722
ه، ج ق ف ل ول ا ص ا ي ف ي فا الك2 ، ص:5 ي ن ا ث ل ء ا ز# ج ل ا ل م ع ل ي ا عل ه ن ث# من ل ول ا ص الأ ي ف ي ن ا ث ل م ا س ق ل ا ها ئ ا ث6 ن# ب ه لأ ي ل8 ا زة: ظ ا ث ل ل و ا م ع ل ي ا عل ه ن ث# من ل ا ات ري# كب ل ا ها# ئ راد م ل ا ن ول ا ص م الأ عل ث ح ا# ث م ل د ث ه م ت ل ا ي ف ق# ب س د و ق ول م الأ س ق ل ل ا# ب ا ق م ي ف، ه ي ل م ع ل ول ا ص و الأ ج# ج ج ل ا ث ح ا# ث م ي ه ما. و ه وارد م د حدي ت و ر ب# ج, ن لنر و ا ي عد ت ل ي ا عل مه ت م ض# ب و ا ها ع و ص و م ه ي ص و ص خ ل ها لي ع# ب ت ر ب ي ما ن8 ، و ا ها س ق ت# ب ل م ع ل ا ن م ض ت6 ب لأ ه ي ع ق وا مدركات ن ع ه ي ف وت ح# ن م ل ا ها. عي ارج ر خ م ا د ث ه م ن ن ا ما8 ا ق ي ن ا ث ل ي ا عل و لأ، و ا و عدما ودا ا# ج ه و ي ف ع ط ق ل له ا ل ص خ ت ن ا ما8 ا ي ع ر ش م حك ل ث ق ت ل ا ن م ن ي ا ف ح ت لأ ي، و ل و الأ ورة ص ل ا ي ف ع ط ق ل ا عه# اب ث م# وت# ج و ي فال ك ش8 و لأ. و لأ ا ه ا ي ل ع- رعا ش و لأ ا ق ع رة# ب ت ع م ل ا ه# ج ج ل دة ا ث ع وم ف ب ل# خ ا ن م م حك ل ا ن ع ص خ ف ل ا# وت# ج ي و عل ي ل ق ع و ا ي ع ر ش ل ث ل دل د ن8 ا ق ة ي ل ا ث ل ا ي ف ما . و ا ه ي ب ا ث ل ا ي ف ه# ج ج ل ا عه# اب ث م ه ي ل م ع ل ا ه ق ت: ظ و ل ل وع# ج ر ل ا ن عي ت ه ل ما ك ث س و لأ ل صو خ ف ل ا# ث# ج ت م ل ن8 ، و ا ن عي ب ه ي ل ع ه# ج ج ل ل ا ث ص خ ت و ه ا# م ي عل ل ول ا ص ح م. ه ح صطل م ي ف ل ص الأ# ها ي عي ر# عب م ل ا ي ه ، و ه ي ل ق ع ل و ا ا ه ي ع ر ش ل ا ي ف ك ش ل ك• ا ش ل ا ا ش من ون ك ن ي# ب رة، و لأ ب غ و- ف ت ل ك ت ل ا# ه ي ي ع ر# عب م ل ا ت م ا ر ل8 م الأ حك ل ا ن ي# ب لك د ي ف رق ف دون ن م ف ت ل ك ت ل ل عامه ل روط ا ش ل ا ق ف ح ت ه، ج ق ف ل ول ا ص ا ي ف ي فا الك2 ، ص:6

…  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

  • Upload
    others

  • View
    3

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

5، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالجزء الثاني

القسم الثاني في األصول المبتنية على العمل و قد سبق في التمهيد لمباحث علم األصول أن المراد بها الكبريات المبتنية على

العمل و الناظرة إليه البتنائها على التعذير و التنجيز و تحديد مواردهما. و هي مباحث الحجج و األصول العملية، في مقابل القسم األول المبحوث فيه عن

مدركات واقعية ال تتضمن العمل بنفسها، و إنما يترتب عليها لخصوصية موضوعها أوبضميمة أمر خارج عنها.

تمهيد ال يخفى أن من التفت لحكم شرعي إما أن يحصل له القطع فيه وجودا أو عدما أو ال، و على الثاني فإما أن تقوم عنده الحجة المعتبرةعقال أو شرعا- عليه أو ال. و ال إشكال في وجوب متابعة القطع في الصورة األولى، و متابعة الحجة في الثانية. و أما في الثالثة فإن دل دليل شرعي أو عقلي على وجوب الفحص عن الحكم من

أجل حصول العلم به أو تحصيل الحجة عليه تعين، و إن لم يجب الفحصو لو الستكمالهتعين الرجوع للوظيفة العملية الشرعية أو العقلية، و هي المعبر عنها

باألصل في مصطلحهم. من دون فرق في ذلك بين الحكم اإللزاميالمعبر عنه بالتكليف- و غيره، و ال بين

كون منشأ الشك الشك في تحقق الشروط العامة للتكليف6، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و غيره، و ال بين كون الشاك هو المجتهد و غيره، و ال بين رجوع الشك للشبهة الحكمية و رجوعه للشبهة الموضوعية. و ما قد يظهر من بعضهم من قصر موضوع

القضية ببعض األقسام في غير محله، بعد عمومها و بداهتها في نفسها عقال. نعم لما كان الغرض من علم األصول هو استنباط األحكام الفرعية عن أدلتها

التفصيلية اختص موضوعه بشك الواجد لملكة االجتهاد من جهة الشبهة الحكمية. إال أن ذلك ال يقتضي تخصيص القضية المذكورة بعد عمومها في نفسها و سوقها في

المقام لإلشارة اإلجمالية لمباحث هذا القسم. هذا و حيث كانت الكبرى المذكورة بديهيةلما سيأتي من بداهة متابعة القطع، و كذا

الحجة و األصل في موردها، ألنه مقتضى جعلهمافالمهم تشخيص موضوعها وصغرياتها.

لكن ال مجال لضبط موارد القطع بالحكم، ألنه أمر تكويني تابع ألسبابه التكوينية غير المنضبطة. نعم تقدم في مباحث المالزمات العقلية الكالم في تحققه في موارد

التحسين و التقبيح العقليين، إال أنه ال يستوفي موارده. و من ثم ال مجال للكالم فيه هنا، بل يختص الكالم في المقام بتشخيص الحجج و

األصول العملية و تحديد مفادها و مواردها، ليرجع إليها مع عدم القطع، ألنها حيثكانت تابعة لجعل الشارع و حكم العقل تيسر ضبطها في الجملة بالنظر في أدلتها. كما أنه حيث كان كل من الحجج و األصول قد تتعارض تبعا لعموم أدلتها بدوا تعين

الكالم في تحديد موارد التعارض و أحكامه، و كان البحث عنه في جملة مقاصد هذا القسم، و ال وجه لجعله خاتمة للبحث في هذا القسم بعد كونه كسائر مباحثه مما

يتوقف عليه االستنباط و تقع كبريات مسائله مقدمة له،

Page 2: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

7، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جبل يتعين كونه من المباحث األصلية فيه.

كما ال وجه لجعله من جملة مباحث الحجج بعد عموم جملة من مباحثه لألصول، بليتعين البحث فيه مستقال عنهما.

و من هنا كانت مقاصد هذا القسم ثالثة:األول: في الحجج.

الثاني: في األصول.الثالث: في التعارض.

و من المناسب التعرضتبعا لغير واحدلبعض المباحث المتعلقة بالقطع، و التي قد تجري في غيره من الحجج و األصول من غير حيثية تشخيص صغرياتهما. حيث ال

تخلو من فائدة تناسب المقام، و تكون مقدمة للمقاصد األصلية في هذا القسم. ومنه سبحانه نستمد العون و التوفيق و هو حسبنا و نعم الوكيل.

8، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جمقدمة في القطع

و فيها فصول ..الفصل األول في حجية القطع

و المراد بالحجية .. تارة: محض لزوم المتابعة في مقام العمل. و أخرى: ما يناسب المنجزية المستتبعة الستحقاق العقاب بالمخالفة، و المعذرية المستتبعة لألمان منه مع الموافقة و لو مع الخطأ و عدم الوصول للواقع. و يظهر

من بعض كلماتهم في المقام التالزم بين األمرين أو الخلط بينهما، و إن صرحوابعدم التالزم بينهما في غير المقام، بل أشار بعضهم إلى ذلك في المقام.

و من هنا ينبغي الكالم في مقامين:المقام األول: في متابعة القطع

و ال إشكال بينهم في لزومها و إن اختلفوا في تقريبه. و لعل األولى أن يقال: بعد فرض كون الواقع الذي يتعلق به القطع موردا لعمل المكلفإلزاما كان أو

غيرهفمن البديهي أنه ليس علة تامة للعمل، ألن العمل أمر اختياري، و االختيار موقوف على االلتفات للجهات المناسبة له من الدواعي و غيرها. و مع االلتفات

للواقع و وصوله ال بد من ترتب العمل المناسب له، إذ ليس وراء9، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الوصول شيء، و حيث كان القطع بنفسه وصوال للواقع تعين متابعته، لتحقق شرط العمل به. و من هنا كانت متابعته من لوازم ذاته تكوينا، و ال تحتاج لجعل من

الشارع، بل يكون الجعل لغوا، لعدم استناد العمل له، كما ال تحتاج إلى حكم العقل زائدا على مقتضى الذات، ألن حكم العقل إنما يتجه مع إمكان التخلف، ال مع لزومه

تكوينا. و هذا بخالف غيره من الطرق، فإنها لما لم تكن بنفسها وصوال للواقع و ال موصلة لهالحتمال الخطأ فيهاتوقف وجوب متابعتها على أمر خارج عنها من حكم عقلي أو

شرعي.

Page 3: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

كما ال مجال للردع عن متابعة القطع، إذ عدم متابعته إن كان لعدم كون الواقع موردا للعمل فهو خارج عن محل الكالم، لفرض عدم تصرف الشارع في الحكم

المعلوم برفعه أو نسخه أو تقييده بحال خاص غير متحقق مع القطع. و إن كان لعدم كونه وصوال للواقع فهو مخالف لمقتضى ذات القطع، ألن القطع

عين الوصول للواقعو لو بنظر القاطعو به قوام ذاته. و إن كان العتبار أمر آخر في فعلية العمل بالواقع زائدا على وصوله فهو خالف مقتضى فطرة اإلنسان، بل كل

ذي شعور، حيث ال يحتاج في فعلية العمل بالواقع إلى أكثر من وصوله. و لو فرض منه عدم ترتيب األثر عليه بوصوله فليس هو لعدم كفاية الوصول بنظره في فعلية

العمل، بل لقصور الواقع الواصل عن مقام العمل، إما لعدم كونه مقتضيا له بنظره،أو لكونه مزاحما بما يمنع من تأثيره من شهوة أو غضب أو غيرهما.

و من ثم تكون المخالفة ارتكاز اكالموا فقة مع العلم للواقع المعلوم، ال للعلم بنفسه، بل ال يلتفت للعلم في مقام الموافقة أو المخالفة، و يكون مغفوال عنه

حينها، بخالف غيره من الطرق، فإنها ملحوظة في مقام الموافقة في طول الواقع،كما أن المخالفة معها تكون .. تارة: مخالفة للواقع الذي قامت عليه،

10، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و أخرى: مخالفة للطريق نفسه، مع كون الواقع كافيا في العمل لو وصل بطريق

آخر. و بذلك يظهر أن لزوم متابعة القطع إنما هو بمعنى ال بديتها تكوينا في ظرف كون

الواقع موردا للعمل عند القاطع، ال بمعنى وجوبها شرعا أو عقال، كما في الطرق، و أن التخلف عنه إنما هو لعدم كون الواقع موردا للعمل عنده و لو لمزاحمته بجهات

أخرى شهوية أو غضبية أو غيرهما. كما ظهر أن إطالق الطريق على القطعكما في بعض كلماتهمال يخلو عن تسامح أو

إشكال، ألن الطريق هو األمر الموصل للواقع، و القطع بنفسه وصول له. نعم قديكون سبب القطع طريقا للواقع كالخبر المتواتر.

كما ال مجال إلطالق الحجة على القطع، ألن الحجة هي األمر الذي يعتمد عليه في مقام العمل إلثبات متعلقه و البناء عليه، و القطع عبارة عن ثبوت الواقع و وصوله،

ال أنه مثبت للواقع و موصل له، بل ال يكون ملحوظا في مقام العمل و ال ملتفتا إليه، كما سبق. إال أن يراد بالحجة ما يناسب المنجزية و المعذرية، التي يأتي الكالم

فيها في المقام الثاني إن شاء الله تعالى.بقي في المقام أمور ..

]األمر األول االستدالل على حجية القطع بلزوم التناقض[ األول: استدل غير واحد تبعا لشيخنا األعظم قدس سره على لزوم متابعة القطع و امتناع ردع الشارع عنه بأن الردع مستلزم للتناقض في الواقع أو في نظر القاطع،

ألن المكلف إذا قطع بحرمة شيء فنهي الشارع له عن العمل بقطعه و ترخيصه في ارتكابه موجب للتناقض و لو في نظره بين الواقع المقطوع به و الترخيص

الشرعي المذكور. و فيه: أوال: أن بطالن التناقض لم يبلغ إال مرتبة القطع، فاالستدالل به موقوف على

امتناع الردع عن حجية القطعو إال أمكن الردع عن القطع الحاصل11، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 4: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

بهفكيف يمكن االستدالل به على امتناع الردع عنه. و ثانيا: أن الردع عن العمل بالقطعكالردع عن العمل بالظنال يرجع إلى الترخيص على خالف الواقع المقطوع به، بل إلى مجرد عدم حجيته، و هو ال يناقض الواقع

بوجه. نعم قد يستفاد الترخيص من الطرق و األصول الشرعية التي تجري مع عدم الحجة، و كما أمكن جمع مفادها مع الواقع المظنون أو المحتمل على ما يأتي في

مبحث الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري أمكن جمعه مع الواقع المقطوع به، إال مع المفروغية عن حجية القطع و امتناع الردع عنه التي يستغنى معها عن االستدالل

المذكور.الثاني: أن هذه المسألة خارجة عن المسائل األصولية،

ألن المعيار في المسألة األصولية وقوعها في طريق استنباط الحكم الشرعي الفرعي، لكونها إحدى مقدمات القياس المنتج له، و القطع بنفسه وصول للحكم ال

مقدمة للوصول إليه، فهو عبارة عن العلم بالنتيجة المغني عن تكلف القياس المنتجلها، و الحكم معه كالحكم بعد االستنباط.

الثالث: أن موضوع الحسن و القبح الفعليين هو الواقع المقطوع به، ألنه موضوع اآلثار و المالكات و األغراض المستتبعة للحسن و القبح، و لذا ال يكون

القطع الطريقيالذي هو محل الكالممأخوذا في موضوع الكبريات العقلية و الشرعية، بل موضوعها الواقع بنفسه، و ليس القطع إال محققا لشرط العمل التابع لالختيار،

فهو محقق لشرط العمل بالنتيجة ال شرط في موضوع الكبرى. نعم حيث كان الحسن و القبح الفاعليان تابعين لالختيار الذي هو المعيار في المدح و الذم و كان االختيار تابعا للقطع كان القطع دخيال فيهما، مطلقا و إن كان خطأ و

جهال مركبا، من دون أن يكون دخيال في الحسن و القبح الفعليين، و إن أوهمت ذلككلمات بعضهم.

12، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالمقام الثاني: في منجزية القطع و معذريته

و ال إشكال عندهم في ثبوتهما للقطع في الجملة. و إن كان الظاهر أن المعيار فيهما أمر آخر قد يجتمع مع القطع، فمعيار المعذرية قصور الواقع عن الداعوية

عقال إما للغفلة المطلقة عنه ال عن تقصير، أو للقطع بخالفه كذلك، أو لوجود المؤمن منه من دليل معتبر أو أصل، المتناع داعويته في الصورتين األوليين، لتوقف

داعوية الداعي على االلتفات له المفقود فيهما، و في الثالثة و إن أمكنت داعويته بسبب االلتفات إليه إجماال، إال أن وجود المؤمن منه مسقط له عن فعلية الداعوية

عقال. أما المنجزية فالمعيار فيها بلوغه مرتبة الداعوية، إما مع فعليتها بسبب القطع به أو قيام الدليل أو األصل المعتبر عليه، أو بدونها للغفلة المطلقة عنه أو القطع بعدمه

عن تقصير، ألن عدم فعلية داعويته حينئذلعدم االحتمال الذي هو شرط في داعوية الداعيلما كان مسببا عن تقصير المكلف فهو ال ينافي بلوغه مرتبة الداعوية عقال. و ال سيما مع كون التقصير مستلزما لاللتفات إليه إجماال، ألنه إنما يكون مع االلتفات

إلى وجود أحكام في الشريعة يجب الخروج عنها، و مثل هذا االلتفات كاف فيالتنجيز بعد عدم المؤمن بسبب التقصير.

Page 5: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و بذلك يظهر مالزمة القطع بالواقع لتنجزه، و عدم معذرية القطع بخالف الواقع معالتقصير.

13، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالفصل الثاني في التجري

وقع الكالم في استحقاق العقاب بمخالفة التكليف المقطوع به مع خطأ القطع واقعا و كونه جهال مركبا و هو المعروف عندهم بالتجري. و كلمات شيخنا األعظم قدس

سره مضطربة في تحديد محل النزاع، و ما يستفاد من مجموع كلماتهم أن النزاع .. تارة: في ثبوت التكليف واقعا في مورد القطع المذكور، بحيث يكون مخالفته

معصية حقيقية. و أخرى: في حرمة التجري شرعا، و هو نفس القصد للمعصية في ظرف الجري عليه بفعل ما يعتقد كونه معصية، و إن لم يكن الفعل بنفسه محرما، لفرض خطأ

القطع. و ثالثة: في استحقاق العقاب بالتجري المذكور و إن لم يكن معه معصية حقيقية،

لكون موضوع استحقاق العقاب عقال أعم منه و من المعصية الحقيقية، و ال يختصبالمعصية.

فالكالم في مقامات ثالثة.المقام األول في ثبوت التكليف واقعا في مورد القطع المذكور، و لو بعنوان ثانوي

و قد يقرب بوجوه .. األول: أن موضوع التكاليف الواقعية في ظاهر األدلة بدوا و إن كان هو العناوين

الواقعيةكالخمر و الكذبإال أنه ال بد من صرفه إلى ما يعتقد المكلف14، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بانطباق العناوين عليه و إن كان خطأ، حيث ال بد من تعلق التكليف بما هو مقدور للمكلف بنحو يقتضي تحرك االختيار و اإلرادة نحوه، فالمطلوب الحقيقي للمولى هو

اختيار المكلف و إرادته للفعل. و حيث كان تمام الموضوع لإلرادة و االختيار هو الصور الذهنية لزم صرف التكليف

بالعناوين الواقعية إلى التكليف باالختيار المتعلق بالصور الذهنية الحاصلة مع القطع، فمرجع التكليف بحرمة الخمر و وجوب الصالة مثال إلى التكليف باختيار ترك ما

يقطع بكونه خمرا، و باختيار فعل ما يقطع بكونه صالة مثال، سواء كان القطع صواباأم خطأ.

و فيه أوال: أنه مختص بما إذا كان الخطأ في الموضوع ذي الحكم الثابت، كاألمثلة المتقدمة، دون ما إذا كان في نفس الحكم، كما لو قطع خطأ بحرمة عصير الزبيب، حيث ال حكم واقعا ليدعى عمومه لمورد الخطأ. و أنه يستلزم إجزاء ما يقطع خطأ

بأنه من أفراد الواجب، و ترتب بقية آثار العنوان المقطوع به خطأ، كالكفارة و الحد و نحوهما مما تضمنت األدلة ترتبه على موضوع التكليف ... إلى غير ذلك مما ال

يمكن البناء عليه. و ثانيا: أن اعتبار القدرة في التكليف ال يستلزم كون المكلف به هو إعمال االختيار، ليدعى كون موضوع االختيار هو الصور الذهنية و إن لم تطابق الواقع، بل يكفي فيه كون القدرة قيدا في التكليف مع كون المكلف به هو الواقع، كما هو ظاهر األدلة و

Page 6: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

المناسب لكونه مورد األغراض و المالكات. و أما إعمال االختيار لتحصيل الواقع فهومن شئون امتثال التكليف بالواقع من دون أن يكون بنفسه موردا للتكليف.

الثاني: أن القطع بكون شيء ما معصية يستلزم القبح الفاعلي بفعله، كما سبق فيآخر الفصل السابق، بل يأتي أنه يوجب القبح الفعلي، حيث يكون

15، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الفعل بنفسه تمردا على المولى و انتهاكا لحرمته و خروجا عن مقتضى العبودية له، و القبح المذكور كاشف عن حرمة الفعل شرعا، لقاعدة المالزمة بين الحكم العقلي

و الحكم الشرعي التي ال إشكال فيها مع كون الفعل علة تامة في القبح، كما فيالمقام.

و فيه: أن الحسن و القبح المستلزمين للتكليف شرعا هما التابعان لذات العمل أو للمالكات الثابتة فيه، دون ما ينشأ من التكليف الشرعي و يترتب عليه بعنوان ثانوي

كالطاعة و المعصية و االنقياد و التجري و نحوها مما يتفرع على التكليف، حيث الإشكال في عدم استتباعه التكليف، و إال لتسلسل.

الثالث: أنه مقتضى األدلة الشرعية التعبدية، حيث ادعي اإلجماع على أن من اعتقد أو ظن ضيق الوقت فأخر الصالة عصى و إن انكشف سعته، و على أن من سلك طريقا يقطع أو يظن بترتب الضرر عليه عصى و وجب عليه االتمام و إن انكشف عدم الضرر. و في موثق سماعة: »سألته عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر فقال أحدهما هو ذا، و قال اآلخر: ما أرى شيئا. قال: فليأكل الذي لم يستبن ]يتبين[ له

كلوا والفجر، و قد حرم على الذي زعم أنه رأى الفجر، إن الله عز و جل يقول:ن لكم الخيط األبيض من الخيط األسود من الفجر ى يتبي ، فإن«1 »«اشربوا حت

مقتضى إطالقه ثبوت الحرمة في حق من زعم أنه رأى الفجر و إن كان مخطئا. لكن الجميعمع اختصاصه بموردهال ينهض بالمدعى، لعدم ثبوت اإلجماع المذكور

بنحو يصلح للحجية، و ال سيما مع تصريح العالمة في محكي التذكرة بعدم المعصية بتأخير الصالة مع ظهور سعة الوقت، و عن النهاية و البهائي من التوقف في ذلك،

بل عن الشهيد في محكي قواعده التنظر في تأثير______________________________

من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت االمساك48 باب: 7( الوسائل ج: 1 ).1حديث:

16، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالتجري العقاب و الذم فضال عن التحريم الشرعي.

مع قرب كون مراد المجمعين بالمعصية مجرد التمرد على المولى، دون المعصية الحقيقية التي هي عبارة عن مخالفة التكليف الشرعي، أو ابتناء كالمهم على كون

القطع و الظن في المقام موضوعيين ال طريقيين، فيخرج عن محل الكالم منالتجري الذي هو عبارة عن مخالفة القطع الطريقي مع الخطأ.

و أما الموثق فاالستدالل فيه باآلية الشريفة موجب لكون المراد به ما يطابقها، و حينئذ فالتبين فيها إن كان هو تمام الموضوع الواقعي للحرمة كان القطع موضوعيا، و كان التحريم في حق من زعم أنه رأى الفجر واقعيا خارجا عن باب التجري، و إن كان الموضوع الواقعي هو طلوع الفجر و التبين طريق منجز له من دون أن يكون

دخيال في الموضوع كان حكمه عليه السالم بالحرمة في حق من زعم أنه رأى

Page 7: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الفجر ظاهريا راجعا إلى تنجز طلوع الفجر عليهكما هو مفاد اآلية الشريفةمن دون نظر للحرمة الواقعية، ليدل على التحريم واقعا مع خطأ القطع الطريقي الذي هو المعيار في التجري. و هناك بعض الوجوه غير ما تقدم ال مجال إلطالة الكالم فيها

مع ضعفها. بل ضعف القول المذكور ارتكازالعدم مناسبته لفرض الخطأ جدا- مغن عن إطالة

الكالم فيه لو ال مجاراة األعالم في المقام.المقام الثاني: في كون نفس التجري بما هو أمر نفسي محرما

و ربما يظهر من بعضهم امتناع تحريمه شرعا، لكونه خارجا عن االختيار، ألنه عبارةعن القصد و العزم، فلو كان تابعا لالختيار لزم التسلسل في االختيار.

و يشكل بأن التسلسل إنما يقتضي عدم توقف االختيار على االختيار، و ال ينافيوقوع االختيار تحت االختيار في الجملة، بحيث يمكن إعمال

17، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج االختيار في فرد منه يكون موردا للتكليف، و لذا ورد الحث على نية الخير و الردع

.«1 »عن نية الشر فاألولى توجيه عدم وقوعه موردا للتكليف بأن المحرم إن كان هو مطلق العزم على المعصية و لو مع اإلصابة لزم تعدد المعصية في صورة اإلصابة، و ال يظن

التزام أحد به، و إن كان خصوص العزم الخاطئ فهو بسبب امتناع االلتفات إليه حين وجوده يلغو تحريمه و ال يصلح للداعوية. و منه يظهر لزوم حمل ما دل على الحث على نية الخير و الردع عن نية الشر على اإلرشاد حتى لو استتبع الثواب و

العقاب، لما يأتي من عدم مالزمتهما للتكليف.المقام الثالث في استحقاق العقاب بالتجري مع عدم التكليف المولوي

و مرجعه إلى عدم اختصاص موضوع االستحقاق بالمعصية الحقيقية، بل يعمالتجري، فتكون المسألة عقلية صرفة، بخالفها على الوجهين األولين.

و عن السبزواري توجيه ذلك بأنه ال فرق بين المعصية الحقيقية و التجري إال في إصابة الواقع و عدمها، و ال يكون ذلك معيارا في استحقاق العقاب، لخروجه عن

االختيار، و ليس األمر االختياري إال اإلقدام على ما يعتقد كونه معصية، و هو مشتركبين األمرين.

و يندفع بأن ذلك إنما يمنع من كون إصابة الواقع هي العلة التامة في استحقاق العقاب، و ال يستلزم كون العلة التامة له هي القصد إلى المعصية، بل يمكن دعوى:

أن المقتضي لالستحقاق هو الواقع و القصد إلى المعصية شرط له متمم لعلته، فعدم االستحقاق مع التجري لعدم المقتضي له، ال لكون العلة التامة هي إصابة

الواقع الخارجة عن االختيار.______________________________

من أبواب مقدمة العبادات.7، 6 باب: 1( راجع الوسائل ج: 1 )18، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

نعم الظاهر قضاء المرتكزات العقالئية بأن المعيار في استحقاق العقاب هو التمرد على المولى و هتك حرمته و مجاهرته بذلك في مقام العمل، و هو حاصل مع

المعصية الحقيقية و التجري بنحو واحد، و ال خصوصية إلصابة الواقع في ذلك، و هو الحال في جميع الحقوق العقلية و العرفية، فإن مقتضاها عدم تعمد الخروج عليها،

Page 8: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

بحيث يعد المقدم على ذلك مخالفا لمقتضاها و إن كان مخطئا في تحقق موضوعها،و يترتب عليه ما يترتب على مخالفها حقيقة من الذم و المؤاخذة.

و يناسب ذلك ما تضمن ثبوت العقاب بفعل مقدمات الحرام، مثل ما تضمن أنه إذا تالقى المسلمان بالسيف فالقاتل و المقتول في النار، معلال دخول المقتول النار

»، و ما تضمن عقاب غارس الخمر و عاصرها و معتصرها«1 »بأنه أراد قتل صاحبه2».

و كذا ما تضمن أن نية الكافر شر من عمله، معلال في بعضه بأنه ينوي و يأمل من ، و ما ورد من تعليل خلود أهل النار فيها بأن نياتهم كانت في«3 »الشر ما ال يدركه

، و ما ورد من أنه يكتب للكافر في«4 »الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا ، و ما ورد من حرمة الرضا«5 »سقمه من العمل السيئ ما كان يكتب في صحته . فإن ذلك يقتضي باألولوية«6 »بفعل الحرام و مشاركة الراضي للفاعل في اإلثم

العرفية استحقاق المتجري للعقاب الذي زاد على نية الحرام______________________________

.1 من أبواب جهاد العدو حديث: 67 باب: 11( الوسائل ج: 1 ) من أبواب األشربة المحرمة.34 باب: 17( راجع الوسائل ج: 2 ) من أبواب مقدمة العبادات.6 باب: 1( راجع الوسائل ج: 3 ).4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 6 باب: 1( الوسائل ج: 4 ).5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 7 باب: 1( الوسائل ج: 5 ) من أبواب األمر و النهي و ما يناسبهما من كتاب5 باب: 11( راجع الوسائل ج: 6 )

األمر بالمعروف و النهي عن المنكر.19، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بالقصد لفعله..«1 »و ال ينافيه ما تضمن أن نية السيئة ال تكتب على العبد حتى يفعل

لظهوره في النية بمعنى العزم السابق للعمل، ال القصد المقارن له المناسب للتجري، و في التفضل على المؤمن غير المنافي لالستحقاق الذي هو محل الكالم.

و كيف كان فال معدل عما ذكرنا من قضاء المرتكزات العقلية باستحقاق العقاببالتجري.

و ال يهم مع ذلك الكالم في أن قبحه فاعلي فقط أو فعلي أيضا. و إن كان الظاهر الثاني، و أن العمل بنفسه يكون قبيحا بعنوانه الثانوي بلحاظ كونه هتكا لحرمة

المولى و خروجا عن مقتضى العبودية له، فيكون ظلما له كالمعصية الحقيقية، كماصرح به بعض األعيان المحققين.

إن قلت: الزم ذلك مزاحمة القبح المذكور للمالك الواقعي المقتضي للحكم الواقعي في الفعل المتجرى به إذا كان اقتضائيا منافيا له، كما لو كان التجري بفعل الواجب

أو المستحب الواقعي، و معه يتعين فعلية األقوى منهما و تساقطهما مع التساوي، و هو نحو من التصويب. و أيضا تأكد القبح المذكور بالقبح الواقعي لو لم يكن منافيا له، كما لو صادف محرما آخر غير ما قصد. بل تأكد القبح في المعصية الحقيقية،

بخالف ما لو كان قبح التجري فاعليا فقط، فإنه مع تعدد موضوع الحسن و القبح ال مجال للتزاحم و التأكد، بل يبقى الحسن أو القبح الواقعي قائما بموضوعه و هو

الفعل، و القبح الناشئ من القصد للمعصية قائما بموضوعه، و هو الفاعل.

Page 9: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

قلت: التزاحم و التأكد بين الجهات المقتضية للحسن و القبح إنما يكونان مع تناسباآلثار التابعة لها أو تضادها، كما هو الحال في جهات الحسن و القبح

______________________________ من أبواب مقدمة العبادات.6 باب: 1( راجع الوسائل ج: 1 )

20، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الواقعية الثابتة في األفعال بعناوينها األولية أو الثانوية، ألن آثارها لما كانت هي

األحكام الشرعية العملية، فمع تناسب األحكام الناشئة من جهات الحسن و القبح المجتمعة في الفعل الواحد يلزم التأكد، و مع تضادها يلزم التزاحم المستتبع

للتساقط أو الترجيح. أما مع عدم التناسب و ال التضاد بين اآلثار فال مجال للتأكد و ال للتزاحم، بل تستقل كل جهة بأثرها، كما هو الحال في المقام، فإن أثر الحسن و

القبح الواقعيين هو الحكم الشرعي المناسب ألحدهما، و أثر القصد للمعصية الذي به قوام التجري، و به يكون الفعل تمردا على المولى و هتكا لحرمته و ظلما له هو

استحقاق الذم و العقاب، و ال سنخية بين األثرين، ليلزم التأكد أو التزاحم، كما يظهربأدنى تأمل.

بقي في المقام أمور ...األول: أن التجري ال يختص بالقطع،

بل يجري في غيره من موارد تنجز التكليف المستند للطريق أو األصل الشرعي أو العقلي، مع عدم ثبوت التكليف واقعا. و ظاهر شيخنا األعظم قدس سره تحقق

التجري حينئذ سواء أقدم المكلف برجاء تحقق المعصية أم لعدم المباالة بذلك أمبرجاء عدم تحققها.

و ادعى بعض األعاظم قدس سره أن التجري في الصورة الثالثة ليس باإلضافة إلى الحكم الواقعي، بل باإلضافة إلى الطريق نفسه. و يشكل بأن األحكام الطريقية ال تكون موضوعا لإلطاعة و المعصية إال في طول األحكام الواقعية مع كون موضوع العقاب و الثواب هو األحكام الواقعية ال غير. و حينئذ إن أراد بالتجري في الطريق

مجرد تعمد المخالفة، فمن الظاهر أن مخالفته في الفرض المذكور حقيقية ال خطيئة لتكون تجريا، و إنما الخطأ في الحكم الواقعي المنجز بها. و إن أراد به تعمد

المخالفة لما هو موضوع العقاب و الثواب فهو مختص بالحكم الواقعي المنجز بها. و من هنا كان الظاهر أن التجري في الجميع بلحاظ الحكم الواقعي، كاستحقاق

العقاب، ألن تعمد مخالفته في ظرف تنجزه تمرد على21، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المولى و انتهاك لحرمته و إن لم يكن ثابتا واقعا. نعم إذا ابتنى ذلك على تجاهل طريقية الطرق كبرويا و عدم اإلذعان بها كان محرما أيضا، بلحاظ الرد للحكم

الشرعي، عكس التشريع. الثاني: كما يقبح التجري و يكون منشأ الستحقاق العقاب يحسن االنقياد و يكون

منشأ الستحقاق الثواب،و هو اإلقدام على موافقة التكليف المقطوع أو المحتمل مع عدم ثبوته واقعا.

غايته أن استحقاق الثواب معه كاستحقاقه مع الطاعة الحقيقيةالتي هي عبارة عن موافقة التكليف الثابتليس بمعنى لزومه على المولى، نظير لزوم األجر على األجير، ألن ذلك ال يناسب استحقاق المولى للطاعة على العبد، بل الظاهر تبعا للمرتكزات

Page 10: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

العقالئية صيرورة المكلف مع الطاعة أو االنقياد أهال للتفضل عليه من قبل المولىبالثواب، و ليس ثوابه ابتداء تفضل، كالتفضل على غير المطيع أو على العاصي.

هذا و ال إشكال في لزوم االنقياد ظاهرا مع تنجز التكليف بمالك لزوم الطاعةالحقيقية من شكر المنعم أو دفع الضرر أو غيرهما.

و أما مع عدم تنجزه فهو و إن لم يكن الزما، إال أنه حسن بمالك االحتياط للواقع،على ما يأتي الكالم فيه في مباحث أصل البراءة إن شاء الله تعالى.

الثالث: ]مقدار العقاب و الثواب على التجري و االنقياد[ أن استحقاق العقاب مع التجري و الثواب مع االنقياد عقال ال يرجع إلى استحقاق

العقاب و الثواب الموعودين من قبل المولى بعد أن كان موضوع الموعود هو الواقع ال غير، بل المتعين استحقاقهما في الجملة مع إيكال مقدارهما للمولى

األعظم الواسع الرحمة و المحيط بمقتضى الحكمة.22، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الفصل الثالث في تقسيم القطع إلى طريقي و موضوعي القطع باإلضافة إلى الحكم .. تارة: ال يكون دخيال فيه، بل هو متمحض في كونه

وصوال لمتعلقه، مع كون تمام الموضوع للحكم أمرا آخر، فيترتب الحكم واقعا تبعالذلك األمر و إن لم يحصل القطع بالحكم.

و أخرى: يؤخذ في موضوع الحكم فال يترتب الحكم إال تبعا له و في رتبة متأخرةعنه. و يطلق على األول القطع الطريقي، و على الثاني القطع الموضوعي. و بذلك يظهر أن القطع الواحد قد يكون طريقيا محضا باإلضافة إلى حكم و

موضوعيا باإلضافة إلى آخر، تبعا ألدلة األحكام المختلفة.هذا

و ينبغي الكالم تبعا للتقسيم المذكور في أمرين:األمر األول: ]امتناع أخذ القطع في متعلقه[

تقدم أن القطع عبارة عن وصول متعلقه للقاطع، فهو نحو من اإلضافة القائمة بين القاطع و األمر المقطوع به متأخر عنهما رتبة تأخر اإلضافة عن أطرافها، فيمتنع أن

يكون دخيال في تحقق متعلقه من حكم أو موضوع. و من هنا يتعين كون القطع باإلضافة إلى متعلقه طريقيا، و ال يكون موضوعيا إال باإلضافة إلى حكم مباين

لمتعلقه متأخر عنه و عن متعلقه. و الزم ذلك امتناع تقييد الحكم بالقطع به، بل يلزم إطالق الحكم في مقام الجعل

باإلضافة إلى حالتي حصول القطع به و عدمه، فيعم كال الحالين، ألن امتناع التقييد بخصوصية قيد يستلزم اإلطالق باإلضافة إليه ثبوتا، بل إثباتا أيضا، و ال يستلزم

اإلهمال ثبوتا، و ال اإلجمال إثباتا، و ال يحتاج في التعميم إلى23، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

جعل آخر. على ما تقدم توضيحه في المقدمة األولى من مقدمات اإلطالق. بل يمتنع اختصاص الحكم بحال القطع به أو ببعض أفراد القطع به ال بتقييده بقيد مالزم للقطع المذكور، و ال بنتيجة التقييد الراجع إلى قصره على الذات المقارنة

للقطع بنفسها و من دون أخذ قيد فيها، ألن جعل الحاكم للحكم إن كان بنحو القضية الخارجية لزم سبق علمه بتحقق الموضوع بتمام قيوده على الجعل، فلو

كان قطع المكلف بالحكم مالزما لموضوعه لزم تحققه في رتبة سابقة على جعله،

Page 11: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و هو محال. و إن كان بنحو القضية الحقيقية فمن الظاهر توقف قطع المكلف بالحكم الفعلي على قطعه بتحقق موضوعه، فإذا كان موضوعه مالزما للقطع به

لزم سبق القطع بالحكم على القطع به، و هو محال أيضا. و من ثم كان التصويبالمنسوب لألشاعرة محاال في نفسه.

نعم يمكن اختصاص الحكم بحال القطع به في الجملة بأحد وجهين: األول: أن يكون الحكم المجعول بدوا اقتضائيا، و يكون القطع به شرطا في فعليته، فيكون القطع باإلضافة إلى الحكم االقتضائي طريقيا، و باإلضافة إلى الحكم الفعلي

موضوعيا. الثاني: أن يكون الحكم المجعول فعليا ثابتا في حالتي القطع و عدمه، إال أن الخطأ فيه رافع له لكونه سببا في حدوث مالك مزاحم للمالك الواقعي مانع من تأثيره. و

كالهما ال يستلزم دخل القطع في متعلقه بوجه. و إلى الثاني يرجع التصويبالمنسوب للمعتزلة.

و كيف كان فال إشكال في أن القطع باإلضافة إلى متعلقه طريقي ال غير و يمتنع أن يكون موضوعيا باإلضافة إليه، و إنما ذلك باإلضافة إلى غيره، حيث يكون القطع ..

تارة: طريقيا محضا، ال دخل له في الحكم ثبوتا.24، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و أخرى: يكون موضوعيا لدخله في موضوع الحكم ثبوتا، بحيث ال يكون الحكم فعليابدونه. و تشخيص أحد القسمين موكول لدليل الحكم.

و ربما يدعى أن القطع في األحكام العقلية ال يكون إال موضوعيا، فحكم العقل بحسن شيء أو قبحه ال يكون إال بعد العلم و االلتفات إليه، فال يحكم العقل بقبح

التصرف في مال الغير مثال إال بعد العلم بكونه مال الغير. لكنه ممنوع، بل موضوع الحسن و القبح الفعليين قد يكون هو العنوان الواقعي بذاته أو بتبع المالك المترتب

عليه. نعم الحسن و القبح الفاعليان المستتبعان للمدح و الذم حيث كانا تابعين لالختيار

الموقوف على االلتفات للداعي نحو الفعل يلزم توقفهما على العلم بموضوع الحسن و القبح الفعلي. و كأن التوهم المذكور ناشئ من الخلط بين الحسن و

القبح الفعليين و الفاعليين.األمر الثاني: ]أخذ القطع الموضوعي على نحو الصفتية أو الطريقية[

ذكر شيخنا األعظم قدس سره: أن القطع الموضوعي .. تارة: يكون مأخوذا بما هوصفة خاصة للقاطع.

و أخرى: يكون مأخوذا بما هو طريق إلى الواقع المقطوع به. و حيث تقدم أن القطع ليس طريقا للواقع، بل هو وصول له فال بد من رجوع

التقسيم إلى أنه .. تارة: يستفاد من دليل أخذ القطع في الموضوع أخذه بما هوصفة خاصة و وصول وجداني.

و أخرى: يستفاد منه أخذه بما أنه وصول للواقع مصحح للعمل عليه، و به يرتفعالتحير و التردد فيه عمال، من دون أن يؤخذ بخصوصيته.

و من الظاهر أن مقتضى األول االقتصار على القطع و عدم قيام غيره من الطرق و األمارات المعتبرة مقامه، فضال عن األصول، إال بدليل خارجي يقتضي مشاركة غيره

له في ذلك، و صرح غير واحد بعدم نهوض أدلة حجية الطرق

Page 12: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

25، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جو األمارات و أدلة اعتبار األصول بذلك. و هو في محله.

نعم بناء على أن مفاد أدلة اعتبار الطرق و األمارات تنزيلها منزلة العلم يتجه قيامها مقام القطع الطريقي المذكور. لكن لم يلتزم به القائل بذلك. و هو كاشف عن

ضعف المبنى المذكور بظاهره. و يأتي الكالم فيه عند التعرض لوجه تقديم الطرق واألدلة على األصول في مباحث التعارض إن شاء الله تعالى.

و أما الثاني فقد صرح شيخنا األعظم قدس سره بقيام الطرق و األمارات و بعض األصول مقامه، و تبعه جماعة ممن تأخر عنه، و أنكره المحقق الخراساني قدس

سره. و بنوا الكالم في ذلك على الكالم في مفاد أدلة الطرق و األمارات و األصول، و أنها هل تنهض بإلحاقها بالعلم في ذلك بحيث يكون ثبوت الحكم المذكور في طول ثبوته للعلم و بمالك إلحاقها به أو ال؟ و قد أطالوا الكالم في ذلك بنحو يضيق المقام عن

متابعتهم فيه، ألنه يبتني على الكالم في مفاد األدلة المذكورة الذي موضعه المناسب مباحث التعارض. و إن كان التحقيق عدم نهوض األدلة به على ما يأتي

هناك إن شاء الله تعالى. لكن الظاهر عدم ابتناء ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره على تحديد مفاد األدلة المذكورة. بل الوجه فيه أن مقتضى أخذ القطع بالنحو المذكور في موضوع الحكم أن الموضوع ليس هو القطع بخصوصيته، بل وصول الواقع في مقابل التردد فيه و التحير، و أن ذكر القطع ألنه أظهر أنحاء الوصول، و أجلى أفراده، و ال إشكال في أن مقتضى أدلة الطرق و األمارات و جملة من األصول هو التعبد بمؤدياتها و رفع

التحير و التردد فيها في مقام العمل، فتدخل في إطالق دليل الحكم في عرض دخول القطع، الشتراكها معه في الحيثية التي صار بها موضوعا للحكم، ال في طوله، و بعناية اإللحاق به، ليحتاج إلى النظر في وفاء أدلة اعتبارها بذلك. و من ثم كان ما

ذكره شيخنا األعظم قدس سره متينا جدا.26، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و كأنه قدس سره قد نظر إلى ما ذكرنا، حيث أرسل الدعوى المذكورة إرسال المسلمات من دون أن يشير إلى ابتنائها على تحديد مفاد أدلة الطرق و األمارات و

األصول المذكورة، كما صنع في مواضع أخر. نعم ما تضمن من األصول الوظيفة العملية من دون تعبد باألمر المشكوك- كأصالتي

البراءة و االحتياطال يترتب عليه الحكم المذكور، لعدم مشاركته للقطع في الجهةالمذكورة التي هي المعيار في موضوعيته للحكم.27، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الفصل الرابع في عموم آثار القطع لجميع أفراده و عدمه ال يخفى أن القطع الموضوعي كسائر الموضوعات المأخوذة في األحكام تابع في

عمومه و خصوصه ثبوتا لعموم جعل الحكم من قبل الحاكم و خصوصه، و إثباتالعموم دليل الحكم و خصوصه، و ال ضابط لذلك، بل يوكل لنظر الفقيه.

نعم قد يدعى انصراف إطالق الحكم لو تم عن قطع القطاع، ال بمعنى من يكثر منه القطع و لو لتهيؤ أسبابه له دون غيرهكما هو مقتضى مفاد هيئته لغةبل بمعنى من

Page 13: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

يخرج في قطعه عن المتعارف، فيقطع من أسباب غير متعارفة ال ينبغي حصولالقطع منها عرفا.

و هو ال يخلو عن وجه باإلضافة لألحكام المتعلقة بغير القاطع، كحجية شهادته و فتواه و نفوذ حكمه، ألن مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي كون أخذ القطع من

حيثية غلبة الوصول به للواقع و كشفه عنه نوعا، و هو غير حاصل في القطعالمذكور، فهو نظير اعتبار الضبط في الراوي و الشاهد.

و أما في األحكام المتعلقة بالقاطع نفسه ففي غاية اإلشكال، كما لو أخذ القطع بالضرر موضوعا لوجوب اإلفطار، ألن القاطع دائما يرى أن قطعه في محله و من سبب ينبغي حصوله منه، و أن عدم حصوله لغيره من السبب الخاص لقصور فيهم ال في السبب. و بذلك يظهر امتناع التقييد بذلك في دليل خاص، ألن عنوان المقيد

إذا لم يتيسر تشخيصه لمن وظيفته العمل به يلغو التقييد به.هذا و أما القطع الطريقي فحيث كانت متابعته الزمة لذاته تكوينا لم يفرق

28، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج فيه بين أفراده، لعدم الفرق بينها في الجهة المقتضية للمتابعة، كما يظهر بأدنى

تأمل فيها. و لم ينقل الخالف في ذلك إال في موردين: ]لم ينقل الخالف في متابعة القطع إال في موردين[

األول: ]في قطع القطاع[ ما عن كاشف الغطاء من عدم االعتبار بقطع من خرج عن العادة في قطعه، كما ال

اعتبار بشك كثير الشك و ظن كثير الظن. قال في محكي كالمه في مباحث الصالة: »و كثير الشك عرفاو يعرف بعرض الحال على عادة الناس- ال اعتبار بشكه، و كذلك من خرج عن العادة في قطعه أو ظنه، فإنه يلغو اعتبارهما في حقه«. و

ظاهره إرادة القطع الطريقي، لما هو المعلوم من أن القطع في الصالة ال يكون مأخوذا في موضوع الحكم الواقعي، كالظن و الشك، و إن افترقا عنه بأخذهما في

موضوع الحكم الظاهري دونه، إذ ال مجال للحكم الظاهري معه. و ال مجال مع ذلك الحتمال حمله على القطع الموضوعي، و إن جعله شيخنا األعظم

قدس سره وجها في تعقيب كالمه، بل هو الذي قربه شيخنا األستاذ قدس سره بدعوى: أن رفعة مقامه تمنع من حمل كالمه على القطع الطريقي. و هو كما ترى

خروج عن ظاهر كالمه. و العصمة ألهلها.الثاني: ]في القطع الحاصل من المقدمات العقلية[

ما نسب لألخباريين من المنع عن العمل بالقطع الحاصل من المقدمات العقلية،على تفصيل في كلماتهم التي قد تعرض شيخنا األعظم قدس سره لبعضها.

وقد ادعى المحقق الخراساني قدس سره أن مرادهم إما المنع من حصول القطع بالحكم الشرعي من المقدمات العقلية، أو المنع من المالزمة بين الحكم العقلي و

الشرعي. لكن ذلك و إن أمكن في بعض كلماتهم، يصعب أو يتعذر في الباقي،لظهوره أو صراحته فيما سبق.

و هو بظاهره ممتنع، لما تقدم من وجه لزوم متابعة القطع. إال أن يرجع29، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 14: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

إلى دعوى أن إمكان الوصول لألحكام النقلية شرط في فعليتها، أو يكون تعذر الوصول إليها بها مانعا من فعليتها، حيث يتعين عدم العمل بالقطع الحاصل من

المقدمات العقلية، لعدم إحراز فعلية الحكم المقطوع. لكنه يحتاج حينئذ إلى دليل. و من ثم فقد يستدل عليه باألخبار الكثيرة، مثل ما تضمن النهي عن أن يدان الله

تعالى بغير السماع منهم عليهم السالم كقولهم عليهم السالم: »أما إنه شر عليكم . و ما تضمن النهي عن النظر في الدين«1 »أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا«

و قولهم عليهم السالم: »أما لو أن رجال صام نهاره و قام ليله و تصدق«2 »بالرأي بجميع ماله و حج جميع دهره و لم يعرف والية ولي الله فيواليه و تكون جميع

.«3 »أعماله بداللته إليه ما كان له على الله ثواب و ال كان من أهل اإليمان« لكن التأمل في األخبار المذكورة قاض بأنها أجنبية عما نحن فيه، بل هي واردة لبيان عدم حجية الرأي و القياس، و وجوب التعبد بأقوالهم عليهم السالم و عدم االستغناء عنهم بذلك، أو لبيان عدم إيصال الرأي و النظر للحكم الشرعي، بل يزيد في التيه و

الضالل، نظير ما تضمن أن السنة إذا قيست محق الدين، فيكون التسليم بذلك مانعا عن حصول القطع منه غالبا، أو لبيان حرمة النظر و إعمال الرأي في الدين،

لما قد يستتبعه من الضالل و الخطأ، فال يكون الناظر معذورا و إن حصل له القطع من دون أن ينافي لزوم متابعة القطع، لما سبق من عدم مالزمة عموم متابعة

القطع لعموم معذريته، أو لبيان شرطية الوالية في قبول______________________________

. و فيه أحاديث25 من أبواب صفات القاضي حديث 7 باب: 18( الوسائل ج: 1 )كثيرة قد يستفاد منها ذلك.

من أبواب صفات القاضي.6 باب: 18( راجع الوسائل ج: 2 ) . و رواه باختالف13 من أبواب صفات القاضي حديث: 6 باب: 18( الوسائل ج: 3 )

.11 من أبواب صفات القاضي حديث: 7يسير في باب: 30، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

األعمال، و غير ذلك مما يظهر بالتأمل في النصوص على اختالف ألسنتها. هذا و قد قرب شيخنا االستاذ قدس سره حمل النصوص المذكورة على اشتراط صحة العملعبادة كان أو معاملةبأخذه من الكتاب و السنة زائدا على الوالية، و إن

كان الحكم تابعا ثبوتا لجعله و إن لم يؤخذ منهما، فالعلم به منجز له و أخذه منهما شرط في امتثاله، نظير ثبوت الحكم على الجنب و غير المؤمن مع اشتراط امتثاله

بااليمان و الطهارة. و كأنه استند إلى مثل الحديث األخير الظاهر في أن اعتبار الوالية في قبول العمل ألجل كون العمل بداللة ولي الله، الراجع لكون الشرط فيه في الحقيقة هو الداللة

المذكورة. و فيه: أنه ال يناسب المدعى من االكتفاء باألخذ من الكتاب و السنة، و ليس إلغاء

خصوصية األخذ من اإلمام عليه السالم في الحديث و التعميم لهما بأولى من حمله على مجرد بيان لزوم التسليم له عليه السالم بحيث لو دل على شيء لقبل منه من

دون شرطية األخذ منه في امتثال الحكم. بل المتعين الثاني، لصراحة الحديث في خصوصية ولي العصر في لزوم االئتمام و الوالية و التأكيد على أهميته، مع ما هو

المعلوم من سيرة األصحاب قديما و حديثا من االكتفاء في العمل بأخذ الحكم من

Page 15: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الكتاب و السنة و إن لم يكن بداللة ولي العصر، و عدم توقف العمل في كل حكم على وصوله منه و استناده إليه. كيف و الزم ما ذكره قدس سره تعذر االحتياط مع الشك في الحكم، لعدم كون العمل بداللة ولي الله و ال بداللة الكتاب و السنة، بل

برجاء مشروعيته، و هوكما ترىمخالف لسيرة الفقهاء و المتشرعة في الفتوى والعمل.

31، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالفصل الخامس في العلم اإلجمالي

و الكالم فيه .. تارة: في كفايته في وصول التكليف و تنجزه. و أخرى: في االكتفاء به في امتثال التكليف و الفراغ عنه مع تنجزه تفصيال أو إجماال

بعلم أو غيره.فهنا مقامان:

المقام األول في كفاية العلم اإلجمالي في وصول التكليف و تنجزهو الكالم فيه .. تارة: في التنجز بنحو يمنع من المخالفة القطعية.

و أخرى: بنحو يلزم بالموافقة القطعية. و على كال التقديرين فهل هو لكون العلماإلجمالي علة تامة فيه، أو لكونه مقتضيا له بنحو يقبل الردع الشرعي عنه؟

و ال يخفى أن المراد بالردع هو الحكم بعدم حجية العلم اإلجمالي و عدم منجزيته بنحو يمنع من المخالفة القطعية أو بنحو يقتضي الموافقة القطعية، فيلزمه جريان

األصول الترخيصية في تمام األطراف أو بعضها لو تم عموم أدلتها لها، فجريان األصول مترتب على الردع ال عينه. غاية األمر أنه قد يستفاد الردع من جريان

األصول بالمالزمة. على أنه قد يبتني جريانها على أمر آخر، كجعل البدل الظاهري،الذي يمكن حتى مع كون العلم اإلجمالي علة تامة للتنجز.

و بذلك يظهر اإلشكال في ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من أن البحث في32، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

حرمة المخالفة القطعية يناسب مباحث العلم، و البحث في وجوب الموافقةالقطعية يناسب مباحث الشك، و لذا أوكله لمباحث األصول العملية.

وجه اإلشكال: أن البحث في المقامين معا يناسب مباحث العلم، و المناسب لمباحث الشك هو جريان األصول في األطراف الذي هو متفرع في الجملة على

الكالم في المقامين، من دون أن يرجع ألحدهما. و مثله ما يظهر من المحقق الخراساني قدس سره من أن جريان األصول في

األطراف مبني على اقتضاء العلم اإلجمالي للتنجز مع إمكان الردع، و ال مجال له بناء على عليته التامة له. لإلشكال فيه بما أشرنا إليه من إمكان ابتناء جريان

األصول على جعل البدل الظاهري من دون أن ينافي علية العلم اإلجمالي التامةللتنجز.

إذا عرفت هذا فال ينبغي التأمل في منجزية العلم اإلجمالي و لزوم متابعته، لعدم الفرق بينه و بين العلم التفصيلي في الجهة المتقدمة المقتضية للعمل، من كونه

عبارة عن الوصول للواقع، الذي ليس وراءه شيء، بعد كون الواقع الواصل موردا للعمل، و أنه يمتنع مع ذلك الردع الشرعي عن العمل على طبق القطع. و هو عبارة

أخرى عن عليته التامة في التنجز. و مجرد افتراق العلم اإلجمالي.

Page 16: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

عن التفصيلي بتردد الواقع المعلوم بين األطراف ال دخل له في الجهة المقتضيةللعمل.

نعم قد يكون اإلجمال موجبا لقصور الواقع المعلوم عن مقام العمل، لمزاحمة كلفة االحتياط لمالك الواقع مع الموافقة القطعية، فعدم العمل حينئذ ليس لقصور في

العلم، بل في المعلوم. و ال مجال لذلك في المقام، ألن المفروض في محل الكالمفعلية التكليف المعلوم باإلجمال، و إال فلو فرض

33، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج سقوطه عن الفعلية بسبب كلفة االحتياط لبلوغها مرتبة الحرج خرج عن محل

الكالم. و أما حديث االكتفاء بالموافقة االحتماليةإما لعدم اقتضاء العلم للموافقة القطعية،

أو لردع الشارع عنها بعد اقتضاء العلم لها من دون أن يكون علة تامة- فهو لو أمكن في العلم اإلجمالي أمكن في العلم التفصيلي، لعدم الفرق بينهما في الجهة

المقتضية للعمل، كما ذكرنا. و يأتي الكالم في ذلك في أول الفصل الثالث منمباحث األصول العملية في التمهيد للكالم في المتباينين إن شاء الله تعالى.

و دعوى: الفرق بأن المعلوم باإلجمال لما كان هو أحد األطراف فال يتنجز ما زاد عليه و ال يجب إحراز الفراغ إال عنه، فاالقتصار على أحد األطراف إطاعة قطعية

للتكليف المنجز و إن كان إطاعة احتمالية للتكليف الواقعي، بخالف المعلومبالتفصيل فإن إطاعته ال تكون إال بإحراز االمتثال به بعينه.

مدفوعة بأن المعلوم باإلجمال ليس هو مفهوم أحد األطرافكما في الواجب التخييريكي يكفي في إحراز الفراغ عنه االقتصار على أحدهما، بل هو مصداق

أحدهما المعين واقعا بخصوصيته و إن كانت مجهولة، فال بد في إحراز الفراغ عنه من إحرازه بخصوصيته الواقعية الذي ال يتم إال باالحتياط التام، و ال مجال لالكتفاء بأحد األطراف إال بناء على االكتفاء بالموافقة االحتمالية. نعم ال إشكال في إمكان

التعبد الشرعي الظاهري بتحقق امتثال المعلوم باإلجمال ببعض األطراف، كما في موارد القرعة، كما يمكن التعبد بامتثال المعلوم بالتفصيل مع االحتمال كما في

موارد قاعدتي الطهارة و الفراغ و غيرهما، و هو خارج عن محل الكالم من االمتثالاالحتمالي، و داخل في االمتثال اليقيني، إذ المراد به ما يعم االمتثال التعبدي.

34، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالمقام الثاني: في االكتفاء بالعلم اإلجمالي في امتثال التكليف

و ال إشكال ظاهرا في االكتفاء به مع تعذر االمتثال التفصيلي حتى في العباديات، و في االكتفاء به و لو مع تيسره في التوصليات، و منها المحرمات، و إنما اإلشكال

في االكتفاء به في العباديات مع تيسر االمتثال التفصيلي. كما وقع الكالم في االكتفاء باالمتثال االحتمالي لألمر العبادي المحتمل مع إمكان

الفحص عن ثبوت األمر، كما لو احتمل المكلف وجوب غسل رؤية المصلوب فجاء به برجاء مشروعيته، مع الفراغ ظاهرا عن االكتفاء به مع تعذر الفحص و في

التوصليات مطلقا. و حيث يشترك المقامان في كثير من جهات الكالم فالمناسب النظر هنا فيهما معا و إن كان الثاني أجنبيا عن محل الكالم من العلم اإلجمالي. و

من هنا يقع الكالم في موضعين:الموضع األول: االحتياط مع احتمال التكليف

Page 17: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و قد أصر بعض األعاظم قدس سره على عدم مشروعيته، و إليه مال شيخنا األعظم قدس سره في بعض كلماتهو إن اضطرب كالمه في هذه المسألة كثيراو

نسب للمشهور عدم اكتفاء الجاهل باالحتياط عن االجتهاد و التقليد. و المستفادمنهم

االستدالل عليه بوجوه ..األول: أنه يعتبر في العبادة اإلتيان بها بنية الوجه الخاص من الوجوب أو الندب،

فقد ذكر شيخنا األعظم قدس سره أنه حكى غير واحد اتفاق المتكلمين على وجوب إتيان الواجب و المندوب لوجوبه أو ندبه أو لوجههما، و أن السيد الرضي قدس

سره نقل إجماع أصحابنا على بطالن صالة من ال يعلم أحكامها، و أن أخاه السيد المرتضى قدس سره أقره على ذلك. قال قدس سره في خاتمة مباحث أصالتيالبراءة و االشتغال بعد نقل ذلك: »بل يمكن أن يجعل هذان االتفاقان المحكيان

35، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جمن أهل المعقول و المنقول المعتضدان بالشهرة العظيمة دليال في المسألة ...«. لكن لم يتضح الوجه في اعتبار قصد الوجه في العبادة، إذ لو أريد به أنه معتبر عند

العقالء في اإلطاعة فقد سبق في مبحث التعبدي و التوصلي أنه ال يعتبر فيها عندهم قصد التقرب، فضال عن قصد الوجه. و لذا كان األصل في األوامر التوصلية. كيف و

لو كان معتبرا في أصل اإلطاعة لزم تعذرها بتعذر الفحص و عدم مشروعية االحتياط حينئذ مع مفروغيتهم من مشروعيته. و الفرق بين صورتي التعذر و عدمه

تأباه المرتكزات العقالئية جدا. و لعل مراد المتكلمين دخل قصد الوجه أو قصداألمر في ترتب المدح و الثواب، كما هو ظاهر بعض كلماتهم.

و إن أريد أنه معتبر شرعا في خصوص العبادات مع التمكن منه بتيسر الفحص فال بد من إقامة الدليل عليه، بعد أن كان مقتضى األصل عدم اعتبار قصد التقربكما

سبقفضال عن قصد الوجه. و الظاهر عدم الدليل على ذلك، بل إهمال الشارع التنبيه عليه مع غفلة العقالء بل المتشرعة عنه موجب للقطع بعدم اعتباره. بل قال شيخنا األعظم قدس سره في مبحث االنسداد: »إن معرفة الوجه مما يمكن للمتأمل في

األدلة و في إطالقات العبادة و في سيرة المسلمين و سيرة النبي صلى الله عليه و آله و األئمة عليهم السالم مع الناس الجزم بعدم اعتبارها حتى مع التمكن من

المعرفة العلمية. و لذا ذكر المحقق قدس سرهكما في المدارك في باب الوضوءأنما حققه المتكلمون من وجوب إيقاع الفعل لوجهه أو وجه وجوبه كالم شعري«.

و أما دعوى اإلجماع المتقدمة عن السيدين فالظاهر أنها أجنبية عما نحن فيه، و أن المراد بها ما إذا كان عمل الجاهل المعتقد بخالف الواقع على طبق اعتقاده

المخالف للواقع، ردا على المصوبة القائلين بصحة عمله، النقالب الواقع في حقه.قال في الروض فيما لو أتم المسافر جاهال بوجوب القصر عليه:

36، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج »و يؤيده في الجاهل ما أورده السيد الرضي رحمه الله على أخيه المرتضى من

أن اإلجماع واقع على أن من صلى صالة ال يعلم أحكامها فهي غير مجزية، و الجهل بأعداد الركعات جهل بأحكامها، فال تكون مجزية. و أجاب المرتضى بجواز تغير

الحكم الشرعي بسبب الجهل و إن كان الجاهل غير معذور ...« و نحوه عنالذكرى. و أين هذا مما نحن فيه من فرض االحتياط بمتابعة الواقع المحتمل؟!.

Page 18: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الثاني: ما ذكره بعض األعاظم قدس سره من أن مراتب االمتثال عند العقل أربعمترتبة ال يجوز العدول إلى الالحقة مع تيسر السابقة،

و هي االمتثال التفصيلي، ثم اإلجمالي، ثم الظني، ثم االحتمالي. ففي المقام إن كانت الشبهة موضوعية يحسن االحتياط مطلقا و لو قبل الفحص، لعدم وجوب

الفحص فيها فال تكون منجزة، و إن كانت حكمية لم يحسن االحتياط فيها إال بعد الفحص و العجز عن معرفة الحكم، إذ التكليف فيها بمجرد احتماله يتنجز بتمام ما يعتبر فيه، و حيث كان االمتثال التفصيلي معتبرا فيه مع التمكن كان هو المتعين، و

لم يحسن االنتقال منه إلى االمتثال االحتمالي. و فيهمع أن مجرد عدم تنجز التكليف في الشبهة الموضوعية ال ينافي اعتبار

اإلطاعة التفصيلية فيها مع التمكن منها و عدم االكتفاء باإلطاعة االحتمالية لو صادفت ثبوت التكليف واقعا. و أن الزم ما ذكره أنه مع تعذر تحصيل العلم ال بد في مشروعية االحتياط من محاولة تقوية االحتمال و جعله ظنا بالفحص، مع إمكانه، و ال

يظن منه االلتزام بذلك-: أنه ال أصل لما ذكره من الترتب بين وجوه اإلطاعة المذكورة، بل يكفي مجرد موافقة األمر على تقدير حصوله و إن كان محتمال. ألن

الترتب المذكور إن كان بحكم العقل لكونه من شئون إطاعة التكليف لم يفرق فيه بين التعبديات و التوصليات مع عدم اإلشكال في االكتفاء باالمتثال االحتمالي في

التوصليات، كما سبق. و إن كان بحكم الشارع لدخله في37، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

غرضه في خصوص العبادات كقصد التقرب، كان محتاجا للدليل كأصل العبادية. كمايظهر مما سبق هنا و في مبحث التعبدي و التوصلي.

نعم ال إشكال مع تنجز التكليف في عدم االجتزاء باإلطاعة الظنية أو االحتمالية الراجعة الحتمال عدم مطابقة المأتي به للمأمور به. و أن االشتغال اليقيني

يستدعي الفراغ اليقيني. و كأن ذلك هو مراد شيخنا األعظم قدس سره عند ذكره للمراتب األربعة المذكورة في المقدمة الرابعة من مقدمات دليل االنسداد. إال أنه أجنبي عن محل الكالم من فرض اليقين بمطابقة المأتي به للمأمور به على تقدير

ثبوت األمر، و أن عدم اليقين باالمتثال لعدم اليقين باألمر، للقطع معه بفراغ الذمة. الثالث: أنه لما كان المعتبر في العبادة اإلتيان بها بداعي األمر فال بد في داعوية

األمر من إحرازه، غاية األمر أنه مع إحرازه يكفي داعويته و إن كان مرددا بين الوجوب و االستحباب،و إنما يعتبر قصد أحدهما بعينه بناء على اعتبار قصد الوجه الذي تقدم الكالم فيه.

و فيه: أن المتيقن من دليل عبادية العبادة اإلتيان بها بوجه قربي، و يكفي فيه اإلتيان بالعمل بداعي امتثال األمر المحتمل، الراجع إلى قصد امتثال األمر معلقا

على وجوده. و اعتبار اليقين بوجود األمر محتاج إلى دليل، بناء على ما أشرنا إليه آنفا من أن أصل العبادية خالف األصل، فضال عما زاد عليها من الخصوصيات. و ال

سيما مع ما أشرنا إليه آنفا من المفروغية عن االجتزاء باالحتمال مع تعذر العلم، و أن الفرق بينه و بين تيسر العلم في معيار العبادية مما تأباه المرتكزات العقالئية و

المتشرعية جدا.

Page 19: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و من هنا كان الظاهر عدم تمامية ما ذكروه في وجه المنع عن االحتياط في المقام. بل المتعين البناء على مشروعيته بعد ما أشرنا إليه من األصل، و ال سيما مع

مطابقته لمرتكزات العرف و المتشرعة و السيرة التي أشار إليها شيخنا األعظم38، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

في كالمه المتقدم في تعقيب الوجه األول. بل لعل هذا هو المستفاد من نصوص قاعدة التسامح في أدلة السنن الظاهرة في المفروغية عن مشروعية االحتياط و الحث عليه، فإن تقييدها بصورة تعذر الفحص

بعيد جدا بعد ظهورها في الحث عليه بمجرد البلوغ. و أبعد منه تقييدها بالتوصليات، ألن العبادات المعروفة هي المتيقن من مورد

النصوص، لكونها الفرد الشائع المألوف للمتشرعة من العمل الذي يترتب عليهالثواب.

الموضع الثاني: االحتياط مع العلم اإلجمالي و هو مستلزم للتكرار مع كون التكليف المعلوم باإلجمال استقالليا، كالتكليف المردد

بين القصر و التمام و الصالة في الثوبين المعلوم نجاسة أحدهما. و قد أصر بعضاألعاظم قدس سره على المنع منه، و مال إليه شيخنا األعظم قدس سره هنا. و هو ظاهر لو تم الوجهان األوالن لالستدالل على عدم مشروعية االحتياط في

الموضع السابق. و أما الوجه الثالث فهو لو تم ال ينفع في المقام، لفرض الجزم باألمر و إن لم يعلم بانطباق المأمور به على المأتي به حين العمل، ألن اعتبار ذلك زائدا على الجزم باألمر يحتاج إلى دليل. و األمر سهل بعد ما سبق من عدم تمامية

الوجوه المذكورة. نعم ذكر شيخنا األعظم قدس سره في خصوص المقام أن التكرار مخالف لسيرة

المتشرعة، و استظهر استمرار سيرة العلماء على عدمه مع وجود الطريق الشرعي التفصيلي إلى الحكم و لو كان هو الظن المطلقلو تمت مقدمات

االنسدادفضال عما لو أمكن الوصول للحكم الشرعي بالعلم أو الظن الخاص.بل حكى عن بعضهم دعوى االتفاق على المنع من التكرار.

39، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و فيه: أن مجانبة المتشرعة للتكرارلو تمتال تختص بالعبادات. مع أنها قد تكون

ناشئة من صعوبته، ال من ارتكاز عدم مشروعيته عندهم، و لذا قد يقدمون عليه مع صعوبة الفحص. كما أن سيرة العلماءكاالتفاق المدعىلم تتضح بنحو تنهض

باالستدالل، و ال سيما أن مساق حديثهم في دليل االنسداد يناسب عدم وجوباالحتياط، ال عدم جوازه.

و مثله ما ذكره قدس سره من أنه مستلزم للعب بأمر المولى. قال: »من أتى بصلوات غير محصورة إلحراز شروط صالة واحدة بأن صلى في موضع تردد فيه

القبلة بين أربع جهات في خمس أثواب أحدها طاهر ساجدا على خمسة أشياء أحدها ما يصح السجود عليه مائة صالة مع التمكن من صالة واحدة يعلم فيها تفصيال

اجتماع الشروط الثالثةيعد في العرف و الشرع العبا بأمر المولى.و الفرق بين الصلوات الكثيرة و صالتين ال يرجع إلى محصل«.

إذ فيهمع أنه يجري في التوصلياتأنه إن أريد باللعب بأمر المولى ما يساوق االستهانة به فهو ممنوع جدا. و إن أريد به ما يساوق عدم الغرض العقالئي المصحح للعمل

Page 20: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

فهو ليس محذورا. على أنه ال يلزم فيما لو كان للمكلف غرض عقالئي مصحح لتحمل مشقة التكرار، كصعوبة الفحص، أو االهتمام بإصابة الواقع، كما في بعض

الشبهات الموضوعية و غالب الشبهات الحكمية، حيث ال يوجب الفحص فيها اليقين بالواقع بل معرفة مؤدى الحجة عليه. و منه يظهر الفرق بين مراتب التكرار، فإنه كلما زاد احتاج لغرض أهم عند العقالء. بل ما ذكره من عدم الفرق بين القليل و

الكثير ال يناسب اقتصاره في تطبيق اللعب على الكثير. و من هنا ال مجال للخروج عن مقتضى اإلطالقات اللفظية و المقامية و األصل على

ما يتضح بمالحظة ما سبق هنا و في مبحث التعبدي و التوصلي.40، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

لكن ذكر بعض األعاظم قدس سره أن األصل في المقام يقتضي االحتياط، لرجوعه إلى الدوران بين التعيين و التخيير، للشك بين تعيين االمتثال التفصيلي و التخيير بينه

و بين اإلجمالي. و فيه: أن المراد بذلك إن كان هو الدوران بين التعيين و التخيير العقليين، فالعقل ال يشك في حكمه، بل المدعى هو قطعه بالتخيير. و إن كان هو الدوران بين التعيين و التخيير الشرعيين، فالشارع ليس من شأنه التصرف في مقام االمتثال. مضافا إلى

القطع بأن بعض أطراف العلم اإلجمالي خارج عن مطلوب الشارع، فال معنى لكونهطرفا للتخيير الشرعي.

و من هنا يتعين رجوع الشك في المقام إلى الشك في أخذ الشارع خصوصية في الواجب زائدة على ذاته مالزمة لالمتثال التفصيلي، كقصد الوجه أو نحوه، و في

مثله تجري البراءة بال إشكال، و لذا التزم بجريانها لدفع احتمال اعتبار قصد الوجه. هذا كله في المطلوب االستقاللي. و أما المطلوب الضمني فال ينبغي اإلشكال في االحتياط فيه مع االحتمال أو العلم اإلجمالي، إذا كان شرطا، كما لو احتمل اعتبار

كون الساتر في الصالة قطنا فلبسه، أو علم بذلك و تردد القطن بين ثوبين فلبسهما. لعدم قصد التقرب بالشرط بل المشروط في ظرف تحققه، و من

الظاهر أن االحتياط في الشرط ال ينافي الجزم باالمتثال بالمشروط في ظرف تحققه فال مجال لوجه من وجوه المنع المتقدمة فيه. إال أن يكون الشرط بنفسه

عبادة كالطهارة فيجري فيه ما سبق. و أما إذا كان جزءا فكذلك، بناء على ما سبقمنا في المطلوب االستقاللي.

بل صرح بعض األعاظم قدس سره بجواز االمتثال اإلجمالي فيهكما لو دار األمر بينسورتين فيجمع بينهما في صالة واحدةمع منعه منه في المطلوب

41، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج االستقاللي، بدعوى أنه يمكن قصد االمتثال التفصيلي بالنسبة إلى جملة العمل،

للعلم بتعلق األمر به و إن لم يعلم بوجوب الجزء المشكوك. لكنه يشكل بأن التفكيك بين األجزاء و تمام العمل في اعتبار اإلطاعة التفصيلية فيه

دونها ال يرجع إلى محصل بعد اتحاده معها خارجا، فما يعتبر في تمام العمل من القصود يعتبر فيها بحسب المرتكزات العقالئية و المتشرعية. إال أن يفرق بينها تعبدا

بدليل شرعي خاص، و هو مفقود.

Page 21: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و لنكتف بهذا المقدار من الكالم في آثار القطع و أحكامه تبعا لألكابر في المقام. و ال يخفى أن جملة مما تقدم ال يختص بالقطع، بل يجري نظيره في الطرق المعتبرة،

بل األصول، كمباحث التجري و القطع الموضوعي و اإلجمالي.فالحظ. و منه سبحانه نستمد العون و التوفيق.

43، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالمقصد األول في مباحث الحجج

]فيه تمهيد بذكر أمرين[ و قد سبق أن البحث فيه يكون في تشخيص الحجج و تعيينها. و من ثم كان

المناسب التعرض تمهيدا لذلك ألمرين:األمر األول: في إمكان التعبد بغير العلم. ]و فيه ذكر محذورين[

إذ مع امتناعه ال مجال للنظر في أدلة جعل الطرق. و يكفي في المقام عدم الدليل على االمتناعالذي هو المعيار في اإلمكان القياسي عندهمبال حاجة إلثبات إمكان

الوقوع في الخارج و عدم لزوم محذور منه واقعاالذي هو المعيار في اإلمكان الوقوعي عندهمحيث ال يجوز بنظر العقل إهمال األدلة الدالة على ثبوت الشيء بمجرد احتمال لزوم محذور منه مغفول عنه، بل هو من سنخ احتمال المزاحم ال

يعتني به العقل ما لم يثبت بالدليل. بل يمكن إثبات إمكان الوقوع و عدم لزوم محذور منه مغفول عنه بأدلة الجعل في

مثل المقام مما انحصر فيه الدليل باألدلة القطعيةلما هو المعلوم من لزوم انتهاءأدلة التعبد بغير العلم إلى القطعلمالزمة الوقوع لإلمكان بالمعنى المذكور.

لكنه راجع إلى عدم األثر للنزاع في اإلمكان، بل يلزم النظر في أدلة الوقوع ابتداء،لنهوضها بإثبات اإلمكان، و مع قطع النظر عنها ال أثر لإلمكان.

و على ذلك يكون الغرض األصلي من االستدالل على االمتناع نفي الوقوع و إبطال أدلته بنحو يمنع من حصول القطع منها، و الغرض من إبطال دليل االمتناع رفع

المنافي ألدلة الوقوع، ليتسنى إثباته بها.44، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

أما لو بلغت أدلة الوقوع حدا من الوضوح يمتنع معه اإلذعان بدليل االمتناع، بل يكون كالشبهة مقابل البديهيةكما هو كذلك في المقامفقد يكون الغرض من النظر في أدلة االمتناع توجيه أدلة الوقوع و شرح مفادها، بنحو ال يلزم منه المحذور، فهو

يرجع إلى حل الشبهة. و كفى بذلك فائدة مهمة. إذا عرفت هذا فقد نسب للشيخ أبي جعفر ابن قبة دعوى امتناع التعبد بخبر الواحد

عقال. و دليلهلو تمجار في جميع الطرق غير العلمية، بل في مطلق التعبد بغير العلم و إن كان مفاد األصل. إذ عمدة دليلهعلى ما قرره شيخنا األعظم قدس سره و

حكي عن القوانينأنه يستلزم تحليل الحرام و تحريم الحالل، إذ ال يؤمن أن يكون ماأخبر بحليته حراما و بالعكس.

و المحتمل بدوا رجوع الوجه المذكور إلى أحد محاذير ثالثة. األول: لزوم تفويت مالكات األحكام الواقعية، و هو قبيح، بل يلزم نقض الغرض

الداعي لجعل األحكام الواقعية، و إن لم يكن من سنخ المالك الراجع للمصالح والمفاسد في المتعلقات، و هو ممتنع مطلقا.

الثاني: لزوم اجتماع الحكمين المتضادين أو المتناقضين، و هو محال.

Page 22: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الثالث: لزوم التشريع القبيح، لما يستلزمه من إدخال ما ليس من الدين في الدين،و نسبة ما لم يصدر من الشارع األقدس له.

لكن الثالث ظاهر الدفع. إما ألن التعبد الشرعي رافع لقبح نسبة ما يصدر من الشارع له، و مخرج له عن التشريع، الختصاص القبح الواقعي بما إذا كانت النسبة

من غير حجة، و لذا لو استندت للقطع المخالف للواقع فال قبح واقعا. أو ألن االلتزام بمؤدى الطريق و األصل ال يقتضي االلتزام بأنه الحكم الشرعي الثابت واقعا، ليلزم

نسبة ما لم يصدر من الشارع له، بل االلتزام بأنه الحكم الذي أدى إليه التعبدالشرعي الظاهري، و هو مطابق للواقع. و يأتي في األمر الثاني عند

45، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الكالم في مقتضى األصل المعول عليه عند الشك في الحجية توضيح ذلك إن شاء

الله تعالى. فالعمدة في المقام المحذوران األوالن. و من الظاهر أنهما مبنيان على ما عليه أهل

الحق من التخطئة، و ال موضوع لهما على التصويب المنسوب لألشاعرة، بل و ال على التصويب المنسوب للمعتزلة، لعدم ثبوت الحكم الواقعي و عدم فعلية مالكه على خالف الطرق و األصول الشرعية، ليلزم تفويت مالكه أو جعل حكم مضاد له

من قيامها. فما يظهر من غير واحد في دفع المحذورين المذكورين بما يناسب التصويب المنسوب للمعتزلة خروج عما هو مفروض الكالمو يظهر التسالم عليه بين

أهل الحقمن بطالن التصويب بكال وجهيه. و حينئذ يلزم النظر في المحذورين معا.المحذور األول: تفويت المالكات الواقعية.

و الظاهركما ذكره غير واحدأنه ال يلزم لو علم الشارع األقدس انسداد باب العلم الموصل للواقع، إما لخطأ القطع الحاصل للمكلف أو لعدم تيسر القطع له و عدم وجوب االحتياط معه ألصالة البراءة العقلية أو للزوم محذور عقلي من االحتياط، بحيث ال يلزم من نصب الطرق و األصول غير العلمية فوت الواقع بقدر أكثر مما

يلزم مع عدم نصبها و رجوع المكلف لقطعه أو لألصل مع عدمه. و دعوى: أن فوت الواقع مع خطأ القطع قهري، لعدم التفات القاطع إلى خطأ

قطعه، بخالفه مع التعبد بغير العلم، فإنه تفويت اختياري مستند للشارع فيقبح. كما ترى، إذ مع فرض فوت الواقع على كل حال بسبب انسداد باب العلم ال معنى

الستناده للشارع األقدس. نعم في تمامية ذلك في محل الكالم إشكال، بل منع، بعد مالحظة الطرق و األصول

الجارية في الشبهات الموضوعية التي هي معرضة للخطإ الكثير، و ال سيما مع ماهو المعروف من عدم وجوب الفحص فيها، و مع جريان

46، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج جملة منها في موارد قاعدة االشتغال المقتضية لالحتياط كقاعدتي الصحة و التجاوز

و الفراغ، بل و قاعدتي الحل و الطهارة و غيرهما. على أن محل الكالم ليس هو تصحيح جعل الطرق و األصول الثابتة الجعل، كي يكفي احتمال ثبوت المصحح

المذكور فيها، بل إمكان نصب الطرق و األصول غير العلمية مطلقا و لو مع لزومفوت الواقع منها. و من هنا ال بد من النظر في دفع المحذور المذكور.

و المذكور في كالمهم وجوه ال مجال إلطالة الكالم فيها. و ال سيما مع ابتناء بعضها على الكالم في حقيقة التكليف المولوي و حقيقة اإلرادة التشريعية التي هي المعيار

Page 23: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

فيه، و قد سبق منا في مقدمة علم األصول بعض الكالم في ذلك. و العمدة فيالمقام وجهان:

األول: ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من إمكان االلتزام بتدارك المالكات الفائتة بمصلحة متابعة الطرق، فقيام الطرق ال يوجب تبدل المالكات الواقعية الثابتة ألفعال المكلفين، ليلزم تبدل أحكامها الواقعيةكما هو مقتضى التصويب

المنسوب للمعتزلةبل يوجب حدوث مصلحة في نفس سلوك الطرق و متابعتها يكون بها تدارك ما فات من تلك المالكات بسبب عمل المكلف على الطرق

المذكورة. لكن ال ملزم بالتدارك، إذ مع كون المالك الواقعي أهم من مصلحة متابعة الطريق ال ينفع تداركه بها في قبح تفويته، و مع كونها هي األهمكما لعله مفروض كالمهال يقبح

تفويته من أجلها و لو مع عدم التدارك. على أن ما ذكره يشكل بأن متابعة الطريق لما كانت بفعل المكلف كانت من عناوينه الثانوية، فيكون فعله واجدا للمالكين، المالك الثابت له بعنوانه األولي

المقتضي للحكم الواقعي، و المالك الثابت له بعنوانه الثانوي و هو كونه متابعة للطريق، و مع أهمية الثاني يتعين فعلية الحكم التابع له و سقوط الحكم الواقعي

عن الفعلية، و هو راجع للتصويب المنسوب للمعتزلة الذي فر منه،47، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و الذي سبق أن الكالم في المقام مبني على بطالنه. الثاني: ما ذكره المحقق الخراساني قدس سره من أن المصحح لتفويت المالكات الواقعية هو المصلحة الملزمة بنصب الطرق و التعبد بها، نظير مصلحة التسهيل،

فنصب الطرق ال يقتضي سلوكها و متابعتها التي هي من عناوين فعل المكلف الثانوية ليزاحم المالكات الواقعية و يمنع من فعليتها و فعلية أحكامها، بل هو نفسه

مشتمل على المصلحة الملزمة لتفويت المالكات الواقعية مع فعليتها و فعليةأحكامها. و ذلك يجري في التعبد باألصول أيضا.

و قد يستشكل في ذلك أيضاكما يستفاد من بعض األعيان المحققين و غيرهبرجوعه إلى التزاحم بين مالكات األحكام الواقعية و مالك نصب الطرق، المتناع استيفاء كال المالكين، بل استيفاء الثاني مانع من استيفاء األول، فمع أهمية المالكات الواقعية

يتعلق الغرض الفعلي للمولى بجعل األحكام الواقعية على طبقها، و يمتنع نصب الطرق المخالفة لها، لما فيه من تفويت تلك المالكات و نقض الغرض الفعلي، و مع

أهمية مالك نصب الطرق يلزم رفع اليد عن المالكات الواقعية و سقوط أحكامهاعن الفعلية، و هو خالف المفروض و راجع للتصويب.

و بعبارة أخرى: تعلق الغرض و اإلرادة الفعليين على طبق األحكام الواقعية ينافي نصب الطرق المؤدية إلى خالفها بعين التنافي بين إرادة الشيء و إرادة ما يمنع

عنه.لكن الظاهر اندفاع ذلك بوجهين:

أحدهما: أن فعلية المالك في الفعل التي تقتضي السعي لتحصيله إنما هي ببلوغه مرتبة من األهمية يكون بها الفعل الواجد له مما ينبغي حصوله، بحيث لو حصل

لكان في محله مرغوبا في حصوله بلحاظ ذاته و لحاظ الجهات المقارنة له، و لو لميحصل كان مأسوفا عليه يتمنى حصوله بلحاظ ذاته و بلحاظ

Page 24: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

48، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جتلك الجهات.

و حينئذ فامتناع الجمع بين الغرضين و تعذر استيفائهما معا في الخارج إنما يمنع من فعليتهما معا في حق الشخص الواحد، فيما إذا كانا في عرض واحد، راجعين معا

إلى مقام الثبوت أو إلى مقام اإلثبات و التحفظ على الواقع، كما إذا تعذر الجمع بين حفظ المال و حفظ الصحة، أو بين حفظ كرامة الشاهد المقتضي لقبول شهادته و

إن احتمل معها فوت الواقع، و االهتمام بحفظ الواقع المقتضي لالحتياط فيه و عدماالكتفاء بغير العلم.

أما إذا كان أحدهما راجعا إلى مقام الثبوت، و اآلخر إلى مقام اإلثبات و التحفظ على الواقع، فال مانع من فعليتهما معا، كما لو لم يكن بينهما تزاحم، من دون أن

يكون احتمال فوت المالك الراجع إلى مقام الثبوت ألجل المالك الراجع إلى مقام اإلثبات و التحفظ منافيا لفعلية المالك الراجع إلى مقام الثبوت بالمعنى المذكور

للفعلية. مثال: إذا اقتضى عالج المرض استعمال الدواء على رأس كل ساعة و لم يمكن

إحراز ذلك كامال إال بشراء المنبه، و كان شراؤه مجحفا بالمريض، فقد يكون العالج المذكور من األهمية بنحو يلزم بتحمل اإلجحاف المذكور، و قد ال يبلغ ذلك إما لعدم

أهمية المرض كثيرا، أو لعدم استلزام اإلخالل بالموعد في بعض المرات تعذر العالج، بل عدم كماله، و حينئذ ال يقدم المريض على شراء المنبه و إن احتمل

اإلخالل بالموعد في بعض الوقائع من دون أن يخرج استعمال الدواء في الموعد فيها عن الفعلية، و لذا لو حصل صدفة بال علم بالوقت كان وافيا بالغرض الفعلي، كما لو حصل مع العلم بالوقت، بخالف ما لو كان استعماله في الموعد في بعض الوقائع مستلزما لمحاذير ثبوتية، كالتعرض للبرد المضر بالبدن من جهة أخرى أو

الضرر المالي المجحف في نفس العالج، كغالء الدواء و نحوهما مما يمنع من فعليةالغرض فيه ثبوتا،

49، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج بحيث لو وقع لم يكن مطابقا للغرض الفعلي على نحو غيرها من الوقائع غير

المزاحمة من تلك الجهة. و كذا لو كان التأكد من حفظ المال موقوفا على استئجار حارس له، و كان

استئجاره مجحفا بالمالك، فإن عدم استئجاره ال ينافي فعلية مالك حفظ المال، بحيث لو بقي و لم يسرق مع عدم الحارس لكان مرغوبا في بقائه، بخالف ما لو

كان بقاء المال مستلزما ثبوتا لتعرض المالك لضرر مهم، حيث يخرج مالك حفظهعن الفعلية و يرغب في تلفه و التخلص منه.

نعم قد يكون التزاحم بين المالكين و فعلية مالك مقام اإلثبات مستلزما لضعفمالك مقام الثبوت من دون أن يسقط عن الفعلية.

و على ذلك حيث كان مالك نصب الطرق في المقام في طول مالك األحكام الواقعية و راجعا للتحفظ عليها، فتعذر الجمع بينهما و أهمية مالك نصب الطرق و

إن تعرضت للخطإ و تفويت الواقع ال ينافي فعلية المالكات و فعلية األحكام الواقعيةالتابعة لها.

Page 25: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ثانيهما: أنه سبق عند الكالم في حقيقة األحكام التكليفية أن قوام التكليف هو اإلرادة التشريعية المتقومة بالخطاب بداعي جعل السبيل، و أنها مخالفة سنخا

لإلرادة الحقيقية التكوينية التي هي عبارة عما يستتبع السعي لتحصيل المراد، و أنهما قد يجتمعان، بأن تتعلق بفعل المكلف إرادة المولى التكوينية و التشريعية معا،

و حينئذ ال بد من تحقق اإلطاعة من المكلف مع قدرة المريد، حيث تعين على المولى تهيئة أسباب اإلطاعة، بإيصال الحكم للمكلف، و حمله على إطاعته

بالترغيب أو الترهيب أو التوفيق أو الهداية أو غيرها. و قد يفترقان، فال يلزم تحقق اإلطاعة من المكلف، بل قد تتعلق اإلرادة بمخالفة التكليف بتهيئة أسبابها من

الخذالن أو نحوه، من دون أن يخل ذلك بصدق التكليف.50، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و حينئذ نقول: ال بد في المالك الثابت لفعل المكلف، المصحح لتعلق اإلرادة التشريعية به، و المستتبع للتكليف، من أن يبلغ مرتبة الفعلية في حق المكلف،

بحيث ينبغي له تحصيله بموافقة التكليف، فمع بلوغه المرتبة المذكورة يتعين جعل التكليف تشريعا و فعليته. و ال ملزم مع ذلك ببلوغه مرتبة الفعلية في حق المولى،

بحيث ينبغي له تحصيله بتهيئة أسباب اإلطاعة، بل ذلك إنما يلزم مع تعلق إرادتهالتكوينية به زائدا على اإلرادة التشريعية، و قد سبق إمكان افتراقهما.

و بذلك يظهر أن نصب الشارع الطرق الموجبة لفوت األحكام الواقعية، لمصلحة تقتضي ذلك، كمصلحة التسهيل، ال ينافي فعلية تلك األحكام و فعلية مالكاتها، ليلزم التصويب، و ال يستلزم نقض الغرض، ألن المعتبر في فعلية الحكم فعلية المالك في حق المكلف، ال فعليته في حق المولى و تعلق غرضه بحفظه، كي ينافي تفويته له

بنصبه للطرق المذكورة. و من هنا كان ما ذكره المحقق الخراساني قدس سرهوافيا بدفع المحذور.

المحذور الثاني: اجتماع الحكمين المتضادين. و هو الزم في صورة عدم إصابة الطرق و األصول للواقع، كما يلزم اجتماع

الحكمين المتماثلين مع إصابتهما له.و دعوى: أنه مع التماثل يتعين التأكد و ثبوت حكم واحد بمرتبة شديدة.

مدفوعة أوال: بأن الزم ذلك أن الحكم الواقعي إن كان منجزا بمطابقة الحكم الظاهري له لزم تأكد الثواب و العقاب بالطاعة و المعصية، بحيث يكونان أشد من

الثواب و العقاب الثابتين مع القطع بالحكم الواقعي الذي ال يستتبع حكما ظاهريا، و إن لم يكن منجزا لزم كون الثواب و العقاب على الحكم الظاهري. و كالهما كما

ترى.و ثانيا: بأن التأكد بين الحكمين المتماثلين إنما يكون مع اتحادهما

51، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج سنخا، و حينئذ يلزم مع التخالف و التضاد ترتب آثار اجتماع الحكمين المختلفين

بعنوانين، فيقدم اإللزامي على غيره، و االقتضائي على غيره، و يقع التزاحم بينهما لو كانا مختلفين اقتضاء، فيقدم األهم و يتساقطان مع عدم المرجح. و من الظاهر

عدم االلتزام بذلك في المقام. فالتحقيق أنهما مختلفان سنخا، فال يتأكد أحدهماباآلخر مع التوافق، و ال يتزاحمان مع التضاد.

Page 26: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و من هنا ال بد من مالحظة ذلك في المقام عند الكالم عن كيفية الجمع بينهما مع التماثل و التضاد. و قد كثر النقض و اإلبرام في العصور المتأخرة في توجيه الجمع بين الحكمين، و تضمنت كلماتهمعلى شدة االختالف بينها- وجوها كثيرة يبتني جملة

منها على أمور .. األول: الترتب بين الحكمين، ألخذ الجهل بالحكم الواقعي في موضوع الحكم

الظاهري.الثاني: عدم ترتب العمل على األحكام الواقعية بسبب الجهل بها.

الثالث: عدم صدور األحكام الظاهرية عن المصالح و المفاسد في المتعلقات، بلعن مصلحة في نفس جعل الحكم.

مع أن التأمل قاض بعدم دخل ذلك كله في تصحيح الجمع بين الحكمين المتضادين و المتماثلين، و لذا ال يصح اجتماع الحكمين الواقعيين المتضادين و لو مع الترتب

بينهمابأخذ أحدهما في موضوع اآلخرأو مع الجهل بأحدهما أو بهما معا، أو مع صدور أحدهما أو صدورهما معا عن مصلحة في نفس الحكم ال في المتعلق. و من ثم كان الدليل على الحكم الواقعي دليال على نفي الحكم المضاد له بأي نحو فرض. مضافا

إلى اإلشكال في تفاصيل الوجوه المذكورة بما يضيق الوقت عن استيعابه. و لنقتصر في المقام على ما هو المختار لنا بعد النظر في كلمات األعالم و التأمل

في حقيقة الحكمين، فنقول بعد التوكل على الله تعالى و طلب52، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

التسديد منه:الكالم في الوظائف الظاهرية يكون ..

تارة: في موارد الطرق و األمارات. و أخرى: في موارد األصول التعبدية المتضمنة للتعبد بأحد طرفي االحتمال،

كاالستصحاب و أصالتي الحل و الطهارة و قاعدتي الفراغ و الفراش و غيرها. و ثالثة: في بقية األصول مما يتضمن بيان الوظيفة العملية من دون تعبد بشيء

كأصالتي البراءة و االحتياط.فهنا مقامات ..

المقام األول: في الطرق و األمارات و قد تقدم في مقدمة علم األصول عند الكالم في حقيقة الحجية أن مرجع اعتبار

الطرق و األمارات ليس إلى وجوب العمل على طبقها ظاهراليكون الوجوب المذكور حكما لعمل المكلف مماثال لحكمه الواقعي أو منافيا لهبل إلى جعل حجيتها

شرعا، و أن الحجية من األحكام الوضعية المجعولة بنفسها، و ليست منتزعة من وجوب العمل بالطريق أو جوازه، و من الظاهر أن حجية الطريق ال تضاد الحكم

الواقعي، و ال تماثله، بل هي مباينة له سنخا و موضوعا واقعة في طوله، و الموضوع معها لإلشكال المذكور.

المقام الثاني: في األصول التعبدية و الظاهر من جملة من كلماتهم أن مفاد أدلتها جعل حكم ظاهري شرعي في

مواردها، بل هو صريح بعضها، قال المحقق الخراساني قدس سره في حاشيته علىالرسائل: »و أما األصول التعبدية ... فهي أحكام شرعية فعلية حقيقية، بداهة أن:

Page 27: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

كل شيء حالل، إباحة فعلية و ترخيص حقيقي في االقتحام في الشبهة من الشارع،كالترخيص في المباحات الواقعية. و التفاوت بين الترخيصين بكون

53، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج موضوع أحدهما الشيء بعنوانه الواقعي و موضوع اآلخر بعنوان كونه مجهول الحكم

ال يوجب التفاوت بينهما بالحقيقة و الصورة، كما ال يخفى«. و من ثم يقع اإلشكالفي الجمع بين الحكمين.

لكن ارتكاز التنافي بين جعل الحكم في ظرف الشك مع إطالق موضوع الحكم الواقعيالمستفاد من الغاية التي تضمنتها األدلة المذكورة، لظهورها في أن العلم

بالواقع طريق محض ال دخل له في الحكم الواقعي أصالمانع من ظهور األدلة المذكورة في جعل الحكم في ظرف الشك، بل هي ظاهرة ألجل ذلك في التعبد

بالحكم أو الموضوع عند الشك فيهما الراجع إلى البناء على تحققهما إثباتا في مقام العمل، كالبناء عليهما مع قيام الحجة عليهما، بل و مع العلم بهما. غاية األمر أن

البناء المذكور الزم للعلم تكوينا بال حاجة للجعل، و في موارد الطرق متفرع علىجعل حجية الطريق، أما هنا فهو تابع للتعبد بمؤدى األصل ابتداء.

و إن شئت قلت: ليس في المقام نوعان من الحكم واقعي و ظاهري على الموضوع الواحد، ليشكل الجمع بينهما، بل الحاكم .. تارة: يجعل الحكم على

موضوعه ثبوتا. و أخرى: يعبد به أو يعبد بموضوعهالمستلزم عرفا للتعبد بهبنحو يقتضي البناء على

أحدهما إثباتا في مقام العمل بعد الفراغ عن مقام الثبوت و في رتبة متأخرة عنه، و األول هو مفاد أدلة األحكام الشرعية الواقعية، و الثاني هو مفاد أدلة األصول

المذكورة. بل ذلك كالصريح من دليل االستصحاب، لعدم التعرض فيه لما يوهم جعل

المستصحب أو أحكامه، بل لم يتضمن إال لزوم العمل على مقتضى اليقين السابق، و حيث ال يتضمن اليقين جعل المتيقن، بل اإلذعان بثبوته، كان مفاد االستصحاب

البناء على الثبوت ال غيره.54، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و ال سيما مع عموم دليله للحكم الشرعي و الموضوع الخارجي معا، مع وضوح امتناع جعل الثاني شرعا. و حمل جعله على جعل حكمه تكلف، ال يناسب وحدة

دليل الجعل في األمرين جدا، بخالف ما لو حمل على ما ذكرنا، إلمكان التعبدبالمعنى المذكور في الحكم و الموضوع معا.

كما أن ما تضمن التعبد بالعنوان و إن كان بعضه واردا في الحكم الشرعي القابل للجعلكقاعدتي الطهارة و الحلو بعضه واردا في الموضوع الخارجي- كقاعدتي التجاوز و الفراشإال أن حمله بقسميه على جعل المؤدى و الحكم به مستلزم

للتفكيك بين القسمين بحمل األول على جعل نفس العنوان المحمول و الثاني على جعل أحكامه، و هو ال يناسب وحدة لسان الدليل في القسمين أو تقاربهما فيه،

بخالف حملهما معا على التعبد بالعنوان بالمعنى الذي ذكرنا. بل ما ذكرنا هو مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع، فإن الجهل بالحكم أو الموضوع

لما كان يقتضي التحير في مقام العمل من حيثيتهما كان المناسب رفع التحير المذكور، و ذلك بورود أدلة األصول لبيان التعبد بالواقع المجهول، ألنه هو الرافع

Page 28: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

للتحير، ال لجعل حكم آخر، إذ الجهل بنفسه ال يقتضي الحاجة لذلك، لتنصرف األدلةله.

و بذلك افترقت أدلة األصولالتي موضوعها الجهل بواقع يترتب عليه العمل الذي هو سبب للتحيرعن غيرها من القضايا التي لم يؤخذ الجهل في موضوعها، إذ ال مورد

في األخيرة للتحير الذي يحتاج معه للتعبد في مقام العمل، بل ال موضوع معها للتعبد بعد عدم فرض واقع مجهول، فيتعين حملها على جعل الحكم ثبوتا، بخالف

أدلة األصول، لما ذكرنا. و من هنا يظهر عدم التنافي بين الحكم الواقعي و مفاد األصل التعبدي، بل الثاني

في طول األول متفرع عليه تفرع مقام اإلثبات على مقام الثبوت، مع55، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

التباين بينهما موضوعا و سنخا.المقام الثالث: في األصول غير التعبدية

و هي التي تتضمن بيان الوظيفة العملية من دون تعبد بواقع مجهول.و تنحصر ظاهرا بالبراءة و االحتياط.

و قد يشكل األمر فيها بلحاظ أنها حيث ال تتضمن التعبد بالواقع المجهول، بل ببيان الوظيفة العملية في الواقعة ابتداء، الذي هو نحو من الحكم الشرعي في الواقعة،

فمقتضى الوظيفة فيها إن خالف مقتضى الحكم الواقعي عمال لزم اجتماع الضدين،و إن وافقه لزم اجتماع المثلين.

لكن ال موقع لإلشكال بناء على عدم تضمنها الحكم شرعا باإللزام أو الترخيص في مورد الشك، بل مجرد بيان أهمية التكليف المجهول عند الشارع بنحو يقتضي حفظه

على تقدير ثبوته، أو عدم أهميته كذلك، حيث يكفي األول في تنجز التكليف عقال كما لو وصل التكليف أو عبدنا الشارع به، و الثاني في عدم تنجزه و ثبوت المعذرية

عنه عقال. لوضوح أن أهمية التكليف بالنحو المذكور و عدمها من شئون التكليفالواقعي المحتمل، من دون أن يكون حكما آخر مضادا له أو مماثال له.

و أما بناء على تضمنها الحكم بذلك فالحكم المذكور ال يضاد الحكم الواقعي و ال يماثله، بل هو مخالف له سنخا و في طولهال بلحاظ أخذ الجهل به في موضوعهبل ألنه راجع لمقتضى الوظيفة فيه على تقدير الجهل به من سعة تقتضي البراءة، أو

كلفة تقتضي االحتياط. كما أنه تابع ألهميته، ال لمالك مستقل عنه، نظير حكم العقل الظاهري بالبراءة و االحتياط، حيث ال يكون مخالفا للحكم المولوي الواقعي، و ال

موافقا له، و ليس هو كحكمه بالتحسين و التقبيح الواقعيين.غايته أن حكم الشارع بأحد األمرين إن كان مخالفا لمقتضى حكم العقل

56، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الظاهري كان واردا عليه رافعا لموضوعه، و إن كان موافقا له كان إمضاء له و بيانا

لعدم جعل الرافع له. و ألجل ذلك كان عدم التضاد و التماثل بين األحكام الواقعية و الحكمين المذكورين

أمرا ارتكازيا جليا عند العقالء، مع وضوح التماثل و التضاد عندهم بين األحكامالواقعية بنفسها، و بين األحكام الظاهرية كذلك.

و بما ذكرنا يظهر أنه لو غض النظر عما ذكرنا في المقامين األولين و بني على رجوع جعل الطرق و األصول التعبدية إلى األمر و الترخيص بالعمل على مفادها لزم

Page 29: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

حمل األمر و الترخيص المذكورين على أنهما من سنخ الحكم باالحتياط و البراءة في طول األحكام الواقعية، و ليسا راجعين إلى حكم شرعي في قبال الحكم

الواقعي، فرارا من محذور التضاد و التماثل بين الحكمين. إال أنا في غنى عن ذلكهناك بما سبق، و إنما نحتاج إليه في هذا المقام ال غير.

األمر الثاني: في مقتضى األصل الذي يرجع إليه عند الشك في الحجية.ال إشكالفي الجملةفي أن األصل عدم الحجية فيما شك في حجيته.

إال أن الظاهر اختالف الكالم باختالف آثار الحجية المترتبة عليها.و توضيح ذلك: أنهم ذكروا للحجية أثرين:

األثر األول: ما يرجع لمقام العمل بمؤدى الحجة، و هو المنجزية و المعذرية باإلضافة إلى األحكام الواقعية المستتبعان للعمل عليها. و

هو األثر المهم في المقام لمناسبته لعلم األصول. و ال ريب في كونه حكما عقليامحضا.

كما ال ريب في أنه مع الشك في الحجية ال يحكم العقل بها، و أن ما هو المعذر والمنجز فعال هو ما ثبت حجيته و التعبد به من قبل المولى.

و من ثم فقد يستشكل في التمسك بأصالة عدم الحجية مع الشك فيها، ألنه يكفي في عدم العمل بمشكوك الحجية الشك في حجيته الحاصل بالوجدان، بال حاجة إلى

التعبد بعدم الحجية الذي هو مفاد األصل، بل يلغو57، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

ذلك. لكن الظاهر أن اعتبار وصول الحجية في ترتب األثر المذكور ليس لكون الوصول مقوما لمقتضى األثر و موضوعه ثبوتا، بل لكونه شرطا في فعليته إثباتا، مع كون

تمام المقتضي و الموضوع هو التعبد الشرعي الواقعي. نظير اعتبار وصول التكليف في ترتب األثر عليه، و هو لزوم اإلطاعة، مع كون تمام الموضوع و المقتضي له

بنظر العقل هو التكليف الواقعي بنفسه، من دون أن يكون وصوله دخيال فيه ثبوتا. و حينئذ فعدم العمل بالطريق مع الشك في حجيته إنما يكون بمالك عدم حصول

شرط المعذرية و المنجزية، بخالف عدمهما مع إحراز عدم الحجية، فإنه بمالك إحراز عدم المقتضي لهما، و مثل هذا االختالف كاف في األثر المصحح للتعبد

ارتكازا. و من ثم جرى استصحاب عدم التكليف، مع أن الشك في التكليف كاف فيالبراءة منه و عدم وجوب العمل عليه عقال.

هذا و قد يستدل على عدم حجية ما شك في حجيته بإطالق ما دل على عدممع واالعتماد على غير العلم كقوله تعالى: و ال تقف ما ليس لك به علم إن الس

، و ما دل على عدم االعتماد على«1 »البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤال�الظن و أنه ال يغني عن الحق شيئا، و نحو ذلك.

لكن لم يتضح ورود اآلية الشريفة فيما نحن فيه من عدم االعتماد على غير العلم في مقام العمل، بل لعل المراد بها بيان حرمة التعبد و التدين و الفتوى من غير

علم تكليفا، كما يناسبه ذيلها. و حسن علي بن جعفر أو صحيحه عن أخيه عن آبائهعليهم السالم في حديث أنه قال: »ليس لك أن تتكلم بما شئت، ألن الله

______________________________.36( سورة االسراء اآلية: 1 )

Page 30: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

58، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج«.«1 » و ال تقف ما ليس لك به علمعز و جل يقول:

على أنها لو دلت على ذلك فهيككثير من األخبار المتضمنة أنه ال عمل إال بعلم، و أن - منصرفة إلى من ال«2 »من عمل على غير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه

يعلم ال بالواقع و ال بالحجية، و لو ألنه مقتضى الجمع بينه و بين ما دل على حجية كثير مما ال يفيد العلم، فإن الجمع بذلك أقرب من الجمع بتخصيص العموم المذكور،

فإنه آب عن التخصيص عرفا، النصرافه إلى بيان معنى ارتكازي. فهو نظير ما ورد من أن العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق ال يزيده سرعة السير إال

بعدا. و حينئذ ال تنهض ببيان عدم حجية ما ال يفيد العلم واقعا، ليتجه االستداللبعمومه مع الشك في الحجية.

و أما ما تضمن عدم االعتماد على الظن فهو و إن كان ظاهرا في عدم حجيته في مقام العمل، إال أنه إنما يدل على عدم حجية الظن بما هو ظن، و ال ينافي حجية

بعض ما يوجب الظن نوعا بخصوصيته، كخبر الثقة. مع أنه ظاهر في اإلشارة إلى أمر ارتكازي عقالئي ال تأسيسي للشارع تعبدي، و لذا

ورد مورد الذم و التبكيت للكفار و االحتجاج عليهم، و ال يحسن االحتجاج عليهمبالقضايا التعبدية الصرفة، فيختص بالظنون غير المعتمدة عند العقالء.

نعم قد يستدل بإطالق أدلة األصول المتضمنة عدم رفع اليد عنها إال بالعلم، فإن مقتضى الحصر المذكور عدم ترتب العمل على غير العلم، بل لزوم العمل بمقتضى

األصل، و هو راجع لعدم حجيته في مقام العمل.لكن الظاهر و لو بضميمة أدلة حجية الحجج غير العلمية أن أخذ العلم في

______________________________.36 من أبواب صفات القاضي حديث: 4 باب: 18( الوسائل ج: 1 ) من أبواب صفات القاضي.4 باب: 18( راجع الوسائل ج: 2 )

59، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج أدلة األصول ليس لخصوصيته خاصة، بل بما هو طريق فيقوم مقامه سائر الطرق،

و مرجع ذلك إلى أن الغاية مطلق الطريق، بل مطلق اإلحراز و لو باألصل، فال ينافي طريقية غير العلم و حجيته شرعا، لينهض باالستدالل في المقام. و يأتي في

الفصل األول ما ينفع المقام.األثر الثاني: جواز التدين بمؤدى الحجة و نسبته للمولى و الفتوى بمضمونه تكليفا.

و ليس هو أثرا مهما في المقام، لعدم دخله بمقام العمل بالحجة، بل هو حكمفرعي خارج عن محل الكالم.

و لو تقول عليناو يقتضيهمضافا إلى اآلية المتقدمة بالتقريب المتقدمقوله تعالى: بعض األقاويل* ألخذنا منه باليمين* ثم لقطعنا منه الوتين* فما منكم من أحد عنه

، و النصوص الكثيرة الدالة على حرمة الفتوى و التدين بغير علم، و ما«1 »حاجزين تضمن أن القضاة أربعة ثالثة منهم في النار و هم من يقضي بالباطل و هو ال يعلم،

و من يقضي به و هو يعلم، و من يقضي بالحق و هو ال يعلم، و ما تضمن من أن حق.«2 »الله على العباد الوقوف عند ما ال يعلمون

مضافا إلى اإلجماع المعتضد بالمرتكزات المتشرعية.

Page 31: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و المستفاد من مجموع األدلة أن موضوع الحرمة هو عدم العلم بالواقع و ال بقيام الحجة، فيحرم واقعا التدين و الفتوى بالشيء و لو مع ثبوته واقعا، و مع العلم

بأحدهما يجوز واقعا التعبد و الفتوى بالشيء و لو مع عدم ثبوته واقعا. و بذلك يظهر أن أصالة عدم الحجية ال أثر لها في المقام، إذ يكفي في حرمة التدين و الفتوى الشك في الحجية الحاصل بالوجدان بال حاجة إلى التعبد بعدمها باألصل، و

هذا بخالف مقام العمل بالحجة، حيث سبق عدم لغوية______________________________

.47- 44( سورة الحاقة اآلية: 1 ) من أبواب صفات القاضي.4 باب: 18( راجع الوسائل ج: 2 )

60، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جاألصل المذكور و ترتب العمل عليه. فالحظ.

كما ظهر أنه ال مجال للتمسك بما دل على عدم جواز التدين و الفتوى بغير علم إلثبات عموم عدم حجية غير العلم بتقريب: أن مالزمة جواز التدين و الفتوى للحجية

تقتضي عدمها عند عدمهما. الندفاعه بأنه حيث كان المراد من عدم العلم هو عدم العلم ال بالواقع و ال بالحجية فهو ال ينهض ببيان موارد عدم الحجية الواقعية. و قد

تقدم عند الكالم في األثر األول ما ينفع في المقام. فراجع.بقي في المقام أمران:

األول: أشرنا قريبا إلى دعوى المالزمة بين الحجية و جواز التعبد بمؤدى الحجة والتدين به و نسبته للمولى و الفتوى به.

و ظاهرها جواز التعبد به و نسبته للمولى على أنه الحكم الواقعي، كما لو علم به. و هو ال يخلو عن إشكال النصراف دليل الحجية إلى خصوص مقام العمل بالحجة،

ألنه الغرض المهم منها، ال إلى جواز نسبة الحكم للمولى مع عدم العلم به. و ال سيما مع كون غالب الطرق عقالئية، و ظاهر أدلتها إمضاء طريقة العقالء في العمل

بها، لوضوح عدم بناء العقالء على ترتيب غير العمل عليها، بل حتى ما كان منها تعبديا محضا ال ظهور ألدلته إال في جعل الحجية له على نحو حجية الطرق العقالئية،

ال بنحو زائد على ذلك. و على ذلك ال بد في البناء على جواز التدين و النسبة اعتمادا على الحجة من دليل

آخر غير دليل الحجية، كما قد يدعى ورود بعض النصوص به، فيخرج بها عما دل على عدم جواز النسبة و التعبد و الفتوى بما ال يعلم مما تقدمت اإلشارة إليه. و إن

كان الظاهر عدم نهوضها بذلك. و للكالم مقام آخر. و من هنا فالظاهر عدم جواز التدين بالمؤدى و النسبة له إال على أنه الحكمالظاهري و الوظيفة العملية التي أذن الشارع في الجري عليها، فإنه معلوم

61، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جبالوجدان بسبب دليل الحجية، فيكون من التدين و الفتوى بعلم.

الثاني: حيث تقدم أن األصل عدم حجية غير العلم فالظاهر أن مقتضى األصل أيضاحجية الطرق العقالئية االرتكازية،

بحيث ال يحتاج البناء على حجيتها إلى إحراز إمضاء الشارع لها، و إن أمكن ردعالشارع عنها.

و توضيح ذلك: أن سيرة عامة الناس و تعارفهم على العمل بطريق ..

Page 32: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

تارة: تكون مستندة ألمر خارج عنهم طارئ عليهم، كحاجتهم إليه في خصوص زمان، أو مكان، أو حملهم عليه من جهة خاصة، كسلطان قاهر أو عالم ناصح، أو

جريهم عليه تبعا لعرف خاص أو لتقليد كبرائهم أو آبائهم إلى غير ذلك. و أخرى: تكون ناشئة من مرتكزاتهم التي أودعها الله سبحانه و تعالى فيهم، و

غرائزهم التي فطرهم عليها، بحيث يجرون عليها وحدها، ال بلحاظ أمر خارج عنها. و الظاهر أن ذلك هو المراد بسيرة العقالء في كالمهم، إذ الظاهر من نسبتها إليهمجريهم عليها بما أنهم عقالء. بخالف الوجه األول فإنه مجرد عرف عام أو خاص.

أما الوجه األول فال وجه لحجيته في نفسه، كما ال مقتضي فيه للكشف عن الحجية الشرعية في مورده، إذ ال منشأ لحمل الشارع األقدس على الجهة الخارجية

المذكورة، كما ال وجه لحمل غيره من الموالي على ذلك بنحو يستكشف حكمهم، بل ال بد له من إحراز اإلمضاء من المولى الذي هو تمام المقتضي للحجية من قبله،

و بدونه ال مقتضي لها، فال يكفي في البناء على مقتضى السيرة عدم الردع عنها،فضال عن عدم ثبوته.

نعم لو استحكمت السيرة بنحو يغفل عن إرادة خالفها، و التفت المولى لذلك وتيسر له الردع عنها استفيد من عدم ردعه إمضاؤه لها الذي عرفت أنه

62، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جتمام المقتضي للحجية.

و أما الوجه الثاني فالظاهر أنه بنفسه مقتض للحجية و العمل، بحيث يكون مقتضى األصل بنظر العقل متابعتها و العمل عليها في مقام التنجيز و التعذير بين المولى و العبد، ما لم يثبت ردع المولى عنها. فمورد السيرة المذكورة يشترك مع العلم في

ثبوت مقتضى الحجية فيه بذاته، و إن فارقه بأن للمولى الردع عنه، بخالف العلمفإنه علة تامة للحجية ال تقبل الردع.

و على هذا ال يحتاج العمل بذلك إلى إثبات اإلمضاء، كما تجشمه غير واحد في بعض الموارد، بل و ال إثبات عدم الردع و لو باألصل، بل يكفي عدم ثبوت الردع، لحكم العقل في المقام بلزوم متابعة المقتضي في مثل ذلك ما لم يثبت الردع، حتى لو احتمل كون عدم الردع لعدم تيسره للمولى، كما يظهر بأدنى مالحظة للمرتكزات

العقالئية القطعية. و من ثم ال يظن من أحد التشكيك في اإللزام و االلتزام بظاهر كالم المولى مثال لو احتمل كون عدم ردعه عن العمل بالظهور لعدم تيسر الردع له. و كأن هذا هو مراد

المحقق الخراساني قدس سره من قوله في الكفاية: »ضرورة أن ما جرت عليه السيرة المستمرة في مقام اإلطاعة و المعصية و في استحقاق العقوبة بالمخالفة

و عدم استحقاقها مع الموافقةو لو في صورة المخالفة عن الواقعيكون عقال في الشرع متبعا ما لم ينهض دليل على المنع عن اتباعه في الشرعيات«. و ما يظهر

من سيدنا األعظم قدس سره من عدم ثبوت هذا الوجه في غير محله بعد ما سبقو ربما يأتي في المباحث اآلتية ما ينفع في المقام.

هذا تمام الكالم في تأسيس األصل الذي يرجع إليه عند الشك في الحجية. فلنشرعفيما هو المقصود بالكالم، و هو تشخيص موارد الحجج و ذلك في ضمن فصول ..

63، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالفصل األول في حجية االطمئنان

Page 33: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و لم يعرف القول بحجيته على اإلطالق قبل بعض مشايخنا »دامت بركاته«، فقد صرح بحجيته في مقابل العلم الذي هو حجة ذاتية، بدعوى: أنه علم عادي، و هو

حجة عقالئية، و لم يردع عنها الشارع األقدس. لكن المراد بأنه علم عادي إن رجع إلى أنه من أفراد العلم الحقيقية الذي هو عبارة

عن انكشاف األمر بحيث ال يحتمل معه الخالف، فال وجه لجعله مقابل العلم الذيهو حجة ذاتية، و ال لالستدالل عليه بأنه حجة عقالئية لم يردع عنها.

و إن رجع إلى أنه من أفراد العلم التسامحية العرفية، لضعف االحتمال و عدم تعويل العقالء عليه، فمن المعلوم عدم التعويل على التسامح العرفي في تطبيقات العرف و تشخيص الموضوعات. على أنه لو فرض التعويل على ذلك فهو إنما ينفع في أحكام العلم الموضوعي المأخوذة من إطالقات األدلة اللفظية، دون المأخوذة

من أدلة لبية أو لفظية ال إطالق لها، للزوم االقتصار فيها على المتيقن. و لو كان داخال في المتيقن كفى في ثبوت الحكم له بال حاجة إلى تكلف دعوى أنه علم

عادي. كما ال ينهض ذلك بإلحاقه بالعلم الطريقي في الحجية بعد عدم مشاركته له في الحجية الذاتية غير القابلة للردع. و من هنا ال أثر للدعوى المذكورة في

االستدالل على حجية االطمئنان. و أما دعوى: أنه حجة عقالئية، فهي ال تخلو من خفاء، إذ لم يتضح من العقالء حجية

االطمئنان بنفسه مطلقا بما هو و إن كان ابتدائيا أو مستتبعا إلى ما64، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

ليس حجة بنفسه، كالرؤيا و الفأل و نحوهما. نعم ال يبعد كفاية االطمئنان بل الوثوق في حجية خبر غير الثقة، على ما يأتي في

محله من مبحث حجية خبر الواحد. كما ال يبعد استفادة حجية االطمئنان من خصوص بعض األسباب أو في خصوص بعض الموارد ألدلة تعبدية لفظية أو لبية، و

هو موكول للفقه، و محل الكالم إنما هو عموم حجيته ببناء العقالء.على أنه لو تمت الدعوى المذكورة أمكن استفادة الردع عنه من أمرين:

األول: عموم أدلة األصول المتضمنة عدم رفع اليد عن مقتضى األصل إال بالعلم أو االستبانة أو نحو ذلك مما يظهر منه عدم كفاية االطمئنان في رفع اليد عن مقتضى

األصل. إن قلت: تقدم في ذيل الكالم في أصالة عدم حجية غير العلم أن العلم في تلك

األدلة ليس مأخوذا بما هو صفة خاصة، بل بما هو طريق، فيقوم مقامه سائر الطرق، ألن الموضوع في الحقيقة هو مطلق الطريق، و ال تنهض حينئذ تلك األدلة

ببيان عدم طريقية غير العلم لتصلح للردع في المقام. قلت: هذا إنما يتم في الطرق الخارجية غير القائمة بالنفسكخبر الثقة و اليددون

الطرق القائمة بالنفس، فإن االقتصار في بيان ما هو الطريق منها على العلم الذي هو أتم مراتب االنكشاف ظاهر جدا في عدم حجية ما دونه من المراتب و منها

االطمئنان. نظير عطف البينة على العلم في حديث مسعدة بن صدقة و نحوه فإنه ظاهر في عدم حجية خبر الثقة الواحد، ألن االقتصار في بيان ما هو الحجة من الخبر الحسي بما هو خبر على خبر العدلين ظاهر في عدم حجية ما دونه كخبر

العدل الواحد، فضال عن خبر الثقة غير العدل، من دون أن تنهض بالردع عن حجيةمثل خبر صاحب اليد مطلقا، أو الخبر الحدسي من

Page 34: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

65، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج أهل الخبرة في حق الجاهل، أو غيرهما مما كانت حجيته لخصوصية زائدة على كونهخبرا، لعدم أخذ العلم و البينة فيها بخصوصيتهما، بل بما هما طريق، نظير ما سبق.

الثاني: النصوص الخاصة الظاهرة في عدم حجية االطمئنان بخصوصه، كالنصوص المتضمنة للبناء على الطهارة بالتنبيه الحتماالت بعيدة، مثل قوله عليه السالم في

موثق عمار في من وجد في إنائه فأرة و قد استعمل ماءه: »و إن كان إنما رآها بعد ما فرغ من ذلك و فعله فال يمس من ذلك الماء شيئا و ليس عليه شيء، ألنه ال

يعلم متى سقطت فيه«. ثم قال: »لعله أن يكون إنما سقطت فيه تلك الساعة التي.«1 »رآها«

و قوله عليه السالم في صحيح زرارة فيمن رأى في ثوبه دما أو منيا في أثناء الصالة: »تنقض الصالة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، و إن لم تشك ثم

رأيته رطبا قطعت و غسلته ثم بنيت على الصالة، ألنك ال تدري لعله شيء أوقع.«2 »عليك«

و مثلها ما يظهر منه التأكيد على اليقين، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السالم: »في الذي يذكر أنه لم يكبر في أول صالته. فقال: إذا استيقن أنه لم يكبر

.«3 »فليعد، و لكن كيف يستيقن؟« و صحيح زرارة و بكير عن أبي جعفر عليه السالم: »قال: إذا استيقن أنه زاد في

صالته المكتوبة ركعة لم يعتد بها و استقبل صالته استقباال إذا كان قد استيقن يقينا««4».

______________________________.1 من أبواب الماء المطلق حديث: 4 باب: 1( الوسائل ج: 1 ).1 من أبواب النجاسات حديث: 44 باب: 2( الوسائل ج: 2 ).2 من أبواب تكبيرة اإلحرام من كتاب الصالة حديث: 2 باب: 4( الوسائل ج: 3 ).1 من أبواب الخلل الواقع في الصالة حديث: 19 باب: 5( الوسائل ج: 4 )

66، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و صحيح محمد بن مسلم: »سألت أبا جعفر عليه السالم عن رجل استيقن بعد ما

.«1 »صلى الظهر أنه صلى خمسا. قال: و كيف استيقن؟ قلت: علم ...« و قد يستأنس له بما دل على لزوم االحتياط في الشهادة، مثل ما عن النبي صلى

، و ما«2 »الله عليه و آله أنه قال: »هل ترى الشمس على مثلها فاشهد أو دع«.«3 »عن الصادق عليه السالم: »ال تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك«

و من هنا ال مجال للبناء على عموم حجية االطمئنان. و إن أمكن البناء على حجيته في خصوص بعض الموارد، ألدلة خاصة لفظية أو لبية من دون أن تنهض بإثبات

عموم حجيته الذي هو محل الكالم في المقام.______________________________

.5 من أبواب الخلل الواقع في الصالة حديث: 19 باب: 5( الوسائل ج: 1 ).3 من أبواب الشهادات حديث: 20 باب: 18( الوسائل ج: 2 ).1 من أبواب الشهادات حديث: 20 باب: 18( الوسائل ج: 3 )

67، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالفصل الثاني في حجية الظواهر

Page 35: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

حيث كان الكالم هو أهم أدوات البيان الذي به فضل الله تعالى اإلنسان و ميزه عن البهائم، و كان للعقالء طرق خاصة في أداء المقاصد بالكالم و معرفتها به جروا

بمقتضى مرتكزاتهم على سلوكها في مقام التفهيم و التفهم، كانت الطرق حجة بمقتضى ما سبق في ذيل الكالم في أصالة عدم حجية غير العلم من حجية سيرة العقالء االرتكازية ما لم يصل الردع عنها شرعا. و من الظاهر عدم وصوله، بل ال إشكال في عدم صدوره، و إال لظهر و بان، لتوفر الدواعي على نقله لو كان. بل

حيث كان يتيسر له الردع فعدم صدوره منه موجب للقطع بإمضائه للسيرة المذكورة، و إال كان مخال بغرضه، و هو قبيح منه. بل ال ريب في تحقق اإلمضاء منه

بعد مالحظة حاله في جريه على طريقة العقالء المذكورة. هذا و ال ينبغي التأمل في عدم اقتصار العقالء في مقام التفاهم على النصوص الكالمية الموجبة للقطع بالمراد، بل يكتفون بالظهورات الكالمية، و ال يعتنون

باحتمال مخالفتها للمراد الجدي إال بقرينة صارفة، بل هي األكثر شيوعا و األيسر تناوال، لعدم تيسر ضبط النصوص بقواعد عامة يتفق عليها الكل ال تختلف باألحوال و

األزمنة، لعدم الضابط لالحتماالت القريبة فضال عن البعيدة، فلو كان البناء علىاالقتصار على ما يوجب اليقين الضطرب أمر التفاهم، و اختلت موازينه.

ثم إن احتمال عدم مطابقة الظاهر للمراد الجدي يكون ألحد أمور ..األول: خروج المتكلم عن طريق العقالء المذكور و اختراعه طريقا آخر.

68، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الثاني: عدم صدور الكالم لبيان المراد الجدي، بل لغرض آخر غير عقالئي أو

عقالئي، كالخوف، و منه ما إذا كان صادرا لبيان بعض المراد الجدي مما هو مورد الحاجة للبيان مع إيكال بيان الباقي لقرائن منفصلة مخرجة عن مقتضى الظهور،

لعدم الحاجة لتعجيل بيانه. الثالث: غفلة المتكلم عن مقتضى الظهور أو عن إقامة القرينة الخاصة الموجبة

لتبدله لو فرض إمكان ذلك في حقه كما في غير الشارع.الرابع: ضياع قرائن احتفت بالكالم أوجبت تبدل ظهوره، و لو بسبب غفلة السامع.

و ال إشكال في عدم اعتناء العقالء باالحتماالت المذكورة، و ال تمنع من اتباع الظهور، بل يدفع األول بأصالة جري المتكلم على مقتضى الطريق المألوف للعقالء، ما لم يثبت منه الردع عنه و الخروج عن مقتضاه، كما سبق، و الثاني بأصالة الجهة

المعول عليها عند العقالء، و الثالث بأصالة عدم الخطأ و الغفلة المعول عليها فيغير المقام أيضا، و الرابع بأصالة عدم القرينة. و لو ال ذلك الختل نظام التفاهم.

هذا و الظاهر أن أصالة الظهور الراجعة إلى كون مقتضى الظهور هو المراد الجدي للمتكلم تبتني على األصول المذكورة بأجمعها و ترجع إليها، فهي إجمال لمؤدياتها، و

ليست أصال برأسه في قبالها. كما أن األصول الوجودية األخركأصالة الحقيقة و العموم و اإلطالق و نحوهاراجعة إليها و من صغرياتها، فال يرجع إليها لو كان الظهور

على خالفها. و أما األصول العدميةكأصالة عدم المخصص و المقيد و نحوهمافإن أريد بها نفي اتصال األمور المذكورة بالكالم بحيث توجب تبدل ظهوره فهي راجعة إلى أصالة

عدم القرينة المتقدمة و من صغرياتها. و إن أريد بها نفي صدور69، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 36: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

األمور المذكورة منفصلة عن الكالم بنحو يرفع بها اليد عن مقتضى الظهور بعد فرض انعقادهكما هو غير بعيدكانت من صغريات أصالة عدم المعارض المعول عليها

عند العقالء أيضا. و الظاهر أن ما ذكرنا أولى من ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من رجوع أصالة الحقيقة و أخواتها إلى أصالة عدم القرينة، و من ما ذكره المحقق الخراساني قدس

سره من إنكار أصالة عدم القرينة و االعتراف بأصالة الظهور، بدعوى: أن بناء العقالء على إرادة المتكلم للظهور ليس بتوسط بنائهم على عدم احتفاف الكالم

بالقرينة، و من ما ذكره بعض األعيان المحققين قدس سره من أن أصالة الظهور في قبال أصالة عدم القرينة و مترتبة عليها موضوعا، بدعوى: أن أصالة عدم

القرينة تنقح ظهور الكالم و أصالة الظهور تقتضي إرادة مقتضاه بعد الفراغ عن ثبوته. و كذا ما تردد في كالم بعضهم من جعل أصالة الظهور في قبال أصالة الجهة. فإن جميع ذلك غير ظاهر، بل األقرب ما ذكرنا. و إن كان األمر غير مهم بعد االتفاق

على األصول المذكورة، حيث يكون تحديد مرجعها أشبه بتحديد االصطالح الذي المشاحة فيه.

بقي شيء ]و هو في بعض موارد حجية الظهور فتذكر في ضمن مباحث[ و هو أن حجية الظهور من المسلمات في الجملة، و إنما وقع الكالم في بعض

الموارد، إما بدعوى عدم بناء العقالء على حجية الظهور فيها، أو لدعوى ردع الشارععن مقتضى سيرتهم فيها، فينبغي الكالم فيها في ضمن مباحث ..

70، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالمبحث األول في حجية الظواهر في حق من لم يقصد باإلفهام

فعن المحقق القمي قدس سره اختصاص الحجية بمن قصد باإلفهام. و قد يستدل لذلك بأن حجية الظهور مبنية على أصالة عدم الغفلة، حيث يعول عليها في دفع

احتمال غفلة المتكلم عن إقامة القرينة على خالف ظاهر كالمه أو غفلة السامع عن القرائن المكتنفة بالكالم. أما لو لم يبتن احتمال إرادة المتكلم خالف ظاهر كالمه على احتمال غفلتهما، فال دليل على حجية الظهور. و حينئذ فحيث لم يكن وظيفة المتكلم تفهيم كل أحد بل تفهيم خصوص من يقصد إفهامه، و له إخفاء مراده عن غيره، فال مجال لحجية الظهور في حق من لم يقصد باإلفهام، الحتمال اختصاص

من قصد باإلفهام بقرينة ال يطلع عليها غيره، و ال يكون عدم اطالعه عليها ناشئا عن غفلته و ال عن غفلة المتكلم، ليدفع احتمال ذلك باألصل المذكور، و ال دافع لهذا

االحتمال. و فيه: أن بناء العقالء و أهل اللسان على العمل بالظواهر ال يبتني على خصوص

أصالة عدم الغفلة بل األصل عندهم عدم الصارف عن ظاهر الكالم مطلقا بعد الفحص عنه في مظانه، من دون فرق بين من قصد باإلفهام و غيره، كما لو وقع

كتاب موجه من شخص إلى آخر بيد ثالث، فإنه ال يتوقف عن استخراج مراد المرسل منه بحيث لو كان مضمون الكتاب متعلقا بعمله لم يكن له التساهل و

التسامح معتذرا بعدم حجية ظهور الكتاب في حقه، كما نبه لذلك غير واحد، و يتضحمما تقدم في مبنى أصالة الظهور.

و على ذلك جرت سيرة العلماء في األحكام الكلية، حيث يأخذونها من ظواهراألخبار مع عدم كونهم مقصودين باإلفهام منهاعلى كالم يأتيو في

Page 37: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

71، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الموضوعات كما في الوصايا و األقارير و العقود و غيرها. فالتفصيل المذكور في

غير محله.بقي في المقام شيء

و هو أن المحقق القمي قدس سره جعل ثمرة التفصيل المذكور عدم حجية األخبار في حقنا. ألن المقصود باإلفهام بها خصوص المخاطبين. و كذا الكتاب بناء على عدم كوننا مقصودين باإلفهام به. أما بناء على كونه من باب تصنيف المصنفين

يقصد به تفهيم كل من يطلع عليه فهو حجة في حقنا و إن لم نكن مخاطبين به. لكن الظاهر عدم ترتب الثمرة المذكورة في أكثر األخبار، و هي التي يرويها

المخاطبون بها، البتناء نقلها على بيان المضمون ألجل العمل به و الرجوع إليه، ال لمجرد نقل اللفظ كحادث من الحوادث، فيكون الناقل متعهدا بالمضمون، فيلزمه

التعرض لجميع ما هو الدخيل فيه من قرينة حالية أو مقالية. و لذا يجري على اختالف النسخ بالزيادة و النقصان إذا كان موجبا الختالفالمضمون حكم التعارض، لظهور حال عدم ناقل الزيادة في عدم وجودها.

و عليه فاحتمال عدم وصول القرينة ناشئ من احتمال غفلة المخاطب المقصود باإلفهام عنها حين تلقي المضمون من المعصوم عليه السالم أو غفلته عن بيانها عند

حكاية المضمون، أو تعمد إهمالها، و يندفع األوالن بأصالة عدم الغفلة، و الثالثبفرض وثاقته و حجية نقله.

نعم قد يتم في األخبار التي يرويها غير المخاطبين بها، كما لو قال الراوي: سأله رجل عن كذا فقال عليه السالم له ...، أو سمعته يقول لرجل ...، أو كتب إليه رجل

في كذا فكتب له ....و أما ما ذكره شيخنا األستاذ قدس سره من كون المقصود بها إفهام جميع

72، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج السامعين لها، لعلمهم عليهم السالم بأن غرض الجالسين في مجالسهم االستفادة من سؤال السائلين و التفقه به. فهو غير ثابت بنحو العموم. و من ثم ال يبعد ترتب

الثمرة المذكورة في مثل ذلك. إال أن األخبار المذكورة تشهد بعدم الفرق في الحجية بين من قصد باإلفهام و غيره،

لما أشرنا إليه من أن نقل األخبار من الرواة ليس لمحض حكاية اللفظ، بل لبيان المضمون من أجل الرجوع إليه و العمل به، و هو شاهد بأن عموم الحجية من

االرتكازيات العامة التي جرى عليها الرواة و نقلة الحديث و العلماء في مقام معرفةاألحكام و االستدالل عليها، كما تقدم.

هذا و قد يستشكل في الرجوع للروايات .. تارة: من جهة التقطيع الذي طرأ عليها،حيث يحتمل معه ضياع القرائن.

و أخرى: من جهة النقل بالمعنى، حيث قد يخطئ الناقل في فهم المراد أو فيأدائه.

لكن يندفع األول بأنه حيث كان إثبات الروايات في الكتب مع التقطيع ألجل الرجوع إليها و األخذ بمضامينها كان الالزم على مثبتها مالحظة القرائن الدخيلة في فهم

المراد. و احتمال غفلته مدفوع باألصل.

Page 38: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و الثاني بقرب ظهور كالم الراوي في أنه حاك باللفظ. و إال كان ظاهر نقل الحديث و تدوينه المفروغية عن حجية النقل المذكور، إما لبناء العقالء على أصالة عدم

، لما سبق من أن«1 »الخطأ في فهم المراد و أدائه، أو للنصوص المجوزة لهالغرض من نقل األحاديث و تدوينها الرجوع إليها و العمل بها.

و كفى بسيرة الرواة و العلماء قديما و حديثا على االهتمام بتدوين الروايات والعمل بها دافعا لهذه الشبهة و أمثالها.______________________________

.88، 87، 10، 9 من أبواب صفات القاضي حديث: 8 باب: 18( الوسائل ج: 1 )73، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المبحث الثاني في حجية الظواهر و إن لم تفد الظن، أو ظن بخالفها قال شيخنا األعظم قدس سره: »ربما يجري على لسان بعض متأخري المتأخرين

من المعاصرين عدم الدليل على حجية الظواهر إذا لم تفد الظن، أو إذا حصل الظن الغير المعتبر على خالفها. لكن اإلنصاف أنه مخالف لطريقة أرباب اللسان في كل

مكان«. و ما ذكره متين جدا بلحاظ مرتكزاتهم فيما هو محل الكالم من الحجية المتقومة

بالتعذير و التنجيز في مقام التكليف أو الخروج عن عهدته. نعم قد يخالف سيرتهم عند االهتمام بتحصيل الواقع، حيث ال يكتفون معه بالظهور

مع عدم حصول الظن منه، فضال عما لو حصل الظن بخالفه، بل قد ال يكتفون بالظن و يستزيدون من القرائن حتى يحصل االطمئنان أو العلم حسب أهمية الواقع

المفروض اهتمامهم به. و هو خارج عن محل الكالم، كما نبه له في الجملة بعضمشايخنا قدس سره.

و لعل منشأ اكتفائهم بالظهور في محل الكالم أن إناطة حجية الظهور بالظن وجودا أو عدما يستلزم عدم انضباط موارد الحجة، ليتكل عليها المتكلم، الختالف الظن

الشخصي بحسب األحوال و األشخاص كثيرا، و ذلك يوجب اضطراب باب التفاهم، بخالف ما لو كانت تابعة للظهور فإنه أيسر ضبطا لتبعيته لجهات عامة مشتركة بين

أهل اللسان غالبا. نعم ال يبعد توقف العقالء عن االعتماد على الظهور مع وجود أمارات عرفيةو إن لم

تكن معتبرة في نفسهاتوجب الوثوق بوجود قرائن ترفع بها اليد عن أصالة عدم القرينة أو أصالة الجهة أو نحوهما مما تقدم ابتناء العمل بالظهور عليه، بحيث يكون

الظهور موردا للريب عرفا.74، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و لعله على ذلك تبتني سيرة جمهور الفقهاء على طرح الروايات المتروكة و المهجورة بين األصحاب، ألن هجرها قرينة عرفية توجب الوثوق بل االطمئنان

بعثورهم على قرينة مانعة عن مقتضى أصالة عدم القرينة أو أصالة الجهة. بخالف ما لو لم يستند الظن بعدم إرادة الظهور ألمارة تقتضي الوثوق بوجود

القرينة المذكورة، بل استند لجهة خارجية، كالشهرة الفتوائية التي ال تبتني على هجر الرواية أو تركها، بل على أمور أخر كعدم عثورهم على الرواية أو خطئهم في

فهمها أو دعوى الدليل المعارض لها أو غير ذلك.المبحث الثالث في حجية ظاهر الكتاب الكريم

Page 39: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

فقد حكي عن جماعة من األخباريين المنع عن العمل به ما لم يرد تفسيره عن األئمة عليهم السالم، و هو ظاهر الوسائل. و قد استدل بوجوه كثيرة بعضها ظاهر

الوهن. و عمدتها النصوص الكثيرة التي تعرض لكثير منها في الوسائل، و أنهاها في الباب الثالث عشر من أبواب صفات القاضي إلى ثمانين حديثا، ثم قال: »و تقدم ما

يدل على ذلك و يأتي ما يدل عليه، و األحاديث في ذلك كثيرة جدا ... و إنمااقتصرت على ما ذكرت لتجاوزه حد التواتر«.

و هي على طوائف.األولى: ما تضمن عدم حجية القرآن إال بعد الرجوع لألئمة عليهم السالم،

كصحيح منصور بن حازم: »قلت ألبي عبد الله عليه السالم ... و قلت للناس: أ ليس تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و آله كان الحجة من الله على خلقه؟ قالوا:

بلى. قلت: فحين مضى رسول الله صلى الله عليه و آله من كان الحجة لله على خلقه؟ قالوا: القرآن. فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ و القدري و الزنديق الذي ال يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أن القرآن ال يكون حجة إال بقيم فما

قال75، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

فيه من شيء كان حقا ... فأشهد أن عليا عليه السالم كان قيم القرآن ...، فقال:.«1 »رحمك الله«

و حديث عبيدة السلماني: »سمعت عليا عليه السالم يقول: يا أيها الناس اتقوا الله و ال تفتوا الناس بما ال تعلمون، فإن رسول الله صلى الله عليه و آله قد قال قوال آل منه إلى غيره، و قد قال قوال من وضعه غير موضعه كذب عليه، فقام عبيدة و علقمة و األسود و أناس معهم فقالوا: يا أمير المؤمنين فما نصنع بما قد خبرنا به

.«2 »في المصحف؟ فقال: يسأل عن ذلك علماء آل محمد صلى الله عليه و آله« الثانية: ما تضمن اختصاص األئمة عليهم السالم بالعلم بالتأويل و أنهم الراسخون

في العلم،ذين أوتوا العلمو ما تضمن تفسير قوله تعالى: نات في صدور ال «3 » بل هو آيات بي

بهم عليهم السالم، و أن علم الكتاب عندهم، و ميراثه إليهم خاصة، و عهد بيانه إليهم، و وجوب الرجوع لهم في تفسيره، و هم المستنبطون، و أن المتمسك

بالقرآن هو الذي يأخذه منهم و من سفرائهم إلى شيعتهم، ال عن آراء المجادلين وقياس الفاسقين.

الثالثة: ما تضمن النهي عن تفسير القرآن مطلقا، أو بالرأي، أو من غير علم، و عن القول و المراء و الجدال فيه، و عن أخذه من غيرهم عليهم السالم، و أن

الرجل ينتزع اآلية فيخر فيها أبعد ما بين السماء و األرض و أنه ما ضرب رجلالقرآن بعضه ببعض إال كفر، و نحو ذلك.

الرابعة: ما تضمن أن للقرآن ظهرا و بطنا، و أن فيه ناسخا و منسوخا،و أنه ليس شيء أبعد عن عقول الرجال منه و من تفسيره، و نحو ذلك.

______________________________.1 من أبواب صفات القاضي حديث: 13 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).19 من أبواب صفات القاضي حديث: 4 باب: 18( الوسائل ج: 2 )

Page 40: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

.49( سورة العنكبوت اآلية: 3 )76، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

]الجواب عن النصوص[ لكن الظاهر عدم نهوض النصوص المذكورة بالمدعى. أما الطائفة األولى فعمدتها

صحيح منصور، و هو ظاهر في إرادة نصب اإلمام، ليكون حجة على الناس في بيان الحق و رفع االختالف فيه، و أن القرآن ال يكفي في ذلك، و هو ال ينافي حجية ظاهر

الكتاب في مقام العمل كظاهر اإلمام عليه السالم الذي ال يرفع االختالف أيضا. فالمراد فيه بالحجة الحجة الرافعة لالختالف، ال الحجة التي يرجع إليها في مقام

العمل. و بعبارة أخرى: ظاهر كالم الراوي اإلشارة للواقع الخارجي الذي كان عليه الناس،

حيث استدلت كل فئة و فرقة من القرآن بما يناسب أهواءهم و آراءهم، ليجادلوا به مع تجاهلهم لغيره، غفلة أو تغافال عن اشتماله على المجمل و المتشابه و

الظهورات المتنافية، و عن عدم وفاء ظواهره ببيان تمام الواقع، و عن وجود غيره من األدلة من سنة النبي صلى الله عليه و آله و األئمة عليهم السالم، و حيث كان

ذلك سببا للتفرق و االنقسام في األمة و اختالفها، بنحو أوجب خفاء الواقع أو ضياعه، فال يمكن تجنبه إال بنصب مرجع يحكم فيه و يبين ما خفي منه، فيكشف

ذلك عن نصب المرجع المذكور من قبله تعالى بعد أن كان الغرض من بعثة األنبياء هداية الناس و تعريفهم بالحق. و ال ظهور له في الردع عن العمل بظاهر القرآن

على أنه حجة بعد الفحص عما ينافيه كسائر الحجج. و أما رواية عبيدة فهي و إن كان لها نحو تعلق بالمطلوب، إال أنهامع ضعف سندهاال

يبعد حملها على بيان عدم االستغناء بالكتاب الكريم من دون رجوع لألئمة عليهم السالم، تنبيها على مقام أهل البيت عليهم السالم الذي كان مجهوال حينئذ، كما

يناسبه صدرها المتضمن لعروض النسخ و الخطأ في موضع سنة النبي صلى الله عليه و آله، حيث ال يراد به بيان عدم حجية سنته صلى الله عليه و آله، لوضوح عدم

التزام الخصم بذلك، بل المراد لزوم الفحص عما يكشف عن عدم إرادة ظاهرهابالرجوع إليهم عليهم السالم و عدم االستغناء بها عنهم كما عليه العامة.

77، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و أما الطائفة الثانية فهيعلى كثرتهاأجنبية عما نحن فيه، و ال تدل إال على لزوم قبول

ما يرد منهم عليهم السالم في تفسير القرآن و تأويله، و عدم االستغناء عنهم في ذلككما عليه العامةمن دون أن تنهض ببيان عدم حجية ظاهره إذا لم يرد منهم ما

ينافيه. و ليس معنى لزوم أخذه منهم دون غيرهم، إال لزوم أخذ ما يحتاج للتأويل و التفسير، دون األخذ بالظاهر الذي هو واصل بنفسه عرفا. كما أن إرثه ليس إال بإرثما اختص النبي صلى الله عليه و آله بعلمه، دون الظواهر التي يفهمها عموم الناس.

و منه يظهر حال الطائفة الثالثة، فإن األمور المذكورة فيها ال تنافي حجية ظواهر القرآن، لعدم ابتناء العمل بها على التأويل و التفسير، و ال على القول فيه بغير

علم، و ليس هو من انتزاع اآلية، و ال من ضرب بعض القرآن ببعض، لظهورهما فيابتناء أخذ المعنى على التكلف أو التحكم.

و مثلها في ذلك الطائفة الرابعة، فإن وجود الظهر و البطن و الناسخ و المنسوخ و غيرها في القرآن ال ينافي حجية ظواهره على الوجه المعول عليه في سائر

Page 41: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الظواهر، و إنما يمنع من األخذ البدوي و إهمال القرائن األخر التي قد تجعله من المتشابه، و ليس معنى بعده عن عقول الرجال تعذر حصول شيء منه لهم، بل

بمعنى تعذر الوصول إلى تمام ما يقصد به، كما هو ظاهر ما في مرسلة شبيب بن أنس عن الصادق عليه السالم: »قال: يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته و

تعرف الناسخ و المنسوخ؟ قال: نعم. قال: يا أبا حنيفة لقد ادعيت علما. ويلك ما جعل الله ذلك إال عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم ... و ما ورثك الله من

.«1 »كتابه حرفا«بل هو صريح ما في رواية االحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السالم: »ثم إن الله

______________________________.27 من أبواب صفات القاضي حديث: 6 باب: 18( الوسائل ج: 1 )

78، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج قسم كالمه ثالثة أقسام، فجعل قسما منه يعرفه العالم و الجاهل، و قسما ال يعرفه

إال من صفا ذهنه و لطف حسه و صح تمييزه ممن شرح الله صدره لإلسالم، و . كيف و ال إشكالو«1 »قسما ال يعلمه إال الله و مالئكته و الراسخون في العلم ...«

لو بضميمة بعض الرواياتفي أن بعض ظواهره مرادة، و هي مما تصل إليه العقول. و بالجملة: التأمل في الروايات المذكورة المتقدمة و غيرهاعلى كثرتها- شاهد

بورودها للردع عن االستغناء بالقرآن عن األئمة عليهم السالم، أو النهي عن تأويل مجمالته و صرف ظواهره باالجتهاد و االستحسانات التي ما أنزل الله بها من

سلطان، أو عن األخذ بمشابهاته من دون تأمل في القرائن األخر، أو نحو ذلك مماهو أجنبي عن محل الكالم.

]النصوص التي تدل على حجية ظواهر الكتاب[ و لو فرض عدم ظهور النصوص المذكورة في ذلك بنفسها فال أقل من لزوم حملها

عليه أو على نحوه مما ال ينافي حجية ظاهر الكتاب جمعا مع النصوص الكثيرة الظاهرة في حجية ظاهر الكتاب و العمل بها، كأحاديث عرض األخبار على الكتاب،

.«2 »و أحاديث الترجيح بينها بموافقته و أما ما في الوسائل من حملها على ما كان من القرآن واضح الداللة، فإن أراد به

خصوص النص القطعي المراد فهو ال يناسب فرض اختالف األخبار الظاهر في احتمال كونه منشأ للتحير و احتمال صدق كل منها. و إن أراد منه ما كان ظاهر

الداللة و إن احتمل التأويل فهو ال يناسب ما ادعاه من عدم حجية ظواهر الكتاب.و مثله ما ذكره من حملهما على ما ورد تفسيره منهم عليهم السالم. إذ هو راجع

______________________________.44 من أبواب صفات القاضي حديث: 13 باب: 18( الوسائل ج: 1 ) من أبواب صفات القاضي.9 باب: 18( راجع الوسائل ج: 2 )

79، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج إلى العرض على السنة المفسرة للكتاب و الترجيح بها، ال العرض على الكتاب

بنفسه و الترجيح به، الذي هو كالصريح من نصوص الطائفتين المذكورتين. و أشكل منه ما ذكره في نصوص العرض على الكتاب من أن العمل حينئذ بالكتاب

. إذ فيه: أن مفاد النصوص المدعى داللتها على المنع«1 »و السنة، ال بالكتاب وحده من العمل بظواهر الكتاب ليس هو المنع من ذلك تعبدا، بل لتعذر االطالع على

Page 42: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

معناه إال بأخذه منهم عليهم السالم. و حينئذ كيف يكون مرجعا في تصحيح األخبار وتوهينها، و كيف يكون التابع لشيء متبوعا له و المحكوم بشيء حاكما عليه؟!

و مثل األخبار المذكورة ما تضمن لزوم الرجوع للكتاب الشريف و العترة الطاهرة الظاهرة في استقالل كل منهما في المرجعية كحديث الثقلين و نحوه. بل حمل

جميع النصوص المتضمنة لوجوب الرجوع للقرآن و العمل به على خصوص ما إذا ورد تفسيره منهم عليهم السالم صعب جدا. و كذا النصوص الكثيرة الواردة في

الموارد المتفرقة التي يظهر منها المفروغية عن جواز الرجوع للقرآن و االحتجاج بظاهره التي ال يسع المقام استقصاءها، و قد تعرض لبعضها شيخنا األعظم قدس

سره. و على هذا جرت سيرة األصحاب قديما و حديثا، فقد عرفوا بالرجوع للكتاب

الشريف و االستدالل به، متسالمين على حجيته و حجية ظواهره، حتى اشتهر بينهم عده أول األدلة، و تقديمه على سائر األدلة الظنية، حتى اختلفوا في تخصيص خبر الواحد له، و ادعي إجماعهم على عدم نسخه له، مع أن النصوص المتقدمة حجة

لألخباريين نصب أعينهم قد حفظوها و وعوها فلم______________________________

من أبواب صفات9 باب: 37( يراجع في جميع ما نقلناه عنه تعقيبه لحديث: 1 ) من أبواب صفات القاضي.13 باب: 81القاضي، و لحديث:

80، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جيروها تنهض بالردع عن ذلك و المنع منه.

]بعض الوجوه التي يستدل بها على عدم حجية ظواهر الكتاب[ و بذلك يظهر أنه ال مجال للتعويل على الوجوه األخر المستدل بها للمنع من حجية ظواهر الكتاب، حيث ال تنهضمهما بلغت من المتانةبرفع اليد عما سبق. مع أنها في

نفسها ال تخلو عن إشكال.منها: ما عن السيد الصدرعلى اضطراب كالمهمن أن الظواهر من المتشابه،

الذي ورد النهي عن العمل به في الكتاب و السنة، و ليس المحكم إال النصوص القطعية الداللة. و لو فرض الشك في شمول المتشابه للظواهر كفى في منع

العمل بها. و فيه: أن المتشابه هو الذي يعمل به بعد التأويلكما تشير إليه اآلية الكريمةإما لصرفه عن ظاهره، أو إلجماله في نفسه، أو لمصادمته لظهور مثله، أو لدليل

قطعي مانع من البناء عليه، و ال يشمل الظواهر التي ال معارض لها و التي يراد العمل بظهورها تبعا لسيرة العقالء و أهل اللسان. و من ثم كان ظاهر اآلية الكريمة

المفروغية عن حرمة العمل بالمتشابه، ال النهي عنه تأسيسا، ردعا عن طريقةالعقالء في العمل بالظواهر.

و لو فرض إجمال المراد بالمتشابه و احتمال شموله للظواهر لزم االقتصار فيه على المتيقن و عدم الخروج به عن مقتضى األصل الذي اعترف به من حجية

الظواهر.و منها: أن ما دل من الروايات على وقوع التحريف في القرآن مانع من العمل به،

Page 43: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الحتمال ضياع القرائن الموجبة لتبدل ظهوره. و ال مجال معه للرجوع ألصالة عدم القرينة فيما وصل إلينا من الظواهر، لعدم بناء العقالء عليها في مثل ذلك مما علم

فيه بضياع شيء من جملة الكالم و بوقوع الخطأ في نقله.و فيه: أنه يصعب جدا البناء على وقوع التحريف في القرآن المجيد مع ما

81، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج هو المعلوم من اهتمام المسلمين بحفظه في الصدور و الزبر و مدارسته من

الصدر األول إلى يومنا هذا، حيث ال يتهيأ ألحد مع ذلك تضييعه بالتحريف. كما أطال الكالم فيه السيد المرتضى قدس سره و غيره و هو المناسب للواقع

الخارجي، حيث لم ينقلو لو شاذاما يصلح أن يكون قرآنا في أسلوبه و بيانه. و ما تضمنته روايات الفريقين المستدل بها على التحريف مما يقطع بعدم كونه قرآنا

لهبوط مستواه و ضعف بيانه و ركة أسلوبه. و من ثم كان المعروف بين الطائفة إنكار التحريف. فلو فرض صحة النصوص الدالة عليه و تعذر حملها على معنى آخر

كانت من المشكل الذي يرد علمه لهم عليهم السالم. على أن ما تقدم من النصوص الصريحة في جواز العمل بالقرآن بل لزومه و

السيرة بذلك شاهدان بعدم كون التحريفلو فرض وقوعهمانعا من ذلك إما لعدم وقوعه في آيات األحكام، أو لكونه في كالم مستقل ال دخل له بالظهورات الواصلة

أو لغير ذلك، كما نبه له غير واحد. و منها: أن العلم اإلجمالي بطروء التخصيص و التقييد و التجوز و غيرها على ظواهر

الكتاب مانع من الرجوع إليها. و فيه: أن ذلك إنما يمنع من العمل بالظواهر قبل الفحص عما ينافيها، ال مطلقا،

النحالل العلم اإلجمالي المذكور بالعثور بعد الفحص على مقدار المعلوم باإلجمال، و ال يعتنى باحتمال وجود الزائد، ألصالة حجية الظهور، كما هو الحال في ظواهر

األخبار أيضا، على ما يذكر في مسألة وجوب الفحص عن المخصص قبل العمل بالعام و في شرائط الرجوع لألصول العملية و غيرها. و لنكتف بما ذكرنا، لظهور

وهن الوجوه األخر، أو رجوعها لما سبق.82، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الفصل الثالث في حجية قول اللغويين من جملة مقدمات الظهور الكالمي تشخيص المعنى الموضوع له في مفرداته،

حيث يكون هو المعنى الظاهر بحسب األصل ما لم تكن هناك قرينة صارفة عنه، و لذا اشتهر أن األصل هو الحقيقة. و ال كالم مع القطع بالمعنى الموضوع له للتبادر أو غيره من عالمات الحقيقة التي تقدم الكالم فيها في مقدمة مباحث األلفاظ، و إنما

الكالم في حجية قول اللغويين في ذلك مع عدم حصول القطع منه، فقد ذهبجماعة إلى ذلك،

و استدل عليه بوجوه ..األول: إجماع العلماء على الرجوع لهم و االستشهاد بكالمهم

لمعرفة المراد من الكالم، من غير تناكر منهم لذلك. و يشكل بإمكان كون رجوعهم لهم لتحصيل العلم و االطمئنان بمعنى اللفظ أو المراد منه في االستعمال الخاص و

لو بضميمة قرائن داخلية أو خارجية، و ال طريق إلحراز كون رجوعهم لهم للبناءعلى حجية قولهم تعبدا بنحو يتحصل منه إجماع تعبدي حجة على ذلك.

Page 44: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الثاني: أنه مقتضى سيرة العقالء على الرجوع ألهل الخبرة في كل فن، و منهالمقام.

و فيه: أوال: أنه لم يتضح خبرتهم بتعيين المعاني الموضوع لها، ألن ذلك و إن كان ظاهرهم بدوا، إال أن النظر في كالمهم مانع من الوثوق بخبرتهم في ذلك، لكثرة

المعاني التي يذكرونها للفظ الواحد بنحو يوثق بعدم وضعه لكل منها استقالال بنحو االشتراك اللفظي، و يقرب كون مستندهم في ذلك مجرد االستعمال، من دون

تفريق منهم بين مفهوم اللفظ الوضعي و خصوصيات83، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

االستعمال المختلفة الخارجة عنه. و ال سيما مع ما هو المعلوم من تسامحهم في تحديد المعنى و بنائهم على اإلشارة

إجماال، حتى اشتهر أن تعاريفهم لفظية، حيث ال مجال معه للرجوع لهم لمعرفة المعنى بحدوده التفصيلية الذي هو المهم غالبا، و أما معرفته إجماال فال أثر لحجية

قولهم فيها، لتيسر القطع به غالبا و لو بعد الرجوع لهم و مالحظة مورد االستعمالالذي هو مورد االبتالء.

و ثانيا: أنه ال وثوق بتقيدهم في إحراز االستعمال الذي هو مقدمة لتحديد المعنى بالوجه المعتبر من علم أو علمي، بل من القريب أو المعلوم تسامحهم في ذلك و كثرة تعويلهم على المراسيل و المجاهيل و من ال يعتد بنقلهم شرعا، بل عرفا. و

من الظاهر عدم دخولهم مع ذلك في كبرى الرجوع ألهل الخبرة بنظر العقالء. و ثالثا: أن الرجوع ألهل الخبرة يختص بمن ال يتيسر له نوعا االجتهاد في موضع

الحاجة للرجوع لهم، و الظاهر تيسر االجتهاد نوعا للفقيه في تشخيص الظهور الذي هو المهم في المقام، و لو بالرجوع لهم بضميمة القرائن و المناسبات االرتكازية، و معه ال يهم تحديد المعنى الحقيقي الموضوع له. بل قد يتيسر له تحديده بنحو يرى

أنه أوصل منهم.الثالث: أنه لو لم يرجع لقول اللغويين لزم انسداد باب العلم باللغة،

إذ الغالب انحصار معرفة أصل المعنى إجماال أو خصوصياته تفصيال بالرجوع لهم، ومع انسداد باب العلم يتعين التنزل للظن الحاصل من قولهم.

و فيهمضافا إلى أن مقتضاه حجية كل ظن بالمعنى و إن لم يستند لقول اللغويين، و إلى ما سبق من عدم وضوح خبرة اللغويين بنحو يحصل الظن من قولهم-: أنه ال أثر

النسداد باب العلم باللغة إال بلحاظ إفضائه إلى انسداد باب84، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

العلم في غالب األحكام الشرعية، و هو ال يلزم في المقام، لقلة األحكام المتعلقة بالمفاهيم المجملة التي ال يتسنى للفقيه تشخيص ظهور األدلة المتعرضة لها بنفسه

و لو بمعونة الرجوع لهم و مالحظة القرائن المتعلقة بالمقام، و ال محذور مع ذلك من الرجوع فيها لألدلة األخر و األصول الجارية في المسألة، مع أن من جملة

مقدمات االنسداد الملزمة بالتنزل للظن هو تعذر الرجوع إليها، على ما يتضح فيمحله في آخر مباحث الحجج إن شاء الله تعالى.

تنبيهان األول: ذكر بعض األعاظم قدس سره أنه بعد الفراغ عن عدم حجية قول اللغويين

فلو حصل الوثوق بالمعنى من قولهم أوجب ظهور اللفظ فيه، و معه ال يكون

Page 45: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الوثوق بالمراد مستندا ألمر خارجي غير معتبر، بل يدخل المورد في كبرى حجية الظهور بالخصوص، ألن الوثوق بالمعنى لو حصل قبل إلقاء الكالم ألوجب ظهور

اللفظ فيه قطعا، فكذا بعده، لعدم معقولية الفرق. و فيه: أن الوثوق بالمعنىسواء حصل من قول اللغويين أم من غيرهال يوجب العلم بالظهور، بل الوثوق به، سواء حصل قبل إلقاء الكالم أم بعده و حينئذ فحيث كان موضوع الحجية هو الظهور الواقعي، فال بد من إحرازه بعلم أو علمي، و ال يكفي

فيه مجرد الوثوق إذا لم يستند إلى حجة، كما هو المفروض. الثاني: ما تقدم من حجية قول اللغويين يجري بعضه في قول غيرهم من علماء

األدب، كالنحويين و الصرفيين و البيانيين و نحوهم، فإن الظاهر عدم حجية قولهم، إال إذا أوجب القطع، لعدم نهوض اإلجماع و دليل االنسداد لعين ما تقدم. و أما

الرجوع لهم بمالك الرجوع ألهل الخبرة فيجري فيه ما سبق من الوجهين األخيرينلإلشكال في الرجوع للغويين، كما يظهر بالتأمل.

85، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالفصل الرابع في حجية خبر الواحد

و المراد به هنا كل خبر ال يحصل العلم بمؤداهلعدم تواتره و عدم احتفافه بالقرائن الموجبة لذلكو إن كان المخبر به أكثر من واحد، و إن كان ذلك خالف مقتضى

الجمود على العنوان. هذا و ربما ينسب لبعض األخباريينو لعله ظاهر الوسائلأن األخبار المدونة في الكتب

المعروفةكالكتب األربعة و نحوهاقطعية الصدور، فهي خارجة عن محل الكالم، و حيث كان القطع من األمور الوجدانية غير المنضبطة فال مجال لالستدالل على هذا

القول و ال على بطالنه.و قد أطال في جملة من فوائد خاتمة الوسائل في سرد القرائن الموجبة لذلك. و اإلنصاف أنهاعلى أهميتهاال توجب العلم التفصيلي بصدور كل خبر من األخبار

المذكورة، و ال سيما مع بعد زماننا عن زمان الصدور و التدوين و اضطراب كثير من األخبار، فإن ذلك يفتح باب الشك و ال طريق لسده. نعم التأمل في القرائن

المذكورة و غيرها يوجب العلم بصدور أكثر األخبار بحيث لو لم يصدر بعضها فهوقليل جدا. لكنه ال يغني في خروج هذه األخبار عن موضوع هذه المسألة.

إذا عرفت هذا فقد وقع الكالم في حجية خبر الواحدبالمعنى المتقدم- بالخصوص على أقوال كثيرة بين المنع مطلقا و الحجية في الجملة على تفاصيل ال مجال

إلطالة الكالم فيها.86، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جو من ثم يقع الكالم في هذه المسألة في مقامات:

األول: في حجج المنع مطلقا.الثاني: في حجج اإلثبات في الجملة.

الثالث: في تحديد ما هو الحجة حسبما يستفاد من أدلة الحجية التي تنهض باالستدالل. و هو من أهم مباحث المسألة. و ال يحسن إلحاقه بالمقام الثاني

بالتعرض عند الكالم في كل دليل لمفاده سعة و ضيقا، ألنه يستلزم اضطرابالكالم. و من سبحانه نستمد العون و التسديد.

المقام األول: في حجج المنع مطلقا

Page 46: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

فقد حكي المنع من حجية خبر الواحد مطلقا عن جماعة من األكابر، كالسيدين و القاضي و الطبرسي و ابن ادريس قدس سرهم، بل ربما نسب للشيخين قدس

سرهما. و حيث كان عدم الحجية هو المطابق لألصل فهو غني عن االستدالل، و فائدة

االستدالل حينئذ تأكيد مقتضى األصل. مع أنه لو تم كان مانعا من أدلة المثبتين- لوتمت في أنفسهاأو معارضا لها بنحو يلزم النظر في كيفية الجمع بينها.

و كيف كان فقد استدل عليه باألدلة األربعة. و قد تقدم في مقدمة مباحث الحجج التعرض لدليل العقل القاضي بامتناع التعبد بغير العلم من دون خصوصية للخبر، و

الجواب عنه بما ال مزيد عليه. كما أن عمدة األدلة من الكتاب هو العمومات الناهية عن التمسك بغير العلم أو

بالظن و نحوها مما تقدم التعرض له في مقدمة مباحث الحجج أيضا، عند الكالم في أصالة عدم حجية غير العلم. و قد سبق أنه ال ينهض بإثبات العموم. و لو نهض به

أمكن تخصيصه بأدلة الحجية، على كالم في خصوص سيرة العقالء التي استدل بها على حجية الخبر يأتي التعرض له إن شاء الله تعالى. كما يأتي الكالم عند االستدالل

على الحجية ب آية النبأ في نهوض87، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

التعليل فيها بإثبات عدم جواز العمل بالخبر و سائر موارد عدم العلم. فالعمدة فيالمقام الدليالن الباقيان.

األول: السنة الشريفة. و قد استدل منها بعموم ما تضمن النهي عن العمل بغير علم. و يظهر حاله مما تقدم عند الكالم في أصالة عدم الحجية، نظير ما تقدم في

االستدالل بالكتاب. كما استدل أيضا بما ورد من النصوص الكثيرةالمتواترة معنى أو إجماال- في

خصوص األخبار، المتضمنة عدم العمل بالخبر إذا لم يعلم بصدوره، أو إذا كان مخالفا للكتاب، أو لم يكن موافقا له و نحو ذلك. فالالزم النظر فيه على اختالف

ألسنته. فنقول: النصوص المذكورة على طوائف .. األولى: ما ورد في المتعارضين. كمكاتبة محمد بن علي بن عيسى: »كتب إليه

يسأله عن العلم المنقول إلينا عن آبائك و أجدادك عليهم السالم قد اختلف علينا فيه، فكيف العمل به على اختالفه؟ أو الرد إليك فيما اختلف فيه؟ فكتب عليه

السالم: ، و نحوها ما عن«1 »ما علمتم أنه قولنا فالزموه، و ما لم تعلموا فردوه إلينا«

، و غير ذلك من النصوص الكثيرة الواردة في التعارض، و قد«2 »بصائر الدرجاتتعرض لجملة منها في الباب التاسع من أبواب صفات القاضي من الوسائل.

و من الظاهر خروج هذه النصوص عن محل الكالم، بل هي على الحجية أدل،لظهورها في المفروغية عن حجية األخبار لو ال االختالف و التعارض بينها.

و أما اإلشكال فيها بأنها من أخبار اآلحاد، فيلزم من حجيتها عدمه. فيظهر اندفاعهمما يأتي في الطائفة الثالثة.

و مثله دعوى: أن مقتضى أدلة حجية خبر الثقة كونه معلوما تنزيال فيكون______________________________

.36 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 1 )

Page 47: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

من أبواب صفات القاضي و ما يجوز إن يقضي به9( مستدرك الوسائل باب: 2 ).10حديث:

88، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج مقتضى الحديث المتقدم حجيته. إذ فيها: أنه ال معنى لجعل المعيار في العمل العلم إذا كان المراد به ما يعم خبر الثقة بعد كون خبر الثقة من األفراد المتيقنة من مورد النصوص المتقدمة المسئول فيها عن حكم التعارض. بل المناسب حينئذ التنبيه على

كفاية الوثاقة، فالعدول عن ذلك للعلم كالصريح في إرادة العلم الحقيقي. فالعمدةما ذكرنا.

الثانية: ما تضمن التبري من الخبر المخالف للكتاب أو الذي ال يوافقه و أنه زخرف أو باطل. و هو نصوص كثيرة ذكرها شيخنا األعظم قدس سره و غيره، مثل قوله

، و قريب«1 »صلى الله عليه و آله: »و ما جاءكم عني ال يوافق القرآن فلم أقله« ، و خبر أيوب بن الحر: »كل حديث ال يوافق كتاب«2 »منه مصحح هشام بن الحكم

، و غيرها.«4 »، و نحوه خبر أيوب بن راشد«3 »الله فهو زخرف« و هذه النصوص على كثرتها ال تنفع فيما نحن فيه أيضا، إلباء لسانها عن التخصيص، فال بد من حمل المخالفة فيها على المخالفة بالتباين، دون المخالفة للظهور، للعلم بصدور األخبار الكثيرة عنهم عليهم السالم على خالف ظاهر الكتاب. كما ال بد من

حمل عدم الموافقة للقرآن على ذلك أيضا، دون مجرد عدم الموافقة و لو لعدموجود الحكم في ظاهر القرآن، الذي هو ظاهرها بدوا.

كيف و ال ريب في عدم وفاء ظاهر القرآن بجميع األحكام، و أن كثيرا منها مأخوذ من النبي صلى الله عليه و آله و آله عليهم السالم، و لذا أكمل الله تعالى الدين

بواليتهم، و قد استفاضت النصوص بوجود أخبار منهم »صلوات الله عليهم«بمضامين ال يمكن تحصيلها من الكتاب الكريم.

______________________________8 ص: 1( تفسير العياشي ج: 1 ).15 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 2 ).9 ص: 1، تفسير العياشي ج: 66 ص: 1( أصول الكافي ج: 3 ) ، أصول الكافي12 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 4 )

.69 ص: 1ج: 89، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و دعوى: أنه ال مجال لحمل هذه النصوص على المخالفة بالتباين، إذ ال يصدر ممن يكذب عليهم ما يباين الكتاب و السنة المعلومة، ألنه ال يصدق فيه، فال يترتب

غرضه. مدفوعة: بأن عدم صدور ما يخالف الكتاب منهم عليهم السالم إنما اتضح ألهل

الحق من ذوي البصائر، دون غيرهم من جهال الناس و ذوي المقاالت الباطلة، من أعدائهم اللذين ينسبون لهم الضالل و الباطل، أو المفوضة و الغالة و نحوهم من

من يرى أن لهم تشريع األحكام المخالفة للكتاب، و ينسب لهم العقائد الفاسدة، و هو كاف لتحقيق غرض من يكذب عليهم لتشويه سمعتهم عليهم السالم أو إلضالل الناس بما ينسبه لهم، و ال سيما مع دس تلك الروايات في كتب أصحابهم من من

يصدق عليهم، كما صرحت به بعض النصوص اآلتية و غيرها.

Page 48: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

بل ال ريب في وجود أخبار كثيرة ليست من سنخ أحاديثهم عليهم السالم و ال تشابه القرآن بل تخالفه، كما استفاضت به النصوص. و من ثم نشأت الفرق الضالة من

الغالة و المفوضة ممن ينتسب لهم عليهم السالم و يدعي األخذ عنهم و القبولمنهم.

نعم يشكل الحمل المذكور في خبر كليب األسدي: »سمعت أبا عبد الله عليه.«1 »السالم يقول: ما أتاكم عنا من حديث ال يصدقه كتاب الله فهو باطل«

لظهوره في عدم صدور ما ال يصدقه الكتاب من األخبار و إن لم يكن مخالفا له. فال بد من حمل البطالن فيه على مجرد النهي عن العمل به من دون تكذيب له، كما يأتي في الطائفة الثالثة. أو البناء على إجماله و كونه من المشتبه الذي يجب رد

علمه لهم عليهم السالم.______________________________

.9 ص: 1( تفسير العياشي ج: 1 )90، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الثالثة: ما تضمن النهي عن قبول الخبر الذي يخالف الكتاب، أو ال يوافقه أو ليس عليه شاهد أو شاهدان منه، و أنه يجب رده لهم و ال يعمل به، من دون تعرض

لتكذيبه و التبري منه. و هو أخبار كثيرة، كمعتبر ابن أبي يعفور: »سألت أبا عبد الله عليه السالم عن اختالف الحديث يرويه من نثق به و منهم من

ال نثق به. قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول.«1 »رسول الله صلى الله عليه و آله، و إال فالذي جاءكم به أولى به«

و مرسل عبد الله بن بكير عن أبي جعفر عليه السالم: »قال: إذا جاءكم حديث فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به، و إال فقفوا عنده ثم ردوه

.«2 »إلينا حتى يستبين لكم« و رواية محمد بن مسلم: »قال أبو عبد الله عليه السالم: يا محمد ما جاءك في

رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به، و ما جاءك في رواية من بر أو فاجر.«3 »يخالف القرآن فال تأخذ به«

و رواية جابر عن أبي جعفر عليه السالم في حديث: »قال: انظروا أمرنا و ما جاءكم عنا فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به، و إن لم تجدوه موافقا فردوه، و

إن اشتبه األمر عليكم فقفوا عنده و ردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح.«4 »لنا«

و خبر سدير: »قال أبو جعفر و أبو عبد الله عليهما السالم: ال تصدق علينا إال ما.«5 »وافق كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و آله«

______________________________.11 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).18 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 2 ).8 ص: 1( تفسير العياشي ج: 3 ).37 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 4 ).47 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 5 )

91، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 49: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و ما رواه الكشي بسنده الصحيح عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس ابن عبد الرحمن: »أن بعض أصحابنا سأله و أنا حاضر فقال له: يا أبا محمد ما أشدك في

الحديث و أكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا، فما الذي يحملك على رد األحاديث؟ فقال: حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السالم يقول: ال تقبلوا

علينا حديثا إال ما وافق القرآن و السنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد »لعنه الله« دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها

أبي، فاتقوا الله و ال تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى و سنة نبينا محمد صلى الله عليه و آله، فإنا إذا حدثنا قلنا: قال الله عز و جل، و قال رسول الله صلى الله

عليه و آله. قال يونس وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه السالم و وجدت أصحاب أبي عبد الله عليه السالم متوافرين، فسمعت منهم و أخذت كتبهم فعرضها من بعد على أبي الحسن الرضا عليه السالم فأنكر منها

أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله عليه السالم، و قال لي: إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله عليه السالم. لعن الله أبا الخطاب. و كذلك

أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه األحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه السالم، فال تقبلوا علينا خالف القرآن، فإنا إن تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن و موافقة السنة، إما عن الله و[ إما. ظ ]عن رسوله نحدث، و ال نقول: قال فالن و

فالن، فيتناقض كالمنا، إن كالم آخرنا مثل كالم أولنا، و كالم أولنا مصداق لكالم آخرنا، و إذا أتاكم من يحدثكم بخالف ذلك فردوه عليه، و قولوا: أنت أعلم و ما

جئت به، فإن مع كل قول منا حقيقة، و عليه نور، فما ال حقيقة معه و ال نور عليه.«1 »فذلك قول الشيطان«

قال شيخنا األعظم قدس سره: »و األخبار الواردة في طرح األخبار المخالفة______________________________

طبعة النجف األشرف.195( رجال الكشي ص: 1 )92، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

للكتاب و السنة متواترة جدا«. و هذه النصوص هي المهمة في المقام، ألنهامع كثرتها و تشابه مضامينهاظاهرة في

أن عدم حجية األخبار ليس لبطالنهاكي يختص باألخبار المخالفة بالتباين، كما سبق في الطائفة الثانيةبل الحتمال كذبهاو لو من جهة احتمال الدس، كما تضمنه بعضهاو هو موجود في أغلب األخبار التي بأيدينا، فيكون مقتضى هذه النصوص توقف العمل

باألخبار على اعتضادها بالقرائن القطعية من الكتاب و السنة، و عدم كفاية روايةالثقات لها.

و ال مجال لدعوى: حملها على أخبار غير الثقات جمعا بينها و بين ما تضمن حجية خبر الثقة. الندفاعه بأن أخبار الثقات متيقنة من مواردها، ألن عدم حجية خبر غير

الثقة ال يحتاج إلى هذا النحو من البيان و التأكيد، بل ظاهر هذه النصوص الردع عن العمل باألخبار التي هي مورد االبتالء و من شأنها أن يعمل بها التي عمدتها أخبار

الثقات، بل هو كالصريح من حديثي ابن أبي يعفور و محمد بن مسلم، فإن إهمالالترجيح بالوثاقة مع التعرض لها في الحديثين كالصريح في عدم كفايتها.

Page 50: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و كذا صحيحة يونس لصراحتها في عدم التعويل على ما في كتب أصحاب األئمة عليهم السالم الحتمال الدس فيها، مع وضوح أن غرض الذي يدس الحديث ال يتأتى

إال بدسه في كتب من يرجع إليهم و يقبل عنهم من الرواة، و هم الثقات. بل هذه النصوص تصلح لتخصيص عموم حجية خبر الثقة لو تم، الختصاصها باألخبار

المروية عن أهل البيت عليهم السالم. كما تصلح للردع عن سيرة العقالء على حجية خبر الثقة باإلضافة إليها. بل بمالحظة التعليل في صحيحي يونس المتقدم و اآلتي

تكون األخبار المذكورة حاكمة أو واردة على العمومات93، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و السيرة على حجية خبر الثقة، ألنه يكشف عن ابتالء األخبار المروية عن األئمة عليهم السالم بما يمنع من االعتماد عليها عند العقالء و يرفع الوثوق بصدورها، و هو

دس األكاذيب فيها. و مما ذكرنا يظهر لزوم قبول هذه األخبار و إن كانت من أخبار اآلحادإذا تمت فيها

شرائط الحجية المستفادة من العمومات و السيرةبال حاجة إلى تواترها، لوجود مقتضي الحجية فيها، و عدم المانع منها، لقصورها عن إثبات عدم حجية أنفسها، بل

هي مختصة ببيان المانع من حجية غيرها من األخبار، ال من جهة امتناع شمول القضية لنفسها، فإنه ال أصل له، بل من جهة امتناع وجود المانع عن الحجية في

جميع األخبار حتى هذه األخبار نفسها، إذ بعد منافاة حجيتها لحجية بقية األخبار، فال بد إما من وجود المانع من الحجية فيها دون بقية األخبار، أو في بقية األخبار دونها، و

حيث يتعذر حملها على بيان األول، الستلزامه استعمال الكالم في نفسه، بل فيما هو متأخر عنه و من شئونهو هو إخبار الراوي بهو استلزامه لغوية صدورها، و حمل عمومها على الفرد النادر، تعين الثاني، فتبقى هذه األخبار داخلة في عموم الحجية

و باقية على مقتضى السيرة، و تكون حجة على الخروج عن عموم الحجية ومقتضى السيرة في بقية األخبار، فتسقط بسببها بقية األخبار عن الحجية.

و بعبارة أخرى: جميع األخبار الواجدة لشرائط الحجية اآلتيةو منها هذه األخبارحجة في مرتبة سابقة على ورود هذه األخبار، و في المرتبة المتأخرة عن صدورها يسقط غيرها من األخبار عن الحجية بسببها، و ال تسقط هي بعد عدم شمولها

لنفسها، كما سبق. نظير ما لو ورد ظهور كالمي رادع عن حجية الظهور، و نحوذلك.

نعم من يرى قصور خبر الواحد عن مقتضى الحجية ذاتا ال من جهة المانع ليس لهاالحتجاج بهذه األخبار إال مع تواترها، لعدم حجيتها مع عدمه

94، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج في مرتبة سابقة على صدورها. و هو غير مهم، لبنائه على عدم حجية بقية األخبار

ذاتا بال حاجة إلى هذه األخبار. و كيف كان فهذه األخبار وافية ببيان عدم حجية أخبار الثقات، إما لتواترها أو لما

ذكرناه. اللهم إال أن يقال: ما تقدم من الكشي من حديث يونس و إن تضمن النهي عن

تصديق ما يخالف الكتاب و السنة أو ال يوافقهما، إال أنه مسوق مساق التبري منه و بيان عدم صدوره منهم عليهم السالم، و أنها ال تشبه أقوالهم، و من قول الشيطان.

Page 51: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و هو يناسب حمله على الروايات المخالفة بالتباين من روايات الغلو و التفويض والتشبيه و سقوط الفرائض و نحوها.

كما يناسبه في الجملة ما رواه الكشي بسنده الصحيح أيضا عن هشام بن الحكم: »أنه سمع أبا عبد الله عليه السالم يقول: كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على

أبي و يأخذ كتب أصحابه، و كان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة، فكان يدس فيها الكفر و الزندقة و يسندها إلى

أبي، ثم يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يثبتوها في الشيعة، فكلما كان من كتب . و لعل«1 »أصحاب أبي من الغلو فذلك مما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم«

ذلك جار في رواية سدير حيث ال يبعد ظهور النهي عن التصديق في التبري منالرواية.

كما قد يكون ذلك قرينة على بقية الروايات المتقدمة، فال يراد بها مثل رواياتاألحكام التي بأيدينا التي ال تتضمن أحكاما ال تشبه ما صدر عنهم عليهم السالم.

و ال سيما مع ما قد يقال من ضعف سند هذه النصوص، و أن المتيقن من مضمونهاالمتواتر خصوص صورة المخالفة بالتباين. فتأمل.

______________________________ طبعة النجف األشرف.196( رجال الكشي ص: 1 )

95، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج على أنه ال مجال للتعويل على هذه النصوص بعد التأمل في سيرة األصحاب قديما و

حديثا و تسالمهم على الرجوع للروايات و العمل عليها، ألن هذه النصوص نصب أعينهم، فعدم امتناعهم ألجلها من العمل باألخبار المتداولة بينهم شاهد باطالعهم على ما يمنع من العمل بها فيها، إما النصرافها إلى ما ذكرناه و نحوه، أو لتهذيب

األخبار عن األخبار المكذوبة بعد عرضها على األئمة عليهم السالم، أو لقرائن أخر،بنحو يعلم بارتفاع ما يقتضي التوقف عنها و يلزم بطلب الشاهد عليها.

هذا مضافا إلى النصوص الكثيرة التي يأتي التعرض لها هناك الظاهرة في المفروغية عن قبول أخبار الثقات عن أهل البيت عليهم السالم، حيث ال مجال معها للتعويل على هذه النصوص في التوقف عنها، بل تكشف عن خلل فيها إما بما ذكرنا

أو غيره. و المظنون اختصاص ذلك بأوقات خاصة كثر فيها الكذب و التخليط و الدس في غفلة من أصحاب األئمة عليهم السالم عن ذلك و استرسالهم عند بدئهم بتدوين

الحديث، و قد زال ذلك بعد أن نبهوا و تنبهوا بنحو أوجب شدة احتياطهم و حذرهم عند تحمل الروايات و عند روايتها، و تحفظوا على كتبهم، كما يناسب قبولهم ألخبار

الثقات و جريهم على ذلك من غير نكير، كما يأتي عند التعرض ألدلة المثبتينللحجية إن شاء الله تعالى.

الثاني: اإلجماع. فقد ادعى السيد المرتضى قدس سره إجماع أصحابنا على عدم العمل بأخبار اآلحاد، بل جعلها كالقياس في كون ترك العمل به ضروريا من مذهب

أصحابنا يعرفه الموافق و المخالف عنهم. و يندفع بمنع اإلجماع المذكور، بل اإلجماع على خالف ذلك، كما يأتي في أدلة

المثبتين. و هو قدس سره و إن ادعى أن األخبار التي يعمل بها األصحاب محتفةبالقرائن القطعية، و إن كانت مودعة في الكتب بطرق اآلحاد، إال أنه ال يبعد كون

Page 52: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

96، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج مراده ما يعم الوثوق، حيث يصعب االلتزام بحصول القطع بصدور جميع األخبار

لجميع العاملين بها، كما يأتي في حجة أدلة المثبتين. على أنه من اإلجماع المنقول الذي ال يعتمد عليه ما لم يوجب العلم بالواقع أو

بالدليل المعتبر على معقده، و هو ال يوجب ذلك، بل و ال الظن، لو لم ندع العلمبعدم ثبوت معقده.

المقام الثاني: في حجة اإلثبات في الجملةكما هو المعروف من مذهب األصحاب. و قد استدل عليه باألدلة األربعة.

األول: الكتاب الكريم.و قد استدل منه بآيات ..

األولى: ]االستدالل بآية النبأ[� بجهالةقوله تعالى: نوا أن تصيبوا قوما ذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبي ها ال يا أي

. و تقريب االستدالل بها: أن وجوب التبين كناية«1 »فتصبحوا على ما فعلتم نادمين عن عدم حجية الخبر، و مقتضى جعل موضوعه خبر الفاسق حجية خبر غير

الفاسق. إما ألن في خبر الفاسق جهتين ذاتية، و هي كونه خبر واحد، و عرضية، و هي كونه خبر فاسق، فذكر الثانية و عدم ذكر األولى ظاهر في عدم صلوح األولى

القتضاء الحكم، و إال كانت هي األولى بالحكم، إذ التعليل بالذاتي الصالح للعلية أولى من التعليل بالعرضي، فال بد أن يكون المقتضي لعدم الحجية هو الجهة الثانية، و ال

سيما مع مناسبتها للحكم عرفا، حيث يناسب ذلك دخلها فيه و إما ألجل استفادة إناطته بالفسق من الشرط الدال على التعليق و الظاهر في المفهوم على

التحقيق. لكن األول راجع لالستدالل بمفهوم الوصف الذي تقدم في محله عدم تماميته. و

مجرد المناسبة بين الوصف و الحكم عرفا ال يوجب الظهور في المفهوم، بل غايته اإلشعار بالعليةو إن لم تكن منحصرةالذي ال يبلغ مرتبة الحجية. على أنه ال مجال له

في خصوص المقام بناء على ما يأتي من عدم سوق______________________________

.6( سورة الحجرات اآلية: 1 )97، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

اآلية الشريفة لمجرد بيان عدم الحجية، بل لالستنكار و التبكيت زائدا على ذلك،فلعل ذكر الفسق ألنه آكد في ذلك، ال إلناطة عدم الحجية به.

و أما الثاني فيدفعه أنه ال مفهوم للشرطية في المقام، ألنها مسوقة لتحقيق الموضوع، فإن المراد باألمر التبينالذي هو كناية عن عدم الحجيةهو األمر بالتبين عن

حال خبر الفاسق الذي هو موضوع قضية الشرط، و من الظاهر أن جملة الشرط مسوقة لتحقيق الموضوع المذكور ال العتبار أمر زائد عليه، إذ ليس مجىء الفاسق

بالنبإ إال عبارة عن وجوده، و بدونه ال نبأ للفاسق الذي هو موضوع األمر بالتبين والحكم بعدم الحجية.

نعم لو كان موضوع األمر بالتبين مطلق النبأ و مجىء الفاسق به أو كون الجائي به فاسقا شرطا لألمر بالتبين عنه لم تكن جملة الشرط مسوقة لتحقيق الموضوع، و

Page 53: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

كان لها مفهوم، كما لو كان الخطاب هكذا: النبأ إن جاء به الفاسق، أو إن كانالجائي به فاسقا، فتبينوا عنه.

لكنه ال يناسب التركيب الكالمي لآلية الشريفة، بل مقتضى تركيبها أن موضوع األمر بالتبين في جملة الجزاء هو خصوص نبأ الفاسق الذي سيقت جملة الشرط

لتحقيقه، و بارتفاعه ال يبقى موضوع للحكم الذي تضمنته جملة الجزاء، فال مفهومللقضية يقتضي عدم األمر بالتبين عن خبر غير الفاسق، المالزم لحجيته.

هذا عمدة الكالم في وجه االستدالل باآلية، و رده، و هناك وجوه أخرى لالستدالل ال يخلو أكثرها عن تحكم أو تكلف ظاهر، و ال مجال إلطالة الكالم فيها، و إن كان قد

يأتي ما ينفع في ذلك.ثم إنه لو تم ظهور اآلية الشريفة في نفسها في المفهوم

فقد أورد على االستدالل بها بوجوه ..98، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الوجه األول: ما ذكره جماعة من القدماء و المتأخرين من أنه ال بد من رفع اليد عنالمفهوم بعموم التعليل في ذيلها

المقتضي لعدم اإلقدام مع الجهل فرارا من الوقوع في أمر يحذر منه، و ال مانع من رفع اليد عن المفهوم بالقرينة المنفصلة، فضال عن المتصلة المانعة من انعقاد

ظهور الكالم فيه بدوا. و قد يدفع ذلك بوجوه »أولها«: ما ذكره بعض المعاصرين رحمه الله في أصوله في

تقريب معنى اآلية من منع سوق الذيل للتعليل، الستلزامه تقدير مفعول لقوله:نوا و تقدير ما يدل على التعليل في الذيل، فيكون التقدير هكذا:فتبي

إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا صدقه لئال تصيبوا قوما بجهالة ... و نحو ذلك، و هو تكلف مخالف لألصل. فاألولى جعل الذيل نفسه مفعوال للتبينمع تضمن التبين معنى التثبتقال: »فيكون معناه: فتثبتوا و احذروا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما

فعلتم نادمين«. فال يكون للذيل عموم ينهض برفع اليد عن المفهوم. و فيه: أنه ال مجال لكون الذيل مفعوال للتبين بعد تقييد اإلصابة بالجهالة التي هي

من األمور الوجدانية غير القابلة للجهل، و التبين إنما يتعلق باألمور الواقعية القابلة للجهل، فال يتم ما ذكره إال بقطع التبين عن اإلصابة و تقدير متعلق لها يناسب

المقام، كالحذر، إما بتقدير فعل الحذركما ذكره في كالمه- أو بتصيده من التبين بجعل التبين متضمنا معناه، و كالهما خالف األصل كالتقدير الالزم من الحمل على

التعليل. بل لعل الثاني أولى، الشتهار حذف عامل »أن« خصوصا في مقام التعليل الوارد

وامورد الحذر، كما في قوله تعالى: ه لكم أن تضل ن الل و، و قوله تعالى:«1 » يبيجرة إال أن تكونا ملكين أو تكونا كما عن هذه الش قال ما نهاكما رب

______________________________.176( سورة النساء اآلية: 1 )

99، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جتهم، و قوله سبحانه:«1 »من الخالدين ي ك من بني آدم من ظهورهم ذر و إذ أخذ رب

ا كم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إن و أشهدهم على أنفسهم أ لست بربا عن هذا غافلين ... بعوا أحسن ما أنزل إليكم من، و قوله عز اسمه:«2 »كن و ات

Page 54: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

كم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة� و أنتم ال تشعرون* أن تقول نفس يا حسرتى ربه ... طت في جنب الل و غيرها و ال سيما مع كون التعليل أبلغ في«3 »على ما فر

بيان المطلوب و أدعى لالرتداع. و ال أقل من اإلجمال و التردد بين الوجهين الراجعالحتفاف الكالم بما يصلح للقرينية على عدم المفهوم.

ثانيها: ما ذكره غير واحد من حكومة المفهوم على التعليل، ألن مقتضاه كون خبر العادل علما تعبدا أو تنزيال، فيخرج عن موضوع التعليل، و ترتفع المعارضة بينهما. و

هو مبني على أن مفاد جعل الطرق جعلها علما تعبدا أو تنزيال. لكنه ممنوع، كما يأتي في كيفية الجمع بين أدلة الطرق و أدلة األصول من مبحث

التعارض إن شاء الله تعالى. مع أن التعبد أو التنزيل المذكور موقوف على انعقاد الظهور في المفهوم، و عموم

التعليل مانع من انعقاده. و بعبارة أخرى: خروج خبر العادل عن عموم التعليل إثباتا في رتبة متأخرة عن

انعقاد الظهور في المفهوم، و عموم التعليل مانع من انعقاده. و مجرد صلوح القضية في نفسها للداللة على المفهوم ال ينفع في حجية خبر العادل

ما لم ينعقد ظهورها فيه، و ال ينعقد ظهورها فيه مع إلحاقها______________________________

.20( سورة األعراف اآلية: 1 ).172( سورة األعراف اآلية: 2 ).56، 55( سورة الزمر اآلية: 3 )

100، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج بالتعليل، فما ذكر قد يتجه لو كان دليل المفهوم منفصال عن التعليل، كما أشار إليه

شيخنا األستاذ قدس سره. ثالثهاو هو العمدة-: أن التعليل ال يعم مورد المفهوم غالبا، فإن حمله على مطلق

الجهل بالواقع ال يناسب مقام التعليل الذي ينبغي فيه أن يكون ارتكازيا صالحا لبيان وجه الحكم و تقريبه إلى ذهن السامع ليقتنع به، كما ال يناسب خصوصية الفسق

المناسب ارتكازا للتوقف عن الخبر، بل المناسب لذلك حمله على خصوص الجهل الذي يرى العقالء اإلقدام معه تغريرا و تفريطا، لعدم وجود ما يصلح بنظرهم ألن

يركن إليه و يعتمد عليه في مقام العمل، كخبر الفاسق، و تقديم عموم التعليل على المفهوم إنما هو باإلضافة إلى ما يشبه خبر الفاسق في ذلك، كخبر العدل غير

الضابط، دون مثل خبر العدل الضابط الذي يصح الركون إليه و االعتماد عليه عند العقالء الذي هو المراد بالمفهوم، بل يقصر التعليل عنه ارتكازا، كما يقصر عن خبر الفاسق الثقة المأمون منه الكذب و إن دخل في إطالق المنطوق. و لعل وجه ذكر

الفاسق حينئذ غلبة كونه من القسم األول مع التنبيه و التأكيد على فسق المخبر فيمورد النزول، و التأنيب و التبكيت لمن حاول العمل بخبره.

و نظير ذلك ما لو قيل: إن وصفت لك النساء دواء فال تستعمله، ألنك ال تأمن ضرره، حيث ال يتوهم عموم التعليل فيه لما يصفه الطبيب الحاذق و إن لم يكن معصوما من الخطأ، و إنما يعم ما يصفه غير األطباء من الرجال، كما يقصر عما

يصفه النساء الطبيبات الحاذقات. و ليس وجه ذكر النساء إال غلبة تصدي غير

Page 55: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الطبيبات الحاذقات. و ليس وجه ذكر النساء إال غلبة تصدي غير الطبيبات منهنلوصف الدواء أو االبتالء بهن في مورد الخطاب.

و يشهد بما ذكرنا أيضا التعقيب بالندم الظاهر في المفروغية عن ترتب الندم بالعمل على خبر الفاسق بعد ظهور كذبه، إذ من الظاهر أن الندم ال يكون بمجرد

فوت الواقع، بل مع التقصير فيه، المستلزم لتقريع النفس و تأنيبها، و ال101، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

تقصير في العمل بخبر العادل الضابط و إن لم يؤمن معه فوت الواقع، كما ال يترتب عليه الندم. و ألجل ذلك كان عموم التعليل آبيا عن التخصيص عرفا، و لو حمل على

مطلق الجهل بالواقع لم يكن آبيا عنه، لتعارف الطرق غير العلمية عند العقالء، وعدم منافاتها لمرتكزاتهم.

هذا كله بناء على حمل الجهالة على ما يقابل العلم، و أما بناء على حملها على ما يناسب الطيش و الحمق و السفه و يقابل الرشد و التعقل و الحكمة فاألمر أظهر.

و لعل الثاني هو األشهر في االستعمال في الكتاب و السنة و غيرهما، فقد استعمل الجهل و مشتقاته في ما يزيد على عشرين موضعا من الكتاب الكريم في المعنى

المذكور صريحا أو ظاهرا، و اشتهر استعماله في ذلك في السنة الشريفة، كما يظهر بمالحظة كتاب العقل و الجهل من الكافي و غيره، و كذا الحال في

استعماالت أهل اللغة. نعم ورد استعماله بالمعنى األول في مثل قولهم عليهم السالم: »أيما امرئ ركب أمرا بجهالة فال شيء عليه«. إال أنه دون االستعمال في المعنى الثاني. و لذا كان الجهل عرفا صفة ذم مستتبعة للوم، مع أن عدم العلم بنفسه و إن كان نقصا ال

يستتبع اللوم أصال. و من ثم كان المعنى المذكور هو األقرب في اآلية الشريفة، و ال سيما بمالحظة كونها إشارة إلى أمر ارتكازي عرفي، كما لعله ظاهر. و حينئذ

فقصور التعليل فيها عن مورد المفهوم ظاهر جدا. نعم قد يقال: حمل التعليل على خصوص ما ال يقدم العقالء على العمل به ال يناسب اآلية الشريفة، حيث وردت لردع النبي صلى الله عليه و آله أو الصحابة عن محاولة

العمل بخبر الفاسق، إذ ال مجال لتوهم إقدامه صلى الله عليه و آله أو إقدامهم على ما ال ينبغي العمل عليه عند العقالء، بل ال بد من البناء على ورودها لردعهم في

مورد سيرة العقالء على العمل بالخبر زيادة في التحفظ.102، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

لكنه مندفع بأنه ال يظهر من اآلية الشريفة الردع للنبي صلى الله عليه و آله أو ألهل التعقل و الحكمة من المؤمنين و التابعين له صلى الله عليه و آله في القول و

العمل، بل سياقها كالصريح في مجانبة النبي صلى الله عليه و آله و من أطاعه من المؤمنين للعمل بخبر الفاسق في مورد النزول، و أن الردع و التبكيت مختص

بغيرهم من جهال الناس الذين ينعقون مع كل ناعق و يؤخذون بالتهريج و اإلرجاف من المنافقين و نحوهم ممن ال يتبع سبيل المؤمنين و قد ابتلي بهم النبي صلى الله

وعليه و آله و المؤمنون في حياته و بعد وفاته. قال تعالى بعد اآلية المذكورة:ب ه حب م و لكن الل ه لو يطيعكم في كثير من األمر لعنت اعلموا أن فيكم رسول الل

ه إليكم الكفر و الفسوق و العصيان أولئك هم نه في قلوبكم و كر إليكم اإليمان و زياشدون . فإنه كالصريح في انقسام المسلمين على أنفسهم، طائفة مع«1 »الر

Page 56: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

النبي صلى الله عليه و آله في التوقف عن خبر الفاسق، قد حبب الله إليهم اإليمان و كره إليهم الكفر و الفسوق و العصيان و هم الراشدون، و طائفة أرادوا العمل به

و حملوا النبي صلى الله عليه و آله على ذلك و أصروا عليه. و لكنه صلى الله عليه و آله أبى عليهم، فجاءت اآليتان الشريفتان تأييدا له و قمعا

للفتنة كما نبه لذلك شيخنا األستاذ قدس سره و سبقه إليه بعض المفسرينكالزمخشري في الكشاف و غيره على ما حكي.

و لو ال ذلك كان التدافع بين صدر هذه اآلية و ذيلها ظاهرا، لمناسبة صدرها للتأنيب و العذل، و مناسبة ذيلها للمدح و التشجيع، فيلزم التدافع لو أريد بهما جماعة

واحدة. و من جميع ذلك ظهر أن آية النبأ ليست رادعة عن سيرة العقالء في العمل بخبر

الواحد الثقة، زيادة في التحفظ، بل داعية لمقتضى سيرتهم و مرتكزاتهم منالتوقف عن خبر غير المأمون، و اإلنكار على من أراد العمل

______________________________.7( سورة الحجرات اآلية: 1 )

103، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج به، كما وردت أكثر آيات سورة الحجرات لتأديب المسلمين و تهذيبهم مما يشينهم من أخالق و أفعال، كرفع أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه و آله، و عدم توقيره، و ندائه من وراء الحجرات، و سخرية بعضهم من بعض و اغتيابهم لهم و

التنابز باأللقاب، و نحو ذلك مما يخرجون به عن مقتضى الحكمة و الرشد. و بذلك يتم ما ذكرنا من قصور التعليل عن مورد المفهوم، فال ينهض برفع اليد عنه

لو تم في نفسه، و ال موقع لإلشكال المذكور من أصله. ثم إنه بما ذكرنا يتضح أنه ال مجال لالستدالل باآلية الشريفة على عدم حجية خبر

الفاسق مطلقا و إن كان ثقة في نفسه مأمونا منه التسامح في الكذب، للزوم الخروج عن إطالق الفاسق فيها بالتعليل بعد حمله على ما سبق. و ال أقل من

اإلجمال المانع من االستدالل. و أما ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من ورود اآلية لإلرشاد إلى عدم جواز

مقايسة خبر الفاسق بخبر غيره و إن حصل منه االطمئنان، لزوال االطمئنان منهبااللتفات إلى فسقه و عدم مباالته بالمعصية و إن كان متحرزا عن الكذب.

ففيه: أنه إن أريد به زوال االطمئنان من خبره حقيقة بسبب االلتفات إلى فسقه. فهو غير مطرد، ألن التحرز عن الكذب غير مختص بالعادل قطعا، بل هو خالف

المفروض في محل الكالم. و إن أريد به أن الشارع قد ردع عن خبره مطلقا و إن كان متحرزا عن الكذب،

لعدم اكتفائه باالطمئنان الحاصل منه، فال مجال له بعد ما تقدم من ظهور التعليل في كونه ارتكازيا، و ظهور اآلية في الحث على مقتضى االرتكاز العقالئي في

التوقف عن خبر من ال يؤمن كذبه، ال الردع عن مقتضى سيرة العقالء في العمل بخبر من يؤمن كذبه زيادة في التحفظ. و من هنا ال مجال للخروج عما دل على

حجية خبر الثقة لو تم.104، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 57: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الوجه الثاني: مما أورد على االستدالل بالمفهوم في اآلية الشريفة أن المفهوم غيرمعمول به في الموضوعات الخارجية التي منها مورد اآلية،

إذ ال إشكال في عدم االكتفاء فيها بخبر العدل الواحد، بل ال بد فيه من التعدد. ومعه ال بد من طرح المفهوم، لئال يلزم إخراج المورد.

و قد أجاب عنه شيخنا األعظم قدس سره و غيره بأن المورد داخل في المنطوق و هو عدم حجية خبر الفاسق، ال في المفهوم و هو حجية خبر العادل. و غاية ما يلزم هو تقييد المفهوم في الموضوعات الخارجية بالتعدد، و ال يلزم منه خروج المورد. و

إليه يرجع ما قيل من أن ارتكاب التقييد في المفهوم مقدم على إلغائه رأسا. و الذي ينبغي أن يقال: إرجاع الشرطية للمنطوق و المفهوم ليس النحاللها إليهما حقيقة، بنحو يكون هناك قضيتان يمكن طروء التقييد عليهما معا و على إحداهما

دون األخرى، بل لداللتها على معنى يستلزمها، و هو إناطة الجزاء بالشرط المستلزمة لوجوده عند وجوده و انتفائه عند انتفائه. و حينئذ لو كانت الشرطية في المقام ذات مفهوم كان مفادها إناطة عدم حجية الخبر بالفسق المستلزمة لحجيته مع عدمه مطلقا، و حيث ال مجال لذلك في الموضوعات الخارجية، لعدم اإلشكال

في اعتبار التعدد فيها فال بد إما من تخصيص موضوع الشرطيةو هو النبأبغير الموضوعات، أو إلغاء ظهور الشرطية في اإلناطة و حملها على مجرد بيان ترتب الجزاء على الشرط، و حيث يمتنع األول، الستلزامه خروج المورد عن الشرطية

فالمتعين الثاني الراجع لعدم كون الشرطية ذات مفهوم، و توجه اإلشكال. و أما احتمال إبقاء الشرطية على عمومها و المحافظة على ظهورها في اإلناطة المستلزمة للمفهوم مع تقييدها في خصوص الموضوعات الخارجية بالتعدد. فال

مجال له، إذ التقييد المذكور ال يناسب اإلناطة التامة، و ال مجال105، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

للتفكيك في اإلناطة لبساطتها، كما تقدم في مسألة تعدد الشرط مع وحدة الجزاءمن فصل مفهوم الشرط. و لعله لذا ذكر في الفصول أن ذلك تكلف مستبشع.

اللهم إال أن يحمل األمر على عدم صلوح خبر الفاسق ألن يعمل به و يعتمد عليه، فيكون مقتضى المفهوملو تمصلوح خبر غيره ألن يعمل به، و إن احتاج إلى التعدد و انضمام غيره له، كما في الموضوعات الخارجية. و هو لو تم يستلزم رجوع المفهوم

في المقام إلى حجية خبر غير الفاسق في الجملة، ال مطلقا. فتأمل جيدا. الوجه الثالث: أن حمل الفاسق في اآلية على ما يقابل العادل الذي هو موضوع

الحجية عند بعضهم ال يخلو عن إشكال، ألنه و إن ورد استعماله فيه في بعض النصوصمثل ما تضمن جواز غيبة المتجاهر

- إال أن تحديده به اصطالح متأخر، و الشائع في االستعماالتخصوصا«1 »بالفسق في الكتاب الكريم- إطالقه في مقابل المؤمن، كما هو المناسب لمورد اآلية. بل في بعض النصوص النهي عن إطالق الفاسق على المؤمن العاصي، و أنه فاسق

.«2 »العمل و حينئذ ال مجال لحمل القضية على المفهوم إال بتقييده بالعادل و ال مجال لذلك، إما لما سبق في الوجه الثاني من امتناع تقييد المفهوم، أو ألن التقييد المذكور لما كان

مستلزما إلخراج كثير من األفراد أو أكثرها كان إلغاء المفهوم أهون منه و أقربعرفا.

Page 58: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و هناك وجوه أخر ال يسع المقام التعرض لها، لظهور ضعفها، و البتناء______________________________

.5، 4 من أبواب أحكام العشرة حديث: 154 باب: 8( الوسائل ج: 1 ) باب: ثواب حبهم )ع( و نصرهم و واليتهم و أنها137 ص: 27( بحار األنوار ج: 2 )

باب: الصفح عن الشيعة و شفاعة147 ص: 68، و ج: 139أمان من النار حديث: .96أئمتهم )ع( فيهم حديث:

106، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج جملة منها على تدقيقات و تكلفات ال ينبغي صرف الوقت فيها. و منه سبحانه

نستمد العون و التوفيق و التأييد و التسديد. و هو حسبنا و نعم الوكيل.اآلية الثانية مما استدل به على حجية خبر الواحد: ]االستدالل بآية النفر[

و ما كان المؤمنون لينفروا كافة� فلو ال نفر من كل فرقة منهم طائفةقوله تعالى:هم يحذرون ، فإنها«1 »ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعل

ظاهرة في وجوب الحذر تبعا لوجوب اإلنذار، لكونه غاية له بمقتضى كلمة »لعل« المسوقة مساق التعليل، و مرجع وجوب الحذر إلى حجية قول المنذر في األحكام

اإللزامية القابلة للحذر، و يتم في غيرها بعدم الفصل، بل بفهم عدم الخصوصية بعد عدم ظهورها في تشريع وجوب الحذر بعد اإلنذار تعبدا تأسيسا من الشارع، بل في

ترتبه طبعا، و ذلك إنما يكون بلحاظ السيرة العقالئية المرتكز مضمونها في األذهان، فتكون ظاهرة في إمضائها و الجري عليها، و من الظاهر عدم خصوصية األحكام

اإللزامية في السيرة المذكورة. وبذلك يظهر اختصاص اآلية بالخبر الموثوق به على ما يأتي تفصيله، الختصاص

السيرة به. و معه ال حاجة إلى تكلف الدليل على التخصيص. كما يندفع بذلك أيضا توهم أن وجوب الحذر كما يكون لحجية الخبر يكون للزوم

العمل على طبقه احتياطا، لتنجز الواقع المحتمل به، فال تدل اآلية على حجية الخبر، بل على مجرد منجزيته للتكليف المحتمل، و ال موضوع لذلك في الخبر الذي يتضمن

حكما غير إلزامي، ليتعدى له بعدم الفصل أو بفهم عدم الخصوصية. وجه االندفاع: أن األمر االرتكازي الذي يظهر من اآلية إمضاؤه ليس هو مجرد لزوم

موافقة الخبر و لو احتياطا، بل لزوم األخذ به تبعا لحجيته، مهما كان______________________________

.122( سورة التوبة اآلية: 1 )107، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

مضمونه. على أن الظاهر المفروغية عن مالزمة وجوب الحذر عقيب الخبر لعموم حجيته مهما كان مضمونه، و ذلك كاف في المطلوب لو فرض عدم ظهور اآلية فيه

في نفسها.هذا

و قد يستشكل في االستدالل باآلية بوجوه ...األول: أنه ال إطالق لها يقتضي وجوب الحذر عند اإلنذار

لعدم سوقها لذلك، بل لبيان وجوب النفر، مع المفروغية عن ترتب الحذر على اإلنذار في الجملة، ال مطلقا، كما هو مقتضى كلمة »لعل« الظاهرة في عدم مالزمة

Page 59: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ما بعدها لما قبلها، نظير قولنا: انصح زيدا لعله يقبل منك، و أبلغه لعله يصدقك،فلعل وجوب الحذر يختص بما إذا تعدد المنذر أو قامت القرينة على صدق الخبر. و يندفع بأن »لعل« في المقام و نحوه ظاهرة في مالزمة مطلوبية ما بعدها لما قبلها، بمقتضى ظهورها في كونه غاية لطلبه، و إن أمكن تخلفه بنفسه مع كونه

مطلوبا، نظير قولنا: أحسن لزيد لعله ينفعك و ادفع له دينارا لعله يكف عن الطلب من الناس. فإنه ظاهر في كون اإلحسان و دفع الدينار كافيين في استحسان النفع

و الكف و مطلوبيتهما من زيد، بال حاجة إلى أمر آخر. و أما ظهور »لعل« في عدم لزوم ترتب الغاية فهو ألمر آخر غير عدم إطالق

الطلب، كقصور المكلف لعدم علمه بمطلوبية الشيء، كما قد يكون في مثل: أبلغ زيدا بمجىء عمرو لعله يزوره، بأن يكون عدم زيارة زيد لعمرو ناشئا من عدم علمه

بمطلوبية الزيارة منه أو تقصيره تسامحا في القيام بما ينبغي له، كما في المثالينر أو يخشىالمتقدمين و في مثل قوله تعالى: ه يتذك � لعل نا و«1 » فقوال له قوال� لي

منه المقام، ألن األمر بالنفر و التفقه و اإلنذار و الحذر عام ينبغي أن ال يجهله أحدبعد النص عليه في الكتاب الكريم و ال سيما مع مطابقته

______________________________.44( سورة طه اآلية: 1 )

108، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جللمرتكزات العقالئية، و ظهور اآلية الشريفة في إمضائها، كما سبق.الثاني: أن الحذر لم يجعل غاية لمطلق اإلنذار و إن كان من واحد،

بل إلنذار الطائفة، و إخبارهم بأمر واحد يوجب غالبا العلم به مع كونهم ثقات، خصوصا في عصر صدور اآلية، حيث لم يؤلف الكذب في األحكام الشرعية على

صاحب الشريعة، و يندر الخطأ مع أخذ الحكم منه مباشرة، و يصعب انتشار خالف الواقع عليه مع تيسر بيان الواقع له. و عليه ال تكون اآلية واردة إلمضاء سيرة

العقالء االرتكازية بل لبيان لزوم االستعانة بالغير في تحصيل العلم لمن وجب عليه بها«1 »تحصيله و ال يتيسر له تحصيله بنفسه. و يشهد به ما ورد من االستشهاد

على لزوم النفر لمعرفة اإلمام مع أنه ال بد فيه من العلم. و دعوى: أن ظاهر مقابلة الجمع بالجمع إرادة االستغراق و االنحالل، فالمعنى أن

كل واحد من الطائفة ينذر بعضا من قومه. مدفوعة بأن ظهور مقابلة الجمع بالجمع في االستغراق و االنحالل مختص بما إذا أخذ عنوان ال يصدق على الجمع، كما في مثل: أكرموا جيرانكم و أدبوا أوالدكم،

لوضوح أن عالقة الجوار و البنوة ال تقوم بالمجموع، بل بكل جار و جاره و أب و ابنه بنحو االنحالل، دون مثل المقام حيث تكون نسبة القوم ألفراد الطائفة نسبة واحدة، فإن حمله على التفريق و إن كان ممكنا إال أنه يحتاج إلى دليل. على أن إنذار تمام

أفراد الطائفة للقوم و لو مع تفرقهم فيهم موجب للعلم غالبا إن اتفقوا، و إن اختلفوا ظهر اختالفهم و لزم التوقف على كل حال، و خرج عن مفاد اآلية. فتأمل

جيدا. نعم ذكر بعض األعاظم قدس سره أن التكليف بكل من التفقه و اإلنذار و الحذراستغراقي انحاللي، ال مجموعي ارتباطي، فيجب على كل واحد القيام بها و إن

______________________________

Page 60: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

كتاب الحجة باب ما يجب على الناس عند مضي اإلمام378 ص: 1( الكافي ج: 1 ).2، 1حديث:

109، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج عصى غيره. فإن تم كان مقتضى اآلية حجية الخبر من المنذرين بنحو صرف الوجود الشامل إلنذار الواحد، ألن الحذر إذا كان غاية لوجوب اإلنذار بنحو االنحالل دل على

كفاية إنذار الواحد في وجوب الحذر المالزم لحجيته. و ما ذكره قدس سره مقطوع به في وجوب الحذر، بل و في وجوب اإلنذار أيضا،

حيث ال إشكال ظاهرا في وجوب اإلنذار على كل واحد من المتفقهين حتى لو عصى غيره. و من ثم يكون هو الظاهر في التفقه أيضا، كما هو الظاهر في غالب

الخطابات الشرعية الموجهة للجميع. و لذا استفيد من اآلية الشريفة وجوب االجتهاد و تبليغ األحكام كفاية على كل أحد و إن لم يقم به غيره. و بذلك يندفع اإلشكال

المذكور. و أما االستشهاد في النصوص باآلية الشريفة لوجوب النفر لمعرفة اإلمام فهو

بلحاظ ظهورها في جواز االستعانة بالغير في الفحص و عدم وجوب مباشرة كل أحد له، ال لظهورها في اعتبار المعرفة العلمية. و لزوم كون معرفة اإلمام علمية

مستفاد من دليل خاص غير اآلية. الثالث: أن التفقه الواجب إنما هو معرفة األحكام الشرعية و اإلنذار الواجب إنما

يكون بها، و الحذر إنما يجب على المكلف عقيبه ال عقيب كل إنذار، ألن الحذر في الحقيقة

إنما يكون بسبب الحكم الشرعي الواقعي، و ال يحرز المكلف كون الخبر إنذارا بالحكم الشرعي إال إذا أحرز صدقه، فال يكون وجوب الحذر شرعيا راجعا إلى حجية

الخبر ظاهرا، بل عقليا راجعا لوجوب طاعة األحكام الشرعية، فيخرج عن محل الكالم، فاآلية نظير قولنا: أخبر زيدا بأوامري لعله يمتثلها، حيث يراد به فرض علمه

بصدق الخبر. و فيه: أن الحذر و إن كان في الحقيقة بسبب الحكم الشرعي، إال أنه ال مانع من

كون اإلنذار طريقا شرعيا لمعرفته و حجة عليه، كما هو ظاهر اآلية بالتقريب110، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المتقدم. و ليس المراد باإلنذار باألحكام الشرعية الذي استفيد من اآلية حجيته إالاإلخبار عنها، و هو يصدق على الخبر بها و إن لم يعلم صدقه.

و أما المثال المذكور فحمله على صورة العلم بصدق الخبر موقوف على عدم إعالممن يصله الخبر بحجيته، و لو لعدم إعالمه بتكليف صاحبه باإلخبار.

و ذلك ال يجري في المقام بعد خطاب الكل بالنفر و التفقه و اإلنذار و الحذر، و مطابقة ترتب الحذر على اإلنذار للمرتكزات العقالئية التي يظهر من اآلية إمضاؤها

كما تقدم. فالعمدة في اإلشكال في االستدالل باآلية الشريفة ما ذكره غير واحد على تفصيل ال يسعه المقام. و األولى تقريبه بأن اإلنذار و التفقه من وظيفة المفتي، ال الراوي،

ألن التفقه في الدين عبارة عن معرفة أحكامه، و هو ال يكون بمجرد تحمل الرواية و حفظها، بل باستحصال الحكم منها، لتمامية داللتها بمالحظة القرائن الخارجية و عدم المعارض لها. كما أن اإلنذار عبارة عن اإلخبار مع التخويف، و هو ال يكون

Page 61: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

بمجرد اإلخبار عن المعصوم، بل باإلخبار بالتكليف المستلزم للعقاب، و هو الذييستحصله الفقيه من الرواية.

نعم قد يظهر من معتبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السالم صدق اإلنذار و التفقه بمجرد تحمل الرواية و روايتها، لقوله فيه: »إنما أمروا بالحج لعلة الوفادة إلى الله عز و جل ... مع ما فيه من التفقه و نقل أخبار األئمة عليهم السالم إلى

كل صقع و ناحية، كما قال الله عز و جل: فلو ال نفر من كل فرقة منهم طائفة ...« . لكن االعتماد عليه في الخروج عن ظاهر اآلية راجع إلى االستدالل بالسنة ال«1»

بالكتاب. مع قرب حمله على الراوي الفقيه المتعهد بمضمون الرواية، الذي يأتيالتعرض له.

______________________________.15 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1 باب: 8( الوسائل ج: 1 )

111، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و أما ما ذكره بعض األعاظم قدس سره من أن اإلنذار و إن كان هو اإلخبار

المشتمل على التخويف إال أنه ال يعتبر تصريح المخبر بالتخويف، بل يكفي تضمن الخبر له و اشتماله عليه و إن سيق لغيره، و لذا يصدق على الفتوى مع عدم تصريح

المفتي بالتخويف، و ال فرق بين الفتوى و الرواية في أن كال منهما يشتمل على التخويف ضمنا، فإن اإلخبار بالوجوب يتضمن اإلخبار بما يستتبع مخالفته من

العقاب. ففيه: أن اشتمال الخبر على التخويف ضمنا و إن كان كافيا في صدق اإلنذار، إال أنه

ال بد من قصد المخبر له، البتناء خبره على المالزمة بين المخبر به و العقاب، كي يرجع اإلخبار به لإلخبار بالعقاب، و ذلك مختص بالمفتي، و ال يجري في الراوي

الناقل أللفاظ الحديث من دون تعهد بمضمونه، و أما الراوي المتعهد بالمضمون الذي ترجع روايته للرواية لفتواه بمضمونها فهو و إن كان منذرا أيضا، إال أن ظاهر

اآلية الشريفة حجية خبره من حيثية إنذاره، ال مطلقا، و هو راجع إلى حجية قوله في ترتب العقاب، التي تختص بالعامي الذي يجب تقليده عليه، و أما قبول المجتهد إلخباره بكالم اإلمام و نحوه مجردا عما تضمنه من التخويف فال داللة لآلية عليه

بوجه. و منه يظهر اندفاع ما في الفصول من أنه إذا ثبت من اآلية الشريفة حجية خبرالراوي المذكور، لصدق اإلنذار عليه ثبتت حجية خبر غيره بعدم القول بالفصل.

إذ فيه: أن حجية خبره بنفسه مجردا عن التخويف لم يثبت من اآلية، ليتعدى لغيره بعدم الفصل. و حجيته بلحاظ ما يتضمنه من التخويف راجعة إلى حجية فتواه في

حق العامي، و من الظاهر ثبوت الفصل بينها و بين حجية رواياته فضال عن رواياتغيره.

112، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج نعم قد يدعى أن اآلية و إن تضمنت حجية الفتوى، إال أنه يمكن التعدي منها لحجية الخبر بتنقيح المناط، أو باألولوية العرفية، ألن الخبر لما كان من مقدمات الفتوى،

فحجية الفتوى المبتنية عليه و على الحدس تقتضي حجيته بالفحوى. لكنه يندفع بأن ذلك إنما يتجه لو ثبت عموم حجية الفتوى على نحو حجية الخبر المدعاة، أما حيث كانت حجية الفتوى مقصورة على العامي الذي ال طريق له

Page 62: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

لمعرفة الوظيفة الفعلية غيرها فحجيتها في حقه ال تستلزم عموم حجية الخبر بنحويرجع له المجتهد الذي ال تكون الفتوى حجة في حقه، ال عقال و ال عرفا.

و من هنا كان الظاهر أنه ال دافع لإلشكال المذكور. و أن المتعين االستدالل باآليةالشريفة على حجية الفتوى، دون حجية الخبر التي هي محل الكالم.

اآلية الثالثة: ]آية الكتمان[اسقوله تعالى: اه للن ن نات و الهدى من بعد ما بي ذين يكتمون ما أنزلنا من البي إن ال

عنون ه و يلعنهم الال بتقريب أن تحريم الكتمان و«1 »في الكتاب أولئك يلعنهم الل وجوب البيان يستلزم وجوب القبول، و إال كان الغيا. و من ثم استدل في المسالك

و ال يحل لهن أن يكتمن ما خلقعلى حجية خبر المرأة عما في رحمها بقوله تعالى:ه في أرحامهن .«2 »الل

و فيه: أن وجوب البيان ال يلغو مع عدم حجيته و عدم وجوب قبوله إذا لم يوجب العلم، إلمكان كون فائدته مجرد إثارة االحتمال الملزم عقال بالفحص أو االحتياط.

بل قد يكون سببا للعلم أو بعض السبب له، كما لعله األنسب في اآلية______________________________

.159( سورة البقرة اآلية: 1 ).228( سورة البقرة اآلية: 2 )

113، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الشريفة، لقرب نزولها في علماء أهل الكتاب و كتمانهم لعالمات النبي صلى الله

عليه و آله التي يعتبر فيها العلم. نعم قد تدعى المالزمة العرفية بين وجوب اإلخبار و وجوب القبول و إن لم يكن

بينهما مالزمة واقعية. لكنهالو تمتمختصة بما إذا كان الغالب انحصار طريق معرفة الشيء باإلخبار المأمور به، و لم يكن الغالب فيه إفادة العلم. و لعل منه إخبار

النساء بما في أرحامهن، دون المقام، لعدم انحصار المعرفة بأخبار اآلحاد، خصوصافي عصر نزول اآلية.

هذا مع أن موضوع اآلية الشريفة ما أنزله الله تعالى في الكتاب، و هو في الفقه الحكم الشرعي الذي يكون بيانه وظيفة المجتهد دون الراوي، فإنه ال يحكي إال كالم

اإلمام أو نحوه، و هو و إن كان مالزما في الجملة لما أنزله الله تعالى إال أنالملزوم غير محكي له، كما تقدم نظيره في آية النفر. فتأمل جيدا.

اآلية الرابعة و الخامسة: ]آيتا سؤال أهل الذكر[ و ما أرسلنا من قبلك إال رجاال� نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتمقوله تعالى:

و ما أرسلنا قبلك إال رجاال� نوحي إليهم فسئلوا أهل. و قوله سبحانه:«1 »ال تعلمون.«2 »الذكر إن كنتم ال تعلمون

فإنهما ظاهران في أن وظيفة الجاهل السؤال من العالم، تنبيها إلى سيرة العقالءاالرتكازية على ذلك. و من ثم ينصرف إلى خبر الثقة، نظير ما تقدم في آية النفر.

و دعوى: أن ظاهر أهل الذكر بقرينة السياق إرادة علماء أهل الكتاب، كما عن بعض المفسرين. مدفوعة بأن ورود القضية مورد اإلمضاء لسيرة العقالء االرتكازية

موجب إللغاء خصوصية موردها عرفا لو تم عدم العموم فيها لفظا.على أنه لم يتضح وجه اقتضاء قرينة السياق ذلك، إذ غاية ما يقال في

______________________________

Page 63: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

.43( سورة النحل اآلية: 1 ).7( سورة األنبياء اآلية: 2 )

114، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج تقريبه أن اآليتين واردتان لردع المشركين عن دعوى عدم بعث األنبياء من البشر، و االستشهاد بعلماء أهل الكتاب إلبطال ذلك، ألنهم يقرون ببعثهم. و هو كما ترى، ألن مدعي ذلك من المشركين ال يرى علماء أهل الكتاب من أهل الذكر، بل ينكر عليهم و يكذبهم كما ينكر على النبي صلى الله عليه و آله و يكذبه، و من يقر لهم بذلك مع

الدعوى المذكورة متناقض متعنت قد ال يحسن خطابه و االحتجاج معه. و ال يبعد كون تفريع األمر بسؤال أهل الذكر على إرسال الرسل، للتنبيه إلى أن

فائدة إرسالهم هداية الناس بما أنزل إليهم، و أن على الناس اغتنام ذلك بالسؤال عما أنزل على األنبياء و أخذه من أهله، كما قد يناسبه قوله تعالى بعد اآلية

روناألولى: هم يتفك ل إليهم و لعل اس ما نز ن للن . و«1 » ... و أنزلنا إليك الذكر لتبيهو المناسب لما يأتي من تفسيرها بأهل البيت عليهم السالم.

و مثله في اإلشكال ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من أنه ليس المراد بأهل العلم مطلق من علم بشيء و لو بسماع رواية من اإلمام، و إال لدل على حجية

قول كل عالم بشيء و لو بطريق الحس، مع أنه يصح سلب هذا العنوان عنه، بل المتبادر من األمر بسؤال أهل العلم سؤالهم عما يعدون عالمين به، فينحصر مدلوله

في التقليد دون الرواية. إذ يندفع بأن الظاهر صدق العنوان على الرواة كالمجتهدين، عمال بإطالق العلم

الشامل للحسي، و لعله هو المناسب لمورد اآلية. و صحة سلب العنوان عن من علم بشيء بطريق الحس مبني على إطالق العنوان في األعراف المتأخرة على خصوص العالم بطريق الحدس، بل خصوص من يعلم باألحكام الشرعية، و هو ال

يصلح قرينة على حمل اآلية على ذلك، و الخروج______________________________

.44( سورة النحل اآلية: 1 )115، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بها عن المعنى اللغوي، خصوصا مع ظهورها في إمضاء السيرة العقالئية المشارإليها.نعم

يشكل االستدالل على المدعى باآليتين لوجهين:أحدهما: أنه ال ظهور لهما في كون السؤال ألجل العمل،

ليدل بإطالقه على ترتب العمل على الجواب و إن لم يوجب العلم الراجع لحجيته، بل يمكن أن يكون ألجل تحصيل العلم في مورد الحاجة له، و هو ال ينافي كون القضية ارتكازية، إذ االرتكاز كما يقتضي العمل بخبر الثقة و إن لم يحصل منه

العلم، كذلك يقتضي السعي لتحصيل العلم في مورد الحاجة له بالسؤال من الغير واالستعانة به و عدم االقتصار على ما يدركه اإلنسان بنفسه مستغنيا عن غيره.

البدوي في مطلق العلماءلو أهل الذكر*ثانيهما: أنه يلزم رفع اليد عن ظهورتمبالنصوص الكثيرة الظاهرة،

Page 64: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

بل الصريحة في اختصاص أهل الذكر باألئمة عليهم السالم و عدم شمولها لغيرهمبالنحو الذي ينفع فيما نحن فيه.

كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السالم: »قال: إن من عندنا يزعمون أنهم اليهود و فسئلوا أهل الذكر إن كنتم ال تعلمون*أن قول الله عز و جل:

النصارى. قال: إذن يدعوكم إلى دينهم. قال: ثم قال بيده إلى صدره: نحن أهل.«2 »، و غيره«1 »الذكر و نحن المسئولون«

و أما ما ذكره بعض مشايخنا قدس سره من أن ذلك من باب تطبيق الكلي على مصداقه، فال تنافي عمومه لغيره، و قد ورد عنهم عليهم السالم أنه لو ماتت اآليةبموت من نزلت فيه لمات القرآن، و أن القرآن يجري مجرى الشمس و القمر.

______________________________.3 من أبواب صفات القاضي حديث: 7 باب: 18( الوسائل ج: 1 ) باب أن أهل الذكر الذين210 ص: 1( تراجع النصوص المذكورة في الكافي ج: 2 )

من7 باب: 18أمر الله الخلق بسؤالهم هم األئمة عليهم السالم. و في الوسائل ج: .240أبواب صفات القاضي، و في كتاب حجة الخصام ص:

116، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج فيندفع بأن مفاد النصوص المذكورة اختصاص اآليتين بهم، ال مجرد نزولها فيهم أو

تطبيق أهل الذكر عليهم، فهما كسائر اآليات المختصة بهم عليهم السالم كآيات الوالية و المودة و التطهير، التي لم تمت، ألنهم عليهم السالم باقون ما بقي القرآن

مرجعا للناس و حجة عليهم.و مثله دعوى: أن ذلك من التفسير بالباطن الذي ال يمنع من حجية الظهور.

الندفاعها بأن التفسير بالباطن إنما ال ينافي حجية الظهور إذا لم يرد مورد الردع عنه، كما هو ظاهر النصوص المذكورة. مع أن كون التفسير المذكور من التفسير

بالباطن ال يناسب مساق النصوص المذكورة جدا. بل بمالحظة ما سبق منا في تقريب عدم اختصاص أهل الذكر بأهل الكتاب يتضح

كون التفسير المذكور هو األقرب بعد التأمل، ألن الذكر- بمقتضى ما سبق و غيرههو الكتب السماوية المنزلة، و الحقيقون بأن يكونوا أهلها هم من أودعت

عندهم و عرفوها حق معرفتها، و قد انحصر ذلك بهم عليهم السالم بعد أن ورثوا األنبياء بأجمعهم. و أما علماء أهل الكتاب فهم أهل الذكر ادعاء من دون حقيقة. كما

أن علماء المسلمين لما كان علمهم بما كان في الكتاب مبنيا على االجتهاد و الحدس فكونهم من أهله مبني على نحو من التوسع و التسامح، و انحصار المراد

بأحد الفريقين في فهم عامة الناس مبني على الغفلة أو التغافل عن مقام أئمة أهلالبيت عليهم السالم و حقيقة علمهم بالكتاب.

نعم في جملة من النصوص أن الذكر هو رسول الله صلى الله عليه و آله و أن أهله قد على ذلك بقوله تعالى:«1 »عليهم السالم هم أهل الذكر، و استدل في بعضها

ه أنزل الل______________________________

.31 من أبواب صفات القاضي حديث: 7 باب: 18( الوسائل ج: 1 )117، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 65: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

نات ه مبي �* رسوال� يتلوا عليكم آيات الل . و هو مبني على نحو من«1 »إليكم ذكراالتكلف، فيشبه التفسير بالباطن.

إال أنه ال يبعد أن يكون سلوك ذلك من أجل تجنب االعتماد في إثبات المطلوب على حقيقة قد ال يعترف بها الخصم، و هي اختصاصهم بعلم الكتاب، و اللجوء لحقيقة ال تقبل اإلنكار و هي كونهم عليهم السالم أهل النبي صلى الله عليه و آله. و إال فقد

أن الذكر هو القرآنو لو ألنه أهم الكتب السماوية و«2 »تضمن بعض النصوصالمهيمن عليها و الذي يجب الرجوع إليه فعالو أنهم عليهم السالم أهله.

و هو الظاهر من النصوص الكثيرة المقتصر فيها على كونهم أهل الذكر من دونتنبيه لوجه ذلك.

اآلية السادسة: ]آية اإليذاء[بي و يقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمنقوله تعالى: ذين يؤذون الن و منهم ال

ه لهم ذين يؤذون رسول الل ذين آمنوا منكم و ال ه و يؤمن للمؤمنين و رحمة لل بالل.«3 »عذاب أليم

و تقريب االستدالل بها: أن بعض المنافقين المؤذين للنبي صلى الله عليه و آله بذمه و قول السوء فيه لما خوف من وصول ذلك له صلى الله عليه و آله قال: إنه أذن يقبل كل ما يسمع و يصدق كل ما يقال له، فإذا أنكرنا و حلفنا صدقنا، فنزلت

اآلية ورد الله تعالى عليهم بأن تصديقه لكم ليس حقيقيا، بل صوريا، و هو خير لكم، إذ لواله ألوقع بكم و عاقبكم، و ليس إيمانه الحقيقي إال بالله تعالى، و للمؤمنين،

فهم الذين يصدقهم حقيقة، دونكم. فيدل ذلك على رجحان تصديق المؤمنين وحسن االعتماد على خبرهم و حجيته.

______________________________.11- 10( سورة الطالق اآلية: 1 ).13، 2 من أبواب صفات القاضي حديث: 7 باب: 18( الوسائل ج: 2 ).61( سورة التوبة اآلية: 3 )

118، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و يؤمنو أما ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره و أطال فيه من حمل قوله

على التصديق الصوري و إظهار القبول من دون تصديق حقيقي، تأكيداللمؤمنين الذي ال يراد به التصديق الحقيقي، بلحاظ كون أذن خير لكملما تضمنه قوله تعالى:

المخاطب به المنافقين الذين يعلم عدم تصديق النبي صلى الله عليه و آله لهمحقيقة.

فهو بعيد عن ظاهر اآلية جدا، لظهور سياقها في مدح المؤمنين بتصديقه صلى الله عليه و آله لهم، الملزم بإرادة المؤمنين الحقيقيين، ال ما يعم المنافقين. بل إطالق

عنوان المؤمن على ما يعم المنافق في مثل هذه اآلية، الواردة لذم المنافقين، بعيد جدا، و ال يناسب ذيلها المفصل بين المؤمنين و المؤذين لرسول الله صلى الله عليه

و آله في الرحمة و العذاب. و مثله دعوى: أن اختالف تعدية فعل اإليمانحيث عدي لله تعالى بالباء و للمؤمنين

بالالمقرينة على إرادة التصديق الصوري في اإليمان للمؤمنين. لما قيل من أناختالف التعدية للفرق بين إيمان التصديق و إيمان األمان.

Page 66: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الندفاعها بعدم تبادر ذلك في الالم، بل الظاهر منها التصديق الحقيقي، كما في قولهه عهد إلينا أال نؤمن لرسول، و قوله:«1 » أ فتطمعون أن يؤمنوا لكمتعالى: إن الل

ى يأتينا بقربان بعك األرذلون، و قوله عز اسمه:«2 »حت ،«3 » قالوا أ نؤمن لك و اتو غير ذلك مما هو كثير جدا.

و اختالف التعدية إما ألن المراد باإليمان به تعالى هو اإليمان بوجوده و وحدانيتهكماهو ظاهر اآلية في نفسهاأو اإليمان بقوله، كما هو ظاهر

______________________________.75( سورة البقرة اآلية: 1 ).183( سورة آل عمران اآلية: 2 ).111( سورة الشعراء اآلية: 3 )

119، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جصحيح حريز الشاهد لما نحن فيه أيضا من أن اإليمان للمؤمنين بتصديقهم.

فقد روى حريز أن إسماعيل بن اإلمام الصادق عليه السالم دفع إلى رجل من قريش بلغه أنه يشرب الخمر ماال ليشتري له به بضاعة، فأكل الرجل المال، فدعا

إسماعيل في الطواف باألجر و الخلف، قال حريز: »فلحقه أبو عبد الله عليه السالم فهمزه بيده من خلفه و قال له: يا بني فال و الله مالك على الله هذا، و ال لك أن

يأجرك و ال يخلف عليك و قد بلغك أنه يشرب الخمر فائتمنته. فقال إسماعيل: يا أبت إني لم أره يشرب الخمر، إنما سمعت الناس يقولون. فقال: يا بني إن الله

ه و يؤمن للمؤمنينعز و جل يقول في كتابه: يقول: يصدق الله و يصدق يؤمن بالل ،«1 »للمؤمنين. فإذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم، و ال تأتمن شارب الخمر ...«

.«2 »و قريب منه مرسلة العياشي و حملهما على التصديق الصوري بعيد جدا، و ال سيما مع تطبيق اإلمام عليه السالم شارب الخمر على الرجل المذكور. بل ال مجال له في حديث عمر ابن يزيد: »قلت ألبي عبد الله عليه السالم: أ رأيت من لم يقر بأنكم في ليلة القدر كما ذكرت و لم

يجحده. قال: أما إذا قامت عليه الحجة ممن يثق به في علمنا فلم يثق به فهو كافر، و أما من لم يسمع ذلك فهو في عذر حتى يسمع، ثم قال أبو عبد الله عليه السالم:

.«3 »يؤمن بالله و يؤمن للمؤمنين« هذا و لو تم ما ذكرنا فال إطالق لآلية الشريفة يقتضي عموم تصديق المؤمنين، لعدم ورودها في مقام بيان لزوم تصديقهم، بل في مقام بيان أن تصديقه صلى الله عليه

و آله لهم دون المنافقين، مدحا لهم بذلك و ردعا للمنافق المذكور من دون أنينافي اعتبار بعض األمور في تصديقهم.

______________________________.1 من أبواب الوديعة حديث: 6 باب: 13( الوسائل ج: 1 ) من تفسير سورة براءة.83 حديث: 95 ص: 2( تفسير العياشي ج: 2 ).19 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2 باب: 1( الوسائل ج: 3 )

120، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج نعم قد يستفاد ورودها للعموم بضميمة صحيح حريز، لتعقيب االستدالل بها ببيان الكبرى العامة. و لكن مقتضى حديث عمر بن يزيد انصرافها إلى الثقة، و ال يبعد

Page 67: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

انصراف صحيح حريز إليه أيضا. إال أن ذلك كله خروج عن االستدالل بالكتاب إلىاالستدالل بالسنة.

هذا تمام ما عثرنا عليه من اآليات التي استدل بها في المقام. و قد ظهر عدمنهوض ما عدا األخيرة منها بالمدعى.

الثاني من األدلة التي استدل بها لحجية الخبر: السنة،و هي على طوائف ..

الطائفة األولى: ما ورد في الخبرين المتعارضين، »و قد روي منها في الوسائل سبع عشرة رواية فيها الصحيح و الموثق و غيرهما

، و في مستدرك الوسائل خمس روايات منها ما هو تكرار لما في الوسائل«1.«2 »لمجرد اختالف السند

و هي و إن اختلفت في الحكم بالتخيير و الترجيح و التوقف إال أن ظاهرها المفروغية عن قبول الرواية لو ال التعارض. و يبعد حملها على خصوص ما يقطع

بصدوره، لندرة التعارض معه. بل لو قطع بدوا بصدور الرواية، إال أن االلتفات لوجود المعارض لها يستلزم غالبا زوال القطع، خصوصا مع التنبيه في بعضها على كون

الراويين ثقتين، حيث يقوى معه ظهورها في أن المقتضي للعمل هو الوثوق بالراوي. مع أن اشتمال بعضها على المرجحات السندية- كاألوثقيةمانع من حملها

على صورة العلم، إذ ال موضوع للترجيح بها معه.الطائفة الثانية: ما تضمن األمر بالعمل بالحديث،

كصحيح حريز______________________________

،11، 9، 8، 6، 5، 1 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 1 )21 ،29 ،30 ،31 ،34 ،36 ،40 ،41 ،42 ،43 ،48. ،10، 8، 2، 1 من أبواب صفات القاضي حديث: 9( مستدرك الوسائل باب: 2 )

11.121، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و مرسلة العياشي عنه و حديث عمر بن يزيد المتقدمة عند الكالم في آية اإليذاء، و ما عن العدة عن الصادق عليه السالم: »قال: إذا نزلت بكم حادثة ال تعلمون حكمها

.«1 »فيما ورد عنا فانظروا إلى ما رووه عن علي عليه السالم فاعملوا به« لظهوره في المفروغية عن العمل بما ورد عنهم عليهم السالم. نعم ال إطالق في ذلك، و إنما سبق عند الكالم في آية اإليذاء تمامية اإلطالق في حديث حريز، معقرب حمله على صورة الوثاقة، كما هو الحال في حديث عمر بن يزيد. فراجع.

الطائفة الثالثة: ما تضمن اإلرجاع للشيعة، أو للعلماء و الرواة و لكتبهم. كقول اإلمام الكاظم عليه السالم في كتابه لعلي بن سويد: »و أما ما ذكرت يا علي

ممن تأخذ معالم دينك. ال تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا، فإنك إن تعديتهم.«2 »أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله و رسوله و خانوا أماناتهم ...«

و في كتاب اإلمام الهادي عليه السالم ال بني ماهويه: »فاصمدا في دينكما على كل »مسن في حبنا، و كل كثير القدم في أمرنا، فإنهما كافوكما إن شاء الله تعالى«

3».

Page 68: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و دعوى: اختصاصهما بالفتوى. ممنوعة، ألن معالم الدين في األول تشمل الرواياتأو تختص بها. كما أن الثاني شامل بإطالقه ألخذ الحديث. فتأمل.

و أوضح منهما في ذلك ما تضمن جواز الرجوع للكتب، كموثق عبيد بن زرارة: »قال.«4 »لي أبو عبد الله عليه السالم: احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها«

و خبر المفضل بن عمر: »قال لي أبو عبد الله عليه السالم: اكتب و بث علمك في______________________________

.47 من أبواب صفات القاضي حديث: 8 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).45، 42 من أبواب صفات القاضي حديث: 11 باب: 18( الوسائل ج: 3 و 2 ).17 من أبواب صفات القاضي حديث: 8 باب: 18( الوسائل ج: 4 )

122، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج إخوانك، فإن مت فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج ال يأنسون فيه

فإنهما كالصريحين في النظر إلى زمان الغيبة و نحوه مما تنقطع«1 »إال بكتبهم« فيه طرق العلم و ينحصر األمر بالكتب. و حملهما على إرادة الرجوع إليها في

خصوص ما يورث العلم بعيد جدا عن الواقع الخارجي، ضرورة قلة المتواترات فيالكتب و انقطاع القرائن القطعية المحتفة بأخبار اآلحاد بتقادم الزمان.

و مثلهما في ذلك حديث محمد بن الحسن بن أبي خالد، بل حسنه: »قلت ألبي جعفر عليه السالم: جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر و أبي

عبد الله عليهما السالم، و كانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم ترو عنهم، فلما.«2 »ماتوا صارت تلك الكتب إلينا. فقال حدثوا بها فإنها حق«

فإنه لو ال المفروغية عن حجية ما يرويه المشايخ في مقام العمل لم يحتج إلى االستئذان من اإلمام عليه السالم في رواية الكتب المذكورة، إذ روايتها لمجرد

إثبات الرواية و حفظها، لتكون بعض السبب الموجب للعلم ال يحتاج إلى االستئذان المذكور. بل ال يبعد أن يكون قوله عليه السالم: »فإنها حق« أنها كتبهم ال تحتاج نسبتها لهم إلى أن تروى عنهم، ال أن ما تضمنته حق واقعا، ليكون شهادته عليه

السالم بحقيقة ما في الكتب المذكورة قرينة قطعية على صدور مضمونها، لتخرجعن محل الكالم.

و لعل مثلها في ذلك ما عن الحسين بن روح و قد سئل عن كتب الشلمغاني بعد ما خرج التوقيع بلعنه: »أقول فيها ما قال أبو محمد الحسن بن علي »صلوات الله عليهما« و قد سئل عن كتب بني فضال، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم و بيوتنا منها

مالء؟ فقال صلوات الله عليه: خذوا بما رووا و ذروا ما______________________________

.27، 18 من أبواب صفات القاضي حديث: 8 باب: 18( الوسائل ج: 2 و 1 )123، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

حيث ال يبعد عدم كون األمر باألخذ بروايات المذكورين شهادة بصحتها،«1 »رأوا« بل لبيان عدم مانعية مخالفتهم للحق في أصول الدين من قبول رواياتهم مع

وثاقتهم في أنفسهم، ألن ذلك هو المناسب للسؤال، و هو الجهة المشتركة عرفا بين كتب بني فضال و كتب الشلمغاني المصححة لتعدي الحسين بن روح »رضي

الله عنه« عن مورد كالم اإلمام عليه السالم، بخالف العلم بإصابتها للواقع، فإنه جهةخفية ال خصوصية فيها لكتب بني فضال.

Page 69: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

نعم ال مجال لالستدالل بما تضمن من الروايات الكثيرة اإلرجاع أو التصحيح أو ، و كتاب«3 »، و كتاب سليم«2 »التقرير لكتاب يوم و ليلة ليونس بن عبد الرحمن

، و«5 »، و كتاب ظريف في الديات«4 »الفرائض عن أمير المؤمنين عليه السالم و غيرها.«7 » و الفضل بن شاذان«6 »كتاب عبيد الله بن علي الحلبي

ألن تصحيحهم عليهم السالم للكتاب شهادة منهم بصحة ما فيه، و هي قرينة قطعيةمخرجة له عن محل الكالم، و هو الخبر غير العملي.

»و مثله ما تضمن اإلرجاع لبعض الرواة و الفقهاء أو النهي عن رد حديثهم، كزرارة » و الحارث بن المغيرة النضري«10 » و أبي بصير«9 » و محمد بن مسلم«8

«14 » و يونس بن عبد الرحمن«13 » و زكريا بن آدم«12 » و أبان بن تغلب«11 . الحتمال خصوصية أولئك النفر عندهم عليهم السالم و«15 »و العمري و ابنه

اطالعهم على عدم مخالفة خبرهم للواقع أو ندرته، بنحو يمتازون به عن غيرهم منالرواة.

______________________________ طبع النجف األشرف. و ذكر في الوسائل239( كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 1 )

11. و باب: 79 من أبواب صفات القاضي حديث: 8 ذيل الحديث في باب: 18ج: .13من األبواب المذكورة حديث:

من أبواب صفات القاضي حديث:8 باب: 18( الوسائل ج: 7- 6- 5- 4- 3- 2 )74 ،75 ،76 ،80 ،78 ،31 ،32 ،81 ،77. من أبواب صفات القاضي حديث:11 باب: 18( الوسائل ج: 12- 11- 10- 9- 8 )

17 ،19 .23 ،15 ،24 ،8 ،30 ،27 ،33 ،34. ،4، 35 من أبواب صفات القاضي حديث: 11 باب: 18( الوسائل ج: 15- 14- 13 )9.

124، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و مجرد التعبير منهم عليهم السالم عن أولئك بأنهم ثقات أو السؤال منهم عليهم

السالم عن وثاقتهم ألجل العمل بروايتهم، ال يشهد بعموم حجية خبر الثقة، ألن الوثاقة من األمور اإلضافية التي تختلف باختالف األشخاص، و مفاد هذه الروايات

حجية خبر من هو ثقة عند األئمة عليهم السالم بضوابطهم الدقيقة، و المطلوب حجية خبر من هو ثقة عند المكلف و عامة الناس بضوابطهم العامة. و لذا كانت هذه الروايات شهادات رافعة لألشخاص المذكورين إلى مراتب عالية في الجاللة

تقرب من العصمة في التبليغ، و ليست كشهادة سائر الناس للرجل بالوثاقة. و منه يظهر عدم صحة االستشهاد بما في التوقيع الشريف: »فإنه ال عذر ألحد من موالينا في التشكيك فما يرويه عنا ثقاتنا، قد عرفوا بأنا نفاوضهم سرنا و نحملهم

و مثله ما في تفسير اإلمام العسكري عليه السالم في بيان«1 »إياه إليهم« المتمسك بالقرآن: »هو الذي يأخذ القرآن و تأويله عنا أهل البيت و عن وسائطنا

لعدم وضوح كون المراد بالسفراء جميع الرواة من«2 »السفراء عنا إلى شيعتنا« الشيعة أو الثقات منهم، بل لعلهم خصوص المنصوبين من قبلهم عليهم السالم من

ثقاتهم و خواصهم. نعم ما تضمن اإلرجاع للثقة ظاهر في إيكال تشخيصه للمكلف بالضوابط العرفية

العامة، كما هو الحال في بعض نصوص الطائفة األولى.

Page 70: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

»الطائفة الرابعة«: ما يدل بنفسه على المفروغية عن حجية خبر الواحد فيالجملة،

مثل معتبر الفضل بن شاذان المتقدم عند الكالم في آية النفر. و نحوه معتبر عبد المؤمن األنصاري عن الصادق عليه السالم في تفسير قول النبي صلى الله عليه و

آله: فلو ال نفر »اختالف أمتي رحمة« قال عليه السالم: »إنما أراد قول الله عز و جل:

من كل______________________________

.40 من أبواب صفات القاضي حديث: 11 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).8 من أبواب صفات القاضي حديث: 5 باب: 18( الوسائل ج: 2 )

125، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج فأمرهم أن ينفروا إلى رسول الله صلى الله عليه و آلهفرقة منهم طائفة ...

فيتعلموا ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلموهم، إنما أراد اختالفهم من البلدان، ال اختالفا ، و ما عن روضة الواعظين للفتال عن النبي صلى الله عليه«1 »في دين الله ...«

و آله: »من تعلم بابا من العلم ]عمل به أو لم يعمل[ عمن يثق به كان أفضل من.«2 »أن يصلي ألف ركعة«

و خبر جميل عن أبي عبد الله عليه السالم: »سمعته يقول: المؤمنون خدم بعضهملبعض. قلت: و كيف يكونون خدما بعضهم لبعض؟ فقال: يفيد بعضهم بعضا ...

.«3 »الحديث« و صحيح يزيد بن عبد الملك عنه عليه السالم: »تزاوروا، فإن في زيارتكم إحياء لقلوبكم، و ذكرا ألحاديثنا، و أحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها

»رشدتم و نجوتم، و إن تركتموها ضللتم و هلكتم، فخذوا بها و أنا بنجاتكم زعيم«4».

و في خطبة رسول الله صلى الله عليه و آله في مسجد الخيف المروية بطرق بعضها معتبر عن أبي عبد الله عليه السالم: »نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها و

حفظها و بلغها من لم يسمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، و رب حامل فقه إلى من.«5 »هو أفقه منه«

هو مرفوعة الكناسي عنه عليه السالم: »في قول الله عز و جل: ق الل و من يت� و يرزقه من حيث ال يحتسب قال: هؤالء قوم من شيعتنا ضعفاءيجعل له مخرجا

ليس عندهم ما يتحملون به إلينا فيسمعون حديثنا و يقتبسون من علمنا، فيرحل قوم فوقهم و ينفقون أموالهم و يتعبون أبدانهم حتى يدخلوا علينا، فيسمعون حديثنا

فينقلوه إليهم، فيعيه هؤالء و يضيعه هؤالء، فأولئك الذين يجعل الله لهم______________________________

.10 من أبواب صفات القاضي حديث: 11 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).22 من أبواب صفات القاضي حديث: 4 باب: 18( الوسائل ج: 2 ) ،43، 38، 37 من أبواب صفات القاضي حديث: 8 باب: 18( الوسائل ج: 5- 4- 3 )

من نفس الباب.44و قريب منه حديث: 126، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

.«1 »مخرجا و يرزقهم من حيث ال يحتسبون«

Page 71: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و حسن عبد السالم الهروي عن الرضا عليه السالم: »قال: رحم الله عبدا من أحيا أمرنا. قلت: كيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا و يعلمها للناس، فإن الناس لو

.«2 »علموا محاسن كالمنا ال تبعونا« و ما عن النبي صلى الله عليه و آله المروي عن الرضا عليه السالم بطرق متعددة أنه قال: »اللهم ارحم خلفائيثالث مراتفقيل له: يا رسول الله و من خلفاؤك؟ قال: »الذين يأتون من بعدي و يروون عني أحاديثي و سنتي فيعلمونها الناس من بعدي«

3».بناء على عدم اختصاصه باألئمة عليهم السالم.

و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السالم قال في حديث: »الراوية.«4 »لحديثنا يشد به ]يسدده في[ قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد«

و خبر حمزة بن حمران: »سمعت أبا عبد الله عليه السالم يقول: من استأكل بعلمه افتقر. قلت: إن في شيعتك قوما يتحملون علومكم و يبثونها في شيعتكم فال

.«5 »يعدمون منهم البر و الصلة و اإلكرام فقال: ليس أولئك بمستأكلين ...« و ما عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السالم في حديث أنه قال للحسن البصري:

تي باركنا»نحن القرى التي بارك الله فيها ... فقال: و جعلنا بينهم و بين القرى ال و القرى الظاهرة الرسل و النقلة عنا إلى شيعتنا و ]فقهاء[ شيعتنافيها قرى� ظاهرة�.«7 » و قريب منه التوقيع الشريف«6 »إلى شيعتنا ...«

و ما في خبر جميل عن الصادق عليه السالم في حديث أنه قال: »يا جميل ارو هذا.«8 »الحديث إلخوانك، فإنه ترغيب في البر«______________________________

.53، 52، 45 من أبواب صفات القاضي حديث: 8 باب: 18( الوسائل ج: 3- 2- 1 ) ،12، 2 من أبواب صفات القاضي حديث: 11 باب: 18( الوسائل ج: 7- 6- 5- 4 )

47 ،46..40 من أبواب صفات القاضي حديث: 8 باب: 18( الوسائل ج: 8 )

127، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج فإن هذه النصوص و إن لم يصرح فيها بحجية الحديث، إال أن ما تضمنته- من

االستفادة بالحديث بسبب النقل و إفادته و تبليغه و تعليمه للناس و تعلمهم له و شد قلوب الشيعة به و نحو ذلكظاهر في المفروغية عن حجيته بسبب النقل و صلوحه

للعمل، و بدون ذلك إنما يكونون عالمين بنقله، ال به، فضال عن أن ينتفعوا به. نعم ال إطالق لها في ذلك. إال أن حملها على خصوص صورة التواتر و نحوه مما

يحصل معه العلم بعيد جدا، و ال سيما بمالحظة الواقع الذي عليه الناس في معيارالعمل بالحديث.

و مثلها ما عن تفسير اإلمام العسكري عليه السالم من قول الصادق عليه السالم: »و كذلك عوامنا إذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر، و العصبية الشديدة، و

التكالب على الدنيا و حرامها، فمن قلد مثل هؤالء فهو مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة علمائهم، فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه،

مخالفا على هواه، مطيعا ألمر مواله، فللعوام أن يقلدوه، و ذلك ال يكون إال بعض فقهاء الشيعة ال كلهم، فإن من ركب من القبائح و الفواحش مراكب علماء العامة، فال تقبلوا منهم عنا شيئا، و ال كرامة، و إنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت

Page 72: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

لذلك، ألن الفسقة يتحملون عنا، فيحرفونه بأسره لجهلهم، و يضعون األشياء على.«1 »غير وجهها لقلة معرفتهم، و آخرون يتعمدون الكذب علينا«

فإنه و إن كان واردا في التقليد إال أن ذيله بضميمة المناسبات االرتكازية تقتضيعمومه للرواية.

و كذا ما تضمن الحث على أخذ الحديث عن صادق كقوله عليه السالم: »لحديث______________________________

.20 من أبواب صفات القاضي حديث: 10 باب: 18( الوسائل ج: 1 )128، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بناء على أن المراد«1 »واحد تأخذه عن صادق خير لك من الدنيا و ما فيها« بالصادق الثقة. أما لو كان المراد به الصادق الواقعي المعلوم الصدق، و هم األئمة

عليهم السالمكما هو غير بعيدفهو خارج عن محل الكالم.الطائفة الخامسة: ما قد يستفاد من مجموعها حجية الخبر،

و إن كان في داللة كل واحد منها على ذلك نظر. كالمستفيض، بل المتواتر فإنه و«2 »المتضمن أنه من حفظ أربعين حديثا بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما

إن أمكن حمله على الحفظ ألجل تكثير طرق الرواية ليحصل العلم بصدورها ال لحجيتها في نفسها، إال أنه يبعد بلحاظ احتياج التواتر لشروط خاصة يصعب

المحافظة عليها، فلو توقف االنتفاع بالرواية على حصول العلم بها قلت فائدة الحفظ، و هو خالف المنساق من هذه الروايات، خصوصا المروي بطرق متعددة

عنه صلى الله عليه و آله: »من حفظ من أمتي أربعين حديثا ينتفعون بها بعثه الله ، و اآلخر: »من حفظ من أمتي أربعين حديثا مما«3 »يوم القيامة فقيها عالما«

ألن المنساق منهما كون تحمل الرواية و«4 »يحتاجون إليه من أمر دينهم بعثه ...«بيانها كافيا في حصول االنتفاع و سد الحاجة.

و من ثم ال يبعد اختصاصهما بما إذا كان الحافظ واجدا لشروط الحجية من الثقة والعدالة و غيرها.

و من هذه الطائفة ما تضمن األمر بكتابة الحديث و روايته و مذاكرته______________________________

، و قريب منه67 من أبواب صفات القاضي حديث: 8 باب: 18( الوسائل ج: 1 ) من نفس الباب.70، 69، 68حديث:

،58، 54، 48، 6، 5 من أبواب صفات القاضي حديث: 8 باب: 18( الوسائل ج: 2 )59 ،60 ،61 ،62 ،64 ،71 ،72..72، 54 من أبواب صفات القاضي حديث: 8 باب: 18( الوسائل ج: 3 ).60 من أبواب صفات القاضي حديث: 8 باب: 18( الوسائل ج: 4 )

129، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و مدارسته، و منه قولهم عليهم السالم: »اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم

.«1 »عنا« «2 »و ما ورد من الترخيص في النقل بالمعنى و التحذير من الكذابين، و نحو ذلك

حيث يشعر بحجية الخبر و إن لم يفد العلم، و إال لقلت الفائدة في ذلك، كما نبه لهشيخنا األعظم قدس سره.

Page 73: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و هذه الطائفة إن لم تنهض باالستدالل تصلح للتأييد، و يكون االستدالل بالطوائفاألربع األول. و استيعابها يورث القطع بحجية الخبر في الجملة، لتواترها إجماال.

الثالث من األدلة التي استدل بها على حجية الخبر: اإلجماع.و المراد به ... تارة: اإلجماع القولي الراجع إلى تصريح العلماء بحجية الخبر.

و أخرى: اإلجماع العملي الراجع إلى االتفاق في مقام العمل على الرجوع للخبر منأجل العمل بمضمونه.

أما األول فال مجال لدعواه، لعدم ثبوته تحصيال و ال نقال، حيث لم ينقل التصريح بالحجية إال عن الشيخ و بعض من تأخر عنه ممن تعرض للمسائل األصولية، و هم

قليلون ال يكشف اتفاقهم عن الحكم الشرعي. و أما الباقون فلم يهتموا بتحرير المسائل األصولية، بل صرح بعض من حررها بعدم

الحجية، كالمرتضى قدس سره و غيره ممن تقدم، بل بامتناعها، كابن قبة.فالعمدة الوجه الثاني، و هو اإلجماع العملي.

و تقريبه بأحد وجوه ...األول: إجماع العلماء على العمل به في مقام الفتوى و االستنباط.

______________________________.7 من أبواب صفات القاضي حديث: 8 باب: 18( الوسائل ج: 1 ) من أبواب صفات القاضي و غيرها.8 باب: 18( راجع الوسائل ج: 2 )

130، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالثاني: إجماع المسلمين بما هم مسلمون متدينون على العمل به في الشرعيات.

الثالث: إجماع العقالء بما هم عقالء على العمل به في أمورهم العامة. و الفرق بين هذا الوجه و ما قبله أن هذا الوجه يسقط عن الحجية بثبوت الردع عنه

من الشارع، بخالف الوجهين األولين فإنهما ال ينهضان بالحجية إال مع إحرازمطابقتهما لرأي المعصوم، و معه ال يعقل ثبوت الردع عن مؤداهما.

و يترتب على ذلك أنه لو ورد ما ظاهره الردع كان محكوما بالوجهين األولين لو تما، المتناع حجية الظهور مع القطع بكذبه، و حاكما على الوجه الثالث لو انحصر الدليل

به، لحجية الظهور و صلوحه للردع عن الوجه المذكور، فيسقط عن الحجية.أما الوجه األول: ]أي إجماع العلماء على العمل به في مقام الفتوى و االستنباط.[

فيمكن تحصيله بتتبع طريقة العلماء في مقام االستدالل من زماننا إلى زمان الشيخين، بل من قبلهما من أرباب الفتاوى، سواء كانوا في مقام تحرير الفتاوى، أو االستدالل عليها، أم في مقام بيانها بطريق إيداع الرواية، كما هو حال مثل الكليني في الكافي و الصدوق في الفقيه. فإنهم متسالمون على االستدالل بأخبار اآلحاد و

الفتوى في فروع كثيرة ليس فيها إال خبر واحد ال يوجب العلم. على ذلك جرىعامتهم ال ينكرونه و ال يتوقفون فيه.

و إن أنكر بعض من يدعي عدم حجية الخبر ذلك في بعض الفروع جرى عليه فيبقيتها و أغفل مبناه. و إال اختل نظام الفقه و االستدالل.

و يقطع بأنهم قد جروا في ذلك على سنن من كان قبلهم من معاصري األئمة عليهم السالم و أصحابهم، بنحو يقطع معه بإقرارهم عليهم السالم لهم على ذلك، المتناع االبتداع عادة و الخروج عن طريقة عامة العلماء في مثل ذلك، لتعذر االتفاق عليه

دفعة واحدة في عصر واحد عادة. و انفراد البعض به في بعض العصورثم

Page 74: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

131، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج شيوع طريقته بين المتأخرين عنهمثار لإلنكار و التشنيع من معاصريه و أتباعهم. و

لو كان لوصل، ألهميته، و توفر الدواعي لنقله. و أما احتمال ابتناء عمل القدماء باألخبار على احتفافها بالقرائن القطعية، ال على حجيتها في أنفسها، و قد اشتبه ذلك على المتأخرين عنهم، فتوهموا اتفاقهم على

حجيتها، و عملوا بها لذلك بعد خفاء القرائن عليهم. فال مجال له، ألن تحري القرائن القطعية في جميع الفروع الفقهية و ضبطها محتاج إلى عناية خاصة لو كان بناء

القدماء عليها لما خفي على المتأخرين مع تقارب العصور و اتصال بعضهم ببعض وأخذ كل منهم عمن تقدمه.

و اإلنصاف أن مالحظة ذلك توجب وضوح الحال بنحو يغني عن تجشم االستدالل وتكلف البحث و النظر.

هذا و قد صرح باإلجماع بالوجه المذكور جمع من األصحاب. ]كلمات مدعي اإلجماع على العمل بالخبر[

منهم: الشيخ قدس سره في العدة. قال في مقام االستدالل على مختاره من حجية الخبر: »و الذي يدل على ذلك

إجماع الفرقة المحقة، فإني وجدتها مجمعة على العمل بهذه األخبار التي رووها في تصانيفهم و دونوها في أصولهم ال يتناكرون ذلك و ال يتدافعونه، حتى أن واحدا منهم إذا أفتى بشيء ال يعرفونه سألوه من أين قلت هذا؟ فإذا أحالهم على كتاب معروف

أو أصل مشهور و كان راويه ثقة ال ينكر حديثه، سكتوا و سلموا األمر في ذلك و قبلوا قوله. و هذه عادتهم و سجيتهم من عهد النبي صلى الله عليه و آله و من بعده

من األئمة عليهم السالم، و من زمن الصادق جعفر بن محمد عليه السالم الذي انتشر العلم عنه و كثرت الرواية من جهته. فلو ال أن العمل بهذه األخبار كان جائزا

لما أجمعوا على ذلك و ألنكروه، ألن إجماعهم فيه معصوم ال يجوز عليه الغلط و.«1 »السهو«

______________________________.127- 126 ص: 1( العدة ج: 1 )

132، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج ثم أطال في تعقيب ذلك إلى أن قال: »ما أنكرتم أن يكون الذين أشرتم إليهم لم

يعملوا بهذه األخبار لمجردها، بل إنما عملوا بها لقرائن اقترنت بها دلتهم على صحتها، ]و[ ألجلها عملوا بها ... قيل له: القرائن التي تقترن بالخبر و تدل على

صحته أشياء مخصوصةنذكرها فيما بعدمن الكتاب و السنة و اإلجماع و التواتر، و نحن نعلم أنه ليس في جميع المسائل التي استعملوا فيها أخبار اآلحاد ذلك، ألنها

أكثر من أن تحصى، موجودة في كتبهم و تصانيفهم و فتاواهم، ألنه ليس في جميعها يمكن االستدالل بالقرآن، لعدم ذكر ذلك في صريحه و فحواه، أو دليله و معناه، و ال في السنة المتواترة، لعدم ذلك في أكثر األحكام، بل لوجودها في مسائل معدودة،

و ال في اإلجماع لوجود االختالف في ذلك، فعلم أن ادعاء القرائن في جميع هذه المسائل دعوى محالة. و من ادعى القرائن في جميع ما ذكرناه كان السبر بيننا و

بينه، بل كان معوال على ما يعلم ضرورة خالفه ... و من قال عند ذلك إني متى عدمت شيئا من القرائن حكمت بما كان يقتضيه العقل، يلزمه أن يترك أكثر األخبار

Page 75: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و أكثر األحكام، و ال يحكم فيها بشيء ورد الشرع به، و هذا حد يرغب أهل العلم عنه، و من صار إليه ال يحسن مكالمته، ألنه يكون معوال على ما يعلم من الشرع

.«1 »خالفه«و منهم: السيد رضي الدين بن طاوس قدس سره

ففي محكي كالمه الذي رد به على السيد قدس سره: »ال يكاد تعجبي ينقضي كيف اشتبه عليه أن الشيعة ]ال[ يعمل بأخبار اآلحاد في األمور الشرعية، و من اطلع على

التواريخ و األخبار و شاهد عمل ذوي االعتبار وجد المسلمين و المرتضى و علماء الشيعة الماضين عاملين بأخبار اآلحاد، بغير شبهة عند العارفين، كما ذكر ذلك محمد بن الحسن الطوسي في كتاب العدة و غيره من المشغولين بتصفح أخبار الشيعة و

غيرهم من______________________________

.136- 135 ص: 1( العدة ج: 1 )133، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المصنفين«.و منهم: العالمة قدس سره

ففي محكي النهاية: »إن األخباريين منهم لم يعولوا في أصول الدين و فروعه إال على أخبار اآلحاد، و األصوليون منهمكأبي جعفر الطوسيعمل بها. و لم ينكره سوى

المرتضى و أتباعه لشبهة حصلت لهم«.و منهم: المجلسي

حيث ادعىكما عن بعض رسائلهتواتر األخبار و عمل الشيعة في جميع األعصار علىالعمل بخبر الواحد.

بل قد يظهر من السيد المرتضى قدس سره االعتراف بعمل األصحاب بخبر الواحد،و أنه ال يعول عليه، ألنه من األمور المشتبهة. فعن محكي الموصليات:

»إن قيل: أ ليس شيوخ هذه الطائفة عولوا في كتبهم في األحكام الشرعية على األخبار التي رووها عن ثقاتهم، و جعلوها العمدة و الحجة في األحكام، حتى رووا

عن أئمتهم عليهم السالم فيما يجيء مختلفا من األخبار عند عدم الترجيح أن يؤخذ منه ما هو أبعد من قول العامة. و هذا يناقض ما قدمتموه. قلنا: ليس ينبغي أن

يرجع عن األمور المعلومة المشهورة المقطوع عليها إلى ما هو مشتبه و ملتبس و مجمل، و قد علم كل موافق و مخالف أن الشيعة اإلمامية تبطل القياس في

الشريعة حيث ال يؤدي إلى العلم. و كذلك نقول في أخبار اآلحاد«. و يؤيد ذلك ما عن ابن ادريس في تقريب اإلجماع على المضايقة أنه قال: »إن ابني

بابويه و األشعريينكسعد بن عبد الله و سعيد بن سعد و محمد بن علي بن محبوبو القميين أجمعكعلي بن إبراهيم و محمد بن الحسن بن الوليدعاملون باألخبار

المتضمنة للمضايقة، ألنهم ذكروا أنه ال يحل رد الخبر الموثوق بروايته«. فإن اتفاق من ذكر، مع معاصرة بعضهم لألئمة عليهم السالم، و جاللتهم و رفعة مقامهم،

يناسب االتفاق المدعى في كالم من سبق. بل عن المجلسي قدس سره أن عملأصحاب األئمة عليهم السالم بالخبر غير العلمي متواتر بالمعنى.

134، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جو يشهد بثبوت اإلجماع المذكور أمور:

Page 76: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

منها: تصدي األصحاب قديما و حديثا للجرح و التعديل و تمييز من تقبل روايته منغيره،

و تعبيرهم عن بعض الرواة بأنه مسكون إلى روايته، أو أنه مقبول الرواية أو صحيح الحديث، أو ال يعمل بما ينفرد به، و تصريحهم بتصحيح ما يصح عن جماعة، و قبول مراسيل بعض الرواة معلال بأنه ال يرسل و ال يروي إال عن ثقة، و استثناؤهم بعض الرجال من بعض الكتب أو في بعض الطرق، لخصوصية توجب الريب في روايته المستثناة. إذ ال موضوع لذلك و ال فائدة فيه لو لم يكن العمل بالخبر غير العلمي

ثابتا عندهم، كما نبه لذلك الشيخ قدس سره في تتمة كالمه السابق.و منها: نقلهم عن بعض الرجال أنه يعتمد المراسيل أو يروي عن الضعفاء،

حيث قد يظهر منه أن نكتة التنبيه لذلك لزوم الحذر من روايته مع المفروغية عن قبول رواية من ال يكون كذلك. بل ال ريب في سوق ذلك في كلماتهم لتمييزه عن

بقية األصحاب بنحو يظهر في مفروغية األصحاب عن العمل بالمسانيد المروية عنالثقات.

و منها: تصريح جمع من قدماء األصحاب و متأخريهم بما يظهر منه المفروغية والتسالم على العمل بخبر الواحد في الجملة.

فقد قال الصدوق قدس سره في ذيل أخبار سهو النبي صلى الله عليه و آله من الفقيه: »و لو جاز أن ترد األخبار الواردة في هذا الباب لجاز أن ترد جميع األخبار، و

في ردها إبطال للدين و الشريعة«. و قال المحقق في المعتبر في مسألة خبر الواحد: »أفرط الحشوية في العمل بخبر

الواحد حتى انقادوا لكل خبر ... و اقتصر بعض عن هذا اإلفراط فقال: كل سليم السند يعمل به، و ما علم أن الكاذب[ الصادق. ظ ]قد يلصق و الفاسق قد يصدق، و لم يتنبه أن ذلك طعن في علماء الشيعة، و قدح في المذهب، إذ ال مصنف إال و

هو يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر الواحد135، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

العدل ...«. و عن المفيد الثانيابن الشيخ الطوسيو الشهيد في الذكرى: أن األصحاب قد عملوا بشرائع الشيخ أبي الحسن علي بن بابويه عند إعواز النصوص. حيث ال وجه له إال

تنزيل فتاواه منزلة رواياته، ألن فتاواه مضامين نصوص ... إلى غير ذلك مما يجده الباحث المتتبع شاهدا بوضوح الحكم بين األصحاب و تسالمهم عليه. و قد أطال في

ذلك شيخنا األعظم »قدس الله تعالى سره و شكر سعيه«. و من جميع ذلك يظهر وهن اإلجماع الذي ادعاه السيد المرتضى قدس سره على

المنع من العمل بخبر الواحد. فال بد إما من تنزيله على أخبار المخالفين، كما يناسبه ذكره لذلك في تعقيب حديث عدم توريث األنبياء، و يكون قد اعتمده لدفع الخصوم تهربا من طعن روايتهم بضعف الراوي، كما يظهر ذلك من الشيخ قدس سره، حيث قال في العدة: »فإن قيل: أ ليس شيوخكم ال تزال يناظرون خصومهم في أن خبر

الواحد ال يعمل به و يدفعونهم عن صحة ذلك؟ ... قيل له: من أشرت إليهم من المنكرين ألخبار اآلحاد إنما كلموا من خالفهم في االعتقاد، و دفعوهم عن وجوب العمل بما يروونه من األخبار المتضمنة لألحكام الذين يروونهم

Page 77: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

خالفها، و ذلك صحيح على ما قدمنا. و لم نجدهم اختلفوا فيما بينهم و أنكر بعضهم.«1 »على بعض العمل بما يروونه ...«

أو يكون مراده بالعلم ما يعم الوثوق، بناء على ما حكي عنه من تعريفه بأنه ما يوجب سكون النفس، أو غير ذلك مما يمكن به توجيه كالمه و إن كان على خالف

ظاهره، و إال فمن البعيد جدا خفاء عمل األصحاب بالخبر عليه.______________________________

.128 ص: 1( العدة ج: 1 )136، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و أما الوجه الثاني:- و هو سيرة المتشرعة على العمل بالخبر غير العلمي - فهو مما ال يظن بأحد إنكاره، إذ لواله الختل نظامهم في أمور معاشهم و معادهم،

لعدم تيسر العلم في جميع ما يبتلون به. و تحري طرقه و أسبابه يوجب توقفهم عنالعمل في كثير من الموارد، بل أكثرها، و هو مخل بنظامهم.

و ال مجال الحتمال سلوكهم في الشرعيات طريقا آخر غير نقل أخبار األحكام عناألئمة عليهم السالم في عصورهم عليهم السالم و نقل فتاوى المجتهدين بعد ذلك.

إذ لو كان ذلك لظهر و بان. نعم الظاهر أن عملهم به مستند الرتكازياتهم األولية من دون حاجة لبيان خاص من

الشارع، و إال لظهر، لكثرة الحاجة للسؤال عن ذلك لو ال االرتكازيات المذكورة. فسيرتهم من صغريات سيرة العقالء، و من شواهد إمضائها. و من ثم كانت أولى

باالستدالل منها، لما سبق في أول الكالم في أقسام اإلجماع العملي من عدمنهوض ظهور األدلة في عدم الحجيةلو تم- بمعارضتها.

و أما الوجه الثالث:- و هو سيرة العقالء - فالظاهر عدم اإلشكال في ثبوتها، و حيث كانت السيرة المذكورة ارتكازية فاألصل

حجيتها ما لم يثبت الردع عنها، كما يظهر مما تقدم منا في ذيل الكالم في أصالة عدم حجية غير العلم. بل ذكر غير واحد أن عدم ثبوت الردع في المقام كاشف عن

اإلمضاء، ألن السيرة المذكورة بمرأى من الشارع األقدس و مسمع، فلو لم يكن مقرا لها لردع عنها، كما ردع عن القياس، و لو ردع عنها لوصل الردع إلينا، كما

وصلنا الردع عن القياس، لعموم االبتالء و توفر الدواعي لنقله. بل ال ينبغي اإلشكال في ظهور أكثر األدلة المتقدمةمن اآليات و النصوص و

اإلجماعفي إمضاء السيرة المذكورة، كما تقدم التنبيه له في جملة منها. و إن كانهذا رجوعا عن االستدالل بها إلى االستدالل بتلك األدلة.

137، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج نعم ربما يدعى نهوض العمومات الناهية عن العمل بغير العلم بالردع عن السيرة

المذكورة، حيث ال إشكال في حجية الظهور في العموم كسائر الظهورات و لو ببناء العقالء الذي لم يثبت الردع عنه، بل ثبت عدم الردع عنه و إمضاؤه، كما سبق، و مع

حجيته ينهض بالردع في المقام، فيسقط الخبر عن الحجية في رتبة متأخرة عن العموم. و قد حاول غير واحد المنع من نهوض العمومات بذلك بوجوه ضعيفة قدت

ظهر بالتأمل. و العمدة في ذلك: أن استحكام السيرة على العمل بالخبر موجب للغفلة عن

شمول العمومات له، فال يترتب على العمومات االرتداع، و ال يتأتى بها الغرض، بل

Page 78: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ال بد من ردع خاص رافع للعلة. و الالزم كثرته و تأكيده بالنحو المناسب الستحكام السيرة، بل يتعين كونه أكثر و آكد من الردع عن مثل القياس الذي عرف العمل به

عن جماعة خاصة من العامة، فعدم ورود ذلك و االقتصار على العمومات شاهد بعدم الردع عن السيرة في المقام، بل سبق أنه يستفاد إمضاؤها من جملة من

األدلة المتقدمة. على أنه سبق عند الكالم في أصالة عدم الحجية المنع من تمامية العمومات

المذكورة. و من هنا ال ينبغي اإلشكال في الرجوع للسيرة، بل هي أهم األدلة في المقام، لنهوضها بتحديد ما هو الحجة، بخالف أكثر األدلة األخر، حيث ال إطالق لها

ينهض بذلك، كما تقدم.الرابع من األدلة التي يستدل بها على حجية الخبر: دليل العقل.

و هو من وجوه، بعضها يختص بإثبات حجية خبر الواحد، و بعضها يقتضي حجية الظن مطلقا أو في الجملة، فيدخل فيه الخبر، أو يختص به بضميمة مقدمة خارجية، و هو

كونه متيقن الحجية من بين الظنون.أما القسم الثاني فيأتي الكالم فيه في فصل مستقل إن شاء الله تعالى.

138، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و أما القسم األول فعمدته العلم اإلجمالي بصدور بعض األخبار التي بأيدينا مما اشتمل على أحكام إلزامية، الموجب لتنجز احتمال صدورها، و لزوم موافقتها

خروجا عن العلم اإلجمالي المذكور. و هذا الوجهلو تمال يقتضي العمل باألخبار التي ال تتضمن أحكاما إلزامية. بل حتى ما تضمن األحكام اإللزامية إنما تجب موافقته احتياطا، ال لحجيته شرعا، الذي هو محل

الكالم. و من هنا ال ينبغي إطالة الكالم في هذا الوجه بعد وفاء األدلة المتقدمة بحجية األخبار شرعا في الجملة من دون خصوصية لمضامينها. فالحظ. و منه

سبحانه نستمد العصمة و السداد.المقام الثالث: في تحديد ما هو الحجة من أقسام الخبر

بعد الفراغ عن حجيته في الجملة حسبما استفيد مما تقدم في المقام الثاني.و قد اشتهر بين المتأخرين تقسيم أخبار اآلحاد إلى أربعة أقسام ..

األول: الصحيح، و هو ما كان راويه عدال إماميا.الثاني: الموثق، و هو ما كان راويه ثقة غير إمامي.

الثالث: الحسن، و هو ما كان راويه إماميا ممدوحا، من دون أن يرد فيه قدح و ال نص على العدالة. و الظاهر أنه ال بد من رجوع المدح إلى ما يوجب الوثوق بصدقه

و األمن من كذبه. الرابع: الضعيف، و هو ما عدا األقسام الثالثة السابقة. و يدخل فيه ما كان بعض

رواته مجروحا أو مجهول الحال، إما مع معرفة اسمه، أو بدونها، كما في المرفوع والمرسل.

و مع اختالف رجال سلسلة السند في هذه األمور يلحق الحديث139، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

باألدنى، ألن النتيجة تتبع أخس المقدمات. و يبقى ما رواه إمامي ثقة لم تثبت عدالته، و ما رواه ممدوح غير إمامي، خارجا عن

األقسام السابقة. و الظاهر إلحاق األول بالموثق حكما، و الثاني بالحسن.

Page 79: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

هذا و يظهر مما سبق في المقام الثاني أن عمدة األدلة في المقام هي األخبار واإلجماع.

أما األخبار فحيث لم تكن متواترة لفظا و ال معنى، بل إجماال، يتعين االقتصار على المتيقن من مضمونها. و من القريب جدا حصول اليقين من استيعابها بحجية خبر

الثقة و إن لم يكن عادال، لداللة جملة منها عليه، كخبر الحسن بن الجهم عن الرضا عليه السالم: »قلت: يجيئنا الرجالن و كالهما ثقة بحديثين مختلفين، و ال نعلم أيهما

، و خبر الحارث بن«1 »الحق. قال: فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت« المغيرة عن أبي عبد الله عليه السالم: »قال: إذا سمعت من أصحابك الحديث و

، و ما في«2 »كلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم عليه السالم فترد إليه« حديث عمر بن يزيد المتقدم عند الكالم في آية اإليذاء من قوله عليه السالم: »إذا

، و ما تقدم«3 »قامت عليه الحجة ممن يثق به في علمنا، فلم يثق به، فهو كافر«عند االستدالل بالسنة عن روضة الواعظين من قوله صلى الله عليه و آله:

، و ما عن«4 » »من تعلم بابا من العلم[ عمل به أو لم يعمل ]عن من يثق به ...« اإلمام الكاظم عليه السالم في كتابه لعلي بن سويد: »ال تأخذن معالم دينك عن غير

شيعتنا فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله و رسوله______________________________

.40 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).41 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 2 ).19 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2 باب: 1( الوسائل ج: 3 ).22 من أبواب صفات القاضي حديث: 4 باب: 18( الوسائل ج: 4 )

140، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج ، فإن تعليل عدم القبول من غير الشيعة بخيانتهم ظاهر«1 »و خانوا أماناتهم ...«

، و ما«2 »في كون منشئه عدم الوثوق بهم. و كذلك ما ورد في كتب بني فضال�تقدم في تفسير قوله تعالى: ه يجعل له مخرجا ق الل الظاهر في حجية خبر و من يت

الذي هو غير عادل غالبا. فإن النصوص المذكورة ظاهرة في«3 »المضيع للحديثحجية خبر الثقة و إن لم يكن عدال.

و هي معتضدة بإطالق قوله عليه السالم في صحيح حريز المتقدم عند الكالم في ، حيث«5 »، و نحوه مرسلة«4 »آية اإليذاء: »فإذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم«

يلزم االقتصار في تقييده على المتيقن و هو الوثاقة، دون العدالة التي هي أخص. بل هو المستفاد من جملة من النصوص المتقدمة الظاهرة في المفروغية عن حجية

الخبر و إن لم يكن لها إطالق في ذلك، لظهورها في الجري في الحجية على مقتضى سيرة العقالء االرتكازية، حيث ال إشكال في قبول خبر الثقة بمقتضى

سيرتهم. و من هنا ال ينبغي التأمل في استفادة حجية خبر الثقة من النصوص، و عدم اعتبار

العدالة في الراوي. و أما اإلجماع فقد سبق أن االستدالل به إنما يكون باإلجماع العملي منه الراجع لعمل علماء الشيعة، و سيرة المتشرعة، و سيرة العقالء. و ال ينبغي الريب في

عمل قدماء األصحاب من العلماء بخبر الثقة و إن لم يكن إماميا عادال، كما يظهربأدنى مالحظة لكتب الجرح و التعديل و طريقة أهل الفتوى و االستدالل.

Page 80: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

______________________________.42 من أبواب صفات القاضي حديث: 11 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).79 من أبواب صفات القاضي حديث: 8 باب: 18( الوسائل ج: 2 ).45 من أبواب صفات القاضي حديث: 8 باب: 18( الوسائل ج: 3 ).1 من أبواب الوديعة حديث: 6 باب: 13( الوسائل ج: 4 ) من تفسير سورة براءة.83 حديث: 95 ص: 2( تفسير العياشي ج: 5 )

141، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و كذا خبر الضعيف المحتف بالقرائن الموجبة للوثوق بصدوره و ركون النفس له، مثل أخذه من األصول المعتمدة عند األصحاب، و اعتماد قدمائهم عليه في مقام

الفتوى، و غير ذلك مما يذكر في محله. و قد صرح الشيخ قدس سره بذلك في كتاب العدة في غير موضع من كالمه، قال

في حال ما يرويه المخالف الثقة: »أما إذا كان مخالفا في االعتقاد ألصل المذهب و روى مع ذلك عن األئمة عليهم السالم نظر فيما يرويه، فإن كان هناك من طرق

الموثوق بهم ما يخالفه وجب اطراح خبره ... و إن لم يكن هناك من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك و ال يخالفه و ال يعرف لهم قول فيه وجب أيضا العمل به، لما روي عن الصادق عليه السالم: أنه قال: إذا نزلت بكم حادثة ال تجدون حكمها فيما رووا عنا فانظروا إلى ما رووا عن علي عليه السالم فاعملوا به. و ألجل ما قلناه عملت

الطائفة بما رواه حفص بن غياث، و غياث بن كلوب، و نوح بن دراج، و السكوني، وغيرهم من العامة عن أئمتنا عليهم السالم فيما لم ينكروه و لم يكن عندهم خالفه«.

ثم ذكر نظير ذلك في فرق الشيعة غير االثنى عشرية، و قال: »و ألجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير و غيره و أخبار الواقفة، مثل

سماعة بن مهران و علي بن أبي حمزة و عثمان بن عيسى، و من بعد هؤالء بما رواه بنو فضال و بنو سماعة و الطاطريون و غيرهم فيما لم يكن عندهم فيه

خالفه«. ثم ذكر الغالة و أن أخبارهم ترد في حال تخليطهم، ثم قال: »و كذلك القول فيما

ترويه المتهمون و المضعفون. و إن كان هناك ما يعضد روايتهم و يدل على صحتها وجب العمل به ... فأما من كان مخطئا في بعض األفعال أو فاسقا بأفعال الجوارح

و كان ثقة في روايته متحرزا فيها، فإن ذلك ال يوجب رد خبره ...ألن العدالة في الرواية حاصلة فيه، و إنما الفسق بأفعال الجوارح يمنع من قبول

142، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج شهادته، و ليس بمانع من قبول خبره. و ألجل ذلك قبلت الطائفة أخبار جماعة هذه

صفتهم«. ثم تعرض الختالف األخبار ... إلى أن قال: »و إذا كان أحد الراويين مسندا و اآلخر مرسال نظر في حال المرسل، فإن كان ممن يعلم أنه ال يرسل إال عن ثقة موثوق

به فال ترجيح لخبر غيره على خبره. و ألجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير و صفوان بن يحيى و أحمد بن محمد بن أبي نصر و غيرهم من الثقات

الذين عرفوا بأنهم ال يروون و ال يرسلون إال عن من يوثق به و بين ما أسندهغيرهم، و لذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم.

Page 81: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

]فأما إذا لم يكن كذلك و يكون ممن يرسل عن ثقة و عن غير ثقة، فإنه يقدم خبر غيره عليه[، و إذا انفرد وجب التوقف في خبره إلى أن يدل دليل على وجوب

العمل به. فأما إذا انفردت المراسيل فجوز العمل بها على الشرط ]الوجه. خ. ل[الذي ذكرناه.

و دليلنا على ذلك األدلة التي قدمناها على جواز العمل بأخبار اآلحاد، فإن الطائفة كما عملت بالمسانيد عملت بالمراسيل، فما يطعن في واحد منهما يطعن في

.«1 »اآلخر، و ما أجاز أحدهما أجاز اآلخر، فال فرق بينهما على حال ...« و قال في مقدمة كتاب الفهرست: »فإذا ذكرت كل واحد من المصنفين و أصحاب

األصول فال بد من أن أشير إلى ما قيل فيه من التعديل و التجريح، و هل يعول على روايته أو ال، و أبين اعتقاده، و هل هو موافق للحق أو مخالف له، ألن كثيرا من

مؤلفي أصحابنا ينتحلون المذاهب الفاسدة، و إن كانت كتبهم معتمدة«. و هو صريحفي االعتماد على كتب ذوي المذاهب الفاسدة، و ال وجه

______________________________.155- 151 ص: 1( العدة ج: 1 )

143، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج العتمادهم عليها إال وثاقتهم في أنفسهم، أو احتفافها بما يوجب الوثوق بها، و إال

فمن البعيد احتفافها بما يوجب العلم بصدور جميع ما فيها. كيف؟! و قد صرحنفسهكما تقدم في العدةبعدم تيسر القرائن القطعية.

و قد أطال في خاتمة الوسائل في ذكر القرائن التي تشهد بصحة األخبار الموجودة في الكتب. و الظاهر أنه يريد ما يوجب الوثوق بها، ال العلم التفصيلي بصحة جميع

تلك األخبار. و كيف كان فما ذكره شاهد بتسالم األصحاب على العمل بأخبار الثقاتغير العدول، بل أخبار الضعاف مع احتفافها بقرائن توجب الوثوق بصدورها.

و أدنى سبر لكتب األصحاببما فيها الكتب األربعةشاهد بذلك، الشتمالها على كثير من أخبار المجاهيل، بل المضعفين و المطعون فيهم، مع ظهور أن إثباتها في تلك

الكتب ليس لمحض التدوين، بل لركونهم إليها و استداللهم بها. و ال يظهر منهم الغمز في أسانيد تلك األخبار إال نادرا في مقام التعارض، أو لمخالفة الخبر ألصول

المذهب بنظر المتصدي لذلك. و لم يعرف الغمز بصورة ظاهرة إال من المتأخرين، كابن إدريس و المحقق و من

تأخر عنهما عند اشتمال الخبر على حكم مستبعد بنظرهم، مع عدم طعنهم بنظائره في السند في موارد أخر، بل يعملون بها متسالمين على قبولها، حيث يشهد ذلك

بأن طعنهم ناشئ عن االستبعاد المذكور الذي قد يجر للتشبث بما ال يصح التشبثبه، من دون أن يقدح ذلك في اإلجماع المذكور.

كيف و من المعلوم أن تقسيم األخبار إلى األقسام األربعة المتقدمة قد حدث متأخرا، فقد قيل: إن أول من اصطلح على ذلك جمال الدين أحمد بن طاوس و

تبعه تلميذه العالمة قدس سرهما، و لم تكن طريقة القدماء على ذلك، بل الصحيحعندهم ما كان محفوفا بما يوجب ركون النفس إليه.

144، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و أي إجماع أقوى من مثل هذا اإلجماع الذي جرى عليه قدماء األصحاب في مقام

العمل بعد الغيبة مدة تزيد على ثالثة قرون، و شاع بين المتأخرين جريهم على ذلك،

Page 82: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

حتى اشتهر التعبير بانجبار ضعف الخبر بعمل األصحاب. و يعلم من حال من اطلعنا عليه متابعتهم في ذلك لمن قبلهم من أصحاب األئمة عليهم السالم و جريهم على

طريقتهم، المتناع الخروج عن سيرة األصحاب عادة في مثل ذلك من األمور المهمةالتي يكثر االبتالء بها. و ال سيما بعد ما تقدم من الشيخ قدس سره.

و أما سيرة المتشرعة فهي ال تخلو عن غموض. فإنه و إن لم يبعد استنكارهم أخذ معالم الدين من غير العادل، إال أنه ال يبعد كون منشئها تنفرهم عنه بنحو يغفل عن

فرض الوثوق بخبرهإما لتحرزه عن الكذب، أو الحتفافه بقرائن خارجيةحتى ينظر في ذلك، فال مجال لجعل سيرتهم من أدلة المنع في المقام، فضال عن أن تنهض

بمعارضة سيرة العلماء التي تقدم التعرض لها. و أما سيرة العقالء، فقد أشرنا آنفا إلى أنها عمدة أدلة الباب في تحديد ما هو

الحجة من أقسام الخبر، ألنها تابعة لمرتكزاتهم الوجدانية، و لسيرتهم الخارجية الظاهرة. و ال ريب في عدم أخذ العدالة في موضوعها، بل يكفي فيه الوثوق

بالمخبر. بل الظاهر أنها أعم من ذلك أيضا، فهي تشمل خبر غير الثقة في نفسه إذا احتف

بما يوجب الوثوق بصدقه من القرائن الداخلية أو الخارجية. فإن القرائن المذكورة و إن لم تكن حجة في نفسها، إال أنها توجب حجية الخبر و دخوله في مورد السيرة،

حيث ال يكون العمل به حينئذ تفريطا بنظر العقالء. و من هنا كان الظاهر أن سيرة األصحابالتي سبق التعرض لهامبنية على سيرة

العقالء و متفرعة عليها، فهي كاشفة عن إمضائها شرعا، ال أنها مبنية على محضالتعبد في قبالها.

145، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و من جميع ما تقدم يظهر لزوم الخروج عن إطالق آية النبأ المقتضي لعدم حجية خبر الفاسق، و لزوم التبين معه المقتضي لعدم االكتفاء بالقرائن الخارجية ما لم توجب العلم بصدقه. على أنه ال يبعد قصور اإلطالق المذكور، أما إذا كان الفاسق

ثقة في نفسه فلقصور التعليل بالجهالة و الندم عن خبره، كما تقدم عند الكالم في مفاد التعليل. و إذا لم يكن ثقة في نفسه، فلقرب كون المراد بالتبين هو العرفي

الذي يحصل به الوثوق كما هو الحال في القرائن المذكورة. و ال أقل من عدم ظهوره في التبين العلمي بسبب التعليل بالندم الذي يكفي في

رفعه التبين المذكور.بقي في المقام أمران:

األول: ال يبعد اختصاص بناء العقالء على العمل بخبر الثقة بما إذا لم تقم قرائنتشهد بكذبه و عدم صدوره،

بحيث توجب الريب فيه عرفا، و إن كان الراوي ثقة في نفسه. و ربما يدعى أن ذلك هو الوجه فيما اشتهر من وهن خبر الثقة بإعراض األصحاب عنه، حتى قيل:

كلما زاد السند قوة زاد وهنا بإعراضهم. لكن الظاهر عدم كون إعراضهم في ذلك موهنا للسند، بحيث يرتفع الوثوق معه

بصدور الخبر، بل هو موجب الرتفاع الوثوق بظهوره، كما تقدم في المبحث الثاني من مباحث حجية الظواهر. و إال فمن البعيد جدا التشكيك بنحو معتد به في صدور

الروايات التي يرويها أعاظم األصحاب، و ال سيما مع إيداعها في الكتب المعدة ألخذ

Page 83: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

األحكام و نحوها مما يعلم من حال مؤلفيها االهتمام بتحري خصوص ما يوثقبصدوره.

الثاني: ]حجية خبر الثقة في غير روايات األحكام الشرعية[ حيث كان من عمدة أدلة المقام سيرة العقالء على العمل بخبر الثقة و الخبر

الموثوق بصدوره، فمن الظاهر أنه ال فرق في السيرة المذكورة بين الروايات وغيرها. و ذلك يقتضي عموم حجية خبر الثقة ما لم يثبت الردع عنه

146، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جفي مقام خاص.

و عليه يبتني االكتفاء في الجرح و التعديل بتزكية الواحد إذا كان ثقة أو قامتالقرائن على صدقه، و ال يعتبر فيه العدالة، فضال عن التعدد.

نعم يختص ذلك بما إذا كان الخبر عن حس أو حدس قريب من الحس- كما هو مقتضى األصل فيما يمكن فيه ذلكأما إذا كان عن حدس و اجتهاد، فهو مبني على

جواز الرجوع إلى أهل الخبرة، المختص ارتكازا بمن يتعذر في حقه العلم، مع امتناعرجوعه لألصل. و الحمد لله رب العالمين.

147، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالفصل الخامس في حجية اإلجماع المنقول

و الكالم في ذلك متفرع على القول بحجية خبر الواحد، حيث قد يدعى أن حجيتهتستلزم حجية نقل اإلجماع بخبر الواحد، ألنه من أفراده.

و ينبغي تقديم أمور تنفع في تحرير محل الكالم.األمر األول: اشتهر ذكر اإلجماع في أدلة األحكام في كلمات أهل االستدالل،

حتى عد من األدلة األربعة. لكن صرح أصحابنا رضى الله عنه بعدم حجية اإلجماع في نفسه إال إذا وافق المجمعون قول اإلمام عليه السالم، فالحجة قوله ال أقوالهم، إذ ال مرجع لألمة بعد النبي صلى الله عليه و آله إال الكتاب الكريم و العترة الطاهرة

عليهم السالم. نعم قد يكشف اإلجماع عن قوله عليه السالم، فتكون حجيته فيطول حجيته و راجعة إليها.

األمر الثاني: إحراز موافقة اإلمام عليه السالم للمجمعين يكون بأحد وجوه ..األول: العلم برأيه عليه السالم بطريق الحسكالسماع منه عليه السالم

و لو في ضمن مجموعة من دون أن يميز بشخصه، أو ظهور إقراره للمجمعين مع اطالعه على قولهم و تيسر الردع لهأو حدس يلحق بالحس، كما في موارد

الضرورات المذهبية أو الفقهية التي يعلم بعدم حصولها لو لم تستند لهم عليهمالسالم.

الثاني: إحرازه حدسا بمقدمات نظرية يختلف الناس فيها، كحسن الظن بالمجمعين بحيث يعلم بعدم اجتماعهم على الخطأ، و لو في خصوص

الواقعة، لكونها موردا لالبتالء، فيمتنع عادة خفاء حكمها عليهم.148، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و هذان الوجهان و إن تما في الجملة إال أن ذلك يختلف باختالف أشخاص المجمعين عددا و علما و قربا من المعصومين عليهم السالم، و باختالف المسائل من حيثية

مقدار االبتالء الدخيل في وضوح حكم المسألة، و باختالف األشخاص المطلعين على

Page 84: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

اإلجماع في سرعة الجزم باللوازم و استيضاحها و عدمهما. و ال ضابط لذلك، ليقعالكالم في تماميته و عدمها، بل يوكل لنظر الفقيه في كل مسألة مسألة.

الثالث: إحرازه حدسا بقاعدة اللطف التي حكي عن الشيخ قدس سره البناء عليها،بل تعذر االستدالل باإلجماع لوالها.

و هي ترجع إلى امتناع اتفاق األمة في عصر على خالف الواقع المطابق لرأي اإلمام، بل يجب عليه حينئذ إزاحة العلة بالظهور أو إظهار من يبين الحق في

المسألة، لطفا منه، بمالك اللطف من الله تعالى ببعثه األنبياء و إنزال الكتب لهداية الناس للحق، فمتى تم اتفاقهم و لم ينقض من قبله عليه السالم كشف عن

موافقتهم له عليه السالم و إصابتهم للحق الذي معه. لكن الظاهر عدم تمامية القاعدة المذكورة، بل لو وجب اللطف عليه تعالى الختص

مقتضاه بتهيئة سبل الهداية للكل بالطرق المتعارفة، من إرسال الرسل، و إنزال الكتب، و نصب األعالم على الحق، و إن أمكن ضياع الحق على الكل أو البعض

بسبب تقصير الناس و ظلمهم و منعهم لإلمام من القيام بكامل وظيفته في الهدايةو اإلرشاد، كما حصل فعال في هذه األمة و في األمم السابقة.

و إال فلو وجب على اإلمام حتما و على كل حال إزاحة العلة بمنع اإلجماع من االنعقاد، لئال يضيع الحق على الكل، لوجب عليه هداية الكل برفع الخالف، و تحقيق اإلجماع من الكل على الحق، ألن مالك حسن الهداية للحق ال يفرق فيه بين الكل و

البعض، مع عدم وجوبه قطعا، و لذا حصل الخالف.149، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

األمر الثالث: ]معنى اإلجماع في مصطلح األصحاب[ لما كان المعيار في حجية اإلجماع عندنا على موافقة المجمعين لإلمام عليه السالم فربما يظهر من بعض كلماتهم أن اإلجماع اصطالحا هو االتفاق المشتمل على قول اإلمام عليه السالم بحيث يكون ظاهر ناقل اإلجماعمع عدم القرينة الصارفةهو نقل

قوله عليه السالم في ضمن أقوال المجمعين. لكنه خالف الظاهر، بل ظاهرهم إرادة إجماع العلماء أنفسهم، و لو بلحاظ مالزمته

لقول اإلمام عليه السالم بنظر الناقل، كما يشهد به مقابلة اإلجماع في كثير من الموارد بالخالف، و استثناء بعض األشخاص من اإلجماع و غير ذلك مما ال يناسب

إرادة المعنى المذكور. و ال سيما إذا كان نقل اإلجماع في مقام االحتجاج به، لظهوره في خصوصية اتفاق الجميع في االحتجاج، ال أن االحتجاج بقول بعض

المجمعينو هو اإلمام عليه السالممن دون أثر للباقين. بل هو كالصريح من مثل نسبة اإلجماع لعلمائنا، أو أصحابنا، أو فقهائنا، أو فقهاء أهل البيت عليهم السالم. نعم قد يحتمل إرادة دخوله عليه السالم من مثل نسبة اإلجماع

لألمة أو المسلمين أو أهل الحق أو الطائفة المحقة. و مثله ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من اختصاص اإلجماع اصطالحا باتفاق

أهل عصر واحد، مستشهدا له ببعض كلماتهم. فإنه و إن ناسب طريقة العامةالذين شيدوا باإلجماع المزعوم خالفة األولين

المبتدعةو طريقة القائلين بقاعدة اللطف منا، إال أنه لم يتضح بوجه معتد به بحيث يصلح لتحديد مصطلح خاص بذلك، لتحمل عليه كلماتهم عند اإلطالق. و ال سيما مع ظهور كثير من كلماتهم في الفقه في إرادة إجماع جميع العلماء في جميع العصور.

Page 85: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و يناسبه مقابلته بالخالف بنحو يظهر منه إرادة الخالف و لو بين أهل العصور المختلفة. و من هنا ال مخرج عن مقتضى اإلطالق الظاهر في إرادة العلماء في

جميع العصور.150، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

نعم االطالع بطريق الحس على فتاوى أهل العصر الواحد، فضال عن علماء جميع العصور ال يتسنى عادة ألحد، خصوصا المتأخرين، مع تباعد األمكنة، و عدم تيسر االطالع على فتاوى كثير من العلماء، أو لكونهم مغمورين ال ظهور لهم، أو لضياع

فتاواهم، بل ربما ال يكون لبعضهم فتوى في المسألة، لعدم نظره في أدلتها. فال بد من توجيه كالم مدعي اإلجماع، إما بحمله على إرادة خصوص أهل الفتاوي الظاهرة، أو أهل الكتب المشهورة، أو نحو ذلك، و إما بحمله على إرادة الكل مع

كون العلم بفتاواهم بطريق الحدس، الستبعاد مخالفتهم للمشهورين، أو البتناء الفتوى على أصل أو قاعدة إجماعية بنظر مدعي اإلجماع، كما تعرض لذلك شيخنا

األعظم قدس سره، و أطال الكالم فيه. ]الكالم في دعوى حجية نقل اإلجماع بمالك حجية خبر الواحد[

إذا عرفت هذا فاعلم أنه حكي عن جماعة أن ما دل على حجية خبر الواحد في األحكام يقتضي حجية اإلجماع المنقول من قبل الثقة، ألنه من أفراده، لرجوعه إلى

حكاية قول اإلمام عليه السالم في المسألة. بل ربما قيل: إنه من الخبر العاليالسند، ألن مدعي اإلجماع يحكي عنه بال واسطة.

و الذي ينبغي أن يقال: حجية نقل اإلجماع بمالك حجية خبر الواحد يبتني على أحدأمرين:

األول: أن يكون مرجع كالم ناقل اإلجماع إلى نقل قول اإلمام عليه السالم فيضمن أقوال المجمعين.

الثاني: أن يكون ما ينقله من األقوال مالزما عقال أو عادة لقول اإلمام عليه السالم، فيكون خبره حجة فيه، بناء على ما هو الظاهر من حجية الخبر في الزم مؤداه و إن

لم يقصد المخبر بيانه.أما األمر األول فهو بعيد عن ظاهر أكثر نقلة اإلجماع، كما سبق. مع أنه ال

151، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج مجال لحجيته بعد عدم كون ناقل اإلجماع من أصحاب األئمة عليهم السالم، و عدم

اطالعه على قولهم عليهم السالم بالسماع و نحوه من الطرق الحسية. كما يبعد اطالعه عليه بطريق ملحق بالحس، كالتواتر الموجب للعلم لكل أحد، و إال لكان

ذكره في مقام االستدالل أولى من ذكر اإلجماع، ألنه أصرح في بيان الحجة. و منهنا ال مجال للبناء على أصالة كون النقل عن حس أو حدس ملحق به.

و أما الثاني فال مجال إلحرازه بعد ما سبق من أن كالم ناقل اإلجماع و إن كان ظاهرا بدوا في إرادة النقل عن جميع العلماء في جميع األعصار، و هولو تممالزم

عادة لقول اإلمام عليه السالم، إال أنه بعد العلم بامتناع االطالع على أقوالهم بطريق الحس ال بد من حمله على إرادة النقل عن بعضهم، أو عن جميعهم اعتمادا على

الحدس، و األول ال يستلزم عادة قول اإلمام عليه السالم، و الثاني ال يكون حجة فيإثبات المؤدى، فضال عن الزمه المذكور.

]الكالم في دعوى كشف اإلجماع عن وجود دليل معتبر في المسألة[

Page 86: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

هذا و قد ذكر بعض األعاظم قدس سره أن إجماع األصحاب يكشف عن دليل معتبر عندهم خفي علينا إذا لم يكن في مورد اإلجماع أصل أو قاعدة أو دليل على وفق ما

اتفقوا عليه، و إال احتمل استنادهم إلى ذلك، ال إلى دليل آخر وراءه. و حينئذ لو كان ناقل اإلجماع مثل الفاضلين و الشهيد قدس سرهم تعين حجية

نقلهم، ألنهم ينقلون نفس الفتاوى بلفظ اإلجماع، فتكشف عن الدليل المعتبر مع عدم وجود أصل أو قاعدة في البين، بخالف ما لو كان الناقل من تقدمهم، لغلبة

ابتناء حكايتهم اإلجماع على تطبيق األصل أو القاعدة بنظرهم، ال على حكاية نفسالفتاوى.

لكنه يشكل بأن اتفاقهم على الفتوى إنما يستلزم وجود دليل معتبر عندهم، ال وجوددليل معتبر واقعا، إذ كما أمكن خطؤهم في االستناد لألصل

152، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج أو القاعدة أو الدليل المذكور في المسألة أمكن خطؤهم فيما اعتمدوه من األدلة و

خفي علينا. مع أن الفرق في ناقل اإلجماع بين مثل المحقق و من تقدمهلو تمال ينفع بعد ما

سبق من امتناع اطالع الناقل على فتاوى الكل حسا، بل ال بد من توجيه نقله بما تقدم، مما ال مجال معه لالعتماد على نقله. و من هنا ال مجال للبناء على حجية

اإلجماع المنقول في نفسه. نعم قد تشهد القرائن في بعض الموارد بمطابقته للواقع أو للدليل المعتبر، و هو

يختلف باختالف ناقلي اإلجماع و المسائل المنقول فيها، و األشخاص الذين يطلعون على النقل، نظير ما تقدم في األمر الثاني. كما قد يحصل العلم بالحكم من ذهاب المشهور له، أو تسالم جماعة قليلة عليه، أو غير ذلك مما ال ضابط له، لينظر في

تماميته.153، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الفصل السادس في حجية مطلق الظن ربما يدعى حجية مطلق الظن في األحكام الكلية من دون خصوصية أسبابه. و قد

استدل عليها بوجوه .. األول: أن في مخالفة الظن بالوجوب أو التحريم مظنة الضرر، و دفع الضرر

المظنون الزم. و فيه أوال: أن الالزم دفع الضرر المحتمل و إن لم يكن مظنونا، فيلزم تعميم هذا

الوجه لمطلق احتمال التكليف. كما أن الالزم حجية الظن بالموضوع أيضا، الخصوص الظن بالحكم الكلي. و ال قائل بهما.

و ثانيا: أن المراد بالضرر إن كان هو العقاب فالصغرى ممنوعة، إذ ليس العقاب من لوازم التكليف الواقعي، بل ال بد في استحقاقه من تنجز التكليف في رتبة سابقة، و

ال ينهض هذا الوجه بإثبات تنجزه بالظن. و إن كان هو الضرر الدنيوي، لما عليه العدلية من تبعية التكاليف للمصالح و

المفاسد الملزمة، فيلزم من مخالفة التكليف فوت المصالح الملزمة، أو حصول المفاسد الملزمة، و هو نحو من الضرر. فهومع ابتنائه على تبعية التكاليف للمصالح

و المفاسد في المتعلقات، و عدم االكتفاء فيه بالمصلحة في جعل التكليف من دونها، و هو محل نظريشكل بأن وجوب دفع الضرر المظنون و المحتمل عقال حكم

Page 87: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

طريقي لتجنب الضرر الواقعي، فال يلزم من مخالفته إال الضرر الواقعي مع إصابةالظن أو االحتمال، و ليس الواجب واقعا إال دفع ذلك الضرر.

154، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و حينئذ فوجوب دفع الضرر الواقعي عقال ليس كوجوب الطاعة يرجع إلى حكم

العقل باستحقاق العقاب عليه، و ال كوجوب العدل و حرمة الظلم يبتني على التحسين و التقبيح العقليين، ليكون مستلزما لوجوبه شرعابناء على مالزمة حكم

الشرع لحكم العقلالمستلزم للعقاب، كي يكون الظن بالضرر مستلزما للظن بالعقاب. بل هو راجع إلى أن حب اإلنسان لنفسه يقتضي دفع الضرر عنها، كما قد

يهتم بدفع الضرر عن غيره لحبه له. فهو باألمور الفطرية أنسب منه بالواجباتالعقلية. و ليس وراء الضرر المترتب أمر آخر من عقاب و نحوه يلزم دفعه.

و أما ما قيل من استحقاق الذم بإيقاع الضرر، المستلزم لوجوب دفعه عقال من باب التحسين و التقبيح، نظير استحقاق الذم بالظلم. فهو في غاية المنع، بل هو ال

يستتبع إال اللوم الالزم من التفريط المنافي للحكمة بحفظ ما يتعلق الغرضبحفظه.

و على هذا يكون مرجع الوجه المذكور إلى أن مخالفة المكلف الظن بالتكاليف تعرضه للوقوع في المفاسد و تفويت المصالح الموجبة للتكليف، و ليس وراء ذلك

أمر آخر، من دون أن يصلح لإللزام بمتابعة الظن، ألن المصالح و المفاسد المذكورة قد ال تكفي في الداعوية، إما لعدم كونها من سنخ األضرار الشخصية الراجعة

للمكلف نفسه، بل أضرارا عامة ال يهتم بدفعها من ال يهتم بالصالح العام. أو ألن اإلنسان قد يقدم على بعض األضرار، لعدم كونه حكيما، أو البتالئه ببعض

المزاحمات، و لو كانت هي صعوبة االحتياط. و هذا بخالف ما لو كان الوقوع في الضرر مظنة العقاب، فإن العقاب بسبب أهميته و قوة داعويتهو إن ضعف احتمالهال

يصلح شيء لمزاحمته بنظر العقالء. و أما وجوب دفع الضرر شرعا المستتبع للعقاب بمخالفته، فهو مختص ببعض

األضرار، كتلف النفس أو ما يعم تلف الطرف، و ال يعم كل ضرر155، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

خصوصا الضرر النوعي. و على ذلك لو رجع الظن بالتكليف للظن بمثل هذه األضرار تعين وجوب مراعاة الظن المذكور حتى لو كان من جهة الموضوع. بل يجب في مثله مراعاة مطلق

االحتمال المعتد به. لكنه فرض نادر، بل غير حاصل في الشبهات الحكمية، فيخرجعن محل الكالم، و ال ينهض بتأسيس القاعدة في المقام.

هذا كله مع أن هذا الوجهلو تمإنما يقتضي لزوم العمل بالظن بالتكليف، ال الظن بعدمه، و ال الظن باألحكام الوضعية إال بلحاظ استتباعها الظن بالتكليف، فلو ظن

ملكية قدر االستطاعة مثال كان مقتضى الوجه المذكور وجوب الحج، دون جواز التصرف في المال. بل قد يكون مقتضى االستصحاب عدم ملكيته و حرمة التصرف

فيه، و هو قد يستلزم الحرج أو اختالل النظام.الثاني: أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح، و هو قبيح.

و فيهمع أن مقتضاه لزوم الرجوع للظن حتى في الشبهة الموضوعية، و امتناع نصب الحجة على خالفه-: أن قبح ترجيح المرجوح على الراجح إنما يمنع من مخالفة

Page 88: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الظن إذا تعلق الغرض بتحصيل الواقع. فإن كان المدعى لزوم حكم الشارع بحجية الظن فهو موقوف أوال: على تعلق غرضه بحفظ التكاليف الواقعية. و ثانيا: على

كون ظن المكلف هو األرجح و األقرب للواقع بنظره. و كالهما غير ثابت، فقد تقدم في مبحث إمكان التعبد بغير العلم أن الشارع قد ال يتعلق غرضه بحفظ التكاليف الواقعية ألجل بعض المزاحمات المانعة منه. كما ال

طريق إلحراز أن الشارع يرى أن ظن المكلف هو األقرب للواقع، و ال سيمابمالحظة ما ورد في القياس من أن ما يفسده أكثر مما يصلحه.

156، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و إن كان المراد إلزام المكلف بالعمل على طبق الظنو إن لم يكن حجة

شرعاتحصيال للتكاليف الواقعية، فهو موقوف على تعلق غرضه بتحصيل الواقع، و الملزم به مع جريان األصول المؤمنة منه عند عدم الحجة.

نعم لو تنجز الواقع على المكلفكما لو قصر في الفحص في موارد الدوران بين محذورين، أو اضطر بسوء اختياره إلى ارتكاب أحد أطراف الشبهة التحريمية

المحصورةلزمه عقال متابعة الظن بالتكليف، لقبح ترجيح المرجوح على الراجح. و منه يظهر أن الوجه المذكور ال ينهض بجواز متابعة الظن بعدم التكليف، إذ ال

غرض في متابعة عدم التكليف ال للشارع و ال للمكلف، بل يتجه الرجوع فيه لألصولأو األدلة، و قد يلزم من ذلك الحرج أو اختالل النظام، كما تقدم في الوجه األول.

مضافا إلى أن قبح ترجيح المرجوح على الراجح إنما يقتضي العمل بالظن في فرض تعلق الغرض بتحصيل الواقع إذا تعذر االحتياطكما تقدم في المثالين

السابقينو هو مبني على ما يأتي في دليل االنسداد. و من ثم جعل هذا الوجه منمقدمات الدليل المذكور.

هذا مع أن المراد من هذا الوجه و ما قبله إن كان هو حجية الظن مطلقا و لو مع انفتاح باب العلم و العلمي في معظم المسائل كانا منافيين ألدلة عدم حجية الظن،

و حيث كان ثبوت مضمونها من الشارع قطعيا ضروريا لزم رفع اليد عنهما، ألنهما كالشبهة في مقابل البديهية. و إن كان هو حجيته مع انسداد باب العلم أو العلمي، ليمكن جمعها مع األدلة المذكورة، بحملها على صورة االنفتاح، كانا مبنيين على ما

يأتي في دليل االنسداد.الثالث: دليل االنسداد. و هو يبتني على مقدمات،

عمدتها ثالث.157، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

األولى: انسداد باب العلم و العلميو هو الدليل المعتبربالحكم الشرعي. الثانية: امتناع الرجوع لألصول الشرعية و العقلية المقررة للجاهل من البراءة و

االحتياط و غيرهما، و عدم ثبوت غيرها. الثالثة: قبح ترجيح المرجوح على الراجح. و مع تمامية المقدمات المذكورة يتعين

العمل بالظن. و ال حاجة في ذلك إلى إضافة مقدمة رابعة، و هي عدم جواز إهمال األحكام

الشرعية، كما صنعه شيخنا األعظم قدس سره و غيره. إذ اإلهمال إن كان على خالف القاعدة فال وجه لتوهم جوازه حتى يحتاج لفرض عدم جوازه في مقدمات

Page 89: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الدليل. و إن كان مطابقا للقاعدة فهو عبارة أخرى عن امتناع الرجوع للبراءةالمفروض في المقدمة الثانية.

إال أن يراد بإهمال األحكام الشرعية إهمالها تبعا لسقوطها واقعا بسبب الجهل، فيكون أمرا آخر غير ما يأتي في المقدمة الثانية. لكنه بعيد عن ظاهر بعض

كلماتهم، و يأتي الكالم فيه تبعا للكالم في االحتياط. و مثله ما ذكره المحقق الخراساني قدس سره من إضافة مقدمة خامسة، و هي

العلم اإلجمالي بثبوت تكاليف شرعية، إذ ال حاجة للعلم المذكور لو تمت المقدمات الثالث. نعم قد يكون العلم المذكور دخيال في تمامية المقدمة الثانية، و هو ال

يقتضي أخذه في قبالها.و من هنا يقع الكالم في المقدمات الثالث.

أما المقدمة األولى: فقد ذكروا أنها عبارة عن انسداد باب العلم و العلمي فيمعظم المسائل.

لكن مع تمامية المقدمتين األخريين يكفي انسداد باب العلم و لو في مسألة واحدة،كما في موارد التقصير في الفحص و تعذر االحتياط، كما

158، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جأشرنا إليه في الوجه الثاني لتقريب حكم العقل بحجية الظن.

نعم تمامية المقدمة الثانية فيما لو لم يكن المكلف مقصراكما هو محل الكالمموقوفة على فرض االنسداد في المعظم، حيث يلزم من البراءة و االحتياط

المحاذير اآلتية. فخصوصية االنسداد في المعظم ليست دخيلة في أصل الدليل، بلفي تمامية مقدماته في محل الكالم.

و كيف كان فمن الظاهر انسداد باب العلم في المعظم و أما العلمي فانسداده موقوف على عدم حجية مقدار يفي بالمعظم من أخبار اآلحاد التي بأيدينا، لعدم

ثبوت التعبد بصدورها أو بداللتها. لكن الظاهر حجية المقدار المذكور، لما تقدم في الفصل األول من حجية الظواهر

مطلقا، و منها ظواهر األخبار، و لو لعدم اختصاص حجية الظواهر بالمشافهين أو المقصودين باإلفهام، و في الفصل الرابع من ثبوت التعبد بصدور األخبار مع الوثوق

به أو برواتها. و من ثم ال تتم المقدمة المذكورة.و أما المقدمة الثانية: فالظاهر تماميتها في الجملة،

لعدم اإلشكال في امتناع الرجوع للبراءة لو تم انسداد باب العلم في معظم المسائلكما هو مفاد المقدمة األولى من كالمهمللعلم اإلجمالي بثبوت تكاليف كثيرة

في المعظم، فيلزم من الرجوع للبراءة المخالفة اإلجمالية الكثيرة. بل لو فرض عدم مانعية العلم اإلجمالي من الرجوع للبراءة في تمام األطراف فهو

مختص بما إذا كان المعلوم باإلجمال حكما واحدا أو أحكاما قليلة يمكن تسامح الشارع فيها، دون ما إذا كان أحكاما كثيرة، فضال عما إذا كان معظم األحكام، حيث

يلزم من إهمالها تعطيل الشريعة، و هو الذي عبر عنه شيخنا األعظم قدس سرهبمحذور الخروج عن الدين.

كما أنه لو فرض كون تعذر االحتياط التام في أطراف العلم اإلجمالي159، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 90: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

موجبا لسقوط التكاليف الواقعية عن الفعلية بنحو ال موضوع معه لتبعيض االحتياط فال مجال لذلك في المقام، ألجل المحذور المذكور. و قد سبق عند الكالم في عدد مقدمات هذا الدليل احتمال كون ذلك هو المراد من عدم جواز اإلهمال الذي جعل مقدمة رابعة في كالم جماعة. بل ال بد من البناء على بقاء األحكام الواقعية على

الفعلية و لزوم حفظها في مقام االمتثال في الجملة. و أما االحتياط فهو و إن كان مقتضى القاعدة في العلم اإلجمالي، إال أنه قد يدعى

اإلجماع على عدم وجوبه في المقام. لكن حيث كانت المسألة من المستحدثات، لبناء األصحاب سابقا على انفتاح باب

العلم، فال مجال لدعوى اإلجماع، فضال عن حجيته. و أما دعوى اإلجماع االرتكازي، الراجعة إلى أن المرتكزات الفقهية تناسب منع

األصحاب من وجوب االحتياط لو التفتوا لفرض االنسداد. فهي راجعة إلى االستداللبالمرتكزات، و هو غير ظاهر بنحو معتد به. فالعمدة في المقام وجهان:

أولهما: لزوم اختالل النظام من االحتياط، لكثرة موارد الجهل، مع كون االحتياط في بعض المسائل ذا وجهين نظير ما أشرنا إليه في الوجه األول من أن مقتضى

االحتياط مع الشك في ملكية المال الذي تتحقق به االستطاعة للحج هو الحج من دون تصرف في ذلك المال، و مع ابتناء العمل في كثير من المسائل التي هي مورد

الجهل على مسائل أخر هي مورد الجهل أيضا. مثال مقتضى االحتياط في الماء المستعمل في رفع الحدث األكبر عدم االجتزاء به

في رفع الحدث، لكن لو انحصر الماء به و بماء محتمل النجاسة فمقتضى االحتياط للمكلف التطهر باألول ثم بالثاني و أداء الصالة في الوقت، فإذا قدر بعد ذلك على

ماء مقطوع الطهارة تطهر به من الخبث المحتمل ثم تطهر160، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

من الحدث و قضى الصالة، فيلزم تعدد جهات االحتياط في العمل الواحد. و من الظاهر أن المحافظة على االحتياط في جميع ذلك و تعيين ما ينبغي سلوكه

عند تزاحم جهات االحتياط مستلزم الختالل النظام و اضطراب أمر المعاش و المعاد، خصوصا في حق العامي المحتاج لصرف الوقت في تعلم المسائل و

ضبطها. و ال ريب في عدم رضا الشارع األقدس بذلك. بل هو يستلزم ترك كثير منالواجبات و فعل كثير من المحرمات، بنحو يرجع لتعذر االحتياط التام.

ثانيهما: أنه يلزم من االحتياط العسر و الحرج. و ذلك ألن مقتضى أدلة نفي العسر و الحرج رفع األحكام التي يلزم منها الحرج، و األحكام الواقعية في المقام و إن لم

تكن بدوا حرجية إال أنه حيث فرض اشتباهها فال يحرز امتثالها إال باالحتياط التامالراجع للموافقة القطعية، و ذلك مستلزم للحرج لما سبق في الوجه األول.

و حينئذ إن قيل بأن لزوم محذور من االحتياط التام ال يصحح للشارع االكتفاء باالحتياط الناقص الراجع للموافقة االحتمالية، لعدم سلطان الشارع على التصرف

في مقام الطاعة، بل هو من مختصات العقل، و ليس للشارع إال التصرف في الحكم الشرعي التابع له حدوثا و بقاء، فمقتضى أدلة رفع الحرج في المقام رفع

األحكام الواقعية، لصيرورتها حرجية بسبب االشتباه المقتضي لوجوب االحتياط الحرجيين، و حيث ال مجال للبناء على سقوط األحكام الواقعية و خروجها عن

الفعلية في المقام، الستلزامه تعطيل الشريعةكما سبق- يتعين قصور دليل الحرج

Page 91: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

عن المورد إال أن يعلم بأهمية محذور الحرج أيضا بنحو يتعين سلوك طريق يجمعبين عدم تعطيل الشريعة و عدم لزوم الحرج.

و إن قيل بأن للشارع مع لزوم محذور من االحتياط التام التنزل لالحتياط161، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الناقص و االكتفاء بالموافقة االحتمالية مع المحافظة على األحكام الواقعيةكما هو الظاهر على ما يأتي في أوائل الفصل الثالث في تردد متعلق التكليف بين

المتباينين إن شاء الله تعالىفمقتضى دليل رفع الحرج في المقام سقوط االحتياط التام مع بقاء األحكام الواقعية و االكتفاء بالموافقة االحتمالية بتبعيض االحتياط، و ال

بد حينئذ من النظر في كيفية التبعيض. هذا كله في االحتياط الالزم من العلم اإلجمالي بثبوت التكاليف في موارد انسداد

باب العلم و العلمي التي هي معظم المسائل. أما االحتياط الالزم في الموارد لخصوصية فيها مثل موارد الشك في المحصل كالطهارات أو موارد العلم بالتكليف

في الواقعة مع تردد المكلف كالتردد بين القصر و التمام- فسقوطه مبني على كثرة الموارد المذكورة بنحو يلزم من االحتياط فيها المحذوران المتقدمان، و هو محتاج

لتأمل و استقصاء ال يسعه المقام. لكن لو فرض عدم لزوم المحذورين المذكورين و وجوب االحتياط فهو ال يخل

بتمامية المقدمة، لعدم وفائه بمعظم المسائل. غايته أنه لو تم دليل االنسداد و اقتضى حجية الظن قصر عن الموارد المذكورة و لزم االحتياط فيها تبعا لمقتضى

القاعدة فيها بخصوصيتها. هذا كله في االحتياط. و أما االستصحاب فال مجال للرجوع إليه لو كان نافيا للتكليف

للعلم اإلجمالي بمخالفته للواقع في كثير من الموارد، ألنه يجري في أكثر موارد الرجوع للبراءة. أما لو كان مثبتا للتكليف فالظاهر جواز الرجوع له، لعدم كثرة

موارده بنحو يعلم إجماال بمخالفته في بعضها للواقع. بل التحقيق عدم مانعية العلم اإلجمالي المذكورلو فرض حصولهمن جريان

االستصحاب، على ما يذكر في محله. نعم لما لم تكن موارده كثيرة فهو ال يفيبمعظم المسائل، ليمنع من تمامية هذه المقدمة. غايته أنه لو تم دليل

162، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج االنسداد و اقتضى حجية الظن قصر عن الموارد المذكورة، و كان المرجع فيها

االستصحاب. و أما أصالة التخيير فالعقل إنما يحكم بها عند تعذر االحتياط للدوران بين محذورين، كالوجوب و الحرمة. أما مع تعذر االحتياط لجهة أخرىكاختالل النظام في المقامفلم

يتعرضوا للرجوع إليها. و يأتي في المقدمة الثالثة تمام الكالم فيها إن شاء اللهتعالى.

هذا تمام الكالم في األصول المعروفة التي يرجع إليها في الشبهات الحكمية، و من الظاهر أنه لم يثبت جعل الشارع طريقا أو أصال آخر يتبع في خصوص حال االنسداد

ليرجع إليه، و ال بد مع ذلك من الرجوع للعقل في تشخيص الوظيفة حينئذ، و عليهيبتني ما يأتي في المقدمة الثالثة.

و أما المقدمة الثالثة: فيظهر الكالم فيها مما تقدم في الوجه الثاني لالستدالل علىحجية مطلق الظن،

Page 92: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

حيث يظهر مما سبق أن اقتضاء قبح ترجيح المرجوح على الراجح الرجوع للظنموقوف ..

أوال: على االهتمام بامتثال األحكام الواقعية.و ثانيا: على كون الظن هو األقرب للواقع.

و ثالثا: على تعذر االحتياط، بحيث يتعذر إحراز االمتثال بنحو أقوى من الظن، كمافي موارد الدوران بين محذورين.

و حينئذ إن كان المراد بدليل االنسداد إحراز حجية الظن شرعاو هو المعبر عنه بكلماتهم بالكشفأشكل بعدم إحراز األمور الثالثة. أما األول فلما سبق هناك من أن

مجرد جعل الشارع للحكم الواقعي الفعلي ال يستلزم اهتمامه بامتثاله. و أما ما سبق في المقدمة الثانية في وجه امتناع الرجوع للبراءة من العلم بعدم رضا

الشارع بترك امتثال األحكام الواقعية في معظم المسائل. فهو إنما163، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

يقتضي اهتمامه بامتثالها في الجملة بالنحو الذي ال يلزم منه تعطيل الشريعة، ال اهتمامه بامتثالها مهما أمكن. كما سبق هناك أيضا عدم إحراز الثاني في حق

الشارع. و أما الثالث فالظاهر عدم تماميته أيضا، ألن االحتياط التام في جميع المسائل و إن

كان متعذرا، إال أنه يمكن تبعيض االحتياط باالقتصار على ما ال يلزم معه اختاللالنظام أو العسر و الحرج، و ال ينحصر األمر باالقتصار على موارد الظن بالتكليف.

على أنه لو فرض لزوم الحرج أو اختالل النظام من االحتياط في ما زاد على مقدار الظن فذلك وحده إنما يكفي في تعيين الظنلو كان أقرب بنظر الشارعإذا انسد باب العلم في مسألة واحدة، أما مع انسداده في مسائل كثيرة فمع تعذر االحتياط التام

فيها أجمعهاللزوم المحذورين السابقينكما يمكن االكتفاء في الكل بالظن يمكن اختالف المسائل في ذلك، تبعا الختالفها في األهمية، فيلزم الشارع بالحفاظ في

المهم منها على الموافقة القطعية، و االكتفاء في غيره بالموافقة االحتمالية أو الموهومة، الرتفاع المحذورين بذلك أيضا، و ال ملزم باألول، بل هو تابع لنظر الشارع

األقدس. و إن كان المراد به إثبات لزوم رجوع المكلف للظن عقال و إن لم يكن حجة شرعاو

هو المعبر عنه في كلماتهم بالحكومةفاألمران األوالن و إن تما في حق المكلف، ألنه يرى أن ظنه أقرب، و قد تنجزت عليه األحكام الواقعية بالعلم اإلجمالي

المفروض، فهو يهتم بمقتضى ذلك بامتثالها، إال أن األمر الثالث ال يتم في حقه، حيث يسعه االحتياط للواقع في موارد احتمال التكليف زيادة على موارد الظن به، فيجب عليه ذلك بمقتضى تنجز التكليف و عدم التنزل عن االحتياط في غير مورد لزوم اختالل النظام و العسر و الحرج، و ال سيما مع اختالف التكاليف في األهمية

كما أشرنا إليه قريبا.164، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

على أن المبنى المذكور ضعيف في نفسه، إذ ال وجه لوجوب العمل بالظن على المكلف مع عدم حجيته شرعا بعد أن كان المفروض في محل الكالم أن التنزل من الموافقة القطعيةعند تعذرهاللموافقة االحتمالية من وظيفة الشارع األقدس، حيث ال بد مع ذلك من كون تحديد الموافقة االحتمالية و تعيين مرتبتها من وظيفته أيضا،

Page 93: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

المتناع اإلهمال في موضوع حكمه. و معه يمتنع عمل المكلف بالظن مع عدم حجيته شرعا. و قد ظهر من جميع ذلك عدم نهوض هذه المقدمة بإثبات تعين العمل بالظن

شرعا أو عقال. نعم قد يدعى لزوم العمل بالظن بلحاظ أن تعذر االمتثال العلمي يقتضي التنزل

لالمتثال الظني، ألنه المرتبة الثانية للطاعة. لكنه يشكلمع عدم وضوح الكبرى المذكورة، خصوصا مع اختالف المسائل في

األهميةبأن االمتثال الظني ال يكون باالقتصار على موافقة مظنون التكليف، بل ال بد فيه مع ذلك من ضم الموافقة في الشك في التكليف من دون ترجيح، و االقتصار في ترك موافقة احتمال التكليف على موارد الظن بعدم التكليف، كما نبه له في

الجملة بعض األعاظم قدس سره. و من هنا ينبغي أن يقال: بعد فرض تنجز التكليف بسبب العلم اإلجمالي فالالزم

عقالبعد فرض عدم وجوب االحتياط التام، للزوم العسر و الحرج و اختالل النظام، و تنزل الشارع للموافقة االحتمالية بتبعيض االحتياط- االقتصار في ترك االحتياط على ما يرتفع به الحرج و اختالل النظام، بترجيح االحتمال األقوى للتكليف على غيره، و ترجيح التكليف األهم أو المحتمل األهمية على غيره. و مع تزاحم الجهتينكما لو دار

األمر بين األقوى احتماال األضعف مالكا، و األقوى مالكا األضعف احتمااليتعينالتخيير.

نعم حيث يصعب ضبط ذلك و تحديده، الختالف األشخاص في الطاقة165، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

فيما هو مورد االبتالء من المسائل، فالرجوع لذلك يستلزم الهرج و المرج و اختالل النظام، و من أجل ذلك يعلم بتعيين الشارع في فرض االنسداد طريقا منضبطا في الجملة يسهل الرجوع إليه و العمل عليه، و ذلك موجب لالقتصار على المتيقن من

الطرق المحتملة الجعل، و هو الطرق العرفية، كخبر الثقة و الظواهر و نحوها، ألنها الطرق التي يلتفت المكلف لطريقيتها بنفسه. فهذه الطرق لو لم يتيسر إثبات

حجيتها ابتداء أو إمضاء لسيرة العقالء فال إشكال في حجيتها في فرض االنسداد بعدااللتفات لما سبق.

و لو فرض عدم وجود الطرق المذكورة في مورد االنسداد تعين الرجوع للظن، ال لقبح ترجيح المرجوح على الراجح، بل ألنه الطريق الميسور للمكلف الذي يلتفت إليه بنفسه بعد عدم تيسر غيره و عدم التفاته له، إذ يقطع مع ذلك برضا الشارع

بسلوكه في ظرف تمامية المقدمتين األوليين. و لو فرض عدم الظن تعين التخييربين األطراف.

و ال يختص ما ذكرنا بانسداد باب العلم في معظم األحكام الذي هو محل الكالم، بليجري مع تمامية المقدمتين األوليين و لو في مسألة واحدة.

هذا و قد أطال شيخنا األعظم قدس سره و جملة ممن تأخر عنه في تنبيهات هذا الدليل و لواحقه. و ال ينبغي لنا صرف الوقت في ذلك بعد ما ظهر من عدم تمامية

أصل الدليل المذكور.و بذلك ينتهي الكالم في مباحث الحجج.

و الحمد لله رب العالمين.166، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 94: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

المقصد الثاني في األصول و هي الوظائف المقررةعقال أو شرعاللجاهل بالحكم من دون حجة عنده عليه. و ال بد في الرجوع إليها من عدم قيام الدليل على وجوب الفحص عن الواقع أو الحجة،

و إال لزم الفحص أوال، ثم الرجوع إليها بعد اليأس عن الظفر بهاكما تقدم في التمهيد لمباحث القسم الثاني من األصولألن دليل وجوب الفحص يكون واردا على

األصل العقلي و مخصصا لدليل األصل الشرعي لو كان له عموم في نفسه، كمالعله ظاهر.

و ينبغي التمهيد لمحل الكالم بذكر أمور ..األمر األول: ]في مفاد األصول العقلية[

تقدم عند الكالم في وجه الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري التعرض لحقيقة األصول الشرعية و أما األصول العقلية فهي متقومة بحكم العقل بالتنجيز و التعذير.

و مرجع األول إلى حكمه باستحقاق العقاب بمخالفة التكليف الواقعي المجهول، المستلزم الحتمال الضرر، المقتضي بالفطرة للحذر. و مرجع الثاني إلى حكمه بقبح

العقاب عليه، المستلزم لألمن من الضرر بضميمة العلم بعدم خروج الشارعو كلحكيمعن مقتضى الحكم المذكور، و معه ال موضوع للحذر.

األمر الثاني: ال ريب في تقديم الحجج على األصول عقلية كانت أو شرعية، و إنما اإلشكال في وجه التقديم و حيث كان البحث في ذلك يبتني على النظر في

مفاد كل من الحجج و األصول و في أدلة اعتبارها كان المناسب الكالم167، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

في ذلك بعد الفراغ عن البحث في األصول. و من هنا كان األنسب إرجاء ذلكلمبحث التعارض.

األمر الثالث: أشار غير واحد إلى مسألة أن األصل في األشياء الحظر أو اإلباحة.و ال يخلو المراد بها عن إجمال. و يستفاد منهم حملها على أحد وجوه ..

األول: أنه مع قطع النظر عن جعل الحكم الشرعي فهل يحكم العقل بإباحة األفعال أو بالمنع عنها. بمعنى أن الفعل هل يكون منشأ الستحقاق العقاب عقال ما لم

يرخص فيه الشارع، أو ال يكون كذلك ما لم يمنع عنه الشارع. الثاني: أنه في فرض ورود الحكم الشرعي في الواقعة و تردده بين الحظر و

اإلباحة فهل مقتضى األصل كونه حظرا أو إباحة؟ فهو راجع إلى تعيين حال الحكمالشرعي المجهول و تشخيصه. و قد يظهر هذا مما عن المحقق القمي قدس سره. الثالث: أنه في فرض ورود الحكم الشرعي في الواقعة و عدم تشخيصه فهل يحكم

العقل بجواز اإلقدام ما لم يثبت المنع من الشارع، أو بالمنع منه ما لم يثبتالترخيص من الشارع؟. و هو ظاهر الفصول.

و على األخير فمرجع النزاع للنزاع في البراءة و االحتياط العقليين الذي عقد لهالفصل األول اآلتي.

أما على األول فهو أجنبي عن ذلك، ألن موضوعه فرض عدم الحكم الشرعي، و موضوع النزاع في البراءة و االحتياط العقليين فرض الجهل بحال الحكم الشرعي

مع فرض وروده.

Page 95: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

إال أنه ال يبعد مالزمة القول بالحظر في المسألة المذكورة للقول باالحتياط العقلي، للتناسب بينهما جدا، و إال فمن البعيد جدا االلتزام بالمنع من اإلقدام مع فرض عدم

الحكم الشرعي مع البناء على جوازه ظاهرا مع ورود168، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الحكم الشرعي و الجهل به. نعم البناء على الحظر في هذه المسألة ال يستلزم البناء على االحتياط الشرعي، بل يمكن معه البناء على البراءة الشرعية امتنانا من الشارع على المكلف. كما أن القول باإلباحة في المسألة المذكورة يجتمع مع كل

من البراءة و االحتياط العقليين و الشرعيين في ظرف الجهل بالحكم الشرعي مع فرض وروده، و ال يستلزم القول بالبراءة العقلية، فضال عن الشرعية، إلمكان كون

ورود الحكم الشرعي سببا للزوم التحفظ عليه و االحتياط فيه عقال أو شرعا. و هكذا الحال في الوجه الثاني، لظهور كمال التباين بين تشخيص الحكم الشرعي

المجهول الذي هو مفاد القاعدة، و تعيين الوظيفة العقلية عند الجهل من دونتشخيص له، الذي هو مرجع النزاع في البراءة و االحتياط.

هذا و القاعدة على الوجهين األولين و إن كانت أجنبية عما نحن فيه، إال أنها قد تنفع في مقام العمل. و من ثم كان المناسب اإلشارة لما هو الحق فيها عليهما تمهيدا

لمحل الكالم. و ال ينبغي التأمل في أن الحق على الوجه األول اإلباحة، و أن استحقاق العقاب

مشروط بالمنع الشرعي. و مجرد ملكه تعالى للمكلف و ألفعاله ال يقتضي عقال إال سلطانه على منعه و نفوذ تشريعه في حقه، ال امتناعه عما لم يرخصه فيه. و لذا

كان المرتكز عرفا احتياج المنع إلى الجعل بالبيان. و ال مجال لقياسه بالملكية االعتبارية التي تقتضي ارتكازا حرمة التصرف في

المملوك ما لم يرخص فيه المالك، بل ما لم يثبت الترخيص منه. الختالف سنخ الملكيتين، ألن ملكيته تعالى حقيقية، و هي ال تقتضي إال ما ذكرنا. و أما الملكية

االعتبارية فهي ارتكازا إنما تشرع من أجل اختصاص المالك بملكه و إناطة السلطنةعليه به نوعا و اقتضاء، و إن كان عموم المنع الفعلي و خصوصه

169، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج مستفادا من أدلة شرعية تعبدية. على أن الوجه المذكور مبتن على فرض خلو

الواقعة عن الحكم الشرعي، و هو فرض ال واقع له. و أما على الوجه الثاني فالظاهر التوقف، و ال طريق لتشخيص الحكم المجهول و تعيينه. و مجرد ملكيته تعالى للعبد و أفعاله ال يقتضي نوعا كون الحكم الصادر منه هو الحظر، بل هو تابع للواقع المفروض كونه مجهوال. كما ال مجال لتقريب اإلباحة

بأن الفعل منفعة خالية عن أمارات المفسدة. ألن عدم ظهور المفسدة فيه ال ينافيثبوتها واقعا و ثبوت الحظر بسببها.

األمر الرابع: األصول العملية التي اهتم المتأخرون هنا بالكالم فيها و تنقيح مجاريهاأربعة،

و هي البراءة و االحتياط و التخيير و االستصحاب. و هي تشترك في الجريان في الشبهات الحكمية، الذي هو المعيار في كون المسألة أصولية. كما أن الثالثة األول

تختص باألحكام التكليفية، و الرابع يجري فيها و في األحكام الوضعية و الموضوعاتالخارجية.

Page 96: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و لم يتعرضوا ألصالة الطهارة، و إن كانت تجري في الشبهات الحكمية أيضا، إما لماقيل من أنها من األصول المسلمة، فال تحتاج للبحث و االستدالل.

أو النصراف اهتمامهم للشك في األحكام التكليفية، ألهميتها و كثرة االبتالء بها، و ليست هي كاألحكام الوضعية يقل االبتالء بها نسبيا، أو لتخيل كون الطهارة و

النجاسة و سائر األحكام الوضعية منتزعة من األحكام التكليفية، فهي راجعة إليها، و الشك فيها شك فيها، فيرجع فيه لألصول األربعة المتقدمة- و لعله إليه يرجع ما عن شيخنا األعظم قدس سره من رجوع أصالة الطهارة ألصالة البراءة- أو لتخيل كون

الطهارة و النجاسة من األمور الواقعية التي كشف عنها الشارع، ال من األحكام الشرعية، فالشبهة فيها موضوعية ال غير، و إن كان موضوع الشك أمرا كليا،

كالفأرة و المذي.170، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و لعل األقرب في وجه إهمالهم لها الثاني، و إن كان هو كبقية الوجوه ال يخلو عن إشكال و ال يسعنا إطالة الكالم فيه في ذلك، لعدم أهميته بعد كونه أشبه باالصطالح

الذي ال مشاحة فيه. هذا و أما قاعدة: ما ال يضمن بصحيحه ال يضمن بفاسده، فهي و إن كان تنفع في

كثير من الشبهات الحكمية، و تقع في طريق االستنباط، إال أنها إما أن تكون قاعدة اجتهادية واقعية، أو ظاهرية راجعة إلى استصحاب عدم الضمان، و ليست أصال

برأسه. و كذا أصالة اللزوم في العقود.األمر الخامس: ]منهج البحث في هذا المقصد.[

بعد أن انحصرت األصول التي اهتم المتأخرون بالنظر فيها هنا باألصول األربعة المتقدمة فقد حاول غير واحد تحديد موضوعاتها مقدمة للبحث فيها، و هو تكلف ال موجب له، ألن تحديد موضوعاتها يبتني على الكالم فيها و في أدلتها، و هو يختلف باختالف األنظار. فاألنسب اإلعراض عن ذلك، و إيكاله إلى ما يتحصل عند النظر

فيها و في أدلتها إن شاء الله تعالى. و األولى صرف النظر لمنهج البحث و تبويبه إجماال فنقول: بعد فرض عدم قيام الحجة في الواقعة .. فتارة: ال تؤخذ الحالة السابقة في الوظيفة العملية، بل ال

يلحظ فيها إال الشك. و أخرى: تؤخذ الحالة السابقة زيادة على الشك المفروض. فالقسم األول هو مجرى

البراءة أو االحتياط أو التخيير، و الثاني هو مجرى االستصحاب. ثم الشك في القسم األول .. تارة: يكون في أصل ثبوت التكليف اإللزامي أعني

الوجوب أو الحرمة. و أخرى: يكون في تعيينه مع وحدة المتعلق، و هو الدوران بين وجوب الشيء و

حرمته و ثالثة: في تعيينه مع اختالف المتعلق، سواء اتحد سنخه، كما في الدورانبين القصر و التمام، أم اختلف، كما في الدوران بين وجوب شيء

171، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جو حرمة آخر.

و هناك صورة وقع الكالم في رجوعها للصورة األولى أو الثالثة، و هي الدوران بيناألقل و األكثر االرتباطيين، فالمناسب إفرادها بالكالم، فتكون صور هذا القسم أربعا.

هذا و ال يفرق في جميع ذلك بين كون التكليف وجوبا و كونه تحريما.

Page 97: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

كما ال يفرق في منشأ الشك بين عدم النص و إجماله و تعارض النصين، لعدم األثر لذلك في المهم من محل الكالم. و مجرد شيوع الخالف في الشبهة التحريمية و

تميز إجمال النص ببعض جهات الكالم ال يقتضي تكثير األقسام. كما أن احتمال التخيير مع تعارض النصين، ليس للخالف في حكم الشك، بل

الحتمال حجية أحد النصين الذي يخرج معه المورد عن موضوع الكالم، و هو أمر يخص باب التعارض. و الكالم هنا في فرض التساقط و عدم حجية أحد النصين. نعم

قد تختلف هذه الصور في بعض الجهات األخر الخارجة عما هو المهم في المقامفقد يحسن التعرض لها استطرادا.

و أما إذا كان منشأ الشك االشتباه في الموضوع فمن الظاهر خروجه عن محل الكالم، ألن هم األصولي تشخيص الوظيفة في الشبهة الحكمية التي يكون مورد

الشك فيها الحكم الشرعي الكلي. نعم مالك البحث غالبا يعم ذلك فيستفاد حكمه تبعا، و إن كان قد ينفرد ببعض الخصوصيات. فالمناسب التعرض لها استطرادا، تتميما للفائدة، من دون حاجة لتكثير األقسام. و من ثم يكون البحث في فصول

أربعة للصور األربع. ثم إن الكالم في هذا القسمبفصوله األربعةيختص بالشك في الحكم اإللزامي، الذي هو المراد بالتكليف، دون بقية األحكام التكليفية، فضال عن الوضعية. و إن كان ربما

يلحقها الكالم في بعض الجهات تبعا أو استطرادا، على ما قد يتضح في محله إنشاء الله تعالى.

172، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالقسم األول في البراءة و االحتياط و التخيير

و فصوله أربعة، كما سبق.الفصل األول في الشك في التكليف

المشهور الرجوع مع الشك في التكليف للبراءة مطلقا، و نسب لألصوليين قاطبة. و عن معظم األخباريين أو جميعهم وجوب االحتياط في الشبهة التحريمية الحكمية، بل

عن االسترابادي منهم وجوب االحتياط في الشبهة الوجوبية الحكمية أيضا، و في محكي كالم صاحب الحدائق موافقته فيها مع إجمال النص. لكن في محكي كالم

آخر له إطالق اإلجماع على عدم وجوب االحتياط في الشبهة الوجوبية، و نفى الخالف فيه في الوسائل. و أما الشبهة الموضوعية فالظاهر عدم الخالف في

الرجوع للبراءة فيها مطلقا تحريمية كانت أو وجوبية. و كيف كان فالحق الرجوع للبراءة مطلقا. و ينبغي الكالم هنا ... تارة: في مقتضى

األصل األولي العقلي مع عدم البيان الشرعي حتى باإلضافة للوظيفة العملية معالجهل بالتكليف الواقعي.

و أخرى: في مقتضى األصل الثانوي المستفاد من األدلة الشرعية الواردة لبيانحكم الجهل بالتكليف الشرعي الواقعي. و ال ينبغي الخلط بينهما مع

173، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جاختالف مفاد األدلة المستدل بها في المقام و نحو النسبة بينهما.

فالكالم في مقامين:المقام األول: في مقتضى األصل األولي العقلي

]حكم العقل بالبراءة[

Page 98: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و ال ينبغي الريب في حكم العقل بالبراءة في المقام، الراجع لحكمه بقبح العقاب بال بيان، و هو المراد بالبراءة العقلية، فإن الحكم بقبح العقاب يقتضي السعة في

موارد احتمال التكليف المبني على اإللزام و االحتجاج و المؤاخذة. و ال ينافي ذلك لزوم االحتياط عند تعلق الغرض بإصابة الواقع، كما في األضرار الواقعية التي يهتم

بتجنبها. هذا و ال يبعد كون الحكم المذكور مسلما عند الكل. إال أن يكون مراد القائلين

بأصالة الحظر األصل الظاهري مع الجهل بالحكم الشرعي، الذي هو مرجع الوجه الثالث المتقدم في معنى القاعدة، حيث يرجع ذلك منهم إلنكار الحكم العقلي بقبح

العقاب بال بيان. لكنه في غير محله قطعا، ألن الحكم المذكور قطعي ارتكازي.و أما االستدالل للحظر

بأن ملكه تعالى للعبد و أفعاله يقتضي عدم تصرف العبد بوجه مع الشك في إذنهتعالى فيه، إذ ال يجوز التصرف في ملك الغير مع احتمال عدم إذنه.

فهو مندفع بأن ذلك إنما يتم في الملكية االعتبارية، عمال بأدلة شرعية تعبدية، و ملكيته تعالى للعبد و ألفعاله حقيقية، و هي ال تقتضي عقال إال سلطانه على العبد

بتكليفه له، في مقام الثبوت، و عدم لزوم طاعته في مقام اإلثبات إال ببيان مصحح لالحتجاج و اإللزام، و بدونه يقبح العقاب و إن كان التكليف ثابتا واقعا، كما ذكرنا. و قياس إحدى الملكيتين باألخرى في غير محله، كما تقدم عند الكالم في أن األصل

اإلباحة أو الحظر.174، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و مثله ما عن الشيخ قدس سره من االستدالل على أن األصل في األشياء الحظر أو الوقف بأن العقل يستقل بقبح اإلقدام على ما ال يؤمن مفسدته، و أنه كاإلقدام

على ما علم مفسدته. الندفاعه بمنع قبح اإلقدام عقال على ما ال يؤمن مفسدته ما لم يستلزم احتمال

الضرر المساوق للعقاب، و هو غير الزم في المقام بعد وجود المؤمن، و هو قاعدة قبح العقاب بال بيان. و قد تقدم في الوجه الثاني من وجوه االستدالل على حجية

الظن المطلق ما ينفع في المقام. فراجع. ]الكالم في االستدالل باإلجماع على البراءة األصلية[

و كيف كان فالظاهر أن الحكم المذكور مسلم عند األخباريين، و أن نزاعهم فيالمقام يبتني على دعوى وجود المخرج عنه، و هو البيان الشرعي الوارد عليه.

و من ثم استدل شيخنا األعظم قدس سره عليه باإلجماع من المجتهدين و األخباريين. و إن كان االستدالل على الحكم العقلي باإلجماع و نحوه من األدلة التعبدية الشرعية في غير محله. إال أن يكون لمجرد االستظهار و سوق األدلة الشرعية مساق اإلرشاد للحكم العقلي المذكور. أو يكون المراد أنه لو فرض

التشكيك في الحكم العقلي المذكور أمكن االستدالل باألدلة الشرعية على األصل المذكور على أنه أصل شرعي أولي، فال يكون مرجع اإلجماع إلى قبح العقاب، بل

إلى مجرد تأمين الشارع منه. لكن االستدالل باإلجماع حينئذ ال يخلو عن إشكال، لقرب استناد المجمعين لحكم

العقل المذكور أو لغيره مما يأتي الكالم فيه، فال يكون إجماعا تعبديا كاشفا عن حال الشارع. و أما ما يأتي من سيرتهم على الرجوع للبراءة في مقام االستدالل، فلعله

Page 99: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

مبتن على األصل الثانوي لمثل حديث الرفع، ال على األصل األولي الذي هو محلالكالم.

175، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج هذا و قد يستدل على األصل المذكوربعد حكم العقل و اإلجماع المتقدمينبالكتاب و

السنة.أما الكتاب فبآيات ..ى نبعث رسوال�األولى: قوله تعالى: بين حت ا معذ ،«1 » و ما كن

بناء على أن بعث الرسول كناية عن وصول البيان، ال مجرد بعثه و إن لم يصل البيان، فإن ذلك هو المناسب لظهور كون القضية ارتكازيةكما هو المناسب لسياقها

اآلتيلما هو المرتكز عرفا من توقف العقاب على البيان. و قد أورد شيخنا األعظم قدس سره على االستدالل بها بأن ظاهرها اإلخبار بعدم

وقوع العذاب سابقا إال بعد بعث األنبياء، فيختص بالعذاب الدنيوي الواقع على األممالسابقة. و كأنه لما اشتهر من داللة »كان« على النسبة في الزمان الماضي.

لكن ذلك إنما يتعين إذا سلطت »كان« على النفي كما في قوله تعالى:�، و قوله سبحانه:«2 »كانوا ال يتناهون عن منكر فعلوه هم كانوا ال يرجون حسابا » إن

3». أما إذا سلط النفي على »كان« فكثيرا ما تنسلخ عن الزمان الماضي، و يدل

التركيب على نفي النسبة مطلقا، بل على أنه ليس من شأنها الوقوع، كما هوينالمفهوم من اآلية المتقدمة و نظائرها، كقوله تعالى: خذ المضل و ما كنت مت

� ه، و قوله سبحانه:«4 »عضدا بهم و أنت فيهم و ما كان الل ه ليعذ و ما كان اللبهم و هم يستغفرون ك، و قوله عز و جل:«5 »معذ و ما كان عطاء رب

______________________________.15( سورة اإلسراء اآلية: 1 ).79( سورة المائدة اآلية: 2 ).27( سورة النبأ اآلية: 3 ).51( سورة الكهف اآلية: 4 ).33( سورة األنفال اآلية: 5 )

176، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج� ا، و قوله عز اسمه:«1 »محظورا ك نسي ، و غير ذلك.«2 » و ما كان رب

هذا مع أن ظاهر العذاب هو العذاب األخروي أو ما يعمه، و ال سيما بمالحظة سوق اآلية في سياق اآليات المناسبة للعذاب األخروي و لقضايا ارتكازية عامة. قال

� يلقاهتعالى: و كل إنسان ألزمناه طائره في عنقه و نخرج له يوم القيامة كتاباما يهتدي لنفسه �* من اهتدى فإن �* اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا منشورا

ى نبعث ا معذبين حت ما يضل عليها و ال تزر وازرة وزر أخرى و ما كن و من ضل فإن.«3 »رسوال�

على أنه لو تم ما ذكره فمن الظاهر عدم سوق اآلية لمحض اإلخبار، بل لبيان جريه تعالى في العذاب على طبق الموازين العقالئية الالزمة أو الراجحة المراعاة من

كونه مسبوقا بإقامة الحجة، فيدل على ثبوت ذلك في العذاب األخروي بفهم عدمالخصوصية أو باألولوية العرفية. و من ثم كانت داللة اآلية وافية جدا.

Page 100: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

نعم هي إنما تدل على عدم تحقق العقاب، ال على عدم استحقاقه، إلمكان أن يكون عدم العقاب تفضال منه تعالى و زيادة في االستظهار في إلقاء الحجة على

المكلفين. و مجرد ظهور اآلية في أنه ليس من شأنه تعالى إيقاع العذاب قبل إرسال الرسل، ال ينافي ذلك، ألنه سبحانه األولى بمزيد التفضل و االستظهار. لكن ذلك كاف في المطلوب، لتحقق األمن من العقاب معه، و به يرتفع منشأ االحتياط،

و هو احتمال الضرر.______________________________

.20( سورة االسراء اآلية: 1 ).64( سورة مريم اآلية: 2 ).15- 13( سورة اإلسراء اآلية: 3 )

177، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج بقي شيء و هو أن مقتضى إطالق اآلية توقف العذاب على إرسال الرسول في

الجملة، و لو ببيان وجوب االحتياط، دون بيان خصوص التكليف المعاقب عليه. و من ثم

كانت دالة على أن البراءة مقتضى األصل األولي، فال تنافي قيام األدلة الشرعيةعلى وجوب االحتياط حيث تكون رافعة لموضوع األصل المذكور.

رين و منذرين ...الثانية: قوله تعالى: رسال� مبشه سل و كان الل ة بعد الر ه حج اس على الل رين و منذرين لئال يكون للن رسال� مبش

� � حكيما ، دلت على أنه لو ال بعث الرسل لكانت الحجة للناس على الله«1 »عزيزا تعالى، و هو شاهد بأن األصل األولي البراءة، و لو كان هو االحتياط لكانت الحجة له

تعالى، و لكان العبد يستحق العقاب، حتى مع عدم بعث الرسل. لكن قد يشكل ذلك بأن ثبوت الحجة للناس مع عدم بعث الرسل أعم من جريان

البراءة، ألن وجوب االحتياط على الناس مع الشك في التكليف ال ينافي وجوب اللطف عليه تعالى ببعث الرسل من أجل بيان شرايع الدين و تنبيه الغافلين، فإن

عليه تعالى أن يرفع العلة من قبله، و إن لزم على الناس مع الشك االحتياط للتكليفبمقتضى األصل األولي أو الثانويلو منعت األسباب الخارجية من معرفتهم، و

من وصول بيانه تعالى لهم. نعم لو ثبتت الحجة للناس مع عدم بعث الرسل في خصوص أمر العقاب، بحيث

يقبح بدون بعثهم رجع ذلك إلى المعذرية المساوقة للبراءة. لكن اآلية ال تدل على ذلك بخصوصه، و ثبوت الحجة عليه تعالى أعم، إذ قد يكون

لمجرد وجوب اللطف عليه، كما ذكرنا.______________________________

.165( سورة النساء اآلية: 1 )178، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

اللهم إال أن يستفاد ذلك من إضافة الحجة للناس، لظهورها في كون جهة االحتجاج تخص الناس، و ذلك إنما يكون بلحاظ عقابه تعالى لهم، و أما وجوب اللطف

المذكور عليه تعالىلو تمفهو أمر يخصه و ال يتعلق بالناس، لتكون لهم الحجة بلحاظه.و من ثم ال يبعد وفاء اآلية بالمطلوب.

Page 101: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

نعم يجري فيها ما سبق في اآلية األولى من أنها تدل على األصل األولي، إذ يكفيفي ارتفاع حجة الناس إرسال الرسول بوجوب االحتياط.

نةالثالثة: قوله تعالى: نة و يحيى من حي عن بي ،«1 » ليهلك من هلك عن بي بدعوى: داللتها على أن هالك الهالكين ال يكون إال عن بينة، و بدونها ال هالك. نعم

إنما تدل على األصل األولي إذ يكفي في البينة بيان وجوب االحتياط. لكنه يشكل بأن ظاهر اآليةبقرينة سياقهاأن الغرض من جمع المسلمين و

المشركين في صعيد واحد مقدمة لحرب بدر تحقق البينة للهالكين و الناجين. و ذلك بنفسه ال يدل على توقف الهالك على البينة، كما ال تتوقف النجاة عليها، بل قد يكون

لمزيد االستظهار بإقامة الحجة، و ال سيما مع معلومية أن المراد بالبينة هنا زيادة البيان و تأكيد الحجة، الذي ال يتوقف عليه الهالك قطعا، لما هو المعلوم من سبق الحجة على صدق النبي صلى الله عليه و آله قبل الواقعة المذكورة. فاآلية أجنبية

عما نحن فيه. و ربما يستدل ب آيات أخرى ال مجال إلطالة الكالم فيها.و أما السنة فبعدة أحاديث.

األول: الموثق أو الصحيح عن حمزة بن الطيار عن أبي عبد الله عليه السالم: »قال لي: اكتب، فأملى علي: إن من قولنا: إن الله

يحتج على العباد بما آتاهم و عرفهم،______________________________

.42( سورة األنفال اآلية: 1 )179، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

ثم أرسل إليهم رسوال، و أنزل عليهم الكتاب فأمر فيه و نهى ... و ما أمروا إال بدون سعتهم، و كل شيء أمر الناس به فهم يسعون له، و كل شيء ال يسعون له فهو

. فإن المنسبق منه إرادة الحصر و أنه تعالى ال يحتج عليهم«1 »موضوع عنهم ...« بما لم يعرفهم. نعم هو يدل على األصل األولي، ألن دليل االحتياطلو تم- يصلح ألن

يحتج به تعالى على العباد، ألنه مما عرفهم، و ال داللة في الحديث على عدماالحتجاج إال مع اإلعالم بالحكم الواقعي، ليناسب األصل الثانوي.

و نحوه في ذلك الصحيح عن ابن الطيار عنه عليه السالم: »قال: إن الله احتج على.«2 »الناس بما آتاهم و عرفهم«

الثاني: صحيح عبد األعلى بن أعين: » »سألت أبا عبد الله عليه السالم من لم يعرف شيئا هل عليه شيء؟ قال: ال«

، فإنه صريح في عدم مؤاخذة من لم يعرف سواء أريد بالمفعول به فردا مرددا«3 أم فردا معينا مفروضا في الخارج. و كذا لو كان المراد به العموم ألنه نكرة في

سياق النفي. و ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من أنه على األخير يكون ظاهره السؤال عن القاصر الذي ال يدرك شيئا. مدفوع بأن ظاهر الحديث السؤال عن من لم تتحقق له المعرفة ال عن من ال قابلية له للمعرفة. نعم من ال يعرف شيئا أصال قاصر غالبا. إال

أن ظاهر الحديث كون موضوع السؤال عدم معرفته ال قصوره. كما أن الحديثظاهر في بيان األصل األولي، لعدم صدق موضوعه على العارف بوجوب االحتياط.

الثالث: حديث حفص بن غياث: »قال أبو عبد الله عليه السالم: من عمل بما علم

Page 102: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

______________________________.164 ص: 1 ج: 4( الكافي كتاب التوحيد باب: حجج الله على خلقه حديث: 1 ) ص:1 ج: 1( الكافي كتاب التوحيد باب: البيان و التعريف و لزوم الحجة حديث: 2 )

162..164 ص: 1 ج: 2( الكافي كتاب التوحيد باب: حجج الله على خلقه حديث: 3 )

180، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج . و هو صريح في عدم المؤاخذة مع عدم العلم. نعم يكفي«1 »كفي ما لم يعلم«

العلم بوجوب االحتياط في لزوم العمل الذي تضمنه الحديث. فيطابق األصل األوليالمذكور.

الرابع: صحيح عبد الصمد بن بشير: »عن أبي عبد الله عليه السالم في حديث من أحرم بقميصه قال عليه السالم:

. و هو ظاهر في الجهالة في جميع«2 »»أي رجل ركب أمرا بجهالة فال شيء عليه«الجهات التي هي موضوع األصل األولي.

لكن استشكل شيخنا األعظم قدس سره في االستدالل به بأنه ظاهر في اعتقاد الصواب أو الغفلة عن الواقع، و ال يعم صورة الشك و التردد التي هي محل الكالم.

و كأن وجههمضافا إلى مناسبته لموردهظهور الباء في قوله عليه السالم: »بجهالة« في السببية، ال محض المصاحبة، و ال يكون الجهل سببا للعمل إال مع

الغفلة أو اعتقاد الصواب بنحو الجهل المركب. أما مع الشك و التردد فالجهل بنفسهال يقتضي اإلقدام، بل التوقف، و اإلقدام معه يستند ألمر آخر من أصل أو غيره.

و هناك بعض النصوص األخر ذكرها شيخنا األعظم قدس سره ال مجال إلطالة الكالم فيها بعد عدم العثور على سندها. نعم ال يبعد العثور بالتتبع على نصوص أخر

تنفع في المقام. و األمر سهل بعد وضوح األصل المذكور.المقام الثاني: في األصل الثانوي.

و هو تابع لألدلة الشرعية. و لو تم وجوب االحتياط شرعا كان واردا على حكم العقلفي المقام األولبقبح العقاب بال بيان رافعا لموضوعه، الختصاص الحكم

المذكور بما إذا لم يهتم الشارع األقدس بحفظ التكاليف______________________________

.30 من أبواب صفات القاضي حديث: 12 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).3 من أبواب تروك اإلحرام حديث: 45 باب: 9( الوسائل ج: 2 )

181، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الواقعية و لم يلزم بالتحفظ عليها. كما أن األدلة الشرعية المتقدمة مختصة بذلك،

على ما سبق عند التعرض لها. بل يظهر من شيخنا األعظم قدس سره أن العقاب مع قيام الدليل على وجوب

االحتياط يكون عقابا على ما يعلم و ورد به البيان، ألن الدليل المذكور يوجب كون الشيء معلوم الوجوب بعنوان كونه مجهول الحكم، و إن لم يكن معلوم الوجوب

بعنوانه األولي. لكنه يشكل بأن وجوب االحتياط و إن كان معلوما حينئذ إال أنه وجوب طريقي ال يكون موضوعا للعقاب و الثواب، بل موضوعهما التكليف الواقعي

المجهول المنجز بسبب وجوب االحتياط.و أما ما ذكره بعض األعاظم قدس سره من أن وجوب االحتياط تكليف نفسي.

Page 103: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

فهو تكلف مخالف لظاهر األدلة اآلتية المسوقة له جدا. و مثله ما يظهر من بعض األعيان المحققين قدس سره من أن دليل وجوب

االحتياط يكون بيانا للتكليف المجهول في فرض وجوده. إذ فيه: أن دليل وجوب االحتياط ال يصلح لبيان الواقع، بل هو متمحض في بيان الوظيفة في ظرف الجهل

به.و كيف كان فاألصل الثانوي الشرعي في المقام هو البراءة.

و قد استدل عليه باألدلة الشرعية الثالثة.األول: الكتاب.

و يستدل منه بآيتين:� إال ما آتاهااألولى: قوله تعالى: ه نفسا ف الل «1 » ال يكل

بناء على أن المراد باإليتاء في التكاليف اإلعالم بها و إيصالها للمكلف، فتدل علىعدم التكليف بما لم يصل المكلف، و حيث ال يراد به عدم فعليته واقعا، الستلزامه

______________________________.7( سورة الطالق اآلية: 1 )

182، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج التصويب، فالمتعين حمله على رفعه ظاهرا و عدم تنجزه، على ما تقدم عند الكالم في حقيقة األصول غير التعبدية من مبحث الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري. و

حينئذ تكون اآلية معارضة ألدلة وجوب االحتياط المقتضية لتنجز الواقع في ظرفالجهل به، كما تقدم.

و دعوى: ظهور اآلية في توقف المؤاخذة على قيام الحجة في الجملة و إن كانت على وجوب االحتياط، و ال داللة لها على لزوم بيان التكليف المؤاخذ به، كما ذكره بعض األعاظم قدس سره. ممنوعة جدا، لتعلق اإليتاء فيها بنفس التكليف الملزم

به، الظاهر في إرادة إيصاله بنفسه. و مثله ما ذكره بعض األعيان المحققين قدس سره من ظهورها في عدم صلوح

التكليف الواقعي غير الواصل بنفسه لإللزام و المؤاخذة، ال مطلقا، فال تنافي ترتب اإللزام و المؤاخذة عليه بضميمة وجوب االحتياط. الندفاعه بظهورها في اعتبار

وصول التكليف بنفسه في ترتب اإللزام و المؤاخذة عليه، فال يكفي وجوب االحتياط في ذلك بعد أن لم يكن مقتضيا لوصول التكليف. و من ثم كان الظاهر تمامية داللة

اآلية في المقام لو تم كون المراد باإليتاء هو اإلعالم في المقام. لكن الظاهر عدم تمامية ذلك، ألن حقيقة اإليتاء اإلعطاء، فال بد إما من حمله على ذلك مع حمل الموصول على المال، و يرجع التكليف به للتكليف بإنفاقه، أو حمله على اإلقدار مجازا مع حمل الموصول على الفعل، و يكون التكليف به حقيقيا. و

لينفق ذوكالهما مناسب لورود القضية مورد التعليل لما قبلها و للسياق. قال تعالى:� إال ما ه نفسا ف الل ه ال يكل سعة من سعته و من قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الل

� ه بعد عسر يسرا .آتاها سيجعل اللو إن كان األول أقرب، ألنه المعنى الحقيقي، و لما يستلزمه الثاني من

183، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج اختالف معنى اإليتاء و متعلقه في الموردين. و مجرد كون الثاني أشمل ال يقتضي

ظهور القضية فيهبعد ما ذكرنامع كون األول ارتكازيا مثله. غاية األمر أن منشأ توقف

Page 104: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

التكليف بالمال على إعطائه و إيتائه هو امتناع التكليف بغير المقدور، فعدم التكليف بغير المقدور منشأ للتعليل الذي تضمنته اآلية الشريفة، ال أنه مؤدى بها بنفسها. و

كيف كان فاآلية أجنبية عما نحن فيه من عدم تنجز التكليف بما ال يعلم. و أما ما ذكره بعض األعاظم قدس سره من أن إيتاء كل شيء بحسبه، فإيتاء المال بإعطائه، و إيتاء العمل فعال أو تركا باإلقدار عليه، و إيتاء التكليف بإيصاله و اإلعالم

به. فيندفع بأن اإليتاء لغة و عرفا اإلعطاء، و تعذره باإلضافة إلى غير المال من األمور

المذكورة إنما يقتضي حمله على غير معناه لو ثبت إرادتها، و ال ملزم بها في المقام، بل مقتضى أصالة الحقيقة عدمها. و ال سيما مع قضاء قرينة السياق بإرادة المال، حيث يلزم من إرادتها معه حينئذ االستعمال في المعنى الحقيقي و المجازي

معا، و التحقيق امتناعه. و خصوصا مع أن عدم تعلق التكليف بالتكليف المجهول يراد به عدم الكلفة به ظاهرا بلحاظ المؤاخذة، و عدم تعلقه بالمال يراد به عدم

التكليف به واقعا حقيقة. هذا و قد يدعى إمكان االستدالل باآلية بضميمة معتبر عبد األعلى: »قلت ألبي عبدالله عليه السالم: أصلحك الله هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟ قال:

� إال وسعهاال. قلت: فهل كلفوا المعرفة؟ قال: ال، على الله البيان ه نفسا ف الل ال يكل� إال ما آتاهاو ه نفسا ف الل .«1 »« ال يكل

لكنه يندفع بأن المعرفةالتي سأل عن التكليف بهابنفسها غير مقدورة______________________________

ص:1 ج: 5( الكافي كتاب التوحيد باب: البيان و التعريف و لزوم الحجة حديث: 1 )163.

184، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج لإلنسان إال بنصب الحجة، فال يحتاج االستشهاد في الحديث باآلية الشريفة إلى إرادة

اإلعالم في اإليتاء فيها، بل هو بمعنى اإلقدار أو اإلعطاء.قونالثانية: قوله تعالى: ن لهم ما يت ى يبي � بعد إذ هداهم حت ه ليضل قوما و ما كان الل

«1» بتقريب ظهورها في عدم تحقق الخذالن إال بعد البيان، و حيث كان الخذالن من

سنخ الجزاء و المؤاخذة في الدنيا فيتعدى منه للعقاب األخروي بمناسبة ظهور كون القضية ارتكازية، فال تختص بموردها، كما يناسبه ظهور التركيب المذكور في أن

النسبة ال ينبغي أن تقع، على نحو ما ذكرناه في اآلية األولى. هذا و لو أريد من اإلضالل الحكم بالضالل، أو اإلضالل عن الثواب و الجنةكما فسره به في مجمع

البيانفاألمر أظهر. ثم إن ظاهر اآلية الشريفة لزوم بيان األحكام الواقعية، ألنها هي موضوع التقوى، و

هيناسبه ما في ذيل معتبر عبد األعلى المتقدم: »و سألته عن قوله: و ما كان اللقون ن لهم ما يت ى يبي � بعد إذ هداهم حت قال: حتى يعرفهم ما يرضيه و ماليضل قوما

. فيناسب األصل الثانوي«3 »، و نحوه الموثق عن حمزة بن الطيار«2 »يسخطه«الذي هو محل الكالم.

و ربما استدل ب آيات أخر قاصرة الداللة ال مجال إلطالة الكالم فيها.الثاني: السنة. و قد استدل منها بأحاديث ..

Page 105: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

األول: حديث الرفعالمروي بطرق متعددة و متون مختلفة زيادة و نقصانا.

منها صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السالم: »قال: قال رسول الله صلى اللهعليه و آله: رفع

______________________________.115( سورة التوبة اآلية: 1 ) ص:1 ج: 5( الكافي كتاب التوحيد باب: البيان و التعريف و لزوم الحجة حديث: 2 )

163. ص:1 ج: 3( الكافي كتاب التوحيد باب: البيان و التعريف و لزوم الحجة حديث: 3 )

163.185، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

عن أمتي تسعة أشياء الخطأ و النسيان و ما أكرهوا عليه و ما ال يعلمون و ما ال يطيقون و ما اضطروا إليه و الحسد و الطيرة و التفكر في الوسوسة في الخلق

. و في بعض طرقه أنها ستة، منها ما ال«1 »]الخلوة. خ. ل[ ما لم ينطقوا بشفة«.«2 »يعلمون

وجه االستدالل به: أن ظاهره بدوا كون الخطأ و الجهل و النسيان سببا في رفع التكليف واقعا، حيث تقدم في أوائل الفصل الثالث من مباحث القطع إمكان ذلك

في الجملة. و ال سيما مع كون الرفع في بقية الفقرات واقعيا. إال أن ذلك حيث كان منافيا لما هو المتسالم عليه من اشتراك األحكام بين العالم و الجاهل و الملتفت و

الغافل، فال بد من حمله على الرفع الظاهري الراجع لعدم اهتمام الشارع بحفظ الحكم الواقعي في ظرف الجهل به المستلزم لعدم وجوب االحتياط فيه و الراجع

للبراءة. بل قد يقرب ذلك بما يناسب السياق في بقية الفقرات بأن مصحح إسناد الرفع

للتسعة ليس إال رفع الكلفة الحاصلة بسببها و الثقل الناشئ منها بلحاظ استتباعها العقاب و المؤاخذة و نحوهما مما يترتب على الحكم و لو بضميمة وصوله. إال أن ذلك مع العلم بالتكليفبسبب العلم بتشريعه و موضوعه- مستلزم عرفا الرتفاعه،

للغوية التكليف الواصل عرفا مع السعة من هذه الجهة، كما هو الحال في الفقرات الستة األخر. أما في الجهل و الخطأ و النسيان فالرفع من الحيثية المذكورة ال

يستلزم عرفا ارتفاع الحكم الواقعي، بل يقتضي التأمين من التبعة المذكورة الذي هو مرجع البراءة من دون أن يستلزم لغوية ثبوت التكليف الواقعي، فالفرق بين

الفقرات ليس في األمر المرفوع بالمطابقة، بل______________________________

.1 من أبواب جهاد النفس حديث: 56 باب: 11( الوسائل ج: 1 ).3 من أبواب كتاب األيمان حديث: 16 باب: 16( الوسائل ج: 2 )

186، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جفي الزمه ال غير.

و دعوى: أن الرفع بالمعنى المذكور مع الجهل و أخويه يكفي فيه حكم العقل بقبحالعقاب بال بيان بال حاجة للرفع الشرعي، و ظاهر الحديث إرادة الرفع الشرعي.

Page 106: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

مدفوعة بأن سلطان الشارع على إيجاب االحتياط الرافع لحكم العقل المذكور مصحح لنسبة الرفع إليه، لكونه مستندا إليه في المرتبة الثانية و إن كان مستندا

للعقل في المرتبة األولى. و بما ذكرنا يظهر أنه ال حاجة إلى إضمار المؤاخذة أو بقية اآلثار، لما في اإلضمار

من العناية و التكلف، بل ارتفاعها مصحح إلسناد الرفع للتسعة المذكورة عرفا مندون حاجة للتقدير.

كما ال حاجة إلى تكلف أن المرفوع حقيقة هو إيجاب االحتياط و التحفظ، بدعوى أنه هو الذي يكون رفعه و وضعه بيد الشارع، و نسبة الرفع للحكم الواقعي المجهول

بالعرض و المجاز، بعناية أن منشأ رفع وجوب االحتياط منع تأثير مالك الحكم الواقعي عن تأثيره. على أنه يشكل بأن العناية المذكورة ال تصحح نسبة الرفعللحكم عرفا و لو مجازا، و ما ذكرناه في وجه إسناد الرفع للتسعة هو األظهر. هذا و قد يدعى اختصاص الحديث بالشبهة الموضوعية، و قصوره عن الشبهة

الحكمية، التي هي المقصودة باألصل في محل الكالم، لما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من أن الظاهر من الموصول في: »ما ال يعلمون« بقرينة بقية

الموصوالت هو الموضوع، و هو فعل المكلف غير المعلوم، كالفعل الذي ال يعلم كونه شرب الخمر أو شرب الخل، فال يشمل الحكم غير المعلوم، كحرمة شرب

التتن.187، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و فيه: أن االضطرار و أخواته إنما تتعلق بالموضوع بذاته، ال بعنوانه، أما العلم فهو يتعلق بالموضوع بعنوانه بمفاد كان الناقصة، فيعلم مثال بأن الشيء خمر أو مضر أو

حرام، و العنوان المناسب للرفع في المقام هو العنوان المنتزع من التكليف، ألنه المنشأ للضيق و التبعة، و بقية العناوينكالخمرية و النجاسة- ال تكون منشأ لهما إال

بلحاظ استتباعها له، و ال سيما مع عدم الجامع العرفي لها إال بمالحظته، فيكونمالحظة عنوان التكليف أظهر و أشمل.

فيراد حينئذ ما ال يعلمون تعلق التكليف به إيجابا أو تحريما، أو ما ال يعلمون حرمته فعال أو تركا، و مثل ذلك كما يصدق على الموضوع الجزئي في الشبهة الموضوعية

يصدق على الموضوع الكلي، كالتتن و لحم األرنب. بل يصدق على الموضوعالجزئي مع اختالف منشأ الشك من حيثية الشبهة الموضوعية و الحكمية معا.

بل حيث اختلف األمور المذكورة في كيفية التعلق بالموضوع فال مجال لمالحظة قرينة السياق، بل األقرب حمل الموصول في »ما ال يعلمون« على العنوان ابتداء،

لصحة إسناد العلم و الجهل إليه عرفا، و إن كان تعلقهما حقيقة بمفاد كان الناقصة، و حينئذ يتعين لحاظ العنوان المنتزع من التكليف، ألنه المناسب للرفع، كما تقدم. و مرجعه إلى حمل الموصول على الحكم. و نظير »ما ال يعلمون« في جميع ما ذكرنا

الخطأ و النسيان. و هناك بعض الوجوه األخرى ال مجال إلطالة الكالم فيها مع ضعفها في نفسها و

وضوح اندفاعها بمالحظة ما سبق في تقريب االستدالل بالحديث. و من ثم ال ينبغيالتأمل في تمامية داللة الحديث الشريف على المطلوب.

هذا و قد تصدى غير واحد للكالم في بعض الجهات المتعلقة بالحديث الخارجة عنمحل الكالم استطرادا. و ال بأس بمتابعتهم في ذلك تتميما للفائدة.

Page 107: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

188، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جو ذلك بالكالم في أمور ...

]الكالم في مفاد الرفع[ األول: ذكر غير واحد أن الرفع في المقام تشريعي راجع إلى تنزيل األمور المذكورة

منزلة العدم شرعا،لعدم ترتب األحكام و اآلثار الشرعية معها.

و لكنه قد يتم لو كان البيان بلسان النفي المطلق، نظير »ال شك لكثير الشك«، أما حيث كان بلسان الرفع فهو ظاهر في رفع الكلفة و التبعة المترتبة على الفعل أو

التكليف، برفع مثل المؤاخذة األخروية و الدنيويةبمثل الحدود و التعزيرات و الكفارات، و نفوذ مثل العقود و اإلقرار و نحوها مما هو من سنخ تبعة الفعلدون بقية اآلثار الخارجة عن ذلك، كالنجاسة بمثل المالقاة خطأ أو اضطرارا، و تحريم الحيوان

بمخالفة شروط التذكية، من دون فرق في ذلك بين الفقرات. نظير ما ذكرناه في محله في رفع القلم عن الصبي و أخويه. غايته أن الرفع بلحاظ المؤاخذة ال يستلزم

في الخطأ و الجهل و النسيان إال عدم وجوب االحتياط من دون أن يقتضي ارتفاعالتكليف واقعا، و في بقية الفقرات مستلزم الرتفاع التكليف، كما تقدم.

و أما ما يظهر من بعض األعاظم قدس سره من أن الرفع فيما ال يعلمون ظاهري، و في الخطأ و النسيان واقعي. فهو غير ظاهر المنشأ، بعد مشاركتهما للجهل في

كفاية الرفع الظاهري في رفع الكلفة و التبعة، و ليسا هما كاالضطرار و بقية المرفوعات مما يجتمع مع العلم بالواقع و االلتفات إليه، كي يتعذر معه الرفع الظاهري. مضافا إلى أن الرفع الواقعي فيهما مناف لمفروغية األصحاب من

اشتراك األحكام بين العالم و الجاهل و الملتفت و الغافل. و على ما ذكرنا تنزل صحيحة صفوان و البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه

السالم: »في الرجل يستكره على اليمين، فيحلف بالطالق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك؟ فقال: ال، قال رسول الله صلى الله عليه و آله: وضع عن أمتي

ما أكرهوا189، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

. فإن نفوذ اليمين لما كان من سنخ التبعة«1 »عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطئوا« شرعا كان مرفوعا باإلكراه بمقتضى حديث الرفع، و ال يتوقف رفعه على تنزيل

الحديث على رفع تمام األحكام و اآلثار الشرعية. و بذلك يظهر الوجه في عدم سقوط اإلعادة و القضاء باإلخالل ببعض األجزاء أو

الشروط جهال، فإن وجوبهما ليس من سنخ التبعة المترتبة على اإلتيان بالعمل الناقصكالكفارةبل هو من باب لزوم امتثال التكليف الواقعي بوجهه الواقعي و عدم

سقوطه عقال أو شرعا.الثاني: الظاهر اختصاص الحديث بما إذا كان الرفع امتنانيا،

ألنه المنصرف منه. بل حيث كان ظاهرا في أنه من خواص هذه األمة المرحومة تعين كونه امتنانيا في حقها بمجموعها، فال يشمل ما لو كان منافيا لالمتنان في حق بعضها، كما لو أكره على اإلضرار بالغير، فإنه يتعين عدم الرفع، و بقاء التحريم في

مثل ذلك، إذ ال امتنان على األمة في التخفيف عن بعضها بنحو يستلزم اإلضرارباآلخرين.

Page 108: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و قد ذكروا أن ذلك هو الوجه في عدم سقوط الضمان باإلتالف خطأ أو اضطرارا أو غير ذلك. لكن الظاهر قصور الحديث عن رفع الضمان ابتداء، لما سبق من

اختصاص الحديث برفع الكلفة الحاصلة من المؤاخذة و ثبوت تبعة العمل على الفاعل، و الظاهر أن الضمان ليس من سنخ التبعة، كالكفارة و الحد، بل هو ثابت

بمالك تدارك ضرر الغير و خسارته.الثالث: الظاهر أن الحديث كسائر العمومات قابل للتخصيص،

فال مانع من عدم الرفع في بعض الموارد للدليل الخاص، كما ثبت وجوب االحتياطقبل الفحص في الشبهة الحكمية، و وجوب التحفظ عن النسيان في األحكام

______________________________.12 من أبواب كتاب األيمان حديث: 12 باب: 16( الوسائل ج: 1 )

190، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالكلية، و وجوب الكفارة في بعض موارد الخطأ، كالقتل، و غير ذلك.

و أما ما يظهر من بعض األعيان المحققين قدس سره من قصور الحديث عن الرفع مع التقصير في الجهل و النسيان، لعدم منافاة فعلية التكليف لالمتنان، حيث ال يأبى العقل ذلك. فهو كما ترى، إذ عدم إباء العقل عن فعلية التكليف ال ينافي كون رفعه امتنانيا لما فيه من السعة، و لذا يكون الرفع امتنانيا في موارد الجهل مع عدم إباء العقل عن إيجاب االحتياط فيها، و في موارد الحرج مع عدم إباء العقل عن فعلية

التكليف فيها. و مثله ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من خروج مثل وجوب كفارة الخطأ عن موضوع الحديث، الختصاصه باآلثار الثابتة لذات الموضوع مع قطع النظر عن الخطأ

و النسيان و نحوهما مما تضمنه الحديث، دون ما يثبت بتوسط أحد العناوينالمذكورة فيه، كما هو الحال في الكفارة المذكورة و في وجوب سجود السهو.

إذ هو إنما يتم لو كان مفاد الحديث رفع األحكام و اآلثار بلسان نفي الموضوع، نظير ما تضمن أنه ال شك لكثير الشك، حيث يختص الرفع حينئذ باآلثار الثابتة للموضوع بإطالقه، دون ما ثبت في خصوص حال ثبوت العنوان الرافع. لكن تقدم في األمر األول المنع من ذلك، و أن الرفع بلحاظ رفع الكلفة من حيثية المؤاخذة و التبعة، حيث ال إشكال في كون ثبوت الكفارة و لو في حال الجهل فقط من سنخ التبعة

فثبوتها مناف للحديث، و ال يكون إال بتخصيصه. نعم ال مجال لذلك في سجود السهو، لعدم كونه من سنخ التبعة، بل يظهر من دليله

أن اإلتيان به إلرغام الشيطان، فال يكون مشموال للحديث.الثاني من األحاديث المستدل بها في المقام: ]حديث الحجب[

الصحيح عن أبي الحسن زكريا بن يحيى عن أبي عبد الله عليه السالم: »قال: ماحجب الله علمه عن العباد فهو

191، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج . فإنه ظاهر في أن الحكم الواقعي المجهول موضوع عن«1 »موضوع عنهم«

المكلفين، فيدل على عدم وجوب االحتياط و يعارض أدلته لو تمت. و مما تقدم فيحديث الرفع يظهر عمومه للشبهة الحكمية و الموضوعية معا.

و قد استشكل في االستدالل المذكور شيخنا األعظم قدس سره بأن الظاهر مما حجب الله علمه ما لم يبينه للعباد، ال ما بينه و اختفى عليهم بسبب من عصى في

Page 109: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

تضييع الحق، فهو مساوق لما عن أمير المؤمنين عليه السالم من قوله: »إن الله حد حدودا فال تعتدوها، و فرض فرائض فال تنقصوها، و سكت عن أشياء لم يسكت

.«2 »عنها نسيانا فال تكلفوها، رحمة من الله لكم، فاقبلوها« و فيه: أن منشأ الظهور المذكور إن كان هو نسبة الحجب له تعالى، فيكون كناية

عن عدم إيصال الحكم للرسل أو عدم أمرهم بتبليغه، فالظاهر أنه يكفي في صحة النسبة استناد الفعل له سبحانه، بتقدير أسبابه، و لو بتوسط الناس، كما هو الحال

في نسبة الرزق و االبتالء و نحوهما إليه تعالى. و إن كان منشؤه ظهور فرض الحجب عن العباد في إرادة جميعهم الراجع لعدم تصديه سبحانه لبيان الحكم حتى للرسل، فالظاهر أن العموم في العباد ليس مجموعيا بل انحالليا، راجعا إلى وضع

التكليف عن كل من حجب عنه، نظير العموم في حديث الرفع، ألن ذلك هوالمناسب لكون القضية ارتكازية.

الثالث: ]أحاديث اإلطالق[ »ما عن الفقيه: »قال الصادق عليه السالم: كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي«

، و ما عن أمالي الشيخ بسنده عنه عليه السالم: »األشياء مطلقة ما لم يرد«3 ، و عن عوالي الآللي: »كل شيء مطلق حتى يرد فيه نص««4 »عليك أمر و نهي«

. قال«5»______________________________

.28 من أبواب صفات القاضي حديث: 12 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).61 من أبواب صفات القاضي حديث: 12 باب: 18( الوسائل ج: 2 ).60 من أبواب صفات القاضي حديث: 12 باب: 18( الوسائل ج: 3 ).6 من أبواب صفات القاضي حديث: 12( مستدرك الوسائل باب: 4 ).8 من أبواب صفات القاضي حديث: 12( مستدرك الوسائل باب: 5 )

192، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج شيخنا األعظم قدس سره بعد ذكر مرسل الفقيه: »و داللته على المطلوب أوضح

من الكل. و ظاهره عدم وجوب االحتياط، ألن الظاهر إرادة ورود النهي في الشيء من حيث هو، ال من حيث كونه مجهول الحكم. فإن تم ما سيأتي من أدلة االحتياط

داللة و سندا وجب مالحظة التعارض بينها و بين هذه الرواية و أمثالها«.و ما ذكره قريب جدا.

لكن قد يستشكل في داللة الحديث بوجهين األول: ما أشار إليه المحقق الخراساني قدس سره من أنه يكفي في ورود النهي وروده إلى بعض المكلفين و إن خفي

على غيرهم، و من الظاهر مالزمة احتمال التكليف غالبا الحتمال ورود النهي بالنحو المذكور و لو بنحو العموم، و ال سيما لو أريد من المكلفين ما يعم المعصومين

عليهم السالم. إال أن يتمم االستدالل بضميمة أصالة عدم ورود النهي، و هو أمرآخر.

و فيه: أن الورود و اإلطالق لما كانا أمرين إضافيين، فالظاهر من إطالقهما في الحديث كون رافع اإلطالق في حق كل شخص ورود النهي له، ال أن ورود النهي

لبعض المكلفين رافع لإلطالق في حق غيره، خصوصا في هذه القضية االرتكازية. و ال سيما مع ظهوره في ضرب القاعدة العملية المناسب لتيسر االطالع علىموضوعها للعامل بها، و المتيسر لكل شخص إدراك ورود النهي له ال لغيره.

Page 110: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الثاني: أن ورود النهي يراد به .. تارة: وصوله للمكلف، كما إذا عدي للمكلف بنفسهأو بالالم.

و أخرى: ما يساوق تشريعه في حقه و إن لم يصل إليه، بلحاظ أن التكليف لما كان قائما بين المولى و العبد، فكما يصدق بجعل المولى له صدوره منه يصدق وروده

على العبد، بمعنى صيرورته في ذمته، و إن لم يعلم193، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بذلك. و على األول ينفع الحديث فيما نحن فيه. أما على الثاني فيكون أجنبيا عنه، واردا

لبيان أن األشياء بطبعها على السعة ما لم يشرع النهي فيها، فيرجع إلى أصالة اإلباحة بالمعنى األول المتقدم عند الكالم في أن األصل هو الحظر أو اإلباحة في

األمر الثالث من التمهيد لمباحث األصول. و ال يخفى أن المعنى األول هو المتعين في مرسل العوالي، ألن النص ليس أمرا مجعوال، فال بد أن يراد بوروده وصوله. أما مرسل الفقيه و نحوه فهو ال يخلو عنإجمال من هذه الجهة، و ال معين فيه ألحد المعنيين بعد حذف متعلق الورود فيه. و فيه: أنه ال فائدة ببيان المعنى الثاني بعد ورود الشريعة و عدم خلو الوقائع عن

األحكام الشرعيةكما نبه لذلك غير واحد من مشايخنافال مجال لحمل الحديث عليه، بخالف ما لو أريد بيان الوظيفة الظاهرية، حيث يترتب العمل على ذلك، فيحسن

بيانه و يتعين حمل الحديث عليه.الرابع: صحيح عبد الرحمن بن الحجاج

عن أبي إبراهيم عليه السالم: »سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة، أ هي ممن ال تحل له أبدا؟ فقال: ال، أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي

عدتها، و قد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك. فقلت: بأي الجهالتين يعذر، بجهالته أن ذلك محرم عليه أم بجهالته أنها في عدة؟ فقال: إحدى الجهالتين أهون من األخر، الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه، و ذلك بأنه ال يقدر على االحتياط

معها. فقالت: و هو في األخرى معذور؟ قال: نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في.«1 »أن يتزوجها«

حيث يتجه االستدالل به بناء على أن قوله عليه السالم: »فقد يعذر الناس في______________________________

.4 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث: 17 باب: 14( الوسائل ج: 1 )194، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الجهالة بما هو أعظم من ذلك« إشارة إلى القضية االرتكازية المقتضية لعموم العذر حتى باإلضافة إلى عدم العقاب، و عدم اختصاصه بعدم الحرمة المؤبدة، فيكون

واردا لبيان األصل الثانوي، و دليال على عدم االحتياط بقرينة المورد، لكون الجهالة المفروضة فيه هي الجهالة بالحكم الواقعي، و هو حرمة التزويج في العدة، ال

بالحكم الظاهري، ليكون واردا لبيان األصل األولي الذي يرفعه دليل االحتياط. كماأنه نص في العموم للشبهة الموضوعية و الحكمية.

لكنه يشكل بانصراف الجهالة في الصحيح إلى الغفلة و اعتقاد الحل خطأ، نظير ما تقدم في صحيح عبد الصمد من أدلة األصل األولي. و ال سيما مع التعليل فيه بأنه ال

يقدر على االحتياط، ضرورة القدرة على االحتياط مع االلتفات و الشك.

Page 111: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الخامس: صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السالم: »قال: كل شيء فيه حالل و حرام فهو لك حالل أبدا

، و عن الذكرى االستدالل به في المقام.«1 »حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه« »و نحوه خبر عبد الله بن سليمان و مرسل معاوية بن عمار الواردان في الجبن

2». و قد استشكل فيه شيخنا األعظم قدس سره بأن الحديث حيث تضمن فرض

انقسام الشيء فعال للحالل و الحرام فالظاهر منه كون االنقسام المذكور هو منشأ اشتباه حال المشكوك، و ذلك إنما يتم في الشبهة الموضوعية، كالشبهة في الجبن

الذي يعلم أن قسما منه حرام فيه ميتة، و قسما حالل ال ميتة فيه، فيشتبه حكم بعض أفراده لتردده بين القسمين. و أما الشبهة الحكمية فهي ناشئة دائما عن فقد

الدليل، ال عن االنقسام المذكور و إن كان موجودا، فالحيوان و إن كان______________________________

.1 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4 باب: 12( الوسائل ج: 1 ).7، 1 من أبواب األطعمة المباحة حديث: 61 باب: 17( الوسائل ج: 2 )

195، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج منقسما إلى الحرام و الحالل، كالضأن و الخنزير، إال أن انقسامه ال يكون منشأ

الشتباه الحال في بعض أفراده األخر كاألرنب، بل الشك فيه ناشئ عن فقد الدليلعليه و لو مع عدم االنقسام المذكور.

و قد حاول بعض األعيان المحققين قدس سره دفع ذلك بأن االنقسام للحرام و الحالل قد يكون منشأ للشك في الشبهة الحكمية، كما لو كان القسمان مجملين

باإلضافة إلى بعض األصناف، حيث يكون االنقسام منشأ للشك في حكم الشبهة بين القسمين، كالصيد حال اإلحرام، حيث يحرم منه صيد البر و يحل صيد البحر، فلو

كان فرض إجمال القسمين، بحيث يتردد حال صيد الحيوان الذي يعيش في البحر والبركالسلحفاة و الضفدعبينهما كان من ذلك.

لكن ما ذكره قدس سرهلو تمال ينافي انصراف إطالق الحديث للشبهة الموضوعية، لندرة الفرض الذي ذكره و الغفلة عنه عرفا. مضافا إلى أن الحديث في نفسه

ظاهر في عدم منجزية العلم اإلجمالي، و حيث ال يمكن االلتزام بظاهره فالمتعين حمله على الشبهة غير المحصورة التي تخرج بعض أطرافها عن االبتالء كما يأتي

عند الكالم في حكم المخالفة القطعية للعلم اإلجمالي، و ذلك إنما يكون خارجا في الشبهة الموضوعية بسبب كثرة أفراد العناوين المشتملة على الحرامكالجبن و

اللحمو ال يكون في الشبهات الحكمية.السادس: موثق مسعدة بن صدقة

عن أبي عبد الله عليه السالم: »كل شيء هو لك حالل حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، و

المملوك عندك لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك و هي أختك »أو رضيعتك. و األشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة«

، و داللته على األصل الثانوي«1______________________________

.4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4 باب: 12( الوسائل ج: 1 )

Page 112: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

196، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جظاهرة، و ال سيما بمالحظة األمثلة.

و لكن ال عموم فيه للشبهة الحكمية بلحاظ األمثلة المذكورة، الحتمال سوقها مساق الشرح للقاعدة، ال لمجرد التمثيل، فإن قوله عليه السالم: »و ذلك مثل ...« ظاهر

في حصر مفاد القاعدة بما يكون مثل األمور المذكورة، و حينئذ يحتمل كوناالشتباه في الموضوع مأخوذا في المماثلة التي قيد بها العموم.

بل ذكر البينة في ذيل الحديث يناسب اختصاصها بالشبهة الموضوعية، لوضوح كونها هي المرجع فيها، و أما في الشبهة الحكمية فالمرجع خبر الثقة، الذي يلغو معه ذكر البينة، كما سبق عند الكالم في حجية االطمئنان. و مثله في ذلك حديث عبد الله بن

سليمان عن أبي عبد الله عليه السالم في الجبن: »قال: كل شيء لك حالل حتى.«1 »يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة«

هذا و قد أشار شيخنا األعظم قدس سره لإلشكال في األمثلة المذكورة بأن الحل فيها ليس مستندا ألصالة الحل، بل ألصول و قواعد حاكمة و مقدمة عليها، و هي

اليد في األولين، و أصالة عدم االنتساب و عدم الرضاع في الثالث، و مع قطع النظر عنها فاألصل ال يقتضي الحل بل الحرمة، ألصالة عدم تملك الثوب و أصالة

الحرية في اإلنسان، و عدم الزوجية في المرأة. و يندفع أوال: بأن نسبة األمارة أو األصل الحاكم إلى األصل المحكوم نسبة الحكم الثانوي للحكم األولي، و الحكم الثانوي و إن كان هو األقوى، فيقدم على الحكم األولي مع االختالف بينهما، إال أنه ال يوجب قصور موضوع الحكم األولي ذاتا عن

شمول المورد، بل يبقى موضوعه ثابتا و يتبعه الحكم اقتضاء، بل فعال مع الموافقة بينهما، و إنما يسقط عن الفعلية مع االختالف بينهما، لكون موضوع الحكم الثانوي

من سنخ المانع من تأثير موضوع الحكم______________________________

.2 من أبواب األطعمة المباحة حديث: 61 باب: 17( الوسائل ج: 1 )197، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

األولي له. ففي المقام التصرف في الثوب مثال بلحاظ كونه أمرا مشكوك الحرمة يكون مجرى ألصالة الحل، و بلحاظ استصحاب عدم تملك الثوب يكون محكوما بالحرمة ظاهرا، و بلحاظ كونه مورد اليد يكون محكوما بالحلية ظاهرا، و الثالث حاكم على الثاني و

مانع من فعليته، و مع سقوطه عن الفعلية يرتفع المانع من فعلية األول، و يصيراألول فعليا كالثالث.

و حينئذ ال مانع من إغفال األمارة أو األصل الحاكم و التنبيه لألصل المحكوم، لكون تفهيمه للخطاب أيسر، أو لكونه مورد الحاجة، كما في مورد الحديث، حيث احتيج

لتوضيح أصالة الحل بالتمثيل، و ال سيما مع صعوبة فرض مثال ال يكون مجرىألمارة أو أصل حاكم موافق أو مخالف.

نعم إذا كانت األمارة أو األصل الحاكم الجاري فعال مخالفا لألصل المحكوم عمال كان التنبيه على المحكوم و إغفال الحاكم إغراء بالجهل و مستلزما لإليقاع في

خالف الوظيفة الفعلية. و من الظاهر عدم لزومه في المقام.

Page 113: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و ثانيا: أن اإلشكال المذكور ال يمنع من االستدالل بالموثق، لقوة ظهوره في إرادة أصالة الحل. و غاية ما يلزم إجمال وجه التمثيل باألمثلة المذكورة، و هو ليس

محذورا مانعا من االستدالل في المقام. و دعوى: أن األمثلة المذكورة توجب ظهور الموثق في إرادة الحلية المستندة لليد

أو االستصحاب، ال المستندة ألصالة الحل التي هي محل الكالم. مدفوعة أوال: بأنه ال جامع عرفي بين األمرين، فال مجال لحمل القاعدة المضروبة في صدر الموثق و المشار إليها في ذيله على ذلك. و ثانيا: بأن الموثق إن حمل

على التنبيه لالستصحاب و اليد بعد الفراغ عن جريانها و تحقق موضوعها كان واردامورد اإلرشاد، و هو خالف ظاهره جدا، بل هو ظاهر في

198، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج التأسيس و ضرب القاعدة الشرعية التي يرجع إليها في مقام العمل، و ذلك يقتضي

تحديد موضوعها، و ال إشارة في الموثق لموضوع قاعدتي اليد و االستصحاب، بلظاهره كون الموضوع صرف الشك، و ليس هو إال موضوع قاعدة الحل.

هذا تمام ما عثرنا عليه من النصوص العامة المستدل بها في المقام. و قد ظهر أن ما يدل على البراءة في الشبهة الحكمية خصوص الثالثة األول، و أن عمدتها األول، و هو حديث الرفع، لقوة داللته و سنده معا. كما أن صحيح عبد الله بن سنان و ما

بعده تنهض دليال على البراءة في الشبهة الموضوعية فقط. نعم هي تختلف عن الثالثة األول بنهوضها بالتعبد بالحل، أما الثالثة األول فهي إنما

تدل على السعة في مقام العمل من دون تعبد بأحد طرفي الشك.و من ثم عدت األول من أدلة البراءة، و عدت األخيرة من أدلة قاعدة الحل.

و تفترق الطائفتان بأن الثانية تنهض بإحراز آثار الحل الشرعية، بخالف األولى.تتميم ]االستدالل على البراءة باستصحاب عدم التكليف[

قد يستدل في المقام باالستصحاب، بلحاظ أن التكليف المشكوك أمر حادث مسبوق بالعدم، للعلم بعدم التكليف عند فقد شروطه العامةكالبلوغ- أو الخاصة كالوقت فيستصحب العدم المذكور بعد ذلك، بناء على ما هو التحقيق من جريان

االستصحاب في األمور العدمية. و بعبارة أخرى: بعد أن كانت السعة مقتضى األصل األولي العقلي، و ال يخرج عنها إال بالتكليف الشرعي، فاستصحاب عدم التكليف و التعبد به شرعا يقتضي السعة المذكورة و يطابق البراءة عمال و إن خالفها مفادا.

نعم مع تعاقب حالتي التكليف و عدمه و الجهل بالتاريخ ال مجال لذلك، على ما يذكرفي مبحث االستصحاب.

و دعوى: أن ما يترتب على االستصحاب المذكور من السعة في مقام199، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

العمل ثابت بنفس الشك عقال و شرعا، بناء على ما تقدم من جريان البراءة العقليةو الشرعية، فيكون التعبد باالستصحاب لغوا، لخلوه عن الفائدة.

مدفوعة بأن السعة و إن كانت ثابتة مع الشك بناء على البراءة، إال أنها بمالك عدم تحقق شرط استحقاق العقاب، و هو تنجز التكليف، أما مع عدم التكليفالشرعي

فالسعة بمالك عدم المقتضي الستحقاق العقاب، فالتعبد بعدم التكليف باالستصحاب أو بغيرهتعبد بعدم المقتضي، و ذلك كاف في رفع لغوية التعبد المذكور عرفا و إن

كانا مشتركين في األثر.

Page 114: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و لو ال ذلك المتنع التعبد بالحلية و اإلباحةالتي هي من سنخ المقتضي لعدماالستحقاقبطريق األصل، بل حتى بطريق األمارة و الحجج المثبتة لها.

بل امتنع جعل اإلباحة و الترخيص ثبوتا، لعدم األثر العملي للجميع إال السعة عمال و عدم استحقاق العقاب اللذين يترتبان بمجرد الشك و عدم وصول المنع الشرعي. و

ال رافع للغوية إال ما ذكرنا من اختالف مالك السعة في مقام العمل، و منشأ عدماستحقاق العقاب.

و ما ذكرناه هو العمدة في دفع محذور اللغوية، ال ما قد يستفاد من غير واحد من أن األثر في ظرف جريان االستصحاب يكون مستندا له ال للشك بنفسه، حيث يكون

االستصحاب رافعا حقيقة للشك الذي هو موضوع البراءة العقلية و رافعا تعبدا للشك الذي هو موضوع البراءة الشرعية. إذ فيه: أن ذلكلو تمال يرفع محذور لغوية

التعبد باالستصحاب بعد كون األثر المترتب عليه مترتبا مع عدمه.االحتياط

و حيث انتهى الكالم في أدلة البراءةفينبغي الكالم فيما استدل به على أدلة االحتياط.

فقد استدل عليه باألدلة الثالثة ..200، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الدليل األول: الكتاب الشريف. و قد استدل منه بآيات كثيرة. و لعل عمدتها ما تضمن النهي عن القول بغير علم، و

ما تضمن األمر بالتقوى. و تقريب االستدالل باألولى: أن الحكم بترخيص الشارع لمحتمل الحرمة قول بغير

علم، و افتراء عليه، ألنه لم يأذن فيه. قال شيخنا األعظم قدس سره: »و ال يرد ذلك على أهل االحتياط، ألنهم ال يحكمون بالحرمة، و إنما يتركون الفعل الحتمال

الحرمة، و هذا بخالف االرتكاب، فإنه ال يكون إال بعد الحكم بالرخصة و العمل علىاإلباحة«.

أقول: الترك الحتمال الحرمة إن كان لحكم العقل فهومع ابتنائه على ما يأتي الكالم فيه، و خروجه عن االستدالل بالكتابقد يجري مثله من القائلين بالبراءة، حيث يمكن استنادهم للبراءة العقلية لو لم يتم الدليل على البراءة الشرعية. و إن كان لدعوى حكم الشارع به فال بد من االستناد فيه للعلم، كالقول بالبراءة الشرعية، الذي سبق

االستدالل له بأدلة شرعية معتبرة، و ليس هو قوال بغير علم. و تقريب االستدالل بالثانية: أن االحتياط في الشبهة مقتضى التقوى لله تعالى. و

فيه: أن التقوى عبارة عن التوقي و التحرز عن عقابه تعالى، فيختص بالشبهة التي يحتمل معها العقاب، و مع تمامية أدلة البراءة العقلية و الشرعية يؤمن من العقاب

و ال موضوع معه للتقوى. هذا مع النقض على االستدالل بكلتا الطائفتين بما هو المتسالم عليه من جريان

البراءة في الشبهة الموضوعية، و ما هو المعروف من األخباريين أنفسهم من جريانها في الشبهة الوجوبية الحكمية، حيث ال مجال اللتزام تخصيص عموم

الطائفتين المتقدمتين بأدلة البراءة في الموردين المذكورين، إلباء العموم المذكورعن التخصيص جدا، فال بد من البناء على ارتفاع موضوعه باألدلة

201، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 115: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

المذكورة و ورودها عليه، و مثله يجري في الشبهة التحريمية الحكمية.الدليل الثاني: السنة.

و يظهر حال االستدالل بما تضمن النهي عن القول و العمل بغير علم مما تقدم فياالستدالل بالكتاب. فالعمدة في المقام طائفتان:

األولى: ما تضمن النهي عن األخذ بالشبهة و األمر بالتوقف و الكف عنها. و هي نصوص كثيرة بألسنة مختلفة ال مجال الستقصائها تعرض شيخنا األعظم

قدس سره لجملة منها، و ذكر كثيرا منها في الباب الثاني عشر من أبواب صفات القاضي من الوسائل. قال شيخنا األعظم قدس سره: »و ظاهر التوقف المطلق

السكون و عدم المضي، فيكون كناية عن عدم الحركة بارتكاب الفعل، و هو محصل قوله عليه السالم في بعض تلك األخبار: الوقوف عند الشبهات خير من االقتحام في

الهلكات. فال يرد على االستدالل أن التوقف في الحكم الواقعي مسلم عند كال الفريقين، و اإلفتاء بالحكم الظاهري منعا أو ترخيصا مشترك كذلك. و التوقف في

العمل ال معنى له«. لكن يشكل االستدالل المذكور بأن التأمل في النصوص الكثيرة قاض بأن المراد بالشبهة ليس مجرد احتمال التكليف الواقعي من دون حجة عليه الذي هو محل

الكالم، بل أحد أمرين: األول: ما يعمل به أهل البدع و نحوهم ممن ال يتحرج، مما هو ليس بحجة، كالقياس

و االستحسان. و يظهر إرادة ذلك مما عن رسالة المحكم و المتشابه عن أمير المؤمنين عليه السالم قال في حديث طويل: »فاعلم أنا لما رأينا من قال بالرأي و القياس قد استعملوا الشبهات في األحكام لما عجزوا عن عرفان إصابة الحكم ...«

«1».و مرسل البرقي: »قال أبو جعفر عليه السالم: ال تتخذوا من دون الله وليجة فال

______________________________.38 من أبواب صفات القاضي حديث: 6 باب: 18( الوسائل ج: 1 )

202، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج تكونوا مؤمنين، فإن كل سبب و نسب و قرابة و وليجة و بدعة و شبهة باطل

.«1 »مضمحل إال ما أثبته القرآن« و مقبولة عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السالم: »قال: ... قال رسول الله

صلى الله عليه و آله: حالل بين، و حرام بين، و شبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات،

، فإن األخذ بالشبهة ليس بارتكابها،«2 »و من أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات ...«بل باتباعها.

و خبر سالم بن المستنير عن أبي جعفر عليه السالم: »قال: قال جدي رسول الله صلى الله عليه و آله: أيها الناس حاللي حالل إلى يوم القيامة، و حرامي حرام إلى

يوم القيامة، أال و قد بينهما الله عز و جل في الكتاب، و بينتهما لكم في سنتي و سيرتي، و بينهما شبهات من الشيطان و بدع بعدي، من تركها صلح له أمر دينه و صلحت له مروته و عرضه، و من تلبس بها ]و[ وقع فيها و اتبعها كان كمن رعى

.«3 »غنمه قرب الحمى ...«

Page 116: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و ما عن تفسير العياشي عن الرضا عليه السالم: »إن هؤالء قوم سنح لهم.«4 »الشيطان اغترهم بالشبهة و لبس عليهم أمر دينهم ...«

و ما عن تفسير القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السالم: »في قولهئات ...تعالى: ي ذين كسبوا الس » قال: هؤالء أهل البدع و الشبهات و الشهوات« و ال

، فإن الظاهر من أهل الشبهات من يعرفون بالعمل بها«6 »، و نحوه خبره اآلخر«5و ترويجها كالبدع.

و كأنه إلى هذا المعنى يشير ما عن نهج البالغة: »و قال عليه السالم: و إنما سميتالشبهة شبهة ألنها تشبه الحق، فأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين، و دليلهم

______________________________ من أبواب صفات القاضي حديث:12 باب: 18( الوسائل ج: 6- 5- 4- 3- 2- 1 )6 ،9 ،47 ،49 ،52 ،53.

203، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج.«1 »سمت الهدى، و أما أعداء الله فدعاؤهم فيها الضالل و دليلهم العمى«

الثاني: مجرد عدم تشخيص الوظيفة الفعلية و لو كانت ظاهرية في مقابل العمل على بصيرة. و يستفاد هذا المعنى من مقابلة الشبهة بالبينة في مرسل موسى بن بكر عن أبي جعفر عليه السالم في حديثه مع زيد: »قال ... فإن كنت على بينة من ربك و يقين من أمرك و تبيان من شأنك فشأنك، و إال فال ترومن أمرا أنت منه في

. و مقابلتها بالحجة في عهد أمير المؤمنين عليه السالم لألشتر:«2 »شك و شبهة« »قال عليه السالم: اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ... أوقفهم في

.«3 »الشبهات و آخذهم بالحجج« هذا و ال يخفى التناسب بين المعنيين. و على أحدهما يمكن حمل بقية نصوص

المقام. و إرادة خصوص الجهل بالحكم الواقعي من الشبهة اصطالح متأخر ال ملزم بحمل النصوص المذكورة عليه. و مجرد مقابلتها في مثل حديث التثليث بالحالل

البين و الحرام البين ال يقتضيه، لقرب حملهما على ما يعم تبين الوظيفة الظاهرية،ليطابق النصوص الكثيرة المتقدمة و يالئمها.

و يناسب ذلك أمران: أحدهما: أن المنسبق من النصوص المستدل بها التنبيه إلى أمر ارتكازي إرشادي، و

من الظاهر أن األمر االرتكازي هو الوقوف عند الشبهة بالمعنى الذي ذكرناه، ال بالمعنى الذي يريده المستدل، بل هو أمر تعبدي شرعي، قابل للتخصيص، و قد

التزموا بتخصيصه في بعض الموارد. ثانيهما: أن ظاهر كثير من نصوص المقام المفروغية عن منجزية الشبهة، ال الحكم

بمنجزيتها تعبدا و تأسيسا، فإن قولهم عليهم السالم في غير واحد من النصوص:»الوقوف عند الشبهة خير من االقتحام في الهلكة«. ظاهر في

______________________________ ،10، 20 من أبواب صفات القاضي حديث: 12 باب: 18( الوسائل ج: 3 و 2 و 1 )

18.204، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المفروغية عن تعرض المتورط في الشبهة للهلكة، و أن األمر بالتوقف لمحضاإلرشاد لذلك، و ليس هو واردا لبيان منجزية الشبهة تعبدا، بخالف ما لو قيل:

Page 117: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ال عذر في الشبهة، بل قد يهلك العامل بها. و الفرق بين التعبيرين نظير الفرق بينقولنا في مقام األمر بالحمية: قلة األكل أهون من عالج المرض، و قولنا:

اإلكثار من األكل معرض للمرض. و كذا قولهم عليهم السالم: »من أخذ بالشبهات وقع في المحرمات و هلك من

حيث ال يعلم« ظاهر في المفروغية عن ترتب الهالك مع الوقوع في الحرام الذييتعرض له اآلخذ بالشبهة، ال في بيان تعرض اآلخذ بالشبهة للهالك تعبدا.

و حينئذ حيث ال مفروغية عن منجزية الشبهة بالمعنى المدعى للمستدل تعين حملهاعلى المعنى الذي ذكرناه، ألنه هو الذي يكون تنجز التكليف معه مفروغا عنه.

و من هنا ال تنهض النصوص المذكورة بإثبات وجوب االحتياط تعبدا في مورد الشك في التكليف الواقعي، لينهض بمعارضة أدلة البراءة الشرعية، بل هي واردة لإلرشاد

إلى عدم جواز اعتماد غير الحجة في مقام العمل و لزوم كون العمل على بصيرةمن دون فرق بين أقسام الشبهة الموضوعية و الحكمية.

و من الظاهر أن ذلك ال ينافي أدلة البراءة المتقدمة، بل تكون تلك األدلة واردة عليه، رافعة لموضوعه، حيث يكون العمل معها على السعة عن بصيرة و حجة

مؤمنة من العقاب على تقدير مخالفة التكليف الواقعي. نعم في صحيح مسعدة بن زياد عن الصادق عليه السالم عن النبي صلى الله عليه و

آله: »أنه قال: ال تجامعوا في النكاح على الشبهة، وقفوا عند الشبهة. يقول: إذا بلغك أنك قد

رضعت من لبنها و أنها لك محرم و ما أشبه ذلك، فإن الوقوف عند الشبهة خير205، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

. و هي ظاهرة في لزوم التوقف مع احتمال الحرمة،«1 »من االقتحام في الهلكة«و أن المراد بالشبهة ذلك.

لكن حيث تقدم ظهور الشبهة فيما يتنجز الواقع معه فهي محمولة على المفروغية عن وجوب االحتياط في النكاح ألدلة أخر. أو على اإلرشاد بلحاظ المشاكل المترتبة

على تقدير انكشاف الحال التي ال ينفع فيها عدم تنجز التكليف و وجود المعذر، والتي هي ألهميتها يصح إطالق الهلكة عليها توسعا.

أو على الكراهة بلحاظ أهمية أمر النكاح في ارتكازيات المتشرعة. و يناسب األخيرين ما تقدم في موثق مسعدة بن صدقة من أدلة البراءة من النص

على جريان قاعدة الحل في ذلك، و ال سيما مع كون مورده الشبهة الموضوعيةالتي هي مجرى البراءة عند األخباريين. و كيف كان فال مجال للخروج به عما سبق.

الطائفة الثانية: ما تضمن األمر باالحتياط، كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج: »سألت أبا الحسن عليه السالم عن رجلين أصابا

صيدا و هما محرمان، الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما جزاء؟ قال: ال، بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد. قلت: إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه. فقال: إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم باالحتياط حتى تسألوا عنه

.«2 »فتعلموا« و موثق عبد الله بن وضاح: »كتبت إلى العبد الصالح عليه السالم: يتوارى القرص و يقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعا، و تستتر عنا الشمس، و ترتفع فوق الجبل حمرة،

و يؤذن عندنا المؤذنون، أ فأصلي حينئذ، و أفطر إن كنت صائما؟ ...

Page 118: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

.«3 »فكتب إلى: أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة، و تأخذ بالحائطة لدينك«______________________________

.2 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 157 باب: 14( الوسائل ج: 1 ).1 من أبواب صفات القاضي حديث: 12: باب: 18( الوسائل ج: 2 ).14 من أبواب المواقيت حديث: 16 باب: 3( الوسائل ج: 3 )

206، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و خبر الجعفري عن الرضا عليه السالم: »أن أمير المؤمنين عليه السالم قال لكميل

، و ما أرسله الشهيد عن الصادق«1 »بن زياد: أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت« ، و ما أرسله عن«2 »عليه السالم: »لك أن تنظر الحزم و تأخذ بالحائطة لدينك«

عنوان البصري عنه عليه السالم: »سل العلماء ما جهلت، و إياك أن تسألهم تعنتا و تجربة، و إياك أن تعمل برأيك شيئا، و خذ باالحتياط في جميع أمورك ما تجد إليه

. و«3 »سبيال، و اهرب من الفتيا هربك من األسد، و ال تجعل رقبتك عتبة للناس« ما أرسل عنهم عليهم السالم: »ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل االحتياط«

«4». لكن ال عموم في الصحيح ينفع فيما نحن فيه. و لعل األمر باالحتياط فيه لكون

المراد بقوله عليه السالم: »بمثل هذا« هو السؤال عما ال يعلم، الذي يجب فيه االحتياط بترك الجواب، أو االبتالء بمثل واقعة الصيد مما ال يعلم حكمه مع إمكان

الفحص، الذي يجب فيه االحتياط عمال. و مثله في ذلك الموثق، لظهوره في السؤال عن حكم الشبهة الموضوعية في

دخول الليل الذي ال إشكال في أن مقتضى استصحاب النهار فيه وجوب االنتظار. و لو احتمل بعيدا السؤال فيه للشبهة الحكمية، الحتمال دخول الليل بسقوط القرص، فحيث لم يكن الجواب باالحتياط وظيفة اإلمام عليه السالم، بل وظيفته رفع الشبهة ببيان الحكم الواقعي، أمكن أن يكون التعبير باالحتياط ألجل التقية، إليهام أن الوجه في التأخير هو حصول الجزم بغيبوبة القرص، ال عدم االكتفاء به في جواز الصالة و

اإلفطار.______________________________

،58، 41 من أبواب صفات القاضي حديث: 12 باب: 18( الوسائل ج: 4 و 3 و 1 )54. ( ذكره شيخنا األعظم قدس سره في الرسائل في ضمن أخبار االحتياط في2 )

المقام. و لم نعثر عليه فيما تيسر لنا من مصادر الحديث، و إنما عثرنا على من عبربذلك من مشايخ الحديث عند إجازة الرواية.

207، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و دعوى: أن قوله عليه السالم: »و تأخذ بالحائطة لدينك« مسوق مساق التعليل،

فيتعدى منه لجميع موارد الشبهة. مدفوعةمضافا إلى أنه ال يبلغ مرتبة الظهور الحجةبأن ظاهر االحتياط في الدين هو االحتياط الذي يلزم من تركه تعرض الدين

للخطر، المختص بما إذا تنجز الواقع، كما يناسبه مورده الذي تقدم أن االحتياط فيه مطابق لالستصحاب عمال، و ال ينهض بنفسه لبيان تنجز الواقع، نظير ما تقدم في

أخبار الشبهة.

Page 119: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و منه يظهر الجواب عن خبر الجعفري و مرسل الشهيد عن الصادق عليه السالم و المرسل األخير. مع أنه ال ظهور لها في الوجوب، بل الثاني ال يخلو عن إجمال، و

لعل فيه سقطا. و أما المرسل عن عنوان البصري، فهو ظاهر في وجوب االحتياط في كل شيء، و ال ريب في عدم وجوب ذلك تعبدا، فيتعين حمله على اإلرشاد إلى

لزوم الضبط و اإلتقان و لو بتحصيل الوظيفة الظاهرية التي يؤمن معها من العقاب.مضافا إلى ضعف الجميع.

الدليل الثالث: العقل.و قد يقرب إلزامه باالحتياط بوجهين:

األول: أن األصل في األفعال غير الضرورية الحظر. لكن يظهر الجواب عنه مما تقدم في األمر الثالث من األمور المتقدمة في التمهيد

لمباحث األصول. مضافا إلى أن األصل المذكور لو تم في نفسه فأدلة البراءة الشرعية واردة عليه

رافعة لموضوعه. الثاني: العلم اإلجمالي باشتمال الشريعة على تكاليف في الوقائع التي هي مورد

ابتالء المكلف، و حيث يحتمل كون مورد الشبهة منها وجب االحتياط فيه، لما يأتي إن شاء الله تعالى من منجزية العلم اإلجمالي ألطرافه، بنحو ال مجال معه للرجوع لألصول

الترخيصية.و قد أجاب عنه شيخنا األعظم قدس سره بمنع تعلق تكليف غير القادر على

208، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج تحصيل العلم بغير ما أدى إليه الطرق غير العلمية المنصوبة له، بل هو مكلف

بالواقع بحسب أداء هذه الطرق، بحيث يقيد بها، ألن ذلك هو مقتضى الجمع بين جعل التكاليف الواقعية و جعل الطرق الموصلة إليها، ال أن المكلف به هو الواقع

بنفسه، ليتنجز بالعلم اإلجمالي المذكور، و ال مؤدى الطرق بنفسه، ليلزم التصويبأو ما يشبهه مع خطئها.

لكنه في غاية اإلشكال، إذ ليس لسان أدلة جعل الطرق على الواقع تقييده بها، بحيث يسقط عن الفعلية في غير موردها، بل مجرد الحكاية بها عنه و إحرازه بها

إثباتا، مع فعليته في نفسه على تقدير عدم وصوله بها، فال مانع من تنجزه في غيرمواردها بالعلم اإلجمالي المذكور.

كيف؟! و ما ذكره مناف لإلجماع على اشتراك األحكام بين العالم و الجاهل و الملتفت و الغافل، بل الزمه عدم جريان األصول في غير موارد الطرق، للقطع

بعدم التكليف، و ال موضوع لها معه. فاألولى الجواب عن ذلكمضافا للنقض بالشبهة الوجوبيةبأن الطرق المذكورة و إن

لم تقتض اختصاص التكليف بمواردها، إال أنها لما كانت منجزة للتكليف في مواردها من دون أن يعلم بثبوت التكاليف في غيرها زائدا عليها، كانت مانعة من منجزية

العلم اإلجمالي المذكور، النحالله بها، على ما يأتي في التنبيه الخامس من الفصلالثاني إن شاء الله تعالى.

هذا تمام الكالم في حجج القائلين باالحتياط، و قد عرفت و هنها. فال مخرج عن أدلةالبراءة العقلية و الشرعية. و الحمد لله رب العالمين.

Page 120: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

209، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جبقي في المقام تنبيهات ..

]التنبيه[ األول: ال فرق في أدلة البراءة المتقدمة بين عدم النص و إجماله، لعدم صلوح النص المجمل للبيان، ليرتفع معه موضوع أدلة البراءة. و الظاهر عدم اإلشكال في ذلك لو كان اإلجمال ناشئا من إجمال ما يدل على الحكم، كما لو دار

األمر الوارد من الشارع بين الوجوب و االستحباب، أو النهي بين الحرمة و الكراهة. أما لو كان ناشئا من إجمال ما يدل على متعلق التكليفكما لو فرض إجمال لفظ

الغناء باإلضافة إلى بعض الموارد، أو إجمال العموم األفرادي بين األقل و األكثرفقد يتوهم لزوم االحتياط، لصلوح الدليل إلثبات التكليف بمتعلقه المجمل على ما هو

عليه، فيجب إحراز الفراغ عنه باالحتياط. و فيه: أن أخذ العنوان اللفظي في متعلق التكليف ليس إال بلحاظ حكايته عن معناه

و ما أريد منه، فليس المكلف به إال المعنى، و حيث فرض إجمال العنوان فهو ال يصلح للبيان باإلضافة إلى مورد الشك و إن احتمل إرادته واقعا، بل يبقى التكليف

به خاليا عن الدليل، و مشموال ألدلة البراءة. التنبيه الثاني: الشبهة الموضوعية و إن كانت خارجة عن محل الكالم إال أن أدلة

البراءة المتقدمة شاملة لها، بل هي المتيقن من بعضها على ما سبق. كما تضمنت جملة من النصوص جريان

البراءة فيها في الموارد المتفرقة، و لعله لذا حكي اإلجماع على عدم وجوباالحتياط فيها حتى من األخباريين.

لكن قد يدعى أنه مع فرض ورود البيان الشرعي على التكليف الكلي يتنجز التكليف في األفراد الواقعية، و ال مجال لجريان البراءة في موارد الشك، الحتمال وجود

التكليف الواقعي المنجز فيها. إال أنه يندفع بأن جعل الحكم الكلي الذي تتضمنه الكبريات الشرعية ال يقتضي

التكليف الفعلي الصالح لالشتغال و المقتضي لالمتثال إال بفعلية210، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

موضوعه في صغرياته المختلفة، و التكليف الفعلي المذكور ال يكفي في بيانه و تنجزه بيان الكبرى، بل ال بد معه من العلم بفعلية الموضوع و تحقق الصغرى، و

بدونها يدخل المورد في أدلة البراءة. التنبيه الثالث: ال ريب في الخروج عن أصالة البراءة باألصول المنقحة لموضوع

التكليف، كاستصحاب النجاسة في الماء الحاكم على أصالة البراءة من حرمة شربه، كما هو

الحال في جميع األصول الموضوعية مع األصول الحكمية، على ما يأتي في محله من مبحث التعارض إن شاء الله تعالى. أما مع عدم جريان األصل الموضوعي

فمقتضى ما سبق الرجوع للبراءة. و ربما يخرج عن ذلك في موردين: األول: ما لو أحرز مقتضي التحريم و شك في وجود المانع من دون أن يحرز عدمه،

حيث يظهر من بعض كلماتهم في الموارد المتفرقة البناء على الحرمة و عدم الرجوع للبراءة بدعوى بناء العقالء على العمل على طبق المقتضي ما لم يحرز

المانع. و هو المراد بقاعدة المقتضي في كالم بعضهم. لكن لم يتضح بناء العقالءعلى الكلية المذكورة، بل لو ثبت ذلك في بعض الموارد فهو لخصوصية فيها.

Page 121: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الثاني: ما ذكره بعض األعاظم قدس سره من أن تعليق الحكم الترخيصي التكليفي أو الوضعي كالطهارة على عنوان وجودي مالزم عرفا للبناء على عدمه عند عدم

إحراز ذلك العنوان، و أنه ال بد في البناء على الترخيص حينئذ من إحراز ذلك العنوان و لو باألصل، و بدونه يتعين البناء على عدم الترخيص و لو لم يحرز عدم العنوان

المذكور. أقول: ال ريب في أن إحراز الحكم الواقعي و التعبد به ترخيصيا كان أو إلزاميا

متفرع على إحراز موضوعه، و ال مجال له بدونه، لكون التمسك بعموم دليله مععدم إحراز موضوعه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية من طرف

211، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج العام الذي ال يصح بال كالم. إال أنه مع عدم إحراز وجود موضوع الترخيص و ال إحراز عدمه حيث يشك في ثبوت الترخيص و يتردد األمر بينه و بين التكليف، يدخل المورد

في عموم أدلة البراءة المقتضي للسعة الظاهرية و إن لم يحرز الترخيص الواقعيالمستفاد من عموم دليله.

فإن كان مراده ظهور دليل الحكم المذكور في إيجاب االحتياط شرعا مع عدم إحراز الموضوع تخصيصا ألدلة البراءة، أو ظهوره في تعبد الشارع ظاهرا بعدم

الترخيص أو بعدم موضوعه عند الشك، كأصل خاص في المسألة يكون حاكما على أصل البراءة. فهو ممنوع جدا، لعدم تضمن الدليل إال لجعل الحكم الواقعي على

موضوعه من دون نظر لحال الشك. و إن كان مراده بناء العقالء على ذلك كأصل عقالئي خاص يتعين الجري عليه ما لم

يردع الشارع عنه. فهو غير ثابت، و ال واضح المنشأ. هذا و قد فرع قدس سره على ذلك أن األصل الحرمة في الدماء و الفروج و

األموال. قال الكاظمي في تقريره لدرسه: »فإن الحكم بجواز الوطء مثال قد علق على الزوجة و ملك اليمين، و الحكم بجواز التصرف في األموال على كون المال

مما قد أحله الله، كما في الخبر: ال يحل مال إال من حيث أحله الله، فال يجوز الوطء أو التصرف في المال مع الشك في كونها زوجة أو ملك يمين أو الشك في كون

المال مما قد أحله الله«.ذين هم لفروجهمو ال إشكال في أن الفروج من صغريات ما ذكره لقوله تعالى: و ال

هم غير ملومين »فمن ابتغى حافظون* إال على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإن . حيث علق الحل و الترخيص على عنوان وجودي«1 »وراء ذلك فأولئك هم العادون

هو الزوجية أو ملك اليمين.______________________________

.7- 5( سورة المؤمنون اآلية: 1 )212، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

لكن ال حاجة للتشبث في وجه االحتياط بما ذكره مع جريان استصحاب عدم كون المرأة زوجة أو ملك يمين، لكفاية االستصحاب المذكور في إحراز عدم الحل، و أما

مع عدم جريانه، لتعاقب الحالتين و الجهل بالتاريخ، فالظاهر أن وجوب االحتياط ليس لما ذكره، بل لالرتكازيات المتشرعية الكاشفة عن اهتمام الشارع األقدس

بالواقع بنحو يمنع من اإلقدام من دون إحراز السبب المحلل، و يكون هذا مخصصالعموم أدلة البراءة.

Page 122: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

بل قد يستفاد ذلك من األمر بحفظ الفرج عن غير الزوجة و ملك اليمين، ألن حفظ الفرج عن غير الزوجة و ملك اليمين ليس عبارة عن مجرد عدم االستمتاع به واقعا، بل هو عبارة عن التحفظ على الفرج من ذلك و التوقي منه، الراجع لالحتياط فيه. و

ال مخرج عنه إال أن تحرز الزوجية باالستصحاب أو غيره. و يجري نظير ذلك في من أن ذلك هو«1 »وجوب حفظ الفرج من النظر، بناء على ما في بعض النصوص

قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم و يحفظواالمراد من حفظ الفرج في قوله تعالى: . و من«2 » و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن ...فروجهم

ثم ال يبعد القولبل قد قيل- بوجوب االحتياط بالتستر على من لم يأمن من الناظر وإن لم يعلم بوجوده.

بخالف غض النظر المحرم عن الجسد فإنه ال يجب إال مع العلم به، لعدم تضمن دليله الحفظ أو نحوه مما يقتضي االحتياط. و ربما يستفاد ذلك من بعض النصوص

الواردة في المقامين، و إن كان محتاجا إلى مزيد فحص و تأمل. و أما األموال فالحديث الذي استشهد به فيها هو قول اإلمام الرضا عليه السالم في

.«3 »كتابه الذي رواه محمد بن زيد الطبري: »ال يحل مال إال من وجه أحله الله«______________________________

.5، 3 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1 باب: 1( الوسائل ج: 1 ).31- 30( سورة النور اآلية: 2 ) من أبواب األنفال و ما يختص باإلمام من كتاب الخمس3 باب: 6( الوسائل ج: 3 )

.2حديث: 213، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و من الظاهر أن العنوان المذكور ليس موضوعا بنفسه للحلية شرعا، كي يشهد لما ذكره من تعليق الحلية على أمر وجودي، بل هو منتزع من األسباب المختلفة

المأخوذة بعناوينها الخاصة في موضوع الحلية، من دون أن ينافي كون بعضها عدميا.كما أنه لم يتعرض للدماء.

و الالزم فيها و في األموال النظر في أسباب تحليلها و تحريمها، فمع إحراز أحد األمرين بأصل أو غيره يتعين العمل عليه، و مع عدمه فمقتضى القاعدة الرجوع

لألصول العامة الجارية في الحكم من استصحاب أو براءة أو غيرهما، و عدم الخروج عن ذلك إال بدليل خاص من إجماع أو ارتكاز أو غيرهما. و استيفاء ذلك في

الفروع المختلفة ال يسعه المقام، بل يوكل للفقه.التنبيه الرابع: ال ريب في حسن االحتياط في الشبهة البدوية عقال

- و إن لم يكن الزما كما تقدمألنه نحو من االنقياد للمولى و مظهر من مظاهر العبودية له، كما تشهد بذلك المرتكزات العقلية و العرفية. و هو موجب الستحقاق الثواب، ال بمعنى لزومه على المولى، ألنه ال يجب حتى مع امتثال التكليف المنجز، بل بمعنى أهلية المحتاط و المنقاد للتفضل بالثواب المبني على الشكر و الجزاء، نظير أهلية المطيع للتكاليف المنجزة، و ليس إحسان المولى إليه ابتداء تفضل، كاالبتداء به على من لم يعمل شيئا أو كان عاصيا، كما تقدم في لواحق مبحث

التجري. و يناسب ما ذكرنا من حسن االحتياط نصوص قاعدة التسامح في أدلة السنن اآلتية،

لقوة ظهورها في اإلرشاد لالحتياط و حسنه في نفسه، و إن كان ما تضمنته من

Page 123: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

حصول الثواب الموعود بنفسه مما ال يحكم به العقل، و إنما هو تفضل منه تعالى بعد أهلية المحتاط له، لما سبق. و لذا جرت سيرة الفقهاء- خصوصا في العصور

المتأخرةعلى التنبيه لالحتياط، بل الحث عليه في موارد الفتوى بما يقتضي السعة.214، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و حيث عرفت ذلكفينبغي التعرض ألمور متعلقة بالمقام.

األمر األول: االحتياط و إن كان حسنا عقال، إال أنه قد يزاحم بما هو األهم، كاإلطاعة الحقيقية في األحكام االقتضائية المنجزة اإللزامية أو غيرها، فيلزم تركه أو

يرجح، و إن لم يخرج عن كونه حسنا في نفسه، نظير تزاحم االحتياطين غيرالالزمين، و تزاحم التكليفين المنجزين.

كما أنه يمكن الردع عنه شرعا، لعدم وفائه بالغرض، لتوقف الغرض على الجزم بالتكليف، أو الستلزامه محذورا الزم الدفع يكون مانعا من تمامية المالك و من

فعلية الحكم الواقعي في مورده. و مرجع الردع حينئذ إلى قصور التكليف الواقعي أو المكلف به عن صورة االحتياط و لو بنتيجة التقييد، فال يكون االحتياط طاعة له،

كي يكون انقيادا حسنا، و هو راجع إلى سد باب االحتياط، و إال فمع شمول التكليف أو المكلف به لصورة االحتياط بحيث يكون طاعة لو صادف الواقع يمتنع الردع عنه

مع حسنه عقال بمالك امتناع الردع عن الطاعة. إذا عرفت هذا فربما يستظهر من بعض النصوص الردع عن االحتياط أو عدم حسنه،

كصحيح البزنطي: »سألته عن الرجل يأتي السوق، فيشتري جبة فراء ال يدري أ ذكية هي أم غير ذكية، أ يصلي فيها؟ فقال: نعم، ليس عليكم المسألة، إن أبا جعفر عليه السالم كان يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إن الدين أوسع

و نحوه غيره مما تضمن النهي عن السؤال.«1 »من ذلك«و موثق بكير: »قال لي أبو عبد الله عليه السالم: إذا استيقنت أنك قد أحدثت

______________________________.3 من أبواب النجاسات حديث: 50 باب: 2( الوسائل ج: 1 )

215، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج.«1 »فتوضأ، و إياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت«

و خبر الحسن بن الجهم: »قلت ألبي الحسن عليه السالم: أعترض السوق فأشتري خفا ال أدري أ ذكي هو أم ال؟ قال: صل فيه. قلت: فالنعل؟ قال: مثل ذلك. قلت:

.«2 »إني أضيق من هذا. قال: أ ترغب عما كان أبو الحسن عليه السالم يفعله؟!« و مرسل الفقيه: »سئل علي عليه السالم أ يتوضأ من فضل وضوء جماعة

المسلمين أحب إليك أو يتوضأ من ركو أبيض مخمر؟ فقال: ال، بل من فضل وضوء.«3 »جماعة المسلمين، فإن أحب دينكم إلى الله الحنيفية السمحة السهلة«

و ما عن تفسير النعماني بإسناده عن علي عليه السالم في حديث طويل يتضمن الحث على التقية: »قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إن الله يحب أن يؤخذ

.«4 »برخصه، كما يحب أن يؤخذ بعزائمه« فإن النصوص المذكورة و نحوها مما يتضمن الحث على التيسير ظاهرة في عدم

رجحان االحتياط، بل بعضها ظاهر في مرجوحيته.

Page 124: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

لكن صحيح البزنطي و أمثاله بصدد التأكيد على حجية السوق، و الردع عن التزام التضييق، كالخوارج، فال ينافي حسن االنقياد باالحتياط من دون التزام و تضييق. كما

قد يحمل موثق بكير على ذلك أيضا. على أنه خاص بمورده، و ال مجال منه لغيره.______________________________

.7 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1 باب: 1( الوسائل ج: 1 ).9 من أبواب النجاسات حديث: 50 باب: 2( الوسائل ج: 2 ).3 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 8 باب: 1( الوسائل ج: 3 ).1 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 25 باب: 1( الوسائل ج: 4 )

216، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و أما خبر الحسن بن الجهم فهو ظاهر في الردع عن ضيق النفس من العمل

بأمارية السوق، الراجع لعدم سكون النفس للحكم الشرعي و المنافي للتسليم الكامل به، و هو ال ينافي رجحان االحتياط برجاء إدراك الواقع لمحض االنقياد مع

الطمأنينة و التسليم بالرخصة، كما قد يشهد به خبر أبي بصير: »سألت أبا عبد الله عليه السالم عن الصالة في الفراء. فقال: كان علي بن الحسين عليه السالم رجال

صردا ... فكان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصالة ألقاه و ألقى القميص الذي يليه، فكان يسأل عن ذلك فقال: إن أهل العراق

.«1 »يستحلون لباس جلود الميتة، و يزعمون أن دباغه ذكاته« و أما مرسل الفقيه فلعله وارد لدفع توهم كراهة الوضوء من فضل وضوء الغير، و بيان استحبابه بلحاظ مصلحة التيسير، من دون أن ينافي رجحان االحتياط بتجنب

الماء المذكور لو احتمل نجاسته. مع أنه لو كان رادعا عن االحتياط حينئذ، فال يدل على الردع عنه ذاتا، ليمنع من حسنه عقال، بل لمزاحمة مصلحة التيسير التي يهتم بها الشارع لحسن االحتياط، المستلزم لترجيح التيسير عقال مع أهميته من دون أن

ينافي حسن االحتياط في نفسه و مشروعيته، كما تقدم. و منه يظهر الحال فيما عن تفسير النعماني، ألن مجرد رجحان األخذ بالرخص

لمصلحة التيسير ال ينافي رجحان االحتياط أيضا بلحاظ مصلحة الواقع، و غاية ما يلزم التزاحم بين األمرين. على أنه قد يراد منه الرخص الواقعية بقرينة تطبيقه

على التقية، ال الظاهرية، لينفع فيما نحن فيه. فتأمل. على أن النصوص المذكورة واردة في الشبهة الموضوعية التي ورد التأكيد على

السعة فيها.______________________________

.2 من أبواب لباس المصلي حديث: 61 باب: 3( الوسائل ج: 1 )217، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و من هنا ال مجال للبناء على مرجوحية االحتياط في نفسه شرعا في الشبهة الموضوعية، فضال عن الحكمية. غاية األمر أنه ال بد من التسليم للترخيص الشرعي

الظاهري و سكون النفس له. كما أنه يرجح استعمال الرخص من أجل التيسير انتفاعا بنعمته تعالى و شكرا له على جعلها. و إن كان االحتياط أيضا حسنا، خصوصا

في الشبهة الحكمية. األمر الثاني: حيث سبق حسن االحتياط عقال فقد وقع الكالم بينهم في حسنه شرعا

و األمر به مولويا،

Page 125: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

فقد استفاضت النصوص المتقدمةالتي استدل بها األخباريون على وجوب االحتياطباألمر به و الحث عليه، و بعد فرض عدم حملها على الوجوب لتحكيم أدلة البراءة عليها فقد يستدل بها على استحباب االحتياط شرعا، لحمل األمر فيها على

المولوية على ما هو األصل في األوامر الشرعية.لكن ال يخفى أن النصوص المشار إليها طائفتان:

األولى: ما تضمن األمر به بمالك تحصيل الواقع المحتمل، مثل ما تضمن األمر باالحتياط و ما تضمن األمر بالوقوف عند الشبهة خوف الوقوع في المحرم و الهالك بذلك. و ال مجال لالستدالل بها على استحباب االحتياط في مورد البراءة، لما تقدم

من حملها على الشبهات المنجزة التي يكون االحتياط فيها الزما، و ال تجري معه البراءة، و هو المناسب لقوة ظهور بعضها في اإللزام، بسبب تضمنها التعرض

للهلكة مع األخذ بالشبهة. و أما ما يظهر من شيخنا األعظم قدس سره من حمل الهلكة فيها على مطلق ما

يترتب على االقتحام في الشبهة و مخالفة احتمال التكليف، فإن كانت الشبهة منجزة كان األثر العقاب، و إال كان األثر فوت التكاليف الواقعية و عدم االنقياد

بالحفاظ عليها. فهو مخالف للظاهر جدا، و إنما يمكن ذلك في خصوص218، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

النكاح، للنص الخاص، كما تقدم. على أن النصوص المذكورة ظاهرة في اإلرشاد دون المولوية، لظهورها في أن

منشأ األمر باالحتياط أهمية الواقع في حق المكلف بنحو ينبغي منه االهتمام بحفظه، كما هو ظاهر مثل قوله عليه السالم: »من أخذ بالشبهات ارتكب في

، و قوله عليه السالم: »أخوك دينك«1 »المحرمات و هلك من حيث ال يعلم« . فهي في مقام التنبيه ألمر معلوم ينبغي االهتمام به«2 »فاحتط لدينك بما شئت«

مع قطع النظر عنها، ال في مقام األمر لمالك خاص زائدا على ذلك قد ال يهتم المكلف بحفظه لو ال اهتمام الشارع به المستفاد من أمره، ليكون أمرا مولويا،

نظير كراهة مساورة الحائض المتهمة، و كراهة كسب الغالم، ألنه إن لم يجد سرق،و كسب الجارية، ألنها إن لم تجد زنت.

الثانية: ما تضمن األمر باالحتياط بمالك آخر غير تحصيل الواقع المشتبه، مثل قوله . و«3 »عليه السالم: »فمن ترك ما اشتبه عليه من اإلثم فهو لما استبان له أترك«

التعليل فيها ال ينافي االستحباب، كما ال ينافي المولوية، إلمكان اهتمام الشارع بالمالك المذكور بنحو يأمر باالحتياط مولويا من أجله، و ال دخل للمالك المذكور

بالواقع المحتمل، ليتعين حمل األمر على اإلرشاد لحسن االحتياط بتحصيله. لكن التعليل و إن لم يناف االستحباب إال أن ظاهر الشبهة أو المتيقن منها خصوص موارد تنجز التكليف، كما تقدم عند الكالم في االستدالل لوجوب االحتياط بالنصوص

المذكورة، فتخرج عن محل الكالم. على أن المالك المذكور مناسب لإلرشاد جدا،فإن البعد عن الحرام مما يحسن عقال، احتياطا

______________________________.9 من أبواب صفات القاضي حديث: 12 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).41 من أبواب صفات القاضي حديث: 12 باب: 18( الوسائل ج: 2 ).22 من أبواب صفات القاضي حديث: 12 باب: 18( الوسائل ج: 3 )

Page 126: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

219، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج للنفس، بمالك حسن الطاعة و تحفظا عليه. و معه يشكل ظهور األوامر المذكورة

في المولوية الراجعة إلى الخطاب به بداعي بيان مشروعيته و انتسابه للشارع، بحيث يكون مأتيا به ألجله، ليستحق به الثواب عليه زائدا عليا ألثر المذكور. و من

هنا يشكل حمل األوامر الشرعية باالحتياط على استحبابه شرعا مولويا، ليترتبعليه من الثواب ما ال يترتب مع قطع النظر عن الخطاب المذكور.

األمر الثالث: ]االحتياط في العبادات[ لما كان االحتياط هو متابعة التكليف المحتمل فال بد فيه من تحصيل تمام ما يعتبر

في الفعل الذي يتحقق به االمتثال المحتمل. و من هنا فقد يشكل األمر في العبادات بلحاظ توقف امتثالها على وقوعها بوجه عبادي، و ذلك ال يكون إال بقصد

امتثال األمر، المتوقف على إحرازه، و المفروض عدمه، ألن االحتياط فرع الشك. و قد أطال غير واحد في تقريب إمكان قصد األمر الوارد عليها من جهة أوامر الشارع

باالحتياط. لكن ال مجال له بعد ما سبق من أن أوامر الشارع باالحتياط إرشادية ال مولوية، و مختصة بالشبهات المنجزة دون غيرها. فالعمدة في دفع اإلشكال أن المعتبر في عبادية العمل وقوعه بوجه قربي، و يكفي في ذلك اإلتيان به برجاء

المطلوبية و امتثال األمر المحتمل، و ال يتوقف على إحراز األمر و الجزم بثبوته.على ما تقدم توضيحه في الفصل الخامس من مباحث القطع. فراجع.

األمر الرابع: ]المعيار في الترجيح بين وجوه االحتياط[ إذا تعددت جهات االحتياط فإن اختار المكلف المحافظة عليها جميعا فهو، و إال

فالظاهر الترجيح بينها ارتكازا بأحد أمرين األول: أهمية التكليف المحتمل، فكلما كان التكليف أهم كان االحتياط فيه أولى الثاني: قوة احتمال التكليف، فكلما كان

احتمال التكليف أقوى كان أولى بالمراعاة. و يظهر من بعض مشايخنا قدس سره ترجيح االستمرار على تبعيض االحتياط على

االحتياط التام المنقطع، لما تضمنته النصوص الواردة عنهم عليهم السالم من أن220، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

.«1 »القليل المدوم عليه خير من الكثير المنقطع لكنه يشكل بظهور النصوص المذكورة في الخير الشرعي و هو المشروع الواقعي،

دون مثل االحتياط مما هو حسن عقال، لما سبق من عدم ثبوت األمر به مولويا. على أنه ال يبعد ظهورها في أولوية القليل المدوم عليه من الكثير الذي ينقطع و

يهمل ضجرا و ملال، دون ما إذا كان انقطاعه لتعذره بعد استكمال الطاقة في الخير.بل لعل استحباب التعجيل بالخير يقتضي أولوية الكثير حينئذ.

فتأمل جيدا.األمر الخامس: ]قاعدة التسامح في أدلة السنن[

قد تضمن كثير من النصوص الحث على العمل الذي ورد عليه الثواب، كصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السالم: »قال: من بلغه عن النبي صلى الله عليه و آله شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له و إن كان رسول الله صلى الله

، و صحيحه اآلخر عنه عليه السالم: »قال: من سمع شيئا«2 »عليه و آله لم يقله« و معتبر«3 »من الثواب على شيء فصنعه كان له و إن لم يكن على ما بلغه«

محمد بن مروان عنه عليه السالم: »قال: من بلغه عن النبي صلى الله عليه و آله

Page 127: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي صلى الله عليه و آله كان له ذلك و غيرها.«4 »الثواب و إن كان النبي صلى الله عليه و آله لم يقله«

و قد يدعى ظهور هذه النصوص في حجية الخبر الدال على الثواب مطلقا، لصدق البلوغ عليه و إن كان ضعيفا في نفسه. و عليه تبتني قاعدة التسامح في أدلة

السنن التي عرفت بين األصحاب، و عليها جروا في فتاواهم، حيث يفتون باالستحباب اعتمادا على النصوص الضعيفة التي ال يعولون على مثلها في بقية

األحكام الشرعية. و كأن الوجه في استفادة حجية الخبر المذكور من هذه______________________________

حديث:28 من أبواب مقدمة العبادات، و باب: 21 باب: 1( راجع الوسائل ج: 1 )10..3 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 18 باب: 1( الوسائل ج: 2 ).6 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 18 باب: 1( الوسائل ج: 3 ).4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 18 باب: 1( الوسائل ج: 4 )

221، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج النصوص ظهور ذكر ترتب الثواب الموعود به في الحث على العمل بالخبر و

متابعته، و األمر بمتابعة الطريق و العمل عليه ظاهر في حجيته في نفسه.مناقشة داللة النصوص على القاعدة

لكنه يشكل بأن الحث على متابعة الطريق إنما يكون ظاهرا في حجيته إذا رجع إلى األمر باالعتماد عليه و البناء على تحقق مضمونه و تصديقه، و ال ظهور لنصوص المقام في ذلك، بل في الحث على متابعته لرجاء إدراك الواقع معه، و ال ظهور

لذلك في الحجية بوجه، بل ما تضمنته من التنبيه على احتمال خطأ الخبر ال يناسبلسان الحجية المبنية على إلغاء احتمال الخالف عمال.

و مثل ذلك في الضعف دعوى: أن هذه النصوص و إن لم تنهض بإثبات حجية الخبر الذي تضمن الثواب على العمل، إال أنها تنهض بإثبات استحباب نفس العمل الذي

بلغ الثواب عليه، لظهور الوعد بترتب الثواب على الفعل في مطلوبيته، كظهور الوعيد بترتب العقاب عليه في مبغوضيته، و لذا استفيدت المطلوبية و المبغوضية

شرعا لكثير من األمور من مجرد ورود الخبر بالوعد بالثواب و الوعيد بالعقاب عليها من دون أن يتضمن األمر بها أو النهي عنها، كالحج و زيارة المعصومين عليهم

السالم و اإلحسان للمؤمنين و اإلساءة لهم و شرب الخمر و غيرها. وجه الضعف: أن الوعد و الوعيد على الفعل إنما يدالن على األمر و النهي

المولويين إذا لم يكن لهما منشأ غيره، كما في الموارد المذكورة، دون ما إذا كان ألحدهما منشأ ارتكازي آخر ال يتوقف عليهما، كما هو في المقام، ألن بلوغ الثواب على الفعل لما كان مستلزما لبلوغ مطلوبيته شرعاو إن لم يكن حجة- فهو يوجب

كون اإلتيان بالفعل برجاء ذلك انقيادا للمولى يستحق به الفاعل الثواب في الجملةو إن لم يكن خصوص الثواب الموعود به، فلعل الوعد في

222، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج هذه النصوص بالثواب لذلك، ال لمطلوبية الفعل شرعا. و لذا ال يستفاد األمر

بالطاعة و النهي عن المعصية مولويا مما تضمن الحث و الزجر بطريق الوعد والوعيد.

Page 128: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و من هنا يتعين الجمود على مفاد هذه النصوص من ترتب الثواب على العمل المذكور، من دون أن يستفاد منها استحبابه، فضال عن حجية الخبر الدال على ترتب

الثواب عليه، بل تتمحض في اإلرشاد لحسن االحتياط و الحث على االنقياد، الذيهو حسن موجب الستحقاق الثواب.

و دعوى: أن العقل إنما يحكم بحسن االحتياط و االنقياد و استحقاق الثواب عليه في الجملة، ال خصوص الثواب الموعود فالحكم في هذه النصوص بترتب الثواب الموعود أمر زائد على ما يحكم به العقل، فال بد أن يكون مسوقا لبيان األمر

المولوي. مدفوعة بأنه بعد أن كان أصل االستحقاق بحكم العقل فتحديد الثواب المترتب ال يالزم األمر المولوي، بل قد يبتني على اإلرشاد لتقوية الداعوية العقلية نحو االنقياد، و ذلك ألن تحديد الثواب ليس من وظيفة العقل، و إنما يحكم بأصل

استحقاقه، و تحديده دائما تابع للشارع حتى في اإلطاعة الحقيقية، مع عدم اإلشكالفي أن تحديده فيها ال يكشف عن األمر المولوي.

بقي شيء ]في ثبوت الثمرة لتحديد مفاد النصوص عموما أو خصوصا[ و هو أنه قد تعرض جماعة للكالم في تحديد مفاد هذه النصوص و تشخيص ما هي

ظاهرة فيه عموما و خصوصا. و هو إنما ينفع لو كان مفادها شرعيا أصولياو هو حجية الخبر الذي تضمن ترتب

الثوابأو فرعياو هو استحباب العمل الذي بلغ عليه الثواب- ألن الظهور لما كان حجةفي نفسه أمكن االعتماد عليه في إثبات الحكم الشرعي

223، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جو التعبد به.

أما بناء على ما سبق من عدم تضمنها ذلك، بل مجرد الحث على االنقياد و االحتياطالذي هو حسن عقالو الوعد بفعلية الثواب عليه، فال أثر لتحديد ما هي

ظاهرة فيه، ألن حسن االنقياد عقلي ال يختص بموردها، بل يعم جميع موارد احتمالالحكم االقتضائي من الوجوب و االستحباب و غيرهما.

و ال تمتاز إال بالوعد بترتب الثواب في موردها، و ليس هو حكما شرعيا، كي تنهض الحجة بإثباته و تحديده، بل هو أمر واقعي تابع ثبوتا ألسبابه الواقعية، و ال أثر لقيام

الحجة عليه، كي ينفع تحديد مؤداها من حيثيته سعة و ضيقا. و دعوى: أن تحديد ما هي ظاهرة فيه ينفع في تحديد موضوع الثواب الموعود الذي

هو الداعي للعمل، و ذلك كاف في األثر العملي المصحح للبحث و الفحص. مدفوعة بأن ترتب الثواب الموعودالذي هو الداعي للعملتابع لصدور الوعد به،

بضميمة العلم بعدم خلفه تعالى للوعد، و داعويته فعال تابعة لقوة احتماله. و ال أثر لقيام الحجة في ذلك، بل لزوم تنفيذ الوعد تابع لصدوره واقعا قامت عليه الحجة أو

لم تقم، و مع عدم صدوره ال يلزم المولى بتنفيذه و إن قامت عليه الحجة. و إنماينفع قيامها في التعذير و التنجيز و ما يتبعهما من استحقاق العقاب و عدمه، ال غير. نعم قد ينفع تشخيص الظهور في قوة احتمال الوعد بالثواب الموجب لقوة الداعي

لالنقياد و إن لم يتيقن بترتب الثواب. كما قد يقوى احتمال ترتب الثواب ألسباب أخر غير الظهور، كحسن الظن به تعالى و الوثوق برحمته و لطفه بعبده إذا كان

متحريا لما يحبه و يرضاه متشبثا باحتمال الوعد و إن ضعف.224، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 129: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و حيث عرفت هذايقع الكالم في أمور ..

أولها: أن نصوص المقام مختصة بما إذا تضمن الخبر تحديد ثواب العمل، ال أصل ترتب الثواب عليه من دون تعيين له، كما هو ظاهر قوله عليه السالم في

صحيح صفوان: »من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل به ]فعمله. و قوله في صحيح هشام: »من سمع شيئا من الثواب على شيء«1 »خ. ل[ ...« و قوله عليه السالم في خبر محمد بن مروان: »من بلغه ثواب«2 »فصنعه ...«

.«3 »من الله على عمل فعمل ذلك العمل ...« نعم في صحيح هشام بن سالم اآلخر عن أبي عبد الله عليه السالم: »قال: من بلغه

و«4 »عن النبي صلى الله عليه و آله شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له ...« قد ذكر شيخنا األعظم قدس سره أن المراد من: »شيء من الثواب« بقرينة

ضمير: »فعمله« و إضافة األجر له هو الفعل المشتمل على الثواب. و حينئذ فهو بإطالقه يشمل العمل الذي بلغ ترتب الثواب عليه من دون تحديد. و يعضده إطالق ما عن اإلقبال عن الصادق عليه السالم: »قال: من بلغه شيء من الخير فعمل به

.«5 »كان له ذلك و إن لم يكن األمر كما بلغه« لكن كما يمكن توجيه الصحيح بما تقدم يمكن إبقاء الثواب فيه على حقيقته، و حمل

ضمير: »فعمله« على االستخدام، بأن يراد فعمل ما يوجبه، و حينئذ يتجه إضافة األجر إليه. و ال سيما مع قرب اتحاده مع صحيحه اآلخر المتقدم الذي ال إطالق فيه،

و االختالف بينهما بسبب النقل بالمعنى. و أما مرسل اإلقبال فضعفه مانع من االستدالل به، و ال سيما مع قرب رجوعه للنصوص المسندة، و كونه منقوال بالمعنى.

و من هنا ال مجال الستفادة عموم النصوص، لما إذا بلغ أصل الثواب من دونتحديد.

______________________________ ،6، 1 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 18 باب: 1( الوسائل ج: 5- 4- 3- 2- 1 )7 ،3 ،9.

225، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج نعم ال يبعد إلغاء خصوصية مورد النصوص عرفا، و تعميم مفادها لما إذا بلغ أصل

الثواب من غير تحديد، لعدم دخلها في القضية االرتكازية التي تضمنتها النصوص بعد ظهور ورودها مورد االمتنان، و الحث على فعل الخير، و التأسي بالنبي صلى الله

عليه و آله، و تحري مطابقة التشريع. لكنه مبني على حمل النصوص على ما سبق من اإلرشاد لحسن االنقياد و الحث عليه. أما بناء على حملها على بيان حكم أصولي أو فرعي فحيث يكون مضمونها تعبديا محضا فال مجال إلعمال القرينة المذكورة. و إن كان عمل األصحاب على

التعميم. و عليه يبتني الكالم في جل الفروع اآلتية أو كلها. و كأنه لفهم عدمالخصوصية.

ثانيها: ]ال فرق بين بلوغ الثواب صريحا و بلوغه ضمنا و التزاما[ أنه لما كان الموضوع في المقام هو بلوغ الثواب و لو من دون تحديدكما سبق في

األمر األولفال فرق بين بلوغه صريحا و بلوغه ضمنا و التزاما، كما يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عن ذلك. إلطالق النصوص في ذلك. و ال سيما بمالحظة االرتكاز

Page 130: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

المشار إليه في األمر األول. و من هنا يتجه العموم لألخبار المتضمنة لألحكام و إن لم يصرح فيها بالثواب، لما هو المفروغ عنه من مالزمة امتثال الحكم الشرعي

للثواب. كما أن مقتضى إطالق النصوص العموم لجميع األحكام االقتضائية التي يترتب

الثواب بامتثالها، حتى الحرمة و الكراهة، و ال وجه لتخصيصها بالوجوب و االستحباب، فضال عن خصوص االستحباب. و دعوى: اختصاص األخبار بالخير و

العمل الذي بلغ عليه الثواب، و هو ظاهر في األمر الوجودي، كما يشهد له التفريع بقولهم عليهم السالم: »ففعل ذلك« و: »فعمل ذلك« و: »فصنعه« و نحوها، و ال

يشمل بلوغ الثواب على الترك. مدفوعة بأن المناسبات االرتكازية تقتضي بأن المراد من العمل مطلق فعل المكلف و إن كان عدميا، و ال سيما بمالحظة أن فعله

هنا بمعنى حمل النفس عليه، ألنه الذي يترتب عليه الثواب،226، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

دون مطلق تحققه. و لذا ال ريب في شمولها لما إذا دل الخبر على استحباب التركو ترتب الثواب عليه صريحا.

ثالثها: ]في وجه الفتوى باالستحباب إذا دل على الوجوب خبر ضعيف[ من الظاهر أن الخبر الضعيف الدال على الحكم اإللزامي- كالوجوب و الحرمةلما

لم ينهض بإثبات اإللزام بنفسه فهو ال ينهض بإثباته بضميمة هذه النصوص حتى بناء على داللتها على حجية الخبر المتضمن للثواب، ألن المتيقن من حجيته حينئذ حجيته

في إثبات ترتب الثواب على الفعل ال في تمام مدلوله بما في ذلك اإللزام. و من الظاهر أن رجحان متابعة الخبر المذكور من دون إلزام مطابق الستحباب موافقته عمال و إن لم يكن مؤداه االستحباب. و كأن هذا هو الوجه في فتواهم

باستحباب العمل الذي كان ظاهر النص الضعيف وجوبه. و إال فال معنى لكون ضعف الخبر شاهدا بحمله على االستحباب. كيف و قد يعلم بعدم االستحباب في مورده

لدوران األمر بين الوجوب و اإلباحة. فهو نظير الفتوى باستحباب العمل الذي قامتالحجة على ورود األمر به مع إجمال األمر و تردده بين الوجوب و االستحباب.

و منه يظهر اندفاع ما شدد به صاحب الحدائق في كثير من الموارد من اإلنكار عليهم في مثل ذلك، بأن ضعف الخبر ال يكون قرينة عرفية على حمله على

االستحباب.رابعها: ]اختصاص النصوص بالخبر الحسي[

أن موضوع النصوص لما كان هو بلوغ الثواب و سماعه كان مختصا بالخبر المبني على الحكاية، دون سائر الطرق الكاشفة، كاألولوية و تنقيح المناط. كما أن الظاهر اختصاصه بالخبر الحسي دون الحدسي، كفتوى المفتي. النصراف الخبر إليه، و لذا

يحتاج إرادة الحدسي من إطالقه للتنبيه. و ال سيما مع اشتمال كثير منها على تقييد البلوغ بكونه عن النبي صلى الله عليه و

آله و سلم الظاهر في227، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

اإلشارة للمعهود من اإلخبار عنه في الروايات و األحاديث المسندة أو المرسلة. و دعوى: أن الزم ذلك قصورها عن فتوى المفتي في حق من يجب عليه تقليده. مدفوعة بأنه ال محذور في ذلك، غاية األمر أن حجيتها في حقه مستغنية عن هذه

Page 131: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

النصوص. نعم الغالب أن إخبار المجتهد بتحديد الثواب يستند للروايات، فاطالع من يقلده و غيره عليه يوجب صدق البلوغ في حقه و إن كان بنحو مرسل، فيدخل في

مفاد النصوص.خامسها: ]إذا احتمل حرمة العمل الذي ورد الثواب عليه أو كراهته[

ال إشكال في شمول النصوص لبلوغ الثواب على العمل مع عدم احتمال حرمته أو كراهته، و أما مع احتمالهما فقد وقع الكالم بينهم في ذلك. و الذي ينبغي أن يقال:

مع تنجز احتمال الحرمة بحجة أو غيرها ال مجال للبناء على فعلية مفاد النصوص من رجحان االحتياط بمتابعة الخبر الذي يكون به البلوغ، لمزاحمة حسن االحتياط

المذكور بلزوم الخروج عن المنجز. كما أنه يشكل شمولها لذلك بناء على أن مفادها حجية الخبر الذي يتحقق به البلوغ

أو استحباب الفعل الذي بلغ عليه الثواب. ألن تفريع العمل على البلوغ ظاهر في أن من شأنه أن يترتب عليه و لو رجاء، فهي في مقام بيان فائدة العمل، ال في مقام الحث عليه ابتداء، و من الظاهر أنه مع مزاحمة البلوغ بلزوم الخروج عن المنجز

الحتمال الحرمة ال يكون البلوغ صالحا للداعوية في نفسه. أما قيام الحجة على الكراهة فال يمنع من شمول نصوص المقام بعد عدم لزوم

العمل عليه عقال، بل يتعين التزاحم بين الكراهة و مقتضى هذه النصوص من حسن االحتياط باالتيان بالعمل. و كذا بناء على أن مفاد هذه النصوص استحباب الفعل

الذي بلغ عليه الثواب. و أما بناء على أن مفادها حجية الخبر الذي يتحقق به البلوغفيكون المورد من موارد تعارض الحجتين.

228، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و أما مع عدم تنجز احتمال الحرمة أو عدم قيام الحجة على الكراهة فاحتمالهما يقتضي حسن االحتياط، و به يزاحم حسن االحتياط باإلتيان بالعمل الذي تضمنته هذه النصوص أو استحبابه الذي قيل باستفادته منها ابتداء أو بتوسط داللتها على

حجية الخبر الذي تحقق به البلوغ.سادسها: ]إذا كان الخبر الدال على الثواب معارضا بغيره[

الظاهر قصور نصوص المقام عن شمول الخبر مع قصور داللته على ترتب الثواب على الفعل، لعدم صدق البلوغ و السماع معه، و إن تحقق معه االحتمال الذي

يحسن معه االحتياط مع غض النظر عن هذه النصوص. أما لو انعقد ظهور الخبر في ترتب الثواب فالظاهر شمول النصوص له و إن عورض بما هو أقوى داللة بحيث

يكون قرينة عرفا على صرفه عن ظاهره كما في الخاص و العام و الحاكم و المحكوم، و كذا مع استحكام التعارض بينهما. لصدق البلوغ في الموردين، ما لم

يوجب العلم أو االطمئنان بكذب الظهور.سابعها: ]الكالم في اإلخبار عن الموضوع الخارجي[

أنه ربما نسب للمشهور اختصاص نصوص المقام باإلخبار عن الحكم الشرعي الكلي، دون الموضوع الخارجي، مثل ما ورد عنهم في تعيين بعض المساجد و

المراقد و نحوها مما يترتب عليها أحكام شرعية تستلزم الثواب. و هو الذي أصر عليه بعض مشايخنا قدس سره بدعوى انصراف النصوص إلى ما يكون بيانه وظيفة

للشارع، و هو الكبريات الشرعية.

Page 132: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و فيه: أنه لم يتضح المنشأ لالنصراف المدعى، لعدم اختصاص وظيفة النبي صلى الله عليه و آله ببيان األحكام الكلية، بل تعم بيان الموضوعات الخفية و إن لم يكن ببيانها مشرعا، و أخذ خصوصية التشريع في نصوص المقام ال شاهد له. و من هنا

قد يدعى العموم لإلخبار بالموضوعات من غير النبي صلى الله عليه و آله،كالمؤرخين و نحوهم، إلطالق بعض النصوص.

229، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج اللهم إال أن يقال: اإلطالق مختص بأحد صحيحي هشام بن سالم المتقدمين و

و من القريب اتحاد صحيح هشام مع«1 »بالمرسلين عن عدة الداعي و اإلقبال صحيحه اآلخر المختص باإلخبار عن النبي صلى الله عليه و آله، و االختالف بسبب

النقل بالمعنى. كما أنه يقرب رجوع المرسلين لألحاديث المسندة. و أما خبر محمد بن مروان: »سمعت أبا جعفر عليه السالم يقول من بلغه ثواب من

الله على عمل، فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه و إن لم يكن الحديث فبقرينة ذيله يكون المتيقن منه اإلخبار عن النبي صلى الله عليه و«2 »كما بلغه«

، الختالف نسخه، كما يظهر«3 »آله، النصراف الحديث لذلك. و مثله صحيح صفوان بمراجعته. و من هنا ال مجال إلثبات اإلطالق بنحو يشمل اإلخبار من غير النبي صلى

الله عليه و آله. نعم ال إشكال ظاهرا في العموم لألخبار الصادرة عن األئمة عليهم السالم، لرجوعها

لإلخبار عن النبي صلى الله عليه و آله، ألنهم منه يأخذون و عنه ينطقون.التنبيه الخامس: ]الكالم في الشك في القدرة[

تقدم أن الرجوع للبراءة كما يتجه في الشبهات الحكمية يتجه في الشبهات الموضوعية. و يخرج عن ذلك ما إذا كان الشك في التكليف للشك في القدرة التي هي شرط في فعليته عقال. فيجب االحتياط حتى يعلم بالتعذر المسقط للتكليف. و

الظاهر عدم اإلشكال فيه بينهم. و يظهر من سيدنا األعظم قدس سره االستدالل عليه بعموم دليل التكليف، بناء منه على أن العام حجة في الشبهة المصداقية من طرف الخاص إذا كان التخصيص لبيا،

كما في المقام حيث كان تقييد التكليف بالقدرة بحكم العقل.______________________________

.9، 8 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 18 باب: 1( الوسائل ج: 1 ).7 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 18 باب: 1( الوسائل ج: 2 ).1 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 18 باب: 1( الوسائل ج: 3 )

230، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج لكنه يشكل أوال: بعدم تمامية المبنى المذكور. و لو تم فهو مختص بما إذا كان

الخاص خفيا محتاجا للبحث، دون مثل المقام مما يكون التخصيص فيه من الوضوح بحد يكون من سنخ القرائن المتصلة المانعة من انعقاد ظهور العام في العموم، إذ

تكون الشبهة حينئذ من طرف العام التي ال يكون العام حجة فيها بال كالم. و ثانيا: بأن التخصيص بالقدرة و إن كان عقليا لبيا إال أنه قد تظافرت األدلة اللفظية

به أيضا كحديث الرفع و غيره. فالظاهر أن الوجه في لزوم االحتياط مع الشك في القدرة هو بناء العقالء على

ذلك، نظير بنائهم على لزومه مع الشك في الفراغ، ألن القدرة لما لم تكن دخيلة

Page 133: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

في المالك فليس العجز ارتكازا إال من سنخ العذر المسقط للتكليف عقال، و ال يصح االتكال على العذر إال بعد إحرازه، و ال يكفي احتماله في قبح العقاب و رفع

مسئولية الخطاب. و منه يظهر الوجه في قصور عمومات البراءة الشرعية، ألن المنسبق منها عدم

التعويل على احتمال ثبوت التكليف، ال على احتمال سقوطه بطروء العذر مع تمامية موضوعه، فتنصرف عن المقام كما تنصرف عن صورة احتمال عدم التكليف

الحتمال االمتثال. هذا و ال يبعد جريان ذلك مع الشك في العذر الشرعي المسقط للتكليف مع تمامية

موضوعه و مالكه، كالحرج، لعين ما سبق. و أما الضرر فاالكتفاء فيه بالخوف في بعض الموارد ليس ألصالة البراءة من التكليف مع الشك فيه، بل لألدلة الخاصة

المستفاد منها اهتمام الشارع بالضرر و االحتياط منه و إرفاقه بالمكلف في عدمتعريضه له. فالحظ.

و الحمد لله رب العالمين.231، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الفصل الثاني في الشك في تعيين التكليف مع اختالف المتعلق و ربما يعبر عنه بدوران األمر بين المتباينين. و قد تقدم أنه يعم صورة اتحاد سنخ التكليف، كما في الدوران بين وجوب القصر و وجوب التمام، و اختالفه، كما في

الدوران بين وجوب شيء و حرمة آخر. و محل الكالم في المقام هو أنه هل يلزم الجمع في مقام االمتثال بين أطراف الترديد تحصيال للموافقة القطعية، أو يكفي االقتصار على بعضها تجنبا للمخالفة

القطعية، أو يجوز ترك تمام األطراف و إن حصلت المخالفة القطعية.كل ذلك الكالم في مقتضى العلم اإلجمالي المفروض في المقام.

تمهيد ينبغي التعرض لمنشا حرمة المخالفة و لزوم الموافقة القطعيتين في سائر موارد

تنجز التكليف تمهيدا لمحل الكالم في المقام، فنقول: اندفاع المكلف لالمتثال يبتنيعلى أمور مترتبة في نفسها:

األول: جعل التكليف.الثاني: تنجزه.

الثالث: حدوث الداعي المتثاله.أما األول فهو مما يستقل به المولى، و ال يشركه فيه غيره، حتى في

232، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج المستقالت العقليةبناء على التحسين و التقبيح، و مالزمة حكم الشارع لحكم

العقلألن مرجع المالزمة ليس إلى لزوم الحكم الشرعي للحكم العقلي تكوينا، بل إلى لزوم حفظ الشارع للمالك العقلي بجعل الحكم من قبله، ليكون آكد في

الداعوية، ألهليته للطاعة، أو بمالك شكر المنعم، أو بلحاظ ما يستتبعه من الثواب و العقاب الصالحين للداعوية بمالك دفع الضرر، الذي هو أمر فطري، إذ قد ال يكفي

الحكم العقلي في الداعوية و في حفظ المالك.

Page 134: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و أما الثاني فهو قد يستند للسبب التكويني، و هو العلم، لما سبق من أن حجيته ذاتية، و قد يستند لجعل الشارع للحجج و األصول، كما قد يستقل به العقل، كالظن

االنسدادي بناء على الحكومة. و أما الثالث فهو مما يستقل به العقل الحاكم بوجوب إطاعة المولى، ألهليته

للطاعة، أو بمالك شكر المنعم، أو ثبوت الحق له بالنحو المقتضي الستحقاق الثواب و العقاب. و يمتنع ردع الشارع عن الحكم المذكور، للغوية جعل الحكم بدونه. نعم

له رفع موضوعه و هو الحكم الشرعي، أو رفع تنجيزه لو كان مستندا له. هذا كله مع إحراز أن عمل المكلف طاعة للتكليف و امتثال له ثبوتا. أما مع عدم

إحراز ذلك بل احتماله، فإن كان ذلك لعدم إحراز جعل التكليف، فهو مجرى ألصل البراءة، على ما تقدم في الفصل األول. و إن كان ذلك الحتمال سقوط التكليف

باالمتثال مع إحراز جعله، فإن أحرز االمتثال شرعا أو عقال تعين االجتزاء به، و إن لم يحرز االمتثال لم ينهض ما سبق بإحداث الداعي للمكلف نحو العمل على ما يطابق

التكليف، الختصاصه بمقام الثبوت، بل هو مبتن على أمر آخر، و هو حكم العقل بلزوم إحراز الفراغ عن التكليف المنجز، و عدم األمن من مسئولية التكليف بدونه،

و هو مفاد قاعدة االشتغال.233، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و من الظاهر أن الحكم المذكور في طول حكمه بوجوب الطاعة الواقعية و مترتبعليه ترتب مقام اإلثبات على مقام الثبوت، و ليس هو عينه، و ال راجعا إليه.

و ال ريب في استقالل العقل بالحكم المذكور، و اختصاصه به، و االستغناء به عن حكم الشارع في ذلك. كما ال ريب في سلطان الشارع على رفع موضوعه بأن يتعبد

بتحقق االمتثال و إحرازه، بجعل الطريق عليه، أو األصل العملي المحرز له، إذ اليراد بإحراز االمتثال الالزم عقال إحرازه وجدانا بالقطع، بل ما يعم اإلحراز التعبدي. هذا و قد يظهر من بعض كلماتهم أنه ليس للشارع االكتفاء باالمتثال االحتمالي بعد

حكم العقل المذكور، بل ليس له إال التعبد باالمتثال الرافع لموضوع حكم العقلالمذكور.

لكن ال يبعد أن يكون له ذلك، و أن حكم العقل بلزوم الفراغ اليقيني مختص بما إذا لم يكتف الشارع باالمتثال االحتمالي، فهو حكم اقتضائي قابل للردع الشرعي، لعدم

إباء االرتكازيات العقلية عن ذلك، و األحكام العقلية تابعة لها سعة و ضيقا. و يناسب ذلك أنه ال إشكال في سلطان الشارع على التعبد باالمتثال في موارد

االحتمال، كما سبق، و ليس الفرق بينه و بين االكتفاء باالمتثال االحتمالي إال بمحض الجعل و االعتبار من دون فرق حقيقي بينهما، و من البعيد جدا دخل ذلك في

المرتكزات العقلية. على أنه لو لم نقل بذلك فمع تعذر االمتثال اليقيني هل يلتزم ببقاء التكليف و اكتفاء العقل باالمتثال االحتمالي، أو يلتزم بسقوط التكليف لمالزمة وجوده لوجوب الفراغ

اليقيني عنه، فمع تعذره ال بد من سقوطه؟ و األول234، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

مناسب لما ذكرنا، ألنه إذا أمكن تنازل العقل عن لزوم الفراغ اليقيني بالتعذر أمكن تنازله عنه مع اكتفاء الشارع باالمتثال االحتمالي. و الثاني بعيد جدا، بل تأباه

المرتكزات العقلية، فهل يحتمل مثال مع تعذر معرفة القبلة و ترددها بين جهتين أن

Page 135: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

يسقط وجوب االستقبال بالميت أو بالصالة، فيجوز دفن الميت أو الصالة لجهة ثالثةيعلم بعدم وجود القبلة فيها؟.

و دعوى: أن العقل يختص بمقام االمتثال، و ال دخل للشارع فيه. إنما تسلم باإلضافة إلى وجوب االمتثال ثبوتا، ال باإلضافة إلى مقام اإلثبات عند الشك فيه، بل كما كان

له التعبد بحصوله، كان له االكتفاء باالمتثال االحتمالي حينئذ. و ال أقل من الشك المانع من الجزم باالمتناع، حيث ال يصح حينئذ طرح ظواهر األدلة فرارا عن اكتفاء

الشارع باالمتثال االحتمالي. و من هنا ال ضرورة لاللتزام بأن القواعد الشرعية التي هي المرجع في مقام

االمتثالكقاعدة الفراغ، و نفي الشك لكثير الشك، و في النافلةراجعة إلى التعبد شرعا باالمتثال بلسان الطريق أو األصل. بل ال مانع من البناء على رجوعها لالكتفاء

باالمتثال االحتمالي. إال أن تكون أدلتها ظاهرة في التعبد المذكور. ثم إن الشك في االمتثال .. تارة: يكون للشك في تحقق المكلف به مع وضوحه مفهوما و مصداقا، كما لو شك المكلف في أنه هل صلى أو ال أو أن صالته عن

طهارة أو ال. و أخرى: يكون للشك في انطباق المكلف به على بعض األمور إما لتردده بين المتباينين بنحو الشبهة الحكميةكدوران األمر بين القصر و التمام، أو الظهر و

الجمعةأو الموضوعيةكتردد القبلة بين جهتينأو الحتمال توقف تحققه على خصوصيةمفقودة.

أما األول فهو أظهر موارد قاعدة االشتغال. و أما الثاني فما كان التردد فيه235، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بين المتباينين يبتني الكالم فيه على منجزية العلم اإلجمالي التي عقد هذا الفصلللبحث فيها. و أما ما يحتمل توقف تحققه على خصوصية مفقودة فهو على قسمين:

أحدهما: ما يرجع الشك فيه للشك في اعتبار الخصوصية في المكلف به شرعا، كاحتمال اعتبار االستغفار أو الطمأنينة في الصالة. و مرجعه للدوران بين األقل و األكثر االرتباطيين. الذي كان المشهور المنصور فيه الرجوع للبراءة، على ما يأتي

في الفصل الرابع إن شاء الله تعالى. ثانيهما: ما يرجع الشك فيه للشك في توقف المكلف به خارجا على الخصوصية

المذكورة من دون أن تكون معتبرة فيه شرعا. و الالزم الرجوع فيه لقاعدة االشتغال، لفرض تنجز التكليف و عدم اإلجمال في متعلقه، و إنما الشك في تحقق

المكلف به خارجا الذي ال إشكال بينهم في الرجوع فيه لالشتغال. و ربما وقع الكالم في تشخيص بعض الصغريات، لترددها بين هذين القسمين. و

المهم من ذلك موردان: أحدهما: أن يكون المكلف به مسببا توليديا ال يكون موردا الختيار المكلف إال

بتوسط سببه، و يحتمل اعتبار الخصوصية في سببه، كالطهارة المسببة عن الوضوء الذي قد يتردد موضع المسح فيه بين ما ينتهي بقبة القدم، و ما ينتهي بالمفصل، أو

تتردد المواالة المعتبرة فيه بين مرتبتين. و هو المعبر عنه بالشك في المحصل. و المعروف فيه الرجوع لقاعدة االشتغال، ألن التكليف بالمسبب التوليدي قد تنجز،

لفرض قيام الدليل عليه، و حيث ال إجمال فيه ال يكون موضوعا للبراءة، كما المجال للرجوع للبراءة من الخصوصية المحتملة في

Page 136: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

236، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج سببه، لعدم احتمال التكليف بها لنفسها، و إنما يؤتى بها في ضمن السبب إلحراز

الفراغ عن المسبب، الالزم بمقتضى قاعدة االشتغال بعد إحراز التكليف به. إن قلت: ال مجال للتكليف بالمسبب، لعدم كونه مقدورا بنفسه، بل المقدور هو

سببه، فال بد من صرف التكليف للسبب، و حيث يحتمل دخول الخصوصية فيه، كانالمورد من موارد الدوران بين األقل و األكثر االرتباطيين.

قلت: يكفي في صحة التكليف بالمسبب عقال القدرة عليه بتوسط القدرة على سببه، و ال يتوقف على القدرة عليه بالمباشرة، و مع إحراز التكليف به يتعين إحراز

الفراغ عنه بالمحافظة على الخصوصية المعتبرة في السبب. مع أنه لو تم صرف التكليف للسبب حينئذ إال أنه ال يكون مكلفا به بذاته، ليكون احتمال اعتبار

الخصوصية فيه من صغريات الدوران بين األقل و األكثر االرتباطيين، بل يكون مكلفا به بعنوان كونه سببا لمسببه المفروض، و ال بد من إحراز العنوان في مقام االمتثال

في مثل ذلك على ما يأتي في األمر الثاني.إن قلت: هذا إنما يتم فيما إذا كانت السببية تكوينية كسببية النار لإلحراق.

أما إذا كانت شرعيةكسببية الغسل للطهارةفبيان ما يعتبر في السبب من وظيفة الشارع، و مع عدم ورود البيان منه بدخل الخصوصية في السبب يتعين البناء على

عدم دخلها فيه. قلت: البناء على عدم دخل الخصوصية في السبب مع عدم ورود البيان بدخلها من

الشارع إن كان النقالب األصل في السببية الشرعية، فال تجري فيها قاعدة االشتغالمع الشك في االمتثال، فهو يحتاج للدليل المخرج عن القاعدة.

و إن كان لكشف عدم تصدي الشارع لبيان عدم دخل الخصوصية عن عدم دخلها، وإال كان مخال بوظيفته، فهو مسلم. لكنهمع اختصاصه بما إذا لم

237، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج يحتمل حصول ما يمنع من بيان ذلك من تقية أو نحوهاال يجري مع احتمال ضياع

البيان الصادر منه أو إجماله، و إنما يتم مع العلم بعدم تصديه للبيان. و حينئذ يخرج عن محل الكالم من فرض عدم الدليل على اعتبار الخصوصية الذي

هو موضوع قاعدة االشتغال، ألن عدم البيان حينئذ يكون بنفسه دليال على عدماعتبارها، فيكون واردا على القاعدة المذكورة.

ثانيهما: أن يؤخذ في المكلف به عنوان زائد على ذاته، و يحتمل توقف انطباق العنوان على فعل المكلف على واجديته للخصوصية الزائدة. و ظاهر جماعةمنهم

شيخنا األعظم قدس سرهالرجوع فيه لقاعدة االشتغال، فيلزم الحفاظ علىالخصوصية المحتملة ليحرز صدق العنوان المأخوذ في المكلف به.

لكن ظاهر المحقق الخراساني و سيدنا األعظم »قدس سرهما« في مبحث الصحيح و األعم الرجوع فيه للبراءة. و حاصل ما يقال في وجهه: أن العنوان

المكلف به إذا كان متحدا مع فعل المكلف بحيث يصح حمله عليه و يكون حاكيا عنهكعنوان الناهي عن الفحشاء المتحد مع األفعال الصالتيةفتردد الفعل بين واجد

الخصوصية و فاقدها موجب إلجمال العنوان الحاكي عنه من حيثية الخصوصية، فال يصلح دليل التكليف بالعنوان للبيان إال باإلضافة إلى المتيقن، دون الخصوصية

Page 137: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الزائدة، فيرجع الشك للشك في التكليف بالخصوصية، و يكون من صغريات مسألةالدوران بين األقل و األكثر االرتباطيين التي تقدم أن المرجع فيها للبراءة.

و التحقيق: أن العنوان المنطبق على فعل المكلف الحاكي عنه .. تارة: يحكي عن الفعل بذاته، كعنوان الصالة الحاكي عن األجزاء الخارجية، و عنوان

األوقية الحاكي عن الكم الخاص.و أخرى: يحكي عن جهة خاصة قائمة به زائدة عليه، سواء كانت منتزعة

238، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج من ترتب شيء عليه، كما في العناوين التسبيبيةكالناهي عن الفحشاء، و المطهر و الدواء و المحرقأم من نحو إضافة بينه و بين غيرهكاألكبر و المماثل و المعاندأم غير

ذلك. أما األول فاحتمال اعتبار الخصوصية في فعل المكلف مستلزم إلجماله، لتردد ما يحكي عنه العنوان المكلف به بين واجد الخصوصية و األعم منه و من فاقدها، فال يصلح العنوان للبيان باإلضافة إلى الخصوصية المحتملة، و يتجه حينئذ الرجوع في

الخصوصية للبراءة، بناء على أنها المرجع عند الدوران بين األقل و األكثراالرتباطيين.

و أما الثاني فاحتمال اعتبار الخصوصية في صدقه ال يوجب إجماله، لتقوم العنوان بالجهة المنتزع منها و حكايته عنها، و ال يلزم من احتمال اعتبار الخصوصية إجمال

تلك الجهة المحكية بالعنوان، بل المفروض أنها واضحة مفهوما، فيصلح العنوان المأخوذ في دليل الحكم للحكاية عنها، و يكون الدليل بيانا للتكليف بها، ألن التكليف بالعنوان يرجع للتكليف بمنشإ انتزاعه، فيجب إحراز الفراغ عنها و إحراز تحققها في

الخارج بالمحافظة على كل ما يحتمل دخله فيها، و منه الخصوصية المذكورة، و المجال للرجوع للبراءة من الخصوصية المحتملة.

إن قلت: هذا القسم من العنوان كما يحكي عن منشأ انتزاعه يحكي عن الذات المعنونة به، و هي في المقام فعل المكلف به بنفسه، فإذا كان فعله مرددا بين واجد الخصوصية و فاقدها لزم إجمال العنوان الحاكي عنه من حيثية الخصوصية

المذكورة، فال يصلح للبيان عليها و تنجيزها. قلت: عدم منجزية العنوان للخصوصية بنفسها ال ينافي لزوم المحافظة عليها من

أجل إحراز الفراغ عن منشأ االنتزاع المفروض حكاية العنوان عنه239، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و منجزيته له، لعدم إجماله من حيثيته. نعم لو كان أخذ العنوان في التكليف لمحض حكايته عن الفعل الخارجي و اإلشارة به إليه، من دون أن يكون العنوان بنفسه و بمنشإ انتزاعه موضوعا للتكليف، كان الشك في اعتبار الخصوصية موجبا إلجمال المكلف به و تردده بين األقل و األكثر.

لكنه خارج عن محل الكالم. و لنكتف بهذا المقدار من الكالم في قاعدة االشتغال، و نرجع إلى موضوع الكالم

في هذا الفصل، و هو دوران األمر بين المتباينين.و الكالم فيه في مقامين:

المقام األول: في المخالفة القطعية

Page 138: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ربما قيل بجواز المخالفة القطعية للعلم اإلجمالي بالتكليف بأحد المتباينين، رجوعا في كل منهما لألصل بعد عدم العلم بثبوت التكليف فيه بخصوصه. لكن المعروف

المنع منها. و هو الحق، لثبوت المقتضي للمنع و عدم المانع. أما المقتضي فقد استدل عليه شيخنا األعظم قدس سره بإطالق دليل الحكم

الواقعي الشامل للمعلوم باإلجمال. لكنه كما ترى، لعدم اإلشكال ظاهرا في فعلية التكليف الواقعي في مورد العلم اإلجمالي، كيف؟ و ال إشكال في فعليته مع الشك

البدوي لو صادف ثبوته فيه، لما هو المعلوم من اشتراك األحكام بين العالم و الجاهل، و غاية ما يدعيه الخصم هو عدم تنجز الحكم المذكور مع العلم اإلجمالي،

كما ال يتنجز مع الشك البدوي. فاألولى في دفعه ما تقدم في الفصل الخامس من مباحث القطع من عدم الفرق

بين العلم اإلجمالي و التفصيلي في التنجيزالذي تقدم أنه المقتضي للزوم الموافقةالقطعية الشتراكهما في الجهة المقتضية للعمل. و مجرد مقارنة

240، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج العلم اإلجمالي للجهل و عدم تعيين التكليف المعلوم و تحديده ال أثر له في الجهة

المذكورة. و أما عدم المانع فألنه ال منشأ لتوهم المانع إال دعوى: أن مقتضى عموم أدلة األصول الترخيصيةمن البراءة و غيرهاجواز إهمال احتمال التكليف في جميع

األطراف و إن استلزم المخالفة القطعية، لتحقق موضوعهاو هو الشك- في كلطرف بخصوصه.

و حيث كان الكالم في ذلك مهما جدا، لما يترتب عليه من الفوائد في المقام وغيره فالالزم النظر أوال: في عموم أدلة األصول بدوا ألطراف العلم اإلجمالي.

و ثانيا: في إمكان العمل بها في تمام األطراف بنحو يقتضي الترخيص في المخالفةالقطعية. فنقول:

األمر األول: في عموم أدلة األصول بدوا ألطراف العلم اإلجمالي. و قد وقع الكالم في ذلك بين المتأخرين. و يظهر من جماعةمنهم شيخنا األعظمقدس سرهقصور العموم المذكور عن األطراف المذكورة. و قد يقرب بوجوه ..

األول: أن إطالق العلم المجعول غاية في نصوص قاعدة الحل، و إطالق اليقين في ذيل نصوص االستصحاب شامل للعلم و اليقين اإلجمالي، فيرتفعتبعا لهالحكم بالحل

و ببقاء الحالة السابقة في الطرفين و إن لم يعلم الحكم فيها تفصيال. و فيه: أن المستفاد من نصوص قاعدة الحل أن العلم بالتكليف إنما يرفع الحل في

موضوعه، ال في موضوع آخر مشكوك فيه، و حينئذ فالعلم اإلجمالي إنما ينهضبرفع الحل عن موضوعه، و هو الواحد المردد على ما هو عليه من

241، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج اإلبهام و الترديد بين األطراف، و ال ينهض برفعه باإلضافة إلى كل طرف بخصوصيته

بعد كونه مشكوكا في حكمه، و قد سبق أن اختالف العنوان في الموضوع الواحد كاف في اختالف الموضوع من حيثية العلم و الجهل. و كذا الحال في نصوص

االستصحاب، فإن ظاهرها وجوب نقض اليقين باليقين مع اتحاد موضوعهما، ال معاختالفه و لو باإلجمال و التفصيل.

Page 139: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الثاني: أن المعلوم باإلجمال لما كان هو الخصوصية المبهمة الصالحة لالنطباق على كل طرف بنفسه و خصوصيته، فهو متحد مع أحد األطراف واقعا، فإذا كان أحدها موضوعا للعلم الرافع لألصل لزم من جريان األصل في تمام األطراف التناقض،لوضوح التناقض بين جريان األصل في تمام األطراف و عدم جريانه في بعضها.

و فيه: أن انطباق المعلوم اإلجمالي على بعض األطراف بخصوصه واقعا ال ينافي كون كل منها بعنوانه التفصيلي موضوعا للشك الذي هو موضوع األصل، ألن تعلق العلم و الجهل بالموضوع ال يكون بقيامهما به بذاته مع تمحض العنوان في الحكاية

كما هو الحال في تعلق األعراض الخارجية به- كالقيام و المرضبل يتعلقان به بلحاظ عنوانه الذاتي أو العرضي بحيث يكون العنوان جهة تقييدية غير متمحض في

الحكاية، و من ثم يمكن اجتماعهما معا في الموضوع الواحد بلحاظ اختالف عناوينه، فقد يكون الرجل الواحد معلوم المرض مثال بعنوان كونه زيدا مجهول المرض

بلحاظ كونه ابن عمرو أو عالما. و حينئذ يمكن كون أحد األطراف في المقام موضوعا للعلم بعنوان كونه أحد

األطراف المفروضة على إبهامه، أو بعنوان كونه المالقي للنجس مثال، و كون كلمنهما بعنوانه التفصيلي موضوعا للشك، من دون تناف بين األمرين.

و يترتب على ذلك عموم دليل األصل لكل منهما بعنوانه التفصيلي، و إن242، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

كان يقصر عن أحدهما المبهم بعنوانه اإلجمالي أو بالعنوان الخاص الذي صار به موضوعا للعلم، من دون أن يلزم التناقض من ذلك، لتعدد الموضوع حقيقة تبعا

لتعدد العنوان. الثالث: أنه لما كان العلم و اليقين في أدلة األصول يعم العلم و اليقين اإلجمالي،

فالعلم اإلجمالي و إن لم يناف الشكالذي هو موضوع األصلفي كل طرف بخصوصه، و إنما ينافيه في األمر المردد على إجماله، إال أن عموم موضوع األصل ألطراف

العلم اإلجمالي مستلزم للتناقض بين التعبدين، و هما التعبد بمؤدى األصل في كل طرف بخصوصه، بلحاظ كونه موردا للشك، و التعبد بمقتضى العلم المانع من مفاد

األصل في المعلوم باإلجمال له، للتناقض بين مفادي الموجبة الكلية و السالبة الجزئية، فيمتنع جعل كال التعبدين، و يتعين البناء على قصور األصل عن شمول

األطراف بخصوصيتها، دفعا لذلك. و ال مجال لرفع اليد عن عموم التعبد بمفاد العلم و اليقين اإلجمالي، ألن عموم

التعبد بمفاد العلم بسبب ارتكازيته آب عن التخصيص جدا. و حينئذ ال مجال إلحراز تحقق موضوع األصول ذاتا في أطراف العلم اإلجمالي بخصوصياتها و إن كانت

موردا للشك، ألن مرجع قصور األصل عن األطراف إلى عدم كون موضوعه مطلقالشك.

و فيه: أن أدلة األصول و إن تضمنت لزوم العمل بالعلم و عدم جريان األصول معه، إال أنه ال يرجع للتعبد شرعا بذلك، كالتعبد بمفاد األصل مع الشك، ليلزم التناقض بين التعبدين، بل هو إشارة لحجية العلم الذاتية، غير القابلة للجعل، و ال للردع الشرعي،

فليس في المقام إال التعبد بمفاد األصل في األطراف، لتحقق الشك فيها.غاية األمر أنه قد ينافي العلم عمال، و هو ال يستلزم قصور موضوع األصل

243، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 140: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

عن األطراف ذاتا، بل غايته أن يكون من سنخ المانع من فعلية جريان األصل، علىما يأتي الكالم فيه.

على أنه لو غض النظر عن ذلك، فتضمن أدلة األصول لزوم العمل بالعلم الشامل لإلجمالي ال يستلزم قصور عموم دليل األصل عن أطراف العلم اإلجمالي ذاتا،

بحيث تخرج تخصصا أو تخصيصا، بل المرتكز في الجمع بين المغيى و الغاية في نصوص قاعدة الحل، و بين الصدر و الذيل في نصوص االستصحاب، هو االلتزام

بتعدد الحيثية و الجهة، بنحو تؤثر كل جهة لمقتضاها، مع إعمال القواعد االرتكازية عند اجتماع الجهتين المختلفتين عمال، و ذلك بالبناء على أن األصل ال يقتضي ترتب

مضمونه مطلقا و من جميع الجهات، بل من حيثية الشك المأخوذ في موضوعه، كماأن العمل بالعلم إنما يقتضي متابعته في مورده ال غير.

و مع اجتماع الجهتين و اختالف مقتضاهما عمالكما في موارد العلم اإلجمالييرجع لقواعد التزاحم بين الجهتين. فمع كونهما اقتضائيتين بنحو اإللزام يتعين البناء على تزاحمهما و تساقطهما عمال، كما لو علم إجماال بحرمة أحد مستصحبي الوجوب. و

مع كون إحداهما اقتضائية دون األخرى يتعين العمل على االقتضائية، و إن كانتاألخرى تجري ذاتا.

مثال: لو علم بحرمة أحد أمرين، فمقتضى األصل في كل طرف إهمال احتمال التكليف فيه من حيثية الشك فيه بنفسه، و إن لزم االحتياط بتركه من حيثية توقف الخروج عن العلم اإلجمالي المنجز بذلك. كما أنه لو علم إجماال بتطهير أحد اإلنائين

المشتبهين نجسا سابقا، فالعلم اإلجمالي و إن اقتضى السعة باإلضافة للمردد المعلوم باإلجمال، إال أنه ال ينافي تنجز احتمال التكليف في كل من الخصوصيتين

من حيثية سبق اليقين بنجاسته و الشك في طهارته، المقتضي الستصحابالنجاسة.

244، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و قد تحصل من جميع ذلك: أن مقتضى عموم أدلة األصول جريانها في أطراف

العلم اإلجمالي ذاتا، لتحقق موضوعها فيها، و هو الشك، و إن كان العلم اإلجمالي قد يمنع من فعلية العمل على مقتضى األصل، بلحاظ استلزامه المخالفة القطعية

للتكليف المنجز بالعلم. و على ذلك يبتني ما اشتهر بينهم من إمكان التفكيك في مفاد األصول بين األمور

المتالزمة خارجا، فمن اغتسل بمائع مردد بين البول و الماء مثال يستصحب الحدث و طهارة البدن من الخبث، مع العلم إجماال بانتقاض إحدى الحالتين، ألن العمل

باألصل في الموردين ال يستلزم محذور المخالفة القطعية لتكليف منجز.األمر الثاني: في فعلية جريان األصول في األطراف بنحو يقتضي المخالفة القطعية.

و ال ينبغي التأمل في امتناع ذلك، ألن جواز المخالفة القطعية مستلزم للغويةالتكليف، فمع فرض فعلية التكليف و تنجزه ال بد من امتناعها.

و ال مجال لجوازهابارتكاب تمام األطرافإال برفع تنجز التكليف، أو رفع فعليته. و ال مجال لألول مع ما سبق من أن حجية العلم اإلجمالي كالتفصيلي- ذاتية ال تقبل

الردع الشرعي. نعم لو كان اإلجمال مقتضى حجة شرعيةكما لو قامت البينة على نجاسة أحد

اإلناءين إجماالأمكن للشارع رفع اليد عن حجيتها. إال أنه ال مجال الستفادة ذلك من

Page 141: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

أدلة األصول، إذ هي إنما تتضمن التعذير و التنجيز من حيثية الشك، من دون نظر لها للردع عن حجية الحجج، سواء كان مؤدى الحجج تفصيليا أم إجماليا، بل مقتضى

دليل حجية الحجج العمل عليها في مواردها.و من ثم كان المعروف تقديم الحجج على األصول مع وحدة موضوعها،

245، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جعلى ما يأتي في محله إن شاء الله تعالى.

و أما الثانيو هو رفع فعلية التكليففهو و إن كان ممكنا في نفسه في المقام بأن يكون اإلجمال رافعا لفعلية التكليف الواقعي، إال أن أدلة األصول ال تنهض بذلك

أيضا، لظهورها في جعل الوظيفة الظاهرية بعد فرض الشك في الواقع الظاهر فيالمفروغية عن فعلية الحكم الواقعي لو كان موجودا.

و دعوى: لزوم البناء على ذلك في المقام تصحيحا لجريان األصول بعد فرض عمومأدلتها ألطراف العلم اإلجمالي، حيث تكون دالة عليه بداللة االقتضاء.

مفوعة بأن داللة االقتضاء على شيء موقوفة على انحصار رفع لغوية الدليل عرفا بالحمل عليه، و ال مجال لذلك هنا بعد إمكان حمل إطالق دليل األصل في موارد

العلم اإلجمالي على ما سبق، و هو جريان األصل من حيثية الشك، و إن لم يمكن العمل عليه بسبب العلم اإلجمالي، لكون العلم المذكور من سنخ المانع من فعلية

األصل، بل حمل إطالق دليل األصل على ذلك أقرب من حمله على رفع فعليةالواقع.

على أن المراد بحمله على رفع فعلية الواقع إن كان هو حمله على ذلك في جميع موارد الشكالذي هو موضوع األصلفهو مستلزم للخروج به عن كونه أصال ظاهريا

إلى كونه قاعدة واقعية تتضمن الترخيص مع الشك، و هو خروج بأدلة األصول عنظاهرها، و عن المفروض في محل الكالم.

و إن كان هو حمله على ذلك في خصوص أطراف العلم اإلجمالي لزم التفكيك في مفاد العموم بين موارده، الذي هو ممتنع عرفا، نظير استعمال اللفظ في أكثر من

معنى.نعم لو ورد الترخيص في خصوص أطراف العلم اإلجمالي المنجز، كان

246، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج حمله على رفع فعلية التكليف الواقعي متعينا بداللة االقتضاء، إذ يتعذر عرفا حمله

حينئذ على الترخيص الظاهري االقتضائي من حيثية الشك مع مانعية العلم اإلجمالي من فعليته، الستلزامه حمل الدليل على بيان حكم غير عملي، و هو مخالف للظاهر

جدا. و من هنا قد يشكل األمر في صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه

السالم: »كل شيء فيه حالل و حرام فهو لك حالل أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه

فإن فرض التقسيم فيه للحالل و الحرام الظاهر في كونه منشأ«1 »فتدعه« االشتباه، ثم جعل الغاية للحل معرفة الحرام المفروض اشتباهه، ظاهر في إرادة

العلم اإلجمالي، و في فعلية الترخيص في أطرافه، و توقف ارتفاعه على العلمالتفصيلي بالحرام.

Page 142: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

لكن حيث يمتنع حمله على الردع عن حجية العلم اإلجماليلما سبق- فال بد من حمله إما على الترخيص الواقعي، لكون اإلجمال رافعا لفعلية التكليف المعلوم باإلجمال.

أو على العلم اإلجمالي غير المنجز، لعدم انحصار الشبهة المستلزم لخروج بعضاألطراف عن االبتالء.

و األقرب الثاني، لظهور لسان الصحيح في إرادة التعبد بالحلية ظاهرا، لعدم المقتضي للتنجيز، ال في كون اإلجمال مقتضيا لجعل الحل. و لذا استفيد ذلك من

موثق مسعدة بن صدقة و نحوه مما تضمن قاعدة الحل، و تقدم في أدلة البراءة. وقريب منهما نصوص قاعدة الطهارة.

بل هو المتعين بلحاظ ورود المضمون المذكور في الصحيح عن عبد الله بن سليمان، حيث يراد«2 »و مرسل معاوية بن عمار الواردين في الجبن و غيره

______________________________.1 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4 باب: 12( الوسائل ج: 1 ).7، 1 من أبواب األطعمة المباحة حديث: 61 باب: 17( الوسائل ج: 2 )

247، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج بهما إهمال احتمال حرمة بعض أفراد النوع، مع وضوح عدم االبتالء غالبا بجميع

أفراد أي نوع فرض، لكثرتها. كما هو صريح موثق أبي الجارود: »سألت أبا جعفرعليه السالم عن الجبن فقلت له: أخبرني من رأي أنه يجعل فيه الميتة فقال:

أ من أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع األرضين؟! إذا علمت أنه ميتة.«1 »فال تأكله، و إن لم تعلم فاشتر و بع و كل ...«

و ال سيما مع ظهور الصحيح في فرض وحدة في األمر المنقسم للحالل و الحرام، و هو ال يكون في أطراف العلم اإلجمالي إال بلحاظ الوحدة النوعية التي تستلزم غالبا

خروج بعض األطراف عن االبتالء. و بالجملة: ال ينبغي اإلشكال بعد التأمل في مفاد الصحيح و في النصوص المشار

إليها في حمله على إرادة العلم اإلجمالي غير المنجز. و هو المناسب لما تضمن منجزية الشبهة المحصورة، كالنصوص الواردة في اإلنائين

و الشاة الموطوءة المشتبهة في قطيع«3 » و الثوبين المشتبهين«2 »المشتبهين.«4 »الغنم

.«5 »نعم ورد الترخيص في المال مع اختالطه بالحرام في بعض الموارد لكن بألسنة أخر، فلو نهض بالحجية تعين حمله على سقوط الحرمة عن الفعلية بسبب االختالط، أو خروج العلم عن المنجزية بسبب خروج بعض األطراف عن

االبتالء، و لم يصلح شاهدا لما نحن فيه. و تمام الكالم في محله.______________________________

.5 من أبواب األطعمة المباحة حديث: 61 باب: 17( الوسائل ج: 1 ).14، 2 من أبواب الماء المطلق حديث: 8 باب: 1( الوسائل ج: 2 ).1 من أبواب النجاسات حديث: 64 باب: 2( الوسائل ج: 3 ).4، 1 من أبواب األطعمة المحرمة حديث: 30 باب: 16( الوسائل ج: 4 ) من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة، و7، 4 باب: 12( راجع الوسائل ج: 5 )

من أبواب عقد البيع و شروطه.1باب: 248، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 143: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و ألجل ذلك ال مجال للخروج عما ذكرنا من القاعدة. هذا و قد يدعى أن العمل باألصل في تمام األطراف إنما ينافي العلم اإلجمالي

بالتكليف إذا كان ارتكابها دفعيا، للعلم حينئذ بمخالفة التكليف المعلوم باإلجمال عند ارتكابها، بخالف ما إذا كان تدريجيا، حيث ال يعلم بمخالفة المعلوم باإلجمال عند

ارتكاب كل منها، و إنما يعلم بمخالفته بعد ارتكابها بتمامها، و هو ليس بمحذور، إذ اليتنجز المعلوم باإلجمال حينئذ، لعدم األثر له.

لكنه يندفع بأن المحذور ليس في االرتكاب نفسه لو تم الترخيص فيه ظاهرا، بل في نفس الترخيص الظاهري، و من الظاهر أن الترخيص في تمام األطراف ليس تدريجيا، لدخولها في عموم أدلة األصول في عرض واحد، و الترخيص فيها ظاهرا

مناف لتنجز التكليف المعلوم باإلجمال المقتضي لحرمة مخالفته القطعية. نعم لو كان الترخيص تدريجيا، الختالف زمان االبتالء باألطراف- بحيث ال ابتالء بكل طرف إال قبل االبتالء بغيره أو بعد المخالفة فيهلم يمتنع جريان األصول في الجميع

بنحو التدريج، لعدم منافاة الترخيص المستفاد منها في كل طرف للعلم اإلجمالي، وال يكون العلم اإلجمالي منجزا حينئذ، كما يأتي في التنبيه الرابع.

و قد تحصل من جميع ما تقدم: أن لزوم المخالفة القطعية للتكليف المنجز مانع منالعمل باألصول الترخيصية في تمام أطراف العلم اإلجمالي.

و هو المراد بلزوم الترخيص في المعصية في بعض كلماتهم، إذ ال يراد بالمعصية إالمخالفة التكليف المنجز.

249، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج بقي شيء ]و هو مخالفة األصول للعلم المنجز من دون أن يلزم الترخيص في

المعصية[ و هو أن المحذور المذكور مختص بجريان األصول الترخيصية في أطراف العلم

اإلجمالي بالتكليف، و ال موضوع له في غير ذلك. لكن الظاهر عموم المنع لكل مورد ينافي حجية العلم، و إن كان المعلوم باإلجمال

أمرا غير التكليف، و ال يلزم من جريان األصل في تمام األطراف المعصية. ألن حجية العلم حيث كانت ذاتية ال تقبل الردع تعين امتناع جعل األصل المخالف لها

عمال. مثال: لو علم إجماال باستحباب أحد أمرين امتنع جريان األصل النافي لالستحباب

فيهما معا، ألن العلم باستحباب أحدهمابمقتضى حجيته الذاتية- ينقح موضوع حسن الطاعة، كما ينقح العلم بوجوب أحدهما موضوع وجوبها، و ال مجال مع ذلك للتعويل

على األصل المذكور. و من ثم حكموا بأنه لو علم ببطالن إحدى النافلتين لم تجرقاعدة الفراغ فيهما معا.

كما أنه لو علم بإباحة أحد أمرين امتنع الرجوع لألصل المقتضي لحرمة كل منهما كاالستصحاب ألن مقتضى األصل المذكور تنجيز احتمال الحرمة في كل منهما و

التعبد بها، بحيث يكون تركه بمالك المعصية فيه، و هو مناف للعلم بإباحة أحدهما. نعم لو ترتب األثر على األصل الجاري في بعض األطراف بالنحو الذي ال ينافي العلم

المذكور اتجه جريانه، كما لو كان ألحد الطرفين المسبوقين بالنجاسة و المعلوم فعال طهارة أحدهما مالق برطوبة فإنه يتعين استصحاب نجاسة المالقى إلثبات

نجاسة المالقي، لعدم منافاته للعلم بطهارة أحدهما، بخالف ما لو كان لكل منهما

Page 144: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

مالق، فإنه ال مجال الستصحاب نجاستهما معا إلثبات نجاسة المالقيين، لمنافاتهللعلم بطهارة أحدهما و طهارة مالقيه.

250، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و بالجملة: ال بد في جريان األصل من ترتب األثر العملي بنحو ال ينافي العمل

المترتب على العلم، و ليست المخالفة القطعية للتكليف المعلوم إال من صغرياتذلك، من دون أن تكون تمام المحذور.

المقام الثاني: في الموافقة القطعية و المعروف وجوبها في المقام، و عن بعض دعوى اإلجماع عليه. و إن كان القول

بجواز تركها و االكتفاء بالموافقة االحتمالية محكيا عن بعض، و ليس هو شاذا كإنكارحرمة المخالفة القطعية.

و كيف كان فعدم وجوب الموافقة القطعية إما أن يكون لدعوى قصور العلماإلجمالي عن اقتضائها، أو لدعوى وجود المانع مع تمامية المقتضي في نفسه.

أما األولى: فيظهر اندفاعها مما تقدم في الفصل الخامس من مباحث القطع من أن العلم اإلجمالي كالتفصيلي في التنجيز، بضميمة ما تقدم في التمهيد لمحل الكالم

من أن تنجيز التكليف يقتضي عقال لزوم إحراز الفراغ عنه بالموافقة القطعية. و دعوى: أنه لما كان العلم اإلجمالي في المقام عبارة عن العلم بوجوب أحد

األمرين مثال فهو ال يقتضي إال تنجيز أحدهما بالنحو المقتضي لعدم تركهما معا، دون ما زاد عليه من الخصوصية، لعدم المنجز لها بعد فرض الجهل بها، فاالمتثال بأحد

الطرفين إطاعة قطعية للتكليف المنجز، و إن كان إطاعة احتمالية للتكليفالواقعي.

مدفوعة بأن تنجيز العلم تابع للواقع المعلوم، و المفروض أن التكليف المعلوم مشتمل على إحدى الخصوصيتين، فالخصوصية معلومة على إبهامها و إجمالها،

فيلزم إحراز الفراغ عنها، و هو ال يكون إال بالجمع بين الطرفين.251، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و ليس التكليف المعلوم واردا على عنوان أحدهما بحيث ينطبق على كل منهما، كمافي الواجب التخييري، ليقطع بالفراغ عنه بأحد األمرين:

»و أما الثانية«: فال منشأ لها إال توهم أن االكتفاء بالموافقة االحتمالية مقتضى أدلة األصول بعد امتناع جريانها في تمام األطراف، الستلزامه المخالفة القطعية. و

الالزم النظر في نهوض أدلة األصول بذلك و عدمه، فنقول: يظهر مما تقدم في التمهيد لمحل الكالم أن وجوب الموافقة القطعية راجع إلى

حكم العقل بأن االشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني، و أن رفع اليد عنه يتوقفعلى أحد أمور ..

األول: رفع موضوع القاعدة إما برفع فعلية التكليف مع الشك في امتثاله، أو برفعتنجيزه حينئذ.

الثاني: الردع عن مقتضاها باالكتفاء باالمتثال االحتمالي، بناء على ما تقدم منا منأن حكم العقل بلزوم إحراز الفراغ و االمتثال اقتضائي قابل للردع.

الثالث: التعبد باالمتثال، لقيام الحجة عليه أو لكونه مقتضى األصل، كما هو لسان التعبد بدليل القرعة لو تم في المقام، لرجوعه إلى تعيين المعلوم باإلجمال في أحد

األطراف، فتكون موافقته امتثاال له تعبدا، و المراد بالفراغ اليقيني ما يعم ذلك.

Page 145: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و كأنه إلى هذا يرجع ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من جواز الترخيص في بعض األطراف بنحو جعل البدل الظاهري، كما هو صريح بعضهم في بيان المراد من

جعل البدل المذكور. و إال فال معنى لجعل البدل الظاهري بمجرد الترخيص في بعض األطراف و المنع من اآلخر من دون تعبد بأنه هو المعلوم باإلجمال، بل هو

راجع حينئذ للترخيص في المخالفة االحتمالية و عدم لزوم الفراغ اليقيني، مع ظهوركالم شيخنا األعظم قدس سره في

252، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالمفروغية عن لزومه.

و كيف كان فال مجال الستفادة األول من أدلة األصول، لما تقدم في المقام األول من عدم نهوض أدلتها برفع فعلية التكليف، بل هي في مقام بيان الوظيفة العملية

عند الشك فيه بعد الفراغ عن فعليته لو كان ثابتا. كما تقدم امتناع الردع عن منجزية العلم اإلجمالي كالتفصيلي و أنه لو كان منشأ

اإلجمال حجة شرعيةكما لو قامت البينة على نجاسة أحد اإلنائين- فالردع عن حجيةالحجة مع إجمال مؤداها و إن كان ممكنا، إال أن األصول ال تنهض بذلك.

و كذا الحال في الثاني، فإن الردع عن لزوم الموافقة القطعية و االكتفاء بالموافقة االحتمالية و إن كان ممكنا، إال أن أدلة األصول ال تنهض بذلك، ألنها إنما تتضمن بيان الوظيفة العملية مع عدم المنجز للتكليف، ال االكتفاء باالمتثال االحتمالي مع تنجزه،

فهي مسوقة مساق قاعدة قبح العقاب بال بيان، ال مساق الردع عن قاعدةاالشتغال، لتنفع في المطلوب.

و أما الثالث فلعل األمر فيه أظهر، فإن إحراز االمتثال بموافقة أحد المحتملين موقوف في المقام على النظر للمعلوم باإلجمال و تعيينه في بعض األطراف،

لتكون موافقة احتمال التكليف في الطرف المذكور امتثاال له، و أدلة األصول بعيدة عن ذلك جدا، حيث ال تتضمن إال رفع التكليف عمال في مورد الشك، لعدم المنجز

له. بل لما كان مقتضاها رفعه في جميع موارد الشك بنحو العموم االستغراقي كان

مقتضاها رفع التكليف في تمام األطراف و عدم الحرج في مخالفة احتمال التكليف في كل منها، و هو مستلزم للمخالفة القطعية، و حيث ال يمكن البناء على ذلك

يتعين قصورها عن تمام األطراف، لعدم المرجح بينها.253، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

إن قلت: احتمال الحلية في أطراف العلم اإلجمالي ليس كاحتمالها في موارد الشبهة البدوية، فإن احتمالها في موارد الشبهة البدوية في عرض واحد، فيكون

مفاد أدلة الحل و البراءة الترخيص فيها كذلك، أما احتمالها في أطراف العلم اإلجمالي فهو بنحو آخر، لرجوع احتمالها في كل طرف الحتمال الحرمة في اآلخر، فإعمال أدلة البراءة و الحل في كل منها كما يقتضي الترخيص فيه، يقتضي البناء على الحرمة في اآلخر، و ليس مرجع ذلك للترخيص في الكل بنحو يجوز ارتكاب

الكل لتلزم المخالفة القطعية، بل للترخيص في كل منها مع البناء على الحرمة فياآلخر المساوق للترخيص التخييري، من دون أن يستلزم المخالفة القطعية.

قلت: التالزم بين عدم التكليف في بعض األطراف و ثبوته في غيره، ال يقتضي اتحاد احتمال عدم التكليف في كل منها مع احتمال ثبوته في اآلخر، بل ال إشكال في تعدد

Page 146: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

االحتمال تبعا لتعدد الموضوع، غاية األمر هو التالزم بين االحتمالين، تبعا للتالزم بين المحتملين، و من الظاهر أن مقتضى األصول الترخيصية هو البناء على ما يطابق

احتمال عدم التكليف، دون احتمال التكليف. بل لو قيل بوحدة االحتمال فأدلة األصول الترخيصية ال تقتضي البناء على مقتضاه

من جميع الجهات بحيث تقتضي البناء على ثبوت التكليف في الطرف اآلخر، بل من حيثية السعة و رفع الحرج ال غير. و الزم ذلك البناء على الترخيص في تمام

األطراف المقتضي لجواز المخالفة القطعية، و حيث كان ذلك ممتنعا تعين قصوراألصل عن تمام األطراف، كما سبق.

إن قلت: مع امتناع شمول األصول الترخيصية لتمام األطراف فعدم المرجح بينها ال يقتضي قصور إطالق أدلة األصول عن الكل، بل عن أحدها تخييرا، نظير ما لو علم

بعدم الجمع بين فردين من أفراد العام، و دار األمر بين254، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

خروجهما معا و خروج أحدهما تخييرا، كما لو وجب إكرام العلماء و علم بعدم وجوب الجمع بين إكرام زيد و إكرام عمرو، حيث ال مجال للبناء على جواز ترك

إكرامهما معا، بل يتعين البناء على وجوب إكرام أحدهما تخييرا، اقتصارا في الخروجعن عموم العام على المتيقن.

قلت: ال مجال للبناء على جريان األصل الترخيصي في األطراف تخييرا، للفرق بينه و بين المثال المتقدم بأن مرجع التخيير في المثال المتقدم إلى رفع اليد عن إطالق الحكم األحوالي في كل من الفردين، و تقييد ثبوت الحكم فيه بعدم فعل المأمور به في اآلخر، و هو قد يكون أهون عرفا من رفع اليد عن عموم العام في الفردين معا

و إخراجهما منه رأسا. أما في المقام فمرجع التخيير إلى إناطة جريان األصل باختيار المكلف، و هو أبعد عرفا عن مفاد األدلة من البناء على ثبوت حكم العام في

كال الفردين اقتضاء لو ال العلم اإلجمالي المانع من فعليته. فالمقام نظير عموم الحكم الوضعيكالنجاسة و الزوجيةلو فرض تعذر عمومه

لفردين، حيث يتعين عرفامع عدم المرجح ألحدهماالبناء على ثبوته اقتضاء في كل منهما لو ال المانع، ال على ثبوته فعال في أحدهما تخييرا. إال أن يدل الدليل الخاص

على التخيير، فيتعين، عمال به، ال بعموم العام، كما ورد في من تزوج أختين أو.«1 »خمسا في عقدة واحدة

على أنه مما تقدم يظهر أن جواز ارتكاب بعض أطراف العلم اإلجمالي بعد فرض تنجيز التكليف المعلوم باإلجمال موقوف إما على رفع فعلية الحكم لو صادف ثبوته

فيه، أو على الترخيص في المخالفة االحتمالية، أو على التعبد باالمتثال في بعضاألطراف لتعيين التكليف المعلوم باإلجمال فيه، و الكل بعيد

______________________________ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.25 باب: 14( راجع الوسائل ج: 1 )

255، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جعن مفاد أدلة األصول، كما سبق.

و دعوى: أن أدلة األصول و إن لم تنهض بأحد األمور المذكورة بنفسها، إال أنه ال بد من استفادة أحدها منها بداللة االقتضاء، لتوقف شمول عموم أدلتها لألطراف على

ذلك.

Page 147: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

مدفوعة أوال: بأنه إذا توقف إعمال العام في فرد على إعمال عناية زائدة عن مفاده أشكل نهوض أصالة العموم بإثبات دخول الفرد في حكم العام و استفادة العناية

منه بداللة االقتضاء، بل تخصيص العام باإلضافة إلى ذلك الفرد أقرب عرفا. و ثانيا: بأن البناء على أحد األمور المذكورة و إن كان يصحح ارتكاب بعض األطراف،

إال أنه ليس بمالك األصل الظاهري المؤمن من التكليف لعدم المنجز له، ليكون إعماال لدليل األصل، بل بمالك آخر مباين لمفاد الدليل المذكور مغن عنه، فال مجال

الستفادته من دليل األصل، فضال عن استفادة أحد هذه األمور منه تبعا لذلك، وداللته عليه بداللة االقتضاء.

و من هنا ال تصلح أدلة األصول للمنع من وجوب الموافقة القطعية التي سبق تمامية المقتضي لها، بل يتعين البناء على وجوبها، و مانعية ذلك من جريان األصول

الترخيصية في أطراف العلم اإلجمالي، و إن كان المقتضي لجريانها في تماماألطراف تاما بلحاظ تمامية موضوعها فيها، كما سبق.

بقي شيء و هو أنه مما تقدم يظهر أن المانع من جريان األصول الترخيصية في أطراف العلم

اإلجمالي بالتكليف ليس هو لزوم المخالفة القطعية، ليختص بما إذا كانت جميع األطراف مجرى لألصل الترخيصي، بل هو منجزية العلم اإلجمالي للتكليف المعلوم

باإلجمال، المقتضية للموافقة القطعية باالحتياط في256، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

تمام األطراف، بعد عدم نهوض دليل األصل في كل طرف برفع ذلك، إما برفع فعلية التكليف المعلوم باإلجمال لو صادف الطرف المذكور، أو بالردع عن وجوب

الموافقة القطعية، أو بالتعبد باالمتثال، كما سبق. و الزم ذلك عدم جريان األصل الترخيصيبنحو يعمل عليهفي بعض األطراف أيضا إذا

لم يكن الباقي مجرى ألصل ترخيصي و ال إلزامي.و توضيح ذلك: أن األصل .. تارة: يقتضي الترخيص في تمام األطراف.

و أخرى: يقتضي الترخيص في بعضها و المنع من اآلخر، كما لو كان أحد اإلنائين المعلومي النجاسة نجسا سابقا و اآلخر طاهرا كذلك و ثالثة: يقتضي الترخيص في

بعضها من دون أن يجري في اآلخر أصل شرعي ترخيصي و ال إلزامي.و ال إشكال في عدم جريان األصل في األول، الستلزامه المخالفة القطعية.

و في جريانه في الثاني، ألن األصل اإللزامي في بعض األطراف لما كان منجزا له مع قطع النظر عن العلم اإلجمالي كان موجبا النحالل العلم اإلجمالي حكما و سقوطه عن المنجزية، كما يأتي في محله إن شاء الله تعالى، و معه ال منجز

الحتمال التكليف في الطرف اآلخر ليمنع من جريان األصل الترخيصي فيه. و أما الثالث فالالزم جريان األصل الترخيصي فيه لو انحصر المانع من جريانه في أطراف العلم اإلجمالي بلزوم المخالفة القطعية، لعدم لزومها من ذلك بعد عدم

جريان األصل إال في طرف واحد. أما بناء على ما سبق من لزوم الموافقة القطعية فالالزم عدم جريان األصل الترخيصي في محل الكالم، لمنافاته لها، كما صرح بذلك

غير واحد. لكن أصر بعض األعاظم قدس سره على جريان األصل الترخيصي حينئذ »إما«لكونه موجبا لكون الطرف اآلخر بدال قهريا عن المعلوم باإلجمال، و به يحصل

Page 148: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

257، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الفراغ التعبدي عنه »و إما« لكونه موجبا النحالل العلم اإلجمالي، ألن العلم

اإلجمالي كما ينحل بالمنع من بعض األطراف ينحل بالترخيص في بعضها، ألن األصل المنافي يكون مؤمنا من احتمال التكليف في الطرف المذكور، و يبقى الطرف

اآلخر بال مؤمن. و يندفع األول بأن الترخيص في بعض األطراف ال يكفي في كون اآلخر بدال عن المعلوم باإلجمال بالنحو الذي يحرز معه الفراغ تعبدا ما لم يكن ناظرا للمعلوم باإلجمال و شارحا له، كما تقدم في أول الكالم في وجوب الموافقة القطعية، و

تقدم أن أدلة األصول ال تنهض بذلك. كما يندفع الثاني بأن األصل الترخيصي الجاري في بعض األطراف إنما يكون مؤمنا من احتمال التكليف فيه من حيثية ثبوته في الطرف بخصوصيته، و ال يكون مؤمنا

من التكليف المعلوم باإلجمالالمنجز في نفسهبعد عدم نظره إليه، و ال شرحه إلجماله، بل الطرف المذكور من حيثية التكليف المعلوم باإلجمال كالطرف اآلخر الذي ال يجري فيه األصل، فمع فرض تنجز التكليف المذكور بالعلم، و لزوم إحراز الفراغ عنهلعدم ترخيص الشارع في المخالفة االحتماليةيتعين لزوم االحتياط في

الطرف المذكور، و إن لم يجب االحتياط فيه من حيثية احتمال التكليف فيهبخصوصيته.

و مثله ما ذكره بعض مشايخنا قدس سره من أن العلم اإلجمالي ال يزيد على العلم التفصيلي، فكما يمكن أن يكتفي الشارع مع العلم التفصيلي باالمتثال االحتماليكما

في موارد قاعدة الفراغ و التجاوزكذلك يمكن له االكتفاء به مع العلم اإلجماليبطريق أولى.

الندفاعه بأنه إن أريد من االكتفاء بالفراغ االحتمالي التعبد بالفراغ مع الشككمايظهر منهم في موارد قاعدة الفراغفقد تقدم عدم نهوض األصل

258، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج بذلك، لعدم نظره للمعلوم باإلجمال. و إن أريد به االكتفاء به مطلقا و لو مع عدم

التعبد بالفراغ فهو و إن كان ممكنا إال أن أدلة األصول ال تنهض به، كما تقدم. هذا و قد تظهر الثمرة لذلك فيما لو علم إجماال بنجاسة أحد إناءين أحدهما متيقن

الطهارة سابقا دون اآلخر، فإن استصحاب الطهارة يعارض بأصالة الطهارة في اآلخر، و بعد تساقطهما تتعارض أصالة الطهارة في األول مع أصالة الحل في اآلخر،

و بعد تساقطهما تجري أصالة الحل في األول بال معارض. لكن أصر بعض األعاظم قدس سره على عدم جريان أصالة الحل في األول بدعوى: أن مالك التعارض بين األصول لما كان هو تعارض مؤدياتها و ما هو المجعول فيها، و كان مفاد استصحاب الطهارة و أصالة الطهارة واحدا لزم سقوطهما معا بالمعارضة ألصالة الطهارة في االناء اآلخر. و مجرد حكومة االستصحاب في مورد على أصالة

الطهارة ال يوجب سقوط استصحاب الطهارة أوال، ثم جريان أصالة الطهارة بال معارض. و من ثم ذكر قدس سره أنه لم يعثر على مورد لجريان األصل في بعض

األطراف دون اآلخر.

Page 149: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

لكن ما ذكره ال يناسب مسلكه في تقديم األصول الحاكمة على المحكومة، و أن المحكومة ال يتم موضوعها في عرض الحاكمة، كما ذكر ذلك شيخنا االستاذ قدس

سره. كما أن الظاهر جريان األصل في خصوص بعض األطراف أيضا إذا خرج اآلخر عن االبتالء، على ما يأتي إن شاء الله تعالى. و الزم ما ذكره قدس سره جواز ارتكاب الطرف الذي يجري فيه األصل الترخيصي حتى لو كان خروج اآلخر عن االبتالء بعد

تنجز التكليف بالعلم اإلجمالي. مع عدم اإلشكال ظاهرا في عدم جواز ارتكابهحينئذ، على ما يأتي في محله إن شاء الله تعالى. و من هنا ال

259، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جينبغي التأمل في ضعف المبنى المذكور. و منه سبحانه نستمد العون و التوفيق.

بقي في المقام تنبيهات ..التنبيه األول: في الشبهة الموضوعية

المقصود باألصل في محل الكالم هو الشبهة الحكمية، ألنها مورد االستنباط الذي هو وظيفة المجتهد، و الذي كان علم األصول مقدمة له. إال أن جميع ما سبق يجري في

الشبهات الموضوعية، لعدم الفرق بينها و بين الشبهات الحكمية في حكم العقلالمتقدم.

بل تمتاز عن الشبهات الحكمية ببعض النصوص المتضمنة لبعض األصولكموثق مسعدة بن صدقة الوارد في قاعدة الحلو بالنصوص الواردة في موارد العلم

اإلجمالي، كما تقدم. كما تمتاز عن الشبهات الحكمية أيضا بما حكاه شيخنا األعظم قدس سره عن

بعضهم من الرجوع للقرعة، فإنه و إن حكى ذلك في خصوص الشبهة الموضوعية التحريمية إال أنه قد يتعدى للشبهة الموضوعية الوجوبية. و أما الشبهة الحكمية فقد

ادعى المحقق الخراساني قدس سره اإلجماع على عدم الرجوع فيها للقرعة، و ظاهر غير واحد ممن تأخر عنه المفروغية عن ذلك. و يشهد به ما هو المعلوم من

سيرة األصحاب رضى الله عنه من عدم عدها من أدلة األحكام. هذا و ال يخفى أن القرعة تصلح لتمييز المعلوم باإلجمال و شرحه، بنحو يرجع لتعيين

التكليف المجمل و للتعبد باالمتثال في بعض األطراف، الذي هو مقتضى قاعدة االشتغال. و ال فرق في ذلك بين كونها من الطرق و كونها من األصول، فإن األصل

إنما ال يصلح لتمييز المعلوم باإلجمال إذا تمحض في بيان الوظيفة العملية في مورده من دون نظر للواقع، أما إذا كان ناظرا له و واردا لشرحه فالالزم العمل به

على حسب مقتضاه.260، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و لعله لذا ورد اإلرجاع للقرعة في مورد العلم اإلجمالي في صحيح محمد بن عيسى عن الرجل عليه السالم: »أنه سئل عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة. قال: إن

عرفها ذبحها و أحرقها، و إن لم يعرفها قسمها نصفين أبدا حتى يقع السهم بها،.«2 » و نحوه مرسل تحف العقول«1 »فتذبح و تحرق، و قد نجت سايرها«

و ينبغي الكالم في عموم الرجوع إليها في الشبهات الموضوعية خروجا عما تقدم من القاعدة المقتضية لالحتياط. و هو موقوف على النظر في نصوص القرعة، و

هي طوائف ثالث ...

Page 150: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

األولى: ما تضمن اإلرجاع لها في موارد خاصة، إما ال تعين فيها لألمر المقترع فيه، ، أو نذر عتق أول مملوك يملكه، فملك أكثر«3 »مثل من أوصى بعتق ثلث مماليكه

، و إما مع تعين األمر المقترع فيه واقعا، إال أنه ال تجري فيه األصول«4 »من واحد ، و ما«5 »الشرعية و ال العقلية، مثل ما لو وطأ الجارية جماعة فولدت من أحدهم

، أو تجري فيه أصالة«6 »لو انهدمت الدار و بقي صبيان اشتبه الحر منهما بالعبداالحتياط، كالحديثين المتقدمين.

الثانية: ما تضمن تشريعها في موارد التنازع، كصحيح عاصم بن حميد عن أبي بصيرعن أبي جعفر عليه السالم في حديث بعث رسول الله صلى الله عليه و آله أمير

______________________________.1 من أبواب األطعمة المحرمة حديث: 30 باب: 16( الوسائل ج: 1 ).4 من أبواب األطعمة المحرمة حديث: 30 باب: 16( الوسائل ج: 2 ) من13 باب: 18 من أبواب كتاب العتق. و ج: 65 باب: 16( راجع الوسائل ج: 3 )

.16، 10، 3أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى حديث: من13 باب: 18 من أبواب كتاب العتق. و ج: 57 باب: 16( راجع الوسائل ج: 4 )

.15، 2أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى حديث: ،1 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى حديث: 13 باب: 18( الوسائل ج: 5 )

14. من أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم. و ج4 باب: 17( راجع الوسائل ج: 6 )

.8، 7 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى حديث: 13 باب: 18261، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المؤمنين عليه السالم إلى اليمن »... فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: ليس و غيره.«1 »من قوم تقارعوا و فوضوا أمرهم إلى الله إال خرج سهم المحق«

الثالثة: ما تضمن تشريعها في المجهول، و لم أعثر فيه إال على رواية محمد بن حكيم أو حسنته: »سألت أبا الحسن عليه السالم عن شيء، فقال لي: كل مجهول

ففيه القرعة. قلت له: إن القرعة تخطئ و تصيب. قال: كلما حكم الله به فليس.«2 »بمخطئ«

هذا و قد تردد في بعض كلماتهم: »القرعة لكل أمر مشكل«. لكن لم أعثر عاجالعلى نص به. و لعله مستفاد من النصوص المتقدمة.

أما الطائفة األولى فهي مختصة بمواردها. و ورود بعضهاكالحديثين المتقدمينفي مورد أصل االحتياط ال يكفي في عموم الرجوع إليها في موارده، و في الخروج عن

.«4 »، و الثوبين المشتبهين«3 »القاعدة المتقدمة، المعتضدة بما ورد في اإلنائين و ال سيما مع اختصاص الحديثين المذكورين بما إذا لزم من االحتياط الضرر المالي

المعتد به، بل إتالف المال الكثير. و أما الطائفة الثانية فهي أجنبية عما نحن فيه، لعدم ورودها لبيان تشريع القرعة،

بل لبيان ضمان تسديدها و إصابتها للواقع إذا ابتنت على تفويض األمر لله تعالى من قبل المقترعين، بعد الفراغ عن مشروعيتها في الجملة من دون أن يكون لها إطالق

في ذلك.على أنه ال يرجع في شيء من موارد التنازع لالحتياط حتى في موارد

______________________________

Page 151: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

.5 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى حديث: 13 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).11 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى حديث: 13 باب: 18( الوسائل ج: 2 ).14، 2 من أبواب الماء المطلق حديث: 8 باب: 1( الوسائل ج: 3 ).1 من أبواب النجاسات حديث: 64 باب: 2( الوسائل ج: 4 )

262، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالعلم اإلجمالي، ليكون تشريع القرعة منافيا له.

و أما الطائفة الثالثة فهي و إن كانت شاملة لما نحن فيه إال أن عمومها لكل مجهول مستلزم لكثرة التخصيص فيها، لوجوب الخروج عنها في جميع موارد

األصول الشرعية، ألنها أخص منها، و في الشبهات الحكمية من موارد األصول العقلية، لما تقدم من التسالم على عدم الرجوع إليها في الشبهات المذكورة، و في

كثير من موارد االشتباه األخر، كاشتباه درهم الودعي بين شخصين، و ميراث الغرقى و المهدوم عليهم، و الخنثى المشكل، و اشتباه القبلة، و الثوبين، و اإلنائين

المشتبهين، و غير ذلك مما دل فيه الدليل الخاص على عدم الرجوع للقرعة. و ذلك يوجب جريان حكم اإلجمال على العموم المذكور، فال يخرج به في المقام عن

مقتضى القاعدة من االحتياط. و ال سيما مع اشتهار القول بوجوب االحتياط فيهمعتضدا ببعض النصوص، كما سبق.

التنبيه الثاني: فيما لو اختلفت األطراف حقيقة أو خطابا ال فرق في منجزية العلم اإلجمالي و مانعيته من الرجوع لألصول الترخيصية بين اندراج األطراف تحت حقيقة واحدة و عدمه، فكما يكون العلم اإلجمالي بنجاسة

أحد الماءين منجزا كذلك يكون العلم اإلجمالي بنجاسة الثوب أو البدن منجزا. لعدمالفرق في وجه منجزية العلم اإلجمالي بينهما.

خالفا لما عن صاحب الحدائق مما ظاهره عدم التنجز مع اختالف الحقيقة. و ربما يرجع ما ذكره إلى تفصيل آخر، و هو أنه ال بد من رجوع التكليف في جميع

األطراف إلى خطاب واحد معلوم تفصيال، كما في التردد بين القصر و اإلتمام، الراجع للعلم بتوجه الخطاب بالصالة، و التردد بين نجاسة الثوب أو البدن الراجع

للعلم بمانعية النجاسة من الصالة.أما لو دار األمر بين خطابين فال يكون منجزا، كما لو دار األمر بين نجاسة

263، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج أحد اإلناءين و غصبية اآلخر. و منه ما إذا علم بنجاسة الثوب أو الطعام، حيث يعلم

بتوجه أحد خطابين إما حرمة أكل النجس أو مانعية النجاسة من الصالة. و قد يوجه بأن منشأ العلم اإلجمالي هو شمول إطالق دليل التكليف للواحد المعلوم باإلجمال المردد بين األطراف، و هو إنما يتم مع اندراجه تحت خطاب واحد، أما مع

التردد بين خطابين فال يعلم شمول كل منهما للمعلوم باإلجمال. و فيه: أنه مع منجزية العلم اإلجمالي ال يقدح تعدد الخطاب، للعلم بشمول أحد الخطابين للمعلوم باإلجمال، و مع عدم منجزيته ال تنفع وحدة الخطاب، النحالل

الخطاب إلى تكاليف متعددة بعدد األفراد، فالعلم بأحد فردين لخطاب واحد راجعللعلم بأحد تكليفين إجماال، ال للعلم بتكليف معين بخصوصه.

Page 152: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و بالجملة: ال أثر لوحدة الخطاب و تعدده في منجزية العلم اإلجمالي. كما ال أثر لهما في منجزية العلم التفصيلي، فكما يلزم اجتناب الحرام المعين لو علم عنوانه

تفصيال، كالخمر، يلزم اجتنابه لو تردد بين عنوانين، كاألرنب و الجالل.التنبيه الثالث: في معيار ترتيب اآلثار

الظاهر أن معيار منجزية العلم اإلجمالي هو ترتب العمل على األمر المعلوم، بلحاظ حسن أو لزوم الطاعة عقال، لما سبق في وجه منجزية العلم من أن فعلية العمل

مع كون المعلوم موضوعا له تترتب على العلم تكوينا. أما مع عدم ترتب العمل فالموضوع للمنجزية.

و حينئذ تختص منجزية العلم اإلجمالي بما إذا كان المعلوم باإلجمال حكما تكليفيا اقتضائيا، كالوجوب و االستحباب. و قد تقدم في ذيل الكالم في المخالفة القطعية

حكم ما لو دار األمر بين الحكم اإللزامي و الحكم االقتضائي264، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

غير اإللزامي. و أما الحكم الوضعي فإن كان منتزعا من األثر التكليفي كان طرفا للتنجيز، كمانعية

النجاسة من الوضوء أو الصالة، المنتزعة من تقييد المطلوب بغير النجس، ألنه يقتضي نحوا من العمل في مقام االمتثال ال يترتب بدونه. و إن كان مجعوال بنفسه

لم يكن موضوعا للتنجيز إال بلحاظ أثره التكليفي الفعلي، فلو لم يكن له أثر تكليفي فعلي لم يصلح للتنجيز، لعدم ترتب العمل عليه، كما لو علم بنجاسة أحد الدرهمين

مثال و لم يكن لهما مالق مورد للعمل. و مجرد استلزام نجاسة كل منهما نجاسة اليد أو الثوب المالقيين له برطوبة، التي يترتب عليها العمل، ال يكفي ما لم يكن

ذلك فعليا بفعلية المالقاة. و كذا لو علم بنجاسة أحد األمرين من اليد و الدرهم، ألن األثر العملي لما كان مختصا بنجاسة اليد لم يكن معلوما إجماال و لم يصلح العلم للتنجيز، بل يتعين

الرجوع ألصالة الطهارة في اليد، لعدم المانع بعد عدم منجزية العلم. هذا و ال ريب ظاهرا في أنه لو اشتركت األطراف في أثر واحد أو اختص كل منها

بأثر وجب االحتياط في الجميع، للعلم بثبوت ما به االشتراك أو ما به االمتياز إجماال، على ما سبق في التنبيه الثاني. و إنما اإلشكال فيما لو اشتركت في بعض اآلثار و اختص أحدها بأثر، كما لو علم إجماال بأن أحد الثوبين حرير و اآلخر من أجزاء ما ال يؤكل لحمه، حيث يشتركان في المانعية من الصالة، و يمتاز الحرير بحرمة اللبس

مطلقا. و قد يظهر من شيخنا األستاذ قدس سره أن المنجز حينئذ هو األثر المشترك، ألنه المتيقن، دون المختص، لعدم كونه معلوما تفصيال، و ال طرفا لعلم إجمالي، لفرض

عدم وجود أثر يختص بالطرف اآلخر ليكونا معا طرفين لعلم إجمالي.فال مانع من الرجوع لألصل الترخيصي في األثر المذكور.

265، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و فيه: أن اشتراك الطرفين في أثر واحد ال يوجب اختصاص التنجيز به بعد كون

طرف الترديد واجدا لألثرين المشترك و المختص معا، بل يكونان معا طرفا للترديد و للعلم اإلجمالي من دون مرجح، نظير ما لو كان أحد الطرفين ذا أثرين مباينين

سنخا لألثر الواحد في الطرف اآلخر، كما لو علم إجماال بنجاسة المسجد أو الماء،

Page 153: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

حيث يكون األثر في األول وجوب التطهير، و في الثاني المانعية من الوضوء وحرمة الشرب معا.

نعم لو كان األثر معلوما بالتفصيل بأن اتحد الموضوع لزم انحالل العلم اإلجمالي، كما لو علم بأن الثوب المعين إما حرير أو من أجزاء ما ال يؤكل لحمه، حيث يعلم تفصيال بمانعيته من الصالة، و يشك في حرمة لبسه تكليفا، فتتنجز المانعية بالعلم

التفصيلي و تجري البراءة من حرمة اللبس. بخالف ما إذا كان التردد في ثوبين كما هو محل الكالم، حيث ال يكون األثر معلوما

بالتفصيل، بل باإلجمال، حيث يتردد األمر بين فردين منه كل منهما في طرف، ففي المثال يتردد األمر بين فردين من المانعية من الصالة في أحد الثوبين، و ليس أحد

الفردين وحده طرفا للترديد، بل هو و األثر المختص معا من دون مرجح، فيتعينتنجيزهما معا، كما ذكرنا.

التنبيه الرابع: في أنه ال بد من فعلية التكليف على كل حال لما كان مالك منجزية العلم اإلجمالي ترتب العمل على المعلوم باإلجمال، ليكون

وصوله بالعلم موجبا لفعلية داعويته للعمل، فال بد فيها من صحة الخطاب بالتكليفعلى كل حال ليترتب عليه العمل و يتحقق موضوع الداعوية للطاعة عقال.

فلو كان بعض األطراف مبتلى بالمانع من فعلية التكليفكاالضطرار و التعذر والحرجلم يصلح العلم اإلجمالي لتنجيز التكليف، ليجب مراعاة

266، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج احتماله في األطراف األخر الخالية من المانع، لعدم كونه في الحقيقة علما

بالتكليف الفعلي، بل االقتضائي الذي ال يستتبع العمل، غاية األمر أنه يحتمل ثبوت التكليف الفعلي في األطراف المذكورة من دون أن يتنجز بعلم إجمالي يمنع من

جريان األصل الترخيصي فيها. هذا و قد ذكر شيخنا األعظم قدس سره أن من جملة ما يمنع من فعلية التكليف

عدم االبتالء بمتعلقه، بحيث يعد عرفا أجنبيا عن المكلف و يستهجن توجيه الخطاب به إليه. و رتب على ذلك عدم منجزية العلم اإلجمالي مع خروج بعض أطرافه عن

االبتالء. و ال يخلو كالمه في تحديد عدم االبتالء عن غموض، الختالف األمثلة التي ذكرها له،

فإنها ترجع إلى أقسام أربعة .. األول: ما ال يكون فيه ألحد طرفي العلم اإلجمالي أثر تكليفي أصال و لو تعليقيا،

كوقوع قطرة البول على ظهر حيوان، حيث ال أثر لذلك حتى باإلضافة إلى المالقي، لما هو المعلوم من عدم نجاسة الحيوان مطلقا أو بعد زوال عين النجاسة، فال ينجس المالقي للحيوان إال مع بقاء عين النجاسة، و معه يستند تنجس المالقي

لمالقاتها، ال لمالقاة ظهر الحيوان. الثاني: ما يكون أثره تعليقيا ال غير، كنجاسة ظاهر اإلناء، حيث ال توجب أثرا تكليفا

فعليا إال بمالقاة ما لنجاسته أثر تكليفي، كالثوب. الثالث: ما ال يكون من شأن المكلف التعرض له، لوجود صوارف خارجية عنه،

كنجاسة الماء المستقذر الذي ليس من شأن المكلف عادة شربه أو استعماله فيالتطهير.

Page 154: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الرابع: ما يكون موردا لتكليف فعلي مانع من استعماله، كتنجس اإلناء المغصوب،حيث يحرم استعماله مع قطع النظر عن نجاسته.267، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و من الظاهر خروج األول عن محل الكالم، ألن عدم فعلية التكليف فيه لعدم الموضوع، ال لعدم االبتالء. و كذا الثاني، لعدم اشتغال الذمة بالتكليف التعليقي، بل ليس هو تكليفا حقيقة. نعم لو علم بتحقق ما يوجب فعلية التكليف من جهته فيما

بعد لم يبعد منجزية العلم اإلجمالي، على ما يأتي في التدريجيات إن شاء اللهتعالى. فلم يبق إال األخيران، و الكالم فيهما في مقامين:

المقام األول فيما ال يكون من شأن المكلف التعرض له، لصوارف خارجية و ظاهر المحقق الخراساني قدس سره أنه هو المراد بعدم االبتالء، بل لعل ذلك هو

مراد شيخنا األعظم قدس سره منه، و ذكره لغيره للبناء على رجوعه إليه. و قد وجه المحقق الخراساني قدس سره عدم فعلية التكليف معه بأن الغرض من التكليف لما كان هو إحداث الداعي للمكلف نحو مقتضاه فال موقع له مع كون

حصول مقتضى التكليف مقتضى حال المكلف بطبعه مع قطع النظر عن التكليف،حيث ال فائدة من التكليف حينئذ، بل يكون من قبيل طلب الحاصل.

و قد أورد بعض مشايخنا قدس سره عليه بأن الغرض من التكليف الشرعي ليس مجرد حصول متعلقه في الخارج، بل يضاف إلى ذلك صلوح التكليف للداعوية،

ليكون مقربا للعبد، فتكمل نفسه. و لذا صح الزجر عما ال يحصل الداعي إلى فعلهدائما أو غالبا، كنكاح األمهات و أكل لحم اإلنسان و القاذورات.

و من الظاهر أن عدم االبتالء بالمعنى المتقدم ال يمنع من صلوح التكليف للداعوية بترويض النفس على التعبد بالنهي المولوي و جعله داعيا و لو مع الدواعي األخرى.

نعم يتجه ذلك في التكاليف العرفية، إذ ليس الغرض منها إال حصول متعلقها فيالخارج.

268، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج لكنه يندفع بأن صلوح التكليف للداعوية ليكون مقربا للعبد ليس هو الغرض المقوم

للتكليف، الذي به يكون موضوعا لحكم العقل بوجوب الطاعة و قبح المعصية، وموردا للعمل و التنجيز. و من ثم كانت التعبدية قيدا في التكليف مخالفا إلطالقه.

نعم هو أثر مناسب لمطلق المشروعية غير المختصة بالتكليف و الشاملة لالستحباب و الكراهة. بل هو ال يختص باألحكام الشرعية، فإن انفتاح باب التقرب يجري حتى في األحكام العرفية، غاية األمر أن حسن التقرب و التعبد عقال يختص

باألحكام الشرعية، لمناسبته لمقام العبودية و كونه سببا لتطهير النفس. و أما الزجر عن األمور المذكورة في كالمه فمن الظاهر أنه لم يرد به الخطاب الشخصي من الشارع األقدس في حق من استحكم الداعي في نفسه لتحقيق

مقتضاها، لينافي ما تقدم، بل هو بين ما استفيد حرمته من أدلة لبية، أو ورد الخطاب به بنحو القضية الحقيقية، لبيان الضوابط الشرعية العامة في حق جميع

المكلفين بما فيهم من لم يستحكم في نفسه الداعي المذكور، فال تنافي عدم فعليةالتكليف في مورد عدم االبتالء، كما ال تنافي عدم فعليته في حق العاجز.

و ال سيما مع أن استحكام الداعي في النفس قد يكون مسببا عن استهجان العرف العام للفعل بسبب ورود التكليف، و لواله لم يستهجن الفعل حتى يستحكم الداعي

Page 155: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

لتركه، فإن ذلك يوجب حسن الخطاب بالتكليف بنحو العموم، و إن كان يسقط عنالفعلية باستحكام الداعي لمقتضاه.

نعم ما تقدم من المحقق الخراساني قدس سره مبني على أن الغرض من التكليفهو إحداث الداعي نحو مقتضاه. و الظاهر عدم تمامية ذلك، و لذا يحسن

269، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج التكليف مع العلم بعدم تأثيره لذلك، لتمرد المكلف على المولى، استهوانا به، أو

لمنع القوى الشهوية و الغضبية من تأثير تكليفه فيه. بل ليس قوام التكليف إال جعل السبيل على المكلف، إلحداث الداعي العقلي

لالمتثال و إن لم يؤثر في نفس المكلف. كما يظهر مما تقدم عند الكالم في حقيقةاألحكام التكليفية من مقدمة علم األصول.

و من ثم فقد يشكل مانعية عدم االبتالء من فعلية التكليف بأنه ال مانع من جعل المسئولية باإلضافة إلى ما هو خارج عن االبتالء، ألن مجرد تحقق مقتضى التكليف

بمقتضى وضع المكلف مع قطع النظر عن التكليف ال ينافي جعل المسئولية فيه منقبل المولى، بحيث يكون محسوبا عليه.

لكنه يندفع بأن مصحح التكليف و جعل المسئولية هو كونه محركا نحو العمل، ال بنحو يقتضي ترتب العمل عليه فعال، بل بمعنى داعويته له، و مع ترتب مقتضى

التكليف مع قطع النظر عنه و على كل حال تلغو الداعوية و جعل المسئولية، و ال تكون فعلية بل اقتضائية ال غير. و ذلك هو المعيار في التنجيز و التعذير أيضا و من

ثم ال يكون التعبد بمؤدى الحجج و األصول فعليا في موارد عدم االبتالء بالنحوالمذكور.

هذا و لعل الرجوع لسيرة المتشرعة كاف في استيضاح ما ذكرنا من عدم فعلية التكليف في موارد عدم االبتالء، لعدم اعتنائهم ارتكازا بالتكليف اإلجمالي في المورد

المذكور، فال يكون العلم منجزا عندهم في األطراف التي هي مورد االبتالء، و منالقريب جدا ابتناء ذلك منهم على ما ذكرناه من الوجه االرتكازي.

270، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جبقي شيء

و هو أنه لو فرض الشك في مسقطية عدم االبتالء للتكليف عن الفعلية فمن الظاهر أن األمر المذكور لما كان من األمور الوجدانية فالشك فيه ال يكون إال

الضطراب الوجدان، نظير شك المصلي في أن العارض له شك أو ظن. و حينئذ ال يبعد البناء على عدم فعلية التكليف و عدم منجزية العلم اإلجمالي في

محل الكالم. و ال ينهض اإلطالق بإثبات فعليته، ألن وظيفة الحاكم بيان موضوع تكليفه و متعلقه اللذين هما موردا المالك و الغرض، و اإلطالق إنما ينهض بذلك، ال ببيان الفعلية من

غير حيثية الموضوع و المتعلق، بل هي مما يدركه العقل و الوجدان تبعا للمرتكزات، كما في شرطية القدرة و االبتالء، فمع اختالط األمر على العقل و الوجدان ال طريق

إلثبات الفعلية و ما تستتبعه من منجزية العلم اإلجمالي. و حيث كان مقتضى إطالق أدلة األصول الترخيصية في األطراف األخر التي هي

محل االبتالء جواز ارتكابها، يتعين العمل على ذلك بعد عدم استيضاح منجزية العلماإلجمالي التي هي من سنخ المانع من العمل عليها.

Page 156: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و من ذلك يظهر الحال فيما إذا شك في تحديد مرتبة االبتالء المعتبر في فعلية التكليف بعد الفراغ عن أصل اعتباره، حيث يتعين البناء على عدم فعلية التكليف إال في مورد العلم بها، لتحقق المرتبة التي يعلم بفعلية التكليف معها، لعين ما تقدم. و

ال مجال للتمسك باإلطالق إلثبات الفعلية فيما زاد على ذلك، كما يظهر من شيخنااألعظم قدس سره.

و لعله إلى ما ذكرنا يرجع ما ذكره المحقق الخراساني قدس سره في حاشيةالرسائل في وجه امتناع التمسك باإلطالق مع الشك في مرتبة االبتالء المعتبر.

271، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج قال: »إنما يجوز الرجوع إلى اإلطالقات في دفع قيد كان التقييد به في عرضه و

مرتبته، بأن يكون من أحوال ما أطلق و أطواره، ال في دفع ما ال يكون كذلك، و قيد االبتالء من هذا القبيل، فإنه بحكم العقل و العرف من شرائط تنجز الخطاب

المتأخر عن مرتبة أصل إنشائه، فكيف يرجع إلى اإلطالقات الواردة في أصل إنشائهفي دفع ما شك في اعتباره في تنجزه؟!«.

المقام الثاني فيما يكون موردا لتكليف فعلي مانع من ارتكابه و ذلك كتنجس طعام الغير، حيث يحرم ارتكابه مع قطع النظر عن نجاسته. و قد

يدعى مانعية التكليف المعلوم بالتفصيل في أحد األطراف من منجزية العلم اإلجمالي، ألنه يوجب سلب القدرة عنه شرعا، فال يكون التكليف المعلوم باإلجمال

فعليا لو صادفه واقعا، فمع احتمال مصادفته له ال يكون معلوم الفعلية، بل محتملها، فال يصلح للتنجز، كما يتعين الرجوع في الطرف اآلخر لألصل الترخيصي بعد عدم

معارضته بمثله في الطرف الذي يعلم بالتكليف به تفصيال. لكن مانعية التكليف المعلوم بالتفصيل من فعلية التكليف المعلوم باإلجمال لو

صادفه ليس بأولى من العكس، و هو مانعية التكليف المعلوم باإلجمال من فعلية التكليف المعلوم بالتفصيل، لعدم المرجح بعد كون كل منهما تام الموضوع، بل

يتعين البناء على فعلية كل منهما. و من ثم أصر بعض األعيان المحققين قدس سره على عدم مانعية التكليف في

بعض األطراف من منجزية العلم اإلجمالي. و توضيح ما ذكره: أن التكليف بشيء بعنوان ال يمنع من التكليف به بعنوان آخر، بل يتعين تأكد التكليف، الموجب لتأكد

الداعي العقلي، و هو يكفي في منجزية العلم اإلجمالي.272، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و ما اشتهر من اعتبار القدرة الشرعية في متعلق التكليف كالقدرة العادية إنما هو بمعنى لزوم القدرة الشرعية على موافقة التكليف، فيمتنع تحريم ما هو واجب مثال،

لئال يلزم التكليف بما ال يطاق، أما بمعنى لزوم القدرة الشرعية على مخالفةالتكليفبأن يمتنع تحريم ما هو حرام من جهة أخرىفال وجه له.

و ال وجه لقياسه على القدرة العادية، ألن الوجه في اعتبار القدرة العادية إنما هو لغوية التكليف بدونها، لعدم األثر له في الداعوية العقلية، بخالف القدرة الشرعية،

حيث ال يلغو التكليف اآلخر الموافق له عمال، بل بعد صلوحه لتأكيد الداعوية العقلية،تبعا لتأكد التكليف الواحد بتعدد جهات ثبوته.

كما أنه يمكن جريان األصل اإللزامي و الترخيصي باإلضافة إلى التكليف اآلخر المشكوك، حيث يترتب عليه استحقاق العقاب زائدا على عقاب الجهة المعلومة و

Page 157: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

عدمه باإلضافة إليها. و عليه ال مانع من جريان األصول الترخيصية في جميع أطرافالعلم اإلجمالي من حيثية التكليف المعلوم باإلجمال، فتسقط بالمعارضة.

و ليس مفاد األصل الترخيصي في كل طرف الترخيص فيه مطلقا و من جميع الجهات، ليمتنع جريانه في الطرف الذي يعلم تفصيال بثبوت التكليف اآلخر فيه، بل

الترخيص من حيثية التكليف المعلوم باإلجمال المشكوك ثبوته في الطرف المذكور،فيعارض بمثله في الطرف اآلخر.

و ما ذكره قدس سره متين في الجملة. و لذا ال إشكال في أن المرتكب لجميع األطراف كما يستحق العقاب من جهة مخالفة التكليف التفصيلي المفروض كذلك

يستحقه من جهة مخالفة التكليف اإلجمالي، و يتعدد عقابه، تبعا لتعدد التكليف، و ماذلك إال لفعلية التكليف اإلجمالي، و تنجزه بالعلم.273، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

نعم قد يقال: التكليف المعلوم بالتفصيل و إن لم يكن مانعا من فعلية التكليف المعلوم باإلجمال، و ال من تنجزه بالعلم، إال أن العلم اإلجمالي حينئذ ال يصلح لتنجيز احتمال التكليف في الطرف اآلخر بنحو يقتضي لزوم االحتياط فيه، إذ مع تنجز بعض

األطراف على كل حال و وجود المتيقن في مقام العمل ال يكون العلم اإلجماليموجبا للعلم بترتب عمل زائد على ما يترتب بدونه.

و تأكد التكليف و الداعوية و إن كان قابال للتنجيز، إال أنه ال يستوجب عمال زائدا. و بعبارة أخرى: وجود القدر المتيقن يمنع من منجزية العلم اإلجمالي لما زاد عليه،

سواء كان المتيقن المذكور من حيثية األمر المعلوم، أم من حيثية العمل. فاألول كما لو دار األمر بين وجوب شيء و استحباب آخر، حيث ال يتنجز إال القدر المشترك بين الوجوب و االستحباب، و هو الرجحان لكل منهما، ألنه المتيقن من المعلوم، و ال يتنجز كل من الطرفين على إجماله، ليلزم تنجز الوجوب المحتمل،

كما سبق في آخر الكالم في حرمة المخالفة القطعية. و الثاني كما في المقام، حيث ال يكون العلم التفصيلي موجبا لوجود المتيقن من حيثية المعلوم، للعلم بثبوت تكليفين، و المنجز ألحدهما العلم التفصيلي، و لآلخر

العلم اإلجمالي، و إنما يوجب المتيقن في مقام العمل، حيث يلزم العمل في الطرف الذي يعلم التكليف به تفصيال على كل حال مع قطع النظر عن العلم

اإلجمالي، و العلم اإلجمالي ال يقتضي العلم بترتب عمل زائد على مقتضاه، بل ليس إال احتمال لزوم العمل الزائد عليه في الطرف اآلخر، فال يكون منجزا للعمل

المذكور، و يتعين الرجوع فيه لألصل الترخيصي بعد عدم المانع منه. و ال يعارض األصل المذكور باألصل الجاري في الطرف المعلوم بالتفصيل المقتضي للسعة من

حيثية احتمال انطباق التكليف المعلوم باإلجمال عليه، لعدم ترتب العمل علىاألصل الجاري فيه

274، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج بعد العلم تفصيال بثبوت التكليف اآلخر فيه، و إنما يكون مقتضى األصلو هو

السعةاقتضائيا ال غير، فال يعارض األصل الجاري في الطرف اآلخر المقتضي للسعةفعال.

و أدنى مالحظة للمرتكزات العقالئية و المتشرعية تشهد بما ذكرنا، حيث تكثر موارد العلم اإلجمالي بوجود النجس أو الحرام أو نحوهما في جملة من األمور بعضها

Page 158: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

مملوك للغير ال يحل التصرف فيه على كل حال، لعدم السلطنة عليه. و لو بني على منجزية العلم اإلجمالي في ذلك لوقع الهرج و المرج و اضطربت أمور الناس، كما

هو ظاهر. و هل يمكن البناء على وجوب االحتياط بمراعاة احتمال التكليف اإلجمالي في جميع

األطراف فيمن علم إجماال بأنه قد نذر الفريضة أو النافلة، أو بأنه قد شرط علىنفسه اإلنفاق على من تجب نفقته عليه أو غيره، أو نحو ذلك؟.

على أن ذلك لو لم يبلغ مرتبة اليقين بعدم منجزية العلم اإلجمالي، فال أقل من عدم وضوح منجزيته في المقام، و هو كاف في العمل باألصل الترخيصي اآلخر، بعد ما سبق من تمامية موضوع األصول في أطراف العلم اإلجمالي، و تمامية المقتضي

للعمل عليها، حيث ال مجال مع ذلك للتوقف عن العمل باألصل ما لم يقطع بالمانع. كما تقدم نظيره عند الكالم في الشك في مانعية الخروج عن االبتالء من منجزية

العلم اإلجمالي. فالحظ. ثم إن المعيار في ذلك ليس ثبوت التكليف في بعض األطراف معينا، بل يكفي تنجيز

احتمال التكليف فيه بنحو يقتضي العمل على النحو الذي يقتضيه العلم اإلجمالي فيه، سواء كان طرفا لعلم إجمالي آخر منجز بنفسه، كما لو علم إجماال بنجاسة أحد

إناءين خزف و زجاج، ثم علم بإصابة النجاسة للزجاج275، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

منهما أو لثالث كالصفر، أم موردا لعلم إجمالي آخر، كما لو علم إجماال بنجاسة عشرة أوان منها خمسة بيض يعلم بأن فيها واحدا نجسا نجاسة أخرى، أم كان

موردا ألصل شرعي إلزامي، كما إذا علم بمالقاة النجاسة ألحد ثوبين، و كان أحدهما مستصحب النجاسة، أم كان موردا لقاعدة االشتغال، كما لو علم في أثناء الوقت

بأنه لم يأت بفريضة الوقت أو بفريضة خرج وقتها. الشتراك الجميع في عدم ترتبأثر عملي على العلم اإلجمالي ال يترتب بدونه.

و إلى ذلك يرجع ما تكرر في كلماتهم من انحالل العلم اإلجمالي بتنجيز بعض أطرافه. لكنه ليس انحالال حقيقيا، لعدم مانعية تنجز بعض األطراف من تحقق العلم اإلجمالي بتكليف فعلي غير موضوع التنجيز، و إنما هو انحالل حكمي يرجع إلى عدم

ترتب األثر العملي المعهود للعلم اإلجمالي، فكأنه لم ينعقد. فالحظ.تتميم ]الضابط في انحالل العلم اإلجمالي من حيثية تقدم المانع و تأخره[

ظهر مما تقدم أن المانع من منجزية العلم اإلجمالي أحد أمرين:األول: عدم فعلية التكليف في بعض األطراف المعين، الضطرار و نحوه.

و يلحق به خروجه عن االبتالء لوجود الصارف عنه، كما تقدم في المقام األول. الثاني: وجود المتيقن في مقام العمل، لوجود تكليف تفصيلي في بعض األطراف،

أو لتنجز احتمال التكليف فيه، كما تقدم في المقام الثاني. و حينئذ فالمانع من منجزية العلم اإلجمالي بقسميه .. تارة: يحصل قبل طروء

التكليف اإلجمالي أو مقارنا له.و أخرى: يكون متأخرا عنه.

كما أن العلم بحصول المانع .. تارة: يكون قبل حصول العلم اإلجمالي أو مقارنا له.276، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و أخرى: يكون متأخرا عنه. فالصور أربع.

Page 159: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الصورة األولى: أن يكون المانع سابقا على التكليف اإلجمالي أو مقارنا له، كما أنالعلم به سابق أو مقارن للعلم اإلجمالي.

و ال ريب هنا في عدم منجزية العلم اإلجمالي. بل هذه الصورة هي المتيقنة من بينالصور األربع من حيثية الوجوه المتقدمة للمانعية من التنجيز.

نعم يستثنى من ذلك ما إذا كان بعض أطراف العلم اإلجمالي طرفا لعلم إجمالي آخر، كما لو علم إجماال بوقوع نجاسة في أحد إناءين خزف و زجاج، و بوقوع نجاسة

في الزجاج منهما أو في ثالث هو الصفر، حيث ال مجال للبناء على مانعية أحد العلمين اإلجماليين من منجزية اآلخر مع التقارن بين العلمين و بين التكليفين

المعلومين، لعدم المرجح، بل يتعين منجزيتهما معا. و مجرد اشتراكهما في بعض األطرافكالزجاج في المثال المتقدمال ينفع بعد عدم

كون احتمال التكليف في الطرف المذكور منجزا في نفسه لو ال العلم اإلجمالي. وحيث ال مرجح ألحد العلمين تعين منجزيتهما معا بعد عدم المتيقن في البين.

و إنما يتوجه االنحالل في الفرض مع سبق أحد العلمين بنفسه أو بمعلومه، على مايظهر مما يأتي في الصورتين األخيرتين.

و كذا يتجه االنحالل مع التقارن فيما إذا كانت أطراف أحد العلمين في ضمن أطراف اآلخر، كما لو علم إجماال بنجاسة عشرة أوان من بينها خمسة بيض يعلم أن

فيها متنجس بنجاسة أخرى، ألن أطراف العلم الثاني تكون هي المتيقن، كالمعلومبالتفصيل.

الصورة الثانية: أن يكون المانع متأخرا عن التكليف المعلوم باإلجمال، و يكون العلمبه متأخرا أيضا عن العلم اإلجمالي به.

277، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جو الظاهر عدم اإلشكال بينهم في عدم سقوط العلم اإلجمالي به عن المنجزية. و قد يوجه بأن احتمال انطباق التكليف باإلجمال على مورد المانع راجع الحتمال

سقوط التكليف بعد العلم بثبوته و انشغال الذمة به، و المرجع فيه االشتغال، بخالف الصورة األولى، حيث يرجع االحتمال المذكور الحتمال ثبوت التكليف، و المرجع فيه

البراءة. لكنه يندفع أوال: بأنه يختص بما إذا كان المانع من التنجز رافعا لفعلية التكليف،

كاالضطرار، و ال يجري فيما لم يكن كذلك، مما كان مانعا من تنجيز العلم اإلجمالي،كابتالء بعض األطراف بتكليف تفصيلي.

و ثانيا: بأن الشك في سقوط التكليف إنما يرجع فيه لقاعدة االشتغال إذا كان ناشئا من احتمال االمتثال، أما إذا كان ناشئا من احتمال تحقق المانع من التكليف فال

تنهض قاعدة االشتغال بالبناء على بقاء التكليف، بل المرجع البراءة منه ما لم يجرأصل حاكم عليها حكمي، كاستصحاب التكليف، أو موضوعي، كاستصحاب النجاسة.

إن قلت: مقتضى استصحاب التكليف المعلوم باإلجمال في المقام أو استصحاب عدم المانع منه لزوم اجتنابه بترك الطرف اآلخر الفاقد للمانع، فلو علم إجماال

بحرمة أحد طعامين اضطر إلى أحدهما المعين فمقتضى استصحاب حرمة الحرامأو عدم االضطرار له المحرز لبقاء حرمته لزوم الفراغ عنه بترك الطعام اآلخر.

Page 160: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

قلت: إن أريد باالستصحاب المذكور إحراز ثبوت التكليف في الطرف اآلخر، بضميمة مالزمة بقائه لثبوته في الطرف المذكور. فهو من أظهر أفراد األصل

المثبت.278، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و إن أريد به لزوم االحتياط في الطرف اآلخر، الحتمال انطباق التكليف المستصحب عليه من دون أن يحرز ثبوته فيه، كما وجب االحتياط فيه مع اليقين بالتكليف إجماال، و ليست فائدة االستصحاب إال تنجيز التكليف على إجماله كما كان منجزا بالعلم، و ليس االجتناب عن الطرف المذكور إال لقاعدة االشتغال خروجا عن التكليف المنجز باالستصحاب. أشكل بأن االحتياط في كل طرف من أطراف العلم اإلجمالي ليس

مفادا لالستصحاب، لوضوح أن االستصحاب أصل تعبدي إحرازي، و االحتياط ال يتضمن التعبد بالتكليف، بل لزوم التحفظ منه، و إحراز الفراغ عنه، خروجا عن

احتماله. نعم إذا أحرز باالستصحاب التعبد ببقاء التكليف في المعلوم باإلجمال على ما هو

عليه من الترديد لزم االحتياط في كل طرف خروجا عن التكليف المذكور، الحتمالانطباق المردد عليه.

إال أن االستصحاب في المقام ال ينهض بالتعبد ببقاء التكليف في الطرف المذكور على ما هو عليه من الترديد بعد العلم بعدم فعلية التكليف في الطرف الواجد

للمانع، لوضوح التنافي بين العلم بذلك و التعبد بالنحو المذكور. مثال: لو علم بحرمة إناء زيد المردد بين الخزف و الصفر، ثم اضطر المكلف

الستعمال الخزف، فمقتضى استصحاب حرمة إناء زيد على ما هو عليه من اإلجمال حرمة الخزف لو كان هو إناء زيد، مع أنه يعلم بحليته مطلقا، إما ألنه ليس إناء زيد،

أو لسقوط حرمته باالضطرار لو كان هو إناء زيد، فالتعبد المذكور مناف للعلمالتفصيلي. و ألجل ذلك يتعين عدم جريان االستصحاب.

و من هنا كان الظاهر أن وجوب االحتياط في المقام يبتني على منجزية العلمالسابق حتى بعد ارتفاعه بسبب طروء المانع.

و ال ينبغي الريب فيه لو كان ارتفاعه ناشئا عن العمل على مقتضى279، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

التكليف في بعض األطراف الذي هو امتثال احتمالي للتكليف المعلوم باإلجمال، لما هو المعلوم من أن وجوب الموافقة القطعية ال يختص بالتكليف التحريمي، بل يجري

في الوجوب أيضا، الذي يكون الشك في امتثاله مالزما للشك في بقاء التكليف و ارتفاع العلم بوجوده، فلو ارتفعت منجزية العلم تبعا الرتفاعه بذلك لم يبق موضوع لوجوب الموافقة القطعية، و ال لقاعدة االشتغال بالتكليف. من دون فرق في ذلك

بين العلم التفصيلي و اإلجمالي، فاقتضاء العلم بالتكليف للموافقة القطعية عقالمالزم لمنجزيته بعد ارتفاعه في المقام.

و أما في غير ذلك من روافع التكليف كاالضطرار و ارتفاع الموضوعكما لو أريق أحد اإلنائينو نحوهما فقد يصعب توجيه وجوب االحتياط بعد ارتفاع العلم اإلجمالي، و

لذا ال ريب في عدم وجوبه مع العلم التفصيلي لو احتمل طروء المانع إال بضميمةأصول أخر إحرازية كاالستصحاب الذي سبق عدم جريانه في المقامأو غيرها.

Page 161: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

لكن اإلنصاف أن المرتكزات تقضي بعدم كفاية إعدام موضوع التكليف في بعض األطراف في جواز ارتكاب بقيتها، فال يكفي إراقة أحد اإلنائين المعلوم إجماال نجاسة أحدها في جواز استعمال اآلخر. و من ثم كان وجوب إهراق اإلنائين المشتبهين معا

و التيمم ارتكازيا، ال تعبديا محضا. كما ال فرق ارتكازا بين إعدام الموضوع من قبل المكلف و إعدامه من قبل غيره و

انعدامه بنفسه و فقد شرط التكليف و غير ذلك مما يمنع من فعلية التكليف و توجهالخطاب به.

و أظهر من ذلك ما لو كان المانع من التنجيز غير مانع من فعلية التكليف، كابتالء بعض األطراف بتكليف تفصيلي، الموجب لوجود المتيقن في مقام العمل، فإنه

حيث ال يمنع من العلم اإلجمالي بالتكليف الفعلي، المقتضي280، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

لوجوب اليقين باالمتثال، كان المتعين الرجوع في منجزية العلم المذكور سعة و ضيقا إلى المرتكزات العقلية، و هي حاكمة بأن وجود المتيقن ال يمنع من منجزية

العلم اإلجمالي في محل الكالم، و هو ما إذا كان متأخرا عن التكليف المعلوم باإلجمال و كان العلم به متأخرا أيضا عن العلم اإلجمالي، و مع منجزية العلم

اإلجمالي فعال يتعين لزوم إحراز الفراغ اليقيني بمراعاة احتمال التكليف المعلومباإلجمال في جميع األطراف.

الصورة الثالثة: أن يكون حدوث المانع متأخرا عن التكليف المعلوم باإلجمال، إال أن العلم به مقارن للعلم اإلجمالي أو متقدم عليه، كما لو أضطر عند الزوال إلى طعام

معين، و بعده علم إجماال بتنجس ذلك اإلناء أو إناء آخر قبل الزوال. و عن شيخنااألعظم قدس سره و غيره عدم منجزية العلم اإلجمالي حينئذ.

و هو متجه بناء على أن المعيار في منجزية العلم اإلجمالي تساقط األصول الترخيصية في األطراف بالمعارضة. ألن األصل في الطرف المبتلى بالمانع لو جرى

قبل حدوث المانع لم يعارض، لعدم العلم اإلجمالي بالتكليف حينئذ. كما أنه حين حدوث العلم اإلجمالي حيث ال يجري األصل في الطرف المذكور، لسبق حدوث

المانع فيه، فال معارض لألصل الجاري في الطرف اآلخر، فال يكون العلم اإلجماليالمذكور منجزا.

لكن تقدم في آخر الكالم في وجه وجوب الموافقة القطعية ضعف المبنى المذكور، و أنه لو تم لزم سقوط العلم اإلجمالي عن المنجزية في جميع صور ابتالء بعض

األطراف بالمانع، بل العلم اإلجمالي منجز في نفسه لألطراف- القتضائه الموافقةالقطعيةمع قطع النظر عن تعارض األصول الترخيصية فيها.

و حينئذ يشكل األمر في المقام، ألن العلم اإلجمالي صالح للتنجيز بعد281، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

كون المعلوم هو التكليف الفعلي الخالي عن المانع، و المانع الطارئ الذي يحتمل حصوله في الطرف المصادف للتكليف ال يمنع من حدوث التكليف، لتأخره عنه،

غاية األمر أنه يحتمل إسقاطه للتكليف، كما في الصورة الثانية. إن قلت: يعتبر في منجزية العلم اإلجمالي ترتب األثر عليا لمعلوم حين العلم، فلو

لم يترتب األثر عليه و لو الحتمال سقوطه بعد ثبوته لم يصلح العلم لتنجيزه، كي يجب إحراز الفراغ عنه. و به يفرق بين هذه الصورة و الصورة الثانية، حيث كان

Page 162: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

المفروض في تلك الصورة عدم حدوث المسقط إال بعد العلم بالتكليف و ترتباألثر عليه.

قلت: ال مجال العتبار ذلك في منجزية العلم اإلجمالي، لما سبق من عدم الفرق بينه و بين العلم التفصيلي في المنجزية، و من الظاهر أنه يكفي في منجزية العلم

التفصيلي العلم بترتب األثر على المعلوم حين حدوثه. و لذا لو لم يلتفت للتكليف إالبعد احتمال امتثاله لم يعتن باالحتمال المذكور و وجب اليقين باالمتثال.

اللهم إال أن يقال: المتيقن من ذلك ما إذا شك في ارتفاع التكليف الحتمال االمتثال، أما مع كون الرافع المحتمل أمرا آخركاالضطرارفليس المنجز للتكليف مع العلم

التفصيلي هو العلم السابق، بل استصحاب التكليف أو موضوعه أو نحوهما من األصول، و قد تقدم في الصورة الثانية عدم جريان األصل مع حصول المانع في أحد

األطراف، و أنه ال موجب لمراعاة التكليف إال تنجزه بالعلم السابق، و المتيقن من ذلك ما إذا علم بترتب األثر على العلم حين حصوله، كما في الصورة الثانية، بخالف

هذه الصورة. و كذا الحال فيما إذا كان المانع من منجزية العلم اإلجمالي غير مانع من فعلية

التكليف، و هو وجود المتيقن في مقام العمل، كابتالء بعض األطراف282، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بتكليف آخر. إذ ال أقل من الشك في منجزية العلم اإلجمالي للطرف اآلخر، فيتعين حينئذ عدمها. نظير ما تقدم عند الكالم في فرض الشك في مانعية الخروج عن

االبتالء من منجزية العلم اإلجمالي. فراجع. الصورة الرابعة: أن يكون حدوث المانع متقدما على المعلوم باإلجمال أو مقارنا له، إال أنه ال يعلم به إال بعد العلم اإلجمالي بالتكليف. كما لو تنجس أحد الطعامين حين

الزوال، و علم المكلف إجماال بذلك، ثم علم بتعذر استعمال أحدهما من قبلالزوال.

و قد سبق أن المانع من منجزية العلم اإلجمالي على قسمين األول: ما يكون مانعا من فعلية التكليف، كاالضطرار و التعذر. الثاني: وجود القدر المتيقن

في مقام العمل، كابتالء أحد األطراف بتكليف معلوم بالتفصيل من دون أن يمنع منفعلية التكليف المعلوم باإلجمال.

أما األول فالعلم به في هذه الصورة يستلزم انكشاف الخطأ في مقدمات العلم اإلجمالي، البتناء العلم المذكور على فعلية التكليف في أي طرف و على كل حال،

مع أنه ليس كذلك. و حينئذ يشكل بقاء منجزية العلم اإلجمالي بعد ارتفاعه باحتمال مصادفة التكليف المعلوم باإلجمال للطرف الواجد للمانع. و ال مجال لقياسه على

ما تقدم في الصورة الثانية بعد عدم استلزام المانع في تلك الصورة لخطأ مقدماتالعلم اإلجمالي، بل الرتفاع المعلوم بعد ثبوته من دون خلل في العلم بثبوته.

فالمقام نظير ما لو علم المكلف بمالقاة النجاسة ألحد ماءين كان يعتقد قلتهما، المستلزم للبناء على نجاسة أحدهما، ثم انكشف اعتصام أحدهما، حيث ال يظن بأحد

البناء على تنجز احتمال النجاسة في اآلخر بسبب العلم السابق الذي ظهر الخطأفي إحدى مقدماته.

283، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 163: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و أما الثاني فالعلم به ال يستلزم انكشاف الخطأ في مقدمات العلم اإلجمالي، كماال يستلزم ارتفاعه، و إنما يوجب وجود المتيقن في مقام العمل ال غير.

لكن الظاهر كفاية ذلك في سقوط منجزية العلم اإلجمالي، ألن المتيقن من عدم مسقطيته ما إذا كان متأخرا عن المعلوم باإلجمال و كان العلم به أيضا متأخرا عن

العلم، كما في الصورة الثانية، و مع الشك في منجزية العلم اإلجمالي للطرفاآلخر يتعين البناء على عدمها، نظير ما تقدم في الصورة الثالثة. فالحظ.

التنبيه الخامس: في انحالل العلم اإلجمالي و المراد به انحالله حقيقة و سقوطه عن المنجزية بتنجز التكليف المعلوم باإلجمال

بنفسه في خصوص بعض األطراف. و به يفترق عما تقدم في التنبيه الرابع من انحالله حكما و سقوطه عن المنجزية بتنجز التكليف في بعض أطرافه، إذ المراد هناك تنجز تكليف آخر مباين للتكليف

المعلوم باإلجمال، ال نفسه.و حينئذ فتنجز التكليف المعلوم باإلجمال في خصوص بعض األطراف على نحوين:

األول: أن يكون بنحو يقتضي تعيين المعلوم باإلجمال فيه و خلو األطراف األخر عنه، كما لو علم بتنجيس الدم لثوبين من بين عشرة أثواب، ثم عثر على الثوبين

بالفحص. و ال ريب في سقوط العلم اإلجمالي عن المنجزية في األطراف األخر، و إن احتمل ابتالؤها بتكليف آخر غير معلوم باإلجمال مماثل له، كما لو احتمل تنجسها بدم آخر،

أو مخالف، كما لو احتمل تنجسها بالبول.284، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و الوجه في عدم منجزية العلم أنه يرتفع و ينحل حقيقة، لرجوع العلم اإلجمالي إلى قضية منفصلة ال مجال لها مع العلم التفصيلي المذكور. و هذا بخالف ما تقدم في

التنبيه الرابع، فإنه ال يمنع من صدق القضية المنفصلة باإلضافة إلى المعلومباإلجمال. و لذا تقدم أن االنحالل معه حكمي.

نعم لو كان تعيين المعلوم باإلجمال في بعض األطراف بطريق تعبدي غير العلم يحتمل الخطأكالبينةتعين بقاء العلم اإلجمالي حقيقة، و كان االنحالل تعبديا، ال

حقيقيا، و كان العمل عليه مقتضى حجية الطريق المفروضة. هذا و أما احتمال ابتالء األطراف بتكليف آخر، فهو مدفوع باألصل، بعد عدم تنجزه

بالعلم المفروض. الثاني: أن ال يقتضي تعيين المعلوم باإلجمال، لتردد المعلوم بين األقل و األكثر، كما لو علم بنجاسة بعض من عشرة أثواب، ثم علم بالفحص بثوبين منها، و لم يعلم أنها

تمام المتنجس أو بعضه، لتردد المتنجس بين األقل و األكثر. فإن المعلوم باإلجمال و إن كان هو األقل، كما في الوجه األول، إال أنهما يفترقان بأن المعلوم باإلجمال في األول محدود بحدود خارجية يعلم انطباقها على المعلوم بالتفصيل، و أما في الثاني فهو مبهم مردد بين األطراف، و لذا لو كان النجس في

الواقع أربعة كان نسبة كل منها إلى األقل المعلوم باإلجمال واحدة، لعدم المرجح، وال مجال مع ذلك إلحراز انطباق المعلوم باإلجمال على المعلوم بالتفصيل.

Page 164: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

نعم هو يشارك الوجه األول في كون العلم التفصيلي رافعا للعلم اإلجمالي حقيقة، لما سبق من رجوع العلم اإلجمالي إلى قضية منفصلة ال مجال لها بعد العلم

التفصيلي. و من هنا يتعين عدم منجزية احتمال التكليف في بقية285، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

األطراف، لعدم العلم المنجز لها. و كذا الحال لو كان المنجز للتكليف في بعض األطراف التفصيلية طريقا معتبرا

شرعا و إن كان محتمل الخطأ، كما لو قامت البينة على نجاسة ثوبين معينين بالدم المذكور من دون أن تنفي تنجس غيرهما به أيضا. فإن الطريق المذكور و إن لم

ينهض بتمييز المعلوم باإلجمال، لفرض احتمال زيادة التكليف المعلوم باإلجمال عما تضمنه، كما أنه ال يوجب ارتفاع العلم لفرض احتمال خطئه. إال أنه يصلح لرفع اليد

عنه و إلغائه عمال، و التعبد بقضية حملية تعيينية في خصوص مورد الطريق ال تنافي العلم اإلجمالي، و إهمال الترديد في المعلوم باإلجمال، كإهمال الشك و احتمال

الخطأ في سائر موارد الطرق المعتبرة. و مثلها في ذلك األصول التعبدية المنجزة، كاستصحاب الحرمة و النجاسة، إذا

احتمل مطابقة مؤداها للمعلوم باإلجمال. بخالف أصل االحتياط، فإنه و إن كان منجزا الحتمال التكليف في مورده، إال أنه ال

يتضمن إحراز التكليف فيه، ليحتمل انطباقه على المعلوم باإلجمال. و ينحصر الوجه في سقوط العلم اإلجمالي معه عن المنجزية بما تقدم في التنبيه الرابع من سقوط

العلم اإلجمالي عن المنجزية بوجود القدر المتيقنفي مقام العملفي بعض أطرافه،الموجب النحالله حكما، ال حقيقة.

و على ما ذكرنا يبتني انحالل العلم اإلجمالي المدعى في كثير من المباحث المتقدمة، كمبحث العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص، و الدليل العقلي على حجية الخبر، و دليل االنسداد، و الدليل العقلي لألخباريين على وجوب االحتياط في

الشبهة التحريمية، على ما أشرنا إليه في بعض تلك المباحث.286، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

التنبيه السادس: فيما لو اقترن العلم اإلجمالي بما يمنع من الموافقة القطعيةاعلم أن طروء ما يوجب الترخيص في أطراف العلم اإلجمالي ..

تارة: بأن يكون العنوان المقتضي للترخيص منطبقا على جميع األطراف.و أخرى: بأن يكون منطبقا على بعضها المعين.

و ثالثة: بأن يكون منطبقا على الجامع بينها، المقتضي للتخيير بينها عمال. و األول يستلزم القطع بعدم التكليف، كما لو اضطر الرتكاب جميع األطراف، و ال

موضوع معه لالحتياط، فيخرج عن موضوع الكالم. و أما الثاني فهو مستلزم الحتمال ارتفاع التكليف، الحتمال انطباقه على مورد التكليف اإلجمالي، سواء كان الطرف المعين الذي هو مورد الترخيص معلوما

للمكلف، كما لو علم إجماال بنجاسة الماء أو اللبن فاضطر الستعمال الماء، أم ال،كما لو علم إجماال بمالقاة أحد الماءين للنجاسة، و باتصال أحدهما بالمادة.

لكن في الصورة األولى يبتني عدم وجوب االحتياط باإلضافة إلى األطراف الخالية عن المانع على ما تقدم في التنبيه الرابع من أنه ال بد في منجزية العلم اإلجمالي من فعلية التكليف المعلوم باإلجمال على كل حال، و بأن ال يطرأ مانع من فعلية

Page 165: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

التكليف، و أنه مع طروء المانعكاالضطرار في المقام- فوجوب االحتياط يختلف باختالف الصور من حيثية سبق المانع أو العلم به و تأخرهما عن العلم اإلجمالي أو

المعلوم باإلجمال. فالحظ. أما في الصورة الثانية فال ينبغي التأمل في مانعية الترخيص المذكور من منجزية

العلم اإلجمالي مع سبق الترخيص أو مقارنته للمعلوم باإلجمال، لمانعيته من العلم بتحقق التكليف باإلجمال، و إنما المعلوم هو حدوث المقتضي له ال غير. و أما مع

تأخره عنه فمقتضى استصحاب التكليف المعلوم287، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

باإلجمال عدم ارتفاعه بحدوث سبب الترخيص، و الزم ذلك تنجز المعلوم باإلجمال وتنجز احتماله في تمام األطراف.

و أما الثالث فهو المهم في المقام، كما لو علم إجماال بحرمة أحد الطعامين، و اضطر المكلف لسد رمقه بأحدهما دون تعيين، أو كان في تركهما معا ضرر عليه، و

نحو ذلك. و ال يخفى أن التكليف المعلوم باإلجمال بنفسه ال ينافي االضطرار و تجنب الضرر و نحوهما مما يقتضي الترخيص في الجامع، لوفاء بقية األطراف بالجامع المذكور، إال

أنه بعد إجمال مورده، و اقتضاء العلم اإلجمالي الموافقة القطعية، يكون التكليفمنافيا للترخيص بالعرض.

فإن أمكن رفع الشارع اليد عن لزوم الموافقة القطعية و االكتفاء بالموافقة االحتماليةكما سبق منا في التمهيد لمباحث الدوران بين المتباينين من هذا

الفصلاتجه االقتصار على ذلك في رفع التنافي بين الحكمين. لظهور أن مقتضى إطالق دليل التكليف الواقعي المعلوم باإلجمال ثبوته في مورد العلم اإلجمالي

المذكور، و ال ملزم بالخروج عنه من أجل دليل الترخيص المفروض بعد إمكان رفعالتنافي بينهما بالتنزل للموافقة االحتمالية.

أما بناء على امتناع اكتفاء الشارع بالموافقة االحتماليةكما يظهر من شيخنا األعظم قدس سره و جماعة ممن تأخر عنهفالالزم استحكام التنافي بين التكليف المعلوم باإلجمال و الترخيص المفروض، لوضوح التنافي بين لزوم اجتناب تمام األطراف،

تبعا لوجوب اجتناب المعلوم باإلجمال، و الترخيص في ارتكاب أي منها من أجلالطارئ المفروض.

و حيث كان المفروض فعلية الترخيص المذكور، لزم سقوط التكليف المعلومباإلجمال عن الفعلية، و بعد العمل بمقتضى الترخيص في بعض

288، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج األطراف، و سد الحاجة به، ال يعلم ثبوت التكليف في الباقي، الحتمال سد الحاجة

بمورد التكليف المعلوم باإلجمال، و ارتفاع موضوع التكليف بذلك. و ال يبقى إال احتمال ثبوت التكليف في الباقي الذي هو مدفوع باألصل. و من ثم

أصر المحقق الخراساني قدس سره على عدم وجوب االحتياط في الباقي. لكن شيخنا األعظم قدس سره مع ذهابه إلى ما عرفت من امتناع تنزل الشارع عن

الموافقة القطعية و اكتفائه بالموافقة االحتمالية أصر في المقام على لزوم االحتياط في الباقي بالتقريب المتقدم منا. و نظر له بجميع الطرق الشرعية

المنصوبة المتثال التكاليف الواقعية المعلومة باإلجمال، حيث يرجع جعلها إلى

Page 166: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

القناعة عن الواقع بمؤدياتها، و االكتفاء في امتثاله بمتابعتها و إن لم يعلم إصابتهاله، من دون أن يرجع جعلها إلى رفع اليد عن الواقع المعلوم إجماال و إهماله رأسا. و ذلك منه ال يناسب مبناه المذكور جدا. و ال وجه لقياس المقام بالطرق المنصوبة

شرعا في مورد العلم اإلجمالي. ألن الطرق المذكورة إن كانت ناظرة للمعلوم باإلجمال و واردة بلسان تعيينه كانت موجبة النحالل العلم اإلجمالي تعبدا، كما سبق

في التنبيه الخامس. و إن لم تكن ناظرة للمعلوم باإلجمال فحيث كانت منجزة الحتمال التكليف في

مؤدياتها كانت مانعة من منجزية العلم اإلجمالي و موجبة النحالله حكما، كما سبقفي التنبيه الرابع.

و ال مجال لذلك في المقام، لوضوح عدم نظر دليل الترخيص للمعلوم باإلجمال، ليوجب انحالل العلم اإلجمالي تعبدا، و ال يكون منجزا الحتمال التكليف في بعض

األطراف، ليسقط العلم اإلجمالي عن المنجزية، بل هو مرخص في بعض األطرافتخييرا، و ذلك مناف لمقتضى العلم اإلجمالي

289، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جمن لزوم اجتناب تمام األطراف، فيجري ما سبق.

نعم تصدي غير واحد لتوجيه وجوب االحتياط في المقام. و المهم مما ذكروهوجهان:

األول: أن االضطرار و نحوه مما يقتضي الترخيص المفروض حيث ال يقتضي الترخيص في جميع األطراف، بل الترخيص في بعضها بنحو البدلية، فهو ال يستلزم

ارتفاع التكليف المعلوم باإلجمال رأسا، بل يقتضي تقييده بما إذا لم يعمل بمقتضى الترخيص في غير مورده من األطراف، إذ العمل به فيه يفي برفع االضطرار، و مع

رفعه ال ملزم برفع التكليف عن مورده. و حينئذ لو خالف المكلف مقتضى التكليف في جميع األطراف يعلم بمخالفته

للتكليف الفعلي في مورده. و فيه: أنه ال مجال الشتراط سقوط التكليف في مورده بعدم مخالفة مقتضى

التكليف في بقية األطراف، إذ الزمه تحقق العصيان من المكلف لو صادف أن رفع اضطراره بمورد التكليف، ثم ارتكب بقية األطراف مع عدم اإلشكال في عدم

العصيان حينئذ ال بالعمل بمقتضى الترخيص في مورد التكليف، ألن له رفعاضطراره به، و ال في بقية األطراف، لعدم الموضوع.

فال بد من البناء على سقوط التكليف بعروض االضطرار المقتضي للترخيص البدلي، لمنافاة الترخيص البدلي للتكليف اإلجمالي، للتنافي بينهما عمال بعد فرض لزوم

الموافقة القطعية. غاية األمر أنه لو صادف رفع االضطرار بغير مورد التكليفاإلجمالي، يتعين رجوع التكليف للفعلية بعد سقوطه، لعدم المانع.

إال أنه ال طريق إلحراز ذلك، بل مقتضى األصل عدمه.290، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الثاني: أن العنوان الموجب للترخيص كاالضطرار لما لم ينطبق على مورد التكليفاإلجمالي بخصوصه لم يكن صالحا لرفع التكليف المذكور.

و مجرد االضطرار للجامع بين األطراف ال يكفي في رفع التكليف عن بعضها بخصوصه بعد عدم كونه مضطرا إليه. و لذا ال يكون االضطرار بالنحو المذكور رافعا

Page 167: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

للتكليف مع العلم التفصيلي بمورده. غاية األمر أن االضطرار بالنحو المذكور يقتضي جواز رفعه واقعا و ظاهرا بأحد األطراف و إن صادف مورد التكليف، و مع عدم

ارتفاع التكليف اإلجمالي يتعين تنجز احتماله في تمام األطراف، و ذلك ملزم باالحتياط فيما بقي منها بعد رفع االضطرار، كما هو الحال فيما لو تلف بعض

األطراف. و فيه: أوال: أن ما ذكرمن عدم ارتفاع التكليف المعلوم باإلجمال بعد عدم االضطرار

لمورده بخصوصه في محل الكالمو إن كان هو مقتضى الجمود على لسان دليل االضطرار، كقوله صلى الله عليه و آله في حديث الرفع المشهور: »رفع عن أمتي

و قوله«1 »تسعة أشياء: الخطأ و النسيان و ما أكرهوا عليه ... و ما اضطروا إليه« . و كذا«2 »عليه السالم: »ليس شيء مما حرم الله إال و قد أحله لمن اضطر إليه«

الحال في اإلكراه. إال أنه ال مجال له في مثل دليل العسر و الحرج، لظهوره في عدم جعل الحكم

الموجب لهما و لو عرضا بسبب اشتباه مورده المقتضي لالحتياط في تمام أطرافاالشتباه.

و كذا الحال في مثل المزاحمة للتكليف األهم، ألن التكليف المهم و إن لم يزاحماألهم بنفسه في مورد االشتباه، إال أنه بسبب االشتباه المقتضي لالحتياط

______________________________.1 من أبواب جهاد النفس حديث: 56 باب: 11( الوسائل ج: 1 ).18 من كتاب األيمان حديث: 12 باب: 16( الوسائل ج: 2 )

291، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جيكون مزاحما له بالعرض.

بل لما كان المستفاد من دليل رفع االضطرار اهتمام الشارع بسد ضرورة المكلف و رفع الضيق عنه الناشئ من االضطرار و اإلكراه كان االضطرار و اإلكراه في

المقام رافعين للتكليف و إن لم ينطبق عنوانهما في مورده بخصوصيته.كيف؟! و من الظاهر أن العسر ليس أهم من االضطرار و اإلكراه.

و ثانيا: أنه لو تم ما ذكره من عدم رافعية االضطرار و نحوه للتكليف في المقام، بسبب عدم انطباق عنوان الرافع على مورد التكليف بخصوصه، لزم عدم جواز رفع

االضطرار و نحوه بأحد األطراف تخييرا، ال واقعا، و ال ظاهرا، المتناع الترخيصالواقعي و الظاهريفي مخالفة التكليف الواقعي الفعلي. بل ال معنى

للترخيص الظاهري بعد كون االضطرار من الروافع الواقعية، ال الظاهرية كالجهل. و دعوى: أن الموجب للترخيص لما كان هو الجهل بمورد التكليف، و لذا لو علم

بمورده تفصيال تعين رفع االضطرار بغيره، تعين كون الترخيص ظاهريا. مدفوعة بأن الجهل بمورد التكليف ال يقتضي الترخيص في مخالفة التكليف، بل

يقتضي االحتياط بترك تمام األطراف خروجا عن العلم اإلجمالي، و المقتضي للترخيص هو االضطرار، و هو من الروافع الواقعية، ال الظاهرية، فإذا فرض عدم نهوضه برفع التكليف باإلجمال تعين عدم تأثير االضطرار للترخيص، لما ذكرنا من

امتناع الترخيص في مخالفة التكليف الفعلي. و أما دعوى: أن ما يختاره المكلف لرفع اضطراره في المقام يكون مصداقا

للمضطر إليه، و إن لم يكن مصداقا له بمجرد اضطراره للجامع، فال ترتفع حرمته إال

Page 168: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

باختياره. فهي ممنوعة جدا، لوضوح أنه ال دخل الختيار المكلف في تعيين موضوعاالضطرار، كما ال دخل له في رفع التكليف عما

292، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جيختار، بل ال بد من ارتفاع التكليف في رتبة سابقة على االختيار.

و قد تحصل من جميع ما تقدم أنه بناء على ما يظهر منهم، من امتناع ترخيص الشارع في ترك الموافقة القطعية و االكتفاء بالموافقة االحتمالية، فال دافع لما

ذكره المحقق الخراساني قدس سره من استلزام الترخيص في المقام لرفع التكليف المعلوم باإلجمال، و ال منجز الحتمال التكليف في الطرف الباقي بعد رفع

االضطرار. نعم الزم ذلك أنه لو دار األمر بين رفع االضطرار بأطراف المعلوم باإلجمال و رفعه بما يعلم بحرمته تفصيال كان المكلف مخيرا بينهما. فلو ابتلى المكلف بطعامين يعلم بحرمة أحدهما إجماال و بثالث يعلم بحرمته تفصيال، و اضطر لسد رمقه بأحدها كان

مخيرا بين أحد الطعامين األولين و الطعام الثالث، لعدم الفرق بين التكليفين التفصيلي و اإلجمالي في المنافاة للترخيص الناشئ عن االضطرار، المستلزم لرفع

أحدهما تخييرا، كما لو اضطر ألحد طعامين يعلم بحرمتهما معا. و من الظاهر أنالمرتكزات العقالئية تأبى ذلك جدا.

لكنه ال يستلزم تمامية أحد الوجوه المذكورة في كلماتهم، بل يكشف عن إمكان االكتفاء بالموافقة االحتمالية، كما يظهر مما تقدم عند الكالم في قاعدة االشتغال

في أول هذا الفصل.التنبيه السابع: في العلم اإلجمالي التدريجي

ال ريب في منجزية العلم اإلجمالي فيما لو كان االبتالء بأطرافه في زمان واحد، سواء أمكن مخالفة احتمال التكليف فيها في زمان واحد، كما لو علم بحرمة لبس

أحد الثوبين اللذين يمكن لبسهما في وقت واحد، أم ال، كما لو علم الجنب بمسجدية أحد مكانين، حيث يتعذر المكث فيهما معا في زمان واحد، ألن فعلية االبتالء

باألطراف في الزمان الواحد تستلزم العلم بفعلية293، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

التكليف المعلوم باإلجمال. و أما لو كان االبتالء بأطرافه تدريجياكما لو علم المكلف بأنه قد نذر زيارة الحسين عليه السالم في إحدى ليلتين، أو بحيض زوجته في خمسة أيام من أول الشهر أو

آخرهفقد وقع الكالم بينهم في منجزية العلم اإلجمالي حينئذ. و قد جزم بعض األعاظم و بعض األعيان المحققين قدس سرهما بالمنجزية مطلقا. و ربما قيل

بالتفصيل، على ما يتضح إن شاء الله تعالى. و الذي ينبغي أن يقال: حيث تقدم غير مرة أنه ال بد في منجزية العلم اإلجمالي من كون المعلوم أمرا يترتب عليه العمل على كل حال بحيث يكون موردا للمسئولية و

صالحا للداعوية العقلية، ليجب عقال الفراغ عنه بعد تنجزه بالعلم، فالكالم في المقام يبتني على كون الطرف المتأخر موردا للعمل و المسئولية بالنحو المذكور

بعد الفراغ عن كون الطرف المتقدم كذلك. و ال ينبغي التأمل في ذلك بعد الرجوع للمرتكزات العقالئية. إذ ال ريب في قبح

تعجيز المكلف نفسه عن امتثال التكليف المتأخر، بحيث يلزم منه تفويت المالك

Page 169: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الفعلي للتكليف التام الموضوع في وقته. و عليه يبتني ما تقدم في المبحث الثالث من مباحث مقدمة الواجب من لزوم المحافظة على مقدمات المكلف به المفوتة،

و هي التي ال يمكن تحصيلها بعد دخول وقت الواجب. نعم لو كانت المنجزية موقوفة على فعلية التكليف ابتنى الكالم في المقام على الكالم في الواجب المشروط و المعلق، و اتجه التفصيل بين ما إذا كان التكليف

المتأخر المحتمل من الواجب المعلق الذي يكون التكليف به فعليا قبل حضور وقته، و ما إذا كان من الواجب المشروط الذي ال يكون فعليا قبل حصول شرطه و وقته،

فيتنجز العلم اإلجمالي في األول دون الثاني. و كأنه إلى ذلك نظر المحقق الخراساني قدس سره في وجه التفصيل بين المثالين

المتقدمين، فإنه حيث ذهب إلى إمكان كل من الواجب المعلق و المشروط اتجه294، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

منه البناء على منجزية العلم اإلجمالي في مثال النذر المتقدم، لظهور أن وجوب الوفاء بالنذر حينئذ يكون فعليا تبعا لفعلية موضوعه، و هو النذر. كما اتجه منه البناء على عدم منجزية العلم في مثال الحيض المتقدم، لعدم إحراز فعلية حرمة الوطء

بعد عدم إحراز فعلية موضوعها و هو الحيض، الحتمال تأخره. و أما شيخنا األعظم قدس سره فيلزمه البناء على منجزية العلم حتى في المثال

الثاني، ألنه يرى فعلية التكليف في الواجب المشروط قبل شرطه. لكنه استشكل في عموم المنجزية، و احتمل الفرق بين المثالين. و كيف كان فالظاهر عموم

المنجزية و عدم دورانها مدار فعلية التكليف، كما تقدم. إن قلت: هذا مناف لما تقدم في التنبيه السابق من أن عدم االبتالء ببعض األطراف

مانع من منجزية العلم اإلجمالي، حيث ال ريب في خروج الطرف المتأخر عن االبتالءالفعلي.

قلت: عدم االبتالء المانع من المنجزية هو الموجب للغوية التكليف و عدم صلوحه إلحداث المسئولية عرفا، و هو ال يشمل عدم االبتالء الموقت، مع العلم باالبتالء

بالتكليف في وقته، حيث ال إشكال في كونه منشأ إلحداث المسئولية عرفا و عقال. و لذا ال يجوز عقال تعجيز النفس قبل الوقت عن امتثال التكليف في وقته، و يجب

السعي لتحصيل مقدماته المفوتة، كما سبق.التنبيه الثامن: في مالقي بعض األطراف

تمهيدلزوم مراعاة احتمال التكليف ..

تارة: يبتني على إحراز موضوعه، فيحرز تبعا له. و أخرى: ال يبتني على ذلك، بل على إحراز التكليف رأسا باستصحاب أو نحوه، أو

على مجرد لزوم االحتياط شرعا أو عقال من دون إحراز للتكليف.295، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

ففي األول تترتب جميع آثار الموضوع مع إطالق دليل التعبد به، كما قد يدعى في البلل المشتبه قبل االستبراء. حيث قد يظهر من دليله أن وجوب الغسل من البلل

مبني على التعبد بكون الخارج بوال أو منيا، فتترتب جميع آثارهما، ال خصوص وجوب الغسل الذي تضمنته النصوص. و إال فمن البعيد جدا وجوب الغسل واقعا مع احتمال

Page 170: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

عدم الجنابة. و كذا وجوبه ظاهرا من دون تعبد بها، بل لمجرد االحتياط. و إال كانالمناسب التنبيه لالحتياط بضم الوضوء له.

و أما في الثاني فال مجال لترتيب اآلثار األخر، لعدم إحراز موضوعها. و عليه يبتني ما لعله المشهور بينهم من عدم البناء على نجاسة مالقي أحد أطراف العلم اإلجمالي بالنجاسة، و عدم وجوب االجتناب عنه، ألن نجاسة المالقي من آثار

نجاسة مالقيه، و هو غير ثابت بالعلم اإلجمالي، و إن وجب اجتنابه احتياطا بحكمالعقل، بل مقتضى أصالة الطهارة، بل االستصحاب، الحكم بطهارة المالقي.

و من هنا ال وجه لما في الحدائق، حيث عجب من حكمهم بعدم نجاسة مالقي أحد األطراف مع حكمهم بنجاسة مالقي البلل المشتبه، مع أن كال منهما مشتبه حكم

عليه ببعض أحكام النجاسة. ]الذي ينبغي الكالم فيه هو وجوب اجتناب المالقي ال نجاسته[

إذا عرفت هذا فاعلم أنه وقع الكالم بينهم في وجوب االجتناب عن مالقي أحداألطراف التي يعلم بنجاسة بعضها.

و ال ينبغي التأمل في أنه ال مجال الحتمال البناء على نجاسة المالقي، و إن أوهمته بعض كلماتهم. لما هو المعلوم من أن االجتناب عن المالقى الذي هو األصل ليس للبناء على نجاسته، بل لمجرد االحتياط، فكيف يمكن البناء على نجاسة المالقي

المتفرعة عليها؟! و غاية ما يمكن هو دعوى وجوب االجتناب عنه احتياطا، كاالجتنابعن مالقيه.

296، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج هذا و حيث كان المالقي موضوعا مستقال مباينا للمالقى فال بد من تباين حكمهما الوضعيو هو النجاسةفضال عن حكمهما التكليفي، و هو وجوب االجتناب، المترتب

على النجاسة، و الذي هو الموضوع للتنجيز و التعذير، على ما تقدم في التنبيهالثالث.

و يترتب على ذلك أن تنجز التكليف المحتمل في المالقىبسبب العلم اإلجماليال يكفي في تنجز التكليف المحتمل في المالقي، لتعدد الموضوع، بل ال بد في تنجزه

من سبب مستقل يخصه. و أما ما قد يدعى من أن ذلك إنما يتم بناء على أن نجاسة المالقي مسببة عن

نجاسة المالقى شرعا مع مباينتها لها، أما بناء على اتحادها معها و أن انفعال المالقي يبتني على سراية نجاسة المالقى له وسعتها بنحو تسري فيهنظير سراية

الحرارة و البرودة من أحد الجسمين لآلخر- فيتعين تنجز احتمال النجاسة في المالقي، تبعا لتنجز احتمال النجاسة في المالقى، الحتمال سعة النجاسة المعلومة باإلجمال، نظير ما لو علم إجماال بتكليف في طرف أو تكليفين في آخر، أو قسم

أحد طرفي العلم اإلجمالي قسمين. فهو كما ترى، ألن مورد العمل ليس هو النجاسة بل النجس، بلحاظ أحكامه

التكليفية التابعة لنجاسته، و هو الذي يكون موضوعا للتنجيز، و ليست النجاسة إال علة لثبوت تلك األحكام. و حيث كان المالقي مباينا للمالقى عينا و أحكاما، تعين

عدم تنجزه بتنجز المالقى، بل ال بد له من منجز يخصه.

Page 171: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و ال مجال للتنظير له بالمثالين المذكورين، ألن المنجز بالعلم اإلجمالي من أول األمر في األول احتمال التكليفين في الطرف المذكور، و في الثاني متحد مع كال

القسمين، من دون أن توجب القسمة احتمال حدوث تكليف جديد.297، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و من هنا فقد يوجه تنجز احتمال التكليف في المالقي بأنه طرف للعلم اإلجمالي، كالمالقى، فإذا علم إجماال بنجاسة إحدى اليدين، و القى الثوب اليمنى منهما، فكما يعلم بنجاسة إحدى اليدين يعلم بنجاسة اليد اليسرى أو الثوب، و العلم الثاني منجز

لطرفيه كاألول. و بتقريب آخر يعلم إجماال بنجاسة اليد اليسرى أو اليمنى مع الثوب، و العلم

المذكور كما ينجز احتمال النجاسة في اليد اليمنى ينجز احتمالها في الثوب، لعدمالفرق.

و دعوى: أن العلم اإلجمالي المذكور ليس منجزا، لعدم المعارض لألصل الترخيصي الجاري في المالقي بعد تساقط األصول الجارية في المالقى و طرفه بالمعارضة

في رتبة سابقة. ففي المثال المتقدم، لما كان األصل المحرز للطهارة في كل من اليدين معارضا لألصل الجاري في األخرى فاألصل الجاري في الثوب ال يجري في

عرضهماليسقط معهما بالمعارضةبل هو متأخر عن األصل الجاري في اليد اليمنى، لكونه مسببيا باإلضافة إليه، و بعد سقوط األصل في اليدين معا بالمعارضة يجري

األصل في الثوب بال معارض. مدفوعة أوال: بأنها تبتني على أن المانع من جريان األصول الترخيصية في أطراف

العلم اإلجمالي ليس إال التعارض، الستلزامها الترخيص في المخالفة القطعية. و قد تقدم ضعف المبنى المذكور، و أن المانع ال ينحصر بذلك بل يكفي في المنع منجزية

العلم اإلجمالي بنحو يقتضي الموافقة القطعية، فإن مقتضى ذلك عدم جريان األصل الترخيصي في أطراف العلم اإلجماليو منها المالقي في المقامحتى مع عدمالمعارضة. إال أن يسقط العلم اإلجمالي عن المنجزية بأحد المسقطات المتقدمة. على أنه تقدم أن ظاهر القائلين بانحصار المانع من جريان األصول في األطراف

بتعارضها هو سقوط األصول المترتبة بأجمعها بالمعارضة، و ال أثر298، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

للترتب بينها في ذلك. فراجع. و ثانيا: أن مقتضى ذلك عدم جواز ترتيب آثار الطهارة المخالفة لألصل في المالقي في بعض فروض المسألة، كما لو علم إجماال بنجاسة أحد الطعامين و القى الثوب

أو الماء أحدهما، إذ بعد سقوط أصالة الطهارة في الطعامين، كما تجري أصالة الطهارة في الماء و الثوب تجري أصالة الحل في الطعامين، و بعد سقوط األصول الثالثة ال مجال إلحراز الطهارة في الثوب، ليصلى به، و ال في الماء ليتوضأ به، بل

غايته أن تجري أصالة الحل في الماء، فيجوز شربه ال غير. بل لو علم إجماال بنجاسة أحد ماءين معلوم الطهارة سابقا و مجهول الحالة

السابقة، و القى الثاني ثوب مجهول الحالة السابقة، كان التعارض في المرتبة األولى بين استصحاب الطهارة في الماء األول و قاعدتها في الثاني، و بعد

تساقطهما تجري أصالة الطهارة في الماء األول و أصالة الحل في الماء الثاني و أصالة الطهارة في الثوب، و بعد تساقطها تجري أصالة الحل في الماء األول بال

Page 172: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

معارض. و الزم ذلك حرمة شرب الماء الثاني، و عدم جواز الصالة بالثوب، و جواز شرب الماء األول، و عدم جواز الوضوء به ... إلى غير ذلك مما ال يظن بأحد االلتزام

به. و من هنا كان الظاهر الرجوع إلى القاعدة المتقدمة في العلوم اإلجمالية المتداخلة

المقتضية تقديم األسبق منها، و تعينه للمنجزية. و توضيح ذلك: أن في المقام علوما إجمالية ثالثة كما تقدم، األول: العلم بنجاسة

المتالقيين أو صاحب المالقى. الثاني: العلم بنجاسة المالقى أو صاحبه. الثالث: العلم بنجاسة صاحب المالقى أو المالقي. و العلم األول أوسع أطرافا من العلمين

األخيرين، و أطرافهما داخلة في أطرافه، كما أن العلمين األخيرين يشتركان فيطرف واحد و هو صاحب المالقى.

299، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج فمع عدم المرجح ألحد العلمين األخيرين في المنجزية يتعين منجزيتهما معا. ومرجع ذلك إلى منجزية األول في تمام أطرافه، و لزوم الموافقة فيها بأجمعها.

و مع تعين أحد العلمين األخيرين للمنجزية، لمرجح له، يتعين سقوط اآلخر عنها، لما تقدم في التنبيه الرابع من أن تنجز بعض أطراف العلم اإلجمالي بعلم إجمالي آخر

مانع من منجزيته في بقية أطرافه. و مرجع ذلك إلى عدم منجزية العلم األولاألوسع أطرافا.

إذا عرفت هذا فحدوث النجاسة المعلومة باإلجمال إن كان سابقا على المالقاة كان العلم الثاني أسبق معلوما، فيتعين للتنجز، دون الثالث. لما سبق في أواخر التنبيه

الرابع من أن سبق المعلوم مرجح في ذلك المقام. و إن كان مقارنا للمالقاة، بحيث تكون النجاسة المحتملة في المالقي مقارنة

للنجاسة المحتملة في المالقى غير متأخرة عنها زمانا، فإن كان العلم الثانيو هو العلم بنجاسة المالقى أو صاحبهأسبق، بأن لم يعلم بالمالقاة إال بعد العلم المذكور،

كان العلم المذكور متعينا للتنجيز، نظير ما تقدم في صورة سبق النجاسة علىالمالقاة، لما سبق في التنبيه الرابع من أن سبق العلم مرجح أيضا.

و إن كان العلم الثالث هو األسبقبأن علم بنجاسة المالقي و صاحب المالقى أوال، ثم علم أن منشأ احتمال نجاسة المالقي هو المالقاةكان هو المتعين للتنجيز. و إن

تقارنت العلوم الثالثةبأن علم بالنجاسة حين العلم بالمالقاةفالالزم منجزية العلومالثالثة، لعدم المرجح بعد عدم السبق في العلم و ال في المعلوم.

نعم ال بد في ذلك كله من ترتب األثر العملي للنجاسة في المالقى و صاحبه والمالقي، كما لو علم بنجاسة أحد ماءين، و القاهما ثوب طاهر. أما لو

300، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج لم يترتب أثر على النجاسة في المالقى، أو في صاحبه فال ينهض العلم اإلجمالي

بتنجس أحدهما بالمنجزية، ليقع الكالم في مانعيته من منجزية العلم اآلخر الحاصل من المالقاة لو كان منجزا في نفسهلترتب األثر على طرفيهبل يتعين منجزية العلم

المذكور، كما لو علم إجماال بنجاسة الماء أو ظاهر اإلناء، ثم القى الثوب ظاهراإلناء، حيث يتعين حينئذ منجزية العلم بنجاسة الماء أو الثوب.

التنبيه التاسع: في الشبهة غير المحصورة

Page 173: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ال يبعد أن يكون المفهوم من الشبهة غير المحصورة عرفا أن تبلغ كثرة األطراف حدا ال يسهل تشخيصها دقة في طرفي القلة و الكثرة، و ال يكفي فيها مجرد التردد

بين األقل و األكثر مع ضبط الطرفين. نعم تحديدها مفهوما و مصداقا غير مهم، بعد عدم ورود العنوان المذكور في دليل لفظي ينهض ظهوره بالحجية، و إنما ورد في كلمات األصحاب، بنحو ال يحرز دخله

في موضوع الحكم، ليترتب األثر على تحديده. و المهم النظر في أدلة ما هو المعروف من عدم منجزية العلم اإلجمالي في

الشبهة غير المحصورة، ثم تحديد موضوع الحكم المذكور سعة و ضيقا، تبعا لمفادتلك األدلة.

إذا عرفت هذافقد استدل على ذلك بأمور ..

األول: اإلجماع. ففي جامع المقاصد: »الظاهر أنه اتفاقي«، و في مبحث مكان المصلي من الروض

التصريح به، و عن الوحيد في فوائده: »عدم وجوب االجتناب عن غير المحصور مجمع عليه بين الكل، و ال ريب فيه، و مدار المسلمين في األعصار و األمصار على

ذلك«، و في الجواهر: »لإلجماع بقسميه، و السيرة المستقيمة«. بل عن بعضهمدعوى الضرورة عليه في الجملة.

هذا و السيرةالتي أشير إليها في كالم الوحيد و الجواهرمن الوضوح301، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بحد ال مجال معه إلنكارها، كما ال مجال لتخطئتها بعد عمومها للمتدينين، و مطابقتها لمرتكزات المتشرعة، حتى ينسب مخالفها للوسواس. بل لو ال ذلك للزم الهرج و

المرج و اختل نظام المعاش و المعاد. و لعل دعوى اإلجماع مبنية على السيرة المذكورة، لقلة المتعرضين للعنوان المذكور، و تأخر عصورهم، كما يظهر بمراجعة مفتاح الكرامة. فكأنه إجماع

ارتكازي، ال فتوائي.هذا و قد يستشكل في االستدالل باإلجماع المذكور بوجهين »أحدهما«:

عدم وضوح كونه إجماعا تعبديا، لقرب استناده ألحد الوجوه اآلتية أو غيرها، فيلزمالنظر في دليله.

و يندفع بأن استناد اإلجماع و السيرة و الضرورة ألحد الوجوه المذكورة و إن كان قريبا، إال أنه ال مجال الحتمال خطئهابحيث يمكن الخروج عنها لو لم تتم الوجوه

اآلتية عندنابعد وضوحها و ارتكازيتها، و اتصالها بعصور المعصومين عليهم السالم، لشيوع الحرام في جميع العصور، بنحو يعلم إجماال بالتعرض له في األموال و

األعمال، فلو وجب االحتياط فيه لورد التنبيه عليه بنحو يمنع من حصول السيرة وارتكازيتها و جري النظام عليها.

»ثانيهما«: أن وجوب االحتياط مع العلم اإلجمالي لما كان عقليا فال مجال لرفع اليدعنه باألدلة الشرعية التعبدية، لفظية كانت أو لبية كاإلجماع.

و يندفع بما سبق في أول الكالم في العلم اإلجمالي من إمكان رفع الشارع موضوع حكم العقل المذكور برفع فعلية التكليف المعلوم باإلجمال، أو بالتعبد باالمتثال في

بعض األطراف، أو باالكتفاء بالموافقة االحتمالية. و اإلجماع و السيرة يصلحان

Page 174: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

إلثبات أحد هذه األمور في موارد الشبهة غير المحصورة لو فرض عموم حكم العقلبوجوب االحتياط لها.

302، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج نعم لما كان اإلجماع و السيرة المذكوران دليلين لبيين فالالزم االقتصار على

المتيقن من مواردهما، و الرجوع في غيره لمقتضى حكم العقل المتقدم. و ضبط المتيقن من اإلجماع و السيرة صعب جدا. فالالزم النظر في بقية الوجوه،

ليكون التحديد تابعا لها، و ال سيما مع قرب ابتناء اإلجماع و السيرة عليها.الثاني: النصوص الظاهرة في عدم وجوب االحتياط في موارد العلم اإلجمالي،

كصحيح عبد الله بن سنان، و غيره مما تقدم عند الكالم في حرمة المخالفة القطعية للعلم اإلجمالي، حيث ذكرنا هناك لزوم حمله على الشبهة غير المحصورة،

خروجا عن محذور مخالفة العلم اإلجمالي المنجز. نعم لما كان مقتضى إطالق تلك النصوص عدم وجوب االحتياط حتى في الشبهة

المحصورة، فمع عدم إمكان االلتزام بذلك، و لزوم حمله على الشبهة غير المحصورة، فالظاهر أن ذلك ال يرجع عرفا إلى تقييد اإلطالق المذكور مع عمومه

في نفسه، ليقتصر فيه على المتيقن من موارد الشبهة غير المحصورة، بل إلى كون المراد به اإلشارة إلى ما هو المعهود من الشبهة غير المحصورة، من دون أن ينهض

بتحديدها.الثالث: ما أشار إليه في الشرائع من التعليل بدفع المشقة.

و ظاهره إرادة قاعدة نفي الحرج بتقريب: أن التكاليف الواقعية و إن لم تكن حرجية بنفسها، إال أنها بسبب االشتباه في األطراف الكثيرة تستلزم الحرج بالعرض، و حينئذ يتعين البناء على سقوطها عن الفعلية، أو رفع اليد عن الموافقة القطعية، و

االكتفاء بالموافقة االحتمالية. و قد تقدم في التنبيه السادس أن الثاني هو األظهر. و يندفع بأن ذلك أعم من وجه، ألن الحرج قد يلزم مع الشبهة المحصورةبل مع

العلم التفصيليلخصوصية في مورد التكليف. كما أن االجتناب عن الشبهة غيرالمحصورة قد ال يستلزم الحرج، لعدم شدة حاجة303، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المكلف ألطراف االشتباه. فال ينفع ذلك في إثبات المدعى، و هو عموم عدم وجوباالجتناب في الشبهة غير المحصورة.

إن قلت: حيث يلزم من اجتناب الشبهة غير المحصورة الحرج نوعا تعين البناء على عدم وجوب االجتناب عنها. ال لقاعدة نفي الحرج، لما هو الظاهر من المراد بها الحرج الفعلي الشخصي، دون النوعي. بل لما تضمنته بعض النصوص من عدم تضمن الشريعة حكما يستلزم الحرج نوعا، مثل ما ورد في تعليل عدم وجوب

و غيره.«1 »الغسل من البول قلت: المراد من النصوص المذكورةلو استفيد منها العمومعدم تشريع كبرى شرعية

مستلزمة للحرج نوعا، كوجوب الغسل من البول. و ال ينافي ثبوت كبرى انتزاعية يلزم منها الحرج نوعا متفرعة على كبرى أو كبريات شرعية ال يلزم من كل منها

الحرج نوعا، كلزوم أداء الواجبات األولية على المريض التي هي منتزعة من مجموعة صغريات لكبريات شرعية شاملة للمريض ال يلزم منها الحرج نوعا،

كوجوب الصالة التامة، و الصوم، و تطهير المسجد، و تغسيل الميت، و غيرها. بل

Page 175: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

غاية ما يلزم تخصيص الكبريات المذكورة في مورد الحرج الشخصي الفعلي تحكيمالقاعدة نفي الحرج.

و من الظاهر أن وجوب االحتياط في الشبهة غير المحصورة ليس مفاد كبرى شرعية، لتنافي النصوص المشار إليها، بل هو منتزع من صغريات لكبريات ال يلزم

منها الحرج نوعا، ككبرى حرمة أكل النجس و شربه، و اعتبار الطهارة في الوضوء و الصالة، و حرمة الغصب و غيرها من األحكام التي ال تختص بموارد الشبهة غير

المحصورة. غايته أن عموم تلك األحكام لموارد الشبهة غير المحصورة مقتض لحكمالعقل بوجوب االحتياط فيها، و منه تنتزع

______________________________ من أبواب الجنابة.2 باب: 1( راجع الوسائل ج: 1 )

304، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج كبرى وجوب االحتياط في الشبهة غير المحصورة، و ليست هي كبرى شرعية،

لترجع إلى تشريع حكم يلزم منه الحرج نوعا. الرابع: أن كثرة األطراف توجب ضعف احتمال التكليف في كل منها بنحو ال يعتني

به العقالء في مقام العمل، و ال يصلح للتنجيز بمالك دفع الضرر المحتمل. قال شيخنا األعظم قدس سره: »أ ال

ترى الفرق الواضح بين العلم بوجود السم في أحد اإلناءين أو واحد من ألفيإناء؟«.

و فيه أوال: أن الزمه االقتصار في جواز ارتكاب أطراف الشبهة غير المحصورة علىصورة ضعف احتمال التكليف، و ال يظهر منهم البناء على ذلك.

و ثانيا: أن ذلك إن رجع إلى أن كثرة األطراف تمنع من منجزية العلم اإلجمالي،بحيث ال يكون بيانا على التكليف، و يكون العقاب معه عقابا بال بيان.

فيدفعه أنه ال فرق في منشأ منجزية العلم الذاتية بين كثرة األطراف و قلتها، كمايظهر مما تقدم في مبحث منجزية العلم اإلجمالي من مباحث القطع.

و إن رجع إلى أن العلم و إن كان بيانا و منجزا للمعلوم إال أنه ال يقتضي االحتياط مع ضعف االحتمال. فهو مما ال يمكن البناء عليه، و لذا ال إشكال في عموم وجوب االحتياط في الشبهة المحصورة لألطراف التي يضعف فيها احتمال التكليف. و ذلك لعموم وجوب دفع الضرر المحتمل إذا كان مهما- كضرر العقاب في المقاملصورة

ضعف االحتمال. و عدم االحتياط في مثال السم المتقدملو تمإنما هو لمزاحمة محذور االحتياط

للضرر المعلوم إجماال، لما في االحتياط مع كثرة األطراف من المشقة305، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

التي تصلح لمزاحمة الضرر. و ال مجال لذلك في العقاب ألهميته جدا. على أن تجويز العقل اإلقدام على الضرر المحتملمهما ضعف احتماله- ال يقتضي

األمان منه، كما هو الحال في األضرار التكوينية في المثال المتقدم و نحوه، و في مثل الدوران بين المحذورين بسوء اختيار المكلف، حيث قد يلزم العقل بلزوم

العمل بالظن من دون أن يحكم باألمان من العقاب مع خطئه. و حينئذ ال ينفع ذلك في المقام، لوضوح ابتناء جواز ارتكاب أطراف الشبهة غير

المحصورة على األمان من العقاب لو صادف مخالفة التكليف الواقعي.

Page 176: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

هذه عمدة الوجوه المذكورة في كلماتهم، و هناك وجوه أخر يظهر ضعفها بالتأمل المجال إلطالة الكالم فيها. فلتلحظ في كلماتهم أو في المطوالت المستوعبة لها.

و قد ظهر أن التام منها الوجهان األوالن، و هما اإلجماع و بعض النصوص. و حيث سبق عدم نهوضهما بتحديد الشبهة غير المحصورة التي ال يتنجز العلم اإلجمالي

معها، فالالزم الرجوع لضوابط عدم تنجيز العلم اإلجمالي التي تقدم التعرض لها، وتطبيقها في المقام.

و من الظاهر أن كثرة األطراف و عدم اإلحاطة بها تستلزم غالبا ابتالء العلم اإلجمالي بما يسقطه عن المنجزية، كتعذر بعض األطراف أو خروجه عن االبتالء

بالمعنى المتقدم في التنبيه الرابع، أو ابتالئه بتكليف تفصيلي يقتضي االجتناب عنه مع قطع النظر عن العلم اإلجمالي، مثل كونه مملوكا لمن لم يأذن بالتصرف فيه. و حينئذ يتجه البناء على عدم منجزية العلم اإلجمالي ألجل ذلك، ال لخصوصية في عدم

االنحصار.و ذلك ال ينافي النصوص، لما سبق من عدم أخذ عدم االنحصار فيها.

و أما اإلجماع فهو و إن أخذ في معقده عدم االنحصار، إال أنه ال يكشف عن306، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

دخله في عدم المنجزية، بل يمكن حمله على مجرد مقارنته له، ألن ذلك هو المتيقن منه. و ال سيما بلحاظ ما سبق من أن العمدة في حجيته ارتكازيته، و

موافقته للسيرة، و هما ال يقتضيان أكثر من ذلك، كما يناسب ذلك أيضا اختصاصاألمثلة التي يذكرونها بما ذكرنا.

و ينبغي التنبيه على أمرين: األول: الظاهر جواز المخالفة القطعية في الشبهة غير المحصورة لو تحقق االبتالء

التدريجي باألطراف من دون أن يعلم به سابقا، لعدم منجزية العلم اإلجمالي عند ارتكاب كل طرف بعد فرض عدم االبتالء ببقية

األطراف، و لو الرتكابها سابقا، أو غيره من موانع منجزية العلم اإلجمالي. و العلم بحصول الحرام بعد ارتكاب تمام األطراف ليس محذورا مع عدم المنجز للتكليف

حين االرتكاب. و هو ال يستلزم طرح دليل التكليف الواقعي، ألن مخالفة التكليف مع وجود المؤمن ظاهرا ال تكون طرحا له، كما يظهر مما تقدم في وجه الجمع بين األحكام الظاهرية

و الواقعية، و إال كان العمل على المؤمن الظاهري في غير موارد العلم اإلجماليمستلزما الحتمال طرح دليل التكليف الواقعي الذي هو ممتنع كالعلم به.

و ال يفرق في ذلك بين العزم من أول األمر على اإلقدام لو صادف االبتالء بتمام األطراف و عدمه. و ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من صدق المعصية عند

مصادفة الحرام الواقعي مع العزم المذكور. غير ظاهر، لتوقف المعصية على تنجزالتكليف، و المفروض عدمه.

نعم لو علم باالبتالء بجميع األطراف تدريجا كان المورد من صغريات العلم اإلجماليالتدريجي الذي سبق منجزيته، فال يجوز اإلقدام حتى على

307، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جبعض األطراف.

Page 177: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الثاني: عدم منجزية العلم اإلجمالي في الشبهة غير المحصورة إنما يقتضي عدموجوب االحتياط في األطراف من حيثية العلم المفروض.

و ال ينافي وجوبه من حيثية الشك لو كان مجرى ألصل يطابق االحتياط عمال، كما في موارد انقالب األصل، أو قاعدة االشتغال، أو استصحاب عدم ترتب األثر، أو

نحوها. ألن سقوط العلم اإلجمالي عن المنجزية ال يقتضي إلغاء الشك و ال يمنع منإعمال أدلة األصول المذكورة فيه.

فما يظهر من بعض األعاظم قدس سره من التشكيك في ذلك أو الميل إلى إلغاء الشك في غير محله قطعا. إال أن يكون الشك بمرتبة ال يعتني بها العقالء، لكونها

ملحقة بالوسواس. لكن ذلك غير الزم في الشبهة غير المحصورة، و ال منحصر بها.التنبيه العاشر: في توقف منجزية العلم اإلجمالي على تحديد األطراف بوجه ما

الظاهر توقف منجزية العلم اإلجمالي على االلتفات لألطراف و تحديدها بوجه ما، لتكون موردا للتنجيز، فإن حدوث الداعي العقلي للعمل متفرع على تحديد

موضوعه، و ال يكفي مجرد العلم باالبتالء بالحرام و الوقوع فيه من دون تحديدلألطراف، ال قبل العمل و ال حينه، ليرتدع عنها بحكم العقل.

و من ثم ال يمنع من عمل المكلف باألصول الترخيصية العلم بالتعرض للمخالفة الواقعية في يومه أو شهره أو سنته، خصوصا في األموال و النجاسة و نحوها مما

يكثر فيه مخالفة األصول الترخيصية للواقع من دون تحديد تفصيلي أو إجمالي لموارد التعرض المذكور. و لو ال ذلك الختل نظام المعاد و المعاش و قلت الفائدة

في جعل األصول المذكورة.308، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و منه يظهر اإلشكال فيما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من التمثيل للعلم اإلجمالي التدريجي بما إذا علم المكلف بأنه يبتلي في يومه أو شهره أو سنته بمعاملة ربوية، فإنه حيث لم تكن المعامالت المذكورة محددة لم يصلح العلم

المذكور لتنجيز التكليف فيها، بحيث يجب االحتياط في المعامالت و تركها فرارا منالوقوع في المعاملة الربوية.

نعم احتمال كون المعاملة ربوية بنحو الشبهة الحكمية منجز بنفسه مع قطع النظر عن العلم اإلجمالي المذكور، لوجوب الفحص عن األحكام الشرعية بنحو يمنع من

جريان األصول الترخيصية. و كذا احتمال ذلك بنحو الشبهة الموضوعية، ألصالة عدم ترتب األثر. إال أن تكون محكومة ألصل موضوعي يقتضي تصحيح المعاملة، كأصالة

عدم كون العوضين من المكيل و الموزون.فتأمل جيدا.

و الله سبحانه و تعالى العالم العاصم.و الحمد لله رب العالمين.

309، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالفصل الثالث في الشك في تعيين التكليف مع وحدة المتعلق

و هو مختص بالدوران بين وجوب الشيء و حرمته، الذي قد يعبر عنه بالدوران بينمحذورين.

و يقع الكالم فيه في مقامين:المقام األول: في مقتضى األصل العقلي

Page 178: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ال يخفى أنه حيث يعلم بثبوت التكليف المردد واقعا فالعلم المذكور منجز للتكليف بواقعه، و ذلك يقتضي لزوم الفراغ عنه باالمتثال، فيلزم الفحص عنه مع إمكانه مقدمة المتثاله، من دون فرق بين الشبهة الموضوعية و الحكمية، لتعذر إحراز

الفراغ عنه بدون ذلك. و أما مع استكمال الفحص عنه أو تعذره فيتعين سقوط العلم المذكور عن

المنجزية، لعدم األثر له بعد تعذر موافقته و مخالفته القطعيتين، و لزوم موافقته و مخالفته االحتماليتين. و أما احتمال كل من التكليفين بخصوصيته مع قطع النظر عن

العلم المذكور فهو مجرى للبراءة العقلية، ألن العقاب على مخالفته بال بيان. و دعوى: أنه مع سقوط العلم عن المنجزية يقطع بعدم العقاب، و معه ال موضوع لقاعدة قبح العقاب بال بيان. مدفوعة بأن سقوط العلم عن المنجزية إنما يقتضي

القطع بعدم العقاب من جهته، و أما عدم العقاب بلحاظ احتمال كل من التكليفين بخصوصيته فهو كسائر موارد احتمال التكليف من دون منجز له ال مجال للقطع به

لو ال قاعدة قبح العقاب بال بيان.310، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

هذا و قد تردد في بعض كلماتهم أن المرجع في المقام هو أصالة التخيير. فإن أريد بها إلزام العقل بأحدهما تخييرا، نظير إلزام الشارع بأحد طرفي الواجب

التخييري، و التخيير بين المتزاحمين، أشكل بعدم األثر عمال لإللزام المذكور بعد امتناع خلو المكلف عن أحد طرفي التخيير. و من ثم ال مجال للتخيير في ذلك حتى

مع تزاحم التكليفين من دون مرجحالذي ال إشكال في أن مقتضى األصل فيه التخييربأن انطبق عنوان واجب أو محرم على كل من الفعل و الترك. و إن أريد بها

مجرد عدم الحرج من قبل العقل في كل من الفعل و الترك، نظير تخييره معاإلباحة الواقعية فهو راجع إلى ما ذكرناه.

ثم إنه قد يدعى أن مقتضى األصل العقلي األولي في المقام هو مراعاة احتمال الحرمة دون الوجوب، ألن الوجوب ناشئ عن المصلحة و الحرمة ناشئة عن

المفسدة، و دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة. لكنه يشكلمضافا إلى ابتنائه على تبعية األحكام للمصالح و المفاسد في المتعلقات،

ال مطلقا و لو في نفس الجعلبوجهين: األول: أن الوجوب لما كان ناشئا عن المصلحة الملزمة كان فوتها مالزما للمفسدة، أو لما هو من سنخها. قال شيخنا األعظم قدس سره: »إذ مجرد فوات المنفعة عن

الشخص و كون حاله بعد الفوت كحاله فيما قبل الفوت عليه ال يصلح وجها إللزامشيء على المكلف ما لم يبلغ حدا يكون في فواته مفسدة ...«.

و عليه يتعين توجيه ما اشتهر من تبعية األوامر للمصالح و النواهي للمفاسد بأن الواجب ما يكون له دخل في تحقيق المرتبة الالزمة من الكمال أو في حفظها، و

الحرام ما له دخل في منع تحقق المرتبة المذكورة، أو رفعها، فلو كانت مرتبة منقوة البدن الزمة الحفظ، فالواجب ما يكون محققا لها أو مبقيا

311، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج لها من دواء و غذاء أو غيرهما، و الحرام ما كان مانعا منها أو رافعا لها. و ما ال دخل له في المرتبة المذكورة، بل هو دخيل بأحد النحوين في المرتبة الزائدة عليها يكون

مستحبا أو مكروها.

Page 179: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الثاني: أن القاعدة المذكورة لو تمت فهي من القواعد الواقعية في مقام التزاحم بين المصلحة و المفسدة المعلومتين، و ليست من القواعد الظاهرية عند الدوران بين المصلحة و المفسدة، لتقتضي ترجيح احتمال المفسدة على احتمال المصلحة

عمال، كي تنفع فيما نحن فيه، لما هو المرتكز من أن منشأ األولوية أهمية المفسدة من المصلحة، و من الظاهر أن أهمية أحد التكليفين إنما تقتضي ترجيحه عند

التزاحم، ال تقديم احتماله على احتمال المهم عند الدوران بينهما.المقام الثاني: في مقتضى األصل الثانوي الشرعي

و الظاهر أن مقتضى إطالق أدلة البراءة الشرعية عدم الحرج من حيثية كل من طرفي الترديد بخصوصيته، لتحقق موضوعهاو هو الشك و الجهل- باإلضافة إلى كل

منهما، و العلم اإلجمالي بثبوت أحدهما ال يكون مانعا من ذلك بعد ما سبق منامتناع منجزيته.

و دعوى: امتناع رفع كال الحكمين ظاهرا، ألن إمكانه فرع إمكان وضعهما معا ظاهرا تعيينا أو تخييرا، و هو ممتنع، كما سبق. مدفوعة بأن المدعى في المقام رفع كل

منهما بتطبيق إطالق األدلة عليه بخصوصيته، فكل تطبيق يقتضي رفع أحدهما وحده، و هو إنما يتوقف على إمكان وضع ذلك الحكم وحده بإيجاب االحتياط فيه، و هو

حاصل في المقام. على أنه يكفي في إمكان رفعهما معا إمكان وضع أحدهما بخصوصيته، ال إمكان وضعهما معا تعيينا أو تخييرا، ألن نقيض السالبة الكلية موجبة

جزئية، ال كلية.312، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و لذا ال ريب في جريان البراءة من الحكمين معا لو دار األمر بين الوجوب و الحرمة و اإلباحة، مع امتناع جعلهما معا أيضا، و ال فرق بينه و بين ما نحن فيه إال بالعلم

اإلجمالي بثبوت أحدهما، الذي هو ليس فارقا بعد ما سبق من امتناع منجزيته. و ربما يرجع إلى ما ذكرنا ما قد يقال: من أن مقتضى األصل اإلباحة. أما لو أريد بها ما هو أحد األحكام الخمسة أو ما يعم األحكام الثالثة غير التكليفية. فال مجال للبناء عليه، المتناع التعبد ظاهرا بما يعلم بعدم ثبوته واقعا، بل ال بد من احتمال مطابقة

الحكم الظاهري للواقعي. على أن أدلة البراءة الشرعية ال تنهض بذلك، لظهور جل أدلتهاكحديث الرفع و

اإلطالق و نحوهمافي مجرد السعة و رفع الحرج من حيثية احتمال التكليف، ال في التعبد بالترخيص، فضال عن خصوص اإلباحة. و أما مثل: »كل شيء لك حالل حتى

تعلم أنه حرام بعينه« فهومع اختصاصه بالشبهة الموضوعية، كما تقدمظاهر في التعبد بالحل بالمعنى األعم الشامل للوجوب في مقابل احتمال الحرمة. و ال ينهض

بنفي احتمال الوجوب في المقام إال بتطبيق آخر على الترك يقتضي التعبد بحليته بالمعنى األعم أيضا الشامل لوجوب الترك، و هو راجع إلى ما ذكرنا، ال إلى البناء

على اإلباحة بأحد المعنيين المتقدمين. هذا و أما الرجوع الستصحاب عدم كل من التكليفين بالتقريب الذي تقدم في آخر أدلة البراءة فالكالم فيه مبني على جريان االستصحاب في أطراف العلم اإلجمالي

مع عدم لزوم المخالفة القطعية الذي تقدم الكالم فيه في الفصل الثاني.و ينبغي التنبيه إلى أمور ..

313، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 180: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

األول: الكالم المتقدم مبني على جريان البراءة في كل من االحتمالين في نفسه. و لو فرض عدم جريانها في خصوص أحدهما، لوجود المنجز المانع من جريانها فال

ريب في لزوم العمل على المنجز فيه، و الرجوع في االحتمال الثاني للبراءة، لعموم دليلها، سواء كان المنجز دليال اجتهاديا، أم أصال إحرازيا- كاالستصحابأو غير

إحرازي، كاالحتياط الواجب عقال بمقتضى العلم اإلجمالي أو شرعا في موارد انقالباألصل التي سبقت اإلشارة إليها أو غيرها.

و لعله لذا حكي عن ظاهر كالم السيد الشارح للوافية جريان أخبار االحتياط في المقام، إذ ال يبعد ابتناؤه على ما عليه األخباريون من داللتها على وجوب االحتياط

في الشبهة التحريمية، دون الوجوبية، المقتضي لالحتياط في احتمال الحرمة و ترجيحه في المقام. و ال يهم الكالم في شمول النصوص المذكورة للمقام بعد ما سبق من عدم نهوضها بإثبات وجوب االحتياط في الشبهة إذا لم تكن منجزة في

نفسها مع قطع النظر عن تلك النصوص.الثاني: لو احتمل أهمية أحد التكليفين اللذين يتردد األمر بينهما،

فظاهر المحقق الخراساني قدس سره لزوم ترجيحه. و هو غير ظاهر الوجه. و ربما يقاس بترجيح محتمل األهمية في باب التزاحم. لكنه في غير محله، للفرق بينهما بالعلم هناك بثبوت مالك محتمل األهمية، مع الشك في سقوط اإللزام به بسبب المزاحمة، الحتمال عدم كونها عذرا مسقطا له بسبب أهميته، و مقتضى إطالق

دليله ثبوته، و ال كذلك اآلخر، فإنه و إن علم بثبوت مالكه أيضا إال أنه يعلم بسقوط اإللزام به بسبب المزاحمة، إما لمرجوحيته أو لتساوي التكليفين في األهمية. أما هنا فالشك في أصل ثبوت محتمل األهمية مالكا و خطابا، و المرجع فيه البراءة، كما لو

شك فيه بدوا من دون أن يعلم بثبوت أحد التكليفين. و منه يظهر أنه ال ملزم بترجيح ما يعلم بأهميته من التكليفين المحتملين، إذ هو ال

يمنع من الرجوع للبراءة منه بعد الشك في أصل ثبوته، كما لو لم يعلم314، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بثبوت أحدهما. نعم لو كانت األهمية بنحو يعلم معه بوجوب االحتياط و انقالباألصل مع الشك اتجه الترجيح بها، كما تقدم في األمر األول.

هذا و أما الترجيح بالظن فهو مبني على نهوضه بالترجيح في مورد انسداد باب العلم، و مما سبق في دليل االنسداد يظهر عدم نهوضه بذلك مع انسداد باب العلم

في معظم األحكام، فضال عن انسداده في حكم واحد، كما في المقام.الثالث: ]هل التخيير ابتدائي أو استمراري[

لو تعددت الوقائع في محل الكالممن الدوران بين المحذورينفهل يكون التخيير استمراريا و في كل واقعة، فيجوز المخالفة بين الوقائع في العمل، و إن استلزم

المخالفة اإلجمالية فيها، أو ابتدائيا و في خصوص الواقعة األولى، مع لزوم مطابقةالعمل في بقية الوقائع للعمل فيها، حذرا من لزوم المخالفة القطعية؟

الظاهر األول، كما ذهب إليه جماعة. و العمدة في وجهه: أن التخيير االستمراري و إن استلزم المخالفة القطعية اإلجمالية في بعض الوقائع إال أنه مستلزم أيضا

للموافقة القطعية اإلجمالية في بعضها، أما التخيير االبتدائي فهو يستلزم المخالفة االحتمالية في الكل من دون موافقة قطعية في شيء منها، و ليس الثاني بأولى من

األول بنظر العقل.

Page 181: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و دعوى: أن تجنب المخالفة القطعية أهم من تحصيل الموافقة القطعية، و لذا أمكن الردع عن لزوم الموافقة القطعيةكما تقدم في أول الفصل الثاني- و لم

يمكن الردع عن المنع من المخالفة القطعية. مدفوعة بأن امتناع الردع عن المنع من المخالفة القطعية إنما هو ألن مرجع الردع المذكور إلى الردع عن حجية العلم أو عن اقتضاء التكليف لالمتثال، و كالهما محال. و ليس هو ناشئا عن أهمية تجنب

المخالفة القطعية من تحصيل الموافقة، ليتعين ترجيح األول315، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

عند التزاحم، بل هما في مرتبة واحدة من األهمية، ألن كال منهما ناشئ عن لزوممتابعة األمر و محقق لمرتبة منها، فمع التزاحم بينهما يتعين التخيير، كما ذكرنا.

الرابع: ]دوران األمر بين جزئية شيء للمركب و مانعيته منه[ لو دار األمر بين جزئية شيء للمركب و مانعيته منه فهو راجع للدوران بين

المحذورين باإلضافة للمركب الخارجي من حيثية صحته و فساده. لكنه خارج عن محل الكالم، لعدم حرمة اإلتيان بالمركب الفاسد، بل مرجع الشك

في المقام للدوران في المركب الواجب بين الواجد لذلك الشيء و الفاقد له، فيدخل في الدوران بين المتباينين الذي تقدم في الفصل الثاني لزوم االحتياط فيه

بالجمع بينهما. و لو تعذر كان من تعذر بعض أطراف العلم اإلجمالي الذي تقدمالكالم فيه هناك أيضا.

و الحمد لله رب العالمين.316، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الفصل الرابع في الدوران بين األقل و األكثر االرتباطيين أشرنا في أول الكالم في األصول العملية إلى أن النزاع هنا ليس في حكم هذه

المسألة كبروياكما هو الحال في الفصول السابقةبل هو صغروي راجع إلى النزاع في أن موضوع الكالم هنا من صغريات مسألة الشك في أصل التكليف، التي عقدنا

لها الفصل األول، و التي كان التحقيق فيها البراءة، أو من صغريات مسألة الشك في تعيين التكليف التي عقدنا لها الفصل الثاني، و التي كان التحقيق فيها وجوب االحتياط. و من ثم كان الكالم في المقام مبنيا على الفراغ عن حكم المسألتين

المذكورتين.هذا

و ينبغي التمهيد للكالم في المقام بذكر أمور .. األول: محل الكالم في المقام ما إذا كان التردد بين األقل و األكثر مع وحدة

التكليف تبعا لوحدة المالك و الغرض المستلزم لالرتباطية بين ما يعتبر في المكلف به، فإن ذلك هو منشأ البناء من

بعضهم على التردد في المقام بين تكليفين التكليف باألقل و التكليف باألكثر من دون متيقن في البين. و أما إذا كان التردد مع تعدد التكليف، بحيث يكون التكليف بالزائد مستقال عن التكليف باألقل جعال، تبعا لتعدد المالك و الغرض، فال ريب في

خروجه عن محل الكالم، و دخوله في الشك في أصل التكليف، الذي يكون المرجعفيه البراءة.

Page 182: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

من دون فرق بين كون الزائد المشكوك مباينا خارجا للمكلف به المتيقن، كما لو دار األمر في الدين بين الدرهم و الدرهمين، و كونه من شئونه، كما لو احتمل

وجوب إيقاع الفريضة جماعة أو في المسجد، الحتمال تعلق النذر317، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بذلك، ألن التكليف الناشئ من النذر مباين للتكليف بالفريضة. كما أنه ال بد في محل الكالم من كون التردد بين األقل و األكثر في نفس المكلف به، أما إذا كان في سببه فالشك فيه راجع للشك في االمتثال الذي يكون المرجع

فيه قاعدة االشتغال المقتضية للزوم االحتياط، على ما تقدم في تمهيد الفصلالثاني عند الكالم في قاعدة االشتغال.

الثاني: ]صور احتمال دخل شيء في الواجب[ أن احتمال دخل شيء في الواجب يكون .. تارة: مع الدوران بين دخله فيه و عدمه، من دون أن يحتمل قادحيته فيه، و أخرى: مع الدوران بين دخله فيه و قادحيته فيه،

الراجعة العتبار عدمه فيه، و ثالثة: مع الدوران بين دخله فيه و قادحيته و عدمهمامعا. و محل الكالم في المقام هو الصورة األولى.

أما الثانية فهي راجعة إلى الدوران بين المتباينين، للتباين بين الماهية بشرط شيء و الماهية بشرط ال، فيجري فيه ما تقدم في الفصل الثاني من حكم المتباينين. كما

أن الكالم في الثالثة يبتني على الكالم في الصورة األولى، فإن قيل فيها بوجوب االحتياط، لزم الجمع في هذه الصورة بين الواجد للخصوصية و الفاقد لها، و إن قيل بجريان البراءة فيها كانت هي المرجع في هذه الصورة أيضا، فيجتزأ بكل منهما كما

يظهر بالتأمل.الثالث: ]عموم محل الكالم للدوران بين التعيين و التخيير[

حيث تقدم اختصاص محل الكالم بما إذا احتمل اعتبار شيء في الواجب من دون احتمال قادحيته فالزم ذلك وجود المتيقن في مقام االمتثال الذي يقطع بالفراغ على

تقدير اإلتيان به و إن لم يعلم بالتكليف به، و ذلك بالمحافظة على األمر المحتملاعتباره المفروض عدم قادحيته.

و من الظاهر أن وجود المتيقن في مقام االمتثال كما يكون مع الشك في حال متعلق التكليف لتردده بين واجد الخصوصية و فاقدهاكما هو المفروض في محل

الكالمكذلك يكون مع الشك في نحو التكليف نفسه بأن يتردد بين318، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

التعييني و التخييري، كما لو ترددت الكفارة بين المخيرة و المرتبة. و عمدة كالم شيخنا األعظم قدس سره و من بعده في األول. و ربما تعرض بعضهم للثاني استطرادا، و حيث كان الكالم فيه مهما كان المناسب التعرض له هنا. كما أنه حيث كان مختصا ببعض الفروع و التنبيهات المهمة كان المناسب تخصيص بحث له

و فصله عن األول،فيكون الكالم في هذا الفصل في مبحثين:

المبحث األول صور الشك في دخل شيء في الواجبو قد ذكروا له صورا ثالث، بلحاظ أن الشيء المشكوك أخذه .. تارة:

يكون جزءا خارجيا متحدا مع الواجب، كاالستعاذة في الصالة و أخرى: يكون جزءا ذهنيا منتزعا من خصوصية زائدة على المكلف به خارجة عنه، كالطمأنينة في الصالة

Page 183: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و اإليمان في الرقبة و ثالثة: يكون جزءا ذهنيا منتزعا من خصوصية متحدة مع الواجب عقال، كما لو تردد األمر بين الجنس و النوع، أو الكلي و الفرد. و يعبر عن

األول بالشك في الجزئية، و عن الثاني بالشك في الشرطية أو القيدية، و عنالثالث بالدوران بين التعيين و التخيير العقليين.

لكن الشك في الجزئية يرجع للشك في الشرطية في الجهة المهمة من محل الكالم، ألن اعتبار الجزء في المركب االرتباطي يرجع إلى تقييده به لبا، كتقييده

بالشرط الخارج عنه، و الفاقد للجزء كالفاقد للشرط مباين للواجب خارجا، ال بعضمنه، و إنما يكون الجزء بعضا من الواجب المركب في ظرف تماميته.

و ليس الفرق بينهما إال في أن الشرط قيد في تمام المركب، و الجزء قيد فيماعداه من أجزائه، و أن الشرط في ظرف أخذه في المركب خارج عنه،

319، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جبخالف الجزء، فإنه داخل فيه متحد معه نحو اتحاد.

لكن ال أثر لذلك في الجهة المبحوث عنها في محل الكالم و إنما األثر للتقييد الذي هو المعيار في االرتباطية. و من ثم ال موجب لفصل الكالم في أحدهما عن الكالم

في اآلخر، بل المناسب الجمع بينهما في كالم واحد. و منه يظهر أنه ال مجال للفرق في الشرط بين ما إذا كان فعال للمكلف، كالطهارة

و االستقبال في الصالة و ما إذا كان عرضا قائما بالموضوع، كاإليمان في الرقبة، بتقريب: أن األول حيث كان فعال خارجيا كان موردا لتكليف زائد يمكن دفعه باألصل،

بخالف الثاني. الندفاعه بأن المعيار لما كان هو التقييد فهو مشترك بينهما، و ال أثر معه لكون األول

فعال خارجيا، ألن وجوبه ليس نفسيا، بل هو مقدمي ناشئ من التقييد. على أن الثاني قد يكون موردا للعمل، كما لو انحصر العبد بمن يمكن هدايته، فإنه يجب

هدايته تحصيال للقيد المعتبر في الواجب، و إنما ال يكون موردا للعمل إذا كان خارجاعن اختيار المكلف، كالبياض في الرقبة.

نعم الشك في أخذ الجزء الذهني المنتزع من الخصوصية المتحدة مع الذات يختصبجهات ينبغي الكالم فيها مستقال و على هذا

يقع الكالم في مسألتين:المسألة األولى: في الشك في اعتبار شيء في المكلف به جزءا أو شرطا.

قال شيخنا األعظم قدس سره: »و قد اختلف في وجوب االحتياط هنا. فصرح بعض متأخري المتأخرين بوجوبه. بل ربما يظهر من كالم بعض القدماء، كالسيد و الشيخ.

لكن لم يعلم كونه مذهبا لهما، بل ظاهر كلماتهم األخر خالفه. و صريح جماعة إجراء أصالة البراءة و عدم وجوب االحتياط. و الظاهر أنه المشهور

بين العامة و الخاصة المتقدمين منهم و المتأخرين، كما يظهر من تتبع320، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

كتب القوم، كالخالف و السرائر و كتب الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و من تأخر عنهم. بل اإلنصاف أنه لم أعثر في كلمات من تقدم على المحقق

السبزواري على من يلتزم بوجوب االحتياط في األجزاء و الشرائط، و إن كان فيهممن يختلف كالمه في ذلك، كالسيد و الشيخ، بل الشهيدين قدس سرهم«.

Page 184: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و هو و إن ذكر ذلك في الشك في الجزئية، إال أن الظاهر عدم الفرق بينه و بينالشك في الشرطية عندهم، كما قد يظهر منه قدس سره ذلك.

و كيف كان فيقع الكالم .. تارة: في مقتضى األصل العقلي األولي و أخرى: في مقتضى األصل الثانوي المستفاد من األدلة الشرعية الواردة لبيان حكم الجهل

بالتكليف، فقد اختلفت كلماتهم في المقامين معا.المقام األول: في مقتضى األصل العقلي

و الظاهر حكم العقل بالبراءة في المقام من الزائد المشكوك بمالك قبح العقاب بال بيان، الذي تقدم تقريبه في الشك في أصل التكليف. لعدم الفرق في المالك

المذكور بين التكليف االستقاللي و الضمني بعد الرجوع للمرتكزات العقالئية في باب التعذير و التنجيز المبنيين على المسئولية بالتكليف و العقاب عليه، الذي هو المهم في المقام و الدائر مدار البيان بال كالم. و ال ريب في ذلك بعد التأمل في

المرتكزات العقالئية و في سيرة أهل االستدالل االرتكازية، فإن المرتكز أنخصوصيات المكلف به كأصل التكليف هي المحتاجة للبيان.

نعم لو تعلق الغرض بتحصيل الواقع على ما هو عليه، زائدا على مقتضى المسئولية التابعة للتنجيز عقال، تعين االحتياط و لو مع عدم البيان الواصل، كما في موارد

االهتمام باألثر الوضعي في مثل األوامر اإلرشادية، أو تنجز التكليف من جهة أخرىكما في مورد التقصير في الفحصأو االهتمام بتحصيل غرض المولى قياما ببعض

حقوقه، أو مداراة له لدفع شره و جوره، كما في321، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بعض الموالي العرفيين. لكن ذلك خارج عن محل الكالم من عدم تنجز احتمال التكليف عقال، و لذا يجري ذلك أيضا مع الشك في أصل التكليف أيضا، مع أن

المفروض فيه الرجوع للبراءة.هذا و ربما يستشكل في الرجوع للبراءة بوجوه ..

األول: دعوى تنجز التكليف الواقعي على ما هو عليه من الحد الواقعي المردد بين األقل و األكثر، الملزم بإحراز الفراغ عنه باالحتياط، و ذلك من جهة العلم اإلجمالي

بالتكليف المردد بين الوجهين، حيث يتنجز بسببه كل منهما. لكن الظاهر انحالل العلم اإلجمالي في المقام بالعلم بوجوب األقل على كل حال،

إما وحده أو في ضمن األكثر، و الشك في وجوب الزائد من جزء أو شرط. إن قلت: التكليف الضمني باألجزاء و الشروط مالزم في التنجز للتكليف االستقاللي بتمام المركب، كما هو مالزم له في المالك و الجعل و الداعوية و االمتثال، فال يعقل

تنجزه بدونه، و حينئذ ال يمكن في المقام تنجز التكليف باألقل على كل حال إال في فرض تنجز األكثر بتمامه، الموقوف على منجزية العلم اإلجمالي المذكور، فال يمكن

انحالله به. قلت: التكليف االستقاللي بالمركب متحد مع التكاليف الضمنية بأجزائه و شروطه،

فداعويته عين داعويتها، و تنجزه عين تنجزها، ألنها من حدوده و مقوماته، و ال معنىللتالزم بين منجزيتها و منجزيته.

و مرجع دعوى االنحالل إلى أن الواصل هو التكليف باألقل ال غير، إما لكونه تمام الواجب أو لكونه بعضه. و مرجع اختصاصه بالتنجز ليس إلى التفكيك بين المتالزمين

Page 185: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

في التنجز، بل إلى اختصاص تنجز التكليف بحدوده الواصلة التي هي موضوع البيان،دون الحدود التي لم يتعلق بها البيان، و هو

322، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج عبارة أخرى عما تقدم منا من جريان قاعدة قبح العقاب بال بيان في التكاليف

الضمنية، الذي سبق مطابقته للمرتكزات العقالئية. و إن شئت قلت: بعد ما سبق منا من عدم تنجز التكليف إال بالمقدار الواصل من

حدوده فاألقل منجز على كل حال، و العلم إما بوجوبه وحده أو في ضمن األكثر ال يصلح للتنجيز، لعدم كونه علما بكلفة زائدة على كلفة التكليف المعلوم، لوضوح كون أحد طرفيه السعة، و ال يقتضي اإللزام على كل حال، كما نبه لذلك شيخنا

األستاذ قدس سره. الثاني: أن المنجز و إن كان هو خصوص األقل، إال أن مقتضى لزوم الفراغ عنه هو

اإلتيان باألكثر، لعدم إحراز الفراغ عنه إال بذلك بعد فرض االرتباطية على تقديروجوب األكثر، ألن سقوط التكليف منوط بتمامية المركب.

نعم لو أحرز كون األقل تمام الواجب اتجه االكتفاء به في إحراز الفراغ عنه، لكن المجال إلحراز ذلك بعد كون مفاد قاعدة البراءة مجرد التعذير.

و يندفع بأن اليقين بالفراغ ال يجب في مثل ذلك مما كان فيه الشك في الفراغ ناشئا من الشك في حال المكلف به و احتمال دخل ما لم يصل التكليف به فيه، و

إنما يجب فيما إذا كان الشك في الفراغ مسببا عن الشك في اإلتيان بما وصلالتكليف به.

و بالجملة: إنما يجب إحراز الفراغ مع وصول التكليف بخصوصياته، و الشك في مطابقة المأتي به لها، ال مع العلم بالمأتي به و الشك في مطابقته للمكلف به،

بسبب إجمال المكلف به. الثالث: أنه بناء على ما هو المشهور عند العدلية من تبعية األحكام للمصالح و

المفاسد في متعلقاتها يكون المكلف به مالزما لغرض للمولى323، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

مترتب عليه، و حيث ال يحرز حصول غرضه باالقتصار على األقللفرضاالرتباطيةيتعين االحتياط باألكثر، لوجوب إحراز غرض المولى.

نعم بناء على تبعية األحكام لمصالح فيها، ال في متعلقاتهاكما عن بعض العدليةال يجب االحتياط الستيفاء المولى غرضه بنفس التكليف، و تعلق غرض آخر له بفعل المكلف غير معلوم، ليجب إحرازه. و كذا بناء على عدم تبعية األحكام للمصالح و

المفاسد أصال.و قد يدفع بوجهين:

األول: إنكار وجوب تحصيل غرض المولى ثبوتا و قصر موضوع الطاعة و المعصيةعقال على خصوص تكليف المولى.

لكنه كما ترى مناف للمرتكزات العقالئية، حيث ال إشكال عندهم في وجوب موافقة غرض المولى، إذا بلغ مرتبة التكليف، و علم المكلف به، و إن لم يستتبع فعلية

التكليف فعال لموانع خارجية من خوف أو بعد مانع من توجيه الخطاب. بل و لو مع غفلة المولى عن غرضه لو أمكن ذلك في حقهكما في الموالي العرفيينكما لو

Page 186: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

تعرض المولى أو ولده أو ماله أو نحوهما للخطر. و قد تقدم التعرض لذلك في ذيلالكالم في حقيقة األحكام التكليفية من مقدمة علم األصول.

الثاني: أنه ال يجب إحراز تحصيل الغرض إال مع قيام الحجة عليه، و المفروض أندليل التكليف في المقام ال يكون حجة إال على تعلق الغرض باألقل.

و فيه: أن التكليف إنما يكون حجة على وجود الغرض و توقف حصوله على األقل، ال على تعلق الغرض باألقل بنحو يعلم بحصوله معه. بل ال يعلم بحصول

الغرضالمستكشف بالتكليفبعد فرض االرتباطية إال باإلتيان324، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

باألكثر، ألن المالك في المقام إنما يترتب على مجموع أجزاء المركب االرتباطي،فال يعلم بحصول شيء منه إال بتمامية المركب.

فلعل األولى الجواب عن الوجه المذكور بأن تنجز الغرض إنما هو بمقدار وصوله، فكما كان بيان خصوصيات المكلف به وظيفة المولى، و بدونه يكون المكلف في

سعة منها، و ال يعتنى باحتمال دخل شيء فيه و إن كان أمرا ارتباطيا، كذلك بيان ما هو الدخيل في الغرض من وظيفة المولى، و ليس على المكلف االهتمام بتحصيل

ما يحتمل دخله فيه، فلو فات الغرض بسبب قصور بيان المولى فالمكلف آمن منه،كما يأمن مع فوت التكليف لذلك.

هذا و ال يخفى أن منشأ الوجوه الثالثة المتقدمة لالحتياط هو مالحظة االرتباطية المفروضة في المقام، و المستلزمة لوحدة التكليف و الغرض، و إنا و إن أطلنا

الكالم فيها و في دفعهاتبعا لمشايخنا العظام »قدس الله تعالى أسرارهم«- إال أننا في غنى عن ذلك. ألن ما سبق آنفا في توجيه جريان البراءة من عدم الفرق في جريانها بين التكليف الضمني و االستقاللي إن تم ارتكازا فهو مستلزم لوهنها، ألن

فرض كون التكليف المشكوك ضمنيا مستلزم لفرض العلم اإلجماليبالصورة المتقدمة في الوجه األولو لفرض الشك في امتثال التكليف المتيقنبالنحو المتقدم

في الوجه الثانيو في حصول الغرض الذي عليه يبتني الوجه الثالث، و مرجع التسليم بالبراءة إلى عدم تمامية الوجوه المذكورة، بنحو يكشف عن خلل في تصويرها إجماال، لوضوح أن كبرياتها لما كانت ارتكازية امتنع عمومها للمقام مع التسليم

بجريان البراءة ارتكازا. و لو فرض المنع أو التشكيك في جريان البراءة لم ينفع دفع هذه الوجوه في عدم

وجوب االحتياط و األمان من العقاب بدونه.325، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بقي شيء ]فيما إذا كان احتمال اعتبار الخصوصية ناشئا من إجمال عنوان المكلفبه[

و هو أنه قد يستثنى مما ذكرنا من جريان البراءة في المقام ما لو كان التردد ناشئامن إجمال عنوان المكلف به، بنحو ال يعلم بصدقه على األقل، لدعوى:

أن العلم بالتكليف بالعنوان منجز له، فيجب إحرازه في مقام االمتثال، بخالف ما إذا شك في مقدار المكلف به من دون أن يتنجز بعنوان يخصه أو علم بانطباق العنوان

على األقل و احتمل اعتبار الخصوصية الزائدة عليه من دون إطالق يدفعه. لكن تقدم في التمهيد للفصل الثاني في أواخر الكالم في قاعدة االشتغال أن ذلك

إنما يتم فيما إذا كان العنوان حاكيا عن المركب بلحاظ خصوصية زائدة عليه مسببة

Page 187: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

عنهكعنوان الدواء الصادق على المركب بلحاظ ترتب الشفاء عليه فعال أو اقتضاء، و عنوان التطهير الصادق على الغسل بلحاظ ترتب الطهارة عليه- أو قائمة بهكعنوان

األكبر و المطلوبلرجوع التكليف بالعنوان حينئذ إلى التكليف بمنشإ انتزاعه المفروض عدم اإلجمال فيه، فيتنجز و يجب إحرازه، نظير موارد الشك في

المحصل. أما إذا كان العنوان حاكيا عن المركب بنفسهكعنوان الصوم الصادق على ترك

المفطرات، لو ترددت بين األقل و األكثر، و عنوان »السكنجبين« الصادق على الخل و السكر مع االمتزاج مطلقا أو بشرط الغليانفال مجال لوجوب االحتياط فيه،

ألن التكليف بالعنوان راجع للتكليف بمنشإ انتزاعه، فمع فرض انتزاعه من األجزاء و الشرائط بأنفسها، و فرض التردد فيها بين األقل و األكثر، ال يكون العنوان بيانا إال

على المتيقن منهاو هو األقلو ال يكون منجزا لغيره، بل المرجع فيه البراءة. فراجع.326، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المقام الثاني: في مقتضى األصل الشرعيو الكالم فيه .. تارة: بناء على المختار من جريان البراءة العقلية. و أخرى:

بناء على عدمه، و أن األصل األولي االحتياط. أما على األول فال مانع من جريان البراءة من التكليف بالمركب المشتمل على األكثر، لتحقق موضوع األصل فيه، و هو الجهل. و ال يعارض بأصالة البراءة من

التكليف بالمركب المشتمل على األقل، للعلم بوجوبه على كل حالإما في نفسه أوفي ضمن األكثرالمقتضي لتنجزه و لزوم اإلتيان به.

و ربما يدعى جريان البراءة أيضا باإلضافة إلى خصوص الزائد، للشك في التكليف به ضمنا، فيرفع باألصل. و قد يدفع بانصراف عمومات البراءة للتكليف االستقاللي،

دون التكليف الضمني، لعدم كونه في الحقيقة تكليفا مجعوال، و انحالل التكليفاالستقاللي إليه ليس حقيقيا، بل هو مجرد تحليل عقلي.

و الفرق بينها و بين البراءة العقلية أنها مفاد عموم لفظي عنواني يمكن دعوى االنصراف فيه، أما البراءة العقلية فهي ارتكازية لبية واردة في كل مصداق بنفسه،

فال مانع من دعوى شمولها للمورد بلحاظ الزيادة بنفسها. و األمر سهل بعد عدم اإلشكال في جريان البراءة الشرعية في المقام، إما بلحاظ

الزيادة بنفسها، أو بلحاظ المركب المشتمل عليها. هذا و ربما يتمسك في المقام باستصحاب عدم وجوب األكثر، ألنه حادث مسبوق

بالعدم، كما تقدم نظيره عند الكالم في مقتضى األصل مع الشك في أصل التكليف. فراجع. و أما األقل فحيث كان منجزا للعلم بوجوبه على كل حالإما بنفسه أو في

ضمن األكثرفال أثر الستصحاب عدم وجوبه استقالال، ليعارض االستصحاب المذكور،نظير ما تقدم في وجه جريان البراءة الشرعية في المقام.

327، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جبقي شيء ]االستدالل باستصحاب التكليف عند اإلتيان باألقل[

و هو أنه حيث يشك في سقوط التكليف واقعا و امتثاله باإلتيان باألقل فقد يدعى أن مقتضى استصحاب التكليف على تردده لزوم اإلتيان باألكثر، ال إلحراز وجوب

األكثر شرعا بذلكألنه الزم خارجي للمستصحب، ال يترتب عليه شرعا، فال يخرج عناألصل المثبتبل للزومه عقال إلحراز الفراغ عن التكليف المستصحب.

Page 188: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و االستصحاب المذكور له نحو حكومة على البراءة العقلية أو الشرعية، ال من جهة كونه بيانا على ثبوت التكليف باألكثر رافعا لموضوع األولى، و حاكما على الثانيةلما

ذكرنا من عدم نهوضه بذلكبل لكونه حكما اقتضائيا مقتضيا للعمل، فيكون مقدما عمال على الحكم األولي الالاقتضائي الثابت بسبب عدم المقتضي، فمفاد البراءة

عدم لزوم اإلتيان باألكثر لمجرد عدم البيان على ثبوت التكليف به، و االستصحابيقتضي اإلتيان به لجهة ثانوية، و هي إحراز الفراغ عن التكليف المستصحب.

و بذلك يكون مقدما أيضا على استصحاب عدم وجوب األكثر الذي تقدم االستدالل به للمدعى في المقام، ألن عدم وجوب اإلتيان به إلحراز عدم وجوبه شرعا ال ينافي

لزوم اإلتيان به عقال إلحراز الفراغ عن التكليف المستصحب على إجماله و تردده. لكن االستصحاب المذكور ال يجري في نفسه أوال: ألنه من استصحاب الفرد المردد

بين مقطوع البقاء و مقطوع االرتفاع، ألن األثر ليس لعنوان التكليف بالمردد بين األقل و األكثر، بل لواقعه و بما له من حدود واقعية قابلة للطاعة و المعصية،

فالتكليف باألقل أثره عقال لزوم اإلتيان به و جواز االقتصار عليه، و التكليف باألكثرأثره لزوم اإلتيان به و عدم جواز االقتصار على األقل، و بعد

328، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج اإلتيان باألقل يتردد التكليف المستصحب بين مقطوع البقاء و مقطوع االرتفاع، و في مثله ال يجري االستصحاب على التحقيق على ما يأتي إن شاء الله تعالى في

مبحث االستصحاب. و ثانيا: ألن استصحاب التكليف ال يزيد على العلم به، فكما كان العلم بالتكليف

المردد بين األقل و األكثر ال يقتضي إال تنجز األقل، فكذلك استصحابه ال يقتضي إالتنجز األقل، و حيث يمتنع تنجزه لفرض اإلتيان به، يمتنع جريان االستصحاب. فالحظ.

»و أما على الثاني«: و هو أن مقتضى األصل العقلي االحتياط، فقد سبق ابتناء حكم العقل المذكور على أحد وجوه ثالثة إما العلم اإلجمالي بوجوب األقل أو

األكثربناء على عدم انحالله بالعلم بوجوب األقل على كل حالأو لزوم إحراز الفراغ عن األقل المنجز على كل حال بالحفاظ على الخصوصية المحتملة التي ال يحرز الفراغ عنه بدونها، أو لزوم إحراز حصول غرض المولى بفعل ما يتوقف حصوله

عليه و هو األكثر. و حينئذ من الظاهر أنه على الوجهين األخيرين ال مجال للتعويل على عمومات البراءة الشرعية في ترك األكثر، ألن رفع التكليف باألكثر من حيثية عدم العلم

بالتكليف به و عدم المؤاخذة عليه ألجل ذلك ال ينافي لزوم اإلتيان به من أجل لزوم إحراز الفراغ عن التكليف أو الغرض المعلومين، ألن الالمقتضي ال يزاحم المقتضي

و ال يمنع من تأثيره، بل يتعين العمل على المقتضي. و أما على الوجه األولو هو العلم اإلجماليفحيث كان مبنى االستدالل به على وجوب

االحتياط عدم انحالله بالعلم بوجوب األقل على كل حال، بل ال بد في انحالله به من العلم بكون األقل تمام المكلف به، بحيث يكون التكليف به استقالليا، فمن الظاهر

عدم نهوض عمومات البراءة بذلك، بل هي329، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 189: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ال تنهض إال بنفي وجوب األكثر و عدم المؤاخذة عليه من حيثية الشك فيه، و هو ال ينافي لزوم اإلتيان به خروجا عن العلم اإلجمالي المفروض كونه منجزا للتكليفعلى إجماله، بحيث يلزم إحراز الفراغ عنه كذلك، و ال يكون إال باإلتيان باألكثر.

و من هنا كان الظاهر أنه ال مجال لجريان البراءة الشرعية في هذا المقام بناء على عدم جريان البراءة العقلية في المقام األول. بل ال بد في البناء على البراءة

الشرعية من البناء عليها في المقامين معا، كما عرفت أنه ظاهر. نعم ربما يتمسك باستصحاب عدم جزئية األمر المشكوك أو عدم شرطيته، حيث

يحرز به كون التكليف واردا على األقل وحده، و يرتفع به إجماله بنحو ال مجال معه للعلم المذكور، كما أنه ينهض بإحراز عدم دخل األمر المشكوك في الغرض، و

تمامية الغرض بدونه، بنحو ال مجال معه لشبهة الغرض المتقدمة. لكنه يندفع بعدم كون الجزئية و الشرطية مجعولتين باألصل، بل هما منتزعتان من

التكليف بالمركب المشتمل على الجزء أو الشرط، كما تقدم عند الكالم في حقيقة األحكام الوضعية من مقدمة علم األصول. و حينئذ ال يجري االستصحاب إال في

منشأ انتزاعهما، فيكون مرجع استصحاب عدم جزئية األمر المشكوك أو شرطيته إلى استصحاب عدم وجوب األكثر، و هو ال يحرز كون األقل تمام الواجب إال بناء

على األصل المثبت. على أنه معارض باستصحاب عدم وجوب األقل بحده،فيتساقطان، و ينحصر األمر باألصول المتقدمة.

المسألة الثانية: في الدوران بين التعيين و التخيير العقليين. و ال إشكال في أن مقتضى األصل العقلي هنا االحتياط، بناء على أن ذلك مقتضاه

في المسألة األولى، الشتراكهما في الجهة المقتضية لذلك، و هي العلم330، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

اإلجمالي، أو الشك في الفراغ عن التكليف باألقل، أو في حصول الغرض. أما بناء على أن مقتضاه هناك البراءةكما سبقفقد صرح غير واحد بأنها هنا أيضا،

لنظير الوجه المتقدم هناك، فإن الخصوصية كلفة زائدة، و المرجع فيها البراءة عقال، بمالك قبح العقاب بال بيان، لعدم الفرق فيها بين أصل التكليف و خصوصياته.

و ما تقدم هناك من دفع شبهة العلم اإلجمالي و الشك في االمتثال لألقل و فيحصول الغرض، جار هنا.

و قد خالف في ذلك بعض األعيان المحققين قدس سره فالتزم باالحتياط، بدعوى: أن مالك الدوران بين األقل و األكثر كون األقل موجودا في ضمن األكثر بذاته ال

بحده، و ال مجال لذلك في المقام، ألن األقل هو الماهية المعراة عن قيد الخصوصية و هي تتحصص إلى حصص متعددة متباينة في ضمن أفرادها المتباينة،

فكل حصة متحققة في ضمن فرد مباينة للحصة المتحققة في ضمن آخر. فالحيوانية في ضمن اإلنسان مباينة للحيوانية في ضمن غيره من األنواع، و

اإلنسانية المتحققة في ضمن زيد مباينة لإلنسانية المتحققة في ضمن غيره مناألفراد.

و عليه ال تكون الماهية المطلقة الجامعة بين الحصص محفوظة في ضمن الخصوصية المحتملة التكليف، ليمكن دعوى وجوبها على كل حال، بل المحفوظ في

ضمنها هو الحصة الخاصة من الماهية المباينة للحصص األخرى.

Page 190: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و فيه: أن الماهية المطلقة ليست هي األقل بذاته، بل األقل بحده، و ال ريب في عدم اعتبار حفظها في األكثر في جميع األقسام المذكورة في المقام، حتى في

الشك في الجزئية، و ليس المراد بالقدر المتيقن الذي هو مورد التكليف النفسياألعم من االستقاللي و الضمنيإال الماهية المهملة الصالحة لالنطباق على

المطلقة و المقيدة، و هي األقل بذاته، و هي موجودة في المقام.331، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

هذا كله في مقتضى األصل العقلي في المقام. و أما مقتضى األصل الشرعي فالظاهر أنه مطابق لمقتضى األصل العقلي األولي،

فإن قيل بالبراءة هناك فالمتعين البراءة هنا، و إن قيل باالحتياط هناك فالمتعيناالحتياط هنا، لعين ما سبق في المسألة األولى.

و هنا تنبيهات ..التنبيه األول: في الشبهة الموضوعية

و قد سبق في أول الكالم في األصول العملية خروج الشبهة الموضوعية عن الغرض المهم في المقام، إال أنه يحسن التعرض لها هنا استطرادا، الختصاصها

ببعض جهات الكالم. و حيث كان المعيار في الشبهة الموضوعية هو اشتباه األمور الخارجية مع تحديد

الكبرى الشرعية و عدم االشتباه فيها، فالشك في دخل شيء في المكلف به بنحو الشبهة الموضوعية يكون .. تارة: بسبب أخذ عنوان في المكلف به منتزع من جهة زائدة على ذاته احتمل توقفها على ذلك الشيء، كما لو وجب تهيئة الحطب الذي

يغلي به الماء و شك في كميته، أو وجب تهيئة سكين تصلح للذبح و شك في توقفصلوح السكين له على صقلها.

و أخرى: بسبب كون المكلف به هو العنوان بما له من األفراد بنحو العموم المجموعي مع احتمال كون ذلك الشيء في جملة تلك األفراد، كما لو وجب إكرام

كل عالم في البلد و شك في كون زيد منهم. أما الصورة األولى فقد تقدم في التمهيد للفصل الثالث عند الكالم في قاعدة

االشتغال أن الالزم فيها االحتياط، لصلوح العنوان المذكور لتنجيز منشأ انتزاعه المفروض عدم إجماله، فيجب إحراز الفراغ عنه، فهو ملحق بالشك في المحصل

حكما و إن اختلفا موضوعا بلزوم كون مورد التكليف في الشك في332، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المحصل هو المسبب المترتب على فعل المكلفكالتذكية و الطهارةو فيما نحن فيههو نفس فعل المكلف ذي العنوان المنتزع.

و أما الصورة الثانية فالظاهر جريان البراءة فيها، ألن تحقق العنوان وسعة انطباقه مأخوذان في موضوع التكليف، ال في المكلف به، فمرجع التكليف بإكرام علماء

البلد إلى التكليف بإكرام األشخاص إن كانوا من العلماء، فال يصلح الجعل الشرعي لفعلية التكليف إال بضميمة انطباق العنوان، فالشك في مقدار المعنون مستلزم

إلجمال التكليف و تردده بين األقل و األكثر، كسائر موارد الدوران بينهما التي سبق أنه ال مجال فيها لتنجز التكليف بحده الواقعي، بل ال يتنجز منه إال المتيقن و إن كان

ارتباطيا.

Page 191: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

هذا و قد جعل بعض األعاظم قدس سره من أمثلة الشبهة الموضوعية التي تجريفيها البراءة ما إذا تردد لباس المصلي بين كونه من مأكول اللحم و غيره. بدعوى:

أنه بناء على ما هو الظاهر من مانعية غير المأكول من الصالة فالمانعية تختلف سعة و ضيقا تبعا لكثرة أفراد غير المأكول و قلتها، و يكون كل منها مانعا برأسه،

ألن األصل في باب النواهي النفسية و الغيرية هو االنحاللية. فالنهي عن الصالة في أجزاء ما ال يؤكل لحمه ينحل إلى نواهي متعددة بعدد ما لغير المأكول من األفراد خارجا، و يكون عدم كل فرد قيدا في الصالة الواجبة، فإذا شك

في كون اللباس الخاص من غير المأكول فقد شك في مانعيته و أخذ عدمه قيدا في الصالة، فيؤول األمر إلى الدوران بين األقل و األكثر من جهة الشبهة الموضوعية

الذي هو مجرى البراءة. و قد وافقه على ذلك في الجملة سيدنا األعظم قدس سره في مبحث اللباس

المشكوك من مباحث لباس المصلي من مستمسكه.و فيه أوال: أن ذلك راجع إلى الدوران بين األقل و األكثر االنحالليين، ألن

333، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج مانعية كل فرد غير مقيدة بمانعية بقية األفراد، فيخرج عن محل الكالم، و هو

الدوران بين األقل و األكثر االرتباطيين. و ثانيا: أن مانعية غير مأكول اللحم من الصالة غير مجعولة شرعا، بل هي منتزعة

من التكليف بالصالة المقيدة بعدمه، فال بد في مقام االمتثال من إحراز الصالة المذكورةو لو باألصلتحقيقا للفراغ اليقيني، و دليل البراءة ال ينهض بإحرازها. و ليس

الشك في سعة التكليف، لعدم اإلجمال في حدوده. و أما ما ذكره من تحقق الشك في سعة المانعية. فهو ال يرجع إلى محصل، إذ لو

أراد بذلك نفس المانعية، فهي غير مجعولة، لتكون موردا لألصل. و لو أراد بها تقييد الصالة بعدم استصحاب غير المأكول، الذي منه تنتزع المانعية، فالتقييد المذكور ال

إجمال فيه بعد فرض عدم إجمال غير المأكول. و لو أراد بها النهي عن الصالة في غير المأكولبدعوى كونه انحالليا مشكوك الشمول

للفرد المشكوكفالنهي المذكور ليس مولوياال نفسيا و ال غيريابل هو لإلرشاد إلى تقييد الصالة المأمور بها بعدم استصحاب غير المأكول، الذي عرفت مقتضى

الوظيفة فيه. و أما النهي الغيري فهو النهي عن استصحاب أجزاء ما ال يؤكل لحمه تجنبا لمقارنة

الصالة له، نظير األمر بالطهارة مقدمة لوقوع الصالة مقارنة لها. و عدم العلم بالنهي المذكور باإلضافة إلى مشكوك الفردية لعدم إحراز موضوعه ال

يكون موردا ألدلة البراءة، لعدم كونه بنفسه موردا للعمل و التنجيز و التعذير، بل ليس موضوعها إال التكليف النفسي، و هو األمر بالصالة المقيدة، و المفروض

تنجزه، فيلزم إحراز الفراغ عنه. و لذا ال تجري البراءة مع احتمال حصول الشرطكالطهارةقبل ورود األمر بالمشروط المالزم الحتمال عدم توجه األمر الغيري

بالشرط.334، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 192: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و من ثم ال مجال للخروج عما ذكرنا من لزوم إحراز الفراغ عن التكليف المتيقن بإحراز عدم وقوع الصالة بأجزاء غير مأكول اللحم، و ال مجال للرجوع للبراءة في

المقام. نعم قد يتمسك باستصحاب عدم وقوع الصالة المأتي بها مع أجزاء ما ال يؤكل لحمه. و هو يبتني على استصحاب العدم األزلي الذي يأتي الكالم فيه في محله من مبحث

االستصحاب.التنبيه الثاني: في الشك في الركنية

ال يخفى أن عنوان الركن حيث لم يذكر في األدلة و إنما ذكر في كلمات الفقهاء فال ينبغي االهتمام بتحقيق مفهومه، و أنه ما يبطل العمل بنقصه عمدا فقط أو مطلقا و

لو سهوا، أو ما يعم بطالن العمل بزيادته عمدا فقط أو مع السهو أيضا، بل ينبغيالكالم في الجهات المذكورة بنفسها، ألهميتها في مقام العمل.

نعم ال ينبغي إطالة الكالم هنا في النقيصة العمدية، ألنه و إن أمكن اإلجزاء معهاكما وقع في بعض فروع الحجإال أنه ال ريب في كونه مخالفا لألصل، و محتاجا للدليل

الخاص، إذ ال منشأ هنا الحتمال تبدل التكليف، بل ال إشكال في عدم تبدله و فعليةالتكليف بالتام، و من الظاهر أن التكليف يدعو لمتعلقه، و ال يكون امتثاله إال به.

و أما سقوط التكليف بغير االمتثال، فهو يحتاج إلى دليل خاص. و معه ال ريب في اإلجزاء، بمعنى سقوط اإلعادة و القضاءالذي هو المهم في المقام- و إن لم يتم

االمتثال. و من ثم كان الالزم إيكال ذلك للفقه. كما ال ينبغي الكالم في الزيادة السهوية، إذ ال خصوصية لها في البطالن، بل الزيادة

إن لم تخل بالمركب و لو مع العمد فهي ال تخل به مع السهو، و إن كانت مخلةبهلفرض أخذ عدمها فيهكان اإلتيان بها سهوا راجعا إلى اإلخالل

335، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جبالشرط سهوا، فيلحقه حكم النقيصة السهوية.

و من هنا ينبغي قصر الكالم على مسألتين:المسألة األولى«: في اإلخالل سهوا ببعض ما يعتبر في المركب

و ال إشكال في إمكان صحة العمل معه بمعنى إجزائه عن اإلعادة و القضاء، كما وقع في كثير من أجزاء الصالة و شروطها و في الصوم و الحج و غيرها، و إنما

الكالم في مقتضى األصل الذي يرجع إليه مع الشك و فقد الدليل. و الكالم .. تارة: فيما إذا كان لدليل الجزئية أو الشرطية إطالق يشمل حال النسيان

و أخرى: فيما إذا لم يكن له إطالق بالنحو المذكور.المقام األول: فيما إذا كان لدليل الجزئية أو الشرطية إطالق يشمل حال النسيان،

، و قوله عليه السالم في من لم«1 »مثل قوله عليه السالم: »ال صالة إال بطهور« . و ال ينبغي التأمل في لزوم«2 »يقرأ بفاتحة الكتاب: »ال صالة له إال أن يقرأ بها«

البناء على عدم االجتزاء بالناقص حينئذ عمال باإلطالق المذكور.و دعوى: أن قبح تكليف الناسي ملزم بقصور اإلطالق المذكور عنه.

مدفوعة أوال: بأن قبح تكليف الناسي إنما هو بمعنى قبح مؤاخذته، كالجاهل، من دون أن يمتنع فعلية التكليف في حقه و ثبوته واقعا، ألن النسيان من شئون مقام اإلثبات المانعة من تنجز التكليف، كالجهل، ال من شئون مقام الثبوت المانعة من

فعلية التكليف، كاالضطرار، ليستلزم قصور اإلطالق المذكور. و ما ذكره بعض

Page 193: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

األعاظم قدس سره من عدم القدرة على المنسي غريب، ضرورة عدم دخلااللتفات في القدرة، لعدم السنخية بينهما بوجه.

______________________________.6، 1 من أبواب الوضوء حديث: 1 باب: 1( الوسائل ج: 1 ).1 من أبواب القراءة حديث: 1 باب: 4( الوسائل ج: 2 )

336، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و ثانيا: بأنه بعد فرض االرتباطية و إطالق دليل الجزئية أو الشرطية فنسيان الجزء

أو الشرط مستلزم لنسيان المركب التامالذي ال إشكال معه في وجوب التدارك بعدالتذكرمن دون أن يلزم التكليف بالناقص، ليجتزأ به في مقام االمتثال.

و أشكل من ذلك ما قد يدعى من قصور اإلطالق عن شمول حال النسيان، ألن النسيان من الجهات الثانوية المتفرعة على التكليف المتأخرة عنه رتبة، و أنه ال بد

في تعميم الحكم للنسيان أو قصوره عنه من جعل آخر متأخر رتبة عن الجعل األول متمم له، كما التزم بعض األعاظم قدس سره بنظير ذلك في تعميم الحكم لحال

الجهل به، و حينئذ فمقتضى األصل عدم التعميم. إذ فيه أوال: أن ذلك مبني على توقف اإلطالق على لحاظ القيد ثم التعميم له، و قد

سبق في مبحث المطلق و المقيد المنع من ذلك و أنه يكفي في اإلطالق عدملحاظ القيد.

و ثانيا: أنه مع قصور اإلطالق اللفظي ال مجال للرجوع لألصل النافي للحكم حال النسيان، بل يتعين الرجوع لإلطالق المقامي للخطاب، لبناء العرف في تكاليفهم و

خطاباتهم على العموم، و احتياج التقييد بحال االلتفات إلى عناية زائدة و كلفةخاصة. و لذا بنى بعض األعاظم قدس سره على عموم األحكام لحال الجهل.

و ثالثا: أنه لو فرض قصور اإلطالق عن حال النسيان فمقتضى االرتباطية عدم التكليف بالتام حال النسيان، ال ثبوت التكليف بالناقص، ليتعين االجتزاء به في مقام

االمتثال، نظير ما سبق. و رابعا: أن ذلك إنما يرد في نسيان الجزئية، دون نسيان الجزء، حيث ال مانع من

التعميم حاله، لعدم تفرعه على التكليف بالتام، و ال على جزئية الجزء337، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

من المركب. و مثل ذلك دعوى: أن مقتضى حديث الرفع رافعية النسيان للتكليف بالمنسيشرعا، لحكومته على إطالقات األحكام األولية، كما هو الحال في االضطرار.

الندفاعها أوال: بأن مناسبة كون النسيان من شئون مقام اإلثبات تقضي بحمل الرفع فيه على الرفع الظاهري الراجع للتعذير و نفي المؤاخذة من دون أن ينافي ثبوت

الحكم واقعا الذي هو مقتضى اإلطالق المفروض، كما هو الحال في الرفع مع عدمالعلم و مع الخطأ، بخالف االضطرار و االستكراه، اللذين يكون الرفع معهما واقعيا.

و ثانيا: بأن مقتضى االرتباطية كون نسيان الجزء راجعا لنسيان المركب بتمامه، فيرتفع التكليف التام من دون أن يقتضي التكليف بالناقص، ليتعين االجتزاء به، نظير

ما تقدم. و من هنا ال مخرج عما ذكرنا من أن مقتضى القاعدة في المقام عدم االجتزاء

بالناقص.

Page 194: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

المقام الثاني: فيما إذا لم يكن لدليل الجزئية أو الشرطية إطالق يشمل حالالنسيان.

فإن كان لدليل بقية األجزاء و الشرائط إطالق يشمل حال نسيان ذلك الجزء أو الشرط أو نسيان اعتبارهما في المركب، فمقتضى اإلطالق المذكور وجوب الناقص حال النسيان، اقتصارا في تقييد اإلطالق المذكور بالجزء أو الشرط المنسيين على

المتيقن و هو حال الذكر. و أما إذا لم يكن لدليل بقية األجزاء و الشرائط إطالق يشمل حال النسيان المذكور فمقتضى أصالة البراءة عدم وجوب الجزء أو الشرط

المنسيين حال النسيان، و االقتصار في المكلف به على الناقص و االجتزاء به حينئذ.338، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

اللهم إال أن يقال: االختالف في المكلف به بين حالي الذكر و النسيان و إن كان ممكنا في الجملة، إال أنه مناف للتخطئة و لإلجماع المدعى على اشتراك األحكام

بين العالم و الجاهل و الملتفت و الغافل، و الذي ال يفرق فيه بين الجهل و النسيان المتعلقين بالحكمكالجزئية و الشرطيةو المتعلقين بالموضوع، بل الظاهر أن عدم

ارتفاعه مع الجهل بالموضوع و نسيانه اتفاقي حتى من المصوبة. و كأن ما ذكره غير واحد ممن تأخر عن شيخنا األعظم قدس سره من إمكان

اختالف التكليف بين الذاكر و الناسي مبني على كون النسيان من الجهات الثبوتية الرافعة للتكليف الواقعي، كاالضطرار، ال من الجهات اإلثباتية كالجهل، و قد سبق

ضعف ذلك. و حينئذ ال بد من البناء على عموم الجزئية و الشرطية لحال النسيان مطلقا حتى لولم يكن لدليلهما إطالق، سواء كان لدليل بقية األجزاء و الشرائط إطالق أم لم يكن.

«1 »و ال ينافي ذلك ما تضمن االجتزاء بالناقص، كما في موارد حديث: »ال تعاد ...« و غيره. ألنه أعم من تبدل التكليف، بحيث يكون المأتي به تمام الواجب و يكون امتثاال تاما، بل قد يكون مسقطا للتكليف، لكونه موجبا لتعذر استيفاء المالك، أو لتبدله أو نحو ذلك. و لذا كان ذلك ممكنا في النقيصة العمدية التي ال إشكال في

عدم تبدل التكليف معها و عدم كون الناقص امتثاال تاما. و على ذلك يتعين البناء على أن مقتضى األصل عدم االجتزاء بالناقص مطلقا حتى

لو لم يكن لدليل الجزء أو الشرط إطالق يشمل حال النسيان، و يحتاج االجتزاءبالناقص للدليل المخرج عن األصل المذكور.

______________________________.4 من أبواب قواطع الصالة حديث: 1 باب: 4( الوسائل ج: 1 )

339، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالمسألة الثانية: في الزيادة

و ال ينبغي التأمل في أصالة البطالن بالزيادة فيما إذا أخذ عدمها شرطا في المركب، لرجوعه لإلخالل بالشرط. و كذا إذا أخذ عدمها شرطا في جزئية الجزء

منه، كما لو اشترطت الوحدة في التسبيح الذي هو جزء من الصالة، بحيث يبطل لوتعدد و ال يقع جزءا منها. لرجوع ذلك إلى نقص الجزء.

و أما في غير ذلك فال بد في قادحية الزيادة من دليل، و بدونه فاألصل عدمها، لرجوع الشك فيها إلى الشك في المانعية الذي هو مورد البراءة، كالشك في

Page 195: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الشرطية. بل هو راجع إليه، ألن مانعية شيء في المركب ترجع إلى اعتبار عدمهفيه.

لكن قد يستدل على مبطلية الزيادة حينئذ بوجهين األول: ما أشار إليه المحقق فيالمعتبر، من أنها تغيير لهيئة العبادة الموظفة، فتكون مبطلة.

و يندفع بما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من أنه إن أريد أنها تغيير للهيئة المعتبرة في المركب فالصغرى ممنوعة، ألن اعتبار الهيئة الخاصة التي تخل بها

الزيادة أول الدعوى. و إن أريد أنها تغيير للهيئة المتعارفة فالكبرى ممنوعة، لمنعكون تغيير الهيئة المتعارفة مبطال.

الثاني: أن الزيادة التي هي محل الكالم هي التي يؤتى بها بقصد الجزئية، و اإلتيان بها حينئذ يبتني على قصد امتثال أمر آخر غير األمر الشرعي متعلق بالمركب

المشتمل على الزيادة المذكورة، فيبطل العمل من جهة عدم قصد امتثال األمرالشرعي به.

لكنهمع اختصاصه بما يعتبر فيه قصد االمتثال، و هو العبادةيندفع بأن قصد الجزئيةبالزيادة يكون على أحد وجهين:

األول: أن يبتني على قصد أمر آخر غير األمر الشرعي، تشريعا، أو جهال340، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

- كما لو اعتقد وجوب الظهر فصلى أربعا و كان الواجب عليه في الواقع الجمعة- أو سهواكما لو صلى المسافر ثالث ركعات بنية أمر المغرب غفلة عن أنه قد صالها و

أن الواجب عليه ركعتان للعشاء-. الثاني: أن يبتني على قصد األمر الشرعيو لو إجماالمع التصرف فيه تشريعا أو

جهالكما لو أتى باالستعاذة في الصالة بنية الوجوب تشريعا أو جهالأو مع الغفلة عن كونها زيادةللغفلة عن اإلتيان بالجزء الواجبأو مع الجهل بذلككما لو تخيل إمكان

تبديل االمتثالفإن المقصود باالمتثال في جميع ذلك ليس إال األمر الواقعي، من دونأن يكون اإلتيان بالزيادة منافيا له.

و الظاهر أن محل الكالم في المقام هو الثاني دون األول.و دعوى: أنه مع التشريع يحرم العمل فيمتنع التقرب به.

مدفوعة بأن التشريع إنما يقتضي حرمة الزيادة التي يؤتى بها بداعي األمر الضمني التشريعي، ال حرمة غيرها مما ال دخل للتشريع في الداعوية له، بل ال يؤتى به إال

بداعي األمر الواقعي و يكون امتثاال له. و مجرد مقارنته للتشريع في األمر الواقعي و فرضه على خالف واقعه ال يقتضي حرمة بقية األجزاء و امتناع التقرب بها بعد

عدم دخله في الداعوية لها. و من ثم ال مخرج عما ذكرنا من األصل.بقي شيء ]في االستدالل على عدم مبطلية الزيادة باستصحاب صحة العمل[

و هو أنه قد يتمسك إلحراز صحة العمل في المقام و أمثاله من موارد الشك فيمبطلية شيء للعملمع قطع النظر عن األصل المذكوربوجهين:

األول: استصحاب صحة العمل. و فيه: أن الصحة ليست مجعولة بنفسها، ألن مورد التكليف نفس العمل، و المفروض تردده بين المقيد بعدم ما يشك في

مبطليتهكالزيادةو المطلق من هذه الجهة. و ليست الصحة إال منتزعة من341، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 196: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

مطابقة المأتي به للمأمور به على ما هو عليه. و ال أثر لها إال اإلجزاء العقلي، مندون أن يكون لها أثر شرعي ليجري االستصحاب بلحاظه.

مع أنها باإلضافة إلى المركب التام ال موضوع لها إال بعد تماميته فال مجال الستصحابها قبله، و باإلضافة إلى األجزاء السابقة على حدوث ما يشك في مبطليته

مراعاة بتمامية المركب، لفرض االرتباطية بينها و بين بقية األجزاء، فال يعلم حصولها قبله، كي تستصحب إال بنحو االستصحاب التعليقي، الذي ال يجري على

التحقيق. نعم قد يراد بها قابلية الفعل المأتي به ألن يقع امتثاال، و هي حينئذ متيقنة قبل

حصول ما يشك في مبطليته، مشكوكة بعده. لكنها بالمعنى المذكور ليست مورداألثر شرعيبل و ال عقليليجري استصحابها.

سول و ال تبطلواالثاني: قوله تعالى: ه و أطيعوا الر ذين آمنوا أطيعوا الل ها ال يا أي فإن وجوب المضي في العمل يستلزم صحته و عدم بطالنه بالزيادة.«1 »أعمالكم

و فيه أوال: أن الشك في المقام ليس في جواز اإلبطال بعد فرض الصحة، بل في تحقق البطالن بحصول الزيادة و نحوها من ما يشك في مبطليته، و مع تحقق

البطالن ال موضوع لحرمة اإلبطال، فالتمسك بعموم حرمة اإلبطال و نحوه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية من طرف العام، الذي ال إشكال في عدم

جوازه. و ثانيا: أنه ال ظهور لآلية في إرادة اإلبطال بمعنى اإلخالل بالعمل و إفساده قبل

إتمامه الذي يبتني عليه االستدالل، بل بمعنى إحباط العمل بعد تماميته و صلوحهألن يترتب عليه الجزاء و الثواب، و ذلك بالنفاق و الشقاق لله تعالى

______________________________.33( سورة محمد اآلية: 1 )

342، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و لرسوله صلى الله عليه و آله و نحوهما، كما يناسبه صدرها و سياقها مع قوله

سول من بعد ماتعالى قبلها: ه و شاقوا الر ذين كفروا و صدوا عن سبيل الل إن ال� و سيحبط أعمالهم ه شيئا وا الل ن لهم الهدى لن يضر ، و استشهاده صلى«1 »تبي

الله عليه و آله بها لذلك، كما في موثق أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السالم:»قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: من قال:

سبحان الله، غرس الله له بها شجرة في الجنة، و من قال: الحمد لله، غرس الله له بها شجرة في الجنة، و من قال: ال إله إال الله، غرس الله له بها شجرة في الجنة، و من قال: الله أكبر، غرس الله له بها شجرة في الجنة. فقال رجل من

قريش: يا رسول الله إن شجرنا في الجنة لكثير. فقال: نعم، و لكن إياكم أنذين آمنواترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها، و ذلك أن الله عز و جل يقول: ها ال يا أي

سول و ال تبطلوا أعمالكم ه و أطيعوا الر .«2 »«أطيعوا الل فالعمدة في تقريب عدم مبطلية الزيادة األصل بالوجه المتقدم. و ال مجال للخروج

عنه إال بدليل، كما ورد في الصالة و الطواف، على تفصيل يذكر في الفقه. نعم قد يقال: األصل و إن كان يقتضي عدم مبطلية الزيادة و نحوها مما لم يقم دليل عقلي على قادحيته في العمل، كما تقدم في أصل المسألة، إال أن ذلك قد

يشكل في الصالة و نحوها مما يحرم قطعه و إبطاله على تقدير صحته، للعمل

Page 197: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

إجماال معه إما بصحة العمل المستلزمة لوجوب إتمامه و عدم جواز إبطاله، و إما ببطالنه المستلزم لعدم االجتزاء به و وجوب استئنافه. و العلم اإلجمالي المذكور

حيث كان منجزا فهو يمنع من الرجوع ألصالة البراءة من المانعية المقتضيةلالستئناف، كما يمنع من الرجوع ألصالة البراءة من وجوب اإلتمام، فيتعين

______________________________.32( سورة محمد اآلية: 1 ).5 من أبواب الذكر من كتاب الصالة حديث: 31 باب: 4( الوسائل ج: 2 )

343، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جاالحتياط باإلتمام ثم اإلعادة.

و دعوى: أن أصالة البراءة من مانعية الزيادة و نحوها تقتضي صحة العمل و وجوبإتمامه، فينحل بذلك العلم اإلجمالي.

مدفوعة بأن أصالة البراءة ال تحرز مطابقة العمل للتكليف الواقعي و صحته الذي هو موضوع وجوب اإلتمام و حرمة القطع و اإلبطال واقعا، و إنما تقتضي المعذرية

من احتمال البطالن، و ليس هو موضوع وجوب اإلتمام. و مثلها دعوى التمسك لذلك باستصحاب الصحة. لما تقدم من اإلشكال في

االستصحاب المذكور. و من ثم جرى كثير من الفقهاء رضى الله عنه في عصورنا و ما قاربها على لزوم االحتياط باإلتمام ثم اإلعادة في موارد االحتياط الوجوبي

بالبطالن. اللهم إال أن يقال: العلم اإلجمالي المذكورلو تمال يقتضي المنع من الزيادة، و ال ينجز احتمال مبطليتها قبل اإلتيان بها، بل هو مترتب على اإلتيان بها، فالزيادة شرط في

حدوث العلم اإلجمالي المذكور، و حيث كان الظاهر عموم حديث: »ال تعاد ...« لصورة الجهل بمبطلية العمل، و ال يختص باإلتيان بالمبطل سهوا فهو يقتضي عدم

قادحية الزيادة في المقام، لإلتيان بها جهال بمبطليتها بعد عدم صلوح العلم اإلجمالي لتنجيز احتمال مبطليتها قبل اإلتيان بها. و حينئذ تحرز صحة الصالة معها، و وجوب

المضي فيها، إما لعدم مبطليتها ذاتا أو من جهة تحقق العذر فيها، و ال مجال مع ذلكلفرض العلم اإلجمالي المذكور.

نعم لو كان احتمال مبطلية الزيادة قبل اإلتيان بها منجزاكما في الشبهة الحكمية قبل الفحصلم يبعد قصور حديث: »ال تعاد ...« عنه، و اتجه فرض العلم اإلجمالي

المذكور. و لعله عليه يبتني االحتياط المذكور من الفقهاء رضى الله عنه.344، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

كما يتجه ذلك أيضا بناء على اختصاص الحديث المذكور بالسهو و عدم شمولهللجهل.

هذا كله بناء على عموم دليل حرمة القطع لما إذا احتمل بطالن العمل بنحو يقتضي االحتياط. و أما بناء على قصور دليل حرمة القطع عن ذلك، ألن تجنب صعوبة

التكرار مع الرغبة في االحتياط من جملة األغراض العقالئية المسوغة للقطع، فال مجال لفرض العلم اإلجمالي حتى في الموردين المذكورين، بل ليس في المقام إال

احتمال بطالن العمل بما يحتمل قادحيته، و ال مانع من الرجوع فيه لألصل. فتأملجيدا.

التنبيه الثالث: في تعذر بعض ما يعتبر في الواجب االرتباطي

Page 198: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

إذا تعذر بعض ما يعتبر في المكلف به، و دار األمر بين عموم اعتباره لحال تعذرهالمستلزم لسقوط التكليف به تبعا لتعذر قيدهو اختصاصه بحال القدرة

عليهالمستلزم للتكليف بما عدا المتعذرفهل األصل يقتضي األول أو الثاني؟. والكالم في ذلك في مقامين:

المقام األول: في مقتضى القاعدة األولية بالنظر لألدلة االجتهادية أو األصولالعملية.

فاعلم أن في المقام صورتين: األولى: أن يكون لدليل اعتبار األمر المتعذر إطالق يشمل حال التعذر، كما في مثل

. و حينئذ يكون مقتضى اإلطالق«1 »قوله عليه السالم: »ال صالة إال بطهور« المفروض سقوط الواجب بتعذره. و معه ال مجال الستصحاب التكليف بما عدا

المتعذربالوجه الذي يأتي، لو تم في نفسهلكونه محكوما لإلطالق المذكور.______________________________

.1 من أبواب الوضوء حديث: 1 باب: 1( الوسائل ج: 1 )345، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و دعوى: أن سقوط وجوب المركب بمقتضى اإلطالق المفروض ال ينافي وجوب الناقص بدال عنه أو لكونه الميسور منه. مدفوعة بأن محل الكالم هو احتمال وجوب الناقص بالعنوان الذي وجب به التامكالصالة و الحج و الصيامال بعنوان آخر، فإذا كان مقتضى اإلطالق سقوط التكليف بالعنوان المذكور بتعذر ما تضمن اإلطالق اعتباره

فيه فاحتمال وجوب الناقص بعنوان آخر خارج عن محل الكالم. نعم لو فرضحصول االحتمال المذكور، فيظهر حال الوظيفة فيه مما يأتي.

الثانية: أن ال يكون لدليله إطالق، كما هو الظاهر في مثل الطمأنينة في الصالة. و حينئذ إن كان للتكليف بالباقي إطالق يشمل صورة تعذر األمر المذكور لزم االقتصار

في جزئية المتعذر على حال القدرة عليه، و البناء على بقاء التكليف بالباقي مع تعذره. و إن لم يكن للتكليف بالباقي إطالق بالنحو المذكور يلزم الرجوع لألصل

العملي. و من الظاهر أن مقتضى األصل بدوا براءة الذمة من التكليف بالناقص. إال أنه قد

يدعى لزوم الخروج عنه و البناء على ثبوت التكليف بالناقص ألحد وجهين: األول: استصحاب وجوب الباقي المتيقن قبل تعذر األمر المتعذر. لكنه يشكل بأن

المعلوم سابقا هو وجوبه ضمنا في ضمن التكليف بالتام، و هو معلوم االرتفاع، غايتهأنه يحتمل حدوث الوجوب االستقاللي له خلفا له، و األصل عدمه.

و أما ما ذكره بعض األعيان المحققين قدس سره من أن وجوب الباقي المشكوك متحد مع وجوب التام المتيقن سابقا، لوجوده في ضمنه، و ليس االختالف بينهما إال

في الحدود، و هو ال يوجب تعدد المحدود.346، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

فيندفعمضافا إلى اختصاصه بما إذا كان التعذر بعد فعلية التكليف بالتام، لتحقق الشروط المعتبرة فيه من الوقت أو غيرهبأن اختالف الحدود إنما ال يوجب تعدد المحدود إذا رجع إلى اختالف مرتبة الوجود الواحد بالشدة و الضعف، كالسواد

الخفيف الموجود في ضمن السواد الشديد، ال في مثل اختالف الوجوبين باختالف حدود متعلقيهما، الحتياج كل منهما لجعل مستقبل يباين جعل اآلخر، لتقوم التكليف

Page 199: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

بمتعلقه بما له من الحدود الملحوظة للجاعل، فمع اختالف الحدين ال بد من اختالفالجعل و التكليف المجعول.

نعم قد يتمسك باستصحاب الوجوب االستقاللي فيما إذا كان الناقص متحدا مع التام عرفا، لعدم أهمية األمر المتعذر، بحيث يعد وجوده من حاالت المركب بنظر العرف،

ال مقوما له، ليكون تعذره مستلزما لتعدد الموضوع. لكنه يبتني على االكتفاء بالتسامح العرفي في موضوع االستصحاب، نظير ما جرى عليه غير واحد في

استصحاب كرية الماء. و هو ممنوع، على ما يأتي في مبحث االستصحاب إن شاءالله تعالى.

الثاني: أصالة البراءة من جزئية المتعذر حال تعذره، بدعوى: أن المقام منصغريات مسألة الدوران بين األقل و األكثر االرتباطيين.

و يندفع بأن الجزئية و الشرطية حيث لم يكونا من األحكام المجعولة، بل هما منتزعان من وجوب المركب الذي أخذ فيه المشكوك، و هو مما يقطع بارتفاعه بسبب التعذر، فال معنى لجريان البراءة منه، بل ليس في المقام إال الشك في

وجوب الباقي، و دليل البراءة ال يثبته، بل ينفيه عمال، و يقتضي السعة منه. بل لو فرض جريان البراءة من الجزئية و الشرطية في نفسهما فال مجال له في

مثل المقام، حيث ال أثر لها إال اإللزام بالناقص، لمنافاته لالمتنان الذي هو347، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

منصرف أدلة البراءة. و من هنا ال مخرج في المقام عن أصل البراءة من التكليفبالناقص الذي أشرنا إليه آنفا.

المقام الثاني: في مقتضى القاعدة الثانوية بعد الفراغ عما تقدم في المقام األول. و ال إشكال في االكتفاء بالميسور في كثير من فروع الفقه في الطهارة و الصالة و الحج و غيرها، و إنما اإلشكال في ثبوت عموم يقتضي االكتفاء به يكون هو المرجع

عند الشك، و هو ما يسمى بقاعدة الميسور، التي وقع الكالم فيها بين األصحاب. و عمدة ما يستدل به لها النصوص المتضمنة لوجوب الميسور، و هي النبوي: »إذا

أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم«. و ما عن أمير المؤمنين عليه السالم: »الميسور ال يسقط بالمعسور« و ما عنه عليه

السالم أيضا: »ما ال يدرك كله ال يترك كله«. بدعوى: ظهورها في لزوم تبعيض العمل االرتباطي بحسب الميسور من أجزائه و

شرائطه، فتكون حاكمة على إطالق دليل اعتبار األمر المتعذر الشامل لحال تعذره لو فرض ثبوته. و مقتضى ذلك وجوب الميسور في صورة ثبوت اإلطالق لدليل

اعتبار األمر المتعذر، فضال عما إذا لم يكن لدليله إطالق.و ينبغي الكالم في هذه النصوص .. تارة: في السند و أخرى: في الداللة.

أما السند فهو ظاهر الضعف في جميعها، لعدم ذكر األصحاب لها في كتب الحديث المعروفة، و إنما ورد األول مسندا في كتب العامة على اختالف مضامينه اآلتية. و

ذكرت بأجمعها مرسلة في محكي عوالي الآللي البن أبي جمهور االحسائي، الذي لم يعرف بالضبط و انتقاء الحديث في الكتاب المذكور، حتى طعن فيه صاحب

الحدائق، مع ما هو المعلوم من حاله من عدم348، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

شدة اهتمامه بصحة أسانيد األخبار.

Page 200: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

قال في رد مرفوعة زرارة الواردة في تعارض الخبرين و المذكورة في الكتاب المذكور: »مع ما هي عليه من الرفع و اإلرسال، و ما عليه الكتاب المذكور من

نسبة صاحبه إلى التساهل في نقل األخبار و اإلهمال، و خلط غثها بسمينها وصحيحها بسقيمها، كما ال يخفى على من وقف على الكتاب المذكور«.

و دعوى: انجبارها باشتهار التمسك بها بين األصحاب في أبواب العبادات، كما ذكره شيخنا األعظم قدس سره. ممنوعة جدا، غاية األمر موافقتهم لها في الجملة، و هي

ال تصلح للجبر، ما لم يثبت اعتمادهم عليها و تسالمهم على الرجوع لها، و ال مجال لدعواه بعد عدم تعرض القدماء لها في مقام االستدالل فيما أعلم، و إال لما اقتصر

على نسبتها للكتاب المذكور مع ما هو عليه من الوهن. بل لم يجروا عليها في كثير من فروع العبادات، فضال عن غيرها، كما يشهد به تتبع كلماتهم في الصوم و كثير من فروع الطهارة و الصالة و الحج، فإنهم و إن تنزلوا

في كثير من الموارد عن بعض المراتبكالقيام في الصالة، و المباشرة في كثير من فروع الطهارة و الحجبل و عن بعض األجزاء و الشروط رأساكالسورة و الطمأنينة و

القبلة و الطهارة الخبثيةإال أنهم لم يتنزلوا عن كثير من األجزاء و الشروط، فال مجال عندهم للتبعيض في ركعات الصالة و جملة من مناسك الحج، و اشتهر عندهم

عدم صحة الصالة من فاقد الطهورين. فمن القريب جدا أن يكون اجتزاؤهم بالناقص في كثير من الفروع لعدم إطالق دليل

األمر المتعذر، أو ألدلة خاصة، كاإلجماع، و السيرة، و ارتكاز المتشرعة، و األخبار الكثيرة الواردة في كثير من تلك الفروع، و التي قد يتعدى الفقيه منها لفهم عدم

الخصوصية لمواردها، أو لنحو ذلك مما ال مجال معه349، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

لدعوى اعتمادهم في تلك الفروع على هذه األخبار، و انجبار ضعفها بذلك.و أما الداللة فهي ال تخلو عن قصور في الجميع.

أما األولو هو النبويفألن »من« و إن كانت ظاهرة في التبعيض، إال أن التبعيض يكون .. تارة: بلحاظ الوحدة النوعية، فيكون البعض هو الفرد من الكلي، فيرجع الحديث لالكتفاء بالميسور من األفراد، و يكون أجنبيا عما نحن فيه و أخرى: بلحاظ الوحدة االعتبارية بين األمور المتكثرة، فيكون البعض هو الجزء من الكل، و هو الذي ينفع

في محل الكالم. و من الظاهر أنه ال مجال لحمل الحديث عليهما معا، لعدم الجامع العرفي بينهما بعد

اختالف الجهة المصححة للتبعيض. كما ال قرينة على حمله على الثاني. بل ال مجال له بعد احتياجه إلى نحو من العناية في فرض الشيء المأمور به مركبا ذا أجزاء،

بخالف األول، ألن المأمور به ال ينفك عن كونه كليا ذا أفراد.و من ثم كان الحمل عليه مناسبا إلطالق الشيء في الحديث.

، و رواه العامة، فعن«1 »و ال سيما بلحاظ قرب أخذه مما في مجمع البيان مرسالمسلم و النسائي و الترمذي في صحاحهم عن أبي هريرة قال:

»خطبنا رسول الله صلى الله عليه و آله فقال: أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا. فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثالثا. فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: لو قلت: نعم، لوجبت، و لما استطعتم. ثم قال:

Page 201: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم و اختالفهم على أنبيائهم،.«2 »فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، و إذا نهيتكم عن شيء فدعوه«

إن قلت: الحمل على إرادة التكرار ال يناسب عمل األصحاب، و ال سيرة______________________________

.250( مجمع البيان المجلد الثاني ص: 1 ).108 ص: 2( التاج الجامع لألصول ج: 2 )

350، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج المسلمين على االكتفاء بالمرة، بل هو خالف المقطوع به في مورد الحديث، و هو

الحج. قلت: ليس ذلك قرينة عرفية على الحمل على المعنى الثاني بعد أن كان خالف

الظاهر في نفسه. بل يتعين الحمل على االستحباب مع الحفاظ على المعنى األول. و لعله الظاهر مما سبق في رواية العامة، كما يناسبه ظهور عدم االستطاعة في عدم الصبر على االستمرار على اإلطاعة الذي هو محذور مع الوجوب قد يوجب

توقعه الرأفة بعدم تشريعه، ال عدم االستطاعة الحقيقية الذي هو ليس محذورا مع الوجوب، و ال يمنع توقعه من تشريعه، إذ يتعين حينئذ حمل األمر باإلتيان بالشيء بقدر االستطاعة على استمرار المكلف عليه ما لم يضق به ذرعا، و ذلك يناسب

االستحباب. كما أنه مقتضى الجمع بينه و بين ما عن عوالي الآللي عن الشهيد عن ابن عباس

قال: »لما خطبنا رسول الله صلى الله عليه و آله بالحج قام إليه األقرع بن حابس فقال: في كل عام؟ فقال: ال، و لو قلت لوجب، و لو وجب لم تفعلوا، إنما الحج في

و نحوه ما عن أبي داود و النسائي و«1 »العمر مرة واحدة، فمن زاد فتطوع«.«2 »أحمد و الحاكم

نعم ال بد من حمله على ما يكون مشروعا في نفسه بنحو االستغراق، كالحج و الصدقة، فيكون مسوقا لبيان معنى ارتكازي عقلي، و هو حسن االستزادة من الخير

و اإلكثار منه مهما أمكن، ال لبيان سقوط االرتباطية بالتعذر الذي هو معنى تعبديمحض. و لذا يصدق بال تكلف على مثل الصدقة بالميسور و مساعدة المؤمن.

______________________________.4 من أبواب الحج حديث: 3 باب: 8( مستدرك الوسائل ج: 1 ).109 ص: 2( التاج الجامع لألصول ج: 2 )

351، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج بل إذا دار األمر بين حمل الكالم على أمر ارتكازي عرفي و أمر تعبدي كان المتعين األول، ألن أنس الذهب به يوجب انصراف الكالم إليه و ظهوره فيه ما لم تقم قرينة

صارفة عنه، معينة للثاني. هذا و قد يدفع االستدالل بالحديث على القاعدة، بأنه ال دليل على كون »من«

تبعيضية، بل قد تكون بمعنى الباء أو بيانية أو زائدة. لكنه يشكل بأن ورود »من« بمعنى الباء و إن حكي عن يونس مستشهدا عليه

. إال أن من القريب جدا كونها في اآلية«1 » ينظرون من طرف خفيبقوله تعالى: ابتدائية، لبيان المنشأ، نظير قولنا: جرى الماء من الميزاب، فكأن النظر يصدر من

Page 202: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الطرف، و منه ينشأ. مع أنه لو سلم كونها بمعنى »الباء« فهي بمعنى »باء«االستعانة أو اآللة، ال »باء« التعدية، ليناسب المقام.

كما أنه ال يبعد رجوع البيانية التي يراد بها بيان جنس ما قبلهانظير خاتم من حديدإلى االبتدائيةالتي ال مجال لها في المقامأو التبعيضية التي يحاول المدعي

الفرار منها، فكأن المراد: خاتم ناشئ من حديد، أو بعض منه. مع أنها تختص بما إذا كان ما بعدها جنسا لما قبلهاكالمثال المتقدمدون مثل المقام مما وقعت فيه بين الفعل و متعلقه، إذ لم يعهد إرادة الجنس حينئذ، كي يكون المراد هنا: إذا أمرتكم

بشيء فأتوا بجنسه ما استطعتم. و أما زيادة »من« في غير ما إذا كان مدخولها نكرة مسبوقة بنفي أو نهي، فهي و

إال أن«2 » قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهمإن قيل بها في مثل قوله تعالى: الظاهر رجوعها فيه للتبعيضية، و أن المراد األمر بتبعيض النظر. إما بلحاظ

المنظور، ألن المنهي عنه هو النظر لبعض األمور، كاألجنبية، أو بلحاظ المرتبة______________________________

.45( سورة الشورى اآلية: 1 ).30( سورة النور اآلية: 2 )

352، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جفي مقابل اإلشباع و ملء العين بالمنظور، كما لعله األقرب.

و كيف كان فزيادتها في اآلية بعيدة، و في الحديث أبعد، ألن »أتى« ال تتعدى للمأتي به بنفسها. و من ثم يتعين كونها في الحديث للتبعيض. و يتعين دفع االستدالل بما

سبق، من كون التبعيض بلحاظ الوحدة النوعية. و أما الحديث الثاني فالوجه في قصور داللته أن عدم سقوط الميسور بالمعسور

يمكن بدوا أن يحمل على أحد أمرين األول: بيان قضية تعبدية، و هي أن تعذر بعض أجزاء المركب االرتباطي ال يوجب سقوط التكليف به رأسا، بل يبقى التكليف

بالميسور منه، الختصاص االرتباطية بحال القدرة على الكل، فيكون شارحا لالرتباطية في المركبات الشرعية، و حاكما على أدلتها، و دليال على قاعدة الميسور

التي هي محل الكالم. الثاني: اإلرشاد لقضية ارتكازية عقالئية، و هي أن تعذر بعض مراتب المطلوب االنحاللي ال يوجب سقوطه رأسا، بل يبقى الميسور من مراتبه مطلوبا ينبغي

تحصيله، و ال يحسن التفريط فيه و إهماله، فيكون أجنبيا عما نحن فيه، و ال يشمل المركبات االرتباطية إال بعد الفراغ عن اختصاص االرتباطية فيها بحال القدرة و

قصورها عن حال التعذر. و حيث ال قرينة على األول يتعين الحمل على الثاني، لما سبق عند الكالم في

الحديث األول من أنه إذا دار األمر بين حمل الكالم على معنى تعبدي و حمله علىمعنى ارتكازي فالمتعين الثاني.

و أما ما قيل من أن األصل في بيانات الشارع األقدس المولوية ال اإلرشاد. فهو مختص بما إذا علم المراد من الكالم و شك في صدوره بداعي اإلرشاد أو

المولوية، كما لو دار األمر بينهما في بعض األوامر و النواهي التي يحتمل صدورهالإلرشاد لآلثار الوضعية دون المولوية، و كما قيل في بعض األوامر

353، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 203: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

باالحتياط في الشبهة البدوية. أما مع تردد الكالم بين معنيين أحدهما تعبدي و اآلخرارتكازي قد أنس به الذهن فالالزم الحمل على الثاني و إن لزم منه اإلرشاد.

و على ذلك يكون الحديث أجنبيا عما نحن فيه، و واردا في أفعال الخير المفروغ عن كونها انحاللية بلحاظ الميسور من مراتبها الفاقد لبعض األجزاء أو الخصوصيات

الكمالية، ردعا عما قد يحصل من كثير من الناسبل أكثرهم- من التسامح عن الميسور حينئذ و التفريط فيه، لعدم االعتداد به، فمن ال يستطيع إشباع جائع ال يعينه بتمرة و من ال يستطيع الصالة التامة من قيام ال يغتنمها بالمراتب الدنيا منها، معتذرا

بالعسر، غافال أو متسامحا في اغتنام الميسور. و منه يظهر الحال في الحديث الثالث، إذ بمالحظة ما سبق يتضح لزوم حمله على

اإلرشاد للقضية االرتكازية المذكورة بعد الفراغ عن انحالل الطلب، ال على بيان حال التكاليف الشرعية بالمركبات االرتباطية، لبيان سقوط االرتباطية فيها بالتعذر، لينفع

فيما نحن فيه. و لذا كان المرتكز إباؤه هو و الثاني عن التخصيص، و عمومهما للمراتب القليلة بعد فرض االنحاللية، كشق التمرة باإلضافة إلى إشباع الفقير. مع أنه لو كان المراد بهما

قاعدة الميسور التي هي محل الكالم فمن الظاهر أنها قاعدة تعبدية قابلة للتخصيص، بل ثبت تخصيصها في كثير من الموارد. كما أنها مختصة عندهم بما إذا

كان الميسور مقدارا معتدا به من المركب. و قد تحصل من جميع ما تقدم: أنه ال مجال إلثبات عموم قاعدة الميسور من هذه النصوص، و أنه ال بد من إقامة الدليل عليها في الموارد المتفرقة من دون عموم

ينهض بها.و على ذلك ال مجال للكالم في عمومها للمستحبات و للشروط و غير

354، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج ذلك مما أشار إليه شيخنا األعظم قدس سره. نعم المعنى االرتكازي الذي تقدم حمل النصوص عليه ال إجمال فيه، و هو شامل لألمرين. و الله سبحانه و تعالى

العالم.و منه نستمد العون و التسديد.

المبحث الثاني في دوران التكليف بين التعييني و التخييري و المراد التخيير الشرعي الراجع إلى أخذ خصوصية كل من أطراف التخيير في المكلف به شرعاكما في الكفارة المخيرةال التخيير العقلي الراجع إلى التكليف

شرعا بالماهية، و المقتضي لتخيير العقل بين أفرادها، فإن الكالم فيه قد سبق فيالمسألة الثانية من المبحث األول.

و محل الكالم في المقام ما إذا علم بالتكليف بشيء و شك في أن التكليف به تعييني، فال يسقط امتثاله إال به، أو تخييري بين أمور هو أحدها، فيكفي واحد منها

في امتثاله، نظير دوران األمر في الكفارة بين المخيرة و المرتبة، ألن ذلك هو المناسب لمبحث الدوران بين األقل و األكثر االرتباطيين، الشتراكه معه في وجود

القدر المتيقن في مقام االمتثال، دون بقية صور الدوران بين التعيين و التخيير اآلتيةفي التنبيه الرابع، فإنها خارجة عن محل الكالم.

كما أن الكالم في المقام يبتني على ما هو المختار في حقيقة الواجب التخييري من أنه عبارة عن التكليف بأحد األطراف على أن يكون متعلق التكليف كل منهما

Page 204: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

بخصوصيته بنحو يقتضي التخيير بينهما في مقام العمل و االكتفاء بكل منهما بنحوالبدلية، على ما تقدم توضيحه في مباحث األمر و النهي.

355، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج إذا عرفت هذا فقد ذكر بعض األعاظم قدس سره أن المرجع في المقام هو

االحتياط، ألن التعييني و إن كانت موجبة للضيق، إال أنها ليست أمرا وجوديا مجعوال و لو أتتبع، بل هي منتزعة من عدم جعل العدل، و من الظاهر أن جعل العدل محتاج

إلى مئونة زائدة ال يقتضيها دليل البراءة، فكما يكون التخيير محتاجا إلى مئونة العدل في مقام اإلثبات، و لذا كان خالف إطالق األمر، كذلك هو محتاج إلى مئونة

بيان العدل في مقام الثبوت، و ال مجال مع ذلك إلثباته بأدلة البراءة، كحديث الرفعو نحوه. بل لو ال ورودها في مقام االمتنان لنهضت برفعه.

و من هنا يتعين العمل على التعيين، لوجوب إحراز الفراغ عن التكليف المعلوم فيالبين.

و فيه: أن احتياج التخيير إلى مئونة بيان العدل في مقام اإلثبات، و لذا كان منفيا باإلطالق، ال يستلزم احتياجه إلى مئونة زائدة في مقام الثبوت بنحو ال ينهض به

األصل. للفرق بن المقامين بأن التخيير مبني على نحو من التقييد في األمر باإلضافة إلى كل من الطرفين بخصوصه، و هو خالف ظاهر اإلطالق في مقام

اإلثبات. أما في مقام الثبوت و الجعل فكل من التعيين و التخيير مبني على نحو من الجعل مباين لآلخر، و ليسا مشتركين في مقام الجعل في شيء واحد يكفي في التعيين مع تقوم التخيير بقيد وجودي زائد، ليكون مبنيا على كلفة زائدة في مقام

الثبوت. على أن احتياج التخيير للكلفة في مقام الجعل و الثبوتلم تمال يمنع من جريان

البراءة من التعيين لو فرض كونه مستلزما لزيادة في التكليف، نظير تقييد التكليف بقيد خاص، كالوقت، فإنه ال إشكال في احتياجه إلى زيادة مئونة في مقام الجعل و

الثبوت، مع أنه مطابق لألصل، ألن إطالق التكليف مستلزم لزيادة فيه يدفعهااألصل.

356، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و من هنا فالظاهر ابتناء الكالم في المقام على وجود متيقن في مقام الجعل صالح

للتنجيز و الموافقة القطعيةلينحل به العلم اإلجماليو عدم وجود متيقن بالنحوالمذكور.

و قد ادعى بعض مشايخنا وجود المتيقن في البين، و هو التكليف بأحد األطراف بعنوانه االنتزاعي، الذي يقطع بموافقته و امتثاله بأي طرف من األطراف، و أن الشك إنما هو في التقييد بالخصوصية، و المرجع فيه البراءة، كما هو الحال في الدوران بين التعيين و التخيير العقلي، الذي يشك معه في أخذ الخصوصية زائدا

على العنوان المتيقن التكليف. أقول: عنوان أحد األمرين ليس منتزعا من خصوصية فيهما مشتركة بينهما تصلح

ألن تكون موردا للتكليف، بل هو منتزع من نفس الخصوصيتين على ما هو عليه من التباين، فهو ال يحكي عنهما إال كذلك، و لذا ال يكون كل منهما مشتمال على

خصوصية زائدة على المطلوب خارجة عنه، كما هو الحال في مورد التخيير العقلي،حيث تكون خصوصية كل فرد خارجة عن المطلوب.

Page 205: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و من ثم ذكرنا في محله أن الوجوب التخييري عبارة عن التكليف بمصداق أحد األمرين بنحو الترديد و البدلية، و ليس عنوان »أحدهما« إال حاكيا محضا عنهما. و لذا

يشيع استبداله بالعطف ب »أو« التي مفادها معنى حرفي ال يكون موردا للتكليف. و عليه ليس الفرق بين الوجوب التعيني و التخييري إال في المتعلق و في كيفية التعلق، فالتعيين متعلق بالجامع الصالح لالمتثال باألفراد المتكثرة بنحو يقتضي

تحقيق الجامع المذكور على كل حال، و التخييري متعلق باألطراف رأسا على ماهي عليه من التباين، لكن بنحو يقتضي اإلتيان بأحدها ال غير.

إذا عرفت هذا ظهر أنه ال مجال لدعوى وجود المتيقن في المقام، و هو357، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

التكليف بالجامع الذي هو عنوان أحد األمرين، إذ ال معنى لتعلقه به مع فرض التعيين، لعدم كون الخصوصية قيدا زائدا في العنوان المذكور، بل هي بنفسها مورد

للتكليف التعييني. كما أن الجامع المذكور ليس منتزعا من أمر في الخصوصية يجب ضمنا بتبع وجوبها،

ليدعى وجوبه على كل حال في مورد التردد بين التعيين و التخيير، بل ال يؤخذ الجامع المذكور إال في مقام الحكاية عن كلتا الخصوصيتين اللتين هما موضوع

التكليف التخييري، بل ال يحتاج إليه في الغالب، إلمكان اإلشارة للخصوصيتين بوجهآخر، كالعطف ب »أو«.

و بالجملة: ال مجال لدعوى وجود متيقن في مقام الجعل صالح للموافقة القطعية، لينحل به العلم اإلجمالي المفروض، و يتجه الرجوع للبراءة من الزائد الذي يقتضيه

التعيين. و من هنا كان الرجوع للبراءة في غاية اإلشكال، بل مقتضى العلم اإلجمالي المذكور هو االحتياط باالقتصار على الطرف الذي يعلم بالتكليف به تعيينا أو تخييرا،

إلحراز االمتثال. و الله سبحانه و تعالى العالم بحقيقة الحال، و هو ولي العصمة والسداد.

بقي في المقام تنبيهات ..األول: قد يتعذر المتيقن عند الدوران بين التعيين و التخيير،

كما لو تعذر الصيام و دار األمر بين وجوبه تعيينا فيسقط التكليف بتعذره و التخيير بينه و بين الصدقة فتتعين مع تعذره الصدقة. و حينئذ هل األصل يقتضي البراءة أو

االحتياط باإلتيان بالعدل كالصدقة في المثال المتقدم؟. ال يخفى أن في المقام صورتين: األولى: أن يكون التعذر قبل فعلية التكليف المردد.

و ال ينبغي اإلشكال في جريان البراءة من التكليف المردد المذكور، لرجوع الشكحينئذ إلى الشك في حدوث التكليف رأسا.

358، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج إال أن يحصل علم إجمالي منجز، كما لو وجب القضاء مثال بتعذر المكلف به في

الوقت، حيث يعلم إجماال إما بوجوب العدلكالصدقة في المثال المذكورفي الوقتأو القضاء في خارجه، و حينئذ يلزم الخروج عنه بالجمع بين األمرين.

الثانية: أن يكون التعذر بعد فعلية التكليف المردد، و ربما يدعى هنا وجوب االحتياط باإلتيان بما يحتمل كونه عدال، بناء على ما سبق من وجوب االحتياط عند الدوران بين التعيين و التخيير، لفرض عدم انحالل العلم اإلجمالي و تنجزه، فيلحقه حكم

تعذر البعض المعين من أطراف العلم اإلجمالي بالتكليف بعد حصوله الذي تقدم في

Page 206: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ذيل التنبيه الرابع من تنبيهات مسألة الدوران بين المتباينين أن العلم اإلجمالي فيهال يسقط عن المنجزية.

و فيه: أنه ال معنى لتنجز احتمال الوجوب التخييري حين العلم بالتكليف، ليلحقه حكم تعذر بعض أطراف العلم اإلجمالي بعد تنجزه، ألن مفاد الوجوب التخييري

السعة غير القابلة للتنجيز، بل ليس المنجز إال احتمال الوجوب التعييني المفروض سقوطه بطروء التعذر. و وجوب ما يحتمل كونه عدال بعد التعذر محتاج إلى منجز، و

هو مفقود في المقام. نعم لو فرض علم المكلف قبل طروء التعذر بأن التعذر سوف يطرأ، تحقق له علم إجمال تدريجي إما بوجوب المبادرة إلى المتيقن قبل تعذره أو بوجوب فعل البدل

المحتمل بعد التعذر، فيلزم الخروج عن العلم اإلجمالي المذكور بالمبادرة إليه قبل تعذره، و فعل البدل بعد تعذره على تقدير عدم المبادرة، بخالف ما إذا كان غافال

عن التعذر حتى فاجأه، حيث ال يحصل له العلم اإلجمالي المذكور إال بعد التعذر، فاليصلح للتنجيز، لخروج أحد طرفيه بالتعذر عن االبتالء.

359، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالتنبيه الثاني: قد يعلم بوجوب شيء و بسقوطه بفعل شيء آخر،

و يتردد األمر في ذلك اآلخر بين كونه عدال للواجب، بأن يكونا واجبين تخييرا، و كونه مسقطا له مع وجوب ذلك الواجب تعيينا، نظير الطالق المسقط لوجوب اإلنفاق. و من الظاهر أنه ال أثر للشك المذكور مع القدرة على ذلك الواجب، للعلم بوجوبه و إجزائه و إجزاء اآلخر عنه على كل حال. و إنما يظهر األثر عند تعذر ذلك الواجب، حيث يتعين فعل اآلخر لو كان عدال له مع كون الوجوب تخييريا، و ال يجب فعله إذا كان مسقطا له مع كون وجوبه تعيينيا، لعدم وجوب فعل المسقط، كما تقدم في

التنبيه الثالث من تنبيهات مبحث تقسيم الواجب إلى تعييني و تخييري. و ال ينبغي اإلشكال بأن المرجع في ذلك البراءة، لعدم المنجز لوجوب ذلك المسقط

الذي يحتمل كونه عدال للواجب المتعذر. هذا و قد يدعى أنه على ذلك يبتني الكالم في مسألة وجوب االئتمام على من عجز

عن القراءة، لتردد االئتمام بين كونه مستحبا مسقطا للقراءة مع وجوبها تعيينا، وكونه واجبا مخيرا بينه و بين الصالة فرادى مع القراءة، فيجب بتعذرها.

لكن المبنى المذكور يختص بالواجبات االستقاللية التي يكون تعذرها موجبا لسقوط التكليف بها، بحيث ال يتحقق االمتثال مع االقتصار على فعل المسقط، كاإلنفاق

باإلضافة للطالق، دون مثل القراءة مما يجب ضمنا، و ال يكون تعذره موجبا لسقوط التكليف بالمركب، بل يبقى التكليف به و يمتثل باالئتمام، فإن إسقاط االئتمام

للقراءةإما لكونه رافعا لموضوعها، أو لتنزيل قراءة اإلمام منزلة قراءة المأمومال ينافي كون الصالة مأموما من أفراد الصالة االختيارية التامة الصالحة لالمتثال، بل

من أفضلها، و لذا ال ريب في وجوب االئتمام لو فرض عدم مشروعية صالة الفرادىمن دون قراءة، أو تعذرت مع القدرة على القراءة.

360، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و من هنا كان الظاهر ابتناء المسألة المذكورة على أمر آخر، و هو أن موضوع

مشروعية صالة الفرادى من دون قراءة إن كان هو مجرد تعذر القراءة لم يجب

Page 207: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

االئتمام في الفرض، و إن كان هو تعذر الصالة االختيارية التامة تعين وجوباالئتمام، ألن الصالة معه من أفراد الصالة التامة، بل من أفضلها.

و الظاهر األول على تفصيل موكول للفقه.التنبيه الثالث: قد يعلم بوجوب أمور متعددة و يتردد بين كونه تخييريا،

فيكفي واحد منها، و كونه تعيينيا فال بد من الجمع بينها، كما في موارد تردد الكفارةبين كونها مخيرة و كونها كفارة جمع.

و الظاهر هنا جريان البراءة من وجوب الجمع، النحالل العلم اإلجمالي بالعلم بتكليف واحد مردد بين التعيين و التخيير، و هذا التكليف صالح لالمتثال بفعل أحد

األطراف، فهو مجز عما هو المعلوم قطعا، و يشك في وجوب ما زاد عليه، فيدفعباألصل. و أدنى تأمل في المرتكزات العقالئية قاض بوضوح ذلك.

التنبيه الرابع: ما تقدم إنما هو في احتمال التخيير في الحكم الواقعي الواحد فيمقام الجعل و التشريع،

لقصور المالك عن اقتضاء كل طرف معينا، كالتخيير في خصال الكفارة، ألنه المناسب لمبحث الدوران بين األقل و األكثر االرتباطيين. و هناك قسمان آخران

للتخيير. األول: التخيير في الحكم الواقعي، لكن في مقام االمتثال للتزاحم بين التكليفين، و

الدوران بين التعيين و التخيير حينئذ إنما يكون للدوران بين أهمية أحد التكليفينالملزم بتعيين امتثال األهم و تساويهما المستلزم للتخيير بينهما.

الثاني: التخيير في الحكم الظاهري الراجع للتخيير بين الحجج في مقام التعارض لو تم. و الدوران بين التعيين و التخيير فيه إنما يكون للدوران بين رجحان أحد الدليلين

المقتضي لحجيته تعيينا و تساويهما المقتضي للتخيير361، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بينهما. و مقتضى األصل التعيين في المقامين معا، لترجيح محتمل األهمية في باب التزاحم

على ما يأتي في مباحث التعارض إن شاء الله تعالى، و للعلم بحجية ما يحتمل رجحانه من الدليلين و الشك في حجية اآلخر، و المرجع فيه أصالة عدم الحجية،

على ما تقدم في تمهيد الكالم في مباحث الحجج.خاتمة في جريان األصول في الحكم االقتضائي غير اإللزامي

ذكر شيخنا األعظم قدس سره في خاتمة هذا القسم من األصولو هي التي لم يؤخذ فيها الحالة السابقةشروط العمل باألصول المذكورة و أهمها الفحص، و استطرد

بعد ذلك إلى الكالم في قاعدة نفي الضرر. لكن حيث ال يختص وجوب الفحص باألصول المذكورة، بل يجري في غيرها، بل في

الطرق أيضا، كان المناسب ذكره بعد الكالم في مبحث التعارض، و قد رأينا ذكره في خاتمة مباحث االجتهاد و التقليد، لرجوعه إلى بيان وظيفة المكلف عند الشك

في وجود الدليل. كما أن قاعدة نفي الضرر حيث كانت قاعدة فقهية واقعيةكقاعدة نفي الحرج و

ضمان اليدفهي ال تناسب المقام، لذلك أعرضنا عن ذكرها هنا. نعم المناسب هنا التعرض لجريان األصول المذكورة في غير الحكم التكليفي من األحكام االقتضائية، و هي منحصرة باالستحباب و الكراهة، فنقول و منه سبحانه

Page 208: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

العون و التسديد: يقع الكالم هنا في مسائل أربع، نظير المسائل المتقدمة فيالتكليف اإللزامي.

362، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالمسألة األولى: في الشك في الحكم االستقاللي

كالشك في استحباب الغسل لقتل الوزغ و في كراهة سؤر البقر، و ال مجال هنا للتمسك باألدلة المتقدمة العقلية للبراءة و االحتياط. لوضوح اختصاص قاعدتي قبح

العقاب بال بيان و وجوب دفع الضرر المحتمل العقليين باحتمال العقاب و الضررالمختصين بالتكليف.

ى نبعثو كذا الحال في بعض األدلة النقلية، كقوله تعالى: بين حت ا معذ و ما كن . و أدلة االحتياط التي استدل بها األخباريون المتضمنة للتحذير من األخذ«1 »رسوال�

بالشبهة خوفا من العقاب و الهلكة. نعم قد يدعى أن إهمال األحكام االقتضائية غير اإللزامية و عدم امتثالها و إن لم

يستوجب العقاب إال أنه يقتضي نحوا من الحزازة و البعد عن حظيرة المولى، بل قد يقتضي نحوا من التبعة و لو في الدنيا، نظير ما تضمن أن الرجل يترك صالة الليل

فيحبس عنه الرزق. فلو تم هذا لم يبعد جريان نظير قاعدة قبح العقاب بال بيان، ألن ما سبق- منالحزازة و البعد و التبعةنحو من العقاب ال يحسن إال مع قيام الحجة الكافية.

بل قد يصحح ذلك شمول مثل حديث الرفع، ألن ثبوت األمور المذكورة يستلزم أن يكون في ثبوت الحكم المذكور نحو من الضيق يصدق بلحاظه الرفع، و يتحقق

برفعه االمتنان. و أظهر من ذلك قوله عليه السالم في حديث حفص بن غياث: »من ، و قوله عليه السالم في معتبر حمزة بن«2 »عمل بما علم كفي ما لم يعلم«

، و نحوه مما تضمن«3 »الطيار: »إن الله يحتج على العباد بما آتاهم و عرفهم«أخذ

______________________________.15( سورة االسراء اآلية: 1 ).30 من أبواب صفات القاضي حديث: 12 باب: 18( الوسائل ج: 2 ).4 كتاب التوحيد، باب حجج الله على خلقه حدث: 164 ص: 1( الكافي ج: 3 )

363، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جعنوان الحجية.

بل تقدم منا أن االستصحاب مطابق عمال للبراءة. و هو ال يختص باألحكام اإللزامية،بل يجري في غيرها من األحكام االقتضائية بعد كونها أحكاما شرعية مجعولة مثلها.

المسألة الثانية: في الشك في تعيين الحكم مع وحدة المتعلق كما لو دار األمر بين استحباب الشيء و كراهته. و الظاهر أن ما سبق هناك من

سقوط العلم اإلجمالي عن المنجزية جار هنا. كما أن ما أشرنا إليه هناك من احتمال ترجيح اقتضاء الترك تقديما الحتمال المفسدة جار هنا. غايته أنه ليس بنحو اإللزام

لعدم كون الحكم المحتمل إلزاميا. لكن تقدم هناك منع االحتمال المذكور، و أن المتعين التخيير، فيكون المورد من

موارد تزاحم االحتياطين، و قد سبق في التنبيه الرابع من تنبيهات الفصل األول أنالترجيح يكون بأهمية التكليف و قوة االحتمال. لكنه هنا ترجيح غير إلزامي.

Page 209: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

المسألة الثالثة: في الشك في تعيين الحكم مع اختالف المتعلق. كما في العلم إجماال باستحباب أحد أمرين، أو باستحباب شيء أو كراهة آخر. و

الظاهر أن ما تقدم في منجزية العلم اإلجمالي جار فيه، ألن المناط فيه حجية العلم الذاتية من دون خصوصية للمعلوم، و اختالف المعلوم باإللزام و عدمه إنما يقتضي

اختالف حكم العقل من حيثية اإللزام باالحتياط و تحسينه من دون إلزام. كما أن ما سبق في ضوابط سقوط منجزية العلم اإلجمالي يجري هنا أيضا. و كذا ضوابط عدم جريان األصول في األطراف، كما يظهر بالتأمل فيها. بل ذكرنا هناك

حكم العلم اإلجمالي بأحد حكمين اقتضائيين إلزامي و غيره، كالعلم364، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بوجوب شيء و استحباب آخر. فراجع.المسألة الرابعة«: في الدوران بين األقل و األكثر االرتباطيين

كما لو شك في جزئية السورة للنافلة. و قد ذكر بعض مشايخنا قدس سره أنه ال مانع من الرجوع فيه لحديث الرفع، لرفع شرطية الجزء المشكوك في المركب

ظاهرا. لكنه ال يخلو عن إشكال، ألن المراد بذلك إن كان هو إثبات مجرد عدم استحباب

الجزء ضمنا فقد سبق اإلشكال في نهوض حديث الرفع بنفي االستحباب. و إن كان هو إثبات مشروعية العمل و صحته و تماميته بدونه فمن الظاهر أن

حديث الرفع ال ينهض بذلك في المركبات الواجبة فضال عن المستحبة، ألن مفادهالرفع ال غير.

نعم لو أريد بالتمامية مجرد حصول ما هو المتنجز الواصل و إن لم يحرز أنه تمام المطلوب لم يحتج في ذلك إلى أدلة البراءة، للعلم بحصوله بمجرد الشك في جزئية

الزائد أو شرطيته و فرض عدم تنجزه. كما أن الظاهر كفاية ذلك في مقام التقرب و االمتثال، فال يعتبر إحراز كون المأتي به تمام المطلوب. و لذا أمكن التقرب باألقل عند تردد الواجب بين األقل و األكثر،

و التفريق بين الواجب و المستحب في ذلك بال فارق. و لنكتف بهذا المقدار من الكالم في القسم األول من الوظيفة العملية عند فقد

الحجة، و هو الذي لم تؤخذ فيه الحالة السابقة، و الذي ينحصر األصل الجاري فيهبالبراءة و االحتياط و التخيير. و الحمد لله رب العالمين.

365، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالقسم الثاني في االستصحاب

و ينبغي التمهيد له بذكر أمور ..األمر األول: االستصحاب لغة استفعال من الصحبة.

و من الظاهر مناسبته للمقام، لمناسبة التعبد ببقاء المشكوك لمصاحبته في الزمان الالحق، و ادعائها عمال، حيث قد تستعمل هيئة االستفعال في البناء على تحقق

المادة و ادعاء ذلك، كما في االستكبار و االستحسان و االستقذار. أما بحسب االصطالح فقد عرف بتعاريف كثيرة. و لعل األنسب بمفاد النصوص

تعريفه بأنه: التعبد الظاهري ببقاء الشيء في زمان الشك، لليقين بثبوته في الزمانالسابق.

Page 210: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و أما بناء على أخذه من حكم العقل أو بناء العقالءو غض النظر عن مفاد النصوصفكما يمكن تعريفه بما سبق يمكن تعريفه بما هو المنشأ له، و هو كون

الشيء متيقنا سابقا مشكوكا في بقائه الحقا. و األول أنسب بإطالق لفظ االستصحاب، لما تقدم من استعمال هيئة االستفعال

بلحاظ ادعاء وجود المادة و البناء عليها، كما هو المناسب لعد بعضهم االستصحابمن أقسام حكم العقل، ألن التعبد بالبقاء نحو من الحكم.

و الثاني هو المناسب لعد بعضهم له من الطرق و األمارات. و األمر سهل، لعدم األثر لتحديد المعنى االصطالحي، بل يلزم النظر في مفاد األدلة،

و لم يؤخذ في شيء منها عنوان االستصحاب.366، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

األمر الثاني: اشتهر في كلماتهم تعريف المسألة األصولية بأنها القاعدة الممهدةالستنباط الحكم الشرعي الكلي.

و الظاهر من الحكم الكلي هو الكبرى الشرعية العملية، كوجوب الصالة و حرمةالخمر.

و عليه يشكل انطباق ذلك على االستصحاب، ألنه و إن جرى في الشبهات الحكميةكنجاسة الماء الذي يزول تغيره من قبل نفسهإال أن فعلية موضوعهو هو

اليقين و الشكإنما تكون في الواقعة الشخصية التي يكون حكمها جزئيا ال كليا، كماهو الحال في االستصحاب الجاري في الشبهات الموضوعية.

و ليست فتوى المجتهد بالحكم الكلي في ذلك إال لوجود الضابط العام لتحقق موضوع االستصحاب في صغرياته غير المنحصرة، ال لجريان االستصحاب باإلضافة للقضية الكلية قبل االبتالء بوقائعها الشخصية. فهو نظير فتواه في موارد الشبهات

الموضوعية ذات الضابط العام الشامل ألفراد كثيرة، كالفتوى بطهارة الماء لو شك في مالقاته للنجاسة، حيث يجري االستصحاب في صغرياتها، ال في الكبرى و لو لم

تكن لها صغرى فعلية. و بالجملة: يشترك االستصحاب الجاري في الشبهات الحكمية و الجاري في الشبهات الموضوعية في أن موضوعهما معا هو الموضوع

الخارجي الجزئي و مفادهما هو الحكم الشرعي الجزئي و إنما يفترقان في أن منشأ الشك في الشبهة الحكمية اشتباه حال الجعل الشرعي، و في الشبهة

الموضوعية اشتباه األمر الخارجي. نعم ال مجال لإلشكال المذكور بناء على ما سبق منا في أول الكتاب من تعريف

علم األصول بأنه القواعد المقررة ليستعان بها على استنباط األحكام الشرعية، و الوظائف العملية الشرعية و العقلية في موارد الشبهات الحكمية، حيث يدخل

االستصحاب في القسم الثاني من التعريف و إن لم يكن مفاده حكما كليا.367، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و كيف كان فاألمر غير مهم بعد أهمية مسألة االستصحاب. و ترتب الفروع الكثيرة عليها، حيث يلزم تحريرها هنا إما لكونها مسألة أصولية، أو لقيامها مقامها في كونها

مرجعا في الشبهات الحكمية الذي هو الغرض المهم لألصولي. بل المناسب عموم الكالم في جريان االستصحاب للشبهات الموضوعية، ألنها و إن

لم تناسب غرض األصولي إال أن أهميتها و كثرة الفروع المترتبة عليها و عدمخصوصية الشبهة الحكمية في كثير من جهات الكالم يقتضي التعميم المذكور.

Page 211: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

األمر الثالث: اختلف في االستصحاب .. تارة: في كونه أمارة أو أصال عقالئيا أوتعبديا شرعيا و أخرى: في حجيته و عدمه مطلقا،

أو على تفصيل ناشئ من االختالف في عموم دليله و خصوصه، أو من االختالف في تحقق أركانه و شروطه في بعض الموارد. و قد كثرت األقوال في ذلك حتى حكي

عن بعضهم أنها بلغت نيفا و خمسين قوال. و حيث ال مجال إلطالة الكالم في تفاصيل األقوال المذكورة فالالزم النظر في

األدلة و تحديد مفادها، ليتضح منها حال تلك األقوال تفصيال أو إجماال، مع إهمال ما احتج به لكل منها، لضيق المجال عن ذلك و قلة الفائدة فيه. ثم ينظر بعد ذلك في

الموارد المهمة التي وقع الكالم في تحقق أركانه فيها. و من هنا كان المناسب الكالم في مباحث ثالثة: يبحث في األول منها عن أدلة

المسألة و عن تحديد مدلولها، ليظهر حاله من حيثية كونه أمارة أو أصال عاما أو خاصا، و في الثاني عن أركانه و شروطه العامة و ما يناسب ذلك، و في الثالث عن

الموارد التي وقع الكالم في تمامية تلك األركان و الشروط فيها. ثم إن شيخنا األعظم قدس سره استطرد في الخاتمة إلى ذكر حال االستصحاب مع

بعض القواعد من حيثية تقديمها عليه أو تقديمه عليها، و استوفى الكالم في368، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

جملة من تلك القواعد. و يحسن بنا متابعته في ذلك، ألن أهمية تلك القواعد و خروجها عن صلب الكالم في االستصحاب و مناسبتها له في الجملة يناسب جدا

ذكرها في خاتمته. و سوف نجري على هذا المنهج إن شاء الله تعالى مستمدين منه العون و التوفيق و

التأييد و التسديد، و هو حسبنا و نعم الوكيل.369، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المبحث األول في أدلة االستصحابو قد استدل عليه بوجوه كثيرة.

و ما ينبغي لنا التعرض له أمور ..األول: اإلجماع المدعى عليه في الجملة من بعضهم.

فعن المبادي دعوى إجماع الفقهاء على البناء على بقاء الحكم عند الشك في طروء رافعه، و عن النهاية دعواه على البناء على بقاء كل شيء عند اليقين بثبوته و الشك

في رافعه. بل قد يظهر من بعض األعاظم قدس سره وجود مدعي اإلجماع علىحجية االستصحاب مطلقا.

لكن ال مجال للتعويل على مثل هذه الدعاوى في مثل هذه المسألة التي كثرت فيها األقوال و اختلفت فيها مباني االستدالل. نعم الظاهر تحقق اإلجماع على الرجوع

إليه في خصوص بعض الفروع في الشبهات الموضوعية التي هي غالبا موردالنصوص، كالشك في الطهارة بعد النجاسة أو الحدث، أو العكس.

إال أنه ال يناسب اهتمام األصولي به.الثاني: بناء العقالء على ذلك في جميع أمورهم،

كما ادعاه العالمة قدس سره في محكي كالمه. بل ربما ادعي اختالل النظام بدونه. كما قد يقال: إنه أمر فطري لكل ذي شعور، و ال يختص باإلنسان، حيث تطلب

Page 212: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الحيوانات الماء و الكالء من مواضعها المعهودة لها، و تطلب االستقرار و األمان فيمواضعها التي قد ألفتها.

هذا و قد اختلفت كلماتهم .. تارة: في ثبوت البناء المذكور و عدمه، مطلقا أو علىتفصيل و أخرى: في حجيته على تقدير ثبوته.

370، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج أما األول فهو غير ظاهر، ألن المهم في المقام هو بناؤهم على العمل عليه بما أنه

أمر يصح االعتماد عليه في مقام التنجيز و التعذير المستتبعين للعقاب و الثواب في مورد االلتفات و الشك، نظير أصالة الظهور و أصالة عدم الخطأ و الغفلة. و ال

يكفي العمل عليه غفلة عن احتمال تبدل الحال، لعدم ما يثيره، أو لالطمئنان بعدمتبدله، لغلبة أو نحوها، أو لالحتياط في موافقة احتمال الواقع و رجاء تحصيله.

إذا عرفت هذا فالمتيقن من بناء العقالء و سيرتهم أو سيرة كل ذي شعور إنما هو العمل على طبق الحالة السابقة ألحد الوجوه المتقدمة التي ال تنفع في المطلوب،

ال العمل عليه بالنحو المهم في المقام. من دون فرق في ذلك بين الشك في المقتضى و الغاية و الرافع. حيث ال طريق لنا لتحصيل اليقين ببنائهم على الرجوع

لالستصحاب فيها جميعا أو في بعضها في مقام التعذير و التنجيز، بنحو يتحصل لهمسيرة معتد بها صالحة لالحتجاج.

نعم ال إشكال في بنائهم عليه في الجملة في مقام التعذير و التنجيز في خصوص بعض الموارد، كموارد الشك في السالمة و الشك في النسخ، و عدول صاحب الرأي عن رأيه، و في القرينة الصارفة عن ظاهر الكالم و غير ذلك. إال أن ذلك

لخصوصية الموارد المذكورة مع قطع النظر عن االستصحاب، فال يكشف بناؤهمعليها عن بنائهم على الرجوع لالستصحاب الذي هو محل الكالم.

و أما الثانيو هو حجية بناء العقالء لو تم في المقامفيظهر الكالم فيه مما تقدم في ذيل الكالم في أصالة عدم الحجية من التمهيد للكالم في مباحث الحجج، فقد ذكرنا

أن بناء العقالء و سيرتهم إذا كانا ناشئين عن مرتكزاتهم التي أودعها الله تعالى فيهم و غرائزهم التي فطرهم عليهاكما هو المدعى في المقام- كانا تمام المقتضي

للحجية، من دون حاجة لإلمضاء، بل ال بد في رفع اليد عن371، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

مقتضاهما من ثبوت ردع الشارع عنها. و ليس هناك ما يصلح للردع إال عموم األدلة الناهية عن العمل بغير العلم، و تقدم عند الكالم في أصالة عدم الحجية عدم ثبوت

العموم المذكور، و ال سيما بنحو ينهض بالردع عن الطرق أو األصول العقالئيةاإلحرازية التي منها المقام.

الثالث: األخبار. و هي عمدة أدلته، و عليها اعتمد المتأخرون، و اهتموا بتقريب داللتها و تحديد

مدلولها. و قد استدل عليه بنصوص كثيرة.منها: صحيحة زرارة:

»قلت له: الرجل ينام و هو على وضوء أ توجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء؟ فقال: يا زرارة قد تنام العين و ال ينام القلب و األذن، فإذا نامت العين و األذن و

القلب ]فقد. يب[ وجب الوضوء.

Page 213: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

قلت: فإن حرك على ]إلى. يب[ جنبه شيء و لم يعلم به؟ قال: ال حتى يستيقن أنه قد نام، حتى يجىء من ذلك أمر بين، و إال فإنه على يقين من وضوئه، و ال تنقض

.«1 »]ينقض. يب[ اليقين أبدا بالشك، و إنما تنقضه ]لكن ينقضه. يب[ بيقين آخر« و ال يمنع من صحة االستدالل بها إضمارها بعد ذكر األصحاب لها في الكتب المعدة

لجمع أحاديث المعصومين عليهم السالم. و ال سيما بعد كون الراوي لها زرارة، الذي هو من أعيان أصحابهم الراوين عنهم عليهم السالم، حيث ال يحتمل من مثله استفتاء غير اإلمام عليه السالم، و ال سيما مع اشتمال الرواية على التفريع و

التدقيق. على أنها قد أسندت لإلمام الباقر عليه السالم في الحدائق و محكي الفوائد للسيد بحر العلوم و الفوائد المدنية لألسترآبادي. و إن لم يظهر لنا مأخذ ذلك بعد روايتها

مضمرة في التهذيب و الوسائل.______________________________

.1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1 باب: 1( الوسائل ج: 1 )372، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و ال ريب في داللتها على الرجوع لالستصحاب في موردها، و إنما الكالم في داللتهاعلى عموم الرجوع إليه كما استدل بها عليه غير واحد، ثم في تحديد ذلك العموم. و توضيح ذلك: أن قوله عليه السالم: »و إال ...« لما كان راجعا إلى جملة شرطية

تقديرها: و إن لم يجئ من ذلك أمر بين ... فقد وقع الكالم في جزاء الشرطيةالمذكورة، و المذكور في كلماتهم احتماالت ثالثة.ه غني عناألول: أن يكون محذوفا مقدرا، نظير قوله تعالى: و من كفر فإن الل

و قوله عز«2 » إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل و قوله سبحانه:«1 »العالمينه هو مواله واسمه: ه فقد صغت قلوبكما و إن تظاهرا عليه فإن الل إن تتوبا إلى الل

و غيرها.«3 »جبريل و صالح المؤمنين و المالئكة بعد ذلك ظهيرو التقدير في المقام: و إال فال يجب عليه الوضوء، ألنه على يقين من وضوئه .... الثاني: أن يكون هو قوله عليه السالم: »فإنه على يقين من وضوئه«، بأن تكونجملة انشائية قصد بها بيان لزوم ترتيب أثر اليقين بالوضوء مع الشك المذكور.

الثالث: أن يكون هو قوله عليه السالم: »و ال ينقض اليقين بالشك أبدا«، و يكونقوله عليه السالم: »فإنه على يقين من وضوئه« توطئة لذلك.

أما الوجه الثالث فلم أعثر على من التزم به، و إنما ذكر احتماال في كالمهم. و ال مجال له، ألن توطئة الحكم راجعة إلى تعليله و بيان موضوعه، نظير قولنا: إن جاء

زيد فحيث كان عالما بالفقه يجب إكرامه، و هو ال يناسب عطف الجملة الثانية علىاألولى في الصحيحة، بل يقتضي تصدير األولى بما

______________________________.97( سورة آل عمران اآلية: 1 ).77( سورة يوسف اآلية: 2 ).4( سورة التحريم اآلية: 3 )

373، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج يناسب سوقها لتمهيد الثانية و ربطهما بما يقتضي تفريع الثانية عليها، كما في

المثال المذكور.

Page 214: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و من هنا ال يهم الكالم في مفاد الصحيحة على الوجه المذكور، و إن كان الظاهر أن مقتضاه عموم جريان االستصحاب لجميع موارد الشك في الوضوء، ألن موضوع

الشرطية و إن كان هو خصوص الشك في النوم، المناسب لكون ذلك هو موضوع الحكم في الجزاء بعدم انتقاض اليقين، إال أن توطئة ذلك الحكم بقوله عليه السالم:

»فإنه على يقين من وضوئه« راجع إلى أن موضوع عدم النقض بالشك هو مطلقعدم اليقين بالوضوء، كما يظهر بمالحظة المثال الذي سبق التنظير به.

و أما التعميم لليقين بغير الوضوء فال وجه له إال دعوى: أن المناسبات االرتكازية تقتضي إلغاء خصوصية الوضوء، و ال سيما مع إشعار قوله: »أبدا« في عدم شأنية

اليقين لالنتقاض بالشك. إال أن ذلك لو تم ال يبلغ مرتبة الظهور الحجة. و األمر سهلبعد ما سبق من عدم تمامية الوجه المذكور.

و أما الوجه الثاني فهو الذي أصر عليه بعض األعاظم قدس سره بعد أن استشكل في الوجه األول بما يأتي، و أصر أيضا على أن مقتضاه عموم جريان االستصحاب، بدعوى عدم دخل التقييد بالوضوء في الحكم، و إنما ذكر لخصوصية مورد السؤال،

بل ذكر أنه ال مجال الحتمال دخل خصوصيته، كي يقال: إنه يكفي االحتمال فيسقوط االستدالل.

و يشكل ما ذكره من وجهين: األول: أن الوجه المذكور بعيد في نفسه جدا أوال: ألن حمل قوله عليه السالم: »فإنه على يقين ...« على اإلنشاء، لبيان لزوم ترتيب أثر

اليقين بالوضوء، بعيد عن ظاهره جدا، إذ لم يعهد جعل اليقين بنفسه و ادعائه بمثلهذا التركيب.

374، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و ثانيا: ألن مرجع ذلك إلى عدم وجوب الوضوء المبين أوال من دون زيادة فائدة،

فهو تكرار مستهجن.و ثالثا: ألن ذلك ال يناسب قوله بعد ذلك: »و ال ينقض اليقين أبدا بالشك«.

إذ المراد باليقين فيه إن كان هو اليقين التعبدي بجعل هذه الجملة مؤكدة لما قبلها، فعدم نقضه بالشك الزم لفرضه. مضافا إلى ما فيه من التفكيك بين اليقين و

مقابله، و هو الشك، الذي ال إشكال في كون المراد منه الحقيقي. و إن كان هو اليقين الحقيقي السابق بجعلها مفسرة لما قبلها، فهو ال يخلو عن تكلف. مع ما فيه

من التفكيك بين اليقينين في الجملتين، بحمل األول على التعبدي، و الثاني علىالحقيقي.

الثاني: أن ما ذكره من استفادة التعميمبناء على الوجه المذكورال يرجع إلى محصل، فإن اليقين بالوضوءعلى هذا الوجهليس موضوعا للحكم ليمكن إلغاء خصوصية

الوضوء، بل هو بنفسه محكوم به، فعمومه لعموم موضوعه، و حيث كان موضوع الجزاء تابعا لموضوع الشرط تعين اختصاص الحكم بالشك في النوم. و بعبارة أخرى: مقتضى الوجه المذكور أن مرجع الشرطية إلى قولنا: و إن لم يجئ من

النوم أمر بين فهو بحكم المتيقن بالوضوء، و ال إشكال في عدم داللة الجملة حينئذعلى العموم. و لو فرض القطع بالعموم كان هو الحجة عليه، ال الشرطية المذكورة.

و من هنا كان األظهر هو الوجه األول في الجملة، و هو الذي أصر عليه شيخنااألعظم قدس سره و جماعة ممن تأخر عنه.

Page 215: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و قد استشكل فيه بعض األعاظم قدس سره بأن الزمه التكرار في الجواب و بيان الحكم المسئول عنه مرتين، ألن الحكم بعدم الوضوء قد ذكر أوال بقوله: »ال حتى

يستيقن ...« و هو ال يخلو عن حزازة. و دعوى: أنه ال تكرار مع حذفه و إقامة375، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

العلة مقامه. مدفوعة بأن المحذور ليس في تكرار ذكره صريحا، بل في تكرار بيانه،و حذفه و إقامة العلة مقامه ال ينفك عن قصده بالبيان.

و قد أجاب عن ذلك شيخنا األستاذ قدس سره بأن تكرار الحكم بعدم إعادة الوضوء ليس مقصودا بالبيان بنفسه، ليكون منشأ للحزازة في البيان، بل للتمهيد لبيان علته

و االستدالل عليه، و هو كاف في رفع اللغوية و الحزازة. و ما ذكره و إن كان كافيا في الجواب عن اإلشكال، إال أن الظاهر أن دعوى حذف

الحكم ال يخلو عن تسامح للمحافظة على القواعد النحوية من كون الجزاء جملة واحدة، و إال فالتأمل قاض بكون الجزاء كلتا الجملتين، و قد سيقتا للتنبيه لعلة

الحكم لسد حاجة المخاطب للقناعة بالحكم، أو لمعرفة الضابط العام في أمثاله، فكأنه قيل: و إن لم يجئ من ذلك أمر بين فليلتفت إلى أنه على يقين من وضوئه، و

ال ينقض اليقين أبدا بالشك. فالجزاء هو علة الحكم بنفسها، و ما هو المقصود منذكرها استيضاح الحكم و رفع االستيحاش منه، ال الحكم بنفسه، ليلزم التكرار. على أن علو متن الصحيحة، و قوة ظهوره في سوق القضيتين مساق التعليل

للحكم و االستدالل عليه، ملزمان بالبناء على هذا الوجه و عدم التعويل على مثل اإلشكال المذكور في الخروج عنه، بل هو كالشبهة في مقابل البديهة، حيث يكشف ذلك إجماال إما عن عدم لزوم التكرار، أو عدم لزوم الحزازة منه، و ال سيما مع ما

سبق من وهن الوجهين اآلخرين جدا، و عدم مناسبتهما للتركيب المذكور.و حينئذ يلزم النظر في مفاد الصحيحة بناء على هذا الوجه، فنقول:

صلوح الجملتين لتعليل الحكم و االستدالل عليه إنما هو بلحاظ كونهما قياسا منالشكل األول منتجا للمطلوب، و مقتضى عموم كبرى القياس المذكور،

376، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و هي قوله: »و ال ينقض اليقين أبدا بالشك« جريان االستصحاب مطلقا من دون

خصوصية الشك في بقاء الوضوء، فضال عن خصوصية الشك في النوم. إن قلت: هذا موقوف على كون الالم في »اليقين« الذي تضمنته الكبرى المذكورة

للجنس، ال للعهد بلحاظ اليقين الذي تضمنته الصغرى، و إال كان مختصا باليقينبالوضوء.

قلت: ال مجال للعهد في المقام، ألن اليقين في الصغرى قد أخذ في الحكم ال في الموضوع، و من الظاهر أن الحكم تابع لموضوعه سعة و ضيقا، و حيث كان موضوع

الصغرى هو موضوع جملة الشرط، و هو الشك في النوم، فاليقين المحكوم به هو اليقين بالوضوء في مورد الشك في النوم، ال مطلقا، فلو كانت الالم للعهد كان

موضوع القضية الثانية هو خصوص اليقين المذكور، و خرجت عن كونها كبرى عامةواردة مورد االستدالل، بل تكون عين الدعوى و تكرارا لها من دون فائدة.

و غاية ما يمكن في توجيه دعوى اختصاص الكبرى باليقين بالوضوء هو كون اليقين في الكبرى مقيدا بالوضوء بقرينة تقييده به في الصغرى، مع كون الالم جنسية،

ليشمل الشك من غير جهة النوم، كي تصلح ألن تكون كبرى للصغرى المذكورة. إال

Page 216: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

أنه ال مجال له، ألنه تقييد لإلطالق من غير ملزم. و مجرد تقييده في الصغرى اليقتضيه.

إن قلت: شرط القياس تكرر األوسط في القضيتين، و حيث كان المتكرر هنا هو اليقين فال بد من إلغاء القيد المذكور في الصغرى، أو المحافظة عليه و جعله قرينة على التقييد في الكبرى، و ليس األول بأولى من الثاني، و ال أقل من اإلجمال المانع

من االستدالل.قلت: ال بد من البناء على إلغاء القيد المذكور في الصغرى، ال بمعنى عدم

377، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج كونه مقصودا بالبيانفإنه خالف المقطوع بهبل بمعنى كونه مذكورا مراعاة للمورد

من دون أن يكون دخيال في االستدالل حفاظا على اإلطالق في الكبرى، كما يظهر بمالحظة النظائر، كقولنا: زيد ضارب عمرا، و الضارب يقتص منه، و: علي عالم

بالنحو، و العالم في هذا الزمان يجب إكرامه، و: زيد مدرس للفقه، و المدرس يجبتشجيعه، و: هذا الكتاب مفيد للمبتدئ و الكتاب المفيد يلزم نشره ... إلى غير ذلك.

هذا مضافا إلى ما أشار إليه غير واحد من أن التعميم هو المناسب لكون التعليل ارتكازيا، لعدم خصوصية الوضوء في الجهة االرتكازية المقتضية للعمل على اليقين السابق، فلو أخذت فيه كان التعليل تعبديا، و هو خالف ظاهر التعليل، ألنه مسوق

لتقريب الحكم إلى ذهن السامع، خصوصا من مثل اإلمام عليه السالم الذي ال يكلفباالستدالل.

إن قلت: هذا ال يناسب ما تقدم من إنكار السيرة االرتكازية على االستصحاب، إذ وجود الجهة االرتكازية المقتضية للعمل على اليقين السابق يستلزم جري العقالء

عليها في أمورهم. قلت: ال تتوقف ارتكازية التعليل على بلوغ االرتكاز حدا يقتضي العمل بنفسه، ليكون

مالزما للسيرة، بل يكفي فيه إدراك العقالء للجهة المناسبة للجعل الشرعي، التي يكون العمل عليها مقبوال عندهم، و إن لم يكن الزما لو ال الجعل، ليستلزم قيام

السيرة عليه. فمثال: إذا قال المولى: زر زيدا ألنه أحسن إليك، فالتعليل المذكور ارتكازي، إال أنه

ليس بنحو يستلزم السيرة االرتكازية على استحقاق المحسن للزيارة، بحيث تنهض السيرة بإثباته و تكشف عن الجعل المولوي من دون حاجة لثبوت األمر به من

المولى. و كذا تعليل اعتصام ماء البئر و طهارته بزوال378، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

التغير بأن له مادة، فإنه و إن كان ارتكازيا إال أن االرتكاز المذكور ال يكفي في استكشاف الحكمين، بنحو يخرج به عن عمومات االنفعال و استصحاب النجاسة لو

ال الجعل الشرعي ... إلى غير ذلك. و من ثم ال نلتزم بأن مفاد التعليل في المقام إمضاء بناء العقالء على العمل

باالستصحاب، ليكون قاصرا عما لو علم بعدم عملهم به، كما لو ظن بانتقاض الحالة السابقة، بل هو حكم تعبدي للشارع األقدس يتمسك بإطالق دليله في المورد

المذكور و إن كان ارتكازيا في الجملة، بلحاظ أن في الجري على مقتضى اليقينالسابق جهة ارتكازية تناسب جعله في مقام ضرب القاعدة العملية عند الشك.

Page 217: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و الحاصل: أنه ال ينبغي التأمل في ظهور الكبرى المذكورة في عموم الرجوع لالستصحاب من دون خصوصية للشك في انتقاض الوضوء، كما هو مقتضى إطالق

اليقين المناسب لالرتكاز، و ال يصلح التقييد في الصغرى لرفع اليد عن ذلك.و منها: صحيحة أخرى لزرارة:

»قلت ]ألبي جعفر عليه السالم: إنه. ع[ أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره، أو شيء من مني، فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء، فأصبت ]الماء. ع ]و حضرت الصالة و نسيت أن بثوبي شيئا و صليت، ثم إني ذكرت بعد ]ذلك. يب[ قال: تعيد الصالة و

تغسله. قلت: فإني ]فإن. ع[ لم أكن رأيت موضعه و ]قد. ع[ علمت أنه أصابه فطلبته فلم

أقدر عليه فلما صليت وجدته. قال: تغسله و تعيد. قلت ]قال. ع[: فإن ظننت أنه قد أصابه و لم أتيقن ذلك، فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت ]فرأيته. ع[ فيه ]بعد الصالة. ع[ قال: تغسله و ال تعيد الصالة. قلت:

لم ذلك؟ ]و لم ذاك. ع[ قال: ألنك كنت على يقين من طهارتك،379، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

فشككت ]نظافتك، ثم شككت. ع[ فليس لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا. قلت: فإني قد علمت أنه قد أصابه و لم أدر أين هو فأغسله. قال: تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه ]قد. يب[ أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك ]طهارته.

قال. ع[ قلت: فهل علي إن شككت في أنه أصابه أن انظر فيه ]فأقلبه. ع[؟قال: ال، و لكنك إنما تريد ]بذلك. ع[ أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك قلت: إن ]قال: فإن. ع[ رأيته في ثوبي و أنا في الصالة. قال: تنقض الصالة و تعيد إذا

شككت في موضع منه ثم رأيته ]فيه. ع[، و إن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت ]الصالة. يب[ و غسلته، ثم بنيت على الصالة، ألنك ]فإنك. ع[ ال تدري لعله شيء

أوقع ]وقع. ع[ عليك، فليس ينبغي ]لك. ع[ أن تنقض اليقين بالشك ]بالشك اليقين..«1 »ع[«

و ال يضر إضمارها في التهذيب بعد روايته لها عن زرارة بطريق صحيح، بضميمة ما تقدم في الصحيحة األولى، و بعد روايتها في العلل عن أبي جعفر عليه السالم

بطريق صحيح أيضا. ثم ال يخفى أن االستدالل بها بلحاظ التعليل في صدرها و ذيلها بالقياس المتضمن لكبرى االستصحاب، الظاهر في العموم بالتقريب المتقدم في الصحيحة األولى. و

أما قوله عليه السالم: »تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك«. فهو و إن كان مطابقا لمفاد االستصحاب إال أنه مختص بمورده، و التعدي عنه إنما يكون بإلغاء خصوصيته عرفا تبعا للمناسبات االرتكازية

التي يغني عنها عموم التعليل المذكور.هذا و قد يستشكل في االستدالل بصدرها من وجهين:

______________________________ . طبع النجف األشرف. و من العلل421 ص: 1( أخذناها بتمامها من التهذيب ج: 1 )

2. طبع النجف األشرف. و خرجها في الوسائل متفرقة في ج: 36 ص: 80باب: .2 حديث: 42 و باب: 1 حديث: 41 و باب: 1 حديث: 37 و باب: 2 حديث: 7باب:

كل ذلك في أبواب النجاسات.

Page 218: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

380، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج األول: أنه ال ملزم بحمل اليقين بالطهارة على اليقين بتحققها في الزمان السابق

على إصابة النجاسة المحتملة، و حمل الشك على الشك في بقائها في زماناإلصابة المحتملة، ليكون من موارد االستصحاب، و يلزم حمل الكبرى عليه.

بل قد يكون المراد باليقين بالطهارة هو اليقين حين الصالة الحاصل بسبب الفحص و عدم الوجدان، و من الشك هو الشك في وجوده حينها أيضا الحاصل من رؤيته بعدها، حيث قد يكون ذلك سببا في تزلزل اليقين المذكور و تبدله بالشك، للتردد بين سبق النجاسة المرئيةو عدم استيعاب الفحص- و تجددها بعد الصالةنظير ما

تضمنه الذيلفيكون المورد من موارد قاعدة اليقين، و يلزم حمل الكبرى علىالقاعدة المذكورة، و تخرج عن محل الكالم.

و يندفع بأن حصول اليقين من الفحص محتاج إلى عناية لم يشر إليها.و ال سيما مع سبق فرض عدم الوجدان بالفحص مع اليقين باإلصابة في قوله: »علمت أنه أصابه فطلبته فلم أقدر عليه«. بل المنسبق منه بقاء الشك، و إال

فاليقين المسبب عن الفحص المستوعب ال يتزلزل غالبا برؤية النجاسة بعد ذلك معفرض إمكان تجددها بعد الصالة.

كما أن كون رؤيته بعد الصالة مثيرا الحتمال رؤيته بعدها بنحو يقتضي تزلزل اليقين، و تبدله بالشكليكون من صغريات قاعدة اليقينمحتاج إلى عناية أيضا، و لذا نبه له

اإلمام عليه السالم في الذيل، فعدم تنبيه السائل عليه ظاهر في عدمه. على أن ظاهر سؤال زرارة عن العلة لعدم اإلعادة في الفرض المذكور هو

مشاركته للفرضين السابقيناللذين حكم فيهما بإعادة الصالةفي وقوع الصالة حالالنجاسة. و لو كان المفروض فيه الشك في ذلك لما كان بينه و بين

381، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الفرضين السابقين جهة مشتركة، تثير السؤال عن وجه اختصاصه بعدم اإلعادة من بينهما، بل كان عدم اإلعادة واضح الوجه، ألنه مقتضى استصحاب الطهارة، و قاعدة

الفراغ، و قاعدة اليقين بناء على حجيتها. و من ثم كان ظاهر الصدر إرادة ما يناسب االستصحاب. بل هو المتعين بناء على ما

في العلل من روايته هكذا: »ثم صليت فرأيته فيه« لظهوره في كون المرئي هو الذي ظن إصابته أوال. و الظاهر حجية ما في العلل، ألن نسبته لرواية التهذيب نسبة

المبين للمجمل، و ليسا من سنخ المتعارضين بعد إمكان النقل بالمعنى. الثاني: أن عدم نقض اليقين بالشك إنما يصلح ألن يكون تعليال لجواز الدخول في الصالة ظاهرا، للشك حينه في النجاسة، ال لعدم وجوب اإلعادة واقعا بعد فرض

انكشاف وقوع الصالة مع النجاسة و فقدها للشرط، بل تكون اإلعادة حينئذ نقضالليقين باليقين.

و يندفع بأن التعليل باالستصحاب إنما يتم بضميمة صحة الصالة مع النجاسة عن عذر غير النسيان المعلوم من النصوص و الفتاوى، و الذي ال يبعد وضوحه لزرارة، و

لذا اكتفي بالتعليل باالستصحاب. فالغرض من التعليل بيان تحقق العذر الذي تصح معه الصالة واقعا باالستصحاب في مفروض السؤال، فرقا بينه و بين الفرض السابق الذي ال يجري فيه االستصحاب، و

إن اشتركا في الصالة في النجاسة و عدم وجدانها بالفحص قبل الصالة.

Page 219: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

على أن خفاء وجه التعليل و انطباق كبرى االستصحاب على الموردلو تمال يمنع من التمسك بها بعد وفاء الكالم بالداللة عليها. فال مخرج عن ظهور الكبرى في

االستصحاب، و يتعين حجيتها فيه.382، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

هذا كله في االستدالل بالتعليل الذي تضمنه الصدر. و أما التعليل الذي تضمنه الذيل فقد يشكل االستدالل به بما أشار إليه شيخنا األعظم قدس سره من أن تفريع عدم

نقض اليقين بالشك على احتمال تأخر وقوع النجاسة مانع من حمل الالم على الجنس، ليكون مشيرا لكبرى االستصحاب، ألن ظاهر التفريع بالفاء ترتب ما بعدها على ما قبلها،- نظير ترتب المعلول على العلة، و الحكم على الموضوعو ال ترتب

بين الصغرى و الكبرى، و إنما المترتب على الصغرى و الذي يصح تفريعه عليها هو النتيجة التي يكون موضوعها مطابقا لموضوع الصغرى، ال أعم منه، و ذلك يناسب

حمل الالم على العهد، لبيان عدم جواز نقض اليقين الحاصل في المورد بالشكالحاصل فيه، الذي هو مفاد نتيجة القياس، ال كبراه.

و حينئذ ال مجال الستفاد عموم االستصحاب من القضية المذكورة إال بضميمة إلغاء خصوصية المورد، و أنه ليس من شأن اليقين أن ينقض بالشك مطلقا، كما هو غير بعيد. بل يتعين بلحاظ ورود القضية مورد التعليل، محافظة على ارتكازية التعليل، على ما سبق توضيحه في الصحيحة األولى، حيث يتعين حينئذ ابتناء التعليل على

طى كبرى االستصحاب العامة. ثم إن هذا اإلشكال ال يرد في الصدر بناء على ما أثبته شيخنا األعظم قدس سره

من روايته بالواو ال بالفاء. لكن تقدم منا روايته بالفاء تبعا للتهذيب و العلل المطبوعين في النجف األشرف و الوسائل الحديثة. و حينئذ قد يتوجه اإلشكال

المذكور فيه أيضا. إال أن حمله على العهد و بيان حكم خصوص المورد ال يناسب ماتضمنه من التأييد جدا.

و حينئذ ال بد إما من كون الصحيح فيه هو العطف بالواوكما أثبته شيخنا األعظم قدس سرهأو يكون ذكر الفاء للتوسع و التسامح في تفريع الكبرى على الصغرى، و

إن كان هو خالف الظاهر في نفسه. فإن تم هذا األخير لم يبعد كونه383، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

صالحا للقرينية على إرادة العموم من الذيل، ألن الظاهر منه اإلشارة إلى ما تقدمفي الصدر.

و قد تحصل من جميع ما تقدم: أن الصحيحةبصدرها و ذيلهاوافية ببيان عموم االستصحاب، إما لوفاء تركيب الكالم له بنفسه، أو بضميمة لزوم حمل التعليل على

كونه ارتكازيا.و منها: صحيحة ثالثة لزرارة

عن أحدهما عليهما السالم: »قلت له: من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين؟ قال: يركع ركعتين و أربع سجدات و هو قائم بفاتحة الكتاب، و يتشهد و ال شيء عليه. و إذا لم يدر في ثالث هو أو في أربع و قد أحرز الثالث قام فأضاف إليها أخرى، و ال

شيء عليه، و ال ينقض اليقين بالشك، و ال يدخل الشك في اليقين، و ال يخلط أحدهما باآلخر. و لكنه ينقض الشك باليقين، و يتم على اليقين، فيبني عليه، و ال يعتد

.«1 »بالشك في حال من الحاالت«

Page 220: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و قد يستدل بقوله عليه السالم: »و ال ينقض اليقين بالشك« الذي هو بلسان كبرىاالستصحاب التي تقدمت في الصحيحتين األوليين.

و قد استشكل فيه بوجوه عمدتها ما أشار إليه شيخنا األعظم قدس سره من أن قوله عليه السالم: »قام فأضاف إليها أخرى« إن أريد به اإلتيان بالركعة متصلة بما

قبلها كان مطابقا لالستصحاب، إال أنه جار على مذهب العامة، و مخالف لما عليه اإلمامية من عالج الشك المذكور بركعة مفصولةهي صالة االحتياطو لظاهر الفقرة

األولى المتضمنة لإلتيان بالركعتين بفاتحة الكتاب، لوضوح عدم تعين______________________________

في باب السهو في الثالث و األربع من كتاب الصالة. و351 ص: 3( الكافي ج: 1 ) من أبواب الخلل الواقع في11 باب: 5قد أخرج صدر الحديث في الوسائل ج:

.3 من األبواب المذكورة حديث: 10، و ذيله في باب: 3الصالة حديث: 384، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الفاتحة في األخيرتين من الرباعية، بل قوله عليه السالم: »يركع ركعتين ...« ظاهر في إرادة الصالة المستقلة، و إال كان المناسب أن يقول: »يأتي بركعتين«. كما أنهال يناسب بقية الفقرات الناهية عن إدخال الشك في اليقين و خلط أحدهما باآلخر.

و من هنا كان الظاهر من قوله عليه السالم: »قام فأضاف إليها أخرى« إرادة اإلتيان بركعة مفصولة هي صالة االحتياط، كما هو الظاهر في األمر بالركعتين قبل ذلك، و يكون قوله عليه السالم: »و ال ينقض اليقين بالشك« تعقيبا عليهما معا، مع

كون المراد باليقين فيه اليقين ببراءة الذمة الحاصل من عالج الشك بصالة االحتياط- في مقابل البناء على األكثر و االكتفاء به، أو على األقل و إضافة

المشكوك له متصال به، اللذين يشك في براءة الذمة واقعا بهماأو اليقين بصحة المأتي به و مشروعيته، مع كون المراد بنقضه بالشك احتمال إبطاله بإضافة الركعة

له أو نقصها منه، أو يراد نقض المتيقن الصحةو هو المأتي بهبإبطاله و استئنافالصالة بسبب الشك، أو نحو ذلك مما يناسب عالج الشك بصالة االحتياط.

و حينئذ تكون أجنبية عن االستصحاب. هذا و قد أجيب عن ذلك بوجوه األول: ما أشار إليه المحقق الخراساني قدس سره من أن تطبيق كبرى االستصحاب إنما هو بلحاظ أصل اإلتيان بالركعة، و أن وجوب

فصلها حكم آخر مستفاد من دليل آخر مقيد إلطالق دليل االستصحاب المقتضي لترتيب تمام اآلثار، و منها وصل الركعة، فال يلزم في المقام إال تقييد إطالق دليل

االستصحاب، ال إلغاؤه بالمرة، ليمتنع حمل القضية عليه. و ال يخفى أن هذا الوجه مبني على كون وجوب اإلتيان بما يحتمل نقصه ظاهريا، مع

كونه منوطا واقعا بعدم اإلتيان به، بحيث لو لم يأت به و اكتفى بالسالم على ماتيقن برجاء تمامية الصالة و صادف تماميتها واقعا صحت صالته.

385، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج كما أن كون دليل فصل صالة االحتياط مقيدا لعموم االستصحاب مبني على كون

وجوب الفصل ظاهريا مراعاة الحتمال تمامية المتيقن، بحيث لو وصل برجاء النقص و صادف النقص واقعا صحت الصالة. أما بناء على أن وجوب اإلتيان بالركعة

المنفصلة واقعي ثانوي، لتبدل الحكم الواقعي في حال الشك، فالوجوب المذكور اليبتني على االستصحاب، و ال على تقييد دليله.

Page 221: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

إذا ظهر هذا فأعلم أنه يشكل هذا الوجه بعدم ظهور الحديث في بيان وجوب أصل اإلتيان بالمشكوك، بل في بيان وجوب خصوص صالة االحتياط المنفصلة، كما

يناسبه مالحظة صدره، و النهي عن إدخال الشك في اليقين و عن خلط أحدهما باآلخر، و شدة تأكيد الحكم و االهتمام بتوضيحه، مع أن أصل اإلتيان بالمشكوك

مستغن عن ذلك، لمطابقته لالستصحاب، و المرتكزات. كما أن تأكيد قوله عليه السالم: »و ال ينقض اليقين بالشك« بالفقرات األخيرة خصوصا قوله عليه السالم: »و ال يعتد بالشك في حال من الحاالت« ال يناسب

تخصيصه في وجوب فصل الركعة جدا. و أضعف من ذلك دعوى أن قوله عليه السالم: »و ال يدخل الشك ...« هو الدليل

على التخصيص المذكور. إذ فيه: أن ظاهر الفقرات المذكورة تأكيد ما قبلها و الجري على ما يطابقه، ال في

بيان حكم آخر مناف له و مقيد إلطالقه. و كلمات الفقهاء من أن عالج الشك«1 »على أن ما تضمنته جملة من النصوص

إنما يكون بالبناء على األكثر، ثم اإلتيان بصالة االحتياط، ال يناسب ابتناء اإلتيانبالمشكوك على االستصحاب الذي مقتضاه البناء على األقل، بل

______________________________ من أبواب الخلل الواقع في الصالة.8 باب: 5( راجع الوسائل ج: 1 )

386، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج المناسب لذلك الخروج عن مقتضى االستصحاب بالبناء على األكثر و السالم عليه،

مع ابتناء اإلتيان بصالة االحتياط على تقييد البناء على األكثر، ال أن فصلها تقييدلالستصحاب. فالوجه المذكور بعيد جدا.

الثاني: ما أشار إليه شيخنا األعظم قدس سره من حمل تطبيق كبرى االستصحاب في المقامالمقتضي للبناء على األقل و تتميم الصالة باإلتيان بالمشكوكعلى التقية، من دون أن يمنع ذلك من االستدالل بالكبرى المذكورة على االستصحاب، ألصالة

الجهة فيها. نظير ما ورد في قول اإلمام الصادق عليه السالم للسفاح في أمر حيث يستدل«1 »الهالل: »ذاك إلى اإلمام إن صمت صمنا، و إن أفطرت أفطرنا«

به على الرجوع لإلمام في الهالل، و إن كان تطبيقه في المورد تقية. و يشكل أوال: بأن ذلك قد يتم فيما إذا لم يكن الحمل على التقية منافيا لعموم الكبرى حقيقة، لخروج المورد تخصصاكما في المثال المتقدمأو الستغناء حكم

المورد عن الكبرى، كما في صحيحة صفوان و البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السالم: »في الرجل يستكره على اليمين، فيحلف بالطالق و العتاق و صدقة ما

يملك أ يلزمه ذلك؟ فقال: ال. قال رسول الله صلى الله عليه و آله: وضع عن أمتي فإن الحلف بالطالق و العتاق و«2 »ما أكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطئوا«

الصدقة باطل ذاتا و إن وقع اختيارا، و إنما علل عليه السالم مع ذلك البطالن باإلكراه و حديث الرفع تقية، لذهاب العامة إلى نفوذ الحلف المذكور، من دون أن

يمنع ذلك من عموم رفع اإلكراه أو نحو ذلك مما ال يلزم منه قصور العموم المذكور. أما إذا كان الحمل على التقية راجعا إلى قصور ذلك العموم عن المورد تخصيصاكما

في المقامفهو راجع إلى عدم صدور العموم لبيان الحكم______________________________

Page 222: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت اإلمساك57 باب: 7( الوسائل ج: 1 ).5حديث:

.12 من أبواب كتاب األيمان حديث: 12 باب: 16( الوسائل ج: 2 )387، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الحقيقي، و عدم تمامية أصالة الجهة فيه، فالبناء على تمامية العموم في غيرالمورد يرجع إلى دعوى عموم آخر قاصر عن المورد، و ال شاهد عليه.

و دعوى: أنه يكفي في الشهادة عليه العموم المذكور في المورد، المفروض كون تطبيقه على المورد للتقية، كما هو الحال في كل عموم ثبت تخصيصه في بعض

أفراده حيث يكون حجة في الباقي. ممنوعة، المتناع تخصيص المورد، الملزم في مثل ذلك بالبناء على سقوط العموم عن الحجية رأسا، و عدم تمامية أصالة الجهة

فيه، لعدم وروده لبيان الحكم الحقيقي. و ثانيا: بأن ذلك موقوف على ظهور الحديث في إرادة تتميم الصالة باإلتيان

بالمشكوك متصال بهاكما هو مذهب العامة، المطابق لالستصحاب- و قد سبق المنع منه، و أن الحديث ظاهر في إرادة اإلتيان بصالة االحتياط المفصولة عن الصالة التي

وقع الشك فيها، المخالف للعامة و لمقتضى االستصحاب، و الملزم بحمل الكبرى على ما يناسب ذلك، ال على االستصحاب تقية. و ال سيما مع تأكيد الكبرى المذكورة

بالفقرات التالية، الظاهر في تبني اإلمام عليه السالم لمفادها و اهتمامه به، والمناسب لسوقه مساق الرد على العامة، ال لمجاراتهم.

الثالث: ما ذكره بعض مشايخنا قدس سره من أن موضوع صالة االحتياط التي يكون بها عالج الشك عند اإلمامية مركب من أمرين: الشك الوجداني و عدم اإلتيان

واقعا بالركعة المشكوك فيها. فمع الدوران بين الثالث و األربع يكون الجزء األول ثابتا بالوجدان، و الثاني محرزا باالستصحاب، فاالستصحاب منقح لموضوع الوظيفة

التي يكون بها عالج الشك، ال مناف لها. و فيهمع ابتنائه على كون وجوب صالة االحتياط ظاهريا، و عدم مناسبة ابتناء وجوب

صالة االحتياط على االستصحاب، لما في جملة من النصوص388، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و كلمات األصحاب من أن عالج الشك إنما يكون بالبناء على األكثر، نظير ما تقدم في الوجه األول-: أن أخذ الشك في موضوع صالة االحتياط ينافي عرفا أخذ عدم

اإلتيان بالركعة واقعا بنحو يحتاج إلى إحرازه باالستصحاب، لوضوح أن الشك ينافي اإلحراز عرفا و إن لم ينافه حقيقة. و لذا ال ريب في عدم مشروعية صالة االحتياط

مع قيام البينة على عدم اإلتيان بالركعة المشكوكة، مع أن البينة تشاركاالستصحاب في إحراز عدم اإلتيان بالركعة المشكوكة، و في بقاء الشك حقيقة.

و لذا كان المستفاد من نصوص العالج أن موضوع صالة االحتياط هو الشك ال غير. و غاية ما يدعى أنه موضوع لوجوبها ظاهرا ال واقعا. و حينئذ ال يحتاج إلى االستصحاب

إلحراز عدم اإلتيان بالركعة. بل حمل قوله عليه السالم: »و ال ينقض اليقين بالشك« على بيان موضوع صالة االحتياط، مع قوله عليه السالم: »و ال يدخل الشك ...« لبيان كيفيتها، ثم تأكيده

بقوله:

Page 223: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

»و ال يخلط ...«، ثم تأكيد األول بقوله عليه السالم: »و لكنه ينقض ...« تكلفيوجب انحالل الكالم و عدم تناسقه. و من ثم ال يتم الوجه المذكور.

على أنه لو غض النظر عما سبق في دفع هذه الوجوه فهي إنما تنهض ببيان إمكان إرادة االستصحاب من الفقرة المذكورة، و ال تنهض بتقريب ظهورها فيه، لتنهض

الصحيحة باالستدالل بحيث يستغنى بها عن غيرها. و مجرد اشتمال بعض نصوص االستصحاب على العبارة المذكورة ال يكفي في ذلك.

كما يظهر مما يأتي عند الكالم في حديث الخصال.و منها: صحيحة إسحاق بن عمار:

»قال لي أبو الحسن األول عليه السالم: إذا شككت فابن على اليقين. قلت: هذا.«1 »أصل؟ قال: نعم«

______________________________.2 من أبواب الخلل الواقع في الصالة حديث: 8 باب: 5( الوسائل ج: 1 )

389، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و قد يستدل بها بتقريب أنها تقتضي لزوم العمل باليقين و البناء على مقتضاه عند

الشك، الذي هو مفاد االستصحاب. و ليست مختصة بالشك بالركعات، ليرد على االستدالل بها ما سبق. غاية ما يلزم تخصيصهاكسائر عمومات االستصحابفي الشك

في الركعات، لوجوب التسليم فيه على األقل. و ليس ذلك محذورا. و فيه: أن الصحيحة إنما تضمنت األمر بالبناء على اليقين، و هو في نفسه ال يخلو

عن إجمال. و لعل األقرب للمعنى الحقيقي هو لزوم ابتناء العمل على اليقين، المساوق لما تضمن لزوم كون العمل عن بصيرة، و عدم التعويل على الظنون و

الشبهات. و إذا فرض عدم إرادة ذلك، فكما يمكن حملها على االستصحاب- بتنزيل اليقين

على اليقين بالحدوث، و الشك على الشك في البقاءيمكن حمله على قاعدة اليقينبتنزيل اليقين على اليقين الزائل، و الشك على الشك الذي يخلفه في موردهأو على وظيفة الشك في الركعات، بتنزيل اليقين على اليقين بما يوجب براءة الذمة،

أو اليقين بالركعات المتيقنة المشروعية، على ما تقدم شرحه في الصحيحة السابقة. و بعد عدم المعين إلرادة االستصحابمن قرينة حالية أو مقاليةيتعين البناء

على اإلجمال. بل ظاهر مثل الصدوق ممن ذكر الحديث في أحكام الخلل في الصالة كون وظيفة

الشك في الركعات متيقنة من موردها، كما يناسبه ورود المضمون المذكور في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج و علي عن أبي إبراهيم عليه السالم: »في السهو

.«1 »في الصالة. قال: تبني على اليقين، و تأخذ بالجزم، و تحتاط بالصلوات كلها«و حينئذ يبعد حمله على االستصحاب جدا.

______________________________.2 من أبواب الخلل الواقع في الصالة حديث: 23 باب: 5( الوسائل ج: 1 )

390، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جو منها: ما في الخصال بسنده عن أبي بصير و محمد بن مسلم

Page 224: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

عن أبي عبد الله عليه السالم عن أمير المؤمنين عليه السالم: »أنه قال في حديث األربعمائة: من كان على يقين فشك فليمض على يقينه، فإن الشك ال ينقض

.«1 »اليقين« و ليس في سنده من لم ينص على توثيقه إال القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن

راشد. و يستفاد توثيقهما من ابن قولويه، لروايته عنهما في كتابه كامل الزيارات. معتضدا أو مؤيدا بحكم الصدوق في الفقيه بترجيح زيارة الحسين عليه السالم التي روياها. قال رضي الله عنه بعد ذكر تلك الزيارة: »و قد أخرجت في كتاب الزيارات و في كتاب مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السالم أنواعا من الزيارات، و اخترت هذه لهذا الكتاب، ألنها أصح الروايات عندي من طريق الرواية و فيها بالغ

. و يعتضد توثيق القاسم برواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه، و هو«2 »و كفاية« الذي أخرج البرقي من قم، ألنه يروي عن الضعفاء و يعتمد المراسيل، مؤيدا برواية

غيره من األجالء عنه. كما يعتضد توثيق الحسن بن راشد الذي هو مولى المنصور بكونه من رجال تفسير القمي، و برواية ابن أبي عمير عنه، مؤيدا برواية غيره من

األجالء عنه.و ال يقدح في وثاقة الحسن تضعيف النجاشي للحسن بن راشد الطفاوي.

فإن الظاهر تعددهما، ألن الطفاويين بطن من العرب، فالرجل منسوب لهم بالنسب أو الوالء فكيف يتحد مع مولى المنصور العباسي، و ال سيما و أن مولى المنصور من أصحاب الصادق و الكاظم عليهما السالم و الطفاوي في طبقة أصحاب الرضا عليه

السالم. كما ال يقدح في وثاقتهما معا تضعيف ابن الغضائري و العالمة لهما.إذ ال اعتماد على تضعيف ابن الغضائري. لما هو المعروف من إغراقه في

______________________________ . و الخصال ص:6 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1 باب: 1( الوسائل ج: 1 )

طبع النجف األشرف.584 طبع النجف األشرف.360 ص: 2( الفقيه ج: 2 )

391، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الطعن، أو لعدم ثبوت نسبة الكتاب المتداول له، و ال على تضعيف العالمة لتأخر

عصره و أخذه عمن سبقه، حيث يقرب متابعته للتضعيف المنسوب البن الغضائري. و أما الداللة فقد تقرب بأن الحديث و إن اشتمل على الترتب بين اليقين و الشك،

و هو مردد بدوا بين قاعدة اليقينالتي يكون الترتب فيها بين الوصفين نفسهما مع اتحاد متعلقهماو االستصحابالذي يكون الترتب فيه بين متعلقي الوصفين، من دون ترتب بين الوصفين نفسهماإال أن الثاني أقرب. بل هو المتعين بعد كونه هو األمر

االرتكازي الصالح للتعليل، و تداول التعبير عنه بالعبارة المذكورة في النصوص األخر، و ظهور الكالم في وجود اليقين حين المضي و العمل، الذي يختص

باالستصحاب. دون قاعدة اليقين التي يتزلزل اليقين فيها و يخلفه الشك. فال بد من تنزيل الترتيب على الترتيب بين المتعلقين، أو على الغالب من كون اليقين بالحدوث

أسبق حصوال من الشك في البقاء. لكن في بلوغ ذلك حدا يوجب ظهور الحديث و نهوضه باالستدالل إشكال. و توضيح

ذلك: أن ظاهر النهي عن نقض شيء بشيءكالنهي عن نقض خبر زيد بخبر عمرواعتبار أمرين: األول: تنافي مضمونيهما، المتوقف على اتحاد موضوعهما و

Page 225: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

متعلقهما من جميع الجهات. الثاني: تحقق المنقوض في زمان الناقض، و عدم ارتفاعه معه، إذ نقض الطريق فرع تمامية اقتضائه للعمل، و ال اقتضاء له مع

ارتفاعه. و لذا ال يصدق نقض خبر زيد بخبر عمرو إذا اختلف مضمونهما، أو عدل زيدعن خبره حين إخبار عمرو على خالفه.

إال أنه يتعذر الجمع بين األمرين معا في النهي عن نقض اليقين بالشك، الستحالةاجتماعهما في موضوع واحد في زمان واحد، بل ال بد من رفع اليد عن أحدهما.

392، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و من الظاهر أن رفع اليد عن األول إنما يصح مع فرض نحو من االتحاد بين

المتعلقين يصحح التوسع بإطالق النقض، إذ مع فرض التباين بينهما من جميعالجهات يكون إطالق النقض مستهجنا.

و حينئذ فكما يمكن حمله على االستصحاببلحاظ اتحاد متعلق الوصفين ذاتا واختالفهما زمانايمكن حمله على قاعدة المقتضي و المانع.

و ربما يرجع إليه ما في حديث اإلمام زين العابدين مع الزهري في ردع اإلنسان عن توهم الرفعة على غيره، حيث قال عليه السالم: »فقل: أنا على يقين من ذنبي، و

. كما يمكن حمله على بيان عدم«1 »في شك من أمره، فما لي أدع يقيني لشكي« رفع اليد عن الحجة بالالحجة، فإن متعلق اليقين و الشك و إن كان مختلفا ذاتا،

لتعلق اليقين بقيام الحجة على الشيء، و تعلق الشك بوجوده بنفسه، إال أن ذلك ال يمنع من إطالق العلم بالشيء توسعا، بتنزيل العلم بالحجة على الشيء منزلة العلم

به. بل قد يطلق الشك على ما ليس بحجة، فيتحد المتعلق حقيقة. أما رفع اليد عن الثانيو هو تحقق المنقوض في زمان الناقضمع المحافظة على

األول، فهو يقتضي الحمل على قاعدة اليقين ال غير. و بهذا يكون التعبير المذكور صالحا لجميع الوجوه، و ليس مرددا بين االستصحاب و

قاعدة اليقين فقط. الشتراك جميع هذه الوجوه في االحتياج للعناية المصححة، و في حسن إرادته من العبارة بعد إعمال العناية. و حمله على االستصحاب في

نصوصه لقرينة المورد ال يستلزم ظهوره فيه في مثل هذا الحديث المجرد عن القرينة، حتى مثل فهم األصحابالذي قد يكون من القرائن الخارجيةلعدم ثبوت

فهمهم االستصحاب من الحديث المذكور.و أما اشتهار التعبير عن االستصحاب بالعبارة المذكورة أو ما يجري

______________________________ طبع النجف األشرف.89 ص: 2( مجموعة ورام ج: 1 )

393، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج مجراها في العصور المتأخرة فقد يكون الشتهار التمسك له فيها بالنصوص

المتقدمة، و ال يكشف عن ظهور مثل هذا اللسان في االستصحاب في عصر صدور الحديث الشريف. و ال سيما بعد ما تقدم من إطالق مثل هذا اللسان في صحيحة

زرارة الثالثة، و صحيح ابن الحجاج و علي، و ما في حديث اإلمام زين العابدين عليهالسالم مما ال يناسب إرادة االستصحاب جدا.

كما ال يكشف عن ظهوره في االستصحاب بين قدماء األصحاب بعد ما في كالم غير واحد من إطالقه على ما يناسب قاعدة اليقين. قال في النهاية في حكم الشك في

الوضوء: »فإن انصرف من حال الوضوء و قد شك في شيء من ذلك لم يلتفت إليه

Page 226: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و مضى على يقينه« و قال في الغنية: »فإن نهض متيقنا لتكامله لم يلتفت إلى شك يحدث له، ألن اليقين ال يترك بالشك«. و حكي نحوه عن السرائر، بل قال شيخنا

األعظم قدس سره: »و يقرب من هذا التعبير عبارة جماعة من القدماء«. و أما قرينة ارتكازية التعليل، فهي إنما تنفع في تعيين المراد من التعليل بعد الفراغعن تعيين الحكم المعلل، ال في مثل المقام مما لم يعين فيه نفس الحكم المعلل. على أنه ال مجال إلنكار ارتكازية قاعدة اليقين فيما لو لم يكن ارتفاع اليقين ناشئا

من انكشاف خطأ االستناد لمستنده، بل من الجهل بحال المستند لنسيانه، فإن البناء على مقتضى اليقين ارتكازي لمشابهته لقاعدة الصحة. كما أن قاعدة

المقتضي و المانع ال تقصر في االرتكازية عن االستصحاب. بل قاعدة عدم نقض الحجة بالالحجة أقوى ارتكازية من الجميع، فإنها قاعدة عقلية قطعية يكثر تسامح الناس فيها و خروجهم عنها باعتمادهم على الشبه و الظنون، فيحسن الردع عن

ذلك باإلرشاد للقاعدة و التنبيه عليها.394، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و أما ما تقدم من ظهور الحديث في فعلية اليقين حين المضي و العمل، فهو إنما يمنع من الحمل على قاعدة اليقين، و ال يعين االستصحاب، الشتراك بقية القواعد المتقدمة معه في ذلك. على أن ظهوره في ذلك ال يقصر عن ظهوره في تنافي اليقين و الشك التحاد موضوعهما من جميع الجهات، الملزم بالحمل على قاعدة

اليقين ال غير. و بالجملة: الظاهر عدم نهوض الحديث لالستدالل على االستصحاب، بل هو مردد

بينه و بين القواعد المشار إليها من دون قرينة معينة، فيلزم البناء على إجماله. هذا و ربما يقال: عدم القرينة على تعيين شيء من هذه الوجوه يقتضي الحمل على

ما يعمها جميعا، أخذا بعموم المجاز. و فيه أوال: أن الحمل على عموم المجاز إنما يتعين بعد العلم بإرادة معنى مجازي و

تحديده مع الشك في تقييده، ألن التقييد خالف األصل، كما في المعنى الحقيقي، بخالف ما إذا كان الكالم صالحا للمعاني المجازية المتعددة مع احتمال إرادة ما

يعمها، ألن الجامع بينهما نجده معنى مستقل بنفسه في قبال خصوصيات المعانييحتاج إلى قرينة تعينه مثلها.

و ثانيا: أن الحمل عليه موقوف على وجود جامع عرفي بين المعاني المجازية،ليمكن ظهور الكالم فيه، و هو غير حاصل في المقام. كما لعله ظاهر.

و مما ذكرنا في حديث الخصال يظهر الحال في مرسل المفيد قدس سره في اإلرشاد عن أمير المؤمنين عليه السالم: »من كان على يقين فأصابه شك فليمض

، لتقارب لسان الحديثين، فما يجري«1 »على يقينه، فإن اليقين ال يدفع بالشك«في أحدهما

______________________________ ( ذكر ذلك في الفصل الذي عقده لكالمه عليه السالم في الحكمة و الموعظة1 )

ه.1381 طبع النجف األشرف سنة 159ص: 395، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

يجري في اآلخر.و منها: ما رواه الصفار عن علي بن محمد القاساني

Page 227: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

- كما في التهذيبأو القاشانيكما في االستبصارقال: »كتبت إليه و أنا بالمدينة أسأله عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم ال؟ فكتب: اليقين ال يدخل فيه

.«1 »الشك. صم للرؤية، و أفطر للرؤية« و قد يشكل السند باشتراك علي بن محمد بين القاشاني الذي ضعفه الشيخ و

القاساني الذي يظهر من النجاشي توثيقه.و أما الداللة فقد استوضحها غير واحد، بل قال شيخنا األعظم قدس سره:

»و اإلنصاف أن هذه الرواية أظهر ما في الباب من أخبار االستصحاب«. و كأن وجه أظهريتها من الصحيحتين األوليين: أن الكبرى فيها ظاهرة في العموم، لعدم

سبق ما يوهم العهد، بخالف الصحيحتين، على ما سبق. لكنه موقوف على حمل اليقين على اليقين بالحالة السابقة، و الشك على الشك

في الحالة الالحقة، و عدم الدخول على عدم رفع اليد عن األمر المتيقن، و ال ملزم بشيء من ذلك بعد عدم كونه المعنى الحقيقي المتعين من دون قرينة، و عدم

القرينة المعينة له من بين المعاني غير الحقيقية األخرى. بل كما يمكن الكناية عن ذلك يمكن الكناية عن أن ما يعتبر فيه اليقين ال يدخل فيه الشك، فيكون مساوقا

و نحو«2 »لما ورد من أن شهر رمضان فريضة من فرائض الله فال يؤدى بالتظنيذلك، فيكون مطابقا لالستصحاب، و إن لم يبتن عليه.

و منها: صحيح عبد الله بن سنان: »سأل أبي أبا عبد الله عليه السالم و أنا حاضر:

إني أعير الذمي ثوبي و أنا أعلم أنه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير، فيرده______________________________

.13 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3 باب: 7( الوسائل ج: 1 ).16 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3 باب: 7( الوسائل ج: 2 )

396، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج على، فأغسله قبل أن أصلي فيه؟ فقال أبو عبد الله عليه السالم: صل فيه و ال

تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إياه و هو طاهر، و لم تستيقن أنه نجسه، فال بأس.«1 »أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه«

و حيث لم يقتصر عليه السالم في التعليل على الشك في التنجيس الذي هو موضوع قاعدة الطهارة، بل أضاف إليه سبق الطهارة، كان ظاهرا في االستصحاب،

نعم هو مختص باستصحاب الطهارة، و الظاهر التسالم على جريانه بنحو يستغنيعن الصحيح.

لكن قال شيخنا األعظم قدس سره: »و ال يبعد عدم القول بالفصل بينها و بين غيرها مما يشك في ارتفاعها بالرافع«. لكنه غير ظاهر، إذ ال مجال لدعوى عدم

الفصل بعد ما حكاه هو قدس سره من التفصيل منهم بين االستصحاب الموضوعي و الحكمي الكلي و الجزئي، و التفصيل بين أقسام الشك في الرافع. على أنه ال

يكفي مجرد عدم القول بالفصل، بل ال بد معه من القول بعدم الفصل الراجعلإلجماع على المالزمة بين المورد و غيره، و ال مجال إلثبات ذلك.

اللهم إال أن يقرب ظهور الصحيح في العموم بأن ورود مقدمتي استصحاب الطهارة مورد التعليل مناسب إللغاء خصوصية الطهارة في الحكم، حفاظا على ارتكازية

التعليل، نظير ما تقدم في صحيحة زرارة األولى.

Page 228: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

لكنه يشكل بأن التعليل لم يتضمن كبرى عدم نقض اليقين بالشك االرتكازية، بل مجرد تحقق موضوع استصحاب الطهارة، المقتضي لجريان استصحابها. و لعله بلحاظ وضوح جريان االستصحاب المذكور شرعا، المصحح للتعليل به مع غض

النظر عن الجهة االرتكازية فيه المقتضية للتعميم.فالحظ.

______________________________.1 من أبواب النجاسات حديث: 74 باب: 2( الوسائل ج: 1 )

397، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جو منها: ما تضمن من النصوص التعبد بالحل و الطهارة.

و حيث كان الكالم فيها على نهج واحد تقريبا كان المناسب جمعها في مقام واحد. و هي موثق مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السالم: »سمعته يقول: كل

.«1 »شيء هو لك حالل حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ...« وموثق عمار عنه عليه السالم في حديث قال: »كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر،

.«2 »فإذا علمت فقد قذر، و ما لم تعلم فليس عليك«.«3 »و حديث حماد عنه عليه السالم: »الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قذر«

و قد اختلفوا في مفاد هذه النصوص على أقوال كثيرة، لترددهابعد النظر في كلماتهمبين قاعدة الحل و الطهارة الواقعية لألشياء بعنوانها األولي، و قاعدة الحل و

الطهارة الظاهرية لألشياء بعنوان كونها مشكوكة الحكم، و استصحابهما. و قد اختلفوا بين من جمع بين القواعد الثالث، و من جمع بين اثنتين منها، و من خصها

بواحدة منها، على اختالف بين األخيرين في تعيين المراد منها من غير المراد. و قد ذهب المحقق الخراساني قدس سره في حاشيته على الرسائل إلى الجمع

بين القواعد الثالث بدعوى: أن النصوص بصدرها قد تضمنت الحكم على األشياء و الماء بالحل و الطهارة، و ظاهر ذلك كون موضوع الحكم هو الشيء و الماء

بعنوانهما األولي، ال بعنوان ثانوي آخر، كمشكوك الحكم. و بعمومها األفرادي تكوندالة على قاعدة الحل و الطهارة الواقعيتين.

و بإطالقها األحوالي تقتضي عموم الحكم بالحل و الطهارة لجميع______________________________

.4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4 باب: 12( الوسائل ج: 1 ).4 من أبواب النجاسات حديث: 37 باب: 2( الوسائل ج: 2 ).5 من أبواب الماء المطلق حديث: 1 باب: 1( الوسائل ج: 3 )

398، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جاألحوال، و منها حالة الشك فيهما، و هو مفاد قاعدتي الحل و الطهارة الظاهريتين. كما أن مقتضى الغاية في الذيل استمرار الحكم المذكور إلى حين العلم بالحرمة و

النجاسة، الذي هو مفاد استصحاب الحل و الطهارة. و فيه أوال: أن مجرد إطالق الحكم األحوالي بنحو يشمل حال الجهل ال يجعله

ظاهريا، بل هو عبارة أخرى عما عليه اإلمامية »أعز الله كلمتهم« من اشتراكالحكم الواقعي بين العالم و الجاهل و الملتفت و الغافل.

أما الحكم الظاهري فهو متقوم زائدا على ذلك بالتعبد في مقام العمل بأحد طرفي الشك في رتبة متأخرة عن ثبوت الحكم الواقعي تأخر مقام اإلثبات عن مقام

Page 229: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الثبوت، من دون أن يتضمن جعل الحكم، فهو مختلف عن الحكم الواقعي سنخا ورتبة، و ال ينهض اإلطالق األحوالي للحكم الواقعي بإثباته.

و ثانيا: أنه ال مجال لحمل الغاية على االستصحاب. لوضوح أن مفاد الغاية استمرار الحكم المجعول المغيى نظير استمرار الحكم باستمرار موضوعه. أما استصحاب

الحكم فهو عبارة عن الحكم باستمراره ظاهرا بعد الفراغ عن أصل ثبوته واقعا، و في رتبة متأخرة عن ذلك، و ال يكفي فيه استمرار الحكم المجعول المستفاد من الغاية الذي هو من شئونه و تابع لسعة موضوعه، فإن كل حكم يستمر باستمرار

موضوعه، و ليس ذلك من االستصحاب في شيء. و من ثم كان الظاهر حمل النصوص على قاعدتي الحل و الطهارة الظاهريتين ال غير، ألن ظاهر أخذ عنوان الشيء في الحكم و إن كان هو ثبوت الحكم له بذاته،

المناسب لكون الحكم المجعول واقعيا، إال أن جعل الغاية العلم بالحرمة و النجاسةمناسب لكون موضوع الحكم ليس هو الشيء بذاته،

399، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج بل بعنوان الجهل بحكمه، المتأخر رتبة عن جعل الحكم الواقعي، و الملزم بكون

المجعول هو الوظيفة العملية عند الشك فيه، و أن الحكم ليس بالحل و الطهارة، بل بالتعبد بهما و البناء عليهما عمال في ظرف الشك فيهما الذي هو مفاد قاعدتي

الحل و الطهارة الظاهريتين، دون الواقعيتين. نعم ال يبعد التفكيك بين الصدر و الذيل، بحمل األول على الطهارة الواقعية، و الثاني على الطهارة الظاهرية في خصوص حديث حماد المختص بالماء، بتقريب: أن حمل

الصدر فيها على بيان الطهارة الظاهرية موجب إللغاء خصوصية الماء، و تقييده بخصوص الماء المشكوك، مع كون خصوصيته كعمومه األفرادي ارتكازيا، فأنس الذهن بذلك موجب الستحكام ظهور الصدر في بيان عموم طهارة الماء بحسب

أصله واقعا، الملزم برفع اليد عن ظهور الغاية في كونها غاية للحكم المذكور في الصدر، و تنزيلها على كونها غاية للعمل على الحكم المذكور و ترتيب األثر عليه،

فكأنه قيل: الماء كله طاهر، فليعمل على ذلك حتى يعلم أنه قذر.ىو ذلك شايع في االستعماالت الشرعية، نظير قوله تعالى: و كلوا و اشربوا حت

ن لكم الخيط األبيض من الخيط األسود من الفجر و قوله عليه السالم في«1 »يتبيموثق عمار بعد أن سئل عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب:

.«2 » »كل شيء من الطير يتوضأ مما يشرب منه، إال أن ترى في منقاره دما« لوضوح أن غاية جواز األكل و الشرب واقعا هو طلوع الفجر، ال تبينه، و غاية جواز

الشرب من سؤر الطير واقعا هو وجود الدم على منقاره، ال رؤيته، و ليس التبين والرؤية إال غاية للجواز الظاهري عند الشك في طلوع الفجر

______________________________.187( سورة البقرة اآلية: 1 ).2 من أبواب األسئار حديث: 4 باب: 1( الوسائل ج: 2 )

400، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جو وجود الدم.

و حينئذ ال بد أن يكون فرض العلم بكونه قذرا في الصحيح للعلم لطروء ما ينجسه، ال للعلم بكونه من القسم الذي هو نجس من أصله، ألنه خالف فرض العموم

Page 230: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

األفرادي االرتكازي في الصدر. و ال يلزم من ذلك إال رفع اليد عن إطالق الصدر األحوالي، و حمله على بيان الطهارة بحسب أصل الماء، مع المحافظة على

خصوصيته، و على عمومه األفرادي. و هذا بخالف الموثقين، فإن الحكم بالحل و الطهارة فيهما وارد على عنوان الشيء، و ليس لعنوانه خصوصية ارتكازية تقتضي الحلية و الطهارة الواقعيتين، كما ال يكون

عمومهما لجميع أفراده ارتكازيا، بل هو مما يقطع بعدمه، لما هو المعلوم من اشتمال األشياء على الحرام و النجس. بل لو ال فرض الحرام و النجس لم يحسن جعل الحل و الطهارة و اعتبارهما. كما ال يناسب فرض العلم بالحرمة و النجاسة

في الذيل. و حمله على خصوص الحرمة الطارئة بسبب ثانوي ال يوجب المحافظة على عمومه األفرادي، ألن العناوين الثانوية داخلة في عنوان الشيء بعين دخول العناوين الذاتية،

فيشملها العموم األفرادي المفروض، بخالف مثل عنوان الماء، فإن تبادل العناوينالعرضية على أفراده ال يوجب تعدد الفرد بل تعدد حال الفرد الواحد.

و من جميع ما سبق يظهر ضعف بقية األقوال في المقام. فال حاجة للتعرض لهاتفصيال و مناقشتها. كما ظهر أن النصوص المذكورة أجنبية عن االستصحاب.

هذه هي النصوص المستدل بها على االستصحاب. و قد ظهر أن عمدتها صحيحتازرارة األوليان المؤيدتان بصحيحة عبد الله بن سنان. بل قد تؤيدان

401، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جبصحيح إسحاق بن عمار و روايتي الخصال و اإلرشاد و مكاتبة القاساني.

كما قد يؤيد مضمونها بتسالم األصحاب على الرجوع لالستصحاب في كثير من الشبهات الموضوعية، بنحو ال يبعد كشفه عن نحو من التسالم على العموم، و أن

الخروج عن ذلك في بعض الموارد لدعوى عدم تمامية شروط االستصحاب أو تخيلالمخرج عنه، ال لعدم تمامية العموم.

بل ال يبعد ذلك في الشبهة الحكمية، و أن شيوع الخالف فيها ناشئ عن بعض الشبهات المانعة من الرجوع له فيها، و منها شبهة عدم اتحاد المشكوك مع

المتيقن، التي هي في الشبهات الحكمية أقوى منها في الشبهات الموضوعية، ال الختصاص عموم االستصحاب بالشبهة الموضوعية ابتداء. و إال فالجهة االرتكازية ال

تختص بها. و إن كنا في غنى عن ذلك بعد تمامية داللة النصوص على العموم.بقي في المقام أمران:

األمر األول: المتيقن من األدلة المتقدمة لزوم العمل على بقاء المستصحب وترتيب األثر عليه،

من دون أن تبتني على الكشف عن وجوده، حيث ال قرينة فيها على ذلك، بل ظاهر النصوصالتي هي عمدة الدليل عليه- عدمه بعد ظهورها في اإلشارة إلى أمر

ارتكازي، إذ االرتكاز ال يبتني على الطريقية. و بهذا ال يكون االستصحاب من الطرق،بل من األصول العملية كما جرينا عليه في التبويب.

نعم الظاهر أنه من األصول التعبدية، و هي المبنية على العمل على أحد طرفي الشك للتعبد الشرعي به و البناء العملي عليه، كأصالتي الحل و الطهارة، ال على

مجرد العمل من دون تعبد بشيء، كأصالتي البراءة و االحتياطعلى القول بهو قاعدةاالشتغال. ألن ذلك هو المناسب للوجوه الثالثة المذكورة، و ال سيما

Page 231: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

402، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج األخبار، ألنها حيث تضمنت عدم نقض اليقين بالشك فمرجعها إلى أن اليقين

بالحدوث منشأ للبناء على البقاء شرعا عند الشك، كما هو منشأ للبناء على الحدوثذاتا، و لذا يكون عدم ترتيب أثر البقاء نقضا له.

بل يختلف االستصحاب عن مثل قاعدة الطهارة و الحل من األصول التعبدية بأن التعبد فيه بالمستصحب بتوسط المحرز له، و هو اليقين السابق، فإن اليقين السابق

و إن لم يكن كاشفا عن المستصحبو لذا تقدم أن االستصحاب ليس من الطرق واألماراتإال أنه محرز له.

أما التعبد في بقية القواعد فهو ابتدائي ال يبتني على وجود المحرز له. إن قلت: فرض كون اليقين محرز لالستمرار راجع إلى كونه أمارة عليه شرعا و إن

لم يكن بنفسه كاشفا عنه، إذ ال يعتبر في أمارية األمارة كشفها و إفادتها الظنبنفسها و لو نوعا.

قلت: الذي ال يعتبر في األمارة هو إدراك الجهة الموجبة لكشفها، حيث قد تكون خفية على العرف، و ال يطلع عليها غير الشارع، أما أصل كاشفيتها فال بد منها، و

ليس المجعول في األمارة إال الحجية بعد فرض الكاشفية، أما في االستصحاب فليس المجعول إال المحرزية، من دون فرض الكاشفية، لعدم نهوض دليله بها، كما

تقدم. و المتحصل: أن االستصحاب ليس من الطرق و األمارات المبنية على الكشف، بل

هو أصل تعبدي إحرازي، يقتضي العمل تبعا إلحراز اليقين السابق بقاء المتيقنتعبدا.

و قد تقدم الكالم في مفاد األصول التعبدية عموما و االستصحاب خصوصا عند الكالم في دفع محذور اجتماع الحكمين المتضادين من مبحث إمكان التعبد بغير

العلم. فراجع.403، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

األمر الثاني: ]األقوال و التفصيالت الكثيرة في االستصحاب[ أشرنا آنفا إلى كثرة األقوال في االستصحاب و تعدد التفصيالت فيه. و تلك

التفصيالت تبتني .. تارة: على الكالم في عموم دليل االستصحاب و خصوصه و أخرى: على الكالم في تحقق أركانه و شروطه في بعض الموارد. و يأتي الكالم في

القسم الثاني في المقام الثالث. أما القسم األول فالمناسب بحثه في هذا المقام، البتنائه على الكالم في مفاد أدلة

االستصحاب. و هو يختص بالتفصيل بين صورتي الشك في الرافع، فيجري االستصحاب و الشك في المقتضي، فال يجري. و قد اختاره جماعة، و ذكر شيخنا

األعظم قدس سره أن الذي فتح باب ذلك هو المحقق الخونساري في شرحالدروس.

و الذي يظهر من شيخنا األعظم قدس سره أن المعيار في التفصيل المذكور إحراز استعداد المستصحب للبقاء لو ال الرافع، بحيث يستند احتمال ارتفاع المتيقن

الحتمال حصول الرافع، سواء أحرز المقتضي له، كما لو علم بعزم الفاعل على االستمرار في الفعل و احتمل حصول المزاحم المانع منه، أم لم يكن محتاجا للمقتضي، كالعدم الذي له استعداد االستمرار في نفسه لو ال حدوث مقتضي

Page 232: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الوجود. و يشهد بذلك تعبيره عن التفصيل المذكور بالتفصيل بين الشك في الرافع و عدمه. و يناسبه ظهور مفروغيته عن جريان االستصحاب في العدميات و في

األحكام الوضعية كالملكية و الطهارة و النجاسة، مع وضوح أنها كاألعدام ال يحتاجبقاؤها للمقتضي، بل يكفي فيه عدم الرافع.

نعم قد ال يناسب ذلك ما تكرر في كالمهم من لزوم إحراز المقتضي في جريان االستصحاب، و ال بعض ما يظهر من وجوه استداللهم على ما يأتي إن شاء الله

تعالى. بل ذكر شيخنا األعظم قدس سره أن حصول مالك التفصيل في العدميات محتاج إلى تأمل، و إن لم يستبعد حصوله. لكن ال مجال للخروج بذلك عما تقدم، فال

بد من حمل المقتضي في كالمهم على ما يعم القابلية المذكورة.404، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

]وجوه االستدالل على التفصيل المذكور و مناقشتها[إذا عرفت هذا فاعلم أنه قد يستدل على التفصيل المذكور بوجوه ..

األول: ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من أن حقيقة النقض رفع الهيئة االتصاليةالمساوق لقطع األمر المتصل،

كما في نقض الحبل. لكن يعلم بعدم إرادة المعنى المذكور، لعدم فرض االستمرار في المتيقن، بل الشك فيه، و فرض عدم االستمرار في اليقين نفسه. إال أن يراد به

اليقين بالحدوث، الذي ال معنى للنهي عن رفع استمراره و قطعه. و حينئذ يتعين حمله إما على رفع اليد عما من شأنه الثبوت و االستمرار، لثبوت مقتضيه، أو على

مجرد رفع اليد عما كان ثابتا، و إن لم يكن من شأنه االستمرار. و األظهر األول، ألنه أقرب للمعنى الحقيقي. فيلزم ألجله رفع اليد عن إطالق اليقين، و تقييده بما إذا

تعلق بما من شأنه االستمرار. و فيه أوال: أن النقض رفع األمر المستحكم، ففي لسان العرب: »النقض إفساد ما

أبرمت من عقد أو بناء«، و قريب منه ما ذكره غيره. و يناسبه استعماله في الكتابالمجيد و العرف في نقض العهد و الميثاق، و عليه جرى قوله تعالى:

� تي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا . و إطالق نقض الحبل إنما هو بلحاظ«1 »كالإبرامه و تماسكه، ال بلحاظ اتصاله، و لذا ال يصدق مع عدم تماسكه.

و عليه ال يكفي في صدقه كون الشيء من شأنه البقاء لو ال الرافع، كالعدم. كما ال يكفي مجرد وجود مقتضي البقاء له، كجاذبية األرض، المقتضية لبقاء الحجر في

مكانه، بل ال بد من استحكامه و إبرامه، و هو أخص من المدعى. و أما استعماله في النصوص في مثل نقض الوضوء مما يكون من شأنه البقاء من دون استحكام، فهو ال يشهد باالكتفاء بذلك في المعنى الحقيقي، بل الظاهر ابتناؤه

على نحو من التوسع، نظير استعماله في مثل نقض الصالة مما______________________________

.92( سورة النحل اآلية: 1 )405، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

ليس من شأنه البقاء بنفسه، بل ال بد فيه من اإلبقاء. و ثانيا: أن متعلق النقض في النصوص لما كان هو اليقين فال بد من مالحظة

االستحكام فيه، ال في المتيقن. و دعوى: أن إضافة النقض لليقين باعتبار ما يستتبعه من ترتيب آثار المتيقن، ال آثار اليقين نفسه، فهو ملحوظ في المقام طريقا

Page 233: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

للمتيقن، ال موضوعا للعمل بنفسه، و مرجع ذلك إلى أن تعلق النقض باليقين في طول تعلقه بالمتيقن. مدفوعة بأن النقض في المقام و إن كان بلحاظ آثار المتيقن،

إال أنه لما كان المراد عدم ترتيبها ظاهرا فمتعلق النقض اليقين بنفسه، و ال يكون متعلقه المتيقن إال إذا كان بلحاظ عدم ترتيبها واقعا تمردا على الحكم الواقعي. و

بعبارة أخرى: عدم ترتيب آثار المتيقن تمردا على الحكم الواقعي نقض للمتيقن، و عدم ترتيب آثاره ظاهرا و في مقام اإلثبات- الذي هو المراد في المقامنقض لليقين

نفسه ال للمتيقن. و على ذلك فالمصحح إلسناد النقض لليقين ما فيه من االستحكام في الكشف و

شدة الوضوح، حتى كان ترتب العمل عليه ذاتيا، فهو نظير اإلرادة و العزم مما يصح إسناد النقض إليه بنفسه، ال بلحاظ استحكام متعلقه. و ال يفرق في ذلك بين أفراده عرفا. غايته أن النقض في المقام تسامحي، لما سبق عند الكالم في رواية الخصال

من توقف النقض الحقيقي على وحدة متعلق الناقض و المنقوض. الثاني: ما ذكره بعض األعاظم قدس سره من توقف صدق نقض اليقين بالشك

على أن يكون زمان الشك قد تعلق به اليقين في زمان حدوثه، لكون المتيقن مرسال بحسب الزمان، بحيث يكون من شأنه البقاء لو ال الرافع، أما

لو كان محدودا بحد خاص، فال يقين فيما بعد ذلك الحد لينقض بالشك.و فيه أوال: أن مرجع ذلك إلى حمل انتقاض اليقين على انتقاضه حقيقة،

406، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الذي هو بمعنى ارتفاعه بعد وجوده، و ال ريب في عدم إرادة ذلك، لخروجه عن

اختيار المكلف، و عدم استناده للشك، بل لسببه. بل المراد نقض المكلف له عمال بعدم ترتيب األثر عليه. نعم تقدم أن النقض العملي في المقام تسامحي، لتوقف

النقض العملي الحقيقي على وحدة الناقض و المنقوض. و ثانيا: أن ذلك ال يقتضي اعتبار تحقق مقتضي البقاء، بل سبق اليقين بالبقاء لليقين بعلته التامة و لو خطأ، فلو اعتقد المكلف في أول األمر باستمرار المتيقن ثم تزلزل

قطعه و شك في المقتضي جرى االستصحاب، و إن شك من أول األمر باالستمرار و لو الحتمال طروء الرافع مع القطع بتحقق المقتضي لم يجر االستصحاب. و هو

كما ترى خروج عن المدعى.الثالث: ما قد يرجع إليه كالم شيخنا األستاذ قدس سره

من أن المصحح إلسناد النقض في أدلة االستصحاب إلى اليقين مع ارتفاعه حقيقة هو المالزمة االدعائية بين اليقين بالحدوث و اليقين بالبقاء، المتفرعة على ادعاء المالزمة بين نفس الحدوث و البقاء، فعدم ترتيب أثر البقاء نقض حقيقي لليقين

االدعائي و نقض ادعائي لليقين الحقيقي بالحدوث، و ال يصح عرفا ادعاء المالزمة المذكورة مع عدم إحراز مقتضى البقاء، لعدم المنشأ لها، و إنما صح ادعاؤها مع

إحرازه لعدم االعتداد باحتمال طروء الرافع. و فيه: أن ابتناء إسناد النقض لليقين على المالزمة المذكورة ال يخلو عن خفاء، و ال

شاهد عليه في النصوص. كما لم يتضح ابتناء المالزمةلو تمت- على عدم االعتداد باحتمال طروء الرافع. لوضوح أن عدم االعتداد باحتمال طروء الرافع يرجع إلى

قاعدة المقتضي، التي هي قاعدة أخرى في قبال االستصحاب، و لو تمت لم يحتج

Page 234: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

معها لليقين بالحدوث الذي هو ركن االستصحاب. و أخذ موضوعهاو هو إحرازالمقتضيقيدا في موضوعهو هو اليقين بالحدوثمخالف إلطالق نصوصه.

407، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و من هنا كان المتعين البناء على عموم االستصحاب، عمال بإطالق نصوصهالتي

سبق أنها عمدة الدليل عليهبعد عدم وضوح ما يوجب الخروج عن اإلطالق المذكور. نعم لو كان الدليل عليه السيرة أو اإلجماع تعين االقتصار على المتيقن منهما، و هو

الشك في الرافع أو بعض أقسامه.408، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالمبحث الثاني في أركان االستصحاب و شروطه

و الكالم في ذلك يقع في فصلين، يبحث في األول عن أركانه المقومة لمفهومه، حسبما استفيد من األدلة المتقدمة، و في الثاني عن ما يعتبر في جريانه من

الشروط الخارجة عن مفهومه.الفصل األول في أركان االستصحاب

مما تقدم في تعريف االستصحاب و شروطه يتضح أن لالستصحاب أركانا ثالثة:األول: اليقين بتحقق الشيء سابقا.

الثاني: الشك في بقائه و استمراره. الثالث: الحكم ببقائه تبعا لألمرين األولين. لكن الثالث عبارة عن مفاد االستصحاب

الذي تقدم التعرض له عند الكالم في مفاد أدلته بما يغني عن الكالم فيه هنا.و الالزم هنا الكالم فيما يتعلق باألولين، و هو يقع في ضمن أمور ..

األمر األول: ال إشكال في أن ظاهر اليقين بدوا في تعريف االستصحاب، و نصوصهو كلمات األصحاب هو اليقين الحقيقي،

الذي هو صفة نفسية تقابل الظن و الشك و الوهم. و ذلك قد ال يناسب ما هو المعلوم منهم من البناء على جريان استصحاب مؤدى الطرق و األمارات من دون

يقين بثبوت مؤداها. بل409، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

جريان استصحاب مؤدى األصول التعبدية، كما لو شك في تنجس الثوب بعد تطهيرهبماء غير متيقن الطهارة، بل محكوم بها ظاهرا، لالستصحاب أو لقاعدة الطهارة.

نعم ال موقع لإلشكال بناء على أن مفاد االستصحاب ليس إال التعبد ببقاء األمر الحادث في فرض الشك فيه، فيكون الحكم بالبقاء في االستصحاب مترتبا على الثبوت الواقعي و الزما له، و إن لم يتيقن به، نظير حجية الخبر المنوطة بعدالة

المخبر. و ليس أخذ اليقين بالثبوت و الحدوث في أدلته إال لكونه طريقا محضا يحرز معه موضوع الحكم بالبقاء و التعبد الظاهري به، ال لكونه دخيال في الموضوع ثبوتا،

فتقوم مقامه الطرق، كما تقوم مقام القطع الطريقي في سائر الموارد. و إلى هذا يرجع ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من أن موضوع االستصحاب

ثبوت الشيء، فال بد من إحرازه بالعلم أو الظن المعتبر. و يناسبه تعريفاالستصحاب بأنه إبقاء ما كان.

لكن المبنى المذكور مخالف لظاهر أخذ اليقين في النصوص السابقة، و ما تضمنته من عدم نقضه بالشك. أما البناء على ذلك في األحكام الواقعية التي تقتضي

و كلوا والمناسبات االرتكازية أو الجمع بين األدلة تبعيتها للواقعنظير قوله تعالى:

Page 235: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ن لكم الخيط األبيض من الخيط األسود من الفجر ى يتبي - فهو ال«1 »اشربوا حت يستلزم البناء عليه فيما نحن فيه و نحوه من موارد األحكام الظاهرية، الراجعة إلى مقام اإلحراز، و التابعة للعلم و نحوه ارتكازا، بعد ظهور األدلة في أخذ اليقين، كما

سبق. و من ثم ال بد من توجيه استصحاب مؤدى الطرق و األمارات و األصولالتعبدية.

______________________________.187( سورة البقرة اآلية: 1 )

410، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و لعل األولى في ذلك أن يقال: اليقين و إن كان دخيال في موضوع االستصحابكما

ذكرناإال أن الظاهر أنه لم يؤخذ بما هو صفة خاصة، بل بما هو وصول للواقع و إحراز له، لما أشرنا إليه غير مرة من أن قضية عدم نقض اليقين بالشك التي

تضمنتها أدلته قضية ارتكازية ال تعبدية، و موضوعها ارتكازا هو اليقين بالنحوالمذكور، ال بما هو صفة خاصة. فتقوم مقامه الطرق و األصول التعبدية.

و يؤيد ذلك تسالم األصحاب على جريان االستصحاب في المقام، بنحو يظهر منه كون ذلك مقتضى ارتكازاتهم األولية غير المبتنية على التعمل و االستدالل. و قد

تقدم في الفصل الثالث من مباحث القطع ما ينفع في المقام.األمر الثاني: الظاهر أن المراد بالشك في نصوص المقام ما يقابل اليقين،

فيعم الظن و الوهم، ألنه معناه لغة، كما في جمهرة اللغة، و مختار الصحاح، و لسان العرب، و القاموس، و مجمع البحرين. بل في األخير: أنه المنقول عن أئمة

اللغة. و هو المنسبق منه عرفا، و الظاهر من موارد استعماله في الكتاب المجيد، كما

إال لنعلم من يؤمن باآلخرة ممن هويناسبه مقابلته باإليمان و العلم في قوله تعالى:ذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به و قوله سبحانه:«1 »منها في شك و إن ال

باع الظن ، و تعقيبه بالبيان في قوله عز اسمه:«2 »من علم إال اته ذين تعبدون من دون الل ، و جعله«3 »إن كنتم في شك من ديني فال أعبد ال

فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئلموضوعا للسؤال في قوله تعالى:______________________________

.21( سورة سبأ اآلية: 1 ).157( سورة النساء اآلية: 2 ).104( سورة يونس اآلية: 3 )

411، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جذين يقرؤن الكتاب من قبلك ، و وصفه بالريب في مثل قوله سبحانه:«1 »الهم لفي شك منه مريب* .«2 »و إن

«4 »، و الشك في ركعات الصالة«3 »و يؤيده ظهور بعض نصوص قاعدة التجاوزفي إرادته، لمقابلته باليقين و فرض صورة الظن معه فيها ... إلى غير ذلك.

و منه يظهر ضعف ما في مفردات الراغب من أنه اعتدال النقيضين و تساويهما. و الظاهر أن ذلك اصطالح متأخر قد اشتبه عليه بالمعنى اللغوي، نظير جعل الوهم و

الظن متقابلين.

Page 236: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و من ثم ال مجال لحمل نصوص المقام و غيرها عليه. و ال سيما مع ما في المقام من مقابلته باليقين بنحو يظهر منه استيفاء األقسام و انحصار األمر بهما، و تضمنها

حصر الناقض لليقين باليقين، و عدم االعتناء باحتمال النوم عند تحريك شيء إلى جنب اإلنسان و هو ال يعلم، الذي يوجب غالبا الظن بالنوم، و االكتفاء في العمل على اليقين السابق باحتمال وقوع الدم على المصلي في أثناء الصالة، الذي هو

ضعيف جدا. بل صرح بتطبيق الشك مع الظن بإصابة الدم للثوب في صحيحة زرارةالثانية.

األمر الثالث: ظاهر األدلة المتقدمة كون موضوع االستصحاب هو اليقين و الشكالفعليين المتفرعين على االلتفات للواقعة،

ال التقديريين الراجعين إلى كون المكلف بحيث لو التفت لتيقن و شك، و إن لم يحصل له اليقين و الشك لغفلته. و هو الحال في سائر الموضوعات المأخوذة في

أدلة األحكام الواقعية______________________________

.94( سورة يونس اآلية: 1 ).110( سورة هود اآلية: 2 ).8 من أبواب الوضوء حديث: 42 باب: 1( الوسائل ج: 3 ) من أبواب الخلل الواقع في الصالة.1 باب: 5( راجع الوسائل ج: 4 )

412، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و الظاهرية، التي يكون مفادها قضايا حقيقية، فإن مفادها فعلية الحكم في فرض

فعلية الموضوع. بل قد تضمنت بعض النصوص المتقدمة أخذ فعلية اليقين و الشك في صغرى

االستصحاب، كقوله عليه السالم في صحيحة زرارة األولى: »و إال فإنه على يقين من وضوئه ...«، و في صحيحته الثانية: »ألنك كنت على يقين من طهارتك فشككت

...«، و في رواية الخصال: »من كان على يقين فشك ...«، و في رواية اإلرشاد:»من كان على يقين فأصابه شك ...«.

هذا و قد جعل شيخنا األعظم قدس سره ثمرة ذلك صحة صالة من سبق منه اليقين بالحدث لو علم من نفسه أنه لو التفت قبل الصالة لشك في الطهارة و

استصحب الحدث، بخالف ما إذا تحقق منه الشك و جرى االستصحاب فعال ثم غفلو صلى، و علم من نفسه بعد الصالة أنه لم يتوضأ بعد الشك.

بدعوى: أنه حيث ال يجري االستصحاب قبل الصالة في الفرض األول، لعدم فعلية الشك، تجري قاعدة الفراغ المقدمة على االستصحاب الجاري حينئذ، كما في سائر

مواردها. أما في الفرض الثاني فحيث جرى االستصحاب، لفعلية الشك، امتنع جريان قاعدة الفراغ، ألن مجراها الشك الحادث بعد الفراغ، دون الشك الموجود

قبله. لكن الظاهر عدم ابتناء صحة الصالة و عدمها في الفرضين على جريان االستصحاب

مع االلتفات و عدم جريانه مع الغفلة، بل على عموم قاعدة الفراغ و عدمه. فمع عمومها يتعين البناء على صحة الصالة حتى لو جرى االستصحاب مع الغفلة، لتقدم قاعدة الفراغ على االستصحاب. و مع قصورها يتعين عدم االجتزاء بالصالة حتى لو

لم يجر االستصحاب، إذ يكفي في عدم االجتزاء حينئذ قاعدة االشتغال.

Page 237: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

على أن جريانه قبل الصالة في الفرض الثاني ال أثر له بعد فرض تجدد413، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الغفلة قبل الصالة، لعدم جريانه مع الغفلة، و وقوع الصالة من دون استصحاب، كمافي الفرض األول.

ثم إنه ال إشكال في جريان قاعدة الفراغ في الفرض األول. و أما في الفرض الثاني فقد سبق من شيخنا األعظم قدس سره توجيه عدم جريانها فيه بأن مجراها الشك

الحادث بعد الفراغ، ال الموجود قبله. و هو كما ترى، الرتفاع الشك األول لفرض الغفلة حين الصالة، و الشك الحاصل بعدها ليس بقاء لذلك الشك، بل هو شك آخر،

و إن اتحد منشؤهما. اللهم إال أن يدعى انصراف إطالق دليل القاعدة عن الشك المذكور مما سبق مثيله قبل العمل. و كأنه يبتني على دعوى اختصاص القاعدة بما إذا لم يعلم المكلف من نفسه الغفلة عن منشأ الشك الالحق، التي لو تمت جرت في الفرض األول أيضا، فال تجري فيه القاعدة لو علم المصلي بعد الفراغ بأنه قد غفل عن إحراز الطهارة

حين الصالة. و لذا ال ريب ظاهرا في جريان القاعدة حتى في الفرض الثاني لو احتمل المكلف بعد الفراغ أنه لم يدخل في الصالة حتى تذكر سبق الطهارة، و خطأ االستصحاب الذي جرى في حقه عند حصول الشك، مع وضوح المماثلة أيضا بين ذلك الشك و

الشك الحادث بعد الصالة. و على ذلك لو لم تتم الدعوى المذكورة، و بني على عموم القاعدة لما إذا علم

المكلف من نفسه الغفلة عن منشأ الشك الحاصل بعد الفراغ، فالبناء على جريانهافي الفرض الثاني مطلقا قريب جدا.

األمر الرابع: المنساق من دليل االستصحاب هو التعبد ببقاء المتيقن و استمرارهإلى زمن الشك،

ال محض وجوده في زمن الشك بعد سبق اليقين به، ألن الجهة االرتكازية التي أشيرإليها في التعليل المتقدم تناسب ذلك جدا.

بل هو المناسب لفرض النقض، فإن صدقه حقيقة موقوف على اتحاد مفاد414، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الناقض مع مفاد المنقوض من جميع الجهات حتى الخصوصية الزمانية، كما سبق، و قرينة المقام إنما تقتضي التسامح في الخصوصية الزمانية بإرادة الشك في البقاء بعد اليقين بالحدوث مع المحافظة على وحدة الوجود و عدم تعدده، لعدم الملزم

بالخروج عنها. و من هنا ال بد من أمرين:ال بد من اتصال زمان الشك بزمان اليقيناألول: اتصال زمان الشك بزمان اليقين،

و ال يكفي مجرد تأخره عنه، و لو بمثل الطفرة، لعدم صدق البقاء معه. بل لعله مقتضى تعقيب الشك لليقين بالفاء في صحيحة زرارة الثانية و روايتي الخصال و

اإلرشاد، لظهورها في اتصال الشك باليقين من حيثية متعلقهما. بل الزم العموم جريان استصحاب الحالتين المتضادتين المعلومتي التاريخ في زمان

الشك المتأخر عنهما و تعارضهما، فلو كان زيد عادال يوم الجمعة، و فسق يوم

Page 238: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

السبت، و شك في حاله يوم األحد جرى استصحاب عدالته و فسقه، ال خصوصفسقه، لمشاركته للعدالة في اليقين بها سابقا و الشك الحقا.

و منه يظهر لزوم إحراز االتصال في جريان االستصحاب، و ال يكفي احتماله، لتردد زمان الشك بين المتصل بزمان اليقين و المنفصل عنه، إذ مع االحتمال يكون

التمسك بعموم االستصحاب من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية من طرف العام الذي ال يصح بال كالم. و يأتي ما يتعلق بذلك في استصحاب مجهولي التاريخ،

إن شاء الله تعالى.الثاني: اتحاد المشكوك مع المتيقن في جميع الخصوصيات المقومة له

و حيث كان موضوع اليقين و الشك هو النسبة التي هي مفاد القضية لزم اتحاد القضية المشكوكةالتي هي موضوع األثر و مورد العملمع القضية المتيقنة في تمام

الخصوصيات المقومة لها من موضوع و محمول و غيرهما. بل ال بد من415، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

إحراز االتحاد، و ال يكفي الشك فيه، لما تقدم في نظيره. و هذا في الجملة ظاهر الخفاء فيه.

نعم إحراز اتحاد القضيتين في الخصوصيات المذكورة متفرع على تعيين ما تقوم به النسبة المتيقنة و تحديده، كي يكون معيارا في االتحاد المذكور. و هي المسألة المهمة في المقام التي عليها يبتني الكالم في جريان االستصحاب في كثير من

الموارد. و قد أطلقوا عليها مسألة موضوع االستصحاب. و العنوان المذكور و إن اختص بالموضوع المقابل للمحمول، الذي يكون نسبة

المحمول إليه نسبة العرض إلى موضوعه، إال أن مالك الكالم يجري في جميع ما يقوم النسبة، كما سبق. و لعل وجه تخصيصهم الكالم بالموضوع كثرة الفروع

المبتنية عليه بنحو أوجب انصرافهم إليه و إغفالهم غيره، و إن عمه الكالم، كما يظهر من بعض كلماتهم. و من ثم رأينا مجاراتهم في ذلك لينتظم كالمنا مع كالمهم،

و االكتفاء في التعميم بما ذكرناه هنا من عموم المالك. و ال يخفى أن الموضوع في كالمهم .. تارة: يراد به كل ما هو دخيل في ثبوت الحكم

الشرعي و فعليته، الذي تكون نسبته له نسبة العلة للمعلول، كالوقت لوجوب الصالة، و االستطاعة لوجوب الحج، و التغير لنجاسة الماء، و المالقاة لنجاسة

الجسم، و الزوجية لوجوب اإلنفاق، و غيرها. و أخرى: يراد به خصوص ما هو المعروض لألمر المحكوم به و المتعلق لهسواء كان

ذلك األمر المحكوم به شرعيا أم خارجياو هو الذي يحمل الحكم عليه، و تكون نسبته إليه نسبة المحمول للموضوع في القضية الحملية، كالماء و سائر األجسام

المعروضة للنجاسة، و الصالة و الصوم و الحج المعروضة للوجوب، و الجسمالمعروض للبياض، و الماء المعروض للكرية، و غيرها.

و كالمهم و إن كان مضطربا و مشتبها بين المعنيين، إال أن الغرض من416، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

تحديد الموضوع لما كان هو تحصيل الضابط التحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة، بحيث تكون بقاء لها، تعين كون المعيار في المقام على المعنى الثاني،

ألنه المقوم للقضية، و الذي يكون تعدده موجبا لتعددها، و وحدته شرطا في وحدتهاو استمرارها. و ال أثر الختالف العلة في ذلك.

Page 239: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و حيث اتضح ذلك فالالزم التعرض ألمور يتم بها الكالم في المقام.أولها: ]المرجع في تحديد الموضوع مفهوما و انطباقا[

أن الشك في العنوان المأخوذ في الكبريات الشرعية التي تقع موردا لعمل المكلف .. تارة: يتعلق بمفهومه، كالشك في مفهوم الحج و الصالة و الصعيد و الغناء و

أخرى: يتعلق بتطبيقه مع وضوح مفهومه، كالشك في تحقق البيع و اإلقالة و الطالق ببعض األلفاظ الخاصة، و الشك في صدق الماء مع امتزاجه بشيء من الخليط. و

في كليهما يتعين الرجوع للشارع مع تعرضه للجهة المشكوك فيها. و مع عدمه فمقتضى اإلطالق المقامي لدليل الكبرى الشرعية اإليكال للعرف

فيهما. ألنه بعد فرض كون الكبرى عملية، و توقف العمل بها على إحراز صغراها في الخارجالمتفرع على تحديد المفهوم ثم انطباقه على ما في الخارجفخطاب

الشارع للعرف بها، مع إهماله التعرض لذلك، ظاهر في إيكال تطبيقها لهم حسبمايتيسر لهم، و يصلون إليه بالوجه المتعارف بينهم.

و إرادة خالف ذلك تحتاج إلى عناية و تنبيه، و ال مجال للبناء عليها بدونه. نعم ال بد من كون تطبيق العرف للمفهوم على ما في الخارج حقيقيا بنظرهم، و ال مجال لالكتفاء بتطبيقاتهم التسامحية المبنية على نحو من المجاز و إعمال العناية، لخروجها عن ظاهر اإلطالق، حيث ال يعولون عليها في خطاباتهم. و من هنا أفتى

الفقهاء بعدم التسامح في موارد التحديد، كاألوزان و المسافات و نحوها.417، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

كما ال مجال للبناء على أن المعيار هي التطبيقات الواقعية المبنية على البحث و التدقيق المغفول عنه عند العرف بحسب طبعهم و ما يتعارف بينهم، لخروجه عن

مقتضى اإلطالق المقامي المشار إليه. بل المتعين االكتفاء بتطبيقات العرف الحقيقية، و إن ابتنت على إغفال التدقيق المذكور. و من ثم ال إشكال ظاهرا في

جواز امتثال التكليف بصاع الحنطة مثال بما يكون منها مخلوطا بقليل من التراب أوالتبن بالوجه المتعارف، و إن كان دون الصاع دقة. و كذا في سائر موارد االستهالك.

أما لو لم يتيسر للعرف تحديد المفهوم أو تشخيص المصداق، لخفاء الحال عليهم في مورد، فالالزم التوقف عن العمل فيه بدليل الكبرى الشرعية، و الرجوع

لمقتضى األصول و القواعد األخر.ثانيها: من الظاهر أنه ال إجمال في مفهوم النقض في أدلة االستصحاب

بعد ما تقدم من لزوم حملها على إرادة الشك في االستمرار، حيث ال يراد بالنقض إال رفع اليد عن استمرار الشيء عند الشك فيه، إال أنه حيث كان ذلك موقوفا على

اتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة المتوقف على اتحاد موضوعهما كان صدق النقض موقوفا أوال: على تعيين موضوع القضية المتيقنة، و ثانيا: على إحراز

اتحاد القضية المشكوكة معها فيه. و على هذا يتعين الجري في كال األمرين على ما ذكرناه في األمر السابق، فيرجع

في تعيين موضوع القضية المتيقنة إلى ما يستفاد من األدلة الشرعية حسبما يفهمه العرف منها، بضميمة القرائن الحالية و المقالية و نحوها. فإن لم تف ببيانه أو لم

تكن القضية شرعية، بل خارجيةكقضية: الماء كر، و زيد حيتعين الرجوع في تحديد الموضوع للعرف حسبما يدركونه بطبعهم. و إن لم يتيسر لهم في مورد تعيينه لزم

التوقف و عدم جريان االستصحاب، لعدم إحراز موضوعه.

Page 240: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

418، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و كذا الحال في اتحاد موضوع القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة. إال أنه حيث لم يتصد الشارع لبيان االتحاد تعين الرجوع فيه للعرف ال غير. و يكون المعيار فيه

على ما سبق من البقاء الحقيقي العرفي، دون البقاء الحقيقي الدقي، كاالتحاد في موارد االستحالة، حيث يكون المستحال إليه بقاء للمستحيل و متحدا معه دقة، و إن كان متولدا منه مباينا له عرفا، و دون البقاء العرفي التسامحي المبني على نحو من

العناية و المجاز الملتفت إليه عرفا. و أما ما يظهر من بعض األعيان المحققين قدس سره من أن المستفاد من نصوص

االستصحاببلحاظ التطبيقات الواردة فيهاابتناء اتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة على التسامح العرفي، و إال فال اتحاد بينهما بلحاظ حقيقة اختالف الزمان. ففيه: أن التسامح في االتحاد بإلغاء خصوصية الزمان و إرادة البقاء ال يستلزم عقال

و ال عرفا التسامح في صدق البقاء بلحاظ اختالف حدود القضية من غير حيثيةالزمان.

ثالثها: أن الموضوع بمعنى معروض الحكم و متعلقهالذي سبق أنه محلالكالميختلف باختالف القضايا المتيقنة،

حيث يكون .. تارة: جزئيا، كالماء الموضوع للطهارة و الكرية، و الثوب الموضوع للبياض و الملكية، و المرأة التي هي موضوع للزوجية و نحو ذلك و أخرى: كليا

كالدينار المملوك في الذمة، و العمل المستأجر عليه. و منه فعل المكلف المتعلق لألحكام التكليفية، كالصالة و الحج و شرب الخمر و

الزنى و غيرها، لوضوح أن التكليف يرد على الماهيات ذات األفراد الكثيرة، و ليس وجود الفرد في مقام االمتثال و العصيان إال مسقطا للتكليف، كما يكون تسليم

الفرد في مقام الوفاء مسقطا للدين. و نسبة التكليف لبعض األمور الجزئية، كنسبة التحريم للمرأة الخاصة، و وجوب اإلكرام لزيد، ال يخلو عن تسامح و مجاز، لرجوعه

للنسبة بلحاظ حال المتعلق. فالمرأة حرام نكاحها،419، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و زيد واجب إكرامه، و ليست األمور الجزئية في مثل ذلك إال قيودا لموضوعالتكليف مع كون الموضوع كليا.

و يترتب على ذلك أن موضوع الحكم إذا كان كليا فهو قابل للتقييد، فتكون الحصة الواجدة للقيد مباينة للحصة الفاقدة له، و الزم ذلك تعدد القضيتين المأخوذتين

فيهما. أما إذا كان جزئيا فمن الظاهر أنه ال يقبل التقييد بشيء من الحاالت المتواردة عليه،

بل هو محفوظ بوحدته مهما اختلفت تلك الحاالت، فإن كان بعضها دخيال في الحكمكمالقاة النجاسة للماء، و تغيره بها، و العقد على المرأة، و طالقها، و حيازة المال، و شرائه، و غير ذلككان شرطا أو علة للحكم خارجا عن موضوعه، ال قيدا

مقوما للموضوع. نعم قد يكون قيدا للموضوع في الكبرى الشرعية، فيقال: الماء المتغير نجس، و

األرض التي يحوزها اإلنسان ملك له، و المرأة التي يعقد عليها زوجته. إال أن الحكم في الكبرى حينئذ إنشائي متعلق بالموضوع الكلي القابل للتقييد، و ليس هو موردا

لألثر و العمل، بل مورد األثر و العملالذي يجري فيه االستصحابهو الحكم الجزئي

Page 241: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الفعلي المتعلق باألمر الجزئي غير القابل للتقييد، المحفوظ في حالتي وجود القيدالمأخوذ في الكبرى و عدمه.

رابعها: أن الموضوع .. تارة: يكون أمرا واحدا، ]و أخرى متعددا[ لكون األمر المحمول عليه في القضية حقيقيا، كالكرية و الطهارة القائمتين بالماء،

و العدالة و الحرية القائمتين بزيد. و أخرى: يكون متعددا، لكون األمر المحمول عليه إضافيا قائما بأكثر من واحد، كاألخوة القائمة باألخوين، و الزوجية القائمة بالزوجين، و التكليف القائم بالمكلف و المكلف و المكلف به، و الدين القائم بالدائن و المدين

و المال المستحق.420، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

إذا عرفت هذا فالالزم النظر في القضية الفعلية المتيقنة التي هي مورد األثر، و يراد استصحابها. فإن كانت شرعية لزم النظر في موضوعها واحدا كان أو متعددا، فإن كان جزئياكاإلنسان المعروض للتكليف، و المرأة المعروضة للزوجية، و الماء

المعروض للنجاسةفاختالف حاالته ال يمنع من االستصحاب، ألنه ال يوجب تعدده و إن احتمل دخلها في التكليف. إال أن يكون الطارئ موجبا النعدامه عرفا و إن كان باقيا

دقة، كما في موارد االستحالة و االستهالك، لما سبق من عدم االعتداد بالبقاءالدقي، و ال بالبقاء العرفي التسامحي.

و إن كان الموضوع كليا، كالمال الذي تنشغل به الذمة في الدين، و الفعل الذي يكون موردا للتكليف و اإلجارة. فإن علم بتقييده بقيد مفقود حين الشك، و احتمل التكليف بالفاقد حينئذ، و لو ألنه الميسور، فال مجال لالستصحاب، لتعدد الموضوع

حقيقة. خالفا لما يظهر من بعض كلماتهم من الرجوع له، اكتفاء منهم بالتسامح العرفي، إما في نفس موضوع القضية المتيقنة بفرضه األعم من واجد القيد و

فاقده، تغافال عن أخذ القيد، و إما في اتحاد فاقد القيد مع واجده تنزيال له منزلته، وقد سبق أنه ال تعويل على التسامح في المقامين.

و مثله التسامح في اتحاد الحكم المحمول على الموضوع، فيقال: كان هذا الناقص واجبا فهو كما كان، مع إغفال أن وجوبه المتيقن في الزمان السابق ضمني ارتباطي

باإلضافة إلى وجوب التام الواجد للقيد المفقود، و هو معلوم االرتفاع، و وجوبه المشكوك في الزمان الالحق استقاللي غير متيقن سابقا، بل متيقن العدم. ألنه ال

عبرة باالتحاد التسامحي، لما تقدم من أن ما يجري في الموضوع يجري فيالمحمول و في جميع أجزاء القضية المستصحبة.

و إن احتمل تقييد الموضوع بالقيد المفقود لزم الرجوع ألدلة الحكم الشرعي ونحوها كاألمارة على الدين، فإن أحرز منها إطالق متعلق الحكم،

421، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و كان احتمال ارتفاع الحكم لرافع خارج عن الموضوع جرى االستصحاب، كما لو

شك في سقوط التكليف لنسخه، أو شك في سقوط الدين بالوفاء أو اإلبراء. و إن لم يحرز اإلطالق فحيث ال مجال للرجوع للعرف، لعدم الطريق لهم لمعرفة مثل

ذلك، يتعين التوقف و عدم الرجوع لالستصحاب، لعدم إحراز الموضوع، كما لو ترددالتكليف بين الموقت و المطلق.

و منه يظهر حال ما إذا كانت القضية المتيقنة غير شرعية، ككون الماء كرا، و الثوب أبيض، و نحو ذلك. فإنه حيث لم يكن للشارع دخل فيها يتعين الرجوع في تعيين

Page 242: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

موضوعها و في اتحاده مع موضوع القضية المشكوكة للعرف. و يكون المعيار على تطبيقه الحقيقي، دون التسامحي، و دون التطبيق الدقي المغفول عنه عرفا. و إن

لم يتسن للعرف تحديد الموضوع أو استيضاح االتحاد لم يجر االستصحاب.الفصل الثاني في شروط االستصحاب

و المراد بها كل ما هو خارج عن أركان االستصحاب المقومة لمفهومه مما كان دخيال في جريانه و ترتب العمل عليه، سواء كان وجودياو هو الذي قد يختص باسم الشرط اصطالحاأم عدمياو هو عدم المانعفإنهما معا محل الكالم في المقام. لكن

حيث كان عدم المانع هو عدم ما يكون مقدما على االستصحاب رتبة في مقام العمل، و عدم المعارض الراجح أو المكافئ، فالمناسب إيكاله إلى ما يأتي في

مباحث التعارض، حيث ال ميزة لالستصحاب في ذلك عن بقية األصول إال في نكاتقليلة يأتي التعرض لها إن شاء الله تعالى.

و نقتصر في الكالم هنا على الشرط و هو ينحصر بترتب األثر العملي. فنقول:422، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

االستصحابكسائر التعبدات الشرعية في موارد الحجج و األصول- إنما يصح مع ترتب العمل عليه، إذ مع عدم ترتب العمل يكون التعبد بمؤداه الغيا عرفا و عقال. مضافا

إلى ظهور عدم النقض في ذلك، إذ بعد تعذر حمله على معناه الحقيقي يتعين حملهعلى عدم النقض عمال.

و ال فرق في ترتب العمل بين ترتبه على المستصحب بال واسطةكما في استصحاب الحكم التكليفيو ترتبه عليه بواسطة، كما في استصحاب الحكم الوضعي و الموضوع الخارجي اللذين يترتب عليهما العمل بواسطة أثرهما و هو الحكم الشرعي. إلطالق

النهي عن نقض اليقين بالشك بعد حمله على النقض العملي. و لخصوص صحاح زرارة و عبد الله بن سنان المتضمنة جريان االستصحاب في الطهارة الحدثية و

الخبثية، اللذين ال يترتب عليهما العمل إال بواسطة الحكم التكليفي المترتب عليهما.هذا و المراد بالواسطة ما يكون وجوده الزما لوجود التعبد به.

و المالزمة .. تارة: تكون اتفاقية، كما لو علم إجماال بوجود أحد أمرين، فإن عدمأحدهما مستلزم لوجود اآلخر.

و أخرى: تكون حقيقة ناشئة عن عالقة بين األمرين. و ذلك إما لكون األمر المتعبد به سببا لالزم، كالسفر المستلزم لوجوب اإلفطار، و النار المستلزمة لتلف المال، أو مسببا عنه، كحرمة وطء الزوجة البالغة المستلزم لحيضها، و عدم حيض الجارية المستلزم لعقمها. و إما لكونهما مسببين عن سبب

واحد أو سببين متالزمين، كوجوب الصالة على المرأة و جواز وطئها المسببين عن بلوغها تسع سنين، و احتراق الجسم و وجود الدخان المسببين عن النار. و منشأ

المالزمة إما شرعي أو غير شرعي، كما يظهر من األمثلة المتقدمة.423، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

]الكالم في أصل المثبت[ و قد تردد في كلماتهم نهوض األدلة و األمارات بإثبات األثر العملي مع الواسطة في

جميع موارد المالزمة المتقدمة. أما األصولو منها االستصحاب- فقد ذكر شيخنا األعظم قدس سره و من تأخر عنه عدم نهوضها إال بإثبات األثر العملي المترتب مع

المالزمة الشرعية في مورد تكون الواسطة مسببة عن مجرى األصل، فال يحرز

Page 243: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

باألصل إال مجراه و ما يترتب على مجراه شرعا من أحكام و آثار، و لو مع تعدد الوسائط، دون ما يكون سببا لمجراه شرعا، أو يالزمه بمالزمة غير شرعية. و هي

المسألة المعبر عنها في كلماتهم بعدم حجية األصل المثبت. أما من سبقهم فقد يظهر منهم التوسع في العمل باألصل، و التمسك به في بعض موارد المالزمات غير الشرعية. و لعله ناشئ عن الغفلة عن حالها، لعدم توجههم

لذلك، و عدم اهتمامهم بتحديد كبراه، و إال فمن البعيد جدا ذهابهم إلى عموم العملباألصل مع المالزمة.

و قد يوجه عدم اعتبار األصل المثبت بأن المنصرف من أدلة التعبد الشرعية النظر للكبريات الشرعية و تنقيح صغرياتها، فال يحرز األصل إال صغرى تلك الكبريات. فإذا

كان لمجرى األصل أثر شرعي ترتب، كما يترتب األثر الشرعي لذلك األثر و أثر أثره و هكذا مهما تعددت الوسائط، ألن ترتب األثر الشرعي على موضوعه مفاد كبرى شرعية، فإذا كان مقتضى األصل التعبد بموضوع األثر كان األصل محرزا لصغرى

الكبرى المذكورة، و بضميمة الكبرى المذكورة يترتب األثر، فإذا أحرز األثر باألصلفقد أحرزت أيضا الصغرى للكبرى المتضمنة ألثره ... و هكذا.

مثال: إذا وكل المسافر شخصا على ماله، ليؤدي منه ما عليه من حقوق و واجبات،ثم طالت غيبته حتى احتمل موته، فهناك كبريات شرعية، األولى:

أنه مع حياة الزوج و عدم طالقه للزوجة تبقى زوجته في حبالته، الثانية: أنه مع424، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بقاء المرأة في حبالة الزوج يجب عليه اإلنفاق عليها، الثالثة: أنه يجوز أو يجب علىالوكيل تفريغ ذمة موكله من الحقوق التي عليه.

و حينئذ فاستصحاب بقاء الزوج حيا غير مطلق لزوجته محرز لصغرى الكبرى األولى، و ينتج من ذلك بقاء زوجته في حبالته، و بذلك تحرز صغرى الكبرى الثانية، و ينتج من ذلك وجوب النفقة لها عليه، فتحرز بذلك صغرى الكبرى الثالثة، و مقتضاها

جواز أو وجوب قيام الوكيل عنه بذلك، فينفق عليها من ماله. أما إذا لم تكن المالزمة مقتضى كبرى شرعيةكما لو علم في المثال السابق أن

المسافر المذكور لو كان حيا لكان عاجزا عن الصوم لشيخوخته حينئذ، فتجب عليه الفدية، و يجوز أو يجب على وكيله إخراجها من ماله و أداؤها عنهفال ينهض األصل

بإحراز الالزمكالشيخوخة في المثال المذكور- النصراف التعبد عنه. و حينئذ ال يترتب أثره الشرعيكوجوب الفدية في المثال السابقلعدم إحراز موضوعه. و أما إحراز

األثر من دون إحراز موضوعه، بل بمجرد إحراز الزم الموضوع، نظير الطفرة. فهوممتنع أيضا، لعدم كونه أثرا شرعيا لالزم المذكور.

لكن يشكل الوجه المذكور بأن الزم ذلك عدم جريان األصل في األحكام التكليفية غالبا، لعدم األثر الشرعي لها، ليكون التعبد بها تعبدا بصغرى كبرى شرعية، بل

يختص أثرها غالبا بحسن الطاعة و ترك المعصية و هما الزمان لها عقال. و حيث ال إشكال في جريانه فيها فال بد أن يكون جريانه مبتنيا على التوسع في العمل المعتبر

في جريان األصل. و من هنا فقد يدعى أن مفاد األصل هو جعل مؤداه ظاهرا ال غير، حيث قد يدعى

حينئذ أن ترتب اآلثار الشرعيةو لو مع تعدد الواسطةإنما هو لتبعية425، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 244: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الحكم لموضوعه، حتى مثل حسن الطاعة، ألن موضوعه عقال أعم من التكليفالواقعي و الظاهري.

أما غير ذلك من اللوازم فال مجال لترتبها، ألنها الزمة للوجود الواقعي ال غير. كما ال مجال لترتب اآلثار الشرعية لتلك اللوازم، لعدم إحراز األصل لألثر ابتداء، بل بتبع

موضوعه، و المفروض عدم ترتب الموضوع المذكور. لكن يظهر ضعفه مما سبقفي أوائل مبحث الحجج عند الكالم في مفاد األصول

التعبدية من مبحث الجمع بين الحكم الظاهري و الواقعيمن عدم تضمن األصول المذكورة جعل حكم ظاهري مباين للحكم الواقعي، بل ليس مفادها إال تعبد الشارع

بمفادها إثباتا المقتضي للبناء عليه في مقام العمل.فراجع.

مضافا إلى أن الزم الوجه المذكور عدم جريان االستصحاب في الموضوع الخارجي، لعدم كونه قابال للجعل الشرعي، و حيث ال إشكال في جريانه فال بد من كون جعل

األثر هو المصحح لنسبة الجعل إليها بعالقة المالزمة، و ذلك كما يجري في األثر الشرعي المترتب عليها بال واسطة، يجري في األثر الشرعي المترتب عليها

بواسطة الالزم غير الشرعي، الشتراكهما في المالزمة المصححة للنسبة مجازا. وهناك بعض الوجوه األخر ال مجال إلطالة الكالم فيها.

و التحقيق: أن الوجه فيما ذكروه هو ما سبق من أن مفاد األصول التعبدية تعبد الشارع بمفادها إثباتا، المقتضي للبناء عليه في مقام العمل، فإن ذلك كما يجري

في األحكام التكليفية يجري في األحكام الوضعية و الموضوعات الخارجية. غايته أنه في األحكام التكليفية يقتضي العمل على مقتضاها بال واسطة بحكم العقل، ألنه

يكفي في المعذرية و المنجزية عقال. أما في األحكام426، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الوضعية و الموضوعات الخارجية فهو يقتضي العمل بتوسط أثره الشرعي- مهما تعددت الوسائطألن التعبد من قبل الشارع بالشيء يقتضي عرفا التعبد بأثره

الشرعي. أما الزمه غير الشرعي فال مجال للبناء على تعبد الشارع به تبعا لتعبده بالملزوم، ألنه أجنبي عنه. كما ال مجال إلحراز تعبده باألثر الشرعي لالزم المذكور

بعد عدم تعبده بموضوعه. و من هنا تعين البناء على عدم جريان األصل المثبت. هذا و قد يستدل على عدم اعتبار األصل المثبت بأنه ال يظهر أثر جريانه إذا كانت

الواسطة غير الشرعية موردا ألصل موافق، كما في استصحاب عدم النار المستلزم لعدم التلف و عدم الضمان، حيث يغني األصل الموافقكاستصحاب عدم التلف، أو عدم الضمان، أو أصالة البراءة من وجوبه في المثال المتقدمعن األصل المثبت، و إنما يظهر أثره فيما إذا لم يكونا موردا ألصل موافق، كما في استصحاب بقاء النار

المستلزم للتلف و الضمان. و االلتزام باعتبار األصل المثبت في مثل ذلك مستلزم لسقوطه غالبا بالمعارضة،

لجريان األصل المعارض في الواسطة أو األثر، فكما يكون مقتضى استصحاب الناربناء على اعتبار األصل المثبتإحراز التلف و الضمان، كذلك يكون مقتضى

استصحاب عدم التلف و عدم الضمان عدم بقاء النار، فيتعارضان و يتساقطان، ويرجع ألصالة البراءة من وجوب الضمان.

Page 245: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و تنحصر فائدة األصل المثبت فيما إذا لم تتم أركان االستصحاب المعارض في الالزم و ال في أثره. و هو نادر. و لعله إلى هذا نظر من استدل على عدم اعتبار

األصل المثبت بلزوم التعارض في جانب الثابت و المثبت، كما حكاه شيخنا األعظمقدس سره.

427، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج لكنه يندفع بأنه حيث ال إشكال في عدم معارضة األصل الجاري في األثر الشرعي

لألصل الجاري في ذي األثر، لما يأتي في محله من حكومة األصل السببي على األصل المسببي، أمكن البناء على ذلك في األثر غير الشرعي، لو قيل باعتبار األصل

المثبت. و حينئذ ال تتم المعارضة إال فيما إذا لم يكن أحد المتالزمين أثرا لآلخر ال شرعا و ال خارجا، كما لو علم إجماال بتطهير أحد اإلنائين النجسين، حيث يكون

مقتضى استصحاب نجاسة كل منهمابناء على اعتبار األصل المثبتطهارة اآلخر، فيتم التعارض حينئذ، و يظهر أثر اعتبار األصل المثبت في مورد يكون أحد المتالزمين أثرا

لآلخر، كما هو كثير.بقي في المقام أمور ..

األمر األول: ]الكالم في خفاء الواسطة[ قد يستثنى من عدم اعتبار األصل المثبت موارد، عمدتها ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من أن الواسطة التي يستند إليها األثر حقيقة إذا كانت خفية، بحيث يغفل عنها و يعد أثرها عرفا أثرا للمستصحب لم يبعد نهوض االستصحاب بإحراز

أثرها المذكور. و قد مثل قدس سره لذلك بأمرين األول: استصحاب بقاء رطوبة أحد المتالقيين إذا

كان أحدهما نجسا إلحراز انفعال اآلخر به، مع أن انفعاله من آثار سراية النجاسة المالزمة لبقاء الرطوبة الثاني: استصحاب بقاء شهر رمضان و عدم دخول شهر

شوال يوم الشك إلحراز كون اليوم الثاني عيدا، ليترتب عليه أحكامه، من الصالة والفطرة و غيرها، مع كون التالزم بين األمرين خارجيا ال شرعيا.

و يشكل أوال: بأنه ال ضابط لخفاء الواسطة، إذ ال يتضح الفرق بين االستصحابين المذكورين و استصحاب بقاء الماء في الحوض إلحراز طهارة ما وقع فيه، التي هي

من آثار الزمه الخارجي، و هو إصابة الماء له، و كذا428، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

استصحاب بقاء حياة المورث إلى حين إسالم الوارث، إلحراز إرثه منه، الذي هو من آثار الزمه و هو موته بعد إسالمه، مع أنه قدس سره التزم بعدم جريان األصلين

المذكورين، ألنهما من األصل المثبت. بل ال يحتمل من أحد توهم خفاء الواسطة في مثل آثار العيد، إذ ال ريب في نسبتها عرفا لموضوعها الشرعي و هو العيد، ال لكون شهر رمضان من اليوم السابق، فال

بد من كون منشأ البناء على ذلك أمرا آخر، على ما يأتي الكالم فيه في استصحابالزمان إن شاء الله تعالى.

و ثانيا: بما يستفاد من غير واحد. و حاصله: أن النظر العرفي إذا رجع إلى فهم العرف من الكبرى الشرعية أن موضوع األثر هو األمر المستصحب، ال الواسطة، فال

إشكال في العمل عليه، ألن المرجع في فهم القضايا و الكبريات الشرعية هو

Page 246: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

العرف، و يخرج المورد حينئذ عن األصل المثبت. أما إذا رجع إلى التسامح في نسبةاألثر بعد

فرض كون موضوع األثر هو الواسطة، فال وجه للتعويل عليه بعد خروجه عما يستفاد من كبرى االستصحاب، و هو التعبد بالمستصحب المستتبع للتعبد ب آثاره ال

غير، و ال عبرة بالتسامح العرفي في نسبة األثر الراجع للتسامح في تطبيق كبرىاالستصحاب، كما تقدم نظيره في بحث موضوع االستصحاب.

األمر الثاني: من الظاهر أن األمور الدخيلة في موضوعات اآلثار الشرعية قد أخذتفي لسان األدلة بعناوينها العامة الكلية،

كالبلوغ المأخوذ في موضوع التكليف، و االستطاعة المأخوذة في موضوع وجوب الحج، و الطهارة المأخوذة قيدا في كثير من الواجبات و المستحبات، و النجاسة

المأخوذة في حرمة األكل.و من الظاهر أن االستصحاب في الموضوعات الخارجية إنما يكون

429، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج لألفراد الخاصة التي ينطبق عليها الكلي، و يكون ترتب األثر عليها بتوسطه، و ليس

هذا من األصل المثبت، لوضوح أن أخذ الكلي في موضوع األثر إنما هو بلحاظ حكايته عن أفراده الخارجية، فهي الموضوع في الحقيقة ألفراد األثر التي يراد

ترتيبها باالستصحاب. نعم ال بد في استصحاب الفرد من استصحابه بحيثيته العنوانية المأخوذة في موضوع الحكم، فال بد من سبق اليقين به بالحيثية المذكورة، و ال يكفي استصحابه بذاته مع قطع النظر عن الحيثية المذكورة و إن كانت مالزمة له. فإذا كان موضوع األثر هو العالم أو األبيض فال بد من استصحاب العالم الخاص أو األبيض الخاص، و ال يكفي

استصحاب زيد بمفهومه الخاص و إن كان مالزما للعالم أو األبيض. و عليه ال بد من إحراز منشأ انتزاع العنوان المأخوذ في موضوع الحكم، لتوقف

اليقين بخصوصية العنوان عليه، من دون فرق في ذلك بين العنوان الذاتيكاإلنسانو العرضي الحقيقي كاألبيض أو االعتباري كالزوج أو غيرها مما يفرض كونه دخيال في

موضوع األثر. و من هنا قد يشكل األمر في استصحاب صغريات بعض العناوين المأخوذة في قضايا غير شرعية من أجل إحراز آثار شرعية ثابتة في كبريات شرعية لعناوين

أخرى ال تحرز باالستصحاب. كما لو نذر الرجل أن يتصدق في كل يوم ما دام ولده حيا، فشك في حياة ولده في يوم، حيث قد يشكل استصحاب حياة ولده إلحراز

وجوب التصدق، بأن حياة الولد ليست موضوعا لوجوب التصدق في كبرى شرعية، بل هي الزمة عقال لكون التصدق وفاء بالنذر، الذي هو موضوع الكبرى الشرعية،

من دون أن يستصحب كون التصدق في ذلك اليوم وفاء بالنذر، لعدم سبق اليقينبذلك.

و مثل النذر في ذلك اليمين و العهد. و كذا الشرط و العقد، كما لو استحق430، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

زيد على عمرو منفعته يوم الجمعة بإجارة أو شرط، ثم شك في بقاء يوم الجمعة في ساعة، فإن استصحاب بقاء يوم الجمعة إلثبات ملكيته لمنفعة تلك الساعة ال

يكون إال بتوسط صدق عنوان الوفاء بالعقد أو الشرط، من دون أن يكون يوم

Page 247: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الجمعة بنفسه موضوعا لملكية المنفعة المذكورة في كبرى شرعية، ألن موضوعالكبرى الشرعية الوفاء بالشرط.

و من الظاهر أنه ال مجال للبناء على مانعية توسط العناوين المذكورة فيها من العمل باألصل. كيف؟! و الزمه عدم جريان استصحاب الطهارة مثال إلحراز وقوع

الصالة وفاء عن النذر أو اإلجارة أو نحوهما، فإن ترتب صحة الصالة على الطهارة و ، إال أن ترتب«1 »إن كان مستفادا من كبرى شرعية، مثل: »ال صالة إال بطهور«

امتثال األمر بالوفاء بالنذر أو العقد أو نحوهما عليها ليس إال بتوسط صدق عنوان الوفاء بها عقال بعد أن كان موضوع النذر أو العقد أو نحوهما هو الصالة المشروعة

المشروطة بالطهارة. و على ذلك ال بد من النظر في وجه عدم إخالل توسط مثل هذه العناوين في العمل

باألصل، و خروجه عما تقدم في األصل المثبت. و قد ذكر المحقق الخراساني قدس سره في وجهه أن الحكم في الكبريات

الشرعية لم يرد على عنوان الوفاء إال لمحض الحكاية عن األفراد الخاصة التي هي مجرى األصل من دون أن يكون دخيال في الحكم، بل هو منتزع منها، و لم يؤخذ في

موضوع الكبريات الشرعية إال لكونه جامعا لشتات تلك األفراد مانعا من دخول غيرها، كما هو الحال في كل عنوان منتزع عن العناوين المختلفة المتفقة في مالك

الحكم، كعنوان المقدمية و الضدية و نحوهما.و فيه: أن جميع العناوين المذكورة في الكبريات الشرعية إنما يراد بها

______________________________.1 من أبواب الوضوء حديث: 1 باب: 1( الوسائل ج: 1 )

431، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الحكاية عن المصاديق، و ال خصوصية لعنوان الوفاء في ذلك، لكن ذلك ال ينافي

دخلها في الحكم بنحو يلزم إحرازها باألصل، بحيث ال بد من إحراز المصداق باألصلمن حيثيتها، ال بذاته، كما تقدم.

و أما ما ذكره من أن عنوان الوفاء منتزع من األفراد المذكورة، فإن أراد به أن تعلق الحكم به بلحاظ وجوده الخارجي الذي ال يكون إال بوجود الفرد. فهو يجري في

كل عنوان يؤخذ في كبريات األحكام الشرعية. و إن أراد به سوقه لمحض الحكاية عن األفراد من دون أن يكون دخيال في الحكم، و ليس الدخيل في الحكم إال األفراد

بعناوينها الخاصة، فيكفي إحرازها باألصل بنفسها من دون حاجة إلى إحرازهكما يناسبه تنظيره بالمقدمية و الضديةفهو خروج عن ظواهر األدلة، بل عما هو

المقطوع به منها من دخله فيه، كسائر العناوين المأخوذة في القضايا الشرعية، بلمطلق القضايا الحقيقية.

كيف؟! و الزمه عدم جريان األصل في نفس وجوب الوفاء أو موضوعه أو شرطه أو مانعة، كحصول النذر، و حل األب أو الزوج له و نحوهما مما يرجع إلى كبرى وجوب

الوفاء. و ال مجال لقياسه بعنوان المقدمية و الضدية، لوضوح عدم أخذها في موضوع الحكم في أدلة شرعية، و إنما استفيد ثبوت الحكم الشرعي لهما بحكم

العقل الذي ال نظر له إال إلى المصداق بنفسه، و ليست المقدمية أو الضدية إال جهةتعليلية أو انتزاعية.

Page 248: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

فلعل األولى أن يقال: ال يتوقف جريان األصل على أن يكون مجراه مأخوذا في كبرى شرعية، بل يكفي كونه موضوعا لألثر الشرعيليدخل في ما تقدم من أن

التعبد بالموضوع يستتبع التعبد بأثرهسواء كان ذلك مفاد الكبرى الشرعيةكاستصحاب زوجية المرأة إلحراز وجوب اإلنفاق عليها، أو عدم حل الزوج

لليمين إلحراز نفوذهأم مستفادا من انطباق الكبرى على الصغرى، كما في المقام ونحوه مما كانت الصغرى فيه قضية، و كان المستفاد من الكبرى

432، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج نفوذها و جعل مضمونها شرعا، حيث يرجع ذلك إلى قيام األثر شرعا بالموضوع

المأخوذ في القضية المذكورة بخصوصياتها العنوانية، فإذا أحرز ذلك الموضوع ترتبأثره.

و ذلك ألن مفاد كبرى وجوب الوفاء بالنذر و العقد و الشرط مثال هو إمضاء مفاد النذور و العقود و الشروط الواقعة من المكلفين، و جعل مضمونها شرعاتبعا إلنشائه من موقعهابخصوصياته المجعولة في القضية المنشأة، فالقضية التي

يتضمنها النذر و العقد و الشرط و إن كانت مجعولة لمنشئها بدوا، إال أنها بسبب نفوذها المستفاد من كبرى األمر بالوفاء تكون مجعولة شرعا، كالكبريات الشرعية، و اآلثار التي تتضمنها تبعا لموضوعاتها آثار شرعية يجري االستصحاب بلحاظها. بل هي في الحقيقة بسبب اإلمضاء المذكور كبريات شرعية، كسائر القضايا المجعولة

شرعا، و تشاركها في آثارها. و بذلك يظهر أنه ال حاجة إلى توسط عنوان الوفاء بين المستصحب و األثر، بل

المستصحب بنفسه موضوع لألثر شرعا، فيخرج عن األصل المثبت.األمر الثالث: ]الكالم في االستصحابات العدمية[

تقدم أن استصحاب الحكم التكليفي إنما يجري بلحاظ ترتب العمل عليه بال واسطة، و أن استصحاب الحكم الوضعي أو الموضوع الخارجي إنما يجري بلحاظ ترتب أثره

الشرعي بضميمة المالزمة العرفية بين التعبد بالشيء و التعبد بأثره.و من هنا قد تشكل االستصحابات العدمية في موردين:

األول: استصحاب عدم التكليف،حيث قد يستشكل فيه بوجهين:

أحدهما: أن عدم التكليف ليس مجعوال شرعا، فإن المجعول هو األحكام الخمسةدون عدمها، و إال كانت األحكام عشرة.

و قد دفع ذلك المحقق الخراساني قدس سره بأن عدم التكليف و إن لم يكن433، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

حكما شرعيا إال أنه تابع للشارع، ألن سلطنته على جعل الحكم تستلزم سلطنته على عدمه، و هو كاف في جريان االستصحاب بعد عموم النهي عن نقض اليقين

بالشك. هذا و ال يخفى أن اإلشكال و الدفع مبنيان على أن مفاد األصول التعبدية- و منها

االستصحابجعل الحكم المماثل ظاهرا. و قد أشرنا في أوائل هذا الفصل إلى ضعف المبنى المذكور، و أن مفادها هو التعبد بالمؤدى و لزوم البناء عليه، و هو ال يختص باألحكام الشرعية، و ال بما يكون تحت سلطان الشارع، بل يجري حتى في األمور

الخارجية التي ال دخل للشارع بها.

Page 249: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

غايته أنه ال بد من ترتب العمل عليه، و هو حاصل في المقام، إذ كما يترتب العمل على استصحاب التكليف، بلحاظ أن التعبد الشرعي بالتكليف كاف في المنجزية

المستتبعة للزوم موافقته عقال، كذلك يترتب على استصحاب عدم التكليف، بلحاظأن التعبد بعدم التكليف كاف في المعذرية المستتبعة لعدم وجوب موافقته عقال.

ثانيهما: ما يظهر من شيخنا األعظم قدس سره من أن العمل إنما يترتب على استصحاب عدم التكليف بلحاظ مالزمة عدم التكليف لإلذن و الترخيص في الفعل أو

الترك، فيبتني على األصل المثبت. لكنه مبني على أصالة الحظر عقال، و أن الرافع الستحقاق العقاب هو الترخيص، فال

معذرية إال بإحرازه. و هو خالف التحقيق، بل األصل اإلباحة عقال، و أن استحقاق العقاب مشروط بمنع الشارع، فإحراز عدم التكليف و عدم المنع الشرعي كاف في

المعذرية. فالحظ.الثاني: استصحاب عدم الموضوع للحكم الشرعي،

سواء كان أمرا خارجياكالقتلأم شرعياكالنجاسةألن األثر ليس للعدم المستصحب،بل للوجود، غاية األمر أن عدم الموضوع مالزم واقعا لعدم ترتب حكمه، فيبتني

434، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج على األصل المثبت. نعم لو كان العدم بنفسه مأخوذا في موضوع الحكم الشرعي

أمكن استصحابه ليترتب حكمه. و يندفع بأنه كما يكون التعبد بوجود الموضوع مستتبعا عرفا للتعبد بحكمه، كذلك

يكون التعبد بعدم الموضوع مستتبعا عرفا للتعبد بعدم حكمه، و كما ال يبتني العملفي األول على األصل المثبت، ال يبتني عليه في الثاني.

األمر الرابع: ال يعتبر في خروج األصل عن كونه مثبتا كون مجراه تمام الموضوعالشرعي لألثر الشرعي، أو تمام المنشأ للعمل عقال،

بل يكفي دخله فيه بعنوانه بنحو من أنحاء الدخل، جزءا كان أو شرطا أو مانعا أوغير ذلك.

و يكفي في وجه ذلك تطبيق كبرى االستصحاب في صحيحتي زرارة على الطهارة الحدثية و الخبثية مع وضوح أن المستصحب ال يكفي في ترتب األثر المهم، و هو

صحة الصالة، بل ال بد معه من شروط و أجزاء أخر ال يحرزها االستصحاب المذكور،بل ال بد من إحرازها بالوجدان، أو بأصل آخر.

و من هنا تكرر في كالمهم أنه ال بأس بضم الوجدان لألصل في إحراز موضوع األثر،و ال يكون األصل مثبتا بعد كون المستصحب بعنوانه دخيال في األثر.

و إنما يكون مثبتا إذا كان الدخيل في األثر هو العنوان الالزم أو المنتزع من جملة أمور بعضها مجرى األصل، كما لو كان موضوع األثر هو وجود عشرة رجال في

الدار، و علم بدخول تسعة و شك في وجود زيد معهم بعد العلم بسبق وجوده فيها، فإن استصحاب بقائه ال ينفع في ترتب األثر المذكور بعد عدم دخله بعنوانه فيه، و

إنما الدخيل عنوان العشرة الالزم للمستصحب. و كذا لو كان435، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

موضوع األثر هو ارتفاع زيد على عمرو في المكان، و علم بسبق وجود زيد في المكان العالي ثم علم بدخول عمرو في المكان األسفل بعد احتمال خروج زيد من

Page 250: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

مكانه، فإن استصحاب بقاء زيد في مكانه ال يكفي في ترتب األثر المذكور بعد عدمدخله فيه بعنوانه، و إنما الدخيل عنوان االرتفاع في المكان الالزم للمستصحب.

األمر الخامس: يكفي في جريان االستصحاب أن يكون لبقاء المستصحب أثر فيمقام العمل،

سواء كان تعلق العمل به حين الشك في البقاء- كما في استصحاب طهارة الثوب إلحراز مشروعية الدخول في الصالة بهأم بعدهكما في موارد الشك في تأخر

الحادثأم حين اليقين بالحدوثكما في استصحاب بقاء الدم ثالثة أيام لترتيب آثار الحيض بمجرد رؤيتهأم قبله، كما لو وجب تهيئة الطعام للزائر إن كان يبقى إلى

الظهر، و علم يوم الخميس بمجيئه صباح الجمعة و شك في بقائه إلى الظهر. فإن استصحاب بقائه إلى الظهر موجب لتنجز وجوب تهيئة الطعام، و لو بإعداد مقدماته

المفوتة. كل ذلك لعموم دليل االستصحاب، بعد تحقق أركانه من اليقين بالحدوث و الشك في البقاء و ترتب العمل الرافع للغوية. و على ذلك يبتني ما ذكره غير واحد من

جريان االستصحاب في األمور المستقبلة. و دعوى: انصراف عموم االستصحاب لصورة فعلية المشكوك و لو بلحاظ مورد النصوص. مدفوعة بمنع االنصراف المذكور. و ال سيما بعد كون القضية ارتكازية

شاملة للجميع. كيف و الزم ذلك اختصاصه بالصورة األولى، و عدم جريانه في الصورة الثانية، للعلم بارتفاع المشكوكو هو عدم الحادث- فيها حين إرادة ترتيب األثر. و إلحاقها وحدها دون األخيرتين بالصورة األولى تحكم بعد اختصاص المورد

بالصورة األولى، و اشتراك الجميع في الدخول تحت العموم االرتكازي.436، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

األمر السادس: اشتهر في كالم المتأخرين الفرق بين األمارة و األصل في الحجيةفي الزم المؤدى،

كما أشرنا إليه آنفا. و قد تصدى غير واحد لبيان وجه الفرق بينهما في ذلك. فقد ذكر بعض األعاظم قدس سره لذلك وجها طويال أسهب في ذكر مقدماته. و حاصله: أن مفاد أدلة

اعتبار األمارة تتميم كشفها و جعلها علما تعبدا باإلضافة إلى المؤدى، فتترتب عليها آثار العلم به، فكما كان العلم الحقيقي بشيء مثبتا آلثاره و لوازمه و ملزوماته مهما

تعددت الوسائط، فكذلك قيام األمارة عليه. بخالف األصل فإن أدلة اعتباره ال تقتضي إال التعبد بمؤداه، دون لوازمه، من دون أن تقتضي تتميم كشفه و جعله

علما، ليشارك العلم في ذلك. و فيه أوال: أنه ليس مفاد دليل اعتبار األمارة تتميم كشفها و ال جعلها علما تعبدا، بل مجرد جعل حجيتها، كما تقدم في مقدمة علم األصول، و يأتي في مباحث التعارض

عند الكالم في وجه تقديم الطرق على األصول إن شاء الله تعالى. و ثانيا: أن إثبات العلم بالشيء لجميع آثاره و لوازمه إنما هو بضميمة التالزم خارجا

بين العلم بالشيء و العلم بالزمه مع االلتفات للمالزمة، و التالزم المذكور مختص بالعلم الحقيقي، دون العلم التعبدي المدعى، بل هو تابع لدليل التعبد، فمع فرض

اختصاصه بالمؤدى ال وجه للتعدي لالزمه.

Page 251: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و لذا ال إشكال في إمكان التفكيك في حجية األمارة بين المتالزمات، الختصاص دليل الحجية ببعضها، كما في الظن بالقبلة الذي ال يلزم من حجيته حجية الظن

بالوقت و إن استلزمه، و كما في اإلقرار. أما المحقق الخراساني قدس سره فقد ذكر أن األمارة لما كانت مبنية على الحكاية

فهي كما تحكي عن المؤدى تحكي عن أطرافه من ملزومه و لوازمه و آثاره،437، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و مقتضى إطالق دليل حجيتها لزوم تصديقها في تمام ما تحكي عنه، بخالف األصل، فإن اعتباره ال يبتني إال على محض التعبد الملزم باالقتصار على مورده و هو

المؤدى، و التعدي إلى أثره الشرعي إنما هو بضميمة المالزمة بين التعبد بالشيء والتعبد بأثره، فيلزم االقتصار على مورد المالزمة المذكورة، و هو األثر الشرعي.

و ما ذكره راجع إلى إمكان حجية األمارة في الزم مؤداها تبعا إلطالق دليل حجيتها. و هو في محله لو فرض تمامية اإلطالق بأن يستفاد منه حجية األمارة في تمام ما

تكشف عنه، و لو بضميمة المالزمة بين الظن بالشيء و الظن بالزمه. لكن الظاهر عدم تمامية ذلك أوال: ألن مبنى حجية األمارة غالبا على إفادتها للظن نوعا، و ربما تكون اللوازم شخصية اتفاقية، و ليست لوازم نوعية لتكشف األمارة

عنها نوعا. و ثانيا: ألنه لو فرض كاشفيتها عنها بالوجه المعتبر فيها، إال أنه قد ال يكون لدليل حجيتها إطالق يقتضي حجيتها في تمام ما هي كاشفة عنه و موجبة للظن به، بل

يؤخذ في دليل حجيتها عناوين و جهات خاصة ال تنطبق على اللوازم. فحجية اإلقرار تختص بالحق الثابت على المقر، و حجية اليد تختص بالملكية ... إلى غير ذلك مما

يختص بجهة خاصة من دون أن يعم الالزم. و لو فرض عموم دليل الحجية لالزم في مورد كانت حجة فيه بال كالم، و خرج عما

نحن فيه، إذ ال يراد بالمؤدى إال ما قام الدليل على حجية األمارة فيه، و إال فال معنى لكون الملكية مؤدى لليد لو ال حجيتها عليها. و محل الكالم إنما هو استفادة حجية

األمارة في الالزم لمحض مالزمته لما هي حجة فيه، ال لقيام الدليل على حجيته فيهبالخصوص، و إثبات ذلك في غاية اإلشكال، بل المنع.

438، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج نعم مؤدى الكالم و الخبر هو مضمونه المحكي به المسوق له و إن لم يكن حجة

فيه. و من هنا قد ينزل ما ذكره المحقق الخراساني قدس سره على خصوص ما كان مبنى طريقيته على حكايته و أدائه للمراد و إبرازه لهكالخبر و نحوهدون ما يبتني

على مجرد الكاشفية، كاليد باإلضافة إلى الملكية. بدعوى: أن مثل ذلك كما يحكي عن المؤدى يحكي عن الزمه، فإطالق دليل وجوب التصديق فيه يقتضي تصديقه في

تمام ما يحكي عنه و إن كان مدلوال التزاميا له. لكنه يشكل أيضا أوال: بأنه قد ال يكون لدليل الحجية إطالق في وجوب التصديق،

ألخذ عنوان خاص فيه ال ينطبق على تمام ما يحكي عنه، كاإلقرار، فإن مفاد دليل حجيته جوازه على المقر، و هو ال يقتضي إال إلزامه بثبوت الحق عليه، ال تصديقه

في غيره مما يحكي عنه الخبر و إن كان هو المؤدى المطابقي له.

Page 252: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و ثانيا: بأن موضوع التصديق لما كان هو الخبر و النبأ و الشهادة و نحوها، اختص بما يكون مخبرا عنه، و قد ساق المتكلم الكالم لبيانه و إن كان مدلوال التزاميا، دون

غيره من اللوازم الواقعية التي لم يقصد المتكلم بيانها بالكالم.و من ثم ال مجال للبناء على عموم حجية األمارة في الالزم.

نعم قد يتجه ما ذكروه في الخبر، ألن األدلة و إن اشتملت على عنوان التصديق و النبأ و الخبر و نحوها مما يختص بما يقصد المتكلم اإلخبار عنه، إال أن المستفاد منها لما كان هو إمضاء سيرة العقالء االرتكازية على العمل بخبر الثقة، و الجري على ما جروا عليه من عدم االعتناء باحتمال تعمد الكذب أو الخطأ، كان الالزم الرجوع في سعة موضوع الحجية إلى العقالء، و حيث كان بناؤهم على التعويل على الخبر في

اللوازمو إن لم يقصد المتكلم اإلخبار عنها439، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

- للتعويل عليه في المؤدى، كان الالزم البناء على عموم حجيتها شرعا أيضا، و عدمالجمود على عنوان التصديق و نحوه.

لكن ذلك مختص بخبر الثقة و نحوه، دون غيره مما ال تبتني حجيته على إمضاء سيرة العقالء، بل على حكم الشارع تعبدا بتصديق الخبر في خصوص مورد،

و غير«2 »، و تصديق البائع في الكيل«1 »كتصديق المرأة في العدة و الحيض ذلك. فضال عن ما لم يشتمل دليله على عنوان التصديق كاإلقرار أو كانت حجيته

ببناء العقالء في أمر خاص كاليد التي هي أمارة على الملكية فإن الالزم في جميعذلك الرجوع لمقتضى األدلة سعة و ضيقا، و ال ضابط لذلك.

و بهذا يظهر أن البناء على حجية االستصحاب بما أنه موجب للظن نوعا، ببناء العقالء، بحيث يكون من األمارات ال يستلزم حجيته في الزم مؤداهو إن كان ظاهر

بعضهم ذلكإلمكان اقتصار العقالء في العمل بالظن المذكور على خصوص مؤداه، وهو بقاء األمر المتيقن سابقا، دون لوازمه.

تلخيص و تتميم قد ظهر من جميع ما تقدم أن التعبد بالشيء بنفسه في األمارة و األصل ال يقتضي

التعبد بلوازمه غير الشرعية، و ال بما يترتب عليها من اآلثار الشرعية، إال أن يدل الدليل عليه بالخصوص، لعموم دليل الحجية للوازم، كما تقدم في بعض األمارات، و

ذلك قد يحصل في بعض األصول، كما لعله يأتي. و كذا إذا ورد التعبد في خصوص مورد ينحصر فيه األثر بذلك، حيث يتعين االلتزام به دفعا للغوية، بخالف ما إذا كان

الدليل هو اإلطالق، حيث ترتفع اللغوية فيه______________________________

من أبواب العدد من كتاب الطالق.24 باب: 15( راجع الوسائل ج: 1 ) من أبواب عقد البيع و شروطه.5 باب: 12( راجع الوسائل ج: 2 )

440، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج بتنزيله على خصوص الموارد التي يكون لألمر المتعبد به أثر شرعي بال واسطة أو

بواسطة أثر شرعي. كما أن إطالق التعبد بالشيء يقتضي التعبد بجميع آثاره الشرعية بضميمة المالزمة العرفية التي تقدم التعرض لها آنفا. إال أن هذا ال يمنع من العمل بالدليل الخاص إذا

اقتضى التفكيك بين اآلثار المذكورة و عدم التعبد ببعضها، مثل ما قيل من ثبوت

Page 253: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الضمان بشهادة رجل و امرأتين بالسرقة دون الحد. بل قد يقوم الدليل على التفكيك بين أجزاء المؤدى في الحجية، كما تضمنت النصوص ثبوت الوصية بشهادة

أربع نساء، و ثبوت ربع منها بشهادة امرأة واحدة بها فالحظ. و الحمد لله ربالعالمين.

441، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج المبحث الثالث في الموارد التي وقع الكالم في تمامية أركان االستصحاب و

شروطه فيها بعد أن تعرضنا في المبحثين األولين إلى أدلة االستصحاب و مفاده، و تحديد كبراه و

أركانه و شروطه، يقع الكالم في هذا المبحث في تمامية األركان و الشروط فيبعض الموارد لخصوصيات فيها أوجبت الخالف فيها.

و هو يقع في ضمن فصول ..الفصل األول في استصحاب العدم األزلي

حيث تقدم في ذيل الكالم في األصل المثبت جريان استصحاب األمور العدمية، فيقع الكالم هنا في استصحاب العدم األزلي، و هو العدم بلحاظ حال ما قبل وجود

الموضوع، فإن موضوع األثر قد يكون هو ثبوت العرض للموضوع و انتسابه له بمفاد كان الناقصة، أو عدم ثبوته كذلك، كما لو ورد: إذا كانت المرأة قرشية فيأسها من الحيض ببلوغها ستين سنة، أو: إذا لم تكن قرشية فيأسها ببلوغها خمسين سنة. و حينئذ هل يمكن استصحاب عدم العرض بلحاظ حال ما قبل وجود الموضوع بنحو

السالبة بانتفاء الموضوع، فيستصحب عدم كون المرأة قرشية بلحاظ حال ما قبل وجودها إلحراز أن يأسها ببلوغها خمسين سنة، ال ببلوغها ستين سنة؟ وجهان:

أظهرهما األول،442، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

لتمامية أركان االستصحاب و شروطه، لليقين بانتفاء النسبة قبل وجود الموضوع و الشك في ثبوتها عند تحققه، فيستصحب العدم المذكور، و يترتب أثره. و هو

المطابق لما هو المرتكز عرفا من أن العدم هو األصل، الذي يكفي في البناء عليهعدم الدليل على الثبوت.

هذا و قد منع غير واحد من ذلك. و قد استدل لهم بوجوه نقتصر منها على وجهين: األول: أن العدم األزلي المتيقن مغاير للعدم المشكوك المقارن لوجود الموضوع،

الستناد األول لعدم الموضوع، و الثاني ألمر آخر. و فيه: أن تعدد المنشأ و العلة ال يوجب تعدد المعلول عرفا، و ال دقة، بل المعيار في الوحدة استمرار األمر الواحد و بقاؤه، و إن استند حدوثه لعلة، و بقاؤه لعلة

أخرى. الثاني: أن المعتبر في موارد التقييد بالعدم هو العدم النعتي المأخوذ وصفا

للموضوع، و الذي هو مفاد الموجبة المعدولة المحمول، التي ال تصدق إال بعد وجود الموضوع، و ال يكفي في إحرازها استصحاب مفاد السالبة بانتفاء الموضوع، إال بناء

على األصل المثبت. و الوجه في كون المعتبر في موارد التقييد هو العدم النعتي: أن تقييد موضوع الحكم بالعرضو منه األمر العدميال يراد به محض تقارنهما في

الزمان، ليكفي استصحاب العرض بمفاد كان التامة إلى حين وجود الموضوع، بل يرجع إلى تخصيص الموضوع بخصوص الحصة المتصفة بالعرض، الستحالة إطالق

Page 254: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الموضوع مع التقييد بوجود عرضه، للتدافع بين اإلطالق و التقييد المذكورين، فإذا كان العرض عدميا لم يكن االتصاف به إال بمفاد الموجبة المعدولة المحمول، التي

يكون العدم فيها نعتيا.443، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و فيه: أن التقييد باألمر العدمي على نحوين »أحدهما«: التقييد بمفاد السالبة المحصلة المحمول، الذي هو نقيض مفاد الموجبة بمفاد كان الناقصة، كما في قولنا:

إذا لم يكن زيد فاسقا فأكرمه، أو: يجب إكرام العالم الذي ليس بفاسق »ثانيهما«: التقييد بمفاد الموجبة المعدولة المحمول، الذي يقابل مفاد الموجبة بمفاد كان

الناقصة تقابل الملكة و عدمها، كما في قولنا: إذا كان زيد غير فاسق فأكرمه، أو: يجب إكرام العالم غير الفاسق. و إرجاع األول للثاني، بحيث ينحصر األمر بالثاني ال

وجه له، بل هو مخالف لمفاد األدلة. و من الظاهر أن ما يتوقف صدقه على وجود الموضوع هو الثاني، و ال يجري معه

استصحاب العدم األزلي قطعا. أما األول فهو يصدق قبل وجود الموضوع بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، و ال وجه لمنع جريان االستصحاب فيه بنحو العدم األزلي

بعد اليقين به سابقا و الشك الحقا، كما ال وجه إلرجاعه للثاني بعد اختالف مفادهما.بقي شيء ]في تحديد موارد استصحاب العدم األزلي[

و هو أن استصحاب العدم األزلي إنما يجري لنفي ما هو من عوارض وجود الموضوع في الخارج، بحيث يمكن نفيه عنه قبل وجوده بنحو السالبة بانتفاء

الموضوع، كبياض الجسم، و انتساب الشخص لقبيلة خاصة، و نحوهما. دون ما إذا احتمل كونه من ذاتياته كاإلنسانية و الحيوانية في الشبح المردد بين اإلنسان و غيره، أو من حدود الوجود الخارجي أو لوازمها، كالعدد الخاص أو الزوجية في

المجموعة المرددة بين األقل و األكثر، فإن جميع ذلك ال ينفك عن موضوعه حتىبلحاظ حال ما قبل وجوده، فال يقين بعدمه أزال، ليمكن استصحابه بلحاظه.

444، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالفصل الثاني في استصحاب األحكام الوضعية

حكي عن الفاضل التوني قدس سره القول بعدم جريان االستصحاب إال في األحكام الوضعية. لكن ال بمعنى جريانه في نفس الحكم الوضعيكالسببية و المانعية و

نحوهمابل في موضوع الحكم الوضعي، كالبلوغ الذي هو سبب للتكليف، و الطهارةالتي هي شرط للصالة، و الحيض الذي هو مانع منها.

فالتفصيل في الحقيقة بين موضوعات األحكام الوضعية و غيرها. و عمدة ما ذكره في وجهه: هو عدم عروض اإلجمال و الشك في بقاء الحكم

التكليفيالذي هو مورد للعملإال من جهة الشك في حدوث سببه أو شرطه أو مانعة،أو بقاء أحدهما، لوفاء األدلة بالجهات األخرى، فال يحتاج لالستصحاب.

و هو كما ترى، إلمكان الشك من جهات أخرى، إلجمال األدلة، كما لو شك في مفهوم السبب و تحديده، بأن شك مثال في مقدار السن الذي يتم به البلوغ، أو شك في كيفية سببية السبب، و أنه سبب حدوثا و بقاء أو حدوثا فقط، أو نحو ذلك، مما

ال مجال معه لالستصحاب في نفس السبب وجودا أو عدما، فيحتاج الستصحابنفس الحكم.

Page 255: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

نعم في المقام نزاع آخر، و هو النزاع في جريان االستصحاب في نفس األحكامالوضعية، كالسببية و الشرطية و المانعية و الملكية و الحجية و غيرها.

و منشؤه النزاع في أن األحكام الوضعية مجعولة بأنفسها أو منتزعة من األحكامالتكليفية، فيصح استصحابها على األول، و ال يصح على الثاني، إذ ال حقيقة

445، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج لها، لتكون موردا للعمل الذي هو الشرط في جريان االستصحاب. و يظهر الحال

في النزاع المذكور مما سبق منا في مقدمة هذا الكتاب من الكالم في حقيقةاألحكام الشرعية.

446، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالفصل الثالث في استصحاب الكلي و األمر المردد

من الظاهر أنه ال بد من كون المستصحب بعنوانه العام أو الخاص موردا لألثر. فإذا كان األثر للعام لزم استصحابه بعنوانه، و هو المراد باستصحاب الكلي. و إذا كان

األثر للخاص لزم استصحابه بعنوانه، و هو المراد باستصحاب الفرد. إال أن الكالم هنا يقع في بعض أقسام استصحاب الكلي و الفرد، لخصوصية فيها مع قطع النظر عما

تقدم.و الكالم في ذلك في مقامين:

المقام األول: في استصحاب الكلياعلم أنه بعد فرض كون موضوع الحكم هو الكلي

فللشك في بقاء الكلي أقسام ينبغي التعرض لها و لحكمها. القسم األول: الشك في بقاء الكلي للشك في بقاء فرده الذي علم بوجوده في

ضمنه سابقا. كما لو كان األثر لوجود اإلنسان في الدار، و علم سابقا بوجود زيد فيها، و احتمل

خروجه منها.و ال إشكال هنا في استصحاب الكلي و ترتب أثره، لتمامية أركان االستصحاب فيه.

القسم الثاني: الشك في بقاء الكلي لتردد الفرد الذي علم بوجوده في ضمنه سابقابين الطويل المعلوم البقاء و القصير المعلوم االرتفاع.

كما لو تردد اإلنسان المعلوم وجوده سابقا في الدار بين زيد و عمرو، و علم بأنه إذاكان زيدا فهو

447، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جباق، و إذا كان عمرا فهو قد خرج.

و الظاهر هناكما ذكر غير واحدجريان استصحاب الكلي أيضا، و ترتب أثره و إن لميحرز به أثر خصوص الفرد الطويل، لعدم تمامية أركان االستصحاب فيه.

و قد يستشكل فيه بوجهين: أحدهما: أن الكلي الطبيعي ال وجود له إال بوجود فرده، فموضوع األثر حقيقة هو

الفرد الذي يوجد الكلي ضمنه، فمع عدم جريان االستصحاب في الفردلعدم تمامية ركني االستصحاب فيه، لتردده بين مشكوك الحدوث و معلوم االرتفاعال مجال

لجريان االستصحاب في الكلي. و يندفع بأن المستصحب ليس هو الكلي بنفسه ال في ضمن فرد، بل الكلي في

ضمن الفرد المعلوم الحدوث. و عدم تمامية ركني االستصحاب في الفرد المذكور

Page 256: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

بكل من خصوصيتيه الفرديتين ال ينافي تماميتها في ذلك الفرد بما هو فرد للكلي وبعنوانه الذي صار به موضوعا لألثر.

نظير ما لو تردد الكلي في القسم األول بين فردين كل منهما محتمل البقاء، كما لو علم سابقا بوجود زيد أو عمرو في الدار و احتمل بقاؤه فيها على كال التقديرين،

حيث ال ريب في جريان استصحاب بقاء اإلنسان في الدار، و إن لم يتم ركنااالستصحاب في كل من الفردين بخصوصيته، لعدم اليقين بدخوله فيها.

ثانيهما: أن الشك في بقاء الكلي لما كان مسببا عن الشك في حدوث الفرد الطويل، كان استصحاب عدم حدوث الفرد المذكور حاكما على استصحاب الكلي، و

مانعا من ترتب العمل عليه.و يندفع بأن الفرد و الكلي متحدان حقيقة، و مختلفان عنوانا، من دون

448، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج ترتب بينهما خارجا، فضال عن أن يكون بينهما ترتب شرعي، فال وجه لحكومة األصل

الجاري في الفرد على األصل الجاري في الكلي، بل يتعين العمل باألصل الجاري في الكلي بعد كونه موضوعا لألثر، من دون أن يمنع منه األصل الجاري في الفرد

الطويل بخصوصيته. القسم الثالث: الشك في بقاء الكلي الحتمال وجود فرد آخر غير المتيقن مع العلم

بارتفاع المتيقن، كما لو علم بوجود اإلنسان سابقا في الدار في ضمن زيد، و علم بخروج زيد، لكن

احتمل بقاء اإلنسان لوجود عمرو فيها. و المعروف هنا المنع من جريان االستصحاب. و العمدة في وجهه: أن وجود الكلي

الطبيعي و إن كان بوجود فرده، إال أن وجوده في ضمن األفراد المتعددة ليس وجودا واحدا له، بل تتعدد وجوداته بتعدد أفراده، فال يكون الوجود المشكوك بقاء

للمتيقن، بل يكون مباينا له، فيمتنع االستصحاب. إن قلت: هذا إنما يتم باإلضافة للوجود الحقيقي المستند للعلل التكوينية الخارجية،

دون الوجود االنتزاعي السعي المنسوب للكلي بما هو على سعته، من دون نظر إلى تخصصه، و هو صرف الطبيعة، فإنه ال تكثر فيه بتعدد األفراد، بل يتحقق بصرف

الوجودالذي يصدق مع الواحد و المتعددو ال ينعدم إال بعدم جميع اإلفراد. و حينئذ يتعين جريان استصحاب الكلي في المقام بلحاظ وجوده السعي المذكور، الذي ال

يتعدد بتعدد األفراد. قلت: ال مجال الستصحاب الكلي بلحاظ الوجود السعي المذكور، ألنه أمر انتزاعي

ليس له ما بإزاء في الخارج، و ال يكون غالبا محط اآلثار و األغراض، و ليس محطها إال الوجود المحدود المتكثر بتكثر األفراد، حيث يكون ذلك قرينة عرفية على أن

موضوع األحكام الشرعية هو الوجود المحدود، ال الوجود السعي، و لذا كان المرتكزعرفا أن كل فرد موضوع مستقل يستند األثر له، فلو

449، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج تكثرت األفراد كان السبب متكثرا. فإن تعدد الحكم كان كل منها مؤثرا له، و إن اتحد كان مستندا ألسبقها وجودا و كان الباقي الغيا، و ال يكون السبب في ذلك

واحدا، و هو الوجود السعي غير القابل للتكثر.

Page 257: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

نعم قد يستفاد من األدلة كون الموضوع الشرعي هو الكلي بما له من الوجود السعي، لمناسبات و قرائن خاصة مخرجة عما سبق، كعنوان الجدة و اليسار الموضوع لبعض األحكام، فإنه متقوم بملكية الشخص للمال من دون مالحظة

خصوصية األموال، فيستمر عرفا مع تعاقبها، ألن المناسبات االرتكازية تقتضي بأن اعتباره ألجل كونه منشأ للقدرة و المكنة التي ال تقوم بخصوصياتها، و ال تتكرر

بتعددها و ال بتعاقبها. و حينئذ ال مانع من استصحاب الكلي فيستصحب يسار الشخص وجدته للمال مثال بما لها من الوجود السعي المستمر و لو مع تعاقب

األموال، و إن علم بخروج شخص المال الذي كان عنده سابقا عن ملكيته. و أظهر من ذلك ما إذا كان الموضوع معنى بسيطا قائما باألفراد أو مالزما لها،

كعنوان القبيلة، كما إذا قيل: إن كان الحكم آلل فالن وجبت الصدقة في كل جمعة، بأن يراد بذلك استحقاقهم الحكم قانونا، أو استسالم الناس لهم إذ المعنى المذكور ال يتوقف على فعلية وجود الحاكم منهم، بل يصدق لو مات الحاكم منهم قبل تعيين

غيره. فيتجه استصحاب بقاء الحكم لهم، و لو مع العلم بعدم بقاء الحاكم المتيقن سابقا. بل ليس هذا من استصحاب الكلي، ألن العنوان الذي هو موضوع األثر

شخصي.بقي في المقام أمران:

أولهما: أنه ال يفرق فيما ذكرنا بين كون الفرد المحتمل مقارنا للفرد المتيقنالمعلوم ارتفاعه ]و كونه مرتبا عليه[

- بأن اجتمع معه في الوجود ثم بقي بعدهو كونه مترتبا450، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

عليه، بأن لم يجتمعا معا، بل حدث المحتمل عند ارتفاع المتيقن من دون أن يتخللالعدم بينهما.

و دعوى: أنه في الصورة األولى يحتمل بقاء الكلي بعين الوجود السابق المتيقن، البوجود آخر، لفرض احتمال وجود الفرد اآلخر من أول األمر.

مدفوعة بأن ذلك إنما يتم بلحاظ الوجود السعي للكلي، أما الوجود الحقيقي المتكثرالذي سبق أن االستصحاب إنما يصح بلحاظهفال مجال لذلك فيه، لوضوح أن الوجود المتيقن للكلي قد علم بارتفاعه، و إنما يحتمل بقاء الكلي في فرد ال يقين

بوجوده سابقا.ثانيهما: ]الكالم في استصحاب األمور المشككة لو احتمل بقاؤها مع تبدل حدودها[

أن شيخنا األعظم قدس سره قد حكم بجريان االستصحاب فيما إذا كان الفرد المشكوك مباينا للفرد المتيقن حقيقة، لكن العرف يتسامح فيه فيعده متحدا معه و استمرارا لوجوده و بقاء له. و ذلك منه قدس سره للبناء على االكتفاء في موضوع

االستصحاب بالتسامح العرفي، الذي سبق منا المنع منه عند الكالم في موضوعاالستصحاب.

نعم مثل قدس سره لذلك بما إذا علم بوجود السواد الشديد ثم علم بتبدله إما بسواد أضعف أو بالبياض. أو كان الشخص في مرتبة من كثرة الشك و تردد األمر

بين زوالها و تبدلها بمرتبة أضعف، و حكم في المثالين بجريان استصحاب السواد، وكثرة الشك.

Page 258: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

لكن الظاهر أن االتحاد في المثالين المذكورين و نحوهما حقيقي ال تسامحي، ألن المرتبة الضعيفة موجودة في ضمن المرتبة الشديدة بذاتها، و إن اختلفت عنها

بحدها، فتبدل حدود األمور المشككة ال يوجب تبدل ذواتها، ليكون من تبادل الفردين، بل هو من سنخ تبدل الحاالت الزائدة على الذات ال يمنع من صدق البقاء

عليها حقيقة بلحاظ بقاء ما به االشتراك بعينه، فالمقام من القسم األول الستصحابالكلي الذي تقدم عدم اإلشكال في جريانه.

451، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالمقام الثاني: في استصحاب األمر المردد

ال بد في استصحاب الكليبما له من األقسام المتقدمةمن كون موضوع األثر هو الجهة الجامعة بين األفراد بما لها من الحدود المفهومية مع اجتماع ركني االستصحاب فيهامن اليقين و الشكبتلك الحدود. و عليه يبتني عدم جريان

االستصحاب في موردين:األول: المفهوم المردد،

بأن كان الشك في بقاء المفهوم الكليالذي هو موضوع األثرناشئا من تردده و إجماله، كما إذا تردد مفهوم العادل بين مجتنب الكبيرة فقط و مجتنب جميع

الذنوب، و كان زيد مجتنبا للجميع ثم ارتكب الصغيرة. فإنه ال مجال حينئذ الستصحاب عدالته و إن اجتمع اليقين و الشك في صدق عنوان العادل عليه، ألن

موضوع اآلثار ليس هو صدق العنوان و صحة إطالقه، بل منشأ انتزاع العنوان و الواقع الذي يحكي عنه، فال بد من اجتماع ركني االستصحاب في منشأ انتزاعه، و

المفروض عدمه في المقام، ألن المعنى األول معلوم البقاء و المعنى الثاني معلوماالرتفاع، و كل منهما ال يعلم بأنه موضوع األثر.

نعم ال يعتبر اليقين و الشك التفصيليان، بل يكتفى باإلجمالي منهما، إلطالق دليلهما، كما لو علم بوجود منشأ انتزاع العنوان الذي هو موضوع األثر على إجماله، و شك

في بقائه كذلك. مثال إذا علم بأن زيدا عادلبأي معنى فرضو شك في صدور ذنب منه يخرجه عن العدالة، فإنه يصح استصحاب عدالته على إجمالها، ألن المشكوك عين

المتيقن و إن كان مجمال.الثاني: الفرد المردد،

بأن ال يكون األثر للكلي الجامع بين الفردين، بل للفرد بما له من الحدود الواقعية المميزة له عن غيره، و ال يكون بتلك الحدود موردا لليقين و الشك التفصيليين، و ال

اإلجماليين، و إن كان العنوان الحقيقي أو االنتزاعي المنطبق على الفردين موردالهما، كعنوان »أحدهما« أو

452، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جعنوان »العالم«.

كما لو نذر المكلف بأن يتصدق كلما اشغل زيد الدار يوما، و حلف أيضا أن يتصدق كلما اشغلها عمرو يوما، و علم بدخول أحدهما يوم الجمعة، و أنه إن كان زيدا فهو

باق يوم األحد، و إن كان عمرا فهو خارج يوم السبت، فإنه ال مجال الستصحاب اشغال الدار من قبل أحدهما، أو العالملو كانا معا عالمين- على إجماله إلى يوم

األحد من أجل وجوب التصدق لذلك اليوم، لعدم تمامية ركني االستصحاب في كل من الخصوصيتين، و الجامع المشترك بينهما الذي هو مورد لليقين و الشك ليس

Page 259: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

موردا لألثر. بل استصحاب عدم دخول زيد الدار بضميمة العلم بعدم بقاء عمرو فيهايوم األحد يقضي بعدم وجوب الصدقة لذلك اليوم.

نعم لو علم بدخول أحدهما إجماال و احتمل بقاء الداخل منهما على كال التقديرين اتجه استصحاب بقاء الداخل على إجماله، لما سبق من عموم اليقين و الشك

لإلجماليين.453، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الفصل الرابع في استصحاب األمور التدريجية و هي األمور التي توجد تدريجا بتعاقب أجزائها، بحيث ال يوجد جزء منها إال بعد انعدام جزء آخر، كالكالم و القراءة و السير و الحركة و األكل و جريان الماء و

غيرها. و قد يستشكل في جريان االستصحاب فيها بعدم اجتماع ركنيه فيها، ألن ما علم

حدوثه سابقا من أجزائها معلوم االرتفاع، و غيره مشكوك الحدوث، فاألصل عدمه،و ال يمكن فيها فرض أمر واحد معلوم الحدوث مشكوك البقاء.

لكنه يندفع بأن بقاء كل شيء بحسبه، و بقاء األمور التدريجية إنما هو بتعاقب أجزائها، حيث يصح عرفا نسبة الوجود لألمر التدريجي بما أنه أمر واحد بلحاظ

تعاقب أجزائه بالنحو المذكور. فإذا كان موضوع األثر هو األمر المذكور بما له من وحدة اعتبارية، الذي ال وجود له إال بهذا النحو، تعين جريان استصحابه، لتمامية

ركنيه فيه بلحاظ الوحدة المذكورة، و إن لم يتم ركناه في كل جزء بنفسه. و ليس ذلك مبنيا على التسامح العرفي في البقاء، الذي سبق منا عدم التعويل عليه، بل هو

مبني على البقاء الحقيقي لما يفهم من األدلة أنه موضوع األثر، حيث ال بقاء له إالبهذا النحو.

و منه يظهر عدم الفرق بين ما تكون وحدته عرفا باتصال أجزائه حقيقة و عدم تخلل العدم بينها أصالكجريان الماء من الميزابو ما تكون وحدته بتقارب أجزائه في الوجود مع تخلل العدم بينها دقةكالكالم و تقاطر الماء و المطرألن المعيار احتمال

بقاء موضوع األثر العملي بالنحو الذي من شأنه أن454، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

يوجد عليه، و هو حاصل في الكل. نعم قد يكون البقاء تسامحيا فيما لو علم بانعدام الشيء في أمد قليل فيما تكون

وحدته باتصال أجزائهكجريان الماءو في أمد أكثر مما يغتفر فيما تكون وحدته بتقارب أجزائهكتقاطر الماءثم احتمل عوده. و ال يجري االستصحاب حينئذ. بل

الظاهر خروجه عن محل كالمهم. هذا و الظاهر جريان االستصحاب المذكور حتى مع العلم بانتهاء أمد المقتضي األول

و الشك في البقاء الحتمال تجدد مقتض آخر، كما لو علم بحدوث الداعي للمتكلم لقراءة سورة خاصة، و احتمل استمراره في القراءة لتجدد مقتض آخر لقراءة

سورة أخرى. ألن تعدد المقتضي ال ينافي وحدة المعلول إذا لم يتخلل العدم بينأجزائه.

و أما ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من منع جريان االستصحاب حينئذ لتعددالوجود عرفا. فهو ممنوع جدا، كما ذكرنا ذلك في نظائره.

Page 260: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و مثله ما ذكره المحقق الخراساني قدس سره من اإلشكال في استصحاب األمر التدريجي مع الشك في مقدار الموضوع، كما لو شك في جريان الماء للشك في

مقدار الماء الجاري، فضال عما إذا كان للشك في تعدد الموضوع، كما لو علم بانتهاء الماء األول و شك في كون تقاطر ماء آخر يخلفه. لعدم الشك في جريان ما علم

بجريانه سابقا، بل في جريان ماء آخر غير ما علم بجريانه، نظير القسم الثالث من استصحاب الكلي. و يختص جريان االستصحاب بما إذا علم بقاء الموضوع و شك

في بقاء العرض التدريجي، كما لو علم ببقاء الماء األول، و شك في انقطاع جريانه. وجه اإلشكال: أنه بعد فرض عدم دخل خصوصية الموضوع في األثر، و قيام األثر

باألمر التدريجي بنفسه، فالمتعين جريان االستصحاب، ألن تعدد455، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الموضوع ال يوجب تعدد األمر التدريجي بعد فرض اتصاله بتعاقب أجزائه، فإذا كان موضوع األثر جريان الماء في الساقية، فتعدد الماء ال ينافي وحدة الجريان و

استمراره.بقي شيء ]في استصحاب الزمان[

و هو أنه حيث تقدم جريان االستصحاب في األمور التدريجية، فالمتعين جريان االستصحاب في الزمان بما له من عناوين خاصةكاليوم و الليل و الشهر- إذا كانت موردا لألثر. كما يجري أيضا في الحدود الزمانيةكالزوال و غياب الشمس و طلوع

الفجرإذا كانت موردا لألثر أيضا، فيستصحب عدمها، كما هو الحال في سائرالحوادث المسبوقة بالعدم. و إنما المهم الكالم هنا في أمرين:

األمر األول: ]الكالم في استصحاب الزمان إلحراز ظرفيته للحوادث[ ما أشار إليه شيخنا األعظم قدس سره من أن استصحاب الزمان إنما ينفع فيما إذا

كان موضوع األثر هو وجوده بمفاد كان التامة، دون ما إذا كان موضوعه ظرفية الزمان زائدا على وجوده بمفاد كان الناقصة. فإذا كان الواجب مثال هو الصوم و

النهار موجود أمكن استصحاب النهار إلحراز االمتثال بالصوم المقارن له. أما إذا كان الواجب هو الصوم في النهار فاستصحاب النهار ال يحرز ظرفيته للصوم الواقع في

الزمان المشكوك حاله، ألن الظرفية أمر زائد على وجود النهار قائم به و بالصوم ال وجود له قبل وجودهما معا، و استصحاب النهار ال يحرزها إال بناء على األصل

المثبت، الستلزام بقاء النهار حين الصوم وقوع الصوم فيه. فهو نظير استصحاب بقاء الخيمة منصوبةلو شك في تقويضهاإلحراز كون الصالة في مكانها صالة في

الخيمة. كما أن استصحاب بقاء النهار ال يحرز كون الزمان الخاص الذي يقع فيه الصوم

نهارا، إال بناء على األصل المثبت، نظير استصحاب بقاء الكر في الحوض إلحرازكرية الماء الموجود فيه.

456، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و من هنا يشكل أمر االستصحاب في الموقتات مما كان ظاهر األدلة أخذ الزمان

فيه ظرفا للحكم الشرعي أو لمتعلقه. و قد تصدى غير واحد ممن تأخر عنه لدفع اإلشكال المذكور، و أكثر الوجوه التي

ذكروها راجع إلى إنكار الظرفية الزمانية. و لعل أيسرها عرضا ما ذكره سيدنا األعظم قدس سره من أن العناوين الزمانية لما كانت منتزعة من حوادث خاصة،

Page 261: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

كوجود الشمس في القوس النهاري الذي ينتزع منه النهار، و وجود القمر في الدور الخاص الذي ينتزع منه الشهر، و نحوهما، فمن الظاهر أن الحوادث المذكورة كسائر الحوادث التدريجيةكسير زيد و جريان النهرال معنى لكونها ظرفا لفعل

المكلف الذي هو حادث مثلها، بل ال بد من رجوع التقييد بها إلى أخذ محض وجودهابمفاد كان التامة من دون نظر لظرفيتها.

نعم األمد الموهوم ظرف لجميع الحوادث حتى ما كان منشأ للعناوين الخاصة،كحركة الشمس. إال أنه لم يؤخذ التقييد به في شيء من األدلة.

لكنه يشكل بأن العناوين المذكورة و إن كانت منتزعة من حوادث خاصة واقعة في األمد الموهوم، إال أنها ال تحكي عن نفس الحوادث، بل عما تقارنه من األمد الموهوم المفروض كونه ظرفا. فليس النهار مثال شروق الشمس، بل األمد

الموهوم المقارن للشروق، و كذا الحال في سائر العناوين الزمانية، كالشهر و الليلو نحوها، فيعود اإلشكال.

و لعل األولى أن يقال: ال حقيقة للظرفية الزمانية إال وجود الحادث مقارنا للزمان، و ليست هي كالظرفية المكانية مبنيةزائدا على ذلكعلى اشتمال الظرف على

المظروف و دخول المظروف في الظرف، الذي هو أمر حقيقي زائد على وجودهماو اقترانهما.

و لذا ال إشكال في أن تقييد الحادث بحصة من الزمانكاليوم و الشهرال457، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

يراد به كون الحصة المذكورة أوسع منه و مشتملة عليه، فإذا وجب إيقاع الصوم في النهار وجب استيعاب الصوم له، و ال يكتفى بصوم ما عدا طرفيه، و إذا وجب

إيقاع الصالة في نصف النهار الثاني كفى البدء بها عند أول جزء منه، و االنتهاء منهاعند آخر جزء منه.

كما ال فرق عرفا بين التقييد بالعنوان الزماني بما يظهر في الظرفيةمثل صم فيالنهارو التقييد بحديه بما يقتضي محض المقارنة بمثل قوله تعالى:

ن لكم الخيط األبيض من الخيط األسود من الفجر ثم أتموا ى يتبي و كلوا و اشربوا حتيل ، حيث يناسب ذلك رجوع أحدهما لآلخر.«1 »الصيام إلى الل

فالحظ.األمر الثاني: ]الكالم في إحراز خصوصيات أيام الشهر باالستصحاب[

أن استصحاب الشهر السابق و عدم الشهر الالحق في يوم الشك ال ينفع في إحراز كون اليوم المذكور آخر الشهر السابق، و ال كون اليوم اآلتي أول الشهر الالحق، و

ال ما بعده من األيام معنونة بعنوانها العددي. فاستصحاب بقاء شهر ذي القعدة يوم السبت مثال ال يحرز كونه آخره، و ال كون يوم

األحد أول شهر ذي الحجة، و ال كون يوم األحد اآلتي ثامنه يوم التروية ... و هكذا. بل جميع هذه العناوين و نحوها لوازم المستصحب، فال يحرزها االستصحاب

المذكور إال بناء على األصل المثبت. و قد سبق من شيخنا األعظم قدس سره توجيه ذلك بخفاء الواسطة، الذي جعله

من مستثنيات األصل المثبت، و سبق اإلشكال فيه كبرويا و صغرويا.

Page 262: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و يظهر من بعض األعاظم و بعض األعيان المحققين قدس سرهما توجيهه بأن أول الشهر و إن كان هو اليوم الذي يوجد الهالل في ليلته واقعا، إال أنه بهذا المعنى ليس

موضوعا لألحكام الخاصة من وجوب الصوم و اإلفطار و غيرهما، بل______________________________

.187( سورة البقرة اآلية: 1 )458، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

موضوعهاحسبما يستفاد من األدلةهو األول بمعنى يوم ليلة الرؤية، أو ما يكون بعد مضي ثالثين يوما من الشهر السابق، فمع عدم الرؤية يتعين ترتيب آثار األول و

الثاني و نحوهما على ما يطابق تمامية الشهر بال حاجة لالستصحاب. لكنه كما ترى، إذ ال مجال للخروج عن مفهوم األول و الثاني و نحوهما مما هو

موضوع األحكام الخاصة عن معناه العرفي التابع لوجود الهالل واقعا، لعدم الدليل عليه. كيف؟ و الزمه عدم مشروعية االحتياط في األحكام المذكورة لو احتمل ذلك،

و ال يظن التزام أحد به. و لعل األولى أن يقال: ال ينحصر الدليل في المقام بعمومات االستصحاب، ليدعى

عدم نهوضه بإثبات اللوازم المذكورة. بل الظاهر من بناء العرف و المتشرعة كون األصل في الشهر الهاللي التمامية بنحو تحرز جميع العناوين المذكورة تبعا لذلك. و المستفاد من نصوص إناطة الصوم و اإلفطار بالرؤية الجري على ذلك، فهي واردة

لبيان انحصار الخروج عن مقتضى األصل العرفي المذكور بالرؤية، و الردع عنتوهم الخروج عنه بغيرها.

و لذا جرى العرف و المتشرعة على ذلك في جميع المناسبات العرفية و الدينية قبل ظهور اإلسالم و بعده، من دون نظر لعمومات االستصحاب. فهو من موارد األصل المثبت التي دل الدليل عليها بالخصوص، و قد تقدم في آخر الكالم في

األصل المثبت أنه أمر ممكن في نفسه.459، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالفصل الخامس في استصحاب الحكم الشرعي

و ليس المراد به الحكم الكبروي اإلنشائي، الذي هو مفاد القضية الشرطية أوالحقيقية الراجعة إليها، فإنه يأتي الكالم في استصحابه في الفصلين اآلتيين.

بل المراد به الحكم الفعلي التابع لفعلية موضوعه، سواء كان الشك في بقائه للشبهة الموضوعية، كما لو شك في بقاء نجاسة الماء للشك في وقوع المطر عليه، أو شكت المرأة في بقاء وجوب الصالة عليها الحتمال طروء الحيض عليها في أثناء

الوقت قبل أن تصلي، أم للشبهة الحكمية، كما لو شك في طهارة الماء النجس المتمم كرا بطاهر، أو في وجوب قضاء الموقت إذا فات وقته، أم للشبهة

المفهومية، كما إذا شك في طهارة المتنجس بغسله في الماء الذي يحتمل كونه كرا للشك في تحديد الكر، أو شك في بقاء وجوب الصوم بعد سقوط القرص قبل

ذهاب الحمرة المشرقية، للشك في تحديد النهار شرعا بأحد األمرين.و قد استشكل في جريان االستصحاب فيه من وجهين:

الوجه األول: عدم اتحاد المشكوك مع المتيقن، ألن المتيقن هو الحكم المقيد بالزمان الخاص أو الحال الخاص المفروض انقضاؤه، فاستصحاب الحكم لما بعده إثبات لحكم آخر مباين له، و ليس هو من االستصحاب

Page 263: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

في شيء. و هذا بخالف األمور الخارجية كالعدالة و البياض، فإنها ال تقبل التقييد إذال معنى للتقييد في التكوينيات، بل ليس الزمان المتيقن إال ظرفا لها من دون أن

460، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جيكون قيدا مقوما لها، فال مانع من استصحابها و الحكم ببقائها في زمان الشك.

و من هنا رجع شيخنا األعظم قدس سره في المقام إلى ما جرى عليه في غيره- و تبعه فيه جماعةمن االكتفاء بالتسامح العرفي في صدق البقاء، فإذا كان الزمان

بنظر العرف مقوما للمتيقن و قيدا فيه يمتنع استصحابه، و إذا كان بنظرهم ظرفاغير مقوم له يجري االستصحاب.

مثال: إذا شك في وجوب تدارك الموقت بالقضاء بعد خروج الوقت أمكن استصحاب وجوبه بعد الوقت، لعدم كون الوقت مقوما للواجب عرفا، و إن كان هو قيدا له

دقة. كما أنه إذا تعذر بعض أجزاء الواجب، فإن كان المتعذر مقوما له عرفا لم يجر االستصحاب إلثبات وجوب الميسور، و إن لم يكن مقوما له عرفا كان مقتضى

االستصحاب وجوب الميسور. فيقال: كان الشيء الفالني واجبا فهو كما كان، و إن كان مقتضى النظر الدقي أن

المتيقن هو وجوب التام و المشكوك وجوب الناقص، و هما متباينان. أو يقال: كان الميسور واجبا تبعا لوجوب التام فهو كما كان، و إن كان مقتضى النظر الدقي التباين، ألن وجوب الميسور المتيقن تبعا للمقام ضمني، و وجوبه المحتمل بعد تعذر المقام استقاللي. على ما أشرنا إليه في التنبيه الثالث من

تنبيهات مبحث األقل و األكثر االرتباطيين. و هكذا الحال في نظائر ذلك من موارد التسامح العرفي في اتحاد المشكوك مع

المتيقن. لكن تقدم منا في تحقيق موضوع االستصحاب أنه ال مجال للتعويل على التسامح العرفي، بل ال بد من كون المشكوك بقاء حقيقيا للمتيقن بعد الرجوع لألدلة في

تعيينه و تحديده.461، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

نعم بمالحظة ما سبق هناك يظهر الضابط في جريان االستصحاب هنا. و حاصله: أن المعروض للحكمالذي هو موضوع القضية الحملية الحاكية عنهإن كان جزئيا خارجياكالثوب و الماء الخارجيين المعروضين للنجاسة و الملكيةامتنع تقييده

بالزمان أو الحال أو غيرهما، بل ال بد من كون ذلك كله ظرفا أو مقارنا له و لحكمه.و حينئذ يجري االستصحاب في الحكم.

و إن كان المعروض كلياكفعل المكلف الموضوع لألحكام التكليفية، و الكليات الذمية كالدين و العمل المستأجر عليه التي هي موضوع للملكيةكان قابال للتقييد. و

حينئذ إن أحرز أو احتمل تقييده بالخصوصية الزمانية أو نحوها امتنع استصحاب الحكم، لعدم اتحاد موضوع القضية المشكوكة مع موضوع القضية المتيقنة، أو عدم إحراز االتحاد. و إن أحرز إطالقه تعين كون الخصوصية المحتملة دخيلة في الحكم و

علة له، من دون أن تكون مقومة له، كما في موارد الشك في الرافع، و يتعينحينئذ جريان استصحاب الحكم.

Page 264: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

إن قلت: احتمال دخل الخصوصية في الحكم مستلزم الحتمال تقييده بها، فيمتنع استصحابه بعد ارتفاعها، ألن الحكم المقيد ال يقبل االستصحاب، و المطلق غير

متيقن الحصول من أول األمر. قلت: ال يكون اإلطالق و التقييد إال في الكبريات الشرعية المتضمنة لألحكام

الكبروية اإلنشائية، التي سبق أنها ليست موردا للكالم هنا، و أن الكالم هنا في الحكم الفعلي، و هو حكم جزئي شخصي ال يقبل اإلطالق و ال التقييد، بل كل

خصوصية تؤخذ في الكبرى الشرعية تكون علة له، ال يضر تخلفها بوحدته المقومةلالستمرار الذي يحرز باالستصحاب.

462، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الوجه الثاني: أن استصحاب الحكم في زمان الشك معارض باستصحاب عدمه

األزلي في الزمان المذكور، ألن العدم األزلي و إن علم بانتقاضه بجعل الحكم في الجملة مرددا بين االنقطاع و

االستمرار، إال أن المتيقن هو انتقاضه في الحصة األولى من الزمان، و هي زمان اليقين، دون الحصة الثانية، و هي زمان الشك. بل مقتضى االستصحاب بقاء العدم

األزلي المذكور في زمان الشك، و به يعارض استصحاب الحكم الثابت في زماناليقين إلى زمان الشك.

و يندفع بأنه مع تقييد الموضوع بالزمان أو الحال المتيقن ال يجري استصحاب ثبوت الحكم، كما سبق، بل يجري االستصحاب العدمي ال غير، و مع عدم تقييده بأن يكون

الموضوع واحدا متحققا في الحالين يجري استصحاب ثبوت الحكم، و ال يجري االستصحاب العدمي، النتقاض العدم األزلي لحكم الموضوع المذكور بثبوته في

الزمن السابق، و الشك إنما هو في استمراره في الزمان الالحق، الذي هو مقتضىاالستصحاب الوجودي، ال في وجود آخر، ليجري استصحاب عدمه أوال.

إن قلت: جعل الحكم في زمان الشك أمر مشكوك مسبوق بالعدم، و مقتضى االستصحاب عدمه. فيقال: لم يكن الحكم مجعوال في هذه الحصة من الزمان،

فيستصحب العدم المذكور. قلت: األثر العملي إنما يترتب على األحكام الشرعية، كالوجوب و الحرمة و الطهارة

و النجاسة، ال على جعلها بما هو فعل حقيقي للجاعل. فال يجري استصحاب عدمالجعل، لعدم األثر لمتعلقه، إال بناء على األصل المثبت.

على أن من المعلوم أن الحكم المستمر ال يستند وجوده في كل آن إلى463، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

جعل مباين لجعله في اآلن اآلخر، بل يكفي فيه جعل واحد يبتني على استمرار الحكم المجعول، فمع كون مقتضى االستصحاب الوجودي استمرار الحكم المجعول في الزمان المشكوك يترتب أثره، و ال يمنع منه العلم بعدم الجعل الخاص بالزمان

المشكوك، فضال عن استصحابه. فالحظ.464، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الفصل السادس في استصحاب أحكام الشرائع السابقةتمهيد

ال إشكال في إمكان نسخ األحكام الشرعية و العرفية و وقوعه.

Page 265: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و الظاهر رجوعه إلى رفع الحكم بعد ثبوته، نظير فسخ العقد، و حل النذر، فإن للحكم نحوا من الوجود االعتباري تابعا لمن بيده جعله و اعتباره، فكما كان له

تشريعه و جعله كان له رفعه و نسخه، كما يشهد بذلك الرجوع للمرتكزات العرفية. نعم إذا كان جاعل الحكم حكيما فال بد من غرض عقالئي له في جعل الحكم و

نسخه. و يكفي في ذلك ثبوت المصلحة في نفس جعل الحكم على نحو اإلطالق ال في متعلقه، ثم انتهاء أمد تلك المصلحة. بل إن أمكن في حقه الجهل أمكن أن

يكون مصحح جعل الحكم تخيل وجود المصلحة في نفس الحكم أو في المتعلق، ومصحح النسخ انكشاف الخطأ له في ذلك.

هذا و قد يدعى رجوع النسخ إلى التخصيص في األزمان و رفع اليد عن إطالق دليلهأو عمومه األزماني المقتضي الستمراره.

لكنه يشكل أوال: بأن الحكم المنسوخ قد يختص بواقعة واحدة ال استمرار لها، كأمر إبراهيم عليه السالم بذبح ولده. و أن دليله قد يكون لبيا أو لفظيا نصا في العموم ال يقبل التخصيص. و أنه قد يكون الزمان الذي يرفع فيه الحكم أكثر بكثير من الزمان

الذي بقي فيه، فلو رجع للتخصيص لزم تخصيص األكثر465، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المستهجن. و ثانيا: بأن المرتكز كون النسخ رفعا واقعيا للحكم، ال كشفا عن حال دليله في

مقام الظاهر. و لذا ال إشكال في عدم سقوط دليل الحكم عن الحجية لو علم من أول األمر بورود النسخ عليه من دون أن يعلم وقته، مع أن العام يسقط عن الحجية

لو علم من أول األمر بعدم إرادة عمومه و تخصيصه في الجملة. و مثله ما قد يدعى من رجوع النسخ إلى الكشف عن حال الحكم، و أنه صوري من

أصله أو باستمراره، لعدم ثبوت المالك فيه على نحو ما جعل فهو مخالف ألصالةالجهة في دليل الحكم.

الندفاعه أوال: بما سبق من أن دليل الحكم الذي يطرأ عليه النسخ قد يكون لبيا، و ال موضوع معه ألصالة الجهة. و بما سبق أيضا من أن الزم ذلك سقوط دليل الحكم عن الحجية لو علم بورود النسخ عليه و لم يعلم وقته، لسقوط أصالة الجهة فيه

حينئذ بالعلم المذكور. و ثانيا: بأن مجرد خلو الحكم عن المالك ال يجعله صوريا، بل ال يكون صوريا إال إذا

انحصر الغرض منه بإظهار جعل الحكم من دون أن يقصد جعله، بحيث لو علم المكلف بحاله انكشف له عدم كونه موردا للعمل. و خلو الحكم عن المالك ال

يخرجه عن كونه موردا للعمل، بل غاية األمر أن يكون جاعل الحكم مخالفا لمقتضىالحكمة، أو مخطئا في تخيل ثبوت المالك.

على أن المراد بهذين الوجهين إن كان هو شرح حقيقة النسخ مطلقا حتى مع عدول الحاكم عن حكمه، النكشاف الخطأ له في تشخيص المالك الداعي لجعل الحكم لو

كان ممن يمكن في حقه الخطأ. فال ريب في عدم نهوضهما بذلك، لتوقفهما على التفات الحاكم لعدم مطابقة حكمه للمالك الواقعي، و ال مجال لهما مع اعتقادهو لو

خطأبمطابقة حكمه على إطالقه للمالك. بل ال466، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

يخرج النسخ منه حينئذ عما ذكرنا.

Page 266: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و إن كان المراد بهما شرح حقيقة النسخ من خصوص من ال يبتني نسخه على انكشاف الخطأ لهكالشارع األقدسفرارا عن محذور حكمه على خالف ما يعلمه من

المالك. أشكل بأنه ال ملزم بخروج نسخه للحكم عن حقيقته، إذ يكفي في دفع المحذور المذكور ثبوت المصلحة في نفس جعل الحكم على نحو اإلطالق، و إن لم يتم مالكه في المتعلق، كما ذكرناه آنفا. و من هنا ال مخرج عما ذكرناه في حقيقة

النسخ. ثم إنه ال ينبغي التأمل في أن األصل عدم النسخ. و هو أصل قائم بنفسه ال يبتني

على االستصحاب. و لذا يجري مع الشك في نسخ كبرى االستصحاب. و الوجه فيه بناء العقالء عليه في أمور معاشهم و معادهم، حيث ال ريب بعد مالحظة

عملهم و ارتكازيتهم في بنائهم في األمور التشريعيةقانونية كانت أو شخصيةعلى بقائها ما لم يثبت رفعها. و إال الضطرب نظم التشريع، لعدم الضابط الحتمال النسخ، فقد يتوجه المكلف له و ال يتوجه له المشرع ليتصدى لرفعه، بل قد ال

يتسنى له رفعه لو توجه له. فلو كان البناء على التعويل على االحتمال المذكور لزم فوت الغرض من التشريع و اضطرب نظامه. و أدنى نظر في سيرة العقالء

االرتكازية في التكاليف الشخصية، و القوانين الوضعية الدنيوية، و التشريعاتالدينيةعلى اختالف األديانيوجب وضوح ذلك.

و كفى بهذه السيرة حجة بعد وضوح كونها ارتكازية عامة لم يثبت الردع عنها. بل يعلم بإمضاء الشارع األقدس لها، بمالحظة اتفاق العلماءقوال و عمالو سيرة

المتشرعةبما هم أهل دينعلى ذلك، من دون أن يبتني ذلك على أخبار االستصحاب،لعدم توجههم لالستدالل بها إال في العصور المتأخرة.

467، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج على أن المراد باالستصحاب إن كان هو استصحاب عدم نسخ الحكم، ألنه أمر

حادث مسبوق بالعدم. فهو يبتني على األصل المثبت، ألن األثر للحكم الشرعي، و ترتيب بقاء الحكم على عدم نسخهكترتب حدوثه على جعله و ارتفاعه على

نسخهليس شرعيا، بل خارجيا. و إن أريد استصحاب نفس الحكم بلحاظ اليقين به سابقا و الشك في بقائه تبعا

الحتمال نسخه، فهو قليل الفائدة، ألنه إنما ينفع في خصوص الوقائع التي يطرأ فيها احتمال النسخ بعد العلم بفعلية الحكم فيها تبعا لتمامية موضوعه، كما لو احتمل يوم

الجمعة نسخ غسلها بعد فعلية استحبابه. أما الوقائع التي يطرأ فيها احتمال النسخ قبل فعلية الحكم فيها و قبل تمامية موضوعه، فال مجال الستصحاب الحكم الذي يحتمل نسخه، لعدم العلم بثبوته

سابقا، بل يعلم بعدمه تبعا لعدم فعلية موضوعه، فيكون مقتضى االستصحاب عدمه. نعم قد يقال: إنه و إن لم يجر استصحاب الحكم الفعلي مع عدم تمامية الموضوع، إال أنه يمكن استصحاب ما يستفاد من القضايا الكبروية التشريعية التي هي بلسان

القضايا التعليقية أو الحقيقية الراجعة إليها. و قد ذكروا لذلك عدة وجوه نقتصر منهاعلى وجهين:

األول: أن المستصحب حينئذ السببية و المالزمة بين الموضوع و الحكم، فإن لها نحوا من التحقق و إن لم يوجد طرفاها، فيقال مثال: كانت الجنابة سببا لحرمة

المكث في المسجد فهي كما كانت.

Page 267: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و يشكل بأن السببية و المالزمة و نحوهما من األحكام الوضعية ليست أحكاما حقيقية مجعولة ليتم ركنا االستصحاب فيها، بل هي منتزعة من ترتب األحكام على

موضوعاتها، مع كون مورد العمل هو تلك األحكامالمفروض468، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

عدم فعليتها بعد، لعدم تمامية موضوعاتهاكما فصلنا الكالم في ذلك في المسألةالثالثة من المقام الثاني في األحكام الوضعية من مقدمة علم األصول.

مع أنها لو كانت لها حقائق مجعولة فهي ليست بنفسها موردا للعمل، بل بتوسط الزمها، و هو فعلية الحكم تبعا لفعلية موضوعه، و من الظاهر أن التالزم بينهما ليس

شرعيا، بل خارجي، فجريان االستصحاب فيها يبتني على األصل المثبت. الثاني: أن للحكم اإلنشائي التي تتضمنه الكبريات الشرعية نحوا من الوجود و

التحقق يترتب عليه العمل عند فعلية موضوعه، و بلحاظ ما له من التحقق أمكن نسخه. و حينئذ يمكن استصحابه عند الشك في نسخه، لليقين بوجوده، و الشك في

رفعه. و يندفع بأن الحكم المذكور و إن كان له نحو من التحقق، إال أنه ليس موردا للعمل

بنفسه، بل بلحاظ مطابقته لألحكام االنحاللية التابعة لفعلية كل فرد فرد من الموضوع الكلي الذي تضمنته القضية الكبروية. فالحكم الحقيقي الذي تناله يد

الجعل، و الذي هو مورد العمل عقال و شرعا ليس هو الحكم اإلنشائي، بل األحكامالفعلية االنحاللية المذكورة، و التالزم بينه و بينها خارجي، ال شرعي.

نعم ذكر بعض األعيان المحققين قدس سره أن الحكم الحقيقي الذي هو مورد العمل هو الحكم الكبروي المذكور، و أن فعلية الموضوع ظرف محركية الحكم

عقال، ال ظرف فعلية الحكم الذي هو مورد العمل. و بهذا يختلف التكليف المشروطالذي إليه ترجع الكبريات الشرعية المجعولة بنحو

القضية الحقيقيةعن التكليف المطلق الذي يخاطب به تبعا لفعلية موضوعه، النتزاعالثاني من اإلرادة الفعلية، و انتزاع األول من اإلرادة

469، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج المنوطة. كما يختلفان أثرا، لمحركية الثاني عقال بمجرد الخطاب، و عدم محركية

األول إال بفعلية موضوعه خارجا. لكنه يشكل بأن المرتكزات العرفية قاضية باتحاد الحكم المطلق و الحكم

المشروط سنخا، و انتزاعهما معا عن اإلرادة الفعلية الحاصلة للحاكم حين التفاته لفعلية تمام ما هو الدخيل في الغرض و المالك، و التي تكون مقارنة للخطاب

بالحكم المطلق و لفعلية موضوع الحكم المشروط. و ليس الخطاب بالثاني إال لضبط موارد األحكام الفعلية االنحاللية، من دون أن

يكون بنفسه موردا للعمل، بل ليس الحكم الحقيقي الذي هو مورد للعمل إال الحكم الفعلي المذكور. كما أن ذلك هو ظاهر األدلة الشرعية التي تضمنت أخذ األحكام

في موضوعاتها كالزوجية و الملكية و الحرية و الوجوب و الحرمةحيث ال يراد منها في تلك األدلة إال األحكام الفعلية التابعة لفعلية موضوعاتها، ال األحكام الكبروية

اإلنشائية التابعة لإلنشاء. ]هل يبنى على بقاء أحكام الشرائع السابقة مع الشك في نسخها؟[

Page 268: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

إذا عرفت هذا فاعلم أنه وقع الكالم بينهم في أنه هل يتجه البناء على بقاء أحكام الشرائع السابقة عند الشك في نسخها في شريعتناكما هو الحال في سائر موارد

الشك في النسخلما سبق من االستصحاب، أو أصالة عدم النسخ، أو ال؟. و قد منعمن ذلك غير واحد.

و المذكور في كلماتهم وجوه ..أحدها: تعدد الموضوع،

الختالف المخاطبين بالشرائع السابقة عن المخاطبين بهذه الشريعة، فأهل هذه الشريعة غير مشمولين بدوا بتلك األحكام، ليكون مقتضى أصالة عدم النسخ، أو

االستصحاب بقاءها في حقهم. و يندفع بأن الظاهر أخذ عناوين المكلفين في تلك األحكام بنحو القضية الحقيقية

المنطبقة على أهل هذه الشريعة النافذة عليهم لو لم يطرأ النسخ. و إال470، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المتنع النسخ، ألنه رفع الحكم مع تحقق موضوعه، ال انتهاء أمده الرتفاع موضوعه.ثانيها: ]الكالم في امكان نسخ الحكم بمثله[

ما ذكره شيخنا األستاذ قدس سره. و هو أنه يعلم بنسخ جميع أحكام الشريعة السابقة بشريعتنا، حتى األحكام الموافقة ألحكامها، و أن تضمن هذه الشريعة لبعض األحكام الموافقة ألحكام تلك الشريعة ال يرجع إلى بقاء تلك األحكام أو إمضائها، بل إلى تشريع الحكم المماثل بعد انتهاء أمد جعله في الشريعة السابقة، كما يقتضيه ما

دل على نسخ هذه الشريعة لها. و فيه: أنه ال معنى لنسخ الحكم اإللهي بمثله. و مجرد اختالف الشريعتين ال يصححه مع وحدة الحاكم. و ما تضمن نسخ شريعتنا لما قبلها ال يراد به نسخ جميع أحكامها

بها، بل مجرد هيمنتها عليها، بحيث تخضع أحكام الشريعة السابقة للنسخ بها. ثالثها: أن العلم اإلجمالي بنسخ بعض أحكام تلك الشرائع مانع من الرجوع في مورد

الشك فيه لالستصحاب أو ألصالة عدم النسخ. و فيه: أنه ال أثر للشك في النسخ في مورد الجهل بحكم الشريعتين معا، و ال في مورد العلم بحكم هذه الشريعة مع الجهل بحكم الشريعة السابقة، لوجوب العملعلى حكم هذه الشريعة سواء كان باقيا من الشريعة السابقة أم ناسخا لحكمها.

و إنما ينحصر األثر له في موارد العلم بحكم الشريعة السابقة مع الجهل بحكم هذه الشريعة، و من الظاهر قلة الموارد المذكورة، و ال يعلم إجماال بتحقق النسخ في

بعضها، ليمنع من الرجوع فيها ألصالة عدم النسخ أو لالستصحاب.هذه هي الوجوه المذكورة في كلماتهم، و قد ظهر ضعفها.

471، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج نعم روى في الكافي عن محمد بن سالم عن أبي جعفر عليه السالم في حديث

طويل يتضمن أن األنبياء عليهم السالم بعثوا في أول أمرهم بالدعوة للتوحيد و أنه لم تشرع ألممهم األحكام إال بعد فترة من بعثتهم، قال عليه السالم بعد بيان حالهم: »ثم بعث الله محمدا صلى الله عليه و آله و هو بمكة عشر سنين، فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن ال إله إال الله و أن محمدا صلى الله عليه و آله رسول الله إال أدخله الله الجنة بإقراره، و هو إيمان التصديق، و لم يعذب الله أحدا ممن مات و هو متبع لمحمد صلى الله عليه و آله على ذلك، إال من أشرك بالرحمن

Page 269: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

... فلما أذن لمحمد صلى الله عليه و آله في الخروج من مكة إلى المدينة بني اإلسالم على خمس: شهادة أن ال إله إال الله، و أن محمدا صلى الله عليه و آله

عبده و رسوله، و إقام الصالة، و إيتاء الزكاة، و حج البيت، و صيام شهر رمضان. و أنزل عليه الحدود و قسمة الفرائض، و أخبره بالمعاصي التي أوجب الله عليها و بها

.«1 »النار لمن عمل بها، و أنزل في بيان القاتل ...« و هو صريح في عدم تشريع التكاليف و نحوها إال بعد الهجرة، و أن الدين في أوائل

البعثة لم يكن إال الشهادتين، و ال يلزم المسلم بسواهما، و إنما يندب لمكارم األخالق، و هو مستلزم لنسخ جميع أحكام الشرائع السابقة اإللزامية و نحوها، و

ليس تشريع األحكام الموافقة لها أو المخالفة لها إال بعد فترة طويلة. و هو و إن كان ضعيف السند، إال أنه مؤيد أو معتضد بصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السالم في حديث إسالم أبي ذر رضي الله عنه، حيث تضمن دخوله على النبي صلى الله عليه و آله و إقراره أمامه بالشهادتين و وعده الطاعة له، ثم قوله صلى الله عليه و آله: »أنا رسول الله يا أبا ذر انطلق إلى بالدك ... و كن بها حتى

و نحوه«2 »يظهر أمري ...«______________________________

.1 من كتاب اإليمان و الكفر حديث: 17 باب: 28 ص: 2( الكافي ج: 1 ) طبعة النجف432( أمالي الصدوق في المجلس الثالث و السبعين ص: 2 )

باب كيفية إسالم أبي ذر و سائر أحواله من421 ص: 22األشرف. و البحار ج: .32تتمة أبواب سيرة النبي صلى الله عليه و آله حديث:

472، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج.«1 »مرسل اللؤلؤي

على أن ذلك هو الموافق لالعتبار، البتداء الدعوة لإلسالم بين أقوام مشركين غالبا، و ليسوا أهل دين، و هم يجهلون أحكام الشرائع السابقة، و لم يألفوا العمل بها، و ظروف الدعوة ال تناسب فرض تلك األحكام، و ال غيرها من األحكام العملية، بل ال

بد أوال من تركيز الدينكعقيدةو استحكام أصوله في النفوس و المجتمع، و االعتراف به كحقيقة ثابتة قبل فرض سيطرته العملية في الحياة بتشريع أحكام العبادات و

المعامالت. و ال سيما و أن أحكام الشرائع السابقة لم تكن من الوضوح بحد يمكن معه الرجوع

إليها و العمل بها، ألن معتنقي تلك الشرائع قد حرفوا أحكامها و ضيعوا معالمها و كتموا كثيرا منها، و ال يتيسر العلم بها إال من طريق النبي صلى الله عليه و آله، و لم

يعرف عنه أنه تصدى لبيانها ألتباعه ليعملوا عليها. و لذا كانت التشريعات اإلسالميةبلسان التأسيس ال بلسان النسخ و التعديل ألحكام الشرائع السابقة.

بل ال إشكال ظاهرا في تأخر تشريع كثير من مهمات الفرائضكالصالة و الزكاة و الصوممع وجود نظائرها في الشرائع السابقة من دون أن يعمل عليها المسلمون

قبل تشريعها في اإلسالم. و من هنا كان من القريب جدا نسخ الشرائع السابقة بجميع أحكامها العملية ببعثة النبي صلى الله عليه و آله، ثم تأسيس الشريعة تدريجا بعد مرور فترة خالية من األحكام قد ترك فيها الناس على ما كانوا عليه في الجاهلية من أعراف و عادات

في نظام الحياة.

Page 270: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

نعم أهل تلك الشرائع ملزمون بأحكامها في الفترة المذكورة، إما ظاهرا بمقتضىأصالة عدم النسخ قبل قيام الحجة عندهم على اإلسالم، أو واقعا،

______________________________. و البحار في ذيل الحديث السابق.297 ص: 457( روضة الكافي حديث: 1 )

473، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج لقاعدة اإللزام التي هي قاعدة ثانوية تقتضي ثبوت الحكم بعنوان ثانوي، ال بمقتضى

التشريع األولي. و من هنا ال مجال الستصحاب أحكام تلك الشرائع في حق المسلمين بعد أن ثبت

عندهم نسخ تلك الشرائع باإلسالم و أقروا بذلك.474، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الفصل السابع في االستصحاب التعليقي وقع الكالم بينهم في استصحاب مفاد القضية الشرطية من أجل إحراز فعلية الجزاء

عند تحقق الشرط لو احتمل طروء ما يمنع من حصول الجزاء، أو علم بطروء مايحتمل كونه مانعا منه.

مثال لو احتمل حصول العاصم للماء القليلكاالتصال بالمادة الكثيرة- أو علم بحصول ما يحتمل كونه عاصماكاالتصال بمادة دون الكرفهل يمكن أن يقال: كان هذا الماء

لو القى النجاسة لتنجس فهو كما كان، من أجل البناء على نجاسته بالمالقاة؟. و قد منع من ذلك غير واحد، ألن الحكم في القضية التعليقية الشرطية ال وجود له

قبل وجود ما علق عليه، كي يستصحب، بل المستصحب عدمه، لسبق اليقين بهقبل وجود ما علق عليه.

كما أنه قد تصدى غير واحد لتقريب جريان االستصحاب في ذلك بالوجوه التي ذكرت لتقريب جريان االستصحاب مع الشك في نسخ الحكم باإلضافة للوقائع

المتجددة، و التي تقدم منها وجهان، و تقدم منها دفعهما. هذا و ظاهرهم ابتناء الكالم في هذه المسألة على تلك المسألة، فإن جرى

االستصحاب هناك جرى هنا، و إال لم يجر. لكن الظاهر اختالف المقام عما سبق، و أن عدم جريان االستصحاب هناكللزوم

كون األمر المستصحب فعلياو إن كان مستلزما لعدم جريانه هنا-475، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

لعدم الفعلية أيضاإال أن جريانه هناك ال يستلزم جريانه هنا. ألن مرجع الوجوه المذكورة هناك إلى جريان االستصحاب في السببية المنتزعة من الحكم، أو في

الحكم اإلنشائي الكلي الذي هو مفاد الكبرى الشرعية. و كالهما ال ينفع هنا. أما السببية فألنه لم يحرز سابقا أن تمام سبب الجزاء هو الشرط المتحقق حال الشككمالقاة النجاسة في المثال المتقدمليحرز باستصحاب سببية ترتب الجزاء

عليه، بل يعلم كونه جزء السبب و جزؤه اآلخر الخصوصية التي يحتمل تخلفهاكعدم االتصال بالمادة في المثال المتقدمأو يحتمل كونه جزء السبب و الجزء اآلخر هو

الخصوصية المفقودةكعدم نزول المطر القليل في المثال المتقدمو من الظاهر أنإحراز السببية األعم من التامة و الناقصة ال ينهض بإحراز المعلول.

و أما الحكم اإلنشائي الكلي فليس موضوعه هو األمر الخارجي المحفوظ في حالتي اليقين و الشككالماء القليل الخارجي في المثال المتقدمبل موضوعه العنوان

Page 271: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الكليكعنوان الماء القليلمع العلم بأخذ الخصوصية التي يحتمل فقدها قيدا فيه، أواحتمال أخذ الخصوصية التي يعلم بفقدها قيدا فيه.

ففي المثال المتقدم ال يعلم بأن موضوع الحكم اإلنشائي باالنفعال هو مطلق الماء القليل المنطبق قهرا على الماء الخارجي المفروض، بل يعلم أن موضوعه هو

خصوص الماء القليل غير المتصل بالمادة، أو يحتمل كون موضوعه هو خصوصالماء القليل الذي لم يتصل بمادة و إن كانت دون الكر.

و على كال الحالين ال يحرز انطباقه على الماء المفروض، ليكون استصحاب الحكمالكلي اإلنشائي محرزا النفعاله.

و من ثم كان جريان االستصحاب التعليقي أولى بالمنع من جريان استصحاب الحكمعند الشك في نسخه، و إن سبق منا المنع من الثاني أيضا في

476، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جغالب الموارد.

نعم قد يوجه جريان االستصحاب التعليقي في محل الكالم بأن الموضوع الخارجي حيث كان سابقا واجدا لجميع ما يعلم أو يحتمل دخله في الحكم عدا الشرط

المفقود تصدق باإلضافة إليه قضية شرطية قابلة لالستصحاب. فالماء في المثال المتقدم حيث كان قليال يعلم بعدم اتصاله بالمادة حتى ما دون

الكر، و ال يتوقف انفعاله إال على إصابة النجاسة له، تصدق باإلضافة إليه قضية شرطية قابلة لالستصحاب، فيقال: كان هذا الماء إن أصابته نجاسة تنجس، فهو كما

كان. و ال يمنع من استصحابه احتمال حصول ما يعلم بمانعيته من االنفعال، و هو اتصاله بالمادة الكثيرة، أو العلم بحصول ما يحتمل مانعيته، كاتصاله بمادة دون

الكر. البتناء االستصحاب على إهمال مثل هذا االحتمال. لكنه يندفع أوال: بعدم اليقين سابقا بصدق الشرطية المذكورة على إطالقها، بل

مقيدة بعدم طروء ما يعلم أو يحتمل مانعيته من تحقق الجزاء، فالذي يصدق في المثال المتقدم قولنا: كان هذا الماء إن أصابته نجاسة و هو غير متصل بالمادة و لو

كانت دون الكر تنجس، و من المعلوم أن الشرطية المقيدة معلومة البقاء، و ال تنفعفي إحراز تنجس الماء في محل الكالم.

و ثانيا: بأن الشرطية المذكورة ليست شرعية، بل هي منتزعة من جعل الحكم منوطا بجميع ما أخذ فيه. و ليس المجعول شرعا في مقام اإلنشاء إال الحكم

الكبروي على الماء الكلي مع تمام ما أخذ فيه من قيود و شروط. كما أن المجعول الفعلي هو الحكم الجزئي على الماء الجزئي الواجد لجميع ما أخذ في الحكم

الكبروي اإلنشائي. و كالهما ال ينفع في المقام، لعدم إحراز انطباقه على موردالشك.

477، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالفصل الثامن في أصالة تأخر الحادث

من الظاهر أن االستصحاب كما ينهض بإحراز استمرار الحالة السابقة في زمان الشك مع الشك في أصل انتقاضها، كذلك ينهض بإحرازه مع العلم بانتقاضها و

الشك في تقدمه و تأخره، فكما يجري استصحاب حياة زيد مع الشك في موته، يجري استصحاب حياته في زمان الشك مع العلم بموته و الجهل بوقته، فإذا علم

Page 272: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

بموت زيد أما في يوم الخميس أو في يوم الجمعة فمقتضى االستصحاب حياته يومالخميس.

نعم ال ينهض االستصحاب المذكور بإحراز الحدوث في الزمان المتأخر، فلو أسلم الوارث ليلة الجمعة في المثال السابق لم ينهض االستصحاب بإحراز موت زيد يوم

الجمعة، ليترتب أثر موته حين إسالم الوارث، و هو ميراثه منه، فإن حياته يوم الخميس مع فرض موته في أحد اليومين و إن كانت تستلزم موته يوم الجمعة، إال

أنه ال ترتب بينهما شرعا، فاالنتقال من أحدهما لآلخر يبتني على األصل المثبت. هذا و قد وقع الكالم بينهم فيما لو علم بحدوث حادثين و شك في المتقدم و المتأخر

منهما. و لذلك صورتان األولى: أن يمكن اجتماعهما في الوجود، كإسالم الوارث و موت المورث، و موت األب و موت االبن الثانية: أن يمتنع اجتماعهما في الوجود،

بل يخلف أحدهما اآلخر، لتضادهما، كالطهارة و الحدث، حيث يتعين حينئذ بقاءالمتأخر منهما و ترتب أثره، دون المتقدم.

فالكالم في مقامين:478، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المقام األول: في الحادثين غير المتضادين و ال ينبغي التأمل في جريان استصحاب عدم كل منهما في زمان الشك ذاتا بلحاظ

عمود الزمان، من دون نظر إلضافة زمان الشك للحادث اآلخر، لتمامية ركنياالستصحاب فيهما معا.

فإذا علم بموت األب و االبن و تردد األمر بين موت األب يوم الخميس و االبن يوم الجمعة و العكس جرى استصحاب حياة كل منهما و عدم موته إلى يوم الجمعة.

غاية األمر أنه يعلم بكذب أحدهما، فيجري عليهما ما يجري على األصلين المعلومكذب أحدهما. و هذا كله ظاهر.

و إنما المهم الكالم في استصحاب عدم كل منهما في زمان حدوث اآلخر على إجماله بما هو زمان خاص من أزمنة الشك و بعنوانه الخاص من أجل إثبات أثره،كميراثه منه. و من الظاهر أن للشك في تقدم أحد الحادثين على اآلخر صورتين:

الصورة األولى: أن يجهل تاريخ الحادثين، كالمثال المتقدم. و ظاهر شيخنا األعظم قدس سره جريان االستصحاب في كل

منهما ذاتا، و أنه يجري عليهما ما يجري على األصلين المعلوم كذب أحدهما. لكن منع من ذلك غير واحد، لدعوى قصور دليل االستصحاب بدوا عن ذلك. و

المذكور في كالمهم وجهان: األول: عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين. فقد تقدم عند الكالم في أركان

االستصحاب أنه ال بد من إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين، بحيث يحرز أن المشكوك استمرار للمتيقن، و ال يكفي تقدم زمان المتيقن على زمان المشكوك

مع انفصالهما بزمان آخر، نظير الطفرة، بل و ال مع احتمال االنفصال.479، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و ال مجال إلحراز االتصال في المقام، ألن عدم أحد الحادثين حين حدوث اآلخر و إن كان مشكوكا فيه بعد اليقين به سابقا، إال أنه لما كان الشيء معلوم الحدوث في

الجملةقبل الحادث اآلخر أو بعدهفمن المحتمل أن يكون زمان حدوثه اإلجماليفاصال بين زماني الشك و اليقين المفروضين.

Page 273: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

مثال: لما فرض في المثال السابق تردد زمان كل من موت األب و موت االبن بين الخميس و الجمعة، فزمان اليقين بعدم موت االبن هو يوم األربعاء، و هو إنما يكون

متصال بزمان الشك المفروضو هو زمان موت األبإذا كان الزمان المذكور هو يوم الخميس أما إذا كان هو يوم الجمعة كان منفصال عنه بيوم الخميس. و على ذلك ال

يجري استصحاب عدم موت االبن إلى حين موت األب. و كذا الحال في العكس. إن قلت: إن كان زمان موت األب يوم الخميس، فهو متصل بزمان اليقين بعدم

موت االبن، و إن كان يوم الجمعة كان متصال بزمان الخميس المتصل به، و ذلك كاف في صحة االستصحاب فيه، إذ ال يعتبر في استصحاب المتيقن في زمان

ليترتب عليه األثر اتصال ذلك الزمان بنفسه بزمان اليقين، بل يكفي اتصاله بزمان شك مثله متصل بزمان اليقين، فإذا علم بالطهارة صباحا، و شك في انتقاضها

ضحى أمكن استصحابها إلى الظهر، التصاله بالضحى المتصل بزمان اليقين. فالمقام نظير ما لو علم بنجاسة الجسم صباحا، و شك في تطهيره، و علم بمالقاته

برطوبة ضحى أو ظهرا، حيث يجري استصحاب نجاسته إلى زمان المالقاة المردد بين الضحى المتصل بنفسه بزمان اليقين و الظهر المتصل بالضحى الذي هو متصل

بزمان اليقين.قلت: إنما يكفي اتصال زمان الشك الذي هو مورد األثر بزمان شك

480، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج متصل بزمان اليقين إذا أريد باالستصحاب جره منه إليه، ال من زمان اليقين ابتداء إليه، كما في مثال الطهارة المتقدم، حيث يكون الغرض من استصحابها إلى وقت

الظهر البناء على بقائها من الصبح إلى الضحى إلى الظهر، ال على انتقالها منالصبح إلى الظهر ابتداء نظير الطفرة.

و عليه يجري االستصحاب في مثال المالقاة المذكور، لوضوح أن زمان المالقاة لو كان هو الظهر كان المقصود باالستصحاب التعبد ببقاء النجاسة إليه من الصبح بعد

عبورها على الضحى. أما في المقام فال يراد باستصحاب عدم موت االبن إلى حين موت األب- المردد بين الخميس و الجمعةإال البناء على عدم موت االبن في زمان موت األب بعنوانهعلى ما هو عليه من الترددمن دون أن يتضمن البناء على بقائه إلى زمان موت األب مطلقا،

بحيث لو كان هو يوم الجمعة لكان عابرا إليه من يوم الخميس، للقطع بعدم بقاءحياة االبن و عدم موته إلى يوم الجمعة، بل هو منتقض في أحد اليومين المذكورين.

الثاني: أن الشك في بقاء الشيء في زمان اآلخر .. تارة: يكون للشك في مقدار ذلك الشيء، كما لو علم بأن موت األب كان ليلة الجمعة، و شك في أن موت االبن كان يوم الخميس أو يوم الجمعة. و أخرى: يكون للشك في تقدم ذلك الشيء اآلخر

و تأخره، كما لو علم بموت االبن ليلة الجمعة و شك في أن موت األب يومالخميس أو يوم الجمعة.

و ال إشكال في جريان االستصحاب في األول. أما في الثاني فالظاهر عدم جريان االستصحاب هنا، فال يستصحب في المثال عدم موت االبن حين موت األب. ألن

المنساق من أدلة االستصحاب المناسب الرتكازية مضمونه هو التعبد ببقاءالمشكوك و استمراره و طول أمده، ال تحققه في زمان الشك بما له

481، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 274: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

من عنوان، و إنما يحرز في الصورة األولى كونه مستمرا حين الحادث اآلخر بتوسط العلم بأمد ذلك الحادث، ال لوفاء االستصحاب بذلك ابتداء، بل ليس مفاد

االستصحاب إال التعبد ببقاء المستصحب و امتداده للزمان الخاص بذاته، ال بعنوانهالمنتزع من حدوث الحدث فيه.

و بعبارة أخرى: االستصحاب متمحض في التعبد باستمرار المستصحب و بقائه في عمود الزمان، و ال ينهض بالتعبد بالنسبة بينه و بين غيره. و إنما تستفاد النسبة من

إحراز حال ذلك الغير زائدا على االستصحاب، كما لو علم بتاريخه. و يترتب على ذلك أنه لو كان منشأ الشك هو الجهتين معاكما هو الحال في

المقامفاالستصحاب إنما ينفع في إبقاء المشكوك و امتداده في عمود الزمان تعبدا، و ال ينهض بإحراز خصوصية وجوده في زمان الحادث اآلخر إذا لم تكن من شئون

امتداده. ففي المثال المتقدم يحكم بعدم موت االبن يوم الخميس، للشك في امتداده إليه، و

يترتب عليه أثره، كاإلنفاق على زوجته من ماله و عدم بدئها بالعدة في اليوم المذكور. و ال يحرز عدم موت االبن حين موت األب، لعدم إحراز موت األب في

اليوم المذكور، و الشك في الخصوصية المذكورة ينشأ من الشك في امتداد عدم موت االبن و الشك في تقدم موت األب معا، و االستصحاب ال ينهض بالتعرض

للجهة الثانية.الصورة الثانية: أن يجهل تاريخ أحد الحادثين دون اآلخر.

كما لو علم بموت األب ليلة الجمعة و تردد موت االبن بين يوم الخميس و يوم الجمعة. و ال إشكال في جريان االستصحاب في مجهول التاريخ، حيث يحرز في

المثال المذكور عدم موت االبن ليلة الجمعة التي هي زمان موت األب، المقتضيلميراثه من أبيه.

482، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج كما أن الظاهر عدم جريانه في معلوم التاريخ، ال في عمود الزمان، لفرض العلم

بتاريخه، و ال باإلضافة إلى زمان اآلخر بخصوصيته و عنوانه، للوجهين السابقين في مجهول التاريخ. أما الثاني فظاهر، بل هو هنا أولى بالمنع من جريان االستصحاب،

كما يتضح بمالحظة تقرير الوجه المذكور. و أما األول فالحتمال كون زمان الشكو هو زمان حدوث مجهول التاريخمنفصال عن

زمان اليقين بزمان اليقين بانتقاض الحالة السابقة. ففي المثال المتقدم لو أريد استصحاب عدم موت األب حين موت االبن أشكل باحتمال انطباق زمان الشك

الذي يراد إحراز المستصحب فيهو هو زمان موت االبنعلى يوم الجمعة، فينفصل عن زمان اليقين بعدم موت األبو هو يوم الخميسبزمان اليقين بموته، و هو ليلة

الخميس. فالحظ.المقام الثاني: في الحادثين المتضادين

و ليس الغرض هنا إحراز عدم أحدهما حين حدوث اآلخركما سبق في المقامللقطع به بعد فرض التضاد، بل تشخيص الوظيفة الفعلية لو علم أو احتمل استمرار

أحدهما لو ال الرافع، المستلزم لكون مقتضى الوظيفة العملية البناء على بقاء المتأخر منهما، و لزوم العمل عليه. و الجهل بالمتأخر منهما هو المنشأ للجهل

بالباقي منهما. حين إرادة تشخيص الوظيفة و لذلك أيضا صورتان:

Page 275: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الصورة األولى: أن يجهل تاريخ كل منهما. كما لو علم بإصابة البول لألرض أما في يوم الخميس أو الجمعة، و بإصابة المطر

لها في أحد اليومين إما قبل إصابة البول أو بعدها. و المعروف هناكما قيلجريان االستصحاب في كل منهما ذاتا لتمامية ركنيه من

الشك و اليقين، و سقوطه بالمعارضة، الستلزامه التعبد ظاهرا483، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بالضدين، الراجع للتعبد بالنقيضين، و هو ممتنع كجعلهما واقعا. لكن ذهب غير واحد إلى عدم جريان االستصحاب ذاتا، لوجوه كثيرة عمدتها عدم

إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين، نظير ما تقدم في المقام األول. و إن اختلف عنه بأن منشأ عدم إحراز االتصال هناك هو تردد زمان الشك بين زمانين

متصل بزمان اليقين و منفصل عنه. أما منشؤه هنا فهو تردد زمان اليقين بينزمانين متصل بزمان الشك الذي يراد ترتيب األثر فيه و منفصل عنه.

ففي المثال السابق ال تردد في زمان الشك في الطهارة و النجاسة، بل هو يوم السبت و ما بعده، حيث يراد معرفة الوظيفة العملية فيه باإلضافة إلى األرض من

جواز السجود عليها و التيمم بها، أو عدمهما و طهارة مالقيها أو نجاسته. و إنما التردد في زمان اليقين، فزمان اليقين بالطهارة مردد بين يومي الخميس و

الجمعة، فإن كان هو يوم الخميس كان منفصال عن يوم السبت بيوم الجمعة. و ال يراد باالستصحاب جر المستصحبو هو الطهارةمنه إلى يوم السبت مارا بيوم

الجمعة، للقطع بعدم بقائه كذلك، بل لو كان زمان اليقين هو يوم الخميس فاألمر المتيقن سابقا منتقض يوم الجمعة، بل المراد باالستصحاب إبقاء الطهارة من زمان

اليقينعلى ترددهليوم السبت و لو كان بنحو الطفرة، و قد سبق عدم نهوضاالستصحاب بذلك. و هكذا الحال في زمان اليقين بالنجاسة.

و من هنا كان الظاهر عدم جريان االستصحاب ذاتا.الصورة الثانية: أن يجهل تاريخ أحدهما مع العلم بتاريخ اآلخر.

كما لو علم بإصابة األرض بالبول يوم الجمعة و بإصابة المطر لها ليلة الجمعة أوليلة السبت. و ال إشكال في جريان االستصحاب في معلوم التاريخ ذاتا.

و أما في مجهول التاريخ فهو يبتني على ما تقدم في الصورة األولى،484، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و حيث سبق منا عدم جريان االستصحاب في مجهولي التاريخ ذاتا تعين عدم جريانههنا، و انفرد االستصحاب في معلوم التاريخ بالجريان و العمل.

أما لو لم يتم ما ذكرنا فالمتعين جريان االستصحاب فيه، و معارضته لالستصحاب في معلوم التاريخ، كما أصر عليه بعض مشايخنا قدس سره. لكن بعده عن الذوق

العرفي في تطبيق كبرى االستصحاب مؤيد لما سبق منا.485، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الفصل التاسع في استصحاب حكم المخصص إذا ورد عام مستمر الحكم و مخصص له في بعض األفراد، و كان المتيقن منه بعض

األزمنة فبعد انتهاء ذلك الزمان لو شك في حكم الفرد هل يرجع لعموم العام أو الستصحاب حكم الخاص؟. مثال: بعد تخصيص عموم نفوذ العقود بدليل خيار الغبن،

و خيار الزوجة في فسخ النكاح بجنون الزوج و نحوهما، لو شك بسبب إجمال

Page 276: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الخاص في أن الخيار على الفور أو التراخي، فهل المرجع في الزمان الثاني هو عموم نفوذ العقود المطابق عمال لفورية الخيار، أو استصحاب الخيار الموافق عمال

للتراخي؟ و من الظاهر أن الكالم ليس في رفع اليد عن العموم باالستصحابلما يأتي في

مبحث التعارض من تقديم العموم و سائر األدلة على االستصحاب و جميع األصولبلفي حجية العموم بعد انتهاء أمد التخصيص، لترفع به اليد عن االستصحاب.

كما أن محل الكالم ما إذا كان العام متكفال بإثبات الحكم في جميع األزمنة، دون ما إذا لم يتعرض إال للحدوث، و كان الحكم بالبقاء ألمر خارج عن العمومكاستعداد الحكم بذاته للبقاء، أو االستصحابفإنه خارج عن محل الكالم، لعدم كون ارتفاع

الحكم في الزمان الالحق عن تمام األفراد، فضال عن بعضها، منافيا للعام بوجه. كما هو الحال في عموم ما دل على تنجس الجسم بمالقاة النجاسة، و عموم ما دل

على تحقق الزوجية بالعقد على المرأة، فإن بقاء النجاسة486، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و الزوجية ليس مقتضى العمومين المذكورين، بل الستعدادهما ذاتا للبقاء، أولالستصحاب.

إذا عرفت هذا فالظاهر حجية العام بعد انتهاء أمد التخصيصبنحو يمنع من الرجوع الستصحاب حكم المخصصإال في موردين األول: ما إذا كان االستمرار قيدا في

متعلق الحكم، بأن تؤخذ أجزاء الزمان فيه بنحو المجموعية و االرتباطية، كوجوبالصوم في تمام النهار مع وحدة التكليف و المكلف به في اليوم الواحد.

إذ مع ارتفاع الحكم عن بعض األفراد في بعض األزمنة، و ثبوت التخصيص فيه، يخرج الفرد عن العام رأسا بعد أن كان مفاد العام ثبوت الحكم للمجموع بنحو

االرتباطية، المفروض منافاة الخاص لها بداللته على عدم ثبوت الحكم للفرد في بعض األزمنة. و حينئذ يتعين الرجوع في بقية األزمنة ألمر آخر غير العموم، من

االستصحابلو كان جاريا في نفسهأو غيره. نعم لو فرض الجمع بين العام و الخاص برفع اليد عن االرتباطية باإلضافة إلى مورد

التخصيص تعين حجية العام في الباقي، نظير موارد قاعدة الميسور.لكنه محتاج إلى عناية خاصة، و ال ضابط لذلك، بل هو موكول لنظر الفقيه.

الثاني: ما إذا لم يكن مفاد العام مجرد ثبوت الحكم للفرد في جميع األزمنة، بل بنحو يتفرع ثبوته في الزمان الالحق على ثبوته في الزمان السابق، البتنائه على

االستمرار منه إليه، بحيث يكون الحكم عابرا من الزمان السابق لالحق. إذ مع داللة الخاص على عدم ثبوت حكم العام في الزمان السابق ال يكون ثبوته في الزمن الالحق مقتضى العام، بل ال بد فيه من الرجوع فيه ألمر آخر من استصحاب أو

غيره. لكن الشأن في إحراز ذلك إثباتا، الحتياجه إلى عناية خاصة، و ال ضابط الستفادتها

من األدلة، بل هي موكولة لنظر الفقيه.487، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الفصل العاشر في جريان االستصحاب في األمور اللغوية

Page 277: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

اشتهر في كلمات أهل االستدالل الرجوع لكثير من األصول العدمية في األمور اللغوية و نحوها مما يتعلق بالكالم، كأصالة عدم النقل و عدم التخصيص و عدم

القرينة و نحوها. و ربما يتوهم ابتناؤها على االستصحاب. لكن الظاهر أنها أصول عقالئية مستقلة بنفسها مع قطع النظر عن كبرى

االستصحاب الشرعية، و لذا ال ريب في جريانها في نفس أدلة االستصحاب المتقدمة. بل ال مجال لتوهم ابتنائها على االستصحاب بعد عدم كون مفادها بعنوانه موردا ألثر عملي شرعي في كبريات شرعية. غاية األمر أنها بمقتضى سيرة العقالء تطابق موارد تشخيص الظهور أو حجيته، و هو ال يكفي في جريان االستصحاب بعد

عدم أخذ خصوصية مفادها بعنوانه شرعا في موضوع الحجية.و الحمد لله رب العالمين.

488، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جخاتمة

يأتي إن شاء الله تعالى في مبحث التعارض أن األدلة تتقدم على االستصحاب و غيره من األصول. و المناسب هنا التعرضتبعا لمشايخنا قدس سره- لبعض القواعد

الجارية في الشبهات الموضوعية التي تقدم على االستصحاب. ألهميتها في أنفسها، و لمناسبة الكالم فيها للكالم في االستصحاب، و إن لم تكن

من المسائل األصولية، لعدم نهوضها بإثبات حكم شرعي كلي، بل تختص بالشبهاتالموضوعية. و يكون الكالم في ذلك في ضمن فصول ..

الفصل األول في قاعدة اليد و هي من القواعد الظاهرية المشهورة. و مرجعها إلى أن اليد تنهض بإحراز ملكية

صاحبها لما تحت يده.و يدل على ذلك أمور ..األول: النصوص الكثيرة.

و هي على طوائف ..،«1 »األولى: ما تضمن أن البينة على المدعي، و اليمين على المدعى عليه

من أن صاحب اليد هو«2 »مع ما هو المعلوم و المصرح به في بعض النصوص المدعى عليه. و كذا ما تضمن أن المنكر إذا رد اليمين على المدعي فنكل فال حق

. فإن المستفاد من هذه النصوص و نحوها كون اليد في نفسها محرزة«3 »لهللملكية، و إن احتيج معها لليمين في خصوص مورد التخاصم، و لذا ال يكلف

______________________________ من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى و3 باب: 18( راجع الوسائل ج: 1 )

غيرها. من أبواب كيفية الحكم و أحكام25، 12، 3 باب: 18( راجع الوسائل ج: 2 )

الدعوى. من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى.8، 7 باب: 18( راجع الوسائل ج: 3 )

489، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جبها قبله أو بعد عدول المدعي عن دعواه.

بل هو كالمصرح به في صحيح عثمان بن عيسى و حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السالم في حديث فدك: »إن أمير المؤمنين عليه السالم قال ألبي بكر: أ

Page 278: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

تحكم ]تحكم[ فينا بخالف حكم الله في المسلمين؟ قال: ال. قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك كنت أسأل البينة على ما تدعيه على المسلمين. قال: فإذا كان في يدي شيء فادعى فيه

المسلمون تسألني البينة على ما في يدي و قد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه و آله و بعده ...، فسكت أبو بكر. ثم قال عمر: يا علي دعنا من كالمك،

فإنا ال نقوى على حججك ...« إلى أن قال: »و قد قال رسول الله صلى الله عليه و حيث ال بد«1 »آله: البينة على من ادعى و اليمين على من أنكر[ ادعي عليه ]«

من حمله على الملكية الظاهرية التي يمكن معها الدعوى و طلب البينة. »الثانية: ما تضمن حلية جوائز السلطان و معاملتهم إال أن يعلم حرمة المال بعينه

2»، و ما تضمن جواز النزول على وكيل الوقف المستحل لما في يده إذا كان له مال

. حيث يستفاد منها عدم صلوح تعرضهم للحرام و ابتالئهم به إلسقاط«3 »آخرحجية اليد، مع المفروغية عن حجيتها في نفسها.

الثالثة: صحيحا محمد بن مسلم المتضمنان أن ما يوجد من الورق مدفونا في الدار.«4 »المعمورة فهو ألهلها

و كذا صحيح جميل بن صالح______________________________

. و3 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى حديث: 25 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).156 ص: 2تفسير القمي ج:

من أبواب ما يكتسب به.53، 52، 51 باب: 12( راجع الوسائل ج: 2 ).15 من أبواب ما يكتسب به حديث: 51 باب: 12( الوسائل ج: 3 ).2، 1 من أبواب اللقطة حديث: 5 باب: 17( الوسائل ج: 4 )

490، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج.«1 »المتضمن أن من وجد دينارا في صندوقه الذي ال يدخل غيره فيه يده فهو له

لوضوح أن عدم إدخال الغير يده ال يستلزم ملكيته له، الحتمال أخذه له بال حق، أونسيانه لصاحبه، أو غير ذلك. فال بد من استناد الحكم بملكيته له لليد.

الرابعة: صحيح العيص و معتبر حمزة بن حمران المتضمنان جواز شراء المملوك،«2 »من السوق و إن ادعى الحرية

حيث ال وجه لرفع اليد عن دعوى المملوك الحرية المطابقة لألصل لو ال حجية يدالبائع.

الخامسة: بعض النصوص المتفرقة، كموثق يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السالم: »في امرأة تموت قبل

الرجل أو رجل قبل المرأة. قال: ما كان من متاع النساء فهو للمرأة، و ما كان من.«3 »متاع الرجال و النساء فهو بينهما، و من استولى على شيء منه فهو له«

و موثق حفص بن غياث عنه عليه السالم: »قال له رجل: إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنه له؟ قال: نعم. قال الرجل: أشهد أنه في يده، و ال أشهدأنه له، فلعله لغيره. فقال أبو عبد الله عليه السالم: أ فيحل الشراء منه؟ قال: نعم.

فقال أبو عبد الله عليه السالم: فلعله لغيره، فمن أين جاز لك أن تشتريه، و يصير ملكا لك، ثم تقول بعد الملك: هو لي، و تحلف عليه، و ال يجوز أن تنسبه إلى من

Page 279: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

صار ملكه من قبله إليك؟ ثم قال أبو عبد الله عليه السالم: لو لم يجز هذا لم يقم . و ربما كان هناك بعض النصوص األخر ال مجال إلطالة«4 »للمسلمين سوق«

الكالم فيها. و فيما سبق كفاية.هذا و أكثر هذه النصوص ال ينهض بإثبات عموم يرجع إليه في مورد

______________________________.1 من أبواب اللقطة حديث: 3 باب: 17( الوسائل ج: 1 ).2، 1 من أبواب بيع الحيوان حديث: 5 باب: 13( الوسائل ج: 2 ).3 من أبواب ميراث األزواج حديث: 8 باب: 17( الوسائل ج: 3 ).2 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى حديث: 25 باب: 18( الوسائل ج: 4 )

491، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الشك. نعم يمكن استفادة العموم من صحيح عثمان بن عيسى و حماد بن عثمان المتقدم في الطائفة األولى و من موثق حفص، لظهورهما في التصدي لبيان حكم

اليد، و ال سيما الموثق.الثاني من أدلة المسألة: اإلجماع،

حيث يستفاد من كلمات العلماء مفروغيتهم عن الحكم في أبواب الفقه المتفرقة، خصوصا ما ذكروه في مبحث التداعي من أنه لو اختلف المتداعيان في عين و كانت

في يد أحدهما كلف اآلخر بالبينة.الثالث: سيرة المتشرعة الملتزمين بالدين.

و هي أوضح من أن تحتاج لإلثبات، كاتصالها بعصر المعصومين عليهم السالم، كما يشير لذلك موثق حفص المتقدم. و ال يقدح في االستدالل بها ابتناؤها على سيرة

العقالء اآلتية، و لذا ال تختص بالمتدينين، بل و ال بالمسلمين. إذ هو ال يمنع من كشفها عن رضا الشارع األقدس، و إال لزمه النكير عليها و الردع عنها، و لو صدر ذلك منه لشاع و ذاع بسبب كثرة االبتالء بالحكم، فارتدع عن ذلك المتدينون و لم

تقم سيرتهم المذكورة.الرابع: سيرة العقالء على اختالف مللهم و نحلهم و أمصارهم و عصورهم.

و هي سيرة ارتكازية عامة ناشئة عن إدراكهم بمقتضى فطرتهم نحوا من المناسبة بين اليد و الحكم بالملكية ظاهرا، و ليست ناشئة من مجرد التباني عند فئة معينة ألسباب طارئة. و مثل هذه السيرة ال تحتاج لإلمضاء، بل يكفي عدم ظهور الردع

عنها، كما يظهر مما تقدم في آخر الكالم في أصالة عدم الحجية. على أنه ال ينبغيالريب في إمضائها بلحاظ األدلة المتقدمة.

و من هنا كانت هذه القاعدة من الضروريات التي ال تحتاج لتكلف االستدالل لو البعض الخصوصيات و النكات التي قد ينفع فيها سطر األدلة

492، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جو استيعابها، على ما قد يتضح بما يأتي إن شاء الله تعالى.

إذا عرفت هذا فيقع الكالم في أمور ..األمر األول: ]المعيار في تحقق اليد.[

قد أخذت اليد بعنوانها في بعض النصوص المتقدمة. و هي و إن كانت لغة الجارحة المعروفة، إال أن المعيار فيها في المقام كون الشيء في حوزة الشخص، بنحو

Page 280: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

يكون من توابعه الملحقة به، ال لكونه تحت يده الحقيقية، كالدرهم المقبوض باليد.لتحققها في ما يمتنع االستيالء عليه بها، كالضياع و العقار و قطعان الماشية.

كما ال يكفي فيها القدرة و السيطرة على الشيء، لوضوح عدم كون السلطانصاحب يد على أموال رعيته، و إن كان أقدر منهم عليها.

و كذا ال يكفي كون الشيء في حوزة اإلنسان إذا كان استيالؤه عليه مبنيا على قيامه مقام غيره. و لهذا ال تنسب اليد للوكيل على المال و ال للولي و إن كان في حوزتهما، بل تنسب للموكل و المولى عليه، لكون المال من توابعهما عرفا، ال من

توابع الوكيل و الولي. و يناسب ذلك كله ما في صحيح عثمان و حماد المتقدم، فإنه عليه السالم قد فرض نفسه صاحب يد على فدك من دون أن يقبضها بيده، بل جعل الوكيل عليها، و كان السلطان و القدرة لغيره. كما أنه عليه السالم تعرض لفرض كون اليد للمسلمين،

مع أن فعليه يدهم عليه إنما تكون باستيالء وليهم الذي يقوم مقامهم. بل هو المناسب لجميع أدلة المقام بعد تنزيلها على بعض، و تحكيم سيرتي المتشرعة و

العقالء عليها. هذا و المرجع في تحقيق اليد و تشخيص صغرياتها هو العرف، الختالف األموال و الموارد في ذلك اختالفا فاحشا. و ربما يكون الشيء الواحد محققا لليد في حالة

دون أخرى، كاالستيالء على مفتاح الدار، فإنه يكفي في حصول493، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

اليد مع عدم وجود من يسكنها أو يتصرف فيها، و ال يكفي مع أحدهما، بل صاحب اليد هو الساكن أو المتصرف، لتبعية الدار لهما في هذا الحال، ال للمستولي على

المفتاح.األمر الثاني: ]اليد حجة على الملكية، ال على محض السلطنة[

الظاهر أن الملكية المحرزة باليد هي ملكية المال، ال محض السلطنة على التصرف و لو بوكالة أو والية أو إباحة. و يقتضيهمضافا إلى المرتكزات العقالئيةظاهر

النصوص المتقدمة، بل صريح جملة منها. و عليه يحكم بملكية صاحب اليد لما تحت يده و إن لم يدعها لموت أو نحوه، كما هو مقتضى إطالق صحيحي محمد بن مسلم

الواردين في المال المدفون في الدار العامرة، و صريح صحيح جميل و موثقيونس.

كما أنه لو علم بعدم ملكية صاحب اليد لما تحت يده لم يحكم بسلطنته على التصرف فيه ما لم يدع السلطنة أو يظهر من حاله البناء عليها. لقبول قول صاحب

اليد فيما تحت يده و إن لم يكن مالكا.األمر الثالث: ]اليد المسبوقة بملكية الغير[

ال إشكال في حجية اليد على ملكية صاحبها و إن كانت مسبوقة بملكية الغير ومتوقفة على تجدد سببها، كالشراء أو االلتهاب منه.

إلطالق بعض النصوص المتقدمة، بل هو المتيقن من موارد بعضهاكصحيح حماد وعثمان و غيرهو من بقية أدلة الحجية المتقدمة.

لكن الظاهر اختصاصه بما إذا لم ينكر المالك السابق ملكية صاحب اليد و حصول سببها، كما صرح به جماعة. لقصور أدلة حجية اليد المتقدمة عن الصورة المذكورة. أما اإلجماع و سيرة المتشرعة و العقالء فظاهر. و أما النصوص فقد سبق أن أكثرها

Page 281: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ال عموم له، و أن ما يستفاد منه العموم صحيح عثمان و حماد و موثق حفص، والظاهر قصورهما عن المقام.

أما الصحيح فلظهوره في أن اليد الحجة التي يكون صاحبها منكرا ال494، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

تسقط بدعوى الخصم و ال يكلف صاحبها البينة، كما هو مقتضى السؤال و االستشهاد فيه بالنبوي الشريف، من دون أن يكون واردا لبيان حجية اليد، ليكون

مقتضى إطالقه عموم حجيتها للمقام. و أما الموثق فهو و إن كان ظاهرا في عموم حجية اليد، و لذا يجوز الشهادة اعتمادا عليها، إال أنه ظاهر في المفروغية عن حجيتها، و ال منشأ للمفروغية ظاهرا إال سيرة

العقالء االرتكازية عليها، فهو وارد مورد اإلمضاء لها، ال للردع عنها بتوسيع الحكم بحجية اليد على خالفها، فمع قضاء السيرة المذكورة بعدم حجية اليد في مورد ال ينهض الموثق بحجيتها فيه، كما هو الحال في المقام، لما هو المرتكز من أن له

إنكار ما ادعاه صاحب اليد من فعل السبب المملك له. نعم الظاهر اختصاص ذلك بما إذا كان المنكر لملكية صاحب اليد و لحصول سببها

هو المالك األول الذي يدعي صاحب اليد تملكه للمال منه، لما سبق. و ال يعم ما إذا كان المنكر غيره ممن تترتب ملكيته للعين على بقائها في ملك المالك األول،

كالوارث و الموصى له، و نحوهما. لعدم تعلق السبب به ليقبل قوله فيه. غاية األمر أن مقتضى استصحاب بقاء العين في ملك األول انتقالها له، و مبنى اليد

على إلغاء االستصحاب. و لذا تقدم عدم اإلشكال في حجيتها مع سكوت المالكالسابق.

و يؤكد ذلك صحيح عثمان و حماد المتقدم، لما هو المعلوم من أنه »صلوات الله عليه« ليس بصدد إنكار ملكية المسلمين لما خلفه النبي صلى الله عليه و آله بزعم

عدم توريث األنبياء عليهم السالم، بل بصدد إنكار مطالبة الصديقة »صلوات الله عليها« بالبينة و إهمال يدها التي كانت في عهد النبي صلى الله عليه و آله من دون

إنكار منه صلى الله عليه و آله لها، و ال تكذيب.495، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

األمر الرابع: ]الكالم فيما إذا كانت اليد غير مالكية و احتمل صيرورتها مالكية[ صرح غير واحد بعدم حجية اليد غير المالكية إذا احتمل صيرورتها مالكية بتجدد

سبب الملك لصاحبها سواء كانت اليد بحدوثها عدوانية كيد الغاصب، أم غير عدوانيةكيد األمين. و قد وقع الكالم بين المتأخرين في توجيه ذلك.

و الظاهر أن العمدة فيه قصور أدلة حجية اليد عن الصورة المذكورة، و عمدتها السيرة االرتكازية، التي تقدم في األمر السابق تنزيل النصوص عليها، ألن المرتكز

عرفا أن انقالب اليد عن حالها هو الذي يحتاج إلى دليل. و مثله ما إذا احتمل تعدد اليد بارتفاع اليد غير المالكية و حصول يد أخرى مالكية

لصاحب اليد األولى. لنظير الوجه المتقدم، فإن المرتكز عرفا أن تجدد اليد هو الذييحتاج للدليل.

ثم إن الظاهر أن عدم حجية اليد في محل الكالم ال يتوقف على دعوى المالك األول و إنكاره ملكية صاحب اليدكما تقدم في األمر السابقبل يجري في حق كل من علم

Page 282: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

بسبق عدم ملكية صاحب اليد حين حدوثها، أو قامت عنده حجة على ذلك، من دونحاجة إلى إنكار المالك.

نعم لو ادعى صاحب اليد حصول سبب الملكية و صيرورة يده مالكية قبل قوله إذا لم يكذبه المالك و لم تكن يده بحدوثها عدوانية، لما يأتي من قبول قول صاحب اليد

فيما تحت يده. أما إذا كانت عدوانية ففي قبول قوله إشكال. و األظهر تبعا للمرتكزات عدمه. كما

ال يقبل قوله في اإلذن في التصرف و نحوه مما ال يجتمع مع عدوانيته.األمر الخامس: ]في أن اليد من األمارات المتقدمة على االستصحاب[

الظاهر بعد الرجوع للمرتكزات العقالئية أن اليد من سنخ األمارة على الملكية المجرد كونها محرزة لها، كاألصل اإلحرازي.

و كيف كان فال ريب في تقديمها على االستصحاب، سواء كان المراد به استصحابعدم الملكية أم استصحاب عدم تحقق سببها من بيع أو نحوه. فإن

496، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج ذلك هو المتيقن من أدلتها، لورود أكثر النصوص المتقدمة في مورد استصحاب عدم

الملكية و لو أزال. بل لو لم تقدم عليه لزم اختصاصها بصورة عدم جريانهكما في صورة العلم بسبق الملكية و سبق عدمها مع الجهل بالتاريخو صورة جريان استصحاب الملكية، و هو

في معنى إلغاء حجية اليد عرفا، لندرة الصورة األولى، و إغناء االستصحاب المذكورعنها في الثانية.

األمر السادس: ]نفوذ صاحب اليد في ما تحت يده[ ينفذ تصرف صاحب اليد فيما تحت يده و إن لم يكن مالكا إذا لم يحرز عدوانيته،

كما إذا احتمل كونه وليا على المالك أو مأذونا من قبله، ما لم يكذبه المالك. و كذا يقبل قوله فيما تحت يده حتى لو كان معتديا، فإذا ادعى كون ما تحت يده

ملكا لشخص خاص أو وقفا، أو رهنا، أو غير ذلك قبل قوله ما لم يثبت كذبه.نعم ال يقبل قوله في صيرورته مالكا أو مأذونا، كما تقدم في األمر الرابع.

و هذه اليد غير اليد التي هي محل الكالم في هذا الفصل، و التي هي أمارة علىالملكية.

497، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالفصل الثاني في قاعدة التجاوز و الفراغ

و هي من القواعد المشهورة المعول عليها في مقام العمل. و مرجعها إلى أنه اليعتنى بالشك في العمل إال أن يكون في المحل قبل صدق التجاوز و الفراغ.

]أدلة القاعدة من النصوص[ و يدل عليها عموما جملة من النصوص، كموثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه

.«1 »السالم: »قال: كلما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو« و صحيح زرارة: »قلت ألبي عبد الله عليه السالم: رجل شك في األذان و قد دخل

في اإلقامة قال: يمضي. قلت: رجل شك في األذان و اإلقامة و قد كبر. قال: يمضي ... ثم قال: يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس

.«2 »بشيء«

Page 283: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و صحيح إسماعيل بن جابر: »قال أبو جعفر عليه السالم: إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض. كل شيء شك فيه مما

.«3 »قد تجاوزه و دخل في غيره فليمض عليه« و ال يصلح الصدر في الصحيحين لتخصيص عموم الذيل فيهما بأفعال الصالة، ألن

المورد ال يخصص الوارد، و ال سيما إذا كان العموم ارتكازيا.و ما في مستطرفات السرائر عن كتاب حريز عن زرارة عن أبي

______________________________.3 من أبواب الخلل الواقع في الصالة حديث: 23 باب: 5( الوسائل ج: 1 ).1 من أبواب الخلل الواقع في الصالة حديث: 23 باب: 5( الوسائل ج: 2 ).4 من أبواب الركوع حديث: 13 باب: 4( الوسائل ج: 3 )

498، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج جعفر عليه السالم: »قال: إذا جاء ]جاءك[ يقين بعد حائل قضاه، و مضى على اليقين، و يقضي الحائل و الشك جميعا، فإن شك في الظهر فيها بينه و بين أن يصلي العصر قضاها، و إن دخله الشك بعد أن يصلي العصر فقد مضت، إال أن

يستيقن، ألن العصر حائل فيما بينه و بين الظهر، فال يدع الحائل لما كان من الشك.«1 »إال بيقين«

و صحيح زرارة و الفضيل عنه عليه السالم: »فإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت.«2 »فقد دخل حائل، فال إعادة عليك من شك حتى تستيقن«

فإن مقتضى التعليلالمشار إليه في األخير و المصرح به فيما قبلهعموم عدم االعتناء بالشك مع الحائل. و هناك بعض النصوص األخر قد تنفع في المقام ال مجال إلطالة

الكالم فيها. و يكفي في استفادة العموم ما تقدم المؤيد بجملة من النصوص المختصة ببعض

الموارد، كموثق بكير أو صحيحه: »قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ. ، و غيره مما ورد في الشك في«3 »قال: هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك«

.«5 » و في أفعال الصالة«4 »الوضوء مضافا إلى سيرة العقالء االرتكازية على عدم االعتناء بالشك بعد مضي محل

المشكوك، حيث ال مجال إلنكارها بعد التأمل في المرتكزات، و مالحظة مبانيهم في موارد قاعدة الصحة، التي يجمعها مع هذه القاعدة جامع ارتكازي واحد، و هو عدم

تعلق الشك بمقام العمل، إما لمضيهكما في المقامأو لعدم______________________________

.2 من أبواب المواقيت من كتاب الصالة حديث: 60 باب: 3( الوسائل ج: 1 ).1 من أبواب المواقيت من كتاب الصالة حديث: 6 باب: 3( الوسائل ج: 2 ).7 من أبواب الوضوء حديث: 42 باب: 1( الوسائل ج: 3 ) من أبواب الوضوء.42 باب: 1( راجع الوسائل ج: 4 ) من أبواب23 باب: 5 من أبواب الركوع، و ج: 13 باب: 4( راجع الوسائل ج: 5 )

الخلل الواقع في الصالة.499، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

كون الشاك هو العامل، كما في موارد قاعدة الصحة. فالحظ.

Page 284: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

هذا و قد يدعى أن النصوص المتقدمة ال تتضمن قاعدة واحدة، بل ثالث قواعدمختلفة المفاد.

األولى: قاعدة التجاوز. و مرجعها إلى التعبد بوجود المشكوك بمفاد كان التامة عندتجاوز محله و الدخول في غيره.

و يدل عليها صحيحا زرارة و إسماعيل.الثانية: قاعدة عدم االعتناء بالشك في وجود الشيء بعد مضي وقته و محله.

و يدل عليها ما في مستطرفات السرائر و صحيح زرارة و الفضيل. الثالثة: قاعدة الفراغ. و مرجعها إلى التعبد بصحة الموجود و تماميته إذا حصل

الشك في صحة بعد الفراغ منه. و يدل عليها موثق محمد بن مسلم، حيث فرض فيه مضي موضوع الشك المستلزم لوجوده، حيث يتعين معه حمل الشك فيه على الشك في صحته. كما يدل عليها ما تقدم من موثق بكير أو صحيحه الوارد في الشك في الوضوء و غيره مما ورد في

الموارد الخاصة. و ربما ترجع األوليان إلى قاعدة واحدة تتضمن عدم االعتناء بالشك في وجود الشيء بمفاد كان التامة عند مضي محله و التجاوز عنه. أما الثالثة فال مجال

لرجوعها لها، الختالفها معها موضوعا و مفادا. ألن موضوع تلك القاعدة الشك في وجود المشكوك بمفاد كان التامة بعد مضي

محله، و مفادها التعبد بوجوده. أما موضوع قاعدة الفراغ فهو الشك في صحةالموجود بمفاد كان الناقصةمع الفراغ عن وجودهبعد مضيه بنفسه،

500، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جو ذلك بالفراغ عنه، و مفادها التعبد بصحته و تماميته.

لكن من القريب رجوع الكل إلى قاعدة واحدة مفادها عدم االعتناء بالشك بعد مضي محله. بأن يراد بالشك في الشيء في موضوعها مطلق الشك في شئونه

التي يهتم بها مما يقتضي الرجوع و التدارك، و يراد بمضي الشيء األعم من مضيهبنفسه و مضي محله. لوجود الجامع االرتكازي بين القاعدتين.

و تعددهما مع وجود الجامع المذكور يحتاج إلى عناية في البيان، و هو ال يناسب تشابه ألسنة النصوص، بسبب اشتمال كلتا الطائفتين من النصوص المتقدمةو ما جرى مجراها من النصوص الواردة في خصوص بعض الموارد- على عنوان الشك

في الشيء، و على ما يقتضي مضي محل الشك من المضي و التجاوز و الخروج والفراغ و نحوها.

و لو أريد بكل طائفة منها إحدى القاعدتين بخصوصيتها لكان المناسب التعرض لموضوعها بوجه مميز له عن موضوع األخرى، و ال يتكل على القرائن المتصيدة من

المورد و نحوه لتحديده. بل قد ال تنهض قرينة بتحديده، كما في صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله

عليه السالم: »في الرجل يشك بعد ما ينصرف من صالته. قال: فقال: ال يعيد، و ال . حيث لم يبين فيه أن المراد من الشك بعد االنصراف من الصالة«1 »شيء عليه«

هو الشك في وجود جزئها أو شرطها، أو الشك في صحتها.

Page 285: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

كما أنه قد اشتمل في بعض النصوص على أحد جزئي موضوع كلتا القاعدتين، كصحيحة اآلخر عن أبي جعفر عليه السالم: »قال: كلما شككت فيه بعد ما تفرغ من

، لظهور قوله عليه السالم: »كلما شككت فيه« في«2 »صالتك فامض و ال تعد«______________________________

.1 من أبواب الخلل الواقع في الصالة حديث: 27 باب: 5( الوسائل ج: 1 ).2 من أبواب الخلل الواقع في الصالة حديث: 28 باب: 5( الوسائل ج: 2 )

501، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الشك في وجود الجزء أو الشرط الذي هو أحد جزئي موضوع قاعدة التجاوز، ال في

الشك في صحة الصالة المأخوذ في قاعدة الفراغ، مع أن ما تضمنه من فرضالفراغ من الصالة هو الجزء الثاني لقاعدة الفراغ.

فلو أريد قاعدة التجاوز بخصوصيتها لكان المناسب ذكر مضي محل المشكوك. و لو أريد إعمال قاعدة الفراغ بخصوصيتها لكان المناسب فرض الشك في صحة

الصالة ... إلى غير ذلك مما يظهر منه عدم االهتمام في النصوص بتحديد إحدى القاعدتين و تمييزها عن األخرى، بل النظر للجامع االرتكازي بينهما الذي سبق منا

ذكره.إذا عرفت هذا

فيقع الكالم في أمور ..األمر األول: ]المعيار في مضي محل الشك.[

حيث عرفت أن موضوع القاعدة هو مضي محل الشك فهو يختلف باختالف الموارد، إذ مع الشك في أصل وجود العمل ال بد في مضي محل الشك من خروج وقته، أو الدخول فيما يترتب عليه، و مع العلم بوجوده و الشك في صحته يكفي الفراغ عنه

في مضي محل الشك، كما يستفاد ذلك كله من النصوص المتقدمة و غيرها. هذا و وضوح خروج الوقت يغني عن إطالة الكالم فيه. و إنما الكالم في األمرين

اآلخرين، و هما الدخول فيما يترتب على العمل، و الفراغ عن العمل. أما األول فالظاهر أن المعيار فيه الترتب الشرعي، كالترتب بين األذان و اإلقامة، و بين اإلقامة و الصالة، و بين الركوع و السجود، و بين الظهر و العصر، دون الترتب

العادي أو العقلي، فال يكفي في صدق المضي على االستبراء اإلتيان باالستنجاء، بلحاظ تقديم االستبراء على االستنجاء عادة، كما ال يصدق مضي السجود بالشروع في النهوض للقيام للركعة الالحقة، بلحاظ عدم كون النهوض المذكور عقال مقدمة

للقيام الصالتي إال بعد تحقق السجود، إذ بدونه502، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

يكون مقدمة لقيام غير صالتي و ال مشروع. و الوجه في ذلك: أن كون الشيء محال لشيء ليس تابعا لعالقة حقيقية بينهما ال تقبل االختالف و التبديل، بل هو أمر إضافي يختلف وجودا و عدما باختالف جهة

اإلضافة من اعتبار شرعي أو عرفي أو عادة أو عقل أو غيرها، فال بد من مالحظة خصوص جهة تصلح النتزاع النسبة المذكورة. و المناسب للشارع إرادة ما يتعلق به

و يرجع إليه، و هو خصوص المحل الشرعي. و دعوى: أن مقتضى اإلطالق االكتفاء بكل جهة صالحة النتزاع عنوان المحل شرعية كانت أو غيرها. مدفوعة بأن اإلطالق إنما ينهض بإلغاء القيود الزائدة على المفهوم،

Page 286: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و خصوصيات الجهات المختلفة في المقام ليست قيودا للمضي، بل هي معيار في صدقه و مصححة النتزاعه، و اإلطالق ال يتكفل بذلك، بل المتكفل به هو اإلطالقالمقامي، و هو يقتضي الحمل على المحل الشرعي مع وجوده، كما في المقام.

و قد تقدم في التنبيه الثاني من تنبيهات مبحث استعمال اللفظ في أكثر من معنىما ينفع هنا. فراجع.

نعم قد يستدل على إرادة المحل العادي بقوله عليه السالم في حديث بكير المتقدم: »و هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك« و بصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السالم: »أنه قال: إذا شك الرجل بعد ما صلى فلم يدر أثالثا

صلى أم أربعا و كان يقينه حين انصرف أنه كان قد أتم لم يعد الصالة، و كان حين فإن التعليل باألذكرية و األقربية للحق«1 »انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك«

يناسب إرادة المحل العادي، ألن اإلنسان لمقتضى عادته أذكر و أقرب منه لمايخالفها.

______________________________.3 من أبواب الخلل الواقع في الصالة حديث: 27 باب: 5( الوسائل ج: 1 )

503، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و يندفع بأنه ال ظهور لهما في التعليل بالعلة المنحصرة الصالحة لتحديد الموضوع، و التي يدور الحكم مدارها وجودا و عدما، لعدم اقترانهما بأداة التعليل، بل في مجرد

التنبيه لما يوجب االقتناع بالحكم، فهو أشبه بالحكمة. كيف؟! و لو استظهر منهما التعليل الذي يدور الحكم مداره وجودا و عدما لزم

التعدي لكل مورد يكون المكلف فيه أذكر و أقرب للحق و إن لم يكن الشك في صحة المركب و أجزائه، بل في أصل اإلتيان بالعمل أو غيره، لعدم خصوصية المورد

في ذلك ارتكازا، و ال يظن بأحد االلتزام بذلك، لرجوعه إلى حجية كل ظن. بل لزم قصور القاعدة عن غير مورد العادة فمن لم يتعود األذان أو اإلقامة لو شك

في اإلتيان بهما بعد الدخول في الصالة ال يبني على اإلتيان بهما، لعدم تحقق األذكرية. و من ثم ال مخرج عما ذكرنا من كون المعيار مضي المحل الشرعي،

للدخول فيما يترتب شرعا على األمر المشكوك.نعم في صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله: »قلت ألبي عبد الله عليه السالم:

. و قد«1 »رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع. قال: قد ركع« يستظهر منه االكتفاء في المضي بالدخول في مقدمات ما يترتب شرعا على

المشكوك. لكنه معارض بصحيحه اآلخر: »قلت ألبي عبد الله عليه السالم: رجل رفع رأسه عن

السجود، فشك قبل أن يستوي جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد. قال: يسجد. قلت: فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم

. و هو نص في عدم االكتفاء بحال النهوض«2 »لم يسجد. قال: يسجد«______________________________

.6 من أبواب الركوع حديث: 13 باب: 4( الوسائل ج: 1 ).6 من أبواب السجود حديث: 15 باب: 4( الوسائل ج: 2 )

504، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جقبل الوصول لحد القيام.

Page 287: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

فأما أن يجمع بينهما بحمل الهوي للسجود في الصحيح األول على الوصول لحد السجود، أو يقتصر فيه على مورده، و يرجع في غيره للقاعدة التي عرفتها و التي

يطابقها الصحيح اآلخر. و أما الثاني و هو الفراغ عن العمل، فالمعيار فيه ليس على الفراغ الحقيقي عن العمل المشروع المطلوب من المكلف، إذ ال يجتمع إحرازه مع الشك في تمامية

العمل، و ال على الفراغ البنائي االعتقادي، لمخالفته لظاهر إطالق الفراغ و المضي من دون قرينة، بل ظاهر صحيح محمد بن مسلم المتقدم قريبا كونه أمرا زائدا على

الفراغ. بل الظاهر أن المعيار فيه على الفراغ الحقيقي عن العمل الخارجي المأتي به

بعنوانه الخاص من تطهير أو وضوء أو غسل أو صالة أو بيع أو غيرها، ألن العمل المذكور هو الذي يكون موضوعا للشك في الصحة و التمامية، و إليه أسند المضي و نحوه في النصوص، فيلزم صدقه باإلضافة إليه حقيقة بالمعنى المقابل لالنشغال به

و لقطعه، فإن من يشرع في العمل ال يخرج عن أحد وجوه ثالثة: االنشغال به، و قطعه معرضا عنه، و الفراغ عنه منصرفا عنه، و موضوع القاعدة هو األخير المقابل

لألولين. فليس التسامح إال في إطالق العنوان على العمل المأتي به بقصده بناء على

الصحيح، و هو تسامح شايع، أما بناء على األعم فال تسامح حتى في ذلك، بل يكون اإلطالق حقيقيا مع احتمال النقص، بل مع العلم به. و قد شاع في النصوص و غيرها

فرض تحقق العمل من المكلف مع العلم ببطالنه أو الشك فيه.نعم احتمال النقص ال يجتمع مع إحراز الفراغ عن العمل المشروع. و هو

505، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج غير مهم، لعدم اتصافه بالصحة و الفساد، بل بالوجود و العدم، فيخرج عن محل

الكالم و عن مورد النصوص. و من ذلك يظهر الحال فيما إذا شك في اإلتيان بالجزء األخير فيما يعتبر فيه

الترتيب، و ببعض األجزاء فيما ال ترتيب فيه، و لم يمكن إحرازه بالدخول فيما يترتب على العمل بتمامه، سواء تحقق المنافي المانع من تتميم العمل أم ال. حيث يكون

المدار في جريان القاعدة فيه على إحراز الفراغ بالمعنى المتقدم، بأن يحرز االنشغال بالعمل بعنوانه الخاص، ثم إنهاؤه و الفراغ منه بذلك العنوان، و إن احتمل

نقصه عن بعض ما يجب فيه، أما إذا لم يحرز ذلك فال تجري القاعدة، لعدم إحرازموضوعها.

و ذلك فيما تعتبر فيه المواالة إنما يكون الحتمال اإلعراض عن العمل بعد الشروع فيه، و فيما ال تعتبر فيهكالغسلقد يكون لذلك، بأن يعلم المكلف من نفسه أنه قصد

اإلتيان بمجموع العمل مواليا، و قد يكون لعدم القصد من أول األمر لمجموع العمل، بل قصد بعضه عازما على إكماله بعد ذلك بقصد استقاللي آخر، ثم احتمل الغفلة

عن اإلكمال، إذ ال يحرز حينئذ االنشغال بتمام العمل بل ببعضه، فال يحرز الفراغ إالعن البعض المذكور، و يحتمل الشروع في غيره و األصل عدمه.

نعم لو علم بالفراغ عن كل األجزاءو لو مع القصد إليها متفرقاصدق الفراغ عن المجموع و إن احتمل اإلخالل ببعض ما قصده و انشغل به من األجزاء، كما لو علم

Page 288: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

بأنه قد اغتسل مفرقا لألعضاء و أكمل غسله ذلك، ثم احتمل إخالله ببعض عضو عندإرادة غسله.

و هذا هو المعيار في األمور غير االرتباطية كالتطهير من الخبث و وفاء الدين لوشك في تحقق بعض أجزائها، فإنه إن كان مع إحراز الفراغ عن

506، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الكل إما للقصد للمجموع ابتداء، أو للقصد لألجزاء بنحو التعاقب مع احتمال اإلخالل

ببعض ما قصدجرت القاعدة، و إال لم تجر، كما لو علم بقصده للكل و احتمل إعراضه عن اإلكمال، أو علم بعدم القصد من أول األمر للكل، بل لألجزاء بنحو

التفريق و احتمل الغفلة عن بعضها. األمر الثاني: الظاهر عموم القاعدة بلحاظ جميع األبواب من العبادات و المعامالت

و غيرها،بنحو يكون الخروج عنه في بعضها محتاجا للدليل.

و هو المصرح به في كالم غير واحد ممن ادعى تعدد القاعدة أيضا، فحكموا بعمومقاعدتي التجاوز و الفراغ معا.

لكن ادعى بعض األعاظم قدس سره اختصاص قاعدة التجاوز بأجزاء الصالة. و كأنه الختصاص مورد صحيحي زرارة و إسماعيل بن جابر المتقدمين بها، بلحاظ األمثلة

المذكورة في صدرهما، لسوقها للتمهيد و التوطئة للقاعدة. و يندفع: بأن المورد ال يخصص الوارد، خصوصا إذا كان العموم ارتكازيا، كما في

المقام. بل ال ينبغي التأمل في ذلك بالنظر للتعليل بالحائل في صحيح زرارة المروي عن مستطرفات السرائر، و صحيح زرارة و الفضيل الوارد في الشك في

الصالة بعد خروج الوقت. نعم ال إشكال في عدم جريانها في الشك في أجزاء الوضوء قبل الفراغ عنه. بل

قيل بإلحاق غيره من الطهارات به. و إن كان الظاهر خلوه عن الدليل.و البحث في ذلك بمسائل الفقه أنسب.

هذا، و قد وقع الكالم في عموم القاعدة من بعض الجهات األخر غير ما سبق، و المجال الستقصائها.

و لنقتصر منها على جهتين:507، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

األولى: العموم من حيثية االلتفات حين العمل لمنشا الشك و عدمه، و أنه هل تجري القاعدة فيما لو علم المكلف من نفسه الغفلة حين العمل عن منشأ الشك

المتجدد بعد العملكما لو توضأ غفلة عن وجود الحاجب، ثم احتمل صحة وضوئه لتأخر طروء الحاجب عن الوضوء، أو لعدم مانعيته من وصول الماء لما تحته، أو

صلى إلى جهة غفلة ثم احتمل صحة صالته لمصادفتها القبلةأو ال، بل ال بد فيجريانها من احتماله االلتفات حين العمل لمنشا الشك؟

و قد أصر بعض مشايخنا قدس سره على الثاني، و نسبه إلى جماعة. و الظاهر أنه إليه يرجع ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من عدم جريان القاعدة مع حفظ

صورة العمل، كما يقضي به التأمل في دليله. و قد يستدل على ذلك بأن مبنى القاعدة ارتكازا على مالحظة ظهور حال العامل

في مطابقة عمله لموضوع األثر المطلوب، بالمحافظة على جميع الخصوصيات

Page 289: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الدخيلة في ترتب األثر. و ذلك يختص بما إذا لم يعلم بغفلته عن جهة الشك، حيث يكون حصول الخصوصية المطلوبة على تقديره اتفاقيا ال يقتضيه ظهور حال العامل.

مضافا إلى التعليل بأنه أذكر، و بأنه أقرب إلى الحق، في حديثي بكير و محمد بن مسلم المتقدمين في التنبيه األول، فإنه ال مجال له في فرض الغفلة عن منشأ

الشك. لكنه يندفع بأنه ليس في النصوص العامةعلى كثرتهاإشارة البتناء القاعدة على االرتكاز المذكور. بل مجرد عدم االعتناء بالشك بعد مضي محله، الذي هو أمر

ارتكازي أيضا، قد يبتني على مصلحة التسهيل و حفظ النظام، لعدم تيسر حفظ مامضى و ضبط حاله.

و أما التعليل في حديثي بكير و محمد بن مسلم فقد تقدمعند الكالم في508، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

معيار مضي المحلالمنع من ظهوره في التعليل بالعلة المنحصرة التي يدور الحكم مدارها وجودا و عدما، بل عدم إمكان االلتزام بذلك. فال مجال للخروج به عن

إطالق النصوص العامة المتقدم. مضافا إلى صحيح الحسين بن أبي العالء: »سألت أبا عبد الله عليه السالم عن

الخاتم إذا اغتسلت. قال: حوله من مكانه. و قال في الوضوء: تديره، فإن نسيت لظهوره في إهمال احتمال«1 »حتى تقوم في الصالة فال آمرك أن تعيد الصالة«

عدم وصول الماء لما تحت الخاتم، و المضي على الوضوء إذا ذكر بعد الفراغ منه. و أما ما ذكره بعض مشايخنا قدس سره من أنه وارد لبيان عدم شرطية تحويل

الخاتم و إدارته في الوضوء و الغسل، و دفع توهم بطالنهما بتركهما و لو مع وصول الماء لما تحت الخاتم، ال بلحاظ احتمال وصول الماء لما تحت الخاتم، لينفع فيما

نحن فيه. فهو بعيد جدا، لعدم المنشأ االرتكازي لالحتمال المذكور، بخالف وجوب التحويل أو

اإلدارة طريقيا عند الشك في وصول الماء إلحراز وصوله، فإنه أمر ارتكازي ينصرف.«2 »إليه اإلطالق، و قد تضمنته بعض النصوص

على أن حمل صحيح الحسين على ذلك يقتضي البناء على شرطية التحويل أو اإلدارة بنحو يبطل الغسل و الوضوء بتركهما عمدا، غاية األمر أنه يعفى عن تركهما نسيانا. و ال يظن بأحد البناء على ذلك. و ذلك يناسب حمله على ما ذكرنا. و من ثم

يتعين البناء على عموم القاعدة من هذه الجهة.______________________________

.2 من أبواب الوضوء حديث: 41 باب: 1( الوسائل ج: 1 ).1 من أبواب الوضوء حديث: 41 باب: 1( الوسائل ج: 2 )

509، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الثانية: العموم للشروط. فإنه يظهر من كشف اللثام اختصاصها باألجزاء، و عدم جريانها في الشروط. و رتب على ذلك وجوب إعادة الطواف لو شك بعد الفراغ

منه في الطهارة حينه إذا كان متيقن الحدث سابقا. و يحتمله ما في المدارك، حيثوافقه في الفرع المذكور.

لكن الظاهر جريان القاعدة في الشروط، لصدق المضي مع الشك فيها بلحاظ نفس الشرط، لمضي محله بمضي المشروط و الفراغ منه، و بلحاظ المشروط،

Page 290: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

لصدق مضيه بالفراغ عنه. مضافا إلى خصوص صحيح محمد بن مسلم: »قلت ألبيعبد الله عليه السالم: رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصالة.

و قد يستفاد من غيره.«1 »قال: يمضي على صالته و ال يعيد« نعم ال مجال لجريانه في خصوص بعض الشروط مما كان مقوما للمشروط غير زائد عليه عرفا، كالمواالة بين أجزاء الكلمة الواحدة، و كالنية الراجعة لقصد نوع

الفعل، كنية كون االنحناء ركوعا أو سجودا، و نية كون الصالة ظهرا أو عصرا، و نيةكون المال المدفوع زكاة أو هدية.

إذ مع الشك في ذلك ال يحرز مضي العمل ذي العنوان الخاص و الفراغ عنه، و المضي محل الشرط، ألن مضيه إنما يكون بمضي المشروط، كما سبق.

بل ال بد في عدم االعتناء بالشك المذكور من انطباق القاعدة على المشروطبنفسه لو مضى محله بخروج وقته، أو بالدخول فيما يترتب عليه.

فمن شك في أن انحناءه كان بقصد الركوع أو لتناول شيء من األرض ال مجال إلحرازه القصد للركوع بعد االنتصاب من االنحناء و الفراغ عنه، بل ال بد في إحرازه الركوع من مضي محله بالدخول في السجود المترتب عليه. و من شك في أنه قد

قصد بصالته العصر ال مجال إلحرازه ذلك بالفراغ عنها، بل ال بد______________________________

.5 من أبواب الوضوء حديث: 42 باب: 1( الوسائل ج: 1 )510، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

من خروج وقتها حين الشك المذكور. كما أن جريان القاعدة في الشرط ال يقتضي إحرازه مطلقا و من جميع الجهات،

بنحو يترتب عليه جميع آثاره، بل بنحو يترتب عليه خصوص اآلثار التي يصدق المضي باإلضافة إليها، كصحة العمل السابق، ألن ذلك هو المنصرف من إطالق أدلة

القاعدة. و على ذلك لو شك في الشرط في أثناء العمل فالقاعدة و إن كانت بإحراز الشرط باإلضافة إلى األجزاء الماضية و إحراز صحتها، إال أنها ال تصحح االستمرار فيه، فضال

عن الدخول في عمل آخر مشروط بذلك الشرط. فالحظ. األمر الثالث: اقتصر في أكثر النصوص العامة و الخاصة على عدم االعتناء بالشك

الذي مضى محله، و هو بنفسه ال يقتضي كون مفادها أصال تعبديا يقتضي التعبد بالتمامية و اإلتيان

بالمشكوك، نظير التعبد بالطهارة و الحل في مورد قاعدتي الطهارة و الحل، فضال عن أن يكون أصال إحرازيا يقتضي التعبد بالتمامية و اإلتيان بالمشكوك تبعا لوجود المحرز لها، نظير التعبد بالحالة السابقة في االستصحاب، تبعا لليقين السابق بها. بل هو أصل عملي محض، نظير أصل البراءة المتمحض في عدم االعتناء باحتمال

التكليف. نعم قد يستفاد كونه أصال تعبديا من بعض النصوص الخاصة المتضمنة للتعبد بالركوع

عند مضي محل الشك فيه، كصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله المتقدم عند الكالم في معيار مضي المحل، و صحيح حماد: »قلت ألبي عبد الله عليه السالم:

و غيرهما.«1 »أشك و أنا ساجد فال أدري ركعت أم ال. فقال: قد ركعت، امضه«بل قد يستفاد من قوله عليه السالم في صحيح زرارة المتقدم عن مستطرفات

Page 291: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

______________________________.2 من أبواب الركوع حديث: 13 باب: 4( الوسائل ج: 1 )

511، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج السرائر: »فال يدع الحائل لما كان من الشك إال بيقين« أن الحائل من سنخ المحرز لوجود المشكوك، فيكون أصال إحرازيا كاالستصحاب، ال تعبديا محضا كقاعدتي الحل

و الطهارة. أما لو تم ابتناء القاعدة على ظهور حال العامل في تمامية عملهكما يناسبه التعليل

باألذكرية و األقربية للحق في بعض النصوصفتكون من األمارات. لكن عرفت فياألمر السابق المنع من ذلك، و من تحكيم التعليل المذكور. فال مخرج عن ما ذكرنا. و كيف كان فال ريب في تقديم القاعدة على االستصحاب، سواء كانت أصال- عمليا

أو تعبديا أو إحرازياأم أمارة. ألن المتيقن من مورد نصوصها جريانها في مورد جريان االستصحاب المخالف، كاستصحاب عدم تحقق العمل، أو عدم تحقق جزئه أو

شرطه، حيث تكون نصا في تقديمها عليه. بل لو فرض تقديم االستصحاب عليها لم يبق لها مورد إال مع موافقة االستصحاب

لها، كما لو شك في صحة العمل للشك في تحقق شرطه- كالطهارةو كان مقتضى االستصحاب تحققه، و مع عدم جريان االستصحاب لتعاقب الحالتين. و هو في معنى

إلغائها عرفا، لقلة المورد األخير جدا، و إغناء االستصحاب الموافق لها في األولعنها.

512، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالفصل الثالث في قاعدة الصحة

و هي من القواعد المشهورة المعول عليها. و مرجعها إلى عدم االعتناء باحتمالالفساد في عمل الغير، بل يبني على صحته و ترتب األثر المطلوب عليه.

]الكالم في االستدالل على القاعدة بما تضمن حسن الظن بالمؤمن[ و قد تعرض شيخنا األعظم قدس سره و غيره لالستدالل عليها ببعض اآليات و

النصوص اآلمرة بالقول الحسن في الناس، و حسن الظن بهم، و حمل فعل المؤمنعلى األحسن، و عدم اتهامه، و نحو ذلك.

لكنهمع اختصاصه بالمؤمنأجنبي عن المقام، لظهوره في الحمل على ما يناسب إيمان الفاعل من الحسن الفاعليالراجع لقصده الخير و الحسن، دون الشر و

القبيحدون الحسن الفعليالراجع لحسن عمله واقعافضال عن الصحيح التام الذي يترتب عليه األثر المطلوب منهفي مقابل الفاسدو إن لم يكن حسنا، كالطالق و

الظهار. ]الكالم في االستدالل على القاعدة بعمومات النفوذ[

و مثله االستدالل بعمومات النفوذ، كعموم األمر بالوفاء بالعقود، و صحة التجارة عن تراض، و نحوهما. إذ فيهمع اختصاصه بالعقود و نحوها مما كان نفوذه مقتضى

العموم-: أن العمومات المذكورة لما كانت مخصصة، و كان الشك في صحة العقد الخاص مسببا عن الشك في دخوله في عنوان المخصص، لم يصح التمسك بالعموم

فيه، لعدم حجية العام في الشبهة المصداقية، خصوصا إذا كان مقتضى األصل الموضوعي دخوله في عنوان المخصص، كاستصحاب كون المطلقة حائضا حين

الطالق، أو عدم سماع

Page 292: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

513، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الشاهدين لصيغته. حيث ال إشكال في أن األصل الموضوعي حاكم على عموم

العام. ]الكالم في االستدالل على القاعدة بالغلبة[

و كذا االستدالل بالغلبة و ظهور حال المسلم أو الفاعل في تحري الوجه الصحيح، ألنه موضوع اآلثار، و محط األغراض المطلوبة. الندفاعه بعدم وضوح الغلبة و

الظهور المذكورين بلحاظ ما هو شايع من تسامح عامة الناس و غفلتهم، أو جهلهم بما يعتبر شرعا في الصحة. على أن حجية الغلبة و الظهور المذكورين في المقامتحتاج إلى دليل. و لو تم كان بنفسه دليال على القاعدة، بال حاجة إلى توسطهما.

]االستدالل على القاعدة بسيرة العقالء[ فالظاهر أن العمدة في المقام سيرة العقالء من ذوي األديان و غيرهم بمقتضى ارتكازياتهم على ترتيب آثار الصحة في عمل الغير، و عدم التعويل على احتمال

فساده. و حيث كانت هذه السيرة ارتكازية كفى في العمل عليها عدم ثبوت ردع الشارع األقدس عنها، بال حاجة إلى إحراز إمضائه لها، نظير ما تقدم في اليد. على

أنه يكفي في إحراز إمضائها اإلجماع و سيرة المتشرعة. ]الكالم في اإلجماع[

أما اإلجماع فيستفاد من تتبع فتاواهم في أبواب الفقه، خصوصا مسائل التنازع و القضاء، حيث يظهر منهم التسالم على الرجوع لهذا األصل على أنه ارتكازي، بنحو

يمتنع عادة الخطأ منهم في ذلك مع كثرة االبتالء به في جميع العصور و في كثير مناألمور.

لكن استشكل فيه بعض مشايخنا قدس سره .. تارة: بأنه يتعذر عادة االطالع على فتاوى العلماء في جميع موارد جريان األصل المذكور من العبادات و المعامالت

بالمعنى األعم. و أخرى: بأنه ال يحرز كونه إجماعا تعبديا، ليكشف عن قول المعصوم، الحتمال

ابتنائه على بعض الوجوه المستدل بها في المقام، فالالزم النظر فيها.514، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

فإن تمت كانت هي الدليل دون اإلجماع. و إن لم تتم لم ينفع اإلجماع فياالستدالل.

و يندفع األول بأنه يمكن مع االطالع على فتاواهم في الموارد المتفرقة استفادة العموم منهم من تصريحهم به في بعض الموارد، بنحو يظهر منه عدم الخصوصية لتلك الموارد، و إرادة القاعدة االرتكازية التي جرت عليها سيرة العقالء، فيكشف عن إمضاء السيرة المذكورة بما لها من عموم ارتكازي، بحيث يحتاج الخروج عنه

إلى دليل. كما يندفع الثاني بأن كثرة االبتالء بالمسألة، و ظهور التسالم فيها، مع مطابقة

الحكم بالصحة للمرتكزات العقالئية، كاشف عن جري الشارع األقدس على طبقتلك المرتكزات و عدم إعراضه عنها، تمت الوجوه المذكورة في كلماتهم أو لم تتم.

و ال سيما مع إرسالهم األصل المذكور إرسال المسلمات، و عدم االستدالل له إال عابرا ببعض الوجوه التي هي ليست من القوة بنحو يناسب التسالم المذكور، حيث

يكشف ذلك عن ابتناء التسالم على سيرة العقالء االرتكازية، و عن إمضائها.

Page 293: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

]تقريب سيرة المتشرعة[ و أما سيرة المتشرعة فيكفي في وضوحها مالحظة حالهم في أمور معاشهم و

معادهم، كالعقود و اإليقاعات الماليةكالبيع و الوقفو غيرها- كالنكاح و الطالقو الواجبات الكفائيةكواجبات األمواتو األفعال التسبيبية- كالتطهير من الحدث و الخبث

و التذكيةو صالة اإلمام باإلضافة للمأمومين، و صالة بعض المأمومين باإلضافة لبعضهم ممن يتوقف عليها اتصاله باإلمام، و صالة من مات و صيامه باإلضافة لوليه،

و غير ذلك مما يعلم ببناء المتشرعة فيه على الصحة في عمل الغير.515، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و لو ال ذلك الضطرب أمرهم، و اختل نظامهم، و لزم الهرج و المرج، و نحو ذلك مما لو كان لبان، و لكثرت األسئلة و البيانات من الشارع األقدس، و حيث لم

يحصل شيء من ذلك كشف عن اتصال هذه السيرة بعصور المعصومين »صلواتالله عليهم«، و إقرارهم لها، بنحو يصحح الركون إليها و االستدالل بها.

]المعيار في سعة القاعدة على سيرة العقالء[ ثم إنه حيث كان ظاهر اإلجماع و سيرة المتشرعة المذكورين في البناء على الصحة

ليس محض التعبد الشرعي، بل الجري على مقتضى سيرة العقالء االرتكازية المستدل بها آنفا كان مقتضاهما إمضاءها، فيكون المتبع في عموم الحكم و

خصوصه على مقتضاها ما لم يثبت الردع عنها في بعض الموارد. و ال يقدح خالفهم في بعض الموارد لشبهة ترجع إلى توهم قصور السيرة، أو ثبوت المانع من العمل بها، إذا اتضح بطالن الشبهة المذكورة. و ذلك ألن مرجع اإلمضاء

المذكور إلى أن األمر االرتكازيالذي عليه تبتني سيرة العقالءمن شأنه أن يعمل عليه لو ال المانع، فموضوعه مقتض للحجية حتى عند المخالف في بعض الموارد، فمع

ظهور بطالن شبهة المخالف يتعين العمل عليه بمقتضى اإلمضاء المذكور. و هكذا الحال في جميع األمور االرتكازية التي ثبت إمضاء االرتكاز فيها، فإنه يتعين

العمل عليها حتى في موارد الخالف لشبهة طارئة إذا ثبت بطالن تلك الشبهة، نظير حجية الظواهر و حجية خبر الثقة في بعض موارد الخالف، كحجية الظواهر في حق

من لم يقصد باإلفهام، و حجية ظواهر الكتاب المجيد، و حجية خبر الثقة غيراإلمامي، و غير ذلك.

إذا عرفت هذافيقع الكالم في أمور ..

516، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جاألمر األول: ]في تحديد موضوع القاعدة، و إنه يتوقف على قصد الماهية ذات األثر[

لما كان المقصود إثبات الصحة و التمامية له هو العمل الخارجي بلحاظ مطابقته للماهية المقصودة ذات األثر، فال بد في تحقق موضوع القاعدة من إحراز قصد الماهية بالعمل، و ال يكفي تحقق صورته من دون أن تقصد منه، فالغسل الذي

يتصف بالصحة و الفساد و الذي تقتضي القاعدة صحته هو الذي يقصد به الغسل المطهر من الحدث أو الخبث. أما ما ال يقصد به ذلك فهو ال يتصف بالصحة و

الفساد، و ال يكون موضوعا للقاعدة في المقام.

Page 294: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

من دون فرق بين ما يتوقف ترتب األثر عليه على قصد العنوان منه- كالوضوء و الغسلو غيره كالتطهير من الخبث. ألن عدم توقف ترتب األثر منه على قصده ال

ينافي توقف دخوله في موضوع القاعدة على القصد المذكور. و على ذلك ال مجال لجريان قاعدة الصحة مع احتمال عدم القصد بالفعل للماهية

ذات األثر الخاص، لعدم إحراز موضوعها. نعم لو أحرز القصد بالنحو المذكور و احتمل الفساد في العبادة، لعدم قصد التقرب

بالوجه المعتبر فيهاو لو الحتمال قصد الرياء المحرماتجه جريان قاعدة الصحة، لتمامية موضوعها بقصد العنوان، و ليس قصد التقرب إال كسائر الشروط الزائدة

عليه، و التي تنهض القاعدة بالبناء على الصحة من جهتها. كما ظهر بذلك أنه لو تردد نوع الفعل المقصود بين الصحيح و الفاسد لم تنهض

القاعدة بإحراز القصد للصحيح. كما لو اختلف دافع المال و آخذه في أن دفعه كان بعنوان القرض الربويبشرط االشتراك في الربحأو بعنوان المضاربة، أو ترددت

الصالة المأتي بها بين فريضة قد صالها المكلف و أخرى لم يصلها. فإن القاعدة التنهض بإحراز المضاربة في األول، و الصالة التي لم يصلها في الثاني.

517، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و كذا الحال لو أحرز نوع العمل، و ترددت بعض أركانه المقومة له بين ما يصح به

العمل و ما يبطل، كالثمن و المثمن و الزوج و الزوجة، فإن قاعدة الصحة ال تنهض بإحراز ما يصح به العمل. فإذا اختلف الزوج و األب في أنه زوجه بنته التي رضعت

معه، أو أختها التي لم ترضع معه لم تنهض أصالة الصحة بإثبات الثاني. كل ذلك ألن أصالة الصحة إنما تحرز الصحة بعد الفراغ عن تحقق العمل الذي هو

مورد األثر و القصد إليه بحدوده، دون ما إذا شك في أصل القصد للعمل المذكور أولحدوده.

األمر الثاني: وقع الكالم بينهم في أن مفاد القاعدة هو الحمل على الصحة الواقعية،أو الصحة بنظر الفاعل.

لكن لما كان موضوع األثر و محط الغرض هو الصحة الواقعية، فال معنى الحتمالكون مفاد القاعدة هو الصحة بنظر الفاعل.

بل ال بد من رجوع النزاع المذكور إلى النزاع في عموم القاعدة لما إذا أخطأ الفاعل فيما يعتبر في الصحة الواقعية و تشخيص ما هو الصحيح، بعد المفروغية عن

أن مفاد القاعدة هو الصحة الواقعية ال غير، فيقع الكالم حينئذ في أن القاعدة هل تجري لو احتمل صحة عمله الحتمال واجديته لشروط الصحة صدفة أو احتياطا منه؟

كما لو كان المطلق يرى أنه يكفي في عدالة الشاهدين ترك الكبائر، و أراد أن يتزوج مطلقته من يرى أنه ال بد فيها من ترك الصغائر أيضا، إذا احتمل صحة طالقه

بإشهاده مجتنب الكبيرة و الصغيرة صدفة أو احتياطا. و قد صرح غير واحد بعدم جريان القاعدة حينئذ، كما قد يظهر ذلك من كل من

استدل على القاعدة بالغلبة و ظهور حال المسلم أو الفاعل، لظهور اختصاصهمالوتمابصورة علم الفاعل بالصحيح، و عدم خطئه فيه.518، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و قد يستدل عليهمضافا إلى ذلكبعدم وضوح ثبوت السيرةالتي سبق أنها دليلالقاعدةفي الفرض المذكور.

Page 295: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

لكن تقدم المنع من االستدالل على القاعدة بالغلبة و الظهور المذكورين. كما أنه لم يتضح ابتناء سيرة العقالء أو المتشرعة على مالحظتهما معيارا في البناء

على الصحة، بحيث يقصر الحكم بها عن غير موردهما. بل الظاهر ثبوت سيرة العقالءالتي سبق أنها دليل القاعدةفي المقام، كسيرة

المتشرعة. كيف و اإللزام عدم جريان القاعدة في حق المخالفين، لكثرة مخالفتهم لنا في الفروع بنحو ظاهر من الصدر األول، مع القطع بجريانها في حقهم، لكثرة االبتالء بأعمالهم في عصور األئمة عليهم السالم، فلو لم تجر القاعدة فيها لظهر

ذلك و بان، و كثر السؤال عنه، و التنبيه عليه منهم »صلوات الله عليهم«. بل الختل نظام أمر المؤمنين و وقعوا في أعظم الحرج. و حيث لم يحصل شيء من ذلك

كشف عن عموم سيرتهم تبعا لسيرة العقالء. كما هو الحال في السيرة الفعلية بين المؤمنين أنفسهم، حيث ال إشكال في جريهم على مقتضى هذه القاعدة في أعمالهم من دون توقف أو فحص، مع وضوح اختالف

أفراد الطائفة المحقة في االجتهاد و التقليد اختالفا فاحشا. بل لو ال ذلك لم تجر القاعدة مع الجهل بحال الفاعل، و أن نظرهالمستند الجتهاده

أو تقليدهمصيب موافق لنظر من يكون عمله موردا البتالئه، أو مخطئ مخالف لنظره، الشتراكه مع فرض العلم بخطإ الفاعل في عدم المحرز لصحة العمل من

ظهور حال أو نحوه، مع أنه ال ريب في جريانها في حقه بمقتضى السيرة، لغلبة عدم تيسر المعرفة بحال الفاعل و كيفية تشخيصه، فلو بني على التوقف في

جريان قاعدة الصحة في عمله لزم الهرج و المرج، نظير ما ذكرنا عند االستداللبالسيرة على أصل القاعدة.

519، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و دعوى: أن جريان قاعدة الصحة في حق مجهول الحال يبتني على أصالة الصحة

في تشخيصه و عدم خطئه في اعتقاده. مدفوعة بأن أصالة الصحة في االعتقاد و عدم الخطأ فيه قد تتم في األمور الحسية أو القريبة من الحس، كتشخيص العدالة صغرويا، دون األمور الحدسية المبنية على

االجتهاد و الحدس البعيد عن الحس، كتشخيص مفهوم العدالة و حدودها كبرويا. و من ثم ال مجال البتناء جريان أصالة الصحة في حق مجهول الحال على أصالة

الصحة في تشخيصه و اعتقاده، بل هي تبتني على عموم السيرة ابتداء، دفعا الختالل النظام، المناسب لعمومها في حق من يعلم بخطئه في اعتقاده إذا احتمل

صحة عمله، بعين المالك المذكور، كما سبق.األمر الثالث: ]يتوقف جريان القاعدة على إحراز سلطنة الفاعل[

سبق في األمر األول أنه ال بد في جريان قاعدة الصحة من إحراز تحقق القصد بالفعل الخارجي إلى الماهية ذات األثر الخاص، و القصد إلى أركانها، كالثمن و

المثمن و الزوج و الزوجة و غيرها. و ربما قيل: إنه ال بد مع ذلك من إحراز قابليةالموضوع و أهلية الفاعل.

و كالمهم في تحديدهما في غاية اإلشكال و االضطراب، كاإلشكال في دليل أخذالشرط المذكور في جريان القاعدة، بعد عموم القاعدة ارتكازا.

نعم ال ينبغي التأملبعد الرجوع للمرتكزاتفي توقف جريان القاعدة على إحراز سلطنة الفاعل على الفعل، و ال تجري مع عدم إحرازها، فلو باع رجل عينا، و شك

Page 296: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

في صحة البيع، لم تجر قاعدة الصحة ما لم يحرز سلطنته على البيعبملك أو وكالةأو نحوهماو لو لكون تلك العين تحت يده بحيث تنهض اليد بإحراز سلطنته عليها.

و لذا ال ريب عندهم في أن من باع مثال عينا تحت يده مدعيا تملكها من520، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

غيره أو كونه وكيال عن مالكها صح البيع ظاهرا ما دامت يده حجة على دعواه، فإذا سقطت يده عن الحجية بإنكار المالك السابق التمليك أو التوكيل بطل البيع ظاهرا،

و لم تجر قاعدة الصحة فيه بحيث تقتضي تقديم قول البائع لموافقته لألصل.األمر الرابع: ]القاعدة أصل إحرازي[

الظاهر أن مفاد القاعدةبعد التأمل في الجهات االرتكازية المبتنية عليهاهو التعبد بصحة الموجود و تماميته، فتتنقح بسببها صغريات الكبريات الشرعية التكليفية و

الوضعية، ال مجرد عدم االلتفات للشك في مقام العمل، و العمل بما يطابق احتمال الصحة من دون بناء عليها و تعبد بها. فهي قاعدة تعبديةكقاعدتي الحل و الطهارةال

عملية محضة. بل من القريب كونها قاعدة إحرازية لما سبق من تقريب ذلك في القاعدة السابقة، بضميمة ما سبق هناك عند االستدالل بالسيرة من رجوع القاعدتين لجامع ارتكازي

واحد. فتأمل جيدا. هذا و لو ابتنى التعبد بالصحة فيها على مالحظة الغلبة، أو ظهور حال المسلم أو

الفاعل في تحري الوجه الصحيح، لكانت من األمارات. لكن تقدم في األمر الثانيالمنع من ابتنائها على مالحظتهما.

و كيف كان فال ريب في تقدمها على االستصحاب، سواء أريد به استصحاب عدم تحقق شرط الصحةكالطهارة في الصالة، و العلم بالعوضين في البيع لو شك في

صحة الصالة و البيع من جهتهماأم استصحاب عدم ترتب األثر على الفعل،كاستصحاب الحدث، و عدم انتقال المبيع عند الشك في صحة الوضوء و البيع.

كل ذلك ألنها لو لم تقدم على االستصحاب لزم إلغاؤها عرفا و إهمال دليلها، لغلبةابتالئها باالستصحاب المذكور، بحيث ال يمكن عرفا االقتصار

521، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جفيها على صورة عدم جريانه، نظير ما تقدم في القاعدة السابقة.

و لنقتصر من الكالم في القاعدةتتمة للكالم في االستصحابعلى هذا المقدار، معإيكال كثير مما وقع الكالم فيه بينهم من التفاصيل للمطوالت.

و بذلك ينتهي الكالم في األصول العملية. و الحمد لله رب العالمين.523، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المقصد الثالث في التعارض ]في معنى التعارض[ ]معنى التعارض لغة[

و هو لغة تفاعل من العرض، الذي ورد في استعماالت كثيرة بأنحاء مختلفة، و ذكرت له في كلمات اللغويينتبعا لذلكمعاني متعددة قد يرجع بعضها إلى بعض. و

لعل األصل لغير واحد منها هو العرض المقابل للطول، حيث قد يرجع إليه استعمالهماء و األرضبمعنى السعة في مثل قوله تعالى: ة عرضها كعرض الس و«1 » و جن

ر فذو دعاء عريضقوله سبحانه: ه الش .«2 » و إذا مس

Page 297: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

كما قد يرجع إليه استعماله بمعنى المنع تشبيها للمانع بما يقف للسائر في عرض الطريق و يصده عن المضي و النفوذ، كالخشبة المعترضة في النهر المانعة من

جريان الماء، كما تضمنه حديث سراقة أنه عرض لرسول الله صلى الله عليه و آلهو أبي بكر الفرس.

قال ابن األثير: »أي اعترض به الطريق يمنعهما من المسير«. و لعله لذا سمياإليراد على المطالب العلمية اعتراضا.

و هذا هو األنسب بالمقام، بلحاظ أن كال المتعارضين يمنع من العمل باآلخر. فكأنهمانع من نفوذه و تأثيره لمقتضاه. و األمر سهل.

______________________________.21( سورة الحديد اآلية: 1 ).51( سورة فصلت اآلية: 2 )

524، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج ]تعريف التعارض اصطالحا[

أما في االصطالح فقد اختلفوا في تعريفه. و لعل األولى أن يقال: »التعارض هو منع كل من التعبدين أو األكثر من حجية اآلخر و من نهوضه بالعمل،

بلحاظ إطالق دليل التعبد به بسبب تنافي المؤديين أو األكثر بالذات، أو ألمر خارج«. و بقولنا: »منع ...« يظهر أن التعارض هو األمر المسبب عن التنافي بين المؤديين، ال نفس التنافي بينهماكما تضمنه غير واحد من تعاريفهألن ذلك هو األنسب بالمعنى

اللغوي المتقدم. و بقولنا: »كل من التعبدين ...« يظهر اختصاص التعارض المصطلح بتعارض ما

يتضمن التعبد الشرعي، دون غيره كاألخبار التاريخية و العلمية غير التعبدية و غيرهامما ال يتعلق بمقام العمل.

نعم قد يصدق التعارض فيها عرفا بلحاظ التكاذب في مقام الحكاية و الكشف عنالواقع. لكنه خارج عن وظيفة األصولي، لعدم دخل ذلك بتشخيص الوظيفة العملية.

كما أنه يظهر بذلك عدم اختصاص التعارض المصطلح باألدلة االجتهادية، بل يعم األصول العملية، لعموم جملة من أحكامه العامة لها. نعم األخبار الواردة في

التعارض مختصة بتعارض األدلة االجتهادية، بل بتعارض خصوص األخبار منها. إال أنذلك ال يقتضي قصر التعارض المصطلح عليه.

و بقولنا: »أو األكثر« يظهر عموم التعارض لما يكون بين أكثر من دليلين، كما لو ورد دليل بوجوب القصر، و آخر بوجوب الصيام، و ثالث بالتالزم بين التقصير و

اإلفطار و بين اإلتمام و الصيام. فإن العموم لذلك هو المناسب لعموم جملة منأحكام التعارض العامة له.

غاية األمر أن بعض األخبار الواردة في التعارض تختص بتعارض525، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الخبرين ال أكثر، و هو ال يقتضي قصر التعارض المصطلح عليه. و ال سيما مع قرب إلغاء خصوصية مورد النصوص المذكورة من هذه الجهة، على ما يأتي في محله إن

شاء الله تعالى.

Page 298: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ثم إن التعارض بين أكثر من دليلين يختص بما إذا كان الجميع ظنيا يمكن التوقف عن العمل به بسبب التعارض، أما إذا كان بعضها قطعيا فالتعارض يختص بالباقي،

غايته أنه يكون من التعارض ألمر خارج. و قولنا: »بلحاظ إطالق التعبد« يظهر أنه ال بد في التعارض في محل الكالم من

تمامية موضوع الحجية و العمل بلحاظ األدلة العامة، ألن فرض التمانع بين المتعارضين فرع تمامية موضوع الحجية في كل منهما، أما مع قصور موضوع

الحجية في أحدهما رأسا، أو في مورد التعارض، فال يكون عدم العمل به من جهة التعارض و التمانع، بل لعدم المقتضي. و من ثم ال تعارض بين الحجة و الالحجة إالفي مقام الحكاية و الكشف عن الواقع، الذي سبق أنه خارج عن وظيفة األصولي.

و بقولنا: »بسبب تنافي المؤديين« يظهر أنه ال بد في صدق التعارض من تنافي المؤديين بسبب تناقض مدلولهما أو تضادهما. حيث يكون كل منهما مانعا من العمل

باآلخر، المتناع التعبد بالمتنافيين. أما مع عدم التنافي بينهما و العلم من الخارج بعدم ثبوت أحدهما تخصيصا لعموم دليله، فال تعارض، كما لو علم بتخصيص دليل االستصحاب في أحد موردين إجماال، فإنه و إن لم يمكن العمل باالستصحاب في كل من الموردين بسبب العلم المذكور، إال أنه ال تعارض بين االستصحابين، لعدم

التنافي بينهما. و كذا إذا امتنع العمل بالدليلين معا بسبب العجز عن الجمع بينمفاديهما عمال من دون تناف بين مضمونيهما، فإن الالزم حينئذ التزاحم، ال التعارض.

526، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و بقولنا: »بالذات أو ألمر خارج« يظهر عموم التنافي في محل الكالم للوجهين معا. و توضيح ذلك أن التنافي بين الدليلين .. تارة: يكون بلحاظ مدلولهما المطابقيكما لو

دل أحدهما على الوجوب و اآلخر على عدمه، أو على االستحبابأو مدلولهما االلتزامي بلحاظ مالزمة ظاهرة تكون من سنخ القرينة المحتفة بالكالم الموجبة

لظهوره في الالزم، كدليل وجوب القصر و دليل وجوب التمام، بضميمة ما هو المعلوم من عدم وجوب صالتين، حيث يكون ذلك متمما لداللة كل منهما على نفي

اآلخر، و منشأ للتنافي بينهما. و أخرى: يكون ألمر خارج عن مدلولهما المطابقي و االلتزامي، ثبت بدليل خارجي يقتضي عدم ثبوت مدلولي الدليلين معا، إذ يكشف ذلك عن كون ثبوت كل منهما

مالزما لعدم األخر، فيكون دليل كل منهما حجة على نفي اآلخر، لما هو المعلوم من حجية الدليل في الزم مؤداه و إن لم يكن مدلوال التزاميا له، فيتنافيان بلحاظ ذلك،

و إن لم يتنافيا بأنفسهما. هذا في األدلة التي تكون حجة في الزم مؤداها. و أما األصول فكما إذا لزم من جريان األصلين محذور مانع من الجمع بينهما، كما

في موارد العلم اإلجمالي المنجز، حيث يلزم من جريان األصول الترخيصية في األطراف المخالفة القطعية للتكليف المنجز، و هو أمر خارج عن مفاد األصول

يقتضي التنافي بينها بالعرض.بقي في المقام أمران:

األول: تعرض شيخنا األعظم قدس سره للكالم في قاعدة: »الجمع مهما أمكنأولى من الطرح«

Page 299: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

المدعى عليها اإلجماع من بعضهم. و قد أطال الكالم فيها بما ال يسعنا متابعته فيه بعد إجمال المراد من القاعدة المذكورة، و عدم الدليل عليها غير األدلة العامة

المحكمة في العمل باألدلة.527، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و الذي ينبغي أن يقال: الجمع إن كان راجعا إلى تحكيم أحد الدليلين على اآلخر و حمله عليه بالنحو الذي تقتضيه أدلة الحجية العامةكما في موارد الجمع العرفيفهو المتعين عمال بدليل الحجية المقتضي له، كما يعمل به في الدليل الواحد الذي ال

معارض له. و إن لم يرجع لذلك، بل كان متمحضا في تأويل أحدهما بما ال ينافي اآلخرمن دون

أن تنهض به أدلة الحجيةمن أجل رفع التنافي بين الدليلين، دفعا لتوهم صدور المتنافيين عن المعصوم. فهو مستغنى عنه في حق من يعتقد عصمته، و إنما يحتاج

له لدفع النقض على عصمته ممن ال يعتقد بها. و ال أثر له إال محاولة اإلقناع بوجهخطابي غير عملي، دفعا لشبهته بمثلها.

ألن دليل العصمة إن لم يكن أقوى من هذه الشبهة المستندة لظهور الكالم لم يصلح التأويل الذي ال تنهض به أدلة الحجية لدفع التنافي بعد استناده لظاهر الكالم

الذي هو حجة في كشف مراد المتكلم. و إن كان دليل العصمة قطعيا أقوى من الشبهة المذكورة كان مانعا من التعويل عليها علميا، فإيرادها تهريج بخطابيات

مردود بمثلها. نعم قد ينفع التأويل في منع استحكام الشبهة في حق ضعيف البصيرة من

المؤمنين. كما قد ينفع في استيضاح العمل بأحد المتعارضين إذا اقتضاه دليل الحجية، ألن طرح اآلخر للجهل أثقل على النفس من تأويله بما يالئم مقتضى

الحجية. و قد تعرض ألكثر ما ذكرنا الشيخ قدس سره في التهذيب. لكن الالزم حينئذ ذكر التأويل احتماال، تجنبا لمحذور القول بغير علم و ال حجة الذي هو من المحرمات، و ال سيما إذا كان في كالم المعصومين »صلوات الله عليهم«

الذين هم حجج الله تعالى على خلقه و الناطقين عنه في بريته.528، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و أشد من ذلك ما لو أريد بالتأويل العمل بمقتضاه، كما قد يناسبه المقابلة بالطرح، فإنه قول و عمل بغير علم. و من ثم ورد عنهم عليهم السالم األمر برد ما اشتبه

.«1 »أمره إليهم، و النهي عن القول فيه بالرأيالثاني: ]في منهج البحث[

سبق في تعقيب بعض فقرات تعريف التعارض أن التعارض ال يتحقق إال مع تمامية موضوع الحجية بحسب األدلة العامة في كل من المتعارضين حتى في ظرف

اجتماعهما، و أنه ال بد فيه من التنافي بين المؤديين. و يترتب على األول عدم التعارض في موارد الجمع العرفي، حيث يكون األظهر

قرينة عرفا على صرف الظاهر عن ما هو ظاهر فيه، بحيث يخرج بسببه عن موضوع حجية الظهور. كما يترتب على الثاني عدم تحققه في موارد التخصص و

الورود و الحكومة البيانية التفسيرية، لعدم التنافي بين دليل ثبوت الحكم لموضوعهو الدليل الشارح لذلك الدليل أو لموضوعه و المنقح لصغرياته.

Page 300: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و من ثم كان البحث في األمرين خارجا عن التعارض الذي هو محل الكالم. إال أن أهمية البحث فيهما، و ارتباطه بمحل الكالم، ملزم بتعميم البحث بنحو يشملهما، بأن

يكون موضوع البحث األدلة التي يكون لبعضها أثر في العمل باآلخر. و على ذلك يكون البحث في بابين، يبحث في الباب األول عن األدلة التي يكون

بعضها دخيال في العمل باآلخر من دون تمانع بينهما في الحجية، و يبحث في البابالثاني عن األدلة المتعارضة التي يكون بعضها مانعا من حجية اآلخر.

كما أن المناسب إلحاق البحث في المقام بخاتمة يبحث فيها عن حقيقة______________________________

. و37، 21، 1 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( راجع الوسائل ج: 1 )غيرها.

529، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج التزاحم بين الحكمين، و الفرق بينه و بين التعارض، و عن الوظيفة معه من حيثية

التخيير و الترجيح، ألن خروج ذلك عن محل الكالم، و عدم وضوح الجامع بينهما مانع من جعله من مقاصد البحث. كما أن أهميته و شدة مناسبته للمقام ملزم بالتعرض

له و إلحاقه به تتميما للفائدة.و منه سبحانه نستمد العون و التسديد.

530، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالباب األول في األدلة التي يكون لبعضها دخل في العمل باآلخر بال تمانع في الحجية

و قد أشرنا إلى أن ذلك .. تارة: يكون مع عدم التنافي بين الدليلين و أخرى: يكونمع التنافي بينهما، إال أن موضوع الحجية يرتفع في أحدهما بسبب اآلخر.

و توضيح ذلك: أن ترتب العمل على الدليل اللفظيالذي هو حجة في نفسهموقوف على أمور ال يتكفل هو بها، بل تحرز من جهات أخر، كإحراز موضوع الحكم الذي

تكفله، و تشخيص ظهوره، و إحراز إرادة الظهور، و صدور الكالم لبيان المرادالجدي.

فإن كان الدليل اآلخر الدخيل في العمل به غير متعرض لمضمونه، بل كان متكفال ببعض هذه الجهات و متعرضا لها نفيا أو إثباتا لم يكن منافيا له في المؤدى، و دخل

في القسم األول. أما لو تعرض لمضمونه، فإن وافقه كان مؤكدا له، و خرج عن محل الكالم. و إن

كان منافيا له، فإن كان وروده موجبا الرتفاع موضوع الحجية في الدليل األول كان من القسم الثاني. و إال خرج عن القسمين، و دخل في التعارض الذي يأتي الكالم

فيه في الباب الثاني إن شاء الله تعالى. كما أن المناسب البحث في هذا الباببعد النظر في القسمين المذكورينعن مراتب

األدلة و الوظائف الظاهرية التي سبق الكالم فيها من531، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الطرق و األصول بأقسامها، و الوجه في تقديم بعضها على بعض على ضوء الكالمفي هذين القسمين.

و من ثم يكون البحث في هذا الباب في ضمن فصول ثالثة.الفصل األول فيما إذا لم يكن الدليالن متنافيين

Page 301: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

حيث سبق أن موضوع الكالم هنا ما إذا لم يكن الدليل متعرضا للحكم الذي تضمنه الدليل اآلخر، بل ألمور خارجة عن مضمونه دخيلة في ترتب العمل عليه، فالدليل

المذكور .. تارة: ينقح موضوع الحكم و أخرى: يتعرض لبقية الجهات المتقدمة. و قدخص األول في مصطلحهم بالورود، و الثاني بالحكومة. فالكالم في مقامين:

المقام األول: في الورود من الظاهر أن كال من ثبوت الحكم في مورد لصدق عنوان موضوعه فيه، و قصوره

عنه تخصصا لعدم صدق عنوانه فيه، أمر خارج عن مفاد دليل جعل الحكم على الموضوع. و حينئذ قد يكون ذلك تابعا ثبوتا و إثباتا لألسباب التكوينية التي ال دخل للشارع بها. كشمول عموم وجوب العالم لزيد المعلوم كونه عالما، و قصوره عن

عمرو المعلوم كونه جاهال. و قد يكون تابعا للشارع ثبوتا أو إثباتا أو من الجهتين معا.و توضيح ذلك: أن الموضوع قد يكون أمرا جعليا تناله يد التشريع.

و حينئذ إذا كان الدليل أو التعبد بنفسهال بلحاظ مضمونهمحققا لموضوع الحكم أو لنفيه ثبوتا في مورد كان بنفسه سببا في ثبوت الحكم أو نفيه في ذلك المورد، كما

في األحكام التي يؤخذ في موضوعاتها قيام الحجة، كجواز القضاء532، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و الفتوى، و كما في األصول العقلية التي يكون موضوعها عدم الحجة و البيان، كالبراءة و االشتغال، حيث يكون قيام الحجة و الدليل محققا لموضوع األولى، و

رافعا لموضوع الثانية واقعا. كما أن الدليل أو التعبد الشرعي قد يتكفل بإحراز تحقق الموضوع أو عدمه في

مورد، فيكون منشأ إلحراز حصول الحكم فيه أو عدم حصوله فيه إثباتا، سواء كانالموضوع جعليا، كالملكية و الطهارة، أم تكوينيا، كالبلوغ و العدالة.

و ذلك كإحراز الملكية أو الطهارة أو البلوغ أو العدالة أو عدمها بالبينة أو اليد أو االستصحاب أو أصالة الطهارة، باإلضافة إلى أحكام هذه األمور، كوجوب الحج على

من ملك الزاد و الراحلة، و جواز الوضوء بالماء الطاهر، و نفوذ تصرف البالغ، و جواز االئتمام بالعادل. و كذا الحال فيما دل على سببية األسباب كبرويا، كأدلة حصول الملكية بالميراث أو الحيازة، و حصول الطهارة أو ارتفاعها باألسباب

الشرعية ... إلى غير ذلك. و هذا النحو من النسبة بين الدليلين هو المصطلح عليه بالورود، حيث يكون الدليل

المتعرض للموضوع هو الوارد على دليل الحكم، و دليل الحكم مورودا له. إال أن المتيقن من مصطلحهم المذكور هو الصورة األولى، التي يكون فيها الدليل

المتعرض للموضوع محققا له أو رافعا له ثبوتا، دون الصورة الثانية التي يكون فيهامتعرضا إلحرازه إثباتا.

بل مقتضى جعله في مساق التخصص، و التمثيل له بقيام الحجة باإلضافة إلى دليل البراءة و االشتغال االقتصار فيه على ما إذا كان الدليل رافعا لموضوع الحكم، دون

ما إذا كان محققا له. إال أن اشتراكهما في سنخ التصرف في موضوع533، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الحكم يناسب تعميم هذا المصطلح لهما معا.

Page 302: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

بل المناسب تعميمه للصورة الثانية، ألنها تبتني أيضا على نحو من التصرف في الموضوع، و دليل الحكم كما ال يقتضي تحقق موضوعه ثبوتا، كذلك ال يقتضي

إحرازه إثباتا. و هو أولى من إلحاقها بالحكومةكما هو ظاهر أو صريح بعضهمألن التعبد بالموضوع

و إن كان مستلزما عرفا للتعبد بحكمه، إال أنه ال يبتني على النظر للحكم، و اللدليله، الذي يأتي أنه المعيار في الحكومة.

و على ذلك فالورود عبارة عن »كون أحد الدليلين رافعا لموضوع حكم اآلخر، أو محققا له ثبوتا، أو محرزا ألحد األمرين إثباتا«. و لنخص الثاني باسم الورود

الظاهري، فرقا بينه و بين األول الذي هو المتيقن في الجملة من مصطلحهم. و إنكان األمر غير مهم، حيث ال مشاحة في االصطالح.

و إنما المهم في المقام هو عدم اإلشكال في لزوم العمل بالدليل أو التعبد الوارد بالمعنى المتقدم مطلقا. عمال بإطالق دليله، بعد عدم منافاته لدليل الحكم المورود،

لعدم تعرض دليل الحكم للموضوع ثبوتا و ال إثباتا. و التعبير بالورود ليس بلحاظ تغليب الدليل الوارد و ترجيحه، و ال بلحاظ تحكيمه فيه، بل بلحاظ مجرد تحكيمه في

حكم الدليل المورود و في العمل به. ثم إنه قد يكون الحكمان متواردين، بأن يكون كل منهما مقيدا بقيد يرفعه اآلخر،

كما لو تعلق النذر و نهي األم بشيء واحد، حيث يعتبر في انعقاد النذر رجحان المنذور، و نهي األم عن الشيء مانع من رجحانه، كما يعتبر في مرجوحية معصية

األم أن ال تكون طاعتها معصية شرعا، و نفوذ النذر يجعل طاعتها في مخالفتهمعصية شرعا.

و الظاهر أنه مع تقارن حدوث عنوانيهما زمانا يتعين سقوطهما معا عن534، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الفعلية، لمانعية كل منهما من تمامية موضوع اآلخر في المرتبة الالحقة لتحققالعنوانين، و مع عدم تمامية الموضوع يتعين عدم فعلية الحكم.

أما مع سبق أحدهما فيكون فعليا، لتمامية موضوعهبعد فرض عدم تحقق اآلخرفيمنعمن تمامية موضوع الالحق، و من فعلية حكمه.

المقام الثاني: في الحكومة و قد سبق أن موضوعها ما إذا كان أحد الدليلين متعرضا لبعض الجهات التي يترتب

عليها العمل بالدليل الثاني مما ال يتكفل به الدليل نفسه عدا تنقيح الموضوع، كتعيين معاني المفردات، و ظهور الكالمو منه التنبيه لبعض القرائن المحيطة به

الموجبة لتبدل ظهورهو شرح مراد المتكلم منه، أو التعرض لجهة صدورهكالتقيةوغير ذلك.

كحديث علي بن أبي المغيرة: »قلت ألبي عبد الله عليه السالم: جعلت فداك الميتة ينتفع منها بشيء؟ فقال: ال. قلت: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه و آله مر بشاة ميتة، فقال: ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا

بإهابها ]بجلدها[؟! قال: تلك شاة لسودة بنت زمعة زوجة النبي صلى الله عليه و آله، و كانت شاة مهزولة ال

ينتفع بلحمها، فتركوها حتى ماتت. فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: ما كان.«1 »على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها. أي تذكى«

Page 303: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و صحيح عبيد بن زرارة عنه عليه السالم: »سألته عن رجل لم يدر ركعتين صلى أم ثالثا؟ قال: يعيد. قلت: أ ليس يقال: ال يعيد الصالة فقيه؟ فقال: إنما ذلك في الثالث

.«2 »و األربع«و موثقة عنه عليه السالم: »قال: ما سمعته مني يشبه قول الناس فيه التقية، و ما

______________________________.2 من أبواب النجاسات حديث: 61 باب: 2( الوسائل ج: 1 ).3 من أبواب الخلل الواقع في الصالة حديث: 9 باب: 5( الوسائل ج: 2 )

535، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و غيرها.«1 »سمعت مني ال يشبه قول الناس فال تقية فيه«

و من الظاهر أن هذا النوع من األدلة ناظر للدليل اآلخر، إما تفصيال كحديث علي بن المغيرة و صحيح عبيد، أو إجماال كموثق عبيد. و مثله ما يتضمن شرح بيان معاني

-«2 »المفرداتكمرسل ابن رباط الوارد في تفسير المني و الوذي و المذي و الودي لرجوعه إلى بيان ما هي ظاهرة فيه في جميع موارد استعمالها، بما في ذلك أدلة

أحكامها الشرعية. و ال ينبغي التأمل في العمل بالدليل الناظر للدليل اآلخر، المتعرض لبعض تلك

الجهات فيه، و تحكيمه عليه، لتقدمه عليه رتبة بعد كونه متعرضا للجهات التي تتمبها دليليته، من دون أن ينافيه، لعدم تعرضه لمضمونه، فضال عن أن ينافيه فيه. كما ال إشكال في أن هذا من موارد الحكومة المصطلحة، فالدليل الناظر لدليل

الحكم هو الحاكم، و دليل الحكم المنظور له هو المحكوم. و إنما اإلشكال في اختصاص الحكومة بذلك أو يعم قسما آخر، و هو ما ال يكون فيه

ناظرا للدليل المحكوم بل لحكمه. و ذلك كاألدلة المتضمنة للتنزيل صريحا، كخبر النيسابوري: »قلت ألبي عبد الله عليه السالم: القدح من النبيذ و القدح من الخمر

.«3 »سواء؟ قال: نعم سواء ...« و قوله«4 »أو بلسان توسيع الموضوع، كقوله عليه السالم: »و كل مسكر خمر«

و النبوي: »الطواف«5 »عليه السالم: »فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر«بالبيت

______________________________.46 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).6 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 12 باب: 1( الوسائل ج: 2 ).4 من أبواب األشربة المحرمة حديث: 24 باب: 17( الوسائل ج: 3 ).5 من أبواب األشربة المحرمة حديث: 15 باب: 17( الوسائل ج: 4 ).1 من أبواب األشربة المحرمة حديث: 19 باب: 17( الوسائل ج: 5 )

536، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و«2 » و نحوها، أو تضييقه، كقوله عليه السالم: »و ال سهو في نافلة««1 »صالة«

و غيرهما.«3 »قولهم عليهم السالم: »ال رضاع بعد فطام« لوضوح ابتناء التنزيل على مالحظة أحكام المنزل عليه. و كذلك توسيع العنوان

بحمله على غير أفراده، و تضييقه بسلبه عن بعض أفراده حيث ال مصحح لهما إالالنظر ألحكامه، و بيان ثبوتها في موضع الحمل، و انتفائها في موضع السلب.

Page 304: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و كذا أدلة الرفع الثانوية مع األحكام األولية، كأدلة رفع الحرج و الضرر و اإلكراه و االضطرار و نحوها. لظهور ابتناء الرفع على النظر لألحكام األولية التي من شأنها

الثبوتتبعا لثبوت مقتضيهالو ال طروء الرافع. لكن ال نظر في هذه األدلة ألدلة تلك األحكام، و ال لشرح المراد منها، لعدم تعرضها

لها، و ال للجهات التي تبتني عليها دليليتها. غاية األمر أن ما تضمن قصور الحكم عن بعض األفراد أو األحوال- بلسان نفي الموضوع أو بلسان الرفع للعنوان الثانوي أو غيرهمامستلزم لعدم إرادة عموم

الحكم من أدلته بعد فرض عصمة المتكلم و عدم النسخ. و هذا جار في جميع مواردالتنافي البدوي بين الدليلين، من دون أن يقتضي نظر أحدهما لآلخر.

إذا عرفت هذا فقد يظهر من بعض كلمات شيخنا األعظم قدس سرهالذي اشتهرأنه األصل في مصطلح الحكومةاختصاصها بالقسم األول. بل

______________________________ رقم:10 ص: 3 و عن كنز العمال ج: 87 ص: 5( حكي عن سنن البيهقي ج: 1 )

. و ذكره في الخالف و المسالك مرسال في مسألة مس المحدث للقرآن.206.8 من أبواب الخلل الواقع في الصالة حديث: 24 باب: 5( الوسائل ج: 2 ) من أبواب ما يحرم بالرضاع.5 باب: 14( راجع الوسائل ج: 3 )

537، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج بخصوص قسم منه، و هو ما كان مسوقا لشرح المراد من الدليل المحكوم، حيث

قال في مبحث التعارض: »و ضابط الحكومة أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرضا لحال الدليل اآلخر، و رافعا للحكم الثابت بالدليل اآلخر عن بعض أفراد

موضوعه، فيكون مبينا لمقدار مدلوله، و مسوقا لبيان حاله، متفرعا عليه«. و قريبمنه في ذلك كالمه اآلتي.

إال أن ذلك ال يناسب تمثيله بأدلة أحكام الشكوك باإلضافة لما دل على أنه ال حكم للشك في النافلة، أو مع حفظ اإلمام، أو المأموم، أو بعد الفراغ من العمل. و

تعرضه لنظير ذلك في تقريب حكومة أدلة نفي الضرر و الحرج على أدلة األحكاماألولية، و غير ذلك مما تطفح به كلماته.

بل يتعين ألجل ذلك عمومها للقسم الثاني، كما هو الظاهر من جميع من تأخر عنه، بل صريح بعضهم. و لعله لذا حكي عن بعض محشي الرسائل أن شيخنا األعظم

قدس سره ضرب في الدورة األخيرة على العبارة الدالة على إرادة خصوص القسماألول.

نعم ال مجال لتوجيه تقديم الدليل الحاكم في هذا القسم بما سبق في وجه تقديمه في القسم األول من تقدمه عليه رتبة، لتعرضه للجهات التي تتم بها دليليته، من

دون تناف بينهما. بل ال بد فيه من وجه آخر. و حينئذ ال ينبغي التأمل في العمل بالدليل الحاكم في هذا القسم إذا لم يناف الدليل

المحكوم، إلطالق دليل حجيته بال مانع، كما هو الحال في موارد التنزيل المقتضي لتعميم حكم الدليل المحكوم لغير مورده، سواء كان صريحا، أم كان بلسان توسيع

الموضوع. ألن دليل ثبوت الحكم لعنوان ال ينافي ثبوته في غير مورده.و إنما الكالم في وجه التقديم مع التنافي بينهما، كما إذا كان مقتضى

538، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 305: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الدليل المحكوم عموم الحكم، و كان مقتضى الدليل الحاكم قصوره عن بعض األفراد أو األحوال، لتضمنه رفع الحكم بلسان رفع الموضوع، أو رفعه للعنوان

الثانوي، أو نحوهما. فهو نحو من التخصيص أو التقييد. و قد حاول غير واحد توجيه تقديم الدليل الحاكم في المقام بأن الحكم الذي تضمنه و إن كان منافيا إلطالق دليل المحكوم، إال أنه يتعين تقديمه عليه بسبب نظره إليه

و سوقه لشرح المراد منه. قال شيخنا األعظم قدس سره: »و الفرق بينه و بين التخصيص: أن كون التخصيص بيانا للعام بحكم العقل الحاكم بعدم جواز إرادة

العموم مع العمل بالخاص. و هذا بيان بلفظه و مفسر للمراد من العام، فهوتخصيص في المعنى بعبارة التفسير«.

لكنه كما ترى إنما يتجه في القسم األول، الذي يكون فيه الدليل الحاكم ناظرا للدليل المحكوم، دون هذا القسم، الذي يكون الحاكم فيه ناظرا للحكم، دون دليله، حيث ال يكون حينئذ مسوقا لتفسير الدليل المذكور، ليتعين تقديمه عليه طبعا، كما

ذكرناه آنفا. و من هنا يتعين كون المورد من موارد التنافي البدوي بين الدليلين، الذي يتعين فيهالجمع العرفي بتقديم األظهر على الظاهر الذي يأتي الكالم فيه في الفصل الثاني.

و ربما يكون الوجه في تقديم الحاكممع قطع النظر عن كونه أخص مطلقا في بعض الموارد-: أن ظهور دليله في خصوصية عنوانه كثيرا ما يكون أقوى من ظهور

المحكوم، لوروده في األفراد أو األحوال المشتملة على خصوصية تناسب مضمونه، كنفي السهو في النافلة، المناسب لعدم أهميتها، أو عن كثير الشك، المناسب للزوم

العسر من جريان أحكام الشك فيه، أو لخروج الشك فيه عن الوضع الطبيعيلإلنسان، أو عن اإلمام أو المأموم مع

539، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج حفظ اآلخر، المناسب لوجود األمارة المرجحة ألحد طرفي الشك، و كرفع التكليف

مع الصبا و الحرج و الضرر و اإلكراه و نحوها مما يناسب عرفا التخفيف، و كرفع حكم الرضاع عن الرضاع بعد الفطام، المناسب لكونه في غير محله ... إلى غير

ذلك مما يكون فيه الحكم الذي تضمنه الدليل الحاكم مناسبا عرفا لخصوصية مورده، فإن الدليل الحاكم حيث يكون منبها عرفا للمناسبة المفروضة يكون ظهوره في خصوصية مورده لحكمه أقوى من ظهور الدليل المحكوم في خصوصية عنوانه

لحكمه، و ذلك يناسب تقديمه عليه. و لو فرض ورود األلسنة المذكورة في مورد خال عن المناسبة العرفية، بحيث يكون مقتضاه تعبديا متمحضا في نفي الحكم، فال يبعد فقده الخصوصية الموجبة للتقديم،

بل يكون كسائر موارد التخصيص أو التقييد، كما لعله في مثل قوله عليه السالم: و قوله عليه السالم: »من لم يقم صلبه في الصالة فال«1 »»ال صالة إال بطهور«

. و لعله غير منظور لهم في اصطالح الحكومة، و يختص نظرهم لبا«2 »صالة له«بالقسم السابق.

و بالجملة: تقديم الدليل الحاكم في هذا القسم عرفي يبتني على أقوائية ظهوره في مورده من الدليل المحكوم، كما هو الحال في سائر موارد الجمع العرفي بين

األدلة المتنافية بدوا. و ليس هو كتقديمه في القسم األول مبنيا على تقدمه رتبة من دون تناف بينهما، كما سبق. فالحكومة في القسمين مختلفة مالكا. و من ثم يحسن

Page 306: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

تسمية الحكومة في القسم األول بالحكومة البيانية، و في القسم الثاني بالحكومةالعرفية.

______________________________.1 من أبواب الوضوء حديث: 1 باب: 1( الوسائل ج: 1 ).2 من أبواب القيام حديث: 2 باب: 4( الوسائل ج: 2 )

540، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالفصل الثاني في ارتفاع موضوع الحجية في أحد الدليلين بسبب اآلخر

من الظاهر أن للمتكلم أن يلحق بكالمه ما شاء من القرائن في مقام بيان مراده و إن كانت على خالف مقتضى الظهورات األولية العامة المستندة لألوضاع أو

لالنصرافات الناشئة من كثرة االستعمال أو نحوها، فتمنع القرائن الخاصة من انعقادظهور الكالم على طبق الظهورات األولية، بل ينعقد الظهور على طبقها.

فإذا فرغ المتكلم من كالمه انعقد ظهوره في بيان مراده الجدي على ما يناسب الظهورات األولية و القرائن الخاصة، و يستقر الظهور المذكور، و يكون موضوعا

للحجية بطبعه، و ال يرتفع بالعثور على المعارض له في المدلول و إن كان أقوى منهظهورا.

هذا و لكن يظهر من بعض األعاظم قدس سره في غير موضع كالمه المنع من ذلك في بيانات الشارع األقدس، لدعوى خروجه عن الطريقة العرفية في بيان مراده الجدي، و اتكاله فيه على القرائن المنفصلةكما يظهر بمالحظة النصوص المروية

عن األئمة )صلوات الله عليهم(- لمصالح هو أعرف بها. و على ذلك فقبل الفحص عن القرائن المنفصلة ال مجال للجزم بظهور الكالم التصديقي، و هو الظهور في المراد الجدي، و إن علم بظهور الكالم التصوري

المستند لحاق الكالم، و الذي ال يكون موضوعا للحجية، فهو نظير ظهور صدر الكالمقبل الفراغ منه.

كما أنه بالعثور على القرائن المنفصلة ال يلزم التعارض بين الظهورات التصديقية،بل منعها عن انعقاد الظهور األولي للكالم، و تحكيم الظهورات

541، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج التصورية بعضها على بعض، ليكون هناك ظهور تصديقي واحد، كما هو الحال في

االطالع على القرائن المتصلة. لكنه كما ترى مخالف لما هو المعلوم من سيرة المتشرعة عند سماعهم من النبي صلى الله عليه و آله و األئمة عليهم السالم الكالم ابتداء، أو جوابا عن سؤال، حيث

ال ريب في نسبتهم مفاد ظهورهالمتحصل منه و من القرائن المحيطة به و المعلومة لهم- للمتكلم، و عملهم عليه بال تكلف الفحص عن القرائن المنفصلة، كما يعملون على ذلك في البيانات العرفية، لبنائهم على جريان الشارع األقدس على الطريقة

العرفية في البيان، و عدم خروجه عنها. كيف و خروجه عن طريقتهم في مثل هذا األمر المهم الشائع االبتالء يحتاج إلى بيان

خاص منه صريح ملفت ألنظار الناس، ليرتدعوا عن سيرتهم االرتكازية في معرفة مراده من كالمه، مع العلم بعدم صدور ذلك منه، و إال لظهر و بان، لتكثر الدواعي

لحفظه، و توفر األسباب النتشاره و ظهوره.

Page 307: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و ال مجال التكاله في بيان خروجه عن الطريقة العرفية على كثرة القرائنالمنفصلة الكاشفة عن مخالفة مراده لظواهر كالمه ..

أوال: ألن ظهور كثرة القرائن بالنحو المذكور أمر متأخر عن عصور التشريع. و ثانيا: لعدم مالزمة كثرتها لخروجه عن الطريقة العرفية المذكورة، لقرب رجوع ذلك إلى اختفاء القرائن المتصلة الكاشفة عن مراد المتكلم بكالمه، أو عدم كونه

في مقام البيان من بعض الجهات، أو نحو ذلك. بل كيف يمكن إيكاله في بيان مراده إلى القرائن المنفصلة مع عدم انضباطها ثبوتا و إثباتا. لتوقف حصولها على أمور غير منضبطة، كتحقق الداعي للسؤال، أو الحاجة للبيان االبتدائي، أو اإلجماع و السيرة الكافيين في الكشف عن رأي المعصوم عليه

السالم و غير ذلك. و توقف وصولها بعد حصولها على تحقق542، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

دواعي النقل، و ضبط الناقل، و ثبوت وثاقتهليكون نقله حجةو عدم ضياع النقل، وغير ذلك مما ال ينضبط أيضا.

و ال سيما مع انفصال جملة منها عن الكالم بعشرات السنين، بل مئاتها، حيث قد يرد الكالم عن النبي صلى الله عليه و آله أو الوصي عليه السالم، و يرد ما يصرفه

عن ظاهره عن األئمة المتأخرين عليهم السالم أو يستند لإلجماع الحاصل من اتفاقالعلماء بعد الغيبة.

على أن الزم ذلك أمران ال يظن بأحد االلتزام بهما: األول: جريان حكم الكالم المجمل على المتعارضين، لمانعية كل منهما من الظهور

التصديقي لآلخر لو اجتمعا في كالم واحد. الثاني: عدم حجية الظهور حتى بعد استكمال الفحص، الحتمال ضياع القرائن

المنفصلة، ألن بناء العقالء على أصالة عدم القرينة المنفصلة إنما هو مع الجري على طريقتهم في البيان، حيث تكون القرينة المنفصلة من سنخ المعارض بعد

انعقاد الظهور التصديقي للكالم الذي هو موضوع الحجية، أما مع فرض الخروج عن طريقتهم بحيث تكون القرينة المنفصلة من سنخ المقوم للظهور التصديقي

المفروض عدم إحراز انعقاده، فلم يتضح بناؤهم على أصالة عدم القرينة. بل يكون المقام حينئذ نظير ما لو شك في سماع تمام الكالم و احتمل فوت بعضه

على السامع، أو صرح المتكلم باعتماده على قرائن منفصلة و احتمل عدم استيفائها بالفحص، حيث ال مجال للبناء على أصالة عدم القرينة المتصلة في األول و

المنفصلة في الثاني إلحراز الظهور التصديقي. و بالجملة: ال ينبغي التأمل في استقرار ظهور الكالم بفراغ المتكلم عن كالمه، و

عدم ارتفاعه بالعثور على القرائن المنفصلة، بل تكون القرائن المذكورة من سنخالمعارض للظهور المذكور النافي له، من دون فرق بين كالم

543، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالشارع و غيره.

نعم قد يجمع العرف بين الظهورين بحمل أحدهما على اآلخر و تنزيله عليه، لكونه بنظرهم قرينة تصرفه عن ظاهره، و تكشف عن عدم مطابقته لمراد المتكلم

الجدي.

Page 308: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و حيث كان دليل العمل بالظهور و استكشاف المراد الجدي به منحصرا بسيرة العرف االرتكازيةكما تقدم في مبحث حجية الظواهركان توقفهم عن العمل بأحد الظهورين و تنزيله على ما يطابق الظهور اآلخر في محل الكالم راجعا إلى عدم

حجيته في نفسه، و أن الحجة مجموع الكالمين على مقتضى الجمع العرفيالمذكور.

و الزم ذلك عدم التعارض بينهما في مقام الحجية بحسب عموم أدلتها، بل يكون ورود القرينة المنفصلة مانعا من حجية الظهور البدوي للكالم، و ال مجال معه

لفرض التعارض في مقام الحجية بحسب عموم أدلتها. و من ثم ذكرنا آنفا خروج ذلك عن التعارض حقيقة، ألن المهم من التعارض ليس هو التعارض البدوي في

مقام الحكاية، بل التعارض في مقام الحجية بحسب أدلتها العامة.و حيث انتهى الكالم إلى هنا،فالمناسب التعرض ألمور ..

األمر األول: الظاهر أن المعيار في الجمع العرفي على تقديم األظهر على الظاهر وتنزيله على ما يطابقه،

فتعين أحد الدليلين للقرينية على اآلخر عرفا منوط بأظهريته منه داللة. و ما اشتهر من تقديم الخاص على العام و المقيد على المطلق و غيرهما راجع إلى

ذلك. فلو كان العام أظهر من الخاص أو المطلق أظهر من المقيد لزم تنزيلالخاص أو المقيد على العام أو المطلق. مثال لو كان ظهور العام أو المطلق

544، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج في عموم الرخصة أقوى من ظهور الخاص أو المقيد في اإللزام تعين تقديم العام و

تنزيل الخاص عليه بحمله على االستحباب، أو بيان أحد األفراد أو غير ذلك. و أما ما ذكره بعض األعاظم قدس سره من لزوم تقديم الخاص مطلقا و إن كان أضعف ظهورا، ألن الخاص بمنزلة القرينة على العام، و أصالة الظهور في القرينةحاكمة على أصالة الظهور في ذيها، فال يحتاج تقديمها لمالحظة الترجيح الداللي.

فيندفع بأن تعيين أحد الكالمين للقرينية على اآلخر إنما يتجه لو كان ناظرا إليه، و مسوقا من قبل المتكلم لبيان المراد منه، حيث يكون حاكما عليه حكومة بيانية، فيتقدم عليه طبعا من دون تناف بينهما، كما سبق في الفصل األول، و ال يحتاج تقديمه عليه ألقوائية ظهوره. و أما في موارد تعارض الظاهرين بدوا فال يتعين

أحدهما عرفا للقرينية على اآلخر إال بقوة ظهوره. نعم الظاهر عدم االكتفاء بمجرد األظهرية في الجمع العرفي، بل ال بد معها من كون

األضعف ظهورا صالحا عرفا للتأويل و التنزيل على طبق األظهر، بحيث يكون مفادالجمع بينهما مالئما عرفا لهما معا.

أما لو لم يصلح لذلك فليس بينهما جمع عرفي، و يتعين إجراء حكم التعارض، لو لم يكشف األظهر عرفا عن خلل في الظاهر. و إال تعين العمل باألظهر و إهمال

الظاهر، لصيرورته بحكم المجمل. األمر الثاني: التعارض بين الظهورات الذي هو الموضوع للجمع العرفي إنما يكون

بلحاظ امتناع إرادتها جميعا. و على ذلك فهو كما يجري إذا كانت من متكلم واحد يجري إذا كانت من أكثر إذا

امتنع اختالفهم، كالمعصومين عليهم السالم.

Page 309: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و كذا يجري فيما إذا لم تكن القرينة لفظية، بل لبية يعلم بعدم مخالفة المتكلملمضمونها، حيث يتعين رفع اليد عن ظاهر كالمه، و تنزيله على ما ال ينافيها.

545، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج كما أنه ال يجري مع احتمال عدول المتكلم الواحد في رأيه أو خبره في أحد كالميه

عما كان عليه في اآلخر، بحيث يمكن قصده لظاهر كل منهما عند صدوره و إن كانا مختلفين، ألن أصالة الظهور إنما تقتضي إرادته حين صدور الكالم، ال دائما، لينافي

اآلخر. غاية األمر أن األصل عدم عدول صاحب الرأي أو الخبر عن رأيه أو خبره. إال أنه ال

ينهض برفع اليد عن أصالة الظهور في كل من الكالمين بنحو يلزم بالجمع بينهما، بل أصالة الظهور تكون واردة على األصل المذكور رافعة لموضوعه، حيث تكون دليال

على العدول، و معه ال موضوع للجمع العرفي. و كذا الحال مع احتمال النسخ في الحكم الذي تعرض له المتكلم المسبب عن

البداء الحقيقي لو أمكن في حقه، ألنه من صغريات العدول عن الرأي. بل و كذا احتمال النسخ غير المسبب عن البداء الحقيقي كما هو الحال في األحكام

الشرعية، لما تقدم في الفصل السادس من المبحث الثالث من مباحث االستصحاب من أن نسخ الحكم الشرعي ال يستلزم صدور دليله ال بداعي بيان

المراد الجدي، ليكون مقتضى أصالة الجهة نفيه، الملزم بالجمع العرفي بين الظهورين، و ال مخالف لظهوره اللفظي، ليكون الظهور المذكور طرفا للمعارضة مع الظهورين المفروض تعارضهما في المقام، و يقع الكالم في تعيين األقوى من الظهورات المذكورة، كما يظهر من شيخنا األعظم قدس سره و غيره في مسألة دوران األمر بين النسخ و التخصيص. بل ال دافع الحتمال النسخ إال األصل الذي ال

ينهض برفع اليد عن ظهور كل من الكالمين في إرادة مضمونه، فال تصل النوبةللجمع العرفي.

لكن يصعب البناء في األحكام الشرعية على النسخ. الستلزامه كثرة546، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

النسخ، و من المعلوم قلته، خصوصا من األئمة عليهم السالم بناء على ما هو الظاهر من إمكان صدوره منهم، بمعنى علمهم به و تبليغهم األحكام على ما يناسبه،

كما هو الحال في النسخ الصادر من النبي صلى الله عليه و آله. مع أنه مستلزم الضطراب نظام الفقه القائم، و تأسيس فقه جديد، إذ كثيرا ما

يكون الظهور األقوى سابقا زمانا على الظهور األضعف، فلو بني على النسخ لزم البناء على مقتضى الظهور األضعف، لنسخ الظهور األقوى به. و لو جهل األسبق من

الظهورين لزم التوقف عنهما معا، للعلم اإلجمالي بنسخ أحدهما باآلخر. و ال يظهر منهم البناء على ذلك. بل سيرتهم على العمل باألظهر مطلقا، و تنزيل األضعف عليه، للجمع العرفي بينهما، و ال يذكر النسخ إال احتماال لتوجيه النصوص

التي يبنى على إهمالها. و لعل الوجه في سيرتهم المذكورة و عدم تعويلهم على احتمال النسخ: أن العمدة

في البيانات الشرعية هي األخبار الصادرة عن األئمة )صلوات الله عليهم(، و هي منصرفة إلى كون مضمونها األحكام الثابتة من عصر النبي صلى الله عليه و آله،

Page 310: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ألن ذلك هو الذي يقع موردا لسؤال السائلين، فإن النسخ منهم عليهم السالم و إنكان ممكنا، إال أنه مغفل في مقام السؤال و الجواب.

و لذا تضمن كثير من النصوص استشهاد اإلمام عليه السالم بكالم النبي صلى الله عليه و آله، أو استفسار السائل عن وجه الجمع بين فتواه عليه السالم و ما روي عنه صلى الله عليه و آله أو عن األئمة المتقدمين، و تكذيب اإلمام روايات العامة

المخالفة لفتواهم، أو تفسيرها بما ال يخالفها، حيث يظهر من ذلك و نحوه المفروغية عن كون الحكم الصادر منهم عليهم السالم مشرعا من عصر النبي صلى الله عليه

و آله.و قد يشير إليه ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السالم في توجيه اختالف الناس

547، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج ، حيث تعرض الحتمال النسخ من النبي صلى الله عليه و آله و لم«1 »في الدين

يشر الحتمال وقوعه بعده، بنحو يظهر في المفروغية عن ثبوت أحكامهم من عصرالنبي صلى الله عليه و آله.

كما يشهد به أيضا نصوص العرض على الكتاب، و النصوص الواردة في تعارض األخبار، ألن فرض التعارض بينها و الترجيح، من دون إشارة للنسخ و الترجيح بما يناسبه من تأخر الزمان، ظاهر في المفروغية عن وحدة الحكم في الواقعة التي

يرد فيها المتعارضان. نعم ورد في بعضها ترجيح الرواية عن الحي، و ترجيح المتأخر من أحاديث اإلمام

. إال أن ظاهر بعضها و صريح آخر عدم إحراز الحكم العام«2 »الواحد المختلفة األولي به الذي هو محل الكالم، بل الحكم الفعلي و إن كان ثانويا، على ما يأتي عند

الكالم في المرجحات المنصوصة إن شاء الله تعالى. و بالجملة: ال ينبغي التأمل بعد النظر في النصوص الواردة عنهم عليهم السالم في

سوقها لبيان الحكم الثابت في عصر النبي صلى الله عليه و آله، و إن وقع خالف ذلك فهو مبني على نحو من الخروج عن الظاهر المستند للقرينة العامة المعول

عليها، و هو الذي فهمه األصحاب، كما يناسبه سيرتهم المشار إليها آنفا. نعم يشكل األمر في األحاديث النبوية، لعدم جريان القرينة المذكورة فيها. و مجرد

كون الخروج عن الظاهر أكثر و أشهر من النسخلو تم فيهاليس من القرائن العرفية المحيطة بالكالم، بحيث يفيد استمرار مضمونه. و لعله لذا ورد عن األئمة عليهم

السالم التعريض بالعامة، حيث أخذوا بها من دون تمييز للناسخ______________________________

.1 من أبواب صفات القاضي حديث: 14 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).17، 9، 8، 7 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 2 )

548، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج ، و توجيه اختالفهم فيما بينهم و مخالفة حديثهم عنه صلى الله عليه«1 »و المنسوخ

.«2 »و آله ألحاديث األئمة عليهم السالم بأن الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن نعم ال يجري ذلك فيما روي عنه صلى الله عليه و آله من طريق األئمة عليهم

السالم في مقام بيان الحكم الشرعي، ألن ظاهر حكايتهم له استمرار حكمه و عدمنسخه.

Page 311: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و من هنا يهون أمر هذا اإلشكال، لندرة األحاديث النبوية المعتبرة السند المروية من غير طريقهم عليهم السالم، أو من طريقهم في غير مقام بيان الحكم الشرعي، و

التي يحتمل نسخها بنحو يكون له األثر في مقام العمل. بل لعله ال وجود لها. األمر الثالث: ]مبنى الجمع العرفي على تقديم أصالة الصدور و الجهة على أصالة

الظهور[ لما كان مرجع الجمع العرفي إلى ترجيح األظهر على الظاهر فهو مبني على

المفروغية عن البناء على صدور األظهر، و عن كون صدوره لبيان المراد الجدي،بحيث ال يمكن رفع اليد عن أحد األمرين محافظة على ظهور الظاهر.

و الوجه في ذلك: أن صدور األظهر هو مقتضى حجية سنده، فيكون سنده دليال على القرينة الرافعة لحجية الظاهر. و أما صدوره لبيان المراد الجدي فهو مقتضى أصالة

الجهة التي هي أقوى ارتكازا من أصالة الظهور و مقدمة عليها.إال أن تقوم بعض األمارات العرفية على خالفها، فيشكل التعويل عليها حينئذ.

و هو خارج عن محل الكالم. و لعل هذا هو الوجه في عدم بناء الفقهاء على رفع اليد عن أصالة الجهة في

الدليلبحمله على التقية أو نحوهاإال مع تعذر الجمع العرفي، حيث______________________________

.23 من أبواب صفات القاضي حديث: 13 باب: 18( الوسائل ج: 1 ) ص:1 من أبواب صفات القاضي. و الكافي ج: 14 باب: 18( راجع الوسائل ج: 2 )

باب اختالف الحديث.62549، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

يجري حينئذ حكم التعارض بالرجوع للمرجحات، و منها مخالفة العامة.األمر الرابع: ]توقف أقوائية الظهور على مالحظة القرائن العامة و الخاصة[

لما كان مبنى الجمع العرفي على ترجيح أقوى الظهورين و تنزيل أضعفهما عليه فتشخيص ذلك يبتني على مالحظة القرائن العامة و الخاصة. أما القرائن الخاصة فال

ضابط لها، بل توكل لنظر الفقيه عند االبتالء باألدلة. و أما القرائن العامة فقد تكفلت بعض مباحث األلفاظ ببعضها، كتقديم الخاص على العام، و المقيد على

المطلق. كما تعرض غير واحد هنا لبعض آخر لم يذكر هناك، فالمناسب منا التعرضلبعض ما ذكروه.

منها: تعارض العموم الوضعي و اإلطالقي بنحو العموم من وجه، حيث يدور األمر بين تقييد المطلق و تخصيص العموم. فإنه بناء على ما سبقعند الكالم في مقدمات

الحكمةمن أن يكفي فيها عدم البيان المتصل يتعين استقرار ظهور المطلق في اإلطالق، و عدم ارتفاعه بالعثور على العام، بل يكونان ظهورين متعارضين ال بد من

الجمع بينهما. وقد ذكر غير واحد أنه يتعين تقديم العام، و وجهه بعض مشايخنا بأن نسبة العام إلى المطلق نسبة األمارة إلى األصل، فكما أن األصل حجة ما لم تقم أمارة على خالفه، كذلك المطلق إنما يكون حجة ما لم يرد العام على خالفه، فإذا ورد العام خرج عن

موضوع الحجية و انفرد بها العام. لكن تقييد حجية المطلق بذلك غير ظاهر المنشأ بعد كونه كالعام تام الظهور. غاية األمر تقييد حجية الظهور بعدم ورود ظهور أقوى منه يتعين عرفا للقرينية عليه، و

Page 312: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

هو مشترك بين العموم و اإلطالق. فال بد من بيان وجه ترجيح العموم، و ال إشارةفي كالمه لذلك.

و قد أشار شيخنا األعظم قدس سره و غيره لالستدالل له ... تارة: بأن التقييد أكثرمن التخصيص. و أخرى: بأن داللة العموم أقوى من داللة اإلطالق. و ثالثة: بأن

550، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج ظهور العموم في السريان لما كان مستندا لوجود ما يدل عليه في الكالم فهو أقوى

من ظهور اإلطالق فيه، المستند لسكوت المتكلم عن ذكر القيد. و يندفع األول: بأن الغلبة بنفسهالو سلمت في المقامال توجب أقوائية الظهور ما لم

تكن من الوضوح بحيث تكون عرفا قرينة محيطة بالكالم، و لم يتضح ذلك فيالمقام.

و أما األخيران فهما و إن كانا قريبين في الجملة إال أن في بلوغهما حدا ينهض بضرب القاعدة العامة إشكاال. فال بد من التأمل في خصوصيات الموارد، الستيضاح

األقوى من الظهورين، كما ذكره المحقق الخراساني قدس سره. و منها: تعارض اإلطالق الشمولي و اإلطالق البدلي. حيث يظهر من شيخنا األعظم

قدس سره و غيره تقديم الشمولي لوجوه ال مجال إلطالة الكالم فيها. غير أنه ينبغي التنبيه إلى أمر، و هو أن مفاد اإلطالق البدلي لما كان هو وفاء الماهية بالغرض الداعي لألمر بها بنحو يقتضي وفاء كل فرد منها به، فاإلطالق الشمولي إن

تضمن النهي عن الماهية األخرى المستلزم للنهي عن المجمع بين الماهيتين، من دون أن ينافي وفاء ذلك المجمع بغرض األمر، فالمورد خارج عن التعارضالذي هو

محل الكالمو داخل في التزاحم و يتعين حينئذ العمل على اإلطالق الشمولي حفاظا على غرضه، و استيفاء غرض األمر بفرد آخر، جمعا بين الغرضين. لكن لو جىء

بالمجمع واجدا لشرائط األمر لوفى بغرضه، و كان امتثاال له. أما إذا كان مفاد اإلطالق الشمولي النهي عن الماهية األخرى بنحو ينافي وفاء

المجمع بغرض األمر، فالمورد داخل في التعارض الذي هو محل الكالم، و تعين التكاذب بين اإلطالقين. و مجرد كون أحدهما شموليا ال يقتضي ترجيحه ما لم يرجع

إلى كونه أقوى ظهورا، و لم يظهر من الوجوه المذكورة في كالمهم551، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

ما ينهض بذلك. نعم ال يبعد غلبة أقوائية ظهور الشمولي. فالالزم التأمل فيخصوصيات الموارد.

و منها: انقالب النسبة، الذي كثر النقض و اإلبرام فيه بينهم. و موضوعه التعارض بين أكثر من دليلين. و مرجعه إلى أن النسبة بين تلك األدلة المتعارضة هل تتم

بلحاظ مدلول كل منها في نفسه، أو بلحاظ المتحصل منه بعد جمعه مع أحدأطراف المعارضة؟.

مثال: إذا ورد عامان متباينان و خاص موافق ألحدهما مخالف لآلخر، مثل: يحرم بيع العذرة، و: ال بأس ببيع العذرة، و: يحرم بيع عذرة اإلنسان، فهل يستحكم التعارض

بين العامين، ألنهما متباينان، و يقتصر في العمل بالخاص على مورده، ففي الفرض السابق يحكم بحرمة بيع عذرة اإلنسان عمال بالخاص، و يستحكم تعارض العامين

في غيرها، أو يخصص العام المخالف للخاص به، فيبقى حجة في غير مورده، و يكون أخص من العام الموافق للخاص، فيخصصه، و يكون العام الموافق حجة في

Page 313: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

مورد الخاص. ففي الفرض السابق يخصص عموم جواز بيع العذرة بدليل حرمة بيع عذرة اإلنسان، فيبقى حجة في غيرها، فيكون أخص من عموم المنع، فيخصصه، و

يحكم بحلية بيع عذرة غير اإلنسان؟. إذا عرفت هذا فقد سبق في أول الكالم في الجمع العرفي أن تحكيم بعض األدلة

على بعض ال يبتني على خصوصيات النسب بينها تعبدا، بل على أقوائية ظهور بعضها من بعض بحيث يكون قرينة عليه عرفا. و مرجعه إلى تحكيم العرف في فهم المراد

من مجموع األدلة، و بدونه يتعين استحكام التعارض بينها.و حينئذ كما يكون للعرف النظر لألدلة المتعارضة بمقتضى مدلولها في

552، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج نفسه، الراجع لعدم انقالب النسبة، له النظر لها بتحكيم بعضها على بعض في رتبة

سابقة على تحكيمه على غيره، الراجع النقالب النسبة. و ال مجال لتعميم أحد الوجهين، أو إعطاء الضابط لموارد كل منهما، بعد اختالف خصوصيات األدلة في

أنفسها، و فيما بينها، بوجه ال يتيسر استيعابه. بل المناسب إيكال ذلك لنظر الفقيه عند االبتالء باألدلة المختلفة في كل واقعة واقعة. نعم يحسن التعرض لبعض

الفروض المذكورة في كلماتهم هنا. األول: الفرض المتقدم. و الظاهر صلوح الخاص ألن يكون شاهد جمع بين العامين، و مانعا من استحكام التعارض بينهما، بحمل الموافق على مورده و المخالف على

غير مورده، و خصوصا إذا كان عنوان الخاص مناسبا لحكمه ارتكازا. و ال مجال عرفاالستحكام التعارض بين العامين، و انفراد الخاص بالحجية في مورده.

الثاني: ما إذا ورد عام، و ورد خاصان بينهما عموم من وجه، مثل: أكرم العلماء. و: ال تكرم فساق العلماء. و: ال تكرم من ال ينتفع بعلمه. حيث يدور األمر بين تخصيص

العام بهما معا بلحاظ أن كال منهما في نفسه أخص منه مطلقا الذي هو مناسب لعدم انقالب النسبة، و تخصيص العام بأحدهما أوال، فتنقلب النسبة بين العام و

الخاص اآلخر إلى العموم من وجه، فيجري عليهما حكم العامين من وجه، و ال يتعينالخاص لتخصيص العام.

لكن األظهر األول، ألن كال من الخاصين أقوى ظهورا في مورده من العام فيه، فيقدم عليه. مع أنه ال مرجح ألحد الخاصين على اآلخر بعد تمامية مقتضى الحجية

في كل منهما. و ال وجه لترجيح مقطوع الصدور أو المضمون بعد مشاركة المظنون له في الحجية، فإن القطعي إنما يقدم على الظني عند تعارضهما، ال في مقام تأثيرهما في الدليل اآلخر. و كذا ترجيح األسبق زمانا، لعدم األثر لسبق صدور

الخاص زمانا في استكشاف مراد المتكلم من العام.553، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الثالث: ما إذا وردت أدلة ثالثة أحدها أخص من اآلخر مطلقا. و الظاهر تخصيص الخاص منها لما فوقه إذا خالفه في الحكم مطلقا، ألنه أظهر منه، و العمل بالعام

في الباقي. و قد يدعى انقالب النسبة فيما إذا اتفق األخص و المتوسط في الحكم على خالف األعم، فينحصر األعم باألخص، و حينئذ تنقلب النسبة بينه و بين المتوسط للعموم

من وجه، فإذا ورد: أكرم العلماء، و: ال تكرم العالم الفاسق، و:

Page 314: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ال تكرم صاحب السلطان من العلماء، كان الثالث مخصصا لألول، و انقلبت النسبة بين األول و الثاني للعموم من وجه، و كان مورد االجتماع هو الفاسق الذي ليس

بصاحب السلطان، حيث يكون مقتضى األول إكرامه، و مقتضى الثاني عدمه. و اليكون مخصصا لألول، المستلزم لعدم إكرام الشخص المذكور.

و يشكل بأن تخصيص األخص لألعم ال أثر له عرفا في قرينية المتوسط عليه بنحو ال يشمله مالك التخصيص. مع أنه ال وجه لتخصيص األعم باألخص في رتبة سابقة على

تخصيصه بالمتوسط، بل هو مخصص بهما معا في رتبة واحدة، نظير ما سبق فيالفرض الثاني.

هذه بعض الفروض المذكورة في كلماتهم النقالب النسبة. و هناك فروض أخرى ال مجال إلطالة الكالم فيها، بل يوكل ذلك لنظر الفقيه عند ابتالئه باألدلة المتنافية. و

منه سبحانه نستمد العون و التسديد.554، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الفصل الثالث في مراتب األدلة و الوظائف الظاهرية من الظاهر أن استنباط الحكم و الوظيفة العملية من األدلة التفصيلية و الوظائف

الظاهرية كما يتوقف على معرفة تلك األدلة و الوظائف، يتوقف على معرفة النسب بينها و تعيين مرتبة كل منها، كي ال يرجع للمتأخر مع وجود المتقدم. لرجوع ذلك إلى تشخيص دليلية الدليل و معرفة مورده. و من هنا كان البحث عن ذلك من مقدمات

االستنباط المهمة، كالبحث عن نفس األدلة. و لم تتكفل المباحث السابقة بالنظر في ذلك، بل كان البحث فيها مقتصرا على

تعيين األدلة و الوظائف الظاهرية من دون نظر لترتبها فيما بينها. و المناسب بحث ذلك هنا على ضوء ما تقدم في الفصلين السابقين من البحث في أقسام النسب

من الورود و الحكومة و الجمع العرفي. إذا عرفت هذا فالظاهر لزوم الرجوع للطرق و األمارات في المرتبة األولى، ثم

لألصول و القواعد الشرعية اإلحرازية، كاالستصحاب و قاعدة التجاوز و الفراغ، ثم لألصول الشرعية غير اإلحرازية، تعبدية كانتكأصالة الطهارةأو غيرهاكالبراءة و

االحتياط الشرعيينثم لألصول العقلية العملية. كما أن الظاهر تقدم األصول التعبدية الموضوعيةو هي المتضمنة للتعبد بموضوعات األحكامو إن لم تكن إحرازية على األصول الحكميةو هي المتضمنة للتعبد بحكم ذلك

الموضوع أو بنفيهو إن كانت إحرازية. و هو مرادهم بتقدم األصل السببي علىالمسببي.

و على هذا جرى األصحاب رضي الله عنه بطبعهم في مقام االستدالل بنحو يظهر555، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

منهم المفروغية عنه. بل صرح به بعضهم. و أطال شيخنا األعظم قدس سره و منبعده في توضيحه.

نعم قد يظهر من بعضهم الخروج عنه في بعض الموارد، حيث يجمع في مقام االستدالل بين المرتبتين، أو يعارض بينهما. لكن الظاهر أن منشأه الغفلة عن الحال،

أو محض االستظهار بتكثير األدلة، و إال فمن البعيد جدا خالفهم في ذلك. هذا و ال ينبغي التأمل في تأخر األصول العقلية عن جميع األدلة و األمارات و

القواعد و األصول الشرعية، لورودها عليها، حيث ال يحكم العقل بالوظيفة الظاهرية

Page 315: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

إال عند التحير، و عدم تصدي الشارع لبيانها، و إال استغنى ببيانه، و ارتفع موضوعحكمه.

و على هذا ال يبقى في المقام إال الكالم في وجه تقديم الطرق و األمارات على األصول، و في وجه تقديم القواعد و األصول اإلحرازية على األصول غير اإلحرازية،

و في وجه تقديم األصل السببي على المسببي، فيقع البحث في مقامات ثالثة.المقام األول: في تقدم الطرق و األمارات على األصول الشرعية

من الظاهر أن إطالق أدلة األصول شامل لصورة قيام الطرق و األمارات بعد فرض عدم إفادتها العلم بالحكم الواقعي، فهي بنفسهامع قطع النظر عن دليل حجيتهاال

ترفع موضوع األصول. و حينئذ ربما يدعى ورود أدلة حجية الطرق و األمارات على أدلة األصول و رفعها لموضوعها، إما ألن المراد من الشك و الجهل في موضوع أدلة األصول هو عدم

الحجة على الواقع، أو ألن المراد به ما يقابل العلم و لو بالوظيفة الظاهرية. فيرتفعالموضوع المذكور حقيقة بقيام الطرق و األمارات بعد فرض

556، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جحجيتها، حيث يتم به قيام الحجة على الواقع، و العلم بالوظيفة الظاهرية.

لكنه يندفع بأن ظاهر الجهل و الشك في أدلة األصول هو ما يقابل العلم بالواقع الغير، و هو ال يرتفع حقيقة بقيام الطرق و األمارات و إن كانت حجة.و يأتي تتمة الكالم في ذلك عند التعرض للوجه المختار في المقام.

هذا و قد ادعى شيخنا األعظم قدس سره حكومة الطرق و األمارات على األصول، بتقريب: أن مقتضى أدلة حجيتها إلغاء احتمال الخالف و جعله بمنزلة العدم، فهي و

إن كانت ال ترفع موضوع األصولو هو الشكحقيقة، إال أنها ترفعه تنزيال، و تجعله بمنزلة العدم. نظير األدلة المتضمنة أنه ال حكم للشك في النافلة، أو مع حفظ

اإلمام، باإلضافة إلى أدلة أحكام الشكوك. هذا و قد سبق عند الكالم في تحديد الحكومة أن الحكومة في مثل ذلك عرفية، و

هي نحو من الجمع العرفي مع تنافي الدليلين بدوا، و ليست بيانية، يكون الدليلالحاكم فيها متقدما رتبة على الدليل المحكوم من دون تناف بينهما.

على أن تقريب الحكومة بالوجه المذكور في المقام ال يخلو عن إشكال، بل منع، حيث لم تتضمن أدلة حجية الطرق و األمارات تنزيلها منزلة العلم صريحا، و ال إلغاء

الشك و نفي الجهل معها، ليلزم حمله على اإللغاء و النفي تنزيال بعد تعذر حمله . بل مجرد لزوم«1 »على الحقيقة، نظير قوله عليه السالم: »و ال سهو في نافلة«

متابعتها و العمل عليها، من دون داللة على كون ذلك متفرعا على لزوم متابعةالعلم و في طوله، و بعناية تنزيلها منزلته.

كيف؟! و قد سيقت في بعض األدلة في مقابل العلم بنحو ال يناسب التنزيلالمذكور، ففي موثق مسعدة بن صدقة أو صحيحه: »و األشياء كلها على

______________________________.8 من أبواب الخلل الواقع في الصالة حديث: 24 باب: 5( الوسائل ج: 1 )

557، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج.«1 »هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة«

Page 316: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و أشكل من ذلك ما ذكره بعض األعاظم قدس سره من أن مفاد أدلة حجية الطرق و األمارات جعلها علما تعبدا من حيثية كشفه عن المعلوم، فهي متممة لكشفه

بإلغاء احتمال الخالف شرعا. إذ فيه أوال: ما سبق من أن أدلة الطرق و األمارات إنما تضمنت مجرد لزوم متابعتها

من دون عناية كون ذلك في طول متابعة العلم لتنزيلها منزلته. و ثانيا: أن التعبد و االعتبار الشرعي إنما يتناول األمور الجعلية التي ليس لها ما

بإزاء في الخارج، دون الحقائق المتأصلة، كالعلم و االنكشاف و االحتمال و نحوها من األمور الحقيقية، فكما ال يمكن سلخ االنكشاف عن العلم تشريعا، ال يمكن جعله

لغيره كذلك، و كما ال يمكن جعل االحتمال شرعا مع العلم ال يمكن إلغاؤه بدونه. غاية األمر أنه يمكن جعل أحكامه أو نفيها. على أن ذلك لو تم كان وجها لورود

الطرق و األمارات على األصول، ال لحكومتها عليها. و من هنا كان الظاهر أن تقديم الطرق و األمارات على األصول هو مقتضى الجمع

العرفي بين أدلتها، بضميمة المناسبات االرتكازية، فإنه و إن كان بين إطالق كل منها عموم من وجه، إال أن المتعين تنزيل أدلة األصول على ما ال ينافي أدلة الطرق

و األمارات، بحملها على ثبوت مقتضاها من حيثية موضوعها، و هو الشك، و إن لم يكن فعليا لطروء أمر زائد على ذلك مقتض لخالفه، و هو قيام الطرق و األمارات،

كما هو الحال في سائر موارد الجمع بين أدلة األحكام األولية و األحكام الثانوية، فالمورد من حيثية الشك مجرى لألصل، و من حيثية قيام الطريق و األمارة الذي هو

أمر زائد على الشك يتعين العمل فيه على مقتضاهما.______________________________

.4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4 باب: 12( الوسائل ج: 1 )558، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بل األمر في االستصحاب أظهر، ألن دليله لم يتضمن العمل بالحالة السابقة مع الشك تعبدا، بل من أجل عدم نقض اليقين بالشك. فال ينافي رفع اليد عنها بالطريق المعتبر. و بعبارة أخرى: ليس مفاد أدلته عدم نقض اليقين مع الشك، بل عدم نقضه

بالشك، و من الظاهر أن عدم نقض اليقين بالشك ال ينافي نقضه بقيام الطريقالمعتبر.

إن قلت: هذا ال يناسب غير واحد من أدلة األصول من إناطتها بعدم العلم، واالقتصار في رفع مفادها عليه، كما هو مقتضى الغاية في قولهم عليهم السالم:

»حتى تعرف الحرام منه ...« و: »حتى تعلم أنه حرام بعينه ...« و: »حتى تعلم أنه قذر ...« و: »حتى يستيقن أنه قد نام، حتى يجىء من ذلك أمر بين« و الحصر في

قوله عليه السالم: »و ال تنقض اليقين أبدا بالشك، و إنما تنقضه بيقين آخر«. قلت: المتعين تنزيل ذلكو لو بمقتضى الجمع المذكورعلى أن ذكر العلم ليس بما هو

صفة خاصة، بل بما هو طريق كاشف عن الواقع و دليل عليه، فيقوم مقامه سائر الطرق و األمارات المعتبرة، كما سبق عند الكالم في قيام الطرق و األمارات مقام

القطع الموضوعي، و تقدم نظيره عند الكالم في استصحاب مؤدى الطرق واألمارات في أوائل الكالم في أركان االستصحاب.

و يناسبه ما في حديث مسعدة بن صدقة من االقتصار في صدره على العلم، ثم قوله عليه السالم في ذيله المتقدم: »و األشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير

Page 317: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

هذا أو تقوم به البينة«. و مرجع ذلك إلى كون الرافع لموضوع األصول هو ثبوتالواقع و لو بغير العلم.

لكن ذلك راجع في الحقيقة إلى كون أدلة اعتبار الطرق و األمارات واردة على أدلة األصول، و أن قيام الطرق رافعا لموضوعها حقيقة. غاية األمر أنه ليس لكون المراد

بالشك و عدم العلم عدم قيام الحجة، أو عدم العلم بما يعم الوظيفة559، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الظاهريةكما أشرنا إليه آنفابل إللغاء خصوصية العلم الرافع لمقتضى األصل- عرفا،و التعدي منه لكل طريق.

بقي شيء ]في األصل الموافق عمال للطريق أو األمارة[ و هو أن هذا الوجه إنما يقتضي ارتفاع موضوع األصل بالطريق و األمارة المخالفين

له، دون الموافقين له، ألن ما تضمن كون العلم غاية للعمل على طبق األصل ورافعيته له ال يراد به إال العلم بما يخالف مقتضى األصل، دون العلم بما يوافقه. غاية األمر أنه يمتنع التعبد الظاهري مع العلم بالواقع عقال. و هو مختص بالعلم الوجداني، و ال يعم ما يقوم مقامه من الطرق و األمارات المعتبرة، فإن حجية

الطرق و األمارات ال تنافي التعبد الظاهري باألصل المطابق لها. كما أن العنوان الثانوي االقتضائي إنما يمنع من تأثير العنوان األولي غير االقتضائي

مع تنافيهما عمال، ال مع اتفاقهما. و قد تقدم في االستدالل بحديث مسعدة بن صدقةعلى البراءة ما ينفع في المقام.

نعم االستناد في البناء على الشيء إلى مقتضي إثباتهو هو الطريق أو األمارةأولى ارتكازا من االستناد فيه إلى مجرد عدم المقتضي لخالفه، كما هو مفاد األصل.

فاالستناد للطرق و األمارات مقدم طبعا على االستناد لألصل الموافق لها، و إن لمتكن رافعة لموضوعه.

المقام الثاني في تقديم األصول اإلحرازية على األصول غير اإلحرازية و المراد باألصول غير اإلحرازية ما يكون التعبد فيه بمفاد األصل لمجرد الشك، كما في أصالتي الحل و الطهارة، و باألصول اإلحرازية ما يكون التعبد فيه بمفاد األصل

في مورد الشك بضميمة المحرز له، من دون أن يكون طريقا560، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و كاشفا عن الواقع، كما هو الحال في االستصحاب، ألن الحكم في دليله بعدم نقض اليقين راجع إلى أن البناء على مقتضى الحالة السابقة من أجل اليقين السابق، ال

لمجرد الشك. و حيث ال يجري في الشبهات الحكمية من األصول اإلحرازية غير االستصحاب، فيقع

الكالم هنا فيه، و منه قد يتضح الكالم في غيره. و قد حاول المحقق الخراساني قدس سره تقريب وروده على بقية األصول، لدعوى كونه رافعا لموضوعها، ألن المشكوك معه يكون معلوم الحكم، و لو بلحاظ الوظيفة

الظاهرية، فيرتفع معه موضوع األصول األخر، و هو المشكوك من جميع الجهات. و فيه: أن ظاهر أدلة األصول الشرعية كون موضوعها الشك في الواقع، ال في ما

يعم الوظيفة الظاهرية، من دون فرق بين االستصحاب و غيره، فكما ال تنهض بقية األصول برفع موضوع االستصحاب ال ينهض االستصحاب برفع موضوعها، و ال منشأ

Page 318: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

للفرق بينه و بينها في ذلك. نعم يتجه ذلك في األصول العقلية، لما ذكرناه آنفا منأن موضوعها عدم البيان مطلقا و لو للوظيفة الظاهرية.

كما حاول شيخنا األعظم قدس سره تقريب حكومة االستصحاب على بقية األصول: بأن دليل االستصحاب بمنزلة معمم للنهي السابق بالنسبة إلى الزمان الالحق،

فيكون حاكما على دليل األصل الذي أخذ فيه الشك في الحكم. لكنه يندفع بأن دليل االستصحاب و إن تضمن الحكم ببقاء المتيقن سابقا، إال أنه ال

يتضمن استمراره واقعا، ليكون متمما لداللة الدليل الدال على الحدوث، و يكون مقدما على بقية األصول بمالك تقديم الطرق عليها، بل إنما يتضمن الحكم ببقاء

المتيقن بلسان التعبد الظاهري، الراجع للزوم البناء على العمل على البقاء، فينافيمفاد األصول المتضمنة للحكم بالحل أو الطهارة أو561، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

السعة أو غير ذلك مما ينافي العمل على مقتضى البقاء. و ليس التعبد المذكور بلسان تنزيل المشكوك منزلة المتيقن ليتوهم تحقق مالك الحكومة العرفية على

أدلة األصول التي موضوعها الشك. و مثله ما ذكره بعض األعيان المحققين قدس سره من أن مفاد دليل االستصحاب

الحكم ببقاء اليقينالذي هو رافع لموضوع بقية األصولادعاء و تنزيال، فيكون حاكماعلى أدلة األصول، كما في سائر موارد التنزيل.

الندفاعه بأن دليل االستصحاب ال يتضمن الحكم ببقاء اليقين تنزيال و ادعاء، بل الحكم بلزوم الجري على مقتضى اليقين السابق و عدم نقضه، الدعاء أن عدم

ترتيب آثار المتيقن حين الشك نقض لليقين السابق عمال، فاالدعاء و التوسع إنما هو في مقتضى اليقين السابق عمال. ال في بقاء اليقين، ليرتفع معه موضوع األصول

ادعاء و تنزيال، و تتم حكومة االستصحاب عليها عرفا. و من هنا كان الظاهر أن تقديم االستصحاب على بقية األصول هو مقتضى الجمع

العرفي بين أدلته و أدلتها، على نحو ما تقدم من الجمع بين أدلة الطرق و األمارات و أدلة األصول، بحمل أدلة بقية األصول على ثبوت مقتضاها من حيثية مجرد الشك،

ال مطلقا و من جميع الجهات، فال ينافي رفع اليد عنه و البناء على مقتضى االستصحاب بلحاظ أمر زائد عليه، و هو اليقين السابق، نظير رفع اليد عن حكم

العنوان األولي بالعنوان الثانوي الزائد عليه. نعم مقتضى جعل غاية الحكم في األصول غير اإلحرازية هو العلم بالواقع عدم رفع

اليد عنها باليقين السابق بعد الشك في بقاء المتيقن، لعدم تحقق العلم بالواقعمعه.

لكن يسهل الجمع عرفا بإلغاء خصوصية العلم، و جعل الغاية كل محرز562، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

للواقع، بنحو يشمل اليقين السابق بعد اقتضاء أدلة االستصحاب نهوضه باإلحراز و هو راجع في الحقيقة لورود االستصحاب على األصول غير اإلحرازية، نظير ما تقدم

في وجه تقديم الطرق و األمارات على األصول. كما يظهر مما سبق هناك أن االستصحاب إنما يمنع من جريان األصول غير

اإلحرازية إذا كانت مخالفة له عمال، دون ما إذا كانت موافقة له. فالحظ.

Page 319: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و بعبارة أخرى: مقتضى الجمع العرفي بين أدلة الطرق و األمارات و االستصحاب و بقية األصولبضميمة المناسبات االرتكازيةابتناء أصل الطهارة و الحل و غيرهما من

األصول غير اإلحرازية على مقتضى األصل األولي، لعدم صلوح الشك للخروج عنه، و أن البناء على مقتضى االستصحاب في مورد األصول المذكورة إنما هو لصلوح

اليقين السابق للعمل على مقتضاه حال الشك، بعد عدم صلوح الشك لنقضه، و أن العمل على مقتضى الطرق و األمارات في مورد االستصحاب لصلوحها لنقض

اليقين السابق، و إن لم يصلح الشك لنقضه. و مما ذكرنا يظهر الحال في بقية األصول اإلحرازية الجارية في الشبهات

الموضوعية التي يبتني التعبد فيها على أمر زائد على الشك محرز لألمر المتعبد به، كمضي المحل في قاعدة الفراغ و التجاوز، و الفراش في قاعدة: الولد للفراش و

غيرهما. حيث يتعين تقديمها على األصول المذكورة بالمالك المتقدم. بل هي مقدمةحتى على االستصحاب، كما تقدم الكالم في بعضها في خاتمة االستصحاب.

المقام الثالث: في تقديم األصل السببي على المسببي و المراد باألصل السببي هو األصل الذي يتضمن التعبد بموضوع األثر، فيستتبع التعبد

باألثر، لما سبق عند الكالم في األصل المثبت من أن التعبد563، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بالموضوع مستلزم عرفا للتعبد بأثره الشرعي. أما المسببي فهو األصل المتضمنلبيان الوظيفة باإلضافة إلى األثر نفسه من حيثية كونه بنفسه موردا للشك. و ال يعتبر في السببي أن يكون إحرازيا، بل يقدم و إن لم يكن إحرازيا على

المسببي و إن كان إحرازيا، كأصالة الطهارة في الماء التي يرفع بها اليد عن استصحاب نجاسة الثوب المغسول به، كما يرفع بها اليد عن أصالة البراءة من

وجوب تطهير المسجد به لو انحصر الماء به. نعم مفروض كالم شيخنا األعظم و المحقق الخراساني قدس سرهما في السببي و المسببي معا االستصحاب، و نظرهما في استداللهما لدليله. لكن الظاهر أن منشأه تحريرهما للمسألة في االستصحاب، ال لخصوصيته في التقديم. و من ثم صرح غير

واحد ممن تأخر عنهما بالتعميم. إذا عرفت هذا فقد يوجه تقديم السببي بأنه وارد على المسببي رافع لموضوعه،

نظير ما تقدم في توجيه ورود الطرق على األصول، لدعوى: أن موضوع المسببي ليس محض الشك الوجداني في الواقع الباقي مع جريان السببي، بل عدم العلم بما

يعم الوظيفة الظاهرية، و مع جريان السببي تعلم الوظيفة الظاهرية، و يرتفعموضوع المسببي، لما تقدم من أن التعبد بالموضوع يقتضي التعبد بحكمه عرفا.

أما المسببي فال ينهض برفع موضوع السببي إال بناء على األصل المثبت، ألن التعبدبالحكم وجودا أو عدما ال يقتضي التعبد بموضوعه كذلك، و إن كان مالزما له خارجا.

و يظهر اندفاعه مما تقدم هناك من أن حمل الشك في أدلة األصول على عدمالعلم بما يعم الوظيفة الظاهرية مخالف للظاهر، و خال عن الشاهد.

564، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و ربما يدعى حكومة األصل السببي على المسببي بتقريب: أن السببي رافع

لموضوع المسببيو هو الشكتنزيال، أو في عالم التشريع و االعتبار، ألن التعبد بمؤدى السببي يقتضي إلغاء الشك في مورد المسببي تنزيال أو تعبدا، نظير ما تقدم من

Page 320: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

شيخنا األعظم و بعض األعاظم قدس سرهم في توجيه حكومة الطرق علىاألصول.

و يظهر اندفاعه مما سبق هناك أيضا من أن التعبد بمفاد األصل إنما يقتضي العملعلى أحد طرفي الشك من دون إلغاء الشك ال تنزيال و ال تشريعا.

بل ال مجال إللغاء الشك تشريعا مع كون الشك من األمور الحقيقية التي ال تنالها يدالتشريع و االعتبار، مضافا إلى أنه لو تم فهو يقتضي الورود ال الحكومة.

فراجع. و مثله ما يظهر من بعض األعيان المحققين قدس سره من أن األصل السببي و إن لم يكن رافعا لموضوع المسببيو هو الشكال حقيقة و ال تنزيال و ال تعبدا، إال أنه حاكم

عليه بمالك النظر، الذي هو المعيار في الحكومة مطلقا، ألن التعبدبالموضوعبمقتضى األصل السببيناظر إلثبات آثاره التي هي مؤدى األصل المسببي.

إذ هوكما ترىإنما يقتضي حكومة األصل السببي على أدلة تلك اآلثار الواقعية، أو الورود عليها ورودا ظاهرياعلى ما سبق التعرض له عند الكالم في تحديد الورودال

على أدلة التعبد ظاهرا باآلثار، الذي هو مفاد األصل المسببي. و توضيح ذلك: أنه إذا غسل الثوب النجس بماء مشكوك الطهارة، فدليل أصالة

الطهارة في الماءالذي هو األصل السببيناظر إلى اآلثار الشرعية لطهارة الماء، ومنها مطهريته للثوب المغسول به، فيكون حاكما أو واردا

565، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج ظاهريا على دليل مطهرية الماء الطاهر لما يغسل به، و لذا يكون محرزا لطهارة

الثوب. و ال يكون ناظرا إلى استصحاب نجاسة الثوب المغسولالذي هو األصل المسببيالمفروض تحقق موضوعه، و هو الشك في حصول الطهارة له، ليكونحاكما عليه. بل هو مناف له عمال، فال بد من توجيه تقديمه عليه بغير ما سبق.

و لعل األولى في وجه تقديم السببي على المسببي الرجوع إلى ما سبق في وجه تقديم الطرق و األمارات على األصول. فإن المسببي إنما يقتضي تعيين الوظيفة

العملية من حيثية موضوعه و هو الشك في األثر، و السببي إنما يقتضي تعيينها بلحاظ أمر زائد على الشك المذكور، و هو التعبد بموضوع ذلك األثر، فيقدم عليه

بمالك تقديم الحكم الثابت بالعنوان الثانوي على الحكم الثابت بالعنوان األولي. فإذا القى الثوب المشكوك الطهارة اليد المستصحبة النجاسة برطوبة، فهو من حيثية الشك في طهارته و إن كان محكوما ظاهرا بالطهارة، إال أنه يتعين رفع اليد عن

ذلك ألمر زائد على الشك المذكور، و هو إحراز سبب تنجيسه باستصحاب نجاسةاليد.

و أولى من ذلك ما إذا كان األصل المسببي استصحابا. لما أشرنا إليه هناك من أن عدم نقض اليقين السابق بالشك في األمر المستصحب ال ينافي نقضه بأمر آخر،

كالطرق. حيث يجري نظيره في المقام، فإن نقض اليقين في مورد األصل المسببي ليس بمحض الشك في ارتفاع األمر المتيقن، بل باألصل السببي الذي به

يحرز تحقق السبب الرافع له، فإذا غسل الثوب النجس بماء مستصحب الطهارة فرفع اليد عن اليقين بنجاسة الثوب ليس بمحض الشك، بل باستصحاب طهارة

الماء المغسول به، الذي به يحرز تحقق الرافع للنجاسة.و بمالحظة ما تقدم هناك يتضح الحال هنا، ألنهما من باب واحد.

Page 321: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

566، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالباب الثاني في األدلة المتعارضة

و المراد بها كل تعبدين متنافيين في مقام العمل. من دون فرق بين األدلة االجتهادية و األصول العملية، كما تقدم، و ال يختص باألولى، فضال عن أن يختص

باألخبار، و إن اختصت بها بعض األحكام، تبعا الختصاص أدلتها بها. و حيث كان مرجع الكالم في المتعارضين إلى الكالم في حجيتهما بعد فرض

التعارض فهو يقع أوال: في مقتضى األصل في المتعارضين بلحاظ أدلة الحجيةاألولية، و أنه التساقط، أو التخيير، أو الترجيح.

و ثانيا: في مقتضى األدلة الخاصة الواردة في حكم التعارض، و في تحقيق مفادها.فالكالم في مقامين:

المقام األول في مقتضى األصل في المتعارضينو الظاهر أن األصل في المتعارضين التساقط، ال التخيير و ال الترجيح.

و وجهه ظاهر فيما إذا كان دليل حجيتهما لبيا، أو لفظيا ال إطالق له يشمل صورة التعارض، حيث يكون المرجع فيها أصالة عدم الحجية في كل منهما، من دون أن

يكون هناك منشأ لتوهم الخروج عنه.و أما إذا كان دليل الحجية لفظيا له عموم أو إطالق يشمل صورة

567، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج التعارض، فالمتناع حجية كال المتعارضين، الستلزامه التعبد الظاهري بالضدين أو

النقيضينو لو بلحاظ الزم المؤدى إذا كان الدليل حجة فيهو هو ممتنع بمالك امتناع جعل الضدين أو النقيضين واقعا. لتقوم األحكام التكليفية بنحو اقتضائها للعمل، و تضادها و تناقضها إنما يكونان بلحاظ اختالفها في ذلك. و من الظاهر أن اقتضاء

التعبد الظاهري بالحكم للعمل مماثل القتضاء نفس الحكم له، و إن كان في طولهبلحاظ طريقيته له، فيستحيل حجية كال المتعارضين.

و كذا الحال لو كان التعارض بينهما ألمر خارجي، كتعارض األصول الترخيصية الجارية في أطراف العلم اإلجمالي بالتكليف بلحاظ لزوم المخالفة القطعية

للتكليف المفروض. كما ال مجال الختصاص الحجية بأحدهما، لعدم المرجح له باإلضافة لعموم دليلها بعد

فرض اشتراكهما في الدخول تحته، لتحقق عنوانه في كل منهما، و في الجهة المانعة من فعلية حكمه فيهما معا، و هو التعبد بالضدين أو النقيضين، أو المحذور

الخارجي. فيتعين سقوطهما معا عن الحجية، الراجع لخروجهما بسبب التعارض عنعموم دليل الحجية.

إن قلت: ما سبق إنما يمنع من حجية كل منهما و التعبد بمضمونه تعيينا في فرض التعارض، دون حجيتها أو التعبد بكل منهما تخييرا، فيتعين البناء على ذلك، عمال

بعموم دليل الحجية، و التعبد بالقدر الممكن. قلت: ليس مفاد الحجية تخييرا هو حجية أحدهما ال بعينه، ليكون أولى من سقوطهما

معا عن الحجية، بلحاظ كونه أقل تخصيصا. إذ ال معنى لحجية أحدهما ال بعينه بعد مطابقة عمل المكلف ألحدهما المعين. بل ال بد من رجوع الحجية التخييرية إلى

حجية كل منهما على نحو خاص.568، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 322: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و ذلك إما بتقييد حجية كل منهما تعيينا بما إذا اختاره المكلف، و إما بأن يكون كل منهما حجة للمكلف في مقام التعذير، يصح له االعتماد عليه في الخروج عن

مسئولية الواقع، و مجموعهما حجة عليه في مقام التنجيز، بحيث ليس له الخروج عنهما معا. و لعل األظهر الثاني، الحتياج توقف الحجية على االختيار على عناية

يصعب تنزيل أدلة الحجية التخييريةلو تمتعليها. و كيف كان فدليل الحجية حيث كان ظاهرا في الحجية التعيينية، كان حمله على

الحجية التخييريةبأحد الوجهينفي المتعارضين موقوفا على كون امتناع حجيتهما تعييناقرينة عرفية على تنزيل عمومه على الحجية التخييرية فيهما، و هو غير ظاهر.

بل األقرب عرفا تنزيله على خروجهما معا عن الحجية الفعلية، مع ثبوت الحجية االقتضائية لكل منهما. و مرجعه إلى حجية كل منهما لو ال المانع. ألن ذلك هو

األنسب بالقياس للحجج العرفية. و مجرد كون الحجية التخييرية أقل تخصيصا منه، البتنائها على إعمال دليل الحجية

في المتعارضين في الجملة، ال يكفي في الحمل عليها بعد أن لم يكن التنزيل عليهاعرفيا.

إن قلت: لما كان العمل بالحجة واجبا، فمع تعذر العمل بكلتا الحجتين يتعين العمل بأحدهما تخييرا، كما هو الحال في سائر موارد تعذر الجمع بين الواجبين، بل سائر

موارد التزاحم بين التكليفين. قلت: وجوب العمل بالحجة ليس شرعيا، بل هو عقلي طريقي تابع لمنجزيتها، متفرع على حجيتها، و ال مجال لثبوته في المتعارضين بعد ما سبق من امتناع حجيتهما معا، و عدم الدليل على حجية أحدهما، بل المستفاد من األدلة ثبوت

مقتضي الحجية فيهما من دون أن يكونا حجة بالفعل.569، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

هذا بناء على التحقيق من الطريقية المحضة. أما بناء على السببية بأنحائها- من التصويب المنسوب لألشاعرة، و التصويب المنسوب للمعتزلة، و المصلحة

السلوكية الراجعة إلى أن في متابعة الطريق مصلحة يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع في فرض الخطأفقيام الطريق يستلزم حدوث مالك يقتضي شرعا

العمل على طبقه، و من ثم قد يدعى أنه مع تنافي المالكين عمال يتعين التخيير. لكنه يندفع بأن حدوث المالك المقتضي للعمل على طبق الطريق متفرع على حجية الطريق، فمع امتناع حجية المتعارضينلما سبقيتعين فقد كل منهما للمالك المقتضي

للعمل على طبقه، و معه ال موضوع للتخيير. ثم إنه قد أشار المحقق الخراساني قدس سره لتقريب أصالة التساقط في المتعارضين بأنه حيث يمتنع حجية معلوم الكذب من الطرق، و كان تعارض

الطريقين مستلزما للعلم بكذب أحدهما إجماال، لزم العلم بقصور عموم الحجية عن أحدهما دون اآلخر، و حيث كان معلوم الكذب مرددا بينهما، كان المورد من موارد

اشتباه الحجة بالالحجة، الموجب لسقوط كل منهما عن الحجية في خصوص مؤداه.نعم يجب ترتيب األثر المشترك لحجية كل منهما، لفرض حجية أحدهما.

و يشكلمضافا إلى أن الزمه امتناع التخيير بين المتعارضين، مع أنه ال إشكال في إمكانه، بل لعل المشهور البناء عليه، و أصر هو قدس سره على ذلكبأن المتصف

بالكذب و إن كان هو أحدهما بخصوصه على إجماله، إال أن معلوم الكذب هو

Page 323: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

أحدهما، على ما هو عليه من اإلبهام و الترديد، من دون أن ينطبق على أحدهما بخصوصه، و من المعلوم أن عموم الحجية إنما يقتضي حجية كل فرد بواقعه و

خصوصيته من دون إبهام و ال ترديد، فال ينطبق معلوم الكذب على شيء من أفرادالعام، ليمتنع شمول العموم له.

570، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج نعم الكاذب الواقعي ينطبق على بعض أفراد العام. إال أن الكذب الواقعي من دون

تعيين لموضوعه غير مانع من الحجية، ليكون المورد من موارد اشتباه الحجةبالالحجة.

بقي في المقام أمور ..األمر األول: ]عموم أصالة التساقط لما إذا كان أحد الطرفين أكثر عددا أو دليال[

أنه ال فرق في أصالة التساقط في المتعارضين بين التساوي في مقدار التخصيص الالزم من سقوط كل منهما عن الحجية و التفاضل فيه، لزيادة أحد طرفي التعارض كمية أو دليال، فكما يكون األصل التساقط عند معارضة صحيحة ألخرى، يكون األصل ذلك عند معارضة صحيحة لصحيحتين، و كذا عند معارضة صحيحة لموثقة و إن كانت الصحيحة مشاركة للموثقة في أدلة حجيتها، و تزيد عليها بدليل حجية خبر العادل أو

المؤمن. و أما ما اشتهر من لزوم االقتصار على التخصيص األقل عند الدوران بينه و بين

األكثر، فإنما هو مع العلم بمورد التخصيص األقل و الشك في الزائد، ال مع الدوران بين تخصيصين أحدهما أكثر من اآلخر من دون متيقن في البين، كما في المقام، ألن

أصالة العموم و عدم التخصيص إنما تنهض بنفي التخصيص في مورد الشك فيه، البتعيين مورده مع تردده بين أفراد العام.

األمر الثاني: ال فرق في أصالة التساقط بين القطع ببعض الجهاتمن الصدور والداللة و الجهةفي أحد الدليلين، أو في كليهما، و عدمه.

غايته أن التعارض في األول يكون بين الجهة غير المقطوعة من أحد الدليلين مع الدليل اآلخر. أما الجهة المقطوعة فهي ال تكون طرفا للمعارضة. و لذا يمتنع

التعارض بين الدليلين المقطوعين من جميع الجهات.و من هنا يشكل ما يظهر من شيخنا األعظم قدس سره من عدم التساقط في

571، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج مقطوعي الصدور مظنوني الداللة، بل يجب األخذ بهما معا مع تأويلهما و صرفهما

عن ظاهرهما، بل ظاهره االتفاق على ذلك. إذ فيه: أن صرفهما عن ظاهرهما إن كان بنحو الجمع العرفي خرج عن محل الكالم

من فرض استحكام التعارض. و إن كان بنحو التأويل و الجمع التبرعي، فال دليل على التعويل عليه في مقام العمل، كما سبق عند الكالم في قاعدة: الجمع مهما

أمكن أولى من الطرح. و المتيقن من االتفاق المدعى هو عدم الحكم بكذب أحدهماو رده بعد فرض القطع بصدوره، ال العمل بهما بعد التأويل، بل يتعين تساقطهما.

األمر الثالث: بعد البناء على أصالة التساقط في المتعارضين، فهل يقتصر فيها علىخصوص ما ينفرد به كل منهما، أو تعم ما يشتركان فيه،

و هو نفي الوجه الثالث لو فرض احتماله، الحتمال كذبهما معا، و عدم العلم بصدقأحدهما إجماال؟

Page 324: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ال ينبغي التأمل في حجيتهما في نفي الثالث بناء على ما سبق من المحقق الخراساني قدس سره من ابتناء أصالة التساقط على كون المورد من موارد

اشتباه الحجة بالالحجة، ألن تردد ما هو الحجة منهما ال يوجب سقوطه عن الحجيةفيما ال يتكاذبان فيه.

أما بناء على ما سبق في وجه التساقط فقد اختلفت كلماتهم في ذلك. و يظهر من كثير منها ابتناء الكالم في ذلك على الكالم في أن سقوط الكالم عن

الحجية في المدلول المطابقي هل يقتضي سقوطه عن الحجية في الزم مدلوله أوال؟

فيحسن الكالم في ذلك مقدمة لما نحن فيه من الكالم في حجية المتعارضين فينفي الثالث.

572، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج فاعلم أنه قد أصر غير واحد على الثاني، و أن سقوط الكالم عن الحجية في

المدلول المطابقي ال يستلزم سقوطه عنها في الزم مدلوله، لدعوى: لزوم االقتصار في الخروج عن عموم الحجية على المورد الذي يقتضيه دليل التخصيص، و هوخصوص المدلول المطابقيالذي هو مورد المعارضة في المقامدون االلتزامي.

و قد يستشكل في ذلك بأن داللة الدليل على المدلول االلتزامي لما كانت متفرعة على داللته على المدلول المطابقي، لتبعيته له، فقصور الدليل عن إثبات المدلول

المطابقي مستلزم لقصوره عن إثبات المدلول االلتزامي. و الذي ينبغي أن يقال: لما كانت حجية الكالم في الزم المدلول مقتضى بناء العقالء

و مرتكزاتهمكما ذكرناه في آخر الكالم في حجية األصل المثبت- فالالزم الرجوع للمرتكزات المذكورة في تحديد الحجية وسعتها في المقام، و أنها هل تشمل صورة

سقوط الكالم عن الحجية في المدلول المطابقي أو تقصر عنها؟. و الظاهر أنهيختلف باختالف منشأ عدم الحجية في المدلول المطابقي.

فإن كان ناشئا من قصور في طريقية الطريق، كان مستتبعا لعدم حجيته في الالزم، لتفرع طريقيته عليه ارتكازا على طريقيته على الملزوم، سواء كان ذلك لعدم

طريقيته رأسا، كما لو علم بخطئه فيه مع احتمال تحقق الالزم، أم لعدم التعويل شرعا أو عرفا على طريقيته، كما لو كان المدلول المطابقي و الزمه حسيين و كان

اإلخبار بالمدلول المطابقي عن حدس و احتمل اطالع المخبر على الالزم حسا. أما إذا كان عدم حجية الطريق في المدلول المطابقي ناشئا عن خصوصية فيه

يمتاز بها عن الالزم، تمنع من ثبوته بالطريق، من دون قصور في طريقية573، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الطريق، و ال في كاشفيته، فال يكون مستتبعا لعدم حجية الطريق في الالزم، بعد فرض عدم اشتماله على تلك الخصوصية، و صلوحه ألن يثبت بالطريق المذكور، كما لو أخذ في حجية الطريق عنوان ال ينطبق على المدلول المطابقي، و ينطبق

على الزمه. كاإلقرار المتقوم بكون موضوعه حقا على المقر، حيث قد ال يتضمن الخبر حقا على

المخبر بمدلوله المطابقي، بل بالزمه. و كما في الشاهد و اليمين اللذين ينهضان شرعا بإثبات حقوق الناس، دون حقوق الله تعالى، حيث قد يكون مدلولهما

المطابقي موضوعا لحق الله، و مدلولهما االلتزامي موضوعا لحق الناس، كالسرقة

Page 325: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

التي هي موضوع الحد و هو حق الله تعالى، فال يثبت بهما، و الزمها الضمان الذيهو حق الناس، فيثبت بهما.

إذا عرفت هذا فالظاهر أن التعارض من القسم األول، فإنه و إن كان سقوط الحجية معه المتناع التعبد بالنقيضين المفروض اختصاصه بالمدلول المطابقي، إال

أنه موجب أيضا لقصور طريقية الطريق عرفا، حيث يكون كل من المتعارضين من سنخ المكذب لآلخر في مدلوله، فهو من سنخ المانع من فعلية الطريقية و إن تم

معه مقتضيها، فيتعين عدم حجية الطريق في الالزم، تبعا لسقوط حجيته فيالملزوم.

من دون فرق في ذلك بين اتفاقهما في الزم واحدكما في محل الكالم- و انفراد أحدهما بالزم ال ينافيه اآلخر، كما لو قامت إحدى البينتين على مطر السماء

المستلزم لوجود السحاب، و نفت األخرى المطر من دون أن تنفي السحاب، أو دل أحد الدليلين على وجوب شيء أو استحبابه، المستلزم لثبوت المالك الصالح

للتقرب، و دل اآلخر على العدم من دون أن ينفي المالك.نعم إذا لم يبتن التعارض على كون أحد الدليلين مكذبا لآلخر في

574، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج مدلوله، بل على خفاء وجه الجمع العرفي بينهما، مع صلوح كل منهما للقرينية على

اآلخر عرفا، بحيث ال يتوقف العرف عن تحصيل المراد منهما رأسا، بل عن تعيينه مع تردده إجماال بين وجهين تعين حجيتهما في نفي الثالث، لخروجه عن طرفي

الترديد. كما هو الظاهر في مثل العامين من وجه في مورد االجتماع. هذا كله إذا كانت حجية الكالم في الزم مدلولهو منه نفي الثالثلمجرد بناء العقالء و

ارتكازياتهم على ذلك، من دون أن يكون الكالم مسوقا لبيانه. أما إذا كان الكالم مسوقا لبيان الالزم، نظير الكناية فالالزم بنفسه- كالملزوميكون

موضوعا للعنوان المأخوذ في دليل الحجية، كالخبر و النبأ و الشهادة، فالكالم الواحد ينحل إلى خبرين خبر عن الملزوم و خبر عن الالزم، و حينئذ ال يكون سقوط أحد الخبرينو هو الخبر عن الملزومعن الحجية مستلزما لسقوط اآلخرو هو الخبر عن

الالزمعنها، من دون فرق بين منشأ السقوط عن الحجية. و يتعين حينئذ حجيتهما فينفي الثالث.

كما لو ورد أنه قيل لإلمام عليه السالم: هل صالة التراويح فريضة؟ فأجاب منكرا لذلك بأنها سنة، ثم ورد أنه أجاب بأنها بدعة. فإن تعارض الخبرين في أنها سنة أو

بدعة ال يكون مانعا من حجيتهما في أنها ليست فريضة. و كما لو سمع شاهدان من يقول: أن زيدا عمر طويال، فقاال منكرين ذلك: مات عن ثالثين سنة، و شهد آخران أنه مات عن أربعين، حيث ال يكون تعارضهما في تحديد

سنه مانعا من حجيتهما في نفي طول عمره، ألنه خبر آخر للبينتين ال قصور فيه ذاتا، و ال مانع من حجيته. بل لو صدر كل من الخبرين من واحد، تمت بهما البينة

في المدلول االلتزاميو هو نفي طول عمرهو إن لم تتم البينة في كل من مدلوليهماالمطابقيين اللذين تعارضا فيهما.

575، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج نعم لو لم يكن اإلخبار عن المدلول االلتزامي مستقال، بل مبتنيا على اعتقاد المخبر

بتحقق المدلول المطابقي، أشكلت حجيته فيهبعد فرض سقوط حجية الخبر في

Page 326: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

المدلول المطابقيبقصور في طريقيته من جهة التعارض، ألن الخبر بعد معرفة مستنده تابع في الحجية لثبوت مستنده، فمع عدم ثبوت مستنده ال مجال للبناء على

حجيته.576، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المقام الثاني في مقتضى األدلة الخاصة في المتعارضين حيث سبق أن األصل في المتعارضين التساقط، فالظاهر لزوم الخروج عنه في تعارض األخبار، بل ربما ادعي اإلجماع على عدم الرجوع فيه ألصالة التساقط.

للنصوص الكثيرة المتضمنة للترجيح و التخيير أو التوقف. و النظر في ذلك يستدعي الكالم في فصول ثالثة، يتضمن األول منها البحث في

الترجيح. و الثاني البحث في التعادل. و هو يكون مع عدم الترجيح، إما لعدم ثبوته، أو لعدم تحقق المرجحات المعتبرة. و يتضمن الثالث البحث في اللواحق التي ال

تخص أحد الفصلين، لتبحث في ضمنه.الفصل األول في الترجيح

و المعروف وجوبه في الجملة، خالفا للمحقق الخراساني و المحكي عند السيد صدر الدين العاملي، فقد حكما بعموم التخيير. و استدل للمشهور بوجوه بعضها

ظاهر الوهن ال ينبغي إطالة الكالم فيه،و ما ينبغي التعرض له وجهان:

األول: ما أشار إليه شيخنا األعظم قدس سره من اإلجماع المحقق و السيرةالقطعية.

و كأن مراده بالسيرة سيرة العلماء في مقام االستدالل على الترجيح، في مقابلإجماعهم عليه، المستفاد من تصريحهم به عند تعرضهم للمسألة

577، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج األصولية، و من إيداعهم نصوصه في كتبهم المبنية على جمع األخبار المعتمد عليها.

و إال فسيرة المتشرعة في مقام العمل ال مجال لها في المسألة األصولية التيليس من شأنهم الرجوع إليها.

و قد أنكر المحقق الخراساني قدس سره اإلجماع المذكور، فذكر أنه ال مجال لدعواه مع ذهاب الكليني قدس سره للتخيير، حيث قال في ديباجة الكافي: »و ال

نجد شيئا أوسع و ال أحوط من التخيير«.لكن ما نقله عن الكليني ال يناسب كالمه في ديباجة الكافي، حيث قال:

»فاعلم يا أخي أرشدك الله أنه ال يسع أحدا تمييز شيء مما اختلفت الرواية فيه عن العلماء برأيه، إال على ما أطلقه العالم بقوله عليه السالم: اعرضوها على كتاب

الله فما وافى كتاب الله عز و جل فخذوه، و ما خالف كتاب الله فردوه. و قولهعليه السالم:

دعوا ما وافق القوم، فإن الرشد في خالفهم. و قوله عليه السالم خذوا بالمجمع عليه، فإن المجمع عليه ال ريب فيه. و نحن ال نعرف من جميع ذلك إال أقله، و ال نجد شيئا أحوط و ال أوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم عليه السالم، و قبول ما وسع

. و«1 »من األمر فيه بقوله عليه السالم: بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم« ظاهره لزوم الترجيح مع االطالع على المرجحات، و االقتصار في التخيير على

صورة الجهل بها توسعة منهم عليهم السالم.

Page 327: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و من ثم ال مجال إلثبات الخالف، و إنكار اإلجماع المدعى، المؤيد بارتكازية الحكم،و معروفيته عند األصحاب، تبعا للنصوص الواردة به.

و دعوى: أن موافقتهم للنصوص تجعل إجماعهم مدركيا يجب النظر في مدركه، التعبديا ينهض باالستدالل مع قطع النظر عنها.

مدفوعة بأن فهمهم للمعنى المذكور من النصوص، و جريهم عليه، مع______________________________

.8 ص: 1( الكافي ج: 1 )578، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

شيوع االبتالء به من عصور األئمة عليهم السالم، شاهد قطعي على أن ذلك هو المراد من النصوص، و على مطابقته لرأي األئمة عليهم السالم، فيتم االستدالل به

لو فرض التشكيك في النصوص سندا أو داللة مع قطع النظر عنه. نعم في بلوغ اإلجماع المذكور حدا يحصل به القطع بالحكم، بحيث ينهض وحده باالستدالل، إشكال، لعدم شيوع التعرض منهم للمسألة األصولية، و عدم تيسر

االستيعاب لكلماتهم في الفقه بالنحو الكافي في معرفة اتفاقهم.الثاني: النصوص المشتملة على المرجحات، على اختالف في تعدادها.

منها: مقبولة عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السالم الواردة في الخصومة، و المتضمنة األمر بتحكيم رواة

أحاديثهم عليهم السالم العارفين بأحكامهم. و فيها: »فإن كان كل واحد اختار رجال من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في

حقهما، و اختلفا فيما حكما، و كالهما اختلفا في حديثكم ]حديثنا. خ. ل[ فقال: الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما، و ال يلتفت

إلى ما يحكم به اآلخر. قال: فقلت: فإنهما عدالن مرضيان عند أصحابنا، ال يفضل ]ليس يتفاضل[ واحد منهما على صاحبه. فقال: ينظر إلى ما كان من روايتهما عنا

في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا، و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإن المجمع عليه ال ريب فيه ... قلت: فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر، فما وافق حكمه حكم الكتاب و السنة و خالف العامة فيؤخذ به، و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنة و وافق العامة. قلت: جعلت فداك أ رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من

الكتاب و السنة، و وجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة و اآلخر مخالفا لهم، بأيالخبرين

579، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج يؤخذ؟ فقال: ما خالف العامة ففيه الرشاد. فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهما

الخبران جميعا؟ قال: ينظر إلى ما هم إليه أميلحكامهم و قضاتهمفيترك، و يؤخذ باآلخر. قلت: فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ قال: إذا كان ذلك فارجئه حتى

.«1 »تلقى إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من االقتحام في الهلكات« و قد استشكل فيها بعض مشايخنا قدس سره بضعف السند، لعدم النص على

توثيق عمر بن حنظلة.و يندفع بأن الظاهر وثاقة عمر بن حنظلة ألمرين:

Page 328: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

األول: رواية صفوان بن يحيى عنه، الذي ذكروا أنه ال يروي إال عن ثقة، مؤيدا بروايةجماعة من األعيان عنه، و فيهم غير واحد من أصحاب اإلجماع.

الثاني: ما رواه يزيد بن خليفة: »قلت ألبي عبد الله عليه السالم: إن عمر بن ،«2 »حنظلة أتانا عنك بوقت. فقال أبو عبد الله عليه السالم: إذا ال يكذب علينا ...«

بناء على ما هو الظاهر من اعتبار سنده، إذ ليس فيه من لم ينص على توثيقه إال يزيد بن خليفة الذي روى عنه صفوان بن يحيى و يونس، اللذين ذكروا أنهما ال

يرويان إال عن ثقة، مؤيدا بروايات تدل على جاللته ال تبلغ مرتبة االستدالل. و يؤيد هذين الوجهين أيضا كثرة رواياته و تلقي األصحاب لها بالقبول، و روايتهم لها

في األصول، خصوصا هذه الرواية التي رواها المشايخ الثالثة معتمدين عليها، كمااعتمد عليها األصحاب في كثير من مضامينها حتى سميت بالمقبولة.

______________________________.1 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).1 من أبواب المواقيت حديث: 10 باب: 3( الوسائل ج: 2 )

580، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج كما استشكل فيها المحقق الخراساني قدس سره بأن موردها تعارض الحكمين في القضاء الذي ال مجال فيه للتخيير، لعدم فصل الخصومة به. و لذا أرجأ عليه السالم األمر مع عدم الترجيح إلى لقاء اإلمام. و ال وجه للتعدي عنه إلى مقام الفتوى، التي

يمكن فيها التخيير من أول األمر. مضافا إلى اختصاصها بزمان الحضور كما يظهرمن ذيلها المذكور.

و يندفع أيضا بأن لسان الترجيح فيها يأبى الجمود على مورد التخاصم، لظهوره فيعدم صلوح المرجوح ألن يرجع إليه، كما هو المناسب لقوله عليه السالم:

»فإن المجمع عليه ال ريب فيه« و قوله: »ما خالف العامة ففيه الرشاد«. و لذا كان المستفاد منها عرفا خطأ الحكم على طبق المرجوح، بحيث ال ينبغي لصاحبه

العود له في واقعة أخرى، و إن لم يكن له فيها مخالف في التحكيم. على أنه ال مجال لذلك بناء على أن المرجع مع عدم الترجيح هو التوقف أو

التساقط، ألن خصوصية القضاء ال تمنع منهما. و إال فال يحتمل حجية الراجح فيالقضاء و التخاصم دون الفتوى.

كما أن اختصاصها بزمان الحضور ال يمنع من فهم عموم الترجيح منها لزمان الغيبة، إللغاء خصوصية المورد عرفا، كما هو الحال في بقية األحكام التي اشتملت عليها، و

ال سيما مع إباء لسان الترجيح عن االقتصار على ذلك. بل زمان الغيبة أولى بالترجيح بناء على أن المرجع مع عدم الترجيح هو التوقف أو

التساقط، كما لعله ظاهر. على أنه يكفي في البناء على العموم لغير مورد القضاء،و لعصر الغيبة، بقية النصوص اآلتية.

و منها: صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله المروي عن رسالة القطب الراوندي: »قال الصادق عليه السالم: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب

الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، و ما خالف كتاب الله فردوه، فإن لم581، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه، و.«1 »ما خالف أخبارهم فخذوه«

Page 329: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و منها: صحيح الحسن بن الجهم المروي عن الرسالة المذكورة: »قلت للعبد الصالح: هل يسعنا فيما ورد علينا منكم إال التسليم لكم؟ فقال: ال و

الله ال يسعكم إال التسليم لنا. فقلت: فيروى عن أبي عبد الله عليه السالم شيء، و يروى عنه خالفه، فبأيهما نأخذ؟ فقال: خذ بما خالف القوم، و ما وافق القوم

.«2 »فاجتنبه« هذا ما تيسر لي العثور عليه من النصوص المعتبرة السند. و هناك نصوص أخرى ال

تبلغ درجة االعتبار تصلح للتأييد.و منها: خبر الحسين بن السري:

»قال أبو عبد الله عليه السالم: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف.«3 »القوم«

و منها: الصحيح عن محمد بن عبد الله: »قلت للرضا عليه السالم: كيف نصنع بالخبرين المختلفين؟ فقال: إذا ورد عليكم

خبران مختلفان فانظروا ما يخالف منهما العامة فخذوه، و انظروا إلى ما يوافق.«4 »أخبارهم فدعوه«

و منها: مرفوعة زرارة: »سألت الباقر عليه السالم فقلت: جعلت فداك يأتي عنكما الخبران و الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ؟ فقال: يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذ

النادر. فقلت: يا سيدي إنهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم. فقال عليهالسالم: خذ بما يقول أعدلهما عندك و أوثقهما في نفسك.

فقلت: إنهما معا عدالن مرضيان موثقان. فقال: انظر ما وافق منهما العامة فاتركه، و خذ ما خالفه، فان الحق فيما خالفهم. فقلت: ربما كانا موافقين لهم أو مخالفين،

فكيف أصنع؟ فقال: إذن فخذ ما فيه الحائطة لدينك، و اترك اآلخر.فقلت: إنهما معا موافقان لالحتياط، أو مخالفان له، فكيف أصنع؟ فقال: إذن

______________________________ ،29 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 4 و 3 و 2 و 1 )

31 ،30 ،34.582، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

.«1 »فتخير أحدهما فتأخذ به و تدع اآلخر«و منها: ما أرسله الكليني في ديباجة الكافي

في كالمه المتقدم.و منها: ما أرسله المفيد في المحكي عن رسالة العدد.

قال: »و المعروف قول أبي عبد الله عليه السالم: إذا أتاكم عنا حديثان مختلفان فخذوا بما وافق منهما القرآن، فإن لم تجدوا لهما شاهدا من القرآن فخذوا بالمجمع

عليه، فإن المجمع عليه ال ريب فيه، فإن كان فيه اختالف و تساوت األحاديث فيه . و هناك بعض النصوص األخر يأتي التعرض«2 »فخذوا بأبعدهما من قول العامة«

لها.و هذه النصوص وافية بإثبات وجوب الترجيح في الجملة، فالمتعين البناء على ذلك.

Page 330: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و قد استشكل فيها المحقق الخراسانيمضافا إلى ما سبق منه في المقبولة و سبق دفعهبأنه ال مجال لتقييد إطالقات التخيير بصورة تساوي الخبرين من جميع الجهات،

لندرة ذلك بنحو يستلزم التخصيص المستهجن. و يندفع أوال: بأن المرجحات المنصوصة ليست من الكثرة بحيث يمتنع حمل

مطلقات التخييرلو تمتعليها. و غاية ما يلزم عدم التعدي عن المرجحات المنصوصة،و ليس هو محذورا.

و ثانيا: بأن ذلك ال يقتضي تعين نصوص الترجيح للسقوط، بل يقتضي التعارض بينهاو بين نصوص التخيير، المقتضي للتساقط، و البناء على الترجيح، ألنه المتيقن.

و أما تنزيل نصوص الترجيح على االستحباب فهو بعيد في نفسه، بل______________________________

في المقدمة السادسة طبعة النجف األشرف،93 ص: 1( الحدائق الناضرة ج: 1 ).2 من أبواب صفات القاضي حديث: 9و مستدرك الوسائل باب:

.11 من أبواب صفات القاضي حديث: 9( مستدرك الوسائل باب: 2 )583، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

يأباه لسان بعضها، كالمقبولة و المرفوعة و مرسلي الكليني و المفيد، فال يكونجمعا عرفيا.

إذا عرفت هذافيقع الكالم في أمور ..

األمر األول: في المرجحات المنصوصة. و قد اختلفت النصوص المتقدمة في تعيين المرجحات. و ربما يدعى اشتمال

نصوص أخر على مرجحات أخرى. فالمناسب التعرض للمرجحات التي قد يدعىداللة النصوص عليها، و النظر في أدلتها، و في تحديدها. و هي أمور ..

األول: صفات الراوي من األعدلية و األفقهية و األصدقية و األورعية و األوثقية. و ظاهر شيخنا األعظم قدس سره لزوم الترجيح بها، بل معروفية ذلك، و أنه مركوز

في أذهان الناس، غير محتاج للتوقيف. لكن في بلوغ ذلك حدا ينهض باالستدالل إشكال، بل منع. و ال سيما مع عدم تعرض

الكليني لذلك في كالمه الذي تقدمت اإلشارة إليه، و عدم العثور فيما تيسر لياالطالع عليه من كلماتهم في أبواب الفقه على التعويل عليه.

و أما النصوص فلم يشتمل منها عليه إال المقبولة و المرفوعة. و المقبولة ظاهرة في الترجيح بين الحكمين قبل االنتقال إلى الترجيح بين الروايتين المستندين لهما، و

ال وجه للتعدي من ذلك لترجيح نفس الروايتين. ، الواردان في«1 »و مثلها في ذلك موثق داود بن الحصين، و خبر موسى بن أكيل

الترجيح بين الحكمين، من دون تعرض للترجيح بين الروايتين أصال.______________________________

.45، 20 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 1 )584، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و مجرد كون الروايتين هما مدرك الحكمين ال يقتضي ابتناء الترجيح بين الحكمين بالصفات المذكورة على الترجيح بين الروايتين بها، إلمكان ابتنائه على أن اجتهاد

واجد الصفات أقرب إصابة للوظيفة الشرعية من فاقدها.

Page 331: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و ال سيما مع عدم مالزمة واجدية أحد الحاكمين للصفات لواجدية روايته التي اعتمدعليها لها.

و أما المرفوعة فهي ضعيفة جدا، حيث لم يذكرها إال ابن أبي جمهور األحسائي في كتاب عوالي الآللي عن العالمة مرفوعة إلى زرارة. و قيل: إنه لم يعثر عليها في

كتب العالمة. قال في الحدائق: »لم نقف عليها في غير كتاب عوالي الآللي، مع ما هي عليه من الرفع و اإلرسال، و ما عليه الكتاب المذكور من نسبة صاحبه إلى

التساهل في نقل األخبار، و اإلهمال، و خلط غثها بسمينها و صحيحها بسقيمها، كما ال يخفى على من وقف على الكتاب المذكور«. و من ثم ال مجال للتعويل على ذلك

في الترجيح.الثاني: شهرة الرواية.

و الدليل على الترجيح بها المقبولة، مؤيدة بالمرفوعة و مرسلتي الكليني و المفيد. و قد ذكر بعض مشايخنا قدس سره أن اإلرجاع إليها لتمييز الحجة عن الالحجة، ال

للترجيح بين الحجتين، الذي هو محل الكالم، بدعوى: أن شهرة الرواية توجب العلم بصدورها، فيكون المعارض لها مخالفا للسنة القطعية، فيخرج عن موضوع الحجية،

ألن المراد بالسنة التي يسقط المخالف لها عن الحجية مطلق سنة المعصوم، الخصوص سنة النبي صلى الله عليه و آله.

و فيه: أوال: أن حمل السنة التي يخرج المخالف لها عن موضوع الحجية على مطلق سنة المعصوم ال يخلو عن إشكال، بعد اختصاص النص المتضمن لذلك بسنة النبي

صلى الله عليه و آله. كما يظهر بمراجعة ما سبق في نصوص المنع من حجية585، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

خبر الواحد. و أما ما تضمن أن كالمهم عليهم السالم مأخوذ من كالمه صلى الله عليه و آله، و

أنهم خلفاؤه المعبرون عنه و المبينون لعلمه. فهو إنما ورد لبيان حجية كالمهم و وجوب رجوع األمة لهم، و ال ينافي اختصاص نصوص العرضالتي وردت لبيان

الضابط في الحجيةبسنته صلى الله عليه و آله، التي هي أبعد عن التقية، و التي تمتاز بمكانة سامية في نفوس المسلمين تجعلها سببا للتشهير بمخالفها و التنفير

عنه، بخالف سنتهم عليهم السالم. و ثانيا: أن الالزم حمل ما تضمن بطالن المخالف للسنة على المخالفة بنحو التباين،

لتصادم الكالمين عرفا، دون مثل العموم من وجه مما يرجع لتصادم الظهورين. و ثالثا: أنه لم يتضح ورود المضمون المذكور بطريق معتبر في مخالفة السنة، و

إنما ورد في مخالفة الكتاب، كما ورد اعتبار موافقة الخبر للسنة في جواز العمل، و ال يمكن العمل بظاهره. فراجع ما يتعلق بذلك عند الكالم في استدالل المانعين من

حجية خبر الواحد. و من هنا ال طريق إلثبات خروج المرجح المذكور عن محلالكالم.

ثم إن المعيار في هذا المرجح على ما تضمنته أدلته من كون أحد الخبرين مشهورا معروفا بين األصحاب، و اآلخر شاذا نادرا. و ال يكفي فيه مجرد كون أحد الخبرين أكثر رواة من اآلخر. و إن كان هو ظاهر غير واحد. و لعله يبتني على التعدي عن

المرجحات المنصوصة.الثالث: موافقة الكتاب.

Page 332: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و الدليل على الترجيح بها المقبولة، و صحيح عبد الرحمن، مؤيدين بمرسلي الكلينيو المفيد.

و أما ما تضمن عرض الحديث على الكتاب و السنة، و أنه ال بد في العمل586، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

به من موافقته لهما، أو وجود شاهد عليه منهما. فهو يقتضي عدم حجية غير الموافق ذاتا ال بسبب المعارضة، و قد سبق في مبحث حجية خبر الواحد عدم

التعويل على هذه النصوص. و كذا ما تضمن طرح المخالف للكتاب و السنة. إال أن يحمل على المخالفة بنحو التباين، بحيث ال يمكن الجمع بينهما و بينه، بل

يكون مصادما لمضمونهما عرفا، ال لظهورهما، فيتعين سقوطه عن الحجية ذاتا، ال بسبب المعارضة. نظير ما تضمن أن المخالف لهما زخرف و باطل لم يصدر منهم،

و أنه مكذوب عليهم، كما تقدم توضيح ذلك في المبحث المذكور. و حينئذ قد يستشكل في إطالق المخالفة في نصوص الترجيح المتقدمة بنحو يشمل

المخالفة لظاهر الكتاب، بنحو يمكن تنزيل أحدهما على اآلخر، بل هي مختصة بالمخالفة بنحو التباين، لبعد التفكيك بين نصوص الترجيح و النصوص المذكورة في

معنى المخالفة. بل من القريب تفسير تلك النصوص لنصوص الترجيح، و حمل المخالفة في الجميع

على المخالفة بنحو التباين، فتخرج عما نحن فيه من الترجيح بين الحجتين إلى تمييز الحجة عن الالحجة، كما ذكره المحقق الخراساني و شيخنا األستاذ قدس سرهما. و

على ذلك ال يبقى دليل على الترجيح بموافقة عموم الكتاب و ظاهره. لكنه يندفع أوال: بأن االستبعاد المذكور ال يكفي في الخروج عن إطالق المخالفة في نصوص الترجيح المتقدمة. و ال سيما مع مقابلتها بالموافقة في المقبولة و الصحيح

و مرسل الكليني، مع وضوح صدق الموافقة للكتاب بموافقة عمومه.و ثانيا: بأن ذلك ال يناسب تأخير الترجيح بموافقة الكتاب عن الترجيح

587، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج بشهرة الرواية، مع وضوح أن شهرة الرواية إنما تقتضي القطع بالصدور، و مخالفة

الكتاب بنحو التباين توجب القطع ببطالن المضمون، فال معنى لتأخير الترجيح بها عن الترجيح بالشهرة ... إلى غير ذلك مما يظهر بالتأمل، و يلزم بحمل المخالفة في

نصوص الترجيح على ما يعم المخالفة بالعموم و الخصوص و اإلطالق و التقييد و نحوها مما ال يخرج به الخبر عن عموم الحجية ذاتا، و يصلح ألن يكون مرجحا بين

الحجتين.الرابع: موافقة السنة.

و ينحصر الدليل على الترجيح بها بمقبولة ابن حنظلة، بناء على ما هو الظاهر من ابتناء ضمها للكتاب على مرجحية كل منهما استقالال، بلحاظ مرجعيتهما لألمة في التشريع. كما قد يناسبه فرض السائل بعد ذلك أخذ الفقيهين الحكم من الكتاب و

السنة، مع وضوح إرادة األخذ منهما في الجملة، و لو باألخذ من أحدهما فقط،النحصار الدليل به.

و المنصرف منها و إن كان هو خصوص سنة النبي صلى الله عليه و آله، إال أنه ال يبعد إلحاق سنة األئمة عليهم السالم بها، لرجوعها إليها و قيامها مقامها في

المرجعية لألمة.

Page 333: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الخامس: مخالفة العامة. و يدل على الترجيح بها جميع النصوص السابقة. و ربما يستدل بغيرها من ما ال

ملزم بإطالة الكالم فيه بعد وفاء ما سبق بالترجيح المذكور، المعتضد بمعروفيته بين األصحاب، و جريهم عليه بنحو يقرب تحقق اإلجماع منهم، حيث يبعد جدا مخالفتهم

لمفاد هذه النصوص، مع كثرتها و معروفيتها بينهم، و قرب مضامينها ألذواقهم، ولظرف صدور الروايات.

لكن قال المحقق في المعارج بعد االستدالل للمرجح المذكور بالرواية: »و هو إثبات لمسألة علمية بخبر واحد. و ما يخفى عليك ما فيه. مع أنه قد طعن

فيه فضالء من الشيعة، كالمفيد و غيره«.588، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و هو كما ترى الستفاضة النصوص بذلكبنحو يبعد عدم صدور شيء منهاو موافقته لالعتبار. و كون المسألة علمية ال تثبت بخبر الواحد مبني على ما اشتهر من عدم ثبوت المسألة األصولية باألدلة الظنية، و هو مختص بأصول الدين االعتقادية، دون

أصول الفقه التي هي عملية، كالمسائل الفقهية. و أما طعن المفيد فكأن مراده به ما ذكره في تعقيب المرسل المتقدم منه، حيث

قال: »و إنما المعنى في قولهم عليهم السالم: خذوا بأبعدها من قول العامة يختص بما روي عنهم في مدائح أعداء الله، و الترحم على خصماء الدين و مخالفي

اإليمان، فقالوا عليهم السالم: إذا أتاكم عنا حديثان مختلفان أحدهما في قول ]تولي. ظ[ المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السالم و اآلخر في التبري منهم، فخذوا بأبعدها من قول العامة، ألن التقية تدعوهم بالضرورة إلى مظاهرة العامة

بما يذهبون إليه من أئمتهم«.و هو كما ترى تكلف ال مجال لحمل النصوص عليه، خصوصا المقبولة.

على أنه لو تم إرادة ذلك منها، فإلغاء خصوصية موردها و التعدي إلى ما نحن فيه هو األنسب بالعلة االرتكازية التي أشار إليها و التي تضمنتها النصوص. فال ينبغي

التأمل في المرجح المذكور. بل ال يظن بالمفيد و المحقق قدس سرهما الخروج عنه في فقههما. و كأن ما سبق منهما مبني على تدقيقات و تمحالت تقتضيها طبيعة

البحث و ظروفه من دون أن تبلغ مقام العمل. بل حاول المحقق الخراساني قدس سره تخريج المرجح المذكور على القاعدة

بإرجاعه إلى تمييز الحجة عن الالحجة، دون الترجيح بين الحجتين، ليحتاج للنصوص الخاصة، بتقريب: أن أصالة الجهة ال تجري في الخبر الموافق لهم بعد الوثوق

بصدور الخبر المخالف، للوثوق حينئذ بصدوره تقية.و ما ذكره و إن لم يخل عن وجه، إال أنه ال يبلغ من الوضوح حدا يستغنى

589، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج معه عن األدلة الخاصة، من األخبار، و اإلجماعالقولي أو العمليأو نحوها من األدلة

التعبدية. بل قد تنافيه نصوص الترجيح، لظهورها في تأخر المرجح المذكور عن الترجيح بموافقة الكتاب، التي سبق االكتفاء فيها بموافقة ظواهره من عموم أو

نحوه. و إن كان األمر غير مهم بعد عدم ظهور أثر عملي للنزاع المذكور.بقي شيء

Page 334: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و هو أن ظاهر نسبة الموافقة و المخالفة للعامة هو مخالفتهم بما أنهم جماعة قائمة، و ال يتم ذلك إال مع اتفاقهم، أو شهرة الحكم بينهم شهرة يكون بها المخالف

منهم شاذا عنهم. إال أن فرض موافقة الخبرين المتعارضين و مخالفتهما لهم في المقبولة و المرفوعة يناسب العموم لمخالفة بعضهم ممن يعتد به، و ال يكون شاذا

عنهم عرفا. و هو المناسب الرتكاز ابتناء المرجح المذكور على مراعاة احتمال التقية في الموافق، فإنه يجري في فرض كون أحد الخبرين موافقا لبعضهم و اآلخر

مخالفا لهم بأجمعهم. كما ال يفرق في البعض بين أن يكون معاصرا لصدور الخبر الموافق أو المخالف و

كونه سابقا عليه، و ال بين كونه منتسبا للسلطانبقضاء و نحوه- و غيره، عمالباإلطالق.

بل مقتضى فرض موافقة الخبرين للعامة في المقبولة، ثم األمر فيها بترك ما حكامهم و قضاتهم إليه أميل، كون المراد من موافقة البعض ما يعم موافقة غير

الحكام و القضاة. مضافا إلى عموم الجهة االرتكازية لمنشا الترجيح، لما هو المعلوم من فتح باب

االجتهاد عندهم في العصور السابقة بمصراعيه، فتتأدى التقية بموافقة أي منهم، وال تتميز الطائفة عنهم إال بمخالفة إجماعهم أو الشهرة المساوقة له.

590، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جنعم يقصر اإلطالق عن أقوالهم الحادثة بعد صدور الخبر، لعدم تأدي التقية بها.

و منه يظهر عدم الخصوصية للمذاهب األربعة، ألن الحصر بها قد فرض عليهم بعد الغيبة. بل بعضها قد حدث في أواخر عصور ظهور األئمة عليهم السالم، و ربما كان

قبل ذلك ما هو األشيع منها، و أجل قائال عندهم.السادس: اإلجماع.

ففي االحتجاج: »و روي عنهم عليهم السالم أيضا أنهم قالوا: . و«1 »إذا اختلف أحاديثنا عليكم فخذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا، فإنه ال ريب فيه«

ظاهر االجتماع هنا هو االجتماع على العمل بالخبر، الذي هو عبارة عن اإلجماع على الفتوى. و حيث كان ذلك من القرائن القطعية على مطابقة مضمون الخبر الموافق له للواقع دون اآلخر، فيخرجان به عن موضوع الحجية و الترجيح. و يرجع الخبر إلى

تمييز الحق من الباطل، ال إلى تمييز الحجة عن الالحجة، فضال عن الترجيح بين الحجتين. على أن ضعف الخبر مانع من التعويل عليه، فال ينفع لو كان مخالفا

للقواعد.السابع: األحدثية.

فقد تضمنت جملة من النصوص لزوم األخذ باألحدث، كخبر المعلى بن خنيس الذي ال يخلو عن اعتبار: »قلت ألبي عبد الله عليه السالم: إذا جاء حديث عن أولكم و

حديث عن آخركم بأيهما نأخذ؟فقال: خذوا به حتى يبلغكم عن الحي، فإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله. قال:

.«2 »ثم قال أبو عبد الله عليه السالم: إنا و الله ال ندخلكم إال في ما يسعكم« و خبر أبي عمرو الكناني: »قال لي أبو عبد الله عليه السالم: يا أبا عمرو أ رأيت لو

حدثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثم جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك______________________________

Page 335: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

، و االحتجاج ج:43 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 1 ) طبعة النجف األشرف.109 ص: 2.8 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 2 )

591، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جبخالف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخالف ذلك بأيهما كنت تأخذ؟ قلت:

بأحدثهما و أدع اآلخر. فقال: قد أصبت يا أبا عمرو. أبي الله إال أن يعبد سرا. أما و »الله لئن فعلتم ذلك إنه لخير لي و لكم. أبى الله عز و جل لنا في دينه إال التقية«

1». و مرسل الحسين بن المختار: عنه عليه السالم: »قال: أ رأيتك لو حدثتك بحديث

العام، ثم جئتني من قابل فحدثتك بخالفه، بأيهما كنت تأخذ. قال: كنت آخذ باألخير..«2 »فقال لي: رحمك الله«

.«3 »و مرسل الكليني: »و في حديث آخر: خذوا باألحدث« و لم يعرف من اعتمد هذا المرجح غير الصدوق في الفقيه في باب الرجلين يوصى

إليهما، حيث ذكر حديثا عن العسكري عليه السالم و آخر معارضا له عن الصادق عليه السالم، ثم قال: »لست أفتي بهذا الحديث، بل أفتي بما عندي بخط الحسن

بن علي عليه السالم. و لو صح الخبران جميعا لكان الواجب األخذ بقول األخير، كما أمر به الصادق عليه السالم، و ذلك أن األخبار لها وجوه و معان، و كل إمام أعلم

.«4 »بزمانه و أحكامه من غيره من الناس. و بالله التوفيق« و الذي ينبغي أن يقال: من الظاهر أن تأخر الزمان ال دخل له في أقربية الدليل

للواقع و كاشفيته عنه. و من هنا يمتنع حمل هذه النصوص على الترجيح إثباتا بينالخبرين، بلحاظ طريقيتهما للواقع، كما هو حال المرجحات السابقة.

و يتعين حملها على الترجيح ثبوتا بين الحكمين المحكيين بهمامن دون قصور في حجيتهمابلحاظ ورود األحدث لبيان الوظيفة الفعلية التي يدركها إمام الوقت، سواء كانت هي الحكم الواقعي الثانوي، لحدوث سبب التقية الرافع للحكم األولي المبين

بالدليل األسبق، أو لتبدل مقتضى التقية، أم______________________________

.9، 7، 17 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 3 و 2 و 1 ) طبع النجف األشرف.151 ص: 4( كتاب من ال يحضره الفقيه ج: 4 )

592، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج كانت هي الحكم األولي، الرتفاع سبب التقية التي كان الحكم المبين بالدليل األسبق

جاريا على مقتضاها. و يقتضيه قوله عليه السالم: »إنا و الله ال ندخلكم إال في ما يسعكم« و قوله عليه

السالم: »أبي الله إال أن يعبد سرا. أما و الله لئن فعلتم إنه لخير لي و لكم، أبى الله عز و

جل لنا في دينه إال التقية«. لمناسبتهما لتوجيه اختالف نفس الحكمين المحكيين بالدليلين، و فعلية الحكم األخير، ألن ذلك هو الذي يسع الشيعة في مقام العمل، و

يكون خيرا لهم، و يرجع إلى عبادة السر و التقية عمال. ال لتوجيه اختالف نفس الدليلين في بيان الواقع، الراجع للتقية في الفتوى التي هي من وظيفة المفتي، من

دون أن يجب العمل عليها واقعا.

Page 336: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

كما يناسبه ما تضمنه حديثا الكناني و الحسين من رجوع الراوي بطبعه للمرجح المذكور، إذ من الظاهر أن األمر االرتكازي هو العمل على الحكم األحدث الذي

يدركه إمام الوقت، ال ترجيح الحجة األحدث، بلحاظ كاشفيتها. و على ذلك فاختالف الحديثين في الحكم إن كان مع وحدة الحكم المحكي بهماو هو

الحكم األولي الثابت بأصل التشريع غير القابل للتبدل مع عدم النسخفالمتعين التكاذب بينهما و التعارض الذي هو موضوع المرجحات اإلثباتية المتقدمة، و ال مجال

معه للعمل باألحدث. و إن كان مع تعدد الحكم المحكي بهما، و هو الوظيفة الفعليةو إن كانت ثانوية

بسبب التقيةالتي تختلف باختالف األزمنة و األحوال، فال تكاذب بينهما و ال تعارض في الحقيقة، ليكونا موضوعا للمرجحات اإلثباتية المتقدمة، بل يتعين العمل على

األحدث منهما، كما تضمنته هذه النصوص. و مرجع ذلك إلى أن الترجيح باألحدثية اليجري مجرى سائر المرجحات، بل هو مختلف معها سنخا و موضوعا.

593، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج هذا و ال ريب في ظهور النصوص الواردة عن المعصومين عليهم السالم نوعا في

بيان الحكم الواقعي األولي الثابت في أصل التشريع غير القابل لالختالف في فرض عدم النسخ، بحيث يكون هو مورد السؤال و الجواب، دون الوظيفة الفعلية الثابتة

من أجل التقية و نحوها. كما يناسبه ما تضمنته كثير من النصوص من االستشهاد بالكتاب المجيد و بسنة

النبي صلى الله عليه و آله، و االستفسار من الراوي عن توجيه الحكم المبين على ما يناسبهما، و نصوص عرض أخبارهم عليهم السالم على الكتاب و السنة، و ضيق

الشيعة من اختالف النصوص، حتى صار سببا للتشكيك من بعض ضعاف البصائر في إمامة األئمة عليهم السالم، و جميع النصوص الواردة في عالج التعارض غير هذه

النصوص. و كذا النصوص الحاثة على التقية، لظهورها في كون التقية حالة استثنائية يدركها المكلف يخرج بسببها عن مقتضى األحكام األولية المتحصلة له من األدلة ... إلى

غير ذلك مما يوجب وضوح الظهور النوعي المذكور بحيث يكون عليه العمل بدوا. و حينئذ يتعين البناء على تعارض النصوص المختلفة في بيان حكم الموضوع الواحد،

و كونها موضوعا للترجيحات اإلثباتية المتقدمة، دون الترجيح باألحدثية، نظير ماسبق في مباحث الجمع العرفي من عدم التعويل على احتمال النسخ.

كما يتعينألجل ذلكحمل نصوص الترجيح باألحدثية على ما إذا احتف الكالم بما يناسب حمله على بيان الوظيفة الفعلية و لو كانت ثانوية، كالقطع بعدم كون

مضمونه هو الحكم األولي، مع ظهور الخطاب به في الجدية المستتبعة للعمل، نظيرما ورد من أمر اإلمام الكاظم عليه السالم علي بن يقطين بوضوء

594، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج العامة، حيث أدرك علي أن األمر المذكور ثانوي، لمخالفته لما عليه إجماع العصابة

. و كظهور تعمد الخالف من قبل«1 »في كيفية الوضوء، كما صرح به في الخبر اإلمام عليه السالم في بيان حكم الواقعة، كما تضمنه غير واحد من النصوص، منها

حديثا الكناني و الحسين المتقدمان المفروض فيهما تعدد الجواب مع وحدة

Page 337: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

السائل ... إلى غير ذلك. و هو المناسب لما تضمنه الخبران المذكوران من ترجيحالراوي األحدث بطبعه، كما أشرنا إليه آنفا.

نعم ذلك ال يناسب إطالق خبر المعلى الشامل الختالف الحديثين المحكيين عن اإلمامين، و الظاهرين في أنفسهما في بيان الحكم األولي، الذي سبق أنه مقتضى

الظهور النوعي. و ال سيما مع ظهور تحير السائل في الوظيفة، مع أن الرجوع لألحدث بعد فرض ظهور الحديث في بيان الوظيفة الفعليةو إن كانت ثانويةأمرا

ارتكازيا ال يحتاج إلى سؤال، حيث يتعين كون منشأ سؤاله ظهور الحديثين في بيانالحكم األولي الموجب للتعارض و التحير.

و ال مجال لحمله على الترجيح بين الخبرين الحجتين إثباتا باألحدثية، لعدم مناسبتهلقوله عليه السالم فيه: »إنا و الله ال ندخلكم إال في ما يسعكم«.

بل يكون الخبر المذكور كاشفا عن حال اختالف األخبار، و أنه ليس راجعا إلى تعارض الحجتين إثباتا في الحكم الواحد، كما هو مقتضى ظهورها البدوي، بل إلى

تعدد الحكم ثبوتا بلحاظ العناوين الثانوية القابلة للتبدل، و الذي يلزم معه األخذ باألحدث، و الجري عليه حتى يصدر خالفه من إمام الوقت الذي هو محيط بحكمه، و

عليه التنبيه له. و بعبارة أخرى: الخبر المذكور رادع عن مقتضى الظهور األولي للنصوص، و كاشف

عن أن اختالفها ليس راجعا إلى اختالفها إثباتا في بيان______________________________

.3 من أبواب الوضوء حديث: 32 باب: 1( الوسائل ج: 1 )595، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الحكم األولي، بل إلى اختالف األحكام التي تضمنتها ثبوتا باختالف الطوارئ واألزمنة.

لكن ذلك مخالف للنصوص الكثيرة التي سبقت اإلشارة إليها، و التي تناسب ورود األخبار لبيان الحكم األولي. كما أنه معارض لنصوص العرض على الكتاب و السنة، و

اآلمرة بطرح ما خالفهما. لوضوح أنه لو كان الحكم الذي تضمنته النصوص ثانوياكان مقدما على حكم الكتاب و السنة.

و كذا الحال في نصوص الترجيح األخر و نصوص التخيير و التوقف، التي يتعذر حملها على خصوص صورة الجهل باألحدث، لندرتها في عصر حضور األئمة عليهم

السالم. بل الالزم التوقف عن الترجيح حتى مع الجهل باألحدث، لعدم صلوح المرجحات المذكورة لتشخيص الوظيفة الفعلية، المفروض اهتمامهم عليهم السالم

ببيانها. مضافا إلى ما هو المعلوم من سيرة األئمة عليهم السالم من عدم التصدي لبيان

الوظيفة الفعلية الثانوية في حق جميع الشيعة بنحو تتجدد البيانات العامة منهم عليهم السالم باختالف المناسبات و الظروف. بل البناء على العمل باألحكام األولية

المستفادة من األدلة، و إيكال تشخيص الوظيفة الثانوية من حيثية التقية في حق كل شخص إليهكما يشخصها من سائر الجهات، كالحرج و الضررالختالفها باختالف

األشخاص و الظروف و المناسبات بنحو غير منضبط عادة. و لذا ورد الحث على التقية، مع وضوح االستغناء عن ذلك لو كان بيان الحكم على

ما يناسبها من وظيفة اإلمام عليه السالم. و إنما صدر منهم عليه السالم في

Page 338: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

مناسبات نادرة تشخيص الوظيفة الثانوية في حق بعض األشخاص و خطابهم على و غيرهما.«1 »طبقها، كما في قضيتي علي بن يقطين و داود بن زربي

______________________________ من أبواب الوضوء.32 باب: 1( راجع الوسائل ج: 1 )

596، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و من أجل ذلك ال مجال للتعويل على خبر المعلى، و ال سيما مع ظهور إعراض

األصحاب عنه، حتى في عصر ظهور األئمة عليهم السالم، ألن الجري عليه موجبالنقالب مقاييس الفقه بنحو ال يخفى عادة.

فال بد من حمله على ظروف خاصة، أو بيانات خاصة، نظير ما سبق في حديثي الكناني و الحسين، و ال يتخذ قاعدة عامة للعمل عليها، و ال سيما في عصر الغيبة

المتطاول، الذي يعلم بعدم بقاء مقتضى التقية فيه على النحو الذي بدأ.و الله سبحانه العالم. و منه سبحانه نستمد العون و التسديد.

الثامن: موافقة االحتياط. و قد انفردت بالترجيح بها مرفوعة زرارة التي سبق عدم نهوضها باالستدالل. فال

يهم مع ذلك تحقيق المراد بالموافقة و المخالفة له، و أنه كيف يمكن تحققهما معافي المتعارضين، كما تضمنته المرفوعة.

و قد تحصل من جميع ما سبق: أن المرجحات المنصوصة تنحصر بالشهرة في الرواية، و موافقة الكتاب و السنة، و مخالفة العامة. و هي التي اقتصر عليها

الكليني قدس سره، و أن ما عداها إما ال تنهض نصوصه بإثباته، أو خارج عما نحنفيه من الترجيح بين الحجتين.

األمر الثاني: في التعدي عن المرجحات المنصوصة. ال يخفى أن مقتضى األصل التعدي عن المرجحات المنصوصة، بناء على أن المرجع

مع عدم الترجيح هو التخيير، من دون أن يكون لدليل التخيير إطالق يقتضي االقتصار في الخروج عنه على المرجحات المنصوصة، حيث يتعين حينئذ االقتصار

على محتمل الرجحان، ألنه متيقن الحجية، على تفصيل ال يسعه المقام.597، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

أما لو كان لدليل التخيير إطالقبالنحو المذكورفالمتعين عدم التعدي عن المرجحات المنصوصة إال بدليل. و كذا بناء على التساقط مع فقد المرجح، ألصالة عدم حجية

الواجد لجهة الرجحان غير المنصوصة. و كيف كان فالمعروف عن جماعة من األصحاب التعدي عن المرجحات المنصوصة لكل مزية، و نسب شيخنا األعظم قدس سره إلى جمهور المجتهدين عدم االقتصار

على المرجحات الخاصة. بل نسب في آخر تنبيهات دليل االنسداد لبعض مشايخه استظهار االتفاق على الترجيح بكل ظن. و قال في مبحث الترجيح: »ادعى بعضهم

اإلجماع، و عدم ظهور الخالف، على وجوب العمل بالراجح من الدليلين، بعد أنحكى اإلجماع عليه عن جماعة«.و قد يستدل على ذلك بوجهين:

األول: اإلجماع المدعى فيما سبق،

Page 339: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

فقد ذكر شيخنا األعظم قدس سره في آخر تنبيهات دليل االنسداد أن تتبع كلماتهم يوجب الظن القوي، بل القطع بأن بناءهم على األخذ بكل مزية، حيث يظهر منه أن

قوة البناء على ذلك من جهة اإلجماع. لكن ال مجال لدعوى اإلجماع، فضال عن االستدالل به، بعد ما سبق من عدم نهوض

اإلجماع باالستدالل على أصل الترجيح، و بعد ظهور كالم الكليني المتقدم في االقتصار على المرجحات المنصوصة. بل لعله مذهب جميع القدماء الذين ال طريق

لمعرفة آرائهم إال النصوص التي يثبتونها في كتبهم. و ال سيما مع ظهور اعتماد بعض من صرح بالتعدي عن المرجحات المنصوصة على

بعض الوجوه االعتبارية التي ال تنهض باالستدالل، بنحو ال يناسب ابتناء ذلك منهمعلى تعبد شرعي يستكشف بإجماعهم.

و من ثم أنكر ذلك غير واحد من المتأخرين، خصوصا المحدثين. قال598، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

في الحدائق: »و قد ذكر علماء األصول من وجوه الترجيحات في هذا المقام بما ال يرجع أكثره إلى محصول. و المعتمد عندنا على ما ورد عن أهل بيت الرسول من

األخبار المشتملة على وجوه الترجيحات ...«.الثاني: نصوص الترجيح،

فقد ادعى شيخنا األعظم قدس سره ظهور بعض الفقرات فيها في الترجيح بكلمزية.

منها: الترجيح باألصدقية و األوثقية، بدعوى: قضاء المناسبات االرتكازية بأن اعتبارهما ليس تعبديا محضا، كاعتبار األعدلية و األفقهية، بل ألن الخبر الواجد لهما

أقرب للواقع، فيتعدى لكل ما يوجب أقربية أحد المتعارضين من اآلخر. و فيهمضافا إلى ما سبق من عدم ثبوت الترجيح بالصفات-: أن المناسبات

االرتكازية تقضي بكون منشأ الترجيح األقربية نوعا بنظر الشارع، ال األقربية الشخصية أو النوعية بنظر المكلف، ليتعدى عن موردها لكل ما هو األقرب بنظره،

كما هو المدعى. نظير ما تضمن حجية خبر الثقة أو الصادق، حيث يبتني ارتكازا على القرب نوعا بنظر الشارع، ال على القرب شخصا أو نوعا بنظر المكلف، ليتعدى

منه لحجية كل ما يوجب الظن. و منها: تعليل الترجيح بالشهرة في المقبولة بقوله عليه السالم: »فإن المجمع عليه

ال ريب فيه« بدعوى: أن نفي الريب في المشهور ليس بنحو اإلطالق و من جميع الجهات و هي الصدور و الداللة و الجهة، بل إضافي، بمعنى أن المشهور ال ريب فيه بالنسبة للشاذ، ألن جهة الريب في الشاذ غير حاصلة فيه، فيفيد الترجيح بكل مزية في أحد الخبرين، ألن في فاقد المزية منشأ الحتمال مخالفة الواقع غير موجود في

واجدها. و فيه: أن مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي حمل نفي الريب في المجمع عليه

على نفيه من حيثية الصدور فقط، و مقتضى عموم التعليل التعدي عن599، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

اإلجماع إلى كل ما يوجب عدم الريب في صدور أحد الخبرين من القرائن، ال التعدي إلى كل مزية من حيثية الصدور و إن لم توجب نفي الريب فيه، فضال عن

التعدي لكل مزية و لو من غير جهة الصدور.

Page 340: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و منها: تعليل ترجيح الخبر المخالف للعامة بأن الحق و الرشد في خالفهم، و أن ما وافقهم فيه التقية، فإن هذه كلها قضايا غالبية ال دائمية، فيدل بمقتضى التعليل على

وجوب ترجيح كل ما كان معه أمارة الحق و الرشد، و ترك ما فيه مظنة مخالفةالحق.

و فيه أوال: أنه ال مانع من االلتزام بأنها قضايا دائمية في خصوص المتعارضين التي تصل النوبة فيهما للترجيح بمخالفة العامة. و لو كانت غالبية فلعل الغلبة بمرتبة ال

يعتد معها باحتمال الخالف، و ذلك ال يقتضي التعدي لكل مزية توجب األقربية للواقعو إن كانت ضعيفة.

و ثانيا: أن ما تضمن التعليل بأن الحق في خالفهم هو المرفوعة، التي سبق عدم نهوضها باالستدالل. و أما المقبولة فقد تضمنت الحكم بأن ما خالف العامة ففيه الرشاد، ال التعليل بذلك، و ظاهره أنه دائمي واقعي، فإن ثبت خالفه تعين حمله

على كونه دائميا ظاهريا، ألنه الصالح ألن يترتب عليه العمل، دون الغالبي الواقعي. و أما ما تضمن أن ما وافقهم فيه التقية، فلم أعثر عليه عاجال. نعم ورد أن ما يشبه

. لكنه ليس من أخبار التعارض. على أنه ليس بلسان«1 »قول الناس فيه التقيةالتعليل.

قال قدس«2 »و منها: قوله صلى الله عليه و آله: »دع ما يريبك إلى ما ال يريبك« سره: »دل على أنه إذا دار أمر بين أمرين في أحدهما ريب ليس في اآلخر ذلك

الريب يجب األخذ______________________________

.46 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).56 من أبواب صفات القاضي حديث: 12 باب: 18( الوسائل ج: 2 )

600، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جبه، و ليس المراد نفي مطلق الريب، كما ال يخفى«.

و فيهمع إرسال الخبرأنه ال شاهد على حمله على نفي الريب باإلضافة لخصوص بعض الجهات، بل ظاهره النفي الحقيقي بنحو السالبة الكلية، و ال سيما مع عدم كونه من نصوص التعارض، ليتوهم حمله على النفي اإلضافي، لدعوى ندرة خلو الخبر من الريب بنحو السالبة الكلية. و لذا عده هو قدس سره و غير واحد من

نصوص االحتياط التي يحتج بها لألخباريين. هذا كله مضافا إلى إباء نصوص الترجيح الحمل على ذلك بعد ما تضمنته من

الترتيب بين المرجحات، و االقتصار على قليل منها، و إطالق األمر باألخذ بالواجد لجهة الرجحان المنصوصة، من دون تنبيه إلى أنه قد يعارض بجهة غير منصوصة في

الخبر اآلخر. كما قد تأباه نصوص التخيير و التوقف، لندرة التساوي بين الخبرين من جميع

الجهات. و ليس هو كتقييدها بالمرجحات المنصوصة، لكثرة موارد تساوي الخبرين من حيثيتها، و قرب االعتماد في اإلطالق على وضوح بعضها، الرتكازية أو ظهور

مرجحيته. و من ثم يتعين االقتصار على المرجحات المنصوصة، و عدم التعدي عنها.األمر الثالث: في الترتيب بين المرجحات.

بعد ما سبق من االقتصار على المرجحات المنصوصة، تعبدا بظاهر أدلتها، فالالزم التعبد بظاهرها أيضا في الترتيب بين المرجحات. و من الظاهر أن أخص نصوص

Page 341: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الترجيح هو مقبولة ابن حنظلة، الستيفائها جميع المرجحات، و هي تقتضي الترجيح أوال بشهرة الرواية، ثم بموافقة الكتاب و السنة، من دون ترتيب بينهما، ثم بمخالفة

العامة، ثم بمخالفة ما حكامهم و قضاتهم إليه أميل، فيلزم العمل عليها، و تقييدإطالق النصوص المقتصرة على بعض المرجحات بها.

601، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و أما ما استظهره المحقق الخراساني قدس سره من كون المقبولةكسائر أخبار

الترجيحبصدد بيان مرجحية المرجحات المذكورة فيها، من دون نظر للترتيب بينها، لبعد تقييد نصوص الترجيح الكثيرة بما فيها. فهو كما ترى، لعدم كثرة نصوص

الترجيح المعتبرة المقتصر فيها على بعض المرجحات. مع أن ذلك ال يصحح الخروج عن ظاهر الترتيب في المقبولة. و ليس تقييد نصوص الترجيح بها بأصعب من رفع اليد عن ظهور تلك النصوص في انحصار الترجيح بما تضمنته من المرجح، بحيث ال تزاحمه المرجحات األخرى التي تضمنتها المقبولة و

غيرها. بل الزم ما ذكره إهمال كال المرجحين عند التزاحم بينهما، و هو أكثر تخصيصاإلطالقات الترجيح من الترتيب بينها.

و ال سيما مع اعتضاد المقبولةفي الجملةبصحيح عبد الرحمن المتضمن تقديم موافقة الكتاب على مخالفة العامة، و تأيدها بمرفوعة زرارة المتضمنة تقديم

الشهرة على مخالفة العامة. مضافا إلى احتمال كون إهمال بعض المرجحاتكالشهرة في الرواية- في بعض

النصوص لوضوح حالها، بنحو يكون كالقرينة على فرض التكافؤ فيها. و احتمال كون االقتصار في بعضها على مخالفة العامة بسبب كونه المرجح المهم الذي يكثر

االبتالء به، و يغلب كونه منشأ لالختالف بين النصوص. و أما ما تضمنه مرسل المفيد من تقديم موافقة الكتاب على الشهرة في الرواية.

فال مجال للخروج به عما سبق بعد ضعفه، و احتمال االضطراب فيه بسبب نقلهبالمعنى.

هذا و أما بناء على التعدي عن المرجحات المنصوصة، فحيث يبتني التعدي عنها على إلغاء خصوصيتها، فال بد معه من إلغاء خصوصية الترتيب بينها. و حينئذ ربما

يدعى الترتب الطبعي بينها بما ال مجال للتعويل عليه، و ال إلطالة الكالم فيه، بعد ماسبق من ضعف المبنى المذكور.

603، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالفصل الثاني في التعادل

و هو يكون مع عدم الترجيح، إما للبناء على عدم ثبوته، أو لعدم حصول المرجحاتالمعتبرة.

و قد يظهر من المرتضى في الذريعة الحكم معه بالتخيير، و به صرح غير واحد، كالكليني في كالمه المتقدم، و الشيخ في االستبصار، و العالمة في المبادي و

غيرهم. و نسبه شيخنا األعظم قدس سره و غيره للمشهور، كما نسبه هو لجمهورالمجتهدين، بل في المعالم و عن غيره: »ال نعرف في ذلك من األصحاب مخالفا«. و حيث سبق أن األصل التساقط لقصور إطالقات الحجية عن شمول المتعارضين، فال بد من البناء على التخيير من المخرج عنه، و هو النصوص التي استدل بها غير

واحد، منهم الكليني في كالمه المتقدم، و الشيخ في االستبصار.

Page 342: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

فالالزم النظر فيما يمكن االستدالل به منها، و هو عدة نصوص. ]نصوص التخيير[

األول: موثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السالم: »سألته عن رجل اختلف عليه رجالن من أهل دينه في أمر كالهما يرويه، أحدهما يأمره بأخذه، و اآلخر ينهاه عنه، كيف يصنع؟ قال:

بدعوى: ظهور السعة«1 »يرجئه حتى يلقى من يخبره، فهو في سعة حتى يلقاه«في السعة في العمل على طبق الروايتين.

و فيه أوال: أن ظاهر السعة السعة في البقاء على الجهل مع فرض العلم اإلجماليبالتكليف المردد بين الوجوب و الحرمة، و أن العلم المذكور و إن كان

______________________________.5 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 1 )

604، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج منجزا بنحو يقتضي الفحص، إال أن المكلف في سعة من الجهل في زمن الفحص

إلى أن يلقى من يبين له الحق و يرفع جهله، و هو أجنبي عن التخيير في مقامالعمل.

و لو سلم أن المراد السعة في العمل، فالمتيقن منه السعة من حيثية الخبرين، بمعنى أن كال منهما ال ينجز مضمونه في حقه، الذي هو مرجع التساقط، ال السعة

في العمل على طبقهما، بحيث ال يجوز الخروج عنهما، الذي هو مرجع التخييرالمدعى.

و ثانيا: أن ظاهر الحديث فرض اختالف المفتيين في حق المستفتي، ال اختالف الروايتين في حق المفتي الذي هو محل الكالم. و التخيير في األول ال يستلزم

التخيير في الثاني. و مجرد استناد المفتيين للرواية ال يستلزم التخيير بين الروايتين.الثاني: صحيح علي بن مهزيار:

»قرأت في كتاب لعبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السالم: اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله عليه السالم في ركعتي الفجر في السفر، فروى

بعضهم أن صلهما في المحمل. و روى بعضهم: ال تصلهما إال على األرض، فأعلمنيكيف تصنع أنت ألقتدي بك في ذلك؟

بدعوى ظهوره في حجية كل«1 »فوقع عليه السالم: موسع عليك بأية عملت«منهما تخييرا.

و فيه: أن السؤال لما كان عن الحكم الواقعي، الذي عليه عمل اإلمام عليه السالم، فظاهر الجواب هو السعة الواقعية، البتناء اختالف الروايتين على االختالف في

الفضل، ال على التعارض و التكاذب بينهما. و ال مجال لحمله على السعة الظاهريةالراجعة للتخيير في العمل على طبق إحدى الروايتين المتعارضتين،

______________________________.8 من أبواب القبلة حديث: 15 باب: 3( الوسائل ج: 1 )

605، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج التي هي محل الكالم. و ال سيما مع عدم مناسبته لوظيفة اإلمام عليه السالم

المطلع على الحكم الواقعي في مورد السؤال.الثالث: مكاتبة الحميري إلى صاحب الزمان »عجل الله فرجه«

Page 343: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

التي رواها الشيخ في كتاب الغيبة بطريق معتبر، و الطبرسي في االحتجاج مرسال: »تسأل لي بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد األول للركعة الثالثة هل

يجب عليه أن يكبر، فإن بعض أصحابنا قال: ال يجب عليه التكبير و يجزيه أن يقول: بحول الله و قوته أقوم و أقعد. الجواب قال: إن فيه حديثين، أما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير، و أما اآلخر فإنه روي: أنه إذا رفع

رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه للقيام بعد القعود تكبير. و كذلك التشهد األول يجري هذا المجرى. و بأيهما أخذت من باب التسليم كان

.«1 »صوابا« و تقريب داللتها بعين ما سبق في صحيح ابن مهزيار. كما يظهر الجواب بمالحظة ما

سبق، حيث يتضح به ظهور التخيير في المقام في السعة الواقعية، لظهور حال السائل في السؤال عن الحكم الواقعي، و لعدم التعارض بين الروايتين بعد كون

الثانية أخص مطلقا، غاية األمر كشف المكاتبة عن عدم تخصيص الثاني لألول، بلرجوع نفي التكبير إلى خفة مطلوبيته مع بقاء مشروعيته.

الرابع: مرسل الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السالم: »قال: إذا سمعت من أصحابك الحديث و كلهم ثقة

.«2 »فموسع عليك حتى ترى القائم فترد إليه«و استشكل فيه بعض مشايخنا بأن مفاده حجية أخبار الثقات، من دون

______________________________ طبع232. و الغيبة ص: 8 من أبواب السجود حديث: 13 باب: 4( الوسائل ج: 1 )

النجف األشرف..41 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 2 )

606، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جنظر إلى فرض تعارضها الذي هو محل الكالم.

لكنه ال يناسب التعبير بالسعة، ألن الحجية كما تقتضي التعذير تقتضي التنجيز المستتبع للضيق، بخالف التخيير بين الخبرين في فرض حجيتهما ذاتا، فإنه نحو من

السعة. و ال سيما مع قوله عليه السالم: »و كلهم ثقة« لظهوره في دخل وثاقة الكل بنحو المجموع في الحكم بالسعة، مع أن حجية كل خبر منوطة بوثاقة راويه فقط، و الذي يناط بوثاقة الكل هو السعة مع التعارض، إذ مع وثاقة البعض ال غير

يتعين العمل بروايته. و أما احتمال كون المراد السعة من حيثية تلك الروايات، بمعنى أنها ال تصلح للتخيير

بسبب التعارض، الذي هو مرجع التساقط، ال السعة في العمل على طبقها، الذيهو مرجع التخيير، نظير ما تقدم في موثق سماعة.

فيدفعه أن ذلك ال يناسب التنبيه على وثاقة الراوي المناسبة لحجية روايته، بخالف موثق سماعة، حيث لم يتضمن ذلك، بل تضمن فرض التعارض المناسب للتساقط.

فاإلنصاف أن داللة المرسل على التخيير قريبة جدا، و ال أقل من إشعاره به بنحويصلح للتأييد.

الخامس: مرسل الحسن بن الجهم

Page 344: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

عن الرضا عليه السالم: »قلت: يجيئنا الرجالن و كالهما ثقة بحديثين مختلفين، و ال . و لعله أظهر«1 »نعلم أيهما الحق. قال: فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت«

نصوص التخيير داللة. و ال سيما بلحاظ التقييد فيه بعدم العلم بما هو الحق من الخبرين، حيث ال يكون بذلك منافيا لنصوص الترجيح الصالحة للتعبد بتعيين ما هو الحق منهما، بل يكون

محكوما لها حكومة عرفية.السادس: ما أرسله الكليني في كالمه

المتقدم في أول الكالم في______________________________

.40 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 1 )607، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الترجيح، و بعد ذكره لموثق سماعة السابق، حيث قال: »و في رواية أخرى:.«1 »بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك«

السابع: مرفوعة زرارة المتقدمة في نصوص الترجيح، حيث تضمنت التخيير بعد فرض عدم المرجح ألحد

الخبرين حتى باالحتياط.الثامن: الرضوي:

»و النفساء تدع الصالة أكثره مثل أيام حيضها و هي عشرة أيام، و تستظهر بثالثة أيام ثم تغتسل، فإذا رأت الدم عملت كما تعمل المستحاضة. و قد روي: ثمانية

عشر يوما. و روي: ثالثة و عشرين يوما. و بأي هذه األحاديث أخذه ]أخذت. ظ[ من . و هو و إن كان واردا في مورد خاص، إال أن إلغاء«2 »جهة التسليم جاز«

خصوصية مورده قريب جدا، الشتمال المورد على أحكام الزامية مهمة. فالعمدة في وهن االستدالل به عدم ثبوت نسبته لإلمام عليه السالم. مضافا إلى أن

اإلرجاع للتخيير في الواقعة الشخصية ال يناسب وظيفة اإلمام المطلع على حكمهاالواقعي.

كما أن ما دل من النصوص السابقة على التخيير ضعيف ال ينهض باالستدالل حتى بلحاظ التعاضد، لعدم كثرة النصوص المذكورة، ينحو يمنع من احتمال عدم صدور

مضامينها أو احتفافها بما يمنع من استفادة التخيير منها من القرائن الحالية والمقالية.

و لو سلم نهوضها في أنفسها باالستدالل فهي معارضة بنصوص أخر ظاهرة فيالتوقف و اإلرجاء، فينبغي النظر فيها أوال، ثم في الجمع بينها و بين

______________________________.6 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 1 ) من أبواب صفات القاضي حديث:9. مستدرك الوسائل باب: 21( الرضوي ص: 2 )

. و قد حذف بعضه.12608، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

نصوص التخيير. و هي جملة من النصوص. ]نصوص التوقف[

األول: مقبولة ابن حنظلة

Page 345: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

المتقدمة في نصوص الترجيح، حيث قال عليه السالم في ذيلها بعد فرض التعادل: »إذا كان ذلك فأرجئه حتى تلقى إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من

االقتحام في الهلكات«. و مقتضى التعليل فيها بأن الوقوف عند الشبهة خير من االقتحام في الهلكة إلغاء

خصوصيتي القضاء و زمان الحضور، لظهوره في عدم حجية كل من الخبرين بسببالتعارض و عدم المرجح المستلزمين الشتباه األمر.

على أن االختصاص بزمان الحضور إنما ينفع لو أمكن حمل نصوص التخيير علىزمان الغيبة، و هو متعذر، الستلزامه تخصيص المورد.

»الثاني و الثالث«: ما عن مستطرفات السرائر عن كتاب مسائل الرجال لعلي بنمحمد:

»إن محمد بن علي بن عيسى كتب إليه يسأله عن العلم المنقول إلينا عن آبائك و أجدادك عليهم السالم قد اختلف علينا فيه، فكيف العمل به على اختالفه، أو الرد إليك فيما اختلف فيه؟ فكتب عليه السالم: ما علمتم أنه قولنا فالزموه، و ما لم

.«2 » و نحوه مكاتبة داود بن فرقد الفارسي«1 »تعلموا فردوه إلينا« فإن مقتضى إطالقهما و إن كان هو التوقف حتى عن الترجيح، إال أنه ال يبعد

تقييدهما بنصوص الترجيح، و حملهما على التعادل. و على كل حال فهما معارضانلنصوص التخيير.

الرابع: مرسلة عوالي الآللي،حيث قال بعد ذكر المرفوعة: »و في رواية

______________________________.36 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 1 ) و بصائر10 من أبواب صفات القاضي حديث: 9( مستدرك الوسائل باب: 2 )

طبعة النجف األشرف.534 ص: 26 حديث: 2 باب: 10الدرجات ج: 609، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

.«1 »أنه عليه السالم قال: إذن فأرجه حتى تلقى إمامك فتسأله« هذا و المتيقن من التوقف في هذه النصوص هو التوقف عن ترجيح أحد الخبرين، و عن العمل بهما، المساوق للتساقط، و لزوم الفحص مع تيسره، ثم الرجوع لألصل، أو غيره مما هو متأخر رتبة عن الخبرين المتعارضين. ال التوقف المطلق عن الفتوى و لو بالحكم الظاهري، أو االحتياط في مقام العمل. إذ ال شاهد بحمل هذه النصوص

عليه. ]وجوه الجمع بين نصوص التخيير و نصوص التوقف[

ثم إنه قد وقع الكالم بينهم في وجه الجمع بين هذه النصوص و نصوص التخيير، و ذكروا وجوها كثيرة ال يسعنا استقصاؤها بعد كون جملة منها تبرعيا، أو ظاهر الوهن،

غير أنه ال بد من التعرض لبعضها. منها: حمل نصوص اإلرجاء على زمن الحضور، و حمل نصوص التخيير على زمن

الغيبة. بل قد يدعى القطع بعدم بناء الشيعة على التخيير في عصر الحضور، و أنهم يرجعون لألئمة عليهم السالم لمعرفة الحق، فال بد من حمل نصوصه على خصوص

عصر الغيبة، فيكون أخص من نصوص التوقف.

Page 346: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و فيه: أنه إن رجع إلى دعوى خصوصية زمن الحضور و الغيبة، فيظهر ضعفه مما سبق في االستدالل على اإلرجاء بالمقبولة من تعذر حمل نصوص التخيير على

خصوص زمن الغيبة، الستلزامه تخصيص المورد. و لو فرض القطع بعدم بناء الشيعة على التخيير في عصر الحضور، لزم البناء على

إجمال نصوصه، ال على حملها على عصر الغيبة بعد استلزامه ذلك. كما أن التعليل في المقبولة بأن الوقوف عند الشبهة خير من االقتحام في الهلكة

آب عن التخصيص عرفا.______________________________

.2 من أبواب صفات القاضي حديث: 9( مستدرك الوسائل باب: 1 )610، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و إن رجع إلى أن المعيار على التمكن من لقاء اإلمام عليه السالم، و معرفة الحكم الواقعي منه، و تعذر ذلك أو تعسره، الذي قد يكون في عصر الحضور أيضا- كما

جرى عليه شيخنا األعظم قدس سرهفهو جمع تبرعي خال عن الشاهد، ألن اشتمال بعض نصوص التوقف على جعل الغاية لقاء اإلمام ال يقتضي القدرة على لقائه.

كيف؟! و قد اشتملت بعض نصوص التخيير على ذلك أيضا.مضافا إلى ما سبق من إباء التعليل في المقبولة عن التخصيص عرفا.

و منها: حمل نصوص اإلرجاء على االستحباب و نصوص التخيير على الرخصة. و كأنهألنه المناسب للجمع العرفي بين األمر أو النهي و الترخيص.

و فيه: أنه ال يناسب التعليل في المقبولة. مع أن مرجع اإلرجاء إلى التساقط، و هوقد يكون أوسع عمال من التخيير.

و منها: حمل نصوص التخيير على ما إذا كان األمر أو النهي في أحد الخبرين أمر فضل و ندب، أو نهي إعافة و كراهة، فيحمل اإلذن في اآلخر على الرخصة، و يتخير

في العمل بينهما، و حمل نصوص التوقف على غير ذلك. و ال يخفى رجوعه إلى االستغناء عن نصوص التخيير في مقام العمل، إذ مع إحراز

كون األمر و النهي للندب و الكراهة يتعين التخيير عمال، من دون حاجة إلى خبر معارض مرخص، فضال عن نصوص التخيير الموسعة في العمل بأيهما. و مع الشك

فيه ال يحرز موضوعها. مضافا إلى أن التخيير يكون حينئذ عقليا واقعيا بين المؤديين،ال شرعيا ظاهريا بين الحجتين، و ال ريب في ظهور نصوص التخيير في الثاني.

نعم يتجه ما في الحدائق من االستدالل على هذا الوجه بما رواه الميثمي عن الرضا عليه السالم في خبر طويل رواه الصدوق في العيون في اختالف الحديث عن النبي

صلى الله عليه و آله و األئمة عليهم السالم. و قد تضمن صدره أن األوامر والنواهي الواردة في

611، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الكتاب و السنة تكون .. تارة: أوامر إلزام و فرض و نواهي تحريم و أخرى: أوامر فضل و ندب و نواهي إعافة و كراهة. و أن القسم األول ال يمكن الخروج عنه و ال

يقبل الحديث المخالف له، ألنهم عليهم السالم ال يستحلون ما حرم رسول الله صلى الله عليه و آله، و ال يحرمون ما استحل، بل هم تابعون له، كما كان هو صلى

الله عليه و آله تابعا لله تعالى، و أن الذي يسع استعمال الرخصة فيه هو القسمالثاني.

Page 347: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ثم قال عليه السالم: »فما كان عن رسول الله صلى الله عليه و آله نهي إعافة أو أمر فضل، فذلك الذي يسع استعمال الرخصة فيه إذا ورد عليكم عنا الخبر

]الخبران. عيون[ فيه باتفاق يرويه من يرويه في النهي و ال ينكره، و كان الخبران صحيحين معروفين باتفاق الناقلة فيهما، يجب األخذ بأحدهما، أو بهما جميعا، أو

بأيهما شئت و أحببت، موسع ذلك لك من باب التسليم لرسول الله صلى الله عليهو آله، و الرد إليه و إلينا.

و كان تارك ذلك من باب العناد و اإلنكار و ترك التسليم لرسول الله صلى الله عليهو آله مشركا بالله العظيم.

فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله، فما كان في كتاب الله موجودا حالال أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب، و ما لم يكن في الكتاب

فاعرضوه على سنن رسول الله صلى الله عليه و آله فما كان في السنة موجودا منهيا عنه نهي حرام و ]أو. عيون[ مأمورا به عن رسول الله صلى الله عليه و آله

أمر إلزام فاتبعوا ما وافق نهي رسول الله صلى الله عليه و آله و أمره. و ما كان في السنة نهي إعافة أو كراهة، ثم كان الخبر األخير خالفه فذلك رخصة فيما عافه رسول الله صلى الله عليه و آله و كرهه و لم يحرمه، فذلك الذي يسع األخذ بهما جميعا، و بأيهما شئت وسعك االختيار، من باب التسليم و االتباع و الرد

إلى رسول الله صلى الله عليه و آله. و ما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه، فنحن أولى بذلك، و ال تقولوا فيه ب آرائكم و عليكم بالكف، و

التثبت و الوقوف612، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

.«1 »و أنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا« و رجال سنده بين صحيح و موثق، عدا محمد بن عبد الله المسمعي الذي قال في

حقه الصدوق بعد رواية هذا الخبر: »كان شيخنا محمد بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه سيئ الرأي في محمد بن عبد الله المسمعي راوي هذا الحديث، و إنما أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب ألنه كان في كتاب الرحمة و قد قرأته عليه فلم ينكره، و

رواه لي«. و حيث إن سوء الرأي ال يخلو عن إجمال، إلمكان رجوعه لجهات ال تنافي

الوثاقةكالغلو و اعتماد المراسيلفال يخرج به عن ظاهر حال ابن الوليد في االعتماد على حديثه، حيث لم يستثنهكما قيلمن رجال كتاب نوادر الحكمة. و ال سيما مع ما صرح به الصدوق في كالمه المتقدم من رواية ابن الوليد للحديث المذكور، الظاهر في اعتماده عليه، و أنه قد رواه من كتاب الرحمة، الذي صرح في الفقيه بأنه من

.«2 »الكتب المشهورة التي عليها المعول و إليها المرجع و أما داللته فهو ظاهر في حصر المراد من أخبار التخيير في التخيير الواقعي في موارد األمر و النهي غير اإللزاميين في مقابل الرخصة، و لزوم التوقف في غير

الموارد المذكورة، و خروجه عن مفاد تلك األخبار. و هو راجع إلى بيان حال التعارض و اختالف منشئه، ال إلى ضرب القاعدة العملية فيه، لما سبق من أن

نصوص التخيير بعد تفسيرها بذلك يستغنى عنها في مقام العمل.نعم يمكن الرجوع لإلمام في تشخيص حال األمر و النهي و أنهما من أي

______________________________

Page 348: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

. و عيون أخبار21 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 1 ):2الرضا )ع( ج

.45 من أبواب ما جاء عن الرضا )ع( من األخبار المنثورة حديث: 30 باب: 19ص: طبعة النجف األشرف.

.4 ص: 1( كتاب من ال يحضره الفقيه ج: 2 )613، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

القسمين، و تطبيق كبرى التخيير تبعا لذلك، كما سبق في صحيح ابن مهزيار ومكاتبة الحميري، اللذين يصلحان لتأييد التفسير المذكور لنصوص التخيير.

و حيث كان هذا الحديث متعرضا لمضامين نصوص التخيير كان حاكما عليها حكومة بيانية، و مقدما عليها طبعا، و يكون كاشفا عن خلل في ظهورها البدوي في التخيير الظاهري، الذي هو محل الكالم. و من ثم جعله شيخنا األستاذ قدس سره مانعا من

البناء على التخيير و العمل بنصوصه. اللهم إال أن يقال: الحكومة المذكورة إنما تتم في مثل مرسل الكليني القابل

للحمل على السعة الواقعية، دون مثل مرسل الحسن بن الجهم الذي هو كالصريح في التخيير الظاهري، حيث فرض في السؤال و الجواب الجهل بالحق من الخبرين

الظاهر في المفروغية عن مخالفة أحدهما له، و مرفوعة زرارة المفروض فيها لزوم الترجيح الذي ال مجال له في المورد المذكور. فال مجال لحكومة حديث

الميثمي على الخبرين المذكورين و نحوهما حكومة تفسيرية، بل هو معارض لهما،كأخبار التوقف.

على أنه ظاهر في أن الخبرين المشتمل أحدهما على األمر أو النهي و اآلخر على الرخصة متعارضان يكونان موردا للتخيير أو الرد مع العلم بحال األمر أو النهي، و

أنهما من أي القسمين، و للتوقف مع الجهل بحالهما. مع وضوح بناء األصحاب على الجمع بينهما مع الجهل بالحال بالحمل على االستحباب أو الكراهة، و خروجهما بذلك

عن التعارض عرفا. فهو من هذه الجهة مهجور عند األصحاب. كما أنه مناف لنصوص الترجيح، لقوة ظهوره في استيفاء حكم صور التعارض، و في

عدم الوظيفة الظاهرية فيها.و ذلك بمجموعه موجب لوهن الخبر في نفسه، و لزوم رد علمه

614، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج لقائله عليهم السالم. و يبقى التعارض بين نصوص التخيير و التوقف مستحكما.

فتأمل جيدا. نعم يتعين إهمال نصوص التخيير، إما لضعفها داللة أو سنداكما سبق- أو لمعارضتها

بنصوص التوقف، و البناء على التساقط، الذي سبق أنه مقتضى األصل فيالمتعارضين.

بقي في المقام أمور تبتني على القول بالتخيير.األول: أنه ال يراد بالتخيير التخيير في المسألة الفرعية،

نظير التخيير بين القصر و التمام في المواطن األربعة، للعلم بعدم تبدل الحكم الفرعي بسبب التعارض، فال معنى للحكم الواقعي أو الظاهري بالتخيير، بل التخيير

في المسألة األصولية الراجع لجواز التعويل في مقام العمل على كل منالمتعارضين ظاهرا و مطابقة العمل له، ألن ذلك هو الظاهر من أدلته.

Page 349: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الثاني: أن مقتضى إطالق أدلة التخيير عدم الفرق بين المفتي و المستفتي، فليس للمفتي اختيار أحد المتعارضين و الفتوى على طبقه، و إلزام المستفتي

بذلك. على أن مفاد الحجية التخييرية كون كل من الدليلين حجة للمكلف، و«1 »أما بناء

مجموعهما حجة عليه، فلعدم لزوم العمل عليه بأحد المتعارضين ليتعين عليهالفتوى بمفاده.

و أما بناء على أن مفادها توقف حجية كل منهما تعيينا على اختيار المكلف له، فاختيار المفتي ألحد الدليلين و إن كان سببا لحجيته عليه تعيينا، إال أنه ال يكون سببا

لحجيته على المستفتي كذلك، لعدم الدليل على قيام اختيار______________________________

( تقدم التعرض لمفاد الحجية التخييرية في أوائل الكالم في مقتضى األصل في1 )المتعارضين.

)منه عفي عنه(.615، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المفتي مقام اختيار المستفتي، بل مقتضى إطالق أدلة التخيير إناطة الحجية التعيينية ألحد المتعارضين في حق كل أحد باختياره هو غاية األمر أن المفتي يقوم

مقام المستفتي في الفحص عن األدلة و تحديد مفادها. و الزم ذلك أن وظيفة المفتي في مورد التعارض تنبيه المستفتي لورود الخبرين

المتعارضين في الواقعة، ثم الحكم بأنه له العمل على طبق كل منهما.الثالث: أن مقتضى إطالق أدلة التخيير أنه استمراري،

بمعنى أن للمكلف في كل واقعة أن يختار في مقام العمل خالف ما اختاره في الواقعة األخرى، و ليس ابتدائيا، بحيث ليس له الخروج عما اختاره في الواقعة

األولى. و دعوى: أن أدلة التخيير واردة لبيان حكم المتحير، و ال تحير بعد اختيار أحد الخبرين

في الواقعة األولى، حيث يكون هو الحجة حينئذ، و يرتفع معه التحير. مدفوعة أوال: بأنه مبني على رجوع الحجية التخييرية إلى حجية أحد الخبرين تعيينا بشرط اختياره، و هو ال يخلو عن إشكال، كما سبق في أوائل الكالم في مقتضى

األصل في المتعارضين. و ثانيا: بأن أدلة التخيير لم يؤخذ فيها التحير، ليهتم بتحديده و صدقه في المقام، و

إنما أخذ فيها تعارض الخبرينالذي هو موجب للتحيرو هو باق حتى بعد اختيار أحدهما في الواقعة األولى. و ارتفاع التحير في تلك الواقعة باختيار أحدهما ال ينافي التحير

في غيرها بسبب بقاء التعارض. بل لو كان مرسل الحارث بن المغيرة من أدلة التخيير فقوله عليه السالم فيه: »فموسع عليك حتى ترى القائم« صريح في

استمرار التخيير ما دام لم ير القائم، و عدم اختصاصه بالواقعة األولى.616، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الفصل الثالث في لواحق الكالم في مفاد أدلة التعارض الخاصةو الكالم فيها في ضمن مسائل ..

المسألة األولى: سبق في الباب األول عدم جريان أحكام التعارض العامة في مواردالجمع العرفي.

Page 350: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و أما األحكام الخاصةمن الترجيح و التخيير و اإلرجاءفقصورها عن موارد الجمع العرفي موقوف على كون موضوعها التعارض في مقام الحجية المستتبعة للعمل.

أما لو كان موضوعها التعارض في مقام البيان و الداللة تعين عمومها لموارد الجمعالعرفي، و تكون رادعة عنه، و كاشفة عن خصوصية في األخبار مانعة منه.

إذا عرفت هذا فأكثر النصوص قد اشتمل على عنوان االختالف بين األخبار، و الظاهر صدقه بمجرد االختالف في مقام البيان و الداللة. إال أن ورودها مورد التحير

في الوظيفة موجب النصرافها عن موارد الجمع العرفي، لعدم التحير فيه بحسبالطبع األولي.

و لعل هذا هو الوجه في سيرة األصحاب »رضوان الله عليهم« في مقام االستدالل على اعتماد الجمع العرفي، و عدم الرجوع ألحكام التعارض إال بعد تعذره، خصوصا بعض أنواعه المحررة بعناوينها في كلماتهم، كالعام و الخاص، و المطلق و المقيد،

حيث يظهر منهم اإلجماع على الرجوع إليها. من دون فرق بين تعارض الخبرين، الذي هو موضوع نصوص العالج، و تعارض البيانين الكتابيين، و تعارض البيان الكتابي

و الخبر، بنحو يكشف عن بنائهم617، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

على عدم نهوض أخبار العالج في تعارض الخبرين للردع عن الجمع العرفي بينهما. و كفى بهذه السيرة و اإلجماع دليال على اعتماد الجمع العرفي في األخبار، و عاضدا

لالنصراف المشار إليه آنفا، فال ينبغي التوقف في ذلك. المسألة الثانية: سبق أن أحكام التعارض العامة كما تجري في الدليلين الذي يكون

أحدهما مكذبا لآلخر عرفا، لتعذر الجمع بينهما، كذلك تجري في الدليلين المتعارضين بظاهرهما، بحيث يمكن تنزيل أحدهما على اآلخر مع خفاء وجه الجمع بينهما، كالعامين من وجه في مورد االجتماع، و كما إذا دار األمر في الجمع بين المطلق و المقيد بين تقييد المطلقبالمقيد، و حمل المقيد على أفضل األفراد، من دون مرجح ألحدهما، و غير ذلك.

غاية األمر أنه بسبب عدم التكاذب بين الدليلين يكونان حجة في نفي االحتمالالثالث و نحوه من اللوازم المشتركة بين مفاديهما.

و أما أحكام التعارض الخاصة المستفادة من أخبار العالج فربما يدعى قصورها عن ذلك، لعدم التصادم بين الخبرين عرفا، بل بين ظهوريهما، الموجب لجريان حكم

اإلجمال عليهما في مورد التعارض. لكنه يندفع بأن أكثر نصوص العالج قد تضمن عنوان االختالف الصادق في مورد

وضوح الجمع العرفيكما سبقفضال عما نحن فيه. غايته أن ورود تلك النصوص فيمورد التحير موجب النصرافها عن مورد وضوح الجمع العرفي.

و ال وجه لقصورها عما نحن فيه مع كونه موردا للتحير. و ال سيما مقبولة ابن حنظلة، فإن فرض اختالف الخبرين فيها لم يكن ابتدائيا، ليدعى انصرافه لخصوص

صورة تكاذب الخبرين، و إنما كان بعد فرض اختالف الحكمين،618، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و حيث إن اختالف الحكمين قد يكون الختالف ظهوري الخبرين من دون تصادمبينهما، تعين عموم اختالف الخبرين الذي هو موضوع العالج لذلك.

Page 351: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

هذا و ظاهر بعض األعيان المحققين قدس سره خصوصية العامين من وجه و نحوهما مما ال يمنع التعارض فيه من العمل به في الجملة، و لو في غير مورد

المعارضة، لدعوى: انصراف العالج إلى ما إذا أوجب التعارض التوقف عن المتعارضين رأسا، دون ما إذا بقي التعبد بسنديهما، النفراد كل منهما بمورد يعمل

فيه. لكن منشأ االنصراف المذكور غير ظاهر، ليخرج به عن اإلطالق، خصوصا بمالحظة

ما سبق في المقبولة، فإنه يعم العامين من وجه و نحوهما، بلحاظ أن ذلك قديحصل في مورد اختالف الحكمين، فيتعين عموم اختالف الخبرين المفروض فيها له.

نعم قد يستشكل في جريان المرجحات السنديةكالشهرة في الرواية- فيه، لما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من أنه ال وجه إلعمالها على اإلطالق، ألنه يوجب

طرح الخبر المرجوح في غير مورد التعارض، و ال إلعمالها في خصوص موردالتعارض مع العمل بالمرجوح في غيره، ألنه بعيد عن ظاهر األخبار العالجية.

بل صرح بعض األعاظم قدس سره بامتناعه، ألن الخبر الواحد ال يقبل التبعيض فيالمدلول من حيثية الصدور، بأن يكون صادرا في بعض مدلوله دون بعض.

اللهم إال أن يقال: ليس مرجع الترجيح الصدوري إلى تكذيب المرجوح و الحكم بعدم صدوره، ليمتنع التفكيك في الصدور بين أبعاض مضمون الخبر الواحد، بل إلى التعبد

بمضمون الراجح ألقوائيته من حيثية الصدور، تقديما لألقوى في مقام التعارض، وذلك إنما يناسب عدم حجية المرجوح في مورد

619، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالمعارضة، من دون أن يمنع من حجيته في غير موردها.

المسألة الثالثة: سبق في تعريف التعارض أنه قد يكون بين أكثر من دليلين. و ال ريب في جريان أحكام التعارض العامة فيه. و أما أحكامه الخاصة التي تضمنتها نصوص العالج فال يبعد جريانها فيه أيضا، ألن جملة من تلك النصوص و إن اختصت

بتعارض الخبرين، إال أن إلغاء خصوصية ذلك قريب جدا، و ال سيما مع مناسبته لنوع المرجحات ارتكازا، و لما في بعض نصوص التخيير من كون األخذ بها من باب

التسليم. بل بعض النصوص مطلق من هذه الجهة، كمقبولة ابن حنظلة المفروض فيها

االختالف في الحديث بعد فرض اختالف الحكمين، لوضوح أن كال من الحكمين قد يستند في حكمه للجمع بين مضموني حديثين أو أكثر، و صحيح الحسن بن الجهم الوارد في الترجيح، حيث فرض فيه رواية الشيء عن أبي عبد الله عليه السالم و

رواية خالفه عنه، فإن الخالف قد يستفاد من الجمع بين روايتين أو أكثر. المسألة الرابعة: صرح بعض مشايخنا قدس سره بأن اختالف النسخ في األحاديث

داخل في تعارض األخبار.و ظاهره جريان أحكامه الخاصة من الترجيح و التخيير أو التوقف.

لكن الظاهر قصور األخبار العالجية عن ذلك، ألن موضوعها اختالف أخبارهم، و اختالف النسخ راجع إلى االختالف في الخبر المنقول عنهم، فإن الحديث و الخبر و

الرواية في عرف المتشرعةالذي عليه جرت النصوص- عبارة عن األمر المنقول عن المعصوم عليه السالم، و اختالفه إنما يكون بتنافي المضامين المنقولة عنهم عليهم

Page 352: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

السالم، و هو ال يصدق مع اتحاد األمر المنقول عنه من قبل الراوي األول، معاالختالف في ما نقله الراوي األول من قبل الوسائط

620، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالمتأخرة عنه.

و من ثم كان الترجيح بمخالفة العامة ارتكازا من المرجحات الجهتية، بلحاظ أن ما ورد عنهم عليهم السالم مخالفا للعامة أبعد عن التقية مما ورد عنهم موافقا لهم.

مع أنه لو كان شامال الختالف النسخ لكان مرجحا صدوريا، لفرض أنه لم يصدر عنهم إال شيء واحد مردد بين الوجهين. و هو بعيد جدا، لعدم وضوح غلبة مخالفتهم

للعامة، بل لعل ما ورد عنهم موافقا لهم أكثر. و من هنا كان الالزم جريان حكم التعارض العام عند اختالف النسخ، و هو التساقط

في فرض تكاذبها. نعم ال يبعد حجيتها في القدر المشترك بينها، كنفي الثالث. أما مع العلم بصدق

بعضها إجماال فظاهر. و أما مع عدمه فلقرب ابتناء اختالف النسخ على الخطأ في إثبات النسخة أو قراءتها أو سماعها، و أصالة عدم الخطأ بنظر العقالء تقتضي عدمه

في إحداها إجماال، اقتصارا فيه على المتيقن. و ليس الخطأ كغيره من األمور التي يبتني استحصال الواقع من الطريق على عدمهاكمخالفة ظاهر الكالم، و صدوره لبيان غير المراد الجدي، و الكذب من

الناقلمما يبتني على العمد الذي لو جاز في أحد الطريقين جاز في اآلخر، و ال دافعله بعد تكاذب الخبرين.

كما أنه ال يبعد الترجيح فيها بالشهرة و نحوها، من ما يوجب االطمئنان بصدق إحدى النسخ. لكن ال بمالك الترجيح بين الحجتين، بل ألن االطمئنان بصدق إحدى النسخ

مستلزم لالطمئنان بكذب غيرها، الذي يخرج معه الخبر عن الحجية، بخالف االطمئنان بصدور أحد الخبرين، فإنه ال يستلزم االطمئنان بعدم صدور الخبر

المعارض له، إلمكان صدورهما معا، و إرادة خالف الظاهر من أحدهما، أو صدورهبداعي بيان غير الواقع من تقية أو نحوها.

621، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و أما ما يتردد في بعض الكلمات من ترجيح النسخة المتضمنة للزيادة، الحتياج

الزيادة إلى عناية بنحو يبعد الخطأ في إثباتها. فلم يتضح بناء العقالء عليه بنحو يخرجبه عما تقتضيه القاعدة.

نعم إذا كانت الزيادة غير دخيلة في بيان المراد من الباقي فقد ال يكون ظاهر حالالنقل الخالي عنها نفيها، ليتحقق التعارض بين النقلين المانع من حجية نقلها. المسألة الخامسة: لما كان موضوع نصوص العالج تعارض أخبار األئمة عليهم

السالم، فال مجال لجريان أحكامها في تعارض غيرها من الطرق المعتبرةبالخصوص،

بل يتعين التساقط فيها ما لم يثبت الترجيح بينها بالخصوص. و أما ما ذكره شيخنا األعظم قدس سره من جريان جميع الترجيحات فيها. لعموم

التعليل المستفاد من قوله عليه السالم: »فإن المجمع عليه ال ريب فيه« و قولهعليه السالم: »ألن الرشد في خالفهم«، بدعوى: أن المورد ال يخصص الوارد.

Page 353: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

فيدفعه أن المراد بالتعليل األول لما كان هو خصوص اإلجماع على الرواية، فهو مختص باألخبار، و ال موضوع له في غيرها. و أما التعليل بالثاني فهو إنما يستفاد من المرفوعة، التي تكرر منا عدم نهوضها باالستدالل. و قد تقدم في مبحث التعدي عن

المرجحات المنصوصة ما ينفع في المقام. فراجع. و الله سبحانه و تعالى العالم العاصم. و منه نستمد العون و التسديد. و الحمد لله

رب العالمين.622، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

خاتمة في التزاحم و الكالم .. تارة: في حقيقته و مورده. و أخرى: في حكمه من حيثية الترجيح و

عدمه. فهنا مقامان:المقام األول: في حقيقة التزاحم و مورده

التزاحم بين الحكمين إنما يكون بتعذر الجمع بينهما في مقام االمتثال بعد بلوغهما مرتبة تقتضي امتثالهما، لتمامية مالكيهما. أما التعارض فهو عبارة عن تكاذب

الدليلين في إثبات الحكمين. و هما يشتركان في عدم فعلية الحكمين معا بنحو اإلطالق. أما في التعارض

فلفرض تكاذب الدليلين في إثبات الحكمين. و أما في التزاحم فألن تقوم الحكم التكليفي بالعمل يستلزم عدم فعليته مع تعذره، فمع تعذر الجمع بين التكليفين في

االمتثال يتعين امتناع فعليتهما معا بنحو اإلطالق، بحيث يقتضي الجمع بينهما في االمتثال. نعم يمكن الخطاب بأحدهما أو بهما معا معلقا على عصيان أحدهما، على

ما سبق توضيحه في مبحث الترتب من مسألة الضد.كما أنهما يختلفان في أمور:

األول: أن التعارض يبتني على فرض قيام الدليل على كل من الحكمين،بحيث يستلزم التنافي بين الحكمين ثبوتا التكاذب بين دليلهما إثباتا.

أما التزاحم فال يبتني إال على محض التنافي بين الحكمين ثبوتا و إن لم623، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

يتكاذب دليالهما إثباتا، لعدم قيام الدليل على فعلية كل منهما في مورده، بل علىمجرد تمامية مالكيهما، و لو لكونه مقتضى الجمع بين الدليلين عرفا.الثاني: أن التزاحم يبتني على فرض تمامية مالك كل من الحكمين،

بحيث يقتضي تشريع كل منهما و امتثاله لو ال التزاحم، و العجز عن الجمع بينهما في مقام االمتثال. بخالف التعارض، فإنه يجتمع مع فرض العلم بعدم ثبوت أحد

المالكين، أو الشك في ثبوت أحدهما أو كليهما، لفقد الدليل عليه بعد تكاذب الدليلين في الحكم المسقط لهما عن الحجية فيه و في المالك تبعا له، بناء على ما

سبق من سقوط المتعارضين عن الحجية في الزم مؤداهما. الثالث: أنه ال بد في التزاحم من فرض اقتضاء كل من الحكمين صرف القدرة

المتثاله بنحو ينافي مقتضى اآلخر عمال. و لذا يختص باألحكام االقتضائية مع العجز عن

الجمع بينها في االمتثال. أما التعارض فال يعتبر فيه إال التنافي بين الحكمين، بنحو يمنع من جعلهما معا، و إن

لم يكن امتثال أحدهما منافيا لمقتضى اآلخر، لعدم كونه اقتضائيا، كالوجوب و

Page 354: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

اإلباحة، أو لعدم تنافي مقتضاهما، كالوجوب و االستحباب. بل و إن لم يقتضالحكمان العمل و االمتثال، كالحكمين الوضعيين.

بقي في المقام أمران: األول: أنه قد يدعى أن ما تقدم من معيار التزاحم من االكتفاء بإحراز المالكين ال

يناسب ما هو المعلوم من أن المالك بنفسه ال يصلح لإللزام عقال ما لم يترتب عليه جعل التكليف من قبل

المولى، و لذا ال يجب عقال إطاعة األوامر و النواهي الواردة بداعي اإلرشاد للمصالحو المفاسد الواقعية، و ينحصر وجوب اإلطاعة باألوامر و النواهي المولوية.

624، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج كما ال ينبغي التأمل في أن اجتماع مقتضيات األحكام المختلفة في الموضوع

الواحدالمعبر عنه بالتزاحم المالكيال يقتضي جريان أحكام التزاحم الذي نحن بصدده، فليس للمكلف الترجيح بينها باألهمية، فضال عن احتمالها، و ال التخيير مع عدمها، بل

إن أحرز جعل المولى الحكم على طبق أحدهاألهميته بنظرهأو جعله حكما آخر اليناسب أحدها بخصوصه فهو، و إن لم يحرز تعين التوقف و الرجوع لألصول.

بل تقدم منا أنه بناء على التحسين و التقبيح العقليين فإحراز جهة الحسن أو القبح ال يقتضي البناء على الحكم الشرعي المطابق لها، الحتمال المزاحم، مع أن احتمال

المزاحم فيما نحن فيه ال يمنع من البناء على فعلية الحكم الذي يحتمل وجودالمزاحم له.

كما أنه يمكن فرض التزاحمالذي نحن بصددهحتى بناء على ما عليه األشاعرة من عدم توقف األحكام على المصالح و المفاسد في المتعلقات، و ال على المصالح في

نفس األحكام. لكنه يندفع بأنه ليس المراد بالمالك المصالح و المفاسد في متعلقات األحكام، أو

المصالح في نفس جعل األحكام، التي ال بد منها بناء على مختار العدلية في التحسين و التقبيح العقليين. بل المقتضيات الموجبة لجعل األحكام و األغراض

الداعية له، التي ال بد منها فيه كسائر األفعال االختيارية، و ال يظهر من األشاعرةإنكار ذلك، فال يمنع ما ذكرنا من فرض التزاحم على مختارهم.

و حينئذ فعدم جعل الحكم إن كان لعدم المقتضي له خرج عن محل الكالم. و إن كان مع وجود المقتضي له فهو يكون .. تارة: لقصور المقتضي عن التأثير في

جعل الحكم، لوجود المزاحم له في مرتبة سابقة على جعله، و لو كان625، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

هو مصلحة التسهيل على المكلف. و هو راجع إلى عدم تمامية موضوع الحكم، الذيهو موضوع الغرض الداعي لجعله. و في مثل ذلك يكون التزاحم المالكي.

و أخرى: لعجز المكلف عن االمتثال بعد تمامية المقتضي و صلوحه ألن يترتب عليه جعل الحكم، لتمامية موضوعه الذي هو موضوع الغرض الداعي للجعل، و به يتم

المالك المراد في المقام. و في مثله يكون التزاحم الحكمي الذي هو محل الكالم. و الحكم و إن لم يكن فعليا في المقام إال أن عدم فعليته ليس لقصور في مالكه، و

ال لعدم تمامية موضوعه و عدم تعلق الغرض به، بل لقصور المكلف في مقام االمتثال، نظير قصور المولى لو فرض عجزه عن الكالم، أو عن إيصال التكليف،

حيث قد ال يجعل التكليف حينئذ مع تمامية غرضه و موضوعه.

Page 355: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

نعم لو كان العجز موجبا لقصور المقتضي عن التأثير في جعل الحكم، و مانعا من تعلق الغرض به، كان من النحو األول، و كان مانعا من تمامية موضوع التكليف، كما

هو الحال في جميع موارد تقييد التكليف بالقدرة شرعا. و يفترق الوجهان: أوال: في صدق الفوت بعدم متابعة المقتضيقصورا أو تقصيرافي

الثاني، دون األول.و ثانيا: في صلوح المقتضي في الثاني للتقربكما تقدم في مسألة الضددون األول. و ثالثا: في أنه يحق للمكلف في األول إحداث ما يرفع التكليف، بتحقيق المزاحم

للمقتضي، كما يجوز له اإلخالل بسائر ما هو دخيل في موضوع التكليف، ألن التكليف ال يقتضي حفظ موضوعه. و ال يحق له ذلك في الثاني، ألن التكليفتبعا

للغرضيقتضي حفظ متعلقه، فال يجوز له تعجيز نفسه عن االمتثال قبل الوقت، فضالعما بعده.

626، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و رابعا: في أن الشك في فعلية التكليف في الوجه األول للشبهة الحكمية- الراجعة

الحتمال صلوح شيء لمزاحمة المقتضيأو الموضوعيةالراجعة الحتمال وجود ما هو معلوم المزاحمةمجرى للبراءة. أما الشك في فعلية التكليف في الوجه الثاني

للشك في القدرة فال بد معه من االحتياط، على ما سبق في التنبيه الخامس منمبحث البراءة.

إذا عرفت هذا فاعلم أنه إن علم بدخل القدرة في المالك و موضوع الغرض، أو بعدم دخلها فذاك، و إال فمقتضى إطالق موضوع دليل الحكمفيما لو لم يقيد

بالقدرةعدم دخلها في المالك و الغرض، كما هو الحال في سائر القيود المحتملة. إن قلت: ال مجال إلحراز عموم المالك و الغرض لحال العجز و عدم دخل القدرة

فيهما من إطالق الخطاب، إذ بعد ظهور الخطاب في فعلية التكليف، و العلم بعدم فعليته مع العجز يكون اإلطالق مقيدا بالقدرة لبا، كما لو قيد بها لفظا، و كما لو استفيد التقييد لفظا أو لبابدليل متصل أو منفصلبغير القدرة من القيود التعبدية،

حيث يكون سقوط اإلطالق عن الحجية في فعلية الحكم مانعا من استفادة عمومالمالك و الغرض منه.

نعم لو بين موضوع الغرض و المالك بطريق آخر غير الخطاب بالتكليف الظاهر فيفعليته أمكن إحراز عمومه لمورد العجز.

قلت: رفع اليد عن اإلطالق بدليل التقييد إنما هو بلحاظ كونه قرينة عرفية على بيان المراد من اإلطالق و فهمه منه، فهو تابع للنظر العرفي في فهم األدلة و الجمع

بينها. و وضوح دخل القدرة في فعلية التكليف ارتكازا إنما يكون قرينة عرفا على تقييد اإلطالق من حيثية الفعلية، ال من حيثية الغرض و المالك، بل يكتفي العرف

باإلطالق في إحراز عدم دخل القدرة في المالك و الغرض، فيرتبون اآلثار العمليةاألربعة المتقدمة، كما يظهر بأدنى مالحظة لطريقتهم في

627، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جفهم خطابات بعضهم لبعض، و بالرجوع لمرتكزاتهم في فهم الخطابات الشرعية. و ال مجالمع ذلكلقياسه بالتقييد اللفظي المتصل أو المنفصل أو اللبي في القيود التعبدية، لعدم خضوع المرتكزات العرفية للقياسات، و إنما يتشبث بها لتقريب

Page 356: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

المرتكزات فيما لو طرأ عليها االلتباس، ال في مثل المقام مما كانت فيه منالوضوح بحد يستغني عن ذلك.

على أنه قد يكون منشأ الفرق: أن ظاهر الخطاب و إن كان هو الفعلية، إال أن ظاهر حال الحاكم أيضا هو بيان موضوع غرضه بخطابه، فعدم تقييده بالقدرة اتكاال على االرتكاز المذكور ظاهر في اعتماده على مفاده، و هو خصوص تقييد الفعلية، و إال كان مخال ببيان غرضه، أما مع التقييد بها، فحيث كان تقييد الفعلية مستغنى عن

بيانه، فتصديه له ظاهر في الحاجة إليه لبيان موضوع غرضه. و إن كان اإلنصاف أن غلبة عدم دخل القدرة في الغرض، و كونها آلة لتحصيله،

توجب ضعف ظهور التقييد بها لفظا في دخلها فيه، و قرب حمله على متابعة ما هو المرتكز من دخلها في الفعلية، بحيث قد يحتاج بيان دخلها في الغرض إلى مئونة

في البيان، و ليست كسائر القيود التعبدية التي يفهم من التقييد بها دخلها فيالغرض.

و لذا يكثر من العرف التسامح في ذكرها مع عدم دخلها في الغرض، نظير تسامحهم في التقييد بالعلم، حيث يكثر ابتناؤه على ارتكاز طريقيته، من دون أن

يكون دخيال في موضوع الحكم ثبوتا. األمر الثاني: الكبريان المتنافيتان اللتان تتضمنهما األدلة الشرعية إن اتحد

موضوعهما و اختلف حكمهما فال إشكال في كونهما موردا للتعارض،دون التزاحم، لتوقف التزاحم على تعدد الموضوع، ليمكن تعدد الغرض و المالك.

628، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و إن تعدد موضوعهما فتنافيهما إن كان لمقدمة خارجية كانا موردا للتعارض أيضا،

دون التزاحم، للتكاذب بينهما بضميمة المقدمة المذكورة، كما في دليلي وجوب القصر و وجوب التمام. و كذا إن كان لتعذر الجمع بينهما في مقام االمتثال دائما أو

غالبا، البتناء التكاليف الشرعية على ما يالئم طاقة غالب الناس. أما مع قلة موارد تعذر الجمع بينهما في مقام االمتثال، فالمورد غالبا يكون من

موارد التزاحم الذي هو محل الكالم. ثم إن موضوعي الكبريين المستفادين من دليلهما .. تارة: يتحدان بحسب العنوان والمعنون، كما لو دل أحد الدليلين على وجوب إكرام النحويين و اآلخر على حرمته.

و أخرى: يختلفان بحسبهما معا، كما في دليلي حرمة التصرف في المغصوب ووجوب إنقاذ الغريق.

و ثالثة: يختلفان بحسب العنوان و يتحدان بحسب المعنون و لو في بعض األفراد،كإكرام العلماء و إكرام الفساق، و الغصب و الصالة.

و األول من أوضح أفراد االتحاد المستلزم للتعارض، و الثاني من أوضح أفراد التعدد المعتبر في التزاحم، و أما الثالث فالحال يختلف فيه باختالف العناوين، و قد تقدم في مبحث اجتماع األمر و النهي الضابط في الفرق بينها بما يغني عن التعرض له

هنا. فراجع.629، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

المقام الثاني: في حكم التزاحم من حيثية الترجيح و عدمه تقدم أنه ال بد في التزاحم من تمامية موضوع التكاليف المتزاحمة، و فعلية غرضها

و مالكها مع العجز عن الجمع بينهما في مقام االمتثال، و حيث ال بد من حفظ

Page 357: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الغرض و المالك من قبل المولى بجعل التكليف، فال بد من عدم رفع اليد عن جميعالتكاليف المتزاحمة، لما فيه من تفويت ما يمكن تحصيله من الغرض و المالك.

كما أنه حيث يمتنع التكليف مع العجز، فال بد من قصور عموم التكاليف المتزاحمة عن حال التزاحم بنحو يقتضي حفظ القدرة المتثال كل منها، بل ال بد من رفع اليد

عن بعضها أو عن كل منها معلقا على امتثال الباقي، على ما أشرنا إليه آنفا. نعم مع غفلة المولى عن التزاحمالذي هو ممكن في الموالي العرفيين- فالتكليف و

إن لم يقصر من قبل المولى، إال أنه يسقط عقال عن مقام اإلطاعة، فال يجبإطاعته في ظرف امتثال الباقي.

إذا عرفت هذا فال ريب في التخيير في االمتثال بين التكاليف مع عدم المرجح ألحدها، المتناع الترجيح من غير مرجح في فرض تساوي الغرضين، بمالك امتناع

تحقق التكليفالذي هو فعل اختياري للمولىمن دون غرض. كما ال ريب في أنه مع وجود المرجح ألحدهما يلزم حفظ الراجح و استيفاء مالكه،

إلطالق فعليته. و من هنا كان المناسب النظر في المرجحات الملزمة باختيار أحدهابعينه، و فعليته على نحو اإلطالق.

و المذكور في كلماتهم أمور ..630، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

األول: األهمية. و ال إشكال في كونها من المرجحات في المقام، ألن في المحافظة على األهم

تحصيل المرتبة الزائدة من الغرض. نعم ال بد من كون األهمية بمرتبة ملزمة، بأن تكون المرتبة الزائدة من الغرض مقتضية لإللزام، و إال كان الترجيح أولى و لم يكن

الزما. هذا و لو كان أحدهما المعين محتمل األهمية، فقد صرح غير واحد بوجوب اختياره،

على اختالف منهم في وجه ذلك. و العمدة فيه: أن سقوط التكليف في باب التزاحم و إن كان راجعا إلى تقييده لبا و

عدم فعليته، إال أن تقييده و عدم فعليته لما لم يكن لقصور موضوعه المستلزم لعدم فعلية غرضه و مالكه، بل لوجود العذر عنه عقال بمالك التعذر و العجز، فبناء العقالء في ذلك على لزوم االحتياط حتى يثبت العذر المسوغ للتفويت. و لذا كان

بناؤهم على االحتياط مع الشك في القدرة، كما أشرنا إليه آنفا عند الكالم فيحقيقة التزاحم.

و حيث يشك في مسوغية التزاحم لتفويت محتمل األهمية، الحتمال عدم العجز عنه بسبب التكليف اآلخر، وجب االحتياط بتحصيله، و تعين تفويت اآلخر الذي يعلم

بمسوغية التزاحم لتفويته تعيينا أو تخييرا، و كونه عذرا فيه. و لو كان كالهما محتمل األهمية فال موضوع للترجيح المذكور، لتعذر االحتياط

المتقدم بعد تقابل االحتمالين. و هو ظاهر مع تساوي االحتمالين. أما مع أقوائية أحدهما فربما يدعى لزوم العمل على االحتمال األقوى، لعدم وضوح

حكم العقل بالتخيير معه، و احتمال توقفه عن الحكم بكون متابعة االحتمال األضعفعذرا في ترك متابعة االحتمال األقوى. فتأمل جيدا.

631، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جبقي شيء

Page 358: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و هو أن ترجيح األهم إنما هو مع اقتضائه صرف القدرة إليه، و ترك المهم من أجله، لكونه تعيينيا مضيقا بالذات أو بالعرض، أما لو كان تخييريا أو موسعا، بنحو يمكن

الجمع بين االمتثالين، وجب الجمع بينهما، و خرج عن باب التزاحم. كما أن ترجيح األهم لما لم يوجب سقوط غرض اآلخر و مالكه، و ال رفع موضوعه،

فال يجوز للمكلف إيقاع التزاحم بين التكليفين بمثل تضييق وقت األهم، ألنه و إن أوجب رفع المولى يده عن التكليف اآلخر، إال أنه كرفع اليد عن التكليف مع العجز

عن امتثاله، الذي ال يسوغ تعجيز المكلف نفسه عن االمتثال. و كذا الحال لو كانت الوظيفة التخيير بين التكليفين، لعدم المرجح ألحدهما، فإنه ال

يسوغ للمكلف إيقاع التزاحم بينهما، لعين ما سبق.الثاني: ما إذا كان ألحد التكليفين بدل اضطراري في طوله، دون اآلخر،

فيقدم ما ال بدل له على ما له البدل، و ينتقل للبدل. كما لو دار األمر بين صرف الماء في الطهارة الحدثية للصالة و صرفه في تطهير المسجد، فيجب الثاني، و

يتعين التيمم للصالة. ذكر ذلك بعض األعاظم قدس سره. و هو ظاهر إذا كان تشريع البدل بنحو يقتضي جواز إيقاع المكلف نفسه في

االضطرار، بحيث له إراقة الماء ليشرع له التيمم في المثال السابق، حيث يخرج المورد حينئذ عن باب التزاحم، إذ يشترط في التزاحم كون كل من التكليفين بنحو

يقتضي صرف القدرة إليه. أما إذا لم يكن كذلك، بل كان المبدل مقتضيا لحفظ القدرة عليه، فهو ال يخرج عن

التزاحم. و ال وجه حينئذ لتعجيز المكلف نفسه عن المبدل،632، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و االنتقال لبدله االضطراري من أجل امتثال التكليف اآلخر، مع عدم المرجح له منجهة أخرى.

و بالجملة: ال وجه لعد هذا من مرجحات باب التزاحم، لعدم الدليل على العمل عليهإال في المورد الخارج عن التزاحم.

الثالث: ما إذا كانت القدرة دخيلة في موضوع أحد التكليفين شرعا دون اآلخر، فقد سبق في المقام األول أن القدرة و إن كانت شرطا في فعلية التكليف عقال، إال

أنها قد تكون أيضا دخيلة في فعلية الغرض من التكليف و تمامية مالكه، فتكون معتبرة في موضوعه شرعا. و قد ذكر بعض األعاظم قدس سره أنه يتعين ترجيح ما

تعتبر فيه القدرة عقال فقط على ما تعتبر فيه القدرة شرعا أيضا عند التزاحم. و هو متجه إن كان المراد بالقدرة المعتبرة شرعا في التكليف ما يعم القدرة

الشرعية الراجعة إلى عدم لزوم محذور شرعي من تحقق متعلقه، إذ يكون التكليف اآلخر واردا عليه و رافعا لموضوعه، ألن مخالفة ذلك التكليف محذور شرعي،

فيرتفع به موضوع التكليف الذي أخذت فيه القدرة شرعا. لكنه يخرج عن باب التزاحم، لعدم فعلية الغرض من التكليف المذكور بعد عدمتمامية موضوعه، و ال بد في التزاحم من تمامية غرض كال التكليفين، كما تقدم. أما إذا كان المراد بالقدرة المعتبرة شرعا في موضوع التكليف خصوص القدرة

الخارجية التكوينية، فال وجه لترجيح اآلخر عليه بعد تحقق موضوعهما معا، و فعلية التزاحم بينهما، لفرض القدرة على كل منهما بنفسه، و المتعذر إنما هو الجمع

Page 359: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

بينهما. و بذلك ظهر أن هذا المرجحكسابقهإنما ينهض بالترجيح في غير موردالتزاحم.

633، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالرابع: سبق زمان االمتثال.

فقد التزم بعض األعاظم قدس سره بترجيح السابق زمانا، إال أن يكون المتأخر أهم منه. بدعوى: أن سقوط كل من التكليفين المتزاحمين ال يكون إال بامتثال اآلخر

الموجب للعجز عنه، فال مسقط للتكليف المتقدم، لعدم امتثال المتأخر بعد، فهو مقدور عليه، أما المتأخر فيسقط بامتثال المتقدم، للعجز عنه به. أما لو كان المتأخر

أهم فوجوب حفظ القدرة عليه يسقط التكليف المتقدم. لكنه كما ترى، لوضوح أن المسقط ألحد التكليفين المتزاحمين، ليس فعلية العجز

عنه بامتثال اآلخر، بل مجرد تعذر الجمع بين التكليفين في مقام االمتثال، و لذا يتخير بين التكليفين المتقارنين المتساوي األهمية، مع القدرة على كل منهما

بخصوصه. و هو حاصل في المقام، ألن التكليف المتأخر حيث يجب حفظ القدرة عليه، و ال يجوز تعجيز النفس عنه قبل مجىء وقتهو لذا اعترف به قدس سره

بترجيحه مع أهميتهفهو صالح لمزاحمة التكليف المتقدم مع عدم الترجيح بينهما، كمالو كانا متقارنين.

و الذي ينبغي أن يقال: ال ينبغي التأمل في ترجيح المتقدم فيما لو احتمل احتماال معتدا به تجدد القدرة على المتأخر مع حفظ المتقدم، أو تجدد العجز عن المتأخر أو

ارتفاع موضوعه مع تفويت المتقدم. الحتمال تحصيل كال الغرضين في األول، و الحذر من فوتهما معا في الثاني. و مرجع األمرين في الحقيقة للشك في مزاحمة

المتأخر للمتقدم، الملزم باالحتياط بتحصيل المتقدم، للشك في حصول العذر المسقط. إال أن يكون الالحق من األهمية بمكان بحيث يقتضي االحتياط له بتفويت

األسبق زمانا بمجرد احتمال مزاحمته له. و أما مع عدم االحتمال المذكور، أو ضعفه بنحو ال يعتد به، فمقتضى القاعدة عدم

ترجيح األسبق زمانا، كما هو المعلوم في أغراض اإلنسان634، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

التكوينية. لو ال ما تقدم عند الكالم في ترجيح محتمل األهمية من أن الشك حيث كان في المسقط المعذر عن امتثال التكليف تعين تنجز احتمال التكليف، بنحو يجب

االحتياط فيه ما لم يعلم بالمعذرية. و حينئذ ربما يكون التقدم الزماني منشأ للترجيح بنظر المولى لتحصيل ما يمكن

تحصيله فعال، تحفظا من الطوارئ غير المحتسبة للمكلف، أو التي ال يعتد باحتمالها، كما قد يتحفظ من احتمال خطأ قطع المكلف، و ال يتحفظ المكلف نفسه من ذلك.

و مع االحتمال المذكور يشكل حكم العقل بالتخيير.نعم مع إحراز أهمية المتأخر بنحو يعتد به فال إشكال في لزوم ترجيحه.

و أما مع احتمال أهميته، فاألمر ال يخلو عن إشكال، لتزاحم االحتياطين. و ال بد من التأمل التام في المقام، ألن األمور الوجدانية لما لم تكن خاضعة للبرهان فقد

يلتبس األمر فيها بأدنى شبهة. تنبيه التزاحم في مقام االمتثال إنما يتصور في التكاليف االستقاللية، دون التكاليف

الضمنية

Page 360: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

باألجزاء أو الشرائط في المكلف به االرتباطي، كما لو تعذر الجمع بين القيام والطمأنينة في الصالة. لوحدة الغرض الفعلي، و ال موضوع معها للتزاحم.

و لذا كان مقتضى القاعدة سقوط التكليف بالمركب بتعذر بعض ما يعتبر فيهمن األجزاء و الشرائطلو كان لدليل اعتباره إطالق يشمل حال التعذر، لرجوعه إلى تعذر

المكلف به، و هو المركب االرتباطي التام. و إنما يكتفى بالناقص لدليل خاص منإجماع أو غيره.

و على ذلك لو تعذر الجمع بين أمرين، و علم باكتفاء الشارع بالميسور، فالمورد منموارد الشك في الجعل، للتردد في المركب الواجب، و أنه

635، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج المشتمل على أي منهما. و حينئذ ال إشكال في التخيير بينهما مع العلم بالتساوي

بينهما في األهمية، و في ترجيح األهم منهما مع العلم به. و لو احتمل أهمية أحدهما بعينه فالمورد من صغريات الدوران بين التعيين و التخيير

في مقام الجعل، الذي سبق في مبحث الدوران بين األقل و األكثر االرتباطيينالكالم في أن المرجع فيه البراءة أو االشتغال.

و منه يظهر الحال لو تردد محتمل األهمية بينهما. حيث يتعين التخيير بناء علىالرجوع للبراءة هناك، و االحتياط بتكرار المركب مع كل منهما بناء على االشتغال.

و لو علم بأهمية أحدهما إجماال فالمورد من صغريات الدوران بين المتباينين فيمقام الجعل، فيلزم االحتياط بتكرار المركب مع كل من األمرين مع تيسره.

أما لو تعذر االحتياط، أو علم بعدم وجوبه، فالمتعين التخيير ظاهرا بين المركبين. و لنكتف بهذا المقدار من الكالم في المقام. و منه سبحانه نستمد العون و التوفيق

و التأييد و التسديد.و الحمد لله في البدء و الختام و به االعتصام.

637، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جخاتمة علم األصول في االجتهاد و التقليد

و الكالم فيها يقع في مقامين يبحث في أولهما عن االجتهاد، و في ثانيهما عن التقليد، ثم في خاتمة يبحث فيها

عن وجوب الفحص الذي هو مشترك بين المجتهد و المقلد.المقام األول في االجتهاد

و هو لغة بذل الوسع، كما في الصحاح، و مختاره، و القاموس، و النهاية، و لسان العرب. و زاد في األخيرين: »و هو افتعال من الجهد الطاقة«. و أما في االصطالح

فقد اختلفت كلماتهم في تعريفه، بما ال مجال إلطالة الكالم فيه. و لعل األنسب بمحل الكالم تعريفه بأنه: ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم

الشرعي الكلي، أو معرفة الوظيفة الفعلية في الشبهات الحكمية. و الكالم فيه يقعفي ضمن مسائل ..

المسألة األولى: وقع الكالم بين األصوليين في تجزي االجتهاد و عدمه. و مرجعه إلى أنه هل يكون الشخص قادرا على استنباط الحكم الشرعي، أو

تشخيص الوظيفة في خصوص بعض المسائل، أو ال بد إما من قدرته على ذلك فيجميع المسائل، أو عجزه عنه في الكل؟. و المعروف هو إمكان التجزي.

Page 361: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و ربما نسب القول بامتناعه للشذوذ، و إن كان هو الظاهر من شيخنا األستاذ قدسسره

638، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جو بعض أعيان تالميذه.

و الظاهر إمكان التجزي، بل وقوعه، ال بمعنى تجزي الملكة، فإنها أمر بسيط ال يقبل التجزي، بل بمعنى قصورها بسبب عدم اإلحاطة بجميع كبريات االستدالل و

صغرياتها، بل ببعضها، حيث يكون ذلك منشأ للقدرة على االستنباط أو تشخيص الوظيفة في خصوص الفروع المبتنية على ما أحاط به من الكبريات و الصغريات

المذكورة دون غيرها. فقد يكون الشخص مثال محيطا بما هو الحجة من األدلة اللفظية، قادرا على

تشخيص الظهورات اللفظية، غير قادر على بعض صور الجمع بين الظهورين، أو على كيفية عالج تعارض األدلة، أو على تشخيص الوظيفة و األصل عند فقد األدلة،

فيتيسر له استنباط الفروع التي ينفرد بها ظهور واحد، دون الفروع التي تتصادمفيها الظهورات أو تتعارض فيها األدلة، أو يكون المرجع فيها األصول.

كما قد يكون الشخص محيطا باألصول العملية أو ببعض أقسامها دون األدلة و الظهورات، فيتسنى له معرفة الوظيفة في الفروع المبنية على تلك األصول فيما لو

قطع بوصول النوبة لها، دون الفروع المبنية على غيرها من األصول أو علىالظهورات ... و هكذا.

و دعوى: أن مقدمات االستدالل متداخلة يرتبط بعضها ببعض، و ال يكفي الفراغ من بعضها في االستفادة منها في االستنباط، بل ال بد من الفراغ عن الجميع في عملية

االستنباط و تشخيص الوظيفة. ممنوعة، الختالف الفروع في ذلك جدا، كما يظهربأدنى ممارسة و تأمل.

بل ذكر المحقق الخراساني قدس سره: أنه يستحيل عادة حصول االجتهاد المطلقمن دون أن يكون مسبوقا بالتجزي. و ما ذكره متين بلحاظ الوضع

639، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج المتعارف من تدرج رجل العلم في المعلومات، و في المهارة فيها، و في قوة النظر، و الذوق الفقهي باستمرار الممارسة، فال يتسنى له في أول مراحله إال تشخيص الوظيفة في الفروع الفقهية غير المعقدة، التي يسهل إثبات كبرياتها

األصولية، و إحراز موضوع تلك الكبريات فيها، ثم يقوى على األصعب فاألصعببطول الزمن مع استمرار الممارسة و إعمال النظر و المالحقة.

و ربما يبقى عاجزا عن تشخيص الوظيفة في بعض الفروع، لشدة تعقدها، و اضطراب الوجدان عليه فيها، لتصادم جهات الكشف عن الوظيفة الفعلية، أو ابتالئها

بما يمنع من الركون إليها، كما يبتلى به أعاظم المجتهدين في كثير من الموارد، فيتوقف عن الفتوى فيها. و لعله لذا اكتفى في الفصول في االجتهاد المطلق

بالقدرة على استنباط جملة معتد بها من األحكام. نعم قد يكون منشأ التوقف عن الفتوى التورع و االحتياط للواقع، أو تجنب بعض

المحاذير، مع القدرة على تشخيص الوظيفة. و لذا قد يفتي لو ترجح في نظره ذلك،لحاجة الناس للفتوى أو نحوها. لكنه غير مطرد، بل قد يكون للعجز، كما ذكرنا.

Page 362: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

هذا و ال ينبغي التأمل في وجوب عمل المتجزي برأيه فيما وصل إليه، و إن قيل إنه محل خالف. لعموم أدلة الحجج له، فيقطع بمقتضاها بالوظيفة الفعلية، كما يقطع

بها في موارد األصول الفعلية. و ال مجال لتخلف القاطع عن قطعه، فضال عن حجية رأي غيره عليه ممن يخالفه و يكون جاهال بنظره. و ال يقلد الغير إال فيما يعجز عن

تشخيص الوظيفة فيه، لدخوله في كبرى رجوع الجاهل للعالم باإلضافة إليه.و أما الرجوع للمتجزي و تقليده فيما وصل إليه فالكالم فيه موكول لمبحث التقليد.

640، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالمسألة الثانية: اتفقت الكلمةكما قيلعلى التخطئة في العقليات،

سواء كان لها دخل باألحكام الشرعية، كاستلزام وجوب الشيء لوجوب مقدمته، أم ال، ككون الكل أعظم من الجزء. إذ ليس شأن العقل إال إدراك الواقع، و ال مجال

لتبعية الواقع لإلدراك، لتفرع مقام اإلثبات على مقام الثبوت، و تأخره عنه رتبة، و ال يكون المتقدم تابعا للمتأخر. بل ليس الواقع الذي يتناوله اإلدراك إال أمرا واحدا،

يصيبه من يصيبه، و يخطئه من يخطئه. و أما الشرعيات فقد تكرر نقل إجماع أصحابنا على التخطئة فيها، و أن لله تعالى

في كل واقعة حكما واحدا تابعا لموضوعه الواقعي، يصيبه من يصيبه، و يخطئه منيخطئه. بل الظاهر مفروغيتهم عنه.

و ما قد ينافيه من بعض كلماتهم في حقيقة الحكم الظاهري، و الجمع بينه و بين الحكم الواقعي و نحوهما. ناشئ عن الغفلة عن منافاة ذلك للتخطئة. و لذا تكرر منهم النقض على بعض الوجوه المذكورة في كلماتهم باستلزامه التصويب، حيث

يناسب ذلك المفروغية عن بطالنه. و كيف كان فالتصويب يتردد في كلمات القائلين و الناقلين له بين وجوه ثالثة األول: أن الحكم في حق كل مجتهد و من يقلده تابع الجتهاده، بحيث ال حكم لله تعالى في

الواقعة قبل تحقق االجتهاد. الثاني: أن له تعالى أحكاما متعددة بعدد ما يعلم حصوله من آراء المجتهدين، فكل

مجتهد قد جعل في حقه و حق مقلديه الحكم الذي سوف يؤدي إليه اجتهاده. الثالث: أن له حكما واحدا أوليا يشترك بين العالم و الجاهل، يصيبه من يصيبه، و

يخطئه من يخطئه، إال أن من أدى اجتهاده لخالفه ينقلب الحكم في حقه و حق منيقلده على طبق اجتهاده، فاالجتهاد المخالف للواقع من سنخ

641، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جالعنوان الثانوي الموجب لتبدل الحكم األولي.

و بأحد الوجهين األولين قد يفسر التصويب المنسوب لألشاعرة. و إن كان األظهر من بعض الكلمات المنقولة عنهم األول. و بالوجه الثالث قد يفسر التصويب

المنسوب للمعتزلة. و لعله أهون الوجوه، و أبعدها عن الخطأ، ألن تبدل األحكاماألولية بالعناوين الثانوية غير عزيز.

إال أنه ال مجال للبناء عليه بعد منافاته إلطالقات األحكام الواقعية القاضية بفعليتهاتبعا لفعلية موضوعاتها، و عدم ارتفاعها بخطإ المجتهد في الوصول إليها.

مضافا إلى النصوص الكثيرة الظاهرة في فعلية الحكم الواقعي في صورة عدمإصابته.

Page 363: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

منها: ما تضمن أن الحكم حكمان: حكم الله عز و جل، و حكم الجاهلية، و أن من.«1 »أخطأ حكم الله فقد حكم بحكم الجاهلية

و منها: ما تضمن تفسير حديث أن اختالف األمة رحمة باالختالف في طلب العلم، و . فإنه كالصريح في عدم تعدد حكم الدين في الواقعة، تبعا«2 »أن الدين واحد

الختالف المجتهدين. و منها: ما في نهج البالغة، و االحتجاج، عن أمير المؤمنين عليه السالم أنه قال في

ذم علماء السوء: »ترد على أحدهم القضية في حكم من األحكام، فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخالفه، ثم يجتمع القضاة بذلك عند اإلمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا. و إلههم واحد، و نبيهم

واحد، و كتابهم واحد. أ فأمرهم الله سبحانه باالختالف فأطاعوه،______________________________

منها5، و باب: 8، 7 من أبواب صفات القاضي حديث: 4 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).6حديث:

.10 من أبواب صفات القاضي حديث: 11 باب: 18( الوسائل ج: 2 )642، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

فإنه صريح اإلنكار على تصويب أحكام القضاة«1 »أم نهاهم عنه فعصوه؟!«المختلفة تبعا الختالف اجتهادهم.

و منها: ما تضمن من النصوص الكثيرة االهتمام بحفظ األحاديث و مدح رواتها . حيث يظهر منها أن ضياع الواقع بضياعها محذور ال يتدارك«2 »األمناء عليها

بتشخيص المجتهد للوظيفة الفعلية المخالفة للواقع، بحيث يقتضي تبدل الحكم ... إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة أو المشعرة بأن األحكام الواقعية باقية على ما

هي عليه من الفعلية، و ال تختلف باختالف االجتهادات و األنظار. و ال ملزم بالخروج عن ذلك إال توهم أنه مقتضى الجمع بين أدلة األحكام الواقعية و

أدلة الحجج و األصول الشرعية الظاهرية، التي يختلف مفادها باختالف األنظار و االجتهادات، إذ لو ال ارتفاع الحكم الواقعي األولي بقيام الطرق و األصول المخالفة

له للزم اجتماع الحكمين المتضادين، و تفويت المالكات الواقعية الفعلية. لكن يظهر اندفاع التوهم المذكور مما تقدم في أوائل مباحث الحجج في بيان

حقيقة مفاد أدلة الطرق و األصول، و كيفية الجمع بينها و بين األحكام الواقعية،حيث يستغنى بذلك عن التصويب.

بل مقتضى ما سبق هناك عن ابن قبة من استحالة التعبد بغير العلم، الستلزامه تحليل الحرام و تحريم الحالل، كون بطالن التصويب أظهر من نصب الطرق الظنية،

لوضوح ابتناء المحذور المذكور على عدم التصويب.______________________________

. و قد علق على389 ص: 1. و االحتجاج ج: 62 ص: 18( نهج البالغة كالم رقم: 1 ) بما يحسن مراجعته.361 ص: 1ذلك في كتاب مصادر نهج البالغة ج:

من أبواب صفات القاضي.11، 8 باب: 18( راجع الوسائل ج: 2 )643، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 364: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

على أن منافاة مفاد الطرق و األصول للواقع لو كانت ملزمة بالتصويب للزم البناء عليه في التعبد الظاهري بموضوعات األحكام، مع أن المحكي عن الفصول نفي

الخالف في عدمه فيها. و مما ذكرنا يظهر ضعف الوجه الثاني للتصويب، لصلوح ما سبق لرده، فإن مقتضى

إطالق أدلة األحكام ثبوتها في حق جميع المكلفين، و عدم اختصاصها بمن يؤدياجتهاده أو تقليده إليها. كما أن النصوص المتقدمة وافية بذلك.

بل هو مقتضى نصوص كثيرة أخرى: ، و أن من عمل«1 »منها: ما تضمن أن من يقضي بالحق و هو ال يعلم فهو في النار

، و أن من قال برأيه فأصاب لم«2 »على غير علم كان ما يفسد أكثر من ما يصلح ، و أن«4 »، و أن أصحاب القياس لم يزدهم القياس من الحق إال بعدا«3 »يؤجر

، و أنهم غيروا كالم الله«5 »أصحاب الرأي أحلوا ما حرم الله، و حرموا ما أحل الله . حيث فرض فيها وجود حق و حكم لله تعالى واحد، دل عليه«6 »و سنة رسوله

كالمه و سنة رسوله صلى الله عليه و آله، من دون أن يصيبه اجتهاد المجتهدين.و منها: ما تضمن أن الدين كله مبين في الكتاب و السنة، و أن علمهما عند

______________________________.7، 6 من أبواب صفات القاضي حديث: 4 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).13 من أبواب صفات القاضي حديث: 4 باب: 18( الوسائل ج: 2 ).35، 6 من أبواب صفات القاضي حديث: 6 باب: 18( الوسائل ج: 3 ) 2. و البحار ج: 18 من أبواب صفات القاضي حديث: 6 باب: 18( الوسائل ج: 4 )

.81 حديث: 315ص: .69 حديث: 308 ص: 2( البحار ج: 5 ).71 حديث: 309 ص: 2( البحار ج: 6 )

644، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج . لوضوح أن مدعى القائل بالتصويب اختصاص أحكام«1 »األئمة عليهم السالم

الكتاب و السنة بمن يصل إلى مضامينها، دون من أخطأها، بل له أحكام أخرى غيرحكمها، هي الدين المطلوب منه.

و منها: ما تضمن أن العلم مخزون عند أهله، و كل ما لم يخرج من أهل البيت . لظهورها«2 »عليهم السالم فهو باطل، و أنه يجب سؤالهم عنه و طلبه منهم

بمجموعها في وحدة التكليف الواقعي، و عمومه لكل أحد، و لذا يجب طلبه منمظانه ... إلى غير ذلك مما هو صريح أو ظاهر في وحدة الحكم الواقعي.

بل هو المطابق الرتكازيات المتشرعة القطعية، الملحقة بالبديهيات غير القابلة لألخذ و الرد و النقض و اإلبرام، بحيث يقطع ألجلها بأن البناء على التصويب لشبهة

ضاقت بأهلها، مردودة عليهم بالبداهة. و أضعف وجوه التصويب هو الوجه األول، لمنافاته لجميع ما تقدم. و لما هو المعلوم من الكتاب، و السنة، و ضرورات المتشرعة، من جعل األحكام الشرعية، بل إكمال

الدين مع قطع النظر عن االجتهاد فيها. كما ال ريب في أنه يمكن حصول العلم اإلجمالي بالحكم قبل تناول االجتهاد له بخصوصيته، مع أن ثبوت أحد األطراف بخصوصيته راجع إلى سبق الحكم على

Page 365: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

االجتهاد، و إمكان خطأ االجتهاد في تعيينه، إذ ال مجال لاللتزام بثبوت أحدهماالمردد، الستحالة جعل المردد، و ال التخييري، للقطع بعدمه،

______________________________ في أبواب صفات القاضي، و كذا في18( تراجع هذه النصوص في الوسائل ج: 1 )

و22 من البحار في باب: 2مستدرك الوسائل في األبواب المذكورة، و في ج: غيره من كتاب العلم. و هي كثيرة متفرقة ال يسعنا ضبطها تفصيال.

في أبواب صفات القاضي، و كذا18( تراجع هذه النصوص في الوسائل ج: 2 ) و33 من البحار في باب: 2مستدرك الوسائل في األبواب المذكورة، و في ج:

غيره من أبواب كتاب العلم. و هي كثيرة متفرقة ال يسعنا ضبطها تفصيال.645، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

بل قد يستحيل جعله، كالتخيير بين الوجوب و الحرمة، أو بين االستحباب و الوجوب، و التخيير بين ملكية أحد الوارثين. بل المفروض في العلم اإلجمالي كون المعلوم

باإلجمال هو أحد الطرفين بخصوصيته مع عدم وصول االجتهاد للخصوصية بعد. هذا مضافا إلى استحالة الوجه المذكور من التصويب في نفسه، ألن االجتهاد لما كان راجعا إلى التحري عن األحكام الشرعية، ثم إثباتها، كان متأخرا عنها رتبة، و

متفرعا عليها تفرع مقام اإلثبات على مقام الثبوت. فال موضوع لالجتهاد إال في فرض جعل أحكام يجتهد المجتهد في الوصول إليها، ال مع العلم بعدم جعل حكم في

الواقعة. و قد تقدم في أول الكالم في القطع الموضوعي ما ينفع في المقام. و الرجوع إلى بعض ما ينقل من كلماتهم في وجه البناء على التصويب شاهد

باختالط مقام اإلثبات عليهم بمقام الثبوت، و مقام التنجيز بمقام الجعل، فحيث كان إثبات التكليف و تنجزه متفرعا على االجتهاد في الجملة تخيلوا إناطة الجعل به. و

هو ظاهر الوهن. المسألة الثالثة: ال إشكال في جواز الفتوى للمجتهد بالحكم الشرعي الواقعي مع

العلم الحقيقي به، لضرورة، أو إجماع، أو غيرهما. و كذا مع قيام الحجة عليه عنده، بناء على جواز

اإلخبار بالواقع اعتمادا عليها. لكن الظاهر عدم تمامية المبنى المذكور، و أنه ال بدمعه من ابتناء الخبر على بيان مفاد الحجة، ال على بيان الواقع.

فالعمدة في المقام: أن ظاهر حال أهل الفتوى هو ابتناء الفتوى منهم على بيان مفاد الحجة و مقتضى الوظيفة، ال على بيان الواقع، لعدم تعلق غرض المفتي و

المستفتي ببيان الحكم الواقعي، بل ببيان ما ينبغي العمل عليه من مفاد646، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الحجة، أو بيان مفاد األصل الشرعي أو العقلي. نعم لما كان الغرض من الفتوى ترتب عمل المستفتي لزم تحقق موضوع الوظيفة

العملية في حقه، و ال يكفيكما ال يعتبرتحققها في حق المفتي، ألن الالزم على المستفتي هو العمل على مقتضى وظيفته التي يشخصها له المفتي، ال على

مقتضى وظيفة المفتي. و لذا تقدم أنه بناء على التخيير بين الخبرين المتعارضين فال بد من اختيار المستفتي، ال المفتي. و ربما يأتي في مباحث التقليد ما ينفع في

المقام.647، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 366: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

المقام الثاني في التقليد ]تعريف التقليد[

و المستفاد من بعض كلمات اللغويين، و استعماالت أهل اللغة، أنه عبارة عن جعل الشيء في عنق الغير. و أطلق في العرف على متابعة الغير في العمل. و لعله

بلحاظ أن التابع قد حمل المتبوع مسئولية عمله، كأنه جعله في عنقه. لكنه جرد بعد ذلك عن النكتة المذكورة، و لحظ فيه محض المتابعة و المحاكاة مع

قطع النظر عنها. و لذا صح فيما ال مسئولية فيه من األعمال، و عدي ب »في«فيقال: قلده في عمله، ال قلده عمله.

و الظاهر أن ذلك هو المراد منه اصطالحا، فهو عبارة عن متابعة الغير في العمل. و إن كان ربما يظهر من بعضهم أنه أمر سابق على العمل، كاألخذ بقول الغير، و

االلتزام به على أنه الحكم الظاهري، أو البناء على المتابعة في مقام العمل. لكنهبعيد، الحتياج الخروج عن المعنى العرفي إلى عناية ال ملزم بها.

و كيف كان فال يهم تحقيق مفهوم التقليد االصطالحي، إذ ال مشاحة في االصطالح. كما ال ثمرة مهمة في تحقيق مفهومه اللغوي، لعدم أخذ عنوانه في أدلة أحكامه، و

المتضمن العتبار العدالة في مرجع التقليد، و هو«1 »إنما أخذ في مرسل االحتجاج ظاهر في المعنى العرفي المذكور. على أن ضعفه في نفسه، و وضوح اعتبار

العدالة، يغني عن تحقيق مفاده.______________________________

.20 من أبواب صفات القاضي حديث: 10 باب: 18( الوسائل ج: 1 )648، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

]الكالم في جواز التقليد للعامي[إذا عرفت هذا فالمعروف من مذهب األصحاب اجتزاء العامي بالتقليد.

و الظاهر أن خالف بعض األخباريين لفظي، ألن المحكي عنهم دعوى أن ما صدر من معاصري األئمة عليهم السالم، و جرت عليه سيرة اإلمامية خلفا عن سلف،

ليس من التقليد، بل هو نظير قبول الرواية المنقولة بالمعنى، الذي ال إشكال في جوازه، و أنه ال يجوز تقليد من يجتهد في استنباط الحكم برأيه، بل يجب أخذ أحكام

الدين من المعصومين عليهم السالم. و نحن متفقون معهم في حرمة أخذ الدين من غير المعصومين عليهم السالم

اعتمادا على الرأي و االستحسان و نحوهما، كما هو دأب العامة. و التقليد الجائز عندنا هو الرجوع للعلماء لمعرفة الحكم الصادر عن المعصومين عليهم السالم،

الذي أقروه و جعلوه نظير قبول الرواية بالمعنى.نعم حكي عن الحلبيين وجوب االجتهاد عينا. و هو غريب.

]االستدالل على جواز التقليد بسيرة العقالء[ و يمكن االستدالل على جواز التقليد بسيرة العقالء على الرجوع ألهل الخبرة في

جميع أمورهم، فكل من ال يتسنى له العلم بشيء يرجع إلى العالم به. و لو ال ذلك الختل نظامهم في معاشهم و معادهم، لتعذر العلم لهم بجميع ما

يحتاجون إليه. و حيث كانت السيرة المذكورة ارتكازية، كفى في حجيتها عدم ثبوتالردع عنها، كما تقدم أواخر الكالم في مقتضى األصل عند الشك في الحجية.

Page 367: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و ال طريق إلحراز الردع عن مقتضى السيرة المذكورة. ألن ما ورد في ذم التقليد من اآليات و الروايات ظاهر، أو منصرف لتقليد الجهال في مقابل الحق و الدليل،

لعصبية عمياء و حمية جاهلية، كما أشير إليه في مثل قوله تعالى:سول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه ه و إلى الر و إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الل

649، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج� و ال يهتدون .«1 »آباءنا أ و لو كان آباؤهم ال يعلمون شيئا

أو لتقليد علماء السوء و السالطين الذين يحلون الحرام، و يحرمون الحالل، وخذوا أحبارهم و رهبانهمالتدين بقولهم مع ذلك، كما ورد في تفسير قوله تعالى: ات

ه � من دون الل أنهم أحلوا لهم حراما، و حرموا عليهم حالال، فعبدوهم من«2 »أربابا.«3 »حيث ال يشعرون

أو لتقليد علماء السوء الذين ال يأخذون من أهل البيت عليهم السالم، بل يتعدونهمإلى غيرهم ممن ليس بحجة، أو يعتمدون الرأي و االستحسان.

و ال عموم له لمحل الكالم من الرجوع للعلماء المؤمنين الموثوقين الذين يعتمدونالحجج، و يأخذون عن األئمة عليهم السالم، و ينهجون نهجهم.

كما أن ما ورد من النهي عن العمل بغير العلم أو بالظن قاصر عن التقليد المذكور و نحوه من موارد الرجوع للحجج العقالئية، كما تقدم عند الكالم في أصالة عدم

الحجية في أوائل مباحث الحجج. فراجع.على أنه يمكن استفادة إمضاء مقتضى السيرة المذكورة من أمور ..

األول: سيرة المتشرعة خلفا عن سلف على االجتزاء بأخذ األحكام العملية منالعلماء،

لما هو المعلوم من عدم تيسر االجتهاد لغالب الناس، فلو لم يشرع لهم ذلك، و لم يعملوا عليه، لزم الهرج و المرج، و اختل نظام معاشهم و معادهم، و لكثر السؤال

عن البديل بنحو لم يخف، و حيث لم يظهر شيء من ذلك كشفت السيرة المذكورةعن إقرار ذلك شرعا.

الثاني: ]االستدالل بآية النفر[ فلو ال نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فيقوله تعالى:

______________________________.104( سورة المائدة اآلية: 1 ).31( سورة التوبة اآلية: 2 ) من أبواب صفات القاضي.10 باب: 18( راجع الوسائل ج: 3 )

650، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جهم يحذرون فإن التفقه في الدين«1 »الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعل

تعلمه، و منه تعلم أحكامه العملية و أخذها عن أدلتها. و ظاهر اإلنذار هو اإلنذار بماتفقهوا فيه، فيدخل فيه بيان األحكام اإللزامية المستتبعة للعقاب، و الفتوى بها.

و حيث كان ظاهر جعل الحذر غاية لإلنذار مطلوبيته تبعا له، كان ظاهرا في حجية الفتوى باألحكام اإللزامية. و يتم في غيرها بعدم الفصل. بل بفهم عدم الخصوصية، بسبب ظهورها في كون ترتب الحذر على اإلنذار طبيعيا، ال تعبديا محضا. و ما ذلك

إال بلحاظ سيرة العقالء، التي ال يفرق فيها بين األحكام اإللزامية و غيرها. و بذلكتكون اآلية ظاهرة في إمضاء السيرة المذكورة.

Page 368: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و قد تقدم في االستدالل باآلية على حجية خبر الواحد الكالم في بعض الجهات الراجعة لالستدالل بها مما ينفع في المقام. كما تقدم اإلشكال في االستدالل على

حجية الخبر ب آيات أخر، و هو يجري في االستدالل بها في المقام. فراجع.الثالث: النصوص الكثيرة الواردة في فضل العلم، و تعلمه، و االنتفاع به،

حيث يظهر من«2 »و الرجوع للعلماء في القضاء، و أخذ األحكام منه، و نحو ذلكمجموعها المفروغية عن جواز الرجوع للعلماء في معرفة األحكام و العمل عليها. لكن ال عموم للنصوص المذكورة، لعدم التصدي فيها لبيان الحجية، و إنما استفيد

منها المفروغية عنها، تبعا لسيرة العقالء المذكورة، فتدل على______________________________

.122( سورة التوبة اآلية: 1 ) ،12، 11، 10، 9، 8، 5، 4 باب: 18( تراجع النصوص المذكورة في الوسائل ج: 2 )

من أبواب صفات القاضي. و األبواب المناظرة لها في مستدرك الوسائل. و13.2أبواب كتاب العلم من البحار ج:

651، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جإمضائها، و يستفاد العموم من السيرة، ال منها.

نعم قد يستفاد العموم من التوقيع الشريف: »و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها . و قول اإلمام الصادق«1 »إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، و أنا حجة الله«

عليه السالم: »فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على.«2 »هواه، مطيعا ألمر مواله، فللعوام أن يقلدوه«

و قول اإلمام الهادي عليه السالم في كتابه ألحمد بن حاتم و أخيه: »فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا، و كل كثير القدم في أمرنا، فإنهما كافوكما إن شاء

.«3 »الله تعالى« اللهم إال أن يستشكل في األخير بوروده لبيان اشتراط اإليمان في المرجع، من دون تعرض لمن يرجع إليه، ليؤخذ بعمومه. إذ ال ريب في عدم كفاية العنوان المذكور في

المرجع. فهو نظير قول أبي الحسن عليه السالم في كتابه لعلي بن سويد: »ال تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا، فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين ...«

«4». فلم يبق إال األولين. لكن ضعفهماخصوصا الثانيمانع من التعويل عليهما، لعدم وضوح

انجبارهما بعمل األصحاب، لقرب اعتمادهم على األدلة األخر. على أن إهمال الوثاقة في األول ال بد أن يبتني على اعتبارها بمقتضى سيرة

العقالء، أو على اعتبار ما هو أشد منها شرعا، كما هو مقتضى الثاني، أو______________________________

.9 من أبواب صفات القاضي حديث: 11 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).20 من أبواب صفات القاضي حديث: 10 باب: 18( الوسائل ج: 2 ).45 من أبواب صفات القاضي حديث: 11 باب: 18( الوسائل ج: 3 ).42 من أبواب صفات القاضي حديث: 11 باب: 18( الوسائل ج: 4 )

652، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج غيره من األدلة الشرعية. و على كل حال ال مجال للبناء على كون موضوع التقليد

شرعا أعم من مورد السيرة. فالحظ.

Page 369: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الرابع: ما تضمن حث اإلمام الباقر عليه السالم أبان بن تغلب على الجلوس للفتوى«1»،

. لوضوح أن مبنى«2 »و تقرير اإلمام الصادق عليه السالم معاذ بن مسلم على ذلكاستفتاء الناس لهما على العمل بما يفتيان، كما هو مقتضى السيرة.

و ال يقدح في ذلك احتمال خصوصيتهما في نظرهما عليه السالم. ألن خصوصيتهما إنما تكون دخيلة في األمر بالفتوى، و التقرير عليها، ال في عمل المستفتي

بفتواهما، بل هو مبتن على الرجوع لهما لمحض ثقته بهما، كما يرجع إلى سائر أهلالعلم بمقتضى السيرة، فيدل على إمضائها.

نعم ال مجال لالستدالل بالنصوص الكثيرة المتضمنة إرجاع األئمة عليهم السالم إلى بعض أصحابهم، كأبي بصير، و محمد بن مسلم، و الحارث بن المغيرة، و يونس بن

. إلمكان«3 »عبد الرحمن، و زكريا بن آدم، و العمري و ابنه، و المفضل بن عمر خصوصيتهم بنظرهم عليهم السالم في علمهم و دينهم، بل هو المقطوع به. و من المعلوم أن إرجاع اإلمام عليه السالم شيعته لشخص ثقة منه عليه السالم بعلمه و

دينه ال يستلزم جواز رجوعهم لمن يثقون هم بعلمه و دينه، كما هو محل الكالم. و ربما يستدل بنصوص أخر ال مجال إلطالة الكالم فيها بعد كفاية ما سبق، و وضوحداللته على إمضاء السيرة، التي عرفت لزوم التعويل عليها ما لم يثبت الردع عنها.

إذا عرفت هذا فيقع الكالم في مسائل ..______________________________

طبعة النجف41 الطبعة الثانية، و الفهرست ص: 8( رجال النجاشي ص: 1 )األشرف.

.36 من أبواب صفات القاضي حديث: 11 باب: 18( الوسائل ج: 2 ) من أبواب صفات القاضي.11 باب: 18( راجع الوسائل ج: 3 )

653، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج المسألة األولى: ال ريب في اعتبار الوثوق بأهل الخبرة في جواز الرجوع إليهم

بمقتضى السيرة، بأن يوثق بكونهم في مقام إعمال خبرتهم و اجتهادهم، و بيان ما انتهى إليه نظرهم

من دون تسامح. إال أن المعروف من مذهب األصحاب رضى الله عنه اعتبار اإليمان و العدالة في مرجع التقليد، و ادعي عليه إجماعهم، بل الظاهر من حالهم و من بعض كلماتهم

المفروغية عنه، على خالف ما هو المعروف منهم في الخبر الحسي، حيث يكتفيكثير منهم بالوثوق بالمخبر، كما هو مقتضى السيرة.

و لعل منشأ الفرق: تيسر حصول الوثوق في الخبر الحسي، النضباطه، بخالف الفتوى المبنية على الحدس. أما في اإليمان فألن غير المؤمن إن كان يعتمد في

الفتوى على أصوله الباطلة، فهو ليس من أهل الخبرة في تشخيص وظيفة المؤمن،المبنية على أصول أهل اإليمان، التي هي محل الكالم.

و إن كان يعتمد على أصولنا و طرقنا، فمن الظاهر عدم انضباط الطرق المذكورة. ألن كثيرا من األدلة و القرائن ال تتهيأ اإلحاطة بها لغير المؤمن، كإجماعات الخاصة،

و شهرة الحكم بينهم، و هجرهم لألخبار، و عملهم بها، و توثيقهم و جرحهم للرواة الذين تتضارب فيهم النصوص و النقول، و سيرة المتشرعة، و مرتكزاتهم، و نحو

Page 370: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ذلك مما يكون دخيال في استنباط المجتهد المؤمن، بسبب اندماجه بالمؤمنين، و حسن ظنه بهم، و اعتقاده في علمائهم و عوامهم أنهم في مقام تلقي األحكام و

أخذها عن أئمتهم، و االحتياط لها، و عدم التساهل فيها، و تجنب التعصب و العناد، و نحو ذلك مما يوجب الوثوق بهم، و بنقلهم، و سيرتهم، و مرتكزاتهم، و كل ذلك ال

يتيسر لغير المؤمن.و مرجع ذلك إلى نقص خبرته.

و نظير ذلك يجري في العدالة، لتعرض المجتهد للضغط النفسي عند654، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

اختيار الحكم .. تارة: بلحاظ أن النفس بطبعها تميل للفتوى بما يطابق الظنون والقناعات و االستحسانات، بحيث قد يغفل عن عدم بلوغ ذلك مرتبة الحجية.

و أخرى: بلحاظ الهوى و حب الظهور في ابتكار الجديد، و إرضاء الناس، و استقطاب أكبر عدد ممكن منهم. حيث قد تلبس عليه النفس ألجل ذلك، و تغفله

باعتماد ما ليس بحجة. و ثالثة: بلحاظ أن ما تقتضيه األدلة قد ال يالئم السلطان، أو الجماهير الضاغطة، أو الظرف القائم. و في جميع ذلك قد يؤتى حظا من القدرة

على االستدالل و اللحن بالحجة، فيبرز ما ليس دليال بصورة الدليل. و ال حاجز له عن التالعب أو التسامح أو التغافل في ذلك إال الخوف من الله تعالى،

و شدة الحذر من نكاله، حين يلتفت إلى أن الخصم المحاسب هو الله تعالى الذي التخفى عليه خافية، و ال يخدع بالحجج الواهية.

و من ثم ال تستكمل الخبرة و االجتهاد في األحكام، و ال يتم الوثوق بالمجتهد إالبالعدالة، بل بالمرتبة العالية منها.

و على ذلك جرت سيرة المتشرعة، و مرتكزاتهم القطعية التي تنهض بنفسها باالستدالل، لو لم يتم االستدالل باإلجماع لبعض المناقشات التي ال مجال إلطالة

الكالم فيها. المسألة الثانية: ال ينبغي التأمل في أن مقتضى سيرة العقالء عدم اعتبار الحياة في

المفتي،لعدم دخلها في ما هو المناط في حجية الرأي، و هو كاشفيته نوعا.

و دعوى: أن موضوع الحجية هو الرأي، و ال رأي للميت. مدفوعةبعد تسليم عدمالرأي للميتبأن بقاء الرأي ال دخل له في حجيته بمقتضى السيرة.

غاية األمر أنه ال بد من عدم عدول صاحب الرأي عن رأيه، كاعتبار عدم عدول655، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الشاهد عن شهادته في حجية الشهادة، و ال طريق إلحراز العدول من الميت. و لذا ال ريب بمالحظة السيرة في عموم الحجية للميت في سائر موارد الرجوع

ألهل الخبرة و أهل العلم من األمور النظرية. لكن المشهور اعتبار الحياة في المفتي، خروجا عن مقتضى السيرة المذكورة. و استدل عليه بوجوه كثيرة ال مجال إلطالة الكالم فيها بعد ظهور ضعفها. و نقتصر

منها على وجهين: األول: أن أدلة التقليد الشرعية مختصة بصورة فعلية الرأي، و ال تشمل صورة زواله

بالموت و نحوه، لقصور العناوين التي تضمنتها، كاإلنذار، و الفقاهة، و العلم، والنظر في الحالل و الحرام.

Page 371: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و فيه أوال: أنه إن أريد بذلك أن األدلة المذكورة رادعة عن مقتضى السيرة، فمن الظاهر عدم ظهورها في حصر الحجية بمواردها و نفيها عن غيرها، لتنهض بالردع

عن عموم السيرة. و إن أريد به أن اختصاصها بذلك ملزم باالقتصار عليه، لعدمإحراز إمضاء السيرة في غيره.

فيظهر اندفاعه مما سبق من أنه يكفي في حجية السيرة عدم ثبوت الردع، مندون حاجة لإلمضاء.

و ثانيا: أن ظهور األدلة في الجري على مقتضى السيرة و المفروغية عن ذلك موجب النصرافها إلى بيان حجية الرأي الصادر عن العالم و الفقيه و إن خرج بعد

ذلك عن كونه عالما و فقيها، كما هو الحال في نظائر المقام، كالرواية، و الشهادة، و اإلقرار، و غيرها مما اعتبر فيه عناوين خاصة، مثل الوثاقة، و العدالة، و العقل، و

غيرها، حيث يكفي تحقق العناوين المذكورة حين صدورها، ال حين العمل بها، بقرينةظهور أدلتها في اإلشارة إلى موضوع السيرة.

656، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الثاني: اإلجماع المدعى من غير واحد، كما في الجواهر. و قد تعرض في التقريرات

لكلمات غير واحد الظاهرة أو الصريحة في دعوى اإلجماع، كابن أبي جمهور األحسائي، و المحقق الثاني في شرح األلفية، و الشهيد الثاني في المسالك، و في

رسالته في المسألة، و الوحيد البهبهاني قدس الله أسرارهم الزكية. و قال سيدنا األعظم قدس سره: »فإن الحاكين لإلجماع و إن كانوا جماعة خاصة، لكن تلقى األصحاب لنقلهم بالقبول من دون تشكيك أو توقف من أحد، و تسالمهم على العمل به، يوجب صحة االعتماد عليه. و ال سيما مع كون نقلة اإلجماع المذكور

من أعاظم علمائنا و أكابر فقهائنا، و لهم المقام الرفيع في الضبط و االتقان والتثبت. قدس الله تعالى أرواحهم، و رفع منازل كرامتهم، و جزاهم أفضل الجزاء«.

لكن في بلوغ ذلك حدا ينهض بالحجية إشكال، بل منع، ألن دعوى اإلجماع إنما صدرت من المتأخرين، مع عدم تحرير المسألة في العصور األولى المقاربة لعصور المعصومين عليهم السالم، ليكشف عن أخذها خلفا عن سلف منهم، و عدم وضوح نحو االبتالء بها في تلك العصور، لتستند دعوى اإلجماع لوضوح الحكم بين الطائفة

بسبب سيرتهم العملية. بل من القريب جريان السيرة على تقليد الموتى يوم لم يكن للتقليد عنوان يقتضي

العناية به و االهتمام بأحكامه، بل تجري الناس فيه على مقتضى طبائعهم. إذ يبعد جدا أن يكون أخذ المكلف الحكم من الفقيه ليعمل به هو و أهله ما دام الفقيه حيا، فإذا مات رجع إلى غيره، و سأله عن نفس الحكم الذي تعلمه من الميت، لما في

ذلك من الخروج عن مقتضى السيرة االرتكازية بنحو لو كان لظهر و بان، و لم يخفعلينا.

و مثله احتمال أن يعمل به بعد موته هو و أهله و من يتبعه ممن عملوا به657، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

في حياة المفتي، دون من تجدد تكليفه منهم، أو اتصل بهم بعد موته، بل يرجع هؤالء إلى مفت آخر حي، لئال يكون عملهم بفتوى األول تقليدا ابتدائيا منهم للميت،

بحيث يعمل أهل البيت الواحد على وجهين، بعضهم على رأي الميت، و بعضهم على

Page 372: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

رأي الحي. لما في ذلك من الكلفة الظاهرة، و الخروج عن الوضع المتعارف بالنحوالذي لو كان لظهر و بان.

بل يبعد جدا تحقق ذلك منهم من دون ورود أدلة تعبدية نقلية خاصة صالحة عندهم للردع عن مقتضى السيرة. و لو ورد شيء منها لم يخف عادة، لتوفر الدواعي لنقله

و حفظه عن الضياع. نعم ال ريب في عدم شيوع الرجوع للميت، لغلبة عدم االطالع على فتاواه، لعدم

تعارف تحرير الفتاوى و ضبطها، بل تصدر الفتاوى مشافهة، فال يتيسر االطالع عليها بعد موت المفتي لغير من شافهه بها، و من حدث بها عنه، لو لم تضع عليهم بنسيان

أو غيره. و ال سيما مع تيسر الرجوع لألحياء، و االستغناء بهم عن األموات، و الغفلة عن

االختالف الملزم بالنظر في الترجيح، حيث يستلزم ذلك إهمال رأي الميت طبعا. و من ثم ال ينهض ذلك بتأييد دعوى اإلجماع، أو بالظن باستناد الدعوى المذكورة

للتسالم، بسبب سيرة المتشرعة على عدم تقليد الميت، خصوصا بعد ما سبق منقرب قيام السيرة في الجملة على تقليده.

و ال سيما مع ظهور بعض كلماتهم في وجود الخالف في المسألة، أو عدم القطعبانعقاد اإلجماع فيها. فعن الشهيد في الذكرى نسبة الخالف للبعض.

و حمله على العامةكما عن الشهيد الثانيبعيد جدا، خصوصا مع كونه المعروف بينهم.و أظهر من ذلك قول المحقق الثاني في الجعفرية بعد بيان وجوب

658، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الرجوع للمجتهد: »و اشترط األكثر كونه حيا«. و عن الشهيد الثاني في المسالك

دعوى عدم تحقق الخالف له ممن يعتد بقوله، و في رسالته في المسألة عدم العلمبمخالف ممن يعتبر قوله و يعتمد على فتواه.

و أما تلقي األصحاب لدعواهم بالقبول، فهو قد يتم في جملة من متأخري المتأخرين، الذين ال يكشف قبولهم عن ثبوت اإلجماع، إلمكان ابتنائه على حسن

الظن بالناقلين له، أو على حجية اإلجماع المنقول بنظرهم، ال الطالعهم على قرائن تشهد بثبوته. بل لعل جملة منهم قد استندوا في المنع من تقليد الميت لوجوه أخر

غير اإلجماع المدعى، فهم موافقون له، ال أنهم معتمدون عليه، و متلقون لهبالقبول.

على أن ظاهر كالم السلطان في حاشية المعالم التردد في ثبوت اإلجماع. و هو المناسب لما ذكره المحقق القمي من أنه ال يوجب الظن، فضال عن اليقين،

لعدم تداول المسألة بين أصحاب األئمة عليهم السالم، بل هي مسألة حادثة. و كذا خروج األخباريين عليه، فإن خروجهم و إن كان مبنيا على دعوى أن الفتوى

من سنخ الرواية المنقولة بالمعنى، التي تقبل بعد موت الراوي، إال أن موضوع كالمهم لما كان هو التقليد بواقعه الخارجي، فلو كان عدم الرجوع للميت واضحا

عند الشيعة، متسالما عليه بينهم، لما وسعهم الخروج عليه.و من ثم يصعب الخروج عما تقتضيه السيرة من جواز تقليد الميت.

لكن ذلك ال ينفع في جواز تقليده مع العلم بمخالفة الحي له، كما هو الشائع في محل االبتالء. لما سبق في مبحث التعارض و يأتي، من أن األصل في المتعارضين

التساقط. و حينئذ يتعين في حق العامي االحتياط في الجملة، كما هو الحال في

Page 373: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

سائر موارد اختالف المجتهدين. أما مع تعذر االحتياط، و فقد المرجح، فالمتيقن التخيير بين األحياء، لو تم، أما التخيير بين الحي و الميت فال دليل عليه بعد احتمال

عدم جواز تقليد الميت، ألن ما سبق ال ينهض بجواز659، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

تقليد الميت في صورة االختالف.نعم يتجه تقليد الميت في صورتين:

األولى: ما إذا كان أعلم من الحي بمرتبة معتد بها، فالمتعين تقليده، ألن األعلمية من المرجحات العقالئية كما سيأتي. و إن كان الفرض المذكور ليس بذلك الشيوع، ألن تطور العلم يناسب كون المتأخرين أعلم، لو لم يفقدوا الذوق الفقهي في فهم

النصوص. بل ال ريب في أنهم نوعا أمتن استدالال، و أضبط للقواعد، و أقدر علىإعمالها إذا بقي العلم في تطوره و تكامله.

غاية األمر أنه يعلم في الجملة بتيسر بعض األدلة و القرائن للقدماء المقاربين لعصور األئمة عليهم السالم، كمعرفة حال الرواة، و صحة الكتب، و نحو ذلك مما

خفي بعضه على المتأخرين. إال أن عدم انضباط ذلك أوجب عدم إدراك حالهم فيه. الثانية: ما إذا سبقت حجية فتواه في حق المكلف حال حياته، كما لو قلده بوجه

شرعي ثم مات، بناء على ما هو الظاهر من جريان استصحاب حجية رأيه في حقه، كما يظهر مما تقدم في مقدمة علم األصول من أن الحجية من األحكام المجعولة

التي تجري فيها االستصحاب. هذا و ما ذكرناه في الموت يجري في سائر ما يعرض للمجتهد مما يسقطه عن

كونه ذا رأي و فتوىكالخرف و الجنونأو يسقط حجية رأيه- كالفسقكما يظهر بالتأمل.المسألة الثالثة: إذا تعدد المجتهدون،

فإن اتفقوا فال إشكال في جواز الرجوع لكل منهم، كما يجوز الرجوع لهم جميعا. من دون فرق بين التفاضل بينهم و عدمه، لعموم أدلة التقليد من اآلية و الروايات و

السيرة. و ما دل على عدم جواز تقليد المفضوللو تممختص بصورة االختالف.660، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و أما مع االختالف بينهم، فال مجال لتخيل كون تقليد كل منهم مقتضى اإلطالقات، لما سبق في مبحث التعارض من قصور إطالقات الحجية عن شمول المتعارضين، و

أنها ال تقتضي حجية كل منهما تخييرا. و هو الحال في السيرة بمالحظة المرتكزات العقالئية التي تبتني عليها سيرتهم في المقام، و في سائر موارد الرجوع ألهل

الخبرة. نعم مع تيسر العلم بأعلمية أحدهم بعينه بمرتبة معتد بها فمقتضى السيرة جواز

الرجوع له، بل تعينه للتقليد. لصلوح قوله للقرينية على خطأ المفضول المخالف له، و خروجه عن موضوع الحجية. و هو كاف في حجية قوله، بناء على ما سبق من

حجية السيرة ما لم يثبت الردع عنها. على أنه ال يبعد تنزيل األدلة الشرعيةالمتقدمة على ذلك، بضميمة ما سبق من ورودها مورد اإلمضاء للسيرة.

مضافا إلى اإلجماع المدعى على تعينه للتقليد، كما عن ظاهر السيد المرتضى في الذريعة، و صريح المحقق الثاني. مؤيدا بما عن النهاية من أنه قول من وصل إلينا كالمه من األصوليين، و ما في المعالم من أن تعيين األرجح في العلم و العدالة هو

قول من وصل إلينا كالمهم من األصحاب.

Page 374: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و لم يعرف القول بالتخييرو جواز تقليد المفضولإال بعد الشهيد الثاني. قال في التقريرات: »و صار إليه جملة من متأخري أصحابنا، حتى صار في هذا الزمان قوال

معتدا به«. و هو ال يقدح في انعقاد اإلجماع. و ال أقل من اإلجماع المركب على جواز تقليده، فيتعين للتقليد بضميمة األصل،

القاضي بالتعيين عند دوران الحجية بين التعيين و التخيير. لكن في نهوض ذلك باالستدالل إشكال. لعدم وضوح كونه إجماعا تعبديا، بل ال يبعد

ابتناء اإلجماع المدعى على تعينه للتقليد على السيرة،661، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و ابتناء القول بالتخيير على األدلة اآلتية. و على كال التقديرين ال ينهض باالستداللفي قبال السيرة التي هي العمدة في المقام.

هذا و قد يستدل لعدم تعيين األعلم للتقليد، و جواز تقليد المفضول، بوجوه .. األول: إطالقات أدلة التقليد، كتابا، و سنة. بل قيل: إن حمل مثل آية النفر على

صورة تساوي النافرين في الفضيلة حمل على الفرد النادر. و يظهر الجواب عنه مما تقدم من قصور اإلطالقات المذكورةكسائر إطالقات أدلة الحجيةعن صورة العلم بالتعارض و االختالف. نعم لو كانت الصورة المذكورة هي

الشائعة تعذر الحمل على غيرها، و حينئذ يتعين حمل اإلطالقات على الحجيةالتخييرية، و يتجه االستدالل بها في المقام.

لكن الظاهر عدم شيوعها في الصدر األول عند صدور اإلطالقات، بسبب القرب من مصادر التشريع، و عدم تحرير الفتاوى. فال ملزم بالخروج عن ظهورها في الحجية

التعيينية، المستلزمة للقصور عن صورة العلم باالختالف. الثاني: سيرة المتشرعة في عصر المعصومين عليهم السالم على األخذ بفتاوى

الفقهاء، من دون تقيد باألعلم، و ال فحص عنه، مع العلم بتفاضلهم. و يندفع بأن المتيقن من ذلك صورة عدم العلم باالختالف. أما مع العلم به- كما هو محل الكالمفثبوت السيرة غير معلوم. بل يظهر من األخبار المتضمنة للسؤال عن

الحكم الذي اختلف فيه أصحابنا البناء على التوقف حينئذ. و هي و إن اختصت بصورة إمكان استعالم الحكم من إمام العصر عليه السالم، إال أنها كافية في منع السيرة المتصلة بعصر المعصومين عليهم السالم على األخذ بفتوى المفضول مع

مخالفتها لفتوى األفضل.662، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الثالث: لزوم العسر و الحرج من االقتصار على تقليد األعلم، لصعوبة تشخيصه، و صعوبة رجوع جميع المسلمين له مع اختالف أماكنهم و تباعد أوطانهم، فال يتيسر

لهم جميعا استفتاؤه، و ال يتيسر له إفتاء جميعهم. و كأن المراد بالحرج الحرج النوعيليتم االستدالل في حق من ال يلزم عليه الحرج

من رجوعه لألعلمبضميمة ما يظهر من جملة من النصوص من أن األحكام الشرعيةلم تشرع بنحو يلزم منها الحرج نوعا.

و فيه: أن الترجيح باألعلميةبمقتضى السيرةلما كان فرع االبتالء بفتوى الفقيه، و االلتفات لالختالف، فهو ال يقتضي رجوع المسلمين لشخص واحد، بل اكتفاء كل

مكلف بالترجيح بها بين من يتيسر له معرفة رأيه عند اختالفهم.

Page 375: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

نعم قد يلزم ذلك في عصورنا حيث شاع تسجيل اآلراء، و انتشار الرسائل العملية، و كثرت وسائط النقل و االتصال. لكن ذلك أمر حادث ال يمكن تفسير التشريع على ضوئه. مع أنه بسبب ذلك ال يلزم الحرج من رجوع الكل لشخص واحد، حيث يتيسر

معه معرفة رأيه لمن يريدها. غاية األمر أنه قد يصعب تشخيص األعلم على الكل، لعدم تيسر اطالع أهل الخبرة

على حال الكل، و غلبة اختالفهم في من يتيسر لهم االطالع عليه. لكن ذلك ال يستلزم سقوط اعتبار األعلمية رأسا، و لو في حق من يتيسر له ذلك

من المكلفين، أو في حق من يعلم بكونه مفضوال من المجتهدين، بحيث يحرز ألجله حجية رأيه و جواز الرجوع له، و ترك من يعلم بأنه أعلم منه، خروجا عن مقتضى

السيرة. لعدم نهوض قاعدة نفي الحرج بذلك، الختصاصها بنفي الحرج الشخصي، و بنفي األحكام الحرجية، ال تشريع الحكم الذي يرتفع به الحرج، كحجية رأي المفضول

في المقام. كما أن ما يستفاد من بعض النصوص من عدم تشريع األحكام بنحو يلزم منها الحرج

نوعا ال ينهض ببيان كيفية التشريع الذي ال يلزم منه الحرج النوعي،663، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

ليحرز به عموم الحجية لفتوى المفضول. و من ثم ال مخرج عما ذكرنا من جواز الرجوع لألعلم، بل لزوم ترجيحه في فرض

تيسر االطالع عليه. ثم إنهم و إن أطلقوا الترجيح باألعلمية، إال أن المتيقن منالسيرة ما إذا كان الفرق معتدا به، و ال يكفي األعلمية بمرتبة ضعيفة غير معتد بها. هذا و لو لم يتيسر معرفة األعلم بالوجه المذكور، إما للعلم بتساوي المجتهدين، أو

تقاربهم، أو للجهل بحالهم، فالمعروف بين األصحاب التخيير بين المجتهدين، بلمقتضى ما تقدم في صورة التفاضل المفروغية عنه.

و قد يستدل له بإطالقات أدلة التقليد. و يظهر الجواب عنه مما سبق. نعم ادعى شيخنا األعظم قدس سره و غيره اإلجماع على جواز التقليد مطلقا

للعامي، و عدم تكليفه باالحتياط. و به يخرج عن أصالة التساقط في المتعارضين،التي سبق التعرض لها.

لكن بعض مشايخنا قدس سره استشكل في اإلجماع المذكور بعدم كونه إجماعا تعبديا، ليكشف عن رأي المعصومين عليهم السالم. و يناسبه عدم تحرير المسألة

بصورة واضحة في العصور السابقة، بل عدم االبتالء بها في عصور األئمة عليهم السالم، لتيسر الرجوع لهم عليهم السالم للفصل في الخالف، كما تضمنته بعض

النصوص، فكيف يعرف رأيهم عليهم السالم في صورة تعذر الرجوع لهم، كما في عصر الغيبة؟. و كذا ظهور كلمات بعض األصحاب رضى الله عنه في عدم االعتماد

على اإلجماع المذكور، بل على بعض الوجوه االجتهادية. و من ثم جزم قدس سره بوجوب األخذ بأحوط القولين. و هو الذي تقتضيه القاعدة في حق العامي بعد عدم إحاطته بمقتضى األصول في موارد الخالف، و تمييز موارد

جريان األصول الترخيصية من موارد جريان األصول اإللزامية.لكن اإلنصاف أن االحتياط متعسر على العامي غالبا، فإن تعلم مسائل

664، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 376: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

الخالف و ضبطها، و كيفية االحتياط، و الترجيح بين جهاته عند التزاحم، مما ال يتهيأ لعامة الناس. و ال سيما مع كثرة المجتهدين، و ظهور أقوالهم. و خصوصا بناء على

ما سبق من عموم أدلة التقليد لألموات. و حينئذ يكون مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم لزومه، و اكتفاء الشارع األقدس

بالموافقة االحتمالية، بناء على ما سبق في أوائل الكالم في مباحث العلم اإلجمالي بالتكليف من إمكان اكتفاء الشارع بها. و الزم ذلك متابعة أحد المجتهدين تخييرا،

لتحقق مقتضي الحجية فيه، و ألنه المتيقن من صور الموافقة االحتمالية. بل حيث كان عدم تيسر معرفة األعلم بالوجه المذكور شايعا، كاالختالف بين

المجتهدين، فذلك يوجب االطمئنان بعدم تشريع التقليد بالوجه المقتضي غالبا للتساقط و االحتياط، الذي هو حرجي نوعا، و بتسامح الشارع األقدس في ذلك، و اكتفائه بما يتيسر للمكلف من المرجحات، و مع عدمها فالتخيير، كما هو المناسب

لإلجماع المدعى. و على ذلك يتعين ترجيح األعلم و لو بمرتبة ضعيفة، ثم ترجيح محتمل األعلمية لو كان معينا، فضال عن مظنونها، ثم ترجيح األورع، كما تقدم من المعالم، ألنه أقرب

للتحفظ في مقام االستنباط، و لالقتصار في التخيير المخالف لألصل على المتيقن، و هو صورة فقد جميع المرجحات. و إن كان األحوط مع ذلك االقتصار على ما إذا

كان االحتياط حرجيا بالفعل، كما هو الغالب.المسألة الرابعة: ]الكالم في االجتزاء بالعمل على مقتضى التقليد السابق[

بعد الفراغ عما تقدم في مبحث اإلجزاء من عدم إجزاء الحكم الظاهري، فإذا عمل المكلف على فتوى المجتهد بحجة شرعية، ثم سقطت تلك الفتوى عن الحجية في

حقه، و وجب العمل على وجه آخر، فهل ينتقض التقليد السابق في الوقائع التيعمل فيها على طبقه، فيجب تدارك

665، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج األعمال لو كانت باطلة و قابلة للتدارك بمقتضى الحجة الجديدة، كما يجب ترتيب

سائر آثار بطالنها، كالتطهير من النجاسات، و الضمان في الماليات و نحوهما، أو الينتقض، بل يجتزئ المكلف بما وقع؟

ال ينبغي التأمل في أن مقتضى القاعدة وجوب التدارك لو ظهر الخطأ للمقلد بالعلم، أو باجتهاده لو بلغ مرتبته. أما مع العلم فظاهر، حيث ال يحتمل اختالف

الوقائع السابقة عن الالحقة في حكم الموضوع الواحد. و أما مع االجتهاد، فلوضوح عموم حجية األدلة التي استند إليها للوقائع السابقة، فتكون حجة على خطأ مقتضى التقليد السابق فيها. و كذا الحال لو عدل المجتهد نفسه عن اجتهاده السابق بعلم،

أو باجتهاد مخالف، لعين ما سبق. و منه يظهر اندفاع ما في الفصول من دعوى عدم تحمل الواقعة الجتهادين و لو في

زمانين، لعدم الدليل عليه. وجه االندفاع: أنه يكفي في الدليل عليه إطالق أدلةاالجتهاد الثاني الشاملة للوقائع السابقة.

و أما لو كان سقوط الفتوى السابقة عن الحجية للعدول في التقليد من شخص آلخر، فإن كان العدول بسبب أعلمية الثاني، فالظاهر لزوم التدارك أيضا، لعدم الفرق في بناء العقالء على ترجيح األعلم بين سبق الرجوع لغيره في الواقعة و

عدمه. و مجرد حجية األول في وقته ال يصلح مانعا من عموم حجية الثاني للوقائع

Page 377: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

السابقة، و سقوط حجية األول فيها. و به يخرج عن استصحاب حجية فتوى األول في تلك الوقائع. ألن مقتضى مرجحية األعلمية سقوط فتوى المفضول في تلك

الوقائع بظهور فتوى األفضل، كما تسقط في الوقائع الالحقة. و إن لم يكن العدول ألعلمية الثاني، بل ألمر تعبديكما قيل به في الموت و نحوه، على ما سبقفإن كان لدليل العدول إطالق يعم الوقائع السابقة- بنحو ينافي بقاء

حجية األول فيهافالمتجه البناء على عدم اإلجزاء أيضا، كما666، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

هو ظاهر. و إن لم يكن له إطالقكاإلجماع المدعى على وجوب العدول مع الموتتعين البناء

على اختصاص حجية الثاني بالوقائع الالحقة، و بقاء األول حجة في الوقائع السابقة المفروض مطابقة العمل فيها لفتواه، من دون موجب للتدارك، بعد فرض عدم

الدليل على سقوط فتواه عن الحجية باإلضافة لتلك الوقائع، و اختصاص دليلالعدول بالوقائع الالحقة.

نعم إنما يتم ذلك إذا لم يلزم منهما مخالفة علم إجمالي بالتكليف، كما إذا أفتىاألول بعدم وجوب صالة اآليات و أفتى الثاني بوجوبها، أو بالعكس.

أما مع لزومها فالمتعين سقوط حجية كل من المعدول عنه و المعدول إليه، ووجوب االحتياط، خروجا عن العلم اإلجمالي المفروض.

كما إذا قلد من يفتي بوجوب القصر مدة، ثم عدل إلى من يفتي بوجوب التمام. حيث يعلم إجماال إما بوجوب تدارك ما مضى، و قضائه تماما كما يتم فيما يأتي، أو

بوجوب القصر عليه فيما يأتي أيضا. و ال يخرج عن العلم اإلجمالي المذكور إالبالجمع بين األمرين بقضاء ما سبق تماما، و الجمع بين القصر و التمام فيما يأتي. لكن ليس بناؤهم على ذلك، بل على االجتزاء في الوقائع الالحقة بمطابقة التقليد

الالحق، مع الخالف في وجوب تدارك ما سبق ال غير. هذا كله بحسب القواعد األولية العامة. و أما بحسب األدلة الخاصة فقد يستدل

لإلجزاء و عدم وجوب التدارك مطلقا .. تارة: بلزوم العسر و الحرج، لعدم وقوفالمجتهد غالبا على رأي واحد، كما في الفصول.

و أخرى: باإلجماع المدعى. ففي التقريرات عن بعض األفاضل في تعليقاته علىالمعالم أنه ظاهر المذهب، و عن المناهج نفي القول بعدم

667، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج اإلجزاء، و قال سيدنا األعظم قدس سره: »بل نسب إلى بعض دعوى صريح

اإلجماع، بل الضرورة عليه«. نعم عن بعض األعاظم قدس سره أن المتيقن منهالعبادات. و ربما قيل: إن المتيقن منه الصالة.

و ثالثة: بسيرة المتشرعة، البتالئهم بذلك كثيرا، خصوصا بناء على المشهور من عدم جواز البقاء على تقليد الميت، فلو كان بناؤهم على عدم اإلجزاء للزم الهرج و

المرج. لكن يندفع األولمع عدم اطرادهبأنه ال يقتضي اإلجزاء و الحكم بصحة العمل واقعا أو

ظاهرا، بل عدم وجوب التدارك و عدم ترتيب أثر البطالن بالمقدار الذي يلزم منه الحرج. مع أنه ال يجري في حقوق الناس، كالضمان، لمنافاته في حقهم لالمتنان،

الذي هو مبنى قاعدة نفي الحرج.

Page 378: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و الثاني بأنه ال مجال لالستدالل باإلجماع في مثل هذه المسألة المستحدثة التحرير، و ال سيما مع إنكار غير واحد له. قال في التقريرات في بيان القول بعدم اإلجزاء: »وفاقا للنهاية و التهذيب و المختصر و شروحه و شرح المنهاج على ما حكاه في شرح المفاتيح عنهم. بل و في محكي النهاية اإلجماع عليه، بل و ادعى العميدي

قدس سره االتفاق على ذلك ...«. و كذا مع إطالق جماعة عدم اإلجزاء فياألمارات و الطرق الظاهرية.

و أما الثالث فقد استشكل فيه غير واحد بمنع السيرة. و ذكر بعض مشايخنا قدس سره أنهالو تمتمستندة في أمثال عصرنا إلى فتوى المجتهدين، و ال يحرز اتصالها

بعصر المعصومين عليهم السالم. أقول: ال ريب في ابتناء معرفة األحكام في عصور األئمة عليهم السالم على الخطأ كثيرا. لعدم وضوح فتاواهم عليهم السالم لشيعتهم، بسبب انتشار فقهاء العامة، و

تعارف أخذ الشيعة منهم، للغفلة قبل عصر الصادقين عليهما السالم عن امتياز الفرقتين في الفقه، و اختالفهما فيه، كما يشهد به قلة روايات الشيعة عن من

قبلهما من668، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

األئمة عليهم السالم، و كثرة روايتهم عنهما و عن من بعدهما منهم عليهم السالم، خصوصا في الفروع المهمة التي يكثر االبتالء بها، كفروع الطهارة الحدثية و الخبثية

و الصالة و غيرهما، بنحو يظهر منه خفاء بعض ما هو من ضروريات الفقه اليومعليهم.

و بعد تميز الفرقتين، و االلتفات الختالفهما في الفروع، و تنبه الشيعة لوجوب األخذ منهم عليهم السالم، و عدم الركون لغيرهم، فقد كان وصول أحكامهم عليهم

السالم لشيعتهم تدريجيا، مشفوعا بأسباب الضياع و االشتباه من التقية، و الخطأ، و الكذب، و ضياع كثير من القرائن. و لذا اختلفت األخبار كثيرا، و كثرت الشكوى من

ذلك. و الزم ذلك تعرض أصحاب األئمة عليهم السالم و شيعتهم عموما لالطالع كثيرا على

خطأ ما وصل إليهم، إما بالسؤال منهم عليهم السالم، أو بوصول أحاديث أخر مخالفة لما وصل لهم. فلو كان البناء مع ذلك على عدم اإلجزاء بعد انكشاف الخطأ،

و لزوم التدارك، لوقع الهرج و المرج و اضطرب أمرهم، و لكثر منهم السؤال عن األحكام الماضية، و لزوم تداركها، و ضوابط ذلك و ما يتعلق به من فروع. مع أنا لم

نعثر على ذلك فيما وصلنا من النصوص. و يظهر من ذلك المفروغية عن اإلجزاء. و هو المناسب لما ارتكز من سهولة الشريعة، و عدم ابتنائها على الضيق و الحرج،

و عدم إيقاعهم عليهم السالم ألوليائهم و شيعتهم إال فيما يسعهم، رأفة بهم و رحمة لهم، و تداركا لما ابتلوا به نتيجة ظلم الظالمين من مشاكل أوجبت صعوبة القيام

عليهم بالوظائف الشرعية الواقعية األولية. و لذا أحلوا لهم الخمس و نحوه مما يكون لهم، و اكتفوا منهم في الزكاة و الخراج و المقاسمة بما يأخذه منهم حكام

الجور، و أمضوا أحكامهم فيها.كما قد يعتضد ذلك أو يتأيد بالنصوص الكثيرة المتضمنة تعمد

669، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 379: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

األئمة عليهم السالم بيان خالف الواقع تقية على الشيعة، و ما تضمن اإلرجاع عند فقد النص لبعض الطرق التي يتوقع ظهور الخطأ فيها، مثل ما تضمن اإلرجاع لما

و ما تضمن األخذ بخالف ما يفتي«1 »رواه العامة عن أمير المؤمنين عليه السالم . حيث ال يبعد كون مقتضى إطالقها المقامي اإلجزاء لو انكشف«2 »به قاضي البلد

الخطأ، فيكون عاضدا للسيرة التي هي العمدة في المقام. و دعوى: أن المتيقن من السيرة ما لو لم يكن الخطأ موجبا لبطالن العمل، كما في

موارد حديث: »ال تعاد الصالة ...« و نحوها، و لم يعلم ابتالؤهم بغير ذلك. ممنوعة جدا، لكثرة اختالف األخبار و الفقهاء في غير الموارد المذكورة، كتحديد الكر، و

الوضوء، و النجاسات، و القصر و التمام، و التذكية، و غيرها مما يكون اإلخالل فيه مبطال للعمل و مستلزما للقضاء، و الضمان و نحوها. فعدم اهتمام المتشرعة بتمييز

الموارد المذكورة شاهد بالمفروغية عن عموم اإلجزاء. نعم ال يبعد اختصاص السيرة بالعبادات و نحوها مما يقتضي بطالنه بعض اآلثار التي

هي من سنخ التدارك و التبعة، كالقضاء و الضمان و الكفارات و نحوها. أما ما ال يكون من سنخ التدارك، بل من سنخ الجري على مقتضى العمل السابق، و ترتيب

آثار صحته، فال يتضح قيام السيرة عليه بعد انكشاف البطالن. فمن ذكى بغير الحديدمثاللم يبعد توقفه عن أكل اللحم بعد انكشاف الخطأ له. و

كذا من تزوج امرأة بوجه قام الدليل عنده على مشروعيته لم يبعد توقفه عن مباشرتها، و عن ترتيب آثار الزوجية عليها، بعد انكشاف البطالن، و نحو ذلك. و ال

أقل من خروجه عن المتيقن من السيرة. و لعله إليه يرجع ما قيل______________________________

طبعة النجف األشرف.277( رجال الكشي ص: 1 ).47 من أبواب صفات القاضي حديث: 8 باب: 18( الوسائل ج: 2 )

670، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جمن اختصاص اإلجماع بالعبادات.

بل ال يبعد قصور السيرة عن إثبات عدم وجوب اإلعادة لو انكشف الخطأ بعد العملقبل خروج الوقت. لعدم كونها بنظر المتشرعة من سنخ التدارك.

و ال أقل من خروجه عن المتيقن من السيرة أيضا، لعدم وضوح ابتالئهم بانكشاف الخطأ في الوقت بعد العمل، و عدم وضوح كيفية عملهم لو فرض ابتالؤهم به بعد

عدم أهميته، و عدم لزوم الحرج من اإلعادة، ليحاول التخلص منه بالسؤال عناإلجزاء، فال يكشف عدم السؤال عن المفروغية عنه.

كما أن المتيقن من السيرة أيضا ما إذا كان خفاء الحكم لعدم وصول الدليل للمكلف، كما لو عدل المجتهد عن فتواه لعثوره على نص لم يكن مقصرا في عدم

الوصول إليه، أو عدل المقلد في تقليده ألحد أسباب العدول، أو عدل مقلده فيفتواه، أو ظهر له خطأ فتوى مقلده لبلوغه مرتبة االجتهاد.

بخالف ما إذا كان لخطأ المكلف في فهم الدليل الواصل، أو لنسيانه أو نحو ذلك، مما يعود للمكلف نفسه و إن كان معذورا، كما يكثر في حق المجتهد في زماننا، و

كما إذا نسي العامي فتوى مقلده، أو لم يحسن فهم كالمه. كل ذلك لعدم شيوع االبتالء بذلك في تلك العصور، و عدم وضوح بنائهم على

اإلجزاء معه، الحتمال ابتناء اإلجزاء على الرفق بأهل الحق، و عدم إلزامهم بتدارك

Page 380: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

ما ضاع عليهم بسبب الظالمين، دون ما يستند ضياعه للمكلف نفسه و إن كانمعذورا.

و منه يظهر أن اإلجزاء في المقام واقعي، ال ظاهري، فال مجال معه لفرض العلماإلجمالي الذي سبق تقريب لزومه من مقتضى القاعدة في بعض الفروض.

671، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جخاتمة في وجوب الفحص

ال بد للمجتهد في مقام االستنباط، و تشخيص وظيفته و وظيفة العامي، من استفراغ الوسع في الفحص عن األدلة، و المعارضات، و القرائن الدخيلة في تعيين

مفاد الدليل. و ليس له االكتفاء بما وصل له من األدلة، فضال عن الرجوع لألصل مندون فحص عن الدليل لو لم يطلع عليه.

و الظاهر عدم اإلشكال بينهم في ذلك، كما يناسبه أخذ كثير منهم استفراغ الوسع في تعريف االجتهاد. بل لعل إطالقهم االجتهاد إنما هو بلحاظ ذلك، لمناسبته لمعناه

لغة. و مرجع ذلك إلى قصور أدلة الحجج و األصول عن صورة عدم الفحص، فاليمكن الرجوع إليها.

و كيف كان فيستدل على وجوب الفحص بأمور ..األول: اإلجماع،

فإنه و إن لم أعثر على من ادعاه على عموم الدعوى المذكورة. إال أنه قد يستفاد من مجموع كلماتهم، فقد ادعى شيخنا األعظم قدس سره اإلجماع القطعي على

عدم جواز الرجوع للبراءة قبل استفراغ الوسع في األدلة. و ذكر بعض أعاظم تالمذته في حاشيته على الرسائل أنه ال ريب فيه، كما يظهر

بأدنى فحص في كلماتهم، بل الحق إجماع علماء اإلسالم عليه. انتهى. كما أنه حكى في المعالم عن جمع من المحققين أن العمل بالعموم قبل البحث عن المخصص ممتنع إجماعا. بل يظهر المفروغية عنه من استدالله على ذلك بأن المجتهد يجب

عليه البحث عن األدلة و كيفية داللتها.و هو المناسب لسيرة الفقهاء في مقام االستنباط و الفتوى، الهتمامهم

672، ص: 2الكافي في أصول الفقه، جبضبط األدلة و استيعابها بنحو يظهر من حالهمو لو بمعونة االرتكازيات- وجوب ذلك. و أما ما قد يظهر من صاحب المعالم من عدم وجوب الفحص عن قرينة المجاز، و

ما نسب للعالمة من جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص. فإما أن ينزال على ما ال ينافي ذلك، بأن يحمال على الخطابات العرفية، أو على عدم وجوب القطع بانتفاء المخصص و قرينة المجاز، و االكتفاء باالطمئنان و الظن. و إما

أن يكونا مستندين لشبهة مخرجة عما سبق، من دون أن يقدحا في اإلجماعاالرتكازي المتقدم.

الثاني: العلم اإلجمالي بوجود األدلة على التكاليف، و القرائن الدخيلة فيها، التي يمكن االطالع عليها بالفحص. و هو منجز الحتمال التكليف في مورد احتمال

العثور على الدليل، أو القرينة بالفحص. و مع تنجز احتمال التكليف ال مجال للرجوعللطرق و األصول الترخيصية المعذرة.

Page 381: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

نعم هذا الوجه إنما ينفع مع عدم انحالل العلم اإلجمالي بالعثور على مقدار المعلوم باإلجمال، دون ما إذا عثر عليه و احتمل وجود غيره، كما يظهر وجهه مما سبق في

مبحث انحالل العلم اإلجمالي.الثالث: األدلة النقلية،

و هي طائفتان:األولى: ما تضمن اإلنكار على بعض العامة في استنباط الحكم و التصدي للفتوى

من دون معرفة تامة بالكتاب المجيد، و ال تمييز للناسخ و المنسوخ، و العام والخاص منه.

كموثق مسعدة بن صدقة أو صحيحه عن أبي عبد الله عليه السالم في حديث احتجاجه على الصوفية لما احتجوا عليه ب آيات من القرآن: »قال: أ لكم علمبناسخ القرآن و منسوخه، و محكمه و متشابهه، الذي في مثله ضل من ضل،

673، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و هلك من هلك من هذه األمة؟ ... »إلى أن قال:« فبئس ما ذهبتم إليه و حملتم

الناس عليه من الجهل بكتاب الله ... و ترككم النظر في غريب القرآن من التفسير و الناسخ و المنسوخ ... إلى أن قال: كونوا في طلب ناسخ القرآن من منسوخه، و

.«1 »محكمه من متشابهه ...« و رواية إسماعيل بن جابر عنه عليه السالم في ذم الناس: »و ذلك أنهم ضربوا

القرآن بعضه ببعض، و احتجوا بالمنسوخ و هم يظنون أنه الناسخ، و احتجوا بالخاصو هم يقدرون أنه العام، و احتجوا بأول اآلية و تركوا السنة في تأويلها ...

.«2 »فضلوا و أضلوا ...« و مرسل شبيب عنه عليه السالم في حديث: »قال ألبي حنيفة: أنت فقيه ]أهل. ظ[ العراق؟ قال: نعم. قال: فبم تفتيهم؟ قال: بكتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و

آله. قال: يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته؟ و تعرف الناسخ و المنسوخ؟قال: نعم.

قال: يا أبا حنيفة لقد ادعيت علماويلكما جعل الله ذلك إال عند أهل الكتاب الذين.«3 »أنزل عليهم ...«

و مرسل العياشي عن عبد الرحمن السلمي: »أن عليا عليه السالم مر على قاض.«4 »فقال: أ تعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: ال. فقال: هلكت و أهلكت«

و مرسله اآلخر عنه عليه السالم في اإلنكار على عمر حين أفتى بالمسح على الخفين لدعوى أن النبي صلى الله عليه و آله قد مسح عليهما، و فيه: »قال: قبل

المائدة أو بعدها؟ قال: ال أدري. قال: فلم تفتي و أنت ال تدري؟. سبق الكتاب.«5 »الخفين«

______________________________.23 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 باب: 18( الوسائل ج: 1 ).23 من أبواب صفات القاضي حديث: 13 باب: 18( الوسائل ج: 2 ).62 من أبواب صفات القاضي حديث: 13 باب: 18( الوسائل ج: 3 ).27 من أبواب صفات القاضي حديث: 6 باب: 18( الوسائل ج: 4 ).46 حديث: 297 ص: 1( تفسير العياشي سورة المائدة ج: 5 )

674، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 382: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

لوضوح أن أصالة الظهور، و عدم التخصيص، و النسخ، من األصول العقالئية، فإنكار العمل بالكتاب من دون معرفة تامة به، و ال معرفة بالناسخ و الخاص، ظاهر في

لزوم استفراغ الوسع في مقام االستنباط، و عدم االكتفاء بالدليل الواصل. نعم هذه النصوص مختصة بالكتاب، فاستفادة حكم غيره مبني على إلغاء خصوصية

موردها، أو أنها تكون مؤيدة للعموم المدعى.الثانية: ما تضمن األمر بطلب العلم من أجل التعليم و العمل،

، و النصوص الكثيرة الواردة في تفسير«2 »، و سؤال أهل الذكر«1 »كآيتي النفر اآليتين، و غيرها مما تضمن األمر بطلب العلم، و الحث على السؤال، و الذم على

.«3 »تركه، و األمر بمذاكرة الروايات على اختالف ألسنتها و مثل صحيح مسعدة بن زياد: »سمعت جعفر بن محمد عليه السالم و قد سئل عن

ة البالغةقوله تعالى: ه الحج فقال: إذا كان يوم القيامة قال الله تعالى للعبد: أ فلل كنت عالما؟ فإن قال: نعم قال له: أ فال عملت بما علمت؟ و إن قال: كنت جاهال قال له: أ فال تعلمت حتى تعمل؟ فيخصمه. فتلك الحجة البالغة لله عز و جل على

.«4 »خلقه« و صحيحه اآلخر عنه عليه السالم في من أطال الجلوس في الخالء الستماع الغناء

مستحال له، ألنه لم يأته، و إنما سمعه، حيث أنكر عليه السالم محتجا بقوله______________________________

.122( سورة التوبة اآلية: 1 ).7( سورة األنبياء اآلية: 2 ) من أبواب صفات القاضي. و أصول11، 8، 7، 4 باب: 18( راجع الوسائل ج: 3 )

من كتاب العلم.1 باب: 1 من كتاب فضل العلم. و البحار ج: 1 باب: 1الكافي ج: . و رواه عنه في البحار1( أمالي المفيد، المجلس الخامس و الثالثون حديث: 4 )

.10 من أبواب كتاب العلم حديث: 9 باب: 29 ص: 2ج: 675، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

مع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤال�تعالى: ، ثم قال:«1 » إن الس »قم فاغتسل، و صل ما بدا لك، فإنك كنت مقيما على أمر عظيم. ما كان أسوأ

.«2 »حالك لو مت على ذلك ...« و ما ورد من النصوص في المجدور و الجريح يجنب، فيغسل فيموت، من استنكار عدم السؤال، و التوبيخ عليه، و في بعضها »قتلوه، قتلهم الله، إنما كان دواء العي

.«3 »السؤال« و حيث كان مفادها وجوب الفحص المتعلق بعمل المكلف الدخيل في حفظ تكاليفه، كان مقتضى إطالقها وجوبه حتى في مورد الدليل المعتبر في نفسه إذا احتمل تبدل مقتضى الوظيفة بالفحص، و ال يختص بصورة فقد الدليل، لصدق السؤال و التعلم و

التفقه في الدين و نحوها من العناوين المأخوذة في األدلة عليه. بل هو صريح ما ورد في المجدور و الجريح، لوضوح أن التغسيل مقتضى عموم

وجوب غسل الجنابة، و مشروعية التيمم مع المرض من سنخ المخصص له. هذا و مقتضى المناسبات االرتكازية، و سياق جملة من النصوص، بل صريح بعضها،

كون وجوب التعلم و الفحص طريقيا في طول التكاليف الواقعية، ألجل حفظها و

Page 383: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

القيام بمقتضاها. و من ثم ال يجب في غير موارد احتمال الحكم اإللزامي، و ال فيهامع عدم فوت الواقع، لعدم االبتالء بها، أو لالحتياط فيها.

______________________________.36( سورة االسراء اآلية: 1 ).1 من أبواب األغسال المسنونة حديث: 18 باب: 2( الوسائل ج: 2 ).6، 3، 1 من أبواب التيمم حديث: 5 باب: 2( الوسائل ج: 3 )

676، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و مرجع الوجوب الطريقي المذكور إلى أن الواقع مورد للمسئولية، و ال يكون

الجهل به عذرا إذا استند للتقصير في الفحص. و الزم ذلك قصور إطالقات أدلةالحجج و األصول عن صورة عدم الفحص، كما سبق في توجيه المدعى.

و دعوى: امتناع حمل األدلة المتقدمة على الوجوب الطريقي، الراجع إلى عدم معذرية الجهل. لشمولها لما إذا وقع العمل غفلة عن احتمال الحرمة، بل قد يكون

هو المتيقن من مواردها، فتنافي حكم العقل بقبح عقاب الغافل. كما أنها تشمل التكاليف الموقتة التي ال تكون فعلية قبل الوقت، ليجب تعلمها طريقيا، و ال يجب

تعلمها بعد الوقت، لضيقه عنه. فال بد من حملها على الوجوب النفسي المطلق غير الموقت، فيكون العقاب على

ترك التعلم بنفسه، لفعلية التكليف به، و القدرة عليه قبل الوقت، كما حكي عن األردبيلي، و صاحب المدارك. و حينئذ ال ينافي معذرية الجهل من التكاليف الواقعية.

و ال تنهض أدلة وجوب التعلم بتقييد أدلة الطرق و األصول. مدفوعة بالمنع من حكم العقل بقبح العقاب مع الغفلة إذا كانت مستندة الختيار المكلف، و تقصيره. و كذا مع تعذر التعلم تقصيرا، لعدم حفظه القدرة عليه قبل

دخول الوقت، نظير ما يذكر في موارد المقدمات المفوتة. و إال فأدلة وجوب التعلم المتقدمة كما تشمل وقوع العمل غفلة عن احتمال التكليف، تشمل وقوعه مع

الغفلة عن وجوب التعلم. على أن حمل األدلة المتقدمة على وجوب التعلم نفسيامع إباء سياقها عنه، بل صراحة بعضها في خالفهمستلزم لحملها إما على االكتفاء بمسمى التعلم، و لو

لحكم واحد، و هو خالف المقطوع منها. أو على تعلم جميع677، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

األحكام و إن لم تكن إلزامية، أو لم تكن مورد االبتالء، أو لم تكن معرضة للمخالفة، للبناء على االحتياط. و هو خالف المقطوع به منهم، و من المرتكزات المتشرعية.

كما أن الزمه عدم اختالف مقدار العقاب باختالف التكاليف الفائتة في األهمية. و اليظن بأحد البناء على ذلك.

و من هنا ال ينبغي التأمل فيما ذكرنا من كون وجوب التعلم طريقيا مانعا من الرجوعلألصول و األدلة الواصلة، كما هو ظاهر األصحاب.

بقي في المقام أمور ..األول: الظاهر أن الفحص الالزم هو الفحص بالمقدار الموجب لليأس

من كون استمرار الفحص موجبا للظفر بالدليل، و إن أمكن حصوله بوجه غيرمحتسب، قد يحصل مع الفحص و بدونه.

لقصور الوجوه السابقة عن إثبات ما زاد على ذلك. أما اإلجماع فظاهر.

Page 384: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و أما العلم اإلجمالي، فألن المتيقن إجماال هو وجود األدلة التي يعثر عليها بالفحص،و ال علم بوجود ما زاد على ذلك مما يكشف عن تكاليف غير واصلة، ليكون منجزا. و أما النصوص، فلورود جملة منها مورد اإلنكار على ترك الفحص، و المنصرف منه

مورد التقصير العرفي في تركه، لالعتداد باحتمال االطالع بسببه على الواقع، و ال يشمل فرض اليأس من ذلك. و كذا الحال فيما أطلق فيه وجوب التفقه و التعلم، إذ

ال يراد به إال طلب تحصيل العلم من مظانه المتيسرة، و ال نظر فيه إلى حصولهبالطرق غير المحتسبة.

و الظاهر أن سيرة الفقهاء في مقام االستنباط على ذلك، ال على حصول العلم أو االطمئنان بعدم الدليل، إذ قد ال يتيسر ذلك. مع أنه ال دليل عليه. إال أن يراد به

االطمئنان بعدم العثور على الدليل بالفحص، فيرجع لما ذكرنا.678، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الثاني: ]وجوب الفحص على العامي[ أن أكثر األدلة المتقدمة كما تجري في حق المجتهد في مقام االستنباطلعمله و للفتوىتجري في حق غيره، فليس للعامي العمل بمقتضى األصول أو غيرها إذا

احتمل قيام األدلة على خالفها، بل يجب عليه الفحص عن مفاد األدلة بالسؤال من المجتهد. لوضوح مشاركته للمجتهد في اإلجماع، و العلم اإلجمالي، و الطائفة الثانية من النصوص، بل لعله المتيقن من كثير منها. نعم تقصر عنه الطائفة األولى منها. و

هو غير مهم. الثالث: تقدم قصور وجوب الفحص عما إذا أمن فوت التكاليف الواقعية، لالحتياط،

أو لعدم االبتالء. كما ال إشكال في وجوبه مع التعرض لفوت التكاليف الواقعية التي يعلم باالبتالء

بمواردها. و أما مع الشك في االبتالء، فالظاهر وجوب الفحص، ال للعلم اإلجمالي، لعدم

صلوحه لتنجيز احتمال المخالفة مع عدم إحراز االبتالء بها، بل ألدلة وجوب التعلم و التفقه، لشمول العناوين المأخوذة فيها من التعلم و التفقه و السؤال للتكليف

المذكور من دون محذور، ألن وجوب التعلم لما كان طريقيا كفى في تحققموضوعه و إمكانه الخوف من فوت الواقع بسبب الجهل و إن لم يحرز االبتالء به. بل لعل المتيقن من بعض النصوص المتقدمة ذلك، كصحيح مسعدة بن زياد الوارد

في من أطال الجلوس في الخالء الستماع الغناء، و نصوص غسل المجدور والجريح. و ال يبعد بناء األصحاب على ذلك، بحيث يدخل في معقد إجماعهم.

الرابع: ]حكم العمل من دون تعلم[ ال يخفى أن وجوب التعلم لما كان طريقيا يتفرع عليه قصور أدلة حجية األدلة

الواصلة و األصول عن صورة عدم الفحص، فهو إنما يقتضي عدم االجتزاء ظاهرابالعمل الواقع من دون فحص.

679، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج و لو أحرز بعد ذلك مطابقته للواقع تعين االجتزاء به. و كذا لو انكشف مطابقته

للحجة القائمة حين إرادة الخروج عن العهدة، كما لو كان حينئذ مقلدا لمن يقولبصحة عمله.

Page 385: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و أما إذا كان مطابقا للحجة القائمة حين صدور العمل، دون الحجة القائمة حين إرادة الخروج عن العهدة، فهل يجب التدارك أو ال؟ فإذا صلى الجمعة تسامحا في

وقت كانت وظيفته الرجوع لمن يفتي بإجزائها من دون علم برأيه، و لم يهتم بالخروج عن العهدة إال بعد أن صارت وظيفته الرجوع لمن يفتي بعدم إجزائها، فهل

يجتزئ بها تبعا لفتوى األول أو ال يجتزئ بها تبعا لفتوى الثاني؟ وجهان، مبنيان على ما تقدم في المسألة الرابعة من التفصيل بين ما إذا كان دليل الرجوع للثاني يعم الوقائع السابقة، بنحو يقتضي سقوط التقليد األول عن الحجية

فيها، و عدمه، فيجتزئ بعمله على الثاني، دون األول. و ال مجال لما تقدم منا من اإلجتزاء بمتابعة فتوى من يجب الرجوع إليه حين العمل مطلقا. الختصاص الدليل عليه بالسيرة، و المتيقن منها صورة اعتماد المكلف على

الحجة حين العمل، و ال طريق إلحراز عمومها لما إذا طابق الحجة المذكورة مندون أن يعتمد عليها.

هذا و قد دلت األدلة الخاصة في بعض الموارد على االجتزاء بالعمل المخالف للواقع جهال، كما في اإلتمام في موضع القصر، و اإلخفات في موضع الجهر، و عكسه، و

- بناء على ما هو الظاهر من عمومه«1 »جميع موارد حديث: »ال تعاد الصالة ...«لصورة الجهل بالحكمو غيرها.

و قد وقع اإلشكال بينهم في الجمع بينه و بين وجوب الفحص عن الواقع فياألحكام المذكورة، الراجع الستحقاق العقاب بفوته مع التقصير في

______________________________.8 من أبواب الوضوء حديث: 3 باب: 1( الوسائل ج: 1 )

680، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج الفحص. بدعوى: أن المأتي به في حال الجهل على خالف المطلوب الواقعي إن لم يكن وافيا بغرض الواقع األولي امتنع إجزاؤه، و إن كان وافيا تعين كون المكلف به

هو األعم منهما، لتبعية التكليف للغرض، و ذلك ال يناسب وجوب الفحص عن الواقع المستلزم النحصار الغرض به، و فوته بفوته، بحيث يكون سببا الستحقاق العقاب،

كما تقدم. و قد أطال شيخنا األعظم قدس سره و من تأخر عنه في حل اإلشكال بما ال مجال

إلطالة الكالم فيه، بعد عدم التنافي بين األمرين، و إمكان الجمع بينهما. ألن اإلجزاء كما يمكن أن يكون لوفاء المأتي به حال الجهل بمالك الواقع األولي، أو لتبدل المالك المستلزم لعدم العقاب، كذلك يمكن أن يكون لمانعية المأتي به من استيفاء تمام مالك الواقع من دون أن يفي به، كما لو تعلق الغرض بإطعام اللحم،

لخصوصية في اللحم زائدة على اإلشباع، فأطعمه التمر حتى أشبعه، و لم يكن التمر وافيا بفائدة اللحم الخاصة، إال أنه حيث يوجب االمتالء يتعذر إطعام اللحم و

تحصيل فائدته، فيتعين اإلجتزاء بالتمر عن اللحم.الخامس: ال يخفى أن أدلة وجوب الفحص المتقدمة مختصة بالشبهات الحكمية. أما الشبهات الموضوعية فمقتضى إطالق أدلة حجية األمارات الواصلة و األصول

جواز الرجوع إليها من دون فحص. بل بعضها صريح في ذلك، كصحيحة زرارة الثانية المتقدمة في أدلة االستصحاب،

، عمال«1 »المتضمنة عدم وجوب النظر في الثوب الذي يحتمل إصابة النجاسة له

Page 386: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

بأصالة الطهارة، أو استصحابها، و النصوص المتضمنة عدم وجوب السؤال عن ذكاة، عمال بأمارية«2 »الجلود المأخوذة من المسلمين

______________________________.1 من أبواب النجاسات حديث: 37 باب: 2( الوسائل ج: 1 ) من أبواب النجاسات.50 باب: 2( راجع الوسائل ج: 2 )

681، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج ، عمال باألمارية المذكورة، أو بأصالة«1 »يد المسلم على التذكية، و عن حال الجبن

الحل. و كذا ما دل على أن من تزوج امرأة فليس عليه الفحص عن أن لها زوجا . و غير ذلك. و الظاهر عدم الخالف فيه في الجملة، بل«2 »حتى بالسؤال منها

ربما ادعي اإلجماع عليه. نعم أوجب بعضهم الفحص في بعض الموارد، كالشك في المسافة المقتضية للقصر

و اإلفطار، و في االستطاعة المقتضية للحج، و في النصاب الزكوي، و في الربحالذي يجب فيه الخمس. و كأنه للزوم كثرة المخالفة للواقع بدونه.

و فيه: أن ذلك وحده ال يكفي في استفادة وجوب الفحص، بل ال بد من كون المورد مما يندر العلم بالحكم فيه من دون فحص عن الموضوع، حيث يستفاد من تشريع

الحكم وجوب الفحص عن موضوعه، و إال كان تشريعه الغيا عرفا. أما استلزام عدم الفحص لكثرة المخالفة، مع كثرة الموارد التي يعلم فيها بالحكم

من دون فحص، فال يكشف عن وجوب الفحص، لعدم لغوية جعل الحكم عرفا. و إال لوجب الفحص في كثير من موارد الطرق و األصول، كاليد التي هي أمارة على

الملكية و السلطنة، و يد المسلم التي هي أمارة على التذكية، و أصالة الطهارة، واستصحابها. و من الظاهر عدم البناء على ذلك.

هذا و قد ذكر بعض األعاظم قدس سره أنه إذا تمت مقدمات العلم بالواقع للمكلف، و لم يحتج حصوله إال لمثل النظر و السؤال ممن هو إلى جنبه، فال بد منه،

و ال مجال للرجوع لألصل الترخيصي بدونه، لعدم صدق الفحص عليه.______________________________

من أبواب األطعمة المباحة.61 باب: 17( راجع الوسائل ج: 1 ) من10 من أبواب عقد النكاح و آدابه و باب: 25 باب: 14( راجع الوسائل ج: 2 )

أبواب المتعة.682، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و استثنى من ذلك باب الطهارة، لما علم من التوسعة فيه. و وافقه عليه شيخنا االستاذ قدس سره مدعيا مناسبته لالرتكاز، من دون أن يشير

لالستثناء المذكور. و هو كما ترى، لعدم أخذ عنوان الفحص في أدلة األصول، ليقع الكالم في صدقه على ما ذكره من النظر و نحوه، بل ليس موضوعها إال الشك و عدم العلم، و هو

حاصل في محل الكالم. بل عرفت صراحة بعض النصوص في عدم وجوب النظر والسؤال. و ارتكازيات المتشرعة تقضي بكون السؤال و نحوه احتياطا غير الزم.

و من هنا يتعين عموم جواز الرجوع لألصول المذكورة، إال في الموارد الخاصة التيثبت وجوب الفحص فيها. و ال يسعنا هنا استقصاؤها، بل يوكل النظر فيها للفقه.

Page 387: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

و منه سبحانه نستمد العون و التوفيق و التأييد و التسديد. و هو حسبنا و نعمالوكيل.

إلى هنا انتهى الكالم في مبحث االجتهاد و التقليد خاتمة لمباحث األصول. و به تم كتابنا )الكافي في أصول الفقه( مختصرا من كتابنا )المحكم في أصول الفقه(. و

كان ذلك ضحى األربعاء، السابع عشر من شهر جمادى األولى، سنة ألف و أربعمائة و تسع عشرة للهجرة النبوية على صاحبها و آله أفضل الصلوات و أزكى التحيات.

في النجف األشرف ببركة الحرم المشرف على مشرفه أفضل الصالة و السالم. و نبتهل إلى الله جل شأنه أن ال يحرمنا من بركة مجاورته، و يوفقنا للقيام بحقها، و

شكر نعمته فيها، إنه أرحم الراحمين و ولي المؤمنين.683، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

و كان ذلك بقلم العبد الفقير )محمد سعيد( عفي عنه، نجل سماحة حجة اإلسالم و المسلمين آية الله )السيد محمد علي الطباطبائي الحكيم( دامت بركاته. و الحمد

لله رب العالمين و صلواته على رسوله األمين، و آله الغر الميامين، و سلم تسليماكثيرا.

و نسأل الله عز و جل بحقهم أن يغفر ذنوبنا، و يستر عيوبنا، و يصلح أنفسنا، و يتقبل أعمالنا، و يثبتنا على الهدى و الصالح، و يختم لنا بالحسنى، و يحسن عواقبنا،

بمنه وجوده و كرمه. و ما توفيقي إال بالله عليه توكلت و إليه أنيب.685، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

الفهرست8مقدمة في القطع

8الفصل األول: في حجية القطع، و فيه مقامان 8المقام األول: في متابعة القطع

12المقام الثاني: في منجزية القطع 13الفصل الثاني: التجري، و فيه ثالثة مقامات

13المقام األول: الكالم في حرمة الفعل المتجرى به واقعا 16المقام الثاني: الكالم في حرمة القصد للمعصية في مورد التجري

17المقام الثالث: استحقاق العقاب على التجري من دون تحريم شرعي 22الفصل الثالث: في تقسيم القطع إلى طريقي و موضوعي 27الفصل الرابع: في عموم آثار القطع لجميع أفراده و عدمه

31الفصل الخامس: في العلم اإلجمالي، و فيه مقامان 31المقام األول: في كفاية العلم اإلجمالي في وصول التكليف

34المقام الثاني: في االكتفاء بالعلم اإلجمالي في امتثال التكليف، و فيه موضعين 34الموضع األول: االمتثال اإلجمالي

38الموضع الثاني: االمتثال اإلجمالي في التكاليف االستقاللية و فيه تمهيد بذكر أمرين:المقصد األول في مباحث الحجج

43األمر األول: في إمكان التعبد بغير العلم و فيه ذكر محذورين 45المحذور األول: تفويت المالكات الواقعية

50المحذور الثاني: اجتماع الحكمين المتضادين 56األمر الثاني: في مقتضى األصل الذي يرجع إليه عند الشك

Page 388: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

60بقي أمران: األول: في جواز التدين اعتمادا على الحجة 61الثاني: أصالة الحجية في الطرق العقالئية

63الكالم في مباحث الحجج يكون في ضمن فصول 63الفصل األول: حجية االطمئنان 67الفصل الثاني: حجية الظواهر

68حقيقة أصالة الظهور 70وقع الكالم في بعض موارد حجية الظهور تذكر في ضمن مباحث

70المبحث األول: حجية الظواهر في حق من لم يقصد باإلفهام 73المبحث الثاني: حجية الظواهر و إن لم تفد الظن

74المبحث الثالث: حجية ظاهر الكتاب الكريم 82الفصل الثالث: حجية قول اللغويين

686، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج85الفصل الرابع: حجية خبر الواحد، و الكالم في مقامات

86المقام األول: في حجج المنع من حجية الخبر مطلقا 96المقام الثاني: في حجية اإلثبات في الجملة

96االستدالل على حجية الخبر بآية النبأ 98ما ورد على االستدالل باآلية الوجه األول: الكالم في عموم التعليل

104الوجه الثاني: اإلشكال في المفهوم باستلزامه خروج المورد 106االستدالل على حجية الخبر بآية النفر 107وجوه اإلشكال على االستدالل باآلية

110الكالم في ورود اآلية الشريفة في الفتوى 112االستدالل على حجية الخبر بآية الكتمان

113االستدالل على حجية الخبر بآيتي سؤال أهل الذكر 115دفع االستدالل باآليتين المذكورتين

117االستدالل على حجية الخبر بآية اإليذاء 120االستدالل على حجية خبر الواحد بالسنة

129االستدالل على حجية الخبر الواحد باإلجماع 134القرائن التي تشهد بثبوت اإلجماع على العمل بالخبر

136االستدالل بسيرة المتشرعة على العمل بالخبر 136االستدالل بسيرة العقالء على العمل بالخبر

137االستدالل بدليل العقل على حجية الخبر 138أقسام الخبر الحجة

140استفادة حجية خبر الثقة من اإلجماع 145بقي في المقام أمران: األول: خبر الثقة المهجور عند األصحاب

145الثاني: حجية خبر الثقة في غير روايات األحكام 147الفصل الخامس: حجية اإلجماع المنقول

149معنى اإلجماع في مصطلح األصحاب 153الفصل السادس: في حجية مطلق الظن

154الكالم في حقيقة دفع الضرر

Page 389: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

155االستدالل على حجية الظن بقبح ترجيح المرجوح على الراجح 156مقدمات االنسداد الثالث

157المقدمة األولى: انسداد باب العلم و العلمي في معظم المسائل 158المقدمة الثانية: امتناع الرجوع إلى األصول الشرعية

162المقدمة الثالثة: قبح ترجيح المرجوح على الراجح 166 و فيه تمهيد بذكر أمور المقصد الثاني في األصول

687، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج166األمر األول: في مفاد األصول العقلية

166األمر الثاني: تقديم الحجج على األصول 167األمر الثالث: هل األصل في األشياء الحظر أو اإلباحة

169األمر الرابع: األصول العملية األربعة الفصل األول: في الشك في التكليف،القسم األول في البراءة و االحتياط و التخيير

172و الكالم في مقامين 173المقام األول: في مقتضى األصل األولي العقلي

174االستدالل بالسنة على البراءة األصلية 180المقام الثاني: في األصل الثانوي

181االستدالل بالكتاب المجيد على البراءة الشرعية 184االستدالل بالسنة على البراءة الشرعية حديث الرفع

186الكالم في اختصاص حديث الرفع بالشبهة الموضوعية 188بيان بعض األمور االستطرادية التي ذكرت في حديث الرفع

190االستدالل بسائر األحاديث 194نصوص قاعدة الحل

198االستدالل على البراءة باستصحاب عدم التكليف 199الكالم في االحتياط و استدل عليه باألدلة الثالثة

200الدليل األول: الكتاب المجيد 201الدليل الثاني: السنة الشريفة

207الدليل الثالث: العقل 209تنبيهات البراءة األول: عموم أدلة البراءة لصورة إجمال الدليل

209التنبيه الثاني: الكالم في الشبهة الموضوعية 210التنبيه الثالث: حكومة األصول الموضوعية على أصالة البراءة

213التنبيه الرابع: حسن االحتياط في الشبهة البدوية 214و ينبغي التعرض ألمور األمر األول: قد يزاحم االحتياط بما هو أهم

217األمر الثاني: استحباب االحتياط شرعا 219األمر الثالث: االحتياط في العبادات

219األمر الرابع: المعيار في الترجيح بين وجوه االحتياط 220األمر الخامس: قاعدة التسامح في أدلة السنن، و فيه أمور

224أولها: إذا تضمن الخبر ثبوت الثواب من دون تحديد له 225ثانيها: ال فرق في بلوغ الثواب صريحا أو ضمنا أو التزاما

226ثالثها: الكالم في وجه الفتوى باالستحباب إذا دل على الوجوب خبر ضعيف

Page 390: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

226رابعها: اختصاص النصوص بالخبر الحسي 688، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

227خامسها: إذا احتمل حرمة العمل الذي ورد الثواب عليه أو كراهته 228سادسها: إذا كان الخبر الدال على الثواب معارضا لغيره

228سابعها: الكالم في االخبار عن الموضوع الخارجي 229التنبيه الخامس: الكالم في الشك في القدرة

231الفصل الثاني: في الشك في تعيين التكليف مع اختالف المتعلق، و فيه تمهيد 239الكالم في مقامين: المقام األول: المخالفة القطعية، و فيه أمران 240األمر األول: في عموم أدلة األصول بدوا ألطراف العلم اإلجمالي

األمر الثاني: في فعلية جريان األصول في األطراف بنحو يقتضي المخالفة القطعية244

250المقام الثاني: الموافقة القطعية 256بقي شيء هل يجري األصل الترخيصي في بعض األطراف

259بقي في المقام تنبيهات التنبيه األول: في الشبهة الموضوعية 262التنبيه الثاني: فيما لو اختلفت األطراف حقيقة أو خطابا

263التنبيه الثالث: في معيار ترتيب اآلثار 265التنبيه الرابع: في أنه ال بد من فعلية التكليف على كل حال

266الكالم في مانعية عدم االبتالء و تحديده، و فيه مقامات 267المقام األول: فيما ال يكون من شأن المكلف التعرض له لصوارف خارجية

271المقام الثاني: فيما يكون موردا لتكليف فعلي مانع من ارتكابه 275انحالل العلم اإلجمالي و ضابطه من حيثية تقدم المانع و تأخره و صوره

276الصورة األولى: سبق المانع أو مقارنته ثبوتا و إثباتا 276الصورة الثانية: تأخر المانع ثبوتا أو إثباتا 280الصورة الثالثة: تأخر المانع ثبوتا ال إثباتا

282الصورة الرابعة: تقدم المانع ثبوتا و تأخره إثباتا 283التنبيه الخامس: في انحالل العلم اإلجمالي

286التنبيه السادس: فيما لو اقترن العلم اإلجمالي بما يمنع من الموافقة القطعية 292التنبيه السابع: في العلم اإلجمالي التدريجي

294التنبيه الثامن: في مالقي بعض األطراف 300التنبيه التاسع: في الشبهة غير المحصورة

307التنبيه العاشر: في توقف العلم اإلجمالي على تحديد األطراف بوجه ما 309الفصل الثالث: في الشك في تعيين التكليف مع وحدة المتعلق

309الكالم في مقتضى األصل العقلي األولي 311الكالم في مقتضى األصل الشرعي الثانوي

313إذا تنجز أحد المحتملين بخصوصه لزم العمل عليه 313الكالم في ترجيح األهم أو محتمل األهمية

314الكالم في ترجيح األقوى احتماال 314هل التخيير ابتدائي أو استمراري؟

689، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

Page 391: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

315إذا دار األمر بين جزئية شيء للمركب و مانعيته منه 316الفصل الرابع: في الدوران بين األقل و األكثر االرتباطيين

316ال بد في محل الكالم من وحدة التكليف 317صور احتمال دخل شيء في الواجب

317يلحق بمحل الكالم الدوران بين التعيين و التخيير الشرعيين 318المبحث األول: في الشك في دخل شيء في المكلف به، مع الكالم في صوره

اشتراك الشك في الجزئية مع الشك في الشرطية في الجهة المهمة في المقام318

319المسألة األولى: في الشك في اعتبار شيء في المكلف به جزءا أو شرطا 320المقام األول: في مقتضى األصل العقلي و تحقيق أن مقتضى األصل البراءة

321الكالم في العلم اإلجمالي 322الكالم في قاعدة االشتغال باإلضافة إلى األقل المتيقن

322الكالم في شبهة الغرض 325الكالم فيما إذا احتمل اعتبار الخصوصية ناشئا من إجمال عنوان الواجب

326المقام الثاني: في مقتضى األصل الشرعي 326الكالم في جريان البراءة الشرعية بناء على جريان البراءة العقلية

326الكالم في استصحاب عدم وجوب األكثر 328الكالم في جريان البراءة الشرعية بناء على أن األصل العقلي االحتياط

329المسألة الثانية: في الدوران بين التعيين و التخيير العقليين 331بقي في المقام تنبيهات التنبيه األول: في الشبهة الموضوعية

332الكالم فيما إذا شك في كون لباس المصلي من أجزاء ما ال يؤكل لحمه 334التنبيه الثاني: في الشك في الركنية

334األصل عدم اإلجزاء مع النقيصة العمدية 335الكالم في النقيصة السهوية

335الكالم في عموم اطالق التكليف لحال النسيان 339الكالم في الزيادة عمدا أو سهوا

340الكالم في استصحاب صحة العمل 341الكالم في االستدالل على عدم مبطلية الزيادة بالنهي عن إبطال العمل

342الكالم في لزوم االحتياط في مثل الصالة باإلتمام ثم اإلعادة 344التنبيه الثالث: في تعذر بعض ما يعتبر في الواجب االرتباطي

344الكالم في مقتضى القاعدة األولية 347الكالم في القاعدة الثانوية و هي قاعدة الميسور

354المبحث الثاني: في دوران التكليف بين التعييني و التخييري 357بقي في المقام تنبيهات األول: فيما إذا تعذر المتيقن

359الثاني: فيما إذا تردد الشيء بين كونه عدال لواجب تخييري أو مسقطا للتكليف 360الثالث: فيما إذا علم بوجوب أمور و تردد وجوبها بين التعييني و التخييري

690، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج360الرابع: في الدوران بين التعيين و التخيير في الحجية و عند تزاحم التكليفين

361خاتمة: في جريان األصول في الحكم االقتضائي غير اإللزامي

Page 392: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

365القسم الثاني: في االستصحاب 365تعريف االستصحاب

366الكالم في كون المسألة أصولية 369المبحث األول: في أدلة االستصحاب

369االستدالل باإلجماع و السيرة 371االستدالل باألخبار: صحيحة زرارة األولى

378صحيحة زرارة الثانية 383صحيحة زرارة الثالثة

388صحيحة إسحاق ابن عمار 390حديث األربعمائة 395مكاتبة القاساني

395صحيح عبد الله بن سنان 397نصوص قاعدتي الحل و الطهارة

401في أن االستصحاب أصل إحرازي ال أمارة 403الكالم في التفصيل في حجية االستصحاب بين الشك في الرافع و غيره

408المبحث الثاني: في أركان االستصحاب و شروطه 408الفصل األول: في أركان االستصحاب

408استصحاب مؤدى الطرق و األمارات و األصول التعبدية 410في أن المراد بالشك مطلق االحتمال

411ال بد في جريان االستصحاب من فعلية الشك و اليقين 414ال بد في جريان االستصحاب من اتصال زمان الشك بزمان اليقين

414ال بد من اتحاد المشكوك مع المتيقن، مع الكالم في موضع االستصحاب 421الفصل الثاني: في شروط االستصحاب

423الكالم في األصل المثبت 427الكالم في خفاء الواسطة

428الكالم في استصحاب الفرد بلحاظ أثر الكلي 429الكالم في جريان االستصحاب لتنقيح مورد النذر و الشرط و نحوهما

432الكالم في استصحاب العدمي 434في جريان االستصحاب إلحراز جزء الموضوع أو شرطه

435استصحاب األمر االستقبالي 436الكالم في حجية األمارة في الزم مؤداها، دون األصل

المبحث الثالث: في الموارد التي وقع الكالم في تمامية أركان االستصحاب و441شروطه فيها

441الفصل األول: في استصحاب العدم األزلي 691، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

444الفصل الثاني: في استصحاب األحكام الوضعية 446الفصل الثالث: في استصحاب الكلي و األمر المردد

446المقام األول: في استصحاب الكلي 450الكالم في جريان االستصحاب في األمور المشككة مع تبدل حدودها

Page 393: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

451المقام الثاني: في استصحاب األمر المردد 453الفصل الرابع: في استصحاب األمور التدريجية

الكالم في استصحاب الزمان إلحراز ظرفيته و الكالم في حقيقة الظرفية الزمانية455

457الكالم في إحراز خصوصيات أيام الشهر باالستصحاب 459الفصل الخامس: في استصحاب الحكم الشرعي

459الكالم في اتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة، و في ضابط ذلك 462الكالم في معارضة استصحاب الحكم الشرعي باستصحاب عدمه

464الفصل السادس: في استصحاب أحكام الشرائع السابقة 464تمهيد في حقيقة النسخ

466أصالة عدم النسخ، مع الكالم في الدليل عليها 469الكالم في جريان اصالة عدم النسخ مع اختالف الشريعتين

471تقريب نسخ شريعتنا لجمع أحكام الشرائع السابقة 474الفصل السابع: في االستصحاب التعليقي

477الفصل الثامن: في أصالة تأخر الحادث 478المقام األول: في الحادثين المتضادين

478الصورة األولى: الجهل بتاريخ الحادثين معا 481الصورة الثانية: في الحادثين المتضادين، مع الجهل بتاريخهما معا أو أحدهما

485الفصل التاسع: في استصحاب حكم المخصص 487الفصل العاشر: في جريان االستصحاب في األمور اللغوية

خاتمة في القواعد الجارية في الشبهات الموضوعية المقدمة على االستصحاب488

488الفصل األول: في قاعدة اليد 488النصوص المستدل بها على القاعدة

491االستدالل على القاعدة باإلجماع و السيرة 492المعيار في تحقق اليد

493اليد حجة على الملكية، ال على محض السلطنة 493الكالم في اليد المسبوقة بملكية الغير

495الكالم فيما لو احتمل صيرورة اليد مالكية بعد أن لم تكن مالكية 496في أن اليد من األمارات المقدمة على االستصحاب

496في أن تصرف صاحب اليد في ما تحت يده نافذ ظاهرا و ان لم يكن مالكا 497الفصل الثاني: في قاعدة التجاوز و الفراغ

497النصوص المستدل بها على القاعدة 692، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

498االستدالل على القاعدة بسيرة العقالء 499الكالم في وحدة القاعدة و تعددها

501المعيار في مضي محل الشك 504المعيار في الفراغ عن العمل، مع الكالم فيما لو شك في الجزء األخير

506عموم القاعدة لجميع أبواب الفقه

Page 394: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

507الكالم في جريان القاعدة مع الغفلة حين العمل عن منشأ الشك 509الكالم في عموم القاعدة للشروط

510الكالم في أن مفاد القاعدة أصل إحرازي أو غيره 512الفصل الثالث: في قاعدة الصحة

512الكالم في أدلة القاعدة 515المعيار في سعة القاعدة

516تحديد موضوع القاعدة 517الكالم في أن مفاد القاعدة الصحة الواقعية أو الصحة بنظر الفاعل

519ال بد في جريان القاعدة من إحراز سلطنة الفاعل 520القاعدة أصل تعبدي إحرازي مقدم على االستصحاب

523 تعريف التعارض لغة و اصطالحا المقصد الثالث في التعارض526الكالم في قاعدة الجمع مهما أمكن أولى من الطرح

528منهج البحث في هذا المقصد الباب األول: في األدلة التي لبعضها دخل في العمل باآلخر بال تمانع في الحجية

530531الفصل األول: فيما إذا لم يكن الدليالن متنافيين

533المقام األول: تعريف الورود 533تقديم الدليل الوارد

533الكالم في الدليلين المتواردين 534المقام الثاني: في الحكومة

535إذا لم يكن أحد الدليلين ناظرا للدليل اآلخر بل لحكمه 536تحديد مصطلح الحكومة

537توجيه تقديم الدليل الناظر للحكم دون دليله 539تقسيم الحكومة إلى بيانية و عرفية

540الفصل الثاني: في ارتفاع موضوع الحجية في أحد الدليلين بسبب اآلخر 540المدار في انعقاد ظهور الكالم عرفا على فراغ المتكلم منه

540دعوى خروج الشارع األقدس عن الطريقة العرفية و مناقشتها 543الكالم في الجمع العرفي بعد انعقاد الظهور

693، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج543ال تعارض بين الظهورين في مقام الحجية في موارد الجمع العرفي

543المعيار في الجمع العرفي على مالحظة أقوى الظهورين 544ال بد في الجمع العرفي من إمكان تنزيل الظاهر على األظهر عرفا

544توقف الجمع العرفي بين الظهورين على امتناع إرادتهما معا 545ال مجال للجمع العرفي مع احتمال عدول المتكلم عن مقتضى كالمه

546توجيه البناء على الجمع العرفي في األحكام الشرعية دون النسخ 548مبنى الجمع العرفي على تقديم أصالة الصدور و الجهة على أصالة الظهور

549توقف أقوائية الظهور على مالحظة القرائن العامة و الخاصة 549الكالم في تعارض العموم اإلطالقي و الوضعي

550الكالم في تعارض اإلطالق الشمولي و اإلطالق البدلي

Page 395: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

551الكالم في انقالب النسبة 554الفصل الثالث: في مراتب األدلة و الوظائف الظاهرية

555تأخر األصول العقلية عن األدلة و األصول الشرعية 555المقام األول: في تقدم الطرق و األمارات على األصول الشرعية

555دعوى ورود الطرق و األمارات على األصول الشرعية 555دعوى ورود الطرق و األمارات على األصول و مناقشتها

556دعوى حكومة الطرق و األمارات على األصول و مناقشتها 557حديث المحقق النائيني و مناقشته

557المختار في وجه تقديم الطرق و األمارات على األصول 559الكالم في األصل الموافق عمال للطريق أو األمارة

559المقام الثاني: في تقديم األصول اإلحرازية على األصول غير اإلحرازية 560دعوى ورود االستصحاب على األصول غير اإلحرازية و مناقشتها

560دعوى حكومة االستصحاب على األصول غير اإلحرازية و مناقشتها 561المختار في وجه تقديم االستصحاب على األصول غير اإلحرازية

562المقام الثالث: في تقديم األصل السببي على المسببي 563دعوى ورود األصل السببي على المسببي و مناقشتها 565المختار في وجه تقديم األصل السببي على المسببي

566الباب الثاني: في األدلة المتعارضة 566المقام األول: في مقتضى األصل في المتعارضين

567الكالم في اقتضاء التعارض الحجية التخييرية 568حقيقة الحجية التخييرية

569الكالم في مقتضى األصل بناء على السببية 569االستدالل على أصالة التساقط باشتباه الحجة بالالحجة و مناقشة ذلك

570عموم أصالة التساقط لما إذا كان أحد الطرفين أكثر عددا أو دليال 570عموم أصالة التساقط لما إذا كان بعض جهات الدليل قطعيا

694، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج571الكالم في حجية المتعارضين في نفي الثالث

572سقوط الداللة المطابقية عن الحجية هل يستتبع سقوط الداللة االلتزامية عنها 572التفصيل المختار في تبعية الداللة االلتزامية للمطابقية في السقوط

573التفصيل المختار في حجية المتعارضين في نفي الثالث 576المقام الثاني: في مقتضى األدلة الخاصة في المتعارضين

576الفصل األول: في الترجيح 578االستدالل في الترجيح بالنصوص

578مقبولة ابن حنظلة 579الكالم في سند و داللة المقبولة

580بقية نصوص المقام 583األمر األول: في المرجحات المنصوصة

583الكالم في الترجيح بصفات الراوي 584الكالم في الترجيح بشهرة الرواية

Page 396: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

585المعيار في الترجيح بموافقة الكتاب 587الكالم في الترجيح بموافقة السنة 587الكالم في الترجيح بمخالفة العامة

589المعيار في موافقة العامة و مخالفتهم 590الكالم في الترجيح باإلجماع

590الكالم في ترجيح األحدث 596الكالم في الترجيح بموافقة االحتياط

596األمر الثاني: التعدي عن المرجحات المنصوصة 597االستدالل باإلجماع على التعدي عن المرجحات المنصوصة

598االستدالل بالنصوص على التعدي عن المرجحات المنصوصة 600األمر الثالث: الترتيب بين المرجحات

603الفصل الثاني: في التعادل 608نصوص التوقف

609وجوه الجمع بين نصوص التخيير و نصوص التوقف 610حديث الميثمي

614التخيير في المقام تخيير في المسألة األصولية ال الفرعية 614في أن التخيير وظيفة المفتي و المستفتي

615في أن التخيير استمراري ال ابتدائي الفصل الثالث: في لواحق الكالم في مفاد أدلة التعارض الخاصة، و فيه مسائل

616616األولى: الكالم في عموم أحكام التعارض الخاصة لموارد الجمع العرفي 617الثانية: في عموم أحكام التعارض الخاصة لموارد الجمع مع خفاء وجهه

695، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج619الثالثة: في أحكام التعارض الخاصة للتعارض بين أكثر من دليلين

619الرابعة: في اختالف النسخ 621الخامسة: في جريان أحكام التعارض الخاصة في تعارض األخبار

622خاتمة في التزاحم 622المقام األول: حقيقة التزاحم و مورده

622االختالف بين التعارض و التزاحم 623تحديد المالك المعتبر في التزاحم

624الفرق بين التزاحم المالكي و التزاحم الحكمي 626اإلطالق يقتضي عدم دخل القدرة في الموضوع و المالك

627تمييز موارد التزاحم عن موارد التعارض 629المقام الثاني: في حكم التزاحم من حيثية الترجيح و عدمه

630الترجيح باألهمية 630ترجيح محتمل األهمية

631الكالم في ترجيح ما ال بدل له على ما له بدل اضطراري 632الكالم في ترجيح ما تعتبر القدرة فيه عقال على ما تعتبر فيه شرعا

633الكالم في ترجيح األسبق زمانا

Page 397: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

634الكالم في التزاحم بين التكاليف الضمنية المقام األول: تعريف االجتهاد، و فيهخاتمة علم األصول في االجتهاد و التقليد

637مسائل 637المسألة األولى: الكالم في تجزئ االجتهاد

640المسألة الثانية: التخطئة و التصويب 640وجوه التصويب

641االستدالل على بطالن التصويب المنسوب للمعتزلة 642االستدالل على التصويب و دفعه

643االستدالل على بطالن التصويب الراجع لتعدد الحكم تبعا لتعدد المجتهدين 644االستدالل على بطالن التصويب الراجع لتبعية الحكم لالجتهاد

645المسألة الثالثة: في جواز الفتوى للمجتهد بما يؤدي إليه اجتهاده 647المقام الثاني: في التقليد، و تعريفه

648االستدالل على جواز التقليد بسيرة العقالء 649االستدالل بسيرة المتشرعة

649االستدالل بآية النفر 650االستدالل بالنصوص

652الكالم في االستدالل بما تضمن إرجاع األئمة عليهم السالم لبعض أصحابهم 696، ص: 2الكافي في أصول الفقه، ج

653المسألة األولى: الكالم في وجه اعتبار اإليمان و العدالة في مرجع التقليد 654المسألة الثانية: في تقليد الميت

655الكالم في عموم أدلة التقليد للميت 656اإلجماع على عدم جواز تقليد الميت و مناقشته

656تقريب جريان السيرة على تقليد الميت 658الكالم في تقليد الميت إذا خالفه الحي

659الكالم فيما إذا كان الميت أعلم من الحي 659الكالم في البقاء على تقليد الميت

659المسألة الثالثة: في تعدد المجتهدين، و الكالم في اختالفهم 660الكالم في ترجيح األعلم

661االستدالل على جواز تقليد المفضول باإلطالقات و مناقشته 661االستدالل على جواز تقليد المفضول بسيرة المتشرعة و مناقشته

662االستدالل على جواز تقليد المفضول بلزوم العسر 663االستدالل فيما إذا لم يتيسر معرفة األعلم

664المختار في المقام 664الكالم في االجتزاء بالعمل على مقتضى التقليد السابق

666وجوه االستدالل على االجتزاء بالتقليد السابق و مناقشتها 667تحقيق الكالم في مقتضى سيرة المتشرعة

671خاتمة: في وجوب الفحص، االستدالل باإلجماع على وجوب الفحص 671االستدالل على وجوب الفحص بالعلم اإلجمالي

672االستدالل على وجوب الفحص باألدلة النقلية

Page 398: …  · Web view2019. 1. 2. · الكافي في أصول الفقه، ج2، ص: 5. الجزء الثاني القسم الثاني في الأصول المبتنية على العمل

675في أن وجوب الفحص طريقي ال نفسي 677مقدار الفحص الالزم

678وجوب الفحص على العامي 678هل يجب الفحص في المسائل التي يشك في االبتالء بها

678حكم العمل من دون تعلم 679الكالم في الجمع بين وجوب التعلم و اإلجتزاء بالعمل بدونه

680عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية 685الفهرس