي لعبوه في خالفة عثمان ، فسوف

ـــــــــــــــــ

الصراع بين األمويين راجع : ربما ساعدتنا الظروف في المستقبل فقمنا بدراسة ذلك بشيء من التفصيل ، (1) . ومبادئ اإلسالم

17الصفحة

نفهم ذلك األثر على الوجه األكمل نرى لزاما علينا أن نستعرض نحصر بحثنا في هذه النقطة المعينة ، ولكي . اإلسالم في عهد الرسول مواقفهم من

وقتل منهم حنظلة بن (بدر)قعت ، فو (صلى اهلل عليه وسلم) لقد ألب األمويون كفار قريش على حرب النبيوعبيدة حرب بن أمية بن عبد شمس ، والعاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ، أبي سفيان بن

صهره أخو هند زوج )بن عبد شمس بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ، والوليد بن عقبة بن ربيعة. وأسر من (والد الوليد أخي عثمان ألمه)عقبة بن أبي معيط و ، وشيبة بن ربيعة بن عبد شمس ، (أبي سفيان

عمر بن أمية بدر أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس ، والحارث بن وجزة بن أبي األمويين يوم . بن عبد شمس

بين أبي معيط ـ من أسرى بدر كما ذكرنا ، فاقترح بعض وكان عمرو بن أبي سفيان ـ زوج بنت عقبة بن المقرعمرا ؟! دعوه في أيجمع علي مالي ودمي ؟ قتلوا حنظلة وأفدى)أن يفدي عمرا ؟ فأجاب : إلى أبي سفيان

إذ خرج سعد بن النعمان بن أكال أخو بني عمرو أيديهم .. وبينما هو ـ أي عمرو ـ كذلك محبوس في المدينةبمكة فحبسه بابنه عمرو ، ثم قال عليه أبو سفيان (2) فعداشيخا مسلما ... بن عوف ... معتمرا ... وكان

: مفتخرا

تسلموا السيد الكهال أرهط ابن أكال أجيبوا دعاءه = تعاقدتم ل

(1) أسيرهم الكبال فإن بني عمرو لئام أذلة = لئن لم يفكوا عن

: معاوية ـ تبكي أباها يوم بدر ت هند بنت عتبة ـ زوج أبي سفيان ، وأموقال

ـــــــــــــــــ

. بخير على الرغم مما بين الطرفين من عهد بعدم التعرض للحجيج أو المعتمرين إال (1)

. 831/ 8ابن هشام ، سيرة النبي محمد : (2)

74الصفحة

بشيء يغالبه وءنا = ويأبى فما نأتييريب علينا دهرنا فيس

فسوف أعاتبه فأبلغ أبا سفيان عني مألكا ... فإن ألقه يوما

(1) الناس مولى يطالبه فقد كان حرب يسعر الحرب إنه = لكل امرئ في

األمويين قد أصيبوا بنكسة مريعة في بدر ، فتحركت حفائظهم كرنا نستطيع أن نقول : إنوفي ضوء ما ذ . حرب النبي القديمة وأحقادهم الجديدة ، فألبوا من جديد كفار قريش وألبهم الكفار ، على وأثيرت ضغائهم

حرب جديدة على النبي ، قد هيأ كفار قريش ـ وهيئوه ـ إلعالن (رأس المؤلبين والحاقدين)وكان أبو سفيان وكان أبو سفيان قائد . وأرسلوا أربعة نفر منهم عمرو بن العاص .. فساروا في العرب يستنفرونهم وتجهز الناس

الحارث بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد أخت خالد ... .. الناس ، فخرج بزوجه هند .. وخرج غيرهم بنسائهم ان مع النساء الدفوف يبكين على قتلى بدر ويحرضن بذلكبنت منبه .. وك وعمرو بن العاص بريطة

ومن معها من بني كنانة وأهل تهامة وخروجوا معهم بالظعن بحدها وأحابيشها)فخرجت قريش . (2) (المشركينكلما مرت ولئال يفروا . فخرج أبو سفيان بن حرب قائد الناس ومعه هند .. وكانت هند التماس الحفيظة ،

. مر بها ـ قالت : إيه أبا دسمة ! اشف واشتفبوحشي ـ أو

وقامت هند في النسوة ، (3) والعزى وأقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين .. وأقبل أبو سفيان يحمل الالت : ويحرضنهم ، وأنشدت هند الالتي معها وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال

ـــــــــــــــــ

. 141، 141/ 8نبي محمد ابن هشام : سيرة ال (1)

. 409/ 8ابن األثير ، الكامل في التاريخ : (2)

. 41، 40/ 9الطبري ، تاريخ األمم والملوك : (3)

76الصفحة

ويها بني عبد الدار = ويها حماة األدبار

ضربا بكل بتار

ش النمارق إن تقبلوا نعانق = ونفر

(1) نفارق = فراق غير وامق أو تدبروا

: لقتال النبي وانشد عمرو بن العاص يوم أحد يصف خروجهم

رضوى الحبيك المنطق خرجنا من الفيفا عليهم كأننا = مع الصبح من

(2) جاءة ... كراديس خيل في األزقة تمرق بالشر إل ف فما راعهم

يجدعن اآلذان واألنف حتى اتخذت هند )بالقتلى من أصحاب الرسول ووقفت هند والنسوة الالتي معها يمثلن فالكتها .. ثم علت صخرة وقالئد . وبقرت عن كبد حمزة (جمع خدمة وهي الخلخال) (الرجال خدما من آذان

: مشرفة فصرخت بأعلى صوتها

ذات سعر نحن جزيناكم بيوم بدر = والحرب بعد الحرب

(3) ما كان عن عتبة لي من صبر = ول أخي وعمه وبكر

مر بأبي سفيان )قد (11، 11/ 8في سيرة النبي محمد : على ما يروى ابن هشام)وكان الحليس بن زبان . بن عبد المطلب ، وهو جثة هامدة ، ويقول : ذق عقق وهو يضرب في شدق حمزة

موعدكم بدرا للعام القادم . ثم التفت إلى زوجه هند وأنشد مفتخرا ولما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى : أن

(4) :

خوانا له قد تتابعوا = وح بنصيب ق لهم من عبرة أباك وا

ـــــــــــــــــ

. 49، 48/ 9ابن هشام ، سيرة النبي محمد : (1)

. 44/ 9المصدر نفسه : (2)

. 14/ 9المصدر نفسه : (3)

. 88، 84/ 9المصدر نفسه : (4)

73الصفحة

كل نجيب ت من النجاروسلى الذي قد كان في النفس أنني = قتل

غير هيوب ومن هاشم قرما كريما ومصعبا = وكان لدى الهيجاء

: أحد تنشد وكانت هند حين انصرف المشركون منتصرين من

يكان مطلب رجعت وفي نفسي بالبل جمة = وقد فاتني بعض الذي

(2) ومركبي قد نلت شيئا ولم يكن = كما كنت أرجو في مسيري ولكنني

: بالشكل التالي أما إسالم هند ـ في الظاهر ـ فقد حصل

مكة ليبايعنه . فلما تقدمت هند لمبايعته اشترط شروط اإلسالم لما فتح النبي مكة حضرت إليه هند مع نساء)فقالت هند : أما نحن فقد !على أن ل تقتلي أولدك ؟ تبايعينني : فأجابته بأجوبة قوية ، فمما قاله لها ها ،علي

فقالت هند : وهل تزني الحرة ؟ قالوا : فالتفت !أل تزنين ؟ وعلى : صغارا وقتلتهم كبارا يوم بدر .. فقال ربيناهم

(3) (رسول اهلل إلى العباس وتبسم

األمويين عن مقتهم للدين الحنيف ولصاحبه ، فقد شنوها ـ كما رأينا ـ ما ذكرنا جانب من جوانب تعبيريتضح موكادوا ينالون من النبي في موقعة شعواء ال هوادة فيها على النبي ، غير أنهم اندحروا في بدر ـ كما رأينا ـ حربا

لبشاعة قل أن يعثر المرء على مثلهما في التاريخ . من الوضاعة وا أحد ، فقتلوا عمه حمزة ومثلوا به على شكلاجمعوا أمرهم على الرجوع خيل إليهم أن الرسول قد قتل لما رجعوا من المعركة . غير أنهم سرعان ما ولوال أنه

معبد الخزاعي ، أبا سفيان بن حرب ومن )الظالمة فلقي إلى النبي في أحد حينما بلغهم أنه نجا من سيوفهم . الروحاءمعه ب

ـــــــــــــــــ

. حمزة بن عبد المطلب القرم : الفحل الكريم من اإلبل . والمصعب : الفحل من اإلبل . كناية عن (1)

. 413/ 9ابن هشام ، سيرة النبي محمد : (2)

نى التي تشير إلى حادثة الز . لعل ابتسامة النبي 99، 97ابن الطقطقي الفخري ، اآلداب السلطانية : (3) . فتزوجها أبو سفيان رمى بها الفاكه بن المغيرة زوجه هند ، فطلقها

75الصفحة

وقالوا : أصبنا جل أصحابه وقادتهم وأشرافهم ، ثم رجعنا قبل أن وقد اجمعوا الرجعة إلى رسول اهلل وأصحابه ،وراءك يا معبد ؟ قال : معبدا قال : ما، لنكرن على بقيتهم فلنفرغن منهم . فلما رأى أبو سفيان نستأصلهم

يتحرقون عليكم تحرقا ... قال : فواهلل لقد أجمعنا محمد قد مرج في أصحاب يطلبكم في جمع لم أر مثله قط ، . (1) (بقيتهم . قال : فإني أنهاك عن ذلك ... قال : فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه الكر عليهم لنستأصل

لم يثنه عن مواصلة الكفاح (لوأد اإلسالم والمسلمين في أحد في مؤامرته المسلحة)ن ولكن إخفاق أبي سفيا يغزو محمدا أن ال يمس رأسه ماء من جنابة حتى)وقائع أخرى ضد النبي . وقد نذر أبو سفيان المرير إلثارة

الخندق ... وما عليه ، وعلى الدين الحنيف . فألب األحزاب في حرب في كل فرصة مالئمة لإلجهاز (2)اإلسالم . وهكذا كان ولم يعلن إسالمه ـ في الظاهر ـ إال حين رأى أن ذلك أجدى من السيف لتحطيم ... بعدها

وبدينه وبصحبه ، فأثار حرب بدر ، وأحد ، واألحزاب أبو سفيان يثيرها حروبا متصلة الحلقات لإليقاع بالنبي . تحقيق غرضه الدنيءاليهود للوصول إلى في الخندق ، وتآمر مع

مقدمتهم بنو أمية من النساء والرجال ـ للنبي ، وللمسلمين ، لقد مر بنا طرف من حوادث إيذاء قريش ـ وفيأحيانا ، وبشكل وقد ظهر ذلك اإليذاء بشكل فردي مبعثر)اإلسالمية طوال مكوث النبي في مكة وللعقيدة

خاصة في ابتداع الوسائل المختلفة إليذاء الرسول ن األمويينجماعي منظم أحيانا أخرى . وتفنن المشركون م

ـــــــــــــــــ

. 83، 82/ 9الطبري، تاريخ األمم والملوك : (1)

. 32/ 8ابن األثير ، الكامل في التاريخ : (2)

70الصفحة

وتسفيه رسالته ، لى النبيإلى أحبار اليهود لتأليبهم ع (1) فبعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيطالذين هاجروا إلى الحبشة إلقناع النجاشي بطرد المسلمين (2) وأرسلوا عبد اهلل بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص

. إلى الحبشة تخلصا من إيذاء المشركين

أمية بالغوا في االعتداء على الرسول ، كأم جميل بنت حرب بن وقد نزل قرآن في ذم كثير من أولئك الذينالنبي فيها . فلما هاجر النبي إلى المدينة واصل وكان ذلك كله يجري بمكة طوال مكوث . (3) حمالة الحطب

فامتشق األمويين من النساء والرجال ـ إيذاء الرسول ، هذه المرة عن طريق الحرب ، كفار قريش ـ تحت زعامة

. سلسلة من الحروب الفاشلة التي ذكرناها وحاربوا النبي في األمويون الحسام وألبوا قريشا ، (4)

ـ فشلهم المتواصل لجئوا إلى اتباع أسلوب جديد لإليقاع باإلسالم ، ولما رأى المشركون ـ من بني أمية وأتباعهمقادتهم اإلسالم والتزموا األسلوب ـ في واقعه ـ أكثر األساليب إيجاعا للعقيدة اإلسالمية . فتقمص وكان هذاالدين من داخله ، بعد أن أعياهم أمره في حربهم إياه من مظاهره ليتمكنوا من إعالنها حربا شعواء علىببعض . الخارج

فتح مكة بعد أن لجأ إلى العباس عم النبي مضطرا والتمسه أن فأسلم أبو سفيان ـ قائدهم ـ في الظاهر يومفقال : ألم يئن لك أن تعلم أن ل إله إل اهلل ؟ : اهلل الرسول . فلما أتى به العباس ، قال له رسوله يأخذه إلى : ! فقال عنا وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ، واهلل لقد علمت لو كان معه إله غيره أغنى بأبي أنت

ـــــــــــــــــ

. 980/ 4ابن هشام ، سيرة النبي محمد : (1)

. 970ـ 919/ 4المصدر نفسه : (2)

. 992ـ 997/ 4نفسه : المصدر (3)

. (مشق)امتشقته : اقتطعته . صحاح اللغة : مادة (4)

73الصفحة

وأوصلك ! أما هذه ففي قال : بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك أن تعلم أني رسول اهلل ؟ ويحك ألم يئن لك . (1) (يضرب عنقك ! فأسلم النفس منها شيء . فقال العباس : ويحك أسلم قبل أن

نشأت على الكفر وتشربت ببغض اإلسالم ـ فتظاهر بنبذ عبادة وقد حاول أبو سفيان أن يضبط أعصابه ـ التيالدين الجديد ، من ذلك ـ واالعتراف بالدين الجديد . ولكن ذلك لم يعصمه في مناسبات كثيرة من غمز األوثان

واهلل لو أما)أبا سفيان بعد فتح مكة بقوله : حينما خاطب الحارث بن هشام (2) مثال ـ : ما ذكره ابن هشام

فلو كان أبو (لو تكلمت ألخبرت عني الحصا ! أعلم أن محمدا نبي التبعته ! فقال أبو سفيان : ال أقول شيئا ،كما النبرى لتنفيذ زعم ذلك المشرك البغيض . أما إقراره لرأي الحارث ضمنيا ـ سفيان مسلما صحيح اإلسالم

. عبارته ـ فدليل قاطع على وثنيتهيبدو من

بغيره من شيوخ األمويين ـ الذين اعتمد عليهم عثمان في تدوير ذلك ما يتصل بأبي سفيان ، أما ما يتصلـ أبو مروان ـ فمعروف لدى من لهم أدنى إلمام بالتاريخ اإلسالمي في عهد الرسول ، فالحكم شئون المسلمين

جبين المسلم ؛ األمر الذي اضطر النبي ول مع الرسول ما يندى من ذكرهوزير عثمان ـ قد خاض من فحش الق، عن محمد بن عبد اهلل حدثني محمد بن سعد الواقدي) : (3) البالذري إلى نفيه من المدينة إلى الطائف . قال

ثمان بن عن جده ، أن الحكم بن العاص بن أمية عم ع الزهري ، وحدثني عباس بن هشام الكلبي ، عن أبيه ،به الجاهلية ، وكان أشد جيرانه أذى له في اإلسالم . فكان يمر خلف النبي فيغمز عفان كان جارا للنبي في

ذا صلى قام خلفه فأشار بأصابعه واطلع على ذلك رسول اهلل ذات يوم في ... ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه ، وا بعض حجر

ـــــــــــــــــ

. 891/ 8العبر : ابن خلدون ، كتاب (1)

. 99/ 1سيرة النبي محمد : (2)

. 89/ 1أنساب األشراف : (3)

71الصفحة

استخلف عثمان فغربهم جميعا إلى الطائف . فلما ل يساكني هو ول ولده : نسائه فعرفه وخرج إليه ... ثم قال . (أدخلهم المدينة

. الوحي فحرف وبدل في التنزيل ، فأهدر النبي دمه وابن أبي سرح الذي اختبره النبي في كتابة

قرآن يصفه بالنفاق في قضية بني المصطلق المعروفة ، قال والوليد بن عقبة بن أبي معيط الذي نزل فيه . (1) (بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق ) : تعالى

سفيان وأمثاله من الذين أسلموا بأخرة ، ومن الذين عفا النبي عنهم يسمون أبا)وكان المسلمون في عهد الرسول وابن هند التي أغرت بحمزة ... الفتح بالطلقاء . ومهما يقال عن معاوية فهو ابن أبي سفيان قائد المشركين يوم

. (2) (حتى قتل ثم بقرت بطنه والكت كبده

عن المغيرة بن شعبة قال : قال لي عمر يوما : يا مغيرة ، هل ) الموفقيات وقد ذكر الزبير بن بكار فيكما أعورت عينك العوراء منذ أصيبت ؟ قلت : ال . قال : أما واهلل ليعورن بنو أمية اإلسالم أبصرت بعينك

. (3) (هذه ، ثم ليعمينه حتى ال يدري أين يذهب وال أين يجيء

خالد بن يحيى ، حدثنا سفيان عن منصور ، واألعمش عن أبي حدثنا) (13/ 2)ر البخاري في صحيحه وذكمن أحسن في : قال مسعود قال : قال رجل : يا رسول اهلل ، أتؤاخذنا بما عملنا في الجاهلية ؟ وائل ، عن ابن

. (ألول واألخرالجاهلية . ومن أساء في اإلسالم أخذ با اإلسالم لم يؤاخذ بما عمل في

ـــــــــــــــــ

. 7الحجرات : (1)

. 411: (علي وبنوه) 8الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (2)

. 441/ 9ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (3)

79الصفحة

يثارهم دون غيرهم على سائر المسلمين لقد ظهر من تقريب عثمان لألمويين في خالفته أشكال مختلفة ، وا . المالي ، والجانب السياسي اإلداري أوضحها : الجانب

يمكننا أن نقول : إن عثمان أغدق العطايا على أقربائه من بيت مال وبقدر ما يتعلق األمر بالجانب المالي ،، كما منح أم أبان دون حساب ، من ذلك ، مثال : أن عثمان قد منح مروان بن الحكم ـ زوج ابنته المسلمين

مئتي ألف من بيت المال ، سوى ما )يوم العرس ابنته عائشة التي زوجها من الحارث بن الحكم أخي مروان ـ هذه أصبح الصباح جاءه زيد بن أرقم خازنه حزينا .. يرجو أن يقيله . على أن كان قد أقطعه من قطائع ، فلما

. الواقعة لم تكن أال حلقة من حلقات سخاء عثمان

. (1) شيخ بني أمية ـ مئة ألف درهم ات اليوم األول لخالفته منح أبا سفيان ـوذ

مقدارا ضخما من بيت المال . واستكثر عامله على بيت المال هذا رجال من ذوى قرابته)وأعطى عثمان كذلك إنما أنت خازن ! يخرجه ، فألح عثمان . فأبى الخازن . فالمه عثمان ... وقال : ما أنت وذاك ؟ المقدار فلم

أراني خازنا للمسلمين . ثم أقبل بمفاتيح بيت المال قال له صاحب بيت المال : ما أراني خازنا لك .. لقد كنت 12/ 1أنساب األشراف : )البالذري وتفصيل ذلك على ما رواه . (2) (وجلس في داره فعلقها على منبر النبي

اهلل بن األرقم .. فاستسلف عثمان من بيت المال مئة ألف درهم بدكان على بيت مال عثمان ع)أنه : (13، بثالثمئة ألف درهم عبد اهلل بن أسيد بن أبي العاص من مكة ، وناس معه غزاة ، فأمر لعبد اهلل ، ثم قدم عليه

: األرقم فاستكثره ورد الصك له . فقال عثمان ؛ ولكل رجل من القوم بمئة ألف درهم ، وصك بذلك إلى ابننما خازنك إنما أنت خازن لنا فما حملك على ما فعلت ؟ فقال ابن األرقم : كنت أراني خازنا للمسلمين ؛ وا

. غالمك واهلل ال إلي لك بيت المال أبدا

ـــــــــــــــــ

. 84، 80/ 8عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : (1)

. 31: (علي وبنوه) 8نة الكبرى ، ج الدكتور طه حسين ، الفت (2)

71الصفحة

. (عثمان إلى عبد اهلل بن األرقم ثالثمئة ألف درهم فلم يقبلها وجاء بالمفاتيح فعلقها على المنبر .. وبعث

بني عمومته والمقربين إليه من بيت المال على حساب المسلمين وقد استمر عثمان على هذا المنوال من إيثارفغضب الناس ذات يوم بأن عثمان أخذ من جوهر كان في بيت المال فخلى به بعض أهله حدث، حتى ت

ن رغمت أنوف الناس لذلك ، والموا عثمان فيه حتى أغضبوه ، فخطب ، فقال : لنأخذ حاجتنا من هذا الفيء وا ي يا ابن المتكاء تجترئ أن أنفي أول راغم من ذلك . فقال عثمان : أعل أقوام ! فقال عمار بن ياسر : أشهد اهلل

حتى أتي به منزل أم خذوه ! فأخذ . ودخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشي عليه ، ثم أخرج محموال !؟الظهر والعصر والمغرب . فلما أفاق توضأ وصلى سلمة زوج النبي ، وظل مغشيا عليه سائر النهار ؛ ففاته

شيئا من فيها في اهلل . ويقال : إن أم سلمة ـ أو عائشة ـ أخرجت أول مرة أوذينا وقال : الحمد هلل ، هذه ليستوثوبه ونعله لم يبل وأنتم تعطلون سنته ؟! شعر النبي وثوبا من ثيابه ونعال من نعاله وقالت : هذا شعر النبي

. (1) (حتى ال يدري ما يقول وضج الناس ، وخرج عثمان عن طوره

ذا صحت الرواية المذكورة فإن ارتكب خطأين في آن واحد : تبذير أموال المسلمين ، واالعتداء عثمان قدوا عثمان ولسنا بحاجة إلى أن نناقش في صحة ما جاءت به الرواية من أن)خيرة الصحابة . على رجل من

ومن أنه أعطى الحكم عمه ، .. أعطى مروان بن الحكم خمس الغنيمة التي غنمها المسلمون في إفريقية نه الحارث ثالثمئة ألف ،وأعطى اب

ـــــــــــــــــ

/ 1البالذري ، أنساب األشراف : . 479: (عثمان بن عفان) 4الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (1)12 .

77الصفحة

د ثالثمئة ألف ، وأعطى كل واحد من الذين وفدوا مع عبد اهلل بن خال وأعطى عبد اهلل بن خالد بن أسيد األمويوأعطى سعيد بن وأعطى الزبير بن العوام ستمئة ألف ، وأعطى طلحة بن عبيد اهلل مئة ألف ، مئة ألف ،

. (1) (قريش ، فأعطى كل واحد منهم مئة ألف دينار العاص مئة ألف ، وزوج ثالثا أو أربعا من بناته لنفر من

أسامة بن زيد بن أسلم ، عن عن الواقدي ، عنحدثني محمد بن سعد ، ) : (2) ويقول البالذري في هذا الصددإفريقية ، فأصاب عبد اهلل بن سعيد بن 89أغزانا عثمان سنة : نافع مولى الزبير ، عن عبد اهلل بن الزبير قال

. ... جليلة . فأعطى عثمان مروان بن الحكم خمس الغنائم أبي سرح غنائم

حدثه قال :كان عبد اهلل بن سعد بن أبي سرح أخا عثمان من عمن .. وحدثني عباس بن هشان الكلبي عن أبيهبمئة ألف أو مئتي هـ فافتتحها فابتاع خمس الغنيمة 89وعامله على المغرب ، فغزا إفريقية سنة الرضاعة ،

. ... ألف . فكلم عثمان فوهبها له ، فأنكر الناس ذلك على عثمان

د اهلل بن جعفر ، عن أم بكر ، عن أبيها ، قالت : قدمت إبل عب وحدثني ، محمد بن سعد ، عن الواقدي ، عن . عثمان فوهبها للحارث بن الحكم بن أبي العاص الصدقة على

الحجاج األعور ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال وحدثني محمد بن حاتم بن ميمون ، حدثنادرهم فوهبها العاص صدقات قضاعة فبلغت ثالثمئة ألف على عثمان أنه ولى الحكم بن أبي : كان مما أنكروا .. له حين أتاه بها

ولما أعطى عثمان مروان بن الحكم ما أعطاه ،

ـــــــــــــــــ

. 439: (عثمان بن عفان) 4الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (1)

. 18/ 82/ 89/ 1أنساب األشراف : (2)

644الصفحة

ثالثمئة ألف درهم .. وأعطى زيد بن ثابت األنصاري مئة ألف درهم لحارث بن الحكم بن أبي العاصوأعطى ابن الحكم إلى عثمان .. فأرسل فرفع ذلك مروان (1)(... الذهب والذين يكنزون ) : يتلو قول اهلل ، جعل أبو ذر

ل : أينهاني عثمان عن قراءة كتاب اهلل وعيب من ترك عنك . فقا إلى أبي ذر نائال مواله : أن انته عما بلغني . (فواهلل لسخط عثمان أحب إلي وخير لي من سخط اهلل !أمر اهلل ؟

يقاعه بالصحابة الذين اعترضوا على ذلك ، ولعل تصرف عثمان في بيت المال على الشكل الذي وصفناه ، وا أثناء خالفته وبضدها تتميز األشياء ـ بتصرف علي مما ذكرناه إذا قارناه ـ حسب قاعدة : يبدو بشكل أوضح

. الباطل الذي هو أسمى من أن يهبط إليه في بيت المال ، وبموقفه ممن المه على اتباعه الحق ، بله

اشترى به خبزا ، واحتاج إلى اإلدام فطلب من قنبر خادمهم أن نزل بالحسين ابنه ضيف ، فاستسلف درهما )يا قنبر ، : قال اق عسل جاءتهم من اليمن . فأخذ منها رطال ، فلما طلبها علي ليقسمها ،من زق يفتح لهم زقا

ما حملك أن أخذت من : فقال له . علي بحسين : وقال ، فأخبره ، فغضب ، ! أظن أنه حدث بهذا الزق حدث : ، قال إن لنا فيه حقا فإذا أعطينا رددناه : قال قبل القسمة ؟

ن كان لك حق ثم دفع إلى قنبر درهما كان .. فليس أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهموا . (2) (تقدر عليه اشتر به خير عسل : مصرورا في ردائه ، وقال

أصابتني مخمصة )سفيان عندما التحق به فارا من عدل اإلمام وذكر عقيل بن أبي طالب لمعاوية بن أبي ت عليا بهم ، والبؤس والضرصبياني وجئ شديدة ، فجمعت

ـــــــــــــــــ

. 91التوبة : (1)

. عليه الشيعة اإلمامية . هذا النص مخالف لما 29ـ 24/ 9ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (2)

(الناشر)

646الصفحة

أل : ، فأمره بالتنحي ، ثم قال يقودني أحد ولدي ، فجئته ائتني عشية ألدفع إليك شيئا : ظاهران عليهم ! فقال

حديدة تلتهب نارا ، فلما قبضتها ، فأهويت حريصا قد غلبني الجشع أظنها صرة فوضعت يدي على دونك . (1) نبذتها وخرت كما يخور الثور تحت يد جزار

لى هذه الحادثة يشير اإلمام في إحدى خطبه صاعا . كمرأيت عقيال وقد أملق حتى استماحني من بر ) : وا ر علي القول مرددا ، فأصغيت ورأيت صبيانه شعث الشعور ، غبر األلوان من فقرهم ، عاودني مؤكدا وكر

قياده مفارقا طريقي ، فأحميت له حديدة ، ثم أدنيتها من جسمه إليه سمعي ، فظن أني أبيعه ديني وأتبع

حديدة ثكلتك الثواكل يا عقيل .. أتئن منفضج ضجيج ذي دنف من ألمها .. فقلت له : ليعتبر بها ، . (2) (!؟ أحماها إنسانها للعبه ، وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه

في معاملته للخوارج الذين هم على باطل من وجهة نظره على كل ويتجلى أروع مواقف اإلمام في ضبط النفسالدكتور طه يشبه موقف عثمان مع عمار على حقه . يقول له موقفا معهم على باطلهم ، حال .. فلم نشهد

وهو الحريث بن راشد السامي ، فقال له : واهلل ال أطعت أمرك ، وال ) جاء عليا أحد الخوارج : (3) حسينويبين له وجه الحق لعله أن خلفك .. فلم يغضب علي لذلك ، ولم يبطش به ، إنما دعاه إلى أن يناظره صليت

. (منه علي ، فقال الحريث : أعود غدا ، فقبل يثوب إليه

حد تفريقه إياها على األصهار وذوي القرابة ، إنما تعداه إلى ولم يقف تمزيق عثمان ألموال المسلمين عند . والمقربين واألتباع األصدقاء

ـــــــــــــــــ

. ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة (1)

. 20 / 9المصدر نفسه : (2)

. 481: (علي وبنوه) 8الفتنة الكبرى ، ج (3)

643الصفحة

. (1) (ألف . ووصل طلحة بمئة ألف ونزل عن دين كان له عنده الزبير بن العوام بستمئة)فقد وصل عثمان

بين سياسة ابن عفان يمكننا أن نقول بنشوء هوة سحيقة بين الم وبقدر ما يتعلق األمر بهذا الجانب من جوانب قرفبينما نجد أكثرية . األقرباء واألصهار واألصدقاء من جهة ، وبين سائر المسلمين من جهة أخرى إليه من

في بيت المال ، نرى المقربين إلى الخليفة ـ المسلمين تعيش على الطوى ، ويحرم القسم الكبير منها حقهإلى ن غنيمة أموال المسلمين ، يبلغ ترفهم وثراؤهمالذين استأثروا بحصة األسد م باإلضافة إلى ذوي قرابته ـ

. األذقان

اقتنى جماعة من أصحابه الضياع والدور ، منهم : الزبير ) : ـ (2) ففي أيام عثمان ـ على ما يروي المسعوديتنزلها وثالثمئة ، هـ اثنتين وثالثين 998داره بالبصرة وهي المعروفة في هذا الوقت ، وهو سنة بن العوام ، بني

واإلسكندرية ، وما ذكر من دوره وضياعه فمعلوم .. التجار وأرباب المال .. وابتنى أيضا دورا بمصر والكوفة . .. وفاته خمسين ألف دينار ، وخلف الزبير ألف فرس ، وألف أمة وبلغ مال الزبير بعد

. وكان غلته من العراق كل يوم ألف دينار ـ داره المشهورة في الكوفة وكذلك طلحة بن عبيد اهلل التميمي ابتنى . باآلجر والجص والساج أكثر من ألف . وبناحية سراة أكثر مما ذكرنا . وشيد داره بالمدينة وبناها وقيل

ووسعها ، وكان على مربطه ألف فرس ، وله ألف بعير ، وكذلك عبد الرحمن بن عوف الزهري ابتنى داره وعشرة آالف من الغنم

ـــــــــــــــــ

. 99: (عثمان بن عفان) 4الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (1)

. 888/ 8مروج الذهب ومعادن الجوهر : (2)

645الصفحة

. (ألفا وبلغ بعد وفاته ربع ثمن ماله أربعة وثمانين

خالفة كانت كلها موضع نقمة اصطنعها عثمان منذ أن نهض بال أن السياسة المالية التي)يتضح مما ذكرنا نكار من أكثر . الذين عاصروه ومن أكثر الرواة والمؤرخين وا

المال . فلما تولى الخالفة شغلته عن التجارة .. ولم يكن له بد من أن كان عثمان ـ قبل أن يلي الخالفة ـ كثيرفيما يظهر أن الخالفة يجب أال ن يرىعلى نفسه وأهله وذوي قرابته بعد الخالفة كما كان ينفق قبلها ، فكا ينفق

. (1) (يسعفه ماله الخاص وجب أن تسعفه األموال العامة تغير من سيرته في المال شيئا ، فإذا لم

ذا استباح الخليفة لنفسه أن ينتفع ببيت المال ألغراضه اآلنفة الذكر ، فإن ذلك قد شجع عماله على السير وا اهلل بن مسعود في ، فأعطوا واقرضوا والتوى بعضهم بالدين ، فاستقال عبد المسلمين سيرة إمامهم في مال

ذا أطلق اإلمام يده وأطلق العمال أيديهم في األموال . الكوفة ، كما استقال عبد اهلل بن األرقم في المدينة وا اإلمام أن ينفق على النحو لم يمكن غريبا أن يحتاج الجند إلى المال فال يجدون ، وأن يضطر العامة على هذا

ذا أطلق يده في األموال العامة على الحرب من أموال الصدقة فيعرض نفسه لما تعرض إليه من اإلنكار .. . وا الرحم أن تمتد هذه األيدي إلى أموال الصدقة لإلنفاق على الحرب ، بل للعطاء وصلة هذا النحو لم يكن غريبا

جاء بصدقاتهم وهبها له ... على الحكم مصدقا على قضاعة ، فلما ، كما يروى أن عثمان أرسل الحارث بنالناس من عثمان أنه كان فقد نقم ؛ تجاوز إلى الجامد أيضا أن عثمان لم يقتصر على السائل من المال ، بل

. يقطع القطائع الكثيرة في األمصار لبني أمية

ـــــــــــــــــ

. 430: (عثمان بن عفان) 4برى ، ج الدكتور طه حسين ، الفتنة الك (1)

640الصفحة

اإلقطاع بأن عثمان إنما أقدم عليه استصالحا لهذه األرض .. ويرد وقد دافع أهل السنة والمعتزلة عن هذاالشيعة أيضا بأن بني عليهم بأن عثمان نفسه لم يدافع عن نفسه هذا الدفاع ، وكان من الممكن أن يرد الشيعةائيين من دون قريش في استصالحأمية لم . (1) (األرض يكونوا أخص

لعثمان كانت تنتهي إلى إن السياسة المالية) : (2) الدكتور طه حسين وفي ضوء ما ذكرنا نستطيع أن نقول معرفة في غير حقها .. واألخرى إنشاء هذه الطبقة الغنية المس نتيجتين كلتاهما شر : األولى إنفاق األموال العامة

ترى لنفسها تستجيب لطمع ال حد له ، فتتوسع في ملك األرض واستغالل الطبقة العاملة ، ثم في الغنى التيبالفعل واستفحل في خالفة اإلمام علي كما . وقد حدث ذلك (من االمتياز ما ليس لها ، ثم تتنافس في التسلط

. سنرى

لعامة في هذه الناحية .. أما ما يتعلق بسياسته وبسياسته ا ذلك ما يتعلق بأسلوب عثمان في صرف المالوالمتنفذين ، على الممكن أن يقال عنه : بأن عثمان كان يعتمد بالدرجة األولى ، من حيث الوالة اإلدارية فمن

. وقد (مر بنا ذكر أسمائهم)أصهاره وذوي قرابته مروان بن الحكم ، مستشاره ووزيره ، وعلى والة آخرين منالناس من الفجرة بدورهم ـ كما سنرى ـ يعبثون بشئون المسلمين واإلسالم بشكل لم يألفه الوالة القساةأخذ هؤالء

. أفعالهم الناشزة قبل . وعثمان من ورائهم يسندهم ويختلق لهم المعاذير لتبرير

ـــــــــــــــــ

. 431، 439: (عثمان بن عفان) 4الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (1)

. 431المصدر نفسه : (2)

643الصفحة

الرغم مما عرف فيه من وداعة ولين ـ على جانب كبير من القسوة وأنكى من ذلك أن عثمان نفسه كان ـ على، وأبي ذر الغفاري ، أجلة الصحابة ، بله عامة الناس .. . وموقفه الغليظ من عبد اهلل بن مسعود في معاملة

. ، معروف لدى الكثيرينوعمار بن ياسر

الصالحين ـ بشهادة الرسول ـ قد امتهنهم الخليفة واعتدى عليهم بالضرب واألنكى من ذلك كله أن هؤالء الرجالاللهم إال إذا اعتبرنا عتابهم لعثمان والنفي والكالم الجارح ، دون أن يقوموا بعمل يستحقون عليه العقاب ، المبرح

حدثنا محمد بن عيسى بن ) : (1) يستحقون عليه العقاب . قال البالذري ناشزة شيئا على بعض تصرفاته البن المسيب قال : ولما ولي عثمان كره واليته نفر سميع ، عن محمد بن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن سعيد

يستعتب وكان كثيرا ما يولي من بني أمية من لم يكن له مع النبي صحبة . من أصحاب رسول اهلل .. وكانهم . وولى عبد اهلل بن سعد بن أبي سرح فيهم فال يعزلهم ، فلما كان في الست األواخر استأثر ببني عمه فوال

أن أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه ... فكتب إليه كتابا يتهدده فيه ، فأبى مصر فمكث فيها سنين ، فجاءهحتى قتله . فخرج من ن كان شكاه إلى عثمان من أهل مصرينزع عما نهاه عثمان عنه . وضرب بعض م

بهم ابن أبي سرح في مواقيت الصالة إلى أصحاب أهل مصر وفد إلى المدينة فنزلوا المسجد وشكوا ما صنع . (فكلمه بكالم شديد . وأرسلت إليه عائشة تسأله أن ينصفهم من عامله محمد ، فقام طلحة إلى عثمان

ـــــــــــــــــ

. 87ـ 81/ 1أنساب األشراف : (1)

. 13/ 1المصدر نفسه : (2)

641الصفحة

وقد كتب إلى عثمان جماعة من الصحابة فيهم : المقداد ، وعمار ، وطلحة ، والزبير ، على ما يقول البالذريفوه ربه واعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع): (4) ، فأخذ عمار الكتاب وأتاه كتابا عدوا فيه إحداث عثمان ، وخو

به ، فقرأ سطرا منه . فقال له عثمان : أعلي تقدم من بينهم ؟ فقال عمار : ألني أنصحهم لك . فقال : كذبت يا ابن سمية ، فقال : أنا واهلل ابن سمية وابن ياسر . فأمر غلمانه فمدوا بيديه ورجليه ، ثم ضربه عثمان

. (ه فأصابه الفتق ، وكان ضعيفا كبيرا ، فغشى عليهبرجليه وهي في الخفين على مذاكير

ويلوح للباحث في ضوء ما ذكرناه أن السياسة العامة للدولة كانت مبنية في جوانبها المالية واإلدارية على العبث بمقدرات المسلمين ، وعلى الخروج على روح اإلسالم لكسب والء الناس لألمويين من جهة ، وللتنكيل

تلك السيرة التي تسلم عثمان الخالفة على (سيرة الشيخين)ونهم أو ينتصرون للدين الحنيف وحتى لـ بمن يناوئأنكر ): (8)من جهة أخرى . قال الواقدي (عند البحث في الشورى)أساس السير وفق مستلزماتها كما ذكرنا

رون في ذلك ، فقال : إن له الناس على عثمان إعطاءه سعيد بن العاص مئة ألف درهم ، فكلمه علي وآخقرابة ورحما ، قالوا : أفما كان ألبي بكر وعمر قرابة وذو رحم ؟ فقال : إن أبا بكر وعمر كانا يحتسبان في

؟ (سيرة الشيخين). فهل هذه السياسة تتفق مع (منع قرابتهما ، وأنا احتسب في إعطاء قرابتي

سيرة )ه لم تكن ـ في كثير من وجوهها ـ غير منسجمة مع ويبدو للباحث كذلك .. أن سيرة عثمان في رعيتغير متفقة كل االتفاق مع نصوص القرآن وسنة الرسول (في كثير من األحيان)فحسب ، بل كانت (الشيخين

ضافة . وجملة القول : إن عثمان في كثير من تصرفاته ، باإلضافة إلى سياسته المالية التي ذكرناها ، وباإل . إلى سياسته اإلدارية التي سنذكرها ، كان مجافيا لروح اإلسالم

ـــــــــــــــــ . 13/ 1البالذري ، أنساب األشراف : (4) . 89/ 1المصدر نفسه : (8)

649الصفحة

ذلك ما يتصل بالسياسة المالية البن عفان :

قد اعتمد عثمان في إدارته على ذوي قرابته بالدرجة األولى . ، ف (والسياسية)أما ما يتصل بالسياسة اإلدارية ن كان الناس ـ منذ قديم الزمان ـ ينكرون على حكامهم إيثار ذوي قرباهم بشئون الحكم وليس في ذلك ضير ، وا

انوا واإلدارة وما ينتج عنهما . هذا إذا كان ذوو القرابة من أصحاب الكفاءة والسيرة الحسنة ، فكيف بهم إذا ك من النوع الذي اعتمد عليه عثمان ! فبعضهم نزل بهم قرآن في نفاقهم وكذبهم .

وها نحن نقص على القارئ جانبا من سيرتهم على سبيل التمثيل ال الحصر :

أن (4)لنبدأ بالوليد بن عقبة بن أبي معيط والي الكوفة ، متتبعين تاريخه منذ عهد الرسول . ذكر ابن هشام إلى بني المصطلق ، بعد إسالمهم ، الوليد بن عقبة بن أبي معيط ... يطالبهم بالصدقة .. فرجع )النبي بعث

إلى الرسول فأخبره أن القوم قد هموا بقتله ، ومنعوه ما قبلهم من صدقتهم ... فبيناهم على ذلك قدم وفدهم إلى مه ونؤدي ما قبلنا من الصدقة ، فانشمر رسول اهلل ، فقالوا : يا رسول اهلل ، سمعنا برسولك فخرجنا إليه لنكر

يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن )راجعا ، فبلغنا أنه زعم أنا خرجنا لنقتله . فانزل اهلل فيه : . (8) (تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين

أن امرأة الوليد بن عقبة جاءت إلى النبي تشتكي إليه الوليد ألنه كان يضربها ، فأمرها (9)ر بعض الرواة وذكخباره بأن الرسول قد أجارها ، فانطلقت النبي بالرجوع إليه وا

ـــــــــــــــــ . 914، 910/ 9سيرة النبي محمد : (4)

. 7الحجرات : (8) . (طبعة مصر) 431/ 1رح نهج البالغة : ابن أبي الحديد ، ش (9)

641الصفحة

اذهبي بها إليه وقولي : إن فقالت : إنه ما أقلع عني ، فقطع الرسول هدية من ثوبه ، وقال : )ثم رجعت . (، فانطلقت ، فمكثت ساعة ثم رجعت ، فقالت : ما زادني إال ضربا رسول اهلل قد أجارني

إمرة الكوفة : أن (من قبل عثمان)التحدث عن هذا المنافق أثناء توليته في معرض (4) وذكر المسعوديالوليد بن عقبة كان يشرب مع ندمائه ومغنيه من أول الليل إلى الصباح ، فلما أذن المؤذن للصالة خرج

أزيدكم ؟ منفصال في غالئله ، فتقدم إلى المحراب في صالة الصبح ، فصلى بهم أربعا ، وقال : تريدون أن وقيل : إنه قال في سجوده وقد أطال : اشرب واسقني ! فقال له بعض من كان خلفه في الصف األول : واهلل

، ال أعجب إال ممن بعثك إلينا واليا وعلينا أميرا .

وخطب الناس الوليد : فحصبه الناس بحصباء المسجد ، فدخل قصره يترنح ويتمثل بأبيات تأبط شرا :

ست بعيدا عن مدام و قينة = ول بصفا صلد عن الخير معزلول

(8) = وأمشى المال بالشاحب المتسلسل ولكنني أروي من الخمر هامتى

وكان الوليد زانيا يشرب الخمر ، فشرب بالكوفة وقام ليصلي .. فتقيأ في المحراب بعد أن قرأ بهم رافعا صوته :

وشاباعلق القلب الربابا = بعد ما شابت

فشخص أهل الكوفة إلى عثمان فأخبروه بخبره وشهدوا عليه بشرب الخمر ، فأتى به ، فأمر رجال من المسلمين أن يضربه الحد ، فلما دنا منه قال : نشدتك اهلل وقرابتي ... فتركه ، فخاف علي أن يعطل الحد فقام إليه فحده

الوليد ، فقال : بيده ... فخرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر ـــــــــــــــــ . 881، 881/ 8المسعودي ، مروج الذهب : (4) أن أبا الوليد كان يهوديا . (881/ 8مروج الذهب : )ويذكر المسعودي (8)

647الصفحة

ا أكلما غضب رجل على أميره رماه بالباطل !! .. فاستجاروا بعائشة ، وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتوكالما فيه بعض الغلظة . فقال : أما يجد فساق العراق ومراقها ملجأ إال بيت عائشة !! فسمعت عائشة ،

. ((4)فرفعت نعل رسول اهلل وقالت : تركت سنة صاحب هذا النعل

ى أنه لم يكن يجلس مع عثمان عل)ويذكر بعض الرواة أن سبب إمارة الوليد بن عقبة الكوفة من قبل عثمان سريره إال العباس بن عبد المطلب ، وأبو سفيان بن حرب ، والحكم بن أبي العاص ، والوليد بن عقبة . ولم

يكن سريره يسع إال عثمان وواحدا منهم ، فأقبل الوليد يوما فجلس ، فجاء الحكم بن أبي العاص ، فأومأ عثمان د : لقد تلجلج في صدري بيتان قلتهما حين رأيتك إلى الوليد فرحل له عن مجلسه ، فلما قام الحكم قال الولي

آثرت عمك على ابن عمك . وكان الحكم عم عثمان ، والوليد أخاه المه ، فقام عثمان : إن الحكم شيخ قريش ، فما البيتان ؟ قال الوليد :

= دوين أخيه حادثا لم يـكن قدمـا رأيت لعم المرء زلفــى قرابة

وخالدا = لكي يدعواني يوم نائبــة عمـا (8)فأملت عمرا أن يشب

. (9)فرق له عثمان ، وقال : قد وليتك الكوفة

ذلك ما يتصل بالوليد بن عقبة ، كيفية توليته إمارة الكوفة وموقفه من الرسول واإلسالم في عهد النبي ، وعبثه بالشريعة السمحاء في تصرفاته التي وصفنا طرفا منها ،

ـــــــــــــــــ . 881/ 8المسعودي ، مروج الذهب : (4) يعنى : عمرا وخالدا ابني عثمان بن عفان . (8) . 439/ 1ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (9)

664الصفحة

وهب ؟ أم ... حين دخل الكوفة واليا عليها مكان سعد قال له سعد : أزائرا يا أبا)حتى ليقال إن الوليد بن عقبة أميرا ؟ قال الوليد : بل أميرا يا أبا إسحاق ، قال سعد : واهلل ما أدري ، أحمقت بعدك ، أم كست بعدي ؟ قال

نما ولي القوم األمر فاستأثروا ، قال سعد : ما أراك إال صادقا الوليد : ما حمقت بعدي ، وال كست بعدك ؟ وا (4) .

المعروف نذكر منهم :أما ما يتصل بالوالة اآلخرين ف

ن في )عبد اهلل بن عامر الذي واله عثمان البصرة ، وكان شابا حدثا لم يتجاوز سنه الخامسة والعشرين بعد ، وا . (8)المهاجرين واألنصار وغيرهم من العرب من هم أكبر منه سنا وأكثر تجربة وأقدم منه سابقا في الدين

لذي واله عثمان مصر ، فكان عثمان نفسه يعلم أن اهلل أنزل في دمه قرآنا أما عبد اهلل بن سعد بن أبي سرح ا . (9)... وأن النبي كان قد أهدر دمه يوم الفتح

تلك جوانب من تصرفات والة عثمان .

أما تصرفات عثمان نفسه تجاه بعض كبار الصحابة الذين أنكروا عليه بعض أعماله أو أعمال والته لعدم مبادئ الدين الحنيف ، فهي األخرى كانت على جانب كبير من الغلظة ، فقد خالف عبد اهلل بن انسجامها مع

مسعود عثمان بن عفان رأيه في جمع القرآن ، فلم يعالجه عثمان باإلقناع أو يصرفه بالمعروف ، بل أمر به عليه حتى كسروا أن يؤدب الجترائه ، فصر به بعض عبيده وضربوا به األرض إمعانا منهم في الشدة

. (أضالعه ، ثم لم تقر عين الخليفة حتى اتبع هذا التعذيب بقطع العطاء عنه ـــــــــــــــــ . 429: (عثمان بن عفان) 4الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (4) . 422المصدر نفسه : (8) . 99/ 8عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : (9)

666الصفحة

وراع أبا ذر إسراف عثمان وتبديده أموال المسلمين على ذوى قرباه ، فأنكر ذلك عليه واستكثره واستشهد بآيات وقد شكا مروان بن الحكم إلى عثمان مقالة أبي ذر هذه ، فأرسل عثمان إليه مواله ينهاه . فقال أبو )من القرآن

إلي من أن أرضي عثمان بسخط اهلل . فنفاه عثمان إلى الربذة فمات ذر : لئن أرضي اهلل بسخط عثمان أحب . (4) (هناك

، فقال : عمار بن ياسر (8)وعندما بلغ عثمان موت أبي ذر بالربذة قال : رحمه اهلل ،على ما يحدثنا البالذري تسييره ! وأمر فدفع نعم .. فرحمه اهلل من كل أنفسنا . فقال له عثمان : يا عاض أير أبيه أتراني ندمت على

في قفاه وقال : الحق بمكانه ، فلما تهيأ للخروج جاء بنو مخزوم إلى علي فسألوه أن يكلم عثمان فيه . فقال له يا عثمان ، اتق اهلل فإنك سيرت رجال صالحا من المسلمين فمات في تسييرك . ثم أنت الن تريد أن علي :

رم ذلك إن شئت قال عثمان لعلي : أنت أحق بالنفي منه . فقال علي : وجرى بينهما كالم حتىتنفى نظيره ! (. واجتمع المهاجرون فقالوا : إن كنت كلما كلمك رجل سيرته ونفيته فإن هذا شيء ال يسوغ . فكف عن عمار

. ى بهم األمر وتداول الزبير بن العوام الرأي كما ذكرنا ، مع نفر من الصحابة ، في سوء األوضاع العامة فانته

إلى كتاب رفعوه إلى عثمان فحمله عمار بن ياسر إليه ، فلما دخل عمار على عثمان ومعه مروان ، قال مروان لعثمان :

ـــــــــــــــــ . 479: ص (عثمان بن عفان) 4الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (4) . 11، 11/ 1أنساب األشراف : (8)

663الصفحة

نك إن قتلته نكلت به من وراءه .. فما أسرع أن قره عثمان على إ ن هذا العبد األسود قد جرأ عليك الناس ، وا رأيه العجيب البغيض . وتناول عصاه فضرب بها الشاكي وأعانه على الضرب أهل بيته ، ومن حضر مجلسه

. (4)لك اليوم البارد الممطر من بني أمية . حتى فتقوا بطن الرجل وألقوه على جانب الطريق في ذ

وفي ضوء ما ذكرنا نستطيع أن نقول مع الدكتور طه حسين : إن عثمان ، مهما يكن اعتذار أهل السنة والمعتزلة عنه ، فإنه قد أسرف وترك عماله يسرفون في العنف بالرعية ضربا ونفيا وحبسا . وهو نفسه قد

ابة النبي . ضرب عمار بن ياسر حتى أصابه الفتق ، وأمر ضرب ـ أو أمر بضرب ـ رجلين من أعالم صحمن أخرج عبد اهلل بن مسعود من مسجد النبي إخراجا عنيفا حتى كسر بعض أضالعه . ومهما يكن من أمر

نما هذين الرجلين الجليلين .. فما نعلم أنه حاكمهما وأقام عليهما الحجة وأباح ألحد منهما الدفاع عن النفس ، وا يهما قول عماله أو قول حاشيته ، ثم عاقبهما دون أن يقيم البينة . وليس له من هذا كله شيء .. وهو سمع ف

نفسه شق على أبي ذر حتى نفاه ال لشيء إال ألنه أنكر سياسته العامة في األموال .. ثم هو أذن لعماله أن ماله يتقاذفون فريقا من أهل الكوفة يخرجوا الناس من ديارهم كلما آنسوا منهم بعض ما يكرهون . فجعل ع

يرسلهم سعيد إلى معاوية ! ثم يردهم معاوية إلى سعيد ! ثم يرسلهم سعيد إلى عبد الرحمن بن خالد ! دون أن

. (8)يحاكموا أو تقوم عليهم البينة ، ويسمع منهم دفاعهم عن أنفسهم ـــــــــــــــــ . 91، 91/ 8علي بن أبي طالب : عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام (4) . 433، 432: ص (عثمان بن عفان) 4الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (8)

665الصفحة

قصة عزل عثمان عبد اهلل بن مسعود عن بيت المال في الكوفة وأسباب ذلك العزل (4)وقد روى لنا البالذري ارئ :ونتائجه . أما التعليق على ذلك فنتركه للق

لما قدم الوليد بن عقبة واليا على الكوفة ألفى ابن مسعود على بيت المال ، فاستقرضه ماال ... فأقرضه .. ثم )إنه اقتضاه إياه ، فكتب الوليد في ذلك إلى عثمان فكتب عثمان إلى عبد اهلل بن مسعود : إنما أنت خازن لنا

ود المفاتيح وقال : كنت أظن أني خازن للمسلمين . فأما إذا فال تعرض للوليد في أخذ المال . فطرح ابن مسعفكتب الوليد بذلك إلى (كنت خازنا لكم فال حاجة لي في ذلك . وأقام بالكوفة بعد إلقائه مفاتيح بيت المال

: فكتب إليه عثمان يأمره بإشخاصه وشيعته أهل الكوفة ، فأوصاهم بتقوى اهلل ولزوم القرآن ، فقالوا له )عثمان جزيت خيرا ؛ فلقد علمت جاهلنا ، وثبت عالمنا ، وأقرأتنا القرآن ، وفقهتنا في الدين ... وقدم أبن مسعود

المدينة وعثمان يخطب على منبر الرسول . فلما رآه قال : إنه قدمت عليكم دويبة سوء .. فقال ابن مسعود : أخرج من المسجد إخراجا عنيفا وضرب به عبد اهلل لست كذلك ولكنني صاحب رسول اهلل . ثم أمر عثمان به ف

. (8)بن زمعة األرض

ال يأذن له عثمان في الخروج منها إلى ناحية من النواحي ... حتى توفي )فأقام عبد اهلل بن مسعود بالمدينة قبل مقتل عثمان بسنتين .. .

: ما تشتكى ؟ قال : ذنوبي . ولما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه أتاه عثمان عائدا . فقال

ـــــــــــــــــ . 11، 11/ 1أنساب األشراف : (4) . 97/ 1المصدر نفسه : (8)

660الصفحة

قال فما تشتهي ؟ قال : رحمة ربي . قال : أفال آمر لك بعطائك ؟ قال : منعتنيه وأنا محتاج إليه ، وتعطنيه ك . قال : رزقهم على اهلل . فقال عثمان : استغفر اهلل لي يا أبا عبد وأنا مستغن عنه ! قال : يكون لولد

. (4) (الرحمن . قال : أسأل أن يأخذ لي منك بحقي . وأوصى أن ال يصلي عليه عثمان

لقد أنكر المسلمون على عثمان تصرفاته التي ذكرنا جانبا منها ، لخروجها على روح اإلسالم ، وسنة الرسول . كما أنكروا تصرفات أخرى كثيرة .. كان بعضها خروجا سافرا على القرآن وسنة النبي . وقد (خينسيرة الشي)و

لقد أنكر خصوم عثمان عليه أنه لم يكن يبدأ خالفته حتى عطل حدا من )لخصها الدكتور طه حسين بقوله : ؛ وذلك حين عفا عن عبيد اهلل بن عمر بن حدود اهلل ، وخالف نصا من نصوص القرآن خالفا خطيرا

الخطاب ولم يقتص منه للهرمزان وجفينة ، وبنت أبي لؤلؤة ، فقد كان الهرمزان أميرا فارسا مسلما ، وكان اآلخران ذميين . واهلل قد عصم دماء المسلمين ودماء الذميين ، وبين الحدود التي تقام حين يعتدي أحد على

. وقال (8)ن : إن إقامة الحد على عبيد اهلل واجبة بنص القرآن بعض أولئك أو هؤالء .. فقال المعارضو . (9)عثمان : قتل أبوه أمس وأقتله اليوم

والمهم هو أن عثمان عفا عن ـــــــــــــــــ . 99/ 1البالذري ، أنساب األشراف : (4) البقرة والنساء والمائدة . (8)الشخص الذي يقتل أبوه من التعرض إلقامة الحدود الدينية بسبب وليس في القرآن ما يشير إلى استثناء (9)

ذلك القتل . وجريرة عبيد اهلل أنه ـ بعد أن قتل أبو لؤلؤة أباه ـ تناول السيف فقتل أبا لؤلؤة ، كما قتل الهرمزان ، قدم بالشكوى إلى وجفينة ، وبنت أبي لؤلؤة دون أن يثبت اشتراكهم في القتل . وكان الواجب على عبيد اهلل أن يت

الخليفة حسب األصول المعروفة .

663الصفحة

عبيد اهلل ، ثم عاب المسلمون المعاصرون لعثمان عليه بعد هذه القصة مخالفته للسنة المعروفة المستفيضة عن النبي وعن الشيخين وعن عثمان نفسه في صدر من خالفته ، وذلك حين أتم الصالة في منى وقد قصرها

، والشيخان وقصرها عثمان نفسه أعواما .. وقد ينبغي أن تعلم أن مصدر هذا الذي أصاب أصحاب النبي النبي حين رأوا عثمان يتم الصالة بمنى هو مخالفة السنة الموروثة أوال . وشيء آخر عظيم الخطر جدا في

دار إقامة ، واتخذ مكة وما نفوس المهاجرين ، وهو : أن النبي بعد الهجرة قد اتخذ المدينة له وال صحابه

حولها دار غربة ، وكره لنفسه و أصحابه أن يصلوا اإلقامة بمكة حتى ال يظن أنهم يرجعون أو يهمون بالرجوع إليها بعد أن هاجروا منها ، وكره أن يموت بعض أصحابه المهاجرين في مكة .

، فقالوا : إنه أخذ الزكاة على الخيل ، وأنكر خصوم عثمان عليه شيئا آخر يتصل بركن آخر من أركان الدين وكان النبي قد أعفى من زكاة الخيل وسار الشيخان سيرته .

وعاب المسلمون على عثمان أنه حمى الحمى ، واهلل ورسوله قد أباحا الماء والهواء والكأل للناس جميعا ..

ة فأنفق منها في الحرب وفي غير وهناك اعتراض آخر وجهه خصوم عثمان إليه وهو أنه أخذ من أموال الصدق . قال المعترضون : إن ألموال الصدقة مصارف معينة بينها اهلل في قوله : (4)الحرب من المرافق العامة

قاب و ) دقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الر غارمين وفي سبيل الله ال إنما الص . (8) (وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم

وعاب خصوم عثمان عليه : أنه حمل الناس على مصحف واحد .. فحرق ما عدا هذا المصحف من الصحف التي كتب فيها القرآن .. فليس على عثمان بأس

ـــــــــــــــــاعتراض غير وجيه ألن اإلنفاق من الصدقات سواء كان في الحرب أو في غيره من المرافق العامة . (4) (الناشر) . 70التوبة : (8)

661الصفحة

في دينه من هذه الناحية .

وقد يمكن أن تعترض عليه في أنه كلف كتابة المصحف نفرا قليال من أصحاب النبي وترك جماعة من القراء الذين سمعوا من النبي وحفظوا عنه وعلموا الناس في األمصار .. وهنا نفهم غضب ابن مسعود . فقد كان ابن مسعود من أحفظ الناس للقرآن ... أخذ من فم النبي سبعين سورة من القرآن ولم يكن زيد بن ثابت قد بلغ الحلم

وغيره من الذين سبقوا إلى استماع القرآن عن بعد . فإيثار عثمان لزيد بن ثابت وأصحابه وتركه البن مسعود النبي وحفظه عنه قد أثار عليه بعض االعتراض .. .

ذا لم يكن على عثمان جناح فيما فعل من وربما تحرج المسلمون من تحريق ما حرق عثمان من الصحف .. وا نه إن لم يكن قد أضاع جهة الدين وال من جهة السياسة ، فقد يكون لنا أن نأسف لتحريق تلك الصحف ، أل

على اإلسالم شيئا من دينهم فقد أضاع على العلماء والباحثين كثيرا من العلم بلغات العرب ولهجاتها . على أن األمر أعظم خطرا وأرفع شأنا من علم العلماء وبحث الباحثين عن اللغات واللهجات ..

ر يمكن أن يقوم له فيها ؛ ذلك أنه رد عمه الحكم وأنكر المنكرون على عثمان خصلة أخرى ما نعرف أن العذقد أخرجهم منها إخراجا عنيفا . وكان (صلى اهلل عليه وسلم)بن أبي العاص وأهله إلى المدينة وكان النبي

بيت الحكم بن أبي العاص في الجاهلية مجاورا لبيت النبي ، فكان الحكم يؤذي جاره الكريم أشد األذى وأقبحه د أقبل الحكم بعد فتح مكة مسلما ولكن إسالمه لم يكن إال جنة يتقي بها الموت ؛ وآية ذلك أنه استمر .. وق

يؤذي النبي بقوله وفعله ، فكان يسعى وراءه ويغمزه ويقلد حركاته ساخرا منه .. فقد كان أيسر الرعاية لحرمة ها ميتا بعد أن أبى النبي أن يساكنه فيها حيا . وقد النبي يقتضي إال يرده عثمان إلى المدينة ، ليساكن النبي في

دلت سيرة عثمان مع الحكم وبنيه ـ بعد ذلك ـ على أنه إنما ردهم إلى المدينة

669الصفحة

إيثارا لهم بالخير وتكاثرا بهم على غيره من المسلمين واستعانة بهم على أمور السياسة .

شئون المدينة فأسرف على الناس وعلى نفسه وسار سيرة ال تالئم األمانة وال وقد ولى عثمان الحارث بن الحكم نما أعطى الحارث ماال كثيرا . ثم اختص عثمان بمروان بن التورع ... ثم ال يقف عثمان عند هذا الحد ، وا

نما تجاوزه ، الحكم فأعطاه وحباه ، واتخذه لنفسه وزيرا ومشيرا .. ولم يكن عثمان ليقف بأحداثه عند هذا الحد وا . (4) (هو وعماله ، إلى أشياء كثيرة تمس حقوق الناس ومصالحهم وحرياتهم

ومما زاد الوضع الحرج حراجة أن قسما من أهل بيت عثمان ومن المقربين إليه وممن ساعد على جعله خليفة عليه سواه من أهله .. فكان يلقى فهذا محمد بن أبي حذيفة .. آذاه أن يؤثر الخليفة )قد بدأ يؤلب الناس عليه

الرجل عائدا من غزوة الروم فيتخابث ويسأل : أمن الجهاد ؟ فيجيبه الرجل بنعم ، فيشير بإبهامه إلى ناحية الحجاز ويقول : لقد تركنا خلفنا الجهاد .. جهاد عثمان .. حتى مضى وحقده رائده إلى مصر يلوذ بجماعات

. (8)المخالفين

لى هذه الح وعليها عبد اهلل 91وكانت غزاة ذات الصواري في المحرم سنة )بقوله : (9)ادثة يشير البالذري وا بن سعد ، فصلى بالناس ، فكبر ابن أبي حذيفة تكبيرة أفزعه بها .. وجعل ابن أبي حذيفة يقول : يا أهل

ذيفة بثالثين ألف درهم مصر ، إنا خلفنا الغزو وراءنا . يعنى غزو عثمان . وبعث عثمان إلى ابن أبي ح

ويحمل عليه كسوة . ـــــــــــــــــ . 497ـ 491: (عثمان بن عفان) 4الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (4) . 12/ 8عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : (8) . 14، 10/ 1أنساب األشراف : (9)

661الصفحة

في المسجد وقال : يا معشر المسلمين ، أال ترون إلى عثمان يخادعني عن ديني ويرشوني فأمر به فوضع . (عليه . فازداد أهل مصر عيبا لعثمان وطعنا عليه

لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما وليت عثمان شسع نعلي . )وذاك عبد الرحمن بن عوف يقول للناس : . (4) (جلوه .. عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكهوقال : وهو على فراش الموت : عا

: (8)وذكر البالذري

قال : لما توفي أبو ذر بالربذة ، تذكر حدثني محمد بن سعد ، عن الواقدي ، عن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه). فقال عبد الرحمن : إذا شئت فخذ سيفك هذا عملكعلي وعبد الرحمن بن عوف فعل عثمان فقال علي :

آخذ سيفي . إنه قد خالف ما أعطاني .و

وحدثني مصعب بن عبد اهلل الزبيري ، عن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه : أن عبد الرحمن أوصى أن ال يصلي . (9) (عليه عثمان

وذلك عمرو بن العاص ، الذي وجد على عثمان حين عزله عن مصر .. فكان يؤلب الناس ويحرضهم عليه ـ سرا . على أنه لم يتردد إذ قال لعثمان جهرة في المسجد : إنك ركبت بالناس أمورا وركبناها ما وسعه ذلك ـ

معك ، فتب إلى اهلل فنتب . وتلقى عثمان ذلك أسوأ لقاء . فلما اشتدت الفتنة ، وعرف عمرو أنها منتهية إلى ين فأقام فيها وجعل يتنسم األخبار غايتها ، آثر أن يعتزلها في طورها ذاك . فخرج إلى أرض كان يملكها بفلسط

.

وكان عمرو وابناه على ما هم عليه بفلسطين حتى جاءهم النبأ بقتل عثمان ، فقال

ـــــــــــــــــ . 19/ 8عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : (4) . 91/ 1أنساب األشراف : (8) هـ . 98على رواية ، وسعد بن أبي وقاص على أخرى ، وكان ذلك سنة فصلى عليه الزبير بن العوام (9)

667الصفحة

عمرو : أنا أبوك عبد اهلل ما حككت قرحة إال أدميتها . يريد أنه مهد للفتنة والثورة لعثمان فأحكم التمهيد وانتهى . (4) (األمر إلى غايته

عثمان وهو في طريقه إلى فلسطين فيقول : واهلل إني ويحدثنا عمرو نفسه عن بعض ما فعله في التأليب على . (8) (كنت أللقى الراعي فأحرضه على عثمان !

وقد هدد عمرو بن العاص عثمان حين حضر الحصار األول قائال : إنك يا عثمان ركبت بالناس النهابير ، نك ممن يؤلب على الطغا م ألني عزلتك عن مصر . فخرج إلى فاتق اهلل وتب إليه . فقال : يا ابن النابغة ، وا

فلسطين فأقام بها في ماله هناك ، وجعل يحرض الناس على عثمان حتى رعاة الغنم . فلما بلغه مقتله قال : . (9) (أنا أبو عبد اهلل ، إني إذا حككت قرحة نكأتها

لم يبل وعثمان قد أبلى هذا قميص رسول اهلل)وتلك عائشة أم المؤمنين خرجت بقميص النبي ، فقالت للناس : أشد نساء النبي إنكارا على عثمان ، ). ولقد كانت عائشة (1) (سنته . ثم تقول : اقتلوا نعثال ، قتل اهلل نعثال

ولم تتحرج أن تصيح به من وراء سترها على المنبر حين عاب عبد اهلل بن مسعود فأسرف في عيبه . ولم تكن ن أعمال عثمان ومن سيرة عماله حتى ظن كثير من الناس أنها كانت من تتحفظ من االعتراض على كثير م

. (1) (المحرضين على الثورة به

وتدعوا إلى قتله بكل مكان .. ولم تبق بالمدينة لتكف عنه أذى الناس )وكانت عائشة تؤلب الناس على عثمان داء واجب ديني مقدس من محاولة حين حصروه بداره .. وتمضي على األثر إلى مكة ، فال يمنعها خروجها أل

التخذيل عن الشيخ ، وبث كراهيته في نفوس الحجيج القادمين من كافة األقطار .. ـــــــــــــــــ . 72، 79: (علي وبنوه) 8الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (4) . 29عباس محمود العقاد ، عبقرية اإلمام : (8) . 91/ 1األشراف : البالذري ، أنساب (9)

. 112ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (1) . 83: (علي وبنوه) 8الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (1)

634الصفحة

ثم راحت ، وهي بموطن اإلحرام ال تني تستنبئ كل قادم ، وتتنسم أخبار المدينة بلهفة . فلما ألقى إليها ذات ب نم عن انتصار الشيخ على خصومه ، وقتله المصريين ، صاحت بغضب واستنكار : أيقتل يوم بنبأ مكذو

. (4)قوما جاءوا يطلبون الحق وينكرون الظلم ؟!

وكانت عائشة قبل خروجها إلى مكة ـ كما ذكرنا ـ كثيرة النقد لعثمان ، وقد أغلظت له ذات يوم على ما يحدثنا : وما أنت وهذا ؟ إنما أمرك اهلل أن تقري في بيتك .. فغضبت وأخرجت شعرا وأغلظ لها . وقال) (8)البالذري

من شعر رسول اهلل وثوبا من ثيابه ونعال من نعاله ، ثم قالت : ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم ! وهذا شعره وثوبه . (ونعله لم يبلى ؟!

ة في الحجاز ومصر والعراق . والغريب في فنشأ عن ذلك كله تذمر عام انتشر في أرجاء بالد اإلسالم وبخاصاألمر هو أن عثمان لم يصغ لنصح الناصحين من أعالم الصحابة .. بل استمر خاضعا لتوجيهات مروان بن

الحكم وتصرفات عماله وأمرائه الذين كانوا ـ في الواقع ـ مصدر القلق وموضع الشكوى في بالد اإلسالم .

هـ على ما يقول 91عثمان ، وبدأ الميزان السياسي باالختالل ، جمع عثمان ، سنة ولما أخذ األمر يتفاقم على الرواة ، كبار أمرائه : معاوية بن أبي سفيان ، وعبد اهلل بن أبي سرح ، وعبد اهلل بن عامر ، وسعيد بن العاص

فلما التأمت )يته . ، ليستشيرهم فيما يجب عليه أن يتخذه من اإلجراءات لتلطيف حدة التوتر بينه وبين رعنكم وزرائي .. فأما معاوية فلم يزد على أن طلب إليه أن يرد جماعتهم قال عثمان : إن لكل إمام وزراء ، وا

العمال إلى أمصارهم .. وأن يعتمد عليهم في أن يضبط كل واحد مصره ويحزم أمره .. . وأما سعيد بن العاص اء الفتنة . ، فأشار عليه أن يقتل قادة المعارضة وزعم

ـــــــــــــــــ . 892ـ 897/ 8عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : (4) . 13، 12أنساب األشراف : / (8)

636الصفحة

وأما عبد اهلل بن سعد بن أبي سرح ، فأشار عليه أن يترضى الناس ويعطيهم من بيت المال ويأخذهم عن وأما عبد اهلل بن عامر ، فأشار عليه بأن يرسل الناس إلى الجهاد ويشغلهم بالحرب ويطيل طريق إطماعهم .

. (4) (إقامتهم بالثغور

ويالحظ القارئ أن هذا المؤتمر ـ باإلضافة إلى أن أعضاءه هم مصدر الشكوى والتذمر ـ لم ينجح في االتفاق بدو هو : أن أعضاءه لم يتفهموا طبيعة المشكلة على حل للمشكلة التي واجهها عثمان ؛ وسبب ذلك على ما ي

التي كانت تهدد خالفة عثمان وحياته على السواء ، وقد شغل أعضاؤه أنفسهم ـ كما رأينا ـ في ابتداع أساليب فاسدة جديدة إللهاء الناس في أمور خارجية وصرفهم عن التحدث بمشكالت الساعة ، أي أن المؤتمرين واجهوا

روب عنها وعدم التعرض لها . المشكلة باله

ومما يلفت النظر أن عثمان نفسه لم يبد رأيه في المشكلة إطالقا ، ولم يتخذ أي إجراء ـ وقائي أو عالجي ـ لمواجهة الموقف المتأزم ، بله محاولة التغلب عليه . وخطب عثمان في المتذمرين ، ولكنه بدال من أن يعالج

ن لكل )جعله أكثر تأزما وحراجة حين قال : الموقف المتأزم قد ساعد على أما بعد : فإن لكل أمة آفة ، وا ن آفة هذه األمة وعاهة هذه الملة قوم عيابون طعانون .. أما واهلل يا معشر المهاجرين نعمة عاهة ، وا

وقمكم وقما .. أما واهلل واألنصار لقد عبتم علي أشياء ونقمتم في أمورا قد أقررتم البن الخطاب بمثلها ، ولكنه . .. (ألنا أكثر من ابن الخطاب عددا

فعثمان ، كما يبدو من خطابه هذا ، يشجب الذين انتقدوا سياسته لعدم ـــــــــــــــــ . 809، 807: (عثمان بن عفان) 4الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (4)

633الصفحة

وسيرة الشيخين ـ كما رأينا ـ ويصفهم بأنهم عيابون طعانون ، دون أن يشير إلى انسجامها مع القرآن والسنةاألمور التي يعيبونها عليه ويطعنون بها على سياسته العامة ، ودون أن يناقش تصرفاته ، وتصرفات عماله

ه المسلمون عليه وذوي قرابته في ضوء األحداث القائمة آنذاك . وأنكى من ذلك أن عثمان حاول تبرير ما أخذبقوله : إن عمر بن الخطاب كان قد فعل مثله دون أن ينقم المسلمون عليه . واألنكى من كل ذلك أنه ختم خطبته بالتهديد والوعيد . وكان األولى به أن يختمها بذكره وجوه اإلصالح الذي كان الناس يتوقون إليه ،

لعثمان خروجا على الدين . والوعد باالبتعاد عما اعتبره المسلمون المعاصرون

ومهما يكن من األمر ، فقد ازداد التذمر ، وانتشر بين صفوف الجيش في الثغور ، وعاد عبد اهلل بن سعد ظافرا بقهر أسطول الروم في موقعة ذات الصواري ، ولكنه عاد وقد أفسد عليه ابن أبي حذيفة جيشه بما أظهر

ان يقوله للمحاربين : إنكم تسعون إلى الجهاد والجهاد وراءكم في المدينة من النكير عليه وعلى خليفته ، وبما ك، حيث يقيم عثمان فيسوس األمة على غير كتاب اهلل وسنة رسوله وسياسة صاحبيه ، ويعزل أصحاب رسول

إلى اهلل من العمل ، ويولي أمور المسلمين جماعة من الفساق وأصحاب المجون . انظروا إلى واليكم وقائدكم (الجهاد : إنه نزل القرآن بكفره وأهدر النبي دمه ، ولكن عثمان يوليه أمركم على ذلك ألنه أخوه في الرضاعة

(4) .

وقد نتجت عن ذلك كله ـ باإلضافة إلى ما ذكرنا ـ معارضة شعبية خفية تجري بها األلسنة وال يعرف صاحبها ، : كالذي كان حين وسع عثمان مسجد النبي فقال الناس

ـــــــــــــــــ . 482: ص (عثمان بن عفان) 4الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (4)

635الصفحة

يوسع مسجد النبي ويترك سنته . وكالذي كان حين كثر الحمام في المدينة وأقبل الشباب على الرمي ، فتقدم بالبندق ، فقال الناس : يأمر بذبح الحمام ، ويؤوي عثمان إلى الناس في ذبح الحمام . وولى رجال يمنع الرمي

: (8). قال البالذري (4) (طريد رسول اهلل !! يشيرون بذلك إلى إيواء عثمان للحكم بن أبي العاص وبنيهحدثني محمد بن سعد ، عن الواقدي ، عن محمد بن عبد اهلل ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب قال : )

. (ح الحمام .. فقال الناس : يأمر بذبح الحمام وقد آوى طرداء رسول اهللخطب عثمان فأمر بذب

أين نشأت المعارضة لسياسة عثمان ؟ أنشأت في )والسؤال الذي ال بد من طرحه وتلمس اإلجابة عليه هو : بي المدينة مستقر الخالفة ؟ أم نشأت في األمصار ؟ وبعبارة أدق : .. هل نشأت المعارضة بين أصحاب الن

من المهاجرين واألنصار ثم انتقلت عنهم إلى الجند المرابطين في األمصار ؟ أم نشأت في الجند ثم انتقلت إلى أصحاب النبي في المدينة ؟ وواضح جدا أن لإلجابة على هذا السؤال خطرا وأي خطر . فإن نشأة المعارضة

كر على عثمان بعض سياسته فتبعهم الناس . في المدينة ، فمعناها : أن أصحاب النبي قد كانوا أول من أنن نشأة المعارضة في األمصار ، فمعناها : أن الجند هم الذين سبقوا إلى الخالف ثم أقحموا فيه وفي نتائجه وا نما نشأت فيها وفي األقاليم ، بل لعلها أصحاب النبي .. ونرى أن المعارضة لم تنشأ في المدينة وحدها ، وا

. (9) (ثم في أطراف األقاليمنشأت في المدينة ـــــــــــــــــ

. 472: (عثمان بن عفان) 4الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (4) . 89/ 1أنساب األشراف : (4) . 497: ص (عثمان بن عفان) 4الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (9)

630الصفحة

ناه من مواقف كبار الصحابة من تصرفات ابن عفان ، فقد مر بنا ذكر ومن األدلة على ذلك ما سلف أن ذكر جانب من موقف أبي ذر ، وعبد اهلل بن مسعود ، وعمار بن ياسر .

وفي التاريخ اإلسالمي أمثلة كثيرة أخرى من هذا القبيل ، ويلوح للباحث أن النقمة على عثمان قد انتقلت ـ في ابة إلى من يأتون بعدهم مباشرة في المركز االجتماعي والديني ، عاصمة النبي ـ من طبقات كبار الصح

موقف جبلة هذا حين (4)وموقف جبلة بن عمرو الساعدي وأمثاله معروف لدى الكثيرين . وقد ذكر البالذري مر عثمان بن عفان على جبلة بن عمرو الساعدي وهو على باب داره وقد أنكر الناس عليه ما أنكروه )قال : ل : يا نعثل ، واهلل ألقتلك وألحملنك على قلوص جرباء .. أطمعت الحارث بن الحكم السوق وفعلت ما ، فقا

فعلت !! وكان عثمان ولى الحارث بن الحكم السوق ، فكان يشتري الحليب بحكمه ويبيعه بسومه ويجبي مقاعد يفعل . وقيل لجبلة في أمر عثمان المتسوقين ، ويصنع صنيعا منكرا . فكلم في إخراج السوق من يده فلم

. (8) (إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيال )وسئل الكف عنه فقال : واهلل ، ال ألقى اهلل غدا فأقول :

وقد دفع ذلك االمتعاض واالضطراب الذي حدث في بعض األقاليم اإلسالمية أصحاب الرأي فيها إلى أن سلوا بعض وجوههم وفودا إلى عاصمة الخالفة لمقابلة عثمان والتداول معه في األمر إليجاد مخرج من هذه ير

األزمة الحادة والفتنة الغليظة المظلمة ، غير أن تصرفات مروان بن الحكم ـ وزير الخليفة وموضع سره رها يحدوها اليأس الذي ال يخلو من ومصدر توجيهه ـ قد أفسدت األمر . ومع ذلك فقد رجعت الوفود إلى أمصا

أمل في اإلصالح ، وتساورها الرهبة من البطش ممزوجة بالرغبة في التريث وانتظار مجريات األمور . ـــــــــــــــــ . 19/ 1أنساب األشراف : (4) . 79األحزاب : (8)

633الصفحة

الخليفة كتابه المعروف لإليقاع بأهل مصر ، ولكن مؤامرات مروان لم تقف عند حد ؛ فاختلق على لسان واطلع هؤالء على المؤامرة قبل أن تطأ أقدامهم أرض الكنانة فانقلبوا راجعين .. فثار الناس على عثمان فقتلوه

..(4)

* * *

ن أبي لقد مر بنا التحدث عن مقتل عثمان ، ويجمل بنا ـ قبل أن نتطرق إلى ذكر انتقال الخالفة إلى علي بطالب ـ أن ننبه القارئ إلى أن مروان بن الحكم ومعاوية بن أبي سفيان قد بدءا ـ منذ أن سمعا بمقتل عثمان ،

وبيعة المسلمين لعلي ـ بالتهيؤ للخروج على إمام زمانهما متذرعين بالمطالبة بدم الخليفة القتيل .

لقدرة على مشاركتهما أساليبهما وأهدافهما ؛ تمهيدا وكانت باكورة أعمالهما إرسال جملة كتب إلى من آنسا فيهم الى القارئ نبذا من تلك الرسائل : للقيام بعصيان مسلح ضد الخليفة الجديد . وا

إني كتبت إليك هذا الكتاب بعد مقتل عثمان . )كتب مروان إلى معاوية .. ـــــــــــــــــودة في أمهات كتب التاريخ ، وقد وجدنا تلخيصا جميال يجد القارئ نص الكتاب ومالبسات القضية موج (4)

البن حجر العسقالني ، وفي كتاب "الوزراء (117، 111/ 8) "اإلصابة في تمييز الصحابة"لذلك كله في للجهشياري . قال (90ـ 88م ، ص 4392مطبعة مصطفى محمد ، الطبعة األولى ـ مصر ، )والكتاب"

صريون بأيلة راجعين عن عثمان ، مر بهم راكب أنكروا شأنه فأخذوه ، فإذا هو لما صار الم)الجهشياري : غالم لعثمان على جمل له معروف ، وكان عثمان يحج عليه ، ففتشوه فوجدوا معه قصبة من رصاص فيها صحيفة عليها خاتم عثمان ، ففتحوا الصحيفة فإذا فيها كتاب من عثمان إلى عبد اهلل بن سعد عامله على

مصر فيه : إذا قدم عليك فالن وفالن ، وفالن وفالن ، فاضرب أعناقهم ، وفالن وفالن فاقطع أيديهم وأرجلهم وا راجعين ... فأقرءوا الكتاب أصحاب النبي ، فعاتب قوم عثمان على ذلك ، فقال : أما الخط فخط ... فكر

ن كاتبي مروان ، وأما الخاتم فخاتمي ، واهلل ما أمرت بذلك ... . فقال القوم : إن كنت كاذبا فال إمامة لك ، وا . (كنت صادقا فليس يجوز أن يكون إماما من كان بهذه المنزلة من الغفلة

631الصفحة

بعد أن وثبوا عليه وسفكوا دمه وانقشعوا عنه انقشاع سحابة قد أفرغت ماءها ، منكفئين قبل ابن أبي طالب . فأخلق ببني أمية أن يكونوا من هذا األمر بمجرى العيوق . فإن لم يثأره ثائر ، انكفاء الجراد أبصر المرعى

. (فإن شئت ـ أبا عبد الرحمن ـ أن تكونه فكنه

فلما ورد الكتاب على معاوية أمر بجمع الناس ثم خطبهم خطبة أبكى منها العيون وقلقل القلوب حتى علت . ثم كتب إلى طلحة بن عبيد اهلل ، والزبير بن والعوام ، وسعيد الرنة وارتفع الضجيج وهم النساء أن يتسلحن

بن العاص ، وعبد اهلل بن عامر ، والوليد بن عقبة ، ويعلى بن أمية .

أما بعد ، فإنك أقل قريش في قريش وترا ، مع صباح وجهك ، وسماحة كفك ، وفصاحة )فكان كتاب طلحة : ة ، وخامس المبشرين بالجنة ، ولك يوم أحد وشرفه وفضله ، فسارع لسانك . فأنت بإزاء من تقدمك في السابق

إلى ما تقلدك الرعية من أمرها مما ال يسعفك التخلف عنه وال يرضى اهلل منك إال بالقيام به . فقد أحكمت لك (للمقدم له األمر من قبلي ، والزبير غير متقدم عليك بفضل . وأيكما قدم صاحبه فالمقدم اإلمام وآمر من بعده

.

وكتب إلى الزبير : أما بعد ، فإنك الزبير ابن عمة رسول اهلل وحواريه وسلفه ، وصهر أبي بكر وفارس المسلمين . اعلم إن الرعية أصبحت كالغنم المتفرقة لغيبة الراعي . فسارع إلى حقن الدماء ، فقد أحكمت لك

. لصاحبه من بعده .. األمر من قبلي ولصاحبك ، على أن األمر المتقدم ثم

ثم كتب معاوية إلى مروان بن الحكم : أما بعد .. فقد وصل إلي كتابك بشرح خبر أمير المؤمنين .. فإذا قرأت كتابي هذا فكن كالفهد ال يصطاد إال غيلة وال يتشازر إال عن حيلة ، وكالثعلب ال يفلت إال روغانا .

639الصفحة

وامتهن نفسك امتهان من ييأس القوم من نصره ، األكف فذ رأسه عند لمسواخف نفسك منهم إخفاء القن . .. منفل الشام وانتصاره ... وأنفل الحجاز فإني

عما قليل تسألون أدنى العيش من أبعد المسافة فينكركم من كان ، وكتب إلى سعيد بن العاص .. يا بني أميةمتفرقين في الشعاب تتمنون لمظة المعاش . إن أمير المؤمنين ، ويصد عنكم من كان لكم واصال ، بكم عارفا

ففيم القعود عن نصرته والطلب بدمه ؟! وأنتم بنو أبيه ذوو رحمة ، وأقربوه ، وقتل في سبيلكم عتب عليه فيكم

. .. التخاذل وطالب ثأره ، أصبحتم مستمسكين بشظف معاش زهيد عما قليل ينزع منكم عند

بني أمية شعار يرك كاألوراك تقودها الحدأة .. فثب اآلن قبل أن بن عامر .. كأني بكم ياوكتب إلى عبد اهللوسامح اللجوج الفساد .. واجعل أكبر عدتك الحذر ، وأحد سالحك التحريض . واغضض عن العوراء يستشرى

. .. ، واستعطعف الشارد ، والين األشوس ، وقو عزم المريد

هذا األمر لمريده ألفيت كشريد النعام يفزع من ظل الطائر . وعن عقبة .. فلو قد استتبوكتب إلى الوليد به . الرنق وتستشعر الخوف قليل تشرب

نقموا على عثمان وعابوه عليه واليتك على اليمن وطول مدتك عليها وكتب إلى يعلى بن أمية .. فكان أعظم ماأن بيعته في ق المصحف .. على غير جرم .. . وأنت تعلمذبحوه ذبح النطيحة .. وهو صائم معان .. حتى

فقد كفيتك أهلها ، وأحكمت أمرها . وقد كتبت أعناقنا وطلب ثأره الزم لنا .. فشمر لدخول العراق . فأما الشام . بمكة حتى يجتمع رأيكما على إظهار الدعوة والطلب بدم عثمان المظلوم إلى طلحة بن عبيد اهلل أن يلقاك

631صفحة ال

العراق .. . واعلم يا ابن أمية ، أن القوم قاصدوك بادىء بدء الستنزاف وكتبت إلى عبد اهلل بن عامر يمهد لكم . حوته يداك من المال ما

زعيم العشيرة وحامي الذمار .. أنا على صحة نيتي ، وقوة عزيمتي ، .. : وكتب إليه مروان جوابا على كتابهحرب طالب التراث وغليان الدم مني . غير سابقك بقول وال متقدمك بفعل . وأنت ابنالرحم لي ، وتحريك

عين الغزالة ، وكالسبع المفلت من الشرك يفرق وأبي الضيم . وكتابي إليك وأنا كحرباء السبسب الهجير يرقب . .. يهبه عزيمتك ، ويرد به أمرك فيكون العمل به والمحتذى عل من صوت نفسه ، منتظرا لما تصح

المؤمنين كان الجناح الحاضنة تأوي إليها فراخها ، فلما أقصده وكتب إليه عبد اهلل بن عامر : .. فإن أميرعليك . وواهلل للموت كالنعام الشارد .. والذي أخبرك به أن الناس في هذا األمر تسعة لك وواحد السهم صرنا

فتى الحروب ، ونصار بني عبد شمس ، والهمم ربفي طلب العز أحسن من الحياة في الذلة . وأنت ابن حنا لنرجوك بعد عثمان . وها أنا أتوقع ما يكون منك بك منوطة وأنت منهضها .. ولنعم مؤدب العشيرة أنت ، وا

. ألمتثله وأعمل عليه

وأنت عقال ، وأحسنهم فهما وأصوبهم رأيا . معك حسن السيرة وكتب الوليد بن عقبة : .. فإنك أسد قريشذل .. قد تورد بمعرفة وتصدر عن منهل . وأما اللين فهيهات .. والعار منقصة ، والضعف موضع الرئاسة ،

. قاتله عقلت نفسي على الموت عقل البعير ، واحتسبت أني ثاني عثمان أو أقتل

637الصفحة

. ... متبعون عقبك فعملي علي ما يكون من رأيك فإنا منوطون بك

... بني أمية كالحجر ال يبني بغير مدر ، وكالسيف ال يقطع إال بضاربه يعلى بن أمية : إنا وانتم ياوكتب إليه

. .. مرا ثكلتني من أنا ابنها إن نمت عن طلب وتر عثمان .. أرى العيش بعد قتل عثمان

. (1) (هؤالء أما سعيد بن العاص فإنه كتب بخالف ما كتب

ـــــــــــــــــ

. 583 / 580 : ن أبي الحديد ، شرح نهج البالغةاب (1)

654الصفحة

خالفة اإلمام [: الفصل الثالث]

لإلسالم كل النصح .. صبر نفسه على ما كانت تكره ، وطابت لقد كان علي موفقا كل التوفيق ، ناصحا )ونصحا للمسلمين . .. كراهية للفتنةكان يراه حقا .. بايع علي ثاني الخلفاء كما بايع أولهم نفسه للمسلمين بما

نصح ألبي بكر .. وقد بايع عثمان ، كما بايع ولم يظهر مطالبته بما كان يراه حقا له ، ونصح لعمر كما على حقه ، ولكنه على ذلك لم يتردد في البيعة ، ولم يقصر في النصح للخليفة الشيخين ، وهو يرى أنه مغلوب

حين قتل عثمان أن يفكر علي في نصح للشيخين من قبله .. فكان طبيعيا ـ إذن ـالثالث ، كما لم يقصر في الذلك لم يطلب الخالفة ، ولم ينصب نفسه للبيعة حين استكره على نفسه ، وفيم غلب عليه من حقه . ولكنه مع

. (1) (لوحين هدده بعض الذين ثاروا بعثمان بأن يبدءوا به فيلحقوه بصاحبه المقتو ذلك استكراها ،

واجتمع المهاجرون حين قتل عثمان)بقوله : (2) فيصفها الطبري أما كيفية مبايعة المسلمين لعلي بالخالفة ،أمركم ل حاجة لي في : أبا الحسن ، هل نبايعك ؟ فقال واألنصار ومنهم طلحة والزبير ، فأتوا عليا وقالوا : يا

.. ، فمن اخترتم فقد رضيت به

ـــــــــــــــــ

. 88ـ 80: (علي وبنوه) 8الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (1)

. 419، 418/ 1تاريخ األمم والملوك : (2)

656الصفحة

بعد ما قتل عثمان مرارا .. . وخرج علي إلى السوق في يوم السبت فقالوا : ما نختار غيرك .. فاختلفوا إليهمبذول وقال فاتبعه الناس وبشوا في وجهه ، فدخل حائط بني عمرو بن الحجةليلة خلت من ذي لثماني عشرة

يا علي ، : فجاء الناس فقرعوا فدخلوا وفيهم طلحة والزبير فقاال . الباب اغلق : ألبي عمرة ابن عمر بن محصنبالبيعة يد بايعه فقال : أول من بدأ ابسط يدك ، فبايعه طلحة والزبير . فنظر حبيب بن ذئب إلى طلحة حين

. (شالء

هاديا يبين فيه إن اهلل انزل كتابا ) : خطبها حين استخلف فقال وقد أوجز اإلمام سياسته العامة في أول خطبةنكم .. الخير والشر ، فخذوا الخير ودعوا الشر ، والفرائض أدوها اتقوا اهلل عباد اهلل في عباده وبالده .. وا

. (1) (والبهائم مسئولون حتى عن البقاع

المدى ، وعميق الغور في عالقات المسلمين ببعضهم كلمات قصار ولكنها تتضمن إجراء تغيير واسعمرارا عن قبول اإلشارة إليه في هذا الصدد أن اإلمام ـ كما يحدثنا مؤرخوه ـ قد اعتذر وبالخليفة . ومما تجدر

من ذلك . ولقد أشار اإلمام نفسه إلى ذلك رفالخالفة على الرغم من إلحاح المسلمين عليه ، وقد مر بنا طلحاحهم الشديد على مبايعته . (نهج البالغة) في مواطن شتى من دعوني ) : قال يصف تزاحم المسلمين عليه وا

ن الفات والتمسوا غيري ، فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان ، ل تقوم له القلوب ول تثبت عليه العقول ، وا واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم أصغ إلى قول القائل ، . المحجة قد تنكرتقد أغامت ، و

. (2) (العاتب وعتب

واجبه الديني يدعوه إلى فلما أصر القوم على مبايعته ، ورأى أن

ـــــــــــــــــ

. (مصر ـ الطبعة األولى) 419/ 9ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (1)

. 490/ 8المصدر نفسه : (2)

653الصفحة

ذمتي بما أقول رهينة ) : فراعهم وألب الكثيرين منهم عليه حين قال تلبية الدعوة كشف لهم عن حقيقة نفسه ،يديه من المثالت حجزته التقوى عن تقحم الشبهات . أل وأنا به زعيم . إن من صرحت له العبر عما بين

ن بليتكم ولتغربلن غربلة ، عادت لهيئتها يوم بعث اهلل نبيكم .. والذي بعثه بالحق ، لتبلبلن بلبلة قد وا أسفلكم . وليسبقن سباقون كانوا قصروا ، ولتسلطن سوط القدر حتى يعود أسفلكم أعالكم ، وأعالكم

. (1) (وليقصرن قاصرون كانوا سبقوا

الته وشدته في التزام الحق فيعصون أمره ، وال يستطيعون أن لعد فاإلمام إذن يرى أنهم سوف يضيقون به ذرعا . يثنوه عن خطته

ومددتموها وبسطتم يدي فكففتها ،) : على مبايعته فيقول ثم يصف اإلمام في خطبة أخرى إقبال المسلمينلرداء وردها ، حتى انقطع النعل وسقط ا فقبضتها . ثم تداككتم علي تداك اإلبل الهيم على حياضها يوم

. (2) (ووطئ الضعيف

ينثالون إلي فما راعني إل والناس كعرف الضبع) : حين قال وأشار اإلمام في خطبة أخرى إلى المعنى نفسه . كربيضة الغنم من كل جانب ـ ولقد وطئ الحسنان وشق عطفاي ـ مجتمعين حولي

. (3) (فلما نهضت باألمر نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون

ـــــــــــــــــ

. (مصر ـ الطبعة األولى) 30/ 4ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (1)

. التداك : االزدحام . الهيم : العطاش 424/ 9المصدر نفسه : (2)

. لقد مر بنا شرح كالمه في فصل سابق 79ـ 10/ 4المصدر نفسه : (3)

655الصفحة

[ انقميص عثم ] : القسم الثاني

650الصفحة

قميص عثمان

. (هـ 36) ـ الفصل الرابع : الناكثون ـ أصحاب الجمل 1

. (هـ 37) ـ الفصل الخامس : القاسطون ـ أصحاب صفين 2

. (هـ 04ـ 51)ومصرع اإلمام ـ الفصل السادس : التحكيم ، المارقون ، 3

653الصفحة

الفصل الرابع : [ الناكثون ]

المسلمين على عثمان ، كما ساهم كل منهم بقلبه ولسانه في قتل لزبير وعائشة في تأليباشترك طلحة واوأخفهم طلحة بن الشكل الذي وصفناه . وكان أشد الثالثة وطأة على عثمان الزبير بن العوام ، الخليفة على

ويلي من طلحة )ذكرنا : أخفهم وطأة عليه كما عبيد اهلل . هذا مع العلم بأن عثمان كان يقول عن طلحة ، وهو . (1) (دمي ... اللهم ال تمتعه به ولقه عواقب بغيه ! أعطيته كذا ذهبا وهو يروم

بدم عثمان ـ في أوائل خالفة اإلمام ـ وهو أدرى من غيره بقتلة ويلوح للباحث أن طلحة قد تظاهر بالمطالبةبريء من دمه . أنه)لشأن ؛ ليغالط الناس ويوهمهم الذي لعبه هو ـ والزبير وعائشة ـ في هذا ا الرجل وبالدور

الناس عن عثمان ؟ قال طلحة : ال واهلل حتى فلقد قال علي لطلحة وعثمان محصور : أنشدك اهلل إال رددتويروي الطبري : أن عثمان كان له على طلحة خمسون ألفا . فخرج عثمان . تعطي بنو أمية الحق من أنفسها

معونة لك على مروءتك . فقال : هو لك يا أبا محمد (فقال له طلحة : قد تهيأ مالك فاقبضهإلى المسجد يوما . قال : فكان عثمان يقول وهو محصور : جزاء سنمار

أن طلحة منع من دفنه ثالثة أيام . وأن حكيم بن حزام ... وجبير بن : (مقتل عثمان) وروى المدائني في كتاب فنه ، فأقعد طلحةاستنجدوا بعلي على د . مطعم

ـــــــــــــــــ

. 2: (علي وبنوه) 8الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (1)

651الصفحة

. (1) (لهما في الطريق ناسا بالحجارة

ليخفى ميله مع الثائرين وال تحريضه لهم ، وال إطماع فريق ) : ولم يكن طلحة على ما يقول الدكتور طه حسينعليه بعلي نفسه ، وكثيرا ما شكا منه عثمان في السر والجهر . والرواة يتحدثون بأنه استعان . فسهمنهم في ن

من الثائرين ، وحاول أن يرده عن خطته وبأن عليا استجاب له فذهب إلى طلحة ورأى عنده جماعة ضخمة . (2) (تلك فلم يستجب له طلحة

، فقد خرجت مرارا ـ كما ذكرنا ـ بقميص النبي مؤلبة على عثمان وأما عائشة فقد مر بنا ذكر موقفها من عثمان، كما ذكرنا ، تلومه على اقتلوا نعثال . وكثيرا ما كانت تصيح به ـ من وراء سترها ـ وهو على المنبر : وقائلة

ن نصرته أعظم المؤلبين على الخليفة الثالث والمخذلين ع بعض فعاله . فقد كانت عائشة ـ والحق يقال ـ من . وهي في بيت اهلل الحرام : أن عثمان قد انتصر على أعدائه صرخت بأعلى صوتها حتى إنه حين بلغها ـ

. أيقتل قوما جاءوا يطلبون الحق وينكرون الباطل

أين تريدين يا أم المؤمنين ؟ فقالت : أريد )سفرها إلى البصرة : وقد سأل سعيد بن العاص أم المؤمنين ، قبل . (2) (المؤمنين وماذا تصنعين ؟ أطلب بدم عثمان . فأجابها سعيد : إن قتلة عثمان معك يا أم . ةالبصر

أبطال حركة الجمل كانوا قادة الثورة على عثمان ورءوس الفتنة التي وفي ضوء ما ذكرنا نستطيع أن نقول : إن . بمصرع ثالث الخلفاء الراشدين انتهت

ـــــــــــــــــ

. (األولى مصر ـ الطبعة) 107، 101/ 8بي الحديد ، شرح نهج البالغة : ابن أ (1)

. 2: ص (علي وبنوه) 8الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (2)

. 182، 189/ 9عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : (3)

659الصفحة

رفة ، كغيرهم من المسلمين آنذاك ، من هم قتلة عثمان ؟ ترى المع وقد كان هؤالء ـ دون شك ـ عارفين حقبعصيانهم المسلح الناس على علي ؟! وهل هناك عوامل خفية ، قريبة وبعيدة ، ساقتهم إلى القيام لماذا ألبوا

ولماذا بايع طلحة والزبير عليا بالخالفة ؟ هل ضد النظام القائم ، متخذين من قميص عثمان ذريعة لذلك ؟ ـ تستلزم الثورة على النظام القائم ، أم تتم على أساس تقديم شكوى من قبل مطالبة بدم عثمان ـ أن صحتال

إلى الحكومة لتجري التحقيق في ذلك وتتخذ (1) أولياء عثمان الذين عينهم القرآن بصراحة في سورة اإلسراء

ـ من الناحية الشرعية ـ بالمطالبة ة والزبيراإلجراءات القانونية بحق الذين تثبت إدانتهم ؟ وما حق عائشة وطلح

؟! وما شأن البصرة الثورة على عثمان ؟ لماذا لم يتجهوا إلى مصر بدم عثمان ؟ إن ولى عثمان هو ابنه عمرو المؤلبة ؟

أن نقول : إن جفاء حصل بين عائشة وعلي ـ منذ عهد الرسول وبقدر ما يتعلق األمر بالسيدة عائشة نستطيعملخصه (2) المصطلق التي سنذكرها .. وهناك عامل آخر أشار إليه بعض الباحثين المحدثين ة بنيأيام غزو

ـ من الناحية النفسية ـ فحسدته لعقمها ، وألن عقب الرسول قد انحصروا : إن السيدة عائشة وجدت على اإلمام . بنيه من فاطمة زوج علي في

ولكي نعرض على

ـــــــــــــــــ

جعلنا لوليه سلطانا فال يسرف في القتل حرم الله إل بالحق ومن قتل مظلوما فقد تقتلوا النفس التيول ) (1) . النظر عن شرعية القتل أو عدمها ، بغض (99اإلسراء : ) (كان منصورا إنه

. اإلمام علي بن أبي طالب وعبد الفتاح عبد المقصود ، . الفتنة الكبرى ين ،الدكتور طه حس (2)

651الصفحة

بن أبي طالب نرى لزاما علينا أن نترك السيدة عائشة نفسها القارئ عوامل الجفاء بين السيدة عائشة وعلي : مالبسات الموضوع تقص على القارئ

سهمها خرج بها معه . فلما ذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرجكان رسول اهلل إ) : (1) قالت السيدة عائشةكان يصنع فخرج سهمي عليهن . فخرج بي رسول اهلل أقرع بين نسائه كما (هـ 7)كانت غزوة بني المصطلق

ثم أذن يلوجه قافال حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزال فبات فيه بعض الل .. فلما انتهى من سفره ذلك ،عقد لي .. فلما فرغت انسل عقدي في الناس بالرحيل . فلما ارتحل الناس خرجت لبعض حاجتي وفي عنقي

ألتمسه في عنقي فلم أجده . وقد أخذ الناس في الرحيل فرجعت .. وال أدري . فلما رجعت إلى الرحيل ذهبتمجيب ؛ قد إلى المعسكر وما فيه داع وال الذي ذهبت إليه ، فالتمسته حتى وجدته .. ورجعت إلى المكان

لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطل انطلق الناس . فلفلفت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني ، فواهلل إنيحاجته فلم يبت مع الناس في المعسكر ـ فلما رأى سوادي أقبل السلمي ـ وقد كان تخلف عن المعسكر لبعض

ثم قدمنا .. البعير فقال : اركبي .. فركبت . فانطلق سريعا يطلب الناسفعرفني .. ثم قرب حتى وقف عليلى أبوي . فأنكرت من رسول المدينة فلم أمكث أن اشتكيت شكاية شديدة .. وقد انتهى الحديث إلى رسول اهلل وا

ت لي نفسي مما رأيت من جفائه عني . فقلت : يا رسول اهلل ، لو أذن اهلل بعض لطفه بي ، حتى وجدت في

اهلل فدخل علي : ودعا علي بن ، فانتقلت إلى أمي . وجاء رسول ل عليك : إلى أمي فمرضتني ، قال فانتقلت . أبي طالب

ـــــــــــــــــ

. 90ـ 97/ 9الطبري ، تاريخ األمم والملوك : (1)

657الصفحة

نك لقادر على يا رسول اهلل إن النساء : فقال علي . أن تستخلف ؛ وسل الجارية فإنها تصدقك لكثير ، وا

فواهلل ما ... اصدقي رسول اهلل : رسول اهلل بريرة يسألها .. فقام إليها علي فضربها ضربا شديدا وهو يقول فدعااهلل ما يتغشاه . فسجى بثوبه ووضعت وسادة من أدم تحت رأسه .. ثم برح رسول اهلل مجلسه حتى تغشاه من

ثم أمر بمسطح بن أثاثة . ابشري يا عائشة فقد أنزل اهلل براءتك : لعرق عن جبينه ويقوليمسح ا جلس فجعل . (بالفاحشة ـ فضربوا حدهم ، وحسان بن ثابت ، وحمنة بن جحش ـ وكانوا ممن أفصح

النبي في مسيرة مع جيشه إلى بني المصطلق ، وأنها أثناء يتضح من رواية السيدة عائشة أنها خرجت مععادت إلى المدينة ـ شذت عن الركب لبعض حاجتها ـ دون أن يعلم بها أحد من الناس ، ثم القوم إلىرجوع

فعادت إلى المكان الذي جاءت من عنده ـ . الركب . ولكنها تفقدت عقدها ـ أثناء عودتها ـ فلم تجده في جيدهاتجده . فمكثت في مكانها ـ بعد أن العقد . ثم عادت إلى الركب فلم دون أن يراها أحد من الناس فعثرت على

عائشة نفسها ـ قد شذ دون أن يتفقدها أحد . فمر بها صفوان الذي هو اآلخر ـ كما تحدثنا السيدة سار الركببالمكان الذي كانت السيدة عائشة جاثمة فيه . عن الركب لبعض حاجته ، وقد مر صفوان ـ على رسله ـ صدفة

نحو المدينة كي يلحق بالركب . وقد ارتاب بعض القوم ، بما فيهم حسان بن ثابت فأركبها على ناقته واتجه بها

استشاره بأمرها في حضورها في موضوع عائشة وصفوان فرموهما بالفاحشة ... وأشار علي على النبي ـ عندماسيدة عائشة المناسبة ـ أن البخاري في صحيحه قد نقل رواية ال ـ أن يطلقها . ومن الجدير بالذكر ـ في هذه

لى . (1) القارئ رواية البخاري مفصلة . وا

ـــــــــــــــــ

. 17، 11/ 1و 417، 411/ 9صحيح البخاري : (1)

604الصفحة

سفرا أقرع بين أزواجه ، فأيهن خرج سهمها خرج بها رسول اهلل معه . قالت عائشة : كان رسول اهلل إذا أراد)فسرنا حتى إذا فرغ .. رع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي . فخرجت مع رسول اهللعائشة : فأق قالت

ليلة بالرحيل . فقمت ـ حين آذنوا بالرحيل ـ فمشيت رسول اهلل من غزوته تلك ودنونا من المدينة قافلين آذنع ظفار قد قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري فإذا عقد لي من جز حتى جاوزت الجيش ، فلما

يرحلونني فاحتملوا هودجي فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه . قالت : وأقبل الرهط الذين كانوا انقطع ،يغشهن وكان النساء آنذاك خفافا لم يهبلن ولم . أني فيه فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه وهم يحسبون

حين رفعوه وحملوه . وكنت جارية حديثة القوم خفة الهودج اللحم ، إنما يأكل الملعقة من الطعام فلم يستنكرفجئت منازلهم وليس بها منهم داع وال مجيب . فتيممت منزلي . السن .. ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش

ثم الذكواني فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي . الذي كنت بهفعرفني ، وكان رآني قبل نزول آية الحجاب . لجيش . فأصبح عند منزلي . فرأى سواد إنسان نائممن وراء ا

. (أناخ راحلته فوطىء على يدها . فقمت إليها فركبتها . فانطلق يقودها فاستيقظت باسترجاعه .. وهوى حتى

حظة التي آذنوا بالرحيل شذت عن الجيش لبعض شأنها في الل أي أن السيدة عائشة ـ حسب رواية البخاري ـلم أحدا منهم بذلك أو تطلب منهم انتظارها . وأن األشخاص الموكلين بحمل هودجها ليال ، دون أن تخبر

كن نحيفات األجسام ؛ لقلة ما يتناولنه يشعروا بخلوه منها ألن النساء آنذاك ـ جميعهن ال السيدة عائشة وحدها ـ من الطعام ،

606الصفحة

، باإلضافة إلى خفة وزن جسمها ؛ فلم يستنكروا خفة الهودج سيدة عائشة بالذات كانت صغيرة اللسنوألن الالجيش ، وهو خلو منها .. ثم إنها نامت بعد أن يئست من القوم ، وكان صفوان من وراء حين رفعوه وحملوه

ل الحجاب ، أي حينما كانت سافرة رآها قب فأدركها نائمة فعرفها ، وهو سائر في الصحراء ليال ؛ ألنه كان قد الرجال ، فحملها صفوان على بعيره وأوصلها إلى مكان أمنها . ذلك ما يتصل قبل أن يأمرها اهلل بالتحجب من

. ببعض عوامل الجفوة بين أم المؤمنين وعلي بن أبي طالب

وبين (بنت النبي من خديجة) بالجفاء الذي كان بين السيدة فاطمة وهنالك عوامل أخرى ، غير مباشرة ، تتعلقوتحويل ما تبقى من ذلك المؤمنين بنت أبي بكر . فقد كانت السيدة عائشة تريد االستئثار بحب النبي السيدة أم

بنت أن للسيدة عائشة ـ والسيدة حفصة : (1) الرواة الحب إلى أبيها بدال من علي زوج فاطمة . ويذكر بعض . جيش أسامة في عهد الرسول عمر زوج النبي ـ ضلعا في تأخير

بحرمان السيدة عائشة من النسل كما أشار إلى ذلك الدكتور طه هذا باإلضافة إلى العامل النفسي المتصل . عبد الفتاح عبد المقصود حسين ، واألستاذ

امله القريبة بن عبيد اهلل تجاه إمام زمانهما ، فيمكننا أن نكشف عو أما ما يتصل بموقف الزبير بن العوام وطلحةبالقصير ، وقد مر بنا بسهولة ويسر . فقد كان كل من طلحة والزبير راغبا في الخالفة منذ زمن ليس والبعيدة

إلى عثمان ، حاول الرجالن ـ في صدر خالفته ـ أن ترشيح عمر لهما في رهط الشورى . فلما انتقلت الخالفةذلك إلى الرجالن تأزم األحوال العامة على الخليفة ساهما في االنتفاع . وعندما رأى ينتفعا به إلى أقصى حدود

عثمان ـ سوف حد كبير على الشكل الذي وصفناه ؛ ظنا منهما أن األمر ـ بعد اندحار

ـــــــــــــــــ

. ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة (1)

603الصفحة

هما . فبايعاه على مضض . ثم سأاله عن واليتي الكوفة لإلمام قد راع ال ينتقل لعلي ، غير أن انتقال الخالفة . فلم يجبهما والبصرة

تطبيق مبادئ الدين كان هو اآلخر من أقوى عوامل انتقاض يضاف إلى ذلك أن موقف اإلمام الشديد فيقد كانا فلكل منهما مصالح مركزة في جسم الدولة . ويلوح للباحث أن طلحة والزبير . الرجلين على الخليفة

. مر بنا ذكر بعض ما وصلهما به عثمان اعتادا على االستئثار ببعض الموارد العامة بعد وفاة الرسول ، وقد

: المثالين التاليين أما ما حصال عليه في عهد الشيخين فنذكر منه

أبو معاوية ، حدثني الحسين بن علي األسود العجلي قال : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا) : (1) قال البالذري . الجرف إلى قناة عن هشام بن عروة ، عن عروة قال : أقطع أبو بكر الزبير بين

الطائف ويصب إلى األرحضية وقرقرة الكدر ، ثم يأتي سد معاوية ، وأخبرني المدائني قال : قناة واد يأتي من . طرف القدوم ويصب في أصل قبور الشهداء بأحد ثم يمر على

حفص بن عتاب ، عن هشام بن عروة قال : خرج عمر يقطع بن علي العجلي قال : حدثناوحدثني الحسين ، فجعل عمر يقطع حتى مر بالعقيق . فقال : أين المستقطعون ؟ .. ما مررت الناس ، وخرج معه الزبير

. (بقطعة أجود منها . فقال الزبير : اقطعنيها . فأقطعه إياها

اإلمام . وقد روى أحد في قميص عثمان ضالتهما المنشودة لالنقضاض على فال عجب أن رأى الزبير وطلحة الموقف بين علي من جهة وطلحة والزبير مالبسات (2) المؤرخين

ـــــــــــــــــ

. 87فتوح البلدان : (1)

. (الطبعة األولى) 3ـ 1/ 9ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (2)

605الصفحة

إلى علي ـ قبل خروجهما إلى مكة ـ محمد بن طلحة يقوالن : أرسل طلحة والزبير)أخرى حين قال : من جهةألمرهم جئنا األمر ووطدنا لك اإلمرة ، وأجلبنا على عثمان حتى قتل . فلما طلبك الناس إننا أصلحنا لك

أعقابنا في بيعتك . حتى إذا المهاجرون واألنصار وأسرعنا إليك وبايعناك وقدنا إليك أعناق العرب ، ووطئ عنا ورفضتنا رفض التريكة وأذللتنا ذل اإلماء . فلما جاء محمد بن طلحة أبلغه ملكت عنانك استبددت برأيك

ول أحدنا : ، فذهب وجاء فقال : إنهما يقوالن يرضيكما اذهب إليهما فقل لهما : فما الذي : ذلك . فقالاهلل !! إذن يحكم األديم ويستشرى الفساد ، وتنتقض علي البالد من لهاالبصرة ، والخر الكوفة . فقال :

فاستأذناه في الخروج . ! واهلل إني ل آمنهما وهما عندي بالمدينة فكيف آمنهما وقد وليتهما العراقين . أقطارها صا المسلمين وال يوقعاأحلفهما أال ينقضا بيعته وال يغدرا به ، وال يشقا ع إلى مكة للعمرة . فأذن لهما بعد أن

. خرجا ففعال ما فعال الفرقة بينهم ، وأن يعودا بعد العمرة إلى بيوتهما ، فحلفا على ذلك كله . ثم

حق حتى أل تخبراني أي شيء كان لكما فيه) : مكة ـ فقال وكان اإلمام قد خاطبهما ـ قبل خروجهما إلىأحد من المسلمين ضعفت عنه أم أي حق رفعه إلي دفعتكما عنه ؟ أم أي قسم استأثرت عليكما به ؟ أم

الخالفة رغبة ، ول في الولية إربة ، ولكنكم دعوتموني جهلته أم أخطأت بابه ؟ واهلل ما كانت لي في، وما استن فلما أفضت إلي نظرت إلى كتاب اهلل وما وضع لنا وأمرنا بالحكم به فاتبعته . وجملتموني عليها

. (ولو وقع حكم جهلته فأستشيركما . ه . فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما ول رأى غيركماالنبي فافتديت

: وأعوانهما بقوله وقد وصف اإلمام فتنة طلحة والزبير

600الصفحة

نهم ليطلبون حقا هم تركوه واهلل ما أنكروا) (ودما هم سفكوه ... علي منكرا ، ول جعلوا بيني وبينه نصفا ، وا (1) .

* * *

مدعين بأنهم يطالبون بدم عثمان ، وقد ارتكبوا بعملهم هذا ، كما خرج الزبير وطلحة وعائشة يريدون البصرةبدم عثمان ألنهم ليسوا ذكرنا ، جملة أخطاء من الناحية الدينية والزمنية ، فليس من حقهم أن يطالبوا سلف أن

نهم اتبعوا المية أنأولياءه الذين أجازت لهم الشريعة اإلس يطالبوا بذلك . إن وليه ـ كما ذكرنا ـ ابنه عمرو . وا لهم ذلك ، طلبهم إلى الخليفة فظا للتوصل إلى ما زعموا أنهم يسعون إليه بدال من أن يرفعوا ، إذا جاز أسلوبا

نزال العقوبة الذي له وحده الحق ؛ بحكم كونه خليفة المسلمين . بالجناة ، في إجراء التحقيق وا

نهم ارتكبوا من األفعال البشعة ومن القتل والنهب واالعتداء ـ كما سنرى ـ ما يتضاءل دونه بمراحل مصرع وا نهم الخليفة الذبيح قصدوا البصرة ـ على أهميته ، وما ال تجيزه الشريعة السمحاء ومبادىء الشرف واألخالق . وا

ن السيدة عا يجوز لها أن تساهم في مثل هذه األمور ، وقد ئشة بالذات الدون مصر ـ للبحث عن القاتلين ، وا . (2) أوصاها اهلل أن تقر في بيتها

ـــــــــــــــــ

. 101ـ 109/ 8ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (1)

أجاب بقوله : كان أحد م سألته : عن رأيه في عائشة ؟4371في لقاء لي مع الدكتور طه حسين عام (2)وقرن في بيوتكن ول ) : أقعدتها في بيتها ؛ لقوله تعالى األساتذة يقول : لو أدركت عائشة ألوجعتها ضربا حتى

، مطبعة حسان ـ "مع رجال الفكر في القاهرة" : . راجع كتابنا (99األحزاب : ) (األولى تبرجن تبرج الجاهلية (الناشر) . 491/ 470، ص م4391، 4القاهرة ، ط

603الصفحة

فتنة أغلظ منها ؟ وقد حصل ذلك كله مع علم الثائرين أن اإلمام نفسه ثم هل يجوز شرعا أن تعالج فتنة بإثارة (1) . دم عثمان براءة الذئب من دم ابن يعقوب بريء من

قا إلى االستعانة بالذين ثاروا على عثمان أو ـ لم يتجه إطال يضاف إلى ذلك أن اإلمام ـ في سياسته العامةفال غرو أن رأينا أولئك الثوار قد نقموا عليه ، كما نقموا ؛ (2) االعتماد عليهم في اإلدارة أو المال تقريبهم أو

خروجه في : . فقد نقموا على عثمان (مع فرق كبير في عوامل تلك النقمة في الحالتين)قبله على عثمان منسياسته العامة ـ بمبادئ الدين . لذلك نجد العامة على مبادئ الدين ، ونقموا على علي : تقيده ـ فيسياسته

بعضهم في القضاء أو اإلمارة أو اإلدارة . وقد أصبح الوضع الجديد أشد وطأة اإلمام لم يقربهم إليه أو يعين

النبي بعد ثورة لم يساهم فيها . أي ى منبرعليهم منه في عهد عثمان . أي أن اإلمام ، بعبارة أخرى : قد ارتققاموا بها . يضاف إلى ذلك أن الثوار أخذوا يشعرون بأن اإلمام سوف أنه اقتطف ثمار ثورة لم يقتطفها الذين

المعرفة ، وعلي نفسه قتلة عثمان بعد حصول البينة عنده . وطلحة والزبير وعائشة يعرفون ذلك حق يقتص من . بهعارف بأنهم عارفون

رأسهم طلحة وابن الزبير وبنت أبي بكر ـ من مكة يريدون ومهما يكن من شيء فقد خرج الناكثون ـ وعلىفنفرت صعاب إبلهم . فقال قائل منهم . فنبحتهم كالبه (3) في طريقها على ماء الحوأب البصرة ، ومرت إبلهم

كأني : : ردوني ... إني سمعت رسول اهلل يقولفلما سمعت عائشة قالت !! : لعن اهلل الحوأب فما أكثر كالبها ... إياك يا حميراء أن تكونيها : قال ثم بكالب الحوأب قد نبحت بعض نسائي

ـــــــــــــــــ

. (الناشر) هذا التشبيه غير مؤدب (1)

. وهو ماء لبني عامر بن صعصعة يقع في بادية العراق الجنوبية (2)

أبي بكر ومالك األشتر ام استعان على جملة منهم كعمار بن ياسر ومحمد بنويذكر التاريخ أن اإلم (3) (الناشر) وغيرهم

601الصفحة

ماء الحوأب .. فلفق لها الزبير وطلحة خمسين أعرابيا شهدوا بذلك . فقال الزبير لعائشة : مهال فإنا قد جزنا : البصرة ثمان بن حنيف واليه فيهذه أول شهادة زور في اإلسالم .. وكتب علي إلى ع فكانت

أجابوا فأحسن فإذا قدموا عليك فادعهم إلى الطاعة ... فإن (1) البغاة عاهدوا اهلل ثم نكثوا أما بعد ، فإن . جوارهم

األسود الدؤلي وعمران بن الحصين الخزاعي ، فانطلقا . فدخال فلما وصل الكتاب أرسل عثمان بن حنيف أبافكلماه ، فقال لهما : . فقالت : القيا طلحة والزبير ... فقاما من عندها ولقيا : الزبيرووعظاها . على عائشة

عثمان لم يقتل بالبصرة ليطلب بدمه فيها ، وأنت تعلم من هم إننا جئنا للطلب بدم عثمان ... فقاال له : إننك وصاحبك وعائشة كنتم أشد الناس عليه وأعظمهم إغرا قتلته وأين هم ، عليا طائعين ء بدمه ... وقد بايعتموا

ضرام نار .. فقال لهما .. اذهبا فالقيا طلحة . فقاما إلى طلحة فوجداه خشن الملمس .. في إثارة الفتنة وا اهلل بن حكيم التميمي فأتى بكتب كانا كتباها إليه ، فقال لطلحة : أما هذه الحرب . وأتى طلحة والزبير عبد

!حتى إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه ؟ لى . قال : فكتبت أمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله ،كتبك إلينا ؟ قال : ب

أصحابه فناشدهما اهلل واإلسالم وذكرهما بيعتها لعلي ... فقاال وخرج عثمان بن حنيف إلى طلحة والزبير فيشتما قبيحا .. ثم كتب م ؟ فشتماهعثمان ، فقال لهما : ما أنتما وذاك ؟ أين بنوه ... الذين أحق منك نطلب بدم

. فمكثوا كذلك أياما ... الطرفان كتابا للصلح ... إلى أن يقدم الخليفة

القبائل واستمالة العرب ... فبايعهم على ذلك األزد ، وضبة ، ثم إن طلحة والزبير ... اجتمعا على مراسلةمجاشع ذوي دين . وبنو دارم كلهم إال نفرا من بنيوبنو عمرو بن تميم ، وبنو حنظلة .. ... وقيس بن غيالن

. وفضل

ـــــــــــــــــ

لى عهدهما له (1) حين خرجا للعمرة من المدينة يشير إلى بيعة الزبير وطلحة له ، ثم نكوصهما عن ذلك ، وا . لمكة بالرجوع إلى المدينة وخرقهما لذلك العهد

609الصفحة

في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر ومعهما أصحابهما قد ألبسوهم أمرهما ، خرجافلما استوثق لطلحة والزبير حنيف إليه وأقيمت فوقها بالثياب . فانتهوا إلى المسجد وقت صالة الفجر وقد سبقهم عثمان بن الدروع وظاهروا

. (1) ة، وقدموا الزبير ، فجاءت السيابج الصالة ، فتقدم عثمان ليصلي بهم فأخره أصحاب طلحة والزبير

وأخروا عثمان ، فلم يزالوا كذلك فأخروا الزبير وقدموا عثمان بن حنيف ، فغلبهم أصحاب الزبير فقدموا الزبير . فغلب الزبير فصلى بالناس .. حتى كادت الشمس تطلع ، وصاح بهم : المسجد

وضربوه ضرب الموت أن خذوا عثمان بن حنيف ، فأخذوا : فلما انصرف من صالته صاح بأصحابه المسلمينإلى عينيه وشعر رأسه ووجهه وأخذوا السيابجة ... فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف ، ونتف حاجباه وأشفار

. (2) (أول غدر كان في اإلسالم عائشة .. فأمرت بذبح السيابجة ، فكان غدر طلحة والزبير بعثمان بن حنيف

: (3) ن ننقل للقارئ قصة الناكثين كما رواها ابن األثيرأ ويجمل بنا ـ إكماال للبحث في هذه النقطة ـ

لقيها رجل (4) بسرف عائشة إلى مكة وعثمان محصور ، ثم خرجت من مكة تريد المدينة ، فلما كانت خرجت)قال : قتل يقال له : عبيد اهلل بن أبي سلمة ـ وهو ابن أم كالب ـ فقالت له : مهيم ؟ من أخوالها من بني ليث

ليت هذه انطبقت على : فقالت ، على بيعة علي ان وبقوا ثمانيا .. قالت : ثم صنعوا ماذا ؟ قال : اجتمعواعثم عثمان هذه .. !! ردوني .. . فانصرفت إلى مكة تقول : قتل

ـــــــــــــــــ

. وحرس سجون وهم : الشرطة حرس بيت المال ، وهم قوم من السند كانوا بالبصرة جالوزة (1)

. 104ـ 139/ 8ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (2)

. 499ـ 401/ 1الكامل في التاريخ : : (3)

. موقع بين مكة والمدينة (4)

601الصفحة

تقولين : اقتلوا نعثال ، فقال لها عبيد اهلل بن أبي سلمة : إن أول من أمال حرفه ألنت ، ولقد كنت (1) مظلوما . فقد كفر

ومنك الرياح ومنك المطر = منك البداء ومنك الغيرف

وقلت نا : إنه قد كفر = وأنت أمرت بقتل اإلمام

وقاتله عندنا من أمر = فهبنا أطعناك في قتله

فاجتمع الناس حولها ، فقالت : أيها الناس ، إن الغوغاء من فانصرفت إلى مكة فقصدت الحجر فتسترت فيه ، . م الحرام .. واهلل إلصبع عثمان خير من طباق األرضسفكوا الد .. أهل األمصار

بمال كثير ، ويعلى بن أمية ـ بن منية ـ من اليمن فلقيا عائشة ، وقدم عليهم عبد اهلل بن عامر من البصرةرأيها إلى البصرة تركن الرأي على البصرة ، وكان أزواج النبي مع عائشة على قصد المدينة ، فلما تغير فاستقاممنها أذن مروان بن الحكم ، ثم جاء طلحة والزبير . وخرجت عائشة ومن معها من مكة ، فلما خرجوا ذلك

أبي ، باإلمرة ؟ فقال عبد اهلل بن الزبير : على أبي ، وقال محمد بن طلحة : على وقال : على أيكما أسلم . الناس ابن أختي عبد اهلل بن الزبيرب فأرسلت عائشة إلى مروان وقالت له : أتريد أن تفرق أمرنا ؟! ليصل

طلحة واألمر ، وال كان طلحة يترك معاذ بن عبد اهلل يقول : واهلل لو ظفرنا القتتلنا ، ما كان الزبير يترك وكانسعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بها فقال : أين تذهبون الزبير واألمر .. فلما بلغوا ذات عرق لقى

. إلى منازلكم على أعجاز اإلبل وراءكم ؟ يعني عائشة وطلحة والزبير ، اقتلوهم ثم ارجعوا وتتركون ثأركم

ـــــــــــــــــ

تعلق بشيء حين سمعت بمقتل عثمان ، ولكنها ثارت لمجرد البد أن القارئ قد الحظ أن السيدة عائشة لم (1) . مكة وأصبح عثمان مظلوما بنظرها المسلمين على بيعة علي فطلبت أن يردوها إلى سماعها بإجماع

607الصفحة

تجعالن األمر ؟ ومضى القوم ، ومروا بماء الحوأب فنبحتهم ثم خال بطلحة والزبير فقال : إن ظفرتما لمن . الحفير كالبه ، فأتوا

: انطلقا عمران بن الحصين ، وأبا األسود الدؤلي وقال لهما ولما بلغ ذلك أهل البصرة دعا عثمان بن حنيففدخال وسلما ، وسأالها فاعلما علمها وعلم من معها . فخرجا : فأتيا إليها بالحفير ، فأذنت لهما إلى هذه المرأة

فأتيا طلحة ... فقال : المطالبة بدم عثمان . فأتيا الزبير ... عن سبب خروجها . فقالت : المطالبة بدم عثمان ... عثمان بن حنيف وأخبراهقول طلحة ، فرجعا إلى وقال لهما : مثل

المربد ... فتكلم طلحة بالناس وذكر عثمان وفضله ... ودعا إلى وأقبلت عائشة فيمن معها حتى انتهوا إلىالسعدي وقال : يا أم وحثهم على األخذ به . وكذا فعل الزبير ، وعائشة ... وأقبل جارية بن قدامة الطلب بدمه

وقد كان لك من اهلل ستر وحرمة فهتكت سترك ... ون من خروجك من بيتكالمؤمنين : واهلل لقتل عثمان أه !شاب من بني سعد إلى طلحة والزبير وقال : هل جئتما بنسائكما ؟ وأبحت حرمتك ... وخرج غالم

قلة اإلنصاف صنتم حالئلكم وقدتم أمكم = هذا لعمرك

البيد باإليجاف أمرت بجر ذيولها في بيتها = فهوت تشق

والخطي واألسياف ا يقاتل دونها أبناؤها = بالنبلغرض

عنهم والكاف هتكت بطلحة والزبير ستورها = هذا المخبر

. وجرت بين الطرفين مناوشات باللسان وبالسيف

كتاب الصلح : هذا ما اصطلح عليه طلحة والزبير ومن معهما ... ثم كتبا كتابا للصلح وتهادنا .. وجاء في يقيمان ومن معه ، أن عثمان يقيم حيث أدركه الصلح على ما في يده ، وأن طلحة والزبير فوعثمان بن حني

634الصفحة

وال يضار واحد من الفريقين في مسجد وال سوق وال طريق .. ولكن .. حيث أدركهما الصلح على ما في أيديهماالعشاء ، فقاتلوا المسجد فوافقا صالةجمعا رجالهما في ليلة مظلمة ذات رياح ومطر ، ثم قصد طلحة والزبير

وضربوه أربعين سوطا ونتفوا لحيته وحاجبيه . بن حنيف في المسجد .. وأخذوا عثمان أسيرا أصحاب عثمان . وأشفار عينيه وحبسوه

أم المؤمنين حبيبة رسول اهلل إلى ابنها الخالص زيد بن وكتبت عائشة إلى زيد بن صوحان : من عائشة . فإن أتاك كتابي هذا فأقدم فانصرنا . فإن لم تفعل ، فخذل الناس عن علي : ا بعدصوحان ، أم

ال فأنا أول من نابذك . وقال زيد : فكتب إليها : أما بعد : فأنا ابنك الخالص إن اعتزلت ورجعت إلى بيتك . وا وأمرتنا به ، وصنعت ما أمرنا به بهأم المؤمنين أمرت أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل ، فتركت ما أمرت رحم اهلل

. ونهتنا عنه

عثمان .. فقال الناس لطلحة : يا أبا محمد ، قد كانت كتبك تأتينا وقام طلحة والزبير خطيبين يطالبان بدمبايعتم رجال منكم ثم قام رجل من عبد قيس فقال : يا معشر المهاجرين .. لما توفي الرسول .. بغير هذا

تشاورونا في ذلك فرضينا وسلمنا . فلما توفي جعل أمركم نا .. ثم مات واستخلف عليكم رجال فلمفرضينا وسلمغير مشورة منا . ثم فاخترتم عثمان وبايعتموه عن غير مشورتنا ، ثم أنكرتم منه شيئا فقتلتموه عن إلى ستة نفر

هل استأثر بفيء ؟ أم عمل بغير الحق ؟ أو فنقاتله ؟ بايعتم عليا عن غير مشورة منا . فما الذي نقمتم عليهال فما هذا ؟ فهموا بقتل ذلك الرجل فمنعته عشيرته أتى شيئا تنكرونه ؟ فلما كان الغد . فنكون معكم عليه ؟ وا

. وثبوا عليه وعلى من معه فقتلوا منه سبعين

636الصفحة

. م بيت المال والحرسبالبصرة ومعه [ وبقى طلحة والزبير ] بعد أخذ عثمان بن حنيف

أتاه الخبر عن طلحة والزبير وعائشة ، فتوجه إلى البصرة ووقعت وتجهز علي إلى الشام ، فبينما هو كذلكصفية علي ، فدخل البصرة ... وراح إلى عائشة وهي في دار عبد اهلل بن خلف .. وكانت الحرب وانتصر

شيئا ، ودخل على عائشة وسلم عليها م غليظ . فلم يرد عليهازوجة عبد اهلل مختمرة ... فلما رأته كلمته بكالهممت أن : عليه قولها . فكف بغلته وقال فلما خرج أعادت صفية ... جبهتنا صفية : وقعد عندها . ثم قال

وكان فيه ناس من الجرحى فأخبر علي بمكانهم . وأقتل من فيه ـ وأشار إلى باب في الدار ـ الباب أفتح هذا

. ، وال يكشف سترا وال يأخذ ماال (1) غافل عنهم . وكان مذهبه أال يقتل مدبرا وال يدنف على جريحفت

سترا ، ول تدخلن دارا ل تهتكن : واهلل ال تغلبنا هذه المرأة . فقال له : ولما خرج علي ... قال له رجل من أسدن شتمن أعراضكم وسفهن ومضى فلحقه رجل فقال يا .. اءكم وصلحاءكمأمر ، ول تهيجن امرأة بأذى ، وا

! ويلك لعلها عائشة : قام رجالن على الباب فتناوال من هو امض شتما لك من صفية . قال : أمير المؤمنين

فأقبل بمن كان عليه فأحالوا على رجلين من أزد الكوفة وهما : قال : نعم ، فبعث القعقاع بن عمرو إلى الباب . نا عبد اهلل ، فضربهما مئة سوط وأخرجهما من ثيابهمااب عجالن ، وسعد ،

وزاد ومتاع وغير ذلك ، وبعث معها كل من نجا ممن خرج معها ثم جهز عائشة بكل ما ينبغي لها من مركبمحمد بن أبي ، واختار لها أربعين امرأة من نساء البصرة والمعروفات ، وسير معها أخاها أال من أحب المقام

. بكر

ـــــــــــــــــ

(الناشر) . يدنف : أي مجهز عليه بالقال (1)

633الصفحة

فوقف لها . وحضر الناس ، فخرجت وودعتهم ، وقالت : يا بني ، فلما كان اليوم الذي ارتحلت فيه أتاها علية وأحمائها ... المرأ على بعض ، إنه واهلل ما كان بيني وبين علي في القديم إال ما يكون بين ال يعتب بعضنا

حين ودعها : ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد وشيعها علي أمياال وسرح بنيه معها يوما . وقال عمار . (ـ ما علمت ـ تقول الحق . قال : الحمد هلل الذي قضى على لسانك لي إليك ؟ قالت : واهلل إنك

معنا الجرائم الكثيرة التي قاموا بها ؛ ومدى صلتها القارئ قد الحظ تلك هي قصة الناكثين ، وال نشك في أن

لعائشة في ماء الحوأب ، وكانت أول بالمطالبة بدم الخليفة الذبيح . فقد لفق الزبير وطلحة خمسين شاهد زورالمؤرخون . وفي معرض التحدث عن شهادة الزور بنظر النبي يقول شهادة زور في اإلسالم على ما يروي

أكبر الكبائر اإلشراك : بأسانيده المختلفة عن أبي بكرة قال : قال النبي (12، ص 2ج )ه صحيح البخاري في

فما زال يكررها ، قلنا : ليته سكت . شهادة الزور أقول ، أو وشهادة الزور ثالثا أقولها باهلل وعقوق الوالدين

!! .

أن تبلغ البصرة ، لما ثناها عن ذلك ، عودتها إلى المدينة قبل على أن أم المؤمنين لو كانت جادة في أمرنما قالوا : إنهم مروا به قبل برأينا ، شهود . فترة الزور ؛ ذلك ألنهم لم ينفوا مرورهم بالحوأب وا

: عهدهما لعثمان بن حنيف مخالفين بذلك نص اآلية الكريمة وقد نكث الزبير وطلحة بيعتهم لعلي ، ونقضا

كما اعتديا على حرمة المسجد وعلى الصالة وقتال السيابجة غدرا . . (العهد كان مسئول وأوفوا بالعهد إن ) صنعا بعثمان وصنعا ما

635الصفحة

في باطلهم من عثمان بن حنيف في حقه يعيد إلى الذاكرة ـ على بن حنيف والي البصرة . ولعل موقف الناكثينقال ـ موقف النبي على حقه من سهيل بن عمرو ، وهو على باطل ، حينتتميز األشياء قاعدة : وبضدها

انتزع ثنيتي سهيل بن عمرو السفليين ، يدلع لسانه فال ) : (1) عمر بن الخطاب للنبي على ما يحدثنا الطبري . (فيمثل اهلل بي وأن كنت نبيا ل امثل به : في موطن أبدا . فقال رسول اهلل يقوم عليك خطيبا

شيوخ المشركين ، في حين أن عائشة أم المؤمنين وطلحة والزبير قد د امتنع الرسول الكريم عن التمثيل بأحدفقالعقاب ، اللهم إال الوقوف بأمير البصرة وهو شيخ من أفضل المسلمين دون أن يقترف ذنبا يستحق عليه مثلوا

. ولوسنة الرس بوجه العصاة على الخليفة ومن ورائه كتاب اهلل

وهل االعتداء على عثمان ـ بغض النظر عن مسبباته ـ أكثر ولسنا نعلم صلة ذلك بالمطالبة بدم عثمان ،هل على عثمان بن حنيف وأصحابه ؟ ولماذا اعتدى طلحة والزبير على مسلمي البصرة ؟ فظاعة من االعتداء

الذي وقع فيه ؟ لشكليجيز الدين الحنيف ذلك االعتداء من حيث المبدأ العام ؟ ومن حيث ا

أربع من كن : قال رسول اهلل)بأسانيده المختلفة عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص قال : (2) ذكر اإلمام مسلمخلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه

ذا عاهد غدر ، ذا خاص وا ذا وعد أخلف ، وا . (م فجروا

ـــــــــــــــــ

. 823/ 8تاريخ األمم والملوك : (1)

. 18/ 4صحيح مسلم : (2)

630الصفحة

فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما اتخذوا أيمانهم جنة ) : المنافقين والمنافقون ، كما وصفهم اهلل في سورة . (1) (ن كانوا يعملو

التي اتصف بها الناكثون . ويتجسم ذلك (تزيد عن الخالل األربع) ونحن نترك للقارىء تقدير الخالل األخرى . على السواء ما وازنه القارئ بموقف اإلمام الكريم ، في حربه وسلمه ، مع خصومه وأنصاره الموقف إذا

ـــــــــــــــــ

. 8المنافقين : (1)

633الصفحة

القاسطون [ : الفصل الثاني ]

الناكثين ، تلك الحركة التي زرعت بذور التمرد على النظام لقد مر بنا الحديث ـ في فصل سابق ـ عن حركةجوانب اإلسالمي في عهد اإلمام . وحركة الناكثين ما هي في الواقع إال جانب واحد من في جسم المجتمع

. الحق والباطل هي صورة من أروع صور الصراع بينالصراع المسلح بين علي ومناوئيه ، و

معاوية وأصحابه ، على القيام بعصيان مسلح على نظام الحكم وقد شجعت فتنة الجمل القاسطين الحائرين ،الممثلة في أتاحت لهم فرصة التجمع وحشد قوى الشر واإلرهاب لمقاومة مبادئ الدين الحنيف في البالد ، كمامن كان حاقدا على اإلمام لعدالته وسالمة سياسته العامة . وقد انضوى تحت لواء معاوية كل خلق اإلمام وفي

: واألخالق . من ذلك مثال معتقداته في السياسة والدين

خوفا من علي أن يقيده بالهرمزان . وذلك أن أبا )التحق بمعاوية أن عبيد اهلل بن عمر بن الخطاب كان قدقتل عمر شد عبيد اهلل ة بن شعبة ـ قاتل عمر كان في أرض العجم غالما للهرمزان ، فلماغالم المغير لؤلؤة ـ

الوقت الذي قتل فيه عمر .. فعفا عثمان عن عبيد اهلل . فلما على الهرمزان فقتله ... وكان الهرمزان عليال في

استحقه . فلجأ إلى لما من غير سببلعلي ، أراد قتل عبيد اهلل بن عمر بالهرمزان لقتله إياه ظ صارت الخالفة . (1) (معاوية

ـــــــــــــــــ

. 874/ 8المسعودي ، مروج الذهب ومعادن الجوهر : (1)

631الصفحة

الشيباني ، عامل علي في إحدى خطط فارس ؛ وسبب ذلك أن مصقلة ولجأ إلى معاوية كذلك مصقلة بن هبيرةنفسه من ثمنهم ماعة الخريت بن راشد السامي ولكنه التوى بما شرطه علىأسرى الخوارج من ج كان قد اشترى

هذا المال إلى ابن عفان ما منعني إياه . ثم فلما طالبه ابن عباس بأداء الدين قال : لو طلبت أكثر من). في بمعاوية . فتلقاه معاوية أحسن لقاء وأطمعه وأرضاه حتى طمع مصقلة احتال حتى هرب من البصرة ولحق

. (1) (أخاه نعيم بن هبيرة على أن يلحق به أن يحمل

وجه العدالة ، ويغدق عليهم العطاء من بيت مال المسلمين وهكذا نجد ابن هند يحتضن الجناة الفارين من . الحنيف بذور فساد األخالق في المسلمين ، ويشجع الناس على الخروج على مبادئ الدين فيزرع بتصرفه هذا

فيه ابن أبي سفيان ، بل تعدته فسارت في سجل الزمن منذ لنتائج على ذلك الزمن الذي عاشولم تقتصر ابالطلب بدم عثمان يومنا هذا . لقد تمرد معاوية على الخليفة وتنكر لمبادئ الدين متظاهرا مصرع اإلمام حتى

ولم ... سفيان : الذي حارب النبي كما ذكرنا هو : ابن هند آكلة األكباد ، وأبوه أبو ومعاوية ـ . (2) بن عفان ... يختار بين اإلسالم والموت يسلم إال متأخرا حين لم ير من اإلسالم بدا ، وحين لم يكن إال أن

لإلسالم وبغضا ألهله وحفيظة عليهم .. حتى فتحت مكة فأسلمت كارهة ولم تكن أم معاوية بأقل من أبيه تنكرا . (3) زوجها كارها كما أسلم

ـــــــــــــــــ

. 489: (علي وبنوه) 8الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (1)

. ابنة عمرو كما ذكرنا في حين أن ولي عثمان الذي يسوغ له المطالبة بدمه من الناحية الشرعية هو (2)

. 74/ 8عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : (3)

639الصفحة

للحق أن ـ إذا فرضنا أنه يجوز له أن يطالب بدم عثمان ـ ولو أنصف وأخلص نفسه (1) وكان على معاويةفيطالبون باإلقادة ممن قتله . ولكن معاوية لم يبايع كما بايع الناس . ثم يأتي إلى علي ـ مع أولياء عثمان ـ

استقام له ـ ر عن علي ؛ وآية ذلك أن األمربمقدار ما كان يريد أن يصرف األم (2) يكن يريد أن يثأر لعثمان .. بعد مصرع اإلمام ـ فتناسى ثأر عثمان ولم يتبع قتلته

حاقد عليه . وقد وسع كل فالطلب بدم عثمان إذن لم يكن إال أقصوصة اشترك في صوغها كل منافس لعلي ، . (القتيل شيء ووصل إلى كثير من الغايات إال الثأر للشيخ

ـــــــــــــــــ

. 904/ 8عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : (1)

ـ بطريقة غير مباشرة ـ في ليس لدى الباحث من األدلة المقنعة ما يمنعه من االعتقاد باشتراك معاوية (2)و المعقول أن وبلغ من الكبر عتيا . وليس من الممكن أ التآمر على قتل عثمان ، فقد وهن العظم من عثمان

ن بقاء عثمان سنتين أو ثالثا في الحكم ـ تنتقل الخالفة إلى وتعديل سيرته معاوية دون أن يقتل عثمان . وا ذا لم يكن معاوية قد ألب الناس على الشيخ أو خذلهم عن نصرته ، السياسية ـ لم يكن في صالح معاوية . وا

في قتله من الناحية السلبية على أسوأ الفروض . ذلك الظروف ، فقد ساهم فقد تقاعس عن مساعدته في أحرجالوحيد الذي باستطاعته معاوية ، بحكم مركزه في الشام الذي استمر زهاء عشرين عاما كان هو الوالي ألن

نذكر القارئ بالمحاورة الطريفة التي جرت بين معاوية إنقاذ حياة ابن عفان . ويجمل بنا في هذا الصدد ، أنتقاعسه عن تقاعس كل منهما عن نصرة عثمان . فقد سأل معاوية أبا الطفيل ـ متخابثا ـ عن طفيل حولوأبي ال

أبداه المهاجرون واألنصار . ثم وجه نصرة الخليفة ، فأجاب هذا بأن تقاعسه كان ضمن التقاعس العام الذيه . فضحك أبو الطفيل ثم قال : أنت بدمه ـ في خالفة علي ـ نصرة ل السؤال نفسه إلى معاوية فأجابه بأن طلبه

: قال الشاعر وعثمان كما

دتني زادي ل ألفينك بعد الموت تندبني = وفي حياتي ما زو

عليه ـ قد بإسناده إمارة مصر البن العاص ـ الذي عزله عثمان عنها فجعله من المؤلبين هذا إلى أن معاوية . ثورة على عليبرهن بوضوح على أن المطالبة بدم عثمان وسيلة لل

631الصفحة

الطاعة ، ثم أن يدخل معاوية وأصحابه في) (1) العسقالني وكان رأي علي في الموضوع كما يذكر ابن حجر . (الشريعة يقوم ولي دم عثمان بن عفان فيعمل اإلمام معه ما فيه حكم

وكان بدء أمرنا ) : (2) ين حين قالرسائله إلى أهل األمصار بعد صف وقد أشار اإلمام علي إلى ذلك في إحدىواألمر واحد ... الشام والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد ودعوتنا في اإلسالم واحدة أن التقينا والقوم من أهل

تعالوا نداوي ما ل يدرك بإطفاء الثائرة وتسكين : إل ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء . فقلنافأبوا . ويستجمع فنقوى على وضع الحق في مواضعه . فقالوا : بل نداويه بالمكابرة ألمرالعامة حتى يشتد ا

ياهم ووضعت مخالبها فينا وفيهم أجابوا عند ذلك إلى الذي دعوناهم حتى ضجت الحرب .. فلما ضرستنا وا . (إليه

القاعدة العامة لألسرة األموية عليه من العرف والخلق كان هو ويلوح للباحث أن الخروج على ما توطأ الناسفصل سابق ذكر كثير واإلسالم ، وكتب التاريخ العربي زاخرة باألمثلة على ذلك . وقد مر بنا في في الجاهلية

. األمويين في االنضواء تحت لواء اإلسالم من الشواهد واألمثلة في هذا الباب عندما تظاهر رءوس

من قلة األخبار الموثوقة عن سيرتهم ، قصصا ممتعة في هذا الرغم أما في الجاهلية فيجد الباحث ، علىلعبد المطلب جار يهودي يقال له : أذينة ، كان)حين قال : (1) مثال ما ذكره ابن األثير المضمار ، من ذلك

يتجر وله مال كثير . فغاظ ذلك

ـــــــــــــــــ

. 108، 104/ 8اإلصابة في تمييز الصحابة : (1)

. 478، 474/ 1شرح نهج البالغة : (2)

. 3/ 8الكامل في التاريخ : (3)

637الصفحة

ليقتلوه ويأخذوا ماله ، فقتله عامر بن عبد مناف بن عبد الدار حرب بن أمية .. فأغرى به فتيانا من قريش . (بن عمرو بن كعب التيمي جد أبي بكر وصخر بن حرب

: (1) حوادثها من الناحية التاريخية ـ على الشكل التالي قاسطين ـ من حيث وقوعوتتلخص حركة ال

قصد الكوفة ... وبعث جرير بن عبد اهلل البجلي ... وكتب لما عاد علي من البصرة بعد فراغه من الجمل)فسار جرير إلى معاوية يدعوه فيه إلى الدخول فيما دخل فيه المهاجرون واألنصار من طاعته ، معه كتابا إلى

عمرو بن العاص فأشار عليه أن يجمع أهل الشام معاوية . فلما قدم عليه ماطله معاوية واستنظره ، واستشار . بهم . ففعل معاوية ذلك ويلزم عليا دم عثمان ويقاتله

وضع بشير بقميص عثمان ـ الذي قتل فيه ـ مخضوبا بالدم .. وكان أهل الشام لما قدم عليهم النعمان بنيناموا على الفراش وهو على المنبر . واقسموا أال يمسهم الماء للغسيل من الجنابة وأال معاوية القميص مدة

. حتى يقتلوا : قتلة عثمان ، ومن قام دونهم قتلوه

واجتماع أهل الشام على قتاله . خرج علي فعسكر بالنخيلة .. فلما عاد جرير إلى علي وأخبره خبر معاويةبقتال . ول تدن منهم دنو من يريد أن إياك أن تبدأ القوم : الجند أمامه .. وقال له األشتر ببعض وسرح

.. وأصبح علي على غدوة األشتر .. من يهاب البأس . حتى أقدم عليك ينشب الحرب ، ول تباعد منهم تباعد

غيرها فلم يجدوا . فأتوا عليا فطلب أصحاب علي شريعة .. وكان معاوية قد سبق .. فأخذ شريعة الفرات : فدعا صعصعة بن صوحان . فأرسله إلى معاوية يقول له .. فأخبروه بعطشهم

ـــــــــــــــــ

. 470ـ 414/ 9ابن األثير ، الكامل في التاريخ : (1)

614الصفحة

قبل أن نقاتلك ، ورجالك فقاتلتناهذا ونحن نكره قتالكم قبل العتذار إليكم . فقدمت لنا خيلك إنا سرنا سيرنافعلتموها ، منعتم الناس عن الماء .. فأبعث ونحن من رأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك . وهذه أخرى قد

.. وبين الماء ... لننظر فيما بيننا وبينك ، وفيما قدمنا له إلى أصحابك فليخلوا بين الناس

فقاتلوهم حتى خلوا ... قاتلوهم على الماء : علم علي بذلك قال فأصر معاوية وأصحابه على المنع .. فلمافقالوا : واهلل ال تسقيه أهل الشام . فأرسل علي إلى بينهم وبين الماء . وصار الماء في أيدي أصحاب علي ،

. .. الماء حاجتكم وخلوا عنهم أصحابه أن خذوا من

صاري وسعيد بن قيس الهمداني وشبث بن ربعي محصن األن ثم إن عليا دعا أبا عمر وبشير بن عمرو بنلى الطاعة والجماعة ... فأتوه .. فبتدأ : التميمي ، فقال لهم بشير ... وقال يا ائتوا هذا الرجل وادعوه إلى اهلل وا

بينها .. فقطع معاوية عليه الكالم وقال : ونترك دم معاوية : أنشدك اهلل أن تفرق هذه األمة وتسفك دماءها . ذلك أبدا ؟ واهلل ال أفعلعثمان

فقال : يا معاوية ، واهلل ال يخفى علينا ما تطلب ! إنك لم ... فذهب سعيد بن قيس يتكلم فبادره شبث بن ربعيإمامك مظلوما ، فنحن تستغوى به الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم إال قولك قد قتل تجد شيئا

له القتل لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب . فاتق ك أبطأت عنه بالنصر وأحببتنطالب بدمه .. وقد علمنا أن

الحسيب األمر أهله . قال معاوية : إن أول ما عرفت به سفهك ... إن قطعت على هذا اهلل يا معاوية وال تنازع ... الشريف سيد قومه منطقه ، ثم ... كذبت ولؤمت أيها األعرابي الجلف

616الصفحة

السيف .. فأتوا عليا فأخبروه بذلك .. فجرت مناوشات بالسالح بين فوا من عندي فليس بيني وبينكم إالانصر . هـ 97بدأها أهل الشام في أواخر عام الفريقين

علي ومعاوية ، توادعا على ترك الحرب بينهما حتى ينقضى هـ وفيها جرت موادعة بين 99ثم دخلت سنة خرج .. . واختلف بينهما الرسل .. فلم يسفر ذلك عن شيء .. فلما انسلخ المحرمالصلح المحرم طمعا في

ل تقاتلوهم حتى يقاتلوكم ، فأنتم على : معاوية وعمرو يكتبان الكتائب ويبعثان الناس .. وعلي يقول ألصحابهريح ، ول تكشفوا عن ج قتالهم حجة أخرى . فإذا هزمتموهم : فال تقتلوا مدبرا ، ول تجهزوا على حجة وترككم

ن شتمن عورة ، ول تمثلوا بقتيل ، ول تهتكوا سترا ، ول تدخلوا دارا ، ول تأخذوا شيئا ، ول تهيجوا امرأة وا . (كل مكان وكان علي يقول بهذا المعنى ألصحابه في . وسببن أمراءكم وصلحاءكم أعراضكم

أن ينشب القتال بين الطرفين ، ونحسب أن القارئ قد قبل ذلك ما يتصل بالمرحلة التمهيدية لحرب صفين : الحظ معنا جملة أمور

ـ بالطرق السليمة المألوفة ـ إلى عدم شقه عصا الطاعة على منها : سعى اإلمام إلى دعوة ابن أبي سفيانحداث يقدمه له عمرو الفتنة بين المسلمين ، ليتسنى للخليفة ـ بعد ذلك ـ أن ينظر في الطلب الذي النظام ، وا

ذكرناها ـ بشأن المتهمين بقتل عثمان كي يجري بن عثمان بن عفان ـ ولى عثمان حسب منطوق اآلية التيواتخذ قميص اإلجراءات القانونية بحق الجناة . ولكن معاوية ألب الناس على اإلمام التحقيق الالزم ويتخذ

يريد العراق . واستولى على ماء الفرات في متمردا باغيا عثمان ستارا للخروج على النظام ؛ وسار بجيوشه اإلمام الذين لم يخرجوا لقتاله بل للتفاوض معه عساه يثوب إلى رشده تجمع الجيشين ومنع أصحاب موقع . دماء المسلمين فيحقن

613الصفحة

عصعة بن صوحان كما الماء فقط ، بعد أن فشلت مساعي ص فاضطر اإلمام إلى دعوة أصحابه لقتالهم على . العطش بأصحابه حدا ال يطاق رأينا ، وبعد أن بلغ

بالسماح لخصومه باالستسقاء . ولم يثنه غدر ابن أبي سفيان وعندما أصبح الماء بحوزة أصحابه أمرهممواصلة متمردين من الشام ، وابتداؤهم أصحابه بالقتال ، وحجزهم الماء عنهم ، عن وأمشاجه ، وخروجهم

قناعه اعيه السلمية . فأرسل بشير األنصاري ، وسعيد الهمداني ، وشبثمس التميمي ، لمفاوضة معاوية وا فأغلظ معاوية لهم القول وشتمهم وطردهم بعد أن حاول أن يوقع بين . باالنصياع إلى أوامر اهلل وسنة الرسول

معاوية إال االستمرار في إلسالم . فأبىالعداوة والبغضاء بإثارة العصبية الجاهلية التي حاربها ا سعيد وشبث . بمبادئ الدين الحنيف الطيش والعبث بأرواح الناس ومقدراتهم واالستهانة

قوى الشر أمام جيوش اإلمام . فلجأ معاوية إلى الحيلة والغدر ـ فحدث القتال المرير بين الجانبين وانهزمت . ن واغتيل اإلمام كما سنرىفرفعت المصاحف وحصل التحكيم وخرج المارقو كعادته ـ

إن الصراع بين القاسطين وبين قوى اإلمام ما هو ـ في جوهره : وفي ضوء ما ذكرنا نستطيع أن نقول مرة أخرىوازع عن رجل لم يردعه)رجلين يختلفان كل االختالف في الخلق وفي العقيدة . فمعاوية : ـ إال صراع بين

انتزاع الحكم من اإلمام . ولم ير : مشروع ، للوصول إلى هدفه ، وهوالتماس أي أسلوب ... مشروع أو غير ن وطئت قدمه الملوثة قدس حرجا في الدس ، وال في الغدر وال في االدعاء الباطل . فقد كان همه أن يغدر وا

. األخالق الحق وقيم

هي في يد علي معدومة وفي يد ذلك ؛ لهذا فقد تباينت األسلحة : ف وكانت الخطة التي درج عليها اإلمام تغاير الدين وارتضته المثل وتعددت ميادينها أمام معاوية وضاقت حلقتها على اإلمام إال ما أقره منها خصمه وفيرة ،

615الصفحة

. (1) (اإلنسانية الرفيعة

السير وفق والهدف ، فهم عند علي من خيرة أصحاب النبي وهدفهم وتباين المقربون كذلك في الخلق والدينهم على شاكلته من اإلسالم . وهم ـ عند معاوية ـ من الوصوليين االنتهازيين . عمار بن ياسر ومن مستلزمات

. جهة ، وعمرو بن العاص ومن لف لفه من جهة أخرى

قةبمئة ألف ما فيهم ـ على حد قوله ـ من يفرق بين النا)يحارب اإلمام وتباين األتباع كذلك . فقد كان معاوية

على ما يذكر ؛ فقد صلى بهم (3) لمعاوية حدا يفوق الوصف وقد بلغت طاعة أهل الشام . (2) (والجمل . (وأعاروه رؤوسهم عند القتال وحملوه بها المسعودي ـ عند مسيرهم إلى صفين ـ الجمعة : يوم األربعاء ،

أهل العلم قال إن أحد إخوته من (4) معاوية يقول المسعودي وفي معرض التحدث عن موقف أهل الشام إزاءفقالت لي ذات يوم بعض أهل الشام ـ وكان من .. كنا نقعد نتناظر في أبي بكر وعمر ، وعلي ومعاوية)له :

تطنبون في علي ومعاوية ؟! فقلت له : من هو علي ؟ فقال : ... قتل علي في أعقلهم وأكبرهم لحية ـ : كم

وجه إلى أبي العباس السفاح ... عبد اهلل بن علي في طلب مروان إلى الشام غزوة حنين مع النبي . ولما خرجفحلفوا للسفاح أنهم ما علموا لرسول اهلل قرابة وال أهل بيت أشياخا من أهل الشام من أرباب النعم والرئاسة ،

. (أمية حتى وليتم الخالفة يرثونه غير بني

ـــــــــــــــــ

. 79، 77/ 1طالب : مقصود ، اإلمام علي بن أبيعبد الفتاح عبد ال (1)

. 10عباس محمود العقاد ، عبقرية اإلمام : (2)

. 991/ 8المسعودي ، مروج الذهب ومعادن الجوهر : (3)

. 14/ 8المسعودي ، مروج الذهب ومعادن الجوهر : (4)

610الصفحة

والتغرير بهم . فيكون معاوية ـ باإلضافة إلى ما ذكرنا ـ الناس وكان ذلك دون شك من آثار معاوية في تضليل . تشويه كثير من حقائق التاريخ اإلسالمي وتزوير حوادثه مسئوال عن

المؤامرات الغتيالهم ، فمعروفة لدى الكثيرين ، فقد دبر قضية سم األشتر أما أساليبه في الغدر بمناوئيه وتدبير

قد واله مصر بعد أن عزل تلخص قضية األشتر النخعي في أن اإلمام عليا والحسن ، بعد أن نكث عهده . وتإلى القلزم حتى مات . وأكثر المؤرخين يتحدثون بأن عنها محمد بن أبي بكر ، ولكن األشتر لم يكد يصل

في في القلزم ... إن هو احتال في موت األشتر ، فدس هذا الرجل لألشتر سما معاوية أغوى صاحب الخراج . (1) (جنودا من عسل شربة من عسل فقتله ليومه . وكان معاوية وعمرو يتحدثان فيقوالن : إن هلل

الظروف ، فيلجأ إلى القسوة إذا أعيته الحيلة والمراوغة والدس ، من وكان غدره يترواح بين الشدة واللين حسبلتعقب خصومه . وقد أوصى لى رأس جيشمثال : أنه اختار بسر بن أرطأة المعروف بقساوته ، وسيره ع ذلك

علي . فمضى بسر ونفذ وصية معاوية وأضاف لها من معاوية بسر بن أرطأة أن يقسو على البادية من شيعةسرافا في البادية ، االستخفاف بالدماء واألموال ، والحقوق والحرمات ، فكان كثير الفتك في عنده قسوة وغلظة وا

مرغمين . ومضى إلى اليمن ففر عنها عامل علي لها ... وأمرهم بالبيعة لمعاوية ففعلواوجاء المدينة فروع أه . باإلسراف في القتل ، ثم أخذ البيعة لمعاوية وأعوانه . ونشر فيها الروع

ليرده عن اليمن ، ففر عنها بسر بن أرطأة ورجع إلى الشام مفسدا في وبلغ خبره عليا فأرسل جارية بن قدامة . وكانا صبيين أثناء رجوعه ، ومسرفا في القتل والنهب ، حتى ذبح ابني عبيد اهلل بن العباس ضاألر

ـــــــــــــــــ

. 494: (وبنوه علي) 8الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (1)

613الصفحة

. (1) (تلإلى مكة فعرف فيها أن عليا قد ق ورد جارية اليمن إلى طاعة اإلمام ، وعاد

الوحشية منه إلى اإلنسانية ، على أنه كان في ـ وحشيته يتضح مما ذكرنا أن خلق معاوية كان أقرب إلىكامال في دينه ، المفترس تارة ، وكالثعلب المراوغ تارة أخرى . أما اإلمام ، فكان إنسانا الخلقية ـ كالوحش

، وحب الناس ، ونشر العدالة واإلخاء بين المسلمين ية اهللوسياسته وأخالقه ، فقد امتألت نفسه الكبيرة من خش

.

لى القارئ طائفة وكان موقف اتباعه منه على حقه ، مغايرا لموقف اتباع معاوية له على باطله كما رأينا . وا : اإلمام ألتباعه وهو في أحرج ساعات نزاعه مع مناوئيه من أقوال

إلسراعهم إلى لقوم عليكم ؛ ليس ألنهم أولى بالحق منكم ، ولكنبيده ليظهرن هؤلء ا أما والذي نفسي)بطائكم عن حقي . ولقد أصبحت األمم تخاف ظلم رعاتها ، وأصبحت أخاف ظلم رعيتي . أيها باطلهم وا

المختلفة أهواؤهم ، المبتلى بهم أمراؤهم ، صاحبكم يطيع اهلل وأنتم الشاهدة أبدانهم ، الغائبة عنهم عقولهم ،لو حمس الوغى وصاحب أهل الشام يعصى اهلل وهم يطيعونه . واهلل ، لكأني بكم فيما أخالكم أن نه ،تعصو

ني لعلى بينة من ربي ، ومنهاج وحمى الضرب قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها ، وا ني لعلى الطريق . (2) (الواضح ألقطه لقطا من نبيي ، وا

: كان آخروقال في م

لى من ؟! أريد أن أداوي بكم وأنتم) دائي ! كناقش الشوكة بالشوكة ولكن بمن ؟ وا

ـــــــــــــــــ

. 410: (وبنوه علي) 8الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (1)

ي األصل حمس الوغى : اشتد وعظم . الوغى ف). 421ـ 182 / 8شرح نهج البالغة : ، ابن أبي الحديد (2)وقت لما فيها من ذلك . وانفراج المرأة عن قبلها : أي (وغى)، وسميت الحرب نفسها : األصوات والجلبة

وأنه التقط طريقه من ههنا وههنا كما يسلك : يريد أن الضالل غالب على الهدى (ألقطه لقطا )الوالدة . وقوله . (ن جانبيها كليهما فهو يلتقط النهج التقاطا الشوك والعوسج م اإلنسان طريقا دقيقة قد اكتنفها

611الصفحة

. (1) (ضلعها معها وهو يعلم أن

أتأمرونني أن ) : العامل الرئيسي في تقاعسهم عن نصرة الحق فقال وأشار اإلمام ـ في مناسبة أخرى ـ إلىيت ما سمر سم أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه ؟! واهلل ل أطور به ير ... ولو كان المال لي لسو

نما المال سراف ، وهو يرفع صاحبه في بينكم فكيف وا ن إعطاء المال في غير حقه تبذير وا مال اهلل ؟! وا

. (2) (الدنيا ويضعه في الخرة ، ويكرمه في الناس ويهينه عند اهلل

لشاهدة أبدانهم والغائبة عنهم عقولهم ،أيتها النفوس المختلفة ، ا) : وخاطب أتباعه ـ في موقع آخر ـ فقال

العدل ، أو أقيم اعوجاج الحق ! اللهم أنت أظأركم على الحق وأنتم تنفرون منه . هيهات أن أطلع بكم سرار منافسة في سلطان ، ول التماس شيء من فضول الحطام ، ولكن لنرد تعلم انه لم يكن الذي كان منا

(المعطلة من سننك ، ونظهر اإلصالح في بالدك ، فيأمن المظلومون من عبادك ، وتقام من دينك المعالم(3) .

ـــــــــــــــــ

لى من أخلد في فعله .. . 878، 874ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (1) ولكن بمن كنت أعمل ذلك وا والشقاق والعصيان . وأما الغائبون من شيعتي ـوحالكم معلومة في الخالف وأما الحاضرون لنصرتي فأنتم

برام كأهل البالد النائية ـ فإلى أن يصلوا قد بلغ العدو غرضه مني ، ولم يبق من أخلد إليه في إصالح األمر وا بعض فأكون كناقش الشوكة بالشوكة . يقول : ال تستخرج الشوكة هذا الرأي ... إال إذا استعين ببعضكم على

لما وطئتها بشوكة مثلها فإن أحداهما في القوة والضعف كاألخرى . فكما أن األولى انكسرت رجلك الناشبة في . في لحمك فدخلت في لحمك فالثانية ـ إذا حاولت استخراج األولى بها ـ تنكسر

. 901/ 8ابن أبي الحديد ، شرج نهج البالغة : (2)

الشهر وتكون مظلمة . .. والسرار : آخر ليلة في . أظأركم : أعطفكم 993، 992المصدر نفسه : (3)السرار ههنا بمعنى السرر ، وهي : خطوط مضيئة ويمكن عندي أن يفسر على وجه آخر ، وهو : أن يكون

وهو . (هيهات أن تلمع بكم لوامع العدل ، وتتجلى أوضاعه ويبرق وجهه)الكالم : في الجبهة .. فيكون معنى ا وجهيمكن أن يكون فيه أيض

619الصفحة

وأمركم واحدا ، إني أريدكم هلل ؛ وليس أمري (1) لم تكن بيعتكم إياي فلتة) : وخاطبهم في موقف آخر فقالأعينوني على أنفسكم ، وايم اهلل ألنصفن المظلوم من ظالمه ، وأنتم تريدونني ألنفسكم . أيها الناس ،

ن كان كارها بخزامته حتى أورده منهل وألقودن الظالم . (2) (الحق وا

ـــــــــــــــــ

هيهات أن أطلع بكم الحق زمان استسرار )الظرفية ويكون التقدير : آخر ، وهو : أن ينصب سرار ههنا على . فيكون قد حذف المفعول به (واستخفائه العدل

أبي بكر ألن المشهور عن عمر أنه عةالفلتة : األمر يقع في غير تدبر وال روية . وفي الكالم تعريض ببي (1) . (شرها إن بيعة أبي بكر فلتة وقانا اهلل)قال :

. 109/ 8ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (2)

611الصفحة

الفصل الثالث : [ التحكيم ، المارقون ، ومصرع اإلمام ]

إشعال نارها . كما حاول ا أمكنه إلىلقد حاول علي جهد استطاعته أن يتجنب الحرب التي سعى معاوية ميذاء رعاياه ؛ فأوكل ـ مضطرا ـ أمره إلى السيف ، فبدأت الحرب عبثا إقناع معاوية وصحبه بالكف عن إيذائه وا

. بين الجانبين

هل لك في أمر أعرضه عليك : ولما رأى عمرو بن العاص أن أمر العراق قد اشتد وخاف الهالك قال لمعاوية)نعم . قال : نرفع المصاحف ثم نقول لما فيها : هذا حكم بيننا : دنا إال اجتماعا وال يزيدهم إال فرقة ؟ قالال يزيرآها الناس قالوا : نجيب فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا : هذا حكم كتاب اهلل بيننا وبينكم . فلما . وبينكم

أبي كم وصدقكم وقتال عدوكم ؛ فإن معاوية وعمرو وابنعباد اهلل امضوا على حق : كتاب اهلل . فقال لهم عليأطفال ثم رجال . ويحكم ما رفعوها معيط ليسوا بأصحاب دين ول قرآن . أنا أعرف منكم بهم ؛ قد صحبتهم

إنما أقاتلهم : لهم علي فقال أصحابه : ال يسعنا أن ندعى إلى كتاب اهلل فنأبى أن نقبله . فقال . إل خديعة . فأصر أصحابه إال وقف القتال وقبول التحكيم . نوا لحكم كتاب اهلل . فإنهم قد عصوا اهلل فيما أمرهمليدي

في كتاب اهلل ال يعدوانه ، ثم واقترح أصحاب معاوية أن يبعث كل فريق من يمثله على أن يعمل الحكمان بما . وبعض أهل العراق أبا موسى األشعري أهل الشام عمرو ، يتبع الفريقان ما اتفق عليه الحكمان ، فاختار

. فال تعصوني الن ـ فأوقفتم القتال ـ قد عصيتموني في أول األمر : فقال علي لقومه

617الصفحة

فأبوا إال أبا . موسى ؛ فإنه ليس بثقة . قد فارقني وخذل الناس عني ثم هرب مني إني ل أرى أن أولي أبا .. ما أردتمفاصنعوا : موسى . فقال

حكم هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان . أننا ننزل عند : فكتب كتاب التحكيم فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة .. اهلل وكتابه .. فما وجد الحكمان في كتاب اهلل عمال به ، وما لم يجداه

.

. (1) (ن ، من العهد والمواثيق أنهما آمنان وأهليهما واألمةومعاوية ، ومن الجندي وأخذ الحكمان من علي

الحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب ، وعبد اهلل بن عباس )أصحاب علي : وشهد على ما في الكتاب منوسعيد بن قيس ، والحسين وعبد اهلل بن جعفر بن أبي طالب ، واألشعث بن قيس ، واألشتر بن الحارث ، ،

وعبد اهلل بن خباب بن أرت ، وسهل ربيعة األنصاري ، نا الحارث بن عبد المطلب ، وأبو سعيد بنوالطفيل اب، عمر األنصاري ، وعون بن الحارث بن عبد المطلب ، ويزيد بن عبد اهلل األسلمي بن حنيف ، وأبو بشر بن

، والنعمان بن العجالن وعقبة بن عامر الجهني ، ورافع بن خديج األنصاري ، وعمرو بن الحمق الخزاعيالنكري ، ومالك بن كعب الهمداني ، وربيعة بن شرحبيل األنصاري ، وحجر بن عدي الكندي ، ويزيد بن حجية

. وحجر بن يزيد ، وعلبة بن حجية ، والحارث بن مالك ،

خديج مسلمة ، وأبو األعور السلمي ، وبسر بن أرطأة القرشي ، ومعاوية بن ومن أهل الشام : حبيب بن

الوليد ، وحمزة بن مالك ، الكندي ، والمخارق بن الحارث ، ومسلم بن السكسكي ، وعبد الرحمن بن خالد بن العاص ، وعلقمة بن يزيد الكلبي ، وخالد بن الحصين وسبيع بن يزيد الحضرمي ، وعبد اهلل بن عمرو بن

ـــــــــــــــــ

. 472ـ 470/ 9في التاريخ : ابن األثير ، الكامل (1)

694الصفحة

العكي ، وبسر بن أبي السكسكي ، وعلقمة بن يزيد الحضرمي ، ويزيد بن أبجر العبسي ، ومسروق بن جبلةأبي سفيان ، ومحمد بن أبي سفيان ، ومحمد بن عمرو يزيد الحميري ، وعبد اهلل بن عامر القرشي ، وعتبة بن

دة بن عمرو العتبي ، والصباح بن جهلمة الحميري ، وعبداألحوص الكلبي ، ومسع بن العاص ، وعمار بن

. (1) (الرحمن بن ذى الكالم ، وتمامة بن حوشب ، وعلقمة بن حكم

على أن يكون مجتمع الحكمين بدومة الجندل ، وهو ) (2) ثم اتفق علي ومعاوية على ما يذكر الدينوريه علي مع أبي موسى شري . المنصف بين العراق والشام ح بن هانئ في أربعة آالف من خاصته وصير ووج

في مثل ذلك من أهل اهلل بن عباس على صالتهم . وبعث معاوية عمرو بن العاص وأبا األعور السلمي عبد، وانصرف (3) وانصرف علي بأصحابه حتى وافى الكوفة . الشام . فساروا من صفين حتى وافوا دومة الجندل

. ق ، ينتظران ما يكون من أمر الحكمينمعاوية بأصحابه حتى وافى دمش

إليك أمير المؤمنين ؟ ، وتأتي وكان علي إذا كتب إلى ابن عباس في أمر اجتمع إليه أصحابه فقالوا : ما كتب .. من أصحابه يسأله عن شـيء من أمره كتب معاوية إلى عمرو بن العاص فال يأتيه أحد

، قال عمرو ألبي موسى : وأين أنت من معاوية ؟ قال أبو (4) وعندما اجتمع الحكمان وتداوال في األمر . موضعا لها .. قال عمرو : ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوما ؟ قال : بلى موسى : ما معاوية

ـــــــــــــــــ

. 433، 432الدينوري ، األخبار الطوال : (1)

. 809ـ 800األخبار الطوال : (2)

من دخول الكوفة مع اإلمام ، أصروا على وقف القتال ، وقبلوا التحكيم من أصحاب اإلمام فامتنع الذين (3) . ذلك ـ على حربهم بالنهروان فيكون منهم المارقون الذي أرغموا اإلمام ـ بعد

منه ، وأن المشكلة هي وأوحى عمرو إلى رفيقه : أن موضوع خلع علي من الخالفة قد بات مفروغا (4) . على من سيخلفهاتفاقهما

696الصفحة

ولكن إن طاوعتني أحيينا سنة . قال : فإن معاوية ولي عثمان .. قال أبو موسى : إن ولى عثمان ابنه عمروهلم نجعلها للطيب ابن الطيب . قال عمرو : ياأبا موسى ال .. عمر بن الخطاب وذكره بتوليتنا ابنه عبد اهلل

نخلع هذين ه ضرسان يأكل بأحدهما ويطعم باآلخر . قال أبو موسى : أرى أناألمر إال رجل ل يصلح لهذاألنفسهم من أحبوا . قال عمرو : فقد رضيت الرجلين ـ عليا ومعاوية ـ ثم نجعلها شورى بين المسلمين يختارون

. (الناس بذلك ، وهذا الرأي الذي فيه صالح

ده عمرو أن يتقدم في الكال أنت صاحب رسول )عمرو يقول له : م عليه . وكثيرا ما كانكان أبو موسى قد عود ذلك أبو موسى ، وأراد عمرو بذلك أن يقدمه في خلع علي . فلما اتفقا على اهلل وأسن مني فتكلم وأتكلم ، وتعو

، فتكلم أعلمهم أن رأينا اتفق علي ومعاوية .. أقبال إلى الناس وهم مجتمعون . فقال عمرو : ياأبا موسى خلعأن يصلح اهلل به أمر هذه األمة . فقال عمرو : صدق وبر . أبو موسى فقال : إن رأينا اتفق على أمر نرجو

قد خدعك ، إن كنتما فتكلم . فتقدم أبو موسى ليتكلم فقال ابن عباس : ويحك إني واهلل ألظنه تقدم ياأبا موسىبعده ، فإنه رجل غادر وال آمن أن يكون قد أعطاك الرضا م تكلمقد اتفقتما على رأي فقدمه ليتكلم به قبلك ، ث

أيها الناس ، إنا قد : في الناس خالفك . وكان أبو موسى مغفال فقال : إنا قد اتفقنا . وقال بينكما ، فإذا قدمتة ، ويولى الناس أمرهم ألم لشعثها .. إال أن نخلع عليا ومعاوي نظرنا في أمر هذه األمة فلم نر أصلح ألمرها وال

ني قد خلعت عليا ومعاوية .. ثم تنحى وأقبل عمرو فقام وقال من إن هذا قد قال ما سمعتموه وخلع : أحبوا .. وا صاحبي معاوية فإنه ولي ابن عفان والطالب بدمه وأحق الناس صاحبه . وأنا أخلع صاحبه كما خلعه ؛ وأثبت

. بمقامه

693الصفحة

كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث ) موسى األشعري لعمرو : ال وفقك اهلل غدرت وفجرت . إنما مثلك قال أبووالتمس أهل الشام أبا موسى فهرب .. (كمثل الحمار يحمل أسفارا ) ، قال عمرو : إن مثلك (يلهث أو تتركه

. (1) (معاوية فسلموا عليه بالخالفة وأهل الشام إلى إلى مكة . ثم انصرف عمرو

القاسطين وبين الفرار أمام يتضح مما ذكرنا : أن رفع المصاحف حيلة دبرها عمرو بن العاص للحيلولة بينومعاوية وابن أبي معيط بأنهم ليسوا بأصحاب دين وال جيوش اإلمام ، وقد فطن اإلمام إلى ذلك ووصف عمرو

القارئ ، شيء من سيرة معاوية وابن أبي معيط ، ونود في هذه المناسبة أن ننقل إلى قد مر بنا ذكرقرآن . و

ليتبين األسس التي استند إليها علي في قبل االسترسال في موضوع التحكيم ، طرفا من سيرة عمرو بن العاص . والقرآن وصمه عمرا وصاحبيه بالبعد عن الدين

إن شانئك هو ) : اهلل فيه قول السهمي الذي كان من المستهزئين بالنبي . وقد أنزلوعمرو هو : ابن العاص . (2) (األبتر

ولما رأت قريش النبي قد امتنع بعمه وعشيرته ، )بقوله : (3) أما المستهزئون اآلخرون فقد ذكرهم ابن خلدونوالشعر ؛ يرومون على مكة ـ بالسحر والكهانة والجنونطفقوا يرمونه ـ عند الناس ممن يفد وأنهم ال يسلمونه ،

لمجاهرته بالعداوة واإليذاء ، منهم : عتبة وشيبة ابنا بذلك صدهم عن الدخول في دينه . ثم انتدب جماعة منهمالمستهزئين معيط ـ أحد المستهزئين . وأبو سفيان من المستهزئين ، والحكم بن أمية من ربيعة ، وعقبة بن أبي

. ضا أي

ـــــــــــــــــ

. 472ـ 470/ 9ابن األثير ، الكامل في التاريخ : (1)

. 10، 13/ 8ابن األثير ، الكامل في التاريخ : (2)

. 499/ 8ابن خلدون ، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر : (3)

695الصفحة

ويتعرضون له باالستهزاء واألذية موا يستهزئون بالنبيوالعاص بن وائل السهمي وابنا عمه : نبيه ومنبه . وقا . (حتى لقد كان بعضهم ينال منه بيده

الباغية أم عمرو كامرأة تلقفتها فثمة صحيفة من صحائف فجور الجاهلية تنتشر عن)أما أم عمرو بن العاص ت حقيقة نسبه بين بضعة نفر النور تهامست األلسن عن أبيه وتاه آونة مضاجع الرجال . فلما خرج ابنها إلى

؛ إذ كان أوفر ومنهم أبو سفيان . ولكن األم حزمت أمرها على أن تلصق وليدها بأول الرفيقين .. منهم العاصقد ضربت البنها أول مثل في تغليب المادة على النفر ثروة وأسخاهم عليها في اإلنفاق ، فكأنها بهذا االختيار

نه لمبدأ رضع . (1) (من ثدييها وظل يدين بناموسه مدى عمره المديد هأوثق العالقات وا

. هذا هو البيت الذي نشأ فيه عمرو بن العاص

فقد كان أشد الكفار خصومة أما مواقف عمرو نفسه من اإلسالم ـ في أوائل عهده ـ فمعروفة لدى الكثيرين ؛ : شعره للنبي يوم أحد . ويحضرنا ـ في هذه المناسبة ـ بعض

ت الحرب ينزو = شرها بالرضف نزوالما رأي

أيقنت أن الموت حق = والحياة تكون لغوا

(2) حملت أثوابي على = عتد يبذ الخيل رهوا

والتواري عن األنظار . قال عمرو ولما يئس عمرو من االنتصار على النبي في الحرب لجأ إلى الغدر والدسمن األحزاب عن الخندق جمعت رجاال من قريش كانوا يرون لما انصرفنا) : (3) ، على ما يذكر ابن هشام

ويسمعون مني . فقلت لهم : إني أرى أمر محمد يعلو األمور علوا رأيي

ـــــــــــــــــ

. 891/ 8عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : (1)

الحجارة المحماة بالنار . : ع ويثب . وأرضف. ينزو : يرتف 447/ 9ابن هشام ، سيرة النبي محمد : (2) . والرهو : الساكن ، اللين . العتد : الفرس الشديد . يبذ : يسبق

. 499/ 8سيرة النبي محمد : (3)

690الصفحة

ون عند النجاشي ، فإنا أن نك منكرا .. فأرى أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده . فإن ظهر محمد على قومنا كنان . (ظهر قومنا ، فنحن من عرفوا تحت يديه أحب ألينا أن نكون تحت يدي محمد . وا

عن تطبيق حد اهلل في عبيد اهلل وقد كان عمرو ـ كما رأينا ـ من أكبر المؤلبين على عثمان ، وهو الذي صرفهمان أن ينظر في أقبل ابن العاص على عثمان ، حين رأى عث فقد)بن عمر بن الخطاب لقتله الهرمزان .

كان ولك اهلل ... فقال له : يا أمير المؤمنين ، إن اهلل قد أعفاك أن يكون هذا الحدث االقتصاص من عبيد . (1) (على المسلمين سلطان ، إنما كان الحدث وال سلطان لك

لبيعة ، اتصل عمرو معاوية يأبى ا ولما بلغ عمرو ـ وهو بفلسطين كما ذكرنا ـ بأن الناس قد بايعوا عليا وبأن . بمعاوية وحبذ له فكرة المطالبة بدم عثمان

قصة استشارة عمرو لولديه ومن الطريف أن نذكر في هذه المناسبة : أن المؤرخين يكادون يجمعون على ذكرفقال له عبد اهلل : إن كنت )النزاع بين علي ومعاوية عبد الرحمن ومحمد ، وهو بفلسطين ، في شأن موقفه من

ن . ال بد فاعال فإلى علي أتيت قال عمرو : إني إن أتيت عليا يقول لي : إنما أنت رجل من المسلمين . وا الرأي . فقال لهما عمرو : أما معاوية يخلطني بنفسه ويشركني في األمر . وكان محمد ابنه اآلخر على هذا

ت لدنياي .. وقدم عمرو على معاوية .. يا محمد فقد اختر أنت يا عبد اهلل فقد اخترت آلخرتي . وأما أنت . (2) (خالفنا عليا لفضل منا عليه ؟ .. ال واهلل إن هي إال الدنيا نتكالب عليها وسأله : أترى أننا

ـــــــــــــــــ

ذا كان 29/ 1عبد الفتاح عبد المقصود ، اإلمام علي بن أبي طالب : (1) األمر كذلك فقد قتل عثمان . وا . الدنيا عليه وأقعدها لي سلطان على الناس فلماذا أقام عمرووليس لع

. 11ـ 19عباس محمود العقاد ، معاوية بن أبي سفيان : (2)

693الصفحة

!! وال ندري ما صلة ذلك بالمطالبة بدم عثمان

. هذا هو ممثل معاوية في التحكيم

الخليفة حين كان واليا له على الناس عن نصرةأما ممثل علي ، فهو أبو موسى األشعري الذي كان يخذل . الكوفة ، األمر الذي اضطر الخليفة إلى عزله

: ولنعد اآلن إلى موضوع التحكيم

نبيه فيما يحصل من اختالف بين فإذا نظرنا إليه من الناحية المبدئية العامة ـ أي تحكيم كتاب اهلل وسيرةوالدنيوية ـ فإن اإلمام علي ال يرضى بغير ذلك بديال ، وقد بنى وجهات نظر المسلمين في أمورهم الدينية

القرآن والسنة ، وتألب العامة ـ في السلم والحرب ومع أنصاره وأعدائه على السواء ـ وفق مستلزمات سياستهفي جميع تصرفاته . وقد مر بنا رفضه قبول الخالفة عليه خصومه ـ وهرب منه بعض أنصاره ـ لتمسكه بذلك

إياهم ثالث بجانب الكتاب والسنة ، كما مر بنا جانب من موقفه مع الناكثين ودعوته أثناء الشورى لوضع شرط . إلى تحكيم الكتاب والسنة فيما خرجوا عليه

نما اعترض على فلم يعترض اإلمام ـ إذن ـ على التحكيم الذي دعا إليه معاوية وأصحابه من حيث المبدأ ، وا رفع خصومه المصاحف على الرماح في الوقت الذي فيه والظروف التي أحاطت به . فقد الشكل الذي جاء

من أنزل نصرها المبين . ودعوا ـ كاذبين ـ إلى تحكيم القرآن الذي حاربوه ، وحاربوا كانت فيه جيوشه سائرة إلىمن الناحيتين الدينية تصرفاتهم العامة في (وسنة الرسول)عليه في الجاهلية واإلسالم ، واخترقوا نصوصه

باقتراح من ابن العاص كما ذكرنا ـ أصحابه أن يربطوا المصاحف على أطراف والدنيوية . فقد أمر معاوية ـ

أرماح يحملها خمسة القنا ، فربطت المصاحف . وأول ما ربط مصحف دمشق األعظم ، ربط على خمسة . رجال

691الصفحة

. (1) ما كان معهم . وأقبلوا في الغلسثم ربطوا سائر المصاحف ، جميع

يدروا ما هو حتى أضاء الصبح ، ونظر أهل العراق إلى أهل الشام قد أقبلوا وأمامهم شيبه بالرايات ، فلمأشهب وعلى رأسه مصحف وهو ينادي (2) السلمي على برذون فنظروا فإذا هي المصاحف . وأقبل أبو األعور

عباد اهلل أنا أحرى من أجاب إلى : فيما بيننا وبينكم . فتكلم علي وقال حكما : يا أهل العراق ، هذا كتاب اهللإل المكر ، وقد عضتهم الحرب ، واهلل لقد رفعوها وما رأيهم العمل كتاب اهلل ... إن القوم ليسوا يريدون بذلك

نما . بها (! قاتلتهم ليدينوا بحكمه وليس يسعني ـ مع ذلك ـ أن أدعى إلى كتاب اهلل فال أجيب . وكيف ! وا

(3) .

تحكيم القرآن والسنة لحسم النزاع وعندما وقف القتال ، وانصاع القاسطون ـ في الظاهر ـ إلى رأي اإلمام فيالتحكيم ، التحكيم الذي هو مبدؤه في تصرفاته كافة . استمع إليه بين المعسكرين . وافق اإلمام على قبول

يعيبه . لبغي والزور يوقعان بالمرء في دينه ودنياه ... ويبديان خلله عند منإن ا : أبي سفيان يخاطب ابنالحق فتأولوا على اهلل فأكذبهم ... وقد قد علمت أنك غير مدرك ما قضى فواته . وقد رام أقوام أمرا بغير

. (4) (ولسنا إياك أجبنا ولكننا أجبنا القرآن في حكمه . دعوتنا إلى حكم لقرآن ولست من أهله

لقد ابتالني اهلل بك وابتالك بي . فجعل) : وخاطبه ـ في موضع آخر ـ فقال

ـــــــــــــــــ

. (الناشر) الغلس : بعد العشاء اآلخرة وقبل الفجر (1)

. (الناشر) البرذون : صنف من الخيل الغير العربية (2)

. 438، 434الدينوري ، األخبار الطوال : (3)

. 441، 449/ 1الحديد ، شرح نهج البالغة : ابن أبي (4)

699الصفحة

تجن يدي ول لساني ، أحدنا حجة على الخر . فغدوت على طلب الدنيا بتأويل القرآن وطلبتني بما لم . (1) (وقائمكم قاعدكم وعصيته أنت وأهل الشام بي . وألب عالمكم جاهلكم

معاوية والظروف التي حصل ، بل التحكيم بالشكل الذي دعاه إليه فاإلمام إذن لم يعترض على مبدأ التحكيم . أوزارها اختفت عوامل ممانعة اإلمام بقوله فيها . وبعد أن زالت تلك الظروف ووضعت الحرب

ليمثله في ذلك . وقد كان غير أن اإلمام اعترض ـ بعد ذلك ـ على تعيين بعض أصحابه أبا موسى األشعريبأن الممثل يجب أن يتبنى فكرة من يمثله ـ بغض النظر يا ـ من حيث األساس ـ على القولاعتراض اإلمام مبن

هذه له القيام بواجبه على وجهه األتم ، فعمرو بن العاص خير من يمثل معاوية في عن سالمتها ـ ليتسنى . الناحية

ـ على ما يبدو ـ وقلب لى نفسهفلما أصر أصحاب الخليفة على رأيهم في تعيين أبي موسى ، رجع اإلمام إذلك ؛ ألن موضوع التحكيم سوف يسير ـ حسبما اتفق األمر على وجوهه ، فلم ير بأسا من الموافقة على

نصوص القرآن وسنة النبي حيث ينكشف ألبي موسى زيفه السابق في التخذيل عن الجانبان المتعاقدان ـ على

بينه وبين معاوية ، وهو نزاع يتصل اإلمام ـ منصبا على حسم الخالف اإلمام . وما دام موضوع التحكيم ـ برأيالخليفة القتيل ، فسوف ينظر الحكمان في القرآن والسنة فيما إذا كان ـ على ما ادعى معاوية ـ بالمطالبة بدم

حية الشرعية ـ أي من النا قد قتل مظلوما من جهة ؟ وفيما إذا كان لمعاوية الحق في المطالبة بدم عثمان عثماناألسلوب الذي اتبعه معاوية للمطالبة المذكورة ـ في حالة أنه ولي عثمان ـ من جهة ثانية ؟ وفيما إذا كان

؟ األسلوب السليم من جهة ثالثة ؟ وفيما ينبغي للخليفة أن يفعله من جهة رابعة شرعيتها ـ هو

ـــــــــــــــــ

. عثمان . واإلشارة هنا إلى مقتل 470/ 1غة : ابن أبي الحديد ، شرح نهج البال (1)

691الصفحة

. فاطمأن علي إلى ذلك كل االطمئنان

بموضوع المطالبة بدم عثمان غير أن اجتماع الحكمين قد جعل الموضوع يسير باتجاه آخر ال صلة له إطالقا وضوع التحكيم ينحصر في تعيين وألقى في روعه أن م . ابن عفان . فأغفل عمرو صاحبه ابتداء كما رأينا

فرفضه خلع علي من الخالفة قد بات أمرا مفروغا معه . فاقترح عمرو اسم معاوية خليفة جديد للمسلمين كأنفرفضه أبو موسى أيضا ، األمر الذي حدا أبو موسى كما رأينا . واقترح عمرو ـ بعد ذلك ـ اسم ابنه عبد اهلل

. وهو عبد اهلل بن عمر بن الخطاب جديد ،بأبي موسى أن يتقدم هو بمرشح

وتعيين آخر بدله ـ جعل موضوع ولما اطمأن عمرو إلى ثبوت ذلك الرأي في ذهن زميله ـ أي فكرة خلع الخليفةولما ظهر أنهما لم يتفقا على شخص معين بالذات ، طلب . البحث ينحصر في االتفاق على المرشح الجديد

والذي للخروج من ذلك المأزق الحرج الذي يتوقف عليه مصير الحكم في البالد ،حال من أبي موسى أن يقترحجديد ظنه كسبا له واندحارا لعمرو بن يرقبه المسلمون ـ بفارق الصبر ـ في كل مكان . فتقدم أبو موسى باقتراح

اإلمام أمرا متفقا معاوية بعد أن بات خلع (خلع)ما وافق عمرو على العاص . فقد خيل إليه أنه سينتصر إذافغدر به على الشكل الذي فوافق عمرو ـ في الظاهر ـ على الفكرة وأغراه بإعالنها على الناس ، ثم عاد . عليه

. وصفناه

والتدني عن مستويات األخالق وقد برز عمرو ـ في ذلك كله ـ بأبشع ما يبرز فيه الرجل من الخداع والدسومعاوية على السواء ليترك األمر للمسلمين يختارون من على خلع عليالرفيعة . فأغفل صاحبه وأغراه

أبو موسى رأيه على الناس ـ كما مر بنا ـ نهض عمرو فأكد خلع علي يشاءون . فلما أعلن

697الصفحة

تنازع علي ومعاوية على وتثبيت ابن أبي سفيان . وال ندري عالقة ذلك كله بالمطالبة بدم عثمان !! وهل !ويثبته ابن العاص ؟ فة ؟! وهل كان معاوية خليفة حتى يخلعه أبو موسىالخال

في عسكر اإلمام . فظهر ومهما يكن من شيء فقد حصل خلع اإلمام وتثبيت معاوية ، فارتاع دعاة التحكيم. وأراد وهي كلمة حق يراد بها باطل على ما ذكر الخليفة ، (ال حكم إال هلل)المارقون من الخوارج .. وقالوا :

األخرى ضد الخوارج في بادئ األمر ، ولكنه أبى عليهم ذلك وأنكره ـ كشأنه في مواقفه أصحاب علي قتالن أفسدوا قاتلناهم) : مناوئيه ـ وقال ن تكلموا حاججناهم وا . (1) (إن سكتوا تركناهم وا

الوا وتعاطوا كثيرا من الموبقات واغت بدأ المارقون نشر الفساد في المناطق التي كانوا يسكنون فيها ، فنهبواـ وخباب من خيرة الصحابة ـ وقتلوا نسوة كن مع عبد اهلل . وجعلوا فقتلوا عبد اهلل بن الخباب بن األرت)

الفساد ، فلم يكد هذا الناس ويذيعون الذعر . فأرسل إليهم علي رجال من أصحابه يسألهم عن هذا يتعرضون . ؛ فلم يجد علي بدا من مقاتلتهم في النهروان (2) (الرسول يدنو منهم حتى قتلوه

الفتنة الغليظة المظلمة .. وقد وجد اإلمام نفسه مع ذلك كله ، وأمام هذه األمور العظام ، وفي قلب هذهللدين ، وقياما بالحق ، واستقامة على الطريق المستقيمة كأحسن ما يجد الرجل نفسه : صدق إيمان ، ونصحا

نما يرى الحق فيمضي ال، ال ينحرف و إليه ال يلوي على يميل وال يداهن من أمر اإلسالم في قليل وال كثير . وا شيء وال يحفل بالعاقبة ، وال يعنيه

ـــــــــــــــــ

. 449: (علي وبنوه) 8الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (1)

. 449المصدر نفسه : (2)

614الصفحة

نما يعنيه كل العناية أن طريقه نجحا أو إخفاقا ، وال أن يجد في آخر طريقه حياة أو أن يجد في آخر موتا . وا . (1) ضميره ورضا اهلل يجد أثناء طريقه ـ وفي آخرها ـ رضا

محنة شاقة إلى أقصى ) : (2) فال عجب أن رأينا حياته بعد النهروان خاصة ، على ما يقول الدكتور طه حسينالخوارج معه بعد ذلك يعايشونه في الكوفة ، ، كان يرى الحق واضحا صريحا .. وقد ظل حدود المشقة

وينبثون في أطراف السواد بين المصريين .. وكانوا يكيدون لإلمام . يشهدون ويعايشون عامله في البصرة ،

حديث ، وهم على ذلك وال صالته ويسمعون خطبه وأحاديثه ، وربما عارضه منهم المعارض فقطع عليه الخطبةسماحه ، وأغراهم مطمئنون إلى عدله . ويأخذون تعيينهم من الفيء وحظوظهم من المال !! فأطمعهم عدله وا

. لينه وبره

أمرك وال صليت خلفك .. فلم جاء أحدهم ذات يوم ، وهو الحريث بن راشد السامي ، فقال له : واهلل ال أطعت نما دعاه إلى أنيغضب علي ذلك ولم يبطش به يناظره ويبين له وجه الحق لعله أن يثوب إليه . فقال له ، وا

الليل من الكوفة إليك غدا . فقبل منه علي فانصرف الرجل إلى قومه . ثم خرج بهم في ظلمة الحريث : أعودوديا ، فلما عن دينهما ، وكان أحدهما يه يريد الحرب . ولقي الحريث وأصحابه في طريقهم رجلين سألوهما

اآلخر فكان مسلما من الموالي ، فلما أنبأهم بدينه سألوه عن رأيه في علي أنبأهم بدينه خلوا سبيله . وأما

ـــــــــــــــــ

. 488: (علي وبنوه) 8الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (1)

. 487ـ 488المصدر نفسه (2)

. 499المصدر نفسه (3)

616فحة الص

. (1) (فقال خيرا ، فوثبوا عليه فقتلوه

اإلمام إلى تجهيز حملة واستمر الحريث وأصحابه على عبثهم وفسادهم بأرواح الناس وممتلكاتهم مما اضطرنقاذ الناس من اعتدائهم . لتأديبهم وا

نما تعداه إلى ابن فالمارق ولم يقف امتحان اإلمام عند الحد الذي وصفناه من خروج الناكثين فالقاسطين ين ، وا وكان البن عباس من العلم بأمور الدين والدنيا ، ومن المكانة ) . عباس عامله على البصرة أقرب الناس إليه

. (2) (االنحراف وفي قريش عامة ، وفي نفوس المسلمين جميعا ما كان خليقا أن يعصمه من في بني هاشم

تخالف المألوف من أمر شيء من الخير وسار في بيت المال سيرةآثر نفسه ب)ويلوح للباحث أن ابن عباس أبو األسود الدؤلي ـ شيئا من النكير فأغلظ له في علي ومن أمره هو . وكأنه أنس من صاحب بيت المال ـ وهو

على األسود بما رأى وسمع فكتب إلى علي ... فروعه ... ولكن عليا صبر نفسه القول ذات يوم . وضاق أبوبلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ...) : ما تكره ، كما تعود أن يفعل دائما .. فكتب إلى ابن عباس

وخنت المسلمين . فارفع إلي حسابك ، واعلم أن حساب اهلل أشد من ربك وخنت أمانتك وعصيت إمامكالمال ، م يتعود الرفق في أمروليس غريبا أن يكتب علي إلى ابن عباس ما كتب ، فهو ل ( .. حساب الناس

كله ، فاعتزل عمله ولكنه مع ذلك وال االدهان في أمر من أمور المسلمين .. ولكن ابن عباس أعرض عن هذا لم يستعف

ـــــــــــــــــ

. 499ص (الفتنة الكبرى . علي وبنوه)الدكتور طه حسين (1)

. 492، 490المصدر نفسه ص (2)

613الصفحة

نما أعفى نفسه وترك البصرة ، ولحق بمكة حيثإما . (ال يبلغه سلطان اإلمام مه ولم ينتظر أن يعفيه ، وا

هذا التصرف الغريب ، بل لم يكتف بما بلغ من هذه المغاضبة ، وال بما انتهى إليه من)غير أن ابن عباس نما أساء به الرعي أضاف إليه شرا عظيما لم يسوء به اإلمام وحده ، ة كلها وعامة أهل البصرة خاصة . فهو وا

نما خرج . مكة ولكنه لم يخرج منها فارغ اليدين من المال كما دخلها حين ولي عليها قد أزمع الخروج إلى وا ليس له في هذا المال حق إال مثل ما ألهل منها وقد مأل يديه بما كان في بيت المال مما ينقل . وهو يعلم أن

. (1) (البصرة جميعا فيه

وهو بين ذلك كله مصمم . على هذا النحو المر : خيانة من الوالي ، وكيدا من العدو)فمضى امتحان علي وال يداهن في دينه وال يتحول عن سياسته الصريحة قليال على خطته الواضحة ، ال يرضى الدنية من األمر ،

أو و ماض في طريقه ال ينحرف عنه إلى يمينتتابع عليه ويقفو بعضها أثر بعض ، وه وال كثيرا . والمحن . (2) (شمال

ويروى المؤرخون : أن ) وفي غمرة النضال وزحمة الصراع مع الباطل تصدى له ابن ملجم فأصاب منه مقتال ما عليا أمر من حوله أن يحسنوا إطعام ابن ملجم ويكرموا مثواه . فإن برىء من ضربته نظر ، فإما عفا وا

. (يلحقوه به وال يعتدوا : إن اهلل ال يحب المعتدين هم : إن مات أناقتص . وأمر

ـــــــــــــــــ

. 483: (علي وبنوه) 8الفتنة الكبرى ، ج (1)

. 429المصدر نفسه : (2)

615الصفحة

. القسم الثالث : بين علي ، ومعاوية

ـ الفصل السابع : مقتطفات من سيرة اإلمام 1

امن : نماذج من تصرفات معاويةـ الفصل الث 2

610الصفحة

الفصل السابع : [ مقتطفات من سيرة اإلمام ]

بكتاب اهلل وسنة رسوله فيما أشرنا في الفصول السابقة إلى كثير من الحوادث التي دلت على تمسك اإلماممه على السواء . وها وفي وقت السلم ، مع أنصاره وخصو يتعلق بتصرفاته العامة والخاصة ، في زمن الحرب

. بعض آثاره التي رواها كبار المؤرخين المسلمين نحن ننقل إلى القارئ

613الصفحة

(1)

فلسفة الحكم

ه مصر فدس له السم في الطريق أحد األشخاص تتلخص فلسفة الحكم عند اإلمام في عهده لألشتر الذي واللى القارئ ملـخص العهـد ثنابتحريض من معاوية وعمرو بن العاص كما يحد : (1) الرواة . وا

ه مصر .. أمره بتقوى هذا ما أمر به عبد اهلل أمير المؤمنين مالك بن الحارث األشتر في عهده) إليه حين وليثار طاعته واتباع ما أمر به .. في كتابه اهلل وا

ن الناس ينظرون من لك من عدل وجورثم اعلم يا مالك إني قد وجهتك إلى بالد قد جرت عليها دول قب ، وا ، ويقولون فيك ما كنت تقوله فيهم .. فليكن أحب أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه إلى أمور الولة قبلك

. الصالح الذخائر إليك : خيرة العمل

.. أشعر قلبك الرحمة للرعية .. فإنك فوقهم

وليكن أحب األمور .. ن لك فيه هوى من رعيتكأنصف اهلل وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومالرعية ؛ فإن سخط العامة يجحف برضاء إليك أوسطها في الحق ، وأعمها في العدل ، وأجمعها لرضى

ن سخط الخاصة يغتفر مع رضى .. العامة الخاصة ، وا

ألشرار وزيرا ، ومن قبلك ل وليكن أبعد رعيتك منك .. أطلبهم لمعايب الناس .. إن شر وزرائك من كانآثرهم عندك أقولهم بالحق لك .. الصق بأهل الورع شركهم في الثام فال يكونن لك بطانة .. ثم ليكن

.. ل يطروك ول يبجحوك بباطل لم تفعله والصدق ، ثم حثهم على أن

ـــــــــــــــــ

. 418، 443/ 1ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (1)

611الصفحة

اإلحسان ، وتدريبا ألهل ول يكونن المحسن والمسيء عندك سواء ؛ فإن في ذلك تزهيدا ألهل اإلحسان فينفسه ، واعلم أنه ليس شيء أدعى إلى حسن ظن وال اإلساءة على اإلساءة . والزم كال منهم ما ألزم

.. وتخفيفه المؤنات عليهم برعيته من إحسانه إليهم

تحدثن سنة تضر بشيء ض سنة صالحة عمل بها صدور هذه األمة .. وصلحت عليها الرعية . ولل تنق .. الحكماء من ماضي تلك السنن .. وأكثر مدارسة العلماء ومناقشة

فمنها : الجنود ، ومنها واعلم أن الرعية طبقات ل يصلح بعضها إل ببعض ، ول غنى لبعضها عن بعض ؛اإلنصاف وأهل الجزية والخراج من أهل الذمة ، اصة ، ومنها : قضاة العدل وعمال: كتاب العامة والخ

وأهل الصناعات ، ومنها : الطبقة السفلى من ذوى الحاجات والمسكنة . ومسلمة الناس ، ومنها : التجار .. سمى اهلل له سهمه ، ووضع على حده وفرضه في كتابه أو سنة نبيه وكل قد

.. ين الولة استقامة العدل في البالد وظهور مودة الرعيةإن أفضل قرة ع

تمحكه الخصوم .. ثم انظر اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ، ممن ل تضيق به األمور ولمحاباة وأثرة .. أسبغ عليهم األرزاق ، فإن ذلك قوة لهم على أمور عمالك فاستعملهم اختبارا ول تولهم

ثم تفقد .. أنفسهم ، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم ، وحجة عليهم إن خالفوك أمرك حاستصالالخراج بما يصلح أهله ؛ فإن في أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم .. وتفقد أمر

.. عيال على الخراج إصالحهم صالحا لمن سواهم .. ألن الناس كلهم

منهم ضيقا فاحشا ر وذوي الصناعات وأوص بهم خيرا .. واعلم مع ذلك أن في كثيرثم استوص بالتجا وذلك باب مضر للعامة وعيب على الولة ؛ وشحا قبيحا واحتكارا للمنافع وتحكما في البياعات ،

619الصفحة

. إسراف غير فامنع من الحتكار . فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به وعاقبه من

والمحتاجين .. اجعل لهم قسما من بيت ثم اهلل اهلل في الطبقة السفلى من الذين ل حيلة لهم من المساكينتصعر خدك لهم . وتفقد أمور من ل يصل إليك منهم . ففرغ ألولئك المال .. ول تشخص همك عنهم ، ول

تفرغ لهم فيه شخصك رهم .. واجعل لذوى الحاجات وقتا أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك أمو ثقتك منوأعوانك من حراسك وشرطك حتى يكلمك وتجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه .. وتعقد عنهم جندك

لن احتجاجك عن رعيتك .. مكلمهم غير متعتع .. ثم احتمل الخرق منهم والعي ونح عنهم الضيق .. ول تطونما الواليمنهم يق فالحتجاب بشر ل يعرف ما طع عنهم علم ما احتجبوا دونه .. فيشاب الحق بالباطل . وا

.. ضروب الصدق من الكذب توارى عنه الناس من األمور . وليست على الحق سمات تعرف بها

فاحسم مادة أولئك بقطع ثم إن للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف في المعاملة ،والبعيد .. وحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك باألمانة .. اب تلك األحوال .. والزم الحق من لزمه من القريبأسب

شيء الناس أشد عليه اجتماعا ـ مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم ـ من تعظيم فإنه ليس من فرائض اهلل

ياك والدماء وسفكها بغير حله ول عذر لك عند اهلل ول عندي في .. االوفاء بالعهود .. ول تغدرن بذمتك .. وا ياك واإلعجاب بنفسك والثقة .. بما يعجبك منها وحب اإلطراء قتل العمد .. وا

611الصفحة

ياك والمن على رعيتك بإحسانك .. أو أن تعدهم فتتبع موعدك ياك والعجلة باألمور قبل أوانها وا بخلفك .. وا .. فضع كل أمر موضعه ... كانهاأو التساقط فيها عند إم

البادرة وتأخير السطوة أملك حمية أنفك وسورة حدك وسطوة يدك وغرب لسانك . واحترس من كل ذلك بكف . (حتى يسكن غضبك فتملك الختيار

(2)

حرصه على بيت المال

موقفه من ولده الحسين في لقد مر بنا جانب من ذكر حرص اإلمام على أموال المسلمين عندما تحدثنا عنلى القارئ طائفة من األمثلة قضية العسل ، ومن أخيه عقيل حين قدم عليه طالبا زيادة حصته من الدقيق . وا

: األخرى في هذا الباب

وعليه خلق قطيفة وهو يرعد فيه قال هارون بن عنترة عن أبيه : دخلت على علي بالخورنق ـ وهو فصل شتاء ـواهلل : وألهلك في هذا المال نصيبا ؛ وأنت تفعل هذا بنفسك ؟ فقال ر المؤمنين ، إن اهلل جعل لكفقلت : يا أمي

. (1) (ما أرزأكم شيئا . وما هي إل قطيفتي التي أخرجتها من المدينة

لفقراء . للخصاص التي كان يسكنها ا القصر األبيض بالكوفة إيثارا )ولم ينزل اإلمام ـ على ما يحدثنا الرواة ـ والطعام . وروى النضر بن منصور ، عن عقبة بن علقمة قال : دخلت وربما باع سيفه ليشتري بثمنه الكساء

أتأكل مثل هذا بين يديه لبن حامض آذتني حموضته وكسرة يابسة . فقلت : يا أمير المؤمنين ، على علي فإذا ؟

ـــــــــــــــــ

. 200 / 9. ابن األثير ، الكامل في التاريخ : 49العقاد ، عبقرية اإلمام علي : (1)

617الصفحة

فإن ـ وأشار إلى ثيابه ـ يا أبا الجنوب ، كان رسول اهلل يأكل أيبس من هذا ، ويلبس أخشن من هذا : فقال لي . (1) (لم آخذ بما أخذ به خفت أل الحق به

من إصبهان فقسمه على قدم على علي مال)قال : وكتب ابن األثير : أن عاصم بن كليب روى عن أبيه أنه . ودعا أمراء األسباع فأقرع بينهم لينظر أيهم يعطى أوال سبعة أسهم ، فوجد فيه رغيفا فقسمه على سبعة ،

مال كثير وزقاق فيها فقدم ومعه)وذكر يحيى بن مسلمة : أن عليا استعمل عمرو بن مسلمة على إصبهان منه سمنا وعسال . فأرسل إليها ظرف عسل رسلت أم كلثوم بنت علي إلى عمرو تطلبعسل وسمن . فأ

واحضر المال والسمن والعسل ليقسم . فعد الزقاق فنقصت زقين . وظرف سمن . فلما كان الغد خرج عليإلى أم كلثوم فأخذ فأرسل . عنهما . فكتمه وقال : نحن نحضرهما . فعزم عليه إال ذكرهما له . فأخبره فسأله

بتقويم ما نقص منهما ، فكان ثالثة دراهم . فأرسل إليها فأخذها الزقين منها فرآهما قد نقصا ، فأمر التجار . .. قسم الجميع منها ! ، ثم

. قصبة على قصبة وقال سفيان : إن عليا لم يبن آجرة على آجرة ، وال لبنة على لبنة ، وال

، وكان ال يشتري لو كان عندي أربعة دراهم ثمن إزار لم أبعه : فا إلى السوق فباعه وقالوقيل : إنه أخرج سيذا اشترى قميصا قدر كمه على طول يده وقطع الباقي ، وكان يختم على الجراب الذي فيه ممن يعرفه ، وا

. (2) (ل أحب أن يدخل بطني إل ما أعلم : دقيق الشعير الذي يأكل منه ويقول

ـــــــــــــــــ

. 81عباس محمود العقاد ، عبقرية اإلمام علي : (1)

. 808ـ 800/ 9الكامل في التاريخ : (2)

674الصفحة

(3)

تواضعه وعدله

فأقبل إلى شريح قاضيه )أن عليا وجد درعا عند نصراني ـ : (1) ذكر الشعبي ـ على ما يقول ابن األثير، قال إنها درعي ولم أبع ولم أهب : صراني مخاصمة رجل من رعاياه ، وقاليخاصم الن وجلس إلى جانبه

ما الدرع إال درعي وما أمير المؤمنين : شريح للنصراني : ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين ؟ قال النصرانيأصاب : يا أمير المؤمنين ، هل من بينة ؟ فضحك علي .. وقال : بكاذب ؟! فالتفت شريح إلى علي يسأله

فقضى بالدرع للنصراني فأخذها ومشى .. وأمير المؤمنين ينظر إليه .. إال أن شريح ، ما لي من بينة ؟

أمير المؤمنين يدينني إلى .. النصراني لم يخط خطوات حتى عاد يقول : أما أنا فأشهد أن هذه أحكام أنبياء . (مؤمنينيا أمير ال قاضيه .. وقاضيه يقضى عليه ، الدرع واهلل درعك

يذكر وحرصه على إقامة العدل بين رعيته ، إذا أراد أن يشتري شيئا بنفسه ، على ما وكان اإلمام لشدة تواضعهوكان يكره أن يحابيه البائع إن . تحرى بين السوقة رجال ال يعرفه فاشترى منه ما يريد)الدكتور طه حسين

فسه إال إذا أدى للناس حقهم عليه في دينه فأقام لهم عن ن عرف أنه أمير المؤمنين ، ثم كان ال يرضىفأغناهم عن بالقول والعمل وقام على إطعام فقرائهم طعام العشاء وتحرى ذوى الحاجة منهم صالتهم وعلمهم

عبادته الخاصة مصليا مجتهدا حتى يتقدم المسألة . وكان يخلو لنفسه إذا كان الليل فينصرف عن الناس إلى . (2) (غلس بالخروج إلى المسجد يل ، فإذا أخذ بحظه من النومالل

ـــــــــــــــــ

. 202، 201 / 8الكامل في التاريخ : (1)

. 413: (علي وبنوه) 8الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (2)

676الصفحة

(4)

تحليل لسياسته العامة

ابن الخطاب كان أسوس منه فضل علي بن أبي طالب ، زعموا : أن عمراعلم أن قوما ممن لم يعرفوا حقيقة )ن كان هو أعلم من عمر ، وصرح بذلك أبو علي ابن سينا : وعلي بن أبي طالب كان مقيدا بقيود الشريعة ، وا

وافقا ؛ فلم يكن للشرع م اتباعها ، ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والكيد والتدبير إذا لم مدفوعا إلىولسنا ـ بهذا القول ـ زارين على عمر .. ولكن عمر كان تكن قاعدته في خالفته قاعدة غيره ممن يلتزم بذلك ،

ويرى تخصيص عمومات النص باآلراء واالستنباط من أصول تقضى خالف ما .. مجتهدا يعمل بالقياسوالسوط من يغلب على ظنه لة ، ويؤدب بالدرةعموم النص ، ويكيد خصمه ويأمر أمراءه بالكيد والحي يقتضيه

يستحقون به التأديب . ولم يكن علي يرى ذلك ، وكان أنه يستوجب ذلك ، ويصفح عن آخرين قد اجترموا مامساقا إلى االجتهاد واألقيسة ، ويطبق أمور الدنيا على أمور الدين ويسوق الكل يقف مع النصوص ال يتعداها

الشرع ألجل السياسة ، سواء أكانت وال يضع إال بالكتاب والنص .. ولم يكن يرى مخالفة واحدا . وال يرفعفنحو أن يتوهم اإلمام في إنسان أنه يروم فساد خالفته من غير أن : سياسته دينية أم دنيوية . أما الدنيوية

وبالقول غير المحقق . وأما همعليه يقينا . فإن عليا لم يكن يستحل قتله وال حبسه وال يعمل بالتو يثبت ذلكيعمل به ، بل يقول : إن يثبت عليه بإقرار أو بينة أقمت الدينية : فنحو ضرب المتهم بالسرقة فإنه لم يكن

ال لم . اعترضه عليه الحد وا

673الصفحة

ذا كان مذهبه ما قلناه ، وكان معاوية عنده فاسقا ، وقد سبق عنده ... هي : إن استعمال مقدمة أخرى ويقينية وا ن الفاسق ال يجوز ، ولم يكن ممن يرى تمهيد قاعدة الخالفة بمخالفة الشريعة ؛ فقد تعين مجاهرته بالعزل وا

. .. ذلك إلى الحرب أفضى

األحداث التي نقمت على .. وهو : أنا علمنا أن (على االعتراض على عزله معاوية)و]هناك[ جواب آخر وعدوانه ومخالفته أحكام الدين .. وقد خوطب عثمان في الشام مع ما ظهر من جوره عثمان .. توليته معاويةقراره فيه أليس كان يبتدئ ذلك فاعتذر .. فلو أن أول أمره بما عليا فتح عقد الخالفة له بتوليته معاوية الشام وا

، والوزر فيه مأمونا ؛ لكان الشريعة سائغا انتهى إليه عثمان في آخره ؟ .. ولو كان إقراره معاوية في حكمللمسلمين : إن أن يقول (عليه السالم)وسببا قويا للعصيان والمخالفة ، ولم يكن يمكنه غلطا قبيحا في السياسة

ن قصدي ـ بإقراره على الوالية ـ مخادعته حقيقة رأيي هي عزل معاوية عند استقرار األمر وطاعة الجمهور ، وا . .. العزم كان يتصل خبره بمعاوية فيفسد التدبير الذي شرع فيه ظهاره لهذاوتعجيل طاعته .. ألن إ

لهما في العمرة ، وذهب عنه أنه ترك طلحة والزبير حتى خرجا إلى مكة وأذن (ومما اعترض على علي به :)واهلل ما ) : . وقد روى عن علي أنه قال لهما (في عهد عمر) الرأي في ارتباطهما قبله ، ومنعهما من البعد عنه

نما تريدان الغدرة فهما باهلل من التسرع إلى الفتنة . وأخذ عليهما عهد اهلل وميثاقه في (تريدان العمرة وا وخو

؛ ألنه لو أظهر التهمة لهما ، الرجوع إلى المدينة . وما كان يجوز له في الشرع أن يحبسهما وال في السياسةفي ذلك من التنفير عنه ما ال يخفى ومن الطعن عليه ما هو ين ، لكانوهما من أفضل السابقين وجلة المهاجر

.. معلوم

675الصفحة

. (1) (ال سيما وأن طلحة كان أول من بايعه ، والزبير لم يزل مشتهرا بنصرته

(5)

بعض أقواله المأثورة

فالبصير صره ويعلم أن الدار وراءها ،ل يبصر مما وراءها ، والبصير ينفذها ب الدنيا منتهى بصر األعمى ـ 1 . (2) متزود منها شاخص واألعمى إليها شاخص ، والبصير مـنها متزود واألعـمى لها

حقه وعند غير أهله إل محمدة اللئام وثناء األشرار ومقالة الجهال ما دام ليس لواضع المعروف في غير ـ 2

. منعما عليهم

ول أكثر من دي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق ول أظهر من الباطلإنه سيأتي عليكم من بع ـ 3 . من المنكر الكذب على اهلل .. ول في البالد شيء أنكر من المعروف ول أعرف

ذا أدبرت عنهم سلبتهم محاسن أنفسهم إذا أقبلت الدنيا على قوم ـ 4 . أعارتهم محاسن غيرهم ، وا

ن عشتم حنوا إليكم خالطوا الناس مخالطة إن ـ 5 . متم معها بكوا عليكم ، وا

. جاع ، واللئيم إذا شبع احذروا صولة الكريم إذا ـ 6

. هلك في رجالن : محب غال ومبغض قال ـ 7

الضراء .. لهم بكل طريق صريع احذروا أهل النفاق فإنهم الضالون المضلون .. يمشون الخفاء ويدبون ـ 8

.

ـــــــــــــــــ

. 129ـ 199/ 8، شرح نهج البالغة : ابن أبي الحديد (1)

. الحديد البن أبي (شرح نهج البالغة)هذا القول وما بعده من األقوال مأخوذة من (2)

670الصفحة

لى كل قلب شفيع ، ولكل شجو دموع ، يتقارضون الثناء ويتراقبون الجزاء ن ع . وا ذلوا إن سألوا ألحفوا ، وا ن حكموا أسرفوا . وقد أعدوا لكل حق باطال ، ولكل قائم مائال ، ولكل حي قاتال ، ولكل باب كشفوا ، وا

. ولكل ليل مصباحا مفتاحا ،

يعمل به في السر ويستحى احذر كل عمل يرضاه صاحبه لنفسه ويكره لعامة المسلمين . واحذر كل عمل ـ 9 . أنكره أو اعتذر منه احذر كل عمل إذا سئل صاحبهمنه في العالنية . و

. فاعل الخير خير منه ، وفاعل الشر شر منه ـ 10

. الصبر صبران : صبر على ما تكره ، وصبر عما تحب ـ 11

وليكن تأديبه بسيرته قبل من نصب نفسه للناس إماما فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، ـ 12 . لسانهتأديبه ب

ها أبغض الخرة وعاداها إن الدنيا والخرة عدوان متفاوتان ، وسبيالن مختلفان ، فمن أحب الدنيا ـ 13 وتول . كلما قرب من واحد بعد من الخر . وهما بمنزلة المشرق والمغرب وماش بينهما

. صاحب السلطان كراكب األسد يغبط بموقعه وهو أعلم بموضعه ـ 14

. من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته ـ 15

تحري العدل ، وهما يشبهان العدل صورة واحدة والجور صور كثيرة ؛ ولهذا سهل ارتكاب الجور وصعب ـ 16ن اإلصابة تحتاج إلى ارتياض وتعهد ، والخطأ ل يحتاج إلى شيء من اإلصابة في الرماية والخطأ فيها . وا

. ذلك

فتحت له حرصا عليها ولهجا فإن الدنيا مشغلة عن غيرها ، ولم يصب صاحبها منها شيئا إلأما بعد ، ـ 17 . بها

673الصفحة

إقبال ... اضرب بصرك حيث شئت من لقد أصبحتم في زمن ل يزداد الخير فيه إل إدبارا والشر فيه إل ـ 18 .. ، أو غنيا بدل نعمة اهلل كفرا ، أو بخيال اتخذ البخل بحق اهلل وفرا الناس ، فهل تبصر إل فقيرا يكابد فقرا

بالمعروف التاركين له ، والناهين عن أو متمردا كأن بأذنه عن سمع المواعظ وقرا .. لعن اهلل المرين . المنكر العاملين به

وخفتهم على دينك ، فاترك لى دنياهميا أبا ذر : غضبت هلل فارج من غضبت له . إن القوم خافوك ع ـ 19عليه ، فما أحوجهم إلى ما منعتهم ، وما أغناك عما في أيدهم ما خافوك عليه ، واهرب منهم بما خفتهم

! منعوك

ن قلب المنافق من وراء لسانه ؛ ألن المؤمن ـ 20 إذا أراد أن يتكلم بكالم إن لسان المؤمن من وراء قلبه ، وا ن كانتدبره في نفس ن المنافق يتكلم بما أتى على لسانه ، ل يدري ه ، فإن كان خيرا أبداه ، وا شرا واراه . وا . عليه ماذا له وماذا

. واهلل ما معاوية بأدهى مني ، ولكنه يغدر ويفجر ـ 21

: وصية له للحسن كتبها إليه بحاضرين من صفين ومن ـ 22

يدرك ، السالك سبيل من قد هلك .. تاجر هر ... إلى المولود المؤمل ما لمن الوالد الفان .. المستسلم للدالشهوات . أوصيك بتقوى اهلل أي بني ولزوم أمره . وأمر بالمعروف تكن الغرور ، وغريم المنايا .. وصريع

لحق حيث كان . الغمرات ل أهله ، وأنكر المنكر بيدك ولسانك .. ول تأخذك في اهلل لومة لئم .. وخض من

د نفسك التصبر على المكروه وأخلص في المسألة لربك .. . واعلم : أنه ل خير في . وتفقه في الدين . وعو .. ينتفع بعلم ل يحق تعلمه علم ل ينفع ، ول

671الصفحة

ن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي ، فقد نظرت في أعمالهم في أخبارهم ، وسرت ، وفكرت أي بني : إني وا لهم إلى آخرهم ، فعرفت في آثارهم حتى عدت كأحدهم ، بل كأني بما انتهى إلى من أمورهم قد عمرت مع أو

والقتصار كدره ، ونفعه من ضرره . اعلم يا بني أن أحب ما أنت آخذ به وصيتي تقوى اهلل صفو ذلك من . على ما فرضه اهلل عليك

أو اكره له ما تكره ، لنفسك ك ميزانا فيما بينك وبين غيرك ، فأحبب لغيرك ما تحبيا بني ، اجعل من نفسأن يحسن إليك . واستقبح من نفسك ما تستقبحه لها . ول تظلم كما ل تحب أن تظلم . وأحسن كما تحب

ن قل ما تعلم من غيرك . وارض من الناس بما . ترضاه لهم من نفسك ، ول تقل ما ل تعلم وا

هارب .. فكن منه على حذر واعلم أنك إنما خلقت لآلخرة ل للدنيا .. وأنت طريد الموت الذي ل ينجو منهياك أن تغتر بما ترى من إخالد أهل الدنيا إليها وتكالبهم عليها .. فإنما أن يدركك وأنت على حالة سيئة . وا

طريق عزيزها ذليلها .. سلكت بهم الدنياوسباع ضارية يهر بعضها على بعض ويأكل أهلها كالب عاوية . العمى ، فتاهوا في حيرتها .. ونسوا ما وراءها

ن كان واقفا ن .. واعلم يا بني أن من كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به وا وأكرم نفسك عن كل دنية وا إل بعسر ؟! .. وتالفيك ما فرط من ينال إل بشر ؟! ويسر ل ينال ساقتك إليه الرغائب ... وما خير خير ل

. الفجور أيسر من إدراكك ما فات من منطقك .. والحرفة مع العفة خير من الغنى مع صمتك

والمقاربة .. وعند جرمه على احمل نفسك من أخيك عند صرمه على الصلة ، وعند صدوده على اللطفياك أن .. لك في غير موضعهتضع ذ العذر ، حتى كأنك له عبد .. وا

كانت أم قبيحة . ولن ل تتخذ من عدو صديقك صديقا ، فتعادي صديقك ، وامحض أخاك النصيحة حسنة . لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك

679الصفحة

.. ما إن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع إليها إن بدا له ذلك يوما

.. عند الحاجة والجفاء عند الغنىما أقبح الخضوع

تنفعه العظة إل إذا بالغت في استدل على ما لم يكن بما قد كان ، فإن األمور أشباه ، ول تكونن ممن ل . والبهائم ل تتعظ إل بالضرب إيالمه ، فإن العاقل يتعظ بالداب ،

(6)

ما ينطبق عليه من آي الذكر الحكيم

ديقين والشهداء ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم ) : سورة النساء الله عليهم من النبيين والص

الحين وحسن أولئك رفيقا . (والص

ل إن الذين قالوا ربنا الله ثم اس ) : سورة فصلت عليهم المالئكة أل تخافوا ول تحزنوا وأبشروا تقاموا تتنز

أنفسكم ولكم الحياة الدنيا وفي الخرة ولكم فيها ما تشتهي بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في . (فيها ما تدعون

. (فإن الجنة هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى) : سورة المنازعات

671الصفحة

[ : الفصل الثامن ]

نماذج من تصرفات الخليفة الجديد

تلك التصرفات ـ كما الحظ اه خصومه وأتباعه معا ، وكان طابعلقد مر بنا نماذج من تصرفات معاوية تجوتوزيع المناصب على األتباع ، أي أن سياسة معاوية كانت القارئ ـ الغدر واإليقاع بالخصوم ، وبذل المال

ادلة الغايات نبيلة ع انتهازية تسير على المبدأ القائل : بأن الوسائل تبررها الغايات ، ولو كانت سياسة وصولية

مجال أمام الباحث للدفاع عنها ، ولكنها ـ كما رأينا ـ تهدف إلى توزيع العدل االجتماعي بين الناس لكان هناكالبعيد تحطيم غرضها الظاهر التوصل إلى الحكم بمختلف األساليب والوسائل . وهدفها أهداف شخصية نفعية

. األخالقروح اإلسالم والقضاء على مثله العليا في السياسة و

فاستولى على خالفة المسلمين ، وقد نجح معاوية ـ مع األسف الشديد ـ فيما كان يتوق إلى التوصل إليه ،للمسلمين والعرب هذا التراث االجتماعي البغيض وهذه العصبية وسار بها وفق أهوائه ومصالحه ، وخلف

. لحاضروالقبلية المجرمة التي نكتوي بنارها في الوقت ا الطائفية

لى القارئ نماذج أخرى من تصرفات ابن أبي سفيان ؛ سقناها لغرض موازنتها بتصرفات ابن أبي طالب ، وا التدهور الذي أصاب نظام الحكم في اإلسالم ، وقديما قيل : ليرى القارئ الفرق الكبير بين الرجلين ، ومدى

. األشياء وبضدها تتميز

677الصفحة

(1)

عدي مأساة حجر بن

وأصحابه دخلت سنة إحدى وخمسين وفيها قتل حجر بن عدي)قصة حجر وأتباعه فقال : (1) ذكر ابن األثيرإحدى وأربعين . فلما أمره عليها دعاه ؛ وسبب ذلك : أن معاوية استعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة

بصرك ، ولست تاركا إيصاءك بخصلة : ال أنا تاركها اعتمادا على وقال : قد أردت إيصاءك بأشياء كثيرةبشيعة عثمان علي وذمه ، والترحم على عثمان ، والعيب ألصحاب علي واإلقصاء لهم ، واإلطراء تترك شتم

. واإلدناء لهم

اهلل ولعن . أنا أشهد أن من تذمون فأخذ المغيرة يشتم عليا .. فإذا سمع ذلك حجر بن عدي قال : بل إياكم ذموأصحابه . فكان حجر يناديه بقوله : مر لنا أيها اإلنسان فضل . وقد حبس المغيرة أرزاق حجرأحق بال

نفسه . وجمع زياد من حبستها عنا وليس ذلك لك . ثم توفي المغيرة وولي زياد فاستمر على الفعل بأرزاقنا فقدن يكون الشهود أكثر من أربعة ، إني ألحب أ : أصحاب عدي اثنا عشر رجال في السجن وأحضر شهودا وقال

كبير ، منهم : إسحاق وموسى ابنا طلحة بن عبيد اهلل ، والمنذر بن الزبير ، فدعا الناس ليشهدوا فشهد جمع

حجر الحضرمي وكثير بن وعمار بن عقبة بن أبي معيط . ثم دفع زياد حجر بن عدي وأصحابه إلى وائل بنفلما بلغوا الغريين لحقهم شريح بن هاني وأعطى وائال ، فخرجوا عشية ، شهاب وأمرهما أن يسيرا بهم إلى الشام

: وكانوا أمير المؤمنين . فأخذه . وساروا حتى انتهوا بهم إلى مرج عذراء عند دمشق ، كتابا فقال : ابلغه

ـــــــــــــــــ

. 893ـ 899/ 9الكامل في التاريخ : (1)

344الصفحة

وصيفي بن فسيل الشيباني لكندي ، واألرقم بن عبد اهلل الكندي ، وشريك بن شداد الحضرمي ،حجر بن عدي اوعاصم بن عوف البجلي ، وورقاء بن سمي البجلي ، وقبيصة بن ضبيع العبسي ، وكريم بن عفيف الخثعمي ،

.. حوية السعدي العنزيين ، ومحرز بن شهاب التميمي ، وعبد اهلل بن ، وكدام بن حسان ، وعبد الرحمن

الهمداني . فتموا أربعة عشر رجال وأتبعهم برجلين هما : عتبة بن األخنس من سعد بن بكر ، وسعد بن نمران

.

شهادتي وأن شهادتي على حجر ودفع وائل إلى معاوية كتاب شريح بن هاني . فإذا فيه : بلغني أن زيادا كتب (والعمرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، حرام الدم والمال الحجأنه ممن يقيم الصالة ويؤتي الزكاة ويديم

.

: مأساة ابن عدي وصحبه على الشكل التالي (1) وروى الطبري

يقال له : صيفي بن فسيل ، من جاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد فقال له : إن شخصا منا من بني همام)إليه زياد فأتي به ، فقال له زياد : يا عدو اهلل ، ما تقول فبعثرءوس أصحاب حجر وهو أشد الناس عليك ،

قال : فذاك أبو . قال : ما أعرف أبا تراب . قال : أما تعرف علي بن أبي طالب ؟ قال : بلى في أبي تراب ؟الشرطة : يقول لك األمير : هو أبو تراب ، تراب . قال : كان ذاك أبو الحسن والحسين . فقال له صاحب

ن كذب : األمير ! أتريد أن أكذب ؟! وأشهد له على باطل كما شهد ؟! قال له زياد وتقول أنت : ال ؟! قال : وا

أحسن قول أنا قائله في عبد من : وهذا أيضا مع ذنبك ؟!! علي بالعصا . فأتي بها ، فقال : ما قولك ؟ قال . عباد اهلل المؤمنين

ـــــــــــــــــ

. 411ـ 413/ 7م والملوك : تاريخ األم (1)

346الصفحة

اقلعوا عنه . فسأله : : قال : اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلتصق باألرض . فضرب حتى لزم األرض . ثم قالبالمواسي والمدى ما قلت إال ما سمعت مني . قال : لتلعننه أو إيه ما قولك في علي . قال : واهلل لو شرحتني

وشقيت أنت . قال : ل : إذا تضربها واهلل قبل ذلك ! فإن أبيت إال أن تضربها رضيت باهللقا . ألضربن عنقك . السجن ادفعوا في رقبته . ثم قال : أوقروه حديدا والقوه في

لفقها حكام المسلمين آنذاك ويستمر الطبري على سرد تلك المأساة فيروي لنا قصة شهادة الزور الكبرى التيعليه أبو بردة بن أبي موسى هلل رب العالمين : شهد أن حجر هذا ما شهد)ر من المسلمين : على هؤالء النف

المؤمنين معاوية وفارق الجماعة . وجمع إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة وخلع أمير بن عدي خلع الطاعةهدوا . أما واهلل ألجهدن على قطع مثل هذه الشهادة فاش ، وكفر باهلل عز وجل كفرة صلعاء . فقال زياد : على

. فشهد رءوس األرباع على مثل شهادته .. وكانوا أربعة . خيط عنق الخائن األحمق

عليهم الكتاب . فقام أول الناس ثم إن زيادا دعا الناس فقال : اشهدوا على مثل شهادة رءوس األرباع ، فقرأفي الشهود (عناق): أبدءوا بأسامي قريش ثم اكتبوا اسم زياد : بن أبي دهم التيمي .. فقال عناق بن شرحبيل

سماعيل بن ويعرفه أمير المؤمنين . فشهد : إسحاق بن طلحة بن عبيد اهلل ، وموسى بن طلحة ومن نعرفه ، وا وعبد الرحمن بن هناد ، وعمر بن سعد بن أبي طلحة ، والمنذر بن الزبير ، وعمارة بن عقبة بن أبي معيط ،

أمية ، ومحرز بن ربيعة بن عبد العزى وعامر بن مسعود بنوقاص ،

343الصفحة

أبي دهم ، ووائل بن حجر بن بن عبد شمس ، وعبيد اهلل بن مسلم بن شعبة الحضرمي ، وعناق بن شرحبيلعبد اهلل بن حصين ، والسرى بن وقاص الحضرمي ، وكثير بن شهاب بن حصين الحارثي ، وقطن بن

عمله ـ والسائب بن األقرع الثقفي ، وشبث بن ربعي ، وعبد اهلل بن أبي كتبت شهادته وهو غائب فيالحارثي ـ و المنذر بن الحارث بن وغلة الثقفي ، ومصقلة بن هبيرة الشيباني ، والقعقاع بن شور الدهلي ، وشداد بن عقيل

ن عطارد التميمي ، ومحمد بن الحجاج الزبيدي ، ولبيد ب الذهلي .. وحجار بن أبجر العجلي ، وعمرو بن ، وسويد بن عبد الرحمن التميمي ، وأسماء بن خارجة الفزاري ، وشمر بن ذي عمير بن عطارد التميمي

عائدة قريش ، والهيثم بن الجوشن العامري ، وشداد ومروان ابنا الهيثم الهالليان ، ومحصن بن ثعلبة منبن قيس األسدي ، والحارث وشداد ابنا األزمع الهمدانيان ، رحمناألسود النخعي ـ وكان يعتذر إليهم ـ وعبد ال

وقدامة بن يزيد الجعفي ، وعبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي ، وزحر بن قيس الجعفي ، وكريب بن سلمة بن . العجالن األزدي ، وعزرة بن عزرة األحمسي

وكثير بن شهاب الحارثي ن حجر الحضرميوكتبت شهادة هؤالء الشهود في صحيفة ثم دفعها زياد إلى وائل بالشهود شريح بن الحارث القاضي وشريح بن هاني ، وبعثهما عليهم ، وأمرهما أن يخرجا بهم . وكتب في

فقال : سألني عن حجر فأخبرته أنه كان صواما قواما . وأما شريح بن هاني الحارثي . فأما شريح القاضي

فمضوا بهم حتى انتهوا إلى .. ولقد بلغني أن قد كتبت شهادتي فأكذبته ولمته الحارثي فكان يقول : ما شهدت ، . فقال لكثير : بلغ كتابي هذا أمير المؤمنين . الغريين فلحقهم شريح بن هاني معه كتاب

345الصفحة

ليك بشهادتي أن زيادا كتب إ ودفع وائل بن حجر كتاب شريح بن هاني فقرأه فإذا به : أما بعد ، فإنه بلغنين شهادتي على حجر أنه ممن يقيم الصالة ويؤتي الزكاة ويديم الحج والعمرة ويأمر على حجر بن عدي ، وا

. (المنكر ، حرام الدم والمال بالمعروف وينهى عن

شداد الحضرمي ، وصيفي حجر بن عدي وشريك بن)وأما من قتل من أصحاب حجر فهم كما يقول الطبري : بن شهاب السعدي ثم المنقري ، وكدام بن حيان اني ، وقبيصة بن ضبيعة العبسي ، ومحرزبن فسيل الشيب

. (1) (العنزي الذي رد إلى زياد فدفن حيا العنزي ، وعبد الرحمن بن حسان

: وقد رثت هند بنت زيد بن مخرمة األنصارية حجرا

= تبصر هل ترى حجرا يسير ترفع أيها القمر المنير

يسير إلى معاوية بن حرب = ليقتله كما زعـم األمير

= توقتك السالمة والسرور أل يا حجر ، حجر بن عدي

= وشيخا في دمشق له زئير أخاف عليك ما أرضى عديا

يرى قتل الخيار عليه حقا = له من شر أمته وزير

ة المنكرة التي استباح فيها أمير من أمراء هذه المأسا) : (2) وهكذا انتهت ، على ما يقول الدكتور طه حسينيشهدوا عليهم الناس على معارضة ال إثم فيها ، وأن يكره وجوه الناس وأشرافهم على أن المسلمين أن يعاقب

رضا ... استباح أمير من أمراء المسلمين لنفسه زورا وبهتانا ، وأن يكتب شهادة القاضي على غير علم منه والاهلل البدع واستباح إمام من أئمة المسلمين أن يقضى بالموت على نفر من الذين عصم استحل هذههذا اإلثم ، و

. (دماءهم ، دون أن يراهم أو يسمع لهم أو يأذن لهم في الدفاع عن أنفسهم

ـــــــــــــــــ

. 411/ 7تاريخ األمم والملوك : (1)

. 819: (علي وبنوه) 8الفتنة الكبرى ، ج (2)

340الصفحة

(2)

نماذج أخرى من غدر معاوية

مؤامرة قتل األشتر في طريقه لقد مر بنا اإللماع إلى بعض حوادث غدر معاوية بخصومه ، وبخاصة تدبيرهبن علي بعد الصلح المعروف الذي عقد بين الطرفين . ولم إلى مصر . ولعل أبرز تلك الحوادث غدره بالحسن

نما ذهب إلى تدبير مؤامرة قتل الحسنبذل يكتف معاوية بالنكث . ك العهد ، وا

كان معاوية وذكر أن امرأة الحسن جعدة بنت األشعث بن قيس الكندي سقته السم ، وقد) : (1) قال المسعودي . (دس لها

كبر أن عبد اهلل بن العباس وفد على معاوية فقال : واهلل ، إني لفي المسجد إذ) : (2) وذكر المسعودي كذلكبن نوفل بن عبد المناف ـ معاوية في الخضراء فكبر أهل الخضراء .. فخرجت فاختة بنت قرظة بن عمرو

سرك اهلل يا أمير المؤمنين ، ما هذا الذي بلغك : وهي زوج معاوية بن أبي سفيان ـ من خوخة لها فقالتالرحمن ه في قضية تدبيره مؤامرة قتل عبدوفعل معاوية شيء مشابه لما ذكرنا (الحسن فسررت به ؟ قال : موت

. بن خالد بن الوليد

ـــــــــــــــــ

. 909/ 8مروج الذهب ومعادن الجوهر : (1)

. 909/ 8المصدر نفسه : (2)

343الصفحة

(3)

إلحاقه زياد بن أبية بأبي سفيان

شهد عنده زياد ن ـ أبيه ـ وذلك في سنة أربعين ،ولما هم معاوية بإلحاق زياد بأبي سفيا) : (1) ذكر المسعوديالعوام أن أبا سفيان أخبر أنه ابنه ... ثم الزبير بن بن أسماء الحرمازي ، ومالك بن ربيعة السلوي ، والمنذر بن

أبي سفيان شهادة أبي مريم السلولي . وكان أخبر الناس ببدء األمر ، وذلك أنه جمع بين زاده يقينا إلى ذلكبالطائف ، تؤدى الضريبة إلى الحارث ية أم زياد في الجاهلية على زنا ، وكانت سمية من ذوات الراياتوسم

تنزل فيه البغايا بالطائف وخارجا عن الحضر في محلة يقال لها حارة بن كلدة ، وكانت تنزل في الموضع الذي . (... البغايا

سفيان قدم علينا بالطائف ريم السلولي : أشهد أن أباقال أبو م)ثم ذكر المسعودي نص شهادة االستلحاق : فأتيته وقلت : لم أجد إال جارية الحارث بن كلدة : سمية . فقال : وأنا خمار في الجاهلية ، فقال : أبغني بغيا ،

ورسوله معاوية ، قضى اهلل على ذفرها وقذرها . فقام يونس بن عبيد أخو صفية موالة سمية فقال : يا ائتني بها . (الولد للعاهر .. مخالفة لكتاب اهلل : أن الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وقضيت : أن

: الحكم في ذلك من شعر ويستطرد المسعودي في ذكر هذه القصة الطريفة فيروى ما قاله عبد الرحمن بن أم

أل أبلغ معاوية بن حرب = مغلغلة عن الرجل اليماني

وك عف = وترضى أن يقال : أبوك زاني ؟أتغضب أن يقال : أب

ـــــــــــــــــ

. 948ـ 940/ 8مروج الذهب ومعادن الجوهر (1)

341الصفحة

من زياد = كرحم الفيل من ولد األتان فاشهد أن رحمك

خوته يقول خالد النجاري : وفي زياد وا

العجب نافعا وأبا = بكرة عندي من أعجب إن زيادا و

خلقوا = من رحم أنثى مخالفي النسب إن رجال ثالثة

ابن عمه عربي يقول ، و ذا = مولى ، و هذا ذا قرشي فيما

فلما ورد الكتاب على زياد قام فخطب)ظروف قصة االستلحاق على الوجه التالي : (1) ويروى ابن أبي الحديد

علي وبعث بكتاب معاوية في رأس النفاق يهددني ، ثم كتب إلىالناس وقال : العجب من ابن آكلة األكباد و إن معاوية كالشيطان الرجيم يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن : كتابه .. وكتب له اإلمام

فلما قتل علي ، بقى زياد في عمله وخاف معاوية جانبه وعلم صعوبة ناحيته . ... شماله فاحذره ثم احذره

النعمة واستدعيت النقمة ... ال أم ق من مماألته الحسن ... فكتب إليه : ... أما بعد : فإنك عبد قد كفرتوأشفال لك ، بل ال أب لك . يا ابن سمية ! إذا أتاك كتابي هذا فخذ الناس بالطاعة والبيعة وأسرع اإلجابة .. وا

زمارة ، تمشي حافيا ن ال أوتي بك إال فيبأضعف ريش ونلتك بأهون سعي . وأقسم قسما مبرورا أ اختطفتك ... عبدا ، وأردك إلى حيث كنت فيه وخرجت منه من أرض فارس إلى الشام ، حتى أقيمك في السوق ، وأبيعك

.

إن ابن آكلة األكباد وقاتلة : فلما ورد الكتاب على زياد غضب غضبا شديدا وجمع الناس وصعد المنبر ، وقالورئيس األحزاب . ومن أنفق ماله في إطفاء نور اهلل ، كتب إلى الخالف ، وسر النفاق ،أسد اهلل ، ومظهر . سحابة جفل ال ماء فيها يرعد ويبرق عن

ـــــــــــــــــ

. 98ـ 72/ 1شرح نهج البالغة : (1)

349الصفحة

: ثم نزل ، وكتب إلى معاوية

ويتعلق بأرجل الضفادع .. ولوال يق يغطيه الموج فيتشبث بالطحلبلقد وصل إلي كتابك .. فوجدتك كالغر ..ن كنت ابن سمية فأنت ابن جماعة . أما زعمك حلم ينهاني عنك .. ألثرت لك مخازي ال يغسلها الماء .. وا

. ، فهل سمعت بذئب أكله خروف أنك تخطفني بأضعف ريش

به . قال المغيرة : .. إن زيادا ى المغيرة بن شعبه فخالفلما ورد كتاب زياد على معاوية غمه وأحزنه وبعث إلالطفته المسألة ، وألنت له الكتاب ، لكان لك أميل وبك أوثق رجل يحب الشرف والذكر وصعود المنابر ، فلو

: وأنا الرسول . فكتب معاوية ، فاكتب إليه

وقطعت رحمي .. حتى قت قرابتيإلى زياد بن أبي سفيان .. حملك سوء ظنك بي وبغضك لي على أن عق ..وبينك . أطلب بدم ابن العاص وأنت كأنك لست أخي وليس صخر بن حرب أباك وأبي . وشتان ما بيني

. تقاتلني

فرفع إليه الكتاب . فجعل يتأمله فرحل المغيرة بالكتاب حتى قدم فارس ، فلما رآه زياد قدمه وأدناه ولطف به ،وقال : لقد نظرت في أمور الناس منذ قتل عثمان .. فوجدتهم .. عد المنبرويضحك . ثم جمع الناس .. وص

. عيد يذبحون كاألضاحي في كل

: وكتب كتاب الجواب إلى معاوية

.. حسبا الحمد هلل الذي عرفك الحق وردك إلى الصلة . ولست ممن يجهل معروفا وال يغفل

جمع من الناس وصعد المنبر اد وقد قدم عليه من الشاموروى المدائني قال : لم أراد معاوية استلحاق زيأهل البيت في زياد ، فمن كان عنده شهادة فليقم بها .. فقام واصعد زيادا معه ، ثم قال : إني قد عرفت نسبنا

حما ، فأتاني فاشتريت له ل السلولي وكان خمارا في الجاهلية فقال : إن أبا سفيان قدم علينا بالطائف أبو مريم وخمرا وطعاما ،

341الصفحة

. ذيلها فدخلت معه فلما أكل قال : يا أبا مريم ، اصب لي بغيا . فخرجت فأتيت بسمية .. تجر

العدوي ، وكان شيخا مكفوفا ذا لسان وروى شيخنا أبو عثمان : أن زيادا مر ، وهو والي البصرة ، بأبى العريانهذه الجلبة ؟ قالوا : زياد بن أبي سفيان . قال : واهلل ما ترك أبو عريان : ماوعارضة شديدة ، فقال أبو ال

الكالم زيادا ، وقال قائل له إال يزيد ومعاوية وعتبة وعنبسة وحنظلة ومحمدا ، فمن أين جاء زياد : فبلغ سفيانإن ابن عمك زيادا األمير قد بمئتي دينار ! فقال له رسول زياد : : لو سددت عنك فم هذا الكلب ، فأرسل إليه

أبو العريان . فقال : الغد في موكبه . فوقف عليه وسلم . وبكى مئتي دينار .. ثم مر به زياد من أرسل إليك : فبلغ ذلك معاوية فكتب إلى أبي العريان . ما يبكيك ؟ قال : عرفت صوت أبي سفيان في صوت زياد

لونتك أبا العريان ألوانا ما ألبثتك الدنانير التي بعثت = أن

أمسى إليك زياد في أرومته = نكرا فأصبح ما أنكرت عرفانا

لله در زياد لو تعجلها = كانت له دون ما يخشاه قربانا

: فلما قرئ كتاب معاوية على أبي العريان قال : أكتب جوابه يا غالم

فيان تنساناأحدث لنا صلة تحيا النفوس بها = قد كدت يا ابن أبي س

أما زياد فقد صحت مناسبه = عندي فال أبتغي في الحق بهتانا

(1) من يسد خيرا يصبه حين يفعله = أو يسد شرا يصبه حيثما كانا

ورحم اهلل الحسن البصري فقد هـ ، أي قبل أن ينتصف القرن ] األول [ على وفاة النبي ، 17وقد تم ذلك سنة معاوية لو لم يكن فيه منهن إال واحدة لكانت موبقة : أربع خصال كن في)ي : كان يقول فيما يروى الطبر

الفضيلة ؛ األمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو انتزاؤه على هذه

ـــــــــــــــــ

. 90ـ 72/ 1ابن أبي الحديد ، شرح نهج البالغة : (1)

347الصفحة

الولد : وادعاؤه زيادا ، وقد قال رسول اهلل واستخالفه ابنه بعده سكيرا وخميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، . (1) (؛ وقتله حجر بن عدي للفراش وللعاهر الحجر

(4)

أقواله المأثورة

كفيتك الشد قال : يا بني ، إنيلما مرض معاوية مرضه الذي مات فيه دعا ابنه يزيد ف : (2)ـ ذكر أبن األثير 1رقاب العرب ، وجمعت لك ما لم يجمعه والترحال ، ووطأت لك األمور ، وذللت لك األعداء ، وأخضعت لك

ني لست أخاف عليك أن ينازعك في هذا األمر إال أربعة نفر من قريش : الحسين بن علي ، وعبد اهلل أحد . وا قد وقدته العبادة . فإذا بد الرحمن بن أبي بكر . فأما ابن عمر ، فإنه رجلوعبد اهلل بن الزبير ، وع بن عمر ،

فإنه رجل خفيف ولن يتركه أهل العراق حتى يخرجوه .. . لم يبق أحد غيره بايعك . وأما الحسين بن علي ،

وأما الذي . فإن رأى أصحابه صنعوا شيئا صنع مثله ، وليس همه إال في النساء واللهو وأما ابن أبي بكر ،فذاك ابن الزبير . فإن هو فعلها بك يجثم لك جثوم األسد ويراوغك مراوغة الثعلب فإن أمكنته فرصة وثب ،

. (3) (فظفرت به فقطعه إربا إربا

ـــــــــــــــــ

. 812: (علي وبنوه) 8الدكتور طه حسين ، الفتنة الكبرى ، ج (1)

. 870، 813/ 9الكامل في التاريخ : (2)

كان قد مات قبل معاوية . وقيل يذكر بعض الرواة ـ ومنهم ابن األثير نفسه ـ أن عبد الرحمن بن أبي بكر (3)ن معاوية أحضر الضحاك بن قيس ، ومسلم بن عقبة المري ، : إن يزيد كان غائبا من مرض أبيه وموته ، وا

. إلى يزيد ابنهعنه رسالته التي ذكرناها في المتن فأمرهما أن يؤديا

364الصفحة

وقلم أظفاره فأخذت قالمته فجعلتها ـ قال معاوية لما حضرته الوفاة : إن رسول اهلل كساني قميصا فحفظته ، 2القميص واسحقوا تلك القالمة وذروها في عيني وفمي فعسى اهلل أن في قارورة . فإذا مت فألبسوني ذلك

. (1) ببركتها يرحمني

معاوية : يا ابن مسعدة ، رحم اهلل أبا الطبري بأسانيده المختلفة عن أبي مسعدة الفزاري قال : قال لي ـ ذكر 3الدنيا ابن حنتمة ـ أي عمر ـ فأرادته الدنيا ولم يردها . وأما عثمان فأصاب من بكر لم يرد الدنيا ولم ترده . وأما

. (2) وأصابت منه ، وأما نحن فتمرغنا فيها

بين الناس وألسنتهم ما لم رجل لمعاوية فأكثر ، فقيل له : أتحلم عن هذا ؟ فقال : إني ال أحول ـ أغلظ 4 . (3) يحولوا بيننا وبين ملكنا

فدخل يوما ومعه بديح ، ومعاوية واضع رجال على . (5) عبد اهلل بن جعفر على الغناء (4) ـ الم معاوية 5 . ! فتغنى فحرك معاوية رجليه وقال : إن الكريم طروب لبديح : إيها رجل ، فقال عبد اهلل

: ـ قام معاوية خطيبا ـ بعد أن دس السم لألشتر ـ فقال 6

ـــــــــــــــــ

بقالمة ظفر النبي وال يحافظ . ومما يلفت النظر حقا أن يحتفظ معاوية 870/ 9الكامل في التاريخ : (1) !! على سنته

فقد تضجعتها ظهرا لبطن أما أنا ،). وفي رواية أخرى : 427/ 7تاريخ األمم والملوك : الطبري ، (2) . (وانقطعت إليها فانقطعت لي

. 429/ 7الطبري ، تاريخ األمم والملوك : (3)

. 422، 429/ 7المصدر نفسه : (4)

ذكروه من جاللة قدره وتوثيقه . لما هذا الحديث مخالف لما عليه المؤرخون من قداسة عبد اهلل بن جعفر (5) (الناشر) . البر ، وأسد الغابة البن األثير .. وغيرها راجع : تاريخ الطبري ، واالستيعاب البن عبد

366الصفحة

. (1) أما بعد ، فإنه كانت لعلي يمينان فقطعت إحداهما بصفين وقطعت األخرى اليوم

إال خرجت منه ، قال لغ من عقلك ؟ قال : ما دخلت في شيء قطـ سأل معاوية عمرو بن العاص : ما ب 7 . (2) معاوية : لكنني ما دخلت في شيء قط وأردت الخروج منه

ذا أرخوها 8 . (3) شددتها ـ لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت ! إذا شدوها أرخيتها وا

نما أعيأ ويقول : واهللـ جاء في الطبري : أن معاوية كان يأكل في اليوم سبع مرات 9 . (4) ما أشبع وا

فقال له : ما بقى مما تستلذه ؟ . ـ روى الواقدي : أن عمرو بن العاص دخل يوما على معاوية بعد ما كبر 10الثياب فقد لبست من لينها وجيدها حتى وهى بها جلدي ، فما أدري فقال : أما النساء فال إرب لي فيهن . وأما

شيء ألذ عندي من شراب ا الطعام فقد أكلت من لذيذه وطيبه حتى ما أدري أيه ألذ وأطيب . فماوأم . أيها الين . (5) يدورن حولي بارد في يوم صائف ومن أن انظر إلى بني وبني بني

ـــــــــــــــــ

. . ويقصد بذلك عمار بن ياسر واألشتر 91العقاد ، معاوية بن أبي سفيان : (1)

. 99مصدر نفسه : ال (2)

. 28المصدر نفسه : (3)

. 487المصدر نفسه : (4)

. 498المصدر نفسه : (5)

363الصفحة

(5)

معاوية في الميزان

نها ألهون من ذلك إذا جاوز األمر كل شيء في الحياة اإلنسانية هين إذا هان الخلل في موازين اإلنسانية . وا إلى النقيض . فمن الناس من يحب أن تتغلب المنفعة على انقالبها من النقيضالخلل إلى انعكاس األحكام و

المنزهة الفضيلة ... ألنه يرجع إلى طبيعته فيشعر بحقارتها إذا غلبت مقاييس الفضائل الحقيقة أو علىوال يقدر على بمقاييس المثل العليا فيلوم نفسه والحقائق الصريحة ، وألنه يكره أن يدان الناس أو تقاس األعمال

. نقيصتها أو في طبيعتها التي ال فكاك منها التماس المعذرة لها في

حقيقتها . إنه يتعصب في وليس أبغض إلى اإلنسان من احتقاره لنفسه ، وليس أحب إليه من اعتذاره لها عنه ، وارتفاع االضطرار إلى اإلقرار بسبق السابقين ل كل شعور يدفع به النقص ويمهد به العذر وينفى به

نه نه . ليعترف بالجهل إذا استطاع أن يدعي لنفسه تعلة يسمو بها على أهل المعرفة المرتفعين عليه . وا وا نه ليعترف بالرذيلة إذا بخديعة من (مستواه)ليعترف بالعجز إذا استطاع أن ينزل بالقادرين إلى خداع النفس . وا

ذوو الفضائل البينة ... ويكفى أن ينسب إلى العظيم المثالي بها عليه استطاع أن يلوث الفضيلة التي يمتازوالجفوة بينه وبين ذلك األعمال التي ال يقدر عليها النهاز وال يسعى إليها ليشعر النهاز باالختالف عمل من

طريقين : أحدهما غريب يصغره في نظر نفسه ، العمل العظيم المثالي ... ويضطره إلى ذلك وقوفه بينذا لم يرجح من أخبار فترة النزاع بين علي ومعاوية بعد مقتل عثمان إال . مألوف يطرقه كل يومواآلخر الخبر وا الراجح

365الصفحة

يتم به الترجيح بين كفتي عن لعن علي على المنابر بأمر معاوية ، لكان فيه الكفاية إلثبات ما عداه مما . الميزان

مكان وبكل لسان ، ر المساجد ال يكف عن كسب الحمد لنفسه في كلفإن الذي يعلن لعن خصمه على مناباألموال على األعوان ومن يرجى منهم العون ، لكان ولو لم يرد من أخبار تلك الفترة إال أن معاوية كان يغدق

سكات القادحين فيه لعن خصمه على المنابر . كافيا لإلبانة عما صنعه لكسب الثناء عليه وا

المادحين والقادحين ومن ال يمدحون األموال المبذولة لتغيير الحقائق في هذه الفترة تفيض بها كتبولكن أخبار للسيوطي عن اإلمام أحمد بن حنبل أنه سأل أباه عن علي ومعاوية ؟ "تاريخ الخلفاء"وال يقدحون . جاء في

رجل قد حاربه وقاتله وا ، فجاءوا إلىأن عليا كان كثير األعداء ، ففتش له أعداؤه عيبا فلم يجد فقال : اعلم . (1) فأطروه كيادا منهم له

الشام حصة معاوية ، واآلخر ال وقتل عثمان فانقسمت الرقعة اإلسالمية قسمين : أحدهما ال خالف فيه ، وهو.. وقد تدخل مصر فيها حينا وتخرج منها أكثر األحايين وفاق فيه ، وهو حصة علي من الحجاز والعراق ،

فيما يريد كلها على علي , وكانت أحوال الملك كلها مع معاوية ، مواتية له ، محيطة به فكانت أعباء الخالفة . .. وفيما ال يريد

... هرقل وكسرى كان الناس مع علي ينظرون إلى سنة الرسول . وكان الناس مع معاوية ينظرون إلى

ـــــــــــــــــ

41، 48، 44، 3الميزان : مقتطفات من كتاب العقاد ، معاوية بن أبي سفيان فيهذه الفقرة وما يليها (1)ـ 809، 434ـ 421، 428، 424، 441ـ 448، 94، 90، 13، 12، 92، 91، 49، 47،

801 .

360الصفحة

وية . فكان علي يكبح تيارا ومعا فكان المجتمع اإلسالمي مجتمعين .. افترقا غاية افتراقهما في النزاع بين عليوكان معاوية يركب ذلك التيار رخاء سخائهم بغير مدافعة وبغير . جارفا ال حيلة في السير معه وال في دفعه

عليها في موازين آخر من أسباب الولع بالحديث عن الدهاء أنه أصبح كفؤا للشجاعة أو راجحا حيرة ... وسببوجد العزاء ـ وفوق العزاء ـ بشهرة الدهاء . رجل من رجالهم بقلة الشجاعةالصفات االجتماعية . فإذا عيب

غير وعزاء وغطاء للخوف والجبن .. لقد كانوا يطلقون الدهاء على كل وسيلة فالدهاء عندهم مزية وضرورة

. صريحة يبلغ بها صاحبها مأربه

احتال بمثل هذه الحيلة على قيس بن ه . وقدوأبرع ما برع فيه معاوية من ألوان الدهاء إلقاء الشبهة بين خصوموحيلة أخرى ال نجزم بها ولكننا نشير إليها في مكانها مما رواه . سعد حتى أوقع الريبة منه في نفس اإلمام

الحسن ، ومات مالك الوسائل الخفية التي توسل بها معاوية للغلبة على خصومه ومنافسيه .. ومات الرواة عنجميعا بغير علة ظاهرة فسبق إلى الناس ظن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وعوجلوا بن األشتر .. ومات

. صاحبها من كان له نفع عاجل بتدبيرها ، وهو : معاوية كاليقين أنها غيلة مدبرة ، وأن

ة . فإذا وال تقوم على حركة واحد لقد علم المراقبون لطبائع الحيوان أن المطاردة عنده تقوم على حركات متتابعةذا لمح الحيوان من خصمه أنه يجفل منه أخذ في ذا عدا خصمه أمامه أخذ في العدو وراءه . وا الهجوم . وا

ينتظر مقاومة تمادى في صرعه وافتراسه . وقد دخل حجر بن عدي على معاوية ومعاوية أدركه ولم يجد منه منه صدمة يتبعها حذر

363الصفحة

زالت معه الحواجز األخريات ، ولم ما دخل حجر محييا له باإلمارة وزال الحاجز األوللواجب الحلم واألناة ، فلالخليقة قد أوشكت أن تبرز في طوية معاوية من وعيه الباطن يعلم الرجل أين يكون الوقوف . ونظن أن هذه

. إلى وعيه الظاهر

كثير من عامة الناس ... يصبر عليهاوقد صبر معاوية على ألوان من الخضوع في طلب وجاهته السياسية ال إلى سعيد بن سويد ـ : ما قاتلتكم لتصوموا وال لتصلوا وال واحتاج أن يقول مرة ـ كما جاء في الطبري مستندا

. ولكن إنما قاتلتكم ألتأمر عليكم ... لتحجوا وال لتزكوا

فاتخذ مقتله ذريعة للخروج على ل عثمانثم نشبت الفتنة الوبيلة في خالفة عثمان ، ومعاوية بمعزل منها . وقتنكار بيعته . وأسرف كل اإلسراف في التذرع بهذه الذريعة قبل استقالله بالخالفة . فما كان له من اإلمام وا

اللهج بهذه به غير مقتل عثمان يردده في كل حديث وفي كل خطاب وفي كل جواب . وعلى قدر مسوغ يتعلليعد إليها قط ال ليعتذر إلى قرابة الخليفة المقتول لخالفة سكت عنها وأغفلها بعد ذلك فلمالفاجعة قبل استقالله با

غفاله . من سكوته وا

والحلية الغالية ، وكان يأكل ويشرب وكان معاوية عظيم العناية بأطايب الخوان ، كثير الزهو بالثياب الفاخرةع واللهو وال يكتم طربه بين خاصة صحبه . وقد ويأنس للسما في آنية الذهب والصحاف المرصعة بالجوهر

بالضرائب إنفاق المال في أبهة الملك واإلغداق على األعوان والخدم إلى إرهاق الرعية ألجأته الحاجة إلى . من يجيبه معترضا ومخالفة العهود مع أصحاب الجزية . فكان من الوالة من يطيعه ومنهم

الذي كتب إليه زياد يأمره أال ى األموال لبيت مال الخليفة : والى خراسانومن الوالة الذين أنكروا أن تستصفني وجدت يقسم في الناس ذهبا وال فضة ، فكتب الوالي إلى زياد : بلغني ما ذكرت من كتاب أمير المؤمنين وا

قبل كتاب كتاب اهلل تعالى

361الصفحة

.. أمير المؤمنين

وأربعين هجرية بعام الجماعة ألنها من المؤرخين الذين سموا سنة إحدى وليس أضل ضاللة وال أاجهل جهال ، فلم يشاركه أحد فيها ؛ ألن صدر اإلسالم لم يعرف سنة تفرقت فيها السنة التي استأثر فيها معاوية بالخالفة

ذ كانت خطة ؛ إ تفرقت في تلك السنة ، ووقع فيها الشتات بين كل فئة من فئاتها كما وقع فيها األمة كما . التفرقة بين الجميع معاوية في األمن والتأمين قائمة على فكرة واحدة ، وهي

بالموالي .. ولم يقصر هذه الخطة على ضرب خصومه ببعضهم .. كضرب الشيعة بالخوارج ، والعربن هذه التفرقة من غير السفيانيين . وواضح م واليمانية بالقيسية .. بل كان يفعل ذلك في صميم البيت األموي

والنكاية في معاملتهم جميعا .. ألنه كان يغري بعضهم ببعض فيستغنى بالوقيعة أنه كان يكف يده عن البطش

يكن من قسوتها . وكان يختار لها بينهم عن اإليقاع بهم ، ولكنه ـ على هذا كله ـ كان يؤيد سياسة اإليقاع مهمافي شرورها وبقائها . وال يبالى أن يأخذ البريء بذنب األثيم ، وال أن دمن الوالة من يعلم أنه يفرط فيها وال يقتص

. بالقريب قصاصا من البعيد ينكل

صولته وعزه فقد كان يذل لكل ذي وخرج معاوية من الملك باأليام التي قضاها في نعمته وثرائه وال نقول فيعامة في أمر الملك فأمر جسيم ال تعادله جسامة مثله . أما تبعته ال بيعة منشودة ذال لم يصبر من بايعوه على

غيره لخف نصيبه عصره ؛ ألنه نكص بالملك خطوات ... ولو أنه أنشأ هذا الملك والناس ال يعرفون عمل فيبين ولي األمر الذي يتخذ الحكم خدمة للرعية ... من اللوم ... غير أن الناس عرفوا في زمانه فارقا شاسعا

سنة المساومة ويملى لصاحبه في البذخ والمتعة ويجعله قدوة لمن يقتدون به في يجري علىوبين الحكم الذي

. السرف والمغاالة بصغائر الحياة

369الصفحة

(6)

ما ينطبق على تصرفاته من القرآن

بالقسط من الناس فبشرهم يقتلون الذين يأمرون النبيين بغير حق و إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون ) ـ . (88، 84آل عمران : ) (لهم من ناصرين الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والخرة وما بعذاب أليم * أولئك

غافلون * أولئك مأواهم الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا قاءنا ورضوا بالحياة إن الذين ل يرجون ل ) ـ . (2، 9يونس : ) (النار بما كانوا يكسبون