0

استيطان المجال المكاني لمنطقة دمشق

محاكاة تاريخية لنشأة المدينةSpatial domain Settlement of Damascus

Historical simulation of the emergence of the city يسار عابدين. د.أ

YASSAR ABDIN

:الملخص

المتوفرة لنشأة مدينة دمشق بمعزل عن محيطها الحضري ولد صعوبة إن تاريخ دمشق ال يكفي لتفسير نشأتها، وقصور التبريرات العلمية

تقبل نتائج العديد من الدراسات حول نشأة دمشق مقارنة بالتوصيات التي فصلها المتخصصون القدامى عند اختيار مواضع المدن؛ والبحث بهذا

همية النسق الحضري الموجود في المجال المكاني، وأنه يسبق ظهور يميل إلى تجاوز المقوالت التاريخية الثابتة لدى البعض؛ ويتجه نحو إثبات أ

ط دمشق ويترافق مع نشأتها، وأن المنطقة خضعت لتأثيرات إقليمية كان لها تأثير على تمييز بعض المستقرات الحضرية، التي استجابت لشرو

.نشأة مدينة مسيطرة على النسق الحضري قبل دمشق

جبل : حث في مرحلتين؛ تبدأ األولى في عرض تحليلي للموقع الجغرافي وبيان ثوابته المتوفرة من مكوناته الثالثةوإلثبات ذلك، فقد أتى الب

: قاسيون والغوطة والمنطقة شبه الجافة، ومن ثم بيان النفوذ اإلقليمي الواصل إلية من محيطه والذي يقسم المجال المكاني إلى خمس مناطق

مفتوحة، المنطقة الشمالية، المنطقة الغربية، المنطقة الجنوبية؛ ثم عرض تحليلي للسكان ونشاطهم في أجزاء المجال المنطقة الشرقية، المنطقة ال

النسق الحضري في منطقة : ويتجه البحث بعد ذلك إلى تناول تدرج ظهور النسق الحضري في المجال المكاني وفق مكوناته الجغرافية .المكاني

في المنطقة الشرقية، ثم الغوطة؛ باتجاه إعطاء تقييم واف للنسق الحضري في المجال المكاني، وتقويم ما يراه جبل قاسيون، ثم النسق

المخططون المنظرون في أسباب نشأة المدينة في موقعها، ومن خالل محاكاة إجرائية لنظريات النشأة، يصل البحث إلى تقييم نشأة دمشق ضمن

في خاتمة تشير نتائجها إلى أن دمشق كانت غائبة عن النسق الحضري إال أنها كانت محوره الديني، وأن هناك وينتهي البحث .النسق الحضري

أربعة مستقرات كانت مسيطرة على النسق الحضري قبل دمشق، وأن هناك مواقع أفضل من موضع دمشق، ولكن دمشق تميزت بثقلها الديني،

. ونشأت بتأثير قرارات سياسيةHistory of Damascus is not enough to explain its emergence. the inadequacy of available scientific justifications for Damascus in

apart from the urban surroundings, originate hard acceptance for results of many studies on the evolution of Damascus compared to

the recommendations which described by the old specialists when choosing places of cities. This research tends to overtake some

of the historical statements; and heading towards proving the importance of existing urban pattern in the spatial domain, and that

was before the emergence of Damascus and accompanied its inception, and the area subjected to a regional effects had an impact

on the regular urban which respond to the terms of the creation of dominate city before Damascus.

To prove this, the study came in two stages; first begin analytical presentation of geographical location and parameters available

from three components: Qassioun mountain and Goutah and semi-arid area, and then declaration the regional influence from its

surrounding which divides the spatial domain into five regions: Eastern region, Open region, Northern region, Western region,

Southern region; and analytical presentation of population and their activities in spatial domain parts. Then, the research tends to

study the emergence of urban spatial pattern in the area as its geography: urban pattern in Qassioun mountain area, then pattern in

the eastern region, then Goutah; towards giving the adequate assessment of urban spatial pattern in the area, and correction the

opinion of planners about the reasons of emerging the city in its position, and through procedural simulation of emerging theories,

the study evaluate the genesis of Damascus under the urban pattern. Then the study done with conclusion refers to that Damascus

was away from the urban layout, but it was it’s religious centre, and there were four areas dominated the urban pattern before

Damascus, and there are better sites from Damascus, but Damascus was characterized by its religious power, and emerged by

influence of political decisions.

1

:تمهيد

ن تصورهم عن نشأة مدينة دمشق، ييبني بعض الباحث

استنادا للتاريخ، بأنها كانت المنطقة المستقرة الحضرية

األولى في هذه المنطقة، وأنها كانت سابقة في نشأتها على

ن كان هناك أباقي مكونات النسق الحضري، وال يذكر

ا ما تذكر مراكز حضرية منافسة لها في منطقتها؛ وغالب

دمشق إلى جانب المدن المبدعة؛ ويراوغ التاريخ عندما

يراد معرفة باني دمشق، أكان فردا، أم حضارة؛ وكان

خ قد تقصد إغفال دور السكان، يمن الواضح بأن التار

قوام الوافدة وما فعلوه ودون سجال رصف فيه أحداث األ

.بدمشق

ة على أنها هبة أما كتب الرحالة فكانت تتغزل بالغوط

من القدير وجنته، وأن قاسيون جبل األساطير الدينية،

ن هناك إهماال تاما للنسق الحضري الذي تتألف منه أوك

مثل حقيقة تفاعل السكان في المنطقة، ذلك النسق الذي ي

ب المجال المكاني، فكان جسر 1الوصول إلى هذا القل

، ففي سبيلها المقدس، وخطا دفاعيا عن المنطقة بكامله

كانوا يقتلون ويسبون وتحرق أغاللهم، ودمشق لم تكن

بهذه القدسية والمكانة التاريخية لوال هذا النسق في الجبل

.والغوطة

ليس خروجا عن النص، وإنما التوسع في تفسيره؛

فتحليل األخبار ومقاطعتها مع أجزاء نظرية وتطبيقات

تعد إلى حد ما عن آخر يب اظهر جانبعملية يمكن أن ي

نظرية سيطرة دمشق، كمركز حضري، منذ بدايات

االستقرار في المنطقة؛ فالدالئل تشير إلى وجود عدد كبير

من المستقرات في أرجاء الغوطة وعلى تخومها

ليكون مركزا الصحراوية والجبلية، كان بعض منها مهيأ

حضريا مسيطرا لتطابق جغرافيته مع القواعد النظرية

ظهرت على قمة النسق قد للنشأة، إال أن دمشق كانت

الحضري دون منافسة، رغم أنها تجاوزت العديد من

.الشروط الواجب توفرها لنشأتها

مقدمة واستعراض المدينة القديمة من خالل إيكوشار، : كما سماھا المھندس إيكوشار في: القلب  1

/ 13و 12، فرع دمشق، نقابة المھندسين السوريين، ندوة دمشق القديمة، التنظيمية المختلفة المخططات

.331: ص. 1982/ نيسان

وال بأس من تكرار أن منطقة دمشق تخضع لتأثير

مباشر من نهر بردى والغوطة وقاسيون ألهميته، إال أن

رافية تتسع شرح هذا التأثير يستدعي تناول عوامل جغ

لتشمل محيط المنطقة، وأخرى تاريخية عديدة، ويفرض

السياق العلمي للبحث التفريق مابين دمشق المعبد،

ودمشق المدينة، ودمشق المنطقة؛ فدمشق المنطقة هي

البقعة الجغرافية التي تضم أفرع نهر بردى حتى

البحيرتين والغوطة وسفح جبل قاسيون، والتي كانت تضم

لسكان؛ ودمشق المعبد التي يمكن تناول مستوطنات ا

الملحمي لألخبار العديدة األولى قبل 2نشأتها من التناص

التاريخ المدون والتي تشكل صراع األشخاص واألمم

المكان المقدس الطاغي في تأثيره 3للدخول إلى ميثولوجيا

على نشأة المدينة؛ أما دمشق المدينة فهي تلك الحاضرة

محيطها بالقرى أخبارها بعد أن امتأل ورد التاريخالتي أ

والبلدات والمدن قبل أن تولد، مصرحا في سجالته بأنها

كانت إبداعات األقوام الفاتحة حول المكان المقدس للسكان

األصليين، وأنها مقرا لحكمهم وسكنهم وتجارتهم؛ وبهذا

.يكون المجال المكاني للبحث يتضمن كل ماذكر

ي من أول استقرار في المجال ويمتد المجال الزمن

المكاني ليشمل الفترات المتعاقبة حتى والدة المدينة

الرومانية المسورة؛ ويقع البحث في مجال علمي تاريخي

جغرافي معتمدا على نظريات تاريخ المدن القديمة في

.التوضع والنشأة والنمو

البحث في مخالفته النسبية للكتابات أهميةوتأتي

نشأة دمشق، األمر الذي يمكن أن يولد المألوفة عن

اهتماما أكبر بالمحيط المهمل بالدراسة والتنقيب، والذي

يمكن أن يقوم تاريخ مدينة دمشق بشكل سليم ودقيق،

ويتيح للباحثين تجاوز المقوالت التاريخية الثابتة لدى

البعض رغم مخالفتها للنظريات العلمية، ويمكن للبحث أن

األهمية العلمية من خالل الدمج المتواضع ينال نوعا من

اد واالستعارة والنص ھويعني التفاعل النصي في االستش نقدي في الدراسات اللسانية، مصطلح: التناص  2

.عن ميخائيل باختين، فلسفة اللغة. الموازي والنص الجامع

الخاصة بالثقافات التي يعتقد أنھا يةالفلكلورالروايات علم األساطير، تشير إلى مجموعة من : الميثولوجيا  3

صحيحة وخارقة، تستخدم لتفسير األحداث الطبيعية وشرح الطبيعة واإلنسانية؛ تشير أيضا إلى فرع من

.العلوم التي تتناول جمع األساطير ودراستھا وتفسيرھا

2

ما بين االختصاصات المتعددة في الجغرافيا والتاريخ

.وتخطيط المدن

البحث في قصور التبريرات العلمية إشكاليةوتتجلى

المتوفرة لنشأة مدينة دمشق بمعزل عن محيطهاالحضري،

فقد ربط الباحثون نمو المدينة مع جمال الغوطة وشموخ

ن، والقليل منهم من ان جغرافياعلى أنهما معطيقاسيون

ربط المدينة بالتجمعات الحضرية فيهما، لذا كانت

اإلشكالية تتضح في صعوبة تقبل نتائج العديد من

الدراسات حول نشأة دمشق، رغم معارضة موقعها للعديد

من التوصيات التي فصلها المتخصصون القدامى عند

.اختيار مواضع المدن

بحث إلى بيان أهمية النسق الحضري ال يهدفو

الموجود في المجال المكاني، وأنه كان يسبق ظهور

المنطقة تخضع لتأثيرات دمشق وترافق مع نشأتها، وأن

إقليمية كان لها تأثير على تميز بعض المستقرات

الحضرية، كما يهدف البحث إلى الكشف عن المواقع

اء مدينة الجيدة التي يمكن أن تستجيب لشروط إنش

موضع ح أنمسيطرة على النسق الحضري، وتوض

.دمشق لم يكن منها، وبالتالي لم يكن سببا في نشأتها

وإلثبات ذلك، يستدعي البحث االعتماد على المراجع

التاريخية الكالسيكية التي تتناول تاريخ مدينة دمشق

وغوطتها، إضافة إلى كتب الجغرافيين، والمراجع

، كما اعتمد اظريات تخطيط المدن وتاريخهاألساسية في ن

البحث على عدد من الدراسات التخصصية الحديثة

والمعاصرة، التي تتناول بالتحليل المجال المكاني تاريخيا

وجغرافيا وأثريا، وعددا من تقارير التنقيبات، واألبحاث

.والمقاالت والدراسات التخطيطية

التاريخية واعتمد البحث في متنه على النصوص

والقواعد الجغرافية والنظريات التخطيطية وتحليلها بتفكير

أكثر من التسليم، من خالل تطبيق استخدامات مناهج

علمية عديدة، فقد استخدم المنهج التاريخي في العديد من

فقراته، واعتمد على المنهج التحليلي المقارن في الوصول

في عرض المرحلي للنتائج، واستخدم المنهج النظري

الثوابت العلمية، وتم استخدام المنهج االستنتاجي للوصول

إلى هدف البحث؛ وعرض في السياق عدد من الرسوم

التوضيحية المركبة من النصوص التاريخية حول

االستقرار في المنطقة، وذلك بهدف اإلشارة إلى المواضع

التي تتناولها فقرات البحث، دون االعتماد عليها كبيانات

.صائية أو إجرائيةإح

وحقيقة كان من الصعوبة بمكان ترتيب فقرات البحث

لتداخلها، واختصار ما يمكن اعتباره بدهيات وألفباء

منطقة دمشق؛ وقد أتى البحث بعد هذا التمهيد في

مرحلتين؛ تبدأ األولى في عرض تحليلي للموقع الجغرافي

اسيون جبل ق: مكوناته الثالثة منوبيان ثوابته المتوفرة

والغوطة والمنطقة شبه الجافة، ومن ثم بيان النفوذ

اإلقليمي الواصل إلية من محيطه والذي يقسم المجال

المنطقة الشرقية، المنطقة : المكاني إلى خمس مناطق

المفتوحة، المنطقة الشمالية، المنطقة الغربية، المنطقة

الجنوبية؛ ثم عرض تحليلي للسكان ونشاطهم في أجزاء

.جال المكانيالم

ويتجه البحث بعد ذلك إلى تناول تدرج ظهور النسق

: الحضري في المجال المكاني وفق مكوناته الجغرافية

النسق الحضري في منطقة جبل قاسيون، ثم النسق في

واف الغوطة؛ باتجاه إعطاء تقييم المنطقة الشرقية، ثم

للنسق الحضري في المجال المكاني، وتقويم ما يراه

المخططون المنظرون في أسباب نشأة المدينة في موقعها،

ومن خالل محاكاة إجرائية لنظريات النشأة، يصل البحث

.إلى تقييم نشأة دمشق ضمن النسق الحضري

وينتهي البحث في خاتمة تشير نتائجها إلى أن دمشق

كانت غائبة عن النسق الحضري إال أنها كانت محوره

مستقرات كانت مسيطرة على الديني، وأن هناك أربعة

النسق الحضري قبل دمشق، وأن هناك مواقع أفضل من

ني، ونشأت موضع دمشق، ولكن دمشق تميزت بثقلها الدي

.بتأثير قرارات سياسية

3

:الموقع الجغرافي والنفوذ اإلقليمي

ن ه4يشير كل من استرابو ، إلى أن 5، وبتولومي

غرافيا، ارتبطت بالج الحضارة واالستقرار والسياسة

وكانت أسيرة المكونات الجغرافية في انتشارها، لذلك

كانت الحضارات القديمة تهتم باختيار المواقع الجغرافية

إلقامة حضارتها وإحداث مدنها ومسارات حركتها بعناية

ودقة، تمكنها من بسط نفوذها وإجراء تحصينات لحمايتها

وتأمين مواردها، كذلك كانت المحددات الجغرافية،

كالجبال واألنهار والبحيرات والصحارى والبحار، تمثل

حدودا طبيعية يصعب اختراقها، ويستدعي تجاوزها قوة

كافية وإمكانيات كبيرة؛ ومن هنا كان هناك ثوابت تتمثل

في الموقع الجغرافي ومكونات المجال المكاني،

ومتحوالت تتمثل في السكان وتفاعلهم مع الثوابت

كيف معها والتحكم بها؛ وبشكل عام، ومقدرتهم على الت

فإن المواقع المتميزة جغرافيا تعد مكانا جاذبا لسكناها

ممارسة النشاطات المختلفة فيها، األمر الذي يتطلب لو

توفر تنوع متغير في مجالها المكاني، سواء أكانت في

الجوانب الثقافية أو الدينية أو العرقية أو النشاطات

لتي تنعكس بعالقة طردية مع تميز االقتصادية، وا

اإلستراتيجية الكلية للمجتمع القائم، ويستدعي تغيير تنظيم

المكان إحداث تغييرات في هيكلية النظام اإلداري الذي

يدير شؤون المنطقة، وقد يأتي هذا التغيير من الداخل

على شكل انتقال سلمي، أو من خالل ثورات داخلية، أو

أنتج هذا السجال المتعاقب احتالل خارجي مباشر؛

تاريخيا في المجال المكاني نسقا من أشكال االستقرار

يمكن ترتيبها لقراءة النشأة من زاوية جديدة يمكن أن

تتوافق مع السرد التاريخي أو يمكن أن تقترب منه، ولهذا

: م وألف كتابه الھام25م وتوفي عام .ق 58جغرافي يوناني ولد في أمازيا عام ،strabon: استرابون 4

.15: عن الجغرافيا السياسية، ص". الذكريات التاريخية للجغرافيا الثمينة"

كلود بطليموس أو كالوديوس، المعروف باسم بطليموس أو بطولوميس، وله التسمية الجنسية : بتولوميه 5

عالم يوناني فلكي له العديد من الدراسات . م)Claude Ptolémée ،)90- 168؛ "ديوسالروماني كالو"

بالجغرافيا، احتوى على مناقشة ھاما العلمية تأثر بالعلوم الغربية والشرقية عاش في اإلسكندرية وضع مؤلفا

.Ptolémée – Wikipédia .متعمقة حول المعارف الجغرافية في العالم اليوناني الروماني

فإن البحث ينحى لعرض منطقة دمشق وفق هذا المفهوم

:]16: 14[على الشكل اآلتي

:ثوابتال - 1

من الشروط الهامة للنشأة واالستمرار وتوفير : الموقع -

القوة، يتضح بشكل أساسي في االتصال مع الخارج،

ويمكن أن يكون مغلقا طبيعيا أو صنعيا، ويمكن أن

يكون مفتوحا بشكل كبير من جهاته كافة، أو من أحدها،

أو غير ذلك؛ ويمكن للموقع أن يكون ممرا إجباريا

دول أخرى، وهذا ما يستوجب وجود قوة قادرة لقوافل

على حماية الحدود وحقوق السيادة وتحصيل العائدات

وإجراء المبادالت، من خالل تخصيص منافذ ومحطات

آمنة إلتمام ذلك، ويمكن اختيار منافذ للطرقات التجارية

على الجبهات المفتوحة وفق النسق الحضري وتتابع

نافذ الجغرافية الطبيعية االتجاهات، أو استخدام الم

كالوديان بين الحواجز الجبلية ومسارات األنهار المتاحة

.على طريق القوافل

هي العنصر األساسي لتشكيل الحدود : األرض -

السياسية، والثروة الحقيقية التي تبنى عليها أركان

الحكم، وترتبط المساحة مع قوة الحكم، ويستدعي تغيير

قة للشعب، أو خوض حروب حدودها إما الرغبة المطل

عسكرية، يتم من خاللها التوسع على ثوابت مكانية

.لدولة أو سلطة أخرى

وهي من الثوابت لتعلقها باألرض، : البنية الطبيعية -

ويمثل المناخ وتوفر المياه، واألراضي الزراعية،

والموارد الطبيعية، أهم مكونات البنية، ويمكن تطوير

ه البنية من خالل استخدامات إمكانيات االستفادة من هذ

وإبداعات في مجال المعالجات المناخية، وتطوير أنظمة

الري، وتصنيع بعض االحتياجات من الموارد المتاحة

.في هذه البنية

من الثوابت المتعلقة باألرض، : الهيئة والتضاريس -

تتشكل هيئة األرض من تضاريس مختلفة، وغالبا ما

يس متميزة، يعبر كانت الحدود عبارة عن تضار

4

تجاوزها عن الخروج من نفوذ والدخول تحت سيطرة

أخرى، وغالبا ما كانت هذه العملية تتم بهدف التبادل

التجاري والثقافي ما بين الجوار القريب أو البعيد،

وتتميز المناطق الحدودية بقابلية أسرع في االستيعاب

عن السكاني والثقافي والمهني من المناطق الداخلية،

الموجودة داخل المجال المكاني، ويمكن تمييز هذه

المناطق من تعددية أجناسها ونشاطاتها وثقافاتها وسرعة

نموها؛ ويمكن للتضاريس الداخلية التأثير على توزع

السكان والنشاطات داخل المجال المكاني العام، وتؤثر

.التضاريس على عوامل االستقرار وكثافته

:المتحوالت - 2

يناقش موضوع السكان على أنه عنصر متحول : السكان -

ومتغير هام وفعال على الثوابت المتعلقة بالمجال

المكاني، ويعد موضوع حجم السكان من الشروط

األساسية لنمو الموقع، ويصاغ من حيث الكثافة، ويدل

على حجم النشاط وقوة الدفاع عن المكان، ويشير إلى

ات بعد ربطه باإلمكانأو منه، ولكن إمكانية الهجرة إليه

االقتصادية؛ ويشير تنوع السكان إلى تراكم وفود

.هجرات إلى المكان

وهي موارد تتعلق بالنشاط والمكان : الموارد الطبيعية -

يمكن أن تزيد أو أن تنقص، مثل الزراعة والصيد،

ويمكن أن تشمل األخشاب واستخراج المعادن واألحجار

عائدات مرور الكريمة، ويمكن أن يضاف إلى ذلك

القوافل، وتتوقف قيمة المجال المكاني على القيمة

، والثروة هنا االنتاجية تهاونوعي األساسية لغزارة ثرواته

القابلة للمبادالت التجارية، وال يكفي توفر الثروة دون

االنتاجية، وال يمكن إجراء العمليات التبادلية دون وجود

ض نوعا من خطوط تجارية، وغير ذلك؛ وهذا ما يفر

.العالقات التكاملية بين السكان والمجال المكاني

وهي المؤشر األوضح لقياس حجم : البنية االجتماعية -

تأقلم السكان مع البيئة الطبيعية، ومن أهم الدالئل في

تحليل أحداث التفاعل التاريخي بين الثابت وما هو

متحول؛ وتتضح البنية من خالل خصائص المجتمع

والدينية والعادات والتقاليد والممارسات الثقافية،

والنشاطات واللغة واللهجات المحكية، والتجمعات

العرقية والعقائدية؛ ويمكن دراسة توزيع السكان استنادا

فيمكن مالحظة تكتالت دينية طائفية تكون ،لمعتقداتهم

متآلفة في احترام معتقداتها المختلفة كما كان سائدا في

لمجتمعات القديمة، أو متناحرة كما في عبادات آلهات ا

المجتمعات التي ظهرت فيها األديان السماوية بدءا من

اليهودية، وتظهر في هذه الحالة على شكل بنيات

سياسية غالبا ما تكون الحروب أوضح وسائل التفاهم

.فيما بينها

:التفاعل في بيئة المجال المكاني

لبالد الشام على تقع منطقة دمشق وسط الجهة الغربية

حافة الصحراء الشامية، في ظهر الحاجز المزدوج

المكون من جبال لبنان، والذي يفصلها جغرافيا عن

الشريط الساحلي؛ وينبع في هذه السلسلة من الجبال نهران

ونهر فرفرة أو 6نهر إبانة أو بردى: يجريان شرقا وهما

كانا ، واللذان8المذكوران في الكتاب المقدس 7األعوج

سببا في نشأة الغوطة، يضاف إليهما مياه عين منين،

؛ وتحمي شعب الجبال، وأقربها جبل )1(نظر الشكل ا

قاسيون، سهل دمشق من الشمال والغرب وبعض

ينبع نھر بردى من الجنوب الغربي لوھدة الزبداني، من نبع فوكلوزي غزير عند أقدام جبل : نھر بردى 6

بضعة كيلو مترات حتى مزرعة . م1100 لىعالشير منصور، على ارتفاع يزيد يسير بعدھا متعرجا

ند الربوة، بعد أن ويتابع سيره حتى يدخل مدينة دمشق ع مي باسمه؛سعميق التكية، حيث يدخل في واد

بانياس، وقنوات، والديراني، والمزاوي، : وعن يمينه ،يزيد وثورا: عن يساره. تكون تفرعت منه ستة فروع

مرتبة من المستوى األعلى إلى المستوى األدنى في الجريان، حيث تعبر ھذه األقنية خانق الربوة على

ياء مدينة دمشق، وبعد خروجھا من دمشق مناسيب مختلفة، ثم تتباعد على شكل مروحة تغطي جميع أح

وفي مجرى النھر عند وادي . تنتشر في جميع مناطق غوطة دمشق مشكلة بھذه الشريانات شبكة ري الغوطة

ويخترق . ھاغزارة مياه بردى وحجم نمبردى، يتلقى النھر عدة ينابيع أھمھا نبع عين الفيجة الذي يضاعف

في اتجاه الشرق والشمال الشرقي، حتى يصل إلى سبخة العتيبة، المجرى األصلي لبردى، دمشق والغوطة

.رضا مرتضى :عن. كم71بعد أن يكون النھر قد قطع بين منبعه ومصبه مسافة

إال أنه ال ؛يحتل ھذا النھر المركز الثاني من حيث األھمية، كمصدر مائي في حوض دمشق: نھر األعوج 7

ويتكون ھذا النھر من عدد كبير من العيون . حوض وساكنيهيقارن بما يقدمه نھر بردى من خيرات لل

والينابيع الصغيرة دائمة الجريان، تتمركز في حوض عرنة وأعالي وادي بيت جن، ضمن المنحدرات

متر فوق مستوى سطح البحر، ثم 1300 - 1900الشرقية لجبل الشيخ، وعلى مناسيب مختلفة تتراوح بين

لدة سعسع التي تكون نھاية مجرى النھر األعلى، ويسير بعدھا النھر الموحد تتجمع قنوات ھذه العيون عند ب

في مجراه األوسط األول وھو : ثم يتوزع إلى فرعين رئيسين) ومن ھنا جاءت التسمية(متعرجا

والثاني إلى الكسوة، حيث يتوزع في غوطتھا، و يتابع . يتجه نحو داريا، والغوطة الجنوبية الغربية األغزر

نحو اه األصلي السير حتىمجر تأحمد فرز :عن. كم بين منابعه ومصبه88يصل سبخة الھيجانة، قاطعا

.طرقجي

ورجع » كنت أغتسل بھما فأطھر؟ أحسن من جميع مياه إسرائيل؟ أما دمشق أليس أبانة وفرفر نھرا 8

.}12: 5سفر الملوك الثاني { .ظ بغي ومضى

5

الجنوب؛ ويحمي جبل المانع المدينة من الجنوب بعض

الحماية، ولكنها مكشوفة من الشرق، وتقع دمشق على

وق سطح البحر، تتمتع بمناخ قدم ف 2300ارتفاع نحو

عام معتدل، وتمتد على مساحة محصورة محددة ال يمكن

زيادة رقعتها بسبب المحددات الجغرافية الطبيعية المحيطة

.بها

وتقسم المنطقة مناخيا حسب مكوناتها الجغرافية، كما

قاسيون والغوطة : ، إلى ثالث مناطق)2(في الشكل رقم

حوال الطقس فيما بينها وشبه الصحراوية، تتباين أ

بوضوح سواء من حيث الحرارة والرطوبة والهواء،

، وكان لنهر بردى وأفرعه أثر كبير هااستقر اإلنسان في

في االنتشار عليها؛ وحسب المصادر، فإن اإلنسان هبط

من الجبل إلى السفوح فأطراف البحرتين، وأطراف

:ل اآلتييمكن وصفها على الشكوالغوطة، ثم أقام فيها،

.نهر إبانة ونهر فرفرة ومجرى نبع منين) 1(الشكل رقم

.المكونات الجغرافية) 2(الشكل رقم

من أهم مكونات المنطقة، ال يمكن فصله :جبل قاسيون -1

عنها، وهو من أعظم مظاهرها، يمتاز بموقعه وبإشرافه

على الغوطة الفسيحة، يعزز أهميته مرور نهري يزيد

ن جهة الغرب بسلسلة جبال لبنان، وقد وثورى؛ يتصل م

عملت مياه بردى مع الفيجة على فصله عن جبل المزة

المتصل بجبال الشيخ وحوران، وعملت مياه منين على

قلمون الممتدة الفصله من جهة الشرق عن سلسلة جبال

.إلى منطقة حمص

إن تسميته : وقد تنوعت اآلراء في أصل التسمية، فقيل

بإنه قسا : صخوره، وهناك من يقول جاءت من قساوة

وتشير إليه بعض ]28: 34[على أن يأخذوا منه األصنام؛

المراجع األجنبية باسم آسوس، أو كاسيوس، ويعتقد بأن

هيكال كان يعلوه، بني إكراما لإلله المشتري، وكان

وفي رواية ]Jupiter Casius،]44 :751: يسمى

معبد لكبير آلهة دمشق أشير إلى وجود ]269: 45[أخرى

وهو يحمل بيده اليمنى ثمرة الرمان داللة على قدرته

المتمثلة في حماية القشرة المدرعة لما بداخلها، وأن

الرومان عندما قدموا إلى المنطقة أطلقوا عليه التسمية

.السابقة نفسها

ولجبهة قاسيون الشرقية سفحان يفصل بينهما نهر يزيد،

الشمالية فهو السفح األعلى، وهو فما كان على ضفته

سفح كبير واسع خال من الماء، لم يكن ينتفع فيه إال

بزرع شيء من الحنطة والشعير المسقيين بماء السماء،

ولم يكن فيه شيء من البناء إال محلة دير مران، وإال

بعض دور قليلة متفرقة في أنحائه وبعض المباني

ع وكهف جبريل؛ أما ومغارة الدم ومغارة الجو الدينية،

السفح األدنى ما كان على ضفة يزيد الجنوبية، وهو

سفح مزدهر وافر المياه خصب األرض يزرع طوال

فصول السنة، وكان عامرا آهال بالسكان لسهولة العيش

]44: 35[.فيه

، فقد أحيط ]38: 35[وبحسب الميثولوجيا الدينية للمنطقة

كن المقدسة، ففي قاسيون باألساطير ونقشت فيه األما

سفحه األدنى في بيت أبيات كان يسكن أبو البشر آدم،

وفي شرقه التقى آدم بحواء، وفي أعاله قتل قابيل أخاه

ريد أن يبتلع ففتح الجبل فاه لفظاعة هذا العمل ي ،هابيل

القاتل، وأخذ الجبل يبكي وتسيل دموعه حزنا على

ي قتل هابيل، وبقي لون الدم على صفحة الصخرة الت

عليها هابيل ظاهرا باديا، وفي كهف جبريل جاءت

6

المالئكة إلى آدم تعزيه بابنه هابيل؛ وفي شرقه كان مولد

إبراهيم ومصاله؛ ومن أتاه ال يعجز في الدعاء، وفيه

احتمى إلياس من ملك قومه، وفيه صلى إبراهيم ولوط

وموسى وأيوب، وفي غربيه الربوة التي آوى إليها

مه، وقرب الربوة في النيرب كان مسكن حنة المسيح وأ

أم مريم جدة المسيح؛ وغير ذلك من األخبار؛ وفيه عدد

من المواضع والشواهد التي تظهر أهمية دور هذا الجبل

9كهف األربعين: في أسبقيته على االستقرار فيه، مثل

، ومغارة أهل الكهف أو آدم أو جبريل، 10وكهف برزة

ع مومغارة ا 11ومغارة الجو ح12لد ، 13، ومغارة الشيا

.والكثير غير ذلك

ة: الغوطة -2 ، قال 14لم يتفق القدماء على تعريف الغوط

ي ة: "15المقدس ، وقال "في مثلها 16إن مساحتها مرحل

، وقال "إن طولها مرحلتان في عرض مرحلة: "17القزويني

ھا مقر لألربعين األبدال الذين يحمون منطقة دمشق، وھم والمقصود بھا أن : أو أھل الكھف كھف األربعين 9

ن في والمذكور الفتيةالكھف الذي آوى إليه نسبة إلىمن أھل هللا الواصلين، ويطلق عليھا لقب أھل الكھف

أعلى الجبل كھف منسوب آلدم : " البشرية، ويذكرھا ابن جبير األندلسي بقوله القرآن، كما تنسب إلى آدم أبو

.125: ص. والرحالة المسلمين افيينرمدينة دمشق عند الجغ :عن". وعليه بناء وھو موضع مبارك

وفي ،ورد ذكره لدى الجغرافيين كافة وجميع الرحالة العرب، وورد في الميثولوجيا الدينية: كھف برزة 10

ومولد إبراھيم بسفح جبل قاسيون عند قرية تعرف ببرزة، وھي : "اب المقدس؛ يصفھا ابن جبير برحلتهالكت

أجمل القرى، وھذا الجبل معروف بالبركة في القديم ألنه مصعد األنبياء ومطلعھم، وھوفي الجھة الشمالية

ي عليه مسجد كبير مرتفع غار مستطيل ضيق، وقد بن )المولد المبارك(من البلد وعلى مقدار فرسخ، وھذا

مقسم على مساجد كثيرة كالغرف المطلة، وعليه صومعة عالية، ومن ذلك الغار رأى إبراھيم الكوكب ثم

".القمر ثم الشمس، حسبما ذكره هللا تعالى في كتابه عز وجل، وفي ظھر الغار مقامه الذي يخرج إليه

صالحا، أو نبيا، رجال نوة الصالحية، كان بھا أربعتقع على سفح جبل قاسيون في منطق: مغارة الجوع 11

وأخذ الرغيف يدور ،صاحبه يؤثركل منھم راحوكان لديھم رغيف واحد، وقد أخذھم الجوع كل مأخذ،

.11: ص. كتاب اإلشارات لمعرفة الزيارات :عن. حول ساكني المغارة حتى ماتوا جميعا وبقي الرغيف

لجھة الغرب، على مقدار ميل أو أزيد من المولد المبارك، مغارة تعرف بجبل قاسيون : مغارة الدم 12

في تلك المغارة صلى إبراھيم ن إ :بمغارة الدم،ألن فوقھا في الجبل دم ھابيل قتيل أخيه قابيل ابني آدم، ويقال

يھا وعليھا مسجد أتقن بناؤه، ويصعد إليه على درج، وھو كالغرفة المستديرة،وعل وأيوب، وموسى ولوط

: ص. دمشق عند الجغرافيين والرحالة المسلمين :عن. أعواد مشرجبة مطيفة بھا، وبه بيوت ومرافق للسكن

123.

. في باب الريح من جبل قاسيون، بجوار وادي الشياح، بين مغارة الدم وكھف جبريل: مغارة الشياح 13

.2/310: معجمقتيبة الشھابي، ص

كيلو مترا تقريبا، وتبلغ 15و 10مترا، وعرضھا يختلف بين يقدر طول الغوطة بنحو عشرين كيلو 14

.مع مساحة دمشق -ھكتارا 30000مساحتھا

من الرحالة العرب، وھو من بالد ) ھـ 380 -336(أبو عبد هللا محمد بن أحمد المقدسي : المقدسي 15

ك. الشام من الناحية الجغرافية، رأى أن المملكة اإلسالمية في القرن الرابع الھجري لم توصف وصفا افيا

، وكان "أحسن التقاسيم في معرفة األقاليم"وطاف أكثر البالد اإلسالمية، وكتب كتابه ،لذلك جرد نفسه لھذا

فيه من أصدق الرحالين مالحظة، وأدقھم نظرا، وأحسنھم لموضوعه ترتيبا؛ وقد عمل كل حيلة والتحق بكل

شرة آالف درھم، وعرض نفسه لكل خطر في سبيل الحصول على صناعة، وتحمل كل مشقة، وأنفق فوق ع

. الملونة" الخرائط"المعرفة، وجاءته فكرة

.مسيرة يوم على الراكب بالسير المعتدل: المرحلة 16

، ينتھي نسبه إلى عالم المدينة أنس )ھـ682 -605(أبو عبد هللا بن زكريا بن محمد القزويني: القزويني 17

وكانت ،القضاء وألف العديد من كتب الجغرافيا والتاريخ الطبيعي، وشغف بعلوم الطبيعةبن مالك؛ اشتغل ب

عجائب المخلوقات وغرائب : من أشھر مؤلفاته. أعظم أعماله ھي نظرياته في علم الرصد الجوي

.الموجودات، آثار البالد وأخبار العباد

، وقال شيخ "19إن استدارتها ثمانية عشر ميال: "18ياقوت

حيز دمشق، ناحية يكون طولها ثالثين إنها من: "20الربوة

".ميال، وعرضها خمسة عشر ميال

على الصقع المروي حول " الغوطة"وتطلق تسمية

التي فيها 22، وهي الكورة21دمشق بين الجبل والبحيرتين

كل : الحدائق والبساتين؛ وقد اصطلح على أن الغوطة هي

ما أحاط بدمشق من قرى، وكان من األرض المطمئنة

تي تروى من نهر بردى، وما اشتق منه من الجداول ال

واألنهار الصغيرة أو القني، وعلى هذا فحد الغوطة يبدأ

غربا من فوهة وادي الربوة فالمزة فداريا، وينتهي

صحنايا واألشرفية وسبينة وسبينات وحوش عند بالجنوب

الريحانية ومن الشرق الريحان والشيفونية وحوش مباركة

ري وحوش المتبن وحوش خرابو والفضالية وحوش األشع

والنشابية وبيت نايم، وينتهي في الشمال بجبلي قاسيون

ر ، ويشرف الجبل األسود وجبل المانع من 23وسني

.24الجنوب، ومن الشرق أرض المرج

وتأخذ الغوطة شكل مروحة فيضية، تقع أعلى نقاطها

عند مخرج بردى من خانق الربوة، ويشتد اإلنحدار من

المروحة الفيضية، وتبدو فيها خطوط االرتفاعات قمة

المتساوية على شكل موجات مركزية تنطلق من مخرج

]420: 26[.النهر عند خانق الربوة

وهي المنطقة المتناهية من الغوطة : المنطقة شبه الجافة

باتجاه الشرق والتي تضم منطقة بحيرتي العتيبة

يأديب ومؤلف موسوع) ھـ 626 - 574(موي شھاب الدين أبو عبد هللا ياقوت بن عبد هللا الح: ياقوت 18

: أھم مؤلفاته). عبد الرحمن(وخطاط من أصل رومي، اشتغل بالعلم وأكثر من دراسة األدب، وقد سمى نفسه

.معجم البلدان

.مئة ألف إصبع إال أربعة آالف إصبع: الميل 19

أبي طالب األنصاري، م، ھو شمس الدين أبو عبد هللا بت محمد بن)1327 -1256: (شيخ الربوة 20

عديدة في الجغرافية األطعمة الصوفي، الدمشقي، مشھود له بحدة الذكاء وغزارة المعلومات، ألف كتيا

نخبة الدھر في عجائب البر ، والسياسة في علم الفراسة: والفراسة والسياسة والفالحة، من أشھر كتبه

ھناك، وعندما انتقل إلى دمشق، وتولى عرف في أول أمره بلقب شيخ حطين حيث كان يعمل . والبحر

.الموسوعة العربية :عن. مشيخة الربوة من قبل األفرم والي دمشق، أطلق عليه لقب شيخ الربوة

12: ص. علي كرد :عن .قاسيون، وبحيرة المرج، وبحيرة الھيجانةجبل 21ة أو مدينة أو نھر يجمع كل صقع يشتمل على عدة قرى، والبد لھا من قصبكلمة فارسية، وھي : الكورة 22

.107: ص .عن كرد علي. اسمھا

. علي كرد :عن. جبل القلمون، ويسمى بجبل الحلو، وھو فرع من فروع جبل لبنان الشرقي: جبل سنير 23

.13: ص

به تبلغ مساحته ثالثة أضعاف مساحة الغوطة، وھو في نجد منخفض من األرض و: أرض المرج 24

.لحبوب في الشتاء والذرة في الصيفأشجار قليلة، وخص بزراعة ا

7

هي منطقة تالل والهيجانة، تفصل الغوطة عن البادية، و

أثرية موغلة بالقدم، وهي تمثل منزال للمراحل األولى

لالستقرار في المنطقة التي كانت تعتمد على الصيد

والمحاصيل البرية، وقد سكنت لقربها من بحيرتي العتيبة

والهيجانة؛ ثم أصبحت معقال لقبائل العرب ومدخال لهم

و من على منطقة الغوطة، وهي منطقة مستوية تخل

العوائق الطبيعية، يصعب فيها العيش إال على الرعي،

وتصعب حمايتها المتدادها ولسيطرة البدو عليها؛ وقد

، بها وااستوطنمن ثم و ن من البدو الرحلونزلها الوافد

وهؤالء هم في الواقع أنصاف البدو الذين أخذوا بأسباب

م الحياة المستقرة على أطرافها، ثم أسسوا قرى خاصة به

.]3: 10[أو أقاموا إلى جانب القرى القائمة في هذه المنطقة

:النفوذ اإلقليمي في محيط المجال المكاني

اهام ايمثل موقع المجال المكاني بأكمله ميناء بري

يستقطب القوافل وتجارة شمال سورية والعراق وأرض

الجزيرة وبالد العرب وبابل، والبحر المتوسط ومصر،

وهو يصل ]95: 8[ات مركز هذه التجارة؛وأصبح في أوق

ما بين عقدتين أساسيتين لتوزيع القوافل هما تدمر في

الشرق وبعلبك في الغرب، وكانت المنطقة محل أطماع

الممالك القوية لما فيها من صناعات ومزروعات

وهي تتوضع وسط منطقة ] 133: 17[وأخشاب وماشية،

لمتنافسة للسيطرة صراع بالغ العداء بين اإلمبراطوريات ا

منع كل منها وصول البضائع يعلى الطرق التجارية ل

ألسواق األخرى، ولتحصيل عوائد مرور البضائع ل

.عبرها

تجلتت أسباب حروب الحضارات أكثر ما وقد تجل

في صراعها على الطرق التجارية التي تمدها بالبضائع

المختلفة من الحرير والنسيج والتوابل وتأمين الغذاء

لبناء السفن الضروريةومستلزمات الحياة والمواد

وتصنيع السالح ولتمنعها عن غيرها من أعدائها، وكانت

عملية السيطرة على الطرق التجارية وتأمينها وحمايتها

من األمور التي تشغل حيزا كبيرا من النشاط العسكري

والسياسي لشعوب المناطق الموجودة على هذه الطرق،

تخرج عن السيطرة العسكرية كانت تضمنها فالطرق التي

االتفاقيات السياسية، وكان يوضع على الطرقات العديد

من المراكز للحماية والمراقبة الجمركية التي كانت

تحصل ضرائب مرور القوافل، وكانت مناطق التبادل

التجاري الواقعة على تقاطعات الطرق من أهم المواقع

السيطرة؛ لذلك فإن الموقع التي يجب الحفاظ عليها ضمن

الجغرافي يأخذ أهميته الكبيرة خصوصا عندما ترافقه

ميزات تتعلق بتوفر موارد غنية تزيد من عملية

. االستقطاب له

إلى أن الطرق ]178: 29[وتشير المراجع التاريخية

تمر عبر التجارية التي تربط سورية مع بالد الرافدين

الطرق يخترق الصحراء ، وأن أحد هذه26وماري 25قطنا

مارا عبر تدمر ليصل سهول حمص، ومن ثم سواحل

حر المتوسط أو يتجه باتجاه سهل البقاع مع مسار نهر الب

العاصي، ومن بعلبك إلى سهل الزبداني ووادي بردى

فمنطقة دمشق؛ أو يخرج من تدمر باتجاه الجنوب الغربي

م نحو الضمير وعدرا ويصل منطقة دمشق من دوما، ث

يتابع باتجاه فلسطين والبحر األبيض المتوسط أو سيناء

فمصر وشمال إفريقيا، وطريق آخر يسير جنوبا إلى بترا

في شرق األردن والجزيرة العربية التي تصلها البضائع

من السواحل المحيطة بها من الهند والسند وبالد العجم؛

وقد أصبحت دمشق بفضل هذا الموقع مركزا هاما منذ

وتشير المصادر التاريخية إلى ]358: 34[أقدم العصور؛

انتشار محطات جباية الرسوم والجمارك على هذه

.الخطوط التجارية

وأما المسافات بين المنطقة وما يجاورها، فمنها إلى

بعلبك يومان، وإلى طرابلس ثالثة أيام، وإلى بيروت ثالثة

حاليا، تقع بالقرب من مدينة حمص " المشرفة"م؛ ھي .ق 2700مملكة تعود إلى عصر البرونز : قطنا 25

في سورية، كانت مملكة محلية على مناطق حدودية يتنافس عليھا النفوذ العسكري والسياسي المصري

.خم قصر في سورية بعد قصر مدينة ماريوالميتاني والحيثي؛ فيھا قصر ملكي يعد ثاني أض

عاصمة مملكة مزدھرة أنارت بتطورھا وقوانينھا وتجارتھا العالم القديم؛ قامت في سورية : ماري 26

م، تأسست عن طريق سلطة اجتماعية وسياسية ملكية، كان لھا حضور قوي وموقع .ق 2900حوالي عام

ري دور ھام في الطريق التجاري الذي يتبع مسلك الفرات دعم في المنطقة على نھر الفرات؛ كان لمدينة ما

ويعتقد أن الخارطة الجغرافية المتغيرة للمنطقة آنذاك حفزت نشوء كثير من المدن . في سورية الداخلية

.الجديدة

8

عة أيام، أيام، وإلى صيدا ثالثة أيام، وإلى أذرعات أرب

وإلى أقصى الغوطة يوم واحد، وإلى حوران والبينية

يومان، وإلى حمص خمسة أيام وإلى حماة ستة أيام، وإلى

القدس ستة أيام، وإلى مصر ثمانية عشر يوما، وإلى غزة

ثمانية أيام، وإلى عكا أربعة أيام، وإلى صور أربعة أيام،

د رواج المنطقة وقد ازدا ]22: 8[وإلى حلب عشرة أيام؛

بعد سقوط تدمر إذ تحولت إليها تجارة الهند والعجم

والعراق وقصدتها تجارة أوروبا، فعززت ثروتها وعال

ولم تصبح دمشق قصبة والية من الواليات ]63: 8[شأنها؛

أيام الرومان، ولعل من أسباب ذلك انجذابها نحو

ذي الصحراء، وقد ألحقت في التقسيم اإلداري الروماني ال

تم بعد لبنان الفينيقية التي كانت قصبتها السياسية حمص؛

ونجد دمشق، وهي المدينة التي لم تخضع مباشرة لمشايخ

العربان الذين كانوا يحكمون المناطق المجاورة، بل لم

تخضع للغساسنة، ومع ذلك فقد كانوا يحكمون المناطق

واستفادت دمشق الحقا من إعطائها المالصقة لدمشق؛

ة مقاطعة رومانية تحت قيادة اإلمبراطور صف

، وأصبحت مركزا عسكريا هاما خالل ]93: 8[ديوقلسيان

ازدهرت بعد ذلك كمركز ]51: 8[حربها مع الفرس؛

تجاري تلتقي عندها القوافل الصحراوية، ووجه الرومان

عناية خاصة لتقوية المدينة وذلك برصف الطرقات

.الموصلة إليها وبتسويرها

األهمية الموضحة للموقع ضمن شبكة خطوط ورغم

لما تتمتع به منطقة دمشق من إمكانية توفير -القوافل

الماء والغذاء وانجاز العمليات التجارية، ولدورها في

تأمين الحماية، وتزويدها بالخدمات، وتوفير األمان، بما

يضمن استمرار سيرها لغايتها، وألن المرور عبرها

مسافات والعديد من المشاكل التي يمكن أن يختصر ال

و اختارت الطرقات يحتمل أن تتعرض لها القوافل فيما ل

إال أن منطقة دمشق لم تكن يوما سوقا -األبعد واألطول

، خصوصا في فترات ]126: 26[أو ممرا إلزامييين

األزمات، فقد أشارت العديد من األحداث التاريخية إلى

طقة، أو نشطت، بحسب فترات غابت فيها تجارة المن

األحداث التي تعاقبت عليها، وتعود إمكانية تجاوز منطقة

دمشق على خطوط القوافل لتوفر الطرق البديلة، من

خالل دوران الطريق الصحراوي القادم من تدمر حول

شرقها في منطقة البادية واالستمرار بالطريق نحو بترا،

وافل وهو طريق أطول ولكنه ممكن لتوفر محطات الق

عليه؛ أو يمكن عدم المرور بالمنطقة أصال، واستخدام

المعبر الشمالي من مملكة قطنا باتجاه سهل البقاع،

والتوجه غربا باتجاه الساحل، أو جنوبا باتجاه بترا، دون

.المرور بمنطقة دمشق

في النفوذ الخفيمن التنافس ولهذا كان هناك نوع

مرور قوافل الممالك اإلقليمي على منطقة دمشق لتأمين

.واألقوام المتاخمة لها

وتجدر اإلشارة إلى أن منطقة دمشق كانت معزولة

عن محيطها اإلقليمي بحواجز جغرافية طبيعية سواء من

لوجود سلسلتي جبال لبنان الشرقية -الشمال والغرب

إليها من البحر لوعورتها والغربية التي يصعب الوصول

الجنوب ألن معظم تلك المناطق أو من الشرق و -وثلوجها

صحراوية ال ماء فيها، تجعل عابرها فريسة لسكان

إال ]380: 9[البادية الذين يتربصون هذه الغنيمة السهلة؛

أنها كانت تصل إلى جوارها من منافذ محددة على

الجهات األربع، ففي الغرب كان المعبر الوحيد هو خانق

نتر، وفي الشمال الربوة بين جبلي قاسيون والمزة أو ع

كان المنفذ الرئيسي مضيق منين الفاصل بين قاسيون

حرمون، وفي الجنوب كانت الوجبل العتا من سلسلة جبال

جبال المانع تفصلها عن سهول حوران، وكانت الكسوة

مارا؛ وكانت مفتوحة ومعاني يالمنفذ الرئيسي بين جبل

ة بمنافذ شرقا على البادية بشكل كبير إال أنها كانت محدد

لعبور الفيافي عبر محطات ااستخدمتها القوافل طرق

استراحة وتزود بالمياه والمؤن؛ وفي ضوء المنافذ التي

تقسيم يمكن كانت تصل دمشق بمحيطها الجغرافي

: المنطقة لجهات أساسية أربع على الشكل اآلتي

9

ة: المنطقة الشرقية -1 27ويطلق عليها اسم بادي

د مثلث الشكل، يختلف فيها توزع الشام، عبارة عن نج

نباتات الرعي من مكان آلخر حسب التضاريس ونوعية

التربة، وتختلف من سنة ألخرى تبعا لكميات هطول

األمطار، تعتبر امتدادا لشبه الجزيرة العربية من

الشمال، وتقع جنوب شرق سورية وتضم شرق األردن

نها وغرب العراق؛ ويسمى القسم الجنوبي األوسط م

طبيعية ألهل البادية؛ ، وهي عبارة عن مراع28"الحماد"

المركز الرئيسي ألهل البادية في وتعتبر مدينة تدمر هي

حماد"تلك المناطق؛ وتسمى المناطق الجنوبية منها بـ

؛ وهي ديار البدو ومنتجعهم ومسارح غدواتهم "الضمير

وروحاتهم، ومطارح حروبهم وغزواتهم، يتجولون في

وراء الكأل والماء الشاسعة، وينجعون سعيا أرجائها

والدفء لماشيتهم، حسب تقاليد معروفة واتفاقات محدودة

ا، هبينهم، كل منهم في بقعة منها، تآلفوا عليها وتقاسمو

وهم اكتسبوا حق التجوال والنجعة التي اختصوا بها إما

عقب حروب طويلة مع الذين كانوا يحتلونها من قبلهم،

ا تالحلول والدخول بين عشيرتين كان وإما نتيجة

]71: 11[.موجودتين سابقا

وتعد حماد الضمير من أهم المراحل المقطوعة

ر باتجاه منطقة دمشق عن طريق 29للقوافل من تدم

وعدرا وصوال إلى دوما، وغالبا ما كانت تقع 30الضمير

الضمير، وما يليها باتجاه منطقة دمشق، تحت نفوذ حكم

أو الصحراء، ھو القسم الغامر البائر الواقع في شرقي المعمورة المذكورة الخالء القواء القليل : البادية 27

عشائر :عن. لكأل والماء غير الصالح إال لرعي الماشية، الممعن في االمتداد والبعد حتى العراق األسفلا

.18: ص. الشام ألحمد وصفي زكريا

جنوبي تدمر حتى النفوذ، ومن الغريب أال يرد الحماد نمالقفار الموحشة المعطشة التي تمتد : الحماد 28

ن الكتب الجغرافية والمعاجم اللغوية العربية، ويعتقد أنه أطلق لمحمدة في معجم البلدان لياقوت وال غيره م

عشائر الشام ألحمد :عن .أرضه بالنظر إلى أن أدنى مطر يسقط عليه ينبت كأل وافرا ترعاه ماشية األعراب

.28: ص. وصفي زكريا

روما أيام مجدھا وأصبحت من أقدم المدن التاريخية في العالم، نافست عاصمة اإلمبراطورية: تدمر 29

تقع تدمر بين نھر الفرات والبحر األبيض المتوسط، كانت محطة . عاصمة ألھم ممالك الشرق مملكة تدمر

م، وكانت تحمل .تجارية في غاية األھمية بين آسيا وأوروبا؛ ازدھرت في النصف الثاني من القرن األول ق

.طابع المدن اإلغريقية الرومانية بأبنيتھا

م، تعاقبت .ق 245الحرارة، يعود أصل إعمارھا إلى عام تعنيوالتسمية من اللغة اآلرامية : لضميرا 30

عليھا حضارات عديدة منذ عھد اآلراميين حتى اآلن وكان اسمھا في العھد الروماني أدمرا أو أدميرا؛ تحمل

في الشمال الشرقي للعاصمة ضميرالتاريخا عريقا وفيھا شواھد وصروح وآثار أھمھا معبد جوبيتير؛ وتقع

دمشق عند بدء سلسلة الجبال التدمرية على أطراف بادية الشام، وتعتبر البوابة الشرقية لدمشق وبھا تبدأ

.البادية الشاسعة وصوال إلى العراق، وكانت مفترق طرق للجيوش الغازية والتجارة

ودة بمملكة تدمر، تؤمن لها الحماية واألمان القوة الموج

ان يستدعي هذا التواصل من هجمات البدو؛ وغالبا ما ك

من التوافق ما بين هذا الجزء من دمشق مع وجود نوع

السلطة المهيمنة على الطريق التجاري للقوافل القادمة من

الشرق، ونظرا للمصالح المتبادلة والفائدة المشتركة فإن

ة الشرقية المتمثلة بدوما وما حولها غالبا ما تدين المنطق

، من بالوفاء، إذا لم يكن نفوذ كامل، لقوة الحكم في تدمر

ها ومعامالتها مع هذا الجزء من المجال ئخالل عمال

المكاني؛ وتتميز دوما بعدد من المعطيات التي تظهرها

على أنها من المواقع المناسبة لنشأة مدينة مسيطرة على

يها الحضري، منها موقعها على الطرف الشمالوسط

الشرقي للغوطة بالقرب من المنطقة المرتفعة، يسهل

الدخول والخروج منها، وهي على مقربة من الخطر

.المستمر القادم من قبائل البادية

وهي المنطقة المفتوحة تماما : المنطقة المفتوحة -2

على البادية تمتد على شكل قوس كبيرة شرقا جنوب

المنطقة السابقة، وهي عبارة عن مساحة شاسعة تقطنها

القبائل، تصعب حمايتها ويتعذر تحصينها، وكانت مهنة

عرب الشام قيادة طرق القوافل وحمايتها وتقديم الخدمات

: 20[لها، أو صدها ومهاجمتها، ولم تكن لديهم مهنة تذكر

؛ وكانت اإلمبراطوريات تهاب القبائل المنتشرة في ]180

افل ما بين الحواضر، صحراء على مسارات القوال

وتقدم إليها الهدايا وتوفد الوفود، وعرفت ها وكانت تتودد

هذه القبائل كيف تستثمر في ظروف عديدة منافسة

: 12[اإلمبراطوريات المتصارعة لمصلحتها التجارية

، وكان لقبائل البدو النفاذ من مناطقهم مباشرة إلى ]127

لمنتشرة في الغوطة، فقد كان هذا التجمعات الحضرية ا

بحثا عن األراضي الخصبة ]38: 8[الجزء مقصدا لهم

وعن الماء والغذاء في أوقات الجفاف التي كانت تصيب

منطقتهم، وكانت القبائل تتعامل مع الغوطة إما عن

طريق تبادل المنتجات حيث كانت األنعام ومشتقاتها

إلغارة على مقابل الغذاء واألخشاب أو عن طريق ا

البلدات الموجودة في هذا الجزء؛ ولكن بعد فترة من

10

الوقت بدأت هذه القبائل تفضل االستقرار على الحدود،

وابتداء من القرن الثامن قبل الميالد وجدت قبائل عربية

في تاريخ قرة في هذه المناطق كان لهم دورمست

.]58: 4[دمشق

أبدا، عادية وكان الرومان في هذه الديار يحاذرون،

األعراب على المعمور من هذه الكورة وما تاخمها،

ن نواحي يلتأم موا لذلك على سيف البادية مخافرفأقا

الغوطة من عيث العائثين، وتكون خط الدفاع األول عن

دمشق الحاضرة من اعتداء المعتدين، ذلك أن األعراب

ن من القديم، والسيما عرب شمال الجزيرة إذا أحسوا بأ

سماءهم شحت وأرضهم أقحطت، ال يرون أمامهم غير

أرجاء الشام يتسللون إليها لالنتجاع، فيفسدون زروعها،

ويحتطبون المثمر وغير المثمر من أشجارها، ويروون

رواء إأنعامهم من مياه غزيرة جمعها أهلها لشربهم و

]67: 40[.ماشيتهم

الغوطة عتقد أن القرى الموجودة في محيط وعلى هذا ي

المفتوح على منطقة الحماد هي ألقوام أقرب إلى

فيما تعود اآلثار داخل الغوطة إلى ]281: 11[؛31البداوة

المجموعات البشرية األكثر تحضرا، والتي كانت تعتمد

على الزراعة بشكل رئيسي؛ وال يشترط وجود توافق

اجتماعي ما بين المجموعتين، وأغلب الظن أن قرى

رضة للغزو لما فيها من خيرات على الغوطة كانت ع

لخصوصية الموقع وتماسك منطقة الغوطة ومدار السنة؛

ما بين عدة قوى محلية تلتقي مناطق نفوذها في وتوزعها

مدينة كبيرة في إحدى تفوق ل كان ظهوردمشق المعبد،

.هذه المناطق األربع أمرا صعبا جدا

سلسلة وهي المنطقة التي تضم : المنطقة الشمالية -3

جبال حرمون الواصلة حتى مملكة قطنا قرب حمص

وما بعدها، والتي 33وإيبال 32ومن بعدها ماري ويمحاض

أنھم بني غسان في الغوطة يوم فصحھم، أيلما جاء خالد بن الوليد مددا لجيش الشام من العراق غزا 31

إن أھل كورة الغوطة غسان وبطون من قيس وبھا قوم : "قال اليعقوبي. كانوا سكانھا أو معظم سكانھا يومئذ

".من ربيعة، ومن كلب بأرض الغوطة عامر بن الحصين بن عليم وابن رباب المقلي

م وحتى النصف الثاني من .قرن التاسع عشر قمملكة في شمال غرب سورية أزدھرت من ال: يمحاض 32

م، وكانت من أھم المناطق التجارية؛ وقد امتدت لتشمل الجزيرة السورية وشمال .القرن السابع عشر ق

الھالل الخصيب، وحتى بدايات البادية السورية جنوبا، وكانت صلة الوصل بين شرق الھالل الخصيب

عبرھا القوافل والنواد التجارية؛ كانت حلب عاصمة مملكة والبحر األبيض المتوسط، حيث كانت تمر

تبدأ من برزة مرورا بمضيق وادي منين الذي يفصل

عبر الجبال باتجاه 34جبل قاسيون عن الحرمون، فحلبون

الشمال، وهي طريق سهلة نسبيا وأقصر من الطريق

حماية وأقل مياها، وتمر بعدد من ولكنها أقل ؛الغربية

البلدات والمستقرات التي كانت تخضع لحكم مملكة قطنا

قرب حمص أو لما يليها؛ وكانت تعبرها القوافل ما بين

الشمال والجنوب، وهذا ما يشير إلى أن منطقة برزة

كانت مفتاح الدخول لهذه المنطقة من الشمال، وبالتالي

انوا يدينون بالوالء، فهي وما حولها من مستقرات ك

لحكم المسيطر لبشكل نسبي، وفق المصالح المشتركة

.شماال

وهي المنطقة الواقعة ضمن : المنطقة الغربية -4

ة 35سلسلة جبال لبنان الممتدة من مخرج خانق الربو

الذي يفصل جبل قاسيون عن جبل المزة باتجاه الغرب،

تى مرورا بوادي بردى فسهل الزبداني فوادي سرغايا ح

ة اتجاهات بعلبك في سهل البقاع، ليتابع بعد ذلك بعد

شماال وشرقا وجنوبا؛ وقد مثل هذا المحور جانبا

حضاريا متميزا متماسكا ومتجانسا في معظمه، غالبا ما

كان يخضع للممالك الموجودة في سهل البقاع مثل بعلبك

أن إلى ]12: 30[وعنجر، وقد أشير في الوثائق التاريخية

؛ وكانت 36دمشق كانت ضمن مملكة آبوم في كوميدي

لعبادة إله العاصفة أو اله العواصف، كما كانت مركز ھاما تجاري ا يمحاض مركزا دينيا ذو شأن وأھمية ا

.بال المملكة السورية القريبة منھايكبيرة، ظھرت لتراجع دور إ

م، .شمال غرب سورية في منتصف األلف الثالث ق حاضرة ومملكة عريقة وقوية، ازدھرت في: إيبال 33

بسطت نفوذھا على المناطق الواقعة بين ھضبة األناضول شماال وشبه جزيرة سيناء جنوبا، ووادي الفرات

شرقا وساحل المتوسط غربا، وأقامت عالقات تجارية ودبلوماسية وثيقة مع دول المنطقة والممالك السورية

.ومصر وبالد الرافدين

يحدھا من الشمال بلدة رنكوس ومن الشمال دمشقتقع وسط سلسلة الجبال شمال غرب : حلبون 34

الشرقي بلدة تلفيتا ومدينة صيدنايا ومن الجنوب الشرقي منين ومن الجنوب قرية الدريج ومن الجنوب

كم؛ من 27بي بسيمة ومن الغرب افرة ومن الشمال الغربي قرية ھريرة، تبعد عن مدينة دمشق حوالي الغر

أقدم المناطق المأھولة بالسكان منذ فجر التاريخ وقد ذكرت في الكتب المقدسة وفي الكثير من المراجع

عد حلبون حصنا طبيعيا لرد التاريخية حيث أنھا تتسم بالصفات التي يحتاجھا اإلنسان في موطن سكناه، كما ت

ورد اسم حلبون في الكتابات القديمة ذكرھا استرابون باسم . المعتدين لموقعھا بين الجبال الشاھقة المرتفعة

وكانت من أسماء األماكن التي حددھا بطليموس في خارطته وقد ذكرت التوراة أن خمورھا كانت ) شاليبون(

الشھير باسم حلبون حيث تتحدث اآليات أن إبراھيم قد تحارب ذكرھا بطليموس في كتابة . تحمل إلى صور

.مع خمسة ملوك وتبعھم حتى حلبون شمال دمشق

يبعد خانق الربوة عن مدينة دمشق القديمة عشرة كيلو مترات 35 .غربا

تنبع أھمية كوميدي من الموقع اإلستراتيجي الذي كامداللوز، تقع في قضاء البقاع الغربي،: كوميدي 36

مبراطورية مبراطورية الحثية في الشمال، واإلبين اإل ىوادي، بحيث كانت النقطة الوسطالحتله، في ت

دلت بواكير اكتشافات البعثة األلمانية . مبراطوريات بالد ما بين النھرين في الشرقإالمصرية في الجنوب، و

طرد الھكسوس من مصر، تخضع للنفوذ المصري في إحدى الحقب التاريخية، خاصة بعد كانت ھاعلى أن

11

ضمن منافسات القبائل على الخطوط التجارية، فسيطر

عليها اليطوريون مدة طويلة، وفرضوا سيطرتهم على

كامل المنطقة، حتى أنهم وصلوا إلى المنطقة الشمالية

من دمشق ؛ ويتميز هذا المحور بوفرة مياهه وخصب

ورة لألنهار، كما يتميز بتحصينه شريط األراضي المجا

الطبيعي من شعب الجبال التي تشكل الوديان المنغلقة،

منتشرة عليه، ويضم مساره عددا كبيرا من المستقرات ال

.في تاريخ هذه المنطقة والتي كان لها دور كبير

وعلى الرغم من وعورة هذا الطريق إال أنه يعد من

ة بسبب كثافة المستقرات في المنطق هاأهم الطرقات وأمنع

فيه وألهمية ربطه الجغرافي، فقد كانت تعبره القوافل

المتجهة إلى سواحل البحر المتوسط أو القادمة منها،

وتصل دمشق بمنطقة حصن معابد بعلبك التي تتميز

باألراضي الغنية بالثروات، والتي يتقاطع عندها طريق

الخيراتبالسهولة وهام يصل الشمال بالجنوب ويتميز

.الوفيرة

وتعد هذه المنطقة من المناطق المناسبة لتكوين

مجتمعات قوية متماسكة يصعب اقتحامها عسكريا،

وغالبا ما كانت المنطقة تخضع للممالك القائمة في سهل

البقاع، إال في حاالت سيطرة القبائل عليها، وفي هذه

الحالة كانت تغلق منافذها، وتضع مركزها في منطقة

وسطة على المحور الممتد من بعلبك حتى خانق مت

دمشق، وتظهر األهمية البالغة علىالربوة، المطل مباشرة

لهذا الخانق من خالل عالقته بتحكم توزيع المياه على

كامل أجزاء منطقة دمشق؛ وعلى هذا فإن منطقة دمشق

ال يمكن إال أن تكون على عالقة جيدة منظمة نسبيا

ا المحور، وهذا يعني امتداد النفوذ إلى بالمتنفذين على هذ

األجزاء المجاورة له، إلى جهة المزة، أو جهة منطقة دير

مران التي كانت عامرة ومتصلة تماما بمنطقة خانق

الربوة، وكانت موصولة بطريق مباشر مع منطقة برزة،

وقد امتد ھذا النفوذ من بداية القرن السابع عشر حتى القرن الثالث عشر قبل الميالد، والسيما أثناء فترة حكم

تحوتمس الثالث وإخناتون، ويعتقد بعض المؤرخين أنھا كانت مقرا للحاكم المصري على ھذه البالد، بحيث

المصريين والحثيين في أواخر القرن الرابع عشر وبداية القرن دام ھذا الحكم إلى ما بعد معركة قادش بين

.م.الثالث عشر ق

وبهذا فإن الجهة الغربية من منطقة دمشق كانت تدين

ة على المحور الغربي باتجاه جبال بالوالء للسلطة المتنفذ

لبنان؛ وتجدر اإلشارة إلى أن منطقة دير مران مع الربوة

من البقع المالئمة إلنشاء حاضرة تستند إلى جبل قاسيون

وترتفع لتطل على كامل الغوطة وتتحكم بمصادر مياه

عالية، وتتوفر ةقة وتتمتع بميزات بيئية وجيولوجيالمنط

. تلزماتهفيها مواد البناء ومس

وهي المنطقة الممتدة من : المنطقة الجنوبية -5

خلف جبال المانع باتجاه الجنوب، والتي تعبرها القوافل

التجارية من الجنوب وصوال إلى داريا عبر منفذ

منالكسوة، آتية من منطقة البترا، وكانت تفد القوافل

محورين، األول من شرقي األردن وفلسطين وسيناء،

شبه الجزيرة العربية، وقد كانت هذه المنطقة والثاني من

التي تحاول 37محل تنافس مع عدد من القبائل السامية

السيطرة على منطقة بيت المقدس والطريق الموصلة إلى

ويمكن القول إن ]115: 24[ سيناء وإلى شبه الجزيرة؛

هذه المنطقة الممتدة إلى الشرق من نهر األردن قد

الذين اتخذوا 38لتصل ليد األنباطعرفت صراعات عديدة

ء م، .عاصمة لهم في أواخر القرن الرابع ق 39البترا

لفظة أطلقھا أوغست لوديـك شـلوزر على مجموع شعوب منطقة الشرق األدنى القديم، : القبائل السامية 37

وب من واقع دراسة قام بھا للغات المنطقة، حيث نتـج عن دراسته وجود وحدة عنصرية مشتركة تجمع شع

بــ ،ومنھا سمي شعوب المنطقة بالساميين ،المنطقة بلغة واحدة أطلق عليھا اللغة السامية وعرفوا أيضا

أن ھذه اللفظة يرى كثير من الباحثينو، "Semites -السامية"أو " الجنس السامي"و" الرس السامي"

ت أحد أبناء نوح عليه السالم، يقول اإلص وھؤالء : "من سفر التكوين 10حاح اتخذت من التوراة التي سم

؛ تواجه ھذه النظرية انتقادات عدة، فھي ال "مواليد بني نوح سام و حام ويافث والذين منھم تفرقت األمم

مجردا للتعبير عن الروابط الظاھرة لتلك الشعوب والتي تتعلق بالنواحي الثقافية تتعدى كونھا اصطالحا

ة يھودية لخدمة مصالحھم العنصرية، حيث قسموا شعوب العالم إلى وھناك من يرى أنھا مبنية على خراف

عناصر ثالثة سامي وھو عنصر الخير، وحامي وھو عنصر الشر، ويافثي وھو عنصر بالنسبة لھم غير

.معروف

، ويقول الخطيب "والنبط إنما سموا نبطا الستنباطھم ما يخرج من األرضين: "يقول ابن القرية: األنباط 38

شعب األنباطو ".إن النبط ھم الذين استنبطوا األرض وعمروا السواد وحفروا األنھار العظام فيه: "ديالبغدا

عربي قديم سكنوا منطقة جنوب الشام وشمال جزيرة العرب وشبه جزيرة سيناء، اشتغلوا بالتجارة، وفي

ى تجارة القوافل التي كانت اعتمد اقتصاد األنباط عل. عصرھم الذھبي كانت عاصمتھم البتراء مدينة مزدھرة

ليم المنطقة، الشام ومصر وشبه جزيرة العرب واليمن، وسادوا منطقة خليج العقبة اتحمل التجارة ما بين أق

عبد األنباط . ويظھر ذلك في النقوش التي خلفھا التجار األنباط في األماكن التي وصلوا إليھا ،وميناءه أيلة

ى إله الشمس، الذي مثلوه على ھيئة حجر أسود، باإلضافة إلى الالت، الشر اذ: اآللھة العربية المعروفة

.والعزى، ومناة، وھبل، وفي القرن الرابع ميالدي اعتنقوا الديانة المسيحية

، بسبب تصميمھا "الشق"أي " سلع"اسمھا القديم . حاضرة األنباط الكبرى، تقع في األردن: البتراء 39

سماھا الرومان . عميقة التي ال يمكن الدخول إليھا إال لمن يعرف دروبھاالمخفي في الوديان الصخرية ال

Petra سموا اإلقليم الذي ضم المنطقة أ، كما "الصخرة"غة الالتينية لالتي تعني في الArabia Petra أي

ان بسبب كثرة النقوش على جدر" الرقيم"، ويبدو أن األنباط قد عرفوا المدينة باسم "بالد العرب الصخرية"

احتلھا الرومان وأسموا .في عھد ملكھا الحارث الثالث. م.ازدھرت في القرن األول ق. وديانھا وعماراتھا

12

واتخذوا من المنطقة الجنوبية من فلسطين مستقرا

وقد امتد نفوذ األنباط ليشمل المنطقة من ]377: 17[لهم،

.حدود دمشق مع حوران شماال حتى النقب جنوبا

دم من الجنوب وهذا ما يدل على أن طريق القوافل القا

كان ضمن نفوذ سلطة حكم الممالك القائمة بالجنوب في

شرقي االردن أو فلسطين، وكانت تتصل مع دمشق من

خالل بعض القرى الواقعة في الجزء الجنوبي من غوطة

دمشق والتي كان أوضحها بلدتي كفرسوسية وداريا؛ ويعد

هذا الجزء الجنوبي من دمشق من األجزاء التي تنال

ا وافرة من نهري بردى واألعوج، وهي منطقة مياه

سهلية يعد مناخها وهواؤها من أفضل بقاع منطقة دمشق،

تتمتع تربتها بالخصوبة المناسبة للتشجير والزراعة

الموسمية، وهي على تخوم أراض غنية بالغالل

وتقع على طريق هام للقوافل ،والمحاصيل الغذائية

للمصالح المشتركة في المحملة ببضائع متعددة؛ وطبقا

تأمين وفود القوافل وتنشيط عملية التبادالت التجارية،

ونظرا للسهولة النسبية في الوصول إلى هذا الجزء من

دمشق، فقد كانت داريا والمستقرات المحيطة بها على

توافق كبير مع السلطة التي تحكم المنطقة الجنوبية

.لنفوذالمالصقة لها وتدين لها بالوفاء وبعض ا

من العرض السابق أن مصير المنطقة كان ويتضح

يتأثر بشكل كبير بالقبائل البدوية، وبالغزاة القادمين من

الشرق أو من الشمال من بالد الرافدين؛ أو بالغزاة اآلتين

من الجنوب أو الجنوب الغربي عبر االنهدام السوري

اإلفريقي من مصر؛ وتكون المنطقة ضمن نطاق صراع

]379: 9[.راطورية والممالك المحيطة بهااإلمب

إن ظاهر دمشق كان مساكن القبائـل، : "يقول ابن عساكر

وكان قرى متصلة وأبنية متقاربة، فخرب ذلك كلـه فـي

الفتن والحروب والحصارات، وباد أهلوه وتمادى عليـه

الخراب، وقل موضع حفر إال وجد فيه أثر العمارة مـن

وكـان معمـورا بالمسـاكن الجهات األربع من البلـد،

تضم آثارا .م 3وظلت مزدھرة حتى القرن " بالوالية العربية"األراضي التي قامت عليھا مملكة األنباط

.عمرانية منحوتة في الصخر نادرة المثال

؛ ]93: 2["والسكان، فباد وبادوا، فسبحان من ال يبيد ملكـه

وكان يصيب الخراب على الغالب األقرب فاألقرب مـن

القرى إلى دمشق، أو ما كان على طريق الفاتحين كالمزة

في الغرب، والقابون في الشـمال، فقـد خربتـا غيـر

هل قريـة وكان الحاكم إذا غضب على أ ]156: 40[.مرة

يأمر بحرق أشجارها وتدمير عمارها، وكثيرا مـا كـان

الفاتحون ينزلون الويالت بالغوطة، ويحرقـون مـا فـي

].157: 40[ضاحية دمشق إذا أرادوا حصارها

.طرقات القوافل التجارية ونفوذ الموصل منها إلى دمشق) 3(الشكل

.نفوذ المستقرات المتلقية للخطوط التجارية) 4(الشكل

إلى الطرقات التجارية الموصلة ) 3(يشير الشكل رقم

مناطق نفوذ المستقرات ) 4(إلى دمشق، ويوضح الشكل

المتلقية للطرق التجارية، والطرق الموصلة فيما بينها

بشكل محيطي أو عبر الغوطة مرورا بالمنطقة المقدسة،

إضافة للمنطقة الشرقية المهددة بهجمات قبائل البدو، وأن

.المناطق تتقاطع في المركز جميع

وعلى هذا فإن محيط دمشق يفرض نوعا من النفوذ

إلى عمق المنطقة من اتجاهات أربع، وكانت أجزاء

المنطقة، في األوقات المتأخرة، موزعة على نفوذ عدة

كانت فريسة سهلة اجهات، وهذ أمر غير مستبعد ألنه

13

ستقرات مع للبدو الغازين لها باستمرار، رغم تضامن الم

ا لحماية المنطقة، إال أن مهمة توفير األمن هبعض

والطمأنينة لسكان المستقرات كانت تأتي من التضامن مع

طرف قوي له مصالح مشتركة في درء العدو المشترك

نتاج ودفع الضرائب ي يغزوا قوافلها، وكان العمل واإلالذ

بالنسبة للسكان أفضل من الغزو والقتل؛ ولكن األجزاء

كانت تلتقي في المكان المقدس في دمشق الذي يشمل

معتقدات سكان المنطقة وآلهة محيطها، ولم تكن دمشق

في بداياتها محط قوافل، بل كانت مكان تعبد يجتمع فيه

سكان أجزاء المنطقة إلجراء طقوس العبادات، وفصل

النزاعات، وإتمام عمليات التبادل التجارية، ضمن سلطة

لى أمالكه؛ في شكل حصن محمي بسلطة معبد دمشق وع

دينية وقوة إلهية، تتناسب مع الدور السياسي الذي كانت

تؤديه دمشق خالل الفترات التاريخية المتعاقبة؛ وكانت

مراكز محطات القوافل تتوزع في أطراف غوطة دمشق

في أربعة مراكز رئيسية على األقل، حسب تفرق الطرق

آنفا؛ ومن هنا نال ةذكورمنها إلى الجهات المحيطة الم

موقع دمشق أهمية كبيرة في السعي للسيطرة عليه، على

اعتقاد بأن من يفرض نفوذه على المكان المقدس يبسط

نفوذه على كامل منطقة دمشق؛ ويعتقد أن هذا الوالء ظل

مستمرا حتى خالل فترات الحكم القوية عندما تشكلت

ئها لدمشق دمشق، وظلت هذه المناطق تتأرجح في وال

.حتى فترة الفتح اإلسالمي

:السكان والنشاط في المجال المكاني

يصعب تعقب أصول سكان منطقة دمشق، إال أنه

بأن أصل شعوب المنطقة من أقوام ]101: 19[ساد اعتقاد

، فتعدد الهجرات العربية واستمرارها 40الجزيرة العربية

ريخ وبعده، يؤكد إلى بالد الشام عبر قرون عديدة، قبل التا

يبدأ من األقوام العربية البائدة التي انطلقت من شبه جزيرة العرب منذ يصنف توافدھم بتسلسل زمني 40

اآلكاديين والكيشيين والماريين : م، وھي سابقة للسومريين؛ ثم األقوام العربية القديمة.األلف الرابع ق

ة؛ يضاف إليھم واإلبليين واألموريين والكنعانيين واآلراميين، وھم يتكلمون لھجات قريبة جدا من اللغة العربي

وھم عرب معين وسبأ وحمير؛ وتجدر اإلشارة إلى وفود عدة قبائل إلى بادية الشام خالل : عرب الجنوب

الفترة البيزنطية مثل قضاعة وفروعھا بلي وجھينة وكلب وبھراء، ومثل الغساسنة من األزد اليمنية، وقبيلة

.كلب بن وبرة وغيرھم

ترسخ فكرة أنها أرض الخالص المليئة بالحضارة والخير

والمياه العذبة، وأنها المالذ األهم بالنسبة لهم في سبيل

تجنب حياة القلة والتقشف والترحال التي كان يعيشها

العرب في شبه الجزيرة العربية نتيجة الظروف البيئية

انتشار أخبارها والطبيعية؛ فهاجروا إليها تباعا بعد

وصفاتها ومميزاتها عن طريق القوافل التجارية؛ وتؤكد

المراجع التاريخية أن المراحل األخيرة من األلف الثالث

م كانت قد شهدت .م وبدايات مرحلة األلفية الثانية ق.ق

توالي هجرة جماعات من عرب شبه الجزيرة العربية إلى

دا من القبائل أن عد ]78: 20[الشام؛ وترجح الدراسات

ة الوافدة على سورية مثل األنباط والتدمريين 41العربي

واإليتوريين واآلراميين والكنعانيين والفينيقيين والعمونيين

42والموآبيين واألدوميين، أصبحوا منذ العصر السلوقي

.]219: 24[النواة الثابتة واألكثرية الغالبة من السكان

باتات أبحاث إال أن هذا االعتقاد يضعف عند إث

، ]74: 21[األحفوريات ودراسات تاريخ علم اإلنسان القديم

التي تشير إلى أن هذه المناطق من أولى األماكن التي

سكنت منذ بدايات التاريخ، وما انفكت؛ والعديد من السير

الدينية توضح أنها مهبط األديان ومنبع الرسل، ومعقل

جاهل دور سكان اآللهات والعبادات المختلفة؛ وفي ت

المنطقة، والتعامل مع المنطقة وكأنها كانت خاوية من

السكان، وأن شبه الجزيرة العربية هي المنبع الوحيد

قبللهجرات البشرية لهذه المناطق، إجحاف من ل

الباحثين، وإغفال لدور السكان في صناعة تاريخ البالد؛

تها وكان أولى بهذه األقوام أن تنجز حضارتها في منطق

وما كان من داع ألن تفجر عبقريتها البدوية في بالد

الشام؛ وال يفهم تماما المقصود من إفراغ محتوى السكان

من المنطقة، وربط الشعوب بشبه الجزيرة إال للتأكيد على

رية على أنھم عرب بادية الشام والشمال واألنباط واأليتورييون ذكرت العرب في النصوص اآلشو 41

.والثموديون والصفائيون واللحيانيون والحضريون والتدمريون، ثم المناذرة والغساسنة

، ساللة ھلنستية ترجع تسميتھا إلى مؤسس األسرة الحاكمة للدولة .)م.ق 64، .م.ق 312( السلوقيون 42

ياكتور أحد قادة جيش اإلسكندر األكبر، شكلت ھذه الدولة إحدى دول القادة الخلفاء السلوقية، سلوقس األول ن

)Diadochi( ،لھا دور كبير في تفاعل كان ، التي نشأت بعد موت اإلسكندر ، حكمت منطقة غرب آسيا

يرد ذكرھم كأعداء لروما، خالل ما عرف بالحروب الرومية السورية . الحضارتين اإلغريقية والشرقية

)Roman-Syrian War ( في القترة ما بين)م بقيادة أنطيوخوس الثالث الكبير .ق) 188 -192

)Antiochus III the Great.(

14

ومن ثم المنطقة، ورغم جاللة الموضوع ،عروبية السكان

قد أغفل وأهميته، كان من الواجب اإلقرار بأن التاريخ

.تماما دور السكان في صناعة حضارتهم

وفي جميع األحوال سكان المنطقة يؤلفون ثالث

تشكيالت األولى تضم سكان المنطقة، والثانية العرب

العاربة، والثالثة الفاتحين؛ ويمكن تصنيف إشغال المنطقة

:بالمستقرات البشرية على ثالثة أنواع، كما يلي

ود الواقعة في المناطق سكان الضواحي على الحد -1

. شبه الصحراوية على تخوم الغوطة

المناطق الواقعة على الحدود الفاصلة ما بين -2

. الغوطة والجبال أو األراضي الجرداء

منطقة الغوطة، داخل المناطق الزراعية على -3

. شكل تجمعات زراعية

وطبقا لهذا التوزيع فإن التخصص الوظيفي لهذه

سكان كل منطقة من هذه المناطق التجمعات كان نشاط

يتميز باالستقاللية الالزمة لتشكيل مجتمعه الخاص به

وفق الموارد المتاحة، دون لحظ أية عملية دمج في

الوظائف ما بين المجتمعات؛ وكان سكان الضواحي ذوي

مجتمعات إقامتها شبه مؤقتة إلى حد ما؛ تعمل على تغيير

ألراضي خالل فصول أماكنها في نطاق واسع محدد من ا

السنة، تتصف هذه المجتمعات بالبدائية، وتعتمد على

الرعي والقنص، وكانت تمارس دور المرشد للقوافل

التجارية، أو دور الحامي أو الغازي لها، وكان لها دور

.ير في مجريات أحداث فتح المنطقةكب

من وال يعتقد بأن البدو الرحل سكنوا دمشق بأي

انت ضمن عاداتهم وحياتهم السكنى إال في العهود، وما ك

األطراف القريبة من الصحراء التي تعودوا على الحياة

فيها، وكانوا غالبا ما يختارون أقرب مكان يشعرهم

بالصحراء التي تبقي للبدوي نداء في األعماق وحنينا

هم ئوعلى هذا فإن البدو بحسب انتما ]381: 9[مستمرا،

يعودوا إليها في مواسم الخير للصحراء ماكانوا إال ل

ومواسم القوافل التجارية التي كانوا يعيشون على هديها

كبير في ترجيح غلبة األمم ؛ وكان لهم شأنأو غزوها

.المتناحرة على المكان

أما الغوطة فكانت تحدد بالوظيفة الزراعية لوفرة

المياه والطقس المناسب للزراعة على مدار السنة، وعلى

توزع فيها عدد كبير من المحالت الريفية الثابتة هذا فقد

في ضوء نوع العمل الذى يمارسه سكانها وأساليب

الزراعة والطريقة التى تستغل بها التربة، وترتبط نشأة

هذه المستقرات الثابتة بمجموعة من العوامل الجغرافية

وتوفير البيئة الصالحة النتاج الغذاء ،أهمها تزايد السكان

افية، وتحقق األمن الجماعي من خالل السكن بدرجة ك

: 39[وفق روابط دم تؤلف مجموعات أسرية أو قبلية

؛ وكانت المستقرات تتراوح ما بين نواة ريفية ]123

صغيرة، وضيعة أو قرية صغيرة، أو قرية كبيرة، وكانت

القرية تتأثر في نشأتها بعدد من العوامل بعضها جغرافي

خي مثل الحاجة المبكرة للدفاع مثل الموقع، وبعضها تاري

مثل تلة الصالحية، وبعضها اقتصادي مثل نظم الزراعة،

وقد نمت القرى في الغوطة نموا طبيعيا عشوائيا مبعثرا،

على شكل مساكن مفردة أو مجموعة صغيرة من

المساكن، والتي تظهر فى النهاية على شكل نسيج معقد

ما يدل هذا التبعثر من القرى الصغيرة والمزارع، وغالبا

على عالقة قوية للغاية بين مكان المسكن ومكان العمل

حيث يوجد كل مسكن وسط الحقول أو المزرعة الخاصة

.، ولم تنشأ على أساس تخطيطيابصاحبه

وتظهر في المنطقة عوامل تركز عمراني لمستقرات

أقرب للمدن في مناطق الحدود الفاصلة ما بين الغوطة

األراضي الجرداء، في أماكن مشتركة مخلخلة والجبال أو

تمثل مفاصل لتالقي البيئات الجغرافية المختلفة، على

شكل مستقرات أكبر حجما في محيطها، ولها ميزات

وتقدم خدمات أوسع ال توجد في المستقرات الصغيرة

15

المبعثرة في الغوطة، وكانت تتميز بكثافتها المرتفعة

ل النشاط السائد فيها، وكان فة سكانها، وتكاماوتنوع ثق

بعضها يقدم نوعا من الخدمات الالزمة للقوافل التجارية

ويشتغل سكانها بالزراعة إلى جانب بعض الصناعات

اليدوية والحرفية البسيطة، ويقوم اقتصادها على المبادالت

التجارية بشكل رئيسي، وكانت هذه المستقرات تنمو بشكل

للمنطقة بأكملها، فيما لو متنافس لتكون مدينة رئيسية

استمر نموها دون مؤثرات كالغزو المتكرر أو انتقال

النشاطات إلى مدينة قريبة منها في المنطقة نفسها، أو

تحويل مياه الري عنها، أو غير ذلك من األسباب، ومما

ال شك فيه أن هذه المستقرات قد مرت بفترات ازدهار

ال أن استمرار وتقهقر عمراني وفق هذه المؤثرات، إ

العديد منها دليل على أهمية موقعها ودورها الواضح في

تاريخ المنطقة؛ من أهم هذه المستقرات برزة وبيت الهيا

ودوما وحرستا وجوبر والقابون ومحلة دير مران في

المنطقة الفاصلة عند جبل قاسيون، وكفرسوسية وداريا

دور الذي في السهول الممتدة باتجاه حوران؛ ونظرا لل

شكل موانئ للقوافل علىكانت تؤديه هذه البلدات

وتمارس نفوذا على محيطها، فقد تراجعت روابط الدم

والقرابة ليحل محلها نوع من التنظيم اإلداري المدعوم

بنوع من القوة الدفاعية التي يمكن أن تدعم محليا أو

.، أو أن تكون شبه مستقلة بذاتهاخارجيا

:في المجال المكاني النسق الحضري

المختلفة العديد من ]146: 6[قدمت نظريات التخطيط

وجهات النظر حول بدايات تشكل النسق الحضري التي

، "من الكهف إلى المدينة"تضع تصورها وفق مفهوم

وكانت تجمع على أن السكن بدأ بالكهوف الواقعة في

المرتفعات، وهبط منها بالتدريج إلى األكواخ والمساكن

الفردية في السفوح والسهول، لتظهر بداية تجمعات

القرية، فالبلدة، ثم المدينة؛ بشكل مترافق مع تطور النشاط

من الصيد والمحاصيل البرية، إلى الزراعة وتربية

الحيونات، فالمبادالت التجارية، وهذا ما ينطبق مع نتائج

.األبحاث حول نشأة المستقرات في مدينة دمشق

أهمية ]61: 9[حدى الدراسات التاريخيةفقد أكدت إ

استقراء تطور سكنى المنطقة من خالل دراسة المراحل

بردى، والتي تبدأ من عنالتاريخية لتفرعات األنهار

مرحلة نهر بردى، حيث يصب النهر، اعتبارا من خانق

كانت تغطي منطقة دمشق، الربوة، في بحيرة كبيرة

والتي جفت على فترات نسان الحجري بكهوفه، رافقها اإل

طويلة إلى أن انقسمت إلى بحيرتي العتيبة والهيجانة،

وتظهر خالل هذه الفترة منطقة جبل قاسيون وبرزة

تحديدا على أنها بداية استقرار في المنطقة، ويظهر خط

واضح متصل من برزة باتجاه الشرق نحو صيدنايا

ى؛ ومعلوال، وباتجاه الغرب نحو دمر وسوق وادي برد

ويمتد عصر بردى بطيئا وفيه ينتشر سكن الناس في

ثم سكنت الغوطة على المنطقة المحيطة بالغوطة،

مراحل، حيث كانت الزراعة هي النشاط السائد؛ وتأتي

مرحلة قناة بانياس التي يعتقد أنها تؤرخ للعهد األموري

والكنعاني، والتي يعتقد أنها خصصت لمدينة دمشق؛ يليها

ناة ثورا التي تعود للفترة اآلرامية، تم خالل هذه عصر ق

تقد أنها عالفترة توسعة المدينة، ثم عهد قناة القنوات التي ي

إلىتعود للعهد الروماني، وعهد قناة يزيد التي تعود

]8: 37[.الحكم األموي

وعلى الرغم من أن الدراسة قد أشارت إلى أن قناة يزيد

إال أنها لم توضح أهميتها قديمة وقد تمت توسعتها،

ما بتزويد محلة دير مران بالمياه و التاريخية التي تتعلق

يليها من مستقرات باتجاه الشرق على سفح جبل قاسيون

.خالل فترات قد تعود إلى ما قبل العهد األموري

إال أن هذا التصور قد يكون ضعيفا في ترتيب

حداث أفرع نهر المراحل التاريخية بأكمله استنادا إل

بردى، وخير دليل توسعة نهر يزيد؛ يضاف إلى ذلك أن

أشارت إلى نبوغ ]242: 23[دراسة تخصصية أخرى

السكان المحليين واهتمامهم بأنظمة الري منذ العصور

المبكرة؛ وتستشهد على ذلك بأن اختصاص هندسة الري

16

؛ وتؤكد 43كان واسع االنتشار في حضارات ماقبل التاريخ

ى أن النظام المائي لري الغوطة كان قبل العصور عل

التاريخية المنوه عنها في تاريخ المنطقة وتطور خاللها،

وهذا ما يتناسب مع ما تؤكده الكتب التاريخية على أن

الغوطة كانت من أسباب استمرار االستقرار في المنطقة؛

وكانت الغوطة بكاملها مغطاة بشبكة ري على شكل

البستان فيها المنزل، ظهرت فيها بعض مدينة، يقابل

التجمعات التي تميزت نتيجة توضعها الجغرافي والعديد

.من العوامل المتداخلة

الجيولوجية ]16: 22[وتشير إحدى الدراسات

ة إلى أن منطقة دمشق كانت في الزمن 44واألثري

ع بحيرة كبيرة، أقام اإلنسان األول 45الجيولوجي الراب

ازداد هذا االستيطان كثافة وانتشارا على شواطئها، وقد

مع تقدم الزمن وانحسار البحيرة الكبيرة إلى ما هي عليه

العتيبة والهيجانة، وتشير الدراسة نفسها إلى أن التنقيبات

دلت على وجود مستقرات سكانية حول منطقة الغوطة

د.منذ األلف الثامنة ق الواقع بين 46م، ويعد تل أسو

لهيجانة إلى الشرق من منطقة الغوطة بحيرتي العتيبة وا

من أقدم المستوطنات المكتشفة وأهمها، وقد دلت

التحليالت إلى أن هذه المستوطنة كانت مزدهرة خالل

م، وأنها كانت تمارس النشاط الزراعي .األلف الثامن ق

عن شبلي". المياه ھي الحياة السرمدية:" كانت حضارة ماري تحتفظ بألفي مھندس ري، وكان شعارھا 43

.245 :ص. الشامي

لى بقايا عظام وظران تعود إلى العصر اآلشولي في إلى العثور ع 1930تشير دراسات أجريت عام 44

حول دمشق، ةكما عثر على أدوات حجرية في حوض نھر بردى وفي برز. وادي شركس واألشرفية موقعي

في المزة كما عثر على أدوات تعود إلى العصر الالفالوازي والموستري. وھي تعود إلى ھذا العصر

لى آالف السنين؛ ولكن البحث اعتمد الفترات المتقدمة نظرا والھامة، وھي عصور حجرية قديمة تعود إ

.لتأثيرھا المباشر نسبيا على تشكل المستقرات في منطقة دمشق

وانتھى تقريبا، مليون عام نذمبدأ العصر الحجري القديم 45 ويقسم إلى ثالثة ؛م.ق12000في تقريبا

م إلى .ق100000من : م، والقديم األوسط.ق100000م إلى .ق1000000من : القديم األدنى: أقسام

.م.ق12000م إلى .ق35000: م، والقديم األعلى.ق35000

يقع على أطراف غوطة دمشق في منطقة تكثر فيھا المستنقعات الواقعة بين بحيرتي العتيبة : تل أسود 46

بعضھا مع بعض قرية مؤلفة من أكواخ صغيرة الحجم ومستديرة الشكل تتالصق بكثافة التلوالھيجانة، و

وقد استخدم الطين في صنع اللبن الذي كانت تفرش فيه أرضية المسكن أو ،ومملوءة بالتراب حتى منتصفھا

وتبلغ ،أما البنيان العلوي للكوخ فإن معظم عناصره مؤلفة من مواد نباتية خفيفة ،لبناء مصطبات منخفضة

وقد جرت فيه عدة تنقيبات ،نحو خمسة أمتارمترا وارتفاعه عن سطح األرض (270-225)أبعاد ھذا التل

ثبت أن عمر االستقرار البشري في ھذا الموقع يعود إلى الفترة وبناء على تحليل الكربون المشع .أثرية

م أي ما يعرف بالعصر الحجري الحديث األول؛ وعثرت البعثة األثرية في .ق 6690و 7790الواقعة بين

وقد أضيف إلى زراعة القمح ،ى تطور االستقرار البشري واتساعهتل أسود على دالئل مادية تؤكد عل

علي القيم، : عن .النشوي زراعة أنواع جديدة من الحبوب كالقمح الوحيد الحبة والقمح الصلب والشعير

.سوريا اآلن

وتدجين الحيوانات والصيد بأنواعه بأدوات متطورة نسبيا،

يديولوجيا والثقافة واإل معرفةوأنها كانت على قدر من ال

والفن، وتشهد المنطقة توسعا في االستيطان، وتشير

إلى الحلقة الثانية في المستقرات ]38: 45[التنقيبات

الواقعة إلى 47السكانية في نموذج مستوطنة تل الغربفة

الشمال من تل أسود، كما يستدل على انتشار المستوطنات

الواقع 48اكتشاف تل الرماد بشكل كبير خالل الفترة نفسها

في وسط جغرافي جديد ضمن السفوح الجبلية قرب قطنا

جنوب غرب دمشق، والذي يعود إلى الفترة الواقعة في

م والنصف األول من .النصف الثاني لأللف السابع ق

م، وقد لوحظ في المرحلة األخيرة من .األلف السادس ق

تماعي مهم حياة مستوطنة تل الرماد، تبدل اقتصادي واج

في حياة السكان الذين تحولوا من مجتمع مستقر يعتمد

على الزراعة إلى مجتمع رعوي متنقل اعتمد على تربية

الحيوانات، يتكاملون مع المجتمعات المستقرة، ويتعايشون

ن في محيط قراهم بشكل يجنبا إلى جنب مع المزارع

.موسمي

تل إلى الشمال من 50تل الخزامي، 49تشفاتوتشير مك

ة إلى استمرار الحياة في المنطقة 51أسود، وتل البحاري

يقع بالقرب من تل أسود وبحيرة العتيبة وقد عثر على بيئة مشابھة لتل أسود في الطبقة :تل الغريفة 47

مماثال .ق 6300و 6900السفلى من الموقع والتي تعود إلى الفترة الواقعة بين حياتيا م والتي تظھر نمطا

م فنمط العيش فيھا يشبه إلى حد .ق 6000و 6300؛ أما الطبقة العليا الممتدة من "الطبقة الثانية"لتل أسود

ر الزراعة في ھذه المنطقة قد تدنى لصالح ما الطبقة األولى من تل الرماد المعاصر، وھناك مايثبت أن دو

الصيد بسبب الجفاف الذي طرأ على ھذه الفترة الزمنية؛ وقد توقفت الحياة في ھذا الموقع منذ ذلك الحين إلى

.علي القيم، سوريا اآلن :عن .البيزنطية أن جرى تحويله إلى مقبرة في الفترة الرومانية

وب شرقي دمشق قرب بلدة قطنا، على ضفة واد يجري بين قطنا كم جن 20يقع على بعد : تل الرماد 48

أعيد اكتشافه على يد فان لير الذي أطلق عليه أسم تل 1960وفي سنة " تل قطنا"وعرطوز؛ وكان يعرف

قامت بعثة فرنسية سورية بإجراء عدة مواسم 1973إلى سنة 1963الرماد نسبة إلى تكوينه، ومن سنة

م، الطبقة الثانية .ق 6250-6000وجود ثالث طبقات أثرية فيه، الطبقة األولى تنقيبية فيه أسفرت عن

.علي القيم، سوريا اآلن :عن .م.ق 5500-5000م، الطبقة الثالثة .ق 5500-6000

:في ونشرھا الخزامي تل في محدودة أسبارا دوكنتسون أجرى 49

Contenson H. de 1968، Rapport Préliminaire sur les Fouilles à Tell el

Khazami en 1967، AAAS.

يقع في المكان الذي أنشئ فيه مطار دمشق الدولي الجديد ويعود تاريخ اآلثار التي : تل الخزامى 50

اكتشفت فيه إلى النصف الثاني من األلف الخامس قبل الميالد، وكان يضم في بقاياه بعض المساكن المتعددة

اللبن المقولب، وقد عثر فيه على كميات من الخزف الفاتح اللون المغلف الغرف المستطيلة الشكل من مادة

بطالء أحمر المزين بزخارف محرزة، ويشبه من حيث النوعية الخزف المكتشف في مناطق عديدة من

فلسطين وجبيل؛ أما األدوات الصوانية فقد كانت نادرة، وھي عبارة عن نصالت مقفاة مستطيلة الشكل كانت

علي القيم، : عن .على شكل بيادق صغيرة" حيوانية وإنسانية"ناجل وھناك التماثيل الطينية المشوية بمثابة الم

.سوريا اآلن

17

المحيطة بالغوطة على امتداد األلفين الخامس والرابع

م، وتدخل .م؛ ويستمر االستقرار خالل األلف الثالثة ق.ق

أكثر في المنطقة وتزداد حجما وتطورا، وتشير منطقة

54وتل سكا 53غرب دمشق، وتل الصالحية 52دير خبية

نوتل الصو وتالل الريحان، وأرض التلول في 55ا

والتلة في زبدين وغيرها، إلى 57، وتل الغزالنية56حزة

أنها كانت مستوطنات مهمة ومسورة؛ وتستشهد الدراسة

على أهمية هذه التالل كمستقرات من خالل الوثائق

ة والمراسالت المكتشفة، والتي تؤرخ ألحداث يالكتاب

مرت بها المنطقة نتيجة م األحداث التي.األلف الثاني ق

ن في الشمال يالصراعات عليها ما بين الميتاني

ن ين في الجنوب، ثم ما بين المصرييوالمصري

، حيث أشير إلى المنطقة بعدة أسماء أظهرها 58نيوالحثي

، ويعتقد ]546: 47[، أو آبومUpiكان اسم أوبي أو يوبي

في منطقة سھلية تحيط بھا ،كم إلى الشمال الشرقي من بلدة النشابية5يقع على بعد : تل بحارية 51

شكل التل . رى نھر بردىاألراضي الزراعية، في قرية تحمل نفس االسم على أرض منبسطة شمال مج

م 350جنوب، ونحو -م باتجاه شمال 250متموج ويبلغ ارتفاعه نحو خمسة أمتار، وتبلغ مساحته نحو

م، وفيه آثار لمبان ضخمة وتحصينات يعود 617.7باتجاه غرب شرق، ويرتفع التل عن سطح البحر

تولوي والتي يعود تاريخھا إلى األلف دائرية معروفة بنموذج لبيوت وفيه آثار و ،م.ق 4500تاريخھا إلى

تربية وال سيما القمح والزيتون وبعض األشجار المثمرة وكذلك يالزراعيتضح النشاط م، و.السادس ق

كما تشير التقيبات على أنھا كانت محال للتبادل . الحيوانات مثل الخنزير البري والبقر والغنم والماعز

والجنوبية، وفيھا ثالث سويات أثرية متتالية تاريخيا، فصلت الطبقات عن التجاري ما بين المنطقتين الشمالية

بعضھا بواسطة الرماد والردميات وال سيما في مرحلة االستيطان األخيرة التي تمت في مطلع األلف الرابع

.غادة سليمان، البعثة التنقيبية الوطنية العاملة في تل بحارية :عن .قبل الميالد

لدة تقع في أقصى الشمال الشرقي لناحية الكسوة بالقرب من الخط الوھمي الراسم لحدود ب :الدير خبية 52

،كوكب ،المقيلبية، مرانة: المنطقة اإلدارية التابعة لمدينة قطنا؛ تحيط بدير خبية القرى والبلدات التالية

.قترتوي من قنوات نھر األعوج ثاني أھم مجرى مائي في حوض دمشوخان الشيح؛ ،البويضة

كم شرق دمشق، 15يقع في غوطة دمشق على الضفة الشمالية لنھر بردى، وعلى بعد : تل الصالحية 53

م ظل مأھوال حتى .قرب بلدة النشابية، وفيه آثار من العصر الحجرى القديم؛ يعود إلى األلف الثالث ق

تعود إلى منتصف العصر الروماني، وھو موقع محصن مسور، تم العثور فيه على آثار أسوار محيطة

أمتار وھي مبنية من الطين؛ وقد أقام العالم األثري فون دار اوستن في عصر البرونز، ترتفع أكثر من ثالثة

منزل قريب من تل الصالحية، بھدف متابعة التنقيبات بشكل مباشر، ومنذ أن بدأ حفرياته في تل الصالحية

. وأدوات من المعادن وعلى قبر العاشقين الكنعانيين استطاع أن يعثر على آثار من الحجر والخزف والفخار

Van der Osten 1950.

قرابة " دمشق"، وھو موقع يبعد عن /1989/ منذ العام" تل سكا"بدأت عمليات التنقيب في موقع 54

.قبل الميالد 1500ـ 1800كم إلى الجنوب الشرقي، ويرجع إلى فترة عصر البرونز الوسيط الثاني 20

ويبلغ عدد سكانھا ،سنة 50بلدة واقعة بالقرب من منطقة عدرا الصناعية، أصبحت قرية منذ : نالصوا 55

.نسمة، وھي قرية مھملة 1000

ويذكر أن ، وھي قديمة قدم التاريخ ،عني حفريمن مناطق غوطة دمشق الشرقية اسمھا سرياني :حزة 56

بھا مكان .ة تعود لعصور قديمة مضتيقال له أرض التلول يوجد به بقايا أبنية قديم ا

تل أثري جنوب بلدة الغزالنية بمرج غوطة دمشق الشرقية من منطقة دوما؛ كان عامرا : تل الغزالنية 57

.في العصر اآلرامي في األلف األول قبل الميالد، واستمر مأھوال في العصرين الھيلنستي والروماني

بنفس . م.ل سورية، سكنوا سورية منذ األلف الثالثة قوشما) تركيا(سيا الصغرى آشعب قديم ب: الحثيون 58

حكم . الفترة التي سكن أبناء عمومتھم السومريون بالد الرافدين، وھم من قبائل األناضول تعرف باسم ختى

الحيثيون أمبراطورية كان مركزھا كابدوكية، واستطاع ملكھم مرشلش األول أن ينھب مدينة بابل، فتغلب

.م كانت األمبراطورية الحيثية ھي مركز القوة في آسيا.ق 1400ابي، ومن بذلك على أسرة حمور

د على م، تمت.أنها كانت مملكة قائمة في األلف الثاني ق

أو ]74: 45[.المنطقة الخضراء من الغوطة إلى كوميدي

أنها مدينة مسورة في تلة الصالحية، كانت تمثل مركزا

لمحيطها من المستقرات، تمتاز بموقعها االستطالعي على

.طرق القوافل

ومع تقرير مضمون الدراسة، إال أنه ال يمكن رصد

مكن من المكان ووجود واضح لدمشق خالل هذه الفترة،

، لدمشق كمنطقة مقدسة تلمس ظهور تأثير الثقل الديني

إيبال : ذكرها صراحة مع مدن مبدعة عظيمة مثلولم يمر

التي خططت وماري ويمحاض وقطنا وقادش وبابل،

ونظمت مسبقا، وتم بناؤها دفعة واحدة؛ ويوضح الشكل

لمدن مبدعة يعتقد أنها كانت خاصة نماذج) 5(رقم

.ة لمدينة دمشقمعاصر

مدينة قادش مدينة ماري

مدينة أورو مدينة بابل

.نماذج من المدن المبدعة) 5(الشكل

وعموما، فقد أشارت الدراسات السابقة إلى أن

االستقرار بدأ بكهوف قاسيون، ثم سفوحه، وانتقل بعد ذلك

يد إلى المنطقة الشرقية بجانب البحيرتين معتمدا على الص

والمحاصيل البرية، ومع تطور الزراعة تم االستقرار

بالغوطة على شكل قرى منتشرة في أرجائها، ثم بدأت

البلدات بالتشكل لتمثل نموا حضريا يستدعي ظهور مدينة

مسيطرة على كامل النسق الحضري؛ وهذا ما يدل على

تحقق كبير لنظريات نشأة المستقرات في المجال المكاني

مراحل نمو النسق ) 6(يوضح الشكل رقم ؛ ومشقلد

.نشأتهاوفق تسلسل الحضري استنادا للنصوص التاريخية

18

.مراحل نمو النسق الحضري استنادا للنصوص التاريخية) 6(الشكل

استيعاب تشكل المستقرات يمكن عرض ةولسهول

تطور المستقرات وتحولها في المكان حسب المكون

:د، على الشكل اآلتيالجغرافي الواح

:النسق الحضري في منطقة جبل قاسيون

كان لقاسيون شأن كبير في بداية نشأة التجمعات

السكانية في المنطقة؛ فقد كان بردى يخرج من منتهى

الوادي غربا باتجاه السهل الفسيح شرقا، وبدأ تجمع

السكان في سفحه شماال يزرعون مبتعدين قليال عن

يأمنوا على أنفسهم ومزروعاتهم مضيق الوادي ل

]38: 35[.ومواشيهم تيارات السيول والفيضانات

وكان إنسان هذه الفترة محتاجا ألن يحمي نفسه

وماشيته، ومحتاجا إلى بيت يأوي إليه ويعتصم فيه، فكان

أقرب موضع يصلح لذلك هو جبل قاسيون حيث تسيل

فيسهل المياه تحت قدميه، ويبدو سفحه قليل اإلنحدار

تسلقه واإلقامة به، حيث يراقب المقيم به كل شاردة

وواردة في السهل المنبسط أمامه شرقا وغربا وجنوبا،

: 35[.فسكن الجبل والتجأ إلى ما فيه من كهوف ومغاور

38[ ويشير استقراء النسق الحضري حسب الدراسات

السابقة إلى أن االستقرار في الجبل كان سابقا على

لبحيرات والغوطة، وعلى الرغم من محدودية منطقتي ا

حجم هذا الجزء إال أنه شهد تحوالت كبيرة في السكن

خصوصا في سفوحه، التي يظهر فيها نسيج كثيف من

المستقرات الحضرية على مدى تاريخ المنطقة، آخذا

باالرتفاع تارة، وهابطا في فترة الحقة، إال أنه استمر

سفحه عبر الطريق الواصلة ما مرافقا لتدفق المرور في

بين برزة ودير مران، وتظهر برزة في الجهة الشرقية

كمركز مهيمن لما يحيط بها من مستقرات، وال يصعب

تمييز منطقة دير مران في غربه إذا ما ألحقت بالتجمع

الحضري الموجود في منطقة الربوة، ويمكن عرض أهم

:المستقرات التاريخية كما يلي

محلة غربي جبل قاسيون، كانت عامرة : دير مران

بالسكان، تقع في سفح أسفل قبة سيار وأعلى بستان

الدواسة، يطل منها على الربوة، تحتها مروج ومياه

حسنة، سميت على اسم دير موجود على تلة عالية فيها،

بناؤه بالجص األبيض وأكثر فرشه بالبالط الملون، وكان

لمعاني، وفالليه دائرة به، في هيكله صورة عجيبة دقيقة ا

متراكمة، وماؤه يتدفق؛ وأغلب الظن أن أصل هوأشجار

كان في هذه المنطقة المرتفعة المتقدمة على ،الدير معبد

19

منطقة الربوة، كان يمارس سكان الربوة طقوسهم الدينية

به، وهو في نهاية الطريق الواصل من برزة في الشرق،

على الجزء طقة الربوة بداية نفوذ سكان من نقطة ويمثل

؛ وكانت المنطقة تتزود بالمياه غوطة دمشق الغربي من

.لمنطقة النيربين سيره من نهر يزيد الذي يتابع

عدها المتقدمون من قاسيون مع أنها واد : 59الربوة

وليست بجبل ألن الحد الطبيعي لهذا الجبل من الجنوب

خذ هو نهر بردى، وهي أول منفسح الوادي الغربي اآل

إلى دمشق، ومنها يتفرع بردى إلى سبعة أنهار، وقد

سميت الربوة إلطاللتها على الغوطة وهي عبارة عن

مقسم لتوزيع المياه على كامل المنطقة؛ وقد كانت الربوة

مأهولة عند فتح العرب لدمشق، وهي عبارة عن جرفين

قائمين يمتدان من خانق الربوة حتى دمر على شكل

مكن اختراقه، في بدايته صخرة حصن طبيعي ال ي

،المنشار على شكل بوابة من الصخور الحادة القاسية

ونهايته بوابة على الشكل نفسه، وتمثل هذه المنطقة بداية

طريق مباشر إلى بعلبك وإلى الساحل السوري غربا،

ومن بعلبك شماال إلى قطنا فماري والمناطق الشمالية من

ية غنية بالمياه سورية، وهي طريق رئيسية محم

والخيرات والمجتمعات السكانية؛ وغالبا ما كانت هذه

المنطقة تقع ضمن نفوذ اآلقوام التي يصلها الطريق من

دمشق، ومن المؤكد أنها كانت خالل فترات طويلة ضمن

الفترات التي استولى عليها ءنفوذ الحكم في البقاع، باستثنا

.60األيتوريون

لة بالسكان تلي الربوة ومنطقة محلة كانت آه: النيرب

دير مران من جهة دمشق على الطريق الواصلة حتى

ھي الربوة المباركة التي كانت مأوى المسيح وأمه، وھي من أبدع مناظر الدنيا حسنا وجماال وإشراقا، 59

واتقان بناء واحتفال تشييد، وشرف موضع، وھي كالقصر المشيد ويصعد إليھا على أدراج، وھي كالبيت

نه مصلى الخضر، فيبادر الناس للصالة بھذين الموضعين المباركين، وال سيما إ :الصغير؛ وبإزائھا بيت يقال

وله باب حديد صغير يغلق دونه، والمسجد يطيف به وله شوارع دائرة، وفيھا سقاية حسنة ،المأوى المبارك

52: ص. البن طولون الصالحية :عن. قد سيق إليه الماء من علو

سكنت اآلرامية تتكلم قبيلة البائدة، العرب من بدوي شعب اليطوريون، األيطوريون، أو وأ: األيتوريون 60

إلى التوراة أشارت كما الخليل، إبراھيم بن إسماعيل بن يطور إلى نسبھم التوراة والجليل، وترجع اللجاة بين

شمال والجليل البقاع في عاشوا مأنھ المؤرخ يوسيفيوس ويذكر شاؤول، إسرائيل أيام الملك بني حربھم

وأرغم م.ق 104 عام األول أرسطوبولوس اليھودي الملك غزاھم قبل الميالد، الثاني القرن في فلسطين

ماركوس منھم وأنشأ الھلينية، بالحضارة وتأثروا بالرماية اليطوريون امتاز ،اليھودية اعتناق على بعضھم

أنطونيوس حرسا .ملكھم فقتل تحرروا ميحتويھم، لكنھ كي خاصا

برزة، والنيرب كلمة آرامية يعتقد أنها مشتقة من اسم إله

: 5[بيربا، وكان له في هذه المنطقة معبد: آرامي يدعى

، أو أنها سريانية بمعنى الوادي، ويراد بها هنا سفح ]526

األعلى منهما هو : ويقال النيربان قاسيون مما يلي الربوة،

الواقع بين نهري يزيد وثورى، واألسفل هو ما بين ثورى

وبردى؛ وهي منطقة زراعية غنية بالمياه الوافرة، وأغلب

ل القوافل والظن أنها كانت عبارة عن محطة سهلة لنز

تتضمن سوقا للتجارة وبعض االستراحات التي تتطلبها

.لالقوافل لالستعداد للرحي

وهي موضع في السفح الشرقي لجبل قاسيون، : برزة

اشتهر في جبل قاسيون بمغارته، ويعتقد أن االسم مشتق

حفر ونقب، وهذا : في اآلرامية، بمعنى" برز: "من الجذر

ما ينطبق تماما على طبيعة الموضع؛ ويذكر المؤرخ

وتشير المراجع 62مقام إبراهيم،: برزة باسم 61فالفيوس

ى أنها حاضرة سكنها إبراهيم وبها متعبده التاريخية إل

: 18[.بسفح الجبل ينسب إليه، وكانت دمشق عامرة إذ ذاك

، وتؤكد 63وقد ورد ذكرها بالتوراة في عصر إبراهيم ]21

وثائق المكتبة الملكية لحضارة إيبال، أن راعيا اسمه

براهيم وزوجته هاجرا مع خدمهم وأنعامهم، قد مروا إ

]244: 23[.بهذه المنطقة

ويعتقد أن برزة هي أم دمشق، حيث دلت المكتشفات

على أنها كانت حاضرة تستقطب ماحولها، تقدر ]15: 16[

نشأتها منذ مطلع األلف السابعة؛ وهي على اتصال

شعاعي بجهاتها كافة، حرستا ودوما والقابون والتل

مؤرخ في ) 1463 - 1392(، فالفيو بيوندو باإليطالية، Flavius Blondus: فالفيوس بلوندوس 61

القديمة والقرون الوسطى (النھضة اإليطالية، وھو أحد المؤرخين الذين قسموا التاريخ إلى فترات ثالث

، وبعد إقامة قصيرة في ميالنو، انتقل إلى وھو معروف كأحد علماء اآلثار، ولد في مدينة فورلي) والحديثة

حيث بدأ العمل في كتابة التاريخ؛ عين األمين العام لكانسيليريا، ومن ثم نفي إلى فيرارا 1433روما في

.وفلورنسا

إن إبراھيم أقام بھا مدة وجيزة بعد خروجه من أرض حاران، وقبل : "يقول الكاتب الدمشقي نيقوالس 62

إنه استقر فيھا عشرين سنة بعدأن تبلغ دعوته، وأنھا كانت محطته األولى بعد : يعاد، وقيلدخوله أرض الم

تركه موطنه، وتوجه منھا إلى بيت المقدس وعاد إليھا، ثم توجه إلى مصر، وعاد إليھا، ثم خرج ومعه ھاجر

مشھورا في منطقة دمشق وإسماعيل إلى مكة، وتركھما بواد غير ذي زرع، ثم عاد إليھا؛ وكان اسم إبراھيم

أحمد : عن. "في أيامه، والدمشقيون يقولون إنه يسكن قرية قريبة من المدينة باسمه، فلوا ملك عليھا لسكنھا

.65: ص. غسان سبانو، دمشق في دوائر المعارف العربية والعالمية

.}2: 15سفر التكوين {، }15: 14سفر التكوين {" 63

20

ومنين، وأنها على اتصال وثيق مع الجهة الغربية من

.64مباشر يصلها بدير مرانخالل طريق

وتتميز منطقة برزة باستقالليتها من حيث المياه عن

نهر بردى فهي كانت تتزود من مياه عين منين عبر

مساره في الوادي، وهي ذات تحصين طبيعي حيث

يكتنفها جبل قاسيون، أضف إلى ذلك أنها قريبة من

مصادر مواد البناء، وتقع على أطراف األراضي

وتتمتع بأرض صلبة جيدة للبناء والتأسيس، الزراعية،

ولها موقع استراتيجي مطل على المنطقة بأكملها، وهي

على اتصال مباشر بالمنطقة الغربية عبر الطريق المستقيم

الممتد على سفح جبل قاسيون والذي يصل حتى منطقة

.الربوة، كما أنها على مقربة من دوما ومنطقة البادية

ة شرقي جبل قاسيون في سفحه، وهي قري: بيت أبيات

نها كانت مسكن آدم أبي البشر، إأسفل حي األكراد، يقال

وصارت بعد ذلك تدعى بالصالحية العتيقة، وهي من

المناطق التي كانت تتميز بشروط جيدة إلقامة حاضرة

.كبيرة، وهذا ما تم الحقا عند تأسيس الصالحية

د بسفح وهي قرية دارسة تحت حي األكرا: الميطور

]324: 33[جبل قاسيون شرق قرية مقري وفي جوارها،

وتقع على الطريق الممتد ما بين برزة ومنطقة دير مران،

وهي من المواضع المتميزة على سفح قاسيون ومطلة

بشكل جيد على الغوطة ومشرفة على األراضي الزراعية

.جنوبها، وكانت منطقة آهلة بالسكان والنشاط

:المنطقة الشرقية النسق الحضري في

أخذت هذه المنطقة أهميتها خالل المرحلة الثانية من

لسكان فيها حول البحيرتين ، حيث استقر ااالستيطان

على صيد االسماك والقنص وتربية الحيوانات، ينمعتمد

وتشير التالل األثرية المذكورة إلى استقرار واضح فيها،

التاريخية ويشير إسقاط المستقرات المدرجة في المراجع

واألثرية إلى وجود ضعف شديد في النسق الحضري لهذه

64 يصعب دخوله، وھي عبارة عن ممر ھام وأساسي للوصول إلى تمثل ھذه الرقعة مجتمعا محصنا

.منطقة دمشق من شمال سورية وغربھا مرورا بسھل البقاع وبعلبك عن طريق سھل الزبداني وسرغايا

المنطقة، فقد لوحظ تراجع االستقرار فيها عقب فترات

الجفاف التي أصابتها، وتحول معظم السكان لبدو رحل

يعتمدون على نشاط الرعي، ودخول جزء آخر إلى داخل

الغوطة بحثا عن مصادر جديدة للماء والغذاء، وتبدأ

طة باستيعاب كبير للمستقرات؛ وال يظهر على القوس الغو

الشرقي للمجال المكاني أي استقرار ثابت بعد ذلك

لضعف الموارد الطبيعية في هذه المنطقة، ولعدم قدوم

قوافل تجارية عبرها بسبب انخفاض عوامل األمان أمام

غزوات القبائل ومباغتاتها المحتملة؛ وفي الفترات

كانت هذه المنطقة تمثل المحطة األولى المستقرة سياسيا،

، لتحول البدو إلى مزارعين مستقرين في أطراف الغوطة

ظهر في هذه المنطقة مدينة مركزية، وال حتى في توال

األعماق التي تليها باتجاه دمشق، لتأثير القبائل البدوية

أي نمو حضري يختلف عن الزراعة ضالذي كان يقو

السوق تعتمد على التبادل البسيط والرعي، وألن متطلبات

بشكل ما بين البدو والمزارعين؛ ويظهر النسق الحضري

تجمع بسيط لبعض المستقرات الحضرية الريفية على

القوس الشرقية، يليه تراجع واضح في المستقرات باتجاه

الغوطة، وال تظهر المستقرات بعد ذلك إال ضمن النسيج

.طى والغربيةالحضري الموجود على الجهة الوس

:النسق الحضري في منطقة الغوطة

أجمع من وصفوا الغوطة على األيام أنها قرى

شجراء، وأن فيها قرى كالمدن، وأن أهلها كأهل الحاضرة

إن العمارة المبثوثة : "بعاداتهم وأزيائهم، يقول شيخ الربوة

، وإن هذا ال ...فيها لو جمعت لكانت مدينة عظيمة،

بغيرها أصال، ولوال الغوطة ما كانت دمشق من يوجد

م ]33: 40[".أجمل بقاع العالم الغوطة 65ويوجد في إقلي

ثالثمئة قرية ونيفا، وبها مدن صغار وبلدان تشابه

وهذا يدل على أن الغوطة كانت عامرة ]16: 40[المدن،

66جدا؛ ولكن أصابها الخراب في معظم قراها، وابذعر

تارة لفظة يونانية، يراد بھا كل ناحية مشتملة على عدة مدن: قليماإل 65 وقرى، وقد سميت الغوطة إقليما

.107: كرد علي، ص: عن. وكورة أخرى

".بذعر"القاموس . تفرق وفر : ابذعر  66

21

نسكانها واضمحل ع 67مرانها، وما يشاهد من الدم

.والتالل في أرجائها أصدق شاهد

وتعود تسمية العديد من قرى الغوطة إلى فترات

تاريخية موغلة بالقدم، وقد أرجع الباحثون أسماء العديد

وما قبلها؛ وهناك العديد 68من القرى إلى الفترة اآلرامية

، 69من التسميات الفارسية واليونانية، والرومانية

.70لعربيةوا

وعلى الرغم من العدد الكبير من القرى والبلدات

الموجودة في الغوطة حاليا، يورد محمد كرد علي في

عددا هائال إضافيا من القرى " غوطة دمشق"كتابه

الداثرة، كانت في القرون الخالية قائمة عامرة، ولم يبق

منها إال اسماؤها، تدل أطاللها على مواضعها، يبلغ

ما بين قرية وبلدة وشبه مدينة اموضع 168 عددها

حاضرة، بعض منها بقيت أطالله، ومنها ما أشيد مكانها،

أو وزعت أراضيها على بلدات مجاورة؛ وهذا يدل على

أن الغوطة كانت عامرة بالبنيان والسكان أكثر مما كان

في دمشق؛ وإن تقارب القرى من بعضها برهان على

يما بالقرى والمزارع والقصور؛ اكتظاظ أرض الغوطة قد

تبدلت معالم الغوطة مرات، وما زال القوم كلما "فقد

حفروا في الحقول البعيدة عن مراكز القرى يعثرون على

: 40["دمن، تدل على عمران ضخم، وعلى ثروة وحضارة

؛ وتشير دراسته التاريخية إلى أن الغوطة ال تحتوي ]134

ا صناعية ناتجة عن 71على تالل طبيعية، وجميع تالله

.ئ اآلثار المھترئة بشكل سي : الدمن 67

: عظمى، جسرين: بيت األرز، جرمانا: برزة: (ھناك الكثير من األسماء اآلرامية أو السريانية مثل 68

: مبتاعون، سقبا: الح الملك، سبينةس: دور، زملكا: حفر، داريا: خشنة، حزة: عرج، حرستا: جسور، حجيرة

طبقات : قرية الفرس، مديرة: قرية الجنين، كفرسوسية: عامود، كفر بطنا: غربال، قابون: شيخ، عربيل

القرية بالسريانية، : ، والكفر"كفر"كما تبدأ بعض أسماء قرى الغوطة بـ). ولد: مشرب، يلدا: البناء، مسرابا

.كفر سوسة، وكفر بطنا: منھا

المستطيل : سميت من مكر: مقرا :مثل اك العديد من األسماء التي تعود إلى العھود القديمة،ھن 69

بالقرب من نھر : وبيت ماراس. مسيل النھر بالفارسية: بمعنى التل باليونانية، جوبر: باليونانية، المزة

أغسطس عھد ذيوقلطيانوس ومكسيمميانوس : "جسرين عثر على حجر رقمت عليه كتابة باليونانية

.165: كرد، ص". وقسطيطينوس، بوضع حجر تحدد به قرية بيت ماراس وقرية أناكاس

المنيحة، المحمدية، القدم، عين ثرماء، الحديثة، األشرفية، الخيارة، البالط: من األسماء العربية 70

قرب قرية :بأرض القدم، التل األحمر بأرض القدم، تل الحفارة: أرض التلول، التل: التاللمن ھذه 71

: في أقصى حدود الشرق من أرض المحمدية، تل ھجون: بأرض القدم، تل القردود: الحديثة، تل سوجق

في : أرض المنيحة، أرض التل: بالقرب من الباب الشرقي، تلة البيرة: بالقرب من الكسوة، تلة الباب الشرقي

في : خرائبھا التلول؛ أرض التلةفي أرض حزة، كان محلھا قرية، فأطلق على : عين ثرماء، أرض التلول

.166: ص. كرد علي: عن. زبدين تبعدعنھا مسير ربع ساعة

، وهي عديدة ]161: 40[ركام بلدة أو قرية كانت قائمة

وموزعة في أرجاء الغوطة، وكان في الغوطة عدة قرى

، ومنها ما يزال "القصر"، والمقصود بها "بيت"تبدأ بـ

؛ 74؛ وفيها خرائب كثيرة73؛ والكثير منها مندثر72قائما

بل كانوا مزيجا قرية واحدة اكتفت بسكانها، أن وال يعتقد

من أهل الشرق والغرب، وفي قرية واحدة تجد جاليات

متعددة، نزلوها في أدوار مختلفة وامتزجوا بأهلها حتى

صاروا مثلهم؛ وكان بعض أهل جوبر يهودا، وكان لهم

.]28: 40[كنيس مقدس يزورونه ويقيمون فيه صلواتهم

وفي محاولة إسقاط النسق الحضري للمستقرات في

قة الغوطة استنادا للمراجع التاريخية، يالحظ وجود منط

كثافة كبيرة للمستقرات مما يؤكد على أن زراعتها كانت

موردا أساسيا لسكانها، وال يظهر في وسطها نمو متميز

غير مدينة دمشق، وتظهر على أطرافها بعض المستقرات

المتميزة ألسباب متشابهة تتعلق بتنوع النشاطات فيها،

كن رصد تجمع للمستقرات في الطرف الشمالي ويم

الشرقي لها، وتجمع آخر في الجزء الجنوبي، من أهم

: مستقراتهما ما يلي

ويعتقد أنها تعود لفترات تسبق وجود اآلراميين : دوما

في المنطقة، وأن اآلراميين قد سكنوها بعد ذلك؛ وتشير

بعض الروايات إلى وجود آثار لمعبد الشمس مكان جامع

، وتشير 75دوما الكبير، وأن المعبد كان ملجأ للنبي إلياس

قد سكنوها 76المراجع التاريخية إلى أن العرب الوافدين

خالل الفترة الرومانية، وأن المعبد تحول لكنيسة ودير

دومايونا، في بداية الفترة البزنطية، وترتبط : باسم

؛ ويعتقد أن االسم يعود في دمشقبالتاريخ مع مدينة

.بيت سوا، وبيت سحم: مثل قائم 72

كانت حاضرة ھامة، وھي تلة شرقي جرمانا، : غربي الصالحية، بيت اآلبار: بيت أبيات: مثل المندثر 73

جنوب جرمانا، : ر قرية قرب جرمانا، بيت قوفاأو ساب: أو أرانس على طريق عقربا، بيت سابا: بيت رانس

بغداد القديم، يقوم عليھا المستشفى اإلنكليزي في القصاع؛ شارع أو أالھية، بلدة كبيرة، على طريق: بيت لھيا

.جنوبي دوما: شرق جنوب دوما؛ بيت وانة: بالقرب من نھر جسرين؛ بيت والي: بيت ماراس

شمالل حرستا البصل، على بعد مسير ساعة عنھا باتجاه الجبل، خرائب عظيمة تقع: منھا، األرجام 74

.القبر، والغالب أن األرجام كانت مقبرة قرية كبيرة كانت إلى جانبھا: والرجم

، فنفي إلى ة في بعلبكإسرائيل، حارب العبادات الوثنيبني ق م من أنبياء 853) إيليا(نبي : إلياس 75

لليھودية، وكان كنيسھا مقرا سكن جوبر، وكانت قرية جوبر مركزا و مشقصيدا في لبنان، ثم نزح إلى د

.اليشاع للنبي إلياس وتلميذه النبي

وھم من بني ربيعة بن تميم، يؤيد ھذا ما ورد في كانت قرية دوما آنئذ مركزا لبني تغلب القيسيي،ن 76

".دومة تغلب ابنة وائل يقال لھا قرية بني: "كتاب تھذيب ابن عساكر للعالمة عبد القادر بدران، حيث قال

22

السكون : ، ومعنـاهDUMAHاألصل إلى اللغة الفينيقية،

ما، قد واالحتمال اآلخر حول تسمية دو والراحة؛ والهدوء

77يكون من الالتينية، نسبة إلى اسم الملكة جوليا دومنا

ابنة حمص التي اشتهرت بجمالها، وكان والدها كاهنا

معبود أهل حمص، وقد يعود ذلك الرتباط هذه لللشمس و

.البلدة بالطريق التجارية المؤدية مباشرة إلى مملكة أبيها

ة تقع على الجهة الشمالي الشرقية من أطراف الغوط

في موقع جغرافي متميز، يسهل الوصول إليه من

األرجاء، على تخوم البادية، وعلى مقربة من منطقة منين

غربا، وتبسط نفوذها على المستقرات الموجودة حولها

مثل حرستا وجوبر ومسرابا وغيرها، تصلها القوافل عن

الطريق القادمة من الشرق من منطقة حماد الضمير عن

من المستقرات الكبيرة وكانت مقصدا طريق عدرا؛ وهي

لما حولها، وتعد مركز الغوطة من جهة الشرق؛ ويشير

، الذين 78تنوع األديان ووجود نفوذ واضح لليهود فيها

في أعمالهم، إلى كانوا يعتمدون على التجارة واإلقراض

تجاريا قويا، يتم فيه استقبال القوافل ىأنها كانت ملتق

المياه، وكانت سوقا للبدو؛ وغالبا ما وتزويدها بالمؤن و

كانت تتمتع باستقاللية نسبية من خالل توضعها

الجغرافي، وكانت على عالقة جيدة مع السلطة في تدمر،

. وتتصل بشكل مباشر مع برزة، ومنها إلى دير مران

بلدة تعود نشأتها إلى ما قبل الميالد، وتشير : داريا

ألقل للفترة اآلرامية، واالسم تسميتها، إلى أنها تعود على ا

الدور؛ : دار، وتعني تسميتها: مشتق من الجذر اللغوي

وتقع داريا في الجزء الجنوبي الغربي من الغوطة، تبعد

ني سيبتيموس سيفيروس زوجة القيصر الروما حمصمن مدينة سوريةأو يوليا دومنا : جوليا دومنا 77

م، 217عام أنطاكيةوگيتا، فارقت الحياة في م)217 - 211(م، ووالدة القيصر كاراكال )211 -139(

، لعائلة من االسياد في ةفي سوري حمصمدينة م، في 170م أو 166يرجح أن والدتھا كانت في العام

حيث كان والدھا، يوليوس باسيان، الكاھن األعظم ) أيل الجبل(جبل لالمدينة تتوارث كھنوت عبادة اإلله إل ا

.ةلھذه العبادة في حمص وفي اإلمبراطورية الروماني

أقام اليھود مجتمعھم في قرية جوبر المالصقة لمدينة دوما، وظلوا فيھا إلى ما بعد القرون الوسطى، 78

مذكرات "وبقي بعضھم الى القرن الثامن عشر، فانتقلوا إلى دمشق؛ وصف الفرنسي جان تيفنو جوبر في

قرية تسمى جوبر تبعد عن ويجدر بالمرء أيضا الذھاب إلى: "، قائال )م1668-1655" (رحلته إلى الشرق

المدينة نصف فرسخ وھي ليست مأھولة إال باليھود وفيھا لھم كنيس تشاھد بأقصاه مغارة إلى الجانب األيمن

: ويقال. تبلغ مساحتھا أربعة أقدام مربعة والداخل إليھا ينزل عبر فتحة في سبع درجات منحوتة في الصخر

من مطاردة الملكة إيزابل له؛ ويشاھد في المغارة أيضا إن ھذا المكان ھو الذي اختبأ فيه النبي إ يليا ھاربا

شمس الدين العجالني، يھود دمشق : عن". الثقب الذي كانت الغربان تمد إيليا منه بقوته خالل أربعين يوما

.الشام

كم، وهي من أكبر مدنها، ويشار في 8عن دمشق حوالي

إلى أنها كانت عاصمة الغوطة الجنوبية، ]8: 28[تاريخها

وكانت داريا سابقا مركزا يستقطب جميع قرى وبلدات

،ببيال، يلدا، بيت سحم: ومدن الغوطة الغربية مثل

السبينة، نجها، جمرايا، وغيرها؛ تتصل مع منطقة دير

مران عن طريق المزة وتصل إلى دمشق المدينة عن

الجنوب لتستقبل طريق طريق كفر سوسية، وتنفتح على

القوافل القادم من بترا وشرقي األردن وفلسطين وشبه

الجزيرة العربية وسيناء، وهي المحطة الرئيسية للخروج

من منطقة دمشق باتجاه الجنوب، وكانت على عالقة جيدة

بالممالك التي تنفذ إليها قوافلها، وخصوصا مع األنباط

عها، وال يوجد في الذين كانوا على اتصال شبه مباشر م

.محيطها ما ينافسها، وتقع على أرض زراعية منبسطة

:المحاكاة اإلجرائية لنشأة مدينة دمشق

ولتأكيد نتائج الفقرات السابقة من خالل تحليل أجزاء

المجال المكاني استنادا لنظريات نشأة المدن القديمة، نجده

امة يستجيب ظاهريا لجميع متطلبات نشأة مدينة كبيرة ه

في العديد من المواضع الموجودة فيه؛ وتتطابق تماما مع

بشقيها ]58: 31["مواقع االنقطاع"نشأة المدن بتأثير نظرية

:الطبيعي والحركي، على الشكل اآلتي

وهو المكان الذي يحدث عنده تباين : االنقطاع الطبيعي

طبيعي، أو تغيير التشكيل الطبيعي كالعالقة بين الماء

أو السهل والجبل، أو الصحراء والمناطق واليابس،

الزراعية؛ وهي مواقع متميزة تساعد على تكوين

التجمعات العمرانية المقترنة بالعناصر الطبيعية، ويدخل

ضمنها مواقع رؤوس المالحة عند انقطاع المرور على

اليابس وبدء االنتقال المالحي؛ ومواقع المصبات عند

ء المالحة البحرية، أو عند انقطاع المالحة النهرية وبد

مواقع ملتقى األنهار، أو مواقع المعابر عندما يضيق النهر

ويسهل عبوره، أو على أطراف البحيرات والمسطحات

المائية؛ وتنطبق النظرية على مناطق إلتقاء المناطق

الصحراوية القاحلة مع مناطق الواحات والمناطق

23

طبق على نهاية كل الزراعية والمشجرة الغنية بالمياه، وتن

الطرق المؤدية إلى المنطقة الجبلية ألن الجبال تفرض

االنقطاع الحركي لوعورتها، وتنشأ المدن عند أقدام

الجبال، أو في مقدمة عنها وداخلها لتمثل نقاط تجمع عند

انقطاع الحركة األفقية وبدء الحركة الرأسية؛ وهناك

والكشف مواقع المراحل الخاصة بالراحة والتموين

دودها عند كي، مثل قيام المدن والقرى على حالجمر

]61: 31[.الطريق البري الموصل بينها

ويشمل انقطاع مسار القوافل : االنقطاع الحركي

التجارية المقترن باختالف الطرق وتعددها؛ وتتضح

العالقة بين التجمع والطريق من حركة الناس والبضائع

مع العمراني ونموه، وترتبط ألنها أهم عوامل نشأة التج

ي تحول أو اندثار ألالنشأة ارتباطا قويا بالطرق وأي

منهما يؤدي إلى مصير مختلف؛ وبشكل عام، فإن مواقعها

تقترن بعدد من االنقطاعات، كأن ينقطع مسار طريق

بري بظهور عائق جغرافي، أو عند تغيير االتجاه مثل

أو عند تباين في اإلنتاج تالقي الطرق أو عند تقاطعاتها،

والمقومات االقتصادية؛ ويمكن أن تنشأ المدن والبلدات في

ستراحات ينية على مراحل من الطريق مثل االالمواقع الب

]93: 25[.ومراكز التموين وتغيير وسائل النقل

ويمكن التأكد من تحقق شروط كثيرة لنشأة مدينة في

ي العديد من هذه المنطقة بشقيها الطبيعي والحركي، ف

المستقرات، إال أن أهمها كانت برزة أو دير مران على

سفح جبل قاسيون بسبب توضعهما الجغرافي المتميز على

مناطق تماس الغوطة مع الجبل، وألنهما على مفاصل

االتجاهات، وإلشرافهما المباشر على بدايات الطرق

التجارية، ولسهولة الوصول إليهما، مع وجود إمكانية

ين المدينة بشكل جيد، والستقاللهما المائي نسبيا، تحص

وألنهما تشرفان على منافذ المياه الداخلة على المجال

المكاني بأكمله، وتتميز دير مران بقدر كبير لسيطرتها

ن يعلى توزيع كميات مياه نهر بردى، وألنهما غير مشيدت

على أراض زراعية، ولقربهما من أماكن توفر مواد

ولوجود إمكانية لتوسعهما على السفوح الجرداء البناء،

الصلبة، بعيدا عن استهالك األراضي الزراعية وصعوبة

التأسيس عليها؛ وفي فترات سابقة على ظهور دمشق،

استمرت كل منهما بتأدية دور مدينة مركزية ضمن نسقها

الحضري بشكل رئيسي ومركز طرفي بالنسبة لكامل

إحداهما السيطرة على النظام المجال؛ ويعزى عدم تولي

الحضري في منطقة دمشق، إلى عدة أسباب منها ما

يتعلق بالميثولوجيا القوية للمكان المقدس في دمشق، ومنها

ن يما يتعلق بالنفوذ الخارجي على كل من المنطقتين اللت

كانتا على تنافس شديد بسبب اختالف النفوذ المسيطر

.عليهما

ل من دوما وداريا وتظهر في طرفي الغوطة ك

كمستقرات مرشحة بدرجة أقل من برزة ودير مران،

لتكون إحداهما مدينة مسيطرة على النسق الحضري في

المجال المكاني لكامل المنطقة ألسباب عديدة ذكرت؛ وال

يظهر في المنطقة الشرقية أية مستقرة مهيئة لتكون مدينة

.مسيطرة

مواقع مأما وال ينال موقع دمشق الكثير من النقاط

برزة ودير مران ودوما، وهذا ما يشير إلى أن اختيار

موقع دمشق لم يكن يوما اختيارا جغرافيا محققا، ولم تغد

بنموها لذلك؛ وتجدر اإلشارة إلى أن المدن األربعة كانت

تتصل فيما بينها بطريق محيطية، دون الحاجة للمرور

؛ وبالرغم بموضع دمشق، يقع معظمه على جبل قاسيون

من أن دمشق كانت في موضع مركزي من المدن األربع،

إال أن ذلك ال يثبت أنها كانت منافسة في السكان

والنشاطات، بل على العكس، فإن ذلك يؤكد أن دمشق

كانت مركزا مقدسا، فالموقع يقع ضمن اعتبارات األماكن

ارية لكامل المقدسة، ومكانا للعبادة وإجراء التبادالت التج

التجمعات المنتشرة في محيطه، ويعتقد أن المكان كان

بإشراف ممثلين عن هذه األطراف المتعايشة، ويمكن أن

يكون فيه مقار للكهنة التي تخدم اآللهات المتعددة الخاصة

بكل طرف، وغالبا ما كانت حماية الحصن تتم بجهود

أو أنها مشتركة من المدن األربع، أو أنها كانت بالتناوب،

كانت لألقوى بحسب أهميتها وسطوتها، وكان من المتعذر

24

أن يبني أحد في هذا المكان ألنه يقع ضمن أمالك المعبد،

فاإلقامة فيه تعني أنه قد سيطر على المجال المكاني

للمنطقة، وهذا ما يالحظ خالل الفترات المتعاقبة من

.اآلرامية إلى الرومانية

اسات إمكانية استقراء نشأة ورغم تقريظ بعض الدر

مدينة كبيرة في موقع مدينة دمشق في فترات مبكرة

معاصرة لنشأة المستقرات األربع، إال أن مزيدا من

التحليل يمكن أن يوضح جوانب هامة كانت عائقا كبيرا

في نشأتها بموقعها الحالي تحديدا، فالمدن يمكن أن تنشأ

:بحالتين

لتجمع عمراني سابق، على أن تكون امتدادا: عفوية -1

أن تطور المؤثرات المختلفة تفرض تدرجا افتراض

حاصل، وقد أرجع هو وما قائم هو ما بين مستمرا

الباحثون نشأة المدينة في هذه الحالة إلى نظريات

من الخطوة األولى التي تبدأ ]40: 36[نشأة المدينة

بسكنى الكهوف، ثم األكواخ، فالمساكن وتشكل

رى، والمركز الظهير لعدة قرى، فالمدينة؛ والتي الق

تسير جنبا إلى جنب مع نظرية التكون االقتصادي

المبنية على المصالح المشتركة وتبادل الخدمات

وتوزيع األدوار، وظهور مستقرات مسيطرة على

النظام الحضري تجاريا وعسكريا ودينيا؛ وبشكل

موقعها عام تتمثل النشأة بنمو قرية متميزة ب

الجغرافي لتصبح مدينة؛ وهذا مالم يرصد بدمشق

بنسبة كافية، كما ظهر في برزة ودير مران ودوما

.وداريا

أن تكون إحداثا مبدعا نتيجة حدث تاريخي : مبدعة -2

طارئ ومتميز وقرار سياسي مدعوم بالقوة

العسكرية، استنادا لمفهوم المدينة الدولة؛ مدينة تبدأ

موقع استراتيجي جديد، أو أن تكون بخطة يختار لها

في مكان بلدة أو قرية سابقة، وتكون ذات مواصفات

تخطيطية مدروسة ومتميزة، تحمل في بداياتها هوية

ثقافية محددة؛ تنشأ هذه المدن بعد فتوح البلدان، أو

عند توسع الممالك على أراض جديدة وزيادة نفوذها،

.ختيارهمن ويستوطنونها بايويكون سكانها مختار

وهذا مالم يتوفر في دمشق، ألنها لم تكن مدينة خالل

، أو دولة Policy: عصر دويالت المدن ضمن مفهوم

التي تعني حكم مدينة لحيز مكاني City Stateالمدينة

محيطي يتراوح ما بين الريف المحيط، والسيطرة على

عدة مدن، وصوال إلى السيطرة على إمبراطورية

ولم يذكر التاريخ أن دمشق كانت مقرا ]78 :15[مترامية؛

حكمها؛ كما عرف سياسيا أو حلفا لعائالت يدير نوابها

بين المناطق الدينية التي ترتبط عن القدماء فصلهم

بمواسم العبادات واالحتفاالت الدينية والمواكب

ومراسمها، والمناطق الدنيوية التي يسكنونها ويمارسون

اتهم االجتماعية، وهذا ما تؤكده فيها نشاطاتهم وعالق

األخبار عن تميز موقع دمشق بالقدسية الدينية دون

.الدنيوية في مراحلها المبكرة

الذي City: ويجب التفريق بين المفهوم العام للمدينة

يعبر عن توافر مجموعة من مكونات تجمع سكاني من

أبنية وخدمات ومرافق وإدارة وغيرها من المقومات،

لمدينة ضمن المفهوم األوسع ويسجل التاريخ أمثلة وبين ا

كثيرة من حاالت الدولة المدينة المفهوم في بالد الشام،

كانت صورتها في إطار منطقة مستقلة تتركز فيها

األنشطة السياسية والثقافية في مركز حضري واحد

يحكمها قائد؛ والنموذج األعم لهذا النموذج كناية عن

نة المسيطرة، تتبعها المدن الصغيرة دويلة نواتها المدي

أنها التنظيم السياسي "والقرى المجاورة لها، أو

واالجتماعي الموحد إلقليم محدد يمكن أن يشمل مدينة أو

وأكثر األمثلة داللة على ذلك مدن الممالك . ]81: 7["أكثر

م، .العديدة المنتشرة في سورية منذ مطلع األلف الثالث ق

وكانا، وحلب يمحاض، ،غاريتوال، وأأهمها ماري، وإيب

وغيرها؛ وتجدر اإلشارة إلى استمرار انتشار هذا المفهوم

.جغرافيا وتاريخيا على عموم المنطقة

أضف إلى ذلك، أن الموقع يخرج عن القواعد

والشروط األساسية لبديهيات اختيار مواقع المدن، التي

25

: أهمها فصال خاصا عنها، جعل من 79تروفيوسييفرد ف

أن يكون الموقع مرتفعا، وأن يكون غير ضبابي أو "

متجمد ضمن مناخ معتدل ال بارد وال حار؛ وأال توجد

مستنقعات في ضواحي الموقع، ألن النسيم الصباحي

المحمل بالضباب القادم منها يكون ممزوجا بأنفاس

مخلوقات المستنقع، فيستنشقه السكان، فيجعل موقع المدينة

الذي يمكن أن يوفر الكثير "، ويؤكد على المحيط "سدافا

إضافة للطرق , من المواد الغذائية لبقاء حياة المجتمع

الجيدة أو األنهار المالئمة أو الموانئ البحرية التي تؤمن

، ثم يجعل من موضوع "وسيلة سهلة لالنتقال إلى المدينة

ب التأسيس لألبراج والسور من أهم اإلجراءات الواج

مراعاتها عند إحداث المدينة، يؤكد فيه على اختيار

مواضع صلبة مناسبة لعملية البناء ألنها أمنع وأقل

]45: 32[.صعوبة وأقل كلفة

وجوب أن "عند اختيار الموقع 80ويرى ابن خلدون

يراعى فيه دفع المضارب بالحماية من طوارقها وجلب

؛ ]16: 2ج/1["ةالمنافع وتسهيل المرافق والمتطلبات المعين

على أساس توفر محددات طبيعية ومناخية واقتصادية،

في ممتنع من األمكنة، إما "كأن يكون مكان وضع المدينة

على هضبة متوعرة من الجبل وإما باستدارة بحر أو نهر

بها حتى ال يوصل إليها إال بعد العبور على جسر أو

ا ومم"، ]16: 2ج/1["قنطرة فيصعب منالها على العدو

يراعى في ذلك من اآلفات السماوية طيب الهواء للسالمة

والمدن التي لم يراع فيها طيب الهواء ..... من األمراض

؛ وأكد على أهمية ]16: 2ج/1["كثيرة األمراض في الغالب

وقوع المدن على طرق المواصالت والقوافل

]17: 41[.التجارية

، مھندس معماري "Marcus Vitruvius Pallio"ھو ماركوس فيتروفيوس باليو : فيتروفيوس 79

تحت إمرة القيصر في أفريقية، 23م وتوفي عام .ق 70و 80ولد ما بين روماني، حربيا م، عمل مھندسا

؛ واعتزل العمل الرسمي في شيخوخته ليضع أصول "أوغسطس"وشارك في فتح اسبانيا وبريطانيا، في عھد

".الكتب العشرة في العمارة: "أعظم الفنون الرومانية بكتابه المسمى

الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون الحضرمي، مؤرخ ولي: ابن خلدون 80

م؛ 1332/ ھـ732وفيلسوف اجتماعي عربي ينتھي نسبة إلي وائل بن حجر من عرب اليمن، ولد بتونس

شبيلية، ودرس على مشاھير علماء عصره القرآن وعلومه والتفسير والحديث والفقه واألصول، إونشأ في

صاحب كتاب . م1406ھـ الموافق 808منطق والفلسفة والرياضيات؛ توفي في مصر سنةكما درس علم ال

لطان األكبر ( ).العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرھم من ذوي الس

يجب مراعاته في أوضاع أن ما 81يرى ابن األزرق

دفع المضار، وجلب المنافع، ثم : أصالن مهمان"لمدن ا

أرضية ودفعها بإدارة سياج : المضار نوعان يذكر أن

إما على السور على المدينة، ووضعها في مكان ممتنع،

هضبة متوعرة من الجبل، وإما باستدارة بحر أو نهر

العبور على جسر أو قنطرة حتى ال يوصل إليها إال بعد

ى العدو، والنوع الثاني من المضار فيصعب منالها عل

ودفعه باختيار المواضع طيبة الهواء ال ما خبث سماوي

فاسدة، أو منافع منه بركوده أو تعفن بمجاورته مياها

متعفنة أو مروجا خبيثة يسرع المرض فيها للحيوان

.]538: 2["محالة الكائن فيه ال

أشارت الدراسات الجغرافية حول نشأة مدينة دمشق

إلى أن الغوطة كانت عامرة قبل دمشق بزمان، وتؤكد أن

االستيطان فيها سابق لظهور دمشق، وتاريخ الزراعة في

هذه المنطقة يرجع إلى عهود ما قبل التاريخ، وأن

المراكز الحضرية كانت ال تزيد حجما عن بضعة مساكن

ن ع، وال يوجد ما يؤكد أقدمية دمشق أو عدة أكواخ

، عدا المنطقة المقدسة التي تفوق قدما ]127: 26[غيرها

باقي أجزاء المدينة والتي تبعد خمسمئة مترا عن نهر

بردى؛ ومن خالل تحليل مسار نهر بردى وأفرعه وأنواع

التربة وشكل التضاريس في كامل المنطقة، لم يعثر على

مبررات جغرافية أو ميزات في المصادر الطبيعية كانت

موقع مدينة دمشق، خصوصا وأن موقع سببا في اختيار

دمشق بعيد عن مكان التحكم بتوزيع المياه وتحت رحمته

أن المنطقة بأكملها تعتمد على إضافة إلى أو خطره؛

الزراعة، وتقع تحت تأثير موضوع توزيع المياه الذي يتم

من منطقة الربوة الواقعة على مسافة عشرة كيلومترات

ذي كانت تتطلب إدارتها سلطة خارج مدينة دمشق، وال

قادرة على فرض احترامها بين المستقرات المنتشرة في

الغوطة، ويسجل التاريخ خالفات عديدة على توزيع

ھـ، ولد)896 -832(محمد بن علي بن محمد بن علي بن قاسم بن األزرق األصبحي في : ابن األزرق 81

العرب، وتفقه في النحو والمنطق ووعى تفسيره، وحفظ كثيرا من أشعار لقرآنابمالقة باألندلس، استظھر

والفقه، وزاد تفقھه في الفقه المالكي ودرس األدب؛ عين قاضيا لغرب مالقة، وظل ينتقل في عمله القضائي

القضاة بغرناطة، ومكث في القضاء باألندلس، ثم تولي قضاء المالكيةقاضي ويرتقي فيه حتى وصل إلى

.بالقدس الشريف؛ ھو أول من تناول مقدمة ابن خلدون بالدراسة والشرح

26

كميات مياه بردى والتي كان من أثرها اندثار عدد كبير

كما أن التأسيس لمدينة في ]64: 34[؛من المستقرات فيها

من المحاذير مركز المناطق الزراعية الخصبة كان

األساسية بهدف الحفاظ على تآكل األراضي المحدودة

التي يعتمد عليها معظم اقتصاد المنطقة، أما فيما يتعلق

باإلعمار والبناء فأرض دمشق المدينة زراعية لحقية غير

مستقرة تصعب فيها عملية التأسيس، وتتطلب العملية

جهودا مضاعفة عن التأسيس على األراضي الصخرية

والرسوبية، وال يوجد فيها مصادر لمواد البناء، وكان

أقرب موقع لهذه المواد يقع في جبل المزة، ويصعب فيها

التخلص من الردميات واألنقاض الناتجة عن عملية البناء

أو التجديد؛ وهذا ما يرجح أن المكان كان للتعبد وليس

.لإلقامة والسكنى

قامت عليها ولعل المتمعن في طبيعة المنطقة التي

دمشق وتأسست بداياتها فيها، يدرك تماما أنه ليس بالموقع

المالئم من الناحية األمنية إلقامة المدن، فليس في تكوين

األرض المحيطة بالمدينة عقبة طبيعية واحدة جديرة

بصد، أو إعاقة سير، جيش غاز؛ أو مانع يضمن للسكان

]6: 10[.الوقوف بموقف المدافع

نب آخر، ترى الدراسة أن حماية مدينة دمشق ومن جا

تطلب انتشار فرق خيالة سريعة على قوس دائري يطوق ت

الغوطة فيما وراء مستنقعات العتيبة والهيجانة، وهذا ما لم

تطلب تحقيق تيذكره التاريخ إال خالل الفترة الرومانية، و

اإللفة بين المستقرات المنتشرة في الغوطة من جهة،

ع القبائل البدوية في البادية المتاخمة من جهة وتحالف م

أخرى؛ وهذا ما يعني استحالة تمكن السلطة السياسية

واإلدارية والعسكرية من مد النظام اإلداري إلى جميع

األطراف، ومن الدفاع عن دمشق وعن نفوذها في

ها على تطبصورة مطلقة، ولن تستطيع فرض سل الغوطة

دراسة أن السهوب الواسعة تساعد القبائل البدوية، وترى ال

.الغزاة على المرور بعيدا عن مراكز الحراسة والمراقبة

واألبراج واألسوار ال تحمي سوى األراضي القريبة منها،

وترى أن الدفاع عن المنطقة يتطلب قطع كامل الغوطة

للخروج إلى المناطق الجرداء التي تكون مناسبة

]130: 26[.للمعارك

عن مدينة قديمة أنشأت وسط غابة، كما لم يعرف

فجميع مخططي المدن القديمة كانوا يحذرون من إنشاء

المدن وسط المناطق الزراعية والغابات واألراضي

الرطبة، ويرونها مناطق غير صحية ألنها تنشر األبخرة

الضارة على السكان؛ عدا عن أن عبورها من أطرافها

انتظار غير مجدي وال يستغرق مسيرة يوما كامال، وهذا

يمكن قبوله من قافلة متعبة من الطريق، وكان من غير

المعقول دخول جميع القوافل إلى مركز الغوطة والخروج

.منها، ولم يرد أخبار عن طرقات قبل الفترة الرومانية

:دمشق في النسق الحضري

أشار ما سبق إلى ظهور أربع مناطق كان كل منها

رئيسية قبل دمشق، أهمها ما يتوضع مؤهال ليكون مدينة

على سفوح جبل قاسيون القريبة من منافذ المياه، وأن

مواقع األطراف كانت أكثر مناسبة من موضع دمشق

إلنشاء مدينة كبيرة رئيسية في المجال المكاني، إال أنها

أخفقت جميعها بتأثير عوامل خارجية وداخلية قوية، وكان

تضخم تأثير الجانب الديني المقدس إخفاقها المستمر أمام

.لدمشق أهم األسباب في نشأتها ال حقا

وقد عمد البحث تجنب تناول دمشق ضمن النسق

الحضري في فقرات عديدة ألنها لم تكن تمثل مستقرة

سكنية، وال يعني غيابها عدم وجود تأثيرها على كامل

المنطقة، فموقع دمشق يتطابق مع شروط اختيار مواقع

ضرورة مشاهدته عن بعد في منطقة نفوذه، : هياكل مثلال

وسهولة الوصول إليه، والوسط البيئي الصحي،

واإلشراف على مصادر الرزق لمباركتها، وغير ذلك؛

وكان اختيار الموقع مرتبطا ببيئة طبيعية خالبة، ولم

تحتج المعابد إلى تحصينات وحمايات، ألنها كانت تحترم

إلى حد كبير داء، وكانت ترتبطاب حتى من األعوته

بالمكان أكثر من ارتباطها بالسكان؛ ولم تحتج المعابد إلى

أسوار إال عندما كثر عبادها وقوي نفوذها وزاد غناها

27

ومورست نشاطات اقتصادية وثقافية بقربها، وعندها

يحتاج المعبد إلى حماية وإدارة، وتكون السلطة على

وهذا يتفق مع ]149: 6[قوم بها؛منطقة نفوذ المعبد لمن ي

تأخر ظهور دمشق كمستقرة للسكن إلى نهاية الفترة

اآلرامية، ويبرر تأسيسها الحقا على يد الرومان بعيدا عن

.شروط ومتطلبات الموقع الجغرافي

فقد أشارت المراجع التاريخة إلى أخبار للفاتحين،

وحددت مكان إقامتهم إلى جوار المنطقة المقدسة من

دمشق، دون أي ذكر لمالمح استقرار سابقة عليهم، وعليه

يمكن رصد تفوق دمشق ضمن النسق الحضري خالل

مقاطع زمنية محددة تم فيها بناء أجزاء دمشق على

مراحل بقرارات من السلطة المهيمنة على كامل المجال

المكاني لدمشق، ولم تخضع لشروط النشأة والمراحل التي

تقرات، مرت بها باقي المس

رغم أن األخبار الملحمية ما قبل التاريخ أشارت إلى

بناء دمشق من قبل عدد كبير من الشخصيات الهامة منذ

بداية التاريخ، إال أن تحليل هذه األخبار يوصل إلى أن

االهتمام كان ينصب على المنطقة المقدسة تطبيقا

لميثولوجيتها الطاغية على من يقوم بإعمارها وتحصينها،

وتعظيم قدسية المكان بإشادة بوابات عظيمة أو جدران

" البناء"دون أي ذكر ألبنية أخرى؛ وال يمكن فهم فعل

على أنه بناء مدينة؛ بل كان المقصود جدران السور

المربع الذي يميز أسوار المعابد عن أسوار المدن الدائرية

. أو اإلهليلجية

المنطقة وكانت النصوص والرسائل القديمة تشير إلى

وليس إلى المدينة، ولم تتضمن المراسالت اسم حاكم

لدمشق؛ وال يعتقد أن التاريخ أغفل ذكر مدينة دمشق قبل

اآلراميين، وال توجد دالئل أثرية على الفترة اآلرامية

ولكن أخبارها تشير إلى بناء معبد عظيم مسور وحي

سكني غير منظم للوافدين الجدد، ويشير صمود دمشق

أكثر من مئة هجمة آشورية خالل الفترة اآلرامية إلى أمام

قوة المستقرات المنتشرة في الغوطة، وال تنال دمشق من

األخبار خالل الحكم البابلي إال مهاجمة نبوخذ نصر

لغوطتها وحرقها وإبادتها؛ وتأتي المرحلة الثانية من تشكل

حيا هامدينة دمشق خالل الفترة اليونانية، عندما أقاموا في

خاصا بهم بصيغة مستوطنة عسكرية إلى جانب المعبد،

اعتمد تخطيطه على مالمح مدنهم وربطوه مع المعبد،

متجاهلين العمران القائم ولم يقوموا بتأسيس مدينة

متكاملة؛ وتتوسع دمشق حيا آخر خالل حكم األنباط،

وتولد مدينة دمشق خالل الفترة الرومانية بعد تحسين

ء أسواره وأسواقه، واختطاط الشوارع الرئيسية المعبد وبنا

وبناء المسرح وتسوير المدينة وفتح قنوات جديدة لمياه

.الشرب والصرف

وفي المراحل جميعها كانت دمشق حالة خاصة،

فمالمح المدينة كانت تتضح من قلعتها ومعبدها ومخازن

غاللها وسورها، إضافة إلى جوانب اجتماعية تفرض أن

كانها من طبقات الجنسية الحاكمة، وسدسها يكون نصف س

من العبيد، والباقي ممن يعتبرون أجانب عنهم، وهذا ما لم

يرصد في دمشق إال بشكل متواضع في تواريخ متقدمة

.من الفترة الرومانية

وال يمكن اعتبار دمشق من المدن المشادة بالتأثير

تشاد الديني، كما في المدن السومرية والبابلية التي كانت

بقصد العبادة، والتي كانت تضع معبدها في مركزها

بشكل مخطط ومسبق، فدمشق تجمعت أجزاء حول

معبدها، وتاريخ نشأتها يوضح أنها كانت مكانا إلقامة

الفاتحين، تشكلت وفق تتاليهم، وال يوجد ما يوضح أن

دمشق كانت تمتلك مقومات مدينة قبل الرومان، وال يوجد

جهود السكان المحليين في إنشاء المدينة أو ما يشير إلى

إحداثها أو توسيعها؛ بل كان من الجلي أن السكان األقدم

تواجدوا بقوة في المستقرات المنتشرة في المجال المكاني

حولها؛ ولو استبعد التأثير الديني للمكان المقدس في

دمشق لما كانت حاضرة المنطقة فيها، ألن المستقرات

ت سابقة عليها في النشأة والتكوين، وكانت المحيطة كان

أفضل في الموقع الجغرافي، ولكنها فشلت في منافستها

للثقل الديني من جهة والستقرار القوة الحاكمة فيها،

28

يضاف إلى ذلك تبعية القوة االقتصادية للجانبين الديني

.والسياسي

دمشق لم تكن مدينة مبدعة بالشكل نإويمكن القول

ألن نشأتها لم ترتبط بحضارة معينة، وال يمكن الكامل

تطور من قرية لبلدة تتصنيفها مع المدن العفوية، ألنها لم

فمدينة؛ هي حالة خاصة، خالفت معظم القواعد

والنظريات العلمية لمواقع المدن ونظريات نشأتها؛

فرضت وجودها بتأثير قدسيتها؛ واستغرق ظهورها،

، من بداية بنائها على يد حسب الروايات التاريخية

اآلراميين، إلى تسويرها أيام الرومان، وهذا ما لم

.تستغرقه مدينة بالتاريخ

:الخاتمة

82؛"إن دمشق هبة نهر كريزورواس: "يقول إيكوشار

إال أن األصح دمشق هبة ميثولوجيتها، واالستقرار في

غنية المنطقة بأكملها كان بتأثير مياهها الوفيرة وغوطتها ال

إن تاريخ مدينة دمشق ال يكفي : وجبلها؛ ويمكن أن يقال

لتبرير نشأتها، وال بد من التعمق في التاريخ الموازي

لمحيط دمشق، في قاسيون وجهات الغوطة الثالث،

فالجبل والغوطة لم يضفيا جماال ورونقا على المدينة

وحسب، بل هما األساس في استقرار السكان وتشكل

حضري في المجال المكاني، وهذا ما يتالقى مع النسق ال

محتوى اإلشكالية، وتتحقق أهداف البحث من خالل نتائجه

:اآلتية

يتألف المجال المكاني لمنطقة دمشق من ثالث مكونات -

جبل قاسيون، الغوطة، المنطقة : جغرافية واضحة، هي

شبه الجافة في الشرق؛ تمايزت فيما بينها مناخيا

.احتضنت المستقرات مرحلياوطبوغرافيا،

خضع المجال المكاني لتأثيرات محيطية إقليمية تعلق -

أغلبها بالسيطرة على طرق القوافل التجارية، أتاحت

مقدمة واستعراض المدينة القديمة من خالل : أحد أسماء نھر بردى، أورده إيكوشار في: كريزورواس 82

/ 13و 12فة، فرع دمشق، نقابة المھندسين السوريين، ندوة دمشق القديمة، المخططات التنظيمية المختل

.331: ص. 1982/ نيسان

توليد نفوذ غير مباشر إلى داخل المجال المكاني بسبب

عة أجزاء، المصالح المتبادلة، وجعلته منقسما إلى أرب

صلة إليه؛ فالشمال الطرق المو ذتعلق ثالثة منها بمناف

الشرقي من تدمر إلى دوما، والغربي من بعلبك إلى

دير مران والربوة، والجنوبي إلى داريا، أما الجهة

الشرقية فكانت تحت تأثير القبائل البدوية، وكانت

.األجزاء األربعة تلتقي في تقديس دمشق المعبد

تبوأ سكان المنطقة عمرانها، واشتغلوا بالزراعة -

لمواشي بشكل أساسي، وتوزعوا مكانيا في وتربية ا

سكان الضواحي على الحدود الواقعة : ثالث مجموعات

في المناطق شبه الصحراوية على تخوم الغوطة،

وسكان المناطق الواقعة تماما على الحدود الفاصلة ما

بين الغوطة والجبال أو األراضي الجرداء؛ سكان

على شكل منطقة الغوطة، داخل المناطق الزراعية

. تجمعات زراعية

أظهر النسق الحضري في المجال المكاني أن بدايات -

السكن في المنطقة كانت في كهوف المرتفعات الجبلية

المحيطة بالمجال المكاني، وخصوصا جبل قاسيون،

وبدأت المستقرات بالتشكل بعد النزول من المرتفعات

ن، إلى سفوح جبل قاسيون، وصوال إلى جوار البحيرتي

وظهرت خالل هذه الفترة تجمعات هامة في برزة

ودير مران مع الربوة، وتل أسود وتل الغريفة وغيرها

.من التالل األثرية

أظهر النسق الحضري تراجع سكن منطقة البحيرتين -

وتحول معظم سكانها إلى بدو رحل، مع استمرار

االستقرار في سفح جبل قاسيون والنتقال بالتدريج إلى

غوطة، وتظهر دوما مسيطرة في شمالها داخل ال

.الشرقي، وداريا في جنوبها

29

أشار النسق الحضري إلى ظهور أربعة مدن مهيأة -

لتكون إحداها مدينة مسيطرة على المجال المكاني؛ قبل

.تشكل مدينة دمشق

الموضحة في ،أكد البحث أن مواقع المدن األربع -

ط كانت تتوافق بتمايز مع شرو، )7(الشكل رقم

، وكانت كل يار مواضع المدن القديمةتومحددات اخ

منها مرشحة لتعلو قمة هرم المستقرات الحضرية في

.المجال المكاني

تظهر المحاكاة اإلجرائية لنشأة دمشق ضمن النسق -

الحضري المتشكل على المكونات الجغرافية للمجال

:ما يليالمكاني

كانت أفضل المناطق لنشأة مدينة مسيطرة هي •

وقد ،)1-7(الشكل رقم فح جبل قاسيون،س

فيها برزة ودير مران بسبب تحصنهما تتميز

بالجبل، ومتانة األرض وتوفر مواد البناء،

وإمكانية السيطرة على منافذ المياه، واإلطاللة

المشرفة على المجال، والتحكم بمنفذ تجاري هام،

.وسهولة الوصول إلى أرجاء المجال المكاني

وما وداريا بالدرجة التالية لالستجابة أتت مواقع د •

للشروط والمحددات الخاصة باختيار مواضع

ويعود سبب ، )3-7(و) 2-7(الشكالن المدن،

ذلك إلى موقعهما على المنافذ التجارية ولسهولة

الوصول إليهما، وربطهما مع جبل قاسيون بطريق

محيطي عليه، ولنوعية األرض وقرب توفر مواد

.البناء

م رصد أية ميزات جغرافية أو اقتصادية يمكن لم يت •

أن تبرر سبب اختيار موقع دمشق لتكون المدينة

.المسيطرة

كانت دمشق مركز النسق الحضري بتأثير ديني •

مقدس، ولم تكن مركزا حضريا؛ ولم تكن مدينة

حتى العصر City Stateبمفهوم دولة المدينة

.األموي

ق في نفوذه نشأت دمشق بتأثير ديني مقدس تفو •

على المجال المكاني، فاستقطب األمم والشعوب

من خارج حدوده؛ وكانت السيطرة عليه تعني

.سقوط كامل المنطقة

.توزع المدن الرئيسية في المجال المكاني) 7(لشكل ا

30

دمشق لم تبدأ إلى أن ) 8(يشير الشكل رقم •

تاريخ تشكل بالظهور إال في فترات متقدمة من

، ولم تكن في موقع منافسة مستقرات الحضريةال

حضرية ضمن النسق الحضري؛ ولم تكن من

المدن المبدعة في نشأتها، وكانت عفوية في

مراحل تشكلها من العهد اآلرامي إلى اليوناني،

والنبطي، فالروماني؛ حيث عمل الرومان على

إبداع أحيائها كمدينة من خالل التنظيم وإنشاء

ة وشق الطرق وتقديم الخدمات المباني العام

.وتسوير المدينة

•

.ظهور دمشق في النسق الحضري) 8(الشكل

يمكن قبول التدوينات التاريخية عن أخبار نشأة

دمشق، في مرحلة الحقة على البحث عن حقائق تتعلق

في أسبقية السكان وعبقريتهم في صناعة مثيولوجيتهم

وا على شكل وسطاء الخاصة بالمكان المقدس، وأنهم كان

غير مرئيين ما بين اآللهة واألديان واإلنسان، وأنهم

زرعوا الغوطة وأنشاؤوا المستقرات الحضرية فيها، ولم

يأخذوا الحضارة من غيرهم؛ وكانت الحضارات تأتي

لتحتك بمعرفتهم، وتزاحمهم على آلهتهم لينهلوا قدسية

.منها

مون ورغم أن النتائج في ظاهرها تتفق مع المض

أهمية بالتاريخي للروايات، إال أنه كان من الواجب التنويه

المحيط، خصوصا وأنه مندثر المعالم، أو يكاد؛ وال يصح

عزل دمشق عن هذا المحيط واعتباره ظال غير مرئي،

.وأنه غير موجود وال حتى على هامش الرواية

ونظرا لضيق المساحة المحددة للباحث في تناول

لواحد، يقترح البحث التعمق في دراسة محيط الموضوع ا

مدينة دمشق والتفتيش عن دور للسكان األصليين فيه من

خالل عدة أبحاث تالية، فال يعقل قبول ذكر بناء دمشق

.منسوبا إلى فترات استعمارية

وعلى هذا، يوصي البحث بدراسة المناطق المنوه

ربوة عنها حسب أهميتها، خصوصا منطقة دير مران وال

والطريق الواصل إلى بعلبك، على اعتباره مسارا مقدسا

؛ وتأتي بعد هليوبوليس بعلبكو، يصل بين بارثينون دمشق

ذلك منطقة برزة والمحور الواصل إلى حمص؛ ومنطقة

.دوما والمحور الواصل إلى تدمر

31

:مراجع البحثعبد :، تـالمقدمةابن خلدون ولي الدين عبد الرحمن بن محمد، ] 1[

.2004، دار يعقوب، دمشق، 2ج/1اهللا الدرويش، ج

القاسم علي بن الحسن بن هبة اهللا بن عبد اهللا الشافعي وأب] 2[

تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية المعروف بابن عساكر،

: ، تـمن حلها من األماثل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها

-1951العربي بدمشق، صالح الدين المنجد، المجمع العلمي

2006.

، الدار بدائع السلك في طبائع الملك، زرقعبد اهللا ابن األ وأب] 3[

.2006العربية للموسوعات، بغداد،

تاريخ بالد الشام من ما قبل اإلسالم حتى بداية إحسان عباس ، ] 4[

، العصر األموي دراسة سياسية اجتماعية اقتصادية فكرية عسكرية

.1994والطباعة، دمشق، للنشر والتوزيع، دار دمشق 1ط

، 1، طمعالم دمشق التاريخيةأحمد اإليبش وقيبة الشهابي، ] 5[

.1996منشورات وزارة الثقافة دمشق،

، مكتبة األنجلو تاريخ تخطيط المدنأحمد خالد عالم وآخرون، ] 6[

.1993المصرية، القاهرة،

، دار هومة للغربالفكر السياسي من الشرق أحمد سليم قاللة، ] 7[

.2005للنشر والتوزيع، الجزائر،

، دمشق في دوائر المعارف العربية والعالميةأحمد غسان سبانو، ] 8[

سلسلة دراسات ووثائق من تاريخ دمشق والشام، دار الكتاب العربي،

.1980دمشق،

مكتشفات مثيرة تغير تاريخ دمشق القديم أحمد غسان سبانو، ] 9[

سلسلة دراسات ووثائق دمشق الشام، دار قتيبة، ، إرم ذات العماد

.1985دمشق،

: حوض دمشق بين األمس واليومأحمد فرزت طرقجي، ] 10[

، من منشورات الموقع اإللكتروني بيئية اجتماعية دراسة جغرافية

.2008للمديرية العامة لآلثار والمتاحف، سورية، دمشق،

ر الفكر، دمشق، ، دا2، طعشائر الشامأحمد وصفي زكريا، ] 11[

1983.

، لجنة التأليف 1، طتاريخ اللغات السامية إسرائيل ولفنستون،] 12[

.1929والترجمة والنشر، مطبعة االعتماد، القاهرة،

مقدمة واستعراض المدينة القديمة من خالل إيكوشار، ] 13[

، فرع دمشق، نقابة المهندسين المخططات التنظيمية المختلفة

.1982/ نيسان/ 13و 12شق القديمة، السوريين، ندوة دم

، ستراتيجيةالجغرافية السياسية والجغرافية االبيير سيليرييه، ] 14[

.1988، دار األهالي، دمشق، 1عبد الكريم، ط أحمد: تـ

للطباعة، مؤسسة فرانكلين تطور الفكر السياسيجورج سباين، ] 15[

. 2002، نيويورك، الواليات المتحدة األمريكية، 4والنشر، ط

لينا موفق : ، تـدمشق عبر العصورجيرارد دو جورج، ] 16[

.2008، دمشق، 1دعبول، دار قتيبة للنشر والطباعة، ط

: الشرق العربي القديم وحضارتهحلمي محروس إسماعيل، ] 17[

، مؤسسة شباب بالد مابين النهرين والشام والجزيرة العربية القديمة

. 1977 الجامعة،

موسى ديب : ، تـالديانات السورية القديمةو، رنيه دوس] 18[

.1996، دمشق، 1الخوري، األبجدية للنشر والطباعة، ط

عبد الحميد : ، تـالعرب في سورية قبل اإلسالمرنيه دوسو، ] 19[

.1985، بيروت، 2الدواخلي، دار الحداثة، ط

، مكتبة أسواق العرب في الجاهلية واإلسالمسعيد األفغاني، ] 20[

.1996لعروبة للنشر والتوزيع، الكويت، دار ا

، بالد الشام في عصور ما قبل التاريخسلطان محيسن، ] 21[

.1989، دمشق، 1األبجدية للنشر، ط

، مجلة من المستوطنة إلى المملكة: دمشقسلطان محيسن، ] 22[

.2008جامعة دمشق، العدد الخاص بدمشق عاصمة الثقافة العربية،

، فرع دمشق، بيئة الهندسية لمدينة دمشقالشبلي الشامي، ] 23[

/ نيسان/ 13و 12نقابة المهندسين السوريين، ندوة دمشق القديمة،

1982.

رض دراسات في تاريخ جنوب الناس واألصالح الحمارنة، ] 24[

، دار الينابيع للنشر بالد الشام في القرون الثالثة الهجرية األولى

.1991والتوزيع، عمان،

، دار صفاء للنشر 1، طجغرافية المدنس الهيتي، صبري فار] 25[

.2010والتوزيع، عمان، األردن،

، مدينة دمشق دراسة في جغرافية المدنصفوح خير، ] 26[

.1969منشورات وزارة الثقافة واإلرشاد القومي، دمشق،

مدينة دمشق عند الجغرافيين والرحالين صالح الدين المنجد، ] 27[

.1967، بيروت، 1الجديد، ط، دار الكتاب المسلمين

، 1سعيد األفغاني، ط: ، تـتاريخ دارياعبد الجبار الخوالني ، ] 28[

.1950مطبعة الترقي، مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق،

، دار الشام القديمة تاريخ الشام القديمعبد الحكيم الذنون، ] 29[

.1999، دمشق، 1للترجمة والطباعة والنشر والتوزيع، ط

دمشق أقدم مدينة في العالم تحقيق أثري عفيف بهنسي، ] 30[

، مجلة التراث العربي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، العدد تاريخي

.1994، 56و 55

، مركز التميز لعلوم تخطيط المدن والقرى ،فاروق عباس حيدر] 31[

.1998اإلدارة والحاسب، القاهرة،

محمد يسار : ، إعدادارةالكتب العشرة في العمفيتروفيوس، ] 32[

.2009عابدين وآخرين، منشورات جامعة دمشق، سورية،

32

معجم دمشق التاريخي لألماكن واألحياء قيبة الشهابي، ] 33[

، والمشيدات ومواقعها وتاريخها كما وردت في نصوص المؤرخين

.1999، منشورات وزارة الثقافة دمشق، 1/3، 1ط

، دار الثقافة، ب المقدس، قاموس الكتامجموعة الهوتيين] 34[

.2002بيروت،

القالئد الجوهرية في تاريخ محمد بن طولون الصالحي، ] 35[

، مطبوعات مجمع اللغة 2ج/ 1محمد أحمد دهمان، ج: ، تـالصالحية

.1980العربية، دمشق،

، منشورات جامعة 1، طتخطيط المدن وتاريخهمحمد حماد، ] 36[

.1965القاهرة،

، المديرية المياه في دمشق عبر التاريخضى، محمد رضا مرت] 37[

.1980العامة لمؤسسة مياه عين الفيجة، دمشق،

مصر : تاريخ الشرق االدني القديممحمد علي سعد اهللا، في ] 38[

، اإلسكندرية، 1، مركز اإلسكندرية للكتاب، طوسوريه القديمة

2001.

لمعرفة ، دار ا1، طجغرافيا العمرانمحمد فتحي أبو عيانة، ] 39[

. 1993سكندرية، الجامعية، اإل

، دار الفكر للطباعة 3، طغوطة دمشقمحمد كرد علي، ] 40[

.1984والتوزيع والنشر، دمشق،

الفكر التنموي في مقدمة محمد يسار عابدين وعماد المصري، ] 41[

ابن خلدون دراسة تحليلية مقارنة لالتجاهات النظرية المفسرة

، ولدراسة مؤشر تطور التنمية مع الزمنلعملية التنمية الحضرية

.2009، 1 العدد ،25الهندسية، مج للعلوم دمشق جامعة مجلة

عبد الهادي عباس، : ، تـ، تاريخ المعتقدات الدينيةمرسيا إلياد] 42[

.1986، دار دمشق، دمشق، 2ج/1ج

، دار المكتبي، دمشق، 1، ط، في ربوع دمشقمطيع الحافظ] 43[

2009.

منس اليسوعي، جفرافية سوريا وفلسطين، مجلة هنري ال] 44[

المشرق، المطبعة الكاثوليكية لآلباء اليسوعيين، السنة الثالثة، العدد

.1900، بيروت، 16

[45] E. Cobham Brewer, Dictionary of Phrase and

Fable, Cassell and company, limited 1894.

[46] Contenson H. de 1968, Rapport Préliminaire

sur les Fouilles à Tell el Khazami en 1967, AAAS.

[47] J. Sauvaget, Esquisse d’une histoire de la

ville de Damas, Revue des etudes Islamiques،

1934.