341
ا ذ ش ن ي ح ا ري ل ا ن م ار ب خ ا ن ي ح ل صا ل ا

برنامج المكتبة الشاملة - ://books.islamway.net/1/549_shazaaalreyhin... · Web viewطبيب القلوب يقول ابن رجب الحنبلي تلميذه: ((وكان

  • Upload
    others

  • View
    2

  • Download
    1

Embed Size (px)

Citation preview

برنامج المكتبة الشاملة - http://www.shamela.ws

شذا الرياحين

من

أخبار الصالحين

المؤلف: أبو مالك محمد بن حامد بن عبد الوهابالناشر: الناشر الدولي - القاهرةالطبعة: الأولى 1428هـ - 2007عدد الأجزاء: 1

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين , محمد بن عبد الله , وعلى آله وأصحابه الطيبين الأخيار , ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.ثم أما بعد .....فقد قال الإمام أبو حنيفة النعمان - فيما نقله عنه محمد بن الحسن الشيباني- كما في تذكرة السامع والمتكلم (ص50): " الحكايات عن العلماء أحبُّ إليَّ من كثيرٍ من الفقه , لأنها آداب القوم وأخلاقهم ".وصدق الله العلي العظيم القائل في محكم آياته: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يوسف/111.وهذه العبرة لنا كي نأتسي بهم , ونقتفي آثارهم , ونتشبه بهم حتى وإن لم نكن مثلهم.فجاء هذا الكتاب بشئ من سير القوم , وأخبارهم , وبعض أقوالهم,وقصصهم, ولم أقتصر فيه على الرجال فقط , بل ختمته بذكر طرف من أخبار الصالحات العابدات القانتات , لعل في ذلك شحذٌ للهمم, والدفع نحو السير لله عز وجل.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

(1/3)

الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء

قال عبد الله بن محمد: خرجت إلى ساحل البحر مرابطًا وكان رابطنا يومئذعريس مصر. قال: فلما انتهيت إلى الساحل فإذا أنا ببطيحة , وفى البطيحة خيمة فيهارجل قد ذهبت يداه ورجلاه , وثقل سمعه وبصره , وماله من جارحة تنفعه إلا لسانه ,وهو يقول ((اللهم أوزعني آن أحمدك حمدًا , أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها على ,وفضَّلتني على كثير ممن خلقت تفضيلا))قال الأوزاعى: قال عبد الله: قلت: والله لآتينَّ هذا الرجل , ولأسألنَّه أنَّى له هذا الكلام. فهمٌ أم علمٌ أم إلهامٌ أُلهم؟ فأتيت الرجل فسلمت عليه , فقلت: سمعتك وأنت تقول: ((اللهم .... تفضيلا)) فأيُّ نعمة من نعم الله عليك تحمده عليها , وأي فضيلة تفضل بها عليك تشكره عليها؟قال: ما ترى ما صنع ربى؟! والله لو أرسل السماء عليّ نارًا فأحرقتني, وأمر الجبال فدمَّرتني , وأمر البحار فأغرقتني , وأمر الأرض فبلعتني , ما ازددتُ لربى إلا شكرًا , لما أنعم علي من لساني هذا , ولكن يا عبد الله إذ أتيتني , لي إليك حاجة , قد تراني على أيّ حالة أنا , أنا لستُ أقدر لنفسي على ضر ولا نفع , ولقد كان معي بنيٌّ لي يتعاهدنى في صلاتي , فيوضيني وإذا جعت أطعمني , وإذا عطشت سقاني , ولقد فقدتهُ منذ ثلاثة أيام فتحسَّسه لي رحمك الله.فقلتُ: والله ما مشى خلق في حاجة خلق , كان أعظم عند الله أجرًا ممن يمشى في حاجة مثلك , فمضيت في طلب الغلام , فما مضيتُ غير بعيد , حتى صرت بين كثبان من الرمل, فإذا أنا بالغلام قد افترسه سَبعٌ

(1/4)

وأكل لحمه , فاسترجعتُ وقلت: أنَّى لي وجه رقيق آتى به الرجل؟! فبينما أنا مقبل نحوه , إذ خطر على قلبي ذكر أيوب النبي - عليه السلام - فلما أتيته سلمت عليه , فردَّ على السلام , فقال ألستَ بصاحبي؟ قلت: بلى قال: ما فعلت في حاجتي؟ أنت أكرمُ على الله أم أيوب النبي؟ قال: بل أيوب النبي. قلت: هل علمت ما صنع به ربُّه؟ أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده؟ قال: بلى.قلت: فكيف وجده؟ قال: وجده صابرًا شاكرًا حامدًا. قلت: لم يرض منه ذلك حتى أوحش من أقربائه وأحبائه؟ قال: نعم قلت: فكيف وجده ربُّه؟ قال: وجده صابرًا شاكرًا حامدًا. قلت: فلم يرض منه بذلك حتى صيَّره عَرَضًا لمارّ الطريق, هل علمت؟ قال نعم: قلت: فكيف وجده ربُّه؟ قال صابرًا شاكرًا حامدًا , وأوجز رحمك الله. قلت له: إن الغلام الذي أرسلتني في طلبه وجدته بين كثبان الرمل , وقد أفترسه سبع فأكل لحمه , فأعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر. فقال المبتلى: الحمد لله الذي لم يخلق من ذرّيتي خلقًا يعصيه , فيعذبه بالنار , ثم استرجع , وشهق شهقة فمات, فقلت: إنّا لله وأنا إليه راجعون , عظمت مصيبتي , رجل مثل هذا وإنْ تركته أكلته السباع , وإن قعدت , لم أقدر على ضر ولا نفع. فسجيته بشملة كانت علي , وقعدت عند رأسه باكيًا , فبينما أنا قاعد إذ تهجم على أربعة رجال , فقال: يا عبد الله , ما حالك؟ وما قصتك؟ فقصصت عليهم قصتي وقصته , فقالوا لي أكشف لنا عن وجهه , فعسى أن نعرفه.فكشفتُ عن وجهه , فانكبَّ القوم عليه , يقبّلون عينه مرة , ويديه مرة

(1/5)

أخرى , ويقولون: بأي عين طالما غُضّتْ عن محارم الله , وبأي جسم طالما كان ساجدًا والناس نيام. فقلت: من هذا يرحمكم الله؟ هذا أبو قلابة الجرمي , صاحب ابن عباس كان شديد الحب لله وللنبي - صلى الله عليه وسلم -.فغسَّلناه وكفَّنَّاه بأثواب كانت معنا , وصلَّينا عليه ودفناه , فانصرف القوم وانصرفتُ إلى رباطي , فلما أن جنَّ علي الليل , وضعت رأسي , فرأيته فيما يرى النائم في روضة من رياض الجنة , وعليه حُلَّتان من حلل الجنة , وهو يتلو الوحي (يسَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد: 24).فقلت: ألست بصاحبي؟ قال: بلى.قلت: أنَّى لك هذا؟ قال: إن لله درجات لا تُنال إلا بالصبر عند البلاء, والشكر عند الرجاء , مع خشية الله - عز وجل - في السر والعلانية. [الثقات , لابن حبان (5/ 502)]

يا أمَّهْ , اقْتَحِمِي. , فإنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِهذه قصة امرأة علم الرسول - صلى الله عليه وسلم - عملها عندما عُرِج به إلى السموات العلا في ليلة الإسراء , فقد تنسم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في عروجه نسمات طيبة هبت عليه , فسأل جبريل عن مصدرها , فأخبره أن هذه الرائحة الطيبة تنبعث من ماشطة ابنة فرعون ومن أولادها.كانت المرأة تعيش في قصر الملك , وكانت تعنى بابنته , فتمشط شعرها , وتقوم على أمرها, ومن كان هذا عمله لا بد أن يكون مكرمًا معززًا مرفهًا , ولكن الإيمان غزا قلبها , وملك عليها أمرها. ,كما غزا قلب الملكة زوجة فرعون , وقد كتمت هذه المرأة إيمانها؛ كما كتمه زوجة فرعون ,

(1/6)

وكتمه مؤمن آل فرعون (tوَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ) غافر: من الآية28 , ولكن مهما حاول المرء أن يكتم ما يجرى في أعماق نفسه , فلا بد أن تدل عليه تصرفاته , وسمته , وحركاته , وقد حصل هذا لهذه المرأة الصالحة , فقد سقط منها المدري - المشط- عندما كانت تُسَرِّح لابنة فرعون شعرها , فقالت: بسم الله.وعجبت ابنة فرعون لمقالتها , وكانت جاهلة مغترة بأبيها , تعتقد فيه ما ادعاه زورًا وكذبًا من الألوهية والربوبية , فقالت لها مستفهمة: أبى؟ فقالت: ربى ورب أبيك الله.عند ذلك قالت لها: أخبره بذلك؟ تسألها مهددة إن كانت توافق على إخبارها أباها الملك بإيمانها بالله , وخروجها عن ألوهية الملك فقالت: نعم.وأخبرت الفتاة المغرورة أباها الجبار الطاغية بما كان من شأن ماشطتها, فدعاها واستعلم منها , فصدقته القول , وأن الله ربها وربه.فما كان من ذلك الطاغية إلا أن استعمل وسيلة من الوسائل التي كان قد أعدها لمن يخرجون عن ألوهيته وربوبيته , فقد جاء بأداة مصنوعة على شكل بقرة , فأُشعلت تحتها النار حتى حميت , ثم أمر أن تلقى وأولادها في جوف تلك البقرة النحاسية , بعد أن أصبحت فرنًا ذا حرارة شديدة هائلة.فطلبت منه طلبًا وهو أن يجمع بقاياها المحترقة وبقايا أولادها في ثوب, ثم تدفن بقايا الأجساد المحترقة , وقد وعد بتحقيق مطلبها.أمر الطاغية برمي أولادها في جوف ذلك الأتون المشتعل واحدًا في إثر

(1/7)

واحد قبل أن يقذف بها فيه , ولعله أراد أن ترجع عن دينها , وهى ترى كيف تفعل النار بهم قبلها ولعله أراد أن يزيد من عذابها برؤيتها أولادها يحترقون بين يديها , فالمرأة رقيقة في طبعها , ولذا تؤذيها رؤية المناظر البشعة , كالإحراق بالنار وسفك الدماء , ويزيد من ألمها أن يكون الذين يعذبون ويقتلون هم أولادها. , فالأم في هذه الحال يتصدع قلبها وتنفطر مرارتها , ولكن هذا الموقف الذي وقفته , وهذا الصبر والتجلد الذي تحلت به يدل على ذلك المستوى الإيماني الذي بلغته تلك المرأة, ولذا لم يكن عجبًا أن يفوح عطرها وعطر أولادها وشذاهم هناك في السموات , وأن يجده الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويلفت نظره في رحلته إلى السموات العلا , وأن يعلم خبرها في تلك الرحلة , إنها عظيمة عند الله , فبمقدار هونها على فرعون وجنده عظمت عند الله وملائكته.وقد أخبرنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أن تلك المرأة رق قلبها وتألمت ألماً شديدًا عندما جئ بابنها الرضيع ليقذف به في النار , وأكثر ما تكون المرأة شفقة ورقة عندما يصاب ابنها الرضيع بما يؤذيه في هذا السن , فكأنها تقاعست وفكرت بالنكوص , فثبتها الله بابنها , فأنطقه الله لها ليزيد إيمانها , ويدلل لها على صدق موقفها , فقال لها: يا أمه اقتحمي؛ فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة.وهنا لم تنتظر منهم أن يقذ يفوها في النار , بل اقتحمت بنفسها النار , وألقت بها في ذلك الأتون المستعر.ولا شك أن رائحة جسدها المحترق وأجساد أولادها كانت تفوح , شأنها شان اللحم عندما يوضع في الفرن فيشيط ويحترق. , ولذلك كان من

(1/8)

إكرام الله لها أن جعل لها عطرًا مميزًا يفوح في السموات.هذه قصة ماشطة ابنة فرعون , والتي رواها أحمد في مسنده؟ , عن عبد الله بن عباس- رضى الله عنهما - , قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لما كانت الليلة التي أسرى بي فيها أتت علي رائحة طيبة , فقلت: يا جبريل , ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها.قال قلت: وما شأنها؟ بينما هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم إذا سقطت المدري من يديها , فقالت بسم الله. فقالت لها ابنة فرعون أبى؟ فقالت لا , ولكن ربى ورب أبيك الله. فقالت: أخبره بذلك؟ قالت نعم. فأخبرته , فدعاها , فقال: يا فلانة , إن لكي ربًا غيري؟ قالت نعم , وربى وربك الله. لأمر ببقرة من نحاس , فأحميت , ثم أمر بها آن تلقى هي وأولادها فيها, قالت له: إن لي إليك حاجة. قال: وما حاجتك؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفنا.قال: ذلك لك علينا من الحق.قال: فأمر بأولادها فألقوا ببن يديها واحدًا واحدًا إلى أن انتهى ذلك إلي صبي مرضع وكأنها تقاعست من أجله , قال: يا أمه , اقتحمي , فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة, فاقتحمت. [أخرجه أحمد 3/ 309].

الموتُ يجمَعها مع ولَدِهَا في دارِ النَّعيمأبو قدامة الشامي , كان رجلاً قد حُبب إليه الجهاد والغزو في سبيل الله , فلا يسمع بجهادٍ بين المسلمين والكفار ولا بغزو في سبيل الله إلا وسارع وجاهد مع المسلمين هناك.

(1/9)

جلس أبو قدامة يوماً في الحرم المدني , فسأله سائل فقال: يا أبا قدامة حدثنا بأعجب ما رأيتَ من أمر الجهاد والغزو.فقال أبو قدامة: إني لمحدثكم عن ذلك , خرجتُ مرة مع أصحاب لي إلى الرّقة لنقاتل بعض المشركين فى الثغور. قال: فلما نزلت فى الرقة أشتريتُ منها جملاً أحمل عليه سلاحي ووعظت الناس فى مساجدها وحثتهم على الجهاد فى سبيل الله والإنفاق لنصرة الإسلام. قال: فلما تكلمت فى بعض مساجدها , ثم جنَّ علي الليل أكتريتُ منزلاً أبيت فيه , فلما ذهب بعض الليل فإذا بباب المنزل يطرق علي.قال: فعجبتُ عجباً شديداً. مَنْ هذا الذى يطرق علي الباب؟: فأنا رجلٌ غير معروف فى هذه البلاد. قال: فلما فتحت الباب وأنا رجل فإذا بامرأة متحصنة عفيفة قد تلفعت بجلبابها , فلا ترى منها شيئاً , قال: فلما رأيتها فزعتُ منها , وقلت: يا أمة الله ما تريدين؟ رحمك الله! قالت لي: أنت أبو قدامة؟ قلت: نعم. قالت: أنت الذى جمعت المال اليوم للثغور. قلت نعم. قال: فلما سمعت منى ذلك دفعت إلي رقعة وخرقة مشدودة ثم انصرفت باكية.قال: فعجبت والله من أمرها , ثم نظرت فى الرقعة فإذا مكتوب فيها: يا أبا قدامة إنك قد دعوتنا اليوم للجهاد وأنا امرأة لا أستطيع الجهاد ولا قدرة لي على ذلك ولم أجد مالاً أزودك به لتذهب به إلى المجاهدين , فقطعت أحسن ما فيّ , فهما ضفيرتاي ثم صنعتُ منه شِكالاً - حبلاً - يربط بها الفرس وأنفذتها إليك لتجعلهما قيد فرسك لعل الله تعالى إذا رأى شعري قيد فرسه فى سبيله أن يغفر الله تعالى لى وأن يدخلنى الجنة.

(1/10)

قال أبو قدامة: فعجبت والله من حرصها وبذلها لكل ذلك فى سبيل الله وشدة شوقها إلى المغفرة والجنة , مع أنها صنعت أمراً غير مشروع فى الدين: أن تقص شعرها بهذه الطريقة لكن شوقها إلى الجنة غلبها على ذلك.قال: فجعلتُ هذه الخرقة فى بعض متاعي , ثم لم أصبحنا , وصلينا الفجر خرجتُ أنا وأصحابى من الرقة فلما بلغنا حصن مسلمة بن عبد الملك فإذا بفارس يصيح وراءنا , ويقول: يا أبا قدامة .. يا أبا قدامة قف عليّ يرحمك الله.قال: فقلت لأصحابى: تقدموا أنتم عنى , وأنا أرجع أنظر فى خبر هذا الفارس , فلما رجعت إليه بدأني بالكلام , وقال: الحمد لله الذي لم يحرمني صحبتك , ولم يردني خائباً إلى أهلى.قال: فقلت لله ما تريد رحمك الله؟قال: أريد الخروج معكم للقتال.قال: فقلت له: اسفرْ عن وجهك , فإنْ كنتَ كبيراً يلزمك القتال قبلتك, وإن كنتَ صغيراً لا يلزمك الجهاد ردتك.قال: فكشف اللثام عن وجهه , فإذا بوجهٍ كمثل القمر , وإذا هو شاب غلام عمره سبعة عشرة سنة.فقلت له: يا بنى عندك والد؟قال: لا, قد قتله الصليبيون , وأنا خارج أقاتل الذين قتلوا أبى.فقلت له: أعندك والدة؟

(1/11)

فقال: نعم.فقلت: ارجع إلى أمك فأحسن صحبتها , فإنك إذا أحسنت صحبتها فإن الجنة تحت قدمها.قال: أبو قدامة: فتعجب منى.وقال: سبحان الله! أما تعرف أمى؟قلت له: لا والله ما أعرف أمك.فقال: أمى هى صاحبة الوديعة.قلت: أي وديعة؟قال: أمى هى صاحبة الشِكَال.قلت: أي شِكَال؟قال: يا سبحان الله ما أسرع ما نسيت , أما تذكر المرأة التي أتت إليك البارحة , ثم أعطتك الكيس والشِكَال , الحبل الذى تربط به فرسك.قال أبو قدامة: قلت , بلى ما خبرها؟قال: تلك والله أمي , أمرتني أن أخرج إلى الجهاد , وأقسمتْ علي ألا أرجعُ إليها وقالت يا بُني إذا لقيتَ الكفارَ فلا تولهم الأدْبَار , وهَبْ نفسك لله,واطلب مجاورة الله ومُسَاكنة أبيك وأخو أمك في الجنة , فإذا رزقك الله الشهادة فاشفع في , ثم ضمتني إلى صدرها ورفعتْ بصرها إلى السماء , وقالت: إلهي: سيدي ومولاي, هذا ولدى وريحانة قلبي وحمرة فؤادي سلمته إليك فقرَّبه من أبيه وأخواله.

(1/12)

ثم قال أبو قدامة: فعجبت والله من هذا الغلام , ثم عاجلني الغلام بقوله: فسألتك بالله ياعمّ ألاَّ تحرمني الغزو فى سبيل الله تعالى معك , أنا - إن شاء الله - الشهيد ابن الشهيد فإني حافظ لكتاب الله , عارف بالفروسية والرمى , فلا تحقرنى لصغر سني.قال أبو قدامة: فلما سمعت ذلك منه لم أستطع والله أن أرده , فأخذناه معنا , فوالله ما رأينا أنشط منه , إن ركبنا فهو أسرعنا , وإن نزلنا فهو أنشطنا , وهو فى كل أحواله فى الطريق وفى النزول لا يفتر لسانه عن ذكر الله عز وجل أبداً.فنزلنا منزلاً لما أقبلنا إلى الثغور مع غروب الشمس وكنا صائمين , فأردنا أن نطبخ فطورنا وعشاءنا. قال: فلما نزلنا , أقسم الغلام علينا ألا يصنع لنا الفطور إلا هو فأردنا أن تمنعه عن ذلك إذ هو ما يزال فى تعبٍ شديدٍ من طول الطريق وعسره , لكنه أبى علينا ذلك , فلما نزلنا قلنا: تَنحْ عنَّا قليلاً حتى لا يؤذينا دخان الحطب.قال: فجلسنا ننتظر الغلام , فأبطأ علينا شيئاً يسيراً.فقال لى بعض أصحابى: يا أبا قدامة اذهب إلى صاحبك فانظر لنا خبره , فما هذا بصنع فطور ولا طعام , قد أبطأ علينا كثيراً. قال: فلما توجهت إليه فإذا الغلام قد أشعل النار فى الحطب وقد وضع من فوقه القِدر ثم غلبَهُ التعب والنوم ووضع رأسه على حجرٍ ثم نام.فلما رأيته على هذا الحال كرهت والله أن أوقظه من منامه وكرهت أن أرجع إلى أصحابى وليس معى طعام لهم , فلما رأيت حاله كذلك. قلت

(1/13)

فى نفسى: أنا أكمل الفطور لأصحابى فأخذت أصنعه شيئاً يسيراً وأسارق الغلام النظر خلال ذلك , فبينما أنا أنظر إلى الغلام إذ لاحظتُ أن الغلام بدأ يبتسم ثم اشتد تبسمه , فتعجبت والله من تبسمه وهو نائم. فقال: ثم بدأ الغلام يضحك , ثم اشتد ضحكه , ثم استيقظ من منامه.قال: فلما رأيت الغلام على ذلك عجبت والله , فلما استيقظ ورآني فزع الغلام , وقال: يا عمى أبطأت عليكم؟ قلت له: ما أبطأت علينا. قال: دَعْ عنك صُنع الطعام أنا أصنعه لكم , أنا خادمكم فى الجهاد. قلت له: لا والله لا تصنع فطوراً ولا طعاماً حتى تحدثنى بشأنك ما الذى جعلك فى منامك تضحك؟ وما الذى جعلك تبتسم؟ هذا أمر عجيب!!فقال الغلام: يا عمى هذه رؤيا رأيتها.قلت له: بالله عليك ما هذه الرؤيا؟قال: دعها بيني وبين الله تعالى.قلت له: أقسمت بالله عليك أن تحدثني بهذه الرؤيا.فقال الغلام: رأيت يا عمى فى منامي أنى قد دخلت إلى الجنة فإذا هى فى حسنها وبهائها وجمالها كما أخبر الله عز وجل فى كتابه , فبينما أنا أمشى فيها وأنا فى عجب شديد من حسنها وجمالها إذ رأيت قصراً يتلألأ أنواراً , لَبِنِة من ذهبٍ ولَبِنِة من فضة وإذا شُرفاته من الدُّر والياقوت والجوهر, وأبوابه من ذهب , وإذا بجوارٍ يرفعن الستور وجوههن كالأقمار فلما رأيت حسنهن أخذت أنظر إليهن وأتعجب من حسنهن وجمالهن , فإذا بجارية كأحسن ماأنت رائى من الجوارى تحدث صاحبتها التى عن يمنيها وتشير

(1/14)

إليّ وتقول: هذا زوج المرضية وأنا لا أدرى من هذه المرضية؟ فسألتها فقلت لها: هل أنت المريضة؟فقالت: أنا خادمة من خدم المرضية , تريد المرضية أدخل إلى القصر تقدم يرحمك الله. قال: فتقدمت فإذا فى أعلى القصر غرفة من الذهب الأحمر عليها سرير من الزبرجد الأخضر , قوائمه من الفضة البيضاء عليه جارية وجهها كأنه الشمس لولا أن الله ثبت علي بصرى لذهب عنى ولذهب والله عقلى من حسنها وجمالها ومن بهاء السرير وجمال الغرفة.قال: فلما رأتنى الجارية بدأتنى بالكلام والحديث .... وقالت: مرحباً بولي الله وحبيبه أنا لك وأنت لي.قال: فلما رأيتها وسمعت كلامها , اقتربت منها فلما كدت أن أضع يدى عليها. قالت لى: يا خليلى يا حبيبى أبعدَ الله عنك الِخنا , قد بقى لك فى الحياة شئ وموعدنا معك غداً بعد صلاة الظهر.قال: فبتسمتُ من ذلك وفرحت والله منه.قال أبو قدامة: فلما سمعتُ هذه الرؤيا من مثل هذا الغلام. قلت له: رأيت خيراً إن شاء الله.قال أبو قدامة: ثم إننا أكلنا فطورنا ثم ركبنا على دوابنا ومضينا إلى أصحابنا المرابطين فى الثغور , قال: فلما نزلنا عندهم وبتنا عندهم قمنا وصلينا الفجر , ثم حضر عدونا فقام قائدنا وصفَّ الجيوش بين يديه وتلى علينا صدراً من سورة الأنفال وذكّرنا بأجر الجهاد فى سبيل الله وبثواب الشهادة فى سبيل الله , فما يزال يحثنا على القتال والجهاد. قال: فبينما أنا

(1/15)

أتأمل فى الناس حولى فإذا كل واحد منهم يجمع حوله إخوانه وأقربائه , أما الغلام فلا أبُ يدعوه إليه ولا عم يقربه إليه ولا أخ يجعله بين يديه فأخذت أرقبه وأنظر إليه , فلما نظرت فإذا الغلام فى مقدمه الجيش , فأخذ أشق الصفوف مشياً إليه , فلما وصلت إليه قلت له يا بنى: أنك خبرة بالقتال والجهاد.قال: لا هذه والله أول معركة , وأول مشهد أراه وأقاتل الكفار فيه. فقلت له يا بنى: إن الأمر على خلاف ما فى بالك وذهنك , إن الأمر قتال وإن الأمر دماء وصهيل وجولان أبطال ورمى نبال. يا بنى: فكن فى آخر الجيش , فإن كان نصر انتصرت معنا وإن كانت هزيمة لم تكن أول مقتول.قال: فنظر إلي عجباً. وقال: أنت تقول لى ذلك. قلت نعم أنا أقول لك ذلك. فقال: يا عم هل تريدنى أن أكون من أهل النار قلت له: أعوذ بالله , لا والله , والله ما جئنا إلى الجهاد إلا هرباً من النار وطلباً للجنان. قال: فقال لى: إن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) الأنفال: 15 , 16.هل تريدنى أن أوليهم الأدبار فيكون مأواي جهنم.؟قال أبو قدامة: فعجبت والله من حرصه ومن تمسكه بهذه الآيات , فقلت له: يا بنى إن الآية مخرجها على غير كلامك , فأبى على أن يرجع فأخذت بيده أجذبه حتى أرجعه إلى آخر الصفوف , فجعل يجذب يده منى, ثم بدأ القتال , فحالت الخيل بينى وبينه , فلما بدأ القتال جالت الأبطال

(1/16)

ورميت النبال وجردت السيوف وتكسرت الجماجم وتطايرت الأيدى والأرجل وأشتد علينا القتال , حتى اشتغل كل منا بنفسه.وقال كل خليل كنت آمله ... لا ألهينك إنى عنك مشغولحتى إن السيوف- والله- لا تثبت فى أيدينا , فما زال القتال يشتد علينا وقد انشغل كل منا عن الآخرين بنفسه , وما زال يشتد علينا ويزيد حتى زالت الشمس ودخل وقت صلاة الظهر ثم هزم الله تعالى الصليبين.قال: فلما هزمهم , أجتمعت مع أصحابى , ثم صلينا الظهر فبدأ كل واحد من الناس يبحث عن أقربائه وأحبابه , أما الغلام فلا أحد يبحث عنه وينظر فى أمره , فبينما الحال على هذا , قلت: والله لأنظرن فى خبره لعله مقتول أو جريح أو لعل بعض أولئك الكفار قد أخذه أسيراً وأخذه معهم لما هربوا وولوا الأدبار , فبدأت أمشى بين القتلى والجرحى , وأتلفت بينهم أنظر , فبينما أنا على ذلك إذ سمعت صوتاً يصيح من ورائى ويقول: أيها الناس ابعثوا لى عمى أبا قدامة , فالتفت إلي مصدر الصوت , فإذا الجسد جسد الغلام وإذا الرماح قد تسابقت إليه والخيل وطأت عليه , فمزقت اللحمان وأدمت اللسان ومزقت الأعضاء وكسرت العظام , وإذا هو يتم ملقى فى الصحراء فأقبلت إليه وانطرحت بين يديه , ثم صرخت بأعلى صوتى قائلاً: ها أنا أبو قدامة , ها أنا أبو قدامة. فقال: الحمد لله الذى أحيانى إلى أن أوصى إليك , فأسمع منى وصيتى فقال أبو قدامة: فبكيت والله على محاسنه وجماله وبكيت والله رحمة بأمه المقيمة فى الرقة التى فُجعت عام أول بأبيه وأخواله وتفجع هذا العام به , قال: فأخذت بطرف ثوبى أمسح الدم عن محاسنه وجماله , فلما شعر بذلك , رفع بصره إلى

(1/17)

وقال: يا عم تمسح الدم بثوبك؟! أمسح الدم بثوبي لا بثوبك يا عمى.قال أبو قدامة: فبكيت والله ولم أُحر جواباً.ثم قال بصوت ضعيف أقسمت عليك إنْ أنا متُّ أن ترجع إلى الرقة ثم تُبشر أمى بأن الله قد تقبل هديتها إليه , وأن ولدها قد قتل فى سبيل الله مُقبلاً غير مدبر , وإنَّ الله إنْ كتبنى فى الشهداء , فإنى سأرسل سلامها إلى أبى وأخوالى فى الجنة , ثم قال: يا عمى إنى أخاف ألاَّ تصدق أمى كلامك فخذ معك بعض ثيابى التى فيها الدم , فإنَّ أمي إذا رأيتها صدقت إنى مقتول, وقل لها إن الموعد الجنة إن شاء الله تعالى , يا عمى إنك إذا رجعت إلى بيتنا ستجد أختاً لى صغيرةً عمرها تسع سنوات ما دخلت المنزل إلا استبشرت وفرحت , وما خرجت من المنزل إلا بكت وحزنت وقد فُجعت بمقتل أبى عام أول وفُجعت بمقتلى هذا العام , وإنها قالت لى عندما رأت علي ثياب السفر ورأت أمى تلف الثياب علي: يا أخى لا تبطأ علينا وعجِّل الرجوع إلينا.فإذا رأيتها فطيب صدرها بكلمات وقال لها: يقول لك أخوك , الله خلقنى عليك. قال أبو قدامة: ثم تحامل الغلام على نفسه , وضاق نَفسُه فى صدره , وضعف صوته حتى لم أعد أفهم شيئاً من كلامه , ثم تحامل على نفسه. وقال: يا عمى صدقت الرؤيا والله , صدقت الرؤيا وربِّ الكعبة , والله إني لأرى المرضية الآن عند رأسى وأشم ريحها.قال: ثم انتفض صدره وتصبب العرق من جنبه ثم شهق شهقات حتى اشتدَّ عليه الشهاق. قال: ثم مات الغلام بين يدي. [تنبيه الغافلين: ص395]

(1/18)

يذكر الحديث وهو في الصلاةقال أبو اليمان عامر بن عبد الله الحمصي: ((كان إسماعيل بن عياش جارنا , منزله إلى جنب منزلي , فكان يُحْيِى الليل , وربما قرأ, ثم قطع , ثم رجع , فسألته يومًا عن ذلك؟ فقال: وما سؤالك؟ قلت: أريد أن أعرف. قال: إنى أصلى فأقرأ , فأذكر الحديث في الباب من الأبواب التي أخرجتها, فأقطع الصلاة , فأكتبه , ثم أرجع إلى صلاتي)). [تذكر الحفاظ (1/ 253)]

الفضل ما شهدت به الأعداءقال أحمد بن عدى الحافظ: سمعت عدة من مشايخ بغداد يقولون: إن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد , فسمع به أصحاب الحديث. , فاجتمعوا وأرادو امتحان حفظه. , فعمدوا إلى مئة حديث , فقلبوا متونها وأسانيدها , وجعلوا متن هذا آلا سناد لإسناد أخر , إسناد هذا المتن لمتن آخر , ودفعوها إلى عشرة أنفس , لك رجل عشرة أحاديث , وأمروهم إذا حضر المجلس , أن يلقوا ذلك على البخاري , اخذوا عليه الموعد للمجلس , فحضروا وحضر جماعة من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم ومن البغداديين , فلما اطمأن المجلس بأهله , انتدب رجل من العشرة , فسأله عن حديث من تلك الأحاديث, فقال البخاري: لا أعرفه. فمازال يلقى عليه واحدًا بعد واحد حتى فرغ , والبخاري يقول لا أعرفه: وكان العلماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم ألي بعض , ويقولون: فهم الرجل. ومن كان لم يدر القصة يقضى على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الحفظ , ثم انتدب رجل من العشرة, فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة , فقال لا أعرفه. فسأله عن آخر , فقال: لا أعرفه. فلم يزل يلقى

(1/19)

عليه واحدًا واحدًا حتى فرغ من عشرته , والبخاري يقول لا أعرفه.ثم انتدب الثالث والرابع إلى تمام العشرة , حتى فرغوا كلهم من إلقاء الأحاديث المقلوبة , والبخاري لا يزيدهم على: لا اعرفه. فلما علم انهم قد فرغوا التفت إلى الأول , فقال أما حديثك الأول , فقلت كذا , وصوابه كذا , وحديثك الثاني كذا , وصوابه كذا , والثالث والرابع على الولاء , حتى آتي على تمام العشرة , فرد كل متن إلى إسناده , وكل إسناد إلى متنه , وفعل بالآخرين مثل ذلك, فأقر الناس له با لحفظ أذعنوا له با لفضل)) [تاريخ بغداد (2/ 20)].

ألّف كتابه ثلاث مراتقال المزني: ((كنت في تأليف هذا الكتاب - مختصره - عشرين سنة, وألفته ثلاث مرات , وكنت كلما أردت تأليفه , أصوم قبله ثلاث أيام , وأصلى كذا وكذا ركعة)) [مناقب الشافعي , للبيهقى (ص 349)].

لا يُستطاع العلم براحة الجسدقال ابن حاتم: ((كنا بمصر سبعة أشهر , لم ناكل فيها مرقة , كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ , وبا لليل النسخ والمقابلة. قال: فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا , فقالوا هو عليل , فرأينا فى طريقنا سمكا أعجبنا , فاشتريناه , فلما صرنا إلى البيت , حضر وقت مجلس , فلم يمكنا إصلاحه, ومضينا إلى المجلس , فلم نزل حتى آتي عليه ثلاثة أيام , وكاد يتغير , فأكلناه نيئا , لم يكن فراغ أن نعطيه من يشويه , ثم قال لا يستطاع العلم براحة الجسد)) [سير أعلام النبلاء (13/ 265)].

(1/20)

جوع العيال ولا بيع الكتبقال أحمد بن سليمان القطيعى: ((قال: أضفت إضافة , فأتيت إبراهيم الحربي لأبثه , فقال لي: لا يضيق صدرك. , فإن الله من وراء المعونة. , فآني أضقت مرة , حتى انتهى أمري إلى عدم عيالي قوتهم , فقالت الزوجة: هب أنى أنا وأنت نصبر , فكيف با لصبيتين؟ هات شيئًا من كتبك نبيعه أو نرهنه. فضقت بذلك , وقلت: أقترض غدًا, فلما كان الليل , دق الباب , فقلت: من ذا؟ قال: رجل من الجيران. فقلت: أدخل. فقال: فأطفئ السراج حتى أدخل. فكببت شيئًا على السراج , فدخل , وترك شيئًا , وقام, فإذا هو منديل فيه أنواع المأكل , وكاغد فيه خمس مئة درهم , فأنبهنا الصغار وأكلوا , ولما كان الغد , إذا جمال يقود جملين عليهما حملان ورقا خرسانيا , وهو يسأل عن منزل إبراهيم الحربي , فانتهى إلىَّ فقلت: أنا إبراهيم الحربي فحط الحملين , وقال: هذان الحملان أنفذهما لك رجل من آهل خرا سان. فقلت من هو فقال: استحلفني أن لا أقول من هو. فآخذتهما منه , ودعوت الله لمرسلهما وللحامل)) [سير أعلام النبلاء13/ 68]

مات بسبب حديث لم يعرفهقال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح عن الإمام مسلم: ((وكان لموته سبب غريب , نشأ من غمرة فكرية علمية , فقرات بنيسابور - حرسها الله وسائر ديار الإسلام وأهله - فيما انتخبه من ((تاريخها)) للحاكم النيسابورى على الشيخ الزكى آبى الفتح منصور بن عبد المنعم: قال احمد بن سلمة - رفيق مسلم في الرحلة - عقد لأبى الحسن مسلم بن الحجاج مجلس للمذاكرة , فذكر له حديث لم يعرفه , فانصرف إلى منزله , واوقد السراج ,

(1/21)

وقال لمن فى الدار: لا يدخلن أحد منكم البيت. فقيل له: أهديت لنا سلة فيها تمر. فقال: قدموها إلى. فقدموها إليه , فكان يطلب الحديث , ويأخذ تمرة تمرة يمضغها , فأصبح وقد فني التمر , ووجد الحديث.قال الحاكم: زادني الثقة من أصحابنا انه منها مرض ومات. [سير أعلام النبلاء (12/ 564)].إن المحامِدَ جِياعقال أبو العباس البكري: ((جمعت الرحلة بين ابن جرير , وابن خزيمة ومحمد بن نصر المروزى , ومحمد بن هارون الرويانى بمصر , فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم؛ فأضرَّ بهم الجوع , فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه , فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة؛ فمن خرجت عليه القرعة , سأل لأصحابه الطعام , فخرجت القرعة على ابن خزيمة , فقال لأصحابه: أمهلوني حتى أصلى صلاة الخيرة - الاستخارة - قال: فاندفع في الصلاة , فإذا هم با لشموع وخصي من قبل والى مصر يدق الباب , ففتحوا , فقال: أيكم محمد بن نصر؟فقيل: هو ذا. فاخرج صرة فيها خمسون دينارا , فدفعها إليه , ثم قال: آيكم محمد بن جرير؟ فأعطاه خمسين دينارا , وكذلك للرويانى , وابن خزيمة , ثم قال: عن الأمير كان قائلا با لأمس , فرأى فى المنام خيالا أو طيفا يقول له: إن المحامد جياع , طووا كشحهم جياعا. فانفذ إليكم هذه الصرر , وأقسم عليكم إذا نفدت , فابعثوا إلى أحدكم ليزيدكم)) [تاريخ بغداد 02/ 164)].

(1/22)

اللهمَّ لا تُسلطه على أحدٍ يقتُله بعديلما جئ بسعيد بن جبير بين يدي الحجاج , سأله الحجاج: ما اسمك؟فقال: أنا سعيد بن جبير بن هشام السدى.فقال الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.فقال سعيد: بل كانت أمي اعلم بأسمى منك.فقال الحجاج: شقيت أمك وشقيت أنت.فقال سعيد: الغيب يعلمه الله.فقال الحجاج: والله , لأبدلنَّك با لدنيا نارًا تلظى.فقال سعيد: والله , لو علمت أن ذلك بيدك , لا تخذنك ألها.فقال له الحجاج: اختر لنفسك يا سعيد قتلة.فقال سعيد: اختر لنفسك. , فو الله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها يوم القيامة.فقال الحجاج: أتريد أن أعفو عنك.فقال سعيد: عن كان العفو , فمن الله , وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر.فقال الحجاج: لأقطعنك قطعًا قطعًا , ولأفرقنَّ أعضاءك عضوًا عضوًا.فقال له سعيد: إذًا تفسد على دنياي وأفسد عليك أخرتك.فقال الحجاج: الويل لك.

(1/23)

فقال سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار. فقال الحجاج: اضربوا عنقه.قال سعيد: أشهد أن لا إله إلا الله أن محمدا رسول الله ... استحفظها حتى ألقاك يوم القيامة.فقال الحجاج: أضجعوه للذبح.فقال سعيد: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الأنعام: 79؛ قال الحجاج: اقلبوا ظهره إلى القبلة.فقال سعيد (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) البقرة: 215قال الحجاج: كبُّوه على وجهه.فقال سعيد: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) طه / 55.فقال الحجاج: اذبحوه.قال سعيد: أما أنى اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله , خذها منى حتى تلقاني بها يوم القيامة ... ثم دعا سعيد بن جبير فقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدى.فذبح سعيد بن جبير من قفاه .. فما بقى الحجاج بعد قتله إلا ثلاثة أيام. [طبقات ابن سعد (6/ 256)].

(1/24)

وهذا دأبُهُقال الضياء المقدسى , عن الحافظ عبد الغنى المقدسى: ((كان لا يضيع من زمانه؛ كان يصلى الفجر , ويلقن القرآن , وربما لقن الحديث , ثم يقوم فيتوضأ ويصلى ثلاث مئة ركعة با لفاتحة والمعوذتين إلى قبيل الظهر , فينام نومة , فيصلى الظهر ,ويشتغل با لتسميع أو النسخ إلى المغرب, فيفطر إن كان صائما , ويصلى العشاء , ثم ينام إلى نصف الليل أو بعده , ثم يتوضأ ويصلى إلى قرب الفجر , وربما توضأ سبع مرات أو اكثر , ويقول: تطيب لي الصلاة ما دامت أعضائي رطبة. ثم ينام نومة يسيرة قبل الفجر , وهذا دأبه)) [ذيل طبقات الحنابلة (2/ 5)].

المشي فِي طلب العلمقال أبو حاتم الرازى: ((أول ما رحلتُ أقمتُ سبع سنين , ومشيت على قدمى زيادة على ألف فرسخ , ثم تركت العدد ,وخرجت من البحرين إلى مصر ماشيا , ثم إلى الرملة ماشيا , ثم إلى طرموس ماشيا , ولى عشرون سنة)) [تذكرة الحافظ (2/ 233)].

ينام على الحصير ثلاثين سنةسُئل الطبرانى - رحمه الله تعالى - عن كثرة حديثه , فقال: ((كنت أنام على البوارى - أي الحصير - ثلاثين سنة. [تذكرة الحافظ (3/ 915)].هجر النُّوم في طلب العلمكان الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - يستيقظ في الليلة الواحدة من

(1/25)

نومه , فيوقد السراج , ويكتب الفائدة تمر بخاطره , ثم يطفئ سراجه , ثم يقوم مرة أخرى وأخرى , حتى يتعدد منه ذلك قريبا من عشرين مرة. [البداية والنهاية (11/ 25)].

اختلط العلم بلحمه ودمهقال الحافظ عمر البزار في ((الأعلام العلية في مناقب ابن تيميه)) (ص 17): ((لم يزل منذ إبَّان صغره مُسْتَغْرِقَ الأوقات في الجدّ وإلاجتهاد, وختم القرآن صغيرًا ثم اشتغل بحفظ الحديث والفقه والعربية , حتى برع فى ذلك , مع ملازمة مجالس الذكر وسماع الأحاديث والآثار , ولقد سمع غير كتاب على غير شيخ من ذوى الروايات الصحيحة العالية , أما دواوين الإسلام الكبار؛ كمسند أحمد , وصحيح البخاري , ومسلم وجامع الترمذى , وسنن أبى داواد , والنسائي , وابن ماجه والدارقطنى , فإنه - رحمه الله , ورضى عنهم وعنه - سمع كل واحد منها عدة مرات , وأول كتاب حفظه فى الحديث الجمع بين الصحيحين , للإمام الحميدى , وقلَّ كتاب من فنون العلم إلا وقف عليه , وكان قد خصه الله بسرعة الحفظ وإبطاء النسيان , لم يكن يقف على شئ أو يستمع لشيء غاليا إلا ويبقى على خاطره , إما بلفظه أو معناه , وكان العلم كأنه قد اختلط بلحمه ودمه وسائره. , فإنه لم يكن له مستعارا بل كان له شعارًا ودثارًا)).المسجد فراشهقال ابن جريج: ((كان المسجد فراش عطاء بن أبى رباح عشرين سنة! وقال إسماعيل بن أمية: كان عطاء يطيل الصمت , فإذا تكلم خُيَّل إلينا انه

(1/26)

مؤيَّدٌ - أي تُمِدُّهُ الملائكة بما يقول. , وكان اسود , أعور , أفطس أشلَّ أعرج , ثم عَمِىَ! ففي جسمه ستة عيوب , ولكنه كان ركنا من أركان العلم والدين والصلاح والقدوة. وكان ثقة فقهيا , حج نيفا - أي زيادة - على سبعين حجة)) [تاريخ الإسلام (4/ 279)].

إمام أهل السنة والجماعةقال عبد الله بن أحمد: كان أبى - رحمه الله - يقرأ في كل يوم سبعا من القرآن ويختم كل سبعة أيام؛ فكانت ختمة كل سبع ليال , وكان يصلى عشاء الآخرة مئة ركعة فلما ضرب الأسواط أضعفته؛ فكان يصلى في كل يوم مئة وخمسين ركعة. [سير أعلام النبلاء (11/ 212)].

أمير المؤمنين في الحديثقال البخاري - رحمه الله -: ((أُلهمت حفظ الحديث وأنا فى الكُتَّاب. فقيل: كم كان سنك؟ فقال: عشر سنين , أو أقل. ثم خرجت من الكتاب بعد العشر , فجعلت اختلف إلى الداخلي وغيره , فقال يوما فيما كان يقرأ للناس: سفيان عن أبيه الزبير , عن إبراهيم فقلت له: إن الزبير لم يرو عن إبراهيم. فانتهرني , فقلت له: ارجع إلى الأصل. فدخل فنظر فيه , ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدى عن إبراهيم.فأخذ القلم منى؛ وأحكم كتابه , وقال صدقت. فقيل للبخاري: ابن كم كنت حين رددت عليه؟ قال: ابن إحدى عشرة سنة. فلما طعنت في ست عشرة سنة , كنت قد حفظت كتب ابن المبارك ووكيع , وعرفت لكلام هؤلاء - أي: أهل الرأي -, ثم خرجت مع أمي وآخي احمد إلى مكة ,

(1/27)

فلما حججت رجع آخي بها , وتخلفت لطلب الحديث)) [تهذيب الكمال (1169)].ابن القيم الجوزيَّة .... طبيب القلوبيقول ابن رجب الحنبلي تلميذه: ((وكان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى , ولم أشاهد مثله في عبادته وعلمه با لقرآن والحديث وحقائق الإيمان , وليس هو با لمعصوم , ولكن لم أر في معناه مثله , وقد امتُحِن وأوذي مرات , وحبس مع شيخه شيخ الإسلام تقي الدين في المرة الأخيرة با لقلعة منفردا عنه , با لتدبر والتفكر , ففتح عليه من ذلك خير كثير, وحصل له جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة , وتسلط بسبب ذلك , وحج مرات كثيرة , وجاور بمكة , وكان آهل مكة يتعجبون من كثرة طوافه وعبادته. اهـ[المنتظم (7/ 194)].

الملائكة تُسلِّم عليه" كان عمران بن حصين قد استسقى بطنه , فبقى ملقى على ظهره ثلاثين سنة , لا يقوم ولا يقعد , وقد نقب له في سرير من جريد كان عليه موضع. , لقضاء حاجته , فدخل عليه مطرف واخوه العلاء , فجعل يبكى لما يراه من حاله , فقال: لم تبكى؟ قال: لأني أراك على هذه الحالة العظيمة. قال: لا تبك. , فإن احبه إلى الله - تعالى. , أحبه إلى. ثم قال: أحدثك حديثًا لعل الله أن ينفعك به , واكتم علىَّ حتى الموت: إن الملائكة تزورني فآنس بها , وتُسلِّم علىَّ , فأسمع تسليمها , فأعلم بذلك أن هذا البلاء ليس بعقوبة. ,إذ هو سبب هذه النعمة الجسيمة , فمن يشاهد

(1/28)

الملائكة, كيف لا يكون راضيا به؟ [الرضا عن الله , لابن أبى الدنيا (ص 92)].

يعرف الله وهو ابن ثلاث سنينروى عبد الرحمن بن محمد صاحب كتاب " صفة الأولياء ومراتب الأصفياء " بإسناده , قال: ذكر سهل بن عبد الله التسترى الله , وهو ابن ثلاث سنين , وصام وهو ابن حمس سنين حتى مات , وساح في طلب العلم وهو ابن تسع سنين , وكانت تلقى مشكلات المسائل على العلماء , ثم لا يوجد جوابها إلا عنده , وهو ابن أثنى عشرة سنة , وحينئذ عليه الكرامات. والله أعلم [أنباء نجباء الأنباء (ص 191)].

أبو الوقت عبد الأول الهرويقال عنه يوسف بن أحمد الشيرازي في " أربعين البلدان " له: لما رحلت إلى شيخنا رحلة الدنيا ومسند العصر أبى الوقت , قدر الله لي الوصول إليه في آخر بلاد كرمان , فسلمت عليه , وقبلته , وجلست بين يديه , فقال لي: ما أقدمك هذه البلاد؟ قلت: كان قصدي إليك , ومعولي بعد الله عليك , وقد كتبت ما وقع إلى من حديثك بقلمي , وسعيت إليك بقدمي , لأدرك بركة أنفاسك , أخطي بعلو إسنادك.فقال: وفقك الله وإيانا لمرضاته , وجعل سعينا له , وقصد نا إليه , لو كنت عرفتني حق معرفتي , لما سلمت على , ولا جلست بين يدي , ثم بكى بكاء طويلا , أبكى من حضره , ثم قال: اللهم استرنا بسترك الجميل , اجعل تحت الستر ما ترضى به عنا. يا ولدى تعلم أني رحلت - أيضا _ لسماع " الصحيح " ماشيا مع

(1/29)

والدي من هراة إلى الداوودى " بوشنج " ولى دون عشر سنين , فكان والدي يضع على يدي حجرين , ويقول: احملها. فكنت من خوفه احفظهما بيدي , أمشى وهو يتأملنى , فإذا رآني قد عييت , أمرني أن ألقى حجرا واحدا , فألقى ويخف عنى , فأمشى إلى أن يتبين له تعبي, فيقول لي: هل عييت؟ فأخافه أقول: لا, فيقول لم تقصر في؟ فأشرع بين يديه ساعة , ثم اعجز فيأخذ الآخر , فيلقيه , فأمشى حتى أعطب. , فحينئذ كان يأخذني ويحملني , وكنا نلتقي جماعة الفلاحين وغيرهم , فيقولون: يا شيخ عيسى, ادفع إلينا هذا الصبى نُرْكِبْهُ وإياك إلى " بوشنج" فيقول: معاذ الله أن نركب في طلب أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجاء ثوابه. فكان ثمرة ذلك من حسن نيته: أني انتفعت بسماع هذا الكتاب وغيره , ولم يبق ممن أقرأ أحد سواي, حتى صارت الوفود ترحل إلى من الأمصار. [سير أعلام النبلاء 20/ 30 7].

الجبل الأشمُّ .... ابن تيميةيقول تلميذه الحافظ ابن عبد الهادي:((سمع مسند أحمد مرات 0000وسمع الكتب الستة ولاجزاء ومعجم الطبرانى الكبير , وغنى بالحديث , وقرأ ونسخ , وتعلم الخط والحساب في الكتب , وحفظ القرآن , وأقبل على الفقه , وقرأ العربية على ابن عبد القوى , ثم فهمها, واخذ يتأمل كتاب سيبوبه حتى فهم النحو , أقبل عل التفسير إقبالا كليا حتى حاز فيه قصب السبق , احكم أصول الفقه وغير ذلك .. فانبهر أهل دمشق من فرط ذكائه وسيلان ذهنه , وقوة حافظته , وسرعة إدراكه))واتفق أن بعض مشايخ العلماء بحلب قدم إلى دمشق وقال: سمعت

(1/30)

في البلاد بصبي يقال له: ((أحمد بن تيمية)) , وأنه سريع الحفظ , وقد جئت قاصدا. , لعلى أراه فقال له خياط: هذه طريق كتابه , وهو إلى الآن ما جاء , فاقعد عندنا , الساعة يجيء , يعبر علينا ذاهبا إلى الكتاب. فجلس الشيخ الحلبي قليلا , فمر صبيان , فقال الخياط للحلبي: هذاك الصبى الذي معه اللوح الكبير , وهو أحمد بن تيمية. فناداه الشيخ , فجاء إليه , فتناول الشيخ اللوح فنظر فيه , ثم قال يا ولدى , امسح هذا حتى أملي غليك شيئا تكتبه. ففعل. , فأملى عليه من متون الأحاديث أحد عشر أو ثلاثة عشر حديثا , وقال له: اقرأ هذا. فلم يزد على أن تأمله مرة بعد كتابته إياه , ثم دفع إليه , وقال: اسمعه على. فقرأه عليه عرضا كأحسن ما أنت سامع.فقال له: يا ولدى , امسح هذا. ففعل فأملى عليه عدة أسانيد انتخبها , ثم قال: اقرأ هذا فنظر فيه. , كما فعل أول مرة , فقال الشيخ وهو يقول: إن عاش هذا الصبي , ليكون له شأن عظيم. , فإن هذا لم ير مثله. أوكما قال. [العقود الدرية (ص 43)].

من الحسن إلى عمر بن عبد العزيزكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز:" أما بعد ... فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة , وإنما انزل آدم إليها عقوبة , فاحذرها يا أمير المؤمنين. , فإن الزاد منها تركها , والغنى فيها فقرها , لها في كل حين قتيل , تذل من اعزها , وتفقر من جمعها , وهى كالسم يأكله من لا يعرفه وهو حتفه , فكن فيها كالمداوى جراحته , يحتمي

(1/31)

قليلا؛ مخافة ما يكره طويلا , ويصبر على شدة الأذى؛ مخافة طول البلاء , فاحذر هذه الغرَّارة الختَّارة التي قد زينت بخدعها , وحلت بأملها , وتشوقت لخطابها , وفتنت بغرورها , فأصبحت كالعروس المجلو؛ فالعيون إليها ناظرة , والقلوب عليها والهة , والنفوس لها عاشقة , وهى لأزواجها كلهم قاتلة , فلا الباقي بالماضى معتبر , ولا الآخر على الأول مزدجر , ولا العارف با لله حين اخبره عنها مدكر , فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته, فاغتر وطغى ونسى المعاد , وشغل فيها لبه حتى زلت عنه قدمه , وعظمت ندامته, وكثرت حسراته , واجتمعت عليه سكرات الموت بألمه وحسرات الفوت بغضته؛ فذهب بكمدة؛ فلم يدرك منها ما طلب , ولم يروح نفسه من التعب؛ فخرج بغير زاد , وقدم على غير مهاد فاحذرها يا أمير المؤمنين , وكن أسر ما تكون فيها أقذر ما تكون لها؛ فإن صاحب الدنيا كلما يا أمير المؤمنين , وكن اسر ما تكون فيها أقذر ما تكون لها, فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصه إلى مكره , فالسار فيها بأهلها غار , والنافع فيها غدا ضار , وقد وصل الرخاء فيها با لبلاء , وجعل البقاء فيها إلى فناء , فسرورها مشوب با لحزن لا يرجع منها ما ولى فأدبر , ولا يدرى ما هو آت فيستنظر , أمانيها كاذبة , وآمالها با طلة , وصوفها كدر , وعيشها نكد , وابن آدم فيها على خطر , عن غفل فهو من النعماء على خطر وفى البلاء على حذر , فلو كان الخالق لم يخبر عنها بخبر ولم يضرب لها مثلا , لكانت الدنيا قد أيقظت النائم , ونبهت الغافل , فكيف وقد جاء من الله عنها زاجر , وفيها واعظ , فما لها عند الله قدر ولا وزن , ولا نظر إليها منذ خلقها , ولقد عرضت على نبيك - صلى الله عليه وسلم - بمفاتيح خزائنها لا ينقصه ذلك عند الله جناح بعوضة فأبى أن يقبلها, كره أن يخالف على ربه أمره , أو يحب ما

(1/32)

أبغض خالقه , أو يرفع ما وضع مليكه , فزواها عن الصالحين اختيارًا , وبسطها لأعدائه اغترارًا , فيظن المغرور بها المقتدر عليها أنه أكرم بها , ونسى ما صنع الله بمحمد - صلى الله عليه وسلم - حين يشد الحجر على بطنه ولقد جاءت الرواية عن الله - عز وجل - انه قال لموسى - عليه السلام - ((إذا رأيت الغنى مقبلا , فقل ذنب عجلت عقوبته , وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل: مرحبا بشعار الصالحين)) , وإن شئت ثلثت بصاحب الروح والكلمة ابن مريم , كان يقول: ((إدامى الجوع , وشعاري الخوف , ولباسي الصوف , وصلاتي في الشتاء مشارق الشمس , وسراجي القمر ودابتي رجلاي , وطعامي وفاكهتي ما أنبتت الأرض , أبيت وليس لي شيء , وأصبح ليس على الأرض أغني منى. [الحلية (2/ 135 - 137)].

ما شعرتُ بذلك!!جاء في ترتيب المدارك (3/ 114): ((قال المالكي: كانت لمحمد ابن سحونة سُرّيَّةٌ - أي مملوكة - يقال لها: أم قُدام. فكان عندها يوما , وقد شغل في تأليف كتاب إلى الليل فحضر الطعام , فاستأذنته. , ليأكل فقال لها: أنا مشغول الساعة.فلما طال عليها , جعلت تلقمه الطعام حتى أتت عليه , وتمادى هو على ما فيه , إلى أذن لصلاة الصبح , فقال: شغلنا عنك الليلة يا أم قدام , هات ما عندك.فقالت: قد والله يا سيدي ألقمته لك.فقال لها: ما شعرت بذلك!!

(1/33)

الإمام الجويني((قال الحافظ المحدث الأديب أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي تلميذه فيه - أي: في الجوينى - في كتاب ((السياق)) في تاريخ ((نيسابور)) إمام الأئمة على الإطلاق , حبر الشريعة , المجمع على إمامته شرقا وغربا , المقر بفضله السراوة والحدادة عجما وعربا , من لم تر العيون مثله قبله ولا ترى بعده.رزق من التوسع في العبارة وعلوها مالم يعهد من غيره , حتى أنسى ذكر سحبان, وفاق فيها الأقران , وحمل القرآن , وأعجز الفصحاء اللد , وجاز الوصف والحد.وكل من سمع خبره أو رأى أثره إذا شاهده , أقر بأن خبره يزيد كثيرا على الخبر, ويبر على ما عهد من الأثر.وكان يذكر دروسا يقع كل واحد منها فى أطباق وأوراق , لا يتلعثم فى كلمة , ولا يحتاج إلى استدراك عثرة , مرا فيها كالبرق الخاطف , بصوت مطابق كالرعد القاصف , ينزف فيه المبرزون , ولا يدرك شأوه المتشدقون المتعمقون , وما يوجد منه فى كتبه من العبارات البالغة كنة الفصاحة: غيض من فيض ما كان على لسانه , وغرفة من أمواج ما كان يعهد من بيانه.ولما توفى أبوه الإمام أبو محمد الجوينى , كانت سنه دون العشرين أو قريبا منه؛ فأقعد مكانه للتدريس؛ فكان يقيم الرسم فى دروسه , ويقوم منه, ويخرج إلى مدرسة البيهقى , حتى حصل الأصول وأصول الفقه على الأستاذ الإمام أبى القاسم الإسكاف الإسفراينى , وكان يواظب على مجلسه.

(1/34)

وقد سمعته يقول فى أثناء كلامه: كنت علقت عليه فى الأصول أجزاء معدودة , وطالعت فى نفسي مئة مجلدة.وكان يصل الليل بالنهار فى التحصيل حتى فرغ منه , ويبكر كل يوم قبل الاشتغال بدرس نفسه إلى مجلس الأستاذ أبى عبد الله الجبَّازى , يقرأ عليه القرآن , ويقتبس من كل نوع من العلوم ما يمكنه مع مواظبة على التدريس.ولما عاد من إقامته ومجاورته بمكة المكرمة أربع سنين يدرس فيها ويفتى , بنيت له المدرسة النظامية في نيسابور , واقعد للتدريس فيها , وبقى على ذلك قريبا من ثلاثين سنة , غير مزاحم ولا مدافع , مسلم له المحراب والمنبر والخطابة والتدريس ومجلس التذكير يوم الجمعة والناظرة , وهجرت له المجالس ,وحضر درسه الأكابر والجم العظيم من الطلبة , وكان يقعد بين يديه كل يوم نحو من ثلاث مئة رجل من الأئمة ومن الطلبة.وسمعته في أثناء كلام يقول: أنا لا أنام ولا آكل عادة , وإنما إذا غلبني النوم ليلا كان أو نهارا , وآكل الطعام إذا اشتهيت الطعام أي وقت كان.وكان لذته ولهوه ونزهته في مذاكرة العلم وكلب الفائدة من أي نوع كان.وقدم إلى نيسابور - بلد إمام الحرمين في سنة (169 هـ) - الشيخ أبو الحسن على بن فضال بن على المجاشى القيرواني النحوي , فقابله إمام الحرمين بالإكرام , وأخذ في قراءة النحو عليه والتلمذة له - وقد بلغت سن إمام الحرمين آنذاك نحو الخمسين سنة , وغد اإمام وقته وعصره - , وكان يحمله كل يوم إلى دارة , ويقرأ عليه كتاب ((إكسير الذهب في صناعة

(1/35)

الأدب)) من تصنيفه , فكان أبو الحسن المجاشعى يحكى ويقول: ما رأيت عاشقا للعلم مثل هذا الإمام. , فإنه يطلب العلم للعلم , وكان كذلك)) [طبقات الشافعية (5/ 174)].

عثمان بن عفان والتجارة الرابحةأصاب الناس قحط فى خلافة أبى بكر الصديق , فلما أسند بهم الأمر , جاءوا إلى أبى بكر الصديق وقالوا: يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم: إن السماء لم تمطر , والأرض لم تنبت , وقد توقع الناس الهلاك , فما تصنع؟ فقال: انصرفوا واصبروا , فإنى أرجو الله ألا تمسوا حتى يفرج الله عنكم. فلما أصبحوا خرجوا يتلقونها , فإذا هى ألف بعير موثوقة براً وزيتاً ودقيقاً , فأناخت بباب عثمان - رضى الله عنه , فجعلها فى داره , فجاء إليه التجار , فقال: ما تريدون؟ قالوا: إنك تعلم ما نريد. فقال: كم تربحونى؟ قالوا: اللهم درهمين. قال: أعطيت هذا زيادة على هذا. قالوا: أربعة. قال: أعطيت أكثر قالوا: خمسة. قال: أعطيت أكثر. قالوا: ليس فى المدينة تجار غيرنا , فمن الذى أعطاك؟ قال: إن الله أعطانى بكل درهم عشرة دراهم , أعندكم زيادة؟ قالوا: لا قال: فإنى أشهدكم الله تعالى , أنى جعلت ما حملت الغير صدقة لله على الفقراء والمساكين. [الدر المنضود في ذم البخل ومدح الجود ص64]

ينام على أطرافه!!قال أبو تميم بن مالك: كان منصور بن المعتمر إذا صلى على الغداة , أظهر النشاط لأصحابه , فيحدثهم ويكثر إليهم , ولعله إنما قائماً على

(1/36)

أطرافه , كل ذلك ليخفى عليهم العمل. [صفة الصفوة 3/ 114]

لو قدرتُ أن أتطوع حيث لا يراني ملكاي ... لفعلتُ!!قال خادم محمد بن أسلم الطوسى , أبو عبد الله صحبت محمد بن أسلم نيفا وعشرين سنة لم أره يصلى حيث أراه من التطوع إلا يوم الجمعة , ولا يسبح ولا يقرأ حيث اراه , لم يكن أحد أعلم بسره وعلانيته منى وسمعته يحلف كذا وكذا مرة أن لو قدرت أن أتطوع حيث لا يرانى ملكاى لفعلت , ولكن لا أستطيع ذلك خوفاً من الرياء. [حلية الأولياء 9/ 243].

طلحة الفياضعن سعدى بن عوف المرى قالت: دخل على طلحة ذات يوم وهو حائئر النفس - غير نشيط - فقلت: مالى أراك كالح الوجه , ما شأنك , أرأيك منى فأعتبك؟ قال: لا ولنعم حليلة المرء المسلم أنت: قلت: فما شأنك؟ قال: المال الذى عندى قد كثر وأكربنى. قالت: فقسمه حتى ما بقى منه درهم واحد.قالت: سعدى فسألت خازن طلحة: كم كان المال؟ قال: أربعمائة ألف.وعن الحسن قال: باع طلحة أرضاً له بسبعمائة ألف , فبات ذلك المال عنده ليلة فبات أرقاً من مخافة ذلك المال , فلما أصبح فرقه كله.وعنه أن طلحة بن عبيد باع أرضاً له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه فلما جاء بها فقال: إن رجلاً تبيت هذه عنه فى بيته لا يدرى ما يطرقه من أمر الله لغرير بالله فبات ورسله تختلف بها فى سكك المدينة حتى

(1/37)

أسحر وما عنده منها درهم.وعن على بن زيد قال: جاء أعرابي إلى طلحة يسأله , فتقرب إليهم برحم فقال: إن هذه لرحم واسألني بها أحد قبلك , إن لى أرضاً قد أعطاني بها عثمان ثلاثمائة ألف فأقبضها , وإن شئت بعتها من عثمان , ودفعت إليك الثمن. فقال: الثمن , وأعطاه. [حلية الأولياء 1/ 88].

صام أربعين سنة لا يعلم به أهلهصام داود بن أبى هند أربعين سنة لا يعلم به اهله ولا أحد , وكان خزازاً , يحمل معه غداءه من عندهم , فيتصدق به الطريق , ويرجع عشياً فيفطر معهم. [صفة الصفوة 3/ 300].

أبو الدحداح: وشراؤه بحائطه نخلة فى الجنةعن أنس رجلاً قال: يا رسول الله: إن نخلة , وأنا أقيم حائطى بها , فقال له النبى صلى الله عليه وسلم أعطه أياها بنخلة فى الجنة. فأبى. قال: فأتاه أبو الدحداح فقال: بعنى نخلتك بحائطى قال: فأفعل , فأتى النبى صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله , ابتعت النخلة بحائطى فاجعلها له فقد أعطيت لها.فقال: " كم من عذق رداح لأبى الدحداح فى الجنة " قالها مراراً. قال: فأتى امرأته فقال: يا أم الدحداح اخرجى من الحائط فإنى قد بعته بنخلة فى الجنة فقالت: ربح البيع. [الإصابة 7/ 57]عبد الله بن عباس مع ابن عمهحبس معاوية عن الحسين بن على - رضى الله عنهما - صلاته , فقيل:

(1/38)

لو وجهت إلى ابن عمك عبد الله بن عباس , فإنه قدم بنحو ألف ألف , فقال الحسين: وأتى ألف ألف من عبد الله , فوالله لهو أجود من االريح إذا عصفت , وأسخى من البحر إذا زخر , ثم وجه إليه مع رسوله بكتاب اذكر فيه حبس معاوية صلاته عنه , وضيق حاله وأنه يحتاج إلى مائة ألف درهم , فلما قرأ عبد الله كتابه انهملت عيناه , وقال ويلك يا معاوية أصبحت لين المهاد , رفيع العماد , والحسين يشكو ضيق الحال , وكثرة العيال , ثم قال لوكيله: احمل إلى الحسين نصف ما املكه من ذهب وفضة ودواء، واخبره أنى: شاطرته، فغن كفاه وإلا أحمل إليه النصف الثانى، فلما اتاه الرسول قال: إن لله وإن إليه راجعون.وقدم أبو أيوب الأنصارى البصرة، ونزل على إبن عباس ففرغ له بيته الذى كان فيه , وقال: لأصنعته بك كما صنعت برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال: كم عليك من الدين؟ قال: عشرون ألفاً.فأعطاه أربعين ألفاً، وعشرين مملوكاً. فقال: لك مافى البيت كله. [سير أعلام النبلاء 3/ 342].

لا تشعر به امرأته!!يقول زين القراء محمد بن واسع: لقد أدركت رجلاً , كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة , قبل بل ما تحت خده من دموعه , لا تشعر به امرأته , ولقد أدركت رجالاً , يقوم أحدهم فى الصف , فتسيل دموعه على خده , ولا يشعر به الذى إلى جنبه. [حلية الأولياء 2/ 347].

(1/39)

عائشة أم المؤمنين فطارها خبز وزيتعن أم ذره - وكانت تغشى عائشة - قالت: بعث إليها بن الزبير بمال فى غرارتين قالت: أراه ثمانين ومائة ألف , ودعت بطبق وهى يومئذ صائمة, فجلست تقسمه بين الناس , فقامت وما عندها من ذلك درهم , فلما أمست قالت: يا جارية هلمى فطرى , فجاءتها بخبز وزيت فقالت لها أم ذرة: أما استطعت مما قسمت اليوم أن نشترى لنا بدرهم لحماً نفطر عليه؟ فقالت لها: لا تعنقينى لو كنت ذكرتينى لفعلت. [صفة صفة 2/ 29].شربة ماء بثلاثين ألف!!يروى أن عبد الله بن أبي بكر عطش يوماً فى طريقه , فاستسقى من منزل امرأة فأخرجت له كوزاً , أقامت خلف الباب , وقالت: تنحو على الباب , وليأخذه بعض غلمانكم , فإننى امرأة عزب مات زوجى منذ أيام , فشرب عبد الله الماء وقال: يا غلام أحمل إليها عشرة ألاف درهم , فقالت: سبحان الله أتسخر بى؟ فقال: يا غلام أحمل إليها عشرين ألفاً فقالت: أسأل الله العافية، فقال: يا غلام احمل إليها ثلاثين ألفاً، فما أمست حتى كثر خطابها. [المستطرف ص178].لما صدقوا الله , صدقهم!!عن ابن عمر - رضى الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (انطلق ثلاث نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه , فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار , فقالوا: إنه لا ينجيكم من الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم , قال رجل منهم: اللهم

(1/40)

كان لى أبوان شيخان كبيران , وكنت لا أغبق - الغبوق: الشرب ليلا - قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بى طلب الشجر يوما فلم أرم - أرجع -عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قلبهما أهلاًً ومالاً , فلبثت والقدح على يدى أنتظر استيقاظهما حتر برق الفجر والصبية يتضاغون - يصحون من الجوع -؛ عند قدمى , فاستيقظا فشربا غبوقهما. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة , فانفجرت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه.قال الآخر: اللهم إنه كانت لى ابنة عم كانت أحب الناس إلى وفى رواية: كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء - فأردتها على نفسها فامتنعت منى حتى ألمت بها سنة من السنين - السّنة: الجدب -, فجاءتنى فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلى بينى وبين نفسها ففعلت , حتى إذا قدرت عليها.وفى رواية: فلما قعدت بين رجليها , قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه , فانصرفت عنها وهى أحب الناس إلى , وتركت الذهب الذى أعطيتها , اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه , فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.وقال الثالث: اللهم إنى استأجرت أجراً وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذى له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءنى بعد حين فقال يا عبد الله أد! إلى أجرى , فقلت: كل ما ترى من أجرك: من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال يا عبد الله لا تستهزئ بى! فقلت: لا أستهزئ بك , فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً , اللهم إن كنت فعلت

(1/41)

ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه , فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون. [رواه البخاري 2215 , ومسلم 2743].

أبو أمامة ومحبته للصدقةعن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثتنى. قالت: كان ابو أمامة يحب الصدقة ويجمع لها, وما يرد سائلاً ولو ببصلة أو بتمرة أو بشئ ما يؤكل.فأتاه سائل ذات يوم وقد اقتصر من ذلك كله وما عنده إلا ثلاثة دنانير , فسأله فأعطاه ديناراً , ثم أتاه سائل فأعطاه ديناراً , ثم أتاه سائل فأعطاه ديناراً.قالت: فغضبت وقلت: لم تترك لنا شيئاً.قالت: موضع رأسه للقائلة , فلما يؤدى للعصر أيقظته فتوضأ وراح إلى المسجد, فرفقت عليه وكان صائماً , فتقرضت , وجعلت له عشاءً وأسرجت له سراجاً , وجئت إلى فراشه لأمهد له , فإذا يذهب , فعددتها فإذا ثلاثمائة دينار. قلت: واصنع الذى صنع إلا وقد وثق بما خلف.فأقبل بعد العشاء , فلما رأى المائدة , ورأى السراج تتسم وقال: هذا خير من عنده.قالت: قمت على رأسه حتى تعشى. فقلت: يرحمك الله خلقت هذه النفقة سبيل , ولم تخبرنى فأرفعها. قال: رأى نفقة؟! ما خلقت شيئاً.قالت: فرفعت الفراس فلما أن رآه فرح واشتد عجبه.

(1/42)

قالت: فقمت فقطعت زنارى - ما يشد على وسط المجوسي والنصراني - وأسلمت.قال ابن جابر: فأدركتها فى مسجد حمص وهى تعلم النساء القرآن والسنن والفرائض. [حلية الأولياء 10/ 129].

فقيه مصرقال قتيبة: كان الليث يستغل عشرين ألف دينار فى كل سنة , وقال: ما وجبت على زكاة قط. وأعطى الليث ابن لهيعة ألف دينار , وأعطى مالكاً ألف دينار , وأعطى منصور بن عمار الواغط ألف دينار وجارية تسوى ثلاث مئة دينار.قال: وجاءت امرأة إلى الليث , فقالت: يا أبا الحارث , إن ابنا لى عليل , واشتهى عسلاً. فقال: يا غلام أعطها قرطاً من عسل والمرط: عشرون مائة رطل.وقال شعيب بن الليث: خرجت حاجاً مع أبى , فقدم المدينة , فبعث إليه مالك بن أنس يطبق رطب , قال: نجعل على الطبق ألف دينار , وردّه إليه. [حلية الأولياء 7/ 319].

آخر من يرفع يدهقال عبد الرحمن بن مهدى: قلت لأبن المبارك: إبراهيم بن أدهم ممن سمع؟ قال قد سمع من الناس , وله فضل فى نفسه , صاحب سرائر , وما رأيته يظهر تسبيحاً , ولا شيئاً من الخير , ولا أكل مع قوم قط , إلا كان آخر من يرفع يده. [سير أعلام النبلاء 7/ 390].

(1/43)

يصلي وهو على فراش الموتعن عطاء بن السائب قال: دخلنا على أبى عبد الرحمن السلمى وهو يُقضى - أين ينزع - فى المسجد , فقلنا له: لو تحولت إلى الفراش , فإنه أوثر - أوطأ - قال: حدثنى فلان أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزال أحدكم فى صلاة ما دام فى مصلاه ينتظر الصلاة". [الزهد لابن المبارك ص141].

الحية .. الحية!!عن عمر بن قيس , عن أمه: أنها دخلت على ابن الزبير بيته , فإذا هو يصلى , فسقطت حية على ابنه هاشم , فصاحوا: الحية الحية , ثم رموها , فما قطع صلاته. [تهذيب ابن عساكر 7/ 401].مع الربيع بن خثيمكان الربيع بن خثيم إذا سجد كأنه ثوب مطروح , فتجئ العصافير فتقع عليه. وكان - رحمه الله - بعدما سقط شقه يهادى بين رجلين إلى مسجد قومه , وكان أصحاب عبد الله بن مسعود يقولون: يا أبا يزيد , لقد رخص الله لك لو صليت فى بيتك. فيقول: إنه كما تقولون , ولكنى سمعته ينادى: حى على الفلاح , فمن سمع منكم: حى على الفلاح , فليجبه ولو زحفاً , ولو حبواً. [حلية الأولياء 2/ 113].وقال عبد الرحمن بن عجلان: بت عند الربيع بن خثيم ذات ليلة , فقام يصلى , فمر بهذه الآية (÷أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ) (الجاثية: 21). فمكث ليلته حتى أصبح ما جاوز هذه الآية إلى غيرها ببكاء شديد.

(1/44)

وكان أصحابه يعلمون شعره عند المساء - وكان ذا وفرة - ثم يصبح والعلامة كما هى , فيعرف أن الربيع لم يضع جنبه ليله على فراشه.قال سفيان: بلغنا أن أم الربيع بن خثيم كانت تنادى ابنها الربيع فتقول: يا ربيع , ألا تنام؟ فيقول: يا أمه , من جن عليه الليل وهو يحالف البيات , حق له ألا ينام.واشترى - رحمه الله - فرساً بثلاثين ألفاً , فغزا عليها , ثم أرسل غلامه يسار يحتش وقام يصلى , وربط فرسه , فجاء الغلام فقال: يا ربيع , أين فرسك؟ قال: سرقت يا يسار. قال: وأنت تنظر إليها؟ قال: نعم يا يسار , إنى كنت أناجى ربى عز وجل , فلم يشغلنى عن مناجاة ربى شئ , اللهم إنه سرقنى ولم أكن أسرقه , اللهم إن كان غنياً فاهده , وإن كان فقيراً فأغنه. ثلاث مرات. [الزهد لابن المبارك ص231]

إن عاشوراء يفوت!!عن معاذ بن صالح أن أبا جبلة حدثه قال: كنت مع ابن شهاب - الزهرى - فى سفر , وصام يوم عاشوراء , فقيل له: لم تصوم وأنت تفطر فى رمضان فى السفر؟ قال: إن رمضان له عدة من أيام أخر , وإن عاشوراء يفوت. [سير أعلام النبلاء 5/ 342]

إن أيامنا باقية جائية!!وعن عطية بن قيس , قال: دخل ناس من أهل دمشق على أبى مسلم الخولانى وهو غاز فى أرض الروم , وقد احتفر جورة فى فسطاطه , وجعل فيها نطعاً وأفرغ فيه الماء وهو يتصلق فيه , فقالوا: ما حملك على الصيام

(1/45)

وأنت مسافر؟ قال: لو حضر قتال لأفطرت ولتهيأت له وتقويت , إن الخيل لا تجرى الغايات وهن بدن , إنما تجرى وهن ضمر , ألا وإن أيامنا باقية جاثية. [سير أعلام النبلاء 4/ 10]

لا يفطر إلا على رغيفقال صالح بن أحمد: جعل أبى يواصل الصوم , يفطر فى كل ثلاث على تمر شهرين , فمكث بذلك خمسة عشر يوماً , يفطر فى كل ثلاث , ثم جعل بعد ذلك يفطر ليلة وليلة , لا يفطر إلا على رغيف. [مناقب أحمد ص 499].

عروة بن الزبيرقدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك ومعه ابنه محمد , وكان من أحسن الناس وجهاً , فدخل يوماً على الوليد فى ثياب وشئ , وله غديرتان وهو يضرب بيده , فقال الوليد: هكذا تكون فتيان قريش. فعانه - حسده - فخرج من عنده متوسناً , فوقع فى إسطبل الدواب , فلم تزل الدواب تطؤه بأرجلها حتى مات , ثم إن الأكلة وقعت فى رجل عروة , فبعث إليه الوليد الأطباء , فقالوا: إن لم تقطعها , سرت إلى باقى الجسد فتهلك. فعزم على قطعها , فنشرها بالمنشار , فلما صار المنشار إلى القصبة وضع رأسه على الوسادة ساعة , فغشى عليه , ثم أفاق والعرق يتحدر على وجهه وهو يهلل ويكبر, فأخذها وجعل يقبلها فى يده , ثم قال: أما الذى حملنى عليك , إنه ليعلم أنى ما مشيت بك إلا حرام , ولا إلى معصية , ولا إلى ما لا